عمدة الحفاظ في تفسير أشرف الألفاظ

السمين الحلبي

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ الحمدُّ للهِ المتفضِّلِ بإنزالِ القرآنِ هدىً للناسِ، وبيِّناتٍ من الهُدى والفُرقان. أنزلَه بأفصحِ لسانٍ، وأوضحِ بيانٍ، وأَسْطَعِ بُرهانٍ، وأقومِ تبيانٍ، وأبلغ حُجَّةٍ، وأبْينِ مَحجَّةٍ. ذا حِكَمٍ بالغةٍ وحُججٍ لامعة. أخبارُه لا تَتعارضُ، وأحكامُه لا تَتَناقضُ، وفوائدُه لا تُعدُّ، وفضائلُه لا تُحدُّ. وجواهرُ بحارهِ لا تُحصَى، ودُرَرُ معانيهِ لا تُستقصَى. عَجزتِ الفُصحاءُ عن معارضتهِ، ونَكصت الألبَّاءُ عن مُناقضتهِ. وكيف لا يكونُ كذلك وهو كلامُ ربِّ العالمين، المنزَّلُ به الروحُ الأمينُ، على قلبِ سيدِ المرسلين، وأفضلِ الأولين والآخرين؛ محمدٍ خاتمِ النبيّين. أرسلَه بآياتهِ، وأيَّدَه بمعجزاتهِ، والكُفرُ قد طَمتْ بحارُه، وزخرَ تيَّارُه. وعُبدتِ الأوثانُ، وأُطيعَ الشيطانُ. فلم يزلْ صلى الله عليه وسلم يجاهدُ في اللهِ حقَّ جهاده، ويَدعو إِليه الثَّقَلين من عباده. ويدأبُ في إِيضاحِ السُّبل، ويصبرُ صبرَ أولي العزم من الرسُل، إلى أن أنجزَ اللهُ وعدَه، فعُبد وحدَه، وهزم الشيطانَ وجندَه، وفلَّ شَباتَه وحدَّه، صلى الله عليه، وعلى آلهِ الأطهارِ، وصحابتهِ الأخيارِ، ما تعاقَبَ الليلُ والنهارُ، وسلَّم، وشرَّف، وكرَّم. أما بعدُ، فإِنَّ علومَ القرآنِ جمَّةٌ، ومعرفتَها مؤكَّدةٌ مهمَّةٌ. ومن جُملتِها المحتاجُ إِليها، والمعوَّلُ في فهمهِ عليها، مدلولاتُ ألفاظهِ الشريفةِ، ومعرفةُ معانيهِ اللطيفة؛ إِذ بذلك يُترقَّى إِلى معرفةِ أحكامهِ، وبَيانِ حلالِه وحرامِه، ومناصي أقوالِه، وإِشارة مواعظهِ وأمثالهِ. فإنَّه نزلَ بأشرفِ لغةٍ؛ لغة العرب المحتويةِ على كلِّ فنٍّ من العجب.

وقد وضعَ أهلُ العلمِ، رحمهم اللهُ تعالى، في ذلك تصانيفَ حسنةُ، وتآليفَ مُجرَّدةً مُتْقنةً، كـ «غريبِ» الإمام الحَبْر الرّبانيِّ أبي عبيدٍ أحمدَ بنِ الهَرويّ، وكـ «غريبِ» محمدِ بنِ بكر بنِ عُزَيزٍ السِّجستانيّ، وكـ «مفرداتِ الألفاظِ» لأبي القاسم، الراغب الأصبهانيّ. غير أنَّهم لم يُتمُّوا المقصود من ذلك لاختصارِ عباراتِهم، وإيجازِ إِشاراتهم. على أن الراغبَ، رحمه الله قد وسَّعَ مجالَه، وبَسطَ مقالَه بالنسبةِ إِلى مَن تقدَّمَه، وحَذا بهذا الحَذوِ رسمه. غيرَ أنَّه، رحمه اللهُ تعالى، قد أغفلَ في كتابِه ألفاظًا كثيرةً، لم يتكلّمْ عليها، ولا أشارَ في تصنيفِهِ إليها، مع شدَّةِ الحاجة إلى معرفتها، وشرح مَعناها ولُغتِها، مع ذكرِه لبعضِ مواد لم تَردْ في القرآنِ الكريم، أو وَردتْ في قراءةٍ شاذَّةٍ جدًا، كمادَّةِ (ب ظ ر) في قوله تعالى: (واللهُ أخرجَكُم مِن بُظورِ أمَّهاتِكم) [النحل: 78]، وهذه لا يَنْبغي أن يُقرأ بها البتَّةَ. فممَّا تركَه، معَ الاحتياجِ الكليِّ إِليه، مادةُ (ز ب ن) وهي في قولهِ تعالى: {سَندْعُ الزَّبانيةَ} [العلق: 18]. ومادةِ (غ وط) وهي في قوله تعالى: {مِنَ الغائطِ} [المادة: 6] ومادةِ (ق ر ش) وهي في قولهِ تعالى: {لإيلافِ قريشٍ} [قريش: 1]. ومادة (ك ل ح) وهي في قولهِ تعالى: {كالِحُون} [المؤمنون: 104]. ومادةِ (هـ ل ع) وهي في قولهِ تعالى: {هلوعًا} [المعارج: 19]. ومادة (ل ج أ) وهي في قوله تعالى: {لو يجدونَ مَلجَأً} [التوبة: 57]. ومادةِ (س ر د ق) وهي في قولهِ تعالى: {أحاطَ بِهم سُرادِقُها} [الكهف: 29]. ومادةِ (ح ص ب) وهي في قولهِ تعالى: {حَصَبُ جَهنَّمَ} [الأنبياء: 98]، {حاصبًا} [الإسراء: 68]. ومادةِ (م ر ت) وهي في قولهِ تعالى: {وماروت} [البقرة: 102]. ومادةِ (س ف ح) وهي في قوله

تعالى: {أو دمًا مسفوحًا} [الأنعام: 145]. ومادةِ (ن ض خ) وهي في قولهِ تعالى: {عينانِ نضَّاخَتَانِ} [الرحمن: 66]. ومادةِ (ق د و) وهي مذكورةٌ في قولهِ تعالى: {مُقتدون} [الزخرف: 23]، {فَبِهُداهُم اقْتدِه} [الأنعام: 90]. إِلى غير ذلك ممَّا لستُ بصددِهِ الآنَ. ولم أورِدْ ذلك -عَلِمَ اللهُ- غضًّا منهُ، ولا استقصارًا له؛ فإِنَّ القرآن العظيمَ مُعجِزُ كلِّ بَليغٍ. وإِنما قصدتُ التَّنبيه على ذلكَ، ومعرفةَ ما هنالك. فلما رأيتُ الأمرَ على ما وُصفَ، والحالَ كما عُرف، ورأيتُ بعضَ المفسِّرين قد يفسِّرُ اللفظةَ بما جُعلتْ كنايةً عنهُ، كقولِهم في قولهِ تعالى: {والشجرةَ الملعونةَ} [الإسراء: 17]. هي أبو جهلٍ. أو بغايتها وقُصارَى أمرِها، وكقولهم في قوله تعالى: {والباقياتُ الصالحاتُ} [الكهف: 46] هي كلماتُ: سبحانَ اللهِ، والحمد لله، ولا إِلهَ إَلا اللهُ، إلى غير ذلك مما ليستْ موضوعةً له لغةً. استخرتُ اللهَ القويَّ، الذي ما نَدمَ مُستخيرُهُ، واستجرْتٌ اللهَ بكرمهِ، الذي ما خابَ مستجيرُه، في أن أحذُوا حذْوَ القومِ ليتُمَّ عليَّ بركتَهم، وأُلحقَ بالحشرِ في زُمرتِهم. فأذكرُ المادةَ -كما ستَعرفُ ترتِيبَهُ- مفسِّرًا معناها. وإن عثرتُ على شاهدٍ من نظمٍ أو نثرٍ أتيتُ له تكميلاً للفائدة. وإِن كان في تصريفها بعضُ غموض أوضحته بعبارةٍ سهلة إِن شاءَ الله. وإِن ذكرَ أهلُ التفسيرِ اللفظة وفسَّروها بغيرِ موضوعِها اللغويِّ، كما قدَّمتُه، تعرَّضتُ إليهِ أيضًا، لأنه والحالةُ هذهِ محطُّ الفائدة. ورتَّبتُ هذا الموضوعَ على حروفِ المعجمِ بترتيبها الموجودة هي عليهِ الآنَ. فأذكرُ الحرفَ الذي هو أولُ الكلمةِ، معَ ما بعدَه من حروفِ المعجم، إِلى أن ينتهي ذلك الحرف مع ما بعده، وهلمّ جرّا إِلى أن تنتهي، إِن شاءَ الله تعالى، حروف المعجم جميعُها. ولا أعتمدُ إِلا على أصولِ الكلمةِ دونَ زوائدِها؛ فلو صُدِّرتْ بحرفٍ زائدٍ لم أعتبرْهُ، بل أعتبرُ ما بعدَه من الأصولِ مثلَ: «أنعمتَ» تطالُه من بابِ النونِ لا مِن باب الهمزةِ.

ومثل: «نعبدُ» و «نَستعينُ» يُطلبانِ من بابِ العَينِ لا من بابِ النون. ومثل: «مُكرمٍ» يُطلبُ من بابِ الكافِ لا مِن بابِ الميم. وكذلك لو عَرضَ في المادةِ حذفُ أوَّلها فإِنَّني أعتمدُهُ دونَ ما بعدَه مثل: «يعدُهم» يُطلب من بابِ الواوِ لأنه من الوعدِ، لا منَ العينِ. وكذلك لو عَرضَ فيهِ البدلُ، فإِنني أعتبرُ أصلَه مثل: «إِيمان» من بابِ الهمزةِ لا من بابِ الياءِ، لأنَّها فيه عارضةٌ، إِذ أصلُه «إِإِمان» كما ستعرفُه لمن شدّ. . . (¬1) من علمٍ أسموهُ إِعرابًا وتصريفًا، فهو الذي. . . (¬2) وأما مَن عداهُ فلا ينتفعُ منهُ إلا بمجردِ تفسيرِ لفظٍ نحو مَعرفتهِ أنَّ «الأبَّ» هو المرعَى و «الزَّبانية» هم الأَعوانُ، إِلى نظائرِ ذلك. وإذا كان الحرفُ مُفردًا، وقد جاءَ لمعنى، كهمزةِ الاستفهامِ، وباءِ الجر ولامهِ، أبدأُ بهِ ثم أذكرُهُ مع غيرِه، إلى آخر الحروفِ كما قدَّمتهُ نحوَ: «أب، أبدًا». وسميتهُ بـ عمدةِ الحفاظِ في تفسيرِ أشرفِ الألفاظ. وعلى اللهِ الكريمِ أعتمدُ، وإليهِ أفوِّضُ أمري وأستندُ. فإِنه نعمَ المولى، ربُّ الآخرة والأُولى. ¬

_ (¬1) كلمة غير واضحة في الأصل. (¬2) فراغ في الأصل.

باب الهمزة المفردة ويطلق عليها الألف

باب الهمزة المفردة ويطلق عليها الألف فالألف تارةً تكونُ عبارةً عن الحرفِ الذي هو همزةٌ، وتارةً عن حرفِ المدِّ واللِّينِ، وذلك كوسطِ «قال» ولا غرضَ لنا فيها لأنها لا يُبتدَأُ بها. وإِنما صُورتِ الهمزةُ ألفًا في الخطِّ لأنها لا تقومُ بنفسها لإبدالها واوًا في الضمِّ وألفًا في الفتح وياءً في الكسر، نحو: مُومن، وراس، وبِير. وبعضُهم يصورُه صورةَ عَينٍ صغيرةٍ، نحو «ء»، إِذا عُلم ذلك. فالهمزةُ تكون للاستفهامِ ولها أخواتٌ، وهي أمُّ الباب. ولذلك تنفردُ بأحكامٍ بيَّنتُها في مواضعِها. ومعناها فيه لطلبِ التصديق نحو: أزيدٌ قائمٌ؟ أو التصوُّرِ نحو: أدبسٌ في الإناءِ أم عسلٌ؟ وقد يقعُ الاستفهامُ بها إنكارًا وتَعريضًا وتَوبيخًا نحو: {أأنتُم أنشأتُم شَجرتَها}؟ [الواقعة: 72]. وقولِ عامرٍ: «أغُدَّةٌ كغدَّةِ البعيرِ وموتًا في بيتِ سَلوليَّةٍ». وقوله: [من الطويل]. 1 - أفي السِّلمِ أعيارًا جَفاءً وغِلظةً ... وفي الحربِ أمثالَ النساءِ العوارك وبعضُهم يقولُ: الهمزةُ للاستخبارِ، ليعمَّ الاستفهامُ والإنكارُ والتَّبكيتُ والنفيُ والتسويةُ، نحو: {أجَزعْنا أم صبَرْنا} [إبراهيم: 21]. وإذا دَخلتْ على نفيٍ قرَّرتْه كقوله

تعالى: {أليسَ اللهُ بكافٍ عبدَهُ} [الزمر: 36]. قال الراغبُ: «وهذه الألفُ متى دخلتْ على الإثباتِ تجعلُه نَفيًا. وإذا دخلتْ على النفس تجعلُه إثباتًا، لأنه يصيرُ معه نَفيًا يحصلُ منه إِثباتٌ». - وتكونُ الهمزةُ للنداءِ لكنْ للقريبِ خاصةً، ومنه عندَ بعضِهم: {أمَّنْ هوَ قانتٌ} [الزمر: 9]، ولها أخواتٌ. - وتكون للمضارَعةٍ، وتدلُّ على المتكلم وحدَه نحو: {أسمعُ وأَرَى} [طه: 46]. - وتكونُ للتَّعديةِ نحو: {كما أَخْرَجَك ربُّكَ} [الأنفال: 5]. فيصيرُ المفعولُ معها فاعلاً. - وتكونُ ألفَ قطعٍ وألفَ وصلٍ، والفرقُ بينهما أنَّ ألفَ القطعِ تَثبتُ ابتداءً ودَرْجًا نحو: {أَنزِلْ علينا مائدةً} [المائدة: 114]. والأخرى تَثبتُ ابتداءً لا دَرْجًا نحو: {ابْنِ لي عندَكَ بيتًا} [التحريم: 11]. - ثم إنَّ ألفَ الوصل تدخلُ على الحرفِ والاسمِ والفعلِ، فتدخلُ على حرفٍ واحدٍ، وهو اللامُ للتعريفِ على رأيِ سيبويه. وتتصلُ من الأسماء بعشرةٍ: اسمٍ، واسْتٍ، وابنٍ، وابنةٍ، وابنمٍ، وامرئٍ، وامرأةٍ، واثنين، واثنتينِ، وأيمنٍ، وبكلِّ مصدرٍ لفعلٍ زائدٍ على ثلاثةِ أحرفٍ صُدِّرَ بهمزةٍ نحو: الانطلاق، والاستخراج، وهي في جميعِ ذلك مكسورةٌ، إلا معَ اللامِ وأيمن. ومُتصلٍ من الأفعالِ بكلِّ أمرٍ من ثلاثيٍّ سُكنتْ فاؤهُ بعدَ حرفِ

فصل الألف مع الباء

المضارعةِ، نحو: اقبَلْ، واضرِبْ، واشْرَبْ. فإن ضُمَّ ثالثُه ضمةً لازمةً ضُمتْ. وإن فُتح أو كُسرَ كسرةً لازمةً كُسرتْ، نحو: اغزي يا هندُ، وارمُوا يا زيدون، وبكلِّ ماضٍ زائدٍ على أربعةِ أحرفٍ صُدرَ بهمزةٍ، نحو: انطلقَ واقتدرَ. ولا تكونُ فيه إلا مكسورةً. وما عدا هذه الأنواعِ فلا تكونُ الهمزةُ فيه إلا همزة قطعٍ. وقد تُقطعُ ألفُ الوصلِ كقوله: [من الطويل] 2 - إذا جاوزَ الإثنينِ سِرٌّ فإنَّهُ ... بِنَثٍّ وتكثيرِ الوُشاةِ قَمِينُ وتوصلُ ألفُ القطع كقولهِ: [من الكامل] 3 - إِنْ لم أقاتلْ فالسويُّ تَرفَّعا فصل الألف مع الباء أب ب: الأبُّ من قوله تعالى: {وفاكهةً وأَبًّا} [عبس: 31] هو المرعَى مُطلقًا. وقالَ شَمِرٌ: مَرعى السَّوائمِ. وأنشدَ: [من المتقارب] 4 - فأَنْزلْتَ ماءً منَ المُعْصراتِ ... فَأَنْبَتَّ أَبًّا وغُلْبَ الشجَرْ وقيلَ: هو للبهائم بمنزلة الفاكهةِ للناسِ. هو المرعَى المتهيِّئِ للرعيِ والجزِّ، من: أبَّ لكذا أي تَهيَّأ، أبًّا وأبابةً وأبابًا، وأبَّ إِلى وطنِه أي نَزعَ إِليه وتَهيَّأ لقصدِه. قال الأعشَى: [من الطويل]

5 - أخٌ قد طوَى كَشْحًا وأبَّ ليذْهَبا وأبَّ لسيفهِ: تَهيَّأ ليبتَدِرَهُ. وإِبّانُ الشيءِ: زَمنُه المُنْتهي لفِعلهِ، فهو فِعْلانُ منه. وقيلَ: هو التِّبنُ خاصةً، قاله الضحاكُ وأنشدَ [من المتقارب] 6 - فما لهمُ مرتعٌ للسَّوا ... مِ والأبُّ عندهمُ يُعذَرُ ويُروى عن ابنِ عباسٍ: وقيلَ: كلُّ نباتٍ على وجهِ الأرض. ومنه قولُ ابنِ عبّاسٍ: «الأبُّ: ما تُنبتُ الأرضُ ممّا تأكلُ الناسُ والأنعامُ». وعلى هذا فيكونُ مِن ذكرِ العام بعدَ الخاص. وقالَ الكلبيُّ: هو كلُّ نباتٍ سوى الفاكهةِ. وقيلَ: الفاكهةُ رَطبُ الثمارِ، والأبُّ يابسها، وقيلَ: ما نأكلُه حَصيدًا، وما تأكلُه البهائمُ أبٌّ. وأنشَد قولَ الشاعرِ يمدحُ سيدَنا رسولَ الله صلى الله تعالى عليه وسلم: [من الطويل] 7 - لهُ دعوةٌ ميمونةٌ رنَّحها الصَّبا ... بها يُنبتُ اللهُ الحصيدةَ والأبّا وقيلَ: إِنَّما سُمي أبًّا لأنه يَؤُبُّ. وعن أبي بكرٍ الصديقِ، رضي الله عنه، وقد سُئلَ عن تفسيرِ الأبِّ فقال: «أيُّ سماءٍ تُظلُّني، وأيُّ أرضٍ تُقلُّني، إِذا قلتُ في كتاب اللهِ ما لا أعلمُ؟». وعن عمرَ رضيَ اللهُ عنه حين تلاها قال: «كلُّ هذا عرفناهُ، فما الأبُّ؟». ثم رَفع عصًا كانت بيده فقال: «هذا لعَمْرُ اللهِ التكلُّفُ، وما عليكَ يا بنَ أمِّ عمرَ أما تعرفُ ما الأبُّ». ثم قالَ: «ما تَبيَّنَ لكم من هذا الكتاب فاتَّبعوهُ، وما لا فدَعوهُ». يعني رضي الله عنه في ما لا يتعلقُ به حكمٌ أو فائدةٌ جليلةٌ. فإنا قد عرَّفْنا الأبَّ: نبتٌ في الجملة. فقالَ عمرُ رضي الله عنه: «لا يضرُّ الجهل بمعرفتهِ على التعيين، وهو كما قال رضيَ الله عنهُ. وهذا بخلاف الكَلالةِ

ونحوِها لتعلُّقِ الأحكامِ بها. «والأبُّ: لغةٌ في الأبِ الوالدِ. قيل: أبدلوا من الواوِ المحذوفة حَرفًا يجانسُ العينَ. ومن ذلك قولُهم: استأبَبْتُ فلانًا أي اتَّخذتُه أبًا» ومثلُه: أخٌ بتشديدِ الخاءِ. أب ت: لم يَرِدْ منه إلا نحو: {يا أَبَتِ} [مريم: 42]. والتاءُ ليستْ بأصلٍ، وإِنما هي عِوضٌ عن ياءِ المتكلِم، والأصلُ: يا أبي. وكذلك: يا أمَّتِ، والأصلُ: يا أمي. ولم تُعوَّضِ التاءُ عن ياءِ المتكلم، إلا في هاتينِ اللفظتين في النداءِ خاصةً. فلو قلتُ: جاءني أَبَتِ وأُمَّتِ لم يجُزْ. فذكري لهذه اللفظةِ من بابِ التجوُّز؛ وإلا فالتاءُ ليست من أصولها في شيءٍ، ولكن لم أجدْ موضعًا أنسبَ لذكرها من هذا. ويجوزُ فيها الحركات الثلاثُ. وقد قُرئَ بالكسرِ والفتحِ في السبع. وإثباتُ الألفِ معها شاذٌّ أو ضرورةٌ، نحو قولِه: [من الرجز] 8 - يا أبتا علَّك أو عساكا ومعَ الياءِ ممتنعٌ في المشهورِ، خلافًا للهَرويِّ، وهي تاءُ تأنيثٍ، ولذلك تُبدلُ في الوقفِ هاءً على اختلافٍ بينَ القراءِ في ذلك، كما أوضحناهُ في «العقد النَّضيد».

والفرّاءُ: «الهاءُ فيها رُخصةٌ، فكثرتْ في الكلام حتى صارتْ كهاءِ التأنيثِ، وأدخَلوا عليها الإضافةَ». أب د: الأبدُ: الزمنُ الطويلُ الممتدُّ غيرُ المنجزئِ، فهو أخصُّ منَ الزمانِ. قالوا: ولذلك يقال: زمانُ كذا، ولا يقالُ: أبدُ كذا. ويقالُ: أبَدٌ آبِدٌ وأبيدٌ على المبالغةِ أي دائمٌ؛ قال تعالى: {خالدين فيها أَبدًا} [النساء: 57]. أي زمانًا لا انقضاءَ لآخرهِ. قال النابغةُ الذبيانيُّ: [من البسيط] 9 - أقْوَتْ وطالَ عليها سالفُ الأبدِ «وحقُّه ألاّ يُثنَّى ولا يُجمَع لاستغراقهِ الأزمنةَ كلَّها. على أنه قيلَ: آبادٌ، كأنهم قصدوا به أنواعًا كما يقصدُ باسمِ الجنسِ ذلك. وقيلَ: إنَّ آبادَ مُولَّدٌ ليس من لغةِ العرب» ومن معنى الأبدِ قالوا للوحشِ أوابدِ جمع أُبَّدٍ لبقائها دهرًا طويلاً. وتأبّدَ الشيءُ: بقيَ دهرًا طويلاً. وتأبَّدتِ الدارُ: خَلتْ. وذلك أنها لخلوِّها وطولِ بقائها تحلّها الأوابدُ الوحشياتُ. فجعلَ ذلك كناية من خلوِّها. «وتأبَّد البعيرُ: توحَّشَ فصارَ كالأوابدِ»، ومنه الحديثُ: «إنَّ لهذه البهائمِ أوابدَ كأوابدِ الوحشِ». يقال: أبَدَتِ الوحوشُ تأبُدُ، وتأبِدُ، واستُعيرَ من ذلك: الآبدُة، وهي الكلمةُ أو الخَصلةُ التي يُنفَر منها ويُستوحشُ، فيقولون: جاءَ فلانٌ بآبدةٍ، ومن ذلك قولُهم أيضًا: تأبَّد وجهُ فلانٍ، أي توحَّش فصار يُنفَرُ منه، ومعناهُ: أَبَدَ. وقيلَ: أَبِدَ بمعنى غضِبَ، لأن الغضبَ يلازمُه ذلك غالبًا.

أب ر: إِبراهيمُ: اسمٌ أعجمي، وفيه لغاتٌ: إِبراهيمُ، وهو المشهورُ، وإِبراهامُ، وقُرئَ بهما في السبعِ، وإبرَهَم بحذفِ الألفِ والياءِ. أب ق: الإِباقُ: هربُ العبدِ من سيدهِ. ولما كان الخلقُ كلُّهم عبيده قالَ تعالى في حقِّ عبدهِ يونسَ صلى الله عليه وسلم: {إِذْ أَبَقَ إِلى الفُلكِ} [الصافات: 140] إِذْ للهِ أن يقولَ ما يشاءُ. ولا يجوزُ لنا أن نقولَ: أبَقَ نبيٌّ، إنما ذلك للهِ تعالى. يقال: أبِقَ العبدُ يأبَق، بكسرها. وأبَق يأبِق بالعكس فيهما، فهو آبِقٌ، والجمعُ أُبَّاق، والمصدرُ الإِباقُ، وتأبَّق الرجلُ: تشبَّه به في الاسْتِتار. وقالوا في قولِ الشاعرِ: [من البسيط] 10 - قد أُحكمتْ حَكماتِ القِدّ والأَبَقا إِذِ الأبَقُ: القِنَّبُ وقالَ المبرِّدُ: آبَقَ: تباعدَ، ومنه غلامٌ آبِقٌ. وقيلَ: خرجَ سرًّا منَ الناس. وقد قالَ الحكيمُ التِّرمذيُّ ما لا يجوزُ أن يُقالَ في حقِّ نبيٌّ؛ ذكرتهُ للتَّنبيهِ على فسادِه؛ قال: «سمَّاه آبِقًا لأنَّه أبقَ عنِ العبودية، وإِنما العبوديةُ تركُ الهوى وبذلُ النفسِ عن أمورِ الله. فلمّا لم تبذلِ النفسُ عندما اشتدَّتْ عليه العزمةُ من الملكِ وآثرَ هواهُ لزمَه اسمُ الآبقِ، وكانت عزْمةُ المُلكِ في أمرِ اللهِ لا في أمرِ نفسهِ، وبحظِّ حقِّ اللهِ لا بحظِّ حقِّ نفسهِ. فتحرَّى يونسُ بنُ متَّى عليه السلام فلم يُصبِ الصوابَ الذي عندَ الله فسمّاهُ آبقًا ومُليمًا انتهى. ولقد أساءَ في هذه العبارةِ جدًا، يغفر الله لنا وله، وهذه زلَّةٌ فاحشةٌ. وأما القصةُ التي يذكرُها المفسرون فقد نبّهتُ عليها في التفسير وذكرتُ هناك ما يَنبغي ذكره.

أب ل: قال تعالى: {طيرًا أبابيلَ} [الفيل: 3] هذا من صيغِ التكسيرِ التي لم يُسمعْ مفردُها، ومثلُه عباديدُ، وشماطيطُ، وأساطيرُ. وقيلَ: بل لها واحدٌ من لفظتها، وكأنه قياسٌ لا سَماعٌ. فقيلَ: إِبِّيلٌ، وقيلَ: إِبَّولٌ مثلُ: عجوْل وعَجاجيل. وقيلَ: إِبَّالة. وظاهرُ كلامِ العُزَيزيِّ أنَّ هذهِ المسألةَ مسموعةٌ؛ فإِنه بعدَ ذكرِه إياها، قالَ: «ويقالُ هذه أجْمعٌ لا واحدَ لها»، والمختارُ قولُ غيرِه، ولذلك يُنسبُ إِليها فيقالُ عبَاديديٌّ وأبابيليٌّ. وحكى الرُّؤاسيُّ، وكانَ ثقةً، أنه سمعَ إِبّالةَ مُثقَّلاً. وحكى الفرَّاءُ: إِبَالة مخفَّفًا قال: وسمعتُ بعضَ العربِ يقولُ: «ضِغْثٌ على إِبَّالةٍ» أي حَطبٌ على حطبٍ، وهو مشكلٌ من حيثُ ظهورُ الياءَين في الجمع، ولو كان مخفَّفًا لم تردْ في الجمع ياءَين. قال: ولو قالَ إِيبالة كان صوابًا مثلُ دينار ودنانيرٍ. قلتُ: دينارٌ أصلُه دِنّارٌ، ولذلك قيلَ: دَنانيرُ. وإنما أُبدلَ أحدُ المثلين حرفَ علةٍ تخفيفًا. يقولُ: فكذلك هذا، ومثلُه: قيراط وقراريط وديوان ودواوين. ومعنى {طيرًا أبابيل} أي «جماعاتٍ في تَفرِقةٍ حَلْقة، حلْقةً». قال الراغبُ: «مُتفرقةً كقطعانِ إِبلٍ، واحدُها إِبيلٌ». فرجعَ بها إِلى لفظِ الإِبل.

وقريبٌ من هذا ما حُكي عن إسحاقَ بنِ عبدِالله بنِ نوفل: الأبابيلُ مأخوذٌ من الإبلِ المؤبَّلة، وهي الأقاطيعُ. وعن ابنِ عباسٍ ومجاهد: متتابعةٌ بعضُها في إِثرِ بعضٍ. وقيلَ: أبابيل: متفرقةً تجيءُ من كلِّ ناحيةٍ؛ من هُنا ومن هُنا. قاله ابنُ مسعودٍ وابنُ زيدٍ والأخفشُ. ومن مجيءِ {طيرًا أبابيلَ} قولُه: [من الرجز] 11 - ولعبت طيرٌ بهمْ أبابيلْ ... فصُيِّروا مثلَ كعصفٍ مأكولْ وقد وصفَ الأبابيلَ بكونهِ منَ الطيرِ تارةً في قولِ الأعشى: [من الطويل] 12 - طريقٌ وجبّارٌ رِواءٌ أصولُهُ ... عليه أبابيلٌ من الطيرِ تَنْعَبُ وأضيفَ إليه أخرى في قولِ الآخرِ: [من الطويل] 13 - تَراهمْ إلى الدَّاعي سِراعًا كأنهمُ ... أبابيلُ طيرٍ تحتَ دَجنٍ تَخرَّقُ وفي هذين دليلٌ على أن هذه اللفظةَ خاصةٌ بالطير. وقد جاءَ ما يشهد بخلافِ ذلك. قال الشاعرُ: [من البسيط] 14 - كادتْ تهزُّ من الأصواتِ راحلتي ... إِذ سالتِ الأرضُ بالجردِ الأبابيلِ أي بالخيلِ الجردِ المتتابعةِ. والإبلُ: اسمُ جمعٍ لا واحدَ لهُ من لفظهِ. مفردُه: جملٌ أو ناقةٌ. وقال الراغب: «الإِبلُ يقعُ على البُعرانِ الكثيرةِ». وتقييدُه بالكثرةِ غيرُ مرادٍ، إِذ اسمُ الجمعِ كالجمعِ في

صدقه على ثلاثةٍ فأكثرَ. وقولُه تعالى: {أفلا ينظرُونَ إِلى الإِبِلِ كيفَ خُلِقَتْ} [الغاشية: 17]. قيلَ: هي النَّعمُ المعروفةُ. وعن المبرِّد: هي السحائبُ؛ حكاها الماورديُّ وغيرهُ. وإلى ذلك ذهبَ المبردُ. قال الثعلبيُّ: لم أجدْه في كتبِ الأئمةِ. قلتُ: قد حكى ذلك قبلَه الأصمعيُّ. وقال أبو عَمرِو بنُ العلاءِ: مَن قرأ الإِبلَ بالتخفيف عنَى به البعيرَ، ومَن قرأَ بالتَّثقيل عَنى بها السَّحابَ التي تحملُ ماءَ المطرِ. قال الراغبُ: «فإنْ لم يكن ذلك صحيحًا فعلى تشبيهِ السحابِ بالإبلِ وأحوالهِ». وإنما ذكرهم بالإِبل وإِن كان غيرُها من الحيواناتِ أعجبَ منها كالفيل والزرافة، لأن العربَ لم تألفْه، ولأنَّ فيها منافعَ لم تجتمعْ في غيرها، فإنها حلوبةٌ ركوبةٌ حَمولةٌ مأكولةٌ. وقد سُئل الحسنُ عن ذلك فأجابَ بأن العرب بعيدةُ العهدِ بالفيل، قال: ولأنَّ الفيلَ خنزيرةٌ لا يُؤكل لحمُها، ولا يُركب ظهرُها، ولا يُحلبُ درُّها. وأيضًا إِنَّ أصغر الآدميين يَجُرُّ الأباعرَ الكثيرةَ فتطيعهُ. ويقالُ: «أبَلَ الوحشيُّ يأبِلُ أبُولاً، وأَبِلَ يأبَلُ أَبلاً: أجزأَ عن الماءِ تشبيهًا بالإِبل في صبرِها عنه». قاله الراغبُ، وقالَ الهرويُّ: أبلَتِ الإِبلُ وتأبَّلتْ اجتزأتْ بالرُّطبِ عن الماء. وتأبَّل الرجلُ عن امرأتهِ: بعُدَ عنها من ذلك لأنه يجزِئُ بصبرِه عنها، وفي الحديثِ: «تأبَّلَ آدمُ عليه السلام على حواءَ بعدَ مقتل ابنهِ» أي توحَّش عنها، وتركَ غِشيانَها. «وأبَّل الرجلُ: كثُرت إِبلُه. ورجلٌ أَبِلٌ وآبِلٌ: حسنُ القيامِ على الإِبل. وإِبلٌ مُؤبَّلةٌ: أي مجتمعةٌ. والإِبالةُ: الحزمةُ من الحطبِ تشبيهًا بذلكَ». ويقالُ في النسب: إِبَليّ بفتح الباء، ويقالُ: إِبْلي بسكون الباء. ولم يجئْ من الأسماءِ على «فِعِل» إلا: إِبلِ، وإِبد،

وإِطِل. وقد زادَ بعضُهم ألفاظًا تحريرُها في غيرِ هذا الموضع. أب و: أبٌ: أصلُه أبَوٌ، حُذفت لامُه اعتباطًا. وله أخواتٌ، ويسمى منقوصًا غيرَ قياسيٍّ، والأشهرُ إِعرابُه بالحروفِ، وقد يُقصرُ. ومنه: [من السريع] 15 - إِنَّ أباها وأبا أباها أو يُنقَصُ، ومنه في المَثَل: [من الرجز] 16 - بأَبِهِ اقتدَى عديٌّ في الكرمْ ... ومَنْ يشابِهْ أبَهُ فما ظَلَمْ وقد تُشدَّدُ بَاؤه كما تقدم، ويُكسرُ على آباء، ويصحَّح على أبُونَ وأبِينَ. قال: وأشبهَ فعلُه فعلَ الأنبياءِ. وقُرئ: (وإِلهَ أبيك إِبراهيم. . .) [البقرة: 133]. والمصدرُ الأبوَّة، وهو أحدُ المصادرِ التي أُخذتْ من الأسماء، ومثلُها النُّبوَّةُ، والفُتوَّةُ، والأخوَّة. والأبوَّة أيضًا جمٌ كالأُبولة. والأبُ: الوالدُ، وكلُّ مَن نُسبَ اتِّخاذِ شيءٍ، أو إِصلاحهِ، أو ظهورهِ فهو أبٌ له.

ومنه قيلَ في حقّ النبيِّ صلى الله عليه وسلم إِنه أبو المؤمنين وفي بعض القراءاتِ: (وأزواجُه أمهاتُهم) [الأحزاب: 6] «وهو أبٌ لهم». فأما قولُه تعالى: {ما كانَ محمدٌ أَبَا أحدٍ من رجالِكُمْ} فنفيُ الولادةِ وتَنبيهٌ على التَّبنِّي لا يَجري مَجرى البنوَّةِ الحقيقيةِ، وذلك حينَ قالوا: كيفَ تزوَّجَ امرأة زيدٍ وكان يَتبنّاه؟ وقولُه في قولهِ: {اشكُرْ لي ولوالديك} [لقمان: 14] قيلَ هما أبو الولادة وأبو التعليم. وفي قوله: {إِنَّا وجَدْنا آباءَنا على أُمةٍ} [الزخرف: 22] قيلَ: مُعلمينا، بدليل {أطَعْنا سادَتَنا وكُبَراءَنا} [الأحزاب: 67]. وفي الحديثِ أنَّه عليه الصلاة والسلام قال لعليٍّ: «أنا وأنتَ أبَوَا هذه الأمة» وصدقَ صلى الله عليه وسلم. وعليه حُملَ قولُه عليه الصلاةُ والسلام: «كلُّ سَببٍ ونَسبٍ مُنقطعٌ يومَ القيامةِ إِلا سَببي ونَسبي». وأبو الحرب: لمهيِّجها. وأبو عُذْرتِها: لمن افتضَّ بِكارتَها. وأبو الأضياف: لتفقُّدهم والقيام بأمرهم. ويقالُ: أبَوتُ زيدًا أَابوهُ، إِذا كنتَ له بمنزلةِ الأبِ. ومنه: فلانٌ أبو همَّتهِ، أي يتفقَّدُها الأبِ. ويطلقُ على الجدِّ؛ فقيلَ حقيقةً وقيلَ مجازًا وهو الظاهرُ. وعلى العمِّ والأمِّ والخالةِ، ولكنْ بالتغليب، فيقالُ أبوهُ. وقيلَ في قولهِ تعالى: {ورَفَعَ أبويه على العرشِ} [يوسف: 100] إِنهما أبوه وخالته، وقيلَ: أخي أمَّه. قال تعالى: {آبائك إِبراهيم وإِسماعيلَ وإِسحاقَ} [البقرة: 133] وإِبراهيمُ جدٌّ ليعقوبَ وإِسماعيلُ عَمُّهُم.

أب ي: قال تعالى: {إِلا إِبليسَ أبَى} [البقرة: 34] و {وتابَى قلوبُهم} [التوبة: 8]. والإِباءُ: شدةُ الامتناع، فهو أخصُّ من مُطلقِ الإِباء؛ إِذ كلُّ إِباءٍ امتناعٌ من غيرِ عكسٍ. وبعضُهم يقولُ: الامتناعُ، ومرادُه ذلك لكونهِ في قوةِ النفيِ ساغَ وقوعُ الاستثناءِ، المفرَّغ بعدَه. قال تعالى: {ويأبى اللهُ إِلا أن يُتمَّ نورَهُ} [التوبة: 32]، لأنه في قوةِ تمنُّعٍ. وشذَّ مجيءُ مضارعِه على يأبَى بالفتح؛ إِذ قياسُه يأبي بالكسر، كأتَى يأتي، ورمَى يرمي. والذي حسَّن ذلك كونُ الألفِ حرفَ حلقٍ. ومثلُه قَلى يَقلَى، على لُغيَّةٍ. والأفصحُ يقلي بالكسر. . قال: [من الطويل] 17 - وتَرمينَني بالطَّرفِ أيْ أنتَ مذنبٌ ... وتَقلينَني، لكنَّ إِياكِ لا أَقلي ورجلٌ أبيٌّ، من ذلك فعيلٌ من أَبَى يأبَى، أي ممتنعٌ من تحمُّل الضَّيم. قال: [من الطويل] 18 - ولسنا إِذا تأبون سِلمًا بمُذْعِني ... لكم، غيرَ أنّا إِنْ نُسالمْ نَسلمِ أي ممتنعون. وفي الحديث: «كلُّكم يدخلُ الجنةَ إلا من أبَى بعيرُه»، أي امتنعَ من تَعاطي أسباب الدخولِ. قال الراغبُ: أبتِ العنزُ تأبى إِباءً، وتيسٌ آبى. وعنزٌ أبواءٌ إِذا أخذَه داءٌ من شربِ ماءٍ فيه بَولُ الأَرْوَى، فيمنعُه من شربِ الماءِ، ويَنبغي أن تكونَ الواوُ في «أبو» بدلاً من الياء، لأنَّ المادةَ في ذواتِ الواوِ لا الياءِ.

فصل الألف والتاء

فصل الألف والتاء أت ي: الإِتْيانُ: قيل: هو المجيءُ مطلقًا، وقيل: بسهولةٍ. ومنه قيلَ للسَّيلِ المارِّ على وجهه: أَتيٌّ وأَتاوِيٌّ. وأنشدَ للنابغة: [من البسيط] 19 - خَلَّتْ سَبيلَ أَتيٍّ كان يَبسُهُ وقيلَ: سَيلٌ أتيٌّ جاءَ ولم يَجئْك مطرهُ. ويقالُ: أتَّيتُ الماءَ بالتشديد أي أصلحتُ مَجراهُ حتى يجريَ إِلى مقاصدهِ. وفي حديثِ ظَبْيانَ الوافدِ وقد ذكر ثمودَ وبلادَهم فقالَ: «وأتَّوا جَداولَها» أي سهَّلوا طريقَ الماءِ إليها. وقيلَ للغريبِ: أتاويٌّ، تشبيهًا بذلك، وفي الحديث: «إنَّما هو أَتيٌّ فينا» وفي حديثِ عثمانَ رضي الله تعالى عنه: «إِنّا رجلانِ أتاويّان» ويعبَّرُ به عن الإِعطاءِ، قال تعالى: {آتيناهُم مُلكًا} [النساء: 54] {وآتَينا داودَ زَبورًا} [النساء: 163]. وقُرئَ: {آتوني زُبَرَ الحَديدِ} [الكهف: 96]. بالمدّ والقصرِ، أي أعطوني أو جيئوني. الإِيتاء: خُصَّ بدفْعِ الصَّدقةِ في القرآن دونَ الإِعطاءِ. قال تعالى: {ويُؤتُون الزَّكاةَ} [الأعراف: 156]. ويقالُ: أرضٌ كثيرةُ الإِتاءِ، أي الرَّيعِ. والإتاوةُ: الخراجُ. ويُسندُ الإِتيانُ للباري تعالى، كما أُسندَ إِليه المجيءُ على معنىً يليقُ بجلالهِ، أو على حذفِ مضافٍ، كقولهِ: {أو يأتيَ أمرُ ربِّكَ} [النحل: 33] كما صرَّح به في قولهِ: أتى أمرُ اللهِ} [النحل: 1]. وكذا {فأتَى اللهُ بُنيانَهُم}

[النحل: 26]. أي بأمرِه. وقولُه: «أتى»، بصيغة الماضي ليخصَّ الوقوعَ، فكأنَّه قد أتى ووقعَ. وقال نِفْطويه: تقولُ: أتاكَ الأمرُ، وهو متوقَعٌ بعدُ، أي أتى أمرُ الله وعدًا فلا تستعجلوه وقوعًا. وقال ابنُ الأنباريِّ في قوله: {فأتى اللهُ بنيانَهم}: فأتى اللهُ مكرَهُم من أجلهِ، أي عادَ ضررُ المكرِ عليهم. وهل هذا مجازٌ أو حقيقةٌ؟ والمرادُ به نمرودُ وصَرْحُه خلافٌ. ويعبَّر بالإتيانِ عنِ الهلاكِ؛ قال تعالى: {فأتاهُمُ اللهُ من حيثُ لم يُحتَسبِوا} [الحشر: 2]. ويقال: أُتِيَ فلانٌ من مَأمنهِ، أي جاءَه الهلاكُ من جهةِ أمْنه. وقولهُ: {فآتَتْ أُكُلَها} [البقرة: 265]. أي أعطتْ، والمعنى: أثمرتْ ضِعْفَيْ ما يُثمرُ غيرُها من الجنان. وقوله: {وآتاهُم تَقْواهَم} [محمد: 17]. أي أعطاهم جزءَ اتِّقائهم. وقولُه: {إلى الهُدى ائْتِنَا} [الأنعام: 71] أي بايعْنا على ملَّتنا. وقوله: {بأتِ بصيرًا} [يوسف: 93]. أي بَعد، كقولهِ: {فارتَدَّ بَصيرًا} [يوسف: 96]. والمِيتاءُ من قولهم: طريقٌ ميتاءٌ من ذلك، فهو مِفعال من الإِتْيان. وفي الحديث: «لولا أنه طريقٌ ميتاءٌ لحزنَّا عليكَ يا إِبراهيمُ»، أي أن الموتَ طريقٌ مسلوكٌ. وما أحسنَ هذهِ الاستعارةَ وأرشقَ هذه الإشارةَ وقال شمرٌ: ميتاءُ الطريقِ ومبدؤهُ: مَحجَّتُه. وفي الحديثِ أيضًا: «ما وجدتَ في طريقٍ ميتاءٍ فعرِّفْهُ سَنَةً». والإِتيانُ: يقالُ للمجيءِ بالذاتِ وبالأمرِ والتدبيرِ، وفي الخيرِ والشرِّ. ومن الأولِ قولُه: [من المتقارب]

20 - أَتَيتَ المروءةَ من بابِها وقولُه: {يأتينَ الفاحِشةَ} [النساء: 15]. أي يتلبَّسون بها. فاستعمالُ الإتيانِ هنا كاستعمالِ المجيءِ في قولهِ: {لقد جئتِ شَيئًا فَرِيًّا} [مريم: 27]. ويُكنى بالإِتيانِ عن الوطْءِ. ومنه: أتَى امرأته. وقولُه: {أتأتُون الذُّكْرَانَ} [الشعراء: 165] {أئِنَّكُم لتأتونَ الرِّجالَ} [النمل: 55]. من ذلك، وهو من أحسنِ الكنايات. ويقالُ: «أتَيتُه وأَتَوْتُه. ومنه يقالُ للسِّقاء إذا مُخِضَ وجاءَ زُبْدُه: قد جاءَ أَتْوُهُ. وحقيقتُه: جاءَ ما مِن شأنِه أن يأتيَ منهُ، فهو مصدرُ معنى». قالوا: «وكلُّ موضعٍ ذُكرَ في وصفِ الكتاب «آتَينا» فهو أبلغُ من كلِّ موضعٍ ذُكير في وصفهِ «أوتوا»، لأنَّ «أُوتوا» قد يقالُ في مَن أُوتيَ، وإِن لم يكن معَه قَبولٌ. و «آتَينا» يقالُ في مَن كانَ معَه قبول». وقولُه: {فلنأتيَّنهُم بجنُود} [النمل: 37]: فلنجيئنَّهم. وقولُه: {كانَ وَعْدُهُ مأتيًّا} [مريم: 61] بمعنى آتٍ كَسيلٍ مُفعَمٍ بمعنى مُفعِم، وحجابًا ساترًا. والثاني أنه على بابهِ، لأنه يقالُ: أتاني الأمرُ وأتَيتُه. فهذا من قولهم: أتيتُ الأمرَ، قالَه الراغبُ. وقال الهرويُّ: يقال: أتاني خبرُه وأتيتُ خَبرَه. وقولُه: {يؤتونَ ما آتَوْا} [المؤمنون: 60] أي يتصدَّقون بأيِّ صدقةٍ قليلةً

فصل الألف والثاء

كانت أو كثيرةً، لذلك أَبهمها اللهُ تعالى، وما أوقعَ هذا في نفسِ مَن له أدنى ذوقٍ حتى لو صرَّح بجميعِ أنواعِ الصدقةِ على اختلافها لم يقعْ موقعَ هذا الإِبهام. فصل الألف والثاء أث ث: قال تعالى: {أحسنُ أثاثًا} [مريم: 74]. الأثاثُ: الكثيرُ من متاعِ الدنيا، كذا أطلَقه الراغبُ. وقالَ غيرهُ: هو ما جدَّ من فُرشِ البيتِ. والخرِّيتُ ما قدُم منها وأنشدَ: [من البسيط] 21 - تقادَمَ العهدُ من أمِّ الوليدِ لنا ... دهرًا، وصارَ أثاثُ البيتِ خِرِّيتا وقد نقل الهرويُّ القَولينِ، فقالَ: قال الأزهريُّ: هو متاعُ البيتِ. وقال غيرُه: ما يُلبسُ منها. وقيلَ: هو المالُ مطلقًا. وعن ابنِ عباسٍ في قَولِه تعالى: {أَثاثًا ومتاعًا إِلى حينٍ} [النحل: 80] أي مالاً. قال الراغبُ: وقيلَ للمال كلِّه إذا كثُرَ: أثاثٌ ولا واحدَ له من لفظهِ، وفيه نظرٌ؛ إذ واحدُهُ أثاثةٌ كتمرٍ وتمرةٍ. وجمعُ الأثاثِ آثَّةٌ وأُثُثٌ. والأولُ هوَ القياسُ، لأنه مضاعَفٌ. واُثثٌ شاذٌ كبُيُنٍ وحُجُجٍ. قال الراغبُ: وجمعُه إِثاثٌ، وفيه نظرٌ. ونساءٌ أثائِثُ: كثيراتُ اللحم، كأنَّ عليهنَّ أثاثًا. وتأثَّثَ فلانٌ: أصابَ أثاثًا. وتأثَّيتُ: اتَّخذتُ أثاثًا. واشتقاُ هذا مِن: أثَّ الشَّعرُ والنَّباتُ أي كثُر وتكاثَفَ. ومنه قولُ

امرئِ القيسِ: [من الطويل] 22 - وأسودَ يغشَى المتنَ أسودَ فاحمٍ ... أثيثٍ كقِنْوِ النَّخلةِ المُتَعثْكِلِ وعن ابنِ عباسٍ أيضًا: «أثاثًا» ثيابًا. وعن الخليلِ: هو المتاعُ المنْضمُّ بعضُه إِلى بعضٍ. وأنشدَ بيتَ امرئِ القيسِ المذكورِ. وقال ابنُ عباسٍ في آيةِ النَّحل. أث ر: قال تعالى: {فانظرْ إِلى أثارِ رحمةِ اللهِ} [الروم: 50]، وقُرئَ: (آثارِ) جَمعًا. والأثرُ: حصولُ ما يدلُّ على وجودِ شيءٍ. ومنه: أثرُ البعيرِ والرجلِ. يقالُ: إِثْرٌ وأَثَرٌ. ومنه: أثرتُ البعيرَ: جعلتُ على خُفَّه أُثْرةً أي علامةٌ تؤثِّرُ في الأرضِ، ليُستَدلَّ بها على أَثَرهِ، والحديدةُ التي يُعملُ بها ذلك مِئثَرةٌ كمكنسَةٍ. وأَثْرُ السيفِ: جوهرُه، وهو أثَرُ جودتهِ. والسيفُ مأثورٌ. وقولُه تعالى: {هم أُولاءِ على أَثَرِي} [طه: 84] أي بعدي بقليلٍ. وقوله تعالى: {فهُم على آثارِهم يُهرَعون} [الصافات: 50] أي على طَريقتهم وسُنَّتِهم. وقيلَ هذا في قولِه تعالى: {هم أولاءِ على

أثري} [طه: 84] وقوله: {أو أَثَارَة} [الأحقاف: 4]. وقُرئَ: (أَثَرةٍ)، قيلَ: هيَ من: أَثَرْتُ العلم آثرُهُ. ومنه: مآثرُ العربِ لمكارمِ أخلاقها، جمعُ مَأثُرةٍ، وهي ما يُروى عنها مِن ذلك. وفي الحديثِ: «أَلا إِنَّ كلَّ دم ومالٍ ومَأثُرةٍ كانتْ في الجاهليةِ فإِنها تحتَ قَدميَّ». ومنهُ حديثُ عمرَ: «ما حَلفتُ به ذاكرًا ولا آثِرًا» أي حاكيًا له عَن غَيري. ومنه قولُه تعالى: {إلا سحرٌ يُؤثَرُ} [المدثر: 24]، أي يرويهِ واحدٌ عن آخرَ. وحديثٌ مأثورٌ: أي نقلَه العَدْلُ عنِ العدل. وقيلَ: هي بمعنىً، أي بقيةٌ من علمٍ. ومنه سَمِنتِ الإبلُ على أثارةٍ، أي بقيةٍ من شَحم. ويستعارُ الأثرُ للفَضلِ، والإيثارِ للتفضُّلِ إثارةً. قال تعالى: {لقد آثرَكَ اللهُ علينا} [يوسف: 91]. أي فضَّلك. وقولُه: {ويُؤثرونَ على أنفسِهم} [الحشر: 9] مِن ذلكَ، أي يفضِّلون غيرَهُم على أنفسهم. ومنه: له عليَّ أَثَرةٌ، أي فضلٌ. ومنه الحديثُ: «إنكم سَتَلقَونَ بعدي أثَرَةٌ فاصبِروا حتى تَلقَوني على الحوضِ» أي يُستأثرُ عليكم فيفضَّلُ غيرُكم عليكم في الفيء. فالأَثَرةُ: اسمٌ من آثَرَ يُؤْثِرُ إِيثارًا. واسْتَأثرَ فلانٌ بكذا: أي تفرَّدَ به دونَ غيرِه. وفي الحديثِ: «أوِ اسْتأثرتَ بهِ في علمِ الغيبِ عندَكَ» أي تفرَّدتَ بهِ. ومنه قولُ الأعشى:

[من المنسرح] 23 - اسْتأثَرَ اللهُ بالوفاء وبال ... عَدْلِ، وولَّى الملامَةَ الرَّجُلا والأَثَرةُ: اسمٌ للاستئثارِ، والجمعُ الإِثَرُ، قالَه الأزهريُّ، وأنشدَ قولَ الحطيئةِ في عمرَ رضيَ اللهُ عنهُ: [من البسيط] 24 - ما قدَّموكَ لها إذ آثروكَ بها ... لكنْ لأنفُسِهم كانتْ بكَ الإِثَرُ وقولُهم: استَأثَرَ اللهُ بفلانٍ كنايةٌ عن موتِه وتنبيهٌ أنه ممّا اصطفاهُ فتفرَّدَ به دونَ الورَى. وقولُهم: ما فيها عينٌ ولا أَثرٌ أيْ بقيةٌ. وفي الحديثِ: «من سرَّهُ أن يَبسُطَ له في رزقِه ويَنْسَأَ في أثَرهِ فليصلْ رَحمَهُ» أي في أجله. وسُمِّيَ الأَجَلُ أثرًا لأنه يتبعُ العمرَ. قال كعبُ بنُ زهيرٍ: [من البسيط] 25 - يسعى الفَتى لأمورٍ ليس يُدركُها ... والنفسُ واجدةٌ والهمُّ منتشرُ والمرءُ ما عاشَ ممدودٌ له أملٌ ... لا يَنتهي العمْرُ حتى ينتهي الأثَرُ ويروى: لا تَنْتهي العينُ. وقولُه: {وآثارًا في الأرضِ} [غافر: 21] إشارةٌ إلى ما شَيَّدوا من البُنيانِ ووطَّدوا من الأحوال. وقولُه تعالى: {ما قدَّموا وآثارهُمْ} [يس: 12] أي قدَّموه من الأعمالِ وسنُّوه من السُّنن، فعُمل بها بعدَهُم، وفي معناه: «مَن سَنَّ سُنَّةً حسنةً. . .» الحديث. ويقالُ: رجلٌ أَثِرٌ، أي يَستأثرُ على أصحابهِ، وقال اللِّحياني: خُذْه آثرًا ما، وأَثِرًا ما، وإِثْرًا ما، وآثِرَ ذي أثيرٍ، كلُّ ذلك بمعنى الانفراد. وقولُه تعالى: {قبضةً من أَثَرِ

الرَّسولِ} [طه: 96] أي قبضةٌ من أثرِ حافرِ فرسِ الرسولِ (أو أثرِ الرسولِ) وهو جبريلُ، وذلك أنه رأَى أَثرَ الفَرسِ كلما وَضع حافرَه على موضعٍ يخضرُّ، فعرف أنَّ ذلك لأمرٍ. فأخذَ قبضةً من ذلكَ الترابِ فكانَ ما كانَ. أث ل: قال تعالى: {وأَثْلٍ وشَيءٍ من سِدْرٍ} [سبأ: 16]. فالأَثْلُ شيءٌ معروفٌ؛ الواحدةُ أَثْلةٌ ولما كان ثابتَ الأصلِ شُبِّه بهِ غيرهُ منَ الشجرِ فقيلَ: شجرٌ مؤثَّلٌ أي بثبوتهِ. ومالٌ مُؤثَّلٌ، ومجدٌ مُؤثَّل، من ذلك قولُ امرئِ القيسِ: [من الطويل] 26 - ولكنَّما أسعَى لمجد مؤثَّلٍ ... وقد يُدرِكُ المجدَ المؤثَّلَ أمثالي وأثلُ الشيءِ أصلُه. وأَثَلْتهُ: أي أَغْنيتُه مستعارٌ من ذلك. وفي الحديثِ: «غيرَ مُتأثِّلٍ مالاً» أي غيرَ مُقْتنٍ له وجامعٍ. واختلفتْ عباراتُ أهلِ التفسيرِ فيه؛ فقيلَ: هو ضربٌ من الخشبِ؛ قالَ قتادةُ: يُشبهُ الطرفاءَ رأيتهُ بصَفَد، وكذا قال الفرّاءُ: إلا أنه أعظمُ من الطَّرْفاءِ طولاً. ومنه اتُّخذ منبرُ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، وورقُه كورقِ الطرفاء. وقالَ بعضُهم: هو الَّمُرُ بعينِه؛ الواحدةُ أَثْلةٌ وسَمُرةٌ. وقال أبو عُبيدةَ: هو شجرُ النُّضارِ. والنُّضارُ: نوعٌ من الخشبِ. والنُّضار: الذهبُ. ومن الأول: قَدَحٌ نُضارٌ لأنَّه يُتخذُ منه القداحُ والقِصاعُ. أث م: الإِثْمُ: الذَّنبُ. وقيلَ: الإِثمُ والآثامُ: اسمٌ للأفعالِ البطيئةِ عنِ الخيراتِ لتضمُّنهِ معنى

البطءِ. قالَ الشاعرُ: [من المتقارب] 27 - جُماليَّةٌ تَغْتلي بالرِّدافِ ... إذا كذَّبَ الآثماتُ الهَجيرا وعليه قولُه تعالى في الخمرِ والميسرِ: {فيهما إِثمٌ كبيرٌ} [البقرة: 219] أي في تعاطيهما إِبطاءٌ عن الخيراتِ. ويسمَّى الخمرُ إِثمًا، من ذلك قولُه: [من الوافر] 28 - شَربتُ الإِثمَ حتى ضلَّ عَقلي ... كذاك الإِثمُ تّذْهَبُ بالعقولِ لأنَّهما سببٌ فيه. وهذا كتسميتِهم الشحمَ بالنَّدى في قولهِ: [من الطويل] 29 - تعالى النَّدى في مَتْنهِ وتحدَّرا وكتَسميةِ المرعَى بالسماءِ في قولهِ: [من الوافر] 30 - إذا نَزلَ السَّماءُ بأرضِ قومٍ ... رعَيناهُ، وإنْ كانوا غِضابًا يُقال: أَثِمَ يَأثَمُ إِثْمًا وأَثامًا فهو آثِمٌ وأَثيمٌ وأَثِمٌ وأَثومٌ أي محتملٌ للآثامِ. وقولُهم تَأثَّم، أي خرجَ من الإِثمِ، فتفعَّلَ للسَّلبِ كتحرَّجَ وتحنَّثَ وتحوَّبَ، أي خَرجَ من الحَرَجِ والحِنْثِ والحَوْبِ. وفي حديثِ: «ما عَلمنا أحدًا منهم تركَ الصَّلاةَ على أحدٍ من أهلِ القبلةِ تَأثُّمًا» أي تجنُّبًا للإِثم. ولذلك أُطلقَ التحنُّثُ في التعبُّدِ. وفي الحديثِ: «كان يتحنَّثُ بغارِ حراءٍ» أي يتعبَّدُ.

وقولُه: {كفّارٍ أَثيمٍ} [البقرة: 276] أي بليغٍ في تعاطي أسبابِ الإِثمِ. وقولهُ: {أخذتْه العزةُ بالإِثمِ} [البقرة: 206] أي حملتْهُ عزَّتُه على فعلِ ما يأثمُه. وقولُه: {يُسارعون في الإِثمِ والعدوانِ} [المائدة: 62] قيل: أشار بالإثمِ إلى قولهِ تعالى: {ومن لم يحكم بما أنزل اللهُ فأولئك هم الكافرون} [المائدة: 44] وبالعدوان إلى قوله: {ومن لم يحكم بما أنزل اللهُ فأولئك هم الظالمون} [المائدة: 45]. والإِثمُ أعمُّ منَ العُدوانِ: وقولُه: {يلقَ أثامًا} [الفرقان: 68] أي يلقَ عِقابًا؛ سماهُ أثامًا لِما كان بسببهِ، كقولهِ: «تعالى النَّدى في مَتْنهِ»، و «إِذا نزل السماءُ»، كما تقدَّم. وقيلَ: معنى {يلقَ أثامًا} أي يحملُه ذلك على ارتكابِ الآثام، وذلك أنَّ الأمرَ الصغيرَ قد يجرُّ إِلى الأمرِ الكبيرِ. ومنه: العاصي. . . . (¬1). وقيلَ: معناهُ يلقَ جزاءَ آثامهِ. أنشدَ الأزهريُّ لنُصَيبِ بنِ الأسودِ: [من الطويل] 31 - وهل يأثِمَنِّي اللهُ في أنْ ذكرتُها ... وعلَّلتُ أَصحابي بها ليلةَ النَّحرِ أي: هل يجازيني جزاءَ إِثْمي؟ يقالُ: أَثَمَهُ ويأثُمُهُ: جازاهُ جزاءَ إِثْمهِ. وقولُه: {والإِثْمَ والبَغيَ} [الأعراف: 33]. قال الفرّاءُ: الإِثمُ ما دونَ الحدِّ، والبغيُ: الاستطالةُ على الناس. وقولُه: {لا لَغْوٌ فيها ولا تَأثيمٌ} [الطور: 23] أي: لا مَأثمٌ فيها ولا سُكرٌ، وهذا بخلافِ خمورِ الدنيا؛ فإِنَّ فيها ¬

_ (¬1) بياض في الأصل.

فصل الألف والجيم

ما يحملُ على كلِّ إثمٍ. ويسمَّى الكذبُ إثمًا تسميةً للنَّوع باسمِ جنسه كتسميةِ الإنسانِ حيوانًا، أو لأنَّه يؤدي إلى الإثم. وقولُه: {آثمٌ قلْبُهُ} [البقرة: 283] أي متحمِّلٌ لذلك. وقد قابل النبيُّ صلى الله عليه وسلم الإثمَ بالبرِّ في قوله: «البرُّ ما اطمأنت إليهِ النفسُ، والإثمُ ما حاكَ في صدرِكَ». وهذا منه عليه الصلاةُ والسلامُ حكمٌ للبرِّ والإثمِ لا تفسيرُهُما لذلك. فصل الألف والجيم أج ج: قولُه تعالى: {وهذا ملحٌ أُجاجٌ} [الفرقان: 53]. الأجاجُ: الماءُ الشديدُ الملوحةِ، الذي لا يمكنُ ذَوقُه منها. وقيلَ: هو من الشديدُ الملوحةِ والمَرارةِ، كأنَّه مأخوذٌ من أجيجِ النارِ. يقالُ: أجَّجَ النارَ أجيجًا، وأجَّتْ هي تَؤجُّ أجَّةً. وتآجَّ النهارُ أي حَميتْ شمسُه. فجعلَ ذلك عبارةً عن ارتفاعهِ. وقولُهم: «أجَّ الظَّليم». أي عَدا بسرعةٍ، تَشبيهًا بأجيجِ النارِ، ومنهُ الحديثُ: «فخرجَ بها يؤجُّ». أي يسرعُ. ويقالُ: الأجُّ: الهَرْولةُ، وهو قريبٌ من الأولِ، لكن الهرويّ كذا ذكرهُ. وأمّا {يأجوجُ ومأجوجُ} [الكهف: 94] فهما مهموزان وغيرُ مهموزين. قيلَ: هُما

مشتقَّانِ من أجيجِ النارِ وتموُّجِ الماءِ، وسيأتي الكلامُ عليهما في حَرفَيهما. أج ر: قال تعالى: {أولئكَ يُؤتَوْنَ أَجْرَهُم مرَّتَينِ} [القصص: 54] لأنَّهم آمنَوا بنبيِّهم وكتابهم ثم آمنوا بمحمدٍ صلى الله عليه وسلم وكتابهِ. والأجرُ: ما يعودُ من ثوابِ عملهِ عليهِ دُنيويًّا وأُخرويًّا. والأجرُ بمعناهُ إلا أنَّها لا تكونُ إلا في الدُّنيويِّ. ويقالُ في عَقد وما يجري مَجرى العَقدِ، ولا يقالُ إلا في نفعٍ دونَ ضرٍّ، كقولهِ: {فأجرُهُ على اللهِ} [الشورى: 40] بخلافِ الجزاءِ؛ فإنه يقالُ في عقدٍ وفي غيرِ عقدٍ، وفي النافعِ والضارِّ نحو: {وَجَزاهُم بما صَبَروا} [الإنسان: 12]، {فإنَّ جَهنمَ جزاؤكم} [الإسراء: 63]. وجمعُ الأجرِ أُجورٌ. قالَ: {فآتوهُنَّ أجورَهُنَّ} [النساء: 24] كنَّى بهِ عن الصَّداقاتِ لأنها عوِضٌ عن البِضْع. وقولُه: {فلهُ أَجْرُهُ} [البقرة: 112] لأنه كالعِوَض، وإلا فهوَ مِن فضلِ اللهِ تعالى. وقولُه: {وآتَيناهُ أجرَهُ في الدُّنيا} [العنكبوت: 27] قيلَ: هو كونُ الأنبياءِ من نَسلهِ. وقيلَ: كونُه أُريَ مكانَه منَ الجنةِ. وقيلَ: هو لسانُ الصِّدقِ. وقولُه: {على أنْ تَأجُرَني ثَمانيَ حِجَجٍ} [القصص:27] أي تكونَ أجيرًا لي. وقيلَ: هو أن تجعلَ رعيَكَ غَنمي هذهِ المدةَ ثَوابي من تزويجي ابنتي لك. ويقالُ: أجَرهُ اللهُ، بالقصرِ، يأجُرُه أجرًا: أثابَه، وآجَره إِيجارًا بمعناهُ. ويقالُ: أجَرتُ زيدًا بمعنيين؛ أحدُهما أعطيتُه العينَ المستأجرةَ بِكراءٍ وأُجْرةٍ والثاني أعطيتُه الأُجرةَ. وأما آجَرتُه، بالمدِّ، فالمعنى الأولُ فقط. وقيلَ: هو بمعنى المقصودِ في الأمرينِ جميعًا. قال الراغبُ: والفرقُ بينهما أنَّ أجَرْتُه -يعني بالقصر- يقالُ إذا اعتُبرَ فعلُ أحدهما. يقالُ: أجَرتَ فلانًا، إذا استعانَ بكَ فحميتَهُ إجارةً. ومنه: {فأَجِرْهُ حتى يَسمَعَ كلامَ اللهِ} [التوبة: 6]، {وهو يُجيرُ ولا يُجارُ عليه} [المؤمنون: 88]. وآجَرْتُهُ بالمدِّ، يقالُ إذا

اعتُبرَ فِعلاهُما، وكلاهُما يَرجِعان إلى معنىً. انتهى ما ذكرَه منَ الفرقِ. وإنَّما يصحُّ أنْ لو كانَ آجَره بالمدِّ بوزنِ فاعَلَ حتى تقتضيَ المشاركةُ، ولكنْ لا نسلِّم أنَّ آجَرَه بالمدِّ بوزن فاعلَ، بل هو بوزنِ أَفْعلَ، ولذلكَ جاءَ مضارعُه على «يُؤجِرُ» ومصدرُه على الإيجارِ؛ كآمَنَ يؤمِن إِيمانًا. ولو كان فاعَلَ لكانَ مضارعُه يؤاجِرُ ومصدرُه المؤاجَرةُ والإجارُ، كضارَبَ يضارِبُ مضاربةً أو ضِرابًا. ولو سُلِّم أن يقالُ كذلكَ إلا أنَّه يجوزُ أن يكونَ أجَّر أفعلَ، وإذا جازَ لم يصحَّ الفرقُ. ثم قولُه: يقالُ: أَجرتَ فلانًا، إذا استعانَ بك فحميتَهُ وقولُه: {فأَجِرْه}، وقولُه: {وهو يجيرُ ولا يُجارُ عليه} ليسَ من هذهِ المادَّة التي نحنُ فيها ولا من معناها في شيءٍ البتَّةَ، بل من مادَّة «جَوَرَ». ولذلك ذكرَها في مادَّة تيكَ. وإنَّما اشتَبه عليهِ اللفظُ في الفعلِ والمصدرِ، حيثُ قالَ: أجرتُ إِجارةً. والفرقُ بينَهما، عندَ من يَعرف التصريفَ، واضحٌ جدًا. وذلك أنَّ أَجرتُ بمعنى الإعانةِ وزنُه أفَلْتُ مثلُ أقمتُ، وإنما حُذفتْ عينُ الكلمةِ لالتقاءِ الساكنين. وإجارةٍ التي هي مصدرُه وزنُها إِفالةٌ، حُذفتِ العينُ منها كما حُذفتْ من الفعل كإِقامةٍ. والأصلُ: أَجْوَرْتُ إِجْوارًا. فصيَّرهُ التصريفُ إلى ما تَرى. وأمَّا أجرتُ الذي نحن فيه فهمزتُه أصليةٌ، ووزنُه فَعَلْتُ، ومصدرهُ فِعالةٌ. وأينَ هذا من ذاك؟ ولكن قد يذهُلُ الفاضلُ، ويدهَشُ العاقلُ. الأجيرُ فَعيلٌ بمعنى فاعلٍ. وقالَ الراغبُ: أو مُفاعِل، وهو بناءٌ منهُ على أنَّ آجرَ فاعَلَ. وقد تقدَّم ما فيه. والاستئجارُ طلبُ الشيءِ بأُجْرةٍ، ثم يُعبَّر بهِ عن تناوُل الأجرةِ، كاستعارةِ الاستيجابِ كقولهِ: [من الطويل] 32 - وداعٍ دَعا: هلْ من يُجيبُ إِلى النَّدى؟ فلم يَستجبْه عندَ ذاكَ مُجيبُ قيلَ؛ وعليه قولُه تعالى: {يا أبتِ استأجرهُ} [القصص: 26]، وفيه نظرٌ لظهورِ الطلبِ فيهِ بأُجْرةٍ. ويقالُ: إِيتاجَرَ أي طلبَ الأجرةَ، افْتَعلَ منهُ. وفي الحديث في الأضاحي: «كلوا وادَّخِروا وائتجِروا» أيْ واطْلبوا الأجرَ. قالَ الهرويُّ: ويجوزُ اتَّجِروا نحو اتَّجرَ، كذا أصلُه إِيْتجرَ، فأدغمتِ الهمزةُ في التاء. وفي الحديث: «إنَّ رجلاً دخلَ

المسجدَ، وقد قضى النبيُّ صلى الله عليه وسلم صلاتَه فقال: مَن يَتجرُ فيقومُ فيصلي معَه»؟ قولُه: فأُدغمتِ الهمزةُ فيه تجوُّزٌ، لأنَّ الهمزةَ أبدلت ياءً وجوبًا، فصَارت كالأصليةِ، مثلُ أَيسر من اليُسر. وإلا فالهمزةُ لا يُتصورُ إدغامُها في الياء. وقولُه: نحو اتَّجرَ على أحدِ القولينِ. ولنا قولٌ أنهُ من تَجر- يَتجرُ، ومنه قراءةُ: (لتَخِذْتَ عليه أجرًا) [الكهف: 77]. والإِجّارُ: السَّطحُ، ليس حَواليهِ ما يردُّ مَن يقعُ، فِعّالٌ من الأجر. تصوَّروا فيهِ النَّفعَ. والجمعْ أجاجيرُ. وفيه لغةٌ أخرى «إِنْجارٌ» بالنون والجمعُ أناجيرُ. وفي الحديث: «فتلقَّى الناسُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم في السُّوقِ وعلى الأناجيرِ» أي السطوح. أج ل: الأَجَلُ: المدَّةُ المضروبةُ. ويقالُ للمدةِ المضروبةِ لحياةِ الإنسانِ: أجلٌ. وقولُه تعالى: {ولِتَبلُغُوا أجلاً مسمًّى} [غافر: 67] عبارةٌ عن ذلك. وقولُه: {أيَّما الأَجَلَيْنِ قَضَيتُ} [القصص: 28] أي المدَّتينِ المضروبتينِ من الثماني والعشر. وقولُه: دَنا أجلُه أي مدَّتُه، وحقيقتُه استيفاءُ مدةِ حياتِه. وقولُه: {وبَلَغْنا أجَلَنا الذي أجَّلْتَ لنا} [الأنعام: 128]، قيلَ: حدَّ الموتِ، وقيلَ: حدَّ الهَرمِ، وهما مُتقاربان. وأجَّلتُ الدَّينَ فهوَ مؤجَّلٌ: أي ضربتُ له مدَّةً. وقولُه: {ثم قَضَى أَجلاً وأَجلٌ مُسمى} [الأنعام: 2]؛ قيل: الأولُ البقاءُ في الدنيا، والثاني البقاءُ في الآخرةِ. وعن الحسنِ: الأولُ البقاءُ في الدنيا، والثاني البقاءُ في القبورِ إلى يوم النُّشورِ. وقيلَ: هما الأولُ النومُ والثاني الموتُ، إشارةٌ إلى قولهِ تعالى: {اللهُ يَتَوفَّى الأنفُسَ حينَ مَوتِها والتي لم تَمُتْ في مَنامِها}

[الزمر: 42] وقيلَ: الأجلانِ معًا للموت، إلا أنَّ مِنَ الناسِ من يأتيهِ أجلُه بعارضٍ من سيفٍ أو حرقٍ أو غرقٍ أو أكلِ سُمٍّ أو شيءٍ غيرِ موافقٍ ممّا يَقطعُ الحياةَ، ومنهم مَن يُعافَى ويوقَّى كلَّ ذلك حتى يأتيَه الموتُ حتْفَ أنفِه، وإليهما أشار مَن قال: «مَن أخطأهُ سَهمُ الرزيَّةِ لم يُخطئْه سهمُ المنيَّة». وقيلَ: النّاسُ رجلانِ، رجلٌ يموتُ عَبْطةً ورجلٌ يبلغُ أجلاً لم يجعلْ لهُ اللهُ في طبيعةِ الدنيا أَن يبقَى أحدٌ أكثرَ منه فيها. وقد أشارَ إليهما بقوله تعالى: {ومنكم مَن يُتوفَّى ومنكمُ من يُردُّ إلى أرذلِ العُمرِ} [النحل: 70]. وقالَ زهيرٌ: [من الطويل] 33 - رأيتُ المنايا خَبطَ عشوَاء من تصب ... تُمِتْهُ ومَنْ تُخطئ يُعمَّرْ فَيَهْرَمِ وقال آخرُ: [من المنسرح] 34 - مَن لم يمتْ عَبْطةً يَمُتْ هَرَمًا ... لِلموتِ كأسٌ والمرءُ ذائقُها وقال ابنُ عرفةَ: «الأجلُ المقضيُّ هو الدُّنيا والحياةُ، والمسمَّى هو أمرُ الآخرةِ». وقولُه تعالى: {مِن أجل ذلك كتَبْنا على بني إسرائيلَ} [المائدة: 32] أي مِن جَرّائهِ وجِنايَتهِ. يقالُ: أجَلتُ الشيءَ، وآجِلُه: جَنيتُه. وقرئَ: من إِجلِ بالكسر أي من جناية. والأَجْلُ والإِجْلُ: الجنايةُ التي يُخافُ منها أجَلٌ. فكلُّ أجلٍ جنايةٌ، وليسَ كلُّ جنايةٍ أجلاً. وفي الحديث: «كنا مُرابطينَ بالساحلِ فتأجَّلَ متأجلٌ» أي طلبَ الرجوعَ إلى أهله، وأرادَ أن يُضرَبَ له أجَلُ ذلك. وقولُه: {وإِذا طلَّقتُمُ النِّساءَ فبلَغْنَ أَجلَهُنَّ فأَمْسِكُوهُنَّ} [البقرة: 231] وهو المدّةُ المضروبةُ بينَ الطلاقِ وبينَ انقضاءِ العِدَّة. وقوله: {وإِذا طلَّقتُم النساءَ فبلغْنَ أجلَهنَّ فلا تَعْضُلُوهنُّ} [البقرة: 233] إشارةٌ إلى حينِ انقضاءِ العِدَّةِ. وحينئذٍ

فصل الألف والحاء

لا جُناحَ عليهنَّ فيما فعلنَ في أنفسهنَّ. «والآجالُ: أقاطيعُ الظّباءِ، واحدها إِجْلٌ» ومنهُ حديثُ زيادٍ: «لهوَ أشهَى إليَّ مِن زينتهِ، فثَبتَ لُسلالهِ تعبٌ في يومٍ شديدِ الوديقةِ تَرمَضُ فيهِ الآجالُ». فصل الألف والحاء أح د: أحدٌ: على قسمينِ؛ قسمٍ لا يُستعملُ إلا في نفيٍ أو في شبهِهِ كالنَّهي والاستفهام. وهذا همزتُه أصليةٌ، ويفيدُ استغراقَ جنسِ الناطقينَ قليلاً كان أو كثيرًا، مجتمعينَ أو مُفترقينَ، نحو: لا أحدَ في الدار، أي لا واحدَ ولا اثنينِ فصاعدًا، لا مجتمعينِ ولا مُتفرقَينِ. ولهذا لم يصحَّ استعمالُه في الإثباتِ لأنَّ نفي المتضادَّينِ يَصِحُّ دونَ إثباتِهما. فلو قيلَ: في الدارِ أحدٌ لكانَ فيهِ إثباتُ واحد مفردٍ مع إثبات ما فوقَ الواحد مجتمعينَ ومتفرقينَ، وذلك ظاهرٌ لا محالةَ، ولانطلاقه على ما فوقَ الواحد صحَّ أن يقالَ: ما من أحد قائمينَ. وعليه قولُه: {فما منكُم مِن أحدٍ عَنْهُ حاجزِينَ} [الحاقة: 47]. وبعضُهم يُطلقه على غيرِ العقلاءِ، ولذلك قيلَ في قولِ الذُّبياني: [من البسيط] - عَيَّتْ جوابًا وما بالرَّبعِ من أحدٍ ... إلا الأُواريُّ لايًا ما أُبَيِّنُها إنه استثناءٌ منقطعٌ أو متَّصلٌ. وقد حققتُهُ في شرحِ هذهِ القصيدةِ، وله أخواتٌ لا تُستعمل إلا منفيةً نحو عريب وديّار؛ حصرتُها في «شرحِ التسهيل». وقولُه: {هل يَراكم مِن أحدٍ} [التوبة: 127] استفهامٌ في معنى النَّفي. وقولُه: {ولا يَلتفِتْ منكُمْ أحدٌ} [هود: 81] نهي في قوةِ النَّفي، فمن ثمَّ شاعَ بخلافِ الإثباتِ لما تقدَّم.

وقسمٍ يُستعملُ مُثبتًا وقد قسَمه الراغبُ إلى ثلاثةِ أقسام: قسمٍ يُضمُّ فيه إلى أسماءِ العدد نحو: أحدَ عشر والثاني أن يستعمل مضَافًا أو مضاف إليه بمعنى الأوّل كقوله تعالى: {أَمَّا أَحَدُكُما فَيسْقي ربَّهُ خَمرًا} [يوسف: 41]. وقولُه: يومُ الأحدِ أي يوم الأول، ويومُ الاثنين، والثالثُ أن يُستعملَ وصفًا، وليسَ ذلك إلا للهِ وحدَهُ نحو: {قُل: هوَ اللهُ أحدٌ} [الإخلاص: 1]، وأصلُه وَحدٌ، يُستعمل في غيرِهِ؛ قالَ النابغةُ: [من البسيط] 35 - على مُستأنسٍ وَحِدِ قلتُ: أحدٌ هذهِ، أُبدلتْ همزتُه من واوٍ لأنَّه من الوحدةِ، وهو بدلٌ شاذٌ لم يُسمع منهُ في الواوِ المفتوحةِ إلا: أحدٌ، وأناةٌ، لأنَّهما من الوحدةِ والونَى. ولم أرَ مَن خصَّه باللهِ غيرَ هذا. و «وَحدٍ» في بيتِ النابغةِ بمعنى منفردٍ، ويرادفُه واحدٌ. فيقولُ: واحدٌ وعشرونَ، إلا في أحدَ عشَرَ فلا يقالُ: واحدٌ وعشرَ. وأحدٌ هذا في المذكَّر يقابلُه إحدَى في المؤنَّث في جميع موادِّه، إلا في وصف الباري تعالى نحو: {إنها لإِحْدَى الكُبَرِ} [المدثر: 35]، {إحْدَى ابنتَيَّ} [القصص: 27]، إحدى عشرةَ، وإحدَى وعشرون امرأةً، وهمزتُها عن واوٍ. وهي أقلُّ شذوذًا من أحدٍ، لكسرِ همزتِها كإشاحٍ، وإعاءٍ، وإلهِ، وإسادةٍ.

فصل الألف والخاء

فصل الألف والخاء أخ ذ: الأخْذُ: تحصيلُ الشيءِ، وهوَ حقيقةً في التَّناولِ نحو: أخذتُ درهمًا، ومنه: {معاذَ اللهِ أَنْ نأخُذَ إلا مَنْ وَجدْنا متاعَنا عِندَهُ} [يوسف: 79]، ومَجازًا في الاستيلاء والقهر نحو: {لا تَاخُذُهُ سِنَةٌ ولا نَوْمٌ} [البقرة: 255]. ومنهُ قيلَ للأسيرِ: أَخيذٌ ومَأخوذٌ. وقولُه: {فأخذتْهُمُ الصَّيْحَةُ} [الحجر: 73]، و {الرَّجفةُ} [الأعراف: 78] تنبيهٌ على استيلائها عليهم. وقولُه: {فأخذَهُم اللهُ} [آل عمران: 11] عبارةٌ عن إحاطةِ هلكَتْهِم بهم. وقولُه: {ولقد أخَذْنا آلَ فِرعَونَ بالسنينَ ونَقْصٍ} [الأعراف: 130] أي عاقبْناهم بذلك عندَ أَخذِهم. ومنه: أخرتُه بالسَّوط، وقولُه: {فأخذْناهم أَخْذَ عزيزٍ مُقتَدرٍ} [القمر: 42]. تنبيهٌ على شدَّةِ الأمرِ. ومثلُه: {أخذةً رابِيةً} [الحاقة: 10]. وقيلُه: {ولو يُؤاخِذُ الله ُ الناسَ} [النحل: 61] تنبيهٌ على مَعنى المقابلةِ والمجازاةِ إلى ما أخذوهً من النِّهم ولم يُقابلوهُ بالشكرِ. فهذا وجهُ المُفاعلةِ. وقد أخذَ مأخذ زيدٍ أي: أخذَ في الطريق التي أخذَ فيها، وسَلك مسلكَه في أمورهِ. وفلانٌ مأخوذٌ، وبه أَخْذةٌ من الجنِّ كنايةٌ عن الذهول. ولزيدٍ إخاذةٌ وإخاذٌ: أي أرضٌ أخذَها لنفسهِ. ويقالُ: ذَهبوا ومَن أخذَ مَأخذَهُم وإخْذَهُم أي هلكوا ومَن كان يقتدي بِهم. والاتِّخاذُ: افتعالٌ من الأَخذِ عندَ بعضِهم. وقد تقدَّم تَصريفُه في مادة «أج ر». وقيلَ: بل هو من تَخذَ يَتْخَذُ، كقوله: [من الطويل] 36 - وقد تَخذتْ رِجلي وسيأتي إنْ شاء الله. وإذا كانَ بمعنَى الكسْبِ تعدَّى لواحدٍ، وإنْ كان بمعنى التَّصيير تعدَّى لاثنين، كقوله: {واتَّخذَ اللهُ إبراهيمَ خَليلاً} [النساء: 125] ومثله «تَخِذْتَ»؛ وقُريء

«تَخَذْتَ» و {لتَّخذْتَ عليهِ أجرًا} [الكهف: 77] وقولُه: {قد أَخَذْنا أَمْرَنَا} [التوبة: 50] أي: احتَطْنا لأنفُسِنا. وقولُه: {إلا هُوَ آخذٌ بِناصِيَتِها} [هود: 56] أي هي في قبضتِهِ لا تَفوتُه فيُصيبها بما أرادَ. وقولُه: {وهمَّنْ كلُّ أمةٍ برسولهِمْ ليأخُذُوهُ} [غافر: 5] أي ليوقِعوا به الفعلَ. ومثلُه: {وكذلِكَ أَخْذُ ربِّك إذا أَخَذَ القُرى وهي ظالمةٌ إنَّ أَخْذَهُ أليمٌ شَديدٌ} [هود: 102]. وقولُه: {وخُذوهُم واحصُروهم} [التوبة: 105] أي ائسروهم. وقولُه: {مَعَاذَ اللهِ أنْ نأخُذَ إلا مَن وَجدْنا مَتاعَنا عِندَه} [يوسف: 79]، قيلَ: يأسِرُه، وقيلَ: يحبسُه. ومنهُ التَّأخيذ وهو حبسُ السَّواحرِ أزواجَهنَّ عليهنَّ عن غيرِهنَّ من النساء. يقالُ: أخَّذتِ المرأةُ زوجَها تَأخيذًا: حَبستْه عن سائرِ النساءِ. وقالتِ امرأةٌ لعائشةَ رضي الله عنها: أَؤُأَخِّذَ جَملي؟ تريدُ هذا المعنى. وفي الحديثِ: «كنْ خيرَ آخذِ» أي آسرٍ. ومن ذلك: «الإخاذاتُ» وهو ما يأخرُ ماءَ المطرِ منَ الغُدرانِ فيحبسُه ويُمسِكُه، وهي المِسَاكاتُ أيضًا وآلاتُها، الواحدةُ إخاذةٌ ومِساكةٌ ونِهْيٌ ونَهْيٌ. وفي حديثِ مسروقٍ: «جالستُ أصحابَ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم فوجدتُهم كالإخاذِ»، قالَ أبو عبيدٍ: جمعُه أُخُذٌ وهو مُجتَمعُ الماءِ. وقالَ شَمِرٌ: إخاذٌ جمعُ إخاذةٍ، وأُخُذٌ جمعُ إخاذٍ. وقال أبو عبيدةَ: الإخاذةُ والإخاذُ -بالهاءِ وغيرِ الهاءِ- جمعُ الإخْذِ، وهو مَصنعٌ للماءِ يجتمعُ فيهِ، والأولُ أقْيَسُ. أخ ر: الآخِرُ بكسر الخاء: يقابلُ الأولَ. قال تعالى: {هوَ الأوَّلُ والآخِرُ} [الحديد: 3]؛ فالأولُ هُنا معناهُ القَديمُ الذي كان قبلَ كلِّ شيءٍ، والآخِرُ الذي يبقَى بعدَ هلاكِ كلِّ شيءٍ، وتأنيثُهُ الآخرةُ مقابلة الأولى. والآخرة تَجري الجوامدُ في حَدْوِ مَوصوفها، كقوله:

{وبالآخرةِ هم يُوقنونَ} [البقرة: 4]، {والذين يؤمنون بالآخرةِ يؤمنونَ بهِ} [الأنعام: 92]. وذلك الموصوفُ يجوزُ أن يكونَ الدارَ وأن يكونَ النَّشأةَ، وقد صرَّح بكلٍّ منهُما: {وإنَّ الدَّارَ الآخرةَ لهيَ الحَيَوانُ} [العنكبوت: 64]، {وللدَّارُ الآخرِةُ خيرٌ} [الأنعام: 32]. وقال تعالى: {ثمَّ اللهُ يُنشئُ النَّشأةَ الآخرِةَ} [العنكبوت: 20]. وقد وُصفتِ الدارُ بالآخرةِ تارةً كما تقدَّم وأُضيفتْ إليها أُخرى، كقولهِ: {ولدار الآخرةِ خيرٌ} [يوسف: 109]، وقُرئَ: {وللدارُ الآخرةُ خيرٌ}. والإضافةُ عندَنا على حذفِ الموصوفِ، أي: ولدارُ الحياةِ الآخرةِ. قال الأزهريُّ: أراد: ولدارُ الحالِ الآخرةِ خيرٌ، لأنَّ للناس حالينِ؛ حالَ الدنيا وحالَ الآخرةِ. ومثلُه: صلاةُ الأولى، أي صلاة الفريضةِ الأولى. قلتُ: لأنَّ الشيءَ لا يضافُ إلى نفسهِ، والصفةُ هيَ الموصوفُ في المعنى. وقد يقابَلُ بالآخِرِ السابقُ. وآخَرُ بفتح الخاء: أفَعَلُ تفضيلٍ ممنوعٌ منَ الصرفِ للوزنِ والوَصفِ، ويُجمعُ جمعَ تصحيحٍ؛ قال تعالى: {وآخَرونَ مُرجَوْنَ} [التوبة: 107]. ويُثنَّى، قال تعالى: {فآخَرانِ يقومانِ مَقامَهما} [المائدة: 107]. وفارقَ أخواتهِ في بابهِ؛ فإنَّ أفعلَ التَّفضيلِ لا يُثنَّى ولا يُجمع، إلا مُحلىًّ بأل نحو: {بالأَخْسرينَ} [الكهف: 103] أو مضافًا نحو: {أكابرَ مُجرِمِيها} [الأنعام: 123]. فإذا خَلا منهُما كانَ بلفظٍ واحدٍ. وتأنيثُه أُخْرى، ويُجمعُ على أُخَرَ. وهي معدولةٌ عنِ الألفِ واللامِ عندَ الجمهورِ، وقيلَ: عن أُخَرَ، كما حققتُه في غيرِ هذا. وأمّا أُخَرُ جمعُ أُخرى بمعنى آخرة فليست كذا. وقد يرادُ بالآخرَ معنَى غير، كقوله تعالى: {ومَن يَدْعُ مع الله إلهًا آخرَ} [المؤمنون: 117]. والتأخيرُ: يقابلُ التَّقديمَ، قالَ تعالى: {عَلمتْ نفسٌ ما قدَّمتْ وأَخَّرَتْ} [الانفطار: 5]، {بما قدَّم وأخَّرَ} [القيامة: 13]، أي قدَّمَ من عملهِ وأخَّرَ من سنِّه. ولقيتُ فلانًا بأَخَرةٍ أي إِخْرِيًّا، ومنه حديثُ أبي بَرزةَ: «لمّا كان بأَخَرةٍ». وأمّا نعتُه

بأَخرةٍ أي بنَظرةٍ فبكسر الخاءِ. وقولهم: «أبعدَ اللهُ الأَخِرَ»، أي المتأخِّرَ عن الفضيلةِ وعن مَجرى الحقِّ. أخ و: والأخُ أحدُ الأسماءِ الستَّةِ المعْربةِ بالواوِ والياءِ والألفِ، وحُذفت لامُه اعتباطًا كالأبِ. ويقالُ: أخوٌ كدلْوٍ. قال: [من البسيط] 37 - ما المرءُ أَخْوَكَ إنْ لم تلفَه وَزِرًا ... عندَ الكريهةِ مِعْوانًا على النُّوبِ ويُعربُ مقصورًا. ومنه: «مُكرهٌ أخاكَ لا بطلٌ» وقد تُشدَّدُ خاؤهُ، ويُجمع على إخوة وإخوان. ومؤنثُه أختٌ. والتاءُ فيه للعوض عن اللام المحذوفة كبنت، والنسبُ إليها أَخَويٌّ، كالنسبِ إلى مذكَّرها، وقالَ يونسُ: أختيٌّ على لفظها. ومثلُها في هذينِ القولينِ بنتٌ، فيقالُ: بِنويٌّ أو بِنْتيٌّ، ويجمعُ على أَخواتٍ. والأخُ في الأصلِ مَن ولَده أبواكَ أو أحدُهُما. ويطلقُ أيضًا على الأخِ من الرِّضاع. ويُستعارُ الأخُ في كلِّ مشاركٍ لغيرهِ في القبيلةِ أو الصَّنعةِ أو الدِّين أو المعاملةِ أو المودَّة أو غيرِها من المناسبات. قال ابنُ عرفةَ: الأخوةُ إذا كانت في غير الولادةِ كانت للمشكلة والاجتماع في الفعل نحو: هذا الثوبُ أخو هذا. قولُه تعالى: {كانوا إخوانَ الشياطين} [الإسراء: 27]، أي مُشاكلوهم. وقولُه: {كالذين كَفَروا وقالوا لإخوانِهم} [آل عمران: 156] أي لمن شارَكهُم في الكفرِ. وقولُه: {إخوانًا على سُرُر مُتَقابلينَ} [الحجر: 47] تنبيهٌ على نفيِ المخالفةِ من بينهم. وقولُه: {وإلى عادٍ أخاهُم هُودًا} [الأعراف: 65] ونحوهُ فيه تنبيهٌ على أنه بمنزلةِ الأخِ في الشفقةِ عليهم. وهذا أحسنُ من قولِ الهرويِّ لأنه وإياهم يُنسبون إلى أبٍ واحدٍ. وقولُه: {يا أُختَ هارونَ} [مريم: 28] قيلَ: يا أختَه في الصلاح والعفَّةِ لرجلٍ كان اسمُه هارونَ موصوفًا بذلك؛

قالوه من باب التهكُّم. وقيلَ: بل كان لها أخٌ من النَّسبِ يُسمى هارونَ. وقولُه: {وما نُريهِم من آيةٍ إلا هيَ أكبرُ مِن أُختها} [الزخرف: 48] أي من الآية التي تقدَّمَتْها، وجعلها أختَها لمشاركتِها لها في الصِّحَّةِ والصِّدقِ والإبانةِ، والمعنى أنهنَّ موصوفاتٌ بالكبرِ لا يكدْنَ يَتفاوتْنَ فيهِ. وكذلك العادةُ في الأبناءِ الذين يتقاربونَ في الفضلِ، وتتفاوتُ منازلُهم فيهِ التفاوتَ اليسيرَ. ومثلُه قولُ الحماسيِّ: [من البسيط] 38 - مَن تلقَ منهُمْ تَقُلْ: لاقيتُ سيِّدَهُم ... مثلَ النجومِ التي يُهدَى بها السَّاري وقولُه: {كلَّما دخلتْ أمةٌ لعنتْ أُختَها} [الأعراف: 38] إشارةٌ إلى مشاركتهم في الولاية، كقولهِ: {والذينَ كفروا أولياؤُهُمُ الطاغوتُ} [البقرة: 257]، وقوله: {إنما المؤمنونَ إخْوَةٌ} [الحجرات: 10] إشارةٌ إلى اجتماعِهم على الحقِّ وتشارُكهم في الصِّفةِ المقتضيةِ لذلك. وقولُهم: تأخَّيتُ كذا، أي تحرَّيتُ في الأمرِ تحرِّيَ الأخِ لأخيهِ. وتَصوَّروا معنى الملازمةِ فقالوا: أَخِيَّةُ الدابَّةِ، لِما تُربطُ به من عُودٍ وحبلٍ. وفي الحديثِ: «مَثلُ المؤمنِ والإيمانِ كمثل الفَرسِ في آخِيَّتهِ»؛ قال الليثُ: هو وَتِدٌ يُعرَّضُ في الجدارِ يُربطُ إليه. وقال الأزهريُّ: هو الحبلُ يُدفَنُ ويُخرَجُ طرفاهُ شبهَ الحلْقَةِ، والجمعُ الأَواخيُّ والأخايا، وهي فاعولةٌ. قلت: ومثلُها وزنًا ومعنىً الآريَّةُ، وجمعُهَا الأَواريُّ في قولِ النابغةِ: [من البسيط] 39 - إلا الأَواريّ لايًا ما أُبَيِّنُها ومثلُها: الإِدْرَوْنُ والجمعُ أَدارِين.

فصل الألف والدال

والإخوانُ: لغةٌ في الخوانِ، وفي الحديثِ: «حتى إنَّ أهلَ الإخوانِ ليجتمعُونَ». وقال العُريان: [من الطويل] 40 - ومَنْحَرِ مِئْناثٍ تَجُرُّ حُوارَها ... ومَوْضِعِ إخوانٍ إلى جَنْبِ إخْوانِ فصل الألف والدال أد د: قال تعالى: {لقد جئتُمْ شَيئًا إدًّا} [مريم: 89] أي: منكم شيئًا فظيعًا. يقالُ: جاءَ بأمرٍ إدٍّ يقعُ فيه جلبةٌ وصِياحٌ. وأصلُه: «من أدَّتِ الناقةُ تَئِدُّ رجَّعتْ أنينَها تَرجيعًا شديدًا» والأديدُ: الجلبةُ. وقيلَ: وهوَ من الوُدِّ. والإدَّةُ واحدُ الإدِّ كتَمرةٍ وتَمرٍ، ويُجمعُ على الإدَدِ. وفي حديث عليٍّ رضيَ اللهُ عنه: «رأيتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم فقلتُ: ماذا لقيتُ بعدكَ منَ الإدَدِ والأَوَدِ؟»، فالإِدَدُ: الدَّواهي العظامُ. وقال ابنُ خالَويهِ: الإدُّ والأَدُّ بالكسرِ والفتح: العجبُ. والإدَّةُ: الشدَّةُ. وأدَّني وآدَني: أَثقَلني. وبالفتح قرأ السلميُّ، وقال الراجزُ: 41 - لقد لقي الأقرانُ مني نُكْرا ... داهيةً دَهْياءَ إدًّا مُرَّا وقيلَ: الإدُّ: القوةُ. قالَ الراجِزُ: 42 - نضَوْنَ عني شدَّةً وأدَّا ... من بعدِ ما كنتُ صُمُلاًّ جَلْدا

آد م: هو أبو البشرِ صلى الله عليه وسلم. قالوا: مشتقٌّ من أَديم الأرضِ. وقيلَ: لسُمرةِ لونهِ: رجلٌ آدَمُ وامرأةٌ أدماءُ، من الأَدَمةِ وهيَ السُّمرةُ. قال الهرويُّ: إذا كان اسمًا جُمع على الآدَميينَ، وإنْ كانَ نعتًا جُمع على الأُدُم. يُعني إذا كان عَلمًا جُمع جمعَ تصحيحٍ، وإنْ كان وصفًا غيرَ عَلمٍ كُسِر على فُعُلٍ كحُمُرٍ. وقيلَ: سُمِّي بذلك لكونهِ من عناصرَ مختلفةٍ وقُوىً مُتفرقةٍ، كما قالَ تعالى: {مِن نُّطْفَةٍ أَمْشاجٍ} [الإنسان: 2]: أخلاطٍ، وهذا من قولِهم: جعلتُ فلانًا أُدْمَةَ أهلي أي خَلطتُه بِهم. وقيلَ: لِما طٌيِّبَ بهِ منَ الرُّوحِ المنفوخِ فيهِ المشارِ إليه بقوله: {ونَفَختُ فيهِ من رُوحي} [الحجر: 29] الذي جَعلَ لهُ بهِ العقلَ والفَهمَ والرَّوِيَّةَ المفضَّلَ بها على غيرهِ منَ الحيوانِ كقولهِ: وفَضَّلناهُم على كثيرٍ ممَّن خَلقْنا تَفضيلاً} [الإسراء: 70]، وذلكَ من قولِهم: الإدامُ وهوَ ما يُطيَّبُ به الطعامُ. ويقالُ: إدامٌ وأُدُمٌ نحوُ إهابٍ وأُهُبٍ. ومن هذا: أدامَ اللهُ بينَهما أي أَصلحَ وطيَّبَ. يأدُمُ أدْمًا، والأُدُمُ مثلُ الإدامِ. وفي الحديث: «لو نظرتَ إليها فإنَّه أحرى أن يُؤدَمَ بَينكُما»، أي يُؤلَّفَ ويَطيبَ، قالَ لمن يخطبُ امرأةً أي إذا أبصرتَها احتطْتَ لنفسِكَ. أد ي: قال تعالى: {إنَّ اللهَ يأمرُكم أن تُؤدُّ الأماناتِ إلى أهلِها} [النساء: 58]. الأَداءُ: ما يجبُ دفعُهُ، وإعطاؤهُ لمستحقِّهِ كأداءِ الأمانةِ. قال تعالى: {أَنْ تؤدُّوا الأماناتِ}. قالوا: وأصلُه منَ الأداةِ. قالوا: أَدَوْتَ تَفعلُ كذا أي خَتلتَ. وأصلُه تَناولتَ الأداةَ التي يُتَوصَّلُ بها إليهِ. واسْتأدَى على فلانٍ نحو اسْتَعْدى. قولُهم: أدَوْتَ، يدلُّ على أنَّ في

فصل الألف والذال

المادةِ لغةً من الياء والواو. والراغبُ يُترجِمُ بمادَّةِ أَدَيَ. مع ذكرهِ لقولهِم: أدَوْتَ. وفي الحديثِ: «يَجري من قِبَلِ المشرقِ جيشٌ آدَى شيءٍ وأعَدُّه». قالوا: معناهُ أقوى شيءٍ. يقالُ: آدِني وأعْدِني عليه، أي قوِّني، وفلانٌ مُؤْدٍ أي ذو قوَّةٍ. فوزن آدى في الحديثِ أفعلُ، والأصل أأدَى بهمزتينِ ففعلٌ ماضٍ بأمن ومُؤدٍ مثلُ مؤمنٍ. فصل الألف والذال إ ذ: ظرفُ زمانٍ ماضٍ، وتصرُّفُه قليلٌ، وهو مبنيٌّ لشبههِ بالحرفِ، ويلزمُ الإضافةَ إلى الجملةِ الاسميةِ أو الفعليةِ. وقد تُحذفُ وينوبُ عنها تنوين كقولهِ: {وأنتمُ حينئذٍ تَنظرون} [الواقعة: 84]، {وَمِنْ خِزيِ يومئذٍ} [هود: 66]. وزعمَ الأخفش أنها مُعربةٌ حالَ تنوينها. ويوردُه في غيرِ هذا. ويزادُ عليها ما فتَجزُم فعلينِ كـ «إنْ» ومثلُها حَيثُما. إ ذ ن: الإذنُ: الإعلامُ. يقال: آذنْتُ لك في كذا أي أَعلمتُكَ برفعِ الحَرجِ في فعلهِ، فيكونُ بمعنى الأمرِ. قال اللهُ تعالى: {في بيوتٍ أذِنَ اللهُ أنْ تُرفَعَ} [النور: 36]، {مَن ذا الذي يشفعُ عندَه إلا بإذنِهِ} [البقرة: 255]، {إلا مِن بعدِ أن يأذنَ اللهُ} [النجم: 26]

لمن يشاكلُه بمعنى الأمر. والإذنُ: العلمُ. قال تعالى: {تنزَّلُ الملائكةُ والروحُ فيها بإذن ربِّهم} [القدر: 4] أي بعلمهِ أو بأمرهِ. ويوافقُه: {وما نَتنزَّلُ إلا بأمرِ ربِّك} [مريم: 64] وقولُه: {وما كانَ لنفسٍ أنْ تُؤمنَ إلا بإذنِ اللهِ} [يونس: 100] {وما هُم بضارِّينَ بهِ مِن أحدٍ إلا بإذنِ اللهِ} [البقرة: 102]، كلُّه بمعنى علمِه. وقال الهَرويُّ في: {أنْ تموتَ إلا بإذنِ اللهِ} [آل عمران: 154] أي بتوقيتهِ، وفيه نظرٌ. وقولُه: {فاذَنوا بحربٍ منَ الله} [البقرة: 279] أي فاعلموا. يقالُ: أذِنَ يأذَنُ إذنًا أي علمَ. وقُرئَ: {فآذِنوا} بمعنى أعلِموا مَن وراءَكم. وقولُه: {آذَنَّاكَ ما منَّا مِن شهيد} [فصلت: 47] أي بشدَّةِ الدَّهَش، وإلا فهم يَعلمون أنه عالمٌ بذلك. وقولُه: {فقُل آذَنْتكم على سَواء} [الأنبياء: 109] أي أعلمتُكم بما ينزلُ عليَّ من الوحْيِ لتَسْتووا في الإيمانِ به. وقيلَ: لِتَسْتووا في العلم بذلك، فلم أعلمْ لأحدٍ بنبأٍ أخفيتُه على غيرِهِ. وقيلَ: المعنى على بيانِ: أنا إياكم حربٌ لا سِلمٌ، كقوله: {إليهم على سَواءٍ} [الأنفال: 58]. وقيلَ: هو جارٍ هنا مَجرى الإنذارِ، أي: أنذركُم مُستوِينَ في ذلك لم أطوِهِ عن أحدٍ منكم. وأنشدَ قولَ ابن حِلِّزَةَ: [من الخفيف: 43 - آذَنَتْنا بِبَيْنِها أَسماءُ ... رُبَّ ثاوٍ يُمَلُّ مِنْهُ الثَّواءُ وعليه قولُه: {فاذَنوا بحربٍ} [البقرة: 279] وقلوُه: وأذانٌ منَ الله} [التوبة: 3] أي إعلامٌ وإنذارٌ. يقالُ: آذَنَ يُؤذِن إيذانًا وأَذانًا وأَذينًا. قال جرير: [من الكامل] 44 - هل تَملكونَ من المشاعرِ مَشْعرًا ... أو تَشْهدون من الأَذانِ أَذينا ويروى: لدَى الأذانِ.

وقيلَ: الأَذينُ: المؤذِّنُ المُعْلِمُ بأوقاتِ الصَّلاةِ؛ فَعيلٌ بمعنى مُفَعِّلٍ. وأنشدَ: [من الرجز] 45 - شَدَّ على أمرِ الورودِ مئْزرَهْ ... ليلاً، وما نادَى أّذينُ المَدَرَهْ أي مُؤذِّنُ البلدِ. وقولُه: {وإذْ تأذَّنَ ربُّكَ} [الأعراف: 167] تفعَّل بمعنى أعلمَ. وقولُه: {فأذَّنَ مُؤذِّنٌ} [الأعراف: 44] أي نادَى مُنادٍ أعلمَ وبنادئه. ولما ذَكرَ الراغبُ الأُذُنَ التي هيَ الجارحةُ قالَ: وأذِنَ: استمعَ نحو: {وأَذِنَتْ لربِّها وحُقَّتْ} [الانشقاق: 2]. ويُستعمل ذلك في العلمِ الذي يُتوصَّلُ إليه بالسَّماع نحو: {فأذَنُوا بحرْبٍ منَ الله} [البقرة: 279]. والإذْنُ والأَذانُ لِما يُسمَعُ، ويُعبَّر بذلك عن العلمِ، إذ هوَ مَبدأُ كثيرٍ منَ العلمِ. وأّذِنْتُه وآذنْتُه بمعنىً. والأذِينُ: المكانُ الذي يأتيهِ الأذان. والإذنُ في الشيءِ: إعلامٌ بإجازتهِ والرُّخصَةِ فيه، نحو: {إلا ليطاعَ بإذْنِ الله} [النساء: 64] أي بإرادتهِ وأمرهِ. قالَ: لكنْ بينَ العلمِ والإذنِ فرقٌ؛ فإنَّ الإذْنَ أخصُّ، إذا لا يكاد يستعملُ إلا فيما فيه مشيئةٌ ضامَّةٌ للأمرِ أو لم تُضامَّه؛ فإنَّ قولَه تعالى: {وما كانَ لنفسٍ أن تؤمنَ إلا بإذنِ الله} [يونس: 100] معلوم؛ فإن فيه مشيئتَه وأمرَه. قال: وقولُه: {وما هم بضارِّينَ به مِن أحدٍ إلا بإذنِ الله} [البقرة: 102] فيه مشيئتُه من وجهٍ، وهو أنَّه لا خلافَ في أنَّ اللهَ أوجدَ في الإنسانِ قوَّةً فيها إمكانُ الضَّربِ من جهةِ مَن يظلمُه فيضرُّه، ولم يجعلْه كالحجرِ الذي لا يوجعُه الضربُ. ولا خلافَ أنَّ إيجادَ هذا الإمكانِ مِن فعلِ اللهِ تعالى، فمن هذا الوجه يصحُّ أن يقالَ: إنه بإذن الله ومشيئته يلحقُ الضررُ من جهة الظالم. قلتُ: وهذا الاعتذارُ منه لأنهُ ينحو إلى مذهبِ الاعتزال. وإذَنْ: حرفُ جوابٍ وجزاءٍ، والجوابُ معنىً لا يفارقُها، وقد يفارقُها الجزاءُ. وينصبُ المضارعَ بشروطٍ ثلاثةٍ:

1 - أنْ يتصدَّرَ. 2 - وأن يكونَ الفعلُ حالاً. 3 - وألاَّ يُفصلَ بينَه وبينَها؛ فإنه وقعتْ بعدَ عاطفٍ جازَ الأمرانِ؛ وقُرئَ: {وإذنْ (وإذًا) لا يَلبثونَ خِلافَكَ} [الإسراء: 76] بالرفع والنصب. فإن وقعتْ بينَ متلازمينِ، أو كانَ الفعلُ حالاً، أو فُصلَ بينَهما رُفعَ وشُبِّه بالتَّنوينِ، فيكتبُ بالألفِ، ويُوقَفُ بها عليها. والأذنُ الجارحةُ يُعبَّر بها عمَّن كثُر استماعُه وقبولُهِ لِما يُقالُ لهُ. فيقالُ: فلانٌ أذنُ خَيرٍ لكُم، أي يقبلُ مَعاذيرَكم، ويصفحُ عن مُسيئكم، كأنَّهم يقولون: إذا بلغَه عنَّا ما يكرهُه حَلفْنا لهُ فيقبلُنا، فإنَّما هو أُذُنٌ. وأذِنَ لكذا: استمعَ لهُ. وفي الحديثِ: «ما أَذِنَ اللهُ لشيءٍ كإذْنهِ لنبيٍّ يتغنَّى بالقرآن»، يريدُ: ما استمعَ اللهُ لشيءٍ، واللهُ لا يشغَلُه سمعٌ عن سَمعٍ. أذَ يَ: الأذَى في الأصلِ: الضَّررُ الحاصلُ. وقولُه: {قُل هوَ أذًى} [البقرة: 222] كنايةٌ عن الاستقذار، وما يلحقُ مُتعاطي الوطْءِ في وقتِه منَ الضَّرر، وكونُه يخرجُ من مَخرجِ البَولِ. وقوله: {فآذوهُما} [النساء: 16] إشارةٌ إلى الضربِ. وقيلَ: سِيئوهُما واشتموهما، ثم نُسخَ ذلك بالحدِّ. وقولُه: {لا تُبطِلُوا صَدَقاتِكُم بالمنِّ والأذَى} [البقرة: 264] وهو ما يَسمعُه منَ المكروهِ، وهو كقولهِ: {وأمَّا السائلَ فلا تَنْهرْ} [الضحى: 10]. وقولُه: {ودَعْ أذاهُم} [الأحزاب: 48] أي اترك ما تَسمعُه من المنافقينَ حتى تُؤمَرَ فيهم. وقولُه في الإيمان: «أدناه إماطةُ الأذى عن الطريق»، يعني

به: كلُّ ما يتأذَّى به المارُّ في طريقِه من شَوكٍ وحجرٍ ونحوِهما. وفي الحديثِ: «أميطوا الأذَى عنه»؛ يعني بالأذى الشَّعرَ الذي يكونُ على رأسِه عندَ ولادتهِ يومَ السابعِ وهو العقيقةُ. وكانتِ العربُ تذمُّ مَن لا يُحلقُ رأسُه يومَ السابعِ. قالَ امرؤ القيس: [من المتقارب] 46 - أيا هندُ لا تَنْكحي بُوهَةً ... عليهِ عقيقتُهُ أَحْسَبا يقالُ: آذَى يُؤذي إيذاءً أذىً وأذِيَّةً. والآذِيُّ: الموجُ، لأنَّه يؤذي راكبَ البحر. وإذا: ظرفُ زمان مستقبل يتضمَّنُ معنى الشرط غالبًا، ولا يَجزم إلا في الشعر كقوله: 47 - إذا خمدتْ نيرانُهم تَقدِ ولا يقعُ إلا في المحقَّقِ. وتلزمُها الإضافةُ إلى الجملِ الفعليةِ فقط على المشهور، وتصرُّفُها قليلٌ. وتكون فُجائيةً، وهل هيَ حينئذٍ ظرفُ زمانٍ أو مكانٍ أو حرفٌ خلافٌ كقولهِ: {فإذا هيّ شاخصةٌ أبصارُ الذين كفروا} [الأنبياء: 97]، وقولهِ: {إذا السماء انْشقَّت} [الانشقاق: 1] على إضمارِ الفعلِ. وقد تقعُ إذْ موقع إذا كقولهِ: {ولن ينفعَكُمُ اليومَ إذْ ظَلمتُم} [الزخرف: 39]، وإذا موقعَ إذ، كقولهِ: {وإذا رأَوا تجارةً أو لهوًا انفضُّوا إليها} [الجمعة: 11] والمختارُ أنَّ كلَّ واحدةٍ على بابِها، ولتحقيقهِ موضعٌ غيرُ هذا.

فصل الألف والراء

فصل الألف والراء أر ب: قالَ اللهُ تعالى: {غيرِ أُولي الإرْبةِ من الرجالِ} [النور: 31] أي غيرِ أولي الحاجة إلى النِّكاحِ، وقيلَ: غيرِ أولي العقلِ الذين لا يَعقلهنَّ النساءُ. يقالُ: أرِبَ الرجلُ يَأرَبُ أَرَبًا وإرْبةً ومَأرُبةً. والأرَبُ: العقلُ. وقيلَ: الأربُ فرطُ الحاجةِ المُقتضي للاحتيال في دفعه، فهو أخصُّ. وكلُّ أربٍ حاجةٌ من غير عكسٍ. وأرِبَ إلى كذا: احتاج حاجةً شديدةً. وقد يُستعملُ في الحاجةِ بانفرادِها. قال. . . (¬1) أي احتجتُ وطلبتُ، وفي الاحتيالِ بانفرادهِ كقولهِم: فلانُ ذو أربٍ وأَريبٍ، أي ذو احتيالٍ. وفي الحديثِ: «أنه ذكرَ الحيَّاتِ فقال: مَن خشيَ إرْبَهنَّ فليسَ منَّا» أي نكدَهنَّ ودهاءَهنَّ وغائلتَهنّ، لأنهم كانوا يقولون: مَن قتلَ حيةً خُبل في عقلهِ، فزجرَهُم بذلك. ولا أربَ لي بكذا، ولا أُرَبَى: الداهيةُ المحوجةُ في دفعها إلى الاحتيال. والمآرب: الحاجات والمنافعُ، جمع مأرُبة أو مأرَبة بالضم أو بالفتح. قال تعالى: {ولي فيها مآربُ أخرى} [طه: 18]. ومن ذلك: الآرابُ وهي الأعضاءُ السبعةُ المشارُ إليها بقولهِ عليه الصلاةُ والسلامُ: «أُمرتُ أنْ أسجُدَ على سبعةِ آرابٍ»، وفي آخرَ: «إذا سجدَ العبدُ سجدَ معه سبعةُ آرابٍ: وجهُه، وكفّاهُ، ورُكبتاهُ، وقدماهُ». وسُميتْ هذه آرابًا لأنها تَشتدُّ الحاجةُ إليها. ¬

_ (¬1) فراغ في الأصل.

فإنَّ ما في الإنسانِ إمَّا لمجردِ زينةٍ كاللحية والحاجبِ، وإما للحاجةِ. ثم هذا قسمان: تشتدُّ الحاجةُ إليه كاليدينِ والرِّجلين فمن ثمَّ سُميتْ هذه آرابًا. وفي الحديث: «أنَّ رجلاً اعترضَ النبيَّ صلى الله عليه وسلم ليسألَه فصاحَ به الناسُ، فقالَ لهم النبيُّ صلى لله عليه وسلم: أرِبَ مالَهُ؟»؛ قال ابنُ الأعرابي: معناهُ احتاجَ فسألَ، ما لَه؟ وفي حديثٍ آخرَ: «فدعوهُ، فأرَّبٌ مالَهُ»؛ قال الأزهريُّ: معناه: فحاجةٌ جاءتْ بهِ فدَعوهُ. وقال القتيبيُّ في قوله: أرِبَ مالَهُ: سَقطتْ آرابُه وأُصِيبتْ. وهذهِ كلمةٌ لا يرادُ بها حقيقة الدُّعاء كقوله: عَقْرَى حَلْقَى، وتَرِبتْ يداكَ، يعني أنَّ قولَه: سقطتْ آرابُه أي أعضاؤهُ كما تقدَّم. وفي نحوِ ما يردُ من ذلكَ منهُ عليه السلامُ قولانِ أحدُهما أنه دعاءٌ على بابِه. ولكنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم لرأفتِه بنا قالَ: «اللهمَّ إنما أنا بشرٌ فمن دعوتُ عليهِ فاجعلْ دُعائي رحمة له». والثاني أنه على التعجب كقولهم: قاتَلَه الله ُ ما أشعَرهُ!، ولله دّرّه، وتَرِبتْ يداهُ، و {قُتل الإنسانُ} [عبس: 17]. وفي آخر: أربٌ، ما لَهُ؟ أي هو حاذقٌ فطنٌ. قال أبو العيال: [من مجزوء الوافر] 48 - يَلُفُّ طوائف الفُرسا ... نِ، وهْو بلَفِّهِمْ أرِبُ وأرُبَ الرجُلُ: صارَ ذا فطنةٍ. وفي حديثٍ: «أُتيَ بكتفٍ مُؤرَّبةٍ» أي مُوفَّرةٍ غيرِ ناقصةٍ. وهو من قولِهم: أَرَّبَ نَصيبَه أي عظَّمَهُ بأنْ جعلَ ذا قدْرٍ يكونُ فيه أَرَبٌ. وأَرَّبَ مالُه: كثُر، وأَرَّبْتُ العُقدةَ: أحكمتُها وشدَدْتُها، ومنه قولُ سعيد بن العاصِ لابنهِ عمرو: لا تتأرَّبْ على بَناتي أي تتشدَّدْ. وعن عائشةَ رضيَ الله عنها في حقِّه عليه الصلاة والسلام: «كانَ أمْلَكَكُم لأَرَبهِ» أي لحاجتهِ. وفي الحديثِ: «مؤاربةُ الأريبِ

جهلٌ وعَناءٌ» أي مغالبةُ العاقلِ جهلٌ لأنه لا يُختلُ عن عقلهِ. أر ض: الأرضُ: الجِرمُ الكثيفُ السفليُّ المقابلُ للسَّماءِ، ولم تَجئْ في القرآنِ إلا مفّردةً، وقد جُمعتْ تَصحيحًا في قولهِ عليه الصلاة والسلام: «طَوَّقَه من سبعِ أَرَضينَ». وفي قولِ الآخرِ: [من الوافر] 49 - وأيَّةُ بلدة إلا أتَينا ... من الأرضينَ تعلَمُهُ نزارٌ فقيلَ: إنها سبعٌ متطابقةٍ كالسَّماواتِ، ويشهدُ له ظاهرُ قولهِ: {ومن الأرضِ مِثلَهُنَّ} [الطلاق: 12]. وقولُه: «من سبع أرضينَ» لا دَلالةَ فيه لاحتمالِ سبعِ أقاليمَ، وسبعِ أرضينَ متجاورةٍ لا متطابقةٍ. ويعبَّرُ بها عن أسفلِ الشيءِ، كما يعبَّرُ بالسماءِ عن أعلاه، قال: [من الرجز] 50 - ولم يُقلِّبْ أرضَها البَيْطارُ [من الطويل]: 51 - وزَهراءُ كالديباجِ، أمَّا سماؤها ... فَرَيًّا، وأما أرضُها فمَحُولُ والأرضُ: الرِّعدةُ أيضًا، وعنِ ابن عباسٍ: «أَزُلزِلتْ بي الأرض أم بي أَرْضٌ»؟ أي رِعدةٌ. والأرْضُ: الزُّكامُ. تأرَّض: قامَ على الأرضِ. وفي حديثِ أمِّ معبدٍ: «فشربوا حتى

أراضُوا» أي ناموا على الأرض. والتأريضُ: التَّهيئةُ والتسوية، وفي الحديث: «لا صيامَ لمن لم يؤرِّضْه منَ الليلِ» أي يُهيئه. وآرضْتُ الكلامَ، من مكانٍ أريضٍ، خليقٍ بالخير. وأرضٌ أريضةٌ: حسنةُ النَّبتِ. والأَرَضَةُ: دودةٌ تأكُل الخشبَ من الأرضِ. وأَرِضَتِ الدودةُ الخشبةَ فهي مأروضةٌ، وأُرِضتِ الخشبةُ. وقولُه: {يحيي الأرضَ بعدَ موتِها} [الروم: 19] من أحسنِ المجازاتِ، وفيهِ دليلٌ على البعثِ. وقيلَ: هو كنايةٌ عن إِلانةِ القلوب بعدَ قسوتِها وثُبوتها على الحقِّ. أر ك: قال تعالى: {على الأرائكِ} [الكهف: 31] هو جمعُ أريكةٍ. والأريكةُ: كل ما يُتَّكأ عليه، عن الزهريِّ. وقال ثعلبٌ: السريرُ في الحَجَلة فإن كان منفردًا فليس بأريكةٍ. قال الراغبُ: حَجلةٌ على سريرٍ. وتسميتُها بذلك إمّا لكونها على الأرضِ مُتَّخذةً من الأراكِ وإمّا لكونها مكانًا للإقامة من أرَكَ بالمكانِ أُروكًا: أقام. وأصلُ الأُروكِ الإقامةُ لرعي الأراكِ. ثم عُبِّر به عن كلِّ إقامةٍ. أر م: قال تعالى: {بعادٍ * إِرَمَ} [الفجر: 6 - 7]. قيلَ: هو سامُ بنُ نوحٍ. وقيل: هو أبو عادٍ. وقيلَ: قبيلةٌ من عادٍ. وقيلَ: هو اسمُ قريةٍ. وقيلَ: أمةٌ من الأممِ. وقيلَ: هي عادٌ الأولى. والإِرَمُ أيضًا: عَلمٌ يُبنى من الحجارةِ، جمعُه آرام. والحجارةُ: أُرَّمٌ، ومنهُ قيلَ للمتَغيِّظِ: يحرقُ الأُرَّمَ. وإِرَمٌ: بلدةُ عادٍ. ومعنى قولِه: {ألم تَرَ كيفَ فعلَ ربُّكَ بعادٍ *

فصل الألف والزاي

إِرَمَ} أي أعلامُها المرفوعةُ العتيدةُ المزخرفةُ. وما بها أَرِمٌ وأريمٌ: أي أحدٌ. وأصلُه: المقيمُ في الدار. فصل الألف والزاي أز ر: الأزْرُ: القوةُ الشديدةُ، قال تعالى: {اشدُدْ به أَزري} [طه: 31]. أي أتقوَّى به. وآزرتُه: قوَّيتُه، قالَ: {فآزَرَه} [الفتح: 29] قوَّاهُ. وتأزَّرَ النَّبتُ: طالَ وقويَ، وعليه قولُه: [من الطويل] 52 - فلا أبَ وابنًا مثلَ مروانَ وابنِه ... إذا هو بالمجدِ ارْتَدى وتأزَّرا وأزَرتُ البناءَ وآزَرْتُه: قوَّيتُ أُسَّه، وأصلُ ذلك من شدِّ الإزارِ وتقويتهِ. يقال: إزارٌ وإزارةٌ ومِئزرٌ، ومنه تسميةُ المرأةِ إزارًا كقوله: {هنَّ لباسٌ لكم} [البقرة: 187]. وفي الحديث: «لنَمنَعنَّك ممّا نَمنعُ منهُ أُزُرَنا». وفلانٌ طاهرُ الإزارِ يكنَّى بهِ عن ذلك أو عن عقبهِ. وقالَ آخرُ: [من الوافر]: 53 - ألا أبلغْ أبا حفصٍ رسولاً ... فدى لكَ من أَخي ثقةٍ إزارِي وقولُه: {لأبيهِ آزَرَ} [الأنعام: 74] قيلَ: اسمه تارَخُ فعرِّبَ فصارَ آزَرَ. وقيل: هو بلغتِهم الضالُّ. وأما آزرتُه ووازَرْتُه: صرتُ وزيرَه فسيأتي في مادة الواو إن شاء الله. وقولُه: «إذا دخلَ العشرُ الأواخرُ أيقظَ أهلَه وشدَّ مئزرَه»، قيل: كنَّى بذلك عن عُزلتِه عن نسائه،

وقيل: كنَّى بهِ عن التَّشميرِ والاجتهادِ وإنْ لم يرجُ ذلك. وقولُه: [من البسيط] 54 - قومٌ إذا حاربوا شَدُّوا مآزِرَهُم ... دونَ النساءِ ولو باتَتْ بأطهارِ يريدُ الاعتزالَ عنهنَّ. أز ز: قال تعالى: {تَؤُزُّهُم أزًّا} [مريم: 83] أي تُزعجهُم إزعاجًا شديدًا. والأزُّ والهزُّ أَخَوانِ، وقيلَ: الأزُّ أبلغُ منَ الهزِّ. والأزُّ مأخوذٌ من: أزَّتِ القدرُ تئزُّ أَزيزًا إذا سُمع غليانُها. وفي الحديثِ: «أنه عليه السلام كان يُصلي ولجوفهِ أزيزٌ كأزيزِ المرجلِ». فالمعنَى تُزعجُهم إزعَاجَ القدرِ إذا أَزَّتْ واشتدَّ غليانُها. وفي حديث سَمُرةَ: «كَسَفتِ الشمسُ على عهدِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، فأتيتُ المسجدَ فإذا هوَ بأَزَزٍ» أي امتلاءٍ، وذلك شبيهٌ بما في المرجلِ. ومجلسٌ أزَزٌ: كثيرُ الزِّحامِ. وفي آخرَ: «فإذا المجلسُ يَتأزَّزُ» أي يموجُ. أز ف: قولُه تعالى: {أزِفَتِ الآزفَةُ} [النجم: 57] أي قرُبت القيامةُ ودَنتْ. والآزفةُ عَلمٌ بالغلبةِ للقيامةِ. ولذلك اتَّحد الفعلُ والفاعلُ لفظًا، وإلا قيامُ القائِم عندَهُم ممتنعٌ لعدمِ الفائدة. قيل لها آزفةٌ باعتبارِ تحقُّقِ وقوعِها كقولهِ: {أتى أمرُ اللهِ} [النحل: 1] {ونادى أصحابُ النارِ} [الأعراف: 50]. وقيل: لأنَّ ما مضى من الدنيا أضعافُ ما بقيَ، فلذلك سُميتْ بالآزِفةِ. وسميتْ بالساعةِ لشدَّة قُربِها، وكلُّ ما هو آتٍ قريبٌ وإن بعُدَ، فكيفَ بما قَرُبَ؟ وأزِفَ وأَفِدَ متقاربان إلا أنَّ أزفَ يعبَّر بهِ في ما ضاقَ وقتُه، ولذلك أتى به هنا. قولُه: {وأنذِرْهُم يومَ الآزفَةِ} [غافر: 18] أي خوّفْهم أهوالَه، فوصفَه لهم بما يُنبِّهُهم على الاستعدادِ لأنه كالحاضرِ.

فصل الألف والسين

فصل الألف والسين أس ر: الأَسْرُ: الشَّدُّ، وأصلُه من الشدِّ بالإسارِ وهو القِدُّ، ومنه: أَسرتُ القَتَبَ: شَددتُه بذلك. ويسمَّى الأَخيذُ أسيرًا ومأسورًا لشدِّه بذلك. ثم أُطلقَ على كل مَن أُخذَ بقوةٍ، وإنْ لم يُشدَّ به. وقولُه: {وشَدَدْنا أسْرهُم} [الإنسان: 28] أي قوَّينا خَلْقَهم، وسُمِّي الخَلْقُ أسْرًا لشدِّ بعضهِ بَعضًا. وفي الحديث: «كان داودُ إذا ذَكَر عِقابَ الله تخلَّعتْ أَوصالهُ لا يشدُّها إلا الأَسْرُ» أي العُصْبُ والشَّدُّ. قيلَ: إشارةٌ إلى كلمتهِ في تركيبِ الأمورِ بتدبُّرها وتأمُّلها في قولهِ: {وفي أنفُسِكم أفَلا تُبصرون} [الذاريات: 21]. وقيلَ: معناهُ أرادَ من شدِّ المصَرَّتَينِ لا تَسترخيان. وأُسْرةُ الرجل: مَن يتقوَّى به. والأُسرُ: احتباسُ البولِ، كالحصْرِ في احتباسِ الغائطِ لما في ذلك من الشدَّة القوية. ويُجمعُ الأسيرُ على أُسارَى وأَسارى؛ ضمًا وفتحًا، وأسرى، والمشهورُ أنه لا فرقَ. وعن أبي عمرٍو: الأَسرى؛ فهو جمعُ الجمعِ. وقد حقَّقنا هذا في «الدرِّ المَصونِ». وقال الكسائيُّ: ما كانَ من عللِ الأبدانِ والعقولِ جُمعَ على فَعْلى، فجعلَه من بابِ هَلْكى ومَرْضى، وقيلَ في قوله. أس س: والأساسُ: أصلُ الشيءِ الذي يُبنَى عليه ذلك الشيءُ. ومنه أسُّ البناءِ أي قاعدتُه، نحو قُفْل وأَقْفال. ويُستعارُ ذلك في المعاني فيقالُ: أسَّسَ أمرَهُ على خيرٍ أو شرٍّ. قال تعالى: {أفمن أسَّسَ بنيانَه على تَقوى منَ اللهِ ورِضْوانٍ} [التوبة: 109] قُرئَ بالبناءِ للفاعلِ والمفعول. وقيلَ: المرادُ بالبُنيانِ مسجدُ قُباءَ ومسجدُ بَني ضِرار الذي بناهُ أبو عامر

الراهبُ لعنَه اللهُ، وهو مسجدُ الضرارِ. أس ف: الأسَفُ: الغضبُ والحزنُ معًا، وقد يطلقُ على كلِّ منهما بانفراده. وحقيقتُه ثَوَرانُ دمِ القلبِ شَهوةَ الانتقامِ. فمتى كانَ على مَن تَحته انتشَرَ فصارَ غَضَبًا، وعلى مَن فوقَه انقبضَ فصارَ حُزنًا. وسُئل ابنُ عباسٍ عن الحزنِ والغضبِ فقالَ: غرضُهُما واحدٌ واللفظُ مختلفٌ، فمن نازَعَ مَن يَقْوى عليهِ أظهَره غَيظًا وغَضبًا، ومَن نازعَ مَن لا يقوى عليه أظهَره حُزنًا وجَزَعًا، وعليه قولُه: [من البسيط] 55 - وحُزنُ كلِّ أخي حُزنٍ أخو الغَضبِ وقولُه تعالى: {فلما آسفُونا انْتَقمنا مِنهُم} [الزخرف: 55] أي أَغضَبونا، وذلك على حدِّ قوله: {غَضِبَ اللهُ} [المجادلة: 14] بالتأويلِ المشهورِ، وهو إرادةُ الانتقامِ. وقيلَ: أَغضَبوا عبادَنا. قال أبو عبدِالله الرِّضا: إن اللهَ لا يأسَفُ كأَسَفنا، ولكن لهُ أولياءُ يأسفونَ ويرضَون. فجعلَ رِضاهُم رضاهُ، وغضبَهم غضبَهُ، كما قال: «مَن عادَى لي وليًا فقد بارَزَني بالمحاربةِ». وخصُّوا الأسيف بالحزين، والأسِف بالغضبان، ولذلك جَمع بينَهما في قوله: {غضبانَ أسِفًا} [طه: 86]. ولم يؤتَ بأسيفٍ لئلا تتكرَّر المادةُ. وقال الهرويُّ في قولهم: «إن أبا بكرٍ رجلٌ أَسيفٌ» أي سريعُ الحزنِ والبكاءِ، وهو الأَسوفُ أيضًا، وأما الآسِفُ فهو الغَضبانُ. وما قدَّمتُه أولى لئلا يلزمَ التكرارُ معنىً، والأصلُ عدمُه. قال: والأسيفُ في غير هذا العبدُ، وقد جعلَه بعضُهم من هذا البابِ فقالَ: ويُستعارُ للمسخَّرِ والمستخدَمِ ولمن لا يُسمَّى، فيقال: هو أَسِيفٌ؛ وذلك أن العبدَ يحزنُ غالبًا، والهمُّ يذيبُ الشحمَ.

ويقالُ: أسِفَ يأسَفُ أَسَفًا، وآسفتُه: أغضبتُه. وسُئل رسولُ الله صلى الله عليه وسلم عن الموتِ الفُجاءة فقال: «راحةٌ للمؤمنِ وأخْذَةُ أسَفٍ للكافرِ». وكذا في حديثِ إبراهيم: «إنْ كانوا ليكرَهون أَخْذَةً كأخْذةِ الأسَفِ» أي موتُ الفُجاءة. أس ن: قالَ تعالى: {مِنْ مَاءٍ غيرِ آسِنٍ} [محمد: 15] أي غيرِ مُتغيِّرِ الرائحةِ. يقالُ: أسَنَ الماءُ يأسنُ ويأسُنُ أُسونًا فهو آسِنٌ. وأَسِنَ يأسَنُ فهو آسِنٌ بالقصر. وقد قُرئَ {آسنٍ} بالوجهين إذا تغيَّرتْ رائحتُه تَغيُّرًا مُنكرًا يُتأذَّى بها. وأسَنَ الرجلُ إذا مَرِض من أسَنِ الماءِ فغُشيَ عليه. ِ قال الشاعرُ: [من البسيط] 56 - يَميدُ في الرمحِ مَيْدَ المائحِ الأَسِنِ وتَأَسَّنَ الرجلُ: اعتلَّ، تشبيهًا بهِ، ومثلُه أجَنَ وأجِنَ يأجِنُ أُجونًا. أس و: الأُسْوةُ والإسْوةُ، بالضمِّ والكسر، مثلُ القُدْوةِ والقِدوةِ، وهي الحالةُ التي يكونُ الإنسانُ عليها في اتِّباعِ غيره سواءٌ في حُسنٍ أو قُبحٍ، نَفعٍ أو ضُرٍّ. قال تعالى: {لقد كانَ لكُمْ في رسولِ اللهِ أُسْوةٌ حَسنةٌ} [الأحزاب: 21] قُرئ بالوجهين، أي اتِّباعُه واجبٌ عليكم. يقالُ: تأسَّيتُ بهِ أي اتبعتُه في فعلهِ مثلُ اقتديتُ. والتَّأسيةُ: التعزيةُ؛ وهو أن يقولَ: فلانٌ قد أصابَه ما أصابَك فصَبَر، فتأسَّ بهِ في ذلك. وفي حديث قَيْلةَ: «آسِني لِما أمضيْتَ وأعنِّي على ما أَبْقيتَ» أي: عزِّني وصبِّرني. وروَى الأزهريُّ: أُسْني لِما، أي عَوِّضْني. والأسي: العوضُ.

فصل الألف والشين

أس ي: الأسَى: الحزنُ. يقالُ: أسيتُ عليهِ أسىً. قال تعالى: {فكيفَ آسَى على قومٍ كافرينَ} [الأعراف: 93] {فلا تأسَ على القومِ الفاسقينَ} [المائدة: 26]. وحقيقتُه اتِّباعُ الفائتِ، فهو قريبٌ من التأسِّي. ويقالُ: أسيتُ لهُ أي لأجلهِ. قال: 57 - أسِيتُ لأخوالي ربيعةَ قال الراغبُ: «وأصلُه من الواوِ كقولهم: رجلٌ أَسْوانٌ أي حزينٌ. والأَسْوُ: إصلاحُ الجُرحِ، وأصلُه إزالةُ الأسَى نحو: كَرَبتُ النّخلَ أي أزلتُ الكَرْبَ عنهُ. يقالُ: أَسَوْتُه أسوءُهُ أَسْوًا. والأسِي؛ طبيبُ الجرحِ» ويجمعُ على أُساةٍ كقولهِ: [من الوافر] 58 - فلو أنَّ الأطبّا كانَ حَولي ... وكانَ معَ الأطباءِ الأُساةُ وأسَيتُ بينَ القومِ: أي أصلحتُ بينَهم. وقولُه: [من الطويل] 59 - فآليتُ لا أسَى على إثْرِ هالكٍ ... قدِ الآنَ من حُزنٍ على هالكٍ قَدي أي حلفتُ لا أحزنُ على أحدٍ يموتُ بعدَه لأنَّ مصيبتَه جلَّتْ على سائرِ المصائب. فصل الألف والشين أش ر: قال تعالى: {سيعلمونَ غدًا مَنِ الكذَّابُ الأَشِرُ} [القمر: 26]، قال القُتيبيُّ: الفَرِحُ المتكبرُ. وقال الهرويُّ: الأشِرُ: اللجوجُ في الكذبِ. وقولهُ: فعلَه أشَرًا وبَطَرًا، أي

فصل الألف والصاد

لجَّ في البطر. قال الراغبُ: الأشَرُ: شدَّةُ البَطرِ؛ فالأشَرُ أشدُّ من البطرِ، والبَطرُ أشدُّ من الفرحِ، وإنْ كان مذمومًا في أكثرِ الأحوالِ، فقد يُمدحُ في بعضِ المواضعِ. وذلكَ أنَّ الفرحَ قد يكونُ من سرورٍ بحسبِ قضيةِ العقلِ، والأشَرُ لا يكونُ إلا فَرَحًا بحسبِ قضيَّة الهَوى. وقولُهم: ناقةٌ مِئشِيرٌ أي نشيطةٌ تشبيهًا بذلك. وقيلَ: هيَ الضَّامرُ تشبيهًا بالرِّعاءِ المأشورةِ. فصل الألف والصاد أص ب ع: الإصبعُ معروفٌ، وفيه عشرُ لغاتٍ: تَثليثُ الهمزةِ، معَ تَثليثِ الباءِ، والعاشرةُ أُصبوعٌ. وهو اسمٌ يقعُ على الأُنْمُلةِ والبُرْجُمةِ والسُّلامَى والأُطْرة والظُّفر. وقولُه تعالى: {يجعلون أصابِعَهم في آذانِهم} [البقرة: 19] تنبيهٌ على أنهم لفَرطِ فَزعِهم من شدةِ صَوتِ الرَّعدِ أدخلوا جميعَ أصابِعهم ودسُّوها في أصمخةِ آذانهِم برأسِ السياق. ويستعارُ في النعمةِ كاليدِ فيقال: لفلانٍ عليَّ إصبعٌ أي يدٌ، ويستعارُ أيضًا للأثرِ الحسِّيِّ. أص ر: الإصْرُ: الثِّقْل. والإصْرُ: العهدُ. قالَ تعالى: {ويضعُ عنهُم إصرَهُم} [الأعراف: 157] أي ثقلَ ما كانوا كُلِّفوهُ من أنَّهم إذا أصابَهم نجاسَةٌ قَرضُوا في أيديهم كانتْ أو ثيابهم أو غيرِ ذلك، وهو المرادُ بقولهِ: {ربَّنا ولا تحملْ علينا إصْرًا كما حَملْتَهُ على الذين مِن قَبلنا} [البقرة: 286]. وقولُه: {وأخذتُم على ذلكم إصْري} [آل عمران: 81] أي عَهدي وميثاقِي. «والأصلُ في الإصْرِ أنه عَقدُ الشيءِ وحَبسُه بقهره، يقال: أَصرتُه فهو مأصورٌ.

والمأصَرُ: محبَسُ السفينةِ. فمعنى {ويضع عنهم إصرهم} أي الأمور التي تُثبِّطهم وتقيِّدُهم عن فعل الخيرات، وعمّا يصلون به إلى الثواب». والإصر: العهد المؤكَّدُ الذي يُثبِّطُ ناقضَهُ عن الخيرات والثواب. وقُرئَ قوله: {ويضع عنهم إصرهم} و {آصارهم} إفرادًا وجمعًا. والإصارُ: الطُّنُبُ والأوتادُ التي تُثبَّت بها الخيمةُ. وما يأصرني عنك شيءٌ أي ما يحبسني. والأيصر: كساءٌ يشد فيه الحشيش ويجعل على السنام، ليتمكن من ركوب البعير. وقال ابن عرفة في قوله: {ولا تحمل علينا إصرًا} أي عهدًا لا يُعبأ به. الأزهري: عقوبة ذنبٍ يشق علينا. والأصل ما قدمته. وفي الحديث: «من غسل واغتسل وغدا وابتكر إلى الجمعة، ودنا ولغا كان له كفلان من الإصر». قال شمر: هو إثم العقد إذا ضيعه، أراد نصيبان من الوزر، للغوه. وفي حديث ابن عمر: «من حلف على يمينٍ فيها إصرٌ فلا كفارة لها» يعني بها الحلف بطلاقٍ أو عتاقٍ أو نذرٍ، لأنها أثقل الأيمان وأضيقها مخرًا. والآصرة: القرابة، قال: [من البسيط] 60 - صِلِ الذي والتي مني بآصرةٍ ... وإنْ نأَى عن مدى مَرماهُما الرَّحِمُ أص ل: قال تعالى: {بالغدو والآصال} [الأعراف: 205]. الآصال جمع أصيل، والأصيل والأصيلة: العشية. قال الهروي: وهو ما بين العصر إلى المغرب. ويجمع على أصلٍ كرغيفٍ ورغفٍ، وآصالٍ كشريفٍ وأشرافٍ، وأصائلَ جمعٌ

فصل الألف والفاء

لأصيلةٍ. ويقال: أصيلان، فقيل: هو جمعٌ لأصيلٍ، كرغيفانٍ ورغيفٍ ثم صغر على لفظه. وهذا عند البصريين مردودٌ لعلة ذكرتها في شرح قصيدة النابغة. وذكرت هناك ترجمة ملخصها أن أصيلات أصلانٍ مرادٌ به المصدر كالغفران، وتبدل نونه لامًا. وينشد قوله: [من البسيط] 61 - وقفتُ فيها أُصيلانًا أسائلُها وأُصيلالاً؛ بالنون واللام. وآصلنا: دخلنا في الأصيل. والأصلة: الأفعى. وشبه الرأس الصغير الكثير الحركة برأس الحية. قال طرفة: [من الطويل] 62 - أنا الرجلُ الضَّربُ الذي تعرفونَه ... خَشاشٌ كرأسِ الحيةِ المتوقِّدِ وأصل الشيء قاعدته التي يرتفع بارتفاعها. والأصل ما منه الشيء أيضًا. ويقال للأب: أصلٌ. وفلانٌ لا أصل ولا فصل. فصل الألف والفاء أف ف: قال تعالى: {فلا تقل لهما أفٍّ} [الإسراء: 23]. وقال: {أفٍّ لكم ولما تعبدون من دون الله} [الأنبياء: 67]. فأفٍّ كلمةٌ يضجر بها، وهي اسم فعلٍ مضارعٍ

معناه أتضجر كـ «وَيّ» بمعنى أعجبُ. وفيها لغاتٌ كثيرةٌ تصل إلى نحو الأربعين، ذكرتُها مضبوطةً في «الدر المصون»، ولم يذكر منها الهروي غير عشرةٍ. ومعنى الآية: لا تقل لهما أدنى ما يفهمان عنك به التضجر، فكيف بما فوقه؟ وأصله من الأفِّ وهو وسخ الآذان. والتُّفُّ: وسخ الأظفار. وقيل: الأفُّ: الاحتقار، وأصله من الأفف، وهو الشيء القليل. وأففت له: أي قلت له ذلك استقذارًا له وعليه {أفٍّ لكم}. وفي الحديث: «ألقى طرف ثوبه على أنفه وقال أفٍّ أفٍّ» معناه الاستقذار لما شمه. أف ق: قال تعالى: {سنريهم آياتنا في الأفاق} [فصلت: 53] أي النواحي، جمع أفقٍ، نحو عنقٍ وأعناق. وقيل: الواحد إفقٌ نحول حملٍ وأحمالٍ. قال: [من البسيط] 63 - تهمي تصب أفقًا من بارقٍ تشم يُروى أفقًا وإفقًا، والبيت على القلب أصله: تهمي تصب بارقًا من أفقٍ، أي من أيِّ جهةٍ وناحيةٍ، والنسب إليه أفقي. والآفق: الذاهب في الآفاق وبه شبه الذي بلغ النهاية في الكرم، فقيل له: آفق، لأنه ذهب في آفاق الكرم. والآفاقي هو الضارب في الآفاق للتكسب. وفي حديث لقمان بن عاد: «صفاق أفاق». ويستعار ذلك لمن سبق في الفضل. يقال: أفقه يأفقه في الفضل. والأفيق: الجلد لم يتم دبغه، وهو قبل ذلك منيئة، وفي الحديث: «دخل عليه وعنده أفيق».

أف ك: الإفك: أشد الكذب. قال تعالى: {وتخلقون إفكًا} [العنكبوت: 7]، وأصله من الصرف لأن الكذب صرف الكلام عما ينبغي أن يكون عليه. والإفك: صرف الشيء عما يحق أن يكون عليه. قال تعالى: {فأنى تؤفكون} [الأنعام: 95] أي: تصرفون عن وجه الصواب. ومنه قيل للرياح العادلة عن مهابها: مؤتفكات أي مصروفاتٌ عن مهابها. وقال الشاعر: [من المنسرح] 64 - إنْ تكُ عن أَحسنِ المروءةِ مأ ... فوكًا ففي آخرينَ قد أَفِكوا ورجلٌ مأفوكٌ أي مصروفُ العقل. وقوله: {يؤفك عنه من أفك} [الذاريات: 9] أي يصرف عن الحق من صرف في سابق علم الله تعالى. وقوله: {أجئتنا لتأفكنا عن آلهتنا} [الأحقاف: 22] أي لتصرفنا عن عبادتها. واستعملوا الإفك هنا لاعتقادهم أن ذلك من الكذب، وقيل: أرادوا لتخدعنا عنها بالإفك. وقوله: {أئفكًا آلهةً دون الله تريدون} [الصافات: 86]. قال الراغب: يصح أن يجعل تقديره: أتريدون آلهةً من الإفك؟ ويصح أن يجعل إفكًا مفعول تريدون، وتجعل آلهة بدلاً منه ويكون قد سمَّاهم إفكًا قلبٌ على الإفك، يكون إفكًا منعوتًا على إسقاط الخافض، وهو يرجع في المعنى إلى الوجه الثاني، لأنه لو انحل إلى التركيب الذي قدره لكان من الإفك لـ «آلهة». وقيل: إفكًا مفعولٌ له، وفيه غير ذلك من الأوجه، وقد حررتها في غير هذا الموضع. {والمؤتفكات} [التوبة: 70]: مدائنُ قومِ لوطٍ لانقلابها وانصرافها عن جهاتها. وتفسير ذلك قوله تعالى: {والمؤتفكة أهوى} [النجم: 53] أي قلبها، مِن

فصل الألف والكاف

أهواهُ إذا رماهُ من علوٍّ. وفي حديثِ أنس]: «البصرةُ إحدى المؤتفكات» يعني أنها غَرِقَتْ مرتينِ. وتقولُ العربُ: إذا كثرتِ المؤتفكاتُ زَكتِ الأرضُ؛ أي الرياحُ إذا كثرتْ كَثُر نباتُ الأرضِ. وأفَكَ يأفِكُ فهو أَفِكٌ وأَفَّاكٌ مثالُ مبالغةٍ؛ قال تعالى: {ويلٌ لكلِّ أَفَّاكٍ أثيمٍ} [الجاثية: 7] أي كثيرِ الكذبِ. أف ل: الأفوالُ؛ تكون في الكواكبِ، قال تعالى: {فلما أَفَلَ قالَ: لا أحبُّ الآفلينَ} [الأنعام: 76]، يقالُ: يأفُلُ. يأفِلُ: إذا غاب. الإفالُ: صغارُ الغنمِ. والأفيلُ: الفصيلُ الضَّئيلُ. فصل الألف والكاف أك ل: الأكلُ بالفتح: المصدرُ، وبالضم الشيءُ المأكولُ، قال تعالى: {أُكُلُها دائمٌ} [الرعد: 35] أي مأكولُها، أي ليستْ كثمارِ الدُّنيا وفواكهِها التي تجيءُ وقتًا دونَ وقت. يقالُ: أكْلٌ، وقُرئَ بهما، وقوله: {آتَتْ أُكُلها} [الكهف: 33] أي ما تُثمرهُ فيؤكَلُ. والأكلةُ بالفتحِ: المرّةُ، وبالكسر: الهيئةُ، وبالضمِّ: الشيءُ المأكولُ، نحو: اللُّقمةُ والمُضْغةُ وهو قدرُ ما يؤكلُ ويمضَغُ ويُلقَمُ. وقوله: {ونُفَصِّلُ بعضَهما على بعضٍ في الأُكُل} [الرعد: 4] أي مع كونها تُسقَى بماء واحدٍ فهي مختلفةُ الثِّمارِ طعمًا ولونًا وريحًا. وقولُه: {لأكلوا من فَوقِهم} [المائدة: 66] كناية عن سَعةِ الرزقِ. وقولُه: {ولا تَأكُلوا أموالَهم إلى أموالِكُم} [النساء: 2] ذكرَ الأكلَ بعدَ سائِر وجوهِ التصرُّفِ؛ فإنه

أغلبُ التصرُّفاتُ أو جعلَ كنايةً عن إنفاقِ أموالهم. وقولُه: {تأكلُهُ النارُ} [آل عمران: 183] كنايةٌ عن ذهابه بإحراقِ النارِ. وكانوا إذا قرَّبوا قُربانًا فإن كان مَقبولاً نزلتْ نارٌ من السماءِ فأكلتْه. ومنه: أكلتِ النارُ الحطبَ. وفي الحديثِ: «كما تأكلُ النارُ الحطبَ». وأكيلةُ الأسَدِ: الفريسةَ. والأكيلُ: المؤاكِلُ كالخليط. والأكولُ من الغنم وغيرِه: الكثيرُ الأكلِ. وقولُه: {إنما يأكلون في بطونِهم نارًا} [النساء: 10] تنبيهٌ على أنَّهم يَتعاطَون ما يؤدِّي إلى دخولِ النارِ في أجوافهم. وقولُهم: هم أَكَلَةُ رأسٍ. كنايةٌ عن قلَّتهم، أي أنَّ الرأسَ الواحدةَ تُشبعُهم. والأكَلُةُ: جمعُ آكِلٍ نحو كفرةٍ وكافرٍ. ويعبَّرُ بالأكلِ عن الفساد، ومنه: في رأسهِ إكالٌ، وتأكَّلتْ أسنانُه. وفي الحديث: «نَهى عن المؤاكلةِ» تفسيرهُ أن يكونَ لرجلٍ على الغَير دَينٌ فيطالبُه فيُهدى إليه ما يُؤكَل ليؤخِّرَ عليه الطلبَ. وقوله: «ما زالتْ أُكْلةُ خيبرَ» بضمِّ الهمزةِ فقط، لأنَّه لم يأكلْ إلا لُقمةً واحدةً. وعند وعندي أنها لو فُتحت لأفادتْ ذلك مرةً واحدةً، فهما متلازمانِ. وفي الحديث: «نهى المصدِّقَ عن أخذ الأكُولةِ»، قيلَ: هي الخصيُّ، وقيل: ما سُمِّنَ للأكل. وفي الحديث: «ليضربنَّ أحدُكم أخاهُ بمثلِ آكلَةِ اللحمِ»، قيل: هي السكينُ، وقيلَ: هي عصًا محدَّدةُ الطرفينِ، وقيلَ: السِّياطُ. وقولُه: {كعصفٍ مأكولٍ} [الفيل: 5] من أحسنِ الكنايات؛ وذلكَ أنَّ العصفَ هو ورقُ الزرعِ كالتبنِ ونحوهِ، فشبَّههم به بعد أن أُكلَ. أراد أن يُشبِّههم بالزُّبل، فنزَّه اللفظَ عن ذكرهِ كعادةِ آدابِ القرآنِ. ومثلُه في المعنى: {كانا يأكلانِ الطعامَ} [المائدة: 75]

فصل الألف واللام

أي يتخلَّيان، ومَن كان كذلكَ فلا يصلحُ أن يُعبدَ مِن دونِ اللهِ. وميكائيلُ: اسمٌ أعجميٌّ. قيلَ: إنَّ معناه عبدُ الله، وإِيلُ اسمُ اللهِ بلغتهم. فصل الألف واللام أل ت: الألْتُ: النقصُ. قال تعالى: {وما أَلَتْناهُم} [الطور: 21] {لا يَلِتْكُم من أعمالِكُم} [الحجرات: 14] معناهُ لا يُنْقِصْكم. يقال: أَلَتَه يألتِهُ، وأَلتَّه يألتُه، {ما أَلتْناهم} بالوجهين، وفيه لغةٌ ثالثةٌ؛ لاتَه يَلِيتُه مثل باعَه يَبيعُه، ورابعةٌ ألاتَهُ يُليتُه كأباعَه يَبيعُه أي عرضَه للبيعِ. وفي بعضِ الأدعية: «الحمدُ لله الذي لا يُلاتُ ولا يُفاتُ ولا تَشْتبهُ عليه اللغاتُ». يقالُ: لاتَه عن كذا حبسَه عنه، وفي حديثِ عبدالرحمن: «لا تُغْمدِوا سُيوفَكم عن أعدائكم فتُؤْلِتُوا أعمالكُم»، قال الهرويُّ: «أي تُنقصوها. ولم أسمعْ: أَوْلَتَ يُؤْلِتُ إلا في هذا الحديثِ». أل ف: الأُلْفةُ: اجتماعٌ معَ التئامٍ، يقالُ: ألَّفتُ بين القومِ. قال تعالى: {لو أنفقتَ ما في الأرضِ جميعًا ما ألَّفْتَ بينَ قلوبِهم} [الأنفال: 63]. يقالُ: ألِفَ المكانَ يألَفُهُ ألفًا إذا أحبَّه، ولم يَطبْ نَفسًا بفراقِهِ. والإلفُ والأليفُ: المؤلفُ والأَلِفُ والإلافُ بمعنىً. قال الشاعر: [من الوافر]

65 - زعمتم أن إخوتكم قريش ... لهم إلف وليس لكم إلاف والمؤلفة: ضربان؛ ضرب ضعفاء الإسلام، وضرب كفار؛ ولكن يتألفون بالعطاء لعلهم يسلمون. وقوله:} لإيلاف * قريشٍ إيلافهم * رحلة الشتاء {[قريش: 1 - 2] فالإيلاف مصدر آلف يؤلف، بمعنى ألف الثلاثي؛ ففعل وأفعل بمعنى. ويقال: آلفته المكان، فيتعدى لاثنين. وقال الأزهري: الإيلاف شبه الإجارة بالخفارة. يقال: ألف يؤلف، وآلف يؤلف إذا أجاز الحمائل بالخفارة. والحمائل جمع حمولةٍ، وذلك أن قريشًا لم يكن لهم زرع ولا ضرع. وكانوا يرحلون رحلتين؛ رحلًة في الشتاء ورحلةٌ في الصيف ... والناس يتخطفون. فكان المعنى: اعجبوا لإيلافٍ. وقيل: اللام متعلقة بقوله:} فليعبدوا {. وقيل: بآخر الفيل، وتحقق هذا في موضعٍ آخر. وقرئ: "لإلاف" و "لإيلاف"، و"إيلافهم" بلا خلافٍ، مع أنه رسم "إلافهم" بغير ياءٍ. والألف: عدد معروف يميز بواحدٍ مخصوص، قال تعالى:} ألف سنةٍ {[البقرة: 96] ويثنى، ويجمع على آلافٍ وألوفٍ. وسميت بذلك لائتلاف الأعداد فيها، وذلك أن الأعداد آحاد وعشرات ومئون وألوف، فإذا بلغت الألف فقد ائتلفت، وما بعده يكون مكررًا. وآلفت الدراهم أي بلغت بها الألف، نحو ماءيت. وأوالف الطير ما لزم مكانه. قال: [من الرجز] 66 - أولفًا مكة من ورق الحمى يريد الحمام.

قيل: {والمؤلفة قلوبهم} [التوبة: 60] الذين يتحرى بهم بتفقدهم أن يصيروا من جملة من وصفهم الله تعالى بقوله:} لو أنفقت ما في الأرض جميعًا ما ألفت بين قلوبهم {[الأنفال: 63]. والتأليف: التركيب بشرط ملاءمته؛ فكل تأليفٍ تركيب من غير عكسٍ. ولذلك قيل: التأليف ما جمع فيه بين أجزاء مختلفةٍ ورتب ترتيبًا قدم فيه ما حقه أن يتقدم وأخر فيه ما حقه أن يتأخر. والألف من حروف الهجاء، يطلق على حروف المد وعلى الهمزة. وقد تقدمت انقساماتها فلا نعيدها. أل ك: ألك: أرسل. والمألكة: الرسالة. قال: 67 - أبلغ أبا دختنوس مألكًة يريد من الكذب. والمألك والألوك: الرسالة يقال: ألكني إلى زيدٍ أي أبلغه رسالتي. قال: [من الطويل] 68 - ألكني إليها بالسلام فإنه ... ينكر إلمامي بها ويشهر وقال: [من الطويل] 69 - ألكني إلى قومي العداة رسالًة والملك: واحد الملائكة مشتق من ذلك، والأصل مالك، فقدمت العين وهي

وأخرت الفاء فصارت ملأكًا، واستثقلت الهمزة، فنقلت حركتها إلى الساكن قبلها وحذفت، كقولهم: مره وكمه في المرأة والكمأة. والميم مزيدًة ووزنه الآن: مفل وهذا تصريف واضح، فلما جمع رد إلى أصله من الهمزة وبقي على قلبه فقيل: ملائكة ووزنها مفاعلة. وقيل: أصله ملأكة بتقدم اللام من لأك أي أرسل أيضًا. ثم فعل به من النقل ما تقدم ففيه نقل من غير قلبٍ، فوزنه معل. ويدل على أن هذا أصل بنفسه قوله: [من الطويل] 70 - فلست لأنسي ولكن لملأكٍ ... تنزل من جو السماء يصوب وقيل: هو من لاك اللقمة في فيه يلوكها أي يديرها. والملك من هذا المعنى فيكون قد حذف العين، ووزنه مفل ثم عادت العين في الجمع. ووزن الملائكة على هذين مفاعلة من غير قلبٍ. وقيل: هو من الملك فميمه أصلية، ثم زيدت فيه الهمزة إما قبل اللام وإما بعدها كما زيدت في شأملٍ وشمألٍ، وفعل به ما فعل في مألكٍ وملأكٍ المتقدمين. فوزن ملكٍ فعل، وملائكة فعائلة. وإن ما أحوجنا إلى هذا كله وجود هذه الهمزة في الجمع. أل ل: الإل: الحال الظاهرة من عهدٍ وحلفٍ وقرابةٍ. أل يئل أي لمع يلمع، والألة: الحرية اللامعة، وأل بها أي ضرب بها. وأل الفرس: أسرع. واصله أنه إذا عدا لمع بذنبه، واستعير لذلك. قال: [من الرجز]. 71 - إن تقتلوا اليوم فما لي عله ... هذا سلاح كامل وإله وذو عذارين سريع السله فقوله:} لا يرقبون في مؤمن إلاً ولا ذمًة {[التوبة: 10] أي لا يرقبون عهدًا ولا

قرابًة ولا حلفًا. وقيل: الإل والإيل من أسماء الله تعالى، قال الراغب: وليس بصحيحٍ. قلت: يمكن أن يقوي ما ذكر بأنه قد أضيف إلى الله تعالى في حديث لقيطٍ: "أنبئك بمثل ذلك، في إل الله" أي في قدرته وإلهيته. فلو كان اسمًا لله لما أضيف إليه لاسيما وقد فسره العلماء بالقدرة والإلهية. وفي حديث الصديق رضي الله عنه، وقد عرض عليه كلام مسيلمة الكذاب لعنه الله: "إن هذا لم يخرج من إل" يعني من ربوبيةٍ. ومن هنا غلط من جعله اسمًا لله. وفي الحديث: "عجب ربكم من إلكم وقنوطكم". قال أبو عبيدٍ: المحدثون يروونه بكسر الهمزة، والمحفوظ عندنا فتحها، وهو أشبه بالمصادر؛ كأنه أراد: من شدة قنوطكم. ويجوز أن يكون من رفع الصوت بالبكاء. يقال: أل الرجل يئل أللاً وإلاً وأليلاً، ومنه يقال: له الويل والأليل. قال الكميت: [من البسيط] 72 - وأنت ما أنت في غبراء مظلمةٍ ... إذا دعت ألليها الكاعب الفضل وفي حديث أم زرعٍ: "بنت أبي زرعٍ وفي الإل كريم الخل برود الظل"، أي وفي العهد، وذكرت على معنى التشبيه أي بنت أبي زرعٍ مثل رجلٍ وفي العهد. والأللان: صفحتا السكين. أل م: الألم: شدة الوجع يقال: ألم الرجل يألم ألمًا، قال تعالى:} فإنهم يألمون كما تألمون {[النساء: 104]، وهو ألم، وآلمته أؤلمه إيلامًا، فأنا مؤلم وهو مؤلم. وقوله:} عذاب أليم {[البقرة: 10]. بمعنى مؤلمٍ. قال أبو عبيدةً: أليم أي مؤلم. يقال:

آلمني الشيء وألمت الشيء. وقوله:} إن تكونوا تألمون * فإنهم يألمون كما تألمون {[النساء: 104]. قال ابن عرفة: أليم أي ذو ألمٍ، وسميع ذو سماعٍ. قال: ولا أدري ما معنى ما قال أبو عبيدة. قلت: ما قاله أبو عبيدة أوضح من كون أليمٍ بمعنى مؤلمٍ. وأما قوله: آلمني الشيء - بالفتح - وألمت الشيء - بالكسر - فهو كما قال ابن عرفة: لا يدري معناه. و"الم" من أوائل السور، وكذلك الحروف المقطعة، للناس فيها أقوال كثيرة، فصلتها في "التفسير الكبير" إلى نحو ثلاثين قولاً، منها: أنها جيء بها للإعلام بأن ما أتى به الرسول من جنس هذه الأحرف التي ينطقون بها، ويؤلفون منها كلامهم، فعجزكم عن الإتيان بمثله مع فصاحتكم دليل على صدقه، وهذا أحسن الوجوه. وقيل: هي بعض أسماء الله تعالى؛ فالألف من الله، ولام من لطيفٍ، وميم من عليمٍ، ويروى عن ابن عباس. وبسط هذا في الكتاب المشار إليه. أل هـ: الله: هذا الاسم المعظم، للناس فيه أقوال كثيرة ومسألات شهيرة، قد أتقنتها والحمد لله في "التفسير الكبير" وكتاب "الدر المصون". ولنذكر هنا بعض ذلك فنقول: اختلف الناس في الجلالة المعظمة؛ هل هو مشتق أو مرتجل؟ والقائلون بالاشتقاق اختلفوا. 1 - فقيل: هو من أله فلان يأله الاهة أي عبد عبادة؛ فإلاه فعال بمعنى معبودٍ.

ومنه قيل للشمس إلاهة لأن بعض الناس عبدوها. قال: [من الوافر] 73 - تروحنا من اللعباء عصرًا ... فأعجلنا الإلاهة أن تؤوبا 2 - وقيل: من أله أي تحير. وقيل: معناه ما أشار إليه علي بن أبي طالب كرم الله وجهه: "كل دون صفاته تحبير الصفات، وضل هناك تصاريف اللغات" أي أن العبد إذا تفكر فيه تحير. وفي الحديث: "تفكروا في آلاء الله ولا تتفكروا في الله". 3 - فإذا ثبت أن أصله إلاه فقد أدخلوا عليه الألف واللام فصار الإله، ثم نقلوا حركة الهمزة إلى لام التعريف وحذفوها. والتقى مثلان فأدغموه وفخموه تعظيمًا. 4 - وقيل: بل حذفت همزته كما حذفت همزة الناس، وأصله الأناس. ويدل على ذلك مراجعة الأصل فيهما. قال: [من الطويل] 74 - معاذ الإله أن تكون كظبيةٍ ... ولا دميةٍ ولا غفلة ربرب وقال الآخر: [من مجزوء الكامل] 75 - إن المنايا يطلعن على الأناس الآمنينا 5 - واختص بالباري تعالى فلم يجسر أحد من المخلوقين أن يتسمى به،

ولذلك قال تعالى:} هل تعلم له سميًا {[مريم: 65]. وهذا بخلاف بقية أسمائه؛ فإنه قد تجاسر عليه الكذاب، فتسمى، عليه اللعنة، الرحمن الرحيم. وكذا الإله قبل النقل والتفخيم يختص به تعالى. وأما إله فقد يقع على المعبود بالباطل، قال تعالى:} ومن يدع مع الله إلهًا آخر لا برهان له به {[المؤمنون: 117]. 6 - وقيل: هو مشتق من وله أي دهش، ومن إخوانه دله وعله، أي أن كل مخلوق قد وله نحوه وفزع إليه، وذلك إما بالتسخير فقط كالجمادات والحيوانات، وإما بالتسخير والإرادة معًا كبعض الناس. ومن ثم قال بعض الحكماء: الله محبوب الأشياء كلها، وعليه} وإن من شيءٍ إلا يسبح بحمده، ولكن لا تفقهون تسبيحهم {[الإسراء: 44]. فأصله ولاه بمعنى مألوهٍ أي مفزوع إليه، فأبدلت الواو المكسورة همزًة كهي في وشاحٍ ووعاءٍ حيث قالوا فيهما إشاح وإعاء، ثم أدخلوا عليه الألف، وفعل به ما تقدم، وعليه قول الخليل، وعليه اعتراضات أجبت عنها. 7 - وقيل: هو من لاه يلوه، أو من لاه يليه إذا احتجب. قيل: وهو إشارة إلى قوله:} لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار {[الأنعام: 103]، وإلى الباطن في قوله:} هو الأول والآخر والظاهر والباطن {[الحديد: 3]. وفي حديث وهيبٍ: "إذا وقع العبد في الألهانية لم يجد أحدًا يأخذ بقلبه". قال القتيبي: هي فعلانية من الإله، فقال: إله بين الإلهية والألهانية. وقولهم: اللهم، أصله عند البصريين يا ألله حذفت ياؤها وعوض عنها في آخره الميم المشددة، وليس ذلك في غيره. وقال الكوفيون: ليست عوضًا من (يا) بل بعض فعلٍ أصله: يا ألله أمنا، ثم حذف بعض الفعل لكثرة الدور مستدلين بأنه قد جمع

بينهما في قوله: [من الرجز] 76 - وما عليك أن تقولي كلما ... سبحت أو هللت: يا للهما أردد علينا شيخنًا مسلمًا ولا دليل فيه لأنه ضرورة. وقوله تعالى:} وهو الذي في السماء إله * وفي الأرض إله {[الزخرف: 84] أي معبود فيهما. ولذلك تعلق به الجار. ولهذا الاسم الشريف أحكام كثيرة يختص بها دون غيره من الأعلام؛ ذكرتها في كتابي المشار إليه. أل و: الألو: التقصير. قال تعالى:} لا يألونكم خبالاً {[آل عمران: 118 [أي لا يقصرون في إفساد أموركم ولا يبقون غايًة في اتباعهم في الفساد. يقال: أصابه داء الفساد ولا آلوه نصحًا أي لا أقصر في نصحه. وقال الأزهري: ألألو يكون جهدًا ويكون تقصيرًا ويكون استطاعًة. يقال: ما آلوه أي ما أستطيعه. والألوة والألوة، بفتح الهمزة وضمها، الذي يتبخر به. قال الأصمعي: هي فارسية عربت. ويقال: لوة ولية. وتجمع الألوة على ألاويةٍ، قال الأصمعي وأنشد: [من الطويل] 77 - بساقين ساقي ذي قضينٍ تحشها ... بأعواد رندٍ أو الأويًة شقرا وألوت فلانًا: أوليته تقصيرًا نحو كسبته كسبًا. وما ألوته جهدًا أي ما أوليته تقصيرًا بحسب الجهد. فجهدًا تمييز؛ قاله الراغب، وجعل هذه المادة ومعناها فقال: إلى حرف جر تحد به النهاية.

وألوت في الأمر: قصرت فيه، هو منه كأنه رأى فيه الانتهاء. وقوله:} للذين يؤلون من نسائهم {[البقرة: 226] أي يحلفون. والألية: اليمين، وضمن معنى هذا الامتناع فتعدى بمن. يقال: آلى من أمر الله يولي إيلاء فهو مولٍ. قال الراغب: والألية: الحلف المقتضي لتقصيرٍ في الأمر الذي حلف عليه. والإيلاء في الشرع: الحلف المانع من جماع المرأة: قلت: ولابد من قيدٍ آخر، وهو مدة أربعة أشهرٍ فأكثر للنص. قوله:} ولا يأتل أولو الفضل منكم {[النور: 22] قيل: هو افتعل من ألوت، وقيل: من آليت: حلفت. وهذا قد نزل في شأن أبي بكرٍ، رضي الله تعالى عنه، حين حلف ليقطعن نفقته عن مسطحٍ. وقد غلط ابن عرفة أبا عبيدٍ في قوله:} ولا يأتل {: لا يقصر، قال: لأن الآية نزلت في حلف أبي بكرٍ، فالمعنى: لا تحلفوا، من الألية: قلت: وقد يترجح ما قاله أبو عبيدٍ من حيث الصناعة، وذلك بأن يأتل: يفتعل، وافتعل قليل من أفعل، وإنما يكثر من فعل، نحو: كسب واكتسب، وصنع واصطنع، واحده من ألوت موافقٌ للقياس، وإنزالها في حلف أبي بكر لا ينافيه، لأن المراد النهي عن التقصير. وفي الحديث: "لا دريت ولا ائتليت"، هو افتعلت من قولك: لا ألوته شيئًا، كأنه قيل: ولا أستطيعه. وحقيقته الإيلاء. ويروى: ولا تليت. قال الهروي: هو غلط، وصوابه: "لا دريت ولا ائتليت"، يدعو عليها بالائتلاء أي لا يكون لها أولاد تتلوها. وفي الحديث: "لا صام ولا ألى" هو فعل من ألوت أي ولا استطاع أن يصوم. وقيل: إخبار أي لم يصمم ولم يقصر. وفي الحديث: "من يتأل على الله يكذبه" أي

من حلف أن الله يدخل فلانًا الجنة أو النار وشبه ذلك يكذبه. وأولاء: اسم إشارةٍ للمذكر والمؤنث، ويمد وهو الأكثر ويقصر. وتتصل به هاء التنبيه من أوله وكاف الخطاب من آخره. ويقال: أولئك، وفيه لغات ذكرتها في "إيضاح السبيل إلى شرح التسهيل"، وذكرت هناك رتبة نسبة القرب والبعد والتوسط. والآلاء: النعم، واحدها إلى كمعى، وألى كرحي، وألي كهجرٍ، وإلي كفلسٍ. قال تعالى:} فاذكروا آلاء الله {[الأعراف: 74] أي نعمه الظاهرة والباطنة، وإليه الإشارة بقوله:} وأسبغ عليكم نعمه ظاهرًة وباطنًة {[لقمان: 20] قرئ بالإفراد والجمع. وقوله:} فبأي آلاء ربكما تكذبان {[الرحمن: 13] معناه أن كل نعمةٍ من نعمه وإن قلت بالنسبة إلى فضله العميم، فلا ينبغي أن تكفر بل تشكر. وقوله:} وجوه يومئذٍ ناضرة * إلى ربها ناظرة {[القيامة: 22 - 23] قيل: (إلى) هنا هي النعمة، وناظرة بمعنى منتظرةٍ، وهذا تأوله المعتزلة على ذلك لينفوا ما ثبت قطعًا من الرؤية. قال الراغب بعد أن ذكره: وهو تعسف من حيث البلاغة. وألا: بالتخفيف، يكون حرف استفتاحٍ وتنبيهٍ ينبه به المخاطب، ويكون للعرض والتمني. وتكون (لا) النافية دخلت عليها همزة الاستفهام من غير تغييرٍ لها في العمل. وتكون للتخضيض، فتختص بالفعل كالا بالتشديد، ولولا، ولوما، وهلا. ولها أحكام أخر.

فصل الألف والميم

أل ي: حرف جر معناه انتهاء الغاية. وهل يدخل ما بعدها في ما قبلها؟ خلاف مشهور حققته في غير هذا الكتاب. 1 - وتكون بمعنى (مع) نحو:} ولا تأكلوا أموالهم إلى أموالكم {[النساء: 2]. 2 - وبمعنى (في) كقوله: [من الطويل] 78 - فلا تتركني بالوعيد كأنني ... إلى الناس مطلي به القار أجرب أي: في الناس. 3 - وبمعنى من، كقوله: [من الطويل] 79 - أيسقى فلا يروى إلي ابن أحمرا؟ أي فلا يروي مني. 4 - وزائدة كقراءة} تهوى إليهم {[إبراهيم: 37] بفتح الواو. والألية: الثانية عن الظهر، وشذ تثنيتها أليان بحذف الياء. والألية أيضًا أصل الإبهام، كما الضرة أصل الخنصر. وفي الحديث: "أنه عليه الصلاة والسلام تفل في عين علي فمسح ألية إبهامه". وإليك: قد تقع موقع تنح. وفي الحديث: "ولا إليك إليك". فصل الألف والميم أم ا: أما بالتشديد: حرف يفصل ما أجمله المتكلم وادعاه المخاطب. ومعناها معنى اسم شرطٍ وفعله، فسرها سيبويه بـ: مهما يكن من شيءٍ. ولذلك تلزم الفاء في

جوابها. قال تعالى:} فأما اليتيم فلا تقهر {[الضحى: 9]. وقد تحذف بكثرةٍ مع قولٍ مضمرٍ، كقوله تعالى:} فأما الذين اسودت وجوههم أكفرتم {[آل عمران: 106] فيقال لهم: أكفرتم؟ ودونه قليلاً كقوله: [من الطويل] 80 - فأما القتال لا قتال لديكم ... ولكن سيرًا في عراض المواكب أي فلا قتال. ويجاء مع الشرط الصحيح فيحذف جوابه لدلالة جوابها عليه كقوله تعالى:} وأما إن كان من أصحاب اليمين، فسلام {[الواقعة: 90]. ولا يليها إلا الأسماء، وبذلك أجمعوا، إلا من شذ على رفع ثمود من قوله:} وأما ثمود فهديناهم {[فصلت: 17]. ولم ينصب على الاشتغال. وأما بالتخفيف: حرف كألا، وتكون بمعنى حقًا، ولكونها بهذين المعنيين جاز في (أن) الواقعة بعدها الكسر والفتح، على أنها استفتاح كلامٍ فوقعت أن في ابتداء الكلام، فمن ثم كسرت، والفتح على أنها بمعنى حقًا. وحقًا مشبهة بالظرف؛ فتكون خيرًا مقدمًا. وأن وما بعدها في محل المبتدأ تقديره: أنك ذاهب أي ذهابك. وإما، بالكسر والتشديد: حرف معناه الشك أو الإبهام أو التخيير أو الإباحة أو التقسيم كأو. وادعى بعضهم أنها عاطفة إجماعًا، وبعضهم أثبت فيها خلافًا، قال تعالى:} إنا هديناه السبيل إما شاكرًا وإما كفورًا {[الإنسان: 3] ظاهر فيه التخيير، ويجوز الإباحة. وقوله:} حتى إذا رأوا ما يوعدون إما العذاب وإما الساعة {[مريم: 75] ظاهر فيه التنويع، وقد تحذف الثانية ويغني عنها (أو)، نحو: قام إما زيدًا أو عمرًا. وقد يغني عنها إلا، كقوله: [من الوافر] 81 - فإما أن تكون أخي بحق ... فأعرف منك غثي من سميني

وإلا فاطرحني واتخذني ... عدوًا أتقيك وتتقيني وقد تبدل ميمها الأولى ياء مع فتح همزتها، وأنشد: [من البسيط] 82 - يا ليتما أمنا شالت نعامتها ... أيما إلى جنةٍ أيما إلى نار وهذه الأحرف الثلاثة قد ذكرتها مبسوطًة في غير هذا. وفي هذا كفاية لما نحن بصدده. أم ت: قال تعالى:} لا ترى عوجًا ولا أمتًا {[طه: 107] أي لا ارتفاع فيها ولا انخفاض، أي لا حدب فيها ولا نبك. والنبك: التلال الصغار. والأمت في الأصل: المكان المرتفع. ويقال: ملأ مزادته فلا أمت فيها، أي لا غرض فيها ولا تثني. وأمت الشيء أي قدرته فهو مأموت. وأنشد: [من الرجز] 83 - هيهات فيها ماؤها المأموت وفي الحديث: "إن الله حرام الخمر فلا أمت فيها". قال شمر: أي لا عيب فيها. قال الأزهري: بل معناه: لا شك فيها، ولا ارتياب أنه لتنزيل من رب العالمين، لأن الأمت في صيغة اللغة: الحزر والتقدير ويدخلهما الظن. يقال: بيننا وبين الماء ثلاثة أميالٍ على الأمت، أي الظن. وكم تأمت هذا الأمر؟ أي تقدره؟ قال الهروي: قلت: معناه حرمها تحريمًا لا هوادة فيه، أي لا لين فيه. يقال: سار سيرًا لا أمت فيه، أي لا لين فيه ولا فتور. أم د: قال الله تعالى:} فطال عليهم الأمد. {[الحديد: 16] والأمد والأبد أخوان

إلا أن بينهما فرقًا وهو أن الأبد عبارة عن مدة الزمان التي ليس لها حد محدود، ولا يتقيد فلا يقال: أبد كذا. والأمد: مدة لها حد مجهول إذا أطلق، وقد ينحصر نحو أن يقال: أمد كذا. والفرق بينه وبين الزمن أن الأمد يقال باعتبار الغاية. والزمان عام في المبدأ والغاية. ولذلك قال بعضهم: الأمد والمدى يتقاربان. وقد تجيء لمجرد الغاية كقوله تعالى:} تود لو أن بينها وبينه أمدًا بعيدًا {[آل عمران: 30] أي غايًة. وقد تجيء لنهاية بلوغها كقوله:} فطال عليهم الأمد {. وقيل من قولهم: طال الأمد على لبدٍ، أي الزمان, ولبد: اسم نسر لقمان بن عمادٍ. وكقوله:} أحصى لما لبثوا أمدًا {[الكهف: 12] أي غاية إقامة. وقولهم: استولى على الأمد أي غلب سابقًا. وللإنسان أمدان؛ مولده وموته. وعن الحجاج أنه قال للحسن: ما أمدك؟ قال: سنتان من خلافة عمر رضي الله تعالى عنه أي ولدت لسنتين بقيتا من خلافته. وجمع الأمد: آماد. أم ر: الأمر يقال باعتبار طلب الفعل، وله صيغ أصلها افعل وما في معناها. وهل يشترط فيه الاستعلاء والعلو؟ خلاف بين الأصوليين. ولذلك اختلفوا في مدلوله هل هو وجوب أو ندب، أو مشترك بينهما. ويرد لمعانٍ أخر حررتها في موضعٍ آخر. ويطلق باعتبار الحال والبيان، فيشمل ذلك الأقوال والأفعال، كقوله تعالى:} وما أمر فرعون برسيدٍ {[هود: 97] ومثله في العموم:} وإليه يرجع الأمر كله {[هود: 123]. وزاد بالإبداع وعليه:} ألا له الخلق والأمر {[الأعراف: 54]. ومن ثم حمل الحكماء قوله:} قل الروح من أمر ربي {[الإسراء: 85] على ذلك، أي هو من إبداعه، ويختص به دون خلقه. وقوله:} افعل ما تؤمر {[الصافات: 102] تنبيه أن رؤيا الأنبياء صلوات الله

وسلامه عليهم بمنزلة اليقظة لا فرق بينهما. وقوله:} وما أمرنا إلا واحدة كلمحٍ بالبصر [[القمر: 50] عبر به عن سرعة إيجاده بأسرع ما يدركه فهمنا، وتسعه عقولنا. وعليه قوله:} إنما أمره إذا أراد شيئًا أن يقول له كن فيكون {[يس: 82]. وقوله:} بل سولت لكم أنفسكم أمرًا {[يوسف: 18] عبر به عما تأمر به النفس الأمارة المشار إليها بقوله:} إن النفس لأمارة بالسوء {[يوسف: 53]. وقوله:} أتى أمر الله {[النحل: 1] يعني القيامة. فعبر عنها بأعم أحوالها من أقوالٍ وأفعالٍ. وقوله:} أمرنا مترفيها {[الإسراء: 16] أي أمرناهم بالطاعة فعصوا. وقيل: معناه كثرناهم فبسبب ذلك عصوا وفسقوا، وتنصره قراءة "أمرنا" بالتشديد و"آمرنا" بالمد. وقد منع أبو عمروٍ "أمرنا" بمعنى التكثير، مخففًا غير ممدودٍ، وأثبته أبو عبيدة مستدلاً بقوله عليه الصلاة والسلام: "خير المال مهرة مأمورة وسكة مأبورة". المأمورة: الكثيرة النتاج، وهي من أمر الثلاثي. والمأبورة: التي لقحت. والسكة: حديقة النخل. وقد حكي: أمرت المهرة بالتخفيف والقصر؛ فهي مأمورة. وآمرتها بالمد فهي مؤمرة. وأمر القوم: كثروا، لأنهم لما كثروا صاروا ذوي أمرٍ من حيث إنه لابد لهم من سائسٍ. وقيل في قراءة: أمرنا بالتشديد جعلناهم أمراء، وسلطانهم آمر عليهم يأمر صار أميرًا. وفي الحديث: "آمري جبريل"، أي وليي وصاحب أمري. وقيل: إن كثرة الأمراء سبب في إفساد ... وقوله:} لقد جئت شيئًا إمرًا {[الكهف: 71] أي شيئًا منكرًا، وهو من أمر الأمر، أي كبر وكثر، نحو: استفحل الأمر. والائتمار: التشاور. وأصله أن الائتمار قبول الأمر، وذلك أن المتشاورين يقبلون أمر بعضٍ بعضًا، ومنه:} إن الملأ يأتمرون بك {[القصص: 20]. قال الأزهري: الباء

بمعنى في.} وما أمروا إلا ليعبدوا الله {. [البينة: 5] مثل: ائرمروا. وقوله:} وائتمروا بينكن بمعروف {[الطهلق: 6] أي ليكن المعروف من أمركم، ومما ينبغي ... به بل يشاور بعضكم بعضًا في دفعه يفعه. وقال عمر رضي الله عنه: "الرجال ثلاثة: رجل إذا نزل به أمر ائتمر رأيه" واختلف فيه، فقال شمر: شاور رأيه، وارتأى قبل مواقعة الأمر. وقيل: هو الذي بهم بالأمر يفعله. وكل من عمل برأيه فلابد له من مواقعة الخطأ وأنشدوا للنمر بن تولبٍ: [من المديد] 84 - علقت لوًا تكررها ... إن لوا ذاك أعيانا إعلمي أن كل مؤتمر ... مخطئ في الرأي أحيانا وفي حديثٍ آخر: "لا يأتمر رشدًا" أي لا يأتي برشدٍ من ذات نفسه. وقال القتيبي: أحسبه من المر، كأن نفسه أمرته فائتمر. وقال أبو عبيدٍ في قول امرئ القيس: [من المتقارب] 85 - ويعدو على المرء ما يأتمر فعل الشيء من غير رويةٍ ولا تثبت فيندم. والأمارة بفتح الهمزة بمعنى العلامة، وفي الحديث: "هل لك من أمارة؟ " والأمار جمعها، نحو مرة ومر. والإمارة بالكسر مصدر كالولاية مع أنه سمع الفتح والكسر في المصدر. وقد قرئ:} الولاية لله {[الكهف: 44] و} من ولايتهم {[الأنفال: 72] بالوجهين. وقوله:} وأولي الأمر {[النساء: 59]. قيل: هم الأمراء في زمنه عليه الصلاة والسلام، وقيل: هم الأنبياء عليهم السلام. وقيل: العلماء. وقيل: الآمرون

بالمعروف. وقيل: أهل الدين المطيعون لله من الفقهاء قاله ابن عباسٍ. وهذا كله محتمل، قال الراغب: وجه ذلك أن أولي الأمر الذين يرتدع بهم الناس هم أربعة: الأنبياء وحكمهم على ظاهر العامة والخاصة وعلى باطنهم. والولاة وحكمهم على ظاهر الكافة دون باطنهم. والحكماء وحكمهم على بواطن العامة دون ظاهرهم. والوعاظ وحكمهم على بواطن العامة دون ظواهرهم. قال تعالى:} وأوحي في كل سماءٍ أمرها {[فصلت: 12]. أم س: أمسٍ: ظرف زمان ماضٍ يبنى لتضمنه معنى الحرف وهو الألف واللام بدليل وصفه المعرف في قوله: [من مجزوء الكامل] 86 - ذهبوا كأمس الدابر قيل: وقد يعرب غير منصرف كقوله: [من الرجز] 87 - لقد رأيت عجبًا مذ أمسا عجائزًا مثل السعالي خمسا يأكلن ما بينهن همسا لا ترك الله لهن ضرسا وحقيقته: اليوم الذي قبل يومك، ويليه يومك. وقد يعبر به عن مطلق الزمان الماضي كقوله:} فجعلناها حصيدًا كأن لم تغن بالأمس {[يونس: 24]. وكما لم يرد باليوم اليوم الذي أنت فيه، ولا بالغد اليوم الذي بعد يومك، بل يراد بها الماضي

والحاضر والمستقبل، وعلى ذلك حمل قول زهيرٍ: [من الطويل] 88 - وأعلم علم اليوم والأمس قبله ... ولكنني عن علم ما في غدٍ عم قالوا: أراد باليوم الزمن الحاضر، وبالأمس الماضي، وبالغد المستقبل، وإلا لم يكن لكلامه فائدة؛ إذ من المعلوم أن ما قبل يومه وبعده كذلك، فتخصيصه لهما بالذكر عي. ومتى أضيف أو عرف بأل أعرب، قال تعالى:} كأن لم تغن بالأمس {. وتقول: أمسك خير من يومك. أم ل: الأمل: ظن البقاء، والطمع في زيادته، قال تعالى:} ذرهم يأكلوا ويتمتعوا ويلههم الأمل {[الحجر: 3]. وقد تجيء لمجرد الطمع، قال كعب بن زهيرٍ: [من البسيط] 89 - أرجو وآمل أن تدنو مودتها ... وما إخال لدينا منك تنويل وأملت معروفك أؤمله تاميلاً. وفي الحديث: "يشيب المرء وتشيب فيه خصلتان: الحرص وطول الأمل" أي الطمع في البقاء. والتأمل: التدبر، وهو النظر في عواقب الشيء والتفكر فيها. ومنه تأمل المسألة. أم: على ضربين: متصلةٍ ومنقطعةٍ فالمتصلة هي العاطفة. وشرطها أن تتقدمها همزة استفهام لفظًا نحو: أقام زيد أم عمرو؟ أو تقديرًا نحو قوله: [من الطويل] 90 - لعمرك ما أدري وإن كنت داريًا ... شعيث بن سهمٍ أم شعيث بن منقر؟ أو همزة تسويةٍ نحو:} أأنذرتهم أم لم تنذرهم {[البقرة: 6]، وأن يعطف بها

مفردًا وما في قوته، وأن يصلح موضعها (أي) ويجاب بإحدى: الشيئين أو الأشياء. والمنقطعة بخلافها، وتقدر بـ (بل) والهمزة نحو: إنها لإبل أم شاء وقد تقدر بـ (بل) وحدها، كقوله: [من الطويل] 91 - فليت سليمي في الممات ضجيعتي ... هنالك، أم في جنةٍ أم جهنم وتجاب على بـ (لا) أو بـ (نعم). ولها أحكام كثيرة مذكورة في الكتب المشار إليها. أم م: الأم: القصد. يقال: أممت زيدًا قصدته؛ قال تعالى:} ولا آمين * البيت الحرام {[المائدة: 2] أي قاصديه، أي لا تتعرضوا لهم. وقيده بعضهم فقال: هو القصد المستقيم نحو المقصود، فهو أخص منه. يقال: أم ويؤم، وتيمم بمعنى واحدٍ. وفي حديثٍ: "كانوا يتأممون شرار ثمارهم للصدقة". والأمة: الجماعة من الناس يجمعهم أمر ما؛ دين أو زمان أو مكان واحد، سواء كان ذلك الجامع اختياريًا أم قهريًا والجمع أمم، قوله تعالى:} إلا أمم أمثالكم {[الأنعام: 38] أي كل نوعٍ منها على طريقةٍ قد سخرها عليه بالطبع فهي ناسجة كالعنكبوت، وبانية كالسرفة، ومدخرة كالنمل، ومعتمدة على قوت وقته كالعصفور والحمام إلى غير ذلك من الطبائع التي يختص بها نوع دون نوعٍ. وقيل: أمثالكم في الشقاوة والسعادة. وقيل: في أن لهم آجالاً مقدرًة كما أنتم. وقيل: أمثالكم في الخلق والموت والبعث.

وعن ابن عباسٍ: الأمة أتباع الأنبياء ومنه أمة محمدٍ صلى الله عليه وسلم. وقوله:} إن هذه أمتكم أمًة واحدًة {[الأنبياء: 92] أي دينكم. والأمة أيضًا الطريقة المستقيمة. قال الذبياني: [من الطويل]. 92 - حلفت فلم أترك لنفسك ريبة ... وهل يأثمن ذو أمةٍ وهو طائع؟ وعليه قوله:} من أهل الكتاب أمة قائمة {[آل عمران: 113]، قيل: ذو أمةٍ أي ذو طريقةٍ قويمةٍ. والأمة: كل جيلٍ في زمنٍ وإن لم يكونوا ناسًا؛ وفي الحديث: "لولا أن الكلاب أمة تسبح لأمرت بقتلها". وفي الحديث: "إن يهود بني عوفٍ أمة من المؤمنين" تأويله أنهم بالصلح الذي حصل بينهم وبين المؤمنين كأمةٍ من المؤمنين، كلمتهم وأيديهم واحدة. ويطلق على من تفرد بدينٍ: أمًة، ومنه: "قس بن ساعدة وزيد بن عمرو بن نفيل يبعث أمًة وحده"، قال تعالى:} إن إبراهيم كان أمًة {[النحل: 120]. والأمة: المدة من الزمان} وادكر بعد أمةٍ {[يوسف: 45] أي بعد حينٍ. وقوله:} ولئن أخرنا عنهم العذاب إلى أمةٍ معدودةٍ {[هود: 8] من ذلك. وقوله:} ولو شاء الله لجعلكم أمًة واحدًة {[المائدة: 48] أي دينًا واحدًا. ومثله:} كان الناس أمًة واحدًة {[البقرة: 213] أي دينًا واحدًا، فقيل: كفر وقيل: إسلام. والأمة: الصنف، قال تعالى:} تلك أمة قد خلت {[البقرة: 134] أي صنف قد طوي زمنه؛ فما بالكم تفتخرون بهم؟ وكانوا يقولون: نحن أبناء الأنبياء، ويترجون أن يكونوا أمثالهم.

والأم: أحد الأبوين، وتجمع في العقلاء على أمهات، وفي غيرهم على أماتٍ، وقد ينعكس قليلاً، قال الشاعر، فجمع بين اللغتين: [من المتقارب] 93 - إذ الأمهات قبحن الوجوه ... فرجت الظلام بأماتكا ويقال: أمهة. قال: [من الرجز] 94 - أمهتي خندف وإلياس أبي فقيل: هذا أصلها، ولذلك يصغرونها، فيقال: أميمة. وقيل: هي مزيدة. وقيل: بل هي مزيدة كهي في هو كوله وهلع. وقال آخر: [من الطويل] 95 - وأمات أطلاءٍ صغارٍ كأنها فهذا جاء على الكثير. قال الخليل: كل شيءٍ ضم إليه سائر ما يليه يسمي أمًا. وقال غيره: كل ما كان أصلاً لوجود الشيء أو إصلاحه أو تربيته أو مبدئه أم. قال تعالى:} وعنده أم الكتاب {[الرعد: 39]، أي اللوح المحفوظ، لأن العلم كله منسوب إليه. وأم القرى: مكة، لأن الأرض دحيت من تحتها. وقوله:} ولتنذر أم القرى {[الأنعام: 92] على حذف مضافٍ، أي أهل أم القرى، نحو:} واسأل القرية {[يوسف: 82]. وقوله:} أم الكتاب {[الزخرف: 4] لأنها مبدؤه وأصله، ولاشتمالها على الأنواع الواردة في جميع القرآن حسبما بينته في غير هذا الموضع، وإن كان بعضهم

كره تسميتها بأم الكتاب. وقوله:} هن أم الكتاب {[آل عمران: 7] أي معظمه. وأم الطريق: معظمه، وأم الرمح: لواؤه. قال: [من الرمل] 96 - وسلبنا الرمح فيه أمه ... من يد العاصي وما طال الطيل والأمي: من لا يكتب ولا يقرأ من كتابٍ؛ قال تعالى:} النبي الأمي {[الأعراف: 157] يقال: رجل أمي: منسوب إلى أمةٍ أميةٍ، وفي الحديث: "بعثت إلى أمةٍ أميةٍ" وهو الباقي على أصل ولادة أمه لم يتعلم الكتابة. والأمي: منسوب إلى أمه التي ولدته. والإمام: المتبع في أقواله وأفعاله وأحواله. ومنه قوله:} إني جاعلك للناس إمامًا {[البقرة: 124] ولذلك ادعاه كل أحدٍ. ولم يصدق في ذلك إلا المسلمون، ومن فعل فعلهم. قوله:} وكل شيءٍ أحصيناه في إمامٍ مبينٍ {[يس: 12]، هو اللوح المحفوظ. وقيل: كتب أعمالهم. وقوله:} لبإمامٍ مبينٍ {[الحجر: 79]، أي أن القريتين المهلكتين؛ قريتي قوم لوطٍ وأصحاب الأيكة بطريقٍ واضحٍ تمر عليه قريش في سفرها. والإمام: الطريق، لأن سالكه يتبعه. وقوله:} واجعلنا للمتقين إمامًا {[الفرقان: 74] أي يقتدي بنا من بعدنا، وقوله:} يوم ندعو كل أناس بإمامهم {[الإسراء: 71] قيل: نبيهم. وقيل: كتابهم. وقيل: عالمهم الذي اقتدوا به.

أم ن: الأمن: الطمأنينة عند الخوف. قال تعالى:} أولئك لهم الأمن {[الأنعام: 82]. والأمن والأمان والأمانة في الأصل مصادر. وتجعل الأمانة اسم الحالة التي يكون عليها الإنسان في الأمن تارًة، ولما يؤتمن عليه الإنسان أخرى، نحو:} وتخونوا أماناتكم {[الأنفال: 27] أي ما ائتمنتم عليه. قال تعالى:} إنا عرضنا الأمانة {[الأحزاب: 72]. قيل: هي كلمة التوحيد، وقيل العدالة، وقيل: العقل، وقيل: [وهو صحيح، فإن العقل هو الذي بحصوله يتحصل معرفة التوحيد، وتجري العدالة وتعلم] حروف التهجي؛ بل بحصوله يعلم كل ما في طوق البشر، وبه فضل على كثيرٍ ممن خلقه تفضيلاً. وقال الحسن: هي الطاعة، وقيل: العبادة. وفي الحديث: "الأمانة غنى" أي سبب الغنى، لأنه متى عرف بالأمانة كثر معاملوه. وقوله:} ومن دخله كان آمنًا {[آل عمران: 97]. قيل: آمنًا من النار. وقيل: لفظه خبر، ومعناه الأمر. وقيل: من بلايا الدنيا. وقيل: الاصطلام. وقيل: آمن في حكم الله تعالى، كقولك: هذا حلال وهذا حرام في حكم الله. والمعنى: لا يجب أن يقتص منه ولا يقتل فيه إلا أن يخرج منه. ومثل ذلك:} جعلنا حرمًا آمنًا {[العنكبوت: 67]. وقوله:} أمنًة نعاسًا {[آل عمران: 154] هي بمعنى الأمن، وذلك أن النوم منتفٍ عن الخائف. والآمن هو الذي يتطرق إليه النوم. وقيل: هي جمع آمنٍ نحو كتبةٍ وكاتبٍ. وفي حديث نزول المسيح: "وتقع الأمنة في الأرض.

وقوله: {ثم أبلغه مأمنه} [التوبة: 6] أي منزله الذي يأمن فيه. وقوله:} في مقامٍ أمينٍ {[الدخان: 51] لأن أهله أمنوا فيه من العذاب والفقر. وقوله:} وهذا البلد الأمين {[التين: 3] يعني به مكة، لأن غيرها من البلاد كان أهلها يغير بعضهم على بعضٍ. ومكة آمنة من ذلك. قوله:} وما أنت بمؤمنٍ لنا {[يوسف: 17] أي بمصدق؛ لأن الإيمان هو التصديق الذي معه أمن. قوله:} يؤمنون بالجبت والطاغوت {[النساء: 51] فهذا ذم لهم وتهكم بهم، وأنهم قد حصل لهم الأمن من وجهٍ لا يصح معه أمن، لأن طبيعة القلب السليم ألا يطمئن إلى الباطل، وعليه قول الشاعر: [من الوافر] 97 - تحية بينهم ضرب وجيع كما يقال: وإيمانه الكفر. أي جعلت التحية ضربًا والإيمان كفرًا. والإيمان لغًة: التصديق، وعند كثيرٍ من أهل العلم اعتقاد بالجنان وإقرار باللسان وعمل بالأركان. ولم يشترط الأشاعرة عمل الأركان. وأمن يقال باعتبارين أحدهما أمن غيره أي حصل له الأمن، ومنه وصفه تعالى بالمؤمن. والثاني أنه صار ذا أمنٍ، فيكون قاصرًا نحو: أمن زيدٌ كأبقل المكان وأعشف. ولكونه مضمنًا للتصديق عدي بالباء في} يؤمنون بالغيب {[البقرة: 3] أي يصدقون بجميع ما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم من أمور الآخرة الغائبة عنهم. ومنه قوله عليه الصلاة والسلام: "ما آمن مؤمن أفضل من إيمان بغيب". وقد جعل النبي صلى الله عليه وسلم الحياء وإماطة الأذى من الإيمان لأنهما ينشأان عنه، وجعل الإيمان في خبر جبريل المشهور من ستة أشياء. والإيمان تارًة يجعل اسمًا للشريعة التي جاء بها محمد صلى الله عليه وسلم، ومنه:} إن الذين آمنوا والذين هادوا والصابئون {[المائدة: 69]. ويدخل فيه كل من

دخل في دينٍ مقر بالله ورسوله. قيل: وعليه قوله تعالى:} وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون {[يوسف: 106] فقوله:} إن الذين آمنوا {أي بألسنتهم. ثم قوله ثانيًا:} من آمن {[البقرة: 62] يعني من واطأ قلبه لسانه. وقيل: معناه أنهم مقرون بأن الله خالقهم، ومع ذلك يشركون به عبادة الأصنام. وجعل الصلاة إيمانًا في قوله:} وما كان الله ليضيع إيمانكم {[البقرة: 143] أي صلاتكم نحو بيت المقدس. والمعنى تصديقكم بأمر القبلة، وذلك أن المنافقين وغيرهم لما حولت القبلة قالوا: فكيف بمن مات قبل ذلك؟ قاله المنافقون استهزاء والمؤمنون تحزنًا على الموتى واستفسارًا عن حالهم. وفي حديث عقبة: "أسلم الناس وآمن عمرو" يعني أن غيره آمن بلسانه نفاقًا خوفًا من السيف، وهو آمن مخلصًا. ورجل أمنة وأمنة أي يثق بكل أحدٍ. وأمين وأمان أي يؤمن به. والأمنون: الناقة التي يؤمن عثارها وفتورها. قال امرؤ القيس: [من الطويل] 98 - فعزيت نفسي حين بانوا بجسرةٍ ... أمونٍ كبنيان اليهودي خيفق والجسرة: القوية. والخيفق: الطويل. آمين: اسم فعلٍ معناه استجب أو ليكن كذلك. وتشديد ميمه خطأ عند الحذاق. وقيل: آمين وأمين بالمد والقصر. وأنشدوا في مده: [من البسيط] 99 - يا رب لا تسلبني حبها أبدًا ... ويرحم الله عبدًا قال: آمينا وفي قصره: [من الطويل]

100 - تباعد مني فطحل إذ سألته ... أمين، فزاد الله ما بيننا بعدا آمين: اسم من أسماء الله تعالى، قاله الفارسي وردوا عليه. وقد أجيب عنه في غير هذا الكتاب. وأما حكمه بالنسبة إلى الجهر والإسرار وحكم الإمام والمأموم فقد بسطت القول في ذلك في "القول الوجيز في أحكام الكتاب العزيز" والحمد لله. وفي الحديث" "آمين خاتم رب العالمين"، قال أبو بكرٍ: معناه أنه طابع الله على عباده تدفع به الآفات فكان كخاتم الكتاب الذي يصونه ويمنع من فساده وإظهار ما فيه. وفي حديثٍ آخر: "آمين درجة في الجنة". قال أبو بكرٍ: معناه أنه حرف يكتسب به قائلة درجًة في الجنة. وكان الحسن إذا سئل عن تفسيره قال: معناه: اللهم استجب. قلت: وهذا معنى قول من قال: إنه اسم من أسماء الله تعالى لأن فيه ضمير الباري مستترًا، تقديره: استجب أنت. أم هـ: قرأ بعضهم:} وادكر بعد أمهٍ {[يوسف: 45]. والأمه: النسيان، يقال: أمهت آمه أمهًا فأنا أمهٌ. وهذه القراءة مناسبة للمعنى وموافقة للرسم. وقد نقل الهروي عن الأزهري عن المنذري، عن ابن الهيثم: أمهٍ بجزم الميم، وأمه خطأ. والأمه أيضًا: الإقرار. وفي حديث: "من امتحن في حد فأمه ثم تبرأ فليس عليه عقوبة" قال أبو عبيد: هو الإقرار، ومعناه أن يعاقب ليقر فإقراره باطل. قال: ولم أسمع

فصل الألف والنون

الأمه بمعنى الإقرار. إلا في هذا الحرف. والأمه في غير هذا النسيان. فصل الألف والنون أن ت: أنت: ضمير المخاطب المذكر، وهل كله ضمير؟ وأن والتاء حرف خطابٍ، أو التاء وأن زائدة؟ عماد خلافٍ لا طائل تحته. ويتصل بهذه التاء علامة تثنية ميم وألف. ويشترك فيه حينئذٍ خطاب الذكرين والأنثيين أو الذكر والأنثى نحو: أنتما يا زيدان أو يا هندان، أو يا زيد وهند. وعلامة جمع الذكور العقلاء ميم مضمومة بعدها واو نحو: أنتمو. وجمع الإناث نون مشددة مفتوحة نحو أنتن، والتاء مضمومة قبل ذلك كله، كالتاء إذا كانت ضميرًا نحو ضربتما، ضربتموه، ضربتن. وهذه التاء تفتح للمخاطب وتكسر للمخاطبة نحو:} أأنت قلت للناس {[المائدة: 116] الخطاب لعيسي عليه السلام، والتوبيخ لمن عبده وأمه من دون الله. أن ث: الأنثى تقابل الذكر من جميع الحيوانات، فالمرأة أنثى، والناقة والنعجة والأتان كذلك، وذلك باعتبار الفرجين، ولذلك يقول النحاة: مؤنث حقيقي ويعنون ما له فرج، وغير الحقيقي ما ليس له فرج. وإنما عاملته العرب معاملة المؤنث كالشمس والبدر. ولما كان الذكر أقوى من الأنثى جعلوا الأضعف في بعض الأشياء أنثى، والأقوى ذكرًا. فقال: سيف ذكر، أي قاطع، وسيف أنيث في عكسه. قال: [من الوافر] 101 - فيعلمه بأن العقل عندي ... جراز لا أفل ولا أنيث أي: [لا أعطيه إلا السيف القاطع، ولا أعطيه الدية] وقوله تعالى:} إن يدعون من دونه إلا إناثًا {[النساء: 117] قال الفراء: كانوا

يسمون اللات والعزى ومنات، وهذه إناث. وقال الحسن: كانوا يقولون في الأصنام: هذه أنثى بني فلانٍ. قال الراغب: من المفسرين من اعتبر حكم اللفظ فقال: لما كانت أسماء معبوداتهم مؤنثًة نحو اللات والعزى ومناة قال ذلك. ومنهم من اعتبر حكم المعنى وهو أصح. ويقول: المنفعل يقال له: أنيث. ولما كانت الموجودات بإضافة بعضها إلى بعضٍ ثلاثة أضرب: فاعل غير منفعلٍ وذلك هو الباري تعالى. ومنفعل غير فاعلٍ وذلك هو الجمادات. وفاعل من وجهٍ ومنفعل من وجهٍ كالملائكة والإنس والجن. فبالإضافة إلى الله منفعلة، وبالإضافة إلى مصنوعاتهم فاعلة. ولما كانت معبوداتهم من جملة الجمادات التي هي منفعلة غير فاعلة سماها الله تعالى أنثى وبكتهم بها ونبههم على جهلهم في اعتقادهم فيها الألوهية، مع كونها غير ضارة ولا نافعةٍ، فإنها لا تفعل شيئًا البتة، بخلاف عبدتها فإنهم أكمل منها من أن لهم فعلاً في الجملة. ولما كان بعض الأشياء يشبه بالذكر في حكم اللفظ ذكر حكمه، وبعضها بالمؤنث في حكم اللفظ أنث أحكامها نحو اليد والأذن، والخصية لتأنيث لفظ الأنثيين قال الشاعر: [من الطويل] 102 ضربناه تحت الأنثيين على الكرد قال: [من الوافر] وما ذكر وإن يسمن كأنثى يعني القراد فجعله أنثى باعتبار لفظه. وقيل:} إلا إناثًا {[النساء: 117] أي مواتًا كالأحجار والخشب والمدر. وهذا تفسير للواقع لأن أصنامهم كانت متخذًة من ذلك كله وليس من تفسير اللفظ كما نبهت عليه أول الكتاب. وأرض أنيث أي سهلة حسنة النبت، تشبيهًا بالأنثى لسهولتها وما يخرج منها. وفي

حديث إبراهيم: "كانوا يكرهون المؤنث من الطيب، ولا يرون بذكورته" قال شمر: يريدون بالمؤنث طيب النساء كالخلوق والزعفران [وما يلون الثياب]، وبذكورته ما لم يلونها كالمسك والغالية والكافور. وذكارة الطيب: كذلك. أن س: الإنس: الجيل المقابل للجن. قال تعالى:} لأملأن جهنم من الجنة والناس أجمعين {[هود: 119] وقال:} يا معشر الجن والإنس {[الأنعام: 130] سموا بذلك لأنهم كانوا يؤنسون أي يبصرون بخلاف الجن؛ فإنهم كانوا يخفون أي يستترون فلا يبصرون. ومنه قوله تعالى:} إني آنست نارًا {[طه: 10] أي أبصرتها: وقيل: آنست: أحسست ووجدت وهو بمعنى الأول لأن البصر أحد الحواس. يكوله تعالى:} فإن آنستم منهم رشدًا {[النساء: 6] أي علمتم. وأصله أبصرتم، لأنه طريك العلم. وإنسان العين ما يبصر فيه الإنسان شخصه لرقته وصفائه. وقوله:} حتى تستأنسوا {[النور: 27] أي تستأذنوا، ومعناه تستعلموا؛ هل يؤذن لكم؟ وما يحكي عن ابن عباسٍ أن الأصل "تستأذنوا" فعلها الكاتب فشيء لا يصح عنه} إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون {[الحجر: 9]، ولذلك قال ابن عرفة: حتى تنظروا أيؤذن لكم؟ أم لا؟ وفي الحديث: "السلام عليكم أأدخل؟ ثلاثًا، فإن أذن له وإلا رجع" قال الأزهري: من يقول من العرب: اذهب فاستأنس، هل ترى أحدًا؟ معناه

تبصر. قال الذبياني: [من البسيط] 103 - كأن رحلي وقد زال النهار بنا ... يوم الجليل على مستأنسٍ وحد أي: على ثورٍ متبصرٍ، هل يرى صائدًا فيحذره؟ والإنس خلاف النفور. والإنسي منسوب إلى الإنس، ويقال لكل ما يؤنس به، ولمن كثر أنسه. ومنه قيل لما يلي الراكب من جانبي الدابة، وما يقابل الرامي من جانبي القوس: إنسي، وللجانب الآخر وحشي. فالإنسي من كل شيءٍ: ما يلي الإنسان، والوحشي: الجانب الآخر. والإنسان مشتق من الأنس، وزنه فعلان لأنه لا قوام له إلا بأنسٍ آخر من جنسه. ولذلك قيل: الإنسان مدني، وجمعه أناسي وأصله أناسين، فأبدلت النون ياًء وأدغمت كطراين في طرايين جمع طريان. وجعل الراغب الأناسي جمعًا لإنسي وليس بصوابٍ لما ذكرته في موضعه، وسيأتي ذكرها إن شاء الله تعالى. وقيل: إنسان أصله إنسيان فحذفت ولذلك صغروه على أنيسيانٍ. قالوا: مشتق من النسيان، وأنشدوا: [من الكامل 104 - سميت إنسانًا لأنك ناس والناس عندهم من ذلك، وأصله نسي ثم قلبت الكلمة. وسيأتي إن شاء الله تحقيق ذلك في باب النون. أن ف: الأنف معروف، ولعزة مكانه سموا به كل عزيز. قالوا: أنف الجمل لأعلاه، ورغم أنفه أي لصق بالرغام وهو التراب، وترب أنفه. ويقولون في المتكبر: شمخ بأنفه. ونسبوا

الحمية والعزة له، قال الشاعر: [من الطويل] 105 - إذا غضبت تلك الأنوف لم أرضها ... ولم أطلب العتبى ولكن أزيدها وأنف فلان من كذا: استنكف. والأنفة: الحمية. واستأنفت الشيء: ابتدأته، وحقيقته؛ أخذت بأنفه مبتدئًا به، ومنه:} ماذا قال آنفًا {[محمد: 16] أي مبتدئًا. قال الشاعر في بني أنف الناقة: [من البسيط] 106 - قوم الأنف، والأذناب غيرهم ... ومن يساوي بأنف الناقة الذنبا؟ قيل: كانوا يكرهون النسبة إليه حتى قيل هذا الشعر، فصار أحب إليهم من كل شيءٍ. قوله تعالى:} ماذا قال آنفًا {أي الساعة. وحقيقته ما قدمته أنه من استأنفت الشيء أي ابتدأته. والمعنى: ماذا قال في أول وقتٍ يقرب من وقتنا؟ وروض أنف: لم ترع قبل ذلك، ومنه حديث أبي مسلمٍ الخولاني: "ووضعها في أنفٍ من الكلأ" يقول: يتتبع بها المواضع التي لم ترع قبل الوقت الذي دخلت فيه. وكأس أنف: لم يشرب فيه قبل ذلك. قال بعض القدرية: "وإن الأمر أنف" أي مستأنف من غير سابق قضاءٍ ولا قدرٍ. وأنف كل شيءٍ: أوله، قال امرؤ القيس: [من الرمل]

107 - قد غدا يحملني في أنفه ... لاحق الصقلين محبوك ممر وفي الحديث: "لكل شيءٍ أنفة وأنفة الصلاة التكبيرة" أي أولها. المحفوظ ضم الهمزة، قال الهروي: والصحيح أنفة يعني بالفتح. قوله تعالى:} والأنف بالأنف {[المائدة: 45] يقرأ بالنصب والرفع على معنى: والأنف كائن ومأخوذ بالأنف، وفيه غير ذلك. ويجمع على آنفٍ في القلة وأنوفٍ في الكثرة. وفي الحديث: "المؤمنون هينون لينون كالجمل الأنف"، وهو الذي عقر الخشاش أنفه، فهو ينقاد لكل من يقوده. وأصله مأنوف مثل مضروبٍ. وذكر الراغب في هذا الباب الأنملة وأنا أذكرها في باب النون لأن همزتها مزيدة. أن ي: أني: ظرف زمانٍ لا ينصرف، وهو لا يخرج عن الشرط أو الاستفهام،، فمن مجيئه شرطًا جازمًا فعين قوله: [من الطويل] 108 - فأصبحت أني تأتها تبتئس بها وترد في الاستفهام بمعنى كيف، كقوله تعالى:} فأتوا حرثكم أنى شئتم {[البقرة: 223]، وبمعنى أين كقوله تعالى:} أنى لك هذا {[آل عمران: 37] أي من أين؟ قال الراغب: أنى للبحث عن الحال والمكان، ولذلك قيل: هو بمعنى أين

مقام الكلمتين، وهو ممتنع عند أهل البيان. وأني: تأتي بمعنى قرب، قال تعالى:} ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله {[الحديد: 16] وقوله:} غير ناظرين إناه {[الأحزاب: 53] أي نضجه واستواءه، إذا كسرت قصرت، ومنه الآية الكريمة، وإذا فتحت مدت، ومنه قول الحطيئة: [من الوافر] 109 - وآنيت العشاء إلى سهيلٍ ... أو الشعري، فطال بنا الأناء يقال: أنيت وأنيت مخففًا ومثقلاً بمعنى تأخرت، وآنيت بمعنى أخرت. وفي الحديث: "آذيت وآنيت" أي أخرت المجيء: وفلان متأنٍ من ذلك. والأناة: التؤدة. وقوله:} حميمٍ آنٍ {[الرحمن: 44] أي بلغ أناه في شدة الحر. واستأنيت فلانًا: انتظرته واستبطاته. وآناء الليل: ساعاعته. قال تعالى:} ومن آناء الليل فسبح {[طه: 130] واحده إنًا مثل معًا وأمعاء، وإني مثل نحيٍ وأنحاء، وأني مثل قفًا واقفاء، قاله الهروي وذكر أني وأنياء كدلوٍ وأدلاء. وقوله:} من عينٍ آنيةٍ {[الغاشية: 5] أي حارةٍ بلغت أناها، وهي نظير} حميمٍ آنٍ {كلاهما اسم فعلٍ من أني يأني فهو آنٍ. وهي آنية كغازٍ وغازيةٍ. والإناء: الوعاء الذي يوضع فيه ما آن وقته، ثم عبر به عن كل وعاءٍ. ويجمع على آنيةٍ. فشبه بآنيةٍ اسم فاعلٍ من أنى كما تقدم. فتلك مفردة وزنها فاعلة، وهذه جمع أفعلة نحو غطاءٍ وأغطيةٍ. وأما الأواني فجمع آنيةٍ. وأنا: ضمير متكلم وحده، واختلف النحويون في ألفه فقيل: مزيدة لبيان الحركة ولذلك تحذف وصلاً وتثبت وقفًا. ويقال هنا: أوان بتقديم ألف (وأن) كلفظ الناصبة. والمشهور ما قدمته من ثبوت ألفه وقفًا وحذفها وصلاً، وقد تثبت وصلاً. وقرئ} لكنا هو الله ربي {[الكهف: 38]، والأصل: لكن أنا وأدغم. وكذلك:} وأنا أول المسلمين {[الأنعام: 163]. وأما في الشعر فكثير نحو قوله: [من الوافر]

110 - أنا سيف العشيرة فاعرفوني ... حميدًا قد تذريت السناما ويقال: أنه، بهاء السكت. ومنه قول حاتمٍ: 111 - هكذا فزدي أنه وتتصل به تاء الخطاب، وتلحقها علامة التثنية، والجمع، فيقال: أنت وأنت وأنتما وأنتم وأنتن. هذا عند من يقول ذلك. ويقال: أنية الشيء، كما يقال: ذاته. قال الراغب: وهي لفظة محدثة لبست من كلام العرب. قلت: صدق، وإنما هذا في عبارة المتكلمين يقولون: في أنية الإنسان، أي حقيقته. قولك: أن خلاف إن بالكسر والتشديد: حرف تأكيدٍ ينصب الاسم ويرفع الخبر، وله أحكام في بابه، ومن حيث اللفظ يكون مشتركًا في الصورة بين معاني التوكيد كما تقدم وبمعنى نعم عند بعضهم، وفعل أمرٍ من الاثنين نحو: يا زيد إن وماضيًا مسندًا لضمير الإناث من إن نحو: يا نسوة إن، أي إقربن. إلى معانٍ أخرى ليس هذا موضعها لضيق الزمان بتصريفها لاسيما مع عسره. وتتصل ما الزائدة بها فيبطل فعلها على المشهور، وتفيد الحصر عند الجمهور نحو:} إنما الله إله واحد {[النساء: 171]. وحصر كل شيء بحسب ذلك المعنى

فصل الألف والهاء

المسبوق إليه نحو: {إنما أنت نذير} [هود: 12] وقوله:} أنما الحياة الدنيا لعب ولهو وزينة {[الحديد: 20]. وبالفتح والتشديد هي أختها، معناهما وعملهما واحد إلا أن الفرق بينهما يقع بأشياء مذكورة في النحو بينتها في مواضعها، والمكسورة جملة مستقلة، والمفتوحة مع ما بعدها مؤولة بمفردٍ نحو:} قل أوحي إلي أنه استمع نفر من الجن {[الجن: 1]. وأن بالفتح والتخفيف تكون مخففة من الثقيلة، فلم يختلف معناها ولا عملها إلا أنه اشترط فيها شروط لم تشترط في المثقلة، كقوله:} علم أن سيكون {[المزمل: 20]،} أفلا يرون ألا يرجع {[طه: 39]. وتكون ناصبًة للمضارع فينسبك منها ومما بعدها مصدر كقوله:} وأن تعفوا {[البقرة: 237] عفوكم. وتعمل مضمرةً ومظهرة ولها أحكام وهي أم الباب، وتكون مفسرة إذا صلح موضعها أي نحو: أشرت إليه أن قم. ومزيدةً نحو:} فلما أن جاء البشير {[يوسف: 96]. وإن بالكسر والتخفيف تكون مخففةً من الثقيلة، والأكثر حينئذٍ إهمالها. وتلزمها لام فارقة إن لم تعمل، ولم تكن ثم فرقيةً. وتكون شرطيًة فتجزم فعلين، وهي أم الباب، ولها أخوات وأحكام، وتكون نافيًة نحو:} إن أنتم إلا مفترون {[هود: 50]، ومزيدًة نحو: [من الوافر] 112 - فما إن طبنا جبن ولكن فصل الألف والهاء أهـ ل: أهل الرجل: من يجمعه وإياهم نسب، أو دين، أو ما يجري، مجراهما، من

صناعةٍ وبيتٍ وبلدٍ. وقال الراغب: فأهل الرجل في الأصل من يجمعه وإياهم مسكن واحد، ثم تجوز به فقيل: أهل بيت الرجل: لمن يجمعه وإياهم نسب واحد. وتعورف في أسرة النبي صلى الله عليه وسلم مطلقًا، فعبر بأهل الرجل عن امرأته. وقوله تعالى:} إنه ليس من أهلك {[هود: 46] أي ليس من أهل دينك، بدليل قوله:} إن ابني من أهلي {[هود: 45] فلم تنفعه بنوة النسب، وذلك أن الشريعة رفعت حكم النسب في كثيرٍ من الأحكام بين المسلم والكافر. قال تعالى:} إنه ليس من أهلك {. وقوله تعالى:} هو أهل التقوى وأهل المغفرة {[المدثر: 56] قال الأزهري: أي يؤنس باتقائه المؤدي إلى الجنة، ويؤنس بمغفرته لأنه غفور. قال: يقال: أهلت به آهل أي أنست به آنس، وهم أهلي أي الذين آنس بهم. وقوله:} وكان يأمر أهله بالصلاة {[مريم: 55] أي جميع أمته. وأمة كل نبي أهله، ومنهم: آل محمدٍ كل تقي. وأهل الرجل يأهل أهولاً. ومكان آهل ومأهول. وتأهل: تزوج. وأهله الله في الجنة: زوجه. وهو أهل لكذا أي خليق به، ويستأهل منه. وأهلاً وسهلاً معناه: أتيت أهلاً في الشفقة لا أجانب، ووطئت سهلاً من الأرض لا حزونًا. والأهل: يرفع بالواو، وينصب ويجر بالياء. وقال تعالى:} شغلتنا أموالنا وأهلونا {[الفتح: 11] وقال:} قوا أنفسكم وأهليكم نارًا {[التحريم: 6] ولم يستكمل شروط الجمع، والذي سوغ به جمعه تصحيحًا كونه في معنى مستحقٍ. وقد يجمع بالألف والتاء، فيقال: أهلات، ويجمع على أهالٍ. والإهالة: الدهن. وفي الحديث: "كان يدعى إلى خبز الشعير والإهالة السنخة، فيجيب". وفي الأمثال: "استأهلي إهالتي وأحسني إيالتي" أي خذي صفو مالي وأحسني القيام علي.

فصل الألف والواو

فصل الألف والواو أوب: الأوب: ضرب من الرجوع لأن الأوب لا يقال إلا في الحيوان ذي الإرادة بخلاف الرجوع، فإنه يقال فيه وفي غيره. يقال: آب يؤوب أوبًا وأوبًة. وقوله:} إن إلينا إيابهم {[الغاشية: 25] أي رجوغهم فهو كقوله:} ثم إليه يرجعون {[الأنعام: 36] وقوله:} مآبًا {[النبأ: 22] أي مرجعًا، ويجوز أن يكون اسم مكانٍ. وقوله تعالى:} وحسن مآبٍ {[الرعد: 29] أي رجوعٍ. الأوبة كالتوبة. والأواب: الكثير الرجوع لربه بامتثال أوامره واجتناب نواهيه. ومنه:} نعم العبد إنه أواب {[ص: 44] وقوله:} أوبي معه {[سبأ: 10]. التأويب: سير النهار، ومعناه هنا: رجعي بالتسبيح كله. ويقال: بيني وبينك ثلاث مآوب أو رجاعاتٍ بالنهار. ويدل عليه قراءة} أوبى {بالتخفيف. وقوله:} فإنه كان للأوابين غفورًا {[الإسراء: 25] من ذلك. وقيل: الأواب: الراحم. وقيل: المسبح. وهذه متقاربة المعاني. وقوله: [من الوافر] 113 - رضيت من الغنيمة بالإياب أي: بدل الغنيمة. كقوله:} منكم ملائكًة {[الزخرف: 60]. ويجوز أن يكون من على بابها أي يكفيني الإياب من جملة الغنيمة، فجعله بعضًا.

أود: الأود: الثقل. قال تعالى:} ولا يؤوده حفظهما {[البقرة: 255] أي لا يثقله ولا يشق عليه ذلك، وهو معنى قول مجاهدٍ، يقال: آدني كذا يؤودني أودًا يئيد، ثقل. والأود أيضًا: الاعوجاج لأنه مما يثقل، وفي الحديث: "أقام الأود وشفى العمد" أي أقام العوج، والعمد: ورم في الظهر. قال الراغب: "قوله:} ولا يؤوده {أي لا يثقله، وأصله من الأود" بتخفيف آده. أول: الأول: نقيض الآخر، وهو أفعل التفضيل، ويكون بمعنى أسبق. والأول هو الذي يترتب عليه غيره. ويترتب على أوجهٍ أحدها أن يكون تقدمه بالزمان نحو: أبو بكرٍ أول ثم عمر. أو بالرياسة واقتداء غيره به، نحو: الملك أول ثم الوزير. أو بالوضع كقولك: دمشق أول ثم بغداد، أو بنظام الصناعة نحو: الأساس أول ثم البناء. وقوله تعالى:} هو الأول {[الحديد: 3] معناه الذي لم يسبقه في الوجود شيء. وقيل: هو الذي لا يحتاج إلى غيره. وقيل: المستغني بنفسه. وهذان يرجعان إلى قولنا: لم يسبقه شيء. وقوله:} وأنا أول المؤمنين {[الأعراف: 143]،} أول المسلمين {[الأنعام: 163] أي المقتدى به في الإسلام والإيمان.} ولا تكونوا أول كافرٍ به {[البقرة: 41] أي ممن يقتدي به في الكفر. ويكون أول ظرفًا، فإن نويت إضافته بني على الضم، يقال: جئتك أول أي أول الأوقات. والإعراب: جئتك أولاً وآخرًا أي قديمًا وحديثًا. وقوله:} أولى لك فأولى {[القيامة: 34] كلمة تهديدٍ ودعاءٍ عليه، معناه:

وليك شر بعد شرٍ. وقد يخاطب بذلك من أشرف على الهلاك فيحث به على التحرز منه. وقيل: يخاطب به من نجا من الشر ذليلاً فينهى أن يقع في ذلك الأمر ثانيًا. وأكثر ما يجيء مكررًا كقولها: [من المتقارب] 114 - فأولى منفسي أولى لها وكأنه حث على ما يؤول إليه ليتنبه على التحرز منه. وفي الكلمة أعاريب ذكرتها في غير هذا. وكذلك ذكرت اختلاف الناس في أصل "أول" وتصريفه واشتقاقه. وتأنيثه "أولى". ويجمع على أول ويجمع هو على أوائل وأولين. والأول: الرجوع إلى الأصل. والتأويل تفعيل منه، وذلك رد الشيء إلى الغاية المرادة فيه، ويكون ذلك في العلم كقوله تعالى:} وما يعلم تأويله إلا الله {[آل عمران: 7]، وفي الفعل كقول الشاعر: [من البسيط]. 115 - وللنوى قبل يوم البين تأويل وقوله:} يوم يأتي تأويله {[الأعراف: 53] أي بيانه إلى الغاية المرادة منه. وقال الزجاج في قوله:} هل ينظرون إلا تأويله {[الأعراف: 53] أي ما يؤول إليه أمرهم من البعث. قال: وهذا التأويل هو قوله تعالى:} وما يعلم تأويله إلا الله {، أي لا يعلم متى يكون أمر البعث وما يؤول إليه الأمر عند قيام الساعة إلا الله. والراسخون في العلم يقولون: آمنا بالبعث. وقوله:} وأحسن تأويلاً {[النساء: 59] أي أحسن عاقبًة. وقيل: أي أحسن معنًى ورحمًة. وقيل: أحسن ثوابًا في الآخرة. والموئل: المرجع، وهو موضع الرجوع. والأول: السياسة التي تراعى مآلها الناس. "وإيل علينا" والمآل: مفعل منه كالمقام. وفي الحديث: "من صام الدهر فلا صام

[ولا آل] " ولا آل: معناه لا رجع بخيرٍ. ومن المادة: آل الرجل، وهم من يؤولون إليه، أو يؤول هو إليهم، أي يرجع. وأصله أول. فقلب الواو ألفًا كهي في مالٍ. وقيل: هو بمعنى أهلٍ وليس كذلك لأن آل لا يضاف إلى مضمر إلا في قليل نحو قوله: [من الطويل] 116 - فما يحمي حقيقة آلكا ولا يضاف إلا الذي خطرٍ، فلا يقال: آل الحجام، ولا يقطع عن الإضافة إلا نذورًا كقوله: [من الرمل] 117 - لم نزل آلاً على عهد إرم رجل ولا آل بغداد ولا آل زمانٍ ولا آل مكان كذا، بخلاف أهلٍ في ذلك كله. وقوله:} أدخلوا آل فرعون {[غافر: 46] يعني بهم كل من آل إليه في دينٍ أو مذهبٍ أو نسبٍ. وقوله: "فقد أوتي مزمارًا من مزامير آل داود" أي داود نفسه وآل مقحمة. كما يقال: مثلك لا يفعل كذا. ويريدون: أنت لا تفعل. وقال الراغب: الآل هو مقلوب عن الأهل، إلا أنه خصص به. فذكر بعض ما قدمته ثم قال: وقيل: هو في الأصل اسم الشخص، ويصغر أويلاً. ويستعمل في من يختص بالإنسان اختصاص ذاته، إما بقرينة قربٍ أو موالاةٍ. وآل النبي صلى الله عليه وسلم: أقاربه. وقيل: هم المختصون به من حيث العلم، وذلك أن من اختص بتعلم علمه فهو من آله وأمته، ومن لم يختص بذلك بل عمل تقليدًا فهو من أمته. وكل آل النبي أمته، وليس كل أمته آله. وفي الحديث: "آل النبي كل

تقي". "وقيل لجعفر الصادق إنهم يقولون إن المسلمين كلهم آل النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: صدقوا وكذبوا. فقيل له، فقال: كذبوا في قولهم إنهم كافتهم آله، وصدقوا لأنهم إذا قاموا بشرائط شريعته كانوا آله." وآل المرء شخصه المتردد. قال: [من الطويل] 118 - ولم يبق إلا آل خيمٍ منضد والآل: الحالة يؤول إليها. والآل: ما يبدأ من السراب كشخصٍ يظهر للناظر، وإن كان كاذبًا، أو من برد هواءٍ أو تموجٍ، فيكون من آل يؤول. أون: } الآن {[يوسف: 51] هو الوقت الحاضر الفاصل بين الزمانين، وقيل: هو كل زمنٍ مقدرٍ بين ماضٍ ومستقبلٍ. ويقال: أفعل كذا آونةً، أي وقتًا بعد وقتٍ. وهو من قولهم: الآن. وهذا أوان ذلك أي زمنه المختص به وبفعله. قال سيبويه: هذا الآن، وهذا آنك، أي وقتك، وآن يؤون. قال أبو العباس: ليس الأول وهو فعل على حدته. وقال الفراء: أصله أوان وهو اسم لحد الزمان الذي أنت فيه، وهذا ضعيف للحذف من غير دليلٍ. وعنه أيضًا أنه فعل ماضٍ نقل إليه الاسمية، وهو اسم مبني على الفتح، وقالوا: لتضمنه الحرف وهو أداة التعريف. وهذه الأداة الموجودة زائدة لازمة، وقد تعرب. قال: [من الطويل] 119 - كأنهما ملآن لم يتغيرا

يريد: من الآن. وله أحكام كثيرة. أوهـ: قوله تعالى:} إن إبراهيم لأواه حليم {[التوبة: 114]. الأواه: الذي يكثر قوله: آه آه. والتأوه: كل كلام يظهر منه تحزن وقوله:} أواه {[هود: 75] قيل: هو المؤمن الداعي. وقيل: من يخشى الله حق خشيته. وقال أبو عبيدة: المتأوه شفقًا، المتضرع نفسًا ولزومًا للطاعة، وأنشدني شيخي للمثقب العبدي يصف ناقته: [من الوافر] 120 - إذا قمت أرحلها بليلٍ ... تأوه آهة الرجل الحزين والأواه: الكثير التأوه خوفًا من الله تعالى. أوي: قال تعالى:} آوي إليه أخاه {[يوسف: 69] أي ضمه إليه في مأواه. يقال: أوى يأوي أويا، ومأوى اسم لمكان. وآواه غيره يؤويه إيواًء. فمن الأول قوله تعالى:} إذ أوى الفتية إلى الكهف {[الكهف: 10]. ومن الثاني:} وفصيلته التي تؤويه {[المعارج: 13]،} آوى إليه أخاه {. [يوسف: 69]. وقوله:} جنة المأوى {[النجم: 15]. فالمأوى: مصدر أضيف إليه، كإضافة الدار للخلد في قوله:} دار الخلد {[فصلت: 28] فالمأوى اسم للمكان الذي يؤوى إليه. وقال الشاعر: [من الوافر] 121 - أطوف ما أطوف ثم آوي ... إلى ماءٍ ويرويني النقيع

فصل الألف والياء

وأويت إليه: رحمته ورققت له أويًا وأيًة ومأويًة ومأواًة. وقوله عليه الصلاة والسلام للأنصار:! كأبايعكم على أن تأووني وتنصروني". قال الأزهري: أوى وآوى بمعنى واحد، وأوى لهزم ومتعد. وفي الحديث: "لا يأوي الضالة إلا ضال". قال الأزهري: ألا أين آوي هذه الموقسة، ولم يقل: أووي، الموقسة: الإبل التي بدا بها الجرب، وهو الوقس. وفي حديث وهب أن الله تعالى قال: "أويت على نفسي أن أذكر من ذكرني"، قال القتيبي: هذا غلط إلا أن يكون من المقلوب، الصحيح: وأيت من الوأي وهو الوعد. يقول: جعلت على نفسي وعدًا. وماوية: اسم امرأةٍ. قال امرؤ القيس: [من السريع] 122 - يا دار ماوية فقيل: هي من المأوي لأنها مأوى الصدور. وقيل: من الماء، فأبدلت واوًا. وذلك كتسميتهم ماء السماء لصفائه وارتفاعه. فصل الألف والياء أي د: الأيد: القوة. قال تعالى:} والسماء بنيناها بأييد {[الذاريات: 47] أي

بقوةٍ وإحكامٍ. وقوله:} داود ذا الأيد {[ص: 17] أي ذا القوة في الأقوال والأفعال. وفي معناه} وآتيناه الحكمة وفصل الخطاب {[ص: 20]. والأيد والأيد: ذو القوة الشديدة: وقوله:} أيدتك بروح القدس {[المائدة: 110] و} ويؤيد بنصره من يشاء {[آل عمران: 16]، فغلب عليه التكثير. ويقال: آده يئيده أيدًا وآدًا، مثل: باعه يبيعه بيعًا، وإدته أئيده مثل: بعته أبيعه. وقرئ:} آيدتك {برفع. قال الزجاج: يجوز أن يكون فاعلت مثل عايدت. وقال غيره: هو أفعلت. أي ك: الأيك: جمع أيكة، وهو الشجر الملتف. وقوله:} كذب أصحاب الأيكة {[الشعراء: 176] هم أصحاب غيضة كانوا فيها، فأرسل إليهم شعيب عليه السلام فكذبوه فهلكوا. وقد قرئ} ليكة {فقيل: هي بمعناها، وقيل: الأيكة ... . وليلة المصون والعقد النضيد أي ل: قوله تعالى:} وجبريل وميكال {[البقرة: 98] ونحوه. قيل: إن (إيل) اسم الله

تعالى، فمعنى جبريل عبد الله. قال الراغب. وهذا لا يصح بحسب كلام العرب، لأنه كان يقضي أن يضاف إليه فيجر إيل فيقال: جبرايلٍ، انتهى. ويمكن أن يقال إنه لما كان بلغتهم كان أعجميًا، وإذا كان كذلك ففيه سببان: العلمية والعجمة الشخصية، إلا أن هذا لا يتم إلا إذا قلنا: إن نحو نوحٍ ولوطٍ فيه الصرف وعدمه. فإن قيل: فكان ينبغي أن يقال بالوجهين، فيقال: التزم فيه أحد الجائزين. والإيالة: السياسة، يقال: ألنا وإيل علينا أي سسنا وساسونا. وهو حسن الإيالة أي السياسة. وفي حديث الأحنف: "بلونا فلانًا فلم نجد عنده إيالًة للملك" أي سياسة. أي م: قوله تعالى:} وأنكحوا الأيامي منكم {[النور: 32]. الأيامي: جمع أيم، والأيم: المرأة التي لا بعل لها، ثيبًا كانت أو بكرًا. فمن الأول ما في الحديث: "تأيمت حفصة" .. وقوله: "والأيم أحق بنفسها". ومن الثاني: "تطول أيمة إحداكن"، ويقال للرجل الأعزب أيضًا، وذلك على الاستعارة. يقال ذلك لمن لا غناء عنده تشبيهًا بالنساء، يقال: آمت المراة أيمة فهي أيم بغير ياءٍ، وآمٍ الرجل كذلك. وإنما لم يفرقوا بالتاء لأن هذه صفة غالبة في المؤنث، فأشبهت حائضًا وطامثًا لأن الأصل عدم إطلاقه في الرجال كما تقدم. ولم يحك الراغب غير أيمةٍ بالتاء، وإمت آيم، وأنشد: [من الطويل] 123 - لقد إمت حتى لامني كل صاحبٍ ... رجاء بسلمى أن تئيم كما إمت

والمصدر الأيمة. وفي الحديث: "أنه كان يتعوذ من الأيمة والعيمة والغيمة" فالأيمة: طول العزبة، والعيمة بالمهملة: شدة شهوة اللبن، وبالمعجمة. شدة العطش ومن كلامهم: ماله آم وعام؟ أي: فارق امرأته وذهب لبنه. ويقال: تأيم، وتأيمت بمعنى أقامت على الأيوم، وأنشد: [من الطويل] 124 - وقولا لها: يا حبذا أنت لو بدا ... لها أو أرادت بعدنا أن تأيما أراد: أن تتأيم فحذف إحدى التاءين. ويقال: الحرب مأيمة أي أنها يقتل فيها الرجال، وتشبيهًا بتأيم النساء. والأيم: بالفتح والسكون الحية. وقد تشدد الياء، ومنه الحديث: "مر بأرض جرزٍ مثل الأيم" فهذا بالفتح والسكون. قال أبو كبيرٍ الهذلي: [من الكامل] 125 - إلا عواسر كالمراط معيدة ... بالليل، مورد أيمٍ متغضف العواسر: ذئاب تعسر بأذنابها أي ترفعها إذا عدت. والمراط: سهام قد انمرط ريشها. المتغضف: المتلوي. والأيامي: وزنها في الأصل فعائل أيائم لأنها نظير صيقلٍ وصياقل، قلبت بأن قدمت الميم وأخرت الياء التي انقلبت إلى الهمزة. ثم فتحت الميم تخفيفًا فقلبت ألفًا فصارت أيامي، ووزنها بعد فعالي. وقد حققتها بأكثر من هذا.

أي ن أين: ظرف مكان يكون شرطًا تارًة وإستفهامًا أخرى كقوله تعالى:} أينما تكونوا يدرككم الموت {[النساء: 78]، وكقوله:} فأين تذهبون {[التكوير: 2]. والأين: الإعياء، يقال: آن يئين أينًا، وكذلك أنى يأني أنيًا إذا حان. قال الراغب: وأما بلغ أناه فقيل: هو مقلوب من أنى. قال أبو العباس: قال قوم: آن يئين أينًا. والهمظة فيه، مقلوبة عن الحاء، والأصل حان يحين حينًا. وأصل الكلمة من الحين. أي: أي: حرف جوابٍ يتعقبه القسم وهو بمعنى نعم. قال تعالى:} ويستنبئونك أحق هو قل إي وربي {[يونس: 53]. ومثله قولهم: إي والله. ولو قيل لك: أقام زيد؟ قلت: إي وسكت أو: إي قام زيد لم يجز لعدم وجود القسم. وبعضهم يعبر عنها بأنها كلمة موضوعة لتحقيق كلام متقدم نحو: "إي وربي". وقد كثر ورود هذه الكلمة حتى حذفوا جملتي القسم وجوابه، وأبقوا حرفًا موصولاً بإي، فيقولون: أي، ويريدون: إي والله. وأي بالفتح والتخفيف: حرف تفسيرٍ نحو: مررت بالأسد، أي الغضنفر، وزعم بعضهم أنها هنا أي لنداء التقريب، وآي بالمد للبعيد، كأيا وهيا وقيل: الهمزة للتقريب، وآي وأيا وهيا للبعيد، وأي للمتوسط. أي ي: أي: اسم استفهامٍ أو شرطٍ أو منادى مبني على الضم، وصلة لنداء ذي أل. قال تعالى:} فأي الفريقين أحق بالأمن {[الأنعام: 81]. وقال تعالى:} أيا ما تدعوا فله الأسماء الحسنى {[الإسراء: 110]. وقد تخفف الاستفهامية بحذف ثالثها كقوله: [من الطويل] 126 - تنظرت نسرًا والسماكين أيهما ... علي من الغيث استهلت مواطره

وتقع نكرًة موصوفًة نحو: مررت بأس معجبٍ لك، وصفًة لنكرةٍ نحو: مررت برجلٍ أي رجلٍ، وحالاً لمعرفةٍ نحو: جاء زيد أي رجلٍ، أي عظيمًا. ويستفهم بها عن الجنس أو النوع. وأيان: ظرف زمانٍ، وتكون شرطًا تارًة واستفهامًا أخرى. قال تعالى:} وما يشعرون أيان يبعثون {[النحل: 21]،} أيان مرساها {[الأعراف: 187]. وتقول: أيان تخرج أخرج، ووقوعهما قليل، ولذلك لم ترد في القرآن إلا استفهامًا وهي مبنية على الفتح لتضمن معنى الحرف كسائر أدوات الشرط والاستفهام. وقال بعضهم: أيان عبارة عن وقت الشيء ويقارب معنى متى. قيل: هي مأخوذة من أي، وقيل: أصلها أي أوانٍ، أي: أي وقتٍ، ثم حذفت الألف وجعلت الواو ياء وأدغمت فصار "أيان"، وفي هذا بعد كثير والآية: العلامة، يقول: ائتني بآية كذا، أي بعلامةٍ. ومنه:} قال رب اجعل لي آية قال آيتك {[آل عمران: 4]، وفسرها الراغب بالظهور فقال: وآية هي العلامة الظاهرة، وحقيقته لكل شيءٍ ظاهرٍ هو ملازم لشيءٍ لا يظهر ظهوره. فمتى أدرك مدرك الظاهر منهما علم أنه أدرك الآخر الذي لم يدركه بذاته، إذا كان حكمهما سواًء، وذلك ظاهر في المحسوسات والمعقولات، فمن علم ملازمة العلم للطريق المنهج ثم وجد العلم علم أنه وجد الطريق، وكذا إذا علم شيئًا مصنوعًا علم أنه لابد له من صانعٍ. انتهى. قوله تعالى:} إن آية ملكه {[البقرة: 248] أي علامته الظاهرة لكم. وقوله} أتبنون بكل ريعٍ آية {[الشعراء: 128]، فالآية هنا البناء المرتفع لأنه أظهر العلامات الحسية. وقوله:} ويريكم آياته {[البقرة: 73]} ومن آياته {[الروم: 20] أي عجائب مصنوعاته. فهي أدل على وحدانيته. وقوله:} يجادلون في آيات الله {[غافر: 35] أي في دلالات أنبيائه وكتبه الواضحات. والآية من القرآن اختلفت عبارات الناس فيها، فقال الهروي: سميت الآية من القرآن

آية لأنها علامة يقطع بها كلام من كلام. وقيل: لأنها جماعة من حروف القرآن، يقال: خرج القوم بآيتهم أي بجماعتهم. وقال الراغب: ولكل جملةٍ من القرآن دالة على حكم آيةٍ سورًة كانت أو فصلاً أو فصولاً من سورةٍ، وقد يقال لكل كلامٍ منه تام منفصلٍ بفصلٍ لفظيٍ آية. وعلى هذا اعتبار آي السور التي تعد بها السورة. قلت: وكان الآية في الأصل عنده ما دلت على حكمٍ، وإطلاقها على الآية الإصطلاحية التي بها السورة خلاف الأصل، وفيه نظر، إذ عبارة الناس تشعر بالعكس. ثم إنه جعل الآية شاملًة للسورة. قوله:} بل هو آيات بينات في صدور الذين أوتوا العلم {[العنكبوت: 49] وفي قوله:} إن في ذلك لآيًة للمؤمنين {[الحجر: 77] إشارة إلى الآيات المعقولة التي تتفاوت بها المعرفة بحسب تفاوت الناس في العلم. وقال تعالى:} وجعلنا الليل والنهار آيتين {[الإسراء: 12] تنبيه على أن كل واحدٍ منهما آية لما فيه من الدلالة الباهرة والبراهين الظاهرة، وفي مجموعهما آيات كثيرة. وهذا بخلاف قوله:} وجعلنا ابن مريم وأمه آية {[المؤمنون: 50] حيث لم يثنهما، قالوا: لأن كل واحدٍ منهما آية للأخرى. وقيل: لأن قصتهما واحدة، قاله ابن عرفة وقال الأزهري: إن الآية فيهما معًا آية واحدة، وهي الولادة دون الفحل. قلت: وهذا هو شرح القول الأول. قوله:} وما نرسل بالآيات إلا تخويفًا {[الإسراء: 59] إشارة إلى ما عذيت به الأمم السالفة من الجراد والقمل ونحوهما، وأنه إنما يرسلها تخويفًا للمكلفين قبل أن يحل بهم ما هو أفظع منها، وهذه أخس المنازل للمأمورين. قال الراغب: "وذلك أن الإنسان يتحرى فعل الخير لأحد ثلاثة أمورٍ، إما رغبةٍ، أو رهبٍة وهو أدنى منزلةٍ، أو لطلب محمدةٍ أو فضيلةٍ. وهو أن يكون الشيء في نفسه فاضلاً، وذلك أشرف المنازل.

ولما كانت هذه الأمة خير أمةٍ كما قال رفعهم عن هذه المنزلة ونبه أنه لا يعمهم بالعذاب، وإن كانت الجهلة منهم يقولون:} فأمطر علينا حجارًة من السماء أو إئتنا بعذابٍ أليمٍ {[الأنفال: 32]. وقيل: الآيات إشارة إلى الأدلة. ونبه بذلك على أنه يقتصر معهم على الأدلة ويصانون من العذاب الذي يستعجلونه في قوله:} ويستعجلونك بالعذاب {[الحج: 47] ". وفي بعض المواضع آية بالإفراد وآيات بالجمع، وذلك بحسب المقامات. وفي اشتقاق الآية قولان: أحدهما أنها من أي المستفهم، فإنها يتبين بها أي من أيٍ والثاني أنها من قولهم: أوى إليه، نقلهما الراغب: قلت: لأن أوي فيه معنى الانضمام. وفي الآية ضم ما. واختلف في وزنها، فقيل: وزنها فعلة وأصلها أية فتحركت الياء الأولى، وانفتح ما قبلها فقلبت ألفًا، وهذا إعلال شاذ لأنه متى اجتمع حرفان مستحقان للإعلال أعل ثانيهما، لأن الأطراف محل التغيير نحو حياةٍ ونواةٍ وهوى وعوى ودوى. وشذ عن ذلك التلفظ وهي آية وراية وطاية وغاية. وقيل: وزنها فعلة بسكون العين، فالياء قلبت ألفًا، وهو إعلال شاذٌ لأن حرف العلة ساكن، ولكن خشية كراهتهم التضعيف، ومثل قولهم طائي في طيءٍ اكتفوا بأحد أجزاء العلة. وقيل: وزنها فاعلة، والأصل آيية فخفف بحذف العين. وزنها بعد الحذف قالة، وهو ضعيف كقولهم في تصغيرها أيية. ولو كانت فاعلة لقالوا أوية. وفي هذا الحرف كلام أكثر من هذا أثبته في غير هذا الموضوع. وإياك وإياه وإياي وفروعها اختلف فيها؛ فقال الزجاج: إيا: اسم ظاهر ليس من الضمائر، والجمهور على أنه ضمير، ثم اختلفوا فقيل: هو بجملته ضمير، وما بعده من

الكاف والهاء حروف تبين أحواله. وقيل: بل هي في محل خفضٍ بدليل ظهور الخفض في ظاهرٍ قد وقع موقعها في قولهم: "فإياه وإيا الشواب". وقال الراغب: إيا لفظ موضوع ليتوصل به إلى ضميرٍ منصوب إذا انقطع عمًا يتصل به، وذلك يستعمل إذا تقدم الضمير نحو} إياك نعبد {[الفاتحة: 4] أو فصل بينهما بمعطوف عليه أو بإلا نحو:} نرزقهم وإياكم {[الإسراء: 71]} وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه {[الإسراء: 23]. وفي الكلمة كلام طويل حررته في غير هذا الكتاب.

باب الباء

باب الباء الباء: الباء حرف جر، وله معانٍ كثيرة، منها: الإلصاق حقيقًة نحو:} وامسحوا برؤوسكم {[المائدة: 6]، أو مجازًا نحو: مررت بزيدٍ، وتعدي الفعل نحو: خرجت بزيدٍ. وهل ترادف الهمزة أو تلزم مصاحبة الفاعل خلاف، الصحيح أنها لا تلزم كالهمزة لقوله:} ذهب الله بنورهم {[البقرة: 17]. وتكون للمصاحبة نحو: خرج بثيابه. وللتقليل نحو:} فبظلمٍ من الذين هادوا حرمنا {[النساء: 160]. وللمقابلة نحو:} لا يشترون بآيات الله {[آل عمران: 199]، وبمعنى عن مطلقًا نحو:} ويوم تشقق السماء بالغمام {[الفرقان: 25]. أو مع السؤال خاصًة نحو:} فاسأل به خبيرًا {[الفرقان: 59]. وبمعنى من، نحو: [من الطويل] 127 - شربن بماء البحر ثم ترفعت وبمعنى في، نحو: زيد مكة، أي فيهما. وبمعنى على، نحو:} من إن تأمنه بدينارٍ {[آل عمران: 75] أي عليه. وتزاد مطردًة كهي في فاعل كفى ومفعوله نحو:} وكفى بالله شهيدًا {[النساء: 79]. [من الكامل]: 128 - فكفى بنا فضلاً على من غيرنا وفي خبر ليس وما غير موجٍبٍ، وفي غير ذلك بقلةٍ. وتكون للقسم وهي أم الباب، ولذلك يجر بها كل مقسمٍ به ظاهرًا أو مضمرًا، ويظهر معها العامل ويضمر.

فصل الباء والألف

وقد يدخل معها معنى السؤال كقوله: [من الكامل] 129 - بالله ربك إن دخلت فقل له: ... هذا ابن هرمة واقفًا بالباب ويبدل منها الواو مع الظاهر خاصٍة. ولا يظهر معه العامل، وتبدل من الواو والتاء، فتختص بالجلالة نحو: وتالله. وفيها معنى التعجب، كما سيأتي بيانه في بابه إن شاء الله تعالى. فصل الباء والألف ب أر: البئر: معروف، وهي ما حفر وطوي أي ثني. والثمد ما لم يطو. يقال: بأرت آبارًا وبئرًا وبؤرًة أي حفيرًة. ومنه اشتق البئر وهي في الأصل حفيرة يستر رأسها ليقع فيها من مر عليها، يقال لها: المغواة وعبر بها عن النميمة الموقعة في البلية. والجمع: مآبر وبئار. وأصل المادة من التخبئة. وفي الحديث: "أن رجلاً آتاه الله مالاً فلم يبتئر فيه خيرًا" أي لم يقدم فيه خيرًا أحياه لنفسه وادخره. بأرت المال وابتأرته: خبأته وادخرته. وكذلك بأرت البئر والبئرة، وابتأرتها. قال تعالى:} وبئرٍ معطلةٍ {[الحج: 45]، وقيل: ليس المراد بئرًا بعينها ولا قصرًا بعينه، وإنما ذلك على إرادة الجنس. وقيل: بل هي بئر وقصر معينان، ضرب الله بهما المثل، وذكر بهما الناس ليحذروا عقابه. فقال جماعة من أهل التفسير: إنها بئر بحضر موت، وإن صالحًا صلى الله عليه وسلم لما نزل بهذه البقعة وحفرها مات فسميت بحضرموت، فأقام قومه بعده يستقون من هذه البئر. ب أس: البأس والبؤس والبأساء كلها الشدة والمكروه، وقد فرق بعضهم بين هذه بفروقٍ،

فالبؤس في الفقر والحرب أكثر، والبأس والبأساء في النكاية، كقوله:} والله أشد بأسًا {[النساء: 84]. وقال الأزهري في قوله:} مستهم البأساء والضراء {[البقرة: 214] البأساء في الأموال وهو الفقر، والضراء في الأنفس. وقوله:} أن يكف بأس الذين كفروا {[النساء: 84] أي شدتهم في الحرب، وقوله:} بأسهم بينهم شديد {[الحشر: 14] من ذلك. وقوله:} وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد {[الحديد: 25] أي امتناع وقوة. وقوله:} تقيكم بأسكم {[النحل: 81] أي دروعًا تقيكم الشدة والضر الواقع بينكم. وقوله:} فلا تبتئس {[هود: 36] أي: لا يشتدن أمرهم، فلا تذل ولا تضعف. وقيل: أي لا تلتزم البؤس ولا تحزن. يقال: بؤس يبؤس بأسًا فهو بئس، إذا اشتد، وبئس يبأس بأسًا وبأسة، فهو بائس إذا افتقر. قال تعالى:} وأطعموا البائس الفقير {[الحج: 28]،} بعذابٍ بئيسٍ {[الأعراف: 165] أي شديدٍ. وقد قرئ "بيئسٍ" بزنة فيعلٍ، و"بيسٍ" بزنة جيرٍ. وفي الحديث أنه عليه الصلاة والسلام "كان يكره البؤس والتباؤس" أي الضراعة للفقر. والتكلف لذلك جميعًا. وبئس نقيض نعم، فبئس جميع المذام، كما أن نعم تقتضي جميع المحامد، ويرفعان ما فيه أل أو ما هو مضاف لذي أل، كقوله:} نعم العبد {[ص: 30]} وبئس المهاد {[آل عمران: 12]،} فلبئس مثوى المتكبرين {[النحل: 29]. أو لمضمرٍ مفسرٍ

فصل الباء والتاء

بنكرةٍ نحو: بئس رجل زيدً، أي بئس هو. وفي ما المتصلة نحو:} بئسما اشتروا {[البقرة: 90] خلاف كثير ليس هذا موضع تحقيقه. والبابوس: الرضيع. وفي حديث جريجٍ العابد لما اتهمته الفاجرة بالولد "مسح على رأسه وقال: يا بابوس من أبوك؟ " وأنشد الهروي لابن أحمر: [من البسيط] 130 - حنت قلوصي إلى بابوسها جزعًا ... وما حنينك إلا أنت والذكر؟ فصل الباء والتاء ب ت ت: قال الراغب: وأما البت فيقال في قطع الحبل. وطلقت المرأة بتًة بتلًة. وروي: "لا صيام لمن لم يبت الصوم من الليل". قلت: يقال: بت ويبت بالضم والكسر، أي يقطعه من الوقت الذي لا صيام فيه. قال: والبشك مثله، ويستعمل في قطع الثوب، وفي الناقة السريعة تشبيهًا ليديها في السرعة بيد الناسجة نحو قول الشاعر: [من الكامل] 131 - فعل السريعة بادرت حدادها ... قبل المساء تهم بالإسراع وفي كلامهم: صدقة بتة بتلة أي منقطعة عن جميع الإملاك. والبتات: المياع. وفي الحديث: "ولا يؤخذ منكم عشر البتات" أي زكاة المتاع. والبتت: الكساء. قال: [من الرجز]

132 - من كان ذا بتٍ فهذا بتي ... مقيظ مصيف مشتي وقيل لصاحب الأكسية: بتات كلبابٍ، وفي الحديث: "إن المنبت لا أرضًا قطع ولا ظهرًا أبقى" أي الذي جهد نفسه ودابته في السفر، ما يقطع به لم يقطع أرضه التي سافرةها ولم يبق دابته. وهذه المادة لم ترد في القرآن، ووجه ذكرها أن ما بعدها مبني عليها، نحو مادة بتر، وتبك، وبتل. ب ت ر: قوله تعالى:} إن شانئك هو الأبتر {[الكوثر: 3]. والأبتر: الذي لا عقب له ولا نسل، وأصله من البتر، وهو القطع. ومنه "نهى عن المبتورة في الضحايا" هي التي انقطع ذنبها. وفي الحديث: "كل أمرٍ ذي بالٍ لم يبدأ فيه بالحمد لله فهو أبتر" أي أقطع. وروي أجذم، وذلك أن العاص بن وائلٍ كان يقول: إنما محمد أبتر، فإذا مات انقطع ذكره، أي ليس له ولد يذكر به إذا رئي، فأكذبه الله تعالى ورفع ذكره وجعله هو الأبتر، إذا ذكر لا يذكر إلا بشرٍ. وفي حديث علي، وقد سئل عن صلاة الضحى، فقال: "حين تبهر البتيراء الأرض" أي تنبسط الشمس. فالبتيراء: اسم للشمسٍ، سميت بذلك لأنها تكل الأبصار أي تتعبها إذا حدقت نحوها. فجعل ذلك قطعًا مجازًا. وقال الراغب كلامًا حسنًا. نبه الله تعالى أن الذي ينقطع ذكره هو الذي يشنؤه، فأما هو فكما وصفه الله تعالى بقوله:} ورفعنا لك ذكرك {[الشرح: 4] لكونه جعل أبًا للمؤمنين. وفي

الحديث معنى رفعنا لك ذكرك "لا أذكر إلا إذا ذكرت معي" وإلى هذا أشار أمير المؤمنين علي رضي الله عنه بقوله: "العلماء باقون ما بقي الدهر أعيانهم مفقودة وآثارهم في القلوب موجودة" هذا في أتباع الأنبياء، فكيف بهم صلوات الله وسلامه عليهم، فكيف بنبينا محمدٍ صلى الله عليه وسلم، حيث رفع ذكره وجعله خاتم رسله؟. وقال الراغب: البتر يقارب ما تقدم - يعني البت - لكن استعمل في قطع الذنب، ثم أجري قطع العقب مجراه. ورجل أبتر وأباتر: لم يكن له عقب. ويقال لمن قطع رحمه: أبتر وأباتر. وكذا من انقطع عن كل خيرٍ. ب ت ك: البتك: قطع خاص، ولذلك قال الراغب: البتك يقارب البت، لكن البتك يستعمل في قطع الأعضاء والشعر، يقال: بتك شعره وأذنه. والباتك: السيف القاطع. والبتكة: القطعة، قال زهير: [من البسيط] 133 - حتى إذا قبضت كف الوليد لها ... طارت وفي يده من ريشها بتك والبتكة والبتيكة أيضًا: القطع مرًة واحدة. وقوله تعالى:} فليبتكن آذان الأنعام {[النساء: 119] عبارة عن شق آذان النحائر التي سيأتي إن شاء الله تفسيرها. ب ت ل: قال الله تعالى:} وتبتل إليه تبتيلاً {[المزمل: 8]. التبتل: الانقطاع والانفراد، أي انقطع لعبادته، وانفرد بها عن الناس، وأخلص نيتك انقطاعًا تختص به، وإليه الإشارة بقوله:} قل الله ثم ذرهم في خوضهم يلعبون {[الأنعام: 91]. ابن عرفة: انقطع له في

فصل الباء والثاء

طاعته، وأفردها له. الأزهري: انقطع إليه. والبتل: القطع. وصدقة بتة وبتلة أي منقطعًة من المال إلى سبيل الله. وفي الحديث: "لا رهبانية ولا تبتل في الإسلام". وفي الحديث أيضًا: "التبتل على عثمان بن مظعونٍ" أي الانقطاع عن النساء، فلا منافاة بين الآية الكريمة وهذا الحديث. إذ المراد بالتبتل في الآية الانقطاع للعبادة، وفي الحديث الانقطاع عن النكاح. وقد وردت ترغيبات في النكاح: "تناكحوا تناسلوا" "النكاح سنتي فمن رغب عن سنتي فليس مني". وسميت الزهراء البتول لانقطاعها عن نساء زمانها دينًا وحسبًا وفضلاً". والبتول في الأصل: انقطاع المرأة عن الرجال الذين لم تشتههم. ومنه قيل لمريم عليها السلام: البتول. والتبتيل: ليس مصدر التبتل إنما هو مصدر بتل. ومصدر بتل التبتل. يقال: تصرف تصرفًا، وصرفته تصريفًا. ولكن المصادر ينوب بعضها عن بعضٍ، وأنشدوا: [من الرجز] 134 - وقد تطويت انطواء الحضب الانطواء وقاع موقع "تطويًا". وقد اتفق اشتراك هذه المواد الأربع المتوالية في معنى واحدٍ كما ترى. فصل الباء والثاء ب ث ث: البث: إثارة الشيء وتفريطه، كبث الريح التراب. وقوله:} إنما أشكو بثي {[يوسف: 86]، فالبث نشر الغم الذي انطوت عليه النفس، ومعناه: غمي الذي أبثه عن

كتماني، فهو مصدر واقع موقع مفعولٍ. ويجوز أن يكون معناه: غمي الذي بث فكري، فيكون واقعًا موقع الفاعل. وقيل: البث أشد الحزن، يبثه الناس. وقوله:} وبث فيها من كل دابةٍ {[البقرة: 164] أي نشر فيها وفرق أنواع الدواب. وفيه إشارة إلى إيجاد ما لم يكن موجودًا. وقوله:} كالفراشٍ المبثوث {[القارعة: 4] أي المتفرق المتهيج بعد سكونه وخفقانه. وفيه أبلغ تشبيهٍ، فإنه لا يرى أخف ولا أطيش من الفراش. ولم يكتف بتشبيههم به حتى وصفهم بالمبثوث. وبث وأبث بمعنى واحدٍ، يتعديان لاثنين، فيقال: بثتك سري، وأبثثتك إياه. ويتعدى لواحدٍ فقط، ومنه} كالفراش المبثوث {. وقولهك} وزرابي مبثوثة {[الغاشية: 16] أي متفرقة منتشرة في مراقدهم. وفي حديث أم زرعٍ. "زوجي لا أبث خبره" أي لا أفشيه ولا أنشره. وفيه: "ولا يولج الكف ليعلم البث" اختلفوا في تأويلها، فقيل: هو مدح فيه تصفه: لأنه لعلمه بأن داًء في جسدي لا يدخل كفه إلى فيحصل لي حزن، وهو قول أبي عبيدٍ. ورد عليه القتيبي ذلك بأنها قد ذمته أولاً. ورد ابن الأنباري على القتيبي بأنهن تعاقدن على ألا يكتمن من أخبار الأزواج شيئًا. فمنهن من ذكرت محاسن فقط، ومنهن من ذكرت مساوئ فقط، ومنهن من ذكرت النوعين. وقال ابن الأعرابي: هو ذم لأنها وصفته بأنه يبث ويه تريد قربه، فلا بث هناك إلا محبتها لقربه، فجعلت ذلك بثًا لأنه من جهة أحمد بن أبي عبيدٍ لم ينفذ أموري، من قولهم: لم يدخل يده في الأمر أي لم ينفذه. وفي حديث اليهودي الذي حضره الموت: "بثبثوه" أي اكشفوه، من ذلك فأبدلوا من الثاء الوسطى باءً نحو: حثحث والأصل حثث بثلاثة أمثالٍ. ومثله في الاستثقال والأبدال بطيء في بطي: [من الرجز] - تقضي البازي إذا البازي كسر

فصل الباء والجيم

فصل الباء والجيم ب ج س: الانبجاس: قريب من الانفجار. قال تعالى:} فانبجست منه اثنتا عشرة عينًا {[الأعراف: 160] والحرث والانبجاس والانفجار والانفتاق والتفتق والانشقاق والتشقق متقاربات، إلا أن الانبجاس أكثر ما يقال في الخارج من ضيقٍ، والانفجار أعم. ولذلك جاء اللفظان في الآيتين لأن المكان ضيق. وفي القصة أنه موضع ... ويخرج منه اثنتا عشرة عينًا يشرب منها الماء، لا يحصيهم إلا خالقهم. ويقال: بجس الماء فانبجس. وفي حديث حذيفة: "ما منا رجل إلا به آمة يبجسها الظفر غير الرجلين". الآمة: الشجة بلغت أم الدماغ. ومعنى هذا أنها نغلة فيها صديد كثير بحيث لو فجرها إنسان بفظره لقدر من غير احتياجٍ إلى حديدةٍ. كنى بذلك عن أن كل أحدٍ لابد له من شيء إلا أبا بكرٍ وعمر وعليًا رضي الله تعالى عنهم وعن كل الصحابة أجمعين. فصل الباء والحاء ب ح ث: البحث: التنقيب على الشيء والاجتهاد فيمعرفة باطنه وخفيه. ومنه بحث المسألة وأصله من بحث الأرض لمعرفة ما داخلها وإثارة ما كان كامنا فيها. قال الله تعالى:} فبعت الله غرابًا يبحث في الأرض {[المائدة: 31]، أي يثيرها ويوقع الحفر بمنقاره، وذلك ليعلم قابيل كيف يدفن أخاه. وقيل: "البحث: الكشف والطلب. وبحثت الناقة الأرض برجلها في السفر كناية

عن شدة وطئها الأرض". والبحاثة: التراب الذي يبحث عما يطلب [فيه]. والبحثة بفتح الباء وكسرها لعبة، وفي الحديث: "أن غلامين كانا يلعبان البحثة". ومن ذلك سموا "براءة" سورة البحوث لبحثها عن أحوال المنافقين. ب ح ر: والبحر: أصله المكان المتسع ذو الماء الملح. وأما العذب فهل يقال فيه بحر؟ فمن أثبته استشهد بقوله:} وما يستوي البحران هذا عذب فرات سائغٌ شرابه وهذا ملح أجاج {[فاطر: 12]. ومن منع جعله من باب التغليب، كقولهم: العمران والقمران، في أبي بكرٍ وعمر، والشمس والقمر. ثم اعتبرت منه السعة في الأجرام والمعاني، فقالوا: بحرت البعير، أي شققت أذنه شقًا متسعًا. ومنه البحيرة قال الله تعالى:} ما جعل الله من بحيرةٍ {[المائدة: 103]، ناقة تنتج عشرة أبطنٍ، فتشق أذنها وتهمل فلا تركب ولا يحمل عليها. وقيل: هي الخامسة وذلك أنهم كانوا إذا أنتجت الناقة خمسة أبطنٍ فإن كان الخامس ذكرًا نحروه، وأكله الرجال والنساء. وإن كان أنثى بحروا أذنها وشقوها، وحرموا على النساء لحمها وركوبها ولبنها، فإذا ماتت حلت لهن. وأما في المعاني فقالوا: تبحر في العلم أي توسع فيه وتوغل. وكان يقال لابن عباسٍ الحبر البحر، لاتساع علمه. واستعير في عدو الفرس السريع. قال عليه الصلاة والسلام في فرس أبي طلحة، وقد ركبه معروريًا: "إن وجدناه لبحرًا" واسع الجري. واعتبر من البحر ملوحته فقالوا: أبحر الماء أي ملح. وقال نصيب: [من الطويل] 135 - وقد عاد بحر الماء عذبًا فزادني ... إلى مرضى أن أبحر المشرب العذب

فصل الباء والخاء

وقوله: {ظهر الفساد في البر والبحر} [الروم: 41] قيل: الفساد في البر قتل قابيل هابيل، وفي البحر أخذ الجلندى السفينة غصبًا. وقيل: قحوط المطر. وقيل: البر: الحضر، والبحر: البدو. والعرب تسمي القرى والأرياف بحرًا، قال أبو دؤاد: [من الخفيف] 136 - بعد ما كان سرب قومي حينًا ... ولنا البدو كله والبحار ولما شكا رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الله بن أبي قال: يا رسول الله أعف عنه؛ فقد اصطلح أهل هذه البحيرة على أن يعصبوه. والبحراني: الدم الشديد الحمرة، منسوب إلى قعر الرحم، قال العجاج: 137 - ورد من الجوف وبحراني يصف طعنًة بأنها ذات لونين: ورد وهو القليل الحمرة، وبحراني، يقال: دم باحري وبحراني وقولهم: لقيته صحرة بحرة من ذلك، أي ظاهرًا مكشوفًا لا بناء يستره. يبنون هاتين كخمسة عشر، فإذا ضموا إليهما غيره أعربوا، فقالوا: صحرة بحرًة. وهي حالية في الحالين. فصل الباء والخاء ب خ س: البخس: النقص. قال تعالى:} ولا تبخسوا الناس أشياءهم {[الأعراف: 85]، فيتعدى لاثنين. والبخس والباخس: الشيء الناقص. وقيل: البخس النقص على سبيل الظلم. قوله:} وشروه بثمنٍ بخسٍ {[يوسف: 20]، قال الهروي: أي بثمنٍ ظلمٍ لأنه حر بيع ظلمًا. وقال الراغب: باخس أي ناقص، وقيل: مبخوس أي منقوص، وتباخسوا أي

تغابنوا الظلم بعضهم بعضًا. والبخس أي المكس أيضًا. وهو أن يمكس أحد المتبايعين الآخر أي يناقصه في ما يشتريه أو يبيعه. ب خ ع: البخع: قتل النفس، كما قال تعالى:} فلعلك باخع نفسك {[الكهف: 6] بحثه على ترك الحزن عليهم والتلهف. وفي معناه:} فلا تذهب نفسك عليهم حسراتٍ {[فاطر: 8]. ويقال: بخع فلان بالطاعة أي أقر بها. وبخع بما عليه من الدين أي أقر به إقرار شدةٍ وكراهةٍ، فجعل كالباخع نفسه. وقيل: لعلك مهلك نفسك، مبالغًا في ذلك حرصًا على إسلامهم، من بخع الشاة إذا بالغ في ذبحها. وقيل: بخعها بمعنى قطع بخاعها. قلت: وهو عرق في حلقومها. قال الزمخشري: هو أن يبلغ بالذبح البخاع وهو عرق. وقولهم: بخع الأرض بالزراعة معناه نهكها وبالغ في حرثها ولم يتركها سنًة لتقوى. وعن عائشة في حق عمر رضي الله عنهما: "بخع الأرض فقاءت أكلها" يعني استخرج منها الكنوز وأموال الملوك. وفي حديث عقبة: "أهل اليمن أبخع طاعة". قال الأصمعي: أنصح، وقيل: أبلغ. وقيل: أنصع وهما متقاربان. ب خ ل: البخل والبخل: إمساك المال عن مستحقه. ويقابله الجود والسماحة. يقال: بخل يبخل بخلاً وبخلاً فهو باخل. والبخيل: مبالغة فيه كرحيم وراحم. والبخل تارًة يكون بما يملكه الإنسان وهو مذموم، وبما يملكه غيره وهو أشد ذمًا. وأشد منهما ذمًا من يبخل بماله وبمال غيره. وعليه قوله:} الذين يبخلون ويأمرون الناس بالبخل {[النساء: 37]. والبخل والبخل:

فصل الباء والدال

لغتان قرئ بهما في السبع كالعدم والعدم، والعرب والعرب، والحزن والحزن، والضر والضرر. فصل الباء والدال ب د أ: البدء والابتداء: تقديم الشيء على غيره نوعًا من التقديم. قال تعالى:} وبدأ خلق الإنسان من طينٍ {[السجدة: 4]. يقال: بدأت بكذا وأبدأت به وابتدأت به أي قدمته. ومبدأ الشيء ما يترتب منه أو يكون منه. الحرف مبدأ الكلام، والخشب مبدأ الباب، والنواة مبدأ النخلة. ومنه قيل للسيد: بدء، لأنه يقدم على غيره. قال: [من الوافر] 138 - فحيت قبرهم بدءًا ولما ... تنادبت القبور فلم تجبه والله تعالى يقول: هو المبدئ المعيد، أي الخالق الباعث. وتحقيقه أنه ابتدع الخلائق، ثم يفنيها، ثم يعيدها. وقال الراغب: أي هو السبب في المبدأ والنهاية. وقوله:} وما يبدئ الباطل وما يعيد {[سبأ: 49]، قالوا: الباطل هنا إبليس أي لا يخلق ولا يبعث. ومنه قوله:} فانظروا كيف بدأ الخلق. ثم الله ينشئ النشأة الآخرة {[العنكبوت: 20]. يقال: بدأ الله الخلق وأبدأهم، وعليه} أولم يروا كيف يبدئ الله الخلق {[العنكبوت: 19]، فهذا من "أبدأ" الرباعي. وأبدأت من أرض كذا أي ابتدأت بالخروج منها. وقوله: {بادئ الرأي}

[هود: 27] وقرئ بغير همزةٍ بمعنى: ما يظهر من الرأي ولم يترو فيه، ويهمز بمعنى أول الرأي وابتدائه. وفيه رأي فطير أي لم يخمر، وذلك على جهة الاستعارة من اختمار العجين وعدمه. والبديء كالبديع في كونه لم يعهد. والبدأة: النصيب المبتدأ به في القسمة، ومنه قيل لقطعة لحمٍ عظيمةٍ: بدء. والبدأة أيضًا: ابتداء السفر. وفي الحديث "أنه نفل في البدأة الربع، وفي الرجعة الثلث" أي في سفر الغزو. يقال: أكر للبدأة بكذا وفي الرجعة بكذا. وفي الحديث: "منعت العراق درهما وقفيزها، ومنعت الشام مديها ودينارها، ومنعت مصر إردبها، وعدتم من حيث بدأتم"، إنما سقت هذا الحديث لأن فيه معجزًة له عليه الصلاة والسلام، وذلك أن معناه انه صلى الله عليه وسلم أخبر أن أهل هذه البلاد سيوضع عنهم هذه الأشياء ثم يمتنعون من أدائها، إما بإسلامهم فتسقط عنهم الجزية، وإما بعصيانهم، وفي ذلك إنباء بالمغيبات، فإنه أخبر بذلك قبل وقوعه، وفي الرضا بما وصفه عمر قبل وجوده. وقوله: عدتم من حيث بدأتم، في علم الله وفيما وضى أنهم سيسلمون، فعادوا من حيث بدؤوا. [الابتداء: هو أول جزأ في المصراع الثاني. وهو عند النحويين تعرية الاسم عن العوامل اللفظية للإسناد نحو زيد منطلق، وهذا المعنى عامل فيهما. ويسمي الأول مبتدًأ ومسندًا إليه ومحدًا عنه، والثاني خبرًا وحديثًا ومسندًا. والابتداء العرفي يطلق على الشيء الذي يقع قبل المقصود فيتناول الحمد له بعد البسملة]. ب د ر: المبادرة: المسارعة إلى الشيء، قال تعالى:} ولا تأكلوها إسرافًا وبدارًا أن يكبروا {[النساء: 6]. أي مسارعة يعني أنهم كانوا يسرعون في أكل أموال اليتامى

ويبادرون، ولذلك كرههم لئلا ينزعوها منهم. وبدرت وبادرت إليه بمعنى. وقيل: بدر عليه في ذلك. يقال: بادرته فبدرني نحو: سابقته فسبقني. فالمعنى: لا يبادروا بلوغهم بإنفاق أموالهم. ومنه قيل للقمر بدر لأنه يبدر مغيب الشمس بالطلوع، أي يسبقها. وقيل: لامتلائه تشبيهًا بالبدرة. قال الراغب: فعلى ما قيل يكون مصدرًا بمعنى الفاعل، والأقرب عندي أن يجعل البدر أصلاً في الباب، ثم تعتبر معانيه التي تظهر منه، ثم يقال تارًة: بدر كذا أي طلع طلوع البدر. ويعتبر ابمتلاؤه تارًة فتشبه البدرة به. والبيدر: المكان المرشح لجمع الغلة فيه. وبدر: علم لرجلٍ بعينه ولمكانٍ بعينه، قيل: هو بدر بن قريش بن مخلد بن النضير حفر في هذا المكان بئرًا فسمي به. وفي الحديث: "فأتي ببدرٍ فيه بقل" أي طبق، سمي به تشبيهًا بالبدر في استدارته. والبوادر جمع بادرةٍ، وهي ما يقع من الخطأ في حدةٍ. يقال: أتى من فلان بادرة، وأتى ببادرةٍ، والبادرة أيضًا: لحمة ما بين المنكب والعنق. يقال: رجعت بوادرة. وفي الحديث: "فرجع بها ترجف بوادره" ومثله: ارتعدت فرائضه. والفريضة هي هذه البادرة بعينها. ب د ع: الإبداع: الاختراع والإنشاء من غير مثالٍ يجري عليه. ومنه:} بديع السماوات والأرض {[البقرة: 117] أي أنه أنشأهما من غير تقدم مثالٍ. ومنه البدعة وهي: إحداث قولٍ أو فعلٍ لم يسبق محدثه بفعل متقدمٍ.

وبديع: يقال بمعنى فاعلٍ، كقوله:} بديع السماوات والأرض {أو بمعنىٍ مفعول ومنه ركي بديع أي مبدع. والبدع يستعمل كذلك. وقوله:} ما كنت بدعًا من الرسل {[الأحقاف: 9] أي مبدعًا لم يتقدمني رسول، أو مبدعًا قلت قولاً لم يسبقني إليه أحد غيري من الرسل. وقد أبدع به أي انقطع في سفره لما أصاب راحلته. وفي حديث أبي: "قد أبدع بي فاحملني" وفي الحديث: "أن تهامة كبديع العسل حلو أوله حلو آخره" البديع: الزك الجديد، شبهها به لطيب هوائها لا يتغير. ب د ل: البدل والإبدال والتبديل والاستبدال: جعل شيءٍ مكان آخر، وهو أعم من العوض، فإن العوض هو أن يصير لك الثاني بإعطاء الأول. والتبديل: تغيير الشيء وإن كان بغير عوضٍ. وفرق ابن عرفة بين التبديل والإبدال فقال: التبديل: تغيير حال الشيء، والإبدال: جعل الشيء مكان غيره. وأنشد لأبي النجم: [من الرجز] 139 - نحا السدس فانتحي للمعدل عزل الأمير بالأمير المبدل قال تعالى:} يوم تبدل الأرض غير الأرض والسماوات {[إبراهيم: 48]. قال الأزهري: فتبديلها تسيير جبالها، وتفجير بحارها، وجعلها مستوية} لا ترى فيها عوجًا ولا أمتًا {[طه: 107]، وتغيير السماوات بانتشار كوكبها وانفطارها، وتكوير شمسها وخسوف قمرها، وهذا من تغيير الحال. وقيل: إن التبديل يقع فيهما بالذات، بدليل} فإذا هم بالساهرة {[النازعات: 14]. وقيل: هي أرض بيضاء لم يعص الله عليها. وأنشد ابن عباسٍ: [من الطويل]

140 - فما الناس بالناس الذين عرفتهم ... ولا الدار بالدار التي كنت تعرف قوله:} فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات {[الفرقان: 70] قيل: هو أن يعفو عن سيئاتهم ويثيب بحسناتهم. وقيل: هو أن يعملوا عملاً صالحًا يبطل ما قدموه من السيئات. قوله:} ما يبدل القول لدي {[ق: 29] قيل: ما سبق في اللوح المحفوظ فلا يتغير. وفيه تنبيه أن علمه أن يكون ما سيكون على ما قد علمه من غير تغييرٍ. وقيل: معناه: لا يقع في قولي خلف، وعلى المعنيين قوله:} لا تبديل لكلمات الله {[يونس: 64]. وقوله:} لا تبديل لخلق الله {[الروم: 30] أي ما قدره في الأزل لم يتغير. وقيل: هو في ... ، وفي حديث علي: "الأبدال بالشام". وقال ابن شميلٍ: هم خيار بدل من خيار. وقال غيره: هم العباد، جمع بدلٍ وبدلٍ. وقال الراغب: هم قوم صالحون يجعلهم الله مكان آخرين مثلهم ماضين، وحقيقته هم الذين بدلوا أحوالهم الذميمة بأحوالٍ حميدةٍ، وهم المشار إليهم بقوله:} فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسناتٍ {. والبآدل: ما بين العنق إلى الترقوة، جمع بادلةٍ. وأنثد: [من الطويل] 141 - ولا رهل لباته وبآدله وقوله:} فبدل الذين ظلموا قولاً غير الذي قيل لهم {[البقرة: 59] لو أخذ على ظاهره لكان معناه أنهم بدلوا قولاً لم يقل لهم، وليس في ذلك ذم. إنما الذم أن يبدلوا قولاً قيل لهم بغيره. وتأويله: فبدل الذين ظلموا بقولهم حطة قولاً غير الذي قيل لهم: فإن الباء

تدخل على المتروك. وقد حققنا هذا في "الدر النضيد". ب د ن: البدن: جثة الإنسان. وقيل: هو الجسد. إلا أن البدن يقال باعتبار كبر الجثة، والجسد باعتبار اللون. وامرأة بادن وبدين من ذلك، أي عظيمة الجسد، والبدنة من ذلك لسمنها. وبدن وبدن: سمن. وقيل: بدن: أسن. وفي الحديث: "لا تبادروني بالركوع فقد بدنت" أي كبرت سني. يقال: بدن الرجل تبدينًا: أسن. قال الهروي: رواه بعضهم: "بدنت" وليس له معنى لأنه خلاف صفته، يعني أنه عليه الصلاة والسلام لم يكن سمينًا. وبدن إنما يقال للسمن وكثرة اللحم. يقال: بدن يبدن بدنةً فهو بدين. قوله:} فاليوم ننجيك ببدنك {[يونس: 92] أي بجسدك، وقيل: بدرعك. سمي الدرع بدنًا لكونه على البدن كما يسمى موضع اليد من القميص يدًا، وموضع الظهر منه ظهرًا، ومعنى} ننجيك ببدنك {نلقيك بشخصك وبدنك على نجوةٍ من الأرض أي ربوةٍ، وذلك أن بني إسرائيل لم يصدقوا بغرقه. وكذلك كل ظالمٍ لا تكاد الأنفس تصدق بزواله وإن شاهدته. فأراهم الله إياه ميتًا لم يتغير منه شيء حتى ملبوسه ليعرفه كل واحدٍ. والبدنة: واحد البدن وهي الإبل السمان التي تهدي البيت. قال تعالى:} والبدن جعلناها لكم من شعائر الله {[الحج: 36]. ب د و: البدو خلاف الحضر لأنها تبدو كل ما يعرفها أي تكشف وتظهر لخلوها من ساترٍ.

يقال: بدا يبدو بدوًا وبداًء أي ظهر ظهورًا بيئًا كقوله:} وبدا لهم سيئات ما عملوا {[الجاثية: 33]،} وإن تبدوا ما في أنفسكم {[البقرة: 284]، ولذلك قابله بالإخفاء، في قوله:} أو تخفوه {، وقال:} ثم بدا لهم من بعد ما رأوا الآيات ليسجننه حتى حينٍ {[يوسف: 35]. وقال الشاعر: [من الطويل] 142 - بدا لك في تلك القلوص بداء أي ظهر. وقوله:} وجاء بكم من البدو {[يوسف: 100]، يريد غير الحضر، وهي البادية، كأنهم جعلوها فاعلًة مجازًا أي ظاهرًة، وإنما تظهر فيها الأشياء، أو يكون على النسب كـ} راضية {[الحاقة: 21] أي ذات بدوٍ، والأصل: بادوة، فقلبت الواو ياء، ومثله} بادي الرأي {[هود: 27]، بغير همزٍ لأنه من: بدا يبدو. وقد تقدم شرحه في "بدا" عند ذكر هذه القراءة. وقيل لساكن البدو: بادٍ كغادٍ من غدا. والنسبة إلى البادية بدوي وهو شاذ، وقياسه بادي أو بادوي كقاضي وقاضوي. وقوله:} سواء العاكف فيه والباد {[الحج: 25] أي القادم والمقيم، والبدوي والحضري، والقاطن والوارد. ويقولون: فلان ذو بدواتٍ، أي ذو رأي، جمع بداةٍ قناة مثل قطاة ونواة فجمعت على بدواتٍ كقنواتٍ. قيل: وهذا يحتمل المدح والذم. فالمدح بمعنى أنه إذا نزل به أمر مشكل فيبدو له رأي بعد رأي إلى أن يظهر له رأي الصواب فيعزم، أنشد الأزهري للراعي: [من البسيط] 142 - من أمر ذي بدواتٍ لا يزال لها ... بزلاء يعيا بها الجثامة اللبد

فصل الباء والذال

والذم أنه كلما عن له رأي عرض له آخر، فلا يزال يوثق منه بشيءٍ. ويقال: أعلمني بداءات عوارضك، جمع بدأةٍ، أي ما يبدو من حاجتك فيثنيك؛ فعلة، والثانية فعالة، فجمعا بالألف والتاء. وفي الحديث: "أنه أراد البداوة" أي الخروج إلى البادية. يروى البداوة بكسر الباء وفتحها. وفيه: "من بدا جفا" أي من نزل البادية حصل فيه جفاء الأعراب. فصل الباء والذال ب ذ ر: التبذير: التفريق. ومنه بذرت الحب في الأرض أي فرقته فيها. وأصله من إلقاء البذر في الأرض وطرحه فيها. فاستعير لكل مضيعٍ ماله، لأن التبذير في الأرض بالنسبة إلى ظاهر الصورة تضييع للبذر لولا ما ترجاه الباذر. والتبذير في العرف: السفه، قال تعالى:} ولا تبذر تبذيرًا {[الإسراء: 26]} إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين {[الإسراء: 27]. النهي في الحقيقة لأمته، وإنما خاطبه لأنه هو سيد خلقه. وبذرت الكلام من الناس أي نقلت ما سمعته من بعضهم إلى بعضٍ. وعن علي: "ليسوا بالمذاييع ولا البذر" هما بمعنى واحدٍ، وهم الذين يفشون السر. والبذر جمع بذورٍ، نحو صبرٍ وصبور. فصل الباء والراء ب ر أ: البرء والتبري: الانفصال من الشيء المكروه مجاورته، والتغضي منه. يقال: برأت من المرض وبرئت منه وأبرأت منك وتبرأت وأبرأته وبرأته. ورجل بريء ورجال براء على فعالٍ وفعيلٍ كظرافٍ وظريفٍ.

وقوله: {إنني براء} [الزخرف: 26] أي بريء. ويستوي فيه الواحد والجمع، فيقال: قوم برء وبراء مثلنا. وقوله:} الخالق البارئ المصور {[الحشر: 24]. فالخالق هو القادر الموجد من العدم، والبارئ خص بوصف الله تعالى، فإنه أخص من الخالق، لأنه خلق بترتيب مسو، ثم التصوير بعد ذلك. فلذلك جاءت عدة الصفات متتاليًة على أبدع سباق. وقوله:} فتوبوا إلى بارئكم {[البقرة: 54] تنبه على أخص الصفتين، فلذلك قال: بارئكم دون خالقكم، لأنه أبعث لهم على التوبة. و} براءة من الله ورسوله {[التوبة: 1] مصدره براءة منه، والمعنى نبذ العهد إلى المشركين والانفصال. والبرية: الخلق، قرئت مهموزًة ومخففًة، فقيل: المخففة أصلها الهمز. ونص الهروي أن العرب يقولون: الهمز في خمسة أحرفٍ: البرية من برأ الله الخلق، والخابية من خبأت الشيء، والذرية من ذرأ الله الخلق، والنبوة من الإنباء، والروية من روأت. وقيل: من بزيت العود. وقيل: من البري وهو التراب ويرشحه:} خلقكم من ترابٍ {[الروم: 20]. ب ر ج: قال تعالى:} ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى {[الأحزاب: 33]. التبرج: التفعل من البرج وهو الظهور. ومنه بروج السماء وبروج الحصن لظهورها. نهين أن يتظاهرن كتظاهر نساء الجاهلية بل أمرن بالتحفظ. والبروج أيضًا: القصور، وبه شبهت بروج السماء لمنازل الكواكب. وقوله تعالى:} ولو كنتم في بروجٍ مشيدةٍ {[النساء: 78]. والمشيدة: المثبتة بالشد. وقيل: المرتفعة. ويكون هذا في معنى قول الشاعر: [من الطويل]

144 - ولو كنت في غمدان يحرس بابه ... أراجيل أحبوشٍ وأسود آلف إذًا لأتتني حيث كنت منيتي ... يحث بها هادٍ لإثري قائف وقيل: يجوز أن يردا: ولو كنتم في بروج السماء، وهو أبلغ، والمشيدة حينئذٍ: المرتفعة ليس إلاً، والمثبتة بالشد استعارًة، ويكون في معنى قول زهيرٍ: [من الطويل] 145 - ومن خاف أسباب المنايا ينلنه ... ولو نال أسباب السماء بسلم وقال ابن عرفة: البرج: البناء العالي. وأنشد للأخطل: [من البسيط] 146 - كأنها برج رومي يشيده ... لز بجص وآجر وأحجارٍ وقيل: بروج السماء: كواكبها العظام. وثوب مبرج: عليه صورة البروج، كثوبٍ مرجلٍ فيه صورة الرجال. ومنه اعتبر معنى التحسين، فقيل: تبرجت المرأة أي تحسنت. وقيل: ظهرت من برجها، ويرشحه:} وقرن في بيوتكن ولا تبرجن {[الأحزاب: 33]. البرج: سعة العين. قاله الراغب، وقال الهروي: تباعد ما بين الحاجبين وظهوره. قلت: ما ذكراه يحتمل: فإن كلاً منهما يمدح به، ألا ترى أن العين توصف بالنجلاء وهي المتسعة، ويوصف المرأة بالبلج وهو تباعد ما بين حاجبيها؟ وقول ذي الرمة: [من البسيط]

147 - بيضاء في برجٍ صفراء في غنجٍ ... كأنها فضة قد مسها ذهب يحتمل ما قالاه. ب ر ح: البراح: المكان المتسع الظاهر الذي لا بناء به ولا شجر، ومنه براح الدار، واعتبر فيه الظهور فقيل: فعل ذلك براحًا أي ظاهرًا غير خفي. وبرح الخفاء: يظهر كأنه صار في مكانٍ براحٍ يراه الناس. وبرح: ذهب في البراح، ومنه البارح للريح الشديدة. والبارح من الظباء والطير أيضًا، ولكن البارح يتشاءم به لأنه ينحرف عن الرامي إلى جهة لا يمكن فيها الرمي، ويجمع على بوارح. والسائح: يتيمن به لأنه يقبل من جهةٍ يمكن الرامي فيها الرمي. وبرح: يثبت فيه البراح أيضًا، ومنه:} لا أبرح {[الكهف: 60] قال الراغب: وخص بالإثبات كقولهم: لا أزال، لأن برح وزال اقتضيا معنى النفي، ولا للنفي، والنفيان يحصل من مجموعهما إثبات، وعلى ذلك قوله تعالى:} لا أبرح حتى أبلغ مجمع البحرين {[الكهف: 60]. قلت: برح وأخواتها وهي: زال، وفتئ، وانفك لازمها النفي وشبهه، وقد تحذف كقوله:} تفتأ تذكر يوسف {[يوسف: 85]، وهو منفي في اللفظ مثبت في المعنى، لأن معناه أداوم على كذا. ولذلك لم يدخل الإيجاب بإلا في خبرها. وما ورد غيره مؤول كقوله. ولكن ما ذكره من حصول الإثبات بالطريق المذكور ينتقض بفتئ وانفك. فالطريق فيه ما قدمته من المعنى. ولما تصور من البارح التشاؤم اشتقوا منه التبريح وهو الشدة،

وجمعه التباريح. وبرح به، وضرب مبرح، وجاء بالبرح. وقيل: برحى للرامي المخطئ دعاء عليه، ومرحى دعاء له. ولقيت منه البرحاء والبحرين أي الشدائد. وبرحاء الحمى: شدتها. [من المتقارب] 148 - وأبرحت ربًا وأبرحت جارًا والبارحة: الليلة الماضية كذا أطلقه الراغب، والصواب أنه لا يقال لليلة الماضية: بارحة، إلا بعد الزوال، وإلا فهي الليلة. ومنه قوله عليه الصلاة والسلام: "من رأى منكم الليلة رؤيا" وذلك بعد مضي الليلة. قال: [من السريع] ما أشبه الليلة بالبارحة وفي الحديث: "نهي عن التوليه والتبريح قتلة السوء"، يقال إنه جاء في إلقاء السمك حيًا في النار، أي شق عليه. وقوله تعالى:} فلن أبرح الأرض {[يوسف: 80] أي: لا أفارقها. وقوله:} لن نبرح عليه عاكفين {[طه: 91]، أي لا نزال، وقوله:} لا أبرح حتى أبلغ مجمع البحرين {أي لا أزال سائرًا، قال الأزهري: هو مثل قوله:} لن نبرح عليه عاكفين {، هو بمعنى لا نزال، ولا يجوز أن يكونا بمعنى لا أزال. ولم يرد بقوله:} لا أبرح {لا أفارق مكاني، وإنما هذا بمعنى قوله:} فلن أبرح الأرض {. هذا إقامة وذاك ذهاب. وقال غيره: لا أبرح: لا أفارق سيري. ليس قوله:} لا أبرح حتى أبلغ {مثل قوله:} فلن أبرح الأرض {لأن الثاني يدل على إقامته بالأرض. والأول يدل على الانتقال، لأنها إن كانت تامًة فمعناها: لا أفارق البراح، وإن كانت ناقصة فالجزء مقدر أي لا أبرح سائرًا. ثم إنه ينافيه قوله: هذا إقامة وذاك ذهاب.

ب ر د: البرد: ضد الحر، والبرودة: ضد الحرارة. فتارًة يعتبر ذاته فيقال: برد كذا: اكتسب بردًا. وبرد الماء كذا: أكسبه بردًا. وبرد كذا: ثبت. واختصاص الثبوت بالبرد كاختصاص الحركة بالحر. برد كذا: أي ثبت، لم يبرد بيدي شيء أي لم يثبت. وبرد فلان: مات، وبرده: قتله، وذلك إما لأنه تذهب حرارته أو لأنه تذهب حركته، ومنه قيل للسيوف: البوارد. ومن ذلك سمي النوم بردًا اعتبارًا ببرد جلده الظاهر، وإما بذهاب حركته، فإن النوم موت. قال: [من الطويل] 149 - فإن شئت حرمت النساء سواكم ... وإن شئت لم أطعم نقاخًا ولا بردًا النقاخ: الماء، والبرد: النوم. وعليه حمل قوله:} لا يذوقون فيها بردًا ولا شرابًا {[النبأ: 24]. وقيل: البرد: الراحة نظرًا إلى ما يجده الإنسان من لذاذة البرد في الحر. وعيش بارد أي طيب من ذلك. والأبردان: الغداة والعشي لكونهما أبرد أوقات النهار. والبرد: ما يتصلب من ماء المطر لما يصيبه من البرد، يقال: سحاب أبرد وبرد: ذو بردٍ. وقوله تعالى:} وينزل من السماء من جبالٍ فيها من بردٍ {[النور: 43]. قال ثعلب: فيه قولان أحدهما وينزل من السماء أمثال الجبال من البرد. وقيل: سمي بردًا لأنه يبرد وجه الأرض أي يفسدها. وأبردت السحابة: جاءت ببردٍ. وفي الحديث: "أصل كل داءٍ البردة"، قال الهروي: يعني الطعام والتخمة والثقل على المعدة، سميت بردًة لأنها تبرد

المعدة فلا تستمرئ الطعام. وقال الراغب: إن التخمة سميت بذلك لأنها عارضة من البرودة الطبيعية التي تعجز عن الهضم. والبرود يقال للشيء الذي يبرد به، فيكون بمعنى فاعلٍ، ومنه: ماء برود، وللشيء الذي يبرد فيكون بمعنى مفعولٍ، ومنه: ثغر برود، وكحل برود. وبردت الحديد: سحلته تشبيهًا بـ"بردته" أي قتلته. والبرادة: ما يسقط. والمبرد: الآلة التي يبرد بها. والبرد في الطريق: هم الذين يلزم كل واحد منهم موضعًا منه معلومًا. ثم قيل لكل سريعٍ: بريد، ومنه بريدا الطائر لجناحية تشبيهًا بذلك. وقوله:} كوني بردًا وسلامًا {[الأنبياء: 69] أي ذات بردٍ ضد حرارتها، وذات سلامةٍ لأنه ربما يتأذى بالبرد. وفي التفسير: لو لم يقل:} وسلامًا {لهلك ببردها. وفي الحديث: "إذا أبردتم إلى بريدًا" أي أرسلتم إلي رسولاً. ويقال: الحمى بريد الموت. وقال الشاعر: [من الرجز] 150 - رأيت للموت بريدًا مبردا وفيه: "لا أحبس البرد" و"لما لقيه بريدة صلى الله عليه وسلم قال له: من أنت؟ قال: بريدة. قال: برد أمرنا" أي سهل، وقيل: ثبت. ب ر ر: البر: خلاف البحر، ولتصور التوسع فيه أطلق على التوسع في الجنة فقيل: البر

وهو ضد الجور. قال تعالى:} إنه هو البر الرحيم {[الطور: 28]. ومنه بر الوالدين وهو الإتساع في إكرامهما وطاعتهما. وقوله تعالى:} ولكن البر من اتقى {[البقرة: 189] في الآية تنبيه على أن هذه هي أفعال البر قولاً وعملاً واعتقادًا. وقولهم: بر في يمينه، أي صدقها في ما يحلف بها عليه. وقولهم في إجابة المؤذن عند التئويب: "صدقت وبررت" أي فعلت البر. يقال: بررت بالكسر يبر بالفتح. وقوله:} وبرًا بوالديه {[مريم: 14]} وبرًا بوالدتي {[مريم: 32] مما تقدم. وحج مبرور أي مقبول كأنك بررته أي أطعته. فمن ثم قيل: ويقال: رجل بار وبر، فقيل بوصفه على حدة، وقيل: مقصور من بارٌ، والجمع أبرار. قال تعالى:} إن الأبرار {[الإنسان: 5]} إن كتاب الأبرار {[المطففين: 18]. فالأبرار يجوز أن يكون جمعًا لبار نحو: صاحب وأصحاب، أو لبر نحو رب وأرباب. قال الراغب: وجمع البار أبرار وبررة. وقال تعالى في وصف الملائكة:} كرامٍ بررةٍ {[عبس: 16]. فـ"بررة" خص بها الملائكة في القرآن من حيث إنه أبلغ من "أبرار" فإنه جمع بر، وهو أبلغ من "بارٍ"، كما أن عدلاً أبلغ من عادلٍ. قلت: هذا بناء منه على أن "برًا" مصدر في الأصل وهو مسموع بل وصف بزنة فعلٍ كصعبٍ وضخمٍ وثم. والبر: الحنطة لكونه أوسع الأطعمة. والبرير: ثم الأراك تشبيهًا بالبر في الأكل. والبربرة: حكاية لصوت كثرة الكلام. وقولهم: "لا يعرف الهر من البر" من ذلك. وفي الحديث: "لهم تغذ مر وبربرة"، التغذمر: التكلم بكلامٍ فيه كثرة، والبربرة: حكاية الصوت. وقيل: هو البر المعروف. وأبر

على صاحبه: زاد عليه في ذلك. وأبررت: صرت ذا برٍ في يميني. وقوله:} لن تنالوا البر {[آل عمران: 92] قال الهروي: هو الجنة. قلت: هذا مما فسر فيه الشيء بغايته أو بما تسبب عنه، فإن الجنة غاية البر ومتسببة عنه، كما قررت عليه أول هذا الموضوع. وقوله:} أتأمرون الناس بالبر {[البقرة: 44] يريد بسعة الإحسان وكثرة العبادة. ومنه: البرية، عند قومٍ لاتساعها. ب ر ز: البروز: الكشف والظهور، ومنه البراز: الأرض المكشوفة الفضاء. وبرز: حصل في البراز: والمبارزة في الحرب أن يبرز للغريم لأنه يظهر نفسه ويبرز بها من الصف. وقد يكون البروز بالذات نحو:} وترى الأرض بارزًة {[الكهف: 47]، ومنه:} وبرزوا لله الواحد القهار {[إبراهيم: 48]. وفيه تنبيه أنهم لم يخف منهم عليه شيء، وإن الأرض ليس عليها بناء ولا جبل ولا ساتر، بل هي فضاء مكشوفة. وبرز فلان: كناية عن التغوط. وعدل مبرز العدالة أي مظهرها لما يتعاطاها من صفاتها الظاهرة. وامرأة برزة: إذا كانت تبرز، ويقال: هي العفيفة لأن العفة رفعتها، لا أن اللفظة اقتضت ذلك، قاله الراغب. وفي حديث أم معبدٍ: "كانت امرأًة برزًة تحتبي بفناء القبة". قال الهرومي: البرزة الكهلة التي لا تحتجب احتجاب الشواب، وهي مع ذلك عفيفة. ورجل برز إذا كان منكشف الحال. قال العجاج: [من الرجز] 151 - برز وذو العفافة البزي وذهب إبريز: خالص ظاهر الجودة. وفي الحديث: "ومنه ما يخرج كالذهب

الإبريز" يقال: إبريز وإبريزي ب ر ز خ: والبرزخ: هو الحاجز بين الشيئين. قال تعالى:} بينهما برزخ {[الرحمن: 20] أي بينهما فاصل وحاجز، فلا يبغي هذا على كل حاجز بين شيئين فهو مومق وبرزخ، فهما في رأي العين مختلطان، وفي قدرته منفصلان. فهذا معنى قوله:} مرج البحرين يلتقيان بينهما برزخ {[الرحمن: 19 - 20] وقوله:} ومن ورائهم برزخ {[المؤمنون: 100] أي حاجز بين الدنيا والأخرى، وهو مدة لبثهم في القبور. فقيل: هو البرزخ إلى يوم القيامة، "وهو الحائل بين الناس وبين [بلوغ] المنازل الرفيعة في الآخرة، وذلك إشارة إلى قوله:} فلا اقتحم العقبة {وبتلك العقبة موانع لا يصل إليها إلا الصالحون". وقد فسرها تعالى بقوله:} فك رقبةٍ {فسمى هذه الأشياء عقبًة لمشقتها على الأنفس. وأصل برزخ: برزه فعربته العرب، نص عليه الراغب. وفي حديث علي أنه "صلى بقومٍ فأسوى برزخًا"، قال أبو عبيدٍ: أسوى: أسقط، والمراد بالبرزخ: الذي أسقطه من ذلك الموضع إلى الموضع الذي انتهى إليه من القرآن. ب ر ص: البرص؛ داء معروف عسر الزوال أو ممتنعه، ولذلك جعل زواله معجزًة لعيسى عليه السلام في قوله تعالى:} وأبرئ الأكمه والأبرص {[آل عمران: 49]. وقيل للقمر أبرص لتلك النكتة المشار إليها في قوله: [من الطويل]

152 - وذي شامةٍ سوداء في آخر الوجه ... مجللةٍ لا تنقضي لزمان والبريض: اللمعان، وبه شبه البرص. وسام أبرص: دويبة معروفة، وقد سميت بذلك لبريص لونها. ومقلوبه: البصرة، وهي الحجارة التي فيها بصيص. والبرص: أبغض شيءٍ، ولذلك سموا جذيمة الأبرش، وإنما هو الأبرص، إلا أن العرب هابته وكرهوا التلفظ به فغيرته. ب ر ق: البرق: لمعان يشبه النار. واختلف فيه، فقيل: هو لمعان السحاب، وقيل: شرر يخرج من اصطكاك الأجرام. وقيل: هو سوطٌ يزجر به الملك السحاب، كما يزجر الإبل سائقها وقد استوفينا فيه القول في التفسير. ويقال: برق الشيء وأبرق أي لمع، ومنه البوارق: السيوف. وفي حديثٍ: "الجنة تحت البارقة" أي السيف يعني الجهاد. وأبرق بسيفه أي ألمع به. وقوله:} فإذا برق البصر {[القيامة: 7] تقرأ بفتح الراء وكسرها أي حار من الفزع والدهش. ومنه ما كتب به عمرو إلى عمر: "إن البحر خلق عظيم يركبه خلق ضعيف، دود على عودٍ بين غرقٍ وبرقٍ" البرق: الدهش والفزع، ومنه حديث ابن

عباسٍ: "لكل داخلٍ برقة" أي دهشة. وقوله:} يريكم البرق خوفًا وطمعًا {[الرعد: 12] أي خوفًا للمسافر وطمعًا للمقيم. وتصور من البرق تارًة اختلاف اللون، فقيل: البرقة: الأرض مختلفة ألوان الحجارة، ومنه قول طرفة: [من الطويل] 153 - لخولة أطلال ببرقة ثهمد ... ظللت بها أبكي وأبكي إلى الغد والأبرق: المكان ذو البرقة. وقال الهروي: يقال للمكان الذي خلط ترابه حصى: أبرق وبرقة. قلت: ولذلك قيل للشاة التي في خلال لونها الأبيض طاقات سود برقاء، وفي الحديث: "أبرقوا فإن دم عفراء أزكى عند الله من دم سوداوين" أي ضحوا بالبرقاء. والأبرق أيضًا: جبل فيه سواد وبياض. وسميت العين برقاء لذلك، وناقة بروق منه لأنها تلمع بذنبها. ومن ذلك: برق طعامه أي جعل فيه شيء من زيتٍ أو سمنٍ يلمع به. وقيل ذلك في قوله عليه الصلاة والسلام: "أبرقوا" أي اطلبوا الدسم والسمن الذي يبرق به الطعام، وتصور به من البرق ما يظهر من تخويفه، فقيل: أبرق فلان وأرعد إذا تهدد، قال الشاعر .. والبروق: شجر يخضر لمجرد رؤية السحاب، وفي المثل: "أشكر من بروقةٍ". والبراق: دابة يركبها الأنبياء عليهم السلام وقد ركبها النبي صلى الله عليه وسلم، كأنه سمي بذلك لسرعته كسرعة البرق. وفي الحديث: "يضع حافره حيث ينتهي بصره".

والإبريق: معروف وهو ما له عروة بخلاف الكوب فإنه لا عروة له، وسمي بذلك لبريقه. وفي حديث صفية: "كأن عنقه إبريق فضةٍ" وجمعه أباريق، قال تعالى:} وأباريق وكأسٍ {[الواقعة: 18]. وقال الشاعر: [من البسيط] 154 - أفنى تلادي وما جمعت من نسبٍ ... قرع القواقيز أفواه الأباريق والإبريق: إفعيل، والأباريق: أفاعيل: وبرق نجدةٍ: علم لشخصٍ بعينه، وأصله جملة فعلية .. وشاب قرناها وتأبط شرًا. ب ر ك: البركة: كثرة الخير وتزايده. وقيل: إقامة الخير، من برك البعير إذا برك في مكانه وثبت في مبركه. ومنه: بركة الماء لثبوت الماء فيها، وخصت البركة بثبوت الخير الإلهي والفيض الرباني. وأصل ذلك كله من برك البعير وهو صدره وتصور منه اللزوم فقيل: ابتركوا في الحرب، وبراكاء الحرب وبراكاؤها لموضعها الذي يلزمه الأبطال. وابتركت الدابة: وقفت لتبرك، وقوله تعالى:} لفتحنا عليهم بركاتٍ من السماء والأرض {[الأعراف: 96] فبركات السماء: مطرها، وبركات الأرض: نباتها. والمبارك: اسم مفعولٍ من ذلك وهو ما فيه البركة. قال تعالى:} وهذا ذكر مبارك أنزلناه {[الأنبياء: 50]} في ليلة مباركةٍ {[الدخان: 3] ذلك لما فيه من أصول الخيرات الثابتة الدنيوية والدينية، وكل ما لا يتحقق فيه زيادة فيحصل في متعلقاته إذا فسرناها بالزيادة. فقولنا تبارك وتعالى أي تزايد خيره على خلقه، و} في ليلةٍ مباركةٍ {أي كثر خيرها لأنها مد في زمانها. قال الأزهري: تبارك أي تعالى وتعاظم. ابن عرفة: هو تفاعل من البركة وهو الكثرة والاتساع. قلت: يريد ما ذكرته، ولا يقال ذلك إلا لله تعالى، فلا يقال: تبارك

فلان، نص عليه أهل العلم. قال الراغب: وكل موضعٍ ذكر فيه لفظة "تبارك" فهو تنبيه على اختصاصه بالخيرات المذكورة مع ذكر تبارك وقوله:} وهذا ذكر مبارك {تنبيه على ما يقتضيه من الخيرات الإلهيه. وقوله:} ونزلنا من السماء ماء مباركًا {[ق: 9] إشارة إلى قوله:} فسلكه ينابيع في الأرض {[الزمر: 21] وقوله:} أنزلني منزلاً مباركًا {[المؤمنون: 29]. أي مكانًا يوجد فيه "الخير الإلهي يصدر من حيث لا يحس وعلى وجهٍ لا يحصى ولا يحصر. قيل: كل ما شاهد منه زيادة غير محسوسةٍ، قيل لتلك الزيادة بركة ولما هي فيه مبارك. وإلى هذا أشار عليه الصلاة والسلام: "ما ينقص مال من صدقةٍ" لا إلى النقصان المحسوس كما أشار إليه بعض الزنادقة، وقد قيل له ذلك فقال: بيني وبينك الميزان". وقوله تعالى:} تبارك الذي جعل في السماء بروجًا {[الفرقان: 61] إشارة إلى ما يفيضه علينا من نعمه المتكاثرة قال الراغب: بواسطة هذه النجوم والنيرات. وقوله تعالى:} بورك من في النار بمن حولها {[النمل: 8]، يقال: بورك الشيء وبورك فيه. ب ر م: قوله تعالى:} أم أبرموا أمرًا {[الزخرف: 79]. إبرام الأمر: إحكامه، وأصله من أبرمت الحبل أي فتلته فتلاً محكمًا فهو مبروم وبريم، أبرمته فبرم. قال زهير: [من الطويل] 155 - لعمري لنعم السيدان وجدتما ... على كل حالٍ من سحيلٍ ومبرم ومنه قيل لمن لا يدخل معهم في الميسر: برم. كما سموا البخيل مغلول اليد.

ورجلٍ مبرم أي ملح شديد تشبيهًا لمن برم الحبل. وكل ذي لونين من سوادٍ وبياضٍ: بريم تشبيهًا بالحبل ذي الطاقين، بيضٍ وسودٍ. وغنم بريم لذلك. والبرمة: القدر من ذلك لإحكامها. برمة وبرام. نحو: حفرةٍ وحفارٍ وجعل على بناء المفعول نحو ضحكةٍ وهزأةٍ أي يضحك منه. كذلك القدر مبرمة أي محكمة. وفي حديث خزيمة: "أينعت العنمة وسقطت البرمة". قال الهروي: البرمة ثمر الطلح، والجمع برم. ومنه "ملأ الله سمعه من البرم". قال الأزهري: البرم الكحل المذاب والآنك. ومنه البيرم. والبيرم في غير هذا: عتلة النجار. والبيرم: الرطيل، حجارة عريضة. ب ر هـ ن: البرهان: هو الدليل القاطع، فهو أخص من الدليل الواضح. قال الراغب:! والبرهان أوكد الأدلة، وهو ما يقتضي الصدق أبدًا لا محالة، ودلالة تقتضي الكذب أبدًا، ودلالة إلى الكذب أقرب، ودلالة لهما على السواء، واختلفوا في نونه هل هي أصلية أم زائدة؟ قال الهروي: هو رباعي، ولذا ترسم مادته بباءٍ وراءٍ وهاءٍ ونونٍ. ويؤيده قولهم: برهن يبرهن برهنًة، فتثبت النون في تصاريفه. إلا أن الظاهر زيادتها اشتقاقًا من البره، وهو بياض. يقال: بره يبره: إذا ابيض. ورجل أبره، وامرأة برهاء، وقوم بره أي بيض، وامرأة برهرهة أي شابة بيضاء. فسمي الدليل الواضح بذلك لظهوره وسطوعه بجلاء بياضه وإضاءته، ولذلك وصفوه بالساطع والنير في قولهم: برهان ساطع نير فهو مصدر لبره ويبره

فصل الباء والزاي

كالرجحان والنقصان. فيكون وزنه على الأول فعلالاً وعلى الثاني فعلانًا. قال امرؤ القيس: [من الطويل] 156 - برهرهة بيضاء غير مفاضةٍ ... تراثبها مصقولة كالسجنجل قيل: جمع بين اللفظين لما اختلفا. ب ر ي: البرية هي الخلق، مشتقة من البري أي بفيه التراب، كقولهم: رغم أنفه. والبرى أيضًا الورى عند من لم يهمز. والبرى أيضًا التراب. ومنه قولهم: بفي فلانٍ البرى، من ذلك الحديث: "اللهم صل على محمدٍ عدد البرى" يجوز أن يراد به التراب، أو الورى جميعهم. وقد تقدم أنه يجوز أن يكون البرية أصلها الهمز. فصل الباء والزاي ب ز غ: البزوغ: الطلوع مفاجأًة، من ذلك} فلما رأى القمر بازغًا {[الأنعام: 77] أي طالعًا منتشر الضوء، وبزغ ناب الصبي: تشبيهًا به. وأصله من بزغ البيطار الدابة أي أسال دمها فبزغت هي. فبزغ يكون قاصرًا ومتعديًا. يقال: بزغت الشمس تبزغ بزوغًا، وبزقت تبزق بمعناه. وفي حديث خيبرٍ "أتيناها حين بزقت الشمس وبزغت".

فصل الباء والسين

فصل الباء والسين ب س ر: البسر: تقطيب الوجه وعبوسته من الكراهة. ومنه قوله تعالى:} باسرة {[القيامة: 24] ولذلك قابلها بقوله:} وجوه يومئذٍ مسفرة ضاحكة مستبشرة {[عبس: 38 - 39] وقوله:} ثم عبس وبسر {[المدثر: 22]. كرر ذلك، لأن البسر أخص لدلالته على شدة الكراهة. وأصل ذلك كله أن البسر استعجال الشيء قبل حينه. يقال: بسر الرجل حاجته أي طلبها قبل أوانها، فمعنى عبس وبسر: أظهر العبوس قبل وقته. وقيل لما لم يدرك من البلح: بسر، لذلك. "فإن قيل: قوله:} وجوه يومئذٍ باسرة {[القيامة: 24] ليس يفعلون ذلك قبل الوقت. وقد قلت: إن ذلك يكون قبل وقته. قيل: إشارة إلى حالهم قبل الانتهاء بهم إلى النار. فخص لفظ البسر تنبيهًا أن ذلك مع ما ينالهم من بعد يجري مجرى التكلف، ومجرى ما يفعل قبل وقته" ويؤيد هذا قوله تعالى:} تظن أن يفعل بها فاقرة {[القيامة: 25]. وفي الحديث: "كانت تلقاني مرًة بالبشر ومرًة بالبسر"، البسر كما تقدم: القطوب. وفيه: "كان إذا نهض في سفرته قال: اللهم بك ابتسرت، وإليك توجهت" ابتسرت: بدأت سفري، وكل ما أخذته غضًا فقد بسرته. والبسر أيضًا: انتباذ التمر مع البسر، فيلقى على التمر. والبسر: تقاضي الدين قبل أجله. وعصر الدمل قبل تقيحه، وهو من الاستعجال كما تقدم. والبسر أيضًا: ضرب الفحل للناقة على غير ضبعةٍ. ومنه قول الحسن للوليد: "لا تبسر" أي لا تحمل على الشاة وليس بصارفةٍ، ولا على الناقة وليس بضبعةٍ المشتهية للنزوان.

ب س س: البس: الفت. قال تعالى:} وبست الجبال بسًا {[الواقعة: 5] أي فتت وتحطمت ومنه: بسست الحنطة والخبز، ومنه سميت مكة الباسة، لأنها تحطم الملحدين فيها. وقيل: بسست الإبل وأبسستها أي سقتها، وأصلها أن يقال لها: بس بس تزجر بذلك لتسرع. ومنه: انبست الحية: انسابت انسيابًا سريعًا. وبسست الناقة أيضًا قلت لها ذلك عند الحلب لتدر. ومنه ناقة بسوس أي لا تدر إلا على بساسٍ. فيكون قوله:} بست الجبال {موافقًا لقوله:} وسيرت الجبال {[النبأ: 20] وفي الحديث: "يخرج قوم من المدينة إلى الشام والعراق يبسون والمدينة خير لهم" أي يسرعون. وقيل: بست: نسفت، لقوله:} فقل ينسفها ربي نسفًا {[طه: 105]. ب س ط: البسط: الاتساع في الشيء. ومنه بسط الرزق، والبساط: المفترش من ذلك لاتساعه، فعال بمعنى مفعول. قال تعالى:} جعل لكم الأرض بساطًا {[نوح: 19]. والبسط: النشر يقابل القبض. وبسيط الأرض: مبسوطها. وقوله:} ولو بسط الله الرزق لعباده {[الشورى: 27] أي وسعه عليهم ونشره فيهم. وقوله:} وزاده بسطًة في العلم والجسم {[البقرة: 247] أي انبساطًا وتوسعًا في العلم، وطولاً وتمامًا في الجسم. وقيل: بسطة في العلم إن انتفع بالعلم ونفع به غيره. ولا شك في زيادة ذلك. وبسط اليد وقبضها كناية عن الجود والبخل. ومنه: {بل يداه مبسوطتان}

[المائدة: 64] وقوله: {ولا تبسطها كل البسط} [الإسراء: 29] تعبير عن التبذير والإسراف المنهي عنهما. وقوله:} كباسطٍ كفيه إلى الماء {[الرعد: 14] مثل في الدعاء غير المتقبل، وفي المثل: "كالقابض على الماء". وقد يراد ببسط اليد الصولة والضرب والأذى، ومنه:} والملائكة باسطو أيديهم {[الأنعام: 93]} ويبسطوا إليكم أيديهم وألسنتهم بالسوء {[الممتحنة: 2]. والبسط: الناقة التي تترك مع ولدها كأنها مبسوطة عليه، كالنقض والنكث بمعنى المنقوض والمنكوث، وقد أبسط ناقته. وفي حديث وفد كلب "أنه كتب لهم كتابًا فيه: عليهم في الهمولة الراعية البساط الظؤار". يروى البساط بكسر الباء وضمها، فبالكسر جمع بسط للناقة المذكوة نحو قدح وقداح. وبالضم جمعها أيضًا نحو ظئرٍ وظؤارٍ. ويقال: ناقة بسوط. ب س ق: البسوق: الطول. وقوله تعالى:} والنخل باسقات {[ق: 10] أي طوالٍ. وبسق فلان الناس أي طالهم وزاد عليهم في الفضل وحسن الذكر. وفي حديث محمد بن الحنفية: "قلت لأبي: كيف بسق أبو بكرٍ أصحاب محمدٍ صلى الله عليه وسلم؟ " أي كيف فاقهم؟. وأما بسق وبصق أي ألقى ريقه فأصله بزق. ومنه بسقت الناقة أي وقع في ضرعها لبن قليل كالبساق وليس من الأصل. ب س ل: البسل: منع الشيء وانضمامه. ولدلالته على المنع قيل للمحرم والمرتهن:

المبسل. ومنه قوله تعالى: {أن تبسل نفس بما كسبت} [الأنعام: 70] أي تمنع الثواب أو هي مرتهنة بكسبها. ومنه قوله تعالى:} كل نفسٍ بما كسبت رهينة {[المدثر: 38] وقيل: تبسل نفس أي تسلم للهلكة. والمستبسل: الذي يقع في مركروهٍ ولا مخلص له منه. وأبسل فلان بجريرته أي أسلم للتهلكة. وقوله:} أبسلوا بما كسبوا {[الأنعام: 70] يحتمل كل ذلك، ولتضمنه معنى الانضمام استعير لتقطب الوجه، فقيل: شجاع باسل أي كريه الوجه مقطبه. وأسد باسل من ذلك. والبسل وإن كان بمعنى الحرام إلا أنه أخص من الحرام، لأن الحرام يقال في الممنوع بقهر وبغيره، والبسل لا يقال إلا في الممنوع بقهر، وقيل للشجاعة البسالة إما لأن الشجاع يوصف وجهه بالعبوس، وإما لكونه محرمًا على أقرانه لشجاعته، وإما لأنه منع ما تحت يده من أعدائه. وأبسلت المكان: جعلته بسلاً أي محرمًا على غيري. والبسلة: أجرة الراقي، لأنهم اشتقوا ذلك من لفظه حيث يقول: أبسلت فلانًا أي جعلته بسلاً أي محرمًا على الشيطان، أو جعلته بسلاً أي شجاعًا على مقاومة الشيطان ومدافعته ومدافعة الهوام والحيات. وقال الشاعر: [من الطويل] 157 - أجارتكم بسل علينا محرم ... وجارتنا حل لكم وحليلها؟ فالبسل هنا: ممنوع. وقال آخر: [من الكامل] 158 - بسل عليك ملامتي وعتابي أو في الدعاء، عن عمر أنه كان يقول: "آمين وبسلاً يا رب" أي إيجابًا يا رب، قال بعضهم: البسل يكون بمعنى التوكيد، وبمعنى الحرام، وبمعنى الحلال، فالحرام

فصل الباء والشين

قد تقدم، والتوكيد كما في قول عمر، والحلال كقوله: [من الطويل] 159 - دمي، إن أحلت هذه، لكم بسل وقيل: بسلاً بمعنى آمين، قاله ابن الأنباري وأنشد: [من الرجز] 160 - لا خاب من نفعك من رجاكا ... بسلاً، وعادى الله من عاداكا ب س م: البسم: ابتداء الضحك والأخذ فيه. وقيل: هو الضحك من غير قهقهةٍ وفي الحديث: "كان ضحكه تبسمًا" قوله تعالى:} فتبسم ضاحكًا من قولها {[النمل: 19] أي أسرع في الضحك وشرع فيه. قال في الكشاف: أي جاوز حد التبسم إلى الضحك. قلت: وحينئذ تقول النحاة في تبسم زيد ضاحكًا: إن ضاحكًا حال مؤكدٌة، وليس بواضحٍ لأن فيها معنى زائدًا على عاملها. وكان ضحك سليمان عليه السلام فرحًا بفضل الله، لما ترتب على ذلك من منافع الدنيا والآخرة، لأنها معجزة يؤمن بها كل من عرفها، ولم يكن أشرًا وبطرًا وسفها كضحك بعض اللاهين. فصل الباء والشين ب ش ر: قوله تعالى:} لواحة للبشر {[المدثر: 29]. البشر: الخلق، سموا بشرًا اعتبارًا

بظهور جلدهم من الشعر والصوف والوبر بخلاف الحيوانات فإنها مستترة بما ذكر. وذلك أن البشرة ظاهر الجلد، والأدمة: باطنه، نقله الراغب عن عامة الأدباء. وجمعها بشر وأبشار. والبشر: مجتمع فيه الواحد والجمع كقوله:} قل إنما أنا بشر {[الكهف: 110]} ما أنتم إلا بشر {[يس: 15]، لكنه يثنى كقوله:} أنؤمن لبشرين مثلنا {[المؤمنون: 47]، وينبغي أن يكون هذا مثل ذلك في دلاص وهجان، أعني أنه جمع تكسيرٍ. والتعبير فيه تقديري لوجود التثنية، كما قال سيبويه في هذه الأحرف. قوله تعالى:} وهو الذي خلق من الماء بشرًا فجعله نسبًا وصهرًا {[الفرقان: 54] إنما قال:} بشرًا {لأنه خص في القرآن كل موضعٍ اعتبر في الإنسان حسيه وظاهره بلفظ البشر. ولما أراد الكفار الغض من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام اعتبروا ذلك} فقالوا أبشرًا منًا واحدًا تتبعه {[القمر: 24]} أنؤمن لبشرين {[المؤمنون: 47]} ما أنتم إلا بشر {. وقوله تعالى:} قل إنما أنا بشر مثلكم {تنبيه أن الناس يتساوون في البشرية ولكن يتفاضلون في المعارف الجليلة. ولقد أعقبه بقوله:} يوحي إلي {[سبأ: 50] يعني أنا وإن شاركتكم في البشرية إلا أن الله تعالى خصني من بينكم بهذا الإيحاء. تنبيهًا بما ميز به عليهم. وقوله:} ما هذا إلا بشر {[المؤمنون: 23] تنبيه أنه لحسنه الفائق يمتنع أن يكون بشرًا بل ملك، لأن البشر يقدم لهم مثل هذا. وفي الأذهان إنه لا أحسن وأضوأ من الملك، كما أنه لا أقبح من الشيطان. وإنه لم ير لا هذا ولا ذاك. وتعلق بها من يفضل الملك على البشر، ولا دليل له فيه لما ذكرنا، ولو سلم فالزيادة في الحسن لا تقتضي التفضيل.

وقوله: {فتمثل لها بشرًا سويًا} [مريم: 17] إشارة إلى الملك تشبه لها في صورة بشرٍ. وبشرت الأديم: أخذت بشرته. والبشارة: أول خبرٍ سارٍ، ولذلك لو قال لعبيده: من بشرني بولادة ذكرٍ فهو حر، فبشروه جميعًا دفعًة واحدًة عتقوا جميعًا. وإن بشروه على التعاقب عتق أولهم فقط بخلاف قوله: من أخبرني، فإن من أخبره أولاً كان أو آخرًا عتق. وهل يختص بالسار؟ المشهور نعم، ولا يقع في شر إلا على سبيل التهكم كقوله تعالى:} فبشرهم بعذابٍ أليمٍ {[آل عمران: 21] يعني أن أسر ما يسمعون من الخبر بما ينالهم من العذاب، ونحوه: [من الوافر] 161 - تحية بينهم ضرب وجيع وقيل: يستعمل في الخير والشر، لأن البشارة عبارة عن خبرٍ يتغير له البشر، وذلك يكون في الشر كما يكون في الخير، وقد أتقنت الكلام في ذلك في غير هذا الموضوع. ويقال: بشرت وبشرت، خفيفًا ومثقلاً، وأبشرت كأكرمت. قال: [من الطويل] 162 - بشرت عيالي إذ رأيت صحيفة ... عليك من الحجاج يتلى كتابها وقرئ يبشر ويبشر، ولم يرد في القرآن الماضي إلا مثقلاً. قال الراغب: بين هذه الألفاظ فروق، فبشرته عام، وأبشرته نحو أحمدته، وبشرته على التكثير. ومن ورود أبشر في القرآن قوله:} وأبشروا {[فصلت: 30] فقد جاءت ثلاث لغاتٍ في القرآن، إلا أنه لم يرد من ماضيها إلا التكثير كما تقدم. وتباشير الصبح: أوله. وتباشير الوجه: ما يبدو من سروره. وتباشير النخل: ما يبدو من رطبه.

وقوله تعالى: {يرسل الرياح مبشراتٍ} [الروم: 46] أي تبشر بأحدوثة بشرى بين يدي رحمته. وقوله عليه السلام: "انقطع الوحي ولم يبق إل المبشرات"، الرؤيا الصالحة يراها المؤمن أو ترى له". وفي الحديث: "من أحب القرآن فليبشر" أي فليسر. قال الفراء: إذا ثقل فمن البشرى، وإذا خفف فمن السرور. يقال: بشرته فبشر كجبرته فجبر. وقال ابن قتيبة. هو من بشرت الأديم، إذا رققت وجهه. قال: ومعناه فليضمر نفسه، كما روي "إن وراءنا عقبًة لا يقطعها إلا الضمر من الرجال". فعلى ما رواه ابن قتيبة بفتح الشين، وعلى ما رواه هو بضمها. وعلى الأول قول الشاعر: [من الكامل] 163 - فأعنهم وابشر بما بشروا به ... وإذا هم نزلوا بضنكٍ فانزل وسمي ما يعطاه المبش ربشرى وبشارة. واستبشر: حد ما يبشره من الفرح. ومنه} يستبشرون بنعمةٍ {[آل عمران: 171]. والبشارة بالكسر: مصدر بشرته، وبالفتح اسم للتحسين. ومنه قولهم: وجه حسن بين البشارة. والبشارة بالضم: ما يخرج من بشر الأديم، وهي لغة في البشارة بالكسر أيضًا. والمباشرة: الإفضاء بالبشرتين، وكني به عن الجماع كقوله تعالى:} ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد {[البقرة: 187]. وقوله:} لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة {[يونس: 64] قيل: هي في الدنيا الرؤيا الصالحة، وفي الآخرة الجنة.

فصل الباء والصاد

ويؤيده الحديث المتقدم: "ولم يبق إلا المبشرات" الحديث. فصل الباء والصاد ب ص ر: البصر: يطلق على الجارحة تارًة وعلى القوة التي فيها أخرى. والبصيرة: للإدراك الذي في القلب، ويقال لها بصر أيضًا. فالبصر يطلق بإزاء هذه المعاني الثلاثة، ولا يكاد يقال في الجارحة بصيرة، ومن الجارحة أبصرت ومن البصيرة بصرته وبصرت به. قال تعالى:} فبصرت به عن جنبٍ {[القصص: 11] أي تفطنت له. وقلما يقال من البصر: بصرت. وقوله:} ادعو إلى الله على بصيرة {[يوسف: 108] أي على معرفةٍ وتحققٍ. وقوله:} بل الإنسان على نفسه بصيرة {[القيامة: 14] أي عليه من جوارحه بصيرةٌ تبصره وتشهد عليه يوم القيامة، كقوله:} يوم تشهد عليهم ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم {[النور: 24]: وقال ابن عرفة: أي عليها شاهد لعملها. وقال الأزهري: بصيرة: عالمة بما جنى عليها. وقوله:} فبصرك اليوم حديد {[ق: 22] أي علمك نافذ، وليس من بصير العين. ومنه:} بصرت بما لم يبصروا به {[طه: 96] أي علمت بما لم يعلموا به، بصر بصرًا أي علم علمًا. وقوله:} لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار {[الأنعام: 103] حمله أكثر المتكلمين على الجارحة، والأولى أن يجعل من رؤية القلب. ويدل عليه ما قال أمير المؤمنين: "التوحيد أن لا تتوهمه، فكل ما أدركته فهو غيره". وجمع البصر أبصار، والبصيرة بصائر، وقوله:} وعلى أبصارهم غشاوة {[البقرة: 7]، قال ابن عرفة: أي أبصار قلوبهم. وقوله:} قد جاءكم بصائر {[الأنعام: 104] أي ما تبصرون وتعتبرون. وقوله:} هذا بصائر من ربكم {[الأعراف: 103] أي هذا القرآن حجج واضحة وبراهين بينة، وأصلها من الظهور. ومنه

البصائر لقطع الدم وطرائقه. والبصائر أيضًا واحدتها بصيرة. قال الشاعر: [من الكامل] 164 - راحوا بصائرهم على أكتافهم ... وبصيرتي يعدو بها عتد وأي أي الباصرة: الجارحة الناظرة. ورأيته لمحًا باصرًا أي نظرًا بتحديقٍ. وقوله:} وجعلنا آية النهار مبصرًة {[الإسراء: 12] أي مبصرًا أهلها، أو يبصر أهلها فيها، كقوله: ليله نائم ونهاره صائم، قصدًا للمبالغة. ومثله:} وآتينا ثمود الناقة مبصرًة {[الإسراء: 59] أي آية واضحًة. وقيل: صار أهلها بصراء نحو أخبث وأضعف فهو مخبث ومضعف أي صار أهله خبثاء وضعفاء. وقوله:} وكانوا مستبصرين {[العنكبوت: 38] أي طالبين للبصرية، أو بمعنى مبصرين استعارة للاستفعال موضع الإفعال، نحو استجاب بمعنى أجاب، كقوله: [من الطويل] 165 - فلم يستجبه عند ذاك مجيب وقوله:} تبصرًة وذكرى {[ق: 8] أي تبصيرًا وتبيننًا. يقال: بصرته تبصيرًا وتبصرًة كذكرته تذكيرًا وتذكرًة. وقوله:} وأبصر فسوف يبصرون {[الصافات: 179] أي انتظر فسوف ينتظرون، والمعنى انتظر حتى ترى ويرون. وقوله:} ما زاغ البصر وما طغى {[النجم: 17] قيل:

أراد البصيرة القلبية. ويقال للضرير بصير، قيل: على العكس، والأولى أنه قيل فيه ذلك من البصيرة. ولذلك لا يقال له: مبصر ولا باصر. وقوله:} ولقد آتينا موسى الكتاب من بعد ما أهلكنا القرون الأولى بصائر للناس {[القصص: 43] أي عبرًة لهم. والبصرة: حجارة رخوة لماعة، سميت بذلك توهمًا أنها تبصر غيرها، أو لإضاءتها. فهي مبصرة من بعدٍ. ومنه البصيرة لقطعة الدم، وللترس للمعان الحاصل بهما. والبصيرة أيضًا: ما بين شقي الثوب، والمراد لما يبصر منه. ثم يقال: بصرت الثوب أي خطت ذلك الموضع منه. والبصر: الناحية. وفي الحديث: "فأمر به فبصر رأسه" أي قطع. وأنشد: [من الطويل] 166 - فلما التقينا بصر السيف رأسه ... فأصبح منبوذًا على ظهر صفصف وفي حديث أم معبدٍ: "فأرسلت إليه بشاةٍ فرأى فيها بصرًة من لبنٍ" أي أثرًا من لبنٍ يبصره الناظر. وفي حديثٍ: "بصر جلد الكافر أربعون ذراعًا". وفي حديث عبد الله "بصر كل سماءٍ خمس مئة عامٍ" أي غلظها. وفيه: يقال لصلاة المغرب صلاة البصر لأنها تؤدي قبل مجيء الظلمة الحائلة لهذه، وهذه للمعنى الذي ذكرته.

فصل الباء والضاد

ب ص ل: البصل معروف، وهو اسم جنسٍ واحده بصلة كنبقٍ ونبقةٍ. ويقال لبيضة الحديد بصلة تشبيهًا بالبصلة في الصورة. قال. فصل الباء والضاد ب ض ع: قوله تعالى:} ببضاعةٍ {[يوسف: 88]. البضاعة: ما اقتطع من المال للتجارة. والبضع: القطع ومنه: بضعه وبضعه فابتضع وتبضع، نحو قطعته وقطعته فانقطع. والبضعة بالفتح: بعض الشيء. ومنه: "إنما فاطمة بضعة مني" والمبضع: ما يبضع به كالمنجل. وسمي الفرج بضعًا لأنه قطعة من المرأة، واشتق منه فقيل: باضعها أي باشرها. والبضعة أيضًا عبارة عن الشيء. والبضيع: الجزيرة في البحر المنقطعة عن البر. والبضع: ما اقتطع من العشرة، فقيل: هو ما بين الثلاثة إلى العشرة، وقيل: ما بين الخمسة إلى العشرة. وقال الهروي: ما بين الثلاثة إلى التسعة، قال: والبضع والبضعة بمعنًى، قال تعالى:} فلبث في السجن بضع سنين {[يوسف: 42] وقال} سيغلبون في بضع سنين {[الروم: 3 - 4]. والبضع مثلث، فالبضع بالفتح: المققع مصدر، وبالكسر: العدد المبهم، وبالضم: الفرج، وقال الأزهري: البضع: الجماع وفي حديث عائشة: "وله حصنني ربي من كالبضعٍ" أي من كل نكاحٍ. أي تزوجني بكرًا.

فصل الباء والطاء

والاستبضاع: نوع من نكاح أهل الجاهلية. وفي الحديث: "أن عبد الله أبا النبي صلى الله عليه وسلم مر بامرأةٍ فدعته أن يستبضع بها". ولما تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم خديجة رضي الله عنها دخل عليها عمرو وقال: "هذا البضع لا يقرع أنفه"، قال الهروي: يريد هذا الكفء، وذلك أن الفحل الهجين إذا أراد أن يضرب كرام الإبل قرعوه على أنفه بعصًا أو نحوها ليرتد عن الإبل فلا يقربها. الباضعة من الشجة ما يبضع اللحم أي يشقه. فصل الباء والطاء ب ط أ: البطء: التأخر في السير. يقال: بطؤ وأبطأ وتباطأ واستبطأ وبطأ وبينهما فروق؛ فبطؤ أي تخصص بذلك. وبطأ أي حمل غيره على البطء، أو بالغ في بطئه هو، وعليهما حمل قوله:} وإن منكم لمن ليبطئن {[النساء: 72]. وأبطأ: صار ذا بطءٍ، أو حمل غيره على البطء. فالهمزة الأولى للصيرورة كأنقل، وفي الثانية للتعدية كأخرج. واستبطأ: طلب البطء، وتباطأ: تكلف ذلك، نحو تجاهل وتغافل. وفي الحديث: "من بطأ به عمله لم يسرع به نسبه". ب ط ر: قال تعالى:} بطرت معيشتها {[القصص: 58]. أصل البطر: سوء احتمال الغنى. وقال الكسائي: أصله من قولهم: ذهب دمه بطرًا، وبطرًا أي باطلاً. وقال الأصمعي: البطر: الحيرة، ومعناه أن يتحير عند الحق فلا يراه حقًا.

الزجَّاج: البطر أن يطغى، أي يتكبر عند الحق فلا يقبله. وقال الهروي: البطر: الطغيان عند النعمة. وفي الحديث: "لا ينظر الله يوم القيامة لمن جر إزاره بطرًا". ومنه: "الكبر بطر الحق وغمص الناس". معنى بطر الحق أن يجعل ما جعله الله حقًا من توحيده وعبادته باطلاً. وقال الراغب: "البطر: دهش يعتري الإنسان من سوء احتمال النعمة وعدم القيام بحقها وصرفها عن وجهها. قال: ويقارب البطر الطرب، وهو خفة أكثر ما يعتري الإنسان من الفرح، وقد يقال ذلك في الترح". والبيطرة: فعل البيطار، وهو فيعال من ذلك. والبيطرة: معالجة الدواب بما يشفيها من الداء. وقوله تعالى:} بطرت معيشتها {فيها أقوال للنحاة أحسنها أن نصبه على التنبيه بالظرف أي في معيشتها. وقيل: هو تمييز، والأصل بطر معاشها على المجاز، ثم حول ونقل، وهو قول كوفي، وتحقيقه في غير هذا الكتاب. ب ط ش: البطش: تناول الشيء بصولةٍ وقهرٍ. ويقال: هو سرعة الانتقام وعدم التؤدة في العفو. وقوله:} إن بطش ربك لشديد {[البروج: 12] تنبيه على أنه سريع العقاب، كما صرح به في غير موضعٍ، ولم يكف أن ذكره بلفظ البطش حتى وصفه بالشدة. وقوله:} ولقد أنذرهم بطشتنا {[القمر: 36] أي عقوبتنا السريعة. وقوله:} وإذا بطشتم بطشتم جبارين {[الشعراء: 130] أي تسرعون في جميع أفعالكم إسراع الجبابرة. وفي الحديث: "فإذا أنا بموسى باطش بجانب العرش" معناه متعلق بقوةٍ.

ب ط ل: الباطل: الشيء الزائل، وهو ما لا ثبات له عند التنقير عنه، لأنه نقيض الحق، والحق هو الثابت. ويقال ذلك بالاعتبار إلى المقال والفعال. يقال: بطل يبطل بطولاً وبطلانًا، وأبطلته إبطالاً، وبطلته تبطيلاً. والإبطال يقال تارة لمن يبطل شيئًا أي يفسده ويزيله، حقًا كان ذلك الشيء أو باطلاً. قال تعالى:} ويبطل الباطل {[الأنفال: 80] وتارًة لمن أتى بالباطل. يقول: أبطل زيد أي جاء بالباطل. قال تعالى:} وخسر هنالك المبطلون {[غافر: 78]، فهذا يجوز أن يراد بهم من جاؤوا بالباطل، وأن يراد بهم من أبطلوا الحق، ويقال فيمن يقول شيئًا لا حقيقة له. ومنه قوله تعالى:} ليقولن الذين كفروا إن أنتم إلا مبطلون {[الروم: 58] كانوا في زعمهم كذلك. ويقال فيمن يشتغل عمًا ينفعه من أمر الدنيا والدين. بطل يبطل بطالًة بكسر الباء فهو بطال، وقياسه باطل. والبطل: الرجل الشجاع المعرض نفسه للموت. فقيل: سمي بذلك لأنه مبطل لدمه، فهو فعل بمعنى مفعول كالقبض بمعنى مقبوض. وقيل: لأنه مبطل دمه قربًة، فهو فعل بمعنى فاعل. ويقال منه: بطل يبطل بطولًة، فهو بطل. وبطل نسب إلى البطالة. وذهب دمه بطلاً أي هدرًا لم يؤخذ له بثأرٍ ولا ديةٍ. وهو القرع أيضًا. وقوله:} لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه {[فصلت: 42] إشارة إلى انتفاء الباطل عنه من هاتين الجهتين الشاملتين لجميع جهاته. وقيل: الباطل هنا إبليس، وذلك أنه أصل كل باطلٍ. والمعنى لا يزيد فيه ولا ينقص منه. قال تعالى:} إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون {[الحجر: 9]. وقوله:} ويمح الله الباطل {[الشورى: 24] فسر بالشرك لأنه أعظم باطلٍ. وقوله في الحديث: "ولن تستطيعه البطلة" يعني بهم السحرة، وذلك لأنهم لا أبطل منهم لتخيلهم الأباطيل.

ب ط ن: البطن: يقابل الظهر، ويعبر به عن داخل الشيء كما يعبر بالظاهر عن خارجه، ويعبر به عن الجهة السفلى، كما يعبر به عن العليا. واستعير في الأمور المعنوية نحو: هذا بطن الأمر، وبطن الوادي أيضًا، تشبيهًا ببطن الإنسان. ومنه:} وذروا ظاهر الإثم وباطنه {[الأنعام: 120] فظاهره ما يطلع عليه الخلق، وباطنه ما يختص بعلمه تعالى. وقيل للعرب: بطن وفخذ اعتبارًا بأنهم كجسدٍ ينفصل فصولاً. وعليه قول الشاعر: [من السريع] 167 - الناس جسم، وإمام الهدى ... رأس وأنت العين في الرأس فظهرانها لما يظهر منها ولما يخفي، ويجمع على بطنانٍ وأبطنٍ وبطون. والبطين والمبطان: العظيم البطن، الكثير الأكل. والبطنة: كثرة الأكل، ومنه: "البطنة تذهب الفطنة". وبطن أي أشر من كثرة الأكل. وبطن عظيم: بطنه. ومبطن: خميص البطن. ومنه: "فإذا رجل مبطن" يعني ضامر البطن. وبطن: أعيل بطنه فهو مبطون. والبطانة: خلاف الظهارة في الملبوسات، واستعير ذلك فيمن يراسلك ويختص بسريرتك، ولذلك: لابست فلانًا ولبسته. ومنه:} هن لباس لكم وأنتم لباس لهن {[البقرة: 187] وعلى ذلك قوله تعالى:} لا تتخذوا بطانًة من دونكم {[آل عمران: 118] أي لا تخالطوا غيركم من المشركين مخالطًة يطلع بها على أحوالكم الباطنة. وفي الحديث: "ما بعث الله من نبي ولا استخلف من خليفة إلا كانت له بطانتان، بطانة تأمره بالخير وتحضه عليه، وبطانة تأمره بالشر وتحثه عليه". وقوله تعالى:

{والظاهر والباطن} [الحديد: 3] قيل: يعلم بواطن الأمور كما يعلم ظواهرها، يعلم من السر ما يعلم من العلانية. ومنه:} سواء منكم من أسر القول ومن جهر به {[الرعد: 10]. يقال: فلان يبطن أمر فلان إذا علم سريرته، كما قال تعالى:} وهو الذي في السماء إله وفي الأرض إله {[الزخرف: 84] والحكماء: "مثل طالب معرفته مثل من طرق الآفاق في طلب ما هو معه". والباطن: إشارة إلى معرفته الحقيقية، وهي التي أشار إليها الصديق بقوله: "يا من غاية معرفته القصور عن معرفته". وقيل: ظاهر بآياته باطن بذاته. وقيل: ظاهر بأنه محيط بالأشياء مدرك لها، باطن في أن يحاط به، كما قال تعالى:} لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار {[الأنعام: 103]. وقد روي عن أمير المؤمنين علي رضي الله عنه ما يدل على تفسير اللفظتين حيث قال: "تجلى لعباده من غير أن يروه، وأراهم نفسه من غير أن يتجلى لهم"، وهذا كلام عظيم القدر لا يصدر إلا عن مثل أبي بكرٍ وعلي رضي الله عنهما. ولذلك قال بعض العلماء حين حكي عن أمير المؤمنين علي كرم الله وجهه: وهذا كلام يحتاج إلى فهمٍ ثاقبٍ وعقلٍ وافرٍ ولعمري لقد صدق. وقيل: الظاهر بالأدلة والباطن الذي لا يدرك بالحواس. وقوله:} وأسبغ عليكم نعمه ظاهرة وباطنة {[لقمان: 20] أراد بالظاهرة النبوة والباطنة العقل، وقيل: أراد بالظاهرة النصرة على الأعداء بالبأس من سلاحٍ ورجالٍ، والباطنة النصرة بالملائكة. وقيل: أراد بالظاهرة المحسوسات وبالباطنة المعقولات، والآية شاملة لذلك ولغيره، كما قال تعالى: {وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها} [إبراهيم: 34]،

فصل الباء والظاء

وقرئ هنا: نعمة ونعم جمعًا وإفرادًا، وظاهرة وباطنة يصلحان لوصفهما لما قررناه في غير هذا. والبطان: حزام يشد على البطن، يجمع على: بطنٍ وأبطنةٍ. والأبطنان: عرقان يمدان على البطن. وتبطن الأمر: عرفه باطنًا. ومات فلان ببطنته: لم يتغضغض منها بشيءٍ، يضرب ذلك مثلاً لمن مات بخيلاً وماله وافر قد حرم نفسه منه. "ومات عريض البطان" منه. وفي الحديث عن عبد الله بن عمر أنه قال لعبد الرحمن: "مات ببطنته لم يتغضغض منها بشيءٍ". وفي الحديث أن إبراهيم عليه السلام: "كان يبطن لحيته" أي يأخذ من باطن شعرها. وقال شمر: أي يأخذ من تحت الذقن الشعر. فصل الباء والظاء ب ظ ر: قال الراغب: في بعض القراءات} والله أخرجكم من بظور أمهاتكم {[النحل: 78] جمع البظارة وهي اللحمة المتدلية من ضرع الشاة، والهنة النائتة من الشفة العليا، فعبر بها عن الهن كما عبر عنه بالبضع. قلت: وأي معنى لهذه القراءة؟ فإن البظارة لا يخرد منها الولد لا حقيقًة ولا مجازًا، وأظن قارئها صحفها. وعن علي رضي الله عنه أنه قال للقاضي شريحٍ في مسألةٍ سأله إياها: "ما تقول فيها أيها العبد الأبظر؟ " الذي في شفته العليا طول مع نتوء. وهذا من أمير المؤمنين مفاكهة لشريحٍ. وكفى به فضلاً أن سأله مثل أمير

فصل الباء والعين

المؤمنين، وإن قال له ما قال. فصل الباء والعين ب ع ث: البعث: أصله الإثارة والتوجيه، ومنه بعثت البعير. ويختلف باختلاف متعلقاته. فبعثت البعير: أثرته ووجهته للسير فانبعث. وبعثت رسولي أي أرسلته. ومنه:} لبعثنا في كل قريةٍ نذيرًا {[الفرقان: 51]} فبعث الله غرابًا {[المائدة: 31] أي قيضه ويسره. وبعث الله الموتى أي أقامهم للحشر. ومنه:} والموتى يبعثهم الله ثم إليه يرجعون {[الأنعام: 36]. وقوله:} ثم بعثناهم {[الكهف: 12] أي أيقظناهم؛ سمى إيقاظهم بعثًا تشبيهًا للنوم بالموت وهو الموتة الصغرى. ومنه:} وهو الذي يتوفاكم بالليل {[الأنعام: 60] ثم قال:} ثم يبعثكم فيه {[الأنعام: 60]} فابعثوا حكمًا من أهله {[النساء: 35] أي أرسلوا. وقوله:} ولكن كره الله انبعاثهم {[التوبة: 46] أي ذهابهم ومضيهم. وقوله:} من بعثنا من مرقدنا {[يس: 52] إشارة إلى فرط جهلهم حيث سموا ما كانوا فيه مرقدًا وما كانوا عليه رقادًا، وقد كانوا في آلم الأشياء وأشغلها عن الرقاد، أو قالوه لأنه مهيأ للرقاد. واعلم أن البعث نوعان: بشري كبعثت بعيري ورسولي. وإلهي، وهو أيضًا نوعان: نوع اختص به ولم يقدر عليه أحدًا، وهو إيجاد الأعيان والأجناس والأنواع عن لبسٍ. ونوع أقدر عليه بعض خلقه المصطفين عنده كإحياء الموتى وإيجاد الخفاش من مادة الطين على يد عيسى عليه السلام، وكإحياء بعض الحيوان وهو أبلغ من إحياء

الموتى، وذلك كما أظهره الله تعالى على يد سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم من إحياء ذراع الشاة، فإنه كلمه وأخبره بأنه مسموم. ب ع ث ر: البعثرة: قلب الشيء وإثارته بجعل أعلاه أسفله، وأسفله أعلاه. قال تعالى:} وإذا القبور بعثرت {[الانفطار: 4]. ويقال: بحثرت. قال الراغب: ومن رأى تركيب الرباعي والخماسي من ثلاثيين نحو: هلل وبسمل إذا قال: لا إله إلا الله، وبسم الله الرحمن الرحيم. قال: إن بعثر من بعث وأثير، وهذا لا يبعد في هذا الحرف، فإن البعثرة تتضمن معنى بعث وأثير. انتهى. قلت: ما ذكروه من نحو هلل وبسمل ليس من اللغة. وإنما وجد مثله في النسب نحو: عبشمي وعبقسي في النسبة إلى عبد شمسٍ وعبد القيس، ويلقب بباب النحت. وقد أتقنت هذه المسألة بدلائلها في الكتب المذكورة قبل ذلك. ب ع د: بعد: ظرف زمانٍ يقتضي التأخر نقيض قبل. وحكمها النصب على الظرفية، ولا ينصرفان وقد يجران بمن نحو:} من قبلكم {[البقرة: 21]، و} من قبل ومن بعد {[الروم: 4]، ومتى أضيفا لفظا أعربا، وإن قطعا عن الإضافة ولم ينو ما أضيفا إليه أعربا أيضا كقوله: [من الطويل] 168 - فما شربوا بعد على لذةٍ خمرا وقوله: [من الوافر]

169 - فساغ لي الشراب وكنت قبلاً وقيل: هما في الأصل صفتان لمقدرٍ. فمعنى قولك: جئت من قبل زيدٍ أي من زمنٍ قبل زمن مجيء زيدٍ. وقد حررت هذا في غير هذا. والبعد ضد القرب. يقال: بعد يبعد بعدًا، ضد قرب يقرب قربًا، وليس لهما حد محدود. لكن ذلك بحسب ذلك، ويكون ذلك في المحسوس وهو الأكثر. والمعقول نحو:} والضلال البعيد {[سبأ: 8]. وبعد بالكسر يبعد بالفتح: هلك: بعد قال تعالى:} كما بعدت ثمود {[هود: 95] وقال الشاعر: [من الطويل]. 170 - يقولون: لا تبعد وهم يدفنونه ... ولا بعد إلا ما يواري الصفايح وقالت الخرنق: [من الكامل] 171 - لا يبعدن قومي الذين هم ... سم العداة وآفة الجزر وقد يقال: البعد في الهلاك، والبعد في ضد القرب. قال تعالى:} ألا بعدًا لمدين {[هود: 95] وقال النابغة: [من البسيط] 172 - فتلك تبلغني النعمان إن له ... فضلاً على الناس في الأدنى وفي البعد وقوله:} بل الذين لا يؤمنون بالآخرة في العذاب والضلال البعيد {[سبأ: 8] أي بعدًا لا يرجى الرجوع منه إلى الهدى، كمن ضل عن محجة الطريق وتوغل في ذلك حتى لا يرجى عوده إليها

وقوله: {وما قوم لوطٍ منكم ببعيد} [هود: 89] أي ما أنتم تقاربونهم فيه من الضلال فلا يبعد أن يأتيكم من العذاب مثل ما أتاهم. وقوله:} ذلك رجع بعيد {[ق: 3] أي بعثنا ورجوعنا بعيد لا يكاد يصح. وقوله:} أولئك ينادون من مكانٍ بعيدٍ {[فصلت: 44] كناية عن أنهم لا يسمعون الحق، نزلوا بمنزلة من ينادي من بعدٍ فإنه في مظنة عدم السماع، وقيل: هو كناية عن عدم الفهم ويقال في ضده: هو ناظر الأشياء عن قربه. وقوله:} لفي شقاق بعيدٍ {[البقرة: 176] أي بتباعد بعضهم في مشاقة بعضٍ وفي الحديث: "كان يبعد في الخلاء" أي يمعن في الذهاب إلى الخلاء لمعنى فيه. ب ع ر: البعير: واحد الإبل. وقد يقع للذكر والأنثى، مثل الإنسان يقع للرجل والمرأة. هذا هو المشهور، وخصه بعضهم بالجمل. قال تعالى:} ولمن جاء به حمل بعيرٍ {[يوسف: 72] ويجمع على أبعرةٍ وبعرانٍ كأرغفةٍ ورغفانٍ، وأباعر وأبعرة مثل واحدة البعر. وهو ما يخرج منه. والمبعر: موضع البعر. والمبعار: الكثير البعر. ب ع ض: البعض مقلوب البضع، فإنهما مصدران بمعنى القطع، والبعض المقابل للكل هو قطعة من الكل. ومنه البعوض تصور منها أنها قطعة من غيرها، ويجمع على أبعاض. وبعضت الشيء جعلته أبعاضًا كجزأته أجزاًء. وزعم أبو عبيدة أنه يكون بمعنى كل، من قوله تعالى:} ولأبين لكم بعض الذي تختلفون فيه {[الزخرف: 63] واستشهد بقوله: [من الكامل] 173 - أو يرتبط بعض النفوس حمامها

وقد رد عليه الناس هذه المقالة. قال الراغب: وفي قوله هذا قصور نظرٍ منه، وعلى أن الأشياء أربعة أضربٍ: ضربٍ في بيانه مفسدة، فلا يجوز لصاحب الشرع أن ينبه عليه كوقت القيامة ووقت الموت. قلت في قوله: فلا يجوز لصاحب الشرع، عبارة غير سديدةٍ. ولو قال: فلا يجوز بيانه لمصلحةٍ علمها الشارع لكان أحسن. قال: وضربٍ معقولٍ ويمكن للناس إدراكه من غير نبي كمعرفة الله تعالى وتفكره في خلق السماوات والأرض، فلا يلزم صاحب الشرع أن يبينه، ألا ترى كيف أحال معرفته على العقول في قوله تعالى:} قل انظروا ماذا في السماوات والأرض {[يونس: 101] وقوله:} أولم يتفكروا {[الأعراف: 184]. وضرب يجب عليه بيانه كأصول الشرعيات المختصة بشرعه. وضربٍ يمكن الوقوف عليه مما بينه صاحب الشرع كفروع الأحكام. فإذا اختلف الناس في أمرٍ غير الذي يختص بالنبي بيانه فهو مخير بين أن يبين وبين أن لا يبين، حسبما يقتضيه اجتهاده وحكمته. فإذا لم يرد في الآية كل ذلك فهو ظاهر لمن ألقى العصبية عن نفسه. وأما الشاعر فإنه يعني نفسه. والمعنى إلا أن يتداركني الموت، لكن عرض ولم يصرح حسبما بنيت عليه جبلة الإنسان في البعاد عند ذكر موته. قلت: ما ذكره من الإنكار على أبي عبيدة صحيح. والبيت الذي أنشد للبيدٍ أوله: [من الكامل] 174 - تراك أمكنةٍ إذا لم أرضها ... أو يرتبط بعض النفوس حمامها وأبو عبيدة هذا وإن كان إمامًا إلا أنه يضعف عن علم الإعراب وفي بعض فهمه. ولما حكى الزمخشري عنه هذه المسألة قال: إن صحت هذه الرواية عنه فقد حق فيه قول

المارقين في مسألة "كان أحق أن تفقه ما أقول". قلت: هذه مسألة جرت بينه وبين ابن عثمان، ذكرتها مستوفاًة في "الدر المصون" وقال ثعلب: كان وعدهم عذابين؛ أحدهما في الدنيا، والآخر في الآخرة. فلذلك قال:} بعض الذي يعدكم {[غافر: 28] وهو الذي في الدنيا. وقال الليث: بعض صلة أي زائدة، والمعنى يصيبكم بعض الذي يعدكم، وهذان القولان أعني الأول والآخر ضعيفان. أما الأول فلما تقدم، وأما هذا فلأن الأسماء لا تزاد. وقال الخليل: رأيت غربانًا تبتعض، أي يتناول بعضها بعضًا. ب ع ل: البعل: الزوج. وزوجة: بعلة. واشتق من لفظه مصدر، وبعل يبعل، باعل يباعل مباعلًة، كنوا بذلك عن الجماع. وفي الحديث، في أيام التشريق: "إنها أيام أكلٍ وشرب وبعالٍ" ويقال: بعل يبعل ويبعل بعلاً وبعولًة إذا صار بعلاً. واستبعل فهو مستبعل كذلك. والبعل أيضًا: مالك الشيء وسيده، وذلك أنهم تصوروا من بعل المرأة لما كان مستوليًا عليها ومستعليًا أنه مالكها. سموا رب الشيء بعله، يقال: هذا بعل هذه الدار. قوله:} أتدعون بعلاً {[الصافات: 125] يعني إلهًا سوى الله، وذلك لما تقدم من تصورهم استعظام البعل بالنسبة إلى المرأة. فسموا معبودهم المتقرب به إلى الله، كما زعموه بعلاً، أو سموه بما كانوا يقولون إنه سيدهم وعظيمهم. قيل: كان صنمًا من ذهبٍ وفضةٍ مذكورةٌ في التفسير. وقيل: البعل من تجب طاعته، وقيل: من معنى الزوج أيضًا. والبعل: الكل على أهله، وذلك لأن العالي على غيره يستبعل عليه أمره ونهيه فسمي بعلاً لذلك. وفي

فصل الباء والغين

الحديث: "أن رجلاً قال للنبي صلى الله عليه وسلم: أبايعك على الجهاد. فقال: هل لك من بعلٍ؟ " قال الهروي: البعل: الكل. يقال: صار بعلاً على أهله أي كلاً وعيالاً. وقيل: هل بقي عليك من تجب طاعته علكي كالوالدين والأهل والولد؟ قلت: هذا الثاني ظاهر، وأما الأول فلا معنى له في الحديث إلا أن يكون: هل لك من تجب عليك نفقته؟ بسبب كونه كلاً وعيالاً على غيره؟ ولتصور الاستعلاء سموا الأرض العالية على غيرها بعلاً والنخل الذي يشرب بعروقه بعلاً. وفي الحديث "فيما سقي بعلاً العشر". وتصور الذي في النخل قيامه وثبوته في مكانه. فقيل: بعل فلان بأمره: إذا أدهش وثبت في مكانه ثبوت النخل في مقره. فصل الباء والغين ب غ ت: البغت: مجيء الشيء على غفلةٍ من حيث لا يحتسب. والبغتة كذلك، قال تعالى:} حتى إذا جاءتهم الساعة بغتًة {[الأنعام: 31] أي فاجأتهم من غير علمٍ لهم بمجيئها. ويقال: بغته الشيء بغتًا وبغتًة يبغت فهو باغت. قال الشاعر: [من الطويل] 175 - إذا بغتت أشياء قد كان قبلها ... قديمًا فلا تعتدها بغتات وبغت: يكون قاصرًا كما تقدم ومتعديًا. يقال: بغته الأمر يبغته بغتًا، وباغته ساعًة مباغتًة. كما يقال: فجأه الأمر يفجؤه فجًا، وفاجأه يفاجئه مفاجأة. وقال يزيد بن ضبة الثقفي: [من الطويل] 176 - ولكنهم ماتوا ولم أدر بغتًة ... وأفظع شيءٍ حين يفجؤك البغت وقوله:} أخذناهم بغتًة {[الأنعام: 44] يجوز نصبها من أوجهٍ: أحدها أنها حال

من الفاعل أي باغتين، أو من المفعول أي مبغوتين، وإما على المصدر من معنى عامله كأنه أخذ بغتًة. ب غ ض: البغض: نفار النفس عن الشيء الذي ترغب عنه. وهو ضد الحب، فإن الحب استئناس النفس إلى الشيء الذي ترغب فيه. وقوله:} قد بدت البغضاء من أفواههم {[آل عمران: 118] إشارة إلى ما يظهر من أثرها على ألسنتهم حيث يتكلمون بما يدل عليها، وإلا فالبغضاء أمر معنوي محلها القلب. وقوله:} إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء {[المائدة: 91] إشارة إلى ما يحدث عند شرب الخمر من الأفعال والأقوال المؤدية إلى الإحن والشحناء وهي البغضاء. وفي الحديث: "ولا تباغضوا" يقال: أبغضته أبغضه إبغاضًا، فأنا مبغضه. وعلى هذا فالبغض اسم المصدر كالعطاء بمعنى الإعطاء. ونقل الراغب أنه يقال: بغض الشيء بغضًا، وبغضته بغضاء، فاقتضى ذلك أن يقال: بغضت زيدًا، ثلاثيًا متعديًا. فالبغض مصدر بنفسه. وفي الحديث: "أن الله يبغض الفاحش المتفحش" وتأويله البعد من فيضه وتوفيق إحسانه منه. ب غ ل: قال تعالى:} والخيل والبغال والحمير {[النحل: 8]. والبغال: جمع بغلٍ، وهو المتولد من بين الحمار والفرس. فتارًة يكون أبوه حمارًا وأمه فرسًا، وتارًة بالعكس. وهو أقوى الحيوانين، وخص بعدم التناسل، ولقوته

وخبئه قيل في وصف النذل من الناس: هو بغل. ولقوته شبه به البعير في سرعة سيره، فقيل: قد تبغل البعير يتبغل تبغلاً فهو متبغل. وما أغرب ما اتفق أن وقع هذا الجنس بين الجنسين المتولد هو منهما في اللفظ. فقال:} والخيل والبغال والحمير {، وقدم أشرف طرفيه وهو الخيل. ب غ ي: طلب تجاوز الاقتصاد فيما يتحرى؛ تجاوزه أو لم يتجاوزه. وقوله تعالى:} ومن يبتغ غير الإسلام دينًا {[آل عمران: 85] هو افتعال من البغي بمعنى الطلب. وأكثر استعمال البغي في الأشياء المذمومة، لاسيما إذا أطلق نحو: زيد بغى. وقد بغى زيد على عمروٍ. وقال الراغب بعد ما ذكر أن البغي طلب تجاوزٍ في الاقتصاد: فتارًة يعتبر في القدر الذي هو الكمية، وتارًة يعتبر في الوصف الذي هو الكيفية. فيقال: بغيت وابتغيت أي طلبت أكثر مما يجب. وكل موضعٍ ذكر فيه البغى فلابد من معنى المجاوزة فيه، كقولهم: بغت المرأة أي تجاوزت في الفجور الحد. فقال تعالى:} ولا تكرهوا فتياتكم على البغاء {[النور: 33] أي على الفجور لأنهن جاوزن ما ليس لهن. وبغى الجرح: إذا تجاوز حد الفساد: وبغت السماء: تجاوزت الحد في المطر. وبغى زيد أي أفسد، إذا تجاوز ما ليس له تجاوزه، ومنه قول ذلك:} ومن عاقب بمثل ما عوقب به ثم بغي عليه لينصرنه الله {[الحج: 60]. وأنشد المأمون حين بغى عليه أخوه الأمين: [من البسيط] 177 - يا طالب البغي إن البغي مصرعه ... فارتع فخير فعال المرء أعدله فلو بغى جبل يومًا على جبلٍ ... لا ندك منه أعاليه وأسفله وقال آخر: [من الكامل] 180 - ندم البغاة ولات ساعة مندم ... والبغي مرتع مبتغيه وخيم

وقال الراغب: "والبغي على ضربين: أحدهما محمود، وهو يتجاوز الحق إلى الإحسان، والفرض إلى التطوع. والثاني مذموم، وهو تجاوز الحق إلى الباطل، أو تجاوزه إلى الشبه، كما قال: "الحق بين والباطل بين وبين ذلك أمور مشتبهات" "ومن رتع حول الحمى أوشك أن يقع فيه" ولأن البغي قد يكون محمودًا ومذمومًا قال تعالى:} إنما السبيل على الذين يظلمون الناس ويبغون في الأرض بغير الحق {[الشورى: 42]، فخص العقوبة بمن بغيه بغير الحق". قال الحباني: أصل البغي الحسد، وسمي الظلم بغيًا لأن الحاسد ظالم. قلت: هو داخل في قولنا مجاوزة الحد، لأن الحاسد تجاوز ما ليس ليه. واستدل على أن البغي الحسد بقوله:} إلا من بعد ما جاءهم العلم بغيًا بينهم {[الشورى: 14]. وقيل: البغي: الاستطالة على الناس والكبر. ومنه قوله تعالى:} إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم والبغي بغير الحق {[الأعراف: 33]. وقوله:} يا أيها الناس إنما بغيكم على أنفسكم {[يونس: 23] أي وبال بغيكم راجع عليكم. وقوله:} إذا هم يبغون {[يونس: 23] أي يفسدون. وقوله:} غير باغٍ ولا عادٍ {[البقرة: 173] أي غير متعد ما حد له. وقال ابن عرفة:} غير باغٍ {غير طالبها وهو عند غيرها.} ولا عادٍ {أي غير متعدٍ ما حد له. الأزهري:} غير باغٍ {أي غير ظالمٍ بتحليل ما حرم الله تعالى،} ولا عادٍ {أي غير متجاوز للقصد. مؤرج السدوسي: أي لا يبتغي فيأكله غير مضطر إليه ولا عادٍ أي لا يعدو شبعه. وقيل: غير باغٍ أي غير خارجٍ على الإمام، ولا عادٍ أي بقطع طريقٍ ونحوه، أي فهذا لا يرخص له في ذلك.

وقال الحسن: "غير متناولٍ للذةٍ، ولا متجاوزٍ سد الجوعة". وقال مجاهد: "غير باغٍ على إمامٍ ولا عادٍ في المعصية طريق الحق". وقيل:} غير باغٍ {أي غير طالبٍ ما ليس له طلبه، ولا متجاوزٍ لما رسم له. وقولهم: بغى بمعنى تكبر، راجع إلى ما قدمته، فإنه تجاوز منزلته إلى ما ليس له تجاوزه. وقد فرقوا بين بغيتك وأبغيتك، فقالوا: بغيتك أي بغيته لك، ومنه قوله تعالى:} يبغونكم الفتنة {[التوبة: 47]. وأبغيتك: أعنتك على البغاء، أي على طلبه. "وابتغى: مطاوع بغى، فإذا قيل: ينبغي أن يكون هكذا فهو باعتبارين، أحدهما ما يكون مسخرًا للفعل نحو: النار ينبغي أن تحرق الثوب. والثاني بمعنى الاستئهال نحو: فلان ينبغي أن يعطي لكرمه، وعلى المعنيين جاء قوله تعالى:} وما علمناه الشعر وما ينبغي له {[يس: 69] أي لا يتسخر ولا يتسهل له". قال الراغب: ألا ترى أن لسانه لم يكن يجري به؟. قلت: ولذلك كان إذا تمثل بشيءٍ من الشعر أتى به على غير نظمه. كما يحكي أنه تمثل بقول طرفة فقال: [من الطويل] 179 - ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلاً ... ويأتيك من لم تزود بالأخبار فلقنه أبو بكرٍ: ويأتيك بالأخبار من لم تزود. فلم يقله. وقد نقل أنه تكلم بشيءٍ على سبيل الاتفاق، وقد أتقنا هذه المسألة - وخلاف الناس في أنه هل كان مصروفًا عن ذلك بطبعه، أو كان في قدرته ولكن لم يقله - في كتابنا "التفسير الكبير". وابتغى: افتعلٍ من البغي. وقد غلب اختصاصها للاجتهاد في الطلب؛ فإن كان ذلك المطلوب محمودًا فابتغاؤه كذلك وكذا عكسه. فقوله:} ابتغاء رحمةٍ من ربك ترجوها {[الإسراء: 28] محمود. وقوله:} لقد ابتغوا الفتنة من قبل {[التوبة: 48] مذموم. وقولهم: ما أنبغي لك، وما أبتغي لك كذا، أي ما يصلح ولا يتسهل.

فصل الباء والقاف

وقوله عليه السلام: "لا يتبيغ بأحدكم الدم فيقتله". قال الكسائي: هو من البغي. فقلت: ومعناه هيجان الدم. ويجمع باغٍ على بغاةٍ وهو قياسه، كعارٍ وعراةٍ، ورامٍ ورماةٍ، وعلى بغيان. وفي الحديث: "فانطلقوا بغيانًا"، وذلك نحو راعٍ ورعيان، والأول هو القياس: قال: [من الوافر] 180 - وإلا فاعلموا أنا وأنتم ... بغاة ما بقينا في شقاق فصل الباء والقاف ب ق ر: } البقر {[البقرة: 70]: اسم جنس واحده بقرة، فيطلق على الذكر زالأنثى، فيقال: بقرة ذكر وبقرة أنثى، لكن استغني عن ذلك بقولهم: ثور. وجمعه باقر كحاملٍ في حملٍ. وقرئ:} إن الباقر {كحاملٍ وبقيرًا كحليمٍ. وقيل: بيقور، اشتق من لفظه فعل لما يحدثه هو، فقيل: بقر الأرض أي شقها بحرثه إياها يبقرها بقرًا. ثم قيل ذلك في كل شق متسعٍ فقيل: بقرت بطن فلانٍ أي شققته شقًا متسعًا. وبقر فلان في الأرض: إذا اتسع في سفره، فقطع أرضًا بعد أرضٍ. وسمي محمد بن علي رضي الله عنهما بالباقر لاتساعه في دقائق العلم وشقًه بواطنها فضلاً عن ظواهرها. وبيقر الرجل في المال وفي سيره: اتسع فيهما. والبيقران: نبت يسرع شقه الأرض بعروقه وبخروجه منها. وفي حديث عثمان "إنها باقرة كداء البطن" أراد أنها مفسدة للدين، مفرقة للناس. وشبهها بداء البطن لأنها لا تدري ما هاجها، ولا كيف يتأتى لها. وفي حديث ابن عباسٍ في شأن الهدهد: "فبقر الأرض" أي فشقها ببصره حتى رأى الماء. وهذا معنى

قول شمر: نظر موضع الماء فرأى الماء تحت الأرض. ب ق ع: } البقعة {[القصص: 30]: الموضع الخاص. قال الليث: هي قطعة من الأرض على غير هيئة التي إلى جنبها. ولذلك يقال فيمن فيه سواد وبياض: أبقع، وهو جنس منه. ولذلك قال الفقهاء: "الغراب الأبقع". ومن ذلك الحديث: "يوشك أن يستعمل عليكم بقعان الشام". قيل: سبايا الروم ومماليكهم. قيل ذلك لاختلاط ألوانهم بياض وصفرة. وغلط القتيبي هذا وقال: إن العرب تنكح نساء الروم فينسلون، فتملك أولادهم وهم البقعان لأن فيهم من سواد العرب وبياض الروم. ورجل باقعة: إذا كان ذا هيبةٍ. واصله أنه اسم لطائرٍ في غاية الحذر، إذا شرب نظر يمنًة ويسرًة. وفي حديث القبائل أن عليًا قال لأبي بكرٍ: "لقد عثرت من الأئمة على باقعةٍ" وفي حديثٍ آخر: "ففاتحته فإذا هو باقعة". ثم استعملت البقعة في مطلق المكان وإن لم يكن فيه مخالفة لما إلى جنبه. وفيها لغتان: بقعة وبقعة بالضم والفتح، فمن ضمها جمع على بقعٍ كغرفٍ، ومن فتحها جمعها على بقاعٍ كجفانٍ. ب ق ل: قال تعالى:} من بقلها {[البقرة: 61]. والبقل: ما لا ينبت أصله وفرعه في الشتاء. وقيل: البقل ما لا ساق له، خلاف الشجر. واستعير منه بقل: أعشب. قال: [من الوافر]

181 - فلا ديمة ودقت ودقها ... ولا أرض أبقل إبقالها ويقال: بقل وبقول وهي الخضروات. قال: [من الرجز] 182 - جارية لم تأكل المرفقا ... ولم تذق من البقول الفستقا قيل: من بمعنى بدل، أي بدل البقول. وقيل: البيت مصحف، وإنما هي النقول بالنون جمع نقلٍ، وأظن هذا هو التصحيف. وقيل إن الشاعر غلط فزعم أن الفستق من جملة البقول. ب ق ي: البقاء: الدوام. والبقاء المطلق لا يقال إلا للباري تعالى، قال تعالى:} ويبقى وجه ربك {[الرحمن: 27]. والبقاء: عدم الفناء. وقيل: البقاء ثبات الشيء على الحالة الأولى وقسم الراغب الباقي إلى باقٍ بنفسه لا إلى مدةٍ وهو الباري تعالى، ولا يصح عليه الفناء. وإلى باقٍ بالله تعالى وهو ضربان: باقٍ بشخصه إلى أن يفنيه الله كبقاء الأجرام السماوية. وباقٍ بنوعه وجنسه دون شخصه وجرمه كالإنسان والحيوان. وكذا في الآخرة باقٍ بنوعه وشخضه كاهل الجنة، فإنهم يبقون على التأبيد لا إلى مدةٍ. وباق بنوعه وجنسه كما روي عنه عليه الصلاة والسلام: "إن ثمار الجنة يقطفها أهلها فيأكلونها ثم تخلف مكانها مثلها". قال: ولكون ما في الآخرة دائمًا قال تعالى:} وما عند الله خير وأبقى {[القصص: 60]. قوله:} والباقيات الصالحات {[الكهف: 46] أي ما يبقى ثوابه من الأعمال، وفسرت بسبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر، وبالصلوات الخمس. وقيل: الصحيح أنها كل عبادةٍ يقصد بها وجه الله وطاعته، ولذلك قال: {بقية الله

فصل الباء والكاف

خير لكم} [هود: 86] فأضافها لنفسه الكريمة. وقيل: معنى} بقية الله {ما أبقي من الحلال خير لكم. وقال مجاهد. طاعة الله خير لكم. وقال الهروي: يجوز أن يكون الحال التي يبقى معها الخير خيرٌ لكم. قوله:} فهل ترى لهم من باقيةٍ {[الحاقة: 8] يجوز أن يكون التقدير: من طائفةٍ باقية أو من فعلةٍ باقيةٍ، وقيل: بمعنى بقيةٍ، وقيل: هي مصدر، والمصادر قد جاءت على فاعلةٍ نحو العاقبة، وعلى مفعولٍ نحو الميسور، والأول أصح التقادير لظهور معناه. قوله:} فلولا كان من القرون من قبلكم أولو بقيةٍ ينهون عن الفساد في الأرض {[هود: 116]، قال ابن عرفة: أي أولو تمييزٍ وأولو طاعةٍ. يقال: إنه لذو بقية أي فيه خير والمعنى: هلا كان من أهل الخير من ينهى عن الفساد؟. قال: قال الأزهري: البقية اسم من الإبقاء، كأنه قيل: هلا كان أولو إبقاءٍ على أنفسهم لتمسكهم بالدين المرضي؟ وقال ابن عرفة: "أولو بقيةٍ" أي فضلٍ مما يمدح به. وقال القتيبي: قولهم: لهم بقية أي مسكة، وفيهم خير. وقوله:} وبقية مما ترك آل موسى {[البقرة: 248] يعني رضاض الألواح التي ذكرها الله تعالى في قوله:} وكتبنا له في الألواح {[الأعراف: 145] وكانوا قد جعلوها في هذا التابوت في قصةٍ طويلةٍ. ويقال: بقيت زيدًا: انتظرته، أبقيه بقيًا. وفي الحديث: "بقينا رسول الله صلى الله عليه وسلم" أي انتظرناه، وترصدنا له مدًة كبيرًة. فمعنى البقاء فيه موجود. فصل الباء والكاف ب ك ر: قال تعالى:} ولهم رزقهم فيها بكرًة وعشيًا {[مريم: 62]. البكرة: هي أصل كل ما يتصرف منها كما سيتضح. والبكرة: هي أول النهار

لمقابلتها بالعشي وهي آخره، وقد اشتق منها لفظ الفعلن فقيل: بكر فلان في حاجته أي خرج بكرًة. والبكور: الخروج بكرة. والبكور بالفتح: المبالغ في البكور، ولتقدمها على سائر أوقات النهار استعمل منها كل متعجلٍ وإن لم يكن في ذلك الوقت، فقيل: بكر فلان في حاجته، وابتكر وباكر مباكرًة. ومن ذلك الحديث: "من بكر وابتكر" قيل: بادر بالصلاة أول وقتها، وهذا عام في سائر الصلوات. وأصرح منه: "لا تزال أمتي على سنتي ما بكروا بصلاة المغرب" أي صلوها عند سقوط القرص. ومعنى "وابتكر" أي: أدرك أول الخطبة. وقال ابن الأنباري: الذي يذهب إليه في تكرير هاتين اللفظتين إرادة المبالغة، وذلك أن العرب إذا قصدت المبالغة اشتقت من اللفظ لفظًة أخرى على غير بنائها، وأتبعوها لها في الإعراب: فيقولون: شعر شاعر، وليل لائل. وأنشد: [من الرجز] 183 - حطامة الصلب حطومًا محطما قال: فالحطوم والمحطم بمعنى الأول. وفي الحديث أيضًا: بكروا بالصلاة في يوم الغيم فإنه من ترك العصر حبط عمله" أي قدموها في أول وقتها. ومن ذلك باكورة الفاكهة لما سبق منها. وابتكر الرجل: أكل الباكورة. وابتكر الجارية: أخذ بكارتها أي عذرتها. ومنه البكر لأول ولدٍ، ولمن ولد له أولاً من الأب والأم. يقال في الكل بكر. قال الشاعر: [من الرجز] 184 - يا بكر بكرين، ويا خلب الكبد ... لأنت شيء كذراعٍ من عضد

والبكر: التي لم تفتض. وقوله:} لا فارض ولا بكر عوان {[البقرة: 68]. فالفارض: المسنة، والبكر: الفتية، والعوان: النصف، وهي كما قال تعالى بين ذلك. قال الشاعر: [من البسيط] 185 - لا تنكحن عجوزًا إن أتوك بها ... واخلع ثيابك عنها معلنًا هربًا وإن أتوك وقالوا: إنها نصفٌ ... فإن أطيب نصفيها الذي ذهبا قال الهروي: البكر: التي لم تنتج، يقال: حاجة بكر: التي لم يكن قبلها مثلها، وسحابة بكر أي لم تمطر قط ماء. وسميت البكر بكرًا لمقابلتها بالثيب لتقدمها عليها فيما يراد له النساء وجمعها أبكار، قال تعالى:} فجعلناهن أبكارًا {[الواقعة: 36]. والبكرة على البير من ذلك، لتصور أول السرعة فيها. قوله:} بالعشي والإبكار {[آل عمران: 41]. الإبكار مصدر أبكر يبكر. ويقال: أبكر يبكر إبكارًا. وبكر يبكر تبكيرًا فهو مبكر. وابتكر يبكر ابتكارًا فهو مبتكر. وبكر يبكر بكورًا فهو باكر، كله بمعنى واحدٍ. وإن كان قد يقع في بعضها فرق، وذلك غير خفيٍ. ب ك ك: قال تعالى:} للذي ببكة مباركًا {[آل عمران: 96]. بكة: قيل مكة والعرب تعاقب بين الباء والميم، قالوا: ضربة لازمٍ ولا زبٍ، وسبد رأسه وسمده، وهو قول مجاهدٍ في آخرين، وقيل: بل هما مما يترادفان كبر وحنطةٍ. وإنما سميت مكة بكة لأنها تبك أعناق الجبابرة إذا قصدوا منها إلحادًا، وقيل: لازدحام الناس فيها، وفي الحديث: "فتباك الناس عليه" أي ازدحموا.

وقيل: مكة اسم للبلد، وبكة اسم لبطنها، وهو جميع المسجد، وقيل: بل اسم لموضع الطواف لأن الناس يتباكون فيه أي يزدحمون، وقيل: بل اسم للبيت خاصة، لأنه يبك من قصده بسوءٍ، ولأن الناس يتباكون حوله. ب ك م: قال تعالى:} صم بكم {[البقرة: 18]. البكم: الخرس، والأبكم: الأخرس، وقيل: هو الذي يولد أخرس، فكل أبكم أخرس من غير عكسٍ. وقد بكم عن الكلام لضعفه عنه لضعف عقله، فصار كالأبكم. والبكم جمع الأبكم نحو حمرٍ في أحمر، المراد بكمًا، ووصفوا هنا بالبكم وإن كانوا فصحاء لأنهم لما لم يتكلموا بما يجدي عليهم نفعًا، جعلوا بكمًا كما جعلوا صمًا، وإن كانوا سامعين لما لم يسمعوا، وعميًا وإن كانوا بصراء، لأنهم لا بصائر لهم، وهذا من أحسن تشبيهات القرآن وأبلغها. ب ك ي: البكاء والبكى بالمد والقصر مصدر بكى إذا صرخ من حزنٍ لمصابه. وقد يوجد مع الفرح، وإليه أشار من قال: [من الكامل] 186 - هجم السرور علي حتى إنني ... من عظم ما قد سرني أبكاني يا عين قد صار البكى لك عادة ... تبكين في فرحٍ وفي أحزان والمعروف أن المصدرين بمعنى، وأن المد والقصر لغتان. وقد جمع بينهما من قال: [من الوافر] 187 - بكت عيني وحق لها بكاها ... وما يغني البكاء ولا العويل

وفرق الراغب بينهما فقال: البكاء بالمد: سيلان الدمع من حزنٍ وعويلٍ، يقول: إذا كان الصوت أغلب كالرغاء وسائر الأبنية الموضوعة للصوت. وبالقصر إذا كان الحزن أغلب. وبكى: يقال في الحزن وإسالة الدمع معًا. ويقال في كل واحدٍ منهما منفردًا عن الآخر. وقوله:} فليضحكوا قليلاً وليبكوا كثيرًا {[التوبة: 82] إشارة إلى الفرح والترح، وإن لم يكن مع الضحك قهقهة ولا مع البكاء إسالة دمعٍ. وأنشدوا في المعنى: [من الطويل] 188 - مسرة أحقابٍ تلقيت بعدها ... مساءة يومٍ أريها يشبه الصاب فكيف بأن تلقى مسرة ساعةٍ ... وراء تقصيها مساءة أحقاب وقوله تعالى:} فما بكت عليهم السماء والأرض {[الدخان: 29] قيل: إن ذلك حقيقة عند من يجعل لهما حياًة وعلمًا. وفي الحديث: "إن الرجل الصالح يرفع عمله وله ريح طيب يدخل من أي باب شاء من أبواب السماء. فإذا مات انقطع عمله ذلك فتبكي عليه السماء لفقدان ذلك العمل، وكذلك الأرض لفقداته من فوقها" وقيل: بل ذلك على مجاز الحذف أي اهلهما وهم الثقلان من الناس والملائكة. وقيل: بل جاء ذلك على ما كانوا يتعارفونه، من قولهم في الرجل العظيم إذا مات: بكت عليه السماء والأرض، وكسفت لموته الشمس. وكذلك بكت عليه الجبال. قال: [من الكامل] 189 - لما أتى خبر الزبير تواضعت ... سور المدينة والجبال الخشع وقال: [من البسيط] 190 - الشمس طالعةٌ ليست بكاسفةٍ ... تبكي عليك نجوم الليل والقمرا

فصل الباء واللام

فصل الباء واللام ب ل: بل: حرف إضراب، وهو نوعان، إضراب إبطالٍ نحو: ما قام زيد بل عمرو. وهي حينئذٍ عاطفةٍ، ولا يعطف بها إلا المفردات، ويزاد "لا" قبلها تأكيدًا في النفي نحو: ما قام زيد لا بل عمرو. وفي الإيجاب والأمر نفي، نحو: قام زيد لا بل عمرو. واضرب زيدًا لا بل عمرًا ولا يعطف بها في الاستفهام. وضرب انتقالٍ. ولم ترد في القرآن إلا كذلك، ولا يقع بعدها إلا الجمل، وليست عاطفًة حينئذٍ. ولها أحكام استوفيناها في كتب النحو الإعراب. وبعضهم يعبر عنها بأنها حرف استدراك وإيجابٍ بعد النفي كالهوري. وقال الراغب. بل للتدارك، وهو ضربان: ضرب يناقض ما قبله، وربما يقصد به تصحيح الذي قبله وإثبات الثاني كقوله تعالى:} إذا تتلى عليه آياتنا قال أساطير الأولين كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون {[المطففين: 13 - 14] أي ليس الأمر كما زعموا بل جهلوا، فنبه بقوله:} بل ران على قلوبهم {على جهلهم. وعلى هذا قوله:} بل فعله كبيرهم {[الأنبياء: 63]. ومما قصد به تصحيح الأول وإبطال الثاني:} فأما الإنسان إذا ما ابتلاه ربه {إلى قوله:} كلا بل لا تكرمون اليتيم {[الفجر: 15 - 17] أي ليس إعطاؤهم من الكرم ولا منعهم من الإهانة، لكن جهلوا لوضع المال في غير موضعه. وعلى ذلك قوله:} ص والقرآن ذي الذكر بل الذين كفروا في عزةٍ وشقاقٍ {[ص: 1 - 2] فإنه دل بقوله:} والقرآن {أن القرآن معد للتذكر، وأن ليس امتناع الكفار من الإصغاء إليه أن ليس موضعًا للذكر بل لتعززهم ومشاقتهم. وعلى هذا قوله:} ق والقرآن المجيد بل عجبوا {[ق: 1 - 2] أي ليس امتناعهم من الإيمان بالقرآن أن لا مجد في القرآن ولكن لجهلهم، ونبه بقوله:} بل عجبوا {على جهلهم، لأن التعجب من الشيء يقتضي الجهل بسببه.

وعلى هذا قوله: {ما غرك بربك الكريم} إلى قوله} كلا بل تكذبون بالدين {[الانفطار: 6 - 9] كأنه قيل ليس ها هنا ما يقتضي أن يغرهم به، ولكن يكذبهم، وهو الذي حملهم على ما ارتكبوه. والضرب الثاني من بل هو أن يكون مبينًا للحكم الأول وزائدًا عليه ما بعد بل، نحو قوله تعالى:} بل قالوا أضغاث أحلامٍ بل افتراه بل هو شاعر {[الأنبياء: 5] فإنه نبه أنهم يقولون:} أضغاث أحلام بل افتراه {يزيدون على ذلك بأن الذي أتى به مفترى افتراه. بل يزيدون ويدعون أنه كذاب، فإن الشاعر في القرآن عبارة عن الكذاب بالطبع. وعلى ذلك قوله تعالى:} لو يعلم الذين كفروا حين لا يكفون عن وجوههم النار {إلى قوله:} بل تأتيهم بغتًة {[الأنبياء: 39 - 40]. وجميع ما في القرآن من لفظ "بل" لا يخرج عن أحد هذين الوجهين، وإن دق الكلام في بعضه. قلت: ما ذكره من هذه الآيات الكريمة حسن، غير أن النحاة نصوا على أنها إذا كانت بعدها جملة كانت لمجرد الإضراب عما قبلها، والأخذ في الحديث الذي بعدها، ثم إن هذا الإضراب إن كان في غير كلام الله تعالى جاز أن يكون إضراب إبطالٍ، وأن يكون إضراب تركٍ من غير إبطالٍ، بل الانتقال من حديثٍ إلى آخر. وإن كان في كلام الله تعالى كان انتقالاً لا إبطالاً. وقد قال بعضهم: إن قوله تعالى:} أم يقولون افتراه بل هو الحق {[السجدة: 3] إنه يجوز أن يكنو للإضراب الإبطال بالنسبة إلى قولهم} افتراه {، كأنه قيل: لم يفتره بل هو الحق. وأنت قد عرفت العبارتين، فقابل بينهما تجد عبارته خارجًة عن نصوصهم. ب ل د: قوله تعالى:} لا أقسم بهذا البلد {[البلد: 1]، يعني بها مكة شرفها الله

تعالى. والمعنى: لا أقسم بها} وأنت حل {بها، أي لا يعظمونك حق تعظيمك، ولا يحترمونك حق حرمتك، فأنت كالحلال. وذلك تعظيم له من ربه عز وجل وقيل: معناه وعده بفتحها عليه. وقد أتقنا هذا في غير هذا الموضوع. وقوله:} رب اجعل هذا بلدًا آمنًا {[البقرة: 126] يعني مكة. وقال في موضعٍ آخر:} وهذا البلد الأمين {[التين: 3]، فأتى بمكة معرفًا ومنكرًا، فقيل: إنه في حال التنكير لم يكن بلدًا بل كان بريًة، فقال:} اجعل {في هذا المكان القفر بلدًا من بلدان الناس يسكنونه لعمارةٍ حرمك وزيارة نبيك. وفي حال التعريف كان قد صار بلدًا وسكنى، فأتى به معرفًا. وقيل: لأنه عليه الصلاة والسلام علم أن يكون به سكن الناس فأتى به كالشاهد. وسمي البلد بلدًا لتأثره بسكانه واجتماع قطانه وإقامتهم فيه. والبلد هو المكان المحدود، وغالبًا يكون مسورًا وقد لا يكون. وقوله:} والبلد الطيب {[الأعراف: 58] المراد به الأرض من غير نظرٍ إلى تدبر أحدٍ فيها. وقيل: كني بذلك عن الأنفس الزكية، وبعكسه عن الأنفس الخبيثة. ولاعتبار الأثر في البلد قيل: في جلده بلد أي أثر. ويجمع على أبلاد. قال الشاعر: [من البسيط] 191 - وفي النجوم كلوم ذات أبلاد فرقًا بينه وبين المكان، فإنه جمعه بلاد، كقوله تعالى:} الذين طغوا في البلاد {[الفجر: 11] وبلدان. وأبلد الرجل: صار ذا بلد كأنجد وأتهم. وبلد بالكسر: لزم البلاد. ولما كان الملازم لوطنه كثيرًا ما يتحير إذا حصل في غير موطنه، قيل: بلد فلان أي تحير في أمره، وأبلد وتبلد بمعناه قال الشاعر: [من الطويل]

192 - ولابد للمحزون أن يتبلدا والأبلد: العظيم الخلق، وذلك أن وجود البلادة يكثر في من كان جلف البدن، قاله الراغب ب ل س: قوله تعالى:} فإذا هم مبلسون {[الأنعام: 44]،} يبلس المجرمون {[الروم: 12]. الإبلاس: الحزن المعترض من شدة البأس. قال بعضهم: وإبليس مشتق منه، وهو عند أهل الصناعة لا يصح لأنه أعجمي، وأيضًا موضع اشتقاقه لا ينصرف وقيل: الإبلاس التحير واليأس. ومنه إبليس أيضًا، وقد تقدم. وقال الأزهري: هو السكوت والتحسر والندم على ما فرط. وفسر قوله:} فإذا هم مبلسون {ساكتون متحسرون نادمون على ما فرط منهم. وقيل: هو الانقطاع في الحجة والسكوت عن الجواب. وكل من انقطع عن حجته وسكت فقد أبلس. أنشد الهروي للعجاج: [من الرجز] 193 - يا صاح هل تعرف رسمًا مكرسا؟ ... قال: نعم أعرفه، وأبلسا وهذا الذي قاله راجع إلى ما قدمناه، فإنه لما كان المبلس كثيرًا ما يسكت وينسى

ما يعنيه، لما به من شغل القلب بالحزن الفادح، قيل: أبلس: إذا سكت وانقطعت حجته. وناقة مبلاس أي ساهية تاركة المرعى من شدة الضبعة. والبلاس: الذي هو المسح، أعجمي معرب، قاله الراغب. وفي الحديث: "من أحب أن يرق قلبه فليدم أكل البلس"، قال أبو منصور: هو التين. وفي حديث عطاءٍ: البلس: هو العدس. ب ل ع: قوله تعالى:} وقيل يا أرض ابلعي ماءك {[هود: 44] أي بلعت الشيء وابتلعته، فكنى عن ذلك ببلعها إياه تصويرًا أنها تأخذ ما يفجر منها وما نزل من المظلة، وجعله ماءها لحصول الكل فيها. والبلع: تغييب الشيء في الجوف. ثم يطلق على كل تغييبٍ على سبيل التشبيه. يقال: بلعت الشيء أبلعه بلعًا، ومنه البالوعة. وسعد بلع: لمنزلةٍ من منازل النجوم. وبلع الشيب في رأسه: أول ما يظهر. ب ل غ: قوله تعالى:} هذا بلاغ الناس {[إبراهيم: 52] أي هذا القرآن بيان كافٍ للناس. وأصل البلاغ: الكفاية. ومنه قوله تعالى:} إن في هذا لبلاغًا لقومٍ عابدين {[الأنبياء: 106]. والبلاغة في الكلام من ذلك، لأنها بيان كافٍ. وقيل: البلاغ هو الانتهاء إلى أقصى الأمر، والمنتهي مكانًا أو زمانًا أو أمرًا من الأمور المقدرة. وقد يعبر به عن المشارفة عليه وإن لم ينته إليه. فمن الانتهاء قوله تعالى: {حتى إذا بلغ أشده وبلغ أربعين سنًة}

[الأحقاف: 15]. ومن المشارفة قوله:} أيمان علينا بالغة {[القلم: 39] أي منتهية في التوكيد. والبلاغ يكون بمعنى الإبلاغ وبمعنى التبليغ كقوله تعالى:} فإنما عليك البلاغ {[آل عمران: 20]، وقوله:} فهل على الرسل إلا البلاغ {[النحل: 35]، وقوله:} وقل لهم في أنفسهم قولاً بليغًا {[النساء: 63] أي كافيًا. يقال: بلغ الرجل يبلغ فهو بليغ إذا بلغ بلسانه كنه ما في ضميره. وقوله:} والذين لم يبلغوا الحلم {[النور: 58] أي لم ينتهوا ولم يصلوا إلى الحلم وهو الاحتلام. يقال: بلغ الصبي يبلغ بلوغًا فهو بالغ. وبلغ زيد مراده إذا وصل إلى ما يريد. وقوله:} إن الله بالغ أمره {[الطلاق: 3] أي يفعل ما يريد من غير معارضٍ له تعالى. وقرئ} بالغ {بالتنوين ونصب أمره، وبعدمه وخفض أمره. قوله تعالى:} وإن لم تفعل فما بلغت رسالته {[المائدة: 67]. معناه إن لم تبلغ هذا أو شيئًا مما حملت، تكون في حكم من لم يبلغ شيئًا من رسالته، وذلك أن حكم الأنبياء وتكليفاتهم أشد، وليس حكمهم حكم سائر الناس الذين يتجافى عنهم إذا خلطوا عملاً صالحًا وآخر سيئًا. وبهذا التأويل ... سؤال يقال هنا وهو أن الجزاء عين الشرط، وليس كذلك لما عرفته. وقوله:} فإذا بلغن أجلهن فأمسكوهن {[الطلاق: 2] للمشارفة، وإنها إذا انتهت إلى أقصى الأجل لا يصح للزوج مراجعتها وإمساكها. وقوله:} وقد بلغني الكبر وامرأتي عاقر {[آل عمران: 40]، وفي أخرى:} وقد بلغت من الكبر عتيًا}

[مريم: 8]، وقوله: {إما يبلغن عندك الكبر} [الإسراء: 23] مثل قولهم: أدركني الجهد، وإن شئت: أدركت الجهد، ولا يجوز أن يقال ذلك في زمانٍ ولا مكانٍ، فلا يقال: أدركني مكان كذا، ولا بلغني مكان كذا. ويقال: بلغته الخبر وأبلغته إياه. وقد قرئ} أبلغكم {و} أبلغكم {[الأعراف: 62] بالتخفيف والتثقيل. قال الراغب: وبلغه أكثر، يعني: من أبلغه. والبلاغة في الكلام التي هي أخت الفصاحة، يوصف بها المتكلم والكلام، ولا توصف بها الكلمة. والفصاحة يوصف بها الثلاثة، وهي في الكلام عبارة عن مطابقةٍ لمقتضى الحال مع كونه فصيحًا، وفي المتكلم عن ملكةٍ يقتدر بها على تأليف كلامٍ بليغٍ، هذا حدها في اصطلاح البيانيين. وقال الراغب: والبلاغة تكون على وجهين: أحدهما أن يكون بذاته بليغًا، وذلك بأن يجمع ثلاثة أوصافٍ: أن يكون صوابًا مع موضوع لغته، وطبقًا للمعنى المقصود به، وصدقًا في نفسه. ومتى انخرم وصف من ذلك كان ناقصًا في البلاغة. والثاني: أن يكون بليغًا باعتبار القائل والمقول له، وهو أن يقصد القائل به أمرًا ما فيورده على وجهٍ حقيقٍ أن يقبله المقول له. وقوله:} وقل لهم في أنفسهم قولاً بليغًا {[النساء: 63] يصح حمله على المعنيين. وقول من قال: معناه قل لهم: إن أظهرتم ما في أنفسكم قتلتم، وقول من قال: خوفهم بمكاره تنزل بهم، فإشارة إلى بعض ما يقتضيه عموم اللفظ. والبلغة: ما يتبلغ به من العيش. والمبالغة: الاجتهاد في الأمر، يقال: بالغ في أمره، وهو ما تقدم، فإنه بلوغ نهاية الأمد في الاجتهاد. وفي الحديث: "كل رافعةٍ رفعت عنا

من البلاغ فلتبلغ عنا" أراد من المبالغة في التبليغ. يقال: بالغ يبالغ مبالغًة فهو مبالغ أي اجتهد. ويروي "من البلاغ" بفتح الباء على معنى أن البلاغ ما بلغ من القرآن والسنن. وقيل: تقديره من ذوي البلاغ، أي الذين بلغونا، أي من ذوي التبليغ، فأقام الاسم مقام المصدر الحقيقي، كما تقول: أعطيته عطاًء، وبكسرها على أنه مصدر بالغ نحو: قاتل قتالاً. وقالت عائشة لعلي رضي الله عنهما يوم الجمل: "لقد بلغت منا البلغين" قال أبو عبيدة: هي مثل قولهم: لكيت منه البرحين، وبنات برحٍ أي الدواهي. ب ل و: يقال: بلوته أي اختبرته، يبكون في الخير والشر. قال تعالى:} ونبلوكم بالشر والخير فتنة {[الأنبياء: 35]. ويقال: ابتليته كبلوته. قال تعالى:} وابتلوا اليتامى {[النساء: 6]} وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلماتٍ {[البقرة: 124] أي اختبره. وقوله تعالى:} وفي ذلكم بلاء من ربكم عظيم {[البقرة: 49] قيل: معناه نعمة، ومنه قوله تعالى:} وليبلى المؤمنين منه بلاًء حسنًا {[الأنفال: 17]. قال أبو الهيثم: البلاء يكون حسنًا ييكون سيئًا. وأصله المحنة، والله تعالى يبتلي عبده بالصنع الجميل ليمتحن شكره ويبلوه بالبلوى التي يكرهها ليمتحن صبره. وفي حديث حذيفة، وقد تدافعوا للصلاة: "لتبتلن لها إمامًا أو لتصلن وحدانًا" أي لتختارن. وجعل الراغب معنى هذه المادة من معنى البلاء، وذكره في مادة ب ل ي. فقال: يقال: بلى الثوب بلى وبلاًء أي خلق. وبلوته: اختبرته كأني أخلقته من كثرة اختباري له.

وقرئ: {هنالك تبلو كل نفسٍ ما أسلفت} [يونس: 30] أي تعرف حقيقة ما عملت، ولذلك يقال: بلوت فلانًا أي اختبرته. وسمي الغم بلاًء من حيث إنه يبلى الجسم، وسمي التكليف بلاًء من أوجه: الأول أن التكاليف كلها فيها مشقة على الأبدان. والثاني أنها اختبارات، وعليه} ولنبلونكم حتى نعلم المجاهدين منكم والصابرين {[محمد: 31] وهو تعالى عالم بهم بدون اختبار، وإنما معناه: حتى يظهر في الوجود ما في علمنا. وقيل: معناه حتى يتميز. والثالث، كما تقدم، أنه اختبار، فمبتليهم بالمسار تارًة ليشكروا، وأخرى بالمضار ليصبروا. فصار الابتلاء تارًة منحًة وتارة محنًة. والمنحة تقتضي الشكر، والمحنة تقتضي الصبر. والقيام بحقوق الصبر أيسر وأسهل من القيام بحقوق الشكر. فصارت المنحة أعظم البلاءين. ومن هذا قول أمير المؤمنين علي رضي الله عنه: "بلينا بالضراء فصبرنا، وبلينا بالسراء فلم نصبر". وقد جاء ذلك، أعني المحنة والمنحة، في قوله تعالى:} وفي ذلكم بلاء من ربكم عظيم {[البقرة: 49]، فالمحنة راجعة إلى ما تقدم من ذبح أبنائهم واستحياء نسائهم. والمحنة راجعة إلى قوله:} وإذ نجيناكم من آل فرعون {[البقرة: 49]. وابتلى وبلى يتضمن أمرين: أحدهما تعرف حاله وما يجهل من أمره. والثاني ظهور جودته ورداءته. في جانب الباري تعالى إذ قيل: ابتلى الله كذا أو بلى كذا لم يكن إلا بمعنى ظهور جودة المبتلى كقوله تعالى:} وإذ ابتلى إبراهيم ربه {[البقرة: 124]، أو رداءته نحو} كذلك نبلوهم بما كانوا {[الأعراف: 163]. وقد يقصد به الأمران معًا، نحو: بلوت زيدًا إذا قصدت المعنيين المذكورين. وقوله: [من الطويل] 194 - فأبلاهما خير البلاء الذي يبلو جمع بين اللغتين، إذ يقال: بلاه وأبلاه.

فصل الباء والنون

ب ل ي: بلى جمعها بلوات كنعم، إلا أنها لا يجاب بها إلا نفي نحو:} وأقسموا بالله جهد أيمانهم لا يبعث الله من يموت بلى {[النحل: 38]} لن يدخل الجنة إلا من كان هودًا أو نصارى {[البقرة: 111]. ولو دخل الاستفهام على النفي لم يجب إلا ببلى، وإنه صار إيجابًا كما قدمناه، كقوله:} ألست بربكم قالوا بلى {[الأعراف: 172]. قال ابن عباسٍ: لو قالوا نعم لكفروا، وابن عباسٍ أخبر بهذه المقالة. وقد تكلمنا على هذه الآية بأشبع من هذا في مكانها وما يليق بها والحمد لله. ونعم: حرف جوابٍ إلا أنها يجاب بها في الإيجاب والنفي لأنها تصديق وتدبر لما يتقدمها، وستأتي في بابها إن شاء الله. فصل الباء والنون ب ن ن: قوله تعالى:} على أن نسوي بنانه {[القيامة: 4] البنان: الأصابع، سميت بذلك لأن بها إصلاح الأحوال التي يمكن للإنسان أن يبين بها. يقال: أبن بالمكان يبن أي أقام. ومنه البنة لرائحة التي تبن بما تعلق به. وفي الحديث: "إن للمدينة بنًة"، قال أبو عمروٍ: هي الرائحة الطيبة، قال الأصمعي: هي الرائحة مطلقًا. قلت: إنما خصها أبو عمروٍ بالطيبة لخصوصيًة المادة. وقال الأشعث لعلي بن أبي طالبٍ رضي الله عنه: "أحسبك ما عرفتني يا أمير المؤمنين. قال: بلى، وإني لأجد بنة الغزل منك"، قيل: أراد أنه نساج. وواحد البنان بناتة على حد عز وعزة. قال النابغة: [من الكامل] 195 - بمخضبٍ رخصٍ كأن بنانه ... عنم يكاد من اللطافة يعقد

وقال آخر: [من الوافر] 196 - فإن أهلك فرب فتًى سيبكي ... علي مهذبٍ رخص البنان وللناس على قوله:} على أن نسوي بنانه {تأويلان، أحدهما أن يجعل أصابعه ملتصقًة غير مفترقةٍ، بل هي كخف البعير أو حافر الحمار، فلا ينتفع بها، وهو قول أكثرهم. والثاني: إنا نقدر على أن نجمع أصغر عظامه ونؤلفها بعد تمزيق جلدها وعصبها. وإذا قدرنا على جمع هذه مع دقتها فلأن نقدر على جمع كبارها أولى وأجرى، وهذا أليق بسياق الآية. وقوله:} واضربوا منهم كل بنانٍ {[الأنفال: 12] إنما خصها لأنها أنفع الأعضاء في مزاولة الأشياء لاسيما في القتال. ب ن و: الابن عند الجمهور لامه واو، حذفت لامه وعوض عنها همزة الوصل أوله كاسمٍ، وابنة مؤنثة وكذلك بنت، إلا أنهم عوضوا من لامها تاء التأنيث، وسمي تاء العوض كتاء أختٍ. ويكسر ابن على أبناء، ويصحح فيرفع بالواو وينصب ويجر بالياء. قال تعالى:} المال والبنون زينة الحياة الدنيا {[الكهف: 46]} يوم لا نيفع مال ولا بنون {[الشعراء: 88]} يا بني إسرائيل {[البقرة: 40]} وخرقوا له بنين وبناتٍ {[الأنعام: 100]. وقيل: ابن اشتقاقًا من البناء لأنه بناء أبيه أي أصل في وجوده، وقيل لكل من كان يحصل من جهته تبن أو من تربيته هو ابنه، ولملازم الشيء نحو: هو ابن السبيل، وابن الحرب. وقوله:} هؤلاء بناتي {[هود: 78] وقوله:} لقد علمت ما لنا في بناتك من حق {[هود: 79] أراد نساء أمته وسماهن بناته لأن النبي أب لأمته حسبما قدمنا في

صدر هذا الكتاب. ومعناه: هؤلاء نساؤكم فانكحوهن على الوجه المرضي. وقيل: أراد ماءه لصلبه، وإنما خاطب بذلك كبار قومه وهم قليل، وإلا فمحال أن يقول ذلك للجم الغفير. وقوله:} ويجعلون لله البنات {[النحل: 57] أراد الملائكة، وذلك أن الكفار ... يزعمون، وقد كذبوا أن يقال: تزوج بسروات الجن فأولدهم الملائكة، وسموهم بناته. وإليه أشار بقوله:} سبحانه وتعالى عما يقولون علوًا كبيرًا {[الإسراء: 43]} وجعلوا بينه وبين الجنة نسبًا {[الصافات: 158] وقد يعرب بنين مع الياء بالحركات تشبيهًا له بلفظ قطينٍ، قال: [من الوافر] 197 - وكان لنا أبو حسن علي ... أبًا برًا ونحن له بنين والبنيان: وضع شيءٍ بترتيبٍ خاصٍ، وهو جمع لا واحد له. وقيل: بل واحده بنيانة. وقوله تعالى:} كأنهم بنيان مرصوص {[الصف: 4] من أبلغ تشبيهٍ، لم يكتف بذكر البنيان حتى وصفه بأبلغ إتقانٍ. واسم الجنس يذكر ويؤنث، ومن التذكير} بنيان مرصوص {كقوله:} أعجاز نخلٍ منقعرٍ {[القمر: 20]. ولو أنث لجاز كقوله:} نخلٍ خاويةٍ {[الحاقة: 7]. وقوله:} أفمن أسس بنيانه {[التوبة: 109] الآية استعارة بديعة، وذلك أن الأمر الذي يربيه الإنسان من دينٍ واعتقاد إنما يربيه على نظرٍ وتأملٍ ووضع شيءٍ فشيءٍ، وهذا أشبه شيءٍ بالبناء. ويقال: بنيت أبني بناًء وبنيًة وبنىً وبنيانًا. ويعبر ببنية الله عن الكعبة. والبناء: البيت ولو كان من وبرٍ أو شعرٍ. وأبنيته: أعطيته ما يبني به بيتًا. والمبناة: القبة. قال النابغة: [من الطويل] 198 - على ظهر مبناةٍ جديدةٍ سيورها ... يطوف بها وسط اللطيمة بائع

فصل الباء والهاء

وبنى فلان بامرأته أي دخل عليها، لأنهم كانوا إذا فعلوا ذلك بنوا عليها قبًة، فعبروا به عنه وإن لم يبنوا قبًة. والبناء أيضًا: النطع ومثله المبناة، وفي الحديث: "إلا إذا بسطنا له مبناًة" أي نطعًا. وبنى طعامه لحمه، كناية عن سمنه. قال: [من الرجز] 199 - بنى السويق لحمها واللت ... كما بنى بخت العراق القت والبنيات: الأقداح، وسأل عمر رجلاً: "هل شرب الجيش بالبنيات الصغار؟ " فصل الباء والهاء ب هـ ت: البهت: التحير. قال تعالى:} فبهت الذي كفر {[البقرة: 258] أي دهش وتحير وانقطعت حجته. ومن ذلك البهتان وهو الباطل الذي يحير الناظر فيه. والبهتان: الكذب أيضًا، وهو نوع من ذلك. يقال: بهته يبهته بهتًا أي حيره. وبهته: كذب عليه فبهت يبهت، وبهت يبهت. وفي الحديث: أن اليهود "قوم بهت" من ذلك. وقوله:} ولا يأتين ببهتانٍ يفترينه {[الممتحنة: 112]، قيل: كانت النسوة يلتقطن الولد ويدعين ولادته شهوًة للأولاد وصارًة به لميراث أزواجهن حينئذٍ. وقيل: بل هو كناية عن الإتيان بولدٍ من زنًا، فتنسبه إلى الزوج. وقيل: هو كناية عن كل ما لا ينبغي تعاطيه مما يفعل باليد أو يسعى إليه بالرجل. وقوله:} سبحانك هذا بهتان عظيم [[النور: 16] أي كذب فظيع متبالغ في القبح، يحير من يسمعه ويدهشه. ب هـ ج: البهجة: ظهور الحسن والجمال. قال تعالى:} حدائق ذات بهجةٍ {[النمل: 90] أي ذات لونٍ وحسنٍ يبهج من رآه، يقال: ابتهج فلان بكذا أي سر سرورًا

به، ظهر على وجهه أثر السرور فحسنه وزينه. يقال: بهج الشيء يبهجه بهجًة فهو بهيج. قال تعالى:} وأنبتنا فيها من كل زوجٍ بهيجٍ {[ق: 7]، وباهجٍ أيضًا. قال جندب بن عمروٍ: [من الرجز] 200 - يا ليتني قبلت غير خارج ... قبل الصباح ذات خلقٍ باهج ويقال: بهجه الله يبهجه إبهاجًا. ب هـ ل: البهلة: اللعن، يقال: بهله الله، وعليه بهلة، وبهلته أي لعنته، ومنه المباهلة وهي الاجتهاد في الدعاء. يقال: بهل الله الكاذب منا. وابتهل في الدعاء أي اجتهد فيه. ومنه قوله تعالى:} ثم نبتهل {[آل عمران: 61] أي نفعل المباهلة. وعن ابن عباس رضي الله عنه: "من باهلني باهلته". وقيل: أصل البهل كونه غير مراغى. ومنه البعير الباهل وهو المخلفى من غير سمةٍ ومن غير قيدٍ، والباهل أيضًا الناقة التي لم يدر ضرعها. قال أبو طالبٍ: [من الطويل] 201 - فإن يك قوم سرهم ما صنعتم ... * ستحلبوها لاقحًا غير باهل وقالت امرأة: أتيتك باهلاً غير ذات صرارٍ. وأبهلت فلانًا: خليته وإرادته، تشبيهًا بالبعير الباهل. والبهل أيضًا والابتهال في الدعاء: الاسترسال فيه والتضرع. ومنه قول الشاعر: [من الرمل] 202 - نظر الدهر إليهم فابتهل أي استرسل إليهم فأفناهم. ومن فسر الابتهال من قوله تعالى:} ثم نبتهل {باللعن فلا شك أن الإرسال في هذا المكان لأجل اللعن.

ب هـ م: قوله تعالى: {أحلت لكم بهيمة الأنعام} [المائدة: 1] البهيمة: ما لا نطق له، وذلك لما في صوته من الإبهام، ولكن خص في التعارف بما عدا السباع والطير. فالبهيمة شاملة للأنعام وغيرها، فمن ثم حسنت إضافتها للأنعام لإفادة البيان. أصل المادة الدلالة على عدم المسموع لما في ذلك الشيء من الاستغلاق. ومنه البهمة: الحجر الصلب. وقيل للشجاع بهمة من ذلك. والشيء المبهم كل ما عسر إدراكه على الحاسة إن كان محسوسًا وعلى الفهم إن كان معقولاً. وأبهمت الشيء أي جعلته مبهمًا. وأبهمت الباب: أغلقته إغلاقًا لا يهتدى لفتحه. ومنه الليل البهيم لشدة سواده، وذلك أنه قد أبهم أمره لظلمته، أو لأنه يبهم ما يعرض فيه فلا يدرك. فهو على الأول فعيل بمعنى مفعل، وعلى الثاني بمعنى مفعل. والبهم: صغار الإبل. قال: [من الطويل] 203 - صغيرين نرعى البهم يا ليت أننا والبهمى: نبات ذو شوكٍ يبهم بشوطه، وأبهمت الأرض: صارت ذات بهمي، كأبقلت وأعشبت. وفي الحديث: "يحشر الناس يوم القيامة حفاًة عراًة بهمًا" فسره الهروي بأنه ليس فيهم شيء من أعراض الدنيا وعاهاتها من المرض والعرج، بل أجسادهم أصحاء لخلود الأبد. وجعل ذلك من قولك: فرس بهيم أي لا يخلط لونه لون سواه. وقال الراغب: أي عراًة، وفيه نظرٌ لتقدم عراةٍ قبل ذلك. وكأن الراغب لم يطلع على صدر الحديث! قال: وقيل: معرون مما يتوسمون به في الدنيا ويتزينون به. وفرس بهم إذا كان على لونٍ واحدٍ لا تكاد العين تميزه غاية التمييز.

فصل الباء والواو

وفي حديث علي رضي الله عنه: "كان إذا نزل به إحدى المبهمات" أي المسائل المشكلة. وفي حديث ابن عباسٍ وقد سئل عن قوله تعالى:} وحلائل أبنائكم {[النساء: 23] ولم يبين أدخل بها الابن أم لا، فقال: "أبهموا ما أبهم الله". قال الهروي: سمعت الأزهري يقول: رأيت كثيرًا من أهل العلم يذهبون بهذا إلى إبهام الأمر واستبهامه، وهو إشكاله، وهو غلط. وقوله تعالى:} حرمت عليكم أمهاتكم {إلى قوله:} وبنات الأخت {[النساء: 23] هذا كله يسمى التحريم المبهم لأنه لا يحل بوجهٍ، كالبهيم من ألوان الخيل الذي لا شية فيه تخالف معظم لونه. ولما سئل ابن عباسٍ عن قوله عز وجل} وأمهات نسائكم {[النساء: 23] ولم يبين الله الدخول بهن، أجاب فقال: هذا من مبهم التحريم الذي لا وجه فيه غير التحريم سواء دخلتم بالنساء أو لم تدخلوا بهن، فأمهات نسائكم حرمن عليكم من جميع الجهات. وأما قوله تعالى:} وربائبكم اللاتي في حجوركم من نسائكم اللاتي دخلتم بهن {[النساء: 23]. قال ثابت: ليس هذا من البهمة لأن لهن وجهين أحللن في أحدهما وحرمن في الآخر. فإذا دخل بأمهات الربائب حرمن، وإذا لم يدخل لم يحرمن، فهذا تفسير المبهم الذي أراد ابن عباسٍ فافهم. فصل الباء والواو ب وأ: قوله تعالى:} ولقد بوأنا بني إسرائيل مبوأ صدقٍ {[يونس: 93] أي أنزلناهم منزلا صالحًا. والمبوأ: المنزل الذي يلزمه نازله. فأصله من البواء وهو اللزوم. يقال: أبا الإمام فلانًا بفلانٍ أي ألزمه دمه وقتله به. وفلان بواء لفلان إذا كان كفالًة في القتل من ذلك. وفي دعائه عليه السلام: "أبوء بنعمتك علي" أي أقر بها وألزمها نفسي.

وقوله تعالى: {تبوئ المؤمنين مقاعد للقتال} [آل عمران: 121] أي تنزلهم منازل الحرب ميمنًة وميسرًة وقلبًا وكمينًا وطلائع. وقوله تعالى:} نتبوأ من الجنة {[الزمر: 74] أي نتخذ منها منازل. وقوله:} تبوءوا الدار {[الحشر: 9] أي نزلوها ولزموها واعتقدوا الأيمان، أو جعلوا الإيمان متبوًأ مجازًا. وقوله:} فباؤوا بغضبٍ {[البقرة: 90] أي رجعوا به ولزموه. وقوله: "فباء به أحدهما" أي لزمه ورجع به. والباء والباءة: النكاح، وفي الحديث: "من استطاع منكم الباءة فليتزوج" وفي آخر: "عليكم بالباءة"، قيل: أراد عقد النكاح. وقيل: أراد الجماع، وأصله مما تقدم، وهو أن الباء والباءة اسم للمكان المتبوأ. وكل من تزوج امرأةٌ لابد أن ينزلها في مكان ويبوئها إياه، فجعل ذلك كنايًة عما ذكرنا لملازمته له. وهذا كما قدمناه في قولهم: بنى بامرأته وبنى على امرأته. وفي الحديث: "الجراحات بواء" أي متساوية في لزوم المماثلة، وذلك أنه لا يجرح غير الجارح، ولا يؤخذ منه أكثر من جنايته، فذلك معنى اللزوم فيها. وقيل: أصل البواء مساواة الأجزاء في المكان عسك التبوء الذي هو منافاة الأجزاء. ومكان بواء أي غير باءٍ. وكان عليه الصلاة والسلام "يتبوأ لبوله كما يتبوأ لمنزله". وعنه عليه الصلاة والسلام: "من كذب علي متعمدًا فليتبوأ مقعده من النار". وبوأت الرمح: هيأت له مكانًا ثم قصدت به الطعن. وقال الراغي في صفة الإبل: [من الطويل] 204 - لها أمرها حتى إذا ما تبوأت ... بأخفافها مأوى تبوأ مضجعا يريد أن الراعي يتركها حتى إذا وجدت مكانًا صالحًا للرعي تبوأ الراعي مكانًا

لاضطجاعه. وقوله {وباؤوا بغضبٍ} [البقرة: 61] أي حلوا متبوًأ، ومعهم غضب، فالباء حالية لا متعدية، فليست كالتي في مررت بزيدٍ. وفي ذلك تنبيه حسن، وهو أن المكان الذي فيه موافقة لنزولهم صحبهم فيه غضب الله، وهو عقابه، فكيف بغيره من الأمكنة؟ وذلك يجري مجرى قوله تعالى:} فبشرهم بعذابٍ أليمٍ {[آل عمران: 21]. يقول الشاعر: [من الوافر] 205 - تحية بينهم ضرب وجيع أي إن كان لهم بشارة فبالعذاب، وإن كان ثم تحية فهو الضرب. قوله:} إني أريد أن تبوء بإثمي وإثمك {[المائدة: 29] أي تقيم بهذه الحال، ومنه: [من الكامل] 206 - أنكرت باطلها وبؤت بحقها قال الراغب: وقول من قال: أقررت بحقها فليس تفسيره بحسب مقتضى اللفظ. قلت: وكذا في قوله عليه الصلاة والسلام: "أبوء بنعمتك علي". وعن خلفٍ الأحمر أنه قال: في قولهم. حياك الله وبياك الله، أي زوجك، من الباه. وأصله: وبوأك أي جعل لك مبوًأ، فقلبت الواو بالازدواج، كما قالوا: الغدايا والعشايا، قاله الراغب. ب وب: الباب: مدخل الشيء، ومنه باب الدار. والباب أيضًا: ما يتوصل منه إلى غيره.

ومنه تقول: هل هذا باب كذا؟ أي الذي يتوصل منه إلى معرفة ما عقد له من الكلام. وهذا باب لكذا أي طريقه، ويطلق ويراد به السبب الموصل إلى ذلك، والعلة الحاملة عليه. فيقال: الصلاة والصوم والزكاة والحجج وأفعال البر كلها أبواب الجنة. والزنا والسرقة وأفعال الفجور كلها أبواب جهنم. لأن هذه أسباب جعلها الله تعالى موصلًة إلى ذلك إن شاء. وقال عليه الصلاة والسلام في حق ابن عمه أمير المؤمنين علي رضي الله عنه: "أنا مدينة العلم وعلي بابها"، وذلك لما أخذ عنه وأودعه إياه لاسيما من علوم القرآن. وما أحسن هاتين الكنايتين حيث شبه نفسه الزكية بمدينةٍ ملأى علمًا، وجعل عليًا موصولاً به إليها. ولذا الأمر ما علم علي بالنسبة إلى النبي صلى الله عليه وسلم إلا مثل نسبة باب المدينة إليها. فأين الباب من المدينة؟ هذا مع ما علم وشهر من غزارة علم علي وتزايده. ويجمع على أبواب. قال تعالى:} فكانت أبوايًا {[النبأ: 19]،} لها سبعة أبوابٍ {[الحجر: 44]،} وفتحت أبوابها {[الزمر: 73] ويصغر على بويبٍ. ويجمع على أبويةٍ، ولم يثبت. قال: ولاج أبوبةٍ. ويقال: بوبت الأشياء، أي جعلت لها أبوابًا تخصها. هذا من بابة كذا أي مما يصلح له، ويجمع على باباتٍ. قال الخليل: بابة في الحدود. بوبت بابًا: عملت. وأبواب مبوبة. والبواب: حافظ الباب. وتبوبت: اتخذت بوابًا. ب ور: البوار: الهلاك. ومنه:} وأحلوا قومهم دار البوار {[إبراهيم: 28] أي الهلاك. وكنتم قومًا بورًا {[الفتح: 12] أي هلكى. وأصل ذلك من البوار وهو فرط الكساد، وذلك أنه لما كان فرط الكساد يؤدي إلى الفساد كقولهم: كسد حتى فسد، عبر به عن

فصل الباء والياء

الهلاك. يقال: بار يبور بوارًا وبورًا. وفي الحديث: "نعوذ بالله من بوار الأيم" أي كسادها عن الزواج. وبار المتاع والسوق من ذلك. وأرض بور وبوار: لم تزرع. وفي الحديث: لما كتب لأكيدرٍ "وأن لكم البور والمعامي" قال أبو عبيد: البور بفتح الباء وضمها: الأرض لم تزرع، والمعامي: الأرض المجهولة، وأرض بائرة، ورجل حائر بائر، وجمعه بور. وقيل: بور في الأصل مصدر. وصف به الواحد والجمع نحو: رجل بور. قال: [من التخفيف] 207 - يا رسول المليك إن لساني ... راتق ما فتقت إذ أنا بور وقال تعالى:} وكنتم قومًا بورًا {[وبار الفحل الناقة، أي شمها ألاقح هي أم لا؟ واستعير ذلك للاختبار: فقيل: برت زيدًا أي اختبرته، وفي الحديث: "كنا بنور أولادنا بحب علي" أي نجربهم ونختبرهم. وفي الحديث: "كان لا يرى بأسًا بالصلاة على البوري" والبارية والبورياء بمعنى واحدٍ: نوع من الحصر. فصل الباء والياء ب ي ت: البيت: مأوى الإنسان ليلاً، هذا أصله لاشتقاقه من البيتوتة، ثم أطلق على كل منزلٍ وإن لم يكن بالليل. وقيل: أصله مصدر يقال: بات يبيت بيتًا. وسواء كان مبنيًا

باللبن ونحوه، أم من صوفٍ أم شعر إلا أنه غلب في المبني جمعه على بيوتٍ، وفي المنسوج على أبياتٍ، وقد يجيء عكسه بقلةٍ؛ قال الشاعر: [من الوافر] 208 - على أبياتكم نزل المثاني قوله:} في بيوتٍ أذن الله أن ترفع {[النور: 36] عني بها المساجد، ورفعها تعظيمها. وقول من قال: أن تعلو نوع من ذلك، أي لا تمتهن بالاستفال، وقيل: أراد بها بيوت النبي صلى الله عليه وسلم، وهي حقيقة بذلك، قيل: أريد أهل بيته وقومه، وقيل: إشارة إلى القلب، ومنه قول بعض الحكماء في قوله عليه الصلاة والسلام: "لا تدخل الملائكة بيتًا فيه كلب أو صورة" إنه القلب. وعنى بالكلب الحرص، بدلالة: كلب فلان: اشتد حرصه، وهو أحرص من كلبٍ قاله الراغب وليس بذلك. قوله:} ولمن دخل بيتي مؤمنًا {[نوح: 28] قيل أراد مسجدي. وقوله:} وإذ بوأنا لإبراهيم مكان البيت {[الحج: 26] يعني مكة. وقوله:} رب ابن لي عندك بيتًا في الجنة {[التحريم: 11] أي اجعل لي فيه مقرًا. وقوله:} واجعلوا بيوتكم قبلًة {[يونس: 87]} وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت {[البقرة: 127]، وكذلك} بالبيت العتيق {[الحج: 29] لأنه عتق من الطوفان أو من الجبابرة. وصار "أهل البيت" متعارفًا في آل النبي صلى الله عليه وسلم. وقوله: "سلمان منا أهل البيت" إشارة إلى قوله: مولى القوم منهم. والبيات: قصد العدو ليلاً، وكذلك التبيت، قال تعالى:} فجاءها بأسنا بياتًا أو هم قائلون {[الأعراف: 4]. وبيت العدو. التبييت: تدبير الأمر ليلاً، وأكثر ما يكون في المكر، قال تعالى:} إذ يبيتون ما لا يرضى من القول {[النساء: 108] {بيت طائفة

منهم غير الذي تقول} [النساء: 81]} والله يكتب ما يبيتون {[النساء: 81]. وبيت على كذا. عزم عليه قاصدًا له، ومنه: "لا صيام لمن لم يبيت الصيام" من أول الليل، وقوله تعالى:} لنبيتنة وأهله {[النمل: 49] من ذلك، أي لنوقظ به الهلاك. وقوله:} واجعلوا بيوتكم قبلة {يعني المسجد الأقصى. وقوله:} فما وجدنا فيها غير بيتٍ من المسلمين {[الذاريات: 36] أراد أهل بيتٍ، سماهم بيتًا إطلاقًا للمحل على الحال، وهما كقوله:} واسأل القرية {[يوسف: 82]، وبات يفعل كذلك يدل على ملازمة الصفة للموصوف ليلاً، كما أن ظل يدل على ذلك نهارًا. قال: [من الرجز] 209 - أظل أرعى وأبيت المهجن ... والموت من بعض الحياة أهون قد يريد للصيرورة. ومنه} ظل وجهه مسودًا {[النحل: 58]، و"لا يدري أين باتت يده" وقوله:} يبيتون لربهم سجدًا وقيامًا {[الفرقان: 64] من الأول. وكل من أدركه الليل فقد بات نام أو لم ينم. ويعبر بالبيت عن الشرف العالي، فيقال: لفلان بيت، وهو من بيتٍ. وإلى ذلك أشار العباس رضي الله عنه يمدح نبينا صلى الله عليه وسلم يخاطبه بذلك: [من المنسرح] 210 - حتى احتوى بيتك المهيمن من ... خندف، علياء تحتها النطق أراد ببيته شرفه العالي، وجعله في خندف أعلى بيتًا، وخندف هي ليلى القضاعية، امرأة إلياس بن مضر. ولقبت خندف لما روي أنها ولدت لإلياس عامرًا

وعمرًا وعميرًا، فشردت لهم إبل فخرجوا في طلبها، فأدركها عامر فسمي مدركة، وصاد عمرو أرنبًا وطبخها فسمي طابخة، وقمع عمير في بيته فسمي قمعة. فلما أبطأ عليها أولادها خرجت تخندف في أثرهم - أي تهرول - فلقبت خندف. ولم تزل العرب تفخر بهذا البيت، قال: [من البسيط] 211 - ترفع لي خندف والله يرفع لي ... نارًا، إذا خمدت نيرانهم تقد ب ي د: باد يبيد بيدًا فهو بائد أي هلك. قال تعالى:} ما أظن أن تبيد هذه أبدًا {[الكهف: 35]، وأصله من باد في البيداء أي تفرق فيها وتوزع، وذلك إنما يكون غالبًا في الهلاك. والبيداء: المفازة التي لا شيء بها، ثم عبر عن كل هالكٍ بالبائد وإن لم يكن في البيداء. وجمعها بيد، نحو بيضٍ في بيضاء. والأصل الضم كحمرٍ في حمراء. وإنما كسرت لتصح الياء. وأتان بيدانة أي تسكن البادية البيداء. وبيد بمعنى غير يكون في الاستثناء المنقطع، ومنه قوله عليه الصلاة والسلام: "أنا أفصح من نطق بالضاد بيد أني من قريشٍ" أي غير أني وقيل: هي هنا بمعنى على، أي على أني، وليس بذلك. وفي الحديث: "إن قومًا يغزون البيت فإذا نزلوا في البيداء بعث الله جبريل فيقول: يا بيداء أبيديهم. فتخسف بهم" البيداء. ب ي ض: البياض: أشرف الألوان، وهو أصلها، إذ هو قابل لجميعها. وقد ندب الشرع إلى إلباسه في المجامع كالجمع والأعياد. وقد كني بذلك عن السرور والبشر، وبالسواد عن الغم. قال تعالى:} يوم تبيض وجوهً وتسود وجوه {[آل عمران: 106]، ولذلك

البيض ناضرة مستبشرة والسود مغبرة مقترة حسبما وصف ذلك في كتابه. ولما كان البياض أفضل الألوان قالوا: البياض أفضل والسواد أهول، والحمرة أجمل، والصفرة أشكل. وعبر عن الكرم بالبياض فيقال: له عندي يد بيضاء أي معروف. وفي مدحه عليه السلام من أبي طالب عمه: [من الطويل] 212 - وأبيض يستسقى الغمام بوجهه ... ثمال اليتامى عصمًة للأرامل ولقد صدق في ما به نطق. والبيض: جمع بيضةٍ وهي ما يخرج من الطائر وبعض الحيوانات، وسميت بذلك للونها غالبًا. وقد توجد غير بيضاء. وقد شبهت العرب بها المرأة للونها ولصيانتها، فإنها محضونة تحت من يبيضها من طيرٍ وغيره، قال تعالى:} كأنهن بيض مكنون {[الصافات: 49] قيل: يعني به بيض النعام لأن فيه بعض صفرةٍ، والعرب تحب هذا اللون. قال: [من البسيط] 213 - كأنها فضة قد مسها ذهب وقال امرؤ القيس: [من الطويل] 214 - كبكر مقاناة البياض بصفرةٍ ... غذاها نمير الماء غير محلل وتذكر البيضة تارًة مدحًا لمن يوصف بالصيانة والعزة نحو: هو بيضة البلد، ومنه: [من الكامل] 215 - كانت قريش بيضًة فتفلقت ... فالمح خالصه لعبد مناف وتارًة ذمًا لمن كان مبتذلاً كالبيضة المذرة التي تطرح بالدمن. فقولهم: فلان

بيضة البلد من الكلام الموجه. وبيضة الحديد تشبيهًا بالبيضة في بعض هيئتها ولونها والبياض لما لم يزدرع من الأرض والسواد لمزدرعها، ومنه أرض السواد. ويعبر عن الجمع وعن المعظم بالبيضة، وفي الحديث: "حتى يستبيح بيضتهم"؛ قال الهروي عن شمر: عنى جماعتهم وأصلهم. وقال الأصمعي: بيضة الدار وسطها ومعظمها. يقال: أبيض يبيض بياضًا وابيضاضًا، فهو مبيض، وأبيض وابياض ابيضاضًا أبلغ من أبيض. ب ي ع: مقابلة مالٍ بمالٍ أو مقابلة منافع بمالٍ. وقيل: البيع إعطاء المثمن وأخذ الثمن. والشراء: إعطاء الثمن وأخذ المثمن، وقد يقع هذا موقع هذا. وذلك بحسب ما يتصور من الثمن والمثمن. قال تعالى:} وشروه بثمنٍ بخسٍ {[يوسف: 20] قلت: إن جعلنا الضمير المرفوع لإخوته. أما إذا جعلناه للسيارة فهو على بابه. قوله:} وذروا البيع {[الجمعة: 9] وقت النداء يحرم الشراء، وكذا،:} لا تلهيهم تجارة ولا بيع {[النور: 37]. قال الراغب: لا يشتري على شراه، والأظهر يكون على أصله هو أن يجيء الرجل إلى مشترٍ فيقول: عندي سلعة خير من هذه وأرخص منها، فهذا بيع على بيع أخيه، وبذلك فسره الشافعي. وقوله:} فاستبشروا ببيعكم الذي بايعتم به {[التوبة: 111] إشارة إلى بيعة الرضوان في قوله:} لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة {[الفتح: 18] وإلى الشراء المذكور في قوله:} إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة {[التوبة: 111]. والبيعة والمبايعة: ما يأخذه الإمام على رعيته من المواثيق بالسمع والطاعة. وابتعت المتاع: عرضته للبيع. وقوله:} وبيع وصلوات {[الحج: 40] جمع بيعةٍ، وهي مصلى

النصارى، وقيل: كنائسهم وليس بشيءٍ. وقوله عليه السلام: "البيعان بالخيار" يريد البائع والمشتري، يقال لكلٍ منهما بيع وبائع. قيل: ويجوز أن يكون إنما أطلق على المشتري بيع لأنه من باب التغليب، وهو محل نظرٍ. ب ي ن: بأن الشيء يبين بينًا فهو بائن. وبان بمعنى فارق. قال كعب بن زهيرٍ: [من البسيط] 216 - بانت سعاد فقلبي اليوم متبول وبانت المرأة بالطلاق، وأبانها زوجها، وأبنت الأمر وبينته: أظهرته بيانًا وتبيانًا، كقوله تعالى:} تلقاء أصحاب النار {[الأعراف: 47]، وما عداهما مفتوح نحو الترداد والتجوال والتطواف. وقولنا في المصادر تحذرنا في الأسماء فإنه يكون يكثر فيها ذلك، نحو: التمثال والتجفاف والتمساح. قال الهروي: يقال: بان لك وأبان واستبان وبين وتبين بمعنى واحدٍ. قلت: كلها يجوز أن تكون قاصرًة ومتعديًة إلا بان فإنه قاصر. وقوله تعالى:} ولتستبين سبيل المجرمين {[الأنعام: 55] من رفع سبيل جعله قاصرًا، ومن نصبه جعله متعديًا. وقال تعالى:} فلما تبين له أنه عدو لله تبرأ منه {[التوبة: 114]، وقوله:} وتبين لكم كيف فعلنا بهم {[إبراهيم: 45] فهذا قاصر، ويقال: تبينت الحق واستبنته أي استوضحته فاتضح. وقوله:} هذا بيان للناس {[آل عمران: 138] أي فصل ذو بيانٍ. والبين: لفظ مشترك بين المصدر والظرف. ويقال: بان زيد بينًا، وجلست بين القوم. وقوله تعالى:

{هذا فراق بيني وبينك} [الكهف: 78]، قال الهروي: أراد بيننا، وإنما قال: بيني وبينك توكيدًا، كما يقال: أخزى الله الكاذب مني ومنك، يريد منا. قلت: يعني في أصل التركيب لو قيل كذا لأفاد، وفيه نظر لأنه يفيد المعنى المقصود من قولك مثلاً: هذا فراق بيني وبين زيدٍ. قولك: هذا فراق بيننا لأن الأول أخص من الثاني، وأخص في المعنى بخلاف الثاني، فإنه يحتمل احتمالاً ظاهرًا. وقد حققناه في "التفسير" و"الدر المصون"، فلما أضافه للياء تعين تكريره بالعطف لأن بين لا تضاف إلا إلى متعدٍ لفظًا أو تقديرًا نحو: بين الزيدين أو الزيدين. وقوله تعالى:} عوان بين ذلك {[البقرة: 68] لأن ذلك إشارة إلى الفارض والبكر. ولذلك احتاج النحاة أن أجابوا عن قول امرئ القيس: [من الطويل] 217 - بين الدخول فحومل قالوا: كان من حقه أن يعطف بالواو لأنها لمطلق الجمع، وأجابوا بأن تقديره بين مواضع الدخول، أو بأنه لما كان الدخول اسمًا يحوي أماكن كثيرًة نحو: دارنا بين مصر، وقوله:} فلما بلغا مجمع بينهما {[الكهف: 61] قال الراغب: يجوز أن يكون مصدرًا أي موضع المفترق، قال: ولا يضاف إلى ما يقتضي معنى الوحدة إلا إذا كرر كقوله:} ومن بيننا وبينك حجاب {[فصلت: 5]. قلت: ليس هذا مطابقًا لما ذكره لأن لفظه بأفصح إضافة بين إليها من غير تكريرٍ، نحو: المال بيننا. وقوله:} لقد تقطع بينكم {[الأنعام: 94] قرئ بالنصب على الظرف، فقيل: هو صلة لموصوله محذوف أي: تقطع الذي بينكم، وقيل: الفاعل مقدر أي تقطع الوصل والألف بينكم، وقيل: هو مبني لإضافته إلى غير متمكنٍ، وبالرفع على الفاعلية أي تقطع وصلكم. والبين من الأضداد. قال الراغب: أي وصلكم. وتحقيقه أنه ضاع عنكم الأموال

والعشيرة والأعمال التي كنتم تعتمدونها، إشارًة إلى قوله:} يوم لا ينفع مال ولا بنون {[الشعراء: 88]. وعلى ذلك قوله:} ولقد جئتمونا فرادى [[الأنعام: 94]. وقوله:} أأنزل عليه الذكر من بيننا {[ص: 8] أي من جملتنا. وقوله:} لن نؤمن بهذا القرآن ولا بالذي بين يديه {[سبأ: 31] أي متقدمًا له من الإنجيل ونحوه. وقوله:} وأصلحوا ذات بينكم {[الأنفال: 1] أي راعوا الأحوال التي تجعلكم من القرابة والوصلة، وقيل: معنى حقيقة وصلكم وذلك أن ذات كذا بمعنى صاحبة كذا، أو كأنه قيل: أصلحوا صاحبة وصلكم وصاحبة وصلهم على ما قدمنا ذكره معنى القرابة وغيرها. والبينة: الأمر الواضح، ومنه قوله:} إني على بينةٍ من ربي {[الأنعام: 57] أي أنا على أمر واضحٍ ظاهرٍ. والبينة: الحجة، ومنه: "البينة على المدعي" لأن بها ينكشف الحق ويتضح. والبينة: الدلالة الواضحة عقليًة كانت أو حسيةً. وقال بعضهم: البيان على ضربين: أحدهما أن يكون بالتنجيز، وهي الأشياء التي تدل على حالٍ من الأحوال من آثار صنعه. والآخر بالاختبار، وذلك إما أن يكون كتابًة أو إشارًة أو نطقًا، فمما! هو بيان الحال كقوله تعالى:} إنه لكم عدو مبين {[البقرة: 168]. وما هو بيان بالاختبار كقوله تعالى:} لتبين للناس ما نزل إليهم {[النحل: 44]. ويسمي الكلام بيانًا لأنه يكشف المقصود. والبيان قد يكون فعلاً أيضًا، ومنه قول الفقهاء: بيان المجمل، لأنه يكشفه ويوضحه، فالبيان أعظم من النطق لما عرفت. ويقال: آية مبينة، وآيات مبينات باسم الفاعل على معنى أنها بينت ما أريد منها، وباسم المفعول على معنى أن الله قد بينها على لسان رسله. وقوله:} ثم إن علينا بيانه {[القيامة: 19] أي إخراجه من حد الإجمال إلى حد

البيان. وقوله: {ولا يكاد يبين} [الزخرف: 52] أي لا يكاد يفهم ما يتكلم به:} ليهلك من هلك عن بينةٍ {الآية [الأنفال: 42]. أي أنه فاصلة بين الحق والباطل تقوم عليه بها الحجة وتلزمه العقوبة. وقوله:} حتى تأتيهم البينة {[البينة: 1] الآية، يعني رسول الله صلى الله عليه وسلم ورسالته. وقوله صلى الله عليه وسلم: "إن من البيان لسحرًا". قال أبو عبيدٍ: هو من الفهم وذكاء القلب مع اللسن. وأبان ولده: أعطاه مالاً يبينه به، والاسم البائنة. قال أبو زيدٍ: لا يقال: بائنة إلا إذا كان الإعطاء من الوالدين أو أحدهما. وعن أبي بكر يقول لعائشة رضي الله عنها: "إني كنت أبنتك بنحلٍ"، وفي حديث النعمان الطويل أنه قال: "فهل أبنت كل واحدٍ منهم مثل ما أبنت هذا؟ " أي أعطيته البائنة. قال الراغب: بين موضوع للخلالة بين الشيئين ووسطهما، كقوله تعالى:} وجعلنا بينهما زرعًا {[الكهف: 32]. يقال: بان كذا أي انفصل وظهر ما كان مستترًا. ولما اعتبر فيه معنى الظهور والانفصال استعمل في كل واحدٍ مفردًا، حتى قيل للبئر البعيدة القعر: بيون لانفصال الحبل من يد صاحبه. وبان الصبح: ظهر، والله أعلم.

باب التاء المثناة

باب التاء المثناة التاء: قد تقدم أن التاء تكون حرف جر للقسم ولا تجر إلا الجلالة، وقد تجر الرب مضافًا للكعبة نحو: ترب الكعبة. وقد تجر الرحمن، قالوا: تالرحمن. وفيها معنى التعجب والاستعظام كقوله:} وتالله لأكيدن أصنامكم {[الأنبياء: 57]} تالله تفتأ تذكر يوسف {[يوسف: 85] وقال الشاعر: [من البسيط] 218 - تالله يبقى على الأيام ذو حيدٍ ... بمشمخر به الظيان والآس وهي فرع الواو في القسم، والواو فرع الباء، والتاء فرع الفرع. ومن ثم اقتصر بها على ما لم يقتصر بالواو عليه، كما اقتصر بالواو على ما لم يقتصر بالباء عليه على ما بيناه في كتب النحو. وتكون للتأنيث، والأصل فيها الفرق بين المذكر والمؤنث نحو: ضاربة. وقد تكون لمجرد التأنيث نحو: ناقة ونعجة. وتكون للمبالغة نحو: علامة. وللتعريب نحو: كيالجة وموارجة. ولفرق الواحد من جمعه نحو: برة وبر. وقد يفرق الجمع، ولم يرد منه إلا كمأة وخبأة؛ فهما جمعان والمفرد كمء وخبء. وتكون علامة لتأنيث الفاعل؛ فتختص بالماضي نحو قامت. وتكنو للتعويض نحو: أخت وبنتٍ. وتقر وقفًا ووصلاً بخلاف تاء قائمةٍ ونحوها؛ فإنها تبدل في الوقف بهاءٍ، وتكون مع ألفٍ قبلها علامًة لجمع الإناث نحو: البنات، وتقر في الأعراف. وقد تلحق بعض الحروف نحو: ربت وثمت ولات ولعلت، ولا خامس لها. وتكون للمضارعة إما لخطابٍ نحو: تقوم أنت، وتقومان أنتما، وتقومون أنتم، وتقمن أنتن. وإما لتأنيث

فصل التاء والباء

نحو: هي تقوم. وتكون ضميرًا فتضم للمتكلم وتفتح للمخاطب وتكسر للمخاطبة. وتتصل بها علامة التثنية والجمع تذكيرًا وتأنيثًا. فصل التاء والباء ت ب ب: التباب والتتبيب: الخسران. قال تعالى: {وما كيد فرعون إلا في تبابٍ} [غافر: 37] وقال تعالى: {وما زادوهم غير تتبيب} [هود: 101]. ويعبر به عن الهلاك، لأن الهالك خاسرٌ نفسه وماله. ويقال في الدعاء عليه: تبًا له وتبٌّ، نصبًا ورفعًا. وتببته: قلت له ذلك، نحو أففته أي قلت له: أفٍّ أفٍّ. وتضمن معنى الاستمرار، فيقال: استتب لي الأمر أي استمر. ومعنى {تبت يدا أبي لهب} [المسد: 1] أي خسرت واستمرت في الخسران، والمراد جملته. وإنما خص اليدين بالذكر لأنهما محل المزاولة. قال تعالى: {وذلك بما قدمت يداك} [الحج:10] وقد قدمت رجلاه ولسانه. ت ب ت: قوله تعالى: {أن يأتيكم التابوت} [البقرة: 248]. التابوت هذه الآلة المعروفة تنحت من خشب وغيره. وأصله لما يجعل فيه الميت. وقد يجعل فيه غيره. وقد كان رضاض الألواح التي أنزلها ربنا على موسى في قصة مذكورةٍ. وقيل: هو كنايةٌ عن القلب والسكينة، عبارةٌ عن العلم والطمأنينة، ويرشحه تسميتهم القلب سفط العلم، وبيته بيت الحكمة وتابوتها وصندوقها. ولهذا يقال: اجعل سرك في وعاءٍ غير سرب وعلى ذلك قال عمر في حق ابن مسعود: «كنيفٌ ملئ علمًا»، وهل هو من التوب؟ وهو الرجوع لأنه يرجع إليه صاحبه عند حاجة يأخذها منه، فيكون وزنه فعلوت كملكوت ورهبوت من الملك والرهبة، أو لا اشتقاق له ووزنه فاعول، حكم عليه بأصالة تاءيه كقاطوعٍ، خلافٌ مشهورٌ بيناه في «الدر المصون». وهل تقلب تاؤه في الوقف هاء

وتكتب بهاءٍ؟ المشهور لا. وقد قرئ التابوه بالهاء وهي لغة الأنصار. ويحكى أنهم لما كتبوا المصاحف في خلافة سيدنا عثمان أراد زيدٌ أن يكتبه على لغته بالهاء وأبى المهاجرون ذلك، فبلغ عثمان فأمر أن يكتب بلغة قريشٍ حسبما بينا ذلك في كتابنا المشار إليه. ت ب ر: قوله تعالى: {ولا تزد الظالمين إلا تبارًا} [نوح: 28]. التبار: الهلاك. وتبره يتبره: بالغ في هلاكه. قال تعالى: {وكلا تبرنا تتبيرًا} [الفرقان: 39]، وأصله من التبر وهو الكسر. ومنه تبر الذهب: كسره. ت ب ع: الإتباع: اقتفاء الأثر. يقال: تبعه واتبعه؛ فتارةٌ يكون بالجسم نحو تبعته في الطريق واتبعته فيها، وتارة بالامتثال. وعلى ذلك {فمن اتبع هداي} [طه: 123] وفي موضع {فمن تبع هداي} [البقرة: 38] ويقال: {تعبه وأتبعه بمعنى لحقه وألحقه، وعليه {فأتبعه شهابٌ ثاقبٌ} [الصافات: 10] {فأتبعه الشيطان} [الأعراف: 175] {فأتبعهم فرعون بجنوده} [طه: 78] كله بمعنى الإلحاق، قاله الفراء وغيره. وكذلك أتبع كقوله: {فأتبع سببًا} [الكهف: 85] {ثم أتبع سببًا} [الكهف: 89] بمعنى لحق، وقد قرئ ذلك بالوجهين. فقد تحصل أن تبع واتبع وأتبع كله بمعنى لحق وألحق. وسميت ملوك اليمن تبابعةً لأنه كلما هلك واحدٌ خلفه واحدٌ وتبعه فيما كان. وفرق ابن اليزيدي بين تبعه وأتبعه، فجعل أتبعه: قفاه، واتبعه: حذا حذوه، ومنع أن

فصل التاء والتاء

يقال: أتبعناك لأن معناه: اقتدينا بك. وفي المثل: «أتبع الفرس لجامها»، يقال لإرادة تكميل المعروف. وقوله: {إنا كنا لكم تبعًا} [إبراهيم: 21]، جمع تابع نحو خدمٍ وخادمٍ. والتبيع: الطالب بحق أو ثأر. ومنه {ثم لا تجدوا لكم علينا به تبيعًا} [الإسراء: 69]. والتبيع: ولد البقرة إلى سنةٍ؛ لأنه يتبع أمه؛ وفي الحديث «في كل ثلاثين تبيعٌ». وبقرةٌ متبعٌ: لها تبيعٌ. قال الراغب. والتبيع خص بولد البقرة إذا اتبع أمه. والتبع: رجل الدابة، وسميت بذلك لما قال الشاعر: [من الرجز] 219 - كأنما اليدان والرجلان ... طالبتا وترٍ وهاربان قوله: خص بولد البقرة ليس كذلك، كقوله تعالى: {ثم لا تجدوا لكم علينا به تبيعًا}. والمتبع من البهائم: التي يتبعها ولدها. وتبعٌ لكل من ملك اليمن ككسرى لكل من ملك الفرس. والتبع: الظل. وفي الحديث: «إذا أتبع أحدكم على ملئٍ فليتبع» أي إذا أحيل فليحتل. فصل التاء والتاء ت ت ر: قوله تعالى: {ثم أرسلنا رسلنا تترى} [المؤمنون: 44] أي متتابعين. وزعم ثعلبٌ أن وزنها تفعل وغلطه الفارسي وهو صحيحٌ لاشتقاقها من المواترة، وتاؤها الأولى بدلٌ من الواو، وهناك أذكرها مستوفيًا الكلام عليها لما قدمت في خطبة هذا الكتاب أني أنظر إلى الأصول.

فصل التاء والجيم

فصل التاء والجيم ت ج ر: التجارة: التصرف في المال بيعًا وشراءً طلبًا للربح، فهي أخص من البيع، لأنه قد لا يكون لطلب ربحٍ، فمن ثم حسن الجمع بينهما في قوله تعالى: {لا تلهيهم تجارةٌ ولا بيع عن ذكر الله} [النور: 37] وقدمت التجارة لأنها أحب إلى النفوس. وقوله: {فما ربحت تجارتهم} [البقرة: 16]، وأسند الربح إليها مجازً ومبالغةً كقولهم: نهاره صائمٌ ومنه قول جرير: [من الطويل] 220 - لقد لمتنا يا أم غيلان في السرى ... ونمت، وما ليل المطي بنائم وقوله تعالى: {هل أدلكم على تجارة} [الصف: 10] قد فسرها بقوله: {تؤمنون} إلى آخره. وأي تجارةٍ أربح من تجارةٍ تؤدي إلى النجاة من العذاب المؤلم الفادح؟ ويقال: تاجرٌ وتجرٌ؛ فتجرٌ إما جمع تكسير وإما اسم جمعٍ حسبما اختلف النحويون في راكبٍ وركبٍ وصاحبٍ وصحبٍ. وتستعار التجارة للحذق في الشيء؛ فيقال: فلانٌ تاجرٌ في كذا أي حاذقٌ في وجوهٍ. قالوا: وليس في كلامهم تاءٌ بعدها جيمٌ غير هذه المادة. فأما تجاهٌ فمن الواو كتراثٍ من الوراثة، وتجوب فالتاء للمضارعة. فصل التاء والحاء ت ح ت: تحت: ظرف مكان تقابل فوق، والكلام عليه في تصرفه وعدمه، كالكلام على مقابله، فيجر بمن كان تجر قبل وفوق. قال تعالى: {تجري من تحتها} [البقرة: 25] وهو يعني أسفل. وقيل: بينهما فرقٌ بأن تحت تستعمل في المنفصل، وأسفل في المتصل. يقال: المال تحته. وأسفله أغلظ من أعلاه. وقد يعبر بالتحت عن الشيء الدون؛ فيقال: فلانٌ تحتٌ فينصرف. وعلى هذا قال

فصل التاء والخاء

عليه الصلاة والسلام: «لا تقوم الساعة حتى تظهر التحوت» أي الدون من الناس. وقيل: أريد بالتحوت ما في بطن الأرض كقوله: {وأخرجت الأرض أثقالها} [الزلزلة: 2] وقوله: {وألقت ما فيها وتخلت} [الانشقاق: 4] وروى الهروي: «لا تقوم الساعة حتى يهلك الوعول وتظهر التحوت» أي الأراذل من الناس ومن كانوا تحت أقدامهم. قلت: أراد بالوعول هنا سروات الناس ووجوههم لمقابلتهم بالتحوت. فصل التاء والخاء ت خ ذ: يقال: تخذت كذا أي اتخذته. ويتعدى لاثنين إذا ضمن، يعني صير كاتخذ. وقرئ بالوجهين: {لتخذت عليه أجرًا} [الكهف: 77] و «لاتخذت». فتخذ بمعنى أخذ واتخذ؛ افتعالٌ منه. قال تعالى: {أفتتخذونه وذريته أولياء من دوني} [الكهف: 50]. وقيل: اتخذ من الأخذ، وإنما أبدلت الهمزة ياء حتى أبدلت تاء. وقد حققناه في غير هذا. فصل التاء والراء ت ر ب: التراب: معروفٌ، وهو اسم جنسٍ، واحده ترابةٌ، الترب بمعناه: والتربة: الأرض نفسها: وفي الحديث: «خلق الله التربة يوم السبت»؛ قيل: هو التراب، وقيل: هو الأرض. والترب والتوراب: التراب. وريحٌ تربةٌ: أي تأتي بالتراب. وقوله: {أو مسكينًا ذا متربةٍ} [البلد: 16] أي لصق جلده بالتراب لفقره، وهو أسوأ حالًا من الفقير عند قومٍ لهذه الآية. وقد حققنا الفرق

بينهما في «القول الوجيز». ويقال: ترب الرجل: افتقر. وأترب: استغنى بمعنى صار ماله كالتراب. وقوله عليه الصلاة والسلام، وقد قسم الأزواج: «عليك بذات الدين تربت يداك». قال الراغب. وريحٌ تربةٌ: تأتي بالتراب. ومنه قوله: «تربت يداك» تنبيهًا أنه لا تفوتك ذات الدين، فلا يحصل لك ما ترومه، فتفتقر من حيث لا تشعر، كذا فسره، وهو تفسيرٌ باللازم البعيد. قال أبو عبيد: نرى أنه عليه الصلاة والسلام لم يتعمد الدعاء عليه بالفقر، لكنها كلمة جاريةٌ على ألسنة العرب. وقيل؛ هو مثل قولهم: هوت أمه، ولا أب له، ولا أم له. ولم يقصدوا الدعاء، وإنما قصدوا: لله دره. ومنه قول كعب بن سعدٍ: [من الطويل] 221 - هوت أمه ما يبعث الصبح غاديًا ... وماذا يؤدي الليل حين يؤوب فظاهره: أهلكه الله، وباطنه الله دره. ومثله قول جميل بن معمرٍ: [من الطويل] 222 - رمى الله في عيني بثينة بالقذى ... وفي الغر من أنيابها بالقوادح أراد: ما أحسن عينيها! وبالغر: سادات قومها. وقال عليه الصلاة والسلام في حديث خزيمة: «أنعم صباحًا تربت يداك»، فهذا دعاء له فقط وترغيبٌ: أنعم صباحًا. وقوله: {خلقناكم من تراب} [الحج: 5] أي أصلكم وهو آدم. وقيل: كل أحدٍ يخلق من تربته التي يدفن فيها ويأخذها الملك فيذرها على النطفة.

والترائب: جمع تريبةٍ، وهي عظام الصدر الواقعة عليها القلادة. قال امرؤ القيس: [من الطويل] 223 - ترائبها مصقولة كالسجنجل قوله تعالى: {يخرج من بين الصلب والترائب} [الطارق: 7] إشارةٌ إلى أن خلق الإنسان يكون من ماءي الرجل والمرأة. فمقر ماء الرجل صلبه، ومقر ماء المرأة ترائبها. وقيل: إنه ينشأ من لبنها الخارج من ثديها المجاور لترائبها، وتحقيقه في غير هذا. وقوله: {عربًا أترابًا} [الواقعة: 37]، {وعندهم قاصرات الطرف أترابٌ} [ص: 52] فالأتراب: اللدات وهن من تساوى أسنانهن؛ كل واحدةٍ منهن تربٌ للأخرى. وقيل: أترابٌ لأزواجهن، وهو أكثر إلفةً. وسمي الترب تربًا لأنه لصق جلده بالتراب وقت لصوق جلد تربه بالتراب. وقيل: سمين أترابًا تشبيهًا في التماثل بترائب الصدر، وهي ضلوعه لوقوعها في وقت واحد على الأرض. قال امرؤ القيس: [من الطويل] 224 - عقيلة أتراب لها، لا دميمةٌ ... ولا ذات خلق إن تأملت جأنب ت ر ث: وأما تراثٌ من قوله: {وتأكلون التراث} [الفجر: 19] فيذكر في باب الواو. ت ر ف: قال تعالى: {أمرنا مترفيها} [الإسراء: 16] المترف: المتنعم بضروب النعم المتوسع فيها. فالترفة: التوسع في النعمة. وهؤلاء هم الموصفون بقوله: {فأما الإنسان إذا ما ابتلاه ربه فأكرمه ونعمه} [الفجر: 15]. وقوله: {واتبع الذين ظلموا ما أترفوا فيه} [هود: 116] أي جعلوا همهم في تتبع النعم، وأغفلوا ما يهمهم من أمور آخرتهم كغالب أحوال الناس اليوم. قال ابن عرفة: المترف: المتروك يصنع ما يشاء لا يمنع مما

فيه. وإنما قيل للمتنعم: مترفٌ لأنه مطلق له لا يمنع من تنعمه. ت ر ق: قوله تعالى: {كلا إذا بلغت التراقي} [القيامة: 26] أي إذا بلغت النفس منتهى أمرها لدلالة الحال عليها كما قال حاتمٌ: [من الطويل] 225 - أماوي ما يغني الثراء عن الفتى ... إذا حشرجت يومًا وضاق بها الصدر أي حشرجت النفس. والتراقي جمع ترقوة وهي عظامٌ. وقيل: هي العظام المكتنفة لثغرة النحر عن يمين وشمال، وهي موضع حشرجة النفس كما أشار إليه حاتمٌ. وقيل: الترقوة: عظم وصل ما بين ثغرة النحر والعاتق. وقالوا: لكل أحدٍ من الناس ترقوتان، فعلى هذا يكون التراقي من باب غلظ الحواجب. وأصل التراقي: تراقو، فأبدلت الواو ياء لانكسار ما قبلها. والياء فيها أصليةٌ، والواو زائدةٌ. فوزن ترقوة فعلوةٌ، وليست تفعلة لأنه ليس في الكلام (ر ق و). وقد حققته في غير هذا. ولما حضرت أبا بكر رضي الله عنه الوفاة أنشدت عائشة رضي الله عنها بيت حاتم المتقدم فقال: مه يا بنية وقولي: {وجاءت سكرة الموت بالحق} [ق: 19] وهي قراءته رضي الله عنه، وهذا منه رضي الله عنه مما يدل على شغله بربه. والأمر بكل جميل حتى في هذه الحالة التي لا حالة أشد منها. ت ر ك: الترك: التخلية، ومنه: {وتركتم ما خولناكم وراء ظهوركم} [الأنعام: 94] وقوله: {إني تركت ملة قوم} [يوسف: 37] أي رغبت عنها وأعرضت. وقال ابن

فصل التاء والسين

عرفة: الترك على ضربين؛ مفارقة ما يكون الإنسان فيه، وترك الشيء رغبةً عنه من غير دخول فيه. وقوله: {وتركنا عليه في الآخرين} [الصافات: 78] أي أبقينا له ذكرًا حسنًا وخليناه مخلدًا أبد الدهر. ومن كلام الحسن رضي الله عنه: «إن الله ترائك في خلق» أي أمورًا أبقاها بينهم من طول الأمل لينبسطوا في الدنيا. وتركة الرجل: ولده وأهله وما خلفه حيًا كان أو ميتًا. ومنه: «جاء إبراهيم عليه السلام يطالع تركته» أي ولده وأهله حين خلفهم بالقفر وهو الحرم الشريف، وأصله من بيض النعام وهي الترك. ولكن غلبت التركة في تركة الميت. والتريكة بمعنى الترك أيضًا. ويقال لبيضة النعام تريكةٌ لكونها متروكة في المفازة. ودخول التاء فيها شاذٌّ؛ فإن فعيل بمعنى مفعول لا تدخل على تاء إلا سماعًا كالنصيحة والذبيحة، ولبيضة الحديد أيضًا تشبيهًا ببيضة النعام، كما سميت بيضةً كذلك. وقيل: الترك ضربان: ضربٌ بالاختيار كقوله: {واترك البحر رهوًا} [الدخان: 24] وضربٌ بالقهر والاضطرار كقوله: {كم تركوا من جنات وعيون} [الدخان: 25]. ومنه تركة الميت، ويتضمن معنى التصيير، فيتعدى تعديته. قال: [من البسيط] 226 - أمرتك الخير فافعل ما ائتمرت به ... فقد تركتك ذا مالٍ وذا نشب فصل التاء والسين ت س ع: التسع: عددٌ معلومٌ، وكذلك التسعون، وهي تسعة عقودٍ؛ كل عقد عشرةٌ، كما أن واحد التسع غير عقد، والتسع أيضًا من أظماء الإبل. والتسع جزءٌ من تسعٍ كالعشر والسدس جزءٌ من عشرة وستة. والتسع لثلاث بقين من آخر الشهر آخرها الليلة التاسعة.

فصل التاء والعين

وتسعت القوم كنت تاسعهم، أو أخذت تسع أموالهم كربعتهم وخمستهم. وقوله: {أتينا موسى تسع آيات} [الإسراء: 101]، {في تسع آيات} [النمل: 12] ونحوه. فالتسع هي أحوالٌ أربعةٌ؛ {ولقد أخذنا آل فرعون بالسنين} [الأعراف: 130] أي القحط، وإخراج يده بيضاء من غير سوء، وعصاه، وانغلاق البحر؛ فهذه أربعٌ. والخمس المذكورة في قوله: {فأرسلنا عليهم الطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم} [الأعراف: 133]. وقوله: {تسعة رهط} [النمل: 48] هم الذين تمالؤوا على عقر الناقة، وكانوا عظماء أهل المدينة، فيفسدون فيها، فيتبعهم غيرهم. ولذلك قيل فيهم «رهطٌ» لأنهم ذوو أتباعٍ. وقد اختلفوا في أسمائهم؛ فقال الغزنوي: هم قدار بن سالف، وهو أكثرهم فسادًا، وهو المذكور في قوله تعالى: {إذا انبعث أشقاها} [الشمس: 12]، ومصداعٌ، وأسلم، ودهمي، ودهيمٌ، ودعمي، ودعيم، وفتاك، وصداق، وقيل غير ذلك. وقال عطاء بن أبي رباحٍ: وهو تمثيلٌ ببعض فسادهم. وفي حديث ابن عباس: «لئن عشت إلى قابل لأصومن التاسع». قال أبو منصور: يعني عاشوراء كأنه تأول فيه عشر الورد أنها تسع أيامٍ. والعرب تقول: وردت الإبل عشرًا أي وردت يوم التاسع. قال الهروي: ولهذا قالوا: عشرِين ولم يقولوا عشرَين، لأنهم جعلوا ثمانية عشر عشرَين، واليوم التاسع عشر والمكمل عشرِين من الدور الثالث فجمعوه لذلك. قال: قيل: وكره موافقة اليهود لأنهم يصومون العاشر، فأراد أن يخالفه بصوم التاسع. قلت: هذا هو الذي عليه أهل العلم. فصل التاء والعين ت ع س: قال تعالى: {فتعسًا لهم} [محمد: 8].

فصل التاء والفاء

التعس: السقوط والعثار. يقال: أتعسه الله أي كبه. وتعس هو يتعس تعسًا، وإذا عثر واحدٌ فدعي له قيل: لعًا له أي انتعاشًا. وإذا دُعي عليه قيل: تعسًا لك. قال: فالتعس أولى لها من أن أقول: لعًا. فمعنى تعسًا لهم أي انكبابًا وعثارًا وسقوطًا ونحو ذلك. وقال الفراء: تعست بفتح العين إذا خاطبت، فإذا صرت إلى فعل قلت: تعس بكسر العين. وأتعسه الله. قلت: وهذا غريبٌ إذ لا يختلف الفعل بالنسبة إلى إسناده إلى فاعل دون آخر إلا في عسى فقط كما بيناه. وفي حديث عائشة: «تعس مسطحٌ» وهذه اللام متعلقةٌ بمحذوف على سبيل البيان لا بالنفس كما بيناه في غير هذا. فصل التاء والفاء ت ف ث: قوله تعالى: {ثم ليقضوا نفثهم} [الحج: 29] أي ليزيلوا وسخهم ودرنهم الذي يجتمع عليهم حين أحرموا. وأصل التفث من وسخ الظفر وغيره من الأبدان. وقال الأعرابي لآخر: ما أتفثك وأدرنك! ولذلك فسره ابن عرفة: ليزيلوا أدرانهم. قال النضر بن شميل: التفث في كلام العرب: إذهاب الشعر. وفسره الأزهري بقص الشارب، ونتف الإبط، وحلق العانة، وقلم الأظفار، مما كان ممنوعًا منه محرمًا. وعن الأزهري أيضًا: التفث في كلام العرب لا يعرف إلا من قول ابن عباس وأهل التفسير رحمهم الله.

فصل التاء والقاف

فصل التاء والقاف ت ق ن: قوله تعالى: {صنع الله الذي أتقن كل شيءٍ} [النمل: 88] أي أحكمه. والإتقان: الإحكام للشيء والإتيان به على أتم صورة. وفي الحديث: «رحم الله من عمل شيئًا فأتقنه». يقال: أتقن يتقن فهو متقنٌ. وأما التقوى فأصل تائها واوٌ. فصل التاء والكاف ت ك أ: قال تعالى: {وأعتدت لهن متكأً} [يوسف: 31] المتكأ: ما يتكأ عليه من وسادة ونحوها، وقيل: هو مكان الاتكاء. والاتكاء: الاعتماد. وقيل: هو طعامٌ يتناول. يقال: اتكأنا على كذا. قال القتيبي: اتكأنا عند فلان أي أكلنا. وجعله بعضهم من باب الكناية لأن من يدعو الناس ليطعمهم هيأ لهم متكأً غالبًا. وأنشد لجميلٍ: [من الخفيف] 227 - فظللنا بنعمةٍ واتكأنا ... وشربنا الحلال من قلله قال الراغب: أي أترجًا. قلت: من جعله الأترج إنما قال ذلك في قراءة من قرأ مُتْكأً ومَتْكأً بسكون التاء قراءتان شاذتان وانشدوا: [من الوافر] 228 - فأهدت مُتكة لبني أبيها ... تخب بها العثمثمة الوقاح

فصل التاء واللام

وقيل: هو اسمٌ لما يقطع بسكينٍ كأترجٍ وغيره. وأنشدوا: [من الخفيف] 229 - نشرب الإثم بالصواع جهارًا ... ونرى المتك بيننا مستعارًا وفي الحروف قراءاتٌ لست بصدد بيانها هنا لذكرها في غير هذا. فمتكأ في قراءة العامة وزن مفتعل. فصل التاء واللام ت ل ل: قوله تعالى: {فما أسلما وتله للجبين} [الصافات: 103] أي صرعه على جنبه. يقال: تللته أتله تلا: صرعته، أصله من التل وهو المكان المرتفع؛ فمعنى تللته: أسقطته على التل. وقيل: بل هو من التليل، والتليل: العنق. فمعنى تللته: أسقطته على تليلة، ثم عبر به عن السقوط مطلقًا، وإن لم يكن على تل ولا تليل. والمتل: الرمح من ذلك، لأنه يتل به أي يطعن، فهو سبب السقوط. {وتله للجبين} مثلها في قوله: {يخرون للأذقان} [الإسراء: 107]. وقوله: [من الطويل] 230 - فخر صريعًا لليدين والفم والمتل بفتح الميم: اسم المصدر أو المكان أو الزمان، ومنه حديث أبي الدرداء: «وتركوك لمتلك» أي لمصرعك. وفي حديث آخر: «فجاء بناقة كوماء فتلها» أي أناخها.

والتل أيضًا: الصب. وفرقوا بين فعلهما فقالوا: تل يتل بالكسر: سقط. وتل يتل: صب، وفي الحديث: «بينا أن نائمٌ أتيت بمفاتيح خزائن الأرض فتلت في يدي». قال ابن الأعرابي: معناه صبت، قال ابن الأنباري: ألقيت. وعندي أن هذه كلها معانٍ متقاربة: السقوط والإلقاء والصب للقدر المشترك. قال الهروي: تأويل الحديث: ما فتحه الله لأمته بعد وفاته. وعندي أنه على غير ذلك، وهو سعة الدنيا، كما جاء مصرحًا بذلك في «الصحاح» وهو اللائق بصفة سيدنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم -. وإن كان ما قاله الهروي حسنًا فهذا أحسن. ت ل و: التلاوة: المتابعة. يقال: تلوت زيدًا أي تبعته. وغلب في العرف التلاوة على قراءة القرآن؛ فمنه قوله تعالى: {يتلونه حق تلاوته} [البقرة:121] لأن القارئ يتبع كل كلمة أختها. وقيل: {فالتاليات ذكرًا} [الصافات:3] قيل: هم الملائكة؛ يتلون وحي الله على أنبيائه أو يتلون ذكر الله بتسبيحهم وتقديسهم، أو هم كل من تلا ذكر الله من ملكٍ وغيره. وقوله: {تتلو كل نفسٍ ما أسلفت} [يونس: 30] أي تتبع عملها إن خيرًا فللجنة، وإن شرًا فللنار. وفي معناه: {يوم تجد كل نفسٍ ما عملت من خير محضرًا وما عملت من سوء تود} [آل عمران: 30] الآية. وقيل: تلاه: تبعه متابعةً ليس بينهما ما ليس منهما؛ فتارةً يكون بالجسم نحو: تلوت زيدًا، وتارةً بالاقتداء في الحكم ومصدره التُّلُو والتِّلْو، وتارةً بالقراءة وبفهم المعنى ومصدره التلاوة. فالتلاوة أخص من القراءة، وذلك أن التلاوة تختص باتباع كتبه المنزلة؛

تارة بالقراءة وتارة بالامتثال لما فيه من أمرٍ ونهيٍ وترغيبٍ وترهيبٍ، أو ما يتوهم فيه ذلك، وعلى هذا {يتلونه حق تلاوته} [البقرة: 121]. وقوله: {ويتلوه شاهدٌ منه} [هود: 17] أي يتبع أحكامه ويقتدي بها ويعمل بموجبها. وقوله: {واتبعوا ما تتلو الشياطين} [البقرة: 102] سماه تلاوةً تنزيلًا على اعتقاد الشيطان، فإنه كان يزعم أن ما يتلوه من كتب الله تعالى. وقوله: {والقمر إذا تلاها} [الشمس: 2] إنما قال تلاها لأن معناه هنا الاقتداء، وذلك لما قيل إن القمر مقتبسٌ من نور الشمس؛ فهو لها بمنزلة الخليفة. وعلى هذا نبه بقوله: {وجعل فيها سراجًا وقمرًا منيرًا} [الفرقان: 61]. فأخبر أن الشمس بمنزلة السراج؛ والقمر بمنزلة النور المقتبس منه. وعليه: {جعل الشمس ضياءً والقمر نورًا} [يونس: 5]، لأن الضياء أقوى من النور، فهو أخص منه. وقد ذكرنا هذه النكتة عند قوله: {ذهب الله بنورهم} [البقرة: 17] ولم يقل بضيائهم. وقوله: {يتلونه حق تلاوته} يحتمل القراءة بأن يقيموا ألفاظه من غير تحريف ولا لحن، ويتدبروا معانيه، ويحتمل الإتباع بالعلم والعمل، والأولى حمله على جميع ذلك. إلا أن قوم لفظه ولم يتبعه في العلم والعمل ليس بتالٍ وإن قرع دماغه. ومن تبعه في العلم والعمل تالٍ وإن لم يتلفظ به، وفي حديثٌ ذكرناه في موضعه. وفي الحديث: «لا دريت ولا تليت» أصله تلوت فقلبت الواو ياءً لازدواج الكلام كقوله: «ارجعن مأزوراتٍ غير مأجوراتٍ»، وقوله: «أيتكن صاحبة الجمل الأزب تنبحها كلاب الحوءب». يريد مأزوراتٍ، والأزب الكثير الشعر وفلانٌ يتلو على فلان ويقول عليه، أي يكذب.

فصل التاء والميم

والتلاوة بالضم والتلية: البقية مما يتلى أي يتتبع. وأتليته: أبقيت منه تلاوةً. فصل التاء والميم ت م م: والتمام: ضد النقصان، وهو عبارة عن انتهاء الشيء إلى حد لا يحتاج إلى شيء خارج عنه، والناقص: ما لم ينته إلى ذلك. ويقال: عددٌ تمامٌ وناقصٌ، وثوبٌ تمامٌ وناقصٌ، وليل تام، والليل التمام. ويقال: هو الطويل، عليه قول النابغة الذبياني: [من الطويل] 231 - يسهد من ليل التمام سليمها ... لحلي النساء في يده قعاقع ويقال: لكل حاملةٍ تمامٌ من ذلك؛ قال: [من الوافر] 232 - أني ولكل حاملةٍ تمام وقوله تعالى: {فتم ميقات ربه أربعين ليلة} [الأعراف: 142] إشارةٌ إلى أنه لم يتجوز فيها، فأطلق الكل وإن نقص بعض جزءٍ، لأن العرب قد تفعل مثل ذلك، يقولون: سرنا ثلاثة أيام، يريدون يومين وبعض الثالث، وعليه {الحج أشهرٌ معلوماتٌ} [البقرة: 197]، ومثل قوله: {فتم ميقات ربه}، قوله: {تلك عشرةٌ كاملةٌ} [البقرة: 196]. وقوله: {وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن} [البقرة: 124]، قال الفراء: فعمل بهن. وقال غيره: تم إلى كذا: بلغه ومضى عليه، وأنشد للعجاج: [من الرجز]

فصل التاء والواو

233 - لما دعوا: يال تميمٍ تموا ... إلى المعالي وبهن سموا وقوله: {تمامًا على الذي أحسن} [الأنعام: 154] أي على موسى بما أحسنه من طاعة ربه، أو تمامًا من الله على المحسنين. واختاره الزجاج. والتِّمُّ والتَّمُّ والتَّامُ بمعنى واحدٍ. وفي الحديث: «الجذع التام» ويروى «التم». وقوله: {وتمت كلمة ربك} [الأنعام: 115] أي حقت ووجبت لم ينقص منها شيء. والتمائم: خرزات تعلق على الصبي لدفع العين في زعمهم، فأبطل بها الرقى عليه الصلاة والسلام، قال الشاعر: [من الطويل] 234 - بلادٌ بها نيطت على تمائمي ... وأول أرض مس جسمي ترابها وقال أبو ذؤيب الهذلي في مرثيته: [من الكامل] 235 - وإذا المنية أنشبت أظفارها ... ألفيت كل تميمةٍ لا تنفع فصل التاء والواو ت وب: التوبة والتوب: الرجوع. يقال: تاب وثاب بالمثناة والمثلثة أي رجع من قبيح إلى جميل. وقوله: {وقابل التوب} [غافر: 3] كقوله: {وهو الذي يقبل التوبة من عباده} [الشورى: 25]. فالتوبة من الله على عباده: الرجوع بهم من المعصية إلى الطاعة. ومنه قوله: {فتاب عليكم} [البقرة: 54]. وقد يكون الرجوع بهم من الحظر إلى الإباحة، كقوله: {علم الله أنكم كنتم تختانون أنفسكم فتاب عليكم} [البقرة: 157] أي أباح

فصل التاء والياء

ما حظره. وقد يكون من الأثقل إلى الأخف، كقوله تعالى: {علم أن لن تحصوه فتاب عليكم فاقرؤوا ما تيسر} [المزمل: 20]. وقوله: {فتوبوا إلى بارئكم} [البقرة: 54] أي ارجعوا إلى أوامره وانتهوا عن نواهيه. والتواب: صيغةٌ مبالغةٌ يوصف بها الله تعالى لكثرة قبوله توبة عباده، والعبد لكثرة وقوعها منه إلى ربه، ومنه {وإليه متاب} [الرعد: 30] أي رجوعي إليه لا إلى غيره تعريضًا بإشراكهم معه آلهةٌ أخرى يجرعون إليها في شدائدهم. وقال بعضهم: التوب: ترك الذنب على أحد الوجوه، وهو أبلغ ضروب الاعتذار، فإن الاعتذار على ثلاثة أوجه: إما بـ «لم أفعل»، أو فعلت لكذا، أو فعلت وأسأت وقد أقلعت، وهذا هو التوب. والتوبة النصوح في قوله تعالى: {توبةً نصوحًا} [التحريم: 8] هي ترك الذنب لقبحه، والندم على فعله، والعزم على عدم معاودته، وتدارك ما أمكن تداركه، من رد ظلامة ونحوها، حسبما بيناه في «الأحكام» و «التفسير»، وهو معنى قوله تعالى: {ومن تاب وعمل صالحًا فإنه يتوب إلى الله متابًا} [الفرقان: 71]. ألا ترى كيف كرر لفظه وأكده بمصدره، وصرح بالعمل الصالح وضمن التوب معنى الإنابة، فلذلك عدي بإلى في قوله: {فإنه يتوب إلى الله} [الفرقان: 71] كقوله: {وأنيبوا إلى ربكم} [الزمر: 54]. فصل التاء والياء ت ي ر: قوله تعالى: {تارة أخرى} [طه: 55] أي مرةً أو كرةً أخرى، وهي فيما قيل في تأر الجرح أي التأم. وألفها الظاهر أنها عن واوٍ. ويجوز أن تكون عن ياءٍ. وتجمع على ترةٍ، وهي ترجح الياء، وتاراتٍ. قال الشاعر: [من الطويل]

236 - وإنسان عيني يحسر الماء تارةً ... فيبدو وتارةً يجم ويغرق وانتصابها على المصدر. والتورية تذكر في باب الواو. ت ي ن: التين: هذه الفاكهة المعروفة. قوله تعالى: {والتين والزيتون} [التين: 1] قيل: اسم لجبلين ينبتان التين والزيتون بالشام، يسميان بطور سيناء وطور زيتا. وقيل: التين مسجد نوحٍ المبني على الجودي، والزيتون مسجد بيت المقدس. وعن ابن عباس رضي الله عنهما: «هو تينكم الذي تأكلون وزيتونكم الذي تعصرون». وقيل: التين جبل دمشق، والزيتون جبل القدس، وفيهما أقوالٌ أخر تركناها لموضع أليق من هذا. وعن أبي ذر: «أنه أهدي إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم -مرة تينٌ. فقال: كلوا. وأكل منه، ثم قال: لو قلت: إن فاكهة نزلت من الجنة قلت: هذه؛ فإن فاكهة الجنة بلا عجمٍ فكلوها فإنها تقطع البواسير وتنفع من النقرس». ت ي هـ: قال تعالى: {يتيهون في الأرض} [المائدة: 26]. والتيه: الحيرة. تاه يتيه تيهًا كباع يبيع بيعًا؛ فهو تائهٌ أي حائرٌ. وتاه يتوه توهًا فهو تائهٌ؛ فيهما لغتان. وتيهته وتوهته نحو طيحته وطوحته. ووقع في التيه والتوه أي موضع الحيرة. وأصله من الأرضي التيهاء وهي المفازة المجهولة المسلك لعدم وجود منارٍ أو علمٍ بها، فمن سلكها حصل له التيه. ويستعار لمن رفع عن طريق القصد وانهمك في اللذة، فيقال: فلانٌ تياهٌ.

باب الثاء المثلثة

باب الثاء المثلثة فصل الثاء والباء ث ب ت: الثبات والثبوت: ضد الزوال. يقال: ثبت يثبت ثبتًا وثباتًا وثبوتًا أي، يقوي جنانهم حتى يجيبوا الملكين في القبر لما يسألنهم، وهو راجعٌ لما قدمنا؛ فإن تقوية الشيء يثتبه ولا يزيله. ومنه: {فثبتوا الذين آمنوا} [الأنفال: 12]؛ ألا ترى كيف قابله بقوله: {سألقي في قلوب الذين كفروا الرعب} [الأنفال: 12] ورجلٌ ثبتٌ وثبيتٌ أي لا يزول عن النصر في الحرب. واستعير للرجل الصدوق للزومه مقاله لا يتزلزل فيه. وقوله: {وتثبيتًا من أنفسهم} [البقرة: 256] أي طمأنينة لا قلق ولا تزلزل معها. ومثله قوله: {وثبت أقدامنا} [البقرة: 250] وقوله: {لثبتوك} [الأنفال: 30] يريد: ليفعلوا بك فعلًا يحسبونك به في ذهابك وحركتك نحو: أثبت الصيد إذا رميته، فحبس، وأثبت السهم من ذلك. وأصبح المريض مثبتًا: أي لا حراك به. والإثبات: يقال تارة بالبصر نحو: أنت ثابتٌ عندي، وأخرى بالبصيرة نحو: نبوة محمد -صلى الله عليه وسلم -ثابتةٌ عندنا، وتارةً بالقول صدقًا نحو: أثبت التوحيد والنبوة، أو كذبًا نحو أثبت فلان مع الله إلهاً آخر، وتارة بالفعل فيقال لما أوجده الله من العدم: أثبته الله. وتارة بالحكم نحو: أثبت القاضي على فلان دينًا، وثبته عليه. كل ذلك تابعٌ لما ذكرناه. وقوله: {وأشد تثبيتًا} [النساء: 66] أي أشد لتحصيل علمهم. وقيل: أثبت لأعمالهم واجتناء ثمرة أفعالهم. وأن يكونوا خلاف ما قال فيهم: {وقدمنا على ما عملوا من عمل فجعلناه هباءً منثورًا} [الفرقان: 23]. ث ب ر: قال تعالى: {دعوا هنالك ثبورًا} [الفرقان: 13]. الثبور: الهلاك، يقولون: واثبوراه! فيقال لهم: {لا تدعوا اليوم ثبورًا واحدًا} [الفرقان: 14] أي دعاءً واحدًا، بهذا القول بل كرروه فإنه لا يجدي عليكم شيئًا. وهذا

قبل أن يقال لهم: {اخسؤوا فيها} [المؤمنون: 108] لأنه منادى حالهم، وأصله المنع من الخير. يقال: ما ثبرك عن كذا؟ أي ما صرفك ومنعك. وثبرته عنه فهو مثبور. ولا شك أن الممنوع من الخير هالكٌ. والمثابرة على الشيء: المواظبه عليه. يقال: ثابرت على هذا الأمر، كأنه منعه أن يصرف إلى غيره. وقوله: {وإني لأظنك يا فرعون مثبورًا} [الإسراء: 102] أي هالكًا، وقيل: ناقص العقل لمقابلة قوله له: {مسحورًا} [الإسراء: 101]. ونقصان العقل أشد هلاكًا. وقيل: ملعونًا مطرودًا. والثبور: اللعن والطرد. وثبر الرجل: ذهب عقله من ذلك، لأن من يفقد عقله يهلك. وثبرت القرحة: انفتحت. وفي حديث أبي بردة حين قال له معاوية: «انظر إلى قرحتي فنظرت فإذا هي ثبرت». والثبرة: النقرة في الشيء، وهي أيضًا ما ينتقع فيه الماء من التلاع. والمثبر: مسقط الولد، وأكثر ما يكون في الإبل، وفي حديث أم حكيم بن حزام: «أنها ولدته في الكعبة فحمل في نطع وأخذ ما تحت مثبرها فغسل عند حوض زمزم». وثبير: جبل بقرب عرفة كأنه يهلك من يتوقله. قال امرؤ القيس: [من الطويل] 237 - كأن ثبيرًا في أفانين ودقة ... كبير أناس في بجادٍ مزمل وكانوا يقولون: أشرق ثبير حتى نغير، ثم يفيضون.

فصل الثاء والجيم

ث ب هـ: قال تعالى: {فانفروا ثبات أو انفروا جميعًا} [النساء: 71]. والثبات جمع ثبةٍ وهي الفرقة. والمعنى انفروا جماعات في تفرقة، يريد سرية في إثر أخرى. يقال: ثبيت الجيش جعلته ثبةٌ. قال يصف خيلًا: [من الطويل] 238 - فلما جلاها بالإيام تحيرت ... ثباةً عليها ذلها واكتئابها وثبيت على الرجل: ذكرت متفرق محاسنه. وأصل ثبة ثببةٌ لأنها بهاءٍ، فحذفت، وتجمع على ثباتٍ المشهور كسر تائها نصبًا كغيرها من جمع المؤنث السالم، وفيها لغية تنصيب فيها بالفتحة. وقرئ «فانفروا ثباتًا». ويروى قوله: تحيرت ثباتًا بالفتحة. أما ثبتة الحوض، وهي وسطه، فمن ثاب يثوب. والمحذوف عينها وليست من هذه في شيءٍ وإن اشتبه لفظهما. فصل الثاء والجيم ث ج ج: قال تعالى: {ماء ثجاجًا} [النبأ: 14] أي شديد الانصباب. ومنه: أتى الوادي بثجيجه. وثج الماء ثجًا فهو ثجاجٌ. وفي الحديث: «أفضل الحج العج والثج»؛ فالعج رفع الصوت بالتلبية، والثج: إسالة دم الهدايا. وفي حديث أم معبد: «فحلب فيه ثجًا». وعن الحسن في حق ابن عباس: «كان مثجًا» أي يصب الكلام صبًا؛ يصفه بغزارة العلم. يقال: ثججته أثجه فثج، والقاصر والمعتدي سواءٌ.

فصل الثاء والخاء

فصل الثاء والخاء ث خ ن: الإثخان: تكثير الشيء وتطبيقه بعضه على بعضٍ. ومنه ثوبٌ ثخينٌ أي متركب الغزل، قوي النسيج. وقوله تعالى: {ما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض} [الأنفال: 67] أي يكثر قتل العدو والمحارب، فتقوى شوكة دينه. وثخن جيشه على الاستعارة من ثخانة الثوب والعسل ونحوهما. كما يقال: ثخن الشراب يثخن ثخانةً فهو ثخينٌ إذا لم يسل وعسر صبه. وكان رأي أبو بكرٍ مفاداة الأسرى ورأي عمر في قتلهم، وكل له مقصدٌ صحيحٌ. فنزل القرآن بموافقة عمر، ولذلك فسره بعضهم بمعنى: حتى يمكن فيهم. وقال الأزهري: يبالغ في قتل أعدائه، وهو بمعنى الأول. والإثخان أيضًا: التشديد، ومنه أثخنه المرض أي اشتد عليه. وأثخنته الجراحة: تمكنت منه، ومنه {حتى إذا أثخنتموهم} [محمد: 4] أي بالغتم في قتلهم. وأنشد المفضل: [من الطويل] 239 - وقد أثخنت فرعون في كفره كفرًا أي بالغت وزادت. فصل الثاء والراء ث ر ب: قوله تعالى: {لا تثريب عليكم اليوم} [يوسف: 92]: لا تقريع ولا تبكيت. يقال: ثربت على فلانٍ: عددت ذنوبه عليه. وفي الحديث: «فليجلدها ولا يثرب» أي لا يقرعها بعد الضرب.

قال الراغب: ولا يعرف من لفظه إلا قولهم الثرب، وهو شحمةٌ رقيقةٌ: قلت معنى التثريب مشتق من الثرب، وهو شحمٌ رقيقٌ على القلب، ومعنى ثربته أزلت شحم فؤاده من شدة التقريع. فالتفعيل فيه للسلب، نحو قردت البعير أي أزلت قراده. ويجمع الثرب على ثروب، وثروبٌ على أثارب، ومنه الحديث: «نهى عن الصلاة إذا صارت الشمس كالأثارب» أي إذا خصت فتفرقت في مواضع، شبهت بسماحيق الشحم. وقوله: {يا أهل يثرب} [الأحزاب: 13]. قال الشاعر: [من الطويل] 240 - وقد وعدتك موعدًا لو وفت به ... مواعيد عرقوب أخاه بيثرب فبالمثناة مفتوح الراء اسم مكان آخر غير المدينة. وبعضهم يرويه بيثرب بالمثلثة والكسر أيضًا. ث ر ي: قوله: {وما تحت الثرى} [طه: 6] وهو التراب الندي الذي تحت هذا التراب الظاهر. وقيل: ما تحت الأرض السابعة. وثريت: ألقيت، أثريه تثرية: بللته. ويقال: ثرى المكان أي رشه، وفي الحديث: «أتى بسويق فأمر به فثرى» أي بل. وأثرى فلانٌ: كثر ماله حتى صار كالثرى، كقولهم: أثرت، وقد تقدم. والثراء بالمد: الغنى وكثرة المال. وفي حديث أم زرع: «وأراح علي نعمًا ثريًا» أي كثيرًا. وقال حاتمٌ: [من الطويل] 241 - أماوي ما يغني الثراء عن الفتى

فصل الثاء والعين

فالثرى بالقصر التراب، وبالمد: المال. فصل الثاء والعين ث ع ب: قوله: {ثعبانٌ مبينٌ} [الأعراف: 107] الثعبان: ما عظم من الحيات، والجان: ما دق منها. وعلى هذا فكيف يجمع بين قوله ثعبان وبين قوله جان؟ وأجيب بجوابين أحدهما أنها جامعةٌ حين تشكلها بين وصفي هذين الجنسين، أي في عظم الثعبان وخفة الجان. والثاني أنها في ابتداء تشكلها كالجان، ثم تتعاظم كالثعبان. وقال أب عبيدة: هي الحية، وأطلق. وقال غيره: الحية الذكر. وقال الراغب: يجوز أن يكون سمي بذلك من قولهم: ثعبته فانثعب، أي فجرته فانفجر، وأسلته فسال. ومنه مثاعب المطر. قلت: قوله صحيح لأنهم شبهوا هذا الجنس لقوة سعيه وخفة حركته بالماء الجاري. وفي الحديث: «يجيء يوم القيامة وجرحه يثعب دمًا». والثعبة: ضربٌ من الوزغ جمعه ثعبٌ. ولماكانت هيئته مختصرةً من هيئة الثعبان اختصروا له لفظًا من لفظه. فصل الثاء والقاف ث ق ب: الثقب: النفوذ، ومنه ثقب اللؤلؤ، وثقبت ثقبًا، مثل نقبت نقبًا وزنًا ومعنىً. قوله

تعالى: {النجم الثاقب} [الطارق:3] أي المضيء. ومثله: {شهابٌ ثاقبٌ} [الصافات: 10] كأنه يثقب بضوئه وإنارته ما يقع عليه. والمثقب: الطريق في الجبل، كأنه ثقبٌ وهو المنفذ للحيوان. قال أبو عمرو: والصحيح أنه مثقبٌ. وثقبت الناقة أثقبها إثقابًا أي أدركتها حيث ثقبت الأبصار. ويقال: ثقبها أيضًا فثقبت تثقب ثقوبًا. وقال الحجاج في ابن عباس: «إن كان لمثقبًا». أي ثاقب العلم. ث ق ف: الثقف: الحذق في إدراك الشيء وفعله. ومنه: رجلٌ ثقفٌ لثقفٌ، وثقفٌ لقفٌ. يقال: ثقفته أثقفته ثقفًا، وأثقفته إثقافًا أي أدركته إدراكًا بحذقٍ. وثقفته أي أدركته ببصري بحذقٍ، ثم تجوز به، فيستعمل في مجرد الإدراك، ومنه: {واقتلوهم حيث ثقفتموهم} [البقرة: 191] وقوله: {فإما تثقفنهم في الحرب} [الأنفال: 57] من ذلك. وثقفت الرمح: قومته: فهو مثقفٌ. والثقاف ما يثقف به. وفي حديث الغار: «غلامٌ ثقفٌ لقفٌ» أي فطنٌ، وامرأة ثقافٌ. وعن بنت عبد المطلب أم حكيمٍ: «إني حصانٌ فما أكلم وثقافٌ فما أعلم» أي حاذقةٌ. ويروى صناعٌ. ث ق ل: الثقل: يقابل الخفة، فكل ما رجح غيره بوزنٍ أو مقدارٍ فهو أثقل منه، وأصله في الأجسام، ويستعمل في المعاني، نحو قوله: {فهم من مغرمٍ مثقلون} [الطور: 40]، وأثقله الدين. والثقيل: غلب في الذم؛ يقولون: ثقيل الروح، وقد يمدح به بقرينة نحو قول الشاعر: [من الوافر]

242 - تخف الأرض إذا مازلت عنها ... وتبقى ما بقيت بها ثقيلًا حللت بمستقر العز منها ... فتمنع جانبيها أن تميلا والخفيف والثقيل يقالان باعتبارين؛ أحدهما بالنظائر؛ فيقال: هذا ثقيلٌ بالنسبة إلى أقل منه، وخفيفٌ بالنسبة إلى أكثر منه. والثاني باعتبار طبع الشيء؛ فما كان بطبعه مائلًا إلى الهبوط كالتراب والحجر والمدر فثقيلٌ، وما كان بطبعه مائلًا إلى الصعود كالنار والدخان فخفيفٌ. قوله: {انفروا خفافًا وثقالًا} [التوبة: 41] أي أصحاء ومرضى. وقيل: موسرين ومعسرين. وقيل: شبابًا وشيوخًا. وقيل: نشاطًا وكسالى. وقيل: خفت بكم. قوله: {وأخرجت الأرض أثقالها} [الزلزلة: 2] قيل: ما فيها من الموتى أخرجهم الحشر وقيل: ما فيها من الكنوز، وفيه حديثٌ. وقوله: {ثقلت في السماوات والأرض} [الأعراف: 187] قال القتيبي: أي خفيت، لأن ما خفي عليك يثقل. وقال ابن عرفة: ثقلت علمًا وموقعًا. قال الراغب: وقد يقال: ثقل القول إذا لم يطب سماعه، ولذلك قال في وصف القيامة: {ثقلت في

السموات والأرض}. قوله: {وإن تدع مثقلةٌ إلى حملها} [فاطر: 18] أي نفسٌ مثقلةٌ بأوزارها ومآثمها. قوله: {وليحملن أثقالهم وأثقالًا مع أثقالهم} [العنكبوت: 13] أي ذنوبهم التي ثبطتهم عن اكتساب الثواب فهذه أثقالهم وأثقالًا معها وهي أغواؤهم غيرهم حين أضلوهم عن الحق، كما يقول تابعوهم: {ربنا آتهم ضعفين من العذاب} [الأحزاب: 68]. قوله: {إن سنلقي عليك قولًا ثقيلًا} [المزمل: 5] أي له قدرٌ وخطرٌ. يقال: ثقلت الشيء: إذا وازنته. وقيل: إن معناه أن أوامر الله ونواهيه وفرائضه لا يؤديها أحدٌ إلا بتكلفٍ ما يثقل. قوله: {فلما أُثقلت} [الأعراف: 189] كنايةٌ عن ظهور حملها، لأنها تثقل عن الحركة. وقيل: معناه صارت ذات ثقلٍ نحو: أثقلت الأرض. قوله: {مثقال حبة} [الأنبياء: 47]، {مثقال ذرة} [النساء: 40] أي زنة ذلك. والمثقال ما يوزن به. قال الشاعر: [من الطويل] 243 - وكلا يوفيه الجزاء بمثقال وغلب في التعارف على قدرٍ مخصوص من الذهب لم يتغير جاهليةً ولا إسلامًا. قوله: {اثاقلتم إلى الأرض} [التوبة: 38] أي أخلدتم إليها. وقال البصريون: يقال: ثقلت إلى الأرض: اضطجعت عليها واطمأننت. قاثاقلتم: تفاعلتم من ذلك. وإنما أدغمت التاء في الثاء فسكنت، واجتلبت همزة وصلٍ، ومثله، {ادارأتم} [البقرة: 72] الأصل تدارأتم كما حققناه في غير هذا. وقيل: لأن ميلانهم إلى أسفل كالحجر. وقوله: {أيه الثقلان} [الرحمن: 31] هما الإنس والجنٌ. قيل: سميا بذلك لتثقلهما الأرض. وقيل: لأن لهما قدرًا وخطرًا، وذلك لما فضلا به عن سائر الحيوان من

فصل الثاء واللام

العقل والتمييز والتنال بالأيدي، ولاسيما بني آدم، لقوله: {ولقد كرمنا بني آدم} الآية [الإسراء: 70] وقوله عليه الصلاة والسلام: «إني تاركٌ فيكم الثقلين؛ كتاب الله وعترتي» فيه وجهان أحدهما: أن لهما قدرًا عظيمًا ووزنًا خطيرًا. ولذلك سميت بيضة النعام ثقلان ... وقال ثعلبٌ: لأن أخذهما ثقيل والعمل بهما ثقيلٌ. قوله: {فمن ثقلت موازينه} [الأعراف: 8] {ومن خفت موازينه} [الأعراف: 9] إشارةٌ إلى كثرة الخير والحسنات، وإلى قلتهما. والصحيح أن الأعمال توزن حقيقة بأن يجعلها القادر على كل شيء جزاء ما توزن فتثقل وتطيش. وقيل: هو عبارةٌ عن عدل الله وإنصافه، كما يعدل بالميزان من غير حيفٍ. وقد حققناه في «التفسير الكبير». فصل الثاء واللام ث ل ث: الثلاثة والثلاثون: عددان معلومان، والثلث والثلثان جزءان معلومان. قال تعالى: {فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع} [النساء: 3] أي اثنتين اثنتين، وثلاثًا ثلاثًا، وأربعًا أربعًا. على أن الواو بمعنى أو كما وقعت أو موقع الواو كما هو مقررٌ في موضعه. وقوله: {أولي أجنحة مثنى وثلاث ورباع} [فاطر: 1] كذلك الواو على بابها أو بمعنى أو. والظاهر أنها في الآيتين على بابها، وأن المعنى: لينكح بعضكم مثنى، وبعضكم ثلاث. وكذلك الملائكة بعضهم ذو مثنى وبعضهم ذو ثلاث. ومثنى وثلاث معدولون عن عدد مكرر. فمن ثم منع من الصرف. وزعم الظاهريون أنه يزوج بتسع لقوله: {مثنى وثلاث ورباع}، وذلك لجهلهم باللغة إذ كان يقتضي الظاهر أنه يجوز التزوج على

زعمهم بثمان عشرة امرأة لما ذكرنا من أن أصله عددٌ مكرر وقد تكلمنا معهم في «القول الوجيز» وغيره. وقوله: {ثلاث عورات لكم} [النور: 58] أي ثلاث أوقات عورات، وهي مفسرةٌ في قوله: {من قبل صلاة الفجر وحين تضعون ثيابكم من الظهيرة ومن بعد صلاة العشاء} [النور: 58] لأن الإنسان يلقي ثيابه من عليه هذه الأوقات، فيبدو منه ما يكره اطلاع غيره عليه. قوله: {لقد كفر الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثةٍ} [المائدة: 73] أي أحد ثلاثةٍ آلهة. قال أبو منصور: وذلك أنه متى أضيف فاعلٌ من العدد إلى مماثله كان معناه أنه أحدهما، فإن أضيف إلى ما تحته نحو: رباع ثلاثةٍ معناه جعل الثلاثة أربعةً. ويجوز تنويه ونصب ما بعده. قوله في الحديث: «شر الناس الثالث» يعني الساعي بأخيه لأنه يهلك ثلاثةً: نفسه وأخاه وإمامه. وثلث القوم: أخد ثلث مالهم. وثلثهم: صار ثالثهم. إلا أنهم فرقوا بينهما في المخارج، فقالوا في الأول: يثلثهم بالضم، وفي الثاني يثلثهم بالكسر. وثلثت الشيء: جعلته أثلاثًأ. وأثلث القوم: صاروا ثلاثة. وأثلث الدراهم: جعلتها ثلاثة، فأثلثت هي. ورجلٌ مثلوثٌ: أخذ ثلث ماله. وحبلٌ مثلوثٌ: مفتولٌ على ثالث قوىً. وأثلث الفرس وأربع: إذا جاء في الحلبة ثالثًا ورابعًا. وناقةٌ ثلوثٌ: تحلب من ثلاثة أخلاف. العنب: أدرك ثلثاه. وأثلث البسر إذا بلغ الإرطاب ثلثيه. وثوبٌ ثلاثيٌ: أي ثلاثة وثلث أذرعٍ. والثلاثاء والأربعاء قيل: ألف التأنيث بدلٌ من تائه نحو حسنةٍ وحسناء، وخصا بهذين اليومين. ث ل ل: قوله تعالى: {ثلة من الأولين} [الواقعة: 13]

فصل الثاء والميم

الثلة: الجماعة من الناس، وأصله من ثلة الغنم وهي جماعتها. ويقال لصوفها أيضًا: ثَلةٌ، وذلك بفتح الثاء بخلاف ثُلة الناس، فإنها بالضم فقط. فباعتبار الاجتماع قيل للجماعة من الناس: ثُلة، وكأنهم غايروا بين الجماعتين ليقع الفرق. قال: [من الرجز] 244 - لو أن نوقًا لك أو جمالًا ... أو ثلةً من غنم إما لا وأثللث عرضه وثَللتُه فهو مُثَلٌّ ومَثْلولٌّ أي أسقطت منه ثُلةً. ورئي عمر رضي الله عنه في المنام فسئل عن حاله فقال: «كاد يُثَلُ عرشي»، كنى بذلك عن هول المطلع. وإذا كان الحال كذا مع الفاروق فما ظنك بنا؟ قال القتيبي: العرض هنا إما كنايةٌ عن سرير الملك، وإما عن عرش الملك، وهو بيت ينصب من عيدان ويظلل، وأيهما كان فهدمه هلكةٌ لصاحبه. فكنى بذلك رضي الله عنه عن شدة الأمر وتفاقمه. وقيل: ثللت عرشه: هدمته. وأثللته: أمرت بإصلاحه. فالهمزة فيه للقلب، أي أزلت ثله وثللت كذا: تناولت ثلة منه. والثلل: قصر الأسنان لسقوط ثلة منها. وأثل فوه. سقطت أسنانه: تثللت الركية: تهدمت، وفي الحديث: «لا حمى إلا في ثلاث: ثلة البئر»؛ قال أبو عبيد: هو أن يحفر في أرضٍ غير ملك لأحدٍ، فله من حواليها ما تلقي فيها ثلة البئر، أي ما يخرج من ترابها فصل الثاء والميم ث م د: قوله تعالى: {وأما ثمود فهديناهم} [فصلت: 41]، فثمود مشتق من الثمد، وهو الماء القليل الذي لا مادة له. وكان لهم ثمدٌ قسمه صالحٌ بينهم وبين الناقة كما هو مشهورٌ في القصة. وقيل: لاشتقاق له لأنه أعجميٌ؛ فعلى الأول يمتنع من الصرف اعتبارًا بتأنيث القبيلة، وعلى الثاني باعتبار العجمة. وقرئ بالصرف وعدمه متواترًا حسبما

بيناه في مواضعه من «العقد النضيد» وغيره وفي الحديث: «فافجر لهم الثمد» أي اجعله يتفجر كثرةً بعد قلةٍ. ورجلٌ مثمودٌ أي ثمدته النساء فقطعن مادة مائه لكثرة غشيانه لهن. ورجلٌ مثمودٌ أيضًا: إذا كثر عطاؤه حتى هد مادة ماله. ث م ر: الثمر: حمل الأشجار، واحده ثمرةٌ، ثم يجمع على ثمار، ثم يجمع ثمارٌ على ثمرٍ بضمتين؛ ثم يخفف جوازًا بتسكين ثانيه، ومن ثم قرئ: {ليأكلوا من ثمره} [يس: 35] و {انظروا إلى ثمره} [الأنعام: 99] بذلك، وكذا {وأحيط بثمره} [الكهف: 42] فيه الخلاف حسبما بينا في مواضعه. وقيل: الثمر بضمتين هو المال، وبفتحتين هو حمل الشجر؛ يقال: ثمر الله مالك أي كثره. قال النابغة الذبياني: [من البسيط] 245 - مهلا فداءٌ لك الأقوام كلهم ... وما أثمره من مالٍ ومن ولد فكان ذلك من الثمر لأن صاحب المال يتعهده ويصلحه كما يفعل صاحب الثمرة. ويقال لحفظ الشيء أيضًا: تثميرٌ. قال: [من البسيط] 246 - لها أشارير من لحم تثمره ... من الثعالي ووخزٌ من أرانيها يريد من الثعالب وأرانبها، فأبدل الباء ياءً في اللفظتين. وقيل: الثمار والثمر بمعنى واحد ليس أحدهما جمعًا للآخر. وكل ما يقع صادرًا عن شيء يقال له: ثمرته؛ فثمرة

العلم العمل، وثمرة العمل النجاة من النار والفوز بالحسنى. والثميرة من اللبن ما تحلب من زبده تشبيهًا بالثمرة في هيئتها كتسميتهم عقدة طرف السوط ثمرة لذلك. وفي حديث ابن عباس: «فأخذ بثمرة لسانه» أي بطرفه، كما قيل في طرف السوط. ث م م: قال تعالى: {وإذا رأيت ثم رأيت} [الإنسان: 20] ثم: ظرف مكان وهو اسم إشارة للمكان البعيد حسًا أو حكمًا كما إذا قصد به التعظيم، أي وإذا رأيت في ذلك المكان العالي، ولا ينصرف بل يلزم النصب على الظرفية وبمعناه هنا وهناك. وقوله: {مطاع ثم أمين} التكوير: 21] إشارةٌ إلى رتبة جبريل وما هي عليه من علوها وارتفاعها وأنه لها مطاعٌ فيما يأمر غيره من الملائكة، أمينٌ على ما يتحمل من الوحي إلى أنبياء الله تعالى. قال الراغب: وثم إشارةٌ إلى المبتعد عن المكان، وهناك إلى المقترب، وهما ظرفان في الأصل. وقوله: {وإذا رأيت ثم} فهو في موضع المفعول. قلت: قوله: إشارةٌ إلى المبتعد ليس كما قال؛ إذا نصوا على أنه لا يشار به إلا للمكان. وهو قد جعل للمبتعد عن المكان. وقوله: إنه مفعولٌ ليس كذلك، لما قدمناه من أنه لا ينصرف. فأما إعراب الآية ففي الكتب المشار إليها غير ما مرةٍ. ثم: حرف عطفٍ يقتضي التراخي. وزعم قومٌ أنها لا ترتب مستدلين بقوله: {ولقد

خلقناكم ثم صورناكم ثم قلنا للملائكة اسجدوا} [الأعراف: 11]. ومعلومٌ أن خلقنا وتصويرنا بعد قوله للملائكة: اسجدوا. والجواب أنه على حذف مضافٍ؛ أي خلقنا أباكم آدم. والتراخي قد يكون في الزمان، وهو الأصل. وقد يكون في الترتيب كقوله تعالى: {ثم الدين كفروا بربهم يعدلون} [الأنعام: 1] حسبما هو مبين في غير هذا. والثمام: شجر يرعى. قال: 247 - على اطرقا باليات الخيام ... إلا الثمام وإلا العصي الواحدة ثمامة، وبها سمي الرجل. وثمت الشاة رعت الثمام، نحو شجرت: رعت الشجر. والثم بالفتح إصلاح البئر، ثممته أثمه ثمًا. وفي الحديث: «كنا أهل ثمه ورمه»، قال أبو عبيد: المحدون يروونه بالضم، والصواب عندي الفتح. والثم: إصلاح الشيء وإحكامه. ث م ن: الثمن: ما تشترى به السلعة، وغلب في النقدين. ويتجوز به عن الشيء المبتاع،

فصل الثاء والنون

كقوله: {ولا تشتروا بآياتي ثمًنا قيلًا} [المائدة: 44] سمى ما بذلوه من الآيات الهادية شراءً، وما تعوضوه من أعراض الدنيا ثمنًا. قال الهروي: جعل الثمن مشترى كسائر السلع، لأن الثمن والمثمن كلاهما مبيعٌ، ولذلك أجيز شريت بمعنى بعت. واختلفت عادات الناس في الثمن؛ فقيل: هو ما كان قيمة الأشياء، وقيل: ما يأخذه البائع في مقابلة سلعته عينًا أو سلعةً. وقيل: ما كان نقدًا، فهو ثمنٌ ليس إلا، وقيل: ما دخلت عليه الباء. وأثمنت الرجل متاعه، وأثمنت له: أكثرت الثمن. والثمانية والثمانون عددان معلومان. والثمن جزءٌ من ثمانية أجزاءٍ كالثلث من ثلاثةٍ. والثمين أيضًا من الثمن. قال الشاعر: [من الطويل] 248 - فما صار لي في القسم إلا ثمينها أي ثمنها. فصل الثاء والنون ث ن ي: قوله تعالى: {ثاني اثنين} [التوبة:40] أي أحد الاثنين، كـ {ثالث ثلاثة} [المائدة: 73] وهما سيدنا محمدٌ رسول الله -صلى الله عليه وسلم -وصاحبه الصديق، إذ قال عليه الصلاة والسلام له في الغار: «ما ظنك باثنين الله ثالثهما»، وقال تعالى: «ثاني عطفه» [الحج: 9] كنايةٌ عن التكبر نحو: صاعر خده، {ونأى بجانبه} [الإسراء: 83]، ولوى جيده وشدقه، كل ذلك كنايةٌ عن التكبر، فثاني اسم فاعلٍ من ثنى يثني كرامٍ. والثنى: العطف والتكرير، ومنه التثنية الصناعية، لأن فيها تكرير الاسم مرتين. وقوله تعالى: {ألا إنهم يثنون صدورهم} [هود: 5] أي يطوونها على سرهم، وكنى بذلك عن إعراضهم عن الحق وتكبرهم نحو {ثاني عطفه}.

ويقال: ثنيت الشيء ثنيًا أي كنت له ثانيًا، أو أخذت نصف ماله، أو ضممت إليه ما صار به اثنين. والثنى: ما يعاد مرتين. وامرأة ثنيٌ: تلد اثنين، وذلك الولد ثنيٌ أيضًا. وفي الحديث: «لا ثنى في الصدقة» أي لا تؤخذ في السنة مرتين. والثني من الضأن: ما دخل في السنة الثانية، ومن البقر ما سقطت ثنيته. وحلف يمينًا فيها ثنيٌ وثنوٌ، وهي ثنيةٌ. وفي حديث كعب: «الشهداء ثنية الله في الأرض» يريد أن الشهداء مستثنون من الصعقة، وذلك قوله: {فصعق من في السماوات ومن في الأرض إلا من شاء الله} [الزمر: 68]. فالله تعالى قد استثناهم بقوله: {أحياءٌ عند ربهم يرزقون} [آل عمران: 169] ومثنويةٌ وثنيا أي استثناءٌ؛ قال النابغة: [من الطويل] 249 - حلفت يمينًا غير ذي مثنويةٍ ... ولا علم إلا حسن ظن بصاحب والمثناة: ما ثني من طرف الزمام، قال: والثنيان: الذي يثنى به إذا عد السادات. والثنية من الجبل: ما يحتاج في سلوكه إلى صعودٍ وهبوطٍ، فكأنه ثنى سيرها. وفلانٌ ثنية أهله للمهاب عندهم استثقالًا له كاستثقال سير الثنية. والثنية: السير تشبيهًا بثنية الجبل في الهيئة. وفي في الإنسان أربع ثنايا: ثنيتان من أسفل وثنيتان من فوق، وهي مقدم الفم. ويليهن الرباعيات بالتخفيف. والثنيا والثنوى: ما يثنيه الجازر لنفسه من الصلب والرأس، وفي الحديث: «ناقةٌ مريضةٌ فباعها واشترط ثنياها» قيل: قوائمها رأسها. والثنيا أيضًا: المنهي عنها في الحديث، قال القتيبي: هو أن يبيع جزافًا، فلا يجوز أن يستثنى منه شيءٌ قل أو كثر. وقيل: إن يستثن شيءٌ يفسد البيع. والثنيا أيضًا في المزارعة هو أن يستثنى بعد النصف أو الثلث كيلٌ معلومٌ. والثنيا:

الاستثناء في اليمين. والثناء: ما يذكر من المحامد فيثنى ذكره حالًا فحالًا، ووقتًا فوقتًا. يقال: أثنى عليه فهو مثنى إثناءً. قال الشاعر: [من الكامل] 250 - يثني عليك وأنت أهل ثنائه وقال الآخر: [من الطويل] 251 - إذا مت كان الناس صنفان: شامتٌ ... بموتي ومثنٍ بالذي كنت أصنع والنثا بتقديم النون: ذكر المساوئ. قال تعالى: {كتابًا متشابهًا مثاني} [الزمر: 23] أنه يثنى، أي يكرر على مرور الأوقات وكر الأعصار، واختلاف الأحوال، فلا يمل ولا تخلق ديباجةٌ حسنةٌ، ولا تنقضي عجائبه، ولا تفنى فوائده، ولا تضمحل اضمحلال غيره من الكلام. وفي صفته: «لا يعوج فيقوم، ولا يزيغ فيستعتب، ولا يخلق على كثرة الرد». وقيل: قيل له: مثنى لما ثني فيه من القصص والأمثال. وقيل ذلك: من الثناء تنبيهًا أنه يظهر منه أبدًا ما يقتضي الثناء عليه من فوائده وإعجازه على من يتلوه ويعلمه ويعمل به. على هذا الوجه وصفه الله بالكرم في قوله: {إنه لقرآنٌ كريمٌ} [الواقعة: 77]، وبالمجد في قوله: {هو قرآنٌ مجيدٌ} [البروج: 21]. وقوله: {سبعًا من المثاني} [الحجر: 87]، قيل: أراد الفاتحة لأنها تثنى بالصلوات أو لأنها يثنى فيها تمجيده وتنزيهه. وقيل: لأنها أسست لهذه الأمة. وقيل: المثاني في التي تزيد على

المفصل وتقصر عن المئين. قيل لها مثاني كأن المئين جعلت مبادئ والتي تليها مثاني، قاله الهروي، وفيه نظرٌ لأن ما هذه صفته أكثر من سبع سورٍ. والمثانان: حبلٌ يربط بطرفه رجلا الدابة، وبطرفه الآخر يداها. قال طرفة: [من الطويل] 252 - لكالطول المرخى وثنياه باليد والمفرد ثنايةٌ، قال الهروي: ولم يقولوا ثناءتين لأنه حبلٌ واحدٌ يربط بطرفيه. قلت: وكان من حقه أن يقال: ثناوين بالواو أو ثناءين بالواو والهمز كـ: كساوين وكساءين، لكن لما لزمته علامة التثنية أشبه سقايةً فصحت ياؤه. وفي حديث عمر: «كان ينحر بدنته وهي باركةٌ مثنيةٌ بثنايين» أي معقولةٌ بالحبل في يديها ورجليها. وفي حديث ابن عمر: «من أشراط الساعة أن يقرأ بينهم بالمثناة فلا أحد يغيرها. قيل: وما المثناةٌ؟ قال: ما استكتب من غير كتاب الله تعالى». قال أبو عبيد: سألت رجلًا -يعني من أهل العلم بالكتب الأولى قد قرأها وعرفها -عن المثناة فقال: إن الأحبار من بعد موسى وضعوا كتابًا فيما بينهم على ما أرادوا من غير كتاب الله فهو المثناة. قال: فكأن عبد الله كره الأخذ عن أهل الكتاب. ثناء الشيء: ثانيه. وفي حديث عوف بن مالك، وقد سأل النبي -صلى الله عليه وسلم -عن الإمارة، فقال: «أولها ملامةٌ وثناؤها ندامةٌ وثلاثها عذابٌ يوم القيامة، إلا من عدل». فأما ثناء وثلاث بالضم فمعدولان كما تقدم. والاثنان والاثنتان والثنتان عددٌ معروفٌ يجري مجرى المثنى في الإعراب، وليس له واحدٌ من لفظه، فلا يقال: اثنٍ ولا اثنة. وقد يعرب كالمقصور في بعض اللغات فلا يضافان لما بعدهما بخلاف ثلاثةٍ فما فوقها إلى عشرةٍ، فلا يقال: اثنا رجلٍ وثنتا امرأةٍ، استغناء برجلين وامرأتين، فأما قوله: [من الرجز] 253 - كأن خصييه من التدلدل ... ظرف عجوز فيه ثنتا حنظل

فصل الثاء والواو

فضرورةٌ. قوله {أمتنا اثنتين وأحييتنا اثنتين} [غافر:11] اختلفوا فيه؛ فقال ابن عباسٍ وغيره: كانوا أمواتًا في أصلاب آبائهم فأحياهم ثم أماتهم الموتة التي في الدنيا، ثم أحياهم للبعث. فهاتان إماتتان وإحياءان، وهذا موافقٌ لقوله تعالى: {كيف تكفرون بالله} [البقرة: 28] الآية. وقال ابن زيد: كانوا في صلب آدم عليه السلام، فاستخرجهم فأحياهم وأخذ عليهم الميثاق {ألست بربكم قالوا بلى} [الأعراف: 172] ثم أماتهم في الدنيا الموتة التي لابد منها. ثم أحياهم للبعث وهو قريبٌ من الأول. وقيل: أماتهم في الدنيا الموتة المتعارفة، ثم أحياهم في القبور للمسألة، ثم أماتهم فيها ثم أحياهم للحشر. وإليه ذهب السدي، وهو حسنٌ لقربه من الحقيقة لأن الموت مستعقب حياة. قوله: {لا تتخذوا إلهين اثنين} [النحل: 51]؛ فاثنين للتأكيد كقوله: {نفخةٌ واحدةٌ} [الحاقة: 13]. وقيل: ليس للتأكيد، وتحقيقه في غير هذا الكتاب. فصل الثاء والواو ث وب: الثواب والمثوبة: الجزاء على الفعل من خيرٍ أو شر، وأصله من ثاب يثوب أي يرجع، فالثواب ما يرجع من الجزاء إلى العامل من حسنٍ وشيءٍ 0 وقيل: أصل الثواب رجوع الشيء إلى حالته الأولى التي كان عليها أو إلى حالة المقدر المقصودة بالفكرة، وهي الحالة المشار إليها بقولهم: آخر الفكرة أول العمل. فمن الأول: ثابت إليه نفسه، وثاب إلى داره. ومن الثاني: الثوب سمي بذلك لأن الغزل رجع إلى الحالة التي قدر لها بالفكرة، والثواب من ذلك. وإنما سمي الجزاء ثوابًا تصورًا أنه هو هو. ألا ترى كيف جعله نفس الفعل في قوله تعالى: {فمن يعمل مثقال ذرةٍ خيرًا يره} [الزلزلة: 7]، ولم يقل: يجزاه. والثواب وإن استعمل في الخير والشر كما تقدم إلا أنه غلب في الخير، وكذلك المثوبة والإثابة، فإن

وقعت المثوبة والإثابة في المكروه نحو: {قل هل أنبئكم بشر من ذلك مثوبةً} [المائدة: 60] {فأثابكم غمًا بغم} [آل عمران: 153]. فمن باب الاستعارة كاستعارة البشارة بالعذاب على التهكم، قيل: ولم يجئ التثويب في القرآن إلا في المكروه نحو: {هل ثوب الكفار ما كانوا يفعلون} [المطففين: 36]، معناه: جوزي، وهو تهكم أيضًا. وقوله {وثيابك فطهر} [المدثر: 4] حمل على ظاهره وقيل: أراد النفس كقول الشاعر: [من الطويل] 254 - ثياب بني عوفٍ طهارى نقيةٌ ... وأوجههم عند المشاهد غران وقيل: كنى بها عن القلب كقول عنترة: [من الكامل] 255 - فشككت بالرمح الطويل ثيابه ... ليس الكريم على القنا بمحرم وهذا وإن كان أمرًا له عليه الصلاة والسلام في الصورة فهو أمرٌ لنا في الحقيقة، فإن كل ما فسر به الثياب هو طاهرٌ منه عليه الصلاة والسلام. ويرشح كون ذلك كنايةً عن النفس أو القلب، قوله تعالى: {إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرًا} [الأحزاب: 33]، فالتطهير هنا من سائر الأدناس التي تتصف بها عندهم. وقيل: تقصيرها لأن تقصيرها يبعدها مما ينجسها. وعن ابن عباس: «لا تلبس ثيابك على فخرٍ وكبر». وأنشد: [من الطويل] 256 - فإني بحمد الله لا ثوب غادرٍ ... لبست، ولا من خزية أتقنع

قوله: {وإذ جعلنا البيت مثابةً للناس} [البقرة: 125]، قيل: مكانًا يثوبون إليه كل وقت على ممر الأيام وتكرر الأعوام، لا يملون منه. وقيل: مكانًا يكسبون فيه الثواب. ولا شك أنه موجودٌ فيه الأمران. ومنه إن فلانًا لمثابةً ولمثابًا، أي تأتيه الناس لمعروفه، ويرجعون إليه مرةً أخرى، فالمثابة والمثاب كالمقامة والمقام. قوله: {ثيباتٍ وأبكارًا} [التحريم: 5]؛ الثيبات جمع ثيبٍ؛ قيل: سميت بذلك لأنها توطأ وطأ بعد وطء، أي يراجع وطؤها. وقيل: لأنها ثابت عن الزوج أي رجعت عنه. وفي الحديث: «الثيب أحق بنفسها». وأصل الثيب ثيوب بزنة فيعل، فاجتمعت الياء والواو وسيقت إحداهما بالسكون فقبلت الواو ياء وأدغمت فيها الياء نحو ميت في ميوت. وأصل مثابة ومثاب مثوبةٌ ومثوبٌ، فنقلت حركة الواو إلى الياء، فتحرك حرف العلة في الأصل، فانفتح ما قبله، فقلب ألفًأ، ففي كل من اللفظتين ثقلٌ وقلبٌ. وأما مثوبٌ فأصلها مثوبة، فنقلت الضمة إلى اثاء؛ ففيها ثقلٌ فقط. والتثويب: [تكرار] النداء، ومنه تثويب الأذان، لأن فيه ترجيعًا، قيل: وأصله أن المستصرخ بلغ بثوبه عند ندائه. قال الراغب: والثبة: الجماعة الثائب بعضهم إلى بعضٍ في الظاهر. قال الشاعر: [من الوافر] 257 - وقد أغدو على ثبة كرام وثبة الحوض: ما يثوب إليه الماء. قلت: قد تقدم أن ثبة مما حذفت لامه، وهذا يعطي أن المحذوف عينه. وقد نص هو على أن الثبة بمعنى الجماعة مما حذفت لامه. قال: وأما ثبة الحوض فوسطه، وليست من هذا الباب كما ذكره في تلك المادة.

والثوباء: ما يعتري الإنسان فسمي بذلك لتكراره. ث ور: قوله تعالى: {وأثاروا الأرض} [الروم: 9] أي قلبوها بالحرث والزراعة والغرس وشق الأنهار. ومنه {تثير الأرض ولا تسقي الحرث} [البقرة: 71] معناه أنها لا تثيرها بالحرث فيقلب أعلاها. يقال: ثار الغبار والسحاب أي سطع وانتثر، يثور ثورًا وثورانًا، وقد أثرته أثيره إثارةً. وثارت الحصبة تشبيهًا بإثارة الغبار. وثار ثائره: انتثر حصبه. وثاوره: واثبه. والثور: اسم المذكر من البقر كأنه سمي بالمصدر لإثارته الأرض؛ فهو مصدرٌ في معنى الفاعل كصيف وطيف في معنى صائفٍ وطائفٍ. وفي الحديث: «سقط ثور الشفق» أي انتشاره وثوران حمرته. وفيه: «من أراد العلم فليثور القرآن»، قال شمر: فلينقر عنه بمقايسة العلماء وسؤالهم عن معانيه وتفسيره. وفي حديث عبد الله: «من أراد علم الأولين والآخرين فليثور القرآن». وأما الثأر -وهو طلب الدم -فليس من هذه المادة إذ أصله الهمز. ث وي: الثواء: الإقامة. قال تعالى {وما كنت ثاويًا في أهل مدين} [القصص: 45]. وقال الحارث بن حلزة: [من الخفيف] 258 - رب ثاوٍ يمل منه الثواء وقال الأعشى ميمون بن قيسٍ: [من الطويل]

259 - لقد كان في حول ثواء ثويته ... تقضي لبانات ويسأم سائم وقولهم: من أم مثواك؟ كنايةٌ عمن نزل به ضيفًا، أي من مضيفك؟ وقيده بعضهم فقال: هو من الإقامة مع الاستقرار. وقوله: {أليس في جهنم مثوى} [العنكبوت: 68] أي مكان ثواء. وأم مثواه أيضًا كنايةٌ عن امرأته. ويقال للضيف. ثويٌّ. وهو فعيلٌ بمعنى مفعول. وقرئ قوله: {لنثوينهم} و {لنبوئنهم} [العنكبوت: 58] من التبرئة والإثواء. ويقال: ثوى في المكان يثوي ثواءً وإثواءً. وقوله: {أكرمي مثواه} [يوسف: 21] أي مقامه عندنا. وفي حديث أبي هريرة: «تثويته» أي تضيفته. والثوية: مأوى الغنم. والله تعالى أعلم.

باب الجيم

باب الجيم فصل الجيم والألف ج ار: قال تعالى: {فإليه تجأرون} [النحل: 53]. الجؤار: الإفراط في الدعاء والتضرع. تشبيهًا بجؤار الوحشيات من الظباء ونحوها. وقيل: هو الصحيح، والاستغاثة، ورفع الصوت بذلك. وفي الحديث: «كأني أنظر إلى موسى له جؤارٌ إلى ربه بالتلبية»، معناه رفع الصوت. وقد جاء على قياس المصدر الدال على التصويت نحو البكاء والصراخ والعواء. فصل الجيم والباء ج ب ب: قوله تعالى: {وألقوه في غاية الجب} [يوسف: 10]؛ بئر لم تطو، سميت بذلك إما لأنها جبت من الأرض أي قطعت -والجب: القطع -وإما لأنها حفرت في الأرض الجبوب، وهي الغليظة. وجب النخل: قطعه. وبعيرٌ أجبٌ وناقةٌ جباء أي قطع سنامها. والمجبوب: غلب على المقطوع الذكر من أصله. وزمن الجباب في النخل كزمن الجذاذ فيها. وفي الحديث: «أنه مر بجبوب بدر»؛ قال القتيبي: هي الأرض الغليظة، وقال أبو عمروٍ: الأرض، وأطلق. وفي حديث

عائشة: «أن دفين سحر النبي -صلى الله عليه وسلم -كان في جب طلعة»، فسمى كوز الطلعة جبًا، تشبيهًا بالجب الذي هو البئر، ويقال: جف أيضًا؛ بالباء والفاء. وفي حديث ابن عباسٍ: «نهى عن الجب. فقيل له: ما الجب؟ فقالت امرأة عنده: هي المزادة، يخيط بعضها إلى بعضٍ وينتبذون فيها حتى ضريت، وهي المجبوبة أيضًا. والجيوب أيضًا: المدر واحده جبوبة، وفي حديث أم كلثوم: «جعل يلقي إليهم الجبوب». وقال عبيد بن الأبرص: [من مخلع البسيط] 260 - فرفعته ووضعته ... فكدحت وجهه الجبوب وفي حديث بعض الصحابة: «وقد سئل عن امرأة تزوجها: كيف وجدتها؟ فقال: كالخير من امرأة قباء جباء. قالوا: أوليس خيرًا؟ قال: ما ذاك بأدفأ للضجيع ولا أروى للرضيع». قيل: الأوفق للحديث: أن الجباء الصغيرة الثديين، والقباء: الخفيفة اللحم، وقيل: الخفيفة لحم الفخذين، كالبعير الأجب. وفي حديث عبد الرحمن: «أنه أودع فلانًا جبجبة فيها نوى من ذهبٍ»، الجبجبة: زنبيلٌ لطيفٌ من جلودٍ، والجمع جباجب. وفي الحديث: «المتمسك بطاعة الله إذا جببت الناس كالكار بعد الفار» جبب الرجل: إذ فر من الشيء مسرعًا. والجبة: التي تلبس من ذلك لأنها قطعت على قدر لابسها. وجبت المرأة النساء إذا فاقتهن حسنًا أي قطعتهن بحسنها. كما يقال: قطعته في حسنه.

ج ب ت: قوله تعالى: {يؤمنون بالجبت} [النساء: 51] الجبت في أصل اللغة الجبس، وهو الغسل الذي لا خير فيه. وقيل: التاء بدل من سين جبسٍ تنبيهًا على مبالغته في الغسولة كقول الشاعر: [من الرجز] 261 - عمرو بن يربوع شرار النات أي خساس الناس. والمعنى الغسالة وعدم الخير. قال ابن عرفة: الجبت كل ما عُبد من دون الله. وقال غيره. هم الكهان والسحرة والشيطان. ج ب ر: الجبر في أصل اللغة: إصلاح الشيء بضرب من القهر، ويقال تارة لمجرد الإصلاح. وعليه قول علي رضي الله عنه: «يا جابر كل كسير ومسهل كل عسير». وقالوا للخبز: جابر بن حبة، وأخرى لمجرد القهر؛ وعليه قوله عليه الصلاة والسلام: «لا جبر ولا تفويض». قال: [من الكامل] 262 - وانعم صباحًا أيها الجبر جعله نفس الجبر مبالغةٌ. ويجوز أن يطلق عليه لمجموع المعنيين، لأنهما من شأن السلطان. والإجبار في الأصل: حمل الغير على أن يجبر الآخر، لكن تعورف في الإكراه

المجرد نحو: أجبرته على كذا. وسمي الذين يدعون أن الله يكره عباده على المعاصي في عرف المتكلمين مجبرة، وفي عرف القدماء جَبْريةً، وجَبَريَّةً. يقال: جبرته على كذا وأجبرته عليه. وجبرته أي أصلحته، فانجبر واجتبر. وجبر بمعنى المطاوعة. قال: [من الرجز] 263 - قد جبر الذين الإله فجبر وهذا قول أكثر أهل اللغة. وقال بعضهم: قوله: فجبر، ليس مذكورًا على معنى الانفعال أي المطاوعة، بل على معنى الفعل، وإنما كرره تنبيهًا بالأول على ابتداء إصلاحه، وبالثاني على تتميمه، كأنه قال: قصد جبر الدين وإصلاحه، فابتدأ به فتمم جبره، لأن «فعل» تارة يقال لمن ابتدأ بفعلٍ، وتارة لمن فرغ منه. والجبار في صفة الإنسان غالبًا للذم كقوله تعالى: {وخاب كل جبارٍ عنيدٍ} [إبراهيم: 15]، {كذلك يطبع الله على كل قلبٍ متكبرٍ جبارٍ} [غافر: 35] أي متعالٍ عن قبول الحق والإذعان له، وذلك أن الجبار في الأناسي هو من يجبر نقيصته بادعاء منزلةٍ لا يستحقها. والجبار: كل من قهر غيره، وذلك من صفات الله عز وجل بطريق الاستحقاق كقوله: {العزيز الجبار المتكبر} [الحشر: 23]، وقوله: {وما أنت عليهم بجبار} [ق: 45]، أي لم تقدر على قهرهم على الإيمان كقوله: {إنك لا تهدي من أحببت} [القصص: 56] {لست عليهم بمسيطرٍ} [الغاشية: 22]. قالوا: ولتصور القهر بالعلو على الأقران قالوا: نخلةٌ جبارةٌ وناقةٌ جبارةٌ للعالية الباسقة. وقال الهروي: ناقةٌ جبارٌ، بلا هاء، وأجاز الراغب: جبارة بالهاء. وقيل: وصفه الله تعالى بالجبار من قولهم: جبرت الفقير لأنه هو الذي يجبر الناس

بفائض نعمه. وقيل: لأنه يقهرهم على ما يريده. وقد دققه بعضهم من حيث اللغة وبعضهم من حيث المعنى؛ أما من حيث اللغة فإن فعالًا ينبني من أفعل، فيكون: جبارٌ من أجبر. وأجيب عنه بأن جبارًا من الجبر المروي في الخبر: «لا جبر ولا تفويض» لا من الإجبار. وأما من حيث المعنى فإنه تعالى عن ذلك، وهذا قول المعتزلة. قال الراغب ردًا على المعتزلة: وليس بمنكر؛ فإن الله تعالى قد أجبر الناس على أشياء لا انفكاك لهم منها حسبما تقتضيه الحكمة الإلهية لا على ما يتوهمه بعض الغواة، وذلك كإكراههم على المرض والموت والتعب، وسخر كلًا منهم لصناعة يتعاطاها، وطريقة من الأعمال والأخلاق يتحراها، وجعله مجبرًا في صورة مخير؛ فإما راضٍ بصنعته لا يريد عنها حولًا، وإما كارهٌ لها يكابدها مع كراهيته لها، كأنه لا يجد عنها بدلًا، كقوله: {فتقطعوا أمرهم بينهم زبرًا كل حزبٍ بما لديهم فرحون} [المؤمنون: 53]. وقال تعالى: {نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا} [الزخرف: 32]. وعلى هذا الحد وصف بالقاهر، وهو لا يقهر إلا على ما تقتضي الحكمة أن يقهر عليه. وقد روي عن أمير المؤمنين رضي الله عنه: «يا بارئ المسموكات، وجبار القلوب على فطرتها» شقيها وسعيدها. وفسره ابن قتيبة: هو من: جبرت العظم، فإنه جبر القلوب على فطرتها من المعرفة وهذا تفسيرٌ ببعض ما يتأوله اللفظ. وجبروتٌ: فعلوتٌ، من الجبر زيد فيه للمبالغة كملكوت ورهبوت. وقولهم: استجبرت حاله: تعاهدت أن أجبرها. واشتق من الجبر الجبيرة وهي اللصوق من الخرق التي تشد على العظم.

والجبارة: الخشبة التي يشد عليها، وجمعها جبائر. ويسمى الدملوج جبارًا تشبيهًا بها في الهيئة. وقوله: «جرح العجماء جبارٌ» أي هدرٌ، والمعنى جبارٌ أي لا شيء فيه. والجبار أيضًا ما يسقط من الأرش، وهو شاملٌ لما تقدم. والعجماء: البهيمة. وفي حديث آخر: «الرجل جبارٌ»، قيل: معناه: أن الدابة إن أصابت إنسانًا بيدها فراكبها ضامنٌ، وإن أصابته برجلها فهدرٌ. قوله: {بطشتم جبارين} [الشعراء: 130] أي عاتين متمردين، وقيل: قتالين بغير حق. ومنه: {إن تريد إلا أن تكون جبارًا في الأرض} [القصص: 19]، قيل: عظيمًا من قولهم: نخلةٌ جبارة وناقةٌ جبارةٌ، أي عظيمة. وفي الحديث: «أربعون ذراعًا بذراع الجبار» هو ملكٌ من ملوك العجم، وقال ابن قتيبة: هو الذراع المنسوب إلى الملك الذي يقال له: ذراع الشاة. وقول الشاعر: [من الطويل] 264 - تجبر بعد الأكل فهو نميص إما لتصور معنى الاجتهاد والمبالغة، وإما لمعنى التكلف. ج ب ل: قوله: {والجبال أرساها} [النازعات: 32]. الجبال: جمع جبل، ويجمع أيضًا على أجبلٍ وأجبالٍ في القلة، واحدٌ من معناه ولفظه. والجبلة: هي الجماعة العظيمة من الخلق كقوله تعالى: {واتقوا الذي خلقكم

والجبلة الأولين} [الشعراء: 148]، ومنه قوله تعالى: {ولقد أضل منكم جبلًا كثيرًا} [يس: 62] أي خلقًا كثيرًا وجماعةً كثيفةً. وفي الحرف قراءاتٌ كثيرة متواترةٌ وشاذةٌ قد أتقنا جميعها والحمد لله في «العقد» و «الدر» وغيرهما. وقولهم: جبله الله على كذا اشتقاقًا من لفظ الجبل، ومعناه أنه لا يتحول عن طبعه المطبوع عليه، ومنه: [من المتقارب] 2658 - يراد من القلب نسيانكم ... وتأبى الطباع على الناقل وفلانٌ جبلٌ في العلم والعقل فهذا مدحٌ. وفلانٌ جبلٌ، يقال لثقيل الروح. وأجبل فلانٌ: لمن خاب سعيه. وأصله في من يحفر حفيرة، فيبلغ حجرةٌ لا يعمل فيها المعول، فيقال: أجبل أي بلغ الجبل، وهو في معنى أكدي من قوله تعالى: {وأعطى قليلًا وأكدى} [النجم: 34] أي بلغ الكدية. وقوله: {وترى الجبال تحسبها جامدةً وهي تمر مر السحاب} [النمل: 88]، لأن الأجرام الكثيفة كالجيوش الغزيرة، وإن كانت سائرة يحسبها رائيها أنها واقفةٌ. وقيل غير ذلك. ج ب ن: قوله تعالى: {وتله للجبين} [الصافات: 103] واحد الجبينين وهما جانبا الجبهة. وجبنته: ضربته على جبينه، نحو ركبته وكبدته. وأجبنته وجدته جبانًا أو

حكمت بجبنه. والجبن: الخور وضعف القلب. يقال: امرأةٌ جبانٌ ورجلٌ جبانٌ ويقابله الشجاع. والجبن: المأكول، الصحيح فيه الجبن بضمتين وتشديد النون. وجبن اللبن: صار كالجبن. ج ب هـ: قوله تعالى {فتكوى بها جباههم} [التوبة: 35]. الجباه جمع جبهة، والجبهة: ما اكتنفها الجبينان، وهي موضع السجود من الرأس. والجبهة لارتفاعها، ولأنها أعز الأعضاء عبر بها عن السادات في قولهم: هم جبهة قومهم، كقولك: هم وجوه الناس. وجبهت فلانًا: أخجلته، كأنك أظهرت الخجل في وجهه وجبهته، أو عبر بالبجهة عن الوجه لأنها أعز ما فيه، ولذلك أوثر لفظها في قوله: {فتكوى بها جباههم} على لفظ الوجوه عكس إيثار لفظ الوجوه عند ذكر السحب، فإن السحب من جميع الوجه. وجبهة الأسد نجم على التشبيه في الهيئة. قال: [من المسرح] 266 - بين ذراعي وجبهة الأسد وفي الحديث: "ليس في الجبهة صدقة"، فقال أبو عبيد: الجبهة: الخيل. وقال أبو سعيد: هم سروات الناس يسعون في تحمل الحمالة، فيعطن الإبل، لأن أحدًا لا يردهم، فإذا وجدهم الساعي فلا يأخذ منهم صدقة. وفي حديثٍ آخر: "إن الله أراحكم من الجبهة والسجة والبجة"، قال الهروي: الجبهة، المذلة، والسجة السجاج وهو المذيق، والبجة: الفصيد من الدم. وقال أبو عبيدٍ: هي أصنام.

ج ب ي: الاجتباء: الاصطفاء، من جبيت الماء في الحوض إذا جمعته مختارًا له، ومنه قوله تعالى: {ثم اجتباه ربه} [طه: 122]، فاجتباء الله عبده هو تخصيصه بفيضٍ إلهي تتجمع له أنواع من النعم، وذلك لتخصيصه أنبياءه مرسليهم وغير مرسليهم وبعض أوليائه من الصديقين والشهداء. وفي معناه: {إنا أخلصناهم بخالصةٍ ذكرى الدار} [ص: 46]، وقوله: {لولا اجتبيتها} [الأعراف: 203] أي اخترتها. وهذا تعريض منهم بأنك تختلق ما تأتي به. فأنت إذا شئت شيئًا أتيت به من قبل نفسك وقد كذبوا {أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوبٍ أقفالها} [محمد: 24]، {ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافًا كثيرًا} [النساء: 82]، وهذا معنى قول من فسرها: اختلقتها، كأنه فسر باللازم. وقد يجيء لمجرد الجمع، ومنه الجابية: وهي حفيرة تحفر لتشرب منها الإبل. وقوله تعالى: {وجفانٍ كالجواب} [سبأ: 13] هي جمع جابيةٍ؛ يصفها بالعظم. والجوابي: الحياض، لأنها تجبي إليها المياه، وجيء بها على صيغة اسم الفاعل كأنها هي التي تجبي الماء لنفسها أو ذات جبايةٍ نحو: {عيشةٍ راضيةٍ} [الحاقة: 21]. ومنه أيضًا: جبيت الخراج أي جمعمته، ويقال: جبوته أيضًا، وهو حسن الجبوة والجبية. وقوله: {يجبى إليه ثمرات كل شيء} [القصص: 57] أي تجلب وتجمع إليه. والجبا بالفتح والقصر: شفا البئر. وفي الحديث: "قعد عليه الصلاة والسلام على جبا البئر" وبالكسر: ما جمعته فيه من الماء. ومنه: "من أجبى فقد أربى"، قال أبو

فصل الجيم والثاء

عبيدٍ: الإجباء: بيع الحرث قبل أن يبدو صلاحه. ابن الأعرابي: أن يغيب إبله عن المصدق. يقال: جبأ عني أي توارى. وأجبأته: وايته. ورجل جبأ: هيوب للأمور. فعلى هذا أصله الهمز. وفيه: "يجبون، تجبية رجلٍ واحدٍ قيامًا لرب العالمين" وقيل: التجبية: أن ينكب على وجهه. وقيل: أن يضع يديه على ركبيته وهو قائم، قالهما أبو عبيدٍ، والثاني أوفق لقوله قيامًا وفيه: "بيت من لؤلؤةٍ مجباةٍ" أي مجوفة، قيل: أصلها مجوبة فقلبت وأعلت. فصل الجيم والثاء ج ث ث: جثة الشيء: شخصه الناتئ الظاهر، ومنه جثة الإنسان. والجثة: تقابل المعنى ومنه قول أهل العربية: ظرف الزمان يخبر به عن المعاني ولا يخبر به عن الجثث. والجث: ما ارتفع من الأرض كالآكام. والجثجات: نبت سمي بذلك لظهوره. والجثيثة: لما بان جثته بعد طحنه. وقول تعالى: {اجتثت من فوق الأرض} [إبراهيم: 26] أي قلعت، وأصله: اقتلعت جثتها. يقال: جثثته فانجث واجتث فهو منجث ومجتث انجثاثًا واجتثاثًا. والمجثة: ما تقلع به جثة الشيء. ج ث م: الجثوم: البروك، وأصله في الطائر؛ يقال: جثم الطائر إذا قعد ولطئ بالأرض. وقيل:

الجثوم في الناس والطير بمنزلة البروك في الإبل. وجثمان الإنسان شخصه قاعدًا. ورجل جثمة وجثامة كناية عن النؤوم والكسلان. والمجثمة: هي المصبورة، أي دابة تربط وتجعل عرضا فقول تعالى: {فأصبحوا في دارهم جاثمين} [الأعراف: 78] أي باركين على ركبهم. وقيل: ملقى بعضهم فوق بعض. ج ث و: الجثو كالجثوم معنى، ومنه قوله تعالى: {وترى كل أمة جاثية} [الجاثية: 28] أي باركة على ركبها. وقوله: {لنحضرهم حول جهنم جثيًا} [مريم: 68] أي باركين على ركبهم. وأصله من تجاثى القوم على ركبهم لأمرٍ عظيمٍ كالخصومة والحرب وفي الحديث: "من دعا دعاء الجاهلية فهو من جثا جهنم" الجثا: جمع جثوة، أي من جماعات جهنم. والجثوة في الأصل ما جمع. ويقال للقبر جثوة من ذلك. ويقال: الجثو على البطن. يقال: جثا يجثو جثوًا وجثيًا فهو جاثٍ، نحو عتا يعتو عتوًا وعتيًا فهو عات، والجمع جثى وعتي؛ فيشترك المصدر والجمع في إحدى الصيغتين والأحسن في "جثو وعتو" بالتصحيح أن يكونا مصدرين. وفي جثي وعتي بالإعلال أن يكونا جمعين. وقوله تعالى: {حول جهنم جثيًا} قالوا: يحتمل الجمع ويحتمل المصدر الموضوع موضع الجمل، إنما أعل "جثو وعتو" لاجتماع واوين في الآخر قبلهما ضمة، وهذا قد حققناه في موضع هو به أولى وذكرنا هنا القدر المحتاج إليه.

فصل الجيم والحاء

فصل الجيم والحاء ج ح د: الجحد والجحود هو الإنكار، ومنه: جحده حقه، وذلك في معرفة حقيقية ما يدعي عليه به. وقوله: {وجحدوا بها} [النمل: 14] ضمن معنى كفروا بها جاحدين. وقيل: الجحود: إثبات ما في القلب نفيه، أو نفي ما في القلب إثباته، وتجحد: تخصص بفعل ذلك. ورجل جحد: [شحيح] قليل الخير يظهر الفقر. وأرض جحدة: قليلة النبات. وأجحد: صار ذا جحودٍ. وجحدًا له ونكدًا مثل: سحقًا له وبعدًا، في الدعاء عليه. ج ح م: الجحيم: شدة توقد النار وإضرامها. وجحمت النار: أضرمتمها وزدت في توقدها ومنه: الجحيم أعاذنا الله منها، والجحمة: شدة لهبها؛ يقال: جحيم وجاحم. وجحمتا الأسد عيناه لشدة توقدهما وجحم وجهه: توقد من شدة الغضب على الاستعارة، وذلك لثوران حرارة القلب. ويقال: أحجمه -بتقديم الحاء على الجيم- أي تأخر. وأجحم -بتقديم الجيم- أي تقدم. فصل الجيم والدال ج د ث: قوله تعالى: {فإذا هم من الأجداث إلى ربهم يتسلون} [يس: 51] الأجداث: جمع جدثٍ وهو القبر. وتبدل ثاؤه فاء، فيقال: جدف وأجداف نحو: ثوم

وفوم، وثم وفم. قال الشاعر: [من البسيط] 267 - حتى يقولوا وقد مروا على جدثي: أرشدك الله من غازٍ وقد رشدا ج د د: قوله تعالى: {وأنه تعالى جد ربنا} [الجن: 3] اتخذ العظمة. وفي الحديث: "كان الرجل إذا قرأ سورة البقرة وآل عمران جد فينا" أي عظم، وقيل: فيضه الإلهي وقيل: ملكه وسلطانه. دان جدهم أي ملكهم وسلطانهم وإضافته إليه على سبيل اختصاصه بملكه. والجد: الحظ أيضًا والبخت، ومنه قوله عليه السلام: "ولا ينفع ذا الجد منك الجد" معناه لا ينفع صاحب البخث والغنى منك حظه ولا غناه إنما ينفعه منك طاعته لك وعبادته إياك. وقيل: لا يتوصل إلى ثواب الله في الآخرة بالحظوظ إنما يتوصل إليه بالطاعة الجد فيها. وهذا هو الذي أنبأ عنه قوله تعالى: {من كان يريد العاجلة} [الإسراء: 18]، {ومنكم من يريد الآخرة} [آل عمران: 152] الآيتين. ومثله في المعنى: {يوم لا ينفع مال ولا بنون} [الشعراء: 88]. وقيل: المراد بالجد الجد الذي هو أبو الأب أو أبو الأم، والمعنى لا ينفع أحدًا

نسبه كقوله: {فلا أنساب بينهم} [المؤمنون: 101] وكما نفي نفع المال والبنين في الآخرة بالآية الكريمة نفي نفع الأبوة في الحديث، أي لا ينفع أحدًا نسبه ولا أبوته. وقوله تعالى: {ومن الجبال جدد بيض} [فاطر: 27] جمع جدة وهي كل طريقٍ في الجبل يخالف لونها لون ما يجاورها، والمعنى طريقة ظاهرة من قولهم: طريق مجدود، أي مقطوع بالسلوك، ومنه جادة الطريق. والجدود والجداء من الضان: ما انقطع لبنها وجد ثدي أمه أي قطع؛ دعاء عليه بالهلكة. والجد: قطع الأرض المستوية. جد يجد جدًا. وجد في أمره جدًا: توانى، وأجد: صار ذا جد، وتصور من الجدد مجرد القطع فقيل: جددت الثوب: قطعته على وجه الإصلاح، ومنه ثوب جديد، ويقابل به الخلق لتقدم لبسه، ثم جعل الجديد لكل ما أحدث إنشاؤه؛ وعليه: {بل هم في لبسٍ من خلقٍ جديدٍ} [ق: 15] إشارة إلى النشأة الثانية. ومنه قيل للملوين الأجدان والجديدان لحدوث كل منهما عقيب الآخر. وفي الحديث: "وفيكم الجديدان" قيل: هما الليل والنهار. والجدة أيضًا: ساحل البحر، ومنه جدة: المكان المشهور. وكذا الجد والجد أيضًا: العظيمة. وفي بعض القراءات: {وأنه تعالى جد ربنا} [الجن: 3] بضم الجيم. والجد جد: الصرار في الصيف ليلاً يشبه الجراد.

ج د ر: الجدار: الحائط، إلا أن الحائط يقال باعتبار إحاطته، والجدار باعتبار نتوئه وظهوره ويجمع على جدرٍ، وقرئ بالوجهين قوله تعالى: {أو من وراء -جدارٍ و- جدرٍ} [الحشر: 14] لرسمها دون ألفٍ. ولمعنى النتوء والظهور قيل: جدر الشجر إذا أخرج ورقة كالحمص. والجدر: البنيان، لذلك واحده جدرة. وأجدرت الأرض: أخرجت ذلك. والجدر: أصل الشجر والزرع. وفي الحديث: "حتى يبلغ الماء الجدر". وجدر الصبي وجدر: خرج جدريه، تشبيهًا بجدر الشجر وهو الجدري. والجدرة سلعة تخرج في الجسد، جمعها أجدار. وشاة جدراء، وقوله: {وأجدر ألا يعلموا} [التوبة: 97] أجدر بمعنى أحق. يقال: هو جدير بكذا وحقيق به وقمن به وخليق به وأحق أي أولى وأحرى، وهو فعيل من ذلك لأن الجدير في الأصل هو المنتهى لانتهاء الأمر إليه انتهاء الشيء إلى الجدار. يقال: ما أجدره! وأجدر به! وهو أجدر من فلانٍ بهذا الأمر. وقد جدر فهو جدير. وقد جدرت الجدار: رفعته. والجيدر: القصير، اشتقاقًا من لفظ الجدار؛ زادوا فيه حرفًا مبالغةً وكل شيءٍ على سبيل التهكم والعكس كقولهم للأحدب: أبو القوام، وللعيي: خطيب. قال الشاعر: [من الرجز]. 268 - وبالطويل العمر عمرا جيدرا أي وبدلت بالعمر الطويل عمرًا قصيرًا.

ج د ل: المجادلة: المخاصمة والمقاوحة على سبيل المغالبة، وهي مذمومة في الأشياء الظاهرة غير المحتملة للجدال كقوله تعالى: {ما يجادل في آيات الله إلا الذين كفروا} {وجادلوا بالباطل} [غافر: 4 - 5] تنبيهًا أن الجدال قد يكون بحق وهو محمود ليظهر الحق كقوله: {ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن} [العنكبوت: 46] {وجادلهم بالتي هي أحسن} [النحل: 125] قيل: منسوخة بآية السيف، والظاهر أنها محكمة والمعنى في ذلك لا ينافي قتالهم. ومن محاسن كلام بعضهم: جدالهم لا ينافي جلادهم. وأصل الجدل قيل: من جدلت الحبل أي فتلته فتلاً محكمًا وهو الجديل، فكأن كلاً من المتجادلين يفتل صاحبه عن قوله إلى قوله. ثم استعمل في الإحكام المجرد، فقيل: جدلت البناء: أحكمته، ودرع مجدولة: محكمة النسج. والأجدل: الصقر لحسن تعليمه الصيد. والمجدل: القصر لإحكام بنائه. وقيل: أصله من القوة فكأن كلا من المتجادلين يقوي قوله ويضعف قول صاحبه؛ ومنه: الأجدل لقوته في الاصطياد به. وقيل: أصله من المصارعة والإلقاء على الجدالة، وهي الأرض. فكأن كلا منهما يريد أن يصرع صاحبه ويجعله بمنزلة من يلقيه بالجدالة. قال الشاعر: [من الرجز]. 269 - قد أركب الآلة بعد الآلة ... وأترك العاجز بالجداله وقوله: {وكان الإنسان أكثر شيء جدلاً} [الكهف: 54] أي مخاصمة كقوله: {فإذا هو خصيم مبين} [النحل: 4]. ورجل مجدول أي شديد الخلق. وفي الحديث: "أنا نبي في أم الكتاب وإن آدم لمنجدل في طينته"، قال الهروي: أي

فصل الجيم والذال

ساقط وأحسن منه ملقى وفيه: "أعزز بأن أراك مجدلاً تحت نجوم السماء" أي ملقى بالجدالة. وفي حديث: "العقيقة تقطع جدولاً" أي عضوًا عضوًا، يقال: جدل وشلو وعضو وإرب ووصل. فصل الجيم والذال ج ذ ذ: قوله تعالى: {عطاء غير مجذوذٍ} [هود: 108] أي غير مقطوع عنهم ولا مخترم. يقال: جذه يجذه جذًا: إذا قطعه، فقد وافق الحذاذ في معناه. وهذه ألفاظ تتقارب ومعانيها متحدة. وقد تقدم منه: ثاب، وتاب كلاهما بمعنى الرجوع. وكذا الجذ والحذ وكذلك عتا وعثا، كما سيأتي في مادة (ك ت ب) و (ك ث ب). وقد يقع بعض فروقٍ. والجذ أيضًا: التفتيت والتكسير، ومنه قوله تعالى: {فجعلهم جذاذًا} [الأنبياء: 58] أي قطعًا مكسرة وفتاتًا. وفعال قد يجيء في معنى المفعول نحو الحطام والفتات والرفات بمعنى محطوم ومفتوت ومرفوت. والجذيذ: السويق، لأنه يطحن ويفت. وفي حديث علي أنه أمر نوفًا البكالي أن "يأخذ من مزوده جذيذًا". والجذيذة: الشربة منه. وفي حديث أنسٍ: "أنه كان يأكل جذيذة قبل أن يغدو في حاجته" أي شربةً من سويق.

ج ذ ع: الجذع: ما تقادم من خشب النخل وغلب فيما بينها، ولذلك جعل آية لمريم عليها السلام في قوله: {وهزي إليك بجذع النخلة تساقط عليك رطبًا جنيًا} [مريم: 25] حيث كان جاريًا للعادة في مثله. وقوله تعالى: {ولأصلبنكم في جذوع النخل} [طه: 71]، يريد: في أخس ما يكون من النخل لهوانكم علينا، فلا نشغل بكم فيه منفعة من النخل المثمر وبالغ بأن جعل الجذوع ظروفًا لهم، وقيل: "في" بمعنى "على" كقوله: [من الكامل]. 270 - بطل كأن ثيابه في جذعه والجذع من الحيوانات ما لم يثن سنة؛ فمن الإبل ماله خمس، من الشاء ما له سنة، ولأهل اللغة فيه خلاف ليس هذا موضعه. وفي حديث ورقة: [من مجزوء الرجز]. 271 - ياليتني فيها جذع أي في نبوة محمد. وفي حديث علي رضي الله عنه: "أسلمت وأنا جذعمة" يريد جذعًا، فزاد ميمًا مبالغة نحو: زرقم، ودلامص. ويقال للدهر: جذع، تشبيهًا بالأحداث توهموا فيه عدم الهرم، ولذلك يقولون: الدهر يبلي ولا يبلى. وجمع الجذع في القلة أجذاع، وفي الكثرة جذوع. ولذلك أوثر في القرآن ليهول عيهم ما توعدهم. ج ذ و: قوله تعالى: {أو جذوة} [القصص: 29].

فصل الجيم والراء

الجذوة -مثلثة في السبع- هي القطعة من الحطب بعد التهاب النار فيها، جمعها جذى نحو غرفةٍ وغرفٍ، وجذى نحو كسرةٍ وكسر، وجذًا نحو جفنة وجفان. قال الخليل: جذا يجذوا مثل: جثا يجثو إلا أن جذا أدل على اللزوق به. يقال: جذا القراد في جنب البعير إذا اشتد التزاقه به. وأجذت الشجرة: صارت ذات جذوةٍ. ورجل جاذٍ، وامرأة جاذية وهما المجموع الباع تشبيهًا لديهما بالجذوة. في الحديث: "مثل المنافق مثل الأرزة المجذية" الأرزة: شجرة الصنوبر، والمجذية: الثابتة لما تقدم من الدلالة على اللزوق بالشيء يقال: جذت تجذو. وأجذت تجذي وعليه المجذية فأجذى هنا -كجذا- لازم. وقد جاء متعديًا في حديث ابن عباسٍ: "أنه مر بقومٍ يجذون حجرًا" أي يسألونهم امتحانًا لقواهم. ويقال: أجذوذت تجذوذي بمعنى جذت، قاله الهروي، وفيه نظر لأن افعلى أبلغ من فعل نحو: جلا واجلولى. فصل الجيم والراء ج ر ح: قوله تعالى: {والجروح ققصاص} [المائدة: 45] الجرح: تأثير الجسد بإدمائه ثم يستعار في تأثير الكلام، ومنه قل امرئ القيس: [من المتقارب]. 272 - وجرح اللسان كجرح اليد

وقوله تعالى: {وما علمتم من الجوارح} [المائدة: 4 ي يريد الكلاب والطيور المكلبة أي المعلمة. سميت جارحة لأنها تجرح ما تصيده أو لأنها تكسبه. والجرح: الكسب. ومنه قوله تعالى: {ويعلم ما جرحتم بالنهار} [الأنعام: 60] أي كسبتم. وفلان جارحة أهله أي كاسبهم. وجوارح الإنسان: ما يكتسب بها والاجتراح: اكتساب الإثم، وأصله من الجراحة. كما أن الاقتراف من القرف الذي للقرفة. والجرح: مقابل التعديل، مستعار من الجلد كما قال: 273 - وجرح اللسان كجرح اليد وفي الحديث: "قد استجرحت هذه الأحاديث" أي كثرت وقل صحاحها. ج ر د: قوله تعالى: {والجراد} [الأعراف: 133]. الجراد: معروف، واحدته جرادة، وقد يسمى بها. وضرب بها المثل في القلة نحو: "ثمرة خير من جرادةٍ". ويجوز أن يكون الفعل الملفوظ به مشتقًا من لفظه نحو: الجراد جرد الأرض. وبالأرض المجردة شبه الفرس المنحسر الشعر، والثوب الخلق لذهاب زهوته؛ فيقال: فرس أجرد وثوب أجرد. "وجرد القطيفة" على إضافة الصفة لموصوفها من غير تأويل، أو بتأويل بحسب المذهبين المعروفين. وبه شبه أيضًا التجرد من الثياب فيقال: تجرد فلان من ثيابه. والمتجرد: الجسد لأنه يتجرد عن الثياب. وفي صفته عليه الصلاة والسلام: "كان أنور المتجرد" أي مشرق الجسد. وقال طرفة: [من الطويل].

274 - رحيب قطاب الجيب منها، رقيقة بجس الندامى بضة المتجرد وفي الحديث: "جردوا القرآن" قيل: معناه جردوه من الأحاديث. قال أبو عبيد: أي التي يرويها أهل الكتاب لكونهم غير مأمونين. وعندي أنه لا يحتاج إلى هذا التأويل لأنهم أمروا بتجريد القرآن من الأحاديث، لئلا يختلط القرآن بغيره، فيشتبه على من لا علم عنده القرآن بغيره، ولذلك أوجبت الصحابة أن لا يخلط شيء من تفسيره به، بل يميز عنه بخطٍ آخر. ولذلك قيل: إن مصحف ابن مسعودٍ لما خلطه بغيره من التفسير رغبوا عنه. وقال إبراهيم: أي من النقط والتعجيم. قلت: ولذلك كتبه الصحابة مجردًا من النقط والإعجام زمن عثمان. والنقط والضبط محدث أحدث يحيى بن معمرٍ زمن عبد الملك. والجريدة: السعفة، جمعها جريد، سميت بذلك لتجردها عن خوصها وقال الراغب: في معنى: "جردوا القرآن" أي: لا تلبسوه شيئًا آخر ينافيه. والمنجرد: الفرس الأجرد. ومنه قول امرئ القيس: [من الطويل]. 275 - وقد أغتدي والطير في وكناتها بمنجردٍ قيد الأوابد هيكل وانجرد بنا السير: على التشبيه بسير الجراد. ج ر ر: قوله: {وأخذ برأس أخيه يجره إليه} [الأعراف: 150]. الجر: الجذب بعنفٍ. يقال: جررت الشيء أجره جرًا: إذا جذبته جذبًا شديدًا. والجريرة: الجناية؛ يقال: لا

تؤاخذنا بالجريرة أي بجرائمها. وفي حديث لقيطٍ: "ثم بايعه على أن لا يجر عليه إلا نفسه" أي لا يؤاخذ بجريرة غيره، كقوله تعالى: {ولا تزر وازرة وزر أخرى} [الأنعام: 164]. وفي الحديث: "أن امرأة دخلت النار من جراء هرة" يروى بالمد والقصر، أي: من أجلها، كأنه بمعنى: هو الذي جر إليه ذلك. وفي الحديث أيضًا: " ... " أي من أجلي. وفيه: "لا صدقة في الإبل الجارة" أي التي تجر بأزمتها، يريد العوامل؛ جعل فاعلاً بمعنى المفعول نحو: سر كاتم، وليل نائم، وماء دافق. والجريرة: الزمام؛ ومنه سمي جرير الشاعر المشهور. والجر أيضًا: السحب. ومنه قول امرئ القيس: [من الطويل]. 276 - وقفت بها أمشي تجر وراءنا ... على أثرينا ذيل مرطٍ مرحل والجرر: جمع جرةٍ. وفي الحديث: "الذي يأكل في إناءٍ من فضةٍ إنما يجرجر في جوفه نار جهنم" أي ينحدر فيه، وأصله من جريرة الماء في الحلق، وهو صوت وقعه في الحلق. وقال الزجاج: يجرجره أي يردده. ج ر ز: قال: {صعيدًا جرزًا} [الكهف: 8]. والجرز: الأرض التي لا نبات بها، وأصله من الجرز وهو القطع؛ يقال: جرزت الجراد الأرض أي أكلت نباتها. وجرزت الأرض أجرزها جزرًا: استأصله. ومنه: السيف الجراز، أي القاطع. وجرزت الأرض

فهي جروزة، والجروز: الذي يأكل ما قدم إليه؛ يستوي فيه الذكر والأنثى؛ يقال: رجل جروز، وامرأة جروز. قال الشاعر: [من الرجز]. 277 - إن العجوز حية جروزًا ... تأكل كل أكلةٍ قفيزًا ج ر ع: الجرع: شرب الماء. وجرعه: شربه بتكلفٍ، وعليه {يتجرعه ولا يكاد يسيغه} [إبراهيم: 17] يقال: جرعت الماء أجرعه جرعًا. وتجرعته تجرعًا، وجرع يجرع. والجرعة: قدر ما يجرع، كالأكلة والغرفة قدر ما يغرف ويؤكل. وفي المثل: "أفلت بجريمة الذقن" وأفلت يكون لازمًا كما تقدم ومتعديًا، ومنه: أفلتني بجريعة الذقن، ويروى: جريعة دورنا. والجرعاء: أرض لا تنبت شيئًا كأنها تتجرع البذر. أرض جوعاء، ومكان أجرع. قال الشاعر: [من الطويل] 278 - حمامة جرعا حومة الجندل اسجعي فأنت بمراى من سعاد ومسمع ونوق مجاريع أي لم يبق من لبنها إلا قدر الجوع. ج ر ف: قوله: {شفا جرفٍ} [التوبة: 109].

الجرف: المكان الذي يأكله الماء من سيلٍ وغيره، فيجرفه أي يذهب به. ومنه: اجترف الدهر ماله، وطاعون جارف من ذلك. وجرفت الشيء: قشرته، وكذلك جلفته. وفي الحديث: "ليس لابن آدم إلا بيت يكنه وثوب يواريه وجرف الخبز" جمع جرفة، وهي الكسرة. ومنه جلف وجلفة. ورجل جراف: نكحة، كأنه يجرف في ذلك العمل. ج ر م: قوله تعالى: {لا جرم أن الله يعلم} [النحل: 23] ونحوه. قيل: "لا" نفي لكلامٍ قبلها، وجرم: فعل ماضٍ معناه كسب، وقيل: حق، وقيل: وجب، وقيل: حقًا. ويتلقى بما يتلقى به القسم. وقال الفراء: معناه تبرئةً بمعنى: لا بد، ثم استعملته العرب في معنى حقًا. قلت: فإذا قيل: إن رد الكلام متقدم فيكون جرم فعلاً ماضيًا وأن وما في خبرها في موضع رفعٍ بالفاعلية له كأنه حق. وحيث علم الله سرهم وعلنهم، وإن فسرناه بمعنى كسب، كان أن وما في خبرها في موضع المفعول، والفاعل مضمر أي كسب الحق علم الله سرهم وعلنهم. وقد حققنا هذا بكلامٍ طويلٍ في "الدر المصون" وغيره. وقوله تعالى: {ولا يجرمنكم شنآن قومٍ} [المائدة: 2] أي لا يكسبنكم بغض قومٍ على الاعتداء، وكذلك {لا يجرمنكم شقاقي} [هود: 89] أي لا يحملنكم خلافي وبغضي. ويقال: جرم أجرم، ومن الثاني: {فعلي إجرامي} [هود: 35]. وفلان جريمة

أهله أي كاسبهم. واجترم بمعنى اكتسب. والجريمة: ما يكتسبه الإنسان. وفي الحديث: "لا والذي أخرج العذق من الجريمة والنار من الوثيمة" قيل: الجريمة: النواة والوثيمة: الحجارة المكسورة. وأصل: الجرم: قطع الثمر عن الشجر، والثمر: جريم، والجرام: الرديء منه، أتي به على بناء النفاية. وأجرم: صار ذا جرمٍ، واستعير لكل اكتسابٍ، إلا أنه غلب في المكروه، ومصدره الجرم. وجرمت صوف الشاة: استعارة من جرم الثمر. والجرم في الأصل: اسم للشيء المجروم أي المقطوع، وجعل اسمًا للجسم المجروم، ثم أطلق على كل جسمٍ ويطلق الجرم على الصوت في قولهم فلان حسن الجرم. قيل: الجرم في الحقيقة إشارة إلى موضع الصوت لا إلى ذات الصوت، ولكن لما كان المقصود بوصفه بالحسن فسر به، كقولك: فلان طيب الحلق إشارة إلى الصوت لا إلى الحلق نفسه، قاله الراغب: وهو حسن. وقد حصل أن الجرم مثلث باختلاف معانٍ كما تقدم بيانه. قال: وجرم وجرم بمعنى، ولكن خص بهذا الموضع كما خص "عمرو" بالقسم وإن كان عمرو وعمر بمعنى. ومعناه: ليس بجرم لنا أن لهم النار تنبيهًا أنهم اكتسبوها بما ارتكبوه إشارة إلى نحو: {ومن أساء فعليها} [فصلت: 46] وقول الشاعر يصف عقابًا: [من الوافر]. 279 - جريمة ناهضٍ في رأس نيقٍ فسمى ماتكتسبه جرمًا؛ إما لأنها تقتل ما تصيده وإما لأنها ترتكب جرائم، إشارة إلى قول من قال: ما كان ذو ولد وإن كان بهيمة إلا ويذنب لأجل أولاده. ج ر ي: الجري: المر السريع، وأصله في الماء أو ما يجري مجراه، ومنه قوله تعالى: {تجري من تحتها الأنهار} [البقرة: 25] فيه مجازان: أحدهما: من تحت أشجارها

فصل الجيم والزاي

وقصورها وفرشها كما نقلناه مجردًا في "التفسير". والثاني: إسناد الجريان للأنهار، والأنهار لا تجري لأنها الأخاديد، ولنا فيه كلام حققنا وجه المجاز فيه. وقوله: {حملناكم في الجارية} [الحاقة: 11] يعني السفينة وجمعها جوارٍ، كقوله: {وله الجوار المنشآت} [الرحمن: 24] {ومن آياته الجوار في البحر} [الشورى: 32]. يقال: جرى يجري جريًا وجريانًا. والجري: الرسول أو الوكيل الجاري، فهو أخص من الوكيل والرسول. وقوله: {أولياء الشيطان} [النساء: 76] يجوز أن يحمل على مجرد الجري أي لا يحملنكم على الجري في طاعته وانتمائه. وأن يحمل على معنى الجري أي الرسول أو الوكيل ومعناه: لا تتلو وكالته ولا رسالته. يقال: جريت جريًا. وقوله: {بسم الله مجراها ومرساها} [هود: 41] يقرأ بضم الميم أي إجراؤها، وبفتحها أي جريها. وقوله: {فالحاملات وقرا} [الذاريات: 2] قيل: هي الملائكة الجارية في أوامر الباري ونواهيه، وقيل: هي السفن يسر جريها بما سخر من البحر والريح. والأجر: العادة التي يجري عليها الإنسان. والجرية: الحوصلة لإمالتها الطعام في الجري إليها، أو لأنها مجرى الطعام. فصل الجيم والزاي ج ز أ: الجزء: بعض الكل، وجمعه أجزاء، وقيل: جزء الشيء ما تتقوم به جملته كأجزاء البيت، وأجزاء الحساب مثل الآحاد لجملة العشرة وأجزاء السفينة. والجزء: يعبر به عن

النصيب كقوله تعالى: {لكل بابٍ منهم جزءٌ مقسومٌ} [الحجر: 44] وهو داخلٌ فيما تقدم. وقوله: {وجعلوا له من عباده جزءًا} [الزخرف: 15] إشارةٌ إلى قولهم: الملائكة بنات الله، فجعلوهم بعضه لأن الولد جزءٌ من والده، تعالى اله عما يقولون علوًا كبيرًا. وقال قتادة: عدلاً. وقيل: إناثًا. والجزء اسم للأنثى. وأجزأت المرأة: ولدت أنثى. قال الأزهري: ما أدري ما وجه صحته. قال الهروي: قد جاء هذا الحرف في الشعر، وأنشد للنابغة: [من البسيط]. 280 - إن أجزأت حرة يومًا فلا عجب قد تجزئ الحرة المذكار أحيانًا قلت: قد أنكر الناس إثبات هذا لغة أشد نكيرٍ وجعلوه مصنوعًا. وأنشدوا أيضًا قول الآخر، وقالوا إنه موضوع: [من البسيط]. 281 - زوجتها من بنات الأوس مجزئة حتى قال الزمخشري: ومن بدع التفاسير تفسيرهم الجزء بالأنثى، وما هو إلا كذب على العرب، ووضع مستحدث منحول. ويقال: جزأ الإبل مجزأ. وجزءًا: اكتفى بالعلف عن شرب الماء. ومنه الإجزاء عن الشيء وهو الاستغناء عنه. يقال: أجزأ يجزئ إجزاء. واجتزأت بكذا: اكتفيت به.

والإجزاء عند المتكلمين: موافقة الأمر للاكتفاء به. وقيل: سقوط القضاء للاكتفاء به أيضًا. وبين العبارات فرق ظاهر ليس هذا موضع بيانه. وجزأة السكين نصابها: تصورًا أنه جزء منها. ج ز ع: الجزع: هو الحزن. وقيل: هو أخص منه؛ فإنه حزن يمنع الإنسان، ويصرفه عما هو بصدده، ويقطعه عنه. وأصله القطع. يقال: جزعت الحبل قطعته لنصفه فما تجزع، وتصور منه قطع الوادي، فقيل: جزعنا الوادي: قطعناه عرضًا. وقيل: بل هو قطعه مطلقًا. وفي الحديث: "وقف على محسر فقرع راحلته فخبت به حتى جزعه" فالجزع بالفتح المصدر، والجزع بالكسر: منطقع الوادي. ولانقطاع اللون بتغيره قيل للخرز المتلون: جزع. ومنه استعير: لحم مجزع أي ذو لونين. وقيل: مبضع. وفي الحديث: "فتفرق الناس إلى غنيمةٍ فتجزعوها" أي اقتسموها قطعًا. والبسر المجزع: ما بلغ الإرطاب نصفه. والجازعة: الخشبة المجعولة وسط البيت، جعل عليها رؤوس خشبه، تصوروا أنه قطع لثقل ما يحمله، أو أنه قطع وسط البيت. يقال: جزعته أي جزمت جزمًا: قطعني عن شغلي. وقيل: هو الفزع، ومنه قوله: {أجزعنا أم صبرنا} [إبراهيم: 24] قال: [من الطويل]. 282 - جزعت ولم أجزع من البين مجزعا وعزيت قلبًا بالكواعب مولعا وقال كعب بن زهيرٍ يمدح المهاجرين رضي الله عنهم أجمعين: [من البسيط] 283 - ليسوا مفاريح إن نالت رماحهم قومًا وليسوا مجازيعًا إذا نيلوا

مفاريح ومجازيع جمع مفراح ومجزاع: وهو الكثير الفرح والجزع مبالغة: جعل نفس ما يفرح له ويجزع، نحو مقراض ومنقاش لما يقرض به وينقش. ج ز ي: قوله تعالى: {لا تجزي نفس عن نفسٍ شيئا} [البقرة: 48] أي لا تغني ولا تقضي ولا تنوب، كله بمعنى. وفي الحديث: "يجزيك ولا يجزي أحدًا" "ويجزيك من هذا الأمر الأقل أن تقضي وتنوب". ومعنى قولهم: جزاك الله خيرًا أي قضاه ما أسلف. قال الهروي: فإذا كان بمعنى الكفاية قلت: جزأ الله عني، مهموزًا وأجزاه. قال الراغب: الجزاء: ما فيه الكفاية من المقابةل إن خيرًا فخير وإن شرًا فشر. يقال: جزيته كذا وبكذا. قال تعالى: {ذلك جزيناهم بما كفروا} [سبأ: 17]. وقال {وجزاهم بما صبروا جنة وحريرًا} [الإنساك: 12]. والجزية: ما يعطيه أهل الذمة، سميت بذلك لأنها تجزي في حقن دمائهم. قال: ويقال: جزيته بكذا أو جازيته، ولم يجيء في القرآن إلا جزى دون جازى، وذلك أن المجازاة هي المكافأة، والمكافأة مقابلة نعمةٍ هي كفؤها. ونعمة الله تتعالى عن ذلك، ولهذا لا يستعمل لفظ المكافأة في الله تعالى. قلت: كأنه سهي عن قوله تعالى: {وهل نجازي إلا الكفور} [سبأ: 17] لم يقرأ إلا بلفظ المفاعلة وإن اختلفوا في بنائه للفاعل أو للمفعول كما بيناه في غير هذا.

فصل الجيم والسين

فصل الجيم والسين ج س د: الجسد: هو الجسم إلا أنه أخص منه من وجهين أحدهما قال الخليل: لا يقال الجسد لغير الإنسان من خلق الأرض ونحوه، وفيه نظر لقوله تعالى: {عجلاً جسدًا} [الأعراف: 148]. ويمكن الجواب بأن يقال قوله ونحوه أي نحو الإنسان من حيث كونه حيوانًا، فكأنه يحترز من الجمادات كالجبال ونحوها. والثاني قال الراغب: وأيضًا فإن الجسد يقال لما ليس له لون كالماء والهواء. وقوله تعالى: {وما جعلناهم جسدًا لا يأكلون الطعام} [الأنبياء: 8] يشهد لما قاله الخليل. قلت: وقول الراغب ينافي مقالة الخليل في كونه مختصًا بالإنسان ونحوه وباعتبار اللون سمي الزعفران جسادًا. وثوب مجسد: مصبوغ به. والمجسد ما يلي الجسد، والجسد أيضًا والجاسد: الدم اليابس ومنه قول النابغة: [من البسيط]. 284 - فلا لعمرو الذي قد زرته حججًا ... وما هريق على الأنصاب من جسد وقوله تعالى: {وألقينا على كرسيه جسدًا} [ص: 34] قيل: شد ولدٍ. وقيل: هو شيطان، في قصةٍ طويلةٍ لا يجوز اعتقاد صحتها كما بيناه. وقوله: {عجلاً جسدًا له خوار} [طه: 88] قيل: صورة لا روح فيها. ج س س: قوله تعالى: {ولا تجسسوا} [الحجرات: 12] أي لا تتبعوا عورات الناس ولا تطلعوا على سرائرهم. والتجسس: التنقير عن بواطن الأمور، وأكثر ما يقال في السر، ولذلك يقال: الجاسوس: صاحب سر الشر، والناموس: صاحب سر الخير. وبالمعنى فسر مجاهد فقال: خذوا ما ظهر ودعوا ما ستر الله. وقال ثعلب: التجسس بالجيم: ما طلبته

لغيرك من معرفة أمور الناس، والتحسس بالحاء: ما تطلبه لنفسك. وقيل: التجسس بالجيم في العورات، والتحسس في الخير، ولذلك قال: {فتحسسوا من يوسف} [يوسف: 87] وقيل: التجسس بالجيم: تتبع العورات، والتحسس: الاستماع. وفي الحديث: "لا تجسسوا ولا تحسسوا"، وفي بعض القراءات: "فتجسسوا" بالجيم والحاء. وقيل: أصل التجسس من الجس، وهو مس العرق، وتعرف نبضه ليحكم به على الصحة والسقم. وعلى هذا فهو أخص من التحسس بالحاء؛ فإن الجس بالجيم تعرف ما لا يدركه بالحاء. والحس تعرف حالٍ ما من ذلك. واشتق من الجس بالجيم: الجاسوس، ولم يشتق من الحس. ج س م: الجسم: ما له طول وعرض وعمق. والجسمان: الشخص. والفرق بين الجسم والشخص أن الجسم وإن فرقت أجزاؤه فكل منها يقال له جسم. والشخص متى فرقت أجزاؤه زال عنها اسم الشخص. وقوله تعالى: {تعجبك أجسامهم} [المنافقون: 4] أي صورهم الظاهرة، تنبيهًا أنها أشباح ليس فيها معنى يعتد به، ولذلك شبههم بالخشب ولم يكفه ذلك حتى جعلها مسندة أي ليست منتفعًا بها انتفاع مثلها حسبما بيناه في موضعه. والجمع جسوم وأجسام. ويستعمل الجسم في ذي الجثة. قال: [من البسيط]. 285 - جسم البغال وأحلام العصافير والمجسمة: قوم ينسبون الباري إلى الجسم، تبارك وتعالى عن ذلك. يقال:

فصل الجيم والعين

جسمته: نسبته لذلك. فصل الجيم والعين ج ع ل: الجعل: يأتي لمعانٍ، أحدها: الخلق والإحداث، كقوله تعالى: {وجعل الظلمات والنور} [الأنعام: 1] فيتعدى لواحدٍ. والثاني: الإلقاء نحو: جعلنا متاعك بعضه فوق بعضٍ. والثالث: التصيير، وهو على ضربين، الأصل تصيير بالفعل نحو: جعلت الطين خزفًا والثاني: القول، نحو: {وجعلوا الملائكة الذين هم عباد الرحمن إناثًا} [الزخرف: 19]. الرابع: الإنشاء، نحو: جعل زيد يفعل كذلك كقوله: وقد جعلت نفسي تطيب. فيكون من أخوات عسى، والخامس: التشريع، كقوله: {ما جعل الله من بحيرةٍ} [المائدة: 103] أي ما شرع. والسادس: الاعتقاد، كقوله: {وجعلوا الملائكة} وقيل: لفظ عام في الأفعال كلها، وهو أعم من فعل وصنع وأخواتهما. السابع: الحكم على الشيء بالشيء حقًا كان أو باطلاً؛ فالحق نحو قوله تعالى: {إنا راده إليك وجاعلوه من المرسلين} [القصص: 7]. والباطل نحو قوله تعالى: {وجعلوا لله مما ذرأ من الحرث والأنعام نصيبًا} [الأنعام: 136]. والجعل والجعالة: ما يجعل للإنسان على فعلٍ يفعله. والجعال: خرقة ينزل بها القدر. والجعل: دويبة معروفة. والجعائل: جمع الجعيلة، وهو ما يعطيه واحد لآخر ليخرج مكانه في الغزو. فصل الجيم والفاء ج ف أ: قوله تعالى: {فيذهب جفاءً} [الرعد: 17].

الجفاء: الغثاء الذي يرميه السيل على ضفتي الوادي لا ينتفع به. وأجفأت القدر وجفأت: ألقت بزبدها. وكذلك جفأ الوادي وأجفأ إجفاء. وأجفأت الأرض: ذهب خيرها، تشبيهًا بذلك وفي الحديث: "خلق الله الأرض السفلى من الزبد الجفاء" أي من زبدٍ اجتمع للماء. وقد تشبه المسرع. وفي الحديث: "انطلق جفاء من الناس" يريد سرعانهم. ويقال: جفأ القدر وأجفأها: قلبها. وفي الحديث: "فجؤوا القدور" ويروى فأجفؤوها. وبعضهم جعل المادة من ذوات الواو من جفا يجفو جفوةً إذا هجر ونأى. ومنه: جفا السرج عن ظهر الدابة. يقال: جفت القدر تجفو أي ألقت زبدها بخوانها جفاءً. والأصل: جفاو فقلبت الواو همزةً على حد قلبها في كساء وبابه، والأول أشهر. ج ف ن: قال تعالى: {وجفانٍ كالجواب} [سبأ: 13]. الجفان: جمع جفنة. والجفنة: الوعاء المعروف، خصت بوعاء الطعام. ولتعارف العرب بمدحها ومدح من يطعم فيها خصها تعالى بالذكر في قوله تعالى: {وجفانٍ كالجواب} جريًا على ما يألفونه ويتمدحون به. ومنه قول حسان: [من الطويل]. 286 - لنا الجفنات الغر يلمعن في الضحى ... وأسيافنا من نجدةٍ تقطر الدما ويقولون للسيد: جفنة؛ يمدحونه بذلك لأنه يطعم الناس فيها. وفي الحديث: "وأنت الجفنة الغراء" الغراء: البيضاء من الشحم. وقال الشاعر: [من البسيط].

فصل الجيم واللام

278 - يا جفنة بإزاء الحوض قد كفؤوا ... ومنطقًا مثل وشي اليمنة الحبره "وانكسرت ناقة من إبل الصدقة زمن عمر فجفنها" أي جعلها طعامًا، فجعل المنجفين كناية عن ذلك لغلبة الأكل من الجفان. ج ف و: الجفو: الارتفاع والتباعد، ومنه قوله: جفاء الحبيب، وهو تباعده. يقال: جفاه يجفوه جفاءص وجفوةً فهو جافٍ. وفي الحديث: "ليس بالجافي ولا المهين" أي لا يجفو أصحابه ولا يهينهم. وفي الحديث: "كان يجافي ضبعيه عن جنبيه في السجود" أي يباعدهما. فصل الجيم واللام ج ل: الجلالة: عظم القدر. والجلال -دون هاءٍ- التناهي في ذلك، وخص بوصف الله تعالى فقيل: ذو الجلال والإكرام، ولم يستعمل في غيره. وفي الحديث: "ألظوا بيا ذا الجلال والإكرام" وقوله: {تبارك اسم ربك ذو الجلال والإكرام} [الرحمن: 87]، وصف به الاسم تارة والرب أخرى، وبالاعتبارين قرئ "ذو" بالواو و"ذي" بالياء، ولم يقرأ في قوله: {ويبقى وجه ربك ذو الجلال} [الرحمن: 27] إلا بالواو كما بيناه في غير هذا الكتاب. والجليل: العظيم القدر، ووصف الله تعالى بذلك إما لأنه خلق الأشياء الجليلة

المستدل بها على عظمه، وإما لأنه يجل أن يدرك بالحواس، وإما لأنه يجل عن أن يحاط به. وموضوعه لغة: الجسم الغليط العظيم، ولذلك قوبل به الدقيق، وجعل الجليل عبارة عن البعير لعظمه، والدقيق عبارةً عن الشاة بالنسبة إليه في قولهم: ماله دقيق ولا جليل. وما أجلني ولا أدقني: أي ما أعطاني بعيرًا ولا شاة. وكما قوبل الجليل بالدقيق قوبل العظيم بالصغير، ثم أطلق الجليل والدقيقٍ على كل كبيرٍ وصغيرٍ. والجلل: الشيء العظيم، وقد يستعمل في الحقير من باب العكس، ومنه: كل مصيبةٍ دونك جلل. وجللت الشيء: أخذت جله أي معظمه. وتجللت البعير: تناولته. والجل: ما يعطى به معظم الشيء. ومنه جل الدابة. والمجلة: ما يغطى به المصحف، ثم سمي المصحف نفسه مجلةً. والجلالة: التي تأكل جل ما تلقاه من العذرة وغيرها؛ سميت بذلك لأنها تأكل جل ما تلقاه. وسحاب مجلل أي يجلل الأرض بالماء والنبات. والجلجلة: حكاية الصوت، وليس من هذا في شيء. ج ل ب: قوله تعالى: {وأجلب عليهم بخيلك ورجلك} [الإسراء: 64 ي أي أجمع عليهم ما قدرت عليه من جندك ومكايدك. وأجلب عليه: توعده بالشر، وجمع عليه الجيش. وأصل الجلب: سوق الشيء. يقال: جلبت المتاع جلبًا. قال الشاعر: [من الطويل]. 288 - وقد يجلب الشيء البعيد الجوالب

وأجلب عليه: صاح عليه بقهرٍ. ومنه {وأجلب عليهم بخيلك}. والجلب: المنهي عنه في قوله: "ولا جلب ولا جنب". قال أبو عبيدٍ: الجلب يكون في شيئين أحدهما: أن يجلب الرجل على فرسه في السباق أي يصيح عليه ليزجره، فيزيد جريه ويسبق غيره، فنهي عنه لما في ذلك من الخديعة. الثاني: أن يأتي المصدق إلى القوم فيجد مواشيهم على المياه والمرعى فيرسل في إثرها فتجيء ويجلبها أهلها ليعدها. فنهي عن ذلك، وأمر بأن يعدها في مياهها ومراعيها. والجلبة: جلدة تعلو الجرح، وتلبس القتب. ويقال: جلب الجرح أي أجلبه وأجلبت القتب: ألبسته الجلد. قال النابغة الجعدي: [من الرجز]. 289 - عافاك ربي من قروحٍ جلب ... بعد نتوض الجلد والتقوب والجلبة: سحابة رقيقة، تشبيها بالجلبة. وقوله تعالى: {يدنين عليهن من جلابيبهن} [الأحزاب: 59]؛ الجلابيب: جمع جلبابٍ وهو القميص والإزار والبرد أو الخمار ونحوها. والجلبة: الصياح، والجلبان بضمتين مع تخفيف الباء وتشديدها هو شبه الجراب يجعل فيه السيف بقرابه. ربما جعل الرجل فيها سوطه أيضًا. ولجفائه وغلظه سميت المرأة الغليظة جلبابة. وفي الحديث: "كان إذا اغتسل دعا بشيءٍ مثل الجلاب" قال الأزهري: هو فارسي معرب. وجعله الهروي تصحيفًا، وإنما هو الحلاب بالحاء المهملة، وهو المحلب

الذي يحلب فيه واستدل بأن في رواية أخرى: "دعا بإناءٍ مثل الحلاب" أي المحلب. ج ل ت: قوله تعالى: {وقتل داود جالوت} [البقرة: 251]. في جالوت قولان أظهرهما أنه أعجمي لا اشتقاق له، فلذلك منع من الصرف للعلمية والعجمة. وهو اسم ملكٍ جبارٍ، وقصته مشهورة مع داود عليه السلام. والثاني أنه مشتق من: جال ووزنه فعلوت كرهبوت، والأصل جولوت؛ فقلبت الواو ألفًا، وهذا ليس بشيءٍ ما بيناه في غير هذا الكتاب. ج ل د: الجلد: قشر بدن الحيوان وجمعه جلود. قال تعالى: {كلما نضجت جلودهم} [النساء: 56] هذه عبارة عن ظواهر الأبدان. وقد يكنى بها عن الأيدي والألسن والأرجل في قوله: {تشهد عليهم ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم} [النور: 24]. وقيل: هي كناية عن الفروج. وقوله: {فاجلدوهم} [النور: 4] يجوز أن يكون أصيبوا جلدهم بالضرب. يقال: جلدته أي أصبت جلده، نحو: ظهرته وبطنته: أصبت ظهره وبطنه. وقيل: اضربوهم بالجلد، نحو عصاه أي ضربه بالعصا. والجلادة: القوة. يقال: جلد يجلد فهو جلد وجليد، وأصله اكتساب الجلد قوة. وأرض جلدة وجلد: صلبة، تشبيهًا بذلك، ومنه قول النابغة: [من البسيط]. 290 - والنؤي كالحوض بالمظلومة الجلد

وناقة جلدة كذلك. وجلدت البعير: أزلت جلده. والجلد: الجلد المنزوع عن البعير. والمجلود مصدر. ومنه: ما له معقول ولا مجلود، أي لا عقل ولا جلد. وفرس مجلود: لا يفزع من الضرب. وفي الحديث: "على أجالدهم" والأجالد جمع أجلادٍ، وأجلاد جمع جلد وهو الجسم، والتجاليد مثله. يقال: هو عظيم الأجلاد والأجالد والتجاليد. وما أشبه أجلاده بأجلاد أبيه! أي شخصه بشخص أبيه قال الأعشى: [من الوافر] 291 - وبيداء تحسب آرامها ... رجال إيادٍ بأجلادها والجليد: السقيط، تشبيهًا بالجلد في الصلابة. وروى الربيع عن الشافعي: كان مجالد يجلد أي يكذب؛ وقال أبو زيدٍ: فلان يجلد بكل خيرٍ، أي يظن به. ج ل س: قوله تعالى: {إذا قيل لكمن تفسحوا في المجالس}. [المجادلة: 11]. المجلس: موضع الجلوس. والجلوس: القعود. وقيل: القعود ما كان عن نومٍ، والجلوس ما كان عن قيامٍ. قيل: وأصل الجلس: الغليظ من الأرض، وقيل: المرتفع. وسمي النخل جلسًا لذلك. وفي الحديث: "غوريها وجلسيها". وجلس أصله أن يقصد بمقعده جلسًا من الأرض. ثم جعل الجلوس لكل قعودٍ. والمجلس لكل موضعٍ يقعد فيه الإنسان. قال مهلهل يرثي كليبًا أخاه: [من الكامل]. 292 - نبئت أن النار بعدك أوقدت ... واستب بعدك يا كليب المجلس

ويقال: جلس يجلس جلسًا أي أتى نجدًا. وجلس يجلس جلوسًا أي قعد فهو جالس. فوقع الفرق بينهما في المصدر. ج ل و: الجلاء: الصقال. جلوت السيف أجلوه: أزلت صدأه. وأصله الكشف والإظهار والجلاء، بالفتح، الإبراز والإخراج عن المنازل. يقال: جلوت القوم أجلوهم جلاء فجلوا أي أخرجتهم فخرجوا. ومنه قوله تعالى: {ولولا أن كتب الله عليهم الجلاء} [الحشر: 3] أي الطرد والإخراج. ويقال: أجليتهم إجلاء. ومن الأول قوله: [من الطويل] 293 - فلما جلاها بالإيام تحيزت ... ثبابٍ عليها ذلها واكتئابها وجلا لي الخبر أي ظهر فهذا لازم، وخبر جلي، وقياس جلي، ولم يسمع جالٍ. ويقال: جلا عن وطنه وأجلى وتجلى بمعنى. وقوله: {فلما تجلى ربه} [الأعراف: 143] أي ظهر أمره. وقوله: {لا يجليها لوقتها إلا هو} [الأعراف: 187] أي لا يكشف أمر القيامة إلا بالله. وقوله: {والنهار إذا تجلى} [الليل: 2] أي انكشف، وقوله: {والنهار إذا جلاها} [الشمس: 3] أي جلى الشمس لأنها تبين إذا انبسط النهار. وقيل: جلا الظلمة: أظهرها لدلالة الفحوى كقوله: {كل من عليها فانٍ} [الرحمن: 26]، {حتى توارت بالحجاب} [ص: 32]. وابن جلا: كناية عن النهار، ومنه قول سحيمٍ: [من الوافر]. 294 - أنا ابن جلا وطلاع الثنايا ... متى أضع العمامة تعرفوني فجلا عند سيبويه فعل ماضٍ والأصل: أنا ابن رجلٍ جلا أي كشف الأمور.

فصل الجيم والميم

وقال غيره: تقديره: أنا ابن الذي جلا. وقيل: جلا لا ضمير فيه، ومن حقه على هذا أن ينون. وفي البيت بحث حققناه في باب ما لا ينصرف في موضعٍ غير هذا. رجل أجلى أي حسر الشعر عن بعض رأسه. والتجلي قد يكون بالذات نحو {والنهار إذا تجلى}، وقد يكون بالأمر، ومنه: {فلما تجلى ربه للجبل}. وقال القلاخ: [من الرجز]. 295 - أنا القلاخ بن جناب بن جلا ... أخو خناثير أقود الجملا فصل الجيم والميم ج م ح: قوله تعالى: {لولوا إليه وهم يجمحون} [التوبة: 57] أي يسرعون، ومنه فرس جموح. وعليه قول امرئ القيس: [من المتقارب]. 296 - جموحًا مروحا وإحضارها ... كمعمعة السعف الموقد وقيل: يميلون. قال ابن عرفة: ومنه دابة جموح وهي التي تميل في أحد شقيها. والدابة الجموح: التي لا يردها لجام. يقال: جمحت الدابة تجمح جماحًا وجموحًا فهي جامح وجموح. والجماح والجموح أبلغ من النشاط والمرح. والجماح: سهم على رأسه مثل البندقة يرمي بها الصبيان. ج م د: الجمود: الثبوت والاستقرار ضد التحرك. ومنه قوله تعالى: {وترى الجبال تحسبها جامدة} [النمل: 88] أي واقفة لا تتحرك. قال ابن عرفة: إذا ضم الجبال بعضها إلى بعضٍ وسارت لم يتبين مرورها. والعرب تحكي أن الأشياء الكثيفة إذا تحركت لا تظهر حركتها. وأنشد للجعدي يصف جيشًا: [من الطويل].

297 - بأرعن مثل الطود تحسب أنهم ... وقوف لحاجٍ والركاب تهملج وفي الحديث: "إذا وقعت الجوامد فلا شفعة"، الجوامد: الأرف وهي الحدود، الواحدة جامدة، ويفسره الحديث الآخر؛ وجمد الرجل يجمد: بخل بالحق. وأجمد فهو مجمد غذا صار أمينًا. والجمود يقابل الإيماع: يقال: دهن جامد ومائع. والجماد يقابل الحيوان، فيقال: الموجودات قسمان: جماد وحيوان. والجمد: ما جمد من الماء. قال: [من البسيط]. 298 - سبحانه ثم سبحانًا يعود له ... وقبلنا سبح الجودي والجمد ج م ع: الجمع: ضد التفريق، وهو ضم الأشياء بتقريب بعضها من بعضٍ. وأجممع أكثر ما يقال في المعاني، وجمع في المعاني والأعيان؛ فيقال: جمعت أمري، وجمعت قومي. وقد يقال بالعكس. وقوله: {فأجمعوا كيدكم} [طه: 64] بقطع الهمزة ووصلها، وقوله: {فأجمعوا أمركم وشركاءكم} [يونس: 71] أجمع السبعة على أنه من أجمع؛ فمن قال إنه يكون للمعاني وللأعيان لم يحتج إلى اعتذار، ومن التزم التفرقة نصب "شركاءكم" بفعلٍ مضمرٍ أو على المتعدي ولا يصح لما بيناه في غير هذا.

وقوله: {إن الناس قد جمعوا لكم} [آل عمران: 173] قيل: جمعوا آراءهم بالفكر والتدبر والمكر، وقيل: جمعوا جنودهم ليقاتلوكم بهم، وكلا الأمرين قد كان. وقوله: {وإذا كانوا معه على أمرٍ جامعٍ} [النور: 62]، يجوز أن يكون مثل تامر ورامحٍ أي ذي جمعٍ، وأن يكون بمعنى ذي خطر وشأنٍ يجتمع له الناس. فنسب الجمع إليه كأنه هو الذي جمعهم. وقوله: {ذلك يوم مجموع له الناس} [هود: 103] أي جمع لأجله الناس لفصل القضاء فيه، ولذلك سماه مشهودًا لأنه يحضره الخلائق أجمعون. وقوله: {وتنذر يوم الجمع} [الشورى: 7] يجوز أن يكون الجمع بمعنى الاجتماع، وأن يكون على أصله. يقال: جمعتهم فاجتمعوا. وقوله: {نحن جميع منتصر} [القمر: 44] قدروا أنهم يغلبونه عليه الصلاة والسلام باجتماعهم وتضامهم، فأعلمه الله أنهم مهلكون من الجهة التي قدروا منها غلبتهم وانتصارهم. فقال: سيهزم الجمع وما أبلغ ما جاء: {سيهزم الجمع} [القمر: 45] دون أن يقول: الجميع. كما قالوا: {نحن جميع} لمعنى بديعٍ حققناه في موضعه. وقوله عليه الصلاة والسلام: "أوتيت جوامع الكلم" فسره الهروي بأنه القرآن العظيم؛ قال: يعني القرآن؛ جمع الله بلطفه في ألفاظٍ بسيرةٍ منه معاني كثيرة. والظاهر أنه يريد ما أوتيه صلى الله عليه وسلم من البلاغة الإيجاز، ويشهد له "واختصر لي الكلام اختصارًا" وفي صفته عليه الصلاة والسلام: "كان يتكلم بجوامع الكلم" يريد: ما قل لفظه وكثر معناه. والجماع: جماعات من قبائل شتى متفرقةٍ، فإذا كانوا مجتمعين قيل: جمع. قال أبو قيس: [من السريع]. 299 - ثم تجلت ولنا غاية ... من بين جمعٍ غير جماع

وفي الحديث: "كان في جبل تهامة جماع غصبوا المارة" والجماع كناية عن الوطء. والجماع أيضًا ما جمع عددًا، ومثله الجميع، وعن الحسن: "اتقوا هذه الأهواء فإن جماعها الضلالة". وأجمع وأجمعون وجمعاء وجمع يولد بهن ما يطابقها. ولا يثنى أجمع ولا جمعاء استغناء عنهما بكلا وكلتا. ولهذه أخوات مذكورة في كتب النحو. وجمع معدولة، وفي ما عدلت عنه خلاف، وأكثر ما يقع أجمع وما ذكر معه بعد كل وجميع أيضًا من ألفاظ التأكيد. وينصب حالاً نحو: {اهبطوا منها جميعًا} [البقرة: 38]، وقوله: {من يوم الجمعة} [الجمعة: 9] لاجتماع الناس فيه للصلاة. واسمه في اللغة القديمة عروبة. ومسجد الجامع استدل به من يضيف الموصوف لصفته، ومن منعه تأوله على حذف موصوفٍ أي مسجد المكان الجامع، أو الأمر الجامع، أو الزمان الجامع. وجمع الناس: شهدوا الجماعة أو الجامع أو الجمعة. وقدر جماع: عظيمة، وأتان جامع: حامل، واستجمع الفرس جريًا، فمعنى الجمع في هذه ظهار. وقولهم: "ماتت المرأة بجمعٍ" أي: وهي حامل لاجتماعها وحملها، "وهي منه بجمعٍ" أي: لم يفتضها لاجتماع ذلك المحل.

وضربه بجمع كفه، أي جمع أصابعه فضربه بها. والجوامع: الأغلال؛ الواحد جامعة لجمعها اليد إلى العنق. وأعطاه جمع الكف أي ما جمعته كفه. وفي الحديث: "بع الجمع بالدراهم"، وقال الأصمعي: كل لونٍ من النخل لا يعرف اسمه فهو جمع. وبهيمة جمعاء أي سليمة لاجتماع سلامة أعضائها. وفي حديث ابن عباس: "بعثني النبي صلى الله عليه وسلم في الثقل من جمعٍ" يعني المزدلفة. ج م ل: الجمل: الذكر من الإبل، وجمعه جمال وأجمال، ولا يقال له جمل إلا بعد البزول، قاله الراغب. وجمالة اسم جمعٍ له، وجمالات يجوز أن يكون جمعًا لجمالٍ أو جمالةٍ. وجمالات وهي قلس السفن أي حبالها. وقرئ {كأنه جمالات} [المرسلات: 3] و {جمالة} والجامل: القطعة من الإبل معها راعيها كالباقر. قال الشاعر: [من الخفيف]. 300 - رحما الجامل الموثل فيهم ... وعناجيج بينهن الهادي وهو أكبر حيوانٍ عند العربٍ، ولذلك يضربون به المثل في العظم، ومن ثم قال تعالى: {ولا يدخلون الجنة حتى يلج الجمل في سم الخياط} [الأعراف: 40]، فعلق ذلك على ما هو مستحيل، وذلك لأنه علقه على ولوج أعظم الأشياء في أضيق

الأشياء. والجمل في الآية هو هذا الحيوان المعروف. وروي عن ابن عباسٍ أنه كان يقرأ "الجمل". والجمل: القلس وهو الحبل الغليظ الذي تجر به السفن. وكان يقول: الله أحسن تشبيهًا؛ بمعنى أن في ذلك مناسبة وهو: الجمل في خرم الإبرة. وقد حققنا هذا في "التفسير الكبير". ومثل التعليق بولوج الجمل قول النابغة: [من الوافر]. 301 - فإنك سوف تعقل أو تناهى ... إذا ما شبت أو شاب الغراب قيل: وسمي الجمل جملاً لأنه فيه جمالاً عند العرب، ولذلك أشار إليه بقوله: {ولكن فيها جمال حين تريحون وحين تسرحون} [النحل: 6]. والجمال: كثرة الحسن وهو نوعان؛ نوع يختص بالإنسان في نفسه أو فعله، ونوع يوصل منه إلى غيره، وعلى ذلك قوله: "إن الله جميل يحب الجمال" بين أن منه نقيض الخيرات، فيحب ما يختص بها. ورجل جميل وجمال وجمال على التكثير. وجاملته: فعلت معه جميلاً. وأجملت في كذا: أحسنت فيه. واعتبر فيه معنى الكثرة فقيل لكل جماعةٍ غير منفصلةٍ جملة. ومنه قيل للحساب الذي لم يفصل، والكلام الذي لم يبين تفصيله مجمل. والمجمل عند المتكلمين مالم تتضح دلالته. وقول بعض الفقهاء: المجمل ما يحتاج إلى بيانٍ ليس بحد له ولا تفسير. قال الراغب: وإنما هو ذكر أحد أحوال بعض الناس معه. والشيء يجب أن تبين صفته في نفسه التي بها يتميز. وحقيقة المجمل: هو المشتمل على جملة أشياء كثيرة غير ملخصة. والجميل عند العرب: ما أذيب من الشحم، والحم: ما أذيب من الألية، والجمل: الإذابة؛ في الحديث: "لعن الله اليهود حرمت عليهم الشحوم فجملوها" أي أذابوها. قيل: ومنه الجمال وهو الحسن لأنه يكون من أكل الجميل. وفي حديث عاصمٍ المنقري: "لقد أدركت أقوامًا يتخذون الليل جملاً؛ يشربون

هذا النبيذ، ويلبسون المعصفر"، يعني بالنبيذ ما ينبذ من التمر ونحوه في الماء ولم يسكر، وكنى بذلك عن ضلالهم وإحيائهم الليل كله. فاستعار اسم الجمل لليل نحو: اقتعد غارب اللهو، وركب سنام الغواية. وفي حديث الملاعنة: "إن جاءت به أورق جعدًا جماليًا" الجمالي: العظيم الخلق، التام الأوصال. وناقة جمالية كذلك تشبيهًا بالجمل لعظم خلقه وقوته. ج م م: قوله تعالى: {وتحبون المال حبًا جمًا} [الفجر: 20]. والجم: الكثير، من جمة الماء أي معظمه ومجتمعه، الذي جم فيه الماء عن السيلان. ومنه جمة البئر لمكانها الذي يجتمع فيه الماء كأنه أجم أيامًا. وجمة الشعر لاجتماعه، قال الراغب: ما اجتمع من شعر الناصية. وقال شمر: الجمة أكثر من الوفرة؛ وهي ما سقط من شعر الرأس على المنكبين، والوفرة ما بلغت منه شحمة الأذنين. واللمة: ما ألمت بالمنكبين؛ فأكبرها الجمة، ثم اللمة، ثم الوفرة. وفي صفته عليه الصلاة والسلام: "كان له جمة جعدة". وجمة الماء لمعظمه لاجتماعه في البئر. وقد جم يجم ويجم جمًا وجمومًا، قال: [من الطويل]. 302 - وإنسان عيني يحسر الماء تارة فيبدو، وتاراتٍ يجم فيغرق قال الراغب: وأصل الكلمة من الجمام وهو الراحة للإقامة وترك تحمل

التعب. ويقال: جمام المكوك دقيقًا بالكسر، وجمام القدح ماء بالضم، إذا امتلأ وعجز عن الزيادة لاجتماع ذلك وكثرته. والجمة أيضًا: القوم يجتمعون لتحمل مكروهٍ. والجموم: الفرس الكثير الشد. وشاة جماء: لا قرن لها، قال الراغب: اعتبارًا بجمة الناصية. وفي الحديث: "يقتص للجماء من القرناء". والجم الغفير أي الجمع الكثير. والغفير من الغفر وهو الستر كأنه ستر الأرض بكثرته. وقولهم: جاؤوا الجماء الغفير، من ذلك. وشذ مجيء الحال هنا معرفة. وقيل: "ال" زائدة، وهو المختار. وفي الحديث: "سئل: كم المرسلون؟ فقال: ثلاثة مئةٍ وخمسة عشر جم الغفير"، قال أبو بكر: الرواية كذلك، والصواب: جماء غفيرًا. وعن ابن الأعرابي والكسائي: أصل الجماء الغفير: بيضة الحديد يعني أنها تجمع الشعر؛ فالجماء من الجم، والغفير من غفرت المتاع: سترته. فقولك: مررت بهم الجماء الغفير أي مجتمعين كاجتماع البيضة وما تحتها من الشعر. وفي الحديث: "لعن الله المجممات من النساء"، قال الأزهري: أراد المترجلات يتخذن شعورهن جمة لا يرسلنها. قال الهروي: ويحتمل أن يكون مأخوذًا من الأجم وهو الذي لا رمح معه، وهو جم يجم، وفيه نظر إذ لا معنى لذلك. وفيه: "أمرنا أن تبني المدائن شرقًا والمساجد جمًا"؛ جم جمع أجم وهي التي لا شرف لها. قلت: كأنه من التيس الأجم والشاة الجماء، وهي التي لا قرن لها. وفي الحديث: "رمى إليه بسفرجلةٍ، وقال: دونكها فإنها تجم الفؤاد"، قيل: تجمعه

فصل الجيم والنون

وتكمل صلاحه، وهو معنى قول عائشة: "تريحه". وفي الحديث: "أتي بجمجمة" هي قدح من خشبٍ، وبه سمي دير الجماجم كان تعمل فيه تلك الأقداح. وتطلق على الرأس أيضًا. وقالت عائشة: "لقد استفرغ حلم الأحنف هجاؤه إياي، ألي كان يستجم؟ " أي ألي كان يجتمع هجاؤه؟ فصل الجيم والنون ج ن ب: قوله: {والصاحب بالجنب} [النساء: 36]. الجنب: الجارحة المعروفة، وعبر بذلك عن ملازمته له وقربه منه، لأن الصاحب غالبًا يلصق جنبه إلى جنب الآخر في المماشاة والمحادثة والمصاحبة وغير ذلك. وقيل: هو كناية عن رفيق السفر، وقيل: عن المرأة. وأصل ذلك أنهم يستعيرون لجهة الجارحة اسمها كقولك: اليمين والشمال لجهتهما وناحيتهما. قوله: {في جنب الله} [الزمر: 56] أي في أمره وحده الذي حده لنا، فاستعير ذلك لأوامره ونواهيه، أي على ما في أوامره ونواهيه. يقال: ما فعلت في جنب حاجتي أي في أمرها، قاله ابن عرفة وأنشد قول كثير عزة: [من الطويل]. 303 - ألا تتقين الله في جنب عاشقٍ ... له كبد حرى عليك تقطع؟

وعن الفراء: {في جنب الله} أي في قربه وجواره. وجانب الشيء: جنبه. ومنه قوله تعالى: {أعرض ونأى بجانبه} [الإسراء: 83] كناية عن تكبره نحو: {ثاني عطفه} [الحج: 9]، {يثنون صدورهم} [هود: 5]، {ولا تصعر خدك} [لقمان: 18] كله بمعنى التكبر، لأن المتكبر يفعل ذلك غالبًا. وقوله: {دعانا لجنبه} [يونس: 21] يعني مضطجعًا لجنبه، ولهذا عطف عليه {قاعدًا أو قائمًا} والمعنى: دعاء في سائر أحواله لأن الإنسان لا يخلو حاله عن إحدى هذه الهيئات. وقوله: {والجار الجنب} [النساء: 36] يعني القريب، قيل له ذلك لمجانبته من يجاوره نسبًا ومنزلاً. يقال: رجل جنب، ورجال جنب، وامرأة جنب، وهما جنبان، والمطابقة قليلة. وكذلك الجنب من الجنابة الموجبة للغسل يستوي فيها الواحد وغيره. قال تعالى: {وإن كنتم جنبًا} [المائدة: 6] سمي بذلك لبعده من مكان الصلاة. يقال: جنب وأجنب، ويقال: رجل جنب أي غريب، وجانب أيضًا، وجمعه جناب كراكبٍ وركاب. والجنب: البعد في الأصل، فأطلق على الأناسي إطلاق المصادر عليها نحو: رجل عدل، وفيه مذاهب للناس بيناه غير مرةٍ. قوله: {فبصرت به عن جنبٍ} [القصص: 11] أي عن بعدٍ. والجنابة: البعد أيضًا. ومنه قول علقمة بن عبدة: [من الطويل]. 304 - فلا تحرمني نائلاً عن جنابةٍ ... فإني امرؤ وسط القباب غريب وجنب الرجل جنابة: إذا احتلم. وسار جنيبه وجنيبته وجنابيه وجنابيته. وجنبته: أصبت جنبه، نحو كبدته. وجنب: اشتكى جنبه، نحو: فئد وكبد. قيل: وبني الفعل من

الجنب على وجهين: أحدهما: الذهاب عن ناحيته، والثاني: الذهاب إليه. فمن الأول: {والذين اجتنبوا الطاغوت} [الزمر: 17] {فاجتنبوه لعلكم تفلحون} [المائدة: 90] أي اتركوه، وهو أبلغ منه، لأن معنى "اجتنبوه" اتركوا ناحيته وابتعدوا عنها. وهذا أبلغ من قولك: اتركوه. ومثله في المعنى: لا أرينك ها هنا؛ نهاه عن قربنا مكان الرؤيا فهو أبلغ من قوله: لا تجئني. وقوله: "فلا تحرمني نائلاً عن جنابةٍ" أي بعدٍ، وقوله تعالى: {واجنبني وبني} [إبراهيم: 35] أي أبعدني، من جنبته عن كذا أي أبعدته. قال الراغب: وقيل: هو من جنبت الفرس، كأنما سأله أن يقوده عن جانب الشرك بألطافٍ منه وأسبابٍ خفيةٍ. والجنب: الروح في الرجلين عن الأخرى خلقة. والريح الجنوب: يحتمل أن تكون سميت بذلك لمجيئها من جنب الكعبة، أو لذهابها عنه لوجود المعنيين فيها. وجنبت الريح: هبت جنوبًا. وجنبت زيدًا: أصابته الجنوب. وأجنب: دخل فيها. وسحابة مجنوبة: هبت عليها. وجنب فلان خيرًا أو شرًا إلا أنه متى أطلق لا يكون إلا عن الخير. ويقال ذلك في الخير والدعاء. وجنب الحائط وجانبه: ناحيته. ج ن ح: قوله تعالى: {وإن جنحوا للسلم} [الأنفال: 61] أي مالوا {فاجنح لها} أي مل. وأصله من: جنحت السفينة أي مالت بأحد جانبيها، وجانباها: جناحاها. وأصل هذا من جناح الطائر؛ قال تعالى: {ولا طائر يطير بجناحيه} [الأنعام: 38]. وجنحت الطائر: أصبت جناحه، ثم عبر عن جانبي الشيء بجناحيه؛ فقيل: جناحا الإنسان ليديه، كما قيل لجناحي الطائر يداه على الاستعارة فيهما. وجناحها السفينة، وجناحا الوادي، وجناحا العسكر.

وقوله: {واضمم يدك إلى جناحك} [طه: 22] أي ما بين إبطك وعضدك. وقوله: {واخفض لهم جناح الذل} [الإسراء: 24]، استعارة بديعة، وذلك أنه لما كان الذل ضربين؛ ضرب يرفع الإنسان وضرب يضعه، وكان المقصود في هذا المكان جهة الرفع قيل جناح الذل، كأنه قيل: استعمل الذل الذي يرفعك عند الله من أجل الرحمة أو من أجل رحمتك لهما. وجنح البعير في سيره: أسرع، كأنهم تصوروا له جناحين. وجنح الليل: أقبل بظلامه، والجنح قطعة من الليل مظلمة. والجناح: الإثم، وأصله ما يميل بك عن الحق. ومنه الجوانح: وهي عظام الصدر المتصلة رؤوسها في وسط الزور، والواحدة جانحة سميت بذلك لميلانها. وعصا الرجل تسمى بالجناح لاستعانته بها؛ وبها فسر الفراء {واضمم إليك جناحك} [القصص: 32]، قال: عصاك؛ ولذلك كنت العرب عن القوة والثروة بالجناح؛ قالوا: طال جناح فلانٍ، لمن أثرى. وقص جناحه لمن افتقر؛ استعارة من الطائر المقصوص. ج ن د: الجند: العسكر المعد للتقال اعتبارًا بالجند؛ وهي الأرض الغليظة الكثيرة الأحجار. ثم قيل لكل مجتمعٍ: جند. ويجمع على أجنادٍ وجنودٍ. قال: {ما يعلم جنود ربك إلا هو} [المدثر: 31] أي خلائقه التي إن أراد أن يهلك بها من شاء أهلكته. وقوله: {وما أنزلنا على قومه من بعده من جند} [يس: 28] أي أن صيحة الملك قد أهلكتهم، فلم يحتج معها إلى إنزال جند. وقوله: {إذ جاءتكم جنود فأرسلنا عليهم ريحًا وجنودًا لم تروها} [الأحزاب: 9]؛ الجنود الأولى هم الكفار، والثانية الملائكة. وهذا يدل على عظيم قدر نبينا صلى الله عليه وسلم إذ كان ربنا يهلك أهل القرى بصيحة ملكٍ واحدٍ، وينصر رسوله بآلافٍ من الملائكة، فيهم ذلك الملك الذي كان يهلك بصيحته القرى، وهو جبريل، اعتناءً بشأنه صلى الله عليه وسلم.

وقوله صلى الله عليه وسلم "الأرواح جنود مجندة" أي مجتمعة، نحو قناطير مقنطرة، وألوفٍ مؤلفة يقصد به التكثير. ج ن ف: الجنف: الميل في الحكم. ومنه: {فمن خاف من موصٍ جنفًا} [البقرة: 182] أي ميثلاً ظاهرًا وقوله: {غير متجانفٍ} [المائدة: 3] أي غير مائل إليه بفاعلٍ منه. يقال: جنف علي يجنف جنفًا فهو جنف. وفي الحديث: "إنا نرد من جنف الظالم مثلما نرد من جنف الموصي". وعن عمر رضي الله عنه: "ما تجانفنا". وقيل: الجنف: الجور، وهو في معنى الميل أيضًا. ج ن ن: قوله تعالى: {جنات} [البقرة: 25] و {جنة} [البقرة: 35] الجنة: قيل: هي في الأصل البستان ذو الشجر الساتر بأشجاره الأرض. وقد يطلق على الأشجار نفسها جنة. وأنشد لزهيرٍ: [من البسيط]. 305 - كأن كأن عيني في غربي مقتلةٍ ... من النواضح تسقي جنة سحقا سمي بذلك لستره الأرض من يدخل فيه. وكيفما دارت هذه المادة دلت على الستر. ومنه الجن: لاستتارهم عن العيون، لذلك سمي مقابلهم بالإنس لأنهم يؤنسون أي يبصرون. وقوله: {وخلق الجان} [الرحمن: 15]، قيل: هو أبو الجن كما آدم عليه السلام

أبو الإنس. وقوله: {أم يقولون به جنة} [المؤمنون: 70] أي جنون لأنه يستر العقل. وقوله: {من الجنة والناس} [الناس: 6] هم الجن. وكذلك {يجعلوا بينه وبين الجنة نسبًا} [الصافات: 158]. والمجنة والمجن: الترس لستر حامله. وقوله: {أجنة في بطون أمهاتكم} [النجم: 32] جمع حنينٍ وهو ما في البطن لاستتاره في الرحم. وكذلك قال تعالى: {في ظلماتٍ ثلاثٍ} [الزمر: 6] قيل: ظلمة الرحم، وظلمة البطن، وظلمة المشيمة. والجنان: القلب لاستتاره بالصدر. وقوله: {اتخذوا أيمانهم جنة} [المجادلة: 16] أي جعلوها وقاية لهم كما يتقى بالترس، ومنه: أجنة الليل. وجنه أي ستره بظلمته، قال تعالى: {فلما جن عليه الليل} [الأنعام: 76]. يقال: جنه وأجنه وجن عليه، فجنه: ستره، وأجنه، جعل له ما يجنه، كقولك: سقيته وأسقيته، وقبرته وأقبرته. وجن عليه: ستر عليه. وقوله: {جنات} [الكهف: 107] قال ابن عباس: إنما خصها لأنها سبع: جنة الفردوس، وجنة عدنٍ، وجنة النعيم، ودار السلام، ودار الخلد، وجنة المأوى، وعليون. وسميت الجنة في الآخرة جنةً إما تشبيهًا بجنة الأرض وإن كان بينهما بون وإما لسترها عنا نعمها المشار إليها بقوله: {فلا تعلم نفس ما أخفي لهم} [السجدة: 17]. والجنين: الولد ما دام في البطن؛ فعيل بمعنى مفعول. والجنين: القبر فعيل بمعنى فاعلٍ. والجن يقال على وجهين؛ أحدهما للروحانيين المستترة عن الحواس كلها بإزاء الإنس، فعلى هذا يشمل الملائكة والشياطين؛ فكل ملكٍ جن، وليس كل جن ملكًا. قيل: الجن بعض الروحانيين، وذلك أن الروحانيين ثلاثة أجناسٍ: أخيار محض وهم الملائكة، وأشرار محض وهم الشياطين، وأوساط وهم الأخيار والأشرار. ويدل عليه قوله تعالى {قل أوحي إلي أنه استمع} [الجن: 1] إلى قوله: {وأنا منا المسلمون ومنا القاسطون} [الجن: 14]، وعلى هذا فقوله: {فسجد الملائكة كلهم أجمعون إلا

إبليس} [الحجر: 30 - 31] فإبليس استثناء منقطع لأنه من الجن، وقيل: متصل. وله موضع غير هذا. ويقال: جن فلان، على صيغة ما لم يسم فاعله. ومعنى جن أصابه جن، أو أصيب جنانه وهو عقله، تعبيرًا عنه بالقلب. وقوله: {معلم مجنون} [الدخان: 14] أي عن تعلمه. والجان: أبو الجن كما تقدم. وقيل: نوع من الجن. والجان أيضًا: الحيات الخفاف، هو عندي إنما سميت بذلك تشبيهًا بالجان لخفتها وسرعة انقلابها، وجمعها جنان، وفي حديث كشح زمزم قال العباس: "يا رسول الله إن فيها جنانًا كثيرةً". وفي آخر: "نهى عن قتل الجنان" التي تكون في البيت، وجمع فاعل على فعلان غريب. وقال ابن عرفة: الجان: الحية الصغيرة. وقد تقدم الجواب عن عصا موسى كيف وصفت تارةً بالثعبان؛ وهو العظيم من الحيات، وتارةً بالجان هو الصغير، وفي مادة "ث. ع. ب" وقد ذكره الهروي هنا. ج ن ي: قوله تعالى: {وجنى الجنتين دانٍ} [الرحمن: 54]؛ المجتنى من ثمرهما قريب. فالجنى مصدر واقع موقع المفعول. وقيل: هو فعل بمعنى مفعول كالقبض والنقض. والجنى والجني: المجتنى، والتمر أو العسل، وأكثر ما يقال ذلك في الثمر إذا كان غضًا، كقوله: {رطبًا جنيًا} [مريم: 25]. يقال: جنيت الثمرة واجتنيتها وأجنت الشجرة: أدرك ثمارها. وحقيقته: صارت ذات جنى. واستعير من ذلك: جنى على فلان: إذا أصابه بشر. وعن علي رضي الله عنه: [من الرجز]. 306 - هذا جناي وخياره فيه ... إذ كل جانٍ يده إلى فيه

فصل الجيم والهاء

بمعنى أنه رضي الله عنه لم يلتمس شيئًا من فيء المسلمين. وأصل المثل لعمرو ابن أخت جذيمة، وذلك أنه خرج يجتني الكمأة مع رفقته، فجعل كل منهم إذا وجد طيبًا أكله وإذا وجد هو الطيب جناه في كمه لخاله جذيمة. فلما قالها أرسلها مثلاً من آثر صاحبه بخير ما عنده. وفي بعض الأحاديث: "أهدي إليه أجنٍ زغب"؛ أجنٍ: جمع جنى، والأصل أجنى على أفعل، كما يجمع عصًا على أعصٍ، والأصل: أعصو، فقلبوا الضمة في أجنى كسرةً لتصح الياء، ثم اعتل إعلال قاضٍ والإشارة بذلك إلى القثاء؛ سماه جنى لكونه غضًا، والمشهور في رواية هذا "أجرٍ" بالراء جمع جروٍ وهو القثاء. فصل الجيم والهاء ج هـ د: قوله تعالى: {وجاهدوا في الله حق جهاده} [الحج: 78]. الجهاد: استفراغ الوسع والطاقة في مدافعة العدو. وهو ثلاثة أنواعٍ: جهاد العدو ظاهرًا، وهو الغزو لقتال الكفار لتكون كلمة الله هي العليا. وجهاد الملحدين بالحجج الواضحة. وجهاد العدو باطنًا، وهو جهاد النفس وجهاد الشيطان وهو أصعب الجهاد. وفي الحديث: "رجعنا من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر"؛ يعني مجاهدة النفس والشياطين، وهو صلى الله عليه وسلم وإن كان آمنًا من ذلك لأنه معصوم لكن علمنا ذلك، وصدق عليه الصلاة والسلام؛ فإن مراجعة النفس ومقابلتها أصعب من قتال أفتك الرجال. وهذا أمر محسوس نجده من أنفسنا، فإن الأعمال البدنية أهون من الأعمال القلبية، ولذلك نجد الناس يعالجون الصنائع الشاقة، ولا يعالج العلم منهم إلا القليل لأنه أمر قلبي.

وقوله تعالى: {لا يجدون إلا جهدهم} [التوبة: 79]. الجهد: الطاقة والمشقة، وقرئ بالفتح، فقيل: هما لغتان كالقرء والقرء. وقيل: بالضم الوسع وبالفتح المشقة. وقال الشعبي: الجهد بالضم بمعنى القوت. والجهد بالفتح في العمل. وقال ابن عرفة: هو بالضم الوسع والطاقة، وبالفتح: المبالغة والغاية. ومنه: {وأقسموا بالله جهد أيمانهم} [النور: 53] أي بالغوا في اليمين وأجهدوا فيها بمعنى أنهم أجهدوا فيها أن يأتوا بها على أبلغ ما في وسعهم وطاقتهم. والاجتهاد افتعال من ذلك وهو أخذ النفس ببذل الطاقة وتحمل المشقة. يقال: جهدت رأيي واجتهدت فيه: أتعبته بالفكر والتأمل. والجهد: الهزال. وفي حديث أم معبدٍ: "شاة خلفها الجهد" أي هزالها. ومنه جهد الرجل فهو مجهود. وعن الحسن: "لا يجهد الرجل ماله" أي لا يبذره حتى يسأل غيره. وفي الحديث: "نزل بأرض جهاد" أي لا نبات بها وهي الجرز. ج هـ ر: الجهر: الظاهر المكشوف ضد السر. يقال: جهرت الشيءٍ: كشفته. وهو من قولهم: وجه جهير أي ظاهر الوضاءة. وجهرته وأجهرته بمعنى. وقوله: {أرنا الله جهرة} [النساء: 153] أي عيانًا غير متحجبٍ، قالوه لجهلهم بصفاته العلى أو تعنتًا في الكفر. وجهرت البئر واجتهرتها: أظهرت ماءها. والجهر: يقال لظهور الشيء بإفراط حاسة البصر أو حاسة السمع؛ من الأول {أرنا الله جهرة} {حتى نرى الله جهرةً} [البقرة: 55] ورأيته جهارًأ. ومن الثاني: {ثم إني دعوتهم جهارًا} [نوح: 8]، وقوله: {سواء منكم من أسر القول ومن جهر به} [الرعد: 10] {وأسروا قولكم أو اجهروا به} [الملك: 13] {ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها} [الإسراء: 110] {ولا تجهروا له

بالقول كجهر بعضكم لبعضٍ} [الحجرات: 2]. ورجل جهوري الصوت وجهيره أي رفيع الصوت عاليه. والجوهر: فوعل، من الجهر المحسوس بالبصر لظهوره بإشراقه وتلألئ ضوئه. والجوهر في عرف المتكلمين: المقابل للعرض من ذلك لظهوره للحاسة. وقيل: الجوهر: ما إذا بطل بطل محموله. وجهرت الجيش واجتهرتهم: إذا نظرتهم، فكثروا في عينك. ومنه وصف علي رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من رآه جهره" أي عظم عنده. ومنه الجهرة وهي حسن المنظر. قال القطامي: [من الطويل]. 307 - شنئتك إذ أبصرت جهرك سيئًا وما غيب الأقوام تابعة الجهر وقوله: {بغتة أو جهرة} [الأنعام: 47] أي يأتيهم العذاب مفاجأة من حيث لا يرونه ولا يشاهدونه. ج هـ ز: الجهاز: ما يعد من متاعٍ ونحوه. والتجهيز: بعث ذلك، أو حمله. وعليه قوله تعالى: {ولما جهزهم بجهازهم} [يوسف: 59]، وقرئ بالكسر. وجهيزة: امرأة محمقة ثم قيل لكل من ترضع ولد غيرها جهيزة لذلك. وضرب البعير بجهازه: إذا ألقى متاعه في رحله فنفر. وجهاز العروس: أثاث البيت ومتاعه. ج هـ ل: الجهل: ضد العلم، والعلم: تصور الشيء بما هو عليه، أو تصديق لذلك، والجهل يقابله. وقيل: العلم ضروري فلا يحد، وقيل: كسبي. والجهل ضربان: بسيط ومركب،

وأقبحهما الثاني لأن صاحبه يجهل ويجهل أنه يجهل. وقد قسمه بعضهم إلى ثلاثة أقسام: الأول خلو النفس من العلم وهذا هو الأصل. ولذلك جعله بعض المتكلمين معنى مقتضيًا للأفعال الخارجة على النظام، كما جعل العلم معنى مقتضيًا للأفعال الخارجة من النظام. والثاني اعتقاد الشيء على خلاف ما هو عليه. والثالث فعل الشيء خلاف ما حقه أن يفعل سواء اعتقده صحيحًا أو فاسدًا، كمن ترك الصلاة. وإذا أطلق الجهل فأكثر ما يراد به الذم، وقد لا يرد بهذا المعنى كقوله: {يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف} [البقرة: 273] يريد الجاهل بأحوالهم. واستجهلت الريح الغضا أي استخفته فحركته، فكأن الجهل حقه العلك كالسفة. والمجهل: الأرض التي لا مثار بها. قال: [من الطويل] 308 - غدت من عليه بعد ما تم ظمؤها ... تصل وعن قيض بزيزاء مجهل والمجهل: أيضًا الأمر والخصلة الحاملة للإنسان على اعتقاد الشيء بخلاف ما هو عليه. وقد يطلق الجهل على مجازاته للمقابلة، كقوله: [من الوافر] 309 - ألا لا يجهلن أحد علينا ... فنجهل فوق جهل الجاهلينا وفي الحديث: "أنه عليه الصلاة والسلام أخذ أحد ابنيه وقال: إنكم لتجهلون وتجبنون وتبخلون" يعني عليه الصلاة والسلام مثل قول العرب: الولد مجهلة مجبنة

مبخلة؛ يعنون أنه يجبن عن حضور الحرب، ويجعل الرجل بخيلًا بماله، ويجهلون ما كان يعلمه خاطره بمعيشتهم. وفي الحديث: "إن من العلم جهلًا" معناه أن العالم يكلف ما لا يعلمه فيجهله ذلك. وقال الجوهري: هو أن يتعلم ما لا يحتاج إليه كالكلام والنجوم وكتب الأوائل. وجهلته أي لم أعرفه. وجهلته أي لم أعرفه. وجهلته بالتشديد: نسبته إليه. واستجهلته: وجدته جاهلًا. وأجهلته: جعلته جاهلًا. واستجهلته: حملته على الجهل أيضًا. ومثله استعجل أي حمله على العجلة. كقول القطامي: [من البسيط] 310 - فاستعجلونا وكانوا من صحابتنا ... كما تعجل فراط لوراد ومنه: استجهلت الريح القصبة، كأنها حملتها على الجهل، وهو الحركة كما تقدم. ج هـ ن: جهنم أعاذنا الله منها: اسم لنار الله الموقدة. قال بعضهم: هي فارسية معربة، وأصلها جهنام، وأكثر النحويين على ذلك، كما نقله الراغب. فعلى هذا منع صرفها للعلمية، وما قاله غير مشهور في النقل، بل المشهور عندهم أنها عربية، وأن منعها للعلمية والتأنيث. وحكى قطرب عن رؤبة: ركبة جهنام أي بعيدة القعر، واشتقاق جهنم من ذلك لبعد قعرها. وفيها لغتان: بفتح الفاء والعين وهو المشهور وبكسرهما جميعا. وقيل: هل هي اسم لجميع نار الطبقات السبع، أو هي أحد الطبقات السبع؟ للناس في ذلك كلام. والظاهر الأول لقوله تعالى: {وإن جهنم لموعدهم أجمعين لها سبعة أبواب} [الحجر: 43 - 44] وقيل: هي نار غير العصاة.

فصل الجيم والواو

فصل الجيم والواو ج وب: الجوب: قطع الجوب، وهو كالغائط من الأرض. ثم استعمل في قطع كل أرض. قال تعالى: {جابوا الصخر بالواد} [الفجر: 9] أي قطعوه وجعلوه بيوتًا يسكنونها. وقوله: "جواب ليل سرمد" أي قطاع ليل بالسري. وجبت الفلاة: قطعتها سيرًا. وقال أبو بكر الصديق رضي الله عنه:"جيبت العرب عنا كما جيبت الرحى عن قطبها"، وهذا من أبلغ الاستعارات، يريد أنه خرقت العرب عنا، فكنا وسطا وهي حوالينا، وخيار الشيء وسطه، كما خرقت الرحى في وسطها لأجل قطبها الذي تدور عليه. والجواب: السؤال من هذه المادة، لأنه يقطع الجوب من في المتكلم إلى أذن السامع، إلا أنه خص بما يعود من الكلام دون المبتدأ من الخطاب. والسؤال على ضربين: مقال وجوابه المقال، وطلب نوال وجوابه النوال؛ فمن الأول: {أجيبوا داعي الله} [الأحقاف: 31]. ومن الثاني: {قال قد أجيبت دعوتكما} [يونس: 89] أي أعطيتما ما سألتما. ومثله: {أجيب دعوة الداع} [البقرة: 186]. وفي الحديث: "أن رجلا قال: يا رسول الله أي الليل أجوب دعوة؟ قال: جوف الليل الغابر"، قال شمر: أسرع إجابة نحو: أطوع من الطاعة. واستجاب بمعنى أجاب. وانشدوا: بمن الطويل]. 311 - وداع دعا: يا من يجيب إلى الندى ... فلم يستجبه، عند ذاك، مجيب وتحقيقه ما قاله الراغب: هو تحري الجواب وتهيؤه له، لكن عبر به عن الإحاطة

لقلة انفكاكها منها. ج ود: قوله تعالى: {واستوت على الجودي} [هود: 44] الجودي: جبل بين الموصل والجزيرة، وقيل: بآمد، وقيل: بالجزيرة. والأصل أنه منسوب إلى الجود. والجود: بذل المقتنيات مالًا كان أو علمًا. يقال: رجل جواد، وفرس جواد أي يجود بمد عدوه. ويقال للمطر الغزير: جود بالفتح, وفي الفرس جودة، وفي المال جود بالضم فيهما. والله تعالى يوصف بالجواد لكثرة جوده على خلقه. وفيه إشارة إلى قوله تعالى: {أعطى كل شيء خلقه ثم هدى} [طه: 50]. والجواد مخفف، والتشديد غير محفوظ. فإن قصدت المبالغة فلا مانع منها، فيؤتي به مشددًا. وفي الحديث: "للمضمر المجيد" أي صاحب الجواد، نحو مقو ومضعف لمن كانت دابته قوية أو ضعيفه، والأصل المجود فأعل بنقل كسرة العين إلى الفاء، وقلب العين ياء. وفي الحديث: "تزكتهم وقد جيدوا" أي مطروا مطرًا جودًا، والأصل جوادًا فأعل: كما نقل قيلوا. ج ور: الجار في الأصل معرب، وهو من الأسماء المتضايفة؛ فإنه لا يكون جارًا لغيره إلا وغيره جار له كالأخ والصديق. ولما استعظم من حق الجار عقلا وشرعًا عد كل من يعظم حقه أو يعظم حق غيره بالجار، كقوله تعالى: {والجار ذي القربى والجار الجنب}

[النساء: 36]. وتصور منه معنى القرب، فقيل لمن يقرب من غيره: جاره وجاوره وتجاور ونحو جازه وتجاوزه. وتجاوروا بمعنى اجتوروا. قال تعالى: {وفي الأرض قطع متجاورات} [الرعد: 4] على التشبيه بالجيران. من جاورك فقد جاورته، وإنهما متجاوران. وباعتبار القرب قيل: جار عن الطريق. ثم جعل ذلك عبارة عن كل ميل عن الحق والعدل، فقيل: جار في حكمه إذا عدل عن الحق. وقوله تعالى: {ومنها جائر} [النحل: 9] أي عن السبيل؛ قيل هو عادل عن المحجة، وذلك عبارة عن الطريق الموصلة إلى الخير وإلى الشر. فقال تعالى: {وعلى الله قصد السبيل} [النحل: 9] أي مستوى الطريق. ثم أخبر أن من الطرق ما هو خارج عن هذا القصد، ناكب عنه. وما أحسن ما نسب القصد لنفسه دون الجور، وإن كان الباري تعالى هو خالق كل شيء من خير وشر، ولكنه من باب: {بيدك الخير} [آل عمران: 26] {وإذا مرضت فهو يشفين} [الشعراء: 80] وقوله: {وهو يجير ولا يجار عليه} [المؤمنون: 88] أي يؤمن من يخاف من غيره، ولا يؤمن من يخفيه هو. يقال: أجرت فلانًا أي حميته ومنعته. واستجار بي أي استغاث بي واحتمى وامتنع. ج وز: قوله تعالى: {فلما جاوزه} [البقرة: 249] أي تعداه. يقال: جزت البلد أي تعديته، فجاوز بمعنى تجاوز. ومنه قيل للفعل المتعدي: متجاوز، وأصله من لفظ الجوز. والجوز: الوسط. تقول: رأيت جوز السماء أي وسطها. ومن ذلك الجوزاء لأنها تتوسط جوز السماء، قال امرؤ القيس: 312 - فقلت له لما تمطى بجوزه ... وأردف أعجازًا وناء بكلكل أي تمطى بوسطه، ولذلك يروى بصلبه. فمعنى جاوزه أي تجاوز جوزه. وجزت

المكان: ذهبت فيه ودخلته. وأجزته: خلفته. وشاة جوزاء: أبيض وسطها. والمجاز: مفعل من جاز يجوز، لأنه يجاوز موضعه الذي وضع له، عكس الحقيقة فإنها ثابتة لما وضعت له. والجائزة: العطية، لأنها تجاوز معطيها. والجيزة: الناحية، والجمع الجيز. والجيزة أيضًا: قدر ماء يجوز به المسافر من منهل إلى منهل. وجائز البيت: الخشبة المعروضة في وسطه؛ يوضع عليها أطراف الخشب. والجمع أجوزة وجوزان. واستجزته فأجازك أي استسقيته فسقاك، وهو استعارة. والمجيز: البائع، وولي النكاح، والعبد المأذون له. ج وس: قوله تعالى: {فجاسوا خلال الديار} [الإسراء: 5] أي دخلوا وتوسطوا ووطئوا. ومثله حاس يحوس بالمهملة. وقيل: الجوس: طلب الشيء باستقصاء. وقال أبو عبيد: كله موضع خالطته ووطئته فقد جسته وحسته. وأنشد للحطيئة: [من الكامل]. 313 - يا لعمرو من طول الثقاف وجارهم ... يعطي الظلامة في الخطوب الحوس يعني الأمور التي تغشاهم وتتخلل ديارهم. ج وع: قوله تعالى: {فأذاقها الله لباس الجوع} [النحل: 112] من أبلغ الاستعارات حيث جعل للجوع لباسًا، ثم رجع إلى أصله في قوله، والإذاقة في المطعوم دون الملبوس، وله موضع حققناه فيه. والجوع ألم يحصل للحيوان من خلو المعدة، يقال: جائع وجوعان، وجيعان خطأ.

وقوله عليه الصلاة والسلام: "إنما الرضاعة من المجاعة" معناه الذي تثبت له حرمة الرضاع هو الذي خوف الجوع، فإذا استغنى عنه فلا تثبت له حرمة. وقدرة الفقهاء بمدة الرضاع الكاملة حولين. وما زاد لا عبرة به. [ج وف] {ما جعل الله لرجل قلبين في جوفه} [الأحزاب: 4] أي: لا يمكن أن يكون للبشر الواحد قلبان، كما لا يمكن أن يكون له أبوان والجوف: ما انطبعت عليه الكتفان والعضدان والأضلاع. وجوف الإنسان، بطنه. والأجوفان: البطن والفرج لاتساعًا جوافهما. في الحديث: "لا تنسوا الجوف وما وعى" أي ما يدخل فيه من الطعام والشراب وفي حديث الحج: "أنه دخل البيت وأجاف الباب" أي رده عليه. والجوف من الأرض: أوسع من الشعب؛ تسيل فيه التلاع والأودية. ج وو: قوله تعالى: {في جو السماء} [النحل: 79] الجو: الهواء البعيد من الأرض، وهو اللوح السكاك أيضًا. وجو كل شيء داخله وباطنه. وفي حديث سلمان: "إن لكل شيء جوانيًا وبرانيًا" أي ظاهر وباطن، قال شمر: قال بعضهم: يعني سره وعلنه. وقال الشاعر: [من الطويل] 314 - فلست لأنسى ولكن لملأك ... تنزل من جو السماء يصوب

فصل الجيم والياء

فصل الجيم والياء ج يء: المجيء: الإتيان، ويعبر به عن القصد بالأمر والتدبير، ومنه {وجاء ربك والملك} [الفجر: 22] وفرق بعضهم بين المجيء والإتيان فقال: المجيء أعم لأن الإتيان مجيء بسهولة. والإتيان قد يكون باعتبار القصد وإن لم يكن حصول. والمجيء يقال باعتبار الحصول. وجاء في الأعيان والمعاني، ولما يكون بذاته بأمره، ولمن قصد مكانًا أو زمانًا أو عملًا، ومنه: {فقد جاؤوا ظلمًا وزورًا} [الفرقان: 4] أي قصدوهما. وجاء بكذا: استحضره، ومنه: {لولا جاؤوا عليه بأربعة شهداء} [النور: 13]. وأجأت زيدًا: جعلته جائيًا، ومنه قوله تعالى: {فأجاءها المخاض} [مريم: 23] ومن قال: معناه ألجأها فمراده ذلك لأنه لازمه. وقوله: {فإذا جاء الخوف} [الأحزاب: 19] بمعنى حضر وهو مجاز، لأن الأصل المجيء في الأعيان ودون المعاني. ج ي ب: قوله تعالى: {على جيوبهن} [النور: 31] جمع جيب. والجيب من القميص: طوقه؛ أمرن أن يسدلن الخمر على الجيوب، ن ربما تبدو نحورهن من ذلك وبعض صدورهن. ويجوز جيوب بضم الجيم وكسرها، وقرئ بها في السبع كالبيوت والعيون والشيوخ. ج ي د: قال الله تعالى {في جيدها حبل} [المسد: 5]. الجيد: العنق، ويجمع على أجياد. وقال الشاعر: [من الطويل]

315 - فعيناك عيناها وجيدك جيدها ... حلا أن عظم الساق منك دقيق وقال امرؤ القيس: [من الطويل] 316 - وجيد كجيد الرئم ليس بفاحش ... إذا هي نضته ولا بمعطل

باب الحاء

باب الحاء فصل الحاء والباء ح ب ب: قوله تعالى: {يحبهم ويحبونه} [المائدة: 54]. محبة الله للعباد: إرادة الخير بهم وغفران ذنوبهم، ولذلك قال الأزهري: إنعامه عليهم بالغفران، ومحبة العباد لربهم ولرسوله: طاعتهم لهما وامتثال أوامرهما واجتناب نواهيهما. وعليه قوله تعالى: {قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله} [آل عمران: 31]، وقال تعالى: {فإن الله لا يحب الكافرين} [آل عمران: 32] أي لا يغفر لهم. وقال ابن عرفة: المحبة عند العرب إرادة الشيء على قصد له. قلت: وفرق بعضهم بين الإرادة والمحبة فقال: والمحبة إرادة ما يراه ويظنه خيرا. وهي على ثلاثة أوجه: محبة للذة كمحبة الرجل للمرأة، ومنه: {ويطعمون الطعام على حبه} [الإنسان: 8]، ومحبة للنفع كمحبة ما ينتفع به ومنه: {وأخرى تحبونها} [الصف: 13]. ومحبة للفضل كمحبة العلماء بعضهم لبعض لأجل العلم. وربما فسرت المحبة بالإرادة في قوله: {يحبون أن يتطهروا} [التوبة: 108]، وقال: ليس كذلك؛ فإن المحبة أبلغ من الإرادة كما تقدم. فكل محبة إرادة وليس كل إرادة محبة. وقوله: {إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين} [البقرة: 222] أي يثيبهم. وفي عكسه: {والله لا يحب كل كفار أثيم} [البقرة: 276]. وفيه تنبيه على أنه بارتكاب الآثام يصير بحيث لا يتوب لتماديه في ذلك. وإن لم يتب لم يحبه الله تعالى المحبة التي وعد الله التوابين والمتطهرين. والاستحباب حقيقته طلب المحبة إلا أنه ضمن

معنى الإيثار، ولذلك عدي بعلى؛ قال تعالى: {فاستحبوا العمى على الهدى} [فصلت: 17] أي آثروه عليه. وقوله {استحبوا الكفر على الإيمان} [التوبة:23]. وقال بعضهم: الاستحباب: تحري الإنسان في الشيء وأن يحبه. وحقيقة المحبة في الأناسي: إصابة حبة القلب. يقال: حببت زيدًا أي أصبت حبة قلبه، نحو: كبدته ورأسته. وأحببته: جعلت قلبي مغرمًا بأن يحبه. واستعمل أيضًا حببت في موضع أحببت، إلا أالأكثر الاستغناء باسم مفعول الثلاثي عن اسم مفعول الرباعي، نحو: أحببته فهو محبوب، والقياس محب وقد جاء. قال عنترة: [من الكامل] 317 - ولقد نزلت فلا تظني غيره ... مني بمنزلة المحب المكرم وقوله تعالى: {إني أحببت حب الخير عن ذكر ربي} [ص: 32] الأصل أحببت الخيل حبي للخير، قاله الراغب، وقال غيره: المعنى: آثرت حب الخير على ذكر ربي؛ فعن بمعنى على، وهذا لا أحبه. وقد أوضحنا هذا في غير هذا الموضوع. والحب والحبة: الحنطة والشعير والذرة، ومما جرى مجراها. وعليه قوله: {جنات وحب الحصيد} [ق: 9] أي المعد للحصد من الحنطة وشبهها. وكقوله: {كثل حبة أنبتت سبع سنابل} الآية [البقرة: 216] قيل المراد به الدخن وفيه نظره لأن السنبل غلب واختص بالحنطة والشعير. وأما الحبة بكسر الحاء من قوله عليه الصلاة والسلام: "ينبتون كما تنبت الحبة في حميل السيل" فقال أبو عمرو: هي نبت ينبت في الحشيش صغار. وقال الفراء: هي بذور البقول. وقال الكسائي: هي حب الرياحين، الواحدة حبة. وقال ابن شميل: الحبة بضم الحاء وتخفيف الباء: القضيب من الكرم يغرس فيصير حبة. والحبة بالكسر

والتشديد اسم جامع لحبوب البقول التي تنثر، ثم إذا أمطرت من قابل نبتت، واتفقوا على ذلك. فحب وحبة بالفتح والتشديد، نحو حبة القمح وحبة العنب وحبة القلب على التشبيه بحبة الحنطة في الهيئة. والحباب: النفاخات التي تعلو الماء والخمر تشبيهًا بذلك في الهيئة. والحبب: تنضيد الأسنان وانتظامها كما ينظم حب اللؤلؤ. ومنه قول أبي عبادة: [من السريع] 318 - كأنما يبسم عن لؤلؤ ... منضد أو برد أو أقاح وقوله: {ولكن الله حبب إليكم الإيمان} [الحجرات: 7] أي أوصل محبته إليكم فجعلكم تحبونه وتريدونه على غيره. وقوله: {يحبونهم كحب الله} [البقرة: 165] أي يعظمونهم تعظيمهم، ويرجونها رجاءه. ح ب ر: قوله تعالى: {أنتم وأزواجكم تحيرون} [الزخرف: 70] أي تنعمون، وقيل: تسرون. وأصل اللفظة من الحبر وهو الأثر المستحسن. وفي الحيث: "يخرج من النار رجل قد ذهب حبره وسبره" أي بهاؤه وجماله. ومنه سمي الحبر، وشعر محبر، وشاعر محبر لشعره. والتحبير: التحسين من ذلك. وفي الحديث: "لحبرتها لك تحبيرًا". وثوب حبير، وارط محبار، كل ذلك بمعنى التحسين. والحبرة: ثياب اليمن. والحبر: الرجل العالم بفتح الحاء وكسرها؛ سمي بذلك لما يبقى في قلوب الناس من آيات علومه الحسنة وآثاره الجميلة المقتدى بها من بعده. وإلى هذا أشار علي بن أبي طالب رضي الله عنه بقوله: "العلماء باقون ما بقي الدهر أعيانهم مفقودة وآثارهم في القلوب موجودة. فقوله: {يحبرون} [الروم: 15] معناه يفرحون ويسرون حتى يظهر عليهم حبار

نعيمهم، والحبرة: السرور. والحبرة: النعمة أيضًا والحبر والحبار: الأثر، والأحبار جمع حبر وهو العالم. وقد تقدم أن فيه لغتين؛ فتح الفاء وكسرها. وأنكر أبو الهيثم الكسر، وقال: هو بالفتح لا غير. قال القتيبي: لست أدري لم اختار أبو عبيد الكسر؟ قال: والدليل على الفتح قولهم: كعب الأحبار أي عالم العلماء. قال أبو بكر: لم ينصف أبا عبيد؛ فإنه حكى عن الأئمة أن منهم من اختار الفتح، ومنهم من اختار الكسر. والعرب تقول: حبر وحبر نحو رطل ورطل، وثوب شف وشف. واختار الفراء الكسر واحتج له بأن أفعالا نادر في فعل بالفتح إذا كان صحيحًا؛ فحبر بالكسر فقط، قيل: سمي به لتحسينه الخط وتبيينه إياه. ومن ذلك ما تقدم من حديث: "لحبرته لك تحبيرًا". وقيل: بل لا يؤثر من الكتب به في ذلك الموضع من الحبار وهو الأثر. وقيل: إنما سمي كعب الأحبار لذلك، لأنه كان صاحب كتب محبرة أي مكتوبه به. والحبارى: طائر. وفي المثل: "كل شيء يحب ولده حتى الحبارى ويطير عنده" أي يطير عراضة يمنة ويسرة ليتعلم منها. وإنما خصوها بالذكر لموقها. وقد تمثل بهذه الكلمة عثمان رضي الله عنه. وفي الحديث: "لا آكل الخمير ولا ألبس الحبير". الحبير من البرود: الموشى المخطط. وهو برود حبرة على الإضافة. ح ب س: الحبس: المنع من الانبعاث. وقد يرد بمعنى المنع المطلق. قوله تعالى: {تحبسونهما من بعد الصلاة} [المائدة: 106] من الأول. وقوله عليه الصلاة والسلام: "حبس الأصل" من الثاني، وهو معنى الوقف، وهو الحبس أيضًا. وفي الحديث: "إن خالدًا جعل أمواله ورقيقه واعتده حبسًا في سبيل الله". وفي الحديث: "بعث أبا عبيدة على الحبس" هم الرجالة. قال القتيبي: سموا بذلك لتحبسهم عن

الركبان. قال: وأحسب أحدهم حبيسًا؛ فعيلًا بمعنى مفعول. ويجوز أن يكون حابسًا لأنه يحس من وراءه بمسيره. قلت: فعل منقاس في فاعل نحو ضارب، وضرب غير منقاس في فعيل. والحبس أيضًا مصنع الماء لتحبسه فيه. ح ب ط: قوله تعالى: {حبطت أعمالهم} [البقرة: 217] أي بطلت. وأصله من قولهم: حبطت الدابة إذا أكلت أكلا انتفخ بطنها منه فماتت. ومنه الحديث: "إني أخوف ما أخاف عليكم بعدي ما يفتح عليكم من زهرة الدنيا وزينتها. فقال رجل: أو يأتي الخير بالشر يا رسول الله؟ فقال: إنه لا يأتي الخير بالشر، وإن مما ينبت الربيع ما يقتل حبطًا أو يلم، إلا آكلة الخضر فإنها أكلت حتى إذا امتلأت حاضرتاها استقبلت عين الشمس فثلطت وبالت ثم رتعت". إنما سقت هذا الحديث بكماله لأنه كما قال الأزهري: إذا بتر لم يكد يفهم. وقال: وفيه مثلان أحدهما للمفرط في جمع الدنيا ومنعها من حقها، والضرب الآخر للمقتصد في أخذها والانتفاع بها. فقوله: "إن مما ينبت الربيع" يريد أن الربيع ينبت البقول والعشب فتأكل منه الدابة أكلًا واسعًا، فتنشق أمعاؤها فتهلك، وهي الحبط. كذلك من جمع الدنيا حرامًا وحلالا يهلك بها. وقوله: "إلا آكلة الخضر" يريد بالخضر المرعى المعتاد الذي ترعاه المواشي بعد هيج البقول وهي الجنبة فإذا أكلته بركت مستقبلة الشمس، تستمري ما أكلت وتجتر كعادة الدواب. فتثلط أي فتروث وتبول فلا يصيبها ألم المرعى لثلطها وبولها، كذلك المقتصد في جمع الدنيا المؤدي حقوق ربه. وما أحسن هذين المثلين وأبلغهما وأوقعهما بحال الممثل له. وكم من مثل نسمعه ولا نجده يساوي ما يضربه صلى الله عليه وسلم ولا يقاربه وذلك لاطلاعه على ظواهر الأمور وبواطنها فمن ثم تجيء أمثاله في غاية المطابقة للحال فضلًا عن الفصاحة والبلاغة، بخلاف غيره عليه الصلاة والسلام، فإنه غاية ما عنده أن يطابق بالمثل الحال الظاهر.

والحبنطي: الحبط البطن. وفي الحديث: "إن السقط يظل محبنطئًا على باب الجنة" المحبنطئ: المتغضب المستبطئ للشيء. احبنطت واحبنطأت، لغتان. يقال: حبطت الدابة تحبط حبطًا فهي حبطة. وسمى الحارث الحبط لأنه أصابه ذلك، وسمي أولاده الحبطات. قال الشاعر: [من الوافر] 319 - فإن الحمر من شر المطايا ... كما الحبطات شر بني تميم ثم حبط العمل على أضرب؛ الأول أن تكون أعمالًا دنيوية غير مجدية في الآخرة وهي المشار إليها بقوله: {وقدمنا إلى ما عملوا من عمل} [الفرقان: 23] الآية. الثاني: أن تكون أخروية قصد بها غير الله كما روى "أنه يؤتي يوم القيامة برجل فيقال له: بم كان اشتغالك؟ قال: بقراءة القرآن. فيقال له: قد كنت تقرأ ليقال: وهو قارئ. وقد قيل ذلك، فيؤمر به إلى النار". والثالث: أن تكون صالحة إلا أن بإزائها سيئات توفي عليها وهي المشار إليها بقوله: {ومن خفت موازين} [الأعراف: 9]. ح ب ك: قوله تعالى: {والسماء ذات الحبك} [الذاريات: 7] العامة على الحبك بضمتين. وقرئ بكسرتين، والمراد به الطرائق. ثم من الناس من تصور منها الطرائق

المحسوسة بالنجوم والمجرة. ومنهم من اعتبر ذلك بما فيه من المعنى المدرك بالبصيرة كما أشار إليه بقوله: {إن في خلق السماوات والأرض} إلى قوله: {ربنا ما خلقت هذا باطلًا} [آل عمران: 191]. وأصل المادة من الحبك وهو الإحكام والشد. ومنه بعير محبوك القرا. والاحتباك: شد الإزار، يقال: حبكت الشيء: أخذت [أشده] وحبك الرمل والماء: ما تراه مدرجًا عند هبوب الرياح. والحبك جمع، فقيل: واحدة حبيكة نحو: ظريفة وظرف. وقيل: حباك نحو مثال ومثل. فمعنى {ذات الحبك} أي ذات الطرائق المحكمة قاله الأزهري. وقال ابن عرفة: ذات الخلق الحسن. وقال مجاهد: ذات البيان، وكلها متقاربة. وفي حديث عائشة: "أنها كانت تحتبك تحت درعها في الصلاة". نقل أبو عبيد عن الأصمعي أنه الاحتباك، وقال: ولم يعرف الأصمعي غيره، وإنما المراد به شد الإزار. وغلط الأزهري أبا عبيد وقال: إنما قال الاحتياك بالياء؛ يقال: احتكاك يحتاك، وتحوك يتحوك: إذا اجتبى به، كذا رواه ابن السكيت عن الأصمعي. الحبكة: الحجزة، قاله شمر، ومنه الاحتباك وهو شد الإزار. ح ب ل: الحبل: معروف، وجمعه حبال. قال تعالى: {فإذا حبالهم} [طه: 66]. ثم يتجوز به عن كل وصلة، فيقال: بيننا حبال أي قرابة ووصل. ومنه سمي كتاب الله: حبل الله في قوله: {واعتصموا بحبل الله جميعًا} [آل عمران 103]. قال ابن عباس: القرآن؛ لأنه وصلة بين العباد وبين ربهم تعالى. وفي الحديث: "كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض، طرفه بأيديكم". فمعنى حبل الله أي الذي معه التوصل به إليه من القرآن والسنة والعقل وغير ذلك، مما إذا اعتصمت به أداك إلى جواره. ويعبر به أيضاً عن العهد

ومنه "إن بيننا وبين القوم حبالًا ونحن قاطعوها" وقد قيل ذلك أيضًا في قوله: {واعتصموا بحبل الله}. ومنه قوله تعالى: {ضربت عليهم الذلة أينما ثقفوا إللا بحبل من الله وحبل من الناس} [آل عمران: 112] أي إلا بعهد. وفيه تنبيه على أن الكافر يحتاج إلى عهدين: عهد من الله، وهو أن يكون من أهل الكتاب أنزله الله، وإلا لم يقر على دينه ولم يجعل على ذمة، وعهد من الناس يبذلونه. وقال ابن عرفة: إلا بعهد من الله وعهد من الناس يجري عليهم أحكام الإسلام وهم من غير أهله. ويطلق على الأمان، ومنه قول عبد الله: "عليكم بحبل الله فإنه أمان لكم، وعهد من عذاب الله". ويقال للشيء المستطيل: حبل على التشبيه، ومنه حبل الرمل، وحبل الوريد، وحبل العاتق. قال الفراء: الحبل هو الوريد، وهو عرق بين الحلقوم والعلباوين، وإنما أضيف لاختلاف لفظهما. ويقال للنور الممدود والظلام الممدود: حبل وخيط. ومنه: "كتاب الله حبل ممدود". وقوله تعالى: {حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر} [البقرة: 187]. والحبل: الاشتمال على الحمل. يقال: حبلت المرأة تحبل حبلًا، فهي حبلى، والجمع حبالى. سميت بذلك لأن حملها صار وصلة بينها وبين الرجل. والحبالة بالكسر: شبكة الصائد وحبله، وقيل: حبالة الصائد: حبلة فقط. وفي الحديث: "النساء حبائل الشيطان"، الداهية من ذلك. والحبلة: ثمر السمر يشبه اللوبياء. وقيل: ثمر العضاه. ومنه الحديث: "ما لنا طعام إلا الحبلة وورق السمر". والحبلة بفتح الحاء مع سكون الباء هو المشهور وفتحها: أصل الكرم. والحبلة بفتحتين: ما في بطون النوق. ومنه الحديث: "نهى عن بيع حبل الحبلة"، قال أبو عبيد: هو ولد الجنين الذي في بطن الناقة. وقال ابن الانباري: هو نتاج النتاج. قال:

فصل الحاء والتاء

فالحبل يراد ما في بطزم النوق. والحبلة التاء أدخلت فيها للمبالغة نحو شجرة والمحبل والحابل: صاحب الحبالة. ويقال: وقع حابلهم على نابلهم. والحبلة اسم لما يجعل في القلادة تشبيها بثمر السمر في الهيئة. فصل الحاء والتاء ح ت م: قوله تعالى: {كان على ربك حتمًا مقضيًا} [مريم: 71]. الحتم: اللزوم والإيجاب، وقيل: هو القضاء المقدور. وسمي الغراب حاتمًا لأنه حتم الفراق فيما زعموا، ثم جعلوا علمًا لرجل. ومنه قيل: رجل أحتم أي أسود، اعتبارًا بالغراب. وفي حديث النلاعنة: "إن جاءت به أحسم أحتم"؛ قال الأزهري: الحتمة: السواد. والحتامة: فتات الخبز، قاله الفراء. وفي الحديث: "من أكل وتتحتم" أي أكل الحتامة. ح ت ي: حتى: حرف غاية. وتكون ظرفًا محو: {حتى مطلع الفجر} [القدر: 5] أي إلى مطلعها، وينصب بعدها المضارع بإضمار أن كقوله: {حتى يلج الجمل}

فصل الحاء والثاء

[الأعراف: 40] على تفصيل في ذلك مذكور في كتب النحو وتكون عاطفة، ولا يعطف بها إلا جزء وما هو في تأويله، كقوله: [من الكامل] 320 - ألقى الصحيفة كي يخفف رحله ... والزاد، حتى نعله ألقاها وتكون حرف ابتداء، وذلك إذا وليها الجمل كقوله: [من الطويل] فالغاية لا تفارقها في أحوالها الثلاثة. وقرئ قوله تعالى: {حتى يقول الرسول} [البقرة: 214] بالرفع والنصب على جعلها جارة أو أو ابتدائية، حسبما أوضحناه في غير هذا الكتاب. ومن أمثلة النحاة: أكلت السمكة حتى رأسها؛ برفع رأسها ونصبها وجرها على التقادير الثلاثة. والغالب فيها أن ما بعدها يدخل في ما قبلها عكس إلى. قال الراغب: إن ما بعد حتى يقتضي أن يكون بخلاف ما قبله نحو قوله: {ولا جنبًا إلا عابري سبيل حتى تغتسلوا} [النساء: 43]. وقد يجيء ولا يكون كذلك، نحو ما روي: "إن الله لا يمل حتى تملوا" ولم يقصد أن يثبت ملالا لله تعالى بقدر ملالهم. قلت: هذا ورد على المقابلة نحو: {ومكروا ومكر الله} [آل عمران: 54] والمراد بالملل القطع. والحتي: سويق المقل، وفي الحديث: "أنه أعطى أبا رافع حتيًا". فصل الحاء والثاء ح ث ث:

فصل الحاء والجيم

قوله تعالى: {يطلبه حثيثًا} [الأعراف: 54] أي سريعًا. والحث: السرعة. ويقال: حثه على كذا يحثه حثا وحثيثا فهو حاث نحو خصه خصا فهو خاص. فصل الحاء والجيم ح ج ب: الحجب: المنع. والحاجب: المانع. والحجاب: الشيء الذي يحجب به. قوله: {وبينهما حجاب} [الأعراف: 46] أي حاجز، وهو إشارة إلى الحجب المذكورة في قوله: {فضرب بينهم بسور له باب باطنه} [الحديد: 13] الآية. وليس يعني به ما يحجب البصر، وإنما يعني به ما يمنع من وصول لذة الجنة إلى أهل النار، وأذية أهل النار إلى أهل الجنة. وقوله: {أو من وراء حجاب} [الشورى: 51] أي من حيث لا يراه مكلمه ومبلغه. وقوله: {حتى توارت بالحجاب} [فصلت: 5] أي حاجز ومانع في النحلة والدين لا حجاب حسي. وقوله: {حجابًا مستورًا} [الإسراء: 45] كقوله: {وجعلنا على قلوبهم أكنة أن يفقهوه وفي آذانهم وقرًا} [الأنعام: 25]. ومستورًا قيل: بمعنى ساترًا، والصحيح أنه على بابه، وقد قررناه في غير هذا. والحاجب للسلطان: الذي يمنع من يصل إليه. وحاجبا العين من ذلك، لأنهما يمنعان العين مما يصيبها. وحجاب الشمس: ضوؤها، لأنه يبهر النظر، كأنه يمنع من تحققها. قال الغنوي: [من الطويل] 322 - إذا ما غضبنا غضبة مضرية ... هتكنا حجاب الشمس أو قطرت دمًا قال شمر: حجابها ضوؤها ها هنا.، وفي الحديث: "إن الله يغفر للعبد ما لم يقع الحجاب. قيل: يا رسول الله وما الحجاب؟ قال: أن تموت النفس وهي مشركة"

وحاجب الشمس ما يبدو منها تشبيهًا بالجارحة أو بحاجب السلطان لتقدمته عليها. وقوله تعالى: {إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون} [المطففين: 15] أي عن النظر إليه، وبه استدل على جواز النظر إليه في الآخرة لأهل الجنة كما هو مذهب أهل السنة، لأنهم عوقبوا بما ينعم به السعداء. ويعزى هذا الاستنباط للإمام مالك رحمة الله على ما مهدناه في غير هذا. وقيل: هذا إشارة إلى منع السور عنهم المشار إليه بقوله: {فضرب بينهم بسور}. والحجاب: الستر، ومنه حجاب الجوف. ح ج ج: قال تعالى: {ولله على الناس حج البيت} [آل عمران: 97] الحج والحج فتحا وكسرا مصدران لحج أي قصد. وقد قرئ بهما في السبع. وقيل: المفتوح مصدر والمكسور الاسم. وأصل الحج لغة القصد، وجعل في الشرع قصدًا مخصوصًا لمكان مخصوص في زمان مخصوص على هيئات مخصوصة حسبما بيناها في "الأحكام". قوله تعالى: {يوم الحج الأكبر} [التوبة: 3] قيل: يوم عرفة، لأن عرفة معظم الحج. قال عليه الصلاة والسلام: "الحج عرفة". وقيل: جعل أكبر لمقابلته بالعمرة؛ فإنها يقال فيها الحج الأصغر، وفيه حديث. وقيل: الحج: الإتيان مرة بعد أخرى. ومن أمثالهم: "لج فحج" أي تمادى في لجاجه حتى حج بيت الله. وقيل: الحج: العمل، والحج: الغلبة بالحجة. والحجة هي الكلام المستقيم، ومنه قوله تعالى: {فلله الحجة البالغة} [الأنعام 149]. وقيل: الحجة: الدلالة المبينة للحجة أي المقصد المستقيم الذي يقتضي حجة أحد النقيضين. وقوله: {لئلا يكون للناس عليكم حجة إلا الذين ظلموا منهم} [البقرة: 150] فجعل ما

يحتج به الذين ظلموا حجة، وإن لم يكن حجة، كذلك قول الشاعر: [من الطويل] 323 - ولا عيب فيها غير أن سيوفهم ... بهن فلول من قراع الكتائب أي إن كان ثم حجة إلا حجة الظالمين. كما أنه إن ثبت فيهم عيب فليس ثم عيب إلا هذا. وقوله: {حجتهم داحضة} [الشورى: 16] سمى الحجة داحضة على زعمهم أي إن كان لهم حضة فهي داحضة. قوله: {وحاجه قومه} [الأنعام: 80] أي غالبوه في الاحتجاج. وحقيقة المحاجة أن يطلب كل واحد من المحاجين رد صاحبه عن حجته أو محجته. ومنه: {قل أتحاجوننا في الله} [البقرة: 139]. وسمي سبر الجراحة حجا، قال الشاعر: [من البسيط] 324 - يحج مأمومه في قعرها لجف ح ج ر: أصل المادة يدل على المانع منه، ومنه الحجر لصلابته ومتعته. والحجر: المنع من التصرف. والحجر بالكسر: العقل لأنه يمنع صاحبه من الجهل. ومنه قوله تعالى: {فإن لم تفعلوا ولن تفعلوا فاتقوا النار التي وقودها الناس

والحجارة} [البقرة: 24] قيل: هي حجارة الكبريت. وإنما خصت بذلك لزيادتها على سائر الوقود بخمسة أشياء حققناها في "التفسير الكبير" وقيل: هي الأصنام التي كانوا يعبدونها لقوله: {ويكونون عليهم ضدًا} [مريم: 82]. وقيل: هي الحجارة المعهودة، ومنه: "إن هذه نار تخلف نار أهل الدنيا" فإن نارهم توقد بحطب ونحوه، ثم يحرق بها ما أريد من الحجارة والناس ونحوهما. وقيل: أراد بالحجارة الذين هم في صلابتهم عن قبول الحق كالحجارة، كمن وصفهم بقوله: {فهي كالحجارة أو أشد قسوة} [البقرة: 74]. وحجر الثوب لأنه يمنع به ما يحصل فيه، وجعل كناية عن الإحاطة بالشيء ومنه: {وربائبكم اللاتي في حجوركم} [النساء: 23] أي في إحاطتكم عليهن أمرهن. وقوله: {وحرث حجر} [الأنعام: 138] أي ممنوع، وذلك ما حرموه من تلقاء أنفسهم كالسوائب والبحائر وما أعدوه من زروعهم للأصنام. والحجرة في البيت: لما حوط به عليها من الدار؛ قال تعالى: {من وراء الحجرات} [الحجرات: 4] أو لأنها تمنع من فيها، والأول أشبه؛ فإنها فعلة بمعنى مفعولة نحو الغرفة. وفي الحديث: "لقد تحجزت واسعًا" أي ضيقت. والحجر التحجير أن يجعل حول المكان حجارة. يقال: حجرت الشيء حجرًا فهو محجور، وحجرته تحجيرًا فهو محجر، وسمى ما أحيط به الحجارة حجرًا فعل بمعنى مفعول كالذبح، وبه سمى حجر الكعبة، ثم أطلق على كل ممنوع، ومنه: {وجعل بينهما برزخا وحجراً محجوراً}

إذا لقي من يخاف قال ذلك، فذكر الله تعالى أن الكفار إذا رأوا الملائكة قالوا ذلك ظنا منهم أنها تنفعهم. والحجر: الأنثى من الخيل. قال المبرد: يقال للأنثى من الفرس حجر لكونها مشتملة على ما في بطنها من الولد. قيل: وتصور من الحجر دورانه فقيل: حجرت عين الفرس إذا وسمت حولها بميسم. وحجر القمر: صار حوله دائرة. والحجورة: لعبة للصبيان؛ يخطون خطاً مستديراً. ومحجر العين منه. واستجر الطين وتحج: تصلب صلابة الحجر. والأحجار: بطون من تميم. سموا بذلك لقوم منهم أسماؤهم: جندل وحجر وصخر. ح ج ز: الحجز: الفصل بين الشيئين. والحاجز: وهو الفاصل لقوله تعالى: {وجعل بين البحرين حاجزاً} [النمل: 61] أي فاصلاً من قدرته مع اختلاطهما في رأى العين، فلا يبغى أحدهما على الآخر لقوله: {بينهما برزخ لا يبغيان} [الرحمن:20]. وقيل: الحجز كالحجر معنى. ومنه قوله تعالى: {وجعل بين البحرين حاجزاً} فهذا كقوله: {وجعل بينهما برزخاً وحجراً محجوراً} [الفرقان: 53]. وقال تعالى: {فما منكم من أحد عنه حاجزين} [الحاقة: 47] أي مانعين. وسمى الحجاز حجاز لحجزه بين البحرين: بحر الروم وبحر اليمن، وقيل: لحجزه بين الشام والبادية. وقيل الحاجز من قوله: {بين البحرين حاجزاً}. والحجاز لأنه حجز بت بينهما، والحجاز أيضاً: حبل يشد بت حق البعير إلى رسغه. وستحجز بإزاره أي شده عليه، ومنه حجزه السروالي. وأخذت بحجرته؛ يضرب لمن خلصه من شدة. وفى الحديث:"أخذت بحجرته من النار". فالحجز كالحجر

فصل الحاء والدال

خطأ. وفى المثل:"إن رمت الحاجزة فقبل المتاجزة" تفسيره: إن رمت المسالمة فافعل ذلك قبل القتال. وفى حديث قيلة:"أيلام ابن زه أن يفصل الخطة وينتصر من وراء الحجز؟ ". الحجزة: جمع حاجز نحو بار وبررة، وهم الذين يمنعون الناس من التظلم. وابن ذه عبارة عن الآدمي. والحجز: الأصل؛ فلان كريم الحجز. والحجز أيضاً: العشيرة، لأنهم يحتجز بهم اى يمتنع. وقول رؤبة: [من الرجز] 325 - فامدح كريم المنتمى والحجز يحتمل الأمرين. فصل الحاء والدال ح د ب: قوله تعالى: {وهم من كل حدب ينسلون} [الأنبياء: 96]. الحدب: النشر وهو المرتفع من الأرض كالآكام. وعبر بذلك عن القبور لارتفاعها غالباً. والحدب ارتفاع الظهر. وهو عظام تنبو، وذلك هو الحدب. وإذا وقع ذلك في عظام الصدر قيل له: فعس، ومنه قوله: [من الطويل] 326 - تقول ودقت صدرها بيمينها ... أبعلي هذا بالرجات المتقاعس؟

رجل أقعس. ثم يعبر بالحدب عن الشيء الشنع المستوحش، ومنه قيل لآلة الميت حدباء؛ قال كعب ابن زهير: [من البسيط] 327 - كل ابن أنثى وإن طالت سلامته ... يوماُ على آله حدباء محمول أي شنعاء صعبةٍ. وقال الراغب: يجوز أن يكون الحدب في الأصل حدب الظهر. يقال: حدب الرجل يحدب حدباً فهو أحدب. وناقةً حدباء تشبيها بذلك، ثم شبه به ما ارتفع من الأرض. ح د ث: الحدوث: كون الشيء بعد أن لم يكن، وإحداثًه: إيجاد وسواء كان المحدث جوهراً أو عرضاً، واختص الباري تعالى بإحداث الجواهر. ويقال لكل ما قرب عهده: محدث فعلاً كان أو قولاً. ومن ثم قيل: {ما يأتيهم من ذكر ربهم محدث} [الأنبياء] إنزاله وإيجاده وإلا فكلامه تعالى قديم. ومنه يسمى القرآن حديثاً؛ قال تعالى: {أفمن هذا الحديث تتعجبون} [النجم:59] {أفبهذا الحديث أنتم مدهنون} [الواقعة:81] {الله نزل أحسن الحديث كتاباً} [الزمر:23]. وقوله: {وإذا أسر النبي إلى بعض أزاوجه حديثاً} [التحريم:3] رضي الله عنهن كما أوضحناه. وقوله: {حتى أحدث لك منه ذكرا} [الكهف:70] أي أجداد، أي: لا تكن أنت البادئ بالسؤال عما تراه، بل اصبر حتى أكون أنا المبتدئ بذلك وبيان قوله: {وعلمتني من تأويل الأحاديث} [يوسف:101] هو علم الرؤيا سماها أحاديث لأن أهلها يحدثون بها من يعبرها بهم. وقيل لما حدث به الإنسان في نومه. وقوله: {فجعلناهم أحاديث} [سبأ:90] أي أخبارا وسمراً يتحدثون بحديثهم

ويتعجبون من أخبارهم. والأحاديث جمع أحدوثةٍ تقديراً، أو جمع حديثٍ على غير قياس نحو أباطيل وأقاطيع وأبابيل. والحديث يقابل القديم. ومنه ثمر حدث للطريً وثمر قديمً. ويقولون: أخذه ما حدث وما قدم، بضم دال حدث لأجل دال قائم. فإذا أفردوا قالوا حدث بالفتح فقط. والمحدث من يلقي في روعة شيء من جهة الملاٍ الأعلى، ومنه الحديث:"إن يكن في هذه الأمة محدث فهو عمر"، ولذلك كان رضي الله ينطق بأشياء فينزل القرآن على وفقها، ورجل حدث وحديث السن أي صغير السن. والحاثة: النازلة لطرائها، وجمعها حوادث، والحدثان بمعناها؛ قال: [من الوافر] 328 - رمى الحدثان نسوة آل سعد ... بأمر قد سمدن له سمودا فرد شعورهن السود بيضاً ... ورد وجوههن البيض سواد ورجل حدوث: حسن الحديث. ورجل حدث نساء أي محادثهن. وقوله: {وأما بنعمة ربك فحدث} [الضحى:11] أي بلغ نعمته وهي القرآن وما يوحى إليك من السنة، أو ما أنعم به عليك إظهاراُ لنعمته وشكرانه. وهذا تعليم لنا، قيل: ولذلك يستحب للعالم أن يظهر العبادة ليتقدي به غيره لا للرياء. وقول الحسن:"حادثوا هذه القلوب بذكر الله" أي اجلوها كما يحادث السيف بالصقال. ومنه قول لبيد: [من الوافر] 329 - كنصل السيف حودث بالصقال

كذا أنشد ابن بري صدره، والمشهور أن صدره لامرئ القيس وعجزه وهو: 330 - كنار مجوس تستعر استعارا للتوءم، في قصة جرت لهما أوضحناها في "شرح التسهيل الكبير". ح د د: الحد هو الحاجز المانع من اختلاط شيئين بآخر. وحددت الدار: جعلت لها حداً يميزها ويمنعها من اختلاطها بغيرها. والحد المعرف للشيء هو الوصف المحيط بمعناه المميز له عن غيره. ولذلك يقال فيه إنه مانع جامع؛ أي يمنع غيره من الدخول فيه ويجمع جميع ما يدخل فيه، وهو معنى قول المتكلمين: مطرد منعكس. فالجامع هو المنعكس، والمانع هو المطرد. وسميت الحدود لأنها تحد أي تمنع، وحدود الله: أوامره ونواهيه. ولذلك قال: {فلا تقربوها} [البقرة:187] جعلها كالمحسوسات من الأجرام، والمراد: ولا تخالفوها فتتركوا أوامرها، وتفعلوا مناهيها. والحدود المعاقب بها من ذلك لأنها تمنع من معاودة الذئب لمن فعله، وتمنع غيره أن يفعل مثل فعله كالقصاص. وسمى البواب حدادا لأنه يمنع الداخل. قوله: {وأجدر ألا يعلموا حدود ما أنزل الله} [التوبة:97] قيل: أحكامه، وقيل حقائق معانيه، ثم حدوده تعالى أربعة أقسام: قسم لا يجوز فيه الزيادة ولا النقصان، وذلك كأعداد ركعات الصلوات المفروضة وكالصلوات الخمس. وقسمٍ يجوز فيه الزيادة عليه والنقصان عنه كصلاة النفل المقيدة مثل الضحى فإنها ثمانٍ فيجوز الزيادة عليها والنقصان منها. وقسم يجوز النقصان منه دون الزيادة مثل مرات الوضوء الثلاث والتزوج بأربعٍ فما دونها. وقسم بعكسه. والراغب قال: هي أربعة أضربٍ، ولم يذكر إلا ثلاثةً، ولم يمثل إلا للأول. والحديد: هو الجوهر المعروف، سمي بذلك لما فيه من المنع. قال تعالى:

{وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد} [الحديد:25]. ويعبر عن الحديد بالشيء المتناهي في بابه كقوله: {فبصرك اليوم حديد} [ق:22] أي ثابت نافذ. وفلان حديد الفهم أي ذكي القلب صافي الذهن. وأصلها من الحديد لأنه تثبت به الأشياء. وفيه: لسان حديد أي مصلت كحدة السيف. قال تعالي: {سلقوكم بالسنةٍ حداد} [الأحزاب:19]. وحددت السكين: شحذتها. وأحددتها: جعلت لها حداً، ثم قيل لكل ما دق في نفسه؛ إما من حيث الخلقة وإما من حيث المعني كالبصر والبصيرة: حديد. وقوله: {إن الذين يجادلون} [غافر:56] أي يعادون. تأويله أن يكونوا جعلوا بمنزله من يقاتل بالحديد ويمانع به، أو يكونوا بمنزلة من صار في حد ومن عاداه في حد آخر في المسافة، وهو أن يصير أحد الخصمين في شق والآخر في شق. ورجل محدود أي ممنوع الرزق والحظ عكس المجدود، وهو صاحب الجد كما تقدم. فهو وإن جانسه خطاً فقد فارقه لفظاً ومعنى. ولما نزل قوله تعالى: {عليها تسعة عشر} [المدثر:30] تكلم أبو جهل بكلامٍ، فقال له الصحابة:"تقيس الملائكة بالحدادين" أي السجانين لما تقدم من أن السجان مانع وهو البواب. وفي الحديث:"لا يحل لأحد أن يحد على ميت أكثر من ثلاثة أيام" أي يمنع من المأكل والتزين؛ يقال: أحدث المرأة على زوجها تحد إحداداً فهي محد. وحدت حداً فهي حاد إذا امنتعت من الزينة. والحد: نشاط النفس. وقي الحديث:"خيار أمتي أحداؤها"، قيل: جمع حديدٍ من الحدة. وفي الحديث:"عشر من السنة؛ وذكر الاستحداد" من الحديد، وهو حلق العانة بالحديد، وغلب على ذلك.

فصل الحاء والذال

ح د ق: قال تعالي: {حدائق وأعناباً} [النبأ:32] {حدائق ذات بهجة} [النمل:60]، هي جمع حديقةٍ، وهي القطعة من الأرض المستديرة ذات النخل والماء تشبيهاً بحدقة الإنسان في الهيئة وجمعها الماء. وقيل: الحديقة ما أحاط بها البناء من البساتين مطلقاً، وتصور من الحدقة الإحاطة، فقيل: أحدق به. وحدق فيه النظر: إذا نظر إليه متأملا له، وتحدق أبلغ. وجمع الحدقة أحداق وحدائق. قال الشاعر، وهو أبو ذؤيب الهذلي: [من الكامل] 331 - فالعين بعدهم كأن حداقها ... سلمت بشوك فهي عور تدمع فصل الحاء والذال ح ذ ر: قال تعالى: {حذر الموت} [البقرة:19] أي خوفه وأصله التحذر من الشيء المخيف المهلك. فهو أخص من الخوف. يقال: حذر يحذره حذراً وحذراً. وقيل: الحذر بالكسر: الاسم. وقرئ (حذار الموت). قال تعالي: {يحذر الآخر} [الزمر:9]. وحذرته كذا: خوفته منه ونبهته عليه؛ قال تعالي: {ويحذركم الله نفسه} أي يخوفكم ويذكركم عقابه وما يوعدكم به وأتى بلفظ النفس مبالغة وتنبيهاً أن حق مثله أن يحذر. وقال الفراء: أكثر كلام العرب الحذر، والحذر مسموع أيضاً. قلت: لم يقرأه أحد إلا حذر الموت بالفتح لكونه مصدراً ولم يقرأه أحد ألا {خذوا حذركم} [النساء:71] بالكسر لظهور الاسمية دو المصدرية، أي خذوا ما فيه الحذر من السلاح وغيره. وحذار: اسم فعلٍ كنزال؛ قال: [من الطويل]

فصل الحاء والراء

332 - حذار فقد نبئت إنك للذي ... ستجزى بما تسعى فتسعد أو تشقى وقرئ: {وإنا لجميع حاذرون} [الشعراء:56] أي متيقظون متحرزون، وحاذرون أي مبعدون، حسبما بيناه في"الدر" و"العقد" وغيرهما. فصل الحاء والراء ح ر ب: الحرب: مصدر حرب أي قاتل، إلا أن العرب أنثتها؛ قال تعالى: {حتى تضع الحرب أوزارها} [محمد:4] وقال الشاعر: [من المتقارب] 323 - وأعددت للحرب أوزارها ... رماحاً طوالاً وخيلاً ذكورا فأخرجتها عن موضوعها من المصدرية، وكان من حقهم أن لا يؤنثوها كغيرها من المصادر. وقد شذوا فيها من وجهٍ آخر، وذلك أنهم لما صغروها لم يدخلوها تاء التأنيث، بل قالوا حريب، كأنهم راجعوا الأصل. ولها في شذوذ التصغير أخوات استوفينا ذكرها في كتب النحو. والحرب: السلب في الحرب. وقد سمي كل سلبٍ حرباً. قال الشاعر: [من البسيط] 334 - والحرب مشتقةً المعنى من الحرب وحرب فهو حريب أي: سليب. والحرية: آلة الحرب معروفةً، وأصلها الفعلة، وإماً من الحرب أو من الحراب. والتحريب: إثارة الحرب. رجل محرب جعل كأنه آلة، نجو قوله:"ويلمه مسعر حرب"

والمحراب مفعال من ذلك. قيل: سمي بذلك لأن الإنسان يحارب فيه شيطانه وهواه. وقيل: لأنه من حق الإنسان فيه أن يكون حربياً من أشغال الدنيا ومن توزيع الخاطر فيه. وقيل: الأصل فيه أن محارب البيت صدر المجلس. ثم لما اتخذ المسجد سمي صدر البيت محراباً تشبيهاً بمحراب المسجد. قال الراغب: وكأن هذا أصح. قلت: المحراب لفظ قديم قبل حدوث المساجد؛ فإن المساجد وحاربيها عرف شرعي. وقال أبو عبيد: هو أشرف المساجد. قال الأصمعي: هو الغرفة والموضوع العالي، ويدل عليه: {إذ تسوروا المحراب} [ص:21] فتسوروا يدل على علوه. وقوله: {وهو قائم يصلى في المحراب} [آل عمران:39] يدل على أنع كان لهم محاريب. وفي الحديث عن أنسٍ"أنه كان يكره المحاريب" أي يكره أن يرفع على الناس. وفيه:"أنه بعث عروة بن مسعود إلي قومه بالطائف، فدخل محراباً لهم فأشرف عليهم [عند الفجر]، ثم أذان للصلاة"، فهذا يدل على أنه غرفة يرتقى إليها. وقوله تعالى: {من محاريب} [سبأ:13] قيل: هو القصور لارتفاعها. قال الأصمعي: العرب تسمي القصر محراباً لشرفه. وانشد للأعشى: [من السريع] 335 - أو دمية صور محرابها ... أو درة شيفت إلى تاجر وعن ابن الأنباري: سمي بذلك لانفراد الإمام فيه وبعده من القوم، من قولهم. هو حرب لفلانٍ، إذا كان بينهما تباعد وبغضاء. وأنشد: [من المتقارب] 336 - وحارب مرفقها دفها ... وسامى به عنق مسعر ودخل الأسد محرابه أي غليه، فسمي محراب المسجد بذلك؛ لأن الإمام لخوفه

من اللحن والخطأ بمنزلة من يدخل محراب الأسد. وقوله: {حتى تضع الحب أوزارها} [محمد:4] قيل: هي المعركة، وأسند إليها الوضع مجازاً. وقيل: هم القوم المحاربون. يقال: قوم حرب وقوم سلم، وهو نحو: قوم عدل. وحرب يحرب أي غضب. وحريته أي أغضبته. والحرباء: دوبية ترقب الشمس وتدور معها كيف دارت، فإذا جاء الليل ذهبت ترعى. سميت بذلك لأنها كالمحاربة للشمس. والحرباء أيضاً: مسمار شبيه بالدويبة نحو تسميتهم الضبة والكلب للصورة والهيئة. ح ر ث: الحرث: الإثارة والتفتيش. ومنه حرث الأرض، وهو إثارتها وتطييبها إرادة الزرع، وفي الحديث:"احرثوا هذا القرآن"، قال ابن الأعرابي: الحرث: التفتش. قال الهروي: أي فتشوه. قلت: ويؤيد هذا المعنى ما قدمته من الحديث الآخر. وقيل: الحرث: إلقاء البذر في الأرض وتهيئتها للزراعة. ويطلق على نفس المحروث، كقوله: {أن اغدوا على حرثكم} [القلم]. وتصور منه العمارة التي تحصل عنه في قوله تعالى: {من كان يريد حرث الآخرة نزد له في حرثه ومن كان يريد حرث الدنيا نؤته منها} [الشورى:20]، فسمى ما يكدح له الإنسان من الأعمال الموصلة الى الثواب أو العقاب حرثاً، لأنه نتيجته عمارة ما قصده الحارث. ويعبر به عن الكسب. وفي الحديث:"أصدق الأسماء الحارث وهمام" لأن كل أحد لابد أن يحرث أي يكتسب لآمر دنياه أو لأمر آخرته وكل واحد لابد أن يهم إما بخير أو بشر. وفي حديث بدر:" قال المشركون: اخرجوا إلى معايشكم وحراثتكم" أي مكاسبكم،

الواحدة حريثة. وقيل: الحرائث: الإٌبل ويروى حرائبكم بالموحدة، وهو المال الذي به قوام صاحبه. وقوله: {نساؤكم حرث لكم} [البقرة:223] سماهن حرثاً على الاستعارة البليغة، فإنهن بمنزلة الأرض المنبغى منها طلوع البذر ونموه، وجعل النطف الملقاة من أصلاب الرجال في أرحامهن بمنزلة البذر، وهذا في غاية الفصاحة والبلاغة. وفي الحديث:"احرث لدنياك كأنك تعيش أبدا" أي أجهد في تحصيل ما ينفعك. يقال؛ حرثت وأحرثت ثلاثياً ورباعياً. وتصور من الحرث معني التهيج فقيل: حرثت النار، ولما تهيج به محرث كمنجل. وحرث ناقته أي استعملها. وقال معاوية للأنصار:"ما فعلت نواضحكم؟ قالوا: حرثناها يوم بدر". وقوله: {ويهلك الحرث والنسل} [البقرة:205] قيل: أراد الزرع، وقيل: النساء، سمان حرثاً في قوله: {نساؤكم حرث لكم}، ويرشحه قوله: {النسل} نزلت في الأخنس بن شريقٍ مر بزرع فأحرقه وعقر دوابه. ح ر ج: الحرج: الضيق، ومنه قوله تعالى: {فلا يكن في صدرك حرج منه} [الأعراف:2] أي ضيق من القرآن. وأوصله من الحرج، والحرج والحراج وهو مجتمع ما بين الشيئين، فتصور منه الضيق. وقيل: هو الشجر المتلف، وفيه أيضا معني الضيق. وقول مجاهدٍ: أي شك تفسير باللازم، ولأن الشاك يضيق صدره بخلاف المتيقن فإنه ينفسح. وقوله: {يجعل صدره ضيقاً حرجاٌ} [الأنعام:125] قرئ بفتح الراء وكسرها، أي مبالغاً في الضيق. قال ابن عباس: الحرج: موضع الشجر الملتف، فكان

قلب الكافر لا تصل إليه المحكمة كما لا تصل الراعية إلي المكان الملتف شجرة. وما أنور هذا التفسير وأنعمه! قيل حرجا بكفره لأن الكفر لا يكاد تسكن إليه النفس، لكونه اعتقادا عن ظن. وقيل حرجا أي ضيقا بالإسلام، قاله الراغب: يعني أنه لما لم يسلم إسلاما جازما بل بترديد كإسلام المنافق ضاق به صدره. وقيل في معني قوله: {فلا يكن في صدرك حرج منه} [الأعراف:2] هو نهى على بابه. وقيل: هو حكم له بذلك نحو: {ألم نشرح لك صدرك} [الانشراح: 1]، وقيل: هو دعاء وهو حسن أيضا. وتحرج: أي تجنب الحرج، نحو تحنث وتحوب أي جانب الحنث والحوب. ويقع الحرج بمعنى الإثم كقوله: {ليس على الأعمى حرج} [النور: 61] أي إثم. ويجوز أن يكون على بابه أي ليس على هؤلاء تضييق في تكليفهم بما كلف به غيرهم لأعذار خصوا بها، حسبما بيناه في (التفسير الكبير). ح ر د: ح ر ر: قوله تعالى: {إني نذرت لك ما في بطني محررا} [آل عمران: 35] أي معتقا، من قولك: حررت العبد أي جعلته حرا. فقيل: معناه معتقا من مهنة أبوية مخلصا لخدمة بيت بيت المقدس. وقيل: معتقا من عمل الدنيا لعمل الآخرة. والمعنى أنها جعلته بحيث لا ينتفع به الانتفاع الدنيوي المشار إليه بقوله تعالى: {بنين وحفدة} [النحل: 72] {والمال والبنون زينة الحياة الدنيا} [الكهف: 46]، وهذا معنى قول الشعبي: مخلصا للعبادة، وقول مجاهد: خادما للبيعة، وقول جعفر: معتقا من أمر الدنيا. والحرية ضربان: ضرب لم يجر على صاحبها حكم الشي كقوله: {الحر بالحر} [البقرة: 178] وضرب لم تتملكه قواه الذميمة من الحرص والشره على المقتنيات الدنيوية، وإلى العبودية التي تضاد ذلك أشار بقوله عليه الصلاة والسلام: (تعس عبد الدينار، تعس عبد الدرهم)، وقال الشاعر: [من الطويل]

337 - ورق ذوي الأطماع رق مخلد وقالوا: عبد الشهوة أذل من عبد الرق، وعلى هذا قوله تعالى: {إني نذرت لك ما في بطني محررا} أي لم تسترقه شهوات الدنيا، وقوله: {فتحرير رقبة} [النساء: 92] أي جعلها حرة بأن تعتق. وحر الوجه: وسطه ما لم تسترقه الحاجة. وقوله: {ولا الظل ولا الحرور} [فاطر: 21] هو شدة الحر واستيقاده ووهجه ليلا كان أو نهارا. والسموم لا يكون إلا نهارا، اشتقاقها من الحرارة وهي ضد البرودة. والحرارة نوعان: نوع عارض في الهواء من الأجسام المحمية بحرارة النار والشمس، ونوع عارض في البدن من الطبيعة حرارة المحموم. يقال: حر يومنا يحر حرا وحرارة، فهو حار وحر فهو محرور، وكذا حر الرجل. والحرور: الريح الحارة أيضا. استحر القيظ: اشتد حره. وقد استعير منه استحر القتل. قال عمر رضي الله عنه: (قد استحر القتل يا أهل اليمامة) وقال الشاعر: [من الرمل] 338 - واستحر القتل في عبد الأشل يريد في بني عبد الأشهل والحرة: واحدة الحر. والحرة أيضا: حجارة سود من حرارة تتعرض فيها والحرر: يبس يعرض في الكبد من العطش. تجمع الأرض الحرة على حر وحرات وحرار: يبس يعرض في الكبد من العطش. تجمع الأرض الحرة على حر وحرات وحرار، وإحرون رفعا وإحرين نصبا وجرا كالزيدين. وقال أصحاب على يوم صفين، وقد زاد معاوية أصحابه خمس مئة: [من الرجز]

339 - لا خمس إلا جندل الإحرين وفي مثل: (حرة تحت قرة). وقال على أو ابنه الحسن: (ول حارها من يتولى قارها) والحرير معروف، سمي بذلك لخصومة. الحر: الخالص. ح ر س: قال تعالى: {ملئت حرسا شديدا} [الجن: 8] أي حفظا. والحرس يكون جمعا كالحراس. يقال: حارس وحرس نحو خادم وخدم، وحارس وحراس نحو ضارب وضراب. والاحتراس: التحف والمبالغة فيه. والحرس كالحرز يتقاربان معنى كتقاربهما لفظا، غلا أن الحرس في الأمكنة أكثر، والحرز في الأمتعة أكثر. (وحريسة الجبل): ما يحرس في الجبل بالليل. قال أبو، عبيدة: الحريسة: المحروسة، والحريسة: المسروقة يقال: حرس يحرس. وفي الحديث: (أن غلمة لحاطب احترسوا ناقة فانتحروها). وقال شمر: الاحتراس أخذ الشيء من المرعي. والشاة المسروقة من المرعي: حريسة. وفي الحديث: (لا قطع في حريسة الجبل) وهو يأكل الحرسات. وهو محترس أي سارق. وأنشد: [من الطويل]

340 - لنا حلماء لا يشيب غلامنا ... غريبا ولا تودي إليه الحرائس قال الراغب: وأقدر أن ذل لفظ قد تصور من لفظ الحريسة لأنه جاء عن العرب في معنى السرقة. ح ر ص: قال الله تعالى: {ولتجدنهم أحرص الناس على حياة} [البقرة: 96] أي أشره الناس. والحرص: فرط الشهوة وفر الإرادة للشيء. يقال: حرص على كذا يحرص عليه إذا فرط في محبته وإمساكه، وقال تعالى: {إن تحرص على هداهم} [النحل: 37] أي أن تبالغ في طلبك لذلك تنبيها على وقور شفقته صلى الله عليه وسلم. وفي الحديث: (يشيب المء وتشب فيه خصلتان؛ الحرص وطول الأمل) مثل، أصله من حرص القصار الثوب أي قشره بدقة يعني: بالغ فيه. والحارصة: إحدى الشجاج العشر، وهي ما تحرص الجلد أي تقشره، وقيل: تشقه، هذا منقول من: حرص القصار الثوب أي شقه. والحارصة والحريصة أيضا: سحابة تقشر الأرض أو تشقها بمطرها. ح ر ص: قوله تعالى: {حتى تكون حرضا} [يوسف: 85] الحرض: المشفي على الهلاك. وقد أحرضه كذا إذا قربه للهلكة. قال الشاعر: [من البسيط] 341 - إني امرؤ لج بي هم فأحرضني ... حتى بليت، وحتى شفني السقم

وأصله من الحرض وهو الفساد؛ قال ابن عرفة: الحرض: الفساد يكون في البدن والمذهب والعقل. وقيل: هو في الأصل غير المعتد به وما لا خير فيه. ومن ذلك قيل للمضني حرض. ومنه الحرضة: وهو من لا يأكل إلا لحم النسر لنذالته. وقال قتادة: حتى تكون حرضا أي يهرم أو يموت، وفيه تفسير للف يلازمة، وقال الأزهري: مضني مدنفا، وهو حسن. وفي الحديث: (غفر لنا ربنا غير الأحراض) جمع حرض: قوم فسدت مذاهبهم، وقوم استوجبوا العقوبة لكبائر فعلوها. وقوله تعالى: {وحرض المؤمنين} [النساء: 84] أي حثهم وحضهم. يقال: حرض على الأمر وحارض وواكب وأكب وواظب وواصب بمعني واحد. قال بعضهم: التحريض: الحث على الشيء بكثرة التزيين وتسهيل الخطب فيه كأنه من حرضه أي أزال عنه الحرض نحو، قذيته أي أزلت عنه القذى. والإحراض: العصفر، مذكور في حديث الصدقة. ح ر ف: قال تعالى: {زمن الناس من يعبد الله على حرف} [الحج: 11] هذا قد فسره بما بعده من قوله: {فإن أصابه خير اطمأن به} [الحج: 11] الآية. ونيره في تفسيره بما بعده: {هلوعا إذا مسه} [المعارج:19 - 20] الآية، فكأنه قيل: يعبده على تزلزل لا على ثبوت واستقرار، وذلك أن حرف الشيء طرفه. ومنه حرف الجبل والسيف والسفينة، لأطرافها. والحرف في الكلام: طرف لأنه فضلة، أي لم يتوغل في عبادة ربه، وفي معناه

{مذبذبين بين ذلك} [النساء: 143] الآية. والحروف في العربية عاملة ومهملة، مختصة ومشتركة، متبعة وغير متبعة، مشتركة في المعنى وغير مشتركة، مؤكدة وغير مؤكدة، حسبما بيناه في كتب العربية. وحروف الهجاء أطراف الكلم. والتحريف: إمالة الشيء عن جهته وصرفه، ومنه تحريف الكلم، كقوله تعالى: {يحرفون الكلم عن مواضعه} [النساء: 46]، وقوله: {ثم يحرفونه} [البقرة:75]، فقيل: تحريفهم له تبديل لف بلفظ آخر يغير معناه. وقيل: بل هو تحريف المعنى دون اللفظ؛ ويعزى لابن عباس حسة ما بيناه في كتب التفسير. يقال: انحرف وتحرف. والاحتراف: طلب حرفة للمكسب. والحرفة: الهيئة التي يلزمها في ذلك كالذبحة والجلسة. وقوله: {إلا متحرفا لقتال} [الأنفال: 16] أي مائلا إليه. وقيل: مستطردا يريد الكرة. وفي حديث أبي هريرة: (آمنت بمحرف القلوب) أي المزيغ لها والمزيل. ويل: معنى تحريف الكلام أي يجعل على حف من الاحتمال يمكن حمله على الوجهين، وهذا هو الذي يسمى الكلام الموجه؛ ومنه ما يحنجل اهلمدح والذم، ومنه قول بعضهم لاعور: [من مجزوء الرمل] 342 - خاط لي زيد قباء ... ليت عينيه سواء والمحارف: اممحروم، أحارفة الخير ومال عنه. والمحارفة أيضا: المجازاة. وفي المثل: (لا تحارف أخاك بالسوء). أي لا تجازه. وفي الحديث أيضا: (إن الدو ليحارف على عمله بالخير والشر). قال هون الأعرابي: أحرف الرجل.

أيضا المقايسة. وفي حديث ابن مسعود: (موت المؤمن بعرق الجبين يبقي عليه بقية من الذنوب فيحارف عند الموت) أي يقايس بها (فتكون كفارة لذنوبه) والمحارفة: المقايسة بالمحراف، وهو الميل الذي تسبر به الجراحات. قال الهروي: والظاهر انه بمعنى المجازاة والمعنى عليه. والحريف: ما فيه حرارة ولدغ كأنه منحرف عن الحلاوة والمرارة أو عن الاعتدال. ومنه طعام حريف. وقوله عليه الصلاة والسلام: (أنزل القرآن على سبعة أحرف) فيه كلام طويل أتقناه وضبطناه ولله الحمد في مقدمة (التفسير الكبير)، والأشهر عند اللغويين فيه أنها لغات. قال أبو عبيد: يعني لغات من لغات العرب، وليس معناه أن يكون في الحرف الواحد سبعة أوجه، ولكن يقول: هذه اللغات السبع متفرقة في القرآن؛ فبعضها بلغة قريش، وبعضها بلغة هوازن، وبعضها بلغة هذيل، وبعضها بلغة اليمن، وبعضها بلغة تميم. ويؤيده قول ابن مسعود: سمعت القراء فوجدتهم متقابلين، فاقرؤوا كما علمتهم إنما هو كقول أحدكم: هلم وتعال وأقبل. وهذا قول أبي عبيد وثعلب. قلت: وهذا منسوخ إجماعا كما حققناه. وإنما ذكرته هنا بخصوص لئلا يغتر به من يطلع عليه، فإنه مشهور بين اللغويين. والناقة يقال لها حرف، فقيل: لعظماء تشبيها بحرف الجبل، وقيل لدقتها تشبيها بحرف الهجاء. قال كعب بن زهير في أحسن القصائد لكونها مدحه النبي صلي الله عليه وسلم: [من البسيط] 342 - حرف أبوها أخوها من مهجنة ... وعمها خالها قوداء شمليل وقال آخر ملغزا في ناقة وراكبها: [من الطويل] 344 - وحرف كنون تحت راء ولم يكن ... بدال يؤم الرسم غيره النقط

شبه الناقة بالنون لدقتها وطولها. وراء: اسم فاعل من رأى أي ضرب رئتها. ودال: اسم فاعل من دلا يدلو. قال: [من الرجز] 345 - لا تضرباها وادلواها دلوا ويؤم: يقصد. والرسم: أثر المزار. والنقط: المطر. ح ر ق: قوله تعالى: {وذوقوا عذاب الحريق} [الأنفال: 50]. قيل: الحريق: النار. يقال: أحرق كذا واحترق والحرق: ارتفاع حرارة في الشيء من غير لهب كحرق الثوب بالدق، وحرق الشيء إذا برد بالمبرد. وقوله تعالى: {لنحرقنه} [طه: 97]. قيل: هو من التحريق بالنار، وقيل: من التحريق بالمبرد، لأنه كان ذهبا، ويؤيده قراءة (لنحرقنه)؛ يقال حرقة بالمحراق والمحراق أي برده. وعنه استعير: حرق نابه وحرق عليهم الأرم. وحرق الشعر: انتشر، وماء حراق: يحرق بملوحته. والإحراق: ارتفاع نار ذات لهب في الشيء، وعنه استعير: أحرقني بلومه: بالغ فيه. وفي الحديث: (شرب رسول الله صلى الله عليه وسلم الماء المحرق من وجع الخاصرة)، والمحرق: هو المغلي بالحرق؛ والحرق: النار بعينها. وأنشد لرؤية: [من الرجز] 346 - تكاد أيديها تهاوي بالزلق ... شدا شديدا مثل إضرام الحرق

وحرق النار: لهبها أيضا. وعن علي: (كذبتكم الحارقة)؛ هذه لفظة يغري بها، نحو: عليكم الحارقة؛ والحارقة: التي تغلبها شهوتها حتى تحرق على أنيابها، وقيل: هي الضيقة الملاقي. وقيل: هي تثبت للرجل على حارقها أي على شقها وجنبها. وقيل: هي النكاح نفسه، وهذا أقرب: فإن النكاح سنة وهو اللائق بكلام الإمام. وقوله: {فلهم عذاب جهنم ولهم عذاب الحريق} [البروج: 10] قيل: عذاب جهنم لكفرهم، وعذاب الحريق لإحراقهم المؤمنين. ح ر ك: قوله تعالى: {لا تحرك به لسانك} [القيامة: 16]. حركة اللسان عبارة عن النطق، كان يعاجل جبريل عليه السلام. فأمر بأن يسمع منه ثم يقرأ، كقوله: {ولا تعجل بالقرآن من قبل أن يقضى إليك وحيه} [طه: 114]. والحركة ضد السكون، وهي انتقال الجسم من حيز إلي حيز. وقد يعبر بها عن الاستحالة وعن الزيادة وعن النقصان؛ فيقال: تحرك كذا أي استحال أو زاد أو نقص؛ تصور الانتقال من حالة إلى حالة. ح ر م: الحرم: المنع، وكذا الحرم. وقرئ: {وحرام على قرية} {وحرم} [الأنبياء: 95] أي ممنوع رجوعهم. والأشهر الحرم لكونها ممنوعا فيها القتال جاهلية

وإسلاما، وهي: (ذو القعدة، وذو الحجة، المحرم، ورجب مضر بين جمادي وشعبان) وكذا في الحديث وأما إضافته لمضر فلأنها اختصت بتحريمه. وقيده بما اكتنفه تحرزا من الشر. وقد حققنا هذا في (القول الوجيز في أحكام الكتاب العزيز). ويقابله الحل والحلال لأنه إطلاق. كما أن ذلك منع، ثم المنع إما بتسخير إلهي كقوله: {وحرمنا عليه المواضع من قبل} [القصص: 12]، وإما بمنع من جهة العقل، وإما بمنع من جهة الشرع، أو من جهة من يرتسم أمره، وإما بمنع بشري. قوله تعالى: {فإنها محرمة عليهم} [المائدة: 26] هذا من جهة القهر بالتسخير الإلهي. وقوله: {فقد حرم الله عليه الجنة} [المائدة: 72] هذا بالقهر. وقوله: {وهو محرم عليكم إخراجهم} [البقرة: 85] أي في شرعكم. وقوله: {لم تحرم ما أحل الله ل} [التحريم: 2] كان قد آلي من نسائه، وفيه تعليم لأمته أنه لا يجوز لأحد أن يحرم ولا يحلل من قبل نفسه بل بحكم الشرع. والبيت الحرام والمسجد الحرام لكونه حرم على الجبابرة ومنع منهم، أو لأنه حرم فيه أشياء وهي حلال في غيره كالاصطياد وقطع الأشجار ونحو ذلك. والشهر الحرام لمنع القتال فيه. وكانوا يسمون رجبا منصل الأسنة والأصم لأنه لم يسمع فيه قعقعة سلاح. وقوله: للسائل والمحروم} [الذاريات: 19] أي الممنوع من رزق وسع به على غيره. وفسره بعضهم بالكلب لا على أنه اسم له بل لحرمانه كثيرا. والحرم: جمع حرمة وهن النساء لامتناعهن. والمحرم من المرأة الممنوع من نكاحها. قوله: {وأنتم حرم} [المائدة: 1] جمع حرام؛ يقال: رجل حرام ومحرم. ومعنى (حرم) أحرمتم بالحج أو دخلتم الحرم؛ يقال: أحرم: أهل بحج أو عمرة أو دخل

الحرم. قوله {ومن يعظم حرمات الله} [الحج: 3] أي شعائره ونسائكه الممنوعة من الإحلال بها والتفريط فيها. ورجل يحرم: يمنع أن يقع به شيء؛ قال زهير [من الطويل] 347 - جعلن القنان عن يمين وحوله ... وكم بالقنان من محل ومحرم ويقال للصائم محرما لا متتاعه مما يجرح صومه، قال الراعي: [من الكامل] 348 - قتلوا ابن عفان الخليفة محرما ... ودعا فلم أر مثله مخذولا قال أبو عمرو: وصائما، وقال غيره: لم يحل من نفسه شيئا. والحرم والحرم: بمعنى الإحرام؛ وعن عائشة رضي الله عنها: (كنت أطيبه لحله وحرمه) وسوط محرم: لم ينعم دباغه؛ ففيه منع ما. والحرمة: الغلمة، ومنه: استحرمت الشاة غيره: اشتهت الفحل، فهو حرمي من غير تغيير، وفي الحديث: (إن فلانا كان حرمي رسول الله صلى الله عليه وسلم) ينبغي على هذا أن تقرأ بكسر الحاء وسكون الراء. ح ر و: قوله: {فأولئك تحروا رشدا} [الجن: 14]. التحري: الاجتهاد وبذل الطاقة في طلب الصواب. ومنه التحري في القبلة والأواني، وأصله من حرى الشيء يحريه أي قصد حراه أي جانبه، وتحراه كذلك. وحرى الشيء يحري أي نقص كأنه لزم حراه ولم يمتد. قال الشاعر: [من الكامل] 349 - والمرء بعد تمامه يحري

فصل الحاء والزاي

وفي الحديث: (ما زال جسمه قبل وفاته عليه الصلاة والسلام يحري) وكذلك: (ما زال جسم أبي بكر يحري حتى لحق به). قال أبو نخيلة العماني: [من الرجز] 350 - ما زال مجنونا على است الدهر ... في بدن ينمي وعقل يحري ورماه الله بأفعى حارية ناقصة الجسم وهي أخبث، قال النابغة: [من الطويل] 351 - فبت كأني ساورتني ضئيلة ... من الرقش في أنيابها السم ناقع والضئيلة: الناقة الجسم فصل الحاء والزاي ح ز ب: قال تعالى: {كل حزب بما لديهم فرحون} [المائدة: 53] الحزب: الجماعة فيها غلظ. وقيل للجند: حزب والجمع أحزاب. قال تعالى: {ولما رأى المؤمنون الأحزاب} [الأحزاب: 22] أي الجماعات الكثيفة. وتحزبوا تجمعوا. والحزب: ما يوفه الرجل على نفسه من قراءة أو صلاة. وفي الحديث: (طرأ على حزبي) وقوله: {أولئك حزب الله} بالمجادلة: 22] أي جنده وأنصاره. والحزب أيضا: النوبة في ورد الماء. والحازب: ما نابك من شغل. وفي الحديث: (كان حزبه شيء فزع إلى الصلاة) أي نابه وطرأ. ح ز ن: الحزن والحزن نعتان كالعدم والعدم: خشونة في النفس لما يلحقها من الغم؛

فصل الحاء والسين

يقال: حزن يحزن حزنا فهو حزين. وأحزنته وحزنته قيل: بمعنى، وقيل: أحزنته: جعلت له ما يحزن به. ويقال: أحزنته فهو محزون ولا يقال: محزن وإن كان الأصل كما جببته فهو مجبوب، وأصله من الأرض الحزنة أي الخشنة؛ يقال: أرض حزنة، وواد حزن ويضاده السهل. وقد حزن حزونة مثل سهل سهولة، ويضاد الحزن الفرح، وباعتبار الخشونة بالغم يقال: خشنت مصدره إذا حزنته. قوله: {ولا تحزن} [الحجر: 88] ليس بنهي عن تحصيل الحزن لأن ذلك لا يدخل على الإنسان باختياره إنما المراد عن تعاطي أسبابه كما أشار إليه من قال: [من الطويل] 352 - ومن سره أن لا يرى ما يسوءه ... فلا يتخذ شيئا يخاف له فقدا وفيه حث على أن الإنسان ينبغي أن يوظب نفسه على ما عليه جبلة الدنيا، حتى إذا دهمه داهية من نوائبها لم يجزع لها لما عنده، ولهذا قال تعالى: {ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع} [البقرة: 155] الآية لأن أحد الإنسان على غيره ونعيه أعظم من إعلامه. وعن بعضهم أنه نعى إليه أخوه فقال: سبقك بها غيرك. فقال المخبر: لم يعلم به أحد قبلي اقال: بلى قد أخبرتني بذلك. قوله: {كل نفس ذائقة الموت} [آل عمران: 185]. وقرئ {لا يحزنك} [المائدة: 41] من حزن وأحزن، وكذا كل مضارع إلا التي في الأنبياء حسبما بيناه في (العقد) وغيره. فصل الحاء والسين ح س ب: الحسبان: الظن، قال تعالى: {وتحسبهم أيقاظا} [الكهف:18]. وقد يجيء يقينا كقول الشاعر: [من الطويل]

353 - حسبت التقى والمجد خير تجارة ... رباحا إذا ما المرء أصبح ناقلا أي علمت، لأن الظن لا يجدي في اعتقاد ذلك شيئا، وبالاعتبارين قرئ قوله تعالى: {وحسبوا ألا تكون} [المائدة: 71]، برفع الفعل ونصبه، وتحقيقه في غير هذا. وحسب ينصب مفعولين أصلهم المبتدأ والخبر، وأحكامهما محررة في غير هذا، ولها أخوات. والحساب: استعمال العدد والتقدير، ومنه قوله تعالى: {والشمس والقمر حسبانا} [الأنعام: 96] أي يجريان بحساب وتقدير إلا مقدره أو من أطلعه من خلقه عليه، فلا يجاوزان ما قدر لهما من حركتهما. {لا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر ولا الليل سابق النهار} [يس: 40] قال ابن عرفة: عذابا، وقال الأصمعي: الحسبان: المرامي الصغار، ومنه قسي الحسبان وهي معروفة. قال: وقيل حسبانا أي عذاب حسبان من السماء، وذلك الحسبان حساب ما كسبت يداك. قلت: وهذا معنى قول الراغب. قيل: معناه نارا وعذابا، وإنما هو في الحقيقة ما يحاسب عليه فيجازي بحسبه. وفي الحديث في الريح: (اللهم لا تجعلها عذابا ولا حسبانا). وقوله تعالى: {فحاسبناها حسابا شديدا} [الطلاق: 8] أي أوقفناها على جميع أعمالها فلا تنكر منه شيئا، كما يقف المحاسب على ما يحاسب عليه. (ومن نوقش الحساب عذب) أي من استولى عليه لابد أن يؤاخذ.

وقوله: {يرزق من يشاء بغير حساب} [البقرة: 212] فيه أوجه، أحدها: لا يضيق عليه بل يعطيه عطاء من لا يحاسب، من قولهم: حاسبته إذا ضايقته. ثانيها: يعطيه أكثر مما يستحقه. والاستحقاق هنا مجاز. ثالثها: يعطيه ولا يأخذ منه خلاف حال أهل الدنيا. ورابعها: يعطيه ما لا يحصره البشر كثرة. خامسها: يعطيه أكثر مما يحاسبه. سادسها: يعطيه بحسب ما يعلمه من مصلحته لا على حسب حسابهم، وذلك نحو، ما نبه عليه بقوله: {ولولا أن يكون الناس أمة واحدة لجعلنا لمن يكفر} الآية [الزخرف: 33]. سابعها: يعطي المؤمن ولا يحاسب عليه، لأن المؤمن لا يأخذ من الدنيا إلا قدر ما يجب وكما يجب وفي وقت ما يجب، ولا ينفق إلا كذلك، ويحاسب نفسه فلا يحاسبه الله تعالى حسابا يضره. كما روى: (من حاسب نفسه في الدنيا لم يحاسبه الله يوم القيامة). ثامنها: يقابل الله المؤمنين يوم القيامة لا بقدر استحقاقهم بل بأكثر منه كما أشار إليه بقوله تعالى: {من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا فيضاعفه له أضعافا كثيرة} [البقرة: 245]. وعلى هذه الأوجه يجيء قوله تعالى: {فأولئك يدخلون الجنة يرزقون فيها بغير حساب} [غافر: 40]. ولا تعارض بيه قوله: {يرزق من يشاء بغير حساب} وبين قوله: {عطاء حسابا} [النبأ: 36]. لأن معنى (حسابا) أي كافيا، وليس معناه تتضييقا ولا تقتيرا. وقوله: {أو أمسك بغير حساب} [ص: 39] عبارة عن عدم الحجر في التصرف وإطلاق العبارة في البسط. وقيل: معناه: تصرف فيه تصرف من لا يحاسب أي تناول كما يجب على ما يجب. وقوله: {بغير حساب} يجوز تعلقه بقوله: {عطاؤنا} وتعلقه بفعل الأمر، والثاني أوضح. والحسيب بمعني المحاسب، نحو الحبيط والجليس، قال تعالى: {كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا} [الإسراء: 14]. ثم يعبر به عن المكافئ بالحساب. قوله: {وكفى

بالله حسيبا} [النساء: 6] أي محاسبا لهم لأنه لا يخفي عليه من أعمالهم شيء. وحسب: اسم بمعني كاف نحو {حسبنا الله ونعم الوكيل} [آل عمران: 173] أي الله كافينا، ولذلك لا يتعرف بالإضافة في أخوات لها مذكورة في كتب العربية. ويختص بزيادة الباء إذا ابتدئ بها نحو: بحسبك زيد. قوله: {وكفى بالله حسيبا} أي رقيبا يحاسبهم على ما عملوا. وقوله: {ما عليك من حسابهم من شيء} [الأنعام: 52] قيل: معناه: ما عليك من عملهم، فسماه بالحساب الذي هو منتهى الأعمال. وقيل: معناه: ما عليك من كفايتهم بل الله يكفيهم وإياك، من قوله: {عطاء حسابا} أي كافيا نحو قولهم: حسبي كذا، وقيل: هو بمعنى قوله تعالى: {لا يضركم من ضل إذا اهتديتم} [المائدة: 105] وقولهم: احتسب ولده عند الله، أي اعتده عند الله. والحسب: فعل ما يحسب به عند الله. وفي الحديث: (من قام رمضان إيمانا واحتسابا) أي معتدا أجره، وأصله افتعال من الحساب أو من الحسبان أي اعتقد به في حسابه وظنه. وقال الهروي: معناه طلبا لوجه الله تعالى ولثوابه. وعن عمر: (أيها الناس احتسبوا أعمالكم فإنه من احتسب عمله كتب له أجر عمله وأجر حسبته)؛ الحسبة: اسم من الاحتساب، وفلان يحتسب الأخبار، ويتحسبها أي يطلبها ويتوقعها. وفي الحديث: (إن المسلمين كانوا يتحسبون الصلاة فيجيئونها بلا داع) أي يتوخون وقتها ويطلبونه. وفي الحديث: (تنكح المرأة لميسمها وحسبها). قال الهروي: احتاج أهل العلم إلى معرفة الحسب لأنه مما يعتبر به مثل المرأة. فقال شمر: الحسب الفعال

والحسب للرجل ولآبائه مأخوذٌ من الحساب إذا حسبوا مناقبهم، وذلك أنهم إذا تفاخروا عد كل واحد منهم مناقبه ومآثر آبائه وحسبها؛ فالحسب: العد، الحسب: المعدود نحو: النقص والمنقوص والعد والمعدود. وللحسب معنى آخر وهو: عدد ذوي قرابته، سمي حسبًا لكثرة عدده. قال: ويبين ذلك الحديث: «لما قدم وفد هوازن يتكلمون في سبيهم قال لهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم -: اختاروا إحدى الطائفتين: إما المال وإما السبي. فقالوا: أما إذا خيرتنا بين المال والحسب فإنا نختار الحسب، فاختاروا أبناءهم ونساءهم». والحسبانة: الوسادة الصغيرة؛ حسبت الرجل: أجلسته عليها، وحسبوا ضيفهم: أكرموه، من ذلك. والحسب: الخلق ومنه الحديث: «كرم الرجل دينه وحسبه خلقه». أي أن خلقه بمنزلة حسبه من قرابته؛ فإن كان حسنًا زانه وإن كان سيئًا شانه. والمشهور أن حسب يرادف الظن في أحد وجهيها وهو الغالب. وقد أبدى الراغب بينهما فرقًا فقال. وقوله تعالى: {أم حسبتم أن تدخلوا الجنة} [البقرة: 214] مصدره الحسبان، وهو أن يحكم لأحد النقيضين من غير أن يخطر الآخر بباله فيحسبه ويعقد عليه الأصبع ويكون بعرض أن يعتريه شكٌ. ويقاربه الظن لكن الظن أن يخطر النقيضين فيغلب أحدهما على الآخر. وقوله تعالى: {ويرزقه من حيث لا يحتسب} [الطلاق: 3] قيل: هو افتعالٌ من حسب بمعنى ظن، والمعنى من حيث لا يقدره ولا يظنه. وقيل: بل هو من حسب بمعنى العد، والمعنى: من حيث لم يكن في حسبانه. وقوله تعالى: {حسبك الله ومن اتبعك} [الأنفال: 64] أي كافيك. يقال: أحسبني كذا: كفاني. وأحسبته: أعطيته عطاء حتى قال: حسبي، ومنه {حسابًا} [النبأ: 36]. وفي قوله: {ومن اتبعك} أوجه؛ أحدها: أنه عطفٌ على الضمير المجرور أي وحسب من اتبعك، والبصري يمنع هذا. والثاني: أن تقديره: وفيمن اتبعك كفايةٌ إذا

وكان من قال بالوجهين الأولين فسر من هذا، لأنه قال: لا يلزم أن يكون المؤمنون كافين لرسول الله -صلى الله عليه وسلم -، وليس الأمر كذلك. وجواب هذا أن الله هو الذي جعل المؤمنين يكفونه أمر عدوه؛ فلا محذور في كونهم كافين ويكون في المعنى لقوله: {هو الذي أيدك بنصر وبالمؤمنين} [الأنفال: 62]، وقد أتقنا ذلك في «الدر» وغيره. وقوله: {كفى بنفسك اليوم عليك حسيبًا} [الأسراء: 14] أي كفى بنفسك لنفسك محاسبًا. ح س د: قال تعالى: {ومن شر حاسد إذا حسد} [الفلق: 5] قال ابن عرفة: الحسد أن يتمنى زوال نعمة أخيه وكونها له دونه، والغبط: أن يتمنى مثلها له من غير زوالها عنه. وقيل: الحسد تمني زوال النعمة، وربما يكون مع ذلك سعيٌ في إزالتها. وقال بان الأعرابي: الحسد مأخوذ من الحسد وهو القراد، والمعنى أنه يقشر القلب كما تقشر القراد الجلد وتمتص الدم. والحسد مذمومٌ والغبط محمودٌ، وكذلك جاء في الحديث: «المنافق يحسد والمؤمن يغبط». فأما قوله عليه الصلاة والسلام: «لا حسد إلا في اثنتين» فمجازٍ، والمعنى: لا حسد لا يضر، قاله ابن الأنباري. وقولهم: لا أعدم الله لك حاسدًا، كنايةٌ له بالنعمة إذ لا يحسد إلا ذو نعمةٍ. ح س ر: قوله تعالى: {محسورًا} [الإسراء: 29] أي منقطعًا بك، من قولهم: بعيرٌ حسيرٌ أي معيا قد انقطع عن الانبعاث لعيه وكلاله. وأصل الحسر: كشف اللبس عما عليه. حسر عن ذراعه، وحسر شعره. والحاسر: من لا درع عليه، ومنه حديث أبي عبيدة: «كان على الحسر»؛ الحسر جمع حاسرٍ. والحسرة المكنسة. وفلانٌ كريم المحسر كنايةٌ عن

المخبر. وناقةٌ حسيرٌ: انحسر عنها اللحم والقوة، والجمع حسرى قاله علقمة: [من الطويل] 354 - بها جيف الحسرى فأما عظامها ... فبيضٌ، وأما جلدها فصليب وبعيرٌ حاسرٌ لانحسار قواه أو لحمه. ويقال فيه: حاسرٌ اعتبارًا بأنه قد حسر بنفسه قواه، ومحسورًا باعتبار أن التعب قد حسره. وفي الحديث: «حسر أخي فرسًا له» ويقال: حسرت الدابة: أتعبت. وفي الحديث: «الحسير لا يعقر» يعني إذا تعبت الدابة وحسرت فلتركب ولا تعقر وفي حديث جابر: «فأخذت هذا فكسرته وحسرته» يعني غصنًا فكسرته وقشرته. وقولهم: حسرت الدابة أضنيتها بالتعب حتى كأنك جردتها من يدها وقواها. وقوله: {ينقلب إليك البصر خاسئًا وهو حسيرٌ} [الملك: 4] أي كليلٌ تعبان، وهو مجازٌ واستعارةٌ من الحيوان للحاسة، ثم يجوز أن يكون بمعنى حاسرٍ ومحسورٍ، بحسب المعنيين المتقدمين. وقوله: {ولا يستحسرون} [الأنبياء: 19] أي لا يكلون ولا ينقطعون عن العبادة، ولذلك عقبه بقوله: {يسبحون الليل والنهار لا يفترون} [الأنبياء: 20]، يقال: حسر واستحسر بمعنى إذا أعيا. وقيل: معناه لا يملون. وفي الحديث: «ادعوا الله ولا تستحسروا» أي لا تملوا، وهو عندي راجع إلى معنى الانقطاع والإعياء. وقال الراغب: وقوله تعالى في وصف الملائكة: {ولا يستحسرون} قلت: لأن في استفعل دلالة الطلب حقيقةً أو مجازًا، فنفى ذلك عنهم، ولو نفى عنهم مجرد

الفعل لم يكن فيه هذه المبالغة، فإن قولك: زيدٌ لا يستعطي أبلغ من قولك: لا يعطى أي تناول؛ فإنه لا يلزم من نفي التناول عنه أن لا يكون قد سأله، والحسرة من ذلك وهو أن الحسرة: الغم على ما فات والندم كأنه انحسر عنه الجهل الذي حمله على ما ارتكبه أو انحسر عنه قواه من فرط الغم أو أدركه إعياء عن تدارك ما فرط منه. وقيل: الحسرة: شدة الندم حتى يحسر النادم كما يحسر الذي تقدم به دابته، أي تنقطع عنه في السفر البعيد. وقوله تعالى: {يا حسرة على العباد} [يس: 30] معناه: يا حسرةً هذا وقتك لا وقت يتحسر فيه عليهم غير هذا الوقت، وهو من أبلغ مجازات القرآن. وقوله: {يا حسرتا} [الزمر: 56] أي يا حسرتي، فأبدل الياء ألفًا. وقال الأزهري: قد علم أن الحسرة لا تدعى ودعاؤها تنبيهٌ للمخاطبين. وقال ابن عرفة: أي يا حسرتهم على أنفسهم. ح س س: قوله تعالى: {فتحسسوا} [يوسف: 87] أي تطلبوه بحواسكم، وتحسس في الخير وتجسس في الشر، وقد تقدم تقريره في مادة الجيم. وفي الحديث: «لا تحسسوا ولا تجسسوا»؛ قال الحربي: معنى الحرفين واحدٌ وهما التطلب بمعرفة، قال ابن الأنباري: إنما سبق أحدهما على الآخر لاختلاف اللفظين نحو: بعدًا وسحقًا. وقيل: التجسس: البحث عن عورات الناس، والتحسس: استماع حديثهم. قوله تعالى: {إذا تحسونهم} [آل عمران: 152] أي تقتلونهم وتستأصلونهم.

ومنه: البرد محسةٌ للنبت أي مهلكٌ له وذاهبٌ به ومحرقٌ له. وأصله من الحاسة وهي القوة التي تدرك بها الأعراض الحسية. والحواس: المشاعر. يقال: حسست وحست وحسيت بقلب الثانية ياءً. وأحسست وأحست بحذف أحد السينين من فعل وأفعل. قال الشاعر: [من الوافر] 355 - سوى أن العتاق من المطايا ... حسين به فهن إليه شوس فحسست على وجهين: أحدهما أصبته بحسي بمعنى عنته ورمقته. والثاني: أصبت حاسه نحو كبدته. وقيل: ولما كان ذلك قد يتولد منه القتل عبر به عن القتل. ومنه: جرادٌ محسوسٌ أي مطبوخٌ. ويقال: حسست بمعنى فهمت وعلمت، لكن لا يقال إلا فيما كان من جهة الحاسة. وأما أحسسته فحقيقته: أدركته بحاستي. قوله: {فلما أحس عيسى منهم الكفر} [آل عمران: 52] تنبيهٌ أنه قد ظهر منهم الكفر ظهورًا بان للحس فضلًا عن الفهم، وكذلك: {فلما أحسوا بأسنا} [الأنبياء: 12] وقال الهروي: {فلما أحس} أي علم، وأصله في اللغة أبصر ثم وضع موضع العلم والوجود. ومنه {هل تحس منهم من أحدٍ} [مريم: 98] أي هل ترى؟ وهذا تفسيرٌ للفظ ببعض مدلولاته لأن البصر من جملة الحواس الخمس. وقد قدمنا أنه ما كان عن حاسة بصرٍ كانت أو غيره. وقوله: {هل تحس منهم} هل تجد بحاستك أحدًا منهم؟ وقوله تعالى: {لا يسمعون حسيسها} [الأنبياء: 102] حركة لهبها. والحس والحسيس: الحركة. وفي الحديث: «كان في مسجد الخيف فسمع حس حية» أي حركتها، وهو أن تسمع ما يقرب منك ولا تراه. والحس: داءٌ يأخذ عند الولادة، وعن عمر أنه «مر بامرأةٍ قد ولدت فدعا لها بشربة من سويقٍ، وقال: اشربي هذا فإنه يقطع

الحس» وحس بمعنى أوه، ومنهم من ينونه، ومنه الحديث: «أصاب قدمه قدم رسول الله -صلى الله عليه وسلم -، فقال: حس» ومه كلامهم: فما قال: حس ولابس، وجئ به من حسك وبسك أي من حيث شئت. والحساس: سوء الخلق جيء به على بناء الأدوار والعلل كالزكام والسعال. ح س م: قال تعالى: {وثمانية أيامٍ حسومًا} [الحاقة: 7] أي مذهبةً لأثرهم وقاطعةً لأعمارهم. وأصل الحسم إزالة أثر الشيء. يقال: قطعه فحسمه، وحسم الداء: إزالة أثره بالكي، وفي الحديث: «كوى سعدًا في أكحله ثم حسمه» أي قطع الدم بالكي. «وأتي بسارقٍ فقال: اقطعوه ثم احسموه». والمحسوم: الفطم لقطعه عن الرضاع وعن الغذاء. وسمي السيف حسامًا لقطعه الأشياء. هذا مقتضى هذا اللفظ، ومعنى الآية عليه واضحٌ. وقال ابن عرفة: معناه متتابعاتٌ. وقال الأزهريٌ: معناه متتابعة لم يقطع أولها عن آخرها كما تتابع الكي على المقطوع ليحسم دمه أي يقطعه. ثم قيل لكل شيء توبع: حاسمٌ وجمعه حسومٌ مثل شاهدٍ ومشهودٍ. وقال الليث أي شؤمًا ونحسًا، من الحسم أي يحسم عنهم كل خيرٍ. وقيل: دائمةً، وقيل: تفنيهم وتذهبهم، وكل هذا تفسيرٌ باللازم لا

بمقتضى اللفظ كما نهبنا عليه أول هذا الموضوع. وحسومٌ يجوز أن يكون مفردًا وأن يكون جمعًا كما تقدم، وقد حققناه في غير هذا. ح س ن: قوله تعالى: {وحسن مآب} [الرعد: 29] الحسن هو الشيء المبهج من ينظر إليه، والمرغوب فيه، وذلك إما من جهة العقل أو الشرع أو الهوى أو الحس. وقوله: {آتنا في الدنيا حسنةً وفي الآخرة حسنةً} [البقرة: 201] هي النعمة، سميت بذلك لأنها تبهج صاحبها ويرغب فيها، والسيئة تضادها، وهما من أسماء الأجناس المشتملة على أنواع، فيفسران في كل موضعٍ بما يليق به. فقوله: {وإن تصبهم حسنةٌ يقولوا هذه من عند الله} [النساء: 78] أي حسبٌ وظفرٌ على عدو، وسعةٌ في المال، {وإن تصبهم سيئةٌ} [النساء: 78]. وقد بينا مجيء إن مع الحسنة ومجيء إن مع السيئة في غير هذا الموضوع. ومثله: {إن تصبك حسنةٌ تسؤهم} [التوبة: 50] {وإن تصبكم سيئةٌ} [آل عمران: 122] {وإن تمسسكم حسنةٌ} [آل عمران: 122]. وقوله: {وآتيناه في الدنيا حسنةً} [النحل: 122] أي لسان صدقٍ. وقوله {ما أصابك من حسنة} [النساء: 79] أي من ثواب وزيادة زلفى. وقد فرقوا بين الحسنة والحسن والحسنى، فالحسن يقال في الأعيان والأحداث، وكذا الحسنة وصفًا، فلو صارت اسمًا فالمتعارف أنها في الأحداث. والحسنى لا يقال إلا في الأحداث دون الأعيان. والحسن أكثر ما يقال في تعارف العامة في المستحسن بالبصر؛ يقال: رجلٌ حسنٌ وحسانٌ، امرأةٌ حسنةٌ وحسانةٌ. وأكثر ما ورد الحسنى في القرآن للمستحسن بالبصيرة.

قوله: {للذين أحسنوا الحسنى} [يونس: 26] أي أحسنوا عبادة ربهم بأن أتوا على نحو ما أمروا. والحسنى تأنيث الحسن وهي الجنة ولا شيء أحسن منها إلا الزيادة المذكورة بعدها؛ وفي التفسير: النظر إلى وجهه الكريم كما ثبت وصح. قوله: {يأخذوا بأحسنها} [الأعراف: 145] يجوز أن يريد ما أمرنا به من أن يترك الإنسان ما وجب له تكرمًا كمن وجب له القصاص فعفا، وكمن جنى عليه لئيم وقدر أن ينفذ غيظه فكظمه، وأن يريد بأحسنها، وكذا {يستمعون القول فيتبعون أحسنه} [الزمر: 18]، وقيل: معناه الأبعد عن الشبه. ومنه: {فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه}. وقوله: {ومن أحسن من الله حكمًا لقوم يوقنون} [المائدة: 50] أي لا أحد أيقن حكمًا، فإن قيل: حكمه تعالى حسنٌ للموقن وغيره فلم خص الموقنين؟ قيل: القصد بذلك إلى ظهور حسنه والاطلاع عليه، وذلك إنما يظهر لمن أيقن بالله وزكى نفسه دون الجهل بالله وخفائه. {وتلك الأمثال نضربها للناس وما يعقلها إلا العالمون} [العنكبوت: 43] {وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين} [الذاريات: 55] قوله: {هل تربصون بنا إلا إحدى الحسنيين} [التوبة: 52] يعني الظفر بكم، أو الشهادة إن قتلنا، وأنث لأنه أراد الخصلتين. وقوله: {إن الحسنات يذهبن السيئات} [هود: 114] قيل: الحسنات جميع أفعال الخير. وقيل: هي هنا الصلوات الخمس تكفر ما بينها، وهو حسنٌ لموافقة الحديث في ذلك. وقوله: {ويدرؤون بالحسنة السيئة} [الرعد: 22] أي يدفعون ما يرد عليهم من الكلام السيء بالكلام الحسن نحو: {وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلامًا} [الفرقان: 63]. قوله: {ولله الأسماء الحسنى} [الأعراف: 180] تأنيث الأحسن؛ فهي مفردةٌ كقوله: {من آياتنا الكبرى} [طه: 23]، ولو كان في غير القرآن لجاز الحسن كقوله: {لإحدى الكبر} [المدثر: 35]، ومعنى الآية، أن المشركين كانوا يسمون آلهتهم بما يقرب من أسمائه تعالى فيقولون: اللات والعزى مقاربةٌ لله والعزيز، وهذا إلحادٌ في أسمائه. ونزل: {ولله الأسماء الحسنى} {قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن} [الإسراء: 110] قوله: {ووصينا الإنسان بوالديه حسنًا} [العنكبوت: 8] أي يحسن بهما حسنًا.

وقوله: {للناس حسنًا} [البقرة: 83] أي ما فيه الحسن، وقرئ «حسنًا» أي كلامًا أو قولًا حسنًا فاكتفي بالنعت. ويجوز أن تكون القراءة كذلك لكن على حذف مضاف أي: قولًا ذا حسن، أو جعل القول معنى الحسن مبالغةً. وقوله: {والذين اتبعوهم بإحسان} [التوبة: 100] باستقامة وسلوك طريقٍ درج عليها سلفهم الصالح. قوله: {إنا نراك من المحسنين} [يوسف: 36] أي ممن يحسن إلى خلق الله، روي أنه كان ينصر المظلوم ويعود المريض ويصبر المصاب. وقيل: «من المحسنين» لتعبير الرؤيا. قوله: {هل جزاء الإحسان إلا الإحسان} [الرحمن: 60] يقال باعتبارين؛ أحدهما: الإنعام على غيرك، تقول: أحسنت إلى فلان. والثاني: باعتبار إحسانه في فعل شيء وإتقانه نحو: علمت علمًا حسنًا، وعملت عملًا حسنًا فقد أحسنت في ذلك. فالآية تحتمل الأمرين أي ما جزاء من أنعم على خلقي إلا أن أنعم عليه في دار كرامتي بما ذكرت قبل ذلك وبعده، أو ما جزاء من أحسن في عبادتي وطاعتي فأداها على علمٍ منه وحسن عمل إلا أن أحسن إليه في الآخرة أو في الدارين؛ فإن كرمه واسعٌ. وما أحسن ما رمز إليه أمير المؤمنين بقوله: «الناس أبناء ما يحسنون»! أي أنهم منسوبون إلى ما يعلمونه من العلوم أو الإعمال الحسنة، فأما السيئة فإنها لا نسبة إليها كولد الزنا. إلا أن بعضهم فرق بين الإحسان والإنعام، قال: الإحسان أعم من الإنعام. وقوله: {إن الله يأمر بالعدل والإحسان} [النحل: 90] فالإحسان فوق العدل، وذلك أن العدل هو أن يعطي ما عليه ويأخذ ما له، والإحسان أن يعطي ما عليه ويأخذ أقل مما له؛ فالإحسانٌ زائدٌ عليه. فتحري العدل واجبٌ، وتحري الإحسان ندبٌ وتطوعٌ. قال: ولذلك عظم ثواب المحسنين فقال: {إن الله يحب المحسنين} [البقرة: 195] وفي الحديث: «إن الله كتب الإحسان على كل شيء فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة» سمى

فصل الحاء والشين

ما يتحراه الإنسان من أحسن الطرائق إحسانًا. وفي الحديث: {ما الإحسان؟ قال: أن تعبد الله} إلى آخره فجعله هذه الأعمال على وجهها إحسانًا هو إحسانٌ في الحقيقة إلى نفس العابد، فإن المعبود لا ينقصه طاعةٌ، كما لا تضره معصيةٌ. فصل الحاء والشين ح ش ر: قال تعالى: {وحشرناهم} [الكهف: 47] أي جمعناهم. والحشر: الجمع، وقيل: الحشر: إخراج الجماعة عن مقرهم وإزعاجهم عند الحرب وغيرها. وفي الحديث: «النساء لا يعشرن ولا يحشرن» فيه قولان: أحدهما: لا يخرجن إلى الغزو، واختاره الهروي. والثاني: لا يحشرن إلى المصدق بل يأتي إليهن فيأخذ صدقاتهن، وهو ضعيفٌ، لأنهن والرجال في ذلك سواءٌ. ولا يقال الحشر إلا في الجماعة كقوله: {حشر لسليمان جنوده} [النمل: 17]، ولا يقال: حشرت زيدًا، قاله الراغب وليس بشيء لقوله: {ونحشره يوم القيامة أعمى. قال: رب لم حشرتني} [طه: 124 - 125]. وسمي يوم القيامة يوم الحشر كما سمي يوم البعث والنشر والحشر، يقال في الأناسي وغيرهم كقوله تعالى: {وإذا الوحوش حشرت} [التكوير: 5] {وحشر لسليمان جنوده من الإنس والجن والطير} [النمل: 17]. وقالوا: حشرت السنة مال بني فلان، أي أزالته عنهم. والحشر: الجلاء والإخراج، ومنه قوله تعالى: {لأول الحشر} [الحشر: 2] قال القتيبي: هو الجلاء لأن بني النضير هم أول من أخرج عن ديارهم وأجلوا عنها. وقال الأزهري: هو أول حشر إلى الشام، ثم يحشر الناس إليها يوم

القيامة. وفي الحديث: «انقطعت الهجرة إلا من ثلاث: جهاد أو نية أو حشرٍ» أي لا هجرة إلا أن يجاهد، أو ينوي تغيير منكر إن لم يقدر على إزالته بيده، أو جلاء عن تلك الديار القائم بها المنكر. ورجلٌ حشر الأذنين أي في أذنيه انتشارٌ وحدةٌ. ح ش ي: وقوله تعالى: {وقلن حاش لله} [يوسف: 31] حاشا: حرف استثناء، ومثله خلا وعدا؛ تقول: قام القوم حاشا زيدٍ، وعدا زيدٍ؛ بجر زيدٍ ونصبه مع الثلاثة: إلا أن الأغلب حرفية حاشا وفعلية أخواتها. وقد ينصب بحاشا على أنها فعلٌ كقولهم: «غفر الله لي ولمن سمع دعائي حاشا الشيطان وابن الأصبغ» بنصب الشيطان وما عطف عليه. وأنشدوا: [من الوافر] 356 - حشا رهط النبي فإن منهم ... بحورًا لا تكدرها الدلاء بنصب رهطٍ. وقد تجر بعدها كقوله: [من الوافر] 357 - أبحنا حيهم قتلًا وأسرًا ... عدا الشمطاء والطفل الصغير والتزم سيبويه حرفية حاشا وفعلية عدا، والسماع يرد عليه. وليس للرد دليلٌ على فعليتها. يقول النابغة: [من البسيط] 358 - ولا أحاشي من الأقوام من أحد لما بيناه في موضع آخر. وتدخل «ما» على: عدا وخلا فتلتزم فعليتها خلافًا

فصل الحاء والصاد

للجرمي. ولا تتصل بحاشا إلا في قليل، وأصلها من الحشى وهو الناحية. فمعنى: قاموا حاشا زيدًا أي جعلته في ناحيةٍ غير ناحيتهم، وتنون على أنها مصدرٌ. ويقال فيها حاش بحذف الألف الأخيرة، وحشى بحذف الوسطى، وقد قرئ بذلك كله، وحققنا الكلام في هذا الحرف في غير هذا الموضع. وأما عبارات أهل العلم في هذه الآية فقال المفسرون: معناه معاذا لله. وقال أبو بكر: أعزل فلانًا من وصف القوم بالحشى، أي بناحيةٍ، ولا أدخله في جملتهم. وقال الأزهري: هي حرف استثناءٍ، واشتقاقه من قولك: كنت في حشى فلانٍ، أي ناحيته. وحاشيت فلانًا. وحشيته: نحيته. قال: [من البسيط] 359 - ولا أحاشي من الأقوام من أحد أي أنحي، ثم جعله، وإن كان بمنزلة الإسم، كسوى، وقال ابن عرفة: يقال: حاش لله: أي بعيدٌ من ذلك، ومنه: نزلت بحياش البلاد، أي بالبعد. قال الهروي: فجعله من باب الحاء والواو. قلت: يعني أن ذلك من قولهم: حاشه يحوشه: أي ضيق عليه حتى أمسكه من بعدٍ. ومنه: حش على الصيد: أي جابه من أطرافه البعيدة. والحشى: الربو. ورجلٌ حشيان وحشٍ، وامرأة حشياء وحشيةٌ: أي أصبهما ذلك. فصل الحاء والصاد ح ص ب: قوله تعالى: {حصب جهنم} [الأنبياء: 98]، الحصب ما يحصب به في النار، أي يلقى فيها، قاله أبو عبيد. وحصبته بكذا، أي رميته به. وقال قتادة: أي حطب جهنم، وبه قال عكرمة، إلا أنه قال: وهي لغة الحبشة. قال ابن عرفة: إن أراد أنها في الأصل كذا ثم تكلمت بها العرب واشتهرت في لغتها فذاك، وإلا فليس في القرآن إلا

عربي: وهذه مسألة خلاف مشهورةٌ. وقرئ بالضاد معجمةً وهي ما تهيج به النار. وقوله: {إنا أرسلنا عليهم حاصبًا} [القمر: 34] هي الريح القوية التي تقلع الحصباء وهي صغار الحصى وكبارها. وقد يحصب بالبرد أيضًا، وأنشد للقطامي: [من الطويل] 360 - تمر كمر الريح في كل غمرةٍ ... ويكتحل التالي بمورٍ وحاصب ومنه: «أمر بحصب المسجد» أي أن تجعل فيه الحصباء. والمحصب: موضع رمي الجمار، سمي لما فيه من الحصباء. والتحصيب: المبيت به. والحصبة بكسر العين بمعنى الحاصب. قال لبيد: [من الرجز] 361 - جرت عليها أن خوت من أهلها ... أذيالها كل عصوفٍ حصبه والحصبة والحصبة بكسر العين وسكونها بثرٌ يخرج في الجلد معروفٌ؛ يقال منه: حصب جلده بالكسر يحصب بالفتح. وفي مقتل عثمان «تحاصبوا في المسجد» أي تراموا بالحصباء. ح ص د: قوله تعالى: {وحب الحصيد} [ق: 9] أي: حب الزرع الحصيد. والحصيد بمعنى المحصود، والمراد ما يقتات به كالحنطة والشعير والعدس والذرة. وأصل الحصد القطع للزرع، ومنه استعير في الاستئصال والإهلاك؛ يقال حصدهم السيف، وحصدهم الموت.

وقوله: {وآتوا حقه يوم حصاده} [الأنعام: 141]، وحصاده فتح الفاء وكسرها، كالجِداد والجَداد أي إبان حصاده وصلاحيته لذلك. وقوله: {فجعلناها حصيدًا} [يونس: 24] إشارة إلى أنه حصد في غير إبانه على سبيل الإفساد، أي استؤصل ما أنبت. وقوله: {منها قائمٌ وحصيدٌ} [هود: 100] إشارةٌ إلى قوله: {فقطع دابر القوم الذين ظلموا} [الأنعام: 45] أي منها ما هو بادٍ باقيةٌ أعلامه، ومنها ما حصد وهلك ودثر، فلم يبق له عينٌ ولا أثرٌ؛ فاستعير الحصد لهلاكه. وقوله: {حصيدًا خامدين} [الأنبياء: 15] أي موتى هلكى من حصدهم بالسيف. وفي الحديث: «وهل يكب الناس على وجوههم أو مناخرهم إلا حصائد ألسنتهم» جمع حصيد، وهي الكلمة شبهها بما يحصد من الزرع لأنها تقتطع من كلام الإنسان. وحبلٍ محصدٌ، ودرعٌ حصداء، وشجرة حصداء، كل ذلك استعارةٌ. وفي الحديث: «نهى عن حصاد الليل» قيل: إما لمكان الهوام حتى لا يصيب الناس، وإما لأجل حرمان المساكين والفقراء. واستحصد القوم: تقوى بعضهم ببعض وأحصد الزرع: صار ذا حصاد. ح ص ر: قوله تعالى: {وجعلنا جهنم للكافرين حصيرًا} [الإسراء: 8] أي مكانًا ضيقًا حاجزًا لهم، من حصرته أي ضيقت عليه ومنعته من التصرف. وقيل: الحصير: السجن لما فيه من الضيق فهو فعيلٌ بمعنى فاعلٍ. وسمي الحصير حصيرًا لكونه يحصر من يجلس عليه. والحصر في اصطلاح العلماء قصر الصفة على الموصوف والموصوف على الصفة نحو: {لا إله إلا الله} [محمد: 19]، {إنما الله إلهٌ واحدٌ} [النساء: 171] وعن الحسن في قوله: {وجعلنا جهنم للكافرين حصيرًا} [الإسراء: 8] أي مهادًا؛ قال

الراغب: كأنه جعله الحصير المرمول كقوله تعالى: {لهم من جهنم مهاد} [الأعراف: 41] وعلى هذا هو بمعنى الحصور، سمي بذلك لحصر طاقات بعضه على بعض وقول لبيدٍ: [من الكامل] 362 - ومقامةٍ غلب الرقاب كأنهم ... جن لدى باب الحصير قيام الحصير: الملك، إما بمعنى محصورٍ، بمعنى أنه محجبٌ، وإما بمعنى حاصرٍ لأنه يمنع غيره أن يحصل إليه. وقوله: {وسيدًا وحصورًا} [آل عمران: 39] أي ممنوعًا من غشيان النساء، إما لعنة ونحوها، وإما لمنعه ذلك بقوته واجتهاده وفراغ قلبه من ذلك، وهذا هو الأليق بهذا المقام لدخوله في المجد، فإن الأمور المطبوع عليها قلما يمدح بها إذا اتصف بها، ولهذا فضل البشر على الملك، إذا قمع شهوته وخالف نفسه وغلب هواه. فحصورٌ يجوز أن يكون بمعنى مفعولٍ على الأول نحو: ركوبٍ وحلوبٍ، وبمعنى فاعلٍ على الثاني نحو: صبورٍ وشكورٍ. والحصور أيضًا والحصير: البخيل، سمي ذلك لمنعه المال، وأنشد لجريرٍ: [من الكامل] 363 - ولقد تسقطني الوشاة فصادفوا ... حصرًا بسرك يا أميم ضنينا وقوله: {فإن أحصرتم فما استيسر من الهدي} [البقرة: 196] اضطربت أقوال أهل اللغة في أحصر وحصر هل هما بمعنى أو بينهما فرقٌ، وما ذلك الفرق؟ وقيل: أحصر في المنع الظاهر -كالعدو -والباطن، وحصر في الباطن فقط؛ فقيل: يقال: حصره المرض، وأحصره العدو. وقيل: حصرته: حبسته؛ وقال: {واحصروهم}

[التوبة: 5] أي احبسوهم، وقد حققنا هذا كله في «الدر المصون» و «القول الوجيز» بما يشفي قاصديه. والحاصل أن المادة تدل على المنع والتضييق، وعليه {للفقراء الذين أحصروا في سبيل الله} [البقرة: 273] وحاصرت العدو: ضايقته بالقتال. قوله: {حصرت صدورهم} [النساء: 90] أي ضاقت بقتالكم ذرعًا. والحصر: العي في الكلام والمنع منه. وأحصر الرجل وحصر: حبس عليه غائطه. ح ص ح ص: قوله تعالى: {الآن حصحص الحق} [يوسف: 51] أي ظهر وتبلج وذلك بانكشاف ما يغمره، وأصله من قولهم: رجلٌ أحصٌ، وامرأةٌ حصاء، وهو من ذهب شعره فانكشف ما تحته. وحصت الأرض حصةً: ذهب بناؤها فانكشف ما تحته. وحصه: قطعه، وذلك إما بالمباشرة نحو: حصصت ذنب الطائر، وإما بالحكم نحو: حصصت الخبر عنه، ومن الأول قوله: [من السريع]. 364 - قد حصت البيضة رأسي فما ورجلٌ أحص: يقطع بشؤمه الخيرات عن الخلق. والحصة: القطعة من الجملة، وتستعمل استعمال النصيب، وعلى هذا فحص وحصحص مثل كف وكفكف ولم لملم. ولأهل العربية في هذا كلامٌ حققته في غيره هذا. وقال الأزهري: أصل ذلك من حصحصة البعير. قال: [من الطويل] 365 - وحصحص في صم الحصى ثفناته ... ورام القيام ساعةً ثم صمما

وفي الحديث: «لأن أحصحص في يدي جمرتين أحب إلي من أن أحصحص كعبين» قال شمرٌ: الحصحصة تحريك الشيء وتقليبه في اليد. والحص: القص وأنشد لأبي طالب: [من الطويل] 366 - بميزان قسطٍ لا يحص شعيرة ... له شاهدٌ من نفسه غير عامل وفي الحديث: «إذا سمع الشيطان الأذان أدبر وله حصاصٌ»، قال أبو عبيد: هو شدة العدو، وقيل: الضراط. وقال حمادٌ: سألت عاصما المقرئ راوي هذا الحديث: ما الحصاص؟ فقال: أما رأيت الحمار إذا صر بأذنيه ومصع بذنبه وعدا؟ فذلك الحصاص. ح ص ل: قوله تعالى: {وحصل ما في الصدور} [العاديات: 10] أي جمع. والتحصيل: الجمع، قيل: والتحصيل إخراج اللب من القشور وجمعه، كإخراج الذهب من حجر المعدن، والبر من التبن فقوله: {وحصل ما في الصدور} أي أظهر ما فيها وجمع كإظهار اللب من القشر وجمعه أو كإظهار الحاصل من الحساب، وقال الفراء: معناه بين وميز، ويقال للذي يفحص تراب المعدن عن الفضة والذهب: محصلٌ، وأنشد: [من الوافر] 367 - ألا رجلًا جزاه الله خيرًا ... يدل على محصلةٍ تبيت

قيل: أراد به الفجور، وقيل غير ذلك. وحوصلة الطائر: ما يحصل فيه الغذاء، ويجمع؛ فواوه مزيدةٌ كواو كوثرٍ. وقيل: للحبالة: الحصل. وحصل إذا اشتكى بطنه عن أكلةٍ. ح ص ن: قوله تعالى: {والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم} [النساء: 24] أي: وحرمت عليكم المحصنات ذوات الأزواج إلا ما ملكت أيمانكم بالسبي، فإنهن يحللن لكم ومنه قول الفرزدق: [من الطويل] 368 - وذات حليل أنكحتها رماحنا ... حلالاً لمن يبني بها لم تطلق وأصل الإحصان المنع، ومنه الحصن لأنه يمتنع به، ويحصن أي امتنع في حصن أو ما يقاربه، فالمحصنات ممتنعاتٌ بأزواجهن. وقرئ «المحصنات» باسم فاعل واسم المفعول، إلا التي في رأس الحزب، فإن السبعة أجمعوا على اسم المفعول فيها لأن المعنى على ذلك كما حققنا في موضعه. قال ابن عرفة: الإحصان في كلام العرب: المنع، والمرأة تكون محصنةً بالإسلام، لأن الإسلام منعها مما أباحه الله تعالى، ومحصنة بالعفاف والحرية، محصنة بالتزويج. يقال: أحصن الرجل، فهو محصنٌ إذا تزوج ودخل بها، وأحصنت هي فهي محصنةٌ. ويجوز محصن ومحصنة. ومنه قوله: {محصنين غير مسافحين} [النساء: 24] قلت: يعني أنه كان القياس أحصن الرجل والمرأة فهو محصنٌ ومحصنةٌ -بكسر الصاد -فقط لكونه اسم فاعل، إلا أنه شذ فتحته كما شذ في ألفج فهو ملفجٌ. وأما المرأة فيقال فيها محصنةٌ أي مجعولةٌ كالحصون.

ودرعٌ حصينةٌ لتحصينها البدن؛ قال تعالى: {وعلمناه صنعة لبوسٍ لكم لتحصنكم} [الأنبياء: 80] قيل: عمل الدروع. وفرسٌ حصانٌ لتحصن راكبه به. وإليه أشار من قال: [من الكامل] 369 - أن الحصون الخيل لا مدر القرى وامرأة حصانٌ: ممنعةٌ من الريب. وقال عاتكة: «إني حصانٌ فما أكلم وصناعٌ فما أعلم». الصناع ضد الخرقاء. وقال حسان في شأن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها: [من الطويل] 370 - حصانٌ رزانٌ ما تزن بريبةٍ ... وتصبح غرثى من لحوم الغوافل ولقد صدق رضي الله عنه أي مع كونها عفيفة لم تتكلم في أحد إلا بخير. يقال: فرسٌ حصانٌ: بين التحصن، وامرأةٌ حصانٌ: بينة التحصن، وبناءٌ حصينٌ: بين الحصانة. ويقال: امرأة حاصنٌ أيضًا -وجمع الحصان حصنٌ، والحاصن حواصن. وقرئ قوله: {فإذا أحصن} [النساء: 25] على البناء للفاعل والمفعول، أي: فإذا تزوجن بأنفسهن، أو إذا زوجن. وامرأةٌ محصن بالكسر إذا تصور حصنها من نفسها، ومحصنٌ -بالفتح -إذا تصور حصنها من غيرها. وقوله: {أن ينكح المحصنات المؤمنات} [النساء: 25] هن الحرائر هنا لا

غير، وقال الراغب: {وآتوهن أجورهن بالمعروف محصنات} [النساء: 25] وقوله: {فإن أتين بفاحشة فعليهن نصف ما على المحصنات} [النساء: 25] قيل: «المحصنات»: المزوجات تصور أن زوجها أحصنها. والمحصنات بعد قوله {حرمت} [النساء: 23] بالفتح لا غير؛ لأن اللاتي حرم التزويج بهن المزوجات دون العفائف، وفي سائر المواضع يحتمل الوجهين قلت: ما قاله حسنٌ، إلا أن فيه بحثًا لا يسعه هذا الموضع، على أنه قد قرأ الجميع بالوجهين على ما بيناه في غير هذا، فعليك بالالتفات إليه. ح ص و: قوله تعالى: {أحصاه الله ونسوه} [المجادلة: 6] أي حصله وأحاط به علمًا ولم يضيعه ولم ينسه كما نسوه هم. والإحصاء هو تحصيل الشيء بالعدد، وذلك من لفظ الحصى، لأنهم كانوا يستعملونه فيه كاستعمالنا فيه الأصابع، وعلى ذلك {وأحصى كل شيء عددًا} [الجن: 28] أي أحاط به وحصله إحاطة العاد منكم وتحصيله وذلك، على سبيل التنزل معهم على ما يفهمونه. قوله: {علم أن لن تحصوه} [المزمل: 20]. أي لن تحصلوا أوقاته، وهو معنى قول الفراء: لن تعلموا مواقيت الليل. وقيل: الإحصاء: الإطاقة، ومنه {أن لن تحصوه} أي: تطيقوه. وقوله: {استقيموا ولن تحصوا} معناه: ولن تحصلوا ذلك، ووجه تعذر إحصائه هو أن الحق واحدٌ والباطل كثيرٌ، بل الحق بالإضافة إلى الباطل كالنقطة بالإضافة إلى سائر أجزاء الدائرة، وكالمرمى من الهدف، وإصابة ذلك شديدةٌ، وإلى ذلك أشار عليه الصلاة والسلام -بقوله: «شيبتني هودٌ وأخواتها، قيل: وما شيبك منها؟ فقال: قوله:

فصل الحاء والضاد

{فاستقم كما أمرت} [هود: 112]. قال الراغب: وهذا منه صلى الله عليه وسلم لرفعه منصبه؛ فإنه كلما رفعت مرتبة المربوب ازداد خوفًا من ربه، وفيه تنبيه لنا. وقال أهل اللغة: لم تحصوا ثوابه. وقوله عليه الصلاة والسلام: «إن لله تسعةً وتسعين اسمًا من أحصاها دخل الجنة» أي من حصل معرفتها وآمن بها ولم يلحد فيها، عكس من قال فيهم: {وذروا الذين يلحدون في أسمائه} [الأعراف: 180]. والحصاة: واحدة الحصى، ويعبر بها عن العقل فيقال: له حصاة، وفي المثل: «فلان ذو حصاةٍ وأصاةٍ»، أظن أصاةً تابعًا كحس بس. والحصاة: زرابة اللسان. وفي بعض الروايات: «حصا ألسنتهم» بدل حصائد. فصل الحاء والضاد ح ض ب: قرئ شاذًا {حضب جهنم} [الأنبياء: 98] بضادٍ معجمةٍ، وقد تقدم أنه هو ما تهيج به النار وتوقد، ويقال لما تسعر به النار محضب، كمنجلٍ. ح ض ر الحضور: ضد الغيبة، قوله: {حاضرة البحر} [الأعراف: 163] يعني قربه، وقيل: مجاورته وهو قريب منه. وقوله: {تجارةً حاضرةً} [البقرة: 282] أي نقدًا. والظاهر أنها أعم من ذلك لأنها قوبل بها قوله: {إلى أجلٍ} [البقرة: 282] فرخص لهم

في عدم الكتب في التجارة الحاضرة حسبما بيناه في «الأحكام». وقوله: {وأعوذ بك رب أن يحضرون} [المؤمنون: 98] كناية عن الجنون والمجنون. محتضر لأن الجن تحضره. والمحتضر: الميت والمشارف للموت لأن ملائكة القبض تحضره لقوله: {توفته رسلنا وهم لا يفرطون} [الأنعام: 61]. وقيل: إشارة إلى قوله: {ونحن أقرب إليه من حبل الوريد} [ق: 16] وقوله: {كل شربٍ محتضر} [القمر: 28] أي كل نصيب من الماء الذي قسمه الله تعالى بين ناقة ثمود وبينهم يحضره من هو في نوبته، كقوله: {لها شرب ولكن شرب يومٍ معلومٍ} [الشعراء: 155] في قصةٍ مذكورة. وقوله: {ما علمت من خيرٍ محضرًا} [آل عمران: 30] أي شاهدًا معاينًا حاضرًا غير غائب. والمراد آثاره. وقيل: إن الأعمال تتجسد وتصير أجرامًا فتوضع في كفة الميزان كالنقود. وقوله: {وإذا حضر القسمة} [النساء: 8] أي وجدوا في وقتها فاجبروا خواطرهم ببعض شيءٍ. قيل: وأصل ذلك من الحضر ضد البدو. والحضارة والحضارة: السكون بالحضر، كالبداوة والبداوة؛ في السكون في البدو، ثم جعل ذلك اسمًا لشهادة مكانٍ أو إنسانٍ أو غيره. والحضر خص بما يحضر به الفرس إذا أريد جريه؛ يقال: أحضر الفرس. واستحضرته: طلبت ما عنده من الحضر. وفي الحديث: «فانطلقت محضرًا» أي مسرعًا. ويقال: أحضر: إذا عدا، واستحضر دابته: حملها على العدو. وحاضرته محاضرةً وحضارًا إذا حاججته، من الحضور؛ كان كل واحدٍ يحضر حجته، أو من الحضر نحو جاريته. والحضيرة: الجماعة من الناس يحضر بهم الغزو،

فصل الحاء والطاء

وعبر به عن حضور الماء، والمحضر: مصدر بمعنى الحضور. ح ض ض: قوله تعالى: {ولا يحض على طعام المسكين} [الحاقة: 34]، الحض: الحث على الشيء وأصله التحريك، وقد فرق بينهما بأن الحض ليس فيها سير ولا سوق، والحث على ما كان فيه. ذلك من الحث على الحضيض وهو قرار الأرض ضد البقاع. فصل الحاء والطاء ح ط ب: الحطب ما يعد لإيقاد النار من الشجر ونحوه، ويكنى بذلك عن النميمة فيقال: فلان يحطب بفلانٍ أي يسعى به، وفلان يوقد بالحطب الجزل ويحمل الحطب، كناية عن ذلك. وقوله تعالى: {وامرأته حمالة الحطب} [المسد: 4] قيل: فيها المعنيان فإنها كانت تنم وتسعى بين الناس بالفساد. وقيل: كانت تحمل حطبًا أو شوكًا وتطرحه في ممشى رسول الله صلى الله عليه وسلم. فالأول مجاز والثاني حقيقة. وكني عن المخلط في كلامه بحاطب ليلٍ، لأن حاطب الليل يجمع في حبله كله ما وقعت عليه يده، وربما أصابه ما يكره، حية ونحوها، كذلك من أكثر في كلامه قد يتكلم بما فيه حتفه، فإذا صمت سلم. وناقة حاطبة: تأكل الحطب. ومكان حطب: كثير الحطب. ح ط ط: قوله تعالى: {وقولو حطة} [البقرة: 58] قيل أمروا أن يقولوا هذا اللفظ بعينه

كما تعبدنا ربنا بألفاظٍ مخصوصةٍ، لا يقوم غيرها مقامها وإن وفي معناها كالتكبير والشهادة. وقيل: بل أمروا بأن يقولوا ذلك- وما في معناه- أي حط عنا ذنوبنا. فقالوا: حطى سهماثا أي حنطة حمراء، قاله السدي ومجاهد. والعامة على رفع حطة، وقرئ بنصبها، وتقرير القراءتين في غير هذا. وقيل: معناه قولوا صوابًا وأصل المادة من الحط وهو الإنزال من علو إلى أسفل نحو حططت الرحل عن الدابة. وجارية محطوطة المتنين أي مجدولة الخصر، ويعبر به عن النقصان؛ فيقال: حطني حطيطة أي نقص مما علي. ح ط م: قوله: {ثم يجعله حطامًا} [الزمر: 21] أي كسيرًا. وأصل الحطم تكسير الشيء وفته، وقوله: {الحطمة} [الهمزة: 4] هي جهنم لأنه تحطم ما يرمى فيها. ورجل حطمة: أي أكول تشبيهًا بالنار كقوله: [من الرجز] 371 - كأنما في جوفه تنور والحطمة أيضًا والحطم: السائق للإبل أو لراعيها بعنفٍ، وفي الحديث: «شر الرعاء الحطمة» وتمثل الحجاج بقول الشاعر: [من الرجز] 372 - هذا أوان الشد فاشتدي زيم ... قد لفها الليل بسواقٍ حطم ليس براعي إبلٍ ولا غنم ... ولا بجزارٍ على ظهر وضم فقال: حطمه يحطمه حطمًا، قال تعالى: {لا يحطمنكم سليمان وجنوده}

فصل الحاء والظاء

[النمل: 18] والحطيم لأنه يحطم من قصده بسوءٍ كبكة تبك أعناق الجبابرة، وهو الحجر الذي تحت ميزاب الرحمة. وقال النضر: سمي لما رفع البيت ترك ذلك محطومًا أي منحطًا وتصور من الحطمة: شدة الغيظ فقيل: أقبل يتحطم علينا، أي يتوقد غيظًا. وفي الحديث قال لعلي: «أين درعك الحطيمة» قال شمر: هي الثقيلة العريضة، وقيل: هي التي تكسر السيوف، وقيل: منسوب إلى بطنٍ من عبد القيس يقال لهم بنو حطمة أو حطامة. والحطام: ما تكسر يبسًا، ثم قيل لكل ما تناهى في الكسر حطام، وقال الشاعر: [من الكامل] 373 - لو كان حي قبلهن ظعائنًا ... حيى الحطيم وجوههن وزمزم نسب التحية إلى هذين المكانين مجازًا. فصل الحاء والظاء ح ظ ر: قوله تعالى: {وما كان عطاء ربك محظورًا} [الإسراء: 20] أي ممنوعًا. والحظر: المنع، وأصله من جمع الشيء في حظيرةٍ والحظيرة ما يعملها الراعي ونحوه من القصب وقصار الشجر يحفظ بها نفسه وماشيته. ثم سمي كل منعٍ حظرًا وإن لم يكن يحظره، ومنه قوله: {فكانوا كهشيم المحتظر} [القمر: 31] أي المتخذ الحظيرة،

فصل الحاء والفاء

وهشيمه: ما تساقط من حظاره، والحظار: حائط الحظيرة. وفي حديث أكيدر: «ولا يحظر عليكم النبات» أي لا تمنعون من الزراعة حيث شئتم. والحظار والحظار- بفتح الحاء وكسرها. الأرض ذات الزراعة المحاط عليها. وجاء فلان بالحظ الرطب أي بالكذب المستشنع. ح ظ ظ: قال تعالى: {وما يلقاها إلا ذو حظ عظيمٍ} [فصلت: 35]، الحظ: البخت، وهو الجد أيضًا. والحظ: النصيب المقدر. ورجل محظوظ: أي صاحب حظ. وقد حظظت- بفتح العين وكسرها- فأنت محظوظ صرت ذا حظٍّ. ويجمع على حظوظٍ وأحاظٍ وأحظٍّ. وكأن أحاظي جمع الجمع؛ قال الشاعر: [من الطويل] 374 - وليس الغنى والفقر من حيلة الفتى ... ولكن أحاظٍ قسمت وجدود جمع بينهما لما اختلف لفظهما، كقوله: {صلوات من ربهم ورحمة} [البقرة: 157]ـ وقوله: [من الوافر] 375 - وألفى قولها كذبًا ومينا فصل الحاء والفاء ح ف د: قال تعالى: {بنين وحفدة} [النحل: 72]؛ الحفدة جمع حافدٍ نحو بارٍ وبررة، والحافد: الخادم المسرع في الخدمة، وسواء كانوا أقارب أم أجانب، من أسرع في

خدمتك فقد حفدك، يحفدك، فهو حافدك. وقال المفسرون: هم الأسباط؛ يعنون أولاد الأولاد، وقال الآخرون: هم الأختان والأصهار، وكأنهم رأوا أن خدمة هؤلاء أصدق من خدمة غيرهم، فلذلك خصوهم بالمثال. قال الأصمعي: أصل الحفد مداركة الخطو، وقال غيره: أصله من سرعة الحركة. وفي الحديث: «وإليك نسعى ونحفد» أي نسرع في طاعتك كما تسرع الخدمة في خدمة مخدومهم. ورجل محفود: مخدوم، وفي صفته صلى الله عليه وسلم: «محفود محشود» أي مخدوم في أصحابه معظم عندهم صلى الله عليه وسلم ورضي عنهم وقال ابن عرفة: هم الأعوان. وقال مجاهد: هم الخدم من حفد يحفد: إذا أسرع؛ وأنشد لكثير عزة: [من الكامل] 376 - حفد الولائد بينهن وأسلمت ... بأكفهن أزمة الأجمال ويقال: حفدت وأحفدت، وحافد وحفد نحو خادم وخدم، وأنشد: [من الطويل]: 377 - فلو أن نفسي طاوعتني لأصبحت ... لها حفد مم يعد كثير وقال عمر وذكر له عثمان رضي الله عنهما في الخلافة فقال: «أخشى عليه حفده» أي عقوقه في مرضات أقاربه.

ح ف ر: قوله تعالى: {أئنا لمردودون في الحافرة} [النازعات: 10] هذا مثل لمن يرده من حيث جاء؛ يقال: رجع فلان في حافرته، وإلى حافرته: أي في الطريق التي جاء فيها، ثم عبر به عن الرجوع إلى الحالة الأولى؛ فقوله: {في الحافرة} أي أنحيا بعد أن نموت؟ إنكارًا منهم للبعث قال الشاعر: [من الوافر] 378 - أحافرة على صلعٍ وشيب ... معاذ الله من سفهٍ وعار أي: أأرجع إلى حالة الصبا بعد أن شبت؟ وقيل: الحافرة: الأرض التي جعلت قبورهم، ومعناه أإنا لمردودون ونحن في القبور؟ ففي الحافرة على هذا موضع الحال، وقد حققناه. وقيل: هو من معنى قولهم: رجع الشيخ إلى حافرته، أي رجع إلى الهرم والضعف، لقوله: {ومنكم من يرد إلى أرذل العمر} [النحل: 70]، وقال ابن الأعرابي: أي في الدنيا كما كنا. وقال مجاهد: أي خلقًا جديدًا. وقال الهروي: أي إلى أمرنا الأول وهو الحياة، وهو راجع إلى الأصل المذكور أولًا وفي الحديث: «إن هذا الأمر لا يترك على حالته حتى يرد إلى حافرته» أي إلى تأسيسه الأول. وقوله: {وكنتم على شفا حفرةٍ} [آل عمران: 103] أي طرف مكانٍ محفورٍ. فحفرة كغرفةٍ؛ فعلة بمعنى مفعولة، وهي الحفيرة أيضًا، فعلية بمعنى مفعولة، فالتاء فيها شاذة كالنطيحة. والحفرة: التراب والمخرج منها كالنقض بمعنى منقوض. والمحفر والمحفار: ما يحفر به. وحافر الفرس لأنه يحفر الأرض بعدوه وقولهم: «النقد عند الحافرة» لما يباع نقدًا. وأصله من بيع الفرس، كان يقال: لا يزول حافره حتى ينقد

عنه. والحفر: تأكل الأسنان حفرها؛ حفر فوه يحفر حفرًا. وأحفر المهر للإثناء والإرباع أي: صار ثنيًا ورباع. ح ف ظ: قوله تعالى: {إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون} [الحجر: 9] أي نمنعه من التبديل والتغيير والنقص. وأصل الحفظ: المنع للشيءٍ بتفقده ورعايته، ومنه حفظ الدرس، وهو منع ما تدرسه أن يشذ عنك. والحفظ تارةً لهيئة النفس التي بها يثبت ما يؤدي إليه التفهم وأخرى لضبط الشيء في النفس، ويضاده النسيان، وأخرى لاستعمال تلك القوة، فيقال: حفظت كذا حفظًا. ثم يستعمل في كل تفقدٍ وتعهدٍ ورعايةٍ. قوله تعالى: {فما أرسلناك عليهم حفيظًا} [النساء: 80] أي حافظًا يحفظ أعمالهم، كقولهم: {وما أنت عليهم بوكيلٍ} [الأنعام: 107]، {لست عليهم بمصيطرٍ} [الغاشية: 22]، وقوله: {فالله خير حافظًا} [يوسف: 64] أي حفظه أبلغ من حفظ غيره لعلمه بما بطن وظهر إشارة إلى قوله تعالى: {ما من دابةٍ إلا هو آخذ بناصيتها} [هو: 56]. وقرى «حفظًا» نحو خير الحافظين، فحفيظًا: تمييز، وحافظًا: حال، وقيل غير ذلك كما حققناه في الكتب المشار إليها. وقوله: {حافظات للغيب بما حفظ الله} [النساء: 34] أي يحفظن غيبة أزواجهن فلا يوطئن فرشهن غيرهم، وذلك بسبب حفظ الله إياهن. وقرئ «الله» نصبًا على معنى: بسبب رعايتهن حق الله لا لرياءٍ وتصنعٍ منهن. قوله: {والحافظين فروجهم} [الأحزاب: 35] و {لفروجهم حافظون}

[المؤمنون: 5] كناية عن العفة، وأصله: منع أنفسهم من الوطء الحرام. قوله: {وعندنا كتاب حفيظ} [ق: 4] يجوز أن يكون بمعنى حافظٍ وهو الظاهر موافقةً لقوله: {لا يغادر صغيرةً ولا كبيرةً إلا أحصاها} [الكهف: 49] وأن يكون بمعنى محفوظٍ كما صرح به {في لوح محفوظٍ} [الأنعام: 92] فيه تنبيه على أنهم يحفظونها بمراعاة أوقاتها وأركانها وشرائطها والتحرر مما يجمل بها من جهاده، وبعد من حديث النفس، كما أنها هي تحفظهم. وأشار إليه بقوله: {إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر} [العنكبوت: 45] ولا حفظ أبلغ من حفظ من يحفظك من ارتكاب هذين الفعلين القبيحين. والحفاظ والمحافظة كأن كلًا منهما يحفظ. والتحفظ: قلة الغفلة وتحقيقه تكلف الحفظ لضعف القوة الحافظة. ولما كانت تلك القوة من أسباب العقل توسعوا في تفسيره. والحفيظة: الغضب الحال على المحافظة، ثم قيل للغضب المجرد، فقالوا: أحفظه، أي أغضبه. وفي الحديث: «فبدرت مني كلمة أحفظته» ومثلها الحفظة أيضًا؛ يقال: حفيظة وحفظة. وأنشد للعجاج: [من الرجز] 379 - جاري لا تستنكري عذيري ... وحفظة أكنها ضميري وقيل: الهمزة في أحفظ للسلب، والمعنى: أزال حفظ مودته ح ف ف: قوله تعالى: {وترى الملائكة حافين من حول العرش} [الزمر: 75] أي محدقين به من جميع جهاته، وفيه تنبيه على كثرة خلقه وعظم ملكوته، وذلك أن عرشه أعظم المخلوقات، ومع ذلك خلق ملائكة يحفون بهذا الحرم العظيم المتزايد في العظمة.

وأصل ذلك من حف القوم بالمكان: أي صاروا في حفته، والأحفة: الجوانب، الواحد حفاف. وحفاف الجبل: جانباه. وفي الحديث: «أظل الله مكان البيت بغمامةٍ فكانت حفاف البيت» فالمعنى: ترى الملائكة مطبقين بحفافية. قال الشاعر: [من الطويل] 380 - له لحظات في حفافي سريره وفي الحديث: «تحفة الملائكة بأجنحتها». وفلان في حففٍ من العيش: أي ضيقٍ، تصور أنه حصل في جانبٍ منه لا في وسطه، عكس قولهم: هو في واسطة العيش. ومنه قوله: «من حفنا أو رفنا فليقتصد» أي من يحفف علينا، كذا فسره الراغب، وفسره الهروي: من مدحنا فلا يغلون، قال: والحفة: الكرامة التامة. وحفيف الجناح والشجر: صوتهما؛ فهي حكاية صوته. والحف: آلة النساج؛ سميت بذلك لما يسمع من حفيفها عند حركتها. قوله: {وحففناهما بنخلٍ} [الكهف:32] أي أطفناهما بنخلٍ فجعلناه مطفيًا بهما، وأحسن الجنان منظرًا ما كان كذلك. وفي الحديث: «حفوا الشوارب وأعفوا اللحى» هو من قولهم: حفت المرأة وجهها أي قشرته من الشعر. «وكان عمر أصلع له حفاف» أي شعر حول رأسه دون أعلاه. وفي الحديث «لم يشبع من طعامٍ إلا على حففٍ» أي ضيقٍ وفقر. وفي رواية أخرى «خففٍ» فالحفف أن يكون أكثر منه،

فالخفف أشد. ح ف ي: قوله تعالى: {كأنك حفي عنها} [الأعراف:187] من قولهم: فلان حفي بخبر فلان، أي معني بالسؤال عنه. وعن مجاهدٍ: كأنك استحفيت بالسؤال عنها حتى علمتها، أي أكثرت المسألة عنها. يقال: أخفى في سؤاله وألحف وألح، كله بمعنى. قال تعالى: {إن يسألكموها فيحفكم تبخلوا} [محمد:37] أي يبالغ في مسألتكم. ولما اعتبر معنى المبالغة قيل: فلان حفي بفلانٍ، أي مبالغ في بره. قال تعالى: {إنه كان بي حفيًا} [مريم:47] أي مبالغًا في إيصال الخير إلي. وفي الحديث: «أن عجوزًا دخلت على عائشة فسألها، فأحفى» أي بالغ في برها. وعلى هذا فما حكي أن كيسان سأل ثعلبًا عن قوله: {إنه كان بي حفيًا} فقال: بارًا وصولًا فقال: قوله: {كأنك حفي عنها} فقال: معنى هذا غير معنى ذلك. والعرب تقول: فلان حفي بخبر فلانٍ، أي معني بالسؤال عنه يبعد صحته عنهما لظهور ذلك كما تقدم من أمر المبالغة، ذاك مبالغة في البر، وهذا مبالغة في السؤال. وقيل: الإحفاء في السؤال: التبرح في الإلحاح في المطالبة، أي في البحث عن تعرف الحال. وعلى الوجه الأول يقال: حفيت السؤال، وأحفيت فلانًا في السؤال، ومنه {فيحفكم تبخلوا}. وأصل ذلك من أخفيت الدابة، أي جعلتها حافية، أي منسحجة الحافر، والبعير: جعلته منسحج الفرسن من المشي حتى يرق. وقد حفي حفًا وحفوة، ومنه: أحفيت الشارب: أخذته أخذًا متناهيًا. وأحفيت به وتحفيت: أي بالغت في إكرامه. والحفي أيضًا العالم بالشيء. والحافي أيضًا الحاكم، يقال: تحافينا، أي تحاكمنا.

فصل الحاء والقاف

فصل الحاء والقاف ح ق ب: قوله تعالى: {لابثين فيها أحقابًا} [النبأ:23] جمع حقبٍ، وحقب جمع حقبة، والحقبة ثمانون سنةً؛ فالأحقاب جمع الجمع. قال الراغب: والصحيحٍ أن الحقبة مدة من الزمان مبهمة. وقال الأزهري: الأحقاب جمع حقبٍ وهو ثمانون سنةً. وهذا صحيح نحو فعلٍ وأفعالٍ. وقوله: {أو أمضي حقبًا} [الكهف:60] أي زمانًا طويلًا، قاله ابن عرفة. وفي الحديث: «لا رأي لحاقبٍ ولا حاقنٍ»؛ الحاقب: الذي يحتاج إلى الخلاء فلم يتبرز، مأخوذ من حقب البعير، حقبًا، إذا دنا الحقب من ثيلة حيفة البول. والحقب: حبل يشد على حقو البعير. والإحقاب: شد الحقيبة من خلف الراكب. واستحقبته وأحقبته بمعنى. وحمار أحقب: أي الدقيق الحقوين، وقيل: الأبيض الحقوين، والأنثى حقباء، وذلك في الحمر الوحشية. ح ق ف: قوله: {إذ أنذر قومه بالأحقاف} [الأحقاف:21] هي جمع حقفٍ، وهو الكثيب من الرمل المائل؛ قال امرؤ القيس: [من الطويل] 381 - فلما أجزنا ساحة الحي وانتحى ... بنا بطن حبثٍ ذي حقافٍ عقنقل وقال الأزهري: الحقف: الرمل المستطيل. وقال الهروي: ما عظم واستدار. وكانت ديار عادٍ بالشحر في كثبان رمل. واحقوقف: أي انحنى ومال. واحقوقف الهلال. وفي الحديث: «أنه مر بظبيٍ حاقفٍ». قيل: معناه أنه نائم في حقفٍ، وقال ابن الأنباري:

أي نائم قد انحنى في نومه. وأنشد للعجاج: [من الرجز] 382 - طي الليالي زلفًا فرلفا ... سماوة الهلال حتى احقوقفا أي كما تطوي الليالي سماوة الليالي وهي تحصه. والزلف: الساعات من الليل، جمع زلفةٍ. ح ق ق: قوله: {ذلك بأن الله هو الحق} [لقمان:30]؛ الحق في الأصل: الثبوت، والشيء الثابت. يقال: حق الأمر يحق حقًا، فهو حق: أي ثبت واستقر. والحقيقة: فعيلة، من ذلك. وقيل: أصله المطابقة والموافقة، كمطابقة رجل الباب في حقه لدورانه فيه على استقامةٍ، ويقال على أوجهٍ: أحدها: لموجد الشيء بحسب ما تقتضيه الحكمة، ومنه قيل في الباري تعالى: الله حق، نحو قولنا: الموت حق، والبعث حق، وفي معناه: {هو الذي جعل الشمس ضياءً والقمر نورًا} إلى قوله {ما خلق الله ذلك إلا بالحق} [يونس:5] [الثالث] وللاعتقاد في الشيء المطابق لما عليه ذلك الشيء في نفسه، كقولنا: اعتقاد فلانٍ في الموت والبعث والنار حق. قال تعالى: {فهدى الله الذين آمنوا لما اختلفوا فيه من الحق بإذنه} [البقرة:122]. [الرابع] وللفعل والقول الواقعين بحسب ما

يجب على قدر ما يجب في الوقت الذي يجب، [كقولنا: فعلك حق وقولك حق، قال تعالى {كذلك حقت كلمة ربك} [يونس:23]. وقوله تعالى: {ولو اتبع الحق أهواءهم} [المؤمنون:71]؛ يجوز أن يراد بالحق الباري تعالى، وأن يراد به الحكم الذي هو بحسب مقتضى الحكمة. وأحققت الشيء، إما بمعنى أثبته، وإما بمعنى حكمت بكونه حقًا، ومنه قوله تعالى: {ليحق الحق} [الأنفال:8] فهذا يحتمل الأمرين، وإحقاقه تعالى على ضربين: أحدهما بإظهار الأدلة والآيات وفي معناه: {وأولئكم جعلنا لكم عليهم سلطانًا مبينًا} [النساء: 91]. والثاني بإكمال الشريعة وبثها، وفي معناه: {والله متم نوره ولو كره الكافرون} [الصف:8] قوله: {الحاقة ما الحاقة} [الحاقة:1 - 2] فالحاقة: اسم فاعلٍ من حق يحق حقًا: أي ثبت، وعبر بها عن القيامة لثبوتها واستقرارها بالأدلة الواضحة، وقيل: لأنها يحق فيها الجزاء. وقال الفراء: لأن فيها حقائق الأمور. وقال غيره: لأنها تحق الكفار الذين حاقوا الأنبياء إنكارًا؛ يقال: حاققته فحققته: أي خاصمته فخصمته. وقيل: لأنها تحق كل إنسان بعمله من خيرٍ أو شرٍ. قوله: تعالى {حقيق على أن لا أقول} [الأعراف:105] قرئ علي بتشديد الياء بمعنى: واجب علي، وكذلك: {فحق عليها القول} [الإسراء:16] أي وجب. ومن قرأ «علي أن» فبمعنى أنا حقيق بالصدق، وفي ذلك كلام كثير أتقنته. والحق يجيء: الإلزام، كقوله: {من الذين استحق عليهم الأوليان} [المائدة:107] أي لزمهم حق من حقوقهم بتلك اليمين الكاذبة، وقال: وإذا اشترى رجل من رجلٍ دارًا، فادعاها آخر وأقام البينة استحقها على المشتري، قال: والاستحقاق والاستيجاب قريبان من السواء. قوله: {وكانا حقًا علينا نصر المؤمنين} [الروم:47] أي واجب بطريق الوعد على

سبيل التفضل. وقد يراد بالحق أشياء فسر بها بحسب السياق كما نبهنا عليه أول هذا الموضوع، من ذلك {وتكتمون الحق} [آل عمران:71] قيل: هو مراد محمدٍ عليه الصلاة والسلام، وذلك ما عزوه من نعته. وقوله: {بل نقذف بالحق على الباطل} [الأنبياء:18] قيل: الحق القرآن، والباطل الكفر. وقوله: {ما ننزل الملائكة إلا بالحق} [الحجر:8]؛ بالأمر المقتضى. ويوضح ذلك: {ولو أنزلنا ملكًا لقضي الأمر} [الأنعام:8]. وقوله: {وجاءت سكرة الموت بالحق} [ق:19] وقال الهروي: الحق، الموت؛ فعلى هذا يصير تقديره: وجاءت سكرة الموت بالموت. قلت: وفي قراءة أبي بكرٍ: {وجاءت سكرة الحق بالموت}. وقال الشافعي في قوله عليه الصلاة والسلام: «ما حق امرئٍ مسلمٍ أن يبيت ليلتين إلا ووصيته مكتوبة عنده» أي ما الأحزم. وفي الحديث: «جاء رجلان يحتقان» أي يختصمان. وفي حديث علي: «إذا بلغ النساءٍ نص الحقاق فالعصبة أولى» قيل: ما دامت الجارية صغيرة فأمها أولى بها، فإذا بلغت فالعصبة أولى بتحصينها وتزويجها. ونص الشيء: غايته، أي غاية البلوغ. والحقاق: المخاصمة؛ وهو أن يقول كل واحد من الخصمين: أنا أحق به منك. وروي «نص الحقائق» جمع حقيقة، والحقيقة فعلية، من الحق بمعنى فاعلٍ، والتاء فيها قياس، قال الليث: الحقيقة ما يصير إليه. حق الأمر وحققه. «هو حامي الحقيقة» إذا حمى ما يجب عليه أن يحميه، قال: [من الطويل] 383 - أنا الفارس الحامي حقيقة والدي ... وآلي فما تحمي حقيقة آلكا

فصل الحاء والكاف

وقال الراغب: الحقيقة تستعمل تارة في الشيء الذي له ثبوت ووجود، كقوله عليه الصلاة والسلام لحارثة: «يا حارثة إن لكل حقٍ حقيقة، فما حقيقة إيماننك» أي ما الذي ينشأ عن كون ما تدعيه حقًا؟ قال: وتارة تستعمل في الاعتقاد، كما تقدم، وتارة في العمل وفي القول؛ فلان لفعله حقيقة، إذا لم يكن مرائيًا فيه، ولقوله حقيقة، إذا لم يكن موجبًا ومتزيدًا. وتستعمل في ضده المتجوز والمتوسع والمتفسح. وقيل: الدنيا باطل والآخرة حقيقة، تنبيهًا على زوال هذه وبقاء تلك. وأما في عرف الفقهاء والمتكلمين فهي اللفظ المستعمل فيما يوضع له في أصل اللغة. والحق من الإبل: ما استحق أن يحمل عليه، والأنثى حقة والجمع حقاق وحقائق، نقله الهروي وهو غريب. وقيل: سمي حقًا لأن أمه استحقت الحمل من العام المقبل. والحق ما دخل في أربعةٍ. وأتت الناقة على حقها أي على الوقت الذي فيه من العام الماضي، وفي حديث عمرو أنه قال لمعاوية: «أتيتك من العراق، وإن أمرك كحق الكهول» أي كبيت العنكبوت، والحق جمع حقةٍ؛ يعني أمرك واهٍ بعد. فصل الحاء والكاف ح ك م: قوله تعالى: {إن ربك حكيم عليم} [الأنعام:83] الحكيم ذو الحكمة والحكم، وأصل المادة على منع لا بعلاجٍ، ومنه حكمة الدابة تجعل عند فكها لتمنعها من الجماح. يقال: حكمت الدابة. منعتها بالحكمة، وأحكمتها: جعلت لها حكمة، وكذا حكمت السفينة وأحكمتها. وأنشد لجرير: [من الكامل]

384 - أبني حنيفة أحكموا سفهاءكم ... إني أخاف عليكم أن أغضبا وفي الحديث: «في رأس كل عبدٍ حكمة فإن شاء أن يقدعه بها قدعه». والحكمة من ذلك لأنها تمنع من الجهل؛ قال تعالى: {ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرًا} [البقرة:269]. وأحكمته: أي منعته من الفساد. وعليه قوله تعالى: {كتاب أحكمت آياته} [هود:1] وقال الأزهري: أحكمت آياته بالأمر والنهي والحلال والحرام، ثم فصلت بالوعد والوعيد، والحاكم من ذلك لأنه يمنع الظالم من ظلمه. قوله تعالى: {سورة محكمة} [محمد:20] و {آيات محكمات} [آل عمران:7] يعني غير منسوخة؛ منعت من النسخ لمصلحةٍ علمها تعالى للمكلفين. وقيل: المحكمات: ما لا تعرض فيه شبهة من حيث اللفظ ولا من حيث المعنى، قاله الراغب، وفيه نظر لأن هذا الوصف بعينه موجود في المتشابه الذي هو مقابل المحكم؛ فالقرآن إما محكم وإما متشابه، كما أخبر الرب تبارك وتعالى، وكلا القسمين لا تعرض فيه شبهة من حيث اللفظ ولا من حيث المعنى، وقيل غير ذلك. قوله: {يؤتي الحكمة من يشاء} [البقرة:269]. فالحكمة: إصابة الحق بالعلم والعقل. والحكمة من الله: معرفة الأشياء وإيجادها على غاية الإحكام، ومن الناس: معرفة الموجودات وفعل الخيرات، وهذا هو الذي وصف به لقمان في قوله: {ولقد آتينا لقمان الحكمة} [لقمان:12] ونبه على جملتها. بما وصف بها؛ فإذا قيل في الله: حكيم فمعناه بخلاف إذا وصف به غيره. ومن هذا الوجه قال: {أليس الله بأحكم الحاكمين} [التين:8] فإذا وصف به القرآن فلتضمنه معنى الحكمة نحو: {ألر، تلك آيات الكتاب الحكيم} [يونس:1] وقيل: الحكيم: المحكم نحو: {أحكمت

آياته}. قال الراغب: كلاهما صحيح لأنه محكم ومفيد للحكم، ففيه المعنيان جميعًا. والحكم مصدر حكم يحكم، ومعناه القضاء بالشيء أن يكون كذا أو ليس كذا سواء ألزمت ذلك غيره أو لم تلزمه. قال النابغة: [من البسيط] 385 - واحكم كحكم فتاة الحي إذ نظرت ... إلى حمامٍ شراعٍ وارد الثمد وقيل معناه كن حكيمًا. ويقال: حاكم وحكام لمن يحكم بين الناس، والحكم: المتخصص بذلك. وقوله تعالى: {فابعثوا حكمًا من أهله وحكمًا من أهلها} [النساء:35] ولم يقل: حاكمًا بينهما، إذ من شرط الحكمتين أن يتوليا الحكم لهم وعليهم حسبما يستصوبانه من غير رجوعٍ إليهم في ذلك. والحكم يقال للواحد والجمع، والفرق بين الحكم والحكمة أن الحكم أعم من الحكمة، فكل حكمة حكم، وليس كل حكمٍ حكمةً؛ فإن الحكم أن يقضي بشيءٍ على شيءٍ، فيقول: هو كذا، وليس بكذا. قال عليه الصلاة والسلام: «إن من الشعر لحكمة» أي قضية صادقةً، وذلك نحو قول لبيدٍ: [من الطويل] 386 - ألا كل شيءٍ ما خلا الله باطل ... وكل نعيمٍ لا محالة زائل وقال عليه الصلاة والسلام: «الصمت حكم وقليل فاعله» فهذا بمعنى الحكمة. وقوله: {واذكرن ما يتلى في بيوتكن من آيات الله والحكمة} [الأحزاب:34] قيل: جعله حكمة، وذلك إشارة إلى أبعاضها التي تختص بأولي العزم من الرسل، ويكون سائر الأنبياء تبعًا لهم في ذلك. وقوله {يحكم بها النبيون} [المائدة:44] يجوز أن يكون من الحكم أو من الحكمة المختصة بالأنبياء. وقوله عليه الصلاة والسلام: «إن الجنة للمحكمين» قيل: هم المختصون بالحكمة، وقيل: هو قوم خيروا بين أن يقتلوا

فصل الحاء واللام

مسلمين وبين أن يرتدوا، فاختاروا أن يقتلوا. وفي حديث آخر: «إن في الجنة كذا وكذا قصرًا لا يسكنه إلا نبي أو صديق أو محكم» يروى بكسر الكاف، وهو المصنف من نفسه، وبفتحها، وهو من خير أن يقتل أو يرتد، فاختار القتل كما تقدم. وقوله: {وآتيناه الحكم صبيًا} [مريم:12]، {فوهب لي رب حكمًا} [الشعراء:21]. بمعنى حكمةٍ، نحو: نعم ونعمة. وقوله: {ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة} [النحل:125] فالحكمة: النبوة، والموعظة: القرآن. وفي حديث النخعي: «حكم اليتيم كما تحكم ولدك» قال أبو عبيد: أي امنعه من الفساد كما تمنع ولدك. وقال أبو سعيد الضرير: حكمه في ماله إذا صلح، قال: ولا يكون حكم، أحكم لأنهما ضدان؛ قال الأزهري: القول ما قال أبو عبيدٍ، والعرب تقول: حكمت وأحكمت، بمعنى رددت ومنعت بمعنى، فليس أحكم وحكم ضدين. فصل الحاء واللام ح ل ف: الحلف: القسم، يقال: حلف على كذا يحلف حلفًا. أي أقسم عليه. قال تعالى: {ويحلفون على الكذب} [المجادلة:14] وقال تعالى: {يحلفون بالله إنهم لمنكم} [التوبة:56] وقيل: الحلف في الأصل: العهد بين القوم، والمحالفة: المعاهدة. وقيل: الملازمة التي تكون بمعاهدة؛ ومن ذلك: فلان خلف كرمٍ، وحليف كرمٍ لما تصور فيه من الملازمة. والأحلاف: جمع حلفٍ. والحلف أصله اليمين الذي يأخذ بعضهم من بعضٍ بها العهد، ثم عبر به عن كل يمينٍ. وقوله: {ولا تطع كل حلافٍ} [القلم:10] أي مكثارٍ للحلف، ومنه عند بعضهم: {ولا تجعلوا الله عرضةً لأيمانكم} [البقرة:244]. والمحالفة أن يحلف كل منهما للآخر، ثم جعلت عبارة عن مجرد

الملازمة، فقيل: فلانٌ حليف فلان وحلفه، وقال عليه الصلاة والسلام: "لا حلف في الإسلام". وهو حليف اللسان: أي حديده، تصور أنه حالف الكلام والفصاحة فلا يتباطآن عنه. وشيءٌ محلفٌ: أي يحمل علي الحلف لإعجابه في حسنه، وهو الغالب، أو في قبحه. وكميتٌ محلفٌ: إذا شك فيه الرأي، فيحلف بعضهم أنه كميتٌ، وبعضهم أنه أشقر. وفي الحديث: "أنه عليه الصلاة والسلام حالف بين قريشٍ والأنصار". إن قيل: كيف يجمع بينه وبين قوله: "لا حلف في الإسلام" قيل: معناه هنا أنه آخي بينهم، وليس المراد ما كان متعارفًا من حلف الجاهلية. قال ابن الأعرابي: الأحلاف من القبائل ست: عبد الدار وجمح وسهمٌ ومخزومٌ وكعبٌ وعدي، فأخرجت بنو عبد الدار جفنةٌ مملوءةٌ طيبًا، فغمسوا أيديهم فيها، وحلفوا. وأخرج الآخرون جفنة دم، وغمسوا أيديهم فيها، وحلفوا، فسموا أولئك المطيبين، وسموا هؤلاء لعقة الدم. وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم من المطيبين. ح ل ق: قوله: {محلقين رؤوسكم} [الفتح: 27]. الحلق: إزالة الشعر من أصله بالموسى ونحوها. قيل: وأصله من: حلقه يحلقه إذا قطع حلقه، وهو هذا العضو المعروف، ثم عبر الحلق عن قطع الشعر وجزه. ورأسٌ حليقٌ، ولحية حليقٌ. وقولهم في الدعاء: "عقري حلقي" أي أصابته مصيبةٌ تحلق النساء لها شعورهن. وقيل: بمعني قطع الله حلقه، وقال الأصمعي: يقال للأمر تعجب منه:

عقرى حلقى، وأنشد: [من الوافر] 378 - ألا قومي أولو عقري وحلقي ... لما لاقي سلامان بن غنم. معناه: قومي أولو نساء قد عقرن وجوههن بخدشها، وحلقن شعورهن متسليات علي أزواجهن. وقال الليث: مشئومةٌ مؤذيةٌ. وقال عليه الصلاة والسلام لعقبة: "عقري حلقي" هذا من باب تربت يداه، وقاتله الله ما أشعره لا يقصد به الدعاء، وإنما جري علي ألسنتهم من غير قصد لمدلوله، وهذا يشبه لغو اليمين في قولهم: لا والله، وبلي والله. والمحالق: أكسيةٌ خشنةٌ سميت بذلك لحلقها الشعر بخشونتها، وإحداها محلقٌ. والحلقة بسكون اللام تشبيهًا بالحلق في الهيئة. وجوز بعضهم فتح لامها، وأنكره الجمهور حتى قال بعضهم: لا أعرف الحلقة إلا الذين يحلقون، يعني أنها جمعٌ لحالقٍ، نحو كافرٍ وكفرةٍ. واعتبر فيها معني الدوران، فقيل: حلقة اليوم. ومنه قيل: حلق الطائر أي ارتفع ودار في طيرانه، وكذا حلق ببصره أي رفعه، وفي الحديث: "كان يصلي العصر والشمس بيضاء محلقةٌ" وقال شمر: لا أعرف التحليق إلا الارتفاع. والحلقة: السلاح، وقيل: الدروع فقط لأن فيه حلقاتٍ كثيرًة، ثم غلب علي مطلق السلاح. والحالق: الجبل المرتفع. وفي الحديث: "فهممت أن أطرح نفسي من حالقٍ". والحلقان، والمحلقن: البسر يبلغ الإرطاب ثلثيه، وله في الحديث ذكرٌ، وفيه

ونهى عن الحلق قبل الصلاة، والحلق! جمع حلقةٍ، نحو قصعةٍ وقصع، وبدرةٍ وةدرٍ، وأراد بالصلاة صلاة الجمعة. ح ل ل: كقوله تعالي: {حلالًا طيبًا} [المائدة: 88] الحلال: المباح، وأصله من حل العقدة أحلها أي أزلت ما كانت ممنوعة به، فالحلال ما ارتفع عن تعاطيه الحظر، وعليه قوله تعالي: {واحلل عقدًة من لساني} [طه: 27]، ولذلك قوبل بالحرثم لأن الحرام: الممنوع منه. ويعبر عن أهلنزول بالحلول، فيقال: حل بمكان كذا، وأصله أن النازل يحل إحلالًا، ثم جعل كل نزولٍ حلولًا وإن لم يكن فيه حل توسعًا. قال تعالي: {أو تحل قريبًا من دارهم} [الرعد: 31]. وأحله غيره: أنزله، قال تعالي: {وأحلوا قومهم دار البوار} [إبراهيم: 28]. والحلة: النازلون والمحلة: المنزل. ورجلٌ حلالٌ وحلٌ ومحلٌ: إذا خرج من إجرامه، أو من الحرم، نحو: حرام وحرم ومحرم في ضده. وقوله: {وأنت حلٌ بهذا البلد} [البلد: 2] أي حلالٌ، لأنها أحلت له ساعًة من نهارٍ كما ثبت في الصحيح. وقوله: {تحلة أيمانكم} [التحريم: 2] أي بين لكم ما تنحل به عقد أيمانكم من الكفارة. وفي الحديث: "لا يموت لأحدكم ثلاثةٌ من الأولاد فتمسه النار إلا تحلة القسم" أي ما يحل به القسم، يريد قوله تعالي: {وإن منكم إلا واردها} [مريم: 71]، هذا تفسير أبي عبيدٍ، قوله: {وإن منكم إلا واردها}، واعترض عليه بأن

ليس قسماً، وأجيب بأن القسم قوله: {فوربك لنحشرنهم} [مريم: 68] يعني: وهذا متصلٌ به، وقيل: بل القسم مقدرًا أي: {وإن منكم إلا واردها} ونظره بقوله: {وإن منكم لمن ليبطئن} [النساء: 72]. وفي التنظير نظرٌ ليس هذا موضع تحقيقه. وفسره الراغب وغيره بأن معناه أي: قدر ما يقول الإنسان: إن شاء الله، وهو حسنٌ، وحينئذٍ يكون علي حذف مضاف أي لا تمسه النار إلا مقدار وقت تحله. وفي حديث زمزم: "هي لشاربها حلٌ وبلٌ"، فالحل: الحلال، والبل: المباح بلغة حمير، وقيل: إتباعٌ كحسٌ بس. والحليل والحليلة: الزوج والزوجة، إما بحل كل منهما إزاره لصاحبه، وإما بكونه حلالًا له غير حرامٍ عليه، وإما لنزوله معه. قال تعالي: {وحلائل أبنائكم} [النساء: 23]. والإحليل: مخرج البول لكونه محلول العقدة، ثم عبر به عن مجموع الذكر. ويعبر بالحلول عن الوجوب، قال تعالي: {فيحل عليكم غضبي ومن يحلل عليه غضبي فقد هوي} [طه: 81] أي من وجب فقد وجب، لأن الوجوب: السقوط، ففيه نزولٌ، وفيه: "أفضل الأعمال الحال المرتحل" قيل: هو أنه يعني إذا فرغ من ختم القرآن شرع في ابتدائه، وفي الحديث كلامٌ أتقناه في "العقد النضيد من شرح القصيد". والحلة: الرداء والإزار، لأنهما يحلان ويشدان. قال أبو عبيد: لا تكون الحلة إلا بهما، وفي الحديث: "رأي رجلًا وعليه حلةٌ وقد ائتزر بأحدهما وارتدى الأخرى".

وفي الحديث: "خير الكفن الحلة" قيل: هي من برود اليمن. ح ل م: قوله تعالي: {لأواه حليم} [التوبة: 114] الحلم أصله ضبط النفس عن هيجان الغضب، وإذا ورد في صفات الله تعالي فمعناه الذي لا يستفزه عصيان العصاة، ولا يستخفه الغضب عليه. وقوله: {أم تأمرهم أحلامهم بهذا} [الطور: 32] قيل: عقولهم، والحلم: العقل، وفيه نظرٌ، إذ قد سمع إطلاقه مرادًا به العقل، والأصل في الإطلاق الحقيقة، ومن ذلك قوله: [من البسيط] 388 - لا عيب بالقوم من طولٍ ولا عظيمٍ ... جسم الجمال وأحلام العصافير. أي عقولها. يقال: حلم يحلم حلمًا، وحلمه العقل. وتحلم: إذا تكلف ذلك وتحلمت المرأة: ولدت أولادًا حلماء. قوله: {وإذا بلغ الأطفال منكم الحلم} [النور: 59] أي زمن البلوغ. وسمي الحلم لكون صاحبه جديرًا بالحلم. وقوله: {فبشرناه بغلامٍ حليمٍ} [الصافات: 101] أي وجدت منه قوة الحلم. وحلم في نومه يحلم، بضمتين، وحلمًا بضمةٍ وسكونٍ، وحلمًا بضمةٍ وفتحةٍ، حكاه الراغب. وتحلم واحتلم، وحلمت به في نومي: أي رأيته في المنام. والحلمة: القراد الكبير، سميت بذلك لتصورها بصورة ذي الحلم لكثرة هدوها وأما حلمة الثدي فتشبيهًا بالحلمة من القراد في الهيئة [بدلالة] تسميتها بالقراد في قول

[من الطويل] 389 - كأن قرادي زوره طبعتهما ... بطينٍ من الخولان كتاب أعجمي وحلم الجلد: وقعت فيه الحلمة. وحلم البعير: نزعت عنه الحلمة. ثم يقال: حلمت فلانًا: إذا داريته ليسكن وتتمكن منه عليك، من ذلك البقر إذا سكنته بإزالة القراد عنه. قوله: {إنك لأنت الحليم الرشيد} [هود: 87] من باب قولهم في المخاصمة: أنت الحليم الكامل، يعنون السفيه، فهي من التهكم كقوله: {ذق أنك أنت العزيز الكريم} [الدخان: 49]. وفي الحديث: "قضي في الأرنب بحلامٍ" الحلام: الجدي، وقيل: الحمل. ويقال فيه: حلان أيضًا بالميم والنون. وفيه: "من كل حالمٍ دينارٌ": أي المحتلم. والمراد من بلغ في سن الاحتلام أو احتلم. ح ل ي: قوله تعالي: {حليًة تلبسونها} [النحل: 14] الحلية: الزينة، وعين بذلك اللؤلؤ والمرجان، فإنهما يتزين بهما. وجمعهما حلي بالضم والكسر، فالكسر قياسٌ، والضم شاذٌ. ومثله: لحيةٌ ولحيٌ. قوله في آية أخري: {يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان} [الرحمن: 22] وقوله: {يحلون فيها} [الكهف: 31] أي يزينون بالحلي. وقوله: {من حليهم} [الأعراف: 148]، الحلي جمع الحلي، وهو ما يزين به من الذهب. والأصل حلويٌ، بزنة فعولٍ، وأدغمت الواو في الياء بعد قلبها ياًء ويجوز "حلي" بكسر الحاء إتباعًا، وقد قرئ بالوجهين.

فصل الحاء والميم

فصل الحاء والميم ح م أ: قوله تعالي: {من حمأٍ مسنونٍ} [الحجر: 26]. الحمأ والحماة: الطين الأسود المنتن. وقوله: {في عين حمئة} [الكهف: 86] أي ذات حمأة. يقال: حمأت البئر، وأحمأتها، ألقيت فيها الحمأة. وقرئ "حاميةٍ" بالياء. من حميت حمي بمعني الحرارة، وليست من هذه المادة. ولا منافاة بين القراءتين، فإنها جاز أن تكون جامعةٌ بين الوصفين، حارًة ذات طينٍ أسود. ويحكي أن معاوية قرأ "حاميًة" فقال ابن عباس: "حمئة"، فقال معاوية لابن عمر: كيف تقرؤها؟ قال: كقراءة أمير المؤمنين. فبعث معاوية إلي كعب فقال: أجدها تغرب في ماءٍ وطين. وكان هناك رجلٌ حاضرٌ فأنشد قول تبع: [من الطويل] 390 - فرأي مغيب الشمس عند مآبها ... في عين ذي خلبٍ وثأطٍ حرمد. ح م د: الحمد: الثناء بجميل الأوصاف، ولا يكون إلا باللسان، سواءٌ علي نعمةٍ مسداةٍ، أم علي صفةٍ في المحمود قاصرة عليه بخلاف الشكر، فإنه لا يكون إلا علي نعمةٍ مسداةٍ، ويكون باللسان والجوارح والجنان، وأنشدوا: [من الطويل] 391 - أفادتكم النعماء مني ثلاثًة ... يدي ولساني والضمير المحجبا. فبينهما عمومٌ وخصوصٌ من وجهٍ. وقيل: الحمد: الرضي. حمدته: أي رضيته،

قاله ابن عرفة. ومنه قوله: "إني أحمد إليكم غسل الأحليل" قال ابن شميلٍ: معناه أرضي لكم، فأقام إلي مقام اللام. وقيل: الحمد هو الشكر لقولهم: الحمد لله شكرًا. وفي الحديث: "الحمد رأس الشكر، ما شكر الله عبدٌ لا يحمده"، قال الهروي: قال المشيخة من الصدر الأول: الشكر ثلاث منازل، شكر القلب، وهو الاعتقاد بأن الله تعالي ولي النعم علي الحقيقة. قال الله تعالي: {وما بكم من نعمةٍ فمن الله} [النحل: 53]. وشكر اللسان، وهو إظهار النعمة باللسان مع الذكر الدائم لله عز وجل، قال الله تعالي: {وأما بنعمة ربك فحدث} [الضحى: 11]. وشكر العمل، وهو آداب النفس بالطاعة، قال تعالي: {اعملوا آل داود شكرًا} [سبأ: 13]. و {الحمد لله} [الفاتحة:1] وهو الحمد أي رأس الشكر، كما أن كلمة الإخلاص وهي: "لا إله إلا الله" رأس الإيمان. وقيل: الحمد: الثناء بالفضل، وهو أخص من المدح وأعم من الشكر، يقال فيما يكون من الإنسان باختياره، ومما يكون منه وفيه بالتسخير، فقد مدح بطول القامة، كما مدح ببذل المال. والحمد يكون في الثاني دون الأول، والشكر لا يقال إلا في مقابلة نعمةٍ، فكل شكرٍ حمدٌ، وليس كل حمدٍ شكرًا. وكل حمدٍ مدحٌ، وليس كل مدح حمدًا. قوله: {إنه حميدٌ مجيدٌ} [هود: 73] يجوز أن يكون بمعني فاعلٍ، وأن يكون بمعني مفعول، كما أنه يكون شاكرًا ومشكورًا، وذلك باعتبار رضاه عن خلقه. ومحمدٌ اسمٌ لنبينا صلي الله عليه وسلم لكثرة خصاله المحمودة، قال: [من الطويل] 392 - إلي الماجد القرم الجواد المحمد وأحمد: أفعل تفضيلٍ، وهو اسمٌ له أيضًا، وقد سمي غيره بمحمدٍ، ولكنهم

أشخاصٌ قليلةٌ. لما سمع بعض الجاهلية في أسفارهم إلي بلاد الروم أنه خرج نبي اسمه محمد سمي جماعةٌ منهم بنبيهم بذلك. وأما أحمد فلم ينقل أنه تسمي به أحدٌ غيره. ولذلك قال عيسي عليه السلام: {اسمه أحمد} [الصف: 6] فبشر بالاسم الخاص. وقيل: إنما خص لفظ أحمد دون محمد تنبيهًا أنه كما وجد أحمد يوجد وهو محمودٌ في أقواله وأفعاله، وقيل: إنما خص بذلك تبيهًا أنه أحمد منه ومن الذين قبله. وقوله: {محمد رسول الله} [الفتح: 29] لمحمدٍ، وإن كان من وجه إعلاءٌ له ففيه تنبيهٌ علي وصفه بذلك وتخصيصه بمعناه كما مضي ذلك قوله: {إنا نبشرك بغلامٍ اسمه يحيي} [مريم: 7] علي معني الحياة. وقوله: {نسبح بحمدك} [البقرة: 30] أي متلبسين بحمدك. وقوله: "سبحانك اللهم وبحمدك" أي وبحمدك أبتدي كما في "بسم الله". وقوله: "أحمد إليك الله" قيل: أنهي حمده إليك. فمن ثم تعدي بإلي. وقيل: بمعني معك الله، والأول أولي، وقد أتقنت هذه المسألة وكلام الناس فيها بما يعني عن التطويل هنا. ح م ر: قوله تعالي: {كأنهم حمرٌ مستنفرةٌ} [المدثر: 50]. الحمر: جمع حمارٍ، ويجمع أيضٍا علي حميرٍ، قال تعالي: {والخيل والبغال والحمير لتركبوها} [النحل: 80] وفي القلة علي أحمرةٍ. والمراد بالحمر هنا حمر الوحش، وصفهم بعظم القوة. وقوله تعالي: {كمثل الحمار يحمل أسفارًا} [الجمعة:5] شبه أحبار اليهود في جهلهم وعدم انتفاعهم بعلمهم، بالحمار الحامل لأسفار الكتب الذي لا ينتفع بشيءٍ

منها. وهو من أبلغ تشبيه، حيث شبههم بأبلد حيوانٍ مع مطابقة صورة التشبيه. وحمار قبان: دويبةٌ معروفةٌ. وحمارة القيظ: شدته. وفي الحديث: "كنا إذا أحمر البأس اتقينا برسول الله صلي الله عليه وسلم" يعبر بالحمر عن الشدة، ومنه "موتٌ أحمر" و"سنةٌ حمراء" وفيه "بعثت إلي الأسود والأحمر"، وقيل: العرب والعجم لأن ألوان العرب يغلب عليها الأدمة، وعلي ألوان العجم البياض والحمرة، وقيل: الجن والإنس. "وكان شريحٌ يرد الحمارة من الخيل"أي يعزل أصحاب الحمير من أصحاب الخيل. والأحمران: اللحم والخمر، وذلك باعتبار لونيهما، والأحامرة هما مع الزعفران. ومن ذلك قول الشاعر: [من الكامل] 393 - إن الأحامرة الثلاثة أتلفت ... مالي، وكنت بهن قدمًا مولعا. الخمر واللحم السمين، وأطلي ... بالزعفران، فلا أزال مولعا. وقولهم: سنةٌ حمراءٌ: اعتبارًا لما يحدث في الجو من الحمرة، يقال: إن آفاق السماء تحمر أعوام الجدب. قال الشاعر: [من البسيط] 394 - لا يبرمون إذا ما الأفق جلله ... صر الشتاء من الأمحال كالأدم. ووطاءةٌ حمراء: أي جديدةٌ، ودهماء: دراسةٌ. ح م ل: قوله تعالي: {وتضع كل ذات حملٍ حملها} [الحج:2] يعني لشدة الهول تضع الحوامل. والحمل ما كان في نطن حيوانٍ من الأجنة أو علي رأس شجرة. وبالكسر ما كان علي ظهرٍ لقوله: {وإن تدع مثقلةٌ إلي حملها لا يحمل منه شيءٌ} [فاطر: 18].

وقوله: {فالحاملات وقرا} [الذاريات:2] هي السحاب لحملها ما المطر. وقال الراغب: الحمل معنى واحد واعتبر في أشيا كثيرة فسوي بين لفظه في الفعل. وفرق بين كثير من مصادرها؛ يقال في الأثقال المحمولة في الظاهر كالشيء المحمول على الظهر: حمل، وفي الأثقال المحمولة في الظاهر كالشيء المحمول على الظهر: حمل، وفي الأثقال المحمولة في البطن حمل كالولد في البطن والماء في السحاب والثمر في الشجر تشبيهاً بحمل المرأة. يقال: حملت الثقل والرسالة والوزر حملاً، ومنه: {وساء لهم يوم القيامة حملا} [طه: 101] بدليل قوله: {وهم يحلون أوزارهم على ظهورهم إلا ساء ما يزرون} [الأنعام: 31] وقوله: {مثل الذين حملوا التوراة} [الجمعة:5] أي كلفوا حملها، أي القيام بحقها فلم يحملوها. ويقال: حملته كذا فتحمله، وحملته على كذا فتحمله واحتمله وحمله. قوله: {فإنما عليه ما حمل} [النور: 54] أي البلاغ، {وعليكم ما حملتم} [النور: 54] من الإيمان به وبما جاء به. وقوله: {حملت حملاً خفيفاً} [الأعراف: 189] إشارة إلى الحبل، والأصل في ذلك الحمل على الظهر، فاستعير للحبل بدليل قولهم: وسقت الناقة إذا حملت. وأصل الوسق الحمل المحمول على ظهر البعير. وقوله: {ومن الأنعام حمولة وفرشاً} [الأنعام: 142] فالحمولة ما استحق أن تحمل عليه الأحمال، صغار الإبل. فالحمولة عليه كالركوبة لما يركب عليه. وقوله: {إن تحمل عليه يلهث} [الأعراف: 176] أي يطرده كما يطرد المقاتل مقاتله. والحمولة بضمتين لما يحمل. والحمل بفتحتين يعني المحمول، كالقبض بمعنى المقبوض، وخص بصغير الضأن لحمل أمه أياه، أو لعجزه فيحمل. والحميل: ما يحمله السيل والغريق تشبيهاً بالسيل والولد في البطن. والحميل: الكفيل، لتحمله الحق. وميراث الحميل لمن لا يتحقق نسبه والحميل للسحاب الكثير الماء لحمله إياه. و {حمالة الحطب} [المسد:4] أي تمشي بالنميمة، وقد تقدم ذلك في

مادة "ح ط ب". قوله: {فأبين أن يحملنها} [الأحزاب: 72] أي أداء الأمانة، فعبر عن ذلك بعدم الحمل، وكل من خان الأمانة فقد حملها، ومن ثم فقد حمل الإثم، بدليل قوله: {وليحملن أثقالهم} [العنكبوت: 13]. وقوله: {وحملها الإنسان} [الأحزاب: 72] أي الكافر والمنافق؛ حملا الأمانة، أي خانا ولم يطيعا، قاله الحسن، وتبعه الزجاج. وقوه: "كما تنبت الحبة في حميل السيل" قال الأصمعي: هو ما حمله السيل من حمأ وطينٍ؛ فإذا وقعت فيه الحبة نبتت في يوم وليلةٍ، وهي أسرع نابتةٍ نباتًا. فأخبر عن سرعة نباتهم. والحمالة: ما يتحمله الإنسان لإصلاح ذات البين من ديةٍ وغيرها. وقوله في ضغطة القبر: "تزول منها حمائله". قال الأصمعي: هي عروة أنثييه. ح م م: قوله: {ولا صديق حميمٍ} [الشعراء: 101]. هو القريب المشفق، وذلك لأنه يحتد حماية لأقاربه، وأصل ذلك من الماء الحميم. ويقال للماء الخارج من منبعه: حمة. وفي الحديث: "العالم كالحمة يأتيها البعداء ويزهد فيها القرباء". ويقال للغرق: حميم على التشبيه. واستحم الفرس: عرق. والحمام: إما لأنه يعرق داخله، وإما لما فيه من الماء الحار.

نسمي المشفق حميمًا، تصورًا لحرارة مزاجه عند احتداده على أدنى شيء يصيب ذويه. وحامة الرجل: خاصته، ولذلك قوبلت بالعامة في قولهم: العامة والحامة. ويقال لحامة الرجل حزانته، أي الذين يحزنون له. واحتم لفلانٍ: احتد له، وهو أبلغ من اهتم. وأحم الشحم: أذابه، أي جعله كالحميم. وأحمت الحاجة: أي أهمت ولزمت، فهي محمة. ومنه الحديث: "إنا جئناك في غير محمةٍ"، وفي الحديث أيضًا: "عند حمة النهضات" أي شدتها. وحم كل شيءٍ: معظمه، وفي خطبة مسلمة "أن أقل الناس في الدنيا همًا أقلهم فيها حمًا". قال سفيان: أي متعة، ومنه تحميم المتعة. يقال: حمم المرأة: أي متعها. قوله: {وظل من يحمومٍ} [الواقعة:43] هو يفعول، من معنى الحميم، وهو الحار. وقيل: هو دخان جهنم لشدة سواده. وتسميته بذلك إما لما فيه من فرط الحرارة كما فسره في قوله: {لا باردٍ ولا كريمٍ} [الواقعة: 44] أو لما تصور فيه من الحممة، وهي الشديدة السواد مما حرق من الحطب وهو الفحم، الواحدة حممة، كما أن واحد الفحم فحمة، وإلى هذا المعنى أشار بقوله عنهم: {من فوقهم ظلل من النار ومن تحتهم ظلل} [الزمر: 16]. والموت: الحمام لأنه من حم الأمر: أي قدر. والحمى سميت بذلك لما فيها من الحرارة المفرطة، وعلى ذلك قوله عليه الصلاة والسلام: "الحمى من فيح جهنم"، وإما لما يعرض فيها من الحميم: أي العرق، وإما لكونها من أمارات الحمام لقولهم: "الحمى بريد الموت". وحمم الفرخ: أسود جلده من الريش. وحمم وجهه: أسود شعره. وأما حمحمة الفرس فحكاية صوتٍ، وليس من الأول في شيء.

فصل الحاء والنون

ح م ي: قوله تعالى: {يوم يحمى عليها} [التوبة: 35] أي يوقد عليها حتى تحمى أي تصير حارة؛ يقال: أحميت الحديدة أحميها إحماء. وحمي الشيء يحمى حميًا. فالحمي: الحرارة المتولدة من الجواهر المحمية كالنار والشمس والقوة الحارة في البدن. وقوله تعالى: {في عينٍ حاميةٍ} [الكهف: 86] أي حارةٍ، وقرى "حمئةٍ" وقد تقدم. وحميا الكأس: سورتها وشدتها. وعبر عن القوة الغضبية، إذا ثارت وكثرت، بالحمية؛ قال تعالى: {في قلوبهم الحمية حمية الجاهلية} [الفتح 26]. وحميت على فلانٍ: غضبت عليه. وعبر به عن المنع فقيل: حمى المكان يحميه، ومنه: "لا حمى إلا لله ورسوله". وحميت أنفي محمية، وحميت القوس حمية. وقوله تعالى: {ولا حامٍ} [المائدة: 103] قيل: هو الفحل يضرب عشرة أبطنٍ؛ يقولون: قد حمى ظهره، فلا يركب ولا يحمل. وأحماء المرأة: أقارب زوجها لأنهم حماة لها، الواحد حمي وحمو وحم وحمًا. والأشهر إعرابه بالحروف كأبٍ. وقال الشافعي في قوله صلى الله عليه وسلم: "لا حمى إلا لله ورسوله" كان الشريف في الجاهلية إذا نزل أرضًا أو بلدًا استعوى كلبًا فحمى لصاحبه مدى عواء الكلب لا يشركه فيه غيره وهو يشارك غيره في المرعى، فقال عليه الصلاة والسلام: "لا حمى إلا لله" أي لخيل الجهاد وإبله التي تحمل عليها أثقال المجاهدين. فصل الحاء والنون ح ن ث قوله تعالى: {يصرون على الحنث العظيم} [الواقعة: 46] فالحنث: اسم

للذنب، وهو هنا الكفر لأنه أعظم الآثام والذنوب. واليمين الغموس: هي الحنث. وحنث في يمينه: أي لم يف بها. وبلغ الحنث عبارة عن البلوغ، لأنه يؤاخذ الإنسان بالحنث عند بلوغه. وعبر عن التعبد بالتحنث، ومنه: "كان يتحنث بغار حراء" وأصله أن يتباعد من الإثم والذنب، نحو تحرج: أي جانب الحرج، فقيل: الحنث العظيم: اليمين الفاجرة. وقوله: "من مات له ثلاثة من الولد لم يبلغوا الحنث" أي لم يصلوا إلى حد يؤاخذون فيه بالحنث، وقد تقدم. وقال بعض أهل اللغة: الحنث في الأصل: العدل الثقيل، فعبر به عن الحنث تصويرًا لثقل الذنب. ح ن ج: قال تعالى: {وبلغت القلوب الحناجر} [الأحزاب: 10] جمع حنجرة، وهي رأس الغلصمة من خارجٍ. وذلك كناية عن شدة الخوف؛ فإن الخائف إذا تزايد خوفه تصاعدت أمعاؤه وقلبه إلى أن تكاد تبلغ حلقومه. ويقال: انتفخ منخره أيضًا بهذا المعنى. ح ن ذ: قوله تعالى: {بعجلٍ حنيذ} [هود: 69] أي محنوذٍ، بمعنى مشوي بالرضف، وهي الحجارة المحماة يشوى عليها اللحم. وقيل: هو الشيء بين حجرين وذلك لتسيل عنه اللزوجة. وهو من حنذت الفرس أحنذه، إذا استحضرته شوطًا أو شوطين ثم ظاهرت عليه الجلال ليعرق. وحنذته الشمس، ولما كان متصورًا منه قلة الماء قيل: إذا سقيت الخمر فأحنذ، أي قلل فيها الماء. والحنيذ بمعنى محنوذٍ كجريجٍ، وفي الحديث: "أتي بضب محنوذٍ".

ح ن ف: قوله تعالى: {حنيفًا} [البقرة: 135] قال ابن عرفة: قد قيل: إن الحنف الاستقامة، وإنما قيل لمتمايل الرجل: أخف تفاؤلًا بالاستقامة. قال الأزهري: معنى الحنيفة في الإسلام: الميل إليه والثبات على عقيدةٍ. والحنف: إقبال إحدى القدمين على الأخرى؛ فالحنيف: الصحيح الميل إلى الإسلام، الثابت عليه. وقال أبو عبيدٍ: الحنيف عند العرب من كان على دين إبراهيم. وقال الراغب: الحنف: الميل عن الضلال إلى الاستقامة، وعن الاستقامة إلى الضلال. والحنيف: المائل إلى ذلك. قال تعالى: {أمة قانتًا لله حنيفًا} [النحل: 120]، وجمعه حنفاء. وتحنف فلان: تحرى طريقة الاستقامة. وكل من اختتن أو حج سمته العرب حنيفًا تنبيهًا أنه على ملة إبراهيم. فالحنف عنده مجرد الميل، إلا أنه غلب في الميل إلى الإسلام وإلى طريق الخير، وإلا فسد ما قاله. ح ن ك: قوله تعالى: {لأحتنكن ذريته} [الإسراء: 62] عبارة عن تمكنه منهم بالوسوسة تمكن قائد الدابة الواضع اللجام في حنكها لتطيعه حيث يقودها. يقال: حنكت الدابة باللجام والرسن، نحو لألجمنه، ولأرسننه، أي لأضعن في حنكه اللجام والرسن. وقيل: هو من قولهم: احتنك الجراد الأرض: إذا استولى عليها بحنكه فاستأصلها أكلًا. فالمعنى: لأستولين عليهم استيلاء الجراد على الأرض. وحنكه الدهر: ابتلاه ببلايا جرب فيها غيره، كأنه أخذه بحنكه، كله بمعنى: هو ذو تجارب، ومجازه ما تقدم. وقال الأزهري: احتنك البعير الصليانة أي اقتلعها من أصلها. وحنكت الصبي وحنكته مخففًا ومثقلًا إذا مضغت نمرًا ونحوه ودلكت به حنكه. ويقال: هو أسود من

حنك الغراب، وهو منقاره، وحلك أيضًا، وهو ريشه. ح ن ن: قوله تعالى: {وحنانًا من لدنا} [مريم: 13] أي تحننا ورحمة، وفي حديث ورقة: "أنه كان يمر ببلالٍ وهو يعذب فيقول: لئن قتلتموه لأتخذنه حنانًا" أي لأترحمن عليه، وقيل: لأتمسح نه لبركته. والحنان: البركة والرزق. وحنانيك أي تحننًا بعد تحننٍ، نحو: لبيك وسعديك، لا يرد بهذه شفع الواحد. والحنان: بالتشديد، من صفات الباري تعالى، بمعنى الرحيم. وحننت إليه: أي ملت ميلًا شديدًا، قال: [من الطويل]. 395 - حننت إلى ريا ونفسك باعدت ... مزارك من ريا وشعباكما معًا وأصل الحنين النزاع المتضمن للإشفاق. ومنه حنين الناقة والمرأة لولدها. وقد يكون مع ذلك صوت، ولذلك يعبر بالحنين عن الصوت الدال على النزاع والشفقة، أو متصورًا بصورته. قال الراغب: وعلى ذلك: حنين الجذع. قلت: حنين الجذع الذي كان يخطب عليه الصلاة والسلام حنينه حقيقة حتى كان للمسجد ضجة. وقوس حنانة. وقيل: ما له حانة ولا آنة أي لا ناقة ولا شاة سمينة؛ وصفتا بذلك اعتبارًا لصوتيهما. قيل: ولما كان الحنين متضمنًا للإشفاق، والإشفاق لا ينفك عن الرحمة، عبر به عن الرحمة، كقوله: {وحنانًا من لدنا}. وحنين: مكان معروف.

فصل الحاء والواو

فصل الحاء والواو ح وب: قوله تعالى: {إنه كان حوبًا كبيرًا} [النساء: 2] الحوب والحوب: الإثم. والحوبة كذلك، ومنه: "تقبل توبتي واغسل حويتي". وفي الحديث لمن استأذن في الجهاد: "ألك حوبة"؟ قيل: هي الأم، والصحيح: ألك من تأثم إن ضيعته من حرمة؟ وهي الحاجة أيضًا. ومنه الحديث: "إليك أرفع حوبتي". وقولهم: ألحق الله بهم الحوبة، أي المسكنة والحاجة. وحقيقتها: الحاجة الحاملة صاحبها على ارتكاب الإثم. وبات فلان بحوبة سوءٍ. والحوباء: هي النفس، وحقيقتها النفس المرتكبة للحوب، وهي الموصوفة بقوله: {إن النفس لأمارة بالسوء} [يوسف:53]. وقال الفراء: الحوب بالضم للحجاز، وبالفتح لتميمٍ. والحوب: الوحشة أيضًا. ومنه: "إن طلاق أم أيوب لحوب". وقيل: الحوب: الإثم، والحوب: المصدر منه، وأصله من قولهم: حوب، لزجر الإبل. وفي الحديث: "كان إذا قدم من سفرٍ قال: آيبون تائبون لربنا حامدون حوبًا حوبًا" كأنه لما فرغ من كلامه زجر بعيره. فتسمية الإثم بالحوب لكونه مزجورًا عنه من قولهم: حاب حوبًا وحوبًا وحيابة. وأصله كما تقدم مأخوذ من زجر الإبل. ح وت: قوله تعالى: {فالتقمه الحوت} [الصافات: 142] الحوت: السمك العظيم، وهو

النون. والجمع حيتان، قال تعالى: {تأتيهم حيتانهم} [الأعراف: 163]. قال الفراء: العرب تجمع الحوت: أحوتة وأحواتًا في القليل، فإذا كثرت فهي الحيتان. قوله: إن أفعلة من جموع القلة لا يعرفه البصريون. واشتق من لفظ الحوت فقيل: حاوتني فلان محاوتة، أي راوغني مراوغة الحوت. ح وج: قوله تعالى: {ولا يجدون في صدورهم حاجة} [الحشر:9] الحاجة: الفقر إلى الشيء مع محبته، وجمعها حاج وحاجات وحوائج. وحاج يحوج: أي احتاج والحوجاء: الحاجة. والحاج أيضًا ضرب من الشوك، الواحدة حاجة. وفي الحديث: "انطلق إلى هذا الوادي فلا تدع حاجًا ولا حطبًا. وفيه: "ما تركت من حاجة ولا داجة" أي لم أترك شيئًا من المعاصي إلا ارتكبته. وداجة: إتباع. والحوائج جمع الحاجة على غير قياسٍ، وأصلها حائجة. ح وذ: قوله تعالى: {استحوذ عليهم الشيطان} [المجادلة: 19] أي استولى عليهم وغلبهم، وكذا: {ألم نستحوذ عليكم} [النساء: 141] وأصله من حاذ الإبل يحوذها، وحاذها يحوذها أي يسوقها سوقًا عنيفًا؛ وذلك أن يتبع السائق حاذي البعير، أي أدبار فخذيه لسوقها، فقوله: {استحوذ عليهم الشيطان} يجوز أن يكون من ذلك كما تقدم، وأن يكون من استحوذ العير على الأتان أي استولى على حاذيها أي جانبي ظهرها. واستحوذ جاء على أصله، وهو شاذ قياسًا، فصح استعمالًا، والقياس استحاذ. وظاهر كلام الراغب أنه يسمع، ونحو قوله: {استحوذ عليهم الشيطان} اقتعده الشيطان وارتكبه. والأحوذي: الحاد المنكمش في أموره. وعن عائشة تصف عمر رضي

الله عنهما: "ما كان والله أحوذيًا نسيج وحده". وقيل: الأحوذي الخفيف الحاذق بالشيء من الحوذ، وهو السوق. وفي الحديث: "ليأتين على الناس زمان يغبط فيه الرجل بخفة الحاذ كما يغبط اليوم أبو العشرة"، والحاذ: خفة اللحم وقلة المال والعيال. والحاذ والحاد واحد، وهو ما تقع عليه اليد من متن الفرس. والحوذان: نبت طيب الريح؛ قال النابغة الذبياني: [من الطويل]. 396 - وتنبت حوذانًا، وعوفًا منورًا ... سأتبعه من خير ما قال قائل. ح ور: قوله تعالى: {إنه ظن أن لن يحور} [الانشقاق: 14] أي يرجع ويبعث. =يقال: حار يحور حورًا: أي رجع. وفي الحديث: "نعوذ بك من الحور بعد الكور" أي نعوذ بالله من الرجوع عن الجماعة بعد أن كنا فيها. والكور: الجماعة، من: كار عمامته إذا جمعها ولفها، وحارها إذا نقضها. وقيل: معناه: نعوذ بك من النقص بعد الزيادة. وقيل: من نقض أمورنا بعد صلاحها، كانتقاض العمامة بعد استقامتها. وروي بعد الكون" بالنون، من قولهم: حار بعد ما كان. وقيل: الحور أصله التردد إما بالذات وإما بالفكر، ومنه: {وقيل: الحور أصله التردد إما بالذات وإما بالفكر، ومنه: {إنه ظن أن لن يحور} أي لن يرد ولن يبعث، إشارة إلى قوله: {زعم الذين كفروا أن لن يبعثوا} [التغابن:7]. وحار الماء في الغدير: تردد. وحار في أمره. ومنه المحور للعود الذي تجري عليه البكرة لتردده، وبهذا النظر قيل: سير السواني أبدًا لا ينقطع. ومحارة الأذن لظاهرها المنقعر تشبيهًا بمحارة الماء لتردد الهواء بالصوت فيه كتردد الماء في المحارة. والقوم في حوارٍ: في ترددٍ. "ونعوذ بالله من الحوار بعد الكور" أي من

التردد في الأمر بعد المضي فيه، أو من نقصان وتردد في الحال بعد الزيادة فيها. وقيل: حار بعدما كان، قال الراغب، وهو حصن إلا قوله: وحار في الأمر وتحير؛ فإن هذا من مادة الياء لا الواو كما سيأتي إن شاء الله تعالى. والحوار والمحاورة: المراجعة والمرادة في الكلام، ومنه قوله تعالى: {وهو يحاوره} [الكهف:43]: أي يخاصمه لأن كلامه مما يرجع على مخاصمه كلامه ويرده إليه. وقوله: {والله يسمع تحاوركما} [المجادلة: 1]: أي ترادكما في الكلام. وكلمته فما رجع إلى حوار ولا حوير أي جوابًا. وما يعيش بأحور أي بعقلٍ. وعن علي رضي الله عنه: والله لا أرمم حتى يرجع إليكما ابناكما بحور ما بعثتما به" أي بجوابٍ. وقيل: أراد بالخيبة. وأصل الحور: الرجوع إلى النقص. قوله تعالى: {قال الحواريون} [آل عمران: 52] الحواريون: الأنصار، وغلب على أنصار الأنبياء. والحواريون الواردون في القرآن أخص من ذلك، وهم أنصار عيسى؛ قيل: سموا بذلك لأنهم كانوا قصارين يبيضون الثياب، والمادة تدل على التبييض؛ يقال حورت الثوب: أي بيضت. وقيل لنساء الحاضرة: الحواريات، لبياض ألوانهن وثيابهن، قال أبو جلدة اليشكري: [من الطويل]. 397 - فقل للحواريات يبكين غيرنا ... ولا تبكنا إلا الكلاب النوابح والحور العين من ذلك، وهن من في أعينهن حوارٍ؛ قيل: بياض، وهو زي مستحسن. وأحورت عينه: أي صارت كذلك. والحور: جمع حوراء وأحور. والذي في

القرآن جمع حوراء فقط لقوله: {مقصورات} [الرحمن:72]. ومنه الحواري وذلك لبياضه وتصفيته، قال بعضهم: سموا قصارين. ولم يكونوا قصارين؛ شبهوا بهم من حيث إنهم كانوا يطهرون نفوس الناس بإفادتهم الدين والعلم المشار إليه بقوله: {إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرًا} [الأحزاب:33]، فقيل لهم قصارين على التمثيل. وقيل: بل كانوا صيادين. وقيل: ليسوا صيادين حقيقة، وإنما ذلك على التمثيل لأنهم كانوا يصيدون نفوس الناس إلى الحق من الحيرة. وقال الأزهري: هم خلصان الأنبياء وتأويله: الذين أخلصوا ونقوا من كل عيبٍ، من الدقيق الحوارى، وهو المنقى الخالص. وحواري الرجل: خاصته، وفي الحديث: "الزبير ابن عمتي وحواري من أمتي" أي ناصري ومختص في من بين أصحابي. وفي آخر: "لكل نبي حواري وحواري الزبير" تشبيهاً بهم في النصرة حيث قال عيسى: {من أنصاري إلى الله قال الحواريون نحن أنصار الله} [آل عمران: 52]. والرواية حوري بالفتح وذلك أنه خففت ياؤه ثم إضافة لياء المتكلم ولو روي بكسرها على أنه إضافة من غير حذف، وحذفت ياء المتكلم لالتقاء الساكنين نحو كرسي الخشب. ولما بلغه عليه الصلاة والسلام قتل أبي جهل لعنه الله قال: "إن عهدي به في ركبتيه حوراء"؛ هي كية سميت حوراء لأنها يبيض موضعها. ومنه حور عين دابته: أي كواها. وفيه: "حور عليه السلام أسعد بن زرارة بحديدةٍ". والمحور: ما يكوى به، كالمنجل. ح وز: قال تعالى: {أو متحيزا إلى فئة} [الأنفال: 16] أي منضمًا إلى جماعةٍ أخرى،

من حازه يحوزه حوزًا، أي ضمه واستولى عليه. وقيل: معناه صار إلى حيز فئة. والحيز: الناحية. وحمى حوزة الإسلام: أي ناحيته. وقيل: الحيز: كل جمعٍ منضم بعضه إلى بعضٍ. وأصل متحيزٍ متحيوز، فوزنه متفيعل لا متفعل؛ إذ لو كان كذلك لقيل: متحوز، كتجوز. وتحوزت الحية وتحيزت: أي اجتمعت وتلوت. والأحوزي: الذي حمى حوزته مشمرًا، وعبر به عن الخفيف السريع. ووصفت عائشة رضي الله عنها فقالت: "إن كان والله لأحوزيًا". قال أبو عمرٍو: هو الخفيف. وقال الأصمعي: الحسن السياق، وفيه بعض النفار. ويروى: "أحوذيًا" بالذال. وقد تقدم. "وما تحوز له عن فراشه" أي ما تنحى. والماخوز: المكان. وفي الحديث: "فلم نزل مفطرين حتى بلغنا ما حوزنا". ذكره الهروي في هذه المادة وليس منها، قال: وقال بعضهم: هي من حزت الشيء إذا أحرزته. وقال الأزهري: لو كان منه لقيل محازنا أو محوزنا. وأحسبه بلغةٍ غير عربيةٍ. وقد أصاب الأزهري مقالته. ح وط: قوله تعالى: {والله محيط بالكافرين} [البقرة:19] ونحوه عبارة عن قدرته، وأنهم لا ينزلونه بمنزلة من أحاطت به الدار. وأصله في الأجرام، ويستعار في المعنى كقوله تعالى: {وأحاطت به خطيئته} [البقرة: 81]. والإحاطة: المنع أيضًا، ومنه: {إلا أن يحاط بكم} [يوسف: 66] أي إلا أن تمنعوا، ويعبر به عن الهلاك. ومنه قوله تعالى: {وأحيط بثمره} [الكهف: 42] وأصله من إحاطة العدو. وعن مجاهد في قوله {والله محيط بالكافرين} [البقرة: 19] أي جامعهم. ويقال: حاطة يحوطه حوطًا وحياطة وحيطة وحيطة. وقد تكملنا على كونه يتعدى بنفسه ثلاثيًا وبجر الحروف رباعيًا في غير هذا الموضوع.

وقوله: {إن ربك أحاط بالناس} [الإسراء:60] أي: حافظهم وجامعهم لا يفوتونه. وقوله: {أحاط بكل شيء علمًا} [الطلاق:12] أي: أحاط علمه به فلا يعزب عنه مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء. وفي قوله {وأحاطت به خطيئته} [البقرة: 81] (وخطيئاته) فيه أبلغ استعارةٍ؛ وذلك أن العبد إذا ارتكب ذنبًا واستمر عليه استجره ذلك الذنب إلى ما هو أكبر منه، فلا يزال يرتقي حتى يطبع على قلبه فلا يمكنه أن يخرج عن تعاطيه. والاحتياط: افتعال من الحوط، وهو استعمال الحياطة أي الحفظ. وإحاطة علمه تعالى بالأشياء هو أن يعلم وجودها وقدرها وجنسها وصفتها، وكيفيتها وغرضها المقصود بها ويإيجادها وما يكون منها، وهذا ليس إلا الله تعالى، ولذلك قال: {بل كذبوا بما لم يحيطوا بعلمه} [يونس: 39] و {ولا يحيطون به علمًا} [طه: 110]. وحكايته تعالى عن الخضر {وكيف تصبر على ما لم تحط به خبرًا} [الكهف: 68] تنبيه على أن الصبر التام إنما يقع بعد إحاطة العلم بالشيء بفيض إلهي. وقوله: {وظنوا أنهم أحيط بهم} [يونس: 22] أي هلكوا، وهو من إحاطة القدرة. والحائط: الجدار، وأصله اسم فاعل من: حاط يحوط، فنسب إلى الجدار مجازًا. وقوله: {عذاب يوم محيط} [هود: 84] قيل: هو يوم القيامة لأنه يجمع العالم كله لقوله تعالى: {ذلك يوم مجموع له الناس} [هود: 103]. وأصل محيطٍ محوط؛ فأعل إعلال مقيم. ح ول: قوله تعالى: {يحول بين المرء وقلبه} [الأنفال: 24] قيل: معناه أنه يملك عليه قلبه فيصرفه كيف شاء، إشارة إلى وصفه تعالى بقوله عليه السلام: "يا مقلب القلوب"، وهو أن يلقى في قلب الإنسان ما يصرفه عن مراده لحكمةٍ تقتضي ذلك. وعن بعضهم: عرفت الله بنقض العزائم، وقيل: معناه أن يهلكه ويرده إلى أرذل العمر.

وأصل الحول: تغير الشيء وانفصاله عن غيره، وباعتبار التغير قيل: حال يحول حولًا واستحال: تهيأ لأن يحول. ويجيء استحال بمعنى صار. وفي الحديث: "فاستحالت غربًا"، وباعتبار الانفصال قيل: حال بيننا كذا، قال تعالى: {وحيل بينهم وبين ما يشتهون} [سبأ: 54]. وحولت الشيء فتحول: أي غيرته؛ إما بالذات، وإما بالحكم والقول، ومنه: أحلته عليك بدين. ومنه: حولت الكتاب، أي نقلت مثله من غير تغييرٍ لصورة الأصل، كأحد معاني النسخ. قوله: {لا يبغون عنا حولًا} [الكهف: 108] قيل: تحولًا وتحويلًا، أي لا يطلبون عنها زوالًا. يقال حال عن مكانه حولًا: عاد عودًا. وقيل: الحول: الحيلة. قال الهروي: فهو على هذا الوجه، أي لا يحتالون منزلًا عنها. "ونهى أن يستنجى بعظمٍ حائل" أي متغيرٍ. إذا أتى عليه حول قيل: محيل. والحال: الطين الأسود المتغير، ومنه حديث جبريل: "أخذ من حال البحر". والحال لما يختص به الإنسان وغيره من أموره المتغيرة في نفسه وجسمه وقنيانه. وحالت الناقة تحول حيالًا: إذا لم تحمل لتغير عادتها، وفي الحديث: "والشاء عازب حيال". والحول: السنة، اعتبارًا بانقلابها ودورانها ودوران الشمس في مطالعها ومغاربها. وحالت السنة تحول حولًا؛ فالحول في الأصل مصدر. وحالت الدار: تغيرت، وأحالت أي مضى عليها حول، نحو أعامت وأشهرت. وأحال بمكان كذا: أقام به حولًا. والمحول: من أتى عليه الحول من الأطفال وغيرهم، فمن الأول قول امرؤ القيس: [من الطويل].

398 - فمثلك حبلى قد طرقت ومرضعٍ ... فألهيتها عن ذي تمائم محول. ومن الثاني قوله أيضًا: [من الطويل] 399 - من القاصرات الطرف لو دب محول. يقال إذا أتى عليه حول مما كان قبله. والحول: ما للإنسان من القوة في حالة بالنسبة إلى تغيره في نفسه وقنيانه كما تقدم ومنه: "لا حول ولا قوة إلا بالله". وقيل: الحول: الحركة، وحال الشخص: أي تحرك، قاله أبو الهيثم؛ فالمعنى: لا حركة ولا استطاعة إلا بمشيئة الله. وعن الشافعي: "لا حول عن معصية الله إلا بتوفيق الله، ولا قوة على طاعة الله إلا بإعانة الله". ويقال: حول وحيل، قال الليحاني: "يقال: إنه لشديد الحيل" أي القوة، ومنه في دعائه عليه الصلاة والسلام: "يا ذا الحيل الشديد". قال الهروي: هكذا أقرأنيه الأزهري، والمحدثون يروونه: الحبل، بالموحدة، قال: ولا معنى له. وقيل: الحول: الحيلة، والمعنى: لا حيلة في أمر الله ولا قوة تنجي منه إلا بمشيئة الله. قال أبو بكر: الحول: الحيلة؛ يقال: ما له حول وحيلة واحتيال ومحالة ومحتا ومحلة ومحال بمعنى واحد. وفي الحديث: "اللهم، بك أحاول وبك أصول"، وروي: "أحول وأصول"، أي أحمل على العدو. والحول أيضًا ظرف مكانٍ. وبمعناه الحوال، قال: [من الزجر] 400 - وأنا أمشي الدالى حوالكا

ويثنيان، فيقال فيهما: حوليه وحواليه، قال عليه الصلاة والسلام: "حوالينا ولا علينا"، ويجمع على أحوال، قال امرؤ القيس: [من الطويل]. 401 - فقالت: سباك الله إنك فاضحي ... ألست ترى السمار والناس أحوالي؟ وأصله أن حول الشيء جانبه الذي يمكنه أن يحول إليه. والحيلة والحويلة: ما يتوصل به إلى حالةٍ ما في خفيةٍ، وأكثر استعماله فيما في تعاطيه خبث، وقد يستعمل فيما فيه حكمة، قال الراغب: ولهذا قيل في وصفه تعالى: {وهو شديد المحال} [الرعد: 13] أي الوصول في خفية من الناس إلى ما فيه حكمة. وعلى هذا النحو وصف المكر والكيد، لا على الوجه المذموم، تعالى الله عن القبيح. قلت: ليس المحال من هذه المادة في شيء إنما هو من مادة م ح ل، وسيأتي ذلك إن شاء الله تعالى. والمحال: ما جمع فيه بين المتناقضين، وذلك يوجد في المقال، نحو أن يقال: جسم واحد في حيزين في حالة واحدة محال، وهو في الأصل اسم مفعول من أحلت الشيء أحيله: أي غيرته. واستحال يستحيل فهو مستحيل: أي صار محالًا. والحولاء: لما يخرج مع الولد. "ولا أفعل ذلك ما أرزمت أم حائل" وهي لأنثى من ولد الناقة إذا تحولت عن حالة الاشتباه فبان أنها أنثى، ويقال للذكر بإزائها سقب. والحال: لغة الصفة التي عليها الموصوف، فهي أخص من الصفة وفي عبارة

المتكلمين: "الحال: كيفية سريعة الزوال نحو الحرارة الرطوبة، والبرودة واليبوسة المتعارضات". ويقال: حال وحالة، وتذكر وتؤنث مع التاء وعدمها. وفي عرف النحاة: ما انتصب من الأوصاف، أو ما جرى مجرى ذلك على تقدير: في حال كذا أو جواب كيف. ولها شروط مذكورة. ح وو: قوله: تعالى: {والحوايا} اختلف اللغويون في مدلولها، والتصريفيون في مفردها وكيفية تصريفها؛ فقال للغويون: الحةايا: المصارين وكل ما يحويه البطن فاجتمع واستدار. وقيل: هي الدودات في بطن الشاه. وقيل: هي المباعر. وأما مفردها فقيل: حوية، وأصله كساء يحوى أي يدار، ويجعل على سنام البعير ليمكن ركوبه، فيجوز أن يسمى المعي بذلك تشبيهًا به. وقيل: حوايا. جمع حاوية. وقيل: جمع حاوياء. وذكر ابن السكيت الثلاثة، وأنشد قول جريرٍ: [من الطويل]. 402 - كأن نقيق الحب في حاويائه ... نقيق الأفاعي أو نقيق العقارب فإن كانت جمع حوية فوزنها فعائل، (نحو: ظريفة وظرائف، والأصل حواي. وإن كانت جمع حاوية أو حاوياء فوزنها فواعل، نحو: زاوية وزوايا) وقاصعاء وقواصع. والأصل: حواوٍ في الصورتين، وإنما قبلت الهمزة في حواي ياء. وكذا الواو في حواوٍ، وتلك الياء مفتوحة فقلبت الياء الأخيرة ألفًا فصار اللفظ كما ترى. وتقرير ذلك مستوفي في "الدار المصون" وغيره. ح وي: قوله تعالى: {غثاء أحوى} [الأعلى: 5] أي أسود. والحوة: السواد. قال ذو الرمة: [من البسيط]. 403 - لمياء في شفتيها حوة لعس ... وفي اللثات وفي أنيابها شنب.

فصل الحاء والياء

وقيل: الأصل: "فجعله أحوى غثاء" أي شديد الخضرة، والغثاء ما يحمله السيل؛ وهو الدرين أيضًا، قال: [من الرجز]. 404 - وطال حبسي بالدرين الأسود يقال: احووى الزرع يحووي احواوًا؛ نحو: ارعوى يرعوي ارعواء، ولا ثالث لهما، وحوى حوة؛ ورجل أحوى وامرأة حواء؛ وأمنا حواء، يجوز أن تكون سميت بذلك لحوة في لونها، كما سمي أبونا آدم لأدمة في لونه، كما قيل. فصل الحاء والياء ح ي ث: حيث: ظرف مكان لا ينصرف غالبًا، وقد أعرب مفعولًا به في قوله تعالى: {الله أعلم حيث يجعل رسالته} [الأنعام: 124] ويجر بمن كقوله: {من حيث أمركم الله} [البقرة: 222] وفيها لغات؛ تثليث الثاء مع الياء والواو، ويقال: والألف: هو لازم الإضافة إلى الجملة الاسمية والفعلية، وإضافته للمفرد نادر في قولهم: [من الرجز]. 405 - أما ترى حيث سهيلٍ طالعًا أو في ضرورةٍ، كقوله: [من الطويل]. 406 - حيث لي العمائم

ولوجوب إضافتها للجملة كان فتح أن بعدها خطأ. وزعم بعضهم أنها للتعليل كما يكون له من ظروف الزمان إذ. وزعم الأخفش أنها تكون زمانًا، وأنشد: [من المديد]. 407 - للفتى عقل يعيش به ... حيث تهدي ساقه قدمه وقد أشبعنا الكلام عليها في غير هذا. ح ي د: قوله تعالى: {ذلك ما كنت منه تحيد} [ق: 19] أي تميل: حاد عنه يحيد حيدًا وحيدًا. قال: [من الرجز]. 408 - قلت وفيها حيدة وذعر ... عوذ بربي منكم وحجرًا فالحيد: العدول عن الشيء والنفرة منه. ح ي ر: قوله تعالى: {حيران} [الأنعام: 71]: الحائر. والحيران: الذي لا يهتدي لأمره، وهو المتردد الفكر، المتشعب الرأي، يقال منه: حار يحار فهو حائر وحيران. والحائر: الموضع الذي يتحير فيه الماء، وهو أن يمتلئ حتى يرى في ذاته حيرة. قال الهروي: وبه سمي الماء الذي لا منفذ له حائرًا، والجمع حوران. قلت: وفاعل وفعلان غريب جدًا، والظاهر أن الحائر مكان الماء لا نفس الماء كقوله: [من الرمل]. 409 - صعدة نابتة في حائر ... أينما الريح تميلها تمل وقال في حديث ابن عمر: "الرجل يطرق الفحل فيذهب حيري الدهر. فقال له رجل: ما حيري الدهر؟ قال: لا يحسب". وحيري بتشديد الياء وتخفيفها، وحير

بحذفها. وحاري الدهر: أبد الدهر. وأراد بقوله: "لا يحسب" لا يعرف حسابه لكثرته ودوامه على وجه الدهر. ح ي ص: قوله تعالى: {ما لنا من محيص} [إبراهيم:21] المحيص: المهرب والمعدل. يقال: حاص عن الحق أي مال عنه إلى شدة ومكروه، وأصله من قولهم: وقع في حيص بيص. وحيص بيص أي شدةٍ شديدةٍ. وتركت البلاد حيص بيص: أي منقلبة ظهرًا لبطنٍ، كناية عن اختلاف أهلها. وفي حديث أبي جبيرٍ: "وجعلتم الأرض عليه حيص بيص" أي ضيقة. "وحاص المسلمون حيصة"، ومنه في حديث قيصر: "فحاصروا حيصة الحمر" أي جالوا جولة. يقال: حاص يحيص حيصًا ومحيصًا أي عدل عن ذلك وحاد عنه. وجاض- بالجيم والضاد المعجمة- بمعناه. وينشد للحماسي: [من الطويل]. 410 - ولم ندركم جضنا من الموت جيضة ... كم العمر باقٍ والمدى متطاول. يروى بالوجهين. وأما الحوص: فهو خياطة الجلد، ومنه حصيت عين الصقر. والأحوص شاعر معروف، وليس هذا من هذه المادة، ولا المعنى في شيءٍ، وإن كان الراغب ذكره هنا.

ح ي ض: قوله تعالى: {ويسألونك عن المحيض} [البقرة: 222] اختلف الناس في المحيض؛ هل هو اسم للدم أو لمكانه أو لزمانه أو لحدوثه، وهل مقيس أو شاذ؟ ومن جعله قياسًا استشهد بقول الآخر: [من الرجز]. 411 - إليك أشكو شدة المعيش ... ومر أعوامٍ نتفن ريشي. ولابد من حذف مضافٍ أو أكثر على حسب المعنى أي عن حكم المحيض أو عن قربان موضع المحيض. ويقال: حاضت تحيض حيضًا ومحيضًا ومحاضة، وقد أتقنا هذه المادة وتصريفها ومعناها وحكمها- بحمد الله- في كتبنا المشار إليها. وبعضهم يخلط مادة الحوض بهذه لتقاربها لفظًا ومعنى لما فيهما من معنى الاجتماع. ح ي ف: قوله تعالى: {أن يحيف الله عليهم} [النور: 50] الحيف: الميل في الحكم والجنوح إلى أحد الجانبين، ويقال: تحيفت الشيء: أخذته من جميع جوانبه، والمعنى أم يخافون أن يحوف الله عليهم في الحكم. ح ي ق: قوله: {وحاق بهم ما كانوا به يستهزئون} [هود:8] أي حل ونزل، وأصابهم ما كانوا يستهزئون به مما جاءتهم به رسلهم. {ولا يحيق المكر السيء إلا بأهله}.

[فاطر:43] والأصل: يحقق، فأبدل أحد المضعفين حرف علةٍ. قاله الراغب وجعله نظير {فأزلهما} [البقرة: 36] وأزالهما، وهذا ليس بجيد لما سيأتي في {فأزلهما}. وقال ابن عرفة: حاق به الأمر أي لزمه ووجب عليه. وقال الأزهري: الحيق في اللغة: ما يشتمل على الإنسان من مكروهٍ فعله. ح ي ن: قوله تعالى: {تؤتي أكلها كل حين} [إبراهيم: 25] الحين في أصل اللغة لمطلق الزمان قليلًا كان أو كثيرًا، والمراد به هنا على مدلوله الأصلي. قال: هو كالوقت يصلح لجميع الزمان طالت أم قصرت، والمعنى أنه ينتفع بها كل وقتٍ لا ينقطع نفعها البتة. وقيل: الحين: يوم القيامة. وقيل: انقضاء الأجل. وقوله تعالى: {ومتاعًا إلى حين} [النحل: 80] قيل: إلى يوم القيامة، وقيل: إلى انقضاء آجالهم. وقوله: {ولتعلمن نبأه بعد حينٍ} [ص:88] أي نبأ محمد صلى الله عليه وسلم، وقيل: نبأ القرآن، وقيل: نبأ ما وعدتم به. والحين: إما يوم القيامة، وإما مطلق الزمان. وقوله: {هل أتى على الإنسان حين من الدهر} [الإنسان:1] قيل: معناه ساعة، وقيل: أربعون سنة؛ والحاصل أن كل من فسر الحين بما ذكرته فإنما هو بحسب خاصة المكان لا أنه موضوع له بخصوصه. وأحين بمكان كذا: أقام حينًا. وحانيته: أي عاملته حينًا حينًا. وحان حينه: قرب أوانه. وحينت الشيء: جعلت له حينًا، وفي الحديث: "حينوا نوقكم" أي احلبوها في وقتٍ معلومٍ.

ح ي و: قوله تعالى: {وإن الدار الآخرة لهي الحيوان} [العنكبوت: 64] الحيوان في الأصل: مقر الحياة، ثم يقال باعتبارين: أحدهما ما له حاسة كالحيوانات الحساسة، والثاني ما له بقاء سرمدي، وهو ما وصفت به الآخرة في قوله: {لهي الحيوان}، ونبه بحرفي التأكيد بأن الحيوان الحقيقي السرمدي الذي لا يفنى، لا ما يبقى مدة ثم يفنى. وقيل: الحيوان ما فيه حياة، والموتان ما ليس فيه حياة. وقيل: الحيوان والحياة بمعنى واحدٍ، وهذا التفات إلى أن أصله حييان- بيائين- من حيي يحيا، فأبدلت الأخيرة واوًا، وقد أتقنًا هذا في فير هذا الموضع. وقيل: الحيوان: يقع على كل شيءٍ حي، ومعناه من صار إلى الآخرة أفلح ببقاء الأبد. وحيوان: عين في الجنة. ح ي ي: قوله تعالى: {وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور} [آل عمران: 185] سماها دنيا باعتبار الحياة في الدار الآخرة؛ فإنها عليا لأن هذه تنقطع وتيك لا تنقطع. والحياة: ضد الموت، فكما يستعمل حقيقةً ومجازًا نحو: مات الإنسان وماتت الأرض. كذلك الحياة، نحو: أحيا الله فلانًا، وأحيا الأرض بعد موتها. ثم الحياة تستعمل على أضرب؛ الأول: للقوة النامية الموجودة في البنات والحيوان، قال تعالى: {وجعلنا من الماء كل شيء حي} [الأنبياء: 30]، الثاني: القوة الحساسة، وبه سمي الحيوان حيوانًا، قال تعالى: {وما يستوي الأحياء ولا الأموات} [فاطر:22]، {إن الذي أحياها لمحيي الموتى} [فصلت: 29] إشارة إلى القوة الحساسة. الثالث: للقوة الفاعلة العاقلة، قال تعالى: {أومن كان ميتًا فأحييناه} [الأنعام: 122]، وقال الشاعر: [من الوافر].

412 - لقد أسمعت لو ناديت حيًا ... ولكن لا حياة لمن تنادي. والرابع: عبارة عن ارتفاع الغم، وإليه أشار من قال: [من الخفيف]. 413 - ليس من مات فاستراح بميتٍ ... إنما الميت ميت الأحياء. إنما الميت من يعيش كئيبًا ... كاسفًا باله قليل الرجاء. وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: [من الوافر] 414 - فلو أنا إذا متنا تركنا ... لكان الموت راحة كل حي. ولكنا إذا متنا بعثنا ... ونسأل بعده عن كل شيء. ومنه قول تعالى: {ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتًا بل أحياء عند ربهم يرزقون} [آل عمران: 169] أي يتلذذون لما روي في الأخبار الكثيرة في أرواح الشهداء. والخامس: الأخروية الأبدية، وذلك يتوصل إليها بالحياة التي هي العقل والعلم. وقوله: {يا ليتني قدمت لحياتي} [الفجر: 24] يعني به الحياة الأخروية الدائمة. السادس: الحياة الموصوف بها الله عز وجل، فإذا قيل: "الله حي" معناه أنه الذي لا يصح عليه الموت، ولا يتصف بذلك أحد سواه. قوله: {ولتجدنهم أحرص الناس على حياةٍ} [البقرة: 96] يريد الحياة الفانية، ونكرها إيدانًا بقلتها، أي على أدنى ما تصدق عليه حياة، لقوله: {وإذا لا تمتعون إلا قليلًا} [الأحزاب: 16]. يحكى أن بعض الأعراب مر بجدارٍ مائل فتلي عليه: {قل لن ينفعكم الفرار إن فررتم من الموت أو القتل، وإذًا لا تمتعون إلا قليلًا} فقال: ذلك القليل

الدنيوية. وقوله" {أرني كيف تحيي الموتى} [البقرة: 260] كان يطلب منه أن يريه الحياة الأخروية المعراة عن الشوائب والآفات الدنيوية. قوله: {ومن أحياها فكانما أحيا الناس جميعًا} [المائدة:32] أي من أنقذها من الهلكة ونجاها منها، فكأنه أحيا الناس: الأنفس، لأنه يفعل مع جميعها كذلك، وعليه: {أنا أحيي وأميت} [البقرة: 258] أي أعفو عن هذا وأقتل هذا. قوله: {إن الله لا يستحيي أن يضرب مثلًا} [البقرة: 26] أي لا يترك، واستحياء الله تعالى كراهته للشيء وتركه إياه، فقال تعالى ردًا على اليهود حين قالوا لما سمعوا ذكر الذباب والعنكبوت: ما يشبه هذا كلام الله! إن الله لا يترك ضرب الأمثال بالأشياء الحقيرة كالبعوضة، فأقل منها لما في ذلك من المصالح. وما أنكروه إلا عنادًا، وإلا فالتوراة محشوة من مثله. والاستحياء: تغير وانكسار يعتري المستحيي، والله تعالى منزه عن ذلك، فكان مجازه كما ذكرنا، والأكثر استحيا. وفيه أحييه استحيا، وأنشد: [من الطويل]. 415 - إذت ما استحين الماء يعرض نفسه ... كرعن بسبتٍ في إناء من الورد قوله: {ولكم في القصاص حياة} [البقرة: 179] يعني أنه إذا علم من يريد القتل أنه يقتص منه ارتدع عن القتل، فحصلت له حياة نفسه وحياة من كان يريد قتله. وكانوا يقتلون بالواحد العدد الكثير. وقصة جساسٍ بأخذه ثأر أخيه كليب مشهورة في العرب. فلما شرع القصاص أن يقتل الواحد بالواحد كان في ذلك حياة لمن لم يجن. وكانت العرب تقول: حرمنا حول هذا المعنى؛ القتل أنفى للقتل. وبين هذا وبين {ولكم في القصاص حياة} بون ظاهر قد بيناه في غير هذا الموضوع. والحيا- بالقصر- المطر لحياة الأرض بعد موتها به، وعليه: {وجعلنا من الماء

كل شيء حي} [الأنبياء:3]. قوله: {بغلام اسمه يحيى} [مريم:7] نبه بذلك أنه سماه به، أي لم تمته الذنوب كما أماتت غيره كثيرًا من بني آدم، لا أنه كان يعرف بذلك فقط فإن هذا قليل الفائدة، قاله الراغب. قوله: {يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي} [الروم: 19] قيل: يخرج الإنسان من النطفة والنطفة من الإنسان، والبيضة من الدجاجة والدجاجة من البيضة. وقيل: يخرج المؤمن من الكافر والكافر من المؤمن. قوله: {وإذا حييتم بتحية} [النساء: 86] الآية، التحية في الأصل مصدر حيًا يحيى أي دعا له بالحياة، وأصله الخير، فصار دعاء، فمعنى حياه الله: أي حصل له حياة، ثم جعلت التحية عبارة عن مطلق الدعاء وإن لم يكن لفظ الحياة. وغلبت التحية على سلام الناس عضهم على بعض. والتحيات في الصلاة من ذلك عن بعضهم كأنه قيل: التحيات الحقيقية لله تعالى وحده. وقيل: التحيات: الملك، ومنه حياه الله، أي ملكه. وقيل: معناه أبقاه الله. وإذا قيل: حياك الله، فمعناه أبقاك الله. وقيل: حياه بمعنى أحياه، وفعل وأفعل يتواردان؛ وقد قرئ {ووصى} [البقرة:132]، "وأوصى"، و {أنزل} [البقرة:22] و"نزل". وقال تعالى: {فمهل الكافرين أمهلهم} [الطارق: 17]. وقيل: التحيات هي التحية بمعنى السلام، والمعنى: السلام على الله، إلا أنه خص بهذا اللفظ دون قوله: السلام علينا وعلى عباد الله. قوله: {ويستحيون نساءكم} [البقرة: 49] أي يستبقوهن في قيد الحياة، أي يطلبون بقاءهن لمقابلته بقوله: {يذبحون} [البقرة: 49]، وكانوا يذبحون ذكران الإسرائيليين ويبقون آباءهم خدمًا لشيء رآه فرعون وقالت به الكهنة والمنجمون.

والليث فسر "يستحيون": يطؤون، وجعله من يركبون حياهن وهو الفرج ليس بشيءٍ وفي الحديث: "إن الله يستحيي أن يعذب شيبة شابت في الإسلام" أي يترك، كما تقدم تقريره، وإلا، فالحياء الحقيقي غير لائقٍ بهذا المقام. وحي هلًا وحيهلا وحيهل وحيهل بمعنى أقبل وعجل وهات. وحي وحدها، وهلا وهل وحدها، ثم ركبا وجعلا بمنزلة كلمةٍ واحدةٍ. وقد تفرد "حي"، ومنه: "حي على الصلاة" أي أقبلوا إليها. وفي الحديث: "إذا ذكر الصالحون فحي هلا بعمر". أي فعجل بعمر، لأنه سيد الصالحين وفيه: "يسأل الرجل عن كل شيءٍ حتى حية أهله". أي عن كل حي في منزله حتى الهرة، وإنما أنثه ذهابًا به إلى النفس، والله تعالى أعلم.

باب الخاء

باب الخاء فصل الخاء والباء خ ب أ: قوله تعالى: {يخرج الخبء} [النمل: 25] الخبء: كل غائبٍ، وقيل: كل مدخرٍ مستورٍ، وقيل: المراد السر، وقيل: خبء السماء المطر، وخبء الأرض النبات. وفي الحديث: "ابتغوا الرزق من خبء الأرض" أي بإثارتها للحرث والزراعة. وعن الزهري: قال لي عروة بن الزبير رضي الله عنه: ازرع، فإن العرب كانت تتمثل بهذا البيت: [من الطويل]. 416 - تتبع خبايا الأرض وادع مليكها ... لعلك يومًا أن تجاب وترزقا. وجارية مخبأة: أي مخدرة، وخبأة: أي تخبأ مرة وتظهر أخرى. والخباء: البيت لأنه تخبأ فيه الحرم. والخبأ: سمة موضعٍ خفي. خ ب ت: قوله تعالى: {وبشر المخبتين} [الحج: 34] الإخبات: الاطمئنان، وأصله من الخبت وهو المكان المنخفض من الأرض كالغائط، ومنه قوله: [من الوافر]. 417 - أفاطم لو شهدت ببطن خبتٍ ... وقد قيل الهزبر أخاك بشرا وقوله: {وأخبتوا إلى ربهم} [هود: 23] أي اطمأنوا وسكنت نفوسهم إليه، ومنه: {فتخبت له قلوبهم} [الحج: 54] ويعبر بذلك عن اللين والتواضع، ومنه:

{وبشر المخبتين} [الحج: 34] أي المتواضعين، وأصله من أخبت الرجل: إذا أتى الخبث أو قصده، وهو المكان المنخفض كما تقدم. خ ب ث: الخبث والخبيث: ما يكره رداءة وخساسة، وأصله الرديء الدخلة، الجاري مجرى خبث الحديد، وعليه قول الشاعر: [من الوافر] 418 - سبكناه ونحسبه لجينًا ... فابدي الكبر عن خبث الحديد. والخبث يكون في المعقولات كما يكون في المحسوسات، وبذلك يتناول الباطل في الاعتقاد، والكذب في المقال، والقبيح في الفعال. ثم فسره المفسرون بحسب خصوص الأماكن مع صدقه عليها كما تقدم في نظائره. قوله تعالى: {كشجرة خبيثة} [إبراهيم:26]. فالكلمة الخبيثة كلمة الكفر، كما إن الكلمة الطيبة كلمة التوحيد. والشجرة الخبيثة قال ابن عباس: هي الحنظلة. وقيل: هي الخبوث. والأحسن أنها كل نبات مكروه مستردًا من جميع الشجر. قوله: {الخبيثات للخبيثين} [النور:26]. قيل: الكلمات الخبيثات للرجال الخبيثين المحبين شياع الفاحشة في الذين آمنوا. وقيل: النساء الخبيثات للرجال الخبيثين، كالزانيات للزواني. وقيل: الأفعال الخبيثات للفاعلين الخبيثين. قوله: {كانت تعمل الخبائث} [الأنبياء: 74]. أي إتيان الرجال، كما صرح به في غير موضع. قوله: {ويحرم عليهم الخبائث} [الأعراف: 157] أي الأشياء النجسة المستقذرة، كالدم والميتة ولحم الخنزير.

قوله: {ليميز الله الخبيث من الطيب} [الأنفال: 37] أي العمل الفاسد من الصالح، وقيل: الكافر من المؤمن بدليل قوله: {وما كان الله ليذر المؤمنين على ما أنتم عليه حتى يميز الخبيث من الطيب} [آل عمران: 179]. قوله: {ولا تتبدلوا الخبيث بالطيب} [النساء: 2] أي الحرام بالحلال، وكانوا يأخذون الأجود من مال اليتيم، ويجعلون مكانه الأردأ كالسمين والهزيل. قوله: {ولا تيمموا الخبيث} [البقرة: 267] أي رديء الثمر، وكانوا يأتون بالهثاكيل الحشف فيعلقونها في سواري المسجد يأكل منها الفقراء، فنهوا عن ذلك. وقريب منه: {ويجعلون لله ما يكرهون} [النحل: 62]. والخبث والخبثة: الزنا. وقوله عليه الصلاة والسلام: "أعذ بك من الخبث والخبائث" رواه أبو بكر بسكون الباء وفسره بالكفر. وأبو الهيثم بضمها وفسره بأنه جمع خبيث وهم ذكران الشياطين. والخبائث: جمع خبيثة وهي إناثها. و "من أكل هاتين الخبيثتين" سماهما بذلك لكونهما مكروهي الطعم والريح. وفيه: "أعوذ بك من الخبيث المخبث". فالخبيث: ذو الخبث في نفسه، والمخبث: من له أعوان خبثاء يتقوى بهم، نحو قوي ومقو، فالقوى في نفسه، والمقوي: من كانت دابته قوية. وقيل: المخبث: من يعلم الناس الخبث، وقيل: من ينسب الناس إلى الخبث، وأنشد للكميت: [من الطويل]. 419 - وطائفة قد أكفروني بحبكم ... وطائفة قالوا: مسيء ومذنب أي نسبوني للكفر. وفيه: "لا يصلين وهو يدافع الأخبثين" أي الغائط والبول.

خ ب ر: قوله تعالى: {والله خبير} [المجادلة: 13]. الخبير في صفاته تعالى بمعنى العالم ببواطن الأمور وظواهرها وبما كان منها وما يكون، والعالم بأخبار مخلوقاته لا يعزب عنه مثقال ذرة في السماوات والأرض. وقيل: هي بمعنى مخبرٍ كقوله: {قد نبأنا الله من أخباركم} [التوبة: 94]، وقوله: {فينبئكم بما كنتم تعملون} [المائدة: 105]، وقوله: {قال نبأني العليم الخبير} [التحريم: 3] وأصله من الخبر وهو العلم بالمعلومات من جهة الخبر. ويقال: من أين خبرت هذا؟ وخبرته: بلونه خبرًا وخبرة. قال: {وكيف تصبر على ما لم نحط به خبرًا} [الكهف: 68] قال: الخبرة: العلم ببواطن الأمور. والخبار: الأرض اللينة، والمخابرة من ذلك، وهي مزارعة الخبار أي الأرض بشيء معلوم. والخبير: الأكار؛ فكان ابن الأعرابي يقول: أصل المخابرة من خيبر لأنه عليه الصلاة والسلام كان أقرها في يد أهلها على النصف، فقيل: خابرهم أي عاملهم في خيبر. والظاهر الأول. والمخابرة المنهي عنها أن يكون البذر من العامل. والمزارعة أن يكون البذر من المالك، وكلاهما منهي عنه، إلا المزارعة حين بياض النخل بشرطها. والخبر: المزادة الصغيرة. وشبهت بها الناقة فسميت خبرًا. والخبرة: النصيب. قال عروة بن الورد: [من الطويل] 420 - إذا ما جعلت الشاة للناس خبرة ... فشأنك إني ذاهب لشؤوني قوله: {فاسأل به خبيرًا} [الفرقان: 59] أي سل عنه عالمًا. والخبير: النبات، وهو أيضًا الوبر. وفي الحديث: "تستحلب الخبير" أي نجز النبات بالمخلب، وهو المنجل من غير أسنان بمخلب الطائر صورة.

خ ب ز: قوله تعالى: {خبزًا} [يوسف: 36]. الخبز معروف، وهو ما يخبز من العجين. والخبزة: ما يجعل في الملة. يقال: أطعمنا خبز الملة، والخبز اتخاذه. وأختبزت: أمرت. والخبازة: صنعته. وقد استعير الخبز للسوق الشديد تشبيهًا بهيئة السائق بالخبز. خ ب ط: قوله تعالى: {إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس} [البقرة: 275] أي يصرعه ويضربه، من خبط البعير بيده الأرض. والخبط باليدين، والرمح بالرجلين، والزبن بالركبتين، والخبط: الضرب على غير استواء كخبط البعير. وخبط عشواء: عبارة عن الإقدام على الأمور من غير تفكر في عواقبها. قال زهير بن أبي سلمى: [من الطويل] 421 - رأيت المنايا خبط عشواء من تصب ... تمته، ومن تخطيء يعمر فيهرم ومر محكول برجلٍ نائم بعد العصر فركضه برجله وقال: لقد دفع عنك، إنها ساعة مخرجهم- يعني الجن- وفيها ينتشرون، وفيها تكون الخبتة. قال شمر: كان في لسانه لكنه، وإنما أراد الخبطة. وخبط السمر أي ضربه بعصًا ليقع ورقه. وعبر بالخبط عن عسف السلطان فقيل: سلطان خبوط. وأختباط المعروف: تعسف بطلبه تشبهها بخبط الورق. قال علقمة: [من الطويل] 422 - وفي كل حيٍ قد حبطت بنعمةٍ ... فحق لشأسٍ من نداك ذنوب

وكان شأس أخوه مأسورًا، فلما سمعه قال: نعم وأذنبه. فقوله: {الذي يتخبطه الشيطان من المس} قال الراغب: يصح أن يكون من خبط الشجر، وأن يكون من الأختباط الذي هو طلب المعروف، انتهى. وليس للثاني معنى لائق بذلك. وقال عليه الصلاة والسلام: "اللهم أعوذ بك أن يتخبطني الشيطان من المس". خ ب ل: قوله تعالى: {لا يألونكم خبالًا} [آل عمران: 118]. الخيال: الفساد الذي يلحق الإنسان فيورثه اضطرابًا يشبه الجنون، وهو أيضًا المرض المؤثر في الفكر والعقل. يقال: خبل وخبل وخبال. وخبله فهو خابل ومخبول، وخبله فهو مخبل ومخبل. ومنه قول زهير: [من الطويل] 432 - هنالك، إن يستخبلوا المال يخبلوا ... وإن يألوا يعطوا، وإن ييسروا يغلوا أي أن يسألوا إفساد إبلهم في نحرها وأموالهم في المغارم أجابوا لذلك. وفي الحديث: "من أصيب بذمٍ أو خبلٍ" أي بجرحٍ يفسد العضو. والخبل: فساد الأعضاء، و "من شرب الخمر سقاه الله من طينة الخبال" قيل: هي عصارة أهل النار. قال: أوس بن حجرٍ: [من الطويل] 424 - تبدل حالًا بعد حالٍ عهدته ... تناوح جنان بهن وخبل وأخبل في عقله أي أصيب بخبلٍ. خ ب و: قوله تعالى: {كلما خبت} [الإسراء: 97] سكن لهيبها. يقال: خبت النار أي

فصل الخاء والتاء

أنطفأ لهيبها وسكن حرها كأنما تصور عليها خباء يسترها من رمادٍ ويغشيها. ومراد الآية أن عذابهم لا ينقطع ولا يخفف، وإن تصور في نارهم خبو زيدت سعيرًا وإيقادًا لقوله في موضع أخر {لا يفتر عنهم} [الزخرف: 75]: لا يخفف عنهم. وإذا سكن لهب النار وهي حية قيل: خبت وباخت وخمدت، فإذا بطلت قيل: همدت، من همد الإنسان أي سكنت حركاته. وخبا المصباح يخبو: قل ضؤوه. قال: [من الخفيف] 425 - وسطه كاليراع أو سرج المجدل ... يخبو طورًا وطورًا ينير فصل الخاء والتاء خ ت ر: قوله تعالى: {كل ختارٍ} [لقمان: 32]. الختار: الغدار، والختر في الأصل: الفساد في الغدر وغيره، قاله ابن عرفه. خطره الشراب: أفسد نفسه. وقال الراغب: الخطر: الغدر يختر فيه الإنسان أي بضعف ويسكر لاجتهاده فيه. وقال الأزهري: الخطر: أقبح الغدر، فهو أخص منه. فكل خترٍ غدر من غير عكسٍ. خ ت م: قوله تعالى: {وخاتم النبيين} [الأحزاب: 40] قرئ بفتح التاء وكسرها في السبع. فمعنى الكسر أنه ختم من تقدمه من الأنبياء والمرسلين. وقد شرح هذا بقوله عليه الصلاة والسلام: "لا نبي بعدي". ولما استقر له هذا الوصف قال فيه الشاعر": [من الكامل] 426 - يا خاتم النبآء إنك مرسل

ومعنى المفتوح أنه جعل كالشيء الذي يختم به كالطابع والقالب، أي لما يطبع به ويقلب فيه. والمعنى أن الله تعالى ختم به الأنبياء والمرسلين كما يختم بالخاتم الذي هو آلة الختم. فالمكسور اسم فاعلٍ، والمفتوح اسم الآلة. قوله: {ختامه مسك} [المطففين: 26] أي يوجد في آخره طعم المسك ورائحته. وعن مجاهد: مزاجه مسك. وقال علقمة: خلطه. وقال ابن مسعود: عاقبته مسك. وقرئ "خاتمه" في السبع أي سؤره مطيب بالمسك. قال الراغب: وقول من قال: يختم بالمسك أي يطبع فليس بشيء لأن الشراب يجب أن يطيب في نفسه. فأما ختمه بالطيب فليس مما يفيده ولا ينفعه طيب خاتمه ما لم يطب في نفسه، وفيه نظر لأنه يجوز أن يجمع بين الوصفين. وفي الخاتم أربع لغات: خاتم، خاتم، خاتام، خيتام. قوله: {ختم الله على قلوبهم} [البقرة: 7] أي طبع. ومعنى الختم: التغطية على الشيء والاستيثاق منه حتى لا يدخله شيء. والمعنى أنها لا تعقل ولا تعي خبرًا. والختم والطبع يقالان على وجهين: أحدهما أنهما مصدران لختم وطبع، وهو تأثير الشيء كنقش الخاتم والطابع. والثاني الأثر الحاصل على الشيء، ثم إنه يتجوز بذلك تارة عن الاستيثاق من الشيء والمنع منه اعتبارًا بما يحصل من المنع بالختم على الكتب والأبواب، نحو قوله: {ختم الله على قلوبهم}. وتارة عن تحصيل أثر شيء اعتبارًا بالنقش الحاصل. وتارة يعتبر منه بلوغ الأمر. ومنه: ختمت القرآن، أي بلغت آخره.

وقيل في قوله: {ختم الله على قلوبهم} إشارة إلى ما جرت به العادة من أن الإنسان إذا تناهي في أعتقادٍ باطلٍ أو ارتكاب محظورٍ ولا يكون منه تلفت بوجه إلى الحق يورثه ذلك هيئة تمرنه على استحسان المعاصي، فكأنما ختم بذلك على قلبه، وعليه: {أولئك الذين طبع الله على قلوبهم} [النحل: 108]. ومثله استعارة الإغفال في قوله: {أغفلنا قلبه عن ذكرنا} [الكهف: 28]، واستعارة الكن في قوله: {وجعلنا على قلوبهم أكنة} [الأنعام: 25]، واستعارة القساوة في قوله: {قلوبهم قاسية} [المائدة: 13]. وقرئ: "قسيه". وهل الختم مسئولٍ على الأسماع؛ فيكون الوقف على سمعهم، أو ليس مستوليًا عليها. وفي قراءة نصبها يجوز أن يستولي عليها حسبما بينا ذلك في "الدر" و "التفسير الكبير". وبينا هناك وجه جمع القلوب والأبصار وإفراد السمع. وهذه الآية من أعظم أي القرآن وأدلها على أن الله تعالى خالق كل شيءٍ من خيرٍ أو شر، نفعٍ أو خيرٍ، إيمانٍ أو كفرٍ. ولما ضاق خناق المعتزلة بها تأولوها تأويلات ضعيفةً حسبما بيناه في موضعه، حتى قال الجبائي: " يجعل الله ختمًا على قلوب الكفار ليكون دلالة للملائكة على كفرهم فلا يدعون لهم" يعني أن الملائكة تستغفر للمؤمنين، وهذا تأويل سخيف قال الناس في رده، لأن هذا الختم إما أن يكون معقولًا؛ فالملائكة يستغنون عن ذلك باطلاعهم على خبث عقائدهم، أو محسوسًا فينبغي أن يدركه أهل الشرع. وقوله: {اليوم نختم على أفواههم} [يس: 65] عبارة عن منعهم الكلام، وهذا في وقتٍ غير وقتٍ أخر يتكلمون فيه وهو قوله: {ولا يكتمون الله حديثًا} [النساء: 42] لأن يوم القيامة متطاول مختلف الأمكنة والأزمنة.

فصل الخاء والدال

فصل الخاء والدال خ د د: قوله تعالى: {قتل أصحاب الأخدود} [البروج: 4]؛ شق مستطيل في الأرض غائض. يجمع على أخاديد. واصل ذلك من خدي الإنسان؛ وهما العضوان النائتان المكتنفان أنفه يمينًا وشمالًا. فالخد يستعار للأرض وغيرها كاستعارة الوجه. وتخدد اللحم: زواله عن وجه الجسم. يقال: خددته فتخدد. ثم عبر بالمتخدد عن المنزل. والخداد: ميسم في الخد. وهؤلاء قوم حفروا حفائر، وأضرموها نارًا، فمن أظهر الإيمان القوه في تلك الأخاديد في قصةٍ استوفيناها في غير هذا. خ د ع: قوله تعالى: {يخادعون الله} [البقرة: 9]. الخدع: من الخداع وهو الفساد. وأنشدوا: [من الرمل] 427 - طيب الريق إذا الريق خدع ثم عبر به عن المكر والكيد لما فيهما من الفساد. وقيل: الخدع: إنزال الغير عما هو بصدده بأمرٍ بيديه على خلافٍ يبطنه ومنه المخدع لموضعٍ خفي في البيت. والأخدعان. عرقان مستبطنان، سميا بذلك لحقائقهما. قال: [من الطويل] 428 - تلفت نحو الحي حتى وجدتني ... وجعت من الإصغاء ليتًا واخدعا فالخداع: إظهار خلاف ما يبطنه، ومنه: {إن المنافقين يخادعون الله} [النساء: 142] أي يخادعون رسوله والمؤمنين بإظهار الإيمان وإبطان الكفر. وقوله:

{يخادعون الله} يريد يخادعون رسوله. وقد جعل مخادعة رسوله كمخادعته، وهو ممن لا يجوز عليه الخداع تنبيهًا على عظم من خادعوه. كما جعل مبايعته في قوله: {إن الذين يبايعونك إنما يبايعون} [الفتح: 10]. وفي هذا تنبيه على أمرين: أحدهما الدلالة على فظاعة فعلهم، والثاني عظم قدر رسوله والمؤمنين. وقول أهل العربية إنه على حذف مضافٍ بالنسبة ظاهر في صرف الخداع عن الله، ولكن لو صرح بالمضاف لأتت الدلالة على الأمرين المذكورين. وقد قيل إنه لا حذف البتة. وإن القوم لجهلهم يزعمون أن الله ممن يصح خداعه تعالى الله عن ذلك. وقوله: {وما يخادعون إلا أنفسهم} [البقرة: 9] أي ما يرجع وبال خداعهم إلا عليهم لا يتعداهم، {إنما بغيكم على أنفسكم} [يونس: 23]، {ولا يحيق المكر السيئ إلا بأهله} [فاطر: 43]. وقرئ: "وما يخدعون" ولم يقرأ الأول في السبع إلا "يخدعون" كما بينا وجه ذلك فير غير هذا. وقيل: إن هذا من باب المقابلة، أي وهو يعاملهم بعقابه معاملة الخادع. وقولهم: "أخدع من ضب" أي أمكر، وذلك أن الضب يتخذ عقربًا على باب حجره تلدغ من يدخل يده حتى قالوا: إن العقرب بواب الضب وحاجبه، فقالوا ذلك لاعتقاد الخديعة فيه. وخدع الضب أي استتر في حجره. وطريق خادع وخدع كأنهم تصوروا خداعه لسالكه لما تاه فيه. والمخدع: بيت في بيت؛ تصوروا أن بانيه جعله لمن رام تناول ما فيه. وخدع الريق: قل، تصوروا منه الخديعة، والأخدعان: تصور منهما الخداع لظهورهما تارة وخفائهما أخرى. وخدعته: قطعت أخدعه. وفي الحديث: "بين يدي الساعة سنون

فصل الخاء والذال

خداعة" أي محتالة لتلونها بالجدب مرة والخصب أخرى. وفيه: "الحرب خدعة" أي حيلة، أي ينقضي أمرها بخدعة واحدةٍ. ونقل الهروي: أنه يقال: خدعة بضم. وعن الأصمعي في قول: "سنون خداعة" أي قليلة المطر، من خدعه ريقه أي قل. وقال غيره: أي يكثر مطرها ويقل ريعها. خ د ن: قوله تعالى: {ولا متخذات أخدان} [النساء: 25]. الخدن والخدين: المصاحب. وأكثر ما يقال فيمن صاحبته بشهوة. وقوله: 429 - خدين العلي استعارة كقولهم: ينتسب للمكارم. ولكنه بمعنى المساحب لم يتعرف بالإضافة، نحو: مررت برجل خدنك وخدينك. ومراد الآية أنهم غير متخذات غير أزواجهن. فصل الخاء والذال خ ذ ل: قوله تعالى: {وكان الشيطان للإنسان خذولًا} [الفرقان: 29] أي كثير الخذلان، لأنه مثال مبالفة. والخذلان: ترك النصر ممن يتوقع منه ذلك. وقوله: {وإن يخذلكم} أي يترك نصرتكم. وخذلت الوحشية ولدها: تركته وحده. وتخاذلت رجلاه: إذا لم تعيناه على المشي. قال الاعشى: [من الرمل] 430 - بين مغلوب تليل خده ... وخذول الرجل من غير كسح والمخذل في الجيش: من تحين المقابلة. ولهذا يخرج من الصف. ويقال: خذله

فصل الخاء والراء

فهو خاذل وخذول، والجمع خذل. قال الشاعر: [من الطويل] 431 - وما خذل قومي فأخضع للعدى ... ولكن إذا أدعوهم فهم هم فصل الخاء والراء خ ر ب: قوله تعالى: {يخربون بيوتهم} [الحشر: 2]. التخريب: نقض البناء وهدمه. يقال: خربه وأخربه. وقرئ "يخربون" و"يخربون". فتخريبهم بأيديهم لئلا يتنفع بها من بعدهم. وقيل: بل بإجلائهم عنها لما تسببوا في ذلك. وخرب المكان يخرب خرابًا فهو خرب. والخارب: سارق الإبل. والخربة: أيضًا سرقة الإبل. قال الشاعر: [من الرجز] 432 - والخارب اللص يحب الخاربا وقيل: الخربة: التهمة. وفي الحديث: "ولا فأرًا بخربةٍ". والخرب: ذكر الحباري. قال: [من الرجز] 433 - أبصر خربان فضاء فانكدر والخربان جمع خرب. وقال الآخر: [من البسيط] 434 - ولي ليطليه بالأسفر الخرب والخربة: عروة المزادة وهي أذنها، وأصلها كل نقبة مستديرةٍ، والجمع خرب.

ومنه: تقليد الهدايا بخرب العرب، ونحوها. وقيل: الخربة: شق واسع في الآذان تصورًا أنه خرب أذنه. ومنه: رجل أخرب، وامراة خرباء. ثم شبه به الخربة في أذن المزادة. خ ر ج: قوله تعالى: {ذلك يوم الخروج} [ق: 42] يريد يوم القيامة، وسمي بذلك لخروج العالم فيه لقوله: {يخرجون من الأجداث} [القمر: 7]. قال أبو عبيدة: هو من أسماء يوم القيامة، وأنشد للعجاج: [من الرجز] 435 - أليس يوم سمي الخروجا ... أعظم يوم دجة دجوجًا وأصل الخروج: البروز من المقر سواء أكان دارًا أم بلدًا أم ثوبًا، وسواء كان بنفسه أو بأسبابه الخارجة عنه. وأكثر ما يكون الإخراج في الأعيان، ويقال في التكوين الذي هو من فعل الباري تعالى نحو: {فأخرجنا به أزواجًا من نبات شتى} [طه: 53]. والتخريج: أكثر ما يقال في العلوم والصناعات. وقيل: لما يؤخذ من كراء الأرض والحيوان خرج وخراج. قال تعالى: {أم تسألهم خرجًا فخراج ربك خير} [المؤمنون: 72]. وقوله: {فهل نجعل لك خراجًا} [الكهف: 94] وقرئ "خرجًا" مكان "خراج". فزعم قوم أنهما بمعنى، وآخرون فرقوا، فقيل: الخراج: ما كان من كراء الأرض ونحوها. والخرج: ما كان مضروبًا على العبد. يقال: العبد يؤدي خرجه، والعامة تؤدي للأمرين الخراج، وقيل: الخرج أعم من الخراج، والخرج بإزاء الدخل. وقيل: إنما قال: {فخراج ربك} [المؤمنون: 72] فأضاف الخراج إلى نفسه المقدسة تنبيهًا أنه هو

الذي ألزمه وأوجبه. وقال الأزهري: الخراج يقع على الضريبة ومال القئ ومال الجزية والغلة وما نقص من الفرائض والأموال. والخرج: المصدر، والخرج أيضًا من الحساب، وجمعه خروج. وفي الحديث: "الخراج بالضمان" أي أن المشتري إذا اشترى عبدًا مثلًا واستعمله ثم وجد به عيبًا فله رده، وغلته تامة له، لأنه لو هلك هلك في ضمانه، فغلته مقابلة بضمانه وهي الخراج. قال معناه أبو عبيدة، وقال الراغب: أي ما يخرج من مال البائع بإزاء ما سقط عنه من الضمان، والأول أحسن. والخارجي: ما خرج بذاته عن أحوال أقرانه. ويقال ذلك على سبيل المدح إذا خرج إلى منزله من هو أعلى، ولهذا يقال: فلان ليس بإنسان على طريق المدح كقوله: [من الطويل] 436 - فلست بإنسي ولكن لملاك ... تنزل من جو السماء يصوب وتارة على سبيل الذم كقوله: {إن هم إلا كالأنعام} [الفرقان: 44]. والخرج لونان من بياض وسوادٍ ومنه: ظليم أخرج، ونعامة خرجاء، وأرض مخترجة، أي قطعة منها نابتة وأخرى غير نابتةٍ؛ فهي ذات لونين. والخوارج: غلب على من خرج عن طاعة الإمام. خ ر د ل: قوله تعالى: {من خردل} [الأنبياء: 47]. الخردل معروف واحدته خردلة، ويضرب بها المثل في القلة والتلاشي. قال تعالى: {وإن كان مثقال حبة من خردلٍ أتينا بها} [لقمان: 15]. وهذا من باب التنبيه بالأدنى على الأعلى. وتنبيه على عدله تبارك وتعالى، وما أحسن ما جاء بذكر المثقال من حبة الخردل بعد ذكر الموازين. وفي الحديث: "ومنهم الخردل" قيل: هو المرمي المصروع. وقيل: المقطع بكلاليب

الصراط، من قولهم: لحم مخردل أي مقطع. قال كعب: [من البسيط] 437 - يغدو فيلحم ضرغامين عيشهما ويقال: خردلته وخرذلته بالمهمة والمعجمة، والخردلة القطعة منه. فأما الخردل الحب فبالمهملة ليس إلا. خ ر ر: قوله: {فكأنما خر من السماء} [الحج: 31]. الخرور: السقوط من علو مكان يكون معه صوت غالبًا. والخرير للماء والهواء. قوله تعالى: {يخرون للأذقان} [الإسراء: 107]، {خروا سجدًا وبكيًا} [مريم: 58]، {خروا سجدًا وسبحوا} [السجدة: 15]. إتيانه تعالى بذكر البكاء والتسبيح تنبيه على أن ذلك الصوت المصاحب للخرور إما بكاء من خشيته وإما تسبيح لربوبيته. وقوله: {وخر موسى صعقًا} [الأعراف: 143]، {وخر راكعًا} [ص: 24] تنبيهًا على أنهما عليهما السلام كانا في حالة تقرب من الموت لهيبة الربوبية، فإن الخرير غلب في الهلكة. قال: [من الطويل] 438 - فخر صريعًا لليدين وللفم وقد وقع الفرق في المادة فقيل: خر الحجر يخر بضم الخاء خرورًا، وخر الماء أو الميت يخر بكسر الخاء خريرًا. خ ر ص: قوله: {يخرصون} [الأنعام: 116] أي يكذبون. {قتل الخراصون} [الذاريات: 10]، أي الكذابون. وأصله الحرز. ومنه "خرص النخل" وهو أن تحزر أن على رؤوس النخل كذا وسقًا من الرطب، وأنه يجئ منه كذا وسقًا من التمر. وكان عبد

الله بن رواحة خارص رسول الله صلى الله عليه وسلم- وذلك يختص بالنخل والكرم- فأطلق على الكذب لأنه من غير تحقيق ولا غلبة ظن، إلا أن الكذب قبيح، وهذا ليس بقبيح. يقال: خرص وتخرص واخترص أي افترى الكذب. وفي الحديث: "لما حثهن على الصدقة جعلت إحداهن تلقي الخاتم والخرص" وهو الحلقة الصغيرة من الحلي وخرصت الدابة: جمعت بين شفريها بخرص أي حلقة. خ ر ط: قوله: {سنسمه على الخرطوم} [القلم: 16]؛ الأنف. وإنما خصه بالذكر لأنه أظهر شيء في الوجه، والوجه أظهر شيء في الإنسان، أي يجعل له علامة قبيحة يعرف بها. والخرطوم في الأصل أنف الفيل، فذكر هنا تقبيحًا لصاحبه. وقيل: بل أصله في السباع كلها. وقال الفرزدق: [من البسيط] 439 - يا ظمي ويحك إني ذو محافظةٍ ... أنمي إلى معشرٍ شم الخراطيم أي مرتفعي الآناف، يشير إلى عزمهم. والعرب تقول: بأنفه شمم أي تكبر، ولا يفعل ذلك إلا من له عز ومنعة. فلما كان هذا العضو يستعمل في معنى التعزز والتعظم كما وصفنا، جعل الله سمة ذل هذا الشخص على محل العز من غيره. والسمة: العلامة، والمعنى: مستلزمة عارًا لا ينمحي عنه أبدًا، نحو: جدعت أنفه؛ فإنه أشهر له، إذ لا يمكن إخفاؤه عادة. خ ر ق: قوله تعالى: {وخرقوا له بنين وبنات بغير علم} [الأنعام: 100] أي اخترقوا في ذلك وكذبوا. وأصل الخرق قطع الشيء على سبيل الفساد من غير تدبر ولا تفكرٍ، وهو عكس الخلق. ويعبر بذلك عن الحمق وقلة الحلم وعدم القناعة. يقال: رجل أخرق،

وامرأة خرقاء وهي ضد صناع. قال ذو الرمة: [من الوافر] 440 - تمام الحج أن تقف المطايا ... على الخرقاء واضعة اللثام وذلك أنه لما رأى مية أراد أن يتعلل بشيء ليكلمها فخرق دلوه ثم جاءها فقال: املئي لي دلوي. فقالت: أنا خرقاء لا صناع. فولى وعلى كتفه دلوه وقطعة حبلٍ. فقالت: يا ذا الرمة. والرمة: قطعة الحبل، فسمي بذلك، وأنشد قصيدته التي فيها هذا البيت. وبها شبهت الريح فقيل: ريح خرقاء. والخرق: الحمق. وفي الحديث: "ما كان الخرق في شيء إلا شأنه وما كان الرفق في شيء إلا زانه". واستعير منه المخرقة، وهو إظهار الخرق توصلًا إلى حيلة. والمخراق: شيء يلعب به كأنه يخرج لإظهار الشيء بخلافه. ومنه خرق الغزال يخرق: إذا لم يحسن العدو. وباعتبار القطع قيل: خرقت الثوب وخرقته. وخرقت المفازة، وهي خرقاء، وخرق وخريق وذلك مختص بالفلوات الواسعة؛ إما لإختراق الريح فيها، وإما لتخرقها في سعتها. وخص الخرق بمن يتخرق في السخاء. والخرق: ثقب الأذن. ومنه صبي أخرق وامرأة خرقاء أي مثقوبي الأذن. ومنه الحديث: "نهي أن يضحي بالشرقاء والخرقاء"؛ فالخرقاء: ما في أذنها ثقب مستدير. قوله: {إنك لن تخرق الأرض} [الإسراء: 37] أي لن تثقبها بشدة وطئك. وقيل: لن تقطعها عرضًا وطولاً. وقوله: {في السفينة خرقها} [الكهف: 71] فالمراد نقبها. ويقال: خرق وخرق وتخرق واخترق، وخلق واختلق، وبشك وابتشك، وخرص وتخرص، كلها بمعنى افترى وكذب. وفي حديث فاطمة: "حين زوجها، فلما أصبحت

فصل الخاء والزاي

دعاها فجاءت خرقة من الحياء" أي خجلة، من قولهم: خرق الغزال خرقًا إذا تحير من الفرق. فصل الخاء والزاي خ ز ن: قوله تعالى: {ولله خزائن السماوات والأرض} [المنافقون: 7]. الخزائن جمع خزانة، وهي موضع الخزن. والخزن: ستر الشيء وحفظه، ومنه: خازن المال. قال امرؤ القيس: [من الطويل] 441 - إذا المرء لم يخزن عليه لسانه ... فليس على شيء سواه بخزان يقال: خزنت المال أي سترته وغيبته. والخزانة في الأصل مصدر، وهي عمل الخازن، كالإمارة والولاية، ثم أطلقت على موضع الشيء المخزون فيه. وقيل في قوله: {ولله خزائن السماوات} إشارة إلى قدرته على ما يريد إيجاده. وقيل: إلى الحالة التي أشار إليها عليه السلام بقوله: "فرغ ربك من أربع: الخلق، والخلق، والرزق، والأجل". وقوله: {لا أقول لكم عندي خزائن الله} [الأنعام: 50]، قيل: أراد مقدوراته التي تنفع الناس، لأن الخزن ضرب من النفع. وقيل: هو قوله للشيء: "كن". وقيل: جوده الواسع وقدرته. وقال ابن عرفة: ما خزنه فأسره. يقال للسر من الحديث: مختزن. وأنشد لابن مقبل: [من البسيط] 442 - نازعت ألبابها لبي بمختزن ... من الأحاديث، حتى زدتني لينا وقال أبو بكر: معناه علم غيوب الله. وقيل للغيوب خزائن لاستتارها وخفائها. قوله: {وما أنتم بخازنين} [الحجر: 22] قيل: بحافظين له بالشكر. وقيل: إشارة إلى قوله: {أفرأيتم الماء الذي تشربون} إلى {المنزلون} [الواقعة: 68] قيل: إشارة إلى

قوله: {فأسكناه في الأرض وإنا على ذهاب به لقادرون} [المؤمنون: 18] أي نحن الخازنون له لا أنتم. قوله: {سألهم خزنتها} [الملك: 8]؛ جمع خازن نحو: خادم وخدم. سموا بذلك لأنهم يحفظون جهنم ومن يدخلها كقوله: {كلما أرادوا أن يخرجوا منها من غم أعيدوا فيها} [الحج: 22]. كالحفظة كعنى وجمعًا. وخزن اللحم: إذا أنتن، وذلك أنه إذا ادخر وخزن حصل له نتن، فكني بذلك عن نتنه كراهية لذكر النتن. خ زي: قوله: {ولا تخزني يوم يبعثون} [الشعراء: 87] أي لا تهني ولا تذلني. وقيل: لا تفضحني. وأصله من قولهم: خزي الرجل: لحقه انكسار إما من نفسه أو من غيره. فالأول هو الحياء المفرط ومصدره الخزاية، يقال منه: رجل خزيان، وامراة خزياء، والجمع خزايا. وفي الحديث: "غير خزايا ولا نادمين". والثاني هو ضرب من الاستخفاف ومصدره الخزي، ونظيره ذل وهوان، فإن ذلك من نفس الإنسان. وقيل في المصدر الهون أيضًا. والهون بالفتح محمود وبالضم مذموم. ورجل خزي وأخزى، يجوز أن يكون من الخزي والخزاية. قوله تعالى: {يوم لا يخزي الله النبي} [التحريم: 8] يحتمل أن يكون من الخزاية والخزي، والأول أقرب وقيل بالعكس. وقوله: {من تدخل النار فقد أخزيته} [آل عمران: 192]. قيل: الأولى أن يكون من الخزاية، وليس بشيء بل من الخزي؛ فقد أذللته وأهنته. قوله: {ولا تخزون في ضيفي} [هود: 78] أي لا تفضحوني. فهو من الخزاية. وقيل: خزي أي لهم ذل وهوان. وقيل: فضيحة. وقوله: {من قبل أن نذل ونخزى} قيل:

فصل الخاء والسين

نهون، والأولى أن يكون من الخزاية، لأن الذل يضم الهوان، وإما خزوته أخزوه بمعنى سسته فمادة أخرى ومعنى آخر. فصل الخاء والسين خ س أ: قوله تعالى: {قردة خاسئين} [البقرة: 65] أي أذلاء، والخاسئ: هو الصاغر القمئ. وقيل: مبعدين. يقال: أخسأته فخسئ أي أبعدته فابتعد. وخسأت الكلب أي زجرته. وقيل في قوله تعالى: {اخسؤوا فيها} [المؤمنون: 108] إنه يجوز أن يكون بمعنى ابعدوا، وأن يكون بمعنى انزجزوا كما يزجر الكلب. وقوله: {ينقلب إليك البصر خاسئًا} [الملك: 4] أي مننكصًا عن مكانه. وقيل: مزدجرًا، وذلك بالمجاز ولذلك قال بعده {وهو حسير} أي كليل تعبان. وأما الخسا بمعنى الفرد فقيل: ألفه مجهول، وقيل: بل أصلها الخسأ فيكون من هذه المادة لأن الفرد فيه بعد عن غيره. خ س ر: الخسر والخسران: نقص رأس المال، وغالب استعماله في المجازات والمعاملات والقيمات؛ قال تعالى: {ولا تخسروا الميزان} [الرحمن: 9] أي لا تنقصوه، وتحروا طريق العدل كقوله: {ولا تبخسوا الناس أشياءهم} [الأعراف: 85]. وقيل: هو إشارة إلى تعاطي ما لا يكون ميزانه به يوم القيامة خاسرًا، فيكون ممن قيل فيهم: {ومن خفت موازينه فأولئك الذين خسروا أنفسهم} [الأعراف: 9]. وقوله: {خسروا} شبههم بمن جعل نفسه سلعة تباع فخسرها، ولا خسران أكثر ممن عدم جميع رأس ماله. يقال: خسرته واخسرته إذا نقصته، قال تعالى: {وإذا كالوهم أو وزنوهم يخسرونه} [المطففين: 3] أي ينقصون.

فصل الخاء والشين

خ س ف: قوله تعالى: {فخسفنا به} [القصص: 81]. الخسف: الخرق: أي فخرقنا الأرض به وجعلناها به مخروقة كما يخرق بالوتد. يقال: خسفه الله وخسف به. وقيل: الخسف: سؤوخ الارض بما عليها. ومنه الخسيف: البئر المحفورة في حجارة يخرج منها ماء كثير. "وسأل العباس رضي الله عنه: ما عين الشعراء؟ فقال: امرؤ القيس سابقهم؛ خسف لهم عين الشعراء" فاستعار العين لذلك. وعن الحجاج وقد أمر رجلًا أن يحتفر بئرًا: "أأخسفت؟ " مكان الذل. قال القتيبي: أصله ان تربط الدابة على غير علف فاستعير للتذليل. وقيل: الخسف: النقصان، قاله الأصمعي في قول من ترك الجهاد: "سيم الخسف". وقيل: أصل ذلك من خسف القمر، كأنهم تصوروا فيه حينئذ مهانة وذلاً قال الشاعر: [من البسيط] 443 - ولا يقيم على ضيم يراد به ... إلا الأذلان: غير الحي والوتد هذا على الخسف مربوط برمته ... وذا يشج فلا يرثي له أحد ويقال: خسف القمر وكشفت الشمس؛ فالخسوف له والكسوف لها. وقيل: الخسوف والكسوف فيهما، إلا أن الكسوف لذهاب بعض ضوئهما، والخسوف لذهابه كله. ولنا فيه كلام أطول من هذا. واعتبر من خسوف القمر ذهاب للضوء. يقال: خسفت عينه فهي خاسفة، إذا غارت، وأخذ ذلك من خسفت الأرض أشبه صورة ومعنى. فصل الخاء والشين خ ش ب: قوله تعالى: {كأنهم خشب مسندة} [المنافقون: 4]. شبه المنافقين في قلة غنائهم بالخشب، ثم لم يكفه حتى جعلهم مسندة غير منتفع بها، لأن الخشب ينتفع به

في سقفٍ ونحوه وهو لا، بمنزلة خشبٍ مسندةٍ غير منتفعٍ به، بضم الشين وسكونها في السبع، وهما جمع خشبةٍ كما تقدم في: ثمرٍ وثمرٍ أنهما جمع ثمرةٍ. ويستعار الخشب لوقاحة الوجه وصلابته فيقول: وجهه خشب، كقولهم: وجهه كالصخر. قال: [من الكامل]. 444 - والصخر هش عند وجهك في الصلابة وخشبت السيف، جعلته كالخشبة، واستعير ذلك للبعير الذي لم يروض؛ فيقال: جمل خشيب كما يقال: سيف خشيب أي حديث العهد بالصقال. والأخشبان: جبلان بمكة. وكل شيءٍ خشنٍ فهو أخشب اعتبارًا بقوة الخشب. وتخشبت الإبل: أكلت الخشب. وقال عمر: «واخشوشبوا» و «واخشوشبوا» بالنون أيضًا، كله بمعنى الخشوبة مطعمًا وملبسًا. خ ش ع: قوله تعالى: {الذين هم في صلاتهم خاشعون} [المؤمنون:2] أي تائبون متذللون. والخشوع: الخضوع والتذلل. قال الليث: الخشوع قريب المعنى من الخضوع، إلا أن الخضوع في البدن والخشوع في القلب والبصر والصوت. قلت: ويشهد لذلك قوله: {فظلت أعناقهم لها خاضعين} [الشعراء:4]، {أن تخشع قلوبهم} [الحديد:16]، {وخشعت الأصوات} [طه:108] أي انخفضت. {خشعًا أبصارهم} [القمر:7] أي ذلت من الخوف، كقوله: {ينظرون من طرفٍ خفيٍ}

[الشورى: 45]. قال الراغب: الخشوع: الضراعة، وأكثر ما يستعمل الخشوع فيما يوجد من الجوارح.! والضراعة أكثر ما تستعمل في القلب. ولذلكقيل فيما روي: «إذا ضرع القلب خشعت الجوارح». قلت: «وقد رأى عليه الصلاة والسلام رجلًا بعبث في صلاته فقال: لو خشع قلب هذاخشعت جوارحه». قوله: {ترى الأرض خاشعة} [فصلت:39] استعارة شبهها حين محلها بالدليل الساكن. ثم قال: {فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت وريت} [الحج:5] وقال الراغب: تنبيهًا على تزعزعها {إذا رجت الأرض} [الواقعة:4] و {إذا زلزلت الأرض} [الزلزلة:1] ولا معنى لهذا هنا. وفي الحديث: «كانت الكعبة خشعةً فدحيت الأرض من تحتها». هي الجاثمة واللاطئة بالأرض. وأنشدوا لأبي زبيد: [من الخفيف] 445 - جازعات إليهم، خشع الأو ... داة قوتًا، تسقى ضياح المديد خ ش ي: قوله تعالى: {يخشون الناس} [النساء:77]. الخشية: أشد الخوف. وقيل: خوف يشوبه تعظيم المخوف منه وأكثر ما يكون ذلك عن علم ما يخشى منه، ولذلك خص به العلماء في قوله: {إنما يخشى الله من عباده العلماء} [فاطر:28]، وقوله: {وليخش الذين} [النساء:9] أي استشعروا خوفًا عن معرفةٍ. قوله: {ولا تقتلوا أولادكم خشية إملاقٍ} [الإسراء:31] أي لا تقتلوهم معتقدين لمخافة أن يلحقهم

فصل الخاء والصاد

إملاق. وقوله: {لمن خشي العنت} [النساء:25] أي خاف خوفًا اقتضته معرفته بذلك من نفسه. فصل الخاء والصاد خ ص ص: قوله تعالى: {ولو كان بهم خصاصة} [الحشر:9] أي فقر. وأصله من خصائص البيت وهو فرجة عن المفسدة، فعبر عن الفقر بالخصاصة كما عبر عنه بالخلة. والخص: بيت من قصبٍ أو شجرٍ، وذلك لما يرى فيه من الخصاصة. قوله: {واتقوا فتنة لا تصيبن الذين الذين ظلموا منكم خاصة} [الأنفال:25]. والخاصة: ضد العامة، أي لا تخص الظالمين بل تعمهم وتعمكم. وخاصة الرجل: من يختص به. وقال عليه الصلاة والسلام: «أهل القرآن أهل الله وخاصته». وأصلها من التخصيص، وهو تفرد بعض الشيء بما لا يشاركه فيه الجملة وبمعناه التخصص والاختصاص والخصوصية، وذلك خلاف العموم والتعمم والتعميم. وأخصاء الرجل من يختصه بضرب من الكرامة. وفي الحديث: «بادروا بأعمالكم ستًا: الدجال وكذا وخويصة أحدكم» يعني الموت، تصغير خاصة. خ ص ف: قوله تعالى: {يخصفان عليهما من ورق الجنة} [الأعراف:22]. الخصف: تطبيق بعض جلود النعل على بعضٍ، فاستعير لفعلهما ذلك بورق الجنة على بدنهما لما زال عنهما لباسهما. قيل: هو ورق التين. وفي شعر العباس رضي الله عنه يمدح سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: [من المنسرح]

446 - من قبلها طبت في الظلال وفي ... مستودعٍ، حيث يخصف الورق يشير إلى أنه كان من حين كان أبوه آدم وأمه حواء في الجنة. وقيل: معنى الآية: يجعلان عليهما خصفة وهي الأوراق. ومنه قيل لجلال الثمر خصفة: وخصفت الخصفة: نسجتها. قلت: والخصفة: هي الحصير المفترس. و «كسا تبع الكعبة خصفًا فلم يقبله». الخصف: غلاظ جدًا. وعبر بالخصافة عن الرزانة فقيل: فلان خصيف العقل ضد سخيفه، والخصيف من الطعام. قيل: وحقيقته ما جعل من اللبن ونحوه من خصفةٍ فيتلون بلونها. خ ص م: قوله تعالى: {فإذا هو خصيم مبين} [النحل:4] أي شديد الخصومة أي كثيرها. والخصومة: المنازعة، وأصلها من خصم الآخر وغيره وهو ناحيته وجانبه، وذلك أن كلا من المتخاصمين يأخذ في ناحيةٍ وجانبٍ غير الذين أخذ به صاحبه. وفي الحديث: «نسيت الدنانير في خصم فراشي» أي جانبه. وقال سهل بن حنيفٍ يوم صفين: «هذا أمر لا يسد منه خصم إلا انفتح علينا منه خصم آخر» أي جانب. والخصم يقع للواحد المذكر ولضديهما؛ تقول: رجل خصم، ورجال خصوم، وامرأة خصم لأنه في الأصل مصدر، وقد يطابق وقوله: {هذان خصمان} [الحج:19] قيل: تأويله: فريقان خصمان. ولذلك قيل: {اختصموا} [الحج:19]. فهو نظير: {وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا} [الحجرات:9]. والخصم: المختص بالخصومة.

فصل الخاء والضاد

وقوله: {وهو في الخصام غير مبينٍ} [الزخرف:18]. الخصام: مصدر خاصمته أخاصمه خصامًا ومخاصمة. ويقع الخصام للواحد المذكر وغيره كالخصم، وأشار بذلك إلى أنهم نسبوا الإناث لله وهن غير مبيناتٍ في الخصام لعجزهن. وقلما خاصمت امرأة إلا وخصمت. والجمع أخصام وخصوم. قوله: {وهم يخصمون} [يس:49] أي في أمر الدنيا، يعني أنها تأتيهم وهم مشغولون بمعايشهم كقوله: {بغتةً} [الأنعام:31]. وأصله يختصمون فأدغم. وفي الحرف قراءات وتصريف كثير أتقناه في غير هذا. فصل الخاء والضاد خ ض د: قوله تعالى: {في سدرٍ مخضودٍ} [الواقعة:28]. قيل: هو الذي خضد من شوكة أو عري. يقال: خضدت الغصن من ورقة وشوكة إذا نحيتهما عنه. وقيل: خضد شوكة أي كسر. ومنه استعير: خضد عنق البعير أي كسر. يقال: خضدته أخضده خضدًا فانخضد انخضادًا فهو مخضود، وخضيد وخضد كلاهما بمعنى مخضود، وكقتيل ونقيض. وقيل: المخضود: الذي امتلأت أغصانه ثمرًا موضع الورق. والخضد أيضًا كثرة الأكل. «ورأى معاوية رجلًا يجيد الأكل فقال: إنه لمخضد». خ ض ر: قوله: {فأخرجنا منه خضرًا} [الأنعام:99]. الخضر: الورق الأخضر، وكل شيءٍ ناعمٍ فهو خضر. ومنه استعير: «حلوة خضرة» أي غضة ناعمة طرية. والخضر أيضًا:

ضرب من الكلأ في قوله عليه الصلاة والسلام: «إلا أكلة الخضر». فالخضر: واحده خضرة، وهو ضرب من الجبنة، والجبنة من الكلا ما له أصل غامض في الأرض كالنصي والصليان. وخطب علي رضي الله عنه في آخر عمره فقال: «اللهم سلط عليهم فتي ثقيفٍ الذيال الميال يلبس فروتها ويأكل خضرتها». قال شمر: يعني هنيئها وناعمها. والخضرة: أحد الألوان، وهي بين السواد والبياض، ولكن إلى السواد أقرب. ولذلك يعبر عن السواد بالخضرة وبالعكس. ومنه سواد العراق لكثرة شجرة الخضر. وقال تعالى: {مدهامتان} [الرحمن:64]. قيل: سوداوان بشدة ريهما، وهو أحسن من أن يقال: عبر عن الخضرة بالسواد. وكتيبة خضراء: لما عليها من الحديد الأسود الذي تغلب عليه خضرة. وقوله: {ويلبسون ثيابًا خضرًا} [الكهف:31]، جمع أخضر وخضراء، نحو حمرٍ صالح لأحمر وحمراء. «ونهى عن بيع المحاضرة» أي بيع البقول والتمر قبل أن يبدو صلاحها. خ ض ع: الخضوع: الانقياد والتذلل. ومنه قوله تعالى: {فظلت أعناقهم لها خاضعين} [الشعراء:4]. وخضع يكون لازمًا ومتعديًا؛ يقال: خضعته فخضع، أي قدته فانقاد. وقوله تعالى: {فلا تخضعن بالقول} [الأحزاب:32] أي لا تلنه. يقال: خضعت المرأة بكلامها، وخضع بكلامه: ألانته له وألانه لها. وخضعت اللحم: قطعته. وظليم أخضع: في عنقه تطامن. والخضوع كما تقدم يقارب الخشوع. وتقدم الفرق بينهما.

فصل الخاء والطاء

فصل الخاء والطاء خ ط أ: قوله تعالى: {إن قتلهم كان خطًا كبيرًا} [الإسراء:31]. قال ابن عرفة: يقال: خطئ في دينه إذا أثم. ومنه الآية الكريمة. وأخطأ: إذا سلك سبيل خطأٍ عامدًا وغير عامدٍ. قال: ويقال: خطئ في معنى أخطأ، وأنشد لامرئ القيس: [من الرجز] 447 - يا لهف نفسي إذ خطئن كاهلا وقال الأزهري: الخطيئة والخطء: الإثم ويقوم مقام الخطأ، وهو ضد الصواب، وفيه لغتان: القصر وهو الجيد، والمد وهو قليل. ويقال لمن أراد شيئًا ففعل آخر، ولمن فعل غير الصواب، أخطأ أيضًا. وقيل الخطأ: العدول عن الجهة، وذلك أنواع. أحدها: أن يريد غير ما يحسن إرادته فيفعله، وهذا هو الخطأ التام المأخوذ به فاعله. ويقال منه: خطئ يخطأ خطأ وخطأة. والثاني: أن يريد ما يحسن فعله، ولكن يقع منه خلاف ما يريد. ويقال منه: أخطأ إخطاء فهو مخطئ، وهذا مصيب في إرادته مخطئ في فعله، وإياه عني بقوله عليه الصلاة والسلام: «من اجتهد فأخطأ فله أجر». وقوله: «رفع عن أمتي الخطأ والنسيان». الثالث: أن يريد ما لا يحسن فعله ويسبق منه فعله، فهذا عكس ما قبله من أنه مصيب في فعله مخطئ في إراداته. فهذا مذموم بقصده غير محمودٍ على فعله. وهذا المعنى هو الذي قصده من قال في شعره. [من الطويل] 448 - أردت مساءتي فأجرت مسرتي ... وقد يحسن الإنسان من حيث لا يدري

وجملة الأمر أن من أراد شيئًا واتفق منه غيره يقال: أخطأ، وإن وقع منه كما أراد يقال: أصاب. وقد يقال لمن فعل فعلا لا يحسن أو أراده إرادة لا تجمل: إنه أخطأ. ولهذا يقال: أصاب الخطأ، وأخطأ الصواب، وأخطأ الخطأ. وهذه اللفظة مشتركة مترددة بين معانٍ كما ترى. فيجب على من يتحرى الحقائق أن يتأملها. قوله تعالى: {وأحاطت به خطيئته} [البقرة:81]. قيل: الخطيئة والسيئة تتقاربان، لكن الخطيئة أكثر ما تقال فيما لا يكون مقصودًا إليه في نفسه، بل يكون القصد سببًا يولد ذلك الفعل كمن رمى صيدًا فأصاب إنسانًا، أو شرب مسكرًا فجنى جنايةً في سكره. والسبب سببان، سبب كشرب المسكر وما يتولد من الخطأ عنه. وسبب غير متجاف عنه. قال تعالى: {وليس عليكم جناح فيما أخطأتم به، لكن ما تعمدت قلوبكم} [الأحزاب:5] قوله: {ومن يكسب خطيئة أو إثمًا} [النساء:112]. فالخطيئة هنا ما لا يكون قصدًا إلى فعله. وقوله: {والمؤتفكات بالخاطئة} [الحاقة:9]. قيل: الخاطئة هنا مصدر على فاعلةٍ كالعافية، أي بالخطر العظيم، وقيل: وهو من شعر شاعر. والخطيئة يجوز ألا تكون مصدرًا فتكون نحو الغديرة بمعنى الغدر والنقيعة بمعنى النقع. والخاطئ المصيب للخطيئة. ومنه قوله تعالى: {لا يأكله إلا الخاطئون} [الحاقة:37]. وقوله: {نغفر لكم خطاياكم} [البقرة:58]. من الذنوب التي تعمدوا فعلها. ويجمع على خطيئاتٍ أيضًا. وقد قرئ {مما خطاياهم} [نوح:25] و «خطيئاتهم» وكذلك

{نغفر لكم خطاياكم}. ووزن خطايا فعائل لأن نظيرها من الصحيح صحيفة وصحايف. وقد أتقنا تصريفها وخلاف الناس فيها في موضعٍ يليق بها. خ ط ب: قوله تعالى: {وفصل الخطاب} [ص:20] أي ما ينفصل به الأمر بين المتخاطبين في الخصام ونحوه، لأن كلًا من الخصمين يخاطب خصمه بما ينفعه. وأصل ذلك من الخطب. والخطب: الأمر العظيم الذي يحتاج فيه إلى تخاطب. ثم عبر به عن الأمر والشأن فيقال: ما خطبه؟ قال تعالى: {ما خطبكن} [يوسف:51]، وأصله مصدر يقال: خطب وخطاب وتخاطب ومخاطبة أي مراجعة خطابٍ بين القوم. ومنه الخطبة والخطبة، إلا أن الخطبة اختصت بخطابٍ ذي وعظٍ، والخطبة بخطاب ذي طلب امرأةٍ تنكح. والخطبة في الحقيقة اسم لهيئة الخاطب نحو الجلسة. ويقال من الخطبة: بخاطب وخطيب، ومن خطبة المرأة خاطب فقط. قال تعالى: {فيما عرضتم به من خطبة النساء} [البقرة:235]. فالخطبة من الرجل للمرأة، والاختطاب من وليها للرجل. وجاء في التفسير أن فصل الخطاب قوله: أما بعد، وهذا يرد قول من قال إن أول من تكلم بها قس بن ساعدة، ويمكن أن يجاب عنه بأن داود أتى بمعنى هذا اللفظ لأن لغته غير عربيةٍ، وقس أول من تكلم بهذا اللفظ فلا منافاة. خ ط ط: قوله تعالى: {ولا تخطه بيمينك} [العنكبوت:48] أي لا تكتبه. والخط: الكتب لأنه ذو خطوطٍ. والخط: المد، والخط: كل ما له طول، وكل أرضٍ طويلةٍ فهي خط، نحو خط اليمن. وإليه تنسب الرماح، فيقال: رماح خطية، ورمح خطي. قال النابغة: [من الطويل]

449 - وهل ينبت الخطي إلا رشيجة ... وتغرس إلا في منابتها النخل وفي حديث أم زرعٍ: «وأخذ خطيا». والأصل في ذلك أن السفن تجلب الرماح إلى سيف البحرين وما حوله من القرى، وهي تسمى بالخط لما قدمنا. فنسبت الرماح إليها. والخط: الطريق؛ ألزم هذا الخط. والخطيطة: الطريقة تجمع على خطائط، كطريقة وطرائق. والخطيطة أيضًا: أرض لم تمطر بين أرضين ممطرتين كالخط المنحرف. والخطة أيضًا: الحالة، استعارة من الطريقة، ومنه قول الشاعر: [من الطويل] 450 - هما خطتا إما إسارٍ ومنةٍ ... وإما دمٍ والقتل بالحر أجدر أي هما حالتان، ويروى برفع إسارٍ وجره. وفيه بحث أتقناه في غير هذا الكتاب. والخط والخطة: ما اختطه الإنسان لنفسه وحصره. وفي الحديث «أنه ورث النساء خططهن دون الرجال»، وكان قد أعطى النساء خططًا يسكنها بالمدينة. وفي حديث معاوية بن الحكم: «أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الخط فقال: كان نبي من الأنبياء يخط، فمن وافق خطه علم مثل علمه». قال ابن عباس: هو الخط الذي يخط الحازي بمعنى المنجم وهو علم قد تركه الناس، فيأتي صاحبه إلى الحازي فيعطيه حلوانه فيقول: اقعد حتى أخط لك. قال: وبين يدي الحازي غلام معه ميل، فيأتي إلى أرضٍ رخوةٍ، فيخط الأستاذ فيها على عجل لئلا يلحقه العدد، ثم يمحوها على مهلٍ خطين خطين، فإن بقي منها خطان فهي علامة نجحٍ، وإن بقي واحد فهي علامة خيبةٍ ويسمى الأسحم. خ ط ف: قوله: {يخطف أبصارهم} [البقرة:20]. الخطف: الأخذ بسرعةٍ. يقال:

خطفه يخطفه وخطفه يخطفه. وقرئ قوله تعالى: {إلا من خطف الخطفة} [الصافات: 10] بالوجهين في السبع. ولم يقرأ «يخطف» فيها إلا بالفتح. وأما في الشاذ فقد قرئ فيه بالوجهين. وفي هذا الحرف قراءاتٌ كثيرةٌ وتصريفٌ متسعٌ لا حاجة لنا ببيانه هنا. واختطفت الشيء وتخطفته. ومنه: {ويتخطف الناس من حولهم} [العنكبوت: 67] أي بالنهب والإغارات واستلاب الأنفس والأموال في كل بدوٍ وحضرٍ بخلاف مكة ومخالفيها فإن أهلها آمنون من ذلك. والخطاف: الطائر، تصور أنه يخطف شيئاً في طيرانه. والخطاف أيضًا: الحديدة التي تدور عليها البكرة. وهو أيضًا ما يخرج به الدلو إذا وقع في الركية لما فيه من الاختطاف، والجمع خطاطيف. قال النابغة: [من الطويل] 451 - خطاطيف حجنٌ في حبالٍ متينةٍ ... تمد بها أيدٍ إليك نوازع وبازٍ مختطفٌ أي يختطف ما يصيده. والخطف: انجذاب شدة السير. وأخطف الحشا أي ضامره، كأن حشاه قد اختطف؛ يعبر به عن الخاصرة. وفي الحديث: «نهى عن الخطفة»؛ هي ما يختطفه الذئب من الشاة وهي حيةٌ كيدٍ، فلا يجوز أكلها. وفيه: «وجعلت له خطيفةً»؛ هي أن يذر دقيقٌ على لبنٍ فيعلقه الناس ويأخذونه بسرعة.

فصل الخاء والفاء

خ ط و: قوله تعالى: {خطوات} [البقرة: 168] قرئ خطوات بضمتين وضمة وسكون في السبع. وهي جمع خطوةٍ بالضم، وقرئ خطوات بفتحتين. فالخطوة: اسمٌ لما بين القدمين حال المشي، وبالفت: المرة. والمعنى: لا تسلكوا مسالكه ولا تخطوا طرائقه، فلا تذهبوا في طريق يدعوكم إليه، وهذا من أبلغ الاستعارات. جعل ما يوسوس به إليهم كطريقة طلب منهم سلوكها، وجعله دليلًا فيها وجعلهم واطئين عقبه كما تطأ المسافرة عقب الدليل الماهر بالمفازة، فلا تعدو خطوه. وهذا فائدة العدول عما لو قيل لاتبعوا الشيطان في أوامره. فصل الخاء والفاء خ ف ت: قوله تعالى: {يتخافتون بينهم} [طه: 103] أي يتسارون. وأصله من الخفوت، وهو ضعيف الصوت. قوله: {ولا تخافت بها} [الإسراء: 110] أي لا تسرها فلا يسمعك من خلفك. وأصل الخفوت السكون. ومنه خفت الميت من ذلك. قوله: {فانطلقوا وهم يتخافتون} [القلم: 23] أي يسر بعضهم إلى بعضٍ لئلا يسمعهم المساكين. وفي التفسير قصة مشهورة. وقال الشاعر: [من الطويل] 452 - وشتان بين الخفت والمنطق الجهر وقول بعض المولدين: لم يبق نفس خافت.

خ ف ض: قوله تعالى: {واخفض لهما جناح الذل من الرحمة} [الإسراء: 24] أي ألن لهما جناحك ومقالك. والخفض ضد الرفع. والخفض: اللين في السير. والخفض: الدعة. ومنه: خفض العيش. والخفض الصناعي ضد الرفع الصناعيٍّ وضمه لأنه كسرٌ أو جرٌّ على اصطلاحهم. وقوله: {واخفض جناحك لمن اتبعك من المؤمنين} [الشعراء: 215]، كقوله: {بالمؤمنين رؤوفٌ رحيمٌ} [التوبة: 128]، وقوله: {خافضةٌ رافعةٌ} [الواقعة: 3] أي تخفض قومًا إلى النار وترفع آخرين إلى الجنة، وهذا حال يوم القيامة. وكأنه أشار إلى قوله: {ثم رددناه أسفل سافلين [التين: 5] عند بعضهم وليس ذلك. والخفض أيضًا الختان. والخاتن: خافضٌ. وفي الحديث: «إذا خفضت فأشمي» أي بقي بقيةً لطيفةً. خ ف ف: قوله تعالى: {حملًا خفيفًا} [الكهف: 189]. الخفيف بإزائه الثقيل. وقد تقدمت أقسام الثقيل والخفيف؛ يقال تارةً باعتبار التضايف فيقال: درهمٌ خفيفٌ وآخر ثقيلٌ، وتارةً باعتبار تضايف الزمان نحو: فرسٌ خفيفٌ وآخرٌ ثقيلٌ إذا كان عدو أحدهما أكثر من الآخر في زمانٍ واحدٍ، وتارةً باعتبار ما يستخفه الناس. وثقيلٌ فيما يستوجبه. فالخفة هنا مدحٌ والثقل ذمٌ. ومنه قوله تعالى: {الآن خفف الله عنكم} [الأنفال: 66]، ويقرب منه: {حملت حملًا خفيفًا}. وتارةً خفيفٌ لمن فيه طيشٌ، وثقيلٌ لمن فيه رزانةٌ، وعليه قوله: {فمن ثقلت موازينه} [الأعراف: 8] {ومن خفت موازينه}

[الأعراف: 9]. فينعكس الحال فيكون الثقل مدحًا والخفة ذمًا. وتارةً خفيفًا باعتبار الجسم الذي يرجح إلى الأعلى كالهوادء والنار. وثقيلٌ باعتبار الجسم الذي يرجح إلى الأسفل كالماء والتراب، وتستعار الخفة والثقل لفصاحة النطق وعيه، ويوصف بهما اللسان فيقال: كلامه خفيفٌ أو ثقيلٌ، ولسانه خفيفٌ أو ثقيلٌ. والخفة هنا مدحٌ والثقل ذمٌ؛ يقال: خف يخف خفًا وخفةً، وخففته تخفيفًا، وتخفف تخففًا، واستخفه كأنه سأله الخفة. ومنه قوله تعالى: {فاستخف قومه فأطاعوه} [الزخرف: 54] أي سألهم الخفة وحملهم عليها فخفوا، أو فاستخفهم ولم يعبأ بشأنهم فيما أمرهم، لذلك لم يألوا عن طواعيته مع ادعائه لأعظم الأشياء. وقوله: {ولا يستخفنك} [الروم: 60] أي ولا يحملنك على الخفة بأن يزيلوك عن اعتقادك بما يقولون إليك من الشبه والنهي وإن كان للذين لا يوقنون. فالمعنى النهي له عن تعاطي أسبابه، وهو تعليم لأمته صلى الله تعالى عليه وسلم في الحقيقة, واستخفه وأخفه الطرب بمعنى حمله الطرب على الخفة. قوله: {تستخفونها يوم ظعنكم} [النمل: 80] أي يخف عليكم حملها. والمعنى تقصدون بذلك خفها. وقولهم: خفوا أي ارتحلوا عن منازلهم بخفةٍ. وعليه قول الشاعر: [من مجزوء الرمل] 453 - علموني كيف أبكيـ ... ـــهم إذا خف القطين والخف: الملبوس، سمي بذلك لخفته لكونه من جلدٍ وبه شبه خف البعير وخف النعامة ونحو ذلك. وهو في البهائم يقابل الخف. يقال: ذات الخف والافر. وفي الحديث: «إلا في خفٍ أو نصلٍ أو حافرٍ». خ ف ي: قوله تعالى: {فلا تعلم نفسٌ ما أخفي لهم من قرة أعينٍ} [السجدة: 17].

الإخفاء: الستر والتغطية. يقال: خفي الشيء وأخفيته: استتر وسترته. والخفاء: ما يستر به كالغطاء، فيقال: أخفيته إذا أوليته خفاءً أي سترته. ومنه: {أكاد أخفيها} [طه: 15] أي أسترها، فلا يطلع عليها أحدٌ. وفي التفسير: «أكاد أخفيها من نفسي» مبالغةً. وخفيته: أزلت خفاه، إذا أظهرته. وعليه قرأ الحسن «أخفيها» بفتح الهمزة، وقال امرؤ القيس: [من المتقارب] 454 - فإن تدفنوا الداء لا نخفه ... وإن تبعثوا الحرب لا نقعد وقال عبده بن الطبيب: [من البسيط] 455 - يخفي التراب بأظلافٍ ثمانيةٍ ... في أربعٍ مسهن الأرض تحليل ومنه الحديث: «أو تختفوا بقلًا» أي تظهرونه. وروي «تتحفوا» أي تقتلعوا، من حفت المرأة شعر وجهها. و «تجتفئوا» بالجيم من: جفأت القدر زبدها: ألقته. و «خوافي الجناح» لأنها دون قوادمه. والخافية: الجن، وكذا الخافي لاستتارهم. قال الأعشى: [من البسيط] 456 - يمشي ببيداء لا يمشي بها أحدٌ ... ولا يحس من الخافي بها أثر ويقابل الخفاء بالإبداء تارةً وبالإعلان أخرى. قال تعالى: {إن تبدوا الصدقات فنعما هي وإن تخفوها} [البقرة: 271] {ويعلم ما تخفون وما تعلنون} [النمل: 25]. قوله: {يعلم السر وأخفي} [طه: 7] أي وأخفى من السر- قيل: هو ما

فصل الخاء واللام

يطرأ وجوده في ضمير صاحبه. وقيل: «أخفى» فعل أي وأخفى ذلك عن خلقه، ويقابل به الظهور أيضًا. قال الشاعر: [من البسيط] 457 - لقد ظهرت فلا تخفى على أحدٍ ... إلا على أكمهٍ لا يعرف القمرا فصل الخاء واللام خ ل د: قوله تعالى: {خالدين فيها} [الحشر: 17]. الخلد: قيل: هو المكث الطويل. وقيل: هو الذي لا نهاية له. وهو أشبه بقول المعتزلة لسابهم: «عليه تخليد أهل الكبائر»، وقد حققنا هذا في «الأحكام» و «التفسير». ولو اقتضى التأبيد لما جاء مع لفظ الأبد، وأجابوا عنه بإرادة التأكيد، والأصل عدمه. وأصل الخلود تبري الشيء من أعراض الفساد، وبقاؤه على الحالة التي هي عليه. والعرب تصف بالخلود كل ما تباطأ تغيره وفساده. وكذلك وصفت الأيام بالخوالد لطول مكثها لا لدوام بقائها. وقال امرؤ القيس: [من الطويل] 458 - هل يعمن إلا سعيدٌ مخلدٌ ... قليل الهموم ما يبيت بأوجال ويقولون لمن تباطأ شيبه: مخلدٌ. يقال: خلد يخلد خلودًا إذا بقي زمنًا. قال: [من الطويل] 459 - فلو كان مجدًا يخلد الدهر واحدًا ... خلدت، ولكن ليس حي بخالد ودابةٌ مخلدةٌ: التي تخرج ثناياها وتبقى إلى أن تخرج رباعيتها. والخلد: اسم

للجزء الذي يبقى من الإنسان على حالته فلا يتغير ترعرعه ما دام الإنسان حيًا. قال الراغب: ثم استعير للمبقي دائمًا. يعني أن أصله المكث الطويل. والخلود في الجنة بقاء الأشياء التي عليها من غير أعراض فسادٍ تكون عليها. والخلد: الظن، ولذلك قالوا: وقع في خلدي كذا. وقوله تعالى: {ولكنه أخلد إلى الأرض} [الأعراف: 176] أي اطمأن وسكن إلى لذاتها، واطمأن إليها ظانًا أنه يخلد فيها. قوله تعالى: {ولدن مخلدون} [الواقعة: 17] مبقون كأهل الجنة. وحقيقته أنهم لا يتغيرون عن حالتهم التي هم عليها من الوصافة وسن الحداثة. وقيل: مفرطون، أي يكون في آذانهم القرطة، أي حلق من ذهبٍ وفضة. والجمع خلدةٌ والواحد خلدٌ، كما يقال: قرطٌ وقرطة. والإخلاد: البقية والحكم بها. ومنه: {ولكنه أخلد إلى الأرض} أي حكم بذلك ظنًّا منه، كما تقدم. خ ل ص: قوله تعالى: {إنه كان مخلصًا} [مريم: 51]. الخلوص أصله التقصي من الشيء وعدم الشركة فيه. وقرئ «مخلصًا» بكسر اللام بمعنى أخلص نفسه وطاعته لله، وبفتحها بمعنى أن الله أخلصه واصطفاه. كقوله: {إني اصطفيتك على الناس} [الأعراف: 144]. وكل ما في هذا القرآن من هذا اللفظ إذا لم يكن بعده «الدين» قرئ بالوجهين على هذين المعنيين نحو: {إنه من عبادنا المخلصين} [يوسف 24] بخلاف {مخلصين له الدين} [الأعراف: 29] فإنه لا يليق به الفتح. وقيل: الخالص الصافي. وقال آخرون: الفرق بينهما أن الخالص ما زال عنه شوبه بعد أن كان والصافي أعم من ذلك. يقال: خلصته فخلص خلوصًا. قال الشاعر: [من الوافر] 460 - خلاص الخمر من نسج الفدام

ويقال: خالصة وأخلصة، وكان التاء للمبالغة نحو رواية. قوله تعالى: {خلصوا نجيًا} [يوسف: 80] أي انفردوا وتميزوا. وقوله: {ونحن له مخلصون} [البقرة: 139] راجع إلى ما قدمناه من أنه التبري من الشيء. فإخلاص المسلمين كونهم تبرؤوا مما يدعيه اليهود من التشبيه، والنصارى من التثليث. وقوله: {إنا أخلصناهم بخالصة ذكرى الدار} [ص: 46] اخترناهم بخصلةٍ خلصناها لهم. وقرئ بإضافة خالصةٍ لذكرى وبعدمها في السبع. وقد بينا وجهي ذلك في «الدر» و «العقد» وغير ذلك. وقوله: {أستخلصه لنفسي} [يوسف: 54] أي أختص به مصطفيًا له لا يشركني فيه غيري. والإخلاص: قصد المعبود وحده بالعبادة، كما قال: {ولا يشرك بعبادة ربه أحدًا} [الكهف: 110]. خ ل ط: قوله تعالى: {خلطوا عملًا صالحًا وآخر سيئاً} [التوبة: 102] أي فعلوا هذا تارةً وهذا أخرى. وأصل الخلط الجمع بين الشيئين فأكثر، سواء كانا مائعين أو جامدين، أو أحدهما جامدًا والآخر مائعًا. وهو أعم من المزج، فإنه يختص بالمائعات. قوله: {فاختلط به نبات الأرض} [يونس: 24] من ذلك. والخليط: المجاور والشريك والصديق، ومنه: الخليط في الزكوات، والجمع خلطاء، قال تعالى: {وإن كثيرًا من الخلطاء} [ص: 24]. ويقع الخليط للواحد فأكثر، قال الشاعر: [من البسيط] 461 - إن الخليط أجدوا البين فانجردوا ... وأخلفوك عدى الأمر الذي وعدوا وقال جرير: [من البسيط]

462 - إن الخليط أجدوا البين يوم غدوا ... من دارة الجأب إذ أحداجهم زمر قوله تعالى: {وإن تخالطوهم فإخوانكم} [البقرة: 220] أي وإن تجامعوهم في النفقة والمأكل وغير ذلك، {فلا عليكم} [البقرة: 233]. وكانوا قد تحرجوا من ذلك حين نزل: {ولا تقربوا مال اليتيم} [الإسراء: 34]، إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلمًا} [النساء: 10]. وأخلط فلانٌ وخلط في كلامه إذا خلط صحيحه بفساده. وأخلط الفرس في جريه: قصر فيه، وفي حديث الإخلاط: «نهى أن يخلط الشريكان تنقيصًا للزكاة». خ ل ع: قوله تعالى: {فاخلع نعليك} [طه: 12] أي نحهما، وذلك أنهما كانا من جلد حمارٍ ميتٍ لم يدبغ. وعن بعض المتصوفة أنه كنايةٌ عن التمكين كقولك: انزع ثوبك وخفك وشمر ذيلك. وأصل الخلع الإزالة والتنحية. وقولهم: خلع عليه، أي أعطاه ثوبًا. واستفيد معنى الإعطاء من هذه اللفظة لما وصلت بعلى لا عن بمجردها. والخليع: الثوب المخلوع. والخليع أيضًا من فيه مجانةٌ؛ كأنه خلع ثوب حيائه. ومنه قولهم: خلع رسنه على الاستعارة، فهو بمعنى فاعلٍ. وتخلع أي شرب مسكرًا لأنه يصير به خليعًا. خ ل ف: قوله تعالى: {وما خلفهم} [البقرة: 255] خلف: ظرف مكان مثل وراء، وهما ضدا: أمام وقدام، وتصرفه قليل. وتخلف ضد تقدم وسلف. فالمتأخر لقصور منزلته يقال له خلف. قال تعالى: {فخلف من بعدهم خلف} [الأعراف: 169]. وفرقوا بين الصالح والطالح بفتحةٍ فقالوا: خلف سوءٍ وخلف خيرٍ. ومنه قول العلماء: أجمع عليه السلف

والخلف. وقالوا: «سكت ألفًا ونطق خلفًا» أي رديئاً من الكلام. وفي الحديث: «يحمل هذا العلم من كل خلفٍ عدوله». قال الفراء: الخلف: من يجيء بعد، وأما الخلف فما أخذ لك بدلًا لا مما أخذ منك. وتخلف فلانٌ فلانًا: إذا تأخر عنه أو جاء بعد آخر أو قام مقامه. قال الراغب: ومصدره الخلافة. قلت: حق مصدر تخلف وخلف خلافةً وهو خالفٌ أي رديءٌ أحمق. ويقال لمن يخلف آخر فيسد مسده: خلف. والخلف: أن يجيء كل واحد موضع الآخر. قال تعالى: {وهو الذي جعل الليل والنهار خلفةً} [الفرقان: 62]. وأمرهم خلفةٌ أي يأتي بعضهم خلف بعضٍ. وأصابته خلفةٌ كنايةٌ عن مشي البطن. وخلف فلانٌ فلانًا: إذا قام بالأمر بعده أو معه. والخلافة: النيابة عن الغير لغيبته أو عجزه أو موته أو تشريف المستخلف، وعلى هذا الوجه الأخير استخلاف الله أولياءه في الأرض كما قال: {ليستخلفنهم في الأرض} [النور: 55]، وقوله: {إني جاعلٌ في الأرض خليفةً} [البقرة: 30] قيل: هو بمعنى فاعلٍ لأنه خليفة الله تعالى تشريفًا له بذلك أو لأنه خلف من كان قبله من جنٍّ إن صح؛ فالتاء فيه قياسٌ. وقيل: بمعنى مفعولٍ لأن الله تعالى استخلفه في أرضه؛ فالتاء فيه ليست بقياسٍ. وقيل: كالنطيحة والذبيحة. وقوله: {وهو الذي جعلكم خلائف الأرض} [الأنعام: 165] جمع خليفةٍ نحو ظرائف وطريفةٍ. وخلفاء الأرض هو جمع خليفةٍ على معنى التذكير لا على اللفظ. والظاهر أنه جمع خليفٍ نحو ظريفٍ وظرفاء. والمخالفة: أن يأخذ كل واحدٍ طريقًا غير طريق الآخر في حاله أو فعله. قال تعالى: {وما أريد أن أخالفكم إلى ما أنهاكم عنه}

[هود: 88]. قال الأزهري: سألت أعرابيًا عن صاحبٍ لنا على الماء فقال- خالفني- أي ورد- وأنا صادرٌ. فالمعنى: لست أنهاكم عن شيءٍ وأدخل فيه. وقوله: {وإذًا لا يلبثون خلافك إلا قليلًا} [الإسراء: 76] أي بعدك فتجوز بالمكان عن الزمان. وقرئ: «خلافك». وقوله: {بمقعدهم خلاف رسول الله} [التوبة: 81] قيل: بمعنى خلفهم كما تقدم. وقيل: بمعنى مخالفته، قاله الأزهري وجوزه الراغب أيضًا في قوله: {لا يلبثون خلافك} وهو بعيد. قوله: {أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلافٍ} [الفائدة: 33] أي تقطع اليد من شق اليمين، والرجل من شق اليسار. وقوله: {فرح المخلفون} [التوبة: 81] أي المتروكون خلفه. قوله: {مع الخوالف} [التوبة: 87] يعني النساء والصبيان والشيوخ العاجزين، ووصفهم بذلك توبيخًا حيث اتصفوا بصفة المعجز. والخالف: المتخلف لنقصانٍ أو قصورٍ كالمتخلف. قال تعالى: {فاقعدوا مع الخالفين} [التوبة: 83]. والخالفة: عمود الخيمة المتأخر، ويكنى بها عن المرأة المتأخرة عن المرتجلين. وجمعها خوالف. ومنه كما تقدم {مع الخوالف}. ولا يجوز أن تكون الخوالف جمعًا لخالفٍ وهو الرجل غير النجيب لأن فاعل الوصف لا يجمع على فواعل في العقلاء إلا ما شذ، من قولهم: فارس وفوارس وناكس ونواكس. ووجدت الحي خلوفًا أي تخلفت نساؤهم عن رجالهم. ونقل أبو عبيد أنه يقال: حيٌ خلوفٌ بمعنى أنهم غيبٌ ظاعنون، ذكره في باب الأضداد. والخلف أيضًا حد الفأس الذي يكون إلى جهة الخلف. وهو ما تخلف من الأضلاع إلى ما يلي البطن. وشجر الخلاف كأنه سمي بذلك لأنه يخلف فيما يظن أو لأنه يخالف يخالف مخبره منظره.

وقوله عليه الصلاة والسلام: «لخلوف فم الصائم» يريد تغيره، يروى بضم الخاء وهو أشهر وبفتحها وهو مصدرٌ. يقال: خلف فوه يخلف خلوفًا إذا تغير. وسئل أمير المؤمنين عن قبلة الصائم فقال: «وما أربك إلى خلوف فيها» ومنه «نومة الصبح مخلفةٌ للفم». قوله: {ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك} [هو: 118 - 119]، قال ابن عباس: خلقهم فريقين: فريقًا يرحم فلا يختلف، وفريقًا، وفريقًا لا يرحم فيختلف. وقوله: {اخلفني في قومي} [الأعراف: 142] أي كن خليفتي فيهم. ولما كان الاختلاف بين الناس في القول يقتضي التنازع والجدال عبر به عن المنازعة والمجادلة. قال تعالى: {فاختلف الأحزاب من بينهم} [مريم: 37]. قوله: {وإن الذين اختلفوا في الكتاب} [البقرة: 176] يجوز أن يكون من الخلاف نحو: كفيت بمعنى اكتفيت. وقيل: لأنهم أتوا فيه بخلاف ما أنزل الله. وقوله: {لاختلفتم في الميعاد} [الأنفال: 42] يجور أن يكون من الخلاف أو من الخلف، والخلف: المخالفة في الوعد. يقال: أوعدني فأخلفني. وفي صفة المنافق: «إذا وعد أخلف». قال تعالى: {ما أخلفنا موعدك} [طه: 87]. وأخلفت فلانًا: وجدته مخلفًا نحو: أحمدته. والإخلاف: أن يسقى واحدٌ بعد آخر. وأخلف الشجر: اخضر بعد سقوط ورقه. وأخلف الله عليك أي أعطاك خلف ما ذهب منك. وأخلفه عليك أي كان لك منه خليفةٌ. وأخلف الجمل: إذا زاد على سن البزول؛ يقال له: مخلف عامٍ أو عامين، وبازل عامٍ أو عامين، وليس له بعد البزول والإخلاف سن إلا بما ذكر. والخليفى: الخلافة؛ قال

عمر رضي الله عنه «لولا الخليفى لأذنت» أي لولا شغلي بها، لا أن الأذان ينقصه كما يظن بعض الجهلة. والخلافة بالفتح: الجهل؛ يقال: ما أبين الخلافة في وجهه! وقوله: {موعدًا لن تخلفه} [طه: 97] قرئ بفتح اللام أي لابد أن تجده لأنه حق، وبكسرها أي لا تجده مخلفًا نحو: لن أحمده، أي لن أجده محمودًا. وقال عليه الصلاة والسلام في الكعبة: «ولجعلت لها خلفين» أي بابين. قال ابن الأعرابي: الخلف: المربد والخلف: الظهر. خ ل ق: قوله تعالى: {خلقكم} [البقرة: 21] أي اخترعكم وأوجدكم. وأصل الخلق التقدير المستقيم. ويستعمل في إبداع الشيء من غير أصل ولا احتذاءٍ كقوله: {خلق السماوات والأرض} [التغابن: 3] ومثله: {بديع السماوات والأرض} [البقرة: 117]. وإذا كان بمعنى الإبداع فهو يختص بالباري تعالى، ولذلك فرق بينه وبين غيره في قوله تعالى: {أفمن يخلق كمن لا يخلق} [النحل: 17]. ويستعمل في إيجاد شيءٍ من شيءٍ. قال تعالى: {خلقكم من نفسٍ واحدةٍ} [النساء: 1]. وهذا النوع قد يقدر بعض خلقه عليه، كما أقدر عيسى عليه السلام على خلق الخفاش من مادة الطين في قوله: {وإذ تخلق من الطين كهيئة الطير} [المادة: 110]. والخلق لا يطلق في الإنسان إلا بأحد معنيين: أحدهما التقدير كقوله: [من الكامل]

463 - ولأنت تفري ما خلقت، وبعـ ... ــــض القوم يخلق، ثم لا يفري يقال: خلقت الأديم أي قدرته، ولا يطلق ذلك عليه إلا بقيد نحو: فلانٌ يخلق الأديم. ولا يقال: يخلق إلا وهو خالقٌ. والثاني بمعنى الاختلاق وهو الكذب، قال تعالى: {وتخلقون إفكًا} [العنكبوت: 17]. يقال: خلق علي واختلق. وقوله: {فتبارك الله أحسن الخالقين} [المؤمنون: 14] استدل به على جواز إطلاق على غير الله أي أحسن المقدرين. وقال الراغب: أو يكون على تقدير ما يعتقدون من أن غيره يبدع، كأنه قيل: إن ثم مبدعين. فالله تعالى أحسنهم إبداعًا وإيجادًا كقوله: {أم جعلوا الله شركاء خلقوا كخلقه فتشابه الخلق عليهم} [الرعد: 16]. قلت: وقد أجيب بهذا في قوله: {أصحاب الجنة يومئذ خير مستقرًا} [الفرقان: 24] أي أنكم معتقدون أن الكفار لا يعذبون، فعلى سبيل التنزيل يكون: هؤلاء خيرٌ من هؤلاء. قوله: {فليغيرن خلق الله} [النساء: 119] أي ما يفعلونه من تشويهه بنتف اللحى والخصى وما يجري مجراهما. وقيل: حكم الله. وعن الحسن ومجاهدٍ: دين الله. وقوله: {لا تبديل لخلق الله} [الروم: 30] أي لما قضاه وقلده. وقيل: هو بمعنى النهي كقوله لا تبدلوا خلقه أي لا تغيروه، وقد تقدم. وقوله: {إلا خلق الأولين} [الشعراء: 137] أي اختلاقهم وكذبهم. وقرئ بضمتين أي كعادة الأولين. قال الراغب: وكل موضعٍ استعمل فيه الخلق في وصف

الكلام فالمراد به الكذب. ومن هذا الوجه امتنع كثيرٌ من الناس من إطلاقه لفظ الخلق على القرآن، قلت: هذا يشعر بأن لا مانع من إطلاق الخلق على القرآن إلا ذلك، وليس الأمر كذلك بل القرآن كلامه غير مخلوقٍ لأدلةٍ دللنا لها في غير هذا الموضوع كـ «القول الوجيز» و «التفسير الكبير». وزعم أبو الحسن البصري أنه لا يطلق على الل تعالى، وهو سهوٌ فاحشٌ لأن القرآن يكذبه، وقد ذكرنا له بعض اعتذارٍ في الكتب المشار إليها. والخلق مصدرٌ يراد به المخلوق كقوله: {هذا خلق الله} [لقمان: 11] مثل: درهم ضرب الأمير. والخلق والخلق بمعنى كالشرب والشرب والصرم والصرم، إلا أن الخلق اختص بالهيئات والصور والأشكال المدركة بالبصر. والخلق بالسجايا والقوى المدركة بالبصيرة. وقيدده بعضهم بالنصيب الوافر من الخير، كقوله تعالى: {وما له في الآخرة من خلاق} [البقرة: 200]. ومنه: {فاستمتعوا بخلاقهم} [التوبة: 69] أي انتفعوا به. وقولهم: هو خليقٌ بكذا أي حقيقٌ به، كأنه مخلوقٌ فيه. ونحوه: هو مجبولٌ على كذا، ومدعو إليه من جهة خلقه. ويقال: خلق الثوب وأخلق إذا بلى فهو خلقٌ ومخلقٌ وأخلاقٌ كرمةٍ. قال الراغب: «وتصورر من خلوقة الثوب الملامسة فقيل: جبلٌ أخلق، وصخرة خلقاء، وخلقت الشيء: ملسته. واخلولقت السحابة منه أو من قولهم: هو خليقٌ بكذا. قلت: ومنه قوله تعالى: {من مضغة مخلقةٍ وغير مخلقةٍ} [الحج: 5] فالمخلقة: الملساء التي لم يبدأ فيها خلقٌ ولا تخطيطٌ، وغير مخلقةٍ: هي التي بدأ فيها ذلك. وهذا موافقٌ لما قاله الراغب وصرح به الزمخشري إلا أن غيرهما لم يوافقهما. قال الفراء: مخلقة: تام الخلق، وغير مخلقةٍ: السقط. وقال ابن الأعرابي: مخلقةٌ: قد بدأ خلقه، وغير مخلقةٍ: لم يصور بعد. والخليقة: الخلق. ومنه: هم شر الخليقة. والخليقة أيضًا بمعنى الخلق. قال زهيرٌ: [من الطويل] 464 - ومهما يكن عند امرئٍ من خليقةٍ ... وإن خالها تخفى على الناس تعلم

وتخلق بكذا أي أظهر خلاف خلقه نحو تحلم أي تكلف الحلم. ومنه الحديث: «من تخلق للناس بما يعلم الله أنه ليس من نفسه شانه الله». ومنه قول الشاعر هو سالم ابن وابصة: [من البسيط] 456 - يا أيها المتخلي غير شيمته ... إن التخلق يأتي دونه الخلق والخلوق: ضربٌ من الطيب، هو زعفرانٌ يفخلط به طيبٌ غيره. خ ل ل: قوله تعالى: {خلال الديار} [الإسراء: 5] خلال الديار أي وسطها. والخلال: جمعٌ واحد خللٌ نحو جبل جبال، وجمل جمال. والخلل: الفرجة بين الشيئين. قال الشاعر: [من الوافر] 466 - أرى خلل الرماد وميض جمرٍ قوله: {ولأوضعوا خلالكم} [التوبة: 47] أي: وسعوا بينكم ووسطكم بالنميمة والإفساد. وقال الزجاج: لأسرعوا فيما يخل بكم. وقوله: {فترى الودق يخرج من خلاله} [النور: 43] أي من وسطه وقدحه. والخلال أيضًا: مفردٌ، وهو ما تخلل به الأسنان وغيرها. يقال: خل سنه وخل ثوبه بالخلا يخله، ولسان الفصيل بالخلا ليمنعه من الرضاع. وفي الحديث «خللوا أصابعكم». والخلل في الأمر: الوهن فيه تشبيهًا بالفرجة الواقعة بين الشيئين. وخل لحمه يخل خلًّا وخلالًا: إذا صار فيه خللٌ بالهزال. قال الشاعر: [من الرمل] 467 - إن جسمي بعد خالي لخل

والخل: سمي بذلك لتخلل الحموضة إياه. والخلة: ما يغطى به جفن السيف لكونه في خلالها. والخلة: الحاجة، وقيل: الفقر. وفي الحديث: «لا هم ولا هم ساد الخلة» أي اللهم جابر الحاجة. وأصلها من الاختلال العارض للنفس؛ إما لشهوتها بشيءٍ أو لحاجتها إليه. والخلة: المودة؛ قال تعالى: {ولا خلةٌ ولا شفاعةٌ} [البقرة: 254]، وذلك إما لأنها تتخلل النفس أي تتوسطها، وإما لأنها تخل النفس فتؤثر فيه بأثير السهم في الرمية حين يخلها أي يشك فيها كخلال الثوب، وإما لفرط الحاجة إليها. والخلال بمعناها؛ قال تعالى: {لا بيعٌ فيه ولا خلالٌ} [إبراهيم: 31]. يقال: خاللته خلالًا ومخالةً وخلةً. وقال كعبٌ رضي الله عنه: [من البسيط] 468 - ويلمها خلةً! لو أنها صدقت ... موعدها، أو لو ان النصح مقبول فأطلق الخلة على المرأة تجوزًا نحو: عدل. قوله: {واتخذ الله إبراهيم خليلًا} [النساء: 125] أي مخصصًا بمحبته. يقال: دعا فخلل وعمم، أي فخصص. والخليل في غير هذا قيل: لأن كلًّا من المتخالين يدخل في خلل الآخر ظاهرًا وباطنًا على التوسع، تصورًا أن كلًا منهما امتزج بالآخر لصدق تخالهما؛ فهو فعيلٌ بمعنى الفاعل أو المفعول. وقيل: سمي خليله لافتقاره وحاجته إليه؛ الافتقار المشار إليه بقوله: {رب إني لما أنزلت إلي من خير فقير} [القصص: 24]. وعلى هذا قيل: اللهم أغنني بالافتقار إليك، ولا تفقرني بالاستغناء عنك. وقيل: سمي خليلًا من الخلة. وهو المودة قال الراغب: واستعمالها فيه كاستعمال المحبة فيه، يعني أنه كما جاز أن تسند المحبة إلى الباري تعالى، فيوصف تارةً بأنه محبًّ لعبيده، وتارةً بأنه محبوبٌ لهم كقوله تعالى: {يحبهم

ويحبونه} [المائدة: 54] على معنىً يليق به فكذلك الخلة. وقال أبو القاسم البلخي: هو من الخلة لا من الخلة. ومن قاسه بالحبيب فقد أخطأ، لأن الله يجوز أن يحب عبده، لأن المحبة منه الثناء. ولا يجوز أن يخاله. قال الراغب: وهذا منه تشبيهٌ فإن الخلة من تخلل الود نفسه ومخالطته كما قال الشاعر: [من الخفيف] 469 - قد تخللت مسلك الروح مني ... وبذا سمي الخليل خليلًا ولهذا يقال: تمازج روحانا، والمحبة: البلوغ بالود إلى حبة القلب من قولهم: حببته إذا أصبت حبة قلبه. ولكن إذا استعملت المحبة في الله فالمراد مجرد الاختيار وكذا الخلة، فإن جاز في أحد اللفظين جاز في الآخر؛ فأما أن يراد بالحب حبة القلب، وبالخلة التخلل فحاشا لله أن يراد فيه ذلك. وقوله: {لا بيعٌ فيه ولا خلةٌ} [البقرة: 254] أي لا يمكن في القيامة ابتياع حسنةٍ ولا اجتلابها بمودةً، وذلك إشارةٌ إلى قوله تعالى: {وأن ليس للإنسان إلا ما سعى} [النجم: 39]. وقوله: {لا بيع فيه ولا خلالٌ} فقد قيل: هو مصدر من خاللت. وقيل: هو جمعٌ. يقال: خليلٌ وأخلةٌ وخلالٌ، والمعنى كالأول، وفي الحديث: «أتي بفصيلٍ مخلولٍ» قيل: مهزول، وقال شمر: جعل على أنفه خلالٌ لئلا يرضع. والمخلول: السمين. والهزيل يقال فيه: خلًّ ومختلًّ وهذا موافقٌ لما قدمناه. خ ل و: قوله تعالى: {وإذا خلوا إلى شياطينهم} [البقرة: 14] أي انفردوا معهم. وإنما عدي بإلى لأنه ضمن بمعنى انتهى، كأنه قيل: انتهوا إليهم في خلاءٍ. وقال بعضهم: إلى بمعنى مع كقوله تعالى: {إلى أموالكم} [النساء: 2]. وقيل: يقال: خلوت به أي انفردت أو استهزأت. فلما كان في اليابس أتي بإلى. وقال الهروي: خلوت به وإليه ومعه

فصل الخاء والميم

بمعنى. والتخلية: الترك في خلاءٍ. ثم قيل: لكل تركٍ تخليةٌ. وخلا فلانٌ: صار خاليًا. والخلاء: المكان لا ساتر فيه، ويقابله الملاء، قوله: {تلك أمةٌ قد خلت} [البقرة: 134] أي مضت. وذلك أن الخلو يستعمل في الزمان والمكان، لكن ما تصور في الزمان المضي فسر أهل اللغة قولهم: خلا الزمان، بقولهم: مضى وذهب. قوله: {يخل لكم وجه أبيكم} [يوسف: 9] أي يتفرغ لمحبتكم، وتختصون بمودته، وهو استعارةٌ من تفريغ الإناء ونحوه. وقوله تعالى: {فخلوا سبيلهم} [التوبة: 5] أي اتركوهم. وناقةٌ خليةٌ: مخلاةٌ عن الحلب. وامرأةٌ خليةٌ: مخلاةٌ عن الزوج. وهي من كنايات الطلاق. والخلية: السفينة لا ربان لها، والجمع خلايا. قال طرفة بن العبد: [من الطويل] 470 - كأن حدوج المالكية غدوةً ... خلايا سفينٍ بالنواصف من دد والخلية أيضًا: الموضع الذي تعسل فيه النحل. ورجلٌ خليٌّ أي مخليٌّ من الهم كالمطلق في قول الشاعر، هو النابغة: [من الطويل] 471 - تناذرها الراقون من سوء سمها ... تطلقه طورًا وطورًا تراجع والخلي بالقصر: الحشيش اليابس لأنه ترك وخلي حتى يبس. وخليت الخلى جززته، وخليت الدابة. جززت لها. واستعير ذلك للسيف فقيل: سيفٌ يختلي الضريبة أي يقطعها قطعة للخلي. قلت: وقياس التصريف أن يقال: خلوت الخلى، لأنه من ذوات الواو، إلا أن الراغب لم يذكر إلا خليت، فيجوز أن يكون شاذًا، وأن يكون فيه لغتان، والله أعلم. فصل الخاء والميم خ م د الخمود: السكون، وأصله في سكون النار وانطفائها. يقال: خمدت ناره، ويكنى

بذلك عن الغيظ والغز والجاه. قال الشاعر: [من البسيط] 472 - ترفع لي خندفٌ والله يرفع لي ... نارًا إذا خمدت نارهم تقد ويستعار ذلك للموت. قال تعالى: {حتى جعلناهم حصيدًا خامدين} [الأنبياء: 15] وقال تعالى: {فإذا هم خامدون} [يس: 29] أي ميتون قد سكنت حركاتهم. يقال: خمد يخمد خمودًا، وأخمدت النار وخمدتها أي أطفأتها. واستعير منه: خمدت الحمى. خ م ر: قوله تعالى: {يسألونك عن الخمر} [البقرة: 219] الخمر: ما خامر العقل أي خالطه. وقيل: من خمره أي ستره. ومنه قيل للشجر الساتر: خمرٌ. قال الشاعر: [من الوافر] 473 - ألا يا زيد والضحاك سيرا ... فقد جاوزتما خمر الطريق ومنه الخمار لما يغطى به الشيء، ثم غلب على تستر به المرأة وجهها. يقال: أخمرت المرأة وخمرت، والجمع خمر. قال تعالى: {وليضربن بخمرهن على جيوبهن} [النور: 31] وفي الحديث: «خمروا آنيتكم» أي غطوها. ودخل في خمار الناس وغمارهم أي في جماعتهم الساترة. فهذه المادة كيفما دارت دلت على الستر والمخالطة. وقيل: هو من العنب خاصةً، أو من العنب والتمر خاصةً، أو هو أعم من ذلك، خلافٌ طويلٌ أتقناه بدلائله ولله الحمد في «القول الوجيز» وغيره. وفي الحديث: «الخمر من هاتين الشجرتين: النخلة والعنبة». ومنهم من جعلهما اسمًا لغير المطبوخ، ثم

اختلفوا في كمية الطبخ المسقطة لاسم الخمرية عنه. وقيل: سمي خمرًا لملازمته الدن. والمخامرة: الملازمة. ومنه: خمرة الطيب. وخمرته: رائحته، لأنها تلازمه. وعنه استعير: "خامري أم عامر". وخمرت العجين: جعلت فيه الخمير. وسميت الخميرة بذلك لكونها مخمورةً من قبل. والخمر بفتح الميم: كل ما سترك من شجرٍ وبناء وغيرهما. ومنه قوله: [من الوافر] 474 - فقد جاوزتما خمر الطريق ويروى بالفتح والسكون. قوله: {إني أراني أعصر خمرًا} [يوسف: 63] أي عنبا، تسمية للشيء بما يؤول إليه. كما يسمى الخمر عنبًا تسميةً له بما كان عليه وما كان منه. كقول الراعي: [من الوافر] 475 - ينازعني بها ندمان صدق ... شواء الطير، والعنب الحقينا وعن الأصمعي: قال المعتمر بن سليمان: لقيت أعرابيًا معه عنبٌ، قلت: ما معك؟ قال: خمرٌ، فكأنه قال: أعصر عنبًا. ومجازه ما ذكرته لك وفي الحديث: "دخلت عليه المسجد والناس أخمر ما كانوا" أي أوفر. ومنه تخمر القوم وخمروا أي تجمعوا. ويروى "أجمر ما كانوا" وتجمروا بالجيم بالمعنى المذكور أيضًا. وفي حديث

معاذٍ: "من استخمر قومًا أولهم أحرارٌ وجيرانٌ مستضعفون فإن له ما قصر في بيته" قال ابن المبارك: أي استعبدهم. قال محمد بن كثيرٍ: هذا كلام عندنا معروفٌ باليمن لا نتكلم بغيره؛ يقول الرجل: أخمرني كذا أي ملكنيه. يريد: من استعبد قومًا في الجاهلية ثم جاء الإسلام فهم ملكه. ومعنى قصر: حبس. وفيه: "أنه كان يسجد على الخمرة" أي قدر ما يضع الرجل عليه وجهه في سجوده من حصيرٍ وغيره، وهي هذه السجادة. خ م س: قوله تعالى: {ويقولون خمسةٌ سادسهم كلبهم} [الكهف: 22] الخمسة: عددٌ معروفٌ والخميس: خامس الأسبوع، واسمه في قديم اللغة مؤنس. والخميس: الجيش. قالت أهل خيبرٍ: "محمدٌ والخميس"، سمي بذلك لأنه يخمس الغنائم. وقال الأزهري: سمي بذلك لأنه مقسومٌ على خمسة: المقدمة، والساقة، والميمنة، والميسرة، والقلب. وفي حديث معاذ: "أمرني بخميس أو لبيسٍ آخذه منكم". الخميس: ثوبٌ طوله خمس أذرع. وثوبٌ مخموسٌ قال أبو عمروٍ: وقيل له ذلك لأن أول من أمر بعمل هذه الثياب ملكٌ باليمن يقال له الخمس، فنسبت إليه. ورمحٌ مخموسٌ: طوله خمسةٌ. والخمس: من أظماء الإبل. وخمست القوم أي أخذت خمسهم أو كنت خامسهم. إلا أن العرب فرقت في المضارع فقالوا من الأول:

أخمسهم بالضم وفي الثاني أخمسهم بالكسر. خ م ص: قال تعالى: {في مخمصة} [المائدة: 3] المخمصة: مفعلةٌ من الخمص وهو ضمور البطن. ومنه: جلٌ خامصٌ وخمصان البطن، وامرأةٌ خمصانةٌ. ولما كان الجوع يؤدي إلى ضمور البطن عبر به عنه. أي فمن اضطر في مجاعةٍ. وفي الحديث: "تغدو خماصًا وتروح بطانًا" وفي الحديث أيضًا: "خماص البطون خفاف الظهور" يصفهم بالعفة. وفيه في صفته عليه الصلاة والسلام: "خمصان الأخمصين" أي متجافي الأخمص عن الأرض. والأخمص من الرجل هو ما يلاقي الأرض عند الوطء من باطن الرجل. وهو ضد الأزج. وهو من تسوى باطن رجله. وسمي الأخمص أخمص لضموره ودخوله في الرجل. وفيه: "كنت نائمًا في المسجد وعليه خميصةٌ" وهي ثوبٌ أسود معلمٌ من خز أو صوفٍ. قال الأصمعي: كان من لباس الناس. خ م ط: قوله تعالى: {أكلٍ خمطٍ} [سبأ: 16]. الخمط: أكل شجرٍ له ثمرٌ ذو مرارةٍ. وكل ما أخذ طعمًا من ذلك فهو خمطٌ. وقيل: هو شجرٌ لا شوك له قيل: الأراك، وقيل: غيره. وقرئ: "أكل خمطٍ" بإضافة الأكل إليه وعدمها، وبضم الكاف وسكونها. وقد

فصل الخاء والنون

بينا جميع ذلك في غير هذا. والخمطة أيضًا: الخمر إذا حمضت استعارة من ذلك. وتصور منه مجرد التغير فقيل: تخمط فلانٌ أي غضب، وتخمط الفحل: إذا هدر؛ تصوروا أنه غضبان. فصل الخاء والنون خ ن ز ر: قوله تعالى: {أو لحم خنزيرٍ} [الأنعام: 145] الخنزير: حيوانٌ معروفٌ، وإنما ذكر لحمه دون شحمه وعظامه وشعره، وإن كان الجميع حرامًا، لأن اللحم أعظم مقصوداته. ولذلك اختلف العلماء؛ فمنهم من قال: يحل ما عدا اللحم كالظاهر الأغبياء وقد أتقناه في "الأحكام". وقوله: {وجعل منهم القردة والخنازير} [المائدة: 60] أي مسخناهم على صورها. قيل: مسخ الشيخة خنازير والشبان قردةً، ولم يعقبوا ولم يعيشوا غير ثلاثٍ، كذا قال ابن عباسٍ. وقال آخرون: هذا إشارةٌ إلى طباعهم الرديئة وأخلاقهم القبيحة. أي أن أخلاقهم أخلاق هذين الجنسين القبيحين لا يرى في الحيوان أخبث منهما. قال الراغب: والأمران مرادان بالآية. وقد روي أن قومًا ما مسخوا خلقةً، وكذا أيضًا في الناس قومٌ إذا اعتبرت أخلاقهم وجدتها أخلاق القردة والخنازير، وإن كانت صورهم صور الناس. فقلت: ولقد صدق عليٌ: "إنه كان في عصرٍ أمثل من عصرنا". ومما يشبه ذلك ما روي عن عائشة أنها لما أنشدت قول لبيد بن ربيعة: [من الكامل] 476 - ذهب الذين يعاش في أكنافهم ... وبقيت في قومٍ كجلد الأجرب قالت: "يرحم الله لبيدًا فكيف لو عاش إلى زماننا هذا" فكل من روى هذا الحديث يقول عقبه: يرحم الله فلانًا فكيف؟.

خ ن س: قوله تعالى: {فلا أقسم بالخنس} [التكوير: 15] جمع خانسٍ وخانسةٍ، والمراد بها الكواكب لأنها تخنس بالنهار، أي تغيب فلا ترى. وقال الفراء: هي الكواكب الخمسة: زحل، والمشتري، والمريخ، وعطارد، والزهرة، وكل كوكبٍ دريٍ لأنها تخنس في مجراها أي ترجع. والخنوس: التأخر، ومنه: "فتخنس بهم النار" أي تجذبهم وتتأخر عنهم. ويقال: خنسه وأخنسه فخنس أي أخره فتأخر. وأخنست عنه حقه أي أخرته عنه. وأنشد العلاء بن الحضرمي رسول الله صلى الله عليه وسلم: [من الطويل] 477 - فإن دحسوا بالشر فاعف تكرمًا ... وإن خنسوا عنك الحديث فلا تسل وفي الحديث: "فخنس إبهامه" أي قبضها وقد صرح عليه الصلاة والسلام بذلك فقال: "الشيطان يوسوس إلى العبد فإذا ذكر الله خنس" أي انقبض. خ ن ق: قوله تعالى: {والمنخنقة} [المائدة: 3] هي الدابة تخنق بحبلٍ في عنقها فتموت، فلا تحل. وقيل: كانوا يخنقون الدابة بدل زكاتها. والمنخنقة: القلادة، تصوروا فيها.

فصل الخاء والواو

فصل الخاء والواو خ ور: قوله تعالى: {له خوارٌ} [الأعراف: 148] أي صوتٌ. واختص ذلك بالبقر، ويستعار للبعير. وقال مجاهدٌ: خواره خفيفٌ إذا دخلت الريح جوفه. والخور: اللين. ومنه: رجلٌ خوارٌ أي جبانٌ. وخار يخور، وكأنهم تصوروا أن الصوت لا يكون إلا عند خوفٍ، ولذلك يقال: الشجاع صموتٌ. وأرضٌ خوارةٌ: لينةٌ. ويقال للنوق الغزار اللبن: خورٌ، سمين بذلك لرقة لبنها. ولذلك يقولون في التي لا يغزر لبنها: الجلاد، فقابلوا بين الصلابة واللين في ذلك. وفي حديث عمروٍ: "ليس أخو الحرب من يضع خور الحشايا عن يمينه وعن شماله" يعني الموطأ منها؛ ذلك أنه تحشى حشوًا رخوًا. وهذا يناسب قوله: "اخشوشنوا" ورمحٌ خوار أي لين. والخوران: يقال لمجرى الروث، وصوت البهائم. خ وض: قوله تعالى: {وخضتم كالذي خاضوا} [التوبة: 69]. الخوض: الدخول في الحديث، وأصله الدخول في الماء؛ يقال: خاض البحر يخوضه، ثم استعير للدخول في الحديث والحرب. فقيل: فلانٌ يخوض أي يتكلم بما لا ينبغي، وغلب على الرديء من الكلام. قال تعالى: {وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا} [الأنعام: 68]. وتخاوضوا في الحديث وتفاوضوا فيه بمعنى. {وكنا نخوض مع الخائضين} [المدثر: 45] أي نوافقهم أو نرضى بما يقولون وإن لم نتكلم. ولذلك قال: {فأعرض عنهم حتى يخوضوا في حديثٍ غيره} [الأنعام: 68] لأن من رضي فعلاً أو سكت عليه عد كأنه فاعله. وقوله: {كالذي خاضوا} حذفت نونه تخفيفًا، كما حذف الآخر نون التثنية في قوله: [من الكامل]

478 - أبني كليبٍ إن عمي اللذا ... قتلا الملوك وفككا الأغلالا وقيل: الذي بمنزلة حرفٍ مصدري أي كخوضهم وليس بصحيحٍ وقد أتقنا ذلك في غير هذا. خ وف: قوله تعالى: {وآمنهم من خوف} [قريش: 4]. الخوف: توقع المكروه، ويعبر عنه بالجزع. وقيل: هو توقع المكروه لأمارةٍ مظنونةٍ أو معلومة، كما أن الطمع والرجاء توقع المحبوب لأمارةٍ مطنونةٍ أو معلومةٍ. ويقابله الأمن لما فيه من الطمأنينة. والخوف فيه قلقٌ واضطرابٌ. والخوف يكون في الأمور النيوية والأخروية. وخوف الله تعالى لا يراد به ما تعارفه الناس من الرعب كاستشعار الخوف من الأسد، إنما المراد به الانزجار عن المعاصي وتحري الطاعات وعملها. ولهذا قال بعض العلماء: لا يعد خائفًا من لم يكن للذنوب تاركًا. وقوله: {ذلك يخوف الله به عباده} [الزمر: 16] فتخويفه إياهم: حثهم على التحرز من معاصيه. قوله: {وإن خفتم شقاق بينهما} [النساء: 35] فسر بمعنى عرفتم. وحقيقته: إن وقع لكم خوفٌ لمعرفتكم. قوله: {إنما ذلكن الشيطان يخوف أولياءه فلا تخافوهم وخافون} [آل عمران: 175]. فتخويف الشيطان أولياءه -وهم أتباعه -فيما يأمرهم به أن يجعلهم خائفين عاقبة ما يسول لهم فيه، كتخويفه إياهم الإملاق، فيأمرهم بقتل الأولاد مثلاً. ونهي الله تعالى عن مخافة أوليائه عبارةٌ عن أمرهم بائتمار ما أمر الله والنهي عما أمرهم به الشيطان، فكأنه قال: لا تاتمروا للشيطان وآئتمروا لله تعالى. قوله: {وإني خفت الموالي} [مريم: 5] كأن خوفه منهم لعدم مراعاتهم

الشريعة وأمر الدين، لا أن يرثوا ماله كما ظنه بعض الجهال. [فالقنيات] الدنيوية عند الأولياء أخسمن أن يشفقوا عليها فضلاً من الأنبياء. قوله: {فأوجس في نفسه خيفةً} [طه: 67] قيل: الخيفة: الهيئة التي يكون عليها الإنسان من الخوف كالجلسة. وإنما أوجس ذلك على غيره لئلا يفتتن إذا رأى السحر، أو اعتراه ما يعترى البشر، ثم ثابت إليه نفسه المعصومة الشريفة، ولذلك عقبه بقوله: {قلنا لا تخف إنك أنت الأعلى} [طه: 68]. قوله: {واذكر ربك في نفسك تضرعًا وخيفةً} [الأعراف: 205] أي على حالةٍ مثلك من يلازمها، إشارة إلى قوله عليه السلام: "أنا أعرفكم بالله وأخوفكم منه". قوله: {والملائكة من خيفته} [الرعد: 13] إشارةٌ إلى أن الخوف منهم لربهم حالةٌ لا تفارقهم. وهو أبلغ من وصفهم بمطلق الخوف، كقوله: {يخافون ربهم من فوقهم} [النحل: 50] ولذلك عدل عنه في هذه الآية لما قرن بذكر تسبيح الرعد. والتخوف: ظهور الخوف من الإنسان، كقوله تعالى: {أو يأخذهم على تخوفٍ} [النحل: 47]. ولذلك عبر به عن التنقص في قولهم: تخوفه الدهر أي تنقصه. وعن عمر رضي الله عنه أنه قرأها على المنبر في حال خطبته فقال: "ما التخوف؟ " فسكتوا فقال رجلٌ: التخوف: التنقص، هذا لغتنا. وأنشد لابن مقبل: [من البسيط] 479 - تخوف السير منها تامكًا قردًا ... كما تصوف عود النبعة السفن أي تنقص سنامها -يعني الناقة -والتامك: السنام، والقرد: المجتمع، والسفن: آلةٌ تنحت بها الأعواد والخشب. ويحكى أن عمر قال عندها: "احفظوا ديوان العراب؛ فإن فيه تفسير كتابكم" فالمعنى أنه يأخذهم على تنقصٍ في أبدانهم وأموالهم وثمارهم.

قوله: {يريكم البرق خوفًا وطمعًا} [الرعد: 12] قيل: خوفًا من المسافر وطمعًا من المقيم. وقيل: خوفًا مما يخشى ضرره، إذ ليس كل موضعٍ ولا كل وقتٍ ينفع فيه المطر، وطمعًا مما ينتفع به. ونصبه على المفعول من أجله، وفيه بحثٌ ليس هذا موضعه. قوله: {وادعوه خوفًا وطمعًا} [الأعراف: 56] أي خوفًا من عقابه وطمعًا في ثوابه، أي خائفين طامعين، أو لأجل الخوف. وفيه إشارةٌ إلى استواء الرجاء والخوف كقوله عليه الصلاة والسلام: "لو وزن خوف المؤمن ورجاؤه لا عتدلا". خ ول: قوله تعالى: {وتركتم ما خولناكم وراء ظهوركم} [الأنعام: 94] أي أعطيناكم ومكناكم، من خولته في نعمتي. والتخويل في الأصل إعطاء الخول. والخول: الأتباع والرعاة والزراع. قال: [من البسيط] 480 - والناس خولٌ لمن دامت له نعم والخول: جمعٌ، الواحد خايل نحو خادم وخدم، وكل من أعطى إعطاءً على غير جزاءٍ يقال لع خول. قال تعالى: {ثم إذا خولناه نعمةً} [الزمر: 49]. وقيل: أعطاه ما يصير له خولاً كالعبيد والدواب ونحوهم. وقيل: أعطاه ما يحتاج إلى تعهده، مكن قولهم: فلانٌ خال مالٍ وخايل مالٍ، أي حسن القيام عليه. والخال أيضًا: شامةٌ في الجسد، وشيءٌ يعلق للوحش يخيل له به. وفي الحديث: "كان يتخولنا بالموعظة" أي يتعهدنا. وروي "يتحولنا" بالحاء المهملة. أي يتطلب أحوالنا. والمخيلة: التكبر. وفي الحديث: "كل ما شئت والبس ما شئت ما أخطأتك خلتان: سرفٌ ومخيلةٌ". وفي حديث عمر: "إنا لا نخول عليك" أي لا نتكبر.

يقال: خال الرجل واختال: تكبير فهو خالٌ، مختالٌ أي متكبرٌ. والمخيلة: السحابة الخليقة بالمطر. يقال: أخالت السماء فهي مخيلةٌ. وأخيل زيد: تخيل مطرًا في السماء، ذكره الهروي في هذه المادة، وكان من حقه أن يقال: تخول، نحو: تقوس. والظاهر أنه من ذات الياء، فسيأتي. خ ون: قوله تعالى: {لا تخونوا الله} [الأنفال: 27]. الخيانة: مخالقة الحق بنقض العهد في السر وضدها الأمانة قيل: والخيانة والنفاق واحد، إلا أن الخيانة تقال اعتبارًا بالعهد والأمانة، والنفاق اعتبارًا بالدين، ثم يتداخلان. وقيل: أصل الخيانة أن يقض المؤتمن عهدًا لك، قاله الهروي. وأنشد لزهيرٍ: [من الوافر]. 481 - بآرزة الفقارة لم يخنها ... قطاف في الركاب ولا خلاء أي لم ينقض فقارها. فخيانة العبد ربه ألا يؤدي الأمانات التي ائتمنه عليها وتحملها، كقوله: {إنا عرضا الأمانة} [الأحزاب: 72] ثم قال: {وحملها الإنسان}. قوله: {تختانون أنفسكم} [البقرة: 187]. الاختيان: مراودة الخيانة، ولذلك قال: "تختانون" ولم يقل: تخونون، لأن القوم لم يخونوا أنفسهم بل كانوا يترددون في ذلك؛ فإن الاختيان تحرك شهوة الإنسان لتحري الخيانة. وقيل: بل هو بمعنى تخونون، وقد وقع ذلك من بعضهم فيما ذكره بعضهم. قوله: {ولا تزال تطلع على خائنةٍ منهم} [المائدة: 13]. قيل: هي صفة لفرقةٍ أو جماعةٍ، أي على جماعةٍ خائنةٍ أو فرقةٍ خائنةٍ. وقيل على خائنٍ منهم، والتاء للمبالغة كرواية وداهية. وقيل: الخائنة بمعنى مصدر جاء على فاعلةٍ كالعافية والكاذبة

نحو: قم قائمًا في أحد الوجهين. وسمعت راعية الإبل وثاغية الشاء أي رعاءها وثغاءها. ومعنى: {أماناتكم} [الأنفال: 27]، قيل: أمانة بعضهم لبعضٍ كقوله: {ولا تقتلوا أنفسكم} [النساء: 29] {فسلموا على أنفسكم} [النور: 61]. وقيل: هي مصدر مضاف لمفعوله أي التي ائتمنكم الله عليها من أداء فرائضه ولزوم أوامره. ويقال: خنت فلانًا وخنت أمانته بمعنى. والخوان: المائدة سواء كان عليها طعام أو لا. تصوروا فيه الخيانة حال فقد الطعام بخلاف المائدة ويقال فيه إخوان أيضًا بلفظ إخوانٍ جمع أخٍ. قال الغرثان: [من الطويل]. 284 - ومنحر مئناثٍ تجر حوارها ... وموضع إخوانٍ إلى جنب إخوان فوزن إخوانٍ هذا إفعال، ووزن إخوانٍ جمعًا فعلان فاعرفه به، وقد ذكر الهروي الخوان في مادة خ وي وليس بصوابٍ. على أنه قيل: إنه معرب. خ وي: قوله تعالى: {خاويةٌ على عروشها} [البقرة: 259] أي ساقطة، وأصل الخواء: الخلاء. يقال: خوت الدار تخوي خوىً وخوايةً وخويًا: إذا خلت وبقيت بلا أنيسٍ. وخوى النجم وأخوى: إذا لم يكن عند سقوطه مطر، تشبيهًا بذلك. وأخوى أبلغ من خوى، كما أن أسقى أبلغ من سقى. وخوى الرجل نحو خوي فهو خوٍ: خلا جوهفه من الزاد. وخوى الجوز تشبيهًا بذلك. قوله: {أعجاز نخلٍ خاويةٍ} [الحاقة: 7] أي انقطعت من أصلها حتى خلا مكانها، كقوله في موضعٍ آخر: {منقعرٍ} [القمر: 20]. والتخوية: ترك ما بين الشيئين فرجةً. ومنه: "كان يخي في سجوده" "وكان

فصل الخاء والياء

إذا سجد خوى" أي جافى من: خوى البعير في مبركه، وخوى الفرس ما بين يديه ورجليه. و"أخذت أبا جهلٍ خوة فلا ينطق" أي فترة. وأصلها من خوى إذا خلا بطنه فجاع فلحقته تلك الخوة. ثم استعملت في كل فترةٍ، وإن لم تكن من جوعٍ. فصل الخاء والياء خ ي ب: قوله تعالى: {وخاب كل جبارٍ} [إبراهيم: 15]. الخيبة: فوت الطلب وعدم الظفر بالبغية. قوله: {فينقلبوا خائبين} [آل عمران: 127] أي لم يدركوا ما طلبوا. خ ي ر: قوله: {بيدك الخير} [آل عمران: 26]. الخير: ما يرغب فيه كل أحدٍ كالعقل والعدل والفضل والنفع. وقيل: الخير ضربان: ضرب مطلق، وهو أن يرغب فيه كل أحدٍ بكل حالٍ كما وصف عليه الصلاة والسلام به الجنة في قوله: "لا خير بخيرٍ بعده النار، ولا شر بشر بعده الجنة". وضرب خير مقيد، وهو أن يكون خير الواحد شرًا لآخر كالمال مثلاً؛ فإنه خير لمن عمل فيه صالحًا، وشر لمن اكتسبه من حرامٍ. كما قيل: إن الرجل يكسب مالاً فيدخل به النار، فيرثه ولده فيعمل فيه خيرًا، فيدخل الجنة. وإليه الإشارة بقوله: {ذلك يوم التغابن} [التغابن: 9]. وبهذا الاعتبار سماه الله خيرًا. قال: {وإنه لحب الخير} [العاديات: 8] أي المال. وقيل في قوله: {إن ترك خيرًا} [البقرة: 180] أي مالاً كثيرًا. وشاور بعض موالي علي رضي الله عنه عليًا في مالٍ يوصي به فقال: "لا، إن الله قال: إن ترك خيرًا، وليس مالك بكثيرٍ". وقال بعض العلماء: "إنما سمي المال ها هنا

خيرًا لمعنى لطيفٍ وهو أن المال إنما تحسن الوصية به إذا كان مجموعًا من وجهٍ مباحٍ". وعليه قوله: {وما تنفقوا من خيرٍ} [البقرة: 272]. وقوله: {أنما نمدهم به من مالٍ وبنين نسارع لهم في الخيرات} [المؤمنون: 55 - 56]. فسمى المال خيرًا بالنسبة إلى غير الممدود لهم كما تقدم، فمن ورث مالاً وعمل فيه بخيرٍ والخير والشر أفعلا تفضيل بمعنى أخير وأشر، إلا أنه لا ينطق بهذا الأصل إلا في ضرورةٍ أو نذورٍ كقوله: "بلال خير الناسٍ وابن الأخير". وقرئ شاذًا: {سيعلمون غدًا من الكذاب الأشر} [القمر: 26]. قوله: {وأن تصوموا خير لكم} [البقرة: 184] يجوز أن يكون غير تفضيل أي خير من الخيور، وأن يكون التفضيل أي: خير من غيره. قوله: {فيهن خيرات حسان} [الرحمن: 70]. يجوز أن يكون جمع خيرٍ الذي لا تفضيل فيه أي: خيور وحسان صفتها. ثم يجوز أن يكون على بابه وأن يكون عبر به عن نساء الجنة. وجعلهم نفس الخير مبالغة فوصفهم بالحسان لذلك. وقيل: خيرات فخفف من خيراتٍ جمع خيرة، نحو هين في هين. يقال: رجل خير وامرأة خيرة أي .... والخير والخيرة: من اختص بصفة الخير. قوله: {حب الخير عن ذكر ربي} [ص: 32] أي حب الخيل، وكان عرض عليه خيل فلم يصل العصر حتى غابت الشمس فأمر بضرب عراقيبها وأعناقها بالسيوف غضبًا لله تعالى. وكان هذا إذ ذاك مباحًا. والعرب تسمي الخيل الخير. وكان زيد الخيل

فسماه رسول الله صلى الله عليه وسلم زيد الخير. وقال: "الخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة". قوله: {لا يسأم الإنسان من دعاء الخير} [فصلت: 49]. قيل: المال. قوله: {عسى ربه إن طلقكن أن يبدله أزواجًا خيرًا منكن} [التحريم: 5]. قال ابن عرفة: لم يكن في زمانهن خيرًا منهن. وقيل: معناه إذا أغضبن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان غيرهن خيرًا منهن، بل والعياذ بالله يكن شر الناس أجمعين. قوله: {نأت بخير منها} [البقرة: 106] بمعنى إما بتخفيف ما كان ثقيلاً كثبات الواحد للإثنين بعد أن كان الثبات لعشرةٍ. وإما بكثرة ثوابه وإن كان أثقل، كصوم رمضان. وقد كان ثلاثة من كل شهرٍ أو يوم عاشوراء. قوله: {أن يكون لهم الخيرة من أمرهم} [الأحزاب: 36] أي الاختيار. قوله: {فإن خير الزاد التقوى} [البقرة: 197] هذا بمعنى التفضيل كقوله: زيد أفضل الناس. ويجوز أن يكون الخير من بين جنس الزاد. قوله: {ولقد اخترناهم على علمٍ} [الدخان: 32]. الاختيار: الاصطفاء. يقال: اخترت هذا، ويجوز أن يكون ذلك إشارة إلى اتخاذه إياهم خيرًا، وأن يكون إشارةً إلى اختيارهم على غيرهم، واصطفائهم من بينهم كما تقدم وهو الأظهر. والاختيار في عرف الفقهاء والمتكلمين هو ضد الإكراه. والمختار هو ضد المكروه. والمختار مشترك بين الفاعل والمفعول فيقال: زيد مختار لغيره، أي اختار غيره، أو هو اختيار غيره. وقيل: المختار في عرف المتكلمين يقال لكل فعلٍ يفعله الإنسان لا على سبيل الإكراه. فقولهم: هو مختار لكذا. يريدون به مايراد بقولهم: فلان له اختيار؛ فإن الاختيار أخذ ما يراه الخير.

والخير يقابل بالشر تارةً، وهو الغالب، وبالضر أخرى. قال تعالى: {وإن يمسسك الله بضر فلا كاشف له إلا هو وإن يمسسك بخيرٍ} [الأنعام: 17]. فالخير هنا: العافية والنفع بالصحة لاستعمال بدنه في عبادة ربه التي هي أم الخيور كلها. والاستخارة من العبد لربه: طلب ما عنده من الخير. وقوله: استخار الله مجازًا له من ذلك، أي ما ولاه خير ما سأله. والخيرة: الهيئة التي تحصل للمستخير والمختار، نحو القعدة والجلسة للقاعد والجالس. والاختيار: طلب ما هو خير فعله. وقد يقال لما يراه الإنسان خيرًا وإن لم يكن خيرًا. وخايرت فلانًا في كذا فخرته. وقوله: {فكاتبوهم إن علمتم فيهم خيرًا} [النور: 33] أي قوةً واكتسابًا للمال وحسن دينٍ. وقيل: إن علمتم أن ذلك يعود عليكم وعليهم بجريان القدر وأحلى النجوم، ويحصل فك رقابهم، فيحصل لكم ثواب العتق، لأن الكتابة مستحبة لأمينٍ قوي على الكسب، لأنه ربما يكاتب عاجزًا، فإذا عتق ضاع لعجزه عن نفقته على نفسه، ولأنه إذا كاتبه وهو غير كسوبٍ ربما يوهب له مال فيؤديه في كتابته فيعتق، فيصير ضائعًا، فهذا لا تستحب كتابته بل تكره. وخيار الشيء جيده. وفي الحديث: "وأعطه جملاً خيارًا رباعيًا" ويستوي فيه المذكر والمؤنث؛ يقال: جمل خيار وناقة خيار. وتخاير الرجلان إذا طلب كل منهما أن يغلب الآخر في خير ما فعلاه. وتخاير صبيان إلى الحسن بن علي في خط كتباه فقال له: "احذر يابني؛ فإن الله سائلك عن هذا" وهذا شأن مثل أمير المؤمنين في هذا القدر فكيف في غيره؟ ولا غرو من باب مدينة العلم أن يصدر عنه مثل هذا التأديب. خ ي ط: قوله تعالى: {حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود} [البقرة: 187] الخيط الأبيض: المراد به بياض النهار، والخيط الأسود: المراد به سواد الليل. وهذا من أبلغ

الاستعارات حيث شبه ضوء النهار وظلام الليل لامتدادهما بخطين ممتدين هذه صفتهما. وقيل: بل فهموا أولاً حقيقة الخيطين. فكانوا يأكلون ويشربون في الليل، ويجعلون عندهم خيطين أسود وأبيض، إلى أن يبان هذا من هذا. وعن عدي بن حاتمٍ: "عمدت إلى عقالين أسود وأبيض". ولما أخبر به رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له: "إنك لعريض الوساد"، يعني بذلك بعد فهمه لهذه الاستعارة. وما أحسن هذه الكناية منه عليه الصلاة والسلام عن عبارته، حيث عرض وساده. وأين هذا من قولهم في مثله: "عريض القفا"؟ قال الشاعر: [من الطويل]. 483 - عريض القفا ميزانه في شماله ... قد انحص من حسب القراريط شاربه ويقال: إنه لم يزل الأمر كذلك حتى نزل قوله: {من الفجر}. ويروى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما قال لعدي ما قال قال له: "إنما ذلك بياض النهار وسواد الليل". ويجمع خيط على خيوطٍ. وقوله: {حتى يلج الجمل في سم الخياط} [الأعراف: 40] هو الإبرة. يقال: خياط ومخيط نحو: إزار ومئزر، وخلاب ومخلب.

والخياط أيضًا: الخيط نفسه. وفي الحديث: "أدوا الخياط والمخيط"، أي الخيط والإبرة، وهذا من أمثلتهم في الأشياء المستبعدة، والمتعذرة، نحو: لا أفعال كذا حتى يبيض القار، ويشيب الغراب. وإلا فمعلوم أن الجمل لا يتصور ولوجه في خرم الإبر. وقد تقدم أن ابن عباسٍ كان يقول: إنه القلس وهو الحبل الغليظ في مادة ج م ل. والخيط من النعام: جماعتها تشبيهًا بالخيط، والجمع خيطان. ونعامة خيطاء: ممتدة العنق كأنه خيط. وخاط الشيء يخيطه، وخيطه تخبيطًا. وخيط الشيب في رأسه: بدا كالخيط. خ ي ل: قوله تعالى: {والخيل} [النحل: 8]، اسم جمعٍ واحده فرس. وفرسٌ يقع للذكر والأنثى. فالذكر حصان والأنثى رملة وحجر. وهو نظير الناس؛ فإنه اسم جمع ومفرده إنسان، وإنسان يقع للذكر والأنثى. ونظير الإبل؛ فإنه اسم جمعٍ واحده بعير، وبعير عند الجمهور يقع للناقة والجمل. وقيل: الخيل في الأصل اسم للأفراس والفرسان جميعًا. قال تعالى: {ومن رباط الخيل} [الأنفال: 60]. ويستعمل في كل واحدٍ منهما منفردًا نحو: "ياخيل الله اركبي". فهذا للفرسان. وقوله عليه السلام: "عفوت لكم عن صدقة الخيل" بمعنى الأفراس. قلت: أما يا خيل الله اركبي فهو من اختصار الكلام، وذلك على حذف مضافٍ تقديره: ياركاب خيل الله. ونظره الهروي بقوله عليه الصلاة والسلام: "لا يفضض الله فاك" أي لا يسقط أسنانك. فعبر عنها بالفم اختصارًا. وأصل الخيل من لفظ الخيلاء، وهي التكبر والعجب لما قيل: إنه لا يركب أحد

الخيل إلا حصل له في نفسه خيلاء ونخوة. قال هذا القائل والخيل في الأصل اسم للأفراس والفرسان جميعًا. وفي الحقيقة فالخيلاء إنما حصلت للراكب، ولكن المركوب سبب فيها، فلذلك سمي بها. قوله: {وأجلب عليهم بخيلك ورجلك} [الإسراء: 64]. قيل: هذا استعارة وتخييل لغلبة وسوسته للناس وكثرة طواعيتهم له فيما يأمرهم به، فهو بمنزلة رجلٍ أجلب على قومٍ فقهرهم وأسرهم. وقيل: كل خيلٍ تسعى في معصية الله، وكل ماشٍ في معصية الله فهو من خيله ورجله. وأصل الخيال: الصورة المجردة كالصورة المتصورة في المنام، أو في المرآة أو في القلب بعيد غيبوبة المرئي. ثم تستعمل في صورة كل متصورٍ في كل شخصٍ دقيقٍ يجري مجرى الخيال. والتخييل: تصور خيال الشيء في النفس. والتخيل: تصور ذلك. وخلت بمعنى ظننت، يقال اعتبارًا بتصور خيال المظنون. ويقال: خيلت السماء: أبدت خيالاً للمطر. وفلان مخيل بكذا أي حقيق. وحقيقته أنه مظهر خيال ذلك. والخيلاء: التكبر من تخيل فضيلةٍ يراها الإنسان من نفسه. ومنه اشتق لفظ الخيل لما يحصل لراكبها من الخيلاء على ما مر شرحه. والمخيلة: المظنة، ونحو: كان في مخيلتي كذا أي ظني. والمخيلة: السحابة الخليقة بالمطر كما تقدم. وتقدم في مادة خ ول أن الخيلاء من تلك المادة، وتقدم فيها أن في الحديث: "إنا لا نخول عليك" أي لا نتكبر. فيجوز أن يكون في هذه اللفظة لغتان، ولذلك ذكرنا ذلك في البابين. والأخيل: الشقراق لكونه متلونًا، فيخال في كل وقتٍ أنه غير اللون الأول. ولهذا قيل: [من مجزوء الكامل].

484 - كأبي براقش كل لو ... نٍ لونه يتخيل وقيل: الأخيل: طائر ذو نقط فيه خيلان جمع خالٍ، وهو الشامة التي تكون في الجسد. قال الشاعر: [من الطويل] 485 - فما طائري فيها عليك بأخيلا فمنعه من الصرف للوزن وتوهم الصفة لما ذكرنا. والصحيح في القياس الفصيح في الاستعمال أن يكون مصروفًا. وفي الحديث: "نستخيل الرهام" أي إذا نظرت إليها خلتها ماطرة: قوله تعالى: {يخيل إليه} [طه: 66] يشبه. وكل مالا أصل له فهو تخييل وتخايل. خ ي م: قوله تعالى: {حور مقصورات في الخيام} [الرحمن: 72]؛ الخيام جمع خيمة. ويقال: إن الخيمة أصلها ما كان من شجرٍ. وفي المتعارف ما كان من دغلٍ. ويقال: البيت أعمها؛ فإن كان من وبرٍ أو صوفٍ فهو خباء، وإن كان من شجرٍ فهو خيمة، وإن كان من صوفٍ فهو مظلة، وإن كان من أدمٍ فهو طراف وقبة. وفي التفسير إن هذه الخيام من لؤلؤٍ مجوفٍ. وتجمع على خيامٍ وهو الكثير، وعلى خيم. فقيل: هو مقصور من خيامٍ نحو: مخيط ومقول قصرًا من مقوال ومخياط. وقد تصور من لفظ الخيمة الإقامة فقيل: خيم فلان عندنا أي أقام. وأصله أن يضرب خيمته للإقامة. ثم جعلت كل إقامة تخييمًا وإن لم يكن خيمة. ومن أحسن ما قيل في

ذلك قول أبي بكر الخوارزمي: [من الطويل] 486 - أراك إذا أيسرت خيمت عندنا ... مقيمًا، وإن أعسرت زرت لماما فما أنت إلا البدر إن قل ضوؤه ... أغب، وإن زاد الضياء أقاما وفي الحديث: "من أحب أن يستخيم له الرجال" قال ابن قتيبة: هو من خام يخيم وخيم فهو مخيم: إذا أقام بالمكان. قال: ومعنى الحديث: من أحب أن يقوم له الرجال على رأسه كما يقام بين يدي الملوك والأمراء.

باب الدال

بسم الله الرحمن الرحيم باب الدال [فصل الدال والهمزة] [د أب] } كدأب آل فرعون {[آل عمران: 11]. [فصل الدال والباء] [د ب] الدب والدبيب: مشي خفيف، ويستعمل ذلك في الحيوان، وفي الحشرات أكثر، ويستعمل في الشراب والبلى، ونحو ذلك مما لا تدرك حركته الحاسة، ويستعمل في كل حيوانٍ وإن اختصت في التعارف بالفرس، قال تعالى:} والله خلق كل دابةٍ من ماءٍ {الآية [النور: 45]، وقال:} وبث فيها من كل دابةٍ {[البقرة: 164]،} وما من دابةٍ في الأرض إلا على الله رزقها {[هود: 6]، وقال تعالى:} وما من دابةٍ في الأرض ولا طائرٍ يطير بجناحيه {[الأنعام: 38]، وقوله تعالى:} ولو يؤاخذ الله الناس بما كسبوا ما ترك على ظهرها من دابةٍ {[فاطر: 45]، قال أبو عبيدة: عنى الإنسان خاصًة، والأولى إجراؤها على العموم. وقوله:} وإذا وقع القول عليهم أخرجنا لهم دابًة من الأرض تكلمهم {[النمل: 82]، فقد قيل: إنها حيوان بخلاف ما نعرفه يختص خروجها بحين القيامة، وقيل: عنى بها الأشرار الذين هم في الجهل بمنزلة الدواب، فتكون الدابة جمعًا لكل شيءٍ يدب، نحو: خائنةٍ جمع خائنٍ، وقوله:} إن شر الدواب عند الله {[الأنفال: 22]، فإنها عام في جميع الحيوانات، ويقال: ناقة دبوب: تدب في مشيها لبطئها، وما بالدار دبي، أي: من يدب وأرض مدبوبة: كثيرة ذوات الدبيب فيها. [د ب ر] دبر الشيء: خلاف القبل، وكني بهما عن العضوين المخصوصين، ويقال: دبر

ودبر، وجمعه أدبار، قال تعالى:} ومن يولهم يومئذٍ دبره {[الأنفال: 16]، وقال:} يضربون وجوههم وأدبارهم {[الأنفال: 50]، أي: قدامهم وخلفهم، وقال:} فلا تولوهم الأدبار {[الأنفال: 150]، وذلك نهي عن الانهزام، وقوله:} وأدبار السجود {[ق: 40]: أواخر الصلوات، وقرئ:} وإدبار النجوم {(وأدبار النجوم)، فإدبار مصدر مجعولٍ ظرفًا، نحو: مقدم الحاج، وخفوق النجم، ومن قرأ: (أدبار) فجمع يشتق منه تارًة باعتبار دبر الفاعل، وتارًة باعتبار دبر المفعول، فمن الأول قولهم: دبر فلان، وأمس الدابر،} والليل إذا أدبر {[المدثر: 33]، وباعتبار المفعول قولهم: دبر السهم الهدف: سقط خلفه، ودبر فلان القوم: صار خلفهم، قال تعالى:} أن دابر هؤلاء مقطوع مصبحين {[الحجر: 66]، وقال تعالى:} فقطع دابر القوم الذين ظلموا {[الأنعام: 45]، والدابر يقال للمتأخر، وللتابع؛ إما باعتبار المكان؛ أو باعتبار الزمان، أو باعتبار المرتبة، وأدبر: أعرض وولى دبره، قال:} ثم أدبر واستكبر {[المدثر: 23] وقال:} تدعو من أدبر وتولى {[المعارج: 17]، وقال عليه السلام: "لا تقاطعوا ولا تدابروا وكونوا عباد الله إخوانًا"، وقيل: لا يذكر أحدكم صاحبه من خلفه، والاستدبار: طلب دبر الشيء، وتدابر القوم: إذا ولى بعضهم عن بعضٍ، والدبار مصدر دابرته، أي: عاديته من خلفه، والتدبير: التفكر في دبر الأمور، قال تعالى:} فالمدبرات أمرًا {[النازعات: 5]، يعني: ملائكة موكلًة بتدبير أمورٍ، والتدبير: عتق العبد عن دبرٍ، أو بعد موته. والدبار: الهلاك الذي يقطع دابرتهم، وسمي يوم الأربعاء في الجاهلية دبارًا، قيل: وذلك تشاؤمهم به، والدبير من الفتيل: المدبور، أي: المفتول إلى خلفٍ، والقبيل بخلافه. ورجل مقابل مدابر، أي شريف من جانبيه، وشاة مقابلة مدابرة مقطوعة الأذن من قبلها ودبرها. ودابرة الطائر: أصبعه المتأخرة، ودابرة الحافر ما حول الرسغ، والدبور من الرياح معروفن والدبرة من المزرعة، جمعها دبار، قال الشاعر: على جربةٍ تعلو الدبار غروبها

فصل الدال والثاء

والدبر: النحل والزنابير ونحوهما مما سلاحها في أدبارها، الواحدة دبرة. والدبر: المال الكثير الذي يبقى بعد صاحبه، ولا يثنى ولا يجمع. ودبر البعير دبرًا، فهو أدبر ودبر: صار بقرحه دبرًا، أي: متأخرًا، والدبرة: الإدبار. [فصل الدال والثاء] [د ث ر] قال الله تعالى:} يا أيها المدثر {[المدثر: 1] أصله المتدثر فأدغم، وهو المتدرع دثاره، يقال: دثرته فتدثر، والدثار: ما يتدثر به، وقد تدثر الفحل الناقة: تسنمها، والرجل الفرس: وثب عليه فركبه، ورجل دثور: خامل مستتر، وسيف داثر: بعيد العهد بالصقال، ومنه قيل للمنزل الدارس: داثر، لزوال أعلامه، وفلان دثر مالٍ، أي: حسن القيام به. [فصل الدال والحاء] [د ح ر] الدحر: الطرد والإبعاد، يقال: دحره دحورًا، قال تعالى:} اخرج منها مذءومًا مدحورًا {[الأعراف: 18]، وقال:} فتلقى في جهنم ملومًا مدحورًا {[الإسراء: 39]، وقال:} يوقذفون من كل جانبٍ * دحورًا {[الصافات: 8 - 9]. [د ح ض] قال تعالى:} حجتهم داحضة عند ربهم {[الشورى: 16]، أي: باطلة زائلة، يقال: أدحضت فلانًا في حجته فدحض، قال تعالى:} ويجادل الذين كفروا بالباطل ليدحضوا به الحق {[الكهف: 56]، وأدحضت حجته فدحضت، وأصله من دحض الرجل، وعلى نحوه في وصف المناظرة: نظرًا يزيل مواقع الأقدام

فصل الدال والخاء

ودحضت الشمس مستعار من ذلك. [د ح ا] قال تعالى:} والأرض بعد ذلك دحاها {[النازعات: 30]، أي: أزالها عن مقرها، كقوله:} يوم ترجف الأرض والجبال {[المزمل: 14]، وهو من قولهم: دحا المطر الحصى عن وجه الأرض، أي: جرفها، ومر الفرس يدحو دحوًا: إذا جريده على وجه الأرض فيدحو ترابها، ومنه: أدحي النعام، وهو أفعول من دحوت، ودحية: اسم رجلٍ. [فصل الدال والخاء] [د خ ر] قال تعالى:} وهم داخرون {[النحل: 48]، أي: أذلاء، يقال: أدخرته فدخر، أي: أذللته فذل، وعلى ذلك قوله:} إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين {[غافر: 60]، يدخر أصله: يذتخر، وليس من هذا الباب. [د خ ل] الدخول: نقيض الخروج، ويستعمل ذلك في المكان، والزمان، والأعمال، يقال: دخل مكان كذا، قال تعالى:} ادخلوا هذه القرية {[البقرة: 58]،} ادخلوا أبواب جهنم خالدين فيها {[الزمر: 72]،} ويدخلهم جناتٍ تجري من تحتها الأنهار {[المجادلة: 22]، وقال:} يدخل من يشاء في رحمته {[الإنسان: 31]،} وقل: رب أدخلني مدخل صدقٍ {[الإسراء: 80]، فمدخل من دخل يدخل، ومدخل من أدخل،} ليدخلنهم مدخلاً يرضونه {[الحج: 59] وقوله:} مدخلاً كريمًا {[النساء: 31] قرئ بالوجهين، وقال أبو علي الفسوي: من قرأ: "مدخلاً" بالفتح كأنه إشارة إلى أنهم يقصدونه، ولم يكونوا كمن ذكرهم في قوله:} الذين يحشرون على وجوههم إلى جهنم {[الفرقان: 34]، وقوله: {إذ الأغلال في أعناقهم والسلاسل} [غافر: 71]،

ومن قرأ "مدخلاً" فكقوله:} ليدخلنهم مدخلاً يرضونه {[الحج: 59]، وادخل: اجتهد في دخوله، قال تعالى:} لو يجدون ملجأ أو مغاراتٍ أو مدخلاً {[التوبة: 57]، والدخل: كناية عن الفساد والعداوة المستبطنة، كالدغل، وعن الدعوة في النسب، يقال: دخل دخلاً قال تعالى:} تتخذون أيمانكم دخلاً بينكم {[النحل: 92]، فيقال: دخل فلان فهو مدخول، كناية عن بلهٍ في عقله، وفسادٍ في أصله، ومنه قيل: شجرة مدخولة. والدخال في الإبل أن يدخل إبل في أثناء ما لم تشرب لتشرب معها ثانيًا. والدخل طائر، سمي بذلك لدخوله فيما بين الأشجار الملتفة، والدوخلة: معروفة، ودخل بامرأته: كناية عن الإفضاء إليها، قال تعالى:} من نسائكم اللاتي دخلتم بهن فإن لم تكونوا دخلتم بهن فلا جناح عليكم {[النساء: 23]. [د خ ن] الدخان كالعثان: المستصحب للهيب، قال:} ثم استوى إلى السماء وهي دخان {[فصلت: 11]، أي: هي مثل الدخان، إشارًة إلى أنه لا تماسك لها، ودخنت النار تدخن: كثر دخانها، والدخنة منه، لكن تعورف فيما يتبخر به من الطيب. ودخن الطبيخ: أفسده الدخان. وتصور من الدخان اللون، فقيل: شاة دخناء، وذات دخنةٍ وليلة دخنانة، وتصور منه التأذي به، فقيل: هو دخن الخلق، وروي: "هدنة على دخنٍ" أي: على فساد دخلةٍ. [د ر] قال تعالى:} وأرسلنا السماء عليهم مدرارًا {[الأنعام: 6]،} يرسل السماء عليكم مدرارًا {[نوح: 11]، وأصله من الدر والدرة، أي: اللبن، ويستعار ذلك للمطر استعارًة أسماء البعير وأوصافه، فقيل: لله دره، ودر درك. ومنه استعير قولهم للسوق: درة، أي: نفاق، وفي المثل: سبقت درته غراره، نحو: سبق سيله مطره. ومنه

اشتق: استدرت المعزى، أي: طلبت الفحل، وذلك أنها إذا طلبت الفحل حملت، وإذا حملت ولدت، فإذا ولدت درت، فكني عن طلبها الفحل بالاستدرار. [د ر ج] الدرجة نحو المنزلة، لكن يقال للمنزلة: درجة إذا اعتبرت بالصعود دون الامتداد على البسيطة، كدرجة السطح والسلم، ويعبر بها عن المنزلة الرفيعة: قال تعالى:} وللرجال عليهن درجة {[البقرة: 228]، تنبيهًا لرفعة منزلة الرجال عليهن في العقل والسياسة، ونحو ذلك من المشار إليه بقوله:} الرجال قوامون على النساء ... {الآية [النساء: 34]، وقال:} لهم درجات عند ربهم {[الأنفال: 4]، وقال:} هم درجات عند الله {[آل عمران: 163]، أي: هم ذوو درجاتٍ عند الله، ودرجات النجوم تشبيهًا بما تقدم. ويقال لقارعة الطريق: مدرجة، ويقال: فلان يتدرج في كذا، أي: يتصعد فيه درجًة، ودرجة الشيخ والصبي درجانًا: مشى مشيًة الصاعد في درجه. والدرج: طي الكتاب والثوب، ويقال للمطوي: درج. واستعير الدرج للموت، كما استعير الطي له في قولهم: طوته المنية، وقولهم: من دب ودرج، أي: من كان حيًا فمشى، ومن مات فطوى أحواله، وقوله:} سنستدرجهم من حيث لا يعلمون {[الأعراف: 182]، قيل معناه: سنطويهم طي الكتاب، عبارة عن إغفالهم نحو:} ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا {[الكهف: 28]، والدرج: سفط يجعل فيه الشيء، والدرجة: خرقة تلف فتدخل في حياء الناقة، وقيل:} سنستدرجهم {معناه: نأخذهم درجًة فدرجًة، وذلك إدناؤهم من الشيء شيئًا فشيئًا، كالمراقي والمنازل في ارتقائها ونزولها. والدراج: طائر يدرج في مشيته. [د ر س] درس الدار معناه: بقي أثرها، وبقاء الأثر يقتضي انمحاءه في نفسه، فلذلك فسر الدروس بالانمحاء، وكذا درس الكتاب، ودرست العلم: تناولت أثره بالحفظ، ولما كان تناول ذلك بمداومة القراءة عبر عن إدامة القراءة بالدرس، قال تعالى: {ودرسوا ما فيه}

[الأعراف: 169]، وقال: {بما كنتم تعلمون الكتاب وبما كنتم تدرسون} [آل عمران: 79]،} وما آتيناهم من كتب يدرسونها {[سبأ: 44]، وقوله تعالى:} وليقولوا درست {[الأنعام: 105]، وقرئ:} دارست {أي: جاريت أهل الكتاب، وقيل:} ودرسوا ما فيه {[الأعراف: 169]، تركوا العمل به، من قولهم: درس القوم المكان، أي: أبلوا أثره، ودرست المرأة: كناية عن حاضت، ودرس البعير: صار فيه أثر جربٍ. [د ر ك] الدرك كالدرج، لكن الدرج يقال اعتبارًا بالصعود، والدرك اعتبارًا بالحدور، ولهذا قيل: درجات الجنة، ودركات النار، ولتصور الحدور في النار سميت هاويًة، وقال تعالى:} إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار] [النساء: 145]، والدرك أقصى قعر البحر. ويقال للحبل الذي يوصل به حبل آخر ليدرك الماء درك، ولما يلحق الإنسان من تبعةٍ درك كالدرك في البيع. قال تعالى:} لا تخاف دركًا ولا تخشى {[طه: 77]، أي: تبعًة. وأدرك: بلغ أقصى الشيء، وأدرك الصبي: بلغ غاية الصبا، وذلك حين البلوغ، قال:} حتى إذا أدركه الغرق {[يونس: 90]، وقوله:} لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار {[الأنعام: 103]؛ فمنهم من حمل ذلك على البصر الذي هو الجارحة؛ ومنهم من حمله على البصيرة، وذكر أنه قد نبه به على ما روي عن أبي بكر رضي الله عنه في قوله: (يا من غاية معرفته القصور عن معرفته) إذ كان غاية معرفته تعالى أن تعرف الأشياء فتعلم أنه ليس بشيء منها، ولا بمثلها بل هو موجد كل ما أدركته. والتدارك في الإغاثة والنعمة أكثر، نحو قوله تعالى:} لولا أن تداركه نعمة من ربه {[القلم: 49]، وقوله:} حتى إذا اداركوا فيها جميعًا {[الأعراف: 38]، أي: لحق كل بالآخر. وقال:} بل ادارك علمهم في الآخرة {[النمل: 66]، أي: تدارك، فأدغمت التاء في الدال، وتوصل إلى السكون بألف الوصل، وعلى ذلك قوله تعالى:} حتى إذا اداركوا فيها {[الأعراف: 38]، ونحوه:} اثاقلتم إلى الأرض {[التوبة: 38]، و} اطيرنا بك {[النمل: 47]، وقرئ:} بل أدرك علمهم في الآخرة {[سورة النمل: 66]، وقال الحسن: معناه

جهلوا أمر الآخرة، وحقيقته انتهى علمهم في لحوق الآخرة فجهلوها. وقيل معناه: بل يدرك علمهم ذلك في الآخرة، أي: إذا حصلوا في الآخرة؛ لأن ما يكون ظنونًا في الدنيا، فهو في الآخرة يقين. [د ر هـ م] قال تعالى:} وشروه بثمنٍ بخسٍ دراهم معدودةٍ {[يوسف: 20] الدرهم: الفضة المطبوعة المتعامل بها. [د ر أ] الدرء: الميل إلى أحد الجانبين، يقال: قومت درأه، ودرأت عنه: دفعت عن جانبه، وفلان ذو تدرئٍ، أي: قوي على دفع أعدائه ودارأته: دافعته. قال تعالى:} ويدرؤون بالحسنة السيئة {[الرعد: 22]، وقال:} ويدرأ عنها العذاب {[النور: 8] وفي الحديث: "ادرءوا الحدود بالشبهات" تنبيهًا على تطلب حيلةٍ يدفع بها الحد، قال تعالى:} قل فادرءوا عن أنفسكم الموت {[آل عمران: 168]، وقوله:} فادارءتم فيها {[البقرة: 72] هو تفاعلتم، أصله: تدارأتم، فأريد منه الإدغام تخفيفًا، وأبدل من التاء دال فسكن للإدغام، فاجتلب لها ألف الوصل فحصل على افاعلتم. قال بعض الأدباء: ادارأتم افتعلتم، وغلط من أوجهٍ: أولا: أن ادارأتم على ثمانية أحرفٍ، وافتعلتم على سبعة أحرفٍ. والثاني: أن الذي يلي ألف الوصل تاء، فجعلها دالاً. والثالث: أن الذي يلي الثاني دال، فجعلها تاًء. والرابع: أن الفعل الصحيح العين لا يكون ما بعد تاء الافتعال منه إلا متحركًا، وقد جعله هاهنا ساكنًا. الخامس: أن هاهنا قد دخل بين التاء والدال زائد. وفي افتعلت لا يدخل ذلك. السادس: أنه أنزل الألف منزل العين، وليست بعينٍ. السابع: أن افتعل قبله حرفان، وبعده حرفان، وادارأتم بعده ثلاثة أحرفٍ.

فصل الدال والراء

فصل الدال والراء د ر ي: مداراة الناس: أن تلاينهم ولا تنفرهم، وأصله من دريت الصيد: إذا أسرعت عنه بشيءٍ لترميه لئلا يفر. قيل: والدراية: المعرفة المدركة بضربٍ من الختل؛ يقال: دريته ودريت به نحو فطنته وشعرت به. وادري: افتعل، من ذلك. قال: [من الوافر] 487 - وماذا يدري الشعراء مني ... وقد جاوزت حد الأربعين والدريئة: لما يتعلم عليه الطعن. والدريئة أيضًا: ناقة يرسلها الصائد ليتأنس بها الصيد فيرميه. والمدري لقرن الشاة والثور لما فيه من دفع من يعدو عليهما وقتله. ومنه استعير المدرى لعودٍ تصلح به الماشطة شعر العروس. قال امرؤ القيس: [من الطويل] 488 - غدائره مستشزرات إلى العلا ... تضل المداري في مثنى ومرسل المداري: جمع مدرى. ولا تستعمل الدراية في الله تعالى، كما لا يجوز ذلك في العرفان، لما بيناه في غير هذا الكتاب، ولما سيأتي في مادة العين إن شاء الله تعالى. فأما قوله: [من الرجز] 489 - لا هم لا أدري وأنت الداري قال الراغب: فمن تعجرف أجلاف العرب. قلت: ومثله قول الآخر: [من الطويل] 490 - فلم يدر إلا الله ما هيجت لنا ... عشية آناء الديار وشامها

فصل الدال والسين

قيل: وكل موضعٍ ورد في القرآن بلفظ "وما أدراك" فإنه وقع بعده بيانه نحو:} وما أدراك ماهيه، نار حاميةٍ {[القارعة: 10 - 11]. وكل موضع لفظ فيه "وما يدريك" لم يعقبه بذلك نحو:} وما يدريك لعل الساعة قريب {[الشورى: 17]. فصل الدال والسين د س ر: قوله تعالى:} وحملناه على ذات ألواحٍ وسرٍ {[القمر: 13]؛ قيل: الدسر: المسامير، الواحد دسار. وقال الراغب: دسر، يقال: دسرت الشيء أي دفعته. وأصل الدسر: الدفع الشديد. ودسرت المسمار من ذلك. وقال عمرو بن أحمر: [من الرجز] 491 - ضربا هذا ذيك وطعنًا مدسرا وفي حديث عمر رضي الله عنه: "فيدسر كما يدسر الجزور". وسئل ابن عباسٍ عن زكاة العنبر فقال: "شيء دسره البحر". وسأل الحجاج سنانًا - لعنه الله - قاتل الحسين رضي الله عنه وأرضاه: "أنت قتلت الحسين؟ قال: نعم هبرته بالسيف هبرًا ودسرته بالرمح دسرًا" قيل: دفعته دفعًا عنيفًا، وقيل: سمرته به كما يسمر بالدسار. وقال الحسن: الدسر: صدر السفينة لأنها تدسر الماء أي تدفعه بصدرها. وقيل: هي أضلاعها. وقيل: شرطها التي تشد بها كما تشد بالمسامير. وقيل: أصلها وطرفاها. وقال الهروي: قيل: هي خرز السفينة، وقيل هي السفن أنفسها وليس بظاهرٍ.

فصل الدال والعين

د س س: قوله تعالى:} أم يدسه في التراب {[النحل: 59]. الدس: الإدخال في الشيء بنوعٍ من الإكراه، ويعبر به عن الإخفاء أيضًا. وقيل في المثل: "ليس الهناء بالدس". يقال دس البعير بالهناء. قوله تعالى:} وقد خاب من دساها {[الشمس: 10] من ذلك، والأصل دسسها بمعنى أحملها وأخفاها عن حظها الوافر. وكل شيءٍ أخفيته وقللته فقد دسته، وهل الفاعل ضمير من؟ أي: من أخمل نفسه وتعاطى ما أخملها به، أو الله تعالى لأنه يفعل ما يشاء؟ قولان شهيران. وإنما أبدل من أحد الأمثال جزء لين تخفيفًا نحو: قضيت أظفاري: [من الرجز] 492 - تقضي البازي إذا البازي كسر فصل الدال والعين د ع ع: قوله تعالى:} فذلك الذي يدع اليتيم {[الماعون: 2]، أي يدفعه في صدره بعنفٍ. والدع: الدفع الشديد، ومنه أيضًا:} يوم يدعون إلى نار جهنم دعًا {[الطور: 13]. قال الراغب: وأصله أن يقال للعاثر: دع دع، كما يقال له: لعًا. قلت: لو كان كما قال لقيل: يدعدعون ويدعدع، هذا من جهة اللفظ. وأما من جهة المعنى فلا يصح أيضًا. د ع و: قوله تعالى:} دعوا الله {[يونس: 22]، أي استغاثوا به. قيل: والدعاء كالنداء

إلا أن النداء قد يقال إذا قيل: "يا" و "أيا"، وإن لم يضم معه اسم. والدعاء لا يكاد يقال إلا ومعه اسم المدعو نحو: يا فلان. وقد يقع كل منهما موقع الآخر، ويستعمل استعمال التسمية فيتعدى تعديتها لاثنين إلى ثانيها بجزء الجزء. قال الشاعر: [من الطويل] 493 - دعتني أخاها أم عمروٍ ولم أكن ... أخاها ولم أرضع لها بلبان دعتني أخاها بعد ما كان بيننا ... من الفعل ما لا يفعل الأخوان قوله تعالى:} لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضًا {[النور: 63] قيل: يجوز أن يكون من معنى التسمية أي لا تخاطبوه باسمه فتقولون: يا محمد، كما يقول أحدكم للآخر، ولكن قولوا كما خاطبه الله تعالى بقوله:} يا أيها النبي {} يا أيها الرسول {. وقيل لا تدعوه برفع الصوت كما ترفعونه على بعضكم، فهو في معنى قوله:} ولا تجهروا له بالقول {[الحجرات: 2]. وقيل: لا تجعلوه كواحدٍ منكم في الأمر والنهي إذا أمر أحدكم أجاب إن شاء، ولم يجب إن شاء. وكذا إذا نهي، يجب عليكم أمره ونهيه بدليل قوله:} قد يعلم الله الذين يتسللون منكم {[النور: 63]. ويعبر به عن السؤال وعن الاستعانة، ومنه: "دعوا الله" أي سألوه حوائجهم واستعانوه عليها. قوله:} ضل من تدعون إلا إياه {[الإسراء: 67] تنبيه على أنهم إذا دهمتهم شدة لم يلهجوا إلا باسمه، ولم يخطر ببالهم غيره مما كانوا يعبدونه في الرخاء من الأصنام ونحوها. قوله} دعوا هنالك ثبورًا {[الفرقان: 13] أي نادوا الهلاك واستغاثوا به؛ يقولون: يا هلاك هذا حينك. وهو مجاز وقيل قولهم: يا حسرتاه، والهفاه، ونحو ذلك. قوله:} فما كان دعواهم {[الأعراف: 5] الدعوى بمعنى الأدعاء قاله الأزهري. ويكون بمعنى الدعاء؛ قال تعالى:} وآخر دعواهم أن الحمد لله رب العالمين {[يونس: 10]. قوله:} له دعوة الحق {[الرعد: 14] قيل: شهادة أن لا إله إلا الله. قوله:} وادعوا شهداءكم {[البقرة: 23] أي استغيثوا بهم. قوله: {وإن

تدع مثقلةً} [فاطر: 18] أي إذا استغاثت نفس مثقلة بذنوبها نفسًا أخرى، كأمها وأبيها، إلى حمل ذنوبها لم تجب إلى ذلك. قوله:} دعواهم فيها سبحانك اللهم {[يونس: 10]. قال ابن عباسٍ: إذا اشتهى أهل الجنة شيئًا قالوا: سبحانك اللهم، فيجيئهم ما يشتهون. فإذا طعموا مما آتاهم الله تعالى قالوا: الحمد لله رب العالمين؛ وذلك قوله:} وآخر دعواهم {[يونس: 10] الآية. قوله:} ولهم ما يدعون {[يس: 57] أي يتمنون، يقال: ادع علي ما شئتٍ. وقوله:} هذا الذي كنتم به تدعون {[الملك: 27] أي تتمنون محبته، استهزاًء. وهو معنى قول من قال: تستبطئون. قوله:} تدعو من أدبر {[المعارج: 17] قال ثعلب: تنادي الكافر باسمه، واستشهد بحديث ابن عباسٍ في ذلك وقال: يعذب بإجلاله. عن النضر بن شميل، عن الخليل قيل: إنه كان يعتقد أن جهنم لا تتكلم. وحكى الخليل عن أحد رجلين من العرب قال للآخر: دعاك الله، أي عذبك، وقيل: معناه أماتك ف لاحجة فيه. وقيل: دعهم، فعلت الأفاعيل. والعرب تقول: دعانا غيث وقع بناحية كذا، أي كان سببًا في انتجاعنا؛ قال ذو الرمة: [من البسيط] 494 - أمسى بوهبين مجتازًا لمرتعه ... من ذي الفوارس يدعو أنفه الريب وقال أيضًا: [من الطويل] 495 - دعت مية الأعداد واستبدلت بها ... خناطيل آجالٍ من العين خذل وما دعاك إلى كذا، أي حملك عليه وجرك إليه.

قوله: {أن دعوا للرحمن ولدًا} [مريم: 91] أي جعلوا وسموا. قال ابن أحمر يصف عينه حين أصابها سهم: [من البسيط] 496 - أهوى لها مشقصًا حشرًا فشبرقها ... قد كنت أدعو قذاها الإثمد القردا أي أجعل وأسمي. والدعاء: العبادة أيضًا؛ كذلك سماه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومنه قوله:} لن ندعو من دونه إلهًا {[الكهف: 14] أي لن نعبد،} وقال ربكم ادعوني أستجب لكم {[غافر: 60] أي اعبدوني بدليل} الذين يستكبرون عن عبادتي {[غافر: 60]} وأعتزلكم وما تدعون من دون الله {[مريم: 48] أي تعبدون. قوله:} وما جعل أدعياءكم أبناءكم {[الأحزاب: 4]؛ الأدعياء جمع دعي: الذي تبناه رجل دعاه وابنه كقصة زيد بن حارثة لما تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم امرأته زينب، فقال المشركون والمنافقون: كيف تزوج امرأة ابنه؟ فنفى الله ذلك عنه صلى الله عليه وسلم. وفي الحديث: إن الله بنى دارًا واتخذ مأدبًة ودعا الناس إليها، هو من الدعوة وهي الدعاء إلى الوليمة. وقال عليه الصلاة والسلام للحالب: "دع داعي اللبن" هذا مثل، وذلك أنه أمر الذي يحلب أن يبقي في الضرع قليل بنٍ؛ فإنه إذا أبقى فيه ذلك استدعى ذلك القليل بقية اللبن في الضرع، وإذا استقصاه كله أبطأ في دره. فعبر عنه صلى الله عليه وسلم بهذه العبارة اللطيفة والاستعارة البديعة. قوله:} يا موسى ادع لنا ربك {[الأعراف: 134] أي سل. والدعاء قد يعبر به

فصل الدال والفاء

عن الحث على قصد الشيء، وعليه قوله: [من الطويل] 497 - دعاني إليها القلب أني أحبها وقوله:} ليس له دعوة في الدنيا {[غافر: 43] أي رفعة وتنويه عكس من قال في حقه:} وتركنا عليه في الآخرين {[الصافات: 78] لما سأل ربه وقال:} اجعل لي لسان صدقٍ في الآخرين {[الشعراء: 84]. والدعوة: بالكسر مختصة بادعاء النسب، وهي الحالة التي عليها الإنسان من الدعوى. والدعوة: بالفتح بمعنى الدعاء والسؤال. والدعوة: بالضم الوليمة. والادعاء: أن يدعى شيئًا له. أو أنه من بني فلان كقوله: [من البسيط] 498 - إنا بني نهشلٍ لا ندعي لأبٍ ... عنه ولا هو بالأبناء يشرينا والإدعاء في الحرب: الاعتزاء إليه من ذلك، ولذلك قيل: هو ابن الحرب، لمن يلازمها. والدعوة: الأذان، ومنه قوله تعالى:} ومن أحسن قولاً ممن دعا إلى الله {[فصلت: 33]. قالت عائشة: هم المؤذنون. وفي الحديث: "الخلافة في قريشٍ والحكم في الأنصار والدعوة في الحبشة" أي الأذان لأجل بلالٍ رضي الله عنه. فصل الدال والفاء د ف أ: قوله تعالى:} لكم فيها دفء ومنافع {[النحل: 5] الدفء: اسم لما يدفأ به من البرد، وأشار بذلك إلى ما يتخذ من أصوافها وأوبارها وأشعارها من الأخبية والجباب

والأكسية ونحوها مما يمنع من البرد. وعبر الراغب بالدفء عما يدفئ، فعلا بمعنى فاعلٍ، والأولى ما قدمته؛ فإن فعلاً كثر بمعنى المفعول نحو ذبحٍ وطحنٍ. وعن ابن عباسٍ: إن "الدفء" نسل كل دابةٍ. وعن الأموي: الدفء عند العرب نتائج الإبل والانتفاع بها، وفي الحديث: "لنا من دفئهم وصرامهم" أي من إبلهم وغنمهم. قال الهروي: وقد سماها "دفء" لأنه يتخذ من أصوافها وأوبارها وأشعارها ما يدفأ به. وقد صرح الفراء بما قدمته فقال: والدفء ما يستدفأ بأصوافها. ويقال: دفئ الرجل فهو دفىن. وتدفأ بالمكان. ودفؤ الزمان فهو دفيء. وفي الحديث: "أنه أتي باسيرٍ توعك، فقال: "أدفوه" يريد: ادفئوه، ففهموا عنه القتل فقتلوه. فوداه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وذلك إنما قال: أدفوه بغير همز لأنه ليس من لغته الهمز، قال الهروي. ثم قال: ولو أراد القتل لقال دافوه أو دافوه، يقال: داففت الأسير ودافيته: أي أجهزت عليه. والدفأ: الانحناء؛ يقال منه: رجل أدفأ وامرأة دفأى. وفي حديث الدجال. "فيه دفأ". د ف ع: قوله تعالى:} ولولا دفع الله الناس {[البقرة: 251] الدفع إن عدي بإلى فمعناه الإنالة، كقوله:} فادفعوا إليهم أموالهم {[النساء: 6]. وإن عدي بعن فمعناه الحماية كقوله:} إن الله يدافع عن الذين آمنوا {[الحج: 38]، قبوله: {ما له من دافعٍ}

فصل الدال والكاف

[الطور: 8] أي مانعٍ وحامٍ. وقرئ: {دفع الله {و} دفاع الله {تنبيهًا على المبالغة في الدفع عن خلقه فأبرزه في صورة المفاعلة. والمدفع: ما يدفعه كل أحدٍ. والدفعة من المطر. والدفاع من السيل. د ف ق: قوله تعالى:} ماءٍ دافقٍ {[الطارق: 6] يريد المني الذي يخلق منه الإنسان. والدفق: السيلان بسرعةٍ. ودافق: بمعنى دفقٍ كلا بنٍ وتامرٍ. وهذا أحسن من قول من يقول فاعلٍ بمعنى مفعولٍ كعكسه نحو:} حجابًا مستورًا {[الإسراء: 45] أي ساترًا. واستعير من الدفق: نفر أدفق أي سريع. ومشوا دفقى أي مسرعين. وقال الراغب: مشوا دفقًا، والصواب الأول. وتدفق الماء يتدفق أي فاض من جوانب ما هو فيه. فصل الدال والكاف د كـ كـ: قوله تعالى:} إذا دكت الأرض {[الفجر: 21] أي جعلت مستويًة لا أكمة فيها ولا جبل كقوله:} لا ترى فيها عوجًا ولا أمتًا {[طه: 107]. ومنه: ناقة دكاء أي لا سنام لها. قوله:} دكًا دكًا {[الفجر: 21] أي دكًا بعد دك. وقيل: الثاني تأكيد لفظي. قوله:} جعله دكًا {[الأعراف: 143] قرئ "دكًا" مقصورًا وممدودًا؛ فالأول إذا دك. والثاني: على معنى مثل ناقةٍ دكاء أي ملتصقًا بالأرض. وقيل: الدك: الدق. دككته أي دققته. وقيل: الأرض السهلة يقال لها: دك. فقوله:} دكت الأرض {أي جعلت بمنزلة أرضٍ سهلةٍ لينةٍ بعد أن كانت ذات جبالٍ وأكامٍ. ومنه الدكان. والدكداك: الرملة اللينة. وأرض دكاء مسواة، وشبهت بها الناقة

فصل الدال واللام

التي لا سنام لها؛ فقيل: ناقة دكاء، وجمعها دك. فصل الدال واللام د ل ك: قوله تعالى:} أقم الصلاة لدلوك الشمس {[الإسراء: 78] الدلوك: الزوال، وهو ميلها عن الاستواء إلى الغروب قال الراغب: وهو من قولهم: دلكت الشمس: دفعتها بالراح. ومنه دلكت الشيء في الراحة. ودالكت الرجل: ماطلته. ومنه حديث الحسن، سئل "أيدالك الرجل أهل؟ " أي يماطلهم بالمهر. وكل مماطلٍ: مدالك. والدلوك: ما دلكته من طيبٍ. وفي حديث عمر كتب إلى خالدٍ أنه "بلغني أنه أعد لك دلوك - يعني - عجن بتمرٍ". والدليك: "طعام يتخذ من الزبد والتمر لأنه يدلك باليد كقولهم: لبكته؛ قال الشاعر: [من الوافر] 499 - إلى ردحٍ من الشيزى ملاءٍ ... لباب البر يلبك بالشهاد وعن ابن عباس: دلوكها - يعني الشمس - زوالها وقت الأولى في هذه الآية. والدلك: العشي، قاله ثعلب. وأنشد لذي الرمة: [من الرجز] 500 - وقد أرتنا حسنها ذات المسك ... تعرض الجوزاء في جنح الدلك د ل ل: قوله تعالى:} ما دلهم على موته {[سبأ: 14] أي عرفهم. وأصل الدلالة: ما يتوصل به إلى معرفة الشيء كدلالة اللفظ على معناه وكدلالة الإشارة والرمز والكتابة والعقود في الحساب. وسواء في ذلك قصد الدلالة من فاعلها أم لا. ومنه {ما دلهم على

موته} لأن الأرضة لم تقصد ذلك، ويرى الواحد حركة آخر فيستدل على حياته. والدال: من حصل منه الدلالة؛ ويقال له دليل أيضًا والدليل: ما به الدلالة ونفس الدلالة أيضًا. وقد تطلق الدلالة أيضًا على الدال. والدلالة في الأصل مصدر وفي دالها الفتح والكسر كالولاية والأمارة. وفي الحديث: "يخرجون - يعني أصحابه عليه الصلاة والسلام - من عنده أدلًة" جمع دليلٍ نحو: شحيحٍ وأشحة، يعني يدلون عليه غيرهم. والدل: حسن الهيئة والحديث. ومنه: "يعجبني دلها". ومنه: هي تدل عليه أي تتجرأ عليه بسبب دلها. وتدللت عليه تتدلل. ولفلانٍ عليك دالة وتدلل وإدلال ودلال فهو مدل من ذلك. د ل و: قوله تعالى:} فأدلى دلوه {[يوسف: 19] أي أرسل الدلو. يقال: أدلى الدلو أي أرسلها فدلأها أي أخرجها ملأى. وقال الراغب: دلوت الدلو. يقال: إذا أرسلتها. وأدليتها: أخرجتها. وقيل يكون بمعنى أرسلتها. واستعير للتوصل إلى الشيء. قال الشاعر: [من الوافر] 501 - وليس الرزق عن طلبٍ حثيثٍ ... ولكن ألق دلوك في الدلاء وبهذا النحو: سمي الوسيلة المائح. قال الشاعر: [من الطويل] 502 - ولي مائح قد يورد الناس قبله ... معل وأشطان الطوي كثير والدلو العظيمة يقال لها: ذنوب إذا كانت ملأى ويقال لها: غرب أيضًا، ويعبر بها عن النصيب كقوله تعالى:} فإن للذين ظلموا ذنوبًا {[الذاريات: 59]. ويجمع على

فصل الدال والميم

أدل في القلة ودلي في الكثرة والأصل: أدلو ودلو؛ فاعل كما ترى. ويجوز في دال دلي الضم والكسر نحو عصي. قوله:} فدلاهما {[الأعراف: 22] أي أهبطهما من السماء إلى الأرض وأطمعهما. قال الأزهري: أصله أن يتدلى الرجل في البئر ليروى من عطشه فلا يجد فيها ماًء، فهذا تدليه بغرورٍ أي بخديعةٍ، ثم جعل هذا مثلاً في الدنو من كل شيءٍ لا يجدي نفعًا. وقيل: قربهما من المعصية بغرور إياهما. وقيل: الأصل فدللهما، من الدال والدالة: وهو الجرأة من تدلل المرأة كما تقدم قاله الهروي. قلت: فأبدلت اللام الأخيرة حرف علة لتوالى الأمثال نحو: تطيبت ودساها كما مر. قوله:} فتدلى {[النجم: 8] أي قرب. والتدلي والدنو متقاربان إلا أن التدلي من علو إلى سفلٍ، والدنو أعم. فمن جمع بينهما في قوله:} دنا فتدلى {فالمراد جبريلٍ. قوله:} وتدلوا بها إلى الحكام {[البقرة: 188] أي تقطعوها، وعبر عنها بالإدلاء تشبهًا بإرسال الدلو. وحذف النون يجوز أن يكون لكونه مجزومًا عطف على النهي، ألا ولا تدلوا. أو منصوبًا بعد واو مع جوابه أي لا تجمعوا بين هذا وهذا، وقد حققناه في غير هذا. والمعنى لا تعطوا الحكام الرشوة ليغيروا حكم الله فإن حكمهم لا يحرم حلالاً ولا يحلل حرامًا. وقال عمر في استسقائه: "وقد دلونا به" أي بالعباس، أي توسلنا وهتفنا، وهو من الدلو. وفي الحديث: "الدوالي" هي جمع دالية وهي قنو البسر يعلق في البيت. والأصل: دالوت ودلوت الدابة. قال الشاعر: [من الرجز] 503 - لا تنزعاها وادلواها دلوا ... إن مع اليوم أخاه غدوا فصل الدال والميم د م ر: قوله تعالى:} ودمرنا {[الأعراف: 137] أي أهلكنا. وأصل التدمير إدخال

الهلاك على المهلك. يقال: دمر القوم يدمرون دمورًا ودمارًا أي هلكوا بدخول الهلاك عليهم. يقال: دمر أي دخل، ومنه الحديث: "من اطلع في بيت قومٍ بغير إذنهم فقد دمر" أي دخل. ودمر ودمق واحدٌ، والتضعيف فيه للتعدية؛ قوله:} دمر الله عليهم {[محمد: 10] مفعوله مقدر أي دمر عليهم بلادهم وأهليهم. د م ع: قول تعالى:} أعينهم تفيض من الدمع {[المائدة: 83] ما يسيل من الماء من العين عند بكاءٍ أو حزنٍ أو نحو ذلك. وقد بينًا فائدة قوله:} من الدمع {، ولم يقل: يفيض دمعها، في غير هذا الموضوع. والدمع أيضًا مصدر دمعت عينه تدمع دمعًا ودمعانًا. والدامعة أيضًا شجة يسيل منها دم قليل تشبيهًا بذلك. والجمع أدمع في القلة، ودموع في الكثرة. والمدمع: مكان الدمع، ويكون مصدرًا أيضًا كالمضرب والمقتل، والجمع مدامع. وثرى دامع: ندٍ. ودماع الكرم: ما يجري منه عند قطعه. د م غ: قوله تعالى:} فيدمغه {[الأنبياء: 18] أي فيبطله. وأصله من: دمغت الرجل أدمغه أي كسرت دماغه: أصبته، نحو ركبته وفأدته أي ضربت ركبته وفؤاده، فاستعير لذلك لإبطال الحق الباطل، ومنه: ححثه دامغة أي تكسر دماغ مخالفها. ومنه: الصجة الدامغة وهي التي تبلغ الدماغ. فالشجة! دامعة ودامغة - بالمهملة والمعجمة كما تقدم -. وقال علي رضي الله عنه في صفته عليه الصلاة والسلام: "دامغ جيشات الأباطيل". يقال: دمغه يدمغه دمغًا. د م د م: قوله تعالى:} فدمدم عليهم ربهم {[الشمس: 14] أي أطبق عليهم العذاب.

وأصله دمم بثلاث ميماتٍ، فأبدل الوسطى من جنس الفاء نحو كفكف ولملم، الأصل كفف ولمم، وهذا رأي الكوفيين. يقال دممت على الشيء: أطبقت عليه. ودممت العز. فإذا كررت الإطباق قلت: دمدمت عليه. وناقة مدمومة: ألبسها الشحم، وبعير مدموم بالشحم. والدمام: ما يطلى به. والدممة: جحر اليربوع. وقيل: الدمدمة: الإهلاك والإزعاج. وقيل: حكاية صوت الهرة التي أخذتهم. ومنه دمدم في كلامه، ودمدمت الثوب. ودممته: طليته بصبغٍ. والدمام: ما يطلى به كما تقدم، وقال الفراء: الدمدمة والدمدام: الهلاك: والديمومة: المفازة. د م م: قوله تعالى:} والدم {[البقرة: 173]. والدم: معروف، وفي لامه قولان أشهرهما أنها بواوٍ بدليل دموي في النسب ودموين في التثنية. وقيل: دميان، وأنشد: [من الوافر] 504 - فلو أنا على حجرٍ ذبحنا ... جرى الدميان بالخبر اليقين وقد يقصر كعصًا، وأنشد: [من الرمل] 505 - غفلت ثم أتت تطلبه ... فإذا هي بعظامٍ ودما وقد تشدد ميمه، وأنشد: [من البسيط] 506 - أهان دمك فرغًا بعد عزته ... يا عمرو بغيك إضرارًا على الجسد قوله:} أو دمًا مسفوحًا {[الأنعام: 145] أي مصبوبًا صرفًا، يجوز عما في العروق.

فصل الدال والنون

وفرس مدمي: أي شديد الشقرة تشبيهًا بلون الدم، أنشد: [من الطويل] 507 - وكمتًا مدماًة كأن متونها ... جرى فوقها واستشعرت لون مذهب وفي الحديث: "هذا سهم مدمى"، والمدمى من السهام ما رمي به مرًة بعد أخرى. وكل ما فيه سواد وحمرة فهو مدمى. وأما مادة دم ي فهي إحدى اللغتين في دم وقد تقدم القول فيه. والدمية: الصورة من المرمر أو الرخام، وأنشد: [من السريع] 508 - ياد ميًة في مرمرٍ صورت ... أو طينًة في خمر عاطف أحسن منها يوم قالت لنا ... والدمع من مقلتها واكف لأنت أحلى من لذيذ الكرى ... ومن أمانٍ ناله خائف وفي صفته عليه الصلاة والسلام: "كأن عنقه جيد دميةٍ". فصل الدال والنون د ن ر: قوله تعالى:} تأمنه بدينارٍ {[آل عمران: 75] والدينار معروف، وغلب على ما وزنه مشقال، وإن كان قد يطلق على الناقص عنه إذا كان بصورته. وأصله دنار بنونٍ مشددةٍ فاستثقل فأبدلت الأولى بحركةٍ تجانس حركة ما قبلها. ويدل على ذلك قولهم في الجمع دنانير، فعادت النون. ومثله قيراط وديوان، الأصل دوان وقراط، بدليل دواوين وقراريط، وأنشدني بعضهم: [من البسيط] 509 - النار آخر دينارٍ نطقت به ... والهم آخر هذا الدرهم الجاري والمرء بينهما، ما لم يكن ورعًا، ... معذب القلب بين الهم والنار قال الراغب: قيل: أصله بالفارسية دين آر أي الشريعة جاءت به.

د ن ي: قوله تعالى:} ثم دنا {[النجم: 8] أي قرب. يقال: دنا يدنو دنوًا. ويكون تارًة بالذات كقوله تعالى:} قنوان دانية {[الأنعام: 99] أي قريبة التناول سهلته أو متدلية لثقلها بالثمرة. وتارًة بالحكم كقوله:} دنا فتدلى {أي جعلنا ذلك كنايًة عن قرب رحمته وإنعامه على عبده. ويجوز أن يكون ذلك بالذات إن جعلنا ضمير الفاعل لجبريل أو محمدٍ صلى الله عليه وسلم. وقوله:} أو أدنى {[النجم: 9] أي أردأ. وقيل: إنه مقلوب من أدون، من الدون وهو الرديء. واعلم أن أدنى يطلق ويراد به الأصغر فيقابل بالأكبر نحو: ابنك أدنى منك. وتارًة يراد به الأقل فيقابل بالأكبر نحو:} ولا أدنى من ذلك ولا أكثر {[المجادلة: 7]. وتارًة يراد به الأرذل فيقابل بالخير نحو:} أتستبدلون الذي هو أدنى بالذي هو خير {[البقرة: 61]. وتارًة يراد به الأول، ومن ذلك مقابلة مؤنثه بالآخرة نحو: الدنيا والآخرة ومنه:} خسر الدنيا والآخرة {[الحج: 11]. وتارًة يراد به الأقرب فيقابل بالأقصى كقوله تعالى في مؤنثه:} إذ أنتم بالعدوة الدنيا وهم بالعدوة القصوى {[الأنفال: 42]. والدنيا: مؤنثة تجمع على الدنى نحو الكبر والفضل. ولا يستعمل إلا بأل غالبًا، وقد تحذف كقوله: [من الرجز] 510 - في سعى دنيا طالما قد مدت وذلك لجريانها مجرى الجوامد. وقوله:} ذلك أدنى أن يأتوا بالشهادة {[المائدة: 108] أي أقرب لتقريبهم لتحري العدالة في إقامة الشهادة. قوله:} لعلكم تتفكرون في الدنيا والآخرة {[البقرة: 219 - 220] متناول للأحوال التي في النشأة

فصل الدال والهاء

الأولى وما يكون في النشأة الآخرة. وخص الدنيء بالحقير القدر ويقابل به السيد. وتأنيت بين الأمرين. وأدنيت أحدهما من الآخر. وما روي: "إذا أكلتم فدنوا" أي فقربوا أكلكم مما يليكم. قوله:} وجنى الجنتين دانٍ {[الرحمن: 54] أي قريب التناول قد تدلى لجانيه: قوله:} في أدنى الأرض {[الروم: 3] أي أقربها إلى بلاد العرب. يريد أرض الشام. قوله:} يدنين عليهن من جلابيبهن {[الأحزاب: 59] أي يقربنها للتغطية والتستر بها ليعرفن أنهن حرائر. قوله:} إنا زينا السماء الدنيا {[الصافات: 6] أي القريبة من أهل الأرض. والدنيء كالدني وهو الخسيس. فصل الدال والهاء د هـ ر: قوله تعالى:} وما يهلكنا إلا الدهر {[الجاثية: 24] أي إلا مرور الزمان لا ما يقوله الأنبياء. وكان القوم أجهل من ذلك. والدهر في الأصل اسم لمدة العالم من مبتداه إلى انقضائه. قال الراغب: ومنه قوله تعالى:} هل أتى على الإنسان حين من الدهر {[الإنسان: 1]. وقد يعبر به عن المدة القليلة والكثيرة. ودهر فلانٍ: مدة حياته. واستعير للمدة الباقية مدة الحياة فقيل: ما دهري بكذا. وحكي الخليلٍ: دهرت فلانًا نائبة دهرًا، أي نزلت به. فالدهر هنا مصدر. وفي معناه: دهدره دهدرًة، ودهر داهر ودهير. وقوله عليه الصلاة والسلام: "لا تسبوا الدهر فإن الدهر هو الله" تأوله على ما قال أبو عبيد أن العرب كانت تنسب الحوادث إلى الدهر فيقولون: أهلكه الدهر، وأصابتهم قوارع الدهر. فأخبرهم النبي صلى الله عليه وسلم أن الذي يفعل

ذلك بهم في الحقيقة هو الله تعالى، فإذا سبوا الدهر معتقدين أنه فاعل ذلك فإنما سبوا الله تعالى. وقال آخرون: الدهر الثاني مصدر واقع موقع الفاعل. والتقدير: فالدهر أي مدبر الأمور ومصرفها، وموقع الحوادث في الدهر، ومفيض النعم فيها هو الله تعالى. والأول أولى. د هـ ق: قوله:} وكأسًا دهاقًا {[النبأ: 34] أي ملأى؛ يقال: دهقت الكأس دهقًا ودهاقًا أي ملأتها. قاله الحسن، وقال مجاهد: متتابعًا، والأول أشهر. ويقال: أدهقته أيضًا فدهق. د هـ م: قوله تعالى:} مدهامتان {[الرحمن: 64] أي خضراوان شديدتا الري، أي غلب عليهما لون السواد. والعرب تقول للشجر: السواد، لخضرتها. ومنه سواد العراق لاخضرار أشجاره. فيعبر بالدهمة عن الخضرة الكاملة اللون، كما يعبر بالخضرة عن الدهمة الناقصة اللون. يقال: ادهام الليل يدهام ادهيمامًا. فافعال أبلغ من افعل، وذلك أن احمار أبلغ من أحمر، وكأن زيادة الحرف زيادة في المعنى. وقد أتقنا هذا في مسألة الرحمن الرحيم في غير هذا الموضوع. وقولهم: دهمه الأمر أي فاجأه بشدةٍ مظلمةٍ. والدهم: الغائلة، والدهيماء: الداهية. د هـ ن: قوله تعالى:} وردًة كالدهان {[الرحمن: 37] قال الفراء: الدهان جمع دهنٍ شبهها في اختلاف ألوانها بالدهن في اختلاف ألوانه. وكذا قال الزجاج: تتلون من الفزع

كما تتلون الدهان المختلفة بدليل قوله تعالى:} يوم تكون السماء كالمهل {[المعارج: 8] أي كالزيت المغلي. وقيل: الدهان: الأديم الشديد الحمرة. قال الفراء في قول الشاعر: [من الكامل] 511 - ومخاصم قاومت في كبد ... مثل الدهان فكان لي العذر الدهان: الطريق الأملس ههنا. وأما في القرآن فالأديم: الأحمر الصرف. قوله تعالى:} أنتم مدهنون {[الواقعة: 81] أي منافقون لا ينون، وقيل: مكذبون. وقوله:} ودوا لو تدهن فيدهنون {[القلم: 9]. أي تلاينهم فيلاينوك. وأصل ذلك من الدهن الذي يمسح به رأس الإنسان. فيقال: دهنته وأدهنته أي مسحته بالدهن. ثم جعل ذلك عبارًة عن الملاينة وترك المجادلة والمداراة، كما جعل التقريد: وهو نزع القراد عن البعير عبارًة عن ذلك. والمدهن: ما يجعل فيه الدهن، وهو أحد ما جاء من الآلة على مفعل كالمنخل والمسقط، وشبه به ما يستنقع فيه ماء قليل مما نقره في الجبل. فقيل: المداهن جمع مدهن. وفي الحديث: "وقد نشف المدهن". ومن لفظ الدهن استعير الدهين للناقة القليلة اللبن، فيجوز أن تكون بمعنى الفاعل، أي تعطي من اللبن قدر ما تدهن به لقلته. أو بمعنى مفعوله أي كأنها دهنت باللبن لقلته كما يدهن بالدهن، والثاني أقرب لعدم التاء. ودهن المطر الأرض إذا كان قليلاً من ذلك كالدهن يدهن به الرأس. قوله:} تنبت بالدهن {[المؤمنون: 20] الدهن: الزيت، وكل ما كان من الأشياء الذميمة يسمي دهنًا كالشيرج. وجمعه أدهان أو دهان نحو: رمح ورماح وقرئ "تنبت" من أنبت ثلاثيًا على معنى تنبت. وفيها الدهن أي ما يعتصر منه الدهن وهو

فصل الدال والواو

الزيتون. و"تنبت" من أنبت رباعيًا على زيادة التاء، أي ذات الدهن أو على معنى ما تقدم من المصاحبة. ولتحقيقه موضع غير هذا. فصل الدال والواو د ود: قوله:} وقتل داود جالوت {[البقرة: 251] اسم النبي وهو لا ينصرف للعلمية والعجمة والشخصية؛ وقصته مع جالوت مذكورة في غير هذا. د ور: قوله تعالى:} تلك الدار الآخرة {[القصص: 83] هي المنزل سميت دارًا لدوران أهلها بها أو لدورانها هي على أهلها وإحاطتها بهم: وأصلها دؤر فأعلت. وجمعها: ديار وأدور وآذر بالقلب، ويؤنث فيقال: دارة. قال امرؤ القيس: [من الطويل] 512 - ولا سيما يوم بدارة جلجل وتطلق، ويراد بها البلد والضيع والدنيا كلها. ومنه: قبل دار الدنيا ودار الآخرة إشارةٌ إلى مقري النشأة الأولى والآخرة. وتطلق الدار على الجنة كقوله:} لهم دار السلام {[الأنعام: 127] وعلى النار قال تعالى:} دار البوار {[إبراهيم: 28] أي الجحيم بدليل إبداله منها:} جهنم يصلونها {[إبراهيم: 29]. وقوله:} سأوريكم دار الفاسقين {[الأعراف: 145] قيل: النار. قوله:} لا تذر على الأرض من الكافرين ديارًا {[نوح: 26] أي من يدور ويمشي

وهو فيعال، وأصله ديوار فاعل، ولا يجوز أن يكون فعالاً لأنه كان يجب أن يقال: دوار كقوالٍ. وقد تقدم نحو هذا مبينًا. قوله:} عليهم دائرة السوء {[التوبة: 98] أي جعل السوء عليهم بمنزلة الدارة المحيطة فلا انفكاك لهم منها. ويعبر بالدائرة عن الحادثة الفادحة؛ قال تعالى:} ويتربص بكم الدوائر {[التوبة: 99] أي ينتظر أن تقع بكم المصائب. والدواري: الدهر لأنه يدور بالإنسان أي يتصرف فيه بحوادثه. وهو نسب شاذ لأنه من نسبة الشيء إلى صفته كأحمري قال: [من الرجز] 513 - أطربًا وأنت قنسري ... والدهر بالإنسان دواري والدوار: صنم، لأنهم كانوا يدورون طبه. غلبت الدورة والدائرة في المكروه، كما غلبت الدولة في المحبوب. والداري: العطار نسبةٍ للدار، وغلب عليه ذلك. وقيل: نسبًة لدارين؛ موضعٍ بالبحرين يجلب منه الطيب. فقيل: أكل عطارٍ داري وإن لم يكن من دارين؟ والداري أيضًا: من لزم داره ولم يركب الأسفار. وقوله عليه الصلاة والسلام: "إن الزمان قد استدار" أي تحول من حكم الشيء إلى حاله الأول تشبيهًا بدوران الدائر. قوله:} تجارًة حاضرًة تديرونها بينكم {[البقرة: 282] أي تتداولونها ويتناولها بعضكم من بعضٍ والإشارة إلى بيع الحلول لا التأجيل. د ول: قوله تعالى:} كي لا يكون دولًة {[الحشر: 7] أي شيئًا تتداولونه وتختصون به دون أهله. والدولة: اسم لما يتداول. والدولة: بالفتح مصدر. وقيل: الدولة بالضم في المال وبالفتح في الحرب والجاه. وقيل: هما بمعنًى واحدٍ قوله:} وتلك الأيام نداولها بين الناس {[آل عمران: 140] أي نجعل الدولة فيها لقومٍ وفي غيرها

لآخرين. ويقال: أدال الله فلانًا من فلانٍ أي جعل له عليه الدولة. وفلان مدال أي غالب ظافر. ودولة تجمع دولاً ودولاً ويجوز فيها دولات ودولات. قال: [من الرجز] 514 - عل صروف الدهر أو دولاتها ... تديلنا اللمة من لماتها وأنشد الأزهري للخليل: [من البسيط] 515 - وفيت كل خليلٍ ودني ثمنًا ... إلا المؤمل دولاتي وأيامي وقال الأزهري: الدولة اسم لكل ما يتداول من المال كالفيء. والدولة: الانتقال من حالة البؤس والضر إلى حال الغبطة والسرور. د ر م: قوله تعالى:} وكنت عليهم شهيدًا ما دمت فيهم {[المائدة: 117] أي مدة دوامي فيهم. والدوام في الأصل: السكون يقال: دام الماء أي سكن وفي الحديث: "لا يبولن أحدكم في الماء الدائم" أي الساكن. وأدمت القدر ودومتها: سكنت غليانها بالماء. ومنه دام الشيء إذا امتد الزمان عليه. ويقال: دمت تدام، ودمت تدوم لغتان كمت تمات، ومت تموت. ودومت الشمس كبد السماء أي سكنت، وهي عبارة عن استوائها أو عن جريانها من دوم الطائر إذا حلق في الجو. قال الشاعر: [من البسيط] 516 - والشمس حيرى لها في الجو تدويم واستدمت الشيء: تأنيت. والديمة: المطر الدائم أيامًا. والدوم: الظل الدائم. وقوله:} خالدين فيها ما دامت السماوات والأرض إلا ما شاء ربك {[هود: 108] قيل: ما شاء ربك دوامها. والعرب تضع هذه اللفظة موضع التأييد والدوام. وقال قتادة

والضحاك: الاستثناء لأهل الكبائر من المسلمين يخرجون من النار. وقال مقاتل: استثنى الموحدين. وقال الأزهري: استثنى أهل التوحيد الذين شقوا بدخول النار المدة التي أرادها الله تعالى ثم أخرجهم بشفاعة الأنبياء والأولياء. وقيل: المراد بالسماء والأرض سماء الجنة وأرضها، وبالاستثناء مدة إقامتهم في البرزخ وهذا أولى ما ذكر في الآية. وما ذكرته عن قتادة وغيره فمما نبهت عليه أول هذا الكتاب لا يعني تفسير اللفظ بغير ما وضع له، بل بما لزمه أو جعل كنايًة عنه. ولذلك ذكرته لبعده عن مدلول اللفظ. وفي الحديث: "كان عمله ديمًة" أي متواصلاً في سكونٍ. وقيل: دوم من الأضداد؛ دوم: سكن، ودوم الطائر: حلق ودار في طيرانه كما تقدم. وقيل: ليس كذلك بل دوم معناه صف جناحيه في طيرانه وسكنهما. والدوام: الدوار في الرأس. ودوامة الولد من ذلك لدورانها. د ون: قوله تعالى:} من دونكم {[آل عمران: 118] أي من مكان غير مكان إخوانكم المسلمين. هذا حقيقة تفسير اللفظ؛ فإن دون ظرف مكانٍ ويعبر به عن المنزلة الدنية، فيقال: فلان دون عمر، أي تحته في المنزلة. وفسرت بمعنى غير، أي تتخذوا بطانًة من غيركم. وقد ينصرف كقوله: [من الطويل] 517 - وباشرت حد الموت والموت دونها برفع النون. وقرئ} ما دون ذلك {[النساء: 48] بالرفع. وأما دون بمعنى رديء فصفة من الصفات. ومنه ثوب دون. وقيل: هو مقلوب من الدنو. والأدون: الرديء كما تقدم. وقيل في قوله:} لا تتخذوا بطانًة من دونكم {أي ممن لم تبلغ منزلته منزلتكم في الديانة، وهذا قريب مما قدمته أولاً. وقيل: في القرابة. وقوله:} ويغفر ما دون ذلك {أي أقل منه، وهو راجع لما ذكرته. وقيل: ما سوى ذلك. قال الراغب:

فصل الدال والياء

والمعنى متلازمان. وقوله:} أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله {[المائدة: 116] أي غير الله. وقيل: إلهين متوصلاً بهما إلى الله. قوله:} ما لهم من دونه من ولي {[الكهف: 26] أي ليس لهم من يواليهم من دون أمر الله. قوله:} وادعوا شهداءكم من دون الله {[البقرة: 23] أي لا تقولوا: الله يشهد لنا. وهو معنى قول من يقول: من غير الله أو سوى الله. وقد حققنا هذا في "الدر" و"التفسير الكبير" ولله الحمد، وغير ذلك. ودونك: يقع للإغراء فينصب بها نحو: دونك العلم أي خذه، قال: [من الرجز] 518 - يا أيها المائح دلوي دونكا ... إني رأيت الناس يحمدونكا فصل الدال والياء د ي ن: قوله تعالى:} مالك يوم الدين {[الفاتحة: 4] الدين يقع لمعانٍ شتى، منها: الجزاء وهو المراد هنا أي مالك يوم الجزاء. ومنه قول الحماسي: [من الهزج] 519 - ولم يبق سوى العدوا ... ن دناهم كما دانوا ومنه: كما تدين تدان وقيل: يوم الحساب، وقيل: الحكم، وقيل الطاعة؛ لأن كل طاعةٍ تظهر ذلك اليوم وكذا ضدها، وإما ذكر الطاعة تأنيساً. وفي الحديث: "على ديان هذه الأمة" أي حاكمها. وقال ذو الإصبع: [من البسيط] 520 - لاه ابن عمك لا أفضلت في حسبٍ ... عني، ولا أنت دياني فتخزوني

والدين: الشريعة، والدين: الملة، لكن الدين يقال اعتباراً بالطاعة والانقياد للشريعة قوله:} يومئذٍ يوفيهم الله دينهم الحق {[النور: 25] أي جزاءهم أو حسابهم. قوله:} وإن الدين لواقع {[الذاريات: 6] أي الجزاء أو الحكم أو الحساب. قوله:} ولا تأخذكم بهما رأفة في دين الله {[النور: 2]} أي في حكمه وشريعته. قوله: {وله الدين واصباً {[النحل: 52] أي الطاعة. قوله:} ولا يدينون دين الحق {[التوبة: 29] أي لا يطيعون ولا يعبدون. قوله:} ألا لله الدين الخالص {[الزمر: 3] أي التوحيد. قوله:} غير مدينين {[الواقعة: 86] أي مملوكين مدبرين، وقيل: مجزيين. قوله:} أئنا لمدينون {[الصافات: 53] أي محاسبون أو مجزيون أو مسوسون. ومنه: ولا أنت دياني قوله:} أفغير دين الله يبغون {[آل عمران: 83] يعني الإسلام بدليل قوله:} ومن يبتغ غير الإسلام ديناً {[آل عمران: 85]. قوله:} لا إكراه في الدين {[البقرة: 256] أي في الطاعة؛ فإن ذلك لا يكون في الحقيقة إلا بالإخلاص، والإخلاص لا يتأتي فيه الإكراه. وقيل: هذا منسوخ، وقيل إنه مختص بأهل الكتاب الباذلين للجزية. قوله:} لا تغلوا في دينكم {[النساء: 141] حث على إتباع دين محمد صلى الله عليه وسلم الذي هو وسط الأديان لقوله:} وكذلك جعلناكم أمة وسطاً {[البقرة: 143] والمدينة: الأمة، والمدين: العبد. قال أبو زيدٍ: هو من دين فلان يدان إذا حمل على مكروهٍ، وقيل: هو من دنته أي جازيته بطاعته. قال: [من الطويل] 521 - ربت وربا في حجرها ابن مدينةٍ ... يظل على مسحاته يتركل وجعل بعضهم المدينة من هذا الباب. والدين: ما التزمه الإنسان بسلفٍ ونحوه: يقال: دنت الرجل: أخذت منه دينًا، وآدنته (:جعلته دائنًا، وذلك بأن تعطيه دينًا. قال أبو عبيدة: دينته: أي أقرضته. ورجل مدين ومديون. ودنته أيضًا) استقرضت منه. قال الشاعر: [من الطويل] 522 - ندين ويقضي الله عنا، وقد نرى ... مصارع قومٍ لا يدينون ضيعا

وأدنت مثل دنت، وأدنت مثل أقرضت. قوله:} إذا تدانيتم بدينٍ {[البقرة: 282] أي تعاملتم بالدين، وهو السلف والسلم في قول ابن عباسٍ، قال: [من الرجز] 523 - داينت أروى والديون تقضى ... فماطلت بعضاً وأدت بعضا وأدنت الرجل وداينته: إذا بعت منه بأجلٍ، وأدنت منه: استدنت بأجلٍ. وفي الحديث: "الكيس من دان نفسه" أي ذللها، وقيل: حاسبها. وقول الفقهاء: تدين في خلقه أي يقلد ويترك دينه فإنه أخربه، ولكن يؤاخذ في الظاهر. والديان من صفات الله تعالى. ومنه: يا ديان يوم الدين. قيل: ويقال: دان واستدان وأدان: أخذ بالدين فإذا أعطى الدين قيل: أدان.

باب الذال

باب الذال فصل الذال والهمزة ذ أب: قوله:} أكله الذئب {[يوسف: 14] هو حيوان معروف يجمع على أذئبٍ ذؤبانٍ وذئابٍ. وذئب فلان: وقع في غنمه ذئب، أوصار كالذئب في خبثه. وتذاءبت الريح: هبت من كل جانبٍ تشبيهاً بالذئب. وتبدل همزته ياًء باطرادٍ كثيرٍ. والذئبة من القتب: ما تحت ملتقى الحنوين تشبيهًا بالذئب في الهيئة. وأرض مذأبة: كثيرة الذؤبان. وتذاءبت الناقة: تشبهت لها بالذئب لتظار على ولدها. ذ أم: قوله تعالى:} مذؤومًا {[الأعراف: 18] أي مطرودًا. قال ابن عرفة: ذأمته حقرته وأبعدته. وقيل: ذأمته: عبته، بمعنىٍ ذممته. وفيه ثلاث لغاتٍ؛ يقال: ذأمته أذأمه ذأمًا، وذئمته أذئمه ذئمًا، وذممته أذم ذمًا بمعنىٍ واحدٍ. وهذا أولى من الوجهين قبله، لأن معنى الطرد والإبعاد مذموم في قوله:} مدحورًا {[الأعراف: 18] فصل الذال والباء ذ ب ب: قوله تعالى:} وإن يسلبهم الذباب شيئا {[الحج: 73] الذباب معروف ويجمع على ذبانٍ وواحدته ذبابة. قيل: كان المشركون يلطخون أصنامهم بالزعفران ونحوه فيجيء الذباب فيلحسه فلا يقدر على دفعه. ويقع الذباب على النحل والزنابير. قال الشاعر: [من الطويل] 525 - فهذا أوان العرض حي ذبابه ... زنابيره والأزرق المتلمس

فصل الذال والخاء

وذباب العين: إنسانها تشبيها بصورته، وقيل: لطيران شعاعه طيران الذباب. وذباب السيف تشبيهًا به في إيذائه. والمذبة: ما يطرد به، ثم استعير لمجرد الدفع. وذب البعير: إذا دخل في أنفه ذباب. جعل بناؤه بناء الأدواء نحو زكم. وبعير مذبوب. وذب جسمه: هزل فصار كالذباب أو كذباب السيف. والذبذبة: حكاية صوت حركة الشيء المعلق، ثم استعير لكل اضطرابٍ وحركةٍ، ومنه قوله تعالى:} مذبذبين بين ذلك {[النساء: 143] أي مائلين تارًة إلى المؤمنين وأخرى إلى الكافرين. وقد فسر ذلك تعالى بما بعده في قوله تعالى:} لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء {. وذبينا إبلنا سوقًا بتذبذب. والذباب: الشؤم وفي الحديث: "أنه رأى رجلاً طويل الشعر، فقال: هذا ذباب" أي شؤم. وذبابي مأخوذ من ذلك. ذ ب ح: قوله تعالى:} وفديناه بذبحٍ عظيمٍ {[الصافات: 107] الذبح: فعل بمعنى مفعولٍ نحو الرعي والطحن بمعنى المرعي والمطحون. والمراد به كبش أرسله الله تعالى فداًء. قيل: هو الكبش الذي قربه هابيل، فرفع ورتع في الجنة إلى أن أخرج إلى إبراهيم. وأصل الذبح شق حلق الحيوانات. وذبحت فارة المسك: شققتها، تشبيهًا بذلك. وتسمى الأخاديد من السيل مذابح وقوله:} يذبحون أبناءكم {[التضعيف فيه للتكثير. فصل الذال والخاء ذ خ ر: قوله تعالى:} وما تدخرون {[آل عمران: 49] أي تخبثون يقال: ذخرت

فصل الذال والراء

الشيء أي خبأته. وأصله تذتخرون فأدغم بعد إبدال تاء الافتعال ذالاً، ثم إبدال الذال دالاً مهملة، نحو: ادكر، أصله اذتكر. يقال: دخرته وادخرته: أعددته للعقبى. وفي صفته عليه الصلاة والسلام: "كان لا يدخر شيئًا لغدٍ". والمذاخر: الجو والعروق المدخرة للطعام. قال الشاعر: [من الطويل] 526 - فلما سقيناها العكيس تملأت ... مذاخرها وامتد رشحًا وريدها والإذخر: نبت طيب الريح. فصل الذال والراء ذ ر ا: قوله تعالى:} يذرؤكم {[الشورى: 11] أي يكثركم بالتزويج؛ يقال: ذرأ الله الخلق. والذرء: إظهار الله ما أبرأه. يقال: ذرأ الله خلقه أي أظهر أشخاصهم، قال تعالى:} ولقد ذرأنا لجهنم {[الأعراف: 179] والذرأة: بياض الشيب واللحم. ومنه: ملح ذرآني، ورجل أذرأ، وامرأة ذرأى، وقد ذرئ شعره. ذ ر ر: قوله تعالى:} مثال ذرةٍ {[الزلزلة: 7] الذرة: واحده ذر، وفيها قولان؛ أحدهما أنها النملة الصغيرة؛ قال امرؤ القيس: [من الطويل] 527 - من القاصرات الطرف لو دب محول ... من الذر فوق الإتب منها لأثرا والثاني أنها واحدة الهباء؛ وهو مارئي في شعاع الشمس من كوةٍ ونحوها، وإنما خوطب العباد بذلك لأنها أقل ما يتعارفونه من الأشياء القليلة، وإلا فالله تعالى لا يظلم

مثقاله، ولا أقل من ذلك. قوله:} ذريتهم {[الأعراف: 172] الذرية: أصل إطلاقها على الصغار، وقد يطلق على الآباء. فقوله:} حملنا ذريتهم في الفلك المشحون {[يس: 41] قيل: الآباء، وقيل: الأبناء، وذلك إذا أريد بالفلك جنس السفن لا سفينة نوحٍ، ويقع على الواحد والجمع؛ قال تعالى:} هب لي من لدنك ذريًة طيبًة {[آل عمران: 38] فوهب له يحيي. وفيها أقوال؛ أحدها أنها فعلية من الذر لأن الله استخرج الذرية من ظهر آدم كالذر حين أشهدهم على أنفسهم. والثاني أ، ها مهموزة الأصل اشتقاقًا من ذرأ الله الخلق. وقد تقدم فخففت والتزم تخفيفها. وقد تقدم أن العرب التزمت تخفيف ألفاظٍ: البرية والخطية والذرية في باب الياء. والثالث أنها ذروية فأدغمت. وقد تطلق التاء مع الصبيان، وفي الحديث: "لا تقتل ذرية ولا عسيفًا" وفسرها الهروي بالمأة خاصًة، والصواب الأول. وقد صرح بذلك في حديثٍ آخر. ولنا كلام فيها هو أطول من هذا. ذ ر ع: قوله:} وضاق بهم ذرعًا {[هود: 77] أي طاقة ووسعًا. والعرب تقول في التهديد: اقصد بذرعك أي استقم بطاقتك. وفي الحديث: "فكسر ذلك في ذرعي". أي ثبطني عما أردته. وقيل: أصل الكلمة من الذراع، والذراع من الحيوان معروف فإذا قالوا: هذا على حبل ذراعك كأنهم قالوا: هذا في يدك. فإذا قالوا: ضاق بكذا ذرعًا كأنهم قالوا: ضاق يدًا. والذراع: ما يذرع الثوب والأرض ونحوهما تشبيهًا بالعضو في المقدار. قال تعالى:} ذرعها سبعون ذراعًا [[الحاقة: 32] أي مقدارها. وذراع الأسد نجم تشبيهًا بذراع الحيوان. وذرعته: ضربت ذراعه نحو كبدته. وذرعت: مددت ذراعي. ومنه:

بعير ذريع، وفرس ذريع وذروع أي سريع المشي واسع الخطو. وفي صفته صلى الله عليه وسلم: "أنه كان ذريع المشي" أي سريعه. وامرأة ذراع خفيفة اليد بالغزل. وفي الحديث: "خيركن أذرعكن". ومذرع: أبيض الذراع. وذرعه القيء: سبقه، من ذرعت الفرس أي سبقت سريعًا. وتذرعت المرأة الخوص، وتذرع في كلامه تشبيهًا بذلك نحو سفسف في كلامه، أصله من سفيف الخوص. وزق ذارع قيل: هو العظيم، وقيل: هو الصغير، فعلى الأول هو الذي بقي ذراعه، وعلى الثاني هو الذي فصل عنه ذراعه. والقتل الذريع: هو الكثير الواسع من ذلك. وفي الحديث: "وعليه جمازة ذرع منها يده" أي أخرجها. وذرع البعير يده، أي حركها. قال الشاعر: [من الطويل] 528 - تؤمل أنفال الخميس وقد رأت ... أوائل خيلٍ لم يذرع بشيرها ذ ر و: قوله تعالى:} تذروه الرياح {[الكهف: 45] أي ترفعه وتفرقه. أذرته الريح تذروه ذروًا، وذرته تذريه ذريًا، وأذرته تذريًة، لغات بمعنًى. وقيل: بل معنى أذرته: ألقته. يقال: أذريته عن فرسه: ألقيته من عليها. وأصل ذلك من الرفع. ومنه: ذروة الجبل وذروته: أعلاه. وأنا في ذرى فلانٍ أي في أعلى مكانٍ من جنابه. وذروة السنام تشبيهًا بذلك. ومنه الحديث: "يريد أن يذري منه" أي يرفع. وقوله تعالى:} والذاريات ذروًا {[الذاريات: 1] قال علي رضي الله عنه: هي الرياح، والتقدير: ورب الذاريات. ويحتمل أن يكون الله تعالى أقسم بها، وإن لم يجز لنا نحن ذلك. وقال الحسن: ينفض مذرويه، وقيل: هما طرفا الآليتين. قال: [من الوافر]

فصل الذال والعين

529 - أحولي تنفض استك مذوريها ... لتقتلني فها أنا ذا عمارا وقيل: هما طرفا كل شيءٍ. وقيل: هما طرفا القوس وجانبا الرأس، ولا يفردان بل هما تثنية مذرى تقديرًا، وللزوم التثنية ثنيا بالواو، وكان حقهما أن يثنيا بالياء لزيادة المفرد على الثلاثة، وهذا متقن في غير هذا. فصل الذال والعين ذ ع ن: قوله تعالى:} مذعنين {[النور: 49] أي منقادين. والإذعان: الانقياد. ومنه مذعان للسهلة الانقياد. وقيل: هو الإسراع في الطاعة. وقال الفراء: أي مطيعين غير مستكرهين. وهي معانٍ متقاربة. فصل الذال والقاف ذ ق ن: قوله تعالى:} فهي إلى الأذقان {[يس: 8]. الأذقان: جمع ذقنٍ. والذقن: ملتقى اللحيين وعليها تنبت اللحية. وذقنته ضربت ذقنه. وناقة ذقون: تستعين بذقنها في سيرها. ودلو ذقون ضخمة حائلة تشبيهًا بذلك. وقالت عائشة رضي الله عنها: "مات النبي عليه الصلاة والسلام بين حاقنتي وذاقنتي". وقيل: هي الذقن، وقيل: هي طرف الحلقوم وهو أقرب لقولها في آخر: "بين سحري ونحري". فقولها: "نحري" يقوي الثاني. وذقن الرجل على يده أي وضع يده على ذقنه. فصل الذال والكاف ذ ك ر: قوله تعالى:} ولذكر الله أكبر {[العنكبوت: 45] قيل: هو التسبيح والتهليل

ونحوه. وقيل: بل هو الكلام في العلم كقولك: هذا حلال وهذا حرام. وقيل: معناه ولذكر الله عبده أكبر من ذكر العبد ربه. قوله تعالى:} وإنه لذكر لك ولقومك {[الزخرف: 44] أي شرفك وشرفهم، وذلك أنه نزل بلغتهم، وتشريفه لك أكبر من حيث نزل عليك خصوصًا، ولذلك أفرده عنهم. وقوله:} كتابًا فيه ذكركم {[الأنبياء: 10] يجوز أن يكون من هذا أي فيه شرفكم على غيركم، ويجوز أن يراد بذكركم ما تذكرون به. والذكر تارًة يقال باعتبار هيئة للنفس بها يتمكن الإنسان من حفظ ما يقتنيه من المعارف؛ فهو كالحفظ؛ إلا أن الفرق بينهما أنه يقال باعتبار حضوره بالقلب وباللسان. ومنه قيل: الذكر ذاكران: ذكر بالقلب وذكر باللسان. وكل منهما على نوعين: ذكرٍ عن نسيان وذكرٍ لا عن نسيان بل يقال باعتبار إدامة الحفظ. وعلى هذه الأنواع مدار جميع الآيات، كما ستمر بك مفصلًة. قوله:} فاسألوا أهل الذكر {[الأنبياء: 7] أي أهل العلم من كل أمةٍ. وقيل: أهل القرآن. وقيل: أهل الكتب القديمة، يعني ممن آمن. قوله:} قد أنزل الله إليكم ذكرًا رسولاً {[الطلاق: 10 و 11]. فالذكر هنا محمد صلى الله عليه وسلم، جعله نفس الذكر مبالغًة أو على حذف مضاف، وعبر عن البعث بالإنزال تشريفًا له فيكون رسولاً بدلاً من ذكر، أو قيل: الذكر هو وصفه عليه الصلاة والسلام من حيث إنه مبشر به ومذكور في الكتب القديمة. وهذا كما جعلت الكلمة وصف عيسى من حيث إنه وجد بها من غير واسطة أبٍ كما هو المتعارف. وعلى هذا فـ"رسولاً" بدل أيضًا. وقيل: بل "رسولاً" نصب بنفس "ذكرًا" أي أنه ذكر "رسولاً" والمراد بشارة الكتب به. قوله:} واذكروا الله في أيام معدوداتٍ {[البقرة: 203] هذا من الذكر اللساني، والمراد به التكبير في أيام التشريق والتهليل فيها وغير ذلك. قوله:} فاذكروني {[البقرة: 152] يحتمل ذلك، ويحتمل امتثال أوامره واجتناب نواهيه، ويؤيده:} أذكركم {أي برحمتي فهو من المقابلة كقوله:} ومكروا ومكر الله {[آل عمران: 54] فاتفق اللفظ واختلف المعنى. قوله:} والقرآن ذي الذكر {[ص: 1] يجوز أن يراد التذكير فحذف زوائد المصدر، وأن يراد الشرف. قوله:

{أأنزل عليه الذكر} [ص: 8] القرآن لقوله:} وهذا ذكر مبارك أنزلناه {[الأنبياء: 50]. قوله:} ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر {[الأنبياء: 105] هو الكتب القديمة. ويجوز أن يراد القرآن لأنه وإن تأخر إنزاله عن غيره فهو مقدم في الرتبة على غيره، من حيث إنه أشرفها، كما أن المنزل هو عليه أشرف من أنزل عليه كتاب. قوله:} فإن الذكرى تنفع المؤمنين {[الذاريات: 55] ونظائر ذلك؛ الذكرى بمعنى التذكير. قوله:} فما لهم عن التذكرة معرضين {[المدثر: 49] التذكرة ما يتذكر به الشيء. قيل: هو أعم من الدلالة والأمارة. قوله:} فتذكر إحداهما الأخرى {[البقرة: 282] قيل: تذكرها بعد نسيانها، وقيل: تجعلها ذكرًا في الحكم. وفي الحرف قراءتان بيناهما، وما هو الصحيح في تأويلهما في غير هذا. وقد أبدى بعضهم معنى حسنًا في قوله:} فاذكروني أذكركم {[البقرة: 152] وفي قوله:} اذكروا نعمتي {[البقرة: 122] من حيث إنه فرق بينهما بين المذكورين فقال: خاطب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الذين حصل لهم فضل قوةٍ بمعرفته فقال: "فاذكروني" فأمرهم أن يتصوروا نعمته فيتوصلوا بها إلى معرفته. قوله:} بخالصةٍ ذكرى الدار {[ص: 46] يجوز أن يراد أنهم يذكرون الناس بالدار الآخرة ويزهدونهم في الدنيا، ويجوز أن يراد أنهم يكثرون ذكر الآخرة لاهتمامهم بها واشتغالهم عن الدنيا، فلا يخطرونها ببالهم فضلاً عن ذكرها. قوله:} ذكر رحمة ربك عبده زكريا {[مريم: 2] أي أن ذكر ربك عبده برحمته، ويجوز أن يجعل الرحمة ذاكرًة له مجازًا عن إصابتها إياه كقولك: ذكرني السلطان، أي أصابني بخيرٍ وإن لم يلفظ باسمك. قوله:} خذوا ما آتيناكم بقوةٍ واذكروا ما فيه {[البقرة: 63] أي ادرسوه وقيدوه بالحفظ واعملوا به لن من خالف شيئًا لم يذكره وإن ملأ به فاه. قوله:} سمعنا فتى يذكرهم {[الأنبياء: 60] أي يعيبهم لقوله:} أهذا الذي يذكر آلهتكم {[الأنبياء: 36] ومنه فلان يذكر الناس، إذا كان عيابًا. قوله:} يتذكر الإنسان وأنى له الذكرى {[الفجر: 23] أي يتوب وأنى له التوبة؟ والذكر ضد الأنثى كما قابل بينهما تعالى في قوله: {الذكر والأنثى}

[النجم: 45] ويعبر به عن الجليل الخطير. ومنه الحديث: "القرآن ذكر فذكروه" أي عظيم فعظموه. ويعبر به عن القوي الجلد. وفي الحديث: "هبلت أمه لقد أذكرت به" أي جاءت به ذكرًا قويًا. وجمعه ذكور وذكران. وكني بالذكر عن العضو المعروف. والمذكر: المرأة التي ولدت ذكرًا واحدًا. والمذكار: من عادتها أن تلد الذكور. وقال: [من البسيط] 530 - قد تجزئ الحرة المذكار أحيانًا ذ ك و: قوله تعالى:} إلا ما ذكيتم {[المائدة: 3] أي ذبحتم. والذكاة: هي الذبح الشرعي بقطع الحلقوم - وهو مجرى الطعام - والمري - وهو مجرى الماء. واختلف في اشتقاقها؛ فقيل: مأخوذ من ذكاة السن وبلوغ كل شيءٍ منتهاه. ومنه: أذكيت النار: أقمت اشتعالها. وقيل: الذكاة: الحياة. ومنه: ذكت النار تذكو أي خبت واتقدت، فيكون التضعيف في "ذكيتم" للسلب نحو قردته: أزلت قراده. وقيل الذكاة تطهير للحيوان وإباحة أكله منه. ومنه حديث علي رضي الله عنه: "ذكاة الأرض يبسها" يعني إذا أصابتها نجاسة فجفت طهرت. وقيل هي إخراج الحرارة الغريزية وذلك أن مادة (ذ ك و) تدل على الحرارة. وأصلها من قولهم: ذكت النار تذكو أي اتقدت. وذكيتها أنا أوقدتها تذكيًة. ومنه قيل للشمس ذكاء لحرارتها. قال: [من الكامل] 531 - ألقت ذكاء يمينها في كافر وابن ذكاء: الصبح، قال: [من الرجز] 532 - وابن ذكاء كامن في ستر

فصل الذال واللام

وذلك أنهم يتصورون الصبح ابنًا لها، وتارًة حاجبًا لها. وعبر عن حدة الفهم وسرعته بالذكاء من قولهم: فلان شعلة نارٍ، وذهنه يتوقد. فحقيقة تذكية الحيوان: إخراج الحرارة الغريزية. ويدل على هذا الاشتقاق قولهم في الميت: خامد وهامد، وفي النار الهامدة: ميتة. وذكى الرجل: أسن وحظي بالذكاء لكثرة رياضته وتجاربه. وبحسب هذا الاشتقاق لا يسمي الشيخ مذكيًا إلا إذا كان ذا تجارب ورياضاتٍ. ولما كانت التجارب والرياضات قلما تستعمل إلا في الشيوخ لطول عمرهم استعمل الذكاء فيهم، واستعمل في العتاق من الخيل المسان. وعلى هذا جرى قولهم: "جري المذكيات غلاب". فصل الذال واللام ذ ل ل قوله تعالى:} واخفض لهما جناح الذل من الرحمة {[الإسراء: 24] الذل بالضم ضد العز. والمعنى: تواضع لهما وكن لوالديك ذليلاً. وقيل: الذل ما كان عن قهرٍ؛ ذل يذل ذلاً. والمعنى: كن كالمقهور لهما. والذل بالكسر ضد الصعوبة وهو الطواعية والانقياد. وقيل هو ما لم يكن عن قهرٍ بل عن تأب وشماسٍ. وقد قرئ "جناح الذل" والمعنى: لن لهما ولا تصعب. يقال: الذل والقل، والذلة والقلة. وذلت الدابة تذل ذلاً فهي ذلول قوله:} فاسلكي سبل ربك ذللاً {[النحل: 69] أي منقادة غير مستصعبةٍ. قوله:} وذللت قطوفها تذليلاً {[الإنسان: 24] أي سهلت لمتناولها لدنوها بمنزلة الدابة المنقادة. فهذا من الذل. قوله:} أذلةٍ على المؤمنين {[المائدة: 54] أي لينين سهلين على إخوانهم من المؤمنين، ولم يرد أنهم هينون عليهم ممتهنون عندهم بدليل مقابلته بقوله} أعزةٍ على الكافرين {أي يغالبونهم ويعادونهم كقوله:} جاهد الكفار والمنافقين واغلظ عليهم {[التوبة: 73]. قوله:} وذلة في الحياة الدنيا {[الأعراف: 152] هي أمرهم بقتلهم أنفسهم. وقيل: هي أخذ الجزية. قوله} ولم يكن له ولي من الذل {[الإسراء: 111] أي لم يتخذ وليًا يحالفه ويعاونه لذلةٍ. وكانت العرب

فصل الذال والميم

تحالف بعضها بعضاً لتعتز به. قوله:} وذللت قطوفها تذليلاً {قال أبو بكرٍ: أصلحت وقربت، وأنشد لامرئ القيس: [من الطويل] 533 - وكشحٍ لطيفٍ كالجديل مخصرٍ ... وساق كأنبوب السقي المذلل وقال ابن عرفة: مكنت فلم تمتنع على طالبٍ، يقال لكل مطيعٍ غير ممتنع: ذليل، من الناس، ومن غيرهم: ذلول. وفي الحديث: "رب عذقٍ مذللٍ لأبي الدحداح" قال الأزهري: تذليل العذوق: أنها إذا خرجت من كوافيرها التي تغطيها عمد إليها الآبر فيسهلها ويذللها بإخراجها من بين السلاء والجريد، فيسهل قطافها عند إيناعها. وقال مجاهد: معنى الآية: إن قام ارتفع إليه القطف، وإن قعد تدلى إليه. وهذا قريب المعنى من قوله:} قطوفها دانية {[الحاقة: 23]. قولهم: الأمور تجري على أذلالها أي على مسالكها. فصل الذال والميم ذ م م: قوله تعالى:} ولا ذمًة {[التوبة: 10] الذمة قيل: هي العهد. ومنه سمي المعاهد ذميًا لأنه أعطي العهد. وقال ابن عرفة: الذمة هي الضمان، ومنه: هو في ذمتي أي ضماني. وأهل الذمة من ذلك لأنهم أدخلوا في ضمان المسلمين. وقال أبو عبيدٍ: الذمة ما يتذمم منه. قلت: يعني أنها مشتقة من الذم، يعني أنه يذم الرجل على إضاعة ما يعاهدهم عليه أو يؤتمن، ومثلها الذمام والذمة والمذمة. والذم جمع ذمةٍ. وأنشد لأسامة ابن الحارث: [من الطويل] 534 - يصيح بالأسحار من كل صارةٍ ... كما ناشد الذم الكفيل المعاهد وقيل: الذمة: الأمان؛ ومنه الحديث: "ويسعي بذمتهم أدناهم" يعني أن أحد

فصل الذال والنون

المسلمين إذا أمن بعض الحربيين حتى يدخل بلاد جاز ذلك وحرم اغتياله، وإن كان المؤمن أدناهم. وقد أجاز عمر أمان عبدٍ على العسكر. والذم: اللوم ضد المدح، ومنه قوله تعالى:} مذمومًا مدحورًا {[الإسراء: 18] يقال: ذممته أذمه ذمًا، فأنا ذام وهو مذموم. وأذم بكذا أضاع ذمامه. وقولهم: أذهب عنهم مذمتهم أي أعطهم شيئًا لذمامهم. وبئر ذمة أي قليلة الماء. ورجل مذم: لا حراك به. فصل الذال والنون ذ ن ب: قوله تعالى:} ربنا اغفر لنا ذنوبنا {[آل عمران: 147] جمع ذنب وهو كل معصيةٍ صغيرة كانت أو كبيرًة. وأصله الأخذ بذنب الشيء؛ يقال فنبته، ثم استعملت في كل فعلٍ تستوخم عقباه، ولهذا سمي تبعًة اعتبارًا بما يحصل من عاقبته. والذنب من الدابة وغيرها معروف، ويعبر به عن المتأخر والشيء الرذل. قال: والأذناب: الأتباع وجئت في أذناب القوم. والذنوب: الدلو العظيمة الملأى؛ وإن لم تكن ملأى فهي دلو. وفي الأصل: دلو ذات ذنبٍ. ثم يعبر بها عن النصيب. ومنه قوله تعالى:} فإن للذين ظلموا ذنوبًا {[الذاريات: 59]، وقال علقمة بن عبدة في حق أخيه شأسٍ: [من الطويلي 535 - وفي كل حي قد خبطت بنعمةٍ ... فحق لشأسٍ من نداك ذنوب ولما وصل شعره للملك الذي أسر أخاه قال: نعم وأذنبه. والذنوب أيضًا: توابيع المتن وهي لحمه: والأذناب: الأتباع، والرؤوس: الرؤساء المتبوعون. وذنب الرجل: تبعه. وفي الحديث: "كان لا يرى بالتذنوب أن يفتضح بأسًا"؛ التذنوب: البسرة التي يرى فيها الإرطاب من قبل ذنبه. ذنبت البسرة فهي مذنبة.

فصل الذال والهاء

فصل الذال والهاء ذ هـ ب: الذهاب: المضي ويكون في الأعيان كقوله تعالى:} وذا النون إذ ذهب مغاضبًا {[الأنبياء: 87]} إني ذاهب إلى ربي {[الصافات: 99]. وفي المعاني كقوله تعالى:} فلما ذهب عن إبراهيم الروع {[هود: 74]. ويتعدى بالهمزة أو بالباء نحو:} ذهب الله بنورهم {[البقرة: 17]،} إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس {[الأحزاب: 33]. وبين النحاة خلاف في التعديتين؛ هل هما بمعنى أو بينهما فرق؟ حققناه في غير هذا، ويعبر به عن الموت. ومنه قوله تعالى:} فلا تذهب نفسك عليهم حسراتٍ {[فاطر: 8] أي لا تهلكها تحسرًا عليهم إن لم يؤمنوا، وقد يعبر به عن الفوز بالشيء قوله تعالى:} لتذهبوا ببعض ما أتيتموهن {[النساء: 19] أي لتفوزوا. والذهب: معروف ويؤنث بالتاء فيقال: ذهبة، ويصغر على ذهيبةٍ. وكميت مذهب: علت حمرته صفرة فكأن عليه ذهبًا؛ قال: [من الطويل] 536 - وكمتًا مدماةٍ كأن متونها ... جرى فوقها واستشعرت لون مذهب ورجل ذهب أي دهش حين رأى معدن الذهب. وفي الحديث: "كان عليه الصلاة والسلام إذا أراد الغائط أبعد في المذهب" قال أبو عبيدة: يقال لموضع الغائط الخلاء والمذهب والمرفق والمرحاض. والذهب أيضًا مكيال معروف باليمن، ويجمع على أذهاب ثم يجمع أذهاب على أذاهب ومنه حديث بعض الصحابة "أذاهب من بر وأذاهب من شعيرٍ". ذ هـ ل: قوله تعالى:} تذهل كل مرضعةٍ {[الحج: 2] أي تدهش وتتحير. وقيل: تسلو. يقال: ذهلت عن الشيء أذهل ذهولاً فأنا ذاهل إذا انصرفت وتركته. وقيل:

فصل الذال والواو

الذهول: شغل يورث حزنًا ونسيانًا. وذهل: علم لشخصٍ تنسب إليه القبيلة المشهورة. فصل الذال والواو ذ ود: قوله تعالى:} تذودان {[القصص: 23] أي تطردان غنمهما عن غنم الناس لئلا تختلط بها. وقيل: وجوههما نظر الناس. يقال: ذدته أذوده ذودًا أي صرفته عني. وقيل: يكفان غنمهما حتى يفرغ الحوض من الوارد، وهو أظهر لقوله:} حتى يصدر الرعاء {والذود من الإبل ما بين الاثنين إلى التسع للإناث خاصًة دون الذكور. وفي الحديث: "ليس فيما دون خمس ذودٍ صدقة"، وقال الآخر: [من الرجز] 537 - ذود صفايا بينها وبيني ... ما بين تسعٍ فإلى اثنتين ذ وق: قوله تعالى:} ولئن أذقنا الإنسان منا رحمًة {[هود: 9] أي أوصلناها إليه لا يتمكن به من ذوقها. وأصل الذوق وجود طعم الشيء بالفم. وأصله تناول ما يقل دون ما يكثر؛ يقال فيه: أكل. واختير من القرآن لفظ الذوق في العذاب لأنه وإن كان في العرف لما يقل فهو صالح. فاستعمل ليعم الأمرين. وقوله تعالى:} فأذاقها الله لباس الجوع والخوف {[النحل: 112] فاستعمل الذوق مع اللباس من حيث إنه أراد به الاختبار أي جعلها بحيث تمارس الجوع والخوف، أي ابتلاها ما أخبرت من عقاب الجوع والخوف. وقيل: هو على تقدير كلامين أي أذاقها الجوع والخوف، وألبسها لباسهما، وفي الآية كلام أكثر من هذا. قوله:} إذا أذقنا الإنسان منا رحمة {[الشورى: 48] استعمل في

الرحمة الإذاقة وفي مقابلتها الإصابة في قوله:} وإن تصبهم سيئة {[الروم: 36] تنبيهًا على أن الإنسان بأدنى ما يعطى من النعمة يبطر كقوله:} إن الإنسان ليطغى أن رآه استغنى {[العلق: 6 و 7]. وأكثر استعماله في العذاب. وقد جاء في الرحمة كما تقدم، والذواق: ما يذاق من طعامٍ وشرابٍ؛ فعال بمعنى مفعولٍ. وفي الحديث "لم يكن يذم ذواقًا" وفيه في صفة أصحابه عليه الصلاة والسلام: "لا يتفرقون إلا عن ذواقٍ" هذا كناية عما يتعلمون من العلم فإنه يقوم مقام الطعام والشراب؛ فإن العلم يحفظ أرواحهم كما يحفظ الطعام والشراب أبدان غيرهم. ويكنى بالذواق عن سرعة النكاح. وفي الحديث: "لم يكن الله ليحث الذواقين" أي السريعي النكاح السريعي الطلاق. قوله:} فذاقت وبال أمرها {[الطلاق: 9] أي خبرت مكره، أو وصل إليها وصول المذاق. ذ وو: ذو بحذف اللام، وأصله: ذوي؛ لامه ياء لأن عينه واو. وباب طوى أكثر من باب قوي، وهو في كلامهم على ضربين؛ ضرب بمعنى صاحبٍ فيلازم الإضافة لفظًا ومعنى ولا يضاف إلا إلى اسم جنس ظاهرٍ. وشذت إضافته للعلم، نحو: ذي رعينٍ، ذي يزنٍ، ذي الكلاع، وكثر في أقبال حميرن ووجد في حجرٍ مكتوبٍ: "أنا الله ذو بكة". وشذت إضافته إلى المضمر في قولهم: "من مجزوء الرمل] 538 - إنما يصطنع المعـ ... ـروف في الناس ذووه وقال الآخر: [من الوافر] 539 - صبحنا الخزرجية مرهفات ... أبار ذوي أرومتها ذووها

ويعرب بالأحرف الثلاثة نيابًة عن الحركات، ويثنى ويجمع جمع السلامة فيقال: ذوا كذا رفعًا، وذوي كذا نصبًا وجرًا. وقد تقدم في قوله: ذووه وذووها وذوي أروممتها. ومؤنثه ذوات فإذا ثنيت فالأكثر رد المحذوف كقوله تعالى:} ذواتا أفنانٍ {[الرحمن: 48]. وقد يقال: ذاتا على اللفظ. ومنه قوله: بين ذات العوج. وقول أهل الكلام وغيرهم: ذات الشيء يعنون بها نفسه وعينه فيقولون: ذاته كذا أي نفسه فيستعملونها مفردة ومضافة لظاهرٍ تارًة ومضمرٍ أخرى، وينكرونها مقطوعًة عن الإضافة ومعرفةٍ بأل فيقولون: ذاتك، وذات من الذوات، والذات. فيجرونها مجرى النفس، وكل ذلك ليس من كلام العرب؛ نص عليه الراغب. وأصل وضع "ذي" التوصل به إلى الوصف بأسماء الأجناس نحو: مررت برجلٍ ذي مالٍ وذي علمٍ. وقد شذ إفراده عن الإضافة بأن مجموعة جمع المذكر السالم في قول الكميت: [من الوافر] 540 - وما أعني بقولي أسفليكم ... ولكني أريد به الذوينا الذوين: في البيت جمع ذي الواقع في أسماء ملوك حمير نحو ذي يزن وما ذكر معه. وفي الحديث في صفة المهدي: "قرشي يمان ليس نسبه من ذي ولا ذو" قال الهرومي: يقول: ليس نسبه نسب الأذواء - وهم ملوك حمير كذي رعين، وذي فاشين، وذي يزن - ثم أنشد بيت الكميت. قوله:} وأصلحوا ذات بينكم {[الأنفال: 1] أي صاحبة وصلتكم، وهي الحالة التي بينكم. وقوله:} إنه عليم بذات الصدور {[الأنفال: 43] أي خفياتها. وضربٍ يكون بمعنى الذي وذلك في لغة طيء خاصًة، والأفصح فيها حينئذٍ أن تكون بلفظ ذو في الإفراد والتذكير وضدهما؛ رفعًا ونصبًا وجرًا، كقوله: [من الوافر] 541 - فإن الماء ماء أبي وجدي ... وبئري ذو حفرت وذو طويت

وقد تعرب كالتي بمعنى صاحبٍ، قال سحيم: [من الطويل] 542 - فإما كرام موسرون أتيتهم ... فحسبي من ذو عندهم ما كفانيا وقد تثنى وتجمع وتؤنث فإذا جمعت جمع سلامةٍ فالأفصح بناؤه على الضم كقوله: [من الرجز] 543 - جمعتها من أينقٍ سوابق ... ذوات ينهضن بغير سائق وقد ذكرها الهروي في مادة ذوي، وليس منه بالعكس كما قدمته. وذكر الراغب ذا اسم الإشارة في مادة "ذو" وسأتكلم عليه في مادة ... فإنه أليق به! لما ستعرفه، وليس من هذه المادة في القرآن إلا ذا اسم الإشارة على رأي بعض النحاة، وذلك أن الأسماء المتوغلة في البناء لا يدخلها اشتقاق ولا تصريف، وإن ذكر بعض النحويين فيها شيئًا من ذلك فللتمرين. ومذهب البصريين أن ذا ثنائي الوضع لأنه مبني كالحرف. ومذهب الكوفيين أنه ثلاثي الوضع، وأن أصله "ذي ي" بدليل. تصغيرهم له على ذيا، والأصل ذييا فحذفت إحدى الياءين غير ياء التصغير وعوض منها الألف. وقيل: بل هي عوض من ضم أوله وفيه كلام طويل حققناه في غير هذا، لا غرض لنا في التطويل به هنا إذ لا تعلق له بالمعنى. وفيه لغة ذا، بالمد. ويقال في التوسط ذاك وفي البعد ذلك وآلك؛ فله ثلاث مراتب على المشهور عند النحاة، ومؤنثه ذي وذه، وتي وته، وتا وذات وتسكن هاء ذه وته، وتشبع وتختلس وتثنى ذات وتا وجمعهما أولى. وقد تقصر وتلحق هاء التنبيه جميعها إلا ما فيه لام البعد، والكاف حرف خطابٍ جارًة مجرى الاسم مطابقًة. ويكون ذا موصولاً مع ما أو من الاستفهامية بشرط ألا يلغى وألا يراد به الإشارة فالأحسن حينئذٍ جوابه بالرفع. وإذا أبدل منه وجب الرفع. وقرئ قوله:} يسألونك ماذا ينفقون قل العفو {[البقرة: 219] برفع العفو على أنه موصول، ونصبه على أنه غلب عليه الاستفهام. وأجمع في السبع على نصب "خيرًا" ورفع "أساطير" من قوله: {ماذا أنزل

ربكم قالوا خيرًا} [النحل: 30]} ماذا أنزل ربكم قالوا أساطير الأولين {[النحل: 24] ومن البدل قوله: [من الطويل] 544 - ألا تسألان المرء ماذا يحاول ... أنحب فيقضى، أم ضلال وباطل؟ وقولهم: عما ذا يسأل هو على جعله مع ما بمنزلة اسمٍ واحدٍ، ولذلك يثبت ألف ما الاستفهامية مجرورًة لوقوعها حشوًا، وقول الآخر: 545 - دعي ماذا علمت سأتقيه ... ولكن بالمغيب خبريني يجوز أن يكون "ماذا" كله بمنزلة الذي لئلا يلزم تعليق غير أفعال القلوب، وأن يكون ذا زائدًا وهو قبيح، وأن يكون مفعول دعي مضمرًا وهو الظاهر أي: دعي الأمور المعلومة. وما حينئذٍ استفهامية، ولا تعليق حينئذٍ من غير فعلٍ قلبي. قوله:} ذلك الكتاب {[البقرة: 2] أشير إليه بما للبعيد تعظيمًا كقوله:} فذلكن الذي لمتنني فيه {[يوسف: 32]. وقيل: لأنه نزل من السماء إلى الأرض. وقيل: لأنه وعد به قبل إنزاله. وقول المفسرين هنا أشير إليه إشارة الغائب فيه مسامحة وإلا فلا يشار إلا لحاضرٍ أو ما في قوته لتحقق خبر المخبر به كقوله تعالى:} ذلك يوم مجموع له الناس {[هود: 103] يعني يوم القيامة.

باب الراء

باب الراء فصل الراء والهمزة ر أس: قوله تعالى:} فتأكل الطير من رأسه {[يوسف: 41] الرأس أعلى ما في الإنسان ولذلك عبر بها عن كل عالٍ فقيل: رأس الجبل. ويعبر بها عن أول الشيء، ومنه: رأس الحول. وقيل للسيد رأس القوم لذلك، ومنه رجل رئيس، ورأسه من ذلك. ويجمع الرأس على رؤوسٍ في الكثرة وأرؤسٍ في القلة. ورجل أرأس: عظيم الرأس، وهو الرؤاسي أيضًا: رئاس السيف: مقبضه. وشاة رأساء: سوداء الرأس: رأسته: أصبت رأسه، نحو كبدته: أصبت كبده. وفي الحديث: "إنه عليه الصلاة والسلام كان يصيب من الرأس وهو صائم". ر أف: قوله تعالى:} رؤوف رحيم {[التوبة: 117]. الرأفة: الرحمة، فعلى هذا يكون جمع بين اللفظين تأكيدًا. وحسن ذلك اختلاف اللفظين كقوله تعالى:} صلوات من ربهم ورحمة {[البقرة: 157]، وقوله: 546 - وألفى قولها كذبًا ومينا [من الوافر] 547 - وهند أتى من دونها النأي والبعد [من الطويل] وقيل: الرأفة أرق من الرحمة، فهي أخص، وعلى هذا فلا تكرار ولا تأكيد. يقال: رأف به يرأف رأفًة ورآفًة مثل كأبةٍ وكآبةٍ. ورؤف به أيضًا بزنة ظرف، فهو رؤوف. مثل حذرٍ ويقظ بزنة صبورٍ وشكور. وقد قرئ بذلك في المتواتر.

ر أو: قوله تعالى: {ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم {[البقرة: 243] أي لم ينته إلى علمك كقوله:} ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبًا من الكتاب {[آل عمران: 23] والرؤية بمعنى العلم كثير. وقيل: معناه التعجب؛ عجب الله من فعل هؤلاء الخارجين. وقال سيبويه: سألته - يعني الخليل - عن قول الله تعالى:} الم تر أن الله أنزل من السماء ماًء {[الحج: 63] فقال: هذا واجب معناه التنبيه كأنه قيل: ألم تسمع أنه أنزل الله من السماء ماًء فكان كذا وكذا؟ واعلم أن رأى لفظ مشترك بين معانٍ؛ رأى بمعنى أبصر، وبمعنى علم، وبمعنى ظن، وبمعنى حلم في المنام، وبمعنى ضرب رئته. وقد يتميز بعضها بالمصدر؛ فمصدر البصرية رؤية، والحلمية رؤيا، والرأي لغير ذلك. وقد يجيء في البصرية كقوله تعالى:} رأي العين {[آل عمران: 23]. ولذلك أضافه للعين، فإن كان على خلاف الأصل. وقوله:} أرأيتك هذا الذي كرمت علي {[الإسراء: 62] وقوله:} أرأيتكم {[الأنعام: 40] ونحوه معناها في هذا كله معنى: أخبرني. ويلزم حينئذٍ فتح التاء مفردًة على كل حالٍ، استغناًء بمطابقة الكاف لما يراد بها من إفراد وتذكيرٍ وضديهما. ولذلك لا يعلق أخبرني؛ فإن لم يرد بها معنى أخبرني وجب مطابقة التاء لما يراد بها. وللنحويين في "أرأيتك" الإخبارية خلاف طويل بالنسبة إلى الفاعل ودلائل متعارضة تحقيقها في غير هذا ويفيد. "أرأيتك" بمعنى أخبرني معنى التنبيه والتي بمعنى العلم والظن. والحكم يتعدى في أحوالها الثلاثة إلى مفعولين، وفيما عدا ذلك يتعدى إلى مفعولٍ واحدٍ. ويتعدى بالهمزة إلى مفعولٍ آخر هو فاعل في المعنى، فتعدى

المتعدية إلى اثنين قبل ذلك إلى ثلاثةٍ وهو نهاية تعدي الفعل كقوله تعالى:} إذ يريكهم الله في منامك قليلاً {[الأنفال: 43]. والمتعدية لواحدٍ يتعدى بها إلى اثنين. وقد يقلب رأى بتقديم لامه على عينه فيقال: راء، وأنشدوا: [من الطويل] 548 - وكل خليلٍ راءني فهو قائل ... من آجلك: هذا هامة اليوم أو غد وتحذف عينه في الاستفهام نحو: أريتك وأريتكم وهي قراءة الكسائي. وقد قسم بعضهم الرؤية إلى أقسامٍ فقال: وذلك أضرب بحسب قوى النفس؛ الأول: بالحاسة وما يجري مجراها كقوله تعالى:} وسيرى الله عملكم ورسوله {[التوبة: 94] هذا مما يجري مجرى الرؤية بالحاسة، فإن الحاسة لا تصح على الله تعالى. والثاني: بالوهم والتخيل نحو: رأيت أن زيدًا منطلق. والثالث: بالتفكر نحو:} إني أرى ما لا ترون {[الأنفال: 48]. والرابع: بالعقل نحو:} ما كذب الفؤاد ما رأى {[النجم: 11]، وعلى ذلك حمل قوله:} ولقد رآه نزلًة أخرى {[النجم: 13]. قال: والرأي: اعتقاد النفس أحد النقيضين عن غلبة الظن، وعلى هذا قوله تعالى:} يرونهم مثليهم رأي العين {[آل عمران: 13] أي يظنونهم بحسب مقتضى مشاهدة العين مثليهم. والروية والتروية: التفكر في الشيء، والإمالة بين خواطر النفس في تحصيل الرأي. وإذا عديت رأى بـ على دلت على التفكر المؤدي إلى الاعتبار كقوله تعالى:} ألم تر إلى ربك كيف مد الظل {[الفرقان: 45]. قوله تعالى: {فلما تراءى الجمعان}

[الشعراء: 61] أي تقابلا وتقاربا حتى صار كل واحدٍ يتمكن من رؤية الآخر. ومنه قوله عليه الصلاة والسلام: "لا تراءى ناراهما ومنازلهم". وقوله تعالى:} وأرنا مناسكنا {[البقرة: 128]. أي أعلمنا، ومنه قول حطائط بن يعفر: [من الطويل] 549 - أريني جوادًا مات هزلاً لعلني ... أرى ما ترين أو بخيلاً مخلدا أي أعلميني: قوله:} أعنده علم الغيب فهو يرى {[النجم: 35] أي يعلم. وقال ابن عرفة: أي يرى ما غاب عنه. وقوله:} ولو نشاء لأريناكهم {[محمد: 30] معناه عرفناكهم. ر أي: قوله:} إذا رأتهم من مكانٍ بعيدٍ {[الفرقان: 12] أي قابلتهم، من قولهم: منازلهم تتراءى أي تتقابل. قوله:} بما أراك الله {[النساء: 105] أي أعلمك وعرفك. والراية: العلامة المنصوبة للرؤية. ومع فلانٍ رئي من الجن. وأرأت الناقة فهي مرءٍ: أظهرت الحمل حتى يرى صدق حملها. قوله تعالى:} رئاء الناس {[البقرة: 264] مصدر راءى بعمله. ومعنى الفاعل فيه أنه يريهم عمله ليروه ثناءهم عليه. والمرآة: مفعلة من الرؤية، هي آلة الرؤية المنعكسة. وهي ما ترى فيها صورة الأشياء، قال ابن عرفة: [من الطويل] 550 - فغن لم تك المرآة أبدت وسامة ... فقد أبدت المرآة جبهة ضيغم وجمعها المرايا. والأصل المرائي، ثم غلب الإعلال المشهور. قوله: {أثاثًا

فصل الراء والباء

ورئيًا} [مريم: 74]. الرئي: المنظر والشارة؛ يقال: إنه لحسن الرئي أي الشارة، وقرئ ريًا بتشديد الياء فقيل: هو مهموز الأصل خفف. وقيل: هو من الري وهو من ذوات الواو من روي بالماء يروي به. وتقدم تفسير الأثاب في بابه، وانتصابهما تمييز. وأما الرئي فهو التابع من الجن لأنه يتراءى على شكل ما أراد. وفي الحديث: "فإذا رئي"؛ حية عظيمة. ويجوز كسر فائه إتباعًا. وأما الرئي بالكسر فقط فهو أن يريك ثوبًا حسنًا لتشتريه لحسنه. قال علقمة: [من الطويل] 551 - كميت كلون الأرجوان شريته ... لبيع الرداء في الصوان المكعب والرئة: العضو المعروف، وهي السحر أيضًا. ومنه قول لقمان بن عادٍ: "لا تملأ رئتي جنبي". يقول: لست بجبان تنتفخ رئتي من الفزع حتى تملأ جنبي. يقال: انتفخ سحره ويجمع رئون كجمع زيدٍ حكاه الراغب. ويخفف همزها بإبداله ياًء. وفي بعض الألغاز: [من البسيط] 522 - إني رأيت عجيبًا في دياركم؛ ... شيخًا وجاريًة في بطن عصور! وجا قطع، وريًة مفعولة. ويقال في التورية: ما رأيت زيدًا أي ما أصبت رئته، نحو فأدته أي أصبت فؤاده. فصل الراء والباء ر ب ب: قوله تعالى:} الحمد لله رب العالمين {[الفاتحة: 2] الرب: الملك والسيد

والمصلح والصاحب، وكلها معانٍ متقاربة. ولا يقال مطلقًا إلا للباري تعالى. فأما قوله: [من الخفيف] 553 - فهو الرب والشهيد على يو ... م الحيارين، والبلاء بلاء فقول جاهلي لا يعتد به. ويقال: فلان رب الداء والشاء والبعير. ومنه:} ارجع إلى ربك {[يوسف: 50]} إنه ربي أحسن مثواي {[يوسف: 23]. ومنه: [من مجزوء الكامل] 554 - فإذا سكرت فإنني ... رب الخورنق والسدير وإذا صحوت فإنني ... رب الشويهة والبعير وقيل: عني بقوله:} إنه ربي {الباري تعالى، وهو الأليق بحاله. والرب في الأصل قيل: وصف، وقيل مصدرًا واقع موقع اسم الفاعل ربه يربه ربًا، ورباه يرببه تربيًة، ورببه يرببه تربيبًا، كله بمعنى أصلحه. وقال: "لأن يربني رجل من قريشٍ أحب إلي من أن يربني رجل من هوازن". فإذا قيل إنه وصف فهل هو مقصور من رأب، نحو بر مقصور من نحو بار أو وصف على فعلٍ من غير حذفٍ، نحو صعبٍ وضخمٍ؟ خلاف مشهور. وكل موضعٍ ذكر فيه لفظ الرب فلمناسبة ذلك المقام؛ ألا ترى حسن موقعه في قوله:} الحمد لله رب العالمين {حيث نبههم على استحقاق الحمد له بكونه مصلحهم ومالكهم ومتولي مصالحهم. وكذا قوله:} إن ربكم الله الذي خلق السماوات والأرض {[الأعراف: 54]،} اتقوا ربكم الذي خلقكم {[النساء: 1] إلى غير ذلك من نظائره. وتجمع على أربابٍ كقوله تعالى:} أأرباب متفرقون {[يوسف: 39]، وعلى ربوبٍ كقول الشاعر: [من الطويل] 555 - وأنت امرؤ أفضت إليك أمانتي ... وقبلك ربتني، فضعت، ربوب

وأديم مربوب أي مصلح؛ قال الشاعر: [من الطويل] 556 - فإن كنت مني أو تريدين صحبتي ... فكوني له كالسمن رب له الأدم ويطلق على المعبود بغير حقٍ} أأرباب متفرقون {. وقول الآخر: [من الطويل] 557 - أرب يبول الثعلبان برأسه ... لقد هان من بالت عليه الثعالب ولنا فيه كلام أطول من هذا. واختلف فيه؛ هل هو صفة ذاتٍ أم صفة فعلٍ. وفي حديث أشراط الساعة "أن تلد الأمة ربها أو ربتها" هو أن يكثر التسري فيولد الرجل أمته ولدًا فهو مولاها في المعنى. قوله:} والربانيون {جمع رباني منسوب إلى لفظ الرب بمعنى التربية، وذلك أن العلماء يربون العلم أي يصلحونه ويتعلمونه، ثم يربو به الناس فيعلمونهم كما تعلموا ويصلحونهم كما صلحوا هم به، وهم الذين يربون بصغار العلوم قبل كبارها؛ فهو من لفظ الربية ومعناها. ولما توفي الحبر البحر ابن عباسٍ رضي الله عنهما قال السيد محمد ابن الحنفية: "مات رباني هذه الأمة". وقوله:} ولكن كونوا ربانيين {[آل عمران: 79] أي علماء حلماء يعلمون الناس ويربونهم كما علمكم غيركم ورباكم. ولذلك نبههم على ذلك حيث قال:} بما كنتم {وزيدت الألف والنون في النسب مبالغة كقولهم: لحياني وجباني في الكبير اللحية والجبة. وقوله:} معه ربيون كثير {[آل عمران: 146] جمع ربي وهو

العالم أيضا. قيل: هو نسبة إلى الرب غير في النسب نحو دهري، وقيل: منسوب إلى الربة وهي الجماعة وقيل: الرباني منسوب إلى ربان بني على فعلان من رب كما في عطشان من عطش. وقال عليه الصلاة والسلام: "أنا رباني هذه الأمة" ولا شك في ذلك بأي تفسير فسر الرباني. وقيل: الرباني أصله سرياني؛ قال الراغب: وأخلق بذلك فقلما يوجد في كلامهم. وقد اختار غير المختار، لأنا متى وجدنا لفظًا موافقًا للأصول اشتقاقًا ومعنًى، فأي معنًى إلى ادعاء السريانية فيه؟ وهذا كما قيل في الله والرحمن أنهما معربان. وهذه أقوال ضعيفة، وقد نبهنا عليها في أماكنها. والرباب: السحاب لأنه يرب النبات، منه سمي المطر درًا. وأربت السحابة: دامت. وحقيقته صارت ذات تربيةٍ وتصور فيها معنى الإقامة؛ يقال: أرب فلان بمكانه أي أقام، تشبيهًا بإقامة الرباب. والربابة: خريطة تجمع فيها قداح الميسر، والربابة تقال للعقد في موالاة الغير. واختص الراب والرابة بأحد الزوجين إذا تولى تربية الولد من زوجٍ كان قبل ذلك. واختص الربيب بذلك الولد؛ فعيل بمعنى مفعول. وشاة ربي أي حديثه عهدٍ بنتاجٍ. ولذلك نهي المصدق عن أخذها؛ يقال: شاة ربي: بينة الرباب. ويقال: ربابها بين أن تضع إلى أن يأتي عليها شهران وجمعها رباب بضم الراء. ورب: حرف تقليل. وقيل: اسم، ويكون للتكثير عند بعضهم كقول امرئ القيس: [من الطويل] 558 - ويا رب يومٍ قد لهوت وليلةٍ ... بآنسةٍ كأنها خط تمثال ومثله قوله: [من الطويل]

559 - فيا رب مكروبٍ كررت وراءه ... وعانٍ فككت الغل عنه فقداني. ولا يليق بمقام التمدح القليل، وأجيب بأنها لتقليل النظر فيفيد التمدح. ولها أحكامٍ كثيرة ولغات عديدة حققناها ولله الحمد في غير هذا. ولا تجر إلا الفكرة غالبًا، وتدخل معها ما مزيدًة فتفكها ولا تكفها، وتليها الأفعال فتخلصها للمضي، فأما قوله:} ربما يود الذين كفروا لو كانوا مسلمين {[الحجر: 3] فكقوله:} ونادى أصحاب الجنة {[الأعراف: 44] وقوله:} أتى أمر الله {[النحل: 1] لتحقق الخبر. وتؤنث بالتاء ساكنًة ومفتوحًة كما في ثم. ر ب ح: الربح: الزيادة على رأس المال. قوله تعالى:} فما ربحت تجارتهم {[البقرة: 16] من أبلغ المجاز حيث نسب الخسران إلى نفس البضاعة التي هي سبب في الربح والزيادة، ومن له أدنى ذوقٍ يفرق بين فصاحة وأبلغية "فما ربحت تجارتهم" وبين: فما ربحوا في تجارتهم، وهو ترشيح للمجاز الذي تقدم في قوله:} اشتروا الضلالة بالهدى {[البقرة: 16] ومثله في الإسناد المجازي} فإذا عزم الأمر {[محمد: 21]،} والنهار مبصرًا {[يونس: 67]} الناقة مبصرًة {[الإسراء: 59]، فجل رب العالمين المتكلم بهذا الكلام العظيم. ومن هذا قول الآخر: [من الوافر] 560 - قروا أضيافهم ربحًا بيح. بح: اسم للقداح التي يستقسمون بها. وعندي أن الربح هنا اسًم لما يحصل من الربح نحو النقص؛ والمعنى قروا أضيافهم ما حصلوا منه الحمد الذي هو أعظم الربح.

وذلك كقول الآخر: [من الطويل] 561 - فأوسعني حمدًا وأوسعته قرًى ... فأرخص بحمدٍ كان كاسبه الأكل وفي الحديث: "ذلك مال رابح" كـ: لابنٍ وتامرٍ، أي ذو ربحٍ. ويروي رايح بالياء أي عائد الفائدة. ر ب ص: قوله تعالى:} يتربصن {[البقرة: 228] أي ينتظرن. والتربص: الانتظار بالشيء. يقال: تربصت: يريد الموت أي انتظرته به. ولي ربصة بكذا أي تربص، والتربص: الانتظار بالشيء سلعًة كان أو غيرها من الأمور المنتظر زوالها أو حصولها. ومنه:} نتربص به ريب المنون {[الطور: 30] أي نزول الموت والانتظار بالسلعة تارًة يكون لغلاء سعرها وهو الغالب وتارًة لغير ذلك. ر ب ط: قوله تعالى:} وربطنا على قلوبهم {[الكهف: 14] أي عقدنا عليها عقدًا اطمأنت به حتى لا تفرغ ولا تقلق كقلوب من بعدوا عن أهلهم وديارهم. ولا يرى أقلق من قلب الغريب لاسيما المتوحد. وقوله:} لولا أن ربطنا على قلبها {[القصص: 10]. وأصل الربط: العقد في الأعيان نحو ربطت الفرس أربطه، فاستعير في إلهام الطمأنينة والصبر على المكاره لحصول تقوية القلب وتشديده بتوفيق الله تعالى. وسمي المكان الذي يخص بإقامة حفظةٍ فيه رباطًا. والمرابطة: كالمحافظة؛ وهو ضربان: مرابطة في ثغور المسلمين، ومرابطة النفس فإنها كمن أقيم في ثغرٍ وفوض إليه مراعاته، فيحتاج أن يراعيه غير مخل به. وذلك كالمجاهدة. وفي الحديث من المرابطة

"انتظار الصلاة بعد الصلاة" وفلان رابط الجاش: إذا قوي قلبه. وقوله تعالى:} وليربط على قلوبكم {[الأنفال: 11] إشارة إلى نحو قوله تعالى:} هو الذي أنزل السكينة في قلوب المؤمنين {[الفتح: 4] عكس من قال فيهم:} وأفئدتهم هواء {[إبراهيم: 43] قوله:} ورابطوا {[آل عمران: 200] فيه قولان أحدهما: أقيموا على جهاد عدوكم ورباط خيولكم. والثاني: ما قال عليه الصلاة والسلام من "إسباغ الوضوء على المكاره وانتظار الصلاة ألا فذلكم الرباط". وقوله:} ومن رباط الخيل {[الأنفال: 60] يعني ارتباطها وحبسها معدًة للقتال وقرأ عبد الله:} ومن ربط الخيل {فربط: جمع رباط نحو حمر وحمار. وقال الهروي: يقال رباط وأربطة ثم ربط، ظاهره أن ربطًا جمع أربطة، ولكن لا يريد ذلك لفساده صناعًة. وقال القتيبي: المرابطة أن يربط هؤلاء خيولهم في ثغرٍ، وهؤلاء خيولهم في ثغرٍ. يعني: فالمفاعلة محققة في ذلك. وفرس ربيط أي مربوط. وفي الحديث: "إن ربيط بني إسرائيل" أي حكيمهم الذي ربط نفسه عن الدنيا والربيط أيضًا: رطب يصب عليه عسل ونحوه لئلا يجف. والرباط أيضًا: المواظبة على الشيء وما يربط به من حبلٍ ونحوه. ر ب ع: قوله تعالى:} أربعين ليلًة {[البقرة: 51] الأربعون ونحوها جارٍ مجرى جمع السلامة، وليس جمعًا صناعيًا لعدم سر ... مذكورة في غير هذا، ولفساد المعنى في عشرين وثلاثين. وقد يعرب إعراب جمع التكسير كقوله: [من الوافر]

562 - وقد جاوزت حد الأربعينا. قوله:} رباع {[النساء: 3] معدول عن عددٍ مكررٍ أي أربع أربع، ولذلك منع الصرف. والأربع هذا جرى مجرى الأوصاف من قولهم: مررت بنسوةٍ أربعٍ. ولا يعتد بذلك لعروضه، فلذلك صرف بخلاف: أبطح وأبرق، وإن جريا مجرى الجوامد. وربعت القوم أربعهم: كنت لهم رابعًا، وأخذت ربع أموالهم. وهو يمشي في قومه بالمرباع: أي يأخذ ربع ما يغنمون، وكانوا يفعلونه في الجاهلية. وقال عليه الصلاة والسلام لعدي بن حاتمٍ: "وإنك تأكل المرباع وهو لا يحل لك في دينك". والربع: من أظماء الإبل والحمى. وأربع: إذا أورد إبله ربعًا. ورجل مربوع ومربع: أخذته حمى الربع. والمربوع أيضًا: الربعة، وهو بين الرجلين، ويستوي فيه الذكر والأنثى؛ يقال: رجل ربعة وامرأة ربعة ورجال ربعون ونساء ربعات - بفتح الباء - والقياس سكونها لأنها صفة. وقيل: فتحت جمعًا لقول بعضهم: ربعة بالفتح ومثلها لجبة. وربعت الحجر وارتبعته: شلته لأروز قواي. والحجر ربيعة. وربع زيد وارتبع: أقام في الربيع، ثم استعمل في كل إقامةٍ حتى سموا مكان الإقامة ربعًا وإن لم يكن في الربيع. والربيع: رابع فصول السنة. والأربعاء: رابع الأسبوع من يوم الأحد. والأربعاء: جمع ربيعٍ وهو النهر. وفي الحديث: "كانوا يكرون الأرض بما ينبت على الأربعاء" والتين. والربع أو الربعي: ما نتج في الربيع وهو المرباع أيضًا. ولما كان الربيع أولى وقت الولادة وأحمده استعير لكل ولدٍ يولد في

الشباب فقيل: [من الرجز] 563 - أفلح من كان له ربعيون. وغيث مربع: يأتي في الربيع. ومنه في الاستسقاء: "اللهم اسقنا غيثًا مغيثًا مربعًا" وقيل: المربع المغني عن الارتياد. وقولهم: أربع على نفسك أي ارفق بها. وفي حديث التلبية: "أيها الناس اربعوا على أنفسكم". وفي الحديث: "فعدل إلى الربيع". فيظهر منه الربيع: النهر كما تقدم. وقولهم: "اربع على ظلعك" يجوز أن يكون من الرفق وأن يكون من الإقامة. أي أقم على ظلعك. ويجوز أن يكون من ربع الحجر، أي تناوله على ظلعك. والرباعة: الرياسة وأصلها الجماعة، وذلك أن رئيس القوم من يجمعهم. وقيل: لأنه يأخذ مرباعهم. ومنه قوله: لا يقيم رباعة القوم غير فلانٍ. وفي الحديث: "إنهم أمة على رباعتهم". قال الفراء: أي على استقامتهم. وقيل: معناه على أمرهم الذي كانوا عليه. يقال: هم على رباعهم ورباعتهم بمعنى واحد. والرباعيتان من أسنان الإنسان: ما اكتنفا الثنايا. قال الراغب: سميتا بذلك لكون أربع أسنانٍ بينهما. واليربوع: هذه الفأرة المعروفة سميت بذلك لكون لجحرها أربعة أبوابٍ. وأرض مربعة: فيها يرابيع والربعة: الجونة لكونها في الأصل ذات أربع أرجلٍ، ولكونها ذات أربع طبقاتٍ. ر ب و: قوله تعالى:} حرم الربا {[البقرة: 275]. الربا: في الأصل الزيادة؛ يقال:

يربو. ومنه: {اهتزت وربت} [الحج: 5]. وقوله:} ليربو في أموال الناس {[الروم: 39] ليزيد. وكانوا يستقرضون فإذا حل الأجل قال صاحب الدين: ... . في الأجل وزدني في الدين. وكانوا يسلفون القليل بالكثير. وهو ينقسم إلى أربعة أقسام: ربا الفضل، وربا النسيئة، وربا اليد، وربا القرض. حسبما بيناه في "الأحكام" وفيه لغة: غارمًا بالميم والمد. قوله:} وما أوتيتم من ربا ليربو في أموال الناس فلا يربو عند الله {[الروم: 29] فهذا من الزيادة على رأس المال. والمعنى: ليكثر ويزيد فلا ينمو عند الله. وعليه قوله:} يمحق الله الربا ويربي الصدقات {[البقرة: 276]. والربا: من ذوات الواو وشذت إمالته قياسًا لا استعمالاً. وكتبت في المصحف بواوٍ بعدها ألف وتثنى عند البصريين بالألف وعند الكوفيين بالياء. وقوله:} أن تكون أمة هي أربى من أمةٍ {[النحل: 92]. قال ابن عرفة: يقول: إذا كان بينكم وبين قومٍ عقد وحلف نقضتم ذلك وجعلتم مكانهم أمًة هي أكثر منهم عددًا. وقيل: معناه أن تكون أمة هي أغنى وأعلى من أمةٍ. وقوله:} زيدًا رابيًا {[الرعد: 17] أي طافيًا فوق الماء. والأفصح في الربا القصر، وقد تمد. وأنشدوا للأخطل: [من البسيط] 564 - تعلو الهضاب وحلوا في أرومتها ... أهل الرباء وأهل الفخر إن فخروا والظاهر أن هذا وهم لأن البيت ينشد بفتح الراء والربا بفتح الراء هو الكثرة والرفعة. وفي كتابه عليه الصلاة والسلام في صلح نجران: "أنه ليس عليهم ربية ولا دم"

فصل الراء والتاء

قيل أصلها ربية من الربا كالحبية من الاحتباء. قوله:} بربوة {[البقرة: 265] أي ما ارتفع من الأرض فزادت على ما حولها. وفيها لغات: ربوة بتثليث الراء وقرئ في المتواتر بالضم والفتح، ورباوة بتثليثها أيضًا، فهذه ست لغاتٍ. وفي الحديث: "الفردوس ربوة الجنة" أي أرفعها. قوله:} أخذًة رابيًة {[الحاقة: 10] أي زائدةٍ على الأخذات. وفي حديث عائشة: "مالك حشياء رابيةً" الحشياء والرابية بمعنًى واحدٍ وهي من أخذها الربو. والربو: الانبهار، سمي بذلك تصورًا لتصعده. ولذلك قيل: يتنفس الصعداء، لأنه يرتفع بصدره إلى جهة العلو. وقيل: رابية تربو فاعلها كأنها ربت بنفسها. ومنه:} اهتزت وربت {[الحج: 3] وربيت الولد فربا من ذلك، لأنه زاد في ترعرعه، وقيل: أصله: ربيته بالتضعيف، فقلب من أحد الأمثال حرف علة تخفيفًا نحو: تظنيت، والأربيتان من ذلك لأنهما لحمان ناتئان في أصول الفخدين وأما الربيئة - وهو الطليعة - فمهموز، وليس من هذا الباب في شيءٍ. فصل الراء والتاء ر ت ع: قوله تعالى:} يرتع {[يوسف: 12] قيل يلهو، يقال: رتع يرتع من لها يلهو، قاله أبو عبيدٍ. وقال غيره: يسعى وينبسط. وقال ابن الأنباري: رتع فلان أي هو مخصب لا يعدم ما يريد. وقيل: يأكل أكلاً واسعًا. قال سويد: [من الرمل] 565 - ويحييني إذا لاقيته ... وإذا يخلو له لحمي رتع كنى بذلك عن الغيبة كقوله: {أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتًا}.

فصل الراء والجيم

[الحجرات: 12]. وفي حديث أم زرعٍ: "في شبعٍ وري ورتعٍ". أي تنعم. وفي دعاء الاستسقاء: "مربعًا مرتعًا". يقال: رتعت الإبل، وأرتعها الله أو ربها. أرتع دكانه: إذا خلاها والرتع: أصله لكل البهائم، ويستعار في الأناسي كما تقدم؛ يقال رتع يرتع رتوعًا، ورتعه يرتعه رتعًا، وأرتعه يرتعه إرتاعًا. والثلاثي قاصر ومتعد، وقع الفرق بينهما بالمصدر. ويقال: رتع ورتع ورتعه ورتعه بسكون التاء وفتحها. وقال الحجاج لمحبوسٍ: "سمنت" فقال: "أسمنتي القيد والرتعة" يعني سعة الخصب والعيش. ر ت ق: قوله تعالى:} كانتا رتقًا {[الأنبياء: 30] أي متطابقًة منضمًة لا فرجة بينها ففتق هذه بالمطر وهذه بالنبات. هذا قول ابن عرفة. وقال الأزهري: كانت سماًء مرتقًة وأرضًا مرتقًة ففتق كلاً منهما. فجعلهما فتقًا كقوله تعالى:} الله الذي خلق سبع سماواتٍ ومن الأرض مثلهن {[الطلاق: 12]. وأصل الرتق: الضم والالتحام، ومنه امرأة رتقاء وهي المتضمة الشفرين. وفلان فاتق راتق أي عاقد حال. ر ت ل: قوله:} ورتل القرآن ترتيلاً {[المزمل: 4] أي بين كلمه واحدًة بعد أخرى من قولهم: ثغر رتل: إذا كان بين الأسنان غير متراكبها، وهو المفلج الذي لا لصص فيه. وأصل الترتيل إرسال الكلمة من الفم بسهولة على اللسان. والرتل: اتساق الشيء وانتظامه على استقامةٍ وقوله:} ورتلناه ترتيلاً {[الفرقان: 32] أي أنزلناه مرتلاً مبينًا. فصل الراء والجيم ر ج ج: قوله تعالى:} إذا رجت الأرض رجًا {[الواقعة: 4] أي تزلزلت وتحركت

حركًة شديدًة كقوله: {إذا زلزلت الأرض زلزالها} [الزلزلة: 1] والرج: تحريك الشيء وإزعاجه. وفي الحديث: "من ركب البحر إذا ارتج" أي اضطرب وهاج. وروي "أرتج" فإن حفظ فمعناه أغلق عن أن يركب، من الرتاج وهو الباب، وليس من هذه المادة. يقال: رجه فارتج. والرجرجة: الحركة والاضطراب وكتيبة رجراجة، وجارية. وفي الحديث: "لا تقوم الساعة إلا على شرار الناس رجرجًة كرجرجة الماء الخبيث" قال أبو عبيدٍ: كلام العرب الرجرجة بكسر الرائين وهي بقية الماء في الحوض كدرة مختلطًة بطين لا ينتفع بها. وقال الحسن البصري في يزيد بن المهلب: "رجرجة من الناس" شمر: يعني رذالتهم. وقال الكلابي: هم الذين لا عقول لهم. ويقال أيضًا: رجراجة من الناس. وارتج كلامه: اضطرب وأرتج عليه. ر ج ز: قوله تعالى:} والرجز فاهجر {[المدثر: 5] أي عبادة الأوثان وأصل الرجز: العذاب، والمعنى اهجر ما يؤدي إلى الرجز، والأمر وإن كان له في الصورة فهو لغيره في المعنى لأنه عليه الصلاة والسلام لم يزل هاجرًا ذلك. أو المعنى: دم على ذلك، وأصله الاضطراب. ومنه: رجز البعير يرجز رجزًا فهو أرجز ورجز: تقارب خطوه واضطرب لضعفٍ فيه. وشبه به بحر الرجز لتقارب أجزائه في التقطيع. ورجز فلان وارتجز أي عمل رجزًا أو نشده والأرجوزة: اسم لتلك القصيدة، والجمع أراجيز. قال: [من البسيط] 566 - أبالأراجيز يا بن اللؤم توعدني ... وفي الأراجيز خلت اللؤم والخور

ورجل راجز ورجاز. وكان له عليه الصلاة والسلام فرس تسمي المرتجز لحسن صهيله وحمحمته. قوله:} عذاب من رجزٍ {[سبأ: 5] أي مزلزل مزعج. قوله:} ويذهب عنكم رجز الشيطان {[الأنفال: 11] أي الشهوة المفضية إلى ذلك. وقيل: أراد به ما يدعو إليه من الكفر والبهتان والفساد. وقيل: وساوسه. وقوله:} والرجز فاهجر {قرئ بالكسر والضم؛ لغتان بمعنى واحدٍ وقيل: هو بالضم اسم صنمٍ قاله الحسن. وبالكسر العذاب. وقوله:} ولما وقع عليهم الرجز {[الأعراف: 134] يعني العذاب الفظيع. ر ج س: قوله تعالى:} إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت {[الأحزاب: 33] الرجس: اسم لكل متقذرٍ ثم استعمل في الأفعال القبيحة. يقال: رجل رجس ورجال أرجاس. وهو على أربعة أوجهٍ: إما من حيث الطبع، وإما من حيث العقل، وإما من حيث الشرع، وإما من كل ذلك؛ كالميتة فإنها تعاف طبعًا وعقلاً وشرعًا. والرجس من جهة الشرع الخمر والميسر. وقيل: من جهة العقل؛ وعليه نبه تعالى بقوله:} وإثمهما أكبر من نفعهما {[البقرة: 219] لأن كل من يؤتي إثمه على نفعه قضى العقل بخبثه، نقله الراغب، وفيه نظر من حيث إن كبر الإثم لا يعلم إلا من جهة الشرع. فالعقل متوقف عليه غير مستقل. والكلام في استقلال العقل بذلك. وقال الأصمعي: الرجس: اسم لكل ما استقذر من عمل، يقال: رجس الرجل، ورجس يرجس: إذا عمل عملاً قبيحًا. ومنه قوله تعالى:} إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت {وقيل: هو الشك. والرجس: العمل المؤدي إلى العذاب فيطلق ويراد به العذاب كقوله تعالى:} ويجعل الرجس على الذين لا يعقلون {[يونس: 100] وقيل: أراد به اللعنة. وقيل: النتن. وقوله:} إنما المشركون نجس {[التوبة: 28] يسهد له. قوله: {فإنه

رجس} [الأنعام: 145] أي مستقذر طبعًا وشرعًا، وذلك لأنه لا أقذر في الحيوان من الخنزير. والرجس والرجز بمعنى؛ وذلك أن الرجز، كما تقدم يدل على الحركة والاضطراب وكذلك الرجس. ومنه في حديث سطيح: "فارتجس إيوان كسرى" أي اضطرب وتحرك حركًة سمع لها صوت. وارتجس الرعد، وسمعت رجسه أي صوته. وبعير رجاس شديد الهدير، وغمام راجس وزجاس أي له رعد شديد. ر ج ع: قوله تعالى:} إليه ترجعون {[البقرة: 28] أي تعودون. والرجوع في الأصل العود إلى مكانٍ منه البدو، وسواء كان مكانًا أو قولاً أو فعلاً. وسواء كان العود بذاته أو بجزءٍ من أجزائه أو بفعلٍ من أفعاله. ورجع يتعدى بنفسه؛ قال تعالى:} فإن رجعك الله إلى طائفةٍ منهم {[التوبة: 83] ولذلك بنى للمفعول. وقيل: يجوز أن يكون قاصرًا بمعنى عاد كقوله:} ثم إليه ترجعون {في قراءة البناء للفاعل. وقيل: المفعول مقدر أي ترجعون أنفسكم، وليس بظاهر. قوله:} لعلهم يرجعون {[الأعراف: 168] أي يردون البضاعة لأنها مما اكتالوه وأنتم لا تأخذون شيئًا إلا بثمنه. وقيل: معناه يرجعون إلينا إذا علموا أن ما كيل لهم من الطعام لم يؤخذ له ثمن. ويدل له قوله:} فلما رجعوا إلى أبيهم {إلى قوله:} يا أبانا ما نبغي {[يوسف: 65]. والرجع: الإعادة، ومنه قوله تعالى:} إنه على رجعه لقادر {[الطارق: 8]. قيل أراد الإنسان، وقيل: أراد الماء، وأنه يرده إلى الصلب إذا شاء، والأول أظهر. وقوله:} والسماء ذات الرجع {[الطارق: 11] هو المطر، سمي بذلك لأنه يرجع كل سنة فيتكرر. وقيل: ذات المطر بعد المطر، وهو بمعناه. والرجع أيضًا: الغدير، قال الهذلي يصف سيفًا: [من السريع] 567 - أبيض كالرجع رسول إذا ... ما ثاخ في محتفلٍ يختلي

وقيل: لأنها ترجع إليها أعمال العباد لأن فيها اللوح المحفوظ، فمنه تأخذ الملائكة أعمال العباد، ثم ترجع إلى السماء. وقيل: لأن الملائكة ترجع إليها، وقيل: سمي المطر رجعًا لرد الهواء ما تناوله من الماء. قيل: وسمي الغدير رجعًا اعتبارًا بأنه من المطر أو لتردد أمواجه. قوله:} وحرام على قريةٍ أهلكناها أنهم لا يرجعون {[الأنبياء: 95] أي حرمنا عليهم أن يتوبوا ويرجعوا عن الذنب تنبيهًا أنه لا توبة بعد الموت. قوله:} فناظرة بم يرجع المرسلون {[النمل: 35]، قيل: من الرجوع. وقيل: من رجع الجواب وقوله} فانظر ماذا يرجعون {[النمل: 28] من رجع الجواب فقط. والرجعة بالكسر: الحشر بعد الموت، وفلان يؤمن بالرجعة. وبالفتحة مصدر رجع امرأته إلى نكاحه. ومصدر رجع إلى الدنيا بعد الممات. وليس لكلامه مرجوع أي جواب. ودابة لها مرجوع: يمكن بيعها بعد الاستعمال. وناقة راجع: إذا كانت لا تقبل ماء الفحل. والارتجاع: الاسترداد. وارتجع: إذا باع الذكور واشترى الإناث، فاعتبر فيه معنى الرجع تقديرًا وإن لم يحصل ذلك فيه عينًا. وفي الحديث: "أنه عليه الصلاة والسلام رأى في إبل الصدقة ناقة كوماء فسأل المصدق عنها فقال: إني ارتجعتها بإبلٍ فكست" قال أبو عبيد: الارتجاع: أن يقدم بإبله مصرًا فيبيعها ثم يشتري بثمنها مثلها أو غيرها، فتلك الرجعة بالكسر. ولذلك وجب على الرجل في الزكاة فأخذ غيرها، فالمأخوذة الرجعة أيضًا لأنه ارتجعها من التي وجبت له. والترجيع: ترديد الصوت بالقراءة والغناء وتكرير قوله مرتين فأكثر. ومنه ترجيع الأذان. واسترجع: قال: إنا لله وإنا إليه راجعون. وفي الحديث: "حمدك واسترجع". والرجيع من الكلام: المردود إلى صاحبه والمكرر. والرجيع أيضًا: كناية عن العذرة، لأنه رجع عن حاله الأول بعد أن كان طعامًا. وفي الحديث "نهى أن يستنجى بالرجيع"

فهو بمعنى فاعلٍ أو مفعولٍ. ر ج ف: قوله:} ترجف الراجفة {[النازعات: 6] أي تزلزل الزلزلة. وقيل: هي النفخة الأولى، و"الرادفة" الثانية. وأصل الرجف الحركة والاضطراب الشديد. رجفت الأرض والبحر رجفًا. وبحر رجاف. والإرجاف: إيقاع الرجفة. وقوله:} والمرجفون في المدينة {[الأحزاب: 60] هم المنافقون كانوا يتخرصون أشياء ليرجفوا المؤمنين. وقوله:} فأخذتهم الرجفة {[الأعراف: 78] قيل: الصيحة لأنها تزلزل قلوبهم. وفي آية أخرى:} الصيحة {[الحجر: 73]. والأراجيف: جمع أرجوفة تقديرًا، وقيل: هو جمع الجمع؛ رجفة وأرجاف وأراجف. قوله:} يوم ترجف الأرض والجبال {[المزمل: 14] كقوله} إذا زلزلت الأرض {[الزلزلة: 1]} وسيرت الجبال فكانت سرابًا {[النبأ: 20] ر ج ل: قوله تعالى:} يأتوك رجالاً {[الحج: 27] الرجال جمع راجل نحو: صاحب وصحاب، ويدل عليه في مقابله:} وعلى كل ضامرٍ {[الحج: 27] أي يأتوك مشاًة وركبانًا. وسمي راجلاً لأنه يمشي على رجليه. وقيل: جمع الراجل رجالة ورجل. وقوله:} وأجلب عليهم بخيلك ورجلك {[الإسراء: 64] من ذلك. وقرئ بكسر الجيم وسكونها في المتواتر فمن كسر قيل: إنه أتى به مفردًا، والمراد به جمع وهو لغة في رجلٍ بمعنى راجلٍ نحو: حذرٍ وحذرٍ. قال الشاعر: [من البسيط] 568 - أما أقاتل عن ديني على فرسي ... ولا كذا رجلاً إلا بأصحاب وقيل: رجل بمعنى راجل نحو: تعب وتاعب وحذر وحاذر. ومن سكن فيحتمل أن يكون مخففًا من هذه القراءة، وأن يكون مخففًا من رجلٍ المضموم بمعنى راجل،

وأن يكون اسم جمعٍ لراجل نحو ركبٍ لراكبٍ ورجلٍ رجلٍ أي قوي على المشي بالرجل وجمعه رجال. والرجل هو الذكر من بني آدم. ورجلة للمرأة المشبهة بالرجال، لغة قليلة. قال: [من المديد] 569 - خرقوا جيب فاتهم ... لم يبالوا حرمة الرجلة ومنه الحديث: "كانت عائشة رجلة الرأي" أي كان رأيها رأي الرجال. ورجل بين الرجولة والرجولية. ومنه قوله تعالى:} وقال رجل مؤمن من آل فرعون {[غافر: 28] أي بين الرجولة والجلادة. وفلان أرجل الرجلين. والرجل: هذا العضو المخصوص، والجمع أرجل. قال تعالى:} وأرجلكم إلى الكعبين {[المائدة: 6] واشتق منها رجل وراجل للماشي كما تقدم. والأرجل: الأبيض الرجل من الفرس والعظيم الرجل. واستعير الرجل للقطعة من الجراد؛ وفي الحديث: "كأن نبلهم رجل جرادٍ" أي جماعة منها. والرجل: السراويل أيضًا لأنه محل الرجل فسمي باسمها. ولزمان الإنسان، يقال: كان ذلك على رجل فلانٍ أي على رأس زمانه. وفي حديث ابن المسيب: "ما أعلم نبيًا هلك على رجله من الجبابرة ما هلك على رجل موسى عليه السلام" أي على حياته ودهره. واستعير أيضًا لمسيل الماء، كما استعير له المذانب. والواحدة رجلة. والرجلة: البقلة الحمقاء سميت بذلك لأنها تنبت موضع القدم من الرجل. وارتجل الكلام أي قاله من غير رويةٍ وهو قائم على رجليه. وترجل: نزل على دابته على رجليه. وترجل النهار تشبيهًا بذلك لأن الشمس تنحط عن الحيطان كأنها ترجلت. ورجل شعره كأنه أنزله إلى حيث الرجل. والمرجل: القدر المنصوب كأنه منتصب على رجليه. وأرجلت الشاة: علفتها الرجلة. وأرجلت الفصيل: أرسلته مع أمه كأنك جعلت له بذلك رجلاً. وقال الثوري: "يكره للرجل أن يجمع بين امرأتين إذا كانت إحداهما رجلاً لم تحل له

الأخرى" أي إذا كانا من نسب. فسره القتيبي بأنه لا يجوز الجمع بين امرأتين لو قدرت إحداهما رجلاً حرمت عليه الأخرى كالأختين، والمرأة مع عمتها وخالتها، فلا يجوز الجمع بين الأختين، ولا بين المرأة وعمتها وخالتها لهذا الضابط. وقوله في النسب يجوز من المصاهرة. قال الهروي: ألا تراهم أجازوا للرجل أن يجمع بين امرأة الرجل وابنته من غيرها؟ ر ج م: قوله تعالى:} فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم {[النحل: 98] بمعنى المرجوم الملعون المطرود وقيل: هو بمعنى راجمٍ لأنه يرجم غيره بالشر. وأصل الرجم: الرمي بالحجارة، وهي الرجام. ثم يستعار في الشتم والقتل أقبح قتلةٍ؛ قال تعالى:} لئن لم تنته لأرجمنك {[مريم: 46] أي أقولن فيك قولاً سيئًا. وقيل: لأقتلنك شر قتلةٍ أو لأخرجنك أو لأطرحن عليك الحجارة. وقوله:} لتكونن من المرجومين {[الشعراء: 116] يحتمل جميع ما ذكرناه. ويستعار للرمي بالظن والحدس قال تعالى:} رجمًا بالغيب {وقال زهير: [من الطويل] 570 - وما الحرب إلا ما علمتم وذقتمو ... وما هو ضربًا بالحديث المرجم والرجمة: أحجار القبر. ورجمت القبر: وضعت عليه الرجام، والجمع رجام. وقال عبد الله بن مغفلٍ لبنيه: "لا ترجموا قبري" أي لا تجعلوه رجامًا بل سووه. والمراجمة: المسابة الشديدة كالمقاذفة. والترجمان: تفعلان من ذلك، لأنه يرمي بكلام من يترجم عنه إلى غيره. وقيل: معنى لا ترجموا قبري، لا تتكلموا عنده بكلامٍ قبيحٍ ولا تنوحوا علي عنده.

فصل الراء والحاء

ر ج و: وقوله تعالى: {لا يرجون لقاءنا} [يونس: 7] أي لا يخافون. قال ثعلب. وأنشد لأبي ذؤيبٍ الهذلي: [من الطويل] 571 - إذا لسعته الدبر لم يرج لسعها ... وخالفها في بيت نوبٍ عواسل وشرح ابن عرفة هذا شرحًا حسنًا فقال: كل راجٍ مؤملٍ ما يرجوه، خائفٍ فواته، فللراجي حالتان؛ فإذا انفردت إحداهما - وهو الخوف - أتبعته العرب حرف نفي. وقوله:} مالكم لا ترجون لله وقارًا {[نوح: 13] أي لا تخافون. ثم قال: ووجه ذلك أن الرجاء والخوف يتلازمان. قال تعالى:} وآخرون مرجون لأمر الله إما يعذبهم وإما يتوب عليهم {[التوبة: 106] وأرجت الناقة: دنا نتاجها؛ وذلك لأنها جعلت لصاحبها فيها رجاًء لقرب نتاجها. والأرجوان: لون أحمر من ذلك لأنه يفرح بلونه تفريح الرجاء. وقيل: الأرجوان: الشديد الحمرة؛ فإذا كان دون ذلك فهو البهرمان. وفي الحديث عثمان أنه: "غطى وجهه - وهو محرم - بقطيفةٍ حمراء أرجوان" وقوله تعالى:} والملك على أرجائها {[الحاقة: 17] أي نواحيها؛ جمع رجا بالقصر. والرجا: الجانب والحافة. ومنه رجا البئر. وهو من ذوات الواو، ولقولهم رجوان فيكتب بالألف. وقال ابن عباسٍ في حق معاوية: "كان الناس يردون منه أرجاء وادٍ رحبٍ" وصفه بصفة سعة الخلق. فصل الراء والحاء ر ح ب: قوله تعالى:} وضاقت عليكم الأرض بما رحبت [[التوبة: 25] أي اتسعت. والرحب: السعة. ومنه مكان رحب ورحيب ورحاب. ورحبة المسجد والدار،

لسعتها. واستعير ذلك في سعة الخلق فقيل: فلان رحب الصدر. كما استعير في ضده ضيق الصدر. ورحب: قاصر. فأما قولهم: رحبتكم الدار فلتضمنه معنى وسعتكم. وقوله تعالى:} لا مرحبًا بهم {[ص: 59]، أي أتوا مكانًا مرحبًا أي واسعًا من قولهم: مرحبًا وأهلاً وسهلاً، تقديره: أتيت مكانًا رحبًا لا ضيقًا، وأهلا لا أجانب، وطريقًا سهلاً لا حزنًا. فهذه منصوبة بعاملٍ مقدرٍ لا يظهر. ولا يجوز أن يكون مرحبًا اسم لا لأنه مفرد منصوب. ولو كان اسمها لبني على الفتح. ر ح ق: قوله تعالى:} يسقون من رحيقٍ {[المطففين: 25] الرحيق من أسماء الخمر. وقيل: الرحيق: كل شرابٍ لا غش فيه ولا كدر. ر ح ل: قوله تعالى:} في رحالهم {[يوسف: 62] جمع رحل. والرحل: يطلق على ما يوضع على البعير عند ركوبه قال: [من البسيط] 572 - يوم ارتحلت برحلي قبل بردعتي ... والعيش قاطعة ميلين في ميل والرحال أيضًا: المنازل، ومنه الحديث: "إذا ابتلت النعال فالصلاة في الرحال" أي في الدور. ويعني أن المطر عذر في ترك الجماعة. والرحل أيضًا مصدر رحلت البعير أرحله أي جعلت عليه رحلاً. ويقال: أرحلته أيضًا. والارتحال: الانتقال. ورحل فلان: انتقل. وأصله أن المنتقل يرحل بعيره للنقلة، ثم عبر عن النقلة بذلك، وإن لم يكن فيه وضع رحلٍ. والرحلة: الارتحال. وراحله: عاونه على الرحلة. والراحلة: البعير الذي يصلح للارتحال. وفي الحديث: "الناس كأبلٍ مئةٍ لا تجد فيها راحلًة" أي لا تجد فيهم من ينتفع به انتفاع الراحلة. وفسره القتيبي بشيءٍ غلط فيه. والراحلة: الرحل. قال:

[من الكامل] 573 - أزمان قومي والجماعة كالذي ... منع الرحالة أن تميل مميلا والمرحل: برد أو كساء فيه صور الرحال؛ قال امرؤ القيس: [من الطويل] 574 - فقمت بها أمشي تجر وراءنا ... على إثرنا أذيال مرطٍ مرحل ويروي بالجيم، أي فيه صورهم. وفي حديث عائشة: "أنه خرج ذات غداةٍ وعليه مرط مرحل". وجمعه مراحل. ر ح م: قوله تعالى:} الرحمن الرحيم {قال ابن عباسٍ: "هما اسمان رفيقان أحدهما أرفق من الآخر" يعني أنهما يدلان على الرقة والانعطاف في أصل اللغة، ولكنهما بالنسبة إلى الله تعالى كناية عن إنعامه وإحسانه على خلقه. وقيل: إنما حديث ابن عباسٍ: "اسمان رقيقان أحدهما أرق من الآخر" من الرقيق فغلط الراوي. والرحمة: مأخوذة من الرحم وذلك لأن الرحم منعطفة على ما فيها. والرحمن أبلغ من الرحيم، ولذلك قيل: رحمن الدنيا ورحيم الآخرة. لأنه في الدنيا يرحم المؤمن والكافر لإنعامه بالرزق والإفضال عليهم مؤمنهم وكافرهم. وفي الآخرة رحمته مختصة بالمؤمنين. والرحمن مختص بالله تعالى، ولا التفات إلى تسمية الملعون مسيلمة الكذاب بالرحمان ولا إلى قول شاعره: [من البسيط] 575 - وأنت غيث الورى لا زلت رحمانا وأما رحيم فيطلق على غيره. قال تعالى في صفة نبيه بذلك: {بالمؤمنين رؤوف

فصل الراء والخاء

رحيم} [التوبة: 128] لما لم يبلغ في المبالغة درجة الرحمن. وقيل: إنما جمع بينهما لأن مسليمة تسمى بالرحمان، وهذا فاسد لأن البسملة كانت قبل ظهور أمر مسيلمة. وقيل: هما بمعنًى واحدٍ كندمان ونديمٍ. وقيل: الرحمان معرب وأصله بالخاء المعجمة. ومنه قوله: والرحمة: صفة ذاتٍ إن أريد بها إرادة الخير، وصفة فعلٍ إن أريد بها الإحسان والتعطف على الخلق. قوله:} وأولو الأرحام {[الأنفال: 75] أراد القرابات لأنهم يجمعهم رحم واحد. قوله:} وأقرب رحمًا [[الكهف: 81] أي رحمًا. يقال: رحم ورحم ورحمة. ويعبر بالرحمة عن كل خيرٍ من رزقٍ وغيره كقوله:} ابتغاء رحمةٍ من ربك ترجوها {[الإسراء: 28]. وكقوله:} ولئن أذقنا الإنسان منا رحمًة [[هود: 9] أي رزقًا. ويعبر بها عن الحياة والخصب كقوله:} وإذا أذقنا الناس رحمًة من بعد ضراء مستهم {[يونس: 21] أي حياًة بعد جدبٍ. قوله:} هذا رحمة من ربي {[الكهف: 98] أي التمكين الذي مكنني فيه ربي خير. قوله:} وما أرسلناك إلا رحمًة {[الأنبياء: 107] أي عطفًا وصنعًا. قوله تعالى:} ورحمتي وسعت كل شيءً فسأكتبها للذين يتقون {[الأعراف: 156] أشار أولاً إلى أن رحمته في الدنيا تشمل الفريقين: الكافر والمؤمن، وأنها في الآخرة مختصة بالمؤمنين. قوله:} واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام {[النساء: 1] قرئ نصبًا على: واتقوا الأرحام أن تقطعوها، وجرا على أنها مقسم بها كقولهم: أنشدك بالله وبالرحم. ولنا فيه كلام طويل أتقناه في غير هذا. فصل الراء والخاء ر خ ا: قوله تعالى:} رخاًء {[ص: 36] أي لينًة طيبًة. والرخاء: الواسع، ومنه الحديث:

فصل الراء والدال

"ليس كل الناس مرخًى - أي موسع - عليه" وأصل ذلك من الرخاوة. والرخو: ضد الصلب. ومنه: الحروف الرخوة ضد الشديدة حسبما بينا ذلك في "العقد النضيد" وغيره. وأرخيت الستر من ذلك. ومن إرخاء الستر استعير إرخاء سرحانٍ. وفرس مرخاء من خيلٍ مراخٍ لإرسال ذنبها إرسال الستر. فإن قلت: كيف يجمع بني هذه الآية وبين قوله:} ولسليمان الريح عاصفًة {[الأنبياء: 81] فالعصوف: الشدة، والرخاوة: اللين؟ فالجواب أنها في أول خروجها تكون شديدةٍ ثم تسلسل وتسترخي. أو أنها في تسييرها ما تحمله بمنزلة العاصفة لبعد مسافة مسيرها. وفي عدم إزعاج ما تحمله بمنزلة الرخاء. يعني أنها جامعة بين هذين المعنيين. فصل الراء والدال ر د أ: قوله تعالى:} معي ردًأ {[القصص: 34] أي معينًا. والردء في الحقيقة: التابع لغيره معينًا له. والرديء كالردء، إلا أنه غلب استعماله في المتأخر المذموم. يقال: ردؤ يردؤ رداءًة فهو رديء. وقرأ نافع "ردًا" من غير همزٍ، فقيل: أصله الهمز ولكنه نقل حركة الهمزة كما نقل ابن كثيرٍ في القرآن دون غيره. وقيل: هو الزيادة من قولهم: ردأت الغم، يردئ على المئة، أي يزيد، ذكره الفراء. ردد: قوله تعالى:} ولو ردوا لعادوا {[الأنعام: 28]. الرد: في الأصل: صرف الشيء بذاته أو بحالةٍ من أحواله عما هو عليه؛ فمن الأول قوله:} ولو ردوا {، ومن الثاني:} يردوكم على أعقابكم {[آل عمران: 149]. قوله:} وإن يردك بخير فلا راد

لفضله} [يونس: 107] أي لا دافع ولا مانع ولا صارف. وقيل في قوله:} ولو ردوا لعادوا {قولان أحدهما: ردهم إلى ما أشار إليه بقوله:} منها خلقناكم وفيها نعيدكم [[طه: 52]. والثاني: ردهم إلى الحياة المشار إليها بقوله:} ومنها نخرجكم تارًة أخرى {[طه: 55]. قوله:} فردوا أيديهم في أفواههم {[إبراهيم: 9] يجوز أن يكون المعنى: فرد الكفار أيديهم في أفواه أنفسهم غيظًا وحنقًا، كقوله:} عضوا عليكم الأنامل من الغيظ {[آل عمران: 119] ومثله قول صخرٍ الهذلي: [من المتقارب] 576 - قد افنى أنامله أزمه ... فأمسى يعض على الوظيفا وقيل: فعلوا ذلك إشارة إلى تسكيت الرسل كما يشير الرجل بإصبعه إلى فيه ليسكت من يخاطبه. وقيل: فرد الكفار أيدي الرسل في أفواه الرسل ليسكتوهم. وقيل: رد الكفار أيديهم في أفواه الرسل. وكله محتمل. وفي ذكر الرد تنبيه أنهم فعلوا ذلك مرًة بعد أخرى. وقوله:} فارتد بصيرًا {[يوسف: 96] أي رجع وصار. قوله:} يردونكم من بعد إيمانكم {[البقرة: 109] [يوسف: 96] أي رجع وصار. قوله:} يردونكم من بعد إيمانكم {[البقرة: 109] أي يرجعونكم ويصيرونكم إلى حالة الكفر بعد أن فارقتموه. والارتداد والردة: الرجوع في الطريق الذي كان فيه، إلا أن الردة اختصت بالكفر، والارتداد في الكفر وفي غيره. قال تعالى:} من يرتد منكم عن دينه {[المائدة: 54]، وقوله تعالى:} فارتدا على آثارهما قصصًا {[الكهف: 64] وقوله:} ولا ترتدوا على أدباركم {[المائدة: 21] أي إذا تحققتم أمرًا وعرفتم خبره فلا ترجعوا عنه. وفي الحديث: "البيعان يترادان" أي يرد كل واحدٍ منهما ما أخذ. ورد يتعدى لواحد إذا كان بمعنى صرف كما تقدم، وإلى اثنين إذا ضمن معنى صير كقوله: 577 - رمي الحدثان نسوة آل سعدٍ ... بمقدارٍ سمدن له سمودا

فرد شعورهن السود بيضًا ... ورد وجوههن البيض سودا وأردت الناقة: ترددت إلى الماء. واسترد الشيء: استرجعه. والمتردد: القصير؛ ومنه الحديث: "ولا القصير المتردد" كأنه تردد بعض خلقه على بعضٍ. قال العجاج: [من الرجز] 578 - كأن تحتي ذات شغبٍ سمحجا كالقوس ردت غير ما أن تعوجا ورد القاضي شهادته: لم يقبلها، وهو بمعنى صرفها. ومنه قول ذي الرمة: [من الطويل] 579 - وقفنا فسلمنا فردت تحيًة ... علينا، ولم ترجع جواب المخاطب ورد الجواب: إذا أجاب عما سئل. وقول الشاعر: [من البسيط] 580 - يا أم عمروٍ جزاك الله مغفرًة ... ردي على فؤادي كالذي كانا بمعنى أرجعيه علي. ر د ف: قوله تعالى:} عسى أن يكون ردف لكم {[النحل: 72] أي دنا لكم وقرب. وردف كان من حقه التعدي بنفسه. يقال: ردفت زيدًا أي جئت بعده، وإنما عيد باللام لأنه ضمن معنى قرب ودنا. وقيل: اللام مزيدة للتأكيد، وفيه نظر؛ إذ لا تزاد مقويًة إلا حيث كان العالم فرعًا، كقوله تعالى:} فعال لما يريد {[هود: 107]، أو قدم المعمول كقوله تعالى:} للرؤيا تعبرون {[يوسف: 43]. وفي غير ذلك ضرورة كقوله: [من الوافر]

581 - فلما أن تواقفنا قليلاً ... أنخنا للكلاكل فارتمينا والردف: التابع. وردف المرأة: عجيزتها. والترادف: التتابع. والرادف: المتأخر، والمردف: المتقدم الذي أردف غيره، ومنه قوله تعالى:} بألفٍ من الملائكة مردفين {[الأنفال: 9] أي جائين بعد، فجعل ردف وأردف بمعنًى واحد، وأنشد: [من الوافر] 582 - إذا الجوزاء أردفت الثريا وقال غيره: معناه مردفين ملائكًة أخرى. فعلى هذا يكونون ممدين بألفٍ من الملائكة. وقيل: عنى بالمردفين: المتقدمين للعسكر ليخلقوا في قلوب العدو الرعب. وقيل في قراءة الفتح: إن كل إنسانٍ أردف ملكًا؛ قاله الراغب وفيه نظر. وقرئ "مردفين" والأصل مرتدفين فأدغم. وقال الفراء في قراءة الكسر: متتابعين، وفي قراءة الفتح أي فعل الله ذلك بهم، أي أردفهم بغيرهم. يقال: ردفته وأردفته: أركبته خلفي. وأردفته: جئت بعده. فمعنىٍ "مردفين" - بالكسر - أي يأتون فرقًة فرقًة. وقال ابن الأعرابي: ردفته وأردفته بمعنًى، نحو: لحقه وألحقه. وهذا رأي أبي عبيدة كما قدمناه عنه. وحقيقة الإرداف: الإركاب على ردف الدابة. والرداف: مركب الردف. وأرداف الملوك وهي الردافة كالوزارة. ودابة لا ترادف ولا تردف - نقله الراغب - وقال الهروي: ولا تقل: لا تردف. ر د م: قوله تعالى:} أجعل بينكم وبينهم ردمًا {[الكهف: 95] الردم: سد الثلمة ونحوها بالحجر ونحوه، وعنى بذلك السد. والردم يطلق على المردوم، كإطلاق الضرب

فصل الراء والذال

على المضروب، والخلق على المخلوق. وأردمت عليه الحمى: أطبقت. والمردم: كأنه ما يردم به. والمردم زمانه أو مكانه أو مصدره. والردم: التغييب، ومنه: ردمت على الميت. ر د ي: قوله تعالى:} فترىد {[طه: 16] أي فتهلك. والردي: الهلاك. يقال: ردي يردى ردًى فهو ردٍ. قال القطامي: [من البسيط] 583 - أيام قومي مكاني منصب لهم ... ولا يظنون إلا أنني راد وأرداه: أهلكه. قال تعالى:} وذلكم ظنكم الذي ظننتم بربكم أرداكم {[فصلت: 23]} إن كدت لتردين {[الصافات: 56]. وقوله:} إذا تردى {[الليل: 11] أي هلك، وقيل: سقط في قبره أو في جهنم. ورديته: أسقطته. وتردى الصيد: سقط، ورديت الحجر: رميته. والرداء: ما يرتدى به، كأنه يقي من الردى، وهو الوشاح أيضًا. وقال الأعشى: [من المتقارب] 584 - وتبرد برد رداء العرو ... س رقرقت بالصيف فيه العبيرا والمرداة: حجر تكسر به الحجارة فترديها. فصل الراء والذال ر ذ ل: قوله:} الأرذلون {[الشعراء: 111] جمع أرذلٍ، وهو النذل الخسيس. والرذل والرذال: الشيء المرغوب عنه لرداءته؛ قالوا له ذلك ظنًا منهم أن الخيرة إنما هي بالأموال، وقد كذبوا. وقد كان اتبعه الأساكفة وأصحاب الصنائع والحرف الدنية، فأنفت نفوسهم أن يؤمنوا، وقد سبقهم أولئك إلى الإيمان. وهذا كما قالته الجهلة من قريش وقد رأوا صهيبًا وبلالاً وخبابًا قد آمنوا. والأرذل يجمع على أراذل؛ قال تعالى {إلا الذين هم

فصل الراء والزاي

أراذلنا} [هود: 27] أي أخساؤنا وضعفاؤنا. فصل الراء والزاي ر ز ق: قال تعالى:} ومما رزقناهم {[البقرة: 3] أي أعطيناهم وأنعمنا عليهم به، فالرزق يطلق تارًة على العطاء الجاري نحو رزق السلطان جنده. ويكون دنيويًا وأخرويًا، وتارًة على النصيب كقوله:} ومن رزقناه منًا رزقًا حسنًا فهو ينفق منه {[النحل: 75]، وعلى ما يصل إلى الجوف ويتغذى به كقوله عليه الصلاة والسلام: "لو توكلتم على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير، تغدو خماصًا وتعود بطانًا"، ويطلق على كل خيرٍ وصل إلى صاحبه نحو: رزق فلان علمًا: وقيل في قوله تعالى:} وأنفقوا مما رزقناكم {[المنافقون: 10] أي من الأموال والعلوم والجاه، لأن المراد ما خولناكم فيه من النعم. والرزق: قد يطلق على غير ما ينتفع به لعارضٍ يعرض فيه من بخل مالكه، ونحوه قال: [من البسيط] 585 - رزقت مالاً ولم ترزق منافعه ... إن الشقي هو المحروم ما رزقا والرزق في الأصل مصدر كقوله:} ما لا يملك لهم رزقًا من السماوات والأرض شيئًا {[النحل: 73]، على أن شيئًا منصوب برزق المصدر. ويطلق على المرزوق كقوله:} فما الذين فضلوا برادي رزقهم {[النحل: 71] أي مرزوقهم. ويطلق على الشك كقوله:} وتجعلون رزقكم أنكم تكذبون {[الواقعة: 82] أي عكستم القضية، فجعل مكان الشكر التكذيب. وقيل: هو على حذف مضافين أي تجعلون بدل شكر رزقكم تكذيبكم. قوله:} فليأتكم برزقٍ منه {[الكهف: 19] أي بطعامٍ يتغذى به كقوله:} وفي السماء رزقكم {[الذاريات: 22] أي سبب رزقكم، وهو المطر، وقيل: تنبيه أن الحظوظ بمقادير، كما قال الآخر: [من الطويل]

فصل الراء والسين

586 - وليس الغنى والفقر من حيلة الفتى ... ولكن أحاظٍ قسمت وجدود قوله:} رزقًا للعباد {[ق: 11] يجوز أن يراد به ما يتغذى به كالحب ونحوه، وأن يراد ما ينتفع به من مأكولٍ وملبوسٍ ونحوهما، فكل هذا رزق. قوله:} أحياء عند ربهم يرزقون {[آل عمران: 169] أي يفيض عليهم ربهم النعم الأخروية، فهذا من العطاء الأخروي. وقد فسر النبي صلى الله عليه وسلم ذلك بأن "أرواحهم في حواصل طيرٍ خضرٍ تعلق من ثمار الجنة" أي تأخذ العلقة. وقيل: تنعيم أرواحهم في الجنة كما قال: "تأوي إلى قناديل من ذهب" وهذا كله رزق. وإنما قال:} يرزقون {بعد قوله:} أحياء {تنبيهًا على أنها حياة حقيقية مقترنة بالرزق، لم يكتف بالنهي عن طلب حسبانهم أمواتًا حتى أكد ذلك بما هو من شأن الحياة، وهو الرزق. والرازق من صفات الباري تعالى. إلا أن الرازق قد يطلق على غيره؛ فإن الرازق هو خالق الرزق ومعطيه، ولا يكون هذان المعنيان لغير الله تعالى. والرازق أيضًا يقال لمن تسبب في إيصال الرزق لمرزوقٍ، وهذا يتصف به غير الباري تعالى. وأما الرزاق فلا يطلق على غير الباري لما فيه من المبالغة، قال الله تعالى:} إن الله هو الرزاق ذو القوة المتين {[الذاريات: 58]. قوله:} ومن لستم له برازقين {[الحجر: 20] أي لا مدخل لكم في أن ترزقوهم شيئًا البتة. فصل الراء والسين ر س خ: قوله تعالى:} والراسخون في العلم {[آل عمران: 7] أي: الثابتون المستقرون، والرسوخ في الأصل ثبوت الشيء بتمكنٍ، ومنه: رسخ الغدير: إذا نضب ماؤه، ورسخ تحت الأرض، ثم استعير ذلك لمن تحلى بالعلم واختلط به لحمه

ودمه، فيتحقق عنده تحققًا، إذا عرضت له شبهة لم يختلج لها قلبه ولم يتلعثم لها لسانه، وكان ابن عباسٍ يصف نفسه بذلك، وفصل قوله:} والراسخون في العلم {بقوله:} إلا الله {. ويقول: "أنا نم الراسخين في العلم" وصدق، وهذا منه إخبار لا تزكية رضي الله عنه، كقول نبي الله يوسف صلى الله عليه وسلم:} إني حفيظ عليم {، [يوسف: 55] لما لم يعرف قدره أخبر بذلك تعريفًا لا تزكيًة لنفسه. ورسخ قدمه في العلم أو الجهل استعارة من ذلك. وأراد بالراسخين في العلم من وصفهم بقوله تعالى:} آمنوا بالله ورسوله ثم لم يرتابوا {[الحجرات: 15]. ر س س: قوله تعالى:} وأصحاب الرس {[الفرقان: 38]. الرس: البئر التي لم تطو، وهؤلاء قوم قتلوا نبيهم ودسوه في رس لهم. وقيل: الرس: وادٍ. قال زهير: [من الطويل] 587 - فهن لوادي الرس كاليد للفم نقله الراغب، وفيه نظر من حيث أضاف الوادي إليه. وقيل: أصل الرس: الأثر القليل الموجود في الشيء، وسمعت رسًا، ووجدت رسًا من الحمى. ورس الحديث في نفسي، ورس الميت: إذا دفن وجعل أثرًا بعد عين. وفي حديث أصحاب الرس "أنهم كذبوا نبيهم ورسوه في بئرٍ" أي دسوه فيها. والرس والرسيس: ابتداء الشيء، ومنه رسيس الحمى. وقال ذو الرمة: [من الطويل] 588 - إذا غير النأي المحبين لم يكد ... رسيس الهوى من حب مية يبرح والرس أيضًا: الإصلاح، ومنه حديث سلمة بن الأكوع: "إن المشركين راسونا" أي ابتذؤونا بالصلح. رست: أصلحت. وقال الحجاج لرجلٍ: "أمن أهل الرس والرهمسة أنت" فسره الأزهري بأنهم الذين يبتدعون الكذب ويوقعونه في أفواه الناس.

يقال: رس يرس. وأهل الرهمسة: الذين يتشاورون في إثارة الفتن؛ يرهمسون ويرهمسون. وقيل: هم أهل الخبر الذي لم يصح؛ يقال: أتانا رس من خبرٍ، إن لم يصح وهم يرتسون الخبر. ر س ل: الرسل: الإنبعاث على تؤدةٍ. ومنه: ناقة رسلة: أي سهلة الانقياد، وإبل مراسيل، ومنه قول كعب: [من البسيط] 589 - أمست سعاد بأرضٍ لا يبلغها ... إلا العتاق النجيبات المراسيل جمع مرسالٍ. والرسول: المنبعث، وتصور منه تارًة الرفق والمهل فقيل: على رسلك، وتارًة الانبعاث فاشتق منه الرسول. والرسول تارًة على المتحمل للرسالة، ومنه:} إنا أرسلنا إليكم رسولاً {[المزمل: 15] فسرت بأنها الرسول فهو بمعنى مفعول، وتارًة على القول المتحمل كقوله: [من الطويل] 590 - لقد كذب الواشون ما فهت عندهم بسر ولا أرسلتهم برسول أي برسالةٍ، وقيل: على حذف مضافٍ، أي برسالة رسولٍ. ومثله: [من الوافر] 591 - ألا أبلغ أبا حفصٍ رسولاً ... فدى لك من أخي ثقةٍ إزاري والرسول، تارًة، يطابق ما يراد به، وتارًة يفرد، وإن أريد به غير الواحد. وقد جاء الاستعمالان في القرآن؛ قال تعالى:} فقولا إنا رسولا ربك {[طه: 47]. وقال في موضعٍ آخر:} إنا رسول رب العالمين {[الشعراء: 16]. كأنه التفات لأصل مصدريته، ومنه قول الآخر: [من المتقارب] 592 - ألكني إليها، وخير الرسو ... ل أعلمهم بنواحي الخبر

ويجمع على رسل. ورسل الله: يراد بهم الملائكة، كقوله تعالى:} توفته رسلنا {[الأنعام: 61]،} إنا رسل ربك {[هود: 81]، وأخرى الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، كقوله تعالى:} حتى نؤتى مثل ما أوتي رسل الله {[الأنعام: 124]} جاءتهم رسلنا {، [المائدة: 32]، وقوله:} يا أيها الرسل كلوا من الطيبات {[المؤمنون: 51]. قيل: عنى جماعة الأنبياء، وقيل: الرسول وصفوة أصحابه فجمعهم معه تغليبًا، كقولهم: الخبيبون والمهالبة في خبيبٍ وذوي بطانته. والإرسال قد يكون بتخيير من لا اختيار له، كإرسال الرياح والأمطار كقوله:} ومن آياته أن يرسل الرياح {[الروم: 46]} وأرسلنا السماء عليهم مدرارًا {. [الأنعام: 6] وقد يكون يبعث من له اختيار كإرسال الأنبياء والملائكة. وقد يراد به التخلية والترك كقوله:} أنا أرسلنا الشياطين على الكافرين {[مريم: 83]، قاله الراغب وكأنه نزعة اعتزالٍ. والإرسال: يقابل الإمساك، كقوله تعالى:} وما يمسك فلا مرسل له من بعده {[فاطر: 2]. والرسل من الإبل والغنم ما يسترسل في السير، والجمع أرسال؛ يقال: جاؤوا أرسالاً، أي متتابعين. وفي الحديث "أن الناس دخلوا عليه أرسالاً بعد موته" أي أفواجًا متقطعين. وجاءت التخيل رسلاً، أي متتابعًة، وقوله:} والمرسلات عرفًا {[المرسلات: 1]. قيل: هي الرياح أرسلت كعرف الفرس، وقيل: هم الملائكة. وقوله:} ربنا وآتنا ما وعدتنا على رسلك [[آل عمران: 194]، أي على ألسن رسلك. وقوله:} أن أرسل معنا بني إسرائيل {[الشعراء: 17] أي أطلقهم من خدمتك وعبوديتك إياهم، من قولك: أرسلت صيدي، أي أطلقته من ملكي، والرسل: اللبن الكثير المتتابع الدر، وفي الحديث: "إلا من أعطى من نجدتها ورسلها" أي: في حسنها ووفور لبنها.

والرسل - أيضًا - التؤدة والمهل، وقد تقدم، نحو: على رسلك. وهو أيضًا الكلام اللين الخفيض، ومنه قول الأعشى: [من البسيط] 593 - فقال للملك: أطلق لهم مئًة ... رسلاً من القول مخفوضًا وما رفعا ر س ي: قوله تعالى:} والجبال أرساها {[النازعات: 32]. الرسو: الثبوت، والإرساء: الإثبات، وأشار بهذا إلى معنى قوله:} والجبال أوتادًا {[النبأ: 7]. وقال الأفوه الأودي: [من البسيط] 594 - والبيت لا ينبني إلا على عمد ... ولا عماد إذا لم ترس أوتاد أي إذا لم يثبت. وقوله:} رواسي شامخاتٍ {[المرسلات: 27] أي جبال ثوابت عوالٍ. رسا يرسو رسوًا فهو راسٍ. قوله:} وقدور راسياتٍ {[سبأ: 13] أي ثوابت لكبرها لا تنتقل عن أماكنها تنبيهًا على أنها مخالفة لما عليه عادة الناس. قوله:} أيان مرساها {[الأعراف: 187] أي وقت ثبوتها واستقرارها. وقوله:} بسم الله مجراها ومرساها {[هود: 41] أي مكان جريها وإرسائها. وقرئ بفتح ميم "مجراها" وضمها من جرت وأجراها الله ولم يقرأ إلا بضم ميم "مرساها" تنبيهًا أن إرساءها الذي هو النعمة العظمة لأنه سبب النجاة ليس إلا الله تعالى، وهو معنًى بديع. ورست السفينة: استقرت وأرساها: ثبتها، قال الشاعر: [من البسيط] 595 - وقال قائلهم أرسوا نزاولها أي اثبتوا. وألقى مراسيه كناية عن الإقامة، كقوله: [من الطويل] 596 - فألقت عصاها واستقر بها النوى ... كما قر عينًا بالإياب المسافر

فصل الراء والشين

فصل الراء والشين ر ش د: قوله تعالى:} وهيئ لنا من أمرنا رشدًا {[الكهف: 10]. الرشد ضد الغي؛ فالرشد: الهداية، والغي: الضلال؛ قال الشاعر: [من الطويل] 597 - وهل أنا إلا من غزية، إن غوت ... غويت وإن ترشد غزية أرشد يقال: رشد، يرشد، بفتح العين ماضيًا، وبضمها مضارعًا. ورشد يرشد، بكسرها ماضيًا، وفتحها مضارعًا، رشدًا ورشدًا، بفتح الفاء وضمها، وقد قرئ بهما قوله تعالى:} مما علمت رشدًا {[الكهف: 66]، وقوله تعالى:} سبيل الرشد {[الأعراف: 146]، وهل بينهما فرق أم لا؟ قيل: نعم، ثم اختلفوا؛ فقال أبو عمرو: بالضم الصلاح، وبالفتح الدين. ومن ثم أجمعوا على ضم:} فإن أنستم منهم رشدًا [[النساء: 6] وفتحوا:} فأولئك تحروا رشدًا {[الجن: 14]. وقيل: المضموم يقال في الأمور الدنيوية والأخروية، والمفتوح في الأخروية فقط؛ فبينهما عموم وخصوص. وقيل: المفتوح مصدر رشد بالكسر، والمضموم مصدر رشد بالفتح. وقيل: الرشد والرشد والرشاد: الهداية والاستقامة. قوله:} لعلهم يرشدون {[البقرة: 186] أي يهتدون، وبين الرشدين في قوله تعالى:} ولقد آتينا إبراهيم رشده [[الأنبياء: 51] وفي} فإن آنستم منهم رشدًا {[النساء: 6] بون بعيد في المعنى، وإن اتفقا لفظًا، وأما الراشد والرشيد فقال الراغب:

فصل الراء والصاد

يقال فيهما جميعًا، أي في الرشد والرشد، وكان قدم أن المفتوح في الأخروي فقط، والمضموم فيه وفي الدنيوي، والصواب أن الرشيد مثال مبالغةٍ، فيجوز أن يكون لهما. وأما راشد فقياسه ألا يجيء من رشد بالكسر لأنه قاصر، بل قياسه فعل، كفرح. فصل الراء والصاد ر ص د: قوله تعالى:} وإرصادًا لمن حارب الله ورسوله {[التوبة: 107] أصل الرصد: الاستعداد لترقب الشيء. يقال: رصد له، وترصد، وأرصدت له. قوله:} إن ربك لبالمرصاد {[الفجر: 14] أي بمكان الرصد تنبيهًا أنه لا ملجأ ولا منجى منه إلا إليه. والمرصاد: الطريق عند بعضهم مطلقًا، وعند آخرين لموضع الرصد، كالمضمار لموضعٍ تضمر فيه الخيل، وقيل: المرصد والمرصاد واحد، ومنه قوله تعالى:} واقعدوا لهم كل مرصدٍ {[التوبة: 5] أي بكل طريقٍ. وقيل: المرصد لموضع الرصد، والمرصاد لموضع الترصد، ولذلك أوثر في قوله:} إن جهنم كانت مرصادًا {[النبأ: 21] تنبيهًا أن مجاز الناس عليها لقوله:} وإن منكم إلا واردها {[مريم: 71]، والرصد يكون للراصد وللمرصود، وعلى كلا التقديرين يستوي فيه الواحد والمثنى والمجموع، وذلك أنه مصدر في الأصل.} من بين يديه ومن خلفه رصدًا {[الجن: 27] يحتمل كل ذلك. ر ص ص: قوله تعالى:} بنيان مرصوص {[الصف: 4] أي لاصق بعضه ببعضٍ. وفي الحديث: "تراصوا في صفوفكم" أي تلاصقوا ولا تدعوا فرجًا، وفي حديث ابن صيادٍ: "فرصه رسول الله صلى الله عليه وسلم" أي ضم بعضه لبعضٍ. وقيل: معناه كأنما بني من الرصاص، يعني محكمًا، وهو قريب من الأول، يقال: رصصته ورصصته مخففًا ومثقلاً، وعلى الأول جاء التنزيل. وترصيص المرأة: أن تشدد التنقب، وهو أبلغ من الترصص.

فصل الراء والضاد

فصل الراء والضاد ر ض ع: قوله تعالى:} يوم ترونها تذهل كل مرضعةٍ عما أرضعت {[الحج: 2]، إنما عدل عن لفظ مرضعٍ إلى مرضعةٍ لمعنى بديعٍ؛ وذلك أنه وصف يوم القيامة بشدة الهول حتى بلغ من شدته أن تذهل المرأة التي قد ألقمت ثديها لولدها عن ولدها، فإنه يقال: المرضعة لمن تلبست بفعل الرضاعة، والمرضع لمن شأنها أن ترضع وإن لم ترضع؛ يقال: رضع يرضع، ورضع يرضع رضاعًا ورضاعًة ورضاعًة. وقولهم: رضع فلان يرضع، أي لؤم يلؤم، وأصله أن رجلاً رضع شاته ولم يحلبها لئلا يسمع صوت شخب اللبن، وهذا في غاية اللؤم، فاستقر لفعل اللئيم أن يقال له رضع، ولكنهم فرقوا بين الفعل، فقالوا: رضع بالضم، أي لؤم، رضاعًة بالكسر فقط؛ ورضع الصبي ورضع - بالكسر والفتح - رضاعة، ورضاعة - بالفتح والكسر- كما تقدم. وفي الحديث: 598 - واليوم يوم الرضع قوله:} يرضعن أولادهن {[البقرة: 233] جمهور الناس على أنه خبر في معنى الأمر، وقيل: هو خبر على بابه، ولنا في هذين القولين بحث حسن أتقناه في "الدر" وفي "الأحكام" ولله الحمد. قوله:} أن تسترضعوا أولادكم {[البقرة: 233] أي تطلبون رضاعتهم. وقوله:} فسترضع له أخرى {[الطلاق: 6] أي غير أمه. وقوله:} وحرمنا عليه المراضع من قبل {[القصص: 12] أي منعناه أن يقبل ثدي إحداهن من قبل إتيان أمه. جمع مرضعة أو مرضع، والظاهر الثاني. وقوله: سقطت رواضعه، يعني ثناياه، سمين بذلك لأنهن يعن الطفل على الرضاع، والراضعتان. الثنيتان. وفلان رضيع فلانٍ، أي رضيع معه: قال الأعشى: [من الطويل]

فصل الراء والطاء

599 - رضيعي لبانٍ ثدي أم تحالفا ... بأسحم داجٍ عوض لا نتفرق ر ض و: قوله تعالى:} رضي الله عنهم ورضوا عنه {[المائدة: 119] معنى رضي الله عن عبيده أن تراهم ممتثلين لأوامره، منتهين عن زواجره، ورضي العبيد عن الله أن يمتثلوا أوامره، ويرضون بقضائه وقدره. هذا ما يليق بتفسير القرآن، لا ما يخطر ببال من لم يعرف ما يجوز على الله وما يمتنع، وكذلك محبة الله لهم ومحبتهم له تعالى: والراضون أبلغ من الرضي. ولذلك اختص في التنزيل بما يكون منه تبارك وتعالى. يقال: رضي يرضى رضوانًا، فهو راضٍ ومرضي ومرضو. ومنه قوله: [من الرجز] 600 - قالت له: ما أنت بالمرضي فهو من ذوات الواو، وإنما قلب الواو ياءٍ، والقياس تصحيح هذا، نحو: معدو. قوله:} في عيشةٍ راضيةٍ {[الحاقة: 21] قيل: بمعنى مرضيًة، بمعنى} ماءٍ دافقٍ {[الطارق: 6] أي مدفوقٍ. وقيل: على النسب، أي ذات رضى كلابنٍ ورامحٍ. فصل الراء والطاء ر ط ب: قوله تعالى:} ولا رطبٍ ولا يابسٍ {[الأنعام: 59]. الرطب: قد فسر بذكر ضده معه. وخص الرطب بما كان رطبًا من التمر. وأرطبت النخلة: أي صارت ذات رطبٍ. ورطب جمع تكسيرٍ لرطبةٍ وليس اسم جنسٍ لها، فيقع الفرق بينه وبينها بالتاء وعدمها وحينئذ فيقال: أي فرق بينه وبين النجم حيث قالوا: إنه اسم جنس لنجمة؟ وقد ذكرنا في غير هذا الفرق؛ محتصره هنا اسم، قالوا: هو الرطب، بالتذكير، وهي النجم، بالتأنيث. ورطبت الفرس، ورطبته: علفته الرطب. فرطب الفرس أكله، ورطب الرجل: تكلم بكلامٍ لينٍ بما عن له من خطأٍ وصوابٍ، تشبيها برطب الفرس. والرطيب: الناعم.

فصل الراء والعين

فصل الراء والعين ر ع ب: الرعب: الخوف، وأصله الانقطاع من امتلاء الجوف، يقال: رعبته رعبًا ورعبًا، فهو رعب ولتصور الامتلاء قيل: رعبت الحوض: ملأته. وسيل راعب، ورجل ترعابة: شديد الفرق، وباعتبار الانقطاع قيل: رعبت السنام: قطعته. وجارية رعبوبة: شطبة تارة، وجمعها رعابيب. قال بعضهم: البزازة السمن والبضاضة. ر ع د: قوله تعالى:} ويسبح الرعد بحمده {[الرعد: 13] قيل: هو صوت ملكٍ. وقيل: صوت سحابٍ. وقيل: صوت اصطكاك أجرامها. وقيل: ريح تخنق بين السحاب. وقيل: هو ملك بعينه يسوق السحاب. ورعدت السماء وبرقت وأرعدت وأبرقت، ويكنى بهما عن التهدد؛ فيقال: أبرق وأرعد، وأرعدت فرائصه خوفًا: قال كعب بن زهيرٍ: [من البسيط] 601 - لظل يرعد إلا أن يكون له ... من الرسول بإذن الله تنويل والرعديد: المضطرب جبنًا. قال أبو محجنٍ الثقفي: [من البسيط] 602 - لا تسألي الناس عن مالي وكثرته ... وسائلي الناس عن حزمي وعن خلقي القوم أعلم أني من سراتهم ... إذا تطيش يد الرعديدة الفرق ر ع ن: قوله تعالى:} لا تقولوا راعنا {[البقرة: 104] أي تعهدنا، يقال: راعاه يراعيه:

إذا تعهده؛ يقال: راعني، أي أفهم عني وأفهمني. وقيل: هي كلمة من الرعونة، فكانوا - لعنهم الله - يخاطبونه بها ويقصدون ما يقصدون موهمين أنهم يريدون بها المراعاة. يقال: رعن الرجل يرعن رعنًا، فهو أرعن، وامرأة رعناء، وتسميته بذلك لميلٍ فيه تشبيهًا بالرعن؛ وهو أنف الجبل لما فيه من الميل. قال: [من البسيط] 603 - لولا ابن عتبة عمروٍ والرجاء له ... ما كانت البصرة الرعناء لي وطنا وصفها بذلك إما لما فيها من الخفض بالإضافة إلى البدو تشبيهًا بالمرأة الرعناء، وإما لما فيها من تكسرٍ وتغيرٍ في هواها. قال الأزهري: كانت هذه الكلمة تجري من اليهود على حد السب والهزء، قال: والظاهر من راعنا أرعنا سمعك. وكانوا يذهبون بها إلى الرعونة. والأرعن: الأحمق. ر ع ي: قوله تعالى:} والذي أخرج المرعى {[الأعلى: 4]. المرعى: النبات المرعي، وأصله اسم مصدرٍ للرعي، وهو اسم كانه وزمانه أيضًا، وأصل الرعي حفظ الحيوان، إما بغذائه الحافظ لحياته. وأما بذب العدو عنه. يقال: رعيته أرعاه أي حفظته. وأرعيته: جعلت له ما يرعى. والرعي والرعاء: السياسة والمحافظة قال تعالى:} فما رعوها حق رعايتها {[الحديد: 27] أي حافظوا عليها حق المحافظة، فسمى كل سائسٍ لنفسه راعيًا. ومنه: "كلكم راعٍ، وكلكم مسؤول عن رعيته" ويجمع الراعي على رعاءٍ؛ قال تعالى:} حتى يصدر الرعاء {[القصص: 23]، وعلى رعاةٍ، وهو قياسه، كقضاةٍ. ورعيته فهو مرعي، وأصله مرعوي، قال الشاعر: [من السريع] 604 - ولا المرعي كالراعي ومراعاتك الشيء: مراقبتك إياه، وما يكون منه، ومنه: راعيت النجوم قال النابغة:

فصل الراء والغين

[من الطويل] 605 - تطاول حتى قلت: ليس بمنقضٍ ... وليس الذي يرعى النجوم بآيب وأرعيته سمعي: جعلته راعيًا، وقوله تعالى:} لا تقولوا راعنًا {[البقرة: 104] نهي عن التلفظ بهذه الكلمة؛ لأن اليهود كانوا يقولونها عن وجهٍ آخر من الرعونة، ويوهمون أنهم يريدون بها الأمر من المراعاة والنظر لما سمعوا المؤمنين يقولونها، فاستعرضوا ذلك، فنهي المؤمنين عن التلفظ بها، وقد تقدم ذلك، وأوضحنا القصة في التفسير. وقوله:} والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون {[المؤمنون: 8] أي حافظون وقائمون عليها. وأما الأرعواء، وهو الندم على الشيء والانصراف عنه - وفعله: ارعوى يرعوي، ولا يعرف في المعتل مثله، كأنهم بنوه على الرعوى - فليس من مادة الرعي في شيءٍ. فصل الراء والغين ر غ ب: قوله تعالى:} ومن يرغب عن ملة إبراهيم {[البقرة: 130] أي يكرهها. والرغبة: الكراهة والإرادة، ويتميز المعنيان بحرف الجر، فيقال في الكراهة: رغبت عنه، وفي الإرادة: رغبت فيه. ولذلك يطرد حرف الجار مع إن وأن إلا إذا كانتا معمولتين لرغب لأجل اللبس. وأما قوله تعالى:} وترغبون أن تنكحوهن {[النساء: 127] فإنما حذف لتعينه وعدم التباسه. ولنافيه بحث حسن أتقناه في غير هذا. وأصل الرغبة: السعة في الشيء؛ رغب الشيء: اتسع، ومنه: رغيب الجوف، وفرس رغيب العدو. والرغب والزغبة والرغبى: السعة في الإرادة؛ فإذا قيل: رغب فيه، وإليه، اقتضى ذلك الحرص؛ قال تعالى:} إنا إلى الله راغبون {[التوبة: 59]، فإذا قيل: رغب عنه اقتضى صرف الرغبة عنه، والرغبة: العطاء الكثير، إما لكونه مرغوبًا فيه، فتكون مشتقة من الرغبة، وإما لسعته، فتكون مشتقًة من الأصل. وفي تلبية ابن عمر: "منك النعمى وإليك الرغبى"، ويقال: رغبى ورغباء. وفي الحديث: "الرغب شؤوم"، أي الحرص والشره. وأرض رغاب: لا تسيل

إلا من مطرٍ كثيرٍ. وفي حديث ابن عمر: "لا تدع ركعتي الفجر. فإن فيهما الرغائب". والرغائب: جمع رغيبة، وهي الثواب الكثير. والرغائب: الذخائر والأموال النفيسة. قوله:} رغبًا ورهبًا {[الأنبياء: 90] أي: رجاًء وخوفًا. وقرئ:} رغبًا ورهبًا {[وفيهما لغة ثالثة: "رغب ورهب". ر غ د: قوله تعالى:} رغدًا {[البقرة: 35] أي واسعًا؛ يقال: رغذ ورغد، وأرغد فلان: أصاب الرغد، أي الواسع من العيش، يقال: عيش رغد ورغد ورغيد أي طيب واسع. والمرغاد: اللبن المختلط الدال بكثرته على رغدٍ. ر غ م: قوله تعالى:} مراغمًا كثيرًا {[النساء: 100] أي مذهبًا ومضطربًا، وأصله من الرغمام، وهو التراب الرقيق، منه: رغم أنف فلانٍ، أي وقع في الرغمام. يكنى بذلك عن الإذعان والذلة. وفي الحديث: "وإن رغم أنف أبي الدرداء" أي ذل. وقال معقل بن يسارٍ: "رغم أنفي لأمر الله" أي ذل وانقاد. وقيل: وإن رغم أنفه أي كره. ما أرغم من ذلك شيئًا، أي ما أكرهه، وفي الحديث: "إذا صلى أحدكم فليلزم جبهته وأنفه الأرض حتى يخرج منه الرغم" أي حتى يذل. وقد رغم، يرغم، رغمًا، أي لم يقدر على الانتصاف. والرغم: الذلة. وفي حديث عائشة: في الخضاب ... "وأرغميه" يعني الخضاب أي ارمي به في التراب.

فصل الراء والفاء

وقالت أسماء: "قدمت أمي راغمًة" أي كارهًة إسلامي، وقيل: هاربًة. ويعبر بالرغم عن السخط، يقال: أرغمته أي اسخطته، قال الشاعر: [من الطويل] 606 - إذا رغمت تلك الأنوف لم أرضها ... ولم أطلب العتبى ولكن أزيدها فمقابلته بالإرضاء يدل على أن المراد به الإسخاط. وراغمه: ساخطه. وتجاهدا على أن يرغم أحدهما الآخر. ثم تستعار المراغمة للمنازعة، فقوله:} مراغمًا كثيرًا {أي مذهبًا يذهب إليه إذا رأى منكرًا يلزمه الغضب منه، كقولك: رغمت إليه من كذا. وقيل بحذفها جرًا. قال: راغمته، أي هاجرته، ولم أبال رغم أنفه: أي لصوقه بالتراب.، وفي الحديث: "إن السقط ليراغم ربه" أي يغاضبه، على المجاز. وأما الرغم بالرأي فالغضب مع الكلام. فصل الراء والفاء ر ف ر ف: قوله تعالى:} رفرفٍ خضرٍ {[الرحمن: 76] قيل: هي الثياب التي يتكأ عليها وتفترش وعن الحسن: المخاد. وقيل. هي أطراف الفسطاط والخباء الواقعة على الأرض دون الإطناب والأوتاد؛ شبهت بالرياض من النبات. وأصل ذلك من رقيق الشجر، وهو انتشاب أغصانه. ورف الطير: نشر جناحيه. ومضارعه يرف بالكسر، ورف فرخه: إذا نشر جناحيه له متفقدًا له، ومضارعه يرف، بالضم واستعير الرف للتفقد فقيل: "ما له حاف ولا راف" أي من يتفقده، ومنه: "من حفنا أو رفنا فليقتصد".

والرفرف: ما انتشر من الأوراق، فكأن الرفرف تكرير الرف، وقيل: الرفرف: المجالس.، وقيل: فضولهما، والرفرف: الرف تجعل عليه طرائف البيت. ورفرف الدرع: ما فضل من ذيلها. وكل ما فضل ثني: رفرف. وقيل: الفرش، وهو الرف أيضًا عن أبي عبيدٍ، وهو جمع رفرفة ويؤيده "خضرٍ" وقيل: مفرد، وجمع على رفارف، وقرئ به شاذًا. وفي حديث عبد الله:} لقد رأى من آيات ربه الكبرى {[النجم: 18] قال: "رفرفًا أخضر سد الأفق" أي بساطًا. ر ف ت: قوله تعالى:} ورفاتًا {[الإسراء: 49] الرفات: ما تكسر وتحطم، كالفتات وزنًا ومعنًى. رفته أرفته رفتًا، فأنا رافته وهو مرفوت، أي فتته. واستعير الرفات للحبل المتقطع قطعًا. ر ف ث: قوله تعالى:} فلا رفث {[البقرة: 197]: الرفث: كل ما يستحيا من ذكره كالجماع ونحوه. وقيل: ما كان بحضرة النساء وعن ابن عباسٍ أنه أنشد وهو محرم: [من الرجز] 607 - وهن يمشين بنا هميسا ... إن تصدق الطير ننك لميسا فقيل: أترفث؟ فقال: الرفث ما كان بحضرة النساء. وقوله:} الرفث إلى نسائكم {[البقرة: 187] كناية عن الجماع. وعدي بإلى لتضمنه معنى الإفضاء. يقال: رفث وأرفث. فقيل: هما بمعنى. وقيل: رفث فعل وأرفث صار ذا رفثٍ. قال الراغب:

وهما كالمتلازمين فلذا يقع كل منهما موقع الآخر. ر ف د: قوله تعالى:} بئس الرفد المرفود {[هود: 99] الرفد: العطاء والمعونة، والرفد بالفتح المصدر. يقال: رفدته: أنلته الرفد، وأرفدته: جعلت له ما يتناوله شيئًا فشيئًا، نحو سقيته وأسقيته. والمرفد: وعاء الرفد من الطعام. وناقة رفوًد: تملأ المرفد لبنًا، وجمعها مرافيد على المعنى. وقيل: هي التي لم ينقطع لبنها صيفًا ولا شتاًء من الإبل والشياه. وترافدوا: تعاونوا. ورفادة قريشٍ: ما كانوا يعينون به الحاج. ورافدا العراق: دجلة والفرات لأنهما يرفدانه، قال الشاعر: [من الوافر] 608 - أأطمعت العراق ورافديه ورفد فلان: استعير لمن أعطي الرئاسة. والرفد والمرفد: قدح يحلب فيه، ومنه الحديث: "برفدٍ وتروح برفدٍ". وكل شيءٍ عمدته بشيءٍ وأسندته به فقد رفدته رفدًا. ورفادة السرج والعس من ذلك. وفي الحديث لما عد أشراط الساعة: "وأن يكون الفيء رفدًا" أي صلًة فلا يعطاه مستحقوه. ر ف ع: } والعمل الصالح يرفعه {[فاطر: 10] أي يرفع الكلم الطيب، وذلك أنه لا يرفع قول إلا بعملٍ، كذا قال قتادة. والرفعٍ تارًة يقال في الأجسام الموضوعة إذا أعليتها عن مقرها، وتارًة في البناء إذا طولته، وتارًة في الذكر إذا توهمته، وتارًة في المنزلة إذا شرفتها، كقوله تعالى:} ورفعنا فوقكم الطور {[البقرة: 63]،} إذ يرفع إبراهيم القواعد {[البقرة: 127]،} ورفعنا لك ذكرك {[الشرح: 4]، وفي الحديث: "لا أذكر إلا ذكرت" ولذلك لا تصح الصلاة ولا يعتبر الأذان إلا بذكره صلى الله عليه وسلم.

وقوله تعالى: {ورفع بعضكم فوق بعضٍ درجاتٍ} [الأنعام: 165] وقوله:} بل الله إليه {[النساء: 158]، أي إلى سمائه ومنازل أصفيائه، كقوله عليه الصلاة والسلام: "اللهم الرفيق الأعلى" تعالى الله عن الجهة. قوله:} وإلى السماء كيف رفعت {[الغاشية: 18] إشارة إلى اعتلائها، ما خصت به من الفضيلة. وقوله:} وفرش مرفوعة {[الواقعة: 34] يصح أن يريد علوها وتشريفها، والرفع في السير: شدته، ومنه رفع البعير. والرفاعة كالرفادة، والرفع: الإزالة. قال: [من مجزوء الرمل] 609 - ربما أوفيت في علمٍ ... ترفعن ثوبي شمالات وقوله:} في بيوتٍ أذن الله أن ترفع {[النور: 36] أي تشرف وتنزه، على معنى أنه لا يذكر فيها إله غير الله، ولا تقرب بصنم ولا نجاسة كما كانت الجاهلية تفعله في البيت الحرام. وقيل: تعلن. ورفع فلان كذا: أذاع خبرًا ما احتجبه؛ ومنه الحديث: "كل رافعةٍ رفعت علينا" مبلغًة ومذيعًة عنا ما نقوله. وقوله:} حافضة رافعة {[الواقعة: 3] أي تخفض قومًا إلى النار وتفرع آخرين إلى الجنة. والرفع: التقديم، ومنه: رفعته إلي الحاكم: قدمته إليه ... قد تقدم ذكر ذلك مستوفي. ر ف ق: قوله تعالى:} ويهيئ لكم من أمركم مرفقًا {[الكهف: 16] أي ما يرفقون به، وفيه وفي العضو المعروف لغتان "مرفق"؛ بفتح الميم وكسر الفاء والعكس، وقد قرئ بهما فصيحًا. قوله:} وساءت مرتفقًا {[الكهف: 29] قال ابن عرفة: مجتمعًا، وقال

فصل الراء مع القاف

غيره: وساءت النار منزلاً يرتفق به. وقيل: المرتفق: ما يتكأ عليه. وقوله تعالى:} وحسن أولئك رفيقًا {[النساء: 69] قيل هو جمع رفيقٍ، فاستوى فيه الواحد والجمع، وقيل: هو من أسماء الله تعالى. ومنه قوله عليه الصلاة والسلام: "ألحقني بالرفيق الأعلى"، وغلط الأزهري قائله، وقال: هم الأنبياء أسكنهم الله في عليين. والرفق: التؤدة والمهلة، ومنه: "اللهم ارفق به". والمرتفق من ذلك. ومرفق اليد لانتفاع صاحبه به، وفي حديث أبي أيوب: "وجدنا مرافقهم قد استقبل بها القبلة" أي مراحيضهم لارتفاقهم بها. فصل الراء مع القاف ر ق ب: قوله تعالى:} وفي الرقاب {[البقرة: 177] يعني المكاتبين، والرقبة: العضو المعروف، وعبر بها عن الجملة، وغلبت في المملوك من الآدميين، كما غلب الرأس والظهر المراكب، فقيل: هو يملك كذا رأسًا وكذا ظهرًا. وقوله:} فك رقبةٍ {[البلد: 13] أي عنقها. والرقيب: الحافظ للشيء؛ وذلك إما لأنه يحفظ رقبته، ومنه في أسماء الله تعالى "الرقيب"، وإما لأنه يرفع رقبته. ناظرًا إليه يراقبه. والمرقب: المكان العالي الذي يشرف عليه الرقيب. والارتقاب: الانتظار، ومنه الرقبي والعمري، وهو قوله: أرقبتك هذه الدار، أي ملكتكها مدة حياتك، فإذا مت عادت إلي؛ فهو ينتظر موته. وقوله:} خائفًا يترقب {[القصص: 18] أي ينتظر ويتوقع ماذا يكون. وقوله:} فارتقب {[الدخان: 10] أي انتظر. والرقيب: الحافظ لقداح الميسر. والرقيب: القدح الثالث منها. والرقوب: المرأة التي تنتظر موت ولدها لكثرة ما مات من الأولاد. وفي الحديث: "ما تعدون الرقوب فيكم؟ قالوا: الذي لا يبقى من ولده شيء. قال: بل هو الذي لا يعدم من ولده شيئًا". والرقوب: الناقة تنتظر صواحبها تشرب فتشرب

بعدها. ومراقبة الله تعالى: مراعاة حدوده وأوامره ونواهيه. وقوله:} لا يرقبون في مؤمنٍ إلا ولا ذمًة {[التوبة: 10] أي لا يحفظون. ورقبته: أصبت رقبته. نحو رأسته. ر ق د: قوله تعالى:} وهم رقود {[الكهف: 18] جمع راقد، نحو قاعد وقعود، والرقاد: النوم المستطاب من النوم القليل، وإنما قيل في أهل الكهف مع طول منامهم اعتبارًا بحالة الموت، وذلك أنهم اعتقدوا موتهم، فنومهم قليل في جنب ما توهموه من موتهم وأرقد الظليم: أسرع؛ الهمزة للسلب، كأنه رفض رقاده. ر ق ق: قوله تعالى:} في رق منشورٍ {[الطور: 3]. الرق، بالفتح، ما يكتب فيه من كاغدٍ ونحوه وقيل: ما كان من الجلد. والرق، أيضًا، ذكر السلاحف، وقيل: دويبة مائية، وجمعها: رقوق. وبالكسر: الملك للعبد، والعبد: رقيق، وجمعه: أرقاء، والرقة كالدقة، لكن الرقة تقال اعتبارًا بمراعاةٍ جوانبه، والدقة اعتبارًا بعمقه، ثم الرقة إن كانت في جسمٍ تضادها الصفاقة، وإن كانت في نفسٍ ضادتها القسوة. واسترق فلان فلانًا: جعله رقيقًا. والرقة: كل أرضٍ إلى جنبها ماء لما فيها من الرقة، وفي المثل: "أعن صبوحٍ ترقق؟ "؛ تلين القول. والرقراق: ترقرق الشراب. والرقراقة: الصافية اللون. وفي الحديث: "تطلع الشمس ترقرق" أي تدور وتجيء وتذهب. وفي الحديث: "ثم غسل مراقه" أي ما سفل من بطنه ولأن. وترقرق الماء من ذلك لدورانه. قال: [من الطويل] 610 - أدارًا بحزوى هجت للعين عبرًة؟ ... فماء الهوى يرفض أو يترقرق والرقاق: الأرض اللينة المتسعة، وفي الحديث: "ويخفضها بطنان الرقاق" وقال

امرؤ القيس: [من البسيط] 611 - رقاقها ضرم وجريها خذم ... ولجمها زيم والبطن مقبوب ر ق م: قوله تعالى:} والرقيم {[الكهف: 9]. الرقيم: الكتاب؛ فعيل بمعنى مفعولٍ. وقيل: الرقيم اسم قريتهم. وقيل: هو حجر رقمت فيه أسماؤهم والرقم: الكتب، ومنه رقمت الكتاب، وفي المثل: "كالراقم على الماء". وقوله:} كتاب مرقوم {[المطففين: 9]. والرقمتان من الحمار: الأثر الذي على عجزيه. وأرض مرقومة: بها أثر نبات تشبيهًا بما عليه من أثر الكتابة. والرقميات: سهام منسوبة إلى موضعٍ بالمدينة والرقم: الوشي، ومنه رقمت الثوب. ر ق و: قوله:} أو ترقى في السماء {[الإسراء: 93] أي تصعد، يقال: رقي في الدرج يرقى رقيًا، والأصل: رقوي فأدغم. وفي المثل: "إرق على ظلعك وإن كنت ظالعًا". قوله:} من راقٍ {[القيامة: 27]. يقال: رقاه يرقيه رقيًة، إذا عوذه وحماه. وفي الحديث: "وما يدريك أنها رقية". فمعنى "من راقٍ": لا حامي له منه، كقول أبي ذؤيبٍ: [من الطويل] 612 - وإذا المنية أنشبت أظفارها ... ألفيت كل تميمةٍ لا تنفع

فصل الراء والكاف

وعن ابن عباس: من يرقى بروحه أملائكة الرحمة أم ملائكة العذاب؟ قال الراغب: والترقوة: مقدم الحلق في أعلى الصدر، حيث ما ترقى فيه النفس، فكأن التاء أبدلت واوًا عنده لانضمام ما قبلها. فصل الراء والكاف ر ك ب: قوله تعالى:} والركب أسفل منكم {[الأنفال: 42]، المراد أصحاب الإبل المركوبة، وهي في الأصل مصدر واقع موقع المركوب، وهي الإبل، ثم أطلق على أصحابها، فهو في ثاني رتبةٍ من المجاز. والركوب بمعنى المركوب كالحلوب؛ قال تعالى:} فمنها ركوبهم {[يس: 72] وجمعها: ركب، بضمتين. والركاب: المركوب أيضًا، وجمعها: ركائب. وأصل الركوب الاستعلاء على ظهر حيوان، وقد يكون في غيره، كقوله تعالى:} فإذا ركبوا في الفلك {[العنكبوت: 65]، وقوله:} وجعل لكم من الفلك والأنعام ما تركبون {[الزخرف: 12]. والركب، بفتحتين، كناية عن فرج المرأة، كأنه فعل بمعنى مفعول، كالقبض والنقض، قال الشاعر: [من الرجز] 613 - إن لها لركبًا إرزبًا ... كأنه جبهة ذرى حبا وأركب المهر: حان ركوبهٍ، كأحصد الزرع. وقوله:} حبًا متراكبًا {[الأنعام: 99] أي ركب بعضه بعضًا لتضاعفه. والركبة: العضو المعروف، تشبيهًا بالركوب، وركبته: أصبت ركبته، كفادته، أو أصبته بركبتي، كيديته وعينته أي أصبته بيدي وعيني. ر ك د: قوله تعالى:} رواكد {[الشورى: 33]. الركود: السكون، ومنه الماء الراكد. وركدت الريح سكنت.

ر ك ز: قوله تعالى:} أو تسمع لهم ركزًا {[مريم: 98] أي صوتًا خفيًا، ولدلالته على الخفاء قيل للمعدن: ركاز، ولدفين الجاهلية، أيضًا، ركاز. وقد فسر به قوله صلى الله عليه وسلم: "في الركاز الخمس" وكلاهما صحيح، والركز، أيضًا: الثبوت، ومنه: ركزت الرمح في الأرض، ومنه الركاز، أيضًا، بالمعنيين المذكورين، لأن كلا من المعدن والدفين ثابت مستقر خفي. وقيل: هو الدفن، فإن كان من فعل الله تعالى فهو المعدن، وإن كان من فعل الآدمي فهو الكنز. ر ك س: قوله تعالى:} والله أكسهم بما كسبوا {[النساء: 88] أي ردهم إلى كفرهم. والإركاس في الأصل: قلب الشيء على رأسه، ورد أوله على آخره، أركسه فركس، وارتكس في أمره: إذا انقلب خاطره، فلم يهتد لأمره، وقد أتي عليه الصلاة والسلام بروثةٍ، فقال: "إنها ركس" أي رجيع. وقال لعدي بن حاتمٍ: "إنك من أهل دين يقال لهم الركوسية" وهو دين بين النصارى والصابئين. ر ك ض: قوله تعالى:} اركض برجلك {[ص: 42] أي اضرب بها. ويقال لراكب الدابة ركضها: أي حثها، ومنه قوله تعالى على سبيل التهكم بهم:} إذا هم منها يركضون لا تركضوا وارجعوا {[الأنبياء: 12 و 13] أي لا تنهزموا. فإن كان ماشيًا فالمعنى ركض برجله أي وطئ الأرض وضربها بها. وأركضت الفرس: تحرك ولدها في بطنها، وقال أوس ابن غلفاء: [من الوافر] 614 - ومركضة صريحي أبوها ... يهان له الغلامة والغلام

وقيل: معنى "إذا هم منها يركضون" أي يهربون. ر ك ع: قوله تعالى:} واركعوا {[البقرة: 43] أي صلوا. فعبر عن الكل بالبعض، وأصله التواضع والانحناء، قال: [من المنسرح] 615 - ولا تهين الفقير علك أن تر ... كع يومًا والدهر قد رفعه وقد يطلق على الانحناء لعجزٍ ونحوه، قال: [من الطويل] 616 - أخبر أخبار القرون التي مضت ... أدب كأني كلما قمت راكع ر ك م: قوله تعالى:} سحاب مركوم {[الطور: 44] أي متراكب بعضه فوق بعضٍ. والركام: المتراكم أيضًا، منه قوله تعالى:} يجعله ركامًا {[النور: 43] أي كثيفًا. ر ك ن: قوله تعالى:} أو آوي إلى ركنٍ شديدٍ {[هود: 80] كناية عمن يستند إليه. والركن، في الأصل، جانب الدار الذي يستند إليه، فعبر به عمن يقصده الإنسان ويلجأ إليه. وناقة مركنة الضرع: له أركان تعظمه. والمركن: الإجانة، ومنه الحديث: "أن حمنة كانت تجلس في مركن لأختها زينب وهي مستحاضة"، أي إجانة تغسل فيها الثياب، وإن كانت العبارة عبارًة عن جوانبها التي عليها مبناها؛ إذ بفواتها أو فوات بعضها يفوت. ويقال: ركن - بالفتح - قال تعالى:} ولا تركنوا إلى الذين ظلموا {[هود: 113]. ويقال: ركن - بالكسر - يركن - بالفتح - على التداخل، كما حققناه في غير

فصل الراء والميم

هذا. قوله: {فتولى بركته} [الذاريات: 39] أي بما كان يركن إليه، أي يميل ويتقوى به من جنده. وقوله:} لقد كدت تركن إليهم {[الإسراء: 74] أي تميل. في حديث عمر: "فدخل عليه أركون" أي رئيس من الدهاقين. فصل الراء والميم ر م ح: قوله تعالى:} تناله أيديكم ورماحكم {[المائدة: 94] والرماح جمع رمحٍ، وهو الآلة المعروفة. ورمحه: أصابه بالرمح .. ورمحته الدابة، تشبيهًا بالآلة. وقد أخذت الإبل رماحها: إذا امتنعت من النحر لحسنها. وأخذت البهمي رمحها: إذا امتنعت بشوكتها من راعيها. والسماك الرامح: كوكب يصور من قدامه رمح، ويقابله الأعزل. قال أبو العلاء: [من الكامل] 617 - سكن السماكان السماء كلاهما ... هذا له رمح وهذا أعزل وقد ثني جمعه، وهو قليل، كقوله: [من الرجز] 618 - تبقلت في زمن التبقل ... بين رماحي مالكٍ ونهشل ر م د: قوله تعالى:} كرمادٍ اشتدت به الريح {[إبراهيم: 18]. الرماد: ما حرقته النار من حطبٍ وغيره. ويعبر بالرمد عن الهلاك، ومنه: رمد عيشهم: هلكوا. ورمدت الغنم: ماتت من بردٍ ونحوه. وعام الرمادة: أي الهلاك. وفي الحديث: "أخر الصدقة عام الرمادة". يقال: رمد يرمد رمدًا، أي هلك. قال أبو وجزة السعدي: [من الطويل] 619 - صببت عليكم حاصبي فتركتكم ... كأصرام عادٍ حين جللها الرمد

وأرمدوا: هلكت مواشيهم، ورمدت عينه، من ذلك لأنه صار فيها كالرماد أو لمقاربته الهلاك. يقال: رجل أرمد، وامرأة رمداء. والجمع: رمد. وماء رمد: أي كدر كأنما ألقي فيه رماد. وفي حيث قتادة: "يتوضأ بالماء الرمد". وثوب رمد وأرمد: أي وسخ. وفي حديث المعراج: "عليهم ثياب رمد" أي غبر. وقال عمر: "إذا أنضج رمد" أي ألقاه في الرماد؛ يضرب مثلاً لمن يصنع معروفًا ثم يقطعه بالامتنان. ويكني بكثرة الرماد عن الكرم وإطعام الضيفان. وفي حديث أم زرعٍ: "زوجي عظيم الرماد"، ويقولون: "طويل النجاد كثير الرماد". والبعوض يقال لها رمد للونها. ويقال: رماد، ورمد، وأرمد، وأرمداء لغات بمعنًى واحد. ر م ز: قوله تعالى:} إلا رمزًا {[آل عمران: 41] أي إشارًة؛ إما بالشفتين وإما بالحاجبين أو اليدين ولهذا سمي كلامًا لقوله: [من الطويل] 620 - إذا كلمتني بالعيون الفواتر ... رددت عليها بالعيون البوادر وأصله الحركة. وقيل للبحر: راموز لحركة أمواجه. والرمز - أيضًا - الصوت الخفي، وما ارماز أي لم يتكلم. وكتيبة رمازة: أي لا يسمع منها إلا رمز لحركتها. ر م ض: قوله تعالى:} شهر رمضان {[البقرة: 185]. رمضان معلوم، عظمه الله تعالى. سمي بذلك لموافقة فريضته في الزمان الأول، عند بعضهم، زمن الرمضاء؛ وهي

شدة الحر، وقيل لشدة احتراق جوف الصائم بالعطش. وقيل لأنه يرمض الذنوب: أي يحرقها ويذهبها. وفي الحديث: "صلاة ألأوابين إذا رمضت الفصال" أي ارتفع الضحى، وذلك أن الفصال تبرك عند احتراق الرمضاء، وهي الرمل، بوقد الشمس لأنه يحرق أخفافها، وقال الشاعر [من الرجز] 621 - يا رب يومٍ مر لا أضله ... أرمض من تحتٍ وأضحى من عله وأرض رمضة، ورمضت الغنم: رعت في الرمضاء فقرحت. ويترمض فلان الظباء أي يتبعها في المرضاء. وموسى رميض. وسكين رميض: أي حديد: وفي الحديث: "إذا مدحت الرجل في وجهه فكأنما أمررت على حلقه موسى رميضًا". وأرمض الغنم: أي رعاها في الرمضاء. وقال الشاعر: [من البسيط] 622 - المستجير بعمروٍ عند كربته ... كالمستجير من الرمضاء بالنار ر م م: قال تعالى:} يحيي العظام وهي رميم {[يس: 78] أي البالية: والرم من كل شيءٍ هو البالي. واختصت الرمة بالعظم البالي والرمة بالحبل. ومنه قولهم: أخذ الأسير برمته، وذلك أنهم كانوا يربطون الأسير بقطعة حبلٍ، فقالوا ذلك. ثم عبر بذلك عن الأخذ بجملة الشيء وسمي غيلان - الشاعر المعروف - ذا الرمة لأنه كان معه حبل ودلو، فنادته مية: يا ذا الرمة. فغلب عليه، في حكايةٍ ذكرناها في غير هذا. والرم: الفتات من الخشب والتبن، ومنه} إلا جعلته كالرميم {[الذاريات: 42] أي كالورق المفتوت والحطام. وفي الحديث علي رضي الله عنه: "وإلا دفع إليه برمته" يعني به القائل، وأصله

في الأسير، كما تقدم، أو القاتل لنهم يربطونه بحبلٍ ليقاد منه. وقيل: أصله من قولهم. ساق إليه البعير برمته، أي بحبلٍ في عنقه. ويقال: رم العظم وأرم. والإرمام: السكوت، وفي الحديث: "فقال: أيكم المتكلم؟ فأرم القوم" أي سكتوا، ويروي بالزاي مخففًة، وهي الإمساك أيضًا عن الكلام والطعام، ومنه قيل للتخمة أرم. والترمرم: التحرك؛ وفي حديث عائشة: "فلم يترمرم ما دام له". وقال الشاعر: .... ، قال الهرومي: ويجوز أن يكون مبنيًا من رام يريم، كما تقول: خضخضت الإناء، وأصله من خاض، يخوض، ونخنخت البعير، من أناخ. والارتمام: الأكل، وفي الحديث: "عليكم بألبان البقر فإنها ترم من كل شجرٍ" ويروي: "ترتم" أي تأكل، ومرمة ذوات الظلف بمنزلتها في الإنسان. والرمة - أيضًا - مرمة البيت، وقالت أم عبد المطلب: "كنا ذوي ثمه ورمه" الثم: قماش البيت، والرمة: مرمته، قاله ابن السكيت، وقد غلط أبو عبيدٍ الرواة في روايةٍ قد أوردوها عليه. وترمرم القوم: إذا حركوا أفواههم بالكلام ولم يصرحوا. وأرمت عظامه، أي سمنت حتى إذا نفخ فيها لم يسمع لها ذوي. ر م ن: قوله تعالى:} ورمان {[الرحمن: 68]. والرمان معروف، وهو اسم جنسٍ، واحده رمانة واختلف فيه؛ فقيل: هو فعلان من هذه المادة، وقيل: فعال، فيمتنع على الأول حين التسمية به، ولا يمتنع على الثاني. ولنا فيه كلام أتقناه في غير هذا.

فصل الراء والهاء

ر م ي: قوله تعالى: {ولكن الله رمي} [الأنفال: 17] والرمي: الإلقاء، ويعبر به عن الشتم والقذف، ومنه في اللعان: "إني لصادق فيما رميتها به" وأصلها في الأعيان ويستعار في المعاني. وقوله:} ولكن الله رمى {إشارة إلى حقيقة الحال، وذلك لما أجرى الله تعالى على يديه - عليه الصلاة والسلام - من هذه المعجزة الباهرة، وهي أن يهزم جيشًا عرمرمًا بكفٍ من الحصباء، ولذلك نفي عنه الرمي أولاً، ثم أثبته له في الظاهر بقوله:} إذ رميت {. ثانيًا، ثم بين من الذي فعل حقيقة هذا الرمي بقوله:} ولكن الله رمى {ثالثًا؛ فتبارك الله رب العالمين. وفي الحديث: "لو دعي أحدهم إلى مرماتين لأجاب، وهو لا يجيب إلى الصلاة".، أبو عبيدة: هي ما بين ظلفي الشاة ويقال بفتح الميم أيضًا، وقال غيره: المرماة: السهم هنا. والمعنى إلى ما يحرزه من السبق بسبب الرمي. فالمعنى: تجيبون أمور الدنيا وتتركون أمور الاخرة. والرماء والإرماء: الربا والزيادة، وفي الحديث: "إني أخاف عليكم الرماء" وفي رواية "الإرماء". يقال: هو أرمى منه، وأربى بالموحدة أيضًا. والرمية: الصيد؛ فعلية بمعنى مفعولية، وكان القياس التجرد من الياء، وفي الحديث: "كما يمرق السهم من الرمية". قيل: أراد الصيد المرمي. فصل الراء والهاء ر هـ ب: قوله تعالى:} من الرهب {[القصص: 32] الرهب: الخوف، والرهب والرهب بمعناه. وقيل: الرهب: الكم؛ وضعه في رهبه، أي في كمه، قاله مقاتل، وحكي أنه قال: خرجت ألتمس تفسيرها. فلقيت أعرابية وأنا آكل، فقالت: تصدق علي. فملأت

كفي لأدفع إليها فقالت: ههنا في رهبي، أي كمي. وقيل: الرهبة والرهب والرهب: مخافة مع تحرزٍ واضطراب. قيل: وأصل ذلك من الرهابة، وهي عظام الصدر، لأنها تضطرب! عند الخوف. قوله:} واسترهبوهم {[الأعراف: 116] أي حملوهم على أن يرهبوا. والترهب: التعبد. وهو استعمال الرهبة، وكذا الرهبانية، ثم غلبت على ما يفعله الرهبان من الخصاء والربط فقيل: "لا رهبانية في الإسلام".} ورهبانيًة ابتدعوها {[الحديد: 27]. قوله تعالى:} ورهبانًا {[المائدة: 82] فقيل: الرهبان يكون واحدًا وحينئذ يجمع على رهابين ورهابنة. قال الراغب ورهابنة بالجمع أليق؛ ويكون جمعًا، وهو الظاهر، فمن مجيئه مفردًا قول الشاعر:} من الرجز { 623 - لو أبصرت رهبان ديرٍ في جبل ... لانحدر الرهبان يسعى ويصل فقال: يسعي بالإفراد، ولقائل يقول: راعى اللفظ كقول الآخر: [من الرجز] لو أن قومي حين أدعوهم حمل ... على الجبال الصم لانهد الجبل ومن مجيئه جمعًا قول الآخر: [من الكامل] 624 - رهبان مدين لو رأوك تنزلوا ... والعصم من شغف الجبال القادر والرهبوت: مصدر للمبالغة، كالرغبوت، ومن كلام العرب: "رهبوت خير من رحموت". والرهب من الإبل: الفر للخوف الذي يحصل له.

ر هـ ط: قوله تعالى: {تسعة رهطٍ} [النمل: 48] الرهط: الجماعة؛ قيل: إلى العشرة وقيل: إلى الأربعين. واصله في العدد أن يقال: تسعة من رهطٍ لأنه اسم جمعٍ كقومٍ ويجمع على أراهط، قال: [من مجزوء الكامل] 625 - يا بؤس للحرب التي ... وضعت أراهط فاستراحوا والظاهر أن الرهط يطلق على العصابة التي يتقوى بهم الرجل، فهو أخص من القوم. ويدل عليه:} ولولا رهطك لرجمناك {[هود: 91]} يا قوم أرهطي أعز عليكم من الله {[هود: 92] وقال النابغة: [من الكامل] 626 - رهط ابن كوزٍ محقبو أدراعهم ... فيهم ورهط ربيعة بن حذار وفي حديث ابن عمر: "فأيقظنا ونحن على ارتهاطٍ" أي فرق مرتهطون، مصدر أقامه مقام الفعل كقول الخنساء: [من البسيط] 627 - فإنما هي إقبال وإدبار قاله الهروي: والراهطاء: حجرة من جحر اليربوع، وهي الرهطة أيضًا. ر هـ ق: قوله تعالى:} فلا يخاف بخسًا ولا رهقًا {[الجن: 13] رهقه الأمر: إذا غشيه بقهرٍ، ورهق وأرهق بمعنًى واحدٍ، نحو: تبعه وأتبعه، وردفه وأردفه. وأرهقت الصلاة: أخرتها حتى غشيهي وقت الأخرى. قوله تعالى:} ولا ترهقني من أمري عسرًا {[الكهف: 73] أي لا تغشني ولا تلحقني، ومثله قوله تعالى:} فخشينا أن يرهقهما طغيانًا وكفرًا {[الكهف: 80] أي يلحقهما. قوله: {فزادوهم رهقًا} [الجن: 6]

أي: ذلًة. وضعفًا. قال الأزهري: سرعًة إلى الشر، وقال قتادة: إثمًا. وقال مجاهد: طغيانًا. وقال الفراء: عظمًة وعنادًا. قوله:} فلا يخاف بخسًا ولا رهقًا {أي ظلمًا. والرهق: اسم للإرهاق، كالنبات للإنبات، والرهق - أيضًا - النوك والسفه. والرهق - أيضًا - العجلة، وفي الحديث: "إن في سيف خالد لرهقًا" أي عجلة. ويقال: أرهقني أن ألبس ثوبي. قوله:} سأرهقه صعودًا {[المدثر: 17] أي سأحمله على ذلك. وغلام مراهق: أي قارب الاحتلام، وفي الحديث: "إرهقوا" أي ادنوا منها. رهقت الكلاب الصيد: أي لحقته وفي حديث أبي وائلٍ: "صلى على امرأةٍ كانت ترهق" أي تتهم بشر، وفي الحديث: "حسبك من الرهق الا يعرف بيتك" أي من النوك والحمق. وفي حديث علي رضي الله عنه "أنه نهى رجلاً عن صحبة رجلٍ رهقٍ" أي عجل. والريهقان: الزعفران. وفي الحديث: "وعليه قميص مصبوغ بالريهقان" ر هـ ن: قوله تعالى:} فرهان مقبوضة {[البقرة: 283] أصل المادة للدلالة على الحبس ومنه} كل امرئٍ بما كسب رهين {[الطور: 21] أي محتبس بعمله،} كل نفسٍ بما كسبت رهينة {[المدثر: 38] أي محبوسة، والرهن: محبوس على الدين المرهون به. وقيل: أصله من الدوام والثبوت، لأن الرهن ثابت ومقيم عند المرتهن، ومنه:} كل نفسٍ بما كسبت رهينة {أي ثابتة مقيمة. ومنه الحال الراهنة أي الثابتة الموجودة. فرهينة، يجوز أن تكون فعيلًة بمعنى فاعلٍ، كما تقدم تفسيره، وأن يكون بمعنى مفعولٍ: أي مقامة في جزاء ما قدمت من ععملها. وقرئ:} فرهن {. على أنه جمع رهنٍ، نحو

سقفٍ وسقفٍ، وقيل: جمع رهان ورهون، وقياسه في القلة: أرهن كأفلس. وعن أبي عمري أن الرهان في الخيل، ويقرأ:} فرهن مقبوضة {وينبغي ألا يصح عنه. وكأن الراغب نحا إلى قريب من ذلك لقوله: الرهن ما وضع وثيقًة للدين، والرهان مثله، ولكن خصه بما يوضع في الخطار، وأصلهما مصدر؛ يقال: رهنت الرهن وأرهنت في السلعة، قيل: غاليت بها، وحقيقته أن يدفع سلعًة تقدمًة لثمنه ليجعلها رهينًة لإتمام ثمنها قوله:} كل امرئٍ بما كسب رهين {أي محتبس أو ثابت مقيم وهو قريب من الأول ومثله قول الآخر: [من الوافر] 628 - نأت بسعاد عنك نوًى شطون ... فبانت، والفؤاد بها رهين وقال الآخر: [من المتقارب] 629 - فلما خشيت أظافيرهم ... نجوت وأرهنتهم مالكا ر هـ و: قوله تعالى:} واترك البحر رهوًا {[الدخان: 24] قيل: ساكنًا. وقيل: سعًة من الطريق وصححه بعضهم، قال: ومنه الرهاء للمفازة المستوية. وكل حومةٍ مستويةٍ يجتمع فيها الماء رهو. ومنه قيل: "لا شفعة في رهوٍ". ونظر أعرابي إلى بعيرٍ فالج فقال: رهو بين سنامين ويقال: جاءت الخيل رهوًا، أي ساكنًة، وقيل: متتابعًة. وقيل: رهوًا، من صفة موسى أي على هينتك. وقيل: رهوًا؛ طريقًا يابسًا، بدليل قوله:} فاضرب لهم طريقًا في البحر يبسًا {[طه: 77] وقيل: رهوًا أي دمثًا سهلاً ليس برملٍ ولا حزنٍ. وفي الحديث، وقد سئل عن غطفان فقال: "رهوة تنبع ماء". الرهوة من الأضداد لأنها المرتفع من الأرض والمنخفض منها. وضرب ذلك مثلاً لهم ولأحوالهم في خشونتهم

فصل الراء والواو

وتمنعهم. ويقولون: افعل ذلك سهوًا ورهوًا، أي ساكنًا بلا تشددٍ. وفي الحديث: "نهى أن يباع رهو الماء". أي موضعه لانخفاضه. فصل الراء والواو ر وح؛ قوله تعالى:} تنزل الملائكة والروح فيها {[القدر: 4] وقيل: هم جنس من الملائكة، وقيل: هم جبريل. وقيل: ما كان فيه من أمر الله حياة النفوس. قوله:} بالروح من أمره {[النحل: 2] بالرحمة والوحي. قوله:} فأرسلنا إليها روحنا {. [مريم: 17] أي جبريل. قوله:} وأيدهم بروحٍ منه {[المجادلة: 22] أي بحياة قلوبهم بالإيمان. قوله في حق عيسى عليه السلام:} وروح منه {[النساء: 171] أي حياةٍ لأنه أحيا به من آمن به، أو لأنه إنما وجد بقوله:} كن {لا بواسطة أب، فهو من مجرد الأمر. أو لأن جبريل المسمى بالروح نفخ في درع أمه، فهو من تلك النفخة، قال الراغب: وإضافته تعالى إلى نفسه إضافة ملكٍ، وتخصيصه بالإضافة تشريف له وتعظيم، كقوله:} وطهر بيتي {[الحج: 26]. والروح، بالفتح: الاستراحة والراحة، وقوله تعالى:} فروح وريحان {[الواقعة: 89] أي فراحة ورزق، والريحان: الرزق، ومنه سبحان الله وريحانه، أي: واسترزاقه وقوله:} ذو العصف والريحان {[الرحمن: 12] أي أنه جامع لما تأكله دوابهم، وهو العصف كالتبن ونحوه، ولما يأكلونه كالحنطة ونحوها. وقال الراغب: الروح والروح في الأصل واحد، وجعل الروح اسمًا للنفس كقول الشاعر في صفة النار: [من الطويل] 630 - فقلت له: ارفعها إليك وأحيها ... بروحك واجعله لها قيتًة قدرا

وذلك لكون النفس بعض الروح، فهو كتسمية النوع باسم الجنس، نحو تسمية الإنسان بالحيوان. وجعل اسمًا للجزء الذي به تحصل الحياة والتحرك واستجلاب المنافع واستدفاع المضار، وهو المذكور في قوله تعالى:} قل الروح من أمر ربي {[الإسراء: 85]} ونفخت فيه من روحي {[الحجر: 29] وسمى أشراف الملائكة أرواحًا وبه سمي جبريل عليه السلام في قوله:} وكلمته ألقاها إلى مريمٍ وروح منه {[النساء: 171] وذلك لما كان له من إحيائه الأموات. وسمي القرآن روحًا لما يحيا به الناس، وهو سبب في الحياة الأخروية المشار إليها بقوله:} وإن الدار الآخرة لهي الحيوان {[العنكبوت: 64] والروح: التنفس، وقوله:} ولا تيأسوا من روح الله {[يوسف: 87] أنه لا ييأس من روح الله، أي من رحمته وإحسانه اللذين ينفسان كل كرب. وأرواح الإنسان تنفسه، والريحان، أيضًا، ذو الرائحة، كقوله تعالى:} فروح وريحان {وقيل: الريحان: الرزق. وقيل لبعض الأعراب: إلى أين تذهب؟ فقال: أطلب من ريحان الله أي من رزقه وروي: "الولد ريحان" وذلك كنحو ما قال الشاعر: [من مجزوء الرجز] 631 - يا حبذا ريح الولد ... ريح الخزامي في البلد أو لأن الولد رزق من الله تعالى. ومنه قوله تعالى عليه الصلاة والسلام لأمير المؤمنين علي رضي الله عنه: "أبا الريحانتين أوصيك بريحانتي خيرًا في الدنيا قبل أن ينهد ركناك" فلما مات النبي صلى الله عليه وسلم قال علي: "هذا أحد الركنين" فلما ماتت فاطمة قال علي: "هذا الركن الآخر" والريح معروفة، قال الراغب: وهي فيما قيل: الهواء المتحرك. وقال: وعامة المواضع التي ذكر فيها الله إرسال الريح بلفظ الواحد فعبارة عن العذاب، وكل موضعٍ ذكر فيه بلفظ الجمع فعبارة عن الرحمة، كقوله تعالى:} إنا أرسلنا عليهم ريحًا

صرصرًا {[القمر: 19] وقوله في الجمع:} ومن آياته أن يرسل الرياح مبشرات {[الروم: 46] انتهى. قلت: إن عنى بقوله: بلفظ الواحد من غير أن يجوز فيه الجمع فصحيح، وإن عنى غير ذلك فليس بصحيح لأنه قد قرئ في مواضع من القرآن كثيرةٍ بالإفراد والجمع في مواضع الرحمة على ما بيناه وبينا توجيه ذلك وخلاف القراء فيه في غير هذا الموضوع وجرت عادة الناس أن يقولا: الريح في العذاب والرياح في الرحمة، وهذا مردود بما ذكرته من القرآن. ويؤيدون مقالتهم هذه بقوله عليه الصلاة والسلام: "اللهم أجعلها رياحًا ولا تجعلها ريحًا" وجوابهم أنه عليه الصلاة والسلام، أراد الريح المفرق التي لم يجمع البتة، كما نبهنا عليه آنفًا. وأصل ياء الريح واو لقولهم، في الجمع، أرواح؛ قالت ميسون بنت بجدل امرأة معاوية: [من الوافر] 632 - لبيت تخفق الأرواح فيه ... أحب إلي من قصرٍ منيف وأصل رياح أيضًا رواح، ولحنوا من قال الأرياح. وقد ادعى بعضهم سماعه ولا يصح. ويستعار الريح للغلبة لقوله تعالى:} وتذهب ريحكم {[الأنفال: 46] ومن كلامهم: كانت لفلانٍ الريح. وأروح الماء: تغيرت ريحه، واختص ذلك بالنتن. وريح الغدير: أصابته الريح وأراحوا: دخلوا في الرواح. وأراح ماشيته: إذا جاء وقت الرواح. والمروحة: مهب الريح، والمروحة: الآلة التي تستجلب بها الريح. ودهن مروح: مطيب الريح. والرائحة: تروح الهواء. وراح فلان إلى أهله؛ إما لأنه ذهب ذهاب الريح في السرعة، أو استفاد برجوعه إليهم روحًا من المسرة. وفي الحديث: "لم يرح رائحة الجنة" يروى بفتح الراء وكسرها مع فتح التاء، "ترح" بضم التاء وكسر الراء، وكلها بمعنى لم يجد

رائحتها، يقال: رحت الشيء أراحه وأريحه، وأرحته، أريحه: وجدت رائحته. والرواح: من الزوال إلى آخر النهار، ومقابله الغدو، كقوله تعالى:} غدوها شهرواواحها شهر {[سبأ: 12] ويطلق على مجرد الذهاب والمسير، ومنه: "من راح إلى الجمعة" أي خف وذهب إليها، وقوله عليه الصلاة والسلام: "أرحنا بها يا بلال" أي أذن بالصلاة نسترح بأذانها من شغل القلب بها، وذلك أن راحة جوارحهم في أدائها في طاعة ربهم. قال الراغب: واستعير الرواح للوقت الذي يراح الإنسان فيه من نصف النهار، ومنه: أرحنا إبلنا. وأرحت إليه حقه: مستعاًر من إراحة الإبل، والمراح: حيث تراح الإبل. وتروح من الروح: السعة؛ فقيل: قصعة روحاء. وفي حديث عمر "أنه كان أروح" الأروح: الذي تتداني عقباه، ويتداني صدرا قدميه. يقال: أروح منتن الروح والروحة، ومنه: "كأني أنظر إليه تضرب درعه روحتي رجليه" وركب عمر ناقًة فمشت به مشيًا جيدًا فأنشد: [من البسيط] 633 - كأن راكبها غصن بمروحةٍ ... إذا تدلت به أو شارب ثمل إذا كسرت الميم فهي آلة، وإن فتحت فهي موضع مهب الريح، كما تقدم. ومدح النابغة الجعدي عبد الله بن الزبير فقال: [من الطويل] 634 - حكيت لنا الصديق لما وليتنا ... وعثمان والفاروق فارتاح معدم ارتاح المعدم من الروح، أي سمحت نفسه وسهل عليه البذل؛ يقال: رجل أريحي إذا كان سخيًا يرتاح للندى، يقال: رحت للمعروف أروح ريحًا: إذا ارتحت إليه وهششت. والمراوحة في العملين: أن يعمل كل منهما مرة.

ر ود: قوله تعالى:} تراود فتاها {[يوسف: 30] أي تطلب منه ما تطلب النساء وأصله من الرود: وهو الطلب برفقٍ؛ يقال: راد يرود فهو رائد، إذا طلب المرعى، وفي المثل: "الرائد لا يكذب أهله". وأرود به: أي رفق، إروادًا. وقوله تعالى:} أمهلهم رويدًا {[الطارق: 17] من ذلك وهو تصغير رود، ويكون رويدًا اسم فعل، فينصب ما بعده، كقولك: رويدًا رويدًا، أي أمهله. ويجمع الرائد على رادةٍ، وفي حديث وفد عبد القيس: "إنا قوم رادة" وعلى روادٍ أيضًا، وهو القياس، ومنه صفة أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: "كانوا يدخلون عليه روادًا" صرب مثلاً لما كانوا عليه رضي الله عنهم من كونهم يلتمسون من علومه وخيره وقال النابغة الذبياني: [من الطويل] 635 - لئن كنت قد بلغت عني رسالة ... لمبلغك الواشي أغش وأكذب ولكنني كنت امرءًا لي جانب ... من الأرض فيه مستراد ومذهب مستراد، مستفعل، من الرود، وفي الحديث: "إذا بال أحدكم، فليرتد لبوله" أي يطلب مكانًا لينًا. وقيل: وأصل الحرف من رادت الريح ترود رودانًا: إذا تحركت حركًة خفيفًة، وقال الراغب: الرود: التردد في طلب الشيء برفقٍ، وباعتبار الرفق قيل: رادت المرأة في طلب شيءٍ. وإلا رادة في الأصل قوة مركبة من شهوةٍ أو حاجةٍ وأمل، وجعلت اسما لنزوع النفس إلى الشيء مع الحكم فيه بأنه ينبغي أن يفعل أو لا يفعل. فإذا استعمل في الله تعالى فإنه يراد به المنتهى دون المبتدأ، فإنه يتعالى عن معنى النزوع؛ فإذا قيل: أراد الله كذا، فمعناه حكم الله أنه كذا أو ليس كذا. وقد تذكر الإرادة ويراد بها

معنى الأمر، كقولك: أريد منك كذا، أي آمرك، نحو:} يريد الله بكم اليسر {[البقرة: 185] وقد تذكر ويراد بها القصد، كقوله:} للذين لا يريدون علوًا في الأرض ولا فسادًا {[القصص: 83] أي لا يقصدونه ولا يطلبونه. والمراودة: أن تنازع غيرك في الإرادة، فتريد غير ما يريد، وترود غير ما يرود، فمعنى} تراود فتاها {[يوسف: 30] أي تصرفه عن رأيه. والإرادة قد تكون بحسب القوة التسخيرية والحسية، كما تكون بحسب القوة الاختيارية، ولذلك يستعمل في الجماد والحيوان، كقوله تعالى:} جدارًا يريد أن ينقض {[الكهف: 77] ويقال: فرسي تريد التبن. ر وض: قوله تعالى:} في روضةٍ يحبرون {[الروم: 15] الروضة: مستنقع الماء ذو الخضرة والأزهار، وتكون مرتفعًة غالبًا، قال: [من البسيط] 636 - ما روضة من رياض الحزن معشبة وتطلق الروضة على الماء نفسه، وأنشد: [من الرجز] 637 - وروضةٍ سقيت منها نضوتي وفي الحديث: "فدعا بإناءٍ يريض الرهط" أي يرويهم بعض الري. والروض نحو من نصف قريةٍ. واستراض الحوض: صب فيه من الماء ما يواري أرضه. وأراض، وأرض: صب لبنًا على لبن. وفي حديث ابن المسيب: "نهى عن المراوضة" وهي بيع المواصفة وقال الراغب: الروض: مستنقع الماء والخضرة، وباعتبار الماء قيل: أراض الوادي واستراض، وأراضهم: أرواهم. والرياضة: كثرة استعمال النفس والبدن ليسلس

ويمهر، ومنه: رضت الدابة، وقولهم: افعل كذا ما دامت النفس مستراضًة أي قابلًة للرياضة، أو معناه متسعًة ويكون من الروض قوله:} في روضات الجنات {[الشورى: 22] إشارة إلى ما أعد لهم في العقبى بحسب الظاهر. وقيل: إشارة إلى ما أهلهم له من العلوم والأخلاق التي من تخصص بها طاب قلبه. ر وع: قوله تعالى:} فلما ذهب عن إبراهيم الروع {[هود: 74] هو الفزع، وفي الحديث: "لن تراعوا" وأصله إصابة الروع - بالضم - والروع: النفس والخلد وفي الحديث: "إن روح القدس نفث في روعي" أي في خلدي ونفسي. وفيه أيضًا: "إن في كل أمةٍ مروعين ومحدثين" المروع: الملقى في نفسه الصواب، فاستعمل الروع فيما ألقي فيه من الفزع. رعته، وروعته، وريع فلان، فهو مروع، وناقة روعاء. والأروع: الذي يروع بحسنه كأنه يفزع غيره، قال: [من الطويل] 638 - يروعك أن تلقاه في الصدر محفلا وارتاع فلان: افتعال من الروع. وكتب معاوية لابنه يزيد: "ليفرخ روعك أبا المغيرة" أي ليسكن، ويروى بضم راء روعك وهو موضع الروع: أي ليخرج الروع من قلبك، أفرخت البيضة: خرج فرخها، تفرد بذلك أبو الهيثم. ويقال: رائع، وأرواع، كناصرٍ، وأنصار، وقال رؤبة: [من الرجز] 639 - راعك والشيب قناع الموت أي أفزعك.

ر وغ: قوله تعالى:} فراغ إلى أهله {[الذاريات: 26] أي مال. يقال: راغ يروع. أي مال من حيث لا يعلم به، ومنه روغان الثعلب. وقريب منه قول الفراء: رجع إليهم في إخفاء منه ولا يقال ذلك إلا لمن يخفيه. وقيل: هو الميل على سبيل الاحتيال، ومنه راغ الثعلب روغانًا. وطريق رائع: غير مستقيمٍ، كأنه يروغ بسالكه، وراغ فلان إلى فلانٍ: مال إليه ليحتال عليه. قوله تعالى:} فراغ عليهم ضربًا باليمين {[الصافات: 93] أي أحال، وحقيقته طلب بضربٍ من الروغان، ونبه بقوله: [على] معنى الاستعلاء. ر وم: قوله تعالى:} ألم، غلبت الروم {[الروم: 1 - 2] جيل معروف، وهو اسم جنسٍ وتفرق بينه وبين صاحبه ياء النسبة نحو رومي في الواحد، وروم في الجمع؛ قال تعالى:} غلبت الروم في أدنى الأرض {[الروم: 2 - 3] وهذا خارج عن القياس، فإن الفارق بين الواحد والجمع في أسماء الأجناس إنما هو تاء التأنيث. وقال الراغب: الروم تارًة يقال للجيل المعروف، وتارًة لجمع رومي كالعجم. فجعله مشتركًا بين المعنيين. والروم: الإشارة، ومنه: روم الحركة في الوقف. والروم: التطلع إلى الشيء وطلبه، ومنه: رام فلان كذا: أي طلبه، وله أقسام ذكرناها في "العقد النضيد من شرح القصيد في القراءات". والروم أيضًا شحمة الأذن، وقد فسر به الأزهري قول بعض التابعين لمن أوصاه في طهارته: "تتبع المغفلة والمنشلة والروم". وأما رام يريم بمعنى برح فمادة أخرى. ومعنى آخر لم يرد في القرآن الكريم؛ يقال: ما رام يفعل كذا، أي ما برح. وفي الحديث: "لا ترم من منزلك غدًا أنت وبنوك".

فصل الراء والياء

ر وي: قوله تعالى:} ورئيا {[مريم: 74] من قرأه بتشديد الياء احتمل أصله الهمز، وأن يكون من روي بكذا، يروي به، يقال: روي الزرع بالماء، يروي به ريًا، والمعنى: أحسن منظرًا من الارتواء من النعمة. يقال: ماء رواء. قال: [من الرجز] 640 - ماء رواء ونصي حوليه والرواء أيضًا: حبل يقرن به البعيران. وقال الأزهري: الرواء: ما يروي به البعير، فأما ما يقرن به البعيران فقرن وقران. وسمي عليه الصلاة والسلام السحاب "روايا البلاد" الواحدة راوية، ووزن روايا فواعل كضوارب. ويقال: رويت على البعير أروي ريًا إذا استقيت عليه ورويت من الماء أروي ريًا بالفتح في الأول والكسرفي الثاني. والأصل فيهما رويًا ورويًا. والتصريف مذكور في غير هذا. قال الشاعر: [من البسيط] 641 - قالت رواياه قدحان النزول وقد ... نادى منادٍ بأن الجند قد نزلا الجند هنا السحاب. ورويت الشعر والحديث أرويه روايًة ورويًا. وفي حديث عبد الله: "شر الروايا روايا الكذب" وقيل: هو جمع راوية. وقيل: جمع روية، وهوما يتروى فيه الإنسان أمام العمل. والروية: الفكر. وروي القصيدة: الحرف الذي تنسب إليه. فصل الراء والياء ر ي ب: قوله تعالى:} لا ريب فيه {[آل عمران: 9] قيل: لا شك فيه. قال الزمخشري:

الريب: مصدر رابني، إذا حصل شك. الريبة: قلق النفس واضطرابها، ومنه: "دع ما يريبك إلى ما لا يريبك" فإن الشك ريبة، وإن الصدق طمأنينة، فإن كون الأمر مشكوكًا فيه مما تقلق له النفوس ولا تستقره، وكونه صحيحًا صادقًا مما تطمئن له وتستكن. ومنه ريب الزمان، وهو مما تقلق له النفوس وتشخص القلوب في نوائبه. والراغب: قد عاب على من فسر الريب بالشك، فقال في خطبة كتابه بعد كلام طويل: "فيعده من لا يحق الحق ويبطل الباطل أنه باب واحد - أي نوع - فيقدر أنه إذا فسر الحمد لله بقوله: الشكر لله، ولا ريب فيه بلا شك فيه، فقد فسر القرآن". ثم قال في مادة الريب: "يقال: رابني .... فالريب أن تتوهم بالشيء أمرًا ما فينكشف عما تتوهمه"، ولهذا قال تعالى:} لا ريب فيه {وإلا رأى أن يتوهم فيه أمرًا فلا ينكشف عما يتوهمه. وقال الهروي: رابني: شككني وأوهمني الريبة. فإذا استيقنته قلت: أربني - بغير ألف - وأنشد للمتلمس: [من الطويل] 642 - أخوك الذي إن ربته قال: إنما ... أربت وإن عاتبته لأن جانبه أي: إن أهنته بحدثٍ قال: أربت إن أوهمت ولم تحقق. وقال الفراء: هما بمعنى. وقوله:} نتربص به ريب المنون {[الطور: 30] سماه ريبًا لا لكونه مشكوكًا في كونه، بل من حيث تشكك في وقت حصوله، فالإنسان أبدًا في ريب المنون من جهة وقته لا من جهة كونه، وعلى هذا قول الشاعر: [من البسيط] 643 - الناس قد علموا أن لا بقاء لهم ... لو أنهم عملوا مقدار ما علموا

والارتياب يجري مجرى الأرابة، ونفي عن المؤمنين الارتياب في قوله:} ولا يرتاب الذين أوتوا الكتاب والمؤمنين {[المدثر: 31] وريب الدهر: صروفه، وإنما قيل له ريب لما يتوهم فيه من المكروه. والريب: التهمة المجردة، ومنه قول جميل: [من الطويل] 644 - بثينة قالت: يا جميل أربتني ... فقلت: كلانا يا بثين مريب والريب الحاجة، ومنه قول الشاعر: [من الوافر] 645 - قضينا من تهامة كل ريبٍ ... وخيبر ثم أجممنا السيوفا والريب: الشك المجرد، ومنه قول ابن الزبعري: [من الخفيف] 646 - ليس في الحق يا أميمة ريب ... إنما الريب ما يقول الكذوب وفي وصية الصديق للفاروق رضي الله عنهما: "عليك بالنوائب في الأمور وإياك والرائب منهما" قال المبرد: هذا مثل. ويقال: راب اللبن إذا صفا وإذا كدر، فهو من الأضداد. ر ي د: لم ترد هذه المادة في القرآن، وقد زعم الهروي أن الإرادة من هذه المادة. قوله تعالى:} فوجدا فيها جدارًا يريد أن ينقض {[الكهف: 77] الإرادة للمميزين، والمعنى أنه متهيئ للسقوط، وأنشد: [من الوافر] 647 - يريد الرمح صدر أبي براءٍ ... ويعدل عن دماء بني عقيل

وقال الراعي: [من الكامل] 648 - في مهمه قلقت به هاماتها ... قلق الفؤوس إذا أردن نصولا وفي ما قاله نظر لأن مادة الإرادة من ذوات الواو لا الياء كما تقدم في بابه. ر ي ش: قوله تعالى:} وريشًا {[الأعراف: 26] استعارة من ريش الطائر، ومنه: أعطاه إبلاً بريشها أي بما عليها من الثياب والآلات؛ وذلك أن ريش الطائر زينة له بمنزلة ثياب الآدميين وقد يخص بالجناح لأنه أعظم منافعه. ورشت السهم أريشه ريشًا. فهو مريش: جعلت فيه الريش، وعبر به عن الإصلاح، وعليه قوله: [من الطويل] 649 - فرشني بخيرٍ طالما قد بريتني ... فخير الموالي من يريش ولا يبري وقرئ: "ورياشا" فقيل: لغة فيه، وقيل: الرياش: المال والمعاش، وقيل: الأكل والشرب والمال المستفاد، وفي الحديث: "فأخبرني عن الناس. فقال: هم كسهام الجعبة، منها الصائب الرائش، منها العطل الطائش". ر ي ع: قوله تعالى:} بكل ريع {[الشعراء: 128] الريع: كل طريقٍ مشرفٍ، قاله ابن عرفة، وأنشد للمسيب بن علس: [من الكامل] 650 - في الآل يرفعها ويخفضها ... ريع يلوح كأنه سحل

وقيل: كل مكانٍ مرتفعٍ يبدو من بعيدٍ، الواحدة ريعة، وللارتفاع، قيل: ريع البئر للجثوة المرتفعة حواليها. وريعان كل شيءٍ: أوائله التي يبدو منها. وقيل: للزيادة الحاصلة من غلة ونحوها: ريع. ر ي ن: قوله تعالى:} بل ران {[المطففين: 14] الران: صدأ يعلو الشيء، والمعنى: صار ذلك كصدأ يعلو قلوبهم، فعمي عليهم معرفة الخير من الشر. وقد رين على قلبه. وقيل: معناه غلب عليها فغطاها. ران، يرين رينًا ورينًا. وران: غلبه النعاس. وران به: أي غلبه، وأنشد لعلقمة [من البسيط] 651 - أوردته القوم إذا ران النعاس بهم ... فقلت إذ نهلوا من مائه: قيلوا ورين عليه وريم بمعنًى واحدٍ.

باب الزاي

باب الزاي فصل الزاي والباء ز ب د: قوله تعالى:} زيدًا رابيًا {[الرعد: 17] زبد الماء: ما يطفو عليه من تراكم أمواجه، وقد أزبد الماء يزبد أي صار ذا زبدٍ، والزبد معلوم، وهو شبه ما يطفو على الماء. وزبدته زبدًا: أعطيته مالاً كثيرًا مثل الزبد، وأطعمته الزبد. قال المبرد: زبده، يزبده - بكسر زبدًا: أعطيته مالاً كثيرًا مثل الزبد، وأطعمته الزبد. قال المبرد: زبده، يزبده - بكسر العين - أعطاه مالاً كثيرًا، ويزبده بضمها: أطعمه الزبد، وفي الحديث: "إنا لا نقبل زبد المشركين" بسكون العين، أي رفدهم. والزباد: نور يشبه الزبد في بياضه. ز ب ر: قوله تعالى:} بالبينات والزبر {[آل عمران: 184] الزبر: الكتب، الواحد زبور نحو: عمود وعمد. يقال: زبرت الكتاب: كتبته كتابًة غليظًة، وكل كتابٍ غلظت كتابته فهو زبور. وقرئ قوله تعالى:} وآتينا داود زبورًا {[النساء: 163] بضم الزاي وفتحها، فقيل: هما بمعنًى واحدٍ، وقيل: المضموم جمع زبر، والزبر مصدر سمي به المزبور، كالكتاب مصدر في الأصل سمى به المكتوب. وقيل: الزبور اسم لكل كتاب ليس فيه أحكام، ولذلك سمي ما نزل على داود زبورًا إذ لم يكن فيه أحكام، بل أمثال وعظات. وقيل: هو اسم لما يتضمن من الحكم العقلية دون الأحكام الشرعية، بخلاف الكتاب فإنه غلب علي ما يتضمن الأحكام. وقيل: الزبور كل ما يصعب الوقوف عليه من الكتب الإلهية. وغلب على الزبور أيضًا على ما أوتيه داود.

وزبرت الكتاب، وأزبرته، أي أحكمته. والزبر: العقل، ومنه الحديث: "أنه عد أهل النار فقال: الضعيف الذي لا زبر له" والمزبر: القلم لأنه يزبر به، أي يكتب، وفي الحديث: "أتي بدواةٍ ومزبرٍ". وقوله تعالى:} آتوني زبر الحديد {[الكهف: 96] الزبر: جمع زبرة، وهي القطعة العظيمة، ورجل أزبر أي عظيم الزبرة، وهي ما بين كتفي الأسد. وفي حديث عبد الملك "إنه أتي بأسيرٍ أزبر" أي عظيم الصدر والكاهل، والمؤنث زبراء. وكان للأحنف خادم يقال لها زبراء، إذا غضبت قال: هاجت زبراء. فأرسلها مثلاً. وقوله تعالى:} فتقطعوا أمرهم بينهم زبرًا {[المؤمنون: 53] أي فرقًا وأحزابًا تشبيهًا بقطع الحديد في تفرقها. وزئبر الثوب معروف، وقد يقال: الزبرة من الشعر. ز ب ن: قوله تعالى:} سندع الزبانية {[العلق: 18] هم الملائكة الذين يدفعون الكفار إلى نار جهنم اشتقاقًا من الزبن وهو الدفع، ومنه ناقة تزبن الحالب. والزبون لأنه يدفع من بائعٍ إلى مثله. وزبنته الحرب: دفعته، قال: [من الطويل] 652 - ومستعجبٍ مما يرى من أناتنا ... ولو زبنته الحرب لم يترمرم والمزابنة: المدافعة، وفي الحديث: "نهى عن المزابنة" نهى عن بيع الثمر في رؤوس النخل بالثمرة، لأن كلاً من المتبايعين يزبن صاحبه عن حقه، أي يدفع. وفي

فصل الزاي والجيم

الحديث: "لا يقبل الله صلاة الزبين" أي المدافع للأخبثين. وواحد الزبانية زبنيت، مثل عفريت. وقيل: زبني. وقال قتادة: هم الشرط سموا بذلك لقوتهم، ومنه، زبنه: دفعه بقوةٍ وعنفٍ. فصل الزاي والجيم ز ج ج: قوله تعالى:} في زجاجةٍ {[النور: 35] الزجاجة واحدة الزجاج، وهو حجر شفاف يصنع من رملٍ وحصى وغير ذلك. والزج؛ حديدة أسفل الرمح جمعها زجاج، قال زهير: [من الطويل] 653 - ومن يعص أطراف الزجاج فإنه ... يطيع العوالي ركبت كل لهذم وزججت الرمح: جعلت له زجًا. وأزججته: نزعت زجه؛ همزته للسلب. وزجه: أدخله. مأخوذ من زج الرمح: أدخله فيه، قال: [من مجزوء الكامل] 654 - فزججتها بمزجةٍ ... زج القلوص أبي مزاده والزجج: دقة في الحاجب، تشبيهًا بالزج؛ قال الشاعر: [من الوافر] 655 - إذا ما الغانيات برزن يومًا ... وزججن الحواجب والعيونا وفي صفته، عليه الصلاة والسلام "أنه أزج الحواجب" قال الهروي: هو تقوس مع امتداد أطرافها وسبوغ شعرها. ز ج ر: قوله تعالى:} فالزاجرات زجرًا {[الصافات: 2] قيل: هم الملائكة لأنها تزجر

فصل الزاي والحاء

بأمر الله ونواهيه، وقيل: هم القراء والعلماء لأنهم يزجرون بوعظهم، وقيل: هم الملائكة السائقون السحب تزجرها كالرعد عند جماعةٍ. وأصل الزجر النهي؛ يقال زجره فانزجر، وازدجر، والأصل ازتجر فأبدلت تاء الافتعال دالاً، وازدجر يكون لازمًا إذا كان مطاوعًا، كما تقدم، ومتعديًا إذا كان غير ذلك. ومنه قول تعالى:} وقالوا مجنون وازدجر {[القمر: 9] ومن ثم بني للمفعول. وقيل: أصل الزجر الطرد بصوت، وقد يستعمل في الطرد المجرد أو الصوت المجرد. قوله:} ولقد جاءهم من الأنبياء ما فيه مزدجر {[القمر: 4] أي منع وطرد. وقوله:} وازدجر {استعمل فيه الزجر لصياحهم بالمطرود نحو: تنح واغرب. ز ج ي: قوله تعالى:} يزجي سحابًا {[النور: 43] أي يسوقه ويسيره، وكذلك} يزجي لكم الفلك {[الإسراء: 66]. يقال: أزجيت المتاع فزجي، وزجيته أيضًا، وقيل: هو دفع الشيء لينساق. وقوله:} ببضاعةٍ مزجاةٍ {[يوسف: 88] أي قليلة، كأن بعض الناس يسوقها ويدفعها عنه لغيره لقلتها ونزارتها. وكل شيءٍ تافهٍ فهو مزجى، وحاجة مزجاة أي يسيرة، ومنه قول الشاعر: [من البسيط] 656 - وحاجة غير مزجاةٍ من الحاج أي غير يسيرةٍ يمكن صرفها ودفعها لقلة الاعتداد بها. قال الراغب: ومنه استعير: زجا الخراج يزجو زجاءً. وخراج زاجٍ، وفيه نظر لاختلاف المادتين. فصل الزاي والحاء ز ح ز ح: قوله تعالى:} فمن زحزح عن النار {[آل عمران: 185] أي أزيل عن مقره

فصل الزاي والخاء

ونحي، وقوله:} وما هو بمزحزحه {[البقرة: 96] أي بمبعده ومنحيه. يقال: ما تزحزح، وما تحزحز، فيجوز أن يكون مقلوبًا منه، وهو الظاهر، لقلته وقيل: وهو من حزه يحزه. أي دفعه. وقيل: من زاح يزيح، أو من الزوح وهو السوق الشديد. يقال: زحزحته فتزحزح وانزاح أي تباعد ومنه، لأنه يبعد عن الحق. ز ح ف: قوله تعالى:} إذا لقيتم الذين كفروا زحفًا {[الأنفال: 15]، زحفًا مصدر واقع موقع الحال، إما من الفاعل، أو من المفعول، أي زاحفين، وأصل الزحف انبعاث مع جر الرجل قال: امرؤ القيس: [من المتقارب] 657 - فزحفًا أتيت على الركبتين ... فثوب نسيت وثوب أجر يقال: زحف الصبي، وزحف البعير إذا أعيا فجره برسنه. يقال: زحف البعير إذا أعيا وأزحفه السير. وزحف العسكر إذا كثر فعسر انبعاثه. والزاحف: هو السهم يقع دون الغرض. فصل الزاي والخاء ز خ ر ف: قوله تعالى:} وزخرفًا {[الزخرف: 35]، الزخرف: الزينة، وأصله الذهب ثم أطلق على كله ما يتزين به لأنه الأصل في الزينة. وقيل: الزخرف كمال حسن الشيء، يقال: زخرفته زخرفًة. وقوله تعالى:} زخرف القول {[الأنعام: 112] أي ما زين به ورقش بالباطل وإليه نحا ابن الرومي بقوله: [من البسيط] 658 - في زخرف القول تزيين لباطله ... والحق قد يعتريه سوء تعبير

فصل الزاي والراء

تقول: هذا أجاج النحل تمدحه ... وإن ذممت تقل: قيء الزنابير وفي الحديث أنه عليه الصلاة والسلام: "لم يدخل الكعبة حتى أمر بالزخرف فأخرج" قيل: كانت فيه نقوش وتصاوير من ذهبٍ. وقيل: هو الذهب المزوق. فصل الزاي والراء ز ر ب: قوله تعالى:} وزرابي مبثوثة {[الغاشية: 16] هي جمع زربيةٍ، وهو نوع من الثياب محبر منسوب إلى موضعٍ. وقال المؤرج: زرابي البيت: ألوانه. وقد أزرب البيت: أي صار ذا زرابي، وهي البسط، فلما رأوا الألوان في البسيط شبهوها بها. وقيل: هي البسيط العراض وقيل: ما بها خملة. ويقال: زريبة وزريبة - بفتح الزاي وكسرها _ ووزنها فعيلة، ووزن زرابي فعالي. والزريبة: موضع الغنم وقترة الرامي. ز ر ع: قوله تعالى:} أأنتم تزرعونه أم نحن الزارعون {[الواقعة: 64]. الزرع: الإنبات،. وحقيقة ذلك يكون بالأمور الإلهية دون البشرية، فلذلك أثبت لهم الحرث ونفى عنهم الزراعة، فإذا نسب إلى العبيد فإنما ذلك من باب الإسناد إلى السبب، نحو: أنبت زيد زرعه، أي كان سببًا في إنباته. والزرع في الأصل مصدر أطلق على المزروع، كقوله:} كزرع أخرج شطأه {[الفتح: 29]. ومنه:} هذا خلق الله {[لقمان: 11] ويقال: زرع الله ولدك، على التشبيه. وعليه:} والله أنبتكم من الأرض نباتًا {[نوح: 17] وأزرع النبات: أي صار ذا زرعٍ. والمزدرع: مكان الزرع وزمانه ومصدره، والمفعول، وبكسر الراء اسم الفاعل، والأصل التاء، وإنما أبدلت دالاً لأجل الزاي. ز ر ق: الززقة لون معروف، وهي أبغض الألوان لهم. لأن الآدمي متى كان وجهه متلونًا بذلك كان أشوه الناس، وكذلك زفرقة العين فيها تشوه ما. وقيل: لأن الروم، وهم أعداء

العرب، كانوا زرق العيون، فمن ثم أبغضوه، ومن ثم نفر الله منه وحذر فقال:} ونحشر المجرمين يومئذ زرقًا {[طه: 102]. وقيل: الزرقة لون بين البياض والسواد وقيل: زرقًا، أي عميًا وهم يعبرون عن عمى العين بزرقتها. وقيل: عطاشًا؛ لأن العطشان تزرق عينه من شدة ظمئه. وزرقت عينه تزرق زرقًة وزرقانًا. ويقال للماء الصافي: أزرق، وللنقطة منه: زرقاء. وزرقاء اليمامة امرأة كانت تنظر، فيما يقال، من مسافة ثلاثة أيامٍ. والنصال يقال لها: زرق أيضًا تشبيهًا للونها بالشيء الأزرق، قال امرؤ القيس: [من الطويل] 659 - أيقتلني والمشرفي مضاجعي ... ومسنونة زرق كأنياب أغوال وزرق الطائر، وزرق، بمعنًى، وزرقة بالمزراق: حربة قصيرة تشبيهًا بذلك. ز ر ي: قوله تعالى:} تزدري أعينكم {[هود: 31] أي تعيب. يقال: زريت عليه: أي عبته، وأزريت به: قصرت به، وكذا ازدريت به. وقيل في قوله:} تزدري أعينكم {أي تقديره: تزدريهم أعينكم، أي تهينهم وتستقلهم، وقيل: تحتقرهم وتستخسهم، والمعاني مقاربة. قال الشاعر هو النابغة الذبياني: [من البسيط] 660 - نبئت نعمي على الهجران عاتبًة ... سقيًا ورعيًا لذاك العاتب الزاري والمصدر منهما الزراية، القياس من أزرى الإزراء. وأصل يزدري يزتري، فأبدلت التاء دالاً كما تقدم.

فصل الزاي والعين

فصل الزاي والعين ز ع م: قوله تعالى:} وأنا به زعيم {[يوسف: 72] أي كفيل؛ يقال: زعمته أي كفلته وضمنته. قال الشاعر، وهو عمرو بن شاس: [من الطويل] 661 - تقول هلكنا إن هلكت وإنما ... على الله أرزاق العباد كما زعم ومنه الحديث: "الزعيم غارم" أي الضامن. زعمت به أزعم زعمًا وزعمًا وزعامةً. والزعم والزعم والزعامة أيضا: الرئاسة. والزعم: القول قد يكون حقًا وقد يكون باطلاً، ولكن الأكثر في الثاني لقوله:} زعم الذين كفروا أن لن يبعثوا {[التغابن: 7] وقوله:} هذا لله بزعمهم {[الأنعام: 136] قرئ بضم فائه وفتحها. ومنه قيل: "زعم" مطية الكذب. وقيل: الزعم حكاية قولٍ يكون مظنة الكذب، ولهذا جاء في القرآن في كل موضعٍ ذم القائلون به وقوله تعالى:} سلهم أيهم بذلك زعيم {[القلم: 40] يجوز أن يكون من الزعامة، بمعنى الكفالة، وأن يكون من الزعم بالقول، والأول أظهر. وأعلم أن زعلم لها معانٍ كثيرة: تكون قولاً، وكفالًة، ورئاسًة، وكذبًا، وظنًا فتنصب مفعولين قال: [من الوافر] 662 - زعمتم أن إخواتكم قريش ... لهم إلف وليس لكم إلاف وقد حققنا هذا في "شرحي التسهيل" وغيرها. فصل الزاي والفاء ز ف ر: قوله تعالى:} لهم فيها زفير وشقيق {[هود: 106] قيل: الزفير أول صوت

الحمير، والشهيق آخره. وقيل هو ترديد النفس حتى تنتفخ الضلوع. وازدفر فلان كذا، أي تحمله بمشقة، فترددت فيه نفسه. ورجل زفير، ومنه للإمام الحوامل: زوافر. وقال ابن عرفة: الزفير من الصدر، والشهيق من الحلق. وفي الحديث "أن امرأة كانت تزفر القرب" أي تحملها تسقي المقاتلة. يقال: زفر الشيء، يزفره، وازدفره، يزدفره. والزفرة: القربة. وفي الحديث: "علي كان إذا خلا مع صاغيته وزافرته انبسط" الزافرة: خاصة الرجل، والصاغية: المائلون إليه. ز ف ف: قوله تعالى:} فأقبلوا إليه يزفون {[الصافات: 940] أي يسرعون، يقال: زف الظليم يزف زفيفًا: إذا ابتدأ في عدوه. وزف الإبل يزفها زفيفًا وزفًا، وأزفها: تابعها: أي حملها على الزفيف وقد قرئ "يزفون" و"يزفون" بفتح الياء وضمها. وقرئ "تزفون" بفتح التاء وتخفيف الفاء من وزف يزف: أي أسرع أيضًا، وبه فسر مجاهد، كأنه لم تبلغه إلا هذه القراءة، وهي شاذة. وأصل الزفيف في هبوب الريح وسرعة النعام الذي يخلط طيرانه بمشيه. يقال: زف، وزفرزف، منه استعير: زف العروس، استعارة ما يقتضي السرعة لا لأجل مشيها، ولكن للذهاب بها على خفةٍ من السرور. ولما زوج عليه الصلاة والسلام فاطمة قال في وليمًة صنعها لبلال: "أدخل الناس علي زفًة زفًة" أي فوجًا فوجًا. سموا بذلك لزفيفهم في مشيهم، أي لسرعتهم.

فصل الزاي والقاف

فصل الزاي والقاف ز ق م: } إن شجرة الزقوم طعام الأثيم {[الدخان: 43 - 44] هو طعام كريه أعده الله لأهل النار. ومنه قيل: تزقم فلان: أي بلع شيئًا كريهًا. ويحكى أنه لما نزلت قال بعض الكفار: زقمينا، فقامت خادمة، فخلطت تمرًا بزبدٍ، وأتت به، وقالت: لا نعرف الزقوم إلا هذا. فصل الزاي والكاف ز ك و: قوله تعالى:} وآتوا الزكاة {[البقرة: 43] الزكاة في اللغة: النماء، ومنه زكا المال يزكو. وقيل: الطهارة. في الشرع: قدر مخصوص من مالٍ مخصوصٍ في زمن مخصوصٍ. وقيل: هو النمو الحاصل عن بركة الله تعالى، ولذلك سمي المخرج زكاًة، وإن كان فيما يشاهد نقصًا، لما ذكروا من أنه يبارك فيه، ومنه قيل: الزكاة بركة المال، أو لأنها تحصنه من الضياع، ولذلك قيل: الزكاة حرز المال. ويعتبر ذلك بالأمور الدنيوية والأخروية. يقال: زكا الزرع: إذا حصل منه كثرة. قوله:} أيها أزكى طعامًا {[الكهف: 19] أراد الحلال الذي لا تستوحم عقباه. ومنه الزكاة لما يخرجه من حق الله، لما يكون فيها من رجاء البركة، أو التزكية، لتنميتها وتربيتها بالخيرات. ويجوز أن يرادا جميعًا لأن الأمرين موجودان فيها. وقرنت بالصلاة في القرآن منبهًة على أنه لا فرق بينهما في الدين، ولذلك قال خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم حين منعه الزكاة بعض الناس: "والله لأقتلن من فرق بين الصلاة والزكاة" أي في كونها أحد الأركان الخمسة، فلا معنى لمن يجحدها دون غيرها. وتزكية الله عباده هي أن جعلهم مسلمين مطهرين من أدناس المشركين.

قوله:} خذ من أموالهم صدقًة تطهرهم وتزكيهم بها {[التوبة: 103] أي تجعلهم أزكياء. قوله:} فلا تزكوا أنفسكم {[النجم: 32] أي لا تنسبوها إلى التطهير المقتضى لأن تكونوا عدولاً أتقياء، ولذلك قال:} بل الله يزكي من يشاء {[النساء: 49] أي ينسب من يشاء من عباده إلى ذلك. ومن هذا قال تعالى:} وكذلك جعلناكم أمًة وسطًا {[البقرة: 143]،} كنتم خير أمةٍ أخرجت للناس {[آل عمران: 110]، فهذه، والله، التزكية. وقوله:} وحنانًا من لدنا وزكاًة {[مريم: 13]، أي بركًة تطهيرًا. وقوله:} غلامًا زكيًا {[مريم: 19] أي مباركًا مطهرًا منسوبًا من لدن الله تعالى إلى ذلك. وأصل الزكي: زكيو، فأعل بقلب الواو ياًء، وقيل: معناه زكي بالخلقة، وذلك عن طريق الاصطفاء بأن يجعل بعض عباده عالمًا طاهر الخلق لا يتعلم من غيره، وهذا دأب الأنبياء، وبه استدل بعض المتصوفة على أن القفير المجذوب أفضل من المربى، وقيل: معناه سؤول إلى التزكية، وفيه بشارة. قوله:} والذين هم للزكاة فاعلون {[المؤمنون: 4] يجوز أن يريد شقيقة الصلاة، أثنى عليهم بإخراجها كما أثنى عليهم بإقامة شقيقتها. ويجوز أن يريد الفاعلين ما يزكون به أنفسهم. قال الراغب: وليس قوله للزكاة مفعولاً لقوله فاعلون، بل اللام فيه للقصد وللعلة. وتزكية الإنسان لنفسه ضربان: أحدهما بالقصد، وذلك محمود، وإليه نحا بقوله:} قد أفلح من زكاها {[الشمس: 9] والثاني بالقول كتزكية العدل غيره؛ وقد تقدم أنه مذموم، وهو تأديب لأن مدح الإنسان نفسه قبيح شرعًا وعقلاً حتى قال الشاعر: [من الطويل] 663 - وما حسن أن يمدح المرء نفسه ... ولكن أخلاقًا تذم وتمدح وقيل لحكيم: ما الذي لا يحسن وإنه كان حقًا؟ فقال: مدح الإنسان نفسه. وقوله:} نفسًا زكية {[الكهف: 74] وزاكية: أي طاهرة بريئة مما لا يوجب قتلها.

فصل الزاي واللام

قوله:} ما زكى منكم من أحدٍ {[النور: 21] أي ما طهر. قوله:} وأوصاني بالصلاة والزكاة {[مريم: 31] أي العمل الصالح، وقيل: الطهارة. قوله:} ذلكم أزكى لكم وأطهر {[البقرة: 232] أي أغنى بركًة وأزيد. فصل الزاي واللام ز ل ف: قوله تعالى:} وزلفًا من الليل {[هود: 114] أي ساعاتٍ، والمعنى: ساعًة بعد أخرى تقرب منها، من قولهم: أزلفته: أي قربته. ومنه:} وأزلفت الجنة {[الشعراء: 90] أي قربت، ومنه} وأزلفنا ثم الآخرين {[الشعراء: 64]. والمزالف: المراقي، لأنها تزلف من يرقى عليها: أي تدنيه لما يريد الصعود إليه، ويكون ذلك في قرب المنزلة، ومنه:} وإن له عندنا لزلفى وحسن مآبٍ {[ص: 25]. وقيل: المراد بقوله:} وزلفًا من الليل {صلاة المغرب والعشاء، قال الشاعر: [من الرجز] 664 - طي الليالي زلفًا فزلفا ... سماوة الهلال حتى احقوقفا وقيل: أصل الزلفة المنزلة والحظوة، فأما قوله تعالى:} فلما رأوه زلفًة {[الملك: 27] فعنه جوابان: أحدهما أن هذا مما عكس فيه الكلام، كاستعمال البشارة في العذاب. والثاني لمعنًى لما رأوا زلفة المؤمنين وقد حرموها. وأزلفته: جعلت له زلفى. ومزدلفة: اسم لمكان معروف، وخصت بذلك لقربهم من منى بعد الإفاضة، وقيل: سميت بذلك لاجتماع الناس فيها فإن ليلتها تجمع. والازدلاف: الجمع. قال ابن عرفة

في قوله:} وأزلفنا ثم الآخرين {أي جمعناهم، والأول أشهر. وفي الحديث: "وازدلفوا إلى الله بركعتين" أي تقربوا. وقال رجل لعثمان رضي الله عنه: "إني حججت من هذه المزالف". المزالف جمع مزلفة، وهي ما بين البر والريف، ويقال لها المزارع والمراعيل أيضًا. وفي الحديث: "فيغسل الأرض حتى يتركها كالزلفة" والزلفة بفتح الزاي واللام: مصانع الماء، ويقال لها المزالف أيضًا. وقرئ:} وزلفًا {بضمتين وضمة وسكون، وزلفى بزنة حبلى. فالأوليان كاليسر واليسر، والثالثة أن فعلى في معنى فعلة، نحو القربى بمعنى القربة. ز ل ق: قوله تعالى:} صعيدًا زلقًا {[الكهف: 40]. قال الراغب: الزلق والزلل متقاربان، ومنه قوله تعالى:} فتصبح صعيدًا زلقًا {أي دحضًا لا نبات فيه، نحو} فتركه صلدًا {[البقرة: 264]. والزلق: المكان الدحض. يقال: زلقه وأزلقه فزلق، وعلى هذا قرئ قوله تعالى:} ليزلقونك بأبصارهم {[القلم: 51] بضم الياء وفتحها. والإزلاق: التنحية والإزالة. ومنه زلق رأسه: أي حلقه. وقرأ أبي:} وأزلقنا ثم الآخرين {[الشعراء: 64] بالقاف، أراد: أذللنا. قال يونس: لم يسمع الزلق والإزلاق إلا في القرآن. ومعنى قوله تعالى:} ليزلقونك بأبصارهم {ليغتابونك أي يصيبونك بعيونهم فيزلقونك عن مكانك ويزيلونك عنه لنفوذ عيونهم، وفيه دلالة على أن "العين حق"

كما أخبر عليه الصلاة والسلام بذلك. ورأى علي رضي الله عنه رجلين خرجا من الحمام متزلقين، قيل: متنعمين. يقال: يزلق إذا غسل جسده حتى صار له بصيص ولبشرته بريق. ويجوز أن يراد محلوقي الرأس، كما تقدم. ز ل ز ل: قوله تعالى:} إذا زلزلت الأرض زلزالها {[الزلزلة: 1] الزلزلة: الحركة الشديدة جدًا، يروى أنها تتحرك وتضطرب اضطرابًا شديدًا حتى تخرج ما في بطنها إلى ظهرها من أمواتٍ وكنوزٍ، فذلك قوله:} وأخرجت الأرض أثقالها {[الزلزلة: 2]. ومن ثم استعظمها عظيم العظماء في قوله تعالى:} إن زلزلة الساعة شيء عظيم {[الحج: 1] وذلك بالنسبة إلينا، إذ لا يعظم عنده شيء. وقوله:} وزلزلوا زلزالاً شديدًا {[الأحزاب: 11] إشارة إلى ما لقوا من الأذى، فإنهم أزعجوا وحركوا بأنواع المصائب والرزايا. وقوله:} وزلزلوا حتى يقول الرسول {[البقرة: 214] من ذلك. والزلزال عند العرب: الدواهي العظام، وتكرير لفظه يدل على تكرير معناه. والزلزال - بالكسر - المصدر، وبالفتح الاسم. وقيل: هو بمعنى المزلزل. ز ل ل: وقوله:} فأزلهما {[البقرة: 36] أي نحاهما عن مكانهما الذي في الجنة. وقيل: حملهما على الزلة، والأول أصوب لقراءة من قرأ:} فأزالهما {، ولا يليق بحال آدم عليه السلام أن تصيبه الزلة. والزلة في الأصل: استرسال الرجل وزلقها من غير قصدٍ. والمزلة: المكان الزلق. ثم قيل للذنب زلة تشبيهًا على زلة الآراء والعقول بزلة الأقدام. وعليه قوله تعالى:} فإن زللتم من بعد ما جاءتكم البينات {[البقرة: 209] إن تنحيتم

عن الحق. يقال: زل في الدين يزل زلاً ومزلًة، وزل في الطين ونحوه زللاً. وأزللت عنده إزلالاً وزلًة: إذا اتخذت عنده يدًا. وفي الحديث: "من أزلت إليه نعمه فليشكرها" أي من أسديت إليه لا بقصدٍ، وفيه تنبيه على أن شكرها إذا كان لازمًا من غير قصدٍ فكيف معه؟ وأزللته عن جوابه: أزلته عنه. وقوله:} إنما استزلهم الشيطان {[آل عمران: 155] أي استجرهم وطلب زللهم؛ فإن الصغيرة متى فعلت سهلت ارتكاب أمثالها، ومكنت الشيطان من صاحبها. وروي أن "المعاصي بريد الكفر" نسأل الله البديع العصمة من الزلل. ز ل م: قوله تعالى:} والأزلام {[المائدة: 90] الازلام: قداح كانت العرب تتشاءم بها وتتفاءل، كانوا يضعونها عند سدنة الأصنام. فإذا أرادوا أمرًا أتوا السادن فأجال الخريطة فإن خرج السهم الذي فيه الأمر مضى، وإن خرج ما فيه النهي أمسك. قال تعالى:} وأن تستقسموا بالأزلام {[المائدة: 3] أي وحرم عليكم ما قسم لكم بهذه القداح، الواحد منها زلم وزلم. والزلم أيضًا سهم لا ريش له. والأزلام قوائم البقر الوحشية تشبيهًا منها زلم وزلم. والزلم أيضًا سهم لا ريش له. والأزلام قوائم البقر الوحشية تشبيهًا بالقداح للطافتها. وسمي الزلم زلمًا لأنه نحت وسوي واحد من حروفه، وهذا هو التزليم وقيل: الأزلام حصى بيض كانوا يضربون بها تفاؤلاً، وعليه قول الشاعر: [من الطويل] 665 - لعمرك ما تدري الطوارق بالحصى ... ولا زاجرات الطير ما الله صانع وازلم به: أي ذهب، وفي حديث سطيح: "فازلم به شأو العنن" يقول: ذهب به شوط اعتراض الموت، وقد استقصينا هذا في "التفسير" وغيره.

فصل الزاي والميم

فصل الزاي والميم ز م ر: قوله تعالى:} زمرًا {[الزمر: 71 ي الزمر: جمع زمرةٍ، والزمرة: الجماعة القليلة، ومنه: شاة زمرة للقليلة الشعر، ورجل زمر للقليل المروءة. وزمرت النعامة، تزمر زمارًا: إذا صوتت ومنه اشتق الزمر، والقصبة التي يزمر بها زمارة، وهو من الإسناد المجازي كقولهم للأرض المزدرعة: زراعة، ويكنى بالزمارة عن الزانية. وفي الحديث: "نهى عن كسب الزمارة" وقيل: والحديث غلط فيه، وإنما هو الرمازة، الراء قبل الزاي لأنها ترمز للناس بعينها. قال الشاعر: [من الكامل] 666 - رمزت إلى لخوفها من بعلها ... من غير أن يبدو هناك كلامها وقيل: لا غلط فيه، بل هي البغي الحسناء لأنها تتعاطى الزمر والغناء في بعض الأحيان. يقال: غناء زمير أي حسن. قال الأزهري: يحتمل أن يكون نهى عن كسب المغنية. قال الأصمعي: زمر أي غنى. والزمارة - أيضًا - ساجور الغسل، وفي حديث سعيد: "لما أتي به إلى الحجاج وفي عنقه زمارة" تشبيهًا بقصبة الزمر، قال الشاعر: [من المتقارب] 667 - ولي مسمعان وزمارة ... وظل مديد وحصن أمق عنى بالمسمعتين القيد لأنه يسمعه، وبالزمارة الغل، ويروي مسمعان؛ بضم الأولى وكسر الثانية. ز م ل: قوله تعالى:} يا أيها المزمل {[المزمل: 1]. المزمل: المتلفف، وأصله المتزمل. وأتاه صلى الله عليه وسلم الوحي وهو متزمل في كساءٍ. قال امرؤ القيس: [من الطويل]

فصل الزاي والنون

668 - كأن ثبيرًا في أفانين ودقه ... كبير أناسٍ في بجادٍ مزمل ومنه قيل للفافة الراوية والقربة زمال. وقال في قتلي أحد "زملوهم في ثيابهم ودمائهم" أي لفوهم. وقال أبو الدرداء: "لئن فقدتموني لتفقدن زملاً". الزمل: الحمل، أراد زملاً من العلم. والزميل: الضعيف، قال: [من الرمل] 669 - لست بزميلٍ ولا نكسٍ وكل فصل الزاي والنون ز ن م: قوله:} عتل بعد ذلك زنيمٍ {[القلم: 68] الزنيم: الدعي في القوم، أي المعلق والملصق بهم وليس منهم، تشبيهًا بزنمتي شاة المعز لأن في عنقها زنمتين تعرف بهما، فكذلك هذا جعل الله عليه علامًة يعرف بها أنه لصيق في قريش. قال الشاعر: [من الطويل] 670 - وأنت زنيم نيط في آل هاشمٍ ... كما نيط خلف الراكب القدح الفرد قيل: والمراد به الأخنس. ز ن و: قوله:} ولا تقربوا الزنا {[الإسراء: 32] الزنا: وطء بغير نكاح شرعي، والأكثر قصره وقد يمد، وإذًا فالأحسن أن يجعل مصدرًا لفاعلٍ، والنسبة إليه زنوي. وأما زنًا - بالهمز - فبمعنى صعد الجبل، زناً وزنوءًا. وزنًا بوله فهو زناء أي حقنه فمادة أخرى.

فصل الزاي والهاء

وجعله الفقهاء من الكنايات في القذف. فصل الزاي والهاء ز هـ د: قوله تعالى:} وكانوا فيه من الزاهدين {[يوسف: 20]. الزهد في الشيء: قلة الرغبة فيه. والزهيد: الشيء القليل، وفي الحديث: "إنك لزهيد" فمعنى الزاهد في الشيء: الراغب عنه، القانع منه بقليله. وفي الحديث: "أفضل الناس مؤمن مزهد". يقال: أزهد إزهادًا، وزهد زهدًا. ز هـ ق: قوله تعالى:} وتزهق أنفسهم {[التوبة: 55]. يقال: زهقت نفسه أي فاضت أسفًا. قوله:} وزهق الباطل {[الإسراء: 81] أي ذهب واضمحل كذهاب النفس. وكذا:} فإذا هو زاهق {[الأنبياء: 18] أي ذاهب باطل، وزهوق النفس، بطلانها. والزاهق من الأضداد: إذا يقال للهالك من الدواب وللسمين منها: زاهق، وأنشد: [من البسيط] 671 - منها الشنون ومنها الزاهق الزهم الزاهق السمين، والزهم: أسمن منه، والشنون: فيه بعض السمن، والزاهق: السهم الذي يقع وراء الهدف دون إصابةٍ. وفي الحديث: "أن حابيًا خير من زاهقٍ" الحابي: السهم الذي يزحف إلى الهدف، والزاهق: الواقع وراء الهدف وتجاوزه دون إصابة، ضرب ذلك مثلاً لرجلين أحدهما ضعيف أصاب حقًا، فهو خير من قوي تجاوزه. والزهق: مجاوزة القدر؛ يقال: زهق، بفتح الهاء وكسرها.

فصل الزاي والواو

فصل الزاي والواو ز وج: قوله تعالى:} وزوجناهم بحورٍ عينٍ {[الدخان: 54] أي قرناهم بهن. يقال: زوجته فلانًة أي أنكحته إياها، فإذا أدخلوا الباء فالمعنى قرنته بها. قال الهروي: ليس في الجنة تزويج فلذلك أدخل الباء في قوله:} بحورٍ {. قال الراغب: ولم يجيء في القرآن: وزوجناهم حورًا كما يقال: زوجناهم امرأًة تنبيهًا على أن ذلك لا يكون إلا على حسب المتعارف فيما بيننا من المناكحة. قوله تعالى:} ثمانية أزواجٍ {[الزمر: 6]. قيل: أراد: أفراد. والزوج في اللغة الواحد الذي يكون معه آخر، والإثنان زوجان؛ يقال: زوجا خف، وزوجنا نعلٍ؛ قاله الهروي وقال الراغب: يقال لكل من القرينين من الذكر والأنثى من الحيوانات المتزاوجة زوج، ولكل قرينين في غيرها كالخف والنعل، ولكل ما يقترن بالآخر مماثلاً له أو مضادًا: أزواج. قال تعالى:} ويا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة {[الأعراف: 19]. وزوجة لغة رديئة قلت: قد ورد ذلك في الحديث، فإن ثبت فلا رداءة. وادعى الفراء ثبوتها، وأنشد للفرزدق: [من الطويل] 672 - وإن الذي يسعى ليفسد زوجتي ... لساعٍ إلى سد السرى يستميلا وجمع الزوج أزواج، والزوجة زوجات. قوله تعالى:} احشروا الذين ظلموا وأزواجهم {[الصافات: 22 ي أي أقرانهم المقتدين بهم في أفعالهم. وقيل: أشباههم وأشكالهم. وقوله:} سبحان الذي خلق الأزواج كلها {[يس: 36] أي الأصناف. وكذا} أزواجًا من نباتٍ شتى {[طه: 53]} أو يزوجهم {[الشورى: 50] أي يصنفهم فيجعلهم أصنافًا.

قوله:} ومن كل شيءٍ خلقنا زوجين {[الذاريات: 49] تنبيه على أن الأشياء كلها مركبة من جوهرٍ وعرضٍ ومادةٍ وصورةٍ. وألا شيء من تركيب يقتضي كونه مصنوعًا وأنه لابد له من صانعٍ تنبيهًا أنه تعالى هو الفرد، ونبه به أيضًا "أن كل ما في العالم زوج من حيث أن له ضدًا ما ومثلاً ما وتركيبًا ما، بل لا ينفك بوجهٍ من تركيبٍ، فإنما ذكرنا هنا زوجين تنبيهًا أنه وإن لم يكن له ضد ولا مثل فإنه لا ينفك من تركيب صورةٍ ومادةٍ، وذلك زوجان". قوله:} وكنتم أزواجًا ثلاثًة {[الواقعة: 7] أي فرقًا متفاوتين، وقد فسرهم بقوله:} فأصحاب {[الواقعة: 8] ... الآية. قوله:} أزواجًا من نباتٍ {أي أنواعًا متشابهًة أو أصنافًا متفاوتًة كما تقدم. قوله:} وإذا النفوس زوجت {[التكوير: 7] أي قرنت الأرواح بالأجساد، وقيل: قرنت بأعمالها كقوله:} يوم تجد كل نفسٍ ما عملت من خيرٍ محضرًا وما عملت من سوءٍ تود {الآية [آل عمران: 30]. وقيل: قرنت كل شيعةٍ بما شايعته، أي تابعته، إما في الجنة وإما في النار، والكل صحيح. وكل ما قرن بشيء فهو زوج وهما زوجان. وفي الحديث: "من أنفق زوجين في سبيل الله. قيل: وما زوجان؟ قال: فرسان أو عبدان أو بعيران من إبله". ز ود: قوله تعالى:} وتزودوا فإن خير الزاد التقوى {[البقرة: 197]. الزاد هو القوت المدخر الزائد على كفاية الوقت. والتزود: أخذ الزاد. وقوله:} فإن خير الزاد التقوى {من باب المقابلة نحو: [من الكامل] 673 - قالوا: اقترح شيئًا نجد لك طبخه ... قلت: اطبخوا لي جبًة وقميصا

ومثله: {ومكروا ومكر الله} [آل عمران: 54] والمزود: ما يجعل فيه الزاد. والمزادة: ما يجعل فيه الماء. زور: قوله تعالى: {تزاور عن كهفهم} [الكهف: 17] أي تميل، وقرئ: {تزاور} و {تزور} وفي الحرف قراءاتٌ. قال أبو الحسن: لا معنى لتزور ههنا لأن الازورار الانقباض. يقال: تزاور عنه، وازور عنه. يقال: رجلٌ أزور، وقوم زورٌ. وقيل للكذب زورٌ لميله عن وجه الصواب؛ قال تعالى: {واجتنبوا قول الزور} [الحج: 30]. سمي الصنم زورًا لأنه ميل به عن الحق. الزور: الصدر، وزرت فلانًا أصله لقيته بزوري، كما تقول بصدري، أو قصدت زوره نحو وجهته. ورجلٌ زائرٌ ورجالٌ زورٌ، نحو مسافر وسفرٍ. ويقال: رجلٌ زورٌ. فيكون مصدرًا وصف به، نحو عدل وضيف. والزور أيضًا: ميلٌ في الزور. والأزور: المائل الزور. وقوله: {والذين لا يشهدون النور} [الفرقان: 72] أي لا يقولون غير الحق. وقيل: قول الشرك، والآية أعم. وقيل: لا يشهدون أعياد الكفرة كما نرى كثيرٌ من الجهلة يكثرون سواد اليهود والنصارى في أعيادهم، وينفقون نفقات {فيسنفقونها ثم تكون عليهم حسرةً} [الأنفال: 36] قوله: {ألهاكم التكاثر حتى زرتم المقابر} [التكاثر: 1 و 2] أي جاءكم الموت. وقال الشاعر؛ هو ساعدة بن جؤية: [من الوافر] 674 - إذا ما زار مجنأة عليها ... ثقال الصخر والخشب القطيل المجنأة: القبر. وكثر استعمال الزيارة كنايةٌ عن الموت، قال الشاعر: [من الطويل]

675 - فما برحت أقدامنا في مكاننا ... ثلاثتنا حتى أزيروا المنائيا وقد يعبر بالتزوير عن الإصلاح؛ قال عمر: «كنت زورت في نفسي مقالةً أقوم بها بين يدي أبي بكر». ومن كلام الحجاج: «رحم الله امرءًا زور نفسه» أي قومها. وكل ما كان صلاحًا لشيءٍ فهو زيارٌ له وزوار، ومنه زيار الدابة وقوله عليه الصلاة والسلام: «المتشبع بما لا يملك كلابس ثوبي زورٍ» وفيه تفسيران: أحدهما أنه الذي لا يلبس ثياب الزهاد ويرى أنه زاهدٌ، والثاني أنه يصل بكمي قميصه كمين آخرين ليرى أنه لابسٌ قميصين فهو ساخرٌ من نفسه. زول: قوله تعالى: {فأزلهما} [البقرة: 36] أي نحاهما، يقال: زال يزول زوالًا إذا فارق وطنه. يقال: أزلته وزولته، والزوال: يقال في شيء قد كان ثابتًا. وقولهم: زوال الشمس وإن لم يكن ثباتٌ بوجهٍ لاعتقادهم في الظهيرة أن لها ثباتًا في كبد السماء، ولهذا قيل: قام قائمٌ الظهيرة. والزائلة: كل ما لا يستقر، قال الشاعر: [من الطويل] 676 - وكنت امرءًا أرمي الزوائل مرةً ... فأصبحت قد ودعت رمي الزوائل عنى بذلك أنه كان في شبيبته يختل النساء ويصيبهن. وفي حديث قتادة: «أخذه العويل والزويل» أي القلق، يقال: زال زوالًا وزويلًا. زوي: قوله تعالى: {وزيًا} [مريم: 74] قرأ ابن عباسٍ وغيره «أحسن أثاثًا وزيًا» بالزاي

فصل الزاي والياء

والياء المشددة. والزي: هو البزة الحسنة والأدوات المجتمعة، مأخوذٌ من زوى كذا يزويه أي جمعه، لأن صاحب الزي يجمع ما يزينه. قال الشاعر: [من الطويل] 677 - [فيا لقصي] ما زوى الله عنكم ... به من فعالٍ لا تجارى وسؤدد وفي الحديث: «زويت لي الأرض» أي جمعت. وقال عمر لرسول الله -صلى الله عليه وسلم -: «عجبت لما زوى الله عنك من الدنيا» أي جمع. وأصل زيا زويًا فأدغم كنظائر ذكرناها. فصل الزاي والياء ز ي ت: قوله تعالى: {والتين والزيتون} [التين: 1]. الزيتون: اسم جنسٍ واحده زيتونةٌ، كقمحٍ وقمحةٍ، والزيت عصارته، يقال: زات طعامه ورأسه، أي مسهما بالزيت. قوله: {والتين والزيتون} قيل: أقسم الله بهذين الجنسين، وقيل: بجبليهما اللذين ينبتان فيهما: طور زيتا وطور سينا. وازدات فلانٌ: أي ادهن بالزيت. وقولهم: أرضٌ زتنةٌ: أي كثيرة الزيتون؛ يدل على أنه نونه أصلية وياءه زائدةٌ، لكنهم بوبوا عليه في مادة ز ي ت كما تقدم. ز ي د: قوله تعالى: {ويزيد الله الذين اهتدوا هدى} [مريم: 76]. الزيادة: ضم شيءٍ إلى ما عليه الشيء في نفسه، والمراد بزيادة الهدى زيادة أسبابه المقتضية لتقويته. وزاد يتعدى لواحدٍ ولاثنين، نحو: {فزادهم الله مرضًا} [البقرة: 10] وقد يكون لازمًا نحو:

زاد المال ومثله نقص. وزدته فازداد، والأصل ازتيد، فقلت وأعل. قوله: {ونزداد كيل بعيرٍ} [يوسف: 65] كان قبل المطاوعة متعديًا لاثنين فنقص بالمطاوعة واحدًا إذ الأصل: زادنا كيل بعيرٍ فازداد. وقال الراغب: {ونزداد كيل بعيرٍ} نحو ازددت فضلًا، أي ازداد فضلي، فهو من باب {سفه نفسه} [البقرة: 130]. أي أنه مسندٌ في المعنى للمنصوب، إذ الأصل: ازداد كيل بعيرٍ، وسفهت نفسه، وهذا تفسير معنى الإعراب. والزيادة قد تكون مذمومةً كالزيادة على الكفاية إذا كانت مطغيةً. وقوله: {للذين أحسنوا الحسنى وزيادةٌ} [يونس: 26] هذه الزيادة كما صح في الأحاديث: النظر إلى وجه الله الكريم، قال الراغب: روي من طرق مختلفة أن هذه الزيادة النظر إلى وجه الله الكريم إشارة إلى إنعامٍ وأحوالٍ لا يمكن تصورها في الدنيا. قلت: قوله: إشارةً إلى آخره؛ كالتأويل للأحاديث وليس كما قال بل هو على حقيقته نظرًا يليق بجلاله الكريم لا كالمعهود في الدنيا. قوله: {وزاده بسطةً في العلم والجسم} [البقرة: 247] أي زاده وأعطاه من العلم والجسم قدرًا زائدًا على ما أعطى أهل زمانه. قوله: {وتقول هل من مزيد} [ق: 30] يجوز أن يكون استدعاءً للزيادة، ويجوز أن يكون تنبيهًا أنها قد امتلأت، وحصل فيها ما ذكر تعالى في قوله: {لأملأن جهنم من الجنة والناس أجمعين} [هود: 119]، ويقال: شرٌ زائدٌ وزيدٌ، كأنه وصف بالمصدر، قال الشاعر: [من البسيط] 678 - وأنتم معشرٌ زيدٌ على مئةٍ ... فأجمعوا كيدكم كلًا فكيدوني قال الراغب في هذه المادة: والزاد: المدخر الزائد على ما يحتاج إليه في الوقت. والتزود: أخذ الزاد. وهذا منه بناءً على ما يفعله أهل اللغة من ذكرهم الاشتقاق الأكبر، وإلا فهذه من مادة ذوات الواو، وقد ذكرناها في بابها ولله الحمد.

ز ي غ: قوله تعالى: {ربنا لا تزغ قلوبنا} [آل عمران: 8] أي لا تملها عن الحق. والزيغ: الميل عن الاستقامة، والتزاوغ: التمايل، كذا في الشائع، والقياس التزايغ -بالياء -ورجلٌ زائغٌ، ورجالٌ زائغون، وزاغةٌ أيضًا. وقوله تعالى: {وإذ زاغت الأبصار} [الأحزاب: 10] كنايةً عن شدة الخوف، وذلك أن الخائف لا يستقرٌ له بصرٌ. إشارةً إلى ما يداخلهم من الخوف حتى أظلمت أبصارهم. وقيل: إشارةً إلى معنى قولهم: {يرونهم مثليهم رأي العين} [آل عمران: 13]. ومثله في جانب النفي: {ما زاغ البصر} [النجم: 17] أي لم ير إلى ما هو حق في نفسه. قوله: {فلما زاغوا أزاغ الله قلوبهم} [الصف: 5] أي لما تعاطوا أسباب الضلال تركهم في ظلماتهم. ز ي ل: قوله تعالى: {لو تزيلوا} [الفتح: 25] أي لو تميزوا، من قولهم: زلته أزيله أي ميزته. ومثله: {فزيلنا بينهم} [يونس: 28] أي ميزنا بين أهل الأديان وشركائهم وفصلناهم. وزايلت فلانًا أي فارقته. وجعله القتيبي من زال يزول، غلطه الهروي. والمصدر الزيل والزيال والتزيل. وقولهم: ما زال زيدٌ يفعل كذا أي أنه متصفٌ بذلك لم تفارقه هذه الصفة، وكذا أخواتها نحو ما انفك ومافتئ وما برح. ومن ثم كان نفيها إثباتًا، ولذلك لم يدخل إلا في خبرها، فأما قوله: [من الطويل] 679 - حراجيج لم تنفك إلا مناخةً ... على الخسف أو نرمي بها بلدًا قفرا

فمؤولٌ على أنها التامة، ولنا فيها كلامٌ أطول من هذا. قال الراغب: ولا يصح أن يقال: ما زال زيدٌ إلا عالمًا، كما يقال: ما كان زيدٌ إلا منطلقًا، لأن زال يقتضي معنى النفي إذ هو ضد الإثبات، وما ولا يقتضيان النفي، والنفي إذا اجتمعا اقتضيا الإثبات، وصار قولهم: (ما زال) يجري مجرى (كان) في كونه إثباتًا، فكما لا يقال: كان زيدٌ إلا قائمًا لا يقال: ما زال زيدٌ إلا قائمًا. ويقال: زاله يزيله زيلًا أي مازه، ومنهم من قال: إن زيل قاصرٌ فإذا تعديته ضعف كقوله: {فزيلنا بينهم}. ومن ثم اختلف في نصب زوالها من قوله. 680 - زال زوالها .... فمن اعتقد تعديته نصبه على المفعول، ومن اعتقد قصوره نصبه على المصدر. ز ي ن: قوله تعالى: {خذوا زينتكم} [الأعراف: 31] الزينة هنا ما يواري العورة، وذلك أن الحمس، وهم قريشٌ، كانوا يطوفون عراةً ويقولون: لا نطوف في ثياب عضينا الله فيها. فأمروا بستر العورة. وقيل: هي أخذ ما يتزين به من ثياب وغيرها. وقال مجاهدٌ: ما وارى عوراتك ولو عباءة. والزينة في الحقيقة: ما لا يشين الإنسان في شيء من أحواله، لا في الدنيا ولا في الآخرة، فأما ما يزينه في حالةٍ دون حالةٍ فهو من وجه شينٌ. والزينة بالقول المجمل: ثلاثٌ. زينةٌ نفسيةٌ كالعلم والاعتقادات الحسنة، وزينةٌ بدنيةٌ كالقوة وطول القامة، وزينةٌ خارجيةٌ كالمال والجاه. فقوله: {وزينه في قلوبكم} [الحجرات: 7] وهو من الزينة النفسية. وقوله: {من حرم زينة الله} [الأعراف: 32] أراد الزينة الخارجية. وقيل: هي الكرم المذكور في قوله تعالى: {إن أكرمكم عند الله أتقاكم} [الحجرات: 13].

وعليه قول الآخر: [من السريع] 681 - وزينة الإنسان حسن الأدب وقوله {فخرج على قومه في زينته} [القصص: 79] يريد الزينة الدنيوية من المال والقوة والجاه. وقد نسب الله تعالى التزيين تارةً إلى ذاته المقدسة سواءٌ كان ذلك المزين هدى أم غيره، قال تعالى: {وزينه في قلوبكم} وقال تعالى: {زينا لهم أعمالهم} [النمل: 4] ولنا فيه كلامٌ مستوفى في «التفسير الكبير» مع المعتزلة. وتارةً إلى الشيطان، قال تعالى: {وزين لهم الشيطان أعمالهم} [العنكبوت: 38] وتارةً إلى العازم من الإنس، قال تعالى: {وكذلك زين لكثير من المشركين قتل أولادهم} [الأنعام: 137] في قراءة من قرأه كذلك. وتارةً لم يسم فاعلها كقوله تعالى: {زين للناس حب الشهوات} [آل عمران: 14] وقوله: {وكذلك زين لكثيرٍ} في قراءة من قرأه كذلك. وقوله: {وزينا السماء الدنيا بمصابيح} [فصلت: 12]، وقوله: {بزينة الكواكب} [الصافات: 6] فيه إشارةٌ بأن أحدها إلى الزينة التي يدركها الخاص والعام بحاسة البصر، وذلك من خلقها على هذه الأشكال البديعة والهيئات المختلفة. والثانية إلى الزينة التي يختص بمعرفتها الخاصة دون غيرهم من إحكامها وإتقانها وتسييرها في منازل لا يتعدى كل ما قدر له: {لا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر} [يس: 40] ثم تزيين الله الأشياء قد يكون بإبداعها وإيجادها مزينة في نفسها، أو بأن يزينها غيرها كتزيين البيت بأثاثه. وقد قرئ قوله: {بزينة الكواكب} على أوجه تلتفت إلى ما ذكرناه حسبما حققناه في «الدر» وغيره.

باب السين

باب السين فصل السين والهمزة س أل: قوله تعالى: {واتقوا الله الذين تساءلون به والأرحام} [النساء: 1] أي تناشدون به وتتقاسمون. فتقول: أنشدك بالله وبالرحم. والسؤال: استدعاء معرفةٍ أو ما يؤدي إليها، واستدعاء مالٍ أو ما يؤدي إليه. فاستدعاء المعرفة جوابها باللسان، وتنوب عنه اليد، فاليد خليفةٌ عنه بالكتابة والإشارة، واستدعاء المال جوابه باليد، وينوب عنها اللسان بوعدٍ أو رد. وأما السؤال الوارد من الله تعالى فليس للاستعلام لأنه تعالى علام الغيوب، وإنما المراد به التقريع والتبكيت لقومٍ، أو الجحد كقوله تعالى: {أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله} [المائدة: 116] المقصود تبكيت عبدة المسيح وأمه، وإظهار كذبهم على عيسى ومريم عليهما السلام، وقوله: {فهل يهلك إلا القوم الفاسقون} [الأحقاف: 35] المقصود نفي ذلك عن كل أحد وإثباته للفسقة وقوله: {وإذا المؤودة سئلت} [التكوير: 8] يقال: هذا تبكيت وتقريع لمن كان يئد ولده، ولهذا قرئ {سألت} مبنيًا للفاعل و «قتلت» مبنيًا للمفعول مضموم التاء للمتكلم. ثم السؤال إن كان للتعرف تعدى لاثنين ثانيهما بنفسه تارةً وبحرف الجر أخرى. وهو «عن»، وتنوب عنها الباء نحو: {فاسأل به خبيرًا} [الفرقان: 59]، وقوله: [من الطويل]

682 - فإن تسألوني بالنساء فإنني ... خبير بأدواء النساء طبيب وبعن أكثر، كقوله تعالى: {ويسألونك عن الروح} [الإسراء: 85]. وإن كان لاستدعاء مال تعدى بنفسه أو بمن. فمن الأول قوله تعالى: {وإذا سألتموهن متاعًا} [الأحزاب: 53]، ومن الثاني؛ {واسألوا الله من فضله} [النساء: 32]. وغلب السائل على الفقير لقوله تعالى: {وأما السائل فلا تنهر} [الضحى: 10] {للسائل والمحروم} [الذاريات: 19]. ولا معارضة بين قوله: {فيومئذ لا يسأل عن ذنبه إنسٌ ولا جان} [الرحمن: 39]. وقوله تعالى: {فوربك لنسألنهم أجمعين} [الحجر: 92] إذ يوم القيامة ذو مواطن فيسألون في موطن ولا يسألون في آخر، أو يسألون سؤال تقريعٍ وتوبيخٍ لا سؤال تكرمةٍ. قوله تعالى: {وعدًا مسؤولًا} [الفرقان: 16] إشارةٌ إلى قوله تعالى حكايةً عن الملائكة في دعائهم للمؤمنين: {ربنا وأدخلهم جنات عدن التي وعدتهم} [غافر: 8]. وقوله تعالى: {سأل سائلٌ} [المعارج: 1] أي دعا داعٍ، وذلك إشارةٌ إلى قوله حكايةً عن بعض الأشقياء: {اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك} [الأنفال: 32] الآية. قوله تعالى: {ولا تسأل عن أصحاب الجحيم} [البقرة: 119] قرئ {لا تسأل} مبنيًا للمفعول على الخبر المنفي، أي إنما عليك أن تبلغ، وفي معناه: {فإنما عليك البلاغ وعلينا الحساب} [الرعد: 40] {ما عليك من حسابهم من شيءٍ وما من حسابك عليهم من شيءٍ} [الأنعام: 52]. {ولا تسأل} على النهي وذلك لشدة الأمر، كقولك: لا تسأل عن فلانٍ، أي هو بحالةٍ لا يستطاع أن يسأل عنها، لما في جوابها من الفظاعة.

فصل السين والباء

وقوله تعالى: {واسأل من أرسلنا من قبلك من رسلنا} [الزخرف: 45] قيل: خوطب به ليلة الإسراء به، حيث صلى إمامًا بالأنبياء عليهم الصلاة والسلام. وقيل: معناه: سل أممهم والأول أوجه. س أم: قوله تعالى: {لا يسأم الإنسان} [فصلت: 49] أي لا يمل، والسآمة: الملل، يقال: سئم زيدٌ فلانًا ومن فلانٍ. قال تعالى: {لا يسأم الإنسان من دعاء الخير}. وقال زهير بن أبي سلمى: [من الطويل] 683 - سئمت تكاليف الحياة ومن يعش ... ثمانين عامًا -لا أبا لك -يسأم وقيل: السآمة: الملالة مما يكثر لبثه فعلًا كان أو انفعالًا. فصل السين والباء س ب أ: قوله تعالى: {لقد كان لسبإ} [سبأ: 15]. سبأ في الأصل: اسم رجلٍ من قحطان. وقيل: اسمه الأصلي عبد شمسٍ، وسبأ لقبٌ له لأنه أول من سبا، وفيه نظرٌ لأن المادتين مختلفتان، وولد له عشرة أولادٍ، تيامن ستةٌ وهم: جمعة وكنده والأزد ومجاشعة وخثعم وبجيلة. وتشأم أربعةٌ وهم: لخمٌ وجذامٌ وعاملة وغسان. ثم سميت به بلدٌ معروفة وصرف ليعرف أهلها. المثل لقصة استوفيناها في «التفسير»؛ فيقال: تفرقوا أيادي سبا، وأيدي سبا. وقيل: سمي به القبيلة أو الحي. ومن ثم قرئ في الصحيح بصرفه ومنعه؛

فمن الصرف قوله: [من البسيط] 684 - الواردون وتيمٌ في ذرى سبإٍ ... قد عض أعناقهم جلد الجواميس ومن المنع قول الآخر: [من المنسرح] 685 - من سبأ الحاضرين مأرب إذ ... يبنون من دون سيلها العرما والسبء: الخمرة، من سبأت الخمرة أي شربتها؛ قال حسان بن ثابت رضي الله عنه: [من الوافر] 686 - كأن سبيئةً من بين رأسٍ ... يكون مزاجها عسلٌ وماء س ب ب: قوله تعالى: {فليمدد بسبب} [الحج: 15]. السبب في الأصل: هو الحبل الذي يصعد به إلى النخل ثم جعل عبارة عن كل شيء يتوصل به إلى غيره، عينًا كان أو معنىً. قوله: {فليرتقوا في الأسباب} [ص: 10] إشارة ٌ إلى قوله: {أم لهم سلمٌ يستمعون فيه} [الطور: 38]. وقوله: {وآتيناه من كل شيءٍ سببًا فأتبع سببًا} [الكهف: 84 و 85] إشارةٌ إلى ما متعه به من وجوه المعارف وأحوال الدنيا، وأنه اتبع سببًا واحدًا منها فبلغ به ما هو مشهورٌ عنه. وقوله تعالى حكايةً عن فرعون: {لعلي أبلغ الأسباب أسباب السموات} [غافر: 36 و 37] أي الذرائع التي يتوصل بها مثلي إلى طلبته. قوله: {وتقطعت بهم الأسباب} [البقرة: 166] أي الوصل والمودات. وسموا الثوب والخمار والعمامة سببًا لطولها تشبيهًا بالحبل في الامتداد والطول. والسبب: الطريق. السبب: الباب أيضًا، وذلك لأنهما يتوصل بهما إلى ما بعدهما، وسمي الشتم الوجيع سبا لأنه يوصل إلى المشتوم أو يتوصل به إلى أذاه، قال تعالى: {ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله} [الأنعام: 108] أي يتكلمون بما لا

يليق بجلاله لا أنهم يصرحون بسبه تعالى، إذ لم يتجاسر أحدٌ ولا يطاوعه طبعه ولا سجيته على ذلك، وقد يطلق على سبب السبه سبًا، ومنه: «لا يسب الرجل أباه. قيل: كيف يسب أباه؟ قال: يسب أبا الرجل، فيسب أباه». قال الشاعر: [من المتقارب] 687 - وما كان ذنب بني مالكٍ ... بأن سب منهم غلامٌ فسب بأبيض ذي شطبٍ قاطعٍ ... يقد العظام ويبري العصب نبه بذلك على قول الآخر: [من الطويل] 688 - ونشتم بالأفعال لا بالتكلم وقد أحسن من قال: [من الكامل] 689 - ولقد أمر على اللئيم يسبني ... فمضيت ثمة قلت: لا يعنيني والسبة: الشيء الذي يسب، قال الشاعر: [من البسيط] 690 - إن يسمعوا سبة طاروا بها فرحًا ... مني وما سمعوا من صالح دفنوا والسب: الكثير السب. قال الشاعر: [من الرمل] 691 - لا تسبني فلست بسبي ويكني بالسبة عن الدبر كما كني بالسوءة عنه وعن القبل. والسبابة من الأصابع: ما يلي الإبهام؛ سميت بذلك لتحريكها والإشارة بها وقت المسابة، كما سموها مسبحةً

لتحريكها وقته. والسب أيضًا الثوب الرقيق. ومنه: «فإذا سب فيه دو خلة رطب» والسباب مصدر سابه، نحو قاتله قتالًا. وفي الحديث: «وسبابه فسوقٌ» س ب ت: قوله تعالى: {وجعلنا نومكم سباتًا} [النبأ: 9] أي قطعًا لأعمالكم التي تزاولونها نهارًا، والمعنى: جعلناه راحةً لكم. أو لأنه تنقطع فيه حركاتكم فتسكنون. والسبات: السكون، ومنه يوم السبت لأنه يقال أنه تعالى قطع فيه بعض خلق الأرض، أو لأنه حرم على اليهود فيه العمل. يقال: أسبت: إذا دخل في السبت. وسبت يسبت إذا عظمه، ومنه قوله تعالى: {يوم لا يسبتون} [الأعراف: 163] أي لا يفعلون ما يجب في شرعهم في هذا اليوم. وسبت رأسه: حلقه، ومنه: النعال السبتية لأنها يحلق شعرها بالدباغ، وفي الحديث: «يا صاحب السبتين اخلع سبتيك». وقيل: سميت بذلك لأنها لينت بالدباغ، ومنه: رطب منسبتة، أي لينة. والسبت: جلد البقر المدبوغ بالقرظ. س ب ح: قوله تعالى: {فسبحان الله} [الأنبياء: 22]. سبحان: علم للتسبيح، ولذلك منع صرفه للعلمية وزيادة الألف والنون؛ فهو المعاني كعثمان في الأعيان، وعليه قوله: [من السريع] 692 - أقول لما جاءني فخره: ... سبحان من علقمة الفاخر! وأكثر استعماله مضافًا كما ترى، وقد يقطع عن الإضافة ممنوعًا: [من البسيط]

-وقبلنا سبح الجودي والجمد وذلك لأنه يكره. فهو كقولك: رب عثمان العثمانين جاءني. وله أحكامٌ، ومعناه التنزيه فمعنى سبحان الله: تنزيهه عما لا يليق به، ويستعمل في التعجب، ومنه الحديث: «سبحان الله إن المؤمن لا ينجس». وأصل المادة للدلالة على البعد، ومنه السبح في الماء، وكذلك تسبيح الله لأن فيه إبعادًا له عما لا يليق به، مما كانت الكفرة الذين لا يقدرونه حق قدره ينسبونه إليه من الشرك والولد وغير ذلك. والسبح: المر السريع في الماء أو الهواء، ويستعار ذلك للنجوم، قال تعالى: {كل في فلك يسبحون} [الأنبياء: 33]، وفي دؤوب العمل أيضًا قال تعالى: {إن لك في النهار سبحًا طويلًا} [المزمل: 7] والتسبيح عامٌ في العبادة؛ قولية كانت أو فعلية أو منوية. وقيل في قوله تعالى: {فلولا أنه كان من المسبحين} [الصافات: 143] أي القائلين: سبحانك، ويؤيده قوله: {فنادى في الظلمات أن لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين} [الأنبياء: 87]، وقيل: من المصلين. وقيل: من الناوين؛ إنه إذا تمكن من العبادة حين يخرج من بطن الحوت أن يسبح الله بقلبه ولسانه، ويذيب جوارحه في طاعته، والأولى أن يحمل على جميع ذلك، لأنه اللائق بحال ذي النون عليه السلام. وقوله: {ألم أقل لكم لولا تسبحون} [القلم: 28] أي تعبدونه وتشكرونه. وقيل: تقولون: إن شاء الله، يدل عليه قوله: {ولا يستثنون} [القلم: 18]. وقوله: {فسبح بحمد ربك} [الحجر: 98] أي صل. وسميت الصلاة تسبيحًا لاشتمالها عليه. ومنه: «كان يسبح على راحلته». وقوله: {فسبحان الله حين تمسون وحين تصبحون} [الروم: 17] الآية. قيل: معناه تصلون في هذه الأوقات. وقد استدل به على ذكر الصلوات الخمس. والسبوح والقدوس فعولٌ؛ من التسبيح ومن القدس

وهو الطهارة، وليس لنا فعول غيرهما، وقد يفتحان نحو: كلوب وسمور. والسبحة للتسبيح، وهي أيضًا الخرزات المسبح بها؛ سميت بذلك لأنه يعد بها لفظه. وقوله تعالى: {والسابحات سبحًا} [النازعات: 3] قيل: هم الملائكة، يسرعون فيما يؤمرون به بين السماء والأرض. وقيل: هي أرواح المؤمنين، تنبيهٌ على سهولة خروجها عند الموت، أو جولانها في الملكوت عند النوم. وقيل: هي السفن لأنها تسبح في الماء. والسابقات: الخيل. وفي الحديث: «لأحرقت سبحات وجهه» أي نور وجهه. وقوله: {وإن من شيء إلا يسبح بحمده} [الإسراء: 44] أي بلسان الحال. وذلك هو الإذعان لربوبيته والطواعية لقدرته، كقوله: {ولله يسجد من في السماوات والأرض طوعًا وكرهًا} [الرعد: 15]. وقيل بلسان القال، ولكن أخفى الله تعالى عنا فهم ذلك. وإليه أشار بقوله: {ولكن لا تفقهون تسبيحهم} [الإسراء: 44]. وهذا هو الظاهر؛ إذ لو لم يكن شيئًا يخفى عنا لما خاطبنا بذلك. فأما كونها مسبحةً بلسان الحال بالمعنى الذي قدمته عنهم فهذا تفقهٌ، فلابد من معنى زائد. وأما التسبيح الصادر من الجمادات كالحصى الصادر على يدي رسول الله -صلى الله عليه وسلم -معجزةً له فإن ذلك بلسان القال لا الحال، وإلا لم يظهر التفاوت بيه وبين غيره عليه الصلاة والسلام. س ب ط: قوله تعالى: {والأسباط} [البقرة: 136] جمع سبطٍ، وهم في بني إسرائيل كالقبائل في العرب. وأحسن منه ما قاله الأزهري: الأسباط في ولد إسحاق والقبائل في ولد إسماعيل؛ فعلوا ذلك تفرقة بين أولاد الآخرين، أعني إسحاق وإسماعيل. ولكن الأسباط إنما هم أولاد يعقوب بن إسحاق. واشتقاق ذلك من الامتداد والتفريع؛ لأن السبط ولد الولد، فكأن النسب امتد وانبسط وتفرع. يقال: شعرٌ سبطٌ ضد جعدٍ، وعظامه سبطٌ أي طويلةٌ. قال الشاعر: [من الطويل]

693 - فجاءت به سبط العظام كأنما ... عمامته بين الرجال لواء وقد سبط سبوطًا وسباطةً. والساباط: ما مد من دارٍ إلى أخرى، من ذلك. وسباطة الدار: ملقى زبالتها. لامتدادها. وفي الحديث: «فأتى سباطة قومٍ فبال» وقيل: اشتقوا من السبط؛ وهو الشجرة التي أصلها واحدٌ وأغصانها كثيرةٌ. وفي الحديث: «الحسين سبطٌ من الأسباط -أي أمةٌ من الأمم -في الجنة» واستدلوا بقوله تعالى: {أسباطًا أممًا} [الأعراف: 160] فترجم الأسباط بالأمم؛ فكل سبطٍ أمةٌ. وفي الحديث: «الحسن والحسين سبطا رسول الله -صلى الله عليه وسلم -» أي طائفتان وقطعتان منه. وعن المبرد قال: سألت ابن الأعرابي عن الأسباط فقال: هم خاصة الولد. وفي الحديث؛ في صفته عليه الصلاة والسلام: «ليس بالسبط ولا الجعد القطط». يقال: رجلٌ سبطٌ، وسَبْط، وسَبَطٌ. وقد سبط شعره سبوطةٌ، كقطط شعره قطوطةً. س ب ع: قوله تعالى: {إن تستغفر لهم سبعين مرةً} [التوبة: 80] ليس المراد حصر العدد، بل المراد التكثير. والمعنى: إن استكثرت من الاستغفار لهؤلاء فلن يغفر الله لهم. قال الأزهري: أنا أرى هذه الآية من باب التكثير والتضعيف لا من باب حصر العدد. وحكى أبو عمرٍو أن رجلًا أعطى أعرابيًا درهمًا فقال: سبع الله لك الأجر. أي ضعفه. قال الهروي: والعرب تضع التسبيع موضع التضعيف، وإن جاوز السبع، والأصل فيه قوله تعالى: {كمثل حبةٍ أنبتت سبع سنابل في كل سنبلةٍ مئة حبةٍ} [البقرة: 261].

والسبع: كل حيوان متقو. سمي بذلك لتمام قوته. وذلك أن السبع من الأعداد التامة. وسبع فلان فلانًا: اغتابه، كأنه أكل لحمه أكل السباع. والمسبع: موضع السباع. والسبع: جزءٌ من سبعة أجزاء. والأسبوع: سبعة أيامٍ، جمعة أسابيع، ومثله السبع. والسبع في الورد كالخميس فيه. وقول ربيعة الهذلي: [من الكامل] 694 - كأنه عبد لآل أبي ربيعة مسبع قيل: معناه وقع في غنمه السبع، وقيل: المهمل من السباع. وكني بالمسبع عن الدعي الذي لا يعرف أبوه. وسبعت القوم: جعلتهم سبعة، أو أخذت سبع أموالهم، نحو ربعتهم وثلثتهم، بمعنييه. وقوله: {ذرعها سبعون ذراعًا} [الحاقة: 32] من باب {تستغفر لهم سبعين مرة}. وقوله {وبنينا فوقكم سبعًا شدادًا} [النبأ: 12] عنى بالسبع المتطابقة. قوله: {الله الذي خلق سبع سموات ومن الأرض مثلهن} [الطلاق: 12] قيل: في العدد. وفي الحديث ما يؤيد هذا من قوله: «طوقه من سبع أرضين» وقيل: مثلهن في الإتقان لا في العدد. ولذلك لم يجيء القرآن إلا بإفراد الأرض، والأول أوجه. س ب غ: قوله تعالى: {وأسبع عليكم نعمه} [لقمان: 20] أي ألبسكم إياها وأتمها عليكم من قولهم: درعٌ سابغٌ، وقوله تعالى: {أن اعمل سابغات} [سبأ: 11] إشارةٌ إلى ما علمه في قوله تعالى: {وعلمناه صنعة لبوسٍ لكم} [الأنبياء: 80] وأسبغ وضوءه: أتمه. ويسمع الدرع تسبغة. ومنه الحديث: «فتقع في ترقوته تحت تسبغة البيضة».

س ب ق: قوله تعالى: {فالسابقات سبقًا} [النازعات: 40] عنى بها الخيل العادية في الجهاد. وقيل: هم الملائكة، بأنهم يسبقون الجن باستماع الوحي. والسبق: أصله التقدم في السير، ثم يعبر بذلك عن التقدم إلى الأشياء أعيانًا كانت أو معاني. قال تعالى: {فاسبقوا الخيرات} [البقرة: 148] وقوله تعالى: {والسابقون السابقون، أولئك المقربون} [الواقعة: 10 و 11] أي المحرزون قصب السبق في الفضل. وقوله تعالى: {وما نحن بمسبوقين} [الواقعة: 60] كنايةً عن عدم فوتهم لله تعالى، أي أنهم لا يعجزوننا. وقوله: {ولقد سبقت كلمتنا} [الصافات: 171] وقوله: {ولولا كلمةٌ سبقت} [طه: 129] أي نفذت وتمت لقوله: {وتمت كلمة ربك} [الأنعام: 115] وقوله: {فاستبقوا الخيرات} أي بادروها، وافعلوا فعل الواردة الذين يطلب كل منهم التقدم إلى الماء ليحوزه لنفسه ومن يريد. وقوله: {وما كانوا سابقين} [العنكبوت: 39] أي فائتين، كقوله: {وما أنتم بمعجزين} [الأنعام: 134] وقوله: {يسارعون في الخيرات وهم لها سابقون} [المؤمنون: 61] أي فاعلون فعل السابق غير المتباطئ. وقيل: اللام بمعنى إلى لقوله: {أوحى لها} [الزلزلة: 5] أي إليها. وقوله: {إنا ذهبا نستبق} [يوسف: 17] أي نتناضل بالسهام ونتراهن. وجعل السبق كنايةً عن ذلك. قوله: {واستبقا الباب} [يوسف: 25] أي بادر كل واحدٍ منهم نحو الباب. قوله: {فاستبقوا الصراط} [يس: 66] أي جاوزوه وتركوه حتى ضلوا. وقوله: {لا يسبقونه بالقول} [الأنبياء: 27] أي لا يتكلمون بغير إذنه. وقيل لا يقولون بغير علمه حتى يعلمهم. س ب ل: قوله تعالى: {فجاجًا سبلًا} [الأنبياء: 31] السبل جمع سبيل: وهو الطريق،

ويذكر ويؤنث، قال تعالى: {قل هذه سبيلي} [يوسف: 108] ويعبر به عن المذهب. ومنه: {اتبعوا سبيلنا} [العنكبوت: 12] أي طريقتنا في ديننا. قوله: {وتقطعون السبيل} [العنكبوت: 29] أي طريق الولد، لأن القوم كانوا يأتون الذكران فيقل النسل. قوله: {وابن السبيل} [الروم: 38] هو المسافر: جعل ابن الطريق لملازمته إياه. قوله: {وفي سبيل الله} [التوبة: 60] قيل: هم المجاهدون. قومه: {ثم السبيل يسره} [عبس: 20] قوله: {ليس علينا في الأميين سبيلٌ} [آل عمران: 75] أي دركٌ أي لا تطرق لهم علينا، فأموالهم حل لنا، كذا كانوا يعتقدون. قوله: {فصدهم عن السبيل} [النمل: 24] أي طريق الهدى. وكذا قوله: {ليصدونهم عن السبيل} [الزخرف: 37]. قوله: {سبل السلام} [المائدة: 16] أي طرق السلامة المؤمنة من العقوبة. وقيل: طرق الجنة، إما طرقها حقيقةً وإما الأسباب التي يتوصلون بها إلى الجنة من الأعمال الصالحة. ويقال: سابلٌ وسابلةٌ، وسبيلٌ سابلٌ، نحو: شعرٌ شاعرٌ. وأسبل الستر والذيل: أرخاه. وأسبل الزرع: صار ذا سنبلٍ. وبه استدل على زيادة نونه، وإن كانت القواعد التصريفية تأباه. والمسبل: اسمٌ للقدح الخامس من سهام الميسر. وخص السبلة بشعر الشفة العليا لما فيها من التحدر قاله الراغب ونقله الهروي عن الأزهري. وفي الحديث: «إنه كان وافر السبلة»؛ هي الشعرات التي تحت اللحي الأسفل. وقيل: هي مقدم اللحية وما أسبل منها على الصدر. والسنبلة: لما يقع على الزرع والسبل: ما أسبلته من ثوب، نحو النشر: للشيء المنشور، وكالقبض بمعنى المقبوض، والرسل بمعنى المرسل.

فصل السين والتاء

فصل السين والتاء س ت ر: قوله: {حجابًا مستورًا} [الإسراء: 45] قيل: معناه ساترًا، فهو مفعولٌ بمعنى فاعل، وعكسه فاعلٌ بمعنى مفعولٍ نحو: {ماء دافق} [الطارق: 6] أي مدفوق. والصحيح أن كلًا منهما على بابه كما حققناه في غير هذا الموضوع. وأصل الستر: التغطية والإخفاء. والاستتار: الاستخفاء. والستر والسترة: ما يستتر به أي يغطى. والإستارة: بمعنى الستر أيضًا، ومنه الحديث: «أيما رجل أغلق دون امرأته بابًا وأرخى عليها إستارةً فقد تم صداقها» قال شمر: الإستارة من الستر، ولم أسمعه إلا في هذا الحديث. وقد جاءت الستارة والمستر في معنى الستر. وقد قالوا: أسوار للسوار، وإشرارة لما يشرر عليه الأقط. فصل السين والجيم س ج د: قوله تعالى: {ولله يسجد من في السموات} [الرعد: 15] أصل السجود الخضوع والتذلل وخص ذلك شرعًا بعبادة الله؛ فلا يجوز السجود لغير الله تعالى والملل مختلفةٌ في ذلك. فأما السجود، على سبيل العبادة، فلا يجوز في مثلة من الملل، وأما على سبيل التعظيم كسجود الملائكة لآدم، وإخوة يوسف لأخيهم، فهذا محل الخلاف. على أن من الناس من قال؛ إنما كان آدمٌ كالقبلة لهم، ثم السجود عام في الأناسي والحيوانات والجمادات، وهو نوعان: نوعٌ باختيارٍ، وليس ذلك إلا للإنسان وبه يثاب، كقوله: {اركعوا واسجدوا واعبدوا ربكم} [الحج: 77] وقوله: {فاسجدوا لله واعبدوا} [النجم: 62]. ونوعٌ بستخيرٍ، وهو في الإنسان والحيوان وغيرهما، وعليه: {ولله يسجد من في السموات والأرض طوعًا وكرهًا} وقوله: {سجدا لله وهم داخرون} [النحل: 48]

وهو الدلالة الصامتة والناطقة المنبهة على كونها مخلوقةً، وأنها خلق فاعلٍ حكيمٍ متقنٍ. لها وقوله: {والنجم والشجر يسجدان} [الرحمن: 6] سجود تسخيرٍ. وقوله: {ولله يسجد ما في السماوات وما في الأرض من دابة والملائكة وهم لا يستكبرون} [النحل: 48] فشمل السجودين: التسخيري والاختياري ويعبر به عن الصلاة لاشتمالها عليه. وعليه قوله: {وأدبار السجود} [ق: 40] كما سميت سبحةً ودعاءً. وقالوا سبحة الدعاء، وسجود الضحى. قوله تعالى: {وأن المساجد لله} [الجن: 18] قيل: عنى مواضع السجود؛ واحدها مسجدٌ، بالكسر وقياسه الفتح، وقد خرج هو وأخواتٌ له مذكورةٌ في غير هذا عن القياس. وقيل: عني بها أعضاء السجود وهي سبعةٌ، وقيل: ثمانيةٌ؛ الجبهة، والأنف، واليدان، والرجلان، والركبتان. وفي الحديث: «أمرت أن أسجد على سبعة آراب» أي أعضاء، لأن كل عضوٍ منها إربٌ. ويؤيد الأول قوله عليه الصلاة والسلام: «جعلت لي الأرض مسجدًا وطهورًا» وقوله: {وادخلوا الباب سجدًا} [البقرة: 58] أي متذللين. وقوله: {ألا يسجدوا} [النمل: 25] قرئ على التحضض والاستفتاح؛ {واسجدوا} أمرًا، و {تسجدوا} منصوبًا بما قبله. ولنا فيه كلامٌ أتقناه في غير هذا، أن تأتي قراءة؛ الأمر إما تنبيهٌ وإما نداءٌ، والمنادى محذوفٌ كقوله: [من الطويل] 695 - ألا يا اسلمي يا هند عند بني بدر ... وإن كان حيانا عدى آخر الدهر في أبيات عديدة أنشدناها في غيره. وقيل: أصل السجود الإمالة كقوله، زيد الخيل: [من الطويل]

696 - بجمع تضل البلق في حجراته ... ترى الأكم فيها سجدًا للحوافر وقول الآخر: [من الكامل] 697 - وافى بها كدراهم الإسجاد قيل: عنى بها دراهم عليه صورة ملكٍ يسجد له. س ج ر: قوله: {والبحر المسجور} [الطور: 6] أي المملوء. وقيل: يملأ نارًا، ولذلك قال مجاهدٌ: الموقد. وقيل: السجر: تهيج النار. ومنه سجرت التنور. وأنشد: [من المتقارب] 698 - إذا ساء طالع مسجورةً ... ترى حولها النبع والشوحطا وقوله تعالى: {وإذا البحار سجرت} [التكوير: 6]. قال الحسن: أضرمت نارًا. وقيل: غيضت مياهها، وإنما تكون كذلك لتسجير النار فيها. قوله: {ثم في النار يسجرون} [غافر: 72] أي يطرحون فيها فيملؤونها ومثله: {وقودها الناس والحجارة} [البقرة: 24] وقولهم: سجرت الناقة، استعارةٌ نحو اشتعلت. ولذلك قولوا: السجير: وهو الذي يسجر في مودة خليله أي يحترق في مودته. س ج ل: قوله تعالى: {حجارةً من سجيلٍ} [هود: 82] أي طينٌ وحجرٌ مختلطان؛ قيل: وهو فارسي عرب وأصله ... قيل. وقد بين ذلك بقوله في قصة لوطٍ: {حجارةً من طينٍ مسمومةً} [الذاريات: 23 و 24] وقوله: {كطي السجل للكتب}

[الأنبياء: 104]؛ قيل: السجل: المكتوب فيه. والكتاب مصدرٌ أي، كما يطوي الرق الكتب. وقيل: هو ملكٌ يطوي كتب بني آدم ويحفظها. وقيل: هو اسم كاتبٍ من كتابه عليه الصلاة والسلام. وقيل: هو حجرٌ كان يكتب فيه، ثم سمي كل ما يكتب فيه سجلًا. والسجل: الدلو العظيمة وسجلت الماء أي صببته فانسجل. ومن ثم استعير للإعطاء؛ قالوا: أسجلته أي أعطيته. والإسجال أيضًا: الإرسال. وسجل الكتاب أي أثبته وحققته والمساجلة: المساقاة بالسجل. ويعبر به عن المباراة والمفاضلة؛ قال الشاعر: [من الرمل] 699 - من يساجلني يساجل ماجدًا س ج ن: {رب السجن أحب إلي} [يوسف: 33] السجن: موضع الحبس. وقرئ قوله تعالى: {السجن} بالكسر على أنه مكان الحبس، وبالفتح على أنه نفس الحبس. قوله تعالى: {لفي سجينٍ} [المطففين: 7] هو فعيلٌ من السجن. قيل: هو حجرٌ تحت الأرض السابعة مكتوبٌ فيه عمل الأشقياء، كما أن مقابله وهو عليون مكان كتب الأبرار. وقيل: هو اسمٌ لنار جهنم، وزيد لفظه تنبيهًا على زيادة معناه. وقيل: إن كل شيءٍ ذكره الله بقوله: {وما أدراك} [الحاقة: 3] فسره، وكل ما ذكره بقوله: {وما يدريك} [الأحزاب: 33] تركه مبهمًا. وفي هذا الموضع ذكر: {وما أداك ما سجينٌ} [المطففين: 8] وكذا قوله: {وما أدراك ما عليون} [المطففين: 19] ثم فسر {الكتاب} لا السجين ولا العليين.

فصل السين والحاء

س ج و: قوله تعالى: {والليل إذا سجا} [الضحى: 2] أي سكن، وهو إشارةٌ إلى ما قيل: هدأت الأرجل، وعينٌ ساجيةٌ أي فاترة النظر. وسجا البحر سجوًا: سكنت أمواجه. ومنه استعير: تسجية الميت أي تغطيته. وقال الشاعر: [من الرجز] 700 - يا حبذا القمراء والليل الساج فصل السين والحاء س ح ب: قوله تعالى: {يوم يسحبون في النار على وجههم} [القمر: 48]. السحب: الجر ومنه سحب ذيله، وسحبته على وجهه. وسمي السحاب سحابًا، إما لجره الماء أو لجرٌ الرياح له أو لانجراره في ممره. وفلانٌ يتسحب على فلانٍ، كقولهم: ينجر عليه، وذلك إذا تجرأ عليه. والسحاب: الغيم سواءٌ كان فيه ماءٌ أو لم يكن. ولذلك قيل: سحابٌ جهامٌ. وقد يذكر السحاب، ويراد به الظل والظلمة على طريق التشبيه، كقوله تعالى: {أو كظلمات في بحرٍ لجي يغشاه موجٌ من فوقه موجٌ من فوقه سحابٌ ظلماتٌ بعضها فوق بعضٍ} [النور: 40] س ح ت: قوله تعالى: {أكالون للسحت} السحت: الحرام، وما لا يحل تناوله، لأنه يسحت صاحبه أي ذهب بدينه ومروءته. وأشار بذلك إلى الرشا التي كان الأحبار يأخذونها ليحكموا لسلفهم وملوكهم بما يهوونه. وأصل السحت قشر الشيء باستئصال.

قال تعالى: {فيسحتكم بعذابٍ} [طه: 61] قرئ بضم الياء من أسلحته، وبفتحها من سحته، أي يهلككم هلاك استئصالٍ. فالسحت: ما يلزم صاحبه العار، كأنه يقشر دينه ومروءته. وقال الفرزدق: [من الطويل] 107 - وعض زمان يا بن مروان لم يدع ... من المال إلا مسحتًا أو مجلف وقيل: سمي سحتًا لأنه يذهب البركة. وقيل: هو الذي لا خير فيه. وعندي أن هذه اختلافاتٌ في العبارة والمعنى واحدٌ. وفي الحديث: «لحم نبت من سحتٍ، النار أولى به» وقوله: «كسب الحجام سحتٌ» يريد أن يسحت المروءة لا الدين، ولذلك أذن له عليه الصلاة والسلام في إعلافه الناضح وإطعامه الأرقاء. ولو كان محظورًا لم يأذن فيه بوجهٍ. س ح ر: قوله تعالى: {يعلمون الناس السحر} [البقرة: 102] السحر على أضربٍ: ضربٍ بخداعٍ وتخييلات لا حقيقة لها، كما يفعله تعض المشعبذة من صرف الأبصار عن حقائق الأشياء كخفة يدٍ وسرعة صناعةٍ. قيل ومنه سحرة فرعون إذا جاء في التفسير أنهم جعلوا تحت العصي والحبال زئبقًا يمشيها. وعليه قوله تعالى: {سحروا أعين الناس واسترهبوهم} [الأعراف: 116] ولذلك قال: {يخيل إليه من سحرهم أنها تسعى} [طه: 66] وضربٍ باستجلاب معاونة الشياطين بأعمال يفعلونها يتقربون بها إلى الشياطين. وعليه قوله تعالى: {هل أنبئكم على من تنزل الشياطين تنزل على كل أفاكٍ

أثيمٍ} الآية [الشعراء: 221 - 222]. وضربٍ يذهب إليه بعض الأغتام، ويزعمون أنهم يقلبون صور الحيوانات بعضها إلى بعضٍ، فيقلبون الإنسان حمارًا والحمار جاريةً حسناء ولا يثبته أهل التحقيق. وقد أتينا على تقسيمه واختلاف العلماء فيه على أتم كلامٍ في كتابنا «القول الوجيز في أحكام الكتاب العزيز». وقد يستعار السحر للكلام المنمق المزوق؛ فيقال: سحرني بكلامه. وأطلق ذلك على الكلام من حيث إنه يغير المعاني عن مقارها إلى مقر آخر، وهو ممدوحٌ في الأشياء الحسنة شرعًا، ومذمومٌ في غيرها. ومنه قوله عليه الصلاة والسلام: «إن من البيان لسحرًا» قيل: ومنه سموه ساحرًا، وما جاء به السحر لأنه يصرف الناس في زعمهم من دينهم إلى دينه بحسن كلامه، وإلا فما أبعده من السحر. وقد تصور من السحر تارةً حسنه نحو: «إن من البيان لسحرًا»، وتارةً دقة فعله حتى قالت الأطباء: الطبيعة ساحرةٌ والغذاء سحرٌ، من حيث إنه يدق ويلطف تأثيره. وعليه قوله تعالى: {إنما أنت من المسحرين} [الشعراء: 153] أي ممن جعل له سحرٌ تنبيهًا أنه محتاجٌ إلى الغذاء كقوله: {مال هذا الرسول يأكل الطعام} [الفرقان: 7] وقال امرؤ القيس: [من الوافر] 702 - أرانا موضعين لأمر غيبٍ ... ونسحر بالطعام وبالشراب ونبه بذلك على أنه بشرٌ كقوله: {إن أنتم إلا بشرٌ مثلنا} [إبراهيم: 10]. وقيل: ممن جعل له سحرٌ يتوصل بلطفه إلى ما يأتي به ويدعيه. وقوله: {إن تتبعون إلا رجلًا مسحورًا} [الإسراء: 47] يحتمل الوجهين. قيل: وأصل السحر بالكسر مأخوذٌ من السحر بالفتح، وهو طرف الحلقوم والرئة. ومنه قول أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها: «مات بين سحري ونحري» يعني النبي -صلى الله عليه وسلم -. وقالوا: انتفخ سحره للجبان من الخور. وبعيرٌ سحيرٌ: عظيم السحر. والسحارة: ما يلقى عند الذبح ويرمى به. وبني على فعالة كبناء النفاية والسقاطة،

وذلك أن السحر يؤثر في المسحور فيكون بمنزلة من أصيب سحره. وقوله تعالى {بل نحن قومٌ مسحورون} [الحجر: 15] أي مصروفون عن معرفتنا بالسحر. وقيل: معناه: إن منه ما يصرف قلوب السامعين إلى قبول ما يسمعون وإن كان غير حقٌ. وقيل: يكتسب به من الإثم ما يكتسبه الساحر سحره. وعليه قوله «فمن قضيت له بشيء من حق أخيه فإنما أقطعه قطعةً من النار» قوله {نجيناهم بسحر} [القمر: 34]. السحر: أول النهار، وهو اختلاط الظلمة بضياء النهار، وأراد: سحرٌ من الأسحار، ولذلك صرفه. أما إذا أراد به من يومٍ بعينه فإنه يمنع من الصرف، نحو: أتيتك يوم الجمعة سحر. قالوا: وعليه منعه العدل وأشبه العلمية. وزعم صدر الأفاضل أنه مبني كأمس. ولنا فيه كلامٌ طويلٌ أتقناه في مواضع من تأليفنا. والسحر: اختلاط ظلام آخر الليل بضياء أول النهار. ولقيته بأعلى السحرين، أي بغلسٍ. والمسحر: الخارج بالسحر. والسحور: المأكول وقت السحر. وبالضم: الفعل. ومثله التسحير. وفي الحديث: «تسحروا فإن السحور بركةٌ» الأحسن قراءته بالضم، أي في فعل ذلك. س ح ق: قوله تعالى: {فسحقًا} [الملك: 11] أي بعدًا. يقال: أسحقه الله، أي بعده من رحمته. وقوله: {في مكان سحيق} [الحج: 31] أي بعيد العمق. ونخلةٌ سحوقٌ أي طويلةٌ، وذلك لبعد جناها على مجتنيها. وقيل: السحق: التفتيت. ومنه: سحقت الدواء فانسحق. والسحق أيضًا: البلاء، ومنه ثوبٌ سحقٌ أي بالٍ. وأسحق الثوب أي أخلق. وأسحق الضرع: ذهب لبنه، على التشبيه بالثوب البالي. وأسحقه الله أي جعله سحيقًا. وسحقه: جعله باليًا. ودمٌ منسحقٌ ومسحوقٌ على الاستعارة، كقولهم:

مذرورٌ. وجعل بعضهم إسحاق من هذه المادة، وهو مردودٌ بمنعه من الصرف. س ح ل: قوله تعالى: {فليلقه اليم بالساحل} [طه: 39] أي شاطئ البحر. وهو من سحل الحديد أي برده وقشره، لأن المال يفعل به ذلك. قيل وعلى هذا فكان ينبغي أن تجيء مسحولًا، ولكنه جاء على حد قولهم: همٌ ناصبٌ. وقيل: بل هو على بابه، لأنه تصور منه أنه يسحل الماء أي يفرقه ويضيعه. والسحالة: البرادة. والسحيل: الحبل؛ قال زهير: [من الطويل] 703 - لعمري لنعم السيدان وجدتما ... على كل حالٍ من سحيل ومبرم والسحل: الثوب الأبيض من القطن الأبيض النقي. وفي الحديث: «أنه عليه الصلاة والسلام كفن في ثلاثة أثواب سحولية» ويروى بضم السين على أنه جمع سحل. ويجمع أيضًا على سحل، نقله الهروي. وبفتحها على أنه منسوبٌ لسحولٍ: قرية باليمن. وفي حديث ابن عباس «أنه افتتح سورة فسحلها» أي قرأها، وذلك على التشبيه. ومنه أسحل في خطبته، أي قالها جمعًا. ومثله: يصب الكلام صبًا. والمسحل: اللسان. ومنه قول علي كرم الله وجهه في بني أمية: «لا يزالون يطعنون في مسحل ضلالةٍ» وأصل ذلك أن السحال: نهيق الحمار؛ مأخوذٌ من سحل الحديد تشبيهًا لصولته بصوت سهل الحديد. وقيل للسانٍ جهير الصوت مسحلٌ، لما فيه ن القوة التي في نهيق الحمار، لا في الكراهة. والمسحلان: حديدتان تكتنفان اللجام. وأنشد الهروي في المعنى: [من الكامل]

فصل السين والخاء

704 - ترقى وتطعن في الجمام وتنتحي ... ورد الحمام إذا أجد حمامها فصل السين والخاء س خ ر: قوله: {وسخر لكم ما في السموات} [الجاثية: 13] التسخير: التهيئة. وقيل: هو سياقة الشيء إلى الغرض المختص به. فهذا قوله: {فاتخذتموهم سخريًا} [المؤمنون: 110] قرئ بالضم والكسر؛ فقيل: هما بمعنى. والمعنى أنكم تستهزئون بهم، يدل عليه ما بعده وهو قوله: {وكنتم منهم تضحكون}. وقيل: تستخدمونهم وتستهزئون بهم. وقيل: المضموم من الخدمة، والمكسور من الهمز والسخرية، ولذلك لم يختلف السبعة في ضم ما في «الزخرف» [الزخرف: 32]. ورجلٌ سخرةٌ: إذا كان يكثر السخرية بغيره، وسخرةٌ إذا كان يسخر منه، نحو ضُحْكة وضُحَكةَ. قوله: {والنجوم مسخرات} [الأعراف: 54] أي جاريةٌ لمنافعكم. قوله: {وسخر الشمس والقمر} [الرعد: 2] أي قهرهما. وفي ذلك تنبيهٌ على الردٌ على عبدة الكواكب والنيرين، إذ لو كانوا مما يصلح للعبادة لم يقهروا ويسخروا، وهو معنى حسنٌ بديعٌ. قوله: {وإذا رأوا آية يستسخرون} [الصافات: 14] أي يسخرون. فالاستفعال بمعنى المجرد، كقولك: عجب واستعجب وتعجب؛ كله بمعنى واحدٍ، وفيه كلامٌ ليس هذا موضعه. وقوله: {إن تسخروا منا فإنا نسخر منكم كما تسخرون} [هود: 38] أي نستجهلكم كما تستجهلون، أو يكون من باب المقابلة، فتكون السخرية حقيقةً فيهم.

والاستجهال عليه الصلاة والسلام إذ لم ... أن يسخر من أحدٍ. ويقال: سخرت فلانًا بالتخفيف، أي تسخرته. وقوله: {وإن كنت لمن الساخرين} [الزمر: 56] أي المستهزئين. وقوله: {فيسخرون منهم سخر الله منهم} [التوبة: 79] على المقابلة كما تقدم، أو يجازيهم بسخرهم، وهو كقوله: {الله يستهزئ بهم} [البقرة: 15] س خ ط: قوله تعالى: {أن سخط الله عليهم} [المائدة: 80]. السَخْطُ والسُخْطُ: الغضب الشديد المقتضي للعقوبة. فهو من الباري تعالى إنزال عقوبته لمن سخط عليه نعوذ برضى الله من سخطه، وبمعافاته من عقوبته. فضل السين والدال س د د: قوله تعالى: {وجعلنا من بين أيديهم سدًا ومن خلفهم سدًا} [يس: 9] قرئ بالفتح والضم فيهما. وكذا ما جاء منه، فقيل: هما بمعنى. وقيل: المضموم ما كان من صنع الله، والمفتوح ما كان من صنعة الناس، وهو مردودٌ بما ذكرت من القراءتين؛ فإنه قرئ بالفتح في «يس» وهو من فعل الله، وبالضم في «الكهف» وهو من فعل الناس. والسد في الأصل مصدر سددت الشيء أسده: إذا جعلت في ما يتوصل إليه به مانعًا كسد الباب والثغر ونحو ذلك. واستعير ذلك في المعاني كقوله تعالى: {وجعلنا من بين أيديهم سدًا ومن خلفهم سدًا} كني بذلك عن مجلسهم وكفرهم، وإن من لم يبصرهم من عماهم، ولم يهدهم من ضلالهم لا يسأل عما يفعل. وقيل: إن المشركين أرادوا به مكروهًا. فمنعهم الله من ذلك وفي معناه: {والله يعصمك من الناس} [المائدة: 67]. وقيل: السد بالفتح: الجبل، وبالضم غيره. قال الأسود: [من الكامل] 705 - ومن الحوادث، لا أبالك، أنني ... ضربت على الأرض بالأسداد

قوله تعالى: {وليقولوا قولًا سديدًا} [النساء: 9] أي مستقيمًا من السداد، وهو ما يسد به من الخلل. وكل ما سددته من ثلمةٍ ونحوها فهو مسدودٌ، وما كان من المعاني والأقوال فهو مفتوحٌ وأنشد للعرجي: [من الوافر] 706 - أضاعوني وأي فتى أضاعوا ... ليوم كريهة وسداد ثغر وقد جاء الكسر في موضع الفتح. ومنه الحديث: «حتى رضيت سدادًا من العيش» كذا رواه الهروي، ثم قال: وكل ما سددت به خللًا فهو سدادٌ، وبه سمي سداد الثغر، وسداد القارورة. ولم يذكر الفتح البتة في المعنيين المذكورين، بل ذكره وجعله بمعنى الوفق؛ قال: والوفق: المقدار، وجعل من ذلك حديث أبي بكر حيث سئل عليه الصلاة والسلام عن الإزار فقال: «سدد وقارب». قال: قال شمر: سدد، من السداد وهو الوفق الذي لا يعاب ويعبر بالسد عن الباب، وجمعها سدد؛ وفي الحديث: «لا تفتح لهم السدد» وقيل: هي الستور مرخاةً على الأبواب. س د ر: قوله تعالى: {في سدر مخضود} [الواقعة: 28] السدر: ورق شجرة النبق، وهو عند العرب منتفعٌ به في الاستظلال والتفيؤ، وقليل الغناء عندهم بالنسبة إلى أكله. فمن ثم حسن أن يجاء به في قلة الغناء؛ وعلى ذلك قوله تعالى: {وشيءٍ من سدرٍ} [سبأ: 16] أو وصفه بأخس الصفات. والخَضْدُ والخَضَدُ قيل: نزع الشوك. وقيل: هو أن يبسق الغصن بالثمر من أوله إلى آخره. فالحاصل أنه على خلاف ما يعهدونه في الدنيا وقوله تعالى: {إذ يغشى السدرة ما يغشى} [النجم: 16] هي سدرة المنتهى. جاء في

الحديث: «إن نبقها كقلال هجرٍ وورقها كآذان الفيلة» ونقل الراغب أنها الشجرة التي بويع النبي -صلى الله عليه وسلم -تحتها، فأنزل الله تعالى السكينة في قلوب المؤمنين. ولم أره لغيره. والسدر: التحير. والسادر: المتحير قال: [من الرمل] 707 - سادرًا أحسب غيي رشدًا وسدر شعره قال الراغب: هو مقلوبٌ عن دسر. وعندي أنه من غسله بالسدر. س د س: قوله تعالى: {خلق السماوات والأرض في ستة أيامٍ} [الأعراف: 54]. قيل: هي من أيامنا وهو الصحيح، لأنه أبلغ في القدرة. فإن قيل: اليوم من طلوع الفجر إلى غروب الشمس، وقيل: خلق ذلك وليس شمسٌ هناك فالجواب أنه فعل في مدة هذه مقدارها وهذا خطابٌ لما يفهمه الناس، وإلا فالباري تعالى إيجاده الأشياء بـ «كن». وقيل: ستةٌ من أيام الآخرة؛ كل يومٍ ألف سنةٍ، وهو ضعيفٌ جدًا. وأصل ست سدس، فأبدلت السين الأخيرة تاءً كإبدالها في قولهم: 708 - النات النات يريدون الناس الناس. وقرئ به شاذًا فاجتمع متقاربان، فأدغمت الدال في التاء بعد قلبها بجنس ما بعدها. ويقال: سادسٌ وسادي، بإبدال السين ياءً. قال: [من الطويل] 709 - ويعتدني إن لم يق الله ساديا يريد: سادسًا. وسدست القوم: صرت سادسهم، وأخذت سدس أموالهم. وسدس

فصل السين والراء

الشيء: جزءٌ من ستة أجزاء. وأما قولهم: فلانةٌ ست القوم، فلغةٌ مولدةٌ غير معروفة. س د ي: قوله تعالى: {أيحسب الإنسان أن يترك سدىً} [القيامة: 36] أي مهملًا غير مأمورٍ ولا منهيٍّ. وكل شيءِ تركته وأهملته فهو سدىً. وفي الحديث: «إنه كتب ليهود تيماء: إن لهم الذمة وعليهم الجزية بلا عداء، النهار مدى والليل سدىً». السدى: التخلية. والمدى: الغاية. فالمراد أن لهم ذلك أبدًا وأسديت له نعمةً: كأنه أرسلها وأهملها فلم يمن بها عليه. والسدى: سدى الثوب؛ بالفتح والقصر: ما ظهر من غزل الثوب، اللحمة: ما خفي. منه وقيل: بالعكس. فصل السين والراء س ر ب: قوله تعالى: {وساربٌ بالنهار} [الرعد: 10]. السارب: الظاهر في الطريق، يعني السالك. والسرب: هو الطريق. يقال: خله في سربه أي طريقه. وروي أنه قال عليه الصلاة والسلام: «من أصبح آمنًا في سربه» بالفتح والكسر؛ فالفتح على أنه آمنٌ في مذهبه وطريقه، والكسر على أنه آمنٌ في نفسه. وفلانٌ واسع السرب أي رخي البال. ومعنى الآية أنه تعالى مستوٍ عنده من هو مستخف في ظلمة الليل، ومن هو ظاهرٌ في ضياء النهار، لا تفاوت بينهما في علمه تعالى. سرب الرجل يسرب سروبًا وسربًا: إذا مضى في طريقه لسفرٍ سهلٍ، وذلك السفر السربة، فإن كان مشقًا فهو السرباة. وسرب الماء يسرب سروبًا وسربًا، نحو مر مروًا مرًا قال ذو الرمة: [من البسيط] 710 - ما بال عينك منها الماء ينسكب ... كأنه من كلى مفريةٍ سرب

وقوله تعالى: {فاتخذ سبيله في البحر سربًا} [الكهف: 61] يعني الحوت وكان مملوحًا. والمعنى أنه ذهب في سربه وطريقه الذي في الماء بعدما مات وملحوه. ومروره معجزةٌ لموسى عليه السلام وعلامة على طلبته. وفي حديث الاستنجاء: «حجران للصفحتين وحجرٌ للمسربة» هي المجرى؛ اتخذت بمجرى الماء عند سروبه. وقيل: أصل السرب الذهاب في انحدار. والسرب: المنحدر. وسرب الدمع: سال. وانسربت الحبة إلى جحرها. وقولهم في كناية الطلاق: «لا أنده سربك» أي لا أرد تلك الداهية في سربها؛ يروى بفتح السين وكسرها. وقالوا: ذعرت سربه إي إبله. وقيل: نساؤه. والسربة: القطعة من الخيل ما بين العشرة إلى العشرين. والمسربة: ما تدلى من شعر الصدر. وقوله: {كسرابٍ بقيعةٍ} [النور: 39]. السراب: ما لمع في المفازة كالماء، وذلك لانسرابه في مرأى العين. وكأن السراب لما لا حقيقة له كما قال تعالى: {لم يجده شيئًا} [النور: 39] كما أن الشراب لما له حقيقةٌ وأنشدني بعضهم في التجانس والتضمين: [من الوافر] 711 - ومن يرجو من الدنيا وفاءً ... كمن يرجو شرابًا من سراب لها داعٍ ينادي كل يومٍ ... لدوا للموت وابنوا للخراب. س ر ب ل: قوله تعالى: {سرابيل تقيكم الحر وسرابيل تقيكم بأسكم} [النحل: 81] السرابيل: جمع سربال، وهو القميص من أي جنسٍ كان، ويطلق على الدرع. قال: {وسرابيل تقيكم بأسكم} والمعنى: تقي بعضكم من بأس بعضٍ. وقد يستعار في المعاني، كقولٍ لبيدٍ: [من البسيط] 712 - الحمد لله إذ لم يأتني أجلي ... حتى لبست من الإسلام سربالا

وقالوا: تسربل أي لبس السربال: وقال: أوس بن حجرٍ يصف درعًا: [من الطويل] 713 - تردد فيه ضوؤها وشعاعها ... فأحسن وأزين بامرئٍ أن تسربلا س ر ج: قوله تعالى: {وسراجًا منيرًا} [الأحزاب: 46] وصفه تعالى بكونه سراجًا منيرًا لأنه عليه الصلاة والسلام أضاءت الدنيا به وبشريعته بعد أن كانت مظلمةً بالكفر. والسراج هو الزاهر بفتيلةٍ ودهنٍ، ثم يعبر به عن كل مضيءٍ ثاقب. ولذلك وصف أضواء النيرات، وهي الشمس بأن سراجٌ، فقال: {وجعل الشمس سراجًا} [نوح: 16] وأسرجت السراج: أوقدته. وسرجت الشيء: جعلته في الحسن كالسراج. وقال البيانيون في قول القائل: [من الرجز] - وفاحمًا ومرسنًا مسرجا أي له بريقٌ كبريق السراج. والمرسن: الأنف، وأصله في الإبل لموضع الرسن، فاستعير في الأناسي. والسرج: رحالة الدابة، والسراج: صانعه، والجمع سروجٌ وأسرجٌ كفلوسٍ وأفلسٍ كثرةً وقلة. س ر ح: قوله تعالى: {أو تسريحٌ بإحسانٍ} [البقرة: 229]. أصل التسريح: الإرسال؛ يقال سرحت الإبل، أي أرسلتها في المرعى. وأصله أن ترعيه السَّرْحَ والسَّرْحُ سَرحُ البادية، الواحدة سرحةٌ. قال: [من الطويل] 714 - أبى الله إلا أن سرحة مالكٍ ... على كل أفنان العضاه تروق ثم عبر به عن كل إرسالٍ في رعي ما. ثم جعل لمطلق الإرسال. ثم استعير في

الطلاق كاستعارة الطلاق للمرأة من إطلاق الإبل وهو تخليتها. وسرحت الإبل أي أرسلتها، قال تعالى: {ولكم فيها جمالٌ حين تريحون وحين تسرحون} [النحل: 6]. واعتبر من لفظه المضي والسرعة؛ فقيل: ناقةٌ سرحٌ، ومضى سرحًا سهلًا. س ر د: قوله تعالى: {وقدر في السرد} [سبأ: 11]. السرد في الأصل: نسج ما يخشن ويغلظ، كنسج الدروع وخرز الجلد. فقوله: {وقدر في السرد} أي ضيق نسيجها حتى لا يغلق بعضها من بعضٍ، فاستعار السرد لذلك. ويقال: سردٌ وزردٌ، وسرادٌ وزرادٌ نحو سراط وزراط. والسرد: الثقب. وقيل: السرد: المتتابع. ومنه: سرد الأحاديث، أي تابع بعضها ببعضٍ. فالمعنى: تابع بين حلق الزرد كي تتناسق. ويقال للحلق: سردٌ ومعنى التقدير فيها أن لا تجعل المسامير دقاقًا فتغلق، ولا غلاظًا فتقصم. س ر د ق: قوله تعالى: {أحاط بهم سرادقها} [الكهف: 29]. السرادق: الحجر يكون حول الفسطاط. وقيل: ما يمد فوق صحن الدار. وقيل: كل بيتٍ من كرسفٍ فهو سرادقٌ. وأنشد لرؤبة: [من الرجز] 715 - يا حكم بن المنذر بن الجارود ... سرادق المجد عليك ممدود وبيتٌ مسردقٌ، وأنشد: [من الطويل] 716 - هو المدخل النعمان بيتًا، سماؤه ... صدور الفيول بعض بيت مسردق وكان أبرويز ملك الفرس قد قتل النعمان ملك العرب، أي أوطأه الفيلة. فالفيول جمع فيلٍ. وقيل: السرادق: كل ما أحاط بشيءٍ. ومنه قيل للحائط: سرادقٌ. والسرادق

فارسيٌ معربٌ، قال الراغب: وليس في كلامهم اسمٌ مفردٌ ثالثه ألفٌ وبعدها حرفان. وقيل: بيتٌ مسردقٌ: مجعولٌ على هيئة سرادق، انتهى. قلت: وليس كما قال، لقولهم: جلاجل وحلاحل؛ بالحاء والجيم. قال: [من الطويل] 717 - فيا ظبية الوعساء بين جلاجلٍ ... وبين النقاء أنت أم أم سالم؟ نعم، لو قال: مفتوح الأول لكان مستقيمًا نحو مساجد. س ر ر: قوله تعالى: {على سررٍ متقابلين} [الحجر: 47]. السرر: جمع سرير، وهو ما يجلس عليه، مأخوذٌ من السرور، لأنه مجلس أولي النعمة. ويجمع على أسرةٍ. وفي الحديث: «ملوك على الأسرة». وسرير الميت؛ على التفاؤل بذلك، وكأنه حصل له بلقاء ربه سرورٌ لخروجه من السجن المشار إليه بقوله -صلى الله عليه وسلم -: «الدنيا سجن المؤمن». قوله: {فإنه يعلم السر وأخفى} [طه: 7]. قيل: السر ما أضمرته في نفسك وأخفى منه ما ستفعله ولا يخطر ببالك. وقيل: السر ما تتكلم به في خفاء وأخفى منه ما أضمرته في نفسك ولم تتكلم به. والأول أبلغ. والسر هو الحديث المكتم في النفس والإسرار ضد الإعلان. ويستعمل في المعاني والأعيان. قوله تعالى: {وأسروا النجوى} [طه: 62] أي كتموها. وقوله: {وأسروا الندامة} [يونس: 54] قيل: كتموها تجلدًا، وقيل: أظهروها. قاله: أبو عبيدة، قال الراغب: بدلالة قوله: {يا ليتنا نرد ولا نكذب} [الأنعام: 27] قال: وليس كذلك؛ فإن الندامة التي كتموها ليست إشارة إلى ما أظهروه. وقال الأزهري: ليس قول أبي عبيدة بشيءٍ، إنما يقال: {أشروا} بالشين، يعني بالمعجمة، أي أظهروا. وأسروا بالسين: أخفوا. وقال قطربٌ: أسرها كبراؤهم من أتباعهم قال ابن عرفة: لم يقل قطربٌ شيئًا، وحمل ذلك على حالتين؛ يعني

أنهم أظهروا ندامةً وأخفوا ندامةً، لأنهم لم يستطيعوا أن يظهروا كل ما في قلوبهم عجزًا عن ذلك. وصارت لهم الحالتان؛ حالة الإخفاء وحالة الإظهار. وأنشد لأبي دؤادٍ الإيادي: [من المتقارب] 718 - إذا ما يذفها شاربٌ ... أسر احتيالًا وأبدى احتيالا ولم أدر وجه قول ابن عرفة في الردٌ على قطرب، قوله تعالى: {تسرون إليهم بالمودة} [الممتحنة: 1] يقال: أسررت إلى فلان حديثًا أو أصبت به إليه في خفيةٍ. والمعنى: تطلعونهم على ما تسرون من مودتهم. وقد فسر بأن معناه تظهرون. قال الراغب: وهذا صحيحٌ فإن الإسرار إلى الغير يقتضي إظهار ذلك لمن يفضى إليه بالسر، وإن كان يقتضي إخفاءه عن غيره. فإذا قولهم: أسررت إلى فلانٍ يقتضي من وجه الإخفاء قلت وحينئذ فقوله تعالى: {وأسروا الندامة} محتملٌ لما قاله أبو عبيدة، فلا معنى لإنكاره عليه. قوله: {يوم تبلى السرائر} [الطارق: 9] جمع سريرة، وهي أعمال العباد التي يسرونها، قال الشاعر: [من الطويل] 719 - سيبقى لها في مضمر الود والحشا ... سرائر حب يوم تبلى السرائر ولما سمع الحسن هذا البيت قال: قاتله الله إن في ذلك اليوم لشغلًا. قوله تعالى: {ولكن لا تواعدوهن سرًا}. [البقرة: 235] قيل: السر: النكاح، كني به عنه من حيث إنه يخفى واستعير السر للخالص؛ فقيل: هو في سر الوادي، وفي سر قومه. وسرة البطن: ما يبقى؛ سميت بذلك لاستتارها بعكن البطن. والسُّرَرُ والسِّرَرُ والسُّرُّ: ما قطع منه. وفي الحديث: «إن السقط يجترهما -يعني والديه -بسرره حتى يدخلهما الجنة» وفي الحديث أيضًا: «تبرق أسارير وجهه» وأسرة وجهه وهي الغضون

والتكسر الذي في جبهته، وذلك لما فيها من الاستتار؛ الواحد سررٌ وسرٌ، وجمعه أسرارٌ، وجمع هذا الجمع أسارير. وعن أمير المؤمنين علي كرم الله وجهه، وقد وصفه -صلى الله عليه وسلم -: «وكأن ماء الذهب يجري في صفحة خده ورونق الجلال يطرد في أسرة جبينه» والسرية فعليةٌ: من السر، وهو الجماع. وقيل: فعيلة، من تسريت، وأصله تسررت: تفعلت، من السر. ثم أبدل أحد الأمثال حرف علةٍ، ليس هذا موضع تحريره. والسرار: اليوم الذي يستتر فيه القمر آخر الشهر. وفي الحديث: «هل صمت من سرار هذا الشهر شيئًا؟» أي من آخره. قال الهروي: وسرر الشهر مثله. قال يعقوب: سرار الشهر بالفتح والكسر. قال الفراء: الفتح أجود. والسرار: الخيار أيضًا. وفي حديث ظبيان بن كداد حين وفد عليه عليه الصلاة والسلام: «نحن من سرارة مذحج» وفي الحديث: «صوموا الشهر وسره» قيل: عنى مستهله. قال الأوزاعي: سره أوله، وفيه ثلاث لغات: سره وسرره وسراره. قلت: وتقدم أن في السرار لغتين، فتكون أربعة، إلا أن الأزهري أنكر السر بهذا المعنى، وقال: لا أعرف السر بهذا المعنى، إنما يقال: سرار الشهر وسراره وسرره وقيل: أراد بسره وسطه، وسر الشيء جوفه. ومنه: قناةٌ سراء: إذا كانت جوفاء. قال: وعلى هذا فالمراد الأيام البيض. ورأيت الهروي قال: أراد الأيام البيض، انتهى وفيه رد على من يرد على الفقهاء قولهم: وصوم الأيام البيض أي الليالي البيض لابيضاضها بالقمر من أولها إلى آخرها؛ فإنه دجلٌ كبيرٌ من أهل هذا الشأن. وتسمية الأيام البيض بالبيض من جهة المعنى ظاهرٌ، فالغائط من غلطهم. س ر ط: قوله تعالى: {اهدنا الصراط المستقيم} [الفاتحة: 6] هو الطريق المسلوك، واستعير للدين والاعتقادات. والمراد به هنا دين الإسلام، لأنه دين المنعم عليهم وقال بعضهم: هو الطريق المستسهل. واشتقاقه من سرط الطعام واسترطه أي ابتلعه، فسمي

الطريق سراطًا إما لأنهم تصوروا منه أن يبتلع سالكيه، أو أنهم يبتلعونه. ومنه سمي لقمًا وملتقمًا إما لأنه يلتقم سالكه، أو يلتقمه سالكه. ومن ثم قالوا: قتل أرضًا عالمها، وقتلت أرضٌ جاهلها. ونظر أبو تمام للمعنيين فقال: [من الطويل] 720 - رعته الفيافي بعدما كان حقبةً ... رعاها وماء المزن ينهل ساكبه ويجمع على سرط في الكثرة، وأسرطة في القلة، نحو: قذال وقذل وأقذلة، ويذكر ويؤنث كالسبيل. قيل: فعلى التأنيث يجمع على أسرطٍ، وعلى التذكير على أسرطةٍ. وتبديل سينه صادًا لأجل الطاء، وإن فصلت، وزايًا لمقاربتها وبين الصاد والزاي وقد قرئ بجميع ذلك. ولم يرسم إلا بالصاد، وهو أول دليلٍ على أن القراء إنما كانوا يأخذون القرآن من أفواه مشائخهم لامن المصحف كما يزعم بعض من لا تحصيل عنده. س ر ع: قوله تعالى: {والله سريع الحساب} [البقرة: 202]. السرعة في الأصل ضد البطء قال: [من البسيط] 721 - منا الأناة وبعض القوم يحسبنا ... إنا بطاءٌ وفي إبطائنا سرع ويستعمل ذلك في الأجسام والأفعال. يقال: سرع فهو سريعٌ، وأسرع فهو مسرعٌ وسرعان القوم: أوائلهم؛ ومنه: وخرجت السرعان. فمعنى سرعة حسابه تعالى أنه لا يشغله حساب زيدٍ عن حساب عمروٍ مثلًا، وإذ لا يشغله شأنٌ عن شأنٍ، فهو أسرع

الحاسبين وقيل: هو عبارةٌ عن وقوعه لا محالة. وقيل: عن قرب وقته تنبيهٌ على معنى قوله تعالى: {إنما أمره إذا أراد شيئًا أن يقول له كن فيكون} [يس: 82]. ومثله قوله: {سريع الحساب} وقيل: «سرعان ذا إهالة» فسرعان: اسم فعلٍ بمعنى سرع كوشكان من وشك وبطآن، وذا إشارةٌ إلى شاةٍ، والإهالة: الشحم. وأصله أن رجلًا اشترى شاةً عجفاء، فأتى بها أمه ولعابها يسيل من شدقيها، فقال: هذا شحمها. فقالت: سرعان ذا إهالة. وإهالة نصب على التمييز. وفي الحديث: «أن أحد ابنيه بال عليه فرأى بوله أساريع» أي طرائق والأساريع أيضًا: دودٌ أبيض. قال امرؤ القيس: [من الطويل] 722 - وتعطو برخصٍ غير شثنٍ كأنه ... أساريع ظبي أو مساويك إسحل وفي حديث آخر: «فأخذ بهم بي سروعتين»، السروعة: الرابية من الرمل والزروحة كذلك. وقد يكون من غير الرمل أيضًا. س ر ف: قوله تعالى: {ولا تسرفوا} [الأنعام: 141]. الإسراف: تجاوز الحد في سائر الأفعال، إلا أنه غلب في الإنفاق. ويقال باعتبارين: باعتبار القدر، وباعتبار الكيفية. ومنه قول سفيان: «ما أنفقت في غير طاعة الله فهو سرفٌ وإن كان قليلًا» وقال إياس بن معاوية: «الإسراف: ما قصر به عن حق الله تعالى» وهو ضد القصد. ويقال: فلانٌ مسرفٌ وفلانٌ مقتصدٌ. قوله تعالى: {يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم} [الزمر: 53]، يتناول الإسراف في الإنفاق وفي سائر الأعمال قوله تعالى: {فلا يسرف في

القتل} [الإسراء: 33]، نعى عما كانت الجاهلية تفعله من قتل غير القاتل، بأن لا يرضى إلا بقتل من هو أشرف منه أو بتقل عددٍ كثيرٍ مكان الواحد. وقيل: سرفه فيه أن يعدل عن طريق القصاص بأن يستحق حز رقبته فيعدل إلى ما هو أشق. وقيل: هو نهيٌ عن المثلة، والكل جائزٌ. وقوله تعالى: {وأن المسرفين هم أصحاب النار} [غافر: 43] أي المتجاوزين حدود الله من أوامره ونواهيه سواءٌ كان ذلك في الإنفاق أم في غيره. ووصف قوم لوطٍ بأنهم مسرفون. من حيث تجاوزوا موضع البذر موضعه المذكور في قوله تعال: {نساؤكم حرثٌ لكم} [البقرة: 223]. قوله: «مررت بكم فسرفتكم» أي جهلتكم وذلك أنه تجاوز ما من حقه أن لا يتجاوزه، فلذلك فسر به. والسرفة: دويبةٌ تأكل الورق تصوروا منها الإسراف في ذلك. يقال: سرفت الشجرة فهي مسروفةٌ. وفي حديث عائشة: «إن للحم سرفًا كسرف الخمر» قال ابن الأعرابي: هو تجاوز ما حد لك. والسرف: الجهل. والسرف: الإغفال، ومنه: «فسرفتكم» أي أغفلتكم. س ر ق: قوله تعالى: {والسارق والسارقة} [المائدة: 38]. السرقة: أخذ مال الغير خفيةً. وفي الشرع: أخذ مالٍ بقدرٍ مخصوصٍ من حرزٍ مخصوصٍ. قال ابن عرفة: السارق عند العرب من جاء مستترًا إلى حرزٍ فأخذ منه ما ليس له، فإن أخذا من ظاهر فهو مختلسٌ ومستلبٌ ومنتهبٌ ومحترسٌ. فإن بيع ما في يده فهو غاصبٌ قوله تعالى: {إن يسرق فقد سرق أخ له من قبل} [يوسف: 77]. قيل: إنه كان في أحد خزائنه صنمٌ يعبد من

دون الله إنكارًا على عبده وقيل: إن عمته دست عليه عبدًا ليأخذه إذ كان في دينهم أن من يسرق لأحد شيئًا كان ملكًا للمسروق منه. واستعير ذلك للسمع في خفيةٍ؛ فقال تعالى: {إلا من استرق السمع} [الحجر: 18] والسرقة: الحرير الجيد. قيل: هو فارسيٌ معرب أصله: سره. وفي الحديث: «أنه عليه الصلاة والسلام قال لعائشة: يحملك في سرقةٍ من حريرٍ». س ر م د: قوله تعالى: {أرأيتم إن جعل الله عليكم الليل سرمدًا} [القصص: 71]. السرمد: الدائم غير المنقطع. والجمع سرامد نحو جعفر وجعافر. قال بعضهم: كأن الميم فيه زائدة. واشتقاقه من السرد وهو التتابع والاستمرار وليس ببعيد، فإن بعضهم قال في قوله تعالى: {قمطريرًا} [الإنسان: 10] إنه من القمط، فزيد فيه الراء. س ر و: قوله تعالى: {سريًا} [مريم: 24]. السرى: السيد، وهو من سرو يسروا مثل: طرو يطرو، وأصله سريوٌ. وقيل: السري: النهر، إلا أن يكون من مادة سرى يسري كما سيأتي. فعلى الأول يراد به عيسى عليه السلام، ويؤيد الثاني قوله: .... وأسر لي والجمع: سراةٌ. قال: [من البسيط] 723 - وإن سقيت سراة الناس فاسقينا وقيل: سمي السري بذلك لأنه يسرو ثوبه أي ينزعه ويتشمر لفعل الخيرات ضد الزميل. وقيل: السرى: الرفعة. والسري: رفيع المنزلة. والسروة: الرفعة أيضًا، وجمع على سروات. وسروت الشيء: كشفته. يقال: سروت الثوب وسريته أي نضوته. وفي الحديث:

«سري عنه» أي كشف. وسري القوم: قتل سريهم، نحو: أكملوا، أي قتل كميهم. وفي حديث أحدٍ: «اليوم تسرون» أي يقتل سريكم. فقتل حمزة بن عبد المطلب رضي الله عنه. وفي الحديث: «ليس للنساء سروات الطرق» يعني ما ظهر منها، وإنما لهن أطرافها وجوانبها الواحد سراةٌ. وفي حديث المساقاة: «يشترط صاحب الأرض على المساقي خم العين وسرو الشرب»؛ نزعه، يعني: تنقية أنهار الشرب، وهي الحديقة. س ر ي: قوله تعالى: {سبحان الذي أسرى بعبده ليلًا} [الإسراء: 1]. يقال: سرى وأسرى لغتان قرئتا: {فأسر بأهلك} [هود: 81] و {فأسر بأهلك} بقطع الهمزة وبوصلها. وبهذا يرد قول من قال: إن سرى ليلًا وأسرى نهارًا، ولذلك قال: ليلًا مع أسرى. وقيل: إن أسرى ليس من لفظ سرى، وإنما هو من لفظ السراة، وهي الأرض الواسعة ومنه قول الآخر: [من البسيط] 724 - بسرو حمير أبوال البغال به ... فأسر نحو أيور الخيل واتهم فقوله تعالى: {أسرى بعبده} ذهب به في سراة الأرض، وسراة كل شيء: أعلاه. ومنه: سراة النهار. والسارية: القوم يسرون. السارية أيضًا: الاسطوانة، والسحابة التي تمر ليلًا. قال الشاعر: [من البسيط] 725 - سرت عليه من الجوزاء ساريةٌ وفي البيت تداخل لغتين؛ إذ كان من حقه أن يقول: مسراه. والمسرى: إذا أريد

فصل السين والطاء

به النهر كان من هذه المادة اشتقاقًا من سرى يسري، لأن الماء يسري فيه وفي التفسير أنه الجدول، وقد تقدم. فصل السين والطاء س ط ح: قوله تعالى: {وإلى الأرض كيف سطحت} [الغاشية: 20] أي بسطت واتسعت، كقوله: {والأرض بعد ذلك دحاها} [النازعات: 30] أي بسطها بعد أن كانت كرةً. وانسطح الرجل: امتد على قفاه. وقيل: هو مشتقٌ من سطح البيت، وهو أعلاه. فقولهم: سطحت المكان أي جعلته في التسوية كالسطح. وسطحت الثريد في القصعة أي بسطته. والمسطح: عمود الخيمة، لأن به يجعل لها سطحًا. وسطيح الكاهن سمي بذلك لأنه كان كالأديم المسطوح. وجمع السطح سطوحٌ وأسطحٌ. س ط ر: قوله تعالى: {وقالوا أساطير الأولين} [الفرقان: 5] جمع أسطورة تقديرًا. كما قيل: أحاديث في جمع أحدوثة. وقيل: أساطير: جمع أسطارٍ، وأسطارٌ جمع سطرٍ بالفتح. يقال: سَطْرٌّ وسَطَرٌّ؛ وهما الصف من الكتابة ومن الشجر المغروس، ومن القوم الوقوف. وسطر فلانٌ أسطرًا. قال الشاعر: [من الرجز] 726 - إني وأسطارٍ سطرن سطرا ... لقائل: يا نصر نصرٍ نصرا قوله تعالى: {كان ذلك في الكتاب مسطورًا} [الإسراء: 58] أي مثبتًا محفوظًا، لأن ما كتب فقد أثبت وحفظ. قوله تعالى: {لست عليهم بمسيطرٍ} [الغاشية: 88] أي بحفيظٍ. {وما أنت عليهم بوكيلٍ} [الأنعام: 107] بحفيظ.

فصل السين والعين

يقال: تسيطر فلانٌ على كذا وسيطر أي أقام عليه قيام السطر وثبوته فالمعنى: لست عليهم بقائمٍ ولا حافظٍ. فيكون المسيطر كالكاتب في قوله: {ورسلنا لديهم يكتبون} [الزخرف: 80] وهذه الكتابة وهي المذكورة في قوله: {إن ذلك في كتاب إن ذلك على الله يسيرٌ} [الحج: 70] والمسيطر: هو المعنى بقوله تعالى: {أفمن هو قائمٌ على كل نفسٍ بما كسبت} [الرعد: 33]. وقيل: معنها ممحصٌ لأعمالهم. وقوله: {أم هم المصيطرون} [الطور: 37] أي الأرباب المسلطون. قوله تعالى: {والقلم وما يسطرون} [القلم: 1] أي يكتبون أعمال العباد. وقيل: عنى صناعة الكتابة من حيث هي، وتبدل السين صادًا وزايًا، كما في السراط. س ط و: قوله تعالى: {يسطون} [الحج: 72] أي يبطشون. سطا به وعليه بمعنىً. والسطو: البطش باليد، وأصله من سطا الفحل على رمكة: إذا قام على رجليه رافعًا يديه مرحًا أو للنزو. وسطا الراعي: أخرج الولد من بطن أمه ميتًا. ويستعار السطو للماء كالطغوية، كقوله تعالى: {إنما لم طغى الماء} [الحاقة: 11]. فصل السين والعين س ع د: قوله تعالى: {وأما الذين سعدوا} [هود: 108]. السعادة: معاونة الأمور الإلهية للإنسان على فعل الخير. وهي ضد الشقاوة. وأعظم السعادات الجنة، ولذلك قال: {ففي الجنة خالدين فيها} [هود: 108]. يقال: سعد الرجل وسعدته وأسعدته. وقرئ قوله: {سعدوا} بالوجهين مبنيًا للفاعل أو للمفعول. وعليه قولهم: رجلٌ مسعودٌ، استغناءً به عن مسعد وسعيد وسعد. والمساعدة: المعاونة بما تظن به السعادة. وفي التلبية: «لبيك وسعديك» أي مساعدةً لطاعتك بعد مساعدةٍ. والمعنى: ساعدت

طاعتك مساعدةً بعد أخرى. وقولهم: سعديك، أي أسعدك الله إسعادًا. بعد إسعاد وفي الحديث: «لا إسعاد في الإسلام»، هو ما كانت الجاهلية تفعله من مساعدة بعضها بعضًا في النياحة. وساعد الكف لأنه يستعين به صاحبه، وجيء به على فاعلٍ تصورًا منه أنه فعل ذلك وكان قياسه مساعدًا، وجناحا الطائر ساعداه والسعدان: نبتٌ معروفٌ لأنه يغزر اللبن تصورًا لمساعدته في ذلك. وفي المثل: «مرعى ولا كالسعدان». وفي الحديث: «له شوكٌ كشوك السعدان». والواحدة سعدانةٌ. والسعدانة أيضًا: الحمامة، وكركرة البعير، وعقدة الشسع. والسعود: كواكب معروفةٌ. وقوله في الحديث: «وساعد الله أشد ومواساه أحد» من أبلغ الاستعارات كقوله: {بل يداه مبسوطتان} [المائدة: 64] تعالى الله عن الجارحة ومشابهة لشيء. والسعيد: النهر، لمساعدته الناس، وجمع سعدٌ. قال أوس بن حجرٍ: [من الكامل] 727 - وكأن ظعن الحي مدبرةً ... نخلٌ مواقر بينها السعد س ع ر: قوله تعالى: {فسحقًا لأصحاب السعير} [الملك: 11] السعير: النار الموقدة. والسعر: التهاب النار وشدة إضرامها. يقال: سعرت النار وسعرتها. مخففًا ومثقلًا وأسعرتها بمعنى واحد. وقرئ: {وإذا الجحيم سعرت} [التكوير: 12] و {سعرت} مخففًا ومثقلًا بالوجهين. والمسعر: الخشب الذي يسعر به. وفي الحديث: «ويلمه مسعر حربٍ» جعله

فصل السين والغين

كذلك مبالغةً. واستعرت الحرب، نحو: اشتعلت. والسعار: حر النار. قوله تعالى: {لفي ضلالٍ وسعرٍ} [القمر: 24] قيل: هو جمع سعيرٍ. وقيل: السعر: الجنون. وقال ابن عرفة: تسعرت لهيبًا، وناقةٌ مسعورةٌ مجنونةٌ. وقيل: هو نشاطها. وسعر الرجل: أصابه حر. وقوله: {عذاب السعير} [الحج: 4] أي الحميم؛ فهو فعيلٌ بمعنى مفعول. والسعر في البياعات مأخوذٌ من استعار النار على التشبيه. س ع و: قوله تعالى: {فاسعوا إلى ذكر الله} [الجمعة: 9]. السعي: [المشي] السريع، وهو دون العدو. ويستعمل للجد في الأمر، خيرًا كان أو شرًا. قال تعالى: {وسعى في خرابها} [البقرة: 114] وقال تعالى: {يسعى نورهم بين أيديهم} [الحديد: 12] وهو من أبلغ الاستعارات. وغلب السعي في الأمور المحمودة، وخص فيما بين الصفا والمروة من المشي، والسعاية بالنميمة، وبأخذ الصدقات، وبكسب المكاتب لعتق رقبته. والمساعدة بالفجور، والمسعاة بطلب المكرمة. قوله: {والذين يسعون في آياتنا معاجزين} [سبأ: 38] أي اجتهدوا في إظهار عجزنا فيما أنزلناه من الآيات. فصل السين والغين س غ ب: قوله تعالى: {ذي مسغبة} [البلد: 14] أي مجاعة. وأكثر استعمال السغب في الجوع مع التعب. وقد يستعمل في العطش مع التعب. يقال: سغب يسغب سغبًا وسغوبًا، فهو ساغبٌ وسغبان. وأسغب: دخل في السغوب. وفي الحديث «دخل بأصحابه وهم مسغبون» من ذلك. فصل السين والفاء س ف ح: قوله تعالى: {أو دمًا مسفوحًا} [الأنعام: 145] أي مصبوبًا. يقال: سفح دمعه أي أساله من البكاء. قال امرؤ القيس: [من الطويل]

728 - وإن شفائي عبرةٌ إن سفحتها ... وهل عند رسمٍ دارسٍ من معول؟ قوله تعالى: {غير مسافحين} [النساء: 24]. السفاح: الزنا، لأنه صب المني في الرحم. وغلب في الزنا، ويقابله النكاح. يقال: سفحت الماء: صببته. س ف ر: قوله تعالى: {بين أسفارنا} [سبأ: 19]. الأسفار: جمع سفر. والسفر: الرحيل من مكان إلى مكان. وأصله الكشف. قيل: لأنه يسفر عن أخلاق الرجال، ويختص ذلك بالأعيان نحو: سفر العمامة والخمار عن الوجه. وسفر البيت: كنسه بالمسفر وهو المكنسة، لأنه أزال السفير عنه. والسفير: التراب المكنوس. والأسفار: ظهور ضوء النهار. ومنه قوله تعالى: {والصبح إذا أسفر} [المدثر: 34] وذاك لكشفه الظلمة. وقال الراغب: الإسفار يختص باللون، ومنه: {إذا أسفر} أشرق ضوءه. ومنه قوله تعالى: {وجوه يومئذٍ مسفرةٌ} [عبس: 38] منه. وفي الحديث: «أسفروا بالصبح تؤجروا» أي تبينوه، وقيل: من قولهم: «أسفرت» أي دخلت فيه نحو: أصبحت. وسفر الرجل فهو سافرٌ. والجمع سفرٌ، نحو راكب! وركب. وسافر فاعل، بمعنى فعيل. وقيل على بابه اعتبارًا بأن الإنسان قد سفر عن المكان وأن المكان قد سفر عنه. والسفر: الكتاب لأنه يسفر عن الحقائق، وجمعه أسفار كقوله تعالى: {يحمل أسفارًا} [الجمعة: 5] وإنما أتى بالأسفار هنا تنبيهًا أن التوراة وإن كانت تحقق ما فيها فالجاهل لا يكاد يستيقنها كالحمار الحامل لها. قوله تعالى: {بأيدي سفرة} [عبس: 15] هم الملائكة الموصوفون بقوله تعالى: {كرامً كاتبين} [الانفطار: 11]. وهم جمع سافرٍ نحو كتبةٍ في جمع كاتبٍ. والسفير يطلق باعتبارين: أحدهما بمعنى

الرسول فيكون فعيلًا بمعنى فاعل، بمعنى أنه يزيل ما بين القوم من الوحشة بينهم. والثاني بمعنى ما يكنس فيكون بمعنى مفعولٍ. والسفارة: الرسالة. فالرسول والكتب والملائكة مشتركةٌ في كونها مسفرة عن القوم وما استبهم عليهم. وعن ابن عرفة أن الملائكة سموا سفرة لأنهم يسفرون بين الله تعالى وبين أنبيائه. وعن أبي بكر أنهم ينزلون بالوحي وبما فيه صلاح الخلق؛ اشتقاقًا من السفير، وهو الساعي بالصلح. وفي الحديث في قوم لوط: «وتتعبت أسفارهم بالحجارة». أسافر جمع سفر، وسفرٌ جمع سافر كما تقدم والسفار: الزمان. سفرت البعير وأسفرته. وفي الحديث: «هات السفار». والسفار أيضًا: الحديدية التي يخطم بها. س ف ع: قوله تعالى: {لنسفعًا بالناصية} [العلق: 15] أي لنأخذن.! والسفع: الأخذ بسفعة الرأس أي بسواد رأسه، وباعتبار السواد قيل للأثافي: سفع جمع سفعاء. وبه سفعة غضبٍ اعتبارًا بما يعلو وجه الشديد الغضب من اللون الدخاني. وقيل للصقر أسفع اعتبارًا بلونه. وقيل: السفع: الأخذ بشدة. والمعنى: لنجرن بناصيته جرًا عنيفًا. يقال: سفعت بالشيء أي قبضت عليه قبضًا شديدًا. قال الشاعر: [من الكامل] 729 - قومٌ إذا سمعوا الصريخ رأيتهم ... ما بين ملجم مهره أو سافع وقيل: معناه لسنودن وجهه. واكتفى بالناصية لأنها مقدم الوجه. وفي الحديث: «سفعاء الخدين». وقيل: معناه لنجعلن على ناصيته علامةً يعرف بها، من سفعت الشيء، أي علمته. وأنشد: [من الطويل]

730 - وكنت إذا نفس الخناء نزت به ... سفعت على العرنين منه بميسم وفي الحديث: «وعندها جاريةٌ بها سفعةٌ». فقال عليه الصلاة والسلام: «إن بها نظرة» أي عينًا. قيل: معناه علامةٌ من الشيطان. وقيل معناه ضربةٌ. يقال سفعه: إذا لطمه. س ف ك: قوله تعالى: {ويسفك الدماء} [البقرة: 30] أي يصبها بقتل أصحابها. يقال سفك الدمع والدم والجوهر المذاب من الذهب والفضة أي صبه. س ف ل: قوله تعالى: {ثم رددناه أسفل سافلين} [التين: 5] أي بالضعف والهرم. كقوله تعالى: {إلى أرذل العمر} [النحل: 70]. يقال رددناه أسفل من سفل، وأسفل سافلٍ. وقيل: معناه رددناه إلى الضلال كقوله تعالى: {إن الإنسان لفي خسرٍ إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات} [العصر 2 - 3] والسفل ضد العلو. يقال سفل فهو سافلٌ. وسفل: صار في سفل والأسفل ضد الأعلى، وقويل بفوق في قوله تعالى: {والركب أسفل منكم} [الأنفال: 42] فجعل ظرفًا. وقد قرى مرفوعًا على تصرفه. وسفالة الريح حيث تمر، والعلاوة ضده. وسفلة الناس: الأنذال. وأمرهم في سفالٍ. س ف ن: قوله تعالى: {أما السفينة} [الكهف: 79]. السفين: المركب، مأخوذٌ من السفن. والسفن: نحت ظاهر الشيء. سفن العود والجلد، وسفن الرمح عن الأرض، أي

فصل السين والقاف

نحاه. والسفن ما يسفن كالنقض لما ينقض. س ف هـ: قوله تعالى: {كما آمن السفهاء} [البقرة: 13] أي الجهال. والسفيه جاهلٌ. وأصله خفة النسج في الثوب. يقال: ثوبٌ سفيهٌ، أي خفيف النسج: والسفه أيضًا خفة البدن. وزمامٌ سفيهٌ: كثير الاضطراب. واستعمل في خفة النفس كنقصان العقل في الأمور الدنيوية والأخروية. وقال الشاعر: [من الكامل] 731 - أبني حنيفة أحكموا سفهاءكم ... إني أخاف عليكم أن أغضبا أي جهالكم. وقال الآخر: 732 - مشين كما اهتزت رماح تسفهت ... أعاليها مر الرياح النواسم أي استخفت. قوله: {فإن كان الذي عليه الحق سفيهًا} [البقرة: 282] أي ضعيف العقل، اعتبارًا بخفته، ولذلك قوبل بالرزانة؛ فقيل: رزين العقل. فمن السفه الدنيوي قوله تعالى: {ولا تؤتوا السفهاء أموالكم} [النساء: 5]. ومن الأخروي قوله: {وأنه كان يقول سفيهنا على الله شططًا} [الجن: 4] ومثله: {سيقول السفهاء من الناس} [البقرة: 142] أي في الدين، لأنهم أرجح الناس عقلًا دنيويًا. قوله: {إلا من سفه نفسه} [البقرة: 130] أي في نفسه، أو بمعنى خسر نفسه، أو الأصل، سفهت نفسه فحول، كقوله: {واشتعل الرأس شيبًا} [مريم: 4]. فصل السين والقاف س ق ط: قوله تعالى: {ولما سقط في أيديهم} [الأعراف: 149] ندموا وتحيروا.

وأصل السقوط: الوقوع من علو إلى سفلٍ. وذكر بعضهم أنه يلزم البناء للمفعول. يقال سقط في يده، وأسقط فهو مسقوطٌ. وقيل للكلام الذي لا فائدة فيه: سقط فيه الكلام، اعتبارًا بانخفاض منزلته. وسقط الكلام: ما لا يعتد به. قال قطري بن الفجاءة: [من الوافر] 733 - وما للمرء خيرٌ من حياةٍ ... إذا ما عد من سقط المتاع وخص السقط -مثلث السين -بما تضعه المرأة لغير تمامٍ، وسقط الزند بشرره؛ مثلثة السين أيضًا، وبذلك يسمى الولد. والسقاط: ما يقل الاعتداد به من الكلام وغيره. ورجلٌ ساقطٌ: لئيمٌ. س ق ف: قوله تعالى: {سقفًا من فضةٍ} [الزخرف: 33]. السقف كل ما علاك من مظلة ونحوها. وقرئ {سقفًا} جمعًا وإفرادًا، كرهن ورهن. والسقيفة: كل ما كان له سقفٌ كالصفة. والسقف: طول في انحناء. وكذلك الأسقف وهو السقف. وفي الحديث: «لا يمنع أسقفٌ من سقيفاه»؛ والسقفي: مصدرٌ كالخليفى. وقيل إنما قيل له أسقفٌ لخضوعه وانحنائه. س ق ي: قوله تعالى: {نسقيكم مما في بطونها} [المؤمنون: 21]، وقرئ بضم النون وفتحها؛ من أسقاه وسقاه كما صرح بكل منهما في قوله تعالى: {لأسقيناهم ماءً غدقًا} [الجن: 16]، وقوله تعالى: {وسقاهم ربهم شرابًا طهورًا} [الإنسان: 21] فقيل: هما بمعنىً. وقيل: سقاه: ناوله ماءً ليشربه، وأسقاه: جعل له ماءً يشرب منه. فالسقي والسقيا: أن تعطيه ما يشرب، والإسقاء: أن تجعل له ذلك يتناوله كيف شاء.

فصل السين والكاف

والإسقاء أبلغ من السقي. والسقي: النصيب من السقي: والسقاء: ما تجعل فيه ما يستقى. والاستسقاء: طلب السقي. قوله تعالى: {جعل السقاية} [يوسف: 70] هي ما يشرب فيه كالكوز ونحوه، وهو الصواع. قيل كان يشرب فيه عزيز مصر. فصل السين والكاف س ك ب: قوله تعالى: {وماء مسكوب} [الواقعة: 31] أي مصبوبٍ. يقال: سكبت الماء سكبًا، فهو مسكوبٌ، وانسكب اسنكابًا. وشبهت الفرس بالماء المسكوب لشدة جريها. وبه سميت الكسب؛ فكان مبنيًا على الكسر. وسكب الدمع فهو ساكبٌ؛ تصورًا له بصورة الفاعل مبالغةً. وثوبٌ سكبٌ لرقته تشبيهًا بالماء. س ك ت: قوله تعالى: {ولما سكت عن موسى الغضب} [الأعراف: 154]. السكوت والسكون متقاربان، قال الأزهري: معناه سكن. يقال: سكت يسكت سكوتًا وسكتًا وسكاتًا وسكن بمعنىً واحدٍ. وقال ابن عرفة: معناه انقطع عنه الغضب. وحكي عن العرب: جرى الوادي ثلاثًا ثم سكت، أي انقطع. وعبر به عن الموت كما عبر بالسكون. وفي الحديث: «فرميناه بجلاميد الحرة حتى سكت». وقيل السكوت يختص بترك الكلام. يقال: رجل سكيتٌ وساكوتٌ: كثير السكوت. والسكتة والسكات: ما يعتري من مرضٍ يمنع من الكلام. والسكت: يختص بسكوت النفس في الغناء. والسكتات في الصلاة عند الافتتاح وبعد الفراغ والسكيت في الحلبة. ما جاء آخرًا. س ك ر: قوله تعالى: {إنما سكرت أبصارنا} [الحجر: 15]، وقيل: معناه: سدت.

والسكر: السد ومنه: سكر فلانٌ، لأنه سد عنه عقله ومنع منه. وقيل: السكر حالةٌ تعرض بين المرء وعقله. وأكثر ما يستعمله ذلك في الشراب المسكر. وقد يعتري من الغضب والعشق ونحوهما، وإلى ذلك نحا من قال: [من الكامل] 734 - سكران: سكر هوى وسكر مدامةٍ ... أني يضيق فتى به سكران؟ ومنه سمي سد الماء بالسكر، والسكر: حبس الماء. قال مجاهدٌ: يعني الآية: سدت ومنعت النظر. أبو عبيدة: دير بهم كالسماء دائرًا. ابن عرفة: حبست عن النظر. أبو عمر: مأخوذٌ من سكر الشراب كأن العين لحقها ما يلحق الشارب للمسكر. وحكى الفراء: أسكرت الريح أي احتبست. وسكرت الماء: حبسته عن جريه. وسكرت الريح والحر يسكران: سكنا. قوله تعالى: {تتخذون منه سكرًا} [النحل: 67]. السكر: خمر الأعاجم في قول ابن عرفة. وقال: إنها نزلت قبل تحريم الخمر. فالسكر فعلٌ بمعنى مفعول: اسمٌ لما يسكر به كالقبض والنقض. وروى أحمد بن حنبل: «حرمت الخمرة لعينها، والسكر من كل شراب» كذا رواه هو، والإثبات بفتحتين. أبو عبيدة: السكر: الطعام. قال الأزهري: أنكره أهل اللغة، لأن العرب لا تعرفه. ابن عباس: السكر: ما حرم من ثمره قبل أن يحرم من الأعناب والتمور. وسكرات الموت: شدائده لما يلحق صاحبها من الغشي وغيبوبة العقل، وعليه: {وجاءت سكرة الموت بالحق} [ق: 19]. وقوله: {وترى الناس سكارى} [الحج: 2] أي داهشين مختلطي العقول لشدة الهول. {وما هم بسكارى} السكر الذي يعرفونه. وهو ما يلحق السكران لشدة الطرب وتزايد السرور. وقرئ:

«سكارى» و «سكرى». س ك ن: قوله تعالى: {لتسكنوا فيه} [يونس: 67] أي تستريحون من التعب، لأن السكون ضد الحركة. والحركة: مظنة التعب لأن فيها انتقالاتٍ بالأعضاء وأعمالًا بالجوارح، والنهار ظرف ذلك. والليل ظرف الراحة بها والسكون؛ فإنه ثبوت الشيء بعد حركةٍ أو ثبوته من غير نظرٍ إلى حركة سابقةٍ، واستعمل في الاستيطان. سكن فلان بلد كذا استطونها، وذلك المكان مسكنٌ -بفتح الكاف -وهو القياس، وبكسرها، وقد قرئ بهما قوله تعالى: {في مسكنهم آيةٌ جنتان} [سبأ: 15] فيقال: سكن البلد، وأسكنتك إياه. ومنه قوله تعالى: {ويا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة} [الأعراف: 19] أي اتخذاها سكنًا. والسكن: ما يسكن إليه. قال تعالى: {إن صلاتك سكنٌ لهم} [التوبة: 103]. وقوله تعالى: {فأسكناه في الأرض} [المؤمنون: 18]، ينبه على أنه الموجد له، والقادر على إفنائه، والسكنى: أن يجعل له المسكن بغير أجرةٍ. والسكن: سكين الدار، جمع ساكن نحو سفرٍ في سافرٍ. والسكان من ذلك أيضًا لأنه تسكن به حركة المذبوح. قوله تعالى: {هو الذي أنزل السكينة في قلوب المؤمنين} [الفتح: 4]. قيل: هو ملك يسكن قلب المؤمن ويؤمنه. ومنه قول علي رضي الله عنه: «أن السكينة لتنطق على لسان عمر» قيل: هو العقل. وقوله تعالى: {أن يأتيكم التابوت فيه سكينةٌ» [البقرة: 248] طمأنينة القلب. وقيل: زوال الرعب، وهو الأولى. وفي التفسير أقوالٌ

فصل السين واللام

كثيرةٌ؛ إنها تشبه رأس الهرة وصورة ثورٍ وفيلٍ. وأهل التحقيق لا يثبتون ذلك. قوله تعالى: {فما استكانوا لربهم} [المؤمنون: 76] أي ما خضعوا وتذللوا من السكون. ووزنه افتعلوا، والألف فيه للإشباع. يقال: استكنَ واستكنَّ واستكان وسكن: إذا خضع. وقيل: وزنه استفعل من الكين وهي الحالة السيئة. وقال الأزهري: أصله من السكون، والألف للإشباع. وأنشد لعنترة: [من الكامل] 735 - ينباع من ذفري غضوبٍ جسرةٍ ... زيافة مثل الفنيق المكدم أراد: ينبع. قوله: {الذلة والمسكنة} [البقرة: 61] فقر النفس. والمراد بها هنا الجزية والصغار.، المسكين من السكون، لأن المسكين تسكن حركته. واختلف فيه مع الفقير فقيل: هو أصلح حالًا منه، لأنه تعالى جعل له ملكًا في قوله: {أما السفينة فكانت لمساكين} [الكهف: 79] وقال الراغب: في ميم المسكنة: إنها زائدةٌ في أصح القولينِ، وفيه نظرٌ إذ لا معنى لأصالتها. فصل السين واللام س ل ب: قوله تعالى: {وإن يسلبهم الذباب شيئًا} [الحج: 73]. السلب: النزع من الغير على سبيل القهر، وسلب القتيل: ثيابه التي تنزع عنه. وفي الحديث: «حشوها ليفٌ أو سلبٌ»؛ والسلب أيضًا: لحاء الشجر. والسلاب: ثوب الحداد الذي تلبسه المرأة. وجمعه السلب، نحو: قذال وقذل. وأنشد للبيد: [من الرجز] 736 - في السلب السود وفي الأمساح

وقال الراغب: فقد قيل: هي الثياب السود التي يلبسها المصاب، وكأنها سميت سلبًا لنزعه ما كان يلبس قبل. وتسلبت المرأة مثل أحدت. والأساليب: الفنون واحدها أسلوبٌ. والسلب أيضًا: خوص الثمام. وفي حديث مكة: «وأسلب ثمامها وأغدق إذفرها». وفي حديث صلة بن أشيم: «.. والنخل سلبٌ» أي لا حمل لها، جمع سليب. [س ل ح] [السلاح: كل ما يقاتل به، وجمعه أسلحة، قال تعالى: {وليأخذوا حذرهم وأسلحتهم} [النساء: 102]، أي أمتعتهم، والإسليح: نبتٌ؛ إذا أكلته الإبل غزرت وسمنت، وكأنما سميت بذلك لأنها إذا أكلته أخذت السلاح، أي: منعت من أن تنحر، إشارة إلى ما قال الشاعر: [من الكامل] أزمان لم تأخذ على سلاحها ... إبلي بجلتها ولا أبكارها والسلاح: ما يقذف به البعير من أكل الإسليح، وجعل كنايةً عن كل عذرةٍ، حتى قيل في الحبارى: سلاحه سلاحه]. س ل خ: قوله تعالى: {وآية لهم الليل نسلخ منه النهار} [يس: 37]، أي نخرجه منه إخراجًا ليس معه من صورته شيءٌ، كما نسلخ جلد الشاة ونحوها عن لحمها، وهو من أبلغ الاستعارات. ومنه استعير: انسلخ الشهر، كأنه نزع عما قبله. وسلخت درعه، وأسود سالخٌ وصالخٌ، تصورًا منه أنه سلخ جلده. ونخلةٌ مسلاخٌ أي انتثر بسرها أخضر؛ كذا

قال الراغب، وليس كما قال: بل التي ينتثر بسرها أخضر يقال لها: مخضارًا فإن لم يكن أخضر فهي المسلاخ. وفي الحديث: «ما يشترطه مشتري التمر على بائعه أنه ليس بمسلاخٍ» كذا فسره القتيبي. وفي حديث هدهد سليمانه عليه السلام: «أنهم سلخوا موضع الماء» يريد: حفروا فاستعار ذلك، ويجوز أن يريد: سلخوا طبقةً من الأرض كما يسلخ إهاب الشاة. س ل س: قوله تعالى: {عينًا فيها تسمى سلسبيلا} [النساء: 18]. ابن عرفة: هي اللينة السهلة في الحلق التي تسلسل فيه. ويؤيد هذا التفسير ابن عباس: إذا أدنوها من أفواههم تسلسلت في أجوافهم قال ابن الأعرابي: لم أسمع «سلسبيلًا» إلا في القرآن. ويقال: عينٌ سلسالٌ وسلسلٌ وسلسبيلٌ أي عذبةٌ سهلة المرور في الحلق. وأغرب ما قيل فيه. وليس بمستقيم -عند المحققين -أن أصله: سل سبيلا، فيكون سل فعل أمر، وسبيلا مفعول به، أي: سل طريقًا إلى الجنة. وهل وزنه فعفعيلٌ بتكرار الفاء أو فعلليل؟ خلافٌ لأهل التصريف. س ل ط: قوله تعالى: {سلطانًا مبينًا} [النساء: 91] أي حجةٌ تثبت ضد مدعيها. والسلاطة: التمكن من القهر. ومنه السلطان لأنه يتمكن من قهر رعيته على ما يريد. وقيل: لأنه ذو الحجة وقيل: لأن به تقوم الحجة ويظهر منارها. وقيل: هو مشتق من السليط. والسليط: الدهن الذي يستصبح به. فالحجة يستضاء بها في الأمور، والإمام يستضاء به في سائر المصالح. وعن ابن عباس رضي الله عنهما: «رأيت عليًا رضي الله عنه وكأن عينيه سراجًا سليط». قوله تعالى: {فقد جعلنا لوليه سلطانًا} [الإسراء: 33] يجوز أن يكون إمامًا يتسلط به على القصاص من قاتل موليه، وأن يكون

المعنى سلاطةً عليه وقوةً يتمكن من القود. قوله: {ما أغنى عني ماليه هلك عني سلطانيه} [الحاقة 28 - 29] يحتمل: تسلطي وقهري للناس، ويحتمل: حجتي، أي تبين أنها باطلة. س ل ف: قوله تعالى: {سلفًا ومثلًا} [الزخرف: 56]. السلف: المتقدم. وقوله تعالى: {عفا الله عما سلف} [المائدة: 95] أي ما تقدم من الذنوب. وقوله تعالى: {وأن تجمعوا بين الأختين إلا ما قد سلف} [النساء: 23] أي ما قدم تقدم من فعلكم، فذلك يتجافى عنه. قال الراغب: فالاستثناء عن الإثم لا عن جواز الفعل. يقال: سلف يسلف إذا تقدم ومضى. والسلف: الآباء الماضون، الواحد سالفٌ، ومن بعدهم خلفٌ، الواحد خالفٌ. وقرئ «سلفًا» بفتحتين وضمتين؛ فبالفتحتين جمع سالفٍ كخدم لخادمٍ، وبالضمتين جمعٌ لسلفٍ بمعنى سالفٍ. والسلافة: أول ما يخرج من الزبيب إذا انتقع، والماء الثاني يقال له نطلٌ. والسلف: تقديم رأس المال. وفي الحديث: «من أسلف فليسلف». والسلف: يطلق بمعنى السلف تارةً وبمعنى القرض أخرى، كل ذلك لما فيه من التقدم. والسلف أيضًا: ما قدمته من العمل الصالح وما فرط وتقدم من أقاربك. والسالفة والسلاف: المتقدمون في حربٍ أو سفرٍ. والسلفة: ما يقدم للضيف قبل القرى. ومن كلامهم: «سلفوا ضيفكم ولهنوه» وذلك لما فيه من التقدم والتعجيل. س ل ق: السلق: بسطٌ بقهرٍ إما بيدٍ أو لسانٍ. ومنه قوله تعالى {سلقوكم بألسنةٍ حدادٍ}

[الأحزاب: 19] ومنه: سلق امرأته إذا بسطها فجامعها. وقال مسيلمة لعنه الله لسجاح لعنها الله -المتنبئان -لما وهبت له نفسها الخبيثة: [من مجزوء الوافر] 737 - .. ألا هيا إلى المخادع فإن شئت سلقناك ... وإن شئت على أربع وقيل: معنى سلقوكم: جهروا فيكم بالسوء من القول: ومنه الحديث: «ليس منا من سلق» أي رفع صوته عند المصيبة. وفي الحديث: «لعن الله السالقة» أي الرافعة صوتها عند الجزع وتلطم وجهها. وسلقه بالسوط نزع به جلده. ومنه سلق اللحم لأنه ينزعه عن العظم. والصاد تعاقب السين في هذه المادة. ويقال: سلقه واستلقاه على قفاه، أي ألقاه على حلاوة قفاه. وفي الحديث عن جبريل: «فسلقني لحلاوة القفا» وسلقيته فأسلقني. وفي الحديث: «فإذا برجلٍ مسلنقٍ»؛ فالألف والنون مزيدتان. قال القتيبي: أصل السلق الضرب؛ كأنه قال: ضرب في الأرض وفي الحديث: «قد سلقت أفواهنا من أكل الشجر» أي خرج فيها البثور وهي السلاق أيضًا. والسلق أيضًا: المطمئن من الأرض. والسلق أيضًا إدخال إحدى عروتي الجوالق في الأخرى. والسليقة: خبز مرقق، والجمع سلائق. والسليقة أيضًا: الطبيعة. س ل ك: قوله تعالى: {يسلكه عذابًا صعدًا} [الجن: 17] أي يدخله. ويقال: سلك الخيط في الإبرة، وأسلكه فيها؛ فعل وأفعل بمعنى. وأنشد ثعلبٌ: [من الوافر]

738 - وهم سلكوك في أمرٍ عصيب وقال الآخر: 739 - حتى إذا سلكوهم في قتائدة و «عذابًا» إما منصوبٌ على أنه مفعولٌ به بعد إسقاط الخافض أي في عذابٍ، أو بفعلٍ مقدرٍ؛ أي نعذبه [به] عذابًا، قاله الراغب. قوله: {كذلك نسلكه في قلوب المجرمين} [الحجر: 12] أي نمكن ذلك تمكينًا لا ينفك عن قلوبهم. س ل ل: قوله تعالى: {قد يعلم الله الذين يتسللون منكم لواذًا} [النور: 63] السل: نزع شيء من شيء، نحو: نزعت السيف من الغمد، وسللته. قال امرؤ القيس: [من الطويل] 740 - وإن تك قد ساءتك مني خليقةٌ ... فسلي ثيابي من ثيابك تنسل وكان النافقون يخرجون من المسجد متوارين بالناس عن أنه يراهم غيرهم. وسل الشيء من البيت: سرقه. والولد سليلٌ لأنه سل من الأب. قوله: {من سلالة من طين} [المؤمنون: 12] السلالة: الصفوة التي استلت من الأرض. وقيل: هي كنايةٌ عن النطفة، وذكر أصلها، وهو الطين، ومرض السل لأنه ينزع اللحم والقوة. وقال عليه الصلاة والسلام: «لا إسلال ولا إغلال» أي لاخيانة ولا سرقة. وقيل: السلالة: القليل من المني. وكل بناء على فعالة دل على التقلل نحو الفضالة والخثارة. وفي المثل: «الخلة تجب السلة» لأن الحاجة توجب السرقة غالبًا. والسلة: سل السيف. قال الشاعر:

[من الرجز] 741 - وذو غرارين سريع السله والسلة هي السل، وقد تقدم. وتسلسل الشيء: اضطراب؛ كأنه تصور منه تسل مترددٌ، تردد لفظه تنبيهًا على تردد معناه. ومنه التسلسل عند أهل الكلام، وهو عدم الانقطاع. ومنه السلة أيضًا. وماءٌ سلسلٌ: مترددٌ في مقره. وقد ذكر الراغب قوله تعالى: {سلسبيلًا} [الإنسان: 18] في هذه المادة أي سهلًا لذيذًا سلسًا حديد الجرية. وقيل: هو اسم عين في الجنة. قال: وذكر بعضهم أنه مركب من: سل سبيلًا كالحوقلة والبسملة. وقيل: هو اسمٌ لكل عين سريعة الجرية. وأسلة اللسان: طرفه الرقيق. س ل م: قوله تعالى: {سلامٌ عليكم} [الأنعام: 54] أي سلامةٌ واقعةٌ عليكم فلا تعذبون ولا تخافون كغيركم من أهل الشقاء. وقيل: معناه السلامة لكم ومعكم. وقيل: معناه الله عليكم، أي حفيظٌ عليكم أو على حفظكم. وقيل: معناه نحن سالمون لكم. وأصل السلام والسلامة: التعري من الآفات الظاهرة والباطنة. ومنه قوله تعالى: {بقلب سليمٍ} [الشعراء: 89] أي متعر عن الدغل؛ فهذا في الباطن. وقوله تعالى: {مسلمة لا شية فيها} [البقرة: 71]. فهذا في الظاهر. ويقال: سلم يسلم سلامًا وسلامةً. وسلمه الله: أوقع به السلامة. قوله: {ادخلوها بسلامٍ} [الحجر: 46] يجوز أن تكون التحية المشار إليها بقوله: {والملائكة يدخلون عليهم من كل باب سلامٌ عليكم} [الرعد 23 - 24]. وأن يريد الأمن من العذاب والسلامة من الآفات، والسلامة الحقيقية ليست إلا في الجنة لأن فيها بقاءً بلا فناءٍ. وغنى بلا فقر، وعزًا بلا ذل، وفرحًا بلا ترح، وسرورًا بلا غم، وصحة بلا سقم. قوله تعالى: {رضوانه سبل السلام} [المائدة: 16] أي طرق الخير المؤدية إلى

السلامة. والمراد به الباري تعالى، أي طرق الله وهي دينه وشرائعه؛ كقوله تعالى: {في سبيل الله} [البقرة: 154]. ومن ورود السلام اسمًا لله تعالى قوله لبيد: [من الطويل] 742 - إلى الحول ثم [اسم] السلام عليكما ... ومن يبك حولًا كاملًا فقد اعتذر وإنما وصف تعالى نفسه بذلك لسلامته من الآفات والنقائص والعيوب التي تلحق الخلق. قوله تعالى: {سلامٌ قولًا من ربٍّ رحيمٍ} [يس: 58] وقوله: {سلامٌ عليكم بما صبرتم} [الرعد: 24] فهذا كله يكون بالقول من الملائكة ومن الناس، ومن الله تعالى بالفعل وهو إعطاؤه أهل الجنة السلامة من الآفات والمنغصات. قوله تعالى: {وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلامًا} [الفرقان: 63] أي سدادًا من القول والمعنى: قالوا قولاً ذا سدادٍ؛ فهو مصدرٌ. وقيل: معناه: نطلب منكم السلامة، فنصبه بفعلٍ مضمرٍ. وقيل: معناه: قالوا قولًا ذا سلامةٍ؛ فهو مصدرٌ أيضًا. قوله تعال: {قالوا سلامًا قال سلامٌ} [هود: 69] فهذا هو التحية. ثم يحتمل أن يكون هذا هو اللفظ بعينه هو القول والمحكي، أو أن يكون: قيل بمعناه، وحكي على المعنى لا على اللفظ، لأن لغته كانت عربيةً، وإنما رفع الخليل «سلامٌ» لأنه أبلغ من النصب لما قرره أهل العلم، كما بينته في غيره هذا. وكأنه امتثل قوله: {فحيوا بأحسن منها} [النساء: 86] قوله تعالى: {إلا قيلًا سلامًا سلامًا} [الواقعة: 26]. قال الراغب: هذا لا يكون بالقول فقط، بل ذلك بالقول والفعل جميعًا. قوله تعالى: {فاصفح عنهم وقل سلامٌ} [الزخرف: 89] هذا في الظاهر أنه يسلم عليهم. وفي الحقيقة سؤال السلامة فيهم. قوله تعالى {سلامٌ على نوحٍ في العالمين} [الصافات: 79] تنبيهٌ منه تعالى أنه جعله وذريته بحيث يثني عليهم ويدعى لهم. قوله تعالى: {ادخلوا في السلم كافة}

[البقرة: 208] قرئ بالفتح والكسر فقيل: هما بمعنى. وقيل: بالفتح «السلام» وبالكسر «الصلح». قوله: {فلم يقاتلوكم وألقوا إليكم السلم} [النساء: 90] هو السلام، وقيل: الاستسلام. وفي التفسير: إنها نزلت فيمن قتل بعد إقراره بالإسلام. وقوله: {يدعون إلى السجود وهم سالمون} [القلم: 43] أي أصحاء لا يمنعهم مانعٌ لأنه روي أنه تصير ظهورهم طبقات فيؤمرون بالسجود فلا يستطيعون. قوله تعالى: {والسلام على من اتبع الهدى} [طه: 47] سلم من عذاب الله. قوله تعالى: {سلامٌ هي حتى مطلع الفجر} [القدر: 5] يعني ليلة القدر ذات سلامٍ لا داء فيها، ولا يستطيع شيطانٌ أن يعمل فيها شيئًا. وقوله تعالى: {وألقوا إلى الله يومئذٍ السلم} [النحل: 87] أي استسملوا لأمره. قوله: {ويلقوا إليكم السلم} [النساء: 91] أي المقادة. قوله {ويسلموا تسليمًا} [النساء: 65] أي ينقادوا لحكمك انقيادًا. يقال: سلم واستسلم: إذا انقاد وخضع. قوله: {فلما أسلما} [الصافات: 103] أي أسلما أمرهما لأمر الله. قوله: {سلامٌ هي} [القدر: 5] أي ليلة القدر ذات سلامةٍ من الآفات، ولذلك لم يستطع شيطانٌ أن يفتن فيها. قوله: {والسلام على من اتبع الهدى} [طه: 47] أي السلامة والأمن لمن اهتدى فلم يضل. قوله: {ورجلًا سلمًا} [الزمر: 29] أي خالصًا لا شرك فيه. وزعم بعضهم أنه اسم عضوٍ. وأنشد: [من الطويل] 743 - يديرونني عن سالم وأديرهم ... وجلدة بين الأنف والعين سالم

وهو غلطٌ؛ إذ المعنى أنه بمنزلة ذلك، وأنه نصب عيني. قوله: {توفني مسلمًا} [يوسف: 101] أي اجعلني ممن استسلم لرضاك. وقيل: معناه اجعلني سالمًا من أسر الشيطان، إشارةٌ إلى قوله تعالى: {ولأغوينهم أجمعين} [الحجر: 39]. قوله: {يحكم بها النبيون الذين أسلموا} [المائدة: 44] أي انقادوا والذين ليسوا من أولي العزم الذين يهتدون بأمر الله تعالى ويأتون بالشرائع؛ قال الراغب. قوله: {فهم مسلمون} [النمل: 81] أي منقادون للحقٌ مذعنون له. والسلم: ما يتوصل به إلى الأمكنة العالية؛ سمي بذلك لأنه ترجى به السلامة. ثم جعل عبارةً عن كل ما يتوصل به إلى شيءٍ رفيعٍ كالنسب. والسلم: شجرٌ عظيمٌ؛ كأنهم اعتقدوا فيه أنه سليمٌ من الآفات، وأن لا يناله أحدٌ. والسلم أيضًا: حجارةٌ صلبةٌ، وكأنها سلمت، الواحدة سلمةٌ. قال الشاعر: [من المنسرح] 744 - ذاك خليلي وذو يواصلني ... يرمى ورائي بامسهم وامسلمه يريد: بالسهم وبالسلمة؛ فأبدل اللام ميمًا. قوله: {ربنا واجعلنا مسلمين لك} [البقرة: 128] أي منقادين مطيعين. قوله: {بقلب سليمٍ} [الشعراء: 89] أي من الشرك. وقيل: سليمٌ: لديغٌ، كأنه إشارةٌ إلى التواضع لله تعالى. وقيل: معناه: أسيرًا من أسلم الرجل، أي ألقى السلم. قوله: {فأخرجنا من كان فيها من المؤمنين فما وجدنا فيها غير بيتٍ من المسلمين} [الذاريات: 35 - 36] استدل به بعضهم على تغاير الإيمان والإسلام وتباينهما في غير هذا. قوله: {وإن جنحوا للسلم} [الأنفال: 61] أي الصلح؛ قرئ بالفتح والكسر. قوله: {مسلمةٌ لا شية فيها} [البقرة: 71] أي هي سالمةٌ من كل عيبٍ. وقيل: من آثار العمل التي تعملها البقر كالحرث والنضح. قوله: {أو سلمًا في السماء} [الأنعام: 35] أي مصعدًا ومرقى يصعد فيه. وفي الحديث: «على كل سلامى من أحدكم صدقةٌ». قال أبو عبيد هو في الأصل عظمٌ في البعير. قيل: معناه على كل

فصل السين والميم

عظمٍ من عظام ابن آدم صدقةٌ، وهو آخر ما يبقى فيه المخ. وفيه: «فاستلم الحجر» أي افتعل ذلك من السلام وهو التحية. ومنه قوله أهل اليمن للركن الأسود المحيا. وقال القتيبي: افتعالٌ من السلام وهي الحجارة، الواحدة سلمةٌ. ويروى البيت المتقدم بكسر اللام. س ل و: قوله تعالى: {وأنزلنا عليكم المن والسلوى} [البقرة: 57]. قيل: هو طائرٌ يشبه السماني ولا واحد له. وقيل: السلوى -هنا -التسلي والسلوان، وهو ما يسلي الإنسان من أحزانه وكمده. قال ابن عباس: المن كان ينزل من السماء. والسلوى: طائرٌ. قال بعضهم: أشار بذلك إلى رزق الله تعالى عباده من النبات واللحوم، فأورد ذلك مثالًا. يقال: سلوت عنه، وسليت وتسليت: إذا زالت عنك محبته. والسلوان: خرزةٌ كانو يحكونها ويشربونها؛ يتداوون بذلك من العشق. ومن مجيء سلي يسلى قول الشاعر: [من الوافر] 745 - إذا ما شئت أن تسلى خليلًا ... فأكثر دونه عد الليالي وقيل: السلوى: العسل. وأنشد: [من الطويل] 746 - وقاسمها بالله جهدًا لأنتم ... ألذ من السلوى إذا ما نشورها فصل السين والميم س م د: قول تعالى: {وأنتم سامدون} [النجم: 61]؛ أي لاهون ساهون. سمد عن كذا أي سها عنه. وعن ابن عباس: مستكبرون. وقيل: خاضعون ذليلون. أي لا تبكون في هذه الحالة، بل في حالة التكبر والتجبر، وأنشد: [من الوافر] 747 - رمى الحدثان نسوة آل سعدٍ ... بمقدارٍ سمدن له سمودًا

فرد شعورهن السود بيضًا ... ورد وجوههن البيض سودا وقيل: سامدون: رافعون رؤوسهم. فيحتمل أن يكون ذلك تكبرًا، وأن يكون غفلةً. وهذه الحالة تكون لهذين الشخصين. قال: سمد يسمد ويسمد: إذا رفع رأسه. وفي الحديث: «أنه خرج والناس ينتظرونه للصلاة، فقال: مالي أراكم سامدين؟» أي قائمين قبل أن يخرج إمامكم. وقيل: سمد رأسه: إذا استأصل شعره. س م ر: قوله تعالى: {سامرًا تهجرون} [المؤمنون: 67]. السامر: الذي يسمر، أي يتحدث ليلًا. يقال؛ سمر سمرًا فهو سامرٌ. والسمر: الليل نفسه. ومنه «لا آتيك السمر ولا القمر». ولا آتيك ما سمر بنا سميرٌ. والأصل: سمارًا. فوضع الواحد موضع الجمع. والسامر أيضًا: الليل المظلم، وكأنه من باب قولهم: نهارٌ صائمٌ، على المجاز. وقيل: سمر الحديث، لأنه يكون من السمر، وهو ظل القمر، وهو مأخوذٌ من السمرة. والسمرة: أحد الألوان المركبة من البياض والسواد. والسمرة: الحنظلة للونها. والسمار: اللبن الرقيق المتغير اللون. والسمرة: شجرةٌ سميت بذلك للونها جمعها سمرات. قال امرؤ القيس: [من الطويل] 748 - كأني غداة البين يوم تحملوا ... لدى سمرات الحي ناقف حنظل وقيل: السامر: اسم جمعٍ كالحاضر ونحوه. ومنه قوله: [من الطويل] 749 - كأن لم يكن بين الحجون إلى الصفا ... أنيسٌ، ولم يسمر بمكة سامر

ويقال: إبلٌ مسمرة، أي مهملة. والسامري: منسوب إلى قريةٍ يقال لها سامرة. وقيل إلى رجلٍ، وسمر أعينهم، أي حمى مسامير ووضعها في أعينهم. س م ع: قوله تعالى: {واسمع غير مسمع} [النساء: 46] كانوا اليهود لعنهم الله، يقولون له: اسمع ظاهرًا، وفي أنفسهم: لا سمعت. وقيل: معناه: غير مجاب إلى ما تدعونا إليه. ومنه قوله: «الله إني أعوذ بك من دعاءٍ لا يسمع» أي لا يجاب. وقول المصلي: «سمع الله لمن حمده» أي أجابه وقبله. وإنما قيل ذلك لأن غرض الداعي قبول دعائه وإجابته، فأوقع السماع موقع الإجابة والقبول. والسمع في الأصل: قوةٌ في الأذن تدرك بها المسموعات، وهو أيضًا مصدر سمع يسمع فهو سامعٌ. ويعبر به تارةً عن الذات فيقال: صم سمعه ومنه قوله تعالى: {ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم} [البقرة: 7]. وقوله: {إنهم عن السمع لمعزولون} [الشعراء: 212]. فالمراد المصدر، ويعبر به تارة عن الفهم وتارةً عن الطاعة. ومنه قولهم: ما أسمع ما قلت. أي لم أفهم أو لم أطع. قوله: {سمعنا وأطعنا} [البقرة: 285] أي فهمنا وامتثلنا عكس من قال فيهم: {سمعنا وعصينا} [البقرة: 93]. وقوله: {كالذين قالوا سمعنا وهم لا يسمعون} [الأنفال: 21] أي يدعون الفهم وهم غير فاهمين، وهم عاصون أو وهم غير عاملين بموجب ما سمعوا. ولما لم يعملوا بموجبه جعلوا صمًا. وقوله: {والله سميعٌ عليمٌ} [البقرة: 224] فسمعه تعالى علمه. وعدم فوته شيءٌ من المسموعات تعالى الله عن الحاسة علوًا كبيرًا، وهو مثال مبالغة محول من سامع، وقيل: من مسمع، ولذلك عدي في قولهم: إن الله سميعٌ دعاؤه. وقوله: [من الوافر] 750 - أمن ريحانة الداعي السميع ... يؤرقني وأصحابي هجوع

وقوله: {ولو علم الله فيهم خيرًا لأسمعهم ولو أسمعهم لتولوا} [الأنفال: 23] أي لأفهمهم. وجعل لهم قوةً يفهمون بها. وقيل: معناه يوفقهم توفيق من ينتفع بسمعه. وقولهم: أسمع الله فلانًا، يحتمل الدعاء للإنسان والدعاء عليه. فمن الأول: أسمعه أي لا أزال سمعه. ومن الثاني أسمعه أي أزال سمعه. فالهمزة للسلب. ويقال: أسمعت فلانًا أي سببته. فالإسماع متعارفٌ في السب. وإذا وصف تعالى نفسه بالسمع فالمراد علمه بالمسموعات، وإحاطته بها، وتحريه للمجازاة بها. قوله: {إنك لا تسمع الموتى} [النمل: 80] أي لا تفهم هؤلاء الجهلة لأنهم كالموتى في عدم الانتفاع بأسماعهم. وقوله: {أبصر به وأسمع ما لهم من دونه من ولي} [الكهف: 26] معناه أن من وقف على عجائب حكمته وبدائع صنعته يتعجب من ذلك. والله تعالى لا يوصف إلا بما ورد به السمع. وقوله: {أسمع بهم وأبصر يوم يأتوننا} [مريم: 38] معناه أنهم يسمعون ذلك اليوم ما كانوا عنه صمًا وعميًا. كقوله: {فبصرك اليوم حديد} [ق: 22]. قوله: {وسماعون للكذب} [المائدة: 41] أي يسمعون منك لأجل أن يكذبوا {سماعون لقومٍ آخرين} [المائدة: 41]. أي يسمعون لمكانهم. قوله: {أمن يملك السمع والأبصار} [يونس: 31] أي من الموجد لأسماعهم وأبصارهم والمتولي لحفظها. قوله: {إنما يستجيب الذين يسمعون} [الأنعام: 36] أي الذين يصغون إليك إصغاء الطاعة والقبول. قوله: {ما كانوا يستطيعون السمع} [هود: 20] أي كانوا يعرضون عما يسمعون ولا يلقون له بالًا. قوله: {وكانوا لا يستطيعون سمعًا} [الكهف: 10] أي لا يقدرون أين يسمعوا ما يتلى عليهم لشدة بغضهم في التالي -صلى الله عليه وسلم -. قوله: {وفيكم سماعون لهم} [التوبة: 47] أي مطيعون. وقيل: متجسسون للأخبار. وفي الحديث: «من سمع الناس بعمله سمع الله به سامع خلقه». قال أبو عبيدة: يقال: سمعت بالرجل: إذا ندرت به وشهرته. ويروى: «سامع خلقه» و «أسامع» مصدر.

فعلى الأول يكون «سامع» نعتًا للباري أو بدلًا إذ لم تجعل الإضافة محضةً. وعلى الثاني يكون أسامع جمع أسمعٍ، وأسمعٌ جمع سميعٍ، نحو أكالب جمع أكلبٍ وأكلبٌ جمع كلبٍ. يريد أن الله يسمع به أسماع خلقه، إذ تظهر سريرته الخبيثة في الدنيا والآخرة. والمِسْمَعُ والمَسْمَعُ: خرق الأذن. وفي حدث عثمان: «أترونني أكلمه سمعكم» أي بحيث تسمعون. وأنشد لجندل بن المثنى الطهوي: [من الرجز] 751 - حتى إذا أخرس كل طائر ... قامت تعنظي بك سمع الحاضر أي بحيث تسمع من حضر. والمسمع: مكان السمع وزمانه ومصدره. وأنشد: [من الطويل] 752 - حمامة جرعا حومة الجندل اسجعي ... فأنت بمرأى من سعادٍ ومسمعي س م ك: السمك: معروفٌ. والسمك: الرفع. وسمكت البيت: رفعته. وقيل للسماوات مسموكات لارتفاعها. قال الفرزدق: [من الكامل] 753 - إن الذي سمك السماء بنى لنا ... بيتًا دعائمه أعز وأطول وسنامٌ سامكٌ تامكٌ أي مرتفعٌ. ومنه قوله تعالى: {رفع سمكها فسواها} [النازعات: 28]. س م ن: قوله تعالى: {إني أرى سبع بقراتٍ سمانٍ} [يوسف: 43]؛ جمع سمينة وسمين

أيضًا، نحو ظراف في ظريفةٍ وظريفٍ. والسمن: امتلاء الجسد ضد الهزال. وسمنته: جعلته سمينًا وأسمنته كذلك، أو وجدته كذلك أو أعطيته كذلك. واستسمنته: وجدته سمينًا، كذا قاله الراغب. والظاهر أن المعنى: طلبته سمينًا. ويكنى بالتسمن عن التكثر بما ليس فيه. وفي الحديث: «يكون في آخر الزمان قومٌ يتسمنون» أي يتكثرون بما ليس فيهم، ويدعون ما ليس فيه من الشرف. والسمنة: دواءٌ يتسمن به النساء. والسماني: طائرٌ معروف. س م م: قوله تعالى: {في سم الخياط} [الأعراف: 40] هو ثقب الإبرة وخرمها. وقيل: هو كل ثقبٍ ضيقٍ كثقب الإبرة وثقب الأنف والأذن. وهو بفتح السين وضمها. ولم يقرأ إلا بالفتح. والجمع سمومٌ. وسمه: أدخله فيه. والسامة: الحاجة، وهم الدخيل الذين يدخلون بواطن الأمور. والسم: القاتل، هو مصدرٌ في معنى الفاعل؛ فإنه يلطف تأثيره، ويدخل في بواطن الأمور. وقيل للريح الحارة: سمومٌ، لأنها تؤثر تأثير السم. س م و: قوله تعالى: {ثم استوى إلى السماء} [البقرة: 29]. السماء كل ما علاك فأظلك من سقف ونحوه. وعليه قوله تعالى: {وجعلنا السماء سقفًا محفوظًا} [الأنبياء: 32] ولفظها مفردٌ والمراد به جمعٌ بدليل قوله: {فسواهن} [البقرة: 29]. وهمزتها عن واوٍ لأنها من سما يسموا أي ارتفع. ويجمع تكسيرًا على أسميةٍ نحو كساءٍ وأكسيةٍ. وقيل: للسحاب سماءٌ لارتفاعه، ثم يعبر به عن الماء، ويعبر به عن النبات لأنه سببه، كقوله: [من الوافر]

754 - إذا نزل السماء بأرض قومٍ ... رعيناه وإن كانوا غضابا وقوله: {هل تعلم له سميًا} [مريم: 65] أي مثلًا. وقيل: من يتسمى باسمه. قيل: لم يتجاسر أحدٌ أن يتسمى بالله. قوله: {لم نجعل له من قبل سميا} [مريم: 7] قيل: مثلًا. وقيل: لم يتسم أحدٌ بيحيى. قوله تعالى: {وعلم آدم الأسماء كلها} [البقرة: 31]. قيل: الأسماء هنا المسميات بدليل: ثم عرضهم». وقيل: مسميات الأشياء التي تعرف بها. وقال الأزهري: أسماء ما خلق من حيوان ونبات ومعدن، ثم عرض تلك الأشخاص عليهم. واختلف الناس في اشتقاقه فقيل: من السمو، وهو قول البصريين. وقيل: من الوسم، وهو قول الكوفيين. وقال ثعلبٌ: هو من سميت؛ جعل لامه ياءً فيمن قال: سم بكسر الفاء. وقد حققت هذه المذاهب في غير هذا. وهمزته همزة وصلٍ، وقد ثبتت درجًا. قال: [من الطويل] 755 - وما أنا بالمخسوس في جذم مالكٍ ... ولا من تسمى ثم يلتزم بالإسما قال بعضهم: كلٌ: سماءٍ إلى ما دونها سماءٌ، وبالإضافة إلى ما فوقها أرضٌ إلا السماء العليا فسماءٌ بلا أرضٍ. قال الراغبٌ: وعليه حمل قوله تعالى: {والله الذي خلق سبع سماوات ومن الأرض مثلهن} [الطلاق: 12]. والسماء تذكر وتؤنث. ومن التذكير قوله: [من الوافر] 657 - فلو رفع السماء إليه قومًا فالهاء في «إليه» للسماء. وقيل: إن أريد بالسماء هذه المظلة فمؤنثةٌ فقط، وإن أريد بها الماء والنبات فمذكرٌ كقوله: {السماء منفطرٌ به} [المزمل: 18]. والبيت

فصل السين والنون

المتقدم يرد هذا. والسماوة: الشخص العالي. قال: [من الرجز] 757 - سماوة الهلال حتى احقوقفا قوله: {ما تعبدون من دونه إلا أسماء سميتموها} [يوسف: 40] يعني أن الأسماء التي تذكرونها ليس لها مسميات، وإنما هي أسماء لا حقائق لها؛ إذ كان حقيقة ما يعتقدون في الأصنام بحسب تلك الأسماء غير موجود فيها. وقوله تعالى: {وجعلوا لله شركاء قل سموهم} [الرعد: 33]. ليس المعنى: اذكروا أساميها فقولوا: اللات والعزى وهبل ونحو ذلك، وإنما المعنى أظهروا حقيقة ما تدعون فيها من الإلهية، وإنكم هل تجدون تحقيق ذلك فيها؟ ولهذا قال بعده: {أم تنبئونه بما لا يعلم أم بظاهر من القول} [الرعد: 33]. قوله تعالى: {تبارك اسم ربك} [الرحمن: 78] أي يتزايد خيره وإنعامه. والمعنى أن البركة والنعمة الفائضة في صفاته إذا اعتبرت، وذلك نحو الكريم العالم الرحمن الرحيم. وقوله: {هل تعلم له سميًا} [مريم: 65] أي نظيرًا له يستحق اسمه، وموصوفًا يستحق صفاته على التحقيق. وليس معنى: هل تجد من تسم باسمه، إذ كان كثيرٌ من أسمائه قد يطلق على غيره، ولكن معناه ليس إذا استعمل فيه كان معناه إذا استعمل في غيره. فصل السين والنون س ن م: قوله تعالى: {ومزاجه من تسنيم} [المطففين: 27] قيل: هو عينٌ في الجنة رفيع القدر. وبه فسر قوله تعالى: {عينًا يشرب به عباد الله} [الإنسان: 6] و {عينًا يشرب بها المقربون} [المطففين: 27]. وقيل: معناه من ماءٍ متسنمٍ، أي عنيًا تأتيهم من علو تتسنم عليهم من الغرف. والتسنيم: العلو. وقال الفراء: أراد من ماء سنمٍ؛ سنم عينًا في عينين. قال: وتسنيمٌ معرفةٌ وإن كان اسمًا للماء وعينًا نكرة فخرجتا نصبًا. وفي حديث لقمان بن عاد: «كان يهب المئة السنمة» أي العظيمة السنام.

س ن ن: قوله تعالى: {قد خلت من قبلكم سننٌ} [آل عمران: 137]؛ أي طرائق، جمع سنة. والسنة: الطريقة، والمعنى: أهل سننٍ. أو عبر بها عنهم تجوزًا. وقوله عليه الصلاة والسلام: «سنوا بهم سنة أهل الكتاب» أي اسلكوا بهم مسلكهم وطريقهم. وسنة النبي -صلى الله عليه وسلم -: طريقته التي كان يتحراها. ومنه سنة الله أي طريقة شرائعه. وتطلق باعتبار طريقة حكمته وطريقة شرائعه وطاعاته. وقوله تعالى: {ولن تجد لسنة الله تبديلًا} [الأحزاب: 62] {ولن تجد لسنة الله تحويلًا} [فاطر: 43] فيه تنبه أن فروع الشرائع وإن اختلفت صورها فالغرض المقصود منها لا يختلف ولا يتبدل، وهو التوحيد وتطهير النفس وترشيحها للوصول إلى ثواب الله وجواره. وقوله تعالى: {والسن بالسن} [المائدة: 45] معروفٌ، وجمعها أسنانٌ، وهي اثنان وثلاثون سنًا؛ أربع ثنايا، وأربع رباعيات، وأربعة أنياب، وأربعة ضواحك، واثني عشر رحى، وأربعة نواجذ. وترتيبها كما ذكرته. والنواجذ: أضراس الحلم. وسان البعير الناقة: عارضها حتى أبركها. والسنون: دواءٌ تعالج به الأسنان. قوله تعالى: {من حمإٍ مسنونٍ} [الحجر: 26] قيل: معناه مصبوبٌ. وأصله من سننت الحديد، أي أسلته وحددته. والمسن: الآلة فباعتبار هذا الأصل قيل: سننت الماء، أي صببته وأسلته. وقيل: معناه متغيرٌ منتنٌ. ومنه قوله تعالى: {لم يتسنه} [البقرة: 259] أي لم يتغير ولم ينتن. والأصل: يتسنن، فأبدل أحد الأمثال حرف علة. س ن هـ: قوله تعالى: {ألف سنة} [البقرة: 96]. السنة: الحول اثنا عشر شهرًا، وأصلها سنهةٌ في إحدى اللغتين، وسنوةٌ في اللغة الأخرى. فمن الأولى: سانهت، وسنيهة. ومن الثاني: سانيت، وسنية. وشذ جمعها سلامةً في قولهم: هذه سنون، ورأيت سنين. وقد يعرب بالحركات مع التاء. وعليه قوله الصلاة والسلام في إحدى الروايتين: «اللهم

اجعلها عليهم سنينًا كسني يوسف» وقول الآخر: [من الطويل] 758 - دعاني من نجدٍ فإن سنينه ... لعبن بنا شيبًا وشيبننا مردا فمن ثم لم تحذف نونه للإضافة. وتحقيق العبارة فيه أنه جمع تكسير جرى مجرى الصحيح. ولنا فيه كلامٌ مشبعٌ في غير هذا. قوله: {لم يتسنه} [البقرة: 259] وقيل: هو من لفظة السنة على اللغة الأولى، والمعنى: لم يتغير بمر السنين عليه ولم تذهب طراوته. وقيل: من الثانية، والهاء للسكت. وغلبت السنة في الحول المجدب، والعام في المخصب. ولذلك قال: {ولقد أخذنا آل فرعون بالسنين} [الأعراف: 130]. وقال: {ثم يأتي من بعد ذلك عامٌ فيه يغاث الناس في يعصرون} [يوسف: 49]. وفي حديث عمر: «كان لا يجيز نكاح عام السنة»، ويقول: الضيقة تحملهم أن ينكحوا غير الأكفاء. و: «كان لا يقطع في عام السنة» يعني لشدة الضيق. وقيل: أسنت القوم، أي أصابتهم السنة، وليس من هذه المادة؛ لأن التاء أصلٌ. وفي الحديث: «كان القوم مسنتين» وروي: مشتين أي داخلين في الشتاء؛ وليس بمحفوظٍ. فيجوز أن يكون قد صحف. وقال آخر: [من الكامل] 759 - عمرو الذي هشم الثريد لقومه ... ورجال مكة مسنتون عجاف وأما قوله تعالى: {لا تأخذه سنةٌ ولا نومٌ} [البقرة: 255] فمن الوسن، وسيأتي إن شاء الله تعالى. وليس من هذه المادة. س ن و: قوله تعالى: {يكاد سنا برقه} [النور: 43] السنا بالقصر: الضوء الساطع،

فصل السين والهاء

وبالمد: الشرف والرفعة. وقد جمع بينهما من قال: [من الرمل] 760 - أيها البدر سناءً وسنًا ... حفظ الله زمانًا أطلعك والسانية: الناضح التي تسقي الأرض. يقال: سنا يسنو أي سقى الأرض بالسانية. والسنا أيضًا: النبات المسهل له حملٌ، إذا يبس حركته الريح فسمعت له زجلًا، الواحدة سناة. وسنا أيضًا بمعنى حسن. ومنه قوله عليه الصلاة والسلام: «سنا سنا» أي حسنٌ حسنٌ قيل: هي لغة يمنيةٌ. فصل السين والهاء س هـ ر: قوله تعالى: {فإذا هم بالساهرة} [النازعات: 14] قيل: هي أرضٌ بيضاء لم يعص الله عليها. وقيل وجه الأرض. وقيل: الأرض المستوية. والسهر: عدم النوم. فكان أرض القيامة من كثرة الوطء عليها سهرت من ذلك والأسهران: عرقان معروفان. س هـ ل: السهولة ضد الصعوبة. أسهل الأمر سهولة فهو سهلٌ. والسهل ضد الحزن. وأسهل دخل في السهل، كأنجد دخل نجدًا. وسهيلٌ: نجمٌ معروفٌ. س هـ م: قوله: {فساهم} [الصافات: 141] أي قارع، أي خرج السهم عليه لا له. والسهم أيضًا: القدح الذي كانوا يقتسمون به، وهي عشرةٌ قد ذكرناها وذكرنا اختلاف الناس في كيفية فعلهم في الجاهلية في «الأحكام» و «التفسير». والسهم: النصيب.

فصل السين والواو

ويطلق على الجزاء أيضًا، وسهم وجهه، أي تغير. وكان الأصلٌ فيه أن وجه الرجل إذا ضرب له بالسهم يتغير إذ لا يدري ماذا يخرج له من خيرٍ أو شر. وفي الحديث: «فدخل على ساهم الوجه». فصل السين والواو س وا: قوله تعالى: {لا يمسهم السوء} [الزمر: 61]. السوء: كل ما يغم الإنسان من الأمور الأخروية والدنيوية كفقد مالٍ أو حميمٍ. ويكنى به عن البرص لإساءة صاحبه. وبه فسر قوله تعالى: {تخرج بيضاء من غير سوءٍ} [القصص: 32]. وقيل: سليمةٌ من كل آفة. والسوء أيضًا: كل ما يقبح. ولهذا قوبل بالحسنى. وقوله: {ثم كان عاقبة الذين أساؤوا السوأى} [الروم: 10] والسيئة: الفعلة القبيحة، صفةٌ في الأصل جرت مجرى الجوامد كالحسنة. ووزن السيئة فعليةٌ. والأصل سيوئة فأعلت كميتٍ وسيدٍ. ثم الحسنة والسيئة ضربان؛ ضربٌ يقال باعتبار العقل والشرع، كقوله تعالى: {من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها ومن جاء بالسيئة فلا يجزى إلا مثلها} [الأنعام: 160]. وضربٌ يقال باعتبار الطبع مما يستخفه أو يستثقله، كقوله تعالى: {فإذا جاءتهم الحسنة قالوا لنا هذه وإن تصبهم سيئةٌ} [الأعراف: 131]. وقوله: {إن تصبك حسنةٌ تسؤهم وإن تصبك مصيبةٌ يقولوا} [التوبة: 50]. وساءه كذا، وأسأت إلى فلانٍ، أي أدخلت عليه السوء. ويقال: سأى وهو مقلوبٌ من ساء كناء ونأى. وساء يكون قاصرًا إذا كان للذم بمعنى بئس، فيلزم فيه ما يلزم فيه، كقوله تعالى: {ساء مثلًا القوم} [الأعراف: 177]، ومتعديًا إذا لم يكن كذلك.

ومنه قوله تعالى: {سيئت وجوه الذين كفروا} [الملك: 27]؛ إذ لا يبنى للمفعول على التمام إلا المتعدي. وتقول: ساءني كذا، وسرني كذا. وقال تعالى: {إن تصبك حسنةٌ تسؤهم} [التوبة: 50]. قوله تعالى: {إنما يأمركم بالسوء} [البقرة: 169] يريد: بما تسيئهم عاقبته في الآخرة. والسوءة: العورة، لأنها تسوء من ينظرها، أو تسيء من تظهر منه لاستكراه ذلك طبعًا. وقوله تعالى: {فبعث الله غرابًا يبحث في الأرض ليريه كيف يواري سوءة أخيه} [المائدة: 31] يريد: ما ساءه فيها وهي رمته حين أنتن. وقوله: {ثم كان عاقبة الذين أساؤوا السوأى} [الروم: 10] فأساؤوا بمعنى أشركوا. السوأى: النار، إذا لم تجعلها مصدرًا لأساء. قوله تعالى: {ويخافون سوء الحساب} [الرعد: 21] هو أن لا تقبل لهم حسنةٌ ولا تغفر لهم سيئةٌ. وقوله: {ثم بدلنا مكان السيئة الحسنة} [الأعراف: 95] أي مكان الجدب، والحسنة: الحيا. قوله: {ويستعجلونك بالسيئة قبل الحسنة} [الرعد: 6] أي بالعذاب، كقوله: {وأمطرنا عليها حجارةً} [هود: 82]. وقوله تعالى: {سيئت وجوه الذين كفروا} [الملك: 27] إنما بني الفعل مسندًا إلى الوجوه تبنيهًا أنهم ساءهم ذلك حتى تبين أثره في وجوههم. قوله تعالى: {كل ذلك كان سيئه عند ربك مكروهًا} [الإسراء: 38] قرئ «سيئه» و «سيئةً». فالأولى بمعنى كان جمع المنهيات والثانية أن الإشارة إلى كل ما تقدم، وفيه سيءٌ وغير سيءٍ. وقوله: {سيء بهم وضاق بهم} [هود: 77] أي حل بهم ما يسوءهم. قوله: {دائرة السوء} [التوبة: 98] قرئ بالضم والفتح. أي أحاط بهم السوء إحاطة الدائرة بالشيء، فلا انفلات لهم منه. ولنا فيه

كلامٌ مشبعٌ في «الدر» و «العقد» وغيرهما. قوله: {وإذا أراد الله بقومٍ سوءًا} [الرعد: 11] أي هلكةً ونحوها. س ود: قوله تعالى: {يوم تبيض وجوهٌ وتسود وجوهٌ} [آل عمران: 106]. السواد: حمله بعضهم على حقيقته، وهو اللون المعروف والمقول في تعريفه: اللون القابض للبصر عكس البياض فإنه المفرق للبصر. وقال: هو أن الله تعالى يسود وجوههم تسويدًا محسوسًا ليعرفهم أهل المحشر. وعليه قوله: {ووجوهٌ يومئذ عليها غبرةٌ ترهقها قترةٌ} [عبس: 40 و 41]. وقيل: ابيضاض الوجوه واسودادها، كنايةٌ عن الإيمان والكفر وأثرهما، وذلك أن وجه الصادق المطمئن يستنير بضوءٍ. ووجه الكاذب الخائف كأنما نسف رمادًا. قوله تعالى: {وسيدًا} [آل عمران: 39] السيد: من ساد قومه أي فاقهم. وأصله سيود فاعل، وأصل ذلك من قولهم: سواد الناس، يعنون أشخاصهم. ولا يفارق سوادي سواده، أي شخصي شخصه، فكأنه قام مقام جماعةٍ. والسيد: البعل أيضًا، ومنه قوله تعالى: {وألفيا سيدها} [يوسف: 25] أي بعلها. وقوله تعالى: {إن أطعنا سادتنا وكبراءنا} [الأحزاب: 67] أي متولو أمورنا. س ور: قوله تعالى: {فأتوا بسورةٍ} [البقرة: 23]. السورة من القرآن: القطعة منه المفتتحة بالبسملة المختتمة بخاتمتها. سميت بذلك لأنها محيطةٌ إحاطة السور بالمدينة. وقيل: سميت بذلك لرفعتها. والسورة: المنزلة الرفيعة. قال النابغة: [من الطويل]

761 - ألم تر أن الله أعطاك سورةً ... ترى كل ملك دونها يتذبذب؟ وقيل: لأنها منزلةٌ من منازل القرآن كمنازل القمر، كذا قاله الراغب وليس بظاهرٍ. وقيل: أصلها سورةٌ مهموزة، من أسأرت أي أبقيت. قال: [من البسيط] 762 - لا بالحصور ولا فيها بسأار وقيل: إنها بقيةٌ من القرآن، وحينئذ فليست مما نحن فيه. قوله تعالى: {أساور} [الكهف: 31] وقرئ: «أسورةً» جمع أسوار، وهو مما يجعل في معصم المرأة. وقيل: هو فارسي معرب، وأصله أسوار. والأسوار من الفرسان غلب في الرامي منهم. والسورة. شدة الغضب. قال الشاعر: [من الطويل] 763 - خذي العفو مني تستديمي مودتي ... ولا تنطقي في سورتي حين أغضب فالسورة أيضًا: حدة الشيء، ومنه: يكسر سورة الجوع. وساوره أي واثبه. قال النابغة: [من الطويل] 764 - فبت كأني ساورتني ضئيلةٌ ... من الرقش في أنيابها السم ناقع ويقال للمعربد من السكر: سوار، لأنه يثب على الناس. وعلى ذلك روي قوله: [من البسيط] 765 - لا بالحصور ولا فيها بسوار أي شديد الغضب والوثبة على جلسائه.

س وط: قوله تعالى: {سوط عذاب} [الفجر: 13]. السوط في الأصل مصدر ساطه يسوطه أي خلطه، كقول كعب بن زهير: [من البسيط] 766 - لكنه خلةٌ قد سيط من دمها ... فجعٌ وولعٌ وإخلافٌ وتبديل فسمي به هذه الآلة المعروفة التي يعاقب بها، وهو ما يضفر من الجلود لأنه يخلط اللحم بالدم. فقوله: {سوط عذابٍ} على التشبيه بما يعرفون ألمه وإيجاعه، وإلا فشتان ما بين السوطين! وما أبلغ هذه الاستعارة عند أهل الذوق! وقيل: سمي سوطًا لاختلاط طاقاته بعضها ببعضٍ. وقيل: إشارة إلى أنه تعالى خلط لهم أنواع العذاب بعضها ببعضٍ، كقوله: {فليذوقوه حميمٌ وغساقٌ وآخر من شكله أزواجٌ} [ص: 56 و 57]. وقال الفراء: السوط اسمٌ للعذاب وإن لم يكن ثم ضربٌ بسوطٍ، والأول هو المعول عليه. س وع: قوله تعالى: {إن الساعة آتيةٌ} [طه: 15] يعني يوم القيامة. والساعة في الأصل: القطعة من الزمان وإن قصر. وعبر به عن القيامة وإن كانت متطاولة الأزمنة لقوله: {وإن يومًا عند ربك كألف سنةٍ مما تعدون} [الحج: 47] تنبيهًا على سرعة الحساب. وإنه تعالى لا يفوته شيءٌ من أعمال خلقه من صالح وسيءٍ. فهو يجازي الفريقين في أسرع زمان في ظنكم. وعلى ذلك نبه بقوله تعالى: {كأنهم يوم يرون ما يوعدون لم يلبثوا إلا ساعةٌ من نهارٍ} [الأحقاف: 35]. والساعة عند أهل الفلك زمنٌ مخصوصٌ. وقوله تعالى: {وهو أسرع الحاسبين} [الأنعام: 62] منبهٌ على ما تقدم. وقوله تعالى: {ويوم تقوم الساعة يقسم المجرمون ما لبثوا غير ساعةٍ} [الروم: 55]؛ فالساعة الأولى القيامة، والثانية القليل من الزمان. وقيل: الساعات التي هي

القيامة ثلاثٌ: الساعة الكبرى، وهي بعث الناس للقيامة والمحاسبة. وقد أشار النبي -صلى الله عليه وسلم -إليها بقوله: «لا تقوم الساعة حتى يظهر الفحش والتفحش، وحتى يعبد الدرهم والدينار». فذكر أمورًا لم تكن في زمانه ولا فيما بعده مما يقرب منه. والساعة الوسطى، وهي موت أهل القرن الواحد، نحو ما روي عنه -صلى الله عليه وسلم -، وقد رأى عبد الله بن أنيسٍ فقال: «إن يطل عمر هذا الغلام لم يمت حتى تقوم الساعة». فيقال: إنه آخر من مات من الصحابة رضي الله عنهم أجمعين. والساعة الصغرى، وهي موت الإنسان؛ قيل: وهي المرادة هنا بقوله تعالى: {حتى إذا جاءتهم الساعة بغتةً قالوا يا حسرتنا} [الأنعام: 31] لأن من المعلوم [أن] مثل هذه الحسرة تنال الإنسان عند موته. ويجوز أن يراد القيامة. وفي الحديث: «من مات فقد قامت قيامته» وقوله: {وأنفقوا مما رزقناكم من قبل أن يأتي أحدكم الموت فيقول رب لولا أخرتني إلى أجل قريب} [المنافقون: 10]. وكان -صلى الله عليه وسلم -إذا هبت ريحٌ شديدةٌ تغير لونه ويقول: «تخوفت الساعة». وكان -صلى الله عليه وسلم -يقول: «ما أمد طرفي ولا أغمضها إلا وأظن الساعة قد قامت». فهذا كله يدل على أن المراد بالساعة حين موت الإنسان، ويحتمل أن يكون ذلك منبهًا على القرب، لأن ما هو آتٍ قريبٌ لقوله تعالى: {وما أمر الساعة إلا كلمح البصر أو هو أقرب} [النحل: 77]. ولا ترد في القرآن إلا مرادًا بها القيامة. وعين الساعة واوٌ بدليل قولهم: عاملته مساوعةً، نحو: معاومةً ومشاهرةً. وقولهم: جاد بعد سوع من الليل وسواع، أي هدءٍ. وتصور من الساعة الإهمال. فقيل: أسعت الإبل أسيعها، فهو ضائعٌ وسائعٌ.

قوله: {ولا تذرن ودًا ولا سواعًا} [نوح: 23] سواعٌ: اسم صنم. ويقال: إنه اسم رجلٍ صالح كان في زمن نوح، عمل قومه مثل صورته وصورة أصحابه ليتذكروا عبادتهم فيعيدونها، فجاء إبليس وقال لأعقابهم الأغمار: كان آباؤكم يعبدونها. فمن ثم اتخذت الأصنام. وفي ذلك نظرٌ؛ إذ كان يلزم منع صرفه للجمعة الشخصية والعلمية. س وغ: قوله تعالى: {سائغًا للشاربين} [النحل: 66] أي سهل الانحدار والدخول. ساغ الشراب يسوغ سوغًا، قال الشاعر: [من الوافر] 767 - فساغ لي الشراب وكنت قبلًا ... أكاد أغص بالماء القراح وأسغت لزيد شرابه، وسوغته مالًا: أعطيته إياه بسهولةٍ. وفلانٌ سوغ أخيه: إذا ولد على إثره، تشبيهًا بذلك. واستعير في الجواز، فقيل: ساغ له أن يفعل، ولم يسغ له ان يفعل. س وف: قوله تعالى: {فسوف تعلمون} [الأنعام: 135]. سوف: حرف تنفيس وتراخ في الزمان يخلص المضارع للاستقبال بعد احتماله للزمنين. وفي قوله: {فسوف تعلمون} تنبيهٌ أن ما يطلبونه وإن لم يكن حاصلًا الآن فهو آتٍ لا محالة. وفي عبارة بعضهم: إنها أكثر تراخيًا من السين، كأنه نظر إلى كثرة الحروف، وهذا يشبه ما قالوه في أن التوكيد بالنون الشديدة آكد منه بالخفيفة. وكما قالوا في {الرحمن} إنه أبلغ من {الرحيم}، وباعتبار المماطلة والتأخر قالوا: سوفته، أي وعدته وعدًا ما طلته بوفائه وقلت له: سوف أفعل كذا. والسوف: شم التراب: ومنه قيل: علوم العرب ثلاثةٌ: القيافة، والعيافة، والسيافة. قال امرؤ القيس: [من الطويل] 768 - على لا حب لا يهتدي بمناره ... إذا سافه العود النباطي جرجرا

يريد: إذا شمه. ومسافة الطريق من ذلك، لأن الدليل: يسوف ترابها. والسواف: مرض إبل يشارف بها الهلاك إما لأنها تشم الموت أو يشمها الموت. والأسواف: حرم المدينة. س وق: قوله تعالى: {والتفت الساق بالساق} [القيامة: 29]. قيل: المراد به الكناية عن التفاف ساقي الميت في كفنه. وقيل: هذا كنايةٌ عن شدة الأمر وتفاقمه. أي اتصلت شدة الدنيا بشدة الآخرة. وقوله: {يكشف عن ساقٍ} [القلم: 42] كنايةٌ عن ظهور شدائد يوم القيامة، وهو قول الجمهور عن ابن عباس وغيره. وفي حديث معاوية بن أبي سفيان قال: «خاصم رجلٌ ابن أخي فجعلت أحجه. فقال: أنت كما قال أبو داؤد»: [من البسيط]. 769 - إني أتيح له حرباء تنضبةٍ ... لا يرسل الساق إلا ممسكًا ساقا أراد أنه لا تنقضي له حجةٌ حتى يتعلق بأخرى، تشبيهًا بالحرباء في تعلقها بساقها في شجرة ونحوها. ويعبر بالساق عن النفس في قول بعضهم. وجعل منه قول علي رضي الله عنه: «ولو تلفت ساقي». وقيل في قوله تعالى: «والتفت الساق بالساق» هو أن يموت صاحبهما فلا يحملانه بعد أن كانا حاملين له: وقال ابن الأعرابي: الساق: شدة الدنيا والآخر. قال الراغب. قال أبو القاسم الاصبهاني: والأصل فيه أن يموت ولد الناقة في بطنها، فيدخل المذمر يده في رحمها، فيخرجه ميتًا، فيجره بساقه. واليتن: الذي يخرج رجليه أولًا عند الولادة. فجعل ذلك كنايةً عن كل أمرٍ فظيعٍ. قوله: {فاستوى على سوقه} [الفتح: 29] هو جمع ساقٍ، نحو: لابةٍ ولابٍ. وقرئ «سؤقه» بهمزةٍ بدل الواو وبو اوٍ بعد هذه الهمزة. ورجلٌ أسوقٌ وامرأةٌ سوقاء:

عظيم الساقين. قوله تعالى: {كأنما يساقون إلى الموت} [الأنفال: 6] هو من سقت الإبل، أي زجرتها لتسرع. وسقت المهر من ذلك، لأنهم كانوا يصدقون الإبل فيسوقونها للزوجات. فغلب في كل ما يمهر ويعطى، وإن لم يكن من الإبل. والسوق من الساق لأن بها يسعى. قوله تعالى: {وجاءت كل نفسٍ معها سائقٌ وشهيدٌ} [ق: 12] قيل: ملكان أحدهما يسوقه للحشر، والآخر يشهد عليه. وقيل: هو كقوله: {كأنما يساقون إلى الموت}. وقوله: {إلى ربك يومئذ المساق} [القيامة: 30]، كقوله: {وأن لا ربك المنتهى} [النجم: 42]. السوق: ما يجلب إليه المتاع، لأنه تساق إليها البضاعة. وهي مؤنثةٌ. ولذلك تصغر على سويقةً، وجمعها أسواقٌ. والسويق معروفٌ من ذلك، لاتساقه في الحلق من غير مضغٍ؛ فعيل بمعنى مفعول. س ول: قوله تعالى: {بل سولت لكم أنفسكم أمرًا} [يوسف: 18] أي زينت وحسنت، يقال: سولت له كذا أي حسنت له وسهلت عليه فعله أو نزوله. وأصل السؤال الحاجة التي تحرص عليا النفس. فالتسويل: تزيين النفس لما تحرص عليه، وتصوير القبيح منه بصورة الحسن. والسؤال: (والسؤال: يقارب الأمنية)، لكن الأمنية فيما قدر، والسؤال فيما طلب، وهذا قد تقدم في مادة السين مع الهمزة، وإنما أبدلت الهمزة واوًا. س وم: قوله تعالى: {يسومونكم سوء العذاب} [البقرة: 49] أي يكلفونكم ذلك ويحملونكم عليه. ومنه: سامه خسفًا، أي حمله على مكروهٍ. وأصله: الأرض التي لا يثبت عليها الماشي قال: [من الرجز] 770 - إن سام خسفًا وجهه بريدًا وأصل السوم: الذاهب في ابتغاء الشيء. قال الراغب: فهو [لفظ] المعنى

مركبٍ من الذهاب والابتغاء، فأجري مجرى الذهاب في قولهم: سامت الإبل فهي سائمةٌ. ومجرى الابتغاء في قولهم: سمت كذا. قلت: وسوم السلعة من ذلك؛ لأن المشتري يسومها من بائعها ويطلبها منه. ويقال: صاحب السلعة أحق بالسموم أي بطلب ما يرضيه من الثمن. ويقال: سمت الإبل، وأسمتها، وسومتها. قال تعالى: {فيه تسيمون} [النحل: 10] أي يرسلون أنعامكم للرعي. قوله تعالى: {والخيل المسمومة} [آل عمران: 14] قيل: هو من سومها أي أرسلها للرعي: وقيل: المعلمة، من سومته أي جعلت له سومة يعرف بها. والسومة: العلامة. وعن المجاهد: هي المطهمة. وينشد قول الشاعر: 771 - بني بكرٍ تساموا لأنها بذلك صار لها سمي يعرف بها. قوله: {من الملائكة مسومين} [آل عمران: 125] قرئ بفتح الواو، أي أن الله تعالى سومهم، كما يروى أنهم كانوا بعمائم صفرٍ على خيلٍ بلقٍ. وبكسرها أنهم سوموا أنفسهم. ومعنى الإرسال هنا لا يظهر كل الظهور. قوله: {سيماهم في وجوههم} [الفتح: 29] أي علامتهم. يقال: سيمى وسيماء وسيمياء، والياء عن واوٍ. فهي كديمةٍ وقيمةٍ، من دام يدوم وقام يقوم. وفي الحديث: «نهى أن يساوم بسلعته قبل طلوع الشمس» قيل: نهى عن ذلك في هذا الوقت لأنه وقتٌ يذكر فيه لله تعالى. وقيل يجوز أن يكون من رعي الإبل لأنه إذا رعاها في ذلك الوقت، وهو وقت ندى أصابها الوباء، وربما قتلها، ذكرهما الزجاج، والسام: الموت. كذا فسره -صلى الله عليه وسلم -حين سئل عنه.

س وى: قوله تعالى: {سواءٌ عليهم} [البقرة: 2] ولذلك يحمل الضمير وعطفٌ على ما أسكن فيه من الضمائر في قولهم: ممرت برجل سواءٍ والعدم، برفع العدم. وفيه لغاتٌ أربعٌ أفصحها الفتح مع المد، ويليها القصر مع الكسر أو الضم، ويقل المد مع الكسر. وهذه الأربع منقولةٌ في سواءٍ الظرف الواقع في الاستثناء في قولهم: قاموا سواء زيدٍ. ولنا في هذه اللفظة كلامٌ أتقناه في كتبنا المشار إليها غير مرة. قوله تعالى: {تعالوا إلى كلمةٍ سواء بيننا وبينكم} [آل عمران: 64] أي عدل ونصفةٍ. ومثله: {فانبذ إليهم على سواءٍ} [الأنفال: 58] أي على حكم العدل والإنصاف. وقد بقصد بسواءٍ مقصد غير، كقوله: [من الطويل] 722 - وما قصدت من أهلها لسوائكا أي لغيرك. وقوله: [من المتقارب] 733 - فلم يبق منها سوى هامد قوله تعالى: {سواء علينا أجزعنا أم صبرنا} [إبراهيم: 21] أي الأمران مستويان في عدم الغناء عنا. قوله تعالى: {الرحمن على العرش استوى} [طه: 5] أي استولى. وأنشدوا عليه قول الشاعر: [من الرجز] 774 - قد استوى بشرٌ على العراق ... من غير سيف ودم مهراق و «استوى» يقال باعتبارين أحدهما إسناده إلى شيئين فأكثر، نحو: استوى زيدٌ

وعمروٌ في كذا. والثاني أن يقال لاعتدال الشيء في ذاته، كقوله تعالى: {ذو مرةٍ فاستوى} [النجم: 6]. قال الراغب: ومتى عدي بعلى اقتضى معنى الاستيلاء نحو قوله تعالى: {الرحمن على العرش استوى}. وقيل: معناه استوى له ما في السماوات وما في الأرض بتسويته تعالى إياه، كقوله تعالى: {ثم استوى إلى السماء فسواهن} [البقرة: 29]. وقيل: معناه استوى كل شيءٍ في النسبة غليه. فلا شيء أقرب إليه من شيءٍ إذ كان تعالى ليس كالأجرام الحالة في مكان دون مكان. وإذا عدي بإلى اقتضى معنى الانتهاء إليه؛ إما بالذات أو التدبير. وعلى الثاني قوله تعالى: {ثم استوى إلى السماء وهي دخان} [فصلت: 11]. قوله تعالى: {خلقك فسواك} [الانفطار: 7] تسوية الشيء: جعله سواءً؛ إما في الرفعة أو الصفة. فالمعنى: جعل خلقك على ما اقتضته الحكمة. وقوله تعالى: {ونفسٍ وما سواها} [الشمس: 7] إشارةٌ إلى القوى التي جعلها الله مقومة للنفس، فنسب إليها. وقد ذكر في غير هذا الموضع أن الفعل كما يصح أن ينسب إلى الفاعل يصح أن ينسب إلى الآلة، وسائرها يفتقر إليه نحو: سيفٌ قاطعٌ. وهذا أولى من قول من قال: إن المعنى «وما سواها» يعني به الله تعالى. قوله تعالى: {رفع سمكها فسواها} [النازعات: 28] فتسويتها تتضمن بناءها وترتيبها المذكورين في قوله تعالى: {إنا زينا السماء الدنيا} [الصافات: 6]. قوله تعالى: {بلى قادرين على أن نسوي بنانه} [القيامة: 4] قيل: نجعل كفه كخف الجمل من غير انقباضٍ وانبساطٍ. وقيل: هو عبارةٌ عن تفاوت الأصابع واختلافها؛ فإن كونها كذلك مما يعين على الانتفاع بها. وقيل: هو عبارةٌ عن البعث والحشر، أي نردها كما كانت بعد أن كانت متفرقة. قوله: {فتمثل لها بشرًا سويًا} [مريم: 17] أي كامل الخلق، لا ينكر منه شيءٌ، كما لا ينكر من الآدميين الذين تعهدهم. والسوي في الأصل يقال فيما يصان عن الإفراط والتفريط. قوله: {فدمدم عليهم ربهم بذنبهم فسواها} [الشمس: 14] كقوله: {فهي خاويةٌ على عروشها} [الحج: 45] والمعنى أنها صارت كأرضٍ مسواة بها، ومثله: {لو تسوى بها الأرض} [النساء: 42]. قيل: تسوى عليهم، أي تطم فلا يدبرون منها

لشدة افتضاحهم. ويعبر بالسواء عن الوسط، ومنه قوله: {في سواء الجحيم} [الصافات: 55]. ويقال: ما زلت أكتب حتى انقطع سواي. قوله: {ثم استوى إلى السماء} [البقرة: 29] أي قصد. قال ابن عرفة: الاستواء من الله: الإقبال على الشيء والقصد له. حكى الفراء عنهم: استوى إلى يخاصمني، أي أقبل علي. قال: وحدثني داود بن علي الأصبهاني قال: كنت عند ابن الأعرابي فأتاه رجلٌ فقال: ما معنى قوله: {الرحمن على العرش استوى}؟ [طه: 70] فقال: هو على عرشه كما أخبر. فقال الرجل: إنما معناه: استولى. فقال: ما يدريك؟ العرب لا تقول: استولى على الشيء حتى يكون مصادفًا بهما غلبٌ فقد استولى. أما سمعت قول النابغة: [من البسيط] 775 - إلا لمثلك أو من أنت سابقه ... سبق الجواد قد استولى على الأمد وقد سئل مالك بن أنس عن الاستواء فقال: الكيف غير معقول، والاستواء غير مجهول، والإيمان به واجبٌ، والسؤال عنه بدعةٌ. قوله تعالى: {إذ نسويكم برب العالمين} [الشعراء: 98] أي نعدلكم به، فنجعلكم سواءً في العبادة. وهذا سيان، أي مثلان. واستغني بتثنية سي عن تثنية سواء غالبًا. وسمع سواءان؛ قال الشاعر: [من البسيط] 776 - من يفعل الحسنات الله يشكرها ... والشر بالشر عند الله سيان قوله: {صراطًا سويًا} [مريم: 43] أي مستويًا مستقيمًا. قوله تعالى: {سواء بيننا وبينكم} [آل عمران: 64] أي عدل ذات استواءٍ. ولنا في مسألة الاستواء كلامٌ أتقناه! مع المبتدعة في «القول الوجيز».

فصل السين والياء

فصل السين والياء س ي ب: قوله تعالى: {ولا سائبةٍ} [المائدة: 103]. السائبة: هي الناقة التي تنتج خمسة أبطنٍ، فتترك فلا تركب ولا يحمل عليها ولا ترد من ماءٍ ولا مرعى. وقيل: هي الناقة التي يقول ربها: إن قدمت سالمًا من سفري أو شفيت من مرضي فناقتي سائبةٌ. فلا ينتفع بها ولا ترد عن ماءٍ ولا علفٍ. ويعتقون العبد ويقولون: هو سائبةٌ: فلا يعقل أحدهما الآخر ولا يرثه. وقيل: يكون ولاؤه لمعتقه، ويضع ماله حيث يشاء وأصله من تسييب الدواب، وهو انبعاثها. يقال: سابت الحية تسيب، وانسابت تنساب انسيابًا. وسابت الدابة تسيب سيوبًا، وساب الماء: جرى، والمصدر: السيب، ويعبر به عن العطاء فيقال: أفاض عليه سيبه، أي رزقه، وذلك على الاستعارة. وفي الحديث: «وفي السيوب الخمس» قال أبو عبيد: السيوب: الركاز. ولا أراه أخذ إلا من السيب، وهو العطية. وفي الحديث: «لو سألتنا سيابةً أعطيناكها»؛ السيابة: البلحة، والجمع سيابٌ. ومنه سمي الرجل سيابة. س ي ح: قوله تعالى: {السائحون} [التوبة: 112] السياحة: الذهاب في الأرض. وأصله من: ساح الماء يسيح: إذا جرى وانبسط من غير نهاية ولا حد. وقيل: «السياحة في هذه الأمة الصوم» ووجه ذلك كما قال الراغب: الصوم ضربان؛ حسي وهو ترك المطعم والمنكح. وحكمي وهو حفظ الجوارح من المعاصي كالسمع والبصر

واللسان. والسائح: هو الذي يصوم هذا الصوم دون الأول. وقال غيره: وجه ذلك أن الذي يسيح في الأرض متعبدًا يسيح ولا زاد له، فحين يجد يطعم. والصائم يمضي نهاره ولا يطعم شيئًا، فشبه به. وإلى هذا نحا الهروي. وقيل: المعنى بالسائحين: الذين يتحرون ما اقتضاه قوله تعالى: {أفلم يسيروا في الأرض فتكون لهم قلوبٌ يعقلون بها} [الحج: 46]. والساحة: المكان الواسع، ومنه ساحة الدار؛ قال تعالى: {فإذا نزل بساحتهم} [الصافات: 177] أي بدارهم ومستقرهم. والسائح: الماء الدائم الجرية في الساحة. وساح فلانٌ: مر مرور الماء السائح. ويقال: سايحٌ وسياحٌ. س ي ر: قوله تعالى: {أفلم يسيروا في الأرض} [يوسف: 109] السير: المضي في الأرض. قال تعالى: {وسار بأهله} [القصص: 29] أي مضى. قال الراغب: يقال: سرت بفلانٍ وسيرته على التكثير. ومن الأول: {قل سيروا في الأرض} [الأنعام: 11]. ومن الثاني: {وسار بأهله} [القصص: 29] ولم يجيء في القرآن القسم الثالث. ومن الرابع: {وسيرت الجبال} [النبأ: 20]، وقوله: {أفلم يسيروا في الأرض}. قيل: هو حث على السير بالجسم. وقيل: هو حث على إجالة الفكر ومراعاة أحواله. ويؤيده الحديث في وصف الأولياء: «أبدانهم في الأرض سائرةٌ وقلوبهم في الملكوت جائلةٌ». ومنهم من حمله على الاجتهاد في العبادة الموصلة إلى نيل الثواب الأخروي. وعليه حمل قوله عليه الصلاة والسلام: «سافروا تغنموا». قوله: {سنعيدها سيرتها الأولى} [طه: 21] أي حالتها: والسيرة: الحالة التي يكون عليها الإنسان وغيره غريزة كانت أو اكتسابًا. فالمعنى: إلى حالها التي كانت عليه من العودية والحسية. والتسيير ضربان: تسخيرٌ، كقوله: {وسيرت الجبال} واختيارٌ،

كقوله: {هو الذي يسيركم} [يونس: 22]. والسيرة: الطريقة المسلوكة. وتستعار للمذهب أيضًا، ومنه قولهم: هم على سيرةٍ واحدةٍ، أي على طريقةٍ. س ي ل: السيلان: جريان الماء. ومنه قوله تعالى: {وأسلنا له عين القطر} [سبأ: 12] أي أذبناه حتى سال سيلان المائعات. وقرئ: {سال سايل} [المعارج: 1] فقيل: هو واد يسيل عليهم بأنواع العذاب. يقال: سال يسيل سيلانًا. وقيل: هو من السؤال، وأبدلت الهمزة ألفًا. وأنشد: [من البسيط] 777 - سالت هذيلٌ رسول الله فاحشةً ... ضلت هذيلٌ بما سالت ولم تصب والسيل: اسمٌ للماء الآتي من حيث لا يحتسب، ويقال له الأتي. وأصله مصدرٌ أطلق على السايل. والسيلان: الممتد من الحديد الداخل في النصاب. وفي صفته عليه الصلاة والسلام: «سائل الأطراف» أي ممتدها. ويروى سائنٌ بالنون، وهما بمعنى، مثل جبريل وجبرين وعزيل وعزين. س ي ن: قوله: {طور سيناء} [المؤمنون: 20] قرئ في المتواتر بكسر السين وفتحها، وهم لغتان في اسم جبلٍ. قيل: الكسر لغة كنانة والفتح لغة غيرهم. ووجه الفتح أن يكون وزنه فعلاء كحمراء. ووزنه على الكسر فيعال؛ فهمزته منقلبةٌ عن زائد محلق بالأصل جعلوها كعلياء، لأنهم ليس في لغتهم فعلاء بكسر الفاء وألفه للتأنيث. وقيل: اللفظة

أعجميةٌ فنطقت بها العرب كيف شاءت على عادتها في تلاعبها بالأعجمية. ففتحوا سينها تارةً وكسروها أخرى. فالمنع من الصرف حينئذ للعلمية والعجمية الشخصية. وقيل بل مركب تركيب مزجٍ كبعلبك ولنا فيه كلامٌ أوسع من هذا في «الدار» و «العقد» وغيرهما. فعليك بالالتفات إلى ذلك. وقوله تعالى: {يس والقرآن الحكيم} [يس: 1 و 2] فقيل: هما حرف تهيجٍ كـ «طه» [طه: 1] وهو الظاهر. وقيل: يا للنداء، وسين منادى. وقيل: هو اسمٌ من أسماء نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم -. والظاهر الأول. كقوله: {حم عسق} [الشورى: 1 و 2] {طس} [النمل: 1] {طسم} [الشعراء: 1] في سورها. فالسين في هذه حروف تهج كسابقه.

باب الشين

باب الشين فصل الشين والهمزة ش أم: قوله تعالى: {وأصحاب المشأمة ما أصحاب المشأمة} [الواقعة: 9] أي عبر عنهم بذلك الاشتقاق. المشأمة من الشؤم أو من اليد الشوماء، وهي اليسار. كما أنهم يتيامنون باليد اليمنى؛ فالميمنة والمشأمة، مفعلةٌ من اليد اليمنى والشمال لفتاؤلهم بتلك، وتشاؤمهم بالأخرى. ومنه رجلٌ مشؤومٌ. وتشاءم: أتى نحو الشام. وأشأم: أتى الشام. وفي الحديث: «إذا نشأت بحرية ثم تشاءمت فتلك عينٌ غديقةٌ» أي أخذت نحو الشام. وتيامن القوم وأيمنوا. أتوا بلاد اليمن. ش أن: قوله تعالى: {كل يوم هو في شأن} [الرحمن: 29] أي من إحياء هذا، وإماتة هذا، وإغناء هذا، وإفقار هذا، وإسعاد هذا، وإشقاء هذا. والأصل في الشأن الحالٌ، وذلك مجازٌ عن تصرفه في خلقه بما أراد، وقسرهم على ما شاء لا كما يريدون ويشاؤون. والشأن: القصد؛ وقد شأنت شأنه، أي قصدت قصده. وقيل: الشأن: الأمر الذي يتفق ويصلح، ولا يقال إلا فيما يعظم من الأحوال والأمور. فلا يقال: ما شأن الحجام؟ ما شأن الملك؟ والشأن أيضًا من الرأس: الوصلة التي بين متقابلاته [التي] بها حياة الإنسان. وجمعها شؤون. فصل الشين والباء ش ب هـ: قوله تعالى: {متشابهًا} [البقرة: 25] يعني أن ثمر الجنة يشبه بعضه بعضًا.

فالمنظر واحدٌ والطعم مختلفٌ. وقيل: يشبه ثمر الدنيا في التسمية وبعض الهيئات. وهذا مبني على أن المرزوق ... أو فيه خلافٌ، أتقناه في غير هذا. قوله: {كتابًا متشابهًا} [الزمر: 23] أي يشبه بعضه بعضًا في الفصاحة والإعجاز وعدم تناقضه. وإبداع ألفاظه، واستخراج حكمه. قوله تعالى: {إن البقر تشابه علينا} [البقرة: 70] أي أختلط علينا أمره والتبس فلا ندري ما المقصود منه. وفي الحرف قراءاتٌ أتقناها في غير هذا. قوله تعالى: {وأخر متشابهاتٌ} [آل عمران: 7] اختلف الناس في المتشابه على أقوالٍ كثيرةٍ منها: أن المحكم هو الناسخ، والمتشابه هو المنسوخ. وقيل: المتشابه: ما لم يتضمن حكمًا بل تضمن قصصًا وأخبارًا. وقيل: المتشابه منه: مأشكل تفسيره لمشابهته غيره؛ إما من جهة اللفظ أو المعنى. وقال الفقهاء: المتشابه: ما لا ينبئ ظاهره عن مراده. وحقيقة ذلك أن آيات الكتاب العزيز عند اعتبار بعضها ببعضٍ ثلاثة أقسامٍ: الأول: متشابهٌ من حيث اللفظ فقط. الثاني: من حيث المعنى فقط. الثالث: من جهتهما معًا. ثم المتشابه من حيث اللفظ نوعان: أحدهما يرجع إلى المفردات إما من جهة الغرابة من قوله: {وفاكهة وأبًا} [عبس: 31] وكقوله: {يزفون} [الصافات: 94]، وإما من جهة الاشتراك كاليد والعين في قوله تعالى: {بل يداه مبسوطتان} [المائدة: 64] {تجري بأعيننا} [القمر: 14] {على عيني} [طه: 39]. والثاني يجرع إلى التركيبات، وهي الجمل. وهذا ينقسم إلى ثلاثة أقسامٍ: أحدهما: لاختصار الكلام كقوله تعالى: {وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى} إلى

قوله: {ورباع} [النساء: 3] وثانيها: عكسه، وهو بسط الكلام، كقوله تعالى: {ليس كمثله شيءٌ} [الشورى: 11] إذ لو قيل: ليس مثله شيءٌ. لكان أظهر للسامع. ثالثها: لنظم الكلام، كقوله تعالى: {أنزل على عبده الكتاب ولم يجعل له عوجًا قيمًا} [الكهف: 1 و 2] والقسم الثاني من حيث المعنى فقط، وذلك في أوصاف الباري تعالى، وأوصاف القيامة. فإن تلك الصفات لا تتصور لنا؛ إذ كان لا يحصل في نفوسنا صورة ما لم نحسه إذ لم يكن من جنس ما نحسه. القسم الثالث وهو المتشابه من جهتهما معًا ينقسم خمسة أقسام: الأول من جهة الكمية كالعموم والخصوص نحو: {فاقتلوا المشركين} [التوبة: 5]. الثاني من جهة الكيفية كالوجوب والندب كقوله تعالى: {فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع} [النساء: 3] الثالث من جهة الزمان كناسخ والمنسوخ نحو قوله تعالى: {اتقوا الله حق تقاته} [آل عمران: 102] الرابع من جهة المكان والأمور التي نزلت فيها كقوله تعالى: {وليس البر بأن تأتوا البيوت من ظهورها ولكن البر} [البقرة: 189]، وقوله: {إنما النسيء زيادةٌ في الكفر} [التوبة: 37] فإن من لا يعرف عادة أهل الجاهلة في ذلك يتعذر عليه تفسير هذه الآية الكريمة. الخامس من جهة الشروط التي يصح بها الفعل أو يفسد كشروط النكاح والصلاة. ويعلم أن كل ما ذكره المفسرون في تفسير المتشابه لا يخرج عن أحد هذه الأقسام كتفسير قتادة؛ المحكم: الناسخ، والمتشابه: المنسوخ. وقول الأصم: المحكم: ما اتفقوا على تأويله، والمتشابه ما اختلفوا في تأويله وقول بعضهم: المتشابه: الحروف المقطعة في أوائل السور كـ {ألم} و {وطسم} و {حم عسق}، إلى غير ذلك. قال الراغب: ثم المتشابه على ثلاثة أضربٍ؛ ضربٍ لا سبيل للوقوف عليه

كوقت الساعة، وخروج الدابة وكيفيتهما. وضربٍ للإنسان سبيلٌ إلى معرفته كالألفاظ الغريبة، والأحكام الغلقة. وضرب مترددٍ بين الأمرين نحو أن يختص بمعرفته بعض الراسخين في العلم، ويخفى على من دونهم، وهو الضرب المشار إليه بقوله عليه الصلاة والسلام في علي كرم الله وجهه: «اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل». وقوله في ابن عباس مثل ذلك. قال: وإذا عرفت هذه الجملة علمت أن الوقف على قوله: {إلا الله} [آل عمران: 7] ووصله بقوله: {والراسخون في العلم} جائزان، وأن لكل منهما وجهًا حسبما دل عليه التفصيل المتقدم، انتهى وهو حسنٌ. قوله: {ولكن شبه لهم} [النساء: 157] أي مثل لهم من حسبوه إياه. يقال: إنه ألقى شبهه عليه السلام على رجلٍ دل عليه. فدخلوا فوجدوه بعد ارتفاعه عليه السلام فأرادوا صلبه، فقال: أنا صاحبكم. فلم يصدقوه. ويقال: شِبْهٌ وشَبَهٌ وشَبيهٌ نحو مِثْل ومَثَل ومَثيل. وحقيقتها في المماثلة من جهة الكيفيه كاللون والطعم المشار إليهما بقوله تعالى: {وأتوا به متشبهًا} [البقرة: 25]. كما تقدم تحقيقه. والشبهة: ما يخيل للإنسان حقيقة شيء والأمر بخلافها. قال الراغب: والشبهة: أن لا يتميز أحد الشيئين عن الآخر لما بينهما من التشابه عينًا كان أو معنىً. وذكر حذيفة رضي الله عنه «فتنةً» فقال فيها «تشبه مقبلةً، وتبي مدبرةً». قال شمرٌ: معناه أن الفتنة إذا أقبلت شبهت على القوم وأرتهم أنهم على الحق حتى يدخلوا فيها ويرتكبوها. فإذا انقضت بان أمرها، وعلم من يرتكبها أنه كان على خطأ من الرأي.

فصل الشين والتاء

فصل الشين والتاء ش ت ت: قوله تعالى: {يومئذ يصدر الناس أشتاتًا} [الزلزلة: 6]. الأشتات: جمع شت، والشت، والشت: الشيء المتفرق: أو نفس المتفرق على أنه مصدرٌ. يقال: شت شتًا وشتاتًا، أي تفرق. والمعنى أن الناس يحشرون مختلفي الأحوال من شقاوةٍ وسعادةٍ وخوفٍ وأمنٍ، وحزنٍ وسرورٍ؛ بحسب أعمالهم. ولذلك عقبه بقوله: {فمن يعمل} الآية. وقوله تعالى: {من نباتٍ شتى} [طه: 53] أي مختلفة الأنواع من لونٍ وطعمٍ وريحٍ وطراوةٍ، وغير ذلك. وهو جمع شتيتٍ. وقيل: اسم جمعٍ لشتيتٍ. قوله تعالى: {وقلوبهم شتى} [الحشر: 14] آي متفرقةٌ غير مجتمعةٍ على أمرٍ، عكس من قال فيهم ووصفهم بقوله: {ولكن الله ألف بينهم} [الأنفال: 63]. وقيل: معناه مذاهبهم متفرقةٌ، وأديانهم متفرقةٌ. وقوله تعالى: {إن سعيكم لشتى} [الليل: 4] أي لمتفرقٌ من سعيٍ مشكورٍ وسعيٍ مذموم. ويحكى أنها نزلت في شأن الصديق رضي الله عنه؛ وذلك أن جارًا له نخلةٌ فسقط من تمرها تمرةٌ فأخذها صبي من جيرانه، فأخذها ذلك الرجل من الصبي ونهره. فسمع أبو بكر بذلك فعمد إلى النخلة فاشتراها ونحلها الصبي وأهله، فنزلت. وشتان: اسم فعلٍ بمعنى افترق، من ذلك نقول: شتان زيدٌ وعمرٌو. ولا يكتفى بواحدٍ كما لا يكتفى به افترق؛ قال: [من السريع] 778 - شتان ما يومي على كورها ... ويوم حيان أخي جابر فيومي فاعلٌ، وما مزيدةٌ. ويقال: شتان بين زيدٍ وعمرٍو، وشتان ما بين وأنشد [من الطويل] 779 - لشتان ما بين اليزيدين في الندى ... يزيد سليمٍ والأغر بن حاتم

فصل الشين والجيم

ش ت و: قوله تعالى: {رحلة الشتاء والصيف} كانوا يرحلون شتاءً لليمن وصيفًا للشام ينتفون برحلتيهم في المتاجر، فامتن عليهم بذلك. والشتاء: زمن البرد. قال الشاعر [من الوافر] 780 - إذا جاء الشتاء فأدفئوني ... فإن الشيخ يهرمه الشتاء ويقال: شتا وأشتى، نحو صاف وأصاف، أي دخل فيهما. والمشتاة والمشتى: مكان الشتاء وزمانه ومصدره، قال الشاعر: [من الرمل] 781 - نحن في المشتاة ندعو الجفلى ... [لا ترى] الآدب فينا ينتقر والظاهر أن لامه واوٌ، فيقال: شتا يشتو. وقد ذكره الهروي في مادة (ش ت و) وإن كان الراغب: ذكره في مادة (ش ت ي) ويعبر بالشتاء عن المجاعة لأنه مظنتها، فيقال: أصابهم الشتاء وفي حديث أم معبد: «وكان القوم مرملين مشتين» ويروى: «مسنتين» أي أصابتهم السنة والأول أشهر وأنشد للحطيئة: [من الوافر] 782 - إذا نزل الشتاء بدار قومٍ ... تجنب جار بيتهم الشتاء أي لم يصب جارهم ضيقٌ لتوسعهم. فصل الشين والجيم ش ج ر: قوله تعالى: {ولا تقربا هذه الشجرة} [البقرة: 35] قيل: هي السنبلة. وقيل: التين. وقيل: العنب وقيل غير ذلك وأصل الشجر ما نبت على ساقٍ وكان له أغصانٌ

فصل الشين والحاء

وظل وإلا فهو نجم ومنه قوله تعالى: {والنجم والشجر يسجدان} [الرحمن: 6] أي جميع النبات لأن النبات لا يخلو من أحد هذين الوصفين وسميت الشجرة شجرةً لاختلاف أغصانها وتشعب أفنانها ومنه المشاجرة: وهي المخاصمة، لاختلاط أصواتهم وقيل: ئاشتباك الأغصان والمخاصمة فيها اشتباك أيضًا ومنه قوله: {حتى يحكموك فيما شجر بينهم} [النساء: 65] أي اختلف والتبس لأن الواضح لا اشتباك فيه وشجر الرمح: إذا جره ليطعن به غيره وشبكه وفي الحديث: «فشجرناهم بالرماح» أي شبكناهم، وأنشد: [من الطويل] 783 - يذكرني حاميم والرمح شاجر ... فهلا تلا حاميم قبل التقدم؟ قوله: {يوقد من شجرةٍ مباركةٍ} [النور: 35] قيل: هي شجرة الزيتون. وقيل: هو النبي صلى الله عليه وسلم والنور ماء قلبه وهذا من بليغ الاستعارات ولكن لا يجوز أن يراد ذلك إلا بتوقيفٍ. والشجر: اسم جنسٍ، لأنه تفرق بينه وبين واحده تاء التأنيث كقمحً وقمحةً، وهو مؤنث، وكان قياس تصغيره دخول الياء لولا خوف لبسه بالمفرد والشجار خشب الهودج وقيل: هودج مكشوف ومثله الشجر، وجمعه مشاجر وأنشد للبيدٍ: [من الوافر] 784 - وأرثد فارس الهيجا إذا ما ... تقعرت المشاجرة بالفئام تقعرت: سقطت. والفئام: وطاء يفرش في المشجر. فصل الشين والحاء ش ح ح: قوله تعالى: {ومن يوق شح نفسه} [الحشر: 9] أي بخل نفسه والشح:

أشد البخل. يقال: شح يشح يشح ويشح- مثلث عين المضارع- ورجل شحيح وشحاح، ومنه استعير بزندٍ شحاحٍ، أي لا يوري. والجمع أشحة قال تعالى: {أشحة على الخير} [بالأحزاب: 19] أي هم بخلاء مع كونهم ذوي مالٍ وقيل: الشح هو البخل مع حرصٍ. والشحشح: الخطيب الماضي في خطبته وقد سمع علي رضي الله عنه خطيبًا يخطب فقال: «هذا الخطيب الشحشح» أي الماضي فيها لا يتلعثم. وكل ماضٍ في سيرٍ أو كلام لا يتوقف فيه فهو شحشح. وهو مأخوذ من قولهم: شحشح البعير في هديره: إذا مضى فيه لا يسكت. قوله تعالى: {وأحضرت الأنفس الشح} [النساء: 128] قيل: معناه هو أن تشح المرأة على مكانها من زوجها، ويشح الرجل على المرأة بنفسه: إذا كان غيرها أحب إليه منها. قوله تعالى: {أشحةً عليكم} [الأحزاب: 9] أي بخلاء عليكم بالغنيمة أن يأتوا الحرب معكم لئلا يشاركوهم في الغنيمة. ش ح م: قوله تعالى: {حرمنا عليهم شحومنا} [الأنعام: 146] الشحوم جمع شحمٍ وهو معروف يكون بوجود السمن ويذهب بذهابه ورجل مشحم: كثير الشحم. وشاحم: يطعم أصحابه الشحم. وشحيم كثر شحم بدنه. وفي الحديث: «لا يجاوز شحمة أذنه» شحمة الأذن: ما لان من أسفلها، وهو معلق القرط وشحمة الأذن قيل: الكمأة البيضاء. وقيل: دودة بيضاء. ش ح ن: قوله تعالى: {في الفلك المشحون} [الشعراء: 119] أي المملوء. يقال: شحنت السفينة، أي ملأتها والشحناء: العداواة لامتلاء النفس منها وعدو مشاحن. وتشاحنوا: تعادوا وأشحن فلان للبكاء أي امتلأت نفسه له لتهيئه له.

فصل الشين والخاء

فصل الشين والخاء ش خ ص: قوله تعالى: {فإذا هي شاخصة أبصار الذين كفروا} [الأنبياء: 97] يقال: شخص من بلده: إذا خرج منها. وأشخصته: أخرجته، وحقيقته: أخرجت شخصه والشخص: السواد المرئي من بعيدٍ. ويقال: شخص بصره: إذا ارتفع غير متحركٍ. فالمعنى أن أجفانهم ارتفعت فهي لا تطرف لشدة هول المطلع. والشخص يقع على الذكر والأنثى، عاقلًا كان أو غيره ولظفه مذكرٍ فمن ثم تجب التاء في عدده وإن أريد به مؤنث ومن ثم لحنوا عمر بن أبي ربيعة في قوله: [من الطويل] 785 - وكان مجني دون ما كنت أتقي ... ثلاث شخوصٍ: كاعبان ومعصر وهذا ليس بجيدٍ؛ فإنه ممن احتج بقوله وجوابه أنه لما فسر الشخوص بقوله: كاعبان ومعصر، سهل ذلك سقوط التاء من عدده. فصل الشين والدال ش د د: قوله تعالى: {إذا بلغ أشده} [الأحقاف: 15] قيل: هو خمس عشرة سنةً إلى أربعين سنةً. وهو جمع شدة نحو نعمةٍ وأنعم. وهي القوة والجلادة في البدن والعقل. وقد شد يشد شدةً: إذا كان قويًا. وأصل الشدة: العقد القوي وشددت الشيء: قويت عقده ومنه قوله تعالى: {أشدد به أزري} [طه: 31] قرئ أمرًا ومضارعًا وقد بينا ذلك في غير هذا. والشد يستعمل في العقد وفي البدن وفي قوى النفس. قوله تعالى: {علمه شديد القوى} [النجم: 5] يعني به جبريل عليه السلام. وذلك أنه قلب سبع مدائن؛ حملها على ريشةٍ من ريشه. قوله تعالى: {واشدد على

قلوبهم} [يونس: 88] أي امنعها من الصرف والفهم عقوبةً لهم حيث تعاموا بعدما أبصروا، وضلوا بعدما تبين لهم طريق الهدى قوله: {وإنه لحب الخير لشديد} [العاديات: 8] أي لبخيل؛ والخير: المال ومنه: {إن ترك خيرًا} [البقرة: 180] فسر بالمال، وقد تقدم. والمتشدد أيضًا: البخيل، ومنه قول طرفه: [من الطويل] 786 - أرى الموت يعتام الكرام ويصطفي ... عقيلة مال الفاحش المتشدد وقيل: المعنى: وإنه لشديد حب الخير، أي حبه شديد وهو تفسير معنى قوله: {وشددنا ملكه} أي قويناه. قيل: إنه تداعى إليه رجلان فأوحي إليه بقتل أحدهما فقال الرجل: لم أجن جنايةً تقتضي قتلي! فقال بذلك أمرت. فقال الرجل: أما إني لم أقتل بهذه، بل لأني قتلت أباه غيلةً، فهيب من حينئذٍ وقيل: كان يحرس محرابه ثلاثون ألف مسلح، وكل ذلك بتقوية الله تعالى وقال الراغب: في قوله تعالى: {لحب الخير لشديد} إن شديدًا يجوز فيه أن يكون بمعنى مفعولٍ، كأنه شد كما يقال: غل عن الانفصال. وعلى هذا قالت اليهود: {يد الله مغلولة غلت أيديهم} [المائدة: 64] ويجوز أن يكون بمعنى فاعلٍ كالمتشدد كأنه شد صرته وقال في قوله: {حتى إذا بلغ أشده} وفيه تنبيه أن الإنسان إذا بلغ هذا القدر يتقوى خلقه الذي هو عليه فلا يكاد يزايله بعد ذلك وإليك نحا الشاعر، قال: [من الطويل] 787 - إذا المرء وافى الأربعين ولم يكن ... له دون ما يهوى حياء ولا ستر فدعه ولا تنفس عليه الذي مضى ... وإن جر أسباب الحياة له العمر وشد فلا واشتد أسرع، كأنه مأخوذ من قولهم: اشتدت به الريح.

فصل الشين والراء

فصل الشين والراء [ش ر ب] قوله تعالى: {فشربوا منه} [البقرة: 249] الشرب: تناول كل مائع بالفم من ماءٍ وغيره، قوله تعالى: {وأشربوا في قلوبهم العجل} [البقرة: 93] أي تمكن حبه من قلوبهم تمكنًا بمنزلة من شرب ماء فدخل جوفه قوله تعالى: {فشاربون شرب الهيم} [الواقعة: 55] قرئ بالضم والفتح على أنهما مصدران لشربٍ وفيه لغة ثالثة «شرب» بالكسر. يقال: شربت الماء شربًا وشربا {والمعروف أن المضموم مصدر والمفتوح جمع شاربٍ كقول النابغة الذبياني: [من البسيط] 788 - كأنه خارجًا من جنب صفحته ... سفود شربٍ نسوه عند مفتأد والمكسور: الحظ والنصيب؛ ومنه: {هذه ناقلة لها شرب ولكم شرب يومٍ معلومٍ} [الشعراء: 155] والشراب: ما يشرب قوله تعالى: {قد علم كل أناسٍ مشربهم} [البقرة: 60] الظاهر أنه مكان الشراب، ويضعف كونه زمانًا أو مصدرًا وجمعه مشارب. قال تعالى: {ولهم فيها منافع ومشارب} [يس: 73] فهذا جمع مشرب، المراد به المصدر. والشارب: الشعر الذي على الشفة العليا، وهو أيضًا عرق في باطن الحلق؛ سمي بذلك تصورًا بصورة فاعل الشراب. وقوله: {وأشربوا في قلوبهم العجل} [أي تمكن حبه من قلوبهم تمكنًا بمنزلة من شرب ماءً فوصل إليه وخالطه وقيل: هو على حذف مضافٍ أي حب العجل. وأنشد للنابغة الجعدي: [من المتقارب] 789 - فكيف تواصل من أصبحت ... خلالته كأبي مرحب؟ أي كخلالة ابن مرحب. وقال ابن عرفة: يقال: أشرب قلبه محبة كذا، أي حل محل الشراب وقيل: هو من

قولهم: أشربت البعير أي شددت في عنقه حبلًا وأنشد: [من الوافر] 790 - تغلغل حيث لم يبلغ شراب ... ولا حزن، ولم يبلغ سرور ولو قيل: حب العجل، لم يكن في بلاغة ما أنزل الله تعالى فإن في ذكر العجل تنبيهًا أنهم لفرط شغفهم به صارت صورة العجل في قلوبهم لا تنمحي وفي المثل: «أشربتني ما لم أشرب» أي ادعيت علي ما لم أفعل. ش ر ح: قوله تعالى: {أفمن شرح الله صدره للإسلام} [الزمر: 22] أي بسط ووسع وهو عكس من قال فيه: {يجعل صدره ضيقًا حرجًا} [الأنعام: 125] وأصل الشرح: البسط والتوسعة. ومنه شرح الكلام لإيضاحه، وشرح اللحم لبسطه، وشرح الله صدور عباده، إنما هو بما يلقي فيها من أنوار الهداية ووفور النظر وشرح فلان جاريته، أي وطئها على قفاها وفي حديث ابن عباسٍ: «وكان هذا الحي من قريشٍ يشرحون النساء شرحًا» أي يبسطونهن وقت الجماع. ش ر د: قوله تعالى: {فشرد بهم من خلفهم} [الأنفال: 57] أي اطرد من خلفهم طردًا بليغًا، وذلك إذا فعلت بهؤلاء فعلًا ينزجر به من رآهم فيشردون ويهربون كل مهرب؛ أي هم سبب في تشريد غيرهم ومنه نكلت بفلانٍ، أي منعت غيره بسبب، أي بسبب فعلي به فعلًا يردع غيره ومنه، شرد البعير، وشردته وأنا وقيل: شرد بهم. أي أسمع بهم وقيل: هي لغة قرشية قال شاعرهم: [من الوافر] 791 - أطوف في الأباطح كل يومٍ ... مخافة أن يشرد بي حكيم

وفي الحديث أنه عليه الصلاة والسلام قال لخوات بن جبير: «ما فعل شرادك» قال الهروي: يعرض بقصته مع ذات النحيين، وهي معروفة وأراد به: لما فرغ شرد في الأرض وانفلت خوفًا يقال: شرد يشرد، فهو شارد وشرود وشراد. ورجل شريد، أي طريد. ش ر ذ م: قوله تعالى: {إن هؤلاء لشرذمة قليلون} [الشعراء: 54] الشرذمة: الجماعة المنقطعة، من قولهم: ثوب شراذم، أي متقطع. ش ر ر: قوله تعالى: {إنها ترمي بشررٍ كالقصر} [المرسلات: 32] الشرر: قطع النار التي تتطاير منها الواحدة شررة وصف النار بأنها على خلاف ما يتعارفه الناس، وهو أن شررها بقدر القصور والشر: ما ينفر منه كل أحدٍ؛ وقد يكون دينيًا ودنيويًا والدنيوي مدرك لذوي العقول من غير توقف على غيره غالبًا. وأما الديني فلا يعلم غالبًا إلا بتوقف الرسال كآداب الجوارح في العبادات، والامتناع من ملاذ دنيويةٍ، وإن حصل بها تألم عاجل فإن بها خيرًا آجلًا. وقوله عليه الصلاة والسلام: «والشر ليس إليك» أي لا يليق بالأدب نسبة ما يتعارفه الناس شرًا إليك. وقيل: لا يصعد إليك إلا الطيب من العمل دون الخبيث، {إليه يصعد الكلم والعمل الصالح يرفعه} [فاطر: 10] وقد تقدم طرف من ذلك عند ذكر الخير ويقال: رجل شرير وشراني: متعاطٍ للشر. والجمع شرار قال تعالى: {كنا نعدهم

من الأشرار} [ص: 62] وأشررته: نسبته إلى الشر وقيل: أشررن كذا، أي أظهرنه. وأنشد [من الطويل]. 792 - إذا قيل: أي الناس شر قبيلة ... أشرت كليب بالأكف الأصابعا قال الراغب: فإن لم يكن في هذا إلا هذا البيت فإنه يحتمل أنها نسبت الأصابع بالإشارة إليه، فيكون من أشررته: إذا نسبته إلى الشر. يعني أنه إن لم يكن لهذا القول شاهد إلا الشعر، فإنه لا دلالة فيه، لاحتمال ما ذكره. وهو كما قاله. ويروى البيت: 793 - أشارت كليبٍ بالأكف الأصابع بجر كليبٍ ورفع الأصابع، على تقدم أشارت الأصابع إلى كليبٍ فحذف الجار وأبقى عمله، وهو شاذًّ كقول الآخر: [من الكامل] 794 - حتى تبذخ فارتقى الإعلام يريد: إلى الإعلام. والشر بالضم خص بالأمر المكروه. وشرر النار: ما تطاير منها؛ سمي بذلك لما فيه من الشر. قوله تعالى: {ويدع الإنسان بالشر دعاءه بالخير} [الإسراء: 11]، أي يدعو على نفسه وولده وماله حال ضجره، كما يدعو لهم بالخير فلا يعجل الله تعالى عليه لطفًا به. وقوله تعالى: {أنتم شر مكانًا} [يوسف: 77] نسب الشر إلى مكانهم مبالغةً؛ إذ لا يحضر المكان الموصوف بالشر إلا شرير. وفي الحديث: «يشرشر شدقه» أي يشقق. والمشهور في مادة الخير والشر إذا بني منها أفعل تفضيلٍ أن لا تثبت همزتها؛ فيقال: زيد خير من عمرو، وشر من بكرٍ.

وشذ ثبوتها فيهما كقوله: [من الرجز] 795 - بلال خير الناس وابن الأخير وقرئ شاذًا: {سيعلمون غدًا من الكذاب الأشر} [القمر: 26]. وإذا بني منهما أفعل التعجب ثبتت الهمزة فيقال: ما أخيرك وما أشره! وقد شذ حذفها هنا في قولهم: ما خير اللبن للصحيح وما شره للمبطون. كما شذ ثبوتها هناك كما مثلته لك في الآية الكريمة والبيت. ش ر ط: قوله تعالى: {فقد جاء أشراطها} [محمد: 18] أي علاماتها، واحدها شرط. والشرط الصناعي والشرعي من ذلك، لأنه علامة لترتب الحكم عليه؛ ألا ترى إلى قولك: إن قمت أكرمتك؟ فالقيام علامة لوقوع الإكرام مرتبًا عليه. وقولك: إن دخلت الدار فأنت طالق، بأن دخول الدار علامة على وقوع الطلاق؟ وفي كلام الراغب ما يضاد ذلك؛ فإنه قال: والشرط: كل حكمٍ يتعلق بأمرٍ يقع بوقوعه. وذلك الأمر كالعلامة له. وهذا عكس ما قاله الناس، وعكس المعنى أيضًا. وأشرط نفسه: جعل لها علامة تعرف بها قيل: والشرط من ذلك لأنهم جعلوا زيًا يعرفون به دون غيرهم. وقيل: لأنهم أراذل الناس ومنها: أشراط الإبل للرذال منها وفي الحديث، وقد ذكر الزكاة: «ولا الشرط اللئيمة» قيل: هي رذال الجمال كالدبر والهذيل قال أبو عبيدٍ: هي صغار الغنم وشرارها. واشتراط كذا، أي جعل له علامةً على ما يتفق مع غير عليه. وقد اشترط نفسه للهلكة: إذا عمل عملًا يكون علامةً على هلكته أو يكون فيه شرط للهلاك.

والشرائط جمع شريطةٍ لا شرطٍ وفي الحديث: «نهى عن شريطة الشيطان» قيل: ذبيحة لا تقطع فيها الأوداج، مأخوذ من شرط الحجام، لأن أهل الجاهلية كانوا يقطعون اليسير من حلقها، ويرتكونها حتى تموت. والشرط: أول طائفةٍ من الجيش يشهدون الوقعة ومنه حديث عبد الله: «وتشرط شرطة للموت لا يرجعون إلا غالبين». ش ر ع: قوله تعالى: {ثم جعلناك على شريعةٍ من الأمر فاتبعها} [الجاثية: 18] أي دينٍ وملةٍ؛ قاله الفراء وأصل الشرع: نهج الطريق الواضح نحو: شرعت له طريقًا. والشرع مصدر شرع، ثم استعير للطريق النهج فقيل: شرع وشريعة وشرعة وسنة. وقوله تعالى: {لكل جعلنا منكم شرعةً ومنهاجًا} [المائدة: 48] إشارة إلى أمرين: أحدهما ما سخر الله تعالى عليه كل إنسانٍ من طريق يتحراه مما يعود على مصالح عباده وعمارة بلاده، المشار إليها بقوله: {ورفعنا بعضهم فوق بعضٍ درجاتٍ ليتخذ بعضهم بعضا سخريًا} [الزخرف: 32] الثاني ما قيض له من الدين وأمره ليتحراه اختيارًا مما تختلف فيه الشرائع ويعترضه النسخ ودل عليه قوله تعالى: {ثم جعلناك على شريعةٍ من الأمر فاتبعها} وقال ابن عباس- رضي الله عنهما-: «الشريعة ما ورد به القرآن، والمنهاج ما وردت به السنة». قوله تعالى: {شرع لكم من الدين ما وصى به نوحًا} [الشورى: 13] إشارة إلى الأصول التي تتساوى فيه الملل ولا يصح فيها النسخ كمعرفة الباري ونحوها مما دل عليه قوله: {ومن يكفر بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر} [النساء: 136] وقال بعضهم: سميت الشريعة شريعة تشبيهًا بشريعة الماء لأن من نزع فيها على الحقيقة المصدوقة روي وتطهر قال: وأعني بالرأي مما قال بعض الحكماء: كنت أشرب فلا أروى فلما عرفت الله رويت بلا شربٍ. وبالتطهر ما قال تعالى: {إنما يريد الله ليذهب

عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرًا} [الأحزاب: 33] وشارعة الطريق: ما استقام منها، والجمع شوارع ومنه: أشرعت الريح قلعه وشرعته فهو مشرع ومشروع وشرعت السفينة: جعلت لها شراعًا، أي قلعًا لأنه يتقدمها ويمر بها في طريقها والشروع في الشيء: الأخذ فيه والدخول. ومنه قول النحاة: أفعال الشروع نحو: طفق، وجعل. ومنه: هم في هذا شرع واحد، أي سواء، كأنهم شرعوا فيه دفعةً وقولهم: شرعك من رجلٍ زيد، كقولك: حسبك، أي هو الذي يشرع في أمرك. والشرع بالكسر: خص بما يشرع من الأوتار على العود وقيل: سميت الملة شريعةً وشرعةً لظهورها ومنه: {شرع لكم من الدين} [الشورى: 13] أي أظهر وقال ابن عرفة: الشرعة والشريعة: ما ظهر واستقام من المذاهب وقوله: {إذ تأتيهم حيتانهم يوم سبتهم شرعًا} [الأعراف: 163] وهو جمع شارعٍ، أي بادية خراطيمها لكل أحدٍ، وذلك أن الله تعالى ابتلى اليهود بتحريم الصيد يوم السبت وبإلهام السمكة بذلك، فكانت تظهر إلى أن يكاد الإنسان يقبضها، فإذا كان يوم الأحد فما بعده ذهبت حتى أعدوا حياضًا شارعة إلى البحر بجداول. وكانت الحيتان تدخل الجداول يوم السبت، فيصيدونها يوم السبت، فذلك اعتداؤهم في السبت، فمن ثم مسخوا قردةً وخنازير وقال الليث: حيتان شرع، رافعةً رؤوسها، كأنه أخذه من شراع السفينة وفي حديث علي رضي الله عنه «أن قومًا سافر معهم رجل ففقد، فاتهمهم أهله بقتله فأتوا شريحًا فطلب أهل القتيل بالبينة فعجزوا فطلب أيمان المتهمين فبلغت عليًا رضي الله عنه فأنشد: [من الرجز] 796 - أوردها سعد وسعد مشتمل ... يا سعد لا ترد [إلى] دار الإبل ثم قال: «إن أهون [السقي] التشريع» ففرق أولئك النفر فاعترفوا بقتله فقتلهم به يريد رضي الله عنه أن شريحًا أخذ بالأهون ولم يستبرئ. كما أن التشريع، وهو إيراد الإبل الشريعة، أمر هين لا يحتاج أصحاب الإبل إلى نزع دلاءٍ ولا حوضٍ فجعل ذلك مثلًا

وما أحسن هذا وأبلغه! ش ر ق: قوله تعالى: {بالعشي والإشراق} [ص: 28] الإشراق: مصدر أشرقت الشمس أي أضاءت يقال: شرقت الشمس شروقًا: طلعت. وأشرقت: أضاءت وشرقت- بالكسر- أخذت ودنت للغروب وقيل: شرق وأشرق بمعنىً واحدٍ والمراد وقت الإشراق وفي تفسير ابن عباسٍ أن المراد به صلاة الضحى، وكانت الجاهلية في موقفهم يقولون: «أشرق ثبير كيما نغير» أي ادخل في الشروق حتى ننفر وندفع وقولهم: «لا أفعل ذلك ماذر شارق» أي ما طلع نجم من جهة الشرق. قوله تعالى: {رب المشرق والمغرب} [الشعراء: 28] وفي موضعٍ آخر بلفظ التثنية [الرحمن: 17] وفي آخر بلفظ الجمع [المعارج: 40] وذلك بحسب اختلاف الإرادات. قال بعضهم: حيث أتيا بلفظ الإفراد، يعني المشرق والمغرب، فالمراد بذلك ناحيتا الشرق والغرب. وحيث أتيا بلفظ التثنية فالمراد مطلعا الصيف والشتاء ومغربهما وحيث وردا بلفظ الجمع فالمراد مطلع كل يومٍ ومغربه؛ فيقال: إن للشمس ثلاث مئةٍ وستين كرةً في الفلك تطلع كل يومٍ من واحدة وكذا في جهة الغروب. والمشرق والمغرب: اسما مكان الشروق والغروب، فكان قياسهما ضم العين، إلا أن السماع بخلافه، ولها أخوات ذكرناها في غير هذا قوله: {مكانًا شرقيًا} [مريم: 16] أي من ناحية المشرق. والمشرقة: المكان الذي يظهر للشرق. وشرقت اللحم: ألقيته في المشرقة، ومنه أيام التشريق والمشرق: مصلى العيد للقيام في الصلاة فيه وقت شروق الشمس وأحمر شرق: شديد الحمرة ولحم شرق: لا شحم فيه وثوب شرق بالصبغ.

قوله تعالى: {لا شرقيةٍ ولا غربية} [النور: 35] أي لا تطلع عليها الشمس وقت شروقها أو وقت غروبها فقط، ولكنها شرقية غربية تصيبها الشمس بالغداة والعشي. وهو أنضر لها وأجود لزيتونها. قلت: وفي هذا دليل لقول الفقهاء في ذلك: والله لا كلمت زيدًا ولا عمرًا، إنه يمينان. ولو قال: وعمرًا، دون «لا» كانت يمينًا واحدةً. وفيه بحث من حيث قول النحاة: إن «لا» الثانية للتأكيد. وقد حققناه في غير هذا. قوله: {فأتبعوهم مشرقين} [الشعراء: 60] أي داخلين في وقت الشروق وهو حال يحتمل أن تكون من الفاعل أو المفعول أو منهما وهو متلازم وإن قلنا: إنها حال من أحدهما لأن من أدرك وقت كيف أتت وهو «مشرقين» وفي الحديث: «نهى أن يضحي بالشرقاء» وهي المشقوقة الأذن. شرق أذنه يشرقها: شقها. والشرق: مصدر شرق بريقه؛ ومنه قول عدي بن زيدٍ: [من الرمل] 797 - لو بغير الماء حلقي شرق ... كنت كالغصان بالماء اعتصاري والشرق أيضًا: الضوء، وهو أيضًا الشمس. وهو أيضًا الشق وعن المبرد: ما يرى من الضوء من شق الباب. ش ر ك: قوله تعالى: {جعلا له شركاء} [الأعراف: 190] قرئ شركاء وشركا فالشرك يقال بمعنى الشريك، وبمعنى النصيب وفي التفسير أن إبليس عيرهما حين سمياه عبد الحارث وكان عبد الله في قصة ذكروها لا تصح عن مثل أبوينا، وإن صحت فمن ذرتيهما، لا منهما وجمعه أشراك، وأنشد للبيدٍ: [من الوافر] 798 - تطير عدائد الأشراك شفعًا ... ووترًا، والزعامة للغلام

ومن قرأ: {شركاء} أراد به جمع شريك وأصله الشركة. والمشاركة: خلط الملكين. وقيل: وهو أن يوجد شيء لاثنين فصاعدًا؛ عينًا كان ذلك الشيء أو معنىً كمشاركة الإنسان والفرس في الحيوانية، ومشاركة فرسٍ وفرسٍ في الكمتة والدهمة يقال: شركته وشاركته وتشاركته وتشاركوا واشتركوا. وأشركته في كذا؛ قال تعالى: {وأشركه في أمري} [طه: 32] وفي الحديث: «اللهم أشركنا في دعاء الصالحين». ثم الشرك ضربان: ضرب يجعل لله فيه شريك. وهذا- والعياذ بالله منه- وصفه تعالى بأنه ظلم عظيم والثاني الشرك الصغير، وهو مراعاة غير الله في بعض الأمور، وذلك كالرياء والنفاق المشار إليهما بقوله: {جعلا له شركاء فيما أتاهما} في أحد الأقوال وقوله تعالى: {وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون} [يوسف: 106] وقال آخرون: معنى «مشركون» أي واقعون في شرك الدنيا، أي حبائلها ومن ثم قال عليه الصلاة والسلام: «الشرك في هذه الأمة أخفى من دبيب النمل على الصفا» ولفظ الشرك من الألفاظ المشتركة قوله: {ولا يشرك بعبادة ربه أحدًا} [الكهف: 110] الظاهر أنه الشرك المعروف وقيل: هو الرياء. قوله: {فاقتلوا المشركين} [التوبة: 5] قيل: هذا عام، قد خص بغير الرهبان والنساء والذراري. وقيل: لم يدخل أهل الكتابين والظاهر دخولهم لقولهم: {عزيز ابن الله} [التوبة: 30] {المسيح ابن الله} إلا أن يؤدوا الجزية واحتج من أخرجهم بقوله: {إن الذين آمنوا والذين هادوا والصابئين والنصارى والمجوس والذين أشركوا} [الحج: 17] وبقوله: {لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين منفكين}

[البينة: 1] فإفرادهم يدل على عدم تناولهم. فالجواب أنه إنما أفردهم بالذكر لإرادة عبدة الأوثان. وأما الشرك فاسم شامل للجميع عند الإطلاق قال ابن عمر- وقد سئل عن نكاح اليهودية والنصرانية: فتلا قوله تعالى: {ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن} [البقرة: 221] قال: ولا أعلم شركًا أشد من أن تقول: عيسى ربها. قوله تعالى: {وما لهم فيهما من شركٍ} [سبأ: 22] أي من نصيبٍ وقيل: من شريك شركه في خلقها قوله: {إني كفرت بما أشركتموني} [إبراهيم: 22] أي بشرككم أيها التباع، كقوله: {ويوم القيامة يكفرون بشرككم} [فاطر: 14] قوله: {وشاركهم في الأموال والأولاد} [الإسراء: 64] أي شاركهم فيما أحل الله لهم فحرمه عليهم، نحو السوائب والبحائر والوصائل والحوامى وفي الأولاد بأن يزنوا وهذا أمر تهديد وابتلاءٍ وامتحانٍ لنا. وقال ابن عرفة: مشاركته في الأموال: اكتسابها من حرامٍ، وفي الأولاد خبث المناكح. قوله: {أنكم في العذاب مشتركون} [الزخرف: 39] أعلمهم أن عذاب الآخرة خلاف عذاب الدنيا من حيث إن عذاب الدنيا إذا ابتلى به شخص فرأى غيره قد شاركه فيه خف عنه ذلك بعض شيءٍ بالتأسي، كما قالت الخنساء: [من الوافر] 799 - ولولا كثرة الباكين حولي ... على موتاهم لقتلت نفسي وما يبكون مثل أخي ولكن ... أعزي النفس عنهم بالتأسي والشرك: الاشتراك في الأرض. ومنه: «أن معاذًا أجاز الشرك في أهل اليمن» ومنه قوله أم معبد: [من الطويل] 800 - تشاركن هزلي مخهن قليل

أي عمهن الهزال. ش ر و: قوله تعالى: {وشروه بثمنٍ بخسٍ} [يوسف: 20] قيل: معناه باعوه؛ على أن الضمير المرفوع لإخوة يوسف. وقيل: هو على بابه بمعنى اشتروه؛ على أن الضمير لأهل السيارة. وقال بعضهم: الشراء والبيع متلازمان؛ فالمشتري دافع الثمن وآخذ الثمن هذا إذا كانت المبايعة والمشاراة تقاضٍ وسلعة فأما إذا كانت بيع سلعةٍ بسلعةٍ، صح أن يتصور كل واحدٍ منهما في موضع لآخر إلا أن شريت بمعنى بعت أكثر، وابتعت بمعنى اشتريت أكثر قال تعالى: {وشروه} أي باعوه. قال ويجوز الشراء والاشتراء في كل ما يحصل به شيء نحو: {أولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى} [البقرة: 16]. قلت: هذا من الاستعارة التمثيلية أو التخييلية، ورشح ذلك بقوله: {فما ربحت تجارتهم} [البقرة: 16] وبالغ فيها حيث أسند عدم الرحب لنفس التجارة، والمراد بابها وقد حققنا هذا في غير هذا الموضع قوله: {إنه الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة يقاتلون في سبيل الله} [التوبة: 111] فذكر الثمن وهو قوله: {بأن لهم الجنة} وقال الراغب: فذكر ما اشتري به وهو قوله: {يقاتلون} وفيه نظر واضح؛ إذ المشترى به على مجازٍ قوله: {بأن لهم الجنة} وأما {يقاتلون} فهو في الحقيقة المرادة بهذا الكلام المبيع، وقال الهروي: إن شريت من الأضداد؛ يعني أن يكون بمعنى بعت وبمعنى اشتريت. قوله: {ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضاة الله} [البقرة: 207] أي يبيعها وفي الحديث: «كان لا يشاري ولا يماري» قيل: لا يشاري: لا يلاج وقال ابن عرفة: أصله لا يشارر من الشر، فأبدل وفي حديث أم زرعٍ: «وركب شريًا» أي فرسًا يستشري في عدوه أي يلج وشرى الرجل أي استشرى، أي جد في الشر ولج فيه وفي الشراء لغتان: المد والقصر، والأكثر أن تدخل الياء على ما هو ثمن، إن كان الثمن

فصل الشين والطاء

والمثمن غير نقدٍ فإن كان أحدهما نقدًا فهو الثمن مطلقًا والشروى: المثل، ومنه قول علي رضي الله عنه: «ادفعوا شرواها من الغنم» أي مثلها وكان شريح يضمن القصار شروى الثوب أي مثله. فصل الشين والطاء ش ط ا: قوله تعالى: {أخرج شطأه} [الفتح: 29] قيل: فراخه، وهو أن ينبت في أصل الزرع ما هو أصغر منه. يقال: شطء وشطأ نحو: شمع وشمع، ونهر ونهر، وشعر وشعر، والجمع أشطاء. وقيل: شطء الزرع: أفراخه لما ينبت في شاطئيه أي جانبيه. وجانب كل شيءٍ شاطئه. ومنه قوله تعالى: {من شاطئ الوادي الأيمن} [القصص: 30] أي من جانبه وناحيته. وشاطئ البحر: ساحله. وشاطأت فلانًا: ماشيته على الشط ويقال: أشطأ الزرع أي أنبت الشطء وصار ذا شطء، نحو أحصد. ش ط ر: قوله تعالى: {فول وجهك شطر المسجد الحرام} [البقرة: 144] أي نحوه ووجهته وشطر الشيء: وجهته ونصفه وشاطرته شطارًا: ناصفته وشطر بصره أي نظر إليه وإلى آخر وشطر: أخذ شطرًا ومنه: الشاطر: لمن يتلصص لأنه يأخذ ناحيةً غير ناحية أهله وجمعه شطر وقيل: سمي شاطرًا لأنه يتباعد وقيل: هو المتباعد عن الحق وجمعه شطار وفلان حلب الدهر أشطره أي كثير التجربة. وأصله في الناقة، أن تحلب خلفين وتترك خلفين وناقة شطور: يبس خلفان من أخلافها وشاة شطور: أحد خلفيها أكبر من الآخر

ش ط ط: قوله تعالى: {شططًا} [الكهف: 14] أي بعيدًا من الصواب في القول يقال: شطت دارنا، أي بعدت. وقيل: الشطط: الإفراط في البعد فكل شططٍ بعد من غير عكسٍ ثم عبر بالشطط عن الجور والعدول عن الصواب في القول والحكم ومنه: {لقد قلنا إذًا شططًا} [الكهف: 14] {وأنه كان يقول سفيهنا على الله شططًا} [الجن: 4] ومنه: شط النهر لأنه يبعد عن الماء قوله: {ولا تشطط} [ص: 22] أي لا تبعد عن الحق ولا تجر. يقال: شط، وأشط، واشتط. وشط يكون لازمًا نحو: شطت الدار، تشط وتشط، ومتعديًا ومنه قول تميمٍ الداري: «إنك لشاطي». والشطة: بعد المسافة. ش ط ن: قوله تعالى: {فاستعذ بالله من الشيطان} [النحل: 98] الصحيح أنه مشتق من شطن يشطن: إذا بعد. ومنه قول النابغة: [من الخفيف] 801 - أيما شاطنٍ عصاه عكاه ... ثم يلقى في السجن والأكبال وقال آخر: [من الوافر] 802 - نأت بسعاد عنك نوى شطون ... فبانت والفؤاد بها رهين وقالوا: تشيطن، أي فعل فعل الشياطين؛ فنونه أصلية وألفه مزيدة هذا قول الحذاق، وقد أوضحنا ذلك في غير هذا، وذلك لأنه بعد من رحمة الله تعالى لمخاصمة أمره وقيل: مشتق من شاط يشيط: إذا هاج واحترق ولا شك أن المعنيين موجودان فيه،

فصل الشين والعين

أعني البعد من الرحمة والاحتراق والهياج. إلا أن الاشتقاق يدل للأول نحو تشيطن يتشيطن وذكرنا أنه يترتب على القولين صرفه، وعدمه إذا سمي به وإن كان غالبهم يطلق ذلك. والشيطان في الأصل مختص بالجن وقال أبو عبيدة: هو اسم بين الجن والإنس والحيوانات. واستدل له بقوله تعالى: {وإذا خلوا إلى شياطينهم} [البقرة: 14] أي أصحابهم من الجن والإنس. وقوله: {وابتعوا ما تتلوا الشياطين} [البقرة: 102] قيل: هم الجن وقيل: هم: مردة الفريقين. وقوله: {كأنه رؤوس الشياطين} [الصافات: 65] أراد في القبح الذي يتصوره في ذهنه كل سامع هذا اللفظ والعرب تتصور الشيطان بأقبح صورةٍ والملك بأحسنها، وعليه: {إن هذا إلا ملك كريم} [يوسف: 31] وقيل هي حيات لها رؤوس منكرة وأعراف بشعة. وقيل: هونبت معروف عندهم خبيث قبيح المنظر وعليه ما قدمته وأطلق لفظ الشيطان على [كل] صورةٍ ذميمةٍ وخلقٍ رديءٍ وعليه قوله صلى الله عليه وسلم: «الحسد شيطان والغضب شيطان» وذلك لأنهما ينشأان منه وقال جرير ابن الخطفى: [من البسيط] 803 - أيام يدعونيي الشيطان من غزلي ... وهن يهوينني إذ كنت شيطانًا سمى نفسه شيطانًا وذكر سبب ذلك وهو تغزله في النساء فصل الشين والعين ش ع ب: قوله تعالى: {وجعلناكم شعوبًا وقبائل} [الحجرات: 13] الشعوب جمع شعبٍ بالفتح وقال الفراء: الشعوب أكبر من القبائل وقال: ما تشعب من قبائل العرب وقد ذكرنا في باب القاف أن القبائل في العرب والشعوب في العجم. ومنه قيل الشعوبية لقومٍ يتعصبون للعجم ويفضلونهم على العرب. قال الهروي: الشعوبي الذي يصغر شأن العرب، ولا يرى لهم فضلًا على غيرهم. قيل لهم ذلك لأنهم يتأولون قوله: {شعوبًا وقبائل} أن

الشعوب من العجم كالقبائل من العرب. قلت: يعني أن الله تعالى قسم العالم الإنسي قسمين من غير تفضيلٍ لأحدهما على الآخر ثم إنه قدم الشعوب لفظًا وهو قرينة ترجيحٍ. ويقال: إن أبا عبيدة معمر بن المثنى كان من هؤلاء، وأنا أحاشيه من ذلك. ويقال: إنه وضع كتابًا في مثالب العرب ويحكى أن الصاحب بن عبادٍ- وكان أعجميًا- يتعصب للعرب وأنه حضره رجل شعوبي وكان بديع الزمان حاضرًا، فتذاكروا عنده، فأنشد الشعوبي: [من الوافر] 804 - غنينا بالطبول عن الطلول ... وعن عيسٍ عزافرةٍ دمول فلست بتاركٍ إيوان كسرى ... لتوضح أو لحومل فالدخول وضب في الفلا ساعٍ وذئبٍ ... بها يعوي وليثٍ وسط غيل بأية رتبةٍ هم قد سموها ... على ذي الأصل والشرف الأصيل؟ إذا ذبحوا فذلك يوم عيدٍ ... وإن نحروا ففي عرسٍ جليل أما لو لم يكن للفرس إلا ... نجار الصاحب العدل الجليل لكان لهم بذلك خير فخرٍ ... وخيلهم بذلك خير خيل فقال الصاحب بن عبادٍ لبديع الزمان: قم فأجب عن صاحبك وأنيسك. فارتجل وقال: [من الوافر] 805 - أراك على شفا خطرٍ مهول ... لما أودعت رأسك من فضول طلبت على مكارمنا دليلا ... متى احتاج النهار إلى دليل؟ متى قرع المابر فارسي ... متى عرف الأغر من الحجول؟ متى علقت وأنت بها زعيم ... أكف الفرس أطراف الخيول فخرت بملء ماضٍ فيك فخرًا ... على قحطان والبيت الأصيل فخرت بأن ماكولًا وليسا ... وذلك فخر ربات الحجول تفاخرهن في خد أسيلٍ ... وفرعٍ في مفارقه أسيل

فقال الصاحب لذلك الشعوبي: كيف رأيت؟ فقال: لو سمعت بمثل هذا ما حذقت فقال له الصاحب: جائزتك جوارك، إن رأيتك في ملكي بعدها ضربت عنقك فشكر الله لابن عبادٍ هذا الصنيع، فإنه للإحسان غير مضيع. وقيل: الشعب: القبيلة المتشعبة من حي واحدٍ. والشعب- بالكسر- من الوادي: ما اجتمع منه طرف وتفرق منه طرف. فإذا نظرت إليه من الجانب الذي يتفرق أخذت في وهمك واحدًا، وإذا نظرت إليه من جانب الاجتماع أخذت في وهمك اثنين اجتمعا فلذلك قيل: شعبت الشيء: جمعته، وشعبته: فرقته؛ فهو من الأضداد عند بعضهم وليس كذلك لما ذكرنا من القدر المشترك. وشعيب إذا لم يكن اسمًا للنبي المعروف صلى الله عليه وسلم فهو تصغير شعبٍ أو شعبٍ. وشعب الذي هو مصدر لشعبت الشيء. والشعيب: المزادة الخلقة المتشعبة. وقال شمر: الشعبة من كل شيء: القطعة والطائفة. وفي الحديث: «إذا جلس بين شعبها الأربع» قيل: هما اليدان والرجلان. وقيل: رجليها وشفريها. وفي حديث مسروقٍ: «أن رجلًا من الشعوب أسلم، فكانت تؤخذ منه الجزية» قال أبو عبيد: الشعوب هنا: العجم، وفي غيره جمع الشعب، وهو أكبر من القبيلة. وقال بعضهم لابن عباسٍ: ما هذه الفتيا التي شعبت الناس؟ - أي فرقتهم- فأنشد قول الشاعر: [من الكامل] 806 - وإذا رأيت المرء يشعب أمره ... شعب العصا ويلج في الصعيان وأم المؤمنين عائشة، لما وصفت أباها الصديق رضي الله عنهما: قالت: «ويرأب شعب الأمة» أي يلائم بين كلمتها إذا تفرقت والمشعب: الطريقة والمذهب: قال الشاعر: [من الطويل] 807 - ومالي إلا آل أحمد شيعة ... ومالي إلا مشعب الحق مشعب

ش ع ر: قوله تعالى: {لا تحلوا شعائر الله} [المائدة: 2] أي مناسك حجه، جمع شعيرة. والشعيرة. في الأصل: العلامة، فسميت مواضع الحج وأفعاله شعائر، لأنها علامات: واشتقاق ذلك من الشعور وهو العلم. قال ابن عرفة: شعائر الله آثاره وعلاماته قال: والعرب تقول: بيننا شعار، أي علامة تعرف بها البدنة أنها من الهدي وقال الأزهري: الشعائر: المعالم التي ندب الله إليها وأمر بالقيام عليها. وقال الزجاج: الشعائر: كل ما كان من موقفٍ ومسعىً وذبح. وقيل: هي نفس البدن المهداة؛ سميت بذلك لأنها تشعر أي شعيرةٍ، أي بحديدةٍ تشعر بها. قوله: {عند المشعر الحرام} [البقرة: 198] هو المسجد المعروف، سمي بذلك لأنه من علامات الحج، ومواضع الحج كلها [مشعر] إلا أن هذا الاسم غلب على هذا المكان بخصوصه. وأصل هذه المادة من شعر الإنسان. وبيانه أن تقول: شعرت زيدًا أي أصبت شعره. قالوا: ثم استعير: شعرت كذا، أي علمت علمًا في الدقة كإصابة الشعر. وسمي الشاعر شاعرًا لفطنته ودقة معرفته. فالشعر في الأصل: اسم للعلم الدقيق في قولهم: ليت شعري. وصار في التعارف اسمًا للموزون المقفى من الكلام، والشاعر للمختص بصناعته وقوله تعالى- حكايةً عن الكفار-: {بل افتراه بل هو شاعر} [الأنبياء: 5]. حمل كثير من المفسرين علي أنهم رموه بكونه آتيًا بشعرٍ منظومٍ ومقفى حتى تأولوا ما جاء في القرآن من كل لفظٍ يشبه الموزون نحو: {وجفانٍ كالجواب وقدورٍ راسياتٍ} [سبأ: 13] وقال بعض المحصلين: لم يقصدوا هذا القصد فيما رموه به، وذلك أنه ظاهر من هذا الكلام أنه ليس على أساليب الشعر. ولا يخفى ذلك على الأغتام من العجم فضلًا عن بلغاء العرب. وإنما رموه بالكذب، فإن الشعر يعبر به عن الكذب، والشاعر الكاذب حتى سموا الأدلة الكاذبة الشعرية قال تعالى في وصف عامة الشعراء: {والشعراء يتبعهم الغاوون} [الشعراء: 227] ولأن الشعر مقر الكذب: قالوا:

أحسن الشعر أكذبه. وقال بعض الحكماء: لم يرمتدين صادق اللهجة ملفقًا في شعره. قلت: ولهذا إن شعراء مفلقين كانوا في جاهليتهم لا يبارون، فلما أسلموا ضعف شعرهم كحسان ولبيد وغيرهما. وقد وطنه حسان من نفسه لذلك. والمشاعر: الحواس فقوله: {وأنتم لا تشعرون} [الزمر: 50] ونحوه، أي لا تدركونه بالحواس. ولو قال في كثيرٍ من المواضع التي قال فيها: {لا يشعرون}، {لا يعقلون} لم يكن تجاوزًا إذ كان كثير مم لا يكون محسوسا قد لا يكون معقولًا والشعار: الثوب يلي الجسد لمماسته الشعر والشعار أيضًا: ما يشعر به الإنسان نفسه في الحرب وفي الحديث: «كان شعارهم: أمت أمت» وكان شعار فلانٍ عمامةً سوداء وأشعره الحب نحو ألبسه. والأشعر: الطويل الشعر ما استدار منه وداهية شعراء كقولك: داهية وبراء. والشعرى: نجم معروف، وتخصيصه بالذكر في قوله: {وأنه هو رب الشعري} [النجم: 49] لأن خزاعة كانت تعبدها وهما شعريان: الشعرى العبور وهي المعبودة سميت بذلك لأنها عبرت المجرة وليس في السماء نجم يقطعها عرضًا غيره والأخرى الغميصاء، لأنها لا تتوقد توقد العبور وكان الذي سن عبادة الشعري رجل يقال له أبو كبشة فخالف سائر قريشٍ، ولذلك نسبه الكفار إلى النبي صلى الله عليه وسلم في قولهم: «لقد أمر أمر ابن أبي كبشة» شبهوه به في مخالفته لهم، وشتان ما بينهما! وفي الحديث: «أنه أعطى ابنته حقوه» وقال: «أشعرنها إياه أي إزاره واجعلنه شعارها» وفي وصف الأنصار: «الأنصار شعار والناس دثار» أي بمنزلة الشعار في القرب. وفيه أيضًا: «لما أراد قتل أبي بن خلفٍ تطاير الناس عنه تطاير الشعر عن

البعير الشعر جمع شعراء وهي ذبابة حمراء تؤذي البعير والحمار وقولهم: شعري بمعنى شعوري ولابد بعده من استفهامٍ، كقول بلالٍ رضي الله عنه: [من الطويل] 808 - ألا ليت شعري هل أبيتن ليلةً ... بوادٍ وحولي إذخر وجليل وهل أردن يومًا مياه مجنةٍ ... وهل يبدون لي شامة وطفيل؟ ولا خبر للبيت لفظًا، بل هو محذوف، والاستفهام معلق للشعور وساد مسد الخبر، فلذلك لا يذكر. وفي المسألة خلاف حققناه في موضعه. وقد يفصل الاستفهام من «شعري» بجملةٍ معترضةٍ، كقول أبي طالبٍ: [من الخفيف] 809 - ليت شعري مسافر ابن أبي عمـ ... ــــروٍ وليت يقولها المحزون وفي الحديث «أنه عليه الصلاة والسلام وأهدي إليه شعارير» هي صغار القثاء الواحدة شعرور وفي غير هذا بمعنى الشعر وهي الذباب كما تقدم. وقيل: الشعارير: ذباب البعير، والشعر: ذباب الكلاب. ش ع ف: قرأ بعضهم: {شعفها} [يوسف: 30] بالعين المهملة، أي برح بها حبه. وقال الليث: مأخوذ من شعفةٍ وهو معلق النياط. وقيل: شعف القلب رأسه عند معلق النياط وشعفة الجبل: أعلاه. وفلان مشعوف بكذا، أي أصيب شعفة قلبه. وقيل: معناه غشي الحب قلبه من فوقه ومن تحته وفي حديث عذاب القبر: «أجلس غير فزعٍ ولا مشعوفٍ» الشعف: الفزع حتى يذهب بالقلب وفي الحديث: «أو رجل في شعفةٍ في غنيمةٍ له» هي أعلى الجبل. وفي صفة يأجوج ومأجوج: «صهب الشعاف» أي

فصل الشين والغين

حمر أطراف الشعور وشعفة كل شيءٍ أعلاه. ش ع ل: قوله تعالى: {واشتعل الرأس شيبًا} [مريم: 4] أي أسرع فيه الشيب إسراع النار في الحطب وهو من أبلغ الاستعارات. ولم يكتف بالاستعارة حتى أسند الاشتعال إلى الرأس، وأخرج الشيب تمييزًا مبالغةً في ذلك. والأصل: اشتعل الرأس وقيل: جهة التشبيه من حيث اللون، وليس بطائل. قيل: وأراد بالرأس رأسه ولحيته ولا دلالة على ذلك. ويقال: شعلت النار وأشعلتها. الشعيلة: الفتيلة؛ إذا كانت مشتعلةً أي موقدةً. وفي حديث: «فأصلح الشعيلة» كأنها فعيلة بمعنى مفعولة. ودخول التاء فيها شاذ كالنطيحة واشتعل فلان غضبًا، تشبيهًا باشتعال النار. وأشعلت الخيل في الغارة، أي هيجتها على الاستعارة. فصل الشين والغين ش غ ف: قوله تعالى: {قد شغفها حبًا} [يوسف: 30] أي أصاب شغاف قلبها وهو وسطه عن أبي علي، وقيل: باطنه عن الحسن، وهما متقاربان. وقيل: الشغاف: جليدة رقيقة تسمى غشاء القلب. قال ذو الرمة: [من الطويل] 810 - مكان الشغاف تبتغيه الأصابع وقال ابن عرفة: وهو حجاب القلب، يريد ما ذكرته. وذلك مثل قولهم: رأسه أي أصاب رأسه وكبده أي أصاب كبده ويقال له الشغف أيضا. ش غ ل: قوله تعالى: {في شغلٍ فاكهون} [يس: 55] أي في تشاغلٍ عن أهليهم

فصل الشين والفاء

المعذبين في النار ينسونهم فلا يذكرونهم وقيل: في اشتغالٍ باللذات عكس حال أهل الدنيا فإن شغلهم في كد الدنيا وتعبها ولا لذة منها إلا بعد مشقة السعي في تحصيلها. والشغل والشغل- بالفتح والضم- هو العارض الذي يذهل الإنسان وقد شغل فهو مشغول ولا يقال: أشغل رباعيًا. وشغل شاغل مثل: شعر شاعر في المبالغة. وقولهم في المثل: «أشغل من ذات النحيين» شاذ لبناء أفعل من المبني للمفعول وبعضهم يراه مقيسا وفي حديث علي رضي الله عنه: «أنه خطب الناس على شغلة» هي البيدر. قال: ابن الأعرابي الشغلة والبيدر والكس واحد. فصل الشين والفاء ش ف ع: قوله تعالى: {والشفع والوتر} [الفجر: 3] قيل: الشفع: يوم النحر من حيث إن له نظيرًا يليه والوتر: يوم عرفة، من حيث إنه ليس له نظير يليه. وقيل: الشفع: كل جمعٍ لأنهم خلقوا أزواجًا. والوتر: هو الخالق. وقيل: هما الأعداد. وقيل: آدم هو الوتر، وهو وزوجته الشفع. وقيل: الوتر آدم لا عن والد، والشفع ذريته وأصل الشف ضم شيء إلى مثله. ويقال للمشفوع شفع ومنه الشفاعة لأن فيها انضمامًا واحدً إلى آخر ناصرًا له. وأكثر ما يستعمل في انضمام من هو أعلى رتبةً إلى من هو أدنى. ومنه: شفاعة يوم القيامة؛ قال تعالى: {فما تنفعهم شفاعة الشافعين} [المدثر: 48] أي لا شفاعة فينتفع بها وقيل: توجد شفاعة غير نافعةٍ لأنه لا تكون شفاعة معتبرة إلا بالشرطين اللذين ذكرهما تبارك وتعالى في قوله: {يومئذٍ لا تنفع الشافعة إلا من أذن له الرحمن ورضي له قولًا} [طه: 109] قوله: {من يشفع شفاعةً حسنةً} [النساء: 85] أي من يزد عملًا إلى عملٍ وقيل: من انضم إلى غيره وعاونه وصار شفعًا له أو شفيعًا في فعل الخير أو الشر. فيقتدي به فصار كأنه شفع له، كما قال عليه الصلاة والسلام: «من سن سنةً حسنةً فله أجرها وأجر من عمل بها» الحديث.

قوله: {يدبر الأمر ما من شفيعٍ إلا من بعد إذنه} [يونس: 3] أي يدبر الأمر وحده لا ثاني له في فصل الأمر إلا أن يأذن للمدبرات من الملائكة فيفعلون ما يفعلونه بعد إذنه قوله: {فما تنفعهم شفاعة الشافعين} [المدثر: 48] قال ابن عرفة: أي ليس لها شافع فتنفعها شفاعته. وإنما نفى الله في هذه المواضع الشافع لا الشفاعة، ألا تراه سبحانه وتعالى يقوله: {ولا يشفعون إلا لمن ارتضى} [الأنبياء: 28]. وفي الحديث: «فأتاه بشاةٍ شافعٍ» أي معها ولدها، لأن كلامنهما يشفع للآخر. وقال الفراء: هي التي في بطنها ولد يتبعها آخر. وفي الحديث: «من حافظ على شفعة الضحى» أي ركعتيه. قال القتيبي: الشفع: الزوج، ولم أسمع به مؤنثًا إلا هنا. والشفعة في الملك: أخذ أحد الشركاء نصيب الآخر ليضمه إلى نصيبه. وفي الحديث: «الشفعة على الرؤوس» أي تكون بين الشركاء على قدر رؤوسهم لا قدر سهامهم. وفيه أيضًا. «إذا وقعت الحدود فلا شفعة». واستشفعت بفلانٍ على فلانٍ، فتشفع لي إليه. وشفعه: أجاب شفاعته. ش ف ق: قوله تعالى: {فلا أقسم بالشفق} [الإنشقاق: 16]. الشفق: اختلاط ضوء النهار بظلام الليل عند غروب الشمس. وهما شفقان: الأحمر والأبيض، والأحمر قبل الأبيض، وبضيائه يدخل وقت عشاء الآخرة. وفي الحديث: «صلى حين غاب الشفق». وقيل: الشفق: الحمرة التي في الغروب عند غيبوبة الشمس، وهي النداء، قوله: {في أهلنا مشفقين} [الطور: 26] وقوله: {مشفقون منها} [الشورى: 18]. الإنشقاق: الخوف. وقال بعضهم: الإشفاق: عناية مختلطة بخوفٍ لأن المشفق يحب المشفق

فصل الشين والقاف

عليه، ويخاف ما يلحقه. فإذا عدي بمن فمعنى الخوف فيه أظهر، وإذا عدي بعلى فمعنى العناية فيه أظهر. ش ف و: قوله تعالى: {على شفا جرفٍ هارٍ} [التوبة: 109]. الشفا من الشيء: طرفه. ومنه: شفا البئر، وشفا النهر، أي طرفهما، ومنه قوله تعالى: {وكنتم على شفا حفرةٍ} [آل عمران: 103]. وتثنيته شفوان، فتكتب بالألف ولا تمال. والجمع شفاء. وأشفى على كذا، أي أشرف عليه. ونقل الهروي: شفا على كذا، ثلاثيًا. ونقل عن القتيبي أنه لا يقال: أشفى، إلا في الشر. وفي الحديث: «فأشفوا على المرج» أي أشرفوا عليه. وفي آخر: «وقد أشفى على الموت». ويقال: أشفى على كذا وأشأف عليه، وأظنه مقلوبًا منه لقلته وكثرة أشفى. فصل الشين والقاف ش ق ق: قوله تعالى: {وإن خفتم شقاق بينهما} [النساء: 35] أي خلاف بينهما. وأصل الشقاق: العداوة والمخاصمة، لأن كل واحدٍ يكون شقًا أي ناحيةً غير شق الآخر. ومنه قوله تعالى: {في عزةٍ وشقاقٍ} [ص: 2] أي خلافٍ. والمعنى: صاروا في جانبٍ وشقٍّ أخر غير شق أمر الله ونهيه. وقيل: هو مأخوذ من شق العصا بينك وبينه، وذلك أنهم كانوا إذا تقاطعوا شقوا عصًا نصفين؛ فأخذ كل واحدٍ شقا. ويقولون: لا نلتئم حتى تلتئم هذه العصا. فسميت كل عداوة شقاقًا باعتبار هذا الأصل. قوله: {شاقوا الله ورسوله} [الأنفال: 13] أي صاروا في جانبٍ وناحيةٍ غير ناحية الله ورسوله، على معنى غير ناحية أمرهما ونهيهما. وأصل ذلك من الشق، وهو الخرق الواسع في الشيء. قوله: {وانشق القمر} [القمر: 1] المشهور أنه وجد ذلك

معجزةً له عليه الصلاة والسلام بمشهدٍ عظيمٍ انشق نصفين وفضل بينهما جبل. وقيل: هو يأتي قرب يوم القيامة. وأتى بلفظ الماضي لتحققه كقوله: {أتى أمر الله} [النحل: 1]. وقيل: معناه: اتضح أمر محمد صلى الله عليه وسلم وقد ادعى بعض الناس أن انشقاق القمر وقع بعد موته صلى الله عليه وسلم بمدةٍ متطاولةٍ، وأن جمعًا كثيرًا شاهدوه ببلادهم، نقله الحليمي، ولا أظنه إلا وهمًا لما ثبت في الصحيح إن وقوع ذلك معجزة له عليه الصلاة والسلام. فلو جاز وقوعه مرةً أخرى لفات ذلك. قوله: {ولكن بعدت عليهم الشقة} [التوبة: 42] هي القطعة من الأرض؛ سميت بذلك للحاق المشقة في الوصول إليها. والشقة من الخروق: القطعة المنشقة نصفين، ومنه: طار فلان من الغضب شقاقًا. وطارت منه شقة، كقولك: تقطع غضبًا، قوله تعالى: {لم تكونوا بالغيه إلا بشق الأنفس} [النحل: 7]. الشق: المشقة والانكسار الذي يلحق النفس والبدن، وذلك كاستعارة الانكسار لها، ويقال: المال بينهم شق شعرةٍ، وشق الأبلمة، أي مقسومًا على السواء. فالأبلمة: خوص المقل. والأخ الشقيق: ما كان من الأبوين، كأنه شق أخيه وقطعة منه. قال الشاعر: [من الخفيف] 811 - يا بن أمي ويا شقيق نفسي ... أنت خلفتني لدهرٍ شديد وفلان شق نفسي وشقيقها، أي بعضها مبالغةً. قوله: {وما أريد أن أشق عليك} [القصص: 27] أي أحملك مشقة. ومثله قوله عليه الصلاة والسلام: «لولا أن أشق على أمتي» يقال: شققت عليه- بالفتح- وشقيقة الرمل: ما يشقق منه. وشقائق النعمان: نبت معروف. والنعمان: الدم. والشقشقة: لهاة البعير لما فيها من الشق. وقال الليث: الشقشقة: لهاة الجمل العربي، ولا يكون ذلك إلا للعربي، يعظمها الله ويطيلها

حتى تخرج ذات .... ويقال: هي جلدة في حلقة ينفخ فيها فتنتفخ. ولا تكون إلا للعربي. ويروى لعلي رضي الله عنه: [من المتقارب] 812 - لسان كشقشقة الأرحبي ... أو كالحسام البتار الذكر ويروى «كاليماني». وتقول العرب للخطيب الجهير الصوت البليغ: هو أهرت الشقشقة. وهريت الشدق. وأنشد لابن مقبلٍ يذكر قومًا بالخطابة: [من البسيط] 813 - عاد الأذلة في دارٍ وكان بها ... هرت الشقاشق ظلامون للجزر وفي حديث عليٍ كرم الله وجهه: «إن كثيرًا من الخطب من شقائق الشيطان» ويقال: هذه شقوق، وبحافر الدابة شقاق، وفرس أشق: مائل إلى حد شقيه. والشقة: نصف الثوب، ثم أطلق على الثوب كله: شقه عرضًا. ش ق و: قوله تعالى: {قالوا ربنا غلبت علينا شقوتنا} [المؤمنون: 106]؛ الشقوة، والشقاوة، والشقاء: سوء الحظ، وهو ضد السعادة. يقال منه: شقي يشقى. فالشقوة كالردة، والشقاوة كالسعادة وزنًا لا معنىً، كما أن السعادة في الأصل نوعان: أخروية ودنيوية. ثم الدنيوية ثلاثة أضربٍ: سعادة نفسية، وبدنية، وخارجية، كذلك الشقاوة ثلاثة أضربٍ. وإلى الشقاوة الدنيوية أشار تعالى بقوله: {فلا يخرجنكما من الجنة فتشقى} [طه: 117] وإلى الشقاوة الأخروية أشار تعالى بقوله: {فمن اتبع هداي فلا يضل ولا يشقى} [طه: 123]. وقيل: قد يعبر بالشقاوة عن التعب فيقال: شقيت في كذا. فالتعب أعم من الشقاوة؛ إذ كل تعبٍ شقاوة، وليس كل شقاوةٍ تعبًا. فقوله تعالى: {فتشقى} يجوز أن يراد التعب كما هو المعروف من كد الدنيا في

فصل الشين والكاف

طلب معاشها. قوله تعالى: {ولم أكن بدعائك رب شقيًّا} [مريم: 4] أي لم تشقني بالرد من غير إجابةٍ. ويقال لكل من أدرك أمرًا سعى فيه: قد سعد به. ولكل من فاته: قد شقي به. فعلى ذلك جاءت الآية. فصل الشين والكاف ش ك ر: قوله تعالى: {واشكروا لي} [البقرة: 152] قد تقدم في باب الحاء الكلام على نوعٍ من الشكر، والفرق بينه وبين الحمد عند الجمهور. وقال بعضهم: الشكر: تصور النعمة وإظهارها. ويضاده الكفر، وهو نسيان النعمة وسترها. ومن الأول قالوا: دابة شكور: مظهر بسمنه إسداء صاحبه إليه. وقيل: الشكر مقلوب من الكشر: وهو الكشف. ومنه: كشر عن أنيابة. وكاشره بالعداوة. وقيل: أصله: عين شكرى، أي ممتلئة. فالكشر على هذا هو الامتلاء من ذكر المنعم عليه. ثم الشكر على ثلاثة أضربٍ: شكر بالقلب؛ وهو تصور النعمة من مسديها والاعتراف بها. وشكر باللسان؛ وهو الثناء على المنعم والبداءة عليه. وشكر بالجوارح؛ وهو مكافأة المنعم بقدر استحقاقه. وهذا النوع يستحيل من قيام العباد لله، ومنه الصلاة شكر لله. قال تعالى: {اعملوا آل داود شكرًا} [سبأ: 13] فشكرًا على هذا تمييز والتقدير على هذا: اعملوا ما تعملونه شكرًا لله تعالى: وقيل: شكرًا: مفعول لقوله: {اعملوا}. وقيل: مفعول له، وإنما قال: اعملوا، ولم يقل: اشكروا، تنبيهًا على التزام الأنواع الثلاثة من الشكر بالقلب، واللسان، والجوارح، ومن ثم قال بعضهم: الشكر تصور النعمة بالجنان، وذكرها باللسان، والعمل لها بالأركان. وإلى الأنواع الثلاثة أشار الشاعر بقوله: [من الطويل] 814 - أفادتكم النعماء مني ثلاثةً: ... يدي ولساني والضمير المحجبا

قوله تعالى: {وقليل من عبادي الشكور} [سبأ: 13] فيه تنبيه على أن توفية شكر الله تعالى صعب أو ممتنع. ولذلك لم يثن بالشكر على أوليائه إلا على اثنين: الأول خليله إبراهيم في قوله: {شاكرًا لأنعمه} [النحل: 121]. الثاني: نوح في قوله: {إنه كان عبدًا شكورًا} [الإسراء: 3]. وقيل: إنما قال تعال: {الشكور} بصيغة المبالغة دون «شاكر»، لأن الشاكرين غير قليلين. وأما المبالغون في الشكر فقليلون. ويحكى أن عمر رضي الله عنه سمع رجلًا يقول في دعائه «اللهم اجعلني من عبادك القليل. فقال يا أخي ما هذا الدعاء؟ قال: يا أمير المؤمنين سمعت الله تعالى يقول: {وقليل من عبادي الشكور} فأنا أطلب أن أكون من أولئك القليل. فقال: كل الناس أعلم من عمر». قوله تعالى: {والله شكور حليم} [التغابن: 17] قيل: إذا وصف الله تعالى بكونه {شكور حليم} فمعناه إنعامه على عبيده، وجزاؤه بما أقاموه من العبادة. وقال ابن عرفة: يغفر السيئات ويشكر الحسنات، يعني بذلك مضاعفتها. ولذلك قال غيره: يعني بالشكور في صفاته أنه يذكر عنده القليل من أعمال العباد، فيضاعف لهم جزاءه، قوله: {لا نريد منكم جزاءً ولا شكورًا} [الإنسان: 9] قيل: هو جمع شكر. وقيل: مصدر وكذلك الكفور؛ قاله الأخفش. وشكر: يتعدى بنفسه تارةً وباللام أخرى في أخواتٍ له ذكرتها في غير هذا. واختلف النحويون؛ هل أحدهما أصل للآخر أو هما أصلان؟ تحقيقه في غير هذا. إلا أن الفراء جعل التعدي باللام أفصح. قلت: ولذلك لم يرد في التنزيل إلا به. وفي حديث يأجوج ومأجوج: «وإن دواب الأرض تسمن وتشكر شكرًا من لحومهم» أي تمتلئ. يقال شكرت الشاة شكرًا: امتلأت لبنًا وسمنًا، فهي شكرى بزنة سكرى وناقة شكرة: ممتلئة الضرع. وفي المثل: «أشكر من بروقٍ» هو نبت يخضر بأدنى مطر. والشكير: فراخ تحصل في أصل الشجرة، وفي المثل: «في عضةٍ ما ينبتن شكيرها» ومنه حديث عمر: «وشكير كثير. قيل: يا أمير المؤمنين، وما الشكير؟ قال: ألم تر إلى الزرع إذا زكا ونبت في أصوله؟

فذلك الشكير». وقال الأزهري: إذا أراد بالشكير ذريةً صغارًا شبههم بالزرع، وهو تشبيه بديع. وقد شكرت الشجرة: كبر غصنها. والشكر: يكنى به عن فرج المرأة؛ ومنه يقول يحيى بن يعمر لرجلٍ طالبته امرأته بمهرها: «إن سألتك ثمن شكرها وشبرك أنشأت تطلقها وتضهلها». قال المبرد: أراد بشكرها فرجها. وأنشد لأبي شهابٍ الهذلي: [من الطويل] 815 - صناع بإشفاها، حصان بشكرها ... جواد بقوت البطن والعرض وافر ش ك س: قوله تعالى: {شركاء متشاكسون} [الزمر: 29] أي مختلفون متشاجرون. وأصله من: شكس خلقه: إذا ساء وضاق. وخلق شكس، أي ضيق. فالمعنى أنهم مختلفون يختصمون أبدًا، ولا يتفقون لشكاسة أخلاقهم. ويقال فيه التشاحن أيضًا. ش ك ك: قوله تعالى: {فإن كنت في شك} [يونس: 94] الشك في الأصل: اعتدال النقيضين وتساويهما في النفس، وذلك إما لوجود أمارتين متساويتين، أو لعدم الأمارة فيهما. فقد يكون الشك في الشيء هل هو موجود أو غير موجودٍ؟ وربما كان في جنسه. من أي جنسٍ هو. وربما كان صفةٍ من صفاته. وربما كان في الغرض الذي من أصله وجد. قيل: والشك: ضرب من الجهل، وهو أخص منه؛ لأن الجهل قد يكون عدم العلم بالنقيضين رأسًا؛ فكل شكٍّ جهل من غير عكسٍ. وأصل ذلك كله من: شككت الشيء أي خرقته. ومنه قول عنترة: [من الكامل] 816 - فشككت بالرمح الطويل ثيابه ... ليس الكريم على القنا بمحرم فكأن الشك الخرق في الشيء، وكأنه بحيث لا يجد الرأي فيه مستقرًا يثبت فيه

ويعتمد عليه، ولذلك يعدى بفي، وإن كان أصله المتعدي بنفسه، لكنه لما تضمن معنى الخرق والغيبوبة في الشيء تعدى تعديتهما. وقيل: هو مستعار من الشك وهو لصوق العضد بالجنب، وذلك أن يتلاصق النقيضان، فلا يجد الرأي والفهم حينئذ لهما مدخلًا، لعدم تخلل ما بينهما. قيل: ويشهد لذلك قولهم: التبس الأمر واختلط وأشكل. والشكة: السلاح، لأنه يشك به، أي يفصل. ثم قوله تعالى: {فإن كنت في شك} [يونس: 94] الخطاب له في الصورة والمراد أمته. وإنما خوطب دونهم لأن العرب إنما تخاطب رئيس القوم. ومثله قوله: {يا أيها النبي اتق الله ولا تطع الكافرين} [الأحزاب: 1] بدليل قوله: {أن الله كان بما تعملون خبيرًا} [الأحزاب: 2] ولم يقل: بما تعمل. وفي الحديث: «أنا أولى بالشك من إبراهيم» تأويله- على ما قال الهروي وغيره- أنه قال ذلك تواضعًا منه عليه الصلاة والسلام. يعني: أنا لا أشك فكيف بإبراهيم؟ فهو نفي للشك عن إبراهيم بهذا الدليل. وإنما قال ذلك لأنه لما نزل قوله تعالى: {وإذ قال إبراهيم رب أرني كيف تحيي الموتى} [البقرة: 260] الآية قال قوم ممن سمعوها: شك إبراهيم فقال عليه الصلاة والسلام ذلك. ش ك ل: قوله تعالى: {قل كل يعمل على شاكلته} [الإسراء: 84] أي ناحيته ووجهته وطريقته ومنه: طريق ذو شواكل: إذا كان تتشعب منه طرق كثيرة. وقيل: على سجيته التي قيدته؛ فهو من شكلت الدابة، أي قيدتها بالشكال. ومنه استعير: شكلت الكتاب، أي قيدته بالضبط. ودابة بها شكال: إذا كان تحجيله بإحدى يديه وإحدى رجليه كهيئة الشكال، وذلك أن سلكان السجية قاهر للإنسان وهو في المعنى كقوله عليه الصلاة والسلام: «كل ميسر لما خلق له من شقي أو سعيد». والأشكلة: الحاجة التي تقيد الإنسان. والإشكال في الأمر: التباسه، وهو استعارة من ذلك، كالاشتباه من الشبه. يقال: أشكل الأمر وشكل، أي اشتبه، لدخول شكل غيره عليك. واشتباهه عليك للماثلة. قوله: {وآخر من شكله أزواج} [ص: 58] أي مثل

له في الهيئة وتعاطي الفعل؛ وذلك أن المشاكلة في الهيئة والصورة والقد في الجنسية والشبه والمثل في الكيفية، ويقال في الكمية. والشكل- بالكسر- قيل: هو الدليل، وهو في الحقيقة الأنس بين المتماثلين في الطريقة. ومن هذا قيل: الناس أشكال وألاف وأصل المشاكلة من الشكل، أي تقييد الدابة- كما تقدم تحقيقه. وقال قتادة: «على شاكتله» أي على جانبه وعلى ما ينوي. وقال ابن عرفة: على شاكلته: على خليقته ومذهبه. ويقال: ليس هذا من شكلي، أي من مذهبي. وكلها أقوال متقاربة. وفي صفته عليه الصلاة والسلام: «أشكل العينين». قال الهروي سمعت أبا بكرٍ أحمد بن إبراهيم بن مالكٍ الداري- وكتبه لي بخطه- قال: «سألت ثعلبًا عن الحديث فقال: كذا كانت عيناه، كان في عينيه سحرة» يقال: في عينيه سحرة: إذا كان فيه بياض وحمرة. وقال غيره: يقال: أشكل: إذا خالطه الدم. وقال أبو عبيدٍ: الشهلة: الحمرة في سواد العين، والشكلة: الحمرة في بياضها، وهو محمود، وأنشد قول الشاعر: [من الطويل] 817 - ولا عيب فيها غير شكلة عينها ... كذاك عتاق الخيل شكل عيونها وفي مقتل عمر: «فخرج لهم النبيذ مشكلا» أي مختلطًا من جراحه. ومن ثم استعير: أشكل الأمر، أي اختلط. وفي الحديث: «أنه كره الشكال في الخيل» قيل: هو أن يكون تحجيله بإحدى يديه وإحدى رجليه- كما تقدم- وقال أبو عبيدةٍ: هو أن يكون ثلاث قوائمه محجلةً وواحدة مطلقةً؛ أخذ من الشكال الذي يشكل به الخيل؛ شبهه به. قال: لأن الشكال إنما يكون في ثلاث قوائم. كذا قاله، وفيه نظر؛ إذ الشكال إنما هو في اثنتين كما قاله الراغب وغيره. ش ك و: قوله تعالى: {وتشتكي إلى الله} [المجادلة: 1] يقال: شكيت واشتكيت

بمعنىً. والشكو والشكاية والشكاة والشكوى كلها بمعنى إظهار البث والحزن. ومنه قوله تعالى: {إنما أشكو بثي} يوسف: 36] أي لا أظهره إلا له. ويقال: أشكاه، أي جعل له شكوى، نحو: أمرضه. وأشكاه: إذا أزال شكايته؛ فهو من الأضداد. وفي الحديث: «شكونا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حر الرمضاء في أكفنا وجباهنا فلم يشكنا» أي فلم يأمرنا بأن نتقي ذلك بأطراف ثيابنا. وقال الهروي: يريد أنهم شكوا إليه حر الشمس وما يصيب أقدامهم، فسألوه تأخيرها إلى وقت الإبراد قليلًا. «فلم يشكهم» أي فلم يجبهم، انتهى. وفيه نظر لأن الإبراد ثابت بالسنة المشهورة، فلم يبق إلا ما قدمته وفي الحديث: «ويكثرن الشكاة» أي الشكوى. وأنشد ابن الزبير: [من الطويل] 818 - وتلك شكاة ظاهر عنك عارها قال القتيبي: الشكاة: الذم العيب. وقال طرفة بن العبد: [من الطويل] 819 - بلا حدثٍ أحدثته وكمحدثٍ ... هجائي وقذفي بالشكاة ومطردي وأنشد الأصمعي: 820 - لم يقذ عينه حثاث المحثث ... يشكو بعي، وهو البليغ الحدث أي يعاب. قيل: وأصل الشكو من فتح الشكوة؛ وهو سقاء صغير يجعل فيه الماء. فالمعنى: أظهر ما في شكوته. وهذا كقولهم: بثثت له ما في وطابي، ونفضت له ما في جرابي،

فصل الشين والميم

أي لم أكتمه من أمري شيئا. قوله تعالى: {كمشكاةٍ} [النور: 35] أدخلها الراغب في هذه المادة بناءً منه على زيادة ميمها. والظاهر أنه اسم أعجمي، عربته العرب؛ يقال إنها بالهندية: الكوة غير النافذة. وإذا وضع فيها المصباح كان أضوأ لاجتماع ضوئه فيها، لكونها غير نافذةٍ. ولم يكتف بذلك حتى جعله في زجاجةٍ موصوفةٍ بما ذكر. وهو مثل قلب المؤمن. فصل الشين والميم ش م ت: قوله تعالى: {فلا تشمت بي الأعداء} [الأعراف: 150]. الشماتة: إظهار الفرح ببليةٍ تصيب من يعاديك وتعاديه. قال الشاعر: [من الكامل] 821 - أشمت بي الأعداء حين هجرتني ... والموت دون شماتة الأعداء وقيل في قوله تعالى {ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به} [البقرة: 286] هو شماتة الأعداء. ولذلك كان من دعائه صلى الله عليه وسلم: «ولا تطع في عدوًا شامتًا» أي لا تفعل في ما يحب. يقال: شمت به يشمت فهو شامت. والتشميت: الدعاء للعاطس، كأنه دعاء له بإزالة الشماتة، فهو كالتمريض والتقذية في إزالة المرض والقذى. قيل: وأصله من الشوامت، وهي القوائم قال النابغة الذبياني: [من البسيط] 822 - طوع الشوامت والمعنى أن قوائم الفرس تنقلب فشلًا وكسلًا وعدوًا ووقوفًا. فالشماتة كذلك لأنها

تقلب قلب الحاسد في حالتيه: فرحه وحزنه. ونقل في تشميت العاطس الإعجام والإهمال؛ فبالشين على ما قدمته من الدعاء بإزالة ما يصيبه من الشماتة. وقيل: دعاء له بتثبيت شوامته، وهي قوائمه لما يحصل له من الانزعاج. وبالمهملة معناه الدعاء له بعوده إلى سمته، أي إلى حالته الأولى، وقصده الأول. قال أبو عبيدٍ: شمت العاطس وسمته: دعوت له، بالسين والشين. والشين يعني المعجمة أعلى اللغتين، وعكس ذلك أبو بكرٍ فقال: شمت فلانًا، وسمت عليه: إذا دعوت له بالخير. وكل داعٍ بخيرٍ مسمت ومشمت. قال ثعلب: الأصل فيهما السين من السمت، وهو القصد والهدي. وفي حديث فاطمة وعلي: «أنه عليه الصلاة والسلام دعا لهما وشمت عليهما». ش م خ: قوله تعالى: {رواسي شامخاتٍ} [المرسلات: 27] أي عوالٍ مرتفعات. وفلان شمخ بأنفه. أي رفعه، يكنى بذلك عن التكبر نحو ثنى عطفه، وصعر خده، ولوى جيده. كل ذلك من أفعال المتكبرين. وأنشدني بعضهم في متكبر: [من السريع] 823 - مر بنا مرتفعًا أنفه ... من شدة العجب وإفراطه أستغفر الله ظلمت الفتى ... أظنه من نتن آباطه ش م ز: قوله تعالى: {اشمأزت قلوب الذين لا يؤمنون} [الزمر: 45] الاشمئزاز: النفور. يقال: اشمأز فلان يشمئز اشمئزازًا فهو مشمئز، أي أنف واستنكف من ذلك الشيء. وروى أبو عبيدة عن أبي زيدٍ: اشمأزت: ذعرت. وظاهر كلام ابن الأعرابي وثعلبٍ أن الهمزة فيه مزيدة؛ فإنه نقل عنه أن الشمز نفور الشيء من الشيء يكرهه. ش م س: قوله تعالى: {والشمس تجري} [يس: 38] الشمس هو هذا الكوكب النهاري

المضيء. ومن قال إنه يذكر ويؤنث بدليل قوله: {هذا ربي} [الأنعام: 78] فقد وهم لأن التذكير إنما جاز مراعاةٍ لقوله {كوكبًا} [الأنعام: 76] لا لتأنيث لفظه. والشمس تطلق على القرص نفسه وعلى الضوء المنتشر عنه مجازًا. وشمس يومنا، وأشمس: صار ذا شمسٍ. وشمست الدابة تشمس شماسًا وشموسًا، إذا جمحت ولم تستقر، تشبيهًا بالشمس في عدم استقرارها. وتجمع الشمس على شموسٍ، وذلك باعتبار الأيام. كأنهم جعلوا لكل يومٍ شمسًا مجازًا، وإلا فالشمس شخص واحد فأنى له الجمع؟ وفي ذلك قمر وأقمار. وفي الحديث: «إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله لا يكسفان لموت أحدٍ» وفي ذلك لما مات ولده إبراهيم عليه الصلاة والسلام كسفت الشمس، فقالوا: كسفت لموته. فقال عليه الصلاة والسلام ذلك. ش م ل: قوله تعالى: {عن اليمين وعن الشمال قعيد} [ق: 17]. الشمال: هي اليد اليسرى المقابلة لليمين. والعرب تتشاءم بجهتها ويسمونها الشؤمى، ولذلك قال تعالى: {وأما من أوتي كتابه بشماله} [الحاقة: 25] عكس أهل السعادة الذين قال فيهم: {وأما من أوتي كتابه بيمينه} [الحاقة: 19] ولذلك عبر بها عن القوة والتمكن. ومنه قوله تعالى: {إنكم كنتم تأتوننا عن اليمين} [الصافات: 28] أي عن القوة والقهر. قول تعالى: {يتفيؤا ظلاله عن اليمين والشمائل} [النحل: 48] الشمائل جمع شمالٍ، وإنما أفراد اليمين وجمع الشمال لأن هبوب الريح من جهتها أكثر، فتمايل الظل منه. والمراد به السجود أكثر. ومن ملح كلام أمير المؤمنين علي رضي الله عنه: «إن أبا هذا- يعني الأشعث بن قيسٍ- كان ينسج الشمال باليمين». قلت: الشمال جمع شملة نحو جفنةٍ وجفانٍ. وفي الحديث: «نهى عن اشتمال الصماء» فسره الأصمعي بأن يشتمل ثوبًا حتى

يجلل به جسده، لا يرفع منه جانبًا فيكون فيه فرجة تخرج منها يد. وقال أبو عبيدٍ: وأما الفقهاء فيفسرونها بأن يشتمل ثوبًا واحدًا ليس عليه غيره، ثم يرفعه من أحد جانبيه، فيضعه على منكبه. قال الهروي: من فسره بهذا كرهت به إلى كراهة التكشف وإبداء العورة. ومن فسره تفسير أهل اللغة فإنه كره أن يتزمل به شاملًا جسده، مخافة أن يدفع منها إلى حالةٍ تسد نفسه فيهلك. وأحسن من هذا ما قاله بعضهم إنها سميت اشتمال الصماء، لأن الرجل يلتف بالثوب فيطرحه على ناصية الشمال، والصماء: التي لا منفذ لها. ومنه قارورة مصممة. والشملة والمشمل: كساء يشتمل به. وقولهم: شمله كذا، أي عمه؛ استعارة من الاشتمال بالكساء ونحوه، لأنه يجمع من يحتوي عليه. ومنه استعير الشمل. وقيل: جمع الله شملك. وفي دعائه عليه الصلاة والسلام: «أسألك رحمةً تجمع بها شملي» أي اجتماعي. كذا فسره أهل العلم؛ قالوا: الشمل: الاجتماع وقيل للخليفة اشتمال، لاشتماله على الإنسان اشتماله الشمال على البدن. والشمال- بالفتح-: أحد الرياح، لأنها تشمل بهبوبها. وترادفها الهمزة قبل ميمها تارةً وبعدها أخرى. قال امرؤ القيس: [من الطويل] 824 - فتوضح فالمقراة لم يعف رسمها ... لما نسجتها من جنوب وشمأل وإنما قلنا بزيادتها لسقوطها في تصاريف الكلمة؛ قالوا: شملته الشمال. وماء مشمول، أي أصابته الشمال. قال كعب بن زهير (من قصيدةٍ بانت سعاد): [من البسيط] 825 - شجت بذي شبمٍ من ماء محنيةٍ ... صافٍ بأبطح أضحى وهو مشمول وإنما قيل لها شمال لأنها تهب من شمال الكعبة. وأشمل الرجل من الشمال كأجنب من الجنوب. وكني بالمشمل عن السيف كما كني عنه بالرداء. ومنه: جاء مشتملًا بسيفه، كقولهم: مرتديًا به، ومتدرعًا له. والشمول: من أسماء الخمر، لأنها

فصل الشين والنون

تشمل على العقل، كاشتمال الشملة. ومن قم قيل: خمر لمخامرته العقل، أو لتخمره إياه. والشملة: الناقة السريعة، مأخوذة من الريح الشمال، تشبيهًا بها في السرعة. وقول الشاعر: [من الكامل] 826 - ولتعرفن خلائقًا مشمولةً ... ولتندمن، ولات ساعة مندم قيل: مشمولةً طيبةً، كأنما هبت عليها الشمال. وتجمع على شمالاتٍ، وهو شاذ. وأنشدوا: من [مجزوء الرمل] 827 - ربما أوفيت في علمٍ ... ترفعن ثوبي شمالات فصل الشين والنون ش ن أ: قوله تعالى: {إن شانئك هو الأبتر} [الكوثر: 3]. الشانئ: المبغض. والأبتر: هو الذي لا عقب له. وكان كفار قريشٍ يقولون: إن محمدًا لا عقب له، فإذا مات انقطع ذكره. فرد الله تلك المقالة الشنعاء بأحسن كلام. ثم إنه جعل الخلق كلهم أولاده وأتباعه ومنسوبين إليه. وفي بعض القراءات: {وأزواجه أمهاتهم} [الأحزاب: 6] وهو أب لهم. ولا تنافي بين هذا وبين قوله تعالى: {ما كان محمد أبا أحدٍ} [الحزاب: 40] لأن المراد هنا الأبوة الحقيقية المتصورة بها الولادة. ويقال: شنأه يشنؤه شنأ وشنآنا، وله مصادر كثيرة بينتها في «الدر» وغيره. وقد قرئ: {شنآن قومٍ} [المائدة: 2] بفتح النون وسكونها، وهما مصدران. وقال بعضهم: من سكن أراد بغيض قومٍ، ومن ثقل

جعله مصدرًا. قلت: إنما قال ذلك لأن {شنآن} بالسكون ليس عندهم مصدرًا بل صفة. وقد قرأ بذلك عاصم وتجرأ عليه بعض الناس، فلا ينبغي له ذلك. قال ابن الأنباري قد أنكر هذا رجل من أهل البصرة يعرف بأبي حاتمٍ السجستاني معه تعد شديد وإقدام على الطعن في السلف. فحكيت ذلك لأحمد بن يحيى فقال: هذا من ضيق عطنه وقلة معرفته، أما سمعت قول ذي الرمة: [من الطويل] 828 - فأقسم لا أدري أحولان عبرةٍ ... تجود بها العينان أحرى أم الصبر؟ قال: قلت: وإن كان مصدرًا ففيه الواو. فقال: فقد قالوا: وشكان ذا إهالةً. قلت: يعنون أن المصدر حقه أن يجيء مفتوح العين كالصوفان والنزوان والجولان. والصفة مسكنتها نحو غضبان وعطشان وسكران. فاستدل ثعلب بالبيت والشاهد. ومنه قوله: «أجولان» فسكن عينه مع كونه مصدرًا. فاعترض أبو بكرٍ بأن فيه الواو، يعني فقد يكون السكون لأجل حرف العلة. فأجابه بأنه قد سكن بعض الأسماء، وإن لم يكن عينه واوًا، نحو: وشكان في المثالين المذكورين. وهذه الآية قد حققتها بدلائلها في «الدر المصون» و «العقد النضيد»، فعليك بالالتفات إليها فيهما. وتقول العرب: مشنوء من يشنؤك، أي مبغض من! يبغضك, وأزد شنوءة من ذلك. وفي حديث عائشة رضي الله عنها: «عليكم بالمشنيئة النافعة التلبينة». قال الهروي: يعني الحساء. وقولها «التلبين» تفسير لها، وهي مفعولة من شنئت. قلت: كيف تكون مفعولةً من شنئت؟ إذ لو كان كذلك لوجب أن يقال فيها مشنوءة مشروبة، لأن أحرفها صحيحة الهم إلا أن يقال: الهمزة تجري مجرى حروف العلة كثيرًا. وقال الرياشي: سألت الأصمعي عنها فقال: البغيضة.

فصل الشين والهاء

فصل الشين والهاء ش هـ ب: قوله تعالى: {فأتبعه شهاب ثاقب} [الصافات: 10]. الشهاب: هو الشعلة المستوقدة الساطعة من النار أو العارض من الجو. ووصفه تارةً بكونه ثاقبًا، أي للأرض ولمن يلحقه، وتارةً بكونه مبينًا في قوله: {فأتبعه شهاب مبين} [الحجر: 18] بمعنى أنه أمر ظاهر لا يختص به واحد دون آخر. وتارةً يكون قبسًا في قوله: {أو آتيكم بشهابٍ قبس} [النمل: 7] فمن نون «شهاب» فلأنه قبس، أي أخذ من النار. ومن أضافه فلأن الشهاب أعم من القبس. وقيل: هو من إضافة الشيء إلى نفسه نحو: مسجد الجامع، وهو رأي كوفي. وأصحابنا يتناولونه بما هو مذكور في مواضعه المشار إليها. والشهبة: بياض مختلط بسوادٍ، تشبيهًا بالشهاب لاختلاط ضوئه بالدخان وكتيبة شهباء: اعتبارًا بسواد القوم وبياض الحديد. ش هـ د: قوله تعالى: {عالم الغيب والشهادة} [الأنعام: 73]. الشهادة والشهود: حضور مع مشاهدةٍ. وذلك إما بالبصر، وإما بالبصيرة. والأول تتعلق به الأحكام الظاهرة، وأما الثاني فالشرع بالنسبة إلى الأحكام الظاهرة لم يعتبره. وقد يقال للحضور مفردًا، إلا أن الشهود بالحضور المجرد أولى والشهادة مع الشهادة. وقد يقال للمحضر: مشهد، وللمرأة بحضرة زوجها: مشهد. وجمع المشهد مشاهد، ومنه مشاهد الحج، قال تعالى: {ليشهدوا منافع لهم} [الحج: 28] فمشاهده هي مواطنه الشريفة التي تحصرها الملائكة والأبرار من الناس. وقيل: هي مواضع المناسك. قوله تعالى: {ما شهدنا مهلك أهله} [النمل: 49] أي ما حضرنا. قوله: {والذين لا يشهدون الزور} [الفرقان: 72] أي لا يحضرونه بنفوسهم ولا بهمهم وإرادتهم. والشهادة: قول صادر عن علمٍ حصل بمشاهدة بصرٍ أو بصيرةٍ. ومنه قوله عليه

الصلاة والسلام: «إن رأيت الشمس طالعةً على مثل هذا فاشهد» ثم اتسع في ذلك فجازت في مواضع بغلبة الظن. بيانها في كتب الفقه. قوله تعالى: {أشهدوا خلقهم} [الزخرف: 19] أي بمشاهدة البصيرة، وقوله بعد ذلك: {ستكتب شهادتهم ويسألونك} تنبيه أن الشهادة تكون عن شهودٍ. قوله: {لم تكفرون بآيات الله وأنتم تشهدون} [آل عمران: 70] أي تعلمون. قوله تعالى: {ما أشهدتهم خلق السماوات والأرض} [الكهف: 51] أي ما جعلتهم ممن اطلعوا ببصيرتهم على خلقها. قوله: {عالم الغيب والشهادة} أي ما يغيب عن حواس الناس وبصائرهم وما يشهدونه بها. قوله تعالى: {وشاهدٍ ومشهودٍ} [البروج: 3] قال علي كرم الله وجهه: «الشاهد: يوم الجمعة، والمشهود يوم عرفة» وقيل: المشهود: يوم الجمعة. وقيل: يوم عرفة. وقيل: يوم القيامة. الشاهد: كل من يشهد. قوله: {وذلك يوم مشهود} [هود: 103] تنبيه أنه لابد من وقوعه. وقيل: لأنه يشهده أهل السماء والأرض. وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم منصوصًا ما فسر به أمير المؤمنين: روى الهروي بسنده إلى أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «سيد الأيام يوم الجمعة هو شاهد، ومشهود يوم عرفة». وقيل: الشاهد: نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ويؤيده قوله تعالى: {إنا أرسلناك شاهدًا} [الأحزاب: 45] أي شاهدًا على أمتك بالإبلاغ ولمن آمن بالتصديق. وقيل: معناه: مبينًا فإن الشاهد بيان كما سيأتي. قوله تعالى: {ويوم يقوم الأشهاد} [غافر: 51] يعني الملائكة. وقيل: الأنبياء

والمؤمنون يشهدون على المكذبين بمحمدٍ صلى الله عليه وسلم. وهو جمع شاهدٍ نحو صاحبٍ وأصحابٍ، وناصرٍ وأنصارٍ. قوله: {شاهدين على أنفسهم بالكفر} [التوبة: 17] أي كل فرقةٍ تنسب إلى دين اليهود والنصارى المجوس سوى مشركي العرب؛ فإنهم كانوا يمتنعون من هذه الاسم. فجعل قبولهم لذلك شهادة على أنفسهم بالكفر. وقيل: لأنهم كانوا يقولون في تلبيتهم: [من الرجز] 829 - ألا شريك لك ألا شريك لك ... هو لك تملكه وما ملك قوله: {ونزعنا من كل أمةٍ شهيدًا} [القصص: 25] أي اخترنا منهم نبيًا، وكل نبيٍّ شاهد على قومه. ثم «شهدت» يقال على ضربين: أحدهما جارٍ مجرى العلم وبلفظه تقام الشهادة. فيقول الشاهد: أشهد بكذا، ولا يكتفي بقوله: أعلم، بل لابد من لفظه بالشهادة. ولا يكتفي منه أيضًا بقوله: شهدت، أو أنا شاهد بكذا. بل لابد من قوله: أشهد، بلفظ المضارع. والثاني جارٍ مجرى التقسيم؛ فيقال: أشهد أن زيدًا منطلق. وعليه قوله: {أن تشهد أربع شهاداتٍ بالله} [النور: 8] الآية. ويجري العلم في ذلك مجراه، فيجاب بما يجاب به القسم، كقول الشاعر: [من الكامل] 830 - ولقد علمت لتأتين منيتي ... إن المنايا لا تطيش سهامها وقال بعضهم: إذا قال: شهدت، ولم يقل: بالله أنه يكون قسمًا. وشهدت كذا: حضرته. وشهدت على كذا: أقمت عليه شهادتي. ومنه قوله تعالى: {يوم تشهد عليهم ألسنتهم} [النور: 24]، {شهد عليهم سمعهم} [فصلت: 20]. وقد يعبر

بالشهادة عن الحكم نحو قوله: {وشهد شاهد من أهلها} [يوسف: 26] في أحد القولين. وقد يعبر بها عن الإقرار بالشهادة كقوله تعالى: {ولم يكن لهم شهداء إلا أنفسهم فشهادة أحدهم} [النور: 6]. وقوله: {شاهدين على أنفسهم} [التوبة: 17] {وشهدوا على أنفسهم أنهم كانوا كافرين} [الأعراف: 37] أي أقروا. وقد يعبر بها عن البيان. ومنه عند بعضهم: مبينين لدينه، لأن الشاهد يبين ما يشهد به وعليه. وقيل: يتبين بشهادته ما يوجب حكم الحاكم. وقوله تعالى: {شهد الله أنه لا إله إلا هو} [آل عمران: 18] يحتمل أن يراد بذلك الإعلام، أي أعلم الله. وأن يراد البيان أي يبين. وأن يراد الحكم أي حكم بذلك. وقال بعضهم: أن «شهد» هنا قد استعمل في معانٍ مختلفةٍ؛ فإما أن يكون ذلك من باب الاشتراك أو الحقيقة أو المجاز، وكلاهما مقول به. والاستدلال على ذلك في غير هذا. فشهادة الله تعالى بذلك إعلامه وبيانه وحكمه، وشهادة الملائكة ومن معهم إقرارهم بذلك كما بينا. وقد بين ذلك بعضهم في عبارةٍ حلوةٍ فقال: فشهادة الله بوحدانيته هي إيجاد ما يدل على وحدانيته في العالم وفي نفوسنا، وأنشد: [من المتقارب] 831 - أيا عجبًا كيف يعصى الإله ... أم كيف يجحده الجاحد؟ وفي كل شيءٍ له آية ... تدل على أنه واحد وقال بعض الحكماء إن الله تعالى لما شهد لنفسه كان شهادته أن أنطق خلقه بالشهادة له. قلت: فإن قيل: فقد أنكر أكثر العالم قلت: كلهم ناطقون بذلك إما بلسان القال وإما بلسان الحال، وإن وجد كفرهم وشركهم عنادًا، وأما شهادة الملائكة بذلك فهي إظهارهم أفعالًا يؤمرون بها، وهي المدلول عليها بقوله: {فالمدبرات أمرًا} [النازعات: 5]، وأما شهادة أولي العلم فهي اطلاعهم على تلك الحكم وإقرارهم بذلك. وإنما خص أولي العلم لأنهم هم المعتبرون، وشهادتهم هي المعتبرة. وأما الجهال فمبعدون عنها. وعلى ذلك نبه بقوله تعالى: {إنما يخشى الله من عبادته العلماء} [فاطر: 28] وهؤلاء هم المعنيون بقوله: {والصديقين والشهداء والصالحين} [النساء: 69].

قوله تعالى: {وجاءت كل نفسٍ معها سائق وشهيد} [ق: 21] أي من يشهد له وعليه، وهم الحفظة الذين كانوا يكتبون أقواله وأفعاله ويحصونها عليه، وأما السائق فغيرهما. وقيل: أحدهما يسوقه. وليس المراد بالسائق والشهيد الواحد بل الجنس. قوله {أو ألقى السمع وهو شهيد} [ق: 37] أي يشهدون ما يسمعونه بقلوبهم على حد من قيل فيهم {أولئك ينادون من مكانٍ بعيدٍ} [فصلت: 44] وقوله تعالى: {واستشهدوا شهيدين من رجالكم} [البقرة: 282] أي شاهدين. يقال: شاهد وشهيد. إلا أن صيغة فعيل أبلغ، والشهيد الشرعي بالنسبة إلى عدم غسله والصلاة عليه هو من قتل في حرب الكفار بسبب القتال. والشهيد في الأجر كالمبطون والغريق كما جاء في الحديث. إنما سموا كلهم شهداء لأن أرواحهم شهدت دار السلام، أي أحضرتها. وأما أرواح غيرهم فلا تحضرها إلى يوم البعث. قال الهروي: وعلى ذلك يؤول قوله تعالى: {بل أحياء عند ربهم يرزقون} [آل عمران: 169]. وقال أبو بكرٍ: لأن الله وملائكته شهود لهم بالخير. وقيل: سموا شهداء لأنهم ممن يستشهد يوم القيامة مع الأنبياء على الأمم. وقيل: سموا بذلك لحضور الملائكة إياهم، إشارة إلى ما قال تعالى {تتنزل عليهم الملائكة ألا تخافوا ولا تحزنوا} [فصلت: 30]. وقيل: لأنهم يشهدون في تلك الحالة ما أعد الله لهم من النعيم. قلت: وقد حكى لي شيخ صالح من دمياط أيام رحلتي إليها- وقد زرت قبور الشهداء هناك في مكانٍ يقال له شطا- فقال- وقد أراني قبرًا حسنًا عليه بناء عظيم: هذا قبر شطا. قلت: وما شطا؟ قال: ابن ملكٍ من ملوك الفرنج، جاء مع أبيه وجيشه ليأخذوا ثغرنا. فلما التحم القتال قتل ناس من المسلمين، فدخل شطا في المعركة فوجد رجلًا من المسلمين يتشحط في دمه فوقف عليه فكشف له لإرادة الله إياه بالخير. فرأى حوريةً من الجنة تبتدره بكوزٍ من الماء. قال لها شطا: اسقني. فقالت: لست لك. فقالت

له أخرى أحسن منها: لو كنت مسلمًا وقتلت كنت لك. فترك صفهم وجاء لصف المسلمين، فابتدروه ليقتلوه فأشار إليهم فأمسكوا عنه حتى قص قصته. ثم لم يزل يقاتل قومه ويقاتلونه حتى قتل رحمه الله. فأخذ ودفن هناك. فمن ثم يزار. فهذا معنى قول من قال: إنهم يشاهدون في تلك الحالة ما أعد لهم. وقيل: لأنهم عند الله- أي عند حياته- كقوله تعالى: {والشهداء عند ربهم لهم أجرهم} [الحديد: 19] فبين جهة العندية. قوله تعالى: {تبغونها عوجًا وأنتم شهداء} [آل عمران: 99] أي نبوة محمدٍ صلى الله عليه وسلم قوله تعالى: {إن قرآن الفجر كان مشهودًا} [الإسراء: 78] أي تشهده ملائكة الليل وملائكة النهار، أي تحضره، وقيل: معناه أن صاحبه يشهد الشفاء والرحمة المشار إليهما بقوله: {وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين} [الإسراء 82] والتوفيق والسكينات والأرواح. قوله تعالى: {وادعوا شهداءكم} [البقرة: 23] قال ابن عباسٍ: معناه أعوانكم. وقال مجاهد: الذين يشهدون لكم. وقال بعض أهل العلم: معناه من يعتد بحضوره عكس من قيل في حقهم: [من البسيط] 832 - مخلفون ويقضي الله أمرهم ... وهم بغيب وفي عمياء ما شعروا وقيل: يجوز فيه جميع ما ذكر في معنى الشهادة. وكذا جوز في قوله: {ونزعنا من كل أمةٍ شهيدًا} [القصص: 75]. قوله: {وكفى بالله شهيدًا} [النساء: 79] أي لا يفوت علمه شيء. وفيه إشارة إلى معنى ما تضمنه قوله تعالى: {لا يخفى على الله منهم شيء} [غافر: 16]. وقوله: {يعلم السر وأخفى} [طه: 7]. قوله: {ويتلوه شاهد منه} [هود: 17] أي حافظ ملك. وقيل: هو عبد الله. وفي حديث أبي أيوب: «لا صلاة بعد العصر حتى يرى الشاهد. قيل: يا أبا أيوب وما الشاهد؟ قال: النجم». وفسرها الفراء بأنها صلاة المغرب. قال: وهو اسمها. قال شمر: وهذا راجع إلى ما فسر أبو أيوب أنه النجم، كأنه يشهد على الليل. وقال أبو سعيدٍ: سميت صلاة الشاهد لاستواء المسافر والمقيم في أنها لا تقصر. قال الأزهري: والقول الأرجح هو الأول، ألا

ترى أن صلاة الفجر لا تقصر أيضًا؟ قوله: {وما شهدنا إلا بما علمنا} [يوسف: 81] فالشهادة هنا هي الإخبار. قوله تعالى: {وبنين شهودًا} [المدثر: 13] أي حضورًا، فيه تنبيه على المروءة واستقرار الخاطر، وذلك أنه- لغناه- لا يحتاج في غيبته بيته إلى معاش سفرٍ ولا حضر، وأنه لا ينغص عليه غيبته فيقول: قد هلكوا، قد قتلتهم اللصوص؟ قوله: {فمن شهد منكم الشهر فليصمه} [البقرة: 185] أي من حضر ولم يكن مسافرًا. ولذلك فسر بعضهم: فمن شهد منكم الشهر في المصر، فالشهر نصب على الظرف أو على المفعولية. وقد حققنا هذا في غير هذا الكتاب، والتشهد: غلب عرفًا على التحيات. ش هـ ر: قوله تعالى: {فمن شهد منكم الشهر} أي شهر رمضان. فـ «أل» فيه للعهد الحسي لتقدم ذكره: {فعصى فرعون الرسول} [المزمل: 16]. وسمي الشهر شهرًا؛ قيل: لاشتهاره بإهلال الهلال، أو باعتباره جزءاً من اثني عشر جزءاً من دوران الشمس من نقطةٍ في الفلك الرابع إلى تلك النقطة. وقيل سمي شهرًا لشهرته، وقيل: سمي شهرًا باسم الهلال. والهلال إذا أهل سمي شهرًا. يقال: رأيت شهرًا أي هلالًا. ومنه الحديث: «صوموا الشهر وسره» وقال ذو الرمة: [من الطويل] 833 - فأصبحت أجلي الطرف ما يستزيده ... يرى الشهر قبل الناس وهو نحيل ويعبر عن الرجل العالم بالشهر كأنه سمي بالمصدر مبالغةً؛ تقول: شهرت الشيء شهرا. وأنشد لأبي طالبٍ يمدح النبي صلى الله عليه وسلم: [من الوافر] 834 - فإني والضوباح كل يومٍ ... وما تتلو السفاسرة الشهور

فصل الشين والواو

قيل: الشهور: العلماء. والمشاهرة: المعاملة بالشهر كالمسانهة والمياومة. وأشهر فلان بالمكان: أقام به شهرًا. والشهرة: الفضيحة والشهرة أيضًا هي الاشتهار. وشهر فلان وأشهر، يقال ذلك في الخير والشر. ش هـ ق: قوله تعالى: {لهم فيها زفير وشهيق} [هود: 106] قيل: الزفير: أول نهيق الحمير، والشهيق: آخره. والمعنى أنهم جامعون في استغاثتهم بين هذين الوصفين المنكرين في أصواتهم. وأصله من الشهق، وهو طول الزفير، وهو رد النفس. والزفير مده. من قولهم: جبل شاهق، أي متناهٍ في الطول. وقال الربيع: الشهيق في الصدر والزفير في الحلق. وقال يعقوب: كل شيءٍ ارتفع فهو شهق. يقال شهق يشهق: إذا تنفس غالبًا. ش هـ و: قوله تعالى: {واتبعوا الشهوات} [مريم: 59]. أصل الشهوة نزوع النفس إلى ما تريده وتحبه. وهي في الدنيا ضربان: صادقة وكاذبة. فالصادقة ما يختل البدن من دونه كشهوة الطعام عند الجوع. والكاذبة: ما لا يختل البدن بدونه. وقد يسمى الشيء المشتهى شهوة مبالغةً. وقد يقال للقوة التي بها الشيء شهوةً. فقوله تعالى: {زين للناس حب الشهوات} [آل عمران: 14] يحتمل الشهوتين. وقوله: {وابتعوا الشهوات} قيل: هي الكاذبة، والشهوات المستغنى عنها. ورجل شهواني، مبالغة في النسب لذلك نحو: رقباني ولحياني والشهي فعيل بمعنى مفعول. فصل الشين والواو ش وب: قوله تعالى: {ثم إن لهم عليها لشوبًا من حميمٍ} [الصافات: 67]. الشوب في الأصل: الخلط ومنه شاب اللبن بالماء، أي خلط. قال الشاعر: [من البسيط]

835 - تلك المكارم لا قعبان من لبنٍ ... شيبا بماءٍ فعادا بعد أبوالا ومنه يسمى العسل شوبًا لكونه مختلطًا بالشمع، وفي المثل: "ما عنده شوب ولا روب" أي لا عسل ولا لبن. وفي الحديث: "لا شوب ولا روب" أي لا غش ولا تخليط في شراءٍ ولا بيع. وأصله من ذلك. ويقال: ما في كلامه شوبةٌ ولا روبةٌ. فالشوبة: الخديعة، والروبة: الحمضة الظاهرة. ويقال للمخلط في كلامه: هو يشوب ويروب. فمعنى الآية الكريمة: ثم إن لهم عليها لخلطًا ومزجًأ من حميم وأي حميم؟ ش ور: قوله تعالى: {وأمرهم شورى بينهم} [الشورى: 38]. الشورى: الأمر الذي يشاور فيه. والمصدر المشاورة والتشاور والمشورة. قيل: والمشورة: استخراج رأي المستشار وما عنده. وأصل ذلك من: شرت العسل، أي استخرجته. ومنه شوار العروس لأنه يبدي ويظهر ويستخرج ما عند أهله، ويكنى به عن الفرج، وشورت به: فعلت ما خجله، كأنك أظهرت شواره. وقال ابن الأعرابي: الشورة -بالضم-: الجمال. والفتح: الخجل. وفي الحديث: "أن أبا بكرٍ ركب فرسًا يشوره" أي يعرضه ويستخرج ما عنده من الجري، وذلك المكان يقال له المشوار. وفي الحديث: "أن أبا طلحة كان يشور نفسه بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم" أي يعرضها على القتل. ويقال: شرت العسل وأشرته وشترته. وقال الشاعر: [من الطويل]. 836 - ألذ من السلوى إذا ما نشورها ش وظ: قوله تعالى: {شواظ من نارٍ ونحاس} [الرحمن: 35]. قيل: الشواظ: اللهب بلا

دخانٍ. والنحاس: الدخان. وفيه لغتان: "شواظ" بضم الفاء وكسرها وقد قرئ بهما، وقرئ أيضًا: "ونحاس" بالرفع والجر. وقد حققنا ذلك في "الدر" وغيره. ش وك: قوله تعالى: {أن غير ذات الشوكة} [الأنفال: 7] الشوكة هنا السلاح. وقيده بعضهم فقال: السلاح التام. والشوكة أيضًا: القوة والسلطان. وأصل ذلك من الشوك، واحده شوكة، وهو مادق وصلب رأسه من النبات. ثم عبر به عن القوة والسلطان. والسلاح يقال فيه شوكة وشكة. ورجل شائك السلاح، وشاكي السلاح، وشاك السلاح. ويقال ذلك بفي أيضًا فيقال: شاك في السلاح. قيل: وشاكي السلاح مقلوب من شائكٍ، كهارٍ مقلوب من هائرٍ. قال زهير: [من الطويل]. 837 - لدى أسدٍ شاكي السلاح مقذف ... له لبد أظفاره لم تقلم وقيل: السلاح أجمع. وقول الفقهاء: مضن ولاه ذو الشوكة، يريدون ذا القهر والغلبة. وشوكة العقرب: إبرتها على التشبيه. وشجرة شائكة وشاكية. وشاكني الشوك: أصابني. وفي الحديث: "حتى يشاكها"، وقال الراجز: [من الرجز]. 838 - حوكت على نيرين إذ تحاك ... تختبط الشوك ولا تشاك وشوك الفرخ: نبت عليه مثل الشوك. وشوك البعير: طالت أنيابه. وشوك ثدي؛ المرأة: نهد، كله على التشبيه.

فصل الشين والياء

ش وي: قوله تعالى: {نزاعة للشوى} [المعارج: 16] قيل: الشوى: الأطراف كاليد والرجل، الواحدة شواة. ورماه فأشواه، أي أصاب شواه ولم يصب مقتله. ومنه قيل للأمر الهين: شوى، من قول العرب: كل شيءٍ شوى ما سلم لك دينك. وأصله أن كل ما أصاب المضروب في أطرافه دون مقتله فهو هين سهل. وفي حديث مجاهد: " [كل] ما أصاب الصائم شوى إلا الغيبة" أي كل ما أصاب الصائم سهل لا يبطل صومه إلا الغيبة. وقيل: الشوى: جلود الرأس. والجلدة: شواة؛ أي تنزع أطرافهم وجلود رؤوسهم. نسأل الله بمنه أن يقينا عذاب النار بمحمد وآله. وشويت اللحم وأشويته. والشوي: ما يشوى. قال امرؤ القيس: [من الطويل] 839 - فظل طهاة اللحم ما بين منضجٍ ... صفيف شواءٍ أو قديرٍ معجل فالشواء: ما شوي. والقدير: ما طبخ في القدور. وفي البيت بحث نحوي. فصل الشين والياء ش ي أ: قوله تعالى: {كل شيءٍ هالك إلا وجهه} [القصص: 88]. الشيء عند العلماء هو الذي يصح أن يعلم ويخبر عنه. وعند كثير من المتكلمين هو اسم مشترك المعنى إذا استعمل في الله وفي غيره. يقع على الموجود والمعدوم. وعند بعض المتكلمين لا يقع إلا على الموجود دون المعدوم. وأما المستحيل فليس بشيء وفاقًا. قال الراغب: وأصله مصدر شاء. فإذا وصف الله تعالى به فمعناه شاء، وإذا وصف به غيره فمعناه المشيء به. قال: وعلى الثاني قوله تعالى: {الله خالق كل شيءٍ} [الرعد: 16] فهذا على العموم بلا مثنوية إذ كان الشيء هنا مصدرًأ في معنى المفعول. وقوله: {قل أي شيءٍ أكبر شهادة} [الأنعام: 19] هو بمعنى الفاعل.

والمشيئة عند أكثر المتكلمين كالإرادة سواء وعند آخرين هي غيرها فقال: إن المشيئة في أصلها: إيجاد الشيء وإصابته، وإن كان قد وقع العرف بأنهما سيان. فالمشيئة من الله تعالى إيجاده، ومن الناس الإصابة. وقال تعالى: {وما تشاؤون إلا أن يشاء الله} [الإنسان: 30] تنبيه أن مشيئتهم مرتبة على مشيئة الله، فلا فعل يستقل به العبد. وإذا كان الإرادة التي هي من مقدمات الفعل مرتبة على إرادة الله فالفعل بطريق الأولى فالمشيئة من الله متقضية وجود الشيء. ومن ثم قيل: ما شاء بطريق الأولى فالمشيئة من الله مقتضية وجود الشيء. ومن ثم قيل: ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن. وكذلك الإرادة عندنا. ومن فرق بينهما كالراغب الإصبهاني، قال في المشيئة ما قدمته. وقال في الإرادة: والإرادة منه لا تقتضي وجود المراد لا محالة، ألا ترى أنه قال: {يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر} [البقرة: 185] وقال: {وما الله يريد ظلمًا للعباد} [غافر: 31]. وقال: ومعلوم أنه قد تحصل من غير أن تتقدمها إرادة الله تعالى، فإن الإنسان قد يريد ألا يموت، ويأبى الله ذلك، ومشيئته لا تكون إلا بعد مشيئته لقوله: {وما تشاؤون إلا أن يشاء الله}. وروي أنه لما نزل قوله تعالى: {لمن شاء منكم أن يستقيم} [التكوير: 28] قال الكفار: الأمر إلينا؛ إن شئنا استقمنا وإن شئنا لم نستقم. فأنزل الله تعالى: {وما تشاؤون إلا أن يشاء الله}، انتهى كلامه وفيه نظر، إذ يؤدي إلى أن يريد الإنسان بدون إرادة الله تعالى. وإلى أن يقع في الوجود ما لا يريد. وهذا يقرب مما لا يليق ولا يجوز. وأما قوله: {يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر} فالمعنى فيما فرضه وقرره علينا من أمر الإفطار لمن لا يقدر على الصوم يدل على ذلك سياق الكلام واتساقه. وأما قوله تعالى: {وما الله يريد ظلمًا للعباد}. أي منه؛ يعني يريد أن لا يظلمهم. وهذا واقع، فإنه تعالى لا يظلم أحدًا ولا يريد ظلمه. وقال بعضهم: لولا أن الأمور كلها موقوفة على مشيئة الله تعالى، وأن أفعالنا معلقة بها وموقوفة عليها لما

أجمع على تعليق الاستثناء به في جميع أفعالنا، نحو قوله: {ستجدني إن شاء الله صابرًا} [الكهف: 69]، وغير ذلك من الآي. ش ي ب: قوله تعالى: {واشتعل الرأس شيبًا} [مريم: 4] الشيب: ابيضاض الشعر من الكبر غالبًا. وقد يرد من مصائب الدنيا ما يعجل بياضه مع حداثة السن. وقد جاء في بعض التفاسير أن رجلاً بات شابًا فأصبح شائبًا. فقيل له، فقال: رأيت وكأن القيامة قد قامت ورأيت من أهوالها، فمن ثم شبت. ويؤيد هذا قوله تعالى: {يومًا يجعل الولدان شيبًا} [المزمل: 67] وما أفصح هذا الكلام وأعذبه وأعجزه! حيث أتى بهذه اللفظة المقتضية للحنو على هذا الجنس، وأنه قد أصابه ما صيره شائبًا. ويحكى أن عيسى عليه وعلى نبينا وعلى سائر النبيين الصلاة والسلام والحواريين خرجوا ذات يوم سايحين، فتذاكروا السفينة فقالوا: يا روح الله، لو بعثت لنا من شاهدها فيخبرنا بها. فأتى بلا من التراب فضربه بعصًا كانت معه وقال: قم بإذن الله، فإذا رجل أشمط فقال: من أنت؟ قال: سام بن نوحٍ، فاستحكوه أمر السفينة فحكى، فقال له: أمت كذا؟ فقال: مت شابًا، ولكنه لما بعثتني حسبت أن القيامة قد قامت، فمن ثم شبت. وأنشد بعض ملوك المغرب: [من الطويل] 840 - ومنكرةٍ شيبي لعرفان مولدي ... ترجع والأجفان ذات غروب فقلت: يسوق الشيب من قبل وقته ... زوال نعيم أو فراق حبيب وأنشدوا للعرب: [من الوافر] 841 - رمي الحدثان نسوة آل سعدٍ ... بمقدارٍ سمدن له سمودا فرد شعورهن السهود بيضًا ... ورد وجوههن البيض سودا وأنشدني بعضهم لغيره: [من الطويل] 842 - وقائلة: شبنا. فقلت: نعم شبنا ... ولكن في الدنيا الدنية أنشبنا فيا ليتنا لما تقضى زماننا ... خلصنا فأخلصنا ولكننا شبنا

ويقال: رجل أشيب، وامرأة شيباء، والجمع فيهما شيب، نحو: أحمر وحمراء وحمر. قال الشاعر: [من البسيط] 843 - منا الذي هو ما إن طر شاربه ... والعانسون ومنا المرد والشيب وقد ذكرنا وجوه المبالغة في قوله: {اشتعل الرأس شيبًا} ولله الحمد. والأصل شيبا بضم الفاء، فكسرت لتصح الياء. وقد يكون إسراع الشيب من برودة المزاج ورطوبته. وكذلك اسودادًا شعور أهل الأقاليم الحارة دون غيرهم. قوله تعالى: {ضعفًا وشيبةً} [الروم: 54] بمعنى الشيخوخة. وفي بعض التفاسير في قوله تعالى: {وجاءكم النذير} [فاطر: 37] إنه الشيب. وقد تطيرت منه الناس تطيرًا كثيرًا وقالوا فيه ما لا يحصى حتى قال بعضهم: [من الخفيف] 844 - لو رأى الله أن في الشيب خيرًا ... جاورته الأبرار في الخلد شيبا وقد أخطأ قائل ذلك. وحتى قال المتنبي: [من البسيط] 845 - ضيف ألم برأسي غير محتشم ... السيف أحسن فعلاً منه باللمم ولذلك رغب الشارع فيه، وأزال النفرة منه. وسماه الله وقارًا فيما قاله لخليله إبراهيم -عليه السلام- حتى قال: "يا رب زدني وقارًا". ويعبر به عن الشدة. وعلى ذلك قولهم: باتت المرأة بليلة شيباء، إذا اتفضت. وبليلةٍ حرة إذا لم تفتض. ثم قيل: باتوا بليلةٍ شيباء، أي في شدةٍ. ويوم أشيب، أي شديد. قال الشاعر: 846 - ذا كواكب أشيبا ش ي خ: قوله تعالى: {ثم لتكونوا شيوخًا} [غافر: 67] هو جمع شيخ. والشيخ: من

بلغ السن العالية وأن لم يشب. وبعضهم يقيده بالشيب. وقد شاخ يشيخ فهو شيخ بين الشيخوخة والشيخ والتشييخ. والشيخ يقابله عجوز. ولا يقال: شيخة إلا في لغيةٍ. قال الشاعر: [من الطويل] 847 - وتضحك مني شيخة عبشمية ... كأن لم تري قبلي أسيرًا يمانيا وله جموع كثيرة منها ما هو جمع تكسيرٍ، ومنها ما هو اسم جمعٍ. فمن الأول: أشياخ وشيوخٍ وشيخان وشيخة، عند من يراها جمعًا. ومن الثاني: مشيخة وشيخة، عند من لا يرى فعلةً جمعًا. وشيخاء ومشيوخاء. ويجوز في فاء شيوخ الضم والكسر، وقد قرئ بهما كبيوتٍ وعيونٍ. واعلم أن الولد ما دام في بطن أمه فهو جنين لا جتنانه، وجمعه أجنة، وقد تقدم في باب الجيم. فإذا ولد فهو صبي، إلى الفطام. ثم هو غلام، إلى سبعٍ. ثم يافع، إلى عشرٍ. ثم حزور، إلى خمس عشرة. ثم قمد، إلى خمسٍ وعشرين. ثم عنطنطًا، إلى ثلاثين؛ قال الشاعر: [من الطويل] 848 - تذكر نعماه لدن أنت يافع ... إلى أنت ذو فودين أبيض كالنسر وقال الآخر في العنطنط: [من الطويل] 849 - وبالمحض حتى آض جعدًا عنطنطا إذا قام ساوى غارب الفحل غاربه ثم صمل، إلى الأربعين. ثم كهل، إلى الخمسين. ثم شيخ، إلى الثمانين. ثم هو هم بعد ذلك. وقال بعضهم: إذا ولد فهو وليد. فإن لم يستتم أسبوعًا فصديغ. وما دام يرضع فهو رضيع. ثم عند الفطام فطيم. فإن لم يرضع فجحوش. فإذا دب، فدارج. قال الشاعر: [من الرجز]

850 - يارب بيضاء من العواهج ... أم صبي قد حبا أو دارج فإذا سقطت رواضعه، فمثغور، فإذا نبتت بعد الإسقاط فمثغور ومبغور فإذا جاوز العشر، فناشئ ومترعرع. فإذا قارب الاحتلام فيافع ومراهق. فإذا احتلم فحزور. قال: والغلام يطلق عليه في جميع أحواله بعد الولادة. فإذا اخضر شاربه وسال عذاره فباقل. وإذا صار ذا لحيةٍ ففتى وشارخ. فإذا كملت لحيته، فمجتمع. ثم وهو من الثلاثين إلى الأربعين شاب. ومن الأربعين إلى الستين كهل. وقال بعضهم: الغلام هو الفتى السن من الناس. وقال آخرون: من بقل عذاره، وإطلاقه على الطفل وعلى الكهل مجازًا. وسيأتي مزيد بيانٍ في بابي العين والكاف إن شاء الله. ش ي د: قوله تعالى: {ولو كنتم في بروجٍ مشيدةٍ} [النساء: 78] أي مبنية بالشيد، وهو الجص. وقال ابن عرفة: الشيد: ما طلي على الحائط من جص وصاروجٍ وغير ذلك. فكأنها التي طلبت بالشيد. وقال ابن اليزيدي: البروج المشيدة: هي الحصون المجصصة. وقال مجاهد، في قوله تعالى: {وقصرٍ مشيدٍ} [الحج: 45] أي بالقصة، أي بالجص مطلي به. وقيل: المشيدة: المطولة البناء، المرتفعة. يقال: شاد بنيانه وشيده: إذا علاه. ويقال: أشاد بذكره، أي رفعه ونوه به قال الهروي: ولا يقال في هذا شاد ولا شيد. وفي الحديث: "أيما رجلٍ أشاد على امرئٍ مسلمٍ كلمةٍ هو منها بريء" أي رفع ذلك وأظهره. والإشادة: أيضًا: رفع الصوت. يقال: أشاد فلان صوته، وهو رفع في المعنى. ش ي ط: قوله تعالى: {فاستعذ بالله من الشيطان} [النحل: 98] قد تقدم أن في اشتقاقه قولان: أحدهما من شطن وهو الصحيح. والثاني شاط يشيط: إذا هاج واحترق. وإن

الاشتقاق يرده وإن كان معناه صحيحًا. وفي الحديث: "إذا اشتشاط السلطان تسلط الشيطان" أي إذا تحرق من شدة الغضب. ويقال: شيط الطباخ الرؤوس والأكارع: إذا أشعل فيها حتى يتشيط ما عليها من الشعر والصوف. وشاط السمن حتى كاد يحترق. وثم يعبر به عن الهلاك والإهلاك؛ فيقال: شاط دمه وأشاطه. وقال الأعشى: [من البسيط] 851 - وقد يشيط على أرماحنا البطل وفي الحديث: "أن فلانًا قاتل حتى شاط في رماح القوم". وشاط لحم الجزور: إذا قسمها. ومنه قول عمر رضي الله عنه: "إن أخوف ما أخاف عليكم أن يؤخذ الرجل المسلم البريء فيشاط لحمه كما تشاط الجزور". ش ي ع: قوله تعالى: {في شيع الأولين} [الحجر: 10] أي في فرقهم. وقيل: في أصحاب الأولين. وكل من فاق إنسانًا وتحزب له فهو له شيعة. وعليه قوله تعالى: {وإن من شيعته لإبراهيم} [الصافات: 83] وجمعها شيع كقربة وقرب، وأشياع ومنه قوله تعالى: {كما فعل بأشياعهم من قبل} [سبأ: 54]. وقال تعالى: {ولقد أهلكنا أشياعكم} [القمر: 51] أي من شايعكم على الكفر، أي بايعكم عليه. يقال: شايعه على كذا، أي تابعه. وأصل الشياع: الانتشار والتقوية. ومنه: شاع الحديث، وأشاعه فلان، أي أذاعه ونشره. وشايعته: قويته، وذلك أن المتبع مقو للمتبوع. وشاع القوم: انتشروا وكثروا. وشيعت النار بالحطب. والشيعة: من يتقوى بهم الإنسان، وينشرون عنه أوامره ونواهيه. قوله تعالى: {أو يلبسكم شيعًا} [الأنعام: 65] أي فرقًا متفرقة، كل فرقةٍ على حدةٍ، يعني: يعاقبكم بتفرقة كلمتكم. ويجوز أن يكون

"شيعًا" نفس الشيء المبلوس على الاستعارة، أي نجعل الفرق من غيركم شاملة لكم، فنسلطهم عليكم. ويرشحه: {ويذيق بعضكم بأس بعضٍ} [الأنعام: 65]. قوله: {وكانوا شيعًا} [الأنعام: 159] أي فرقًا يتابع بعضهم بعضًا. وشيعته، وشايعته: اتبعته. وبقول العرب: شاعكم السلام. أي تبعكم. وأشاعكم الله السلام، أي أتبعكموه. وفي الحديث: "نهى عن التضحية بالمشيعة" بكسر الياء، هي التي تشيع الغنم، أي تتبعها عجفًا وهزالاً. وتشييع الجنائز: اتباعها. والمشيع -بفتح الياء- الشجاع؛ كأنه لإقدامه مشيع للقبر. وفي الحديث أن مريم دعت على الجراد فقالت: "اللهم شيعه بلا شياعٍ" بالكسر. قال ابن الأعرابي: بلا زمارةٍ وراعٍ. قال الأزهري: الشياع: الرعاء بالإبل لتنساق. وأكثر ما يفعل الراعي ذلك بالزمارة، فأطلق الشياع عليها. والشياع -بالفتح- الإشاعة، كأنه اسم مصدرٍ كالعطاء للإعطاء. والحمد لله رب العالمين والصلاة على نبيه وآله.

باب الصاد

باب الصاد فصل الصاد والباء ص ب أ: قوله تعالى: {والصابئين} [البقرة: 62]. قيل: هم كانوا على دين نوحٍ عليه السلام فخرجوا منه. وكل من خرج من دينٍ إلى آخر فقد صبأ، مأخوذ من صبأ ناب البعير: إذا خرج وطلع. وقيل: هم قوم عبدوا الملائكة. وقيل: عبدوا الكواكب. وقيل: هم نوع من النصارى، فخالفوهم في أصول دينهم، وقرأ العامة بالهمز، ونافع وحده بلا همز، فقيل: مخفف منه. وقيل: إنما قراءته من صبا يصبو: إذا مال. وهؤلاء قد مالوا إلى دينٍ غير دينهم. وروى أبو عبيدة عن ابن عباسٍ رضي الله عنهما إنكارها وأنه كان يقول: ما الصابئون، إنما هي الصابيون. ولا ترد بمثل هذه الحكاية قراءة متواترة. ص ب ب: قوله تعالى: {أنا صببنا الماء صبًا} [عبس: 25]. الصب: السكب بسرعة وكثرةٍ. وقيل: الصب: إراقة المائعات من علو. يقال: صبه فانصب وتصبب. ومنه قولهم: تصبب زيد عرقًا. والصبيب: العرق، بمعنى مصبوبًا. وأنشد: [من الرجز] 852 - هواجر تجتلب الصبيبا وقال أبو عمرو: والصبيب: الجليد. وأنشد لابن عباب: [من الطويل] 853 - ولا كلب إلا والج أنفه استه ... وليس بها إلا صبًا وصبيبها قوله تعالى: {فصب عليهم ربك سوط عذابٍ} [الفجر: 13] من باب الاستعارة البليغة؛ جعل السوط مما يصب إيذانًا بسرعة لحاقه بمن يقع به، وأنه في نزوله عليه كنزول

الشيء المصبوب. وأشياء أخر يطول الكتاب بذكرها، فلله در فصاحة القرآن، لا تنحصر وجوهها. ويقال: صب إلى كذا صبابةً بمعنى سالت نفسه محبةً نحو من يهواه. والصب: من به صبابة. وهو صب بكذا: مولع به. وفي الحديث: "كان يختضب بالصبيب" الصبيب هنا قال أبو عبيد: أظنه ماء ورق السمسم أو نحوه من نبات الأرض، ولون مائه أحمر يعلوه سواد. وفي غير هذا هو العرق كما تقدم. وقيل: الدم. والصبابة: البقية من الماء في الإناء. وفي الحديث: "إن الدنيا آدنت بصرم وولت حذاء فلم يبق منها إلا صبابة كصبابة الإناء". الصبابة: البقية اليسيرة، وحذاء قال: معناها مسرعة. وقيل: الصبابة والصبة: ما من شأنها أن تصب، وتصاببت الإناء: شربت صبابته. وتصبصب: ذهبت صبابته. ص ب ح: قوله تعالى: {فالمغيرات صبحًا} [العاديات: 3]. الصبح والصباح: أول النهار، وهو وقت احمرار الأفق بحاجب الشمس. قوله تعالى: {فالق الإصباح} [الأنعام: 96] أي ضوء النهار. والإصباح في الأصل: مصدر أصبح. فالمعنى: جاعل ذلك. وشبهه كالبيضة التي تفلق عن الشيء، كأن ضوء النهار كان محتجبًا في شيءٍ انفلق عنه. قوله: {فساد صباح المنذرين} [الصافات: 177] نسب الذم إلى صباحهم مبالغة في إساءتهم، كقوله: ساء يومه. فساء يجوز أن تكون الجارية مجرى بئس. فالمخصوص بالذم محذوف، أي صباحهم، والصبوح: الشراب أول النهار. والغبوق: آخره. يقال: صبحته، أي سقيته صبوحًا، مثل: عبقته. والصبحان: المصطبح. قوله تعالى: {فيها مصباح} [النور: 35] المصباح هنا: السراج، وبه شبه النجم. ومنه قوله تعالى: {ولقد زينا السماء الدنيا بمصابيح} [الملك: 5]. وقيل: هي أعلام الكواكب. والمصباح أيضًا: مقر السراج. والمصباح أيضًا: ما يسقى منه، ومن الإبل: ما يبرك فلا

ينهض حتى يصبح. وصبحتهم ماء كذا: أتيتهم به صباحًا. والصبح: شدة حمرةٍ في الشعر تشبيهًا بالصباح أو المصباح. وصبح وجه فلانٍ: حسن، أخذًا من المصباح. والصباحة: الملاحة من ذلك. وقولهم: أصبح استطالة له. وعليه قول امرئ القيس: [من الطويل] 854 - ألا أيها الليل الطويل ألا انجل ... بصبحٍ وما الإصباح منك بأمثل وفي الحديث: "نهى عن الصبحة" هي النوم وقت ارتفاع النهار، لأنه وقت الذكر وطلب المعاش. وصبحت القوم -مخففًا ومثقلاً-: أغرت عليهم صباحًا. قال الشاعر: [من الوافر] 855 - صبحنا الخزرجية مرهفاتٍ ... أبان ذوي أرومتها ذووها وقال الحماسي، في التشديد، وهو أنصف شعرٍ قيل: [من الطويل] 856 - فلم أر مثل الحي حيًا مصبحًا ... ولا مثلنا يوم التقينا فوارسا أكر وأحمى للحقيقة منهم ... وأضرب منا بالسيوف القوانسا ص ب ر: قوله تعالى: {ولمن صبر وغفر} [الشورى: 43]. الصبر في الأصل: الحبس. ومنه قوله تعالى: {واصبر نفسك} [الكهف: 28] أي احسبها. وقال قطري بن الفجاءة: [من الوافر] 857 - فصبرا في مجال الموت صبرًا ... فما نيل الخلد بمستطاع أي احبس نفسك في موطن الحرب. فأقام المصدر مقام فعله، وكذا: {اصبروا

وصابروا} [آل عمران 200] أي احبسوا أنفسكم عن شهواتها. فالصبر: حبس النفس عن الشهوات وعلى امتثال المأمورات واجتناب المنهيات. وقيل: الصبر: الإمساك في ضيقٍ. صبرت الدابة: أمسكتها للعلف. فقال بعضهم: الصبر: حبس النفس عما يقتضيه العقل والشرع عما يقتضيان حبسها عنه. قال: فالصبر لفظ عام، وربما خولف بين أسمائه بسبب اختلاف مواقعه؛ فإن كان حبس النفس لمصيبةٍ سمي صبرًا لا غير، ويضاده: الجزع، وهو المراد بقوله تعالى: {وبشر الصابرين الذين إذا أصابتهم مصيبة} [البقرة: 54، 155] الآية، {إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حسابٍ} [الزمر: 10]. وإن كان في حربٍ سمي شجاعة، ويضاده: الجبن. وإن كان في نائبة مضجرةٍ سمي رحب الصدر، ويضاده: الضجر. وإن كان في إمساك كلامٍ سمي كتمانًا، ويضاده: المذل. وقد سمى الله تعالى كل ذلك صبرًا. ونبه عليه بقوله: {والصابرين في البأساء والضراء وحين البأس} [البقرة: 177] {والصابرين على ما أصابهم} [الحج: 35]. قوله: {واستعينوا بالصبر والصلاة} [البقرة: 45] هو الصبر المتعارف. وقيل: هو الصوم. ومن ثم سمي رمضان شهر الصوم، لأنه فيه حبس النفس عن الملاذ الدنيوية من أكلٍ وشربٍ وجماعٍ، ولا سيما الأبرار الذين قال فيهم عليه الصلاة والسلام: "إنه يسلم من السب والغيبة حتى لم شتم أحدهم لا يرد بل يقول: إني امرؤ صائم" وقال عليه الصلاة والسلام: "صيام شهر الصبر وثلاثة أيامٍ من كل شهرٍ يذهب وحر الصدر". قوله تعالى: {فما أصبرهم على النار} [البقرة: 175] أي ما أجرأهم على تعاطي أسباب دخول النار من المعاصي. قيل: هي لغة. يقال: هو أصبر على كذا منك. وما أصبره عليك! أي أجرأه. واحتج أبو عبيدٍ على كونه لغة في الجرأة بقول بعض العرب لخصمه: ما أصبرك على الله! أي ما أجرأك على اليمين! قال بعضهم: هذا تصور مجازٍ بصورة حقيقيةٍ، لأن ذلك معناه: ما أصبرك على إعداء الله! إذ اجترأت على ارتكاب ذلك. وإلى هذا يعود قول من قال: ما أبقاهم على النار! وقول من قال: ما أعملهم بعمل

أهل النار! وذلك أنه قد يوصف بالصبر من لا صبر له في الحقيقة اعتبارًا بحال الناظر إليه، أي من رآهم يقول: وإن لم يكونوا متصفين بالصبر، هذا صفة تعجبٍ فكيف ترد من الباري تعالى؟ فأجيب بأنه جاء باعتبار المخاطبين. ولنا فيه كلام أوسع من هذا. قوله تعالى: {اصبروا وصابروا} [آل عمران: 200] أي احبسوا أنفسكم على العبادة، وجاهدوا أهواءكم. قوله: {واطبر لعبادته} [مريم: 65] أي تحمل الصبر بجهدك. قوله: {يجزون الغرفة بما صبروا} [الفرقان: 75] أي بما تحملوه من الصبر في الوصول إلى مرضاته تعالى. قوله عز وجل: {فصبر جميل} [يوسف: 18] أي امر صبرٍ. والأصل النصب علي المصدر ونيابة عن الفعل، إلا أن الرفع أبلغ لما قررناه في: {قالوا سلامًا قال سلام} [هود: 69]. ولذلك أتى الشاعر بهذا الأصل على النصب في قوله: [من الرجز] 858 - يشكو إلي جملي طول السرى ... صبرًا جميلاً فكلانا مبتلى ومعنى الآية: الحث على الصبر. والصبور: القادر على الصبر الذي له فيه ملكة. والصابر يقال إذا كان فيه ضرب من التكلف والمجاهدة؛ قاله الراغب وفيه نظر من حيث إن فعولاً وفعالاً مبالغة. وفعل لا يدل على التكلف، بل يدل عليه تفعل، ويدل عليه قوله تعالى: {إن في ذلك لآياتٍ لكل صبارٍ شكورٍ} [إبراهيم: 5]. وقد يعبر عن الانتظار بالصبر لما كان حق الانتظار لا ينفك عن الصبر، بل هو نوع من الصبر؛ وعليه قوله تعالى: {فاصبر لحكم ربك} [الطور: 48] أي انتظر حكمه لك على الكفار الذين عاندوك. وقال المبرد: الصبر ثلاثة أنواعٍ: حبس، وإكراه، وجرأة. وحكي من كلامهم: أصبره الحاكم على اليمين، أي ألجأه إليها: وفي الحديث: "اقتلوا القاتل واصبروا الصابر"؛ وذلك أن رجلين قتلا رجلاً؛ أمسكه أحدهما وقتله الآخر، أي احبسوا الذي حبسه للموت حتى يموت كفعله به. كذا فسره الهروي. والحكم عندنا

ليس كذلك. وقيل: الصبر أن يحبس، أي يوقف وهو ينظر لنفسه فيقتل، وهو أشد القتلات. ولذلك نهى عن القتل صبرًا، أي تؤخذ ذاته فيرمى عرضًا. وقد قتل النبي صلى الله عليه وسلم بعض الكفار صبرًا لمصلحةٍ، ومنهم النضر القائلة أخته قتيلة في شعرٍ: [من الكامل] 859 - صبرًا يقاد إلى المنية متعبًا ..... ص ب ع: قوله تعالى: {يجعلون أصابعهم} [البقرة: 19] الأصابع جمع إصبع، هذا العضو المعروف. وفيه عشر لغاتٍ؛ تثليث الهمزة، مع تثليث الباء، والعاشرة أصبوع. وصبعته: أصبت وهي مؤنثة. وعليه قوله: [من الرجز] 860 - هل أنت إلا إصبع دميت ... وفي سبيل الله ما لقيت ص ب غ: قوله تعالى: {صبغة الله} [البقرة: 138] أي دين الإسلام، استعار له هذا الاسم إشعارًا بأن الله تعالى هو الذي يفعل ذلك، وكما يفعل الصباغ في الثوب المصبوغ. وقصد تعالى بذلك المشاكلة، وذلك أن النصارى كانوا إذا ولد لهم ولد غمسوه في ماء المعمودية، ويقولون: الآن صار نصرانيًا. ويقولون: قد انصبغ بالنصرانية. فقال تعالى ذلك مقابلةً لقولهم. ويقرب منه قول الآخر: [من الكامل]

861 - قالوا اقترح شيئًا نجد لك طبخه ... قلت: اطبخوا لي جبةً وقميصا فعبر عن ملة الإسلام بالصبغة. وقيل: سميت الملة صبغةً لأن النصارى امتنعوا من تطهير أولادهم بالختان. وابتدعوا تطهيرهم بماءٍ أصفر يصبغون به أولادهم. يقال: صبغته أصبغه، بتثليث عين المضارع، صبغًا وصبغًا وصبغةً وصباغًا. قوله: {وصبغ للآكلين} [المؤمنون: 20] يعني أن الزيت مصطبغ به للأكل يصبغ به مرةً. والصبغ والصباغ: ما يصبغ به، وذلك نحو: دبغ ودباغ، ولبس ولباس. وقيل: {صبغة الله}، أي ما أوجده في الناس من العقول المتميزين به عن البهائم كالفطرة في قوله: {فطرة الله التي فطر الناس عليها} [الروم: 30] قال الراغب فكانت النصارى إذا ولد لهم ولد غمسوه بعد السابع في ماء المعمودية، يزعمون أن ذلك صبغة الله، فأنزل الله تعالى: {ومن أحسن من الله صبغة} [البقرة: 138]. ص ب و: قوله تعالى: {أصب إليهن} [يوسف: 33] أي أمل. يقال: صبا يصبو: إذا مال نحو محبوبه. صبىً وصباء وصبوة. وقيل: صبا معناه: نزع واشتاق، وفعل فعل الصبيان. وأصباني فصبوت. والريح الصبا: المستقبل للقبلة؛ سميت بذلك لأن من هبت عليه صبا إلى وطنه ونزع إلى إلفه. وأنشد [من الطويل] 862 - أل يا صبا نجدٍ متى همت من نجد؟ فقد زادني مسراك وجدًا على وجد وصابيت السيف: أغمدته مقلوبًا: وصابيت الرممح: أملته وهيأته للطعن. وفي الحديث: "رأى حسينًا يلعب مع صبوةٍ في السكة" أي صبية جمع صبي، وهما لغتان

فصل الصاد والحاء

نحو: عينان وعنوان، وقنيت وقنوت. وتصابى: رجع إلى فعل الصبيان. ص ب ي: قوله تعالى: {نكلم من كان في المهد صبيًا} [مريم: 29] أي من لم يبلغ الحنث، وقد تقدم في مادة (ش ي خ) الكلام على ذلك مستوفىً، فأغنى عن إعادته. والظاهر أن لام صبي يجوز أن تكون واوًا وأن تكون ياءً لما قدمته في جمعه من قولهم: صبية وصبوة. فعلى الأول أصله صبوى، فأدغم بعد قلبه. فصل الصاد والحاء ص ح ب: قوله تعالى: {أصحاب الجنة} [البقرة: 82] أصلها الاجتماع طال زمنها أو قصر. وقيل: الصاحب: الملازم إنسانًا كان أو حيوانًا أو مكانًا أو زمانًا. قيل: لا فرق بين أن تكون المصاحبة بالبدن. وهو الأصل والأكثر، وبالعناية والهمة. قال الراغب: ولا يقال في العرف إلا لمن كثرت ملازمته. يقال لمالك الشيء: هو صاحبه. ويقال أيضًا: لمن يمتلك التصرف فيه قوله: {إذ يقول لصاحبه} [التوبة: 40] القائل هو محمد صلى الله عليه وسلم. ومن ثم قيل: من أنكر صحبة أبي بكرٍ فقد كفر لأنه أثبت له صاحبًا. وقام الإجماع على أنه لم يكن معه في الغار غير أبي بكرٍ. وقوله: {وما جعلنا أصحاب النار إلا ملائكة} [المدثر: 31] فهذا معنى من يملك التصرف، أي ماجعلنا الموكلين بها المعذبين بها. فأصحاب النار يطلق على المعذبين والمعذبين. وقد يضاف الصاحب إلى مسوسه نحو صاحب الجيش، وإلى سائسه نحو صاحب الأمير. قيل: والمصاحبة والاصطحاب أبلغ من الاجتماع، لأجل أن المصاحبة تقتضي طول لبثه. فكل اصطحابٍ اجتماع من غير عكسٍ. قوله: {أو لم يتفكروا ما بصاحبهم من جنةٍ} [الأعراف: 184]. سماه مصاحبةً تنبهةً أنكم صحبتموه وجربتموه وعرفتهم ظاهره وباطنه، ولم تجدوا به خبلاً ولا جنةً. والإصحاب للشيء: الانقياد له. وأما عند أهل الأصول فاختلفوا في الصحبة

بالنسبة إلى من يسمى صحابيًأ، والصحيح أنه من رآه مسلمًا وإن لم يرو عنه ولم تطل صحبته. ويقال: أصحب الرجل: إذا كبر ابنه وصحبه. وأصحب فلان فلانًا: جعل صاحبًا له. وعليه قوله تعالى: {ولا هم منا يصبحون} [الأنبياء: 43] أي لا يكون لهم من جهتنا من يصحبهم، وما يصحبهم من سكينةٍ وروحٍ وترفيقٍ ونحو ذلك مما يصحبه أولياهءه. وأديم مصحب: أصحب الشعر الذي عليه ولم يجز عنه. وقيل معنى قوله: {ولا هم منا يصحبون} أي لا يجاوزون. ومن صحبه الله لم يضره شيء. يقال: أصحبك الله، أي حفظك. ومنه الحديث: "اللهم أصحبنا بحبةٍ واقلبنا بذمةٍ" أي اصحبنا بحفظك في سفرنا واقلبنا بأمانك وعهدك إلى بلدنا. فعلى الأول: هو من أصحابٍ. وعلى الثاني: من صحب. وإلى الأول نحا المازني وفسره بمعنى المنع. وحكي: أصحبت الرجل: منعته. والصحابة مصدر صحبه. ويكون جمع صاحب أيضًا، قيل: ولا تجمع فاعل على فعالة إلا هذا الحرف. وفي الحديث: "إنكن صواحب يوسف" ويروى "صواحبات" جمع الجمع. وأنشدوا: [من الرجز] 863 - فهن يعلكن حدائداتها حدائدات جمع حدائد، وحدائد جمع حديدةٍ، كذلك صواحبات جمع صواحب وصواحب جمع صاحبة. ص ح ف: قوله تعالى: {يتلو صحفًا مطهرةً} [البينة: 2] الصحف جمع صحيفة. والصحيفة: التي يكتب فيها. وأصل الصحيفة: المبسوط من كل شيءٍ. ومنه صحيفة الوجه. والمصحف: هو الجامع للصحف المكتوبة. والجمع مصاحف. وغلب على ما كتب من القرآن. والتصحيف: قراءة المصحف وروايته على غير ما هو لاشتباه حروفه.

فصل الصاد والخاء

ثم اتسع فجعل كل تغيير لفطٍ بما يقرب منه تصحيفًأ. وقد وقع ذلك لجماعةٍ من العلماء، حتى يحكى أن حمادًا قرأ: {بل الذين كفروا في عزةٍ} [ص: 2] {أصيب من أشاء} [الأعراف: 156] {شأن يغنيه} [عبس: 37]، وفي ذلك تصانيف. وقوله: {صحفًا مطهرة فيها كتب} إشارة إلى ماتضمنه القرآن الكريم من الزيادة التي ليست في غيره من كتب الله تعالى. والصحفة: مثل قصعةٍ عريضةٍ؛ خاطبهم الله تعالى بما يألفون، فقال: {يطاف عليهم بصحاف من ذهبٍ} [الزخرف: 71]. فصل الصاد والخاء ص خ خ: قوله تعالى: {فإذا جاءت الصاخة} [عبس: 33] هي القيامة. سميت بذلك لأنها ذات أهوال. وأصله من صخ يصخ فهو صاخ، أي صاخ صياخًأ مقطعًا يقطع قلب سامعه. فالصيخ شدة صوت ذي النطق. فالصاخة هي التي تصخ الأسماع، أي تصمها حسبما أشير إليه بقوله تعالى: {يوم ينفخ في الصور} [الأعراف: 73]. ص خ ر: قوله تعالى: {الذين جابوا الصخر بالواد} [الفجر: 9]. جابوا أي قطعوا. والصخر: الحجر الصلب، أشار إلى قوله تعالى: {وتنحتون من الجبال بيوتًا} [الشعراء: 149]. وصخر: علم لرجلٍ مشهورٍ أخو الخنساء الذي تقول فيه: [من البسيط] 684 - وإن صخرًا لتأتم الهداة به ... كأنه علم في رأسه نار فصل الصاد والدال ص د د: قوله تعالى: {ويصدون عن سبيل الله} [الأنفال: 47] الصد: المنع، مأخوذ من

صد الجبل، وهو ما يحول بينك وبينه. ومنه الصديد: وهو ما حال بين اللحم والجلد من القيح، وعليه قوله تعالى: {ويسقى من ماءٍ صديدٍ} [إبراهيم: 16]. والصديد: قد يكون انصرافًا عن الشيء وامتناعًأ نحو قوله تعالى: {يصدون عنك صدودًا} [النساء: 16] وقد يكون صرفًا ومنعًا، نحو: {فصدهم عن السبيل} [النمل: 42] الصد: الإعراض. ومنه قوله تعالى: {إذا قومك منه يصدون} [الزخرف: 57] وقرئ بكسر الصاد أي يضجون؛ يقال: صد يصد أي ضج، وذلك أنه لما نزل قوله تعالى: {إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم} [الأنبياء: 98]. قال الزبعرى: خصمت محمدًا ورب الكعبة، قد عبد املسيح وعزيز فنحن نرضى أن يكون إلهنا معهما. فضج القوم ولغطوا حتى نزل قوله تعالى: {إن الذين سبقت لهم منا الحسنى} [الأنبياء: 101]. ويروى أنه عليه الصلاة والسلام قال له: "ما أجهلك بلغة قومك، لو أراد ذلك لقال: ومن تعبدون". وصد: يكون متعديًا للثاني بنفسه وبحرف الجر؛ ومن الأول قوله تعالى: {وصدها ما كانت تعيد} [النمل: 43]. ومن الثاني قوله: {إنهم ليصدونهم عن السبيل} [الزخرف: 37]، قوله: {فأنت له تصدى} [عبس: 6] أي تتعرض. تصدى له: إذا تعرض. والصداد. بثلاث دالات، فأبدل آخرها ياء نحو تطبب، وقلل الشاعر: [من الوافر] 865 - من المتصديات بغير سوءٍ ... تسيل إذا مشت سيل الحباب والأصل فيه الصدد وهو القرب والمؤاخرية. وكم ما قابلك فهو متصد ومتصدد. ص د ر: قوله تعالى: {حتى يصدر الرعاء} [القصص: 23] أي ترجع من سقيهم غنمهم. وصدر: إذا تعدى بعن اقتضى معنى الانصراف؛ تقول: صدرت الإبل عن الماء صدرًا.

وقرئ "يصدر" أي يردون مواشيهم. قوله: {يؤمئذٍ يصدر الناس أشتاتًا} [الزلزلة: 6] أي يرجعون؛ يقال: صدر عن كذا: رجع عنه، وصدر إلى كذا: صار إليه. والوارد: الجائي. والصادر: المنصرف. قوله تعالى: {رب اشرح لي صدري} [طه: 5] لصدر: الجارحة، ثم استعير لمقدم الشيء كصدر القناة وصدر المجلس والكتاب والكلام. وصدره: أصاب صدره، نحو كبده، أو قصد قصده. ورجل مصدور: يشتكي صدره. والصدار: ثوب يغطي الصدر وذلك على بناء دثارٍ ولباس، ويقال له أيضًا الصدرة. فقوله تعالى: {لكن تعمي القلوب التي في الصدور} [الحج: 46] إشارة إلى هذه الجوارح. قال بعض الحكماء: حيثما ذكر الله القلب فإشارة إلى العلم والعقل، نحو: {إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب} [ق: 37] وحيثما ذكر الصدر فإشارة إلى ذلك، وإلى سائر القوى من الشهوة والهوى والغضب. وقوله: {رب اشرح لي صدري} سؤال لإصلاح قواه. وكذا قوله: {ويشف صدور قوم مؤمنين} [التوبة: 14]. إشارة إلى اشتفائهم، من قوله: {فإنها لا تعمي الأبصار ولكن تعمي القلوب التي في الصدور} [الحج: 46] أي العقول فيما بين سائر القوى، وليس بمهتدية. ص د ع: قوله تعالى: {فاصدع بما تؤمر} [الحجر: 94] أي شق قلب من تأمره، يشير إلى أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أمر صعب يكاد يشق، وقيل: شق جماعاتهم بالتوحيد. وقيل: اجهر بالقرآن. وقيل: أظهر. وقيل: احكم بالحق، واقصد بالأمر. وكلها متقاربة. وقال ابن عرفة: أراد فرق بين الحق والباطل. يقال: تصدع القوم إذا تفرقوا. وعن ثعلب قال: قال أعرابي يحضر مجلس أبي عبد الله -وكان أبو عبد الله ربما يأخذ عنه-: "فاصدع بما تؤمر" أي اقصد. والعرب تقول: صدعت فلانًا: قصدته. وأصل الصدع الشق في الأجسام الصلبة. يقال: انصدع الحديد والزجاج، صدعته فانصدع، وصدعته فتصدع. وعنه استعير: صدع الأمر أي فصله. ومنه استعير الصداع: وهو شبه الاشتقاق في

الرأس من الوجع. ومنه قيل للفجر: صديع، وصدعت الفلاة: قطعتها. وتصدع القوم: تفرقوا. قوله: {يومئذ يصدعون} [الروم: 43] أي يتفرقون: {فريق في الجنة وفريق في السعير} [الشورى: 7]. وصدعت الرداء: شققته. قوله: {والأرض ذات الصدع} [الطارق: 12] لأنها تشق بالنبات. وفي الحديث: "فإذا صدع من الدجال"؛ الصدع: الربعة من الرجال بين رجلين. ص د ف: قوله تعالى: {يصدفون عن آياتنا} [الأنعام: 157] أي يعرضون إعراضًا شديدًا. وأصله من صدفي الجبل وهما ناحيتاه. وفي الحديث: "كان إذا مر بصدف مائلٍ أسرع المشي"؛ قال أبو عبيد: الصدف والهدف: كل بناءٍ عظيمٍ مرتفعٍ. وقيل: هو مأخوذ من الصدف في رجل البعير، وهو الميل. وقيل: من الصلابة. ومنه: صدف الجبل لصلابته. وقيل: من الصدف الذي يخرج من البحر، يعني: في صلابته أيضًا. قوله: {بين الصدفين} [الكهف: 96] أي ناحيتي الجبل، لأن كل جبلٍ يصادف -أي يقابل- الآخر. وقرئ بضمتين، وبضمةٍ وسكونٍ. وفتحتين. وهي لغات. ص د ق: قوله تعالى: {واجعل لي لسان صدقٍ} [الشعراء: 84] سأل ربه أن يجعله صالحًا بحيث إنه إذا أثنى عليه غيره كان صادقًا لا كاذبًا. ونحوه قول الشاعر: [من الطويل] 866 - إذا نحن أثنينا عليك بصالحٍ فأنت كما نثني وفوق الذي نثنى

فالصدق والكذب يتقابلان، وهل بينهما واسطة أم لا؟ الجمهور أنه لا واسطة، وأثبتها الجاحظ. ودليل ذلك في غير هذا الموضوع، وأصلهما في القول ماضيًا كان أو مستقبلاً، وعدًا كان أو غيره. ولا يكونان بالقصد الأول إلا بالخير دون غيره من أصناف الكلام، ولذلك قال تعالى: {ومن أصدق من الله حديثًا} [النساء: 87]. وقوله: {إنه كان صادق الوعد} [مريم: 54]. وقد يكونان بالعرض في غيره من أنواع الكلام كالاستفهام والأمر والدعاء، وذلك نحو قول القائل: أزيد في الدار؟ فإن في ضمنه إخبارًا بكونه جاهلاً حال زيد. وكذا إذا قال: واسني؛ فإن في ضمنه أنه محتاج إلى المواساة. وإذا قال: لا تؤذني، ففي ضمنه أنه يؤذيه، قاله الراغب، وفيه نظر من حيث إن التصديق والتكذيب لم يردا على معنى الاستفهام وما بعده إنما وردا على ما هو لازم له، ولا كلام في ذلك فلم يصح أن يقال إنهما وردا على غير الخبر. واختلف الناس في الصدق؛ فقيل: هو مطابقة الخبر للمخبر عنه في نفس الأمر، وفي اعتقاد المخبر، وإليه نحا الراغب فقال: والصدق مطابقة القول المضم والمخبر عنه معًا. ومتى انخرط شرط من ذلك لم يكن صدقًا بل إما لا يوصف بالصدق، وإما أن يوصف تارةً بالصدق، وتارةً بالكذب على نظرين مختلفين كقول الكافر دون اعتقادٍ: محمد رسول الله، فإن هذا يصح أن يقال: صدق لكون المخبر عنه كذلك، وأن يقال: كذب لمخالفة قوله ضميره: وللوجه الثاني إكذاب الله المنافقين حيث قالوا: {نشهد إنك لرسول الله} [المنافقون: 1] فقال: {والله يشهد أن المنافقين لكاذبون} [المنافقون: 1] أنتهى. وقد أجيب عنه بأن المعنى في تسميتها شهادة قوله: {لقد صدق الله رسوله الرؤيا بالحق} [الفتح: 27] أي. حقق رؤيته. فهذا أصدق بالفعل وهو التحقيق. قوله تعالى: {والذي جاء بالصدق وصد له} [الزمر: 33] أي حقق ما أورده قولاً بما تحراه؛ فعلاً، ويعبر عن كل فعل فاضل ظاهرًا وباطنًا بالصدق، فيضاف إليه ذلك الفعل الذي يوصف به كقوله تعالى: {في مقعد صدقٍ} [القمر: 55]. وقوله تعالى: {أن لهم قدم صدقٍ} [يونس: 2]. وقوله تعالى: {رب أدخلني مدخل صدقٍ

وأخرجني مخرج صدقٍ} [الإسراء: 80]. وقوله: {واجعل لي لسان صدقٍ} [الشعراء: 84]. ويستعملان في أفعال الجوارح فيقال: صدق في القتال إذا وفي حقه وفعل ما يجب وكما يجب، وكذب في القتال عكسه. قوله: {صدقوا ما عاهدوا الله عليه} [الأحزاب: 23] أي حققوا العهد بما أظهروه من أفعالهم. قوله: {ليسأل الصادقين عن صدقهم} [الأحزاب: 8] أي ليسأل من صدق بلسانه عن صدق فعله، تنبيًا أنه لا يكفي الاعتراف بالحق دون تحريه بالفعل. وصدقت فلانًا: نسبته إلى الصدق. وأصدقته: وجدته صادقًا. ويقال: هما واحد، ويقالان فيهما جميعًا. ويستعمل التصديق في كل ما فيه تحقيق يقال: صدقني. قوله: {وهذا كتاب مصدق لسانًا عربيًا} [الأحقاف: 12] أي مصدق ما تقدم. و"لسانًا" نصب على الحال. وفي المثل "صدقني سن بكره" لم يكذبني فيما استخبرته. والصداقة صدق الاعتقاد في المودة، وذلك مختص بالإنسان دون غيره. قوله تعالى: {ولا صديقٍ حميمٍ} [الشعراء: 101] إشارة إلى نحو قوله: {الأخلاء يومئذٍ بعضهم لبعضٍ عدو إلا المتقين} [الزخرف: 67] والصدقة: ما يخرجه الإنسان من ماله على وجه القربة كالزكاة، لكن الصدقة في الأصل، يقال للمتطوع به والزكاة للواجب. وقيل: يسمى الواجب صدقةً إذا تحرى صاحبها الصدق في فعله، فعليه قوله تعالى: {خد من أموالهم صدقةً} [التوبة: 103] وهي الزكاة. يقال: صدق وتصدق، ويقال لما تجافى عنه الإنسان من حقه: تصدق به نحو قوله تعالى: {فمن تصدق به فهو كفارة له} [المائدة: 45] أي من تجافى عنه. قوله: {وأن تصدقوا خير لكم} [البقرة: 28] فإنه أجرى ما يتسامح به للمعسرين مجرى صدقةٍ. ومنه ماروي عنه عليه الصلاة والسلام: "ما تأكله العافية صدقة". ومثله قوله تعالى:

{ودية مسلمة إلى أهله إلا أن يصدقوا} [النساء: 92] سمى إعفاءهم صدقةً. قوله: {وآتوا النساء صدقاتهن نحلةً} [النساء: 4] أي مهورهن، مأخوذ من الصدقة، وفيه تنبيه على أن في إعطائه أجرًا كما في إعطاء الصدقة. وقد أثبت الشارع ذلك في النفقة الواجبة كقوله عليه الصلاة والسلام: "وحتى اللقمة تضعها في في امرأتك". يقال: صداق المرأة وصداقها وصدقتها. وقد أصدقتها، أي أعطيتها صداقًا وسميته لها. قوله تعالى: {فأصدق وأكن} [المنافقين: 10] من الصدقة. وقال الراغب: من الصدق أو الصدقة، وليس بذاك. قوله: {إنه كان صديقًا} [مريم: 41] أي بليغًا فيه. وهو من كثر منه الصدق وقيل: من لم يكذب قط. وقيل: من لم يتأت منه كذب لتعوده الصدق. وقيل: من صدق بقوله واعتقاده وحقق صدقه بفعله، وهذه هي درجة الأنبياء، ولذلك وصف بالصديقية خليله فقال: {إنه كان صديقًا نبيًا}. وقال تعالى: {فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين} [النساء: 69] فهم دون الأنبياء في الفضيلة، إذ لا فضيلة عندنا توازي النبوة خلافًا لقومٍ خالين من المتصوفة. قوله: {وأمه صديقة} [المائدة: 75] قيل: لو كانت نبيةً لوصفها بها، إذ في مقام المدح نما يوصف بالأكمل. وصدق: يتعدى للثاني بنفسه بحر الجر مثل كذب. تقول: صدقته الحديث وفي الحديث. قال تعالى: {ولقد صدقكم الله وعده}. قوله: {إن المصدقين} [الحديد: 18] قرئ بالتشديد من التصدق، والتخفيف من تصديقهم ما [جاء به]

رسولهم وكتابهم، ومن جملته الصدقة. والمصدق أيضًا: الذي يأخذ الصدقات كالعامل، ولس مرادًا هنا. ص د ي: قوله تعالى: {وما كان صلاتهم عند البيت إلا مكاءً وتصديةً} [الأنفال: 35]. التصدية: التصويت بتصفيقٍ وغيره. ومنه الصدى: وهو ما يسمعه المصوت في الأماكن الخالية ذوات الأجرام الصلبة كالعمران والكهوف في الجبال والبيوت المكلسة. وقيل: الصدى: صوت يرجع من مكان صقيلٍ. والتصدية: كل صوتٍ يجري مجرى الصدى في أن لا غناء فيه. فقوله تعالى: {إلا مكاء وتصدية} أي غناء ما يوردونه غناء الصدى، ومكاء الطير. والتصدي: أن يقابل الشيء مقابلة الصدى، أي الصوت الراجع من الجبل. وقد مر أن أصله صدد. والصدي أيضًا ذكر [البوم والدماغ] أيضًا لكون الدماغ يتصور بصورة الصدى ولهذا سمي هامةً. وقولهم: أصم الله صداه: دعاء عليه بالخرس، لأن المعنى: لا جعل الله له صوتًا حتى لا يكون له صدى يرجع إليه بصوته. وقد يقال للعطش صدى. يقال: رجل صديان وامرأة صدياء وصديانة وصادية، وقد أنشدني شيخنا أثير الدين لبعضهم: [من الخفيف] 867 - لا تفه ما حييت إلا بخيرٍ ... ليكون الجواب وقفًا لديكا قد سمعت الصدى وذاك جماد ... كل شيءٍ تقول رد عليكا وفي حديث ابن عباس: "كان يصادى منه غربه" أي تدارى. والمصاداة والمدالاة والمداصاة والمراداة والمرافاة والمداملة، كله بمعنى واحدٍ. وقال الخبيث الحجاج لأنس بن مالكٍ رضي الله عنه: "أصم الله صداك"، قد مر تفسيره. وقيل: هو

فصل الصاد والراء

كناية عن الموت، لأنه إذا مات انقطع صوته. فصل الصاد والراء ص ر ح: قوله تعالى: {إنه صرح ممرد} [النمل: 44]. الصرح في اللغة: القصر والبناء المشرف. ومنه قوله تعالى: {فاجعل لي صرحًا} [القصص: 38]. وصرحة الدار: ساحتها. وهو مأخوذ من الصراحة، لأنه خالص مما يشوبه؛ فإن الصرح في الأصل بيت عالٍ مزوق. ولبن صريح: بين الصراحة والصروحة، أي خالص والكذب الصراح: الخالص من الصدق والتصريح ضد الكناية لأنه إظهار المعنى. وفلان صريح النسب، أي خالصه. قيل: أن سليمان اتخذ صرحًا من زجاجٍ وجعل تحته ماء، فلما رأته بلقيس حسبته ماء من عرش فوقه. وفي الشعر الذي في حديث أم معبد: [من الطويل] 868 - دعاها بشاةٍ حائلٍ فتحلبت ... له بصريحٍ ضرة الشاة مزبد يقال: لبن صريح، أي لم يمذق بماءٍ. وصرحٍ بالشيء: كشفه. وفي المثل: "عاد تعريضك تصريحًا" وجاء فلان صراحًا، أي جهارًا. ص ر خ: قوله تعالى: {فلا صريخ لهم} [يس: 43] أي لا مغيث يغيثهم. والصريخ يكون للمستغيث وللمغيث، وأنشد: [من الكامل] 869 - قوم إذا سمعوا الصريخ رأيتهم ... ما بين ملجم مهره أو سافع قوله تعالى: {ما أنا بمصرخكم} [إبراهيم: 22] أي ما أنا بمغيثكم وما أنتم بمغيثي. قوله: {وهم يصطرخون فيها} [فاطر: 37] يستغيثون: يفتعلون من الصراخ، وهو التصويت بالاستغاثة. وفي حديث ابن عمر: "استصرخ على صفية استصراخ الحي على الميت"، وفي الحديث: "كان يقوم من الليل إذا سمع صوت الصارخ" قيل:

الصارخ لديك. ص ر ر: قوله تعالى: {ريحٍ فيها صر} [آل عمران: 117] أي برد شديد، ومنه الحديث: "نهي عما قتله الصر من الجراد" أي البرد. وقوله: {ريحٍ صرصرٍ} [الحاقة: 6] أي شديدة البرودة هي من الصر، وإنما كرر اللفظ دلالة على تكرار المعنى كما قالوا: صلصل في صل. قيل: وأصل ذلك من الصر وهو العقد المحكم. ومنه الإصرار على الذنب لأنه تعقد في الذنب ود عليه وامتناع من الإقلاع عنه. وأصله من الصر وهو الشد. ومنه صرة الدراهم لأنه يعقد عليها. والصرار: خرقة تشد على أطباء الناقة لئلا ترضع. قوله: {فأقبلت امرأته في صرة} [الذاريات: 29] قيل: في جماعة من النساء، سميت صرةً لانضمام بعضهن إلى بعضٍ كأنهن جمعوا وصروا في وعاءٍ واحدٍ. وقيل: في صيحةٍ، يعني ولولة النساء لعادتهن. قيل: ومنه صرير الباب لصوته. والصرورة: من لم يتزوج، ومن لم يحج رجلاً كان أو امرأة. ومنه: "لا صرورة في الإسلام" بمعنى التبتل والترهب. وسمي الأسير مصرورًا لجمع يديه إلى عنقه. ص ر ط: قوله: {الصراط} قد تقدم الكلام عليه في باب السين لأنها أصلية والصاد بدل عنها، فأغنى ذلك عن إعادته هنا. ص ر ع: قوله تعالى: {فترى القوم فيها صرعى} [الحاقة: 7] جمع صريع، وهو من أصابه داء صرعه أي ألقاه. يقال: صرعته أصرعه صرعًا. قال الشاعر: [من الرجز] 870 - يا أقرع بن حابسٍ يا أقرع ... إنك إن يصرع أخوك تصرع

وفي المثل: "وقع المصطرعان عدلي عير". وصارعته فصرعته. وفي الحديث: "ما تعدون الصرعة فيكم؟ " هو الرجل الحليم في هذا الحديث وفي غيره هو الذي يصرع من قاومه. ويستوي فيه الواحد والجمع. يقال: رجل صرعة -بتحريك العين- وقوم صرعة. والصرعة: بفتح الفاء وسكون العين، حالة المصروع. والصراعة: حرفة المصارع كالخياطة. وقيل: أصل الصرع الطرح. وأصاب المجنون صرع لأنه يطرح غالبًا. وهما صرعان كقولهم: قرنان. ومصراعا الباب على التشبيه بالمتصارعين. وبمصراعي الباب شبه المصراعان من الشعر، ولذلك سمي بيتًا. ص ر ف: قوله تعالى: {سأصرف عن آياتي الذين يتكبرون} [الأعراف: 146] أي سأنحى وأعدل بهم عنها. يقال: صرفه عن كذا: إذا عدل به عنه ونحاه. وقيل: وأصل الصرف رد الشيء من حالة إلى حالة وإبدال غيره به. وقيل: هو التقليب والتحويل. ومنه قوله تعالى: {وتصريف الرياح} [البقرة: 164] أي تقليبها من جهة إلى أخرى تكون شمالاً فتصير جنوبًا ثم دبورًا ثم نكباء. وتصريف الدراهم من ذلك. والتصريف الاصطلاحي من ذلك لأنه يقلب اللفظ من بينةٍ إلى بينةٍ نحو: ضاربٍ ومضروبٍ وضرابٍ، كما هو محقق في موضعة. وصريف الباب والبكرة: أصواتهما عند حركتهما، وحقيقة ذلك أن هذا الصوت يظهر عند تصريفهما أي ترديدههما وتقليبهما وقال النابغة: [من البسيط] 871 - له صريف صريف القعو بالمسد أي لبابها صوت كصوت البكرة على البئر. وقد بينّا وجه ذلك في شرح القصيدة متصرفًا في أحد الأقوال لأن فيه ما يشبه الصرف وهو التنوين. قوله تعالى: {ثم انصرفوا} -أي ذهبوا- {صرف الله قلوبهم} [التوبة: 127] يجوز أن يكون خبرًا أي فعل بهم ذلك فأخبر به، وأن يكون دعاء. قوله: {فما تستطيعون صرفًا ولا نصرًا}

[الفرقان: 19] أي لا يقدرون أن يصرفوا عن أنفسهم العذاب أو أن يصرفوا أنفسهم عن النار أو أن يصرفوا الأمر من حالٍ إلى حالٍ في التعبير. وقيل: الصرف: الحيلة. وعن مكحولٍ في قوله عليه الصلاة والسلام: "لا يقبل الله منه صرفًا ولا عدلاً"؛ الصرف: التوبة، والعدل: الفدية: وقال غيره: الصرف: النافلة، والعدل: الفريضة. قوله: {ولم يجدوا عنها مصرفًا} [الكهف: 53] أي معدلاً. وأنشد لأبي كبيرٍ الهذلي: [من الكامل] 872 - أزهير هل عن شيبةً من مصرف؟ قوله: {وإذ صرفنا إليك نفرًا} [الأحقاف: 29] أي أقبلنا بهم إليك وإلى الاستماع منك. والصريف: اللبن إذا سكنت رغوته، كأنه صرف الرغوة عن نفسه أو صرفت عنه. وقيل: هو اللبن ساعة يحلب، كأنه صرف به عن الضرع. ومنه حديث الغار: "في رسلها وصريفها". ورجل صيرف وصيرفي وصراف: يعرف جيد الدراهم من رديئها. قال الشاعر. [من البسيط] 873 - تنفي يداها الحصا في كل هاجرةٍ ... نفي الدراهيم تنقاد الصياريف أشبع في اللفظين أي الدراهم والصيارف؛ سمي بذلك لأنه يقلبها ويديرها ليعرفها. قوله تعالى: {وكذلك نصرف الآيات} [الأنعام: 105] أي نبينها تبيين من يقلب الشيء. هذا إن أريد بها آيات القرآن وإن أريد بها ما أرسله من الآيات والدلالات. فالتصريف على حاله أي يشيعها ويقلبها ويرددها بين الناس، إما بالمشاهدة وإما بالسماع ليرتدعوا. ويقال: عنز صارف كأنها صرفت إلى نفسها، يراد بها الحائل. والصرف:

صبغ أحمر خالص، فمن ثم سمي صرفًا؛ ويقال لكل خالصٍ عن غيره: صرف؛ كأنه صرف عما يشوبه. والصرفان: الرصاص، قيل: سمي بذلك كأنه صرف [عن] أن يبلغ قيمة الفضة. قالت الزباء: [من الرجز] 874 - ما للجمال مشيها وئيدا؟ ... أجندلاً يحملن أم حديدا؟ 875 - أم صرفانًا باردًا شديدًا؟ ... أم الرجال جثمًا قعودا؟ ص ر م: قوله تعالى: {فأصبحت كالصريم} [القلم: 20]؛ قيل: كالليل، يعني أنها احترقت فاسودت فشبهت بالليل. قيل: وهو من الأضداد. وحققه بعضهم بأن كلا من الليل والنهار يتصرم من صاحبه، أي منسلخ؛ فكل منها صريم لذلك، ويقال لهما الأصرمان، لأن كلا منهما يتصرم من صاحبه. والأصرمان أيضًا الذئب والغراب لانصرامهما، أي انعزالهما عن الناس. وقيل: كالصريم، أي الذي صرم حمله، أي ذهب به. فهو فعيل بمعنى مفعول. والصرم والصرم -بالضم والفتح- القطيعة؛ قال امرؤ القيس: [من الطويل] 876 - أفاطم مهلاً بعض هذا التدلل ... وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي وفي الحديث: "فتقول: هذه صرم" هو جمع الصريم، وهو ما قطع أذنه، أي قطع وصرم وصلم بمعنى واحد. وفيه أيضًا ... واحده وهو الصيرم بمعنى فتنةٍ قاطعةٍ وهو فيعل من الصرم. ومن ذلك الصارم وهو الماضي من السيف القاطع. وناقة مصرومة: لا لبن لها كأنها قطع ثديها فلا يخرج لبنها. أنشد: [من البسيط] 877 - ورد جازرهم حرفًا مصرمة ... ولا كريم من الولدان مصبوح

فصل الصاد والطاء

والصريم أيضًا: قطعة منفردة من الرمال. ويقال الصريمة أيضًا؛ قال الشاعر: [من البسيط] 878 - وبالصريمة منهم منزل خلق ... غافٍ تغير إلا النؤي والوتد قوله: {ليصرمنها} [القلم: 17] أي ليقطعن ثمرها وليجذنه وقت الصباح. وفي التفسير قصة. وانصرمت السنة، وانصرم العمر وأصرم كناية عن سوء الحال. فصل الصاد والطاء ص ط ر: قوله تعالى: {لست عليهم بمصيطرٍ} [الغاشية: 22 ي أي بوكيلٍ يصيطر عليه إذا توكل به. وكذا قوله: {أم هم المصيطرون} [الطور: 37]. وأصله من السطر والتسطير وهو الكتابة، لأنها أصل الضبط، وأصله السين، وقد قرئ بهما. فقوله: {لست عليهم بمصيطر} أي موكل بأن يكتب عليهم. ويثبت ما يقولونه. وقوله: {أم هم المصيطرون} أي هم الذين تولوا كتابة ما قدر قبل أن يخلق، إشارةً إلى قوله: {إن ذلك في كتابٍ} [الحج: 70]. وقوله: {في إمامٍ مبينٍ} [سبا: 3] وهذا قد تقدم في باب السين فأغنى عن إعادته، وظاهر كلام الراغب أنها أصلان؛ فإنه قال: سطر وصطر واحد، وليس كذلك بل السين الأصل. فصل الصاد والعين ص ع د: قوله تعالى: {إذ تصعدون} [آل عمران: 153] الصعود: الذهاب في المكان

العالي. والصعود والحدور بالفتح أيضًا. قال الراغب: هما بالذات واحد وإنما يختلفان بحسب الاعتبار بمن يمر فيهما فمتى كان المار صاعدًا يقال لمكانه صعودًا، وإذا كان منحدرًا يقال لمكانه حدورًا. الصعد والصعود والصعيد في الأصل واحد، لكن الصعد والصعود يقالان للعقبة، ويستعار لكل شاق، قال تعالى: {يسلكه عذابًا صعدًا} [الجن: 17] أي شاقًا. وقوله: {سأرهقه صعودًا} [المدثر: 74] أي عقبة كؤودًا. يروى أنه كما صعد أعلاها تقطعت يداه ورجلاه فيهرول منها إلى أسفلها، ثم تثبت يداه ورجلاه، ولا يزال يعذب بذلك، والصعيد يقال لوجه الأرض. وقيل: بل هو الغبار الصاعد من وجهها، ولذلك يشترط في التيمم أن يعلق بيده غبار. وأما الإصعاد فقد قيل: هو الإبعاد في الأرض سواء كان في صعود أو حدورٍ، وإن كان أصله من الصعود وهو الارتقاء نحو تعال، فإنه في الأصل الدعاء من مكانٍ مستقلٍ إلى مكانٍ عالٍ. ثم قيل في الجيل. وقيل: المراد مجرد الذهاب. وقيل: لم يقصد الإبعاد في الأرض. وإنما أشار إلى علوهم فيما تحروه وأتوه كقولهم: أبعدت في كذا، وارتقيت فيه كل مرتقى. فكأنه قال: إذا بعدتم في استشعار الخوف والاستمرار على الهزيمة. وقرئ: {تصعدون} -بضم التاء- على مجرد الذهاب -وبفتح التاء والعين- على معنى الارتقاء في الجبل والتوغل فيه فرارًا من العدو، الظاهر أن القراءتين بمعنى احدٍ على ما قدمناه. قوله: {كأنما يصعد في السماء} [الأنعام: 125] قرئ بالتثقيل والتخفيف، وهذا مثل لشدة الأمر وضيق العطن، كقولهم: يتنفس الصعداء إلى فوقٍ. واصل يصعد يتصعد فأدغم. قوله: {إليه يصعد الكلم الطيب} [فاطر: 10] استعارة لما يصل من

العبد من الخيرات والبركات. وتصعد في كذا: شق علي. ومنه قول عمر رضي الله عنه: "ما تصعد لي أمر ما تصعدني خطبة النكاح". قوله: {صعيدًا زلقًا} [الكهف: 40] الصعيد: الطريق لا ثبات به، وكذلك الرلق فهما كقوله: {عليهم صلوات من ربهم ورحمة} [البقرة: 157]. والظاهر أن الزلق: ما لا تثبت فيه الأقدام لما فيه من الوحل. ص ع ر: قوله تعالى: {ولا تصعر خدك للناس} [لقمان: 18] أي لا تمل به تكبرًا عليهم. يقال: صعر خده ولوى جيده، وثنى عطفه، ونأى بجانبه أي تكبر. وقرئ: {تصاعر} وهما لغتان؛ صعر وصاعر: وأصله من الصعر، وهو ميل في العنق. وقيل: داء يصيب البعير في عنقه فيلتوي. ويقال فيه الصيد أيضًا، أي لا تلزم خدك الصعر. وفي الحديث: "يأتي على الناس زمان ليس فيهم إلا أصعر أو أبتر أو معرض بوجهه تكبرً" يعني رذالة الناس. وفيه: "كل صعارٍ ملعون" أي كل ذي أبهةٍ وكبرٍ. ص ع ق: قوله تعالى: {فأخذتهم الصاعقة} [النساء: 153] قيل: هي صوت الرعد الشديد الذي يصعق منه الإنسان، أي يغشى عليه. يقال: صعقتهم الصاعقة، وأصعقتهم فصعقوا وصعقوا. وقيل في الأصل مصدر على فاعله كالعاقبة. وقال بعض أهل اللغة: الصاعقة على ثلاثة أوجهٍ: الموت كقوله تعالى: {فصعق من في السماوات} [الزمر: 68]. والعذاب كقوله تعالى: {فقل أنذرتكم صاعقةً مثل صاعقة عادٍ وثمود} [فصلت: 13]. قلت: وذلك أن عادًا أهمكت بالريح وثمود بالرجفة، فسمى ذلك

فصل الصاد والغين

صاعقةً، والنار كقوله تعالى: {ويرسل الصواعق} [الرعد: 13]. قال الراغب: ما ذكره فهو أشياء متولدة من الصاعقة؛ فإن الصاعقة هي الصوت الشديد من الجو، ثم يكون منه نار فقط أو عذاب أو موت، وهي في ذاتها شيء واحد. وهذه تأثيرات منها. وقرئ: {الصاعقة} فقيل منها، وأنشد لابن أحمر: [من الطويل] 879 - ألم تر أن المجرمين أصابهم ... صواقع لا بل هن فوق الصواعق ونسبها الفراء لتميمٍ. فعلى هذا ليست مقلوبة. وقال الراغب: الصاعقة والصاقعة يتقاربان وهما الهدة الكبيرة، إلا أن الصقع في الأجسام الأرضية، والصعق في الأجسام العلوية. قال بعضهم: وجملة الصاعقة الصوت مع النار. وأنشد لبيد يرثي أخاه، وكان قد أصابته صاعقة فقتلته: [من المنسرح] 880 - فجعني الرعد والصواعق بالـ ... ـــفارس يوم الكريهة النجد وقيل: هي كل عذاب مهلك. وقيل: هي الموت وإن اختلفت أسبابها من ريحٍ أو نارٍ أو صوتٍ أو غير ذلك. قوله: {وخر موسى صعقًا} [الأعراف: 143] أي لحقته غشية بدليل: {فلما أفاق} [الأعراف: 143] وهو نوع من الإغماء، والإغماء جائز على الأنبياء لأنه من بعض الأمراض بخلاف الجنون. فصل الصاد والغين ص غ ر: قوله تعالى: {وهم صاغرون} [التوبة: 29] أي أذلاء قماء. والصغار: الذلة. قال تعالى: {سيصيب الذين أجرموا صغار عند الله} [الأنعام: 124]. وقال الشافعي: معنى الصغار أن يعلو حكم الإسلام حكم الشرك. يقال: صغر صغارًا أي ذل، وصغر ضد كبر، فوقع الفرق بالمصدر. والصاغر: الراضي بالمنزلة الدنية. وعليه حمل قوله: {وهم صاغرون}. والصغر والكبر من الأسماء المتضادة المقولة عند اعتبار بعضها ببعضٍ؛

فصل الصاد والفاء

فالشيء قد يكون صغيرًا في جنب شيءٍ وكبيرًا في جنب آخر. وقد يقال تارة باعتبار الزمان. فيقال: فلان صغير لمن قل زمان عمره، وفلان كبير لمن كبر وإن كان جرمه أقل تارةً باعتبار الجرم وتارةً باعتبار القدر والمنزلة. قوله: {وكل صغيرٍ وكبيرٍ مستطر} [القمر: 53]. وقوله: {لا يغادر صغيرةً ولا كبيرةً} [الكهف: 49] {ولا أصغر من ذلك ولا أكبر} [يونس: 61]. كل ذلك من القدر والمنزلة في الخير والشر من اعتبار بعضها ببعضٍ. وفي الحديث: "المرء بأصغريه، إن قال قال بجنان وإن تكلم تكلم ببيان عن القلب واللسان". ص غ و: قوله تعالى: {ولتصغى إليه أفئدة} [الأنعام: 113] أي ولتميل إليه قلوب. والصغو: الميل: يقال صغت الشمس والنجوم صغوًا: مالت للغروب. وصغيت الإناء وأصغيته: أملته. وقد أصغيت إلى فلانٍ بسمعي [نحوه]. وحكي: صغوًا، وصغيت أيضًا وأصغيت أصغي. وصاغية الرجل: الذين يميلون إليه، ويكنى بذلك عن قلة الحظ؛ فيقال: فلان مصغي إناؤه. وقد يكنى به عن الهلاك أيضًا. وفي الحديث: "يحفظني في صاغيتي بمكة وأحفظه في صاغيته بالمدينة" أي خاصته والمائلون إليه. وعين صغواء إلى كذا. أي مائلة. والصغي: ميل في الحنك والعين. وفيه أيضًا: "وكان يصغي لها الإناء" أي يميله. ويقال: صغى يصغى وصغى يصغي. فالمادة يجوز أن تكون من الواو ومن الياء لأنه قد سمع فيها الحرفان. وقد ذكر الراغب اللغتين، ولم يذكرهما الهروي إلا في مادة الياء. فصل الصاد والفاء ص ف ح: قوله تعالى: {أفنضرب عنك الذكر صفحًا} [الزخرف: 5] أي إعراضًا، والمعنى

أفنعرض عنك إعراضًا فلا ندعوكم؟ يقال: صفحت عنه أي أعرضت، وأصله من أوليته صفحة وجهي وصفحة عنقي؛ لأن المعرض يولي المعرض عنه ذلك، لأن صفح الشيء وصفحته: عرضه، كصفحة السيف والوجه والحجر. وصفحت عنه، أي أعرضت عن ذنبه. والصفح: ترك التأنيب، وهو أبلغ من العفو؛ فقد يعفو الإنسان ولا يصفح. فصحفت عنه: أوليته مني صفحة جميلةً معرضًا عن ذنبه. ولقيت صفحته متجافيًا عنه، أو تجاوزت الصفحة التي أثبت فيه ذنبه من الكتاب إلى غيرها، من قولك: تصفحت الكتاب. فصفحًا مصدر من معنى "أفنضرب" أو بمعنى اسم الفاعل، ونصبه على الحال أي صافحين معرضين. والصفوح: هي التي تريك أحد صفحتي وجهها دلالاً وتحببًا. قال كثير: [من الطويل] 881 - صفوح فما تلقاك إلا بخيلةً ... فمن مل منها ذلك الوصل ملت قوله: {فاصفح عنهم} [الزخرف: 89] أمر له بالمجاملة، وهذا ونحوه قيل: هو منسوخ. والظاهر أنه محكم لأن هذا خلقه عليه الصلاة والسلام. وأما القتال فذاك لأجل الإسلام، ولا تنافي بينهما حتى يقال: نسخ أحدهما الآخر. قوله: {فاصفح الصفح الجميل} [الحجر: 85] هو الإحسان إلى من أساء، وإلا فالصفح الذي يراد به ترك التأنيب والمعاقبة كافٍ في ذلك. ص ف د: قوله تعالى: {مقرنين في الأصفاد} [إبراهيم: 49] هي القيود، الواحد صفد، ويقال: صفد وصفاد. وقيل: هي الأغلال. والصفد: العطية أيضًا، وذلك على تخييلهم أن النعمة قيد للمنعم عليه. ومن ثم قالوا: أنا مغلول أياديك، وأسير نعمتك. وقال علي رضي الله عنه: "غل يدٍ أنت مطلقها". إلا أنه يقال: صفدته وصفَّدته -مخففًا ومثقلاً- قيدته في الحديد وبالحديد. وأصفدته -بالألف-: بمعنى أعطيته. وأنشد للأعشى: [من الطويل] 882 - وأصفدني على الزمانة قائدًا

وجمع الصفد أصفاد، قيل: وأصفد وصفد أيضًا. وفي الحديث: "إذا جاء شهر رمضان صفدت الشياطين" أي غلت. ص ف ر: قوله تعالى: {بقرة صفراء} [البقرة: 69] هو تأنيث الأصفر. والصفرة: لون معروف. وقيل في قوله: {جمالات صفر} [المرسلات: 33] وفي "الصفراء" إنه السواد، وأنشد للأعشى: [من الخفيف] 883 - تلك خيلي منه وتلك ركابي ... هن صفر أولادها كالزبيب وحضرت يومًا درس الشيخ فأوردت البيت متعجبًا من استشهاد الزمخشري وغيره به على ذلك. وقلت: أليس من الزبيب ما هو أصفر؟ فقال: صدقت، ولكن الغالب في الزبيب السواد، حتى إن بعض البلاد لا يكون فيها إلا كذلك. وقوله: {فاقع} [البقرة: 69] هذا تابع لا معنى له غير ذلك؛ يقال: أصفر فاقع، أي خالص، وأسود حالك وحائل، وأبيض يقق، وأحمر قانٍ، وأخضر ناصع، وأزرق حطباني، كل ذلك بمعنى الخلوص. وقال الراغب: الصفرة بين السواد والبياض، وهي إلى البياض أقرب، ولذلك قد يعبر عنها بالسواد. وقال الحسن: سوداء شديدة السواد. قال بعضهم: لا يقال في السواد: فاقع. قوله: {كأنه جمالات صفر} هو جمع أصفر [وليبيس البهمى] صفار. والصفير للصوت الكائن من الأشياء الخالية. قيل: ومن هذا صفر الإناء، أي خلا، إذا خلا سمع منه صفير من أجل الهواء، ثم صار متعارفًا في كل خالٍ من الأبنية وغيرها. وفي الحديث: "إن يدهما صفراء" أي فارغتين. وفي الحديث: "لا صفر ولا هامة ولا عدوى" الصفر: تزعم العرب أنه حية في

البطن إذا حصلت جاع الإنسان، فإذا جاع آذته. نزعم أنها تعدي. والهامة تزعم العرب أن القتيل إذا قتل خرج منه طير يرفرف عليه ويقول: اسقوني اسقوني، حتى يؤخذ بثأره فيسكن. والعدوى: أن يصيب الإنسان مثلما بالمبتلى. فنفى الشارع ذلك كله، فإن المقادير بكف الإله. قال بعض الحكماء: سمي [خلو] الجوف والعروق من الغذاء صفرًا. ولما كانت تلك العروق الممتدة من الكبد إلى المعدة إذا لم تجد غذاءًا امتصت أجزار المعدة، اعتقدت جهلة العرب أن ذلك حية في البطن تعض الشراشيف، وعلى ذلك قال شاعرهم: [من البسيط] 884 - ولا يعض على شرسوفه الصفر وصفر: علم لشهرٍ، سمي بذلك لخلو بيوتهم من الزاد، والصفري من النتاج: ما يكون في ذلك الوقت. وقيل: صفر لما كانوا يفعلونه من النسيء؛ يؤخرون المحرم إلى صفر. وفي الحديث: "صفرة في سبيل الله" أي جوعة، من الخلو. وفي حديث أم زرعٍ: "صفر ردائها وملء كسائها وغيط جارتها" أي ضامرة البطن سمينة، إذ رأتها جارتها غاظها حسنها، وفي الأضاحي: "نهى عن المصفرة" والمصفرة أي المستأصلة الأذن لخلو صماخها من الأذن. وقيل: المهزولة، لصفرها من السمن وقيل لأبي جهلٍ: "يا مصفر استه" رماه بالأبنة. وقيل: يا مضرط نفسه، مأخوذ من الصفير، وهو صوت الضراط. ص ف ف: قوله تعالى: {وجاء ربك والملك صفًا صفًا} [الفجر: 22] الصف: جعل الشيء

على خط مستوٍ كالناس والأشجار، والمعنى صفًا بعد صف، فلا يراد به واحدًا أبدًا. ولهذا كان قول من قال: إن "صفا" الثاني تأكيد لفظي ساقط كما بيناه في غير هذا. قوله: {وعرضوا على ربك صفًا} [الكهف: 48] أي صفًا واحدًا، ولا يتوارى منهم واحد خلف آخر، كقوله: {يوم هم بارزون لا يخفى على الله منهم شيء} [غافر: 16]. قوله تعالى: {إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفًا} [الصف: 4] يحتمل أن يكون مصدرًا، وأن يكون بمعنى الصافين. وكذا قوله تعالى: {ثم ائتوا صفًا} [طه: 64] أي صافين. ومعنى المصدرية أن يتناول الفعل قبله به كأنه قيل: يصطفون في القتال صفًا. وقيل: "ثم ائتوا صفًا" أي الموضع الذي تجتمعون فيه لعيدكم وصلاتكم. قال الأزهري: يقال: أتيت الصف. أي أتيت الصلاة. قال: ويجوز أن يكون: ثم ائتوا مصطفين، ليكون أنظم لكم وأشد لكم وأشد لهيبتكم. قلت: لو أراد موضع الصلاة لقال للصف لأنه مكان معين. قوله: {يوم يقوم الروح والملائكة صفًا} [النبأ: 38] قيل: الروح بعينه يقف وحده، وتقف الملائكة كلهم أمامه فيساويهم ويسامتهم لعظم خلقه. وقيل: الروح جبريل نص عليه لشرفه. قوله تعالى: {والصافات صفًا} [الصافات: 1] قيل: هم الملائكة، وهذا هو الظاهر لقوله تعالى حكاية عنهم: {وإنا لنحن الصافون} [الصافات: 165] وذلك لاصطفافهم في عبادة الله من ركوعٍ وسجودٍ وتسبيحٍ وتقديسٍ. وقيل: هم المقاتلة في سبيله صفًا. وقيل: هم المصلون من المسلمين. وقيل: هي الطير لصف أجنحتها. قال تعالى: {أو لم يروا إلى الطير فوقهم صافاتٍ ويقبض} [الملك: 19] أي وقابضاتٍ. قوله: {فاذكروا اسم الله عليها صواف} [الحج: 36] أي مصطفةً، يعني بدن الهدي والضحية لأنه أعظم في القربة، وذلك أن تعقل وتصف فتنحر. كان ابن عمر يفعل ذلك، ومن ثم قرئ {صوافن} أي قائمة على ثلاثٍ، وسيأتي. وقرئ {صوافي} أي خاصةً لله لا كما كان المشركون يفعلون. والجمع صفوف. وفي

الحديث: "لتسون صفوفكم" يعني في الصلاة. والصفيف: اللحم المصفوف؛ إما لتقديده وإما لشيه. ومنه حديث ابن الزبير: "كان يتزود صفيف الوحش وهو محرم"، أي قديدها. وقال امرؤ القيس: [من الطويل] 885 - فظل طهاة اللحم ما بين منضجٍ ... صفيف شواءٍ أو قديدٍ معجل يقال: صففت اللحم أصفه صفًا، أي جعلته صفًا واحدًا. والصفة: ما يرفتع في جانب البيت، ومنه: أهل الصفة لناحيةٍ كانت في المسجد يأوى إليها المساكين. وصفة السرج تشبيهًا بها في الهيئة. والصفوف: الناقة التي تصف رجليها عند الحلب. وقيل: التي تكون بين محلبين. قوله: {قاعًا صفصفًا} [طه: 106] هو المستوي من الأرض؛ قيل: كأنه على صف واحدٍ. وقيل: هو الخالي المستوي من الأرض. ص ف ن: قوله تعالى: {إذ عرض عليه بالعشي الصافنات الجياد} [ص: 31] أي الخيل القائمات. يقال: صفن الفرس، أي قام. وأهل اللغة يقولون: أ، يثني الفرس إحدى يديه أو رجليه فيقف على ثلاثٍ، وهو أجود الخيل، وأنشد: [من الكامل] 886 - ألف الصفون فلا يزال كأنه ... مما يقوم على الثلاث كسيرا وقيل: هو قيامها مطلقًا، ومنه الحديث: "قمنا خلفه صفونا" أي صافين أقدامنا. وفي حديثٍ آخر: "من سره أن يقف الناس له صفونا" أي مصطفين قيامًا. وقرئ "صوافن" وقد تقدم تفسيره. والصافن أيضًا: عرق في الصلب يجمع نياط القلب. وأصل الصفن الجمع بين شيئين ضامًا بعضهما إلى بعض، ومنه تقدم من صفون الناس

لجمعه قوائمه. ومنه الصفن -بضمن الصاد وفتحها- لخريطةٍ تكون مع الراكب فيها زاده وأداته. ومنه حديث عمر: "حتى يأتي الراعي حقه في صفنه". وصفن ثيابه: جمعها. والصفنة: السفرة المجموعة بخيطٍ. ص ف و: قوله تعالى: {وأنهار من عسلٍ مصفى} [محمد: 15] أي خالص مما يشوبه. والصفو: الخلوص، ومنه الاصطفاء افتعال من الصفو، وهو تناول صفو الشيء كالاختيار: تناول خيره، والاجتباء: تناول جبايته. وصفي الغنم: ما يصطفيه الإمام لنفسه فيخلص له. قال الشاعر: [من الوافر] 887 - لك المرباع منها والصفايا قوله: {إن الصفا والمروة} [البقرة: 158] هما موضعان معروفان بمكة، شرفها الله تعالى. وأصل الصفا الحجر الأملس؛ سمي بذلك لخلوصه مما يشوبه. ومثله الصفوان في قوله تعالى: {كمثل صفوانٍ} [البقرة: 264] الواحدة صفوانة. واليوم الصفوان: الصافي الشمس الشديد البرد. وأصفى الحافر: بلغ الصفا، كقولهم: أكدى أي بلغ كدية. قوله تعالى: {الله يصطفي من الملائكة رسلاً ومن الناس} [الحج: 75] قيل اصطفاؤه تعالى لبعض عباده قد يكون بإيجاده صافيًا من الشوب الموجود في غيره، وقد يكون باختياره وحكمه وإن لم يتعر ذلك من الأول. ويقال للناقة أو الشاة الغزيرة اللبن وللنخلة الكثيرة الحمل صفية. وبنو فلانٍ مصفون، أي لهم صفايا من ذلك. قوله: {اصطفى البنات على البنين} [الصافات: 153] هذا إنكار عليهم قالوا: الملائكة بنات الله؛ يقول: اختار أخس النوعين عندكم وخصكم بأشرفها.

فصل الصاد والكاف

فصل الصاد والكاف ص ك ك: قوله تعالى: {فصكت وجهها} [الذاريات: 29] أي لطمته. ويقال: إنه ضرب الوجه بأطراف الأصابع تفعله النساء. وفي الحديث: "كان يستظل بجفنة عبد الله بن جدعان صكة عمي". هذا اللفظ صار علمًا على الهاجرة وشدة القيظ في وسط النهار. ومنه: لقيته صكة عمي. وعمي تصغير أعمى ترخيمًا. والأصل في ذلك -والله أعلم- أن الإنسان في هذا الوقت يظلل على عينيه لينظر في الفلاة فيضع يده على جبهته، فكأنه صك وجهه وجعل قريبًا من الأعمى، ولذلك صغروه ولم يصغروه كاملاً بل محذوفًا منه منبهةً على ذلك. فصل الصاد واللام ص ل ب: قوله تعالى: {يخرج من بين الصلب والترائب} [الطارق: 7] يعني أن الماء الذي يخلق منه الإنسان هذا مقره صلب الرجل، وترائب المرأة وهي عظام صدرها، تنبيه على ذلك حتى لا يتكبر، فعكس أكثر الناس ذلك. ولولا الأنبياء ومن وفقه الله لقلب كل الناس. وأصل الصلب هو الشيء الشديد. والصلابة: الشدة. ومنه صلب الرجل وهو ظهره، ولقوته قالوا: ظاهره إذا عاونه كأنه ساعده بأقوى مافيه وأشده. قوله: {الذين من أصلابكم} [النساء: 23] قيل: إنما قال ذلك تنبيهًا أن الولد جزء من والده. والصُّلْبُ والصَّلَبُ والصالب بمعنى واحدٍ؛ لغات ثلاث. قال العباس رضي الله عنه يمدح رسول الله صلى الله عليه وسلم: [من المنسرح] 888 - تنقل من صالبٍ إلى رحمٍ ... إذا مضى علم بدا طبق قيل: وسمي الظهر صلبًا لأنه يخرج منه ما يشبه الصليب وهو الودك، منه سمي المصلوب مصلوبًأ لما يسيل من ودكه عند صلبه. وأنشد لعلقمة بن عبدة يصف فلاة:

[من الطويل] 889 - بها جيف الحسرى فأما عظامها ... فبيض وأما جلدها فصليب وسمي المصلوب بذلك لأنه يشد صلبه على الخشب غالبًا. وفي الحديث: "لما دخل مكة أتاه أصحاب الصلب" هم قوم يجمعون العظام بعد أكل لحمها، فيطبخونها ليخرج صليبها فذلك هو الصلب والاصطلاب. وثوب مصلب: عليه صور الصليب، وهو الخشب الذي يصلب عليه. ومن ثم عظمت النصارى هذه الهيئة لأنهم يزعمون -وقد كذبوا- أن عيسى صلب عليه. والصالب من الحمى: ما يسيل ودك المحموم أو ما يكسر صلبه. وصلبت السنان: شحذته بالصلبية؛ وهي حجارة المسن، لصلابتها. ص ل ح: قوله تعالى: {وهو يتولى الصالحين} [الأعراف: 196] أي المسلمين العاملين بما أمروا به ونهوا عنه. وزادوا على ذلك بنوافل. والصلاح ضده الفساد، ويختصان في غالب أحوال الاستعمال بالأفعال. وقد قوبل في التنزيل تارةً بالفساد وتارةً بالسيء. قال تعالى: {وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض قالوا إنما نحن مصلحون} [البقرة: 11]. وقال تعالى: {خلطوا عملاً صالحًا وآخر سيئًا} [التوبة: 102] وإصلاح الله تعالى بعض عباده يكون تارةً بخلقه إياه كذلك، وأخرى بإزالة ما فيه من الفساد. وأخرى بالحكم له بذلك. قوله: {إن الله لا يصلح عمل المفسدين} [يونس: 81] لأن أعمالهم تضاد ذلك. قال الراغب: أي المفسد يضاد الله في فعله لأنه يفسد، والله تعالى يتحرى في جميع أفعاله الصلاح، فهو لا يصلح عمله. وفي عبارته غلظة. وقيل: لا يوفقهم لعمل الصلحاء. قوله: {والصلح خير} [النساء: 128] غلب الصلح على المودة بين الناس وإزالة ما بينهم من الضغائن، والإصلاح فعل ذلك؛ قال تعالى: {أو إصلاح بين الناس} [النساء: 11] والصلح في الفقه نوع من ذلك، لأن فيه إزالة خصومةٍ بترك بعض الحق. قوله: {وألحقني بالصالحين} [يوسف: 101] أي اجعلني منهم بأن أحشر في زمرتهم

لأنك تتولاهم، ومن توليته فلا سعادة له أعظم من ذلك. قوله: {وأصلحنا له زوجه} [الأنبياء: 90] أي خلقًا وخُلُقًا. وقيل: من العقر، ألا ترى قوله: {وكانت امرأتي عاقرًا} [مريم: 5]. قوله: {من عبادنا صالحين} [التحريم: 10] وصفهما بأجمل الصفات لأن الصلاح يشمل أمور الدنيا والآخرة. وصالح النبي المشهور من ذلك. وصلاح: علم لمكنى مبني على الكسر كحذام وقطام. وهذه لغة الحجاز، ولغة تميمٍ إعرابه غير منصرفٍ. وقد جمع بين اللغتين من قال: [من الوافر] 890 - إذا قالت حذام فصدقوها ... فإن القول ما قالت حذام وقال الحارث بن أمية يذكر مكة، شرفها الله تعالى بهذا الاسم: [من الوافر] 891 - أبا مطرٍ هلم إلى صلاحٍ ... فتكفيك الندامى من قريش وتأمن وسطهم وتعيش فيهم ... أبا مطرٍ هديت بخير عيش وتكسن بلدةً عزت لقاحًا ... وتأمن أن يزورك رب جيش قال الهروي: قرأت في شعر الدريدي في مفاخرةٍ: [من الكامل] 892 - منا الذي بصلاح قام مؤذنًا ... لم يستكن لتهددٍ وتنمر قال: يعني خبيب بن عدي. قلت: يشير إلى قتله وصلبه رضي الله عنه حين قتله المشركون بمكة وصلبوه، شبهه بالمؤذن.

ص ل د: قوله تعالى: {فتركه صلدًا} [البقرة: 264] أي نقيًا. وأصله الحجر الصلب، وهو الذي لا ينبت شيئًا. ومنه: رأس صلد، أي لا ينبت شعرًا. وناقة صلود ومصلاد: قليلة اللبن. وفرس صلود: لا يعرق. وصلد الزند: لا يخرج ناره، وعود صلد: لا يقدح نارًا. ص ل ص ل: قوله تعالى: {من صلصالٍ} [الحجر: 26]. الصلصال: الطين اليابس الذي له صوت وصلصلة. وأصل الصلصلة، تردد الصوت من الشيء اليابس. ومنه: صل المسمار وصلصل. والصلصلة: بقية الماء أيضًا، سميت بذلك لحكاية صوت حركته في المزادة. وقيل: الصلصال: المنتن المتغير، من قولهم: صل اللحم، وصلل وأصل. والأصل صلال فأبدل الثانية من جنس فاء الكلمة تخفيفًا. وقد قرئ: {أئذا صللنا في الأرض} [السجدة: 10] بالمهملة، أي أنتنًا وتغيرنا. وفي الحديث: "كل ما ردت عليك قوسك ما لم تصل" أي تنتن، وقيل: الصلصال: ما لم يطبخ بالنار، فإذا طبخ فهو فخار. ص ل و: قوله تعالى: {الذين يؤمنون بالغيب ويقيمون الصلاة} [البقرة: 3]. الصلاة لغوية وشرعية؛ فاللغوية: الدعاء؛ قال الأعشى: [من البسيط] 893 - تقول بنتي، وقد قربت مرتحلاً ... يا رب جنب أبي الأوصاب والوجعا عليك مثل الذي صليت فاغتمضي ... يومًا فإن لجنب المرء مضطجعا وقال آخر: [من الطويل]

894 - لها حارس لا يبرح الدهر ينهها ... وإن ذبحت صلى عليها وزمزما وأما الشرعية فذات الأركان المعلومة، وهي مشتقة من ذلك، لأنها مشتملة على الدعاء؛ وهذا عند من لم يثبت أسماء شرعية. وفي الحديث: "إذا دعي أحدكم إلى طعامٍ فليجب فإن كان صائمًا فليصل" أي ليدع. وقيل: هي مشتقة من الصلوين؛ عرقين: لأن المصلي يحركهما عند حركته فيها. ومنه المصلي في حلبة السباق، لأنه يضع رأسه عند صلوي السابق. قال الشاعر: [من البسيط] 895 - إن ينتدب غاية يومًا لمكرمةٍ ... تلقى السوابق منا والمصلينا ومن كلام علي رضي الله عنه: "سبق رسول الله صلى الله عليه وسلم وصلى أبو بكرٍ". وقيل: هي مشتقة من الصلاء، وهو النار لأنه إذا فعل هذه العبادة فقد درأ عن نفسه الصلاء، وهذا مردود بأن تلك مادة أخرى كما سيأتي. ويقال: الصلاة من الله تعالى لعبادة تزكية لهم وبركة عليهم. ومن الملائكة استغفار، ومن الناس الدعاء وهذه العبادة. وقد أتقنا الكلام على هذه المادة وما قيل فيها بأطول من هذا، وذكرنا شواهدها في "الدر". قوله تعالى: {لهدمت صوامع وبيع وصلوات} [الحج: 40] قيل: هي كنائس اليهود يصلون فيها. وقيل: هي الصلوات، وذلك على حذف مضافٍ أي مواضع صلواتٍ. قيل: وكل موضعٍ مدح الله تعالى فعل الصلاة أو حث عليه. وذكر ذلك [بلفظ] الإقامة تنبيهًا أن المقصود من فعلها توفية حقوقها وشرائطها لا الإتيان بهيئتها فقط، ولهذا

روي أن المصلين كثير وأن المقيمين لها قليل. وقوله تعالى: {الذين هم عن صلاتهم ساهون} [الماعون: 5] أي غافلون عن استحضارها وإن كانوا فيها؛ فكم من مصل قلبه في معاشه وأذى الناس. وفي التفسير: ما تركوها وإنما أخروها عن وقتها. وكذا قوله: {أضاعوا الصلاة} [مريم: 59] {ولا يأتون الصلاة إلا وهم كسالى} [التوبة: 54] تنبيهًا أن فعلهم لها بتكلفٍ لا عن طواعيةٍ وذلك لما كانوا يصلونه تقيةً واتقاءً لأنفسهم وذراريهم وأموالهم كفعل كثيرٍ من الناس إن فعلوا. قيل: ولم يقل المصلين إلا في المفرطين والمنافقين كقوله: {فويل للمصلين} [الماعون: 4] {لم نك من المصلين} [المدثر: 43] أي من الذين صلوا إخلاصًا لا نفاقًا. وقيل: من أتباع الأنبياء. قوله: {فلا صدق ولا صلى} [القيامة: 31] تنبيه أنه لم يكن ممن يصلي، أي يأتي بهيئتها فضلاً عن إقامته لها. قوله: {وقد أفلح المؤمنون الذين هم في صلاتهم خاشعون} [المؤمنون: 2]. ثم قال: {على صلاتهم يحافظون} [المعارج: 34] ذكرهما بوصفين أحدهما أشرف من الآخر، وهو مخ العبادة الذي هو الخشوع، حتى جعله بعضهم شرطًا في صحتها. ورأى عليه الصلاة والسلام رجلاً يعبث بلحيته في الصلاة فقال: "لو خشع قلب هذا لخشعت جوارحه". ثم وصفهم بالمحافظة عليها ويدخل تحته أشياء كثيرة بيانها في غير هذا. قوله: {وما كان صلاتهم عند البيت إلا مكاءً وتصدية} [الأنفال: 35] تنبيه على إبطال صلاتهم، وأن فعلهم ذلك لا اعتداد به، بل هم في ذلك كطيورٍ تمكو وتصدي. وقيل: لم يصلوا البتة وإنما جعلوا ذلك بدل صلاتهم كقوله: [من الوافر] 896 - تحية بينهم ضرب وجيع

فصل الصاد والميم

وقد مر مثله. ومثله قوله تعالى: {وتجعلون رزقكم أنكم تكذبون} [الواقعة: 82]. ص ل ي: قوله تعالى: {لا يصلاها} [الليل: 15] أي لا يدخلها ويلاقي صلاها، وهو حرها وإيقادها. يقال: صليت الشاة: شويتها، فهي مصلية. قال الخليل: صلي الكافر النار: قاسى حرها وقال: صلاة النار، وأصلاه أياها. والصلا -بالفتح- اتقاؤها وإضرامها. وبالكسر النار نفسها. وقيل: يقال في النار نفسها: صلا -بالفتح والكسر- إلا إذا فتحت قصرت، وإذا كسرت مددت. وقرئ قوله: {وسيصلون سعيرًا} [النساء: 10] من صلى -ثلاثيًا- وصلى -رباعيًا. وصليت العود بالنار: أدخلته فيها ليقوم. قوله: {أولى بها صليًا} [مريم: 70] قيل هو جمع صالٍ. قوله: {إلا من هو صال الجحيم} [الصافات: 163] أي الداخل فيها. قال الشاعر: [من الخفيف] 897 - لم أكن من جناتها علم اللـ ... ــه وإني لحرها اليوم صال قوله: {تصطلون} [النمل: 7] أي تستدفئون بالنار؛ تفتقلون من الصلا. قال الشاعر: [مجزوء الخفيف] 898 - ما اصطلى النار مصطلي فصل الصاد والميم ص م ت: قوله تعالى: {أم أنتم صامتون} [الأعراف: 193] أي ساكتون. يقال: صمت يصمت صمتًا: إذا لم يتكلم. وفي الحديث: "إن من الصمت لحكمة". وأصمت

المريض: اعتقل لسانه. وفي الحديث:)) دخلت عليه يوم أصمت)). وقد أصمت أمامه: أي اعتقل لسانه. وصمته الصبي: ما يسكت [به] كالسكتة. ومنه قيل للتمرة: صمته الصبيان، لأنهم إذا أعطوها سكتوا وصمتوا. وأصمته صمته: إذا قضيت حاجته، وذلك لأنه يسأل حاجته، فإذا قضيت سكت. فجعل ذلك كناية لأنه لازمها وقال الشاهر يذكر حمله: [من الزجر]. 899 - إنك لا تشكو إلي مصمت ... فصبر علي الحمل الثقيل أو مت. والصموت: الكثير الصمت. ص م د: قوله تعالي: {الله الصمد} [الإخلاص: 2] هو السند الذي يسند إليه في الأمور، أي يقصد. يقال صمد صمده أي قصد قصده معتمدًا عليه. وقيل: هو الذي ليس بأجوف. قال بعضهم: والذي ليس بأجوف شيئان أحدهما لكونه أدون من الإنسان كالجمادات، والثاني أعلي منه وهو الباري تعالي والملائكة. والقصد الأول بقوله: {الله الصمد} تنبيهٌ إنه بخلاف من أثبتوا له الإلوهية، وإليه أشار بقوله: {وأمه صديقةٌ كانا يأكلان الطعام} [المائدة: 75] وقيل: الصمد: الدائم الباقي. وقيل: من انتهي إليه السؤدد. وفي حديث عمر: ((إياكم وتعلم الأنساب فوالذي نفس عمر بيده لو قلت لا يخرج من هذا الباب إلا صمدٌ لم يخرج إلا أقلكم)) أي من انتهي إليه السؤدد. وقيل: الصمد: المرتفع الرتبة. ومنه بناءٌ مصمدٌ أس مرتفعٌ عالٍ. والصمد بسكون العين: ما شرف من الأرض وعلا. ص م ع: قوله تعالي: {صوامع} [الحج: 40] جمع صومعة وهي متعبدات النصارى،

وكل بناءٍ متصمع الرأس، أي متلاصقة. ومنه رجلٌ أصمع أي لاصقةٌ أذنه برأسه. وقيل لصغير الأذن من الناس وغيرهم. ومن كلام علي رضي الله عنه: ((كأني برجلٍ أصلع أصمع)). وفي حديث ابن عباس: ((كان لا يري بأسًا أن يضحي بالصمعاء)). ويقال: قلبٌ أصمع، أي قويٌ كالبناء مجتمعٌ، أي جري فيه عكس من قيل فيهم: {وأفئدتهم} [إبراهيم: 43]. وكلابٌ صمع الكعوب أي قويةٌ ليست بأجوفها. قال النابغة: [من البسيط]. 900 - صمع الكعوب برياتٌ من الحرد. والصمعاء: البهمي قبل أن تتفقأ لتضامنها. ص م م: قوله تعالي: {صمٌ بكمٌ عميٌ} [البقرة: 18] الصمم فقدان حاسة السمع، وبه شبه من لا يصغي إلي الحق ولا يقبله. والقوم- كانوا- سامعون ناطقون مبصرون، لكن لما لم يسمعوا القرآن ولم يقرؤوه ولم ينظروا في دلالاته جعلوا كذلك. وليتهم كانوا فاقدين لهذه الحواس خاصة إنما المصيبة في فقدان تلك البصائر. وأصل الصمم السد. ومنه صممت القارورة: إذا شدت رأسها. ويشبه من لا صوت له بالصمم، فيقال: صم فلانٌ: إذا لم ينطق، كأنه من باب اللازم غالبًا. وفي المثل: ((صمت حصاةٌ بدمٍ)) أي أن الدم لو ألقي فيه حصاةٌ لم تسمع لها حركةٌ: ((واشتمال الصماء)) أن يلتف المصلي بالرداء ونحوه حتى لا يبقي له موضعٌ يخرج يده من، وقد نهي عنها. وتقدم

فصل الصاد والنون

فيه وجهان. وصمم في الأمر: مضي فيه. ومنه: الصمة للشجاع، لأنه يصمم علي الإقدام. وقيل: لأنه يصم علي الإقدام. وقيل: لأنه يصم بالضربة. ودريد بن الصمة. وضربةٌ صماء، أي تصم من تقع به، أي ذات صممٍ. وقيل: ماضيةٌ. والصمان: أرضٌ غليظةٌ. وعنه روي رجلٌ من بني العنبر بجملة الأصهب. وستأتي حكايته مستوفاةٌ في باب لحن القول إن شاء الله تعالي. فصل الصاد والنون. ص ن ع: قوله تعالي: {صنع الله} [النمل: 88] أي صنعته وخلقه. والصنع: إجادة الفعل، فكل صنعٍ فعلٌ وليس كل فعلٍ صنعًا. ولا يجوز نسبته إلي الحيوانات غير الآدميين ولا إلي الجمادات. وإن كان الفعل ينسب إليها تقول: فعل الحمار كذا، وفعل الحجر كذا، ولا تقول: صنعا. ولا يقال: صنعٌ إلا للحاذق المجيد. وامرأةٌ صناعٌ: تتقن ما تعمله، ضد الخرقاء. وقالت عاتكة بنت عبد المطلب: ((إني صناعٌ فلا أعلم وحصانٌ فلا أتكلم)). والصنيعة: ما اصطنعته من خير. وكني بالمصانعة عن الرشوة. قوله: {واصطنعتك لنفسي} [طه: 41]. قيل: الاصطناع: البالغة في إصلاح الشيء. قوله: {ولتنصع علي عيني} [طه: 39] كنايةٌ عن تربيته إلي أن شب وبلغ أشده، وجعله بمنزلة الشيء المصنوع بمرتقاه ممن يصطنعه. فقوله: {علي عيني}، أي علي حفظي لك وكلاءتي إياك، أي بمرأى مني ومسمعٍ، كقوله: {إنني معكما أسمع وأري} [طه: 46] أي أحفظكما، وإلا فالباري تعالي يسمع ويري مع كل أحد. وعن بعض الحكماء: أن الله

تعالى إذا أحب عبدًا تفقده كما يتفقد الصديق صديقه. قوله: {وتتخذون مصانع} [الشعراء: 129] قيل: هي مجاري الماء. وقيل: الأصناع، وأحدهما صنعٌ وقيل: المصانع: ما شيد من القصور وزخرف من الدور. والكل مراد، فإن القوم فعلوا كل ذلك. وفي الحديث: ((اصطنع رسول الله صلي الله عليه وسلم خاتمًا)) سأل أن يصنع له. والصنيعة: الإحسان، ومنه قيل: الصنيعة تذهب القطيعة. وقال الشاعر: [من الطويل]. 901 - وإن امرؤ أسدي إلي صنيعةً ... وذكرنيها مرةً لبخيل. قوله تعالي: {واجنبني وبني أن نعبد الأصنام} [إبراهيم: 35] جمع صنم وهو الجثة المتخذة من خشبٍ أو حجرٍ أو نحاسٍ، فتعبد متقربًا بها إلي الله تعالي. وقيل: كل ما عبد من دون الله فهو صنمٌ. وقيل: بل كل ما شغل عن الله، حتى قال بعض الحكماء: معلومٌ أن خليل الرحمن كان يعلم من الله مع تحققه بمعرفته واطلاعه علي حكمته لم يكن ممن يخاف أن يعود إلي عبادة الأصنام، فكأنه قال: اجنبني عما يشغلني عنك ويصرف وجهي إليه. قال ابن عرفة: كل ما اتخذ وله صورةٌ فهو صنمٌ، وإن لم يكن له صورةٌ فهو وثنٌ، وسيأتي إن شاء الله تعالي. ص ن و: قوله تعالي: {صنوانٌ وغير صنوانٍ} [الرعد: 4] وهو أن يكون الأصل واحدًا وتتفرع منه النخلتان والثلاث فأكثر. وقيل: هو الغصن الخارج من أصل شجرةٍ. يقال: هما صنوا دوحةٍ. والظاهر اختصاص ذلك بالنخل والبقل. وفي الحديث: ((عم الرجل صنوا أبيه)) أي أن أصلهما واحدٌ. ومنه ((العباس صنوا أبي)) ويستوي المثنى والجمع

فصل الصاد والهاء

حالة الوقف في هذه اللفظة وفي قنوانٍ إذ يقال صنوانٌ وقنوانٌ، فإذا وصلت قلت: صنوان في التثنية وصنوانٌ في الجمع، هذا إذا رفعت المثني. فإذا نصبته أو جررته فلا اشتباه، وهذا من ملح علم الإعراب، ولا ثالث لهما. ويجمع الصنو أيضًا في القلة علي أصنةٍ، وفي الكثرة علي صنيً وصنيٌ. فصل الصاد والهاء. ص هـ ر: قوله تعالي: {فجعله نسبًا وصهرًا} [الفرقان: 54] أي قريبًا من جهة النكاح. والأصهار: أقارب الزوج أو الزوجة. ومنه حديث: ((كان يؤسس مسجد قباء فيصهر الحجر العظيم إلي بطنه)). أي يقربه. يقال: صهره وأصهره أي أقربه. وقال بعض أهل اللغة: الصهر: الختن. وأهل بيت المرأة يقال لهم الأصهار، وكذا قاله الخليل. وقال ابن الأعرابي: الأصهار: التحرم بجوازٍ أو نسبٍ أو تزوجٍ. يقال رجلٌ مصهرٌ: إذا كان له تحرم من ذلك. قاله تعالي: {يصهر به ما في بطونهم} [الحج: 20] أي يذاب. والصهر: إذابة الشيء، والصهارة: ما ذاب منه. قال أعرابي: لأصهرنك بيميني مرة. وصهرت الشحم: أذابته وصهرته. والصهر والهصر يتقاربان، يقال، هصرت الغصن، أي أذابته فكأنه مقلوبٌ من هصرت أي قربت ودنوت. فصل الصاد والواو ص وب: قوله تعالي: {لا يتكلمون إلا من أذن له الرحمن وقال صوابا} [النبأ: 38] أي سدادًا من القول. والصواب: ضد الخطأ، قيل: وهو يقال علي وجهين: أحدهما باعتبار الشيء في نفسه. فيقال: هذا صوابٌ إذا كان مرضيًا محمودًا بحسب مقتضي الشرع والعقل، نحو قولهم: تحري العدل صوابٌ والكرم صوابٌ. والثاني يقال باعتبار الفاعل إذا أدرك المقصود بحسب ما يقصده. فيقال: أصاب كذا. أي وجد ما طلب. نحو أصابه

السهم وذلك علي أنواع. الأول أن يقصد ما يحسن مقصده فيفعله. وذلك هو الصواب التام الذي يحمد به. والثاني أن يقصد ما يحسن فعله فيتأتي منه غيره لتقديره بعد اجتهاده أنه صوابٌ، وذلك هو المراد بقوله صلي الله عليه وسلم: ((كل مجتهدٍ مصيبٌ))، وروي: ((المجتهد مصيبٌ فإن أخطأ فله أجرٌ)) كما ما روي: ((من اجتهد فأصاب فله أجران وإن أخطأ فله أجرٌ)). والثالث أن يقصد صوابًا فيتأتي منه خطأ لعارضٍ من خارجٍ نحو: من يقصد رمي صيدٍ فيصيب إنسانًا فهذا معذورٌ. والرابع أن يقصد ما يقبح فعله ولكن يقع خلاف ما يقصده فيقال: أخطأ في قصده وأصاب الذي قصده. والصوب الإصابة، ومنه: أصاب سهمه: إذا وقع في الغرض، فيقال: صابه وأصابه، نحو: جابه وأجابه. قوله تعالي: {أو كصيبٍ من السماء} [البقرة: 19]. الصيب: المطر النازل بشدةٍ من مكانٍ، من صاب يصوب إذا نزل، قال الشاعر: [من الطويل]. 902 - ولست لإنسي ولكن لملاكٍ ... تنزل من جو السماء فيصوب. وقال آخر: [من الكامل]. 903 - فسقي ديارك غير مفسدها ... صوب الربيع وديمةٌ تهمي. قال بعضهم: جعل الصوب نزول المطر بقدر ما ينفع، وإليه أشار بقوله تعالي: {وأنزلنا من السماء ماءً بقدرٍ} [المؤمنون: 18] وقال: [من الكامل]. -فسقي ديارك غير مفسدها (البيت). وقيل: الصيب: السحاب، وهو فعيل من صاب يصوب. والفراء يقول: إنه فعيلٌ، والأصل صويبٌ. وتحقيقه في غير هذا من كتبنا. قوله: {وبشر الصابرين الذين إذا

أصابتهم مصيبةٌ} [البقرة: 155 - 156]، النائبة، وأصلها في الرمية ثم اختصت بالنائبة الفادحة. وأصاب يستعمل في الخير والشر. قال تعالي: {إن تصبك حسنةٌ تسؤهم وإن تصبك مصيبةٌ يقولوا} [التوبة: 50]. وقال بعضهم: الإصابة في الخير اعتبارًا بالصواب وهو المطر، وفي الشر اعتبارًا بإصابة السهم، وكلاهما يرجعان إلي أصل واحدٍ. قوله تعالي: {حيث أصاب} [ص: 36] أي أراد. ويحكي أن رجلين من أهل اللغة [اختلفا] فيها فيخرجا يسألان عنها فلقيا رؤبة فقال لهم: أين تصيبان؟ فقالا: هذه بغيتنا ورجعا. وفي الحديث: ((من يرد الله به خيرًا يصيب به)) أي يبتليه بمصيبةٍ. يقال: مصيبةٌ ومصوبةٌ ومصابةٌ، والجمع مصائب ومصاوب، وهو الأصل. كما قالوا مناور في مناير. ص وت: قوله تعالي: {وخشعت الأصوات للرحمن} [طه: 108] الصوت: ما يسمع من المصوت، ويؤنث. قال الشاعر: [من الطويل]. 904 - سائل بني أسدٍ ما هذه الأصوات؟ وقيل: هو الهواء المنضغط عن قرع جسمين، وهو نوعان: مجردٌ عن تنفسٍ بشيءٍ كالصوت الممتد، ومتنفسٌ بصوتٍ ما. ثم المتنفس ضربان: ضروري كما يكون من الجمادات والحيوانات، واختياري كما يكون من الإنسان وذلك ضربان: ضربٌ باليد كصوت العود ونحوه. وضربٌ بالفم. ثم الذي بالفم ضربان: نطقٌ وغير نطقٍ كصوت الناي. ثم النطق إما مفردٌ من الكلام وإما مركبٌ. قوله تعالي: {لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي} [الحجرات: 2] أمرهم بالتأدب وأن يعلو كلامهم كلامه. وكان جلة الصحابة وأعزهم عنده بعدها كأبي بكرٍ وعمر لا يكلمونه إلا السرار وكآخر السرار. قيل:

وإنما خص الصوت دون النطق والكلام لأنه أعم منهما. وقيل: خصه لأن المكروه فعل الصوت فوق صوته لا رفع الكلام. قاله الراغب وفيه نظرٌ لأنه متى رفع كلامه رفع صوته، إذ لا يكون كلام إلا مع صوتٍ من غير عكس. ورجلٌ صيتٌ: شديد الصوت، وأصله صيوت كميتٍ. وخص الصوت بالذكر الجميل وإن كان أصله انتشار الصوت بني علي فعيل فانقلبت الواو ياءً. ص ور: قوله تعالي: {يوم ينفخ في الصور} [الأنعام: 73] قيل: الصور: قرنٌ فيه أرواح العالم، فإذا نفخ فيه إسرافيل طارت كل روحٍ إلي جسدها فلبسته وقال الراغب: وهو مثل قرنٍ ينفخ فيه فيجعل [الله] ذلك سببًا لعود الصور والأرواح إلي أجسامها. وروي في الخبر ((أن الصور فيه صور الناس كلهم)) وقيل: الصور جمع صورةٍ ولكنه خفف إذ كان من حقه تحريك عنه نحو غرفة وغرف. ومن ثم قرئ شاذًا بتحريكهما. قوله تعالي: {في أي صورةٍ} [الانفطار: 8]. الصورة: ما تنتق شبه الأعيان وتتميز بها عن غيرها. وذلك ضربان أحدهما محسوسٌ مدركٌ للخاصة والدهمة، بل يدركه كثيرٌ من الحيوان غير الناطق كصورة الإنسان والفرس والحمار بالمعاينة. والثاني معقولٌ تدركه الخاصة دون العامة كالصورة التي اختص [الإنسان بها] من العقل والرؤية، والمعاني التي خص بها شيءٌ بشيءٍ. وإلي الصورتين أشار تعالي بقوله: {خلقناكم ثم صورناكم} [الأعراف: 11] وقوله: {وصوركم فأحسن صوركم} [غافر: 64] {يصوركم في الأرحام} [آل عمران: 6] {في أي صورةٍ ما شاء ركبك} [الانفطار: 8]. وفي الحديث: ((إن الله خلق آدم علي صورته)) الهاء عائدةٌ علي آدم، أي على هيئته التي

عرفتموها بالسماع لا كما يتوهمه الأغتام ومن لا فهم له. وقيل: أراد بالصورة ما خص به الإنسان من الهيئة المدركة بالبصر والبصيرة، وبها فضله علي كثير من خلقه. قيل: وإضافته إليه علي سبيل الملك لا علي سبيل البعضية والتشبيه بل علي سبيل التشريف، كقوله تعالي: {ناقة الله} [الشمس: 13] وبيت الله. قوله تعالي: {فصرهن إليك} [البقرة: 260] بضم الصاد وكسرها فقيل: لغتان بمعني أملهن، يقال: صاره يصيره ويصوره: إذا أماله. وقال الأزهري: من ضم أراد أملهن، يقال: صور يصور: إذا مال: ومن قرأ بالكسر فيحتمل ما تقدم، وهو لغة فيه. وقيل: بمعني قطعهن، فإن الأصل فيه صريت أصري أي قطعت، فقلبت. وقيل: أصرت أصير كما يقال: عنيت أعني وغثيت أغيث، وغثثت أغثي. قلت: وفي حكايته صور يصور نظرٌ من حيث إن مثله يجب إعلاله فيقال: صار يصار مثل خاف يخاف، إلا أن يكون السماع كذلك فيحفظ ولا يقاس عليه. ويكون مثل قولهم: أغيمت وأغيلت. وقيل: من ضم أراد: قطعهن صورةٌ صورةً. وقال بعضهم: (صرهن) أي صح بهن. وحكي الخليل أنه يقال: عصفورٌ صوارٌ وهو المجيب إذا دعي. وقرئ (فصرهن) بضم الفاء وتشديد العين، من الصروهو الشد. وقرئ كذلك لكنه بكسر الفاء من الصرير وهو الصوت، ومعناه: صح بهن. وفي الحرف كلامٌ أكثر من هذا، ذكرته في ((الدر)) وغيره. ولا شك أن المادة تدل علي القطع والانفصال ومنه الصوار: قطيع البقر، والجمع صيرانٌ. ومنه قول امرئ القيس: [من الطويل]. 905 - تري بعر الصيران في عرصاتها ... وقيعانها كأنه حب فلفل. وذلك نحو الصرمة والقطعة والفرقة وسائر أسماء الجماعة المعتبر فيها معني القطع وقال أبو عبيدة: صرهن- بالضم-: قطعهن. واحتج بقول الخنساء: [من البسيط]. 906 - لظلت الشهب منها وهي تنصار.

أي تتصدع وتتقطع. وفي حديث مجاهد ((كره أن يصور شجرةً مثمرةً)) أراد قطعها أو إمالتها أنه يؤذيها. وفي حديث عكرمة: ((حملة العرش كلهم صورٌ)) أي جمع أصور وهو المائل العنق يعني من الهيبة. ص وع: قوله تعالي: {نفقد صواع الملك} [يوسف: 72] هو الصاع الذي يكال به. وفي التفسير: هو إناءٌ مستطيلٌ يشبه المكوك، كان يشرب فيه الملك يشبه الطاسة والطرجهارة. وعن الحسن: والصاع والساقية شيء واحد يذكر ويؤنث فقال: {لمن جاء به} [يوسف: 72]، {ثم استخرجها} [يوسف: 76] وذلك علي الذهاب به مذهب الصاع مرة والساقية أخري. وفي الحديث: ((صاع بر بصاع تمر)) والصاع المطين من الأرض وأنشد للمسيب بن علسٍ [من الكامل]. 907 - مرحت يداها للنجاء كأنما ... تكرر بكفي لاعبٍ في صاع. وقيل: الصاع في البيت بمعني الأول وهو يلعب به مع كرةٍ. نقله الراغب. وتصوع الشعر والنبت: هاج وتفرق، والكمي يصوع أقرانه، أي يفرقهم. وفي حديث لسمان: ((صوع به فرسه)). أي جمع به، من صوع الطائر رأسه، أي حركة حركةً شديدةً. ص وغ: قرئ في الشاذ ((صواغ)) بالعين المعجمة سمي بذلك ذهابًا إلي أنه مصوغٌ من

ذهب ويعبر بالصواغ عن الكذاب، يقال: صاغ قوله يصوغ صياغةً فهو صواغ، وذلك لأن الكاذب يحسن كلامه وينمقه ليروج كما أن الصائغ يحسن بصياغته الأشياء. ومنه حديث أبي هريرة وقد قيل: إنه خرج الدجال فقال: ((كذبةٌ كذبها الصواغون)) أي الكذابون. ص وف: قوله تعالي: {ومن أصوافها وأوبارها وأشعارها} [النحل: 80] الأصواف: جمع صوفٍ واحدته صوفةٌ. وهو معروفٌ. قيل: عدد عليهم نعمه بما جعل لهم من الأنعام غير ما يأكلونه ويشربونه وينتفعون به في سيرهم وحمل أثقالهم ما يكون لهم لباسًا يقيهم الحر والبرد، وهو من الأنواع الثلاثة: الضأن والمعز والإبل، فالأصواف من الضأن وهو مختصٌ بها، والأوبار من الإبل وهو مختصٌ بها، والأشعار من المعز. ولم يذكر للبقر شعرٌ ينتفع به في ذلك. وقولهم: ((أخذ بصوفة قفاه)) كنايةٌ عن التمكن منه. وأرادوا شعره النابت في قفاه. فاستعاروا ذلك. وكبشٌ صافٍ وصائفٌ وأصواف: كثير الصوف. وصاف مقلوبٌ من صائفٍ كهارٍ من هائرٍ. قال الراغب والصوفة: قومٌ كانوا يخدمون الكعبة، فقيل: سموا بذلك لأنهم تشبكوا بها كتشبك الصوف بما يثبت عليه. والصوفان: نبتٌ أزغب. قال: والصوفي قيل: منسوبٌ إلي لبسه الصوف. وقيل: منسوبٌ إلي الصوفة الذين كانوا يخدمون الكعبة لاشتغالهم بالعبادة، وقيل: منسوبٌ إلي الصوفان الذي هو نبتٌ، لاقتصارهم في الطعم علي ما يجري مجري الصوفان في قلة العناء في الغذاء. ص وم: قوله تعالي: {كتب عليكم الصيام} [البقرة: 183] مصدرٌ كالصوم وهو لغةً الإمساك مطلقًا سواءٌ كان الممسك عنه مطعمًا أو مشربًا أو كلامًا أو مشيًا، سواءٌ صدر ذلك من حيوانٍ أو غيره. ومنه: صامت الشمس: إذا بلعت كبد السماء، فلم تجر توهموا إمساكها عن السير. وصامت الفرس: أمسكت عن الجري أو العلف. وأنشد: [من البسيط].

فصل الصاد والياء

908 - خيل صيامٌ وخيلٌ غير صائمةٍ ... تحت العجاج وأخري تعلك اللجما. ومصام الفرس ومصامته: موقفه، ومنه قيل للريح إذا ركدت: صومٌ. وقيل في قوله تعالي: {إني نذرت للرحمن صومًا} [مريم: 26] أي إمساكًا بدليل قوله: {فلن أكلم اليوم إنسيًا}. وأما الصوم شرعًا: فإمساك جميع النهار من طلوع الفجر إلي غروب الشمس بشرائط مذكورةٍ في غير هذا. فصل الصاد والياء. ص ي ب: قوله تعالي: {حيث أصاب} [ص: 36] قد أدخله الراغب في هذه المادة والظاهر أنه ذوات الواو. وقد تقدم تفسيره في مادة (ص وب) وانه بمعني أراد. ص ي ح: قوله تعالي: {فأخذتهم الصيحة} [الحج: 83] هي الصوت الشديد، إما من ملك، كصيحة جبريل بأهل أنطاكية فماتوا وإليه الإشارة بقوله: {إن كانت إلا صيحةً واحدةً} [يس: 29]. وإما من رعدٍ، وإما من ريحٍ، وإما من غير ذلك. قوله: {يوم يسمعون الصيحة بالحق} [ق: 42] أي النفخ في الصور. والظاهر أنها النداء من الملك للعالم: يا أيها الناس قوموا لرب العالمين فيسمعه كل أحد. وهذه عبارته عن النفخة الثانية. قال بعضهم: وأصله تشقيق الصوت من قولهم: انصاح الخشب والثوب: إذا انشق وسمع منه صوتٌ. وصيح الثوب كذلك. ويقال: بأرض زيدٍ شجرٌ قد صاح: عبارةٌ عن طوله أي من نفسه للناظر كما بينها من دل علي نفسه بصياحه. ولما كانت الصيحة تفزع سامعها عبر بها عن الفزع. ومنه قوله: {فأخذتهم الصيحة مشرقين} [الحجر: 73] وصيح بفلانٍ أي فزع وأنشد لامرئ القيس: [من الطويل].

909 - فدع عنك نهبًا صيح في حجراته ... ولكن حديثًا ما حديث الرواحل. ويقال: صاح فلانٌ في مال فلانٍ: إذا أهلكه. ص ي د: قوله تعالي: {لا تقتلوا الصيد} [المائدة: 95] أي الوحش المصيد، فعبر عنه بالمصدر نحو: درهمٌ ضرب الأمير. قال الهروي: هو اسم المصيد ما كان ممتنعًا ولم يكن له مالكٌ وكان حلالًا أكله. فإذا اجتمعت فيه هذه الحلال فهو صيدٌ. وقال الراغب: الصيد مصدر صاد وهو تناول ما يظفر به مما كان ممتنعًا، وفي الشرع تناول الحيوانات الممتنعة مما لم يكن مملوكًا. والمتناول منه ما كان حلالًا. قال: وقد سمي الصيد صيدًا بقوله: {أحل لكم صيد البحر وطعامه} [المائدة: 96]. وأما الصيد المنهي عنه المحرم فما كان مأكولًا، قال الراغب: الصيد في هذه المواضع مختصٌ بما يؤكل لحمه فيما قال الفقهاء بدلالة ما روي: ((خمسٌ يقتلوهن [المحرم] في الحل والحرم: الحية والعقرب والفأرة والكلب العقور والذئب)) والأصيد: من عنقه مائلٌ والجمع صيدٌ، وعبر عن المتكبر بما تقدم في الصعر. والصيدان: برام الأحجار، وأنشد: [من الطويل]. 910 - وسودٍ من الصيدان فيها مذانب. ويقال فيه صادٌ أيضًا، وأنشد: [من الطويل]. 911 - رأيت قدور الصاد حول بيوتنا.

والصاد أيضًا بمعني الأصيد. وفي الحديث: ((كما يذاذ البعير الصاد)) قال ابن السكيت: هو داءٌ يصيب الإبل منه أنوفها وتسمو رؤوسها. ص ي ر: قوله تعالي: {فصرهن إليك} قدم تقدم أنه لغةٌ في صار يصور، بمعني الإمالة أو القطع. قيل: وأصله من الصير وهو الشق وفي الحديث: ((من اطلع من صير بابٍ)) أي من شقه. والشق والقطع يتقاربان. والصير أيضًا: الصحناة، وقد فسر به الحديث: ((أنه عليه الصلاة والسلام مر بصيرٍ فذاق منه)) ولما قال المثني بن حارثة: ((إنا نزلنا بين الصيرين: اليمامة والسمامة. قال له رسول الله صلي الله عليه وسلم:)) ما هذان الصيران؟ مياه العرب ومياه كسري ((والصير [الماء] الذي يحضره الناس، صار القوم الماء: حضروه. وأنشد للأعشي: [من المتقارب]. 912 - وروض التناضب حتى تصيرا. وصار إلي كذا: انتهي إليه قوله تعالي: {إليه المصير} [غافر: 3] كقوله: {وأن إلي ربك المنتهي} [النجم: 42] ومنه: صر الباب لمصيره الذي ينتهي إليه في تنقله وتحركه. وصار من الأفعال الناقصة ككان يدل علي تحول الموصوف من صفةٍ إلي أخري، كقولك: صار الطين خزفًا. ومصدرها الصيرورة مثل الكينونة، والأصل صرورة وكنونة. وقد مر ذلك في باب الياء. ص ي ص: قوله تعالي: {من صياصيهم} [الأحزاب: 26] هو جمع صيصة وهي الحصن. وكل ما يتحصن به ويمتنع فهو صيصةٌ. وبهذا الاعتبار قيل لقرن البقر صيصةٌ ولشوكة الديك التي في رجله بها صيصةٌ. وفي الحديث، وقد ذكر فتنةً، فقال:)) كأنها صياصي

بقرٍ ((شبهها به في الشدة وصعوبة الأمر، وقال أبو هريرة في أصحاب الدجال:)) شواربهم كالصياصي ((يعني في الطول كقرون البقر مما يوفرونها. ص ي ف: قوله تعالي: {رحلة الشتاء والصيف} [قريش: 2] كانت قريشٌ يرحلون رحلتين واحدةً في الشتاء إلي اليمن وأخري في الصيف إلي الشام. ولعمري لقد أصابوا حيث جعلوا هذا الفصل الحار في هذا الإقليم البارد والعكس، فامتن الله عليهم بذلك بأن أمنهم في هاتين الرحلتين. والصيف هو الفصل المقابل للشتاء. وما قرب منه وهو الربيع. وإن كان ابن قتيبة غلط الناس فيه وسماه الخريف. وليس المراد فصل الشتاء وحده، وهو نزول الشمس في الجدي والدلو والحوت، ولا فصل الصيف وحده، وهو نزول الشمس الأسد والسرطان والسنبلة. وإنما المراد- والله أعلم- ما ذكرته. وصافوا: حصلوا في الصيف. وأصافوا: دخلوا فيه، والمطر الآتي فيه صيفي، كالآتي في الربيع ربعي. وفي الحديث: ((فصاف عنه)) أي عدل، من صاف السهم: إذا لم يصب الرمية.

باب الضاد

باب الضاد فصل الضاد والهمزة. ض أن: قوله تعالي: {من الضأن اثنين} الضأن من الغنم معروفٌ يقابل المعز وهو جمع ضائنٍ مثل: تاجرٍ وتجرٍ، وصاحبٍ وصحبٍ. وقيل: الواحدة ضائنةٌ، وسيأتي له مزيد بيانٍ في باب الميم عند ذكر المعز. وأضأن الرجل: كثر ضأنه. فصل الضاد والباء. ض ب ح: قوله تعالي: {والعاديات ضبحا} هو خفة العدو. وقيل: هو كالضبع وهو مد الضبع في السير فكأنه أبدل من العين حاءً. وقيل: هو صوت أنفاس الفرس تشبيهًا بالضبح والضباح، وهو صوت الثعلب قيل: والضبح مختصٌ من الحيوان بجنسين: الفرس والثعلب وهو مشكلٌ بحكايةٍ مطولةٍ نختصرها أنه ابن عباسٍ سئل عن ذلك وهو في الحجر ففسرها بالخيل فقيل لعلي فدعاني وقال لي: ((تفتي الناس بما لا علم لك؟ والله إن كانت لأول غزوةٍ في الإسلام بدرٍ، ولم يكن معنا إلا فرسان)) العاديات: الإبل من عرفة إلي مزدلفة، ومن مزدلفة إلي مني. قال بعضهم: إن صح هذا فالضبح للإبل إستعارةٌ كاستعارة الحافر والمشافر للإنسان، وقد أوضحتها في ((الدر)) وقيل: أصله إحراق العود، شبه عدوها به لشبهها بالنار في حركتها وسرعتها. والمراد خيل الغزاة أقسم بها لشرفها. وقد سئل ابن عباسٍ عن ذلك فقال: هي الخيل، وحكاه، فقال: اح اح. وأنشد لعنترة: [من مجزءو الكامل]. 913 - والخيل تعلم حين تض ... بح في حياض الموت ضبحا.

فصل الضاد والجيم

قلت: وبهذا البيت يتضح ما قال ابن عباس. فصل الضاد والجيم. ض ج ع: قوله تعالي: {تتجافي جنوبهم عن المضاجع} [السجدة: 16] جمع مضجع، وهو موضع الاضطجاع أي النوم علي الجنب. وصفهم بكثرة العبادة ليلًا كقوله: {كانوا قليلًا من الليل ما يهجعون} [الذاريات: 17]. قوله: {واهجروهن في المضاجع} [النساء: 34] أي المرقد. ويقال: أضجعه يضجعه أي أماله. واضطجع أي افتعل فقلبت التاء طاءً لحرف الإطباق. وشذ إدغامه فقيل: الطجع وأنشد: [من الزجر]. 914 - لما رأي أن لا دعه ولا شبع ... مال إلي إرطاة حقفٍ فالطجع. وقال الأعشي: [من البسيط]. 915 - عليك مثل الذي صليت فاغتمضي ... يومًا فإن لجنب المرء مضطجعا. ويروي ملطجعا ومصطرعا. والضجيع بمعني المضاجع، كالخليط والجليس بمعني المخالط والمجالس والضجعة المرة، والضجعة الهيئة. فصل الضاد والحاء. ض ح ك: قوله تعالي: {فاليوم الذين آمنوا من الكفار يضحكون} [المطففين: 34].

ضحكهم كنايةٌ عن السخرية والحقارة لهم، وذلك أنهم كانوا في الدنيا علي العكس، وشتان ما بين السخريتين. والضحك أصله انبساط الوجه وتكشر الأسنان لسرور النفس وانشراحها. ولظهور بعض الأسنان عنده سميت مقدمات الأسنان ضواحك، ثم استعير للسخرية المجردة كما تقدم. يقال: رجلٌ ضحكة- بفتح العين-: إذا أكثر الضحك من غيره وبسكونها لمن يضحك منه. وقد يستعمل في السرور المجرد ومنه قوله تعالي: {مسفرةٌ ضاحكةٌ} [عبس: 38 - 39] واستعماله في الأناسي علي استعارة التخيل وهو في الحيوان أقرب. وأنشد: [من الرمل]. 916 - تضحك الضبع [لقتلي هذيلٍ] ... وتري الذئب لها يستهل. وذلك كنايةٌ عن قلة غنائهم، وأنهم ليسوا أبناء ضربٍ لأن الضبع والذئب اعتادا ألا كل منهم في المعركة وقد استعر ذلك في الجماد. وأنشد للأعشي: [من البسيط]. 917 - يضاحك الشمس منها كوكبٌ شرقٌ ... مؤزر بعميم النبت مكتهل. سمي تلألؤها ضحكًا. وضحك الغدير: تلألأ من امتلائه. وطريقٌ ضحوكٌ، أي واضحٌ ضد العبوس للطامس الأعلام، واستعير أيضا لمجرد التعجب لأنه مسببٌ عنه غالبًا. وهذا قصد من قال: الضحك مختصٌ بالإنسان. وأما بإسناده إلي الله تعالي في قوله عليه السلام: ((ضحك الله)) فاستعارةٌ لرضاه. قوله تعالي: {فضحكت} [هود: 71] هو علي بابه فعلت ذلك سرورًا بالولد وقيل: بل حاضت. قال بعضهم محققًا لذلك: وضحكها كان للتعجب، ويدل علي ذلك قوله تعالي: {إن هذا لشيءٌ عجيبٌ} [هود: 72] وقول من قال: حاضت فليس ذلك تفسيرًا لقوله: ضحكت كما تصوره بعض المفسرين فقال ضحكت بمعني حاضت. وإنما ذكر ذلك تنصيصًا لحالها فإنه جعل ذلك

أمارةً لما بشرت به فحاضت في الوقت ليعلم أن حملها ليس منكًرًا إذا كانت المرأة ما دامت تحيض فإنها مظنة للحبل. قلت: الصائر لذلك مجاهد بن جبريل تلميذ ابن عباسٍ. وحكي: حاضت الأرنب وضحكت بمعني والأضحوكة كالأعجوبة. ض ح و: قوله تعالي: {والضحى} [الضحى: 1] هو امتداد الشمس وقيل: امتداد النهار، وهما متلازمان. وقوله تعالي: {وأخرج ضحاها} [النازعات: 29] {والشمس وضحاها} [الشمس: 1] أي ضوءها ونورها. و {الضحى} بضم مقصورٌ، قال الهروي وإذا فتحت مددت، وظاهره أنهما بمعني. والضحاء فوق الضحى. وقال الراغب: الضحاء كالغداء: وهو الطعام المأكول في وقت الضحى، كما أن الغداء الطعام المأكول وقت الغداة. ويقال: ليلة إضحيانةٌ وإضحيانٌ وضحيانةٌ وضحياء، أي مضيئةٌ كإضاءة الضحى. ويوم إضحيانٌ أيضًا وضحيانٌ: لا غيم فيه. قوله: {وأن يحشر الناس ضحي} [طه: 59] إنما قال ذلك وثوقًا بنصر الله له، فوعدهم في وقتٍ ظاهرٍ لكل أحدٍ وهو وقت نشاطٍ أيضًا. والضحى مؤنثةٌ، يقال: ارتفعت الضحى، وكتابتها بالياء لأجل إمالتها وإمالتها لأجل تواليها. وتصغر علي الضحى، وكان حقها أن تؤنث كقديدة إلا أنها شذت شذوذ فويس وغريب في أخواتٍ له. قوله: {ولا تضحي} [طه: 119] أي لا تبرز للضحى. وحقيقته أنه مصونٌ من الشمس وهو أمرٌ يبتغي عند العرب لحر بلادهم. والأضحية: ما يضحي به أي يذبح. وسميت بذلك شرعًا لذبحها وقت الضحى. قال بعضهم: تسميتها بذلك في الشرع لقوله عليه الصلاة والسلام: ((من ذبح قبل صلاتنا هذه فليعد)) والجمع أضاحٍ وضحية وضحايا وأضحاة وأضحي والضواحي: النواحي البارزة، الواحدة ضاحية وضاحية كل شيءٍ ناحيته البارزة.

فصل الضاد والدال

فصل الضاد والدال. ض د د: قوله تعالي: {ويكونون عليهم ضدا} [مريم: 72]. أي عنوانًا. يشير إلي أنهم عكست عليهم أغراضهم وذلك أنهم قالوا: إنما عبدناهم ليكونوا شفعاء لنا فما نعبدهم إلا ليقربونا إلي الله زلفى، فجاءوا يوم القيامة لما رجوه منهم أكذبوهم. وكانت الأصنام وقودًا عليهم وهي الحجارة في قوله تعالي: {وقوده الناس والحجارة} [البقرة: 24] ومن علامة الضدين ألا يجتمعا، وقد يرتفعان كالسواد والبياض، والحركة والسكون. والنقيضان: ما لا يجتمعان ولا يرتفعان كالسلب والإيجاب. وقال بعضهم الضدان: الشيئان اللذان تحت جنس واحدٍ. وينافي كل واحدٍ منهما الآخر في أوصافه الخاصة وبينهما أبعد البعد كالسواد والبياض، والخير والشر. وما لم يكونا تحت جنسٍ واحدٍ لا يقال لهما الضدان كالحلاوة والحركة. قالوا: والضد هو أحد المتماثلات، فإن المتقابلين هما الشيئان المختلفان اللذان كل واحدٍ منهما قبالة الآخر، ولا يجتمعان في شيءٍ في وقتٍ واحدٍ، وذلك أربعة أشياء: الضدان، كالسواد والبياض، والمتضايفان كالضعف والنصف والوجود والعدم كالبصر والعمى والموجبة والسالبة في الأخبار، نحو: كل إنسانٍ ههنا وكثيرٌ من المتكلمين وأهل اللغة يجعلون ذلك من المضادات، ويقولون: الضدان: ما لا يصح اجتماعهما في محل واحدٍ. وقيل: الله تعالي لا ضد له ولا ند، لأن الند هو الاشتراك في الجوهر، والضد، وهو أن يتعاقب الشيئان المتنافيان علي جنس واحدٍ والله تعالي منزه عن أن يكون له جوهرٌ، فإذًا لا ضد له ولا ند. وقوله: {ويكونون عليهم ضدًا} وحده وإن كان خبرًا عن جمعٍ، لأن الأخفش حكي فيه أن يكون واحدًا وجمعًا. وقال الفراء: معناه عونًا فلذلك وحد. قلت: كأنه ينجو به نحو المصادر، والمصادر توحد في المشهور وأحسن ما فسرت به الآية: أي يكونون منافين لهم.

فصل الضاد والراء

فصل الضاد والراء ض ر ب: قوله تعالي: {أن اضرب بعصاك} [الأعراف: 160]. الضرب: إيقاع جسمٍ علي جسمٍ قصدًا للتأليم والإيلام وقال بعضهم: الضرب: إيقاع شيءٍ علي شيءٍ، وهو أعم من الأول. قال: ولتصور اختلاف الضرب خولف بين تفاسيرها كضرب الشيء باليد وبالعصا والسيف ونحوها. وضرب الأرض بالمطر وضرب الدرهم اعتبارًا بضربه بالمطرقة. قوله: {لا يستطيعون ضربًا في الأرض} [البقرة: 273] أي سفرًا وذهبًا، وذلك لأن المسافر كالضارب الأرض برجله. وضرب في الأرض أيضًا: أسرع، وأنشد: [من الطويل]. 918 - ولكن يجاب المستغيث، وخيلهم ... عليها كماةٌ بالمنية تضرب. أي تسرع ومنه قول علي رضي الله عنه: ((فإذا كان كذا ضرب يعسوب الدين بذنبه)) أي أسرع الذهاب، قاله الأزهري. وما أحسن هذه الاستعارة وأفصحها فلله دره، كم له من مثلها كرم الله وجهه. قوله: {وضربت عليهم الذلة} [البقرة: 61] أي أحاطت عليهم إحاطة القبة المضروبة علي شيءٍ فيها. وأصل ذلك من ضرب الخيمة لأن فيها ضرب أوتادها بالقدوم. قوله: {فضربنا علي آذانهم} [الكهف: 11] أي أغبناهم. وأصله أن الرجل إذا ضرب علي أذنه حصل له غيبةٌ. قوله: {أفنضرب عنكم الذكر} [الزخرف: 5] أي نمهلكم ونعرض عنكم وننحي عنكم ما يجب تعريفه إياكم. قوله: {وضرب الله مثلا قرية} [النحل: 112] ونحوه فيه وجهان: أحدهما أن (ضرب) هنا أغني عن لفظ المثل خاصة ضرب [الجاري] مجري صير فنصبت مفعولين وصير الله قريةً حقها كيت وكيت مثلًا يعتبر من سمعه كسائر الأمثال. وسيأتي إن شاء الله تفسير المثل والثاني أنه لم يضمره ذلك، فقيل: إنه استعير من ضرب الدراهم، وذلك لأنه ذكر شيءٍ أثره يظهر في غيره وقال بعضهم: {واضرب لهم مثلًا} [يس: 13] أي اذكر.

ومثل. وعندي: من الضرب أي من المثل، وهذا الشيء علي أضربٍ أي علي أمثالٍ وأنواعٍ. وقال الأزهري في قوله: {أفنضرب عنكم الذكر}: أصله أن الراكب إذا ركب دابًة فأراد أن يصرفها إلي جهةٍ، ضربها بعصًا ليعدلها عن جهتها إلي الجهة التي يريدها. فوضع الضرب موضع الصرف والعدل، وهو حسنٌ. والاضطراب: كثرة الذهاب في الجهات من الضرب في الأرض، وعبر به عن الأشياء المختلفة فقيل: حاله مضطربٌ أي مختلفٌ. والمضاربة: المقارضة لأنه يسافر غالبًا للربح. والمضربة: ما أكثر بالخياطة ضربه. والتضريب: حث علي الضرب في الأرض فضرب الفحل الناقة، علي التشبيه. ض ر ر: قوله تعالي: {فلن يضروك شيئًا} [المائدة: 42] الضر والضر والضرر: سوء الحال، أما في النفس لقلة العلم والفضل والعفة، وإما في البدن لفقدان جارحة، وإما في حالةٍ ظاهرةٍ من قلة مالٍ وجاه. والضر ضد النفع. قوله: {لن يضروكم إلا أذًي} [آل عمران: 111] تنبيهٌ علي قلة مبالاتهم بهم، وأنهم لا ينالهم من ضررهم إلا هذا القدر اليسير والمقصود الأعظم وهو عليكم مضمونٌ لكم ومثله في المعني: {وإن تصبروا وتتقوا لا يضركم كيدهم شيئًا} [آل عمران: 120] قوله تعالي: {يدعو من دون الله ما لا يضره وما لا ينفعه} إلي قوله {لمن ضره أقرب من نفعه} [الحج: 12 - 13] فالأول يقتضي نفي الضرر، والثاني إثباته، وأجيب بأن الأول يعني به النفع والضر الحاصلان بالقصد والإرادة تنبيهًا أنه لا يقصد في ذلك ضرًا ولا نفعًا لكونه جمادًا. والثاني يعني به ما نشأ وتولد من عبادته إياه واستعانته به في مهماته ما لا يكون منه بقصده. قوله تعالي: {مستهم البأساء والضراء} [البقرة: 214] الضراء: الضر. وتقابل السراء بالنعماء وتقدم وجه الجمع بين البأساء وبينها في باب الباء. قوله تعالي: {ولا يضار كاتبٌ ولا شهيدٌ} [البقرة: 282] يجوز أن يكون مبنيًا للفاعل بمعني أنه نهي الكاتب والشهيد عن مضارة المكتوب له والمشهود له، بأن يكتب له ما لا يخلصه، وأن يؤخر الشاهد شهادته عند الحاجة إليها، وأن يكون مبنيًا للمفعول بمعني أنه لا ينبغي أن

يعطلا عن معاشهما حسبما بينا ذلك بيانًا شافيًا في ((القول الوجيز في أحكام الكتاب العزيز)) وحسبما أيضًا بينا القراءات الواردة في ذلك، الشاهدة بكلتا القراءتين في ((الدر)) وغيره. قوله: {لا تضار والدةٌ بولدها} [البقرة: 233] هو كالذي قبله في احتمال الوجهين قد بينا الحكمين والقراءات أيضًا في الكتابين المشار إليهما. وقرئ هنا برفع الراء وهو خبرٌ في معني النهي، وبفتحها علي صراحة النهي. والضرير: غلب علي فاقد البصر، فعيل بمعني مفعول. والضرير أيضًا شاطئ والوادي تخيلًا أن الماء قد ضره. والضرير أيضًا: الضار. والضرة: غلبت علي المرأة المصاحبة لزوجةٍ أخري. وأصلها الفعلة من الضر تخيلًا أنها نفس الضرر الحاصل لصاحبتها منها. وبهذا النظر قال عليه الصلاة والسلام: ((لا تسأل المرأة طلاق أختها لتكتفي ما في صحفتها)). والمتزوج بالضرة يقال له الضرار. وضرارٌ أيضًا علمٌ برجلٍ مشهورٍ وهو ضرار بن الأزور. ويقال: زوجٌ مضرٌ، أي ذو زوجين، قال: وامرأةٌ مضرٌ بغير تاء، أي لها ضرة من آخر صار ذا ضرة. قوله: {فمن اضطر} [البقرة: 173] أي ألجئ، افتعالٌ من الضر، فقلبت التاء طاء لوقوعها بعد حرف الإطباق. وقيل: هو حمل الإنسان علي ما يضره. وقيل: هو في العرف الحمل علي ما يكره، وذلك علي ضربين: أحدهما اضطرابٌ بسببٍ خارجٍ، كمن يضرب أو يهدد حتى ينقاد أو يؤخذ قهرًا، فيحمل علي ما يكرهه. وعليه قوله تعالي: {ثم أضطره إلي عذاب النار} [البقرة: 126]، والثاني بسبب داخل، وذلك إما بقهر قوةٍ لا يناله بدفعها هلاكٌ، كمن غلب عليه شهوة خمر أو قمار، وأما بقهر قوةٍ يناله بدفعها هلاك، كمن اشتد به الجوع، فاضطر إلي أكل ميتةٍ ونحوها. وقوله: {فمن اضطر غير باغٍ ولا عادٍ} [البقرة: 173] أي باغٍ ما حد له ولا عاد في زيادته علي سد رمقه أو شبعه، حسبما بينا ذلك في ((القول الوجيز)). قوله: {أمن يجيب المضطر إذا دعاه} [النمل: 62] هو عام في كل أنواع الاضطرار. وقولهم:

الضروري هو نسبةٌ للضرورة، ويقال ذلك باعتبار ثلاثة أوجهٍ: أحدها ما يكون علي سبيل القسر كالغصن المحرك بريحٍ شديدةٍ. والثاني ما لا يحصل وجوده إلا به نحو الغذاء الضروري للإنسان في حفظ بدنه. والثالث يقال فيما لا يمكن أن يكون علي خلافه كقول المتكلمين: الحسم الواحد لا يجوز حصوله في مكانٍ واحدٍ في آنٍ واحدٍ بالضرورة. قوله تعالي: {لا يضركم} [آل عمران: 120] قرئ بضم الفاء وتشديد العين من الضر، وبكسر الفاء وسكون العين. يقال: ضره وضرا وضاره ضيرًا. ومنه قوله تعالي: {لا ضير} [الشعراء: 50] وضاره يضوره، ثلاث لغاتٍ بمعني. وضاررته: خالفته وأنشد للنابغة: [من المتقارب]. 919 - وخصمي ضرارٍ ذوي تدرإ ... متى بات سلمها يشغبا. وفي بعض روايات حديث الرؤية ((لا تضارون في رؤيته)) أي لا تتخالفون. ض ر ع: {إذا جاءهم بأسنا تضرعوا} [الأنعام: 43]. التضرع: التذلل والخضوع والاستكانة. وفي الحديث أنه قال في ولدي جعفرٍ: ((مالي أراهما ضارعين؟)) فالضارع: الذليل. وأنشد: [من الطويل]. 920 - ليبك يزيد ضارعٌ لخصومةٍ ... ومختبطٌ مما تطيح الطوائح.

فصل الضاد والعين

وقد ضرع ضراعةً وأنشد: [من الوافر]. 921 - أذاقكم الضراعة والهوانا. فهو ضارعٌ وضرعٌ. فالتضرع: إظهار الضراعة. ومنه قوله تعالي: {ادعوا ربكم تضرعًا وخفية} [الأعراف: 55] أي ذوي أو دعاء. قوله: {إلا من ضريعٍ} [الغاشية: 6] قيل: هو نبتٌ أحمر منتن الريح يرمي به البحر. وقيل: هو الشبرق: نبتٌ بالحجاز ذو شوكٍ. وهو شبرقٌ ما دام رطبًا، فإذا يبث فهو ضريعٌ. وهذا تمثيلٌ لهم بما يكرهونه مطعمًا لدوابهم، وإلا فيا ليتهم يكتفي لهم بأكل ما هو أفظع وأشنع من ذلك. والمضارعة: المشابهة، مأخوذةٌ من ضرع الشاة لأن كلًا من الضرعين يشبه الآخر. ومن ثم قال النحوي: الفعل المضارع لأنه شابه الاسم في أشياء حررناها في غير هذا الوضع. والضريع أيضًا: الشاه العظيمة الضرع. وقد أضرعت: نزل اللبن من ضرعها لقرب نتاجها نحو ألبن: كثر لبنه. وضرع الحمل: تناول ضرع أمه. فصل الضاد والعين. ض ف ع: قوله تعالي: {الذي خلقكم من ضعف} [الروم: 54] الضعف يقابل القوة. وغالب وردهما في الأجسام الحيوانية. وقرئ بضم الفاء وفتحها فقيل: لغتان، فقال الخليل بالضم في البدن وبالفتح في العقل والرأي، فقوله تعالي: {خلقكم من ضعفٍ ثم جعل من بعد ضعفٍ قوةً ثم جعل من بعد قوةٍ ضعفًا وشيبةً} [الروم: 54] فهذه ثلاثة أضعاف كلٌ منها غير الآخر، وذلك أن الضعف الأول إشارةٌ إلي كونه من نطفةٍ أو ترابٍ. والثاني إلي كونه جنينًا. والثالث إلي ضعف الشيخوخة والهرم، وهو المشار إليه بقوله: {أرذل العمر} [النحل: 70] {أسفل سافلين} [التين: 5] {ننكسه في الخلق} [يس: 68]. وأما القوتان فأولهما المجعولة للطفل من التحرك وهدايته لاستدعاء اللبن ودفع الأذى عن نفسه بالبكاء. والثانية من بعد البلوغ، ويدل علي كون كل واحدٍ من

المذكورات غير الآخر إعادته منكرًا إذ هو من قواعد اللغة أنه متى ذكرت نكرة وأريد أعادتها عرفت نحو {فعصي فرعون الرسول} [المزمل: 16] فإن نكرت عرفت به غير الأول. ومن ثم روي عن ابن عباسٍ، ويروي مرفوعًا أيضًا ((لن يغلب عسرٌ يسرين)) من هذه الحيثية التي ذكرناها والله أعلم. والجمع أضعافٌ. والضعيف: من كان به الضعف وجمعه ضعفاء، ومنه {وله ذرية ضعفاء} [البقرة: 266] وضعافٌ منه: {من خلفهم ذريةً ضعافًا} [النساء: 9]. وقوبل تارةً بالقوة وتارةً بالاستكبار، ومنه {قال الذين استكبروا للذين استضعفوا} [سبأ: 32]. قوله: {وخلق الإنسان ضعيفًا} [النساء: 28] إشارةٌ إلي كثرة حاجاته التي استغني عنها الملأ الأعلى. قوله: {إن كيد الشيطان كان ضعيفًا} [النساء: 76] فضعفه إنما هو مع من وفقه من عباده الذين أشار إليهم بقوله تعالي: {إن عبادي ليس لك عليهم سلطانٌ} [الحجر:42]. قوله تعالي: {يضاعف لهم العذاب ضعفين} [الأحزاب: 30] أي مثلي عذاب غيرهم. قال الهروي: والضعف: المثل إلي ما زاد. نقل ابن عرفة عن أبي عبيدة أن الضعفين اثنان. قال: وهذا قولٌ لا أحبه لأنه قال في آيةٍ أخري: {نؤتها أجرها مرتين} [الأحزاب: 31] فاعلم أن لها من هذا حظين ومن هذا حظين. وقد أتقن ذلك بعضهم فقال: الضعف من الأسماء المتضايقة التي يقتضي وجود أحدهما وجود الآخر كالنصف والزوج، وهو تركب قدرين متساويين، ويختص بالعدد، فإذا قيل: أضعفت الشيء وضعفته وضاعفته: ضممت إليه مثله فصاعدًا. قال: فالضعف مصدرٌ، والضعف

اسمٌ كالشيء والشيء. فضعف الشيء هو الذي يثنيه. ومتى أضيف إلي عددٍ اقتضي ذلك العدد مثله، نحو أن يقال: ضعف عشرةٍ وضعف مئةٍ، فذلك عشرون ومائتان بلا خوفٍ. قال الشاعر علي هذا: [من الطويل]. 922 - جزيتك ضعف الود لما اشتكيته ... وما إن جزاك الضعف من أحدٍ قبلي. وإذا قيل: أعطه ضعفي واحدٍ اقتضي ذلك ومثليه، وذلك ثلاثةٌ، لأن معناه واحد واللذان يزاوجانه وذلك ثلاثةٌ. هذا إذا كان مضافًا، فإن لم يكن مضافًا فقلت: الضعفين فإن ذبك قد يجري مجري الزوجين في أن كل واحد منهما يزاوج الآخر فيقتضي ذلك اثنين لأن كل واحدٍ منهما يضاعف فلا يخرجان عن الاثنين بخلاف ما إذا أضيف الضعفان إلي واحدٍ فيثلثهما. وقال أبو بكر بإسناده عن هشام بن معاوية النحوي عن أبيه قال: العرب تتكلم بالضعف مثني فتقول: إن أعطيتني درهمًا فلك ضعفه. قوله: {لا تأكلوا الربا أضعافًا مضاعفة} [آل عمران: 130] قيل: أتي بالفظين علي التأكيد. وقيل: بل بالمضاعفة من الضعف- بالفتح- لا من الضعف- بالكسر- قيل: ومعناه ما يعدونه ضعفًا هو ضعفٌ أي نقصٌ كقوله: {يمحق الله الربا ويربي الصدقات} [البقرة: 276]. قوله تعالي: {فآتهم عذابًا ضعفًا من النار} [الأعراف: 38]. سألوا أن يعذبهم عذابًا بضلالهم وعذابًا آخر بإضلالهم كما أشار بقوله تعالي: {ليحملوا أوزارهم كاملةً يوم القيامة ومن أوزار الذين يضلونهم بغير علمٍ} [النحل: 25] وقوله: {لكلً ضعفٌ} [الأعراف: 38] أي لكل منهم ضعف ما لكم من العذاب، وقيل، أي لكلٍ منكم ومنهم ضعف ما بدا للآخر، فإن من العذاب ظاهرًا وباطنًا. وكل لا يدرك من الآخر إلا الظاهر دون الباطن فيقدر أن ليس له العذاب الباطن. قوله تعالي: {إذًا لأذقناك ضعف الحياة وضعف الممات} [الإسراء: 75} أي ضعف عذاب الحياة وضعف عذاب الممات علي تقدير ركونك إلي ما استدعوك. وليس في هذا الخطاب غض منه عليه الصلاة والسلام ولا نقصٌ من مرتبته ولا وعيدٌ له، وإنما ذكره

تعالى منةً عليه بالتثبيت بالنبوة. قوله: {فأولئك هم المضعفون} [الروم: 39] أي المتصدقون ابتغاء وجه الله تعالي، أولئك هم أصحاب التضعيف أي زيادة الحساب لأنهم يجازون بالحسنة عشرة أمثالها، ولا إضعاف أكثر من ذلك. يقال: أضعف الرجل فهو مضعفٌ، أي ذو أضعافٍ في الحسنات. قوله: {فأولئك لهم جزاء الضعف} [سبأ: 37] قال ابن الأنباري: يريد جزاء المضاعفة فألزم التضعيف التوحيد لأن المصادر ليس سبيلها التثنية والجمع يزيدون مثله، وإفراده لا بأس به، إلا أن التثنية أحسن. قال أبو عبيدة: ضعف الشيء مثله، وضعفاه مثلاه، وقوله: {يضاعف لها العذاب ضعفين} [الأحزاب: 30] يجعل إلي الشيء شيئان حتى يصير ثلاثةً. قلت: قد تقدم حكاية ابن عرفة عنه في ذلك. وقوله: إنه لا يحبه، أي لا يختاره لقوله: {نؤتها أجرها مرتين} [الأحزاب: 31] كما مر شرحه. وقال الأزهري: الضعف في كلام العرب: المثل إلي ما زاد وليس بمقصور علي مثلين فيكون ما قال أبو عبيدة صوابًا بل جائزٌ في كلام العرب أن نقول: هذا ضعفه، أي مثلاه وثلاثة أمثاله، لأن الضعف في الأصل وزيادةٌ غير محصورةٍ. ألا تري قوله تعالي: {فأولئك لهم جزاء الضعف بما عملوا} لم يرد به مثلًا ولا مثلين ولكنه أراد بالضعف الأضعاف وأولي الأشياء به أن يجعل عشرة أمثاله لقوله تعالي: {من جاء بالحسنة فله عشرة أمثالها} [الأنعام: 120] فأقل الضعف محصورٌ وهو المثل وأكثره غير محصورٍ. وإنما أوسعت الكلام لاختلاف الناس فيه حتى اختلف الفقهاء في ما لو أوصي موصٍ لزيدٍ بضعف ما لابنه ماذا يعطي، ومذهبنا أن ضعف الشيء هو مثله، وضعفاه هو مثلاه، وهلم جرا.

فصل الضاد والغين

فصل الضاد والغين. ض غ ث: قوله تعالي: {وخذ بيدك ضغثًا} [ص: 44]. الضغث: قبضةٌ من حشيشٍ أو ريحانٍ أو قضبانٍ. وفي التفسير: أن أيوب عليه السلام حلف ليضربن امرأته مئة سوطٍ، فأفتاه الله تعالي بأن يأخذ حزمة مئة فيضربها فيبر، علي ما أوضحناه في موضعه. وبذلك شبهت الأحلام المختلطة فقيل: {أضغاث أحلام} [يوسف: 24] أي أخلاطٌ مجتمعةٌ لا يدري ما تأويلها. وقولهم: {أضغاث أحلامٍ} حكمٌ منهم بذلك. ثم إنهم رجعوا وقالوا: يحتمل أن يكون أضغاثًا، فاعترفوا بعدم العلم بتأويلها حتى نفذ الله قدره. وقال مجاهدٌ: أهاويل الأحلام. وقال ابن اليزيدي: الضغث: ملء اليد من الحشيش، أي قبضة من أسلٍ فيها مئة قضيبٍ. والفعل الضغث- بالفتح- يعني المصدر. ويقال: ضغث الحشيش ضغثًا، أي حزمه حزمًا. فكان الضغث بمعني المضغوث كالريح. ومعني كلام أبي هريرة: ((لأن يمشي معي ضغثان من نارٍ أحب إلي [من] أن يسعي غلامي خلفي)). أي حزمتان من حطب نارٍ. ومن كلام الكلابي: ((الناس يضغثون أشياء علي غير وجهها. قيل: وما يضغثون؟ قال: يقولون الشيء حذاء الشيء، وليس به)) ض غ ن: قوله تعالي: {ويخرج أضغانكم} [محمد: 37] أي أحقادكم، من: أضغن عليه فعله، أي حقد عليه. وقيده بعضهم فقال: هو الحقد الشديد، فهو أخص. ويقال فيه: ضغن وضغن. ومنه قولهم: دابةٌ ذات ضغنٍ: إذا عسر قودها. وفرسٌ ضاغنٌ: لم يعط ما عنده من العدو. وناقةٌ ذات ضغنٍ كذلك. وقناةٌ ضغينةٌ: عوجاء. كل ذلك على

فصل الضاد واللام

الاستعارة. والإضغان: الاشتمال بالثوب والسلاح، كاشتمال المضاغن علي ضغنه. فصل الضاد واللام. ض ل ل: قوله تعالي: {ولا الضالين} [الفاتحة: 7] قيل: هم النصارى، {والمغضوب عليهم} [الفاتحة: 7] هم اليهود، لقوله في حق النصارى: {قد ضلوا من قبل وأضلوا كثيرًا وضلوا عن سواء السبيل} [المائدة: 77]. وفي حق اليهود: {من لعنه الله وغضب عليه} [المائدة: 60]. والضلال في الأصل: إما العدول عن الطريق المستقيم وإما الغيبوبة والضياع، والأول يقابله الهداية، والثاني يقابله الوجدان. والضلال يقال لكل عدولٍ عن المنهج عمدًا كان أو سهوًا، يسيرًا كان أو كثيرًا. قال بعضهم: لأن الطريق المستقيم الذي هو المرتضي صعب السلوك أو ممتنعٌ إلا علي من عصم الله تعالي. ومن ثم قال عليه الصلاة والسلام: ((استقيموا ولم تحصوا)). وقال تعالي: {إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا} [فصلت: 30]. ولهذا روي أن بعض الصلحاء رأي رسول الله صلي الله عليه وسلم في منامه فقال: ((يا رسول الله روي لنا أنك قلت: شيبتني هودٌ وأخوتها. فما الذي شيبك منها؟ فقال: قوله تعالي: {فاستقم كما أمرت} [هود: 112]. قال: وإذا كان الضلال ترك الطريق المستقيم سهوًا كان أو عمدًا، يسيرًا كان أو كبيرًا صح استعمال الضلال فيمن يوجد منه خطأ ما من غير قصد، قال هذا القائل: ولعل من ذلك نسب الضلال إلي مذكرٍ لا ينبغي ذكره هنا. قال: والكفار كذلك وإن كان بين الضلالين بون بعيد. قال: ألا تري أنه قال: {ووجدك ضالًا فهدي} [الضحى: 7] أي غير مهتدٍ إلي ما سبق إليك من النبوة. {قال فعلتها إذًا وأنا من الضالين} [الشعراء: 20]. وقال: {إن أبانا لفي ضلال مبينٍ} [يوسف: 8] تنبيهًا أن

ذلك منهم سهوٌ. انتهي. ولا شك أن الله تعالي يقول في حق عباده ما شاء وليس لنا أن نقول ذلك إلا علي سبيل الحكاية لكلامه تعالي لا علي الإخبار. ألا تري- وإن كان بين القياسين بون- أن السلطان يدعو أكثر خواصه باسمه وينسب إليه بعض الأوصاف فيتحلي بذلك ويعظم به عند الناس، وليس لأحد الخواص ممن هو في رتبته فضلًا عمن هو أعلي بطنًا أن يخاطبه ببعض ذلك؟ وأما تفسير قوله: {ووجدك ضلًا فهدي} فحسنٌ جدًا، وهو الذي ينبغي أن لا يجوز غيره. ومثله ما قال الهروي: أي لا تعرف شريعة الإسلام فهداك لها، وهو مثل قوله تعالي: {وعلمك ما لم تكن تعلم} [النساء: 113]. قلت: ومثله قوله تعالي: {ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان} [الشورى: 52] وقيل: الضلال هنا: الضياع. يروي أنه ضل من جده وهو صغيرٌ في بعض شعاب مكة، فرده أبو جهلٍ. وقيل: بل أضلته حليمة عند باب الكعبة فرده الله عليها. وهذا ونحوه لا بأس به. وأما ما يروي عن بعض المفسرين: كان علي دين قومه أربعين سنةٍ، فإن عني خلوهم من علم الشريعة التي طريقها السمع فمسلمٌ، وإن عني غير ذلك فبرأه الله من ذلك. وسمعت بعض أشايخي يقول: نمت ليلة مهتمًا بهذه الآية فرأيت في المنام كأن قائلًا يقول: مالك؟ فقصصت عليه أمري فقال: المراد ووجد أمتك ضلالًا فهداهم، فحذف المضاف للعلم كقوله: {واسأل القرية} [يوسف: 82] فسري عني فانتبهت من وقتي فلم أصبر إلي الصباح، فأوقدت المصباح فكتبته. وأما أمر موسي عليه السلام فإن حال فعله ذلك كان حال صباه. فنعني بضلاله ما تقدم من أمر الشريعة، أي لم تكن وصلت إلي شريعةٍ بعد. وأما قول إخوة يوسف عن أبيهم ما قالوه. فإن كانوا غير أنبياء فذاك، وإن كانوا هم فيعنون في بعد عن عادة الناس في محبة أولادهم وغيبوبة الإضلال الذي هو مقابل الهداية. قوله تعالي: {لا يضل ربي} [طه: 52] أي لا يغفل عنه. قوله: {أن تضل إحداهما} [البقرة: 282] أي تنسي بدليل قوله: {فتذكر إحداهما

الأخرى}. وقرئ: {فتذكر} بالتشديد فذلك من النسيان الموضوع عن الإنسان. والضلال من وجه آخر ضربان: ضلالٌ في العلوم النظرية، كالضلال في معرفة الوحدانية ومعرفة النبوة المشار إليهما بقوله تعالي: {ومن يكفر بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر فقد ضل ضلالًا بعيدًا} [النساء: 136]. أو ضلالٍ في العلوم العملية كمعرفة الأحكام الشرعية التي هي العبادات. قوله: {في العذاب والضلال البعيد} [سبأ: 8] أي في عقوبة الضلال البعيد. قوله: {أئذا ضللنا في الأرض} [السجدة: 10] أي غبنا، وهو كنايةٌ عن الموت واستحالة البدن. وقرئ بالمهملة وقد تقدم تفسيره. ويقال: أضللت اللبن في الماء. قوله: {ألم يجعل كيدهم في تضليلٍ} [الفيل: 2] في تضييعٍ وبطلانٍ. قوله: {وضلوا عن سواء السبيل} [المائدة: 77] أي أضلوا غيرهم. والإضلال ضربان: أحدهما أن يكون بسببه الضلال، وذلك علي وجهين، إما أن يضل عنك الشيء كقولك: أضللت الدابة، أي ضلت عني. وإما أن يحكم بضلاله. فالضلال في هذين سببٌ للإضلال. والثاني أن يكون الأمر بالعكس، فيكون الإضلال سببًا للضلال، وهو أن يزين واحدٌ لآخر الباطل فيضل كقوله تعالي: {لهمت طائفةٌ منهم أن يضلوك وما يضلون إلا أنفسهم} [النساء: 113] أي يتحررون أفعالًا يقصدون بها ضلالك، فلا يحصل من ذلك التحري إلا ما فيه ضلال أنفسهم. وإضلال الباري تعالي يقال باعتبارين: أحدهما أن يكون سببه الضلال، وهو أن يضل الإنسان فيحكم الله عليه بذلك في الدنيا، ويعدل به عن طريق الجنة إلي طريق النار في الآخرة، وذلك الإضلال هو حقٌ وعدلٌ، فالحكم عن الضال بضلاله، والعدول به إلي النار عدلٌ. والثاني من إضلاله تعالي وضع جبلة الإنسان علي هيئة إذا راعي طريقًا محمودًا كان أو مذمومًا ألفه واستطابه ولزمه وتعذر صرفه وانصرافه عنه، ويصير ذلك كالطبع، ومن ثم قيل: العادة طبعٌ: [من المتقارب]. 923 - يراد من القلب نسيانكم ... وتأبي الطباع على الناقل.

وهذه القوة في الإنسان فعلٌ إلهيٌ، قال الراغب: وإذا كان كذلك، وقد ذكر في غير هذا الموضع أن كل شيءٍ يكون سببًا في وقوع فعل تصح نسبة ذلك الفعل إليه. فيصح أن ينسب ضلال العبد إلي الله من هذا الوجه فيقال: أضله الله، لا علي الوجه الذي يتصوره الجهلة. قال: ولما قلناه جعل الإضلال المنسوب إلي نفسه للكافر والفاسق دون المؤمن بل نفي عن نفسه إضلال المؤمن فقال تعالي: {وما كان الله ليضل قومًا بعد إذ هداهم} [التوبة: 115] {والذين قتلوا في سبيل الله فلن يضل أعمالهم} [محمد: 4] وقال في الكافر والفاسق: {والذين كفروا فتعسًا لهم وأضل أعمالهم} [محمد: 8] {وما يضل به إلا الفاسقين} [البقرة: 26]. قال وعلي هذا النحو تقليب الأفئدة والأبصار في قوله: {ونقلب أفئدتهم وأبصارهم} [الأنعام: 110]. والختم علي القلب في قوله تعالي: {ختم الله علي قلوبهم} [البقرة: 7] وزيادة المرض في قوله: {فزادهم الله مرضًا} [البقرة: 10]. قلت: مذهبه في ذلك مذهبٌ معتزليٌ، والحق أنه يجوز نسبة ذلك إلي الله حقيقة بمعني أنه خلق الإضلال في قلبه كما خلق الهداية في قلب قومٍ آخرين: {لا يسأل عما يفعل وهم يسألون} [الأنبياء: 23]. قوله: {ربنا ليضلوا عن سبيلك} [يونس: 88] قيل: اللام للعاقبة كقوله: {فالتقطه آل فرعون ليكون لهم عدوًا وحزنًا} [القصص: 8] وقول الشاعر: [من المتقارب]. 924 - وللموت ما تلد الوالدات. وقول الآخر: [من الوافر].

فصل الضاد والميم

925 - لدوا للموت وابنوا للخراب. وضل ضلاله أي ما دام، نحو: شعرٌ شاعرٌ. وأنشد لجرير: [من الوافر]. -فقال الناس: ضل ضلال تيمٍ ... ألم يك فيهم رجلٌ رشيدٌ؟ فصل الضاد والميم. ض م ر: قوله تعالي: {وعلي كل ضامرٍ} [الحج: 27]، الفرس الخفيفة وكذا البعير، وذلك يكون من الأعمال لا من الهزل والضعف. يقال: ضمر ضمورًا فهو ضامرٌ، واضطمر يضطمر اضطمارًا فهو مضطمرٌ، وضمرته أنا. والمضمار: موضع يعد لسباق الخيل، وأصله الموضع الذي يضمر فيه. والمضمار أيضًا: وقت تضميرها، وتضميرها: أن تشد عليها سروجها ويجعل عليها جلالها، فتعرق تحتها، فيذهب رهلها. وفي حديث عمر بن عبد العزيز: ((كان ضمار المضمار)). قال أبو عبيدٍ: المال الغائب الذي لا يرجي. والضمير: ما ينطوي عليه القلب ويعسر الوقوف عليه لدقته. وقد تسمي القوة التي يحتفظ بها ذلك ضميرًا. والإضمار: الإخفاء. والضمير عند النحاة: ما افتقر إلي مفسرٍ له. وله أقسامٌ كثيرةٌ. والإضمار عندهم: حذف الشيء وإرادته، إلا أن الفرق بين الإضمار والحذف عندهم واضحٌ وإن اشتركا في عدم التلفظ. ض م م: قوله تعالي: {واضمم إليك} [القصص: 32]. أصل الضم: الجمع بين شيئين فصاعدًا. والإضمامة: جماعةٌ من الناس أو من الكتب أو من الريحان. ومنه أسدٌ ضمضمٌ، أي يضم الأشياء إلي نفسه. وقيل: بل هو المجتمع الخلق. وفرسٌ سباق الأضاميم. إذا سبق جماعة أفراسٍ دفعة. وفي كتابه: ((فضرجوه بالأضاميم)) أي بجماهير الحجارة،

فصل الضاد والنون

وهي حجارتها. والتضريج: التدمية من الإضريج وهو الخز الأحمر. وفي حديث الرؤية: ((لا تضامون)) مخفف الميم، أي لا يظلم بعضكم، من الضيم، ومثقلها من التضام، أي لا يزاحم بعضكم بعضًا فيريه إياه لظهوره. ومرت رواية أخري في مادة (ض ر ر) والله أعلم. فصل الضاد والنون. ض ن ك: قوله تعالي: {فإن له معيشةً ضنكًا} [طه: 124]. الضنك: الضيق. وقد ضنك عيشة ً ضنكًا فهو ضنيكٌ. ومن ذلك: امرأةٌ ضناكٌ ورجلٌ ضناكٌ: لمن اكتنز لحمه تصورًا لضيقه واكتنازه. والضناك: الزكام، لضيق المنخرين، والمزكوم مضنوك. وفي الحديث: ((شاةٌ لا مقورة الألياط ولا ضناكٌ)). الألياط، مر تفسيره في مادة (ل وط). وضناكٌ: مكتنزةٌ، كما عرفته. ض ن ن: قوله تعالي: {وما هو علي الغيب بضنين} [التكوير: 24] أي بخيلٍ، من الضنة وهي البخل. يقال: ضن يضن بفتحهما في المضارع، لأن الماضي مكسورها بدليل قول الشاعر: [من البسيط]. 926 - أني أجود لأقوامٍ وإن ضننوا. لما فك اضطرارًا صرح بأصل الفعل. وهذا فكٌ شاذٌ كقولهم: مشت الدابة ألا وألل السقاء، في أخوان لهما. ويقال أيضًا: ضنن- بالفتح- فالمضارع مضموم العين،

فصل الضاد والهاء

على هذا حكاه الراغب. وقيل: الضنة: البخل بالشيء النفيس، فهو أخص. وفلانٌ علق مضنةٍ، مضنة بالفتح والكسر. والمعني أنه عليه الصلاة والسلام: ليس ببخيلٍ فيما يوحي إليه بل يبلغ جميع ما أنزل إليه امتثالًا لقوله تعالي: {بلغ ما أنزل إليك} [المائدة: 67]. وفلانٌ ضني من بين أصحابي، أي هو ممن أبخل به لعزته ونفاسته. وقد ضننت به صنًا وضنانةً. وفي الحديث: ((إن لله ضنائن من خلقه يحييهم في عافيةٍ ويميتهم في عافية)) أي خصائص. وقرئ ((بظنين)) بالمسألة. وسيأتي في باب الظاء إن شاء الله تعالي. فصل الضاد والهاء. ض هـ ا: قوله تعالي: {يضاهون قول الذين كفروا من قبل} [التوبة: 30] قرأ عاصم: {يضاهئون} بالهمز من ضاهأت فلانًا: شابهته. والمضاهأة: المشابهة. وامرأة ضهياء: لا تحيض كأنها تشبه الرجال في ذلك، والجمع ضهي نحو حمراء وحمر، ويقال: ضهيٌ من غير مد. وقيل: المضاهأة: المشاكلة، وهو قريبٌ مما تقدم. وقال ابن عرفة: المضاهأة: معارضة الفعل بمثله. قال قتادة: ضاهت النصارى اليهود فقالوا: الميسح ابن الله كقول أولئك: عزيرٌ ابن الله، تعالي الله عن ذلك. وقرئ {يضاهون} غير مهموزٍ فقيل: لغةٌ فيه. وقيل: أصله الهمز فخفف، وقد حققناه في ((الدر)) وغيره. وفي الحديث: ((أشد الناس عذابًا يوم القيامة الذين يضاهون خلق الله)) أي المصورون.

فصل الضاد والواو

فصل الضاد والواو. ض وا: قوله تعالي: {كلما أضاء لهم مشوا فيه} [البقرة: 20]. الضوء: ما انتشر من الأجسام النيرة، يقال: ضاءت النار وأضاءت وغيرها. وقيل: ضاء وأضاء لغتان بمعني واحدٍ، وأنشد: من الطويل]. 927 - أضاءت لهم أحسابهم ووجوههم ... دجى الليل حتى نظم الجزع ثاقبة. فقيل: متعد نصب دجى. وقيل: نصبه علي الظرف. وسمي الله كتبه المنزلة ضياءً من حيث إنها تنير وتبصر من اهتدي بها. ويقال: ضوءٌ وضوء- بالفتح والضم- وضاء يضوء، وأضاء يضئ. قال تعالي: {يكاد زيتها يضئ} [النور: 35]، قال ابن عرفة: هذا مثلٌ ضربه الله لرسوله عليه الصلاة والسلام، يقول: يكاد منظره وإن لم يتل قرآنًا وأنشد في المعني عبد الله بن رواحة: [من البسيط]. 928 - لو لم يكن فيه آياتٌ مبينةٌ ... كانت بديهته تنبيك بالخبر. وفي الحديث: ((لا تستضيئوا بنار أهل الشرك)) أي لا تستشيروهم. وقوله تعالي: {ذهب الله بنورهم} [البقرة: 17] ولم يقل بضيائهم وإن كان أخص، إذ لا يلزم من نفي الأخص نفي الأعم. فكان نفي الأعم أبلغ. وقد حققت هذا في ((الدر)) و ((البحر الزاخر)). وقرئ ((بضئائهم)) بهمزتين، وهو مقلوبٌ من ضياءٍ بصناعةٍ تصريفيةٍ حققناها في غير هذا الموضوع. ض ور: قوله تعالي: {لا يضركم} [المائدة: 105] وقرئ بضم الضاد وتخفيف الراء

فصل الضاد والياء

من: ضاره يضوره، أي ضاره يضيره. وفي الحديث: ((دخل علي امرأةٍ وهي تتضور من شدة الحمي)) أي تظهر الضير الذي بها وتضطرب، تفعلٌ من الضور بمعني الضير والضر. وقيل: التضور: التضعف، من قولهم: رجلٌ ضورةٌ وامرأةٌ ضورةٌ. فصل الضاد والياء. ض ي ر: قوله تعالي: {قالوا لا ضير} [الشعراء: 50]، الضير بمعني الضر والضرر والضور. يقال: لا ضير ولا ضر ولا ضرر ولا ضور ولا ضارورة، كله بمعني واحدٍ، وقد تقدم. ض ي ز: قوله تعالي: {تلك إذًا قسمةٌ ضيزي} [النجم: 22] أي ناقصةٌ، وقيل: جائزةٌ. يقال: ضازه يضيزه أي جار عليه في القسمة، وأصلها ضيزي فقلبت الضمة كسرةً، وإنما قيل ذلك إذ ليس في كلامهم فعلي صفةً بل فعلي. وقرأ ابن كثيرٍ ((ضئزي)) فقيل: قراءة الجماعة مخففةٌ منها، وقيل: لغتان، ضازه يضازه. وقد أتقنا هذا في ((الدر)) و ((العقد)) والحمد لله. ض ي ع: قوله تعالي: {أنا لا نضيع أجر من أحسن عملًا} [الكهف: 30]. يقال: ضاع الشيء يضيع ضياعًا: إذا فقد ولم يعلم موضعه، واستعمل في الإبطال كالإضلال فيقال: أضاع عمله وضيعه. وقيل لبلدة الرجل التي يأخذ غلتها ضيعته، باعتبار إذا لم يتفقدها ضاعت. وجمعها ضياعٌ. وتضيع الريح: هبت هبوبًا كأنها ضيعت ما هبت عليه. وأما التضوع ففوح الرائحة، وليس من هذا. وقال الهروي: ضيعة الرجل: ما يكون منه معاشه من صناعةٍ أو غلةٍ. ونقل عن شمرٍ أنه يدخل في ذلك الحرفة والتجارة. ويقال:

ما ضيعتك؟ فيقال: كذا. وفي الحديث: ((أفسد الله ضيعته)) وفيه أيضًا: ((من ترك ضياعًا)) وهو مصدرٌ وقع موقع الوصف، أي ضائعًا، وأن كسر صار جمع ضائع نحو جائع وجياع. قوله: {أضاعوا الصلاة} [مريم: 59] قيل: أخروها عن وقتها المحدود لها شرعًا، فكيف بمن ترك؟ ويدخل في ذلك من لم يحافظ علي شروطها. وربما يدخل من لم يواظب علي سننها. ض ي ف: قوله تعالي: {هل أتاك حديث ضيف إبراهيم} [الذاريات: 24] سماهم ضيفًا وهم ملائكةٌ، يقال إنهم جبريل وميكائيل وملك الموت، لأنهم أتوه في صورة الضيف، والمضيف الذي يأتي زائدًا مع الضيف من غير استدعاءٍ وهو الطفيلي، وزادوا فيه النون منبهةً علي ذلك. وأصل الضيف مصدرٌ بمعني الميل. يقال: ضعفت إلي كذا وأضفته وأنشد لامرئ القيس: [من الطويل]. 929 - فلما دخلناه أضفنا ظهورنا ... إلي كل حاري [قشيبٍ مشطب]. ومنه الإضافة النحوية، لأن فيها إمالة أحد الاسمين إلي الآخر علي المجاز. وضافت الشمس للغروب: مالت وتضيفت. ومنه الحديث: ((نهي عن الصلاة إذا تضيفت الشمس)). أي مالت. وضاف السهم عن الهدف، فسمي الضيف ضيفًا لميله إلي من ينزل به. وصارت الضيافة متعارفة في القري. ووحد الضيف لأنه مصدرٌ، وقد جمع فقيل: أضيافٌ وضيوفٌ وضيفانٌ. يقال: أضفته وضفته بمعني واحدٍ. وقيل: ضيفته: أنزلته منزلة الأضياف. قال تعالي: {فأبوا أن يضيفوهما} [الكهف: 77]. وقد فعل اللئام

الأمرين بنبي الله ووليه. وأضاف من الأمر: أشفق منه أيضًا. وضاف لغةٌ فيه. وجاء اثنان لعلي رضي الله عنه فقالا: ((أتيناك مضافين)) ففهم عنهما فأمنهما. والمضوفة: الأمر الذي يشفق منه. فإن كان أضاف بمعني أشفق منه فتلك مادة أخري. ض ي ق: قوله تعالي: {ولا تك في ضيقٍ مما يمكرون} [النحل: 127]. الضيق والضيق- بالفتح والكسر- ضد السعة. وغلب استعمال الضيقة في الفقر والبخل والغم ونحو ذلك. وقال ابن عرفة: ضاق الرجل: بخل، وأضاق: افتقر، كأنه صار ذا ضيقةٍ. ونقل الراغب أنه يقال في الفقر ضاق وأضاق فهو مضيقٌ، واستعمل ذلك. كما أنهم استعملوا الوسع في ضده، قال تعالي: {وضاق بهم ذرعًا} [هود: 77] كنايةٌ. عن غمه عليه الصلاة والسلام بما يلاقي من قومه بسببهم. قوله: {وضائقٌ به صدرك} [هود: 12] عدل عن ضيقٍ إلي ضائقٍ دلالةً علي حدوث ذلك وتجدده لإثباته واستقراره. قوله: {ضاقت عليهم الأرض بما رحبت} [التوبة: 118] من أبلغ كلامٍ مرشحٍ، صور أن الأرض كلها صارت مجالًا لهم ومع ذلك أحسوا بضيقها، ثم لم يكتف بذلك حتى رشحه بقوله: {بما رحبت} يعني ما رحبها وسعتها. قوله: {وضاقت عليهم أنفسهم} [التوبة: 118] مثلٌ في شدة الخناق وسد طريق الفرج، جعل أنفسهم شيئًا يوصف بالسعة والضيق تمثيلًا، قوله: {يجعل صدره ضيقًا حرجًا} [الأنعام: 125] وقرئ مخفف الياء كميتٍ وميتٍ إشارةً إلي ضيق النفس المذكور. وجعله حرجًا مبالغةً في ذلك، عكس من وصفه بأن شرح له صدره. والمراد التعميمة والتحير علي من أراد إضلاله والتبصرة والدلالة لمن أراد هدايته. ولا دليل أوضح منه علي مذهب أهل السنة كما بيناه في غير ذلك. وقال ابن السكيت: الضيق والضيق بمعني واحدٍ كما تقدم. وعن الفراء: المفتوح ما ضاق عنه صدرك، والمكسور الذي

يتسع ويضيق كالدار والثوب. وقوله: {وضاق بهم ذرعًا} أصله من ذرع الناقة. وهو خطوها. فإذا أعيت قيل: ضاق ذرعها ومذارعها: قوائمها. فجعل مثلًا لمن ضاق صدره وعجز وقلت حيلته. وذرعًا تمييزٌ محمولٌ من الفاعلية إذ الأصل: ضاق ذرعه. قوله: {ولا تضاروهن لتضيقوا عليهن} [الطلاق: 6] يشمل التضييق في النفقة وفي المعاشرة وأي ضيقٍ أضيق منهما؟.

باب الطاء

باب الطاء فصل الطاء والباء ط ب ع: قوله تعالى: {بل طبع الله عليها} [النساء: 155] قد تقدم في مادة الجيم أن ذلك حقيقة عند بعضهم مجاز عند آخرين، وهل هو من مجاز التخييل أو التمثيل. وقد فسر كثير من الناس الطبع بالختم وليس كذلك؛ فإن الطبع أن تصور الشيء بصورة ما كطبع الدراهم بالسكة. قال بعضهم: هو أعم من الختم وأخص من النقش والطابع والخاتم -بالفتح- ما يطبع به ويختم كالقالب لما يقلب فيه -وبالكسر- هو الفاعل لذلك لأنه اسم فاعل. وقد قيل للطابع بالفتح طابع بالكسر نسبة للفعل لدلالته نحو: سيف قاطع. والطبيعة: السجية التي طبع عليها الإنسان تصويراً أنه نقش ذلك فيه. ومنه الحديث: ((طبع يوم طبع كافر)) وهو كالفطرة. وقيل للسجية طبيعة من حيث إن النفس تنتقش بصورة ما؛ إما من حيث الخلقة وإما من حيث العادة وهو فيما ينتقش به حيث الخلقة أغلب. وطبيعة النار: ما سخره الله تعالى فيها من الإحراق، وطبيعة الداء والدواء: ما سخره الله فيهما من السقم. والطباع بمعنى الطبيعة أيضًا، ومنه قول المتبني: [من المتقارب] 930 - وتأبى الطباع على الناقل وقيل: الطباع: ما ركب عليه الإنسان من المأكل والمشرب وسائر الأخلاق التي لا تزايله. قيل: والطباع مؤنثة فيقال: طباعه حسنة، وطباعك كريمة لأنه بمعنى الطبيعة فأنث. وطبعت المكيال: ملأته، لكون الملء كالعلامة المانعة من تناول ما فيه. والطبع المطبوع، أي المملوء. وقال أبو بكر: أصل الطبع من الوسخ والدنس يغشيان السيف. ويقال: طبع يطبع طبعا، فاستعير لما يوسخ ويدنس من الآثام وفعل القبائح، وفي

الحديث: ((نعوذ بالله من طمع يهدي إلى طبع)). وعن مجاهد: الرين أيسر من الطبع والطبع أيسر من الإقفال، والإقفال أشد من ذلك كله، إلا أن الهروي قال: وكان الصدر الأول يرون الطبع هو الرين. قلت: يرون موافقة قوله تعالى: {بل ران على قلوبهم} [المطففين: 14] {أولئك الذين لم يرد الله أن يطهر قلوبهم} [المائدة: 41]. وكان المعنى أن الله جعل عليها صدأ كصدإ الحديد ووسخًا كوسخ الثوب منع بصيرتها من إبصار الهدى، ولله تعالى أن يفعل ما يشاء ويحكم في عباده بما يريد. ط ب ق: قوله تعالى: {لتركبن طبقا عن طبق} [الانشقاق: 19] أي حالا بعد حال. والمعنى: يترقى منزلا عن منزل، وذلك إشارة إلى أحوال الإنسان من ترقيه في أحوال كثيرة في الدنيا الآخرة. أما في الدنيا فالإشارة إليها بقوله تعالى: {خلقكم من تراب ثم من نطفة} [غافر: 67] إلى بلوغ الأشد وإناطة التكليف. وأما في الآخرة فالموت والإحياء للبعث، والبعث والنشور والحساب ومقاساة الأهوال وجواز الصراط وحضور الميزان إلى حين الاستقرار في إحدى الدارين. قيل: سميت الحال طبقا لأنها تملأ القلوب أو تشارف ذلك، ومنه الحديث: ((اللهم اسقنا غيثًا طبقًا)) أي تملأ الأرض مطرًا. وكل شيء علا شيئًا فهو طبق للأسفل. وقيل: المعنى لتركبن السماء حالا بعد حال كالمُهل، وفي حال كالفراش، وفي حال كالدهان وفيه نظر لأنه قُرئ ((لتركبن)) بفتح الباء وضمها على خطاب الواحد والجماعة. وفُسرت قراءة الفتح بأنها خطاب لرسوله عليه الصلاة والسلام وأنه وعده بالإسراء أو بترقيه إلى المراتب العلية، وكل قد وقع. وقال ابن عرفة: الطبق: العالم، ومنه قول العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه: ((إذا مضى عالم بدا طبق)) أي إذا ذهب قرن جاء آخر، سموا طبقًا لأنهم طبقوا الأرض. وفي حديث أم زرع: ((زوجي عياياء طباقاء)) أي أطبق عليه الحمق، وأطبق عنه الكلام أو أموره. قوله: {سبع سماوات طباقًا} [الملك: 3] أي متطابقة بعضها فوق بعض، وكل منها طبق لما تحته.

فصل الطاء والحاء

والمطابقة من الأسماء المتضايقة؛ هو أن تجعل الشيء فوق أخر بقدر. ومنه قولهم: طابقت النعل، ساويت بينها، وأنشد: [من الطويل] 931 - إذا لاوذ الظل القصير بخفه ... وكان طباق الظل أو قال زائدا والطباق في اصطلاح أهل البديع ذكر الضدين، ولهذا يسمونه التضاد كقوله: {وأنه هو أضحك وأبكى وأنه هو أمات وأحيا} [النجم: 43 و 44] {وأنه هو أغنى وأقنى} [النجم: 48]، وقيل: قيد يستعمل الطباق في الشيء الذي يكون فوق الآخر تارًة، وفيما يوافق غيره تارًة كسائر الأسماء الموضوعة لمعنيين. ثم يستعمل في أحدهما دون الآخر كالكاس والراوية ونحوهما. وطابقته على كذا: وافقته عليه؛ كأنك جئت طبقه. ومنه: أطبقوا وتطابقوا على كذا، أي أجمعوا. والجواب مطابق للسؤال: موافق له على قدره كمطابقة النعلين. والمطابقة: المشي كمشي المقيد. ويقال لكل ما يوضع عليه المأكول من فاكهة وغيرها، ولما يوضع على رأس الشيء: طبق، ولكل فقرة من فقرات الظهر: طبق. ومنه الحديث: ((ويصير ظهر المنافق طبقًأ واحدًا)). ويقال للواحدة طبقة. وطبق الليل والنهار: ساعاتهما المطابقة. وأطبقت الباب: أغلقته. ومنه رجل طباقاء وقد تقدم. وطبقته بالسيف: أصبت طبقه. وطبق المفضل: أصابه ولم يخطئه. ومنه استعير للإصابة في الجواب. منه قول ابن عباس لأبي هريرة ((حيث سأله فأفتاه: طبقت)). ومنه قيل لأعضاء الشاة طوابق، واحدها طابق. وفي المثل: ((وافق شن طبقه)) قيل: قبيلتان متكافئتان في الحرب. وقيل: رجل وامرأة في حكاية مشهورة. وطبقات الناس: رتبهم، ومنه قول الفقهاء: الطبقة السفلى والطبقة العليا؛ يعنون من في درجٍة واحدٍة. فصل الطاء والحاء ط ح و: قوله تعالى: {والأرض وما طحاها} [الشمس: 6] أي بسطها. والطحو:

فصل الطاء والراء

التوسيع. وطحا به الأمر: اتسع به في المداهنة. وأنشد لعلقمة بن عبدة: [من الطويل]. 932 - طحابك قلب في الحسان طروب ... بعيد الشباب عصر حان مشيب فصل الطاء والراء ط ر ح: قوله تعالى: {أو أطرحوه أرضًا} [يوسف: 9]. الطرح: الإلقاء والإبعاد: والطروح: المكان البعيد، يقال: رأيته من طرٍح، أي من بعد. ويكون الإطراح غالبًا إلقاء الشيء غير معتد به. والطرح: المطروح أيضًأ نحو عدٍل وصوٍم. و ((أرضًا)) نصب على الظرف في أي أرٍض كانت. ط ر د: قوله تعالى: {ولا تطرد الذين يدعون ربهم} [الأنعام: 52]. الطرد: الإبعاد أيضًا، وقيل: هو الإبعاد مع الإزعاج على سبيل الاستخفاف. يقال: طردته وطردته وأطردته فهو مطرود ومطرد ومطرد. والصيد المطر يقال فيه: طرد وطريدة. ومطاردة الأقران: مدافعة بعضهم بعضًا. والمطر: ما يطرد به كالمنجل. واطراد الشيء متابعة بعضه بعضًا كأن كل بعض يطرد الآخر فيتبعه. ومنه قول العلماء: هذا مطرد، أي منقاس ولا يتوقف به على مكان ولا مسألة بعينها. وفي كلام أهل الكلام: الحد شرط الاطراد والانعكاس والطرد والعكس؛ فالطرد هو عبارة عن كونه مانعًا لغير المحدود أن يدخل فيه كأنه طرد غير المحدود. والعكس عبارة عن كونه جامعًا لأفراد المحدود. فقولك مثلا في حد الإنسان: الإنسان حيوان ماش: غير مطرود حيوان كاتب بالفعل غير منعكس. وفي حديث قتادة: ((يتوضأ الرجل بالماء الطرد)) هو الذي تخوضه الدواب لأنها تطرد فيه أي تتابع. وقيل: لأنها يدفع بعضها بعضًا. وفي الحديث: ((لا بأس بالسباق ما لم تطرده ويطردك)). الإطراد: أن تقول: إن سبقتني فلك علي كذا وإن سبقتك فلي عليك من

غير تحلل. ط ر ف: قوله تعالى: {قبل أن يرتد إليك طرفك} [النمل: 40] أي قبل أن يرتد إليك جفنك عند فتح عينك يقال: طرف يطرف: إذا فعل ذلك. وقال الفراء. معناه قبل أن يأتيك الشيء من مد بصرك. وقيل: بمقدار ما يبلغ إلى نهاية نظره، والأول أبلغ. قوله: {فيهن قاصرات الطرف} [الرحمن: 56] أي فاترات الطرف، وهو صفة مدح في الأعين. وقيل: قصرت أبصارهن على أزواجهن فلا ينظرن إلى غيرهم. والطرف: الجفن، وهو أيضًا تحريك [الجفن] للنظر إذ كان تحريك الجفن يلازمه الطرف. وطرف فلان: أصيب طرفه. قوله: {أو لم يروا أنا نأتي الأرض ننقصها من أطرافها} [الرعد: 41] أي من نواحيها، وذلك عبارة عن فتوح بلاد الشرك على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقيل: فتوح البلاد بعده. وفي ذلك دلالة على نبوته لصدق ما وعد به. والطرف: الناحية، وقيل: هو كناية عن موت العلماء، الواحد طرف بالكسر وسكون الراء. وقيل: يقال فيه طرف أيضًا. والأشراف يسمون الأطراف، كذا قال الهروي، وفي العرف العكس، وطرف الإنسان: جوارحه كاليدين والرجلين. والظاهر أن قوله: {ننقصها من أطرافها} عبارة عن أخذ الناس بالموت، وأن لا أحد يبقى كقوله تعالى: {قد علمنا ما تنقص الأرض منهم} [ق: 4] قوله تعالى: {ليقطع طرفًا من الذين كفروا} [آل عمران: 127] أي جماعة منهم. وقيل فيهم ذلك من حيث إن تنقيص طرف الشيء يتوصل به إلى توهينه وإزالته، ومن ثم قيل: ((ننقصها من أطرافها)). قوله تعالى: {وأقم الصلاة طرفي النهار} [هود: 114]، قيل هما صلاة الفجر والعصر. وأطراف النهار: ساعاته وأزمنته، كأطراف المكان لنواحيه. والطراف: بيت من الأدم من ذلك، لأنه يؤخذ طرفه. قال طرفة بن العبد: [من الطويل] 933 - رأيت بني غبراء لا ينكرونني ** وأهل هذاك الطراف الممدد

وناقة طرفة: ترعى أطراف المرعى، والمرعى: طريف. وطريف: علم لرجل مشهور، وهو أبو رجل من الخوارج، قالت الفارعة ترثيه: [من الطويل] 934 - أيا شجر الخابور مالك مورقًأ؟ ** كأنك لم تجزع على ابن طريف ومطرف الخز: ثوب منه، والجمع مطارف. قالت امرأة روح بن زنباع تهجوه: [من الطويل] 935 - بكى الخز من روح وأنكر جلده ** وعجت عجيجًا من جذام المطارف ومال طريف: تشبيهًا بأطراف المرعى؛ يقال في خياره. ومنه طرف العراق. ورجل طريف: لا يثبت على امرأة. والطرف للفرس الكريم وللرجل الشريف. وتحقيقه أنه لحسنه يطرف، أي ينظر إليه. فالطرف بمعنى المطروف كالذبح بمعنى المذبوح. وبهذا المعنى قيل هو قيد النواظر، أي إذا رآه ناظر قتصر عليه فقيده مجازًا. وفي المثل: ((لا يدري أي طرفيه أطول)) قيل: طرفاه نسب أبيه ونسب أمه. يقال: هو كريم الطرفين، أي من جهة الآباء والأمهات. وقيل: طرفاه: ذكره ولسانه. وفسر قولهم: كريم الطرفين بعفة الفرج واللسان. ومنه قول قبيصة: ((ما رأيت أقطع طرفًا من عمرو)) يريد أدأب لسانًا منه. ومن كلام زياٍد: ((إن الدنيا قد طرفت أعينكم)) أي طمحت بأبصاركم إليها وشغلتكم عن الآخرة. وقال الأصمعي: امرأة مطروفة: طرفها حب المال أي أصاب طرفها حب المال؛ فهي تنظر إلى كل من أشرف عليها. وقيل: معناه صرفتكم، أي صرفت أعينكم عن

النظر في عواقبها. يقال: طرفت فلاتًا عن كذا، أي صرفته عنه. وأنشد: [من السريع] 936 - إنك والله لذو ملة ... يطرفك الأدنى عن الأبعد ط ر ق: قوله تعالى: {والسماء والطارق} [الطارق: 1] الطارق: النجم أي نجم كان. سمي طارقًا لأنه يرى ليلا. وكل من أتى ليلا أو رئي فيه سمي طارقًا. ومنه الحديث: ((نهى المسافر أن يأتي أهله طروقًا)) أي ليلاً. وفيه: ((إلا طارقًا يطرق بخير يارحمان)) وأصله أن الطارق هو السالك للطريق سمي طارقًا لأنه يطرق الأرض والسبيل برجله، أي يضربها بها عند سيره. ومن ثم سميت السبيل طريقًا، أي مطروقة بالأرجل، إلا أنه خص في العرف بالآتي ليلا فقالوا: طرق أهله طروقًا. وقول هند: [مجزوء الرجز] 937 - نحن بنات طارق ... نمشي على النمارق - إن تقبلوا نعانق ... أو تدبروا نفارق قيل: عنت بذلك أن أباها كالنجم في الشرف وعلو المنزلة. والطوارق: الحوادث الآتية ليلا. وطرق فلان: أصيب ليلا. قال الشاعر: [من الطويل] 938 - كأني أنا المطروق دونك بالذي ... طرقت به دوني فعيني تهمل قوله تعالى: {فاضرب لهم طريقًا في البحر} [طه: 77]. الطريق: السبيل الذي يطرق بالأرض، أي يضرب بها. وعنه استعير لكل مسلك يسلكه الإنسان من الأفعال

محمودًا كان أو مذمومًا؛ فيقال: طريق الخير كذا، وطريق الشر كذا. والطرق في الأصل كالضرب لكنه أخص من حيث إنه ضرب توقع كطرق الحديد بالمطرقة. والضرب: تماس جسمين حسبما بيناه في بابه. ثم يتوسع في الطرق توسعهم في الضرب. وعنه استعير طرق الحصى للتكهن؛ قال الشاعر: [من الطويل] 939 - لعمرك ما تدري الطوارق بالحصى ... ولا زاجرت الطير ما الله صانع ومنه الحديث: ((الطيرة والعيافة والطرق من الجبت)). وفسر أبو عبيدة الطرق بأن يخط الكاهن بإصبعين ثم بإصبع ثم يقول: ابني عيان أسرعا البيان. وقد مر تفسير هذا. واستعير الطرق للماء الكدر الذي تخوضه الدواب لأنها طرقته بأرجلها، ويقال: له ريق وطرق، ومنه حديث إبراهيم: ((الوضوء بالطرق أحب إلى من التيمم)) وأنشد: [من الوافر] 940 - لقد زاد الحياة إلى حبًا ... بناتي إنهن من الضعاف - أحاذر أن يرين البؤس بعدي ... وأن يشربن طرقًا بعد صاف ويروى: رنقًا. وباعتبار الضرب قالوا: طرق الفحل الناقة، كما قالوا: ضربها. ومنه طروقة الفحل. وكني بالطروقة عن المرأة. وأطرق فلان: أغضى، كأن عينه صارت طارفة للأرض أي ضاربة لها. وباعتبار الطريق قيل: جاءت الإبل متطارقة، أي في طريق واحد، وتطرق إليه:

توسل من الطريق. وطرقت أي جعلت له طريقًا. ورجل مطروق: فيه استرخاء ولين، وأصله من قولهم: طرق فلان، أي أصابته حادثة لينته لأصحابه، لا أنه مطروق من قولهم: ناقة مطروقة، تشبيهًا بها في الذلة. قوله تعالى: {فوقكم سبع طرائق} [المؤمنون: 17] جمع طريقة؛ سميت السماء طريقة لأنها متطارقة بعضها فوق بعض من قولهم: طارقت بين نعلين. طارقت النعل: جعلته طبقات. وطارقت بين الدرعين. وطراق الخوافي، أي يركب بعضها بعضًا. والطريقة: النخل سمي بذلك لشبهه بالطريق في الامتداد. قوله تعالى: {ويذهبا بطريقتكم المثلى} [طه: 63] قال الأخفش: بدينكم وسنتكم، وقال الفراء: هي الرجال؛ يقال: هؤلاء طريقة قومهم وتطورة قومهم. قلت: تسميتهم مجازًا لأن استعمال الطريقة في السنة والاقتداء مجاز، واستعمال ذلك في الأشراف مجاز ثان لا بأس به. وفي الحديث: ((كان يصبح جنبًا من غير طروقة، أي من غير زوجة. ومن كلام عمر:)) البيضة منسوبة إلى طرقها)) أي إلى فحلها؛ عبر عن الفحل بالمصدر كرجل عدل. وأنشد للراعي: [من الكامل] 941 - كانت نجائب منذر ومحرق ... أماتهن وطرقهن فحيلا قال الهروي: يجوز أماتهن نصبًا على خبر كان، ويجوز نجائب نصبًا وأماتهن رفعًا اسمًا لكان. وطرقهن فحيلا أي وكان طرقهن فحيلا. قلت: ما ذكره من نصب أماتهن لا يستقيم معناه، إذ ليس المقصود أن يخبر عن نجائب هذهين الرجلين بأنهن أماتهن إلا على وجه التشبيه. أي مثل أماتهن. ولا يتكاذب الخبر والمخبر عنه، وليس التشبيه مقصودًا. وإعراب البيت أن يكون نجائب رفعًا بكان، وأماتهن بدلا منهن، وطرقهن عطف، والمراد به الأب. وفحيلا خبر عن المتعاطفين. المعنى على ذلك، والتقدير: كانت أمات هذه النجائب وآباؤها فحيلا، أي منسوب لفحل كريم. وتجويزه نصب النجائب مردود بما رد به نصب أماتهن، ولسنا الآن بصدد تحقيق إعراب، فلنعد إلى ما نحن بصدده.

فصل الطاء والعين

وأمات جمع أم؛ يقال في العقلاء أمهات وفي غيرهم أمات. هذا هو الغالب، وقد يعكس. وفي الحديث: ((كأن وجوههم المجان المطرقة)) أي الترسة التي أطرقت بالعقب، أي ألبست به، من طارقت النعل. كذا فسره الهروي وغيره: يقول: من دقها وطرقها بالمطرقة. وهو أقرب للتشبيه بوجوه الترس. والترسة تكون حديدًا. ط ر ي: قوله تعالى: {تأكلون لحمًا طريًا} [فاطر: 12] أي غضا جديدًا من الطراوة، وهي ضد اليبس. يقال: طريت كذا. وقد طري فهو مطري. ومنه المطراة من الثياب. والإطراء: هو تجاوز الحد في المدح والكذب فيه، وهو من ذلك لأن فيه تجديدًا لمدح وذكره. وفي الحديث: ((لا تطروني كما أطرت النصارى عيسى)) يعني لا تجعلوني إلها ولا ابنا لله كما فعل أولئك الضلال. ومن هذا يؤخذ: إنما نمدحه بكل شيء خلا مسامعنا صلى الله عليه وسلم وسمعت بعض الصلحاء يقول: ارفع عنه مقام الإلهية وقل ما شئت فيه من المدح. وما أحسن قول صاحب البردة الشهير بالبوصيري رحمه الله: [من البسيط] 942 - دع ما ادعته النصارى في نبيهم ... واحكم بما شئت مدحًا فيه واحتكم فمبلغ العلم فيه أنه بشر ... وأنه خير خلق الله كلهم وقيل: سمي المدح إطراء لأنه يطر لأوجه الممدوح. وقيل: الطريء من طرأ كذا: إذا طلع وهجم؛ فأصله الهمز فخفف، لأن الطارئ شيء جديد، وقد أدخل الراغب لفظ (ط ر ي) في مادة الياء، والهروي ذكر لفظة الإطراء فيها. الصواب ذكرهما فيما ترجمته. فصل الطاء والعين ط ع م: قوله تعالى: {ولا يحض على طعام المسكين} [الحاقة: 34] أي إطعامه.

والطعام: ما يتناول [من] الغذاء. واختص في عرف الشرع بالبر فيما روى أبو سعيد رضي الله عنه ((أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بصدقة الفطر صاعًا من طعام أو صاعًا من شعير)). والطعم: [ما] يتناول [من] الغذاء، أو يتغذى به أيضًا. قوله: {ومن لم يطعمه} [البقرة: 249] أي لم يدقه. والذوق يكون في المأكول والمشوب. وفي الحديث عن زمزم: ((طعام طعم)) أي تشبع من شربها كما يشبع بالطعام. قال النضر: يقال: هذا طعام يطعم من آكله، أي يشبع آكله. وهذا لا يطعم آكله، أي لا يشبع. وقيل: الطعم مختص بالمأكولات وأجابوا عن الآية بأنه تعالى إنما قال: {لم يطعمه} تنبيهًا أنه محظور عليه تناوله إلا غرفة من طعام، كما أنه محظور عليه أن يشربه إلا غرفة فإن الماء قد يطعم إذا كان مع شيء يمضغ ولو قال: ومن لم يشربه، كان يقتضي جواز تناوله إذا كان في طعام. فلما قال: ((ومن لم يطعمه)) بين أنه لا يجوز تناوله على كل حال إلا بقدر المستثنى، وهو الغرفة باليد. وأجابوا عن الحديث بأنه عليه الصلاة والسلام إنما قال ذلك لأنه قام مقام الطعام، فنبه أنه يغذي بخلاف سائر المياه. قوله: {فإذا طعمتم} [الأحزاب: 53]. أي أكلتم الطعام وفي قوله تعالى: {أو أطعم في يوم} [البلد: 14] أي أعطى الطعام وجعله له. وقرئ: ((إطعام)) على المصدرية نسقًا على {فك رقبة} بالرفع؛ فإن القراءتين متلازمتان. قوله: {ويطعمون الطعام على حبه} [الإنسان: 8] أي على حبهم للطعام. وهذا كقوله: {ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة} [الحشر: 9] قيل: نزلت في فاطمة الزهراء وبعلها أمير المؤمنين وولديها سيدي شباب أهل الجنة في قصة طويلة ذكرتها في التفسير. واستعير الإطعام والاستطعام لرد الكلام والجواب؛ وفي الحديث: ((إذا استطعمكم الإمام فأطعموه)) أي إذا أرتج على إمام الصلاة في قراءته فردوا عليه غلطه أو وقفته. وطعم فهو طاعم: أكل الطعام، ويكون بمعنى حسن الطعام أيضًا. يقال: هو

طاعم، أي حسن الحال، ويعبر به أيضًا عن العاجز الذي يطعمه غيره. وقال الحطيئة يهجو الزبرقان بن بدر: [من البسيط] 943 - دع المكارم لا تقصد لبغيتها ... واقعد فإنك أنت الطاعم الكاسي أي ذو الطعام والكسوة من غيرك لك. وقد شكا آل الزبرقان الحطيئة لعمر بن الخطاب رضى الله عنه فقال: لا أرى بما قاله بأسًا: أنت الطاعم الكاسي. فقيل: اسأل ابن الفريعة- يعني حسانًا- فقال: هجاه وسلح عليه. فحبسه عمر في أهوية. وكان عمر رضى الله عنه أعرف الناس بمواقع الكلام، وإنما قصد إخماد فتنه وإشاعة قوله. وكان رأيه أن يحمل الكلام على أحسن محامله ما وجد إليه سبيلًا، وهذا يدل على إتساع علمه بالكلام وتوجهاته رضى الله عنه، وإلا فكيف يخفى عليه ذلك مع قوله في صدره: ((دع المكارم))؟ ورجل مطعام: كثير الإطعام. ومطعم: كثير الطعم. ومطعوم: مرزوق؛ قال علقمة بن عبدة: [من البسيط] 944 - ومطعم الغنم يوم الغنم مطعمه ... أنى توجهه والمحروم محروم والطعمة: الشيء المعد للطعم، وقدر الشيء المطعم كالغرفة. والطعمة المرة، والطعمة الهيئة، ويعبر بها عن الكسب أيضًا. ومنه: هو طيب الطعمة أو خبيثها. وفي حديث أبي بكر: ((إن الله إذا أطعم نبيا طعمة)) أي رزقًا وحكمًا بدليل قوله بعد ذلك: ((ثم قبضه جعلها للذي يكون بعده)). وفي حديث الحسن: ((القتال على ثلاثة- فذكر اثنتين ثم قال: -وعلى هذه الطعمة)) أي المال. والطعام لغة: كل ما يطعم، أي يؤكل أو يشرب إن حملناه على الذوق؛ قال تعالى: {كل الطعام كان حلًا لبني إسرائيل} [آل عمران: 93] {ويطعمون الطعام} [الإنسان: 8] {أحل لكم صيد البحر وطعامه متاعًا لكم وللسيارة} [المائدة: 96]. وإما شرعًا فقد تقدم، وفيه بحث

فصل الطاء والغين

كقوله في المصراة: ((وصاعًا من طعام لا سمراء)) أي من تمر لا حنطة؛ فالتمر عند الشرع طعام. قلت: ويمكن أن يكون من قلب الدليل، وإن قوله: ((لا سمراء)) أي لا حنطة، فلولا تبادر الفهم إلى إختصاص الطعام بها لما أخرجها. وفي الحديث: ((طعام الواحد يكفي الاثنين وطعام الاثنين يكفي الأربعة)) أي شبع الواحد ويؤيده ما قال عمر في تفسير عام الرمادة: ((لقد هممت أن أنزل على أهل كل بيٍت عددهم فإن الرجل لا يهلك على نصف بطنه)). ط ع ن: قوله تعالى: {وطعنوا في دينكم} [التوبة: 12] أي عابوه وثلبوه، وهو استعارة من طعنك بالرمح ونحوه. يقال: طعن يطعن، بالضم. وأنشد لامرئ القيس: [من الطويل] 945 - وليس بذي رمحٍ فيطعنني به ... وليس بذي سيف وليس بنبال فاستعير ذلك للكلام فيقال: طعن في نسبه. ومكن الحاكم الخصم من الطعن في الشاهد. وبعضهم فرق في المضارع بين الطعنين فقال: يطعن بالرمح- بالضم- وفي النسب- بالفتح-، وليس يثبت. وتطاعنوا واطعنوا؛ افتعال منه فأبدلت التاء طاء. وفي الحديث: ((فناء أمتي بالطعن والطاعون)) قيل: هو فساد الماء أو الهواء ولذلك يعم فناؤه. وعام الطاعون معلوم. وقيل: عبر بالطعن عن الفتن فإنها إذا قامت تطاعنوا. فصل الطاء والغين ط غ و: قوله تعالى: {ويمدهم في طغيانهم} [البقرة: 15] أي في ضلالهم. وأصل الطغيان مجاوزة الحد في كل شيء، وغلب في تزايد العصيان. قال تعالى: {إنا لما طغى الماء} [الحاقة:11] أي تزايد على حده. {فأهلكوا بالطاغية} [الحاقة: 5] أي

بطغيانهم، فهي مصدر كالعاقبة. وقال الراغب: {فأهلكوا بالطاغية} إشارة إلى الطوفان المعبر عنه بقوله: {إنا لما طغى الماء}، وفيه نظر من حيث إن المهلك بالطاغية غير المهلك بالطوفان، وهو واضح إلا أن يريد فيه مجرد الاستعارة. قوله تعالى: {وقوم نوحٍ من قبل إنهم كانوا هم أظلم وأطغى} [النجم: 52] تنبيه أنهم كانوا أشد طغيانًا، ومع ذلك لم ينجهم من طغيانهم. قوله: {إن الإنسان ليطغى} [العلق: 6] أي يتزايد في طغيانه إذا كثر ماله. قوله: {ربنا ما أطغيته} [ق: 27] أي ماحصلته له. قوله: {كذبت ثمود بطغواها} [الشمس:11] أي بطغيانها؛ فهو مصدر كالدعوى والبلوى. وفيه تنبيه أنهم لم يصدقوا إذ خوفهم بعقوبة طغيانهم. قوله: {ما زاغ البصر وما طغى} [النجم: 17] أي لم يتجاوز حده وقصده. قوله: {فمن يكفر بالطاغوت} [البقرة: 256] قيل: الطاغوت: الصنم. وقيل: كل ما عبد من دون الله، وليس هذا تفسيرًا لموضوع اللفظ بل أطلق عليه مبالغة. وأصل الطاغوت مصدر بني على فعلوت مبالغة كالملكوت والرغبوت. وأصله طغووت أو طغيوت فقلبت الكلمة بأن أخرت عينها إلى موضع لامها ولامها إلى موضع عينها، فصارت طغيوتًا أو طيغوتًا، فتحرك حرف العلة وانفتح ما قبله فقلبت الفاء؛ فوزنه بعد القلب فلعوت. وقيل: هو فعلوت، وتحقيقه في غير هذا؛ فلامه واو أو ياء بدليل قولهم: طغوت وطغيت طغوانًا وطغيانًا، ولغة القرآن الياء؛ قال تعالى: {فما يزيدهم إلا طغيانًا كبيرًا} [الإسراء: 60]. ويكون واحدًا ويكون جمعًا، ويذكر ويؤنث؛ قال تعالى: {والذين كفروا أولياؤهم الطاغوت} [البقرة: 257] فأخبر عن جمعٍ. وقال تعالى: {والذين اجتبوا الطاغوت أن يعبدوها} [الزمر: 17] فأنث، وفي موضعٍ آخر: {وقد

فصل الطاء والفاء

أمروا أن يكفروا به} [النساء: 60] فذكر؛ قوله: {يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت} [النساء: 60] قيل: هو كعب بن الأشرف، وفي التفسير قصته، وهذا من جنس ما تقدم من تفسيرهم له بالصنم. فصل الطاء والفاء ط ف أ: قوله تعالى: {يريدون أن يطفئوا نور الله بأفواههم} [التوبة: 32] أي ليذهبوا دين الله، وهو استعارة من: أطفأت النار، أي أخمدتها فطفئت. وقد طفئت فهي طافئة ومطفأة. وقال في موضعٍ: {ليطفئوا} [الصف: 8]، والفرق بين الموضعين أن قوله: {أن يطفئوا} يقصدون إطفاء نور الله تعالى، و {ليطفئوا} أي يقصدون أمرًا يتوصلون به إلى إطفاء نور الله. كذا قاله الراغب، وفيه نظر لأن قوله: {ليطفئوا} بتقدير: لأن يطفئوا، و {أن يطفئوا} نتقدير: لأن يطفئوا أيضًا؛ فإن أن بعد لام كي ولام الجر يطرد حذفها مع أن، وتحقيقه في غير هذا. ط ف ف: قوله تعالى: {ويل للمطففين} [المطففين: 1] هم الذين ينقصون المكيال والميزان. قيل لهم ذلك لأنهم لا يكادون يبخسون الناس إلا الشيء اليسير، وهو الطفيف. وأصله من طفا الماء وهو جانبه. وقيل: من الطفافة وهو ما لا يعتد به. وفي الحديث: ((كلكم بنو آدم طف الصاع)) أي قريب من بعض، لأن طف الصاع قريب من ملئه.

ط ف ق: قوله تعالى {وطفقا يخصفان عليهما} [الأعراف: 22] أي شرعا، وهي من أفعال الشروع ترفع الاسم وتنصب الخبر كعسى. ولا يقترن خبرها بأن لتنافيهما. يقال: طفق يفعل كذا- بفتح الفاء وكسرها- وطفق وطبق- بالباء والحركتين- بمعنى واحد. قيل: ولا تستعمل أفعال الشروع إلا في الإثبات دون النفي؛ فلا يقال: ما طفق يفعل كذا. وقوله: {فطفق مسحًا بالسوق والأعناق} [ص: 33]. أي أخذ يمسح سوقها وأعناقها بالسيف أو بيده. وتفسير أبي عبيدة: ما زال يفعل كذا تفسير للمعنى دون اللفظ. ط ف ل: قوله تعالى: {ثم يخرجكم طفلًا} [الحج:5] قيل: الطفل: يكون واحدًا وجمعًا، ومنه هذه الآية وأجيب بأن التقدير: يخرج كل واحد منكم طفلًا. واستشهد بقوله: {أو الطفل الذين لم يظهروا} [النور:31] فوصفه بالجمع، وأجيب بعموم ال. قيل: والطفل يطلق على الصبي من حين يولد إلى حين يحتلم؛ قال تعالى: {وإذا بلغ الأطفال منكم الحلم} [النور: 59] قيل لهم ذلك باعتبار ما كانوا كقوله تعالى: {وآتوا اليتامى} [النساء: 2] وقد تقدم في مادة (ص ب ي) الكلام على ذلك مستوفى. ويقال طفل للرجل والمرأة، وقد يؤنث كقول الشاعر: [من الكامل] 946 - ولقد لهوت بطفلةٍ ماليةٍ ... بلهاء تطلعني على أسرارها وقيل: الراوية بطفلة بفتح الطاء- يقال: امرأة طفلة أي ناعمة، وأصل ذلك من الطفل؛ فإنه يقال للصبي طفلًا ما دام ناعمًا. فباعتبار النعومة يقال لها طفلة. وقد طفلت طفولة وطفالة. والطفل: اصفرار الشمس، وأنشد: [من الرمل] 947 - وعلى الأرض غيايات الطفل

فصل الطاء واللام

وطفلت الشمس: همت بالؤود. ومنه: الطفيلي؛ يقال طفل: إذا أتى طعامًا غير مدعو إليه، من طفل النهار، وهو إثباته في ذلك الوقت. وقيل: الطفيلي نسبة إلى رجل يقال له طفيل العرائس، وكان معروفًا بحضور الدعوات. وفي حديث الاستسقاء: ((وقد شغلت أم الصبي عن الطفل)) هو كقولهم: ((في أمر لا ينادى وليده)) أي لشدة الأمر اشتعلت أم الطفل عنه، وأين هذا من قوله تعالى: {تذهل كل مرضعة عما أرضعت} [الحج: 2] فصل الطاء واللام ط ل ب: قوله تعالى: {ضعف الطالب والمطلوب} [الحج: 73] الأصل في ذلك أن الكفار كانت تطلي أصنامها بالزعفران وغيره، فيجيء الذباب يلحسه، فضرب الله ذلك مثلًا لضعفهم فقال: {إن الذين تدعون من دون الله} إلى أن قال: {وإن يسلبهم الذباب شيئًا} [الحج: 73]. {ضعف الطالب} وهو الأصنام، {والمطلوب} وهو الذباب. وحمل الآية على أعم من ذلك أظهر. وأصل الطلب الفحص عن وجود الشيء عينًا كأن ذلك الشيء أو معنى. وأطلبته: أسعفته بما طلب. وإذا أحوجته إلى الطلب: وجدته كذلك. وأطلب الكلا، أي تباعد حتى صار بحيث أن يطلب، وحقيقته صار ذا طلب، نحو أحصد الزرع. قال: ((لم أر كاليوم مطلوبًا ولا طالبا)) والطلبة: هي الشيء المقصود بالطلب، ومنه ظفر فلان بطلبته. ط ل ح: قوله تعالى: {وطلح منضود} [الواقعة: 29]. قيل: الطلح: الموز، والمنضود:

المتراكب بعضه على بعض. وعن علي: ((أنه كان يقرأ (وطلع) - بالعين- ويقول: ما الطلح؟)) وهذا لا ينبغي أن يصح عن مثله. وقيل: الطلح: شجر عظيم بالبادية كالسمر ونحوه، إلا أنه تعالى وصفه بخلاف صفته الدنيوية، فذكر أنه نضد بالثمرة من أوله إلى آخره. وقيل: هو شجر حسن اللون لخضرته، له رفيف ونور طيب، فخوطبوا ووعدوا بما يحبون وذلك لكثرة ظله، وهم يحبون الظل، ولذلك وعدوا به في مواضع. والواحد طلحة. وإبل طلاحي: منسوب إلى الطلح لأكله منه. وإبل طلحة: مشتكية من أكله. والطلح والطليح: المهزول المجهود. ومنه: ناقة طليح أسفار. والطلاح منه، وهو مقابل الصلاح. ط ل ع: قوله تعالى: {ونخل طلعها هضيم} [الشعراء: 148] الطلع: ما ينشق عنه الجف أول ما يبدو، ثم هو بلح. والهضيم: الخفيف، وهو أحسن له. وسيأتي إن شاء الله تعالى؛ سمي بذلك لطلوعه من الكفرى. قوله: {طلعها كأنه رؤوس الشياطين} [الصافات: 65] يجوز أن يكون ذلك حقيقة، وأن الله خلق شجرة لها طلع بشيع المنظر، فقيل ذلك لأنهم أنفر شيء من الجن، كما أنهم آنس شيء بالملك خطبوا بذلك حقيقة. وقد كثر في الحديث والأخبار رؤية الجن، فيجوز أن يكونوا رأوها على تلك الهيئة المخيفة. وبلغني في ذلك وقوع مثله ولو لواحد لا لكل فرد من الناس. ومن طالع أخبار العرب عرف من ذلك شيئًا كثيرًا. وقيل ذلك على سبيل الاستعارة التخييلية، والأول هو الحق. قوله تعالى: {حتى مطلع الفجر} [القدر: 5] أي إلى طلوع الفجر، فهو مصدر؛ قرئ بفتح اللام وهو القياس وله أخوات وردت بالكسر والفتح، والفتح القياس

كالمشرق والمغرب والمنبت. وطلعت الشمس طلوعًا: بدت تشبيهًا بإنسان قد أشرف من علو؛ يقال: طلع علينا واطلع؛ قال تعالى: {فاطلع فرآه} [الصافات: 55] {أطلع إلى إله موسى} [القصص: 38] وهو افتعال من الطلوع. واستطلعت رأيه: استشرته، كأنك سألت رأيه الطلوع عليك، وطليعة القوم: عينهم الذي يتقدمهم. وطلاع الأرض: ملؤها. وفي الحديث: (طلاع الأرض ذهبًا). وطلاع الأرض: ملء الأرض منها. ومنه: قوس طلاع، أي تملأ الكف. قوله: {تطلع على الأفئدة} أي تشرف على القلوب استشراف من يطلع على الشيء. والمراد بها أنها تصل إلى أرق شيء فيهم. نسأل الله العافية. ط ل ق: قوله تعالى: {الطلاق مرتان} [البقرة: 229]. الطلاق لغة: التخلية من الوثاق. يقال: أطلقت البعير من عقاله، وأطلقت لك من مالي كذا: خليت عنه. وأما شرعًا فهو حل عقدة النكاح، بقول صريح أو كناية من زوج بشروط مذكورة في موضعها، وفيه معناه اللغوي أيضًا لأنه تخلية للمرأة من وثاق الزوج. ويقال: طلقت المرأة فهي مطلقة وطالق، ويقال للحلال طلق، أي أنه غير مقيد على أحد شرعًا. والمطلق يقابل المقيد لغة وعرفًا. قوله تعالى: {والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء} [البقرة: 228] فهذا عام في الرجعيات والبائنات. قوله: {وبعولتهم} [البقرة: 228] خاص بالرجعيات. وله مخصصات أخر استوفيناها في (القول الوجيز). قوله: {فإن طلقها فلا جناح عليهما أن يتراجعا} [البقرة: 230] أي فإن طلقها الزوج الثاني. وانطلق فلان: مر مرورًا مخلى عنه. ويستعار التطليق لفراق الألم. وأنشد النابغة: [من الطويل] 948 - يسهد من ليل التمام سليمها ... تطلقه طورًا وطورًا تراجع

يعني الحية التي ذكرها قبل ذلك في قوله: [من الطويل] 949 - فبت كأني ساورتني ضئيلة وعدا الفرس طلقًا أو طلقين اعتبارًا بتخلية سبيله. وإطلاق اليد: عبارة عن سخائها كقولهم في العكس: يده مغلولة، وغلت يده. وفلان طلق المحيا، وطلق الوجه وطليقة: عن حسن خلقه. كقوله: [من الطويل] 950 - عدس ما لعباد عليك إمارة ... غدوت وهذا تحملين طليق والطليق أيضًا ضد الأسير، وفي المثل: ((هان على الطليق ما لقي الأسير)). ط ل ل: قوله تعالى: {فإن لم يصبها وابل فطل} [البقرة: 265] الطل: المطر اليسير كالندى، وهو الطش أيضًا. وأطلت الأرض فهي مطلولة: أصابها طل. ومنه: طل دم فلان: إذا هدر كأنه غير معتد به وصار أثره كأنه طل. ومنه في الحديث: ((ومثل ذلك يطل)) ويروى: بطل بين البطلان. وفي حديث آخر: ((فطلها رسول الله صلى الله عليه وسلم)) أي أبطلها. يقال: طل دمه؛ فهو مطلول. وأطله الله. ولا يقال: طل دمه، مبنيًا للفاعل، وجوزه الكسائي. وفي حديث يحيى بن يعمر: ((أنشأت وتطلها)) أي تسعى في بطلان حقها من طلول الدم. ويكون طل متعديًا بهذا المعنى؛ يقال: طل فلان غريمه. ولما كان الطلول يستعمل في الشيء القليل قيل لأثر الدار: طلل. وأنشد: [من مجزوء الوافر]

فصل الطاء والميم

951 - لمية موحشًا طلل ... يلوح كأنه خلل وقال امرؤ القيس: [من الطويل] 952 - لمن طلل أبصرته فشجاني ... كخط زبور في عسيب يمان وطلل الرجل أيضًا لشخصه المترائي. وقولهم: أطل فلان: معناه أشرف بطله، أي بشخصه. فصل الطاء والميم ط م ث: قوله تعالى: {لم يطمثهن إنس قبلهم ولا جان} [الرحمن: 56]. الطمث في الأصل: دم الحيض ودم الافتضاض ثم تجوز به نفس الافتضاض. فيقال: طمث فلان فلانة، أي أصابها فأدماها. وقد يقال ذلك وإن لم يكن ثم دم. وقيل للحائض طامث. وطمثت المرأة، بفتح العين وكسرها: حاضت. وطمثت: افتضت. وقرئ: {لم يطمثهن} بكسر العين وضمها وهما لغتان. وقرئ شاذًا بفتح العين. وقيل: الطمث: المس. وأنشد للفرذدق: [من الوافر] 953 - دفعن إلي لم يطمثن فبلي ... وهن أصح من بيض النعام وقال ابن عرفة: لم يطمثن: لم يمسهن رجل ولا حبل. ط م س: قوله تعالى: {ربنا اطمس على أموالهم} [يونس: 88] أي أهلكها. وفي

التفسير أنه جعل منكرهم حجارة وهو المسخ في الحقيقة. وأصل الطمس محو الأثر، ومنه طمس الأثر، وطسم مقلوبة. وطريق طامس: إذا لم يبق فيه أثر ولا علم. وأنشد لكعب بن زهير: [من البسيط] 954 - عرضتها طامس الأعلام مجهول قوله تعالى: {من قبل أن نطمس وجوهًا} [النساء: 47] أي نجعلها مثل أقفائها لا عين ولا فم ولا أنف كالقردة. ومنه قوله تعالى: {ولو نشاء لطمسنا على أعينهم} [يس: 66] أي محونا أثرها وأزلنا ضوءها كما يزال الأثر. وقيل: {من قبل أن نطمس وجوهًا}؛ ذلك في الدنيا بأن نجعل الشعر على وجوهكم فيكسوها، فتصير وجوهكم كوجوه القردة، وقد وقع ذلك لأسلافهم. وقيل: معناه: نردهم من الهداية إلى الضلالة كقوله: {وختم على سمعه وقلبه وجعل على بصره غشاوة} [الجاثية: 23]. وقيل: عنى بالوجوه الرؤساء والأكابر، أي نجعل رؤساءهم أسافل وأذنابًا كقول الأفوه الأودي: [من البسيط] 955 - فالأذناب أكتاد وذلك أعظم أسباب البوار. ومثله: ((وأن ترى الحفاة العراة رعاء الشاء يتطاولون في البنيان)). وقيل ذلك إشارة إلى ما يفعل بهم في الآخرة. وقيل: الطمس: استئثار أثر الشيء. ومنه قوله تعالى: {فإذا النجوم طمست} [المرسلات: 8]. ومنه طمست الريح آثار القوم.

ط م ع: قوله تعالى: {لم يدخلوها وهم يطمعون} [الأعراف: 46]. الطمع: نزوع الشيء إلى الشيء شهوة له. وطمع في كذا طمعًا وطماعية فهو طامع وطمع. ولما كان أكثر الطمع من جهة الهوى قيل: الطمع طبع ثانٍ. والطمع يدنس الإهاب. وقولهم: الطمع ذل، يعنون أن الطامع في معروف رجل يذل له. ومن ثم قيل: اليأس غنى. ط م أن: قوله تعالى: {ألا بذكر الله تطمئن القلوب} [الرعد: 28] أي تسكن وتستقر. قيل: والاطمئنان: سكون بعد انزعاج، وفي ذلك تنبيه على أن أكثر العبادة تكسب اطمئنان النفس المشار إليه بقوله: {ولكن ليطمئن قلبي} [البقرة: 26]. يقال: اطمأن يطمئن اطمئنانًا وطمأنينة. ووزن اطمأن افعلل كالاقشعرار والقشعريرة. وقيل: أصله طأمن، والهمزة قبل الميم، فقلبت الكلمة. وقيل: بل هما أصلان متقاربان لفظًا ومعنى. قوله: {يأيتها النفس المطمئنة} [الفجر: 27] أي الساكنة لما علمت من رضى ربها عنها بامتثال أمره واجتناب نهيه. والأنفس ثلاثة: أمارة، ولوامة، ومطمئنة. وأعلاها الثالثة وأدناها الأولى. وقد حققنا هذا فيما تقدم. قوله: {ولكن ليطمئن قلبي} ولم يقل ذلك عن شك. ولكن أحب أن يكون من أهل مقام من أنس بالرؤية وحظي بمشاهدة أفعاله تعالى وغير ذلك. قوله: {فإذا اطمأننتم} [النساء: 103] أي سكنتم بعد خوفكم وقلق قلوبكم من القتال الذي تذهب معه الألباب. ط م م: قوله تعالى: {فإذا جاءت الطامة} [النازعات: 34] هي القيامة سميت بذلك لأنها تطم على كل شيء، أي تغلب على كل شيء. وقيل: هي الصيحة الكبرى، أي التي يبعث بها الناس وهي النفخة الثانية. وأصله من الطم وهو الغلبة على الشيء. ومنه قيل

فصل الطاء والهاء

للبحر: طم وطم. ومنه: الطم والرم. وطم البحر: زخر. وفي الحيث، في صفة قريش: (ليس فيهم طمطمانية حمير). يقال: طمطم في كلامه، أي لم يفهمه لغرابته أو لكنته. ويقال للعجم طماطم. ورجل أعجمي: طمطمي، وإنما قال ذلك في حمير لأنهم يأتون في لغتهم بألفاظ منكورة غير معروفة، فشبهها بلغة العجم. وفي الحديث أيضًا في حق أبي طالب: ((هو في ضحضاح ولولاي لكان في الطمطام)) أي وسط النار، كذا فسر. وفيه أيضًا: ((ما من طامة إلا وفوقها طامة)) أي ما من داهية إلا وفوقها أكبر منها. وقد طم الماء ركية بني فلان، أي علاها. فصل الطاء والهاء ط هـ ر: قوله تعالى: {أن طهرا بيتي} [البقرة: 125] أي من المعاصي والأفعال المحرمة. وقد كان ذلك إلى أن حدث في أمر قريش ما حدث من وضع الأصنام حوله، وعبادتها دون الله تعالى فيه، ووضع الأنصاب فيه؛ حجارة يذبح عليها لآلهتهم فيقع الدم والفرث، إلى أن بعث الله نبيه محمدًا صلى الله عليه وسلم، فعاد الحق إلى نصابه وأحيا ملة أبويه إبراهيم وإسماعيل صلى الله عليه وسلم. وقيل: هو حث على تطهير القلب من محبة غير الله تعالى؛ قاله الراغب في قوله: {هو الذي أنزل السكينة في قلوب المؤمنين} [الفتح: 4] أنتهى. وعجبت منه كيف لم يذكر غير ذلك وهذا لا يشبه كلام علماء الظاهر وكيف يعمل بقوله: {للطائفين والقائمين والركع السجود}؟ [البقرة: 125] على أن الصوفية أولوا جميع ذلك. والطهارة: النظافة والمبالغة فيها. يقال: طهرت المرأة تطهر -بفتح العين في الماضي -ونقل طهرت -بالضم -قال بعضهم: والفتح أقيس، لأنه خلاف طمثت،

ولأنه يقال: طاهر مثل قائمة وقائم. ثم الطهارة ضربان: طهارة جسم وطهارة نفس، قال الراغب: وقد حمل عليه عامة الآيات. قلت: الظاهر من الآيات الواردة في ذلك إنما هي في طهارة الجسم لأن ذلك يتعبد به ظاهرًا. والطهارة شرعًا: رفع حدث وإزالة نجس، أو ما في معنى ذلك كالاستنجاء بغير الماء والتيمم، وعليه قوله تعالى: {وإن كنتم جنبًا فاطهروا} [المائدة: 6] أي بالماء أو ما يقوم مقامه من التراب، كما نصت الآية بعدها عليه. قوله: {ولا تقربوهن حتى يطهرن فإذا تطهرن} [البقرة: 222] فإذا انقطع دمهن أيضًا. وقد قرئ: {حتى يطهرن} بالتشديد. وقد أوضحنا مذاهب الناس في هذه المسألة في ((القول الوجيز)). وذكرنا استدلال كل طريق وما يرد عليه وما يجاب عنه والحمد لله. قوله: {إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين} [البقرة: 222] أي المزيلين للنجاسات، المتحرين في الطهارات لأن الطهارة أس العبادة. وقيل: التاركين للذنب، العاملين للصلاح. قوله: {فيه رجال يحبون أن يتطهروا والله يحب المطهرين} [التوبة: 108] قيل: نزلت في أهل قباء، وقد سألهم عليه الصلاة والسلام عن ذلك، فقالوا: ((لأنا نتبع الحجر الماء)) أي إذا استنجوا جمعوا بين الماء والحجر وهو الأفضل، ولابد من تقديم الحجر، وإلا فلا فائدة. وقيل: عنى تطهير النفس. قوله: {ومطهرك من الذين كفروا} [آل عمران: 55] أي مخرجك من زمرتهم، وأنزهك أن تفعل فعلهم. قوله: {لا يمسه إلا المطهرون} [الواقعة: 79] قيل: من كان على الطهارتين الكبرى والصغرى وقيل: عنى الملائكة. وقيل: معناه لا يبلغ حقائقه ومعرفته إلا من يطهر نفسه وينقى من درن

الفساد. قوله: {ولهم فيها أزواج مطهرة} [البقرة: 25] أي من درن الدنيا وأوساخها مما عليه نساء الدنيا من الحيض ونحوه. وقيل من الأخلاق السيئة، والكل مطلوب. و ((مطهرة)) جاءت على لغة النساء طهرت: ولو قيل: ((مطهرات)) لكان على لغة ((طهرن)). قوله: {إنهم أناس يتطهرون} [الأعراف: 82] أي من أفعالنا، قالوا ذلك على سبيل التهكم لما سمعوا. قوله: {هؤلاء بناتي هن أطهر لكم} [هود: 78]. قوله تعالى: {وأنزلنا من السماء ماء طهورًا} [الفرقان: 48]؛ الطهور بمعنى المطهر: قال الراغب: وذلك لا يصح من حيث اللفظ لأن فعولًا لا يبنى على أفعل وفعل، وإنما يبنى من فعل، يعنى أن فعولًا مثال مبالغة. وأمثلة المبالغة الخمسة لا تبنى إلا من الثلاثي في الغالب، وإلا فالسماع قد ورد في قولهم: أدرك فهو دراك. وقد اعترض بعضهم أيضًا على الشافعي بأنه كان يقتضي أن يتكرر التطهير به، وهو لا يقول بذلك. وأيضًا فإن الطهور قد ورد مرادًا به المبالغة في النظافة. قال تعالى: {وسقاهم ربهم شرابًا طهورًا} [الإنسان: 21] فإن فيه تنبيهًا على أنه بخلاف قوله: {ويسقى من ماء صديد} [إبراهيم: 16]. وأنشد: [من الطويل] 956 - عذاب الثنايا ريقهن طهور وهذا لا تطهير فيه لغيره، فكذا {ماء طهورًا} وقد فصلنا في هذه الاعتراضات كلها في غير هذا الموضوع. والطهور تارة يكون مصدرًا وهو مسموع كالوضوء والوقود والولوع. وقد يكون اسمًا لما يتطهر به. وقد يكون وصفًا كهذه الآية. وقيل: إن ذلك اقتضى التطهير من حيث المعنى، وذلك أن الطاهر ضربان: ضرب لا تتعداه الطهارة كالثوب فإنه طاهر غير مطهر به. وضرب يتعداه، فيجعل غيره طاهرًا به فوصف الله الماء بأنه طهور، تنبيه على هذا المعنى.

فصل الطاء والواو

فصل الطاء والواو ط ود: قوله تعالى {كالطود العظيم} [الشعراء: 63] الطود: الجبل، ويجمع أطواد. وبه يشبه الرجل الشجاع والرجل العظيم الخلق والمترغل في العلم، فيقال: فلان طود في كذا، نحو قولهم: هو جبل علم، وفي اعلم. ووصفه بالعظم لكونه فيما بين الأطواد عظيًا، لا لكونه عظيما فيما بين سائر الجبال، كذا قال الراغب. ط ور: قوله تعالى: {والطور} [الطور: 1] قيل: هو اسم لكل جبل وقيل لجبل مخصوص. وقيل: هو جبل بالأرض. والظاهر أنه في الأصل اسم لكل جبل بدليل تخصيصه بالإضافة في قوله: {وطور سنين} [التين: 2] وقوله {تخرج من طور سيناء} [المؤمنون]. وتكون أل هنا للعهد، وذلك الطور المضاف إلى سينين أو سيناء يجوز أن يكون للجنس: أقسم بهذا الجنس. قوله تعالى: {خلقانكم من تراب قم من نطفة ثم من علقة ثم من مضغة} [الحج: 5]. وقيل: هو إشارة إلى اختلاف خلقهم وخلقكم. وقيل: إشارة إلى قوله: {واختلاف ألسنتكم وألوانكم} [الروم: 22] والتقدير: خلقكم طورا بعد طور. ويقال: فعل كذا طورا بعد طور، أي تارة بعد أخرى. والطور والطوار للدار: ما امتد معها من بنائها، ثم استعير ذلك لمجاورة الإنسان قدره، فيقال: عدا فلان طوره، أي حده، وقال سطيح الكاهن: [من البسيط] 957 - فإن ذا الدهر أطوار دهارير أي أحوال مختلفة تارة ملك وتارة هلك، وتارة غني وتارة فقير. أطوار: أحوال، أي

متطورين، ويجوز أن ينصب مصدرًًا أي خلقا ذا أطوار. ط وع: قوله تعالى: {فطوعت له نفسه} [المائدة: 30] أي سهلت وزينت. وقيل: تابعت. وعن مجاهد: شجعته. وقيل: أعانته، وكله متقاربة. وطوعت وطاوعت واحد، وهما أبلغ من أطاعت. والطواعية والطاعة: الانقياد للأمر ضد العصيان. يقال: طاع يطوع طوعًا، وأطاع يطيع طاعة، والقياس إطاعة، ولكنه على حذف الزوائد، كقولهم: أعطى عطاًء، و {أنبتكم من الأرض نباتًا} [نوح: 17] ويقال: هو اسم مصدر كسبحان اسم للتسبيح. والطوع أيضا الانقياد، ويضاده الكرة؛ قال تعالى {ائتيا طوعا أو كرها} [فصلت: 11] {ولله يسجد من في السماوات والأرض طوعًا وكرها} [الرعد: 15]. {وله أسلم من في السموات والأرض طوعًا وكرهًا} [آل عمران: 83]. قال بعضهم: والطاعة مثله، لكنه أكثر ما يقال في الائتمار فيما أمر والارتسام فيما رسم. قوله تعالى: {هل يستطيع ربك أن ينزل علينا مائدة} [المائدة: 112] قرئ بإسناد الفعل إلى الرب؛ فقال بعضهم: إنه السائلين ليسوا بمؤمنين. وقيل: بل كانوا مؤمنين، وأجيب عنهم بأجوبة أحدها أنهم لم يقصدوا قصد القدرة، وإنما قصدوا هل تقضي الحكمة أن يفعل ذلك؟ الثاني أن يستطيع بمعنى يطيع؛ يقال: استطاع وأطاع بمعنى واحد. والمعنى: هل يستطيع أن يجيب سؤالنا فيما نسأله كقوله تعالى: {ما للظالمين من حميم ولا شفيع يطاع} [غافر: 18] أي يجاب، وإنهم قالوا ذلك قبل أن تقوى معرفتهم بالله تعالى. والمؤمن قد يجهل بعض الصفات العلية حتى يعلمها. ولذلك اختلف المسلمون في بعض الصفات العلية نفيًا وإثباتًا. وقرئ بإسناد الفعل إلى المخاطب ونصب الرب، وهي واضحة أي على تقدير سؤالك ربك نحو: هل يستطيع يا فلان الأمير أن يعطيني؟ قوله تعالى: {طاعة وقول معروف} [محمد: 21]، أي ليكن منكم طاعة.

وقيل: تقديره طاعة وقول معروف أمثل بكم. وسوغ الابتداء بالنكرة العطف عليها. وقيل: الأصل أطيعوا، ثم أبدل من الفعل مصدر منصوب نحو: {فضرب الرقاب} [محمد: 4] ثم رفع خبر المبتدأ محذوف مبالغة، أي أمركم طاعة كقوله: {فصبر جميل} [يوسف: 18] وقد صرح الشاعر بما قدرناه من المبتدأ في قوله: [من الطويل] 958 - فقالت: على اسم الله أمرك طاعة ... وإن كنت قد كلفت ما لم أعود قوله تعالى: {مطاع ثم أمين} [التكوير: 81]؛ مطاع اسم مفعول من أطعته فهو مطاع. ومعناه إن كان المراد به جبريل أنه مطاع الأمر فيما يأمر به عن الله في ذلك المكان العالي لملائكة ربه كخاصة الملك إذا أمروا بعض الخدم. وإن كان المراد به نبينا صلى الله عليه وسلم فالمعنى مطاع فيما يسأله ربه ويدعوه به ويقويه. قوله في حديث الشفاعة: ((ارفع رأسك وقل تسمع واسأل تعط واشفع تشفع)) وهذا هو المشار إليه بقوله تعالى: {عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا} [الإسراء: 79]. قوله تعالى: {فمن تطوع خيرا} [البقرة: 184] أي تنفل بالطاعة مما لا يفترض. وأصل التطوع تكلف الطاعة. غلب في العرف على التطوع بما لا يلزم من العبادات. ومنه الحديث: ((المتطوع أمير نفسه)). قوله تعالى: {من استطاع إليه سبيلا} [آل عمران: 97] قد فسر النبي صلى الله عليه وسلم الاستطاعة بوجود الزاد والراحلة وأمن الطريق. والاستطاعة نوعان: استطاعة بنفسه واستطاعة بغيره كما هو مشروح في غير هذا حسبما بيناه في ((القول الوجيز)). والاستطاعة: استفعال من الطوع فأفعلت بالحذف وعوض منه بالتاء كالاستقامة. قال بعضهم في تفسيرها: وذلك وجود ما يصير به الفعل متأنيًا. قال: وهو عند المحققين اسم المعاني التي بها يتمكن الإنسان مما يريده من إحداث الفعل، وهي أربعة أشياء: بنية مخصوصة للفاعل، وتصور للفعل، ومادة قابلة

لتأثيره، وآلة إن كان الفعل إليًا كالكتابة؛ فإن الكاتب محتاج إلى هذه الأربعة في إيجاده للكتابة ولذلك يقال: فلان غير مستطيع للكتابة إذا فقد واحدًا من هذه الأربعة فصاعدًا. ويضاده العجز وهو أن لا يجد أحد هذه الأربعة فصاعدًا، ومتى وجد هذه الأربعة كلها فمستطيع مطلقًا، ومتى فقدها فعاجز مطلقًا، وجد بعضها دون بعض فمستطيع من وجه عاجز من وجه. ولأن يوصف بالعجز أولى. والاستطاعة أخص من القدرة، وقال بعضهم: الاستطاعة الإمكان، والإمكان إزالة الموانع، وقوله: {من استطاع إليه سبيلا} فإنه يحتاج إلى هذه الأربعة، وقد مر تفسيره عليه الصلاة والسلام لها. قال الراغب: قوله عليه الصلاة والسلام: ((الاستطاعة الزاد والراحلة)) فإنه بيان لما يحتاج إليه من الآلة، وخصه بالذكر دون الآخر إذ كان معلومًا من العقل، ومقتضى الشرع أن التكليف بدون تلك الأخر لا يصح. قلت: ويظهر جواب آخر وهو أنه عليه الصلاة والسلام إنما ذكر معظم الأشياء وهو هذان المذكوران وغيرهما كالتابع لهما: قوله: {لو استطعنا لخرجنا معكم} [التوبة:42] فالإشارة إلى عدم الآلة من المال والظهر. قوله تعالى: {ولن تستطيعوا ولو حرصتم} [النساء: 129] قيل: إنه قد يقال: فلان لا يستطيع كذا لما يصعب عليه فعله لعدم الرياضة، وذلك يرجع إلى افتقاده الآلة أو عدم التصور. وقد يصح معه التكليف، ولا بصير به الإنسان معذورًا، ومثله قوله: {إنك لن تستطيع معي صبرا} [الكهف: 67]. قوله تعالى: {فأرسلنا عليهم الطوفان} [الأعراف: 133] قيل: هو السيل المغرق.

وعن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه فسره بالموت. قال بعضهم: الطوفان من كل شيء: ما كان مطبقا بالجماعة كالموت الجارف والغرق الشامل والقتل الذريع. وقال آخرون: الطوفان: كل حادثة تحيط بالإنسان. وصار متعارفا في الماء المتناهي في الكثرة لأجل أن الحادثة التي نالت قوم نوح عليه الصلاة والسلام كانت ماء. قوله تعالى: {إذا مسهم طائفة من الشيطان تذكروا} [الأعراف: 201] الطائف في الأصل اسم فاعل من اسم طاف يطوف حول الشيء: إذا دار من جميع جوانبه وأحاط به. فيقال: طاف يطوف طوفًا وطوافًا. ومنه الطواف حول الكعبة لقوله: {أن طهرا بيتي للطائفيين} [البقرة: 125] ثم استعير للطائف من الجن والخيال والحوادث تخيلا أن كلاً من هذه الأشياء قد طاف بالإنسان من جميع جهاته. وأحاط به إحاطة من يطوف به. فالطائف: من يدور حول الشيء يريد اقتناصه وأخذه. وقرئ ((طيف)) وهو خيال الشيء وصورته المترائية له في المنام واليقظة. وقيل: الطيف: الجنون. وقال ابن عرفة: الطيف والطائف يرجعان إلى معنى واحد. وأنشد: [من الطويل] 959 - فو الله ما أدري أطائفة جنة ... * تأوبني، أم لم يجد أحد وجدي وقال مجاهد: طائف غضب، وقال أبو عبيدة: ما طاف به من وسوسته. وقال أبو منصور: أصل الطيف الجنون. وقيل: الغضب طيف لتغير عقل الغضبان. وقيل: أصل طيف طيف كميت وميت. قيل: بل هما مادتان: طاف يطوف ويطيف، فطيف منه لا من يطوف. قوله: {فطاف عليها طائف من ربك} [القلم: 19] إشارة إلى ما أرسله عليها من نار أو ريح. قوله تعالى: {طوافون عليكم بعضكم على بعض} [النور: 58] عبارة عن

الخدم. قال أبو الهيثم: الطواف: الخادم الذي يخدمك برفق وعناية، وجمعه طوافون. وبهذا الاعتبار قال في الهرة: ((إنها من الطوافين عليكم والطوافات)). قوله تعالى {وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين} [النور: 2] {فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة} [التوبة: 122]. الطائفة في الأصل الجماعة من الناس والقطعة من الشيء. وقال بعضهم: تأويله: نفس طائفة. وقال آخرون: قد يقع على واحد صاعدًا، فهي إذا أريد بها الجمع فجمع طائف، وإذا أريد بها الواحد فيصح أن يكون جمعا، وكني به عن الواحد. ويصح أن يكون كراوية وعلامة. ولكن غالب الاستعمال، وهو الحقيقة، أنها من أسماء الجموع كالفرقة والجماعة. والطوف كناية عن العذرة وعن الحدث. وفي الحديث: ((لا يصل أحدكم وهو يدافع الطوف)). ويقال: أطاف أطيافًا: إذا قضى حاجته. والطوفة: نجو الصبي قبل أن يطعن العقي. وطائف القوس: ما يلي أبهرها. ط وق: قوله تعالى: {سيطوقون ما بخلوا به} [آل عمران: 180] أي يجعل لهم بمنزلة الطوق في أعناقهم، يعذبون به كالغل، وهذا حقيقة. وفي الحديث: ((طوق من سبع أرضين)). ومثل له: ((ماله شجاع أقرع فيطوق به)) وأصل الطوق يجعل العنق خلقه كطوق الحمامة، أو صنعة كطوق الذهب. ثم يجعل عبارة عن الأشياء اللازمة فيقال: طوقني فلان منته ونعمته، أي جعلها بمنزلة طوق في عنقي. وفي المثل: ((ضب عمرو عن الطوق)) هو عمرو ابن أخت جذيمة كان له طوق من ذهب، فلما اختطف وعاد لخاله في حكاية طويلة جيء بالطوق فضاق عنه. فقال جذيمة: شب عمرو عن

الطوق، فصارت مثلاً لمن كبر عن شيء. قوله: {وعلى الذين يطيقونه فدية} [البقرة: 184] أي يقدرون عليه، من أن أطاق كذا يطيقه إطاقة. وطاقة كطاعة من أطاع. وقرئ: {يطوقونه} من الطوق وهو القدرة. وقرئ: {يطيقونه} وفي الحرف قراءات توجيهها فيما هو أليق بها من هذا قوله: {ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به} [البقرة: 286]. قيل: الطاقة: اسم لما يقدر الإنسان أن يفعله بمشقة، وذلك تشبيه بالطوق المحيط بالشيء. فمعنى الآية: لا تحملنا ما يصعب علينا مزاولته. وليس معناه: لا تحملنا ما لا قدرة لنا به، وذلك لأنه تعالى قد يحمل الإنسان ما يصعب عليه، كما قال تعالى: {ويضع عنهم إصرهم} [الأعراف: 157] {ووضعنا عنك وزرك} [الشرح: 2] أي خففنا عنك العبادات الصعبة التي في تركها الوزر؛ قال الراغب وهو حسن، وينفعنا هذا في مسألة تكليف ما لا يطاق؛ وهو أن بعضهم استدل بها على جوازها، وتفسيره: وضع الوزر بتخفيف العبادة أيضا حسن؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن وزر بالمعنى المتعارف. وقيل في تفسير: ((ما لا طاقة لنا به)): إنها شماتة الأعداء. وأنشدوا: [من الكامل] 960 - أشمت بي الأعداء حين هجرتني ... * والموت دون شماتة الأعداء ط ول: قوله تعالى: {أولو الطول} [التوبة: 86] أي الغني. يقال: لفلان طول. أي غني. وقيل: المن والفضل. قد وصف الباري تعالى بقوله: {ذي الطول} [غافر: 3]

أي هو صاحب المن والفضل والغنى على الحقيقة. ولذلك عقبة بقوله: {لا إله إلا هو إليه المصر} [غافر: 3]؛ إشارة لقوله تعالى: {وأنفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه} [الحديد: 7]. وأصله من الطول دون القصر، ويستعمل في الأعيان والأعراض كالزمان؛ فيقال: زمن طويل؛ قال تعالى: {فطال عليهم الأمد} [الحديد]. ورجل طويل وطوال. والجميع طوال وطيال وهو شاذ. وأنشدوا: [من الطويل] 961 - تبين لي أن القماءة ذلة ... وأن أشداء الرجال طيالها ... وطوال الدهر لمدته الطويلة؛ كقوله: [من الطويل] 962 - طوال الدهر عشت بغير ليلي ... وأي الدهر كنت لها خليلا؟ ومن ذلك الطول لحبل الدابة أنشد لطرفة: [من الطويل] 963 - لعمرك إن الموت ما أخطأ الفتى ... لكالطول المرخي وثنياه باليد قوله تعالى: {إن الله قد بعث لكم طالوت ملكا} [البقرة: 247]. هو فالوت. قالوا: واشتقاقه من الطول؛ يروى أنه كان سقاء أو دباغا طوالا جسيما في قصة مشهورو، فسمي طالوت لطوله. ويؤيده قوله تعالى: {وزاده بسطة في العلم والجسم} [البقرة: 247]، وهذا لا يصح لأنه اسم أعجمي. والاشتقاق لا يدخل فيه. وكونه كان طويلا واسمه طالوت فمن الاتفاق. ط وي: قوله تعالى: {طوي} [طه: 12] قرئ منونًا وغير منون، بتأويل المكان أو

البقعة. قيل: هو اسم الوادي الذي حصل وقيل: جعل ذلك إشارة إلى حالة حصلت له على طريق الاجتباء، فكأنه قال: طوي عنك مسافة لو احتيج أن ينالها في الاجتهاد لبعد ذلك. وقيل: هو اسم أرض. وقيل: طوي: هو النداء مرتين. وقيل: هو مصدر طويت. قال الراغب: فيصرف، ويفتح أوله ويكسر نحو ثني وثني. قال: ومعناه: ناديته مرتين. وقيل: المقدس مرتين. وعن قطرب: هو اسم ساعة من الليل. والمعنى؛ قدس لك ساعة من الليل، أو إنك بالوادي المقدس ليلا. وقيل: هو اسم أعجمي، ومن ثم منع. وقد قرئ بجميع ما ذكرته. وتحقيقه في ((الدرر)) و ((العقد)). قوله: {يوم نطوي السماء} [الأنبياء: 104]. الطي: لف الشيء بعض على بعض كطي الدرج. وقد مضي في باب السين تفسير طي السماء كذلك، ويعبر بالطي عن مضي العمر. وأنشد [من الرجز] 964 - [ناٍج] طواه الأين مما وجفا ... طي الليالي زلفا فرزلفا وقال آخر: [من الوافر] 965 - طوتك خطوب دهرك بعد نشر قوله تعالى: {والسماوات مطويات بيمينه} [الزمر: 67] يجوز أن تكون بمعنى طي السجل وأن تكون بمعنى المضي. والمعنى أنها مهلكات كما أخبر عنها بقوله تعالى: {يوم تمور السماوات مورا} [الطور: 9]. والطي أصله طوي فأدغم. وفي الحديث ((يا محمد اعمد لطيتك)) أي لقصدك. يقال: رجع لطيته، بتشديد الياء وتخفيفها.

فصل الطاء والياء

فصل الطاء والياء ط ي ب: قوله تعالى: {سلام عليكم طبتم} [الزمر: 73] قال الفراء: زكوتم. قال ابن عرفة: حقيقته صلحتم للجنة لأن الذنوب والمعاصي مخابث؛ فإذا أراد الله تعالى دخولهم الجنة غفر لهم تلك الذنوب فذهبت عنهم تلك المخابث والأرجاس. وتقول العرب: طاب لي هذا: فارقته المكاره، وطاب له العيش. وينشد قول الشاعر: [من الوافر] 966 - تحربت الجبابر بعد حجٍر*وطاب لها الخوزنق والدير أي فارقها ما تكرهه في هذين الموضعين. قيل: وأصل الطيب ما تستلذه الحواس. والطعام الطيب شرعا ما كان متناولا من حيث ما يجوز، وبقدر ما يجوز، ومن المكان الذي يجوز، فإنه متى كان كذلك كان طيبا عاجلا ((أو آجله لا يستوخم، وإلا فإنه [وإن] كان طيبًا عجلًا)) لم يطب آجلًا. وعلى ذلك قوله تعالى: {كلوا من طيبات ما رزقناكم} [البقرة: 57] وهذا هو المراد بقوله: {قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق} [الأعراف: 32]. بقوله: {اليوم أحل لكم الطيبات} [المائدة: 5] قيل: الذبائح. والطيب عند أهل السنة المستلذ، وعند المعتزلة الحلال، ويرد عليم لزوم التكرار في قوله: {حلالا طيبا} [البقرة: 168]. قوله: {ورزقكم من الطيبات} [الأنفال: 26] قيل: عني الغنائم. قوله: {والطيبات للطيبين} [النور: 26] قيل: المراد الأزواج الطيبات للرجال [الطيبين]، أي العفائف للعفيفين. وقيل: الطيبات من الكلام للطيبين من الرجال، أي لا يقولون فحشا. والطيب المطيب بمعنى الطاهر. ومنه قول علي رضي الله عنه لما التمس من النبي صلى الله عليه وسلم ما يلتمس من الميت فلم يجده: ((طبت حيًا وميتًا)). وقيل: الأعمال الطيبات موفق لها الطيبون، تنبيها أن الأعمال الطيبة تكون من الطيبين كما روى: ((المؤمن أطيب من عمله والكافر أخبث من عمله)).

قوله: {ولا تتبدلوا الخبيث بالطيب} [النساء: 2] أي الأعمال السيئة بالأعمال الصالحة. وقيل: إنهم كانوا يأخذون شاة هزيلة يضعونها في مال اليتيم ويأخذون بدلها سمينة. وقيل: كانوا يعمدون إلى رذالة التمر وغيره فيتصدقون به ويبقون لأنفسهم الطيب كقوله: {ولا تيمموا أخبيث منه تنفقون} [البقرة: 267]. قوله: {ومساكن طيبة} [التوبة:72] أي مطهرة مما عليه مساكن الدنيا من خوف الخراب وطرق العدو وغير ذلك. ومثل ذلك: {بلدة طيبة ورب غفور} [سبأ: 15] فإن بلادهم كانت حصينة قليلة الوحش والهوام فلا يشكروا هذه النعمة. وقيل: إشارة إلى الجنة وجوار رب العزة. قوله: {والبلد الطيب} [الأعراف: 58] يريد: الكريم المنبت الزكي. قوله: {صعدا طيبا} [النساء: 43] أي طاهرا لا نجاسة فيه، ومن ذلك سموا الاستنجاء استطابه لأنه تحصيل للطيب وهو الطهارة. وفي ((التحيات والصلوات الطيبات)) أي من الكلام مصروفات لله تعالى كالتسبيح والتقديس ونحو ذلك. وفي الحديث: ((نهي أن يستطيب الرجل بيمينه)) أي يستنجي. وقد مر تفسيره. وفي الحديث: ((نهي أن تسمى المدينة يثرب لأن الثرب هو الفساد، وأمر أن تسمى طيبة وطابة لطيبتها)) لقوله في حديث آخر: إن المدينة طيبة تنفي خبثها. والطابة أيضا: العصير، لطيبه، ومنه أنه ((سئل طاووس عن الطابة تطبخ على النصف)). وفي حديث المولد: ((المطيبين الأحلاف)) أي الذين غمسوا أيديهم في الطيب ليحلفوا إيمانا مؤكدة، وهم في قريش خمس قبائل: بنو عبد الدار، وجمح، وسهم، ومخزوم، وعدى بن كعب في قصة طويلة، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر من المطيبين وعمر من الأحلاف. وفي المثل: ((ذهب من الأطيبان)) قيل: النوم والأكل. وقيل: الأكل والنكاح.

قوله تعالى: {طوبي لهم} [الرعد: 29] هي من الطيب، وإنما قلبت التاء واوًا لانضمام ما قبلها، وهما لغتان في كل صفة على فعلى عينها معتلة نحو طيبي وطوبي، وقد قرئ بهما. ورجل كوسي وكيسي، وصيفي وصوفي. وقيل: ((هي شجرة في الجنة)) فذكر من صفاتها أنه ليس بيت في الجنة إلا وفيه غصن من أغصانها، وإن الراكب المجد يسير في ظلها خمس مئة عام. وأحوال الآخرة لا تدخل تحت العقل. وقيل: بل هي إشارة إلى كل مستطاب في الجنة من غني بلا فقر، وبقاء بلا فناء، وشباب بلا هرم، وري بلا ظمأ، وشبع بلا جوع. وهذا كله واقع والله أعلم بما أراد. قوله: {إليه يصعد الكلم الطيب} [فاطر: 10] هو ذكر الله تعالى، وتلاوة القرآن، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، وإغاثة الملهوف، وإعانة المظلوم، كقوله تعالى: {لا خير في كثير من نجواهم} [النساء: 114]. ط ي ر: قوله تعالى: {فيكون طيرا} [آل عمران: 49] وقرئ {طائرا}؛ وقيل: الطير جمع طائر نحو راكب وركب، وصاحب وصحب. والطائر: كل ذي جناح يسبح في الهواء. طار يطير طيرانا. قيل: لم يخلق من الطير غير الخفاش. وكان يطير ثم يقع ميتا لا ينسل. قوله: {وكل إنسان الزمناه طائره في عنقه} [الإسراء: 13] أي عمله الذي طار عنه من خير وشر. قوله: {يطيروا بموسى ومن معه} [الأعراف: 131] أي يتشاءموا به. وأصله أن الرجل منهم كان إذا أراد أمرا نفر الطير؛ فإن أخذ الطير يمينا تفاءلوا به، وإن أخذ يسارًا تشاءموا به. فأصل ((يطيروا)) يتطيروا أي يتفعلوا ذلك. ويقال لطائر اليمين السانح وللآخر البارح. وفي حديث: ((أقروا الطير في وكناتها)) هو نهيهم عن ذلك.

قوله: {ألا إنما طائرهم عند الله} [الأعراف: 131] أي ما قد أعد الله لهم من سوء الجزاء، وهو شؤمهم لسوء صنيعهم. وقيل: طائر الإنسان: ما قدر له في علم الله تعالى، وطار له. يقال: أطرت كذا وطيرته: قدرت وقسمته. ومنه ((أطرت بين نسائي)) أي قسمت، فكان لكل منهن طائر، أي حفظ ونصيب، قوله: {كان شره مستطيرا}، والكاذب وهو أي منتشرًا فاشيًا من أطار النجم: إذا انتشر. وقال الحماسي: [من البسيط] 967 - قوم إذا الشر أبدى ناجذيه لهم ... طاروا إليه زرافات ووحدانًا وقال ابن عرفة: مستطيرًا: مستطيلًا، وأنشد قول الأعشى. وقال غيره: مستطيرًا: فاشيا فشو الصبح المستطير. والفجر المستطيرلا المستطيل باللام: الذي شبهه عليه الصلاة والسلام بذنب السرحان، وهو الذئب. قال بعضهم يقال: فجر مستطير وغبار مستطار خولف بين بنائهما فتصور الفجر بصورة الفاعل، والغبار بصورة المفعول. وفرس مطار أي سريع. ويقال ذلك للحديد الفؤاد. وقولهم: ((خذ ما تطاير من شعر رأسك)) أي ما انتشر حتى كأنه طار. ط ي ن: قوله تعالى: {وخلقته من طين} [الأعراف: 12]. الطين: التراب الذي عجن بالماء. قيل: وقد يسمى بذلك وإن زالت عنه قوة الماء. ويقال: طنت الكتاب أطينه طينًا، فهو طين نحو: بعت أبيعه بيعا فهو مبيع، والأصل مطيون، مفعول كمبيوع. وفي الحديث: ((ما من نفس فيها مثقال نملة من خير إلا طين عليها طينًا)) أي جبل عليها يوم القيامة. يقال: طانه الله على طينك، وطامه أيضًا. قيل: ((طينًا)) هنا مصدر على فعل نحو حان حينًا.

باب الظاء

بسم الله الرحمن الرحيم باب الظاء فصل الظاء والعين ظ ع ن: قوله تعالى:} يوم ظعنكم {[النحل: 80] الظعن: الارتحال. يقال: ظعن يظعن ظعنًا وظعنًا - بالسكون والفتح، وقد قرئ بهما - لغتان، فهو ظاعن، أي رحل وشخص. والظعينة: اسم للهودج ما كانت المرأة فيه، وإلا فهو هودج ومحمل. وقد توسع فيه فأطلق على المرأة وحدها ظعينًة، وإن لم تكن في هودجً. والجمع ظعائن. وقولهم: منا ظعن ومن أقام، تقديره: منا فريق ظعن ومنا فريق أقام، فحذف الموصوف. فصل الظاء والفاء ظ ف ر: قوله تعالى:} من بعد أظفركم عليهم {[الفتح: 14]. الإظفار: النصرة. والظفر: الفوز والانتصار. يقال: ظفر فلان بطلبته، وأظفرته بها. ولتضمنه معنى النصر عدي بعلي. وأصله من الظفر؛ فإن قوله ظفر بكذا، معناه أنشب ظفره في الشيء أي علق به فتمكن منه. يقال: ظفرت فلانًا - مشددًا - أي أنشبت ظفري فيه، عبارًة عن تمكنك منه. قوله:} ذي ظفر {[الأنعام: 146]؛ الظفر: يقال في الإنسان وفي غيره، وإن كان له اسم خاص في غير الإنسان. ألا ترى أن ظفر الإبل يقال لها المياسم، وظفر السباع يقا لها البراثن، وظفر الطير يقال لها المخالب؟ وأنشد لزهير بن أبي سلمى: [من الطويل] 968 - لدى أسدٍ شاكي السلاح مقذفٍ ... له لبد أظفاره لم تقلم ويعبر به أيضًا عن السلاح. ظفر وظفر وأظفور، والجمع أظفار وأظافير. وفلان ظفر، أي طويل الظفر. وفي الحديث: "وعلى عينيه - أي الدجال - ظفرة

فصل الظاء واللام

غليظة" قال الأصمعي: الظفرة: لحمة تنبت عند المآق. وأنشد: [من الرجز] 969 - بعينها من البكاء ظفره ... حل ابنها في السجن وسط الكفره وقال الراغب: الظفرة: جليدة تغشى البصر، تشبيهًا بالظفر في الصلابة. وقد ظفرت عينه: أصابها ذلك. وقيل: "إن الظفر كان لباس آدم وحواء عليهما السلام في الجنة". فلما وقع ما وقع نزع عنهما كما قال الله تعالى، وأبقى الله منه هذه البقية على رؤوس الأصابع ليتذكر بها ما وقع منهما، فبقيت في ذريتهما تلك البقية، والله أعلم. فصل الظاء واللام ظ ل ل: قوله تعالى:} في ظلالٍ وعيونٍ {الظلال جمع ظل، وهو ضد الصبح البارز للشمس، وهو أعم من الفيء؛ فإنه يقال: ظل الليل، وظل الحر. ولا يقال في الحر إلا بعد الزوال لأنه يفيء من جهة المغرب إلى جهة المشرق. والفيء: الرجوع. ومنه:} حتى تفيء إلى أمر الله {[المرسلات: 41] ولذلك غلط ابن السكيت الناس في تسميتهم الظل مطلقًا فيئًا. ويقال لكل موضعٍ لم تصل إليه الشمس: ظل. ولا يقال له في قوله تعالى:} يتفيؤوا ظلاله عن اليمين والشمائل سجدًا لله {[النحل: 48] أي أفياؤه يدل على وحدانية الله وينبئ عن حكمته. قوله:} وظلالهم بالغدو والآصال {[الرعد: 15]. قال الحسن: "أما ظلك فيسجد الله وأما أنت فتكفر به".وقد يعبر بالظل عن الإحسان، فيقال: أنا ظلك، وعن العز والمنازعة، وبه فسر قوله تعالى:} إن المتقين في ظلال وعيون وفواكة}

[المرسلات: 41 - 42]. وظلله الله وأظله: حرسه ومنعه. قال بعضهم: "وظلالهم"، أي أشخاصهم. والظل: يعرف به عن الشخص، قال ذلك بعض اللغويين مستدلاً بقول الشاعر: [من البسيط] 970 - لما نزلنا رقعنا ظل أخبيةٍ قال: وليس ينصبون الظل الذي هو الفيء وإنما ينصبون الأخبية. وبقول الآخر: [من الطويل] 971 - تتبع أفياء الظلال عشيًة أي أفياء الشخوص. قال الراغب: وليس في هذا دلالة فإن قوله: "رفعنا ظل أخبيةٍ" معناه رفعنا الأخبية فرفعنا بها ظلها، فكأنه يرفع الظل. وأما قوله: "أفياء الظلال" فالظلال عام والفئ خاص. وقوله: "أفياء الظلال" من إضافة الشيء إلى جنسه. قوله تعالى:} وندخلهم ظلا ظليلاً {[النساء: 57] أي كنيفًا مانعًا من الحر، ومما يؤذي أذاه من الغم والضيق. وقيل: هو كناية عن غضارة العيش. وقال ابن عرفة: أي دائمًا طيبًا. يقال: إنه لفي عيشٍ ظليلٍ، أي طيبٍ، قال جرير: [من الكامل] 972 - ولقد تساعفنا الديار، وعيشنا ... لو دام ذاك بما نحب، ظليل قوله تعالى:} وظل ممدودٍ {[الواقعة: 30] أي دائمٍ لا تنسخه الشمس. والجنة كلها ظل لا شمس فيها؛ كما قال العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه يمدحه عليه الصلاة والسلام: [من المنسرح]. 973 - من قبلها طبت في الظلال وفي ... مستودعٍ حيث يخصف الورق يشير إلى أنه كان عليه الصلاة والسلام طيبًا في صلب آدم عليه الصلاة والسلام.

وقال أبو بكرٍ: "ظل الجنة سترها والكينونة في دارها" وإلا فالشمس إنما تتعارف في الدنيا، هي معيار الظل باعتبار غيبوبتها وحجبها عن ذلك المكان الذي يوجد فيه الظل ولا شمس في الجنة. قوله تعالى:} ألم تر إلى ربك كيف مد الظل {[الفرقان: 45] هذه الآية من أشكل الآي في فهمها، وأحسن ما قيل فيها: إن معنى "مد الظل" أن جعله يبسط ويمشي وينتقل في الأمكنة التي كانت مشمولًة بالشمس، فينتفع به العالم انتفاعًا مشاهدًا في أبدانهم وزروعهم وثمارهم. ولو بقيت الشمس متسلطًة عليهم لأحرقت كل ذلك، وكذا لو لم تطلع عليهم لفسدوا أيضًا. قوله تعالى:} ولو شاء لجعله ساكنًا {[الفرقان: 45] أي لاصقًا بأصل كل شاخصٍ مطل لم ينبسط ولم ينتقل عن أصل ذلك الشاخص من بناءٍ أو جيلٍ أو شجرٍ، فلم ينتفع به ذلك العالم فيما ذكر، قسمي الله تعالى ابنساطه وانتقاله الانتقال المعهود امتدادًا وتحركًا، وعدم ذلك سكونًا. قوله:} ثم جعلنا الشمس عليه دليلاً {معناه أن الناس يستدلون بالشمس وأحوالها في المسير العجيب الذي لا يدخل تحت العقول على أحوال الظل في كونه ثابتًا في مكانٍ، وزائلاً عن آخر، ومتسعًا منبسطًا ولاصقًا متقلصًا، فيثبتون حاجاتهم على حسب ما يريدون. قوله:} ثم قبضناه إلينا {معناه: ننسخه بضحى الشمس بأن نطلقها فيسطع نورها أي شعاعها على تلك الأمكنة بالسير الذي قدرناه فيذهب .. قوله:} قبضًا يسيرًا {أي على مهلٍ وتأنٍ. ولو قبض الظل ونسخ دفعًة واحدًة لتعطلت منافع الناس وفسدت معايشهم ونباتهم وشجرهم بالشمس والظل معًا، فسبحان الحكيم الذي تاهت عقول الحكماء في حكمته. وإنما شرحت ألفاظ الآية، وإن المقصود الظل لأنه لا يفهم معناها إلا بمجموع كلماتها. وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب. قوله تعالى:} إلا أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام {[البقرة: 210] أي عذابه وأمره، وأما ذاته المقدسة فمنزهة عن الانتقال والحركة. وهي إما جمع ظلة: قطعة من السحاب لأنها تظل من تحتها. وقرئ} ظلال {، وهو جمع ظل أيضًا نحو غلبة وغلاب، وحفرةٍ وحفارٍ. وإما جمع ظل المراد به الشخص عند من يرى ذلك، وقد تقدم الاستدلال

به والجواب عنه. قوله:} موج كالظلل {[لقمان: 32] فقيل: هي شيء يشبه الظلمة، وبها شبهت الموجة. والأولى أن تكون على بابها، والتشبيه بها واضح لما فيها من التراكم والتلاحق. قوله:} هم وأزواجهم في ظلال على الأرائك متكئون {[يس: 56] قرئ "ظلال" جمع ظل. وقيل: جمع ظلة نحو برمة وبرام، وقد تقدم. وقرئ "ظلل" جمع ظلة، يعني على التشبيه بما هم من الظل بمن أظلته سحابة، فصارت عليه ظلة. ثم لم يكتف بذلك حتى جعلها ظللاً متراكمة مبالغًة في الوصف. وحكي في ظلل - بضمتين - فقيل: يجوز أن يكون جمع ظلالٍ ظللٍ، فهو جمع الجمع، وهذا مردود بقاعدة تصريفيةٍ؛ وهو أن فعالاً وفعالاً إن كانا مضاعفين أو معتلي اللام لزمها الجمع على أفعلةٍ نحو زمام وأزمة. وقد يقال: لما ورد في لسانهم كما يشهد بذلك مساغ القول. وقد قالوا: عنان وعنن وحجاج وحجج. وكان الذي حمل هذا القائل - والله أعلم - على القول بذلك مع شذوذه أن هذا اللفظ قد ورد في صفة أهل النار بقوله لهم:} من فوقهم ظلل {[الزمر: 16] جعل أطباق النار - أعاذنا الله منها - ظللاً لمن فيها وبئس الظل. فقوله:} لهم من فوقهم ظلل {ظاهر؛ فإن الظلة ما علا فأظل. وأما قوله:} ومن تحتهم ظلل {فباعتبار من تحتهم من المعذبين في الطبقة التي تحتهم، فبالنسبة إلى من فوق هي كالأرض، وإلى من تحت ظلة، وهذا كسقفين؛ فإن الذي تحت يقال فيه ظلة، وغير ظلة بالنسبة والإضافة، وهذا كقوله تعالى في المعنى:} وإن جهنم لمحيطة بالكافرين يوم يغشاهم العذاب من فوقهم ومن تحت أرجلهم {. قوله:} عذاب يوم الظلة {[الشعراء: 189] هي سحابة أنشأها الله تعالى كان فيها عذاب مدين؛ قيل: أصابهم ذلك اليوم حر عظيم إلى أن كادوا يهلكون، فأرسل الله ظلًة كثيفًة، أي سحابًة متراكمًة، فهرعوا إليها يستجيرون بها من الحر، فلما تكاملوا تحتها أطبقت عليهم بعذابها، فلم ير يوم مثله. وحكى الفراء: أظل يومنا، أي صار ذا ظل وهو السحاب. قوله تعالى:} انطلقوا إلى ظل ذي ثلاث شعبٍ لا ظليلٍ}

المرسلات: [30 - 31] سماه ظلاً تهكمًا بهم أو في الصورة من حيث إنه متراكب لا شمس فيه. ثم لما وصفه بوصفين بكونه ظلاً وبكونه [ساترًا] نفى عنه هذين الوصفين؛ فقال: ليس بظليلٍ على ما يتعارفونه، ونفى عنه فائدة الظل المتعارف، وهو أن من شأنه أن يغني من لهب النار وحرها. ويجوز أن يكون المعنى أن الظل، وإن كنتم تعهدونه يغني من الحر فهذا لا يغني من اللهب. قال الراغب: قوله:} لا ظليلٍ {أي لا يفيد فائدة الظل في كونه واقيًا من الحر. قلنا: هذا قد أفاد ولا يغني من اللهب. وأيضًا لو كان فائدة قوله:} لا ظليلٍ {ذلك لم يكن لقوله بعد، ولا يعني فائدًة لأنه إذا لم يق الحر علم أنه لا يغني من اللهب من باب الأولى والأحرى. وقوله:} ظلت عليه عاكفًا {[طه:97] أصلها ظللت، وإنما حذفت اللام الأولى للتضعيف والكسر، وفيه وفيما أشبهه ثلاث لغاتٍ: ظللت على الأصل، وظلت بالحذف مع بقاء الفاء على حركتها، وظلت بكسرها منبهًة على حركة المحذوف، وإن كانوا قد حذفوا أحد المثلين في المضاعف وإن لم يكن كسر نحو: أحست في أحسست، وهمت في هممت، وحلت في حللت. فلأن يحذفوا فيما فيه ذلك وحركة ثقيلة أولى. ومنه قول الشاعر: [من الوافر] 974 - سوى أن العتاق من المطايا ... أحسن به فهن إليه شوش يريد: أحسن. على أنه قد زعم بعضهم أنه جاء ذلك مع الفتح، وجعل منه:} وقرن في بيوتكن {[الأحزاب: 33] وليس كذلك حسبما بيناه في "الدر" و"العقد" وغيرهما. وأصل ظل الدلالة على اتصاف اسمها بمعنى خبرها نهارًا كدلالة بات على اتصافه به ليلاً. تقول: ظل زيد يقرأ، أي اتصف بالقراءة نهارًا. وبات يصلي، اتصف بها ليلاً، قال الشاعر: [من السريع].

975 - أظل أرعى وأبيت المحن ... الموت من بعض الحياة أهون وهي من أخوات كان ترفع اسمًا وتنصب خبرًا، وتكون تامًة إذا أريد بها الإقامة. وتكون بمعنى صار فتدل على الانتقال من حالٍ إلى آخرٍ كقوله تعالى:} ظل وجهه مسودًا {[النحل: 58]، إذ ليس المراد اتصافه بذلك نهارًا فقط. وقيل إنما ذكر وقت النهار لأنه أوضح، وهو الذي تظهر فيه. المخبآت. والعرب تقول: الليل ساتر للويل. وفي الحديث: "السلطان ظل الله في أرضه" قيل: ستره ووقايته. وقيل: خاصته. وقيل: المراد العزة والمنعة، وأنشد: [من الطويل]. 976 - فلو كنت مولى العز أو في ظلاله ... ظلمت ولكن لا يدي لك بالظلم ظ ل م: قوله تعالى:} لا ظلم اليوم {[غافر: 17] أي أنه تعالى يظهر عدله في ذلك اليوم لكل أحدٍ، وإن كان نفي الظلم عنه ثابتًا في غير اليوم أيضًا، ولكنه فيه أظهر لأنه يوم مجموع له الناس فيشاهد عدله تعالى جميع الخلائق، فلا يجازي بالسيئة إلا مثلها. وأما الحسنات فيضاعفها ويعفو عن سيئات بعض العباد، ولا عدل أتم من ذلك. ولما كان التوحيد عند الله بمكانٍ لا يوازي كان الجزاء عليه كذلك. ولما كان الشرك عنده تعالى أيضًا في باب المعاصي بمكانٍ لا يوازي كان الجزاء كذلك، ولو عذب الكافر بكل عذابٍ لم يواز كفره ولم يساوه لعظم ما أتى به. فنسأل الله العظيم أن يتوفانا مسلمين كما أمرنا به. والظلم عند أهل اللغة وكثير من العلماء وضع الشيء في غير موضعه المختص به، إما بنقصانٍ أو بزيادةٍ وإما بعدولٍ عن وقته أو مكانه. ومن ثم قالوا: ظلم السقاء: إذا تناوله في غير وقته أو مكانه، ويقال لذلك اللبن: ظليم. وقيل: هو أظلم من الحية؛ وذلك أن الحية تأتي الحجر فتغتصبها من أرباها. قال الشاعر: [من الرجز] 977 - وأنت كالأفعى التي لا تحتفر ... ثم تجيء حاذرًا فتنجحر ويقال: ظلم الأرض: إذا حفرها ولم تكن محلا للحفر، وتسمي المظلومة. قال

النابعة: [من البسيط] 978 - إلا الأواري لأيًا ما أبينها ... والنؤي كالحوض بالمظلومة الجلد والتراب الخارج منها ظليمً. وقيل: الظلم: التصرف في ملك الغير من غير إذنه. وقد ظلمني، أي تصرف في ملكي بغير إذني، ومن ثم انتفى الظلم عن الباري تعالى من كل وجهةٍ وعلى كل وجهٍ. فله أن ينعم العاصي ويعذب الطائع. وليس ذلك ظلمًا إذ الأشياء كلها ملك له تعالى. وقيل: الظلم مجاوزة الحد الذي يجري مجرى نقطة الدائرة. ويقال فيما يقل ويكثر من التجاوز. ولهذا يقال في الذنب الصغير والذنب الكبير: ظلم. قال الراغب: ولذلك قيل لآدم عليه الصلاة والسلام في تعديه: ظالم، ولإبليس: ظالم، وإن كان بين الظلمين بون بعيد. قلت: أما التباين بين ما ذكره فمسلم، ولكن وصفه آدم بذلك جراءة لا تجوز، فنبهت عليها لذلك. وقال بعض الحكماء: الظلم أنواع: الأول: بين العبد وربه وأعظمه الشرك والكفر والنفاق. ومن ثم قال الله تعالى:} إن الشرك لظلم عظيم {[لقمان: 13]، وإياه قصد بقوله:} ألا لعنة الله على الظالمين {[هود: 18]. والثاني: ظلم بينه وبين الناس، وإياه قصد بقوله تعالى:} إنما السبيل على الذين يظلمون الناس {[الشورى: 42]. والثالث: ظلم بينه وبين نفسه، وإياه قصد بقوله تعالى:} فمنهم ظالم لنفسه {[فاطر: 32]. وقوله:} ولا تقربا هذه الشجرة فتكونا من الظالمين {[البقرة: 35] أي لأنفسهم. قال: وكل هذه الثلاثة في الحقيقة ظلم للنفس فإن الإنسان أول ما يهم بالظلم قد ظلم نفسه، فإذًا الظالم أبدًا يبتدئ بنفسه في الظلم، ولهذا قال في غير موضعٍ:} وما ظلمهم الله ولكن أنفسهم يظلمون {[آل عمران: 117] قلت: وفي قوله:} فتكونا من الظالمين {فائدة حسنة وهو أنه تعالى علم أنهما يصيبان ما يصيبان فلقنهما الاعتذار. فمن ثم قالا:} ربنا ظلمنا أنفسنا {[الأعراف: 23] فتأيد أن الظلم في قوله:} من الظالمين {أي لأنفسكما. ثم إن الظلم المتوسط - وهو ظلم

العباد - أصعب الثلاثة من وجهٍ وهو الافتقار إلى الخروج من مظلمة ذلك الإنسان؛ إما برد ما غصبه وإما بإعلامه بما اغتابه وثلبه. وفي هذا من الصعوبة كما هو معروف عند كل أحدٍ بخلاف النوعين الآخرين؛ فإنهما لمجرد الندم والإقلاع والعزم على عدم العود يحصل الغرض وينتفى الظلم. قوله:} الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم {[الأنعام: 82] أي بشركٍ لأنه هو الظلم المؤثر في الإيمان. ولما سمعها الصحابة تبادر فهمهم إلى مطلق الظلم فضجوا فقال عليه الصلاة والسلام: "ذلكم الشرك" وتلا قوله تعالى:} لا تشرك بالله إن الشرك لظلم عظيم {[لقمان: 13] فسكتوا. قوله:} ولم تظلم منه شيئًا {[الكهف: 33] أي لم تنقص. قوله تعالى:} وما ربك بظلام للعبيد {[فصلت: 46]. قال بعضهم: لا يلزم من نفيه الأخص نفي الأعم، والله تعالى منتفٍ عنه الظلم على العموم. وظلام صيغة مبالغةٍ، ومثاله إذا قلت: ليس زيد بظالم، معناه أنه لم يلبتس بشيءٍ من الظلم قليله وكثيره. وإذا قلت: ليس بظلامٍ فإنما نفيت كثرة الظلم. ولا يلزم منه مطلق الظلم، والجواب عنه أن ظلامًا هنا ليس مثال مبالغةٍ وإنما معناه النسب، أي ليس بذي ظلمٍ كقولهم: لبان ونبال، أي صاحب لبنٍ ونبل. وقيل: إنما أتى به على صيغة المبالغة بالنسبة إلى ذكر ما بعده من الجمع. فلما تكرر المتعلق وتعدد حسن أن يتكرر الفعل الذي نفي عنه تعلقه، والأول أحسن. قوله:} إنهم كانوا هم أظلم وأطغى {[النجم: 52] تنبيه أن الظلم لا يغني شيئًا؛ فإن قوم نوحٍ مع كونهم كانوا اظلم من هؤلاء لم يغن عنهم ظلمهم شيئًا بل كان وبالاً عليهم. قوله تعالى:} وما الله يريد ظلمًا للعباد {[غافر: 31] أي لا يريد أن يظلمهمٍ. وأما ظلمهم لبعضهم بعضًا فهو واقع وليس المراد نفي إرادته. وقد مضى هذا مستوفى. وقال في موضع آخر:} وما أنا بظلامٍ للعبيد {[ق: 29] فنفى الظلم عن ذاته المقدسة من غير تعرضٍ للإرادة، لأن المقام هنا يقتضي نفي ذلك. قيل: والظلم يرد أيضًا بمعنى العدول ومنه:} فتلك بيوتهم خاوية بما ظلموا {[النمل: 52] أي بعدولهم عن الحق. ولا شك أن ذلك لازم للظلم، بأي تفسير فسر. ويرد أيضًا بمعنى النقصان كقوله

تعالى: {وما ظلمونا ولكن كانوا أنفسهم يظلمون {[البقرة: 57] أي ما نقصوا ملكنا شيئًا، وإنما نقصوا أنفسهم حظها. ويرد بمعنى المنع؛ حكى أبو بكرٍ: ما ظلمك أن تفعل كذا؟ أي ما منعك. وفي حديث أم سلمة "أن أبا بكرٍ وعمر [ثلما] هذا الأمر فلم يظلماه" أي لم يضعاه في غير، موضعه. وقيل: لم يعدلا به عن الحق. وقيل: لم ينقصاه. وقيل: لم يمنعاه، وكله مراد. والحق أن الظلم وضع الشيء في غير موضعه، وما ذكر فلوازم. والظليم: ذكر النعام، والجمع ظلمان. وقيل: سمي بذلك لاعتقاد العرب أنه مظلوم بصلم أذنيه، وإياه قصد الشاعر بقوله: [من السريع] 979 - [فصرت] كالهيق غدا يبتغي ... قرنًا فلم يرجع بأذنين الهيق هو الظليم. يعني أنه ذهب يطلب له قرنًا كبقر الوحش فذهبت أذناه. وهو في هذا المعنى كقولهم: من طلب الزيادة وقع في النقص. وقد تقدم أن الظليم نوع من اللبن، ونوع من التراب. والظلم: ماء الأسنان. وقيل: بريقها؛ قال كعب رضي الله تعالى عنه: [من البسيط] 980 - تجلو عوارض ذي ظلم إذا ابتسمت ... كأنه منهل بالراح معلول وفي الحديث: "إذا أتيتم على مظلومٍ فأغذوا السير" قيل أراد به البلد الذي لا رعي فيه ولا أصابه غيث. قوله تعالى:} الله ولي الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور {[البقرة: 257] عنى بالظلمات هنا الكفر، وبالنور الإيمان. وهو من أحسن الاستعارات لهذين الضدين. وأصل الظلمة عدم النور، وهما متقابلان؛ قال الله تعالى:} وجعل الظلمات والنور {[الأنعام: 1] ثم يعبر بالظلمة عن الشرك والجهل والفسق، كما عبر عن أضدادها بالنور.

فصل الظاء والميم

قوله: {كمن مثله في الظلمات {[الأنعام: 6] أي كمن هو أعمى. قوله:} في ظلمات ثلاثٍ {[الزمر: 6] أي ظلمة البطن والرحم والمشيمة. قوله:} فنادى في الظلمات {[الأنبياء: 87] قيل: ظلمة البحر، وظلمة بطن الحوت، وظلمات الليل. قوله:} قل من ينجيكم من ظلمات البر والبحر {[الأنعام: 63] عبر عن النجاة من المخاوف، والتيه في الليل المتراكم بالظلمات، ولا شك أنه أمر عظيم. وقيل: أراد بذلك شدائدهما عن غير نظرٍ إلى ليلٍ أو نهارٍ. يقولون: هذا مظلم، أي شديد. ويوم ذو كواكب قال: [من الخفيف] 981 - وتريه النجوم تجري بالظهر وقال آخر: [من الوافر] 982 - بيومٍ ذي كواكب أشفعاه قوله:} لتخرج الناس من الظلمات إلى النور {[إبراهيم: 1] أي من ظلمات الكفر وما كانت عليه قريش من عبادة الأوثان وذبح النسائك في البيت المعظم إلى دينك القويم، وما جئت به عن ربك من الحق الأبلج. قوله:} فإذا هم مظلمون {[يس: 37] أي داخلون في الظلام، كقوله:} لتمرون عليهم مصبحين {[الصافات: 137]. قوله تعالى:} لئلا يكون للناس عليكم حجة إلا الذين ظلموا منهم {[البقرة: 150] فيه أقوال أقربها: إلا أن يقولوا ظلمًا وباطلاً، لقوله: مالك عندي حق إلا أن تظلم: إلا أن تقول الباطل. فصل الظاء والميم ظ م أ: قوله تعالى:} يحسبه الظمآن ماًء {[النور: 39] الظمآن: العطشان، ومنه:

فصل الظاء والنون

رجل ظمآن وامرأة ظمأى. يقال: ظمئ يظمأ ظمأ فهو ظمآن. قال تعالى:} إن لك ألا تجوع فيها ولا تعرى وأنك لا تظمأ فيها ولا تضحى {[طه: 118 - 199] نفى عنه أولاً الجوع والعري، ثم ثانيًا العطش والحر. وما أحسن ما جاء على هذا النسق حسبما بيناه في غير هذا! قيل: وأصله من الظمء - بالكسر - وهو ما بين الشربين. ومنه: أظماء الإبل، هي جمع الظمأ. فالظمأ ما يحصل من الظمء من العطش. فصل الظاء والنون ظ ن ن: قوله تعالى:} وما هو على الغيب بظنين {[التكوير: 24] أي بمتهم، أي أنه صادق في نفس الأمر ولا عبرة بمن عائد واتهم. وقد تقدم أنه قرئ "بضنينٍ" ومر تفسيره. والظن إذا كان بمعنى التهمة تعدى لواحدٍ. والظن: ترجح أحد الطرفين على الآخر نفيًا وإثباتًا. وقد يعبر به عن اليقين والعلم كما يعبر بالعلم عنه مجازًا. قال الراغب: الظن ما يحصل عن أمارةٍ فإذا قويت أدت إلى العلم، ومتى ضعفت جداً لم يتجاوز حد الوهم. قوله:} ألا يظن أولئك {[المطففين: 4] تنبيه أن أمارات البعث ظاهرة، وذلك نهاية في ذمهم. قوله تعالى:} الذين يظنون أنهم ملاقو ربهم {[البقرة: 46] أي يتيقنون؛ إذ لا يناسب حالهم وصفهم بظن ذلك حقيقًة. وقيل: هو على بابه بتقدير مضافٍ، أي ثواب ربهم، وهو أمر مظنونً إذ لا يقطعون لأنفسهم بالثواب، وفيه نظر لأن قوله بعد:} وأنهم إليه راجعون {يعكر عليه وأجيب بأنه يحمل مع المقدر على الظن الحقيقي مع قوله:} وأنهم إليه راجعون {على اليقين. واعترض بلزوم الجمع بين الحقيقة والمجاز. وأجيب بالتزامه. قوله:} وظن أهلها أنهم قادرون عليها {[يونس: 24] تنبيه أنهم صاروا في حكم العالمين لفرط طمعهم وأملهم. قوله:} وظن أنه الفراق {[القيامة: 28] أي علم.

وقيل: على، لأنه بعد في شك. قوله:} وظن داود أنما فتناه {[ص: 24] أي علم. قوله:} إن نظن إلا ظنًا {[الجاثية: 32] إنما أكدوا لئلا يتوهم عنهم أنهم تجوزوا بالظن عن العلم. قوله:} فظن أن لن نقدر عليه {[الأنبياء: 87] قال بعضهم: إن:} لن نقدر عليه {كقوله:} فنقدر عليه رزقه {[الفجر: 16] ومن قدر عليه رزقه فلينفق. وقوله:} وقدر في السرد {[سبأ: 11]. وعن معاوية أنه أرسل إلى ابن عباس فسأله وقال: كيف يظن نبي الله ذلك؟ فأجابه بما ذكر. قوله:} وظنوا أنهم إلينا لا يرجعون {[القصص: 39] قيل: إنه استعمل فيه أن المستعمل مع الظن الذي هو العلم تنبيها أنهم اعتقدوا ذلك اعتقادهم للشيء المتيقن وإن لم يكن ذلك متيقنًا. وكان قائل هذا قد قدم أن الظن إذا قوي أو تصور بصورة القوي استعمل معه أن المشدودة وأن المخففة منها، ومتى ضعف استعمل معه أن المختصة بالمعدومين من القول والفعل. قلت: ذكر النحاة أن أن المخففة لا تقع إلا بعد أفعال اليقين، وأن أن الناصبة لا تقع إلا بعد أفعال الشك، ومتى وقع فعل محتمل للأمرين جاز أن تكون المخففة إن جعلت ذلك الفعل ظنًا، وينصب الفعل بعدها. وقد قرئ بالوجهين قوله تعالى:} وحسبوا ألا تكون فتنة {[المائدة: 71] وأجمعوا على النصب في قوله:} أحسب الناس أن يتركوا {[العنكبوت: 3] وعلى الرفع في قوله:} ألا يرجع إليهم قولاً [[طه: 89]. قوله:} يظنون بالله غير الحق ظن الجاهلية {[آل عمران: 154] تنبيه أن هؤلاء المنافقين هم في حزب الكفار حيث شبه ظنهم بظن الجاهلية. قوله:} وظنوا أنهم مانعتهم حصونهم من الله {[الحشر: 2] أي اعتقدوا اعتقادًا كانوا منه في حكم المستيقنين. قوله:} الظانين بالله ظن السوء {[الفتح: 6] قيل: هو مفسر بما بعده من قوله:} بل ظننتم أن لن ينقلب الرسول والمؤمنون إلى أهليهم أبدًا {[الفتح: 12] بدليل قوله تعالى بعده:} وظننتم ظن السوء {. قوله:} إن يتبعون إلا الظن {[الأنعام: 116]} إن الظن لا يغني من الحق شيئًا {[يونس: 36]. أصل الظن مذموم إلا ما استثناه الشارع كما هو مبين في مواضعه. قوله: {اجتنبوا

فصل الظاء والهاء

كثيرًا من الظن إن بعض الظن إثم {[الحجرات: 12]. أمروا باجتناب الكثير منه حتى لا يصادفوا ذلك البعض منه الذي عسى أن يقع فيه إثم. وأفهم أن بعضه ليس بإثم وهو ما أذن بالعمل به. قال بعضهم: إنما جاز استعمال كل من الظن والعلم في موضع الآخر لعلاقة أن كلا منهما فيه رجحان أحد الطرفين إما جزمًا - وهو العلم - وأما ترددًا - وهو الظن. فمن استعمال العلم بمعنى الظن قوله تعالى:} فإن علمتوهن مؤمنات {[الممتحنة: 10] إذ ليس الوقوف على الاعتقادات يقينًا. ومن استعمال العكس قوله تعالى:} الذين يظنون أنهم ملاقو ربهم {وقد تقدم. وأنشدوا قول الشاعر، هو "دريد": [من الطويل] 983 - فقلت لهم: ظنوا بألفي مدججٍ ... سراتهم في الفارسي المسرد أي أيقنوا بهم، لأن المقام يقتضي ذلك. فصل الظاء والهاء ظ هـ ر: قوله تعالى:} وإن تظاهرا عليه {[التحريم: 4] أي تعاونا. يقال: ظاهرته أي عاونته. قال تعالى:} وأنزل الذين ظاهروهم {[الأحزاب: 26] أي عاونوهم. وأصل ذلك من الظهر الذي هو الجارحة، لأن المعاون يساعد صاحبه بجوارحه وأقواها ظهره. ثم جعل عبارة عن كل معاونةٍ وإن كانت بغير الظهر حتى باللسان. قوله:} وكان الكافر على ربه ظهيرًا {[الفرقان: 55] أي معينًا، يعني أنه بمنزلة المعين للشيطان على الرحمن من حيث طاعته له وعصيانه لربه. وقيل: إن معناه هين أي وكان هينًا عليه. قال أبو عبيدة: الظهر: المظهور به، أي هينًا على ربه كالشيء الذي خلفته من قولك: ظهرت بكذا أي خلفته. قوله:} واتخذتموه وراءكم ظهريًا {[صور: 92] أي غير معتد به ولا ملتفتٍ إليه، وهو ما تجعله بظهرك فتنساه، وأصله من قولهم: بعير ظهري، أي معد للركوب.

قوله: {الذين يظهرون {و} يظاهرون {[المجادلة: 2] أي يشبهون [ظهور] أزواجهم بظهر أمهاتهم، فيقولون: "أنت علي كظهر أمي" وكان طلاقًا في الجاهلية فغير الشارع حكمه، ثم اتسع الفقهاء فيه فقالوا: أن يشبه زوجته بعضوٍ من أعضاء محارمه الإناث بتفصيل مذكور في كتب الفقه. وقد سماه الله تعالى:} منكرًا من القول وزورًا {[المجادلة: 2] وأوجب به الكفارة العظمة التي نص عليها. والظهور: ضد الخفاء؛ قال تعالى:} وظهر أمر الله {[التوبة: 48] أي بدا ما وعد الله به رسوله والمؤمنين من النصر، وفشا دين الإسلام. وأصل ذلك من حصول الشيء على وجه الأرض، وضده بطن أي حصل في بطنان الأرض فخفي، ثم صار مستعملاً في كل بارزٍ للبصر والبصيرة. وقوله تعالى:} يعلمون ظاهرًا من الحياة الدنيا {[الروم: 7] أي يعلمون الأمور الدنيوية دون الأخروية. ثم إنهم لا يعلمون من تلك الأمور إلا ظاهرها دون باطنها. لو علموا ذلك لاتضح لهم الحق وبان ضده. وقولهم: علم الظاهر وعلم الباطن، يشيرون بهما إلى المعارف الجلية والمعارف الخفية وقد يشيرون بهما إلى العلوم الدنيوية والأخروية. قوله:} ظهر الفساد في البر والبحر {[الروم: 41] أي بدا وفشا، أي ولم يتكتمه لكثرة مخالطتهم إياه. وقيل: ظهوره في البر أن قتل قابيل هابيل، وفي البحر أن غصب الجلندي سفينة المساكين، وهذا مثال من الأمثلة. قوله:} وأسبغ عليكم نعمه ظاهرًة وباطنًة {[لقمان: 20] قيل: عنى بالظاهرة ما تقفون عليها من صحة الأبدان وإدامة الأبصار وتقوية البطش والسعي وإدرار الأرزاق السماوية والأرضية، والباطنة ما لا يوقف عليها، وكم في الإنسان من نعمةٍ لا يعرفها، بل ولا تخطر بباله. قوله:} فما استطاعوا أن يظهروه {[الكهف: 97] أي يعلوه؛ يعني السد؛ يقال: ظهر عليه وظهره أي علاه، كأنه ركب ظهره. قال النابغة الجعدي:

[من الطويل] 984 - بلغنا السماء مجدنا وعلاءنا ... وإنا لنرجو فوق ذلك مظهرا أي مصعدًا. ولما قال الشاميون لابن الزبير: يا بن ذات النطاقين، قال: إيهٍ والإله، ثم أنشد: [من الطويل] - وتلك شكاة ظاهر عنك عارها قلت: قد تمثل رضي الله بيت أبي ذؤيب الهذلي، وهو: 985 - وعيرها الواصون أني أحبها ... وتلك شكاة ظاهر عنك عارها أي عالٍ ومرتفع عنك لا يعلق بك. والأجلاف إنما عيروه بشيءٍ كان فيه فخره لأن أمه أسماء رضي الله عنها لما هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحبه صاحبه أبوها أرادوا تعليق سفرةٍ كانت معهم فيها بعض زادٍ فلم يجدوا حبلاً، وكان على رأسها نطاق تتقنع به فشرطته نصفين تقنعت بأحدهما وأعطتهم الآخر، فيا لها من منقبةٍ فاز بها آل أبي بكرٍ وأولاد الزبير. وقد قالها الخبيث الحجاج لما صلب فلذة كبدها قال: يا بن ذات النطاقين. فقال: لو عرفتم ما شأن ذات النطاقين! فمن ثم قال عبد الله لأهل الشام ما قال، وأوقع إنشاده هذا العجز من البليغ. قوله تعالى:} وجعلنا بينهم وبين القرى التي باركنا فيها قرى ظاهرًة {[سبأ: 18] الظاهر أنه أراد بظهورها رؤية المسافرين إياها ونزولهم بها ذهابا وإيابًا. وقيل: هو مثل لأحوال من تقدمهم من أهل القرى. وهذا تذكير لأهل مكة؛ فإنهم كانوا يمرون في سيرهم إلى الشام بقرى ثمود ولوطٍ، فنبههم على الاعتبار بها كما نبه أهل سبأ على ذلك. قوله:} فلا يظهر على غيبه أحدًا {[الجن: 26] أي لا يطلع. قوله:} ليظهره على الدين كله {[التوبة: 33] يجوز أن يكون من الغلبة والمعاونة، أي ليعليه على الدين كله ويغلبه أيضًا، وأن يكون من البروز وعدم الخفاء. قوله تعالى: {وحين تظهرون}

[الروم: 18] أي تدخلون في الظهيرة؛ وهي وسط النهار وشدة الحر. وقيل: تصلون الظهر. ويقال: أظهر وأصبح وأمسى: دخل في هذه الأوقات. وقد جمعت الآية الكريمة بين ذلك كله في قوله تعالى:} فسبحان الله حين تمسون وحين تصبحون {[الروم: 17]} وله الحمد في السماوات والأرض وعشيا {الآية: [الروم: 18]. قوله:} الذي أنقض ظهرك {[الشرح: 3] قيل: الظهر هنا استعارة. والوزر المشار إليه: العبء الذي حصل له من تحمل النبوة، لا الذنوب حاشا لله. وذلك أن أمر النبوة ثقيل جدًا يعجز عنه البشر من حيث هو بشر لولا التأييد الإلهي والفيض الرباني حتى أطاقها الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، فقال تعالى:} الم نشرح لك صدرك {[الشرح: 1] أي وسعناه لتلقي الوحي، وألقينا عنك أعباء النبوة حتى أطقت حملها. ومعنى انقاض الظهر أن يثقل بالحمل حتى يسمع له نقيض - وهو الصوت المنضغط من التقاء الفقارات وتراكبها إذا حمل عليها شيء ثقيل. وفي الحديث: "خير الصدقة ما كان عن ظهر غنًى" أي ظهور سعةٍ وفضلٍ. قال معمر: قلت لأيوب: ما ظهر غنًى؟ قال: عن فضل عيالٍ. وفي حديث أبي موسى: "أنه كساني ثوبين: ظهرانيا ومعقدًا". قيل: منسوب إلى ظهران؛ قريةٍ بالبحرين. وقيل: بل مر الظهران. والمعقد: برد من برود هجر.

باب العين

باب العين فصل العين والباء ع ب أ: قوله تعالى:} قل ما يعبأ بكم ربي {[الفرقان: 77] أي لا يرى لكم قدرًا ولا وزنًا. يقال: ما عبأت به، أي لم أقدره ولم أبال به} لولا دعاؤكم {[الفرقان: 77] وتضرعكم. وأصله من العبء وهو الثقل. وقيل: من عبأت الطيب: هيأته. يقال: عبأت الجيش وعبأته. والمعنى ما يبقيكم. فيجوز أن تكونا لغتين، وأن يكون عبيت، تخفيفًا. قال مجاهد: ما تفعل؟ قال أبو إسحاق: أي وزنٍ لكم عنده لولا توحيدكم؟ وفي الحديث: "عبية الجاهلية" بضم العين وكسرها؛ قيل: ما هي مدخرة في أنفسهم من حمية الجاهلية: قيل: من العبء. وقيل: من العب وهو النور. وأصله عبو فحذف منه كدمٍ. ع ب ث: قوله تعالى:} أفحسبتم أنما خلقناكم عبثًا {[المؤمنون: 115] العبث: أن يخلط بعمله لعبًا، من قولهم: عبثت الأقط، أي خلطته فهو معبوث وعبيث. ومنه العوبثاني، لطعامٍ مختلطٍ من سويقٍ وتمرٍ. ع ب د: قوله تعالى:} إياك نعبد {[الفاتحة: 5] أي نذل ونخضع. والعبودية: إظهار التذلل، والعبادة أبلغ لأنها غاية التذلل. ولا تليق إلا بمن له غاية الإفضال كالباري تعالى.

والعبد أعم من العابد إذ يقال: عبد زيدٍ ولا يقال: عابده. قال بعضهم: عباد الله وعبيد الناس. فيقع الفرق في الجمع. ونقضه بعضهم بقوله:} وما أنا بظلامٍ للعبيد {[ق: 29]. وللعبد جموع كثيرة. عباد وعبيد وأعبد وعبدان وعبدان وعبداء وعبد وأعابد ومعبوداء ومعبودي وعبدون ومعبدة. وقال الراغب: وجمع العبد الذي هو مسترق عبيد، وقيل: عبدى. وجمع العبد الذي هو العابد عباد. قال: العب العباد. ولهذا قال:} وما أنا بظلام للعبيد {، فنبه أنه لا يظلم من تخصص بعبادته ومن انتسب إلى غيره من الذين تسموا بعبد الشمس وعبد اللات. ثم العبد يقال على أنواع: الأول: عبد بحكم الشارع، وهو ما يجوز بيعه وشراؤه من الآدميين. ومنه قوله تعالى:} والعبد بالعبد {[البقرة: 178] يعني الذي في الرق. والثاني: ما يكون عبدًا بالإبداع والاختراع وهذا لا يكون إلا لله تعالى إذ هو موجد الأشياء كلها. وإلى هذا النوع أشار بقوله تعالى:} إن كل من في السماوات والأرض إلا آتى الرحمن عبدًا {[مريم: 93]. والثالث: ما يكون عبدًا بخدمته وعبادته واشتغاله بمولاه. وإليه أشار بقوله:} واذكر عبدنا أيوب {[ص: 41]} سبحان الذي أسرى بعبده {[الإسراء: 1]} فوجدا عبدًا من عبادنا {[الكهف: 65] وهذه هي إضافة التشريف. ومنه قول الشاعر: [من السريع] 986 - لا تدعني إلا بيا عبدها ... فإنه أشرف أسمائي الرابع: ما هو عبد للدنيا وأعراضها الفانية، وهو الحريص عليها المتهالك على حبها كقوله تعالى:} ولتجدنهم أحرص الناس على حياةٍ {[البقرة: 96] وإياه قصد النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: "تعس عبد الدينار تعس عبد الخميصة". قال الراغب: وعلى هذا النوع

يصح أن يقال: ليس كل إنسانٍ عبدًا لله تعالى؛ فإن العبد على هذا المعنى العابد، لكن العبد أبلغ من العابد. قلت: فيما قاله نظر من حيث الصناعة اللفظية، والناس كلهم عباد الله تعالى، بل الأشياء كلها كذلك؛ بعضها بالتسخير فقط وبعضها به وبالاختيار. والعبادة على نوعين: نوعٍ بالتسخير، وهو الذي يكون عابدًا بشهادة حاله وإن تأبى في الصورة كقوله تعالى:} ولله يسجد من في السماوات والأرض طوعًا وكرهًا {[الرعد: 15]. ونوع بالاختيار وهي العبادة التي أمر الله بها الخلق وكلفهم بها في قوله تعالى:} يأيها الناس اعبدوا ربكم {[البقرة: 21]. قوله:} وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون {[الذاريات: 56] أي ليوحدون، ولم أخلقهم احتياجًا إليهم بدليل قوله:} ما أريد منهم من رزقٍ وما أريد أن يطعمون {[الذاريات: 57] وليس المعنى أنه خلقهم مريدًا منهم ذلك إذ لو كان كذلك لم يتخلف عن عبادته منهم أحد لئلا يلزم تخلف مراده. وأنت ترى أكثرهم غير عابديه:} وما أكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين {[يوسف: 103]. ويقال: طريق معبد، أي مذلل بالوطء؛ قال طرفة بن العبد: [من الطويل] 987 - [تباري عتاقًا ناجياتٍ] وأتبعت ... [وظيفًا] وظيفًا فوق مورٍ معبد قوله:} أن عبدت بني إسرائيل {[الشعراء: 22] أي اتخذتهم عبيدًا وخولاً. وقيل: ذللتهم ذلة العبيد. وقيل: كلفتهم الأعمال الشاقة التي تكلف مثلها العبدان. وأنشد: [من البسيط] 988 - علام يعبدني قومي وقد كثرت ... فيهم أباعر ما شاؤوا وعبدان؟ يقال: أعبدته مثل عبدته. ع ب ر: قوله تعالى:} فاعتبروا يا أولي الأبصار {[الحشر: 2] أي اتعظوا بهؤلاء فإن العاقل من اتعظ بغيره؛ ومن ثمة قيل: ولا تجعلنا موعظًة. ومن ثم قال تعالى: {فجعلناها

نكالاً لما بين يديها وما خلفها وموعظًة {[البقرة: 66] أي جعلنا تلك الأمة موعظًة يتعظ بها المتقدمون وهم من يسمع أن قومًا سيأتون يفعلون كذا فيبتلون بكذا. والمتأخرون وهم من بلغهم خبرهم. والاعتبار افتعال من العبور وهو المجاوزة؛ يقال: عبرت النهر: قطعته وجزته من أحد جانبيه إلى الآخر. ومن ثم استدل بها مثبتو القياس: فإن القياس عبور من أصلٍ إلى فرعٍ بعلةٍ جامعةٍ. وأصل العير تجاوز من حالٍ إلى حالٍ. قيل: والعبور مختص بتجاوز الماء إما بسباحةٍ أو بسفينةٍ أو بعيرٍ أو قنطرةٍ. ومنه عبر النهر لجانبه بحيث يعبر إليه أو منه. واشتق منه: عبر العين للدمع. والعبرة كالدمعة. وفلان [عابر سبيلٍ، قال تعالى]} إلا عابري سبيلٍ {[النساء: 43] أي جائزي طريقٍ في المسجد. ومنه: ناقة عبر الهواجر، أي تعبرها لجلادتها وصبرها بمعنى عائدةٍ. ومن ثم قال النحاة: إن الإضافة غير مختصةٍ. وعبر القوم: ماتوا؛ نظرًا إلى أنهم جاوزوا هذه الدنيا وقنطرتها والعبارة مختصة بالكلام لأنه عابر في الهواء من لسان المتكلم إلى سمع السامع. والعبرة: الدلالة بالشيء على مثله وحقيقتها الحالة التي يتوصل بها من معرفة المشاهد إلى ما ليس بمشاهدٍ. ولهذا خصت بالخواص، نحو:} إن في ذلك لعبرة لأولي الأبصار {[آل عمران: 13]،} لعبرًة لمن يخشى {[النازعات: 26]. والتعبير مختص بتفسير الأحلام والرؤيا لأن فيه عبورًا من ظاهر الرؤيا إلى باطنها. وقيل: لأنه يجر بما يؤول إليه أمرها؛ مأخوذ من: عبر النهر. إلا أنه لم يسمع في المصدر إلا التعبير ولم يسمع في الفعل غالبًا إلا التخفيف. يقال: عبرت الرؤيا أعبرها تعبيرًا، فأنا عابر. فجاء المصدر على غير القياس، وهو غير الغالب لأن الغالب أن تحذف زوائد المصدر لا الفعل نحو: أعطى عطاًء، وأنبت نابتًا، واغتسل غسلاً، وتوضأ وضوءًا. على أنه ورد مشددًا موافقًا لمصدره؛ قال الشاعر: [من السريع] 989 - رأيت رؤيا ثم عبرتها ... وكنت للأحلام عبارا لولا أن التخفيف لغة التنزيل، قال تعالى: {إن كنتم للرؤيا تعبرون}

[يوسف: 43]. وهذه اللام مزيدة في المفعول زيدت تقويًة للعامل وسماها أبو منصور لام التعقيب؛ قال: لأنها عقبت الإضافة وهو اصطلاح غريب جدًا. قيل: والتعبير أخص من التأويل؛ فإن التأويل يقال فيه وفي غيره. قلت وكذا هو أخص من التفسير أيضًا. والعبري، خص بما ينبت على عبر النهر. وشط معبر: ترك عليه العبري. والشعري: العبور، سميت بذلك لأنها تعبر المجرة، وهما شعريان، وقد تقدم ذلك في باب الشين. وفي حديث أم زرع: "وعبر جارتها" قيل: إن ضرتها إذا رأتها وحسنها أصابها ما يعبر عينها، أي يبكيها. وقيل: ترى من عقبها ما تعتبر به. وفي الحديث أيضًا: "لطخت بعبيرٍ" هو نوع من الطيب؛ قال أبو عبيدة: هو عند أهل الجاهلية الزعفران. قلت: وفيه نظر، لأن في هذا الحديث تعبيرًا اللهم إلا أن يكون قد طرأ حرف آخر. ع ب س: قوله تعالى:} عبس وتولى {[عبس: 1] أي قطب وجهه. والعبوس: قطوب الوجه لضيق الصدر. وسببها أن ابن أم مكتومٍ جاءه عليه الصلاة والسلام بعدها: "مرحبًا بمن عاتبني فيه ربي" وفي هذا رفع للنبي صلى الله عليه وسلم؛ فإن عتاب السيد لعبده تشريف فكيف من رب الأرباب؟ ولله أن يعاتب أنبياءه بما شاء ونحن نقوله تلاوًة لا إخبارًا. واستعير العبوس للزمان - كما استعير له الشدة والصعوبة - في قوله تعالى:} يومًا عبوسًا {[الإنسان: 10]. وباعتبار معناه قيل: العبس لما يبس من البعر على هلب الذنب، أي شعره، ومنه قولهم: عبس الوسخ على وجهه. وفي الحديث: "أنه نظر إلى غبل بني فلان وقد عبست في أبوالها"، قيل: ولا يكون ذلك إلا لكثرة شحمها ورعيها فتجف أبعارها وأبوالها على أفخاذها. وفي حديث شريحٍ: "كان يرد بالعبس" يعني يرد الرقيق بالبول في الفراش، إذا كان شيئًا كثيرًا. وهذا استعارة لأن أصله في الإبل كما تقدم. قال بعضهم:

فصل العين والتاء

نسب العبوس إلى اليوم لوقوع عبوس الوجوه فيه كقوله:} في يومٍ عاصفٍ {[إبراهيم: 18] لوقوع العصف فيه، وهو حسن. ع ب ق ر: قوله تعالى:} وعبقري حسانٍ {[الرحمن: 76] قال الفراء: الطنافس [الثخان] وقال مجاهد: من الديباج وقال أبو عبيدة: هي البسط كلها. والعبقري عندهم: كل شيءٍ مستغربٍ فائقٍ؛ وتزعم العرب أن عبقر قرية تسكنها الجن يصنعون بها صنائع عجيبًة؛ فكل ما استغربوه واستعظموه نسبوه إلى تلك القرية؛ فيقولون؛ عبقري. وقال عليه الصلاة والسلام في حديث المنام عن عمر: "فلم أر عبقريًا يفري فريه". قال أبو عبيدة: قال الأصمعي: سألت أبا عمرو بن العلاء عن العبقري فقال: يقال: هذا عبقري قومٍ، كقولك: سيد قومٍ وكبيرهم وقويهم ونحو ذلك. والجمع عباقري، وقد قرئ بذلك. وقيل: عبقري جمع عبقرية، يعني اسم جنس. وقيل: هي البسط التي فيها صور وتماثيل، ووصفها بالجمع يدل على أنها اسم جنسٍ. فصل العين والتاء ع ت ب: قوله تعالى:} وإن يستعتبوا فما هم من المعتبين {[فصلت: 24] أي وإن يستقيلوا ربهم بردهم إلى الدنيا مما هم فيه من العذاب لم يقلهم. يقال: عتب عليه يعتب: إذا وجد عليه، فإذا فاوضه فيما عتب عليه قيل: عاتبه فإذا رجع إلى [مسرته] فقد أعتب. والاسم العتبى وهو رجوع المعتوب عليه إلى ما يرضي العاتب. ومن أمثالهم: "لك العتبى بأن لا رضيت" قال الهروي: يضرب مثلاً للرجل يعاتب صاحبه في أمرٍ

نقمه عليه، فيعارضه بخلاف ما يرضيه. وفي هذا التفسير نظر لأنه ورد في الحديث: "لك العتبى حتى ترضى" أي لك العتب علي حتى ترضى فيه. وقرئ:} وإن يستعتبوا {بالبناء للمفعول "فما هم من المعتبين - اسم فاعل" أي إن أقالهم وردهم إلى الدنيا عادوا، وإلا خبث ما كانوا ولم يعملوا بطاعته كقوله:} ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه {[الإنعام: 28]. قال بعضهم: وأصل ذلك كله من العتب وهو كل مكانٍ نابٍ بنازله. ومنه قيل للمرقاة ولأسكفة الباب عتبة، وكني بها عن المرأة فيما روى أن إبراهيم عليه السلام قال لمرأة إسماعيل: قولي لزوجك: غير عتبة بابك. فاستعير العتب والمعتبة لغلظةٍ يجدها الإنسان في نفسه على غيره وبحسبه. قيل: خثنت بصدر فلانٍ، ووجد في صدره غلظًة. ومنه قيل: حمل فلان على عتبةٍ صعبةٍ، أي حالة شاقة. ومنه قولهم: أعتبت فلانًا، أي أبرزت له الغلظة التي وجدت له في الصدر. وأعتبت فلانًا: حملته على العتب. وأعتبته: أزلت عتبه نحو أسكته. ومنه قوله:} فما هم من المعتبين {أي من المزال عتابهم. والاستعتاب: أن يطلب من الإنسان أن يذكر عتبه ليعتب. يقال: استعتبت فلانًا، قال تعالى:} زإن يستعتبوا {وقال أيضًا:} ولا هم يستعتبون {[النحل: 84]. قال: ويقال أيضًا: لك العتبى، وهو إزالة ما لأجله يعتب، وبينهم أعتوبة، أي ما يعاتبون به. ويقال: عتبت عتبانًا: إذا مشيت على رجلٍ مشي المرتقي درجًة، ومنه استعير: عتبت الدابة تعتب وتعتب: مشت على ثلاث قوائم ورفعت الرابعة. ويروى عنت من العنت وهو المشقة، وسيأتي إن شاء الله تعالى. وفي الحديث: "أولئك لا يعاتبون" لعظم ذنبهم. ع ت د: قوله تعالى:} أعتدنا للظالمين نارًا [[الكهف: 29] أي أحضرنا. ومنه قوله تعالى:} هذا ما لدي عتيد {[ق: 23] أي حاضر ومحضر، يعني أنه مكتوب محصى

محضر. وقيل: العتيد: المعتد، وأصله من العتاد وهو ادخار الشيء قبل الحاجة [إليه]. ومنه:} رقيب عتيد {[ق: 18] أي يعتد أعمال العباد. وقيل:} أعتدنا {أعددنا، فأبدل من إحدى الدالين تاء. وفرس عتد وعتيد: حاضر للعدو. والعتود من أولاد المعز، وجمعه أعتدة وعدان بالإدغام. وقيل: العتاد: الثابت اللازم. فمعنى "أعتدنا" أي أثبتنا وحصلنا وجعلناه أمرًا مستقرًا. وفي صفته عليه الصلاة والسلام: "لكل حالٍ عنده عتاد" أي عتدة. وقيل: أعتدة، فهو عتيد بمعنى أحكمته فهو حكيم. وفي الحديث: "أن خالدًا جعل رقيقه وأعتده حبسًا في سبيل الله" هو جمع عتادٍ أيضًا، وهو ما جعله الرجل عدًة من السلاح والجمع أعتدة. ع ت ق: قوله تعالى:} وليطوفوا بالبيت العتيق {[الحج: 29] قيل: سمي بذلك لأنه معتق من الجبارين، لم يقصده جبار إلا قصم. وقيل: لأنه معتق من الطوفان. وقيل: لأنه مقدم، يدل على ذلك قوله تعالى:} إن أول بيتٍ وضع للناس {[آل عمران: 96] وأصله التقدم في الزمان أو المكان أو الرتبة. ومن ثم قيل للقديم: عتيق. ولكل من خلا من رق ملكٍ: عتيق. والعاتق: ما بين المنكبين، وذلك لارتفاعه على سائر الجسد. والعاتق أيضًا: الجارية التي عنست، وذلك لأنها كأنها عتقت عن الزواج تخيلاً أن المتزوجة في رق الزواج. وقيل: هي حين تدرك. وفي الحديث: "خرجت أم كلثومٍ وهي عاتق فقبل هجرتها" فسر بالبلوغ. وعتق الفرس: تقدم بسبقه. وعتق مني يمين، أي سبقت. وأنشد لأوس بن حجرٍ: [من الوافر] 990 - علي ألية عتقت قديمًا ... فليس لها، وإن طلبت، مرام

ع ت ل: قوله تعالى:} خذوه فاعتلوه {[الدخان: 47] أي احملوه بعنفٍ وسوقوه سوقًا شديدًا. والعتل: الأخذ بمجامع الشيء وجره بقهرٍ كعتل البعير ونحوه. وقيل: معناه ادفعوه دفعًا بعنفٍ. قوله:} عتل بعد ذلك زنيمٍ {[القلم: 13]. العتل: هو الشديد الخصومة الجافي الضريبة اللئيم. وقال ابن عرفة: هو الفظ الغليظ الذي لا ينقاد لخير. وقيل: هو الجافي الغليظ. وقيل: الأكول المنوع، لأنه يعتل الماء عتلاً. ع ت و: قوله تعالى:} وعتوا عتوًا كبيرًا {[الفرقان: 21] العتو: أشد الفساد. وأصله النبو عن طاعة الآمر. يقال: عتا يعتو عتوًا وعتيًا. وقيل: العتو: المبالغة في ركوب المعاصي والتمرد فيها، والعاتي من اتصف بذلك فلم تنفع فيه موعظة ولم ينجع فيه إنذار. قوله:} بريحٍ صرصر عاتيةٍ {[الحاقة: 6] أي متجاوزة حدها الأول. وكل أمرٍ شديدٍ؛ قوله:} وقد بلغت من الكبر عتيًا {[مريم: 8] أي حالًة لا سبيل إلى إصلاحها بالنسبة لضعفي ومداواته إلى رياضته. وهي الحالة المشار إليها بقول الشاعر: [من الكامل] 991 - ومن العناء رياضة الهرم وقيل: عتيًا طويلاً. يقال: ليل عاتٍ، أي طويل. وأنشد لجريرٍ: [من الوافر] 992 - وحط المنقري بهما فحطت ... على أم القفا والليل عات وكل من انتهى شبابه يقال فيه: عتا عتوًا وعتيًا وعتيًا، وعتا عتوًا وعتيًا، وحسا حسوًا وحسيًا وحسًا كله بمعنى يبس جلده، وهو كناية عن طول العمر لأن ذلك يلازمه.

فصل العين والثاء

قوله: {أيهم أشد على الرحمن عتيًا} [مريم: 69] الظاهر أنه مصدر. وقيل: هو جمع عاتٍ، وفيه نظر من حيث الإعراب والمعنى وبيانهما في غير هذا، إلا أن الجمع الإعلال وفي المصدر التصحيح. يقال: عتا زيد عتوًا. والقوم عتي. والقوم عتي ويجوز العكس. فصل العين والثاء ع ث ر: قوله تعالى:} فإن عثر {[المائدة: 107] أي طلع. يقال: عثرت على فلانٍ، أي اطلعت عليه. وأعثرت عثرًا عليه، أي أطلعته. قال تعالى:} وكذلك أعثرنا عليهم {[الكهف: 21] أي أطلعنا الناس عليهم ليتعظوا بهم. وأصل ذلك من عثر الرجل يعثر عثارًا وعثورًا، أي سقط من شيءٍ يصيب رجله، ثم تجوز به عن الإطلاع، كأن المطلع عثر على حقيقة ذلك الأمر وصادفه برجله. فقوله:} أعثرنا عليهم {أي أوقفناهم عليهم من غير أن يطلبوا ذلك. والعاثور: الهلكة، والجمع العواثير. ومنه الحديث "من بغى قريشًا العواثير كبه الله على منخريه"، ويروى العاثر وهو حبالة الصائد. وأنشد لأبي وجزة: [من البسيط] 993 - عانٍ تعلقه من حب غانيةٍ ... قذافةٍ عاثرٍ في الكعب مقصور وذلك أن الحبالة يعثر فيها من علق بها. والعاثور أصله ما يحتفر من سية النهر يسقى به البعل من النخل، لأنه أيضًا نخل العثار، ومنه: وقع فلان في عاثور شر وعافور شر ويقال: جد عاثر أي حظ ناقص، وأنشد: [من الطويل] 994 - كأن لم يكن بين الحجون إلى الصفا ... أنيس ولم يسمر بمكة سامر بلى نحن كنا أهلها فأبادنا ... صروف الليالي والجدود العواثر ع ث ر: قوله تعالى:} وما تعثوا في الأرض مفسدين {[البقرة: 60] قال الهروي: أي لا

فصل العين والجيم

تفسدوا فيها. يقال: عثت تعثى لغة الحجاز في عاث يعيث عيثًا، أي أفسد. قلت: وعلى هذا فقوله:} مفسدين {حال مؤكدة. وظاهر كلامه أنه ليس مقلوبًا منه. قال الراغب: والعثي والعيث يتقاربان، نحو جذب وجبذ، إلا أن العيث أكثر ما يقال في الفساد الذي يدرك حسًا، والعثي فيما يدرك حكمًا. يقال: عثي يعثى عثيًا. وعلى هذا قوله:} ولا تعثوا في الأرض {، وعثا يعثو عثورًا. قلت: وعلى هذا فيكون عتا بالمثناة والمثلثة بمعنى واحدٍ. والأعثى: هو الأحمق الثقيل. وهو أيضًا لون يضرب إلى السواد. فصل العين والجيم ع ج ب: قوله تعالى:} وإن تعجب فعجب قولهم {[الرعد: 5]. العجب والتعجب: حالة تعرض للإنسان عند الجهل بسبب الشيء. وقال بعضهم: التعجب زيادة في وصف الفاعل خفي سببها، وخرج بها المتعجب منه عن نظائره. وعلى هذا فلا يسند إلى الباري تعالى لاستحالة ذلك عليه تعالى، فإن ورد ما ظاهره خلاف ذلك وجب تأويله كقوله:} فما أصبرهم على النار {[البقرة: 175]،} أسمع بهم وأبصر {[مريم: 38]،} بل عجبت {[الصافات: 12] في قراءة ضم التاء على معنى حال هؤلاء حال من يقال فيه ذلك. وقد ورد في الحديث: "عجب ربكم" من كذا، وهو مؤول على معنى يليق بجلاله. قال بعضهم: كما أسند إليه المجيء والإتيان بمعنى يليق به لا على ما نتعارفه. وقيل: قوله: "عجبت" إنه مستعار بمعنى أنكرت كقوله تعالى:} أتعجبين من أمر الله [[هود: 73] قاله الراغب، وفيه نظر. وقيل: معنى "عجب ربكم" عظم ذلك عنده وكبر. وقيل: معناه أثاب ورضي كقوله:} ويمكرون ويمكر الله {[الأنفال: 30] يعني سمى جزاءه عجبًا تنبيه أنهم قد عهدوا مثل ذلك قبل. قوله تعالى: {أم حسبت أن أصحاب الكهف والرقيم كانوا من آياتنا عجبًا}

[الكهف: 9] معناه ليس ذلك في نهاية العجب؛ فإن في آياتنا ما هو أعجب منهم. قوله تعالى:} إنا سمعنا قرآنًا عجبًا [[الجن: 1] لأنه لم يعهدوا مثله،} وإن تعجب فعجب قولهم {أي هذا محل التعجب وهو إنكارهم البعث مع ظهور دلائله وسطوع براهينه، من نصب الأدلة الظاهرة كخلق السماوات والأرض، وما أوجد فيهما من بديع الصنعة والمخلوقات. ع ج ز: قوله تعالى:} كأنهم أعجاز نخلٍ خاويةٍ {[الحاقة: 7]. الأعجاز جمع عجزٍ وهو في الأصل مؤخر الإنسان ثم شبه مؤخر غيره به. وقوله:} يا ويلتا أعجزت أن أكون مثل هذا الغراب {[المائدة: 31] أي قصرت ولم أقدر. فحقيقة العجز التأخر عن الشيء وحصوله عن عجز الأمر أي مؤخره. كما ذكر في الدبر ثم عبر به في العرف عن الصور عن فعل الشيء، وهو ضد القدرة. وقوله:} والذين سعوا في آياتنا معاجزين {[الحج: 51] وقرئ "معجزين". يقال: عاجزته وأعجزته: جعلته عاجزًا. وقيل:} معاجزين {معناه ظانين مقدرين أنهم يعجزوننا لأنهم حسبوا أن لا بعث ولا نشور، فلا يكون ثواب وعقاب، وهو في المعنى كقوله:} أم حسب الذين يعملون السيئات أن يسبقونا {[العنكبوت: 4]. وقيل: معاجزين للأنبياء وأولياء الله تعالى يمانعونهم ويقاتلونهم ليصدوهم عن أمر الله. وقيل: معناه معاندين. وقيل: سابقين، أي يظنون أنهم يفوتوننا. و"معجزين" ينسبون من تبع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى العجز، وهو كقولك: جهلته أي نسبته إلى الجهل. وقيل مثبطين، أي مانعين الناس من إتباعه صلى الله عليه وسلم، وهو كقوله في المعنى:} الذين يصدون عن سبيل الله {[الأعراف: 45]. والعجوز: نظير الشيخ لعجزها عن كثيرٍ من الأمور. وفي حديث علي رضي الله عنه: "لنا حق إن نعطه نأخذه وإن نمنعه نركب أعجاز الإبل وإن طال السرى" كنى

بذلك عن حصول المشقة، لأن ركوب الأعجاز في غاية المشقة، لاسيما مع طول السير في الليل. وقيل: بل ضربه مثلاً لتقدم غيره عليه وتأخيره عن الحق الواجب. ع ج ف: قوله تعالى:} يأكلهن سبع عجاف {[يوسف: 43] أي مهازيل، وهو جمع أعجف وعجفاء، وهو الدقيق من الهزال. وأصله من قولهم: نصل أعجف، أي دقيق. وأعجف الرجل: صادف مواشيه أو صارت عجافًا. وعجفت نفسي عن فلانٍ وعن الطعام، أي نبت. وليس فعال قياسًا لأفعل فعلاء ولا فعلاء أفعل، ولكن جمع فاعلٍ فعال لمقارنته بسمانٍ. ومقتضاه أنه إذا لم يقترن بسمانٍ فلن يجمع على فعالٍ كما قالوا في أحدٍ ما قدم وما حدث في أخواتٍ له. وفي الحديث: "أعنزًا عجافًا" من غير مقارنة ما يناسبه. ع ج ل: قوله تعالى:} أعجلتم أمر ربكم {[الأعراف: 150] أي سبقتموه، وهو كقوله:} وما أعجلك عن وقومك {[طه: 83] أي كيف سبقتهم؟ يقال: أعجلني فعجلت له، واستعجلته: تقدمته فحملته على العجلة. وأصل العجلة: طلب الشيء وتحريه قبل أوانه، وهو مقتضى الشهوة، فلذلك صارت مذمومًة في عامة القرآن، حتى قيل: العجلة من الشيطان. قوله:} وعجلت إليك رب لترضى {[طه: 84] أي مما خص من الذم فإنها وإن كانت عجلًة لكنها محمودة، إذ المقصود بها رضي ربه. والمراغب هنا عبارة؛ قال: فذكر أن عجلته، وإن كانت مذمومًة. فالذي دعا إليها أمر محمود وهو رضي الله. وهذا إنما ذكرته تنبيهًا على خطابه في ذلك إذ لا يصدر من الأنبياء ما يذم عليه البتة. قوله تعالى:} خلق الإنسان من عجلٍ {[الأنبياء: 37] تنبيهًا أن طبعه العجلة بمنزلة من خلق من الشيء فكأن العجلة مادته. وأصله: نبه به أنه لا يتعرى من ذلك البتة، فإنها إحدى القوى التي ركب عليها. وقد قال بعضهم: العجل: الطين بلغة بعضهم، وأنشد: [من البسيط]

995 - والنخل ينبت بين الطين والعجل ولا يبعد عن الصنع. قوله:} من كان يريد العاجلة {[الإسراء: 18] يريد الدنيا، فإنها حاضرة بالنسبة على الآخرة، فإنها وإن كانت حق اليقين إلا أنها آجلة. قوله:} عجلنا له فيها ما نشاء لمن نريد {[الإسراء: 18] لم نعطه طلبته بل الذي نعجله ما نشاء لا ما يتمناه. ثم أخبر أنه ليس كل متمن أيضًا نعطيه ما يشاء، بل أردنا ذلك له. رب رضنا بما قسمت لنا، ولا تجعلنا من الذين يريدون العاجلة. والعجالة: ما يتعجل أكله الضيف كاللهنة، وقد عجلتهم ولهنتهم. والعجلة: الإداوة الصغيرة للتعجيل بها عند الحاجة إليها. والعجلة: خشبة معترضة على البئر، وما يحمل على الثيران أيضًا، قيل لهما ذلك ليس مرهما. والعجل: ولد البقرة، قيل: سمى ذلك لتصور عجلته التي تعدم منه إذا صار ثورًا. وبقرة معجل: لها عجل، من أعجلت صارت ذات عجلٍ. والعجلة أيضًا من النخل نحو النقير منه كأنه يتعجل به الخمر. قوله:} ولو يعجل الله للناس الشر {[يونس: 8] الآية أي أنهم يدعون على أنفسهم بالشر كما يدعون لها بالخير. فلو عجل لهم من الشر ما يستعجلونه بدعائهم مثل استعجالهم الخير لهلكوا، وقيل: لو أخذهم فعجل لهم العقوبة كاستعجالهم بالخير لفرع من الأمر فهلكوا. ع ج م: قوله تعالى:} ولو نزلناه على بعض الأعجمين {[الشعراء: 198]. الأعجم: من في لسانه عجمة عربيًا كان أو أعجميًا، والأعجمي منسوب إليه، والنسب إلى الصفات لا ينقاس نحو أحمري (منسوب إلى أحمر) وقد ورد ذلك. وأنشد: [من الرجز] 996 - أطربًا وأنت قنسري ... والدهر بالإنسان دواري وأما "الأعجمين" في الآية فجمع أعجم لا أعجمي وإنما جاز ذلك لأنه ليس أفعل فعلاء. والأعجمي إلى العجم فصيحًا كان أو غير فصيحٍ. والعجمة خلاف الإبانة. والإعجام: الإبهام، وهو أيضًا إزالة الإبهام. ومنه أعجمت الكتاب، أي أزلت عجمته

فصل العين والدال

بالنقط والضبط. واستعجمت الدار: بان عنها أهلها ولم يبق بها من يبين جوابًا. ومن ثم قيل: خرجت عن بلادٍ تنطق، كنايًة عن عمارتها بقطانها. وقال النابغة: [من البسيط] 997 - وقفت فيها أصيلالاً أسائلها ... عيت جوابًا وما بالربع من أحد والعجم: الجيل المعروف مقابل العرب من أي جنسٍ كان، وغلب في العرف على أبناء فارس. والعجماء: البهيمة لأنها لا تبين عن نفسها. وفي الحديث: "جرح العجماء جبار" و"صلاة النهار عجماء" أي لا قراءة يجهر بها فيها. وحروف المعجم هي المعروفة من ألفٍ إلى ياءٍ؛ روي عن الخليل أنها هي الحروف المقطعة لأنها أعجمية، وفسر بعضهم ذلك أن الحروف المجردة لا تدل على ما تدل عليه الحروف الموصولة بعضها ببعضٍ. ومنه باب معجم، أي مبهم. ومنه العجم للنوي، وقيل: إما لأنه [أدخل] في الفم في حال العض عليه، وإما بما أخفي من أجزائه بضغط المضغ. وفلان صلب المعجم، أي شديد عند المختبر. وقد نص بعضهم على أن النوى يقال فيه العجم، بتحريك الجيم. وبعضهم نص على سكونها. وقيل: هو بالسكون العض على العجم بالفتح. وفي الحديث: "ما كنا نتعاجم أن ملكًا ينطق على لسان عمر" أي نكني ونوري: وكل من لم يفصح عن شيءٍ فقد أعجمه. وفي حديث أم سلمة: "نهانا أن نعجم النوى طبخًا" أي ننضجه. قوله:} أأعجمي وعربي {[فصلت: 44] أي أرسول أعجمي ولسان عربي؟ وقيل بالعكس. فصل العين والدال ع د د: قوله تعالى:} إنما نعد لهم عدا {[مريم: 84] أي نحصي عليهم كل شيءٍ، وعن

ابن عباسٍ: نعد أنفاسهم. والعدد في الأصل: آحاد مركبة. وقيل: هو تركيب الآحاد، وهما متقاربان. والعدد: آحاد وعشرات ومئون وألوف، هذه أصوله. وباعتبار أنواعه مفرد ومركب ومضاف ومعطوف. وقد بينت جميع ذلك في النحو. والعد: ضم الأعداد. فالعد هو المصدر، والعدد هو المعدود نحو نقضه نقضًا فهو نقض، وقبضه قبضًا. قوله:} وأحصى كل شيءٍ عددًا {[الجن: 28] قيل: معناه عد كل شيءٍ عددا. فعلى هذا هو المصدر، وقيل: بل هو بمعنى المعدود، فيكون حالاً. قوله تعالى:} فضربنا على آذانهم في الكهف سنين عددًا {[الكهف: 11] أي ذوات عددٍ. ونبه بذكر العدد على كثرتها، قاله الراغب وفيه نظر لأنه قيل: يذكر للتقليل لأن القليل يعد والكثير لا يعد. ومنه قوله تعالى:} دراهم معدودةٍ {[يوسف: 20] ومحصور للقليل مقابلة لما لا يحصى كثرًة نحو المشار إليه بقوله:} بغير حسابٍ {[البقرة: 212]، وعلى ذلك قوله:} لن تمسنا النار إلا أيامًا معدودًة {[البقرة: 80] أي قليلًة، لأنهم قالوا: نعذب بعدد الأيام التي عبدنا فيها العجل. ويقال على الضد من ذلك: جيش عديد، أي كثير، وهم ذو عددٍ، أي بحيث ألا يعدوا كثرًة. ويقال في القليل: هم شيء غير معدودٍ. قال: وقوله:} في الكهف سنين عددًا {يحتمل الأمرين. قلت: احتماله للقلة بعيد جدًا. قوله:} ولو أرادوا الخروج لأعدوا له عدًة {[التوبة: 46] أي من سلاحٍ وكراعٍ ونفقةٍ وزادٍ. وأصل العدة: الشيء المعد المدخر، أي شيء كثير يعد من مالٍ وسلاحٍ وغيرهما. قوله تعالى:} فاسأل العادين [[المؤمنون: 113] أي الحاسبين. وقيل: أصحاب العدد وهما سواء. وقيل: هم الملائكة يعدون عليهم أنفاسهم. والعدة: الشيء المعدود كقوله تعالى:} فعدة من أيام أخر {[البقرة: 184] لوصفها بقوله:} من أيامٍ {.وتكون بمعنى العدد كقوله تعالى:} وما جعلنا عدتهم إلا فتنًة {[المدثر: 31] أي عددهم. قوله تعالى:

{فعدتهن} [الطلاق: 4] أي عدة المرأة تربصها مدًة معلومًة تعد عدًا، فبانقضائها تحل للأزواج. قوله:} وأعدوا لهم ما استطعتم من قوةٍ {[الأنفال: 185] أي اجعلوه معدًا لهم عند الحاجة إليه ومدخرًا. والإعداد من العدد كالإسقاء من السقي؛ فأعددت لك كذا: جعلته بحيث تتناوله حين حاجتك إليه وتعده. قوله:} ولتكملوا العدة {[البقرة: 185] أي العدد. قوله:} في أيامٍ معدودات {[البقرة: 203] المشهور أنها أيام التشريق، والمعلومات العشر قبلها. وقيل: يوم النحر ويومان يليانه؛ فيوم النحر من المعلومات والمعدودات عند هؤلاء. وقد بينا هذا في "القول الوجيز". قوله:} الذي جمع مالاً وعدده {[الهمزة: 2] قرى مشددًا أي جعله عدًة للدهر، "وعدده" بالتخفيف، أي ذوي عددٍ فالهاء للهمزة. وفي الحديث: "إنما أقطعته الماء العد" أي الدائم الذي لا انقطاع لعدده. وقوله: "ما زالت أكلة خيبر تعادني"؛ يعاودني ألم سمها في أوقاتٍ معدودةٍ. وعدان الشيء: زمانه. والعداد كذلك يقال: به عداد من الجنون، أي يعاوده في أوقاتٍ معدودةٍ. وفي الحديث: "إذا تكاملت العدتان قامت الساعة"، قال القتيبي: الذي عندي فيه أنه إذا تكاملت عدة أهل الجنة وأهل النار قامت القيامة. وقال غيره: هو إشارة لقوله:} إنما نعد لهم عدًا {[مريم: 84] يعني أنهم إذا استوفوا المعدود لهم قامت القيامة. ع د س: قوله تعالى:} وعدسها {[البقرة: 61] العدس: الحب المعروف، وبه شبهت بثرة أو قرحة تطلع على ظاهر الجسد في الهيئة فيقال: أخذته عدسة. وعدس: زجر للبغل، وقد يقال لغيره. قال الشاعر: [من الطويل] 998 - عدس ما لعبادٍ عليك إمارة

واشتق منه فعل فقيل: عدس في الأرض، فهو عدوس. ع د ل: قوله تعالى:} أو عدل ذلك صيامًا {[المائدة: 95] أي مثله ومساويه. قيل: العدل والعدل يتقاران. ولكن العدل يستعمل فيما يدرك بالبصيرة كالأحكام وكالآية المتقدمة. والعدل هو التقسيط على سواءٍ. وعلى هذا روي عن النبي صلى الله عليه وسلم: "بالعدل قامت السماوات والأرض" تنبيهًا أنه [لو] كان ركن من الأركان الأربعة في العالم زائدًا على الآخر أو ناقصًا عنه على مقتضى الحكمة الربانية، لم يكن العالم منتظمًا ولتطابقت السماوات والأرض. وقال البصريون: العدل والعدل لغتان بمعنى المثل. وقال أبو بكرٍ: العدل: ما عادل الشيء من جنسه، وبالفتح ما عادله من غير جنسه، يقال: عندي من الدراهم عدل دراهمك ومن الثياب عدل دراهمك بالفتح. ثم العدل ضربان: مطلق يقتضي العقل حسنه، ولا يكون في شيء من الأوقات منسوخًا، ولا يوصف بالاعتداء بوجهٍ، نحو الإحسان إلى من أحسن إليك، وكف الأذى عمن كف أذاه عنك. والثاني مقيد بالشرع ويتطرق إليه النسخ في بعض الأزمنة كأروش الجنايات والقصاص وأخذ مال المرتد. ومن ثم قال تعالى:} فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم {[البقرة: 194]} وجزاء سيئة سيئة مثلها {[الشورى: 40] فسمي بذلك سيئًة واعتداًء. وهذا النحو هو المعنى بقوله تعالى:} إن الله يأمر بالعدل والإحسان {[النحل: 90]؛ فالعدل هنا: المساواة في المكافأة إن خيرًا فخيرن وإن شرا فشر. والإحسان أن يقابل بالخير مثله وزيادة، والشر بأقل منه. والعدل: العدالة أيضًا، وهي في الرجل لفظ يقتضي معنى المساواة وكذلك المعدلة. وقوله تعالى:} وأشهدوا ذوي عدلٍ منكم {[الطلاق: 2] أي عدالةٍ، ويوصف به الواحد المذكر

وضداهما المبالغة نحو: رجل عدل ورجال عدل. قال الشاعر: [من الطويل]. 999 - فهم رضًا وهم عدل وكذا الوصف لسائر المصادر، والمطابقة قليلة. وفي مثل قوله:} ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء {[النساء: 129] إشارة إلى ما جبل عليه الآدمي من الميل؛ فإن الإنسان وإن أمكنه أن يسوي بينهن في النفقة والكسوة والمنزل والمبيت والوطء ولين الكلمة وغير ذلك، فلن يستطيع أن يسوي بينهن في المحبة، ولهذا كان عليه الصلاة والسلام يقول: "اللهم إن هذا قسمي فيما أملك فلا تؤاخذني فيما لا أملك" إشارة إلى ما ذكرنا من المعنيين. قوله:} فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدًة {[النساء: 3] إشارة إلى العدل الذي هو القسم والنفقة. قوله:} ثم الذين كفروا بربهم يعدلون {[الأنعام: 1] أي يجعلون له عديلاً، فصار كقوله:} هم به مشركون {[النحل: 100] وقيل: يعدلون بأفعاله عنه، وينسبونها إلى غيره كقوله: مطرنا بنوء كذا. ولهذا حكى صلى الله عليه وسلم عن ربه: "أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر بالكواكب" الحديث وقيل: يعدلون بعبادتهم عنه إلى من لا يستحق عبادة. بل أن يكون عابدًا. ومن طريف ما يحكي أن الخبيث الحجاج بن يوسف الثقفي استحضر الحبر الشهيد سعيد بن جبيرٍ تلميذ ابن عباس فقال له: ما تقول في؟ قال: وما أقول: أنت قاسط عادل. فأعجب الجماعة بقوله، فقال الحجاج الخبيث: ما تظنون؟ قالوا: مدحك بالقسط والعدل. فقال: بل بالجور والكفر؛ ثم تلا لهم:} وأما القاسطون فكانوا لجهنم حطبًا {[الجن: 15]} ثم الذين كفروا بربهم يعدلون {[الأنعام: 1] ففهمها الخبيث أخزاه الله تعالى. قوله:} أو عدل ذلك صيامًا {أي ما يعادل من الطعام الصيام. والفداء يطلق عليه عدل نظرًا إلى المساواة. وقوله عليه الصلاة والسلام: "لا يقبل الله منها صرفًا ولا

عدلاً" قيل: العدل كناية عن الفريضة، والصرف النافلة وهي الزيادة على ذلك، فهما كالعدل والإحسان على ما مر. ومعنى "لا يقبل منها": لا يكون له خير يقبل منه. وقال النضر: الصرف: التوبة قوله تعالى:} بل هم قوم يعدلون {[النمل: 60] يصح أن يكون من الشرك، وأن يكون من العدول عن الحق عدولاً يقال: عدل يعدل: إذا تحرى الحق وعدولاً إذا مال عن وجه الصواب وهو في الأصل مطلق الميل. قوله:} الذي خلقك فسواك فعدلك {[الانفطار: 7] قرئ مشددًا، من التعديل، أي لم يجعل إحدى يديك ورجليك أطول، ولا إحدى عينيك وأذنيك أكبر لأنه كان مما يستبشع، ومخففًا أي عدل بك من الكفر إلى الإيمان؛ قاله ابن الأعرابي، وفيه نظر لأن الخطاب عام للكافر والمؤمن، والظاهر أنهما لغتان بمعنى التسوية. يقال: عدلته فاعتدل، أي قومته فاستقام، وعدلته فتعدل، قوله:} تتبعوا الهوى أن تعدلوا {[النساء: 135] أي فرارًا من إقامة الشهادة. فالمعنى أن تعدلوا عن إقامتها لمن تؤدونها له أو عليه. وقيل؛ المعنى: لا تتبعوا الهوى لتعدلوا، نحو: لا تتبعه لترضي الله، أي أنهاك عنه لترضي الله. وعادل بين الأمرين: نظر أيهما أرجح. وعادل الأمر: ارتبك فيه فلا يدري أي طرفيه يتبع. والأيام المعتدلة: عبارة عن طيبها لاعتدالها. ع د ن: قوله تعالى:} جنات عدنٍ {[الرعد: 23] العدن: الإقامة والثبوت. يقال: عدن بمكان كذا، أي أقام به. ومنه المعدن لثبوت الجواهر واستقرارها فيه. وقال عليه الصلاة والسلام: "المعدن جبار" أي هدره. وقيل: عدن: علم لمكانٍ بعينه في الجنة. ع د و: قوله تعالى:} فمن اضطر غير باغٍ ولا عادٍ {[البقرة: 173] أي ولا متجاوز ما حد له. يقال: عدا يعدو عدوًا وعدوانًا: إذا تجاوز ما حد له. قال تعالى:} فيسبوا الله عدوًا بغير علمٍ {[الأنعام: 108] أي ظلمًا. وأصل العدو: التجاوز ومنافاة الالتئام؛

فتارًة يعتبر بالقلب فيقال العداوة والمعاداة، وتارًة بالمشي فيقال له العدو، وتارًة في الإخلال بالعدالة فيقال له العدوان والعدو، وتارًة بأجزاء المقر فيقال له العدواء. يقال مكان ذو عدواء: غير متلائم الأجزاء، وأصله الأرض الغليظة يقال لها عدواء، وبعضهم يقولها بسكون الدال؛ فمن المعاداة يقال: رجل عدو وقوم عدو. وقال تعالى:} هم العدو {[المنافقون: 4]. وقد يجمع فيقال: عدى وأعداء. وقيل العدى بالكسر يطلق على الأجانب، وأما العدى - بالضم - فالأعداء. وفي حديث عمر: "كان يبرح قومه ويبعث العدى" يعني الأجانب. والعدو على ضربين: أحدهما بقصدٍ من المعادي نحو:} فإن كان من قومٍ عدو لكم {[النساء: 92]. والثاني لا بقصده بل بأن تعرض له حالة يتأذى بما يكون من العدو، نحو قوله: فإنهم عدو لي إلا رب العالمين {[الشعراء: 77]. والاعتداء: مجاوزة الحد والظلم؛ افتعال من العدو. ومنه قوله تعالى:} ولا تمسكوهن ضرارًا لتعتدوا {[البقرة: 231]. قوله تعالى:} ولقد علمتم الذين اعتدوا منكم في السبت {[البقرة: 65]. قيل: إنهم حفروا حياضًا فإذا طلعت الحيتان فيها يوم السبت صادوها يوم الأحد فهو اعتداء منهم. وقيل: هو أخذهم الحيتان على جهة الاستحلال. قوله:} فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم {[البقرة: 194] الآية أي قابلوه بحسب اعتدائه وتجاوزوا إليه بحسب تجاوزه من العدوان المحظور ابتداًء. وقوله:} ولا تعاونوا على الإثم والعدوان {[المائدة: 2] هو من العدوان الذي على سبيل المجازاة. وقال النحاة: الفعل متعد قاصر؛ تصوروا في الناصب لمفعوله مجاوزته له وفي غيره المقصور عنه؛ قوله تعالى:} إذ أنتم بالعدوة الدنيا [[الأنفال: 42] الآية. العدوة: هي الجانب، كأنه متجاوز للقرب. قوله:} ولا تعد عيناك عنهم {[الكهف: 28] أي لا تتجاوز، هو في اللفظ نهى عن العين وفي المعنى

لصاحبها، وهذا تأدب لأمته. وقال أمير المؤمنين يوم الجمل لبعض أصحابه وقد تخلف عنهم يوم الجمل: "ما عدا مما بدا؟ ". قال المبرد: معناه: ما الذي ظهر منك من التخلف بعدما ظهر منك من الطاعة؟ وقيل: معناه: ما صرفك وشغلك عما كان بدا لنا من نصرتك؟ وقيل: معناه: ما بدا لك مني فصرفك عهي؟ قوله تعالى:} والعاديات {[العاديات: 1] قيل: هي الخيل. وقيل: الإبل، وقد مضى ذلك مشروحًا، وتقدمت حكاية عن ابن عباسٍ في قوله:} ضبحًا {في باب الضاد. قوله:} فأولئك هم العادون {[المؤمنون: 7] أي المتجاوزون ما حد لهم. وفي الحديث: "لا عدوى" هو أن يكون [ببعيرٍ] أو بإنسانٍ به جذام أو برص، فتتقى المؤاكلة معه، فنفاها الشرع. ولهذا قال في موضعٍ آخر: "فمن أعدى الأول؟ " وفي حديث أبي ذر: " [تعدو] في الشجر" أي ترعى العدوة، وهي الخلة. وفي الحديث أيضًا: "السلطان ذو عدوانٍ وذو بدوان وذو بدراءٍ. والعدوان: سرعة الملال والانصراف، والبدوان: أن يبدو له كل يومٍ رأي جديد. والعدوان: السريع العدو؛ قال امرؤ القيس: [من الطويل] 1000 - كتيس ظباء الحلب العدوان ويقال: عادى الحمار يعادي بمعنى عدا يعدو؛ وقال امرؤ القيس: [من الطويل فعادى عداًء بين ثور ونعجةٍ ... وكان عداء الوحش مني على بال وفي حديث حذيفة: "أنه خرج وقد طم رأسه فقال: إن تحت كل شعرةٍ لم يصبها الماء جنابًة فمن ثم عاديت رأسي" قيل: استأصله الماء إلى أصول شعره وعن

فصل العين والذال

عبيدة: رفعت شعري عند الغسل. وعاديت الوسادة: ثنيتها، وعاديت الشيء: باعدته. وفي الحديث: "في المسجد تعادٍ" أي أمكنة مختلفة. وعاد رجلك. أي جافها. وفي حديث عمر رضي الله عنه: "أتي بسطيحتين فيهما نبيذ فشرب من إحداهما وعدى عن الأخرى" أي تركها من قولهم: عد عن كذا. قال النابغة: [من البسيط] 1001 - فعد عما ترى إذ لا ارتجاع له ... وانم القتود على عيرانةٍ أجد وعن عمر بن عبد العزيز: "أنه أتي برجلٍ قد اختلس طوقًا فلم ير قطعه وقال: تلك عادية الظهر" العادية: من العدوان، والتاء فيه للمبالغة كراوية. والظهر ما ظهر من الحلي كالطوق ونحوه. قوله:} فلا عدوان إلا على الظالمين {[البقرة: 193] ليس حقيقة الخبر، بل معناه: لا تعتدوا إلا على من ظلمكم وليس بخبرٍ، لأن العدوان كثيرًا ما يقع على غير الظالمين. أو أنه بيان للحكم بمعنى أنه لا يحكم بالعدوان إلا عليهم. وقولهم: قام القوم ما عدا زيدًا وعدا زيدًا، من المجاوزة. ولذلك قال النحاة: تقديره: قاموا عدا القيام زيدًا، ومعناه معنى إلا زيدًا. ولنا فيه كلام أتقناه في النحو. فصل العين والذال ع ذ ب: } ولهم عذاب أليمً {[البقرة: 174]: الإيجاع الشديد، وأصله من المنع، وسميت العقوبة والإيلام عذابًا باعتبار منعها من معاودة ما عوقب عليه، ومنه الماء العذب لأنه يعذب العطش، أي يمنعه. وقيل: هو من قولهم: عذب الرجل إذا ترك المأكل فهو عاذب وعذوب. فكان التعذيب في الأصل حمل الإنسان على أن يعذب أي يجوع ويسهر. وقيل: بل هو من العذب وهو الخلو بمعنى أن عذبته للسلب، أي أزلت عذوبة حياته نحو مرضته. وقيل: هو من ضربته بعذبة السوط، وهي عقدة طرفه. وقيل: هي من قولهم: ماء

عذب إذا كان فيه قذى وكدر. فقولهم عذبته بمنزلة كدرت عيشه وزلقت حياته. وأعذب يكون قاصرًا ومتعديًا؛ يقال: أعذبت وأعذبت زيدًا، أي امتنعت ومنعت. ومن لاك علي رضي الله عنه لسريةٍ بعثها: "أعذبوا عن ذكر النساء فإن ذلك يكسركم عن الغزو" ولما كان للعذاب أسباب فقد فسره المفسرون في كل موطنٍ بما يليق به فقالوا في قوله تعالى:} إما العذاب وإما الساعة {[مريم: 75] أن العذاب ما وعدوا به من نصر المؤمنين عليهم فيعذبونهم قتلاً وأسرًا، وفي قوله:} ولقد أخذناهم بالعذاب {[المؤمنون: 76] أي بالمجاعة، وفي قوله:} حتى إذا فتحنا عليهم بابًا ذا عذاب {[المؤمنون: 77] هو القتل بالسيف، وفي قوله:} وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم {[الأنفال: 33] أي عذاب استئصالٍ، وفي قوله:} وما لهم ألا يعذبهم الله {[الأنفال: 34] أي بالسيف: تخالفت الأسباب والموت واحد. ع ذ ر: قوله تعالى:} لا تعتذروا {[التوبة: 66]. وأصل العذر ما يتحراه الإنسان من محو جنايته. يقال: عذر وعذر نحو عسرٍ وعسرٍ. ثم العذر قيل: على ثلاثة أضربٍ: أحدها أن يقول: لم أفعل، قاله الراغب وفيه نظر لأن أهل العرف لا يعدونه عذرًا بل هذا إنكار. والثاني أن يقول: فعلت كذا، فيخرج بذلك عن كونه مذنبًا. والثالث أن يقول: فعلت ولا أعود. قال: وهذا الثالث هو التوبة؛ فكل توبةٍ عذر وليس كل عذرٍ توبةٍ. ومنه قوله تعالى:} وجاء المعذرون من الأعراب {[التوبة: 90] وقرئ "المعذرون" أي الآتون بالعذر. وعن ابن عباسٍ: "لعن المعذرين ورحم المعذرين" وقال بعضهم:

المعذر المقصر والمعذر المبالغ الذي ليس له. والمعتذر يقال فيمن له عذر وفيمن لا عذر له. ومنه قول عمر بن عبد العزيز لمن اعتذر إليه: "عذرتك غير معتذرٍ" أي دون أن تعتذر، لأن المعتذر يكون محقًا وغير محق. قلت: وهذه التفرقة إنما تصح على قولنا: إن "المعذرون" من عذر بالتضعيف، إلا أن الجمهور على أن أصله "المعتذرون". قوله:} قالوا معذرة {[الأعراف: 164] مصدر أي نعتذر معذرة، وقرئ بالرفع، أي صرنا معذرة، كقوله:} وقولا حطة {[البقرة: 58] رفعًا ونصبًا، كأنه قيل: أطلب منه أن يعذرني. وأعذر فلان: أتى بما صار به معذورًا. يقال: قد أعذر من أنذر. قالوا: وأصل الكلمة من العذرة: وهي الشيء النجس. ومنه قيل لقلفة الرجل والمرأة عذرة. يقال: عذرت الصبي: طهرته وأزلت عذرته. وكذلك أعذرت فلانًا، أي أزلت نجاسة ذنبه بالعفو عنه نحو: غفرت له: سترت ذنبه. وسموا جلدة البكارة عذرة تشبيهًا بعذرتها التي هي القلفة. ومنه قيل: عذرتها كناية عن افتضاضها، وهو كرأستها أي أصبت رأسها. ولذلك قيل للعارض في حلق الصبي عذرة. فقيل: عذر الصبي: أصابه ذلك. قال الشاعر: [من الكامل] 1002 - غمز الطبيب نغانغ المعذور ويقال: اعتذرت المياه: انقطعت. واعتذرت المنازل: درست على التشبيه بالمعتذر الذي يندرس ذنبه بإبراز عذره. والعاذرة: المستحاضة لما بها من النجاسة. والعذور: السيء الخلق اعتبارًا بالعذرة التي هي النجاسة. قيل: وأصل ذلك من العذرة التي هي فناء الدار. ويسمي ما يلقى فيها باسمها. ومن كلام أمير المؤمنين علي رضي الله عنه في عتابه لقومٍ: "ما لكم لاتنظفون عذراتكم" وهذا كما كنى عن ذلك بالغائط لأن قاضي الحاجة ينتابه ليستتر به، وسيأتي.

فصل العين والراء

وفي الحديث "استعذر رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا بكرٍ عن عائشة" أي عتب عليها وقال لأبيها: كن عذيري منها. واستعذر صلى الله عليه وسلم من عبد الله بن أبي فقال: "من يعذرني من عبد الله؟ " أي من يقوم بعذري إن جازيته بصنيعه؟ وفي المثل: "عذيرك من فلانٍ" أي أحضر من يقبل عذرك؛ فعيل بمعنى فاعلٍ. ومنه قول علي رضي الله عنه وقد نظر إلى الخبيث عبد الرحمن بن ملجمٍ المرادي: [من الوافر] 1003 - عذيرك من خليلك من مراد وفي شعرٍ أنشد في الاستسقاء: [من الطويل] 1004 - أتيناك والعذراء يدمى لبانها العذراء: البكر من النساء، وباعتبار صيقها قيل للجامعة من الأغلال عذراء. وقد يجوز أن تكون الجامعة هي الأصل، ومن ذلك قولهم: تعذر: إذا ضاق وعسرت معرفة وجهه. فصل العين والراء ع ر ب: قوله تعالى:} ومن الأعراب {[التوبة: 98] الأعراب: سكان البوادي، والعرب: سكان القرى والبوادي. ومن ثم غلط سيبويه من جعل أعرابًا جمعًا لعربٍ لاستحالة كون المفرد أعم من الجمع. وهذا نظير: عالمون في كونه ليس جمعًا كما سيأتي إن شاء الله تعالى. وقد تكلمنا على ذلك في "إيضاح السبيل" وغيره. وقال الراغب:

والأعراب جمعه في الأصل، وصار ذلك اسمًا لسكان البادية. وهذا لا ينافي قول سيبويه فإنه كان كذا ثم غلب الاستعمال على ما ذكره. والأعراب يجمع على أعاريب. وأنشد: [من الوافر] 1005 - أعاريب ذوو فخرٍ بإفكٍ والأعرابي منسوب إلى الأعراب سكان البادية. والعربي هو المفصح؛ قيل: والعرب من كان من ولد إسماعيل. ويقال: لكونهم منسوبين إلى يعرب. والعربي أيضًا هو الكلام المبين الفصيح. والإعراب يطلق بإزاء معانٍ منها البيان. ومنه الحديث: "والأيم تعرب عن نفسها" ومنها التغيير؛ ومنه: أعربها الله، أي غيرها. ومنها التحسين؛ ومنه:} عربًا أترابًا {[الواقعة: 37] أي حسانٍ متحبباتٍ إلى أزواجهن. ومنها الفساد؛ ومنه عربت معدة البعير أي فسدت. فالهمزة في الإعراب حينئذٍ للسلب. فقولهم: أعرب كلامه، أي بينه أو غيره أو حسنه أو أزال فساده. وللنحاة عبارات بيناها في غير هذا. قوله:} إنا جعلناه قرآنًا عربيًا {[الزخرف: 3] أي بينًا فلا يلزم أن يكون كله بلغة العرب. بل يجوز أن يكون غير عربي إذا كان متفاهمًا معروفًا بين المخاطب به كاليم قيل: البحر بلغة الحبشة، والقسطاس: الميزان بلغة الروم، والمشكاة: الكوة بلغة الهند، إلى غير ذلك. ومن الناس من أباه وتحاشى ذلك لقوله:} أأعجمي وعربي {[فصلت: 44] وقد بينا القولين ودلائلهما في غير هذا الموضوع من "القول الوجيز" و"البحر الزاخر" وغيرهما. قوله:} وكذلك أنزلناه حكمًا عربيًا {[الرعد: 37] قيل: معناه شريفًا كريمًا، كقوله:} عربًا أترابًا {ووصفه بذلك كوصفه بكريمٍ. وقيل: معناه مفصحًا يحق الحق ويبطل الباطل، وقيل: معربًا من قوله عليه الصلاة والسلام: "عربوا على الإمام"؛ يقال:

عربت عليه: إذا رددت عليه من حيث الإعراب، قاله الراغب، ومعناه على هذا أنه ناسخ لغيره من الأحكام. وقيل: لكونه منسوبًا إلى النبي العربي من حيث إنه منزل على قلبه وبلسانه. قوله:} عربًا {أي متحبباتٍ لبعولتهن حسان في أعينهن. وقيل: لأنها لا تعرب بحالها عن عفتها ومحبة زوجها؛ الواحدة عروب. والمعرب: المتحري في كلامه الصواب، والمبين عما في نفسه، وصاحب الفرس العربي كالمجرب لصاحب الجرب. ويعرب: يقال إنه أول من نقل السريانية إلى العربية. ومن قيل أنه سمي باسم فعله. قوله:} وهذا لسان عربي مبين {[النحل: 103] اللسان هنا: اللغة، ووصفه بالإبانة بعد نسبته إلى العرب تنبيه على أن صاحبه يتكلم بالعربية. يقال: عرب اللسان يعرب عروبًا وعروبية. وفي الحديث: "الأيم يعرب عنها لسانها" أي يبين، إلا أن أبا عبيدٍ قال: الصواب يعرب؛ بالتشديد. قال الفراء: يقال: عربت عن القوم: إذا تكلمت عنهم، ومنه الحديث الآخر: "فإنما كان يعرب عما في قلبه ولسانه". وقد رد ابن قتيبة على أبي عبيد وقال: الصواب التخفيف لأنه يقال: اللسان يعرب عما في الضمير. قال أبو بكرٍ: لا حجة لابن قتيبة علي أبي عبيدٍ لأنه حكاه عن الفراء عن العرب. والذي قاله ابن قتيبة إنما عمله برأيه عملاً، واللغة تروى ولا تعمل ولا سمعنا أحدًا يقول: التعريب باطل كما قال، لأنه لا اختلاف بين اللغويين في أنه يقال: أعربت الحرف وعربت الحرف. فالفراء يذهب إلى أن عربت أجود من أعربت مع عن، فإذا لم تكن عن فأعربت وعربت لغتان متساويتان لا تقدم إحداهما على الأخرى. قلت: وهذا هو المشهور، وهو أن اللغة سماع لا قياس، وإنما حكيت هذا الكلام برمته لإفادته لاسيما عن فحول الصناعة. وقال ابن الأعرابي: أعرب الصبي والعجمي: إذا فهم كلامهما بالعربية. وعربا: إذا لم يلحنا. وقال عمر رضي الله عنه: "ما لكم إذا رأيتم الرجل يخرق أعراض الناس ألا تعربونه؟ " أي تمنعونه. وقيل: فقبحوا فعله عليه. وفي

الحديث: "لا تحل العرابة للمحرم" قيل: هي الفحش. وفي الحديث: "نهى عن بيع العربان" هو أن يدفع المستام شيئًا فإذا مضى البيع حسب من الثمن، وإن لم يمضه كان للبائع. ويقال: عربون وعربون وأربون - بالعين والهمز - ومنه الحديث: "فأعربوا فيها [أربع] مئة درهمٍ" أي أسلفوا وهو من العربان. وعن عطاءٍ: "نهى عن الإعراب في البيع" هو أيضًا من العربون. قوله تعالى:} ثم يعرج إليه في يومٍ {[السجدة: 5] أي يسعد إليه في المعراج وهو السلم؛ تقول: عرج في السلم يعرج عروجًا والجمع معاريج. قوله:} ذي المعارج {[المعارج: 3]؛ قيل: معارج الملائكة. وقيل: أراد بها الفواصل العالية؛ الواحد معرج وهو الدرجة. وشبه الصاعد عليها بالأعرج. فمن ثم سميت معرجًا والصاعد فيها عارجًا. وقيل: العروج: ذهاب في صعودٍ. وعرج يعرج عروجًا وعرجانًا: مشى مشي العارج كما قالوا: درج أي مشى مشي الصاعد في درجه. وعرج: صار ذلك خلقًة له. وقيل: يقال عرج بالفتح: أصابه شيء غمز منه. وعرج - بالكسر - إذا صار أعرج؛ فعرج - بالضم والكسر - يتقاربان معنًى. ومن ثم قيل للضبع: عرجاء لكونها في خلقتها ذات عرجٍ. وتعارج تفاعل ذلك. والأعرج: من أصيبت إحدى رجليه فاختل مشيه؛ قال تعالى:} ولا على الأعرج حرج {[النور: 61]. قوله تعالى:} كالعرجون القديم {[يس: 39]. العرجون: فعلون من الانعراج لا الانعطاف. وأصله من العروج والعرج. والعرجون: عود الكباسة التي عليها الشماريخ

للعذق، فإذا قدم تقوس واصفر، فمن ثم شبه بالهلال في آخر الشهر وأوله ويقال له الأهاق أيضًا. وقال الراغب: العرجون الطاقة من أغصانه. وهذا تفسير يحتاج إلى تفسيرٍ. ع ر ر: قوله:} وأطعموا القانع والمعتر {[الحج: 36]. المعتر: المتعرض للسؤال. يقال: عر واعتر أي تعرض. وعررت لك حاجتي. والعر والعر: الجرب الذي يعر البدن، أي يعترضه. ومنه قيل للمضرة: معرة، تشبيهًا بالعر الذي هو الجرب. وقيل: المعتر: الذي يتعرض ولا يسأل. يقال: اعتره يعتره، واعتراه يعتريه، والقانع: من برز وجهه للمسألة. ومنه قيل: اعتررته، أي أتيته أطلب منه معروفه. قوله تعالى:} فتصيبكم منهم معرة {[الفتح: 25] أي مسبة ومذمة، وذلك أنهم لو قاتلوا أهل مكة وفيهم من المؤمنين والمؤمنات من لم يتميز عند قتال الكفرة لأصابوا أولئك المؤمنين من غير علمٍ بهم، فيقال فيهم إنهم قد قتلوا المسلمين من أهل ملتهم فيلزمهم من ذلك مذمة من القوم وديات المقتولين. وأصل المعرة من العر وهو الجرب، فقيل لكل مضرةٍ معرة تشبيهًا بالعر الذي هو الجرب. قال النابغة: [من الطويل] 1006 - كذي العر يكوى غيره وهو راتع أي كصاحب الداء الذي يستحق الكي، وهو مثل للبريء يعاقب ويترك الجاني. وفي الحديث: "كان إذا تعار من الليل" قال أبو عمر: واختلف الناس في تعار؛ قيل: انتبه، وقيل: علم، وقيل: تمطى، وإنه مأخوذ من عرار الظليم: وهو صياحه، والظليم ذكر النعام. والعرار: حكاية صوته وصوت حفيف الريح. والعرعر: شجر، لما يسمع من حفيف أغصانها. وعرعار: لعبة لهم حكايًة لصوتها. وفي الحديث: "أتيتك بهذا المال لما يعررك" ويروى "يعروك" أي ينوبك. والعرار: شجر طيب أيضًا وقال الشاعر:

[من الوافر] 1007 - تمتع من شميم عرار نجدٍ ... فما بعد العشية من عرار والعرارة بالتاء: الشدة. وفي الحديث: "كان يدمل إرضه بالعرة" وهي العذرة. ومنه حديث جعفرٍ: "كل سبع تمراتٍ من خلةٍ غير معرورةٍ" أي غير مسمدةٍ بعذرةٍ. وسأل بعض الأعراب آخر عن منزله فقال: "بين حيين من العربن فقال: نزلت بين المجرة والمعرة" المجرة: مجرة السماء، والمعرة: ما وراءها من ناحية القطب الشمالي؛ سميت بذلك لكثرة نجومها تشبيهًا بمن أصابه العر وهو الجرب لكثرته في البدن. والعرب تسمي السماء: الجرباء، لنجومها؛ كأنه قال له: هم في الكثرة كالنجوم. والمعرة: المسبة كما تقدم. والمعرة: بلد معروف. والمعرة أيضًا: موضع العر وهو الجرب أو العرة وهو العذرة، كأنه لطخهم بها. ع ر ش: قوله تعالى:} الرحمن على العرش استوى {[طه: 5] أصل العرش: شيء مسقف ومنه: عرشت الكرم أعرضه: إذا جعلت له كهيئة سقفٍ. ويقال له عريش أيضًا. واعترض العنب: ركب عرشه. والعرش أيضًا: شبه الهودج، تشبيهًا له بعرش الكرم في هيئته. وعرشت البئر، أي جعلت له عريشًا. وسمي مجلس السلطان عرشًا اعتبارًا بعلوه. ثم عبر به عن العز والمنعة والقوة، لأنه محل صدور ذلك وقراره وهو المراد بعرش الباري تعالى. ويجوز أن يكون عرشًا جسمانيًا ولكنه في الهيئة والخلقة لا يعلم كنه ذلك إلا خالقه. واستواؤه عليه هو استيلاؤه - وقد مضى تفسير ذلك - لا الاستواء المعلوم. قال الراغب:

وعرش الله مما لا يعلمه البشر على الحقيقة إلا بالاسم. قال: وليس كما تذهب إليه أوهام العامة فإنه لو كان كذلك لكان حاملاً له تعالى عن ذلك لا محمولاً، والله تعالى يقول:} إن الله يمسك السماوات والأرض أن تزولا ولئن زالتا إن أمسكهما من أحدٍ من بعده {[فاطر: 41] وليس كما قال قوم إنه الفلك الأعلى، والكرسي فلك الكواكب. قال: واستدلوا على ذلك بما روي عنه عليه الصلاة والسلام: "ما السماوات السبع والأرضون السبع في جنب الكرسي إلا كحلقةٍ ملقاةٍ في أرض فلاةٍ" والكرسي عند العرش كذلك. قلت: لا يلزم من قال: إن العرش جسم وفلك أن يكون حاملاً لله تعالى بل العرش وحملته وما سوى ذلك محمولون بقدرته تعالى. والقرآن قد ورد بأن للباري تعالى عرشًا موجودًا جسمانيًا محمولاً وهو قوله تعالى:} ويحمل عرش ربك فوقهم يومئذٍ ثمانية {[الحاقة: 17].} وكان عرشه على الماء {[هود: 7] فأي محذورٍ في أن يكون له عرش كما أن له سماواتٍ وأرضًا، ولا نقول إن شيئًا من ذلك يحويه ولا هو مقوله تبارك وتعالى عن ذلك. وقيل: العرش سرير الملك فعبر به عن ملكوت ربنا لأنه ملك الملوك. قوله:} وكان عرشه على الماء {تنبيه أن عرشه تعالى لم يزل مستعليًا مذ وجد على الماء. وقوله تعالى:} ذو العرش المجيد {[البروج: 15]،} رفيع الدرجات ذو العرش {[غافر: 15] ونحو ذلك. قيل: هو على حقيقته من وجود عرشٍ كالسماوات. وقيل: هو إشارة إلى مملكته وسلطانه لا إلى مقر له، تعالى عن ذلك. ومن ذلك قولهم: ثل عرش فلانٍ: إذا ذهب عنه. وروي أن عمر رضي الله عنه " [رئي] في المنام فقيل: ما فعل الله بك؟ فقال: لولا أن يتداركني برحمته لئل عرشي" قوله:} ولها عرش عظيم {[النمل: 23] إشارة إلى قوة ملكها وعز سلطانها وكبر سريرها وعظمته، واستعظام الهدهد لذلك غير بدعٍ منه؛ فهو حكاية عنه لا أنه تعالى استعظمه، وحيث ورد عنه تعالى استعظام شيء فغنما ذلك بالنسبة إلى استعظام خلقه كقوله {عذاب عظيم} [المائدة: 41].

قوله: {وما كانوا يعرشون} [الأعراف: 137] أي لكرومهم. وقيل: يثبتون. يقال: عرش يعرش ويعرش، وقد قرئ بهما أي عرش العروش من أي نوعٍ كان ومن أي زرعٍ كان. وقيل: يبنون العريش. قوله:} خاوية على عروشها {[البقرة: 259] أي ساقطة على سقوفها، سقطت السقوف ثم وقعت عليها الحيطان، يشير إلى خرابها علوًا وسفلاً. ولا ترى أوجز لفظًا ولا أرمز على المعنى بأحسن من لفظ القرآن. وفي الحديث: "لما مات سعد اهتز له عرش الحرمن" قيل: هو الجنازة، واهتزازه فرحه به، وإضافته إلى الرحمن من باب التكريم والبشارة. وقيل: كناية عن قبول أهل العرش - وهم الملائكة - ولا مانع من أن يحمل على حقيقته تكرمًة كما قيل في قوله تعالى:} فما بكت عليهم السماء والأرض {[الدخان: 29] وإن الله يجعل فيها قوة البكاء كل هذا لا محال فيه عقلاً ولا شرعًا. وعن بعضهم: "تمتعنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وفلان كافر بالعرش" يعني وهو بعرش مكة بعد لم يهاجر، والباء بمعنى في، والعرش جمع عرشٍ كسقفٍ وسقفٍ. وقيل: هو جمع عريشٍ نحو قلبٍ وقليبٍ. وفي مقتل أبي جهلٍ: "خذ سيفي فاحتز به رأسي من عرشي" قال المبرد: العرش: عرق في أصل العنق. ع ر ض: قوله تعالى:} وجنةٍ عرضها السماوات والأرض {[آل عمران: 133] العرض مقابل الطول، وإذا كان عرضها كذلك فما ظنك بطولها؟ وهو من باب التنبيه بالأدنى على الأعلى. ومثله في المعنى:} بطائنها من استبرقٍ {[الرحمن: 54] فما ظنك بالظهارة؟ فإن العادة قاضية بأن الظهارة أنفس من البطانة. وأنشد للأعشى: [من الطويل] 1008 - كأن بلاد الله وهي عريضة ... على الخائف المذعور كفة حابل

وقيل: هو كناية عن السعة من غر نظرٍ إلى طولٍ ولا عرضٍ. وأصل العرض والطول أن يستعملا في الأجسام، وقد يتجوز بهما في غيرهما. ومنه قوله تعالى:} فذو دعاءٍ عريضٍ {[فصلت: 51] والعرض مخصوص بالجانب. وعرض الشيء: بدا عرضه. ومنه قولهم: عرضت العود على الإناء. واعترض الشيء في حلقه: وقف فيه بالعرض. واعترض الفرس في مشيه. وفيه عرضه أي اعتراض في مشيه من الصعوبة. ومنه قوله تعالى:} ولا تجعلوا الله عرضًة لأيمانكم {[البقرة: 224] قيل: معناه: ولا تجعلوه معرضًا لها ومعدًا لأن ذلك يشعر بقلة المبالاة، من قولك: هذا بعير عرضة للسفر. وأنشد لعبد الله بن الزبعري: [من الطويل] 1009 - فهذي لأيام الحروب وهذه ... للهوي وهذي عرضة لا رتحاليا وقال المبرد: العرضة: الاعتراض في الخير والشر. يقول: لا تعترضوا باليمين في كل ساعةٍ أن لا تبروا ولا تتقوا. وقيل: لا تجعلوه معترضًا بينكم وبين فعل البر، وذلك أن الرجل يحلف ألا يفعل الخير ولا يبر فلانًا فيجعل الإيمان معترضًة بين فعله الخير وبينه وقيل: هي المنع، أي: لا تجعلوه مانعًا لكم من البر والتقوى. ويدل عليه الحديث: "من حلف على يمينٍ فرأى غيرها خيرًا منها فليكفر عن يمينه وليأت الذي هو خير" وقد أتقنا هذه المسألة وأوسعنا فيها العبارة إحكامًا وإعرابًا وتفسيرًا في "القول الوجيز" و"الدر النظيم" وغيرهما ولله الحمد والمنة. وقوله تعالى في موضعٍ:} عرضها السماوات والأرض {[آل عمران: 233] وفي موضعٍ آخر:} كعرض {[الحديد: 21]. فصرح بحرف التشبيه لما بيناه في غير هذا. قال بعضهم: أراد بالعرض في الموضعين الذي هو خلاف الطول. قال: وتصور ذلك على أحد وجوهٍ: إما أن يريد به أن يكون عرضها في السماء الأخيرة كعرض السماوات والأرض في النشأة الأولى، وذلك أنه قد قال:} يوم تبدل الأرض غير الأرض والسماوات {[إبراهيم: 48] قال: فلا يمتنع أن تكون السماوات والأرض في النشأة الأخيرة أكبر مما هي الآن وروي أن يهوديًا سأل عمر رضي الله تعالى عنه عن هذه الآية وقال: فأين النار؟ فقال عمر: فإذا جاء الليل فأين النهار؟ وقد

قيل: يعني بعرضها سعتها لا من حيث المساحة لكن من حيث المسرة، كما يقال في ضده: الدنيا على فلانٍ حلقة خاتمٍ وكفة حابلٍ. وسعة هذه الدار كسعة الدنيا. وقيل: العرض ها هنا من العرض على البيع كقولهم: بيع كذا بعرضٍ: إذا بيع بسلعةٍ فمعناه عرضها أي بدلها وعوضها كقولك: عرض هذا الثوب كذا وكذا. والعرض - بالتحريك - ضد الجوهر، وهو ما لا يكون له ثبات ولا استقرار. ومنه استعار أهل الكلام العرض لما لا يقوم بنفسه بل بجوهرٍ كاللون. وقولهم: الدنيا عرض حاضر، أي لا ثبات لها ومنه قوله تعالى:} تريدون عرض الدنيا {[الأنفال: 67] وقوله:} لو كان عرضًا قريبًا {[التوبة: 43] أي مطلبًا سهلاً. والتعريض: ما احتمل من الكلام وجهين فصاعدًا وهو الذي تسميه الأدباء الكلام الموجه. وفي الحديث: "إن في المعاريض مندوحًة عن الكذب" والتعريض: ضد التصريح. ومنه قوله تعالى:} فيما عرضتم به من خطبة النساء {[النساء: 235] هو أن يقول: أنت جميلة ورب راغبٍ فيك وإذا حللت فآذنيني، ونحو ذلك. والتصريح أن تقول: أريد أن أتزوجك، ونحو ذلك. قوله تعالى:} ثم عرضهم على الملائكة {[البقرة: 31] أي أتى بهم لهم وأعتدهم ووقفهم عليهم، من قولك: عرض الأمير الجند ليتعرفهم بخلاقهم وأسمائهم. والعارض: البادي عرضه؛ فتارًة تختص بالسحاب كقوله تعالى:} هذا عارض ممطر {[الأحقاف: 24] أي سحاب قد عرض في الأفق. قال الشاعر: [من المنسرح] 1010 - يا من رأى عارضًا أكفكفه ... بين ذراعي وجبهة الأسد وقوله تعالى:} وعرضنا جهنم {[الكهف: 10] أي أبرزناها وجهلناها بحيث يرونها. ومثله:} ويوم يعرض الذين كفروا على النار {[الأحقاف: 20] من ذلك وقيل: هو مقلوب، والأصل: تعرض النار عليهم. ومنه قولهم: عرضت الناقة على الحوض. قوله:} وأنتم معرضون [[البقرة: 83] أي مولون، وأصله: من ولى في عرضه أي ناحيته

فأعرض عني من كذا. وقيل: أعرض: أظهر عرضه، أي ناحيته. فإذا قيل: أعرض لي كذا، أي بكذا عرضه فأمكن تناوله. وإذا قيل: أعرض عني فمعناه ولى مبديًا عرضه. وعرض كذا: إذا بدا من أي ناحيةٍ كانت. وقولهم: هو من عرض الناس، أي من نواحيهم غير مخصوصٍ ولا معلومٍ. قوله:} وهم عن آياتها معرضون {[الأنبياء: 32] أي مولون على الاستدلال بها على الله وعلى وحداهيته. وأعرض الشيء: إذا بدا. ويقال فيما يعرض من السقم: عارض وفيما يظهر من شعر الخدين: عارض، ومنه: العارضان: وهما الشعر النابت على اللحيين. وعلى ما يبدو من الأسنان وهي المجاورة للثنايا، وللإنسان أربع عوارض؛ قال عنترة: [من الكامل] 1011 - سبقت عوارضها إليك من الفم وقال كعب: [من البسيط] 1012 - تجلو عوارض ذي ظلمٍ إذا اوتسمت ... كأنه منهل بالراح! معلول وفلان شديد المعارضة: كناية عن جودة بيانه. قوله:} يأخذون عرض هذا الأدنى {[الأعراف: 169] أي الرشا في الأحكام. قوله:} سيحلفون بالله لكم إذا انقلبتم إليهم لتعرضوا عنهم {[التوبة: 95] أي لتعفوا وتصفحوا، أي لأن في العفو إعراضًا عن الجاني. وقيل: اللام متعلقة بالحلف على معنى أنهم حلفوا لأجل إعراضكم عنهم؛ فعلوا ذلك لما رأوكم أعرضتم. وعبر الهروي عن هذا المعنى حكايًة عن أبي العباس قال: قال أبو العباس: أي لإعراضكم عنهم، وليست لام كي لكنهم حلفوا لإعراض المسلمين عنهم. قلت: وهذه لام كي على التقديرين المذكورين، وهي متعلقة بالفعل على التقديرين أيضًا، فكيف يقال: وليست لام كي؟. وفي الحديث: "كل المسلم على المسلم حرام؛ ماله وعرضه ودمه" قال

المبرد: العرض من الإنسان موضع المدح والذم، وذلك أن يذكر أمورًا يرتفع بها الإنسان أو يسقط وقيل: عرضه هم أسلافه الذين يشرف بهم أو موضع منه. وقيل: العرض: نفس الرجل، واستدل بحديثه عليه الصلاة والسلام في صفة أهل الجنة: "لا يبولون ولا يتغوطون إنما هو عرق يخرج من أعراضهم" أي من ذواتهم. قلت وقول حسان رضي الله عنه: [من الوافر] 1013 - فإن أبي ووالده وعرضي ... لعرض محمدٍ منكم وقاء يحتمل الأمرين إلا أن الظاهر منه العرض المتعارف. واستدل أيضًا بحديث أبي ضمضمٍ: "اللهم إني تصدقت بعرضي على عبادك" ووجه الدليل أنه لو كان العرض الأسلاف لما جاز أن يحلهم لغيره لأن ذلك إليهم لا إليه. والذاهب إلى ذلك والمستدل عليه هو ابن قتيبة. قال أبو بكر: وما ذهب إليه واضح الخطأ ألا ترى قول مسكينٍ الدارمي: [من الرمل] 1014 - رب مهزولٍ سمين عرضه ... وسمين الجسم مهزول الحسب قال: فلو كان العرض البدن والجسم على ما أدعى لم يكن مسكينًا ليقول: "رب مهزول سمين عرضه" إذ كان مستحيلاً للقائل أن يقول: "رب مهزولٍ سمين جسمه" لمناقضة ذلك. وإنما أراد: "رب مهزولٍ جسمه كريمة أفعاله" وتأول الحديث بأن الأعراض: المغابن التي يخرج منها العرق، وهذا عندي قريب من قول ابن قتيبة فكيف يكون ردًا عليه؟ واستدل أبو بكرٍ بقوله: دم المسلم وماله وعرضه. قال: لو كان العرض البدن لكان قوله دمه كافيًا لأن الدم يعبر به عن النفس. ويدل عليه قول عمر للخطيئة: "اندفعت تغني بأعراض المسلمين" معناه بأفعالهم وأفعال أسلافهم. قال الشاعر وهو

طرفة: [من الطويل] وقال: الحكم بن عبدلٍ الأسدي: [من الطويل] 1015 - وأدرك مسيور الغني ومعي عرضي أي أفعالي الجميلة التي تقتضي مدحي وعدم مذمتي. وقوله عليه الصلاة والسلام: "لي الواجد يحل عقوبته وعرضه" أي يجوز لرب الدين أن يصفه بسوء القضاء بالنسبة إلى نفسه لا إلى أسلافه. وفي كتابه عليه الصلاة والسلام لأقيال شنوءة: "وما كان لهم من ملك وعرمان ومزاهر وعرضانٍ" قيل: العرضان: جمع عريضٍ وهو ابن سنةٍ من المعز. وقيل: جمع عرضٍ وهو الوادي الكثير النخل والشجر. ومنه: أعراض المدينة لقراها في الوادي خاصة فيها النخيل. وفي الحديث: "فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه" أي احتاط لنفسه. فهذا ظاهر في النفس كما قال ابن قتيبة. وفي حديث ابن عمر: "وأضرب العروض" العروض من الإبل ما أخذ يمينًا وشمالاً ولا يلزم محجًة واحدًة. والعروض: العلم المعروف استنبطه الخليل بن أحمد. وقال ذو البجادين يخاطب ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم: [من الرجز] 1016 - تعرضي مدارجًا وسومي ... تعرض الجوزاء للنجوم أي خذي يمنًة ويسرًة وتنكبي الثنايا الغلاظ. يقال: تعرض في الجبل: إذا أخذ في عروضٍ منه أي ناحيةٍ، فاحتاج أن يأخذ يمينًا وشمالاً. وإنما قال: "تعرض الجوزاء" لأنها

تسير على جنب وليست بمستقيمةٍ، بل تعارض النجوم معارضًة. وفي حديث عدي "إني أرمي بالمعراض" هو سهم بلا نصلٍ ولا ريشٍ ويصيب بعرض عوده. وفي الحديث: "ولكم العارض هي التي أصابها كسر؛ عرضت الناقة والشاة: أصابها ذلك. وأنشد [من الطويل]. 1017 - إذا عرضت منها كهاة سمينة ... فلا تهدمنها واتشق وتجبجب وبنو فلانٍ يأكلون العوارض، أي التي أصابها مرض وكسر؛ يصفونهم بالبخل. وقال عليه الصلاة والسلام لعدي لما تأول قول الله عز وجل:} الخيط الأبيض من الخيط الأسود {[البقرة: 187] بخيطين جعلهما في رجله: "إنك لعريض الوساد" أي كثير النوم، كنى عن كثرة نومه بعرض وساده. وكبر: كثر نومه. والظاهر أنه أراد عدم الفطنة، وذلك أنه ورد في رواية أخرى: "عريض القفا" وهذا كناية عن السمن المفرط؛ فإنه غالبا يزيل الفطنة وقيل: معناه: من أكل في صومه مع الصبح أصبح عريض القفا أي سمينًا، لأن الصوم لا ينهكه ولا يؤثر فيه. وأنشدت لبعض البدويات في بليدٍ: [من الطويل] 1018 - عريض القفا ميزانه في شماله ... قد انحص من بعض المقاريظ شاربه وفي الحديث: "أن تجارًا عرضوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وابا بكرٍ ثيابًا بيضًا" أي أهدوا لهما ذلك. والعراضة: الهدية أيضا. وفيه أيضًا: "خمروا آنيتكم ولو بعودٍ تعرضونه عليه" أي تضعونه بالعرض. يقال: عرضه يعرضه، بالضم في المستقبل. وفي حديث عمر رضي الله عنه: "فادان معرضا" المعرض، قال شمر: هو هنا بمعنى المعترض،

يعني: اعترض لكل من يقرضه؛ يقال عرض لي الشيء فأعرض، وتعرض واعترض بمعنى واحدٍ قال: ومن فسره بمعنى الممكن على ما فسر أبو عبيدٍ فهو بعيد لأن معرضًا منصوب على الحال، فإذا فسر أنه يمكنه فالمعرض هو الذي تعرض لأنه هو الممكن. وقال ابن شميلٍ: "فادان معرضًا" أي تعرض، إذا قيل له: لا تستدن فلا يقبل. وروى أبو حاتمٍ عن الأصمعي أنه قال فيه: أي أخذ الدين، ولم يبال ألا يؤديه. وقال القتيبي: أي استدان معرضًا عن الأداء، وهو قول أبي حاتمٍ. وعندي أن كلام أبي عبيدٍ صحيح لأن هذا المستدين قد يكون أدان وهو مليء ممكن، وهو مما يلام عليه الإنسان، والمستدين رجل عير عمر رضي الله عنه. وفي حديث محمد بن علي: "كل الجبن عرضًا" قال أبو عبيدٍ: أي اعترضه واشتره ممن وجدته ولا تسأل عمن عمله؛ أعمل مسلمٍ أم غيره؟ وهذا قصد به رضي الله عنه: الأخذ بالظاهر، وأن السؤال قد يؤدي إلى محاذير لابد من تعاطيها، مأخوذ من عرض الشيء وهو ناحيته كما تقدم. وفي حديثٍ: "فاستعرضهم الخوارج" أي قتلوهم من أي وجهٍ أمكنوهم. ع ر ف: قوله تعالى:} الجنة عرفها لهم [[محمد: 6] أي طيبها، من العرف وهو الطيب. وتقول العرب: طيب الله عرفك، أي رائحتك. وقيل عرفها لهم في الدنيا بوصفٍ وصفها لهم، فإذا دخلوها عرفوها بتلك الأوصاف الحسنة بمعنى: ألهم كل أحد أن يعرف منزله في الجنة كما يعرف منزله في الدنيا مع اتساع تلك المنازل وكثرتها. وإذا الهم الطيور أن تهتدي لأوكارها في الدنيا مع كثرة أوكارها وأشباهها وتقاصر فهمها، فهذا أولى. فقيل: إنه يبعث مع كل رجلٍ ملك يعرفه منزله. وقيل: عرفها: زينها. وقيل: شوقهم إليها بوصفه لها وتعريفه إياها. قوله تعالى:} ولتعرفنهم في لحن القول {[محمد: 30] أي ليظهرن لك المنافق من غيره من فحوى خطابه. والمعرفة والعرفان: إدراك الشيء بتفكرٍ وتدبرٍ لأثره فهو أخص من العلم ويضاده الإنكار. ويقال: فلان يعرف

الله، ولا يقال: يعلم الله، متعديًا إلى واحدٍ، لما كان معرفة البشر الله هي تدبر آثاره دون إدراك ذاته. ويقال: الله يعلم كذا ولا يقال: يعرف، لما كانت المعرفة تستعمل في العلم القاصر المتوصل إليه بتفكرٍ؛ قاله الراغب. قلت: وقد فرق قوم بين العلم والعرفان بغير ذلك؛ فقال بعضهم: المعرفة: إدراك الشيء دون ما هو عليه. ومن ثم تعدت لواحدٍ. والعلم معرفته وما هو عليه. ومن ثم تعدي لاثنين، فمن ثم يقال: علم الله، دون عرف. وقال آخرون: المعرفة تستدعي جهلاً بالشيء المعروف بخلاف العلم فإنه لا يستدعي ذلك، ولذلك علم الله دون عرف الله. وقد وقع في عبارة بعض العلماء عرف الله، ومنهم الزمخشري في كشافه. ثم إنهم يقولون: علم يتعدى لمفعول واحد إذا كانت بمعنى عرف، ويجعلون من ذلك} لا تعلمونهم الله يعلمهم {[الأنفال: 60] وحينئذٍ فكيف يصح ذلك؟ إذ المحذور أمر معنوي لا لفظي فإنه متى أريد بالعلم العرفان كانا بمعنى واحد امتناعًا وجوازًا. فيجب أن يقال:} الله يعلمهم {متعد لاثنين حذف ثانيهما وأما} لا تعلمونهم {فمتعد لواحد. قيل: وأصل عرفت: من أصبت عرفه. أي رائحته، أو من أصبت عرفه أي خده. وتقابل المعرفة بالإنكار والعلم بالجهل. قوله:} وجعلناكم شعوبًا وقبائل لتعارفوا {[الحجرات 13] أي ليعرف بعضكم بعضًا بنسبه، فيقال: فلان بن فلانٍ من الحي الفلاني والقبيلة الفلانية والشعب الفلاني. وقد تقدم أن الشعوب في العجم والقبائل في العرب. والمعنى: لتعارفوا لا لتفاخروا، والأصل: لتتعارفوا فحذفت إحدى التاءين، وأثبتهما ابن كثيرٍ إلا أنه أدغم إحداهما في الأخرى، وهي أحرف معدودة بيناها في "العقد النضيد". وقيل:} عرف بعضه وأعرض عن بعضٍ {[التحريم: 3] أي عرف بعض أزواجه وهي حفصة. وقيل: "عرف" بالتخفيف، قيل، بمعنى جازاها عليه، وهو مستفيض عندهم في الوعيد،

يقولون: عرفت ما فعلت، أي سأجزيك وفي التفسير قصة} والمرسلات عرفًا {[المرسلات: 1] هم الملائكة ترسل بالمعروف. فعرفًا حال، أي ذات عرفٍ. وقيل: معنى عرفًا: متتابعًة من عرف الفرس والديك لتتابع شعره. ومنه: جاءت القطا عرفًا أي متابعًة. وقوله:} وقولوا لهم قولاً معروفًا {[النساء: 5] أي علموهم وعرفوهم طرق الرشاد وأسباب الخير، فهذا هو القول المعروف. وقيل: لا تواجهوهم بمنع الأموال بكلامٍ شينٍ بل برد جميلٍ بأن تقولوا: إذا رشدتم دفعنا إليكم الأموال. وقيل: ما يوجبه الدين والملة بتصريحٍ وبيانٍ. وقوله:} وصاحبهما في الدنيا معروفًا {[لقمان: 15] قال ابن عرفة: المعروف ما عرف من طاعة الله والمنكر ما خرج عنها، وهذا يقرب من الإجمال. ومراد الآية أن يصحبًا وهما كافران بالإحسان إليهما من نفقةٍ عليهما، ومراعاة لجانبهما، مما يتعلق بالأمور الدنيوية كقوله تعالى:} وبالوالدين إحسانًا {[البقرة: 83]} فلا تقل لهما أفً {[الإسراء: 23] فهذا عام في المسلمين والكافرين إلا أن يأمروا بمعصيةٍ فلا سمع ولا طاعة، وهم وغيرهم في ذلك سواء، وقد قال تعالى:} وإن جاهداك على أن تشرك {[لقمان: 15] قوله:} تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله {[آل عمران: 110] هذه الأشياء تفسير للخيرية المذكورة في قوله تعالى:} كنتم ير أمةٍ أخرجت للناس {[آل عمران: 110] والمعروف: اسم لكل فعلٍ يعرف بالعقل والشرع حسنه، والمنكر: ما ينكرهما ومن ثم قيل للاقتصاد في الجود معروف لما كان مستحسنًا شرعًا وعقلاً. وقوله:} وللمطلقات متاع بالمعروف {[البقرة: 241] أي بالاقتصاد من غير إسرافٍ فيضر بالزوج، ولا تقتير فيضر بالمرأة قوله:} قول معروف ومغفرة خير من صدقةٍ يتبعها أذى {[البقرة: 263] أي رد للفقير بقول جميلٍ نحو: فتح الله عليك، وسع الله عليك، أعفاك الله، خير من أن تعطي شيئًا فتمن به وتقرع وتوبخ كصدقة غالب أهل زماننا. قوله تعالى:} خذ العفو وأمر بالعرف {[الأعراف: 199] أي بالمعروف وفي

الحديث في تفسيرها: "أنه عليه الصلاة والسلام سأل جبريل عنها [فقال:] لا أدري حتى أسأل. ثم رجع فقال: "يا محمد إنه ربك يأمرك أن تصل من قطعك وتعطي من حرمك وتعفو عمن ظلمك" وعن جعفرٍ الصادق أنه قال: "أمر الله نبيه بمكارم الأخلاق وليس في القرآن آية أجمع منها لمكارم الأخلاق". في الحديث: "من أتى عرافًا أو كاهنًا" العراف: الحازي أو المنجم الذي يدعي الغيب. والعراف كالكاهن إلا أن العراف يخص بمن يخبر بالأحوال المستقبلة، والكاهن بمن يخبر بالأحوال الماضية. وسيأتي شيء من هذا في مادة (ك هـ ن) وفي حديث طاووس: "سألت ابن عباسٍ عن قول الناس: أهل القرآن عرفاء أهل الجنة" قلت: مصداق ما قاله ابن عباسٍ رضي الله عنه أن العريف من يسري المعروف إلى أهله وجيرانه وأهل قريته. قال علقمة بن عبدة: [من البسيط] 1019 - بل كل قومٍ وإن عزوا وإن كثروا ... عريفهم بأثافي الشرمرجوم والعريف أيضًا من يتعرف أحوال الناس ومنه عريف الجيش وهو نقيبهم. قال الشاعر: [من الكامل] 1020 - أو كلما حلت عكاظ قبيلة ... بعثوا إلي عريفهم يتوسم؟ والاعتراف: الإقرار، وأصله إظهار معرفة الذنب، وذلك ضد الجحود. والعارف في عرف المتصوفة: هو المختص بمعرفة الله تعالى ومعرفة ملكوته وحسن معاملته. وفي الحديث: "أهل المعروف في الدنيا هم أهل المعروف في الآخرة" قيل: معناه من بذل معروفه في الدنيا أوتي جزاء معروفه في الآخرة وقيل: من بذل جاهه لأصحاب الجرائم

التي لا تبلغ الحدود مستشفعًا فيهم شفعه الله في الآخرة في أهل التوحيد، وكان عنده وجيهًا كما كان عنده في الدنيا وجيهًا عند الناس. قال ابن العباس: سألت ابن الأعرابي عنه فقال: روى الشعبي أن ابن عباسٍ قال: يأتي أصحاب المعروف في الدنيا يوم القيامة فيغفر لهم بمعروفهم وتبقى حسناتهم جامًة فيعطونها لمن زادت سيئاته على حسناته فتزيد حسناته فيغفر له فيدخل الجنة. وفي الحديث: "تعرف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة" أي أطعه واحفظه في أمره ونهيه يجازك بذلك، فسماه تعرفًا على المقابلة وهو كثير. ومن كلام عمر رضي الله عنه: "أطردنا المعترفين" قال القتيبي: أحسبه الذين يقرون على أنفسهم وشبهه، كأنه كره لهم ذلك وأحب الستر على أنفسهم ونعم ما أوجب رضي الله عنه فإن العلماء نصوا على أن الذنب المتعلق بينه وبين ربه أن يستره على نفسه ويتوب منه. وإن تعلق بغيره فيؤديه إليه ويستر على نفسه ما أمكنه. وإذا أحسن إلى غيره بالستر عليه فإحسانه إلى نفسه ما أمكنه. وإذا أحسن على غيره بالستر عليه فإحسانه إلى نفسه بذلك أولى. وفي الحديث: "إن الله يقول لعباده: من تعبدون؟ فيقولون: نعبد الله سبحانه. فيقول: هل تعرفون ربكم؟ فيقولون: إذا اعترف لنا عرفناه" قال الأزهري: معناه إذا تحقق. ع ر م: قوله تعالى:} فأرسلنا عليهم سيل العرم {[سبأ: 16] قيل: العرم: اسم الوادي. وقيل: اسم الخلد الذي نقب السد حتى فتح وسال ماؤه فغرق ديارهم وأهلك بساتينهم. وقيل: العرم: المسناة. قال ابن الأعرابي: العرم من أسماء الفأرة. ومنه قولهم في المثل: "لا يعرف الهر من البر" والهر: السنور والبر الفأرة. وقيل: العرم: المطر

الشديد. وخصه بعضهم بالفأر الذكر، وهو الجراد أيضًا. وأصل العرامة: الشدة والشراسة وصعوبة الخلق. ومنه رجل عارم. يقال: عرم يعرم فهو عارم، وعرم فهو عريم: تخلق بذلك. وعرام، الجيش: معظمه. وفي الحديث: "من ملك وعرمان" العرمان: المزارع، الواحد عريم، وقيل: أعرم: وهو ما يرتفع حول الدائرة. والعرمة: الكدس؛ وهو حصيد الزرع. ع ر و: قوله تعالى:} فقد استمسك بالعروة الوثقى {[البقرة: 256] قال الأزهري: أصله من عروة الكلا وهو ماله أصل ثابت في الأرض مثل الشيخ والأرطى وغيرهما من جميع الشجر المستأصل في الأرض، فإذا كانت السنة قليلة المطر والبقول رعتها الماشية وعاشت بها. فلما كانت هذه الأشياء يستمسك بها ضربت مثلاً للعهد ولكل ما يعتصم به ويلجأ إليه. وقيل: العروة: ما يتعلق [به] من العرا - بالقصر - وهو الناحية. قيل: ومنه: عراه واعتراه أي قصد عراه أي ناحيته. والعروة أيضًا: شجر تتعلق به الإبل، فاستعيرت العروة للعهد الوثيق. قوله:} إن نقول إلا اعتراك {[هود: 54] أي مسك وأصابك، يقال: عروته واعتريته وعررته واعتررته: إذا أتيته تطلب منه حاجة. وعرى: مسته العرواء وهي الحمى؛ قال الراغب: واحدة عرواء أي رعدة تعرض من العري. وليست العروة من العري لاختلاف المادتين. ع ر ي: قوله تعالى:} إن لك ألا تجوع فيها ولا تعرى {[طه: 118] أي لا يزول عنك لباسك بل يبقى عليك أبدًا؛ أخبره بعدم الشقاوتين الحاصلتين في الدنيا وهما الكد في اللباس والمطعم، فكفاه مؤنتهما. يقال: عري من ثوبه فهو عارٍ وعريان وحكى الراغب: فهو عرو من الذنب، أي عارٍ. وهذا يقتضي أن يكون في لامه لغتان: الواو والياء. ومعاري الإنسان: الأعضاء التي من شأنها ألا تكسى كاليدين والرجلين والوجه.

فصل العين والزاي

وفلان حسن المعرى نحو حسن المتجرد، أي الجسد. قوله:} فنبذناه بالعراء {[الصافات: 145] أي بمكانٍ لا شجر فيه، فهو عريان من شيءٍ يشتره. يقال: مكان عراء، بالمد أي خالٍ من الشجر. وأما العرا بالقصر فقد تقدم أنه الناحية. وفي الحديث: "رخص في بيع العرايا". جمع عرية وهي النخلة. وقد اختلف في تفسيرها فقيل: لما حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم المزابنة - وهي بيع التمر في رؤوس النخل بالتمر على الأرض - رخص لهم من جملة ذلك بيع العرايا؛ وهو أن من الناس من عنده فضل تمرٍ من قوته ولا نقد عنده قدرًا للرطب فيشتهيه هو وعياله فلم يجد ثمنًا فرخص له أن يشتري بذلك التمر رطب نخلةٍ خرصًا فيما دون خمسة أوسقٍ. الواحدة عرية؛ قيل: من أعرى، أي خرجت من المعنى عنه فهي فعيلة بمعنى فاعلةٍ. وقيل: من عراه يعروه لأنها قصدت بالشراء. وقيل: هي التي تعرى عن البيع وتعزل. وقيل: هي التي يعريها صاحبها محتاجًا فيحصل ثمرتها. وقيل: هي النخلة للرجل وسط نخيلٍ كثيرٍ لغيره فيتأذى به صاحب الكثير فرخص له أن يبتاع بتمرٍ. والعرية في غير هذا: ما يعرو من الريح البادرة. وفي الحديث: "ركب فرسًا عريًا" يقال: فرس عري ولا يقال: رجل عري، بل عريان وعارٍ. وقال صلى الله عليه وسلم: "إنما مثلي ومثلكم كمثل رجلٍ أنذر قومه جيشًا فقال: أنا النذير العريان" قال يعقوب: هو رجل من خثعم حمل عليه عوف بن عامرٍ يوم ذي الخلصة فقطع يده ويد امرأته، فصار مثلاً في النذارة، وقيل: خص العريان لأنه أبين له في العين، يعني من غير لبسٍ. واعروريت الفرس: ركبته عريًا. فصل العين والزاي ع ز ب: قوله تعالى:} وما يعزب عن ربك من مثقال ذرةٍ {[يونس: 61] أي لا يبعد عن علمه ولا يغيب، من قولهم: روض عازب، أي بعيد. يقال عزب يعزب. ويعزب بالضم والكسر، وقرئ بهما. ورجل عزب، أي بعيد عن النساء، وامرأة عزبة. ولا

يقال: عازب وعازبة في المشهور. وفي الحديث: "من قرأ القرآن أربعين ليلًة فقد عزب" أي بعد عهده بما ابتدأ منه وأبطأ في تلاوته. وفي الحديث: "أصبحنا بأرضٍ عزيبةٍ" أي بعيدة العشب والكلأ والمال عازب وعاهن؛ فالعازب: الغائب، والعاهن: الحاضر. ع ز ر: قوله تعالى:} وعزرتموهم {[المائدة: 12] و} تعزروه {[الفتح: 9] أي نصرتموهم. قال الزجاج: العزر في اللغة: الرد. وتأويل عزرت فلانًا، أي أدبته، أي يغلب به ما يردعه عن القبيح كما تقول: نكلت به، أي فعلت به ما يجب أن ينكل معه عن المعاودة. قال قتادة: تأويل} وعزرتموهم {أي نصرتموهم بأن تردوا عنهم أعداءهم. وقال غيره:} تعزروه {تنصروه مرًة أخرى، كأنه أخذ التكرير من بنية فعل. وفي التفسير: تنصروه بالسيف. وقال ابن عرفة: ولذلك سمي الضرب دون الحد تعزيرًا لأنه منع للجاني أن يعاود. وقال الراغب: التعزير: النصرة مع التعظيم. والتعزير دون الحد، ولذلك يرجع إلى الأول، فإن ذلك تأديب. والتأديب: نصرة بقهر ما، لكن الأول نصرة بقمع العدو عنه. والثاني نصرة بقهرٍ عن عدو، فإن أفعال الشر عدو للإنسان فمتى قمعته عنها نصرته. ومن ثم قال عليه الصلاة والسلام: "انصر أخاك ظالمًا أو مظلوما. قال: أنصره مظلوما فكيف أهجره ظالمًا؟ قال: تكفه عن الظلم" ويقال: عزرته مخففًا أيضًا. وأنشد للقطامي: [من الطويل] 1021 - ألا بكرت سلمى بغير سفاهةٍ ... تعنفني والمرء ينفعه العزر

فالعزر مصدر عزرت مخففًا، كما أن التعزير مصدر عزرت، مثقلاً. وقال بعضهم: التعزير في كلام العرب: التوقيف على الفرائض والأحكام. قال الهروي: وفي حديث سعدٍ: "أصبحت بنو أسدٍ تعزرني على الإسلام" أي توقفني عليه. وعزير: اسم نبي، قيل: أصله عزر فصغر ترخيمًا، وقرئ منونًا وغير منون. ولنا فيه كلام أتقناه في قوله تعالى:} وقالت اليهود عزير ابن الله {[التوبة: 30] ع ز ز: قوله تعالى:} والله عزير حكيم {[البقرة: 228] العزيز: الغالب الممتنع على من يريده بالقهر والغلبة، والباري تعالى أغلب الغالبين. قال تعالى:} والله غالب على أمره {[يوسف: 21] فقوله تعالى:} وعزني في الخطاب {[ص: 23] أي غلبني: وقيل: صار أعزمني في المخاطبة والمحاجة. ومنه قوله تعالى:} في عزةٍ وشقاقٍ {[ص: 2] أي في مغالبةٍ ومنعةٍ. قوله تعالى:} أيبتغون عندهم العزة {[النساء: 139] أي المنعة وشدة الغلبة. قوله:} أخذته العزة {[البقرة: 206] أي الامتناع والغلبة. قوله:} يا أيها العزيز {[يوسف: 78] سموه عزيزًا لامتناعه وشدته لأن هذه صفة الملوك. وعز يعز عزًا بكسر العين إذا صار عزيرًا. ويعز - بفتحها - إذا اشتد؛ يقال يعز علي أن أراك بحالٍ سيئةٍ أي يشتد. ويقال للعليل إذا اشتدت به العلة: قد استعزته. وقيل: العزة: حالة مانعة للإنسان من أن يغلب، من قولهم: أرض عزاز، أي صلبة. وتعزز اللحم: اشتد وعز كأنه حصل في عزازٍ يصعب الوصول إليه، كقولهم: تظلف، أي حصل في ظلفٍ من الأرض. والعزيز الذي يقهر ولا يقهر. قال تعالى:} إنه هو العزيز الحكيم {[العنكبوت: 26]} ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين {[المنافقون: 8]. والعزه قد يمدح بها تارًة ويذم بها تارًة، [قال تعالى:]} بل الذين كفروا في عزة وشقاقٍ {قال بعضهم: ووجه ذلك أن العزة لله سبحانه وتعالى ولرسوله وللمؤمنين هي

الدائمة الباقية وهي العزة الحقيقية. والعزة التي للكافر هي التعزز. وهي في الحقيقة ذل ولهذا قال عليه الصلاة والسلام: "كل عز ليس بالله فهو ذل {قوله تعالى:} ليكونوا لهم عزًا {[مريم: 81] أي ليمتنعوا بهم من العذاب. قوله:} من كان يريد العزة فلله العزة جميعًا {[فاطر: 81] معناه: من كان يريد أن يعز فإنه يحتاج أن يكتسب من الله [العزة] فإنها له وقد تستعار للحمية والأنفة المذمومة، وذلك في قوله:} أخذته العزة بالإثم {وقد تستعار العزة للصعوبة ومنه قوله تعالى:} عزيز عليه ما عنتم {[التوبة: 128] أي صعب عليه مشقتكم. وقيل: من عزيز. أي غلب سلب. وعز المطر الأرض: صلبها. وقد تستعار العزة للقلة اعتبارًا بما قيل: كل موجودٍ ملول مفقودٍ مطلوب. واستعز فلان: إذا غلب بمرضٍ أو موتٍ. قوله:} وإنه لكتاب عزيز {[فصلت: 41] أي يصعب وجود مثله. وفي الحديث: "فاستعز برسول الله صلى الله عليه وسلم" أي اشتد به المرض وأشرف على الموت. وفلان معزاز المرض، أي شديده. وقال ابن عمر لجماعةٍ اشتركوا في قتل صيدٍ: إنكم لمعزز بكم" أي مشدد بكم. وكانوا قالوا: على كل منا جزاء فأفتاهم بجزاءٍ وحدٍ. قوله تعالى:} فعززنا بثالثٍ {[يس: 14] أي قوينا. وقرئ مخففًا ومشددًا وفي التشديد مبالغة، يقال عززته وعززته: قويته وشددته. وفي كتابه عليه الصلاة والسلام لقومٍ: "وأن لهم عزازها" أي ما اشتد وصلب من الأرض، وذلك يكون في أطراف الأرض. من ظرف ما يحكى أن الزهري قال: كنت أختلف إلى أبي عبيد الله بن عتبة بن مسعودٍ فكنت أخدمه. وذكر جهده في الخدمة، فقدرت أني استنظفت ما عنده، فلما خرج لم أقم له ولم أظهر من تكرمته ما كنت أظهره من قبل. قال: فنظر إلى فقال: "إنك في العزاز - أي أنت في الأطراف من العلم لم تتوسطه بعد - فقم" قوله: {أعزة}

أي أشداء {على الكافرين} [المائدة: 54] كما صرح بهذا الوصف عينه نفسه في موضعٍ وقال:} أذلةٍ على المؤمنين {وقال:} رحماء بينهم {[الفتح: 29] فما أحلى تفنن القرآن وانتقال أساليبه! قوله:} ذق إنك أنت العزيز الكريم {[الدخان: 49] من باب التهكم، أي أنت الهين الذليل. وقيل: العزيز عند نفسك هين عندنا. وفي التفسير: "إن أبا جهلٍ رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له: أولى لك. فقال: إني لكذا وكذا وإني العزيز" فنزلت قوله تعالى:} أفرأيتم اللات والعزى {[النجم: 19] اسم صنمٍ، وكذا اللات اشتقوها من لفظ العز. وقال قائل يوم بدرٍ: إن لنا العزى ولا عزى لكم، فقال عليه الصلاة والسلام: "أجيبوهم: الله مولانا ولا مولى لكم" فأنزل الله تعالى ذلك} بأن الله مولى الذين آمنوا وأن الكافرين لا مولى لهم {[محمد: 11] وهذه هي التي بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم خالد بن الوليد فقطعها فخرجت منها شيطانة ناصرة شعرها، وكان يرتجز. ع ز ل: قوله تعالى:} وإن لم تؤمنوا لي فاعتزلون {[الدخان: 21] أي تنحوا عني واتركوني. وقال ابن عرفة: أي فدعوني كفافًا لا علي ولا لي. ولا يفهم هذا المعنى من هذا اللفظ. وأصل الاعتزال تجنب الشيء بأمارةٍ وولايةٍ أو غيرهما. وتارًة يكون في الظاهر كالاعتزال بالبدن، وتارًة في الباطن كالاعتزال في الاعتقاد؛ قوله:} وإذ اعتزلتموهم وما يعبدون {[الكهف: 16] فهذا من الظاهر بالبدن لأنهم فروا منهم. وقيل: بالقلب. يعني: إذا خالفتموهم في معتقدهم فانجوا إلى غارٍ تعبدون الله فيه. ويقال: عزلته واعتزلته وتعزلته فاعتزل؛ وأنشد للأحوص: [من الكامل] 1022 - يا بيت عاتكة الذي أتعزل ... حذر العدى وبه الفؤاد موكل إني لأمنحك الصدود وإنني ... قسمًا إليك مع الصدود لأميل

قوله: {وكان في معزلٍ} [هود: 4] أي في مكانٍ معتزلٍ عن أبيه. وقيل: في معزلٍ بقلبه، أي في جانبٍ عن دين أبيه. قال الهروي: وقيل: في السفينة، وفيه غرابة شديدة لقوله:} اركب معنا {[هود: 4] ولقوله:} سآوي إلى جبلٍ يعصمني من الماء {[هود: 43] ويبعد أن يكون هذان القولان صدرا منه في السفينة وخرج منها حتى غرق. وقيل: وقد يكون العزل بمعنى المنع؛ قال تعالى:} إنهم عن السمع لمعزولون {[الشعراء: 212] أي ممنوعون بعد أن كانوا يمكنون من ذلك. والأعزل: الذي لا رمح له ومن الدواب ما يميل ذنبه، ومن السحاب ما لا مطر معه. والسماك الأعزل: نجم لتصوره بخلاف نجمٍ آخر يقال له: السماك الرامح، تصورًا بصورة من أمامه رمح، وإياهما قصد أبو العلاء المعري في قوله: [من الكامل] 1023 - سكن السماكان المساء كلاهما ... هذا له رمح وهذا أعزل والجمع عزل. قال الشاعر: [من الطويل] 1024 - ألكني إلى قومي العداة رسالًة ... بآية ما كانوا ضعافًا ولا عزلا وأعزال أيضًا. قال الفند الزماني؛ [من الهزج] 1025 - رأيت الفتية الأعزا ... ل مثل الأينق الرعل قيل: وهو الصحيح، إن الأعزال جمع عزلٍ بزنة عنقٍ. ومنه الحديث: "رآني رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحديبية عزلاً" وذلك نحو ناقة غلظٍ وجملٍ فنقٍ والجمع أغلاظ وأفناق، وماء سدم، ومياه أسدام، وجنب وأجناب. وفي الحديث: "دفاق العزائل جم البعاق" العزائل أصلها العزالي. قيل: والعزالي جمع عزلاء، والعزلاء: فم المزادة الأسفل؛ شبه اتساع المطر بالذي يخرج من فم المزادة. وأنشد لقيس بن ذريحٍ: [من الطويل]

1026 - سقاها من الوسماء كل مجلجلٍ ... سكوب العزالي صادق البرق والرعد فقلبت الكلمة كقوله: عاقني يعوقني، وعقاني يعقوني، فهو عائق وعاقٍ. والقلب كثير في كلامهم حتى زعم بعضهم أن منه قوله:} شفا جرفٍ هارٍ {[التوبة: 109] أي هائرٍ. وسيأتي إن شاء الله تعالى. ع ز م: قوله تعالى:} فإذا عزمت فتوكل على الله {[آل عمران: 159] العزم والعزيمة: عقد القلب على إمضاء الأمر. وتعدى بنفسه وبعلى؛ يقال: عزمت الأمر وعليه. وقال تعالى:} ولا تعزموا عقدة النكاح {[البقرة: 235] قوله تعالى:} ولم نجد له عزمًا {[طه: 115] وقال قتاجة: صبرًا. وقال غيره: حزمًا، وهذه غلطة. والأولى في تفسيرها: ولم ند له تصميمًا على ما هم به. وقال شمر: العزم والعزيمة: ما عقد عليه قلبك من أمر أنك فاعله. يقال: عزمت عليك، أي أمرتك أمرًا جدًا. قوله:} فإذا عزم الأمر {[محمد: 21] من أحسن المجاز أنه جعل للأمر عزمًا. والعزائم: الفرائض، تقابل الرخص. ومنه الحديث: "إن الله يحب أن تؤتى رخصه كما يحب أن تؤتى عزائمه" وفي حديثٍ آخر: "خير الأمور عوازمها" قيل: فرائضها. وقيل: ما وكدت رأيك وعزمت عليه. "وقال صلى الله عليه وسلم لأبي بكر رضي الله عنه: متى توتر؟ قال: من أول الليل. وقال لعمر: متى توتر؟ قال: من أخر الليل. فقال لأبي بكرٍ: أخذت بالحزم، ولعمر: أخذت بالعزم" أي احتطت أنت ووثقت أنت والعزم أيضًا على الشيء الصبر عليه، قال تعالى:} فاصبر كما صبر أولو العزم من الرسل {[الأحقاف: 35] قيل: كل رسولٍ من أولي العزم فـ من للبيان. وقيل: هم خمسة: نبينا صلى الله عليه وسلم ونوح وإبراهيم وموسى وعيسى؛ فمن

فصل العين والسين

للتبعيض. وفي المثل: "لا خير في عزمٍ بغير حزمٍ" يريدون إن القوة إذا لم يكن معها حذر ورطت صاحبها. وقال بعضهم: الحزم: التأهب للأمر، والعزم: النفاذ فيه. واعتزم الأمر: مضى. ويحكى أن الأشعث قال لعمرو بن معدى كرب: "أما والله لئن دنوت مني لأضرطنك. فقال عمرو: كلا والله إنها لعزوم مفزعة" قال شمر: العزوم: الصبور الصحيحة العقد. قال: والدبر يكنى عنها بأم عزمة. أراد أن لها عزمًا وليست بواهيةٍ فتضرط. ومعنى مفزعة أنها تنزل بها الأقزاع فتجليها. وقال عليه الصلاة والسلام: "يا أنجشة رويدًا سوقك بالعوازم" والعوازيم جمع عوزم وهي الناقة المسنة. ع ز و: قوله تعالى:} وعزني في الخطاب {[ص: 23]} عزين {[المعارج: 37] أي حلقا حلقا وجماعًة جماعاًة؛ الواحدة عزة، وأصلها عزوة فحذفت اللام، وجمع جمع سلامة جبرًا لها نحو سنين، وهي كل جماعةٍ اعتزاؤها واحد. وقيل: هي الجماعات في تفرقةٍ، وأصلها من عزوته فاعتزى، أي نسبته فانتسب، فكأنهم الجماعة المنتسب بعضهم إلى بعض إما في الولادة وإما في المصاهرة. ومنه الاعتزاء في الحرب. وفي الحديث: "من تعزى بعزاء الجاهلية فأعضوه على هن أبيه ولا تكنوا" يعني: من انتسب نسب الجاهلية فقولوا له: اعضض بظر أمك. وقيل: هو من قولهم: عزى عزاء فهو عزٍ. إذا صبر، وتعزى: تصبر. قيل: فعلى هذا كأنها اسم للجماعة يتأسى بعضهم ببعضٍ. فصل العين والسين ع س ع س: قوله تعالى:} والليل إذا عسعس {[التكوير: 17] أي أقبل وأدبر، فهو من الأضداد وذلك في مبدأ الليل ومنتهاه. والعسعسة والعساس: رقة الظلام وذلك في طرفي

الليل وقال بعضهم: إنه ليس من الأضداد، بل لأن بينهما قدرًا مشتركًا. وإليه نحا الهروي وغيره، وقال: والمعنيان يرجعان إلى معنًى واحدٍ وهو ابتداء الظلام في أوله وإدباره في آخره. ويقال: رجل عاس وعساس لمن يتعسس بالليل، والجمع العسس، ومن ثم قالوا: كلب عس خير من أسدٍ ربض، أي كلب يطلب صديه وقوته ليلاً خير من أسد لا يطلب رزقه. والعسوس من النساء: المتعاطية للزينة بالليل. والعس: قدح ضخم، وجمعه عساس. ع س ر: قوله تعالى:} إن مع العسر يسرًا {[الشرح: 6] العسر: الإضافة في المال، يقال: عسر يعسر إعسارًا فهو معسر، أي افتقر. والعسرة: نقيض اليسرة. وتعاسر القوم تحروا تعسير الأمر. قال تعالى:} وإن تعاسرتم فسترضع له أخرى {[الطلاق: 6] قوله:} فذلك يومئذٍ يوم عسير على الكافرين {[المدثر: 9 - 10] أي لا يتيسر فيه أمر. وعسرني الرجل: طالبني حين العسرة. وروي عن ابن مسعودٍ، وقيل: عن ابن عباسٍ: "أنه لما قرأها قال: لن يغلب عسر يسرين" قلت: قال الفراء وغيره: العرب إذا ذكرت نكرًة ثم أعادتها بنكرةٍ مثلها صارتا ثنتين، وإذا أعادتها بمعرفةٍ فهي هي تقول: إذا كسبت درهمًا فأنفق درهمًا. فالثاني غير الأول وتقول: إذا كسبت درهمًا فأنفق الدرهم، فالثاني هو الأول بعينه فهذا معنى قول ابن مسعودٍ لأن الله تعالى لما ذكر العسر ثم أعاده بالألف واللام علمت العرب أنه هو. ولما ذكر يسرًا بلا ألفٍ ولامٍ ثم أعاده بغير ألفٍ ولامٍ علموا أن الثاني غير الأول. وفي حديث رافع بن سالم: "وفينا قوم عسران" هو جمع أعسر نحو أعور وعوران وأعمى وعميان والأعسر أشد رميًا من غيره.

ع س ل: قوله تعالى:} وأنهار من عسلٍ مصفى {[محمد: 15] العسل معروف وهو ما يمجه هذا الطير المعروف الذي ألهمه الله تعالى ذلك. يقال إنه يمتص الندى الذي ينزل من السماء ثم يمجه من فيه لا من دبره، والشمع الذي فيه ليس من بطنه وإنما هو حده في رجليه ويبنى به بيوتًا مسدسًة يكون فيها العسل. حدثنا بذلك جماعة ممن يربون النحل ويسافرون به برًا وبحرًا. فسبحان من أعطى كل شيءٍ خلقه ثم هدى. ولما ذكرنا من كون النحل - يمج مجًا لا أنه يرونه من دبره، قال ابن الرومي منبهًا في ذلك: [من البسيط] 1027 - في زخرف القول تزيين لباطله ... والحق قد يعتريه سوء تغيير تقول: هذا مجاج النحل تمدحه ... وإن ذممت فقل قيء الزنابير والجمع أعسال. وقال بعض أهل اللغة: العسل لعاب النحل وهو موافق لما ذكرناه وقوله عليه الصلاة والسلام: "لا حتى تذوقي عسيلته ويذوق عسيلتك" كنى عن لذة الجماع وحلاوته بذلك. ويقال: كانوا في حمله وسده وعسله. والمراد الكناية عن طيب ما كانوا وإن لم يكن ثم شيء مما ذكر، وإنما أنث؛ قيل: لأنه أراد النطفة فأنث الكناية لأن المكنى عنه مؤنث. قيل: العسل يذكر ويؤنث، فمن أنثه يقول: العسل شريتها وشربتها وقال: عسيلة. وقيل: لأنه أراد قطعًة من العسل وإذا فعلوا ذلك فيما لا يتفاضل قطعًا نحو قوله: الثدية وذو الثدية يريدون قطعًة من الثدي، فإن يفعلوا ذلك فيما يتفاضل أولى والعسلان والسيلان: ضرب من السير، وأصله من عسلان الرمح: وهو اهتزاز كعوبه واضطرابها. وأكثر ما يستعمل العسلان في الذئب قال الشاعر: [من الكامل] 1028 - لدن بهز الكف يعسل متنه ... فيه، كما عسل الطريق الثعلب

وقيل: العسلان: اهتزاز الأعضاء في العدو والسير، فأطلق على السير عسلانًا مجازًا وفي الحديث: "إذا أراد الله بعبدٍ خيرًا عسله. قيل: وما عسله يا رسول الله؟ قال: يفتح الله له عملاً صالحًا بين يدي موته حتى يرضى عنه من حوله". قال ابن الأعرابي: العسل: طيب الثناء. وفي حديثٍ آخر: "إذا أراد الله بعبدٍ خيرًا عسله في الناس" أي طيب ثناءه. قال القتيبي: أراه مأخوذا من العسل؛ شبه العمل الصالح الذي يفتح له بالعسل. وقال أبو بكرٍ: هذا مثل أي وفقه الله تعالى لعملٍ صالحٍ يتحفه به كما يتحف الرجل أخاه إذا أطعمه العسل. ع س ي: قوله تعالى:} عسى ربكم أن يرحمكم {[الإسراء: 8] هذه وإن كانت في الأصل للترجى فهي هنا للإيجاب، كأنه قيل: ربكم يرحمكم. وقال سيبويه: عسى ولعل من الله إيجاب، أي لا يراد بهما الترجى ولا الإشفاق لأن ذلك محال في حق الباري تعالى. وأما الحذاق غيره فقد قالوا: هما على بابهما. ولكن ليس بالنسبة إلى الباري تعالى بل إلى الناس؛ فقالوا في قوله تعالى:} فقولا له قولاً لينًا لعله يتذكر {[طه: 44] أي اذهبا إليه، على الرجاء والطمع منكما في ذلك. كما قيل في قوله:} بل عجبت {[الصافات: 12] فيمن قرأ بالضم. قال الراغب: عسى: طمع وترج. وكثير من المفسرين فسروا عسى ولعل في القرآن باللازم فقالوا: إن الطمع والرجاء لا يصحان من الله قال: وفي هذا قصور نظرٍ، وذلك أن الله تعالى إذا ذكر ذلك [يذكره] تذكرة ليكون الإنسان منه على رجاءٍ لا أن يكون هو تعالى راجيًا. قال تعالى:} عسى ربكم أن يهلك عدوكم {[الأعراف: 129] أي كونوا راجين ذلك. وعسى فعل لا يتصرف، خرج عن حقيقته من المضي إلى الإنشاء، وهو ناقص ككان إلا أن خبره لا يكون في الأمر العام إلا مضارعًا مقترنًا بأن كقوله تعالى:} فعسى الله أن يأتي بالفتح {[المائدة: 52] ولم يرد

فصل العين والشين

التنزيل إلا عليه. وقد ورد اسمًا مفردًا كقول الشاعر: [من الرجز] 1029 - أكثرت في العدل ملجأ دائمًا ... لا تكثرن أني عسيت صائمًا وقالت الزباء: "عسى الغوير أبؤسا" فأرسلتها مثلاً. وقد ورد المضارع بعدها مجردًا من أن، حملاً على كاد في قول الشاعر: [من الطويل] 1030 - عسى الله يغني عن بلاد ابن قادرٍ ... بمنهمرٍ جون الرباب سكوب ويجوز كسر سينها إذا أسندت إلى متكلمٍ أو مخاطبٍ أو نون إناثٍ، وبها قرأ ابن نافع:} فهل عسيتم {[محمد: 22] ولها أحكام كثيرة حررناها في كتبنا النحوية وإما عسي العود يعسو عسوًا: إذا صلب، ففعل متصرف وليس من هذا الباب. والمعسيات: الإبل المنقطع [لبنها] فيرجى عوده. فصل العين والشين ع ش ر: قوله تعالى:} تلك عشرة كاملة {[البقرة: 196] العشرة: عقد من العدد معروف، وهي ثاني العقود الأربعة؛ فإن أصول العد آحاد وعشرات ومئون وألوف. وقوله:} كاملة {يعني في الثواب. ويقال: عشرتهم أعشرهم: أخذت عشرهم. وأعشرهم - بالكسر - صرت عاشرهم وعشرتهم - بالتشديد - صيرت مالهم عشرًة. وقال ابن عرفة في قوله:} تلك عشرة كاملة {مذهب العرب إذا ذكروا عددين أن يحملوهما. وأنشد للنابغة: [من الطويل]

1031 - توهمت آياتٍ لها فعرفتها ... لستة أعوامٍ وذا العام سابع وأنشد للفرزدق: [من الوافر] 1032 - ثلاث واثنتان فهن خمس ... وسادسة تميل إلى الشمام وقال الشاعر أيضًا: [من الوافر] 1033 - فسرت إليهم عشرين شهرا ... وأربعًة فذلك حجتان قال: وإنما تفعل العرب ذلك لقلة الحسابٍ فيهم. وقال الأعشى: [من الوافر] 1034 - ثلاث بالغداة فهن حسبي ... وست حين يدركني العشاء فذلك تسعة في اليوم ربي ... وشرب الماء فوق الري داء وقال: المبرد: في الكلام تقديم وتأخير، والتقدير: فتلك عشرة؛ ثلاثة في الحج وسبعة إذا رجعتم. وقيل: عشرة توطئة. ومثله: زيد رجل صالح، وفيه أقوال أخر حررناها في "الدر" و"القول الوجيز" فعليك بها. قوله تعالى:} وإذا العشار عطلت {[التكوير: 4] جمع عشراء وهي الناقة الحامل يكون ولدها في بطنها، وهي أنفس أموال العرب. وقيل: هي التي تضع لتمام سنة من يوم حملت، وهي أحسن ما تكون، فلا يعطلونها إلا لأمرٍ شديدٍ وقيل: العشراء: هي التي مر على حملها عشرة أشهرٍ، وهو اشتقاق واضح. قوله:} وما بلغوا معشار ما آتيناهم {[سبأ: 45] أي عشر. يقال: معشار الدرهم وشعرة بمعنى، والمعنى أن هؤلاء لم يبلغوا عشر ما أعطى أولئك. قوله:} وعاشروهن بالمعروف {[النساء: 19] أي صاحبوهن؛ يقال: عاشرته، أي صحبته، وأصله من العشيرة، وذلك أن العشيرة هم أهل الرجل الذي يتكثر بهم، أي يصيرون له بمنزلة العدد الكامل؛ وذلك أن العشرة هي العدد الكامل، فصارت العشيرة اسمًا لكل جماعةٍ من أقارب الرجل يتكثر بهم. قوله:} ولبئس العشير {[الحج: 13]. العشير: المعاشر قريبًا كان أو بعيدًا؛ وفعيل يكون بمعنى مفاعل كثيرًا نحو: الجليس والخليط. والعشر من

أظماء الإبل كالخمس. وإبل عواشر وقدح أعشار، وبرمة أعشار أي منكسر. وأصله أن يكون على عشرة أقطاعٍ، ويستعار ذلك في القلب ونحوه؛ قال امرؤ القيس: [من الطويل] 1035 - وما ذرفت عيناك إلا لتضربي ... بسهميك في أعشار قلبٍ مقتلٍ ثم صار ذلك لكل منكسر وإن لم يكن على عشرة، ووجه الجمع وإن كان الموصوف مفردًا من حيث إنهم جعلوا كل جزءٍ بمنزلة الكامل كقولهم: ثوب أسمال وأخلاق. وجاؤوا عشارى أي عشرًة عشرة. والتعشير: نهيق الحمار عشرة أصواتٍ. وثوب عشاري: طوله عشرة أذرعٍ. ع ش و: قوله تعالى:} ومن يعش عن ذكر الرحمن {[الزخرف: 36] أي يعرض. يقال: عشا يعشو فتارًة تكون بمعنى يقصد فيتعدى بإلى، وتارًة بمعنى أعرض فيتعدى بعن؛ قال الشاعر: [من الطويل] 1036 - متى تأته تعشو إلى ضوء ناره ... تجد خير نارٍ عندها خير موقد وقد أنكر القتيبي: عشوت عن الشيء بمعنى أعرضت. قال: وإنما الصواب تعاشيت، والأول قول ابن الهيثم وهو المرجح عند أهل العلم. وقرئ} يعش {من عشي يعشى بمعنى عمي فلا يبصر ليلاً. ومنه الرجل الأعشى: وهو الذي ضعف بصره فلا يبصر ليلاً فهو خير من الأعمى. وامرأة عشواء. والعشا: ظلمة تعرض في العين. ويقال: هو يخبط خبط عشواء، أي لا يدري وجه الصواب قولاً ولا فعلاً. وأصله أن الناقة التي تسير وبها العشا ترمي بنفسها وتخبط بقوائمها من غير أن ترى ما يضرها ولا ما ينفعها قال زهير: [من الطويل]

1037 - رأيت المنايا خبط عشواء من تصب ... تمته، ومن تخطئ يعمر فيهرم والعواشي جمع عاشية وهي الإبل ترعى ليلاً. وفي المثل: "العاشية تهيج الآبية" ويقال: عشوت النار - متعديًا بنفسه - أي قصدتها. فلما ضمن معناه تعدى تعديته. ع ش ي: قوله تعالى:} بالعشي والإبكار {[آل عمران: 41] قيل: العشى ما بعد زوال الشمس إل غروبها. ومن ثم قالوا لصلاتي الظهر والعصر: صلاتا العشي. ومنه حديث أبي هريرة رضي الله عنه: "صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم صلوتي العشاء" وقيل: العشاء: من الزوال إلى الفجر. وقال أبو عبيد: العشاءان: المغرب والعشاء إنما غلبوا كالأبوين. وقد شهدت المغرب في تصغير عشية وعشاء فقال: عشيشيًة. وفي الحديث: "فأتينا ببطن كديدٍ عشيشية". وعشا قيل: أبدل من الياء الوسطى شين. وسال رجل ابن عمر فقال: "كما لا ينفع مع الشرك عمل هل يضر مع الإيمان ذنب؟ فقال عبد الله: عش ولا تغتر". فسر أبو عبيدٍ هذا المثل فقال: أصله أن رجلاً أراد قطع مفازةٍ متكلاً على كلئها، فقيل له: عش - أي عش إبلك - ولا تغتر بالكلأ الذي في البرية رعيًا لإبلك؛ فإنك إن صادفت كلأً فكان خيرًا على خيرٍ، وإن لم تصادفه فقد أخذت بالأحوط لنفسك فقال له ابن عمر: اجتنب الذنوب ولا تتكل في ارتكابها على إسلامك وفي حديث: "فاعتشى أول الليل" قيل: معناه: سار وقت العشاء، كما يقال: استحر وابتكر، أي خرج سحرًة وبكرًة. قال الأزهري: صوابه فأغفى. وفي حديث: "احمدوا

فصل العين والصاد

الله الذي رفع عنكم العشوة" العشوة والعشوة: ظلمة الليل، وأصله من قولهم: أوطأته العشوة، أي حملته على أمرٍ ارتكبه بجهلٍ بمنزلة عن عشي في ظلمةٍ، فلا يدري كيف يضع قدمه حتى لا تقع في مهواةٍ. قوله:} وجاؤوا أباهم عشاًء يبكون {[يوسف: 16] يعني آخر النهار. وقيل: العشاء صلاة المغرب إلى العتمة. وقيل: العشاء بالفتح طعام العشاء، كالغذاء طعام الغداة. ويقال تعش، أي كل عشاءك في هذا الوقت. قال الشاعر: [من الطويل] 1038 - تعش فإن عاهدتني لا تخونني ... تكن مثل من يا ذئب يصطحبان فصل العين والصاد ع ص ب: } هذا يوم عصيب {[هود: 77] أي شديد، وأصله من العصب وهو أطناب المفاصل والعروق. والمعصوب: المشدود بالعصب، فقيل لكل شديدٍ: عصيب. ويحتمل أن يكون فعيلاً بمعنى فاعلٍ، وأن يكون بمعنى مفعولٍ كأنه قد شد وقوي. وقيل: بمعنى أنه مجموع الأطراف نحو قولهم: يوم ككفة حابلٍ وحلقة خاتمٍ. وفلان معصوب الخلق، أي مدمجه شديده. ومن ذلك العصبة: وهي الجماعة الذين يتعصبون لبعضهم، أي يتقوى بعضهم ببعضٍ؛ فهم [جماعة] متعصبة متعاضدة. ومنه قوله تعالى:} لتنوء بالعصبة {[القصص: 76]. وقوله:} ونحن عصبة {[يوسف: 8] أي مجتمعة أقوياء. واعصوصب القوم: صاروا عصبًا. وعصبوا بفلانٍ أمرًا. وعصب الريق يفيه، أي يبس فكأنه بمنزلة العصب. والعصب: ضرب من برود اليمن قد عصبت به نقوش. ومنه قول الشاعر: [من المنسرح].

1039 - يومًا تراها كشبه أردية الـ ... عصب يومًا أديمها نغلا والعصابة: ما يعصب بها الرأس، أي يشد. والعصوب: الناقة التي لا تدر حتى تعصب. والعصيب في بطون الحيوان لكونه معصوبًا أي مطويًا. والعصابة أيضًا: الجماعة من الناس لأنهم تعصب بهم الأمور. ومنه قولهم: اغفر لنا أيتها العصابة. وقيل: العصبة والعصابة واحد. وقال غيره: هي من العشرة إلى الأربعين. والعصبة أيضًا: نبات يتلوى وينطوي على الشجر وهو اللبلاب. ولما أقبل الزبير نحو البصرة. سئل عن وجهه فأنشد: [من الرجز] 1040 - علقتهم إني خلقت عصبه ... قتادى تعلقت بنشبه قال شمر: بلغني أن العرب تقول: [من الرجز] 1041 - غلبتهم إني دلقت نشبه ... قتادًة ملوية بعصبه والنشبة من الرجال: إذا تعلق بشيءٍ لم يكد يفارقه: وفي المثل: "لا تعصب سلماته" يقال للرجل الذي لا يقهر ولا يستذل. ومنه قول الحجاج لأهل العراق: "لأعصبنكم عصب السلمة" السلمة: شجرة يدبغ بورقها يعسر خرطه، فتعصب أغصانها بحبل ونحوه، أي تجمع بحبل وتخبط بعصًا فيتناثر ورقها. وأصل العصب اللي. وفي حديث عبد الله بن أبي: "فقد كان أهل هذه البحيرة اصطلحوا على أن يعصبوه" أي يسودوه ويعصبوه بالعصابة. ويسمون السيد معصبًا لأنه يعصب بالتاج أو تعصب به أمور الناس. ويقال له أيضًا: المعمم. والعمائم: تيجان العرب وهي العصائب. ع ص ر: قوله تعالى:} وأنزلنا من المعصرات {[النبأ: 14] هي السحاب لأنها تعتصر المطر، أي تعض به. وقيل: هي السحاب التي تأتي بالإعصار وهي الريح التي تثير الغبار.

وقيل: هي الرياح لأنها تعصر السحاب فينزل منها المطر وهو مروي عن ابن عباسٍ. قال الهروي: وإذا فسر بهذا التفسير كانت بمعنى الباء. والمعصر من النساء: أول ما تحيض. قال الهروي: لاعتصار رحمها. وقال غيره: هي التي حاضت ودخلت في عصر شبابها. وقال عمر بن أبي ربيعة: [من الطويل] 1042 - وكان مجني دون من كنت أتقي ... ثلاث شخوصٍ: كاعبان ومعصر الكاعب: من كعب ثديها. قوله تعالى:} وفيه يعصرون {[يوسف: 49] أي يعصرون الزيت من الزيتون. وقيل: معناه ينجون من الجذب ويعتصمون بالخصب. والعصرة: الملجأ، والمعصر والمعتصر كذلك؛ يقال: هذا عصره ومعتصره. واعتصرت به، أي لجأت إليه. والمعصر: الذي يأخذ من الشيء عصارته. والعصارة: نفاية ما يعصر. وقرئ} يعصرون {على ما لم يسم فاعله، أي يمطرون. يقال: أعصر القوم، أي أمطروا. وفي حديث عمر: "يعتصر الوالد على ولده" أي يحبسه عن الإعطاء ويمنعه. كل شيءٍ حبسته ومنعته إياه فقد اعتصرته. وعن ابن الأعرابي: يعتصر أي يرتجع. وفي حديث القاسم بن مخيمرة: "أنه سئل عن العصرة للمرأة فقال: لا أعلم رخص فيها إلا للشيخ المعقوف" قال ابن الأعرابي: العصرة هنا: منع البنت من التزويج. يقال: اعتصر فلان فلانًا: إذا منعه من حق يجب عليه. قال: ومن هذا عصرة الغريم، وهو أن يمنعه مال عليه ويقول: صالحني على كذا أعجله لك. قوله:} فأصابها إعصار {[البقرة: 266] أي ريح عاصف يرفع ترابًا إلى السماء

ويديره كأنه عمود تسميه العرب الزوبعة. وفي المثل: "إن كنت ريحًا فقد لاقيت إعصارًا" يضرب مثلاً للقوي يلقاه أقوى منه. قوله تعالى:} والعصر {[العصر: 1] أي ورب العصر. والعصر: الزمان؛ قال الشاعر: [من الطويل] 1043 - وقد مر للدارين من بعد عصرنا والجمع أعصر وعصور؛ قال الشاعر: [من الطويل] 1044 - حيوا بعدما ماتوا من الدهر أعصرا وعصر بالفتح والضم. والعصر أيضًا: وقت هذه الصلاة المعروفة بخصوصها لأنها فعلت في في وقتٍ. واللغة ليست بقياسٍ: وتسمى كل صلاةٍ عصرًا. والعصران، قيل: الليل والنهار وقيل: الغداة والعشي، وأنشد: [من الطويل] 1045 - ولن يلبث العصران يوم وليلة ... إذا طلبا أن يدركا ما تيمما وهذا نص في أنهما الليل والنهار بديل أن اليوم والليلة أبدلا من العصرين. وفي حديث أبي هريرة: "أن آمرأة مرت به متطيبًة ولذيلها عصرة" أي غبار لسحب ذيلها بالأرض. وقيل: عصرة أي رائحة وذلك على التشبيه بما يفوح من رائحة طيبها. والأعاصير. جمع إعصارٍ. وقال الشاعر: [من البسيط] 1046 - وبينما المرء في دنياه مغتبط ... إذ حل بالرمس تعفوه الأعاصير ع ص ف: قوله تعالى:} ريح عاصف {[يونس: 22] أي شديدة الهبوب والمرور. ويقال:

عصفت الريح واعتصفت فهي عاصف وعاصفة ومعصف ومعصفة. وقيل: أصله من العصف وهو ما يتكسر. ومنه العصف لورق الزرع كالتين ونحوه. قال تعالى:} والحب ذو العصف {[الرحمن: 12]. وقال تعالى:} فجعلهم كعصفٍ مأكولٍ {[الفيل: 5] لم يكفه أن شبههم بأهون الأشياء. وهو ما يأكله الدواب بغير رغبةٍ لها فيه - حتى جعلهم بمنزلته بعدما أكل وصار سرجينًا ورجيعًا. قوله:} في يومٍ عاصف {[إبراهيم: 18] نسب الوصف الواقع فيه لغيره مجازًا قصدًا للمبالغة كقوله: نهاره صائم وقيل: أراد: يوم عصفٍ، فهو على النسب. وقيل: أراد في يومٍ عاصفٍ الريح لأنها ذكرت في أول الآية. وأنشد: [من الطويل] 1047 - إذا جاء يوم مظلم الشمس كاسف أي كاسف الشمس فحذف لذكره أياها. ع ص م: قوله:} والله يعصمك من الناس {[المائدة: 67] أي يمنعك ويحفظك من أذاهم. ولما نزلت أخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم رأسه الكريمة وثوقًا منه بذلك، وقال لحرسي كان حوله: "أيها الناس انصرفوا فإن الله قد عصمني". قوله:} واعتصموا بحبل الله {[آل عمران: 109] أي امتنعوا بالقرآن. والاعتصام: الامتساك بالشيء. والاستعصام: الاستمساك. قوله:} واعتصموا بحبل الله {أي امتسكوا به. قوله تعالى:} ومن يعتصم بالله {[آل عمران: 101] أي يتمسك ويمتنع. قوله:} واعتصموا بالله {[الحج: 78] أي امتسكوا وامتنعوا. قوله:} لا عاصم اليوم من أمر الله إلا من رحم {[هود: 43] أي لا مانع من أمره وما أراده من غرق قوم نوح. قيل: عاصم هنا بمعنى معصومٍ كقوله:} ماءٍ دافقٍ {[الطارق: 6] و} عيشةٍ راضيةٍ {[الحاقة: 21]. وكان الذي أحوج إلى هذا استثناء قوله:} إلا من رحم {منه على تقدير الاتصال وليس ذلك بلازمٍ لما سيأتي. قال

الراغب: ومن قال: لا معصوم فليس يعني أن العاصم بمعنى المعصوم وإنما ذلك تنبيه على المعنى المقصود بذلك، وذلك أن العاصم والمعصوم يتلازمان فأيهما حصل حصل معه الآخر. وقال ابن كيسان: لما نفي العاصم صار بمعنى المعصوم، وصار} إلا من رحم {مستثنى من المعصومين الذين دل عليهم الفاعل لأنه جواب من قال: من يعصمني من أمر الله؟. والجواب السديد أن عاصمًا على معنى ذي عصمة؛ ففاعل للنسب كلا بن ورامح ونابلٍ، وحينئذٍ فالاستثناء متصل واضح. قوله:} ولا تمسكو بعصم الكوافر {أي بعقد نكاحهن. وقال ابن عرفة: العصمة: العقد. والعصمة: المتعة أيضًا، ومنه قيل للبذرقة عصمة. ومنه قول أبي طالبٍ يمدح النبي صلى الله عليه وسلم: [من الطويل] 1048 - وأبيض يستسقي الغمام بوجهه ... ثمال اليتامى عصمة للأرامل والعصم: مصدر عصمه أي مسكه. وقوله تعالى:} فاستعصم {[يوسف: 32] أي تحرى ما يعصمه ويمنعه من ركوب الفاحشة كأنه طلب ما يعتصم به. والعصام: ما يشد به ويربط. ومنه: عصام القربة، والجمع عصم وأعصمة. ومنه الحديث: "جمل مقيد بعصم". والعصمة: ما يبقى من آثار البول على أفخاذ الإبل. وعصام علم منقول منه. وعصمة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام عبارة عن حفظ الله تعالى إياهم من كل كبيرةٍ وصغيرةٍ ورذيلةٍ، وعما خصهم به من صفاء جوهرهم، وبما نقاهم من درن طبائع البشر. وفي الصحيح ما يبين ذلك من شق صدره عليه الصلاة والسلام وإخراج ما ذكره عليه الصلاة والسلام منه وغسله بالماء والثلج وحشوه وملئه بالحكم. فكل هذا من العناية

الربانية بهم، وإلا فالبشر من حيث هو بشر يعجز عن اكتساب مثل هذه الأشياء، ولا تجيء إلا بالفيض الإلهي خلافًا لمن ضل وزعم أن النبوات تكون بالاكتسابات وبما أولاهم من الفضائل الجسمية والنفسية، وبالنصرة وتثبيت أقدامهم بما أنزله عليهم من السكينة وربط الجأش، حتى إن موسى عليه السلام يجيء إلى فرعون وهو يدعي الربوبية، وقد رباه في حجره والناس كلهم مذعنون لربوبيته مقرون بالإلهية إلا من عصم الله، ويكذبه ويوبخه، ما ذاك إلا لقوله:} إنني معكما أسمع وأرى {[طه: 46]. وأعجب من ذلك قصة نبينا صلى الله عليه وسلم مع سائر الخلق إنسهم وجنهم بمفرده ليس له معين غير مرسله. وفي الحديث: "إن جبريل جاء يوم بدرٍ على فرس أنثى وقد عصم ثنيته الغبار". قال القتيبي: صوابه "عصب" أي يبس. والمعصم: من الكوع إلى المرفق. قال النابغة: [من الطويل] 1049 - فألقت قناعًا دونه الشمس واتقت ... بأحسن موصلين: كف ومعصم وكأنه أجري مجرى الآلة التي تعصم. والأعصم: الغراب لبعض البياض الذي فيه في نوع منه؛ وفي الحديث: "لا يدخل من النساء الجنة إلا مثل الغراب الأعصم" قال أبو عبيد: هو الأبيض الرجلين. وقال ابن شميلٍ: هو الأبيض الجناحين. وقد حاكاه أبو بكرٍ في هذا قال: لأن تشبيه رجليه باليدين أولى من تشبيههما بجناحيه. وفي حديثٍ آخر، "غراب أحمر المنقار والرجلين. فقال عليه الصلاة والسلام: "لا يدخل الجنة من النساء إلا قدر هذا الغراب". والعرب تجعل البياض حمرًة. ومنه قولهم للبيضاء حمراء. ومنه قوله لعائشة رضي الله عنها: "يا حميراء". والأعصم أيضًا: الوعل الذي بذراعه بياض، وجمعه عصم. وأنشد [من الكامل] 1050 - لو أن عصم عما يتين ويذبلٍ والعصمة: شبه السوار، والمعصم: موضعه من اليد. ومن ثم قيل: للبياض بالرسغ

عصمة تشبيهًا بالسوار، وكتسمية البياض بالرجل تحجيلاً. ع ص و: قوله تعالى:} وأن ألق عصاك {[القصص: 31]. العصا معلومة، وجمعها عصي بكسر الفاء وضمها وهو الأصل، وهي من ذوات الواو. والأصل عصوو؛ الأولى واو فعول والثانية لام الكلمة؛ قال تعالى:} فإذا حبالهم وعصيهم {[طه: 66]. والتثنية عصوان. وعصوته: ضربته بالعصا، وعصيته: ضربته بالسيف. ففرقوا بين المعنيين بالحرفين. قوله:} قال هي عصاي {[طه: 18] هذه هي اللغة الفصيحة. وقرئ "عصي" على لغة هذيلٍ؛ قال شاعرهم: [من الكامل] 1051 - سبقوا هوي وأعنقوا لهواهم ... فتخرموا ولكل جنبٍ مصرع وفي المثل: "ألقى عصاه" كناية عمن يطرح الأمور. وألقى عصاه، أي دقم من سفره، لأنها حالة المسافر غالبًا عندهم؛ قال شاعرهم: [من الطويل] 1052 - فألقت عصاها واستقر بها النوى ... كما قر عينًا بالإياب المسافر قال أبو عبيدٍ: وأصل العصا: الاجتماع والائتلاف. ومنه قولهم: من شق عصا المسلمين، أي فارق جماعتهم. وقال غيره: إنما ذلك تمثيل بمن شق العصا نصفين؛ فنصفها يفرق من الآخر ولا يعود يلتئم معه، فضربه ذلك مثلاً لكل مفارقٍ. وفي الحديث: "لا ترفع عصاك عن أهلك" كناية عن تأديبهم وجمعهم على طاعة الله تعالى. وقوله عليه الصلاة والسلام: "لا يضع العصا عن عاتقه" قيل: كناية عن كثرة سفره لقولهم في الإياب: ألقى عصاه. قال الشاعر: "فألقت عصاها"، البيت. وقيل: كناية عن كثرة

فصل العين والضاد

ضربه أهله، وهذا من باب المبالغة. والحديث لغالب الأحوال؛ وإلا فمعلوم أنه كان يضعها في بعض الأحيان لنومه وقضاء حاجته وأكله وغير ذلك. ويحكى أن رجلاً دخل إلى مالكٍ يستفتيه فقال: اشتريت طائرًا على أنه لا يسكت، فقال: لك رده إذا سكت، فخرج الرجل وكان الشافعي على باب مالك فسأله فقال: بماذا أفتاك مالك؟ فأخبره فقال: راجعه. فلما راجعه قال: من بالباب؟ قيل له: الشافعي. فاستدعاه واستفتاه فقال: إن كان غالب أحواله الصياح فلا رد بدليل "لا يضع العصا عن عاتقه". فاستحسن ذلك منه. ع ص ي: قوله تعالى:} لا يعصون الله ما أمرهم {[التحريم: 6] العصيان: مخالفة الأمر. وقيل: عصى عصيانًا: خرج عن الطاعة، قال الراغب: وأصله أن يتمنع بعصاه؛ فإن أراد اشتقاقه من ذلك فمشكل من حيث اختلاف المادتين؛ تيك من الواو - كما تقدم - وهذه من الياء بدليل: عصى يعصي عصيانًا، وعصيت أنت. قال تعالى:} أفعصيت أمري {[طه: 93] وإن أراد الاشتقاق الأكبر فقريب، وتقدم مثله في الصلاة. وليس قوله:} ويفعلون {[طه: 93] تكريرًا لقوله:} لا يعصون {إذ لا يلزم من عدم العصيان فعل المأمور به لاحتمال أن يكون المأمور عاجزًا عنه. ومثاله من يأمر رجلاً بحمل صخرةٍ عظيمةٍ فيمتثل، لكن لا يطيق ذلك. فهذا غير عاصٍ لكنه عاجز. والملائكة جامعون بين الأمرين: الامتثال والطاعة، وهو حسن جدًا. وقد يعبر بالعصيان عن مجرد الامتناع. ومنه الحديث: "لولا أنا نعصي الله ما عصانا" أي لم يمتنع أجابتنا في دعائنا له. فصل العين والضاد ع ض د: قوله تعالى:} سنشد عضدك {[القصص: 35] هو ما بين المنكب إلى الكتف، وهو عبارة عن الإعانة والتقوية. وأصله من قولهم: عضدته، أي شددته واشتد

بعضده عند وقوع في هلكةٍ من حفيرةٍ وغيرها. ثم جعل عبارًة عن كل معونةٍ. وعضدته أيضًا: أصبت عضده نحو رأسته. وجمل عاضد: يأخذ بعضد الناقة فينوخها. ويستعار العضد للمعين فيقال: أنا عضدك نحو أنا يدك. ورجل أعضد: رقيق العضد مشتك من العضد؛ داء يناله في عضده. وأنشد للنابغة الذبياني: [من البسيط] 1053 - شك الفريضة بالمدرى فأنفدها ... طعن المبيطر إذ يشفي من العضد ومعضد: موسوم في عضده. ولتلك السمة عضاد. والمعضد: دملجة. وأعضاد الحوض: جوانبه تشبيهًا بأعضاد الإنسان. قوله:} وما كنت متخذ المضلين عضدًا {[الكهف: 51] أي أعوانًا أتقوى بهم. وفي حديث أم زرعٍ: "وملأ من شحمٍ عضدي" تريد إحسانه إليها ملأها شحمًا، ولا تريد عضديها فقط بل عبرت بأظهر ما فيها. والعضد - بالسكون-: القطع؛ وفي الحديث: "أن يعضد شجرها" أي يقطع. وأصل ذلك من: عضدته: أصبت عضده بقطعٍ وغير، فاستعير ذلك لقطع الشجر ونحوه. يقال: عضده واستعضده نحو علاه واستعلاه، وقر واستقر. وفي حديثٍ آخر: "ونستعضد البرير" البرير: ثمر الأراك. ونفس المعضود يقال فيه عضد نحو قبضٍ ونقضٍ. ومنه قولهم في بني عمرو بن خالد بن جذيمة: "يخبطون عضيدها ويأكلون حصيدها". وفي الحديث: "كان له عضد من نخلٍ" أراد طريقًة من النخل. قال بعضهم: إنما هو عضيد. قال بعضهم: إذا صار للنخلة جذع يتناول منه فهو عضيد، وجمعه عضدان. ع ض ض: قوله تعالى:} عضوا عليكم الأنامل {[آل عمران: 119] تمثيل لشدة غيظهم

وحسدهم وعدم انقيادهم للأمر، فهم حين يقدرون عليهم بمثابة من تفوته فرصة فيعض أنامله ندمًا على ما فاته. وقيل: لشدة إيغاظهم المؤمنين وغيظهم منهم يفعلون ذلك. يقال: عض فلان يده غيظًا على فلانٍ: إذا بالغ في عداوته. وقوله:} ويوم يعض الظالم على يديه {[الفرقان: 27] يعني ندمًا وتحسرًا. وأنشد: [من الوافر] 1054 - كمغبونٍ يعض على يديه ... تبين غبنه بعد البياع وأصل العض: الأزم بالأسنان على الشيء. والعض: النوى ولما تعض عليه الإبل. والعضاض: معاضة الدواب بعضها بعضًا. ورجل عض. مبالغ في أمره بمنزلة من يعض عليه. ويقال ذلك في المدح تارًة وفي الذم أخرى بحسب ما يبالغ فيه. يقال: هو عض في سفره، وعض في الخصومة. ويستعار ذلك لأزم الزمان وشدته. وأنشد للفرزدق: [من الطويل] 1055 - وعض زمانٍ يا بن مروان لم يدع ... من المال إلا مسحت أو مجرفٍ والتعضوض ضرب من التمر يعسر عضه ومضغه، ومنه الحديث: "أهدت لنا نوعًا من التعضوض". وجمع العض عضوض؛ قيل: العضوض جمع عض وهو الرجل الخبيث الشرير. وغلط الأزهري من ضم العين وقال: صوابه عضوض بالفتح. يقال: "ملك عضوض" إذا نال رعيته منه جور كأنه يعضهم. قلت: إن كانت الرواية "ملك" بالإفراد فيظهر ما قال، وإن كانت "ملوك" بالجمع فيشكل إلا أن يقصد الجنس. وفي الحديث: "من تعزى بعزاء الجاهلية فأعضوه بهن أبيه ولا تكنوا" تقدم تفسير "تعزى بعزاء الجاهلية" وأما "فأعضوه" قيل: معناه قولوا له: اعضض بأير أبيك، ولا تكنوا بالهن تأديبًا وتنكيلاً.

ع ض ل: قوله تعالى: {ولا تعضلوهن} [النساء: 19] أي لا منعوهن من نكاح أزواجهن. وأصل العضل التضييق. يقال: أعضل في الأمر أي ضاق. ومنه قول عمر رضي الله عنه: "أعضل بي أهل الكوفة" قال الأزهري: أصل العضل من قولهم: عضلت المرأة: إذا نشب ولدها فلم يسهل خروجه. وعضلت الدجاجة: نشبت بيضتها. ومسألة معضلة: إذا كانت صعبًة لا يهتدى لوجه الصواب فيها لضيقها. ومنه قول معاوية رضي الله عنه: "معضلة ولا أبا حسنٍ" أي صعبة ضيقة المخارج ولا مثل علي لها، يعني هو الذي يشرحها. وأعضل الأمر: اشتد. وداء عضال: إذا عسرت مداواته. وأنشد: [من الطويل] 1056 - شفاها من الداء العضال الذي بها ... غلام إذا هز القناة سقاها وهو عضلة من العضل، أي لا يقدر عليه لشدته. والعضلة: الداهية المنكرة أيضًا. وعضلت الأرض بالجيش: ضاقت بهم، كناية عن كثرتهم. وأنشد: [من الطويل] 1057 - ترى الأرض منا بالفضاء مريضًة ... معضلًة منا بجمعٍ عرمرم والعضلة: كل لحمٍ صلبٍ وعصبٍ. ومنه: رجل عضل: مكتنز اللحم. وعضلته: شددته بالعضل المأخوذ من الحيوان نحو: عصبته، ثم تجوز به في كل منعٍ شديدٍ. وقوله:} ولا تعضلوهن لتذهبوا {. هذا [بلا] خلافٍ خطاب للأزواج. أي لا تضيقوا عليهن بالمضارة ليفتدين منكم ببعض مهورهن. وأما} فلا تعضلوهن أن ينكحن {[البقرة: 232] فالظاهر أنه للأولياء، وقيل: للأزواج. ع ض هـ: قوله تعالى:} الذين جعلوا القرآن عضين {[الحجر: 91] اختلف في تفسير معناه فقيل: معناه فرقًا وأنواعًا لأن بعضهم يقول: هو سحر، وبعض كهانة، وبعض شعر، وبعض

فصل العين والطاء

أساطير الأولين. إلى غير ذلك مما افتروه وانتحلوه. وقيل: معناه جعلوه مقسمًا أقسامًا يؤمن ببعضه ويكفر بآخر، لقوله تعالى:} أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعضٍ {[البقرة: 85] وعضون جمع عضة وفيها لغتان: عضوة وعضهة، كما في سنةٍ: سنهه وسنوة، ويدل لذلك قولهم: عضيهة وعضيهات وعضية وعضوات، فحذفت اللام وجمعت جمع المذكر السالم في ظاهر قول النحاة وعند تحقيقهم ليس هذا تصحيحًا إنما هو تكسير كما حققناه في غير هذا، لكنه جرى مجرى جمع التصحيح في الإعراب حيث رفع بالواو ونصب وجر بالياء. فمن قال: أصلها الواو قال هو من العضو. والتعضية: تجزئه الأعضاء. وقد عضيته أي أجزأته. قال الشاعر: [من الرجز] 1058 - وليس دين الله بالمعضى. أي بالمقسم بل هو دين واحد، قال الكسائي: هو من العضو أو من العضه، وهي شجرة. وأصل عضة في لغة عضهة لقولهم عضيهة، وفي لغة عضوة لقولهم عضوات. قلت: ومنهم من جعل مادة عضهةٍ غير معنى مادة عضوةٍ فقال: العضة: السحر، والعاضه: الساحر، والعاضهة: الساحرة. ومنه الحديث: "لعن الله العاضهة والمستعضهة" وفسر بالساحرة والمستسحرة. وفي الحديث أيضًا: "ألا أنبئكم بالعضه؟ هي النميمة" والعضيهة: البهتان؛ قالوا: فسمي السحر عضها لأنه كذب وإفك وتخييل لا حقيقة له. وعلى هذا التأويل فالمعنى: جعلوا القرآن أنواعًا من السحر. وفي الحديث: "لا تعضية في ميراث" أي لا قسمة فيما فيه ضرر على الورقة؛ كأن تقسم جوهرة نفيسة أو ثوب نفيس فتنقص بذلك قيمته. فصل العين والطاء ع ط ف: قوله: تعالى:} ثاني عطفه {[الحج: 9] أي متكبر، وقد تقدم أن ذلك كناية

عن التكبر نحو: لوى جيده، وصعر خده. وعطفا الإنسان: جانباه يمنًا ويسارًا من عند رأسه إلى وركه. وقيل: هما ناحيتا عنقه. وقيل: منكب الرجل: عطفه، وهو الذي يمكنه أن يلقيه من بدنه. والعطف: ثني الشيء ورد أحد طرفيه على الآدر كعطف الوسادة والغصن والحبل. ومنه سمي الشيء المثني عطافًا. وقد يكنى به عن الشفقة والميل إذا تعدى بعلى نحو: عطف عليه. وإذا عدي بعن عكس المعنى، نحو: عطفت عنه نحو مال في تعديه بالحرفين. وشاة عاطفة وظبية عاطفة وعاطف على ولدها. وناقة على بوها. وأنشد: [من السريع] 1059 - ما طبية في ممرٍ صورت ... أو ظبية في حمر عاطف أحسن منها يوم قالت لنا ... والدمع من مقلتها واكف: لأنت أحلى من لذيذ الكرى ... من أمانٍ ناله خائف وفي الحديث: "سبحان الذي تعطف بالعز وقال به" أي تردى بالعز. ومنه قيل للرداء عطاف. وقد اعتطف وتعطف: إذا ترىد. وسمي الرداء عطافًا لأنه يقع على عطفي الإنسان. وفي حديث أم معبدٍ: "وفي أشفاره عطف" تصفه بطول هدب العين، أي طال وانعطف. ويروى بالمعجمة. ع ط ل: قوله تعالى:} وإذا العشار عطلت {[التكوير: 4] أي أهملت، وشغل عنها أهلها مع أنها أعظم أموالهم وأحبها إليهم. والتعطيل: الإهمال. وجيد عاطل، أي خالٍ من الحلي. وامرأة عاطل ونسوة عطل نحو ضربٍ، وأنشد: [من المتقارب] 1060 - ويأوي إلى نسوةٍ عطلٍ ... وشعثٍ مراضيع مثل السعالي

{وبئرٍ معطلة} [الحج: 45] أي مستغنًى عنها لخراب مكانها وعدم قاطنيه بعد أن كانت آهلًة. ويقال إنها بئر بعينها في اليمن تجاور القصر المذكور معها. والمعطلة: قوم يزعمون أن لا صانع أوجد هذا العالم، وإنما الطبائع اقتضت ذلك. وقد رد هذا القول بقوله تعالى:} وفي الأرض قطع متجاورات {إلى قوله:} يسقى بماءٍ واجدٍ {[الرعد: 4] وما أبلغٍ هذا الرد حيث بيناه في كتابنا "أحكام القرآن" وغيره. ووصفت عائشة رضي الله عنها أباها فقالت: "رأب الثأي وأوذم العطلة"؛ هي الناقة الحسنة أو الدلو المتروكة. أوذمت: شددت فيه الوذم. ع ط ي: قوله تعالى:} فتعاطى فعقر {[القمر: 29]. تعاطى الشيء: تناوله وقصد فعله، ومنه: كان يتعاطى كذا وعطوته: تناولته، أيضًا وأعطيته: ناولته؛ يتعدى بلا همزةٍ لواحدٍ، وبها لاثنين ثانيهما غير الأول، ويجوز حذفهما اختصارًا واقتصارًا، وحذف أولهما والعكس؛ قال تعالى:} فأما من أعطى {[الليل: 5]} ولسوف يعطيك {[الضحى: 5] فذكر الأول} وأعطى قليلاً [[النجم: 34] فذكر الثاني. وأولهما هو فاعل في المعنى ثم وجب، أعطيت الدرهم صاحبه، وامتنع صاحبه الدرهم. ولهذا كان قوله تعالى:} الذي أعطى كل شيءٍ خلقه {[طه: 50] أي أمكنه من تناول ما يصلحه. وقالت عائشة رضي الله عنها تصف أباها: "أبي والله لا تعطوه الأيدي" أي لا تبلغه فتتناوله. ومن أمثالهم: "عاطٍ بغير أنواطٍ" يضرب لمن لا جدوى لعمله، شبه بمن يريد أن يتناول من غير معلقه. وغلب الإعطاء في الصلة:} فإن أعطوا منها رضوا وإن لم يعطوا منها إذا هم يسخطون {[التوبة: 58]. وأعطى البعير: انقاد؛ كأنه ناول رأسه قائده. وظبي عطو وعاطٍ: رفع رأسه ليتناول

فصل العين والظاء

أوراق الشجر. وقياس مصدر أعطى إعطاًء، وعطاًء اسم مصدره ويعمل عمله وأنشد: [من الوافر] 1061 - أكفرًا بعد رد الموت عني ... وبعد عطائك المئة الرتاعا؟ فصل العين والظاء ع ظ م: قوله تعالى:} وهو العلي العظيم {[البقرة: 255]. العظم الموصوف به الباري تعالى عبارًة عن كبريائه وجلاله وجبروته وقدرته وأنه متصف بصفات الكمال. وأصل العظم. الكبر والزيادة في الأجزاء المحسوسة، هذا أصله ثم يتجوز به في المعاني نحو قوله:} ولهم عذاب عظيم {[آل عمران: 176]. قال بعضهم: أصله من عظم الرجل: كبر عظمه وكثر، ثم استعير لكل كثرةٍ محسوسًا كان ذلك الشيء أو معقولاً. قال: والعظيم إذا استعمل في الأعيان فأصله أن يقال في الأجزاء المتصلة، والكثير في الأجزاء المنفصلة. ثم قد يقال في المنفصل عظيم نحو جيشٍ عظيمٍ ومالٍ عظيمٍ أي كثير. والعظيمة: النازلة. والإعظامة والعظامة: شبه وسادةٍ تعظم بها المرأة عجيزتها والعظم: معروف وهو جسد الإنسان. قوله:} رب إني وهن العظم مني {[مريم: 4] كناية عن كبر سنه. وإذا وهن منه أقوى ما فيه - وهو العظم - فما عداه من اللحم والعضل والعصب أوهن، وجمعه عظام وأعظم. وأنشد: [من الخفيف] 1062 - نضر الله أعظامًا دفنوها ... بسجستان طلحة الطلحات فصل العين والفاء ع ف ر: قوله تعالى:} عفريت {[النمل: 39] هو المتمرد من الجن الخبيث منها.

وقيل: هو من الجن النافذ القوي مع خبثٍ، ويستعار ذلك للآدميين استعارة الشيطان لهم. قال ابن قتيبة: هو من قولهم: رجل عفريت، وهو الموثق الخلق. وأصله من العفر وهو التراب. ومنه: عافره: صارعه فألقاه في العفر. وعلى هذا فنسبه هذه الصفة إلى الإنس أولى من الجن، لأن الإنس خلقوا من الرراب، والجن من النار. ويقال: رجل عفر نفر، عفريت نفريت، وعفارية نفارية: إذا كان خبيثًا. ومنه الحديث: "إن الله يبغض العفرية النفرية". قيل: الجموع: المنوع. وقيل: الظلوم. ويقال: رجل عفر، نحو شمرٍ. وليث عفرين: دابة تشبه الحرباء تتعرض للراكب. وعفرية الديك والحبارى للشعر الذي على رأسهما. ورجل أعفر: أبيض وليس بالناصع ولكنه لون الأبيض. ومنه قيل للظباء: عفر. وقال شمر: هو بياض إلى الحمرة قليلاً. وقال أبو بكر: العفر والعفرة: البياض الذي ليس بخالصٍ. يقال: ما على عفر الأرض مثله. وبعضهم يطلق فيقول: العفرة: البياض. ومنه الحديث: "لكأني أنظر إلى عفرتي إبطي رسول الله صلى الله عليه وسلم".وشكت إليه عليه السلام امرأة قلة نسل غنمها ورسلها فقال: ما ألوانها؟ قالت: سود. فقال: عفري إذا خلطتها بعفر" أي بيضٍ. ومنه قوله عليه الصلاة والسلام: "لدم عفراء أحب إليه من دم سوداوين". ومن كلامهم: "ليس عفر الليالي كالدآدئ". قال القرشي: سميت عفراء لبياضها. ويقولون: لقيته عن عفرٍ، أي بعد خمسة عشر يومًا فصاعدًا، أي حتى جاوز الليالي العفر. وأنشدني لأبي العميثل: [من الطويل] 1063 - لقيت ابنة السهمي زينب عن عفر ... ونحن حرام منمى عاشرة العشر والعفر أيضًا: تلقيح النخل ومنه الحديث: "ما قربت امرأتي مذ عفرنا". العفر:

[أول سقيةٍ] ثم تترك أربعين لا تسقى ثم تسقى فتصلح. ومعافر: موضع تنسب إليه البرود. وفي الحديث: "وعليه ثوبان معافريان". ع ف ف: قوله تعالى:} فليستعفف {[النساء: 6] أي ليصبر ويتقنع. يقال: تعفف واستعف بمعنى وأنشد: [من الطويل] 1064 - وقائلةٍ: ماللفرزدق لا يرى ... من الشر يستغني ولا يتعفف؟ وقيل: العفة: حصول حالةٍ للنفس تمتنع بها عن غلبة الشهوة. والمتعفف: المتعاطي لذلك بضربٍ من الممارسة. قال بعضهم: وأصله من الاقتصار على تناول الشيء القليل الجاري مجرى العفافة. والعفة: البقية من الشيء، وقيل: الجاري مجرى العفعف وهو ثمر الأراك. والاستعفاف أيضًا: طلب العفة. ع ف ر: قوله تعالى:} خذ العفو [[الأعراف: 199] أصله القصد لتناول الشيء. يقال: عفاه واعتفاه: إذا قصده متناولاً ما عنده. ومنه: عفت الريح التراب، أي قصدته متناولًة آثاره وعفت الدار من ذلك: تصور أنها قصدت نحو البلى. وعفا النبت والشعر قصد نحو الزيادة وتناولها، كقولك: أخد النبت في الزيادة. وعفوت عنه، كأنه قصد إزالة ذنبه صارفًا عنه. فالمفعول في الحقيقة متروك، وعن متعلقة بمضمرٍ. فالعفو هو التجاوز عن الذنب. فقوله:} خذ العفو {أي ما سهل قصده وتناوله. وقيل: معناه: تعاط العفو مع الناس. قوله:} يسألونك ماذا ينفقون قل العفو {[البقرة: 219] أي ما سهل إنفاقه. وأنشد: [من الطويل]

1065 - خذي العفو مني تستديمي مودتي ... ولا تنطقي في سورتي حين أغضب وقد تقدم تفسير الآية في العرف. وقولهم: أعطى عفوًا مصدر في موضع الحال، أي أعطى، وحاله حال العافي أي القاصد للتناول إشارًة إلى المعنى الذي عدوه بديعًا في قول الشاعر: [من الطويل] 1066 - تراه، إذا ما جئته متهللاً ... كأنك تعطيه الذي أنت سائله والعفو: المتجاوز عن الجرائم. ومن ثم وصف به تعالى في قوله إنه:} كان عفوًا غفورًا {[النساء: 43] وصف نفسه بأنه يستر الذنوب ولا يعاقب عليها؛ إذ لا يلزم من ترك أحدهما ترك الآخر. فمن ثم ذكر الوصفين المقتضيين لذينك المعنيين في الدعاء: أسألك العفو والعافية، أي ترك العقوبة والسلامة. وفي الحديث: "ما أكلت العافية فصدقة"، عنى بالعافية طلاب الرزق من الطير والوحش والإنس. وقيل فيها: "العوافي" أيضًا من قولك: عفوت فلانًا: أتيته أطلب عفوه، أي معروفه. وأعفيت الشيء: تركته يعفو ويكثر، ومنه الحديث: "وأعفوا اللحى". والعفاء: ما كثر من الوبر والشعر، وقد يستعار لغيرهما. قال زهير بن أبي سلمى: [من الوافر] 1067 - على آثار من ذهب العفاء وفي الحديث: "فعلى الدنيا العفاء" قيل: الدروس. وقيل: التراب وعفا الشعر:

كثر. وفي الحديث: "إذا دخل صفر وعفا الوبر". والعفا - بالقصر-: ولد الحمار. ويقال فيه عفو وعفو - بالكسر والفتح-، ومنه الحديث: "قد ترك أتانًا وعفوًا" والعفاء بالكسر والمد نفس الشعر الذي حل به العفاء، أي الكثرة. والعافي: ما يرد مستعير القدر من المرق. قال الشاعر: [من الطويل] 1068 - إذا رد عافي القدر من يستعيرها قوله:} فمن عفي له من أخيه شيء {[البقرة: 178] قال ابن عرفة: أي من جعل له في ماله دية} فاتباع بالمعروف {من الطالب} وأداء إليه بإحسان {من المطالب. قال: وسميت الدية عفوًا لأنها يعفى بها عن الدم؛ ألا ترى إلى قوله:} ذلك تخفيف من ربكم ورحمة {[البقر: 178]. وقال: أي من جعل له من أولياء المقتول عفو من الدية، أي فضل بدل أخيه المقتول فاتباع بالمعروف، أي مطالبة جميلة. قال: ومن معناه البدل. قال: ومنه قوله تعالى:} ولو نشاء لجعلنا منكم ملائكًة في الأرض يخلفون {[الزخرف: 60] أي بدلكم. وعوضت فلانًا من حقه ثوبًا، أي بدل حقه. قوله:} حتى عفوا {[الأعراف: 95] أي كثروا وكثرت أموالهم. وقيل:} فمن عفي له من أخيه شيء {أي ترك. قوله:} والعافين عن الناس {[آل عمران: 134] أي التاركين حقوقهم مع قدرتهم على إنفاذها، ولذلك عقبه بقوله:} والله يحب المحسنين {. قوله:} أو يعفو الذي بيده عقدة النكاح {[البقرة: 237] اختلف في ضمير "بيده"؛ فقيل للزوجة وقيل للولي. قوله تعالى:} عفا الله عنك {[التوبة: 43] أي رفع لك بذلك درجاتٍ حيث اجتهدت فأثبت. سمى ذلك عفوًا وإن كان مدلوله في الأصل لغيره عليه الصلاة والسلام. محا الله ذنبك. وفي الحديث: "ويرعون عفاءها" هو ما

فصل العين والقاف

ليس لأحدٍ فيه ملك من عفا الشيء إذا صفا وخلص ومنه الحديث الآخر: "أقطع من أرض المدينة ما كان عفاًء" ويروى بالكسر. فصل العين والقاف ع ق ب: قوله تعالى:} والله يحكم لا معقب لحكمه {[الرعد: 41] لا متتبع له ولا مكرًا عليه بنقصٍ. والعقب: الذي يكر على الشيء ويتبعه لينظر ما فيه من الخلل لينقصه. ولذلك فسر بأنه لا يحكم بعد حكمه حاكم؛ مأخوذ من العقب، فإن من تتبع شيئًا يكون وراء عقبه. وقيل: معناه: لا أحد يتعقبه ويبحث عن فعله، من قولهم: عقب الحاكم على حكم من قبله: إذا تتبعه. قيل ويجوز أن يكون ذلك نهيًا للناس أن يخوضوا في البحث عن حكمه وحكمته إذا خفيا عليهم، ويكون ذلك من نحو النهي عن الخوض في سر القدر. وأصل ذلك من العقب، وهو مؤخر الرجل. وقال الأصمعي: العقب ما أصاب الأرض من مؤخر الرجل إلى موضع الشراك. وفي الحدث: "كانت نعله معقبًة" أي لها عقب، وجمعه أعقاب. وفي الحديث: "ويل للأعقاب من النار" وفي رواية "للعراقيب". قوله:} وجعلها كلمًة باقيًة في عقبه {[الزخرف: 28] أي ذريته، استعارة من التأخر. وجاء في عقب الشهر، أي آخره. قوله:} نكص على عقبيه {[الأنفال: 48] رجع مسرعًا، وفيه فائدة؛ وهو أنه لسرعة رجوعه لم يمهل أن يولي وجهه للجهة التي يفر إليها، بل رجع القهقري. ثم صار ذلك عن مطلق الرجوع، وإن لم ينكص على الهيئة المذكورة. وكذا قوله:} على أعقابكم تنكصون {[المؤمنون: 66] وهو عبارة عن توليهم عن الحق وتكذيبهم. ومثله: رجع على حافرته، و [رجع] عوده على بدئه} ولم يعقب {[النمل: 10] أي لم يرجع بل مر لوجهه.

قوله تعالى: {له معقبات} [الرعد: 11] أي ملائكة يتعاقبون عليه في الحفظ. ومنه الحديث: "يتعاقبون فيكم ملائكة" وقيل: الضمير لرسول الله صلى الله عليه وسلم وليس في ذلك منافاة لقوله:} والله يعصمك من الناس {[المائدة: 67]، لأن من جعل الله له ملائكًة حفظًة فقد عصمه. وعقبه، أي تلاه نحو دبره وقفاه، والعاقبة والعقبى مختصان بالثواب، والعاقبة في الثواب إذا أطلقت كقوله تعالى:} والعاقبة للمتقين {[الأعراف: 128] فإذا وردت في العقوبة قدرت، قال تعالى:} ثم كان عاقبة الذين أساؤوا السوأى {[الروم: 10]} فكان عاقبتهما أنهما في النار {[الحشر: 17]. وقيل: ذلك استعارة من الضد كقوله تعالى:} فبشر هم بعذابٍ أليمٍ {[آل عمران: 21]. والعقوبة والعقاب والمعاقبة مختصة بالعذاب كقوله تعالى:} فحق عقاب {[ص: 14]} وإن عاقبتم فعاقبوا [[النحل: 126] والتعقيب: أن يأتي بشيءٍ بعد آخر. والتعاقب: التوارد كاعتقاب الليل والنهار. والعقبة: أن يتعاقب اثنان على ظهرٍ في الركوب. وعقبة الطائر: صعوده وحدوره. ويقال: أعقبه كذا، أي أورثه إياه، كقوله تعالى:} فأعقبهم نفاقًا {[التوبة: 77] وقال الشاعر: [من الطويل] 1069 - له طائف من جنة غير معقب أي لا يعقب الإفاقة. وقولهم: فلان لم يعقب، أي لم يترك ولدًا. وأعقاب الرجل: أولاده. ونقل الراغب عن أهل اللغة أن الأعقاب لا يدخل فيها أولاد البنت لأنهم لا يتعقبونه بالنسب. قال: وإذا كان له ذرية فإنهم يدخلون فيها. قلت: وفيه نظر لقوله:} كلمًة باقيًة في عقبه {[الزخرف: 28] أي نسله وذريته من غير قصدٍ لأولاد الذكور دون البنات.

وامرأة معقاب: تلد مرة ذكرًا وأخرى أنثى. وعقبت الرمح: شددته بالعقب نحو عصبته: شددته بالعصب. والعقبة: طريق وعر في الجبل وذلك لتعاقب المشقة فيها وجمعها عقاب، واسم الجنس منها عقب بحذف التاء. والعقاب: معروف، ويقال: كل عقابٍ أنثى، سمي عقابًا لتعاقب جريه في الصيد. وبه شبهت في الهيئة الراية والحجر الذي على حافتي البئر والخيط الذي في القرط. واليعقوب: ذكر الحجل لماله من عقب الجري. ويعقوب: علم لنبي معروفٍ قيل: سمي بذلك لأنه ولد عقب أخيه العيص. وقيل: نزلا ملتصقي العقبين، ومقتضاه أن يكون عربيًا ولا يصح لعدم صرفه. ويقال: عقب فلان: مكث. وفي الحديث: "من عقب في صلاةٍ فهو في صلاةٍ" أي من أقام ومكث بعدما يفرغ من الصلاة في مجلسه. يقال: صلى القوم وعقب فلان، أي أقام بعدهم. وسئل أنس عن التعقيب فقال: قال ابن راهويه: هو أنه إذا صلى القوم ثم عادوا. والتعقيب: أن يعود لعمله الأول، ومن ذلك التسبيحات عقب الصلوات لأنهن تعود مرًة بعد أخرى. ومنه الحديث: "معقبات لا يخيب قائلهن". قال شمر: أراد تسبيحاتٍ تخلف بأعقاب الناس. قال: والمعقب من كل شيءٍ ما خلف بعقب ما قبله. قوله تعالى:} وإن فاتكم شيء من أزواجكم إلى الكفار فعاقبتم {[الممتحنة: 11] وقرئ} فعقبتم {مخففًا ومشددًا أي فكانت العقبى لكم حتى عمهم. والمعنى إن ذهبت امرأة منكم إلى من لا عهد بينه وبينكم فأتوا الذين ذهبت أزواجهم مثلما أنفقوا في مهورهن. وكذلك إن مضت إلى من بينكم وبينه عهد فنكث في إعطاء المهر فالذي ذهبت زوجه كان يعطى من الغنيمة المهر ولا ينقص شيئًا من حقه يعطى حقه كاملاً بعد مهور النساء. قوله:} وإن عاقبتم فعاقبوا {[النحل: 126] قال أبو منصور: سمي الأول عقوبًة، وإنما العقوبة الثانية لازدواج الكلام في الفعل بمعنًى واحدٍ. والعقاب والعقوبة لأنهما يكونان بعقب الذنب واكتسابه. قوله تعالى:} ولا يخاف عقباها {

[الشمس:15] أي لا يخاف من يعقب على عقوبته من يدفعها ويغيرها وقيل: لم يخف القائل العقبى. وفي الحديث: «لي خمسة أسماءٍ كذا وكذا والعاقب» أي آخر الأنبياء. وقال ابن الأعرابي: العاقب والعقوب: الذي يخلف من كان قبله في الخير قال أبو عبيدٍ: (يقال): عقب (يعقب عقوبًا) وعقبًا: إذا جاء بعد شيءٍ. وفي حديث عمر: «أنه سافر في عقب شهر رمضان» قال أبو زيدٍ: يقال: في عقب شهر كذا، أي قد بقيت منه بقية وجاء في عقبه -بالضم والسكون- أي ذهب الشهر كله. وفي الحديث: «كانت رايته العقاب» قال ابن المظفر: هو العلم الضخم. وأنشد: [من الوافر] 1070 - فراس لا يكون له كفاء ... إذا حاد اللفيف على العقاب وفي حديث إبراهيم: «المتعقب ضامن لما اعتقب. اعتقبت الشيء: حبسته؛ ومعناه أن البائع إذا باع شيئًا وحبسه عنده عن المشتري فتلف عنده ضمنه. ويقول الرجل لزميله: أعقب، أي أنزل لأركب عقبي. وأنشد: [من الخفيف] 1071 - أعقبي آل هاشمٍ ياميا يقول: انزلي عن الخلافة حتى يليها بنو هاشمٍ. ع ق د: قوله تعالى: {وأوفوا بالعقود} [المائدة:1] أي العهود. قال ابن عرفة: الضمان والعقود ثلاثة: فعقد لهم أن يعقدوا إن شاؤوا كالبيع والنكاح، وعقود الناس التي تجب لبعضهم على بعضٍ. وقيل: بالفرائض التي فرضها وعقدها على عباده. وقيل: هو ما يلتزمه الإنسان كالنذور، وقال الشاعر: [من البسيط]

1071 - قوم إذا عقدوا عقدًا لجارهم ... شدوا العناج وشدوا فوقه الكربا وأصل العقد: الجميع بين أطراف الشيء، ويستعمل ذلك في الأجسام الصلبة كعقد الحبل وعقد البناء. ثم يستعمل للمعاني نحو عقد البيع والعهد والنكاح وغيرها. وعقدت يميني وعاقدتها. وقد قرئ: {بما عقدتم (وعاقدتم) الأيمان} [المائدة:89] أي أكدتموها، ولذلك سقط اللغو. وقد ينسب ذلك لنفس اليمين مبالغةً كقوله تعالى: {والذين عقدت أيمانكم (وعاقدتم)} [النساء:33]. والعقد: مصدر عقد الشيء يعقده: أكده وبالكسر: القلادة وغلب في الجواهر النفيسة إذا نظمت. قوله: {ولا تعزموا عقدة النكاح} [البقرة:235] أي ما التزم وأكد من التزام كل من الزوجين ما يجب عليه لصاحبه. قوله: {واحلل عقدة من لساني} [طه:27] أي حبسةً. قيل: كان به أثر من حرقٍ أصابه فدعا الله بحلها أي بإزالتها. والظاهر أنه أراد إطلاق لسانه بما يعبر به عما في نفسه. قوله: {ومن شر النفاثات في العقد} [الفلق:4] أي الساحرات. وكان الساحر يعقد عقدًا وينفث في كل عقدةٍ من رقاه ما يؤكد ذلك كأنه يحيل أنه شيء يعقد عليه ويربط، ومن ثم قيل لها عزيمة. وفي التفسير: «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثهم ألي بئرٍ فاستخرجوا منها سحرًا سحره به لبيد بن الأعصم اليهودي وبناته إحدى عشرة عقدةً في مشطٍ ومشاقةٍ». وفي القصة طول. (ويروى أنه لما نزلت المعوذة الأولى صار كلما قرأ آيةً منها انحلت عقدة. وناقة عاقدة وعاقد: عقدت للقاح. وتيس أعقد، وكلب أعقد: ملتوي الذنب). وفي الحديث: «فعدلت عن الطريق فإذا أنا بعقدةٍ من شجرٍ» والعقد: البقعة الكثيرة الشجر. وفي حديثٍ آخر: «من عقد لحيته فإن محمدًا صلى الله عليه وسلم بريء منه» أي جعدها.

وقيل: كانوا يعقدونها في الحروب. وفي حديث أبي: «هلك أهل العقدة» يعني الولاة الذين عقدت لهم البيعة. ومنه قولهم: هم أهل الحل والعقد. ع ق ر: قوله تعالى: {فعقروها} [هود:65] أي نحروها. يقال: عقرت البعير، وعقرت ظهره: إذا أثرت فيه بالركوب. وأصل ذلك من: أصبت عقره، أي أصله؛ وذلك أن عقر الدار والحوض بالضم والفتح، ومنه: «ما غزي قوم في عقر دارهم إلا ذلوا». وقيل للقصر: عقرة فمعنى عقرته: أصبت عقره، نحو رأسته: أصبت رأسه. وعقرت النخل: قطعته. وقيل: عقر الحوض بالضم، وعقر الدار بالفتح. وفي الحديث: «إني لبعقر حوضي أذود الناس». ويقال: الزم عقر دارك. قوله: {وامرأتي عاقر} [آل عمران:40] أي لم تلد. ورجل عاقر: لا يولد له، كأنه من عقره إذا قطع عقره، أي أصله. ولم يؤنث إذ المراد: ذات عقرٍ. والعقر: آخر الولد، وبيضة العقر كذلك. والعقر أيضًا: المهر. ومنه قول الشعبي: «ليس على زانٍ عقر» قاله النضر. وقال غيره: هو للمغتصبة من الإماء كمهر الحرة. والعقار: الخمر لكونه كالعاقر للعقل. والمعاقرة إدمان شربها؛ وفي الحديث: «لا يدخل الجنة معاقر خمرٍ» مأخوذ من عقر الحوض، وهو مقام الشارب لأن شاربها يلازمها ملازمة الإبل عقر الحوض. والعقار -بالفتح-: متاع البيت، وقيل: الأرض، ومنه الحديث: «ذراريهم وعقار بيوتهم»، قال الحربي: أراد أراضيهم. وقال الأزهري: متاع بيوتهم والأدوات والأواني. وقال ابن الأعرابي: عقار البيت، وقصده متاعه الذي لا يتبدل إلا في الأعياد. ويقال: بيت حسن العقار. والعقار -بالكسر- قيل: الأرض، وقيل: النخل ويكون

مصدر عاقره، نحو قاتله قتالًا. والعقار: الأصل أيضًا؛ يقال بالفتح -وهو المشهور- والكسر: وهو الكلب العقور وكل سبعٍ جارحٍ كالفهد والنمر. قوله عليه السلام: «عقرى حلقى» أي عقرها الله وأصاب حلقها. وضع هذا في العاء عليها، وليس مرادًا في الحديث، وإنما هو جرى على مذهبهم إذا أعجبوا بالشيء قالوا فيه بلفظ الدعاء عليه نحو: قاتله الله ما أشعره! ومنه: «تربت يداك»: لصقت بالتراب، من العقر في أحد القولين. وقال أبو عبيد: صوابه: عقرًا حلقًا بالتنوين، لأن معناه عقرها عقرًا وحلقها حلقًا؛ فهي فعلى من العقر والحلق، كما بني شكوى من الشكو. والعقيرة: الصوت، ومنه قولهم: رفع عقيرته. وأصله أن رجلًا عقرت رجله فرفع صوته، فصار ذلك مستعارًا في الصوت. والعقاقير: أخلاط الأدوية، الواحد عقار. وفي الحديث: «فأعطاها عقرها». العقر: ما تعطاه في وطء الشبهة، وأصله في البكر يفتضها الواطئ فيعقرها. فسمى ما تعطاه بسبب العقر عقرًا. ثم قيل لكل وطءٍ وإن كان في ثيب: عقر. وفي الحديث: «لا عقر في الإسلام» لأنهم كانوا يعقرون الدواب على قبر الميت. ويجوز أن يكون نهيًا عما كانوا يفعلونه من عرقبة الإبل بدل نحرها للأضياف. فكان قوم حاتمٍ يفصدون إبلهم ويأكلون. وكان حاتم يعرقبها ويقول. 1072 - هكذا فزدي أنه يعني قصدي أنا. وفي حديث ابن عباسٍ: «لا تأكلوا من تعاقر الأعراب فإني لا آمن أن يكون مما أهل به لغير الله» وذلك أن يتبارى الرجلان في الجود، فيعقر هذا ويعقر هذا حتى يعجز أحدهما. وقالت أم سلمة: «إنها قالت لعائشة رضي الله عنها: أسكن الله عقيراك فلا تصحريها» أي أسكنك الله بيتك وعقارك وسترك فيه فلا تبرزيه. قالت لها

عند خروجها إلى البصرة. ويعبر بالعقر عن مجرد القطع، ومنه الحديث: «أنه أقطع فلانًا ناحيةً واشترط عليه أن لا يعقر مرعاها». ع ق ل قوله تعالى: {وما يعقلها إلا العالمون} [العنكبوت:43] أي لا يتدبرها ويفهم غرضها ويطابق بينها وبين ما ضربت له إلا من اتصف بالعلم دون الجهلة. وأصل العقل: الحبس، يقال: عقلت البعير أعقله عقلًا: قيدته بما يحبسه عن الانبعاث. وسمي عقل الإنسان لأنه يمنعه ويحبسه عن محذوراتٍ. والعقال: ما يعقل به البعير. قال الشاعر: [من الوافر] 1073 - ألا يا حمز للشرف النواء ... وهن معقلات بالفناء وسمى الدية عقلًا باسم المصدر لأن أولياء المقتول إذا عفوا على الدية أتوهم بالدية وهي الإبل، فتعقل بدورهم لئلا تتقلب. والعقل الذي هو لب الإنسان يقال للقوة المتهيئة لقبول العلم. ثم يقال للمستفاد بتلك القوة: عقل. ومن ثم قال أمير المؤمنين رضي الله عنه: [من مجزوء الوافر] 1074 - رأيت العقل عقلين ... فمطبوع ومصنوع فلا ينفع مصنوع ... إذا لم يك مطبوع كما لا تنفع الشمس ... وضوء العين ممنوع وإلى الأول أشار عليه الصلاة والسلام بقوله: «ما خلق الله خلقًا أكرم عليه من العقل». وإلى الثاني أشار بقوله: «ما كسب أحد شيئًا أفضل من عقلٍ يهديه إلى هدى أو يرده عن ردى». قال بعضهم: وهذا هو المعنى بقوله تعالى: {وما يعقلها إلا العالمون}. قيل: وكل موضعٍ وصف الله الكفار فيه بعدم العقل فإشارة إلى الثاني دون الأول. وكل موضعٍ رفع التكليف فيه عن عباده لعدم العقل فالمراد الأول.

والمعاقل: الحصون لمنعها من فيها. والعقيلة: المرأة الحسناء، كأنها تعقل من يراها على حسنها. قال امرؤ القيس: [من الطويل] 1075 - عقيلة أترابٍ لها لا دميمة ... ولا ذات خلقٍ إن تأملت جانب وهذا كقول الآخر: [من الكامل] 1076 وحديثها السحر الحلال لو أنه ... لم يسب عقل المسلم المتحرز إن طال لم يملل وإن هي أوجزت ... ود المحدث أنها لم توجز شرك العقول وفتنة ما مثلها ... للمطمئن وعقله المستوفز والعقال: داء يعرض في قوائم الخيل. والعقل أيضًا: اصطكاك فيها. واختلف الناس في العقل هل هو عرض أو جوهر؟ وهل محله القلب أو الرأس؟ والعاقلة: العصبة التي تعقل عن الجاني غير الأصول والفروع. وقول أبي بكرٍ: «لو منعوني عقالًا» قيل أراد العقال الذي يعقل به البعير مبالغة في ذلك. وقيل: عنى بذلك صدقة عامٍ، ومن ذلك: أخذ النقد ولم يأخذ العقال. وفي حديث الدجال: «ثم يأتي الخصب فيعقل الكرم» قال الفراء: معناه أنه يخرخ العقيلي، وهو الحصرم، ثم يمجج أي يطيب. وقولهم: اعتقل رمحه، كأنه حعل بمنزلة عقالٍ له. وفي الحديث: «يتعاقلون بينهم معاقلهم الأولى» أي يكونون على مما كانوا في الجاهلية مما يأخذونه (من الديات) ويعطون، ومن حديث عمر رضي الله عنه: «إنا لا نتعاقل المضغ بيننا» أي لا يأخذ بعضنا من بعض العقل. والمضغ: قطع اللحم. وفي الحديث: «من اعتقل الشاة وأكل مع أهله برئ من الكبر» هو عبارة عن خلبها بأن يضع رجلها بين

فصل العين والكاف

ساقه وفخذه. ع ق م: قوله تعالى: {عجوز عقيم} [الذاريات:29] أي لا تلد، وهي العاقر كما ذكرت بذلك في موضعٍ آخر. والعقم: منع الولادة، واستعير ذلك لمنع الخير كقوله: {عذاب يوم عقيم} [الحج:55]، أي لم يولد فيه خير، يعني: لم يوجد. وفي الحديث: «سوداء ولود خير من حسناء عقيمٍ». ورجل عقيم أيضًا أي لا يولد له، كما يقال عاقر فيهما. قال تعالى: {ويجعل من يشاء عقيمًا} [الشورى:50] أي لا يلد ولا يولد له. قوله تعالى: {أرسلنا عليهم الريح العقيم} [الذاريات:41] على الاستعارة لأنها لا تأتي بمطرٍ ولا سحابٍ ضد قوله: {وأرسلنا الرياح لواقح} [الحجر:22] أي ذات حملٍ. وريح عقيم: يجوز أن تكون بمعنى الفاعل، أي لا تلقح سحابًا ولا شجرًا، أو بمعنى المفعول كالعجوز العقيم. وأصل العقم: اليبس المانع من قبول الأثر ومنه: عقمت مفاصله. وداء عقام -نحو عضال- لا يقبل علاجًا. ويقال: عقمت المرأة، مبنيًا للمفعول فهي معقومة، أي لم تلد. وعقمت -بزنة ظرفت- إذا ساء خلقها فيهي عقام وعقيم. فصل العين والكاف ع ك ف: قوله تعالى: {فأتوا على قومٍ يعكفون} [الأعراف:138] العكوف: اللبث والإقامة. وقيل: هو الإقبال على الشيء وملازمته على سبيل التعظيم. ومنه قوله تعالى: {وأنتم عاكفون في المساجد} [البقرة:17] قوله: {لن نبرح عليه عاكفين} [طه:91] أي ملازمين للإقامة. يقال: عكف يعكف ويعكف عكوفًا، وقد قرئ بهما. والاعتكاف شرعًا: اللبث في المسجد بشرائط. ومنهم من فرق بين اعتكف وانعكف؛

فصل العين واللام

فقال: الأول في الخير، والثاني في الشر. فصل العين واللام ع ل ق قوله تعالى: {ثم خلقنا النطفة علقة} [المؤمنون:14]. العلقة: القطعة من الدم، وقيده بعضهم بالجامد. قال: فإذا كان جاريًا فهو المسفوح. وسئل بعض الأعراب عن أصعب ما لقي فقال: وقع الزلق على العلق، يعني زلقه بدم القتل في المعركة. والعمق: جنس للعلقة نحو تمرٍ وتمرةٍ. وأصل العلق: التشبت بالشيء؛ يقال: علق به: تعلق. وعلق الصيد في الحبالة: نشب فيها. وأعلق الصائد على الصيد في حبالته. والمعلاق: ما يعلق به. وعلاقة السوط كذلك. والعلقة: ما يتمسك به من الأكل. وفي الحديث: «تعلق من ثمار الجنة». ومنه الحديث الآخر: «ويجتزئ بالعلقة». يقال: علق بالفتح، يعلق -بالضم- عليقًا. وأنشد للكميت: [من الكامل] 1077 - أو فيق طاوية الحشا رمليةٍ ... إن تدن من قنن الألاة تعلق ولما نزل قوله تعالى: {وأنكحوا الأيامى منكم} [النور:32] قيل: «يا رسول الله فما العلائق بينهم؟» قال: العلائق: المهور، واحدتها علاقة. قوله تعالى: {فتذروها كالمعلقة} [النساء:129] أي لا ذات بعلٍ ولا أيما، من علقت الشيء: إذا رفعته. وفي حديث أم زرع: «إن أنطق أطلق وإن أسكت أعلق» أي يجعلني كالمعلقة. وفي الحديث: «أن امرأة جاءت له عليه الصلاة والسلام بابنٍ لها [قالت:] وقد أعلقت عنه فقال: علام تدغرن أولادكن بهذه العلق؟». الإعلاق: معالجة عذرة الصبي ودفعها بالإصبع. والعلق -بفتح اللام وضمها-: الدواهي والمنايا والأشغال. وفي حديث عمر

رضي الله عنه: «إن الرجل ليغالي بصداق امرأته حتى تكون عداوةً في نفسه، وحتى يقول: قد كلفت إليك علق القربة». قال أبو عبيد: علقها عصامها، أي تكلفت لك كل شيءٍ حتى عصام القربة. ويروى: «عرق القربة». يقال في هذا الأمر علق وعلاق وعلاقة وعلقة وعلوق ومتعلق بمعنى واحد. وفي الحديث: «رأيت أبا هريرة وعليه إزار فيه علق وقد خيطه بالأصطبة». قال ابن السكيت: العلق الذي يكون في الثوب وغيره. وقال غيره: هو أن يمر بالشوكة أو غيرها. فتعلق بالثوب فتخرقه. والأصطبة: مشاقة الكتان. والعلق: دود يتعلق بالحلق. والعلق: الشيء النفيس الذي به يتعلق صاحبه. والعليق: ما يعلق على الدابة من القضيم. والعليقة: مركوب يبعثه الإنسان مع غيره فيعلق أمره به. وأنشد [من الرجز] 1078 - أرسلها عليقة وما علم ... أن العليقات يلاقين الرقم والعلوق: الناقة التي ترأم ولدها فتعلق به. ويقال للمنية: علوق. والعلقي: شجر يتعلق. وعلقت المرأة: حبلت. ورجل: يتعلق بخصمه. والتعلق أيضًا: ترتيب شيءٍ على شيءٍ. ومنه تعليق المشروط على شرطٍ. ع ل م: قوله تعالى: {وعلم آدم الأسماء كلها} [البقرة:31] أي عرفه إياها. وأصل العلم إدراك الشيء على حقيقته، وهو معرفة الشيء على ما هو عليه. وقد اختلف الناس فيه: هل يدرك بالحد أم لا، ومن منع تحديده اختلفوا فقال بعضهم: لا يحد لعسره، وآخرون ليسره. وقال بعضهم: العلم ضربان: الأول إدراك ذات الشيء، والثاني الحكم على الشيء بوجود شيءٍ هو موجود له، أو نفي شيءٍ هو منفي عنه. فالأول يتعدى لواحدٍ؛ قال تعالى: {لا تعلمهم نحن نعلمهم} [التوبة:101]. والثاني يتعدى لاثنين

كقوله تعالى: {فإن علمتموهن مؤمنات} [الممتحنة:10]. قوله تعالى: {يوم يجمع الله الرسل} إلى قوله: {لا علم لنا} [المائدة:109]. قال بعضهم: إشارة إلى أن علمهم قد تضاءل مع علمه ولذلك عقبوه بقولهم: {إنك أنت علام الغيوب} [المائدة:109]. والعلم من وجهٍ آخر نوعان: نظري وعملي؛ فالنظري ما إذا علم فقد كمل، نحو العلم بموجودات العالم، والعملي ما لا يتم إلا بأن يعمل كالعلم بالعبادات. ومن وجهٍ آخر ضربان: عقلي وسمعي. والعلم قد يتجوز به عن الظن كقوله تعالى: {فإن علمتموهن مؤمناتٍ} لا سبيل إلى القطع بالإيمان الباطن. كما يستعار الظن للعلم كقوله تعالى: {الذين يظنون أنهم ملاقو ربهم} [البقرة: 46] وقد تقدم تحرير ذلك في باب الظن. قوله تعالى: {فاعلم أنه لا إله إلا الله} [محمد:19] أمر بالقطع والبت. وهو لم يزلٍ كذلك، وإنما هو تعليم لأمته. ودل ذلك على وجوب علم التوحيد وما شاكله من أصول الدي. وأعلمته -بالهمزة والتضعيف-: واحد، إلا أن الاستعمال خص الإعلام بإخبارٍ سريعٍ، والتعليم بما يكون فيه تكرير وتكثير حتى يحصل منه أثر في نفس المتعلم. وقال بعضهم: التعليم: تنبيه النفس لتصوير المعاني، والتعلم: تنبيه النفس لتصور ذلك. وربما استعمل في معنى الإعلام إذا كان فيه تكثير نحو قوله: {أتعلمون الله بدينكم} [الحجرات:16] وقوله تعالى: {وعلم آدم الأسماء كلها} فتعليمه الأسماء هو أن جعل له قوةً بها نطق، ووضع أسماء الأشياء وذلك بإلقائه في روعه، وكتعليمه الحيوانات كل واحد فعلًا يتعاطاه وصوتًا يتحراه. قوله: {وعلمناه من لدنا علمًا} [الكهف:65] قيل: عنى به العلم الخاص الخفي على البشر الذي يرونه، ما لم يعرفهم، منكرًا بدلالة ما رآه موسى عليه السلام منه لما تبعه فأنكره بظاهر شريعته حتى عرفه، وعلى هذا العلم في قوله: {قال الذي عنده علم من الكتاب} [النمل:40]. وقوله تعالى: {والذين أوتوا العلم درجات} [المجادلة:11] تنبيه منه تبارك وتعالى على تفاوت منازل العلوم وتفاوت أربابها. قوله: {وفوق كل ذي علم عليم} [يوسف:76] إشارة إلى الإنسان الذي

فوقه آخر. ويكون تخصيص لفظ العليم الذي هو للمبالغة تنبيهًا على أنه بالإضافة إلى الأول عليم لما ذكر معه، وإن لم يكن بالإضافة إلى من فوقه كذلك. قيل: ويجوز أن يكون {عليم} عبارة عن الله تعالى وإن كان لفظه منكرًا إذ كان الموصوف بالعليم هو الله تبارك وتعالى فيكون قوله: {وفوق كل ذي علمٍ عليم} إشارة إلى الجماعة بأسرهم لا إلى كل واحد بانفراده. وعلى الأول يكون إشارةً إلى واحدٍ بانفراده. قوله تعالى: {علام الغيوب} إشارة إلى أنه لا تخفى عليه خافية. قوله: {عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحدًا إلا من ارتضى من رسولٍ} [الجن:26 - 27] إشارة إلى أن الله تعالى يخص به أولياءه. والعالم في وصفه تعالى هو الذي لا يخفي عليه شيء لقوله: {لا تخفى منكم خافية} [الحاقة:18] وذلك لا يصح إلا في وصف الله تعالى. قوله تعالى: {في البحر كالأعلام} [الشورى:32] أي الجبال. ويقال لكل أثرٍ يعلم به الشيء علم. ومنه الحديث: «تكون الأرض يوم القيامة كقرصة النقي ليس فيها معلم لأحدٍ». ومعالم الحرم وأعلامه: حدوده، ومنه: العلم للراية، شبه السفن في البحر بالجبال الظاهرة لكل أحدٍ، والواحد علم. وأنشد: 1079 - ربما أوفيت في علمٍ ... ترفعن ثوبي شمالات وقرئ شاذًا: {وإنه لعلم} [الزخرف:61] بالفتح في الفاء والعين. والعلمة: شق الشفة العليا لكونها أظهر علامةٍ. وفي الشفة السفلى يقال شرم. ورجل أعلم ورجل أشرم. وكان صاحب الفيل أشرم. وأنشد: [من الرجز] 1080 - وألا شرم المغلوب ليس الغالب وكل جملٍ أعلم، ويتجوز بذلك عن الرجل المشهور فيقال: فلان علم في كذا

كقولهم: جبل. ومعالم الطريق والدين، واحدها معلم. والعلام: الحناء. قوله: {الحمد لله رب العالمين} العالمون ليس جمع عالمٍ بدليلٍ أن عالمًا يطلق على كل موجودٍ سوى الله تعالى، وعالمون لا يطلق إلا على العقلاء؛ فاستحال أن يكون المفرد أم والجمع أخص، وهذا نظير ما منع سيبويه من جعله أعرابًا جمع عرب، لأن عربًا يعم البدوي والقروي، والأعراب مخصوص بالبدويين. وقيل: العالم لا يطلق إلا على أولي العلم ومنه اشتق. وكأن هذا الخلاف مبني على الخلاف في اشتقاقه مماذا؟ فإن قيل إنه مشتق من العلامة بمعنى أن كل موجود دال (على صانعه وموجده، فلا شك أن هذا المعنى موجود) سوى الله تعالى، فتطلق على العاقل وغيره من حيوانٍ وجمادٍ. وإن قيل: إنه مشتق من العلم فلا يطلق إلا على ذوي العلم، قيل: وحينئذ يصح جعله جمعًا لعالمٍ، إلا أن الأول هو المشهور. ولذلك يروى عن ابن عباسٍ: «إن لله تعالى ألف اسمٍ؛ ست مئةٍ في البحر وأربع مئةٍ في البر». وقال الراغب: والعالم: اسم للفلك وما يحويه من الجواهر والأعراض. وهو في الأصل اسم لما يعلم به كالطابع والخاتم لما يطبع به ويختم. وجعل بناؤه على هذه الصيغة لكونه كالآلة. فالعالم آلة في الدلالة على صانعه. ولهذا أحالنا تعالى على ذلك في معرفة وحدانيته فقال: {أو لم ينظروا في ملكوت السماوات والأرض} [الأعراف:185]. وأما جمعه فلأن كل نوعٍ من هذه قد يسمى عالمًا؛ فيقال: عالم الإنسان، وعالم الماء، وعالم النار. وأيضًا فقد روى «أن لله تعالى بضعة عشر عالمًا وألف عالمٍ». وأما جمعه جمع السلامة فلكون الناس في جملتهم. والإنسان إذا شارك غيره في اللفظ غلب حكمه. وقيل؛ إنما جمع هذا الجمع لأنه عنى به أصناف الخلائق من الملائكة والجن والإنس دون غيرها، وقد روي هذا عن ابن عباسٍ. وقال جعفر بن محمدٍ الصادق: عني به الناس، وجعل لكل واحد منهم عالمًا. وقال: العالم عالمان: الكبير وهو الفلك بما فيه. والصغير وهو الإنسان لأنه مخلوق على هيئة العالم؛ فقد أوجد

الله تعالى فيه كل ما في العالم الكبير، انتهى. وقال الهروي: العالمون المخاطبون هم الجن والإنس، ولا واحد له من لفظه. والعالمون: أصناف الخلق كلهم، الواحد عالم. ويقال: دهر عالم. وأنشد لجرير بن الخطفي: [من الوافر] 1081 - تنصفه البرية وهو سامٍ ... ويضحي العالمون له عيالا ثم إن المفسرين خصوا كل موضعٍ بما يليق به مما يطلق عليه أصناف العالم. فقالوا في قوله تعالى: {أو لم ننهك عن العالمين} [الحج:70] أي عن أن تضيف أحدًا. وفي قوله تعالى: {ليكون للعالمين نذيرًا}؛ الجن والإنس لأنه لم يكن نذيرًا للبهائم. قوله: {أنزله بعلمه} [النساء:166] أي مصاحبًا لعلمه. والمعنى: أنزل القرآن الذي فيه علمه. قوله: ({وليعلم الله} [الحديد:25] يعني علم المشاهدة الذي يوجب العقوبة، وذلك أن علم الغيب لا يوجب ذلك). قوله: {إنما أوتيته على علمٍ عندي} [القصص:78] أي شرف وفضل، يوجب لي ما خولته. قوله: {وما تفرقوا إلا من بعد ما جاءهم العلم بغيًا بينهم} [الشورى:14] أي عن علم أن الفرقة ضلالة ولكنهم فعلوه بغيًا. قوله: {وأضله الله على علمٍ} [الجاثية:23]، يعني من الله، أي على ماسبق ي علمه. وقيل: على علمٍ من الضال. جعل علمه سبب فتنته وضلاله. قوله: {وإنه لذو علم لما علمناه} [يوسف:68] قال ابن عيينة: لذو علمٍ. دل على صحة ذلك قول ابن مسعودٍ: العلم خشية. قلت: ويدل عليه أيضًا قوله تعالى: {إنما يخشى الله من عباده العلماء} [فاطر:28] وقرئ برفع الجلالة ونصب العلماء، بمعنى يوقر ويعظم، سماه خشيةً مجازًا. وعن الشعبي أنه قيل له: أفتني أيها العالم. فقال: العالم من خشي الله، يشير إلى الآية. قوله: {في أيامٍ معلوماتٍ} [الحج:28] هي عشر ذي الحجة الأول، والمعدودات أيام التشريق. نقل ذلك أكثر أهل علم التفسير منهم أبو عبيدٍ. قوله: {وما يعلمان من أحدٍ حتى يقولا إنما نحن فتنة} [البقرة:102] أي يعلمانهم السحر ويأمران باجتنابه.

قوله: {الذي علم بالقلم} [العلق:4] أي علم الكتابة. وقوله: {تعلمون علم اليقين} [التكاثر:5] أي لو علمتم الشيء حق علمه لارتدعتم. وقال أهل الحقيقة: الأشياء رتب ثلاث: علم اليقين، وحق اليقين، وعين اليقين، وأعلاها هذا، وأدناه الأول. قوله: {وأني فضلتكم على العالمين} [البقرة:47] أي عالمي زمانهم، وقيل: أراد فضلاء زمانهم الذي يجري كل واحدٍ منهم مجرى عالمٍ بما أعطاهم ومكنهم. وتسميته بذلك كتسمية إبراهيم صلوات الله وسلامه عليه «أمة» لأنه يقوم مقامهم. ع ل ن: قوله تعالى: {ثم إني أعلنت لهم} [نوح:9] أي أظهرت. يقال: أعلن يعلن إعلانًا. والإعلان يقابل الإسرار؛ قال تعالى: {سرًا وعلانية} [البقرة:274]. وأكثر ما يقال ذلك في المعاني دون الأعيان يقال: أعلنته فعلن، ومنه علوان الكتاب، لأنه يعرف به مدلوله، وهل هو من العلن اعتبارًا بظهور المعنى فيه لا بظهور ذاته. وفيه لغة: العنوان، فكان اللام والنون متعاقبان نحو أصيلان وأصيلال. يقال: عنونت الكتاب وعلونته عنونه: إذا جعلت عليه علامة يعرف بها من قصد به، قيل: فهم معناه. ع ل و: قوله تعالى: {الكبير المتعال} [الرعد:9]. المتعال: صفة لله تعالى بمعنى علو أمره وصفاته لا باعتبار مكانٍ تعالى عن ذلك. وكذا قوله: {سبحانه وتعالى عما يقولون علوًا كبيرًا} [الإسراء:43]. والعلو ضد السفل منسوب إليهما. والعلو: الارتفاع، وقد علا يعلوا علوا، وعلي يعلى علا: ارتفع، فهو علي. قال بعضهم: علا بالفتح أكثر ما يقال في الأمكنة والأجسام. قوله: {وهو العلي العظيم} [البقرة:255] هو الرفيع القدر من علي يعلى. قيل: معناه أنه يعلو أن يحيط به وصف الواصفين بل علم العارفين، وعليه قوله تعالى: {تعالى الله عما يشركون} [النمل:63]. قيل: ونخصيص لفظ المتعال لمبالغة ذلك منه لا علي سبيل التكلف، والأعلى الأشرف، ومنه قوله تعالى: {ربك الأعلى}

والاستعلاء قد يكون طلب العلو المذموم، وقد يكون طلب العلاء وهي الرفعة. فقوله: {وقد أفلح اليوم من استعلى} [طه:64] يحتمل الأمرين جميعًا. وقوله: {سبح اسم ربك الأعلى} أي أعلى من أن يقاس به أو يعتبر بغيره. قوله: {تنزيلًا ممن خلق الأرض والسموات العلى} [طه:4] جمع عليا تأنيث أعلى أفعل تفضيل. والمعنى هن الأشرف والأفضل بالنسبة إلى هذا العالم. قوله: {عاليهم ثياب} [الإنسان:21]. يجوز أن يكون ظرفًا وأن يكون وصفًا، ونصبه على الحال وما بعده مرفوع به، ولذلك موضع حققناه فيه وقرئ {عليهم} جار ومجرور، وكلا المعنيين متقارب. قوله تعالى: {كلاه إن كتاب الأبرار لفي عليين} [المطففين:18] قيل: هو موضع في أعلى الجنة وهو اسم علمٍ لذلك المكان كمكة، وجمع جمع العقلاء، وهو اسم أشرف الجنان كما انه سجينها اسم شر النيران. وقيل: بل ذلك في الحقيقة اسم سكانها. قال الراغب: وهذا أقرب في العربية؛ إذ كان هذا الجمع يختص بالناطقين. قال: والواحد على نحو بطيخ. ومعناه أن الأبرار في جملة هؤلاء فيكون ذلك كقوله: {فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم} [النساء:69]. وباعتبار العلو قيل للمكان الشرف والمشرف العلياء. وقال مجاهد: عليون: السماء الرابعة. وقال الزجاج: أعلى الأمكنة. وقال قتادة: هو تحت قائمة العرش اليمني. وقال الفراء: هو واحد كما تقول: لقيت منه الرحيين وهو واحد. ويراد به المبالغة. وأنشد قول النابغة: [من البسيط] 1082 - يا دار مية بالعلياء فالسند ... أقوت وطال عليها سالف الأبد قيل: والعلياء من عليت أعلى، لا من علوت أعلو، وإلا لوجب العلواء. وقد حققنا

هذا في شرح هذه القصيدة المذكورة في مصنفٍ مفردٍ كثير الفوائد. والعلية: الغرفة المرتفعة. وعالية الرمح: ما دون سنانه. قال أبو طالبٍ: [من الطويل] 1083 - كذبتم وبيت الله محمدًا ... ولم تختصب سمر العوالي بالدم وفي الحديث: «بعث إلى أهل العوالي»؛ مواضع مرتفعة بالمدينة. وشذوا في النسب إليها فقالوا: علوي والقياس عالي وعالوي كقاضي وقاضوي. والعلاة: السندان حجرًا كان أو حديدًا، وغلب في الحديد. والعلية: الغرفة المرتفعة. قال الراغب: والعلية تصغير عاليةٍ، وصارت في التعارف اسمًا للغرفة، وجمعها علالي فهي فعاليل. والكلامان مشكلان جدًا؛ أما الأول فلا يجوز أن يكون علية تصغير عاليةٍ؛ إذ يجب ان يكون عويلية نحو صويرية تصغير صارية، جريًا بالمعتل مجرى نظيره من الصحيح. وإنما عليه بوزن فعليةٍ ولا تصغير البتة، فأصلها عليوة فقبلت الواو ياء وأدغمت فيها فصارت عليه كما ترى. وأما الكلام الثاني فكيف يكون علالي بزنة فعاليل وإنما هو بزنة فعاعيل، ولم يكن له حاجة بذلك إذ لا تعلق له بما هو من صدده. وعجبت كيف يخفى على مثله ذلك! والعليان: البعير الضخم. وعلاوة الشيء: أعلاه كالرأس ونحوها. ويقال لما فوق الحمل من زيادةٍ علاوة. وعلاوة الريح وسفالها -تضم الفاء فيهما- والمعلى: هو القدح السابع. واستعير للحظ فقيل: له القدح المعلى. واعل: أمر من العلو، وغلب في الاستدعاء. ويقال: أمر من التعالي وهو الارتفاع. قيل: أصله أن يدعى الإنسان إلى مكانٍ مرتفعٍ ثم جعل للدعاء من كل مكان. وقيل: أصله من العلو وهو ارتفاع المنزلة، فكأنه دعاه إلى ما فيه رفعة نحو قولهم: قم غير صاغرٍ. وهو تشريف للمقول له. ثم جعل لكل مدعو وإن لم يقصد تشريفه. والمشهور أن يعتد بما حذف منه وهو اللام، فتفتح لامه أمرًا للواحد المكر والمؤنث والمثنى والمجموع فيهما، فيقال: تعال، تعالوا، تعالي،

تعالين؛ قال تعالى: {يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمةٍ سواءٍ بيننا وبينكم} [آل عمران:64] {فتعالين أمتعكن} [الأحزاب:28]. ونقل فيه عدم الاعتداد بالحذف فيقال تعالى -بالكسر- وتعالوا- بالضم وأنشد: [من الطويل] 1084 - تعالي أقاسمك الهموم تعالي والشعر لبعض الحمدانيين فيستأنس به ولا يستشهد به. وعليته فتعلى. قوله تعالى: {وأنتم الأعلون} [آل عمران:139] أي المنصورون على أعدائكم بالحجة والظفر. علوت قرني، أي غلبته. قوله: {إن فرعون علا في الأرض} [القصص:4] هذا علو في الأرض تكبرًا منه وطغيانًا. ومثله: {ألا تعلوا علي} [النمل:31]. قوله: {ولتعلن علوًا كبيرًا} [الإسراء:4] أي لتطغون ولتعظمن. قوله تعالى: {تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علوًا في الأرض} [القصص:83] أي تكبرًا وطغيانًا. وأما الرفعة في الأمور الدنيوية من طلب مالٍ ورياسة عقلٍ فلا يسلم منها كالأنبياء ومن والاهم. قوله: {هذا صراط علي مستقيم} [الحج:41] قرئ {علي} أي مرتفع. ومعنى قراءة العامة أن طريق الخلق كلهم علي فلا يفوتني منهم أحد، اللهم بجاه كتابك القرآن ونبيك محمد صلى الله عليه وسلم اعصمنا منه ومن نزغاته. واعلم أن «علي» قال النجاة فيها: إنها تكون مترددة بين الفعلية والاسمية والحرفية؛ فتكون فعلًا ماضيًا متعديًا؛ تقول: علا زيد السطح، وأنشد: [من الطويل] 1085 - علا زيدنا يوم النقا رأس زيدكم ... بأبيض ماضي الشفرتين يماني وتكون حرفًا إذا جرت ما بعدها نحو: {وعلى الله فليتوكل المؤمنون} [آل عمران:160] وتكون اسمًا إا دخل عليها حرف جرٍ نحو من في قول الشاعر؛ هو مزاحم العقيلي: [من الطويل]

فصل العين والميم

1086 - غدت من عليه بعد ما تم ظمؤها ... تصل، وعن قيضٍ بزيزاء مجهل قالوا: لأن حرف الجر لا يدخل على مثله ويكون معناها جينئذ معنى فوق. فإذا قلت: غدت من عليه، أي من فوقه ومن جهة علوه. وقال بعضهم: تكون اسمًا إذا أدى جعلها حرفًا إلى تعدي فعل المضمر المتصل في غير باب ظن وفي لفظتي فقد وعدم وأنشد: [من المتقارب] 1087 - هون عليك فإن الأمور ... بكف الإله مقاديرها فليس بآتيك منهيها ... ولا قاصرٍ عنك مأمورها وفي هذه المسألة غموض أوضحناه في كتبنا الإعرابية فعليك بتحقيقها منها. وفي الحديث: «فإذا انقطع من عليها» أي من فوقها. وقال الهروي: معناه من عندها. ويقال: علج في على بإبدال الياء جيمًا وأنشد: [من الرجز] 1088 - خالي عويف وأبو علج ... يقلع بالود وبالصيصج المطعمان اللحم بالعشج ... وبالغداة كسر البرنج يريد: أبو علي وبالعشي والبرني والصيصي. وهذه لغة ثانية في قلب الياء جيما لا خصوصية لها بهذه الكلمة. فصل العين والميم ع م د: قوله تعالى: {رفع السماوات بغير عمدٍ ترونها} [الرعد:2] قيل: رفعها بقدرته من غير عمد البتة وقيل: لها عمد لكنها غير مرئيةٍ لكم، فإنها عمد القدرة، وهو كقوله تعالى: {لا يسألون الناس إلحافًا} [البقرة:273]. والعمد جمع عمودٍ. وقد قرئ

قوله تعالى: {في عمدٍ ممددةٍ} [الهمزة:9] بضمتين وفتحتين وكلاهما جمع عمودٍ. وقد صرح بأن عمدًا وعمدًا جمع عمود. قال الراغب: قيل: عمد جمع عامدٍ نحو خادمٍ وخدم، والعامد والعماد والعمود بمعنى واحد وهو ما يعمد به من خشبٍ ونحوه. وقال ابن عرفة: هو جمع عماد. قال: وليس في كلامهم فعال على فعل إلا عماد وعمد وإهاب وأهب. وقال الهروي: يقال: عماد وأعمدة وعمد، وهي التي ترفع بها البيوت. وقولهم: رفيع العماد، كناية عن ارتفاع شأنه؛ في قومه؛ إذ لا يرفع بيت إلا لمن كان مسودًا في قومه. ويقولون: هو رفيع العماد، كثير الرماد، طويل النجاد كناية عن رفعة بيته وطوله وكرمه ومنه حديث أم زرعٍ: «زوجي رفيع العماد». قوله: {إرم ذات العماد} [القمر:7] أي الأساطين. قال المبرد: أي ذات الطول والبناء الرفيع. قوله: {ومن يقتل مؤمنًا متعمدًا} [النساء:93] أي قاصدًا الفعل والشخص. والعمد في الأصل: قصد الشيء والاستناد إليه. والتعمد في العرف خلاف السهو. والعمدة: كل ما يعتمد عليه. والعميد: ما يعتمده الناس، وغلب على السيد الذي يعتمد عليه الناس. والعميد أيضًا: المقتول حبًا. وقيل: هو القلب الذي قتله الجوى والسقم. وأنشد: [من الطويل] 1089 - ولكنني من حبها لعميد ومنه: عمد أي توجع من حزنٍ وغضبٍ. وعمد البعير: توجع من عقرٍ أصابه بظهره. وفي حديث عمر رضي الله عنه: «يأتي [به] أحدهم على عمود بطنه» وقال

أبو عمر: هو ظهر من حيث إنه يمسك البطن ويقويه، فصار بمنزلته. وقيل: هو مثل في المشقة والتعب وإن لم يأت به على ظهره. وفي حديث عمر رضي الله عنه: «إن ناديته قالت: واعمراه! أقام الأولاد وشفى العمد» هو ورم يكون بظهر البعير، كنت بذلك عن حسن سياسته. ع م ر: قوله تعالى: {لعمرك إنهم لفي سكرتهم} [الحج:72] العمر: الحياة، والمعني أنه تعالى أقسم بحياة نبيه لعزته عليه. والعمر والعمر -فتحًا وضمًا- واحد غير أنه متى اتصل بلام الابتداء مقسمًا به وجب فتح عينه، وإلا جاز الأمران. وقال الهروي: فإذا استعمل في القسم فالفتح لا غير. ولا بد أن يكون مع اللام. ويقال: عمرك بنصب الجلالة وعمرك. على أن المعنى: أسأل الله عمرك؛ فهما مفعولان بذلك المقدر، وحذف زوائد المقدر. وقيل: المعنى عبادتك الله، أي اسأل الله يعمرك بعبادته. فيكون المصدر مضافًا لفاعله، والجلالة منصوبة بالمصدر. وقال عمر بن أبي ربيعة: [من الخفيف] 1090 - أيها المنكح الثريا سهيلًا ... عمرك الله كيف يلتقيان؟ وفي الحديث: «أنه بايع رجلًا من الأعراب فخيره بعد البيع فقال له الرجل: عمرك من أنت»، وفي رواية: «عمرك الله -بالتشديد- بيعًا». قال الأزهري: أراد: عمرك الله من بيعٍ. وقال أبو بكرٍ: هو حرف معناه القسم؛ يقول بالذي أسأله أن يعمرك والعمر والعمر -بالضم والفتح-: لحم ما بين الأسنان، والجمع عمور. ومنه الحديث: «أوصاني جبريل عليه السلام بالسواك حتى خشيت على عموري». والعمر أيضًا: الكم، ومنه الحديث: «لا بأس أن يصلي الرجل على عمريه» أي كميه. وفسر الفقهاء بأنهما طرفا الكمين. قوله تعالى: {وما يعمر من معمرٍ} [فاطر:11] أي يزيد في السن. قوله: {ولا ينقص من عمره} [فاطر:11] أي من عمر معمرٍ آخر. وهذا يسميه النحويون مما

يعود عليه الضمير لفظًا لا معنى. وينظرونه بقولهم: عندي درهم ونصفه، أي نصف درهمٍ آخر. وينشدون قول الشاعر: [من الطويل] 1091 - وكل أناس قاربوا قيد فحلهم ... ونحن خلعنا قيده سارب وأجاب بعضهم بأن معنى: عندي درهم، أي مقداره. وعلى هذا فالضمير عائد عليه لفظًا ومعنى، وفيه لنا مقال ليس هذا موضع تحريره. قوله: {وعمروها أكثر مما عمروها} [الروم:9] يريد تعالى ما بنوه من الأبنية العتيدة والأساطين الشديدة وشق الأنهار وغرس الأشجار كما دوخت الأرض ساسان والفرس فإنهم هم الذين عنوا بذلك. والعمارة: ضد الخراب. وأعمرت الرجل واستعمرته: فوضت إليه العمارة. والعمر: اسم لمدة عمارة البدن بالحياة. وفرق بعضهم بين العمر والبقاء؛ فقال: العمر دون البقاء، فإذا قيل: طال عمره فمعناه عمارة بدنه بروحه. وإذا قيل: بقاؤه فليس يقتضي ذلك؛ فإن البقاء ضد الفناء. ولفضل البقاء على العمر وصف تعالى به، وقلما وصف بالعمر. والتعمير: إعطاء العمر بالفعل أو بالقول على سبيل الدعاء. والعمرى في النحل أن يقال: أعمرتك هذه الدار، أي جعلتها لك مدة عمرك أو عمري كالرقبي. والعمارة أيضًا بمعنى الجماعة، وهي أخص من القبيلة، لأنها اسم الجماعة بها عمارة المكان. والعمار -بالفتح-: ما يضعه الرئيس على رأسه ظاهر لرئاسته من عمامةٍ ونحوها. والمعمر: المسكن ما دام عامرًا بسكانه، ثم سمي به الرجل، ومنه جميل بن معمرٍ. والعومرة: صخب يدل على عمارة المكان بأربابه. قوله: {وأتموا الحج والعمرة لله} [البقرة:196]؛ العمرة في الأصل: الزيارة. يقال: اعتمر فلان يعتمر: إذا زار. وهي في الشرع زيارة مخصوصة. وقيل: العمرة: الزيارة التي فيها عمارة الود. قوله: {إنما يعمر مساجد الله} [التوبة:18] قيل: يجوز أن يكون من العمارة ضد الخراب، فيكون عبارة عن حفظ بنيانه وجدره أو من العمرة التي هي الزيارة، أو من قولهم: عمرت بمكان كذا: أقمت به. يقال: عمرت مكان كذا وبمكان ذا: أقمت به. وأم عامرٍ: كنية الضبع تفاؤلًا أو تهكمًا. وأنشد: [من الطويل]

1092 - فلا تدفنوني إن دفني محرم ... عليكم، ولكن خامري أم عامر ويكنى عن الإفلاس بأبي عمرة. وفي حديث: «ما رأيت حربًا بين رجلين مثلهما قام كل واحد منهما إلى صاحبه عند شجرة عمرية يلوذ بها» قال أبو العميثل وأبو سعيدٍ: العمري: القديم، والعمري: الذي ينبت من السدر على الأنهار. ع م ق: قوله تعالى: {يأتين من كل فج عميقٍ} [الحج:27] أي بعيد. وأصل العمق: البعد سفلًا. يقال: بئر عميق: إذا كان بعيد القعر. ويقال: معيق إذا كان ... ، وهو مقلوب منه، لأن عميق أكثر من معيقٍ. ع م ل: قوله تعالى: {ولا تعلمون من عملٍ} [يونس:61]. العمل هنا أعم لأنه من أعمال الجوارح والقلب، ويدخل فيه الأقوال لأنها عمل اللسان وهو من جملة الجوارح. وقد وقع في التقابل الفرق بين الأقوال والأفعال فيقولون: سديد الأقوال والأفعال. وقال بعضهم: العمل كل فعلٍ من الحيوان يقصد فهو أخص من الفعل، لأن الفعل قد ينسب إلى الحيوانات التي يقع منها فعل بغير قصدٍ، وقد ينسب إلى الجمادات. والعمل قلما ينسب إلى ذلك، ولم يستعمل العمل في الحيوان إلا في قولهم البقر والإبل العوامل. والعمل يستعمل في الصالح والطالح؛ قال تعالى: {والذين آمنوا وعملوا الصالحات} [الفتح:29] وقال تعالى: {الذين يعملون السيئات} [العنكبوت:4] قوله: {واعملوا صالحًا} [المؤمنون:51] الظاهر أن صالحًا مفعول به. وقيل: نعت مصدر. قوله: {والعاملين عليها} [التوبة:60] أي المولون عليها، والعمالة: أجرته. والعامل من الرمح مما يلي السنان واليعمله: الناقة والجمل يعمل. قوله: {وجوه يومئذ خاشعة عاملة ناصبة} [الغاشية:2 - 3] قيل: عملت في الدنيا بغير ما يقرب إلى الله. وقيل:

إنهم الرهبان ومن جرى مجراهم. وقيل: {عاملة ناصبة} يعني شدة مقاساتها العذاب وقيل: العمل والنصب بمعنى. قال الهروي: والعمل: التعب والنصب. وقال القطامي: [من البسيط] 1093 - إن ترجعي من أبي عثمان منجحةً ... فقد يهون على المستنجح العمل أي النصب والتعب. قوله: {وما عملته أيديهم} [يس:35] أي صنعته، وما يجوز أن تكون نافيةً، أي لم تعمله أيدي الخلق إنما عملته أيدينا، أي قدرتنا، وقوله: {مما عملت أيدينا} [يس:71] هو كقوله: {وما عملته أيديهم}. وقيل: {أيدينا} أي نعمتنا قال: ودليل النعمة قوله تعالى: {أفلا يشكرون} [يس:35]. قلت: قال بعضهم: اليد بمعنى النعمة، تجمع على أيادٍ، وبمعنى الجارحة على أيدٍ، وهذا يرد هذا القول. قوله: {فاعمل إننا عاملون} [فصلت:5]. قيل: فاعمل بما تدعوا إليه فإنا عاملون بمذهبنا. وقيل: فاعمل في هلاكنا فإنا عاملون في هلاكك. وفي حديث الشعبي: «أتي بشرابٍ معمولٍ» قال المبرد: هو الذي فيه اللبن والعسل والثلج. وأعملت الناقة: سقتها. ومنه: إعمال المطايا. وفي حديث الإسراء: «فعملت بأذنيها» يعني البراق؛ أسرعت. ع م م: قوله تعالى: {وبنات عمك وبنات عماتك} [الأحزاب:50] العم يجمع على أعمامٍ وعمومةٍ، ويقال: رجل معم مخول، أي كريم الطرفين من جهة أبيه ومن جهة أمه. وأنشد لامرئ القيس: [من الطويل] 1094 - فأدبرن كالجزع المفصل بينه ... بجيد معم في العشيرة مخول أراد بالجيد الجمل. واستعممت فلانًا وتعممته، أي اتخذته عمًا، نحو استأبنته.

قيل: وأصل ذلك من العموم وهو الشمول، وذلك باعتبار الكثير. ويقال: عمهم كذا وعمهم بكذا عمًا وعمومًا، وسمي الجم الغفير عامةً (لكثرتهم وعمومهم في البلد. وباعتبار: الشمول سمي المشور عمامة؛ فقيل: تعمم نحو تقنع وتقمص وعممته. وكني بذلك عن السيادة. وشاة معممة: مبيضة الرأس كأن عليها عمامةً) نحو مقنعة ومخمرة. وأنشد: [من الرجز] 1095 - يا عامر بن مالك يا عما ... أفنيت عمًا وجبرت عما أي عماه سلبت قومًا وأعطيت قومًا. وفي الحديث: «وإنها لنخل عم» أي توام في طولها (والتفافها) الواحدة عميمة. وفي حديث الحوض: «وإنه من مقامي إلى عمان» عمان: موضع بالشام، وهو بفتح العين وتشديد الميم. ع م هـ: قوله تعالى: {ونذرهم في طغيانهم يعمهون} [الأنعام:110] أي يترددون في حيرتهم. ويقال: رجل عامه وعمه، وعمه أبلغ من عامه، والجمع عماه وعمه. وأنشد: ومعنى التحير في الطغيان أنهم ليسوا على بصيرةٍ مما هم عليه إن كانوا متوغلين فيه محسنين له. ع م ي: قوله تعالى: {وهو عليهم عمى} [فصلت:44] هو جمع أعمى نحو حمر في جمع أحمر، والمراد أعمى البصيرة لا البصر، فإنهم كانوا ثاقبي الأبصار. قوله: {إنهم كانوا قومًا عمين} [الأعراف:64] أي عمين عن الحق. والفرق بين الأعمى والعمي أن الأعمى يقال في عمى البصر والبصيرة، والعمى في عمى البصر خاصةً، ويذم بعمى

البصيرة دون عمى البصر. قال بعضهم: لم يعد الله تعالى افتقاد البصر في جنب افتقاد البصيرة عمى حين قال تعالى: {فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور} [الحج:46]. ويجمع الأعمى أيضًا على عميانٍ. قوله: {ومن كان في هذه أعمى فهو في الآخرة أعمى} [الإسراء:72] أي من كان ضالًا في الدنيا فهو أضل منه في الآخرة فكلاهما بمعنى. وقيل: اسم فاعلٍ لا يقصد به تفضيل، والثاني للتفضيل لأنه من فقدان البصيرة. ويجوز يناء أفعل منه بخلاف عمى البصر. قلت: ولأجل ذلك فرق أبو عمرو بينهما في الإمالة؛ فأمال الأول دون الثاني لأن الثاني أفعل للتفضيل، فمن معه مزادة، فوقعت ألفه كالحشو لافتقار أفعل إلى من افتقار المضاف إلى إليه، بخلاف الأول فإنه لغير تفضيلٍ. فألف طرف لفظًا وتقديرًا، وقد أتقنا ذلك في غير هذا من كتب الإعراب والقراءات. قوله: {ونحشره يوم القيامة أعمى} [طه:124] الآية، قيل: هو عمى البصر وإنه يعاقب بذلك. وقال الراغب: {وهو عليهم عمى} [كانوا قومًا عمين} {ونحشره يوم القيامة أعمى} [ونحشرهم يوم القيامة على وجوههم عميًا} [الإسراء:97] يحتمل لعمى البصر والبصيرة معًا. قلت: إن أراد مجموع المعنيين فقريب وإن أراد انفراد كل واحدٍ منهما، فيشكل إرادة عمى البصيرة إلا بتأويلٍ متعسفٍ، لأن المراد العقوبة ولا يرى أشد عذابًا ممن يعاقب بالعذاب وبفقد البصر. قوله: {فعميت عليكم} [هود:28] أي اشتبهت. وقرئ بالتخفيف مع فتح الفاء. نسب العمى إليها مبالغةً كما نسب الإبصار إلى آية «النهار» مبالغة»، وكذلك الناقة. وأما قوله: {فعميت عليهم الأنباء يوميذٍ} [القصص:66] فلم تثقل. والعماء بالمد: الجهالة، والسحاب أيضًا. وفي الحديث: «أين كان رينا قبل أن يخلق السماوات والأرض؟ فقال: في عماءٍ تحته عماء وفوقه عماء» قال بعضهم: إن ذلك إشارة إلى أن تلك حالة تجهل ولا يمكن الوقوف عليها.

قلت: تحير الباري محال، وإنما وقع السؤال ممن سأل لأنه لم تتقرر بعد عنده قواعد العقائد، وجوابه بقوله عليه السلام بذلك فيه إشعار بأن الله لا يحويه مكان لا قبل وجود السماء ولا بعد وجودها. ولا يعني أنه كان في سحابٍ تعالى عن ذلك. وقد روى الحديث كذا الراغب في مفرداته، ورواه الهروي في غريبه: «كان في عمايته تحته هواء وفوقه هواء». قال أبو عبيدٍ: العماء: السحاب في كلام العرب، ولا يدري كيف كان لك العماء. وحكي عن أبي الهيثم أنه قال: هو في عماء يتصور. وقال: هو كل أمر لا يعقله بنو آدم ولا يبلغ كنهه الوصف ولا تدركه الفطن. وقال بعضهم: معناه أين كان عرش ربنا؟ كقوله تعالى: {واسأل القرية} [يوسف:82]. وقال: ويدل على ذلك قوله: {وكان عرشه على الماء} [هود:7] وفي الحديث: «تعوذوا بالله من الأعميين»؛ الحريق والسيل. وفي الحديث: «من قتل تحت رايةٍ عميةٍ». قال بعضهم: هو الإصر الأعمى كالعصبية لا تستبين وجهه. وأما عما يعمو فمادة أخرى ومعناه الخضوع، وقد يراد به التحبر. وفي الحديث: «مثل المنافق مثل شاةٍ بين ربيضين تعمو إلى هذه مرةً وإلى هذه مرةً». وفي الحديث: «نهى عن الصلاة إذا قام قائم الظهيرة ضكة عني؛ قال أبو زيدٍ: هو أشد الهاجرة. قال: أبو شمر: شمر: كأنه تصغير أعمى؛ يقال: لقيته صكة عمي. قالوا: لا يقال ذلك إلا في حمارة القيظ. والأصل فيه أن الرجل إذا خرج نصف النهار لم يتهيأ له أن يملاً عينيه من عين الشمس فأرادوا أنه تصغير كالأعمى. قلت: وتحقيقه أن المنزل منزلة الأعمى يصك جبينه بوضع يده على جبينه لأجل ضوء الشمس، فانتصابها على المصدر، ثم وضعت موضع الظرف كقولهم: مقدم الحاج، وخفوق النجم.

فصل العين والنون

فصل العين والنون ع ن ب: قوله تعالى: {فأنبتنا فيها حبًا وعنبًا} [عبس:27 - 28]. العنب: معروف، وهو غير الكرم ويطلق على الكرم نفسه لقوله تعالى: {وجناتٍ من أعنابٍ} [الأنعام:99] والعنبة أيضًا بثرة تشبيهًا بالثمرة في الهيئة. وفي حديث الدجال: «كأنها عنبة طافية». ع ن ت: قوله تعالى: {ولو شاء الله لأعنتكم} [البقرة:220] أي لشق عليكم. قوله تعالى: {ذلك لمن خشي العنت منكم} [النساء:25] أي المشقة في ترك اللواط والوقوع في الزنا. وأصله من: عنت الدابة تعنت عنوتًا وعنتًا: إذا حدث في قوائمها كسر بعد جبرٍ لا يمكنها معه الجري، منه: أكمه عنوت: شاقة المصعد. ويقال: أعنت البيطار الدابةً: إذا فعل بها فعلًا يغمز فيه. قال ابن الأنباري: أصل العنت: التشديد. فإذا قالت العرب: فلان يتعنت فلانًا ويعنته، فأصله يشدد ويلزمه بما يصعب عليه أداؤه. ثم يقلب إلى معنى الهلاك. وقوله: {ذلك لمن خشي العنت} يريد الهلاك في الزنا، وأن يحمله الشبق على الفجور. ومثله: {لعنتم} [الحجرات:7] أي لهلكتم ووقعتم في العنت. وقوله تعالى: {ودوا ما عنتم} [آل عمران:118] أي تمنوا ما أعنتكم وأوقعكم في الهلكة. والتقدير: ودوا عنتكم. وفي الحديث: «فيعنتوا عليكم دينكم» أي يدخلون الضرر عليكم في دينكم. وقال بعضهم: المعانتة كالمعاندة، لكن المعانتة أبلغ لأنها معاندة فيها خوف وهلاك، ولهذا يقال: عنت فلان: إذا وقع في أمرٍ يخاف منه التلف، يعنت عنتًا، ويقال للعظم المجلور إذا أصابه ألم فهاضه.

ع ن د: قوله تعالى: {عند ربهم} [البقرة:62] هذا إشارة إلى رفعة رتبهم وليس ثم عندية حقيقة إذ الباري لا يتحيز، كما تقول: فلان عزيز عن الملك، وإن كان غائبًا عن حضرته. وعند: ظرف مكانٍ لا يتصرف بأكثر من جره بمن. ويقل فتح عبنه وضمها. وقال بعضهم: عند: لفظ موضوع للقرب؛ فتارةً يستعمل في المكان وتارةً في الاعتقاد، نحو: عندي كذا. وتارةً في الزلفى والمنزلة. قال تعالى: {وإنهم عندنا لمن المصطفين} [ص:47] {إن الذين عند ربك} [الأعراف:206]. ومن ثم قيل للملائكة: المقربون، لا يراد بذلك منزلةً مكانيةً. قوله: {وخاب كل جبارٍ عنيدٍ} [إبراهيم:15] أي حائدٍ عن القصد والسواء؛ يقال: رجل عنيد وعنود وعاند. وينبغي أن يكون عنيد وعنود أبلغ من عاندٍ. قال الليث: العنود من الإبل الذي لا يخالطها إنما هو في ناحيةٍ أبدًا؛ أراد من هم بالخلاف أو بمفارقة الجماعة. وفرق بعضهم بين الثلاثة بفرقٍ آخر فقال: العنيد: المعجب بما عنده، والمعاند: المباهي، والعنود: قيل: مثل العنيد. وقال: لكن بينهما فرق لأن العنيد الذي يعاند ويخالف. والعنود: الذي يعند عن القصد. ويقال: بعير عنيد ولا يقال عنود: والعند جمع عاند وجمع العنود عندة، وجمع العنيد عند، وقال بعضهم: هو العدول عن الطريق، لكن خص العنود بالعادل عن الطريق في المحسوسات، والعنيد بالعادل عن الطريق في الحكم. وعند عن الطريق: عدل عنه. ويقال: عاند: لازم، وعاند: فارق. قال الراغب: كلاهما من عند لكن باعتبارين مختلفين كقولهم: البين في الوصل والهجر باعتبارين مختلفين. ع ن ق: قوله تعالى: {فاضربوا فوق الأعناق} [الأنفال:12] الأعناق: جمع عنقٍ وهو الجارحة المعروفة. والمراد: اضربوا فوق رؤوسهم. وقيل: فوق مزيدة، ولا يحتاج إلى مثل ذلك لصحة المعنى بدون الحذف. ورجل أعنق وامرأة عنقاء، أي طويلة العنق.

والأعناق: الأشراف، وعليه قوله تعالى: {فظلت أعناقهم لها خاضعين} [الشعراء:4]. قوله تعالى: {وكل إنسانٍ ألزمناه طائره في عنقه} [الإسراء:13] أي قلدناه كسبه من خيرٍ وشر تقليد الإنسان بما لا انفكاك له منه نحو قولهم: ألزمته به طوق الحمامة، وطوقته به وجعلته في عنقه، تصويرًا للمعاني بصورة أجرامٍ تحتوي على أعزما في الإنسان وأمكنه مبالغة في ذلك. ويروى أن ذلك يكون حقيقة، وأن كل أحدٍ يكتب عمله في سجل يطوق به. وفي الحديث: «المؤذنون أطول الناس أعناقًا يوم القيامة» قال ابن الأعرابي: أكثر الناس أعمالًا. ومنه: لفلانٍ عنق من الخير. وقال بعضهم: هو على حقيقته، وذلك أن الناس في الكرب يوميذٍ وهم في الروح مشرئبون لأن يؤذن لهم في دخول الجنة. وقيل: إن ذلك كناية عن شرفهم وفضلهم، وذلك أن المستبشر بخيرٍ لا يطاطئ برأسه ولا يخفض رأسه ولا يغض طرفه بخلاف من هو في خشيةٍ، فإنه يطرق رأسه، فبشروا بأنهم بهذه الصفة. وقيل: ذلك يدل على كونهم رؤساء فضلاء من قولهم: عندي أعناق الناس كما تقدم في الآية الكريمة. ويقال: العرب تصف السادات والأكابر بطول العنق وأنشد: [من البسيط] 1096 - يشبهون سيوفًا في صرامتهم ... طوال أنصية الأعناق والأمم وروى بعضهم «إعناقًا» بكسر الهمزة على أنه مصدر من أعنق، مأخوذ من سير العنق وهو الإسراع. وفي الحديث: «كان يسير العنق». وفي حديث آخر: «لا يزال الرجل معنقًا ما لم يصب دمًا» أي منبسط في سيره. وفي حديث آخر: «أنه بعث رجلًا في سرية فانتحى له عامر بن الطفيل فقتله فلما بلغ النبي صلى الله عليه وسلم قال: أعنق ليموت». وهذا مثل مشهور تفسيره أن المنية أسرعت به وساقته إلى مصرعه. وقال أبو موسى: «فانطلقنا

إلى الناس معانيق» أي مسرعين. ويقال: أعنقته كذا أي جعلته في عنقه، وعنه استعير أعنق الأمر، وتعنق الأرنب: رفع عنقه. والعناق: الأنثى من المعز، وهو علم لامرأةٍ أيضًا. والعنقاء: طائر عجيب الخلق يتوهم العرب وجوده كالغول. وزعم بعضهم أنها كانت تختطف صبيان قوم نبي من الأنبياء يقال له حنظلة لن صفوان، وأنه دعا عليها فهلكت. ويقال: عنقاء مغربٍ. وعن الخليل: لم يبق من رسمها غير اسمها. وقال الكميت: [من الطويل] 1097 - محاسن من دينٍ ودنيا كأنها ... بها خلقت في الجو عنقاء مغرب وقال عنترة بن أحرش الطائي: [من الطويل] 1098 - لقد خلقت بالجو فتخاء كاسرٍ ... كفتخاء دمجٍ خلقت بالحزور وقال أبو نواس: [من الطويل] 1099 - وما خبزه إلا كعنقاء مغربٍ ... تصور في بسط الملوك وفي المثل وقال بعض الشعراء: [من البسيط] 1100 - الجود والغول والعنقا ثلاثتها ... أسماء أشياء لم تخلق ولم تكن وقد كذب في الجود فإنه موجود. ودمج: جبل تزعم العرب أنها كانت تأويه وأنها كانت أحسن الطير فيها من كل لونٍ، وأنها كانت تأكل الطير فأعوزها الطير يومًا، فاختطفت صبيًا وهو الحزور في شعر عنترة ثم حلقت بجاريةٍ فشكا أهل الرس ذلك لحنظلة فدعا عليها فهلكت. وقيل: بل النبي خالد بن سنانٍ في الفترة، وأنها كانت في زمن موسى إلى زمن خالد، وسميت مغربًا لأنها تغرب بكل من تأخذه. ع ن و: قوله تعالى: {وعنت الوجوه} [طه:111] أي خضعت مستأسرةً بعناء. ومنه:

فصل العين والهاء

وعنيته بكذا، أي أنصبته وأتعبته. عني: نصب واستأسر. ومنه قيل للأسير: عانٍ. وأنشد لامرئ القيس: [من الطويل] 1101 - فيا رب مكروبٍ كررت وراءه ... ... ... رعانٍ فككت الغل عنه فقداني وفي الحديث: «استوصوا بالنساء خيرًا فإنهن عوانٍ [عندكم]»، أي أسراء وعني بحاجته فهو معني. وعني بها أيضًا فهو عانٍ. ومنه فتحت البلدة عنوةً أي قهرًا وذلًا لأهلها. ع ن ي: قرئ: {لكل امرئٍ منهم يوميذٍ شأن يغنيه} [عبس:37] أي يشغله عن غيره. وفي الحديث: «من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه» والمعنى في الأصل اسم مصدرٍ كالمعتل، وهو في التعارف إظهار ما تضمنه اللفظ، من قولهم: عنت الأرض بالنبات، أي أنبتته حسنًا. وعنى عنت القربة: أظهرت ماءها. ومنه عنوان الكتاب في قول من يجعله من عني. وقد يطلق المعنى ويراد به التفسير، فيقال: معنى ذلك كيت وكيت، أي تفسيره. قال الراغب: وإن كان بينهما فرق، ولم يبينه. والفرق أن التفسير هو الكشف والإيضاح. ومنه قيل لماء الطبيب تفسيره حسبما نبينه إن شاء الله تعالى في باب الفاء. وقد يطلق المعنى على مدلول الألفاظ وبه يقابل اللفظ فيقال: معنى كذا وكذا. وقد يراد به التقدير كقولهم: {واسأل القرية} [يوسف:82] المعنى: أهل القرية: والعنية: شيء تطلى به الإبل الجرب؛ ومنه المثل المشهور: «عنية تشفي الجرب». فصل العين والهاء ع هـ د: قوله تعالى: {وأوفوا بعهدي أوف بعهدكم} [البقرة:40] العهد في الأصل:

حفظ الشيء ومراعاته حالًا بعد حالٍ، فسمي الموثق الذي يلزم مراعاته عهدً. وعهده تعالى تارةً يكون بما ركزه في عقول المكلفين وتارةً يكون بما أمرهم به في كنابه وعلى ألسنة رسله، وتارةً بما يلزمه المكلف نفسه وإن كان ليس بلازم له في أصل الشرع كالندور، والكل مطلوب فيها الوفاء بها. وعلى ذلك قوله تعالى: {وأوفوا بالعهد إن العهد كان مسؤولًا} [الإسراء:34] وقوله تعالى: {وأوفوا بعهدي} أي اعملوا بما أمرتكم به وانتهوا عما نهيتكم عنه أوف لكم بعهدكم بأن أجازيكم بالحسنى وزيادة كما وعدتكم. وقوله: {إن العهد كان مسؤولًا} يجوز أن يسأل فيقال: ما فعل صاحبك؟ هل وفى بك أم لا؟ ولا غرو في ذلك فإن القدرة صالحة أن تسأل فيها المعاني كما تسأل الأجسام الناطقة، وهو قريب من قوله تعالى: {وإذا الموءودة سئلت} [التكوير:8] توبيخًا بفاعل ذلك. وقيل: المعنى مسوؤلًا عنه عن متقلديه هل حفظوه أو لا؟ وقوله: {ومنهم من عاهد الله} [النوبة:75]. المفاعلة هنا باعتبار ما أمر الله خلقه، فهذا عهده إليهم، والنزامهم بذلك عهدهم إليه فتحققت المفاعلة. ومثله: {ومن أوفى بما عاهد عليه الله} [الفتح:10] ويجوز على بعدٍ أن يكون مثل عاقبت وطارقت النعل. قوله تعالى: {لا ينال عهدي الظالمين} [البقرة:124] أي لا يصيب عهدي من كان ظالمًا، أي أماني. وقيل: إن المراد بالعهد التولية والتمكين من عهد فلان إلى فلانٍ الخلافة. والمعنى: لا أولي ولاية شرعية من كان ظالمًا، يقوي متقويًا ويغلب متغلبًا، فلا عهد له شرعًا. وقال ابن عرفة: أي لا يكون الظالم إمامًا. قوله {ألم أعهد إليكم} [يس:60]. العهد هنا قيل: الوصية. ومثله: {ولقد عهدنا إلى آدم من قبل} [طه:115] فلا حاجة إلى إخراجه عن موضوعه مع صحته إذ المعنى: ألم آمركم بعدم عبادة الشيطان؟ وقد أوصلنا أمرنا إلى آدم؟ قوله: {فأتموا إليهم عهدهم إلى مدتهم} [التوبة:4] أي ميثاقهم وما هادنتموهم عليه. قوله: {والذين ينقضون عهد الله} [الرعد:25] قيل: العهد هنا: الضمان؛ يقال: عهد إلى فلان في كذا، أي ضمنته. وقيل: هذا في قوله تعالى؛ {وأوفوا بعهدي} أي بما ضمنتكم من طاعتي. {أوف بعهدكم} بما ضمنتم من الفوز بالجنة. يقال: أمرته بأمرٍ واستعهدته من آخر، أي ضمنته بألا يفعله. وأنشد للفرزدق. [من الطويل]

فصل العين والواو

1102 - وما استعهد الأقوام من زوج حرةً ... ... ... من الناس إلا منك أو من محارب قوله: {الذين يوفون بعهد الله} [الرعد:20] يجوز أن يكون مصدرًا مضافًا إلى الفاعل، أي بما عهد الله إليهم من امتثال طاعاته واجتناب نوااهيه، وأن يكون مضافًا للمفعول، أي بما ألزم من وفاء أوامر الله تعالى: وفي الحديث: «لا يقتل مسلم بكافرٍ ولا ذو عهدٍ في عهده» العهد هنا: الذمة، وقد غلب المعاهد على من دخل دار الإسلام بأمان التجارة ونحوها. وباعتبار الحفظ قيل للوثيقة بين المتعاهدين عهده. وقولهم: في هذا الأمر عهدة لما أمر به أن يستوثق منه، وباعتبار التفقد في أحواله قيل للمطر عهد وعهاد. ومنه: روضة معهودة، أي أصابها العهاد. وفي حديث أم زرعٍ: «إلا من اتخذ عند الرحمن عهدًا» [مريم:87] فسر بالتوحيد. ولا شك أنه من أوثق العهود. ع هـ ن: قوله تعالى: {كالعهن المنفوش} [القارعة:5] العهن: الصوف الملون، واحدته عهنة. وما أبلغ هذا التشبيه! وتخصيص العهن لما فيه من اللون بالذكر كتخصيص الوردة بالذكر في قوله: {فكانت وردة كالدهان} [الرحمن:37]. ومن كلام العرب: رمى على عواهنه. أي أورده من غير ورويةٍ. وفي الحديث: «ائتني بجريدةٍ واتق العواهن» قيل: العواهن: السفعات اللواتي تلي القلب [النخلة] على موتها. والعواهن أيضًا: عروق رحم الناقة. فصل العين والواو ع وج: قوله تعالى: {ولم يجعل له عوجًا، قيمًا} [الكهف:1 - 2]. العوج: العطف عن

حالة الانتصاب. يقال: عجت البعير بزمامه. وفلان ما يعوج عن شيءٍ يهم به، أي يرجع. وأنشد لجريرٍ: [من الوافر] 1103 - أهل أنتم عائجون بنا لأنا ... ... ... نرى العرصات أو أثر الخيام وقيل: عاج بمكان كذا، أي أقام به، ومنه هذا البيت. وفي حديث إسماعيل: «هل أنتم عائجون؟» قيل: معناه مقيمون. والعوج بالكسر في المعاني دون الجثث، نحو: {ويبغونها عوجا} [هود:19] يقال: في دينه وأمره عوج. وبالفتح في الجثث نحو: في هذا الحائط عوج، وعلى هذا فيحتاج إلى الجواب عن قوله تعالى: {لا ترى فيها عوجًا ولا أمتًا} [طه:107] وأجيب بأنه قصد بذلك المبالغة، فجعلت الأرض بمنزلة المعنى الذي لو تحرى فيها كل مهندسٍ بحذقه وسواها لظهر عند تحقق التسوية أن فيها بعض عوجٍ. فنفى ذلك القدر المتوهم عن الأرض يوم القيامة. وفي الحديث: «سوارًا من عاجٍ». قال القتيبي: هو الذبل وأنشد الهذلي؛ هو أبو خراشٍ يذكر امرأةً: [من الطويل] 1104 - فجاءت كخاصي العير لم تحل جاجة ... ... ... ولا عاجة منها تلوح على وشم هذا مثل. يقال: جاء فلان كخاصي الحمار، أي منكسرًا. والعاجة: الذبلة، والجاجة: خرزة تافهة لا تساوي فلسًا. وفي الحديث: «ثم عاج رأسه» أي لفتها. عجت الناقة: لويت رأسها وعطفتها بزمامها. «والأعوج يكنى به عن السيء الخلق. والأعوجية: خيل منسوبة إلى أعوج؛ فحلٍ مشهور». وهو مذكور في أشعارهم. ع ود: قوله تعالى: {ولو ردوا لعادوا} [الأنعام:28]. العود: الرجوع إلى الشيء بعد الانصراف عنه؛ إما انصرافًا بالذات أو بالقول والعزيمة. قوله تعالى: {ثم يعودون

لما قالوا} [المجادلة:3] اختلفوا في العود؛ فقيل: هو أن يمسك المظاهر زمنًا يمكنه أن يطلقها فيه، وعند أهل الظاهر أن يقول ذلك مرة ثانية. وقال أبو حنيفةٍ: العود في الظهار: أن يجامعها بعد أن ظاهر منها. قال بعض الناس. المظاهرة هي يمين نحو أن يقول: امرأته عليه كظهر أمه إن فعل كذا. فمتى فعل ذلك حنث ولزمته الكفارة بما بينه الله تعالى في هذا الكتاب. وقوله: {ثم يعودون لما قالوا} نحمله على فعل ما حلف له أن لا يفعل، وذلك كقولهم: حلف فلان ثم عاد إذا فعل. وقال الأخفش: قوله: {لما قالوا} يتعلق بقوله: {فتحرير رقبةٍ} [النساء:92]، وهذا يقوي القول الأخير. قال: ولزوم هذه الكفارة إذا حنث، كلزوم الكفارة المبينة في الحلف بالله تعالى: والحنث في قوله: {فكفارته إطعام عشرة مساكين} [المائدة:89]. قوله: {إن الذي فرض عليك القرآن لرادك إلى معادٍ} [القصص:85]. وقيل: هي مكة. وقيل: المعنى لباعثك. ومنه يقال: فلان يذكر المعاد، أي المبعث في الآخرة. قوله: {أو لتعودن في ملتتنا} [الأعراف:88] أي لتصيرن. وإنما يؤول بذلك لأن شعيبًا عليه السلام لم يكن قط على ملتهم حتى يعود إليها. والعرب تقول: عاد على من فلان مكروه، يريدون صار منه إلى ووصل. وقيل: هو على حذف مضافٍ أي: أو لتعودن أصحاب شعيبٍ. وقيل: المخاطب قومه. وفي الحديث: «وددت أن هذا اللبن يعود قطرانًا». وأنشد النحويون على كونها بمعنى صار قول الشاعر: [من الطويل] 1105 وربيته حتى إذا ما تركته ... ... أخا القوم واستعفى عن المسح شاربه وبالمحض حتى عاد جورًا عنطنطًا ... ... إذا قام ساوى غارب الفحل غاربه قوله: {إنه هو يبديء ويعيد} [البروج:13] أي يخترع من غير مثالٍ ثم يعيد ذلك الضي بدأه من غير إخلالٍ. وإنما قال: {ويعيد} بعد قوله: {يبدئ} وإن كان الإعادة أسهل منبهةً أنه قد يعدل الصانع عن صنعته الأولى فلا يعيد المصنوع على هيئته الأولى. وفي الحديث: «إن الله يحب الرجل القوي المبدئ المعيد على الفرس»

المبدئ المعيد قال أبو عبيدٍ: هو الذي أبدأ في غزوةٍ وأعاد، أي غزا مرةً بعد مرةٍ، وجرب الأمور فأعاد فيها. قال: فالفرس المبدئ المعيد: هو الذي ريض وأدب، والفارس يصرفه كيف شاء. وقيل: هو الذي غزا عليه مرة بعد أخرى. والعود: البعير الذي يعاود السفر عليه. ومنه قول امرئ القيس: 1106 - على لاحب لا يهتدي بمناره ... ... ... إذا سافه العود النباطي جرجرا وما أحسن قول الآخر: [من المنسرح] 1107 - كل بناتٍ المخاض راتعة ... ... ... والعود في رحله وفي قتبه ولا يبالي بضنك مضجعه ... ... ... من راحة العالمين في تعبه ويقال: ناقة عودة وعودتان وعودة نحو هر وهررةٍ. والعادة: اسم لتكرير الفعل أو الانفعال حتى يسهل تعاطيه فيصير كالطبع. ومن ثم قيل: العادة طبع خامس، والعادة طبيعة ثانية. والعيد ما يعاود مرةً بعد اخرى، ومنه قوله تعالى: {تكون لنا عيدًا} [المائدة:114] أي وقت سرور. وأصله من ذوات الواو، تصغيره عييد، وجمعه أعياد، وكان قياسه عويد وأعواد لزوالٍ الموجب للقلب. وإنما أبقوه على حاله فرقًا بينه وبين عود الحطب تصغيرًا وتكسيرًا. وخص العيد في شريعتنا بيوم فطرنا ويوم نحرنا. قيل: ولما كان يوم العيد في شريعتنا وقت سرورٍ، كما نبه عليه الصلاة والسلام عليه بقوله: «أيام أكلٍ وشرب و [بعال]»، صار ذلك اسمًا لكل وقتٍ فيه مسرة. والعيد أيضًا: كل حالةٍ تعاود الإنسان. والعائدة: تطلق على كل نفعٍ يرجع إلى الإنسان منه شيء. وقوله تعالى: {لرادك إلى معادٍ} [القصص:85] وقد تقدم أنه مكة. أو المعاد قال الراغب: والصحيح ما أشار إليه أمير المؤمنين وذكره عن ابن عباس رضي الله عنهما؛ إنه ذلك [إشارة إلى] الجنة التي خلقه فيها بالقوة في ظهر آدم صلوات الله وسلامه عليه وأظهره من حيث قال:

{وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم} [الأعراف:172] والعود: البعير المسن كما تقدم سمي بذلك إما بمعاودته السير فيكون في معنى الفاعل، وإما بمعاودة السنين إياه وعود سنةٍ عليه بعد أخرى فيكون بمعنى المفعول وعلى كلا التقديرين فهو في الأصل مصدر وضع موضع الفاعل أو المفعول. والعود أيضًا: الطريق القديم الذي يعود السفر إليه مرةً بعد أخرى. فهو موضوع موضع المفعول. ويقال: عدت المريض أعود عيادًا أو عيادةً. قال الشاعر: [من الكامل] 1108 - ويمرض كلبكم فأعود وبهذا سمي عائد الكلب، وهو من الألقاب المشهورة. والعيدية: إبل منسوبة إلى فحلٍ يقال له العيد. والعود من الخشب، سمي بذلك لأنه في الأصل مأخوذ من شجرٍ إذا قطع أخلف غيره، وغلب على آلة اللهو وعلى الطيب المعروف الذي يتبخر به. وتصغيره عويد، وجمعه أعواد. والعودان: منبر النبي صلى الله عليه وسلم وعصاه. ع وذ: قوله: {فاستعذ بالله} [الأعراف:200] أي التجئ إليه ولذ بجنابه القوي. وحقيقته: اسأل العوذ، وهو الالتحاق والتعلق بالشيء ثقة به. يقال: عاذ بكذا يعوذ عوذًا وعياذًا ومعاذًا. وقول الشاعر: [من البسيط] 1109 - ألحق عذابك بالقوم الذين طغوا ... ... ... وعائدًا بك أن يغلوا فيطغوني عائدًا هنا اسم فاعلٍ ووقع موقع المصدر، أي وعياذًا بك من أن يغلوا، كما قام المصدر مقام اسم الفاغل في نحو: رجل عدل، في أحد الأقوال. قوله تعالى: {معاذ الله

أن نأخذ} [يوسف:79] أي نلتجئ إليه ونستعين به أن نفعل ذلك فإنه سوء يتحاشى منه غيرنا فكيف بنا ونحن أبناء نبي الله؟ والمعاذ أيضًا ما يعاذ به. ومنه الحديث: «لقد عذت بمعاذٍ» والله تعالى معاذ من عاذ به أي تمسك به وامتنع. والمعوذتان السورتان المشهورتان آخر القرآن لتصدرهما بالعوذ. وفي الحديث: «كان يعوذ نفسه بالمعوذتين». وفي الحديث: «ومعهم العوذ المطافيل» قيل: العوذ جمع عائذٍ، وهي في الأصل الناقة التي تضع، وبعد وضعها تقعد أيامًا حتى يقوى ولدها. والمطافيل: جمع مطفلٍ وهي الناقة معها فصيلها. والمراد بذلك في الحديث النساء والصبيان. والعوذ بالضم: ما يعاذ به من الشر، ومنه قيل للتميمة والرقية عوذة وعوذة. وكل أنثى وضعت فهي عائذ إلى سبعة أيام. وقوله: {فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله} [النحل:98] ظاهره تأخر الاستعاذة عن القراءة. وتأويله: فإذا أردت. وقد حققنا هذا في «الدر المصون» وفي «القول الوجيز» ع ور: قوله تعالى: {إن بيوتنا عورة} [الأحزاب:13] أي معورة، أي غير حصينةٍ؛ ممكنة للسراق. وأصل العورة سوءة كنايةً عن فرجه ودبره، وهي من العار، وذلك لما يلحق في ظهورها من العار، وهي المذمومة. ومن ثم سميت النساء عورة. والعوراء: الكلمة القبيحة والفعلة السيئة. وقال حاتم الطائي: [من الطويل] 1110 - وأغفر عوراء الكرام ادخاره ... ... ... وأعرض عن شتم اللئيم تكرما

وعورت عينه عورًا، وعارت عينه عورًا. قال الشاعر: [من البسيط] 1111 - لولا الحياء وباقي الدين عبتكما ... ... * ... ببعض ما فيكما إذ عبتما عوري وعورت عينه بالتشديد وعورت البئر. وقيل للغراب أعور لحدة نظره، قيل: وهو من العكس للتهكم، وإليه نحا الشاعر بقوله: [من الخفيف] 1112 - وصحاح العيون يدعون عورا والعوار والعورة: سوء في الثوب والبيت ونحوهما، ومنه {إن بيوتنا عورة} أي متخرقة ممكنة ممن أرادها. وفلان يحفظ عورته. أي يسد خلل نفسه وأهله. قال الشاعر: [من المنسرح] 1113 - والحافظو عورة العشيرة لا ... ... ... يأتيهم من ورائهم وكف والمعاورة: التداول؛ يقال: تعاورنا كذا، أي تداولناه بيننا. وتقول النحاة: الإعراب: يعتور على الكلمة، أي يختلف. وقيل: المعاورة في معنى الاستعارة. والعارية قيل هي من المعاورة لانتقال العين المعارة من واحدٍ إلى آخر. وأصلها عورية فقبلت الواو، وتخفيف يائها خطأ. ومنه: تعاورنا العواري. وقيل: هو من العار، لأن دفعها يورث المذمة والعار، كما قيل في المثل: «إنه قيل للعارية: أين تذهبين؟ فقالت: أجلب إلى أهلي مذمةً وعارًا» قال الراغب: وهذا لا يصح من حيث الاشتقاق فإن العارية من الواو لقولهم: تعاورنا. والعار من الياء لقولهم: عيرته بكذا. قوله: {ثلاث عوراتٍ لكم} [النور:58] أي نصف النهار وآخره وبعد العشاء الآخرة. وقيل لها عوراتٍ لأن الناس يلقون ثيابهم في هذه الساعات لكونها مظنة الوحدة.

قوله: {الذين لم يظهروا على عورات النساء} [النور:31] أي الذين لا يصفون النساء لعدم بلوغهم مبلغ الرجال. وسهم عائر لا تدري من أين جاء، وفرس عائر كذلك. ولفلانٍ عائرة عينٍ من الماء، أي ما يعور العين ويحيرها لكثرته. ع وق: قوله تعالى: {قد يعلم الله المعوقين منكم} [الأحزاب:18] يعني المثبطين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. يقال: عقته أعوقه عوقًا، أي صرفته. والعائق: الصارف عما يراد من خيرٍ. ومنه: عوائق الدهر. ورجل عوق وعوقة: يعوق الناس عن الخير. {ويعوق} [نوح:23] اسم صنم، ويقال: عاقه وعقاه، بالقلب. قوله تعالى: {ذلك أدنى ألا تعولوا} [النساء:3] أي ألا تجوروا. والعول: الجور والشطط، ومنه قول أعرابي لحاكمٍ حكم عليه: أنت تعول علي، أي تميل. ومنه عالت الميزان. والعول أيضًا: الزيادة، ومنه: العول في الفرائض لأنها زيادة في أنصباء المفروض لهم. وقيل: العول: تحمل المؤن والبقل، ومعنى الآية على هذا: ألا تمونوهن. ومنه قوله عليه السلام: «وابدأ بمن تعول» وقد فسر الشافعي الآية بأن معناه: ألا يكثر عيالكم. وقد اعترض عليه بعض الناس رادًا عليه بأن هذه من الواو، والعيلة من الياء. وهذا غلط ممن اعترض به؛ فإن الشافعي أراد السبب الذي هو العيال فإن به يحصل العول وقد بينا هذا، وأيضًا فقد قال الكسائي: يقال: عال الرجل يعول: إذا كثر عياله، فهذا خير من أئمة الدين، قد فسر بما يوافق معناها لفظها بدليل ما حكاه هذا الإمام. إلا أن الهروي قال: واللغة الجيدة أعال، وعاله يعوله أيضًا: غلبه؛ ومنه الحديث: «فلما عيل صبره» أي غلب. ومن أمثالهم: «عيل ما هو عائله» أي غلب ما هو

غالبه. وقال بعضهم: عاله وغاله متقاربان، لكن الغول فيما يهلك، والعول فيما يثقل. وفي المثل: «ما عالك فهو عائل لي» أي ما أثقلك أثقلني. والعول: ترك النصفة بأخذ الزيادة. والعويل: البكاء؛ قال الشاعر: [من الوافر] 1114 - بكت عيني وحق لها بكاها ... وما يغني البكاء ولا العويل والتعويل: الاعتماد على الغير فيما يثقل من العول، وهو ما يثقل من المصيبة. ومنه قولهم: ويله وعوله. وعاله: تحمل مؤنة ثقله. وفي الحديث: «ابدأ بنفسك ثم بمن تعول». ع وم: قوله تعالى: {ثم يأتي من بعد ذلك عام} [يوسف:49] العام: اثنا عشر شهرًا كالسنة، إلا أن العام إذا أطلق غلب في الخصب والسنة في الجدب. قوله: {فلبث فيهم ألف سنةٍ إلا خمسين عامًا} [العنكبوت:14] في كون المستثنى منه بلفظ السنة والمستثنى بلفظ العام لطيفة حسنة وهو أن هذه الخمسين بقاؤه بعد هلاك قومه، فهي أعوام خيرٍ حيث هلك الكفرة المتمردة. وبسطه في غير هذا. ع ر ن: قوله تعالى: {لا فارض ولا بكر عوان بين ذلك} [البقرة:68]. العوان: النصف من السنين؛ يقال: امرأة عوان أي نصف، والجمع عون. وأنشد: [من الوافر] 1115 - نواعم بين أبكارٍ وعون وإلى معنى التوسط بين السنين أشار الشاعر بقوله: [من البسيط] 1116 - وإن أتوك وقالوا: إنها نصف ... فإن أطيب نصفيها الذي ذهبا

فصل العين والياء

ومن هذا استعير للحرب التي تكررت فقيل: الحرب العوان. وقيل للنخلة القديمة: عوانة. والعانة: قطيع حمر الوحش، والجمع عون وعانات. والعانة أيضًا من الآدمي: الشعر النابت على فرجه. والعون والمعاونة: المظاهرة. ومنه قوله تعالى: {وإياك تستعين} [الفاتحة:5] أي نطلب عونك. وأعانه يعينه إعانة. قال تعالى: {فأعينوني بقوةٍ} [الكهف:95] أي ساعدوني. وفي الحديث: «والله في عون العبد ما دام العبد في عون اخيه». فصل العين والياء ع ي ب: قوله تعالى: {فأردت أن أعيبها} [الكهف:79] أي أجعل فيها عيبًا. والعيب والعاب: ما يصير به الشيء عيبةً، أي مقرأ للنقص. وعبته: جعلته معيبًا إما بالفعل كقوله: {أن أعيبها}، وإما بالقول وذلك إذا ذممته. والعيبة: ما يستر فيه الشيء، ومنه قوله صلى الله عليه وسلم: «الأنصار كرشي وعيبتي» أي موضع سري. وفي حديث آخر: «أن بيننا وبينهم عيبةً مكفوفةً» روي عن الأعرابي في تفسيره: إن بيننا صدرًا نقيًا من الغل والدغل. والعرب تكني عن الصدر بالعياب على الاستعارة؛ فإن العيبة وعاء المتاع كالصدور فإنها وعاء الضمائر. ومنه قول الشاعر: [من الطويل] 1117 - وكادت عياب الود منا ومنكم ... وإن قيل: أبناء العمومة تصفر أراد الصدر. وقيل: أراد أن بيننا وبينهم موادة ومكافةً تجري مجرى المودة بين المتحابين.

ع ي ر: قوله تعالى: {أيتها العير} [يوسف:7] قيل: هم أصحاب الإبل والإبل الحاملة للميرة، فهواسم للمجموع. وقد يطلق على كلً واحدٍ منهما على انفراده. ونسبة السرقة إنما تصح للناس فقط. وقيل: العير: الإبل والحمير التي تحمل عليها الأحمال، وأراد أصحاب العير كقوله عليه الصلاة والسلام: «يا خيل الله اركبي» والعير لفظ مشترك بين ما ذكرنا وبين الحمار الوحشي وبين الناشز على ظهر القدم وبين إنسان العين وبين العظم الذي تحت غضروف الأذن وبين ما يعلو الماء من الغثاء وبين الوتد وبين حرف النصل. وأراد بعضهم أن يجعل بين الجميع قدرًا مشتركًا فيكون متواطئًا قال الراغب. ومناسبة بعضها لبعضٍ فيها تعسف. والعيار: تقدير المكيال والميزان، ومنه عيرت الدنانير، أي جعلت لها عيارًا. وعيرته: ذممته، من العار. وتعاير بنوفلانٍ: تذاكروا العار. وتعاطوا العيارة، أي الحيلة، وأصله انفلات العير وانحلاله. ومنه العيار وهو المحتال. وعيرته بكذا، أي ذكرت له مذمة ما يخشاه. قال الشاعر: [من البسيط] 1118 - وعيرتني بنو ذبيان خشيته ... وهل علي بأن أخشاك من عار؟ وعارت الدابة تعير: انفلتت. وفي الحديث: «مثل المنافق مثل الشاة العائرة بين الغنمين» أي المترددة. وجمع العير عيران بفتح الياء وهو شاذ. قال امرؤ القيس: [من الطويل] 1119 - غشيت ديار الحي بالبكرات ... فعارمةٍ فبرقة العيرات وجمع العير أعيار. قال الشاعر: [من الطويل]

1120 - أفي السلم أعيارًا جفاءً وغلظةً ... وفي الحرب أمثال النساء العوارك وفي الحديث: «إذا توضأت فأمر الماء على عيار الأذنين». العيار: جمع عيرٍ وهو الناتئ المرتفع من الأذنين، وقد تقدم. ع ي س: قوله تعالى: {يا عيسى ابن مريم} [المائدة:110] عيسى صلى الله عليه وسلم ليس عربيًا، وقد جعله بعضهم عربيًا، وتكلم في اشتقاقه. قال الراغب: إذا جعل عربيًا أمكن أن يكون من قولهم: بعير أعيس وناقة عيساء، وجمعها عيس؛ وهي إبل بيض يعتري بياضها ظلمة. أو من العيس وهو ماء الفحل. يقال: عاسها يعيسها: إذا طرقها عيسًا، فهو عائس، والصحيح أنه معرب لا عربي كموسى. ع ي ش: قوله تعالى: {وجعلنا لكم فيها معايش} [الأعراف:10] هو جمع معيشة، وهو ما يعاش به من زرعٍ وضرعٍ وغيرهما. والمشهور معايش بالياء صريحةً لأنها أصل والميم زائدة. وقد خرج خارجة في همزها، وهذا كما شذوا فقالوا: مصائب ومنائر والأصل مصاوب ومناور حملًا للأصل على الزائد. ومعيشة قياس عند سيبويه إذ وزنها مفعلة بضم العين فقبلت الضمة كسرةً لتصح الياء، وشاذ عند الأخفش إذ الأصل عنده في مثله أن تقر الحركة ويغير لها الحرف، هذا إذا قلنا: (وزنها مفعلة بالكسر فلا شذوذ على المذهبين. وزعم الفراء أن عينها) مفتوحة في الأصل وليس بصوابٍ؛ إذ لو أن كذلك لقالوا معاشةً مثل مقامة، وهو في الأصل مصدر لعاش أي بقي حيًا. ومثلها المعاش والعيش والمعيش. قال تعالى: {وجعلنا النهار معاشًا} [النبأ:11] وقال آخر [من الرجز] 1121 - أشكو إليك شدة المعيش ... وجهد أعوامٍ برين ريشي

والعيشة بمعناها أيضًا قال تعالى: {في عيشةٍ راضيةٍ} [الحاقة:21] وهي في الأصل حالة المعايش. وعائشة: علم مشهور للتفاؤل نحو يعيش ويحيا. قال بعضهم: العيش: الحياة المختصة بالحيوان، وهو أخص من الحياة، لأن الحياة تقال في الحيوان وفي الباري تعالى وفي الملك، ومنه قوله عليه السلام: «لا عيش إلا عيش الآخرة» كان إذا رأى شيئًا من متاع الدنيا قاله تعليمًا لنا وتسلية لقلوبنا ع ي ل: قوله تعالى: {وإن خفتم عيلةً} [التوبة:28] أي فقرأ. يقال: عال يعيل عيلةً فهو عائل، أي افتقر، ومنه قوله تعالى: {ووجدك عائلًا فأغنى} [الضحى:8] أي أزال عنك فقر النفس، وجعل لك الغنى الأكبر المعني بقوله عليه الصلاة والسلام: «إنما الغني غنى النفس». وقيل: معناها: وجدك فقيرًا إلى رجمته وعفوه فأغناك بما غفر لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر، ولا غنى أفضل من ذلك. ويقال: ما عال من اقتصد، أي افتقر من سلك في نفقته القصد، كقوله: {لم يسرفوا ولم يقتروا} [الفرقان:67] الآية. وفي الحديث: «إن الله يبغض العائل المختال». والعالة: جمع عائلٍ نحو القادة جمع قائدٍ، ومنه الحديث: «خير من أن تتركهم عالة» أي فقراء. وفي الحديث: «وإن من القول عيلًا». قال صعصعة: هو عرضك حديثك وكلامك على من لا يريده وليس من شأنه. وقال أبو عبيدة عن أبي زيد: علت الضالة أعيلها عيلًا: إذا لم تدر أي وجهةٍ تبغيها، كأنه لم يهتد لمن يطلب كلامه فعرضه على من لا يريده. وقال أبو بكرٍ: عال الرجل في الأرض يعيل، أي ضرب فيها. وقال الأحمر: يقال: عالني الشيء يعيلني عيلًا ومعيلًا: إذا أعجزك.

ع ي ن: قوله تعالى: {والعين بالعين} [المائدة:45] العين: الجارحة وهي أشهر الألفاظ المشتركة، ولها معانٍ كثيرة منها الجارحة كما تقدم، ومنها عين الماء، وعين الميزان، وعين الذهب، وعين الشمس. والعين أيضًا: المرئية للقوم تسميةً للكل باسم الجزء المقصود. قوله تعالى: {واصنع الفلك بأعيننا} [هود:37] أي بحفظنا وكلاءتنا. ومثله: {ولتصنع على عيني} [طه:39] أي لتربى على حفظٍ مني لك ومراعاةٍ، فاستعير ذلك من حفظ العين، لأن الحراسة فيما يتعارفه الناس تكون بملاحظة النظر. والباري تعالى منزه عن الجوارح. ومن كلامهم: فلان بعيني، أي احفظه وأراعيه، فجاء القرآن على هذا الأسلوب. وحاول الراغب أن يجعل العين من باب المشترك في المعنى، وهو المتواطئ لا المشترك اللفظي فقال: وتستعار العين لمعانٍ هي موجودة في الجارحة بنظراتٍ مختلفةٍ. واستعير للثقب في المزادة تشبيهًا بها في الهيئة وفي سيلان الماء منها، واشتق منها: سقاء عين ومعين: إذا سال منها الماء. وقولهم: عين قربتك، أي صب فيها ما ينسد بسيلانه آثار خرزه. قال: وقيل للمتجسس: عين، تشبيهًا بها في نظرها، وذلك كما تسمى المرأة فرجًا والمركوب ظهرًا، فيقال: فلان يملك كذا كذا فرجًا وكذا كذا ظهرًا لما كان المقصود منهما العضوين. وقيل للذهب عين تشبيهًا في كونها أفضل الجوارح. ومن ثم قالوا لأفاضل القوم أعيان. ويقولون لبني أب أو أم أعيان. وقال بعضهم: العين إذا استعمل غي معنى ذات الشيء يقال لكل ماله عين كاستعمال الرقبة في المماليك وتسمية النساء بالفرج من حيث إنه المقصود منهمن. ويقال لمنبع عين تشبيهًا بها لما فيها من الماء. ومن عين الماء اشتق: ماء معين، وعنته: أصبته بعيني، نحو سفته: أصبته بسيفي، وذلك أنه يجعل تارةً من الجارحة المضروبة نحو: رأسته، وتارةً من الجارحة التي هي آلة الضرب فيجري مجرى سفته ورمحته. وعلى نحوه في المعنيين قولهم: يديت؛ فإنه يقال إذا أصبت يده وإذا أصبته بيدك. وعنت البئر: أثرت عينها.

قوله تعالى: {وحور عين} [الواقعة:22] جمع عيناء، وأصله في بقر الوحش فقولهم: رجل أعين وامرأة عيناء، أي حسنة العين. قوله: {فمن يأتيكم بماءٍ معينٍ} [الملك:30] قيل: هو مشتق من العين، أي ظاهر للعين. وقيل: معناه: جارٍ ظاهر. قال ثعلب: يقال: عان الماء يعين: إذا ظهر جاريًا، وأنشد لجريرً: [من الكامل] 1122 - إن الذين غدوا بلبك غادروا ... وشلا بعينك لا يزال معينا وأنشد للأخطل: [من الكامل] 1123 - حبسوا المطي على قديم عهدٍ ... طامٍ يعين وغائر مسدوم وقال الفراء: ميمه أصلية من الماعون وهو الزكاة، وسيأتي بيانه في باب الميم. قوله: {فأتوا به على أعين الناس} [الأنبياء:61] أي على مشهدٍ. ع ي ي: قوله تعالى: {ولم يعي} [الأحقاف:33] أصل الإعياء عجز يلحق البدن من المشي. والعي يلحق من تولي الأمر والكلام، ويقال: هو عيي بمنطقة، استعارة من ذلك. وعيي الأمر: ضاق به. وقال الشاعر: [مجزوء الكامل] 1124 - عيوا بأمرهم، كما ... عيت ببيضتها الحمامه وفي حديث أم زرعٍ: «زوجي عياياء» قيل: هو هنا العنين الذي تعييه مباضعة النساء. ويقال: العجز والعجيز والحريك والعياياء من الإبل: الذي لا يضرب ولا يلقح، وهو من الرجل كذلك. وقيل: رجل عياياء طباقاء، إذا عيي بالأمر والكلام، وداء عياء: لا دواء له.

باب الغين

باب الغين فصل الغين والباء ع ب ر: قوله تعالى: {إلا عجوزًا في الغبرين} [الشعراء:171]. قيل: الغابر من الأضداد؛ يقال: غبر: مضى وذهب. وغبر: بقى. وقيل: الغابر: الماكث بعد مضي من معه. فقوله: {إلا عجوزًا في الغابرين} يعني فيمن طالت أعمارهم. وقيل: فيمن بقي ولم يسر مع قوم لوطٍ. وقيل: فيمن بقي في العذاب. وفي الحديث: «أن اعتكف العشر الغوابر في رمضان» أي البواقي المتأخرة ومن مجيء غبر بمعنى مضي قول الأعشي: [من السريع] 1125 - عض بما أبقى المواسي له ... من أمه في الزمن الغابر أي غبر بمعنى بقي. قولهم: الغبرة: لبقية اللبن في الضرع. وجمعها أغبار. وغبر الحيض وغبر الليل: بقيتهما. ومنه في حديث عمرو بن االعاص: «ولا حملتني البغايا في غبرات المآلي» هو جمع غبرة. وقال أبو عبيدٍ: الغبرات: البقايا، الواحد غبرة وغبر جمع غابرٍ، فهو جمع الجمع. وهو تكلف لم تدع إليه ضرورة، أخبر أنه لم تتول تربيته الإماء، كذا فسره الهروي. وفسره غيره بأنه لم تحمله الزواني في بقية حيضهن. وأنشد لأبي كبيرٍ الهذلي: [من الكامل] 1126 - ومبرأ من كل غبر حيضة ... وفساد مرضعةٍ وداءٍ مغيل ومن ذلك الغبار: لما يبقى من التراب المثار، جاء على مثال الدخان والعباب ونحوهما من بقايا الأشياء. وغبر الغبار: ارتفع. قال بعضهم: يقال للماضي غابر تصورًا

لمضي الغبار عن الأرض، وقيل للباقي غابر تصورًا بتخلف الغبار وما كان على لونه. وعليه قوله تعالى: {عليها غبرة} [عبس:40] كما وصفها بالسواد في موضعٍ آخر. ويكنى بذلك عن تغير الوجه للغم والحزن؛ يقال: غبر يغبر غبرة، واغبر واغبار. وفي الحديث: («بفنائه أعنز درهن غبر») أي قليلة. وقيل ذلك للونها. والغبراء: الأرض، لما عليها من الغبار. وفي الحديث: «ما أظلت الخضراء ولا أقلت الغبراء ذا لهجةٍ أصدق من أبي ذر». وأنشد لطرفة بن العبد: [من الطويل] 1127 - رأيت بني غبراء لا ينكرونني ... ولا أهل هذاك الطرف الممدد وفي الحديث: «إياكم والغبيراء فإنها خمر الأعاجم» فسرها أبو عبيدٍ فقال: هي ضرب من الشراب تتخذه الحبشة من الذرة وهي السكركة. وبعضهم يتوهم أنها الحشيش المتعارف بين الحرافيش. وقال الراغب: الغبيراء نبت معروف وثمر معروف على هيئته ولونه. ويقولون: أخذته داهية الغبر، وهو من قولهم: غبر الشيء، أي وقع في الغبار، كأنها تغبر الإنسان. وقيل: هي من الغبر أي البقية. قال: والمعنى: داهية باقية لا تنقضي، أو من غبرة اللون؛ كقولهم: داهية زباء، أو من غبرة اللبن فكأنها الداهية التي إذا انقضت بقى لها أثر. أو من قولهم: عرق غبر، أي ينتقض مرةً بعد أخرى. وقد غبر العرق يعبر. غ ب ن: قوله تعالى: {ذلك يوم التغابن} [التغابن:9] هو. تفاعل من الغبن. وفي التفسير: أن الرجل يكسب مالًا عليه وزره، فيعاقب به يوم القيامة. ثم يرى غيره قد ورث ذلك المال عنه، فعمل فيه بالطاعة فيثاب عليه. فلا يرى أغبن منه حيث سعد غيره بما شقي هو به. وقال بعضهم: قيل ليوم القيامة يوم التغابن لظهور الغبن في المبايعة المشار إليها بقوله تعالى {ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضات الناس} [البقرة:207] وبقوله: {إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم} [التوبة:111] والمشار إليها بقوله

فصل الغين والثاء

تعالى: {إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنًا قليلًا} [آل عمران:77] فعلم أنهم قد غبنوا فيما تركوا من المبايعة وفيما تعاطوه من ذلك جميعًا. وقال بعضهم: معناه: أن الأشياء تبدو لهم بخلاف ما قدروها. قلت: وهو في معنى قوله تعالى: {وبدا لهم من الله ما لم يكونوا يحتبسون} [الزمر:47] وقال بعضهم: لأن فيه يغبن أهل الجنة أهل النار، وضرب الله الشري والبيع لذلك مثلًا، كما قال تعالى: {هل أدلكم على تجارةٍ تنجيكم من عذابٍ أليمٍ} [الصف:10] وقال تعالى: {فما ربحت تجارتهم} [البقرة:16]. وأصل الغبن: الإخفاء ومنه: الغبن بالفتح للموضع الذي يختفي فيه الشيء. وأنشد: [من البسيط] 1128 - لم أر مثل الفتيان في غبن الـ ... أيام ينسون ما عواقبها ومغابن الإنسان: ما تثنى من أعضائه كالفخذين والمرافق. ومنه قولهم في المرأة: طيبة المغابن. ثم جعل الغبن عبارةً عن تحسينك صاحبك في معاملةٍ بينك وبينه بضربٍ من الإخفاء. إلا أنهم فرقوا بين المعنيين في المال وفي الرأي فقالوا في المال والبيع: غبنه يغبنه غبنًا بالسكون في غبنٍ المصدر، وبالفتح في ماضيه، وبالكسر في مضارعه. وغبن فلان رأيه يغبنه غبنًا بفتحها في المصدر، وكسرها في الماضي، وفتحها في المضارع. وقيل: أصل الغبن: النقص؛ ومنه: غبن فلان ثوبه إذا ثنى طرفه فقصر بذلك من طوله ونقصه. وفي الحقيقة راجع إلى ما ذكرته من الستر والخفاء، لأن فيه ستر ذلك الطرف. والغبن بالفتح: ما يتساقط من أطراف الثوب الذي تقطع. فصل الغين والثاء غ ث و: قوله تعالى: {فجعله غثاء أحوى} [الأعلى:5] الغثاء: ما احتمله السيل من النبات بعد يبسه فألقاه على الجوانب. والأحوى: الشديد الخضرة، والمراد به هنا السواد. وعلى هذا لا يحتاج إلى أن يقال في الكلام تقديم وتأخير، والأصل: أحوى

فصل الغين والدال

غثاءً. وقيل: أصله: فجعله غثاءً بعد ما كان أحوى كما قرره الهروي لصحة المعنى بدونه. وصف تعالى المرعى بأنه بعد ما أخرجه من الأرض وتكامل نبئه جعله حطامًا تحتمله السيول الجارفة. وقيل: أحوى حال من المرعى. أي أخرج شديد الخضرة فجعله غثاءً. وقوله تعالى: {فجعلناهم غثاءً} [المؤمنون:41] أي أهلكناهم هلاكًا صاروا به كالغثاء في عدم الاعتداد به وتحطمه، كقوله تعالى: {فجعلهم كعصفٍ مأكولٍ} [الفيل:50] وهو أبلغ من هذا. وقيل: أصل الغثاء: ما يلقيه الماء والقدر من زبدهما، وما يتفرق من النبات فيحتمله السيل، ويضرب به المثل في قلة الاعتداد به. ويقال: غثا الوادي يغثو غثوًا، أي جاء بالغثاء، وغثا السيل المرتع، أي جمع بعضه إلى بعضٍ وأذهب حلاوته فجاء قاصرًا مرة ومتعديًا مرة أخرى. وأما غثت نفسه تغصي، أي خبثت فيجوز أن تكون من هذه المادة، وإنما قلبت الواو ياء لانكسار ما قبلها نحو رضي يرضى، وهو من ذوات الواو بدليل الرضوان. ويجوز أن يكون من ذات الياء. فصل الغين والدال غ د ر: قوله تعالى: {لا يغادر صغيرةً ولا كبيرةً} [الكهف: 49] أي لا يترك. والغدر: الترك، ومنه قولهم: غدر فلان عهد فلان، أي ترك حفظه ومراعاته. وقيل الغدر أصله الإخلال بالشيء وتركه. ومنه: الغدير للماء لأنه تركه السيل في مستنقع. وجمعه غدر وغدران كرغفٍ ورغفان. ومنه: الغدائر جمع غديرةٍ وهي الشعر الطويل، لأنه ترك. وأنشد لأمريء ألقيس: [من الطويل] 1129 - غدائره مستشزرات إلى العلا ... تضل المداري في مثني ومرسل وغدرت الشاة فهي غدرة، أي تخلفت وتركت أصحابها. والغدر بالفتح: الحجارة التي تترك الفرس والبعير يعثر. ومنه قولهم: ما أثبت غدر هذا الفرس! ثم جعل مثلًا لمن له

ثبات فقيل: ما أثبت غدره، وغدر أبلغ من غادرٍ. وهو مطرد في سب الذكور كعسفٍ. ومنه: الليلة المغدرة، أي الشديدة الظلمة، لأنها تغدر الناس في البيوت. أي تتركهم. يقال: غادره وأغدره بمعنى، منه الحديث: "من صلى العشاء في ليلةٍ مغدرةٍ". وقيل: سميت مغدرة لأنها تطرح الناس في الغدر لشدة ظلامها. غ د ق: قوله تعالى: {لأسقيناهم ماءً غدقًا} [الجن:16] أي واسعًا كثير القطر. وهو في الأصل مصدر؛ يقال: غدق غدقًا، ومكان غدق: كثير الندى. ويقال: أغدق يغدق إغداقًا. وفي الحديث: "اللهم اسقينا غيثًا غدقًا مغدقًا" قال أبو بكر الغدق: الكثير القطر. والمغدق مثله أكدبه. قلت: وليس كذلك، بل معنى "غدقًا": واسعًا كثيرًا، ومغدقًا، أي فاعلًا لذلك؛ إذ لا يلزم من كونه كثيرًا أن ينفع. وعيش غيداق: واسع، وبه سمي الرجل الجواد. وفي الحديث أيضًا: "فتلك عين غديقة" أي كثيرة الماء. غ د و: قوله تعالى: {بالغداة والعشي} [الأنعام:52]. الغداة والغدوة والغدو بمعنى، وهو من أول النهار إلى الزوال، والعشي من الزوال. وكذلك الرواح والآصال. قال تعالى: {غدوها شهر ورواحها شهر} [سبأ:12] وقوبل في التنزيل الغدو بالآصال والغداة بالعشي. وفي العرف أن الغداة لأول النهار إلى ارتفاع الضحى. وقد يطلق على مجرد الوقت؛ قال امرؤ القيس: [من الطويل]

فصل الغين والراء

1130 - كأني غداة البين يوم تحملوا ... لدى سمرات الحي ناقف حنظلِ لا يريد بذلك خصوصية زمان الغداة، لأنهم قد يتحملون في غير الغداة. وقد يقال: إن هذه واقعة خاصة وقعت الغداة المعهودة، وهذا هو الظاهر. والغد: اسم لليوم الذي يلي يومك. وقد يعبر به عن مطلق الزمن المستقبل، كما يعبر بأمسٍ عن مطلق الماضي، وباليوم عن الحال. ومنه قول زهيرٍ: [من الطويل] 1131 - وأعلم علم اليوم والأمس قبله ... ولكنني عن علم ما في غدٍ عم لم يرد بالأمس اليوم الذي قبل يومه فقط، ولا بالغد اليوم الذي بعد يومه فقط، لأن ما قبل أمس وما بعد الغد مثلهما في عدم علمه بما فيهما. فالمراد الماضي والحال والمستقبل. واستدل الجمهور من المتكلمين والنحاة إلى أن الأزمنة ثلاثة خلافًا لطائفة، فإنهم ينكرون الحال. وقد حققنا هذه المذاهب في غير هذا. ويقال: غدٍ بالنقص كدمٍ، وهو المشهور. وقد يقال: غدو بزنة دلوٍ، فردوا محذوفة وأنشدوا: [من الرجز] 1132 - لا تنزعاها وادلواها دلوا ... إن مع اليوم أخاه غدوا والغداء: ما يتناول من الطعام وقت الغدوة. قال تعالى: {آتنا غداءنا} [الكهف:62] ويقابله العشاء: وهو ما يتناول وقت العشاء. وفي الحديث: "نهى عن بيع الغدوي" فسره أبو عبيدٍ الهروي بأنه ما في بطون الحوامل. وزعم شمر أنه بالذال المعجمة. فصل الغين والراء غ ر ب: قوله تعالى: {وغرابيب سود} [فاطر: 27] أي شديدة السواد. قيل: وأصله سود غرابيب، فقدمت الصفة على موصوفها، وبه استدل الكوفيون على ذلك، وتأوله البصريون

على البدل. وله موضع قد أوضحناه فيه. والمفرد غربيب. يقال: أسود غربيب (وحالك حالك نحو: أحر قانٍ، واشتقاقه من الغراب لشدة سواده. يقال: هو أسود) من حلك الغراب. والغراب مأخوذ من الغربة. وأصل الغربة البعد. ومنه الغريب لبعده عن وطنه. وهي صعبة شاقة، ولذلك عاقب بها الشارع في الزني؛ غرب الحر عامًا والعبد نصفه. وما أحسن قوله: [من البسيط] 1133 - إن الغريب الطويل الذيل ممتهن ... فكيف حال غريب ماله قوت؟ فقيل: له: غراب لإبعاده في المذهب. ومنه قيل لكل متباعد غريب، ولكل قليل النظير في جنسه غريب. ومن ثم قيل للعلماء غرباء بالنسبة إلى قلة نظرائهم. وقيل للدلو غربًا لتصورٍ بعدها وذهابها في قعر البئر، وهي أخص من الدلو كالذنوب كما تقدم. وفي الحديث: "فاستحالت غربًا" أي دلوا عظيمًا، وهو مثل لكثرة ما فتح على يد عمر رضي الله عنه. "وأصابه سهم غربٍ" لا يدري من أين جاء؟ والمشهور سكون عينه. ونقل الهروي في الفتح (وقال: إن سماعه من الأزهري بالفتح) لا غير. ونقل عن أبي زيد أن قولهم: سهم غرب بالسكون إذا أتاه من حيث لا يدري. وسهم غرب بالفتح إذا رماه فأصاب غيره. وذكر الحسن عن ابن عباسٍ رضي الله عنهم فقال: "كان مثجأ يسيل غربًا" أي لا ينقطع عمله، وأصله من سيلان الدلو كما قدمته. قال الشاعر: [من الرجز] 1134 - ما لك لا تذكر أم عمرو ... إلا لعينك غروب تجري؟ الغروب هنا الدموع. قوله: {ولله المشرق والمغرب} [البقرة:115] هما مكانا شروقها وغروبها؛ يقال: غربت الشمس تغرب غربًا وغروبًا ومغربًا. وكان القياس فتح الغين لضمها في

المضارع، وتقدم ذلك محققًا. والغرب أيضًا لغربته بين جواهر الأرض، أي لخروجه عنها بالنفاسة. والغرب أيضًا حدة السنان واللسان، ومنه أحده لغربٍ سنانه ولسانه. وغرب السيف أيضًا حده. وسئل الحسن أيضًا عن قبلة الصائم فقال: "إني أخاف عليك غرب الشباب" أي حدته ومن ثم كرهها أصحابنا للشباب. وما أفصح هذه العبارة وأعذبها! غ ر ر: قوله تعالى: {فلا تغرنكم الحياة الدنيا} [لقمان:33]. الغرر والغرور مصدر أغره يغره: إذا أوهمه إعجباً بشيءٍ وأطعمه فيه. قال تعالى: {فدلاهما بغرورٍ} [الأعراف: 22] وذلك لتقدم قوله: {ما نهاكما ربكما} إلى قوله: {لمن الناصحين} [الأعراف: 20 - 21]. وقال في موضع أخر: {هل أدلك على شجرة الخلد وملك لا يبلي} [طه:120] ومن ثم نهى عن بيعٍ الغرر لما فيه من التدليس، وأصله من غررت فلانًا، أي أصبت غرته ونلت منه ما أريد. قال بعضهم: الغرة: غفلة في اليقظة. والغرار: غفلة من غفوةٍ. وأصل ذلك من الغرور. وهو الأثر الظاهر من الشيء. ومنه غرة الفرس. وغرار السيف: حده. وغر الثوب: كسر مطاويه، ومنه: اطوه على غره. ومنه: غره يغره غرورًا: كأنما طواه على غره. والغرة: الخيار، ومنه الحديث: "في الجنين غرة عبدًا أو أمة". والغرير: الخلق الحسن اعتبارًا بأنه يغر، ومنه المثل: "أدبر غريرة وأقبل هريرة". والأغر: الرجل الكريم المشهور بالكرم، مأخوذ من غرة الفرس لظهورها وشهرتها من بين سائر لونها. والجمع غرر. وفي الحديث: "أن أمتي يدعون يوم القيامة غرا محجلين". والغرر: لثلاث ليالٍ

من أول الشهر لكونها من الغرة. والغرار أيضًا: لبن قليل. وغارت الناقة: قل لبنها بعد أن ظن أنه لا يقل، فكأنها غرت صاحبها. وغرار: رجل مشهور. ومنه قول أبيه فيه: [من الطويل] 1135 - أرادت عرارًا بالهوان، ومن يرد ... عرارًا لعمري بالهوان فقد ظلم فإن عرارًا إن يكن غير واضحٍ ... فإني أحب الجون ذا المنكب العمم ومن ظريف ما يحكى أن بعض سرايا عبد الملك بن مروان غزوا قوومًا فأرسلوا رسولًا يخبر عبد الملك. فجعل لا يسأله عن شيءٍ إلا إجابة بأحسن جوابٍ. وسلى عبه فيه، وكان رجلًا أسود طويلًا، فأنشد عبد الملك: "فإن عرارًا إن يكن غير واضحٍ" البيت. فقال: يا أمير المؤمنين أتدري من القائل ومن المقول فيه ذلك؟ قال: لا. قال: هو أنا (يا أمير المؤمنين) والقائل أبي. فعجب عبد الملك من ذلك. قوله تعالى: {ولا يغرنكم بالله الغرور} [لقمان:33]. قال ابن عرفة: ما رأيت له ظاهرًا تحبه وفيه باطن تكرهه أو تجهله، وفي الحديث: "المؤمن غر كريم" أي ينخدع لانقياده ولينه، وضده الحب اللئيم، والأنثى غر أيضًا فيستوي فيه المذكر والمؤنث والجمع غرار. ومنه حديث ظبيان: "إن حمير ملكوا معاقل الأرض وقرارها وكهول الناس وغمارها ورؤوس الملوك وغراها" وغرار النوم: قلته، كغرار اللبن. ومنه قول الأوزاعي: "كأنوال لا يرون بغرار النوم بأسًا" أي قليلة لا ينقض الوضوء. وغرار الصلاة: نقصانها، وهو راجع لمعنى القلة. وفي الحديث: "إياكم ومشارة الناس فإنها تدفن الغرة وتطهر العرة" الغرة: الحسن. والعرة: القبح. وفي الحديث: "أن الله يقبل توبة العبد ما لم يغر غر" أي ما لم تبلغ روحه حلقومه، فتكون بمنزلة الشيء الذي

يتغرغر به، وذلك الشيء هو الغرور. وفي حديث عائشة وقد ذكرت أباها: "رد نشر الإسلام على طيه" أي رده على ما كان؛ من قولهم: اطو هذا الثوب على غرة وأخناثه وخناثه، أي على كسره وقد تقدم، وضرب ذلك مثلًا وهي فصاحة وبلاغة. والغرور بالضم مكاسر الجلد. وذكر الزهري قومًا أهلكهم الله فقال: "جعل عنبهم الأراك ودجاجهم الغر غر" هو دجاج الجيش، قيل: هو مصن لتغذيه بالعذرة. غ ر ض: الغرض: الهدف المقصود بالرمي، ثم جعل اسمًا لكل غاية يتحرى إدراكها، والجمع أغراض. ثم الغرض ضربان: ضرب يتشوق بعده شيء آخر كالرئاسة واليسار ونحوهما من الأغراض الدنيوية، وتام وهو الذي لا يتشوق بعده شيء أخر كالجنة. وأما الغرض بسكون الراء فهو ما يشد به الرحل على بطن الناقة. وهو الغرضة أيضًا، وموضع الشد المغرض. ومنه الحديث: "لا تشد الغرض إلا إلى ثلاثة مساجد". غ ر ف: قوله تعالى: {لهم غرف من فوقها غرف} [الزمر:20] هي البيوت المرتفعة، الواحدة غرفة. وقد قرئ: {وهم في الغرفات آمنون} و {في الغرفة} [سبأ:37] جمعًا وإفرادًا. وأصل الغرف الرفع للشيء والتناول له؛ يقال: غرقت الماء. قوله تعالى: {إلا من أغترف غرفة بيده} [البقرة: 249] قرئ بفتح الفاء على أنها المرة، وبالضم على أنها اسم لما يغترف كالمضغة والمضغة. وغرفت الطعام غرفًا، وغرفت عرف الفرس: جررته. وغرقت الشجرة: قطعت عروقها. والغرف: شجر معروف. وغرقت الإبل: تأذت بأكل الغرف. وفي الحديث: "نهى عن الغارقة"، قال الأزهري: هو أن تسوى

ناصيتها مقطوعة على وسط جبينها. قيل: والغارقة مصدر جاء على فاعله، نحو راعية الإبل. وقوله: {لا تسمع فيهل لاغيه} [الغاشية: 11] غ ر ق: قوله تعالى: {وأغرقنا آل فرعون} [الأنفال:54]. الإغراق: التغييب في الماء وشبهه، ثم استعير لكل متعد في شيء. قوله تعالى: {والنازعات غرقًا} [النازعات:1] قيل: هي الملائكة تنزع نفوس الكفرة من صدورهم إغراقًا، أي مبالغة من قولهم: أغرق الباري في القوس، أي بالغ قيل: والمصدر الإغراق. والغرق اسم المصدر. وفي الحديث: "يأتي على الناس زمان لا ينجو فيه إلا من دعا دعاء الغرق". قال أبو عدنان: الغرق الذي شارف الغرق. ولما أفاد: غرق فهو غريق. واستغرق فلان في كذا استعارة، كأن ذلك في الشيء المتفكر فيه أحاط بالمتفكر فيه إحاطة الماء بالغريق. غ ر م: قوله تعالى: {إنما لمغرمون} [الواقعة:66] أي خاسرون. والمعنى أنا قد أغرمنا ولم يحصل لنا من زرعنا ما أملنا. وأصله من الغرم وهو ما ينوب الإنسان في ماله من ضررٍ لغير جناية منه. قوله: {إن عذابها كان غرامًا} [الفرقان:65] أي هلاكًا. وأصل الغرام ما يصيب الإنسان من شدةٍ ومصيبةٍ. وقيل: هو من قولهم: فلان مغرم بالنساء، أي ملازمهن ملازمة الغريم. وعن الحسن: "كل غريمٍ مفارق غريمه إلا بالنار". وقيل: معناه مشغوف بإهلاكه. والغريم يطلق على له الدين تارة باعتبار ملازمته من عليه الدين، وعلى من عليه الدين أخرى باعتبار لزوم الدين له. وفي الحديث أيضا: "الزعيم غارم" أي ملزم نفسه ما ضمنه. والغرم: أداء شيءٍ لازمٍ، ومنه الحديث: "الرهن لمن رهنه، له غنمه وعليه غرمه" قيل: غنمه: نماؤه، وغرمه: أداء ما يفك به. فالمعنى أن عذابها كان ملازمًا لهم لا ينفك عنهم. قال ابن عرفة: الغرام عند العرب ما كان ملازمًا،

فصل الغين والزاي

ومنه: فلان مغرم بكذا، أي ملازم له مولع به. قوله تعالى: {فهم من مغرمٍ مثقلون} [الطور:40] أي من غرامةٍ. يقال: غرم يغرم غرمًا وغرامة ومغرمًا. غ ر ي: قوله تعالى: {لتغرينك بهم} [الأحزاب:60] أي لنسلطك عليهم تسليطًا بليغًا. يقال: غري بكذا أي لصق به ولهج. وأصل ذلك من الغراء. وهو ما يلصق به. فأغريت فلانًا بكذا نحو ألهجت به. قوله تعالى: {فأغرينا بينهم العداوة} [المائدة:14]؛ نصفنا العداوة بهم، قال أبو منصور: تأويله: أنهم صاروا فرقًا يكفر بعضهم بعضًا. ويقال: غريت بالشيء غري، أي لصقت به. فصل الغين والزاي غ ز ل: قوله تعالى: {ولا تكونوا كالتي نقضت غزلها} [النحل:92]. الغزل: القتل للقطن والكتان ونحوهما. وقد غزلت تغزل غزلًا، وغلب على صناعته النساء. وهذا مثل ضربه الله للناكث عهده بعد توثيقه بالالتزام والأيمان، من حيث إن فيه إبرامًا بعينها اسمها ربطة اتخذت مغزلًا قدر ذراعٍ وفلكه. فكانت تغزل هي وجواريها نهارهن، فإذا جاء الليل عمدت إلى غزلهن فنقضته حمقًا، فضربت مثلًا في الحمق. والغزال: ولد الظبية، والغزالة: قرص الشمس. وكني بالغزل والمغازلة عن مناقشة المرأة التي كأنها غزال. وغزل الكلب غزلًا: أدرك الغزال فلها عنه بعد إدراكه. غ ز و: قوله تعالى: {أو كانوا غزي} [آل عمران:156] هو جمع غازٍ، وقياسه غزاة كقضاةٍ، ولا يقاس عليه. والغزو: الخروج إلى محاربة العدو. وقد يغزو غزوًا فهو غازٍ

فصل الغين والسين

ومغزو. وأغزت المرأة فهي مغزية إذا غزا زوجها. ومنه قول عمر رضي الله عنه: "لا يزال أحدكم كاسرًا وسادة عند مغريةٍ". فصل الغين والسين غ س ق: قوله تعالى: {ومن شر غاسق إذا وقب} [الفلق:3] قيل: هو القمر وقت زحل. هو كناية عن خسوفه واسوداده. ومنه الحديث: "نظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى القمر قال: تعوذي بالله من شر غاسقٍ إذا وقب، فهذا غاسق إذا وقب" قال أبو بكر: إنما سمي رسول الله القمر غاسقًا لأنه إذا خسف أو أخذ في الغيبوبة أظلم. والغسوق: الإظلام. وحكي الفراء: غسق وأغسق نحو ظلم وأظلم، ودجا وأدجي، وعبس وأعبس. قوله تعالى: {أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل} [الإسراء:78] أي اشتداد ظلامه. وقيل: الفاسق: الليل المظلم يقال غسق الليل بغسق غسوقًا وغسقًا: إذا اشتد ظلامه فهو غاسق. ومنه قول الربيع بن خثعم لمؤذنه كل يوم غيمٍ "أغسق أغسق" أي أخر الأذان وقت المغرب ليدخل وقتها محققًا، أي ادخل في الغسوق نحو أظلم وأصبح أي دخل فيهما. ومعنى الاستعاذة من شر القمر أو الليل، أن الشرور تحدث فيهما، أي من شر الحوادث لكائنة فيهما. قوله: {حميم وغساق} [ص:57] قرئ مشدد العين ومخففها، وهما ما يسيل من صديد أهل النار وما يصهر من جلودهم، أعاذنا الله من ذلك بمنه وكرمه، من قولهم: غسقت عينه: إذا سالت بالدمع. وقيل: هو دموعهم التي تخرج من عيونهم لكثرة

فصل الغين والشين

بكائها يسقونها من الحميم، عن مجاهد. وقيل: المجفف البارد الذي يمزق برده، ومنه قولهم: الليل غاسق، لأنه أبرد من النهار. وفي حديث عمر: "حتى يغسق الليل على الظراب" قال ابن الأعرابي: أي ينصب على الجبال، من غسقت عينه، أي انصبت. غ س ل: قوله تعالى: {ولا طعام إلا من غسلينٍ} [الحاقة:36] هو فعلين من الغسل، وهو ما ينغسل من أبدان أهل النار وما يسيل من صديدهم، وهو غسالة أبدان الكفرة. والغسل والغسل مصدرًا غسل الشيء يغسله: إذا أسأل عليه الماء فأزال دونه. وقيل: الغسل بالفتح المصدر، وبالضم الاسم، وبالكسر ما يغتسل به، والمغتسل يكون مصدرًا لاغتسل ولزمانه ومكانه واسم مفعوله. وفي الحديث: " من غسل واغتسل" اختلف فيه فقيل: كناية عن الجماع قبل الصلاة، لأنه أغض للطرف. وقيل: أسبغ الطهور وأكمله ثم اغتسل للجمعة. وقال الأزهري: روي بالتخفيف من قولك: غسل الرجل امرأته، وغسلها: جامعها. وفحل غسله: كثير الطرق من غير إحبال. وقال أبو بكر: معنى غسل بالتشديد: اغتسل بعد الجماع، ثم اغتسل للجمعة، فكرر لهذا المعنى. فصل الغين والشين غ ش ي: قوله تعالى: {هل أتاك حديث الغاشية} [الغاشية:1] كناية عن القيامة لأنها تغشى الناس، أي تحيط بهم وتشملهم، فلا يفلت منها أحد منهم، والمعنى أنه يغشاهم هولها. ومثله: {أن تأتيهم غاشية من عذاب الله} [يوسف:107] والتغشية: الستر والتغطية. ويستعار ذلك لعمى البصيرة. ومنه قوله تعالى: {وعلى أبصارهم غشاوة} [البقرة:7] ليس المراد أنه أعمى أبصارهم بل المراد قلوبهم. ومثله: {وجعل على بصره

فصل الغين والصاد

غشاوة} [الجاثية:23]. وقرئ غشوة. وقد حققنا القراءتين في "الدر" و "العقد". وأنشد لامرئ ألقيس: [من الطويل] 1136 - غشيت ديار الحي بالبكرات أي أتيتها ووصلتها، فتجوز بالغشيان عن ذلك. قوله: {لهم من جهنم مهاد ومن فوقهم غواشٍ} [الأعراف:41] قيل: تهكم بهم في اللفظين: المهاد والغواشي؛ لأن كلًا منهما إنما يستعمل في الأمر المحمود. قوله: {واستغشوا ثيابهم} [نوح:7] أي تغطوا بها حتى لا يروا بأعينهم الداعي ولا يصغوا إلى كلامه. وقيل: هو كناية عن الفرار نحو: شمر ذيله، فيكون كقوله: {فلم يزدهم دعائي إلا فرارًا} [نوح:6]. ويكني به عن الجماع، ومنه قوله تعالى: {فلما تغشاها} [الأعراف:189] وذلك نحو تجللها. ويقرب منه: {هن لباس لكم وأنتم لباس لهن} [البقرة:187] وغاشية السرج: لما يغطى به. قوله تعالى: {كالذي يغشى عليه من الموت} [الأحزاب:19]. التغشية: ما يغطى العقل من الهم والألم ونحوهما. نعوذ بالله من ذلك. وغشيته سيفًا وسوطًا نحو قنعته، أي جعلته له بمنزلة الغاشية والقناع. فصل الغين والصاد غ ص ب: الغصب: أخذ مالٍ الغير والاستيلاء عليه قهرًا. قال تعالى: {يأخذ كل سفينةٍ غصبًا} [الكهف:79]. وتغصبت الشيء: أخذته وقبلته بكرهٍ. غ ص ص: قوله تعالى: {وطعامًا ذا غصةٍ} [المزمل:13]. الغصة: الشجا الذي يعترض في

فصل الغين والضاد

الحلق فيمنع من جريان الطعام والشراب والنفس. فصل الغين والضاد غ ض ب: قوله تعالى: {غير المغضوب عليهم} [الفاتحة:7] هم اليهود، والضالون: النصارى لقوله تعالى في حق اليهود: {وغضب عليه} [المائدة:60]، وفي حق النصارى: {قد ضلوا من قبل} [المائدة:77]. والغضب في الأصل: ثوران دم القلب إرادة الانتقام. ومنه قوله عليه السلام: "اتقوا الغضب فإنه جمرة توفد في قلب ابن آدم ألم تروا إلى انتفاخ أوداجه وحمرة عينيه". ومعنى إسناده للباري تعالى في قوله: {وغضب عليه}، {وباؤوا بغضب من الله} [آل عمران:112] أن المراد به الانتقام والعقاب فقط لتعاليه عما ذكر أولًا. وقيل: هو إرادة الانتقام. فعلى الأول يكون صفة فعلٍ. وعلى الثاني يكون صفة ذاتٍ، والمغضوب: الكثير الغضب، قال الشاعر: [من الخفيف] 1137 - كرب القلب من جواه يذوب ... حين قال الوشاة: هند غضوب وفلان غضبة: سريع الغضب. قال بعضهم: يقال: غضبت لفلانٍ: إذا كان حيًا، وغضبت به: إذا كان ميتًا. غ ض ض: قوله تعالى: {قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم} [النور:30] أي ينقصوها به وهو كناية عن قصور الطرف عما لا يحل النظر إليه. يقال: غض بصره ولسانه، أي قلل من فعلهما، وهو مد ورفع الصوت. وأصل الغض النقصان. وفي الحديث: "أن يغضوا من الثلث" أي ينقصوا منه. وغضت السقاء: نقصت ما فيه. ومنه: الفاكهة الغضة: هي الطرية لقلة مكثها. قوله تعالى: {واغضض من صوتك} [لقمان:19] أي اخفضه. وغضضت الشيء: نقصته؛ كرر مبالغة. ومنه: هذه ركية لا تغضض. ولما مات

فصل الغين والطاء

عبد الرحمن بن عوف قال عمرو بن العاص: "هنيئًا لك خرجت من الدنيا ببطنك لم تتغضغض منها بشيءٍ" أي لم تتلبس منها بشيءٍ ينقض أجرك. فصل الغين والطاء غ ط ش: قوله تعالى: {وأغطش ليلها} [النازعات:29] أي ظلمة وجعله شديد الظلمة. وأظلم يكون متعديًا ولازمًا. وأصل الإغطاش من قولهم: رجل أغطش: إذا كان في عينيه شبه عمشٍ. غ ط و: قوله تعالى: {فكشفنا عنك غطاءك} [ق:22] أي رفعنا الحجاب الدنيوي عنك في الآخرة فصار بصرك حديدًا ثابتًا. والغطاء: ما جعل فوق شيءٍ يحجبه ويستره، فهو كالغشاء معنى ووزنًا. يقال: يغطيه تغطية. وغطى عليه بالتخفيف؛ قال حسان رضي الله عنه وقد صاح بالليل بأصحابه فأقبلوا عليه فأنشدهم وقال: "إنما دعوتكم لتحفظوا عني ما أقول لئلا ينسى": [من الخفيف] 1138 - رب حلمٍ أضاعه عدم المال ... وجهلٍ غطى عليه النعيم ولقد صدق رضي الله عنه. فصل الغين والفاء غ ف ر: قوله تعالى: {ربنا اغفر لنا ذنوبنا} [آل عمران:147] أي استرها وامحها، وحقيقتها لا تعاقبنا مؤاخذة عليها. والغفر: الستر والتغطية، ومنه المغفرة لأنه يستر الرأس. وقيل: هو إلباس الشيء ما يصونه عن الدنس، ومنه قيل: اغفر ثوبك في الوعاء واصبغ ثوبك، فإنه أغفر للوسخ. والغفارة بمعنى المغفر. وأنشد للأعشى: [من مجزوء الكامل]

1139 - أو شطبةٍ جرداء تصبر ... بالمدجج ذي الغفارة ومنه حديث عمر رضي الله عنه: "أنه لما حصب المسجد قال له رجل: لم فعلت هذا؟ قال: لأنه أغفر للنخامة" أي أستر لها. والغفار أيضًا: خرقة يستر بها الخمار أن يمسه شيء من دهن الرأس، ورقعة يستر بها مجز الوتر. وهو أيضًا سحابة فوق سحابة. والغفيرة بمعنى الغفران، وهي أيضًا شعر الأذن. ويكون زئير الثوب. والغفير- بالسكون- شعر الأذن ونجم معروف. قال بعضهم: فمعنى مغفرة الله هو صونه للعبد أن يمسه العذاب. وقد يستعمل الغفران في التجاوز ظاهرًا دون التجاوز باطنًا. ومنه قوله تعالى: {قل للذين آمنوا يغفروا للذين لا يرجون أيام الله} [الجاثية:14]. قوله تعالى: {استغفروا ربكم} [هود:3] أي أطلبوا غفرانه قولًا وفعلًا. ولم يؤمروا يستغفروه بالمقال دون الأفعال كاستغفار الكذابين. والغفور: مثال مبالغةٍ ووصف الباري تعالى بكل من الغافر والغفور. والغفران مصدر كالكفران أو أسم مصدر كسحبان. قوله: {ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر} [الفتح:2] قال الهروي: أخبرنا الأزهري عن ألمنذري عن أبي حاتمٍ قال: المعنى ليغفرن الله. فلما حذف كسر اللازم وأعملها إعمال لام كي. وليس المعنى لكي يغفر لك الله، ولم يكن الفتح سببًا للغفران. وأنكره ثعلب وقال: المعنى ليجمع لك المغفرة وتمام النعمة بالفتح. فلما انضم إلى المغفرة شيء حادث واقع حسن فيه معنى كي. وقد تكلمنا على ذلك مشبعًا في غير هذا. غ ف ل: قوله تعالى: {ولا تحسبن الله غافلًا عما يعمل الظالمون} [إبراهيم:42]. الغفلة: سهو يعتري الإنسان من قلة التحفظ والتيقظ. قوله: {لقد كنت في غفلة من هذا} [ق:22] أي كنت في الدنيا تاركًا للنظر والاعتبار لما غطى على عينيك من حب الشهوات ومن شبيهه. وهذا خطاب للإنسان المتقدم. يقال: غفل يغفل غفلة فهو غافل. وأرض غفل: لا نبات بها. ورجل غفل: لم تحنكه التجارب. وإغفال الكتاب: تركه غير

فصل الغين واللام

معجم. قوله: {ولا تطع من أغفلنا قبله عن ذكرنا} [الكهف:28] أي صرفناه صرف الغافل، يعني أنه غير ملتفت إليه. وقيل: تركناه غير مكتوب فيه الإيمان، وقيل: جعلناه غافلًا عن الحقائق. وقيل: جعلناه غافلًا عن الحقائق. وقيل: وجدناه غافلًا، وفيه نظر لقوله: {عن ذكرنا}. قوله: {ودخل المدينة على حين غفلةٍ من أهلها} [القصص:15]. قيل: نصف النهار. والإغفال: الإبل لا سمات عليها والتي لا ألبان لها. وفي الحديث: "يا رسول الله إني رجل مغفل" أي صاحب إبلٍ إغفالٍ. وفي حديث بعضهم في الوضوء: "عليك بالمغفلة والمنشلة" المغفلة: المنفقة. والمنشلة: موضع الخاتم؛ يقول: يتوق في غسلهما. فصل الغين واللام غ ل ب: قوله تعالى: {والله غالب على أمره} [يوسف: 21] أي قوي قادر، أي غالب بالحق على أمر يوسف، والغلبة: القهر. قوله: {ألم، غلبت الروم في أدنى الأرض وهم من بعد غلبهم سيغلبون} [الروم: 1 - 3] أي بعد أن غلبهم غيرهم، فأضيف المصدر لمفعوله بدليل قوله أولًا: "غلبت" مبنيًا للمفعول. وقد قرئ: "غلبت" مبنيًا للفاعل فعلى هذا مضاف للفاعل. ويقال: غلبه يغلبه غلبًا وغلبة، نحو الجلب والجلبة وغلبًا وغلبة. قوله: {وحدائق غلبًا} [عبس:30] أي غلاظًا ممتلئة، وأصله من قولهم: رجل أغلب وامرأة غلباء، أي غليظة الرقبة، والجمع غلب. وغلب عليه كذا: استولى عليه، ومنه: {قال الذين غلبوا على أمرهم} [الكهف:21] يعني رؤساءهم المستولين

على أمورهم. غ ل ظ: قوله تعالى: {وأغلظ عليهم} [التوبة: 73] أي عاملهم بالغلظة والشدة عكس معاملتك للمؤمنين بما أمرناك به من قولنا: {واخفض جناحك للمؤمنين} [الحج:88]. وقوله: {وليجدوا فيكم غلظة} [التوبة:123] أي شدة وجلادة وصبرًا عند لقائهم. والغلظة والغلظة- بالكسر والضم- لغتان. قوله: {فاستغلظ} [الفتح:29] أي صار غليظًا. وقيل: معناه تهيأ لذلك. والغلظة ضد الرقة، وأصلهما أن يستعملا في الأعيان دون المعاني، وقد يستعملان فيهما مجازًا كالكبير والكثير. غ ل ف: قوله تعالى: {قلوبنا غلف} [البقرة:88] قيل: هو جمع غلاف، والأصل غلف- بضمتين- فخفف. ويدل له قراءة بعضهم إياه بضمتين، ومعناه على ذلك أن قلوبنا أوعية للعلم منبهة منهم على أننا لا نحتاج إلى التعلم منك فإن لنا غنية عنك، وهو كقوله: {فرحوا بما عندهم من العلم} [غافر:83] ويحكى أن جالينوس أو غيره من الفلاسفة لما قيل له: لو أتيت هذا الرجل- يعنون موسى عليه السلام- فتعلمت منه، فقال: نحن قوم مهذبون لا نحتاج إلى علمٍ. وقيل: هو جمع أغلف نحو سيفٍ وأسيفٍ، أي هي غلاف مغطاة به، كقوله تعالى: {وقالوا قلوبنا في أكنة} [فصلت:5]. وقيل: بل معناه أن قلوبنا أوعية للعلم، كما مر تفسيره. وقيل: معناه قلوبنا مغطاة ومستترة عن قبول الحق، وكل ذلك على سبيل التهكم لأنهم كانوا يعتقدون أنهم أعقل خلق الله وأهداهم. وغلام أغلف، أي أقلق لم يختتن، والغلفة والقلفة واحد. وغلفت لحيته بالحناء: خضبتها بها وجعلتها كالغلاف لها. وتغلقت نحو تخضبت. غ ل ق: قوله تعالى: {وغلقت الأبواب} [يوسف:23] أي أقفلتها، والتشديد للتكثير؛

لما ذكر الأبواب ناسب تضعيف الفعل، وقد يكون التضعيف لتكرير الفعل وإن كان المحل واحدًا نحو: غلقت: إذا غلقته مرارًا. وقد يكون للمبالغة، فيقال: ذبحت الكبش، بالمعنى الثالث دون الأولين. والمغلق والمغلاق والغلق: لما يغلق به. وقيل: لما يفتح به، لكن إذا اعتبر بالإغلاق يقال له مغلق ومغلاق. وإذا اعتبر بالفتح يقال له مفتح ومفتاح. وغلق الرهن غلوقًا، أي لم يوجد له مخلص. وانشد لزهيرٍ: [من البسيط] 1140 - وفارقتك برهنٍ لا فكاك له ... يوم الوداع وأمسى الرهن قد غلقا وفي الحديث: "لا يغلق الرهن" اختلف في تفسيره؛ فقيل: لا يستحقه مرتهنة إذا لم يرد الراهن ما رهنه فيه، وكان هذا فعل الجاهلية. وفي المثل: "أهون من قعيس على عمته"، وذلك أنه رهنته عمته على جرزةٍ بقل، فطولبت فقالت: قد غلق الرهن. وهذا هو تفسير المعظم. وقال عمرو عن أبيه: الغلق: الهلاك. وفي كتاب عمر إلى أبي موسى: "إياك والغلق"؛ قال المبرد: الغلق: ضيق الصدر وقلة الصبر. وفي الحديث: "رجل ارتبط فرسًا ليغالق عليها" أب ليراهن. والمغالق: سهام الميسر، وأحدها مغلق. وفيه: "لا طلاق في إغلاق" اختلف في تفسيره؛ أي في إكراهٍ. وكانوا يغلقون الباب على الرجل ويضيفون عليه حتى يطلق. وقيل: معناه لا تغلق الطليقات في دفعةٍ واحدة حتى لا يبقى منها شيء. وفيه أيضًا شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم لمن واثق نفسه وأغلق ظهره. وغلق ظهر البعير: إذا دبر. وأغلقه صاحبه: إذا أثقل حمله حتى يدبر. قوله تعالى: {وما كان لنبي أن يغل} [آل عمران:161] قرئ "يغل" مبنيًا للفاعل، أي يخون؛ يقال: غل الجازر من اللحم: إذا خان وسرق منه. وفي الحديث: "لا

إغلال ولا إسلال" أي لا خيانة ولا سرقة. وأغل السلخ في الإرهاب، أي ترك فيه بعض اللحم. وقرئ "يغل" مبنيًا للمفعول. أي لا ينسب إلى الغلول. وقرئ "يغل" بضم الياء وكسر العين، أي لا يوجد ولا يصير. يقال: أغل فلان فلانًا: نسيه إلى ذلك. وأغل فلان وجد غالًا أو صار. والغلة والغليل: وما يتدرعه الإنسان في داخله من العطش ومن شدة الغيظ والوجد. وشفي فلان غليله، أي غيظه. والغلة: ما يتناوله الإنسان من دخل أرضه. وأغلت ضيعته: صارت ذات غلةٍ. وأصل الغلل: تدرع الشيء وتوسطه. ومنه الغلل للماء الجاري بين الشجر، ويقال له: الغيل. والغل: مختص بما يقيد به، فيجعل الأعضاء وسطه. والجمع أغلال، ومنه قوله تعالى: {إنا جعلنا في أعناقهم أغلالًا} [يس:8]. وغلت يد فلانٍ، وفلان مغلول اليد كناية عن البخل. ومنه قوله تعالى: {وقالت اليهود يد الله مغلولة غلت أيديهم} [محمد:16] عاقبهم الله بما أقروه فلا يرى أبخل منهم في عالم الله، كما لا يرى أكرم من العرب في عالم الله. وقيل: إنهم سمعوا أن الله قد قضى كل شئٍ قالوا إذا يد الله مغلولة، أي حكم المقيد لكونه فارغًا. وقوله: {إنا جعلنا في أعناقهم أغلالًا} [يس:8] قيل: هي الدنيا. وقيل ذلك كناية عن منعهم فعل الخير كقوله: {طبع الله على قلوبهم} [النحل:108] {ختم الله على قلوبهم} [البقرة:7] ونحو ذلك من الآي. وقيل: بل معناه: نفعل ذلك بهم في الآخرة، وأتى به ماضيًا لتحقق وقوعه لقوله: {ربما يود الذين كفروا} [الحجر:2] {أتي أمر الله} [النحل:1] {ونادي أصحاب الجنة} [الأعراف:44]. والغلالة: ما بين الثوبين، والشعار: لما يلبس تحت الثوب، والدثار: ما يلبس فوقه. قوله: {ونزعنا ما في صدورهم من غل} [مريم:19]. الغل والغلول: تدرع الخيانة والعداوة وهو الحقد. غ ل م: قوله تعالى: {غلامًا زكيًا} الغلام: من طر شاربه وبقل عذاره، وقد تقدم في مادة

الضاد. رتب الإنسان من حين يولد إلى أن يهرم. يقال: غلام بين الغلومة والغلومية. والجمع غلمان وغلمة. وقيل: هو اسم جمعٍ نحو صبية وفتية. واحتلم الغلام: بلغ حد الغلومة. ولما كان من بلغ هذا الحد يغلب عليه الشق، قيل: للشيق نفسه غلمة، ومنه اغتلم الفحل. وأصل ذلك من الاغتلام الذي هو الشدة والحدة وتجاوز الحد. ومنه الحديث: "تجهزوا لقتال المارقين المغتلمين" قال ألكسائي: الاغتلام: أن يتجاوز الإنسان حد ما أمر به من الخير والمباح. قال: ومنه قول رضي الله عنه: "إذا أغتلمت عليكم هذه والأشربة فاكسروها بالماء". وقال أبو العباس: إذا جاوزت حدها الذي يسكر. ومن كلام علي رضي الله عنه: "تجهزوا لقتال المارقين المغتلمين" أي الذين تجاوزوا حد ما أمروا. غ ل و: قوله تعالى: {لا تغلوا في دينكم} [النساء:171] قيل: معناه لا تجاوزوا فيه القدر الذي حد لكم. وأصل الغلو المجاوزة الشيء والزيادة. وقيل معناه [لا] تشددوا على الناس فتنفروهم. وقيل: غلا السعر، وغلا في الأمر وغلا السهم يغلو باتفاق الفعل في كل ذلك. وأوقعوا الفرق بين المعاني في المصادر؛ فقالوا: في السعر غلاء، وفي الأمر. غلوا، وفي السهم غلوا. والغلواء: تجاوز الحد في الجماع، وبه شبه غلواء الشباب. غ ل ي: قوله تعالى: {كالمهل يغلي في البطون} [الدخان:45] أي يفور ويطفح من شدة الإيقاد. يقال: غلت القدر تغلي غليانًا: فارت وطفحت بما فيها. فاستعير ذلك لما يجدونه من العذاب بالحميم الذي في أجوافهم. ومنه استعير غليان الغضب نحو تحرق عليه وتميز من الغيظ. وقرئ "يغلي" بالياء من تحتٍ على المهل، وبالتاء من فوق عودًا على الشجرة.

فصل الغين والميم

فصل الغين والميم غ م ر: قوله تعالى: {في غمرات الموت} [الأنعام:93] أي في شدائده وكربه. وأصل الغمر: إزالة أثر الشيء وبه سمي الماء الكثير لإزالته آثر سيله. وتد غمره الماء: إذا غطاه وستره. قال الشاعر: [من الطويل]. 1141 - ترى غمرات الموت ثم تزورها وسميت الشدة غمرة لأنها تغمر القلب، أي تركبه فتغطيه. ومنه "اشتد مرضه حتى غمر عليه"، وقد غمره الماء فهو غامر. قال الشاعر: (من الكامل) 1142 - نصف النهار الماء غامره ... ورفيقه بالنسب لا يدري وبه يشبه الرجل السخي؛ قال الشاعر: (من الكامل) 1143 - غمر الدرداء إذا تبسم ضاحكًا والغمرة: معظم الماء، ثم استعيرت للجهل. ومنه توله تعالى: {فذرهم في غمرتهم} [المؤمنون:54] أي جهلهم. وقيل: في حيرتهم. وقيل: في عمايتهم، وكلها متقاربة قوله: {بل قلوبهم في غمره} [لمؤمنون: 63] أي في غطاء وغفلة. ورجل غمر، أي جاهل، كأن عقله غُمر بالجهل، والجمع أغمار. والغمر: الحقد المكنون، والجمع غُمور. والغمر بالفتح: ما يُغمر من رائحة الدسم سائر الروائح. وقد غمرت يده وغمر عرضه: دنس. ودخلت في غمار الناس وخمارهم، أي فغمروني. والغمرة: ما يُطلى به الجسد من الزعفران. وتغمرت بالطيب: تضخمت. وباعتبار الماء قيل للقدح الذي يُتناول به الماء غُمر. ومنه اشتق تغمرت أي شربت ماءً قليلًا. وفلان مغامر: إذا رمى بنفسه في الحرب، إما لتوغله وخوضه فيه كقولهم: هو

يخوض الحرب، وإما لتصور الغمارة منه) ويكون وصفه بذلك كوصفه بالهودج ونحرم. وفي الحديث: "أطلقوا لي غمري" قال أبو عبيد: هو القعب الصغير. وفيه أيضًا: "ولا ذي غمر على أخيه" أي حقدٍ. وفي حديث عمر: "جعل على كل جريبٍ عامرٍ غامرٍ درهمًا وقفيزًا". والغامر: ما لم يُزرع مما يحتمل الزراعة، فعل ذلك لئلا يقصروا في الزراعة. وسُمي غامرًا لأن الماء يغمره؛ فاعل بمعنى مفعولٍ، نحو: سر كاتم. وغمرت القوم: علوتهم شرفًا. غ م ر: قوله تعالى: {وإذا مروا بهم يتغامزون} [المطففين:30]. أصل الغمز: الإشارة بالجفن أو اليد طلبًا إلى ما فيه مُعاب. والمعنى أنهم كانوا يستهزئون بالمؤمنين، ويشيرون إليهم بعيونهم وأيديهم سخرية بهم. وما في فلان غَميزة، أي نقيصة يُشار بها إليه. والجمع غَمائز. وأصل ذلك من غمزت الكبش: إذا لمسته هل به طرق؟ نحو: عبطته. غ م ض: قلوله تعالى: {إلا أن تُغمضوا فيه} [البقرة: 267] أي تُساهلوا أو تُسامحوا. وأصله من غمض عينه وأغمضها: وضع أحد جفنيه على الآخر، فاستعير للتغافل والتساهل، لأن من تغافل عن الشيء غض طرفه عنه. والغمض: النوم العارض. ومنه ما ذقت غمضًا ولا غامضًا. ومنه قيل: أرض غامضة وغمضة ودار غامضة، أي منخفضة. ومنه: في المسألة غُموض، أي خفاء. غ م م: قوله تعالى: {كلما أرادوا أن يخرجوا منها من غم أعُيدوا فيها} [الحج: 22]. الغم: الحزن الذي يغم القلب، أي يستره ويغشيه. والغم في الأصل: ستر كل شيءٍ. ومنه

الغمام لأنه يستر الضوء والشمس. قوله: {ثم لا يكن أمركم عليكم غُمة} [يونس: 71] أي كُربة يحصل منها. يُقال غم وغُمة نحو كُرب وكُربة. وليلة غمة. والغمامة كالعمامة: خرقة تشد على أنف الناقة وعينها. والأغم: من سال شعره على جبهته ضد الأصلع. وناصيته غماء: تستر الوجه. قال بعضهم: الغمام هو الغيض الأبيض، وسمي غمامًا من قبل لقاحه بالماء في جوفه. وماء مُغمم: علا غيره من المياه. وقال شمر: سمي غمامًا من غمغمته وهي صوته. وفيه نظر لأن الصوت فيه من الرعد لا منه. ويكون الغمام واحدًا وجمعًا. وأنشد للحطيئة: [من الطويل] 1144 - إذا غبت عنا غاب عنا ربيعنا ... ونُسقى الغمام الغُر حين تؤوب وقد يُقال في الواحد غمامة؛ قال الشاعر: [من الطويل] 1145 - كما أبرقت قومًا عِطاشًا غمامة ... فلما أتوها أقشعت وتجلت وغامت السماء وأغمت وأغيمت- وهو شاذ- وغيمت. والمصدر الغيمومة كالديمومة. وغمت وأغمت. ويُقال: يوم مغيوم. قال علقمه بن عبده: [من البسيط] 1146 - حتى تذكر بيضات وهيجه ... يوم رذاذٍ عليه الريح مغيوم وغمت الشيء أغمومة: سترته. وغُم الهلاك: سُتر. ومنه "إذا غُم عليكم فأكملوا العدة". ومنه: "صمنا للغُمى وللغَمى" أي لغير رؤية. وفي الحديث في صفة قريش: "ليس فيهم غمغمة قُضاعة". والتغمغم: كلام غير بين. وفي بعض الروايات: "فإن أُغمى عليكم فأقدروا له قدره" وفي بعضها: "فإن غُمي عليكم". ويُقال: غما البيت يغموه ويغميه: غطاه. وليلة غماء وغمى وغمة. ومنه: صمنا الغمى والغمية والغمة، أي صمنا لغير رؤيةٍ.

فصل الغين والنون

فصل الغين والنون غ ن م: قوله تعالى: {وأهُش بها على غنمي} [طه: 18]. الغنم: جنس معروف وحيوان مألوف، واحده غنمه، وقد يُثني كقوله عليه السلام: "مثل المنافق مثل الشاة العائرة بين الغنمين". والغنم أصله من الغُنم لأنه هو الظفر به وإصابته، ثم جعل اسمًا لكل ما ظُفر به غنمُا كان أو غيره: ومنه الغنيمة وهو ما أُخذ من العدو قهرًا. وأما في الشرع فهو ما أُخذ من الكفار بإيجاف خيلٍ أو ركابٍ. وفي الحديث: له غُنمه وعليه غُرمه" أي فائدته ما يحصل منه. والنفل ما يحصل من غير إيجافٍ خيلٍ ولا ركابٍ. قوله: {وعدكم الله مغانم كثيرة} [الفتح: 20] جمع مغنم، وهو اسم مصدرٍ كالمقتل. يُقال: غنم غنيمة. وفلان يغتنم الأمر الفلاني، أي يحرص عليه حرص المقاتل على الغنيمة. وفي حديث عمر رضي الله عنه: "أعطوا من الصدقة من أبقت له غنمًا ولا تُعطوها من أبقت له غنمين" أي من أبقى له الغلاء قطعة واحدة لا تحتاج أن تجعل قطعتين لكثرتها، بل لقلتها تكون قطعة واحدة فأعطوة من الصدقة فإنه مستحق، ولا تُعطوها من كثر فيه حتى صار لا يسعه مراح واحد فجعل قطعتين على مكانين، فمن ثم حسنت تثنيه اسم الجنس، وقد تقدم مثله في قوله عليه السلام "بين الغنمين". والذي يُسهل تثنيته اسم الجنس اختلاف أنواعه نحو: عندي قمحان: جيد ورديء. غ ن ي: قوله تعال: {كأن لم تغن بالأمس} [يونس: 24] أي كأن لم تكن ولم تقم. يُقال: غنى بالمكان يغنى به، أي أقام. ومنه قوله تعالى: {كأن لم يغنوا فيها} [الأعراف: 92] أي كأن لم يقيموا. وأصله من غني المكان: إذا أقام به إقامة مستعن به رض بمحله فيه. وقال بعضهم: يقال: غني في مكان كذا: إذا طال مقامه مستغنيًا به عن غيره، يغنى. والمغنى: المكان المقام به، ويكون مصدرًا وزمانًا أيضًا. والجمع المغاني.

وفي حديث علي رضي الله عنه: "رجل سماه الناس عالمًا ولم يغن في العلم يومًا سالمًا" يريد رضي الله عنه أن من الناس من يُتقد كونه عالمًا ولم يلبث في العلم يومًا تامًا، ولله دره ما أفصحه! قوله تعالى: {يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف} [البقرة: 273] هو جمع غني. والغني: من حصل له الغنى ضد الفقر. وهو مقصور، وقد مدة بعضهم ضرورة في قوله: [من الوافر] 1147 - سيغنيني الذي أغناك عني ... فلا فقر يدوم ولا غناء والبصريون لا يجيزون نحوه. وأما الغناء، وهو الصوت بالنغم المعروف، فممدود. وأما الغناء بالفتح والمد فمعناه الكفاية. ثم الغني يكون على أضربٍ: أحدها ارتفاع الحاجات وامتناعها على ذلك المُستغني، وليس ذلك إلا لله تعالى دون خلقه. والثاني قلة الحاجات، وهذا موجود في الخلق. ومن الأول قوله تعالى: {إن الله هو الغني الحميد} [لقمان: 26] أي لا يستحق الغنى المطلق إلا من له الحمد. ومن الثاني قوله تعالى: {ووجدك عائلًا فأغنى} [الضحى: 8] وإليه أشار بقوله عليه السلام: "إنما الغنى غنى النفس" لأنه قد قال قبله: "ليس الغنى بكثرة العرض". والثالث كثرة القنيات وزيادة الأعراض الدنيوية، وهذا هو الذي يقع فيه كثير من الناس في ضروب من الفتن. وإليه أشار بقوله تعالى: {إن الإنسان ليطغى، أن رآه استغنى} [العلق:6 - 7] قوله: {ومن كان غنيًا فليستعفف} [النساء: 6] أي ومن كان عنده مال يكتفي به عن أكل مال اليتيم فليطلب العفة والقنع من نفسه عن مال اليتيم. قوله: {يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف} أي من رآهم من الجهلة بأحوالهم يحسبه أغنياء بكثرة القنيات لما يظهرون من التعفف عما في أيدي الناس والزهد فيه فيظنون أغنياء. وهذا هو غنى النفس الذي أشار إليه سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: قوله تعالى: لقد كفر {الذين قالوا إن

الله فقير ونحن أغنياء} [آل عمران: 181] يُروى أنه ملما سمعوا قوله تعالى: {من ذا الذي يُقرض الله قرضًا حسنًا} [البقرة: 245] قالوا ذلك جهلًا بقول الباري تعالى وإبراز طلبه الصدقة في صورة القرض لنكتة جهلوا معناها، وهو أن المقترض يرد ما أخذ فلا يأخذ شيئًا لاسيما إذا كان أكرم الأكرمين. يقال: غني يغني وتغني وتغانى. قوله: {ما أغنى عني ماليه} [الحاقة: 28] أي ما كفاه مؤونة ما يحذره. غني بكذا بمعنى ابتلي به. قال الشاعر: [من الطويل] 1148 - غنينا زمانًا بالتصعلك والغنى ... وكلًا سقاناه بكأسيهما الدهر والغانية: المرأة، وأصله من استغنت بزوجها. وقيل: إنما قيل لها غنية لاستغنائها بحسنها. قال الشاعر: [من الطويل] 1149 - فلا تحسبن هندًا لها العذر وحدها ... سجيةً نفسٍ كل غانيةٍ هند وقيل: سُميت بذلك لاستغنائها بجمالها عن التزين حيث تتزين النساء. وقيل لأنها تُقيم بالبيت، ولذلك قيل للنساء ربات الخدور لملازمتهن إياه. وفي الحديث: "خير الصدقة ما أبقت غنى" قال القُتيبي: فيه قولان أحدهما: خير ما تصدقت به الفضل من قوت عيالك وكفايتهم، فإذا خرجت منك إلى من أعطيته خرجت على استغناءٍ منك، ومنهم عنها. ومثله الحديث الآخر: "خير الصدقة ما كان عن ظهر غنى". والثاني معناه أن خير الصدقة ما أغنيت به من أعطيت عن المسألة. وفي الحديث: "ليس منا من لم يتغن بالقرآن"، فيه تأويلات أحدهما من لم يُحسن صوته به، أي يقرؤه بحقوقه من تقويم لفظه، وإكمال مخارج حروفه، وعدم تمطيطها كما تفعله الجهلة من عوام الناس. ويحملون نفس الحديث على ما يصنعوه من القرآن بالألحان وصناعات الأنغام، ويزعمون أن هذا هو التغني المراد بالحديث، حاشا رسول الله صلى الله عليه وسلم من الأمر

فصل الغين والواو

بذلك. وقيل: معنى"من لم يتغن" من لم يستغن كقوله: "من لم يغنه القرآن لا أغناه الله" وقد جعل يفعل بمعنى استفعل نحو تعجب واستعجب وتعظم واستعظم. وهذا تأويل سفيان، وقد ورده بعضهم بأن تمام الحديث يقتضي تحسين الصوت، فلا ملائمة بينه وبين الاستغناء. وقيل: معناه تحسين الصوت وتزيينه. وفي لحديث: "لحبرته لك تحبيرًا" أي حسنته وزينته. ولاشك أن تحسين الصوت مطلوب ما لم يخرج عن حد الشرع. وقيل معناه جهر الصوت به. وكل من جهر صوته ووالى به فصوته عند العرب غناء. قال أبو عبيدٍ الهروي. وقال الشافعي رضي الله عنه: معناه تحزين القراءة وترقيقها. قلت: ويشهد له الحديث الآخر: "إن هذا القرآن نزل بحزن، فإذا قرأتموه فتحازنوا". وفي حديث آخر: "زينوا القرآن بأصواتكم". ومثل الحديث الأول في هذا التأويل قوله عليه السلام أيضًا: "ما أذن الله لشيء كإذنه لنبي يتغني بالقرآن" وقيل: معناه التطريب الذي لا يُخرج القرآن عن نظمه ولا وضعه، وقليل من يتقن ذلك. وفي حديث الجمعة: "من استغنى بلهو أو تجارة استغنى الله عنه"، أي تركه وطرده ورمى به عن عينه، لأنه المستغني عن الشيء تارك له. فهو من باب المقابلة كقوله: {نسوا الله فنسيهم} [التوب: 67]. فصل الغين والواو غ ور: قوله تعالى: {قل أرأيتم إن أصبح ماؤكم غورًا} [الملك: 30] أي ذاهبًا غائضًا. والغور في الأصل مصدر، والتقدير: ذا غورٍ أيضًا: المنهبط من الأرض ضد

النجد، وهو ما ارتفع منها. ولكون الغور في الأصل مصدرًا وُصف به الواحد والجمع في قولهم: ماء غور ومياه غور. قوله تعالى: {لو يجدون ملجأً أو مغارات} [التوبة: 57] جمع مغارة وهي الكهف في الجبل وما يغر فيه من الأرض أي يُدخل ويُستتر به. وكل ما دخلته ليقيك فهو غار ومغار. والمعنى: لو تجدون جُبًا أو تغورون فيه وتستترون به. وغرات عينه غؤورًا: نزلت في الرأس. وغار الرجل وأغار على القوم: إذا فاجأهم بالقتال، والكثير أغار؛ قال الشاعر: [من الرجز] 1150 - نحن اللذون صبحوا الصباحا ... يوم اليسار غارة ملحاحا قوله تعالى: {فالمغيرات صبحًا} [العاديات: 3] جمع مغيرة وهي الخيل التي يُغير عليه الغزاة المسلمين وقت الصبح، أقسم به تعظيمًا لشأن الجهاد. وغارت الشمس غيارًا: غابت؛ قال الشاعر: [من الطويل] 1151 - هل الدهر غلا ليلة ونهارًا ... وإلا طلوع الشمس ثم غيارها؟ وفي الحديث: "مابت لا تغويرًا". يُقال: غور القوم تغويرًا: قالوا. وروي "تغريرًا" من الغرار وهو القلة. وغور الرجل: نزل غورًا. وفي الحديث: "أنه سمع ناسًا يذكرون القدر فقال: إنكم أخذتم في شعبين بعيدي الغور" قال الحربي: غور كل شيء بُعده. يقول لن تدركوا حقيقتها كالماء الغائر الذي لا يُقدر عليه. وقد حصلت فروق في المصادر مع اتحاد الفعل، فيقال: غرت عينه غؤورًا، وغرات الشمس غيارًا،

وغار الماء غورًا. غ وط: قوله تعالى: {أو جاء أحد منكم من الغائط} [النساء: 43] أي من قضاء الحاجة. وأصل الغائط: المكان المطمئن من الأرض الذي يُواري من يدخل فيه. وكل ما واراك فهو غائط. فكني به عنه البراز لما كان الناس ينتابونه لقضاء الحاجة لأنه يواريهم ويغيبهم. وبه سُمي غوطة دمشق لاطمئنانها. وفي الحديث: "أن رجلًا جاءه فقال: يا رسول الله قل لأهل الغائط يحسنوا مخالطتي". أراد بالغائط هنا حقيقته، وهو الوادي المنخفض. وفي قصة نوحٍ عليه السلام: "وانسدت ينابيع الغوط الأكبر" [الغوط:] عمق الأرض الأبعد، يقال غاط يغوط، أي دخل في شيءٍ واراه. غ وص: قوله تعالى: {كل بناءٍ وغواصٍ} [ص:37] الغوص: الدخول تحت الماء وإخراج شيء منه. فيقال لكم من يهجم على شيء غامضٍ فيخرجه: غائص، عينًا كان ذلك المخرج أو معنى، إلا أن حقيقته إخراج العين من الماء. وقوله تعالى: {ومن الشياطين من يغوصون له} [الأنبياء: 82] قيل: يستخرجون اللؤلؤ من البحر، وهو أول من استخرجه. وقيل: معناه يستنبطون له الأعمال العجيبة والأفعال البديعة. وفي زمنه ظهرت الصنائع وتوارثها الناس إلى اليوم. ويُقال: فلان يغوص على المشكلات، أي يستخرجها ويوضحها. غ ول: قوله تعالى: {لا فيها غول} [الصافات: 47] الغول هنا: غيبة العقل. وأصله إهلاك الشيء من حيث لا يُحس به. ومنه: اغتاله، وقتله غيلة: إذا قتله من حيث لا يشعر به. قال السدي: أي [لا] تغتال عقولهم، أي لا تذهب بها عكس ما عليه جمهور العلماء من كونها تذهب بالعقل. وقيل: الغول: الصداع والتدويم في الرأس، ولذلك وصف علقمة بن عبدة الخمر بذلك فقال: [من البسيط]

1152 - تشفي الصداع ولا يؤذيك صالبها ... ولا يخالطها في الرأس تدويم وقال أبو الهيثم: يقال: غالت الخمر فلانًا: إذا شربها فذهبت بعقله أو بصحة بدنة. قال: والغول: الخيانة، وكذا الغائلة. وقال ابن عرفة: يُقال: غاله واغتاله، أي ذهب به. وفي عهدة المماليك: "لا داء ولا غائلة" قال ابن شميلٍ: الغائلة: أن يكون مسروقًا، فإذا استحق غال مال مشتريه، أي أنقذه في ثمنه. وإنما نفى الله تعالى عنها الغول لما نبه عليه من وصف خمر الدنيا في قوله: {وإثمهما أكبر من نفعهما} [البقرة:219] وبقوله: {إنما الخمر والميسر} إلى قوله: {رجس من معل الشيطان فاجتنبوه} [المائدة: 90] فبين انتفاء ذلك عن خمر الآخرة المذكورة في قولة تعالى: {وأنهار من خمر لذة للشاربين} [محمد: 15] وأما خمور الدنيا فليست بلذيذة الطعم، وإنما يتلذذون بها لما تنفي من الهم ولما تغيب من العقول المقتضية للنظر في العواقب. وكلما قل العقل قل الهم. ومنه قول بعض الدعار: [من الرجز] 1153 - لو لم يكن في شربها فرح ... إلا الخلاص من دوام الهموم وقال في معنى أن كلما قل العقل قل الهم: [من الكامل] 1154 - ذو العق يشقى في النعيم بعقله ... وأخو الجهالة في الشقاوة ينعم والغول: شيء يزعم العرب أنه لا يُهلك الإنسان في البرية، وأنه يتراءى له ويتلون حتى يتبعه فيهلكه، وذكروا ذلك في أشعارهم وأكثروا منه؛ قال كعب رضي الله عنهك [من البسط] 1155 - فما تدوم على حال تكون بها ... كما تلون في أثوابها الغول وقد بالغ بعض الشعراء فقال في نفيها. [من البسط] 1156 - الجود والغول العنقا ثلاثتهما ... أسماء أشياء لم تُخلق ولم تكن

وقد كذب في نفي الوجود فإنه خُلق وكان، ولكثرة ما ذكرت العرب الغول نفاها الحديث النبوي في قوله عليه الصلاة والسلام: "لا غُول" كقوله: "لا همامة ولا عدوى ولا صفر". وتغولت على البلاد، أي تلونت واختلفت. وقال بعضهم: الغول هي السعلاة، والجمع سعالى. ويقولون: إن السعلاة ساحرة الجن. فإن صح ذلك فتكون الغول موجودة لأن مذهب أهل الحق أن الجن موجودون. وفي الحديث: "بأرض غائلة النطاء" أي تغول ببعدها سالكيها، أي تهلكهم. ومنه المثل: "الغضب غول الحلم" أي يُهلك الحليم. والغول يداني البعد، والعبد يداني الإهلاك. فالغول والغول يقعان على معنيين متقاربين؛ أحدهما البعد والآخر الإهلاك، وتحقيقه أن الغول مصدر والغول اسم كالغسل والغسل. وفي حديث عمار: "أنه أوجز الصلاة فقال: كنت أغاول حاجة لي" قال أبو عبيدٍ: المغاولة: المبادرة في السير: وأصله في الغول، وهو البعد. ومنه قولهم في الدعاء: "هون الله عليك غول هذا الطريق" أي بعده. والبعد عندهم يُعبر عن الهلاك؛ قال الشاعر: [من الطويل] 1157 - يقولون: لا تبعد وهم يدفنونه ... فلا بُعد إلا ما تواري الصفائح وقد تقد ذلك في مكانه والله أعلم. غ وي: قوله تعالى: {والشعراء يتبعهم الغاوون} [الشعراء: 224] هو جمع غاوٍ، وهو الضال المنهك في ضلاله لا يرده شيء. يُقال غوى يغوي غيًا والأصل غويًا فأدغم، كطيًا مصدر طوى. وقد يُعبر بغوي عن جهل لأنه سببه، وعليه قوله تعالى: {ما ضل صاحبكم وما غوى} [النجم:2]. وقد ذكر المفسرون في قوله تعالى: {وعصى آدم

ربه فغوى} [طه: 121] إذ معناه جهل، وقيل: خاب، وقيل: فسد عيشه. وقال آخرون: بشم، من قولهم: عصى الفصيل: إذا بشم. وقد قيل: إنه يُقال: غوى الفصيل وغوي، بالفتح والكسر. وقد قرئ "غوى" بالكسر نحو هوَى وهوِي. قوله: {فأغويناكم} [الصافات: 32] أي حملناكم على الغي {إنا كنا} في أنفسنا {غاوين}. قوله: {قال الذين حق عليهم القول ربنا هؤلاء الذين أغوينا أغويناهم كما غوينا} [القصص: 63] إعلام منهم بأنا قد فعلنا بهم غاية ما كان في وسع الإنسان أن يفعل بصديقه ما يريد لنفسه، فقالوا: أفدناهم ما كان لنا وجعلناهم أُسوة أنفسنا حتى لا يبقى لأحدنا غير غي صاحبه، ولذلك ترى الأصدقاء لا يُحبون أن يتخالفوا قولًا ولا فعلًا هدى كان أو ضلالًا، غيًا أو رشدًا. قوله حكاية عن إبليس: {ولأغوينهم} [الحجر: 39] أي لأحملنهم عليه ولأجعلنهم غاوين عليه ظنًا من بذلك لما رأى وعرف من طباع الآدميين الانقياد إليه، وعليه قوله تعالى: {ولقد صدق عليه إبليس ظنه} [سبأ: 20] الآية. قوله: {فسوف يلقون غيا} [مريم: 59] أي هلاكًا. وقيل: عذابًا. والمعنى سبب ذلك لأن الغي جهلٍ من اعتقاد فاسدٍ، وذلك أن الجهل قد يكون من كون الإنسان غير معتقد اعتقادًا لا صالحًا ولا فاسدًا. وقد يكون من اعتقاد شيءٍ فاسدٍ. فقوله: {فسوف يلقون غيا} أي أثر غي ومسببه. وقال طرفة ابن العبد: [من الرمل] 1158 - سادرًا أحسب غيي رشدًا وفي مقتل عثمان: "فتغاووا عليه حتى قتلوه"، أي تعاونوا وغالوا، وأصله تجاهلوا وتعاونوا بغيهم، والغواية: شدة الجهل. قال امرؤ القيس: [من الطويل] 1159 - وما إن أرى عنك الغواية تنجلي وفي حديث عمر رضي الله عنه: "إن قريشًا تريد أن تكون مغويات لمال الله"

فصل الغين والياء

أي مهلكات. قال أبو العبيد: كذا رُوي، والذي تكلمت به العرب مغويات، والمغويات بفتح الواو وتشديدها، واحدتها مغواة: وهو حفرة كالزبية؛ تُحفر ويُجعل فيها جدي ونحوه، فيراه الذئب فيسقط ليأكله. ومنه قيل لكل مهلكة مُغواة. قال: أراد أن تكون مهلكة كإهلاك تلك المغواة للذئب. ومثل للعرب: "من حفر مغواة أوشك أن يقع فيها". فصل الغين والياء غ ي ب: قوله تعالى: {الذين يؤمنون بالغيب} [البقرة: 3] الغيب: مصدر غاب يغيب ضد حضر يحضر. والمراد يؤمنون بأخبار الغيب، كأخبار البعث والنشور والصراط والميزان والحوض، والجنة والنار وعذاب القبر وفتنة منكر ونكير ونحو ذلك، مما ورد عنه الكتاب العزيز والسنة الصحيحة. وقيل: الغيب: مصدر واقع موقع اسم الفاعل، أي يؤمنون بالغائب مما أخبروا له من نحو ما تقدم ذكره. وقيل: أصله غيب بالتشديد فخفف كميت في ميت. ولنا في كلام مشبع في غير هذا الموضوع. وكل ما استرعى العين فهو غائب وغيب وغيب وغاب. وقيل: معناه: يؤمنون بما لا يدخل تحت الحواس ولا تقتضيه بداية العقول، وإنما يعلم بأخبار الصادقين كالأنبياء والرسل والملائكة. وقيل: الغيب القرآن وقيل: القدر، وهو تخصيص إشارة من قائله إلى بعض ما يقتضيه لفظ الغيب. وقيل: معنى"يؤمنون بالغيب" متلبسين بالغيب، فتتعلق الباء بغير الإيمان أي يؤمنون وهم غائبون عنكم وليسوا كالمنافقين الذين يؤمنون بحضرتكم تقيةً وإحرازًا لغنائمكم، ويكفرون في غيبتكم، يشهد له: {وإا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا وإذا خلوا} [البقرة: 14]. قوله: {حافظات الغيب} [النساء: 34] أي لا يفعلن في غيبة بُعولتهن ما يكرهونه في حضورهم. قوله: {ولا يغتب بعضكم بعضًا} [الحجرات: 12] هو أن تذكر أخاك بما يكرهه من عيبٍ من غير حاجة شرعيةٍ، فإن كان حاجة فلا بأس، بل ربما

يجب كمشاورة الإنسان في خطبة ومعاملة ذلك. والغيبة والغيابة: منهبط من الأرض، ومنه الغابة للأجمة. وفي المثل: "وهم يشهدون أحيانًا ويتغايبون أحيانًا". قوله: {ويقذفون بالغيب من مكان بعيد} [سبأ: 53] أي من حيث لا يدركونهم ببصرهم وبصيرتهم. قال ابن العرابي: الغيب: ما غاب عن العيون وإن كان محصلًا في القلوب. وأنشد: [في البسيط] 1160 - وللفؤاد وجيب تحت أبهره ... لدم الغلام وراء الغيب بالحجر وقال الهروي: أراد وراء الجدار. وفي عهدة الرقيق: "ولا داء ولا خبثة ولا تغييب" قال ابن شميل: التغييب ألا يبعه ضالة ولا لُقطة ولا مرعوعًا، أي معيبًا. وفي الحديث أيضًا: "حتى تمتشط الشعثة وتستحد المغيبة" أي التي غاب عنها زوجها. وفي حديث أب يبكر الصديق رضي الله عنه: "أن حسانًا لما هجا قريشًا قالت: "لشتم ما غاب عنه ابن أبي قحافة" يعنون أن أبا بكر كان عالمًا بالأنساب والأخبار، وهو الذي علمه، وكان أبو بكر عالمًا بالأنساب يدل لما روي عنه عليه السلام في قوله لحسبان: "سله عن معايب القوم". غ ي ث: قوله تعالى: {كمثل غيث} [الحديد: 20] أي مطرٍ. وقيل تقديره مثل نبات ينبت من غيث ولا حاجة إليه لقواه: {نباته}. والغيث يُقال في المطر، والغوث في الصرة. قال ذو الرمة: [من الوافر] 1161 - سمعت الناس ينتجعون غيثًا ... فقلت لصيدح: انتجعي بلالًا

واستغثته: طلبت الغيث منه أو الغوث، فغاثني من الغيث، وأغاثني من الغوث. قوله تعالى: {فيه يُغاث الناس} [يوسف: 49] من الغيث ليس إلا. قوله: {فاستغاثه الذي من شيعته} [القصص: 15] هو من الغوث ليس إلا. غ ي ر: قوله تعالى: {غير المغضوب عليهم} [الفاتحة: 7] غير تكون صفة بمعنى مُغاير، ولذلك لا تتعر فبالإضافة. وقال بعضهم: إلا إذا حضرت المغايرة بين ضدين ونحوهما، نحو الآية الكريمة، والوصفية أصلها. وقد تكون بمعنى لا النافية، ومن ثم عطف عليها. قوله: {ولا الضالين}، فأعيدت لا لما كانت بمعناها. ولذلك يقدم معمول ما بعدها عليها كقول الشاعر: [من البسيط] 1162 - إن امرأ خصني يومًا مودته ... على التنائي لعندي غير مكفور ولهذا يقول النحوي: يجوز أنا زيدًا غير ضاربٍ، ويمتنع أنا زيدًا مثل ضارب لما بيناه في غير هذا الموضوع وأومأنا إليه هنا. وتكون غير بمعنى إلا فيستثنى بها وتُعطى حكم ما بعد إلا في النصب وغيره كما هو مبين في علم العربية، وكما حملت غير على إلا في الاستثناء حملت إلا عليها في الوصفية بشروطٍ معينة عند النحاة كقوله تعالى: {لم كان فيها آلهة إلا الله لفسدتا} [الأنبياء: 22]. وقد قسم بعضهم غير تقسيمًا آخر فقال: غير تقال على أوجهٍ: الأول أن تكون للنفي المجرد من غير إثبات معنى [به]، نحو: مررت برجلٍ غير قائمٍ، قال تعالى: {وهو في الخصام غير مبين} [الزخرف: 18]. الثاني بمعنى إلا فيستثنى بها وتوصف بها النكرة قال تعالى: {ما علمت لكم من إله غيري} [القصص: 38]. الثالث لنفي صورةٍ من غير مادتها

نحو: الماء حاراً غيره إذا كان باردًا؛ قال تعالى: {بدلناهم جلودًا غيرها {[النساء: 56]. الرابع أن يكون ذلك متناولًا لذات، نحو: {تقولون على الله غير الحق} [الأنعام: 93] أي الباطل. {أغير الله أبغي ربًا} [الأنعام: 164] قوله تعالى: {إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم} [الرعد: 11] التغيير: التحول من صفة إلى صفة، ومن حال إلى حالٍ. ويكون على وجهين أحدهما تغيير صورة الشيء دون ذاته نحو غيرت داري، أي بنيتها بناءً غير الذي كان. والثاني بتبديله بغيره نحو: غيرت غلامي ودابتي، أي أبدلتهما بغيرهما. وقوله: {يوم تبدل الأرض غير الأرض} [إبراهيم: 8] محتمل للأمرين، وقد قيل: بكل منهما. وفي الحديث: "ومن يكفر الله يلق الغير" أي تغيير الحال من صلاح إلى فساد. والغير أيضًا الدية، وجمعها أغيار. وسميت الدية غيرًا لأنها غيرت القود إلى غيره. وقد فرق بعضهم بين الغيرين والمختلفين بأن الغيرين أعم، فإنهما قد يكونا مختلفين وقد يكونان متفقين. فالجوهران المتحيزان هما غيران وليسا مختلفين. قال: وكل خلافين غيران وليس كل غيرين خلافين. غ ي ض: قوله تعالى: {وما تغيض الأرحام} [الرعد: 8] الغيض: النقص، ولذلك قوبل بقوله: {وما تزداد} [الرعد: 8] والمعنى: وما تفسده الأرحام فتجعله كالماء الذي تبتلعه الأرض. والغيضة: الضوء. وقيل معنى: {وما تغيض الأرحام} وما تنقص عن التسعة أشهر التي وقعت الوضع وما تزداد على التسعة المذكورة. وقيل: معناها ما الولد عن تمامه. ويقال لذلك السقط الغيض. قوله: {وغيض الماء} [هود: 44] أي نقص. يُقال: غاض الماء يغيض غيضًا، وغاضه الله يغيضه غيضًا، أي نقصه فيكون لازمًا ومتعديًا نحو نقص وزاد فإنهما يكونان لازمين ومتعديين. وفي الحديث: "وغاضت بحيرة ساوة" أي نضب ماؤها. وفي المثل: "أعطى غيضًا من فيضٍ" أي قليلًا من

كثير. وفي الحديث: "إذا كان الشتاء قيظًا وغاضت الكرام غيظًا" أي فوا وبادوا من أجل القيظ. وقولهم: "غاضت الدرة" أي نقص اللبن. غ ي ظ: قوله تعالى: {والكاظمين الغيظ} [آل عمران: 134]. الغيظ: أشد الغضب؛ وهو الحرارة التي يجدها الإنسان من ثوران دم قلبه، فهو أخص من الغضب؛ فكل غيظ غضب وليس كل غضب غيظًا: {سمعوا لها تغيظًا ونفيرا} [الفرقان: 12] أي سمعوا لجهنم غليانًا وأزيزًا كما يُسمع ذلك من غليان القدر. والمعنى سمعوا غليان تغيظ. وقوله تعالى: {تكاد تميز من الغيظ} [الملك: 8] قال ابن عرفه: أي من شدة الحر والمعنى: تكاد ينفصل بعضها من بعضٍ من شدة حرها غيظًا على الكافرين. يقال: تغيظت الهاجرة: إذا اشتد حرها. وأنشد للأخطل: [من الطويل] 1163 - لدن غدوة حتى إذا ما تغيظت ... هواجر من سفيان حام أصيلها وقيل: التغيظ: إظهار الغيظ، ثم إنه قد يكون مع ذلك صوت كقوله تعالى: {سمعوا لها تغيظًا} وقد لا يكون ذلك. قوله {إنهم لنا لغائظون} [الشعراء: 55] أي حاملون لنا على الغيظ. وقيل: معناه أنهم داعون بفعلهم إلى أن ينتقم منه انتقام المغيظ. وإذا وصف به الباري تعالى فالمراد به الانتقام على حد وصفه بالغضب كما قدمته. وقد غظته فهو مغيظ. قالت قتيلة بنت الحارث: [من الطويل] 1164 - ما كان ضرك لو مننت وربما ... من الفتى وهو المغيظ المحنق في قصيدة تخاطب بها رسول الله صلى الله عليه وسلم.

باب الفاء

باب الفاء ف: الفاء حرف عطف يقتضي الترتيب والمهل عكس الواو وثم؛ فإن الواو لا تقتصي ترتيبًا، و"ثم" تقتضي التراخي. فأما قوله: {أنزل من السماء ماءً فتصبح الأرض مخضرة} [الحج: 63] فقيل: تعقيب كل شيء بجنسه، وقيل: لأن أرض المخاطبين بهذه الصفة. وتفيد السببية، ولذلك جاز أن يُعطف بها ما ليس صلة على ما هو صلة نحو قوله: الذي يطير فيغضب زيد الذباب. وتعطف ما هو خبر على ما ليس بخبرٍ كقول الشاعر: [من الطويل] 1165 - وإنسان عيني يحسر الماء تارة ... فيبدو وتارات يُحم فيغرق وتحذف بعدها "رب" كقول امرئ القيس": [من الطويل] 1166 - فمثلك حبلى قد طرقت ومرضعٍ ... فألهيتها عن ذي تمائم مغيل وتقع جواب للشرط فتضمر بعدها "رب" أيضًا كقول الشاعر: [من الوافر] 1167 - فإما تعرضن أُميم عني ... وينزغك الوشاة أول النباط فحور قد لهوت بهن عينٍ ... نواعم في المروط وفي الرباط تقديره: فرب حورٍ، فأضمرت بعدها مع كونها جوابًا، وهي وما بعدها في محل جزم؛ بدليل عطف المجزوم عليها وعلى ما بعدها، ولذلك قرئ: {من يُضلل الله فلا هادي له ويذرهم} [الأعراف: 186] برفع يذر وجزمه، ولها أحكام.

فصل الفاء والألف

فصل الفاء والألف ف أد: قوله تعالى: {وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة} [النحل: 78] هي جمع فؤاد، قيل: هو القلب الذي يراد به العقل لا العضو المعروف، وقال بعضهم الفؤاد كالقلب، لكن يُقال له فؤاد إذا اعتبر فيه معنى التفاؤد أي التوقد، يُقال: فأدت اللحم: إذا شويته، ولحم فئيد بمعنى مفؤود. وقوله تعالى: {ما كذب الفؤاد ما رأى} [النجم: 11] أي واطأ قلبه بصره، والمعنى: الذي رآه حق اليقين لا تخيل. يُقال: كذبني قلبي وظني وصدقني. قوله: {التي تطلع على الأفئدة} [الهمزة: 7] إنما خصها لأنها أرق شيء في البدن وأخفاه. فإذا وصل إليها الشيء فقد تناهى إفراطه وتأثيره، أعاذنا الله بكرمه من لفحاتها بمحمدٍ وآله. قوله تعالى: {قد كان لكم آية في فئتين التقتا} [آل عمران: 13] أي طائفتين وجماعتين. والفئة: الجماعة من الناس، وقيدها بعضهم بالمتظاهرة، وبعضهم بالمتعاضدة وهما متقاربتان، وجعلها بعضهم من فاء يفيء أي رجع، قال الراغب: والفئة الجماعة المتظاهرة التي يرجع بعضها إلى بعض في التعاضد. وهذا لا يصح أنه "فئة" عينها همزة ولامها ياء حذفت، فهي كمئة، والأصل: فئية بدليل قولهم: أمأت الدراهم: أي صيرتها مئة، فإن ادعوا فيها قلبًا أو حذف عينٍ فلا يُسمع لمخالفته الأصول. ونقل الهروي وغيره في لامها وجهين: أحدهما أنها ياء، والثاني أنها واو، وقال: هو من قولهم: فأيت رأسه وفأوته: إذا شققته فانفأى. قلت: وبهذا الاشتقاق يُعلم فساد قول من جعلها من فاء يفيء

فصل الفاء والتاء

إذا رجع كما قدمت. ويُجمع جمعي التصحيح فيقال: فآتٍ، وهو القياس، وفئون. ولا نبالي بتاء التأنيث لأنها عوض من لامٍ كما يُقال مئون ومئين. قال الشاعر: [من الطويل] 1168 - ثلاث مئين للملوك وفي بها ... ردائي وجلت عن وجوه الأهاتم قوله تعالى: {فما لكم في المنافقين فئتين} [النساء: 88] أي فرقتين. فانتصابها على الحال، وذلك أن المسلمين افترقوا في شأنهم فرقتين: فرقة تكفرهم وأخرى لم تكفرهم. وقوله تعالى: {أو متحيزًا إلى فئة} [الأنفال: 16] أي إلى فرقة وطائفة، وفي الحديث يُمهد عذر أصحابة: "أنا فئتكم" يُشير إلى الآية. فصل الفاء والتاء ف ت أ: قوله تعالى: {قالوا تالله تفتأ تذكر يوسف} [يوسف: 85] أي لا تزال ولا تبرح، وهو مضارع فتئ الملازمة للنفي العاملة على كان، وهي ستة أفعال: مافتئ، وما زال، وما انفك، وما برح، وهذه الأربعة مشهورة، وونى بمعنى فتر، ورام بمعنى طلب، ولا تعمل إلا منفية لفظًا كقوله تعالى: {ولا يزالون مختلفين} [هود: 118] أو تقديرًا كقوله: {تفتأ تذكر يوسف} أي لا تفتأ. وهذا الإضمار لابد منه لما تقرر من أن لا يطرد حذفها من المضارع الواقع جواب قسمٍ. وزعم بعضهم أنها تعمل عمل نفي لفظًا و"لا" تقديرًا، مُستدلًا بقول الشاعر: [من الوافر] 1169 - وأبرح ما دام الله قومي ... بحمد الله منتطقًا مجيدًا وليس كما زُعم لصحة تقدير ألا أبرح. والبارحة: الليلة الماضية، لا يُقال لها ذلك إلا بعد الزوال، وإلا فهي ليلة؛ قال طرفة

ابن العبد: [من الرجز] 1170 - ما أشبه الليلة بالبارحة وبرح الخفاء: أي ظهر. ف ت ح: قوله تعالى: {ثم يفتح بيننا بالحق وهو الفتاح العليم} [سبأ: 26] أي يحكم ويقضي، وعن ابن عباس: "ما كنت أدري ما معنى الفتاح حتى اختصم إليَّ أعرابيان فقال أحدهما: افتح بيننا" وهي الفتاحة: أي الحكومة؛ وعليه قول الشاعر: [من الوافر] 1171 - وإني عن فُتاحتكم غني الفتاحة بالضم. قوله: {ربنا افتح بيننا وبين قومنا بالحق} [الأعراف: 89] أي، أحكم، وإنما قيل للقاضي: فتاح لأنه ينصر المظلوم. والفتح: النصر، كقوله تعالى: {إن تستفتحوا فقد جاءكم الفتح} [الأنفال: 19] وقوله: {وكانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا} [البقرة: 89]. وقيل لأنه يفتح ما أُغلق على غيره من الأحكام. قال تعالى: {إنا فتحنا لك فتحًا مبينًا} [الفتح: 1] أي قضينا قضاءً محكمًا. وعنى به صلح الحديبية. وقيل: فتح مكة، والمعنى: فتحًا ظاهرًا بركته، فإنه من حينئذٍ كثر الإسلام واتسع نطاقه. والفتح في الأصل إزالة الإغلاق والإشكال، وهو نوعان: أحدهما مدرك بالبصر نحو: فتحك الباب والقفل والمتاع، كقوله تعالى: {فتحت أبوابها} [الزمر: 71]

{ولما فتحوا متاعهم}] يوسف:65 [. والثاني مدرك بالبصيرة كفتح الهم وهو إزالة الغم، وذلك ضربان: أحدهما الأمور في الدنيوية كغم يفرج وفقر يزال بمنح المال. والثاني فتح ما استغلق من العلم نحو: الشافعي فتح باباً مغلقاً] من العلم [، وهذا مقول في قوله تعالى:} إنا فتحنا لك فتحا مبينًا {] الفتح:1 [عنى تعالى ما فتحه عليه الصلاة والسلام من العلوم الإلهية والهدايات الدينية التي هي ذرائع إلى نيل أعلى المقامات المحمودة وإصابة الثواب الجزيل وسبب في غفران الذنوب. ولذلك عقبه بقوله تعالى:} ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر {. ويعبر بالفتح عن توسعه الرزق كقوله تعالى:} فتحنا عليهم أبواب كل شيء {] الأنعام:4 [وقوله تعالى:} لفتحنا عليهم بركات {] الأعراف:96 [المعنى: لوسعنا عليهم الرزق ولأقبلنا عليهم بالخيرات من كل وجه. قوله تعالى:} ويقولون متى هذا الفتح {] السجدة:28 [قيل: معناه إزالة الشبهة والشك الذين كانوا فيه من قيام القيامة ومشاهدة الساعة وأهوالها، وقيل: ما كانوا يستفتحون من العذاب ويطلبونه، لأن الاستفتاح طلب الفتح. ويعبر بالفتح عن الابتداء بالشيء؛ يقال افتتحت كذا بكذا، ومنه سميت فاتحة الكتاب للابتداء بها فيه. وفاتحة كل شيء مبدؤه الذي يفتح به ما بعده. وقوله:} إذا جاء نصر الله والفتح {] النصر:1 [يحتمل الظفر مع النصر والحكم، وما يفتح الله به من المعارف، ومثله قوله:} نصر من الله وفتح قريب {] الصف:13 [. وقوله:} وعنده مفاتح الغيب {] الأنعام:59 [قيل: هو جمع مفتح بفتح الميم والمراد بها الخزائن نفسها، والمراد أن أحدًا لا يتوصل إلى علم غيبه كقوله:} عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحد إلا من ارتضى من رسول {] الجن:26 - 27 [الآية. وقيل: هو جمع مفتح بكسر الميم وهو ما يفتح به، ومثله المفتاح وجمعه مفاتيح. والمراد أن الأشياء المتوصل بها إلى علم غيبه أستار، خاطبهم بما يعرفون. فإن تعذر عليه فتح

باب عجز عن معرفة ما في داخله، والمعنيان متلازمان. وقوله تعالى:} ما إن مفاتحه لتنوء بالعصبة {] القصص:76 [أراد الآلة التي يفتح بها، وقيل: الخزائن أنفسها، والأول أبلغ لأنه إذا كثرت المفاتيح. فتكثير المفتوح أبلغ. يقال: إنها كانت من جلود، طول كل واحد إصبع حمل ثمانين بغلًا، فهذه المفاتيح، فناهيك بالأموال. وقولهم: باب فتح وغلق أي مفتوح لكل أحد ومغلق عن كل أحد. وروى أبو هريرة عنه صلى الله عليه وسلم: "من وجد باباً غلقًا وجد إلى جانبه بابًا فتحًا" قال الهروي: قال الأصمعي: لم يذهب به إلى المفتوح ولكن السعة. قال أبو عبيد: يعني بالباب الفتح الطلب إلى الله عز وجل والمسألة. وكم فتح: أي واسع. قوله:} ففتحنا أبواب السماء بماء منهمر {] القمر:11 [عبارة عن إرسال المطر الخارج عن المعتاد، وقيل: عبر بذلك عن إجابة دعائه الكلي. والفتح: ماء النهر الجاري، وفي الحديث: "ما سقي بالفتح ففيه العشر". ف ت ر: قوله تعالى:} يسبحون الليل والنهار لا يفترون {] الأنبياء:20 [أي لا يسكتون ولا يقطعون عبادتهم ولا ينفك نشاطهم عن ذلك. وأصل الفتر والفتور: السكون بعد الشدة، وفي الحديث: "لك عمل شرة، ولكل شرة فترة، فمن فتر إلى سنتي فقد نجا وإلا فقد هلك:؛ قوله عليه الصلاة والسلام "لكل شرة فترة" إشارة إلى ما قيل: للباطل جولة ثم يضمحل وللحق دولة لا تذل ولا تقل. وقوله:} من فتر إلى سنتي {أي سكن إليها. والطرف الفاتر: الساكن ضعفًا، وهو مستحسن. وقوله تعالى:} على فترة من الرسل {] المائدة:19 [أي سكون خال من مجيء الرسول. والمعنى: قد أتى للرسل مدة قبله. وفي الحديث: "نهى عن كل مسكر

ومفتر"، فالمسكر: ما زال به العقل، والمفتر: ما يفتر الجسد بشربه؛ يقال: أفتر الرجل إذا ضعف جفونه وانكسرت. والفتر: ما بين طرف الإبهام والسبابة. يقال: فترته بفتري وشبريه بشبري. ف ت ق: قوله تعالى:} أن السموات والأرض كانتا رتقًا ففتقناهما {] الأنبياء:30 [الفتق: الفصل بين متصلين، ضد الرتق. والمعنى: كانا متلاصقين ففتقهما الله بالهواء. وقيل: فتق السماء بالمطر، والأرض بالنبات، وقد كانتا خلاف ذلك. والفتق والفتيق للصبح تصورًا منه أن الظلام قد أنفتق عنه. وأفتق القمر: إذا صادف فتقًا يطلع منه، ونصل فتيق الشفرتين: إذا كان له شعبتان كأن إحداهما فتقف من الأخرى. ويقال: جمل فتيق: تفتق سمنًا، كأنهم تصوروا منه تفتق جلده لامتلائه بالشحم. وتفتقت البهائم: أي انتفخت خواصرها من كثرة الرعي، وفي الحديث: "كان في خاصرتيه انفتاق" أي انتفاخ، وفي الحديث: "في الفتق الدية" قال الهروي: أقرأنيه الأزهري بفتح التاء، قال: وهو قطع الشحم المشتمل على الأنثيين، وقال الحربي: هو أنفتاق المثانة. وقال غيرهما: انفتاق الصفاق إلى داخل يصيب الإنسان في مراق بطنه. وفي الحديث: "حتى أفتق بين الصدمتين" أي خرج من مضيق الوادي إلى متسعه، ومنه: أفتق السحاب: إذا انفرج. ف ت ل: قوله تعالى:} ولا تظلمون فتيلاً {] النساء:77 [. قيل: هو ما في شق النواة مما يشبه الخط الرقيق. وقيل: ما يخرج من الوسخ عند فتلك أصابعك، والمعنى: قدر فتيل، وهو فعيل بمعنى مفعول يضرب به المثل في القلة والنزارة.

وفتلت الحبل: أحكمته، وفتلت الأمر: استعارة من ذلك. والفتيل: التي توفد في السراج، قال الأعشى:] من البسيط [ 1172 - هل تنتهون ولا ينهى ذوي شطط ... كالطعن يذهب فيه الزيت والفتل وناقة فتلاء الذراعين أي قويتهما محكمتهما، من فتلت الحبل: إذا قويته بفتل طاقاته وقواه بعضها إلى بعض. قال كعب بن زهير:] من البسيط [ 1173 - عيرانة قذفت بالنحض عن عرض ... مرفقها عن بنات الزور مفتول ويقال إنه اجتمع في النواة أربعة أشياء يضرب بها المثل في القلة والحقارة، وقد ذكرت منها ثلاثة في القرآن العزيز: الفتيل، والنقير وهو النقرة في ظهرها، والقطمير وهو اللفافة التي على ظهرها، والتفروق وهو العرق الذي بين القمع والنواة. وفي حديث النجاشي: "ولو سألوني تفروقًا ما أعطيتهم". ف ت ن: قوله تعالى:} إن الذين فتنوا المؤمنين والمؤمنات {] البروج:10 [. قيل: معناه حرقوهم بالنار، وذلك أنهم لما خدوا أخاديد في الأرض ملؤوها ناراً، وكانت على أفواه السكك فمن أبى دينهم ألقوه في تلك الحفرة. وأصله من فتنت الفضة: إذا أدخلتها النار ليتميز جيدها من رديئها، ثم أطلق ذلك على الابتلاء والامتحان. وقوله:} وفتناك فتوناً {] طه:40 [أي ابتليناك بضروب من الاختبارات. وسأل ابن جبير ابن عباس رضي الله عنهم عن ذلك فقال: ابتلى الأبناء بالذبح فنجا، فهذه فتنة يا ابن جبير وقتل القبطي ونجا، فهذه فتنة يا ابن جبير والفتون على هذا جمع، وقيل: بل

هو مصدر ومثله المفتون في أحد القولين من ذلك. قوله تعالى:} بأيكم المفتون {] القلم:6 [أي الفتون، كالمعقول والمجلود والميسور في قولهم: "ليس لهم معقول ولا مجلود" أي لا عقل ولا جلد. "وانظر إلى ميسوره" أي إلى يسره، وقيل: التاء مزيدة. والمفتون اسم مفعول على بابه، أي أيكم الشخص المفتون؟ قوله:} ثم لم تكن فتنتهم إلا أن قالوا {] الأنعام:23 [أي لم يظهروا الاختبار منهم إلا هذا القول. قوله:} والفتنة أكبر من القتل {] البقرة:217 [أي الشرك والحمل عليه، وذلك أنهم كانوا يتعذبون ضعفة المسلمين ليرجعوا إلى الكفر كفعل بني جمع ببلال وغيره حتى اشتراه أبو بكر وأعتقه. وفتنة عن كذا: صرفه عنه، ومنه قوله تعالى:} وإن كادوا ليفتنونك عن الذي أوحينا إليك {] الإسراء:73 [يقال: فتنت الرجل عن رأيه: صرفته عما كان يريده. وقيل: معناه ليوقعونك في البلايا والشدائد بصرفهم إياك عن إتباع القرآن، وحاشاه من ذلك صلى الله عليه وسلم. قوله تعالى:} ذوقوا فتنتكم {] الذاريات:14 [أي أثرها وما تسبب عنها. فأطلق السبب وأراد مسببه. قوله تعالى:} ألا في الفتنة سقطوا {] التوبة:49 [يعني في النار التي هي مسببة عن الفتنة، وذلك حيث طلبوا الخلاص من الفتنة بقولهم:} أئذن لي ولا تفتني {] التوبة:49 [، في قصة قالوها له عليه الصلاة والسلام بعبارة فظيعة. وأكثر استعمال

الفتنة في الشدة كالابتلاء. قال الراغب: وجعلت الفتنة كالبلاء في أنهما يستعملان فيما يدفع إليه الإنسان من شدة ورخاء، وهما أظهر معنى وأكثر استعمالًا، وقد قال تعالى:} ونبلوكم بالشر والخير فتنة {] الأنبياء:35 [، وقوله:} على خوف من فرعون وملئهم أن يفتنهم {] يونس:83 [أي يبتليهم ويعذبهم. قوله تعالى:} ولكنكم فتنتم أنفسكم {] الحديد:14 [أي أوقعتموها في الفتنة والعذاب. قوله} أنما أموالكم وأولادكم فتنة {] الأنفال:28 [سماهم فتنة اعتباراً بما ينال الإنسان من الاختبار بهم، وذلك لأنهم يحملونه على الاكتساب من كل وجه والاقتحام في كل هلكه، كما سماهم عدوًا في قوله:} إن من أزواجكم وأولادكم عدًوا لكم {] التغابن:14 [باعتبار ما يتولد منهم، وقد سماهم زينة في مواضع اعتباراً بعادة الناس في تكاثرهم بالأولاد. قوله:} أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون {] العنكبوت:2 [أي يختبرون، فيتميز خبيثهم من طيبهم وطائعهم من عاصيهم. وفي وزنه: "أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يأتكم مثل الذين خلوا {] البقرة:213 [. وقوله تعالى:} أولا يرون أنهم يفتنون في كل عام مرة أو مرتين {] التوبة:126 [أي يبتلون ويختبرون فينظر من يثبت على دينه في الصحة والمرض والسراء والضراء، ولا يكونوا كما قال فيهم:} ومن الناس من يعبد الله على حرف فإن أصابه خير أطمأن به وإن أصابته فتنة انقلب على وجهه {] الحج:11 [وقيل: هو إشارة إلى قوله تعالى:} ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات {] البقرة:155 [، ولذلك عقبه بقوله:} وبشر الصابرين {أي الحابسين أنفسهم على دينهم مع ما يصيبهم من هذه البلايا. ولم يقتصر على وصفهم بالصبر حتى حكي عن قولهم ما حكي في هذا المقام المدحض الذي تذهب فيه العقول وتطيش الحلوم، لاسيما عند من فسر الثمرات بثمرات الفؤاد وهي الأولاد كما أوضحنا في غير هذا الكتاب.

وقوله تعالى: {إن هي إلا فتنتك}] الأعراف:155 [أي ابتلاؤك واختبارك عبادك، لأن لك التصرف المطلق والتسلط التام والقهر الغالب فلا اعتراض. وما أضل المعتزلة حيث نكثوا عما فهم موسى! والفتنة تكون من الله تعالى بمعنى أنه يبتلي عباده ليشكروا أو يكفروا. ومن العباد أيضًا يمتحنون بها أحوال بعضهم بعضًا. قوله:} وأحذرهم أن يفتنوك {] المائدة:49 [قيل: معناه يصرفوك كما تقدم في نظيره، وقيل: ضمن معنى يخدعوك. وقوله تعالى:} ما أنتم عليه بفاتنين {] الصافات:162 [أي بمضلين. يقال: فتنه أي أضله، ومنه الحديث: "المسلم أخو المسلم يتعاونان على الفتنا" يروى بضم الفاء على أنه جمع فاتن أي يتعاونان على قتل المضلين، وبفتحها على أنه مثال مبالغة كضراب، والمراد به الشيطان. ف ت ي: قوله:} ودخل معه السجن فتيان {] يوسف:36 [. الفتى: الطري من الشبان، والأنثى فتاة. يقال: هي بين الفتاء، وأنشد لابن ضبع الفزاري:] من الوافر [ 1074 - إذا جاء الشتاء فأفنوني ... فإن الشيخ يهرمه الشتاء إذا عاش الفتى مئتين عاماً ... فقد ذهب اللذاذة والفتاء وجمع الفتى فيتة وفتيان، وعليهما قرئ:} وقال لفتيته {] يوسف:62 [ولفتيانه والرسم يحتملهما. وجمع الفتاة فتيات كقوله تعالى:} ولا تكرهوا فتياتكم على البغاء {] النور:33 [. ويعبر بالفتى والفتاة عن العبد والأمة، ومنه قوله تعالى: {وقال لفتيانه}. قيل:

مماليكه وخدمه، وقيل: فتياتكم أي إمامكم. وفي الحديث: "ولا يقل أحدكم عبدي ولا أمتي ولكن فتاي وفتاتي". قوله تعالى:} تراود فتاها عن نفسه {] يوسف:30 [. سموه بذلك لزعمهم أنها مالكته، ويحتمل أن يكون الأمر كذلك بتمليك زوجها إياه لها. قوله تعالى:} أفتنا في سبع بقرات سمان {] يوسف:46 [الإفتاء: جواب السائل عما يشكل عليه، ومنه المفتي لأنه يزيل إشكال المسائل ويوضح الأحكام. وقوله تعالى:} فاستفتهم {] الصافات:11 [أي اسألهم سؤال مستفت، يريد بذلك الزيادة في توبيخهم. والفتيا والفتوى بمعنى الإفتاء. وجمع الفتيا فتى بزنة فعى على وزن جمع عليا ودنيا. وجمع الفتوى الفتاوى بفتح الواو، والواو عن ياء؛ لأن لام فعلى الاسم إذا كانت صفة ياء قلبت واوًا، ولام فعلى الصفة تسلم نحو: صديا وحريا وطغيا. وفعلى بالضم الصفة مما لا واو تقلب ياء، يقال: دنيا وعليا، والأصل: دنوا وعلوا من الدنو والعلو. ولتحقيق هذا مقام آخر. والمفتي: مكيال بعينه؛ يقال: إنه مكيال هشام بن هبيرة العمري. وفي الحديث أن امرأة سألت أم سلمة أن تريها الإناء الذي كان يتوضأ منه عليه الصلاة والسلام فأخرجته، قالت: فقلت: هذا مكوك المفتي. روى شمر عن أبي حاتم، عن الأصمعي قال: المفتي: مكيال هشام ابن هبيرة العمري مكيال اللبن. وقال ابن الأعرابي: المفتي: قدح الشطار. وقد أفتى الرجل: إذا شرب به فهو مفت. وتفاتوا: تخاصموا، ومنه الحديث: "أن قومًا تفاتوا إليه". وقال الطرماح: [من الوافر].

فصل الفاء والجيم

1175 - أنخ بفناء أشدق من عدي ... من جرم وهم أهل التفاتي التفاتي: مصدر تفاني يتفاتى، نحو: توانى يتوانى توانيًا. والأصل تفاتيًا بضم التاء، وإنما كسرت لتصبح اللام، يدل على ذلك أنه مصدر تفاعل على تفاعل نحو: تقاتل تقاتلًا. فصل الفاء والجيم ف ج ج: قوله تعالى:} لتسلكوا منها سبلًا فجاجًا {] نوح:20 [. الفجاج: جمع فج وهو الطريق الواسع. وقيل: الفج كل شقة يكتنفها جبلان. وقوله تعالى:} يأتين من كل فج عميق {] الحج:27 [أي من كل طريق ومن كل واد غامض، وهو أبلغ أي لم تخف دعوتك على أحد من أهل السهل والجبل، والمادة دالة على السعة، ومنه الحديث: "فتفاجت عليه يعني الناقة فرجت رجليها للحالب. وفي حديث آخر يصف جملاً: "أزهر متفاج" يريد: يفتح ما بين رجليه ليبول، وكنى بذلك عن كونه في رعي وشرب، وذلك أنه إذا كان يرعى ويشرب كثر منه البول، وفي حديث آخر: "فركبت الفحل فتفاج". وفي حديث آخر: "كان إذا بال تفاج" أي بالغ في تباعد ما بين رجليه تحرزًا من البول واستبراء منه. وقد أفج بين رجليه أي باعد بينهما وجعل بينهما فجاجًا على الاستعارة. قيل: والفجج: تباعد الركبتين، وهو أفج من الفجج بالحاء المهملة فبل الجيم وجرح فج: لم ينضج بعد، وفي الحديث: "إن هذا الفجاج لا يدري ما الله" قيل: هو المهذار، وروي البجباج بالموحدة، وهو بمعنى الأول.

ف ج ر: قوله تعالى:} بل يريد الإنسان ليفجر أمامه {] القيامة:5 [أي أنه يسوف بالتوبة، والمعنى يريد الحياة ليتعاطى الفجور فيها. وقيل: معناه يذنب ويقول: غدًا أتوب، ثم لا يفعل؛ لبذله عهدًا لا يفي به، ومنه سمي الكاذب فاجرًا لأنه بعض الفجور. وأصل الفجور شق ستر الديانة والحياء، وذلك أن المادة تدل على شق الشيء وتوسعته، ومنه الفجر لأنه يشق الليل شقًا واسعًا. والفجر فجران: كاذب وصادق؛ فالأول كذنب السرحان يظهر ثم يخبو. والثاني هو الذي يعترض في الأفق ثم يمضي متزايدًا ضوؤه، وهو الذي تناط به أحكام الصوم والصلاة وغير ذلك. قوله تعالى:} وفجرنا الأرض عيوناً {] القمر:12 [أي شققناها شقوقًا واسعة تنبع منها المياه، ومنه قوله تعالى:} فتفجر الأنهار خلالها تفجيرًا}] الإسراء:91 [. ويقال: فجرت الشيء مخففًا ومثقلًا، وبهما قرئ قوله تعالى:} حتى تفجر لنا من الأرض ينبوعًا {] الإسراء:90 [. وفجر الرجل يفجر فجورًا فهو فاجر، والجمع فجار وفجرة. وقال تعالى: في موضع:} كلا إن كتاب الفجار لفي سجين {] المطففين:7 [وفي آخر:} أولئك هم الكفرة الفجرة {] عبس:42 [وذلك لما فيه من شق ستر الديانة كما قدمت تحقيقه. وقيل: أصل الفجور الميل عن القصد. وقال بعضهم في قوله تعالى:} بل يريد الإنسان ليفجر أمامه {أي يكذب بيوم القيامة الذي سيأتي، فهو أمامه، والكاذب فاجر فالمعنى يكذب بما أمامه من الحساب وغير ذلك، وأنشد بعضهم قول بعض الأعراب:] من الوافر [ 1176 - أقسم بالله أبو حفص عمر ... ما مسها من نقب ولا دبر فاغفر اللهم إن كان فجر

أي مال عن الحق. وسمي تفجر الأنهار بذلك لأن فيه ميلًا عن أحد الجانبين إلى الآخر. قوله تعالى:} وإذا البحار فجرت {] الانفطار:3 [قرئ مخففًا ومثقلًا. وقيل: فجر بعضها إلى بعض حتى تذهب مياهها، وقيل: تفجر العذب في الملح فتخلطان، وذلك هو خراب الدنيا وهلاك ما عليها من حيوان ونبات وشجر لعدم قوامهم لقوله تعالى:} وجعلنا من الماء كل شيء حي {] الأنبياء:30 [وفي دعاء القنوت: "ونخلع ونترك من يفجرك" أي من يعصيك ويكذب بوعدك ووعيدك، وقيل؛ من يتباعد عنك. وقيل؛ من يخالفك. وهي معان متقاربة. وأيام الفجار: وقائع اشتدت بين العرب، وفي الحديث: "كنت يوم الفجار أنبل على عمومتي" أي أناولهم النبل، وهي ثلاثة أفجرة كانت بين قريش وقيس، وسمي ذلك فجارًا لأنهم تحاربوا في الأشهر الحرم، فهذا من أشد الفجور. قوله تعالى:} فقلنا ضرب بعصاك الحجر فانفجرت {] البقرة:60 [أي تنبعت وتشققت مجاريها، وهذه معجزة في انفجار هذه الأعين من حجر يحمل في مخلاة على عاتق صاحبه كقدر رأس الإنسان، يشرب منه اثنا عشر سبطًا لا يعلم عددهم إلا خالقهم أو من قدره على ذلك. وكان ذلك بحسب إرادتهم. قال بعضهم: هذا بره بمن عصاه فكيف بمن أطاعه؟ ف ج و: قوله تعالى:} وهم في فجوة منه {] الكهف:17 [أي ناحية متسعة من الكهف. والفجوة: المتسع من الأرض بين جبلين أو تلين أو نحوهما، ومنه: قوس فجاء وفجواء: بان وترها عن كبدها. ورجل أفجى: بين الفجاء، أي متباعد ما بين العرقوبين لأن بينهما

فصل الفاء والحاء

فجوة - كما تقدم في الفجج - وجمعها فجوات. قال الراغب: والفجاء، وهذا غير مقيس. وفي الحديث: "فإذا رأي فجوة نص- أي سعة من الأرض- أسرع في سيره بعد العنق" وهما ضربان من السير. وفي حديث عبد الله: "لا يصلين أحدكم وبينه وبين القبلة فجوة" يريد ليصل ملتصقًا بما أمامه، ومنه الحديث: "إذا صلى أحدكم إلى شيء فليرهقه" أي ليغشه، كل ذلك حذراً من المرور بين يديه. فصل الفاء والحاء ف ح ش: قوله تعالى:} قل إن الله لا يأمر بالفحشاء {] الأعراف:28 [الفحشاء: ما تزايد فحشه واشتد نكره، والفاحشة كذلك، قال ابن عرفة في قوله:} إنما حرم ربي الفواحش {] الأعراف:33 [هي كل ما نهى الله عنه. والفواحش عند العرب كل ما قبح، ومنه مكان فاحش، وقد تفحش وتفاحش، ومنه قول الأنصاري للأحوص:] من الكامل [ 1177 - هل عيشنا بك في زمانك راجع ... فلقد تفحش بعدك المتعلل قوله:} إلا أن يأتين بفاحشة {] النساء:19 [قيل: الزنا، وقيل: اللواطة والبذاءة على الزوج أو على أحمائها. والفاحش: البخيل، والفاحشة: البخل، وأنشد لطرفة:] من الطويل [ 1178 - أرى الموت يعتام الكرام ويططفي ... عقيلة مال الفاحش المتشدد وذلك أن البخل من أفحش الفحش كقوله عليه الصلاة والسلام: "وأي داء أدوى من البخل". والفحش والتفحش من ذلك.

فصل الفاء والخاء

والمتفحش: الآتي بالفحشاء. وسمع النبي صلى الله علي وسلم عائشة تقول لليهود: "وعليكم السام واللعنة والإفن والذام. فقال لها: لا تقولي ذلك، فإن الله لا يحب الفحش والمتفاحش". قال الهروي. أراد بالفحش عدوان الجواب لا الفحش الذي هو من قذع الكلام لأنه لم يكن منها إليهم فحش، وقال غيره: إنه نهاها عن رد الجواب وإن كان مثلما قالوا تكرما. فأما إذا قالته فلا يرد عليه. والفحش - أيضًا - الزيادة على ما يتعارفه الناس حتى يخرج إلى حد الإنكار كطول القامة وكبر الوجه المفرطين، ومنه قول امرئ القيس:] من الطويل [ 1179 - وجيد كجيد الرئم ليس بفاحش ... إذا هي نضته ولا بمعطل أي ليس بطويل طولًا زائدًا عن عادة الاستحسان في نظائره، والحاصل أن كل ما تزايد قبحه فهو فاحش وإن خصه العرف بأخص من ذلك. فصل الفاء والخاء ف خ ر: قوله تعالى:} وتفاخر بينكم {] الحديد:20 [التفاخر: المباهاة في الأشياء الخارجة عن الإنسان كالمال والجاه، ولذلك قال تعالى:} أعلموا أنما الحياة الدنيا لعب ولهو وزينة وتفاخر بينكم وتكاثر في الأموال والأولاد {. قوله:} والله لا يحب كل مختال فخور {] لقمان:18 [أي كثير الخيلاء والفخر، ففخور مثال مبالغة كفخير. وفخرت فلانًا على فلان أفخره فخرًا، أي حكمت عليه بفضل. والفاخر: الشيء النفيس الذي يضن به، يقال: ثوب فاخر، وناقة فخور: إذا عظم ضرعها وكثر ردها. ونخلة فاخرة: طيبة البسر والتمر. قوله:} خلق الإنسان من صلصال كالفخار {] الرحمن:14 [. الفخار ما شوي

فصل الفاء والدال

من الطين بالنار. وقيل: كل مصوت من ذلك كأنه صور بصورة من يكثر التفاخر. فصل الفاء والدال ف د ي: قوله تعالى:} وإن يأتوكم أساري تفادوهم {] البقرة:85 [. الفداء والفدى- بالمد والقصر- بذل شيء في مقابلة نفس الإنسان من مال أو أسير آخر، وقرئ: "تفدوهم" و"تفادوهم" في المتواتر فقيل: هما بمعنى؛ يقال: فداه وفاداه. وقيل: فداه إذا بذل في مقابلته مالًا، وفاداه: إذا بذل في مقابلته أسيرًا آخر كأنهم راعوا المفاعلة؛ فمن المد قول حسان رضي الله عنه:] من الوافر [ 1180 - أتهجوه ولست له بكفء ... فشركما لخير كما الفداء ومن القول قول الآخر:] من الوافر [ 1181 - فدى لك من أخي ثقة إزاري والحق أن فدى- بالقصر- مصدر فدى الثلاثي، وبالمد مصدر فادى، نحو قاتل قتالًا. قوله:} لا فتدوا به {] الرعد:18 [أي افتعلوا الفداء عن أنفسهم. وتفادى فلان من فلان: إذا تحامى منه بشيء يبذله. وفديته بنفسي: أي جعلتها دونه، قال الشاعر:] من الوافر [ 1182 - محمد تفد نفسك كل نفس ... إذا ما خفت من شيء تبالا

فصل الفاء والراء

قوله تعالى: {ففدية من صيام}] البقرة:196 [. الفدية ما يفدي الإنسان به نفسه من مال يبذله في عبادة يقصر فيها، وهي الكفارة بعينها. فصل الفاء والراء ف ر ت: قوله تعالى:} وأسقيناكم ماء فراتًا {] المرسلات:27 [أي حلوًا بليغًا في العذوبة، من فرت الشيء أي شقة، فكأنه فرت العطش، والتاء فيه أصلية يوقف عليها تاء، وفيه لغية أنها يوقف عليها بالهاء، وهو شاذ. والفرات يقع على الواحد والجمع، يقال: ماء فرات، ومياه فرات. وقالوا: كل ماء عذب فهو فرات، وكل ماء ملح فهو بحر، وأنشدني بعضهم وقد رثي بعض الفضلاء من قصيدة لغيره:] من الوافر [ 1183 - فلا والله ما أنفك أبكي ... إلى أن نلتقي شعثا عراتا أألحى أن نزحت أجاج عيني ... على جدث حوى الماء الفراتا؟ وهو حسن بديع، وفي البيت الأول شذوذ غريب وهو إبدال تاء التأنيث ألفًا، والمشهور قلبها هاء بذهاب التنوين، وهذا لغة لبعضهم سمع منهم: أكلت تمرتًا، يريد تمرة. ف ر ث: قوله تعالى:} من بين فرث ودم {] النحل:66 [. الفرث: السرجين وهو ما في الكرش، وأصله من فرثت كبده أي فتتها. وقالت أم كلثوم بنت أمير المؤمنين رضي الله عنها، لأهل الكوفة: "أتدرون أي كبد فرثتم لرسول الله صلى الله عليه وسلم" والفرث - أيضًا- فت الصبر (وهي القدر من) التمر. والفراثة: ما أخرج من الكرش أيضًا، والمفارث: مواضع يسلخ فيها الغنم. ف ر ج: قوله تعالى:} وإذا السماء فرجت {] المرسلات:9 [كقوله تعالى:} إذا

السماء انشقت} [الانشقاق:1]. والفرج: الشق، ومنه فرج الحيوان. والفرج: الخروج من الضيق والشدة. قوله تعالى:} ما لها من فروج {] ق:6 [أي شقوق، بل هي ملتئمة الأجزاء ليس فيها صدوع كقوله تعالى:} هل ترى من فطور {] الملك:3 [. وسمي الخروج من الضيق فرجًا لانفتاح الضيق وانشقاقه. ويطلق على الدبر فرج، وأنشد لامرئ القيس يصف جملًا:] من الطويل [ 1184 - وأنت إذا استدبرته سد فرجه ... بضاف فويق الأريض ليس بأعزل يعني سد بذنبه ما بين وركيه؛ يصفه بكثرة شعر ذنبه، وهو محمود في الإبل وغيرها. والفرجة: الشق بين شيئين بفتح الفاء وضمها وحكي أن الحجاج طالب أبا عمرو وغيره بشاهد على جوار فرجه بفتح الفاء فخرج ينتقل في أحياء العرب يبتغي سماع ذلك، فبينا هو سائر إذا لقيه راكب ينشد:] من الخفيف [ 1185 - ربما تجزع النفوس من الأمر ... له فرجة كحل العقال قال: فسألته، فقال: مات الحجاج، قال: فلم أدر بأيهما أفرج؟ واستعير الفرج للثغر، وكل موضع مخافة. وقيل: الفرجان في الإسلام: الترك والسودان. وفي كلام الحجاج قبحه الله تعالى: "استعملتك على الفرجين والمصرين"؛ فالفرجان: خراسان وسجستان، والمصيران: البصرة والكوفة. وفي الحديث: "صلى وعليه فروج من حرير"؛ قال أبو عبيد: هو القباء الذي فيه شق من خلفه.

وفي الحديث: "لا يترك في الإسلام مفرج" يروى بالجيم والحاء المهملة؛ فمن رواه بالجيم فاختلف فيه؛ فقيل: هو القتيل يوجد في أرض فلاه ليس بقرب قرية فيودي من بيت المال. وقيل: هو من لا جرة له ولا أهل، فإذا قتل بين قوم وجهل] قاتله [وداه أولئك القوم. ومن رواه بالحاء فقال: هو الذي أثقله الدين، وقد أفرحه يفرحه: إذا أثقله وكأن الهمزة عندي للسلب لأنه بذلك يسلب فرحه ويزول. وهذا كان خطر لي، ثم رأيت الراغب قاله ولكن بزيادة فقال: وكأن الإفراح يستعمل في جلب الأفراح وهو إزالة الفرح، كما أن الإشكاء يستعمل في جلب الشكوى وفي إزالتها. وحقيقة المفرج: هو الذي ينفرج عنه القوم ولا يدرى قاتله. ورجل فرج: لا ينكتم سره. وفرج لا يزال ينكشف فرجه، وقوس فرج: انفرج سيتاها. وفراريج الدجان من ذلك لانفراج البيض عنها. ودجاجة مفرج: ذات فراريج، قال الشاعر:] من البسيط [ 1186 - كأن أصوات من إيغالهن بنا ... أواخر الميس أصوات الفراريج والفرج: انفراج الغم وانكشافه؛ قال الشاعر:] من الوافر [ 1187 - عسى الكرب الذي أمسيت فيه ... يكون وراءه فرج قريب فيأمن خائف ويفك عان ... ويأتي أهله الرجل الغريب ف ر ح: الفرح: انشراح الصدر، وأكثر ما يكون بلذة دنيوية عاجلة، ومن ثم نهي عنه في قوله:} ولا تفرح إن الله لا يحب الفرحين {] القصص:76 [. وقال تعالى:} لكي لا

تأسوا على ما فاتكم ولا تفرحوا بما آتاكم {] الحديد:23 [. والمفراح: الكثير الفرح لأنه مثال مبالغة، وأنشد:] من الطويل [ 1188 - ولست بمفراح إذا الخير مسني ... ولا جازع من صرفه المتقلب وقد أذن فيه تعالى بقوله:} فبذلك فليفرحوا {] يوسف:58 [لأنه أمر أخروي، ومثله:} ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله {] الروم:4 - 5 [لأنه نصرة لدين الله، وذلك أن الروم غلبت الفرس، والروم أهل كتاب في الجملة، والفرس عبدة نار لا كتاب لهم؛ فهم أبعد من المؤمنين. ويقال: رجل فارح: إذا حدث فرحة، وفرح: إذا كانت ذلك دائمًا أو غالبًا، وفي الحديث: "لا يترك في الإسلام مفرح" وقد تقدم تحقيقه. ف ر د: قوله تعالى:} وكلهم آتيه يوم القيامة فردًا}] مريم:95 [أي مفردًا من أهله وخلانه وماله، وقد كان يتعزز بذلك كله. ومثله قوله تعالى:} ولقد جئتمونا فرادى {] الأنعام:94 [الآية. وقيل: الفرد الذي لا يخلط به غيره، فهو أعم من الوتر، ويقال له تعالى: فرد بمعنى أنه تعالى يخالف الأشياء كلها في الازدواج المنبه عليه بقوله تعالى:} ومن كل شيء خلقنا زوجين {] الذاريات:49 [وقيل: الفرد هو المستغني عن كل شيء، وقد نبه عليه بقوله تعالى:} فإن الله غني عن العالمين {] آل عمران:97 [. وإذا قيل: هو منفرد بوحدانيته فمعناه أنه مستغن عن كله تركيب وازدواج، تنبيها أنه بخلاف كل موجود.

قوله: {ولقد جئتمونا فرادى} [الأنعام:94]. وقد فسر انفرادهم بقوله:} وتركتم ما خولناكم وراء ظهوركم وما نرى شفعاءكم الذين زعمتم {] الأنعام:94 [. وذلك أن الرجل في دنياه إنما يتعزز بماله ورجاله، وهؤلاء قد أتوا منكشفين من جميع ذلك، واعترض بين المفسر والمفسر بالتشبيه في قوله:} كما خلقناكم {أي عزلًا، فليتهم كما كانوا، كذا جاء في الحديث. وفرادى جمع فريد؛ نحو أساري وأسير. وقال الفراء: قوم فرادى وفراد. لا يجرونها أي يصرفونها، قال: تشبيهًا بثلاث ورباع، قال: وواحدها فرد وفرد وفردان. قال: ولا يجوز فرد في هذا المعنى. قوله تعالى:} رب لا تذرني فردًا {] الأنبياء:89 [أي وحيدًا من ولد يرثني. وفي الحديث: "طوبي للمفردين" قال أبو العباس عن ابن الأعرابي: فرد الرجل: إذا تفقه واعتزل الناس وخلا بمراقبة أوامر الله ونواهيه. القتيبي: هم الذين هلك لذاتهم من الناس ومضى القرن الذي كانوا فيه، فهم يذكرون الله تعالى: وقال الأزهري: المتخلون عن الناس بذكر الله تعالى. وقال بعض الأعراب لسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم:] من الرجز [ 1189 - يا خير من يمشي بنعل فرد يريد بنعل لم تخصف طراقًا، أي طريقة فوق أخرى، وهم يمدحون بمثل ذلك؛ يقولون: رقيق النعل، وفرد النعل: أي لم تطارق طبقة فوق أخرى، وعلى ذلك قال النابغة:] من الطويل [ 1190 - رقاق النعال طيب حجزاتهم ... يحيون بالريحان يوم السباسب قال الهروي: أراد بآخر العرب لأن لبس النعال لهم دون العجم. "لا تعد

فاردتكم، أي الزائدة على الفريضة. في ر د وس: قوله تعالى:} كانت لهم جنات الفردوس نزلا {] الكهف:107 [} الذي يرثون الفردوس هم فيها خالدون {] المؤمنون:11 [. قيل: هو كل بستان، وقيل: إذا كان فيه نخل وكرم وماء جار وإلا فهو بستان، وهل هو عربي أم فارسي معرب فيه قولان. وقيل: هو مكان مخصوص في الجنة، يقال: أنه أعلاها، ووزنه فعلل نحو: قرطعب. والتحقيق أن لا وزن له لعجمته. وقال الفراء: الفردوس هو البستان الذي فيه الكرم بلغة العرب، فظاهر هذا أنه عربي الأصل لا معرب. ف ر ر: قوله تعالى:} يقول الإنسان يومئذ أين المفر {] القيامة:10 [أي المهرب، من: فر الرجل يفر، وهو في الآية الكريمة يحتمل أن يراد به مكان الفرار وزمانه ونفس القرار، نحو المقتل والمضرب. والأصل: مفرر، وإنما أدغم. وأصل الفر الكشف؛ يقال: فررت عن الدابة فرارًا: إذا كشفت عن سنها لتعرف كم عمرها. والافترار: ظهور السن من الضحك. وفر عن الحرب فرارًا، وبه سمي الشاعر المشهور فقيل له الفرار. وقال امرؤ القيس يصف جوادًا: [من الطويل]

1191 مكر مفر مقبل مدبر معًا ... كجلمود صخر حطه السيل من عل وأفررته: جعلته فارًا. ورجل فار وفر. وقوله:} ففرت منكم {] الشعراء:21 [تنبيه منه صلى الله عليه وسلم على فرط تعديهم، وأنه بالغ في الهرب منهم فالفرار أخص من الهرب. وكذا قوله.} ففروا إلى الله {] الذاريات:50 [أي امتثال أوامره واجتناب نواهيه. وقد يستوي فيه الواحد المذكر والمثنى وضداهما على قاعدة الوصف بالمصدر، يقال: هذا فر، وهذان فر، وهؤلاء فر. وفي حديث سراقة: "هذان فر قريش" يعني النبي صلى الله عليه وسلم وأبا بكر. وفي حديث عون: "ما رأيت أحدًا يفرفر الدنيا فرفرة هذا الأعرج" يعني أبا حازم، أي: يمزقها ويشنعها بالذم لها كما يفرفر الذئب الشاة. وقال ابن عمر لابن عباس رضي الله عنهم: "كان يبلغني عنك أشياء كرهت أن أفرك عليها" أي أظاهرك وأكشفها لك، من فررت الدابة. وفي الحديث: "كان يفتر عن مثل حب الغمام" يريد تبدو أسنانه من غير قهقهة. وحب الغمام هو البرد. في ر ش: قوله تعالى:} ومن الأنعام حمولة وفرشا {] الأنعام:142 [الفرش: البقر والغنم. قال الأزهري: ومما يدل على هذا التسير قوله تعالى إثره:} ثمانية أزواج من الضأن اثنين {] الأنعام:143 [الآية. قال: ونصب ثمانية لأنه بدل من قوله:} حمولة وفرشًا. {فقوله} ثمانية أزواج {هي الحمولة والفرش، قال: وإلى هذا أذهب. قلت: ويجوز نصبه بإضمار فعل، وقال الراغب: والفرش: ما يفرش من الأنعام أي يركب، يعني كني بالافتراش عن الركوب، يعني أن منها ما يحمل عليه ومنها ما يركب، يعني أنه جامع بين هذين الأمرين. قوله:} وفرش مرفوعة {] الواقعة:34 [قيل: كني بذلك عن النساء في الجنة،

والعرب تفعل ذلك. يقولون: هو كريم المفارش والفرش، ومعنى مرفوعة أي عالمية في جنسها رفيع محلها، وقيل مصونة غير مبتذلة. وقيل: الفرش ما يفترش من متاع البيت، وهو أظهر. وقيل: معنى رفعها مراد بها النساء أنها فاقت نساء أهل الدنيا. والفراش: ما يجلس عليه، ومنه قوله تعالى:} جعل لكم الأرض فراشًا {] البقرة:22 [أي مفرشه مستقرًا عليها، ولم يجعلها ناتئة غير ممكن الاستقرار عليها. وافترش الرجل صاحبه: اغتابه وأساء قوله فيه. وأفرش عنه: أقلع. قوله تعالى:} كالفراش المبثوث {] القارعة:4 [. الفراش: صغار البق ونحوه، وهو ما يتهافت وقوعًا في النار؛ سمي بذلك تصورًا منه أنه يفرش الجو. وبه يضرب المثل في الطيش وخفة الحلم. وأنشد:] من الرمل [ 1192 - وفراش الحلم فرعون العذاب وإن شبه الناس يوم القيامة من فزعهم وظهور جزعهم وذهاب عقولهم بفراش انتشر وتفرق، ولا يرى أبلغ من هذا التشبيه وما فيه من التنبيه على هول ذلك اليوم، ومثله:} يوم ترونها تذهل كل مرضعة عما أرضعت {] الحج:2 [. رزقنا الله بمنه في ذلك اليوم أمنه بمن أنزل عليه أشرف كتبه. والفراشة: الماء القليل في الإناء. وهي- أيضًا- فراشة القفل على التشبيه في الهيئة، وفي الحديث: "نهى عن افتراش السبع في الصلاة" وهو أن يبسط ذراعيه على الأرض ولا يرفعهما في سجوده. وأنشد لعمرو بن معدي كرب:] من الوافر [ 1193 - ترى السرحان مفترشًا يديه ... كأن بياض لبته الصديع وفي آخر: "إلا أن يكون] مالًا [مفترشا" أي لا مغضوبًا قد انبسطت فيه الأيدي بغير حق. قوله عليه السلام: "الولد للفراش" أي لصاحب الفراش وهو الزوج أو

المالك، وهذا معدود من مختصر الكلام. وفي الحديث: "لكم العارض والفريش" قيل: الفريش هي التي قرب وضعها أو وضعت قريبًا كالنفساء. وقيل: هو كل نبات لا ساق له كأنه فرش على الأرض؛ فعيل بمعنى مفعول، وقيل: هو الموضع الذي يكثر به النبات. ف ر ض: قوله تعالى:} لا فارض ولا بكر {] البقرة:68 [. الفارض من البقر التي طعنت في السن كأنها فرضت سنها أي قطعته. وقيل: سمي فارضًا لأنه فارض الأرض أي قاطع لها أو قاطع لما يحمل من الأعمال الشاقة. وقيل: بل لأن فريضة البقر اثنان: تبيع ومسنة؛ فالتبيع يجوز في حال دون حال، والمسنة يجوز بذلها في كل حال، فسميت المسنة فارضًا لذلك. قال الراغب: فعلى هذا يكون الفارض اسمًا إسلاميًا، وإنما سمي الفارض فارضًا لقدمه، وكل قديم يقال له فارض. وأنشد يقول:] من الرجز [ 1194 - يا رب ذي ضغن على فارض ... له قروء كقروء الحائض وأصل الفرض: قطع الشيء الصلب والتأثير فيه كمقطع الحديد، وفرض الزند والقوس. والمفوض والمفراض: ما يقطع به الحديد. فرضة الماء: مقسمة. والفروض والواجب عند بعضهم مترادفان، وعند آخرين متغايران، فالفرض ما ثبت بدليل قطعي، كفرض الظهر وغيره من الخمس. والواجب ما ثبت بدليل كالوتر. قال الراغب: والفرض كالإيجاب لكن الإيجاب يقال اعتبارًا بوقوعه وثبوته، والفرض بقطع الحكم فيه. قال تعالى:} سورة أنزلناها وفرضناها {] النور:1 [أي أوجبنا العمل بها، وقال تعالى:} وإن الذي فرض عليك القرآن لرادك إلى معاد {] القصص:85 [أي أوجب عليك العمل به، ومنه يقال لما ألزم الحاكم من النفقة: فرض. وقرئ "وفرضناها مخففًا ومشددًا؛ فالمخفف بمعنى: جعلنا فيها فرائض الأحكام، والتشديد: جعلنا فيها

فريضة بعد فريضة. وقال الأزهري: في التخفيف: ألزمناكم العمل بها، وبالتشديد فضلناها وبينا ما فيها. والفرض على التمر لأنه يقطع للأكل، وأنشد الهروي عن الأزهري:] من الرجز [ 1195 - إذا أكلت سمكًا وفرضا ... ذهبت طولًا وذهبت عرضا قوله تعالى:} نصيبًا مفروضًا {] النساء:7 [أي مقطوعًا، وقيل موفيًا، وقيل معلومًا. قوله:} وقد فرضتم لهن فريضة {] البقرة:237 [أي سميتهم لهن مهرًا وأوجبتم على أنفسكم ذلك وقطعتموه لهن. وقيل: للذين فرائض لأنها أمور مقطوع بها، وفرائض الميراث لأنها قطعت وفصلت. قوله تعالى:} ما كان على النبي من حرج فيما فرض الله له {] الأحزاب:38 [أي ما حدده وبينه وفصله. يقال لما أخذ في الصدقة فريضة، ومنه كتاب أبي بكر لبعض عماله: "هذا كتاب فيه فريضة الصدقة التي فرضها رسول الله صلى الله عليه وسلم على المسلمين". قوله تعالى:} فمن فرض فيهن الحج {] البقرة:197 [أي أوجب على نفسه. قال ابن عرفة: الفرض: التوقيت، وكل فرض مؤقت فهو فروض. والفرض: العلامة - أيضًا - وقيل: معناه من عين على نفسه إقامة الحج، فإضافة فرض الحج على الإنسان دلالة على أنه هو معين الوقت، كذا قال الراغب. يعني أنه في هذه الأشهر مخير فأي وقت عينه فيها جاز. وخطب ابن الزبير خطبة قال فيها: "واجعلوا السيوف للمنايا فرضًا" يريد: اجعلوا السيوف طرقًا للموت، يريد: تعرضوا للشهادة بأن تقاتلوا. والفرض: جمع فرضة وهي مشارع الماء، وهذه استعارة بليغة.

ف ر ط: قوله: {ما فرطنا في الكتاب من شيء} [الأنعام:38] أي ما تركنا وقصرنا ولم نعجز عن إيداع جميع الأشياء فيه. والمعنى: ما ضيعنا شيئًا من ذلك: فرط يفرط: إذا تقدم، وفرط يفرط: إذا ضيع وعجز، وأفرط يفرط الماء، نجاوز الحد واشتط. وقيل: فرط يفرط: إذا تقدم تقدمًا بالقصد، ومنه الفارط إلى الماء: المتقدم لإصلاح الدلو. قوله تعالى:} وهم لا يفرطون {] الأنعام:61 [أي لا يقصرون ولا يغفلون. قوله تعالى:} ومن قبل ما فرطتم في يوسف {] يوسف:80 [أي من قبل تفريطكم أي تقديمكم الذئب. وقال ابن عرفة: معنى التفريط أن تترك الشيء حتى يمضي وقت إمكانه، ثم يخرج إلى وقت يمتنع فيه، ومنه التفريط في الصلاة وهو تركها حتى يتقدم وقتها. قوله تعالى:} وأنهم مفرطون {] النحل:62 [. قال مجاهد: منسيون، وقيل: متروكون في النار. وقال الأزهري: الأصل فيه أنهم مقدمون إلى النار معجلون إليها. يقال: أفرطته أي أقدمته، وقرئ بكسر الراء وهي شاذة. قوله تعالى:} وكان أمره فرطًا {] الكهف:28 [أي مضيعًا متهاونًا به. قال أبو عبيدة: أي ندمًا. وقيل: سرفًا، وكأنه المتجاوز فيه. قوله تعالى:} إننا نخاف أن يفرط علينا {] طه:45 [أي يتجاوز، وقيل: يعاجلنا ويقدم لنا العقوبة. يقال: فرط من فلان أمر: أي بدر، وقال ابن عرفة: معناه يعجل فيقدم لنا منه مكروه، وهو قريب مما تقدم. وفي الدعاء للطفل الميت: "واجعله فرطا" أي أجراً متقدماً. وفي الحديث: "أنا فرطكم على الحوض" أي أتقدمكم، يقال:

فرطت القوم أي تقدمتهم، لترد لهم الماء وتهيئ الدلاء والرشاء. وأفرط فلان ابنًا له: أي تقدم له ابن. وفي الحديث: "أنا والنبيون فراط القاصفين" أي متقدمون في الشفاعة. وفي الحديث: "نهاك عن الفرطة في البلاد" أي التقدم والسبق. وفرس فرط: أي سابق غيره من الخيل. ف ر ع: قوله تعالى:} وقال رجل مؤمن من آل فرعون {] غافر:28 [. فرعون اسم أعجمي، يقال: كل من ملك مصر فهو فرعون، وقيل: كل من ملك العمالقة فهو فرعون، كما أن كل من ملك الروم فهو قيصر، ومن ملك الفرس كسرى، وكل من ملك اليونان فهو بطليموس، وكل من ملك الحبش فهو نجاشي، وكل من ملك حمير فهو تبع. واختلف في اسمه الأصلي؛ فقيل: مصعب، وقيل غير ذلك، وقد تصرفت فيه العرب واشتقوا منه فعلًا فقالوا: تفرعن فلان: إذا فعل فرعون، وقالوا: هم الفراعنة للعتاة، وأنشد بعضهم:] من البسيط [ 1196 - قد جاء موسي كليم الله فزاد في ... أقصى تفرعنه وفرط غرامه وهذا كما قالوا: أبلس فلان: أي فعل فعل إبليس. وقالوا: أبالسة. وظاهر تصرفه فيما ذكرته يدل على أصالة نونه لثبوتها في تصاريفه. وقد يقال: إنه لما كان أعجميًا لم يعتبر ذلك. وفروع الشجرة: أغصانها، ويقال ذلك باعتبارين: إما باعتبار الطول والامتداد يقال: فرع فلان كذا: إذا أطاله، ومنه قيل للشعر. وامرأة فرعاء: طويلة الشعر، ورجل أفرع، قال امرؤ القيس:] من الطويل [ 1197 - وفرع يغشي المتن أسود فاحم ... أثيث كقنو النخلة المتعثكل وقال الأعشى: [من البسيط]

1198 - غراء فرعاء مصقول عوارضها ... تمشي الهويني كما يمشي الوجي الوحل وفرعت الجبل: أي توقلته. وفرعت رأسه بالسيف. وافترعت المرأة وتفرعت في بني فلان: تزوجت في أشرافهم. وإما باعتبار الأخذ من الشيء أو ما قاربه، ومنه قليل للولد: فرع والده، وفرع المسألة: ما نشأ منها ولذلك قوبل بالأصل. وفرع الشجرة يقال بالاعتبارين: الطول وكونه من أصل نشأ عنه، وفي الحديث: "لا فرع ولا فرعة في الإسلام". قال أبو عبيد: الفرع والفرعة بفتح الراء: أول ما تلد الناقة، وكانوا يذبحونها لآلهتهم في الجاهلية فنهي المسلمون عن ذلك. وقال أبو مالك: كان الرجل إذا بلعت إبله مئة قدم بكراً فنحره فذلك الفرع. ف ر غ: قوله تعالى:} وأصبح فؤاد أم موسى فارغًا {] القصص:10 [أي خالبًا من الصبر لشدة تهالكها عليه. وقيل: خالبًا من كل شيء إلا من ذكر موسى، وقيل: فارغًا من الاهتمام بموسى لأن الله تعالى وعدها أن يرده إليها. وقيل: أنسيناها ذكره حتى احتملت أن تلقي فلذة كبدها في البحر، وهذا لا يقدر عليه بشر إلا بأن يقدره الله عليه، ويؤيد الآخر قوله تعالى:} لولا أن ربطنا على قلبها {] القصص:10 [بعد قوله:} إن كادت لتبدي به {. قوله تعالى:} سنفرع لكم {] الرحمن:31 [أي سنعمل، وهو مما يتعارفه

الناس في محاوراتهم: 1199 - ولما اتقى القين العراقي باسته ... فرغت إلى العبد المقيد في الحجل والفراغ في اللغتين على وجهين: الأول الفراغ من شغل، وهذا غير جائز على الله تعالى أنه لا يشغله شأن عن شأن، والثاني: القصد للشيء. والإفراغ: الصب، ومنه:} أتوني أفرغ عليه قطرًا {] الكهف: 96 [واستعير ذلك في المعاني؛ فقيل: أفرغ الله علينا الصبر؛ قال تعالى:} ربنا أفرغ علينا صبرًا}] البقرة:250 [وأفرغت الإناء: صببت ما فيه، ومنه استعير: ذهب دمه فرغًا، أي مصبوبًا باطلًا غير مأخوذ بثأره. قال الشاعر:] من البسيط [ 1200 - أهان دمك فرغًا بعد عزته ... يا عمرو بغيك إصرارًا على الحسد وقال أخر:] من الطويل [ 1201 - فإن تلك أذواد أصبن ونسوة ... فلن تذهبوا فرغًا بقتل حبال فرغًا: حال من بقتل قدم عليه. وحمار فراغ، ودابة فراغ، أي سريعة السير، ومنه حديث الأنصاري: "حملنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على حمار لنا قطوف فنزل عنه فإذا هو فراغ لا يساير" أي لا يمكن مسايرته لسرعته وذلك ببركته صلى الله عليه وسلم. ف ر ق: قوله تعالى:} وما أنزلنا على عبدنا يوم الفرقان {] الأنفال:41 [قيل: هو يوم

بدر، وذلك أنه فرق فيه بين الحق والباطل، وتبين أن دين الله هو الغالب. فالفرقان مصدر فرق يفرق، وأصله في الأعيان نحو: فرقت بين الإناءين. وسمي يوم بدر بيوم الفرقان لأنه أول يوم حصل فيه الفرق بين الحق والباطل. وتقديره تقدير رجل قنعان أي يقنع به في الحكم. والفرق يستعمل في ذلك وفي غيره. وقيل: الفرقان: اسم لا مصدر قاله الراغب، والفرق] والقلق متقاربان. وقال الراغب: لكن الفلق يقال اعتبارًا بالانشقاق. والفرق اعتبارًا بالانفصال [والفرق: الطائفة من الناس المنفصلة عن غيرها، قال تعالى:} فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة {] التوبة:122 [. قوله تعالى:} فكان كل فرق كالطود العظيم {] الشعراء:63 [. فالفرق قطعة من الماء منفصلة، والفريق: الجماعة المنفردة أيضًا، كقوله تعالى:} فريق في الجنة وفريق في السعير {] الشورى:7 [. وفرقت بين الشيئين: فصلت بينهما، وهذا الفصل قد يكون مدركًا بالبصر كما في الأشخاص، وقد يكون مدركًا بالمعاني، ومنه الفرق بين المسألتين، وهذا إبداء معنى لم يوجد في الطرف الآخر مع تخيل التساوي. قوله تعالى:} فالفارقات فرقًا {] المرسلات:4 [قيل: عنى الملائكة، فإنه يفرقون بين الحق والباطل حسبما أمرهم الله تعالى به. وقيل: بفصل الأشياء حسبما أمروا به من زيادة رزق هذا وعمره، ونقص آخر منهما، حسبما ورد بذلك ظاهر أحاديث مشهورة. وقوله تعالى:} وقرآنا فرقاه {] الإسراء:106 [أي فصلناه وبينا فيه الأحكام، وقرئ} فرقناه {مشددًا أي نجمناه في التنزيل، ولذلك قال:} ونزلناه تنزيلًا {. قوله تعالى:} لا نفرق بين أحد من رسله {] البقرة:285 [إنما دخلت بين على أحد وإن كان بلفظ الإفراد. وبين لا تدخل إلا على متعدد لأنه يفيد الجمع في سياق

النفي، والمعنى أن الإيمان بكل الرسل واجب، وكذلك بجميع الكتب السماوية وبجميع الملائكة، فلو آمن واحد ببعض أولئك فإيمانه كلا إيمان، وحينئذ يكون المؤمن بالبعض قد فرق بين رسول ورسول وكتاب وكتاب، مع أن كلًا منهم يدلي بما يدلي الآخر. فما معنى التفرقة بينهم في ذلك؟ قوله تعالى:} إن الذين فرقوا دينهم {] الأنعام:159 [أي جعلوا دينهم مختلفًا، فخلطوا حقه بباطله، بأن آمنوا ببعض الرسل وبعض الكتب، وكفروا ببعض، فهو في معنى الآية قبلها. وقرئ} فارقوا {أي تركوا. ويطابق الأولى قوله بعده} وكانوا شيعًا {أي فرقًا مختلفة. قوله تعالى:} إن تتقوا الله يجعل لكم فرقانًا {] الأنفال:29 [أي نورًا وتوفيقًا في قلوبكم يفرق بين الحق والباطل، فكأن الفرقان ههنا كالسكينة والروح في غيره. وقال الفراء: أي فتحًا ونصرًا ونجاة. يقال للصبح فرقان لفرقة بين النور والظلمة، ولأنه يفرق به بين الأشياء، ومنه قولهم: قد طلع الفرقان. والفرقان: كلام الله تعالى في سائر كتبه المنزلة لأنه يفرق بين الحق والباطل في الاعتقاد، والكذب والصدق في المقال، والصالح والطالح في الأعمال. وهذا المعنى موجود في القرآن والتوراة والإنجيل والزبور، ويدل على ذلك قوله تعالى:} ولقد آتينا موسى وهارون الفرقان وضياء {] الأنبيا:48 [. قوله تعالى:} وظن أنه الفراق {] القيامة:28 [أي تيقن أو ترجح عنده أنه زمن مفارقته الدنيا، وأنه ميت لا محالة، يعني بذلك المحتضر بدليل تقدم قوله تعالى:} كلا إذا بلغت التراقي {. وتأخر قوله:} والتفت الساق بالساق {الآية. والفراق والمفارقة يكونان بالأبدان وبغيرها ولكن بالأبدان أكثر؛ فيقال: فارقت روحه جسده. والفرق: شدة الفزع لأنه يفرق القلب ويشعبه لما يحصل فيه من الخوف،

واستعمال الفرق فيه كاستعمال الصدع والشق فيه. ويقال: رجل فروق وفروقة أي كثير الفرق، وفروقة أبلغ كعلامة، ويستوي فيه المذكر والمؤنث؛ فيقال: امرأة فروق وفروقة. ومنه قيل للناقة النادة في الأرض من وجع المخاض: فارق وفارقة، وبه شبهت السحابة المنفردة فقيل لها فارق. والأفرق من الديكة: ما عرفه مفروق، ومن الخيل ما إحدى وركيه أرفع من الأخرى. والفروقة:- أيضًا - شحم الكليتين. والفريقة: تمر يطبخ بحلبة. قوله تعالى:} ويريدون أن يفرقوا بين الله ورسله {] النساء:150 [أي يظهرون الإيمان بالله ويكفرون بالرسول، وهذا خلاف ما أمرهم الله به، فإنه قرن الإيمان به بالإيمان بالله، فمن كفر برسوله لم يؤمن بالله. فنسأل الله تعالى بمن جعل له هذه الرتبة أن يمن علينا برؤياه في الجنة آمين. والفرق - أيضًا - إناء أو مكيال يسع اثني عشرًا مدًا، وفي الحديث: "كان يغتسل مع عائشة رضي الله عنهما من إناء يقال له الفرق". قال أبو الهيثم: هو إناء يأخذ ستة عشر رطلًا وذلك ثلاثة أصوع. والفريقة - أيضًا - طائفة تشذ وتنفرد عن الغنم، ومنه الحديث: "ما ذئبان عاديان أصابا فريقة غنم" والفرق - أيضًا -: القطيع من الغنم، وفي حديث عثمان أنه سأل فقال: "كيف تركت أفاريق العرب" الأفاريق جمع أفراق، والأفراق جمع فرق وفرقة وفريق بمعنى واحد. قوله تعالى:} وتنحنون من الجبال بيوتًا فارهين {] الشعراء:149 [أي أشرين بطرين، والجمع فره. وقرئ فارهين وفرهين فقيل بمعنى، نحو [بار وبر]. وقيل:

فارهين: حاذقين، وفرهين: أشرين مرحين. وناقة مفره ومفرهة: تنتج الفره. والفراهة تكون في الإنسان وفي غيره من الحيوان، يقال رجل فاره ودابة فاره. وقولهم: هو أفره عبد وأفره عبدًا؛ فهو على الأول عبد وعلى الثاني مالك عبد، وهذا يعرف من صناعة النحو لا من هنا. ف ر ي: قوله تعالى:} لقد جئت شيئًا فريا {] مريم:27 [أي عظيمًا، وقيل: عجيبًا، وقيل: مصنوعًا مختلفًا، ومعناها متقارب. وفي الحديث لما وصف عمر فقال: "لم أر عبقريًا يفري فريه. وأصل الفري قطع الجلد للخرز، قال زهير بن أبي سلمى:] من الكامل [ 1102 - ولأنت تفري ما خلقت وبعض ... ـ القوم يخلق، شهم لا يفري والفري: الإصلاح، والإفراء: الإفساد، كأن الهمزة فيه للسلب، وإذا أزيل الإصلاح صار فسادًا. والافتراء: افتعال من الفري أو الإفراء، وهو أقبح الكذب، أو الكذب مع التعمد عند من يرى أن الكذب مخالفة في الواقع مطلقًا. ولذلك موضع حققناه فيه ولله الحمد، وقد ذكرنا منه طرفًا في هذا الكتاب عند كلامنا على الصدق والكذب. ووقع الافتراء والمراد به الكذب والشرك والظلم، كل ذلك بحسب المقامات الواردة في الكتاب. وافترى الرجل: لبس الفراء. والفراء: جمع فروة، وهذا يستعمل في التورية فيقال: افترى زيد: أي لبس الفروة. وقوله عليه السلام في حق سفيان بن حرب: "أنت كما قيل: كل الصيد في جوف الفرا" فالفراء مقصور مهموز ليس من هذه المادة وإن كان بعضهم

فصل الفاء والزاي

يرويه "الفراء" بحرف المد وليس بصواب، كذا قيل، وفيه نظر من حيث إنه إذا وقف على مثل هذه الهمزة جاز قبلها ألفًا، فالمنطق بذلك ليس خطأ إنما الخطأ اعتقاد كونثه غير مهموز، والله أعلم. فصل الفاء والزاي ف ز ز: قوله تعالى:} واستفزز من استطعت منهم {] الإسراء:64 [أي أزعجهم وقلقهم. يقال: استفزه يستفزه أي: استخفه مزعجًا له، ومنه قوله تعالى:} وأن كادوا ليستفزونك من الأرض ليخرجوك منها {] الإسراء:76 [، ومثله:} فأراد أن يستفزهم من الأرض {] الإسراء:103 [أي يزعجهم ويحركهم تحريكًا عنيفًا. ويقال: فلان أزعجني واستفزني: استدعاني استدعاء يستخفني به، وأنشد لأبي ذؤيب:] من الكامل [ 1203 - والدهر لا يبقى على حدثانه ... شبب أفزته الكلاب مروع أي استخفته وأزعجته، فالمعنى: استدعهم استدعاء تستخفهم به إلى إجابتك بصوتك أي بدعائك. وسمي ولد البقرة فزًا لما تصور فيه من الخفة، كما سمي عجلًا لما تصور فيه من العجلة. ف ز ع: قوله تعالى:} وهم من فزع يومئذ آمنون {] النمل:89 [. الفزع: قيل الخوف وليس بظاهر، بل الفزع أخص منه. وهو كما فسره بعض الحذاق: انقباض يعتري الإنسان ونفار من كل شيء مخيف، وهو من جنس الجزع. قال: ويقال: خفت من الله ولا يقال: فزعت منه.

وقوله تعالى: {لا يحزنهم الفزع الأكبر} [الأنبياء:103]. قيل: الفزع: دخول النار والخلود فيها. وقيل: هو أن يؤتى بالموت على هيئة كبس أملح فيوقف بين الجنة والنار، وأهلهما ينظرون إليه فيذبح ويقال: يا أهل الجنة خلود بلا موت، ويا أهل النار خلود بلا موت، فلذلك هو الفزع الأكبر. اللهم أمنا كما أمنت أولئك من هذا الفزع الأكبر بحرمة من أنزلت عليه كتابك الكريم. قوله تعالى:} حتى إذا فزع عن قلوبهم {] سبأ:23 [أي كشف عن قلوبهم الفزع، قال الفراء: المفرع يكون شجاعًا ويكون جبانًا؛ من جعله شجاعًا مفعولًا به قال:] من الكامل [ 1204 - وبمثله تتنزل الأفزاع قال الهروي: ومنه قول عمرو بن معدي كرب وقد قال له بعضهم: "لاضرطنك": "إنها لعزوم مفزعة" أي صحيحة بها تنزل الأفزاع فتجليها، ومن جعله جبانًا أراد: يفزع من كل شيء. قال الفراء: هذا مثل قولهم: رجل مغلب أي غالب، ومغلب أي مغلوب. وفزع يفزع فزعاً: إذا حل به الفزع. وفزع - أيضًا - استغاث. ونزع: أغاث. وفي الحديث: "فزع أهل المدينة ليلاً فركب رسول الله صلى الله عليه وسلم فرسًا معروريًا لأبي طلحة" أي استغاثوا. ومن مجيء فزع بمعنى أغاث قوله طلحة اليربوعي] من الطويل [ 1205 - فقلت لكأس ألجميها فإنما ... حللت الكثيب من زرود لأفزعا

فصل الفاء والسين

أي لاغيث، ومن مجيء فزع بمعنى أغاث - أيضًا - قول سلامة:] من البسيط [ 1206 - كنا إذا ما أتانا صارخ فزع ... كان الصراخ له قرع الظنابيب كذا قال الهروي، إلا أن الغالب لم يرتض بذلك فقال: وقول الشاعر: 1207 - كنا إذا ما أتانا صارخ فزع أي صارخ أصابه فزع. ومن فسره بأن معناه المستغيث كان ذلك تفسيرًا للمقصود من الكلام لا للفظ الفزع. وقال الهروي بعد إنشاد البيت: تقول: إذا ما أتانا مستغيث كانت إعانته منا الجد في نصرته. يقال: قرع لذلك الأمر ظنبوبه: إذا وجد فيه، قال: فالفزع يكون بمعنيين؛ أحدهما الرعب، والثاني النصرة. والفزع - أيضًا-: الهبوب من النوم، وفي الحديث "أنه عليه الصلاة والسلام فزع من نومه وهو يضحك" أي هب. وقال عليه الصلاة والسلام للأنصار: "إنكم لتكثرون عند الفزع وتقلون عند الطمع" يريد عليه الصلاة والسلام: تكثرون عند النصرة والإغاثة والإنجاد. وأفزع يقال بمعنيين أحدهما: أزال فزعي ونصرتي، والثاني: حصل لي فزعًا؛ فالهمزة تكون للسلب وللصيرورة، وكذلك التضعيف، يقال: فزعني، أي أزال فزعني أو حصله لي. فصل الفاء والسين ف س ح: } إذا قيا لكم تفسحوا في المجالس} [المجادلة:11] أي توسعوا في

مجالسكم بأن تتأخروا ولا تضيقوا، وذلك بعض أكابر الصحابة أتى مجلس النبي صلى الله عليه وسلم فلم يجد مكانًا، وأبي القوم أن يفسحوا له فنزلت، ولذلك قال:} وإذا قيل انشزوا فانشزوا {أي ارتفعوا عن أمكنتكم لتوسعوا لغيركم. ومكان فسح وفسيح وفساح أي: متسع، وفي حديث أم زرع: "وبيتها فساح". ويروى فياح، وهما بمعنى. ومنه استعير: فسحت له في هذا الأمر، أي أذنت له فيه، ولم أمنعه من فعله فأضيق عليه. ف س د: قوله تعالى:} ألا إنهم هم المفسدون {] البقرة:12 [الفساد لغة: خروج الشيء عن الاعتدال والاستقامة، قل ذلك الخروج أو كثر، ويكون في الأعيان والمعاني. ومنه فساد العقائد أعاذنا الله منه. ويستعمل في النفس والبدن. وفي الحديث: "إذا فسد القلب فسد سائر البدن" يقال: فسد يفسد فسادًا فهو فاسد. وأفسد يفسد فهو مفسد إفسادًا. قوله تعالى:} وإذا تولى سعى في الأرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل {] البقرة:205 [من باب عطف الخاص على العام تنبيها على زيادته في جنسه، فإن الإفساد يعم إهلاك الحرث والنسل وغيره قوله تعالى بعد ذلك:} والله لا يحب الفساد {] البقرة:205 [. نفى محبته للفساد من الأصل وإن كان لولا ذلك المعنى المقصود الإفساد هو المطابق لقوله أولًا ليفسد فيها لأنه من أفسد. ف س ر: قوله تعالى:} إلا جئناك بالحق وأحسن تفسيرًا {] الفرقان:33 [أي كشفًا وبيانًا. والتفسرة لغة: الكشف لما ينظر فيه الطبيب فينكشف له ذلك الداء. وقال الراغب:

الفسر؛ إظهار المعنى المعقول، ومنه قبل لما ينبئ عنه القول: تفسيرة، وسمي بها قارورة الماء. وتفسير القرآن: بيان ألفاظه وبيان معانيه وأحكامه، وتأويله: حمله على المعاني اللائقة، ما ظاهره قد يفهمه من لم تثبت قدمه في العلم المتغاير، وهل التفسير والتأويل الواردان في القرآن مترادفان أو متغايران؟ فقيل: التفسير: معرفة مدلولات الألفاظ وأسباب النزول والوقائع. وأما التأويل فهو رد اللفظ إلى ما يليق به من المعنى، ولذلك يجوز لمن تثبت قدمه في العلم أن يتكلم فيه باجتهاده، ونظره هذا أحسن ما قيل في الفرق بينهما. وقال الهروي: قال أبو العباس: التأويل التفسير والمعنى واحد. وقال غيره: التفسير: كشف المراد عن اللفظ المشكل، والتأويل رد أحد المحتملين إلى ما يطابق الظاهر. وقال الراغب. والتفسير قد يقال فيما يختص بمفردات الألفاظ وغريبها وفيما يختص بالتأويل، ولذلك قيل: نفسير الرؤيا وتأويلها. قلت: التأويل تفعيل من آل يؤول، أي رجع. فمعنى التأويل: الرجوع باللفظ عن ظاهره إلى معنى يستقيم به ذلك اللفظ، ولذلك يقابل العلماء بينه وبين الظاهر فيقال: الظاهر والمؤول كتأويلنا قوله تعالى:} وقالت اليهود يد الله مغلولة {] المائدة:64 [على أن المراد النعمة والقدرة، وكجمعنا بين قوله تعالى:} فوربك لنسألنهم أجمعين {] الحجر:92 [وبين قوله تعالى:} فيومئذ لا يسأل عن ذنبه إنس ولا جان {] الرحمن:39 [بأن يوم القيامة ذو مواطن وأزمنة مختلفة فيسألون في وقت، ولا يسألون سؤال تكرمه بل سؤال تقريع وتوبيخ. ولذلك قال تعالى:} وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم {] آل عمران:7 [عند من وقف عند "الراسخون في العلم" وهو الظاهر. كان ابن عباس، وحق له أن يقول لقوله عليه الصلاة والسلام في حقه: "اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل" يقول: أنا منهم. وقد ذكرنا طرفًا من القول في مادة "أول" في صدر هذا الموضوع. ف س ق: قوله تعالى:} ففسق عن أمر ربه {] الكهف:50 [أي خرج. والفسق: الخروج، يقال: فسقت الرطبة: إذا خرجت من قشرها. والفسق الشرعي: عبارة عن الخروج عن

فصل الفاء والشين

والطاعة وهي امتثال الأوامر واجتناب النواهي. قال الراغب: الفسق أعم من الكفر ويقع بالقليل من الذنوب والكثير، لكن تعورف فيما كان كبيرة، قال: وأكثر ما يقال الفاسق لمن التزم حكم الشرع وأقر به ثم أخل بجميع أحكامه أو بعضها. وقيل للكافر الأصلي فاسق لأنه أخل بما التزمه العقل واقتضته الفطرة، وقوبل بالمؤمن في قوله تعالى:} أفمن كان مؤمنًا كمن كان فاسقًا {] السجدة:18 [وقوله:} بئس الاسم الفسوق بعد الإيمان {] الحجرات:11 [. فالفاسق أعم من الكافر، والظالم أعم من الفاسق. قوله:} وإنه لفسق {] الأنعام:121 [أي لخروج عن الحق. وقد غلط ابن الأعرابي فقال: لم يسمع الفاسق في وصف الإنسان في كلام العرب، وإنما قالوا: فسقت الرطبة عن قشرها. وقد أثبت بعض المعتزلة قسمًا ثالثًا زيادة على الكافر والمؤمن فقال: الناس مؤمن وكافر وفاسق. وسميت الفأرة فويسقة لما فيها من الخبث والفسق. وفي الحديث: "اقتلوا الفويسقة فإنها تضرم على الناس بيوتها". وفيه أيضًا: "خمس فواسق يقتلن في الحل والحرم: الغراب والحدأة والفأرة والحية والكلب العقور". فصل الفاء والشين ف ش ل: قوله تعالى:} لفشلتم {] الأنفال:43 [أي لجبنتم. يقال: فشل من الأمر يفشل فشلًا: إذا جبن؛ فالفشل: ضعف القلب وخور الجنان، ومنه قوله تعالى: {إذ همت

فصل الفاء والصاد

طائفتان منكم أن تفشلا {] آل عمران:122 [. وقيل: الفشل ضعف مع جبن. وتفشل الماء: إذا سال، وتفاشل مثله. فصل الفاء والصاد ف ص ح: قوله تعالى:} هو أفصح مني لسانًا {] القصص:34 [. الفصاحة: خلوص الكلام وبيانه بحيث لا يلتبس على سامعه. وفصح الرجل: جادت لغته، وأفصح: تكلم بالعربية، وقيل بالعكس، قال الراغب: والأول اصح. والفصيح: من ينطق والأعجم من لا ينطق، ومنه استعير فصح الصبح: بدا ضوؤه. وأصل الفصاحة من فصح اللبن يفصح فهو فصيح، وأفصح يفصح فهو مفصح إذا خلص من الرغوة وتعري عنها. فالفصح: خلوص الشيء مما يشوبه، وفي المثل: 1208 - "تحت الرغوة اللبن الفصيح" فأتبعته ذلك للفصاحة في الكلام. والفصاحة في اصطلاح أهل البيان تتعلق بالكلمة والكلام والمتكلم، والبلاغة يوصف بها الأخيران فقط. وقد حققنا ذلك في غير هذا الموضوع. فأما قولهم. كلمة بليغة، فلأن الكلمة في هذا المقام بمعنى الكلام. ف ص ل: قوله تعالى:} فلما فصل طالوت بالجنود {] البقرة:249 [أي فارق مكانه

ومركزه الذي كان فيه، وكذا قوله تعالى: {ولما فصلت العير} [يوسف:94]. وأصل الفصل: إبانة الشيء من الشيء وقطعه حتى يكون بينهما فرجة. ومنه مفاصل الإنسان، الواحد مفصل. وفصلت الشاة: قطعت مفاصلها. قوله تعالى: {هذا يوم الفصل} [الصافات:21] أي يوم يفصل فيه بين الحق والباطل، والظالم والمظلوم؛ بأن يحكم الله بين عباده، فيفصل بينهم بعلمه فيهم. قوله تعالى: {إنه لقول فصل} [الطارق:13] أي بين ظاهر، يفصل به بين الأشياء لا التباس ولا لبس فيه {قرآنًا عربيًا ذي عوج} [الزمر:28]. قوله تعالى: {وأتيناه الحكمة وفصل الخطاب} [ص:20] أي قطع الحكم وبيانه، والفصل بين الخصوم. وقيل: هي كلمة أما بعد. وقيل: هو قوله: البينة على المدعي واليمين على المدعي عليه. وقيل: الفصل بين الحق والباطل. قوله: {آيات مفصلات} [الأعراف: 133] أي مبينات. وقيل: تفصيلها: فصلها وتمييزها بعضها من بعضٍ، أي بين كل آيتين فصل؛ تمضي هذه وتأتي هذه. وقيل: من تفصيل القلائد بالشذر لأن آيات القرآن مفصلة بالأحكام كما تفصل القلائد بالشذر والخرز، وهذا القول مقول في قوله تعالى: {ثم فصلت من لدن حكيمٍ خبيرٍ} [هود:1]. وقيل: بين فيها الحلال والحرام. وقيل: جاءت شيئٍا بعد شيءٍ. قوله تعالى: {ولولا كلمة الفصل} [الشورى:21] أي ما سبق من أن الله تعالى يؤخر الحكم بينهم إلى يوم القيامة، أي لولا ما تقدم من وعد الله أنه يفصل بينهم يوم القيامة لفصل الآن. وقيل: قوله تعالى: {ثم فصلت} إشارة إلى قوله: {تبيانً لكل شيء} [النحل:89]. قوله: {وفصيلته التي تؤويه} [المعارج:13]. فصيلة الرجل: عشيرته المنفصل هو عنها. وقيل: الفصيلة أقرب القبيلة. وأصل الفصيلة: القطعة من لحم الفخذ، وسيأتي إن شاء الله تعالى الكلام على القبيلة وما بعدها من المعمرة والفخذ والبطن ونحوها.

وكان يقال: العباس رضي الله عنه فضيلة رسول الله صلى الله عليه وسلم. قوله: {وحمله وفصاله} [الأحقاف:15] أي فطامه، وذلك لانفصال الولد عن أمه التي ترضعه. وكذا قوله: {فإن أرادا فصالا} [البقرة:233] أي فطم وادهما. وفي وصف كلامه عليه الصلاة والسلام: "فصل لا نزر ولا هذر" فالفصل للفاصل بين الحق والباطل والقاطع بين الخصوم. والنزر: القليل، والهذر: الكثير. والمفصل من القرآن: السبع الأخير، وذلك للفصل بين القصص بالسور القصار. وقيل: سمي مفصلًا لقصر أعداد سوره من الآي. واختلف الناس في المفصل؛ فقيل: السبع الأخير كما تقدم نقله عن الراغب، وقيل: من الحجرات، وقيل: من سورة ق إلى آخر القرآن. والفواصل: أواخر الآي. وفواصل القلادة: شذر يفصل به بينها. وفي الحديث: "من أتفق فاصلة من الأجر كذا" أي يفصل بين الإيمان والكفر. والفيصل: الكثير الفصل. وفي الحديث: "لو علم بها لكانت الفيصل بيني وبينه" أي القطيعة. والفيصل أيضًا: الحوار لانفصاله عن أمه، وهو مختص به خصصه الاستعمال العرفي. والفصيل أيضًا، حائط دون سور المدينة. ف ص م: قوله تعالى: {لا انفصام لها} [البقرة:256] أي لا انقطاع. يقال: فصمت الشيء: إذا كسرته أو قطعته من غير بينونة فيه بعضه من بعضٍ. فإذا فصلته منه قيل له قصم- بالقاف- ولذلك كان نفي الانفصام في الآية أبلغ من نفي الانفصام، لأنه إذا انتقى القصم مع قلته فلنتف القصم بطريق الأولى وهذا كما قالوا في الخصم والقصم والقبض والقنص والوكز واللكز. وفي حديث عائشة رضي الله عنها: "فيقصم عنه الوحي وإن

فصل الفاء والضاد

جبينه ليتفصد عرقًا" أي يقلع عنه. وفي الحديث: "درة بيضاء ليس فيها قصم". فصل الفاء والضاد ف ض ح: قوله تعالى: {قال إن هؤلاء ضيفي فلا تفضحون واتقوا الله ولا تخزون} [الحجر: 68 - 69] أي تظهروا لي الفضيحة. وأصل الفضح بيان الشيء وكشفه. والفضيحة ما يستحي من إظهاره. ومنه: فضح الصبح أي ظهر ضوؤه. وفي الحديث: "حتى فضحه الصبح" قال الهروي: معناه حتى دهمته فضحه الصبح وهي بياضه. ولأفضح: الأبيض الذي لم ينصع بياضه. ف ض ض: قوله تعالى: {ولو كنت فظًا غليظ القلب لا نفضوا من حولك} [آل عمران: 159] أي لتفرقوا. وكذا {وإذا رأوا تجارة أو لهوًا انفضوا إليها} [الجمعة:11] أي ذهبوا ومضوا وتفرقوا عنك. وأصل الانفضاض الانكسار؛ يقال: فضفضت الخاتم: كسرته وفرقت أجزاؤه، وعنه استعير: انقض القوم. وكل شيء كسرته فقد فضضته، وبها فض من الناس: أي نفر متفرقون، وقالت عائشة لمروان: "وأنت فضض" أي قطعة. وفضض الماء: نشره، وهو ما ينتشر منه عند التطهر به، وفي حديث عمر: "حتى انقطعنا من فضض الحصى" أي ما تفرق منه. والفضيض والفضض: أول ما يطلع من الطلع، والفضاض: الدرع الواسع، وفي حديث سطيح وشعره: [من الرجز] 1209 - أبيض فضفاض الرداء والبدن

وهذا كناية عن سعة صدره وعظم بدنه. وقال العباس رضي الله عنه لرسول الله صلى الله عليه وسلم: "إني امتدحتك. فقال: إذا لا يفضض الله فاك" أي يفرق أسنانك. وفضفضت ختم الكتاب: إذا كسرته. وانقضت أوصاله: تفرقت، وأنشد لذي الرمة: [من البسيط] 1210 - تعتادني زفرات حين أذكرها ... تكاد تنقض منهن الحيازيم واقتض الماء: صبه. والفضيض: هو الماء السائل، وفي الحديث: " كانت المرأة إذا توفي عنا زوجها دخلت حفشًا، ثم لبست شر ثيابها، حتى تمر بها سنة ثم تؤتى بدابة، شاة أو طائرٍ فتفتض بها، فقلما تقتض بشيء إلا مات". قال القتيبي: سألت الحجازيين عن الأفتضاض فذكروا أن المعتدة كانت لا تغتسل ولا تمس ماء ولا تقلم ظفرًا حتى تخرج بعد الحول بأقبح منظرٍ، ثم تفتض، أي تكسر ما هي فيه من العدة بطائرٍ تمسح به قبلها وننبذه فلا يكاد يعيش. وقد رواه الشافعي فتقضي، بالقاف والضاد والياء آخر الحروف، كذا قال الأزهري. قلت: ومعنى الحرف: السقوط، وفيض السن: سقوطها من أصلها، وأنشد لأبي ذؤيب: [من الطويل] 1211 - فراق كفيض السن فالصبر إنه ... لكل أناس عثرة وجبور وقال الهروي: انفاضت البئر، انهارت. ويحتمل أن يروي بالصاد من: فيص البيضة وهو ما انفلق عنها من قشرها، ومعناهما بعيد من الحديث. ف ض ل: قوله تعالى: {ويؤت كل ذي فضل فضله} [هود:3] قال ابن عرفة: إن كل من قدم خيرًا يلتمس به فضل الله بنيةٍ أو لسان أو جارحة أعطاه الله فضل ذلك العمل. وقال الأزهري: أي من كان ذا فضلٍ في دينه فضله الله في الآخرة.

وأصل الفضل الزيادة على الاقتصاد، وذلك ضربان: محمود كفضل العلم والحلم، ومذموم كفضل الغضب على ما يجب أن يكون. والفضل في المحمود أكثر استعمالًا، والفضول في المذموم. والفضل إذا استعمل لزيادة حسنة أحد الشيئين على الآخر على ثلاثة أضرب: فضلٍ من حيث الجنس كفضل جنس الحيوان على جنس النبات، وفضل من حيث النوع كفضل الإنسان على غيره من الحيوان، وفضلٍ من حيث الذات كفضل رجلٍ على آخر؛ فالأولان جوهريان لا سبيل للناقص فيهما أن يزيل نقصه وأن يستفيد الفضل، كالفرس والحمار لا يمكنهما أن يكتسبا الفضيلة التي خص بها الإنسان. والفضل الثالث قد يكون عرضيًا فيوجد السبيل إلى اكتسابه. ومن هذا النحو التفضيل المذكور في قوله تعالى: {والله فضل بعضكم على بعض في الرزق} [النحل:71]. قوله تعالى: {لتبتغوا فضلًا من ربكم} [الإسراء:12] أي ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلًا من ربكم، كل ذلك يريد به المال وما يكتسب. وقال أبو منصور: المعنى في قوله: {والله فضل بعضكم على بعضٍ في الرزق} أن الله فضل الملاك على مماليكهم فجعل المملوك لا يقدر على ملك مع مالكه. واعلم أن المالك لا يرد عن مملوكه من فضل ما في يده شيئًا حتى لا يستوي حالهما في الملك، فأنتم لا تسوون بينكم وبين مماليككم وكلكم بشر، فكيف تجعلون بعض الذي رزقكم الله لله وبعضه لأصنامكم، فتشركون بين الله وبين الأصنام، وأنتم لا ترضون لأنفسكم فمن هو مثلكم بالشركة؟. وقوله تعالى: {الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعضٍ} [النساء:34] يعني ما خص به الرجل من الفضيلة الذاتية والفضل الذي أعطاه من الممكنة والمال والجاه والقوة. وكل عطية لا تلزم من تعطي له يقال لها فضل نحو قوله تعالى: {وأن الفضل بيد الله} [الحديد:29] يصلح أن يتناول أنواع الفضل الثلاثة التي قدمنا ذكرها .. ومن فسرها بالإسلام فقصر اللفظ على بعض محامله،

وكذا قوله: {قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا} [يونس:58] وقوله: {ولولا فضل الله عليكم ورحمته} [البقرة:64] في الدنيا والآخرة. قوله: {يريد أن يتفضل عليكم} [المؤمنون:24] أي يكون ذا فضلٍ وعلو في المنزلة، وفي الحديث: "فضل الإزار في النار" قال المبرد: إنما أراد معنى الخيلاء، واستدل بقوله في حديثٍ أخر أنه قال: "إياك والمخيلة! قال: وما المخيلة؟ قال: سبل الإزار" وأنشد لزهير: [من الوافر] 1212 - يجرون البرود وقد تمشت ... حميا الكأس فيهم والغناء وأنشد لابن أحمر: [من الوافر] 1213 - ولا ينسيني الحدثان عرضي ... ولا أرخي من المرح الإزار وحلف الفضول كان في دار عبد الله بن جدعان، [وهو الذي قال فيه عليه السلام: "رأيت في دار عبد الله بن جدعان] حلفًا لو دعيت إلى مثله في الإسلام لأجبت". وسمي حلف الفضول لأنه قام به رجال يقال لكل منهم فضل وهم: فضل بن وداعة، وفضل بن الحارث، وفضل بن فضالة. والفضول جمع فضلٍ نحو السعود جمع سعد. ف ض ي: قوله تعالى: {وقد أفضى بعضكم إلى بعضٍ} [النساء:21] أي خلا وجامع، وهذا من أحسن الكنايات. قال بعضهم: الإفضاء إذا كان معها في لحافٍ جامع أو لم يجامع. وفي الحديث: "من أفضى بيده إلى ذكره فليتوضأ" أي مس فرجه، قيل: ولا يقال ذلك لغة إلا إذا كان بباطن الكف. والفضاء: هو الواسع من الأرض، فقولك: أفضى فلان أصله صار إلى الفضاء، ثم

فصل الفاء والطاء

عبر به عن الميل والجماع، قال الراغب: أفضى بيده إلى امرأته في باب الكناية أبلغ وأقرب إلى التصريح من قولهم: خلا بها. وقول الشاعر: [من الطويل] 1214 - طعامهم فوضى فضًا في رحالهم أي مباح غير ممنوعٍ كأنه موضوع في فضاءٍ يتصرف به من يريد. فصل الفاء والطاء ف ط ر: قوله تعالى: {فاطر السماوات} [الأنعام:14] أي مبتدعها ومنشئها من غير مثال احتذاه. وفطرت البئر: ابتدعتها وحفرتها. وفطر ناب البعير: أي طلع. وأصل الفطر الشق طولًا. وفطر يكون قاصرًا ومصدره الفطور، ومتعديًا ومصدره الفطر. وقد فطرته فانفطر انفطارًا؛ قال تعالى: {السماء منفطر به} [الزمل: 73] {إذا السماء انفطرت} [الانفطار:1] وفطرت الشاة: حلبتها بإصبعين. وفطرت العجين: خبزته من فوره. وعن ابن عباس: "وما كنت أدري ما فاطر السماوات حتى احتكم إلى أعرابيان في بئرٍ فقال أحدهما: أنا فطرتها" أي ابتدأتها. وقوله تعالى: {تكاد السماوات يتفطرن منه} [مريم:90] أي يتشققن. وقوله: {إلا الذي فطرني} [الزخرف:27] أي خلقني. قوله تعالى: {فطرة الله التي فطر الناس عليها} [الروم:30] أي اتبع فطرة الله، وهو كقوله: {فأقم وجهك للدين} أي اتبع الدين القيم الدين القيم الذي فطر عليه. وقيل: الفطرة: الخلقة التي يخلق المولود

عليها في رحم أمه، وفي الحديث: "كل مولودٍ يولد على الفطرة" قال ابن المبارك: أي على ابتداء الخلقة في علم الله مؤمنًا كان أو كافرًا. قال أبو الهيثم: يعني على الخلقة التي فطر عليها في الرحم من سعادة وشقاوة "فأبواه يهودانه أو ينصرانه" في حكم الدنيا. وقال الراغب: وفطر الله الخلق: وهو إيجاده الشيء وإبداعه على هيئةٍ مترشحةٍ لفعلٍ من الأفعال. وقوله تعالى: {فطرة الله التي فطر الناس عليها} إشارة منه تعالى إلى ما فطر أي أبدع وركز في الناس من معرفته تعالى. ففطرة الله تعالى هي ما ركز فيه من قوته على معرفة الإيمان، وهو المشار إليه بقوله: {ولئن سألتهم من خلقهم ليقولن الله} [الزخرف:87] قوله: {والذي فطرنا} [طه:72] أي أبدعنا وأوجدنا. ويصح أن يكون الانفطار في قوله: {السماء منفطر به} إشارة إلى قبول ما أبدعه وأفاضه علينا منه. والفطر: ترك الصوم؛ يقال: فطرته، وأفطر هو. وقيل للكمأة فطر لأنه يفطر الأرض أي يخرج منها. وقيل: فطر الصائم وإفطاره: شقه صومه بالفطور. ويقال: أفطر الصائم إذا تعاطي ما يفطره. وأفطر: دخل في وقت الإفطار، نحو: أصبح، ومنه الحديث: "إذا غربت الشمس فقد أفطر الصائم" أي جاز له أن يفطر وحل له بعد أن كان محظورًا عليه. والفطر: المذي أيضًا. وفي الحديث أنه سئل عن المذي فقال: "ذاك الفطر" قال أبو عبيد: سمي فطرًا لأنه شبه بالفطر في الحلب. يقال: فطرت الناقة أفطرها. ورواه غير أبي عبيدٍ كالنضر بن شميل الفطر، بالضم. وقوله: {فطر السماوات والأرض} [الأنعام:79] أي فتقهما من بعد أن كانتا ملتصقتين، إشارة إلى قوله: {كانتا رتقًا فقتقناهما} [الأنبياء:30] وقوله: {هل ترى من فطور} [الملك:30] أي من خللٍ بحصول شقوقٍ فيها وارتفاعٍ وانخفاضٍ، فليس بين

فصل الفاء والظاء

قوله تعالى: {فطر السماوات} وبين قوله: {هل ترى من فطور} تنافٍ، والله أعلم. فصل الفاء والظاء ف ظ ظ: قوله تعالى: {ولو كنت فظًا غليظ القلب لانفضا من حولك} [آل عمران: 159] الفظ: القاسي القلب الغليظ الجانب السيئ الخلق. قال الأزهري: أصل الفظ ماء الكرش يعتصر فيشرب عند إعواز الماء وشدة الضرورة، وسمي فظًا لغلظ شربه. فصل الفاء والعين ف ع ل: قوله تعالى: {إنا كنا فاعلين} [الأنبياء:104] أي قادرين. فالفعل يعبر به عن القدرة على الشيء. قوله: {والذين هم للزكاة فاعلون} [المؤمنون:4] أي غير مضيعين لها موفون بها. "والفعل: تأثير من جهة مؤثرٍ، وهو عام لما كان بإجادة وغير إجادةٍ، ولما كان بعلمٍ أو بغير علمٍ، ولما كان بقصدٍ وبغير قصدٍ، ولما كان من الإنسان والحيوانات والجمادات. والعمل أعم والصنع أخص منه، كما تقدم." "والذي من جهة الفاعل يقال له مفعول ومنفعل، وقد فصل بعضهم بين المفعول والمنفعل فقال: المفعول يقال إذا اعتبر لفعل الفاعل، والمنفعل يقال إذا اعتبر قبول الفعل في نفسه. فالمفعول أعم من المنفعل لأن المنفعل يقال لما لا ب=يقصد الفاعل إيجاده وإن تولد منه، كحمرة اللون من خجلٍ تعتري من رؤية إنسان، والطرب الحاصل من الغناء، وتحرك العاشق لرؤية معشوقة. وقيل لكل فعلٍ انفعال إلا الإبداع من الله تعالى فذلك إيجاده من عدمٍ لا في مادةٍ وجوهرٍ بل هو إيجاد الجوهر".

فصل الفاء والقاف

فصل الفاء والقاف ف ق د: قوله تعالى: {نفقد صواع الملك} [يوسف:72] أي نعدمه. والفقد: عدم الشئ بعد وجوده، فهو أخص من العدم، كان المعدوم يقال فيه وفيما لم يوجد بعد. قوله تعالى: {وتفقد الطير} [النمل:20] أي تفقد حالها، وحقيقته طلب المفقود. وقيل: التفقد: التعهد لكن حقيقة التفقد تعرف فقدان الشئ والتعهد تعرف العهد المتقدم. والفاقد: المرأة تفقد ولدها أو زوجها. وفي حديث أبي الدرداء: "من يتفقد يفقد" أي من طلب الخير في الناس يفقده. وفقد وعدم خرجا عن الأفعال، فإن تعديا رافعين الضمير المتصل إلى ضميره المتصل، نحو قولك: فقدتني وعدمتني. ولو قلت: ضربتني لم يجز، وأنشد: [من الطويل] 1215 - لقد كان لي عن ضرتين عدمتني ... وعما ألاقي منهما متزحزح ومثل فقد وعدم في ذلك ظن وبابها، وقد حققنا هذا في غير هذا الموضع. ف ق ر: قوله: {إنما الصدقات للفقراء} [التوبة:60] والفقر: الخلة والحاجة الضرورية، ويقال: أشد الحاجة، وهو مأخوذ من فقار الظهر كأنه لاحتياجه انكسر فقارة فهو لا ينهض. كما قيل: إن المسكين من السكون، لاحتياجه سكن وانقطع عن الحركة، وقيل: هو فعيل بمعنى مفعول، فالفقير هو المكسور الفقار على التشبيه، ومنه: فقرته الفارقة، أي الداهية التي تكسر فقار ظهره. وقولهم: أفقرك الصيد فارمه، أي مكنك من فقاره، ويقال: فقره: أي أصاب فقار ظهره، نحو كبده ورأسه. والفقر: خرزات الظهر، الواحدة فقرة، كسدرة وسدر.

وقوله تعالى: {تظن أن يفعل بها فاقرة} [القيامة:25] أي داهية عظيمة تكسر منها الفقار. وفي حديث عثمان رضي الله عنه: استحلوا منه الفقر الثلاث" أي الأمور العظام: حرمة الشهر الحرام، والبلد الحرام، وحرمة الخلافة. وقالت عائشة رضي الله عنها في حقه: "المركوب فيه الأربع"، ضربت ذلك مثلًا لما ارتكب منه، لأن الظهر محل الركوب والفقر فيه، وأرادت أنه ارتكب منه أربع حرمٍ فانتهكها وهي: حرمة صحبته وصهره، وحرمة البلد، وحرمة الخلافة، وحرمة الشهر الحرام، وقال الأزهري: هي الفقر/ بضم الفاء. وقيل: اشتقاق الفقير من قولهم: فقرت البعير، وذلك أن يجز أنف البعير إلى أن يصل الحز إلى العظم ثم يلوي عليه جرير، أي حبل ونحوه ليذل بعد صعوبته، فكذلك الفقير يحصل له من الغل ما يجعله بمنزله البعير المذلل المقيد. وقيل: اشتقاقه من الفقرة أي الحفرة، ومنه قيل لكل حقيرة يجتمع فيها الماء: فقير. وفقرت للغسيل: حفرت له حفرة غرسته فيه، قال الشاعر: [من الرجز] 1216 - ما ليلة الفقير إلا شيطان وقيل: هو اسم بئر. وفقرت الخرز: ثقبته، وأفقرت البعير: ثقبت حطمه، فكأن الفقير لقلة موجودة قد دفن في فقير. وأختلف الناس في الفقير والمسكين؛ فذهب الشافعي وجماعة أن الفقير أسوأ حالًا من المسكين؛ وهو من لا يقع ماله ولا كسبه اللائق به غير المانع له من النفقة موقعً من كفايته، والمسكين عنده من يقع ماله أو كسبه موقعًا من كفايته ولا يكفيه. واستدل على ذلك بقوله تعالى: {أما السفينة فكانت لمساكين يعملون في البحر}.

[الكهف:79]. فأثبت لهم ملكًا، وذهب أبو حنيفة وغيره إلى أن المسكين أسوأ حالًا، مستدلًا بقوله تعالى: {أو مسكينًا ذا متربة} [البلد:16] أي لصق جلده بالتراب لعدم موجودة، وبقول الشاعر: [من البسيط] 1217 - أما الفقير الذي كانت حلوبته ... وفق العيال فلم يترك له سبد ورد أصحابنا هذا بأنه قال"كانت" أي ثم عدمت. وقال ابن عرفة: أخبرني أحمد ابن يحيي عن محمد بن سلام قال: قلت ليونس: أفرق لي بين الفقير والمسكين. فقال: الفقير الذي لا يجد القوت، والمسكين الذي لا شيء له. وقال ابن عرفة: الفقير عند العرب: المحتاج؛ قال تعالى: {يا أيها الناس أنتم الفقراء إلى الله} [فاطر: 15] أي المحتاجون إليه. قلت: هذا بالنسبة إلى الفقير لغة، أما الفقير شرعًا فكما قدمنا ذكره. ونقل عن الشافعي أنه قال: الفقراء الزمني الذين لا حرقة لهم، وأهل الحرف الذين لا تقع حرفتهم من حاجتهم موقعًا، والمساكين: السؤال ممن له حرفة تقع موقعًا ولا تغنيه وعياله. وقد قسم بعضهم الفقر إلى أربعة أقسام فأجاد فيها فقال: الفقر يستعمل على أربعة أوجهٍ، الأول عدم وجود الحاجة الضرورية، وذلك عام للإنسان ما دام في دار الدنيا بل هو عام للموجودات كلها، وإلى هذا الفقر أشار بقوله في وصف الإنسان: {وما جعلناها جسدًا لا يأكلون الطعام} [الأنبياء:8] والثاني: عدم المقتنيات وهو المذكور في قوله: {للفقراء الذين أحصروا في سبيل الله لا يستطيعون ضربًا في الأرض يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف} [البقرة:273] والثالث: فقر النفس، وهو الشره المشار إليه بقوله صلى الله عليه وسلم: "كاد الفقراء أن يكون كفرًا" وهو المقابل بقوله: "إنما الغنى غنى النفس" وهو المعنى بقولهم: "من عدم القناعة لم يفده المال غنى". والرابع: الفقر إلى الله تعالى،

وهو المشار إليه بقوله: " اللهم أغنتي بالافتقار إليك ولا تفقرني بالاستغناء عنك" وإياه عني بقوله صلى الله عليه وسلم: {رب إني لما أنزلت إلي من خيرٍ فقير} [القصص:24]. وقد ألم الشاعر بهذا المعنى فأجاد بقوله: [من الطويل] 1218 - ويعجبني فقري إليك ولم يكن ... ليعجبني، لولا محبتك، الفقر ف ق ع: قوله تعالى: {إنها بقرة صفراء فاقع لونها} [البقرة:69] أي خالص، يقال: أصفر فاقع أي صادق الصفرة، وأسود حالك وحانك من قولهم: أسود من حلك الغراب ومن حنك الغراب- باللام والنون- وأبيض يفق وأخضر ناصع وأحمر قاني. والفقع: ضرب من الكمأة، وبه شبه الذليل، فيقال: أذل من فقعٍ. وقال كعب ابن زهير قال الخليل بن أحمد: وسمي الفقاع فقاعًا لما يرتفع من زبده. وفقاقيع الماء: نقاطاته- على التشبيه- وفي حديث ابن عباس: "نهى عن التفقيع في الصلاة" هي الفرقعة وغمز الأصابع حتى يسمع نقيضها، ومنه تفقيع الورد. ويقال للزبد الذي يطفو على وجه الماء فقاقيع. وفي الحديث: "إذا تفاقعت عيناك" أي رمصتا، وفي الحديث: "عليهم خفاف لها فقع" أي خراطيم. يقال: خف مفقع أي مخرطم. ف ق هـ: قوله تعالى: {ليتفقهوا في الدين} [التوبة:122]. أي يطلبون أن يفقهوا دين الله. وأصل الفقه الفهم. وقيل: فقه الأشياء الخفية، فهو أخص من مطلق الفهم، وقيل:

فصل الفاء والكاف

هو التوصل إلى علمٍ غائيٍ بعلمٍ شاهدٍ، فهو أخص- أيضًا- من مطلق الفهم، ولذلك قال تعالى: {ولكن لا تفقهون تسبيحهم} [الإسراء:44] أي ليس في وسعهم أن يعرفوا حقيقة ذلك. ويقال: فقه بالضم أي صار الفقه سجية له وطبعًا. وفقه: أي حصل له فهم. وفقه- بالفتح أي غلب غيره في الفقه، نحو شعره أي غلبة في الشعر، ومصدر الأول فقاهة، والثاني فقهًا. قوله تعالى: {بأنهم قوم لا يفقهون} [الأنفال:65] أي لا يعلمون العلم الشرعي. وقيل: لما لم ينتفعوا بمفهومهم جعلوا كأنهم مكونو ذلك كقوله تعالى: {صم بكم عمي} [البقرة:18]. وقد كانوا ذوي أسماعٍ, السنة وأبصارٍ لكن لم ينتفعوا بها، كأنهم فقدوها. وفي دعائه عليه السلام لابن عباس: "اللهم فقهه في الدين" أي فهمه علم تفسير كتابك، وفي الحديث: "لعن الله النائحة والمتفقهة" يعني التي تفقه قولها وتتلقفه لتجيبه عن ذلك. فصل الفاء والكاف ف ك ر: قوله تعالى: {أو لم يتفكروا ما يصاحبهم من جنة} [الأعراف:184]. الفكر: قوة نظرية للعلم إلى المعلوم. والتفكر جولان تلك القوة بحسب نظر العقل، وذلك يختص من الحيوان بالإنسان، ولا يمكن أن يقال إلا لما يحصل له صورة في القلب إذ كان منها عن اتصاف بالصورة. وقال تعالى: {أو لم يتفكروا في أنفسهم} [الروم:8] وذلك ممكن لا محالة، وقد دل على ذلك قوله تعالى: {وفي أنفسكم أفلا تبصرون} [الذاريات:21]. وقال بعض أهل الأدب: الفكر مقلوب من الفرك، لكن يستعمل في المعاني وهو فرك الأمور وبحثها طلبًا للوصول إلى حقيقتها.

ف ك ك: قوله تعالى: {فك رقبةٍ} [البلد:13] أي خلاص. والفك: الخلاص والتخليص: ومنه فك الرهن وهو تخليصه من تعلق حق المرتهن، ولذلك يقال: علق الرهن ضد انفك. وفي معنى الآية قولان: أحدهما- وهو المشهور- أنه عتق الرقاب من المماليك. والثاني أن المعنى ينقذ نفسه من الهلكة بالكلم الطيب والعمل الصالح. ولذلك ورد: مشترٍ نفسه فمعتقها وبائع نفسه فموبقها. وقيل: هي إعانة المكاتب. ويؤيد ذلك أنه قد ورد في الحديث: "أعتق النسمة وفك الرقبة" أي يعين في عتقها. قيل: أو ليسا واحدًا. قال لا، عتق النسمة أن ينفرد بعتقها، وفك الرقبة أن يعني في عتقها. قوله تعالى: {والمشركين منفكين} [البينة:1] قال مجاهد: منفكين: منتهين، وقال غيره: زائلين من الدنيا، يقول: ولم يتفانوا {حتى تأتيهم البينة}. وقال ابن عرفة: لم يكونوا مفارقين الدنيا حتى تأتيهم البينة التي أثبتت لهم في التوراة من صفة محمدٍ صلى الله عليه وسلم. قال الهروي: لفظه لفظ المضارع ومعناه الماضي. وهذا غير جائز البتة لأن حتى حرف غايةٍ، والغاية في المستقبل، وأيضًا فهو منصوب بأن، وأن مخلصة للاستقبال. وقال الأزهري: ليس هو من باب ما انفك وما زال، وإنما هو انفكاك الشيء إذا انفصل عنه، وقيل: معناه: لم يكونوا متفرقين بل كانوا كلهم على الضلال كقوله: {كان الناس أمة واحدة فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين} [البقرة:213]. والفك: انفراج المنكب عن مفصله. والفكان: ملتقي الشدقين. ف ك هـ: قوله تعالى: {وإذا انقلبوا إلى أهلهم انقلبوا فكهين} [المطففين:31] أي فرحين مسرورين فأبدلهم الله بذلك حزنًا كثيرًا. وقوله تعالى: {إن أصحاب الجنة اليوم

فصل الفاء واللام

في شغلٍ فاكهون} [يس:55] أي مسرورون بما نعمهم الله تعالى في الآخرة؛ بما تحملوا م مشاق الصبر على عمل الطاعات واجتناب المعاصي. وهو مأخوذ من لفظ الفاكهة لأن بها يحصل التلذذ. والفكاهة: المزح؛ قال أبو عبيدٍ: الفاكه المازح، والاسم: الفكاهة والفكاه. وقوله: {ونعمةٍ كانوا فيها فاكهين} [الدخان:27] أي ناعمين أشرين بطرين. والفكه: ذو الفكاهة أو الفكاهة، والفكه: من يتفكه، وقد قرئ "فاكهين" و "فكهين" فقيل هما بمعنى. وقيل: الفاكه: ذو الفكاهة، نحو: لابن وتامر. والفكه: من بالغ في ذلك. وفي الحديث: "أربعة ليس غيبتهن بغيبةٍ .. كذا وكذا .. والمتفكهون بالأمهات" أي معناه الذين يشتموهن متفكهين به. وقوله: {فظلتم تفكهون} [الواقعة:65] قيل: معناه تندمون. وفكه وفكن: تندم. والتفكه والتفكن: التندم، وقيل: معناه تتعجبون. وكذا قوله: {انقلبوا فكهين} [المطففين:31] أي معجبين. والفاكهة: ما يتفكه به من الثمار، ويغلب في الرطب منها، وقال الراغب: وقيل هي الثمار ما عدا العنب والرمان. وقائل هذا كأنه نظر إلى اختصاصهما بالذكر وعطفهما على الفاكهة- انتهى- قلت: كأنه سبق لسانه أو قلمه من الرطب إلى العنب لأنه يريد أنهما عطفًا على الفاكهة وليس ذلك إلا في قوله فيهما: {فاكهة ونخل ورمان} [الرحمن:68] فالمراد بالنخل ثمره وهو الرطب. فصل الفاء واللام ف ل ت: قرأ ابن عباسٍ: {وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون} [الشعراء:227]

بالفاء والتاء، والانفلات: التخلص من وثاقٍ. يقال: أفلتت الدابة تفلت فهي مفلتة إذا ندت وهربت وأفلتها غيره، قال الشاعر: [من الطويل] 1219 - وأفلتني منها حماري وجبتي ... جزي الله خيرًا جبتي وحماريا وفي الحديث: "إن الله يملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته" أي لم يخلصه منه أحد، وفيه: "إن أمي أفتلت نفسها" أي ماتت فجأة. وكل أمرٍ عوجل به من غير رؤية فهو فلته؛ يقال: كان هذا فلتة من فلانٍ: أي من غير قصدٍ. ف ل ح: قوله تعالى: {وأولئك هم المفلحون} [البقرة:5] الفلاح: الفوز والظفر بالبغية، وأصله من فاحت الحديد، أي شققته. قال الشاعر: [من الرجز] 1220 - إن الحديد بالحديد يفلح ومنه الفلاح لأنه يشق الأرض. ورجل أفلح: أي مشقوق الشفة. وفي الحديث: "لولا شيء يسوء رسول الله صلى الله عليه وسلم لضربت فلحتك" أي موضع الفلح. وقيل: الفلاح: البقاء، ومثله الفلح، وأنشد لأبي الدحداح: [من الرجز] 1221 - بشرك الله بخيرٍ وفلح وقال الأعشى: [من الرمل]

1222 - أو لئن كنا كقومٍ هلكوا ... ما لحي، يا لقومي من فلح وقيل: هو الغني والعز، وإياه قصد الشاعر بقوله [من الرجز] 1223 - أفلح بما شئت فقد يدرك بالضعف، ... وقد يخدع الأريب وقوله: {قد أفلح المؤمنون} [المؤمنون:1] أي صاروا إلى البقاء، وقيل: أصابوا نعيمًا يخلدون فيه. وقول المؤذن: "حي على الفلاح" أي هلموا إلى سبب البقاء، ثم الفلاح بمعنى إدراك البغية على ضربين: دنيوي وأخروي؛ فالدنيوي: الظفر السعادات التي بها تطيب حياة الدنيا، ومنه قول الشاعر: 1224 - أفلح بما شئت ... البيت والأخروي أربعة أشياء: بقاء بلا فناء، وغنى بلا فقر، وعز بلا ذل، وعلم بلا جهل، وكذلك قال الصادق الصدوق صلى الله عليه وسلم: "لا عيش إلا عيش الآخرة". وقوله: {قد أفلح اليوم من استعلى} [طه:64] هو الفلاح الدنيوي. وسمي السحور الفلاح إما لأن به بقاء البدن والحفظ من الضعف، وإما لأنه يقال عنده "حي على الفلاح". وسمي وقت الصبح فلاحًا لذلك، ومنه:"خفنا أن يدركنا الفلاح". وعدي: حتى يدركنا هذا القول لأنه إنما يقال عادة عند الصبح فيكون هذا من الكنايات. وقيل المعنى أن يدركنا السحور. والمعنى وقته ومعناه ما قدمته. وفي حديثٍ أخر: "حتى خفنا أن يفوتنا الفلاح" قال الراغب: أي الظفر الذي جعل لنا بصلاة العتمة.

ف ل ق: قوله تعالى: {أن أضرب بعصاك البحر فأنفلق} [الشعراء:63] أي أنشق. والفلق: انشقاق الشيء وبينونة بعضه من بعضٍ. وقوله: {قل أعوذ برب الفلق} [الفلق:1] الفلق: الصبح، والمعنى برب الصبح، وذلك لانفلاق الظلام عنه. وقيل: الفلق: الأنهار لأنها مفلوقة في الأرض. وقد أشار إليها بقوله تعالى: {وجعل خلالها أنهارًا} [النمل:61]. وقيل: هي الكلمة التي علم الله موسى عليه السلام فدعا بها فانفلق البحر. وقوله: {فالق الإصباح} [الأنعام:96] أي شاق الظلمة عن النور، وهو راجع إلى معنى خالقٍ، وقيل: القلق: الخلق كله. قوله: {إن الله فالق الحب والنوى} [الأنعام:95] أي يشق الحبة اليابسة فيخرج منها ورقًا أخضر. وفي رؤيا عليه الصلاة والسلام: "فتأتي مثل فلق الصبح" يعني في وضوحها مثل إنارته وإضاءته. وفي حديث الدجال: "رجل فليق" وهو العظيم؛ يقال: رجل فليق وفيلم. وتفليق الغلام ونفيلم. وسئل الشعبي عن مسألة فقال: "ما يقول فيها هؤلاء المغاليق؟ " يعني الذين لا علم لهم. وأصله أن المفاليق جمع مفلاق، والمفلاق من لا مال له، فشبه من لا علم له عنده بهم، وهو تشبيه حسن. والفلق: المفلوق، كالنكث والنقض. وقيل: هو العجب أيضًا. والفليق والفالق: ما بين الجبلين وما بين السنامين. ف ل ك: قوله تعالى: {كل في فلكٍ يسبحون} [الأنبياء:33] الفلك: مجرى الكواكب،

وقيل: الأفلاك: هيئة مستديرة كالتي للساقية، وبعضها يدخل في بعضٍ، أعلاها الفلك الأطلس وهو الفلك الأثير. ويقال له الفلك المحيط، ولأهل الهيئة فيها كلام ليس هذا موضع بيانه. قوله تعالى: {وآية لهم أنا حملنا ذريتهم في الفلك المشحون} [يس:41]. الفلك: السفينة، ويكون جميعًا، ويكون واحدًا؛ فمن الأول قوله تعالى: {حتى إذا كنتم في الفلك وجرين بهم بريحٍ طيبةٍ} [يونس:22] فأعاد ضمير الجمع على لفظٍ. ومن الثاني قوله تعالى: {في الفلك المشحون} فوصفه بالمفرد، وهذا مما خرج عن القاعدة، فكان لفظ مفرده كلفظ جمعه، وهو جمع تكسيرٍ، وعند الأخفش مما أشترك فيه لفظ الواحد والجمع كجنب وشلل. ورد سيبويه هذا بقولهم: فلكان في التثنية. وتحقيقه في غير هذا الموضع. ومثله ناقة هجان ونوق هجان ودرع دلاص ودروع دلاص، فضمةً فلك جمعًا كضمة بدن وحمر، وضمته مفردًا كضمة قفل، وكسرة هجان جمعًا ككسرة رجال، وكسرته مفردًا ككسرة كتاب. وقيل: فلك جمع فلك، نحو أسد وأسد، والفلك كل ما استدار ومنه فلكه المغزل. وفلكت الجدي: جعلت في لسانه مثل فلكه المغزل لتمنعه من الرضاع. وفي حديث ابن مسعود: "تركت فرسي كأنه يدور في فلك". قال بعض الأعراب: الفلك: الموج إذا هاج واضطرب، وذلك أنه أصابته عين. ف ل ن: قوله تعالى: {ليتني لم أتخذ فلانًا خليلًا} [الفرقان:28] في هذا تنبيه أن كل إنسان يتندم عن من خاله وصاحبه في تحري باطلٍ، وإلى ذلك أشار بقوله: {الأحلاء يومئذٍ بعضهم لبعضٍ عدو إلا المتقين} [الزخرف:67] وفلان وفلانة: كناية عن أعلام العقلاء، والفلان والفلانة: كناية عن أعلام غير

فصل الفاء والنون

العقلاء. وفل الملازم للنداء أصله فلان، وشذ قوله: [من الرجز] 1225 - في لجةٍ أمسك فلانًا عن فل فصل الفاء والنون ف ن د: قوله تعالى: {لولا أن تفندون} [يوسف: 94] التفنيد: نسبة الإنسان إلى الفند. والفند: الفساد والخبل وضعف الرأي. وقيل: معناه: تلوموني، وهو راجع لما ذكرت. وقيل معناه: تخرفون أي تقولون: قد خرفت. وفي الحديث: "ما ينتظر أحدكم إلا هرمًا مفندًا" يقال: أفند الرجل: كثر كلامه، وأفنده الكبر؛ يستعمل قاصرًا ومتعديًا. وفي حديث أم معبدٍ: "لا عابس ولا مفند" أي لا ساقط الكلام لخرفه. وفي حديث آخر: "يعيش الناس بعدي أفنادًأ" الأفناد: جمع فند، والفند: الجماعة على حدة، والفند -أيضًا- شمراخ الجبل، وبه سمي الرجل. وفي الحديث: "إني أريد أن أفند فرسًا" أي أقتني. وقال الأزهري: أي ارتبط فرسًا. وحقيقته: أتخذ حصنًا ألتجئ إليه كما يلجأ إلى فند الجبل. ف ن ن: قوله تعالى: {ذواتا أفنانٍ} [الرحمن: 48]. قيل: هو جمع فنن، والفنن: الغصن الغض الورق، كذا قيده الراغب: ولم يقيده غيره، قال الهروي: وشجرة فنواء أي ذات أغصان، ولا يقال فناء.

فصل الفاء والهاء

قلت: القياس فناء وإنما ترك لشهرة استعمال غيره. وقيل: هو جمع فن، والمعنى: ذوات ألوانٍ من الثمار، وفي الحديث: "أهل الجنة جرد مكحلون أولو أفانين" جمع أفنان، وأفنان جمع فنن وهو الخصلة من الشعر تشبيهًا بالغصن. فصل الفاء والهاء ف هـ م: قوله تعالى: {ففهمناها سليمان} [الأنبياء: 79] أي عرفناه حقيقة الحكم. والفهم: هيئة للنفس بها تتحقق معاني ما يحسن. وقوله: {ففهمناها سليمان} يحتمل أن يريد: جعلنا له من فضل قوة الفهم ما أدرك به ذلك، أو ألقينا ذلك في روعه، أو أوحينا إليه وخصصناه به. كذا قاله الراغب وعندي أن هذا كله بمعنى واحد. وأفهمته: أي قلت له قولاً تصور به ذلك. والاستفهام: طلب الفهم عما جهله. فصل الفاء والواو ف وت: {ولو ترى إذ فزعوا فلا فوت} [سبأ: 51] أي لا يفوتون ما فزعوا منه. وأصل الفوت: البعد عن الشيء بحيث يتعذر إدراكه، وهو من فوت الريح أي بحيث لا تدركه الريح. وجعل الله فوت فمه: أي بحيث يراه ولا يصل إلى فمه. والافتيات: افتعال منه، وهو أن يفعل الإنسان الشيء من دون أمر من حقه أن يؤتمر. قوله: {ما ترى في خلق الرحمن من تفاوت} [الملك: 3] التفاوت: الاختلاف والتباين في الأوصاف كأنه يفوت وصف أحدهما الآخر أو وصف كل واحدٍ منهما الآخر. وقرئ "تفوتٍ" بمعنى الأول. ويقال: تفاوت تفاوتًا، وتفوت تفوتًا: إذا اختلف. وفي

الحديث: "إني أكره موت الفوات" أي موت الفجأة. وفيه: "أن رجلاً تفوت على أبيه في ماله" ومعناه أنه فات أباه على مال نفسه فبدره ورهنه دون إذنه. ف وج: قوله تعالى: {هذا فوج مقتحم} [ص: 59] الفوج: الجماعة من الناس وغيرهم؛ فهو اسم جمع كقومٍ ورهطٍ يجمع على أفواجٍ، قال تعالى: {ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجًا} [النصر: 2] وقال الراغب: الفوج: الجماعة المارة المسرعة. ف ور: قوله تعالى: {ويأتوكم من فورهم هذا} [آل عمران: 125] أي من وقتهم وساعتهم، وحقيقته أن الفور مصدر فار يفور فورًا: اشتد غليانه، ويطلق على النار نفسها، وفارت القدر وفار الغضب على التشبيه. وفلان يفور من الحمى، فإذا قيل: فعله من فوره فالمعنى في حال غليان الدم واشتداده. وقيل: من فورهم أي من ابتداء أمرهم، وحقيقته ما ذكرته، ومنه قول المتكلمين والفقهاء: الأمر يقتضي الفور والخيار في العيب والشفعة على الفور، كل ذلك يريدون به عدم التأخير. وقوله: {وهي تفور} [الملك: 7] أي تغلي. والفوارة ماترمي به القدر عند فورانها، وفوارة الماء على التشبيه بذلك. ف وز: قوله تعالى: {ذلك هو الفوز المبين} [الجاثية: 30]؛ النجاة والتقصي من الشيء. وقيل: الظفر بالخير مع حصول السلامة. والمفازة: الفلاة المهلكة. وإنما سميت بذلك على سبيل التفاؤل. وقيل: سميت بذلك لأن سالكها إذا قطعها وصل إلى الفوز وهو النجاة؛ فإن القفر كما يكون للهلاك فقد يكون سببًا للفوز.

وقوله: {فلا تحسبنهم بمفازةٍ من العذاب} [آل عمران: 188] أي بمنجاةٍ. وقيل: ببعدٍ وهذا من طريق اللازم لأنهم إذا نجوا منه بعدوا عنه. وفاز يفوز، وفوز يفوز: إذا مات. قال بعضهم: سميت مفازةً لأنها مهلكة من قولهم: فوز الرجل: إذا مات؛ قال الراغب: فإن يكن فوز بمعنى هلك صحيحًا فذلك راجع إلى الفوز، وتصور أن من مات فقد فاز ونجا من حبالة الدنيا؛ فالموت وإن كان من وجه هلكًا فمن وجه فوز، ولذلك قيل: ما من أحدٍ إلا والموت خير له، هذا إذا اعتبر بحال الدنيا. فأما إذا اعتبر بحال الآخرة فما يصل إليه من النعيم فهو الفوز الكبير. وقد أشار إلى ذلك بقوله: {فمن زحزح عن النار وأدخل الجنة فقد فاز} [آل عمران: 185]. وقوله: {إن للمتقين مفازًا} [النبأ: 31] يجوز أن يكون مصدرًا وأن يكون مكانًا أي موضع فوزٍ. وقوله: {حدائق وأعنابا} [النبأ: 32] تفسير لذلك الفوز أو مكان الفوز على المبالغة والمجاز. وقوله: {ولئن أصابكم فضل من الله} [النساء: 73] إلى قوله: {فاز فوزًا عظيمًا} أي يحرصون على أعراض الدنيا ويعدون ما ينالونه من الغنيمة فوزًا وليس كما زعموا، وفي شعر صاحب سطيح: [من الرجز] 1226 - أم فاز فازلم به شأو العنن وقيل: فاز بمعنى مات، وقد تقدم وجه مجازه. ويروى "فاد" وهو بمعنى مات أيضًا؛ يقال: فاد يفود أي مات، وفاد يفيد أي تبختر. ف وض: قوله تعالى: {وأفوض أمري إلى الله} [غافر: 44] أي أرده إليه، يقال: فوض فلان أمره إلى فلانٍ، وأصله من قولهم: مالهم فوضى بينهم أي غير متعينٍ لواحدٍ بعينه، ومنه شركة المفاوضة، وهي أن يتفقا على أن يكون كسبهما بينهما، وما يعرض من غرامةٍ تكون عليهما.

ف وق: قوله تعالى: {وفوق كل ذي علمٍ عليم} [يوسف: 76] أي ليس من عالمٍ إلا وفوقه من هو أعلم منه، وهذه الصفة ليست لأحدٍ إلا للباري تعالى، وأما البشر فيتفاوتون فلا تجد أحدًا يتقن شيئًا إلا وفوقه في ذلك العلم من يفوقه فيه إلى أن ينتهي ذلك العلم إلى واحدٍ مخصوصٍ، ففوق ذلك الواحد الباري تعالى. وقوله: {وهو القاهرة فوق عباده} [الأنعام: 18] فالفوقية هنا ليست حقيقتها مرادة -تعالى الله عن الجهة- وإنما المراد أن قهره وسلطنه وقدرته استعلت على عباده؛ فهم تحت قهره وسلطنه لا يخرجون عن إرادته ولا يملكون لأنفسهم نفعًا ولا ضرًا ولا خيرًا ولا شرًا ولا موتًا ولا حياةً ولا نشورًا. واعلم أن فوق من ظروف الأمكنة المقابل لتحت وتصرفه قليل جدًا، ويضاف فيعرف، ويقطع فيبنى كقبل، ويكون ظرفًا حقيقةً ومجازًا نحو: ثوبك فوقك، ونعمته فوقك، ولما ذكرته من المجاز قال بعضهم: فوق تستعمل في المكان والزمان والجسم والعدد والمنزلة، وذلك أضرب. الأول: باعتبار العلو، ويقابله تحت نحو قوله تعالى: {قل هو القادر على أن يبعث عليكم عذابًا من فوقكم} [الأنعام: 65] ولذلك قابله بقوله: {أو من تحت أرجلكم}. والثاني: باعتبار الصعود والحدور كقوله تعالى: {إذ جاؤوكم من فوقكم ومن أسفل منكم} [الأحاب: 10]. قلت: ولذلك قوبل هنا بأسفل دون تحت. الثالث: أن يقال في العدد، أي باعتبار الزيادة، كقوله تعالى: {فإن كن نساء فوق اثنتين فلهن ثلثا ما ترك} [النساء: 11] أي ائدة على اثنتين. ولما رأى بعضهم أن حكم الثنتين حكم ما فوقهما في ذلك زعم أن فوق زائدة، وجعل مثله: {فاضربوا فوق الأعناق} [الأنفال: 12]. وقال: تقديره فاضربوا الأعناق، وهذا وهم، وتحقيقه في غير هذا.

الرابع: يقال في الكبير والصغير كقوله تعالى: {بعوضة فما فوقها} [البقرة: 26] قيل: معناه هو الظاهر فما فوقها في الكبر، وذلك كضربه تعالى الأمثال بالعنكبوت والذباب وغيرها مما هو أكبر جرمًا من البعوضة وبما هو دونها، وأصغر جرمًا منها فما فوقها في الصغر بهذا الاعتبار. وهذا المعنى هو الذي قصده بعضهم بتفسيره فوق بمعنى دون فقال: أراد فما دونها لكنه لم يلخص عبارته ولم يخلصها. قال بعض أهل اللغة: تصور بعض أهل اللغة أنه يعني أن فوق تستعمل بمعنى دون فأخرج ذلك من جملة ما صنفه من الأضداد، وهذا توهم منه. الخامس: يقال باعتبار زيادة الفضيلة، ثم هذه الفضيلة تكون دنيوية كقوله تعالى: {ورفعنا بعضهم فوق بعضٍ درجاتٍ} [الزخرف: 32] وأخروية كقوله: {والذين اتقوا فوقهم يوم القيامة} [البقرة: 212]. السادس: باعتبار القهر والغلبة كقوله تعالى: {وهو القاهرة فوق عباده}. ومن فوق، المراد الزيادة في الفضل، اشتقوا قولهم: فاق فلان فلانًا: إذا زاد عليه فيما يشاركه فيه وعلاه من لفظ فوق اشتق فوق السهم. وسهم أفوق: انكسر فوقه. قوله تعالى: {ما لها من فواقٍ} [ص: 15] قرئ بفتح الفاء وضمها؛ فقيل: لغتان، ومعناه: ما لها من رجوعٍ. إلى راحة. وقال أبو

عبيدة: من قرأ بالضم فهو من فواق الناقة. وقال غيره: هما واحد نحو: جمامٍ وجمامٍ. وقيل: الإفاقة هي الرجوع، فقولك: أفاق المريض والمجنون والسكران أي ثاب إليهم عقلهم وقوتهم بعد المرض والسكر والجنون. والإفاقة -في الحلب: رجوع الدر، وكل درةٍ رجعت بعد الحلب تسمى الفيقة، ومنه حديث أم زرعٍ: "وترويه الفيقة" وقد اشتقوا من ذلك: تفوقت الشيء أي شربته. وفي حديث أبي موسى، وقد ذكر القرآن العزيز: "وأما أنا فأتفوقه اللقوح". يقول: أتدبره وأفهمه شيئًا فشيئًا ولا أهده هدًا من غير تفهم لمعناه، وهذا شأن العلماء. ولذلك ذم الله اليهود حيث قال تعالى: {لا يعلمون الكتاب إلا أماني} [البقرة: 78]. وقد ذكرنا في مقدمة التفسير الكبير من ذلك جملة صالحة. وقالوا: استفق ناقتك: أي اتركها ساعة بعد الحلب، والمعنى حتى يفوق لبنها. وفوق فصيلك: أي اسقه ساعةً بعد أخرى. وظل فلان يتفوق المحض: أي يشرب اللبن الخالص، يقال ذلك لمن يتخير الأشياء ويصطفيها. وفي الحديث: "قسم غنائم بدرٍ عن فواقٍ" قيل: بقدر ما بين الحلبتين. وقيل: أراد التفضيل كأنه جعل بعضهم أفوق من بعضٍ. وقال ابن مسعودٍ رضي الله عنه: "فأمرنا عثمان ولم نأل عن خيرنا ذا فوقٍ" ولم يقل خيرنا سهمًا لأنه قد يقال له سهم. وإن لم يصلح فوقه فهو سهم، فإن لم يكن تامًا فكأنه قال: خيرنا سهمًا تامًا في الإسلام والسابقة والفضل. ف وم: قوله تعالى: {وفومها} [البقرة: 61] اختلف الناس في ذلك اختلافًا كثيرًا؛ فقيل: هو الثوم المعهود بدلالة ذكره مع ما يناسبه من العدس والبصل. والفاء والثاء يتعاقبان في كثيرٍ نحو: جدث وجدف. وقيل: هو الحنطة ومنه: فوموا لنا، أي اختبزوا لنا الحنطة.

فصل الفاء والياء

ف وهـ: قوله تعالى: {يقولون بأفواههم} [آل عمران: 167] الأفواه جمع الفم وأصله فوه بدليل الأفواه والفويه، وإنما حذفت لامه وأبدلت واوه ميمًا حال قطعه عن الإضافة، ولا تثبت ميمه إضافةً إلا ضرورةً عند بعضهم كقوله: [من الرجز] 1227 - يصبح ظمآن وفي البحر فمه والاختيار جوازه لما ثبت في الصحيح كـ "لخلوف فم الصائم" ولذا لا يجوز عدم البدل ميمًا حال قطعه عن الإضافة إلا ضرورةً كقوله: [من الرجز] 1228 - خالط من سلمى خياشيم وفا يريد: وفاها. والذي حسن ذلك كون الإضافة في قوة المنطوق بها. وقوله تعالى: {يقولون بأفواههم} [آل عمران: 167] كقوله: {ذلكم قولكم بأفواهكم} [الأحزاب: 4]. والقول لا يكون إلا بالضم تنبيهًا على أنه قول صادر عن غير عقدٍ ولا ربطٍ بينه، وإنما هو شيء يمر باللسان من غير عقدٍ بالجنان، وهذا أحسن من قول من قال: إنه تأكيد لقوله تعالى: {ولا طائرٍ يطير بجناحيه} [الأنعام: 38]. والفم إذا أضيف إلى غير ياء المتكلم كان من الأسماء المعروفة عند النحاة، وفيه لغات كثيرة إذا كانت معه الميم، وقد حققنا هذا في موضعٍ أليق به من هذا. وفوهة البئر والزقاق بضم الفاء وتشديد الواو ومفتوحة الهاء، والعامة تقول: فوهة بفتح الفاء وسكون الواو وهو لحن، وأما الفوهة بالضم والسكون فهي الكلمة. ومنه قولهم: إن رد الفوهة لشديد. فصل الفاء والياء ف ي أ: قوله تعالى: {حتى تفيء إلى أمر الله} [الحجرات: 9] أي ترجع؛ يقال: فاء

يفيء فيئًا وفيوءًا وفيئة أي رجع، ومنه الفيء وهو الظل بعد الزوال خاصةً، والناس يطلقونه على مطلق الظل، وخطأهم يعقوب ذاهبًأ إلى أنه من الرجوع ولا رجوع إلا بعد زوال الشمس من جانب المشرق إلى جانب المغرب. وقوله تعالى في المولين: {فإن فاؤوا} [البقرة: 226] أي رجعوا إلى ما امتنعوا منه من الوطء. والفيء من الكفار ما أخذ منهم من غير إيجاف خيلٍ ولا ركابٍ. والغنيمة عكسه. قوله: {ما أفاء الله} [الحشر: 7] أي ما رد الله. ونقل الراغب عن بعضهم: وإنما سمي الفيء فيئًا تشبيهًا بالفيء الذي هو الظل تنبيهًا أن أشرف أعراض الدنيا يجري مجرى ظل زائلٍ. وقد قيد بعضهم الفيء بالرجوع إلى حالةٍ محمودةٍ؛ فكل فيءٍ رجوع، وليس كل رجوعٍ فيئًا. ويقال: يا زيد فئ، نحو بع، ويا هند فيئي، نحو بيعي، قال الشاعر: [من الطويل] 1229 - فقلت لها: فيئي لما يستفزني ... ذوات العيون والبنان المخضب وقد تقدم أن بعضهم جعل الفئة بمعنى الجماعة من هذه المادة، وذكرنا ذلك عند مادة ف أي فالتفت إليه. وقوله: {يتفيأ ظلاله} [النحل: 48] أي تنتقل وترجع، وذلك أن الظل يرجع على كل شيءٍ من جوانبه. ف ي ض: قوله تعالى: {بما تفيضون فيه} [الأحقاف: 8] أي تتحدثون وتجولون، وهو استعارة بديعة وذلك أنه مأخوذ من فاض الماء: إذا سال، وأفضته أنا: أسلته فيضًا. وأفاضوا في الحديث: أي خاضوا فيه ودخلوه دخولهم في الماء، فهو كاستعارة الخوض سواء. وحديث مستفاض على المجاز. وأفاض القداح أي أجالها. وقوله تعالى: {فإذا

أفضتم من عرفاتٍ} [البقرة: 198] وقوله: {ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس} أي جئتم منها تشبيهًا لها بالفائص من مقره. والفيض: الماء الكثير، وفي المثل: أعطاه غيضًا من فيضٍ، أي قليلاً من كثير. وقولهم: رجل فياض أي سخي. والفيض: العطاء. ودرع مفاضة، أي أفيضت على لابسها كقولهم: درع مسنونة أي سنت عليه، كقوله تعالى: {من حمأ مسنونٍ} [الحجر: 26] أي مصبوبٍ. في أحد تأويلاته، وقد تقدم ذلك. ف ي ل: قوله تعالى: {ألم تر كيف فعل ربك بأصحاب الفيل} [الفيل: 1] هو هذا الحيوان المعروف، وجمعه فيلة وفيول، وله فهم عجيب يقرب من فهم الآدمي، وقصته مشهورة، وقد ولد صلى الله عليه وسلم على رأس أربعين من قصة الفيل؛ قيل: اسمه محمود وصاحبه أبرهة الأشرم. قالت عائشة رضي الله عنها: "رأيت سائس الفيل وقائده أعميين يشحذان بمكة" وقد ذكرنا قصةً بطولها في التفسير. ويقال: رجل فيل الرأي: أي ضعيفه. والمفايلة: لعبة للعرب يخبئون الشيء في التراب ثم يجعلونه غرمًا؛ فمن ظفر به فهو له.

باب القاف

باب القاف فصل القاف والباء ق ب ح: قوله تعالى: {ويوم القيامة هم من المقبوحين} [القصص: 42] قيل: المبعدين. يقال: قبحه الله أي أبعده. والقبح: الإبعاد، قاله الهروي. وقبح الله وجه فلانٍ: أي أبعده من الخير. وفي الحديث: "لا تقبحوا الوجه" أي لا تنسبوه إلى القبح لأن الله صوره وقد أحسن كل شيءٍ خلقه، والظاهر أنه بمعنى لا تعيبوه. وفي حديث أم زرع: "وعنده أقول فلا أقبح" أي لا يعاب قولي ولا يرد لمعزتي عنده. وقيل: لا يقال لي: قبحك الله. يقال: قبحت فلانًا بالتشديد أي قلت له: قبحك الله. قال الهروي: تقول: جزيته الجزاء أي قلت له: جزاك الله خيرًا. وقيل: القبح: التنحية والإزالة؛ يقال: قبحه الله عن الخير: أي نحاه وأزاله، وهذا عندي يرجع إلى معنى الإبعاد. وقيل: القبيح: ما ينبو عنه البصر من الأعيان، والنفس من الأعمال والأحوال. وقد قبح قباحة فهو قبيح. فقوله: {هم من المقبوحين} أي الموسومين بحالٍ منكرةٍ، وذلك إشارة إلى ما وصف الله تعالى به الكفار من الرجاسة والنجاسة إلى غير ذلك من الصفات الذميمة، وما وصفهم به من اسوداد الوجوه وزرقة العيون وسحبهم بالأغلال والسلاسل. والقبيح أيضًا: اسم للعظم الذي هو في الساعد مما يلي النصف منه إلى المرفق، يقال: قبح يقبح قبحًا فهو قبيح. قال الشاعر: [من الرجز] 1230 - قبحت من سالفةٍ ومن صدغ

ق ب ر: قوله تعالى: {ثم أماته فأقبره} [عبس: 21 ي أي جعل له مكانًا يقبر فيه، نحو أسقيته: أي جعلت له ما يسقى منه. وقيل: معناه ألهمه كيف يدفن، وذلك نحو بعثه الغراب باحثًا ودافنًا لآخر مثله ليعلم بني آدم ذلك، وسائر الحيوان غير الآدمي يلقى على وجه الأرض. يقال: قبرته أي دفنته في اللحد، وأقبرته: أي جعلت له قبرًا. والقبر: مستقر الميت ومصدر قبرته أيضًا. والمقبرة والمقبرة والمقبرة، مثلثة العين: موضع القبور وجمعها مقابر، كقوله تعالى: {حتى زرتم المقابر} [التكاثر: 2] ومعناه حتى أدرككم الموت وأنتم على حالة الغفلة. وقيل: تفاخروا حتى ذكروا أسلافهم وصنائعهم وما كانوا عليه من فعل الميسر وإطعام المحتاج وفك العناة وغير ذلك. وقوله: {أفلا يعلم إذا بعثر ما في القبور} [العاديات: 9] إشارة إلى البعث والنشور، وذلك بأن يقوم الناس من قبورهم فتبعثر قبورهم التي كانوا فيها، كل منهم ينفض التراب عن رأسه. وقيل: ذلك كناية عن كشفه السرائر، وذلك أن أحوال الناس ما داموا في الدنيا مستورة عليهم كأنها مقبورة، فإذا بعثوا ظهرت المخبآت وبانت الفضائح. نسأل الله الباعث الوارث أن يستر علينا في الآخرة ما ستر في الدنيا. وقيل: ذلك كناية عن إزالة الجهالة بالموت، وكأن الكافر والجاهل ما داما في الدنيا مقبورين فإذا ماتا تيقنا الحق وظهر لهما ما كان مستورًا عنهما. فجعل القبور كنايةً عن ذلك، وذلك بحسب ما روي: "الناس نيام فإذا ماتوا انتبهوا". وإلى هذا المعنى أشار تعالى بقوله: {وما أنت بمسمعٍ من في القبور} [فاطر: 22 ي أي الذين هم في حكم الأموات. وفي حديث ابن عباس "أن الدجال ولد مقبورً" قال ثعلب: المعنى أنها وضعته وعليه جلدة مصمتة ليس فيها نقب. فقالت قابلته: هذه سلعة وليست ولدًا. فقالت أمه: بل فيها ولد، فشقوها، فاستهل صارخًا.

ق ب س: قوله تعالى: {بشهابٍ قبسٍ} [النمل: 7] القبس: ما اقتبس من النار، وهو أن يأخذ نارًا في طرف عودٍ أو خشبةٍ أو نحوهما. يقال: اقتبس نارًا يقتبسها اقتباسًا. وتلك النار هي القبس وهي الجذوة أيضًا. ويقال: قبسته نارًا وأقبسته علمًا؛ ففرقوا بفعل وأفعل بين هذين المفعولين؛ هذا نقل الهروي. ونقل الراغب أنه يقال أقبسته نارًا وعلمًا أي أعطيته، فسوى بينهما. والاقتباس: طلب ذلك، وقد يستعار لطلب العلم والهداية، قال تعالى: {انظرونا نقتبس من نوركم} [الحديد: 13]. والقبيس: فحل سريع الإلقاح، تشبيهًا بالنار لسرعته. وقرئ قوله تعالى: {بشهابٍ قبسٍ} بالتنوين والإضافة؛ فعلى الأولى يكون القبس بدلاً، وعلى الثانية يكون إضافة بيانٍ، أو الشهاب قبسٍ، وغيره. ق ب ض: قوله تعالى: {والأرض جميعًا قبضته} [الزمر: 67]. هذا عبارة عن كونه تعالى مالك الملك في وقت ليس لأحدٍ فيه ملك، وأن الأرض في حوزته وتحت قهره وسلطانه. كما يقال: قبضت الدار وأرض البلد الفلانية، يعني أنني حزتها وملكتها وهي تحت سلطتي ولا قبض حقيقيًا، ثم من كونه متناولاً بجميع اليد، وذلك أن أصل القبص التناول بجميع الكف، وبالصاد المهملة: بأطراف الأصابع، وقد قرئ {قبضةً} [طه: 96] بالمعجمة والمهملة؛ فالقبض والقبض هنا حقيقة لأنه تناول الجزء من الأرض إما بكفه جميعه وإما ببعضه. واستعير القبض لمنع المال والعطاء كقوله تعالى: {ويقبضون أيديهم} [التوبة: 67] أي يمنعون من الإنفاق. وقد يستعار القبض لتحصيل الشيء وإن لم يكن

تناول، نحو: {ثم قبضناه إلينا قبضًا يسيرًا} [الفرقان: 46] أي نسخنا الشمس بالظل وجعلناه مكانها. ويستعار أيضًا للعدو تشبيهًا للعادي بالمتناول شيئًا من الأرض. قوله تعالى: {والله يقبض ويبسط} [البقرة: 245] أي يعطي هذا ويمنع هذا، ويعطي تارةً ويسلب أخرى، أو يجمع مرةً ويفرق أخرى. ويكنى بالموت عن القبض، نحو: قبضه الله. ومن هذا النحو قوله عليه الصلاة والسلام: "ما من آدمي إلا وقلبه بين إصبعين من أصابع الرحمن" أي الله قادر على التصرف في أشرف جزءٍ منه، فكيف بباقي بدنه؟. والانقباض ضد الانبساط، ويعبر به عن حصول غم يقبض على قلب الإنسان استعارةً ومجازًا. ويعبر بالقبص المهملة عن القلة. والقبيض هو الشيء المقبوض. والقبوص: الفرس الذي لا يمس في عدوه الأرض إلا بأطراف سنابكه تشبيهًا للمتناول للشيء بأطراف أصابعه كاستعارة القبض له في العدو. ق ب ل: قوله تعالى: {لله الأمر من قبل ومن بعد} [الروم: 4] قبل: ظرف زمانٍ يقتضي التقدم، ويقابل بعد. وقد تقدم حكمهما في مادة (ب ع د) بالنسبة إلى الإعراب والبناء. وقيل: قبل يستعمل في التقدم المنفصل، ويضاده بعد. وقبل وقبل ويضادهما دبر ودُبُر، هذا في الأصل، وإن كان قد يتجوز في كل واحدٍ منهما. قال بعضهم: قبل تستعمل على أوجه: أحدها في المكان بحسب الإضافة فيقول الخارج من أصبهان إلى مكة: بغداد قبل الكوفة، والخارج من مكة إليها: الكوفة قبل بغداد. الثاني في الزمان نحو: عبد الملك قبل المنصور. الثالث في المنزلة نحو: عبد الملك قبل الحجاج. الرابع في الترتيب الصناعي نحو: تعلم الهجاء قبل تعلم الخط. والقبل والدبر يستعملان كنايةً عن السوءتين باعتبار استقبال الوجه واستدباره. القفا والإقبال: التوجه. نحو القبل كالاستقبال. والقابل: الذي يستقبل الدلو من اليد. والقابلة:

التي تستقبل الولد عند خروجه من بطن أمه. وقبل الله توبة عبده وعذره وتقبله بمعنى أنه اعتدله بما أتى به وبما اعتذر به. والتقبل: قبول الشيء على وجهٍ يقتضي ثوابًا كالهدية. وقوله تعالى: {إنما يتقبل الله من المتقين} [المائدة: 27] تنبيه على أنه ليس كل عبادةٍ متقبلة، بل إنما تتقبل إذا كانت على وجهٍ مخصوص. وقيل للكفالة قبالة فإن الكفالة هي أوكد تقبلٍ، وباعتبار معنى الكفالة سمي العهد المكتوب قبالة. قوله تعالى: {فتقبلها ربها بقبولٍ حسنٍ} [آل عمران: 37] أي قبلها. وقيل: معناه تكفل بها، وقيل: معناه رضيها؛ تقول: قبلت الشيء أي رضيته. وإنما قال: "تقبلها" بلفظ الماضي دون المضارع، قال الراغب: للجمع بين الأمرين. التقبل: هو الترقي في القبول، والقبول الذي يقتضي الرضا والإثابة. وقيل: هو من قولهم: فلان عليه قبول: إذا أحبه من رآه. قوله: {وحشرنا عليهم كل شيءٍ قبلاً} [الأنعام: 111] قرئ بضمتين، وهو جمع قبيلٍ، ولذلك قال مجاهد: معناه جماعةً جماعةً. وقال غيره: المعنى المقابلة، أي لو حشرنا عليهم كل شيء فقابلهم مقابلةً، وقيل: هو جمع قبيل أيضًا لكن بمعنى الكفيل، والمعنى مقابل لحواسهم. وقيل: قبلاً بكسرة وفتحة، ومعناه عيانًا جهارًا. قوله تعالى: {أو تأتي بالله والملائكة قبيلاً} [الإسراء: 92] قال ابن عرفة: أي جميعًا. وأنشد للسموءل، وقيل لعبد الملك بن عبد الرحيم الحارثي: [من الطويل] 1231 - معودة ألا تسل نصالها ... فتغمد حتى يستباح قبيل وقال آخرون: معناه كفيلاً، أي يأتي بهم كفيلاً بما يقول ويدعي. وفعيل يستوي فيه الواحد والجمع حسبما قررناه في غير هذا الموضع.

قوله: {وجعلناكم شعوبًا وقبائل} [الحجرات: 13]. الشعوب في العجم كالقبائل في العرب وكالأسباط في نبي إسرائيل، وهو جمع قبيل، والقبيلة: الجماعة المجتمعة التي يقبل بعضها على بعضٍ، وفي المثل: "فلان لا يعرف القبيل من الدبير" أي ما أقبلت به المرأة من غزلها وما أدبرت به. والمقابلة والتقابل أن يقبل بعضهم على بعض إما بالذات وإما بالعناية والتوفر، ومنه قوله تعالى في وصف أهل الجنة: {متكئين عليها متقابلين} [الواقعة: 16]، في الحديث: "لا يرى أحد ظهر آخر". قوله تعالى: {فمال الذين كفروا قبلك مهطعين} [المعارج: 36]. قبل الرجل: مكانه وجهته حقيقةً أو مجازًا نحو عند؛ فإن العندية تكون حقيقيةً ومجازيةً. ويقال: لي في قبل فلانٍ حق، أي عنده، ويستعار بذلك للقوة والقدرة والطاقة على المقابلة أي المجازاة كقوله تعالى: {فلنأتينهم بجنودٍ لا قبل لهم بها} [النمل: 37] أي لا طاقة لهم على استقبالها ودفاعها. وقوله تعالى: {وجاء فرعون ومن قبله} [الحاقة: 9] أي ومن في جهته، ولذلك قال المفسرون وأتباعه. قوله: {إنه يراكم هو وقبيله} [الأعراف: 27] أي جماعته وجنده، وقال الأزهري: القبيل: الجماعة ليسوا من أبٍ واحدٍ، وجمعه قبل، فإذا كانوا من أبٍ واحدٍ فهم قبيلة. وقد سوى ابن عرفة بينهما فقال: يقال: قبيلة وقبيل. قوله تعالى: {فلنولينك قبلةً ترضاها} [البقرة: 144] يريد الكعبة. وأصل القبلة الجهة؛ سميت بذلك لأنها تقابل المصلى ويقابلها، ومنه: أين قبلتك؟ أي جهتك. وقيل: القبلة في الأصل: اسم للحالة التي عليها المقابل نحو الجلسة والقعدة، وفي التعارف صار اسمًا للمكان المقابل المتوجه إليه للصلاة. والقبول: ريح الصبا، وإنما سميت بذلك لاستقبالها القبلة. وشاة مقابلة: قطع من قبل أذنها؛ وفي الحديث: "نهى أن يضحى بشرقاء أو خرقاء أو مقابلة". قال

فصل القاف والتاء

الأصمعي: هي أن يقطع طرف أذنها ويترك معلقًا من غير بينونةٍ كأنه زنمة. وقبال النعل: زمامها. وقد قابلتها: جعلت لها قبالاً، والقبال أيضًا الناصية، وفي حديث الدجال: "أنه رأى دابةً يواريها شعرها فقال: ما أنت؟ قالت: أنا الجساسة أهدب القبال" تريد كثرة الشعر في ناصيتها. وقبال كل شيءٍ وقبله: ما يستقبلك منه، وفي الحديث: "من أشراط الساعة أن يرى الهلال قبلاً" أي معاينةً. والقبل أيضًا: الفحج. والقبلة: خرزة يزعم الساحر أنها تقبل بالإنسان على وجه الآخر. ومنه القبلة، وجمعها قبل وفي الحديث: "من قبلة الرجل امرأته الوضوء" أي من تقبيله إياها. وتكلم فلان قبلاً، أي لم يستعد له لأنه ... وارتجله. وفي الحديث: "رأيت عقيلاً يقبل غرب زمزم" أي يستقبلها. فصل القاف والتاء ق ت ر: قوله تعالى: {والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا} [الفرقان: 67] أي لم يضيقوا. والقتر: التضييق؛ يقال: قترت الشيء وأقترته وقترته أي ضيقت الإنفاق فيه. ورجل قتور ومقتر. وقتور صيغة مبالغة؛ قال تعالى: {وكان الإنسان قتورًا} [الإسراء: 100] وفيه تنبيه على ما جبل عليه الإنسان من البخل، وعليه قوله تعالى: {وأحضرت الأنفس الشح} [النساء: 128]. قوله تعالى: {وعلى المقتر قدره} [البقرة: 236] أي وعلى الفقير الذي ضيق عليه رزقه كقوله: {ومن قدر عليه رزقه} [الطلاق: 7] قيل: وأصل ذلك من القتار، وهو الدخان من الشواء والعود، فكأن المقتر والمقتر هو المتناول من الشيء قتاره.

قوله تعالى: {ترهقها قترة} [عبس: 41] أي دخان يغشى وجوههم، وذلك إشارة إلى ما يرسله الله تعالى عليهم من اسوداد الوجوه وزرقة العيون، كقوله: {فأما الذين اسودت وجوههم} [آل عمران: 106] ليعرفوا من الموفق، نسأل الله العظيم مالك أمر ذلك اليوم أن يبيض وجوهنا وصحائفنا. والقترة: ناموس الصائد الحافظ لقتار الإنسان أي الريح، لأن الصائد يجتهد في إخفاء ريحه عن الصيد لئلا ينفر ويند. ورجل قاتر: ضعيف، كأنه لخفته من ضعفه صار بمنزلة القتار كقولك هو هباء. وابن قترة: نوع من الحيات، سمي بذلك لخفته وسرعة وثوبة. والقتير: رؤوس مسامير الدرع. ويقال: قتر يقتر ويقتر بالكسر والضم وقرئ بهما. وكان بنو عبد الملك يحسدون عمر بن عبد العزيز على كلامه، فجاء يومًا وبنو عبد الملك عنده فسأله عن حاله، فقال كالحسنة بين السيئتين، يشير إلى قوله: {لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قوامًا}. وفي الحديث: "أن أبا طلحة كان يرمي والنبي صلى الله عليه وسلم يقتر بين يديه النصال" أي يسويها. والإقتار: سهام صغار، والقتر: نصال الأهداف. وقيل: يجمع له الحصى والتراب يجعله قترًا. وفي الحديث: "تعوذوا بالله من قترة وما ولد" يعني من إبليس، وقترة لقب له كأنه لقب باسم الحية الخبيثة. والقتير: الشيب، وفي الحديث: "قال: قد رأت القتير. قال: دعها" قال الشاعر: [من الكامل] 1232 - شاب المفارق واكتسين قتيرًا وذلك على التشبيه بالاشتعال من الدخان ونحوه، وقد ذكر ذلك في لسانهم.

ق ت ل: قوله تعالى: {فاقتلوا أنفسكم} [البقرة: 54] أصل القتل إزالة الروح كالموت. قال الراغب: لكن إذا اعتبر بفعل المتولي لذلك يقال له قتل. وإذا اعتبر بفوات الحياة يقال له موت. ومعنى قوله: {فاقتلوا أنفسكم} أي ليقتل بعضكم بعضًا؛ ولذلك روي في القصة أنه أمر من لم يعص أن يقتل من عصى فبقي القاتل يرى أباه وأخاه فلا يقدم عليه. فأرسل الله عليهم ضبابًا منعهم من رؤية بعضهم بعضًا حتى كادوا يفنون. وقيل: بل كل واحدٍ أمر بقتل نفسه بيده، والظاهر الأول كقوله: {فسلموا على أنفسكم} [النور: 61]. والثاني أبلغ في المعنى. وقيل: المعنى فاقتلوها بإماطة الشهوات، وهذا يشبه تفسير بعض أهل التصوف وليس بظاهرٍ، إذ ترده القصص والآثار. قوله تعالى: {وما قتلوه يقينًا} [النساء: 157]. قيل: معناه ما علموا صلبه علمًا يقينًا على الاستعارة من قولهم: قتلته علمًا وخبرةً. وقتلت فلانًا، وقتلته أي ذللته أي صيرته بمنزلة القتيل. وقيل: المعنى وما قتلوا عيسى قتل يقينٍ، بل هو ظن وشبهة لقوله: {ولكن شبه لهم}. وقوله: {قتل الخراصون} [الذاريات: 10]، {قتل الإنسان ما أكفره} [عبس: 17 ي لفظه خبر ومعناه الدعاء، ومعناه إيجاد ذلك من الله بهم. وقيل: هذا يستعمل في تعظيم الشيء نحو: قاتله الله! وقتله الله ما أشجعه! ومنه: "ويلمه! مسعر حرب". وقوله: {قاتلهم الله أنى يؤفكون} [التوبة: 30] قيل معناه لعنهم، وقيل: قتلهم، نحو: عاقبت اللص. والأظهر أن المفاعلة فيه منبهة على أن الفعل بولغ فيه بحيث إنه صدر من اثنين. وقد حققنا عند قوله: {يخادعون الله}.

وقتلت الخمر بالماء: أي مزجتها لكسر سورتها، تشبيهًا بقتل الحي، وكذلك قال بعضهم، والصحيح أن ذلك هو المفاعلة، والمعنى صار بحيث يتصدى لمحاربة الله تعالى؛ فإن من قاتل الله تعالى فمقتول، ومن غالبه فمغلوب. وذلك أن المفاعلة المحاربة وتحري القتل، ولذلك قال تعالى: {قاتلوا الذين يلونكم} [التوبة: 123] وقوله: {ولا تقاتلوهم عند المسجد الحرام حتى يقاتلوكم فيه فإن قاتلوكم فاقتلوهم} [البقرة: 191] قرئ: "ولا تقتلوهم ... فغن قتلوكم" بالفعل والمفاعلة، ومعناهما واضح، إلا أن معنى قوله: {فإن قتلوكم ... فاقتلوهم}، أي فإن قتلوا بعضكم، أو فإن عزموا وشارفوا قتلكم وتحققتم منهم ذلك أو غلب على ظنكم، وإلا فبعد أن تقتلوا كلهم حقيقةً يستحيل أن تقتلوا بعد ذلك غيرهم، وقال ابن عرفة: وهذا من فصيح الكلام؛ يقال: قتلنا بنو فلانٍ: أي قتلوا منا، وأنشد الأخطل: [من الوافر] 1233 - لقد بلغوا الشفاء فخيرونا ... بقتلى من يقتلنا رياح قوله: {ولا تقتلوا أولادكم خشية إملاقٍ} [الإسراء: 31] قيل: عنى أنه وأد البنات، وكانت محاويجهم تفعله. وقيل: عنى بذلك العزل في الوطء، ولذلك سماه النبي صلى الله عليه وسلم: "الوأد الخفي". ولذلك اختلف في جوازه في الحرة إلا بإذنها. وقيل: معناه النهي عن منع تعليم الأولاد العلم، واشتغالهم بالحرف الملهية عن العلم خشية الفقر؛ فإن الجاهل ميت وإن كان حيًا، ويؤيده قوله تعالى: {أو من كان ميتًا فأحييناه وجعلنا له نورًا يمشي به في الناس} [الأنعام: 122] الآية، وإليه نظر من قال: [من البسيط] 1234 - وعاش قوم وهم في الناس أموات وقد وصفهم بذلك حيث قال تعالى: {أموات غير أحياءٍ وما يشعرون أيان يبعثون} [النحل: 21].

فصل القاف والثاء

قوله تعالى: {لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم} [المائدة: 95] ذكر القتل دون الذبح والزكاة وغيرهما، وهو أعمها، وفيه تنبيه على أن تفويت روحه على جميع الوجوه محظور. وأقتلته: عرضته للقتل، نحو أبعثته. واقتتله العشق والجن، ولا يقال في غيرهما. والاقتتال كالمقاتلة، كقوله تعالى: {وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا} [الحجرات: 9]. قوله تعالى: {ويسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه} [البقرة: 217] أي يسألونك عن القتال في الشهر الحرام، وإنما أبرزه في هذا التركيب لما يروع السامع من فظاعة الكلام، ورونق هذا الأسلوب فأتى بالظرف مسئولا عنه وأبد منه حدثه الواقع فيه، وفيه مما ذكرت ذلك ما لم يكن في غيره، فجل من أنزله على أفصح أسلوب وأبلغ نظم. ويعبر بالقتال عن المدافعة، ومنه حديث المار بين يدي المصلي ((فليقاتله)) أي فليدافعه؛ قال الهروي: ليس كل قتال بمعنى القتل، وربما يكون لعبًا، وربما يكون دفعًا: وإذا دفعت سورة الشراب بالماء قلت: قتلت الشراب اقتله، بمعنى أن ذلك مستعار للمدافعة كاستعارته لكسر حدة الخمر، ومنه قول الشاعر [من الطويل] 1235 - فقلت اقتلوها عنكم بمزاجها ... وأطيب بها مقتولة حين تقتل فصل القاف والثاء ق ث أ: قوله تعالى: {من بقلها وقثائها} [البقرة: 61] القثاء: الخيار، وفي عرف بعضهم

فصل القاف والحاء

يختص بشيء غير الخيار لكنه من نوعه، وفيه لغتان: ضم القاف وكسرها، وهو أفصح الواحد قثاءة، نحو قمح وقمحة، وهو اسم جنس، ويجمع على قثائي نحو علياء وعلائي، وهمزته أصلية خلافًا لمن وهم فجعلها بدلا من واو، ويدل على ما قلته قولهم: أقثأت الأرضض: كثر قثاؤها، واقثأت القوم: أطعمتهم القثاء. وأقثأت القدر: سلبت غليانها بصب ماء فيها، وأنشد [من الطويل] 1236 - تفور علينا قدرهم فديمها ... ونفثؤها عنا إذا حميها على فصل القاف والحاء ق ح م: قوله تعالى: {هذا فوج مقتحم} [ص: 59] أي داخل. يقال: اقتحمت الشيء: دخلت فيه، وأصله توسط شدة مخيفة. وقحم الفرس إليه: أي دخل به وتوغل ما يخاف عليه منه. وقحم فلان بنفسه في كذا: دخل من غير رؤبة. والمقاحيم: الذين يقتحمون في الأمر المهيب. قوله: {فلا اقتحم العقبة} [البلد: 11] أي لم يتجاوزها ولم يقطعها، وهو استعارة عن تحمل المشقة، ولذلك قال ابن عرفة: ولم يتحل الأمر العظيم في طاعة الله. ثم فسر تلك العقبة أنها {فك رقبة أو إطعام} [البلد: 13 - 14]. وفي الحديث: ((من لقى الله لا يشرك به شيئًا غفر له المقحمات)) أي العظائم التي تدخله النار. والتقحم: التقدم والوقوع في أهوبة. والقحم: الأمور الشاقة. وفي صفته عليه السلام: ((لم تقتحمه عين من قصر)) أي لم تزدره. وكل شيء ازديته فقد تقحمته؛ وذلك أن العين تتجاوز الشيء الحقير ولا تنظر إليه. فالمعنى لا تتجاوزه العين احتقارًا له

فصل القاف والدال

صلى الله عليه وسلم، بل تديم النظر إليه إعجابًا به وتعظيمًا له صلى الله عليه وسلم. وهذا شأن الإنسان إذا رأى ما لا يعجبه أعرض عنه. فصل القاف والدال ق د د: {وإن كان قميصه قد من دبر} [يوسف: 27] القد: قطع الشيء طولا. والقد: المقدود: ومنه قد الإنسان لقامته. والقدة: القطعة من اللحم. وقددت اللحم: فعلت به ذلك، فهو قديد، وغلب فب اليابس منه. واقتد الأمر دبره: كقوله فضله، وصرمه. و ((قد)) تصحب الأفعال وتقرب الماضي من الحال، وتكون ((قد)) حرف توقع وتقليل وذلك بحسب القرائن، وإذا دخل على المضارع أفاد التقليل غالبا إلا في أفعال الباري تعالى فتكون للتحقيق: نحو: {قد يعلم الله} [الأحزاب: 18] قال الراغب: وقد: حرف يختص بالفعل، والنحويون يقولون: هو للتوقع، وحقيقته أنه إذا دخل على فعل ماض فإنما يدخل على كل فعل كتحدد نحو قوله تعالى: {قد سمع الله} [آل عمران: 181]. ولما قلت لا يصح أن يستعمل في أوصاف الله تعالى الذاتية فيقال: قد كان الله عليما حكيما. وإذا دخل ((قد)) على الفعل المستقبل فذلك لفعل يكون في حالة دون حالة نحو: {قد يعلم الله الذين يتسللون} [النور: 63] فيها علم الله، انتهى. و ((قد)) يكون اسما بمعنى)) حسب)) نحو: قدك درهم، وقطك درهم، أي حسبك وكافيك درهم؛ فالكاف في محل جر بالإضافة. وتدخل عليها النون للوقاية جوازًا، ومنه قول الشاعر: [من الرجز] 1237 - قدني من نصر الخبيين قدي

فأثبتها في الأول وحذفها في الثاني، إلا أن الأكثر إثباتها. وزعم بعضهم أنهما اسما فعل ينتصب ما بعدهما وأن الكاف وما معها في محل نصب. وأجاز الفراء: قد زيدا بنصب زيد. قال الراغب: وجعل ذلك مقيسًا على ما سمع من قولهم: قدني وقدك، قال: والصحيح أن ذلك لا يستعمل مع الظاهر وإنما جاء عنهم في المضمر. قوله تعالى: {كنا طرائق قددا} [الجن: 11] أي فرقًا متفرقين مختلفي الأهواء، وهو جمع قدة نحو: قطعة وقطع. والقد: السوط. وفي الحديث: ((موضع قدة في الجنة خير من الدنيا وما فيها)). أي موضع قدر السوط. والقد بالفتح جلد السخلة، وهو أيضًا سقاء صغير يتخذ من جلدها. والقد أيضًا المقدود. وقال طرقة بن العبد: [من الطويل] 1238 - وخد كقرطاس الشامي ومشفر ... كسبت اليماني قده لم يجرد يروي بكسر القافمع الجيم؛ فالقد: النعل، ومعناه أنه مجرور من شعره فهو ألين له، وبفتحها مع الحاء، والمعنى: مثاله لم يعوج. فالتحريد: الاعوجاج، وهو قطع بعضه دقيقًا وبعضه عريضًا. ق د ر: قوله تعالى: {وما قدروا الله حق قدره} [الزمر: 67] أي ما عظموه حق تعظيمه ولا عرفوه حق معرفته. قال الراغب: تنبيهًا أنه كيف يمكنهم أن يدركوا كنهه وهذا وصفه. وهو قوله: {والأرض جميعًا قبضته يوم القيامة} [الزمر: 67]؟ قوله تعالى: {فظن أن لن نقدر عليه} [الأنبياء: 87] أي أن لن نضيق،

والتقدير: التضييق، ومنه قوله تعالى: {وقدر في السرد} [سبأ: 11]. وعن ابن عباس أن معاوية أرسل خلفي فقال: ضربتني أمواج القرآن قال فيماذا؟ قال: في قوله: {فظن أن لن نقدر عليه}، أيظن عبد من عبيد الله أن الله لا يقدر عليه، فضلًا عن نبي من الأنبياء؟ فقال له: ليس ذلك من القدرة، إنما هو من التقدير بمعنى التضييق، وتلا قوله تعالى: {فقدر عليه رزقه} [الفجر: 16] قال الهروي: يعني قدرنا عليه من كونه في بطن الحوت. يقال: قدر وقدر بمعنى واحد، وليس من القدرة في شيء. وقال أبو الهيثم: فظن أن لن نقدر عليه العقوبة. قال: ويحتمل أن يكون تفسيره أن لن نضيق عليه. قوله تعالى: {والله على كل شيء قدير} [البقرة: 284] وهذا عام خصصه العقل كما حققناه في غير هذا الموضع. ثم القدرة إذا وصف بها الإنسان فاسم لهيئة له بها يتمكن من فعل شيء ما. وأا إذا وصف بها الباري تعالى فنفي العجز عنه. ومحال أن يوصف غير الله تعالى بالقدرة المطلقة معنى، وإن أطلق عليه لفظًا، بل حقه أن يقال: هو قادر على كذا. ومتى قيل: هو قادر فعلى سبيل معنى التقييد، ولهذا لا أحد غير الله يوصف بالقدرة من وجه، إلا ويصح أن يوصف بالعجز من وجه آخر، والباري تعالى هو الذي ينتفي عنه العجز من كل وجه، جل وعز. والقادر يوصف به الإنسان حسبما تقدم، والقدير لا يوصف به إلا الله تعالى، وذلك لما فيه من المبالغة؛ قال الراغب: والقدير هو الفاعل لما يشاء على قدر ما تقتضي الحكمة لا زائدًا عليه ولا ناقصًا عنه، ولذلك لا يصح أن يوصف به غير الله تعالى. والمقتدر يقاربه لكن قد يوصف به البشر، وإذا استعمل في الله فمعناه معنى القدير، وإذا استعمل في البشر فمعناه المتكلف المكتسب للقدرة. يقال: قدرت على كذا أقدره قدرًا وقدرة ومقدرة وقدرانًا. يقال: اقدر بذرعك، أي أقدر على الأمور

بمقدار ما عندك من الاستقلال، وأنشد لزهير: [من البسيط] 1239 - تعلمن، هالعمر الله ذا قسمًا ... فاقدر بذرعك وانظر: أين تنسلك؟ ويروي: ((فاقصد لذرعك)) وهو في المعنى الأول. وأقدرني الله وقدرني على كذا، أي قواني وجعل لي قدرة. وتقدير الله الأشياء على وجهين: أحدهما بإعطاء القدرة، والثاني بأن يجعلها على مقدار مخصوص ووجه مخصوص حسبما اقتضت الحكمة. قال الراغب: وذلك أن فعله تعالى ضربان؛ ضرب أوجده بالفعل، ومعنى إيجاده بالفعل أن أبدعه كاملًا دفعة لا تعتريه الزيادة والنقصان إلى أن يشاء أن يبدله ويفنيه، كالسموات وما فيها. وضرب جعل أصوله موجودة بالفعل وأجزاءه بالقوة، وقدره على وجه لا يتأتى غير ما قدر فيه، كتقديره في النواة أن ينبت منها النخل دون التفاح والزيتون، وتقدير مني الآدمي أن يكون منه الإنسان دون سائر الحيوان. فتقدير الله على وجهين أحدهما بالحكم منه أن يكون كذا أو لا يكون كذا، إما على سبيل الوجوب وإما على سبيل الإمكان. وعلى ذلك قوله تعالى: {قد جعل الله لكل شيء قدرًا} [الطلاق: 3] والثاني بإعطاء القدرة عليه. قوله: {نحن قدرنا بينكم الموت} [الواقعة: 60] أي حكمنا به وصرفناه بينكم فلا يختص به أحد من المخلوقين بعضهم دون البعض. وفيه منبهة على أن فيه حكمة وهو أن الله تعالى هو المقدر له وليس كما زعم المجوس من قولهم: إن الله يخلق وإن إبليس يقتل. فانظر إلى هذا الكتاب العزيز كيف تعرض لكل مذهب والرد عليه قديمًا وحديثًا؟ قوله: {فقدرنا فنعم القادرون} [المرسلات: 23] تنبية أن ما حكم به فهو

محمود في حكمه، ويجوز أن يكون في معنى {قد جعل الله لكل شيء قدرًا}. قوله تعالى: {والله يقدر الليل والنهار} [المزمل: 20] لإشارة إلى قوله: {يكور الليل على النهار ويكور النهار على الليل} [الزمر: 5] {يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل} [الحج: 61] وأنه ليس أحد يمكنه معرفة ذلك على حقيقته، وأنه جعل ذلك علامة على توقيت العبادة وغيرها. قوله: {من نطفة خلقه فقدره} [عبس: 19] إشارة إلى ما أوجد فيه بالقوة فيظهر حالًا فحالًا إلى الوجود بالصورة. قوله: {وكان أمر الله قدرًا مقدروًا} [الأحزاب: 38] فقد إشارة إلى ما سبق به القضاء والكتابة في اللوح المحفوظ، وإشارة إلى قوله عليه الصلاة والسلام ((فرغ ربك من أربع: الخلق والأجل والرزق)). والمقدور إشارة إلى ما يحدث حالًا فحالًا، وهو المشار إليه بقوله تعالى: {كل يوم هو في شأن} [الرحمن: 29]، وعليه قوله: {وما ننزله إلا بقدر معلوم} [الحجر: 21]. قال أبو الحسن: يقال: خذ بقدر كذا أو بقدر كذا. قوله تعالى: {على الموسع قدره وعلى المقتر قدره} [البقرة: 236] قرئ بالفتح والإسكان، والمعنى: ما يليق بحاله مقدرًا عليه، والمعنى أنه أعطى كل شيء ما فيه مصلحته وهداه لما فيه خلاص له إما بالتسخير وإما بالتعليم كقوله [أعطى كل شيء خلقه ثم هدى} [طه: 50] والتقدير من الإنسان على وجهين؛ أحدهما التفكر في الأمر بحسب نظر العقل وبناء الأمر عليه. والثاني أن يكون بحسب التمني والشهوة وذلك مذموم، كقوله: {إنه فكر وقدر فقتل كيف قدر} [المدثر: 18 - 19]. وتستعار القدرة والمقدور للجاه والسعة والمال.

والقدر: وقت الشيء المقدر له والمكان المقدر له. قوله: {فسألت أودية بقدرها} [الرعد: 17] أي بقدر المكان لأن يسعها. وقريء ((بقدرها)) أي تقديرها. قوله: {وغدوا على حرد قادرين} [القلم: 25] أي معينين لوقت قدروه، ومثله: {فالتقى الماء على قدر قد قدر} [القمر: 12]. وليلة القدر لأن الأمور يقدر فيها وتقضى، فيسعد فلان ويشقى فلان ويحرم فلان. اللهم لا مانع لما أعطيت، ولا معطي لما منعت، نسألك بجاه كلامك ونبيك أن تعطينا أمانك وتمنعنا نقمتك. قول: {ومن قدر عليه رزقه} [الطلاق: 7] أي ضيق عليه، ومنه اشتق الأقدر أي القصير العنق. وفرس أقدر: يضع حافر رجله موضع حافر يده. قوله: {وقدر في السرد} أي أحكمه، وهو أن يجعل المسامير طبق الحلق، فإنه لو عملها غليظة لانفصمت الحلق، ولو عملها دقيقة لقلعت. ومقدار الشيء: المقدر له وبه، وقتًا كان أو مكانًا أو غيرهما، ومنه قوله تعالى: {وكل شيء عنده بمقدار} [الرعد: 8]. قوله: {وقدور راسيات} [سبأ: 13] هي التي يطبخ فيها؛ سميت بذلك لأنها مقدرة على هيئة لها، وما يطبخ فيها يقال له القدير اشتقاقًا منه، كقول امرئ القيس: [من الطويل] 1240 - فظل طهاة اللحم ما بين منضج ... صفيف شواء أو قدير معجل وفي البيت مسألة نحوية. يقال: قدرت اللحم، أي طبخته في القدر، والقدار، أي ينحر ويقدر، أي يطبخ. وفي الحديث: ((فإن غم عليكم فاقدروا له)) أي قدروا له عدد

الشهر حتى تكملوه ثلاثين يومًا، ويدل له حديث آخر ((كملوا العدة))، وقيل: قدروا له منازل القمر فإن ذلكم يدل على أن الشهر تسع وعشرون أو ثلاثون. وبهذا يستدل من رأي وجوب الصوم بقول أهل التقويم العالمين بسير القمر. ولقد أحسن أبو العباس بن سريج حيث قال: هذا خطاب لمن خصه الله تعالى بهذا العلم فهو له. وقوله: {فأكملوا العدة} خطاب للعامة التي لم تعن به. يقال: قدرت الأمر كذا: أقدره وأقدره: إذا دبرته ونظرت فيه. وكان ابن سريج يقول: إن ذلك يختص بمن يعلم الحساب في خاصة نفسه ولا يلزم غيره أن يصوم بقوله. ق د س: قوله تعالى: {وأيدناه بروح القدس} [البقرة: 87] هو جبريل. والقدس: الطهارة ويضم داله ويسكن وذلك لأنه خلق من طهارة محضة ملك نوراني. وقيل: سمي بذلك من حيث أنه ينزل من الله تعالى بالقدس أي بما يطهر به نفوس عباده من القرآن والحكمة والفيض الإلهي. قوله: {ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك} [البقرة: 30] أي نصفك بالقدس وهو التطهير والتنزيه مما لا يليق بجلاله وصفاته، عكس ما فعله جهله بني آدم حسبما وصفوه به من اتخاذ الولد والزوجة والحلول والاتحاد والجسم والتحيز تعالى الله عما يقزل الظالمون علوًا كبيرًا. وقيل: المعنى نصفك بالقدس حيث يقولون: ((سبوح قدوس رب الملائكة والروح)). وقسل نظهر لك الأشياء ارتسامًا لك. والتقديس: التطهير الإلهي المذكور في قوله: {ويطهركم تطهيرًا} [الأحزاب: 33] دون التطهير الذي هو إزالة النجاسة. وقيل معناه: نطهر أنفسنا لك مما يخالفك. قوله: {يا قوم ادخلوا الأرض المقدسة} [المائدة: 21] المطهرة. ومنه: بيت المقدس لأنه يتطهر فيه من الذنوب. ومنه قيل للسطل قدس لأنه يتطهر منه ويتوضأ. قوله: {الملك القدوس} [الحشر: 23] أي البليغ في الطهارة والتطهير. وجاء

في التفسير: القدوس: المبارك، ويقال بفتح القاف. وفي الحديث: ((لا قدست أمة لا يؤخذ لضعيفها من قويها)) أي لا طهرت. وقال الشاعر [من البسيط] 1241 - إن السفاهة في خلائقكم ... لا قدس الله أرواح الملاعين وحظيرة القدس: الجنة، وقيل: الشريعة، وكلاهما صحيح؛ فإن الشريعة حظيرة منها يستفاد القدس، وقال صلى الله عليه وسلم: ((إن روح القدس نفث في روعي)) قيل: هو جبريل، وقيل هو الله تعالى، يعني هو معك بقوته وبقدرته كقوله تعالى: {وإني معكما أسمع وأرى} [طه: 46] {إلا هو معهم أينما كانوا} [المجادلة: 58] أي بعلمه. ق د م: قوله تعالى: {لا تقدموا بين يدي الله ورسوله} [الحجرات: 1] معناه لا تتقدموا. وتحقيقه لا تسبقوه بالقول والفعل، بل افعلوا ما يرسمه لكم وقفوا عند حده كما تفعله الملائكة الذين وصفهم ربهم بكونهم عبادًا مكرمين، حيث أخبر عنهم بقوله تعالى: {لا يسبقونه بالقول وهو بأمره يعملون} [الأنبياء: 27] وفي التفسير أنهم ذبحوا قبل ذبحه فنهوا عن ذلك. وقال ابن عرفة: أي لا تعجلوا بأمر قبل أن يأمر الله فيه أو ينهي عنه على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم. وقيل: معناه: لا تتقدموا، وهذا في معنى ما قدمته. زقزله تعالى: {يقدم قومه يوم القيامة} [هود: 98] أي يتقدمهم؛ يقال: قدمته أتقدمه قدمًا. وقدم يقدم أيضًا: إذا تقدم عليه قوله تعالى: {وقدمنا إلى ما عملوا من عمل} [الفرقان: 23] أي قصدنا وعمدنا. وأقدم يقدم مثله، وأنشد لعنترة: [من الكامل]

1242 - ولقد شفى نفسي وأبرأ سقمها ... قيل الفوارس: ويك عنتر أقدم مثله: قدم بالتشديد يقدم: إذا تقدم وأنشد لبيد: [من الرمل] 1243 - قدموا إذ قال: قيس قدموا ... واحفظوا المجد بأطراف الأسل وبمعناه أيضًا استقدم يستقدم، وعليه قوله تعالى: {ولقد علمنا المستقدمين منكم} [الحجر: 24] وأصل ذلك كله من القدم، وهو قدم الرجل وجمعه أقدام. وبه اعتبر التقدم والتأخر. والتقدم على أربعة أضرب حسبما بيناه فيما قبل. ويستعار القدم للسابقة؛ ومنه قوله تعالى: {أن لهم قدم صدق} [يونس: 2]. ويقال: قديم وحديث وذلك إما باعتبار الزمانين، وإما بالشرف، وإما لما لا يصح وجود غيره إلا بوجوده، نحو: الواحد متقدم على العدد بمعنى أنه لو تصور ارتفاعه لارتفع الأعداد. والقدم وجود فيما مضى، والبقاء وجود فيما يستقبل، كذا قاله بعضهم. وينبغي أن يزيد فيما يستقبل وفي الحال. والمتكلمون يصفون الباري تعالى بالقديم، وقد اشتهر ذلك في عباراتهم، ولم يرد في شيء من القرآن والآثار الصحيحة وصفه تعالى بالقديم، ولكنه قد ورد في بعض الأدعية، وأحسبها مأثورة: ((يا قديم الإحسان)). وأكثر ما يستعمل القديم باعتبار الزمان كقوله: {كالعرجون القديم} [يس: 39]. قوله: {وقد قدمت إليكم بالوعيد} [ق: 28] أي قد نبهتكم على ما بين أيديكم قبل أن يفاجئكم. يقال: قدمت لإلى فلان بكذا: أعلمته قبل الحاجة إلى فعله وقبل أن يدهمه الأمر. قوله: {لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون} [الأعراف: 7] أي لا يريدون تقدمًا ولا تأخرًا. قوله: {ونكتب ما قدموا} [يس: 12] أي ما فعلوه قبل. قوله: {ربنا من قدم لنا هذا} [ص: 61] أي من سنه وشرعه. قوله: {أن لهم قدم صدق} [يونس: 2] قد تقدم أنها السابقة، وقال الأزهري هي المنزلة الرفيعة. وقيل: معناه لهم سابقة في

الخير، أي سبق لهم السعادة في الذكر الأول. ويقال: تفسير القدم في العربية الشيء تقدمه قدامك ليكون عدة لك حتى تقدم عليه. وقال القتيبي: عملًا صالحًا فيما قدموه. وفي التفسير أنه شفاعة سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم. وفي الحديث: ((حتى يضع الرحمن فيها قدمه)) يعني في النار. واضطراب الناس في تفسيره، وأحسن ما قيل فيه ما قاله الحسن البصري: حتى يجعل الله فيها الذين قدمهم من شرار خلقه فهم قدم الله للنار كما أن المسلمين قدمًا للجنة. وقال ثعلب: كل ما قدمت من خير فهو قدم، وتقدمت لفلان فيها قدم: أي تقدم في الخير، ورجل قدم: إذا كان شجاعًا، ومنه حديث علي رضي الله عنه: ((غير نكل في قدم ولا واهنًا في عزم)). وفي حديث ابن عباس رضي الله عنهما ((أن ابن الزبير مشى القهقرى وأن ابن أبي العاص مشى القدمية))، وروي ((اليقدمية)) يعني في الشف والفضل. وذلك عنى الشاعر بقوله: [من الطويل] 1244 - مشى ابن الزبير القهقرى وتقدمت ... أمية حتى أحرزوا القصبات أي قصبات السبق. وفي الحديث ((إن إبراهيم على نبينا وعليه وعلى سائر الأنبياء أفضل الصلاة والسلام اختتن بالقدوم)) يقال: هو مقيل له، ويقال: قرية بالشام. واستبعد رواية القدوم بمعنى الآلة المعروفة لعسر ذلك عرفًا وعدم إمكانه عادة. وقوله عليه الصلاة والسلام: ((أنا الحاشر الذي يحشر الناس على قدمي)) أي على أثري. وركب فلان مقاديمه: إذا ركب على وجهه. وقادمة الرحل، وقادمة الجناح، وقادمة الأطباء. ومقدمة الجيش بفتح الدال وكسرها والقدوم: كل ذلك معتبر فيه معنى التقدم. وقدام بمعنى أمام عكس خلف وتصغيرها قديدمة، ودخول الهاء فيها شاذ ولذلك يصغرون وراء وريئة، حسبما بينا ذلك في كتب النحو.

فصل القاف والذال

ق د و: قوله تعالى: {فبهداهم اقتده} [الأنعام:90] الاقتداء: الاتباع، ومنه الاقتداء بإمام الصلاة، وذلك أن يتبع أفعاله فلا يتقدم عليه ولا يتأخر عنه ولا يزيد عليه ولا ينقص عنه. والقدوة والقدوة اسم للاقتداء، كالأسوة والإسوة. وفي الحديث: ((أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم)) أي أنهم على الحق. وقال طرفة بن العبد: [من الطويل] 1245 - عن المرء لا تسأل وسل عن قرينه ... فكل قرين بالمقارن يقتدي والهاء في ((اقتده)) قيل: هاء السكت ولذلك حذفها بعض القراء وصلًا وهو القياس، وقيل: هي ضمير المصدر، ولنا في هذا الحرف كلام متسع أتقناه في ((الدر)) و ((العقد)) فعليك بهما. فصل القاف والذال ق ذ ف: قوله تعالى: {فاقذفيه في اليم} [طه:39] أي ألقيه واطرحيه. والقذف: الرمي قوله تعالى: {قل إن ربي يقذف بالحق} [سبأ:48] قال ابن عرفة: أي يلقي بالحق في قلب من يشاء. وقوله: {بل نقذف بالحق على الباطل} [الأنبياء:18] أي نأتي به عليه فنغلبه به. قوله: {ويقذفون بالغيب من مكان بعيد} [سبأ:53] استعارة لرجمهم بالظنون الكاذبة والأوهام الفاسدة. وأشار بذلك إلى ما كانوا يقولون في حقه عليه الصلاة

فصل القاف والراء

والسلام: هو ساحر وشاعر ومجنون وغير ذلك من أكاذيبهم. والقذف في عرض الناس من ذلك لأنه رمي بالبهتان. وأصل القذف الرمي من بعد، وباعتبار البعد قيل: مكان قذف وقذوف وقذيف كله بمعنى البعيد. واستعير للشتم والسب كما استعير لهما الرمي والرجم في قولهم: رماه بكذا ورجمه به. ومنه {لأرجمنك} [مريم:46] وقد تقدم. وفي الحديث: ((أن ابن عمر كان لا يصلي في مسجد فيه قذاف)) كذا روي وغلطه الأصمعي وقال: بل هو القذف جمع قذفة وهي الشرفات، وكل ما أشرف من رؤوس الجبال فهو القذفات. فصل القاف والراء ق ر أ: قوله تعالى: {شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن} [البقرة:185] القرآن الكريم هو المنزل من اللوح المحفوظ مع جبريل عليه السلام على قلب سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم متلوًا وهو كلام الله كلام نفساني قائم بذاته المقدسة، محفوظ في الصدور، متلو بالألسنة مكتوب في المصاحف، و ((أل)) فيه للعهد. ومنه قيل: هو علم بالغلبة، واشتقاقه من قرأ، أي جمع لأنه مجموع من سور، والسور من آيات، والآيات من كلمات، والكلمات من حروف. وقيل: لأنه جمع فيه القصص والأمر والنهي والوعد والوعيد والتنبيه وغير ذلك من أنواع الخطاب. وفيه لغتان: الهمز وعدمه، والعامة على الهمز، وقرأه ابن كثير غير مهموز، فقيل: أصله الهمز فخفف بالنقل. وقيل: بل هو من قرن لأنه قد اقترنت فيه الكلمات والسور والآيات، أو الوعد والوعيد والأمر والنهي حسبما تقدم. والقرآن مصدر أيضًا، ومنه {إن علينا جمعه وقرآنه} [القيامة:17] {فإذا قرأناه فاتبع قرآنه} أي قراءاته وقال الفقهاء: لو حلف لا يقرأ القرآن لا يحنث إلا بقراءة الجميع. وقال الفقهاء: لو قال قرآنًا حنث بما يسمى قرآنًا كأنهم جعلوا ((أل)) للاستغراق. وقال الراغب: القرآن في الأصل نحو كفران ورجحان، وقد خص بالكتاب المنزل على

محمد صلى الله عليه وسلم وصار له كالعلم، كما أن التوراة لما أنزل على موسى، والإنجيل لما أزل على عيسى. وقال بعض العلماء: ليست تسمية هذا الكتاب قرآنًا من بين سائر كتب الله المنزلة لكونه جامعًا لثمرة كتبه، بل لجمعه ثمرة جميع العلوم كما أشار بقوله: {وتفصيل كل شيء} [يوسف:111] {تبيانًا لكل شيء} [النحل:89] قوله: {وقرآن الفجر} [الإسراء:78] قيل: أراد صلاة الصبح وعبر عنها به لاشتمالها عليه، كما سميت تسبيحًا وركوعًا وسجودًا لاشتمالها عليها. قوله: {ثلاثة قروء} [البقرة:228] القروء جمع قرء بضم القاف وفتحها. وقيل: القروء جمع للمفتوح والأقراء جمع للمضموم، وهل هما بمعنى واحد؟ والمضموم نفس الدم أو الطهر والمفتوح نفس المصدر؟ وهل إطلاقه على الطهر والحيض بطريق الحقيقة فيكون مشتركًا؟ أو بطريق الحقيقة والمجاز؟ أقوال كثيرة منتشرة ذكرناها وذكرنا دلائلها والاعتراضات عليها والأجوبة عنها في كتابنا المسمى بـ ((القول الوجيز في أحكام الكتاب الغزيز)) ولله الحمد. ولنذكر هنا نبذة من ذلك؛ فقال أهل المدينة: هي الأطهار، وبه قال الشافعي: واستدلوا على ذلك بقول الشاعر، وهو الأعشى: [من الطويل] 1246 - مورثة عزًا وفي الحي رفعة ... لما ضاع فيها من قروء نسائكا وقال الكوفيون، وهو قول أبي حنيفة: إنها الحيض، واستدلوا على ذلك بقوله عليه الصلاة والسلام: ((دعي الصلاة أيام أقرائك)) أي حيضك، ويحكى أن الشافعي تناظر هو أبو عبيدة في ذلك، وكان الشافعي يرى أنها الحيض وأبو عبيدة يعكسه، فانفصلا وكل منهما مدع عكس ما كان عليه لكثرة ما أورد صاحبه عليه من الأدلة. وزاد أصحابنا الشافعية على ذلك فقالوا: لابد أن يكون القرء طهرًا محبوسًا دمين؛ فالمبتدئة لا قرء لها إلا بعد أن ترى الدم. وقيل: الأصل في القرء الوقت فقيل في الحيض قرء وفي الطهر قرء لأنهما يرجعان لوقت معلوم. ويقال: هبت الرياح لقرئها: أي لوقتها. قال مالك بن الحويرث الهذلي: [من الوافر]

1247 - كرهت العقر عقر بني شليل ... إذا هبت لقاريها الرياح وقال أنيس أخو أبي ذر الشاعر: ((لقد وضعت قوله على أقراء الشعر فلا يلتئم على لسان أحد)) أي على طرقه وأنواعه، للواحد قرء. ويقال: قرأت المرأة: رأت الدم، وأقرأت: صارت ذات قرء، وأقرأت الجارية: استبرأتها بقرء. قال الراغب: القرء في الحقيقة اسم للدخول في الحيض عن طهر. ولما كان اسمًا جامعًا للأمرين: الحيض والطهر المتعقب له أطلق على كل منهما، لأن كل اسم موضوع لمعنيين معًا يطلق على كل واحد منهما إذا انفرد كالمائدة للخوان وللطعام. ثم قد يسمى كل واحد منهما بانفراده به. وليس القرء اسمًا للطهر مجردًا ولا للحيض مجردًا بدلالة أن الطاهر التي لم تر الدم لا يقال لها: ذات قرء. وكذا الحائض التي استمر بها الدم والنفساء لا يقال لها ذلك. قال: وقوله: {يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء} أي ثلاثة دخول من الطهر في الحيض. وقوله عليه الصلاة والسلام: ((اقعدي عن الصلاة أيام أقرائك)) أي أيام حيضك، فإنما هو كقول القائل: افعل ذلك أيام ورود فلان، ووروده إنما يكون في ساعة وإن كان ينسب إلى الأيام. وقول أهل اللغة: إن القرء من قرأ أي جمع قارئ إنهم اعتبروا الجمع بين زمن الطهر والحيض بحسب ما ذكرت لاجتماع الدم في الرحم. ويقال: تقرأت كذا أي تفهمت. وقارأت فلانًا: أي دارسته. ق ر ب: قوله تعالى: {ونحن أقرب إليه من حبل الوريد} [ق:16] هذا من باب التمثيل لاقتداره وقهره، وأن العبد في قبضته وسلطانه بحال من ملك حبل وريده أي عرق حلقومه ولا قرب حسيًا، تعالى الله عن الجهة، فقرب الله تعالى من عبده هو الإفضال عليه والفيض. ولهذا روي أن موسى رضي الله عنه قال: إلهي! أقريب فأناجيك أم بعيد فأناديك؟ فأوحى الله تعالى إليه: لو قدرت لك البعد لما انتهيت إليه، ولو قدرت لك القرب لما

اقتدرت عليه. وقرب العبد من الله تعالى عبارة عن امتثال أوامره واجتناب نواهيه، ومنه الحديث الذي يروى فيه عن ربه عز وجل: ((ولن يتقرب إلي عبد بمثل أداء ما افترضت، وإنه ليتقرب إلي بعد ذلك بالنوافل حتى أحبه)) الحديث. وقال بعضهم: قرب العبد من الله في تاحقيقة التخصص بكثير من الصفات التي يصح أن يوصف الله بها وإن لم يكن من وصف الإنسان بها على الحد الذي يوصف به تعالى، نحو الحكمة والعلم والرحمة، وذلك يكون بإزالة الأوساخ من الجهل والطيش والحمية والغضب والحاجات البدنية بقدر طاقة البشر، وهذا قرب روحاني لا بدني، وعليه نبه الله تعالى بقوله فيما حكى عنه أمين وحيه صلى الله عليه وسلم: ((من تقرب مني شبرًا تقربت منه ذراعًا)) إلى آخره، وقوله ((ما تقرب إلى عبد)) الحديث. والقرب والبعد يتقابلان؛ يقال: قربت منه أقترب قربًا، وقربته أقربه قربانًا وقربًا. ويستعمل ذلك في الزمان نحو قوله: {اقتربت الساعة} [القمر:1]، وفي المكان نحو قوله: {ولا تقربا هذه الشجرة} [البقرة:35]، والنسبة نحو قوله: {ولو كان ذا قربى} [فاطر:18]، والحظوة والمنزلة نحو قوله تعالى: {عينًا يشرب بها المقربون} [المطففين:28] {فأما إن كان من المقربين} [الواقعة:88] {أولئك المقربون} [الواقعة:11]، والرعاية كقوله: {وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع} [البقرة:186]، والقدرة نحو قوله: {ونحن أقرب إليه من حبل الوريد} [ق:16] وكذا قوله: {ونحن أقرب إليه منكم} [الواقعة:85]. ولذلك قال بعده: {ولكن لا يبصرون} لأنه عنى تعالى بقربه قرب حفظته وملائكته التي وكلهم بتوفي أرواح بني أدم. قوله تعالى: {إذ قربا قربانًا} [المائدة:27]. القربان في الأصل ما يتقرب به إالى

الباري تعالى، ثم غلب في العرف على النسيكة التي هي الذبيحة، وجمعها قرلبين، ومنه قوله تعالى: {فلولا نصرهم الذين اتخذوا من دون الله قربانًا آلهةً} [الأحقاف:28]. ولنا في الآية كلام حسن أتقناه في ((الدر المصون)). قوله: {ألا إنها قربة لهم} [التوبة:99]. القربة هنا الحظوة عند الله والمنزلة الرفيعة. قوله تعالى: {ولا تقربوا مال اليتيم} [الأنعام:152] هذا أبلغ من النهي عن أكله وتناوله، لأنه إذا نهى أن يقرب منه، فالنهي عن تناوله من باب أولى وأحرى، وهو في المعنى كقوله: {إذا أخرج يده لم يكد يراها} [النور:40] إلا أن هذا في حيز نفي المقاربة. قول: {يتيمًا ذا مقربة} [البلد:15] أي قرابة. يقال: فلان ذو قرابتي وذو مقربتي وقلما يقال: فلان قرابتي. قوله: {واسجد واقترب} [العلق:19] الخطاب في الفعلين ظاهرة للرسول صلى الله عليه وسلم، وقيل: الخطاب في ((اسجد)) له عليه الصلاة والسلام وفي ((اقترب)) لأبي جهل لعنه الله، وذلك أن أبا جهل لعن بوعده عليه الصلاة والسلام بأنه إذا سجد وطئ عنقه الكريم، فأمر بذلك أمر تهديد، وذلك أنه لما هم بذلك رأى فحلًا عظيمًا، والمعنى: إن اقتربت هلكت وأخذت، واستأنسواله بقوله تعالى: {أرأيت الذي ينهى عبدًا إذا صلى} [العلق:9 - 10]. قوله تعالى: {ولا تقربوهن حتى يطهرن} [البقرة:222] كناية عن الغشيان والوطء، وهو في المبالغة كقوله: {ولا تقربوا مال اليتيم} [الأنعام:152]. والقراب بالضم المقاربة، وأنشد: [من الطويل] 1248 - فإن قراب البطن يكفيك ملؤه

والقراب بالكسر قراب السيف، وقيل: هو الغمد نفسه، وقيل: بل جلد فوق الغمد، وقيل: هو جراب أو يشبه الجراب يطرح الراكب ((إن لقيتني بقراب الأرض خطيئة)) أي ما يقارب ملأها بكسر القاف وإلا شبه الضم على ما مر. وقراب السيف يجمع على قرب نحو حمار وحمر. والأقراب: الخواصر، ومنه فرس لاحق الأقراب، وأنشد لرؤبة: [من الرجز] 1249 - لواحق الأقراب فيها كالمقق والتقريب: ضرب من السير سمي بذلك لقربه من العدو. وأقربت السيف وقربته: جعلته في قراب. وأقربوا إبلهم: أدنوها من الماء. والمقرب: الحامل دنت ولادتها. وفلان قارب: قرب من الماء. وفي حديث المولد: ((فخرج عبد الله متقربًا متخصرًا)) أي واضعًا يده على قربه أي خاصرته، قال أبو سعيد: يقول الرجل لصاحبه إذا استحثه: تقرب، وأنشد لمرة بن همام: [من الكامل] 1250 - يا صاحبي ترحلا وتقربا ... فلقد أنى لمسافر أن يطربا وفي الحديث: ((ثلاث لعينات: رجل عور طريق المقربة)) قال أبو عمرو: المقربة: المنزل، وأصله من القرب، وهو سير الإبل، وأنشد للراعي. [من الكامل] 1251 - يحدون حدبًا مائلًا إشرافها ... في كل مقربة يدعن رعيلا ق ر ح: قوله تعالى: {إن يمسسكم قرح فقد مس القوم قرح مثله} [آل عمران:140]

قرئ بفتح القاف وضمها، فقيل: المفتوح مصدر والمضموم ألم الجراحات. وقال آخرون: المفتوح الأثر من الجراحة من شيءٍ يصيبه من خارجٍ، والمضموم أثرها من داخلٍ كالبثرة. قرحته مثل جرحته وزنًا ومعنيً. وقرح: خرج به قرحٌ. وقرح قلبه وأقرحه الله. والقرحان: الرجل الذي لم يصيبه الجدري، وفي الحديث: ((إن من معك من أصحاب محمد صلي الله عليه وسلم قرحان)) من الأضداد. يقال: رجلٌ قرحانٌ للذي لم يمسه القرح ولا الجدري ولا الحصبة، ويستوي فيه المذكر والمؤنث والواحد وغيره، يقال: امرأةٌ قرحانٌ، ورجلان قرحانٌ، ومنهم من يقول: قرحانان وقرحانون ليطابق. ق ر د: قوله تعالي: {كونوا قردةً} [البقرة: 65] القردة جمع قردٍ، وهو هذا الحيوان المعروف، قيل: جعلوا مثل صور القردة حقيقةً، وقيل: بل في أخلاقها وفسادها، وذلك أن القرد أخبث حيوانٍ وأفسده. قوله: {وجعل منهم القردة والخنازير} [المائدة: 60] أي في صورها، قيل مسخ الشبان قردةً والشيوخ خنازير. والخنزير أقذر شيءٍ في الحيوان وأخبثها منظرًا، ويجمع علي قرودٍ وهو القياس، نحو حملٍ وحمولٍ، وعلي قردة وليس بقياسٍ بل سمع ذلك فيه وفي حسل وحسلةٍ. والمادة تدل علي اللزوم واللصوق. ومنه اشتق القراد، يقال إنه يلزم الأرض عشرين سنةً، وهو جمع قردانٍ، كذا قال الراغب، والظاهر العكس، أعني أن تكون قردانٌ جمع قرادٍ، نحو غلمانٍ جمع غلامٍ، وغربانٍ جمع غراب. والصوف القرد: المتداخل بعضه في بعضٍ، ومنه سحابٌ قردٌ: أي متبلدٌ متكاثفٌ. وأقرد بمكان كذا: أي لصق بالأرض لصوق القراد. وقرد: سكن سكونه، وفي المثل: ((أسمع من قرادٍ))، يقال: إنه يسمع مواسم الإبل من مسيرة أيامٍ. وقردت البعير: أزلت

قراده، نحو قذيته ومرضته. ويستعار ذلك للمداراة المتواصل بها إلي خديعةٍ، فيقال: فلانٌ يقرد فلانًا. وتسمي حلمة الثدي قرادًا كما تسمي حلمةً علي التشبيه بالهيئة. وفي حديث عائشة رضي الله عنها قالت: ((كان لنا وحشٌ فإذا خرج صلي الله عليه وسلم أسعرنا قفزًا أي وثبًا فإذا حضر مجيئه أقرد))، أي ذل وسكن. أسعرنا: آذانا. وقال صلي الله عليه وسلم: ((إياكم والإقراد، قالوا: يا رسول الله وما الإقراد؟ قال: الرجل يكون منكم أميرًا، فيأتيه المسكين والأرملة فيقول لهم: مكانكم حتى أنظر في حوائجكم، ويأتيه الغني فيقول: عجلوا قضاء حاجته)). وعن ثعلب: أجرد سكت حياءً، وأقرد: سكت ذلًا، قيل: وأصله من قردت البعير لأنه إذا فعل به ذلك ذل وسكن. والقرداء: رداء الصوف. والقردد: الرابية من الأرض. وقردودة الظهر: ما ارتفع منه. والقردة: قطعة من نسل وبر البعير، وفي الحديث: ((تناول قردةً من وبر البعير)). ق ر ر: قوله تعالي: {ولكم في الأرض مستقرٌ} [البقرة: 36] أي قرارٌ وثبوتٌ. قوله تعالي: {جعل لكم الأرض قرارًا} [غافر: 64] أي ذات قرارٍ، وقيل: معناه مستقرًا، وقال في الجنة والنار لفظ {القرار}، وقال: {ربوةٍ ذات قرارٍ} [المؤمنون: 50] و {فبئس القرار} [ص: 60] وقوله: {ما لها من قرار} [إبراهيم: 26] أي ثباتٍ. قوله: {فمستقرٌ ومستودعٌ} [الأنعام: 98] قرئ بفتح القاف علي أنه اسم مكانٍ أو مصدرٌ، وبكسرها علي تقدير فمنكم مستقر في الأصلاب. ولم يقرأ إلا بفتح الدال لفساد الكسر فيه. والقرار مصدرٌ لقر يقر في مكان كذا قرارًا أي ثبت ثبوتًا جامدًا، وأصله من القر وهو

البرد من حيث إن البرد يقتضي السكون كما أن الحر يقتضي الحركة. وقرت عينه تقر أي بردت، يكني بذلك عن السرور، وفي ضده: سخنت وذلك أن دمعة الفرح قارة، ودمعة الترح جارة، فالماضي مكسور العين والمضارع مفتوحها. وقررت بمكان كذا، عكسه. وقرئ قوله تعالي: {وقرن في بيوتكن} [الأحزاب: 33] بفتح القاف وكسرها، فالكسر واضحٌ وأصله ((اقررن)) كاضربن فالتقي التضعيف والكسر فحذف أحد المثلين المتحرك تخفيفًا، ومثله ((ظلت)) أصله ((ظللت)) إلا أنه يجوز هنا فتح الفاء وكسرها بعد الحذف نحو: ظلت وظلت إلا أنه لم يقرأ قوله: {فظلتم تفكهون} [الواقعة: 65] إلا بالفتح لأنه الأصل. وقيل: من وقر يقر نحو وعد يعد. وأما الفتح فقيل: هو من قر بالمكان يقربه بالفتح في المضارع. وفيه نظرٌ لأنه لا مسوغ للحذف لخفة الفتح، والأولي أن يجعل من قار يقار أي اجتمع، فيكون مثل خفي من الخوف، وقد أتقنا هذا في غير هذا، وقال النابغة الذبياني: [من البسيط]. 1252 - أنبئت أن أبا قابوس أو عدني ... ولا قرار علي زارٍ من الأسد. أي ولا أمن ولا ثبات ولا استقرار. ويوم القر: يومٌ من أيام النحر، لاستقرار الناس فيه بمني. كذا قال الراغب. وقال غيره: هو غد يوم النحر وهو الظاهر، نص عليه الهروي. واستقر فلانٌ: تحري القرار. وقد يستعمل في مكان قر كاستجاب وأجاب، وقال تعالي في الجنة: {خيرٌ مستقرًا} [الفرقان: 24] وفي النار {ساءت مستقرًا} [الفرقان: 66]. وقال ابن عباسٍ في قوله تعالي: {فمستقرٌ ومستودعٌ} مستقرٌ في الأرض ومستودعٌ في الأصلاب. وقال ابن مسعودٍ: مستقرٌ في الأرض ومستودعٌ في القبور. الحسن: مستقرٌ في الآخرة ومستودعٌ في الدنيا. قال بعضهم: جملة الأمر أن كل حالةٍ ينقل عنها الإنسان فليس بالمستقر التام.

قوله: {ويعلم مستقرها ومستودعها} [هود: 6] أي مأواها علي ظهر الأرض ومستودعها في الأرحام. قوله: {وآوايناهما إلي ربوةٍ ذات قرارٍ} [المؤمنون: 50] القرار: المكان المطمئن الذي يستقر فيه الماء، ومنه قيل للروضة المنخفضة قرارٌ، وأنشد لعنترة: [من الكامل]. 1253 - جادت عليها كل عينٍ ثرةٍ ... فتركن كل قرارةٍ كالدرهم. وقال ابن عباس رضي الله عنهما، وذكر فضل علم شيخه أمير المؤمنين علي بن أبي طالبٍ رضي الله عنه: ((علمي إلي علمه كالقرارة في المثعنجر)) يريد كالغدير في البحر. قوله: {ربنا هب لنا من أزواجنا وذريتنا قرة أعينٍ} [الفرقان: 74] أي ما تقر به عيوننا وهو أن يعملوا بعملنا الصالح فيكونوا معنا. وأقر الله عينه: أنامها من ذلك، لأن الفرح ينام والمحزون يسهر. وفي حديث أم زرعٍ: ((لا حر ولا قر)) هذا مبالغةٌ، أو علي حذف مضافٍ، أي هو لا ذو حر ولا ذو قر. والقر بالفتح ترديد الكلام في أذن الأبكم ليفهمه. ومنه حديث عائشة رضي الله عنها عن النبي صلي الله عليه وسلم: ((تنزل الملائكة في العبادة أي السحاب فيتحدثون بما علموا به مما لم ينزل من الأمر، فيأتي الشيطان فيتسمع فيسمع الكلمة، فيأتي بها إلي الكاهن، فيقرها في أذنه كما تقر القارورة إذا أفرغ فيها، فيزيد فيها مئة كذبةٍ))، وروي أيضًا ((كقر الدجاجة)) أي صوتها إذا قطعته، يقال: قرت الدجاجة تقر قرًا وقريرًا، فإن رددته قلت: قرقرت قرقرة وقريرًا. وفي المثل: ((حرةٌ تحت قرةٍ)) يضرب لمن يظهر أمرًا ويخفي غيره. وقال عمر لأبي مسعود البدري رضي الله عنهما ((إنك تفتي، ول حارها من تولي قارها))، قال

شمرٌ: معناه يتولي شديدها من يتولي هينها. قال ابن الأعرابي: يقال: حر يومنا فهو حار، وقر يومنا فهو قر، ولا أقول قارٌ، وفي المثل: ((وقعت بقرك)) وأصله أنهم يقولون لمن أدرك ثأره أي أصاب قلبك مطلوبه فقر، إما بمعني ثبت واستكن من قلقه، وإما من القر والبرودة. وفي شعر الشماخ: [من البسيط]. 1254 - كأنها وابن أيامٍ تؤبنه ... من قرة العين مجتابًا ديابود. أي من طيب مرتعهما ورضاهما. وفي الحديث أنه قال لأنجشة وهو يحدو بالنساء: ((رفقًا بالقوارير)) شبه النساء بالقوارير من الزجاج لضعف عزائمهن، والقوارير أقرب شيء إلي الكسر فخاف عليه الصلاة والسلام من حصول الفتنة لهن، لأنه روي أن أنجشة كان يشبب في حداثته. قال الهروي: والظاهر أنه أراد بالقوارير نفس الإبل شبهت بذلك لضعفها، وأن الحداء إذا سمعته جهدت أنفسها في السير فتهلك. والقرقرة: الضحك العالي، وهي أيضًا فروة الوجه، وفي الحديث: ((إذا قرب منه المهل سقطت قرقرة وجهه)). وفي الحديث: ((ركبوا القراقير)) وهي جمع قرقورٍ، وهو السفينة الصغيرة، وفي الحديث: ((بطح لها يوم القيامة بقاعٍ قرقرٍ)) أي مستوٍ، وفي روايةٍ: ((بقاعٍ قرقٍ)) وهو بمعناه. وأنشد قول الشاعر: [من الرجز]. 1255 - كأن أيديهن بالقاع القرق ... أيدي جوارٍ يتعاطين الورق. وفي حديث البرق: ((أنه استصعب ثم ارفض وأقر)) أي ذل وانقاد.

ق ر ش: قوله تعالي: {لإيلاف قريشٍ} [قريش: 1] قريشٌ قبيلةٌ هي أشرف القبائل، وقريشٌ بنو النضير بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر. فكل من كان من ولد النضر فهو قريشي دون ولد كنانة ومن فوقه. واشتقاقه قيل من التقرش وهو التجمع، يقال: تقرشوا أي تجمعوا. التقريش مثل التحريش عن أبي عبيدة. وقيل: من الكسب، يقال: تقرش أي تكسب، وكانت قريشٌ قومًا تجارًا مكتسبين. والتقارش: التداخل أيضًا، ومنه تقارشت الرماح في الحرب أي تداخلت. والإقراش: السعي بالإنسان والوقوع فيه، ومنه: أقرش بفلانٍ، وقيل: هو دابةٌ في البحر، وعن ابن عباسٍ وقد سأله معاوية أو عمر رضي الله عنهم عن ذلك فقال: هي دابة عظيمةٌ في البحر تعلوا ولا تعلي وتأكل ولا تؤكل. وقياس النسب إليه قريشي بالتكميل، ولكن المشهور في الاستعمال قريشي بالحذف، ويجوز صرفه باعتبار الحي كقوله: [من البسيط]. 1256 - حاشا قريشًا فإن الله فضلهم ... علي البرية بالإسلام والدين. ومنعه باعتبار القبيلة كقوله: 1257 - ((قريش المعضلات ....)) في أحد وجهيه من التخريج والوجه الآخر أن تنوينه حذف لالتقاء الساكنين كقراءة {قل هو الله أحد} [الإخلاص: 1] وقوله: {ولا يذكرون الله إلا قليلًا} [النساء: 142]. ق ر ط س: قوله تعالي: {ولو نزلنا عليك كتابًا في قرطاسٍ} [الأنعام: 7] القرطاس ما

يكتب فيه كالرق والكاغد ونحوها، لا كالخشبة والحجر وإن كان يكتب فيه، ولذلك قال ابن عرفة: العرب تسمي الصحيفة قرطاسًا من أي شيءٍ كانت، فأجد في مسماه الصحيفة وهي مختصةٌ بما يطوي وينشر. والقرطاس أيضًا ما يصيبه السهم، والجمع قراطيس، ويغلب في قافه لغةٌ شاذةٌ بالضم. ق ر ض: قوله تعالي: {وأقرضوا الله قرضًا حسنًا} [الحديد: 18] القرض في الأصل القطع، ومنه: قرض الفأر الثوب، وقرضت الخشبة. والقرض: الدين المعروف وهو إعطاء الشيء ورد بدله صورةٍ كما في الحديث: ((اقترض بازلًا ورد باكرًا)). وأقرضه: أعطاه قرضًا. واستقرضه: سأله القرض. واقترض: فعل ذلك، والمشهور فتح قافه ويجوز كسرها وهو مصدرٌ. قوله تعالي: {وإذا غربت تقرضهم ذات الشمال} [الكهف: 17] أي تقطعهم وتجاوز مكانهم إلي أحد الجانبين فسمي قطع المكان وتجاوزه قرضًا مجازًا واتساعًا. قوله: {من ذا الذي يقرض الله قرضًا حسنًا} [البقرة: 245] مرادًا به الصدقة واجبها ومندوبها. وسماه قرضًا تكرمًا منه وتطيبًا للمتصدقين، وأن ما يعطونه من الصدقة عل الوجه المطلوب وهو المراد بقوله ((حسنًا)) لابد أن يرجع إليهم بدله وأنه لا يضيع علي ما يتعارفونه فيما بينهم، وقيل: لأنه أفضل من الصدقة فعبر به دونها. و ((قرضًا)) في الآية مصدرٌ علي حذف الزوائد كقوله: {والله أنبتكم من الأرض نباتًا} [نوح: 17]. والمقارضة والمفاوضة في الشعر. والقريض: الشعر، فعيل بمعني مفعول لأنه يقطع من الكلام فيجعل نوعًا برأسه. ومنه: ((جال الجريض دون القريض)) أي حال الموت

وغصصه، وقيل: استعير القرض للشعر استعارة الحوك والنسج له. والمقرض والمقراض: آلة القرض كالمفتح والمفتاح. ق ر ع: قوله تعالي: {القارعة ما القارعة} [1 - 2] هي القيامة لأنها تقرع الخلائق: أي تصيبهم بشدائدها. وأصل القرع ضرب شيءٍ علي شيءٍ. والمقرعة: آلة القرع. قوله: {ولا يزال الذين كفروا تصيبهم بما صنعوا قارعة} [الرعد: 31] أي داهيةٌ تفجؤهم وقيل: سرية من سرايا الرسول صلي الله عليه وسلم. وفي الحديث: ((لما أتي عل محسرٍ قرع راحلته)) أي ضربها بسوطه. وقوارع القرآن: آياته التي يزجر بها من قرأها. وقيل: هي التي من قرأها أمن من الشيطان، كأنها تقرع الشيطان. والأقرع: الذي لا شعر له، والأفرع عكسه. وفي حديث منع الصدقة: ((يجئ كنز أحدهم شجاعًا أقرع)) أي حيةً قد تمعط شعر رأسها لكثرة سمها. والقرعة: التساهم لأن القارع يصيب نصيبه أو يصيبه نصيبه. والاقتراع: افتعالٌ من ذلك. وتصور من قرع الرأس قرع الدار أي خلوها. وتقول العرب: نعوذ بالله من قرع الفناء وصفر الإناء: أي خلو الدار من قطانها. وفي الحديث: ((لا تحدثوا في القرع فإنه مصلي الخافين)). قال ابن قتيبة: هو أن يخلو موضعٌ من الكلأ ليس فيه نبتٌ. والخافون: الجن، نهاهم عن ذلك لئلا يتأذي إخوانهم الجن المصلون. ق ر ف: قوله تعالي: {ومن يقترف حسنة} [الشورى: 23] أي يكتسب. والاقتراف:

الاكتساب. وأصل القرف والاقتراف قشر اللحاء عن الشجرة والجلدة عن الجرح، وذلك الشيء المأخوذ قرفٌ ثم استعير الاقتراف للاكتساب حسنًا كان أو سيئًا إلا أنه في السوء أغلب ولذلك قيل: الاعتراف يزيل الاقتراف. وقرفت فلانًا بكذا: اتهمته به أو عبته به قوله: {وليقترفوا ما هم مقترفون} [الأنعام: 113] أي ليكسبوا، وقيل: المعني ليعملوا ما هم عاملون من الذنوب. يقال: قرف الذنب واقترفه أي عمله. وهي لام الأمر وهو تهكم بهم، وقيل: لام كي. وقارفت الأمر: أي تعاطيت ما أعاب به. وقارفت الأمر: قاربته ولاصقته. والإقراف في الخيل: ملاصقة العيوب إليها. وقيل: قارفت الأمر: أي تعاطيت به ما أعاب به. والمقرف: الهجين من الخيل. وقيل: المقرف: ما كان من قبل الآباء، والهجين: ما كان من قبل الأمهات، ومنه قوله: [من الرمل]. 1258 - كم بجودٍ مقرفٍ نال العلي ... وكريمٍ بخله قد وضعه. وفلانٌ قرفني: أي أتهمه. وفي الحديث أنه سئل عن أرضٍ وبيئةٍ فقال: ((دعها فإن من القرف التلف)). القرف: مداناة المرض، وفي آخر: أراك أحمر قرفًا ((أي شديد الحمرة. كأنه قشر: وضع ثوبه بقرف السدر أي بقشره. ق ر ن: قوله تعالي: {وكم أهلكنا قبلهم من قرنٍ} [مريم: 98] القرن: الجماعة المقترنون في وقتٍ واحدٍ. وقيل: كل طبقةٍ في وقتٍ اقترنت في زمانٍ. وقيل: كل طبقةٍ بعث فيها نبي، وقيل: القرن: المدة، واختلف في قدرها، فقيل: ثمانون سنةً، وقيل: أربعون، وقيل مئةٌ، واستدل للأربعين بقول النابغة الجعدي: [من المتقارب].

1259 - ثالثة أهلين أفنيتهم ... وكان الإله هو القرن واستدل للآخر بما ثبت في الصحيح ((أنه مسح برأس غلام وقال: عش قرنا. فعاش مئة))، وقال الأعرابي: القرن: الوقت. وقال غيره: يقال له قرن لأنه يقرن أمة بأمة وعالما بعالم. وهو في الأصل مصدر قرنت أقرن. ثم جعل اسما للوقت أو لأهله، قال الشاعر: [من البسيط] 1260 - تلك القرون ورثنا الأرض بعدهم ... فما يحس عليها منهم أرم قوله تعالى: {أو جاء معه الملائكة مقرنينَ} [الزخرف:53] أي مزدوجين ومجتمعين من: قرنت البعير بالبعير في قرن. والقرن: الحبل. وأنشد: [من البسيط] 1261 - وابن اللبون إذا ما لذ في قرن ... لم يستطع صولة البزل القناعيس قوله: {وآخرين مقرنين في الأصفاد} [ص:38] من ذلك: أي مجتمعين في قرن مقيدين، فالتشديد فيه للتكثير. وفلان قرن فلان إما في الولادة وإما في القوة والجلادة وفي غيرها من الأحوال، وهو قرينه أيضا. قوله تعالى: {وقال قرينه} [ق:23] قيل: هو المقيض له من الشياطين لقوله تعالى: {نقيض له شيطانا فهو له قرين} [الزخرف:36]. والقرون: النفس لكونها مقترنة بالجسم. والقرون-أيضا- الناقة التي يدنو أحد خلفيها من الآخر. وقرن الشاه والبقرة معروف. وشاة قرناء: عظيمة القرن، وكبش أقرن: مثله. والقرن في المرأة: منع وطئها لعظم في فرجها يمنع من ذلك، ومنه امرأة قرناء. قال

بعضهم: ((سمي عقل المرأة قرنا تشبيها بالقرن في الهيئة. وتأذى عضو الرجل بمباضعتها كالتأذي بالقرن)) قلت: العفل والعفلة: شيء يخرج من فرج المرأة وحياء الناقة شبه الأدرة التي في الرجل. وقرن الجبل: ما نتأ منه. وقرن -بالتحريك- قبيلة مشهورة، وإليها نسب أويس القرني الذي وصى به النبي صلى الله عليه وسلم. وأما قرن -بالتسكين- فموضع يحرم منه الحاج يقال له قرن المنازل. وغلط بعضهم ففتح راءه وجعل أويسا منسوبا إليه. وسميت ذؤابة المرأة قرنا تشبيها بذلك. وقرن الشمس: حاجبها، وقرن الشيطان على التشبيه. وفي الحديث: ((الشمس تطلع بين قرني الشيطان)) قيل: ناحيتا رأسه، وقيل: معناه تطلع حين قوة الشيطان. والقرن: القوة، قال إبراهيم الحربي: هذا مثل يقوله حينئذ يتحرك الشيطان ويتسلط فيكون كالمعين لها، ولذلك قوله: ((إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم)) وليس معناه أنه يدخل في جوفه. ((والنهى عن القران في التمر)) الجمع بين تمرتين في الأكل. والقران في الحج:

الجمع بين النسكين بشروط مذكورة في كتب الفقه. وقرن الهامة: حافتها. وقرن الفلاة: حرفها. قوله: {وما كنا له مقرنين} [الزخرف:13] أي مطيقين مقتدرين، من أقرن له الأمر: إذا قوى عليه، من قوله فلان قرن فلان أي له من القوة مثل ما لصاحبه. قوله: {ويسألونك عن ذي القرنين} [الكهف:83] هو الأسكندر بن داري، وهي تسميته بذلك خلاف؛ فقيل: لأنه كان له ضفيرتان من الشعر. وقيل: لأنه دعا قومه إلى الله فضربوه على قرنه الأيسر فمات ثم أحياه الله تعالى. وحكى علي- رضى الله عنه- قصته كذا ثم قال: ((وفيكم مثله)) قالوا: فنرى أن يكون عني نفسه لأنه ضرب ضربتين: ضربة يوم الخندق، وضربه ثانيا ابن ملجم لعنه الله، وقال له النبي صلى الله عليه وسلم: ((إن لك بيتا في الجنة وإنك ذو قرنيها)) أي طرفي الجنة، وقال أبو عبيد: أحسب أنه أراد [ذو قرني الأمة، فأضمر. وقيل: أراد] الحسن والحسين. والقرن: البدعة، وفي حديث خباب: ((هذا قرن قد طلع)) يعني بدعة لم تكن على عهده صلى الله عليه وسلم، وقيل أراد قوما أحداثا نبغوا بعد أن لم يكونوا. وقرنا البئر: عمودان عن يمينها ويسارها يسقى عليهما. والقرن في الحاجبين: التقاؤهما ضد البلج. وفي صفته عليه الصلاة والسلام: ((سوابغ في غير قرن)) وهذا

خلاف ما روت أم معبد رضي الله عنها. ق ر ي: قوله تعالى: {واسأل القرية} [يوسف:82] قيل هي اسم للمكان الذي يجتمع فيه الناس، وللناس جميعا، ثم يستعمل في كل واحد منهما، قاله الراغب. قلت: وعلى هذا فكون القرية اسما للمكان وحده أو الناس وحدهم مجازا واشتقاقها من القري وهو الجمع. أي يقال: قريت الماء في الحوض، أي جمعته. ومنه: المقري والمقراة، وهي مجتمع الماء وفي الحديث: ((أتى إلى مقري بستان فتوضأ)). قوله تعالى: {واسأل القرية} قيل: هو على حذف مضاف أي أهلها، وقيل: بل القرية نفسها مسؤولة. وساغ ذلك لأن السائل يجوز أن تجيبه الأحجار وما معها، فيكون حقيقة. وقيل: نسب السؤال للقرية والمراد أهلها، والعلاقة المجاورة؛ فالأول مجاز الحذف، والثالني من مجاز العلاقة. والأصوليون يقولون: إذا تعارض المجاز والإضمار فالمجاز أولى. وقيل: مستويان، وهو تسامح منهم لأن الإضمار مجاز. قوله: {واسألهم عن القرية} [الأعراف:163] هي أيلة قوله: {وقالوا لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم} [الزخرف:31] هما مكة والطائف. وقوله: {وضرب الله مثلا قرية كانت آمنة مطمئنة} [النحل:112] يجوز أن يكون عبر بالقرية عن القوم، وأن يكون أراد الحذف. قوله: {وما كان ربك ليهلك القرى بظلم وأهلها مصلحون} [هود:117]

فصل القاف والسين

فالقُرى هنا اسم للمدن فقط. ودخل بعض القضاة على علي بن الحسن رضي الله عنهما فقال: أخبرني عن قول الله تعالى: {وجعلنا بينهم وبين القرى التي باركنا فيها قرى ظاهرة} [سبأ:18] ما يقول فيه علماؤكم؟ فقال: يقولون مكة. فقال: وهل رأيت؟ فقال: ما هي؟ فقل: إنما عني الرجال. قال: فقلت: فأين ذلك في كتاب الله تعالى؟ فقال: أولم تسمع قوله تعالى: {وكأي من قرية عتت عن أمر ربها} [الطلاق:8]. وقريت الماء جمعته قربا. وقريت الضيف قرى. وقريان الماء: مجتمعه. والاستقراء: التتبع والاستقصاء، وفي الحديث: ((فخرج يستقرى الرفاق)). وفي الحديث: ((أمرت بقرية تأكل القرى)) يعني: أمرت بالهجرة إلى المدينة، ومعنى أكلها القرى ما يفتح الله على أيديهم من الغنائم، وهو من أحسن المجاز. فصل القاف والسين ق س س: قوله تعالى: {ذلك بأن منهم قسيسين ورهبانا} [المائدة:82] القسيس: العالم المتعبد من رؤوس النصارى، وقيل: بل هو رئيس النصارى، ومثله القس. وجمع القس قسوس، والقسيس قسيسون وقساوسة وقسوس، وهما على غير قياس. والقس في اللغة تتبع الخبر، وقيل: تتبع الشيء وطلبه باليل، وبين العبارتين عموم وخصوص من وجه؛ يقال: تقسست أصواتهم باليل أي تتبعتها. والقسقاس والقسقس: الدليل باليل. والقسقاسة: التحريك، وفي الحديث: أن فلانة خطبها أبو جهم ومعاوية، فقال لها صلى الله عليه وسلم: ((وأما أبو جهم فأخاف عليك قسقاسته)) أي تحريكه إياها عند الضرب. وقسقس الرجل في مشيته: أي أسرع. وما زال يقسقس ليلته، أي إذا أسرع.

وأنشد: [من الرجز] 1262 - كأنها وقد براها الإخماس ... وأدلج الليل وهاد قسقاس قيل: وكان القياس قسقسته دون ألف، وإنما زيدت كيلا تتوالى الحركات، وفسر أبو زيد القسقاسة بالعصا، وهو الظاهر المراد في الحديث. وقيل: عنى عليه السلام بذلك كثرة أسفاره. وروى على رضي الله عنه وعن النبي عليه الصلاة والسلام ((أنه نهى عن لبس القسي)) قيل: من ثياب مصر فيها حرير نسبة إلى القس وهو موضع. وقال شمر: قال بعضهم: أصله القزي فأبدلت الزاي سينا. ق س ور: قوله تعالى: {فؤت من قسورة}. القسورة: الأسد ووزنة فعولة، اشتقاقا من القسر وهو القهر. وقيل: القسورة: الصيادون؛ شبههم بحمر وحشية، وهي أنفر الصيد. ثم لم يكتف بذلك حتى وصفها بالفرار، ثم لم يكتف بذلك حتى بين سبب الفرار من أشد الحيوان بأسا وهو الأسد. ويقال: قسرته واقتسرته، أي غلبته وقهرته. ق س ط: قوله تعالى: {قائما بالقسط} [آل عمران:18]. القسط: العدل: وقيل: النصيب بالعدل كالنصف والنصفة. والقسط -بالفتح- هو أن يأخذ قسط غيره، وهذا جور. والإقساط: أن يعطي قسط غيره، وذلك إنصاف؛ قال الراغب: ولذلك يقال: قسط الرجل: إذا جار. وأقسط: إذال عدل. قال تعالى: {وأما القاسطون فكانوا لجهنم حطبا} [الجن:15]، وقال: {وأقسطوا إن الله يحب المقسطين} [الحجرات:9].

ويحكى أن الحجاج الخبيث قال لسعيد بن جبير في حكاية طويلة: ما تقول في؟ فقال: أقول إنك قاسط عادل. فأعجب الحاضرين، فقال الحجاج: ما أبلدكم! جعلني كافرًا جائرًا، وتلا قوله: {وأما القاسطون فكان لجهنم حطبًا} {ثم الذين كفروا بربهم يعدلون} [الأنعام:1]. قوله: {ونضع الموازين القسط} [الأنبياء:47] أي ذوات القسط، أو جعلها نفس القسط مبالغة. و {القسطاس} [الإسراء:35] قيل: هو القسط فزيد فيه وجعل اسمًا للمزادة لأن به يحصل العدل. وفي قاف القسطاس لغتان: ضمها وكسرها، وقرئ بهما في السبع. وقيل: هو رومي فعرب. والقسط- أيضًا- الإناء الذي يتوضأ منه، قيل: هو نصف طاع، وفي الحديث، ((إن النساء من أسفه السفهاء إلا صاحبة القسط والسراج)) قيل: أراد إلا التي بأن تقدم له وضوءه وتقوم على رأسه بالسراج تضيء عليه به. ق س م: قوله تعالى: {وأن تستقيموا بالأزلام} [المائدة:3] أي وحرم عليكم استقسامكم بالقداح، وقد مر تفسيرها. والمعنى طلب معرفة ما قسم للإنسان من خير أو شر، نفع أو ضر، حياة أو موت، ظفر أو خذلان، كما كانت الجاهلية وأكثر الجهلة يفعلونه. وقال أبو سعيد الضرير: يقال تركت فلانًا يستقسم أي يفكر، ويروي بين أمرين. قوله تعالى: {كما أنزلنا على المقتسمين} [الحجر:9]. قال ابن عرفة: هم الذين تقاسموا وتحالفوا على كيد الرسول صلى الله عليه وسلم. وقال ابن عباس: هم اليهود والنصارى. قيل: واستعمال القسم بمعنى الحلف أصله من القسامة، وهي أيمان تقسم على أولياء المقتول، ثم صار اسمًا لكل حلف. قوله: {فالمقسمات أمرًا} [الذاريات:4] يعني الملائكة لأنها تقسم أي تفرق أمور العالم من الأرزاق والآجال والسعادة والشقاء. قوله: {وقاسمهما} [الأعراف:21] أي حلف لهما. فالمفاعلة بمعنى الفعل. وقيل: حلف لهما أنه لهما من

الناصحين وحلفا له أنهما لمن القابلين أمره ونصحه. وفلان قسيم الوجه أي صبيحه، والقسامة: الحسن، وأصله من القسم كأنما أوتي كل موضع نصيبه من الحسن فلم يتفاوت. وقيل: لأنه يقسم بحسنه الطرف فلا يثبت في موضع. قال الشاعر: [من الطويل] 1263 - ويومًا توافينا بوجه مقسم ... كأن ظبية تعطوا إلى وراق السلم قلت: كان من حقه على المعنى الثاني أن تكسر سينه لأنه فاعل لذلك. والبيت يروى ((ظبية)) بالحركات الثلاث، وكل منها ضرورة بينتها في غير هذا الموضع. وتقسم قلبه، أي تفرق من الهم وتوزع خاطره. والقسم بالفتح مصدر قسمت الشيْ، وبالكسر اسم لذلك المقسوم. وفي حديث أمير المؤمنين علي رضي الله عنه: ((أنا قسيم النار)) قال القتيبي: يعني أن الناس فريقان؛ فريق معي؛ فهم في الجنة، وفريق علي؛ فهم على ضلال كالخوارج. فقسيم في معنى مقاسم كالجليس والشريب بمعنى مجالس ومشارب، وأنشد: [من الطويل] 1264 - عليه شريب وادع لين العصا ... يساجلها حماته وتساجله والقسامة- بالضم- الصدقة، ومنه الحديث: ((مثل الذي يأكل القسامة)) وفي آخر ((إياكم)). ويقال لحر الوجه قسمة. وأنشد: [من الطويل] 1265 - كأن دنانيرًا على قسماتهم ... وإن كان قد شف الوجوه لقاء

فصل القاف والشين

ق س و: قوله تعالى: {وجعلنا قلوبهم قاسية} [المائدة:13]. القسوة: غلظ القلب وصلابته وخلوه من الرحمة، وضده اللين. يقال: قسا قلبه يقسو. وقسا الحديد: صلب وقال الراغب: القسوة غلظ القلب وأصله من حجر قاس. والمقاساة: معالجة ذلك. وقرئ {قلوبهم قاسية} اسم فاعل من قسا يقسو، وقرئ ((قسية)) من قولهم درهم قسي، وهو ما فيه غش؛ فإن الخالص من الفضة والذهب لين، والمغشوش منها صلب يتعب عند عمله. وعن ابن مسعود: ((كانت زيوفًا وقسيانًا)) قال أبو عبيد: واحد القسيان. درهم قسي مخفف السين مشدد الياء مثل شقي. قال الهروي: كأنه إعراب قاس، ومنه الحديث الآخر: ((ما يسرني دين الذي يأتي العراف بدرهم قسي)) انتهى. يعني أنه معرب من مادة ((ق س)) وفيه نظر. وعن الشعبي أنه قال لفلان: ((يأتينا بهذه الأحاديث قسية وتأخذها منا طازجة)) أي رديئة وتأخذها منا خالصة، وهو إعراب تاره. فصل القاف والشين ق ش ع: قوله تعالى: {مثاني تقشعر منه جلود الذين يخشون ربهم} [الزمر:23] الاقشعرار أن يلحق الجسم قشعريرة، وهي الرعدة النافضة للجسم من تذكر شيء مهيب أو هجومه. ويكون ذلك في الفرح والترح، ووزن اقشعر افعلل. والمصدر الاقشعرار، والاسم القشعريرة فهو مقشعر ومقشعر منه.

فصل القاف والصاد

فصل القاف والصاد ق ص د: قوله تعالى: {فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد} [فاطر:32]. المقتصد: المستوي الحال بين الحالين، ولذلك قال تعالى: {فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات}؛ فالمقتصد بين الظالم والسابق. وأصل القصد استقامة الطريق، وقصدت قصده: نحوت نحوه، زمنه الاقتصاد وهو على نوعين: الأول محمود مطلقًا وذلك فيما له طرفان: إفراط وتفريط، كالجود فإنه بين الإسراف والتقتير، وكالشجاعة فإنها بين الجبن والتهور وإلى هذا النحو من الاقتصاد أشار بقوله تعالى: {والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا} [الفرقان:67]. والثاني يكنى عما يتردد بين المحمود والمذموم، وهو فيما يقع بين محمود ومذموم كالواقع بين الجور والعدل، والبعيد والقريب، وإليه أشار بقوله تعالى: {فمنهم ظالم لنفسه}. قوله: {لو كان عرضًا قريبًا وسفرًا قاصدًا} [التوبة:42] أي متوسطًا بين القرب والبعد، فهو غير متناهي الطرفين طولًا وقصرًا. وهذا مراد من فسره بقوله سفرًا قريبًا، والتحقيق ما قدمته، وقيل: معناه غير شاق. قوله تعالى: {وعلى الله قصد السبيل} [النحل:9] أي تبين الطريق الواضح المستقيم بالدلائل والبراهين. وفي الحديث في صفته عليه الصلاة والسلام: ((كان أبيض مقصدًا)) أي ليس بجسيم ولا قصير. وقال شمر: هو القصد من الرجال نحو الربعة. وقولهم: أقصد السهم أي أصاب، وقتل مكانه كأنه وجد قصده، على المجاز. وأنشد: [من الكامل] 1266 - فأصاب قلبك غير أن لم تقصد وانقصد الرمح: انكسر، وتقصد: تكسر. وقصد الرماح: قطعها، وفي الحديث: ((كانت المداعسة بالرماح حتى تقصدت)) أي تكسرت وصارت قصدًا. وناقة قصيد:

مكتنزة اللحم. والقصيد من الشعر: ما تم سبعة أبيات. ق ص ر: قوله تعالى: {لا يقصرون} [الأعراف:202] أي لا يكفون. يقال: قصر وأقصر: إذا كف، قاله الهروي، وقال الراغب: قصر في كذا: توانى، وقصر عنه لم ينله، وأقصر عنه: إذا كف مع القدرة عليه. قوله تعالى: {حور مقصورات} [الرحمن:72] قيل: معناه مجعولات في القصور؛ يقال: قصرته: إذا جعلته في القصر، وقيل: معناه محبوسات. وأصل القصر: الحبس فهو في الأصل مصدر سمي به المكان المقصور فيه. ويبعد الأول قوله {في الخيام} [الرحمن:72] إلا أن يؤول بأن القصور في داخل الخيام. والقصر ضد الطول فهما متقابلان، قال كعب بن زهير رضي الله عنه: [من البسيط] 1267 - هيفاء مقبلة عجزاء مدبرة ... لا يشتكى قصر منها ولا طول وقصرت كذا: جعلته قصيرًا. والتقصير: اسم للتضييع. وقصرت كذا: ضممت بعضه إلى بعض. قيل ومنه القصر والجمع قصور. قوله: {إنها ترمي بشرر كالقصر} [المرسلات:32] قيل: هو القصر المعهود شبهها بالقصر المبني تهويلًا. وإذا كانت الشررة التي تتعارف في الدنيا بهذا القدر فكيف بنارها؟ أعاذنا الله منها بمحمد وآله. وقيل: القصر اسم جنس لقصرة، كقمح وقمحة. والقصرة: أصل الشجر مثل جمرة وجمر كذا نقل الراغب. والمعروف أن ذلك قصر- بفتح الصاد- جمع قصرة. ثم اختلف في تفسيرها فقيل: هي أعناق الإبل وقيل: أصول الشجر. وقيل: كأعناق البخت. ويؤيده الحديث: ((من كان له بالمدينة أصل فليتمسك

به ومن لم يكن فليجعل له بها أصلًا ولو قصرة)) الرواية بفتح العين. وقرأ ابن عباس ((كالقصر)) بالفتح، وفسر بجميع ما تقدم. وقصرت الصلاة: جعلتها قصيرة بترك بعض أركانها ترخيصًا. وقصرت اللقحة على فرسي: قصرت درها عليه. وقصر السهم عن الهدف: أي لم يبلغه. قوله: {فيهن قاصرات الطرف} [الرحمن:56] معناه أنهن يقصرن أبصارهن على أزواجهن فلا ينظرن إلى غيرهم رضى بأزواجهن. وقيل: معناه لا يمددن أعينهن إلى ما لا يجوز. وهذا المعنى مقول في حقه {حور مقصورات} [الرحمن:72] أي مخدرات. والقصارة: ما بقي في السنبل بعد دوسه والشاميون يعدونه القصري. والقصري بزنة فعلي. والاقتصار على الشيء: الاكتفاء به وكأنه قنع بالقصير منه أي القليل. وأقصرت الشاة: أسنت من قصر أطراف أسنانها. وأقصرت المرأة: ولدت أولادًا قصارًا. والتقصار: قلادة قصيرة. والقوصرة: الوعاء المعروف يجعل فيه التمر ونحوه؛ جعله الراغب من هذه المادة، والظاهر أنه معرب لا عربي. ق ص ص: قوله تعالى: {نحن نقص عليك أحسن القصص} [يوسف:3] أي نبين لك أحسن البيان، من قولهم: قص فلان الخبر أي أتى بقصته من قصها، وأصله من قص الأثر أي تتبعه حتى عرف صاحبه أين سلك. والقصص: الأثر نفسه؛ قال تعالى: {فارتدا على آثارهما قصصًا} [الكهف:64] ومنه القصيص: وهو ما يبقى من الكلأ بعد تتبعه بالرعي والجز. والقصص: الأخبار المتتبعة، ثم جعل الاستقصاء عبارة عن تتبع كل شيء. والقصاص المشروع لأنه يتبع الدم بالقود. وأقص فلان فلانًا، واقتص منه، وضربه

فأقصه أي أدناه من الموت. والقص: الجص، ومنه الحديث: "نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن تقصيص القبور". قال أبو عبيدة: وذلك أن الجص يقال له القصة. والجصاص والقصاص واحد، قال ابن الأعرابي: فإذا خلطه بالنورة أو الرماد فهو الجيار. قوله تعالى: {وقالت لأخته قصيه} [القصص: 11] أي تتبعي أثره. ويجوز بالسين قسست قسًا. وقوله: {فارتدا على آثارهما قصصًا} [الكهف: 64] أي رجعا من الطريق الذي سلكاه يقصان الأثر. وفي الحديث: "ورأيته مقصصًا" قال ابن قتيبة: المقصص: الذي له جمة، وكل خصلةٍ من الشعر قصة. قوله تعالى: {كتب عليكم القصاص} [البقرة: 178] أي القود لأنه يتبع الدم، وقيل: لأنه مأخوذ من القطع، ومنه قصصت أظفاري، فالمقتص يجرحه مثل جرحه أو يقتله مثل قتله به. وفي حديث عائشة: "لا تغتسلن من المحيض حتى ترين القصة البيضاء" قيل: معناه أن تخرج القطنة أو الخرقة التي تحتشي بها نقيةً كالقصة من غير أن يخالطها صفرة ولا ترية؛ الترية: الخفي اليسير، وهي أقل من الصفرة، وقيل: القصة كالخيط الأبيض تخرج بعد انقطاع الدم. ق ص ف: قوله تعالى: {قاصفًا من الريح} [الإسراء: 69] هو الذي إذا مر على شيءٍ قصفه وكسره من بناءٍ وشجرٍ وغير ذلك. ورعد قاصف: في صوته تكسر. وسمي صوت المعازف قصفًا لذلك، ثم تجوز به عن كل لهوٍ؛ فقيل: فلان يقصف قصفًا. وروي عن ابن عمر: "الرياح ثمانٍ: أربع عذاب وأربع رحمة؛ فأما الرحمة فالناشرات والذاريات والمرسلات والمبشرات. وأما العذاب فالعاصف والقاصف وهما في البحر والصرصر

فصل القاف والضاد

والعقيم وهما في البر". وفي الحديث: "أنا والنبيون فراط القاصفين" قال ابن الأنباري: معناه متقدمون في الشفاعة لقومٍ كثيرين متدافعين مزدحمين. وقيل: هم الذين يزدحمون حتى يقصف بعضهم بعضًا، بدارًا إليها. ق ص م: قوله تعالى: {وكم قصمنا من قريةٍ كانت ظالمةً} [الأنبياء: 11] القصم: الحطم والهشم، ويعبر به عن الهلاك. والقصم كسر وبينونة، والفصم من غير بينونةٍ كما تقدم في باب الفاء. وعبر عن الهلاك بقاصمة الظهر. ورجل قصيم أي يكسر من قاومه، وفلان أقصم البنية أي يكسرها، وفي الحديث: "فما ترتفع في السماء من قصمة إلا ويفتح الله بابًا من النار" يعني الشمس. والقصمة: مرقاة الدرجة، سميت قصمةً لأنها كسرة. ق ص و: قوله تعالى: {فانتبذت به مكانًا قصيًا} [مريم: 22] أي بعيدًا، وأصله قصيو فأدغم. والأقصى: الأبعد، ومنه قوله تعالى: {إلى المسجد الأقصى} [الإسراء: 1] وهو بيت المقدس عبر عنه بذلك اعتبارًا بمكان المخاطبين به من النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه. يقال: قصوت عنه، وأقصيت: أبعدت. والناحية القصوى تأنيث الأقصى. وقصوت البعير: قطعت أذنه. وناقة قصواء من ذلك. قيل: ولا يقال: بعير أقصى. والقصية من الإبل: البعيدة من الاستعمال، وكان من حقها قصيًا بقلب واو يائها كأخواتها من الدنيا والعليا، وقد أتقنا هذا في غير هذا الموضع. فصل القاف والضاد ق ض ب: قوله تعالى: {حبًا وعنبًا وقضبًا} [عبس: 27 - 28] القضب: الرطبة التي ترعى، والمقاضب: الأراضي التي تنبتها، سميت بذلك لأنها تقضب أي تقطع، وقيل: القضب:

كل نبتٍ اقتضب أي قطع فأكل رطبًا، ومنه أخذ الحديث المقتضب أي الذي يتكلم له من غير رويةٍ ولا تدبر لعواقبه. ومنه قيل للناقة المركوبة من غير رياضةٍ قضيب لأنها اقتضبت من بين الإبل من غير أن تهذب. وسيف قاضب وقضب: أي قاطع. وفي الحديث: "إذا رأى في ثوبٍ -وروي: إذا رئي -التصليب في شيءٍ قضبه" أي قطع موضع التصليب منه. والقضيب نحو القضب لكن القضيب يستعمل في فروع الشجر، والقضب يستعمل في البقل. والقضب: قطع القضيب، فقضيب هنا بمعنى مفعولٍ، وفي سيفٍ قضيبٍ بمعنى فعل. ق ض ض: قوله تعالى: {يريد أن ينقض} [الكهف: 77] أي ينهدم. يقال: انقض الجدار ينقض انقضاضًا، وهو مطاوع قضضت. وقرئ ينقاض أي ينقطع من أصله. ويقال: انقاضت البئر: انهارت. وقولهم: جاؤوا قضهم بقضيضهم أي مجتمعين. وأصله من اجتماع الحصى الصغار فإنها تسمى القض والقضيض. ومنه قولهم: أقض مضجعه: أي صار فيه القض وهو الحصى الصغار، ثم عبر عن القلق. ومنه قول أبي ذويبٍ الهذلي يرثي بنيه، وكانوا خمسةً: [من الكامل] 1268 - أم ما لجسمك لا يلائم مضجعًا ... إلا أقض عليك ذاك المضجع

ولما هدم ابن الزبير الكعبة أخذ رجل العتلة فعتل ناحية من الربض فأقضه أي جعله بمنزلة القض لتكسره إياها. وقضقض: تكرير قض؛ يقال: قضقض الأسد فريسته إذا هشمها وكسرها بليغًا ومنه أسد قضقاض. وفي حديث مانع الزكاة: "يمثل له كنزه يوم القيامة شجاعًا أقرع فيلقمه يده فيقضضها" أي يكسرها. وفي آخر: "بعدما ضربت رأسه بالسيف فتقضقضوا" أي تفرقوا. ق ض ي: قوله تعالى: {وقضى ربك} [الإسراء: 23] أي حكم وبت. قال ابن عرفة: القضاء إحكام الشيء والفراغ منه، وبه سمي القاضي. والقضاء من الله حكم على عباده يطيعونه به ويعصونه به، ومن ذلك: {وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه} أي حكم بذلك تعبدًا، قال: فلو كان القضاء إمضاءً وإرادةً لما عبد أحد غيره، كما أنه قضاء الموت فليس أحد ينجو منه لأنه قضاء إمضاء وإرادة. وقال آخرون: القضاء فصل الأمر قولاً كان أو فعلاً، وكل منهما نوعان: إلهي وبشري؛ فمن الأول قوله تعالى: {وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه} أي أمر. قوله: {وقضينا إلى بني إسرائيل في الكتاب} [الإسراء: 4] أي أعلمناهم وأوحينا إليهم وحيًا جزمًا فهذا قضاء بالإعلام والفصل في الحكم. قوله: {فقضاهن سبع سماواتٍ} [فصلت: 12] إشارة إلى إيجاده الإبداعي

والفراغ منه. قوله: {إلى أجل مسمى لقضي بينهم} [الشورى: 14] أي فصل. ومن القول البشري قوله: {فإذا قضيتم مناسككم} [البقرة: 211] قوله: {ثم اقضوا إلي} [يونس: 71] أي افزعوا إلى أمر ربكم وأفضوا ما في أنفسكم. ويعبر عن الموت بالقضاء؛ قال الله تعالى: {فمنهم من قضى نحبه} [الأحزاب: 23] لأنه فصل أمره المختص به من دنياه، وقيل: قضى نذره لأنه كان نذر وألزم نفسه أنه إذا لقي عدوًا لا ينكل عنه أو يموت دونه. وقيل: لأن الموت كالمنذور عليه فوفى به. قوله: {لقض علينا ربك} [الزخرف: 77] أي ليمتنا فنستريح. ولذلك قال في موضعٍ آخر {لا يقضى عليهم فيموتوا} [فاطر: 36]. وقوله: {فقضى عليه} [القصص: 15] أي أماته، وهو معنى قول المفسرين؛ وقال الأزهري: قضى في اللغة على وجوهٍ مرجعها إلى انقطاع الشيء وتمامه منها. قوله تعالى: {ثم قضى أجلاً} [الأنعام: 2] معناه ختم أجلاً وأتمه. ومنها الأمر ومنه قوله تعالى: {وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه} [الإسراء: 23] معناه أمر ربك، لأنه أمر قاطع حتم. ومنها الإعلام وهو قوله تعالى: {وقضينا إلى بني إسرائيل في الكتاب} [الإسراء: 4] أي أعلمناهم إعلامًا قاطعًا. ومثله: {وقضينا إليه ذلك الأمر} [الحجر: 66] ومنها القضاء الفصل في الحكم، ومنه قوله تعالى: {ولولا كلمة الفصل لقضي بينهم} [الشورى: 21] أي لفصل الحكم بينهم. وقضى دينه: أي قطع الغريمة عليه بالأداء. ومنها إحكام العمل يقال: قضيت هذه الدار أي أحكمت عملها، ومنه قوله تعالى: {فقضاهن سبع سماواتٍ} [فصلت: 12] أي خلقهن وصنعهن صنعًا محكمًا. ومنها قطع الشيء بإحكامٍ، وأنشد لأبي ذؤيبٍ الهذلي: [من الكامل]

1269 - وعليهما مسرودتان قضاهما ... دواد أو صنع السوابغ تبع ومنها البيان، ومنه قوله تعالى: {من قبل أن يقضى إليك وحيه} [طه: 114] أي يبين لك بيانه فتفرغ منه. قوله: {يا ليتها كانت القاضية} [الحاقة: 27] كناية عن الموت، والمعنى أنها حالة يتمنى فيها الموت. وعن بعض الحكماء: ما أصعب من الموت؟ فقال: حالة يتمنى فيها الموت. والاقتضاء: المطالبة بقضاء الدين، ومنه قولهم: هذا يقتضي كذا، أي يطلب وجهه الذي يستحق أن يكون عليه. قوله: {لقضي إليهم أجلهم} [يونس: 11] وقرئ "قضى" مبنيًا للفاعل. و"أجلهم" نصبًا. والمعنى لفرغ من أجلهم ومدتهم المضروبة لحياتهم. قال بعضهم: القضاء من الله أخص من القدر، لأنه الفصل بين التقدير. والقدر هو التقدير. والقضاء هو التفصيل والقطع. وذكر بعض العلماء أن القدر بمنزلة المعدل للكيل، والقضاء بمنزلة الكيل. ولهذا قال أبو عبيدة لعمر رضي الله عنه لما أراد الفرار من الطاعون بالشام: "أتفر من القضاء؟ قال: أفر من قضاء الله إلى قدر الله" تنبيهًا أن القدر لما لم يكن قضاءً فمرجو أن يدفعه الله، فإذا قضى فلا مدفع له، قاله الراغب قال: ويشهد لذلك قوله تعالى: {وكان أمرًا مقضيًا} [مريم: 21]. قوله: {وقضي الأمر} [هود: 44] أي فصل تنبيهًا أنه صار بحيث لا يمكن تلافيه. وكل أمرٍ مقطوعٍ به من قولك: هو كذا أو ليس بكذا، يقال له قضية صادقة وقضية

فصل القاف والطاء

كاذبة، وإياها عنى من قال: التجربة خطر والقضاء عسر، أي الحكم بالشيء أنه كذا أو ليس بكذا أمر صعب، ومنه قوله عليه الصلاة والسلام في حق علي رضي الله عنه: "أقضاكم علي". قوله: {فاقض ما أنت قاضٍ} [طه: 72] أي امض ما أنت ممضٍ من أمر الدنيا. قوله: {وقضي الأمر} أمضى هلاك قوم نوحٍ عليه السلام والملائكة. "وقضي الأمر" أي فرغ لهم مما كانوا يوعدون. فصل القاف والطاء ق ط ر: قوله تعالى: {ولو دخلت عليهم من أقطارها} [الأحزاب: 14] الأقطار جمع قطر وهو الناحية والجانب، ومنه قطرته أي ألقيته على قطره فجعل كنايةٍ عن القتل والصرع، وأنشد: [من السريع] 1270 - قد علمت سلمى وجاراتها ... ما قطر الفارس إلا أنا وتقطر: وقع على قطره، ومنه قطر المطر وهو سقوطه، ومنه تقاطر القوم أي صاروا أرسالاً كقطر المطر، ومنه قطار الإبل لتتابعها. وتقول العرب: تقطر الجلب معناه أن الزاد إذا نفد احتاجوا فقطروا إبلهم يجلبونها للبيع وللحاجة. ويقال: ما أبالي على أي قطريه وقع، أي على أي شقيه الأيمن أو الأيسر. قوله: {آتوني أفرغ عليه قطرًا} [الكهف: 96] أي نحاسًا مذابًا يقطر كالمطر، ومثله: {وأسلنا له عين القطر} [سبأ: 5]. قوله: {سرابيلهم من قطرانٍ} [إبراهيم: 50] هو ما تطلى به الإبل من الجرب، ويسمى الهناء سمي بذلك لأنه يتقاطر. وقرئ "من قطر آن" أي من نحاسٍ مذابٍ قد أنى حره وتناهى.

قوله: {والقناطير المقنطرة} [آل عمران: 14] القناطير جمع قطنارٍ، وهو مقدار معروف، قيل: هو أربعون أوقية، وقال الحسن: هو ألف دينارٍ ومئتا دينار، وقيل: ملء مسك ثورٍ ذهبًا، إلى أقوالٍ مختلفة. وقيل: لا حد له. وقال الأصفهاني: القناطير جمع القنطرة، وهو من المال ما فيه مقدار عبور الحياة تشبيهًا بالقنطرة، وذلك غير محدود القدر في نفسه، وإنما هو بحسب الإفاضة كالغنى فرب من يستغني بقليلٍ وآخر لا يستغني بكثيرٍ، وهذا الذي قاله من كون القناطير جمع قنطرةٍ غير صحيحٍ إذ كان ينبغي إن تكون قناطير من غير ياءٍ فأما الياء في القناطير فبدل الألف التي في المفرد، ولا يجوز أن تكون إشباعًا، فإنه ضرورة كقوله: [من البسيط] 1271 - تنفي يداها الحصى في كل هاجرةٍ نفي الدراهيم تنقاد الصياريف يريد الدراهم والصيارف فأشبع. قوله: {المقنطرة} أي المجموعة قنطارًا قنطارًا، كقولهم: دراهم مدرهمة، ودنانير مدنرة، يقصدون بذلك المبالغة والكثرة. ومن رباعيه قطرب، وهو دويبة لا تستريح نهارها بل تدأب سعيًا وبه سمي الإمام المشهور محمد بن المستنير لدأبه في طلب العلم، ويا لها منقبةً وتلقيبًا!.

ق ط ط: قوله تعالى: {ربنا عجل لنا قطنا} [ص: 16] أي حظنا ونصيبنا المقطوع لنا ذلك أن القط القطع، ومنه قط القلم كأنه قطعة من الرزق. و"قط" ظرف زمانٍ ماضٍ لا يستعمل إلا منفيًا لأنه قطعة من الزمان، وله أحكام وفيه لغات؛ فتح القاف، وضمها، مع تشديد الطاء، وهو نقيض عوض، فإنه ظرف زمانٍ مستقبل. فالقط فعل بمعنى مفعولٍ، كالذبحٍ والرعي، وقيل: القط هو الكتاب والصحيفة، وهو اسم المكتوب، كما يسمى الكلام كتابًا وإن لم يكن مكتوبًا، وقال أبو عبيدة: القط: الحساب، وفي حديث زيدٍ وابن عمر: "كانا لا يريان ببيع القطوط بأسًا إذا خرجت مكتوبة" قال الأزهري: القطوط هنا: الجوائز والأرزاق؛ سميت قطوطًا لأنها كانت تخرج مكتوبةً في رقاعٍ وصكاكٍ مقطوعة. و"قط" بمعنى حسب، وينون فيقال: قط قطٍ، ومنه الحديث: "في جهنم حتى تقول قط قط" ويروى قط قط ويروى قطي قطي، وقطني قطني بنون الوقاية وعدمها، وأنشد: [من الرجز] 1272 - امتلأ الحوض وقال: قطني ... مهلاً رويدًا قد ملأت بطني وذلك لأن حسبًا بمعنى الكفاية ففيها قطع غن الغير. وأصل القط للمقطوع عرضًا كما أن القد للمقطوع طولاً، وقد تقدم. ومنه حديث علي رضي الله عنه: "كان إذا علا قد وإذا توسط قط" تقول: إذا علا قرنه بالسيف قده بنصفين طولاً كما يقد السير فإذا أصاب وسطه قطعه عرضًا وأبانه. وقط السعر: غلا لأنه قطع الأشياء لغلاء سعرها. وقيل: عنى بقوله "قطنا" أي نصيبنا من العذاب. يشير لقولهم: {فأمطر علينا حجارةً} [الأنفال: 32]. وقيل: نصيبنا مما ذكرت في الجنة، قالوا ذلك

استهزاءً منهم وتهكمًا. ق ط ع: قوله تعالى: {فتقطعوا أمرهم بينهم زبرًا} [المؤمنون: 53] أي صاروا أحزابًا وفرقًا مختلفةً في المذاهب والأديان. وقيل: على غير دينٍ ولا مذهبٍ بل هم فرق مختلفة وأحزاب متشتتة. والقطع: قطع الشيء أي فصله، ثم هو ضربان؛ ضرب مدرك بالبصر كما في الأجسام كقوله: {فاقطعوا أيديهما} [المائدة: 38] وآخر مدرك بالبصيرة نحو قوله تعالى: {ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل} [البقرة: 27]. قوله تعالى: {وتقطعون السبيل} [العنكبوت: 29] من ذلك، ثم قطع الطريق يقال باعتبارين: أحدهما قطعها بالسير نحو قطعه مسافة كذا. والثاني باعتبار الغصب من المارة والسالكين في الطريق، وهم المعنيون بقوله تعالى: {إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادًا} [المائدة: 33]. قيل: وإنما سمي ذلك قطعًا للطريق لتأديته إلى انقطاع الناس عن الطريق فجعل قطعًا للطريق. قوله: {ثم ليقطع فلينظر} [الحج: 15] قيل: هذا مثل لمن لم يرض برزقه، فحاله كحال من علق حبلاً في سقف بيته ثم اختنق هل يفيده ذلك في ذهاب غيظه؟ فكذلك من تقتر عليه رزقه. ومن القطع المجازي قوله تعالى: {ما كنت قاطعةً أمرًا} [النمل: 32] عبرت بذلك عن مضيها فيما تريد. ويعبر بالقطع عن الإهلاك كقوله تعالى: {ليقطع طرفًا من الذين كفروا} [آل عمران: 127] أي ليهلك جماعةً منهم. وقطع الدابر كناية عن إفناء نوع الإنسان وغيره، كقوله تعالى: {فقطع دابر الذين ظلموا} [الأنعام: 45].

قوله: {إلا أن تقطع قلوبهم} [التوبة: 110] أي إلا أن يموتوا. فعبر بذلك لأن تقطع القلب لا تبقى معه حياة، وبين سبب الموت الذي إذا سمعه الإنسان اقشعر جلده، فهذا فائدة الكناية، وإنما استثنى الموت من شكهم لأنهم إذا ماتوا انفنوا، قاله الهروي، وهو تفسير معنى، وقيل: المراد: إلا أن توبة تنقطع بها قلوبهم ندمًا على تفريطهم. قوله: {بقطعٍ من الليل} [هود: 81] أي قطعةٍ منه، وأنشد: [من الخفيف] 1273 - من قطع ليلٍ بهيم وقرئ: "كأنما أغشيت وجوههم قطعًا} [يونس: 27] بسكون الطاء على ما تقدم، وبفتحها على أنه جمع قطعة. قوله: {وفاكهةٍ كثيرة لا مقطوعةٍ ولا ممنوعةٍ} [الواقعة: 32 - 33] أي هي خلاف فاكهة الدنيا؛ فإنها تنقطع في بعض الأحيان، وتمنع إلا بالأثمان، وفي عبارة بعض الصلحاء: غير مقطوعةٍ في الأزمان ولا ممنوعةٍ بالأثمان. وكان إذا رأى الفاكهة قال: "بيننا وبينك الجنة". وهذا وأمثاله من حسن اليقين وتيقن لقاء الله عز وجل. قوله تعالى: {قطعت لهم ثياب من نار} [الحج: 19] أي جعلت على مقاديرهم فيلبسونها لتشتملهم، وما أحسن ما جاء لفظ التقطع هنا، حتى لو أتيت بكل لفظٍ مرادفٍ له أو غير مرادفٍ نحو فصلت وقدرت وسويت لم تجد له حلاوةً، فسبحان من تكلم به وأعجز الخلق عن معارضته، وهذا شأن ألفاظ القرآن كلها.

والقطيع من الغنم: جماعتها لأنه قطع من جملتها، وجمعه قطعان نحو رغيفٍ ورغفانٍ، فهو كغيره من أسماء الجماعة المشتقة من معنى القطع كالصرمة والفرقة. والقطيع -أيضًا- السوط. وأصاب بئرهم قطع أي انقطع ماؤها. ومقاطع الأودية مآخيرها. ويعبر بالقطع عن القصر، ومنه الحديث: "وعليه مقطعات له" قال أبو عبيدٍ: هي الثياب القصار، وقال شمر: هي كل ثوبٍ يقطع من قميصٍ وغيره، ومن الثياب ما لا يقطع كالأزر والأردية، ولا تفرد المقطعات، فلا يقال للجبة القصيرة ولا للثوب القصير مقطعة ولا مقطع. وأقطع الأمير الجند كذا، أي جعلها لهم يختصون بها. وقطع بعضها من بعضٍ، وفي الحديث: "فأقطعه الملح"، وفي حديثٍ آخر: "لما قدم المدينة أقطع الناس الدور". ومن كلام عمر -رضي الله عنه- "ليس فيكم من تقطع عليه الأعناق مثل أبي بكرٍ هذا" مثل يقال للفرس الجواد إذا تقطعت عليه أعناق الخيل فلم تلحقه، وأنشد للجعدي: [من المتقارب] 1274 - يقطعهن بتقريبه ... ويأوي إلى خضرٍ ملهبٍ ق ط ف: قوله تعالى: {قطوفها دانية} [الحاقة: 23] القطوف جمع قطف نحو حمل وحمول. والقطف هو العنقود، وقيل: هو اسم لكل ثمرةٍ قطفت؛ فهو فعل بمعنى مفعول نحو الذبح، والمعنى أن ثمارها لا تبتعد عن متناولها بل يروى أنه إذا خطر للرجل أن يأكل من ثمرة كذا دنا له قطفها بين يديه. وفضل الله أوسع من ذلك. وقطفت الثمر أقطفه قطفًا، وقطفت الدابة تقطف قطفًا فهي قطوف: إذا كانت

بطيئةً، قال الشاعر: [من الطويل] 1275 - ولا عيب فيها غير أن سريعها ... قطوف وألا شيء منهن أكسل وذلك على سبيل الاستعارة تشبيهًأ بقاطف شيءٍ كما يوصف بالقبض والفيض. وأقطف الكرم: دنا قطافه. والقطافة: ما تساقط وذلك نحو النفاثة والنخالة. وفي الحديث: "جاعل فرسٍ لأبي طلحة يقطف" قيل: معناه يقارب الخطو في سرعةٍ ودابة قطوف: بينة القطاف. ق ط م ر: قوله تعالى: {ما يملكون من قطميرٍ} [فاطر: 13] قيل: هو لفافة النواة؛ يضرب بها مثلاً في القلة، وفي النواة أربعة أشياء يضرب بها المثل في القلة قد ذكرتها في قوله تعالى: {ولا تظلمون فتيلاً} [النساء: 77]. وقيل: القطمير الأثر في ظهر النواة، والأول أشهر. ق ط ن: قوله تعالى: {وأنبتنا عليه شجرةً من يقطينٍ} [الصافات: 146] قيل: هو كل شجرٍ لا ينبت على ساقٍ بل ينبسط وينفرش على وجه الأرض كالقثاء والقرع والحنظل، ووزنه تفعيل من قطن بالمكان إذا لازمه، ومنه قواطن مكة، وأنشد: [من الرجز] 1276 - قواطنًا مكة من ورق الحمي يريد: من قذف الحمام فحذف بعض الأحرف. ومنه قيل للجبوب التي تدخر كالعدس والحمص قطاني واحدها قطنية. وقطن يقطن قطونًا. وقال سلمان رضي الله عنه: "كنت قطن النار". ويروى بكسر العين بمعنى صار بها، بفتحها على أنه جمع قاطن، نحو: حاسٍ وحرس، وخادمٍ

فصل القاف والعين

وخدم. والقطن معروف من ذلك. "ولما حملت به أمه صلى الله عليه وسلم قالت: ما وجدته في قطنٍ ولا ثنة". القطن: أسفل الظهر والثنة أسفل البطن. وفي الصحاح: القطن ما بين الوركين، وليس مرادًا في الحديث: فصل القاف والعين ق ع د: قوله تعالى: {والقواعد من النساء} [النور: 60] جمع قاعدٍ بلا هاءٍ، وهي من قعدت عن الزوج أو المحيض، وإذا قعدت من قيامٍ فقاعدة بالهاء. ويعبر بالقعود عن التكاسل، ومنه قوله تعالى: {اقعدوا مع القاعدين} [التوبة: 46]. قوله: {تبوئ المؤمنين مقاعد للقتال} [آل عمران: 121] أي مواطن وأماكن جمع مقعدٍ وهو اسم مكان القعود. والقعود يكون مصدرًأ نحو: قعدت قعودًا، وجمعًا، ومنه: {قيامًا وقعودًا} [آل عمران: 191]. كما أن قيامًا يكون مصدرًا وجمعًا. والقواعد: أساس البناء، الواحدة قاعدة. قال الله تعالى: {فأتى الله بنيانهم من من القواعد} [النحل: 26]. قوله: {عن اليمين وعن الشمال قعيد} [ق: 17] هو بمعنى فاعلٍ نحو شريبٍ وجليسٍ وخليطٍ بمعنى مجالس ومشارب ومخالط. والمراد ملك عن يمينه يكتب له وآخر عن شماله يكتب عليه. وقعيد للواحد وغيره، فلذلك وحده. وقولهم: قعدك الله، وقعيدك الله في القسم، معناه: أسألك بالله الذي يلزمك حفظك. قال: [من الطويل] 1277 - قعيد كما الله الذي أنتما له وهما في الأصل مصدران مضافان للفاعل، وقد حققنا الكلام عليهما في غير هذا.

والقعدة: مرة من القعود، وبالكسر الهيئة، منه قوله تعالى: {وقعدوا} [آل عمران: 168] أي تثبطوا وتكاسلوا، ولذلك قال: {لا يستوي القاعدون من المؤمنين} [النساء: 95]. ويعبر عن الترصد للشيء بالقعود كقوله تعالى: {لأقعدن لهم صراطك المستقيم} [الأعراف: 16]. وفي الحديث: "نهى أن يقعد على القبر" أراد التخلي والحدث. وقيل: أراد به الإحداد وملازمة القبر، وقيل: أراد تهويل الأمر لأن الجلوس على القبر يدل على تهاون بالميت وبالموت، ويؤيده أنه رأى رجلاً متكئًا، على قبرٍ فقال: "لا تؤذوا صاحب القبر". والمقعد: رجل كان يعمل بالسهام ويريشها، قال عاصم بن ثابتٍ الأنصاري: [من الرجز] 1278 - أبو سليمان وريش المقعد ... وضالة مثل الجحيم الموقد كان يقول: أنا أبو سليمان ومعي سهام المقعد. والضالة: شجرة السدر يعمل بها السهام؛ يطلقونها ويريدون السهام. وشبهها بالجحيم لحدتها ونفوذها. والمقعد -أيضًا- من أثقلته ديون فأعقدته وعجز عن النهوض لزمانة ونحوها. ومنه قيل: للضفدع: مقعد، والجمع مقعدات. وثدي مقعد، أي ناتئ تصورًا بصورة القاعد. والمقعد: المتقاعد المتباطئ عن المكارم. ويقال: اقعد، لمن كان كذلك، قال الحطيئة يهجو الزبرقان بن بدر: [من البسيط] 1279 - دع المكارم لا تقصد لبغيتها ... واقعد فإنك أنت الطاعم الكاسي قوله تعالى: {في مقعد صدقٍ} [القمر: 55] نبه بذلك على الراحة والدعة

فصل القاف والفاء

فذكر مكان القعود دون سائر الأفعال. ق ع ر: قوله تعالى: {كأنهم أعجاز نخلٍ منقعرٍ} [القمر: 20] أي مجتث، يعني قلع من قعره أو ذهب في قعر الأرض. وقعر الشيء: نهاية أسفله، فمعنى "منقعر" ذاهبٍ في قعر الأرض. وفي الحديث: "أن رجلا تقعر من ماله" أي انقلع من أصله؛ أراد تعالى أن هؤلاء قد اجتثوا كما يجتث النخل الذاهب في قعر الأرض فلم يبق لهم رؤوس ولا أثر. وقصعة قعيرة: لها قعر. وتقعر فلان في كلامه: إذا أخرجه من قعر حلقه، كقولهم: تشدق، وهو منهي عنه. فصل القاف والفاء ق ف ل: قوله تعالى: {أم على قلوبٍ أقفالها} [محمد: 24] هو جمع قفلٍ وهو ما يجعل مانعًا من فتح الباب. ثم عبر به عن كل مانعٍ للإنسان عن تعاطي بعض الأفعال، فيقال: فلان مقفل عن كذا، ومنه قيل للبخيل: هو مقفل اليدين، كما يقال: هو مغلولهما. واستعار لمنع وصول الحق إلى قلوب الكفرة المخبر عنها بالختم في قوله: {ختم الله على قلوبهم} [البقرة: 7] لفظ الأقفال كما استعار لها الختم والطبع. ومن قال: تحقيقه الختم والطبع قال: تحقيقه أقفال خلقها الله تعالى. على أن المراد بالقلوب ليست المضغ اللحمية، إنما المراد العقول، فيبعد جعل هذه الأشياء حقيقةً وقد حققنا هذا في غير هذا. والقفول: الرجوع من السفر، والقافلة من ذلك، ولذلك غلط يعقوب الناس في تسميتهم الركب قافلة مطلقًا، بل لا يقال إلا للركب الراجع من السفر وفاءً بالاشتقاق. والقفيل: اليابس من الشيء إما لكون بعضه راجعًا إلى بعضٍ في اليبوسة، وإما لكونه كالمقفل لصلابته، يقال: قفل النبات، وقفل الفجل، وذلك إذا شتد هياجه فيبس وهزل.

ق ف و: قوله تعالى: {وقفينا على آثارهم} [المائدة: 46] أي أتبعناهم، وأصله من القفا لأن المتبع للشخص غالبًا يصير خلفه وتابعًا لقفاه، يقال: قفوته واقتفيته، وقفيته أقفره: إذا تتبعته وتبعت أثره. فقفيته مقلوب من قفوته، وبه سميت القافة للتبعها الآثار والأشباه. وعلوم العرب ثلاثة: القيافة والعيافة والسيافة؛ فالقيافة: إلحاق الولد بأبيه لشبهٍ يظهر لهم. والعيافة: نوع من الكهانة والتنجيم. والسيافة: شم التراب، وذلك أن الرجل إذا تاه في بريةٍ شم ترابها فعرف أين هو من الأرض. وقافية كل شيءٍ وقفاه: آخره، ومنه القافية الشعرية، واختلفوا، وهو مبين في غير هذا. وتطلق القافية على البيت بل على القصيدة كلها، ومنه قول الخنساء: [من المتقارب] 1280 - وقافيةٍ مثل حد السنا ... ن تبقى ويذهب من قالها وفي الحديث: "يعقد الشيطان على قافية أحدكم ثلاث عقدٍ" القافية بمعنى القفا. ومن أسمائه عليه الصلاة والسلام: المقفي؛ قيل: هو بمعنى العاقب؛ وهو بمعنى الآخر. والاقتفاء: اتباع الأقفاء، كما أن الارتداف اتباع الردف، ويكنى بذلك عن الاعتبار وتتبع المعايب. قوله تعالى: {ولا تقف ما ليس لك به علم} [الإسراء: 36]. قيل: لا تتبع ما ليس لك به علم فتقول فيه بغير علمٍ. وقيل: معناه: لا تحكم بالقيافة والظن. والقيافة: الطعام الذي يتفقد به من يعنى به فيتبع.

فصل القاف واللام

فصل القاف واللام ق ل ب: قوله تعالى: {إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب} [ق: 37] أي عقل وفهم. وقلب كل شيءٍ خالصه، وأصل القلب من التقلب، وعليه قوله: [من الطويل] 1281 - وما سمي الإنسان إلا لأنسه ... ولا القلب إلا أنه يتقلب وقلب الشيءٍ: تصريفه وصرفه عن وجهٍ، كقلب الثوب وقلب الإنسان. قيل: سمي به لكثرة تقلبه، ويعبر بالقلب عن المعاني التي تختص به من الروح والعلم والشجاعة؛ فمن الأول قوله تعالى: {وبلغت القلوب الحناجر} [الأحزاب: 10]، ومن الثاني قوله تعالى: {لذكرى لمن كان له قلب} أي عقل وفهم، ومن الثالث قوله تعالى: {ولتطئمن قلوبكم} [آل عمران: 126] أي تثبت به شجاعتكم، وعلى عكسه: {وقذف في قلوبهم الرعب} [الأحزاب: 26]. وقوله تعالى: {ولكن تعمى القلوب التي في الصدور} [الحج: 46] قيل: اراد الروح، وهو الظاهر، وقيل: العقل. قال الراغب: ولا يصح عليه، ثم قال: ومجازه مجاز قوله: {تجري من تحتها الأنهار} [الحج: 23] والأنهار لا تجري وإنما يجري الماء الذي فيها. وتقليب الشيء: تغييره من حالٍ إلى حال. وتقليب الأمور: تدبرها والنظر في عواقبها، ومنه قوله تعالى: {وقلبوا لك الأمور} [التوبة: 48] أي دبروها وبيتوها حتى جاء نصر الله فلم يضرك ذلك. وتقليب الله القلوب عبارة عن صرفها من رأي إلى آخر، وكذا تقليبه تعالى البصائر، وإليه أشار بقوله: {ونقلب أفئدتهم وأبصارهم}

أي نحيرهم وندعهم في عمى، عقوبة لهم. لا يسأل عما يفعل؛ ولكن نسأله الهداية للدين القويم. قوله: {فأصبح يقلب كفيه} [الكهف: 42] عبارة عن الندم والتحسر على ما فات؛ حيث لا ينفع ذلك. وقد كثر هذا الاستعمال فقالوا: فلان يقلب يديه ويخط في الأرض ويعض بنانه، وذلك ذكر لصورة حال النادم، وهذا أبلغ من قولهم: فأصبح نادمًا، وإليه نحا الشاعر حيث قال: [من الوافر] 1282 - كمبغونٍ يعض على يديه ... تبين غبنه عند البياع والتقلب: التصرف في البيع والشراء وإصلاح حال الإنسان، ومنه قوله تعالى: {لا يغرنك تقلب الذي كفروا في البلاد} [آل عمران: 196]. وقال تعالى: {أو يأخذهم في تقلبهم} [النحل: 46] أي في حالة هم أبعد شيءٍ من ظنهم الهلكة بل أقوياء أصحاء يتبايعون ويتشارون فيأخذهم بغتة. فنسأل الله اليقظة لما بين أيدينا. والقلب: الكثير التقلب، كالحول لكثير التحول. والقلاب: داء يصيب القلب. وما به قلبة: أي علة يقلب لأجلها. والقليب: البئر التي لم تطو. والقلب: المقلوب من الأسورة. قوله: {وقلبوا لك الأمور} [التوبة: 48] أي نصبوا لك الغوائل. قوله: {يومًا تتقلب فيه القلوب والأبصار} [النور: 37] أي ترجف وتخفق بحيث تكاد تطلع إلى الظاهر، ونحوه: {وبلغت القلوب الحناجر}. قوله: {ونقلبهم ذات اليمين وذات الشمال} [الكهف: 18] قيل: إنهم لكثرة تقلبهم يظنهم الرائي غير نيامٍ، ويؤيده: {وتحسبهم أيقاظًا وهم رقود} [الكهف: 18] وما أحسن التصريح بقوله: {وهم رقود} بعد الحسبان!. قوله تعالى: {والله يعلم متقلبكم ومثواكم} [محمد: 19] أي منصرفكم

ومقامكم في الأولى والعقبى. وفي الحديث: "أتاكم أهل اليمين اليمن هم أرق قلوبًا وألين أفئدةً" قيل: هما سيان، وكررهما لاختلاف لفظهما كقوله: 1283 - وألفى قولها كذبًا ومينا 1284 - وهند أتى من دونها الناي والبعد {صلوات من ربهم ورحمة} [البقرة: 157]. وقيل: بل القلب أخص من الفؤاد. وفي صفته عليه الصلاة والسلام: "كان قرشيًا قلبًا" قيل: بمعنى فطنٍ فهيمٍ، وقيل: بمعنى خالصٍ. وقلب كل شيءٍ خياره وخالصه، وهو الظاهر لاقترانه بـ "قرشيًا" أي خالص النسب في هذه القبيلة التي هي أشرف العرب. ولما احتضر معاوية قلب على فراشه فقال: "لتقلبون قلبًا حولاً" قد تقدم تفسيره. وقال عمر رضي الله عنه: "اقلب قلاب"، هذا مثل يقال لمن يتكلم بسقطةٍ فيتداركها بنقلها عن جهتها وصرفها إلى غير معناها. وفي حديث موسى وشعيبٍ عليهما السلام: "لك من غنمي ما جاءت به قالب لون". تفسيره في الحديث: أنها جاءت على غير لون أمهاتها. ق ل د: قوله: {ولا الهدي ولا القلائد} [المائدة: 2] ما تقلد به الهدي فيعرف من غيره فلا يتعرض له بسوءٍ، وأصله أن الحرمي كان إذا ساقه قلد ركابه بلحاء شجرٍ من شجر الحرم فيأمن بذلك. فعبر بالقلائد والمراد المقلد بها، كذا قيل: وأحسن منه أنه إذا نهى عن القلائد أن يتعرض لها، فالنهي عن مقلدها بطريق الأولى والأحرى. ونحوه: {ولا يبدين زينتهن} [النور: 31]. لأنهن إذا نهين على إظهار نفس الزينة فنهيهن عن إظهار مواقعها كاليد والرجل والصدر أولى وأحرى.

وأصل القلد الفتل؛ قلدت الحبل فهو قليد ومقلود إن فتلته. والقلادة ما فتلت من خيوط وفضةٍ ونحوهما فتجعل في العنق، ثم شبه بها كل ما يتطوق به كل ما يحيط بشيءٍ. ومنه: قلدته العمل، وقلدته السيف، تارةً يقال بمعنى وشحته إياه، أي جعلته له بمنزلة القلادة والوشاح، وتارةً بمعنى ضربت به عنقه. وقلدته هجاءً: ألزمته إياه. قوله: {له مقاليد السماوات} [الزمر: 6] قيل: معناه خزائنها، وقيل: مفاتيحها، والمعنى أن له التصرف فيها، وأنه قادر عليها حافظ لها بمنزلة من بيده مفاتيح الخزائن. قالوا: الواحد قليد، وكان قياسه أقاليد فالأولى أن يراد تفسير المعنى، والواحد الحقيقي مقليد أو مقلاد، فإن لم يسمع فهو مقدر كما قيل في أحاديث وأقاطيع وليال كما بينا في غير هذا وحررنا الخلاف فيه. وفي الحديث: "قلدوا الخيل ولا تقلدوها الأوتار" في تأويله وجهان: أحدهما لا تقلدوها أوتار القسي فتختنق. وقيل: المراد بالأوتار الذحول والإحن التي كانوا يتعارفونها أي لا تقاتلوا عليها لذلك، وهذا هو المنصوص. والقلد: هو يوم نوبة الشرب وما بين القلدين ظمء، ومنه قول ابن عمرو لقيمه: "إذا أقمت قلدك فاسق الأقرب فالأقرب" ومنه قول عمر: "فقلدتنا السماء" أي مطرتنا لوقتٍ، مأخوذ من قلد الحمى وهو يوم ورودها، ومنه: هم يتقالدون بئرهم أي يتناوبونها. ق ل ع: قوله تعالى: {ويا سماء أقلعي} [هود: 44] أي أمسكي ماءك، من قولهم: أقلعت عنه الحمى إذا زالت. والإقلاع: الإزالة. وأقلع عن الذنب إذا تاب منه. والقلع: الرجل الذي لا يثبت على السرج كأنه يقلع ويطرح، وفي حديث جريرٍ أنه قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: "إني رجل قلع فادع لي" ورواه بعضهم بفتح الفاء وكسر العين. والقلع أيضًا شراع السفينة، ومنه قول مجاهدٍ في قوله تعالى: {وله الجوار

المنشآت في البحر} [الرحمن: 24] قال: ما رفع قلعه. وفي صفته عليه الصلاة والسلام: "إذا مشى تقلع". وفي حديث ابن أبي هالة: "إذا زال زال تقلعًا" أي رفع رجليه بقوةٍ ثابتًا، لا كمن يتبختر اختيالاً. وروي هذا قلعًا بفتح الفاء والعين، ويفتح الفاء وكسر العين كذا بخط الأزهري، قال: وهذا كما جاء في آخر "كأنما ينحط من صببٍ". وفي الحديث: "لا يدخل الجنة قلاع ولا ديبوب"؛ القلاع: الساعي إلى السلطان بالناس والنباش والشرطي والقواد، وذلك لأنه يقلع الأشياء من مقارها أي يزيلها. والقلعة من الجبل قتبة، وبه سميت الحصون قلعًا. وقال الخبيث الحجاج لأنس رضي الله عنه: "لأقلعنك قلع الصمغة" أي لأستأصلنك. والصمغ إذا قلع لم يبق له عين ولا أثر. وفي المثل: "تركتهم على مثل مقلع الصمغمة" إذا لم يبق لهم شيء إلا ذهب. ق ل ل: قوله تعالى: {حتى إذا أقلت سحابًا ثقالاً} [الأعراف: 57] أي حملت. يقال: أقل الرجل الشيء يقله إقلالاً: إذا حمله، ومنه القلة لأن الرجل يقلها بيديه أي يحملها، والمعنى أن الرياح رفعت السحاب بتسخير الله تعالى. وفي الحديث: "كقلال هجر" القلال جمع قلة وهي جرة تعمل بهذا المكان، وهو قريب من المدينة. قوله: {إن هؤلاء لشرذمة قليلون} [الشعراء: 54] قال الأزهري: هذا كما يقال: هؤلاء واحدون وهم حي واحد، قال: ومعنى واحدين واحد، وأنشد للكميت: [من الوافر]

1285 - فرد قواصي الأحياء منهم ... فقد أضحوا بحي واحدينا قلت: كأنه يعتذر عن جمع قليلٍ لأنه يكتفي به عن الجمع. والتحقيق في جوابه أنه لما أراد اختلاف أنواعه ساغ جمعه. والقلة تقابل الكثرة ويستعملان في الأعداد، كما أن الصغر والعظم للآخر، ومن القلة والصغر للآخر. قوله: {قم الليل غلا قليلاً} [المزمل: 2] أي وقتًا قليلاً. قوله: {ولو كانوا فيكم ما قاتلوا إلا قليلاً} [الأحزاب: 20] وقوله: {ولا تزال تطلع على خائنة منهم إلا قليلاً} [المائدة: 13] أي وقتًا قليلاً منهم والقلة يكنى بها تارةً عن الذلة اعتبارًا بقول الأعشى: [من السريع] 1286 - ولست بالأكثر منهم حصى ... وإنما العزة للكاثر قال الراغب: وعلى ذلك قوله تعالى: {واذكروا إذ كنتم قليلاً فكثركم} [الأعراف: 86] وتارةً يكنى بها عن العزة ومنه قوله تعالى: {وقليل من عبادي الشكور} [سبأ: 13] وذلك أن ما يقل يعز وجوده. قوله: {وما أوتيتم من العلم إلا قليلاً} [الإسراء: 85] قليلاً يجوز أن يكون نعت مصدر محذوفٍ أي إلا علمًا قليلاً، وأن يكون استثناءً من مرفوع "أوتيتم" أي إلا قليلاً منكم. قوله: {ولا تشتروا بآياتي ثمنًا قليلاً} [المائدة: 44] يعني بالقليل هنا العرض الدنيوي، وجعله قليلاً بالنسبة لما أعده الله تعالى للمؤمنين في الآخرة. وعليه قوله تعالى: {قل متاع الدنيا قليل} [النساءك 77]. والقليل يرد بمعنى النفي، ولذلك صح الاستثناء المفرغ بعده في قولهم: قلما يفعل ذلك إلا زيد، وقلما يفعل ذلك إلا قائمًا أو قاعدًا، وعلى ذلك حمل قوله تعالى: {قليلاً ما تؤمنون} [الحاقة: 41]. وقيل: القلة هنا هي المشار إليها بقوله: {وما يؤمن أكثرهم

بالله إلا وهم مشركون} [يوسف: 106]. وأقللت كذا: وجدته قليلاً أو خفيفًا، إما في الحكم كقولهم: أقللت ما أعطيتني. وإما بالإضافة إلى قوته، كقوله تعالى: {حتى إذا أقلت سحابًا ثقالاً} [الأعراف: 57] أي احتملته فوجدته قليلاً باعتبار قوتها. واستقللته: رأيته قليلاً نحو استخففته. وقلة الجبل: سقفه اعتبارًا بقلته إلى ما عداه من أجزائه. وأما تقلقل الشيء: إذا اضطرب، وتقلقل المسمار فمشتق من القلقلة، وهي حكاية صوت الحركة. ق ل م: قوله تعالى: {الذي علم بالقلم} [العلق: 4] قيل: أشار به إلى ما أنعم على الإنسان من نعمة الكتابة، وذلك لما احتوت عليه من الفوائد الغزيرة التي لا تدخل تحت الوصف من كونها تجعل الغابر من سنين مؤلفةٍ كالشاهد والبعيد المسافة كالشرق والغرب كالمتجاور على اختلاف أوضاع الأمم لها واصطلاحاتها. وقيل: أشار إلى علم القدرة. وفي الحديث: "أنه كان يأخذ الوحي عن جبريل وجبريل عن ميكائيل وميكائيل عن إسرافيل وإسرافيل عن اللوح واللوح عن القلم". وهذا إن ثبت فالمراد به سر إلهي. والقلم: ما يكتب به، وسمي بذلك لأنه قلم أي قص وقطع؛ فعل بمعنى مفعولٍ كالنقص بمعنى منقوص. وأصل القلم القص من الشيء الصلب كقلم الأظفار. قوله: {إذ يلقون أقلامهم} [آل عمران: 44] قيل: هي أقلام الكتابة كانوا يكتبون بها التوراة فاقترعوا بها. وقيل: هي قداح كانوا ستهمون بها. وسمي القدح قلمًا لأنه يبرى كما يبرى القلم ويقطع كما يقطع، وذلك أنهم لما اختلفوا في كفالة مريم قال بعضهم: ألقوا أقلامنا في هذا النهر فمن رسب قلمه فهو أحق بها ومن طفا قلمه فليس له حق. فرسب قلم زكريا عليه السلام، وذلك لأنه أمر خارق للعادة. ومن طبع القلم أن يطفو.

والقلام: شجر معروف لأنه يقلم، وأنشد: [من الكامل] 1287 - متجاوزًا قلامها والأقاليم: جمع إقليم وهو مجمع بلدانٍ شتى، سميت بذلك لأن الأقاليم سبعة والدنيا على ما قسمها أهل الدنيا سبعة. ق ل ي: قوله تعالى: {ما ودعك ربك وما قلى} [الضحى: 3] أي ما أبغضك. والقلى: شدة البغضة، يقال: قلاه يقليه، وقليه يقلاه، والأولى هي المشهورة، وأنشدوا [من الطويل] 1288 - وتقلينني لكن إياك لا أقلي وفيها لغة ثالثة: قلاه يقلوه. قال الراغب: فمن جعله من الواو فهو من القلو أي الرمي من قولهم: قلت الناقة براكبها قلوًا. وقلت بالقلة وكأن المقلو هو الذي يقذفه القلب من بغضه فلا يقبله، ومن جعله من الياء فهو من قليت البسر والسويق على المقلاة. ويقال: قلاه يقليه قلى، وربما فتح ومد فقيل: قلاء. قوله تعالى: {قال إني لعملكم من القالين} [الشعراء: 168] أي الكارهين الشديدي البغض. ومن كلام أبي الدرداء: "وجدت الناس أخبر تقله" أي إذا جزتهم قليتهم لما تطلع عند التجربة منهم خبث سرائرهم وهذا في زمن أبي الدرداء، فإنا لله وإنا إليه راجعون. وهذا على إضمار القول، أي وجدتهم مقولاً فيهم، كذا كقوله: [من الرجز] 1289 - بئس مقام الشيخ أمرس أمرس ... إما عل قعوٍ وإما اقعنسس

فصل القاف والميم

أي مقولاً فيه: أمرس أمرس، وقيل: هو معناه الخبر كقوله تعالى: {فليمدد له الرحمن مدًا} [مريم: 75]. وفي حديث ابن عمر: "كان لا يرى إلا مقلوليًا" فسره بعض أهل الحديث بأنه كأنه على مقلى؛ قال الهروي: وليس بشيءٍ، ونقل عن أبي عبيدٍ أنه المتجافي المستوفز، قلت: ومن ذلك قول الشاعر: [من الرجز] 1290 - لما رأتني خلقًا مقلوليا فصل القاف والميم ق م ح: قوله تعالى: {فهم مقمحون} [يس: 8] أي رافعو رؤوسهم، وذلك لأن الغل غليظ، وفيه العمود الذي يصير تحت الذقن فترتفع رؤوسهم لذلك. وهذا من أبلغ الكنايات نحو: طويل النجاد، وكثير الرماد. وأصل الإقماح رفع الرأس وغض البصر، ومنه: بعير قامح وغبل قماح. واقتحمتها: فعلت بها ذلك لأنها إذا وردت رفعت رؤوسها لشدة البرد. وقال الراغب: القمح رفع الرأس كيفما كان. وقيل: هو رفع الرأس لسف شيءٍ. واقتحمت البعير: شددت رأسه إلى خلفٍ. قال: وقوله: {فهم مقمحون} تشبيه بذلك، ومثل لهم قصد إلى وصفهم بالتأبي عن الحق وعن الإذعان لقبول الرشد والتأبي عن الإنفاق في سبيل الله. وقيل: إشارة إلى حالهم في القيامة {إذ الأغلال في أعناقهم} [غافر: 71] وفي حديث أم زرعٍ: "وأشرب فأتقمح" أي أشرب فأروى فأرفع رأسي. وروي "فأتقنح" بالنون. قال أبو زيدٍ: هو أن يشرب فوق الري؛ يقال: فنحت من الشراب أقنح قنحًا: تكارهت على شربه بعد الري. والقمح: قال الخليل: القمح: البر إذا جرى في السنبل من لدن الإنضاج إلى زمن

الاكتناز، والسويق المتخذ منه قميحة. ق م ر: قوله تعالى: {كلا والقمر} [المدثر: 32] قيل: القمر يقال له ذلك بعد الثلاث وذلك لامتلائه وقيل: سمي بذلك لأنه يقمر ضوء الكواكب ويفوز به، والقمر أضوؤه. وتقمرت فلانًا: أتيته في القمراء. وقمرت القربة: فسدت بالقمراء. وحمار أقمر: على لون القمراء. وأتان قمراء. فهما كأحمر وحمراء. وفي حديث الدجال: "هجان أقمر" قال القتيبي: هو الأبيض الشديد البياض. قلت: وأصله ما ذكرته. وقمرت فلانًا كذا: خدعته عنه. ق م ص: قوله تعالى: {إن كان قميصه} [يوسف: 26] القميص معروف، وجمعه قمص وقمصان وأقمصة. وتقمص: لبس القميص. وتقمص البعير يتقمص إذا نزا. والقماص: داء يأخذه فلا يستقر به موضعه، ومنه قول الشاعر: أفلا قماص بالعير؛ ويستعار للتحلي ببعض الصفات، ومنه حديث عثمان: "إن الله سيقمصك قميصًا وإنك تلاص على خلعه" ومعنى تلاص أي تراد عليه. والقميص أيضًا غلاف القلب، والبرذون أيضًا الكثير القماص. ق م ط: قوله تعالى: {يومًا عبوسًا قمطريرًا} [الإنسان: 10] قال ابن عرفة: منقبضًا لا شحة فيه ولا انبساطًا. اقمطر إذا تقبض. وقال الأزهري: القمطرير: المقبض ما بين العينين ومعناه: شديدًا غليظًا. والجمع قماطر. ق م ع: قوله تعالى: {ولهم مقامع من حديدٍ} [الحج: 21] هو جمع مقمع، وهو ما

فصل القاف والنون

يضرب به، ومن ذلك قمعته فانقمع نحو: كففته فانكف. والقمع والقمع: ما يصب به الشيء فيمنع من أن يسيل. وفي الحديث: "ويل لأقماع القول" قال الراغب: أي الذين يجعلون آذانهم كالأقماع فيتبعون أحاديث الناس. ورواية الهروي: "ويل لأقماع الآذان" قال: يعني الذي يستمعون القول ولا يعونه ولا يعملون بما فيه. وفي حديث عائشة رضي الله عنها: "فإذا رأين رسول الله صلى الله عليه وسلم انقعمن" يعني جواري كن يلاعبنها. ومعنى انقمعن: تغيبن عنه توقيرًا له صلى الله عليه وسلم. والقمع: الذباب الأزرق لكونه مقموعًا. وتقمع الحمار: إذا ذب القمعة عن نفسه. ق م ل: قوله تعالى: {فأرسلنا عليهم الطوفان والجراد والقمل} [الأعراف: 133] قيل: هي صغار الذباب، وقيل: كبار القردان، وقيل: هي القمل المعروف، وقيل: دواب أصغر منه، ورجل قمل، أي فيه قمل، وامرأة قملة: صغيرة قبيحة كأنها قملة. فصل القاف والنون ق ن ت: قوله تعالى: {وقوموا لله قانتين} [البقرة: 238]. القنوت: قيل السكوت. وفي الحديث: "كان الرجل منا يكلم صاحبه في الصلاة حتى نزلت {وقوموا لله قانتين} فنهينا عن الكلام وأمرنا بالسكوت". وقيل: هو الطاعة، ومنه قوله تعالى: {كل له قانتون} [البقرة: 116] أي مطيعون. قال الهروي: معنى الطاعة أن كل من في السماوات والأرض مخلوقون كما أراد الله عز وجل؛ لا يقدر واحد على تغيير الصورة.

وآثار الصنعة دالة على أن الطاعة هي طاعة الإرادة والمشيئة، وليست طاعة العبادة. قلت: مراده بذلك الجواب عن اعتراضٍ مقدر وهو أنا نجد كثيرًا من الخلق عاصين غير مطيعين. والخبر من الله صدق قطعًا، وقيل: القنوت لزوم الطاعة مع الخضوع. قال الراغب: وبكل واحدٍ منهما فسر قوله تعالى: {كل له قانتون} قيل: خاضعون، وقيل: طائعون، وقيل: ساكتون. ولم يعن به كل السكوت، وإنما عني به ما قال عليه السلام: "إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الآدميين إنما هو قرآن وتسبيح" وعلى هذا قيل: "أي الصلاة أفضل؟ فقال: طول القنوت" أي الاشتغال بالعبادة ورفض كل ما سواه. قال تعالى: {إن إبراهيم كان أمة قانتًا} [النحل: 120] قلت: ومنه القنوت المشروع في الصبح، والتراويح إنما هو الدعاء المعروف وما يقوم مقامه. قوله: {يا مريم اقنتي لربك} [آل عمران: 43] أي أطيعيه أو اعبديه أو اخضعي له، وكلها معانٍ متقاربة، والمادة تدل على الإخبات والطاعة والاستكانة. قوله: {ومن يقنت منكن} [الأحزاب: 31] أي يطيع ويخضع. قوله: {فالصالحات قانتات} [النساء: 34] أي قائمات بحقوق الأزاواج، قيل: مصليات. وفي الحديث: "كمثل الصائم القانت" أي المصلي. قوله: {أمن هو قانت} [الزمر: 9] ولذلك قال: {ساجدًا وقائمًا}. وقال ابن الأنباري: القنوت في اللغة ينقسم إلى أربعة أقسام: الصلاة, وطول القيام، وإقامة الطاعة، والسكوت. وفي الحديث: "أنه قنت شهرًا" أي يدعو على أحياءٍ من العرب. ق ن ط: قوله تعالى: {وهو الذي ينزل الغيث من بعد ما قنطوا} [الشورى: 28] أي

يئسوا. والقنوط: اليأس من الخير؛ يقال: قنط بالفتح وقنط بالكسر ولم يقرأ إلا بالأول. وقرئ المضارع بالوجهين في المتواتر. ق ن ع: قوله تعالى: {مقنعي رؤوسهم} [إبراهيم: 43] أي رافعيها ينظرون من الذل. قال ابن عرفة: اقنع رأسه: غذ نصبه لا يلتفت يمينًا ولا شمالاً ولا جعل طرفه موازيًا لما بين يديه، وكذلك الإقناع في الصلاة. والقنع: الاجتزاء بالشيء اليسير، ومنه قوله تعالى: {وأطعموا القانع والمعتر} [الحج: 36] يقال: قنع بالكسر ينقع قنعًا وقناعةً: إذا رضي واجتزأ باليسير. وقنع بالفتح يقنع قنوعًا: إذا سأل، قال بعضهم: القانع هو السائل الذي لا يلح، ويرضى بما يأتيه عفوًا، وأنشد: [من الوافر] 1291 - لمال المرء يصلحه فيغني ... مفاقره أعف من القنوع فصار قنع مشتركًا بين الرضا والاجتزاء وبين السؤال، ولكن وقع الفرق بينهما بالمصدر كما تقدم. قال بعضهم: أصل هذه الكلمة من القناع وهو ما يغطى به الرأس، فقنع: لبس القناع ساترًا لفقره كقولهم: خفي: إذا لبس الخفاء. وقنع: إذا رفع قناعه كاشفًا رأسه بالسؤال، نحو: خفي إذا رفع الخفاء. ومن القناعة: رجل مقنع: يقنع به، قال الشاعر: [من الطويل] 1292 - شهودي علي ليلى رجال مقانع وتقنع بالمغفر على التشبيه بقناع المرأة، وقنعت رأسه على التشبيه بذلك. وفي الحديث: تقنع يديك في الدعاء" أي ترفعهما، وفيه أيضًا: "كان إذا ركع لا يصوب

رأسه ولا يقنعه" أي لا يرفعه حتى يكون أعلى من جسده. قوله: {وأطعموا القانع والمعتر} القانع: الذي لا يسأل، والمعتر: الذي لا يعترض. يقال: قنع بالفتح يقنع قنوعًا: إذا سأل، وقنع بالكسر قناعةً: إذا لم يسأل وعف عما في أيدي الناس، وقد تقدم ذلك. وفي الحديث: "لا تجوز شهادة القانع لأهل البيت لأنه لهم كالتابع" القانع هنا كالسائل. وفي الحديث: "أنه اهتم للصلاة كيف يجمع لها الناس فذكر له القنع". قيل: هو الشبور. ورواه بعضهم عن أبي عمر الزاهد بالثاء المثلثة بدل النون وهو البرق. قال الهروي: عرضته على الأززهري فقال: هذا باطل. وفي الحديث: "أتيته بقناعٍ من رطبٍ" القناع والقنع والقنع: الطبق الذي يؤكل عليه، فقنع وقنع يجمعان على أقناعٍ نحو حمل وأحمال، وقفل وأقفال. قال الهروي: ويجوز جمع القنع على قناعٍ كعس وعساس. وجمع القناع أقناع. قلت: فيستوي في القناع لفظ الواحد والجمع إلا أن قوله: وجمع القناع أقناع لا يصح، إذ فعال لا يجمع على أفعال. ق ن و: قوله تعالى: {قنوان دانية} [الأنعام: 99] القنوان جمع قنوٍ وهو العذق الذي فيه الشماريخ وتثنيته قنوان وجمعه قنوان، ففي الوقف يستوي لفظ تثنيته وجمعه، حالة رفع تثنيته. وفي الوصل يظهر الفرق بكسر نون التثنية وتنوين لام الكلمة وحلول الحركات عليها. ومثله في ذلك صنو وصنوان للجذوع التي أصلها واحد. والقناة تشبه القنو في كونهما غصنين. وأما القناة التي يرجي فيها الماء فقيل لها

فصل القاف والهاء

ذلك تشبيهًا بالقناة في الخط والامتداد. وقيل: أصله من قنيت الشيء إذا ادخرته. ق ن ي: قوله تعالى: {وأنه هو أغنى وأقنى} [النجم: 48] أي أعطى ما فيه القنية: أي المال المدخر. وقيل: أقنى: أرضى، وتحقيق ذلك أنه جعل له قنيةً من الرضا والطاعة، وذلك أعظم الغناءين. وقنيت كذا، واقتنيته بمعنى. قال الشاعر: [من الطويل] 1293 - قنيت حيائي عفةً وتكرما والقنية والقنيان: المال الثابت الأصل. وقنيت الشيء أقناه: لزمته، لأن القناة مدخرة للماء. وقيل: بل من قولهم قاناه: أي خالطه، وأنشد امرؤ القيس: [من الطويل] 1294 - كبكر مقاناة البياض بصفرةٍ ... غذاها نمير الماء غير المحلل وأما القنا فيقال منه: رجل أقنى، وامرأة قنواء الأنف. فصل القاف والهاء ق هـ ر: قوله تعالى: {الواحد القهار} [يوسف: 39]، القهر: الغلبة والتذليل معًا، ويستعمل كل منهما منفردًا. قوله: {فأما اليتيم فلا تقهر} [الضحى: 9] أي لا تذله وتكسر خاطره، وغلب ازدواج هاتين الصفتين وهما الوحدانية والقهر، وذلك لمعنى بديعٍ وهو أن الغلبة والإذلال من ملوك الدنيا، إنما يكون بأعوانهم وجندهم وعددهم وعُددهم. والله تعالى يقهر كل الخلق وهو واحد أحد فرد صمد مستغنٍ عن ظهيرٍ سبحانه. وهذا من الفتوحات الإلهية، فنشكر الله تعالى على ذلك. وفي الحديث: "فأقول: يا رب امتي. فيقال: إنهم كانوا يمشون بعدك القهقري". قال أبو عبيدٍ: هو

فصل القاف والواو

الرجوع إلى الخلف، وذلك كناية عن مشيهم على غير طريقه الواضح ونهجه القويم. كما جاء في حديثٍ آخر: "فيقال إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك، فأقوال: سحقًا سحقًا". فصل القاف والواو ق وب: قوله تعالى: {فكان قاب قوسين} [النجم: 9] أي قدر قوسين. يقال: بيني وبينه قاب رمحٍ وقاد وقيد وقدى رمحٍ. والقوس: الرمح بلغة أزد شنوءة وسيأتي. وقال الراغب: القاب: ما بين المقبض والسية من القوس. قلت: السية موضع الوتر. وهذا أقل من الأول. وفي الحديث أن عمر نهى عن التمتع بالعمرة إلى الحج فقال: "إنكم إن اعتمرتم في أشهر الحج رأيتموها مجزئةً عن حجكم فكانت قائبة قوب عامها" ضرب! عمر هذا مثلاً لخلاء مكة من المعتمرين سائر السنة. قال شمر: يقال: قيبت البيضة فهي مقوبة: إذا خرج فرخها. وقال الفراء: القابية: البيضة، والقوب: الفرخ. وتقوبت البيضة: تقلقت عن فرخها، ويقال: انقضى قوبي من قاويةٍ، يعني أن الفرخ إذا فارق بيضته لم يعد إليها. ق وت: قوله تعالى: {وكان الله على كل شيءٍ مقيتًا} [النساء: 85] قيل: معناه مقتدرًا، وقيل: حافظًا، وقيل: شاهدًا؛ وحقيقته: قائمًا عليه يحفظه، وأنشد: [من الخفيف] 1295 - ليت شعري وأشعرن إذا ما ... قربوها منشورةً ودعيت ألي الفضل أم علي، إذا حو ... سبت؟ إني على الحساب مقيت والقوت: ما يمسك به الرمق، والجمع أقوات لقوله تعالى: {وقدر فيها أقواتها}

[فصلت: 10] يعني أرزاقها المقدرة لخلقه لا يعدوا أحد رزقه. وقاته يقوته قوتًا: أطعمه القوت. وأقاته يقيته إقاتةً: جعل له ما يقيته، كما قيل في سقيته وأسقيته وقبرته وأقبرته. وفي الحديث: "إن أكبر الكبائر أن يضيع الرجل من يقوت"، ويروى "من يقيت" من قاته وأقاته. وقيل: فعل وأفعل فيه بمعنى كنظائره. وقيل: من قوله: "مقيتًا" أي مقتدرًا على أن يعطي كل واحدٍ قوته. ويقال: ما عنده قوت ليلةٍ وقيت ليلةٍ وقيتة ليلةٍ، نحو: الطعم والطعم والطعمة. وأنشد الشارع يصف نارًا: [من الطويل] 1296 - فقلت له: ارفعها إليك فأحيها ... بروحك واقتته لها قيتةً قدرا ق وس: قوله تعالى: {فكان قاب قوسين أو أدنى} [النجم: 9] القوسان معروفان، وهما ما يرمى عنهما، قيل: أراد بهما القريبين وكأنهما أقصر شيءٍ من غيرهما، من قسي الناس. وقيل: هما الذراعان. والقوس: الذراع بلغة أزد شنوءة، قال مجاهد: قاب قوسين أي قدر ذراعين. وفي الحديث: "لقاب قوس أحدكم أو موضع قده من الجنة". وفي الحديث: "أطعمنا من بقية القوس الذي في نوطك" القوس هنا: البقية تبقى في أسفل الجلة، وتصور من القوس هيئتها فقيل للانحناء: تقوس، ومنه تقوس ظهر الشيخ وقوس، قال امرؤ القيس: [من الطويل] 1297 - أراهن لا يحببن من قل ماله ... ولا من رأين الشيب فيه وقوسا وقوست الخط، والمقوس: مكان يجري منه القوس، وأصله الحبل الذي يمد على

هيئة قوسٍ فترسل الخيل من خلقه. ويجمع القوس على قسي بضم القاف وكسرها وأصله قووس، نحو: فلس وفلوس فقلبت الكلمة بتقديم لامها وتأخير عينها فصيرها التصريف إلى ما ترى، ووزنه الآن فلوع، وقد حققنا هذا في غير هذا الموضع. ق وع: قوله تعالى: {فيذرها قاعًا صفصفًا} [طه: 106] القاع: المستوي من الأرض، قاله الراغب. وقال الفراء: القاع مستنقع الماء. وقال الهروي: هو المكان المستوي الواسع من وطاء الأرض يعلوه ماء السماء فيمسكه فيستوي ماؤه، وجمعه: قيعة وقيعان. يقال: قاع وقيعة، مثل جارٍ وجيرةٍ. وقال الراغب: والقيع والقاع: المستوي من الأرض، فلم يفرق بينهما. وفي الحديث أنه عليه الصلاة والسلام قال لأصيل: "كيف تركت مكة؟ قال: تركتها قد ابيض قاعها"، أي غسله المطر فابيض. قوله تعالى: {كسرابٍ بقيعةٍ} [النور: 39] أي مكانٍ مستوٍ، فهو أظهر للمعان السراب والإحاطة به بخلاف المحدودب من الأرض. والقاع من ذوات الواو، ولذلك قال الراغب: وتصغيره قويع، واستعير منه قاع الفحل الناقة: أي ضربها. لكن الهروي ذكره في مادة (ق ي ع)، والراغب أيضًا ذكره في مادة (ق ي ع) لكن نصل على تصغيره بالواو، فهو كبابٍ وبويبٍ، وإنما انقلبت الواو في قيعةٍ لانكسار ما قبلها وهي ساكنة نحو ديمةٍ وقيمةٍ من: دام يدوم، وقام يقوم. ق ول: قوله تعالى: {قوله الحق وله الملك} [الأنعام: 73] لما كان القول يكون حقًا وغيره خصص بالإضافة، وهذا خلاف ما يقوله الكوفي من أنه أضاف الموصوف لصفته، وأصله القول الحق كقوله: {وإنه لحق اليقين} [الحاقة: 51] أي الحق اليقين. ولنا فيه كلام متقن في غير هذا.

والقول والقال والقيل بمعنى واحدٍ، ومنه قوله تعالى: {وقيله يا رب} [الزخرف: 88]. والقول يستعمل على أنحاء. أحدها: أن يقصد به حكاية الجمل المفيدة، وهذا غالب أحواله لقوله تعالى: {وقال الله لا تتخذوا إلهين اثنين} [النحل: 51] خلافًا لمن قال: الأصل استعماله في المفرد، وهذا لا تتغير الجمل بعده عما تستحقه من الإعراب، ويكون في محل نصب به، وتكسر بعده إن. والثاني: أن يقصد به الظن فيعمل عمله مطلقًا عند قومٍ وهم سليم كقوله: [من الرجز] 1298 - قالت، وكنت رجلاً فطينًا ... هذا لعمر الله إسرائينا وغيرهم لا يعمله إلا بأربعة شروط: أن يكون مضارعًا بمخاطبٍ بعد استفهامٍ غير مفصولٍ إلا بالظرف أو عديله أو أحد معموليه، كقوله: [من الرجز] 1299 - متى تقول القلص الرواسما ... يدنين أم قاسمٍ وقاسما؟ وقول الآخر: [من البسيط] 1300 - أبعد بعدٍ تقول الدار جامعةً ... شملي بهم أم دوام البين محتوم؟ وقول الآخر: [من الوافر] 1301 - أجهالاً تقول بني لؤي ... لعمر أبيك أم متاجهلينا؟

ويجوز في أن بعده الوجهان من الفتح والكسر، وكان ينبغي وجوب الفتح. وأنشدوا: [من الطويل] 1302 - إذا قلت إني آيب أهل بلدةٍ بالوجهين. واختلف النحاة في القول المعمل على الظن هل يكون بمعناه أم في اللفظ فقط؟ فإن ورد ما ظاهره أن القول حكى به مفرد لا يؤدي مؤدي قولٍ قدر له خبر تتم به الجملة كقوله تعالى: {قالوا معذرة} [الأعراف: 164] رفعًا ونصبًا، وقال امرؤ القيس: [من الطويل] 1303 - إذا ذقت فاها قلت: طعم مدامةٍ معتقةٍ مما تجيء به التجر فإن كان المفرد يؤدي مؤدى الجملة أو قصد به حكاية ذلك المفرد يعمل فيه القول عمله في المفعول به، كقولك: قلت: خطيئةً وقلت: زيرًا. أي قلت هذه اللفظة. ومنه: {فتى يذكرهم يقال له إبراهيم} [الأنبياء: 60] على أحسن الوجوه كما بيناه في غير هذا. الثالث: أنه يستعمل في المتصور في النفس قبل الإبراز في اللفظ، ومنه: في نفس فلانٍ قول لم يبرزه، وعليه قوله تعالى: {ويقولون في أنفسهم لولا يذبنا الله بما نقول} [المجادلة: 8]. الرابع: الاعتقاد، نقول بقول الشافعي. لخامس: الدلالة بما يفهم من حال الشيء، كقول الشاعر: [من الرجز]. 1304 - امتلأ الحوض وقال قطني ... سلا رويدًا، قد ملأت بطني

السادس: يقال للعناية الصادقة بالشيء نحو: هو يقول بكذا، أي يعني به. السابع: الإلهام كقوله تعالى: {قلنا ياذا القرنين إما أن تعذب} [الكهف: 86] قاله الراغب وفيه نظر لإمكان جريانه على حقيقته، لكنه قال في توجيه ذلك: فإن ذلك لم يكن بخطاب ورد عليه فيما روي وذكر، بل كان ذلك إلهامًا، فسماه قولاً. الثامن: كثيرًا ما يستعمله المنطقيون في معنى الحد، فيقولون: قول الجوهر كذا وقول العرض كذا أي حدهما. التاسع: يستعمل بمعنى القتل، قال ابن الأعرابي: يقال: قالوا يريد أي قبلوه، وأنشد الأزهري: [من الرجز] 1305 - نحن ضربناه على نطابه ... قلنا به قلنا به قلنا به أي قتلناه. قوله: {قالتا أتينا طائعين} [فصلت: 11]. قيل: ذلك قول حقيقي خلق الله فيهما قوة النطق فنطقتا بذلك. وقيل: ذلك بالقول المجازي، وهو عبارة عن عدم التأبي عما يريده. قوله: {يقولون بأفواههم} [آل عمران: 167]. فائدة: قوله: {بأفواههم} وإن كان القول لا حقيقة له إلا بالفم، إن ذلك صادر عن غير اعتقادٍ، لأن القول قد يطابق اعتقاد قائله. وقيل: هو توكيد كقوله: {فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم} [البقرة: 79] {ولا طائرٍ يطير بجناحيه} [الأنعام: 38]. قوله: {لقد حق القول على أكثرهم} [يس: 7] أي علمه بهم وحكمه عليهم. قوله: {ذلك عيسى ابن مريم قول الحق} [مريم: 34] أطلق على عيسى عليه السلام قول الحق تنبيهًا أنه كلمة الله كما سماه في موضعٍ آخر {كلمة} [آل عمران: 45].

وعلى ما قال: يقال: {إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من ترابٍ ثم قال له كن فيكون، الحق من ربك} [آل عمران: 59 - 60]. وهذا على قراءة رفع "قول" وجعله بدلاً من عيسى أو عطف بيان أو خبرًأ ثانيًا لذلك. قوله: {إنكم لفي قولٍ مختلفٍ} [الذاريات: 8] أي في أمرٍ من العبث فسماه قولاً؛ فإن المقول فيه يسمى قولاً كما أن المذكور يسمى ذكرًا. قوله: {لقول رسولٍ كريمٍ} [الحاقة: 40] فنسب القول إلى الرسول، والمراد به القرآن لأن القول الصادر إليك عن الرسول يبلغه إليك عن مرسلٍ له فيصح أن تنسبه تارةً إلى رسوله وأخرى إلى مرسله، قال الراغب: وعلى هذا فإن قيل: فهل يصح أن ينسب الشعر والخطبة إلى روايهما كما تنسبهما إلى صانعهما؟ قيل: يصح أن يقول: هو قول الراوي ولا يصح أن يقال هو شعره وخطبته، لأن الشعر يقع على القول إذا كان على صورة مخصوصةٍ، وتلك الصورة ليس للرواي فيها شيء، والقول قول الراوي كما هو قول المروي عنه. قوله: {الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون} [البقرة: 156] لم يرد به القول النطقي فقط بل ما معه اعتقاد وعمل. قوله: {ولو تقول}: يريد بذلك الكذب والاختلاق: والمتقول الكذاب. وقولني فلان حتى قلت، أي: علمني حتى علمت. وفي الحديث: "نهى عن قيلٍ وقالٍ" يروى بفتح اللامين على أنهما فعلان ماضيان، وحكيا بالجر والتنوين على الإعراب على أنهما مصدران أو نقلا إلى الأسمية. ورجل تقوالة وقوال وقوالة: أي منطيق. والمقول: اللسان لأنه آلة القول. والقيل: الملك من ملوك حمير؛ سمي بذلك للاعتماد على قوله أو لأنه متقيل لأبيه، يقال: تقيل فلان أباه، فإن قيل: فكان ينبغي أن يقال فيه قول فالجواب أن أصله

قيول فأدغم، كهيب وأصله هيوب، ولذلك جمعوه على أقوالٍ كقولهم أموات ثم خفف فصار قيلاً كما يقال ميت في ميت. ويجوز أن يجمع على أقيالٍ، قال الراغب: وإذا قيل أقيال فذلك نحو أعيادٍ. قلت: إنما قالوا: أعياد في جمع عيدٍ، وإن كان الأصل يقتضي أعوادًا لأنه قد يلبس بجمع عود الحطب، فكذلك هنا؛ فلو قيل: أقوال لألبس بجمع القول، ولكن العرب لم تلتفت إلى ذلك هنا. واقتال فلان: قال ما يجتر به إلى نفسه خيرًا أو شرًا. والقال والقالة: ما انتشر من القول. والقال يكون بمعنى القائل. يقال: انا قال كذا، أي قائله؛ قاله الخليل. ق وم: قوله تعالى: {إلا ما دمت عليه قائمًا} [آل عمران: 75] أي ثابتًا على طلبه. والقيام: مصدر قام يقوم، وأصله قوام ولكنه أعل لإعلال فعله بخلاف لواذٍ مصدر لاوذ، لصحة فعله، وهذا متقن في غير هذا من كتبنا في التصريف، ثم القيام أنواع: قيام بالشخص إما بالتسخير كقوله: {منها قائم وحصيد} [هود: 100]، وإما باختيار كقوله تعالى: {أمن هو قانت آناء الليل ساجدًا أو قائمًا} [الزمر: 9]. وقيام هو مراعاة الشيء والحفظ له كقوله: {الرجال قوامون على النساء} [النساء: 34] {أفمن هو قائم على كل نفسٍ بما كسبت} [الرعد: 33] أي مراعون لأحوالهن وحافظوهن. وقيام: هو عزم على الشيء، كقوله: {إذا قمتم إلى الصلاة} [المائدة: 6] و {يقيمون الصلاة} [البقرة: 3] أي يداومون على فعلها ويحافظون عليها. وقيل: هو من قام سوق كذا أي نفق فيه المتاع. وأقمته: أي جعلته كذلك: وأنشد: [من المتقارب] 1306 - أقامت غزالة سوق الضراب ... لأهل العراقين حولاً قميطا وقيل: معناه يؤدونها مقومة الأركان والسنن غير مخلين بشيءٍ منها، من: أقام الأمر إذا أتى به على أكلم هيئاته. قوله: {أموالكم التي جعل الله لكم قيامًا} [النساء: 5] أي جعله مما

يمسسككم ويرد قواكم لأنه سبب رزقكم. والقيام والقوام: ما تقوم به بينة الإنسان، وما يقوم به الشيء كالسناد. والعماد اسم لما يسند به ويعمد به. والقوام بالفتح ما هو متوسط بين رتبتين، كقوله تعالى: {وكان بين ذلك قوامًا} [الفرقان: 67]. قوله: {جعل الله الكعبة البيت الحرام قيامًا للناس} [المائدة: 97] بمعنى قوامًا لهم في أمور دنياهم ودينهم، فهي تقوم بأمورهم في معاشهم ومعادهم. وقال الأصم: قائمًا لا ينسخ. قرئ قيمًا بمعنى قائمًا، وقيل: هو جمع قيمة، قاله الراغب. وليس قول من قال: هو جمع قيمةٍ بشيءٍ. قلت: وهذا صحيح هنا لكنه قد قرئ في قوله: {التي جعل اله لكم قيمًا} [الأنعام: 161] وهذا صحيح في الأموال. قوله: {دينًا قيمًا} [النساء: 15] قيل: معناه ثابتًا لأمور معائشهم ومعادهم. وقرئ "قيمًا" وفيه وجان؛ أحدهما: أنه مقصور من قيامًا، والثاني: أنه وصف على فعل نحو: لحم زيم وقوم عدى ومكان سوى وماء روى. وأصل قيم قيوم كميتٍ. قوله: {وذلك دين القيمة} [البينة: 5] قال ابن عرفة: فجعلها مصدرًا كالصغر والكبر، وأنشد لكعب بن زهير: [من الطويل] 1307 - فهم ضربوكم حين جرتم عن الهدى بأسيافهم حتى استقمتم على القيم

أي على الاستقامة. قوله تعالى: {وذلك دين القيمة} أي الأمة القيمة، أي القائمة بالقسط والعدل، وهم المشار إليهم بقوله تعالى: {كنتم خير أمةٍ أخرجت للناس} [آل عمران: 110]. قوله: {فيها كتب قيمة} [البينة: 3] إشارة إلى القرآن، وذلك لما فيه من قمرة كتب الله المنزلة، فإن القرآن مجمع معاني كتبه القديمة. وإليه أشار بقوله تعالى: {ما فرطنا في الكتاب من شيءٍ} [الأنعام: 38] أي من كتب الأولين وغيرها. قوله: {ولم يجعل له عوجًا قيمًا} [الكهف: 1 - 2] من صفة الكتاب، وقيل: عوجًا حال من الهاء في "له". ولنا فيه كلام أتقناه في غير هذا. قوله: {الله لا إله إلا هو الحي القيوم} [آل عمران: 2] بناء مبالغةٍ وزنه فيعول، وأصله قيووم فقلبت الواو الأولى ياء لأجل الياء قبلها وأدغمت الياء الأولى فيها، ومعناه القائم الحافظ لكل شيءٍ والمعطى له ما به قوامه، وإلى ذلك الإشارة بقوله: {أعطى كل شيءٍ خلقه ثم هدى} [طه: 51]. وقرئ القيام والقيوم، وذلك نحو ديون وديان، وقال أبو عبيدة: القيوم: القائم وهو الدائم الذي لا يزول، وقيل: هو القائم بأمور الخلق، يقال: فلان قائم بالأمر: أي حافظ له. وعندي أنه لا يجوز إطلاق هذه اللفظة على غير الباري تعالى لما فيها من المبالغة، ولما ذكروا ذلك في الرحمن ونحوه. {وإذا أظلم عليهم قاموا} [البقرة: 20] أي ثبتوا ووقفوا متحيرين. وليس المراد القيام من قعودٍ. قوله: {لا أقسم بيوم القيامة} [القيامة: 1] اسم غلب على يومٍ يبعث الله عباده لحسابهم لأنه فيه يقومون لذلك، وذلك إشارة إلى قوله: {يوم يقوم الناس لرب العالمين} [المطففين: 6]. وقوله: {ويوم تقوم الساعة يؤمئذ} [الروم: 14] نسب

القيام للزمان والمراد أهلها. والساعة أيضًا اسم ليوم القيامة؛ قال الراغب: القيامة أصلها ما يكون من الإنسان من القيام دفعة واحدة، أدخل فيها الهاء تنبيهًا على وقوعها دفعةً. قوله: {واتخذا من مقام إبراهيم مصلى} [البقرة: 125] أي مكان قيامه؛ يريد به المكان الذي كان يقوم عليه حين بنى الكعبة الشريفة، من الله علينا برؤياها ثانيًا وأكثر من ذلك بحجة من شرع حجها. والمقام يكون اسم مكان القيام وزمانه ومصدره، وأصله مقوم، فأعل بالنقل والقلب. قوله تعالى: {يا قوم إن كان كبر عليكم مقامي} [يونس: 71] يجوز أن يكون مصدرًا أي قيامي فيكم ودعوتي إلى الله، وأن يكون زمانًا أي زمن قيامي لأنه صلى الله عليه وسلم يتعهد نصيحتهم ليلاً ونهارًا كما أخبر عنه تعالى بقوله: {رب إني دعوت قومي ليلاً ونهارًا} [نوح: 5] وذلك مما يضجر الأشقياء، فقال لهم ذلك، وأن يكون مكانًا لأنه كان يبرز نفسه الشريفة ويظهرها على مكانٍ لا يخفى. فصلى الله على سائر الأنبياء ما أقوى جأشهم وأرسخ قدمهم وأثبت صبرهم. قوله: {قبل أن تقوم من مقامك} [النمل: 39]. قال الأخفش: إن المقام المقعد، قال الراغب: فهذا إن أراد أن المقام والمقعد شيء واحد بالذات، فإنهما يختلفان بالنسبة إلى الفاعل كالحدور والصعود. وإن أراد أن معنى القيام معنى المقعد فذلك بعيد فإنه يسمى المكان الواحد مرة مقامًا إذا اعبتبر بقيامه، ومقعدًا إذا اعتبر بقعوده. وقيل: المقامة عبارة عن الجماعة الحاضرين عنده، وأنشد [من الطويل] 1308 - وفيهم مقامات حسان وجوههم وهذا على سبيل المجاز أطلق للمحل على الحال، ومثله قول مهلهل: [من الكامل]

1309 - نبئت أن النار بعدك أوقدت ... واستب بعدك يا كليب المجلس وما أحسن قوله: {فليدع ناديه، سندع الزبانية} [العلق: 17 - 18] فشتان ما بين النداءين والمناديين والمناديين. قوله تعالى: {إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا} [فصلت: 30] أي لزموا الطريق المستقيم، وهو ما أمر الله به فامتثلواه وما نهى عنه فاجتنبوه، وهو أمر شاق، ولذلك يروى عن سيد الخلق أنه قال: "شيبتني هود وأخواتها" قيل: أشار بذلك إلى قوله تعالى: {فاستقم كما أمرت} [هود: 112]. قوله: {إهدنا الصراط المستقيم} [الفاتحة: 6] يعني طريق الحق والدين الحق، وذلك على سبيل الاستعارة؛ شبه طريق الحق بدينٍ مستقيمٍ إذ لا عوج فيه ولا احد يداب ولا حدوبة، كذا دين الإسلام سهل مستقيم. وإليه أشار بقوله تعالى: {وما جعل عليكم في الدين من حرجٍ} [الحج: 78] {يريد الله بكم اليسر} [البقرة: 185] اووافق قوله صلى الله عليه وسلم: "بعثت بالحنيفية السمحاء". ولا يرى أشق من سلوك الطرق المعوجة الجائزة عن القصد، وكذلك الدين غير الحق لا يرى أثقل منه ولا أشق على النفس من اعتقاده، وإنما يتحمله من يتحمله لشقاوته. قوله: {حتى تقيموا التوراة} [المائدة: 68] أي تحللوا ما حللت وتحرموا ما حرمت، فذلك تقويمها وإقامتها، فإن من ضيع حدودها فقد أضاعها ولم يقم منآدها، والمراد: توفوها حقها علمًا وعملاً. قال بعضهم: لم يأمر الله تعالى بالصلاة حيثما أمر ولا مدح بهما حيثما مدح إلا بلفظ الإقامة، تنبيهًا على أن المقصود بها توفية شروطها والإتيان بهيئاتها كاملةً مستكملة الفرائض والسنن لا الإتيان بهيئاتها. وكذلك سؤاله صلى الله عليه وسلم

في قوله: {رب اجعلني مقيم الصلاة} [إبراهيم: 40] أي وفقني لتوفية شرائطها وآدابها كاملة. وقيل: قد يعبر بالإقامة للصلاة عن الإقرار بوجودها كقوله تعالى: {اقتلوا المشركين} إلى قوله: {فإن تابوا وأقاموا الصلاة} [التوبة: 5] أي أقروا بوجوبها. وقد يعبر عن الإظهار لشعارها، ومنه قوله تعالى: {الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة} [الحج: 41] لأن المراد الأئمة. قوله: {إنها ساءت مستقرًا ومقامًا} [الفرقان: 66] المقام بالضم من أقام، وهو يصلح للمصدر والزمان ولامكان المفعول به، والمراد به هنا مكان الإقامة بالفتح من قام وهو صالح لما تقدم غير المفعول به. وقد قرئ: {لا مقام لكم} [الأحزاب: 63] بالوجهين، وكذا {إن المتقين في مقامٍ أمينٍ} [الدخان: 51]. قوله: {الذي أحلنا دار المقامة} [فاطر: 35] هي بمعنى الإقامة كقوله: {دار الخلد} [فصلت: 28] وقد يعبر بالإقامة عن الدوام والاستقرار كقوله تعالى: {ولهم عذاب مقيم} [المائدة: 27] يعني دائم ولا ينقطع، وإليه أشار بقوله: {إن المتقين في مقامٍ} أي مكان تدوم فيه إقامتهم. قوله: {لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويمٍ} [التين: 4] تقويم الشيء: تثقيفه، وأشار تعلى بذلك إلى ما عليه الإنسان دون سائر الحيوان من العقل والفهم وانتصاب القامة وتناول المأكولات والمشروبات بيديه واستيلائه على كل ما في هذا العالم والتصرف فيه. وتقويم السلعة: جعل قيمتها معادلة لها. والقوم سموا بذلك لقيامهم بمهمات الأمور، والأصل إطلاقهم على الرجال دون النساء. ولذلك أشار تعالى بقوله: {الرجال قوامون على النساء} وذكر سببه فقال: {بما فضل الله بعضهم على بعضٍ وبما أنفقوا من أموالهم} [النساء: 34] فإن الهم لمعصب برؤوس الرجال، ولذلك قابل بينهما زهير بن أبي سلمى: [من الوافر]

1310 - وما أدري وسوف إخال أدري: ... أقوم آل حصنٍ أم نساء؟ وذلك قوله تعالى: {لا يسخر قوم من قومٍ} [الحجرات: 11] ثم قال: {ولا نساء من نساءٍ} إلا أنه أكثر ما ورد في القرآن، والمراد به الرجال والنساء جميعًا. قوله: {من أهل الكتاب أمة قائمة} [آل عمران: 113] أي متمسكة بدينها، وهم قوم آمنوا بموسى وعيسى ومحمد صلى الله عليه وسلم ومنه حديث حكيم بن حزامٍ: "بايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم أن لا أخر إلا قائمًا" أي متمسكًا بديني، قاله المبرد. وقال أبو عبيدٍ: معناه إلا ثابتًا على الإسلام، وقال عليه الصلاة والسلام: "ما أفلح قوم قيمتهم امرأة" أي سائسة أمرهم القائمة به. وفي حديث ابن عباس: "إذا استقمت بنقدٍ فبعت بنقدٍ فلا بأس به، وإذا استقمت فبعت بنسيئة فلا خير فيه" قال أبو عبيد: استقمت بمعنى قومت وهي لغة أهل مكة؛ يقولون: استقمت المتاع، أي قومته. قال: ومعنى الحديث أن يدفع الرجل الثوب فيقومه بثلاثين ثم يقول: بعه فإن زاد عليها فلك. فإن باعه بأكثر من الثلاثين فانتقد فهو جائز ويأخذ ما زاد وإن باعه بالنسيئة بأكثر مما يبيعه بالنقد فالبيع مردود غير جائز. ق وو: قوله تعالى: {ويزدكم قوة إلى قوتكم} [هود: 52] قيل: هي ولد الولد. ويروى أن رجلاً شكا إلى الحسن بن علي رضي الله عنهما -قلة الولد- فقال له: أكثر الاستغفار. ففعل فرزقهم. فقيل للحسن بن علي: من أين لك ذلك؟ فقال: من قوله تعالى: {ويا قوم استغفروا ربكم} إلى قوله: {ويزدكم قوةً إلى قوتكم} وقيل: إن الله قد ضمن أن يعطي كل واحدٍ منهم من أنواع القوى قدر ما يستحقه. والقوة تستعمل تارةً في معنى القدرة، نحو: {خذوا ما آتيناكم بقوةٍ} [البقرة: 63] وقيل: بعزيمة وجد. قوله: {ذي قوةٍ عند ذي العرش} [التكوير: 20] قيل: يعني به جبريل، وهو الصحيح. وبلغ من قوته أن حمل سبع مدائن على ريشةٍ من ريشه ثم

قلبها. وجعله قويًا عند ذي العرش تنبيهًا أنه إذا اعتبر بالملأ الأعلى فقوته إلى حد ما، ولذلك أفرد القوة ونكرها. وهذا بخلاف وصفه في موضعٍ آخر بقوله: {علمه شديد القوى} [النجم: 5] يقول: إن جبريل علم النبي صلى الله عليه وسلم ما أوحي به إليه عن الله تعالى فناسب أن يصفه بشديد القوى فعرفه وجمعه تنبيهًا أنه إذا اعتبر بهذا العالم وبالذين يعلمهم ويفيدهم هو كثير القوى عظيم القدرة. قوله: {وأعدوا لهم ما استطعتم من قوةٍ} [الأنفال: 60] قيل: هي المري، وقيل: إن ذلك مرفوع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقيل: هو السلاح والعدة. ثم القوة تستعمل على أوجه، أحدها: بمعنى القدرة على الشيء والإطاقة له نحو: هو قوي على عمل كذا، ومنه: {خذوا ما آتيناكم بقوةٍ}، الثاني: للتهيؤ الموجودة في الشيء نحو قولنا: الإنسان كاتب بالقوة. وأن يقال: النوى بالقوة نخل أي أنه متهيئ لأن يجيء منه ذلك. وأكثر من يستعمل القوة بهذا المعنى الفلاسفة، ويقولون: ذلك على وجهين: أحدهما أن يقال لما كان موجودًا، فيقال: كاتب بالقوة أي معه المعرفة لكنه ليس ملتفتًا لها. والثاني: أن يقال: هو كاتب بالقوة وليس معه معرفة بذلك ولكنه قابل للتعلم في الجملة، إذ هو من جنسٍ يمكن تعلمه ذلك. ويقابلونها بالفعل فيقولون: هذا كاتب بالفعل أي متلبس بذلك. قوله تعالى: {تذكرة لكم ومتاعًا للمقوين} [الواقعة: 73] قيل: هم الذين فني زادهم. وحقيقتهم النازلون بالأرض القواء، وهي القفز من الأرض؛ يقال: أقوى الرجل: إذا صار في قواءٍ، كأترب: إذا صار في التراب. ويقال لها القيء أيضًا. وفي حديث عائشة رضي الله عنها: "وبي رخص لكم في صعيد الأقواء" الأقواء: جمع قواءٍ وهو القفر من الأرض، قاله الهروي وفيه نظر من حيث إن فعالاً لا يطرد جمعه على أفعال. وفي الحديث أيضًا؛ "صلى بأرضٍ قي" والأصل قوء فقلبت الواو الأولى ياء ثم قلبت الثانية كذلك لأنه صار من باب ميتٍ وسيدٍ. وقيل: إنما قيل: لهم مقوون لأن من نزل بالقفر حصل له فقر، وفي عبارة بعضهم وتصور من حال الحاصل في القفر الفقر، وهو تجانس بديع.

فصل القاف والياء

واقتويته: أي استخدمته، وأنشد لعمرو بن كثلوم: [من الوافر] 1311 - متى كنا لأمك مقتوينا؟ أي خدمًا. وفي حديث مسروقٍ: "أنه أوصى في جاريةٍ له أن قولوا لبني: لا تقتووها بينكم ولكن بيعوها ظاهرة" إنهم لا يستخدمونها فإنه قد تضيع مصلحتها بسبب الاشتراك، إذا يتكل كل واحدٍ منهم على الآخر. وقد فسروه بغير هذا؛ فقال النضر بن شميلٍ: يقال: بيني وبين فلانٍ ثوب فتقاويناه. أي أعطيته به ثمنًا أو أعطاني هو فأخذه أحدنا. وقد اقتويت منه الغلام الذي كان بيننا: إذا اشتريت منه حصته. قال أبو زيدٍ: إذا كان الغلام أو الجارية أو الدابة أو الدار بين رجلين فقد تقاوياها، وذلك إذا قوماها فقامت على ثمنٍ، فهما في التقاوي سواء. فإذا اشتراها أحدهما فهو المقتوي دون صاحبه. وقد أقواه البائع. والتقاوي والإقواء والاقتواء يكون بين الشركاء، فأما في غير الشركاء فلا. والإقواء في الشعر أن يكن أحد الرويين مجرورًا والآخر مرفوعًا. وقد ترجم الهروي {المقوين} [الواقعة: 73] للمقوين في مادة (ق وي) وليس بصحيحٍ بل هو من مادة (ق وو) فصل القاف والياء ق ي ض: قوله تعالى: {ومن يعش عن ذكر الرحمن نقيض له شيطانًا} [الزخرف: 36] أي ننح ليستولي عليه استيلاء القشرة على البيضة. والقيض -بالضاد- قشر البيض الأعلى، وبالظاء شدة الحر. وقيل: سيناله من حيث لا يحتسب. يقال: هو قيض لهذا وقياض له: أي مساوٍ، ومنه قوله تعالى: {وقيضنا لهم قرناء}

[فصلت: 25]. وفي الحديث: "ما أكرم شاب شيخصأً لسنه إلا قيض الله له من يكرمه عند شيبته". والمقايضة في البيوع: المبادلة، مأخذ من التساوي؛ يقال: هما قيضان، أي مثلان متساويان في القيمة. وفي حديث يوم القيامة: "قيضت هذه السماء الدنيا عن أهلها" أي شقت، ومنه اشتق قيض البيضة. وانقاضت البيضة انقياضًا. ق ي ل: قوله تعالى: {خير مستقرًا وأحسن مقيلاً} [الفرقان: 24] المقيل: الحلول وقت القيلولة، وهي شدة الحر: قبل الزوال بساعةٍ وبعده بأخرى. وقيل: هي النوم نصف النهار. فالمقيل يكون هنا مصدرًا ومكانًا وزمانًا، أي أحسن قيلولةً أو مكانها أو زمانها؛ يقال: قال يقيل قيلولة ومقيلاً. وقال الأزهري: القيلولة والمقيل: الاستراحة نصف النهار عند العرب وإن لم يكن مع ذلك نوم، قال الله تعالى: {أصحاب الجنة يؤمئذٍ خير مستقرًا وأحسن مقيلاً}. والجنة لا نوم فيها. ويقال في البيع: قلته وأقلته قيلولةً وإقالةً، كأنهم جعلوا الراحة الحاصلة بذلك مثل الراحة الحاصةل وقت القائلة. قوله تعالى: {أو هم قائلون} [الأعراف: 4] أراد أنه يأخذهم في إحدى الغرتين؛ إما البيات بالليل وإما النوم نصف النهار، وهما وقت راحة الإنسان. والقيلة: شرب نصف النهار، والصبوح: شرب الغداة، والغبوق: شرب العشي، والقمحة: شرب أول الليل، والجاشرية: شرب السحر. وقيل: القمحة: شرب العشي. والقيلة -بالكسر- الأدرة؛ وفي حديث أهل البيت: "ولا حامل القيلة". قلت: كأنها مشتقة من القالة، وهي كثرة القول، فتكون من مادةٍ أخرى لا من هذه.

باب الكاف

باب الكاف الكاف: حرف معناه التشبيه، وقد ترد تعليلاً كقوله تعالى: {واذكروه كما هداكم} [البقرة؛ 198]. وتكون اسمًا إذا جرت بإضافة حرفٍ أو أسند إليهما، كقول الشاعر: [من الرجز] 1312 - فصيروا مثل كعصفٍ مأكول في أحد الوجهين. وقول الأعشى: [من البسيط] 1313 - هل تنتهون؟ ولن ينهى ذوي شططٍ ... كالطعن يذهب فيه الزيت والفتل وزعم الأخفش أنها تكون اسمًا مطلقًا. ويتعين حرفيتها في قولك: جاء الذي كعمرو، ولما قررناه في غير هذا. وقد ترد زائدة، وجعلوا منه قوله: {ليس كمثله شيء} [الشورى: 11] قيل: لئلا يلزم محذور، وهذا كله مقرر في موضعه. فصل الكاف مع الهمزة ك أس: قوله تعالى: {إن الأبرار يشربون من كأسٍ} [الإنسان: 5] الكأس: الإناء الذي فيه الخمر غالبًا. قيل: ولا يقال له كأس أغلا وفيه خمر وإلا فهو قدح، كالخوان مع المائدة في أخواتٍ لها قد ذكرتها. وقد يطلق على كل واحدٍ من الشراب أو الإناء بانفراده كأس؛ يقال: كأس خالٍ من الشراب، وشربت كأسًا، قال تعالى: {ويسقون فيها كأسًا} [الإنسان: 17] وقال تعالى: {وكأسٍ من معينٍ} [الواقعة: 18] وإبدال همزتهما ألفًا مطرد نحو رأسٍ وهي مؤنثة وتجمع على أكؤسٍ وكؤوسٍ نحو أفلسٍ وفلوس.

فصل الكاف والباء

فصل الكاف والباء ك ب ب: قوله تعالى: {أفمن يمشي مكبًا} [الملك: 22] الكب: إسقاط الشيء على وجهه، والإكباب: جعل وجهه مكبوبًا على العمل، وهذا عكس ما هو المعهود من أن الفعل المجرد يكون قاصرًا، فإذا دخلت الهمزة عدته لمفعولٍ نحو: خرج زيد وأخرجته، وهذا عكسه. فيقال: كببت زيدًا فأكب، ومثله: قشعت الريح السحاب فأقشعت، وتحقيقه أن الهمزة هنا للضرورة والمطاوعة. والكبكبة: تكرير الكب، وهو تدهور الشيء في هوةٍ كقوله: {فكبكبوا فيها هم والغاوون} [الشعراء: 94]. وقيل: المعنى جمعوا. وقيل: ألقي بعضهم على بعضٍ، وهي متقاربة. والكبكبة: الجماعة -بضم الكاف الأول وفتحها- وفي الحديث: "كبكبةٍ من بني إسرائيل" أي جماعة. وفي حديث ابن زملٍ: "فأكبوا رواحلهم في الطريق" قال الهروي: كذا الرواية، والصواب كبوا، والمعنى: ألزموها الطريق. الرجل يكب على عملٍ يعمله: إذا لزمه، وأنشد قول عنترة: [من الكامل] 1314 - قدح المكب على الزناد الأجذم والكواكب: جمع كوكبٍ. وهو كجوهرٍ في زيادة واوه، ولا قال له كوكب إلا عند ظهوره؛ فالكواكب: النجوم البادية، وأنشد للنابغة الذبياني: [من الطويل] 1315 - فإنك شمس والنجوم كواكب ... إذا طلعت لم يبد منهن كوكب ووجه الرد أنه سماه كوكبًا عند عدم ظهوره، وكان مراد الراغب الحقيقة، وقول النابغة على المجاز.

ويقال: هم كوكبة واحدة أي مجتمعون. وكوكب العسكر: ما يلمع فيه من الحديد على التشبيه، وفي المثل: "تفرقوا تحت كل كوكب" إذا تشتتوا. ك ب ت: قوله تعالى: {كبتوا} [المجادلة: 5] أي غيظوا شدة الغيظ، وقيل: أذلوا وأخزوا. وقيل: الأصل فيه كبدوا؛ أي أصيب كبدهم بما لا يقدر عليه من الهموم والآلام فقلبت الدال تاء لقرب مخرجهما، كقولهم: سبت رأسه وسبدها أي حلقها. وقيل: هو الحزن. وقيل: أشد الحزن، وهو الصحيح. ويدل عليه أنه أخص من الحزن أنه صلى الله عليه وسلم "رأى طلحة حزينًا مكبوتًا". وقيل: الكبت: الرد بعنفٍ. قوله تعالى: {أو يكبتهم} [آل عمران: 127] قال أبو عبيدة: أو يهزمهم. وقيل: يحزنهم. والأصل فيه ما قدمته وما ذكره المفسرون أسباب لذلك. ك ب د: قوله تعالى: {لقد خلقنا الإنسان في كبدٍ} [البلد: 4] أي مشقةٍ شديدة. وأصل ذلك من قولهم: كبدته أكبده أي أصبت كبده، فأصابه الكبد والكباد أي وجع وصل إلى الكبد. ونبه تعالى بقوله: {لقد خلقنا الإنسان في كبدٍ}، على أنه خلقه على حالةٍ لا ينفك من المشاق ما لم يقتحم العقبة ويستقر في دار القرار، كقوله تعالى: {لتركبن طبقًا عن طبقٍ} [الانشقاق: 19]. وكبد السماء وكبد القوس: وسطهما تشبيهًا بكبد الإنسان لتوسطها البدن. وكبد كل شيء وسطه. وفي الحديث: "وتلقي الأرض أفلاذ كبدها" أي ما خفي من كنوزها. وقيل: {في كبد} أي خلق منتصبًا غير منحنٍ. وما أبعد هذا لفظًا ومعنى! وقال ابن عرفة: في كبدٍ أي في ضيقٍ كأنه يشير لمحله في الرحم، وأنشد للبيد: [من المنسرح]

1316 - يا عين هلا بكيت أربد إذ ... قمنا وقام الخصوم في كبد قال: والإنسان في بطن أمه في ضيقٍ ثم يكابد ما يكابده من أمر دنياه وآخرته ثم الموت إلى أن يستقر في جنةٍ أو نارٍ. وفلان يكابد معيشته، أي يقاسي منها ضيقةً وشدةً، قال الشاعر: وفي الحديث: كبدهم البرد. أي شق عليهم. ك ب ر: قوله تعالى: {وإن كان كبر عليك إعراضهم} [الأنعام: 35] أي صعب وشق. قوله: {وإنها لكبيرة} [البقرة: 45] أي شاقة. ثم إن الكبر والصغر اسمان متضايفان باعتبار بعضها ببعضٍ، فرب شيءٍ يكون كبيرًا بالنسبة لما دونه، صغيرًا بالنسبة لما فرقه، ويستعملان في الكمية المتصلة كما في الأجسام نحو: الجمل أكبر من الفرس، كالقلة والكثرة في استعمالهما في الكمية المنفصلة كالأعداد. وقد يتعاقب الكبير والكثير على شيءٍ واحدٍ وذلك بنظرين مختلفين كما في قوله تعالى: {إثم كبير} [البقرة: 219] قرئ "كبير" و"كثير" بالياء الموحدة والثاء والمثلثة. وقد حررناه بأكثر من هذا في موضعٍ هو أليق به. والأصل استعماله في الأعيان ثم يستعار للمعاني كقوله تعالى: {فيهما إثم كبير} {لا يغادر صغيرةً ولا كبيرةً} [الكهف: 49]. قوله تعالى: {إلى الناس يوم الحج الأكبر} [التوبة: 3] وصفه بالكبر تنبيهًا على أن العمرة حج أصغر، ولذلك قال عليه الصلاة والسلام: "العمرة هي الحج الأصغر"، ويستعمل ذلك اعتبارًا بتقدم الزمان. ومنه: فلان كبير أي مسن، قال الله تعالى: {وقد بلغني الكبر} [آل عمران: 40]. قال الشاعر: [من المتقارب]

1317 - أشاب الصغير وأفنى الكبير ... كر الغداة ومر العشي وقد يقال باعتبار المنزلة والرفعة كقوله تعالى: {قل أي شيءٍ أكبر شهادة} [الأنعام: 19]. قوله تعالى: {فجعلهم جذاذًا إلا كبيرًا لهم} [الأنبياء: 58] إنما أطلق عليه ذلك على زعمهم وتسميتهم أي باعتبار جثته فإنه كان أعظمهم جثةً. قوله تعالى: {أكابر مجرميها} [الأنعام: 123] أي رؤساءها، وذلك على سبيل الاستدراج كقوله: {أمرنا مترفيها} [الإسراءك 16] {سنستدرجهم من حيث لا يعلمون} [الأعراف: 182]. قوله تعالى حكايةً عن فرعون {إنه لكبيركم} [طه: 71] أي رئيسكم في هذه الصناعة. وفي المثل: "ورثه كابرًا عن كابرٍ" أي أبًا عظيم القدر عن أبٍ عظيمٍ مثله. قوله تعالى: {والذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش} [الشورى: 37] وقرئ "كبير" فالكبيرة متعارفة في كل ذنبٍ لعظم عقوبته، واختلف الناس في حدها وعدها، ولهما موضع هو أليق بهما بيناهما فيه ولله الحمد. قوله تعالى: {كبرت كلمة} [الكهف: 5] أي عظم ذنبها وعقوبتها لأنها قول باطل في حق من لا يجوز عليه ذلك بوجهٍ. وليست كسائر الكذبات؛ فإن الكذب قد يقال فيمن يجوز عليه مثل ذلك الشيء المكذوب فيه كقولك: الأمير ظلمني، ولم يكن ظلم، فهذا كذب قبيح وإن كان ممكنًا جائزًا وقوع الظلم منه، والباري تبارك وتعالى لا يتصور في حقه ما افتروه. قوله: {كبر مقتًا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون} [الصف: 3] يعني أن مقته لكم على ذلك أشد من مقته لكم على غيره من الذنوب، ولذلك أخرجهما نصبًا على التمييز.

قوله: {والذي تولى كبره منهم} [النور: 11] إشارةً إلى من تولى حديث الإفك، ونبه بذلك على أن كل من سن سنةً قبيحة يقتدي بها غيره فذنبه أعظم وعقوبته أشد. ولذلك قال صلى الله عليه وسلم: "كان عليه وزرها ووزر من عمل بها" وفي عكسه كذلك والكبر والتكبر والاستكبار تتقارب معنى، لكن الكبر الحالة التي يتخصص بها الإنسان من إعجابه بنفسه، وذلك أن يرى الإنسان نفسه أكبر من غيره. وأعظم الكبر والتكبر: ما وقع في جانب أوامر الله ونواهيه، وذلك أن يتكبر على أداء طاعاته والانزجار عن معاصيه. والاستكبار يقال باعتبارين: أحدهما تحري الإنسان وطلبه أن يكون كبيرًا وهذا إذا كان على ما يجب وفي المكان الذي يجب وفي الزمان الذي يجب محمود غير مذمومٍ. والثاني أن يتشبع فيظهر من نفسه ما ليس له أو يرى نفسه أكبر من غيره بما أنعم الله عليه من مال أو جاهٍ. ولذلك قال تعالى: {نجعلها للذين لا يريدون علوًا في الأرض ولا فسادًا} [القصص: 83]، فجعل إرادة ذلك علةً مستقلةً بدليل إعادة "لا" فيما عطف. وجميع ما ورد في القرآن العظيم من الاستكبار من هذا النوع كقوله تعالى: {واستكبروا استكبارًا} [نوح: 7] أي واستكبر، {فيقول الضعفاء للذين استكبروا} [غافر: 47] قابل المستكبرين بالضعفاء منبهةً على أن استكبارهم عليهم كان بما لهم من القوة في البدن والمال. وقوله: {فاستكبروا وكانوا قومًا مجرمين} [الأعراف: 133] فنبه بقوله: {فاستكبروا} على تكبرهم وإعجابهم بأنفسهم وبقوله: {وكانوا قومًا مجرمين} أن الحامل لهم على ذلك ما تقدم من جرمهم، وأن ذلك ليس شيئًا حادثًا منهم بل كان ديدنهم وهجيراهم. والتكبر -أيضًا- يقال على وجهين. أحدهما أن تكون الأفعال الحسنة كثيرة في الحقيقة وزائدةً على محاسن غيرها، وبهذا وصف الله تعالى نفسه فقال: {العزيز الجبار المتكبر} [الحشر: 23] وما أبلغ

تناسب هذه الصفات الثلاث: العزة والجبروت والتكبر! والثاني: أن يوصف به من يشبع بما ليس له ويتكلف ذلك، وهذا في أوصاف الناس كقوله تعالى: {كذلك يطبع الله على كل قلب متكبر جبارٍ} [غافر: 35] قرئ بإضافة القلب إليه. ويوصف القلب بالمتكبر، ولا يجوز أن يوصف بالثاني غير الباري تعالى: وجوز ذلك الراغب فقال: ومن وصف بالتكبر على الوجه الأول فمحمود. ثم قال: ويدل على أنه قد يصح أن يوصف الإنسان بذلك ولا يكون مذمومًا. قوله: {سأصرف عن آياتي الذين يتكبرون في الأرض بغير الحق} [الأعراف: 146] فافهم أن التكبر فيها بحق سائغٍ، وفيه نظر لأنه من باب قوله: {ومن يدع مع الله إلهًا آخر لا برهان له به} [المؤمنون: 117] إذا لا مفهوم لهذه الصفة، أو يكون فائدة قوله: {بغير الحق} أنهم لو سئلوا عن تكبرهم لأجابوا بأنه بغير حق كما قيل ذلك في قوله: {ويقتلون الأنبياء بغير حق} [آل عمران: 112]. والكبر: كبر السن، ومنه قوله صلى الله عليه وسلم: "كبر الكبر" أي قدموا الكبير منكم. والكبرياء: الترفع عن الانقياد والطاعة. وذلك لا ينبغي أن يوصف بها غير الله تعالى، ولذلك قال: {وله الكبرياء} [الجاثية: 37] أي له خاصةً لا لغيره. وإليه أشار رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما حكاه عن ربه: "الكبرياء ردائي والعظمة إزاري فمن نازعني في شيءٍ منهما قصمته". والكبار: مخففًا أبلغ من الكبير. وأنشد: [من البسيط] 1318 - كحلفةٍ من أبي دثارٍ ... يسمعها لاهه الكبار والكبار -مشددًا- أبلغ منه قال تعالى: {ومكروا مكرًا كبارًا} [نوح: 22].

وأكبرته: جعلته أو اعقتدته كبيرًا، كقوله تعالى: {فلما رأينه أكبرنه} [يوسف: 31]، كبرته مثله أيضًا. ومعنى كبرياء الله تعالى وصفنا له بالعظمة، وبقولنا: الله أكبر. قوله: {لخلق السماوات والأرض أكبر من اخلق الناس} [غافر: 57] إشارة إلى ما خصمها تعالى من إبداعه عجائب صنعته ولطائف حكمته التي لا يعلمها إلا قليل ممن وصفهم بقوله تعالى: {ويتفكرون في خلق السماوات والأرض} [آل عمران: 191]، وليس قصد ذلك كبر جثتهما فإن أكثر الخلق يعلمون ذلك. قوله: {يوم نبطش البطشة الكبرى} [الدخان: 16] إشار إلى العذاب الواقع يوم القيامة، أعاذنا الله منه، وفيه تنبيه أن كل ما ينال الكافر من العذاب في الدنيا أو في البرزخ صغير في جنب ما يناله في الآخره. قوله: {إنها لإحدى الكبر} [المدثر: 35] أي إحدى العظائم، قيل: عنى بها النار. قوله تعالى: {قال كبيرهم} [يوسف: 80] عنى بذلك أكبرهم عقلاً لا سنًا، وفي الحديث: "أخذ عودًأ في منامه ليتخذ منه كبرًا" بزنة طللٍ. قال شمر: هو الطبل له وجه واحد. وقول المؤذن: "الله أكبر الله أكبر" ليس فيه تفضيل، إنما المراد به الله الكبير، كقول الأحوص: [من الكامل] 1319 - إني لأمنحك الصدود وإنني ... قسمًا إليك مع الصدود لأميل وقول الفرزدق: [من الكامل] 1320 - إن الذي سمك السماء بنى لنا ... بيتًا دعائمه أعز وأطول أي المائل، وعزيز مائل. والنحويون يقولون "من" محذوفة لأن أفعل خبر، والخبر يكثر فيه الحذف، والتقدير: أكبر من كل شيءٍ، ومثله قول الخنساء: [من الطويل]

فصل الكاف والتاء

1321 - فما بلغت كف امرئٍ متناولٍ ... بها المجد إلا حيثمان نلت أطول أي أطول منه. قال أبو بكرٍ: العوام يمضون الراء من "أكبر" يعني أن الصواب فتح الراء، ووجهه بأن الأذان كلماته مبنية على السكون لتقطيع كلماتها وترتيلها. فلما كانت الراء ساكنة نقل إليها حركة همزة الجلالة وهي فتحة ففتحت الراء، وقد اعترض عليه بأن همزة الجلالة همزة وصلٍ وهي ساقطة درجًا فكيف ننقل فتحها؟ وهو اعتراض ساقط لأنه قال: إن الكلمات على تقدير السكون والقطع من بعضها، فكأن الهمزة مبتدأ بها غير مندرجةٍ. ومثل ذلك قراءة {ألم الله} [آل عمران: 1 - 2] ففتح الميم؛ قيل: الفتحة لإلتقاء الساكنين، وقيل: حركة نقلٍ، واعترض بما تقدم وأجيب بما ذكرته. وسمع من كلامهم: ثلاثة أربعة بفتح هاء ثالثة وصلاً، وقد قررنا ذلك في غير هذا. وفي الحديث: "لا تكابروا الصلاة بمثلها في التسبيح بعد التسليم في مقامٍ واحدٍ" قيل: معناه لا تغالبوا الصلاة بأن تجعلوا تسبيحها أكبر منها بعد أن تسلموا منها، بل ينبغي أن تكون زائدة عليه. فصل الكاف والتاء ك ت ب: قوله تعالى: {ألم ذلك الكتاب} [البقرة: 1 - 2] الكتاب -في الأصل- مصدر كتب أي جمع. قال تعالى: {كتاب الله عليكم} [النساء: 24] أي: كتب ذلك عليكم كتابًا كقوله: {صنع الله} [النمل: 88] ثم يطلق على المكتوب كقولهم: خلق الله، وضرب الأمير، وأنشد: [من الطويل] 1322 - نشرت عيالي إذ رأيت صحيفة إليك من الحجاج يبلى كتابها

أي مكتوبها، والكتاب المذكور في الآية الكريمة هو القرآن العزيز، سمي بذلك لما جمع فيه من الأخبار والقصص والأحكام والمواعظ والأمثال والأوامر والنواهي والزواجر والإنذار والإعذار والتحذير والبشارة إلى غير ذلك. وكل ما جمعته فقد كتبته، ومنه قيل لخرز القربة كتب جمع كتبةٍ وأنشد لذي الرمة: [من البسيط] 1323 - مشلشل ضيعته بينها الكتب ومنه: كتبية الجيش، لاجتماع الفرسان، وأنشد: [من الكامل] 1324 - وكتبيةٍ آنستها بكتيبةٍ ... حتى إذا اجتمعت نقصت لها يدي ومنه: كتبت البغلة والقلوص أي جمعت بين شفريها بحلقةٍ ونحوها، وأنشد [من البسيط] 1325 - لا تأمنن فزاريًا خلوت به ... على قلوصك واكتبها بأسيار وسميت الكتابة كتابة لضم الحروف فيها بعضها إلى بعضٍ، والأصل في الكتابة النظم بالخط، وفي المقال النظم باللفظ. ثم قد يستعمل كل منهما للآخر، قال الراغب: ولذلك سمي كلام الله -وإن لم يكتب- كتابًا لقوله: {ألم ذلك الكتاب}. قلت: نصب كتابًا على أنه مفعول اسمي لا أنه خبر ليكن. ويعني بذلك أن القرآن كلام الله مسمى بالكتاب قبل أن يكتب بالخط. وأقرب من ذلك أن يقال: سمي كتابًا لما يؤول إليه من الكتابة في علم الله تعالى، ثم قد يعبر بالكتابة عن الإيجاب

الإثبات والتقدير والفرض. قال بعضهم: وجه ذلك أن الشيء يراد ثم يقال ثم يكتب؛ فالإرادة مبدأ الكتابة منتهى. ثم يعبر عن المراد الذي هو المبدأ إذا أريد توكيده بالكتابة التي هي المنتهى، كقوله: {كتب الله لأغلبن أنا ورسلي} [المجادلة: 21] أي حكم وقضى بذلك وأثبته في اللوح المحفوظ. قوله: {وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعضٍ في كتاب الله} [الأنفال: 75] أي في حكمه. قوله: {وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس} [المائدة: 45] أي فرضنا وأوجبنا. قوله: {ولولا أن كتب الله عليهم الجلاء} [الحشر: 3] أي لولا أن أوجب عليهم الجلاء من ديارهم قوله: {أولئك كتب في قلوبهم الإيمان} [المجادلة: 22] إشارة إلى أنه بخلاف صفة من قال في حقهم: {ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا} [الكهف: 28] قيل: لأن معنى "أغفلنا" من قولهم: أغفلت الكتاب: إذا جعلته خاليًا من الكتابة والإعجام. وقد يعبر بالكتابة عن القضاء الممضى وما يصير في حكمه، وعليه حمل قوله تعالى: {وبلى ورسلنا لديهم يكتبون} [الزخرف: 80] قيل: ذلك مثل قوله: {يمحو الله ما يشاء ويثبت} [الرعد: 39] قوله: {فلا كفران لسعيه وإنا له كاتبون} [الأنبياء: 94] أي مثبتون غير مضيعين لعمله، كقوله: {أني لا أضيع عمل عاملٍ منكم} [آل عمران: 195] وقوله: {إنا لا نضيع أجر من أحسن عملاً} [الكهف: 30]. قوله: {ربنا آمنا فاكتبنا مع الشاهدين} [المائدة: 83] أي أثبتنا معهم وأدخلنا في زمرتهم، وكأنه إشارة إلى قوله في موضعٍ آخر: {فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم} [النساء: 69]. قوله: {ويقولون يا ويلتنا ما لهذا الكتاب لا يغادر صغيرةً ولا كبيرةً إلا أحصاها} [الكهف: 49] إشارة إلى ما أثبت فيه أعمال بني آدم. وهي صحيفة كل إنسان، وما كتب له من خيرٍ أو شر، جليلٍ أو حقيرٍ، وقيل: الإشارة إلى صغائر الذنوب وكبائرها.

قوله: {ما أصاب من مصيبةٍ في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتابٍ من قبل أن نبرأها} [الحديد: 22] هذا مرادٌ به اللوح المحفوظ. قوله تعالى: {لولا كتابٌ من الله سبق} [الأنفال: 68] يعني ما قدره من الحكم، وذلك إشارةٌ إلى قوله تعالى: {كتب ربكم على نفسه الرحمة} [الأنعام: 54]. قوله: {قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا} [التوبة: 51] أي ما قضاه وقدره وأبرمه. وفي قوله لنا دون علينا معنىً لطيفٌ ذكره العلماء، وهو أن فيه تنبيهًا أن ما يصيبنا نعده نعمةً لنا ولا نعده نقمةً علينا. قوله: {يا قوم ادخلوا الأرض المقدسة التي كتب الله لكم} [المائدة: 21] قيل: معناه وهبها لكم ثم حرمها عليكم بامتناعكم من قبولها ودخولها. وقال آخرون: كتبها لكم بشرط أن تدخلوها وأتى باللام دون «على» لما تقدم، يعني أن دخولهم إياها يعود عليهم بنفعٍ في الآجل والعاجل فيكون ذلك لهم لا عليهم، وذلك كقولك لمن يرى تأذيًا بشيءٍ لا يعرف نفع مآله: هذا لك لا عليك. قوله: {لقد لبثتم في كتاب الله} [الروم: 56] أي في حكمه وعلمه وإيجابه، وقيل: معناه أنزل الله في كتابه أنكم لابثون إلى يوم القيامة. قوله: {إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرًا في كتاب الله} [التوبة: 36] أي في حكمه وشرعه. قوله: {ولا هدى ولا كتاب منيرٍ} [لقمان: 20] أي ولا حجةٍ ظاهرةٍ، فإن الكتاب يعبر به عن الحجة الثابتة. قوله: {أم عندهم الغيب فهم يكتبون} [الطور: 21] إشارةٌ إلى العلم والتحقق والاعتقاد، وقال القتيبي: المعنى يحكمون؛ يقولون: نفعل بك كذا وكذا ونطردك ونقتلك، وتكون العاقبة لنا عليك. قلت: وقد عكس الله عليهم آمالهم كلها فطردوا وقتلوا. وكان له العاقبة عليهم، {والعاقبة للمتقين} [القصص: 83]. قوله: {وابتغوا ما كتب الله لكم} [البقرة: 187] فيه إشارةٌ لطيفةٌ إلى تحري النكاح وذلك أن الله تعالى خلق للخلق النكاح ليتحروا بها طلب النسل، الذي يكون سببًا لبقاء نوع الإنسان إلى غاية قدرها ونهاية حصرها، فيجب للإنسان أن يتحرى بالنكاح ما جعل الله له على حسب مقتضى العقل والديانة. ومن تحرى النكاح حفظ النسل وحصن النفس على الوجه المشروع فقد ابتغى ما كتب الله له، وإلى هذا أشار من

قال: أراد بما كتب الله لكم الولد. وقد يعبر بالكتب عن الإيجاد، فيقابل بالمحو والإزالة، كقوله: {يمحو الله ما يشاء ويثبت} [الرعد: 39] بعد قوله تعالى: {لكل أجلٍ كتابٌ}، فنبه أن لكل وقت إيجادًا فهو يوجد ما تقضي الحكمة إيجاده ويزيل ما تقتضي الحكمة إزالته، وقد دل قوله تعالى: {لكل أجل كتابٌ} على نحوٍ ما دل عليه قوله تعالى: {كل يومٍ هو في شأن} [الرحمن: 29]. قوله: {وإن منهم لفريقًا يلوون ألسنتهم بالكتاب لتحسبوه من الكتاب وما هو من الكتاب} [آل عمران: 78] فالكتاب الأول: ما كتبوه بأيديهم المذكورة بقوله: {فويلٌ للذين يكتبون الكتاب بأيديهم} [البقرة: 79]. والثاني: التوراة. والثالث: جنس كتب الله تعالى كلها أي ما هو من شيءٍ من كتب الله تعالى وكلامه. قوله: {فويلٌ للذين يكتبون الكتاب بأيديهم}، فيه تنبيهٌ أنهم يختلقونه ويفتعلونه؛ فكما نسب الكتاب المختلق إلى أيديهم نسب الكلام المختلق إلى أفواههم فقال تعالى: {ذلك قولهم بأفواههم} [التوبة: 30]. قوله: {وإذا آتينا موسى الكتاب والفرقان} [البقرة: 53] يجوز أن يكون الكتاب والفرقان عبارة عن التوراة وسماها كتابًا باعتبار ما أثبت فيها من الأحكام، وفرقانًا باعتبار ما وقع فيها من الفرق بين الحق والباطل. قوله: {وما كان لنفس أن تموت إلا بإذن الله كتابًا مؤجلًا} [آل عمران: 145] أشار بالكتاب إلى الحكم والقضاء المبرم، ولذلك وصفه بكونه مؤجلًا أي مذكورًا أجله ووقته. قوله تعالى: {وقالوا أساطير الأولين اكتتبها} [الفرقان: 5] أي سأل كتابها. وكنوا بذلك عن الاختلاق؛ قال بعضهم: الاكتتاب متعارفٌ في الاختلاق، وقيل: اكتتبها: كتبها من ذاته لنفسه، وقيل: كتابتها له. ومنه حديث ابن عمر: «من اكتتب ضمنًا بعثه الله تعالى» قلت: الضمن.

وحيثما ذكر الله أهل الكتاب فالمراد بالكتاب التوراة والإنجيل أو هما جميعًا. قوله: {وما كان هذا القرآن أن يفترى من دون الله ولكن تصديق الذي بين يديه وتفصيل الكتاب} [يونس: 37]. أراد بالكتاب كتب الله غير القرآن لأنه جعل القرآن مصدقًا له. قوله: {وهو الذي أنزل إليكم الكتاب مفصلًا} [الأنعام: 114] قيل: أراد به القرآن، وقيل: أراد القرآن وغيره من الحجج والعقل والعلم. قوله: {وقال الذي عنده علمٌ من الكتاب} [النمل: 40] أراد به سليمان، وبالكتاب علمًا من العلوم التي آتاها الله تعالى سليمان في كتابه المخصوص به، وبه سخر له كل شيءٍ. قوله: {وتؤمنون بالكتاب كله} [آل عمران: 119] قيل: أراد بالكتاب جمع جنس الكتب فوضع الواحد موضع الجمع كقولك: كثر الدرهم في أيدي الناس، ويؤيده قوله: {كل آمن بالله وملائكته وكتبه} [البقرة: 285] قرئ: {وكتبه} و {كتابه}. وقيل: وحد لأنه في الأصل مصدرٌ فتوحد، نحوٌ رجلٍ عدلٍ. وقيل: عنى بذلك كتابًا واحدًا ونبه أنهم ليسوا كمن قيل فيهم {نؤمن ببعض ونكفر ببعض} [النساء: 150]. قوله تعالى: {فكاتبوهم} [النور: 33] كتابة العبد، يجوز أن تكون من الكتب بمعنى الإيجاب أو بمعنى النظم أي نظم الحروف، لأن العادة جاريةٌ بكتب ذلك في صك والإشهاد فيه حفظًا لحق العبد فإنها جائزةٌ من جهته لازمةٌ من جهة سيده. قوله: {سنكتب ما قالوا} [آل عمران: 181] أي سنحفظ قولهم، وقيل: سنكتبه في صحف الحفظة بأن تكتبه الحفظة، كقوله: {كرامًا كاتبين يعلمون ما تفعلون} [الانفطار: 11 - 12] وهو المشار إليه بقوله: {ونخرج له يوم القيامة كتابًا

يلقاه منشورًا} [الإسراء: 13] والله تعالى عالمٌ بالأشياء لا يحتاج إلى كتبٍ، وإنما أراد إقامة الحجة عليهم. وفي الحديث: «لأقضين بينكما بكتاب الله» أي بحكمه وقضائه. ك ت م: قوله تعالى: {ولا يكتمون الله حديثًا} [النساء: 42] جاء في الحديث عن ابن عباسٍ رضي الله عنهما: «إن المشركين إذا رأوا أهل القيامة لا يدخل الجنة إلا من لم يكن مشركًا، قالوا: {والله ربنا ما كنا مشركين} [الأنعام: 23] فتشهد عليهم جوارحهم فحينئذ يودون ألا يكتموا الله حديثًا». وعن الحسن: «الآخرة مواقف ففي بعضها يكتمون وفي بعضها لا يكتمون». وقال غيره: «لا يكتمون الله حديثًا» تنطق جوارحهم. قلت: هذان القولان كالجواب عن سؤالٍ مقدرٍ يذكره الناس، وهو أنه تعالى قال في موضعٍ آخر: {هذا يوم لا ينطقون ولا يؤذن لهم فيعتذرون} [المرسلات: 35 - 36]. ونظير ذلك قوله: {فوربك لنسألنهم أجمعين} [الحجر: 92] مع قوله: {فيومئذٍ لا يسأل عن ذنبه إنسٌ ولا جانٌ} [الرحمن: 39]. وحقيقة الكتم ستر الشيء وتغطيته، وغلب في الحديث؛ يقال: كتمته كتمانًا وكتمًا. وقال بعضهم: الكتم والختم أخوان، أي متقاربان أو بمعنىً واحد. وفي الحديث: «وكان يدهن بالمكتومة». في «المكتومة» تفسيران أحدهما: أنه دهنٌ من أدهان العرب يجعل فيها الزعفران. والثاني: أنها ما جعل فيها الكتم المعروف. وفي الحديث: «بالحناء والكتم». والكتم يقال له الوسمة، والوسمة بسكون السين وكسرها.

فصل الكاف والثاء

فصل الكاف والثاء ك ث ب: قوله تعالى: {وكانت الجبال كثيبًا مهيلًا} [المزمل: 14] ما اجتمع من الرمل، وجمعه كثبانٌ وكثبٌ وأكثبةٌ. وأصل المادة الدلالة على الجمع، ومنه: كثبة اللبن لما اجتمع منه، الجمع كثبٌ، نحو: غرفة وغرف. والكثبة -أيضًا -قطعة التمر لاجتماعها. وكثب الشيء: جمعه، وأكثب الصيد: إذا أمكن من نفسه. وفي المثل: «أكثبك الصيد فارمه» أي أمكنك من نفسه وقرب منك. وحقيقته: جمع نفسه عليك. فالكتب -بالمثناة والمثلثة -متقاربان لفظًا ومعنىً كما تقدم بتقرير ذلك. وفي حديث يوم بدر: «إن أكثبكم القوم فانبلوهم» أي أن قاربوكم فارموهم. وفي آخر: «إذا كثبوكم فارموهم بالنبل». وفي حديث عائشة تصف أباها الصديق رضي الله عنهما: «ظن رجالٌ أن قد أكثبت أطماعهم» أي قاربت. وكثبت الشيء أكثبه: جمعته. والكثيب -أيضًا -: القريب. ك ث ر: قوله تعالى: {ألهاكم التكاثر} [التكاثر: 1] التكاثر: المغالبة في الكثرة من الأشياء الدنيوية كما تتغالب الجاهلية بكثرة أموالها وأثاثها، وقراها الضيفان، وفكها العناة، وإطعامها في النوء المجاويع وغيره، على ما شهدت بذلك أشعارهم وخطبهم، والمعنى أنه شغلهم تكاثرهم بذلك حتى ماتوا فزاروا المقابر. وقيل: إنهم تفاخروا بآبائهم حتى يعز الأحياء فذكروا. يقال: تكاثروا فكثرهم فلانٌ فهو كاثرٌ وغيرهم مكثور. والكاثر -أيضًا -: الكثير المال. وأنشد: [من السريع]

1326 - ولست بالأكثر منهم حصى ... وإنما العزة للكاثر وفي مقتل الحسين: «ما رأينا مكثورًا أجرًا مقدمًا منه». فأما المكثور عليه فهو الذي كثرت عليه الحقوق، والمكاثر: متعارفٌ في الكثير المال. قوله: {إنا أعطيناك الكوثر} [الكوثر: 1] قيل: هو نهرٌ عظيمٌ، وفي الحديث: «آنيته عدد نجوم السماء»، وقيل هو نهرٌ في الجنة يتفرع عنه سائر أنهارها، وقيل: الكوثر هو كل خيرٍ كثيرٍ؛ فالكوثر مبالغةٌ في الكثير زيدت الواو دلالةً على ذلك كزيادتها في الجوهر للدلالة على جهره في الرؤية. والكوثر -أيضًا -: الرجل الكثير الخير. وتكوثر الشيء: كثر كثرةً متناهيةً، قال الشاعر: [من الطويل] 1327 - وقد ثار نقع الموت حتى تكوثرا وقيل: الكوثر هو القرآن والنبوة، وهذا هو القول بكونه الكثير، إذ لا خير أكثر من خير القرآن بل هو أصل كل خير. والكثر -بالضم -يقابل القل، وفي حديث أبي بكر رضي الله عنه: «نسأل الله الكثر ونعوذ به من القل». والكثر: الجمار، كذا يطلقونه، وقيده الراغب بالكثير، وفيه مناسبةٌ. ويروى في الحديث: «لا قطع في ثمر ولا كثر» بسكون الثاء وفتحها وهو المشهور، وفي حديث فيس بن عاصمٍ: «نعم المال أربعون والكثر ستون» وقد تقدم في باب القاف أن القلة

فصل الكاف والدال

والكثرة يستعملان في الكمية المنفصلة كالأعداد. وقوله تعالى: {وفاكهةٍ كثيرةٍ} [الواقعة: 32] وصفها بذلك اعتبارًا بمطاعم الدنيا. وليس الكثرة إشارةٌ إلى العدد فقط بل إلى الفضل، ويقال: عددٌ كثيرٌ وكثارٌ فالكثار أبلغ من الكثير. فصل الكاف والدال ك د ب: قرأ الحسن البصري، ويروى أيضًا عن عائشة رضي الله عنها: {وجاؤوا على قميصه بدمٍ كدبٍ} [يوسف: 18] بالدال المهملة. قيل: هو المتغير، وقيل: الناصع اللون. ك د ح: قوله تعالى: {يا أيها الإنسان إنك كادحٌ إلى ربك كدحًا} [الانشقاق: 6] أي ساع، والكدح: السعي الشديد، وأنشد: [من الطويل] 1328 - وما الدهر إلا تارتان: فمنهما ... أموت وأخرى أبتغي العيش أكدح قال أبو بكرٍ في تفسير الآية: كدح إذا سعى وعمل وحرص وعني. وقال غيره: تعبٌ فكأنه سعيٌ خاصٌ. والكدح: السعي في العمل دنيويًا كان أو أخرويًا. وقد يستعمل الكدح في غير هذا بمعنى الكدم بالأسنان. قال الخليل بن أحمد: الكدح دون الكدم. قلت: هذا يشبه باب القبض والقبص والقصم والفصم. ك د ر: قوله تعالى: {وإذا النجوم انكدرت} [التكوير: 2] أي انتثرت. وأصله من الكدر وهو ضد الصفاء، والمعنى: تغيرت بالتناثر، وذلك أنها إذا تناثرت تغير شكلها

فصل الكاف والذال

وهيئتها التي كانت بها زينةً. يقال: عيشٌ أكدر. والكدرة في اللون خاصة، والكدورة في الماء وفي العيش. وانكدر القوم على كذا أي قصدوا متناثرين عليه. ويقال لكل ما انتثر ومر مرًا سريعًا: قد انكدر، وأنشد لذي الرمة: [من البسيط] 1329 - فانصاع جانبه الوحشي وانكدرت ... يلحبن لا يأتلي المطلوب والطلب ك د ي: قوله تعالى: {وأعطى قليلً وأكدى} [النجم: 34] أي قطع عطاءه. وأصله أن الحافر يحفر الأرض فيبلغ الكدية وهي الأرض الصلبة. وفي حديث الخندق: «فعرضت فيه كديةٌ لا يعمل فيها المعول» والجمع كدىً، نحو: دمية ودمىً؛ فشبه قاطع العطاء بقاطع الجفر حتى يبلغ الكدية. ولما ذكرت عائشة رضي الله عنها أباها قالت: «سبق إذ ونيتم ونجح إذا أكديتم». ولما عزت فاطمة رضي الله عنها بعض جيرانها قال: «لعلك بلغت معهن الكدرى» أراد المقابر لأن مقابرهم كانت في مواضع صلبةٍ. قال الهروي: قلت للأزهري: رواه بعضهم «الكرى» بالراء فأنكره. فصل الكاف والذال ك ذ ب: قوله تعالى: {والله يشهد إن المنافقين لكاذبون} [المنافقون: 1] أي لكاذبون في شهادتهم وقيل: كذبهم في اعتقادهم. وتقدم القول في الصاد أن الكذب غير الصدق. قوله: {ولهم عذابٌ أليمٌ بما كانوا يكذبون} [البقرة: 10] قرئ بالتثقيل

والتخفيف مع فتح الياء وسكون الكاف، وهما واضحان لأن المنافقين، لعنهم الله، قد فعلوا النوعين: كذبوا الرسول وكذبوا في قولهم: آمنا وليسوا بمؤمنين. وقوله: {فإنهم لا يكذبونك} [الأنعام: 33] قرئ -أيضًا -بالتثقيل والتخفيف؛ فمن قرأه مثقلًا فمعناه أنهم لا يقولون لك: كذبت؛ يقال: كذبته إذا قلت له كذبت. ومن قرأه مخففًا فمعناه أنهم لا يرون ما أتيت به كذبًا. والمعنى أنك صادقٌ عندهم، ولكنهم يجحدونه بألسنتهم. وأكذبته -أيضًا -: إذا وجدته كاذبًا. وقيل: كذبته: نسبته إلى الكذب، نحو: فسقته: نسبته إلى الفسق، صادقًا كان أو كاذبًا. وقيل: معناه لا يجدونك كاذبًا ولا يستطيعون أن يبينوا كذبك لأنه أمرٌ محالٌ. قوله: {ليس لوقعتها كاذبةٌ} [الواقعة: 2] الكاذبة -قيل -هي مصدرٌ، كالعاقبة والعافية، أي ليس لوقوعها كذبٌ أي هي كائنةٌ لابد منها ولا التفاف إلى من كذب بها، وقيل: المعنى نفسٌ كاذبةٌ. وقيل: نسب الكذب إلى نفس الفعل كقولهم: فعلةٌ صادقةٌ وفعلةٌ كاذبةٌ. قوله: {وظنوا أنهم قد كذبوا} [يوسف: 110] قرئ بالتثقيل والتخفيف أيضًا. والمعنى أنهم قد كذبوا من جهة قومهم وأن قومهم كذبوهم أي نسبوهم إلى التكذيب هذا في من ثقل، فأما قراءة التخيفف فاستشكلها جماعةٌ، وتكلم بعض الناس فيها بما لا يليق، والحق فيها أن معناها كذبوا من جهة قومهم. وغلب على ظنهم أن قومهم كذبوهم فيما وعدوا الرسل أنهم يؤمنون بهم. وعن عائشة رضي الله عنها: {حتى إذا أستيأس الرسل} [يوسف: 110] ممن كذبهم من قومهم أن يصدقوهم، وظنت الرسل أن من آمن منهم من قومهم قد كذبوهم {جاءهم نصرنا} عند ذلك. وروى ابن جريرٍ

عن ابن عباس أن الضمير في «ظنوا» للكفرة وفي أنهم «كذبوا» للرسل؛ أي ظن قوم الرسل أن الرسل كذبوا فيما وعدوا به من نصرهم عليهم بإمهال الله تعالى إياهم، وقيل: الضمائر كلها للقوم، أي أن الرسل وعدتهم العذاب إن لم يؤمنوا. فلما طال الأمر عليهم بالإمهال لا بالإهمال ظنوا أنهم قد كذبوا فيما وعدتهم به الرسل من العذاب، ولذلك كانوا يستعجلون به كما قال تعالى: {فلا تستعجلون} [الأنبياء: 37] أي بالعذاب، وهذا شأن المتمردين المغترين بحلم الله عليهم. فنسأل الله تعالى ألا يجعلنا ممن يملى لهم ويستدرجهم من حيث لا يعلمون. وقد تكلمت في هذه الآية كلامًا مشبعًا في «الدر» و «العقد» و «التفسير الكبير» بما يليق بكل منها، وهذا القدر هنا كافٍ. قوله: {لا يسمعون فيها لغوًا ولا كذابًا} [النبأ: 35] قرئ بالتشديد بمعنى التكذيب، والمعنى: لا يكذبون فيكذب بعضهم بعضًا، ونفي التكذيب عن الجنة يقتضي نفي الكذب عنها، قال الراغب، وهو صحيحٌ في هذه المادة التي نحن فيها، وأما في غيرها فلو قيل: لاتكذيب في الدار، لا يلزم منه نفي الكذب من أصله. وقال الهروي في قوله: {وكذبوا بآيتنا كذابًا} [النبأ: 28]، وقرئ مخففًا. قال: وفعالٌ في مصدر فعل أكثر من فعل يعني أن مصدر فعل مشددًا على فعالٍ مشددًا أكثر منه على فعالٍ مخففًا، وفيه نظرٌ من وجهين: أحدهما أنه لم يقرأ بذلك إلا في قوله «ولا كذابًا». والثاني: أن فعلًا مخففًا ليس مصدر الفعل المشدد. قوله: {بدمٍ كذبٍ} [يوسف: 18] أي ذي كذب، أي مكذوب فيه، أو جعل نفس الدم كذبًا مبالغةً. نحو: رجلٌ عدلٌ وصومٌ، وتقدم أنه قرئ بالدال المهملة. قوله: {ناصيةٍ كاذبةٍ خاطئةٍ} [العلق: 16] أي كاذبٍ صاحبها خاطئٌ، فنسب

الكذب إليها مبالغةً نحو: نهاره صائمٌ. وقيل: عبر بالبعض عن الكل وأتى بأشرف ما فيه وأعلى، فوصفه بأقبح الصفات وهو الكذب والخطأ، وفي الحديث عنه عليه الصلاة والسلام: «كذب عليك الحج» قال بعضهم: معناه وجب عليك فعليك به، قال: وحقيقته أنه في حكم الفائت لبطء وقته كقولك: قد فات الحج فبادر أي كاد يفوت. و «كذب عليك العسل» أي عليك العسل، فهو إغراءٌ، واختلف الناس فيما بعد عليك من هذا الكلام؛ فبعضهم يرويه بالرفع على أنه فاعل «كذب» ويقول: هو بمعنى وجب ونقل عن معناه الأصلي إلى هذا المعنى، ووجه النقل ما قدمته من البطء؛ قال الهروي: وفي حديث عمر «كذب عليكم الحج، كذب عليكم الجهاد» قال أبو عبيد؛ قال الأصمعي: معناه الإغراء، قال: وكان وجهه النصب ولكنه جاء شاذًا مرفوعًا ومثله حديثه الآخر: «شكا إليه رجلٌ النقرس فقال: كذب عليك الظهائر» أي عليك بالمشي فيها. ومنه الحديث في من احتجم يوم الخميس والأحد: «كذباك» أي عليك بهما. وفي حديث علي كرم الله وجهه: «كذبتك الحارفة» أي عليك بمثلها. وقال الفراء: معنى كذب عليك: وجب عليك، وهو الكذب في الأصل في معنى قوله: «كذب عليكم الحج» أن قيل: لا حج فهو كذبٌ، وقال أبو سعيد: معناه الحض؛ يقول: إن الحج ظن بكم حرصًا عليه ورغبةً فيه فكذب ظنه. قلت: ورواه الراغب بالنصب؛ لكنه في العسل فقال «وكذب عليك العسل» بالنصب أي عليك بالعسل، وذلك إغراءٌ، وقيل: العسل هنا العسلان؛ وهو ضربٌ من السير، ولم يذكر في لفظ الحج شيئًا من رفعٍ ولا نصبٍ. والظاهر أنه لا فرق بين لفظٍ ولفظٍ مع إيجاد المعنى، ويؤخذ من كلام الفراء أن «كذب» ردٌ لكلامٍ متكلمٍ مرادٍ كأن قائلًا قال: لا حج، فقيل في جوابه: كذب. ويكون

فصل الكاف والراء

عليكم الحج جملةً برأسها، إما اسمية من مبتدأ وخبر إذا رفعنا الحج ويفيد فائدة الإغراء، لأن معنى عليكم الحج، أي واجبٌ عليكم الحج، ومعنى الزموا الحج واحدٌ ولهذا خرج بعضهم قوله عليه الصلاة والسلام: «وإلا فعليه بالصوم» أن الباء مزيدةٌ في المبتدأ. وقد مر إغراء الغائب، والمعنى مع ذلك موجودٌ وهو وجوب الصوم عليه إن خاف العنت. ومن جعله إغراء فهم الإغراء من لفظ «الكذب». والظاهر أنه مفهومٌ من لفظ «عليك». وجيء بـ «كذب» لما ذكرته أولًا عن فهم كلام الفراء؛ فقد تلخص من كلامهم أنه ينطبق بما بعد «عليك» من هذا التركيب بالرفع والنصب؛ فالرفع على الفاعلية بـ «كذب» أو بالابتداء، و «عليك» خبره كما مر تفسيره. وإما النصب فعلى الإغراء، والعامل فيه «عليك»، و «كذب» ردٌ لكلام متقدمٍ، والله أعلم. وكذب يتعدى لاثنين، لأحدهما بنفسه، وللثاني بحرف الجر، فيقال: كذبته الحديث وفي الحديث، نحو: صدقته الحديث وفي الحديث. ويقال: رجلٌ كذابٌ وكذوبٌ وكذبذبٌ وكذيذبٌ وكيذبانٌ، كل ذلك للمبالغة في كذبه. ويقال: حمل فلانٌ على قرنه فكذب، كما يقال في ضده: صدق. ويقال: كذبته نفسه: إذا خاب ظنه، ومنه قول الشاعر: [من الوافر] 1330 - وقد كذبتك نفسك فأكذبيها ... فإن جزعًا وإن إجمال صبر وكذب لبن الناقة: إذا ظن أنه يدوم مدةً فلم يدم. فصل الكاف والراء ك ر ب: قوله تعالى: {فنجيناه وأهله من الكرب العظيم} [الأنبياء: 76] الكرب: الغم الشديد. والكربة: الغمة الشديدة. قيل: وأصل ذلك من كرب الأرض: أي حفرها وقلبها بالحفر، فكأن الغم يثير النفس إثارة ذلك. وقيل: أصله من قلب الأرض بالكراب، أي

الآلة التي تحرث بها الأرض. وقيل: أصله من أكربت الدلو، أي شددته بالكرب، فكأن الكرب يضيق النفس ويوثقها وثاق الكرب للدلو، وأنشد: [من البسيط] 1331 - قومٌ إذا قعدوا عقدًا لجارهم ... شدوا العناج وشدوا فوقه الكربا ويصح أن يكون من كربت الشمس: أي دنت للمغيب. وكرب فعل مقاربة من أخوات عسى، يعمل عمل كان، وفي دخول أن في خبرها اختيارًا خلافٌ، وقد سمع بالوجهين، فمن ذلك قول الشاعر: [من الخفيف] 1332 - كرب القلب من جواه يذوب ... حين قال الوشاة: هندٌ غضوب ومن الإتيان بأن قول الآخر: [من الطويل] 1333 - وقد كربت أعناقها أن تقطعا ولها أحكامٌ ذكرتها في غير هذا، وفي الحديث: «استعف أو كرب» أي: قارب. وكل دانٍ فهو كاربٌ. والكروبيون: طائفةٌ من الملائكة، قال أبو العالية: هم سادة الملائكة؛ سموا بذلك لقرب منزلتهم من الله. ومثله حديثٌ آخر: «أيفع أو كرب» أي قارب الإيفاع، وأنشد: [من الكامل] 1334 - أبني أن أباك كارب يومه ... فإذا دعيت إلى المكارم فاعجل

أي قرب من يوم أجله. وقال الليث: يقال لكل حيوان وثيق المفاصل: إنه لمكرب المفاصل ولمكرب الخلق. قلت: أصله من شددت الدلو بالكرب، كما تقدم. وفي الحديث: "ومن فرج عن مسلم كربة من كرب الدنيا فرج الله عنه كربة من كرب يوم القيامة". قد تقدم أن الكربة شدة الغم، وهي الغمة الشديدة. ك ر ر: قوله تعالى: {ثم ارجع البصر كرتين} وليس المراد بالتثنية هنا شفع الواحد إنما المعنى على كرات بدليل قوله: {ينقلب إليك البصر خاسئا وهو حسير}، أي مزدجرا وهو قليل. ومعلوم أن ذلك لا يكون بين نظرتين فقط، وإنما المعنى كرة بعد كرة، فهذا مما لفظه تثنية ومعناه جمع، وله أخوات: لبيك وسعديك وهذاذيك ودواليك وحنانيك. وأصل الكر العطف على الشيء والعود إليه بالذات أو بالفعل، ومنه كر في الحرب أي رجع إليها، قال: [من الوافر]: 1335 - أكر على الكتيبة لا أبالي ... أحتفي كان فيها أم سواكا وقال امرؤ القيس: [من الطويل] 1336 - مكر مفر مقبل مدبر معا ... كجلمود صخر حطه السيل من عل قوله: {ثم رددنا لكم الكرة عليهم} أي الغلبة والظفر، وفي الحديث: "وتكركر حبات من شعير" أي تطحن؛ سميت كركرة لترديدها الرحى على الطحن، فمعنى العود موجود فيها، وأنشد لأبي دؤاد: [من المتقارب] 1337 - إذا كركرته رياح الجنو ... ب ألقح منها عجافا حيالا

وفي الحديث «أنه عليه الصلاة والسلام وأبا بكرٍ وعمر تضيفوا أبا الهيثم بن التيهان، فقال لامرأته: ما عندك؟ فقالت: شعيرٌ، قال: فكركري» أي اطحني، والمصدر: الكركرة. والكركرة -أيضًا -رحى زور البعير. والكركرة -أيضًا -الجماعة المجتمعة، وهي -أيضًا -تصريف الرياح السحاب، وذلك مكررٌ من كر، ومنه البيت المتقدم لأبي داؤد: إذا كركته الرياح. والكركرة -أيضًا -صوتٌ يردده الإنسان في جوفه، وقال شمرٌ: الكركرة من الإدارة والترديد، وهو من كر. والكر -بالفتح -: الحبل المفتول لأنه كرر مثله، وهو في الأصل مصدرٌ سمي به الحبل، وجمعه كرورٌ. والكر مقدارٌ معلومٌ، وقال النضر: الكر بالبصرة ستة أوقارٍ، قال الأزهري: الكر: ستون قفيزًا. والقفيز ستة مكاكيك، والمكوك: صاعٌ ونصفٌ، وهو ثلاث كيلجات؛ فالكر على هذا الحساب اثنا عشر وسقًا، وكل وسيقٍ ستون صاعًا. ك ر س: قوله تعالى: {وسع كرسيه السموات والأرض} [البقرة: 255]. الكرسي في العرف العام: اسمٌ لما يقعد عليه، واشتقاقه من الكرس وهو المتلبد، وقال الراغب: وهو في الأصل منسوبٌ إلى الكرس أي المتلبد. قلت: وفيه نظرٌ لأن النحويين نصوا على أن ياءه وياء يحيى ونحوهما ليسا للنسب. واستدلوا بأنهما جمعا على فعالي، وفعالي لا يكون جمعًا لما ياؤه للنسب، ولذلك خطؤوا من قال: إن أناسي من قوله تعالى: {وأناسي كثيرًا} [الفرقان: 49] جمع أنسيُ لأن ياءه تدل على النسب، بل هو جمعٌ لإنسان على ما قررته في غير هذا الموضع، فإن عنى أن ياءه في الأصل للنسب فيه أن معنى النسب مهجورٌ فيه، وهو الظاهر من عبارته، فصحيحٌ. والمادة تدل على الانضمام

والاجتماع، ومنه الكراسة للمجتمع من الأوراق. وكرست البناء فتكرس. وقيل الكرس: أصل الشيء، ومنه قول العرب: هو عظيم الكرس. وأنشد قول العجاج: [من الرجز] 1338 - يا صاح هل تعرف رسمًا مكرسا ... قال: نعم أعرفه، وأبلسا والكروس: المتركب بعض أجزاء رأسه إلى بعض لكبره. وأما الكرسي في الآية الكريمة فعن ابن عباس رضي الله عنهما أنه هو علم الله، وقال غريه: كرسيه أصل ملكه. وقال آخرون: الكرسي الفلك المحيط بالأفلاك، قال ويشهد لذلك منه روي عنه عليه السلام: «ما السموات السبع في الكرسي إلى كحلقة ملقاة بأرضٍ فلاةٍ». وفي الحديث: «ما أدري ما أصنع بهذه الكراييس» يعني الكنف، الواحد كرياس، وهو ما كان مشرفًا على سطحٍ بقناةٍ إلى الأرض، فإن كان أسفل فليس بكرياسٍ. قيل: وسمي بذلك لما يعلق به من الأقذار فيتكرس، ومنه: الكرس كرس الدمن ونحوها فهو فعيالٌ من ذلك. ك ر م: قوله تعالى: {ولقد كرمنا بني آدم} [الإسراء: 70]. عن ابن عباس: جعلناهم يأكلون بأيديهم ويتناولون غذائهم بها. وحكي أن أبا يوسف الحنفي رضي الله عنه أكل مع الرشيد يومًا فأحضر ملاعق، فقال: يا أمير المؤمنين بلغنا أن جدك عبد الله قال في تفسيره: «جعلنا لهم أيديًا يأكلون بها». فترك الملاعق وأخذ بيده. وقيل: جعلناهم منتصبي القامة وغيرهم منحنيًا، وجعلنا لهم نطقًا وتمييزًا خلاف سائر الحيوانات.

وأصل الكرم سماحة النفس ببذل المال. وقيل: حسن الخلق. ثم الكرم إذا وصف به الباري تعالى فهو اسمٌ لأحسانه وأنعامه المتظاهرة. وإذا وصف به البشر فهو اسمٌ للأخلاق الحميدة والأفعال الجميلة الظاهرة؛ فلا يقال: كريمٌ إلا إذا اشتهر بذلك وظهر منه ظهور متعارف. قال بعض أهل العلم: الكرم كالحرية، إلا أن الحرية تقال في المحاسن القليلة والكثيرة. والكرم لا يقال إلا في الكثيرة، كما فعل عثمان رضي الله عنه في تجهيز جيش العسرة، وكمن يتحمل حمالة يحقن بها دم قومٍ. قوله: {إن أكرمكم عند الله أتقاكم} [الحجرات: 13] إنما كان كذلك لأن الكرم -كما تقدم -الأفعال الحميدة، وأكثرها ما قصد به أشرف الوجوه، وأشرف الوجوه ما قصد به وجه الباري تعالى، ولا يفعل ذلك إلا الأتقياء. فمن ثم كان أكرم الناس عند ربهم أتقاهم له، وكل شرفٍ في بابه يوصف بالكرم، وعليه قوله: {إنه لقرآنٌ كريمٌ} [الواقعة: 77]. وقيل: معناه جم الفوائد وكل ذلك مراد. وقوله: {كم أنبتنا فيها من كل زوجٍ كريمٍ} [الشعراء: 7] {بل عبادٌ مكرمون} [الأنبياء: 26] أي جعلهم كرامًا. قوله: {كرامً كاتبين} [الانفطار: 11] وصفهم بذلك لشرفهم في أبناء جنسهم. ونخلةٌ كريمةٌ أي طيبة الحمل أو كثيرته، وشاةٌ غزيرة اللبن. قوله: {وإذا مروا باللغو مروا كرامًا} [الفرقان: 72] أي منزهين أنفسهم عن سماعه وعن قوله. وقيل: معرضين عنه قد أكرموا أنفسهم بعدم الدخول فيه، وقيل: غير مؤاخذين قائلين كقوله: {وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلامًا} [الفرقان: 63]. قوله: {لهم مغفرةٌ ورزقٌ كريمٌ} [الأنفال: 74] كرمه أن خلص من متعبات الدنيا في تحصيله، ومن الشبه المقترنة بالمكاسب والأرزاق، ومن الأسقام العارضة من تناوله

عند الإفراط فيه ومن الحرص عليه والشح به على مستحقيه. وقيل: أكرم عما في الدنيا من الانقطاع والتنغيص والفساد. قوله: {إني ألقي إلى كتابٌ كريمٌ} [النمل: 27]. قيل: مختومٌ، وكرم الكتاب ختمه، وقيل: كرمه كونه من عند كريمٍ. وقيل: لبداءته فيه بسم الله الرحمن الرحيم، وكأن قولها: {إنه من سليمان وإنه بسم الله الرحمن الرحيم} [النمل: 30] تفسيرٌ لكرمه أو جوابٌ لمن قال: وما وجه كرمه؟ أو تعليلٌ لقولها المشير للدعوى. والظاهر عندي أن قولها: {إنه من سليمان} إلى آخره تفسيرٌ لنفس «كتابٍ» لا لكرمه بدليل قولها: {ألا تعلوا علي وأتوني مسلمين} [النمل: 31] فهو أن لنا من كرمه بل من مقتضاه ومضمونه، ويؤيد ما قلته أن قوله: {إنه من سليمان} كان عنوانه، ومن ثم عنونت الكتب. وقوله: «وإنه بسم الله الرحمن الرحيم» إلى آخره مضمونه، كذا جاء في التفسير. وكرام الخيل والطير: عتاقهما. والكريم -أيضًا - من كان أبواه شريفين، والمعرف بضده، وأنشد: [من الرمل] 1339 - كم بجودٍ مقرفٍ نال العلى ... وكريم بخله قد وضعه يعني أن الكرم قد يرفع الدنيء ويحط الشريف؛ فالكرم هنا ليس هو المتعارف بين الناس، وما أطبع ما جاء في قوله: «وكريم بخله» فإنه كالمتنافي في العرف العام. وفي الحديث: «لا تسموا العنب كرمًا إنما الكرم الرجل المسلم» قال أبو بكر محمد بن القاسم في تفسير ذلك: إنما سمي الكرم كرمًا لأن الخمرة المتخذة من تحث على السخاء والكرم، فاشتقوا اسم الكرم من الكرم الذي يتولد منه. قلت: ومن ذلك قول حسان: [من الوافر] 1340 - ونشربها فتتركنا ملوكًا ... وأسدًا ما ينهنهنا اللقاء وقال آخر: [من مجزوء الكامل]

1341 - فإذا سكرت فإنني رب الخورنق والسدير وإذا صحوت فإنني ... رب الشويهة والبعير قال: فكره النبي -صلى الله عليه وسلم -أن تسمى الخمر باسمٍ مأخوذ من الكرم، وجعل المؤمن أولى بهذا الاسم الحسن؛ فأسقط الخمر عن هذه الرتبة تحقيرً لها وتأكيدًا لحرمته، يعني المؤمن. يقال: رجلٌ كرمٌ أي كريمٌ، وصفٌ بالمصدر، وقال الأزهري: سمي العنب كرمًا لكرمه، وفي المؤمن تكرمةٌ، وذلك أنه ذلل لقاطفه وليس عليه سلاءٌ فيعقر جانيه ويحمل منه الأصل ما تحمل النخلة. وكل شيءٍ كرمٌ فهو كريمٌ. وفي الحديث: «إذا أخذت من عبدي كريمتيه» وروي «كريمته» يعني عينيه وعينه، سميت لعزتها على صاحبها. وكل ما عز عندك فهو كريمٌ، ومنه «إنك أنت العزيز الكريم» [الدخان: 49] قيل له ذلك في معرض التهكم أو على حكاية ما كان يقال له في الدنيا. قال شمرٌ: كل شيء مكرمٌ عندك فهو كريمك. وفي الحديث: «إذا أتاكم كريم قومٍ فأكرموه» وروي «كريمة قوم» كأن التاء للمبالغة كرجلٍ فروقةٍ وروايةٍ. وفي الحديث: «خير الناس يومئذٍ مؤمنٌ بين كريمين» قال بعضهم: هما فرسان يغزو عليهما، وقال آخرون: بين أبوين مؤمنين، وقال آخرون: بين الحج والجهاد. ك ر هـ: قوله تعالى: {لا يحل لكم أن ترثوا النساء كرهًا} [النساء: 19] قرئ في المتواتر بالفتح والضم؛ فقيل: هما بمعنى الضَّعف والضُّعف، وقيل: المفتوح ما ينال الإنسان من المشقة من خارجٍ مما يحمل عليه بإكراه. والكره ما ينال من ذاته وهو ما يعافه، وذلك

على نوعين: أحدهما ما يعافه من حيث الطبع، والثاني ما يعافه من حيث الشرع والعقل. ولذلك يصح أن يقال: إني أكره الشيء وأريده منه حيث الشرع والعقل، أو أكرهه من حيث الشرع وأريده من حيث الطبع. وعلى الأول قوله تعالى: {كتب عليكم القتال وهو كره لكم} [البقرة: 216] أي من حيث الطبع، وقوله تعالى بعد ذلك: {وعسى أن تكرهوا شيئًا وهو خيرٌ لكم وعسى أن تحبوا شيئًا وهو شرٌ لكم}. فنبه أنه يجب على الإنسان أن لا يكره شيئًا ولا يحبه حتى يعرف كنهه وما يؤول إليه، وهذا كالدواء؛ فإن النفوس تكرهه وفيه صلاحها، وعكسه الأغذية الغليظة الثقيلة؛ فإن النفوس تريدها وفيها فسادها وسقامها. فالطاعات كالأدوية والمعاصي كالأغذية المؤذية. قوله: {ولا تكرهوا فتياتكم على البغاء} [النور: 33] أي لا تكرهوهن على الزنا. وحقيقة الإكراه حمل الإنسان على ما يكرهه. وقوله تعالى: {لا إكراه في الدين} [البقرة: 256] قيل: 1 - منسوخٌ بآيات القتال، وكان في ابتداء الإسلام يعرض على الرجل الإسلام فإن أجاب وإلا خلي سبيله ولا يقاتل على ذلك. 2 - وقيل: ليست منسوخةً والمراد أهل الكتاب فإنهم إذا أرادوا الجزية تركوا وأقروا من غير إكراه على الإسلام، بخلاف المحاربين منهم وغيرهم من المشركين. 3 - وقيل: معناه لا حكم لمن أكره على دينٍ باطلٍ فاعترف به ودخل فيه، كما قال تعالى: {إلا من أكره وقلبه مطمئنٌ بالإيمان} [النحل: 106]. 4 - وقيل: لا اعتداد في الآخرة بما يفعله الإنسان في الدنيا من الطاعات كرهًا، فإن الله مطلعٌ على السرائر فلا يرضى إلا الإخلاص، ولهذا قال عليه الصلاة والسلام: «الأعمال بالنيات»، وقال عليه الصلاة والسلام: «أخلص يكفك القليل من العمل».

5 - وقال آخرون: معناه لا يحمل الإنسان على أمرٍ مكروه في الحقيقة مما يكلفهم الله بل يحملون على نعيم الأبد، ولهذا قال -صلى الله عليه وسلم -: «عجب ربك من قومٍ يقادون إلى الجنة بالسلاسل». 6 - وقيل: معناه أن «الدين» هنا جزاءٌ، وأن الله تعالى ليس بمكرهٍ على الجزاء بل يفعل ما يشاء بمن يشاء، فهذه ستة أقوالٍ. قوله تعالى: {أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتً فكرهتموه} [الحجرات: 12] فيه تنبيهٌ على أن لحم الأخ شيءٌ جبلت الأنفس على كراهته وإن تعاطته. والإكراه ضد الاختيار والطواعية. قوله تعالى: {إلا من أكره وقلبه مطمئنٌ بالإيمان} لم يكتف باشتراط الإكراه في ذلك حتى ضم إليه اتصافه بكون قلبه غير مشكك ولا متلجلجٍ في ذلك. قوله: {وله أسلم من في السموات والأرض طوعًا وكرهًا} [آل عمران: 83] قيل: 1 - معناه أسلم من في السموات طوعًا ومن في الأرض كرهًا، أي الحجة القاطعة بصحة الإسلام ألجأتهم، وأكرهتهم على ذلك، كقوله: دليل هذه المسألة ألجأني إلى القول بها، تريد أنه ظاهرٌ بينٌ، وهذا ليس مذمومًا. 2 - وقال آخرون: أسلم المؤمنون طوعًا والكافرون كرهًا. ومعناه أنهم لم يقدروا أن يمتنعوا عليه مما يريدهم به. 3 - وأبين من هذا قول قتادة حيث قال: أسلم المؤمنون له طوعًا والكافرون كرهًا عند الموت، كأنه يريد قوله تعالى: {فلما رأوا بأسنا قالوا آمنا بالله وحده} [غافر: 84] الآية.

4 - وقال أبو العالية ومجاهدٌ: كل مقرٍّ بخلقه إياه وإن أشرك معه غيره كقوله تعالى: {ولئن سألتهم من خلقهم ليقولن الله} [الزخرف: 87]. 5 - وقيل: عني بالكره من قوتل وألجئ إلى أن يؤمن، وهذه الأقوال إنما تتمشى في حق من في الأرض دون من في السماء. 6 - وقال ابن عباس: أسلموا بأحوالهم المنبئة عنهم وإن كفر بعضهم بمقالته وذلك هو الإسلام في الذر الأول حيث قال: {ألست بربكم} [الأعراف: 172]. وذلك هي دلائلهم التي فطروا عليها من العقل المقتضي لأن يسلموا. وإليه أشار بقوله: {وظلالهم بالغدو والآصال} [الرعد: 15]. 7 - ونقل الراغب عن بضع الصوفية أن من أسلم طوعًا هو من طالع المثيب والمعاقب لا الثواب والعقاب. ومن أسلك كرهًا هو من طالع الثواب والعقاب فاسلم رغبةً ورهبةً، ونحو هذه الآية قوله تعالى: {ولله يسجد من في السموات والأرض طوعًا وكرهًا} [الرعد: 15]. قوله: {لا يحل لكم إن ترثوا النساء كرهًا}، قيل: كان الرجل في الجاهلية إذا مات وترك امرأة وله ولدٌ ذكرٌ أمسكها بعقد أبيه الأول حتى تموت، فيرث منها ما ورثته من أبيه ويقول: أنا أحق بامرأته. وقيل: بل كان إذا تركها وله ورثةٌ فإن سبق واحدٌ منهم إليها وألقى عليها رداءه أو ثوبه فهو أحق بها أن ينكحها بمثل مهر مورثه، أو ينكحها غيره ويكون مهرها له. وهذه أحكامٌ جاهليةٌ طهر الله دينه منها بشرعه القويم على لسان نبيه الكريم. قوله: {حملته أمه كرهًا ووضعته كرهًا} [الأحقاف: 15] يجوز أن يكون حالًا من أمه إما على المبالغة أو على حذف مضافٍ أي ذات كرهٍ، أو على أنه بمعنى

مكرهةً، وأن يكون نعتًا لمصدرٍ محذوفٍ أي حملًا مكرهًا. والمراد ما يحصل لها من الثقل وعدم النهوض حال حملها لاسيما إذا قاربت الوضع وجدت مشقةً لثقله، ولذلك قال تعالى: {فلما أثقلت} [الأعراف: 189] أي صارت ذات ثقلٍ. ويقال: كرهت الشيء أكرهه كرهًا وكراهةً وكراهيةً. والكراهة -غالبًا -ما لا إثم فيه، وقد يراد بها الحرام. فص الكاف والسين ك س ب: قوله تعالى: {لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت} [البقرة: 286] أتى باللام في جانب الكسب وبـ «على» في جانب الاكتساب لفائدةٍ جليلةٍ وهي التنبيه على مزيد كرمه وتطاول فضله، من حيث إنه تعالى يعيد للإنسان ما ينسب إلى كسبه، وإن لم يكن منه تعاطٍ لذلك ولا مباشرة، بل إذا كان سببًا في شيء عد ذلك كسبًا له، حتى الولد الصالح جعل من كسبه، فيثاب بأعمال ولده الصالحات، وأما ما يؤاخذ به وهو الذي عبر عنه بأنه عليه فلم يؤاخذ به إلا إذا كان له فيه عملٌ ومباشرةٌ وافتعالُ؛ ألا ترى أن الافتعال يؤذن بالاهتمام بالفعل، بخلاف مجرد الفعل، فاللام غالبًا لما يجب بخلاف على. وإنما استظهرت تعاليًا لقوله تعالى: {وإن اسأتم فلها} [الإسراء: 7]. وقيل: الكسب ما يتحراه من المكاسب الأخروية، والاكتساب ما يتحراه من المكاسب الدنيوية. وقيل: عنى بالكسب ما يفعله الإنسان من فعل خيرٍ، وجلب منفعةٍ إلى غيره، والاكتساب ما يحصله لنفسه من نفعٍ، فنبه على أن ما يفعله الإنسان لغيره من نفع ليوصله إليه فله الثواب، وأن ما يحصله لنفسه وإن كان متناولًا من حيث يجوز على الوجه، فقلما ينفك من أن يكون عليه، إشارةً إلى ما قيل: «من أراد الدنيا فليوطن نفسه على المصائب».

والكسب -في الأصل -ما يتحراه الإنسان مما فيه جلب منفعٍ أو دفع ضر. وغلب استعماله في تحصيل الأموال وتوابعها. قال الراغب: وقد يستعمل الكسب فيما يظن الإنسان أنه يجلب منفعةً ثم استجلب به مضرةٌ. فالكسب فيما أخذه لنفسه ولغيره، ولهذا قد تعدى لمفعولين، نحو: كسبت زيدًا مالًا. والاكتساب لا يقال إلا فيما استفدته لنفسك، فكل اكتساب كسبٌ، وليس كل كسبٍ اكتسابًا، وذلك نحو: خبز واستخبز، وشوى واشتوى انتهى. ففرق بينهما من هذه الحيثية. وهي -في التحقيق -راجعةٌ إلى ما قدمته. ثم في نحو: خبز واستخبز نظرٌ، وكأنه سبق قلمٍ أو لسانٍ، وصوابه: واختبز، ويدل عليه قوله بعد ذلك: وشوى واشتوى، وذلك أن كلامه في الفرق بين فعل وافتعل، لا بينه وبين استفعل. وحكى ابن الأعرابي: أكسبت زيدًا مالًا، وأنشد: [من الطويل] 1432 - فأوسعته مدحًا وأوسعني قرى ... وأكسبني مالًا وأكسبته حمدًا قوله: {ما أغنى عنه ماله وما كسب} [المسد: 2] يجوز أن تكون ما مصدرية فتتأول مع ما بعدها بمصدرٍ أي وكسبه. ثم هذا الكسب يجوز أن يكون باقيًا على مصدريته بطريق الأصالة، وأن يكون واقعًا موقع المفعول، وحينئذٍ فيجوز أن يراد به المال الذي كسبه. وقيل: يجوز أن يراد به الولد، والولد من كسبه. ويجوز أن تكون ما موصولةً بمعنى الذي، وحينئذ يراد به المال أي والذي كسبه. قيل: ويحوز أن يراد به الولد، وفيه ضعفٌ من حيث إن ما لغير العاقل عند الجمهور، وفي الحديث: «إن أطيب ما أكل المرء من كسبه وإن ولده من كسبه». قوله: {أنفقوا من طيبات ما كسبتم} [البقرة: 267] أي كسبكم أو الذي كسبتموه، وفي الحديث: «أنه سئل: أي الكسب أفضل؟ فقال: عمل الرجل بيده»

ومنه الحديث المتقدم أيضًا: «إن أطيب ما أكل المرء من كسبه» الحديث. وقد ورد في الكتاب العزيز استعمال الكسب في الصالح والسيئ وكذلك الاكتساب؛ فمن ورود الكسب في الصالح قوله تعالى: {أو كسبت في إيمانها خيرًا} [الأنعام: 158] ومن وروده في السيئ: {بلى من كسب سيئة} [البقرة: 81] {كسبوا السيئات} [يونس: 27] {أن تبسل نفسٌ بما كسبت} [الأنعام: 70] قوله: {ثم توفى كل نفسٍ ما كسبت} [البقرة: 281] شاملٌ للأمرين جميعًا، ومن ورود الاكتساب في الصالح قوله: {للرجال نصيبٌ مما اكتسبوا وللنساء نصيبٌ مما اكتسبن} [النساء: 32]. ومن وروده في غيره قوله تعالى: {وعليها ما اكتسبت} [البقرة: 286] وقد تقدم ما في ذلك. ك س ف: قوله تعالى: {أو تسقط السماء كما زعمت علينا كسفًا} [الإسراء: 92] الكسف جمع كسفة، وهي القطعة التي تسقطها علينا قطعًا. وأصله من قولهم: كسفت الثوب أكسفه كسفًا أي قطعته قطعًا، حكاه أبو زيدٍ. وكسفت عرقوب البعير، وإنما يقال كسحت لا غير. والكسفة: القطعة من السحاب والقطن ونحوهما من الأجسام المتخلخلة. وكسوف الشمس والقمر: استتارهما بعارضٍ في علم الله تعالى. ومنهم من خص الكسوف بالشمس والخسوف بالقمر. ثم استعير ذلك لتغير الوجه والحال، فقيل: كسف وجهه وحاله وماله، قال الشاعر: [من الخفيف] 1343 - ليس من مات فاستراح بميتٍ ... إنما الميت ميت الأحياء إنما الميت من يعيش كئيبًا ... كاسفًا باله قليل الرخاء قال شمرٌ: الكسوف في الوجه صفرةٌ وتغيرٌ، وقال أبو زيد: كسف باله: إذا حدثته نفسه الشر. وقيل: كسوف البال: أن يضيق عليه أمله، وقال الشاعر: [من البسيط]

1344 - الشمس طالعةٌ ليست بكاسفةٍ ... تبكى عليك نجوم الليل والقمرا وللنحاة في نصب «نجومٍ» كلامٌ حررناه في غير هذا. وقرئ: {فأسقط علينا كسفًا} [الشعراء: 187] و «كسفًا» فالأول على أنه جمع كسفةٍ نحو سدرةٍ وسدرٍ. والثاني على أنه اسم جنسٍ نحو: قمحٍ وقمحة، والجمع كسوفٌ وأكسافٌ. والمعنى: أو تسقطها علينا كسفًا طبقًا. قيل: واشتقاقه من كسفت الشيء: غطيته، وما قدمته أشهر. ك س ل: قوله تعالى: {وإذا قاموا إلى الصلاة قاموا كسالى} [النساء: 142] أي متباطئين. والتكاسل: التثاقل عما لا ينبغي التثاقل عنه، وغلب فيمن قلت مروءته وتقاعد عن شغله. يقال: رجلٌ كسلٌ وكسلان، والجمع كُسالى وكَسالى نحو: سُكارى وسَكارى، جمع سَكران. والمكسال: المرأة المتنعمة الفاترة عن القيام، وهو كنايةٌ عن ضخامتها وسمنها وتنعمها، كما قيل: [من السريع] 1345 - يقعدها من خلفها الكفل والكسل مذمومٌ، ولذلك تعوذ منه نبينا -صلى الله عليه وسلم -فقال: «أعوذ بالله من الكسل والفشل». وفحلٌ كسلٌ: كسل عن الضراب. وفلانٌ لا تكسله المكاسل: أي لا ينثني عما يقصده وإن خوف منه وثبط.

وفي الحديث: «ليس في الإكسال إلا الطهور» الإكسال، مصدر أكسل الرجل: إذا جامع فلحقه فتورٌ فلم ينزل، وهذا يشبه قوله: «إنما الماء من الماء» وفيه بحثٌ حققناه في غير هذا الموضوع، ومثله قوله عليه الصلاة والسلام: «إذا أتى الرجل أهله فأقحط فلا يغتسل». ك س و: قوله تعالى: {رزقهن وكسوتهن بالمعروف} [البقرة: 233] الكسوة ما يكتسى به من الملبوسات على اختلاف أنواعها بحسب أهل كل بلدةٍ. وكانوا في العصر الأول يلبسون الجلود حتى علم الله تعالى «شيث» صنعة النسج. وهذا دليلٌ أن ستر العورة مما يهتم بشأنه، وأيضًا فإن فيه دفع ضرر البرد والحر، ولذلك قال تعالى: {سرابيل تقيكم الحر} [النحل: 81]. قيل: تقديره: والبرد، والمادة تدل على ستر الشيء وتغطيته، وعليه قوله تعالى: {فكسوا العظام لحمًا} [المؤمنون: 14]. واكتسى الغصن بالورق. ويحتمل أن يكون ذلك من الاستعارة. واكتست الأرض بالنبات من ذلك، يقال: كساه يكسوه كسوةً، بكسر الكاف وضمها، وأنشد: [من الطويل] 1346 - فبات لها دون الصبا وهي قرةٌ ... لحافٌ ومصقول الكساء رقيق شبه نبات الأرض بالكسوة، وقيل: هو كنايةٌ عن الدواية التي تعلو اللبن وهي ما يحمل على وجهه فيكون كالجلدة الرقيقة، وكذلك ما يعلو المرقة يقال فيه دواية بضم الدال وكسرها. وقال آخر: [من المنسرح] 1347 - حتى أرى فارس الصيموت على ... أكساء خيلٍ كأنها الإبل عنى بأكسائها ما يعلوها من الغبار ويلبسها منه عند عدوها حتى تكون بمنزلة

فصل الكاف والشين

الكسوة لها. وقيل: عنى باكتسابها أعقابها. وفي الحديث: «ونساءٍ كاسياتٍ عارياتٍ» فيه ثلاثة أوجهٍ، أحدها: كاسياتٌ من النعم، عارياتٌ من الشكر. الثاني: أنهن يكسين بعض أجسادهن بأن يوسعن جيوبهن فترى صدورهن ونحو ذلك. الثالث: أنهم يلبسن رقيقًا فيصف بشرتهن. فصل الكاف والشين ك ش ط: قوله تعالى: {وإذا السماء كشطت} [التكوير: 11] أي قلعت عن مقرها. ونحوه: {وتمور السماء مورًا} [الطور: 9] أي قلعت كما يقلع سقف البيت، من قولهم: كشطت الحبل عن ظهر الفرس وقشطته، وكشطت جلد الناقة وقشطته: أي سلخته وسحبته. قال ابن عرفة: تكشط السماء كما يكشط الغطاء عن الشيء، ومنه: كشطت الوقة وقشطتها: إذا أزلت كتابتها بسكين ونحوها. ك ش ف: قوله تعالى: {ليس لها من دون الله كاشفةٌ} [النجم: 58] أي نفسُ كاشفةٌ، وقيل: التاء للمبالغة كرواية. وقيل: هو مصدرٌ على فاعلة كالعاقبة أي ليس لها كشفٌ وظهورٌ. وأصل الكشف إزالة الغطاء ونحوه عن الشيء. ويستعار بذلك في المعاني كقوله: {فكشفنا ما به من ضر} [الأنبياء: 84] {فكشفنا عنك غطاءك} [ق: 22] فالكشف يقارب الكشط. قوله: {يوم يكشف عن ساقٍ} [القلم: 42] هو الكناية عن شدة الأمر كقولهم: قامت الحرب على ساقٍ. وقيل: أصله من ذمر الناقة، وذلك أنه إذا خرجت رجل

فصل الكاف والظاء

البعير من بطنها يقال: كشف عن الساق. ويروى أنه يكشف الرحمن عن ساقه ويدعو الخلائق للسجود؛ فالمؤمن يسجد والمنافق يصير ظهره طبقًا، فلذلك قال: {فلا يستطيعون} [القلم: 42]. ومعنى ساق الرحمن أنه تعالى يجعل شيئًا من الأشياء علامةً لذلك سماه ساقًا، لا كما يخطر لأجهل الناس. وفي الحديث: «وتكاشفتم ما تدافنتم» أي لو اطلع بعضكم على سريرة بعضٍ لأنف من دفنه ومواراته، فسبحان من يعلم الذنب ويقدر على كشفه والمعاقبة عليه فيستره ويعفو. فصل الكاف والظاء ك ظ م: قوله تعالى: {والكاظمين الغيظ} [آل عمران: 134] أي الحابسين غيظهم المسكة، من: كظمت القربة والسقاء: إذا شددت فاهما. قال ابن عرفة: الكاظم: الممسك على ما في قلبه، ومنه: كظم البعير لأنه يمسك جرته فلا يجتر. وكظم فلانٌ غيظه: إذا تجرعه وهو قادرٌ على الإيقاع بعدوه فأمسك عنه. والكظم: مخرج النفس. يقال: أخذ بكظمه: إذا أخذ بحلقه. والكظوم: احتباس النفس، ويعبر عنه بالسكوت كما يعبرون عنه بقولهم: حبس نفسه. قوله: {وهو مكظومٌ} [القلم: 48] أي مملوءٌ كربًا، وقيل: بمنزلة من حبس نفسه. قوله: {وهو كظيمٌ} [النحل: 58] أي ممسكٌ على غيظٍ. وكظم فلانٌ خصمه: إذا أجابه بجوابٍ مسكتٍ فأفحمه، ومثله: كظمه. والكاظمة: خلقةٌ تجمع فيها الخيوط في طرف حديدة الميزان، والسير الذي يوصل بوتر القوس. والكظائم: خروقٌ بين البئرين يجري فيها الماء. كل ذلك تشبيهٌ بمجرى النفس. قوله: {إذ القلوب لدى الحناجر كاظمين} [غافر: 18] حالٌ من أصحاب

فصل الكاف والعين

القلوب أي ممسكين على غيظٍ قد ملأ قلوبهم مع زوالها عن مقرها حتى صارت قريبةً من أفواههم. وقيل: كاظمين على قلوبهم خوفًا أن تخرج لأنها بلغت حد الخروج. وقيل: هو حالٌ من القلوب، ويستشكل جمعها جمع سلامةٍ ويجاب بجريانها مجراهم كقوله: {أتينا طائعين} [فصلت: 11] وبابه. ولنا فيه كلامٌ أكثر من هذا. فصل الكاف والعين ك ع ب: قوله تعالى: {وأرجلكم إلى الكعبين} [المائدة: 6]. الكعب: العظم المرتفع بين مفصل الساق والقدم. وكل ما بين عقدتين من القضيب والرمح ونحوهما فهو كعبٌ، قيل: سببه تكعب الإنسان، ومنه قول الشاعر: [من الوافر] 1348 - وكنت إذا غمزت قناة قومٍ ... كسرت كعوبها أو تستقيما وقيل: سميت الكعبة كعبةً لأنها على هيئتها في التربيع. وكل بيت مربع فهو كعبةٌ. وقيل: سميت كعبةً لارتفاعها، وكل ما ارتفع فهو كعبةٌ. وفلانٌ جالسٌ في كعبته: أي في غرفته وبيته. وأل في الكعبة للغلبة كهي في المدينة. والكعاب والكاعب: من تكعب ثدياها، أي ارتفعا في صدرها، والجمع كواعب؛ قال عمر بن أبي ربيعة: [من الطويل] 1349 - فكان مجني دون من كنت أتقي ... ثلاث شخوصٍ: كاعبان ومعصر وقال تعالى: {وكواعب أترابًا} [النبأ: 78] وصفهن صفاتٍ يحبونها، وأنهن متقاربات الأسنان. وقد كعب الثدي كعبًا، وكعب تكعيبًا. وثوبٌ مكعبٌ: مطويٌ شديد الأدراج.

فصل الكاف والفاء

وفي الحديث: «وجعل كعبك عاليًا» أي شرفك؛ عبر بذلك عن ثبات العز والشرف ودوامهما، ومثله: ثبت الله قدمك، عكسه: أزال الله قدمه وأزلقها. فصل الكاف والفاء ك فء: قوله تعالى: {ولم يكن له كفوًا أحدٌ} [الإخلاص: 4] أي مكافئًا ومساويًا ونظيرًا. يقال: فلانٌ يكافئ فلانًا، أي يساويه. ومنه الحديث: «تتكافأ دماؤهم» أي تتساوى فيقاد العالم بالجاهل والشريف بالدنيء. وهو كفؤك وكفيؤك وكفاؤك، أي مساويك. وفي صفته عليه الصلاة والسلام: «إذا مشى تكفى تكفيًا» قد فسره شمرٌ بما لا يليق فقال: أي تمايل كما تتكفأ السفينة يمينًا وشمالًا. قال الأزهري: وهذا خطأ. ومعنى التكفؤ: الميل إلى سنن ممشاه، وهذا كقوله: «كأنما ينحط من صبب». قال: والتمايل يمينًا وشمالًا إنما هو الخيلاء. قلت: لا يريد شمرٌ تفسير مشيه بتكفؤ السفينة يمينًا وشمالًا إنما يريد تفسير مطلق الميل وقوله: يمينًا وشمالًا، تفسيرٌ لتمايل السفينة لا لتمايله عليه الصلاة والسلام فوقع التشبيه في أصل الميل. وإنما قلت ذلك لأنه لا يظن بشمر مثل ذلك والعياذ بالله، متى اعتقده كفر. قال: والسفينة تتكفأ أي تتمايل على سمتها التي تقصد، وفي حديث علي كرم الله وجهه: «يتكفأ كأنما يمشي في صببٍ» وهذا يفسر ما ذكرته. وفي الحديث: «كان عليه الصلاة والسلام لا يقبل الثناء إلا من مكافئٍ». قال القتيبي: معناه أنه إذا أنعم على

رجلٍ فكافأه بالثناء عليه قبل ثناءه، وإذا أثنى عليه قبل أن ينعم عليه لم يقبله. وهذا التفسير قد رده ابن الأنباري وقال: إنه غلطٌ بين، ولقد صدق -عليه الصلاة والسلام -لا ينفك أحد عن إنعامه إذ كان الله قد بعثه للناس كافة ورحم به وأنقذ؛ فنعمه سابقةٌ إليهم لا يخرج مها مكافئٌ ولا غير مكافئٍ. هذا والثناء عليه فرضٌ لا يتم الإسلام إلا به. وإنما المعنى أنه لا يقبل الثناء إلا من رجلٍ يعرف حقيقة إسلامه، ولا يدخل عنده في جملة المنافقين الذين يقولون بألسنتهم ما ليس في قلوبهم. فإذا كان المثني عليه بهذه الصفة قبل ثناءه وكان مكافئًا ما سلف من نعمه عليه السلام عنده وإحسانه إليه. قال الأزهري: وفيه قولٌ ثالثٌ: إلا من مكافئٍ: إلا من مقاربٍ مدحه غير مجاوز به حد مثله ولا مقصرٍ عما وفقه الله إليه؛ ألا تراه يقول: «لا تطروني كما أطرى النصارى عيسى ولكن قولوا عبد الله ورسوله». فإذا وصف بكونه نبي الله ورسوله فقد وصف بما لا يوصف به أحدٌ من أمته، فهو مدحٌ ومكافئٌ له. وفي الحديث: «لا تسأل المرأة طلاق أختها لتكتفئ ما في إنائها» يكتفئ، أي يقلب ويكب، تفتعل، من كفأت القدر: إذا كببتها لتفرغ ما فيها. وهو تمثيلٌ لإمالة الضرة حق صاحبتها من زوجها إلى نفسها. وقال الكسائي: كفأت الإناء: كببته، وأكفأته: أملته، ومن الحديث: «إذا مشى تكفأ». تكفأ: أي تمايل إلى قدام كما تتكفأ السفينة في جريها. والأصل فيه الهمز فترك. وفي حديث علي: «أنه تكفأ لونه عام الرمادة» أي تغير، وحقيقته انقلب لونه من حالٍ إلى حالٍ. والإكفاء: قلب الشيء كأنه إزالة المساواة، ومنه الإكفاء في الشعر. ك ف ت: قوله تعالى: {ألم نجعل الأرض كفاتًا أحياءً وأمواتًا} [المرسلات: 25 - 26] أي

جامعةً. والكفت: الضم والجمع، وكل شيءٍ كفته فقد جمعته، وفي الحديث: «اكتفوا صبيانكم بالليل» أي ضموهم، وفي رواية «كفوا» وهو بمعنى الأول وتفسيرٌ له. والكفات قيل: هو اسم ما يكفت فيه نحو الجراب، وأنشد لصمصامة بن الطرماح: [من الوافر] 1350 - وأنت اليوم فوق الأرض حيًا ... وأنت غدًا نضمك في كفات وحينئذ لابد من ناصب لأحياء، وهو مقدرٌ: يكفت أحياء. وقيل: بل هو مصدرٌ كالقيام، فأحياءً منصوبٌ به، ولكن لابد من تجوزٍ في وقوع المصدر عليها، وفيه التآويل المشهورة، أي ذات كفاتٍ أو نفس الكفات مبالغةً أو كافاته. ومعنى كونها كفاتًا لهم أنها تضم الأحياء على ظهرها والأموات في بطنها. وقيل: معناه تضم الأحياء التي هي الإنسان والحيوان والنبات، والأموات التي هي الجمادات من الأرض والماء وغير ذلك. قلت: وعلى هذا فأحياءً وأمواتًا بذلٌ من كفاتًا بيانًا له. وقيل: أحياءً مفعولٌ به ثانٍ على حذف مضافٍ؛ أي ذات أحياء وأمواتٍ، وكفاتًا حالٌ أيضًا، وقد تكلمنا عليه بأوسع من هذا في «الدر». والكفات -أيضًا -: الطيران السريع، وحقيقته قبض الجناح للطيران كقوله: {أولم يروا إلى الطير فوقهم صافاتٍ ويقبضن} [الملك: 19] فالقبض هنا كالكفات هناك. والكفت: السوق الشديد؛ قال الراغب: واستعمال الكفت في سوق الإبل كاستعمال القبض فيه، كقولهم: قبض الراعي الإبل. وكفت الله فلانًا إلى نفسه كقولهم قبضه إليه، وفي الحديث: «رزقت الكفيت». قيل: ما أكفت به من معيشتي، وقيل: القوة على الجماع، وقيل: أنزلت إليه قدرٌ أكل منها فقوي على الجماع، ويؤيده في حديث آخر: «فأتاني جبريل بقدرٍ يقال لها الكفيت» قال بعضهم: الكفيت القدر، ولم

يقيدها. والكفت: القدر الصغير. قلت: هذا من قبيل ما زيادة اللفظ فيه تدل على زيادة المعنى. وقد حققناه في «الرحمن الرحيم». ومن أمثالهم: «كفتٌ إلى وئيةٍ» الكفت: القدر الصغير كما تقدم. والوئية: القدر الكبير، يضرب مثلًا لمن يحمل غيره مكروهًا ثم يزيده. قلت: وإنما سميت القدر بالكفيت والكفت لأنها تضم وتجمع ما يكفي فيها. ك ف ر: قوله تعالى: {إن الذين كفروا} [آل عمران: 4]. الكفر أصله التغطية والستر. وسمي الكافر الشرعي كافرًا لأنه ستر الحق وغطى عليه. وسمي الليل كافرًا لستره الأشياء بظلامه. وأنشد لثعلبة: [من الكامل] 1351 - فتذكرا ثقلًا رثيدًا بعدما ... ألقت ذكاء يمينها في كافر ذكاء هي الشمس والكافر الليل، وهذا من أحسن الاستعارات حيث استعار للشمس يمينًا، وأخبرنا عنها بأنها ألقتها في الليل يعني بذلك غيبوبتها. ومنه: كفر الغمام النجم، أي ستره، وأنشد: [من الكامل] 1352 - في ليلةٍ كفر النجوم غمامها وسمي الزراع كافرًا لستره البذر بالتراب. ومنه في أحد القولين قوله تعالى: {أعجب الكفار نباته} [الحديد: 20] أي الزراع. والثاني أنهم الكفار شرعًا. ومنه -أيضًا - الكافور وهو اسم أكمام الثمرة التي تكفرها، وأنشد: [من الرجز] 1353 - كالكرم إذا نادى من الكافور وكفر النعمة: سترها بعدم أداء شكرها لأنه إذا شكرها نوه بذكرها فأظهرها، وإذا كتمها ولم يشكرها فقد سترها وغطاها. وغلب الكفر في تغطية الحق والدين، والكفران

في تغطية النعمة وجحودها. والكفور مصدرٌ للكفر مستعملٌ في جحود الوحدانية وجحود النعمة معًا. والكفور المبالغ في الكفر قال تعالى: {إن الإنسان لظلومٌ كفارٌ} [إبراهيم: 34]. واستشعر الراغب سؤالًا فقال: إن قيل كيف وصف الإنسان ههنا بالكفور ولم يرض بذلك حتى أدخل عليه إن واللام وكل ذلك تأكيدٌ؟ وقال في موضع آخر: {وكره إليكم الكفر والفسوق والعصيان} [الحجرات: 7] قيل: {إن الإنسان لكفورٌ} [الحج: 66] تنبيهٌ على ما ينطوي عليه الإنسان من كفران النعمة وقلة ما يقوم بأداء الشكر، وعلى هذا: {قتل الإنسان ما أكفره} [عبس: 17] وقوله: {وقليلٌ من عبادي الكشور} [سبأ: 13]. وجعل الراغب الكفار أبلغ من الكفور لقوله: {كل كفارٍ عنيدٍ} [ق: 24]. وقد أجري الكفار مجرى الكفور في قوله: {إن الإنسان لظلومٌ كفارٌ}. وفي ما قاله نظرٌ لأن فعالًا وفعولًا من جملة أمثلة المبالغة من غير تفاضل بين شيء منها. وصيغ المبالغة خمسٌ وزاد بعضهم سادسًا وهي: فعال وفعول ومفعال وفَعيل وفِعِّيل نحو: شريب العسل، ولكنه يوهم الأبلغية من وصفه بعنيدٍ وتوهم المساواة بينهما من انضمام ظلومٍ إلى كفارٍ. فلما جاور فعولٌ فعالًا كان بمعناه. ولقائلٍ أن يقول: ليس ما ادعاه بأولى من عكسه بأن يجعل فعول بمعنى فعال لمجاورته له. والكفار في جمع الكافر المضاد للمؤمن أكثر استعمالًا، كقوله تعالى: {أشداء على الكفار} [الفتح: 29]. والكفرة جمع كافر النعمة أكثر استعمالًا كقوله تعالى: {أولئك هم الكفرة الفجرة} [عبس: 42] قال الراغب: ألا ترى أنه قد وصف الكفرة بالفجرة؟ والفجرة قد يقال للفساق من المسلمين وفي نظرٌ، إنما كان ينهض دليله لو كان الفجور مختصًا بغير الكفرة. ثم إن هؤلاء المذكورين كفارٌ يضادون المؤمنين ليس إلا لقوله قبل: {وجوهٌ يومئذٍ مسفرةٌ} [عبس: 38] وعنى بهم المسلمين، ثم قابلهم بأولئك الذين وجوههم {عليها غبرةٌ ترهقها قترةٌ} [عبس: 40 - 41].

قوله: {إنا هديناه السبيل إما شاكرًا وإما كفورًا} [الإنسان: 3] تنبيهٌ على أنه عرفه الطريقين، كما قال تعالى: {وهديناه النجدين} [البلد: 10]؛ فمن سالكٍ سبيل الشكر ومن سالكٍ سبيل الكفر. قوله: {وفعلت فعلتك التي فعلت وأنت من الكافرين} [الشعراء: 19] أي تحريت كفران نعمتي. ولما كان الكفر نقيض جحود النعمة صار يستعمل في الجحود، ومنه: {ولا تكونوا أول كافر به} [البقرة: 41] أي جاحدٍ له وساترٍ لحقه. نهاهم أن يكونوا مقتدين بهم في ذلك. وهذا جوابٌ عما يفترض به الجهاد، فيقولون: مفهومه أنهم غير منتهين عن كونهم ثاني كافرٍ أو ثالثٍ، وهذا ساقطٌ جدًا لما ذكرته. والكافر على الإطلاق من جحد الوحدانية أو النبوة أو الشريعة، وترك ما لزمه من ترك النعمة، كافرٌ لقوله تعالى: {من كفر فعليه كفره} [الروم: 44] قال الراغب: ويدل على ذلك مقابلته بقوله: {ومن عمل صالحًا فلأنفسهم يمهدون} [الروم: 44] وفيه نظر إذ الظاهر حمله على الكفر المتعارف. قوله: {ومن كفر بعد ذلك فأولئك هم الفاسقون} [النور: 55] عنى بالكافر الساتر للحق فلذلك جعله فاسقًا، ومعلومٌ أن الكفر المطلق هو أعظم من الفسق، ومعناه من يجحد حق أبيه فقد فسق عن الذرية بظلمه. ولما جعل كل فعلٍ محمودٍ من الإيمان جعل كل فعلٍ مذمومٍ من الكفر. وقال في السحر: {وما كفر سليمان ولكن الشياطين كفروا} [البقرة: 102]. وقال تعالى: {ولله على الناس حج البيت} [آل عمران: 97] ثم قال: {ومن كفر} أي: ومن تركه جاحدًا له. وقيل: هو تغليظٌ كقوله عليه الصلاة والسلام: «من قدر على الحج ولم يحج فليمت إن شاء يهوديًا وإن شاء نصرانيًا». قوله: {جزاءً لمن كان كفر} [القمر: 14] يعني به نوحًا ومن جرى مجراه من الأنبياء عليهم السلام، وفي معناهم من هذا الحيثية من أمر بمعروفٍ ونهى عن منكر

مخلصًا فيه لربه. قوله: {إن الذين آمنوا ثم كفروا ثم آمنوا ثم كفروا} [النساء: 137]: قيل: عني بهم آمنوا بموسى ثم كفروا بمن بعده. وقيل: آمنوا بموسى ثم كفروا به إذ لم يؤمنوا بغيره. وقيل: إشارةٌ إلى المذكورين في قوله: {وقالت طائفةٌ من أهل الكتاب آمنوا بالذي أنزل على الذين آمنوا وجه النهار واكفروا آخره} [آل عمران: 72] لم يرد أنهم آمنوا مرتين [وكفروا مرتين] بل إشارةٌ إلى أحوالٍ كثيرةٍ. قيل: كما يصعد الإنسان في الفضائل ثلاث درجاتٍ ينعكس في الرذائل ثلاث درجات. وقد يعبر بالكفر عن التكذيب ولذلك تعدى تعديته لقوله تعالى: {ومن يكفر بالله} [بالنساء: 136]. ويقال: كفر إذا اعتقد الكفر أو أظهره ولم يعتقده، ولذلك قال تعالى: {من كفر بالله من بعد إيمانه إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان} [النحل: 106]. وقد يعبر بالكفر عن التبري؛ قال تعالى: {ثم يوم القيامة يكفر بعضكم ببعضٍ} [العنكبوت: 25]. وكفر فلانٌ بكذا، أي بسببه، نحو: {فمن يكفر بالطاغوت} [البقرة: 256]. وكفر فلانٌ بالشيطان: إذا خالفه وآمن به. قوله تعالى: {فكفارته} [المائدة: 89] أي فالذي يمحوه. والكفارة: ما يستر الذنب؛ سميت بذلك بصفةٍ من أمثلة المبالغة نحو ضاربة وعلامة، نحو: كفارة القتل والظهار واليمين. والتكفير: ستر ذلك. وقيل: سميت كفارة لإزالتها الإثم، وفيهما نظرٌ من حيث إن الكفارة تجب فيما لا إثم فيه وهو القتل خطأ، وقال بعضهم: أو يصح أن يكون أصله إزالة الكفر والكفران، كما أن التمريض إزالة المرض، والتقذية إزالة القذى. قوله تعالى: {لكفرنا عنهم سيئاتهم} [المائدة: 65] أي محوناها كأن لم توجد ونحوه قوله تعالى: {إن الحسنات يذهبن السيئات} [هود: 114].

قوله تعالى: {كان مزاجها كافورًا} [الإنسان: 5] سمي الكافور لستره الأشياء بطيبه ورائحته، كما سمي الكمام كافورًا لستره الثمرة. وفي الحديث: «لا ترجعوا بعدي كفارًا» قال أبو منصور: فيه قولان: أحدهما من كفر إذا لبس سلاحه لأنه ستر نفسه، ومنه قول الشاعر: [من الكامل] 1354 - قد كفرت آباؤهم أبناءها والثاني أن يقول أحدهم للآخر: «يا كافر» لأن من كفر غيره فقد كفر. وفي الحديث: «لتخرجنكم الروم من أرضكم كفرًا كفرًا» الكفر: القرية من قرى الريف. ومن كلام معاوية: «أهل الكفور أهل القبور» يعني أنهم لبعدهم عن الأمصار، وأهل العلم والأدب بمنزلة الموتى سمي كفرًا لستره أهله، وفيه أيضًا: «المؤمن مكفرٌ» أي تكفر عنه خطاياه بالرزايا التي تصيبه في ماله وفي نفسه. وفي القنوت: «واجعل قلوبهم كقلوب نساءٍ كوافر» يعني في الاختلاف، وخص النساء لأنهن أضعف قلوبًا من الرجال، وخص الكوافر لأنهم أضعف من المسلمات. ك ف ف: قوله تعالى: {وهو الذي كف أيديهم عنكم} [الفتح: 24] الكف: المنع، ومنه قيل لكف الإنسان كف لأنه يمنع ما فيه؛ سمي باسم المصدر. يقال: كففته أكفه كفًا.

قوله: {ادخلوا في السلم كافةٌ} [البقرة: 208] أي جميعًا. وأصله من كفة الثوب -بالضم -وهي حاشيته اعتبر فيها معنى الإحاطة. وكل مستطيلٍ من ذلك كفةٌ نحو كفة الرمل. وكل مستدير كفة -بالكسر -نحو كفة الميزان وكفة الحابل، وغير الكسر في ذلك خطأ. ولا تثنى كافة ولا تجمع ولا تكون إلا حالًا، ولذلك لحن من يقول: على كافة المسلمين. وقيل: الهاء في «كافة» للمبالغة كعلامة؛ فمعنى قوله: {وما أرسلناك إلا كافة للناس} [سبأ: 28] وقوله: {وقاتلوا المشركين كافة كما يقاتلونكم كافة} [التوبة: 36] أي كافين لهم وكافين لكم. وقيل: معناه جماعةً، وذلك أن الجماعة تكف من يقصدهم بسوءٍ أو يكف بعضها بعضًا. وكففته: أصبته بالكف ودفعته به أو أصبت كفه نحو كبدته. وتعورف الكف بالدفع مطلقًا سواءٌ أكان ذلك بكفٍّ أم بغيرها. وتكفف الرجل: مد كفه سائلًا، وفي الحديث: «يتكففون الناس»، واستكف: إذا مد كفه سائلًا أو معطيًا. ورجلٌ مكفوفٌ: غلب في الأعمى، وهو من أصيب كفه أيضًا. قوله: {ادخلوا في السلم كافةً} [البقرة: 208] أي ابلغوا في الإسلام إلى حيث تنتهي شرائطه فيكفوا أن يعتدوا فيه. وقيل أراد بالكافة الإحاطة بجميع حدود الإسلام. قلت: وهذان إنما يتمشيان على جعل «كافةً» حالًا من السلم، إلا أن المشهور عند المعربين جعلها حالًا من المخاطبين بمعنى جميعًا، وهو الظاهر. واستكف الشمس إذ كف ضوءها عن عينيه بكفيه، يشير بذلك لرؤية ما يريد. والكفاف من القوت: ما ليس بالواسع بل المساوي للحاجة، وفي الحديث: «اللهم اجعل قوت آل محمد كفافًا»؛ فكفكف تكرير كف نحو كبكب بكرير كب. وتقدم كلام الناس فيه، قال النابغة: [من الطويل]

1355 - فكفكفت مني دمعةً فرددتها ... على النحر منها مستهلٌ ودامع و «كفوا صبيانكم» أي امنعوهم خوفًا عليهم من الجن أو من بعض الهوام. ك ف ل: قوله تعالى: {يكن له كفلٌ منها} [النساء: 85] الكفل: الحظ والنصيب الذي فيه الكفالة كأنه تكفل بأمره، واشتقاقه من الكفالة هي الضمان من قولهم: كفلت فلانًا وتكفلت به لأنه نصيبٌ مضمونٌ. وقال أبو منصورٍ: اشتقاقه من الكفل الذي هو الكساء الحاوي للراكب، وذلك أن الرديف يحوي كساءً على سنام البعير لئلا يسقط عند ركوبه. فكأن ذلك النصيب حافظًا لصاحبه كما يحفظ الكساء الراكب، وقد آل الأمر أن المادة تدل على الحفظ فإن الكفالة بمعنى الضمان تقتضي ذلك كما يقتضيه الكساء المذكور. قوله: {يؤتكم كفلين من رحمته} [الحديد: 28] أي نصيبين يحفظانكم من المعاصي الموقعة في الهلكة. وقيل: نصيبين من نعمته في الدنيا والآخرة وهما المرغوب إلى الله تعالى فيهما بقوله تعالى: {ربنا آتنا في الدنيا حسنةً وفي الآخرة حسنةً} [البقرة: 201]. وقيل: لم يرد هنا بالتثنية مما يشفع الواحد فقط، بل أراد النعم المتوالية المتكفلة بكفالته تعالى. ويكون فيه تنبيهٌ على ما ذكر في قوله تعالى: {ثم ارجع البصر كرتين} [الملك: 4]. وقولهم: لبيك وسعديك، المعنى: كرة بعد أخرى، وتلبيةً بعد تلبيةٍ، وإسعادًا بعد إسعادٍ. وإنما قال تعالى في جانب الحسنة يكن له نصيبٌ منها، وفي جانب السيئة يكن له كفلٌ منها، لمعنىً حسنٍ ذكره بعض أهل العلم، فقال: الكفل ها هنا ليس هو بمعنى الأول بل هو مستعارٌ من الكفل، وهو الشيء الرديء. واشتقاقه من الكفل، ذلك أن الكفل لما كان مركبًا ينبو براكبه، صار متعارفًا في كل شدةٍ

كالسيساء وهو العظم الناتئ في ظهر الحمار، فيقال: لأحملنك على الكفل وعلى السيساء. وأنشد: [من الخفيف] 1356 - وحملناهم على صعبة زو ... راء يعلوناه بغير وطاء قال: «فمعنى الآية: من ينضم إلى غيره معينًا له في فعلةٍ حسنةٍ يكن له منها نصيبٌ، ومن ينضم إلى غيره معينًا له في فعلةٍ سيئةٍ يناله منها شدةً» وفي هذا الكلام وإن كان حسنًا نظرٌ من وجهٍ آخر وهو أنه جاء الكفل في جانب السيئة. ألا ترى إلى قوله تعالى: {يؤتكم كفلين من رحمته} [الحديد: 28]. وقيل: الكفل هنا الكفيل، ونبه بذلك على أن من تحرى شرًا فله من فعله كفيلٌ يسلمه كما يسلم الكفيل المكفول ببدنه. وقد صرحوا بذلك في قولهم: من ظلم فقد أقام كفيلًا بظلمه، منبهةً منهم على أنه لا يمكن التخلص من تبعة ظلمه وعقوبته عليه، فخوطبوا بذلك. فلله در فصاحة القرآن حيث جرى معهم في كل أسلوب من أساليب كلامهم، فتظهر فصاحته وبلاغته في ذلك الأسلوب على كل فصيحٍ بليغٍ. فأين هذا الكلام وهو قولهم: من ظلم فقد أقام كفيلًا بظلمه، من قوله تعالى: {يكن له كفلٌ منها}. وهذا كما في قوله تعالى: {ولكم في القصاص حياةٌ} [البقر: 179] وقولهم: القتل أنفى للقتل. قوله تعالى: {وكفلها زكريا} [آل عمران: 37] قرئ بالتخفيف على معنى أن زكريا كفلها وحفظها من كل ما يسوؤها وتكفل بأمرها. قوله: {فقال أكفلنيها} [ص: 23] أي اجعلني كافلًا لها. قوله: {وذا الكفل} [ص: 48] قيل: هو رجلٌ من الصالحين تكفل بنبي من الأنبياء بأمرٍ فوفى به، وقيل: نبي تكفل الله بأمورٍ فلم يخل منها بشيءٍ كما هو ديدن الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم. فالكفل ههنا بمعنى الكفالة، وفي حديث إبراهيم: «أنه كره الشرب من ثلمة القدح وقال: إنها كفل الشيطان». قال أبو عبيدة: الكفل

فصل الكاف واللام

أصله المركب، أراد أن الثلمة مركب الشيطان. ك ف ي: قوله تعالى: {وكفى الله المؤمنين القتال} [الأحزاب: 25] الكفاية: سد الخلة وبلوغ المراد من الأمر. والكفية من الطعام: ما فيه كفايةٌ، وجمعها كفى. قوله تعالى: {أليس الله بكافٍ عبده} [الزمر: 36] أي هو كافيه من أعدائه متول كفايته، وناهيك بمن يتولى الله كفايته. وقوله: {كفى بالله شهيدًا} [الأحقاف: 8] قيل: معناه اكتف بالله، فهي اسم فعلٍ. وقيل: الباء مزيدةٌ في الفاعل، والأصل: كفى الله شهيدًا، وهذا هو الصحيح بدليل قول الشاعر: [من الطويل] 1357 - كفى الشيب والإسلام للمرء ناهيا فأسقطها. ولنا فيه كلامٌ متقنٌ في غير هذا. قال بعضهم: قد كفيتك، وقالوا: كافيك من رجلٍ أي حسبك به. قوله: {ألن يكفيكم} [آل عمران: 124] أي قد سد خلتكم وقضى مرادكم بإمداده إياكم الملائكة. فصل الكاف واللام ك ل أ: قوله: {قل من يكلؤكم} [الأنبياء: 42] أي يحرسكم ويحفظكم؛ يقال: كلأته أكلؤه كلاءةً -بالكسر -أي حفظته، وأنشد: [من المنسرح]

1358 - إن سليمى والله يكلؤها ... ضنت بشيء ما كان يرزؤها أي: والله يحفظها. وقيل: كلأة الشيء: حفظه وتبعيته بالمراعاة، وهو راجعٌ لمعنى الأول. وفي الحديث: «بلغ الله بك أكلأ العمر» أي آخره وأبعده، وحقيقته حفظك الله وأبقاك لأنه إذا حفظ بلغ أجله. واكتلأت بعيني أي حفظت بمراعاةٍ ونظرٍ. والكلأ: النبات لأنه يحفظ بنية الحيوان، أو لأنه يحفظ للرعي؛ يقال: مكانٌ مكلأُ وكالئٌ أي كثير الكلأ. وأكلأ: صار ذا كلأ، كأعشب وأبقل أي صار ذا عشبٍ وبقلٍ. وفي الحديث: «من مشى على الكلاء» الكلاء والمكلأ: شاطئ النهر ومرفأ السفن. ومعنى الحديث أنه مثلٌ لمن عرض بالقذف؛ شبهه في مقاربته التصريح بالماشي على النهر في كونه قارب أين يجد كما قارب ذاك أن يقع في الماء. والكلاء: موضعٌ، ويقال سوقٌ بالبصرة كأنه كان مكلأ للسفن. وفي الحديث: «نهى عن بيع الكالئ بالكالئ» يعني الدين بالدين، وقيل: النسيئة بالنسيئة، وهو قريبٌ من الأول، قال بعضهم في تفسيره: أن يشتري الرجل مؤجلًا، فإذا حل الأجل لم يجد ما يقضي به فيقول له: بعه مني إلي إلى أجل آخر بزيادة شيءٍ. فيبيعه منه غير مقبوضٍ منه. ك ل ب: قوله تعالى: {وما علمتم من الجوارح مكبلين} [المائدة: 4] أي معلمين، والمكلب: المسلط الكلاب على الصيد والمعلمها أيضًا. والكلاب: صاحب الكلاب والصائد بها أيضًا. قال النابغة: [من البسيط]

1359 - فارتاع من صوت كلابٍ قيل: واشتقاقه من لفظ الكلاب لأنها هي التي يصاد بها غالبًا، والمعنى: في حال تضريتكم هذه الجوارح على الصيد. ويجمع الكلب على أكلبٍ وكلابٍ، وأكالبٌ جمع أكلبٍ فهو جمع الجمع. والكليب اسم جمعٍ نحو الغريق. قال علقمة: [من الطويل] 1360 - تعفق بالأرطى لها وأورادها ... رجالٌ فبذت نبلهم وكليب والأنثى كلبة. وكليبٌ: اسم علمٍ مشهورٍ، ومثله كلابٌ وكلبٌ أيضًا، واشتق منه للحريص فقيل: هو كلبٌ على الدنيا، لأنه أحرص الحيوان على ما عنده، وفي المثل: «أحرص من كلب». وكلبٌ كلبٌ: مجنونٌ يكلب بلحوم الناس فيأخذه منه شبه الجنون. قيل: هو العقور المأمور بقتله في الحل والحرم، فهو أحد السبع الفواسق، ومن عقره كلب أي يأخذه داءٌ فيقال فيه: رجلٌ كلبٌ ورجالٌ كلبي. والداء الذي يأخذه يقال له الكلب، قال الشاعر: [من البسيط] 1361 - أحلامكم لسقام الجهل شافيةٌ ... كما دماؤكم تشفي من الكلب وقال آخر: [من الوافر] 1362 - دماؤكم من الكلب الشفاء

وقد يصيب الإبل ذلك فيقال: أكلب الرجل أي أصاب إبله ذلك. والكلب أيضًا شدة البرد. وأرضٌ كلبةٌ لم تروق. والكلب أيضًا مسمارٌ في قائم السيف. والكلبة: سيرٌ يدخل تحت السير الذي في المزادة ليخرز به تشبيهًا بالكلب في الاصطياد، ومنه: كلبت الأديم، أي خرزته، قال الشاعر: [من الرجز] 1363 - سير صناعٍ في خريزٍ تكلبه والكلب أيضًا نجمٌ في السماء؛ سمى بذلك لأنه يتبع نجمًا يقال له الراعي. والكبتان: آلة الحداد المعروفة تشبيهًا بالكلب لصورة الاصطياد وثنيا لأنهما قطعتان. والكلوب: ما يعلق به اللحم ونحوه، والجمع: كلاليب، ومنه استعير لمخالب البازي الكلاليب لإمساكها ما يعلق بها. وفي الحديث: «فأصاب كلاب سيف فاستله» قال شمرٌ: الكلب والكلاب: الحلقة التي فيها السير في قائم السيف. ك ل ح: قوله تعالى: {وهم فيها كالحون} [المؤمنون: 104] الكلوح: تكشر في عبوسٍ، والكالح: من تقلصت شفتاه عن أسنانه، قيل: إن شفاههم العليا تصل إلى رؤوسهم، والسفلى إلى صدورهم. وهذا مشاهدٌ، ألا ترى إلى رؤوس الغنم إذا شويت كيف تقلصت شفاهها عن الأسنان. وتكلح الرجل كلوحًا وكلاحًا. وما أقبح كلحته. ودهرٌ كالحٌ، أي شديدٌ. والكلاح بالضم: السنة المجدبة وأنشد للبيدٍ: [من الرجز] 1364 - كان غياث المرمل الممتاح ... وعصمةً في الزمن الكلاح

ك ل ف: قوله تعالى: {لا يكلف الله نفسًا إلى وسعها} [البقرة: 268] أي لا يحملها من أمر دينها إلا ما هو في طوقها. وبه استدل من يرى تكليف ما لا يطاق. وقيل: لا يكلفها إلا ما قرره على لسان نبيه مما هو في قدرتها؛ فكل ما قرره الشارع فهو في وسعها وإن كان يشق عليها، ألا ترى إلى قوله: {وإنها لكبيرةٌ إلا على الخاشعين} [البقرة: 45]. وقيل: ما تعدونه من مشقة فهو سعةٌ في المال كقوله تعالى: {وعسى أن تكرهوا شيئًا وهو خيرٌ لكم} [البقرة: 216] {فعسى أن تكرهوا شيئًا ويجعل الله فيه خيرًا كثيرًا} [النساء: 19] وأصل التكليف من الكلف وهو الإيلاع بالشيء، ومنه كلف فلانٌ فاكلفته: جعلته كلفا به، ومنه الكلف في الوجه لتصور كلفةٍ به. وتكلف الشيء: ما يفعله الإنسان مع إظهار كلفٍ به مع مشقة تناله في تعاطيه. وقيل: الكلف: المشقة، وتحقيقه ما قدمته، فصار التكليف في العرف العام حمل المكلف على ما فيه مشقةٌ، والتكلف اسمًا لما يفعل بمشقةٍ أو تصنع أو تتبع. ومن ثم انقسم التكلف إلى قسمين: الأول مذمومٌ، وهو ما يفعل المرء ويتحراه فاعله مرائيًا. وإياه عنى عليه الصلاة والسلام بقوله: «أنا وأمتى برآء من التكلف» وإليه أشار بقوله في حق نبيه: {وما أنا من المتكلفين} [ق: 86]. والثاني ممدوحٌ، وهو ما يتحراه فاعله ليصير فعله سهلًا عليه ويصير كلفًا به ومحبًا له. وبهذا النظر استعمل التكليف في تكلف العبادات. ك ل م: قوله تعالى: {فتلقى آدم من ربه كلماتٍ فتاب عليه} [البقرة: 37] أي أن الله تعالى أوحاها إليه فتلقاها بالقبول. وفي التفسير أنها قوله: {ربنا ظلمنا أنفسنا} [الأعراف: 23] الآية. وقيل: هي الأمانة المشار إليها بقوله تعالى: {إنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال} [الأحزاب: 72] وقيل في الأمانة: هي كلمة

التوحيد والوفاء بها وبما يترتب عليها. وقيل: هي قول آدم: ألم تخلقني بيدك؟ ألم تسكني جنتك؟ ألم تسجد لي ملائكتك؟ ألم تسبق رحمتك غضبك؟ أرأيت إن تبت كنت تعيدني إلى الجنة؟ قال: نعم! قوله تعالى: {وإذا ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن} [البقرة: 124]. قيل: هي خصالٌ عشرةٌ من الطهارة؛ خمس في الرأس وخمسٌ في البدن: الفرق والمضمضة والاستنشاق وقص الشارب والاكتحال ونتف الإبط وقلم الأظفار وحلق العانة والختان وغسل البراجم. وقيل: هي ما امتحن به من ذبح ولده وختانه بعد ثمانين سنةً. ونحو ذلك قوله تعالى: {وتمت كلمة ربك الحسنى} [الأعراف: 137] قوله تعالى: {ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض} [القصص: 5]، {ونمكن لهم}. قوله: {وكلمته} [النساء: 171] إنما سمي كلمة لأنه وجد بها من غير سببٍ آخر؛ يريد قوله «كن» بخلاف غيره من البشر فإنه وإن كان موجودًا بكلمة «كن» إلا أن له سببًا ظاهرًا وهو الوالد. وقيل: سمي كلمةً لاهتداء الناس به كاهتدائهم بكلام الله تعالى. وقيل: لما خصه الله تعالى في صغره حيث قال في مهده: {إني عبد الله آتاني الكتاب} [مريم: 30]. وقيل: سمي كلمةً من حيث إنه صار نبيًا كما سمي النبي -صلى الله عليه وسلم - {ذكرًا رسولًا} [الطلاق: 10 - 11] قوله: {وتمت كلمة ربك صدقًا وعدلًا لا مبدل لكلماته} [الأنعام: 115]. وقيل: الكلمة هنا القضية؛ قال الراغب: وكل قضية تسمى كلمة سواءٌ كان مقالًا أو فعالًا، ووصفها بالصدق لأنه يقال: قولٌ صدقٌ وفعلٌ صدقٌ. قوله: {وتمت كلمة ربك الحسنى} إشارةٌ إلى نحو قوله: {اليوم أكملت لكم دينكم} [المائدة: 3]. ونبه بذلك على أنه لا نسخ للشريعة بعد هذا. وقيل: إشارةٌ إلى

ما قال -صلى الله عليه وسلم -: «أول ما خلق الله القلم فقال له: أجر بما هو كائنٌ إلى يوم القيامة». وقيل: الكلمة هي القرآن، وتسميته كلمةً كتسمية القصيدة كلمةً. قلت: ومن ذلك تسميتهم قصيدة الحويدرية كلمةً، فيقولون: قصيدة الحويدرة، وتسميتهم القصيدة قافيةً كقوله: [من الوافر] 1365 - وكم علمته نظم القوافي ... فلما قال قافيةً هجاني وقول النبي -صلى الله عليه وسلم -: «أصدق كلمة قالها شاعرٌ كلمة لبيد: [من الطويل] 1366 - ألا كل شيءٍ ما خلا الله باطل ... وكل نعيمٍ لا محالة زائل فقوله: {تمت] تنبيهٌ على حفظها، يعني أن الله تعالى حافظ القرآن، قال الراغب: فذكر أنها تتم وتتلى بحفظ الله إياها، فعبر عن ذلك بلفظ الماضي تنبيهًا على أن ذلك في حكم الكائن. وإلى هذا المعنى من حفظ القرآن أشار بقوله: {فقد وكلنا بها قومًا ليسوا بها بكافرين} [الأنعام: 89]. وقيل: عني بها ما وعد من الثواب والعقاب. وقيل: عني بالكلمات الآيات والمعجزات، نبه بذلك على أن ما أرسل من الآيات تام وفيه بلاغٌ. وقوله: {لا مبدل لكلماته} [الأنعام: 115] رد لقوله: {ائت بقرآن غير هذا أو بدله} [يونس: 15]. وقيل: أراد بكلمة ربك أحكامه التي حكم بها وبين انه شرع لعباده ما فيه بلاغٌ. قوله: {ولولا كلمةٌ سبقت من ربك لكان لزامًا وأجلٌ مسمى} [طه: 129] يعني وعدهم الساعة، قال تعالى: {بل الساعة موعدهم} [القمر: 46]. وقيل: إشارةٌ إلى حكمه الذي اقتضته حكمته وأنه لا تبديل لكلماته.

قوله: {ويحق الحق بكلماته} [الشورى: 24] أي: بحججه التي جعلها الله لكم سلطانًا مبينًا أي قوته. قوله: {يريدون أن يبدلوا كلام الله} [الفتح: 15] إشارةٌ إلى ما قال: {فقل لن تخرجوا معي أبدًا ولن تقاتلوا معي عدوًا} [التوبة: 83]، وذلك أنه تعالى لما قال: {فقل لن تخرجوا} قال هؤلاء المنافقون: {ذرونا نتبعكم}. وقصدهم بذلك تبديل كلام الله، فنبه أن هؤلاء لا يفعلون، وكيف يفعلون وقد علم الله منهم أنهم لا يفعلون ذلك، وقد سبق بذلك حكمه وقرئ بذلك حكمه وقرئ: «كلام الله» و «كلم الله» ومعناهما متقارب. قوله: {يحرفون الكلم عن مواضعه} [النساء: 46] قيل: إنهم كانوا يبدلون الألفاظ ويغيرونها، وذلك نحو وصفهم: آدم طوالٌ، فكان معتدلًا أبيض مشربًا بحمرةٍ، في صفته عليه الصلاة السلام. وقيل: إن تحريفهم كان من جهة المعنى، وهو حمله على غير ما قصد به واقتضاه. وقد رجح هذا جماعةٌ، منهم الراغب فقال: وهذا أمثل القولين. ولم يبين وجه ذلك، وبينه غيره فقال: كيف يعتقد أنه تغيير اللفظ والتوراة كثيرة النسخ منتشرةٌ في البلدان؟ فهب أن يهود المدنية حرفوا كتبهم فكيف وافقهم جميع الناس؟ وكيف اتفق التغيير أيضًا؟ وعندي جوابٌ نقلته عن شيخنا برهان الدين الجعبري المقرئ. وقد ذكرت هذا الاعتراض بحضرة جماعةٍ بالحرم، حرم الخليل إبراهيم -صلى الله عليه وسلم -، فذكر لي أن بعض مشايخه أجاب به وهو أن اليهود كانوا منحصرين بالمدينة وما حواليها، والتوراة لم تعلم إلا عندهم، وذلك أنهم انتقلوا من الشام لانتظار النبي المبعوث كما هو في القصة المشهورة. فقولهم: إن اليهود كانوا في البلدان والتوراة منتشرةٌ معهم خلاف الواقع، وإن وجد اليهود بأرض فإنما ذلك على سبيل التردد لا الإقامة، وإن اتفق ذلك فنادرٌ. قوله: {لولا يكلمنا الله} [البقرة: 118] أي مواجهةً.

قوله: {وما كان لبشرٍ أن يكلمه الله إلا وحيًا أو من وراء حجاب أو يرسل رسولًا فيوحي بإذنه ما يشاء} [الشورى: 51]. اعلم أن كلام الله البشر على ضربين: أحدهما في الدنيا وهو ما نبه عليه بقوله: {وما كان لبشرٍ} الآية، والثاني في الآخرة يكلمهم بما فيه غاية السعادة، وهو قوله كما أخبر عنه الصادق: «اليوم أحل عليكم رضواني فلا أسخط عليكم بعده أبدًا». قال بعضهم: كلامه لهم في الآخرة ثوابه للمؤمنين وكرامةٌ لهم تخفى عليهم كيفيته. ونبه تعالى أنه يحرم ذلك على الكفار بقوله: {ولا يكلمهم الله ولا ينظر إليهم} [آل عمران: 77]. قوله: {لنفد البحر قبل أن تنفد كلمات ربي} [الكهف: 109] أي علمه. قوله: {تعالوا إلى كلمةٍ سواءٍ} [آل عمران: 64] هي مفسرةٌ بقوله: {ألا نعبد إلا الله} [آل عمران: 64] الآية. وكل ما دعا الله الناس إليه فهو كلمةٌ. قوله: {وصدقت بكلمات ربها وكتبه} [التحريم: 12] قيل: عنى بها عيسى، وفيه نظرٌ من حيث الجمع. وفي الحديث: «أعوذ بكلمات الله التامات»، عنى بها القرآن. وفيه: «واستحللتم فروجهن بكلمة الله» قيل: أراد قوله سبحانه: {فإمساكٌ بمعروفٍ أو تسريحٌ بإحسانٍ} [البقرة: 229]. وأصل اشتقاق الكلام من الكلم وهو التأثير، ومنه قيل للجرح كلمٌ لتأثيره في الجلد. وقد قرئ: {تَكْلمُهم} و {تُكلِّمُهم} [النمل: 82] أي تسمهم، أي تخيل منه التأثير المعنوي، فقيل: جرحه بلسانه: إذا كلمه بكلامٍ أثر فيه؛ قال امرؤ القيس: [من المتقارب] 1367 - وجرح اللسان كجرح اليد

وقال الراغب: والكلم: التأثير بإحدى الحاستين: السمع والبصر، فالكلام مدركٌ بحاسة السمع والكلم مدركٌ بالبصر. وكلمته: جرحته جراحةً بأن أثرها، ولاجتماعهما في ذلك قال: 1368 - والكلم الأصيل كأرغب الكلم وقال الآخر: 1369 - وجرح اللسان كجرح اليد قال: «والكلام يقع على الألفاظ المنظومة وعلى المعاني التي تحتها مجموعةً، وعند النحويين يقع على الجزء منه، اسمًا كان أو فعلًا أو أداة. وعند كثير من المتكلمين لا يقع إلا على الجملة المركبة المفيدة، وهو أخص من القول؛ فإن القول عندهم يقع على المفردات، والكلمة تقع على كل واحدٍ من الأنواع الثلاثة، وقد قيل بخلاف ذلك» قلت: ما ذكره من كون الكلام عند المتكلمين كذا وعند النحويين كذا ليس كما زعم بل ما قاله عن المتكلمين هو مذهب النحاة. وقد فرقنا بين الكلام والكلم والكلمة والقول. وذكرنا ما بينهما من العموم والخصوص وغير ذلك في غير هذا الموضع. والكلام ليس مصدرًا بل اسم مصدرٍ وهو التكليم، ولكنه يعمل عمل المصدر، وأنشد: [من الطويل] 1370 - فإن كلامها شفاءٌ لما بيا ك ل ل: قوله تعالى: {وكلا وعد الله الحسنى} [النساء: 95]. كل من ألفاظٍ

العموم، واستعماله مؤكدًا تابعًا له في إعرابه أكثر من استعماله مبنيًا على عاملٍ لفظيٍّ أو معنويٍّ، نحو: جاء كل القوم و {كل نفسٍ ذائقة الموت} [آل عمران: 185] وضربت كلًا ومررت بكلٍّ. وهي من الأسماء اللازمة للإضافة. وقد تقع لفظًا فتنون، وفيه خلاف؛ هل هو تنوين عوضٍ أم لا؟ وهي نقيضة بعضٍ، وإذا أضيفت إلى معرفةٍ جاز أن يراعى لفظها تارةً ومعناها أخرى، قال تعالى: {وكلهم آتيه يوم القيامة فردًا} [مريم: 95]. وإن أضيفت إلى نكرةٍ فالمشهور اعتبار لفظها نحو: {كل نفسٍ ذائقة الموت} وكل رجلٍ قائم، فأما قول عنترة: [من الكامل] 1371 - جادت عليه كل عينٍ ثرةٍ ... فتركن كل حديقةٍ كالدرهم فقد راعى معناها من حيث إنه قال: فتركن، فأتى بضمير الجمع، وليس بقياس. إذا قطعت عن الإضافة روعي معناها وهو الأكثر كقوله: {وكل أتوه داخرين} [النمل: 87] وللزومها الإضافة خطئ من أدخل عليها «ال» ونصبها حالًا. وأما قراءة: {إنا كلًا فيها} [غافر: 48] فكلًا تأكيد لاسم إنا، وفيها أبحاث كثيرة تركناها هنا إيثارًا للاختصار واستغناءً بما أودعناه غيره من الكتب اللائقة بذلك. قال الراغب: لفظ كلٍّ هو لضم أجزاء الشيء، وذلك ضربان: أحدهما الضام لذات الشيء وأحواله المختصة به، ويفيد معنى التمام نحو قوله تعالى: {ولا تبسطها كل البسط} [الإسراء: 29] أي بسطًا تامًا، وأنشد: [من مجزوء الرجز] 1372 - ليس الفتى كل الفتى ... إلا الفتى في أدبه أي التام الفتوة. والثاني الضام للذوات، وقد تضاف تارةً إلى جمعٍ معرفٍ بالألف واللام نحو: كل القوم، قال: وقد تعرى عن الإضافة، وتقدير ذلك فيه نحو: {كل في

فلكٍ يسبحون} [الأنبياء: 33]. ولم يرد في شيءٍ من القرآن ولا في شيءٍ من كلام العرب الفصحاء «الكل» بالألف واللام، وإنما ذلك شيء يجري في كلام المتكلمين والفقهاء ومن نحا نحوهم. قلت: وقد وجد ذلك في عبارة بعض النحاة لكنه اعتذر عنه، نحو: بدل الكل والبعض. قوله تعالى: {قل الله يفتيكم في الكلالة} [النساء: 176]. اختلف الناس في ذلك اختلافًا كثيرًا؛ فقال ابن عباس: الكلالة اسم لمن عدا الولد، وقيل: لمن عدا الوالد والولد، وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه سئل عن الكلالة فقال: «من مات وليس له ولد ولا والد» فجعله اسمًا للميت. قال الراغب: وكلا القولين صحيح؛ فإن الكلالة مصدر يجمع الوارث والموروث، وتسميتها بذلك إما لأن النسب كل عن اللحوق به، أو لأنه قد لحق به بالعرض من أحد طرفيه، وذلك أن الانتساب ضربان: أحدهما بالعمق كنسبة الأب والابن. والثاني بالعرض كنسبة الأخ والعم. وقال قطرب: الكلالة اسم لما عدا الأبوين والأخ. ورده الهروي، وقال آخرون: هو اسم لكل وارثٍ، وأنشد: [من مجزوء الكامل] 1373 - والمرء يبخل بالحقو ... ق وللكلالة ما يسيم وقد رده الراغب فقال: ولم يقصد الشاعر بما ظنه هذا، وإنما خص الكلالة ليزهد الناس في جمع المال؛ لأن ترك المال لهم أشد من تركه للأولاد، وتنبيهًا أن من خلفت له المال فجارٍ مجرى الكلالة، وذلك كقولك: ما تجمعه فهو للعدو. وقال السدي:

الكلالة الذي لم يدع والدًا ولا ولدًا. وهذا ينبغي أن يكون أصحها لما تقدم في الحديث. قال أبو منصورٍ: أصلها من تكلله النسب إذا لم يكن الذي يرثه ابنه ولا أبوه. فالكلالة ما عدا الوالد والولد فكأنه قال: وإن كان رجل يورث متكللًا لهم نسبًا. والكلالة بكون الوارث وتكون الموروث، وهم الأخوة للأم دون الأب، فأما الكلالة في آخر هذه السورة فهي الأخت للأب، قاله الهروي، وقال ابن عرفة: فإذا مات الإنسان وليس له ولد ولا والد فذلك الكلالة، لأن ورثته متكلًا نسبهم. وقال القتيبي: الأب والابن طرفان للرجل، فإذا مات ولم يخلفهما فقد مات عن ذهاب طرفيه فسمي ذهاب الطرفين كلالةً. وقال غيره: كل ما احتف بالشيء من جوانبه فهو إكليل له، وبه سميت الكلالة التكلل النسب، والعصبة- وإن بعدت- كلالة، وتقول العرب: لم يرث فلان كذا كلالةً، لمن تخصص بشيءٍ قد كان لأبيه، وأنشد: [من الطويل] 1374 - ورثتم قناة الملك غير كلالةٍ ... عن ابني منافٍ: عبد شمسٍ وهاشمٍ والإكليل سمي لإطافته بالرأس، وفي حديث جابرٍ: «مرضت مرضًا أشفيت منه على الموت فأتاني رسول الله صلى الله عليه وسلم يعودني، فقلت: يا رسول الله إني رجل ليس يرثني إلا كلالة» أي يرثني ورثة ليسوا بوالدٍ ولا ولدٍ، وإنما كان يرثه أخواته فهذا واقع على الوارث. وظاهر القرآن يدل على أنه اسم للميت، فإن كلالة من قوله: {يورث كلالةً} [النساء: 12] حال من الموروث، ومن جعله اسمًا للوارث قال: تقديره ذا كلالةٍ وقد حققنا ذلك في «الدار» وغيره. وعن أبي بكرٍ وعمر رضي الله عنهما: «سلوني ما شئتم إلا الكلالة».

قوله تعالى: {وهو كل على مولاه} [النحل: 76] أي ثقيل، يقال: كل فلا أي ثقل، وكل في مشيه كلالًا: ثقل عنه. وكل السيف: إذا نبا، واللسان: إذا تعب، كلولًا وكلةً وأكل [فلان]: كلت راحلته. والكلكل: الصدر، قال المرؤ القيس: [من الطويل] 1375 - فقلت له لما تمطى بصلبه ... وأردف أعجازًا وناء بكلكل وقال: [من الوافر] 1376 - ولما أن توافينا قليلًا ... أنخنا للكلاكل فارتمينا كأنه سمي بذلك لأنه محل الكلال، فإن البعير يبرك عليه. قوله تعالى: {كلا إن كتاب الأبرار} [المطففين: 18]. اعلم أن كلًا حرف موضوع للردع والزجر، وقد جعلها بعضهم على أضرب: أحدها: أنه رجع وزجر لقوله تعالى: {فيقول ربي أكرمن} [الفجر: 15] {ربي أهانن} [الفجر: 16] ثم قال: «كلا» أي ارتدعوا عن هذا الاعتقاد؛ فإن من رزقه الله مالًا لا يدل على كرامته عنده، ولا من حرمه مالًا لا يدل على إهانته عنده، فقد جعل الكفرة ملوكًا. الثاني: حرف استفتاحٍ، كقوله: {كلا سيعلمون ثم كلا سيعلمون} [النبأ: 4 - 5] الثالث: بمعنى حقًا كقوله: {ثم ينجيه كلا} [المعارج: 14 - 15]. وهذه يوقف عليها ولا يبتدأ بها. الرابع: أن بمعنى ليس كقوله: {فيقول ربي أهانن كلا} أي: ليس الأمر كذلك.

والتحقيق أنها ردع وزجر، وما ذكر من هذا الآي صالح له، وقد حققناه في غير هذا، وذلك بحسب المواد، ولذلك قال الراغب: كلا: ردع وزجر وإبطال لقول القائل، وذلك نقيض «إي» في بعض الإثبات، قال تعالى: {لعلي أعمل صالحًا فيما تركت كلا} [المؤمنون: 100]. قلت: يعني نقيض «إي» بكسر الهمزة وسكون الياء، ويعني بها حرف الجواب الواقع قبل القسم، كقوله: {إي وربي إنه لحق} [يونس: 53] ك ل و: قوله تعالى: {أو كلاهما} [الإسراء: 23] كلا ألفها عن واوٍ بدليلٍ قولهم في مونثع كلتا، فأبدلوا الواو تاءً لأنه قد كثر إبدالها منها في ترة وتولجٍ وتخمة وأخواتٍ لها مذكورةٍ، ولفظهما مفرد، معناهما التثنية، ولذلك روعي هذا مرةً وهذا أخرى، وقد جمع بينهما من قال: [من البسيط] 1377 - كلاهما حين جد الجري بينهما ... قد أقلعا وكلا أنفيهما رابي فراعى المعنى في قوله: بينهما وأقلعا، فثنى، واللفظ في قوله: رابي فأفرد، لكن الأكثر مراعاة اللفظ، ولذلك لم يجيء التنزيل إلا عليه كقوله: {كلتا الجنتين آتت أكلها} [الكهف: 33] ولم يقل: آتتا أكلهما. وزعم الكوفيون أنهما مثنيان لفظًا ومعنىً، وأنه يقال: كل وكلت، وأنشدوا: [من الرجز] 1378 - في كلت رجليها سلامي واحده ... كلتاهما قد قرنت بزائدة وزعم البصريون أنه موضوع.

فصل الكاف والميم

ويجريان مجرى المثنى في الإعراب إذا أضيفا إلى مضمرٍ، ويقدر إعرابهما كالمثنى. ويقدر إعرابهما كالمقصود إذا أضيفا إلى ظاهرٍ عند غير بني كنانة، وعندهم كالمثنى مطلقًا، ويلزمان الإضافة لفظًا ومعنىً. ولا يضافان إلا إلى مثنى أو ما أفهم المثنى، نحو: كلانا على طاعة الرحمن. قأما قول الشاعر: [من الرمل] 1379 - إن للخير وللشر مدى ... وكلا ذلك وجه وقبل فلأن ذلك يقع موقع المثنى، كقوله تعالى: {عوان بين ذلك} [البقرة: 68]. فذلك إشارة لقوله: {لا فارض ولا بكر}، فإن فرق بالعطف جاز ذلك على قلةٍ كقول الشاعر: [من الطويل] 1380 - كلا السيف والساق الذي ضربت به ... على مهلٍ ألقاه باثنين صاحبه وفي إمالتها خلاف بين القراء، وهي في تأكيد المثنى ككل في تأكيد الجمع، فلا يقال: تقاتل الزيدان كلاهما، إذ لا يتأتى ذلك إلا في اثنين. وقد أتقنا جميع ذلك في غير هذا الموضع ولله الحمد والمنة. فصل الكاف والميم ك م ل: قوله تعالى: {تلك عشرة كاملة} [البقرة: 196] أي كاملة الأجر، وقيل: هو على التأكيد. «وقيل: إنما ذكر العشرة الكاملة، لا يعلمنا أن السبعة والثلاثة عشرة، بل ليبين أن بحصول صيام العشرة يحصل كمال الصوم القائم مقام الهدي، وقيل: إن وصفه العشرة بالكاملة استطراد في الكلام وتنبيه على فضيلةٍ له فيها بين علم العدد، وأن العشرة أول عقدٍ ينتهي إليه العدد فيكمل، وما بعده يكون مكررًا مما قبله، فالعشرة هي العدد

الكامل». والكمال لغةً حصول ما فيه الغرض منه؛ فإذا قيل: كمل معناه، فمعناه حصول ما هو الغرض منه، وعليه قوله تعالى: {والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين} [البقرة: 233] نبه بذلك على أنها غاية ما يتعلق به إصلاح الولد. قوله: {ليحملوا أوزارهم كاملةً} [النحل: 25] نبه بذلك على أنه يحصل لهم كمال العقوبة. وأكملت الشيء وكملته: جعلته كاملًا، وقد قرئ بالوجهين قوله تعالى: {ولتكملوا العدة} [البقرة: 185] من أكمل وكمل مشددًا. ويقال: كمل وكمل بفتح العين وضمها فهو كامل كمالًا. ك م م: قوله تعالى: {والنخل ذات الأكمام} [الرحمن: 11]. الأكمام جمع كم وهو وعاء المثرة، وكل ما غطى شيئًا فهو كم له، ومنه كم القميص لتغطيته اليد، ويجمع على كمامٍ أيضًا، نحو: رمح ورماح. والكمة: ما يغطي الرأس كالقلنسوة، وقيل: أكمام النخلة: ما غطى جمارها من الليف والسعف. وكم الطلعة: قشرها. وتكمم وتكمكم واحد. وفي الحديث: «رأى [عمر] جارية متكمكمة» أي مغطاة الرأس. ويقال: تكموا والأصل تكمكموا، وأنشد: [من الرجز] 1381 - بل لو رأيت الخيل إذ تكموا ... بغمةٍ، لو تفرج غموا وتكمكم: إذا تلفف بثوبه، وفي حديث النعمان: «إلى أكمة خيولهم» عنى بالأكمة المخالي المعلقة برؤوس الخيل تشبيهًا بالكمة. وكم: اسم عددٍ مبهم، فمن ثم افتقرت إلى تمييزٍ. وهي على ضربين: استفهاميةٍ

فيطلب بها كمية ذلك المعدود، وخبريةٍ فيراد بها التكثير كقوله تعالى: {أو لم يروا إلى الأرض كم أنتنا فيها من كل زوجٍ كريمٍ} [الشعراء: 7] أي كثيرًا من الأزواج أنبتنا فيها. وكلاهما له صدر الكلام، ومميز الاستفهامية واحد منصوب، يجوز جره إذا جرت هي بحرفٍ نحو: بكم درهمٍ اشتريته؟ ومميز الخبرية بواحدٍ أو جمعٍ مجرورٍ، وينصب إذا فصل بظرفٍ ونحوه نحو: كم في الدر عبيدًا ملكت! وقد يبقى جره كقول الشاعر: [من الرمل] 1382 - كم بجودٍ مقرفٍ نال العلى ... وكريمٍ بخله قد وضعه فإن كان الفاصل جملةً وجب النصب كقول الشاعر: [من البسيط] 1383 - كم نالني منهم فضلًا على عدمٍ ... إذ لا أكاد من الإقتار أحتمل ولها أحكام قررناها في غير هذا الموضع. ك م هـ: قوله: {وتبرئ الأكمه والأبرص} [المائدة: 110] قيل: الأكمه من ولد أعمى. ويقال: هو الذي يولد مطموس العين. وقيل: بل هو الذي طرأ عليه العمى أو ذهاب العين، قال الشاعر: [من البسيط] 1384 - لقد ظهرت فلا تخفى على أحدٍ ... إلا على أكهٍ لا يدرك القمرا وقال رؤبة بن العجاج: [من الرجز] 1385 - فارتد عنها كارتداد الأكمه ويقال: إنه لم يوجد في هذه الآفة أكمه بالتفسيرين الأولين إلا قتادة بن دعامة السدوسي صاحب التفسير.

فصل الكاف والنون

ويقال: كمه يكمه كمها، وأنشد لسويدٍ: [من الرمل] 1386 - كمهت عيناه حتى ابيضتا وهذا يؤيد القول بأن يقال للعمى الطارئ. فصل الكاف والنون ك ن د: قوله تعالى: {إن الإنسان لربه لكنود} [العاديات: 6] أي جحود؛ يقال: كند يكند: إذا جحد، وقيل لكفور نعمة ربه، وهو قريب من الأول. قيل: ومنه أرض كنود: إذا لم تنبت شيئاً. وكندة: قبيلة معروفة، قال الشاعر: [من الطويل] 1387 - كنود لنعماء الرجال يبعد أي: لكفور نعماء الرجال. وعن ابن عباسٍ: هو بلسان كندة وحضرموت العاصي، وبلسان ربيعة ومضر الكفور، وبلسان كنانة البخيل، وأنشد أبو زيدٍ: [من الخفيف] 1388 - إن تفتني فلم أطب عنك نفسًا ... غير أني أمنى بدينٍ كنود ك ن ز: قوله تعالى: {والذين يكنزون الذهب والفضة} [التوبة: 34] الكنز تخبئة النقدين وادخارهما. وقيل: هو جعل الذهب والفضة بعضها فوق بعضٍ. وأصله من كنزت التمر في الوعاء: إذا كبست فيه. وزمن الكناز: وقت كنز التمر. وناقة كناز: مكتنزة اللحم أي مجتمعة منضمته، وهو أقوى لها. والجمع كنز.

والكنز أيضًا نفس المكنوز تسميةً له بالمصدر. وفي الحديث: «ما أديت زكاته فليس بكنزٍ» أي لا يعذب به صاحبه، عكس من منع الزكاة فإنه يعذب كما أخبر بذلك في الحديث: «يمثل له كنزه شجاعًا أقرع» الحديث، والجمع كنوز. قوله تعالى: {وكان تحته كنز لهما} [الكهف: 82] قيل: لم يكن ذهبًا ولا فضةً بل ألواح فيها حكم ومواعظ. قيل: هي «عجبت لمن يوقن بالموت كيف يفرح، ولم يوقن بالرزق كيف يحزن، لا إله إلا الله محمد رسول الله» إلى غير ذلك. قوله تعالى: {كم تركوا من جنات وعيون} [الدخان: 25] وكنوزٍ هي الأموال التي ادخروها في الجبال وتحت الأرض. ك ن س: قوله تعالى: {الجوار الكنس} [التكوير: 16] جمع كانس، والكانس من الوحش ما دخل كناسه كالظبي وبقر الوحش، والمراد هنا النجوم؛ شبهها في استتارها ببروجها بالوحش الداخل كناسه، وقد كنست كنوسًا؛ قيل: هي من الكواكب خمس: زحل والمريخ والمشتري وعطارد والزهرة. وقيل: كل كوكبٍ. وقد تقدم تفسير ذلك في قوله {الخنس} [التكوير: 15]. وقيل: أرد البقر الوحشية والظبي، ولله أن يقسم بما شاء. ك ن ن: قوله: {وجعل لكم من الجبال أكنانًا} [النحل: 81] هي جمع كن. والكن: ما يكنك أي يسترك ويصونك عما يؤذيك. وكننت الشيء: جعلته في كن، قيل: وخص كننت بما يستر بثوبٍ أو بيتٍ ونحوه من الأجسام؛ قال تعالى: {كأنهن بيض مكنون} [الصافات: 49] يريد بيض النعام لأنها تصونه بدفنه في الرمل. وقوله: {إنه لقرآن كريم في كتابٍ مكنونٍ} [الواقعة: 77 - 78] أي محفوظٍ لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه. وأكننت: خص بما يستر في الضمير، وعليه قوله

فصل الكاف والهاء

تعالى: {أو أكننتم في أنفسكم} [البقرة: 235]، {وما تكن صدورهم} [القصص: 69]. قوله تعالى: {وجعلنا على قلوبهم أكنةً} [الأنعام: 25] جمع كنانٍ وهي الأغطية وهي كقوله تعالى: {بل طبع الله عليها بكفرهم} [النساء: 155] {ختم الله على قلوبهم} [البقرة: 7]. والكتاب المكنون قيل: القرآن، وقيل: اللوح المحفوظ، وقيل: قلب المؤمن، وقيل: إشارة إلى أنه محفوظ عند الله تعالى، إشارة إلى قوله تعالى: {وإنا له لحافظون} [يوسف: 12]. وسميت المرأة المتزوجة كنةً لحمايتها من حيث إنها تصان وتحفظ في بيت زوجها والكنانةً: جعبة غير مثقوبة تجمع فيها السهام، وبها سميت هذه القبيلة المشهورة. ومن كلام الخبيث الحجاج: «إن أمير المؤمنين نثل كنانته فعجمها فوجدني أصلبها عودًا فبعثني إليكم» وكان متلثمًا فكشف لثامه عن وجهٍ قبيحٍ، فقال بعض الحاضرين: ما رأيت كاليوم أقبح من أميرنا. فأنشد: [من الوافر] 1389 - أنا ابن جلا وطلاع الثنايا ... متى أضع العمامة تعرفوني قاتله الله ما أفضحه! فصل الكاف والهاء ك هـ ف: قوله تعالى: {أم حسبت أن أصحاب الكهف والرقيم} [الكهف: 9] الكهف: الغار في الجبل، والجمع كهوف. وأصحاب الكهف قد قص الله خبرهم أحسن القصص فلا حاجة إلى ذكره، وأسماؤهم وكيفية ذهابهم مذكور في التفسير.

ك هـ ل: قوله تعالى: {تكلم الناس في المهد وكهلًا} [المائدة: 10] الكهل من الرجال من وخطه الشيب، ومنه: اكتهل النبات إذا قارب اليبوسة، على الاستعارة ويقال: شاب الزرع، على الاستعارة أيضًا، ويقال: الكهل هو الذي تم شبابه، ومنه: اكتهل النبات: تم طوله، ويقابل به الشباب، وأنشد: [من البسيط] 1390 - يبكيك ناءٍ عن الديار مغترب ... يا للكهول وللشبان للعجب فإن قيل: كلام الصبي في المهد أعجوبة ففي الإخبار به فائدة عظيمة، وأما كلام الكهل فمعتاد فما فائدة الإخبار به؟ قيل: البشارة بأنه يعيش إلى حد الكهولة لأنه لم يتكلم صبيٍّ في مهده ثم عاش غير عيسى. فلو اقتصر على الإخبار بالأول لسآها ذلك للعادة فأخبرها بطريق البشارة أنه يكتهل. واكتهلت الدوحة: إذا عمها النور، ومنه قول الأعشى يصف دوحةً: [من البسيط] 1391 - يضاحك الشمس منها كوكب الشرق ... مؤزر بعميم النبت مكتهل وقد تقدم في باب السين ذكر تنقل الإنسان من لدن كونه في بطن أمه إلى أن يصير شيخًا وفوق ذلك، فأغنى ذلك عن إعادته هنا. ك هـ ن: قوله تعالى: {ولا بقول كاهنٍ} [الحاقة: 42] الكاهن: الذي يخبر بالأخبار الماضية الخفية بضربٍ من الظن، وهو عكس العراف الذي يخبرنا بالأخبار المستقبلة بنحو ذلك، ولكون هاتين الصناعتين مبنيتين على الطن الذي يجوز أن يخطئ ويصيب قال عليه الصلاة والسلام: «من أتى كاهنًا أو عرافًا فصدقه فقد كفر بما أنزل على محمدٍ». والكهانة: مصدر كهن يكهن إذا تعاطى ذلك. وكهن بالضم تخصص بها.

فصل الكاف والواو

وتكهن: تفعل ذلك. وقد فسر الكاهن بنحو ما فسر به العراف، وهو المشهور في الحديث. وقد كانت الكهنة في زمنه عليه الصلاة والسلام بهذه الصفة وذلك لما يسمع شياطينهم فيلقون إليهم الكلمة فيكذبون عليها مئة كذبة إلى أن رجمت الشياطين فانقطع السمع وانقطع التكهن. وفي الحديث: «يخرج من الكاهنين رجل يقرأ القرآن لا يقرأ أحد مثله» الكاهنان: هنا: بنو النضير وقريظة؛ قبيلتان من اليهود مشهورتان. يقال: المعني بهذا الرجل هو محد بن كعبٍ القرظي رضي الله عنه. فصل الكاف والواو ك وب: قوله تعالى: {بأكوابٍ وأباريق} [الواقعة: 18] الأكواب: جمع كوبٍ، وهو إناء مستدير لا عروة له ولا خرطوم؛ فإن كان له عروة فهو إبريق. وقال الأزهري: الكوب ما لا خرطوم له فإن كان فهو إبريق. وقيل: هو القدح الذي لا عروة له. وفي الحديث: «إن الله حرم الخمر والكوبة» قال ابن الأعرابي: هي النرد، وقيل: الطبل تشبيهًا بهيئة الكوب. ويجمع الكوب على أكوابٍ وأكاويب، وتحقيقه أن أكاويب جمع أكواب. ك ور: قوله تعالى: {إذا الشمس كورت} [التكوير: 1] تكويرها: لفها وضم بعضها إلى بعضٍ كما تكور العمامة وتلف. وفي التفسير أنها تلف كما يلف الثوب الخلق. فسبحان القادر على كل شيء. والتكوير: إدارة الشيء وضم بعضه إلى بعض نحو تكوير العمامة. وعن الربيع بن ختعم: كورت: رمي بها. ومنه: طعنه فكوره. قوله تعالى: {يكور الليل على النهار ويكور النهار على الليل} [الزمر: 5]. قال أبو عبيدة: يدخل هذا على هذا وهذا على هذا. وتحقيقه: الإشارة إلى جريان الشمس في

مطالعها وانتقاص الليل والنهار وازديادهما، وذلك بأن يدخل أحدهما في الآخر ثم يفصله منه كما أشار إليه في الآيتين وهما: {يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل} [الحج: 61]، وقوله تعالى: {وآية لهم الليل نسلخ منه النهار} [يس: 37]. فقد تحقق معنى التكوير وهو معنى الإيلاج، ثم بعده يكون الانسلاخ فيحدث من ذلك الزيادة والنقصان. وطعنه وكوره: إذا ألقاه مجتمعًا. والكور بالضم رحل الجمل، وبالفتح الزيادة، ومنه الحديث: «أعوذ بك من الجور بعد الكور» قيل: من النقصان بعد الزيادة. وكوار النخل معروفة لإدخال بعضها في بعضٍ والتصاقه. وكل مصرٍ كورة، وهو الموضع الذي به قرى ومحال، وذلك لحصول الاجتماع. ك ون: قوله تعالى: {وكان الله غفورًا رحيمًا} [النساء: 96] كان هنا بمعنى لم يزل، وأصلها للدلالة على اقتران مضمون الجملة بالزمن الماضي نحو: كان زيد عالمًا، معناه أنه اتصف بالعلم فيما مضى دلالةً لها على الانقطاع؛ فإذا قلت: كان زيد قائمًا ليس فيه دلالة على أنه الآن قائم، وهو أحد الجوابين عن قوله تعالى: {وكان الله غفورًا رحيمًا} ونحوه. وترد بمعنى صار، وأنشد: [من الطويل] 1392 - بتيهاء قفرٍ والمطي كأنها ... قطا الحزن قد كانت فراخًا بيوضها أي صارت، ومثله قوله تعالى: {كنتم خير أمةٍ} [آل عمران: 110] أي صرتم، وترد زائدةً باطرادٍ، وهو إذا كانت بلفظ المضي حشوًا كقولهم ما كان أعلمه، وشذ قوله: [من الرجز] 1393 - أنت تكون ماجد نبيل ... إذا تهب شمأل بليل

لكونها بلفظ المضارع. وقد تزاد بين صفةٍ وموصوفٍ كقوله: [من الوافر] 1394 - فكيف إذا مررت بدار قومٍ ... وجيرانٍ لنا كانوا كرام؟ وبين جارٍّ ومجرورٍ كقوله: [من الوافر] 1395 - جياد بني أبي بكرٍ تسامى ... على كان المسومة العراب واختلف فيها؛ هل لها مصدر أم لا، واختار سيبويه الأول، واستدل بعضهم بقول الشاعر: [من الطويل] 1396 - ببذلٍ وحلمٍ ساد في قومه الفتى ... وكونك إياه عليك يسير وتكون ناقصةً، وهي ما قدمنا ذكره، وتامةً بمعنى حضر كقوله تعالى: {وإن كان ذو عسرةٍ} [البقرة: 280] وبمعنى عزل، نحو: كنت الصوت. وبمعنى كفل، نحو كنت الصبي. وتحذف لامها من مضارعها المجزوم إن لم يلقه ساكن غالبًا ولم يتصل بها ضمير. ولذلك ورد الاستعمالان في القرآن قال في موضع: {ولاتك} [النحل: 127] وفي آخر: {ولا تكن} [النساء: 105] ويضمر منهما ضمير الشأن فيرتفع الاسمان بعدها على أنهما في محل الجر، وأنشد: [من الطويل] 1397 - إذا مت كان الناس نصفان: شامت ... بموتي ومثنٍ بالذي كنت أصنع وتضمر هي كثيرًا وإن بعد لو، كقوله صلى الله عليه وسلم «التمس ولو خاتمًا من حديدٍ» وقول الاخر: [من الكامل] 1398 - حدبت علي بطون ضبة كلها ... إن ظالمًا فيهم وإن مظلوما

ويجب ذلك إن عوض عنها ما بعد أن، كقول الشاعر: [من البسيط] 1399 - أبا خراشة إما أنت ذا نفرٍ ... فإن قومي لم تأكلهم الضبع ولها أحكام كثيرة لخصناها فيما رأيت، وفيه كفاية. وقال الراغب: «كان» عبارة عما مضى من الزمان، وفي كثيرٍ من وصف الله تعالى تنبئ عن معنى الأزلية، انتهى. يريد نحو قوله تعالى: {وكان الله غفورًا رحيمًا} وقال أيضًا: وما استعمل منه في جنس الشيء متعلقًا بوصفٍ له وهو موجود فيه فتنبيه على أن ذلك الوصف لازم له، قليل الانفكاك عنه، نحو قوله تعالى في الإنسان: {وكان الإنسان قتورًا} [الإسراء: 100] وقوله تعالى في الشيطان: {وكان الشيطان لربه كفورًا} [الإسراء: 27] قوله تعالى: {كيف نكلم من كان في المهد صبيًا} قيل: هي زائدة، وفيه نظر من حيث إن لها اسمًا وخبرًا، وحملهم على ذلك انه «كان صبيًا» حال هذا الكلام فلم يتحقق مضي، وجوابه أن كان تدل على زمنٍ ماضٍ طويلًا كان أو قصيرًا؛ فيقال: كان زيد هنا. وإن كان بينكما أدنى زمانٍ، فقوله: {من كان في المهد صبيًا} [مريم: 29] إشارة إلى عيسى وحالته التي شاهدوه عليها. قال الراغب: وليس قول من قال هذا إشارة إلى الحال بشيءٍ لأن ذلك إشارة إلى بعد لكن إلى زمانٍ مراده بالإشارة عود الضمير في «كان» لا الإشارة صناعةً. وقوله إشارة إلى الحال، هو معنى قول القائل: كان زائدةً. في العبارة قلق وهذا مراده والله أعلم. والكون في اصطلاح بعض المتكلمين عبارة عن استحالة جوهرٍ ما إلى ما هو أشرف منه، ويقابله بالفساد وهو استحالة جوهرٍ ما إلى ما هو دونه، فيقولون: الكون والفساد. وبعضهم يقول: الكون هو الإبداع. وكينونة مصدر لكان، واختلفوا في أصلها؛ فذهب

سيبويه إلى أن أصلها كينونةً بتشديد الياء فخفف بالحذف، وأصله كيونونة فأدغمت، كميت وأصله ميوت ثم ميت بالقلب والإدغام ثم ميت بالتخفيف. قال الراغب: ولم يقولوا كينونة على الأصل كما قالوا ميت لثقل لفظها. قلت: قوله: ولم يقولوا يعي في المشهور، وإلا فقيل في غيره، وأنشد: [من الرجز] 1400 - حتى يعود البحر كينونه وذهب غيره من النحاة إلى أن وزنها فعلولة، والأصل كونونة، فاستثقلوا واوين مكتنفين ضمةً فأبدلوا الأولى ياء. ولترجيح القولين مقام في غير هذا. قوله تعالى: {مكانًا شرقيًا} [مريم: 16] قيل: هو من كان يكون، والأصل مكون فاعل كمقام. وقولهم: تمكن يتمكن يدل على أصالة الميم، قاله الراغب. ونظيره قولهم: تمسكن من السكن. قوله تعالى: {فما استكانوا لربهم} [المؤمنون: 76] أي: ما ذلوا وخضعوا. واختلفوا فيه هل هو من «سكن» لأنه ترك الحركة لذله وخضوعه، ووزنه افتعل كاقتدر إلا أنه قد أشبعت الفتحة. فتولد منها ألف، وهذا ليس من مادتنا في شيءٍ أو من كان فيكون وزنه استفعلوا، والأصل استكونوا فاعل كاستقاموا أصله استقوموا، فيكون مما نحن فيه من المادة. وفي الحديث: «قلت: وما الكنتيون؟ قال: الشيوخ» يعني الذين يقولون: كنت وكنت، وكان الشيء كذا. فنسبوا إلى ذلك اللفظ فيقال: فلان كاني، فلانة كانية وكنتي وكنتية، قال الشاعر: [من الطويل] 1401 - وكل امرئٍ يومًا إلى كان صائر

فصل الكاف والياء

وقال آخر: [من الطويل] 1402 - ولست بكنتي وما أنا عاجن ... وشر الرجال الكنتني وعاجن يروى «الكنتني» وهذا من تغيير النسب لزيادة النون الأخيرة. ويروى «عاجز» بالزاي أو النون وكلاهما له معنىً حسن؛ فالعاجز ظاهر، وبالنون على التشبيه بعاجن العجين. كنوا بذلك عن الكبر فإن الكبير إذا قام اعتمد على يديه كالعاجن للعجين. وكذا قال الفقهاء في القيام من السجود: قام كالعاجن أو العاجز؛ بالزاي أو النون. ك وي: قوله تعالى: {يوم يحمى عليها في نار جهنم فتكوى بها جباههم} [التوبة: 35] يقال: كويته بالنار: إذا ألصقتها بجسده حتى تصل إليه حرارتها وتؤثر فيه. وإنما خص هذه الأعضاء الظاهرة لأنها أحسن شيءٍ من الأعضاءٍ، وقدم الجباه لأنها أشرفها وأرقها. نسأل الله تعالى بعميم فضله الوقاية من لفحاتها ورؤيتها. وكويت الدابة أكويها كيًا، والأصل كويًا فأدغم، كطويت طيًا. والكي: الاستدفاء من البرد على التشبيه بذلك، وفي كلام بعضهم: «إني لأغتسل من الجنابة ثم أتكوى بمباشرتها» أي أستدفئ بها. فصل الكاف والياء ك ي د: قوله تعالى: {فيكيدوا لك كيدًا} [يوسف: 5] الكيد: الاحتيال والاجتهاد فيما بقصده الإنسان، وغلب في المكر، ومنه سميت الحرب كيداء، كما سميت خدعةً. وقال بعضهم: أن يكون محمودًا، قال تعالى: {كذلك كدنا ليوسف} [يوسف: 76]. ويقال: أراد بالكيد العذاب، قيل والصحيح أنه الإمهال المؤدي إلى العذاب، يعني من إطلاق المسبب وإرادة السبب. وقيل: علمناه الكيد على إخوته لأن هذا كان شرعًا لهم،

فأخذهم بما يعتقدونه لا بقوة سلطانه لأنه ألزم في الحجة عليهم. وقيل: الكيد: المضارة، وأنشد لعمر بن لجأ: [من الوافر] 1403 - تراءت كي تكيد به بشر ... وكيد بالتبرح ما يكيد قوله تعالى: {وأن الله لا يهدي كيد الخائنين} [يوسف: 52] فيه تنبيه على أنه قد يهدي من لم يقصد بكيده خيانةً، نحو كيد يوسف لإخوته ما قصه الله علينا، بخلاف كيد امرأة العزيز به. قوله تعالى: {وتالله لأكيدن أصنامكم} [الأنبياء: 57] أي لأريدن بهم سوءاً، وأنهم لو أطبقوا على كيده لم يقدروا على ذلك. ثم لم يكتف بذلك حتى طلب منهم مفاجأة ذلك ومعالجته، وهذا من صدق العزم وقوة الجاه، وكيف لا يكون أنبياء الله، صلوات الله وسلامه عليهم. كذلك؟ رزقنا الله الذي أرسلهم ونبأهم! بركتهم في الدنيا والآخرة. وكاد زيد بنفسه، قيل: معناه جاد بها، ومنه الحديث: «دخل عليه الصلاة والسلام عل سعد وهو يكيد بنفسه» والكيد: الحيض، ومنه أن ابن عباسٍ «مر بجوارٍ وقد كدن فأمر أن ينحين عن الطريق». والكيد أيضًا: القيء، ومنه حديث الحسن: «إذا بلع الصائم الكيد أفطر». والكيد: الحرب، وفي حديث عمر: «فرجع رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يلق كيدًا» أي حربًا. والأحسن أنه على العموم. وفي الحديث: «عقول كادها باريها» أي أضلها. و «كاد» من أفعال المقاربة تعمل عمل كان إلا أن خبرها لا يكون إلا مضارعًا، واقترانه بأن ضرورة. كقوله: [من الرجز]

1404 - قد كاد من طول البلى أن يمصحا أو نادر كقولٍ عمر رضي الله عنه: «ما كدت أن أصلي العصر». ويستعمل منها المضارع دون الأمر؛ قال تعالى: {يكاد سنا برقه} [النور: 43]. وندر كون خبرها اسمًا مفردًا، وأنشد لتأبط شرًا: [من الطويل] 1405 - فأبت إلى فهمٍ وما كدت آيبًا ... وكم مثلها فارقتها وهي تصفر وزعم بعضهم أنها إذا نفيت كان الكلام إثباتًا، وإذا لم تنف كان نفيًا، حتى ألغزوا ذلك في بيتين وهما: [من الطويل] 1406 - أنحوي هذا العصر ما هي لفظة ... جرت في لساني: جرهم وثمود؟ إذا نفيت والله أعلم أثبتت ... وإن أثبتت قامت مقام جحود؟ وعنوا بذلك ما ذكرته كأنهم قد توهموا من قوله تعالى: {فذبحوها وما كادوا يفعلون} [البقرة: 71]. هذا الحكم ليس بصحيحٍ لأن نفي المقاربة أبلغ من نفي الفعل، إلا ترى إلى قوله: {لم يكد يراها} [النور: 40] أبلغ من: لم يرها، ولذلك رد الحذاق على ذي الرمة قوله، وقد اعترض عليه، في قوله: [من الطويل] 1407 - إذا غير النأي المحبين لم يكد ... رسيس الهوى من حب مية يبرح فإنه لما اعترض عليه بهذا وقيل له: فقد برح، فغيره إلى قوله: لم يكد قال الحذاق: إن قوله الأول أصوب لما ذكرته لك. وأما الجواب عن قوله: {وما كادوا يفعلون} فمن وجهين؛ أحدهما أنه على وقتين، أي ذبحوها في وقت ولم يذبحوها في آخر. والثاني أنه منبهة على عسر ذبحهم. وزعم الأخفش أنها تزاد مستدلًا بقوله: {إن الساعة آتية أكاد أخفيها} [طه: 15]

وليس كما زعم. ويقال: كدت وكدت؛ بكسر الكاف على أنها من ذوات الياء، وبضمها على أنها من ذوات الواو، ولا تنقل حركتها إلى فائها إلا إذا أسندت لضميرٍ متكلمٍ ونحوه، كنظائرها من الأفعال، نحو: بعت، إلا في ضرورة شعرٍ، وأنشد: [من الطويل] 1408 - وكيد ضباع القف يأكلن جثتي ... وكيد خراش بعد ذلك ييتم وأحكامها كثيرة استغنينا عن استيعابها هنا. ك ي س: قوله تعالى: {وكأسٍ من معينٍ} [الواقعة: 18] قد أدخل الراغب الكأس في هذا الموضع ومادته من كافٍ وهمزة وسين. وقد تكلمنا عليه مشبعًا في بابه، ثم استطرد الراغب مادة (ك ي س) فقال: الكيس: جودة القريحة. وأكأس الرجل وأكيس: إذا ولد أولادًا أكياسًا. قلت: قال أبو العباس: الكيس العقل، وفي الحديث: «أي المؤمنين أكيس؟» قال أبو بكر: أعقل. وأنشد لنفيلة الأكبر: [من البسيط] 1409 - وإنما الشعر لب المرء يعرضه ... على المجالس إن كيسًا وإن حمقا وفي الحديث: «إذا قدمتم فالكيس الكيس» قال ابن الأعرابي: الكيس: الجماع، قلت: قال بعضهم: هو العقل، وكأنه جعل طلب الولد عقلًا، وإنما فسره بالجماع لأنه سبب الولد. وفي حديثٍ آخر: «المؤمن كيس فطن». وفي الحديث: «أتراني إنما كستك

لآخذ جملك» أي غلبتك بالكيس. كاسيني فكسته أي كنت أكيس منه. والرواية المشهورة: «ماكستك» من المماكسة. وأورد الراغب هنا: كأست الزرافة تكؤس: إذا مشت على ثلاث قوائم. وليس مما نحن فيه من شيءٍ، ولكنه زيادة فائدة. ك ي ف: قوله تعالى: {كيف تكفرون بالله وكنتم أمواتًا فأحياكم} [البقرة: 28] الآية. كيف: استفهام يسأل به عن الحال، نحو: كيف زيد؟ أي حاله، واستدل على اسميتها بدخول حرف الجر عليها في قولهم: على كيف تبيع الأحمرين؟ ولها صدر الكلام، وهي هنا للتعجب بالنسبة إلى الباري تعالى، كأنه قال: تعجبوا من حال هؤلاء المنافقين للكفر. وعند سيبويه: تسمى منصوبةً على التشبيه بالظرف؛ أي في حال يكفرون. وعند الأخفش تسمى منصوبةً على التشبيه؛ وقدرها: على أي حالٍ تكفرون. والاستفهام الوارد من الله تعالى لا على حقيقته، لأنه عالم بالأمور كلها خفيها وجليها، وإنما يرد منه تعالى على سبيل التوبيخ أو الإنكار أو التعجب على ما قررناه. واعلم أن «كيف» إما أن يقع بعدها فعل مصرح أو مقدر أو غير فعلٍ، فإن وقع بعدها فعل مصرح أو مقدر كانت منصوبةً على التشبيه، إما بالظرف وإما بالحال كما مر تقريره نحو: «كيف تكفرون». ومثال الفعل المقدر قوله تعالى: {فكيف إذا جئنا من كل أمةٍ بشهيد} [النساء: 41] الآية، {كيف وإن يظهروا عليكم} [التوبة: 8] تقديره: كيف يكون حالهم، ومثله قول الحطيئة: [من الطويل] 1410 - فكيف ولم أعلمهم خذلوكم ... على مفظعٍ ولا أديمكم قدوا؟ أي: كيف تكون موتتي على مدح قومٍ هذه حالهم؟

وتزاد بعدها «ما» فلا تجزم بها خلافًا للكوفيين. وزعم بعضهم أنها ترد نفيًا، وجعل منه قوله تعالى: {كيف يهدي الله قومًا كفروا بعد إيمانهم} [آل عمران: 86]. وأنشد لعبد الله بن قيس الرقيات: [من الخفيف] 1411 - كيف نومي على الفراش ولما ... تشمل الشام غارة شعواء؟ أي لم يهد الله، ولم أنم، وفيه نظر لأن الاستفهام الوارد بمعنى النفي إنما هو هل، أو من، دون أخواتها، نحو قوله تعالى: {فهل يهلك إلا القوم الفاسقون} [الأحقاف: 35] و {من يغفر الذنوب إلا الله} [آل عمران: 135] أي ما يهلك ولم يغفر الذنوب إلا الله. وأما الآية والبيتان المتقدمان فالتعجب فيهما ظاهر. وقال الراغب: لفظ يسأل به عما يصح أن يقال فيه شبيه وغير شبيهٍ كالأبيض والأسود والصحيح والسقيم. ولذلك لا يصح أن يقال في الله عز وجل «كيف». قال: وقد يعبر عن المسؤول عنه بكيف كالأبيض والأسود فإنا نسميه كيف. وقد ينسب إلى هذه اللفظة، فيقال «كيفية»، كما قالوا الكمية والآنية، وهي إحدى المقولات العشر عند المتكلمين. ك ي ل: قوله تعالى: {نزداد كيل بعيرٍ} [يوسف: 65] أي مقدار حمل بعيرٍ، فعبر عنه بذلك. والكيل معلوم وهو ما يكال به، وكأنه سمي بالمصدر في الأصل، يقال: كلته أكيله كيلًا. وكلت يتعدى لاثنين أولهما بنفسه تارةً وبحرف الجر أخرى، ومثله في ذلك نحوه: كلت زيدًا الطعام، وكلت له طعامه، ووزنت له ماله، ووزنته دراهمه. واختلف النحاة هل أحدهما للآخر أصل أو مستقل بنفسه! ثلاثة مذاهب أظهرها ثالثها. وقد فرق الراغب بينهما فقال: يقال: كلت له الطعام: إذا توليت ذلك له، وكلته الطعام إذا أعطيته كيلًا.

واكتلت عليه: أخذت منه كيلًا، ومنه قوله تعالى: {الذين إذا اكتالوا على الناس يستوفون وإذا كالوهم أو وزنوهم يخسرون} [المطففين: 2 - 3]. ووزن مكيلٍ بالنظر إلى لفظه فعيل والنظر إلى أصله مفعل. وقد جرت هذه المسألة بين يعقوب وابن السكيت وأبي عثمان المازني بين يدي عبد الملك بن الزيات؛ فغلط يعقوب، فانتبه ابن الزيات، والحكاية وشرحها مذكورة في «الدر» وغيره من كتبنا. وفي الحديث أن رجلا سأله سيفًا فقال عليه الصلاة والسلام: «لعلي إن أعطيتكه أن تقوم في الكيول» قال أبو عبيد: الكيول: مؤخر الصفوف. وقال الأزهري: ما يخرج من حر الزند مسودًا لآثارٍ فيه، قال الكسائي: يقال: كال يكيل كيلًا: إذا كبا. فشبه مؤخر الصفوف به لأنه لا يقاتل من كان فيه. والمكايلة: المساواة؛ يقال: كيل فلان بفلان إذا كيل به، لأنه ساواه وكافأه، وهو مأخوذ من التساوي، فإن الكيل لا يفاوت إذا كان المكيال واحدًا بعينه. ك ي: قوله تعالى: {كي لا يكون دولةً} [الحشر: 7] أي لئلا يكون دولةً، أي لئلا يكون متداولًا. و «كي» للتعليل كاللام وهي على ثلاثة أقسام: الأول: قسم يتعين فيه أن يكون حرفًا وذلك كما صرح بعدها بأن الناصبة نحو: كي أن أتعلم، وأنشد: [من الطويل] 1412 - فقالت: أكل الناس أصبحت مانحًا ... لسانك كيما أن تغر وتخدعا؟ إذ لا يمكن دخول ناصبٍ على مثله. والثاني: قسم يتعين فيه كونها ناصبةً، وذلك إذا صرح قبلها بلام العلة كقوله تعالى: {لكيلا تأسوا} [الحديد: 23] لئلا يدخل حرف جر على مثله.

الثالث: ما يحتمل الأمرين معًا نحو: جئت كي أتعلم، يجوز أن يكون حرف جر بعدها أن مقدرة نصبت المضارع، وأن تكون الناصبة ولام الجر قبلها مقدرةً، وعلى هذا فقول الشاعر: [من الطويل] 1413 - أردت لكيما أن تطير بقربتي ... وتتركها شنًا ببيداء بلقع لا يخلو عن ارتكاب ضرورةٍ، وهو تأكيد حرف الجر، وتأكيد حرف النصب بمثله، وحسن ذلك اختلافهما لفظًا، وإن كانوا فعلوا ذلك مع تماثل اللفظ كقول الشاعر: [من الوافر] 1414 - فلا والله لا يلفى لما بي ... ولا للمابهم أبدًا دواء ومثل البيت الأول في تأكيد المختلفي اللفظ قول الآخر: [من الطويل] 1415 - فأصبح لا يسألنه عن بما به فجمع بين عن والباء تأكيدًا. وقال الراغب: «كي» حرف علة لفعل الشيء، وكيلا لانتفائه، انتهى. كيلا مركبة من كي التي للتعليل ومن لا النافية؛ فالنفي إنما هو مستفاد من لفظ كي. فكل منهما باقٍ على حقيقته، وهذا كما تقول: لئلا اللام للعلة ولا للنفي، فاللام للفعل منفيًا والأمر فيه قريب.

تم الجزء الثالث ويليه الجزء الرابع وأوله: باب اللام

باب اللام

بسم الله الرحمن الرحيم باب اللام اللام المكسورة أصلها للدلالة على الملك، نحو: المال لزيدٍ، وتدل على الاختصاص نحو: الجل للفرس، وتكنو للقسم فيلزمها التعجب كقول الشاعر: [من البسيط] 1416 - تالله يبقى على الأيام ذو حيدٍ ... بمشمخر به الظيان والآس وتزاد مقوية للعامل إما بتقديم معموله كقوله تعالى:} إن كنتم للرؤيا تعبرون {[يوسف: 43] وإما بكونه فرعًا كقوله تعالى:} فعال لما يريد {[هود: 107] ولا تزاد في غير ذلك إلا بسماعٍ، كقول الشاعر: [من الوافر] 1417 - فلما أن تواقفنا قليلاً ... أنخنا للكلاكل فارتمينا فأما قوله تعالى:} قل عسى أن يكون ردف لكم {[النمل: 72] فقد زعم بعضهم أنه من هذا القبيل، وليس كما ذكر بل هو مضمن وقد بيناه. وأما المفتوحة فتكون لام ابتداء نحو قوله تعالى:} ولدار الآخرة خير {[يوسف: 109] وتدخل في خبر إن ومعمولها واسمها بشروطٍ مذكورةٍ في كتب النحو، وتكون جواب قسمٍ نحو قوله تعالى:} فوربك لنسألنهم أجمعين {[الحجر: 92] وموطئًة للقسم نحو قوله تعالى:} ولئن لم يفعل ما آمره {[يوسف: 32] وفارقًة بين إن المخففة وإن النافية نحو قوله تعالى:} وإن كانت لكبيرة {[البقرة: 143] ومعلقًة لأفعال القلوب كقوله تعالى:} ولقد علموا لمن اشتراه {[البقرة: 102] في أحد القولين، ومنه قول الشاعر: [من الكامل] 1418 - ولقد علمت لتأتين منيتي ... إن المنايا لا تطيش سهامها

فصل اللام والهمزة

وأما اللام الساكنة فهي حرف تعريف توصل إلى الابتداء بهمزة وصلٍ عند سيبويه، وهي عهدية وجنسية وزائدة لازمة، وللمح ما نقل مصحوبها عنه في الأعلام. وهذه تنبيهات لك على الأصول. وأما شواهدها وأدلتها والاعتراض عليها والانفصال عنها فأوسعنا العبارة في ذلك كله في تأليفٍ غير هذا ولله الحمد. فصل اللام والهمزة ل ؤ ل ؤ: قوله تعالى:} يحلون فيها من أساور من ذهبٍ ولؤلؤًا {[الحج: 23] اختلف المفسرون فيه؛ فقال بعضهم: هو كبار الجوهر، وقال آخرون: بل صغاره. واشتقاقه من تلألؤ الضوء، لأن ضوءه يتلألأ. قيل: بل اشتق التلألؤ منه، يقال: تلألأ وجه فلانٍ أي لمع لمعان اللؤلؤ، وهذا ما نقله الراغب وفي المثل: "لا أكلمك مالألأت الظباء بأذنابها" أي حركتها، وذلك أنها إذا حركتها ورفعتها وخفضتها حصل منها لمعان وتلألؤ. والجمع: لآلٍ، والأصل: لآلئ، ثم أبدلت الهمزة أخيرة ياًء، تخفيفًا ثم أعل إعلال قاضٍ، فيقال: هذه لآلٍ، ومرت بلآلٍ ورأيت لآليًا. وهذا البدل غير لازمٍ؛ فيجوز أن يلفظ بالأصل. والنسبة إليه لؤلئي وقالوا: رجل لأآل بمعنى النسب، نحو تمارٍ ولبانٍ، وليس لنا همزة موهمة في مثلها من كلمةٍ غير هذا وغير سأآل من سأل. فصل اللام والباء ل ب ب: قوله تعالى:} واتقون يا أولي الألباب {[البقرة: 197] الألباب جمع لب وهو

العقل وقيده بعضهم بكونه خليًا من الشوائب. ولب كل شيءٍ خالصه، سمي بذلك لكونه خالص ما في الإنسان من قوةٍ كاللباب من الشيء. وقيل: هو ما زكا من العقل، فهو أخص منه، وكل لبٍ عقل وليس كل عقلٍ لبًا، ولهذا علق الله تعالى الأحكام التي لا تدركها إلا العقول الزكية بأولي الألباب فخاطبهم بها دون من عداهم، ولذلك أورد قوله تعالى:} وما يذكر إلا أولو الألباب {بعد قوله:} فقد أوتي خيرًا كثيرًا {[البقرة: 269]. وقالوا: لب الرجل يلب، أي صار ذا لبٍ، ومنه قول بعضهن في ابنٍ لها: "اضربه كي يلب، ويقود الجيش ذا اللجب" ورجل لبيب، والجمع الباء، وملبون: معروفون باللب. وقولهم: لبيك اللهم لبيك، فيه أربعة أوجهٍ: أحدها: أن معناه إجابتي لك يا رب، مأخوذ من ألب المكان: أقام به. وتثنيته لا يراد بها شفع الواحد بل معناه إجابًة بعد إجابةٍ ومثله: حنانيك، وأصل ذلك في البعير وهو أن يلقي لبته في صدره. وتلبب، أي تحزم، وأصله أن يشد لبته، ومنه حديث عمر: "فلببته بردائه". ولببته: ضربت لبته، وإنما سميت لبًة لأنها موضع اللب، قاله الراغب وفيه نظر لأن الصحيح أن العقل في الرأس لا في الصدر. والثاني: معناه اتجاهي لك يا رب وقصدي إليك، من قولهم: داري تلب دارك أي تواجهها. والثالث: أن معناها محبتي لك، من قولهم: امرأة لبة لولدها أي عاطفة عليه وأنشد: [من الطويل] 1419 - وكنتم كأمٍ لبةٍ طعن ابنها ... إليها، فما درت عليه بساعد والرابع: إنه إخلاص لك، من قولهم: حسب لباب، أي خالص لا شوب فيه، ومنه:

لب الطعام ولبابه. واختلفوا في "لبيك" هل هو مثنى أم مفرد، والصحيح أنه مثنى وقيل: بل هو مفرد وياؤه مبدلة من باءٍ، وإلا من لب بالمكان: أقام، فاستثقلوا توالي ثلاثة أمثالٍ، فأبدلوا إحداهن ياء كما قالوا: تظنيت وقصيت أظفاري، ولا تضاف إلا لضمير خطابٍ، وشذ قول الشاعر: [من المتقارب] 1420 - دعوت لما نابني مسورًا ... فلبى، فلبي يدي مسور ل ب ث: قوله تعالى:} فلبث فيهم {[العنكبوت: 14] اللبث: الإقامة بالمكان، يقال: لبث يلبث فهو لا بث ولبث لبثًا. وقرئ قوله تعالى:} لا بثين فيها {[النبأ: 23] و} لبثين {. وقيل: اللبث: الإقامة الطويلة، فهي أخص من الإقامة، فكل لبث إقامة، وليس كل إقامةٍ لبثًا. ولبث أبلغ من لا بثٍ، كما قيل: فرح أبلغ من فارحٍ، وضيق أبلغ من ضائقٍ، وكأنه لدلالته على الحال. وإن شرط الصفة المشبهة أن تكون من حاضرٍ بخلاف اسم الفاعل. ل ب د: قوله تعالى:} يكونون عليه لبدًا {[الجن: 19] لبد جمعٍ لبدة وهي القطعة من اللبد، أي كادوا يكونون عليه جماعًة متكاثفًة قد ركب بعضها بعضًا كما في اللبد وذلك لشدة تزاحمهم حرصًا على استماع القرآن منه، وقيل: معناه يسقطون عليه سقوط اللبد. وجمع اللبد ألباد ولبود. وقرئ "لبدًا" بضم اللام على أنه بمعنى كثيرًا أي:

كثيرين متزاحمين، والقراءتان في السبع. وقال الهروي: ومن قرأ "لبدًا" فهو جمع لابدٍ نحو راكعٍ وركعٍ؛ يقال: لبد في المكان: إذا أقام به، وهذه لم يقرأ بها في الفصيح، ولا تبعد عن الفصيح. قوله تعالى:} أهلكت مالاً لبدًا {[البلد: 6] أي كثيرًا يلبد بعضه فوق بعضٍ. ولبد هو نسر لقمان بن عاد؛ كان له نسر يقال له لبد عاش ما بين عمر سبعة أنسر قال النابغة: [من البسيط] 1421 - أمست خلاًء وأضحى أهلها احتملوا ... أخنى عليها الذي أخنى على لبد وكان سمي بذلك لكثرة عمره. وقيل: لأنه لبد فبقي لا يذهب ولا يموت. ولبدة الأسد: شعر رقبته لتراكب شعرها بين كتفيه. وفي المثل: هو أمنع من لبدة الأسد. وكل شيءٍ ألصقته إلصاقًا ناعمًا فقد لبدته. ولبدت الثوب ألبده: إذا رقعته لتراكب الرقع. وفي الحديث أن عائشة "أخرجت إلى النبي كساًء ملبدًا" أي مرقعًا. واللبدة أضًا ما يرقع بها صدر القميص، والقبيلة: ما يرقع بها قبة. وفي حديث أبي بكر: "إنه كان يحلب فيقول: ألبد أم أرغي؟ فإن قالوا: إلبد، ألصق العلبة بالضرع وحلب فلا يكون للحليب رغوة. وإن قيل: باعده، رغا لشدة وقعه".

ولبد شعره: ألصق بعضه ببعض بالصمغ فصار كاللبد، ولذلك أمر به المحرم في إحرامه، ولكن ينبغي ألا يفرط فيه لئلا يحتاج صاحبه إلى غسله، فقد لا يصل الماء إلى الشعر والبشرة. وفي الحديث: "إن رسول الله لبد رأسه وأهدى" وفي حديث أم زرع: "ليس بلبد فيتوقل ولا له عندي معول" قال أبو بكر بن الأنباري: معناه ليس بمستمسكٍ متلبدٍ فيسرع المشي فيه ويعتلى. ل ب س: قوله تعالى:} ولا تلبسوا الحق بالباطل {[البقرة: 42] قال ابن عرفة: أي لا تخلطوه به، وأنشد لبشرٍ: [من الوافر] 1422 - ولما تلتبس خيل بخيلٍ ... فتطعنوا وتضطربوا اضطرابا قوله تعالى:} أو يلبسكم شيعًا {[الأنعام: 65] أي يخلط أمركم خلط اضطراب لا اتفاقٍ. وقوله:} ولم يلبسوا إيمانهم بظلمٍ {[الأنعام: 83] وقال الأزهري: لم يعصوا أمر النبي صلى الله عليه وسلم. ولبست عليه الأمر: إذا شبهت عليه، وعليه قوله تعالى:} وللبسنا عليهم ما يلبسون {[الأنعام: 9] أي، ولشبهنا عليهم. وقيل: لأضللناهم كما ضلوا، وهو تفسير معنى قوله:} وجعلنا الليل لباسًا {[النبأ: 10] أي ساترًا بظلمته للأشياء. وكل شيءٍ ستر شيئًا فهو لباس. وقوله تعالى:} هن لباس لكم {[البقرة: 187] الآية، نبه بذلك على شدة المخالطة وأن كلاً من الزوجين للآخر بمنزلة اللباس. وقريب منه قوله تعالى:} وجعل بينكم مودًة ورحمًة {[الروم: 21] قال الجعدي يصف امرأًة: [من المتقارب]

1423 - إذا ما الضجيع ثنى عطفها ... تثنت، فكانت عليه لباسا والعرب تسمي المرأة لباسًا، وهذا ينبغي إن كان لتجرد الأنثى يدعى الرجل أيضًا لباسًا. وإن كان لغير ذلك فيحتمل ذلك. وقيل: جعلت لزوجها لباسًا من حيث إنها تغطيه وتصده عن القبائح، وإليه أشار عليه الصلاة والسلام بقوله: "من تزوج فقد ستر شطر دينه فليتق الله في الشطر الآخر" وهذا كما سماها الشاعر إزارًا في قوله: [من الوافر] 1424 - فدى لك، من أخي ثقةٍ، إزاري وقال الأنصار للنبي صلى الله عليه وسلم: "لنمنعنك مما نمنع منه أزرنا" أي نساءنا قوله:} ولباس التقوى {[الأعراف: 26] استعار للتقوى لباسًا توسعًا. قوله:} صنعة لبوسٍ لكم {[الأنبياء: 80] يعني به الدرع. قوله:} لباس الجوع والخوف {[النحل: 112] هذا من أبلغ الاستعارات وأوجزها إذا إنه جعل اللباس المستعار مما يذاق لذكره الجوع، لأن ما أذاقه. إنما هو للمأكول لا للملبوس. وفي الأمر لبسة، أي التباس. ولا بست الأمر: إذا زاولته أو خالطته أيضًا. وفي فلان ملبس، أي مستمتع. وفي الحديث: "يأكل وما يتلبس بيده طعام" أي ما يلتزق به لنظافة أكله صلى الله عليه وسلم. ل ب ن: قوله تعالى:} لبنًا خالصًا {[النحل: 6] اللبن: قال الليث: هو خلاف الجسد من بين الفرث والدم، وهو معروف ويجمع على ألبانٍ. ولبنته: سقيته اللبن. وفرس ملبون. وألبن فلان فهو ملبن: كثر لبنه، وألبنت الناقة فهي ملبن أيضًا. والملبن - بالكسر: ما يجعل فيه اللبن كالمحلب. واللبان: ما يرضع. قال أبو الأسود: [من الطويل]

1425 - فإن لا يكنه، فإنه ... أخوها غذته أمه بلبانها قيل: ويقال: أخوه بلبان أمه، ولا يقال: بلبن أمه. قال الراغب: لم يسمع ذلك واللبان - بالفتح - المصدر، وهو موضع اللبن، فأصله في الفرس، ثم يستعمل ذلك في الأناسي. وأنشد في حديث الاستسقاء: [من الطويل] 1426 - أتيناك والعذراء يدمى لبانها ... وقد شغلت أم الصبي عن الطفل يقول: العذراء من البنات دمي صدرها لامتهانها بالخدمة من الفقر. وإذا كانت العذراء التي من شأنها التخدير كذلك فما ظنك بغيرها؟ والملبنة: المعلقة إلي يؤكل بها اللبن، وفي الحديث: "صحيفة فيها خطيفة وملبنة". واللبانة: الحاجة؛ قال امرؤ القيس: [من الطويل] 1427 - خليلي مرا بي على أم جندب ... نقض لبانات الفؤاد المعذب وأصلها من الحاجة إلى اللبن، ثم استعملت في كل حاجة. وأما اللبن الذي يبني به فواحده لبنة، وقد لبن اللبن يلبنه: إذا ضربه. واللبان: ضاربه. قصل اللام والتاء ل ت ت: قوله تعالى:} أفرأيتم اللات والعزى {[النجم: 19] قرأ بعضهم "اللات" بتشديد التاء وزعم أنه اسم فاعل من: لت الدقيق ونحوه يلت فهو لات، قيل: وهو رجل كان في زمن موسم الحاج يلت السويق ويطعمه الناس، وكأنهم اتخذوا صورته في حجرٍ ونحوه ثم عبد، كما قيل ذلك في ود وسواعٍ أنهما صورتا رجلين ثم عبدا.

فصل اللام والجيم

فصل اللام والجيم ل ج أ: قوله تعالى:} ما لكم من ملجأ {[الشورى: 47] الملجأ: المعقل، وهو ما يتحصن به؛ قلعًة ونحوها. ويطلق على الأناسي أيضًا، فيقال: فلان ملجأ فلانٍ، أي يحوطه ويحويه، ومنه قوله صلى الله عليه وسلم: "لا ملجأ ولا منجى إلا إليك". ويقال: لجأت إليه ألجأ لجأ - بفتح العين - وملجأ، والتجأت إليه بمعنى الأول، والموضع: لجأ وملجأ. والتلجئة: الإكراه. وألجأته إليه: أكرهته عليه. وألجأت أمري إلى الله: أسندته إليه. وعمر بن لجأ شاعر مشهور؛ فلجأ منقول إما من المصدر أو من المكان ل ج ج: قوله تعالى:} أو كظلماتٍ في بحرٍ لجي {[النور: 40] اللجي هو البحر العظيم الذي لا يدرك قعره لتراكم مياهه، منسوب إلى اللجة، وهي معظم الماء، والجمع لجج، قال الشاعر: [من الطويل] 1428 - شربن بماء البحر ثم ترفعت ... متى لججٍ خضرٍ لهن نبيح واللج: البحر لعظم أمواجه وتياره. قوله تعالى:} فلما رأته حسبته لجًة {[النمل: 44] أي بعيدًا عظيمًا قعره. وفي الحديث: "من ركب البحر إذا التج" والتج الأمر: اختلط على الاستعارة. وفي الحديث: "إذا استلج أحدكم بيمينه فهو آثم عند الله" قال شمر: معناه أن يستمر على يمينه فلا يكفرها وزعم أنه صادق فيها. وقال غيره: أن يستمر عليها وإن رأى غيرها خيرًا

فصل اللام والحاء

منها. وقال النضر: استلج فلان متاع فان وتلججه: إذا ادعاه. وفي حديث طلحة: "قدموني فوضعوا اللج على قفي" قال شمر: اللج: السيف لغة طيئٍ. ونقل أبو عبيدٍ عن الأصمعي أنه السيف. ولم يقل بلغة طيءٍ. وقال بعضهم: شبهه بلجة البحر في هوله، وقيل سمي بذلك لتموج مائه. قوله تعالى:} بل لجوا في عتو {[الملك: 21] أي تمادوا في العناد، وفي الفعل المزجور عنه. وقيل: هو التردد؛ يقال: لج في الأمر يلج لجاجًا لتردده في إمضائه. ولجة البحر لتردد أمواجه. ولجة الليل لتردد ظلامه، ويقال في كل منهما: لج والتج واللجة - بالفتح - تردد الصوت وهي كثرة الصياح، وأنشد: [من الرجز] 1429 - في لجةٍ أمسك فلانًا عن فل وفي البيت شذوذ. واللجلجة: التردد في الكلام، ومن كلام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه: "الكلمة من الحكمة تلجلج في صدر المنافق حتى تخرج إلى صاحبها" يعني تتحرك وتتردد حتى يأخذها المؤمن وكتب عمر بن الخطاب إلى أبي موسى الأشعري: "الفهم فيما تلجلج في صدرك" واللجلجة - أيضًا - تردد الطعام في الحلق، وأنشد: [من الوافر] 1430 - يلجلج مضغًة فيها أنيض ورجل لجلج ولجلاج: إذا كان عييًا في كلامه. فصل اللام والحاء ل ح د: قوله تعالى:} إن الذين يلحدون في آياتنا لا يخفون علينا {[فصلت: 40]

الإلحاد واللحد: الميل؛ يقال: ألحد فلان عن كذا، ولحد: مال. وقرئ قوله تعالى:} يلحدون في آياتنا {بالوجهين. وأصله من اللحد، وهو الحفرة المائلة عن الوسط. وقد لحد القبر: حفره كذلك، وألحده: جعل له لحدًا، ولحدت الميت وألحدته: جعلته في اللحد، ويقال لذلك الموضع ملحد - بفتح الميم - من لحده، وملحدًا - بضمها - من ألحد. وألحد: جار عن الحق. وقال الأحمر: لحدت: جرت وملت، وألحدت: جادلت وماريت. قوله:} لسان الذي يلحدون إليه أعجمي {[النحل: 103] أي، يميلون إليه أعجمي. وكانوا يقولون - أخزاهم الله - إن نبينا صلى الله عليه وسلم يعلمه عداس عبد لثقيف، قال الله تعالى ردًا عليهم: إن لسان الذي نحوتم إليه أعجمي، ولسان محمدٍ صلى الله عليه وسلم عربي مبين، فبينهما بونً بعيد. قوله تعالى:} وذروا الذين يلحدون في أسمائه {[الأعراف: 180] أي يميلون فيصفون ربهم بغير ما يجوز عليه نفيًا وإثباتًا من أشياء افتروها عليه، تعالى عما يقولون. قوله تعالى:} ومن يرد فيه بإلحادٍ بظلمٍ {[الحج: 25] الإلحاد: الشرك بالله تعالى، ودخول الباء لمعنى تكلمنا عليه في موضعٍ هو أليق به من هذا. وقيل: هي زائدة كقوله تعالى:} ولا تلقوا بأيديكم {[البقرة: 195] وقول الآخر: [من البسيط] 1431 - سود المحاجر لا يقرأن بالسور قال الراغب: الإلحاد ضربان؛ إلحاد إلى الشرك بالله، وإلحاد إلى الشرك.

بالأسباب؛ فالأول ينافي الإيمان ويبطله، والثاني يوهي عراه ولا يبطله. ثم قال في قوله تعالى: والإلحاد في أسمائه على وجهين: أحدهما أن يوصف بما لا يصح وصفه به، والثاني أن يتأول أوصافه على ما لا يليق به. قوله تعالى:} ولن تجد من دونه ملتحدًا {[الكهف: 27] أي ملجًأ وموضع نجاةٍ. والتحد إليه: مال إليه. وألحد السهم الهدف: مال في أحد جانبيه. واللحادة: القطعة من الشيء، ومنها الحديث: "حتى يلقى الله وما على وجهه لحادة" أي قطعة لحم. ل ح ف: قوله تعالى:} لا يسألون الناس إلحافًا {[البقرة: 273] أي إلحاحًا. يقال: ألحف به يلحفه، أي ألح عليه في سؤاله، والمعنى: لا سؤال بإلحافٍ، كقول امرئ القيس: [من الطويل] 1432 - على لا حبٍ لا يهتدي بمناره ... إذا سافه العود النباطي جرجرا وقيل: المعنى يسألون ولكن سؤالهم ليس بسؤال إلحافٍ، ومنه استعير ألحف شاربه: إذا بالغ في قصه. واصل ذلك من اللحاف وهو ما يتغطى به كأنه شمله بسؤاله حتى غطاه به مبالغًة في ذلك. وقال الزجاج: معنى ألحف: شمل بالمسألة، ومنه اشتق اللحاف، وكان لرسول الله صلى الله عليه وسلم فرس يقال له اللحيف؛ فعيل بمعنى فاعلٍ، كأنه يلحف الأرض، أي يمسها ويغطيها بذنبه لطوله. ل ح ق: قوله تعالى:} وآخرين منهم لما يلحقوا بهم {[الجمعة: 3] أي لم يجيبوا بعد إلى هذا الوقت، فإن ما لنفي الماضي المتصل لزمن الحال، يقال: لحقته ولحقت به: إذا أدركته بعد تقدمه عليك لحاقًا. وألحقته بكذا أي جعلته مدركًا له، وكذا ألحقته إياه. قوله تعالى:} توفني مسلمًا وألحقني بالصالحين {[يوسف: 101] أي اجعلني

من عدادهم وداخلاً في زمرتهم. وقيل: ألحقه ولحقه واحد. قوله: "إن عذابك بالكافرين ملحق" بكسر الحاء على أن ألحقه بمعنى لحقه، ويروى بفتحها على قولك: ألحقت العذاب بزيدٍ، وقيل: من ألحقت به كذا، فنسب الفعل إلى العذاب تعظيمًا له، وأطلق على الدعي ملحق لأنه لا نسب له. واستلحق فلان فلانًا، أي اعترف بنسبته إليه. ل ح م: قوله تعالى:} أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتًا {[الحجرات: 12] كنى بذلك عن تناول الأعراض بما لا يليق، والغيبة، فصور لهم أن المغتاب بمنزلة من يأكل لحم أخيه ميتًا، وفيه منفرات كثيرة: أحدها: استفهام الإنكار والتعجب من ذلك. والثاني: إبراز الاستفهام عن المحبة لذلك والرغبة فيه مع العلم بنفرة الطباع عنه فضلاً عن محبته. الثالث: إسناد المحبة إلى أحد المخاطبين منهما، كان الأمر لفظاعته لا يواجه به واحد معين. الرابع: إضافته للمخاطبين تهييجًا لهم وإلهابًا. الخامس: تسلط المحبة على الأكل دون سائر الأفعال لأنه الغرض في الملاذ ومنتهى غاياته. السادس: تسلط الأكل على اللحم دون سائر ملك الإنسان من طعامٍ ونحوه. السابع: إضافة اللحم إلى أعز الأقارب عند الإنسان، وهم يتوجعون لفقد الإخوة أكثر من توجعهم لفقدان غيرهم، ولذلك قال الشاعر: [من الطويل] 1433 - أخاك أخاك إن من لا أخًا له ... كساعٍ إلى الهيجا بغير سلاح وإن ابن عم المرء فاعلم جناحه ... وهل ينهض البازي بغير جناح؟

الثامن: وصف اللحم بأقبح الصفات وأكثرها تنفيرًا عند المؤمنين وهو الميت منه، فالميت لو كان من مأكولٍ كانوا نافرين منه، فكيف به من الآدمي؟ وألحمتك فلانًا: أمكنتك من ثلبه وغيبته، وفي حديث جعفر: "فقاتل حتى ألحمه القتال" يقال: لحم الرجل واستلحم: إذا نشب في الحرب فلم يجد مخلصًا. ولحم: إذا قتل، فهو ملحوم ولحيم، كأنه صار لحمًا للسباع. وقول عمر رضي الله عنه: "ومنهم من ألحمه القتال" يحتمل المعنى الأول والثاني. والتحم الجرح: التزق خرقه. والمتلاحم في الشجاج: ما بلغت لحم الدماغ، وهي التي برأت فالتحمت أيضًا وتلاحمت، وأصله من اللحام، وهو ما بين العظام وعليها من اللحم لأنه يلزقها، ثم عبر به عن كل ما يلزق فيقال لحام. وألحم الرجل بالمكان: أقام به ولم يبرح، ومنه الحديث، قال صلى الله عليه وسلم لرجلٍ: "صم ثلاثة أيامٍ في الشهر وألحم عند الثالثة" قال بعضهم: وقف عند الثالثة فلم يزده عليها. اللحم لحمان ولحوم ولحام، نحو: بطن وبطنان، وفلس وفلوس. وكعب وكعاب. وفي الحديث: "إنه الله يبغض قومًا لحمين" وفي رواية: "أهل البيت اللحمين" قال سفيان الثوري: هم الذين يكثرون أكل اللحم، ومنه قول عمر رضي الله عنه: "اتقوا هذه المجازر فإن لها ضراوًة كضراوة الخمر". والملحمة المعركة، وجمعها ملاحم، إما لكونها تصير الأبطال فيها لحمًا، وإما لأنهم يتلاحمون فيها، أي يلتزق بعضهم ببعضٍ. ومن كلام يهود المدينة وقد قدموا للقتل: وملحمة كتبت على بني إسرائيل. ل ح ن: قوله تعالى:} ولتعرفنهم في لحن القول {[محمد: 30] قال أبو عبيدة والفراء

في نحو القول ومعنى القول: المراد في فحوى القول وقصد القول، وهو قريب من التورية والتعريض، ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم لسعد بن معاذٍ وسعد بن عبادة حين وجههما ليستعلما خبر قريظة: "فإن رأيتماهم على العهد فأعلنا بذلك وإلا فالحنا لي لحنًا أعرفه ولا تفتيا في أعراض المسلمين". وقيل: اللحن من حيث هو الميل، فاللحن الذي هو التورية: ميل وعدول عن الكلام الظاهر إلى غيره، واللحن الذي هو الخطأ في الإعراب: ميل وعدول عن الصواب إلى الخطأ، ولذلك قال بعضهم: اللحن صرف الكلام عن سننه الجاري عليها إما بإزالة الإعراب والتصحيف، وهو المذموم، وذلك أكثر استعمالاً، وإما عن التصريح وصرفه بمعناه إلى التعريض وفحوى، وهو محمود من حيث البلاغة وإياه قصد الشاعر بقوله: [من الخفيف] 1434 - منطق صائب وتلحن أحيا ... ناً، وخير الحديث ما كان لحنا وفي الحديث: "ما كان لحنًا" أي: ما كان مفهومًا لكل أحد بل للفطن، وقال بعض بني العنبر: [من الكامل] 1435 - ولقد لحنت لكم لكيما تفهموا ... ولحنت لحنًا ليس بالمرتاب قال الزجاجي: وذلك كقولك: والله ما رأيت زيدًا، أي ما ضربت رئته. ويقال لذلك القول: ملاحن القول، ولقائله ملاحن، وإليه أشار الطرماح بقوله: [من الطويل] 1436 - وأدت إلى القول عنهن زولًة ... تلاحن أو ترنو لقول الملاحن يقال: لاحنت فلانًا أي واطأته على كلامٍ يفهمه عني دون غير، وهذا كالاصطلاح

على بعض التعبير عن الأشياء بلفظٍ غير مستعملٍ في موضعه، وإلى هذا أشارت الكلبية بقولها: [من الطويل] 1437 - وقوم لهن لحن سوى لحن قومنا ... وشكل، وبيت الله، لسنا نشاكله قال الواحدي: أي لغة ومذهب في الكلام يذهبون إليه سوى كلام الناس المعتاد. قال أبو عبيدٍ: اللحن - بفتح الحاء - الفطنة، وبالكسر: الحاذق بالكلام الفطن له، وقد وقع الفرق بين المعنيين بتغيير الحركة في الماضي وبتغيير الصيغة في الصفة، فيقال: لحن في كلامه، أي أخطأ الإعراب يلحن - بالفتح - فيهما فهو لاحن. ولحن - بالكسر - يلحن - بالفتح - إذا فطن وفهم أو درى فهو لحن. وأما المصدر فاتفقا فيه وهو اللحن بزنة اللحم. وقال الفراء: يقال للرجل يعرض ولا يصرح جعل ذلك لحنًا لحاجته، ويقال من هذا: لحن يلحن - بالفتح - فإما لحن - بالكسر - يلحن فالمراد به: فطن وفهم، ومنه قوله صلى الله عليه وسلم: "ولعل بعضهم ألحن بحجته من بعضٍ" أي أفطن. قلت: وعلى هذا فقد وقع الفرق بين لحن ولحن بالفتح والكسر، من وجهٍ آخر؛ فبالفتح أي عرض وجعل ذلك لحنًا لحاجته، وبالكسر إذا فهم ذلك وفطنه عن غيره، وصار لحن - بالفتح - مشتركًا بين الخطأ في الإعراب وبين التعريض والتورية. وفرق بعضهم بين لحن ولحن أيضًا بالمصدر؛ فقال: أخطأ اللحن بسكون العين ومصدر فطن بفتحها مع الفرق بما تقدم، وجعل من ذلك ما حكي عن معاوية وعبد الله بن زياد فقيل: إنه ظريف على أنه يلحن، قال: أوليس ذلك أظرف له؟ عنى معاوية بذلك اللحن بفتح الحاء وهو الفطنة وقال غيره: لم يرد إلا اللحن المعهود وهو الخطأ في الكلام والعدول عن سنن الإعراب، أي التشدق والتفاصح في الكلام، ألم تسمع قول الآخر: [من الخفيف]

فصل اللام والدال

1428 - وخير الحديث ما كان لحنًا أي هو مستملح من المتكلم، فإن التقعر في الكلام مستهجن، وهذا ليس بشيء لأن العدول عن سنن الأعراب خطأ فاحش. وأما البيت فقد تقدم أن أكثر الأدباء على أنه الفطنة أو التعريض. واللحن - أيضًا - لغة، ومنه قول عمر رضي الله عنه: "تعلموا اللحن كما تعلمون القرآن" وعن أبي ميسرة: "العرم المسناة بلحن اليمن" أي بلغتهم. قال أبو عبيدة في تفسير كلام عمر أي تعلموا الخطأ في الكلام، ومنه قول أبي العلية: "كنت أطوف مع ابن عباسٍ فيعلمني اللحن" قلت: يعلمه ليتجنبه فغنه يتعلم الصواب ليرتكب والخطأ ليتجنب. وقيل: عنى بذلك إنه كان يميل بلغته أي لغة الفرس. وعن عمر بن عبد العزيز: "عجبت لمن لاحن الناس كيف لا يعرف جوامع الكلم" أي فاطنهم. وقال أبو الهيثم: اللحن والعنوان واحد وهما العلامة، يشير بها الإنسان إلى آخر ليفطن. فصل اللام والدال ل د د: قوله تعالى:} وهو ألد الخصام {[البقرة: 204] أي شديد الخصومة. واللدد: شدة الخصومة. يقال: رجل من قومٍ لد، ومنه قوله تعالى:} قوما لدًا {[مريم: 97] وامرأة لداء وجمعها لد كالمذكر كحمرٍ لأحمر وحمراء، وهو منقاس في ذلك كما بيناه في موضعه. وإنما سمي الشديد الخصومة ألد، اشتقاقًا من لديدي الإنسان وهما جانبا الفم، لأن المخاصم لك كلما أخذت في جانبٍ أخذ في آخر من الجدال. وقيل: من لديدي العنق، وهما جانباه، إذ إنه شديد اللديد وهو صفحة العنق لأنه لا يمكن صرفه

عما يريده، يقال: لد زيد يلد لددًا فهو ألد، وفي حديث علي كرم الله وجهه: "رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في النوم فقلت: يا رسول الله ماذا لقيت بعدك من الأود واللدد" قال المبرد: الأود: العوج واللدد: الخصومات. ولددته اللدة، أي غلبته في اللدد، وفي الحديث: "خير ما تداويتم به اللدود" هو ما سقي الإنسان في أحد شقي الفم، وفي حديثٍ آخر: "أنه لد في مرضه" وقيل: هو ما سقي الإنسان من وراء في أحد شقي وجهه، وقد التددت ذلك. والتلدد - أيضًا - التلفت يمنًة ويسرًة تحيرًا من لديدي العنق لأنه كلما التفت تحرك لديداه. ل د ن: قوله تعالى:} وهب لنا من لدنك رحمًة {[آل عمران: 8] لدن: ظرف لأول غاية زمانٍ أو مكانٍ فهو متردد بين ظرفين، ويضاف للزمان، ومنه قول الشاعر: [من الرجز] 1439 - سقى الرعيدة في ظهيري ... من لدن الظهر إلى العصير بخلاف عند، والفرق بينهما أيضًا أن عند لا يستدعي حضورًا ولدن يستدعيه؛ تقول: عندي مال وإن كان غائبًا من مجلسك، ولا تقول لدي إلا وهو بمجلسك. وقد تضاف إلى جملةٍ اسميةٍ، كقول الشاعر: [من الطويل] 1440 - تذكر نعماه لدن أنت يافع ... إلى أنت ذو فودين أبيض كالنسر وفيها لغات كثيرة حررناها في "إيضاح السبيل" ولما ذكرناه من الفرق المعنوي بينهما، قال تعالى:} آتيناه رحمًة من عندنا وعلمناه من لدنا علمًا {[الكهف: 65] لما كان العلم أشرف الأشياء أتى معه بالظرف الأخص تنبيهًا على شرفه، وإلا فالظرفية الحقيقة مستحيلة في جانب الباري تعالى. وتلدنت في الأمر: مكثت فيه، وفي الحديث: "أن رجلاً ركب ناضجًا له فبعثه

فصل اللام والذال

فتلدن عليه" أي مكث وتباطا. ل د ي: قوله تعالى: {وألفيا سيدها لدى الباب} [يوسف: 25] لدي: قيل بمعنى عند، وقيل: لغة في لدن، وجرت ألفها مجرى ألف وعلى في قلبها ياًء مع المضمر نحو: لدي ولديك ولديه. وتسلم مع المظهر، وقد تسلم ألف الثلاثة مع المضمر حملاً له على المظهر، وأنشدوا: [من الوافر] 1441 - إلاكم يا جياعة لا إلا نا ... على قصر اعتمادكم علانا فلو برئت لكم علمتم ... بأن شفاء ذاتكم لدانا يريد: إليكم، إلينا، لدينا، ولها أحكام أخر. فصل اللام والذال [ل ذ ذ]: قوله تعالى:} ما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين {[الزخرف: 71]. فصل اللام والزاي ل ز ب: قوله تعالى:} من طينٍ لازبٍ {[الصافات: 11] أي ثابت شديد اليبوسة، كقوله:} من صلصال كالفخار {[الرحمن: 14] ولذلك فسره بعضهم بالثابت الشديد الثبوت. وقال مجاهد: هو ما لصق باليد، وهذا يؤذن بأنه طري فيه نداوة. ويقال: ضربة لازبٍ ولازمٍ. وهذا أمر لازب ولازم ولاتب، أي لابد منه. واللزبة: السنة الجدبة. ولله در بين فلانٍ ما أشد في الهيجاء لقاءها وأكثر في اللزبات عطاءها!. ل ز م: قوله تعالى:} فسوف يكون لزامًا {[الفرقان: 77] اللزام: التلازم، وهو عدم

الانفكاك، والتقصي من الشيء. يقال: لزمه يلزمه لزومًا، ولازمه ملازمًة ولزامًا. وقيل: هو طول مكث الشيء مع غيره. والمعنى فسوف يكون التكذيب لازمًا لمن كذب حتى صار يعلمه. وقيل: فسوف يكون آخر التكذيب لزامًا غير منفكٍ عنكم. قال أبو عبيدة: لزامًا، أي فيصلاً. وقال غيره: فسوف يلزمكم التكذيب فلا تعطون التوبة. وألزمتك كذا: جعلتك لازمًا له. قوله تعالى:} وألزمهم كلمة التقوى {[الفتح: 26] أي جعلهم ملازمين لها، وهي كل كلامٍ فيه تقوى من أمرٍ بمعروفٍ، ونهيٍ عن منكرٍ، وتلاوة قرآنٍ، ودراسة علمٍ وتدريسه، وإرشاد ضالٍ، ونحو ذلك. ومن قال: أنها كلمة التوحيد فلقد صدق لأنها ملاك ذلك كله. وقوله:} وألزمهم كلمة التقوى {لا يريد الكلمة الفردة، بل الطائفة الدالة على ذلك كقوله تعالى:} تعالوا إلى كلمةٍ {[آل عمران: 64]} كلا إنها كلمة {[المؤمنون: 100] أصدق كلمةٍ. وقد شرحنا ذلك غير مرةٍ. ثم الإلزام يكون نوعين؛ نوع بالتسخير من الباري تعالى أو القهر عليه من الإنسان. وإلزام بالحكم والأمر كقوله تعالى:} وألزمهم كلمة التقوى {الظاهر إنه من النوع الأول وهو من التسخير من الباري تعالى، ويرشحه قوله تعالى:} وكانوا أحق بها وأهلها {[الفتح: 26] وقيل: هو من الثاني، أي حكم لهم بذلك وأمرهم به. واللزوم من المصادر التي جاءت على فعولٍ للمتعدي وهي محفوظة، بل فعول لازم كالجلوس والقعود. قوله:} لكان لزامًا {[طه: 129] أي لكان القتل يوم بدرٍ لازمًا لهم، أي عقوبته وأثره ملازمة لهم في الدنيا. وقال آخرون: لكان القتل الذي نالهم يوم بدرٍ لازمًا لهم أبدًا، ولكان العذاب لازمًا لهم فيه، وهذا تسامح من قائله، إذ نفس القتل لا يبقى متطاولاً إنما هو العقوبة الناشئة عنه. ل س ن: القدرة ودلالة الآية على اختلاف لغات الخلائق حتى تجد الجيل الواحد يتكلم بلغاتٍ شتى؛ هذه العرب يتكلم بعضها بما لا يفهمه الآخر، ولذلك سألت الصحابة

النبي صلى الله عليه وسلم عن تفسير كثيرٍ من ألفاظ القرآن. ويحكى عن ابن عباسٍ وأنظاره كثير من نحو: "ما كنت أدري، ما معنى كذا. حتى اختصم، حتى سمعت" وهذه الحبشة لها عدة لغاتٍ، وكذا الترك والفرس. فسبحان من لا تختلف عليه اللغات ولا تغلطه المسائل. وفي بعض التواريخ أن الإسكندر رأى بحرًا بأقصى الشرق، فأراد معرفةٍ آخره، فأرسل قومًا في سفنٍ متعددةٍ، وزودهم بكثير من الزاد ما يكفيهم أربع عشرة سنًة. وقال: إذا مضت سبع فارجعوا لئلا تهلكوا. فساروا فلم يدركوا آخره، غير أنهم رأوا سفنًا في البحر وفيها أقوام فقاتلوهم. فظفر بهم أصحاب الإسكندر، فأتوه بهم فلم يعرف أحد من حاشية الإسكندر - على كثرتهم واختلاف أجناسهم. لغة أولئك، ولا هم يعرفون لغة غيرهم. فأشار بعض الحكماء أن يزوج من نسائهم لرجال هؤلاء، ومن رجالهم بنسائهم. ففعل. فنشأت الأولاد بينهم تعرف بلغة آبائها وأمهاتها، فحدثوا عنهم بأن ملكهم أرسلهم فيما أرسل فيه الإسكندر. وقال الراغب: إشارًة إلى اختلاف اللغات واختلاف النغمات فإن لكل إنسانٍ نغمةً مخصوصًة، يتميزها السمع، كما أن له صورًة مخصوصًة يتميزها البصر. قوله تعالى:} واحلل عقدًة من لساني {[طه: 27] المراد قوة لساني، يعني جودة الكلام وقوة الخطاب. قال الراغب: فإن العقدة لم تكن في الجارحة، وإنما كانت في قوته التي هي النطق به. قلت: وهو الظاهر إلا أن المفسرين نقلوا أنه لما وضع فرعون بين يدي موسى عليه السلام تمرًة وجمرًة ليختبره في قصةٍ جرت، أخذ الجمرة فوضعها في فمه، فاحترق لسانه، فكان فيه أثر أثر في كلامه. ولذلك قال موسى عليه السلام في حق أخيه هارون:} هو أفصح مني لسانًا {[القصص: 34] وقال فرعون:} ولا يكاد يبين {[الزخرف: 52] فسال عليه السلام إزالة ذلك الأثر المؤثر. واللسان يذكر ويؤنث؛ فإن ذكر جمع على الألسنة، نحو حمار وأحمرة. وإن أنث جمع على ألسنٍ، نحو عقابٍ وأعقبٍ. قوله تعالى:} وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه {[إبراهيم: 4] أي بلغتهم

فصل اللام والطاء

ليفهموا عنه ما يخاطبهم به فيراح عليهم. فإن قيل: فنبينا صلى الله عليه وسلم أرسل على العجم والعرب مع اختلاف لغتهم فقد أرسل بلسان العرب لأعم من العرب، فالجواب أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يبعث إلى قومه خاصة. كما أخبر به صلى الله عليه وسلم وأما نبينا صلى الله عليه وسلم فبعث إلى الناس كافةٍ، فلم يبق إلا أن يرسل بأحد الألسنة. ولما كان أشرفها اللسان العربي أرسل به. وقد كان صلى الله عليه وسلم يخاطب بعضهم بلغته، فلو أدت الحاجة إلى أن يكلم كل أحد بلغته لكلمهم. وأيضًا فإن ترجمة اللغة العربية بلغةٍ أخرى مستفيض، فاستغني عن غير اللسان العربي. وأما القرآن فلم تجز قراءته إلا باللسان العربي. وما يروى عن أبي حنيفة من جواز ترجمته بالفارسية فمرجوع عنه. واللسن: حدة الكلام وقوة اللسان. ورجل لسن: بين اللسن. ولسنت الرجل: أخذته بلساني: ومنه حديث عمر وامرأةٍ: "لسنتك" وقال طرفة: [من الرمل] 1442 - وإذا تلسنني ألسنها ... إنني لست بموهونٍ، فقر وفي الدعاء: "ونعوذ بك من شر اللسن" قوله تعالى:} فإنما يسرناه بلسانك {[مريم: 97] أي بلغتك. فصل اللام والطاء ل ط ف: قوله تعالى:} إن ربي لطيف لما يشاء {[يوسف: 100] اللطيف في صفات الله تعالى بمعنى الرفيق بعباده حيث لم يكلفهم إلا ما يطيقون، يقال: لطف له يلطف لطفًا: إذا رفق به. وكان من حقه أن يتعدى بالباء كنظيره، وإنما عدي باللام لتضمنه معنى الإيصال كأنه قيل: أوصل له اللطف. ولطف الله بك، أي أوصل إليك لطفه. وأما لطف بالضم - فمعناه دق وصغر. وقيل: اللطيف في غير صفة الله تعالى إذا وصف به الجسم

فصل اللام والظاء

فضد الجثل. ويعبر باللطف واللطافة عن الحركة الخفية وعن تعاطي الأمور الدقيقة. وقد يعبر باللطيف عما لا تدركه الحاسة. ويصح أن يكون وصف الله تعالى به على هذا الوجه، وأن يكون لعلمه بدقائق الأمور، وأن يكون لرفقه بالعباد في هدايتهم، وفي غير ذلك فقوله:} إن ربي لطيف لما يشاء {أي حسن الاستخراج تنبيهًا على ما أوصل إليه يوسف حيث ألقاه إخوته في الجب. وقد يعبر عن التحف المتوصل بها إلى استجلاب المودة باللطف. فيقال: ألطف لأخيك كذا، وألطف بكذا أي اهد له هديًة، ومنه في المعنى قوله عليه الصلاة والسلام "تهادوا تحابوا". فصل اللام والظاء ل ظ ي: قوله تعالى:} كلا إنها لظى {[المعارج: 15] لظى: اسم من أسماء جهنم أو من أسماء طباقها، وعلى التقديرين ففيها العلمية والتأنيث فمنعت من الصرف. وأصل اللظى اللهب الخالص، وقد لظيت النار تلظى، وتلظت تتلظى أي التهبت. قوله تعالى:} فأنذرتكم نارًا تلظى {[الليل: 14] أي تتلظى، فحذفت إحدى التاءين نحو} تنزل الملائكة {[القدر: 4] وللنحاة في المحذوفة قولان. فصل اللام والعين ل ع ب: قوله تعالى:} وما هذه الحياة الدنيا إلا لهو ولعب {[العنكبوت: 64] اللعب فعل ما لا فائدة فيه. وقيل: ما فعل من غير قصدٍ صحيحٍ، وهو بمعنى الهزل، فهو ضد الجد، وقيل: اللعب: كل عملٍ لا يجري على فاعله نفعًا، ويقال من هذا: لعب - بالكسر - يلعب - بالفتح - لعبًا وأما لعب - بالفتح - يلعب فمعناه سال لعابه. واللعبة: المرة من اللعب. وبالكسر: الحالة، وبالضم اسم ما يلعب به كالغرفة واللقمة. ورجل تلعابة كثير اللعب. والملعب - بالفتح -: موضع اللعب، وجمعه ملاعب

قال الشاعر: [من الطويل] 1443 - وأسقيه حتى كاد مما أبثه ... تكلمني أحجاره وملاعبه ولعاب النحل: العسل، تصويرًا له بصورة اللعاب، وكذا لعاب الشمس لما يتراءى كنسج العنكبوت متصلاً بأشعتها. ل ع ل: قوله تعالى:} لعله يتذكر أو يخشى {[طه: 44] لعل: في الأصل حرف ترجٍ وإشفاق كـ "عسى". وذلك في حق الباري محال، فإذا ورد لفظ يوهم ذلك صرف إلى المخاطب، فقوله للنبيين الكريمين:} فقولا له قولاً لينًا لعله يتذكر {اذهبا في طمعكما في ذلك ورجائكما له طامعين. ومن ثم قال سيبويه: إن لعل من الله واجبة إن لم يرد بها حقيقتها بالنسبة إلى الباري تعالى، وما قدمناه من التأويل هو قول الحذاق. قوله:} لعلنا نتبع السحرة {[الشعراء: 40] فهذا طمع صريح منهم. وقد زعم بعضهم أنها ترد تعليلاً كقوله تعالى:} وافعلوا الخير لعلكم تفلحون {[الحج: 77] ونظائره، فإن المعنى كي تفلحوا، وليس كما زعم بل معناه افعلوا ذلك راجين الفلاح وطامعين فيه لا قاطعين به، فإن القبول لله تعالى، وهذا كقوله:} ويرجون رحمته ويخافون عذابه {[الإسراء: 57]. وزعم آخرون أنها ترد استفهامًا، وجعل منه قوله صلى الله عليه وسلم لبعض صحابته وقد دعي له: "لعلنا أعجلناك؟ ". وقوله تعالى:} وما يدريك لعله يزكى {[عبس: 3] أي وهل. ولذلك علق به فعل العلم، وفيه بحوث ليس هذا موضعها. وقد تجربها بعض العرب بالله اللام الأولى كقول الشاعر: [من الوافر] 1444 - لعل الله فضلكم علينا ... بشيءٍ إن أمكم شريم

أو محذوفها كقول الآخر: [من الرجز] 1445 - عل صروف الدهر أو دولاتها تديلن اللمة من لماتها فتستريح النفس من زفراتها وقد تكسر في ذلك لامها الأخيرة. وقد أنشد قوله: "لعل الله" بالوجهين، وفيها لغات كثيرة: لعل، عل لعن، رعن، لأن، أن، ومنه قوله تعالى:} وما يشعركم أنها إذا جاءت لا يؤمنون {وقال امرؤ القيس: [من الكامل] 1446 - عوجا على الظلل المحيل لأننا ... نبكي الديار كما بكى ابن خذام أي لعلنا. ويقال: لعلت - بالتاء - وهي أعز بها. وتعمل عمل إن في نصب الاسم ورفع الخبر، وقد تقدم أنها تجر ومعناها جارة كمعناها ناصبًة رافعًة، فمرفوع على اللغتين، وإذا جرت فلا معلق لها كالزائد، ولا عند سيبويه. ل ع ن: قوله تعالى:} ألا لعنة الله {[هود: 18] اللعن: الطرد والإبعاد على سبيل السخط، وهو من الله تعالى؛ في الأخرة عقوبة وفي الدنيا انقطاع من قبول فيضه وتوفيقه. وأما من الناس فهو الدعاء بذلك. قوله:} أولئك الذين لعنهم الله {[النساء: 52] أي أبعدهم من رحمته، وكان الرجل إذا تمرد أبعدته العرب خوف أن تلحقهم جريرته فيقولون: هو لعين بني فلانٍ أي ملعونهم. قوله:} والشجرة الملعونة في القرآن {[الإسراء: 60] قيل: عنى بها شجرة الزقوم، وجعلت ملعونة، والمراد آكلوها فاتسع في الكلام، وقد سميت بذلك لأن كل طعامٍ كريه

فصل اللام والغين

يقال له ملعون، وقوله:} في القرآن {يعني أن النص على كراهتها في القرآن، وهو قوله تعالى:} إن شجرة الزقوم طعام الأثيم كالمهل يغلي في البطون كغلي الحميم {[الدخان: 43 حتى 45] ولا شيء أكره من ذلك الموصوف ببعض هذه الصفات فكيف بكلها؟ وفي التفسير إنها أبو جهلٍ وذلك على سبيل التمثيل لا الحقيقة. وفي الحديث: "اتقوا الملاعن" نهى عن قضاء الحاجة في المواضع التي يلعن فيها من يفعل ذلك كقارعة الطريق والظل ومتحدث الناس، فهي جمع ملعن وهو موضع اللعن. ورجل لعنة: كثير اللعنة، نحو ضحكةٍ. فصل اللام والغين ل غ ب: قوله تعالى:} وما مسنا من لغوبٍ {[ق: 38] أي تعبٍ وإعياءٍ، يقال: لغب يلغب لغوبًا، وأتانا لاغبًا: أي جائعًا تعبًا. ورجل لغب بين اللغابة، أي ضغيف بين الضغف. وعن بعض الأعراب: فلان لغوب أتته كتابي فاحتقرها، أي ضعيف الراي. ويحكي أنه قيل لهذا القائل: كيف تقول كذا؟ فقال: أليس الكتاب بمعنى الصحيفة؟ يعني أنث على المعنى. ومثله قول الآخر: [من الطويل] 1447 - وقد خاب من كانت سريرته الغدر لأن الغدر بمعنى الخيانة، وقيل غير ذلك، وله مقام. وفي الحديث: "أن أهدى إليه سلاحًا فيه سهم لغب" قيل: هو الذي لم يلتئم ريشه فإذا التأم فهو لؤام. وقيل: لأن قدره ضعيفة، فهو راجع لمعنى الضعف.

ل غ و: قوله تعالى:} والغوا فيه {[فصلت: 26] أي إيتوا فيه باللغو والصياح. وقيل: معناه عارضوه بكلامٍ لا يفهم. يقال: لغوت ألغو، واللغو واللغا، ولغيت - بالكسر - ألغى - بالفتح. فقوله:} والغوا فيه {يجوز أن يكون من لغيت ولغوت؛ إما من "لغيت" فظاهر نحو: ارضوا، من رضي يرضى فإنه من الرضوان. وإما من لغوت فعلى لغة من يقول في مضارعه يلى بالفتح، وهذه اللغة ترد في قول من قال: إن قوله تعالى:} والغوا {من لغى - بالكسر - لا من لغا - بالفتح -. وفي الحديث: "فقد لغوت" أي أتيت بلغوٍ. واللغة: ما تكلمت به الأمة من الناس على اختلاف ألسنتهم. واللغة هل هي توقيفية أو اصطلاحية قولان. وذلك من لغى يلغى - كذا - إذا لهج به، وأصله من لغا العصفور: إذا صاح وصوت. وكذا يقال في غيره من الطيور. وأصل لغةٍ لغوة فحذفت اللام وجعلت الهاء عوضًا منها. قوله تعالى:} لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم {[المائدة: 89]. اختلف في اللغو في هذه الآية؛ فقيل: هو ما لا يعتد به، وذلك إذا لم يقصد به عقد اليمين بدلالة قوله:} ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان {[المائدة: 89]. وفي موضعٍ آخر} بما كسبت قلوبكم {[البقرة: 225]. وعن عائشة في آخرين: "هو قول الرجل في أثناء محاورته وكلامه: لا والله، وبلى والله، من غير قصد يمينٍ"، ولذلك فسره بعضهم فقال: اللغو ما لا يعتد به من الكلام، ولا يورد عن روية وفكرٍ، فيجري مجرى اللغا وهو صوت العصافير ونحوها، قال أبو عبيدة: يقال لغو ولغًا نحو عيبٍ وعابٍ وأنشد قول الشاعر: [من الرجز] 1448 - عن اللغا ورفث التكلم وإياه قصد الشاعر بقوله: [من الطويل]

1449 - ولست بمأخوذٍ بلغوٍ تقوله ... إذا لم تعمد عاقدات العزائم وقال ابن عرفة: اللغو الشيء المسقط الملقى المطروح؛ يقال لغا زيد: تكلم بكلامٍ ساقطٍ مطروحٍ، وألغى: أطرح. وأنشد: [من الوافر] 1450 - ويهلك بينهما المرئي فيها ... كما ألغيت في الدية الحوارا وقيل: هو أن يتيقن شيئًا أو يغلب على ظنه فيحلف عليه فيتبين خلافه. وقيل: الحلف على المعصية. وقيل: الحلف في الغضب. وقيل: هو تحريم الرجل على نفسه ما أحل الله له كقوله: إن فعلت كذا فمالي حرام. وقيل: دعاء الرجل على نفسه. وقد أتقنت هذه المسألة ولله الحمد، وذكرت اشتقاقها واختلاف الفقهاء اللغويين فيها واستدلال كل فريقٍ وما رد به عليه، وما أجيب به عنه، ووصلنا الأقوال إلى عشرةٍ في "القول الوجيز في أحكام الكتاب العزيز". قوله تعالى:} وإذا مروا باللغو مروا كرامًا {[الفرقان: 72] قيل: هو القبيح، وذلك أنهم إذا قصدوا أن يتكلموا الشيء فيه قبح كنوا عنه، أي إذا رأوا أهل اللغو لم يخوضوا معهم فيه؛ بل إما أن يسكتوا إن أمكن وإلا كنوا عن ذلك. وقال الفراء: وإذا مروا بالباطل. قوله:} وإذا سمعوا اللغو أعرضوا عنه {[القصص: 55] أي الكلام القبيح وما لا ينبغي. وكذا قوله:} لا يسمعون فيها لغوًا {[مريم: 62] قيل: كلامًا قبيحًا، وقيل: الساقط من القول، وقيل: ما لا يرضون، وكل ذلك كائن عدمه. قوله:} لا تسمع فيها لاغيًة {[الغاشية: 11] أي لغوًا، ففاعلة هنا مصدر، كقوله:} فهل ترى لهم من باقيةٍ {[الحاقة: 8] أي بقاًء، قاله الأزهري، وقال غيره: أي قائلًة لغوًا، فجعله اسم فاعلٍ على بابه والتاء فيه للمبالغة، وهو أحسن لأن المصادر على فاعلةٍ لا ينقاس مع نزاعٍ فيها. وفي حديث الجمعة: "من مس الحصى فقد لغا" يعني أنه بمنزلة من يقول لغوًا. وقيل: مال عن الصواب، وقيل: خاب؛ يقال: ألغيته، أي خيبته،

فصل اللام والفاء

قاله النضر. وفي الحديث: "والحمولة المائرة لهم لاغية" المائرة: التي تحمل الميرة، ومعنى لاغية أي لا يعتد بها عليهم في الصدقة؛ ففاعلة هنا بمعنى النسب أي ذات لغوٍ كقوله:} عيشةٍ راضيةٍ {[الحاقة: 21] وهو أحسن من قول من قال: إن فاعلة هنا بمعنى مفعولة أي ملغاة ومرضية. فصل اللام والفاء ل ف ت: قوله تعالى:} أجئتنا لتلفتنا {[يونس: 78] أي لتصرفنا وتحرفنا، يقال: لفته يلفته لفتًا فالتفت، أي صرفه عن وجهه ومراده، وأنشد: [من الطويل] 1451 - تلفت نحو الحي حتى وجدتني ... وجعت من الإصغاء ليتا وأخدعا وامرأة لفوت: تكثر الإلتفات عن زوجها لولدها من غيره، وهي أيضًا الناقة التي تلتفت لحالبها لتعضه فينهزها فتدر. ومنه الحديث "وأنهز اللفوت وأضم العنود". واللفيتة: ما غلظ من العصيدة، ومنه الحديث: "وأن أمة اتخذت لهم لفيتًة من الهبيد" وقيل: هو نوع من الطبيخ. وفي الحديث: "كان إذا التفت التفت جميعًا" يعني لا يلوي عنقه يمينًا ولا يسارًا لأن ذلك فعل الشيطان، بل يلتفت ببدنه كله ليقبل على الأمر الذي يقصده. وقيل: هو كناية عن سارقة النظر أي كان لا يسارق النظر، ويؤيده أنه كان يحرم عليه} خائنة الأعين {[غافر: 19]، أي لا يغمز بعينيه مشيرًا لقتل أحدٍ ونحوه. وفي حديث حذيفة: "كان من أقر الناس منافق لا يدع منه واوًا ولا ألفًا يلفته بلسانه كما تلفت البقرة الخلا بلسانها" يريد: يلوي به لسانه ويلفته.

واللفت والفتل واحد، ولذلك زعم أن أحدهما مقلوب من الآخر كأنه رضي الله عنه نهى عن الاغترار بمن يقرأ القرآن؛ فرب قارئ هذه صفته، وهذا في ذاك الزمان فكيف في زماننا؟ فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. والخلا - بالقصر - المرعى. ل ف ح: قوله تعالى:} تلفح وجوههم النار {[المؤمنون: 104] أي تضرب وتصيب. يقال: لفحته النار والسموم ونفحته، أي أصابته، إلا أن اللفح أشد من النفح، ولذلك أتي به هنا دون النفح لأن المقام مقام تهويلٍ، وأتى بالنفح هنا تنبيهًا على أنهم إذا أصابهم أدنى شيءٍ من ذلك استغاثوا وجأروا، ومن ثم نكرت النفحة للقليل، ومنه استعير: نفحته بالسيف، أي ضربته. ل ف ظ: قوله تعالى:} ما يلفظ من قولٍ {[ق: 18] اللفظة لغًة الطرح والإلقاء؛ يقال: لفظ البحر زبده، ولفظت الرحى الدقيق، أي طرحاهما. وفي اصطلاح أهل اللسان: ما خرج من بين الشفتين حروفًا مقطعًة، وهو أعم من القول لأنه يطلق على المهمل والموضوع، والقول لا يطلق إلا على الموضوع، وهو مصدر لفظ يلفظ، والقول أعم من الكلام لانطلاقه على المفرد والمركب، وبين الكلام والكلم عموم وخصوص من وجهٍ. وقد بينا ذلك في غير هذا. قال بعضهم: اللفظ بالكلام مستعار من لفظ الشيء من الفم ولفظ الرحى الدقيق. ويقال للديك: لافظة، لطرحه ما يلتقطه لدجاجه؛ فهو لافظ. وفائدة قوله تعالى:} من قولٍ {تنبيهك على أن المؤاخد به إنما هو الموضوعات دون المهملات، بل اخص من ذلك هو الكلام المفيد، لأن القول يطلق على المفرد والمركب. ل ف ف: قوله تعالى:} فإذا جاء وعد الآخرة جئنا بكم لفيفًا {[الإسراء: 104] أي منضمًا بعضكم إلى بعض، من لففت الشيء إذا ضممته وجمعته متراكبًا بعضه على بعضٍ لفًا.

فصل اللام والقاف

وجاؤوا ومن لف لفهم، أي ومن انضم إليهم، وقيل: معناه أتينا بكم من كل قبيلةٍ. قوله تعالى:} وجناتٍ ألفافًا {[النبأ: 16] أي ملفتًة، يصفها بكثرة الأغصان والورق المتضمن للظل، والظل أحب شيءٍ للعرب. والألف: الذي يتدانى فخذاه من سمنه. والألف - أيضًا - الثقيل البطيء من الناس. والألفاف: جمع لف - بالكسر - بمعنى ملفوفٍ، فهو كعدلٍ وأعدال وحمل وأحمال وعد وأعداد. وقيل: بل هو جمع لف - بالضم -. ولف جمع آلفٍ وألفافٍ، نحو حمرٍ. يقال جنة لفاء أي كثيرة الشجر، فألفاف جمع الجمع. واللفيف من الناس: المجتمعون من قبائل شتى، فكذا اللف. وفي الحديث "كان عمر - والله - وعثمان لفًا" أي حزبًا واحدًا، وفي حديث أم زرعٍ: "إن أكل لف" أي جمع، وقيل: خلط من كل شيءٍ. وقد قالت بعض الأعراب تذم زوجها: "إن ضجعتك لا نجعافٍ وإن شملتك لالتفافٍ، وإن شرتك لاستفافٍ، وإنك لتشبع ليلة تضاف وتنام ليلة تخاف". وسمى الخليل الكلمة المعتل منها حرفان أصليان لفيفًا، وهذا عند الصرفيين فيه تفصيل إن توالي حرفا العلة سموه لفيفًا مقرونًا نحو يومٍ، وإلا فمفروقًا نحو وعى ووقى. ل ف ي: قوله تعالى:} وألفيا سيدها {[يوسف: 25] أي وجداه؛ يقال: ألفيت الشيء: وجدته، وألفيته، ويستعمل بمعنى الظن فينصب مفعولين. قوله تعالى:} إنهم ألفوا آباءهم ضالين {[الصافات: 69] أي وجدوهم، وضالين: حال، وقيل: معناها الظن فهو مفعول ثانٍ. فصل اللام والقاف ل ق ب: قوله تعالى:} ولا تنابزوا بالألقاب {[الحجرات: 11]. الألقاب: جمع لقب، وهو في الآية ما لا يشعر بصفة مسماه لدلالة السياق عليه، وإلا فاللقب في الأصل ما أشعر بصفة المسمى أو رفعته؛ فالأول نحو: قفة وبطة، والثاني نحو: الفاروق وعتيق. ولذلك

قال بعضهم: اللقب ضربان: ضرب على سبيل التشريف كألقاب السلاطين، وضرب على سبيل النبز، وإياه قصد بقوله:} ولا تنابزوا بالألقاب {. وقد حمل بعضهم الآية فلا يجيز التلقيب البتة، لأنه إن كان قبيحًا ففيه إيذاء وإن كان شريفًا ففيه إطراء. وكان طائفة من العرب تلقب "بنو أنف الناقة" فيتأذون بذلك حتى قال الشاعر: [من البسيط] 1452 - قوم هم الأنف والأذناب غيرهم ... ومن يسوي بأنف الناقة الذنبا؟ فصار لذلك أحب الأسماء إليهم. ومن ذلك ما يروى عن أمير المؤمنين علي رضي الله عنه أنه كان يقول: "أحب الأسماء إلي أبو ترابٍ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم كناني به". وقد أوضحنا هذه القصة في غير هذا التفسير. قال الراغب: اللقب اسم يسمى به الإنسان سوى اسمه الأول، ويراعى فيه المعنى، بخلاف الأعلام، ولمراعاة المعنى قال الشاعر: [من البسيط] 1453 - وقلما أبصرت عيناك ذا لقبٍ ... إلا ومعناه إن فتشت في لقبه قلت: اللقب ضرب من العلم، وقسم من أقسامه، وقد قسم النحاة العلم إلى ثلاثة أقسامٍ: اسمٍ ولقبٍ وكنيةٍ. وإذا اجتمع اللقب مع غيره تأخر عنه، وهو عكس استعمال الناس اليوم. وقد جاء ذلك في ضرورةٍ كقول الشاعر: [من البسيط] 1454 - بأن ذا الكلب عمرًا خيرهم نسبًا ... ببطن شريان يعوي حوله الذيب ل ق ح: قوله تعالى:} وأرسلنا الرياح لواقح {[الحجر: 22]. اللواقح من الريح: التي

تلقح النخل، أي تحمل ريح الذكر إلى الأنثى فتطلع، وضدها العقيم؛ سميتا بذلك على الاستعارة من الحيوان الذي يلقح وينتج وعكسه، يقال: لقحت الناقة تلقح لقحًا ولقاحًا، وكذلك الشجرة. وألقح الفحل الناقة، والريح السحاب، وألقح زيد النخلة ولقحها واستلقحها. وقيل: معنى لواقح: ذات لقاحٍ. وناقة لاقح ذات لبنٍ وجمعها لقاح ولقح. والملاقيح: التي في بطونها أولادها، وقيل: جمع لقحة على غير قياس، وقيل: جمع ملقحٍ تقديرًا وكذا الملاقيح. وقيل: الملاقيح: ما في بطن الأمهات، وفي الحديث: "نهى عن بيع الملاقيح والمضامين". فالملاقيح: ما في بطون الأمهات، والمضامين: ما في أصلاب الآباء، واللقاح: ماء الفحل. وقيل: معنى لواقح: حوامل؛ قال الأزهري: جعلها حوامل لأنها تحمل السحاب الذي تقله ثم تمر به فتستدره. ولواقح: جمع لاقحة أي ذات لقاحٍ، نحو: هم ناصب أي ذو نصب، وقال يعقوب: الواقح: الحوامل. واللقاح: ذوات اللبن واحدتها لقوح ولقحة، وقال غيره: ناقة لقحة ولقحة، وقد لقحت - بالكسر - تلقح لقاحًا ولقاحًا بالفتح والكسر، وهي التي تنجب حديثًا، والجمع لقح ولقح. وفي حديث ابن عباس: "اللقاح واحد". وقال الليث: اللقاح: اسم ماء الفحل. أراد أن ماء الفحل الذي حملت منه واحد. قيل: ويجوز أن يكون بمعنى الإلقاح، يقال: ألقح الفحل الناقة إلقاحًا ولقاحًا نحو أعطى إعطاًء وعطاًء يعني أنه مصدر على حذف الزوائد أو اسم مصدرٍ، والأصل فيه للإبل ثم يستعار في الشياه، وما أحسن قول عمر رضي الله عنه لعماله: "أدروا لقحة المسلمين" أراد درة الفيء والخراج. استعار ذلك لحياتهم وحفظهم لها. واللقاح: الحي الذي لا يدين لأحدٍ من الملوك، كأنه يريد أن يكون حاملاً لا محمولاً. ل ق ط: قوله تعالى:} فالتقطه آل فرعون {[القصص: 8] قال ابن عرفة: الالتقاط: وجود

الشيء من غير طلبٍ له، وعليه قوله:} يلتقطه بعض السيارة {[يوسف: 10] أي يجدوه على غير قصد] منهم له. ومنه اللقطة لأن واجدها لم يتحسسها، وأنشد لنقادة الأسدي: [من الرجز] 1455 - ومنهلٍ وردته التقاطا ... لم ألق إذ وردته فراطا أي على غير قصدٍ وطلبٍ، ومنه الحديث: "أن فلانا التقط شبكة" أي هجم عليها، والشبكة: الآبار القريبة الماء. ل ق ف: قوله تعالى:} تلقف ما صنعوا {[طه: 69] أي تأخذه بقوةٍ وسرعةٍ من الهواء، والمعنى: تلتقم وتبتلع. يقال: لقفت الشيء وتلقفته والتقفته وتزقفته: إذا أخذته من الهواء بسرعةٍ. وقال بعضهم: لقفت الشيء وتلقفته: إذا تناولته بالحذف سواء أكان تناوله بالفم أم باليد. وقرئ "تلقف" بفتح اللام وتشديد القاف من تلقف والأصل تتلقف، فحذف إحدى التاءين. و"تلقف" بسكون اللام وتخفيف القاف من لقف، وهما بمعنى كما تقدم. وفلان ثقف لقف، أي ذو فطنةٍ وذكاءٍ، وقال الحجاج لامرأةٍ: "إنك لقوف صيود" أي تلقف الرجال. ل ق م: قوله تعالى:} ولقد آتينا لقمان الحكمة {[لقمان: 12] هو لقمان بن عاد الحكيم

المشهور المختلف في نبوته. والصحيح أنه ليس بنبي، ولم يقل بنبوته إلا عكرمة ومن تابعه، وقيل: كان عبدًا صالحًا نوبيًا فخير بين الحكمة والملك فاختار الحكمة فأوتيها. ويحكى أن سيده قال له وقد أمره بذبح شاةٍ: ائتني بأطيب ما فيها. فأتاه بالقلب، ثم قال له يومًا آخر: ائتني بأخبث ما فيها. فأتاه بالقلب، فقال له في ذلك، فقال: إذا صلح هذا كان أطيبها وإذا خبث كان أخبثها، فقال: لا جرم أنك حكيم. ويؤيد هذا كلام النبوة "إن في الجسد مضغًة" الحديث. وصنع داود عليه السلام يومًا درعًا بحضرته فهم أن يسأل عن منفعتها، ولم يكن يراها قبل ذلك، فذكر أن من الصمت لحكمًا فصمت، فلما فرغ داود عليه السلام قال: هذه درع حصينة تقي في سبيل الله. فقال: قد كفيت المسألة. فقال داود عليه السلام: لا جرم أنك سميت حكيمًا. وله حكايات مشهورة وآثار منشورة. وقد قص الله أحسنها في وصاياه المذكورة في كتابه العزيز. والظاهر أنه لا اشتقاق له لعجمته كنظائره. وقيل: هو مشتق من اللقم وهو الأكل؛ يقال لقمت اللقمة وتلقمتها. واللقم: الطريق لأنه يلتقط السابلة أو لأنهم يلتقمونه، كل ذلك على المجاز. وقيل: طرف الطريق. واللقيم بمعنى الملتقم أو الملتقم حسبما تقدم. ل ق ي: قوله تعالى:} وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا {[البقرة: 14] اللقاء: مصادفة الشيء للشيء ومقابلته له معًا، يقال: لقيه يلقاه لقاًء ولقيًا ولقيًا ولقيًة ولقيًة. قوله تعالى:} لقد لقينا من سفرنا {[الكهف: 62] أي وجدنا. قوله:} فتلقى آدم من ربه كلماتٍ {[البقرة: 37] أي أخذها تلقيًا بجد واجتهادٍ، وقرئ برفع آدم ونصبه لأن من تلقاك فقد تلقيته، إلا أن رفعه هو الظاهر. قوله:} الذين يظنون أنهم ملاقو ربهم {[البقرة: 46] قيل: الظن بمعنى العلم،

وقيل: هو على حذف مضافٍ، أي ثواب ربهم، ويشكل عليه قوله:} وأنهم إليه راجعون {[البقرة: 46]. وتحقيق هذا في غير هذا الموضوع. وملاقاة الله عبارة عن المصير إليه ولقاء ثوابه وعقابه. وعبر به عن يوم القيامة لأن فيه ذلك. قوله:} بما نسيتم لقاء يومكم هذا {[السجدة: 14] يعني يوم القيامة وما فيه من البعث والنشور. وجزاء كل عاملٍ بعمله. قوله:} ويلقون فيها تحيًة وسلامًا {[الفرقان: 75] قرئ مخففًا أي يصادفون، ويجازون بالتشديد من لقاه كذا: إذا جازاه به قوله:} يوم التلاق {[غافر: 15] يعني يوم القيامة؛ سمي بذلك لأنه تلتقي فيه أهل السماء وأهل الأرض، وقيل: لأنه يلقى فيه كل عاملٍ ما عمل، وقيل: لالتقاء من تقدم ومن تأخر. قوله:} ولقاهم نضرًة وسرورًا {[الإنسان: 11] أي جازاهم. وقيل: استقبلهم، يقال: لقيت فلانًا بكذا أي استقبلته به. قوله:} وتتلقاهم الملائكة {[الأنبياء: 103] أي تستقبلهم بذلك. وألقيت الشيء: طرحته. قوله:} فألقوا إليهم القول {[النحل: 86] أي أوصلوا إليهم ملقيًا. وأصل الإلقاء طرح الشيء حيث تلقاه. ثم جعل عبارًة في التعارف عن كل طرحٍ، ومنه قوله تعالى:} قال ألقها يا موسى {[طه: 19] قوله تعالى:} تلقون إليهم بالمودة {[الممتحنة: 1]. قوله تعالى:} إنا سنلقي عليك قولاً ثقيلاً {[المزمل: 5] إشارة إلى ما حمل من النبوة والوحي. قوله:} أو ألقى السمع وهو شهيد {[ق: 37] عبارة عن الإصفاء إليه. قوله:} وألقي السحرة {[الأعراف: 120] إنما أتى به مبنيًا للمفعول منبهًة أنه دهمهم من الأمر ما جعلهم في حكم غير المختارين.

قوله: {إذ تلقونه بألسنتكم} [النور: 15] أي يرويه بعضكم لبعضٍ، والأصل تتلقونه. وقرأت عائشة رضي الله عنها "تلقونه" من الولق وهو الكذب وما أحسن هذه القراءة منها رضي الله عنها. وقيل: معنى تلقونه، أي تقبلونه؛ من تلقيت الشيء لقوله:} فتلقى آدم من ربه كلماتٍ {. قوله:} وما يلقاها إلا الذين صبروا {[فصلت: 35] أي لا يوفق لها. وقيل: لا يعلمها ويلهمها. قوله:} فلا تكن في مريةٍ من لقائه {[السجدة: 23] أي أنك ستلقاه في الآخرة. وقيل: تلقى موسى ليلة الإسراء، وقيل: لقاء موسى لربه. قوله:} فالتقى الماء {[القمر: 12] أي ماء السماء وماء الأرض المعنيين بقوله:} بماءٍ منهمرٍ {[القمر: 11] قوله:} وفجرنا الأرض عيونًا {[القمر: 12] قال بعضهم: أراد به التثنية أي الماءان، ولا حاجة إلى ذلك لقصد الجنس. قوله:} فالملقيات ذكرًا {[المرسلات: 5] قيل: هم الملائكة يتلقون الذكر من ربهم إلى أنبيائه كجبريل. وقيل: الملائكة الذين ينزلون بالقرآن من اللوح المحفوظ إلى بيت العزة في سماء الدنيا، ثم نزل منجمًا على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم في ثلاث وعشرين سنًة، وقيل: الذين ينزلون بأوامر الله ونواهيه، وقيل: هم العلماء، وكل ذلك جائز. وفي الحديث: "نهى عن تلقي الركبان ثم استقبالهم وإخبارهم بكساد ما معهم ليشتري منهم برخً". وقيل غير ذلك. وفي الحديث: "دخل أبو قارظٍ مكة فقالت قريش: حليفنا وعضدنا وملتقى أكفنا" أي التقت يدنا بيده في الحلف. وفي الحديث: "وأخذت ثيابها فجعلت لقًى" أي مطرحًة لا يعبأ بها.

فصل اللام والميم

فصل اللام والميم ل م ح: قوله تعالى:} وما أمر الساعة إلا كلمح البصر {[النحل: 77] أي سرعة نظره، وأصل ذلك من لمحت البرق، أي أبصرت لمعانه وهو أسرع الأشياء زوالاً، يقال: رأيته لمحة البرق. وفي المثل: لأرينك لمحًا باصرًا، أي أمرًا واضحًا. ل م ز: قوله تعالى:} ويل لكل همزةٍ لمزةٍ {[الهمزة: 1] اللمزة: الكثير اللمز. واللمز: الاغتياب وتتبع المعايب، فهو نظير ضحكة للكثير الضحك؛ فاللمزة: الذي يلمز الناس، واللمزة - بسكون العين - هو الملموز. وقوله تعالى:} ومنهم من يلمزك في الصدقات {[التوبة: 58] يريد المنافقين. وكانوا - لعنهم الله - إذا لم يعجبهم العطاء عابوا ذلك. يقال: لمزه ويلمزه - بالكسر والضم في المضارع - وقد قرى بهما. قوله:} ولا تلمزوا أنفسكم {[الحجرات: 11] أي لا تعيبوا الناس فيعيبوكم، فتكونون بمنزلة من عاب نفسه، ومثله في المعنى "لا يسب الرجل أباه، فقيل له: كيف؟ فقال: يسب أبا الرجل فيسب الرجل أباه" إقامة للسبب مقام المسبب، وقيل: جعلهم بمنزلة شيءٍ واحدٍ منبهًة على أنهم كنفسٍ واحدةٍ كقوله: فسلموا على أنفسكم {[النور: 61]. وقال الليث: الهمزة: الذي يعيبك في وجهك، واللمزة: من يعيبك في غيبتك، وقال غيره: هما شيء واحد، وأنشد لزيادٍ الأعجم: [من البسيط] 1456 وإن أغيب فأنت الهامز اللمزة

وأصل ذلك الدفع؛ يقال: همزه ولمزه أي دفعه كأنه يدفع بذلك في صدر من يعيبه. ل م س: قوله تعالى:} أو لامستم النساء {[النساء: 43] كنايًة عن جماعهن، وقرئ "لمستم" فقيل بمعنى. وقيل: المفاعلة محققة لأن من لمسك فقد لمسته. واللمس والمس: إدراك بظاهر البشرة، وغلب في عبارة الفقهاء اللمس بين الرجل والمرأة. والمس في الذكر بباطن الكف كقولهم: الوضوء من اللمس والمس، ومن اللمس بمعنى مس البشرة. قوله تعالى:} فلمسوه بأيديهم {[الأنعام: 7]. وقد يعبر به عن الوصول إلى الشيء، ومنه قوله تعالى:} وأنا لمسنا السماء {[الجن: 8]. وفي الحديث: "نهى عن الملامسة" فيه تفسيران: أحدهما أنه كان يقول: إذا لمست ثوبك أو لمست ثوبي فقد وجب البيع والثاني أن يلمس المتاع من وراء ثوبٍ ولا ينظر إليه ثم يوقع البيع عليه، وهذا أحد أنواع بياعات الجاهلية كالمنابذة وبيع الحصاة ونحوها، نهى الشارع عنها للغرر. واللماسة والمماسة: المقاربة. ل م م: قوله تعالى:} إلا اللمم {[النجم: 32] مقاربة المعصية، وأصله مقاربة الشيء مطلقًا والدنو منه، ثم غلب في ذلك، وأنشد: [من الطويل] 1457 - متى تأتنا تلمم بنا في ديارنا ... تجد حطبًا جزلاً ونارًا تأججا وقد يعبر به عن المعصية الصغيرة، وفي التفسير: كالنظرة والقبلة. وذلك من القلة أيضًا، ومنه: زيارته لمام أي قليلة، وأنشد: [من الوافر]

1458 - وإن كانت زيارتكم لماما قوله تعالى:} وتأكلون التراث أكلاً لمًا {[الفجر: 19] أي جامعًا، من لممت الشيء ألمه: ضممته لمًا، فالتقدير: ذا لم. وفلان لا يأتينا إلا لمامًا، أي حينًا بعد حينٍ والغيبة بعد الغيبة. ولا يأتينا إلا اللمة بعد اللمة، وقال أمية بن أبي الصلت: [من الرجز] 1459 - إن تغفر اللهم تغفر جما ... وأي عبد لك ما ألما وعن أبي صالحٍ: سئلت عن قوله تعالى:} إلا اللمم {فقلت: هو الرجل يلم بالذنب ثم لا يعاوده، فذكرت ذلك لابن عباسٍ فقال: لقد أعانك عليها ملك كريم. وقال ابن عرفة: اللمم عند العرب أن يفعل الإنسان الشيء في حين لا يكون له عادة. واللمم: الجنون أيضًا، وفي الحديث: "أن امرأًة شكت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لممًا بابنتها". وفي تعويذه عليه الصلاة والسلام: "من كل عينٍ لامٍة" أي ذات لممٍ، ولذلك لم يقل "ملمةٍ" وإن كانت من اللمم. وفي الحديث: "ما رأيت من ذي لمةٍ أحسن من رسول الله صلى الله عليه وسلم" فاللمة: ما بلغ الشعر المنكبين؛ سميت لأنها ألمت بالمنكبين، فإذا زادت فهي جمة، ورجل جم، فإذا بلغت شحمة الأذن فهي وفرة، فأقله الوفرة ثم اللمة، ثم الجمة. واللمة - بالفتح - الهمة تقع في القلب، وهو أحد الأقوال في قوله:} إلا اللمم {وأنشد لأوس: [من الطويل] 1460 - وكان إذا ما التم منها بحاجةٍ ... يراجع هترًا من تماضر هاترا.

فصل اللام والهاء

قوله: التم من اللمة أي الزيادة، وفي الحديث: "اللهم المم شعثنا" أي اجمع ما شتت من أمرنا. وفي الحديث: "اتى المصدق بناقةٍ ململمةٍ - أي مستديرة سمنًا - فأبي أن يقبلها" وأصله من اللم وهو جمع الأكل. واللمة - بالضم - جماعة النساء، وفي حديث فاطمة: "فخرجت في لمةٍ من نسائها" وقيل: هي ما بين الثلاثة إلى العشرة من الرجال. واللمة - مخففًة - الشبه والمثل، قال ابن الأعرابي في قول الشاعر: [من الوافر] 1461 - فإن نعبر فإن لنا لماتٍ ... وإن نغبر فنحن على ندور قوله: على ندور أي سنموت لابد من ذلك و"لم" و"لما" حرفا جزمٍ معناهما النفي، إلا أن "لم" لنفي الماضي مطلقًا، و"لما" لنفيه متصلاً بزمن الحال. ووهم بعضهم فقال: لم لنفي الماضي المنقطع، وليس بصوابٍ لقوله:} لم يلد ولم يولد {[الإخلاص: 3] إلى آخرها، وقوله:} [ولم] أكن بدعائك رب شقيًا {[مريم: 4] وتأتي "لما" بمعنى إلا كقوله:} إن كل نفسٍ لما عليها حافظ {[الطارق: 4] في قراءة من شدد. وقال الآخر: [من الرجز] 1462 - قالت له: بالله يا ذا البردين ... لما غنثت نفسًا أو اثنين وتكون حرف جوابٍ لوجوبٍ، نحو:} فلما أن جاء البشير {[يوسف: 96]. وزعم الفارسي أنها ظرف زمانٍ. ولها أحكام كثيرة بسطناها في غير هذا. فصل اللام والهاء ل هـ ب: قوله تعالى:} ذات لهبٍ {[المسد: 3] اللهب: اضطرام النار، واللهب: ما يبدو

من اشتعالها. وسمي الخبيث أبا لهب على التفاؤل له بذلك. وقيل: لتلهب وجنتيه؛ قال بعض المفسرين: لم يقصد بذلك مقصد كنيته التي اشتهر بها، وإنما قصد إلى إثبات النار له وأنه من أهلها. وسماه بذلك كما يسمى المثير للحرب أبا الحرب وأخاها. وفرس ملهب: شديد العدو، تشبيهًا بالنار في سرعتها، قال امرؤ القيس: [من الطويل] 1463 - فللساق ألهوب فالألهوب: العدو الشديد. واللهاب: الحرارة التي يجدها العطشان. ويقال للدخان لهب أيضًا، إما لأنه ينشأ منه أو على التشبيه في الارتفاع كما سمي الغبار به لذلك. ل هـ ث: قوله تعالى:} إن تحمل عليه يلهث {[الأعراف: 176] اللهث: إدلاع اللسان أي إخراجه من العطش؛ مثل الله سبحانه حال بلعام بن باعوراء بحال كلبٍ هذه صفته؛ فإذا كان لاهثًا لم يملك دفع ضر ولا جلب نفعٍ، فلم يكتف بأن جعل مثله مثل الكلب بل مثل كلبٍ متصفٍ بما ذكر. فقوله:} إن تحمل عليه {في محل الحال لأن الكلب لا يزال كذا دائمًا ينبهك بذلك لأن بعض الناس قد توهمه. ل هـ م: قوله تعالى:} فألهمها فجورها {[الشمس: 8] أي ألقى في روعها. والإلهام: إلقاء الشيء في الروع، يعني نفس الإنسان، إلا أن ذلك يختص بما كان من جهة الله تعالى أو من جهة الملأ الأعلى، ومنه قوله عليه الصلاة والسلام: "إن روح القدس نفث في روعي" الحديث. وذلك يعبر عنه أيضًا بلمة الملك، ويروى "إن للملك لمة وإن للشيطان لمًة وإن روح القدس نفث في روعي". قيل: وأصله من التهام الشيء أي

ابتلاعه. والتهم الفصيل ما في الضرع أي امتصه. وفرس لهم: كأنه يلتهم الأرض لشدة عدوه. وفي الدعاء: "اللهم ألهمنا رشدنا" أي، وفقنا له، وحقيقته: أدخل ذلك في قلوبنا. ل هـ و: قوله تعالى:} وما هذه الحياة الدنيا إلا لهو ولعب {[العنكبوت: 64] اللهو: الشغل عن مهمات الأمور. يقال: لهوت بكذا، ولهيت عن كذا، قال الشاعر: [من الكامل] 1464 - ولقد لهوت بطفلةٍ ميالةٍ ... بلهاء تطلعني على أسرارها واقل امرؤ القيس: 1465 - فيا رب يومٍ قد لهوت وليلةٍ ... بآنسةٍ كأنها خط تمثال قوله تعالى:} لاهيًة قلوبهم {[الأنبياء: 3] أي متشاغلة عما يهمها ويعنيها، ونسب اللهو إلى القلب الذي هو ملاك الجسد كله. قوله تعالى:} لو أردنا إن نتخذ لهوًا {[الأنبياء: 17]. قيل: هو الولد، وقيل: المرأة، والحق أن هذا تخصيص من غير دليلٍ، اللهم إلا أن يراد به التمثيل ببعض ما يصدق عليه هذا اللفظ، فإن حقيقة اللهو ما قدمته. وقال الراغب: ويعبر به عن كل ما به استمتاع، قال: ومن قال: أراد باللهو المرأة والولد فتخصيص لبعض ما هو من زينة الحياة الدنيا التي هي لهو. قوله تعالى:} رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع {[النور: 37] أي لا يشغلهم عما يهمهم، وليس في ذلك ذم للتجارة ولا نهي عنها بوجهٍ من الوجوه، إنما مدحهم بكون التجارة والبيع لا يلهيانهم عن ذكر الله، أي مع تعاطيهم لها لا يشغلانهم عن مهمات

دينهم. وهذا لا شك أنه فضل من إنسانٍ لا يتعاطى ذلك ولا يلهيه شيء. وجوز بعضهم في الآية وجهًا آخر وهو أن المعنى لا تجارة عندهم ولا بيع فلا لهو، جعله مثل قوله تعالى:} لا يسألون الناس إلحافًا {[البقرة: 273] وقول امرئ القيس: [من الطويل] 1466 - على لاحبٍ لا يهتدي بمنار والأول أظهر وأبلغ في مدحهم. ويؤيد ذلك قوله في موضع آخر:} ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلاً من ربكم {[البقرة: 198] وقوله:} ليشهدوا منافع لهم {[الحج: 28] نزل ذلك في التجارة أيام الحج، وكانوا قد تحرجوا من ذلك. قوله:} ومن الناس من يشتري لهو الحديث {[لقمان: 6] قيل: هو النضر بن الحارث الداري، كان قد قرأ كتب الأعاجم "رستم واسفنديار" وكان يشغل بها قريشًا عن سماع القرآن. ويقول: قد كدت أن أحدثكم بأحسن مما يحدثكم به. وقيل: نزلت في شراء القيان أي الجواري المغنيات، وقد حرمه بعض العلماء. قوله:} فأنت عنه تلهى {[عبس: 10] أي تشاغل، وأصله تتلهى؛ نزلت في ابن أم مكتومٍ، وكان عليه الصلاة والسلام يقول له إذا أقبل: "مرحبًا بمن عاتبني فيه ربي". قوله:} ألهاكم التكاثر {[التكاثر: 1] أي شغلتكم المكاثرة بالأهل والمال والولد. وكانوا يتفاخرون بأنسابهم وأموالهم. وفي الحديث: "سألت ربي إلا يعذب اللاهين من ذرية البشر". قيل: هم الأطفال لأنهم يقترفون ذنوبًا. وقيل: هم الذين عملوا ذنوبًا نسيانًا وسهوًا لا تعمدًا. وألهاه عن كذا: أي شغله عنه، وأنشد لأمرئ القيس: [من الطويل] 1467 - فمثلك حبلى قد طرقت ومرضعٍ ... فألهيتها عن ذي تمائم محول

فصل اللام والواو

واللهوة: ما يشغل به الرحى مما يطرح فيها، والجمع لهاء، ويعبر بذلك عن العطايا فيقال: له عليه لهاء. واللهاة: اللحمة المشرفة على الحلق، وقيل: هي أقصى الفم، وأنشد: [من الرجز] 1468 - يا لك من تمرٍ ومن شيشاء ... ينشب في المسعل واللهياء اللهاء: جمع لهاةٍ، وإنما مدها ضرورًة، وهو رأي الكوفيين. والملهي: اسم مصدرٍ أو زمانه أو مكانه، ويقترن اللهو باللعب متقدمًا عليه تارًة ومتأخرًا عنه أخرى تفننًا في البلاغة. فصل اللام والواو ل وت: قوله تعالى:} أفرأيتم اللات والعزى {[النجم: 19] هما صنمان لقريشٍ؛ قيل: كانت لثقيفٍ بالطائف، وقيل: محلة لقريشٍ، والعزى لغطفان وهي سمرة، ويؤكد كونها لثقيفٍ قول الشاعر: [من المتقارب] 1469 - وفرت ثقيف إلى لاتها ... كمنقلب الخائب الخاسر واختلف في ألفها؛ فقيل: عن واو من لوى يلوي، لأنهم كانوا يلتوون عليها، أي يعكفون، والأصل لوتة فحذفت اللام وعوض منها تاء التأنيث، وقيل: عن ياء فتاؤها أصلية. ومن ثم اختلف القراء في الوقف على يائها؛ فالكسائي بالهاء، والباقون بالتاء. و"أل" فيها مزيدة، وقيل: هي لازمة أو غير لازمةٍ. وهل هي علم بالغلبة أو بالوضع خلاف، وقد أتقناه في "الدر" وغيره فعليك باعتباره. وقال بعضهم: أصلها الله فحذفوا منها الهاء، وأدخلوا فيه التاء تنبيهًا على قصوره عن "الله" في زعمهم، وهو عندهم يتقرب به إلى الله تعالى.

ويقرب من هذه اللفظة "لات" من قوله:} ولات حين مناصٍ {[ص 3] وإن كان ألف لات أصليًة لكونها حرفًا. و"لات" هي لا النافية دخلت عليها تاء التأنيث كدخولها في ربت وثمت، وتعمل عمل ليس، إلا أنها اختصت بحكمين بعد دخول التاء عليها؛ أحدهما أنها لا تعمل إلا جارًة كقوله تعالى:} ولات حين مناصٍ {وقول الشاعر: [من الكامل] 1470 - ندم البغاة ولات ساعة مندم ... والبغي مرتع مبتغيه وخيم وأما قول الآخر: [من الكامل] 1471 - حنت نوار ولات هنا حنت ... وبدا الذي كانت نوار أجنت فلنا فيه كلام ليس موضعه. والثاني أن يحذف مرفوعها ويبقى منصوبها، وكذلك كانت القراءة المشهورة. وقد قرئ برفع "حين مناصٍ". وقال بعضهم: إن التاء زيدت فيها منبهًة على الساعة والمدة كأنه قيل: [ليست] الساعة أو المدة حين مناصٍ. وزعم آخرون، ونقله الراغب عن البصريين: أصلها ليس فقلبت الياء ألفًا والسين تاء نحو "إليات" في "إلياس"، وهذا ضعيف من وجهين: أحدهما عدم الموجب لقلب الياء ألفًا لسكونها. والثاني أن قلب السين تاًء محفوظ لا يقاس عليه، فدعوى ذلك مجرد احتمالٍ. وزعم أبو عبيدٍ أن التاء ليست من تمام "لا" إنما هي متصلة بحين، والعرب تفعل ذلك فتقول: جئتك تحين قام زيد، وأنشد: [من الكامل] 1472 - العاطفون تحين لا من عاطفٍ ... والمطعون تحين لا من مطعم وبأنها كتبت في المصحف كذا} ولا تحين مناصٍ {. وقد رد الناس عليه مقالته بما أوضحناه في غير هذا. وقد قرئ بجر الحين في الآية. وتخريجه في غير هذا الموضوع

من تآليفنا، وقد اختلف القراء في الوقوف على تائها؛ هل هو بالتاء أو بالهاء حسب اختلافهم في "اللات" سواء بسواءٍ. ل ر ح: قوله تعالى:} في لوح محفوظ {[البروج: 22] اللوح في التعارف: ما يكتب فيه، ولا يعلم كنه هذا اللوح إلا الله تعالى، وفيه أعمال الخلائق كلها. قال الراغب: كيفيته تخفى علينا إلا بقدر ما روي لنا في الأخبار، وهو غير المعبر عنه بالكتاب في قوله تعالى:} إن ذلك في كتابٍ {[الحج: 70]. قلت: قد اختلف الناس في ذاته وكيفيته فقيل: من نورٍ، وقيل: من ذهبٍ، وأن القلم جرى عليه فكتب فيه ما كان وما يكون إلى يوم القيامة. كل ذلك لتستملي الملائكة منه، ثم تمليه على ملائكةٍ آخرين دونهم من الأوامر والنواهي والرزق. فسبحان العالم بحقيقة ذلك، وعلم الله مستغنٍ عن اللوح:} لا يضل ربي ولا ينسى {[طه: 52] وإنما فائدته ما ذكرت لك. واللوح: واحد ألواح السفينة كقوله:} وحملناه على ذات ألواحٍ {[القمر: 13]. وكل ما انبسط مع رقة سمكه فهو لوح. واللوح أيضًا: العطش، واللوح - الضم-: بين الخضر والغبر. قوله تعالى:} لواحة للبشر {[المدثر: 29] أي تغيره. يقال: لاحته الشمس، ولوحته: إذا غيرت وجهه، وذلك أن النار تسود ما تحرقه لاسيما نار لا يعلم كنهها إلا مضرمها. ولوحه الحر: غيره. ولاح الحر لوحًا، أي حصل في اللوح، وألاح بسيفه، أي أرى لمعه، وسمي الصبح لياحًا لأنه يلوح بضوئه، والثوب اللوحي: لأنه يلوح بلونه. ولاح سهيل: بدا، وألاح: تلألأ، وألاح من كذا ولاح منه: أشفق منه، وفي الحديث: "قال للمغيرة: أتحلف عند منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فألاح من اليمين". ويقال: أبيض لياح ولياح - بالكسر والفتح - نحو أبيض يقق. وكان لحمزة الشهيد سيف يسمي لياحًا لشدة لمعانه.

ل وذ: قوله تعالى: {الذين يتسللون منكم لواذًا} [النور: 63] أي استتارًا، من قولهم: لاوذ بكذا يلاوذ ملاوذًة، أي استتر به؛ وذلك أن المنافقين كانوا يشتغلون بجلوسهم في مجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم فيتسللون منه ويستترون بالناس خشية أن يبصروا، فنزل عدم الانصراف إلا باستئذانٍ. ولا يجوز أن يكون لواذًا من لاذ يلوذ إذ كان يجب أن يقال لياذًا لما أتقناه في علم التصريف. وقيل: معنى لواذًا أي تباعدًا منه وفرارًا. يقال: لاوذه لواذًا أي فر منه وتباعد، ففاعل - هنا - بمعنى فعل، كسافرت. وأما لاذ به يلوذ فمعناه استغاث به التجأ إليه، وأنشد: [من الطويل] 1473 - يلوذ به الهلاك من آل هاشم وفلان ملاذ فلانٍ، أي ملجؤه. ل وط: قوله تعالى:} ونجيناه ولوطًا {[الأنبياء: 71] لوط: علم للنبي المشهور ابن أخت إبراهيم خليل الرحمن المهاجر معه صلى الله عليه وسلم، وهو منصرف لخفته وإن [كان] علمًا أعجميًا. وغلط من جوز فيه وفي "نوحٍ" الوجهين. والظاهر أنه لا اشتقاق له لعجمته إلا أنهم قالوا: يجوز أن يكون مشتقًا من لاط الشيء بقلبي يلوط لوطًا، أي لصق ولزق. ومنه الحديث: "الولد ألوط - أي ألصق - بالكبير". وهذا الأمر لا يلتاط بصدري أي لا يلتصق به لتقربه منه. ولطت الحوض بالطين: ملطته به. ويقال: لاط به يلوط لوطًا، ولاط يليط ليطًا. ومن كلامهم: "من أحب الدنيا التاط منها بثلاثٍ: شغلٍ لا ينقضي، وأملٍ لا يدرك، وحرص لا ينال". واللوط: الإصلاح - أيضًا - ومنه: كان يلوط له مالاً، وكان يلوط حوضه، ومنه

قول ابن عباسٍ: "إن كنت تلوط حوضها". والليط: القشر اللاصق بالشجر، وهذا أصل المادة. والليط - أيضًا - اللون، وقد فسر حديث وائل بن حجر: "في التيعة شاة لا مقورة الألياط" بالمعنيين؛ فإن الألياط جمع ليطٍ، فعلى معنى الأول هي المتغيرة الحائلة عن أحوالها، وأنشد محميد: [من المتقارب] 1474 - على عينها ليط أبكارها وعلى معنى ألصق أي ليست مسترخية الجلود لهزالها. ل وم: قوله تعالى:} ولا أقسم بالنفس اللوامة {[القيامة: 2] قيل: هي كل نفسٍ مؤمنًة كانت أو كافرة. أما المؤمنة فتلوم نفسها على عدم ازدياد الخير الذي عملته، وأما الكافرة فتلوم نفسها إذ لم تكن آمنت. وقيل: هي النفس التي اكتسبت بعض الفضيلة فتلوم صاحبها إذا ارتكب مكروهًا، (قال هذا القائل) فهي دون النفس المطمئنة. وقيل: هي النفس التي اطمأنت في ذاتها وترشحت لتأديب غيرها، فهي فوق النفس المطمئنة. والمتصوفة قسموا النفس إلى ثلاثة أقسام؛ فأدناها عندهم الإيمان كقوله: "إن النفس لأمارة بالسوء {، ثم اللوامة لأنها نسبت لتقصيرها، ثم المطمئنة. وأصل اللوم عذل الإنسان بنسبته إلى ما فيه لوم؛ يقال: لمته فهو ملوم. قوله:} فلا تلوموني ولوموا أنفسكم {[إبراهيم: 22] أي لا تتعاطوا لومي. قوله تعالى:} فإنهم غير ملومين {[المؤمنون: 6] أي، غير فاعلين ما يلامون عليه، وفيه تنبيه على أنهم إذا لم يلاموا لم يفعل بهم ما هو فوق اللوم، والأمر أتى بما يلام عليه. قوله تعالى:} فالتقمه الحوت وهو مليم {[الصافات: 142] هذا بالنسبة على جانب الله تعالى له أن يقول ما شاء في حق عباده، وأما نحن فلا نقوله إلا على سبيل

التلاوة، وإنما نبهت على ذلك لأن بعض الناس يقول: أتى ما يلام عليه. والتلاوم: أن يلوم بعضهم بعضًا. ورجل لومة: يكثر لوم الناس. ولومة: يلومه غيره، نحو: ضحكة وضحكة. واللائمة: هو اللائم، التاء فيه للمبالغة كراوية. وجمعها لوائم، قال: [من الطويل] 1475 - فلا تجعلوني عرضًة للوائم ولمته لومًا: عدلته إلى جهةٍ يلام عليها، وهو قريب من العتب، قال الشاعر: [من مجزوء الكامل] 1476 - بكر العواذل في الصبو ... ح يلمنني وألومهنه ويقلن: شيب قد علا ... ك وقد كبرت فقلت: إنه واللوماء: الملامة نفسها. ل ون: قوله تعالى:} صفراء فاقع لونها {[البقرة: 69] اللون ما يظهر للعين من زيق الجيب كالبياض والسواد. يقال: أصفر فاقع، وأبيض يقق، وأحمر قانٍ، وأخضر ناضر، وأزرق حطباني، وأسود حالك وحانك وبهم، وقيل: البهم: الخالص من كل لونٍ. وأصل الألوان البياض لأن كل لونٍ يطرأ عليه. وظاهر كلام الراغب أنه والأسود أصلان، ما عداهما مركب منهما فإنه قال: اللون معروف وينطوي على الأبيض والأسود وما يركب منهما. وتلون فلان: إذا تغير عن حالةٍ إلى حالةٍ أخرى، قال كعب بن زهيرٍ رضي الله عنه: [من البسيط] 1477 - فما تكون على حالٍ تكون بهما ... كما تلون في أثوابها الغول

قوله تعالى: {واختلاف ألسنتكم وألوانكم} [الروم: 22] إشارةٌ إلى بليغ قدرته في اختلاف الإنشاء من سواد وبياضٍ. ثم البياض متفاوتٌ في نفسه إلى أنواعٍ يقصر عنه التعبير وكذا باقيها، وفيه دلالةٌ على اختلاف الصور التي تختص كل صورةٍ منها بهيئةٍ غير هيئة الأخرى مع كثرة عددهم واتحاد أصلهم. ويعبر بالألوان عن الأجناس والأنواع، يقال: فلانٌ أتى بألوانٍ من الطعام وأنواعٍ من الطعام. واللون -أيضًا -النخل وهو ما عدا البرني والعجوة تسميها أهل المدينة الألوان وقيل: اللون نوعٌ منه وهو الدقل، ومنه قول عمر بن عبد العزيز فيما كتب به إلى عماله: «يؤخذ في البرني من البرني وفي اللون من اللون». قالوا: اللون: الدقل وجمعه ألوانٌ، ومن ذلك قوله تعالى: {ما قطعتهم من لينة} [الحشر: 5] أي من نخلةٍ غير ما ذكر، فسكنت الواو بعد كسرةٍ فقلبت ياءً نحو قيمةٍ. وفسرها بالنخلة الناعمة، قال: ومخرجه مخرج فعلةٍ نحو حنطةٍ، قال: ولا يختص بنوعٍ دون نوعٍ، وما قاله غيره هو المشهور إلا أن الظاهر معه لقوله: {ما قطعتم من لينةٍ} الآية؛ فإن ذلك لا يختص بنوعٍ دون نوعٍ. وقد أدخل الراغب هذه اللفظة في مادة (ل ي ن) والصواب أنها من مادة (ل ون) كما قدمته. ل وهـ: قد تقدم أن الجلالة المعظمة أصلها لوه أولوه من لاه يلوه: إذا ارتفع، وقد تقدم القول في ذلك مشبعًا فأغنى القول عن إعادته هنا. ل و: حرف امتناعٍ لامتناعٍ، هذه عبارة القدماء، وأورد عليها قوله تعالى: {ولو أنما في الأرض من شجرةٍ أقلامٌ} [لقمان: 27] الآية، وذلك لأن امتناع النفي إثباتٌ، وامتناع الإثبات نفيٌ، فيلزم محذورٌ عظيمٌ. وأورد عليها قوله عليه الصلاة والسلام: «نعم العبد صهيبٌ لو لم يخف الله لم يعصه» وذلك أبي الحذاق أن يجعلوا قول امرئ القيس: [من الطويل]

1478 - ولو أن ما أسعى لأدنى معيشةٍ ... كفاني، ولم أطلب، قليلٌ من المال من التنازع، وهذا كله قد حققناه في غير هذا، وإنما نذكره منبهةً على الأصول. فالصواب عبارة سيبويه أنها حرفٌ لما كان سيقع لوقوع غيره. وبعضهم يعبر عنها بأنها حرف شرطٍ في الماضي، وتخلص المضارع للمضي كقوله تعالى: {لو يعطيكم}، ويقع في المستقبل كقول توبة: [من الطويل] 1479 - ولو أن ليلى الأخيلية سلمت ... علي ودوني جندلٌ وصفائح لسلمت تسليم البشاشة أو زقا ... إليها صدى من جانب القبر صائح وتقع بمعنى إن كقوله تعالى: {لو تركوا من خلفهم ذريةً ضعافًا خافوا عليهم} [النساء: 9] وهو أحد القولين في قوله -صلى الله عليه وسلم -: «لو لم يخف الله» وقول الآخر: [من البسيط] 1480 - قومٌ إذا حاربوا شدوا مآزرهم ... دون النساء ولو باتت بأطهار أي، وإن باتت. وتكون «لو» للتمني، ولذلك ينصب المضارع في جوابها كقوله: {فلو أن لنا كرة فنكون} [الشعراء: 102] في إحدى القراءتين. وتكون حرفًا مصدريًا كأن عند بعضهم، بشرط أن يتقدمها ود كقوله تعالى: {يود أحدهم لو يعمر} [البقرة: 96] {ودوا لو تدهن} [القلم: 9] أي يود التعمير والإدهان. وفيها كلامٌ ليس هذا وضعه. والفصيح في واوها عند التقاء الساكنين الكسر نحو: {لو استطعنا لخرجنا معكم} [التوبة: 42]. وقرئ بضمها حملًا على واو الضمير كما حملت واو الضمير عليها، فقرئ بكسرها نحو: {اشتروا الضلالة} [البقرة: 175].

وتزاد بعدها «لا» فتصير «لولا» ولها معنيان: احدهما امتناع لوجودٍ نحو قوله: {ولولا فضل الله} [النور: 20]. ويلزم حذف الخبر بعدها وإن كان كونًا مطلقًا، وإلا فإن دل عليه دليلٌ جاز حذفه وذكره كقوله: [من الوافر] 1481 - يذيب الرعب منه كل عضبٍ ... فلولا الغمد يمسك لسسالا فالأوجب ذكره كقوله: [من الطويل] 1482 - فلولا بنوها حولها لخبطتها وتختص بالابتداء، فأما قوله: [من الوافر] 1483 - فلولا تحسبون الحلم عجزًا ... لما عدم المسيئون احتمالي فعلى حذف أن، كقوله: {ومن آياته يريكم البرق خوفًا} [الروم: 24]. واختلف النحاة في المرفوع بعدها، والأصح أنه مبتدأ -كما قدمته -والثاني: أن تكون حرف تخصيص كـ «هلا»، كقوله تعالى: {فلولا كان من القرون} [هود: 116] {ولولا إذ سمعتموه} [النور: 16] وقد يحذف الفعل بعدها كقوله: [من الطويل] 1384 - تعدون عقر النيب أفضل مجدكم ... بني صوطري لولا الكمي المقنعا أي، لولا يعدون الكمي. وتختص بالأفعال كـ «هلا». فأما قوله: [من الطويل] 1385 - ونبئت ليلى أرسلت بشفاعةٍ ... إلي، فلولا نفس ليلى شفيعها فعلى إضمار كان الشأنية أي، فلولا كان الأمر والشأن، هذه كلها أصولٌ مقررةٌ فيما وضعناه.

ل ا: مما ينبغي التكلم عليه هنا «لا» وهي نافيةٌ، وناهيةٌ، وزائدةٌ للتوكيد، والنافية تكون تارةً لنفي الجنس وتسمى «لا التبرئة» وتعمل عمل إن نحو: لا رجل قائمٌ، واسمها معربٌ ومبنيٌ. ولعملها شروطٌ، تدخل عليه همزة الاستفهام فتصير مشتركةً بين النفي المستفهم عنه وبين التمني كقوله: ألا ماء باردًا؟ وبين التحضيض والعرض وبين الاستفتاح والتنبيه، كقوله تعالى: {ألا يوم يأتيهم} [هود: 8] والناهية تجزم فعلًا واحدًا وترد للدعاء نحو: لا تعذبنا يا رب. والزائدة كقوله تعالى: {ما منعك ألا تسجد} [الأعراف: 12] {لئلا يعلم أهل الكتاب} [الحديد: 29]. وفي ما ذكرناه كفايةٌ. ل وي: قوله تعالى: {لووا رؤوسهم} [المنافقون: 5] اي أمالوها وعطفوها تكبرًا عن الحق. يقال: لوى رأسه وعنقه ولواهما -مخففًا ومشددًا - وقد قرئ بهما. ويقال: لوى رأسه وعواه -أيضًا -ليًا وعيًا: إذا ثناه عنك خلافًا عليك. قوله تعالى: {ليًا بألسنتهم} [النساء: 46] أي تحريفًا، والأصل لويًا فأدغم. وقوله: {يلوون ألسنتهم بالكتاب} [آل عمران: 78] أي يحرفونه ويغيرون أحكامه. وأصل اللي الفتل، والمعنى يفتلون لسانهم من النطق بالحق إلى النطق بالكذب ويعبر به عن التحرص أيضًا.

فصل اللام والياء

قوله: {ولا تلوون على أحدٍ} [آل عمران: 153] أي لا تعطفون عليه ولا تثنون له فرقًا ولا خوفًا، ولذلك فسر بـ لا تعوجون؛ يقال: فلانٌ لا يعوج على أحدٍ، أي لا يلتفت إليه لعظم ما دهمه. وقد ألم حسان رضي الله عنه بهذا المعنى في قوله: [من الكامل] 1486 - ترك الأحبة أن يقاتل دونهم ... ونجا برأس طمرةٍ ولجام قوله: {وإن تلووا} [النساء: 135] أي تنحرفوا وتنعطفوا، قال القتيبي: تلووا من اللي في الشهادة والميل إلى أحد الخصمين. وقيل: هو من لويت فلانًا حقه: أي دفعته. ومنه الحديث: «لي الواجد يحل عقوبته وعرضه» وإنما أوردت ذلك لئلا يتوهم التكرار في قوله: {أو تعرضوا} وهو من: لا واه يلاويه، وقرئ: «تلوا» بواوٍ واحدةٍ من: ولي الأمر: إذا قام به، أي إن قمتم بالأمر، وقيل: هو من الأول إلا أنه خفف بالحذف. واللواء: الراية لا لتوائه بالرمح. واللوى -بالقصر -ما التوى من الرمل؛ قال امرؤ القيس: [من الطويل] 1487 - قفا نبك من ذكرى حبيبٍ ومنزل ... بسقط اللوى بين الدخول فحومل فصل اللام والياء ل ي ت: قوله تعالى: {يا ليتنا نرد} [الأنعام: 37] ليت: حرف تمنٍ من أخوات «إن» وخالف أخواته من حيث إنه إذا اتصلت به «ما» الزائدة جاز فيه الإعمال والإهمال؛ وينشد قول الذبياني: [من البسيط]

1488 - قالت: ألا ليتما هذا الحمام لنا ... إلى حمامتنا ونصفه فقد بنصب الحمام ورفعه، بل زعم سيبويه أنها معملةٌ على روايتين، وتحقيق ذلك في «إيضاح السبيل» وغيره. وأما أخواتها إذا اتصلت بـ «ما» المذكورة بطل عملها، كقوله تعالى: {إنما الله إلهٌ واحدٌ} [النساء: 17] {إنما إلهكم الله} [طه: 98] هذا هو المشهور. وزعم الفراء أنها تنصب الجزءين بقوله: [من البسيط] 1489 - ليت الشباب هو الرجيع على الفتى ... والشيب كان هو النذير الأول ولا يراعي موضع اسمها بل لفظه فقط بخلاف «أن ولن ولكن» وزعم الفراء جوازه وأنشد: [من الرجز] 1490 - يا ليتني وأنت يا لميس ... في بلدٍ ليس به أنيس والفرق بين التمني والترجي أن التمني يكون في الممكنات والمستحيلات نحو: [من البسيط] 1491 - ليت الشباب هو الرجعي على الفتى والترجي لا يكون إلا في الممكنات، لا يقال: ليت الشباب يعود. وقد يعرب إذا قصد به حكاية مجرد اللفظ: [من الرجز] 1492 - ليت وهل ينفع شيئًا ليت ... ليت شبابًا بوع فاشتريت

وكقوله: [من الخفيف] 1493 - إن ليتًا وإن لوًا عناء والليت -بكسر اللام -عرقٌ في العنق، قال: [من الطويل] 1494 - تلفت نحو الحي حتى وجدتني ... وجعت من الإصغاء ليتًا وأخدعا ل ي س: قوله تعالى: {ليس مصروفًا عنهم} [هود: 8] ليس: فعلٌ ناقصٌ ملازم النقص، وزعم أبو علي أنه حرفٌ. ويعمل عمل «كان» ولا يتصرف، وله أحكامٌ كثيرةٌ، ولعدم تصرفه وشبهه بالحرف لم يلتزم معه نون الوقاية كلزومها مع غيره، كقوله: [من الرجز] 1495 - عددت قومي كعديد الطيس ... إذ ذهب القوم الكرام ليسي وتقع استثناءً كقوله: «ليس السن والظفر» أي: إلا السن والظفر وتدخل عليها الهمزة فتفيد التقرير كقوله تعالى: {أليس الله بكافٍ عبده} [الزمر: 36] أي، الله كافيه. وهذا لا خصوصية له بـ «ليس» بل كل استفهامٍ دخل على نفيٍ قرره، نحو: {ألن يكفيكم} [آل عمران: 124] {ألم نشرح} [الشرح: 1] وقال ابن عباس في قوله تعالى: {ألست بربكم قالوا بلى} [الأعراف: 172] لو قالوا نعم لكفروا. وفهي بحثٌ حسنٌ حققناه في موضعه، وقد تقدم أن بعضهم زعم أن «لات» أصلها «ليس» وليس بشيءٍ.

ل ي ك: قوله تعالى: {كذب أصحاب الأيكة} [الشعراء: 176] تقدم في باب الهمزة أنه قرئ «الأيكة» و «ليكة» وكلام الناس في ذلك هناك فأغنى عن إعادته هنا. ل ي ل: قوله تعالى: {وأيةٌ لهم الليل نسلخ منه النهار} [يس: 37] الليل عبارةٌ عن زمن مغيب الشمس إلى طلوع الفجر أو طلوع الشمس، لأنه مقابل النهار. وقيل: هو قبل النهار أو بعده، خلافٌ لا طائل تحته. وقوله تعالى: {نسلخ منه النهار} من أبلغ الاستعارات جعله كشاةٍ كشط جلدها عنها. وقوله: {كانوا قليلًا من الليل ما يهجعون} [الذاريات: 17] قيل: هو مفردٌ يراد به الجمع، ولا حاجة إلى ذلك لأن المراد به الجنس. والليل -أيضًا -فرخ الحبارى. ويقال له: ليلٌ أليل على المبالغة، ويستطال عند هجوم الهم ونحوه، كقول امرئ القيس: [من الطويل] 1496 - في لك من ليلٍ كأن نجومه ... بكل مغار الفتل شدت بيذبل وقال أيضًا: [من الطويل] 1497 - وليلٍ كموج البحر أرخى سدوله ... علي بأنواع الهموم ليبتلي والليلة: واحدة الليل، وقيل: الليلة إلى زوال اليوم بعدها، وما بعد الزوال يقال البارحة فيقال قبل الزوال: رأيت الليلة كذا، وبعده: رأيت البارحة، قال طرفة: [من السريع] 1498 - ما أشبه الليلة بالبارحة

وجمعها على ليل وليائلٍ ليلاتٍ؛ يقال: ليلةٌ ليلاء كما قالوا: ليلٌ أليل. فقابلوا أفعل بفعلاء نحو: أحمر وحمراء. وقيل: أصله ليلةٌ ليلاوةٌ، وقال الراغب بدليل تصغيرهم على لييلة وجمعهم على ليالٍ. ل ي ن: قوله تعالى: {فبما رحمةٍ من الليل لنت لهم} [أل عمران: 159] أي خفضت جناحك لهم وتواضعت مع رفعة منزلتك وعلو مرتبتك. واللين في الأصل مقابل الخشونة. وكلاهما مدركان بالحس أعني حاسة اللمس. وحقيقته في الأجسام، ثم يستعمل في الخلق وغيره من المعاني مجازًا كما تقدم. ويقال: فلانٌ لين الجانب وفلانٌ خشنه، وكل منهما يمدح به تارةً ويذم به أخرى وذلك بحسب المقامات، ألا ترى إلى قول الحماسي: [من البسيط] 1499 - إن ذو لوثة لانا قوله تعالى: {ثم تلين جلودهم وقلوبهم إلى ذكر الله} [الزمر: 23] أي ينقادون ويطيعون، ولما قدم أن جلودهم تقشعر، أخبر أنها تلين بذهاب القشعريرة عنها، وما أحسن تقابل هاتين الصفتين هنا! فإن القشعريرة بالحس تجعل في البدن خشونةً فإذا زالت حصلت له نعومةٌ لانبساط الجلد وامتداد شعره، وقال الراغب: قوله: {ثم تلين} الآية، إشارة إلى إذعانهم للحق وقبولهم له بعد تأبيهم منه وإنكارهم إياه. وليس في ذلك إشارةٌ إلى بعض ما ذكر لا من اللفظ ولا من السياق ولا من قرينة حالية، فمن أين له ذلك؟ وإنما ضم لين القلوب إلى لين الجلود ليخبر بتوافق الظاهر والباطن، وهو غاية

المراد. وفي الحديث: «كان إذا عرس بليلٍ توسد لينة» قيل: هي كالمسورة أو الرفادة، سميت بذلك للينها، وقد تقدم أن اللينة النخلة، أصلها من ذوات الواو فهي تشارك هذه لفظًا وتفارقها أصلًا ومعنىً.

باب الميم

بسم الله الرحمن الرحيم باب الميم الميم: حرف جر تجر المقسم به، ولا تدخل إلا على الجلالة المعظمة، وفيه ثلاث لغاتٍ؛ الضم والفتح والكسر، نحو: م الله لأفعلن كذا، ومِ الله، مَ الله. وقيل: بل هذه اسمٌ لأنها بقية أيمنٍ في قولك أيمن الله فما بعده مجرورٌ بالإضافة. وقد رد هذا القول بأنه لا تحذف حروف اسمٍ حتى يصير على حرفٍ واحدٍ، وبأنه ليس لنا اسمٌ معربٌ على حرفٍ واحدٍ، وأجيب عن ذلك بـ (ر) فعل أمرٍ من رأى فإنه لم يبق منه إلا الفاء، وعن الثاني بما حكى ابن مقسمٍ: اسقني مًا، مقصورًا منونًا فلم يبق منه إلا حرفٌ واحدٌ. فصل الميم والهمزة م اج: قرأ عاصمٌ: {إن يأجوج ومأجوج} [الكهف: 94] فقيل: هما الأصل والألف مقلوبةٌ فيهما. وقيل: لغتان. وقيل: الألف أصلٌ والهمزة مقلوبةٌ منها. وقيل: هما عربيان واشتقاقهما من أجيج النار، أو من الأجة وهي الاختلاط، وعلى هذا فميمها زائدةٌ وليست مما نحن فيه، وفيهما أبحاثٌ كثيرةٌ ذكرتها في «الدر» و «العقد». م أي: قوله تعالى: {فأماته الله مائة عامٍ} [البقرة: 259] المئة: المرتبة الثالثة من الأعداد؛ فإن أصول الأعداد أربعةٌ: آحادٌ وعشراتٌ ومئون وألوفٌ، وأصلها مائة فحذفت لامها بدليل أمأيت الدراهم أي جعلتها مئةٍ، وأمئت هي، أي بلغت ذلك. فصل الميم والتاء م ت ع: قوله تعالى: {يمتعكم متاعًا حسنًا} [هود: 3] قيل: معناه يعمركم أي يطيل

عمركم. والمادة تدل على الطول، ومنه: رجلٌ ماتعٌ أي طويلٌ. ومتع النهار: طال، وأمتع فلانٌ: طالت مدته. وأمتعني الله بك، أي أطال إيناسي ببقائك، وفي حديث الدجال: «يسخر له جبلٌ ماتعٌ» وفي حديث عمر: «بينما أنا جالسٌ في أهلي إذ متع النهار» وقيل: المتوع الامتداد والارتفاع، ومنه قول عمر: «إذ متع النهار» يقال: متع النبات. والمتاع: انتفاعٌ ممتد [الوقت]. ويقال لكل ما ينتفع به في البيت وفي غيره: متاعٌ، ومنه قوله تعالى: {ابتغاء حليةٍ أو متاعٍ زبدٌ مثله} [الرعد: 17] وقوله: {ولما فتحوا متاعهم} [يوسف: 65] قيل: طعامهم، وقيل: أوعية طعامهم، وكلاهما متاعٌ للانتفاع بهما. ومتعة المطلقة: مما تنتفع به مدة عدتها. وقوله: {ومتعوهن} [البقرة: 236] أي أعطوهن من النفقة ما ينتفعن به. ومنه: نكاح المتعة وذلك أنه كان الرجل ينكح المرأة مدةً معلومةً ينتفع بها فيها إذا مضت فارقها من غير طلاقٍ كالمستأجرة، وقال الراغب: هي أن الرجل كان يشارط المرأة على مالٍ معلومٍ يعطيها إلى أجلٍ معلومٍ، فإذا انقضى ذلك الأجل فارقها من غير طلاقٍ، وكيفما كان فنكاح المتعة باطلٌ وإن كان جائزًا في أول الإسلام فقد نسخ حكمه. وقد بينا مذاهب الناس فيه في «القول الوجيز» وقوله: {فمن تمتع بالعمرة إلى الحج} [البقرة: 196] اختلف الناس في كيفية ذلك على ما بيناه في الكتاب المشار إليه، وحاصله أن فيه انتفاعًا للحاج بمعنى أن ينتفع باستباحته محظورات الإحرام تلك المدة إلى أن يحرم الحج بخلاف المفرد والقارن. وكل موضع ذكر فيه تمتع الدنيا فعلى سبيل التهديد، وذلك لم فيه من التوسع والتنعم. قوله: {قل متاع الدنيا قليلٌ} [النساء: 77] أي سائر انتفاعاتها بجميع الأشياء قليلٌ في جنب متاع الآخرة لكثرته كثرةً خارجةً عن الحد، ولكونه على صفةٍ لا يعلمها إلا الله ولو لم يكن فيه إلا سلامته من المنغصات والشوائب والمكدرات وانقطاعه في بعض الأوقات لكفى. قوله: {ومتعناهم إلى حينٍ} [يونس: 98] يحتمل البقاء ويحتمل

التوسعة في النعمة. قوله: {ولكم في الأرض مستقرٌ ومتاعٌ إلى حين} [البقرة: 36] تنبيهٌ على أن لكل إنسان من الدنيا تمتع مدةٍ معلومةٍ. قوله: {إلا رحمةً منا ومتاعًا إلى حين} [يس: 44] أي لابد لهم من حينٍ يموتون فيه بعد إنجائنا إياهم من الغرق وتمتيعنا لهم في الدنيا بضروب النعم، وقد غرق بعضهم ثم نجا فهنئ بالسلامة، فأنشد [من الوافر] 1500 - ولم أسلم لكي أبقى ولكن ... سلمت من الحمام إلى الحمام والاستمتاع: طلب التمتع، ومنه قوله تعالى: {ربنا استمتع بعضنا ببعضٍ} [الأنعام: 128] وذلك لأن كلا من الجنسين قد سأل صاحبه التمتع فأعطاه ما سأله الجن سولت له أعمالًا فأطاعوهم فيها. وقيل: استمتاع الإنس بالجن: هو أن الرجل من الإنس كان إذا سافر فنزل واديًا وخاف من شره قال: أعوذ برئيس هذا الوادي. واستمتاع الجن بالإنس هو تعظيمهم إياهم حيث كانوا عندهم ممن يعاذ به ويلتجأ إليه. وقد أخبر الله تعالى بذلك حيث قال: {وأنه كان رجالٌ من الإنس يعوذون برجالٍ من الجن} [الجن: 6]. قوله: {فاستمتعوا بخلاقهم} [التوبة: 69] أي انتفعوا بنصيبهم من الدنيا. وقال الفراء: رضوا به عن نصيبهم في الآخرة. قوله: {ابتغاء حليةٍ أو متاعٍ} [الرعد: 17] أي مثل الحديد والنحاس والرصاص وسائر الجواهر المنطبعة لكثرة انتفاعهم بها سفرًا وحضرًا وطول بقائها. وفي الحديث: «حرم شجر المدينة ورخص في الهش ومتاع الناضح» أراد به أداة الرحل ونحوه التي تؤخذ من الشجر. وقولهم: شرابٌ ماتعٌ قيل: معناه أحمر. والظاهر أن الحمرة ليست من خصوصية ذلك بل المراد بالماتع المائع وإنما ذكروا الحمرة لأنها في الغالب دالةٌ على جودته وقوة الانتفاع به وقالوا: حبلٌ ماتع أي قوي. وأنشد: [من الطويل] 1501 - وميزانه في سورة البر ماتع

أي قويٌ راجح م ت ك: قرأ بعض القراء: «وأعتدت لهن متكًا» قيل: هو الأترج. وقرئ بفتح ميمه أيضًا، ونقل أبو عمرٍو: فيه تثليث الميم بالحركات الثلاث. وأنشد من قال هو الأترج قول الشاعر: [من الوافر] 1502 - فأهدت متكةً لبني أبيها ... تخب بها العثمثمة الوقاح وقيل: بل هو اسمٌ لكل فاكهة تقطع بالسكين كالأترج ونحوه، وأنشد: [من الخفيف] 1503 - نشرب الإثم بالصواع جهارًا ... وترى المتك بيننا مستعارا وفرق بعضهم بين المضموم وغيره فقال: هو بالضم أترجٌ وبالفتح الخمر. وقيل: هو الشراب الخالص. وقال المفضل: هو بالضم المائدة أو الخمر في لغة كندة. وقيل: هو بتك أي قطع، فأبدلت الباء ميمًا، وهي لغةً مطردةٌ. م ت ن: قوله تعالى: {ذو القوة المتين} [الذاريات: 58] الشديد الحول، وقيل: هو من تأكيد اللفظ لاختلاف معناه؛ فالمتين: القوي، كقوله: {صلواتٌ من ربهم ورحمةٌ} [البقرة: 157] وأصله من المتن وهو الصلب فإنه أقوى ما في الناس. والمتنان (من باب شابت مفارقه) وقيل: بل المتنان مكتنفا الصلب، وبه شبه المتن من الأرض.

ومتن كل شيءٍ وسطه، والمتن: المقابل للسند، عند أهل الحديث، وهو نصه الحديث. ومتنته: ضربت متنه تجوزًا. ويقال: متنة بالتاء، وأنشد: [من المتقارب] 1504 - له متنتان خظانا، كما ... أكب على ساعديه النمر ومتن: قوي متنه فصار متينًا، وفي الحديث في صفة القرآن: «هو حبل الله المتين» أي القوي الذي لا ينقطع بمن تعلق به واستمسك. م ت ي: قوله تعالى: {ويقولن متى هذا الوعد} [يونس: 48] متى ظرف زمانٍ يستفهم به عن الزمن الخاص نحو: متى تخرج؟ وجوابه: يوم الجمعة ونحوه. ولو قيل وقتًا ونحوه لم يصح، وهذيلٌ تجعلها بمعنى «وسط» فتقول: اجعله متى كمك، أي وسطه. وقيل: يجعلونها بمعنى «من» وعلى كلا التقديرين فيجر ما بعدها إما بالإضافة أو بحرف الجر، وأنشد لأبي ذؤيب الهذلي: [من الطويل] 1505 - شربن بماء البحر ثم ترفعت ... متى لججٍ خضرٍ لهن نئيج قيل: معناه وسط لججٍ، وقيل: معناه من لججٍ. وتكون اسم شرطٍ أيضًا: فعلين شرطًا وجزاءً كقول الشاعر: 1506 - متى تأته تعشوا إلى ضوء ناره ... تجد خير نار عندها خير موقد ولما سمع النبي -صلى الله عليه وسلم -هذا البيت قال: «تلك نار موسى» وهي مبينةٌ على كلا التقديرين لتضمنها معنى حرف الاستفهام والشرط. وتمال ألفها وتكتب ياءً، فمن ثم ذكرتها في مادة (م ت ي).

فصل الميم والثاء

فصل الميم والثاء م ث ل: قوله تعالى: {إن الله لا يستحي أن يضرب مثلًا ما بعوضةً فما فوقها} [البقرة: 26] الآية. المثل هو القول السائر وفق الحال التي ضرب لها، ولابد فيه من غرابةٍ لما أنزل الله: {لن يخلقوا ذبابًا} [الحج: 73] {لبيت العنكبوت} [العنكبوت: 41] قالت اليهود: إن الله أجل أن يتكلم بهذا فنزلت. وقيل: المثل عبارةٌ عن قولٍ في شيء يشبه قولًا في شيءٍ آخر بينهما مشابهةً لتبيين أحدهما للآخر وتصوره، نحو قولهم: «الصيف ضيعت اللبن» فإن هذا القول يشبه قولك: أهملت وقت الإمكان أمرك، ولذلك قال تعالى: {وتلك الأمثال نضربها للناس وما يعقلها إلا العالمون» [العنكبوت: 43] لأن لابد من تدبر المثل والممثل له ومطابقة ما بينهما. قيل: والمثل يقال على وجهين: أحدهما بمعنى المثل، نحو شِبْهٍ وشَبَهٍ ونقْضٍ ونَقَضٍ. قال: بعضهم: وقد يعبر بها عن وصف الشيء نحو قوله تعالى: {مثل الجنة} [الرعد: 35] أي صفتها. والثاني عبارةٌ عن المشابهة لغيره في معنى من المعاني أي معنىً كان، وهو أعم الألفاظ الموضوعة للمشابهة وذلك أن الند يقال فيما يشاركه في الجوهرية فقط، والشكل فيما يشاركه في القدر والمساحة، والشبه يقال فيما يشاركه في الكيف فقط، والمثل عام في جميع ذلك. قال: ولهذا لما أراد الباري عز وجل نفي التشبيه عن ذاته المقدسةٍ من كل وجهٍ خصه بالذكر دون بقية الألفاظ المذكورة. فقال تعالى: {ليس كمثله شيءٌ} [الشورى: 11] قيل: وجمع بين كاف التشبيه ولفظ المثل تنبيهًا على إرادة تأكيد النفي، وتنبيهًا على أنه لا يصح استعمال المثل ولا الكاف،

فنفى بـ «ليس» الأمرين جميعًا. وقال بعضهم: الكاف مزيدةٌ إذ لو لم يقل ذلك للزم ثبوت مثل لله تعالى إذ يصير التقدير: ليس مثل مثله شيءٌ، وهو محالٌ وقيل: المثل هنا بمعنى الصفة، ومعناه: ليس كصفته صفةٌ، تنبيهًا على أنه وإن وصف بكثيرٍ مما يوصف به البشر فليس تلك الصفات له على حسب ما يستعمل في البشر. وقيل: المثل يجيء بمعنى الذات نحو قولهم: مثلك لا يفعل كذا. يريدون أنت لا تفعل كذا، وهو أبلغ منه، وأنشدوا: [من الطويل] 1507 - على مثل ليلى يقتل المرء نفسه ... وإن بات من ليلى على الناس طاويا يريدون: على ليلى، بدليل قوله: وإن بات من ليلى. وقد منع الله من ضرب المثل له تعالى بقوله: {فلا تضربوا لله الأمثال} [النحل: 74] وقد نبه أنه يضرب لنفسه المثل، ولا يجوز أن نقتدي به في ذلك، فقال تعالى: {إن الله يعلم وأنتم لا تعلمون} [النحل: 74] ثم ضرب لنفسه مثلًا فقال: {ضرب الله مثلًا عبدًا مملوكًا} [النحل: 75] الآية. قال بعضهم: وفيه تنبيهٌ أنه لا يجوز أن نصفه بصفةٍ مما يوصف به البشر إلا ما وصف به نفسه. قوله: {للذين لا يؤمنون بالآخرة مثل السوء ولله المثل الأعلى} [النحل: 60] أي لهم الصفات الذميمة وله تعالى الصفات العلى. قوله تعالى: {مثل الذين حملوا التوراة} [الجمعة 5] الآية. أي هم في جهلهم بمضمون حقائق معاني التوراة كالحمار في جهله مما على ظهره من الأسفار. وقوله: {فمثله كمثل الكلب} [الأعراف: 176] منبهة في ملازمته عنه واتباعه هواه وقلة مزايلته له بالكلب الذي لا يزايل اللهث على جميع الأحوال، وقد تقدم شرحه. وقوله: {مثلهم كمثل الذي استوقد نارًا} شبه من أتاه الله ضربًا من الهدى والمعونة فأضاعه ولم يتوصل به إلى ما رشح له من نعيم الأبد من استوقد نارًا في ظلمة. فلما أضاءت له ضيعها ونكس فعاد في ظلمته التي كان فيها. قوله: {ومثل الذين كفروا كمثل الذي ينعق} [البقرة: 171] الآية. شبهوا

المدعو بالغنم التي ينعق بها وداعيها بالناعق بالغنم فأجمل وراعى مقابلة المعنى دون مقابلة الألفاظ. وبسط ذلك وشرحه: ومثل الذين كفروا كمثل الذي ينعق بالغنم، ومثل الغنم التي لا تسمع إلا دعاءً ونداءً. وفيه تقديراتٌ أخر حررناها في «الدر» وغيره. قوله: {وقد خلت من قبلهم المثلات} [الرعد: 6] أي النقمات، الواحدة مثلةٌ. وقرئ بسكون العين، وهو مطردٌ كعضد في عضد. والمثلة: نقمةٌ تنزل بالإنسان فيجعل مثالًا يرتدع به غيره كالنكال. وقيل: المَثْلةُ هي المُثْلةُ بضم الفاء وسكون العين. وقد قرئ المثلات جمعًا له. وقال ابن اليزيدي: المثلات: الأمثال والأشباه. قوله: {ومضى مثل الأولين} [الزخرف: 8] أي قصصهم وعقوبتهم. قوله: {مثل الذين كفروا بربهم} [إبراهيم: 218] {ذلك مثلهم في التوراة ومثلهم في الإنجيل} [الفتح: 29] {ولما يأتكم مثل الذين خلوا} [البقرة: 214] كل ذلك بمعنى الصفة، ويجوز أن يكون على بابه لما في ذلك من الغرابة. قوله تعالى: {وخلقنا لهم من مثله ما يركبون} [يس: 42] أي من مثل السفن. ويعني بذلك الإبل، وذلك أنها في حملها الأشياء الثقيلة وصبرها على عدم الماء والعلف كالسفن، ولذلك تسميها العرب «سفن البر». قوله تعالى: {ومثلهم معهم} [ص: 43] أي أنه تعالى أحيا من مات من ولد أيوب عليه السلام ورزقه مثلهم زيادةً. قوله تعالى: {ما هذه التماثيل} [الأنبياء: 52] الواحد تمثالٌ. وهي صورةٌ تجعل على شكل من يرون حكاية صورته وشكله، والمراد هنا الأصنام. وقوله: {من محاريب وتماثيل} [سبأ: 13] قيل: هي صور الأنبياء، وكان التصوير في شرعه عليه الصلاة والسلام مباحًا، فأمر الجن أن يصوروا مثل صور الأنبياء لتذكر الناس أفعالهم فيعملون بعملهم. وكذا كان زمن نوحٍ عليه السلام. يقال: إن ودًا وسواعًا ويغوث ونسرًا كانوا قومًا صالحين. فلما ماتوا صوروا صورهم ليتذكر الناس بهم. فلما طال الزمان وحدث خلفٌ جاء إبليس فقال لهم: إن آباءكم الأقدمين كانوا يعبدون هؤلاء. وعبدها

قدامهم، فتبعوه. وأصل المادة على الانتصاب والتصوير، يقال: مثل بين يديه أي انتصب، ومنه الحديث: «من أحب أن يمثل الناس له قيامًا فليتبوأ مقعده من النار» والممثل: هو الشيء المصور على مثال غيره، وتمثل كذا: تصوره بصورته؛ قال تعالى: {فتمثل لها بشرًا سويًا} [مريم: 17]. قوله تعالى: {ويذهبا بطريقتكم المثلى} [طه: 63] أي القربى إلى الخير والفضل، فالمثلى تأنيث الأمثل، والأمثل يعبر به عن الأشبه بالأفضل والأقرب إلى الخير وأماثل القوم: كنايةٌ عن خيارهم، وعليه قوله تعالى: {إذ يقول أمثلهم طريقةً} [طه: 104] أي الأقرب إلى الصواب وقال ابن عرفة في قوله: {بطريقتكم المثلى} أي يصرفان وجوه الناس الأماثل إليهما يعني يغلبان على الأشراف. قيل: والأماثل يجوز أن يكون جمع أمثل، وأن يكون جمع أمثال، وأمثالًا جمع مثل. والمثل: سيد القوم وخيارهم. وسأل أبو الهيثم رجلًا فقال: ائتني بقومك، فقال: إن قومي مثلٌ، فقال أبو الهيثم: يريد أنهم ساداتٌ ليس فوقهم أحدٌ وعلى هذا فمثل يكون للواحد والجمع وكأن السادات لما كانوا في الغرابة بالنسبة إلى زيادة الخير أطلق عليهم لفظ المثل لذلك. وقال في قوله تعالى: {أمثلهم طريقةً} أي أرشدهم مذهبًا. وقولهم: المريض أمثل حالًا من أمس، من ذلك أي أقرب إلى الصحة وأدنى إلى الخير. وفي الحديث: «نهى أن يمثل بالدابة وأن تؤكل الممثل بها» كانوا ينصبون الدابة عرضًا يرمون عليها. فنهاهم عن ذلك وعن أكلها إذا فعل بها ذلك لأنه ميتةٌ إذ لا يقدر على ذكاتها ويقال بهذا المعنى: مثل به يمثل مثولًا فهو ماثلٌ وممثولٌ. وفي الحديث: «وأن تؤكل الممثول بها» والمثلة: التشويه بالقتل كقطع المذاكير وصلم الأذن وجدع الأنف، وفي الحديث: «نهى عن المثلة» ولما رأى عليه الصلاة والسلام عمه حمزه وقد مثلت به كفار قريشٍ قال: «لأمثلن بسبعين رجلًا» فنزل قوله تعالى: {وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به

فصل الميم والجيم

ولئن صبرتم لهو خيرٌ للصابرين} [النحل: 126] فصبر عليه الصلاة والسلام واحتسب وفدى وعفا. وفي الحديث: «من مثل بالشعر فليس له خلاقٌ عند الله» قيل: هو حلقه من الخدين. وقيل: هو خضابه بالسواد. فصل الميم والجيم م ج د: قوله تعالى: {ذو العرش المجيد} [البروج: 15] أي الواسع الكرم والجلالة. والمجد: السعة في الكرم والتزايد في الجلالة؛ يقال: مجد يمجد فهو ماجدٌ مجيدٌ. ومجيدٌ أبلغ لأنه من صيغها. ومجد مجدًا ومجادةً، وأصله من مجدت الإبل: حصلت في مرعىً كثيرٍ واسعٍ وقد أمجدها الراعي: جعلها في ذلك. وتقول العرب: في كل شجرٍ نارٌ، واستمجد المرخ والعفار أي، يجري السعة في بذل الفضل المختص بذلك النوع. ويروى: واستمجد -بصيغة الماضي -المرخ فاعلٌ بمعنى استكثر، أي النار. وقيل: المجيد: الشريف. ورجلٌ ماجدٌ: مفضالٌ كثير الخير. قوله: {والقرآن المجيد} [ق: 1] وصف بذلك لكثرة ما يتضمن من المكارم الدنيوية والأخروية، ولذلك وصف بالكريم. وقرئ قوله: {ذو العرش المجيد} بجر المجيد ورفعه؛ فالجر على أنه نعتٌ للعرش لعظمه وجلالة قدره وسعة خلقه، وإليه أشار عليه الصلاة والسلام بقوله: «ما الكرسي في جنب العرش إلا كحلقة ملقاة في أرض فلاةٍ» وعليه قوله: {رب العرش العظيم} [التوبة: 129] والرفع على أنه نعتٌ للودود وذلك لسعة فيضه وكثرة جوده. والتمجيد من العبد لله بالقول وذكر الصفات الحسنة، ومن الله للعبد بإعطائه الفضل.

فصل الميم والحاء

م ج س: قوله تعالى: {والمجوس} [الحج: 17]. المجوس جيلٌ معروفٌ وهم قومٌ يعبدون النار، وقال آخرون: يعبدون الشمس والقمر، وقال آخرون: هم قومٌ من النصارى إلا أنهم اعتزلوهم ولبسوا المسوح. وقيل: أخذوا من دين النصارى شيئًا ومن دين اليهود شيئًا، وقيل: هو قومٌ يقولون بأن العالم أصلان: نورٌ وظلمةٌ. وقيل: هم قومٌ يتعبدون باستعمال النجاسات، والأصل على نجوس بالنون، فأبدلت النون ميمًا. وقيل: كان لهم كتابٌ فرفع، ولذلك قال عليه الصلاة والسلام: «سنوا بهم سنة أهل الكتاب غير آكلي ذبائحهم ولا ناكحي نسائهم». فصل الميم والحاء م ح ص: قوله تعالى: {وليمحص الله الذين آمنوا} [آل عمران: 141] أصل المحص تخليص الشيء مما فيه من عيبٍ كالفحص، إلا أن الفحص يقال في إبراز الشيء من أثناء ما يختلط به وهو منفصلٌ. والمحص يقال في إبرازه عما هو متصلٌ به. يقال: محصت الذهب ومحصته: إذا أزلت عنه ما يشوبه من خبثٍ. فمعنى التمحيص في الآية التزكية والتطهير وإزالة ما يغاير الإيمان. وكذا قوله تعالى: {وليمحص الله ما في قلوبكم} [آل عمران: 154] أي يزيل ما فيها من ظنٍّ لا يليق بكم. وفي الدعاء: «اللهم محص عنا ذنوبنا» أي أزلها. وحقيقته: أزل ما علق بنا واختلط وخلصنا منه تخليص الذهب من الخبث ونحوه. وقال ابن عرفة: {وليمحص الله الذين آمنوا} أي وليبتليهم، قال: ومعنى التمحيص النقص. ومحص الله ذنوبك، أي نقصها، وسماه [الله] للكافر محقًا. قال الهوري: سمعت الأزهري يقول: محصت العقب من الشحم: نقيته منه لتفتله وترًا، أراد تعالى: ليخلصهم. وفرسٌ ممحوص القوائم أي خالصٌ من الرهل. وفي حديث علي، كرم الله وجهه، وذكر فتنةً فقال: «يمحص الناس فيها كما يمحص الذهب» فتعرف جودته من رداءته.

ومحص الثوب: زال عنه زئبره. ومحص الحبل: أخلق حتى ذهب زئبره، ومحص الظبي: عدا، بمعنى الذهاب فيه. م ح ق: قوله تعالى: {ويمحق الكافرين} [آل عمران: 141] أي يذهبهم ويستأصلهم، يقال: محقته فانمحق، أي أذهبته فذهب. قوله: {يمحق الله الربا} [البقرة: 276] أي يذهب بركته وزيادته الظاهرة لكم، كما {ويربي الصدقات} [البقرة: 276] ويزيد ما يخرج منه وإن كان نقصًا فيما ترونه. فالربا وإن كانت زيادته ظاهرةً يذهبه. والصدقة وإن كانت نقصًا ظاهرًا يزيدها. وما أحسن ما جاءت المقابلة بين قوله: {يمحق} و {يربي}. وأصل المحق النقصان، ومنه المحاق لآخر الشهر لانمحاق الهلال فيه. يقال: محقه أي نقصه وأذهب بركته. م ح ل: قوله تعالى: {وهو شديد المحال} [الرعد: 13] أي العقوبة. محل به: إذا عاقبه، قال أبو العباس رضي الله عنهما: هو مأخوذٌ من قول العرب: فلانٌ محل بفلانٍ: إذا سعى به إلى السلطان وعرضه لما يهلكه عنده، وتمحلت الدراهم: سعيت في طلبها، وقال أبو زيد المحال: النقمة، وقال الأزهري: أي شديد القوة والشدة. وما حلت فلانًا، أي قاومته أينا أشد، وفي الحديث: «ولا تجعل القرآن بنا ماحلًا» أي ساعيًا في هلاكنا على المجاز. وقال أبو عبيدٍ: المحال: العقوبة والمكروه وقال ابن عرفة: المحال: الجدال؛ ما حال عن أمره، أي جادل، وأنشد لذي الرمة: [من الوافر] 1508 - ولبس بين أقوامٍ فكل ... أعد له السفارة والمحالا

قال: ومنه حديث أنسٍ رضي الله تعالى عنه «أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم -أرسل رسولًا إلى عظيم من المشركين يدعوه إلى الله تعالى، فقال المشرك: صف لي الإهك أمن فضة إم من ذهب أم من نحاس؟ فاستعظم ذلك، فرجع إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم -فقال: ارجع فإذا صاعقةٌ قد أصابته» ونزل قوله تعالى: {وهم يجادلون في الله وهو شديد المحال}، أي الكيد والعقوبة. والمشهور أن ميمه أصليةٌ لاشتقاقه من المحل كما تقدم. وقال القتيبي: هو من الحيلة وميمه زائدةٌ. ورد عليه بأن ميمه أصليةٌ بدليل أن كل ما كان على زنة فعال كمهاد وملاكٍ ومراسٍ كانت ميمه أصلية. وكل ما كان على مفعل من ذوات الواو تفتح عينه نحو: محورٍ ومقول، وبيانه في غير هذا، إلا أنه قد قرأ الأعمش «المحال» بالفتح، وفسره ابن عباسٍ بأنها من الحول فهي مرشحةٌ لما قاله القتيبي. وقال بعضهم: هو من قوله: محل به محلًا ومَحالًا ومِحالًا: إذا أراده بسوء. قال أبو زيد: محل الزمان: قحط، ومكانٌ ما حلٌ ومتماحلٌ، وأمحلت الأرض. والمحالة: فقارة الظهر والجمع المحال. ولبن ممحلٌ، أي فاسدٌ، وفي الحديث: «أن إبراهيم قال: أنا الذي كذبت ثلاث كذبات. قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم -: وما منها كذبةٌ إلا وهو يماحل بها عن الإسلام» أي يجادل. قلت: تسميته -صلى الله عليه وسلم -ما ماحل به كذباتٌ على طريق المجاز، وإلا فهو مبرأ من الكذب المذموم -صلى الله عليه وسلم -. ولذلك لم يسكت نبينا -صلى الله عليه وسلم -بل فسر لأمته تلك الكذبات وبين وجهها. وفي الحديث: «القرآن شافعٌ مشفعٌ وما حلٌ مصدقٌ» أي ساعٍ مصدقٌ من: محل به إذا سعى به، وقيل: معناه مجادلٌ مصدقٌ. ومنه الحديث أيضًا: «عهدهم لا ينقض عن شية ماحلٍ» أي ساع وواشٍ يسيء بهم. ومن كلام أمير المؤمنين علي رضي الله عنه: «إن من وراءكم فتنًا متماحلة» أي متطاولةً ممتدةً. والمتماحل من الرجال: الطويل، وقال بعضهم: معنى {شديد المحال} أي شديد الأخذ بالعقوبة. وكلها معانٍ متقاربةٌ بألفاظٍ متغايرةٌ.

م ح ن: قوله تعالى: {فامتحنوهن} [الممتحنة: 10] أي اختبروهن وجربوهن وابتلوهن. وقد تقدم الكلام في الابتلاء. وأصله من: امتحنت الذهب والفضة: إذا أذبتهما لتختبرهما أهما خالصان أم لا. قال أبو عبيدٍ في قوله تعالى: {أولئك الذين امتحن الله قلوبهم للتقوى} أي صفاها وهذبها. وفي الحديث: «فذلك الشهيد الممتحن» قال شمرٌ: هو المصفى المهذب، وهذا بمعنى ما تقدم، فإن التصفية والتخليص من وادٍ واحدٍ. م ح و: قوله تعالى: {يمحو الله ما يشاء ويثبت} [الرعد: 39] أي يمحو ما يشاء مما يكتبه الحفظة ويثبت ما يشاء. وفي التفسير: إن الله ينظر كل يومٍ في اللوح المحفوظ سبعين نظرةً فيمحو ما يشاء ويثبت ما يشاء. ومعنى ذلك أن الله تعالى أمر الملائكة بكتب أشياء فيأمرها بأن تجعل فلانًا الشقي سعيدًا وعكسه. وفلانًا الغني فقيرًا وعكسه، فتفعل ذلك. فالمحو والإثبات بالنسبة إلى علم الملائكة، وأما علمه تعالى فلا يتبدل ولا يتغير ولا يوجد في الوجود شيءٌ إلا على وقف علمه القديم، ولذلك عقبه بقوله: {وعند أم الكتاب} أي أصل ذلك الكتاب وهو علمه. وعبر في الحديث بقوله: «ينظر عن أمره بما يريد ولا ينظر على الحقيقة» وبالجملة: {لا يسأل عما يفعل وهم يسألون} [الأنبياء: 23] وقيل: ينسخ من الأمر والنهي ويبقي ما يشاء. وأصل المحور إزالة الأثر، ومنه قيل للشمال محوةٌ لأنها تمحو السحاب والأثر. وفي الحديث: «لي خمسة أسماء منها الماحي» لأنه يمحو الله به الكفر وآثاره، وقال بعضهم يخاطب النعمان بن بشير: [من الطويل] 1509 - زيادتنا نعمان لا تمحونها ... تق الله فينا والكتاب الذي تتلو يقال: محوت الكتاب محوًا ومحيته محيًا.

فصل الميم والخاء

فصل الميم والخاء م خ ر: قوله تعالى: {وترى الفلك مواخر فيه} [النحل: 14] جمع ماخرة وهي السفن؛ وصفت بذلك لأنها تشق الماء بجناحيها أي بصدورها. والمخر: الشق؛ يقال: مخرت السفينة الماء: إذا شقته، ومخر الأرض أي شقها بالحرث ومخرها بالماء: إذا حبسه عليها لتصير ريضةً، أي خليقةً بالزراعة. وقيل: مخر الأرض استقبالها بالدور فيها، يقال: مخرت السفينة مخرًا ومخورًا، واستمخرت الريح، وامتخرتها: إذا استقبلتها بأنفك، ومنه الحديث: «استمخروا الريح وأعدوا النبل» يعني في الاستنجاء، قال ابن شميل: يقول: اجعلوا ظهوركم إلي الريح عند البول كأنه إذا ولاها ظهره شقًا استبان الريح بظهره فأخذت عن يمينه وشماله قال: وقد يكون استقبال الريح .. تمخرًا، والمراد به في الحديث: استدبار وفي حديث آخر: «إذا بال أحدكم فليتمخر الريح» أي ينظر أين مجراها فلا يستقبلها ولكن يستدبرها كيلا يرد عليه البول. والمآخور: الموضع الذي يباع فيه الخمر. وقيل: هو موضع الريبة. ولما ولي زيادٌ البصر قال: «ما هذه المواخير} الشراب عليه حرامٌ حتى تسوى الأرض هدمًا وحرقًا» يعني مواضع الريبة. [م خ ض]: قوله تعالى: {فأجاءها المخاض إلى جذع النخلة} [مريم: 23]. فصل الميم والدال م د د: قوله تعالى: {وإخوانهم يمدونهم في الغي} [الأعراف: 202] وقرئ في

المتواتر بفتح الياء وضمها من مده وأمده، فقيل: بمعنىً واحدٍ. يقال: مد النهر ومده، وأمده نهرٌ آخر. وقيل: أمد في المحبوب نحو قوله: {وأمددناهم بفاكهةٍ ولحمٍ} [الطور: 22] {ويمددكم بأموال} [نوح: 12] وفي المكروه مد نحو قوله تعالى: {ونمد له من العذاب مدًا} [مريم: 79] وهذا مردودٌ بقوله: {وإخوانهم يمدونهم في الغي} في قراءة من ضم الياء. ولذلك عدل بعضهم إلى عبارة أخرى؛ قال: وأكثر ما جاء الإمداد في المحبوب، والمد في المكروه. ومعنى الآية أن إخوان الشياطين تمده الشياطين. وعلى هذا الوجه فالخبر جار ٍلي غير من هو له. وقيل غير ذلك، إلا أن ما ذكرته عليه العامة. وفي الآية أوجهٌ أخر حررتها في «الدر». قوله: {ويمدهم في طغيانهم يعمهون} [البقرة: 15] أي يمهل لهم ويطيل لهم. قوله: {ألم تر إلى ربك كيف مد الظل} [الفرقان: 45] أي بسطه، قوله: {فليمدد له الرحمن مدًا} [مريم: 75] أي يمهله ويطيل عمره ويوسع عليه استدراجًا له، وهذا لفظه أمرٌ ومعناه خبرٌ، لأن الله تعالى لا يأمر نفسه، ولكنه إذا جاء الخبر بلفظ الأمر كان أوكد. وقيل: المعنى أن الله تعالى جعل جزاء ضلالته إمداده فيها. قول: {ولو جئنا بمثله مددًا} [الكهف: 109] أي زيادةً، ومنه الحديث: «مداد كلماته» أي مثلها وعددها. وقيل: المداد مصدرٌ كالمدد؛ ممدت الشيء مدًا ومدادًا وبنو فلانٍ بنوا بيوتهم على مدادٍ واحدٍ وعرانٍ واحدس ومثالٍ واحد، كله بمعنى. وأصل المد الجرو الطول، ومنه المدة للوقت الممتد، ومدة الخرج. ومد النهر ومد بمثله. وقال عثمان رضي الله عنه لبعض عماله: «بلغني أنك تزوجت امرأة مديدة» يقول: طويلة. ورجل مديد: أي طويل. والطويل والمديد بحران معروفان، وفي حديث آخر: «ينبعث منه ميزابان من الجنة مدادهما أنهار الجنة» أي: يمدهما أنهارهما. قوله تعالى: {ولا تمدن عينيك إلى ما متعنا به} [الحجر: 88] كنايةٌ عن

فصل الميم والراء

التطلع لما في أيديهم من زخارف الدنيا وتقليب التجارات والأولاد وغير ذلك. والمراد أمته عليه الصلاة والسلام؛ عبر بالإعراض عن زينة الدنيا المنهي عنها عن مد الطرف إليها، فإن من أعجبه شيءٌ أتبعه نظره. والمد: مكيالٌ معروفٌ لأنه يكال به ما فيه مدد الناس وحياتهم. م د ن: قوله تعالى: {وجاء من أقصى المدينة رجلٌ} [يس: 20] المدينة: البلدة التي كثر سكانها. مدن بالمكان: إذا أقام، ووزنها فعيلةٌ، وقد تقدم أن بعضهم جعلها مفعلة فالميم مزيدةٌ. والمدينة -أيضًا -الأمة، والمدين: العبد، وقد تقدم شرح ذلك مستوفى في باب الدال فأغنى عن إعادته هنا. فصل الميم والراء م ر أ: قوله تعالى: {واعلموا أن الله يحول بين المرء وقلبه} [الأنفال: 24] المرء: الرجل، والأنثى: المرأة والأفصح فتح ميمه مطلقًا، وعليه جاء التنزيل، وفيه لغيةٌ إتباع الفاء اللام في حركات إعرابها فيقال: هذا مرءٌ -بضم الميم. وممرت بمرءٍ -بكسرها -ويجوز تسكين فائها في حركات الإعراب، وعليه جاء التنزيل كقوله تعالى: {إن امرؤٌ هلك} [النساء: 176] ويقال: رأيت امرأً ومررت بامرئٍ، وفيه لغةٌ؛ فتح عينه مطلقًا. والمروءة: كمال الرجولية، وقيل: هي مشتقةٌ من لفظ المرء، كالرجولة مشتقةٌ من لفظ الرجل؛ والفتوة من لفظ الفتى. وهي الفاظٌ محصورة لا تنقاس كالأخوة والأبوة. فهذه مصادر لا أفعال لها. وشذ جمع المرء سلامةً؛ ومن كلام الحسن البصري في بعض عظاته: «أحسنوا ملأكم أيها المرؤون» أي أخلاقكم. والملأ: الخلق، والملأ -أيضًا -القوم الأشراف. ومن كلام رؤبة بن العجاج: [من المنسرح]

1510 - أي تريدون أيها المرؤون قوله تعالى: {فكلوه هنيئًا مريئًا} [النساء: 4] أي سائغًا في المريء، والمريء: مجرى الطعام والشراب، وقيل: مجرى النفس، وهو عرقٌ رقيقٌ تحت الحلقوم، متى لم ينحره الذابح فاته، وقال كثير عزة: [من الطويل] 1511 - هنيئًا مريئًا غير داء مخامر ... لعزة من أعراضنا ما استحلت وانتصابها في الآية على الحال والمصدرية أو الدعاء. وهنأني الطعام ومرأني، والقياس: أمرأني. وإنما ترك للمشاكلة، فلو أفرد لم يقل إلا أمرأني، ومثله: أخذ ما قدم وما حدث بضم دال حدث لأجل قدم، فلو أفرد قدم فتحت داله. وقيل: المريء رأس المعدة والكرش اللاصق بالحلقوم. ومرؤ الطعام وإمرأ: إذا تخصص بالمريء لموافقة الطبع. م ر ت: قوله تعالى: {هاروت وماروت} [البقرة: 102] اسم ملك من الملائكة يقال إنه نزل هو وهاروت إلى الأرض ليحكما بين الناس في قصةٍ طويلة ففتنا، وأنهما خيرا بين عذاب الدنيا والآخرة فاختاروا عذاب الدنيا، وأنهما معلقان ببابل. واشتقاقها من المرت عند بعضهم وهو الكسر، وفيه نظرٌ لكونه أعجميًا، وأيضًا فهو غير منصرفٍ. ولو كان مشتقًا من المرت لانصرف. ويجمعان على موارت وهوارت، وموارتة وهوارتة. م ر ج: قوله تعالى: {مرج البحرين} [الفرقان: 53] المرج: الخلط، ومعنى ذلك أنه تعالى أجرى البحرين وأرسلهما مختلطًا أحدهما بالآخر، وجعل بينهما كما أخبر تعالى: {برزخًا وحجرًا محجورًا} [الفرقان: 53] قال مجاهدٌ: أرسلهما وأفاض أحدهما في الآخر. قوله تعالى: {فهم في أمرٍ مريجٍ} [ق: 5] أي مختلطٌ، مرةً يقولون: هو شاعرٌ،

ومرة كاهنٌ، ومرةً ساحرٌ، ومرةً مجنونٌ. ويقال: مرج الدين أي اختلط، ومرج الشيء: اختلط، ومنه مروج الدواب. ومرج الشيء -أيضًا -إذا فلق فلم يثبت، ومنه: مرج الخاتم وخرج في يده: إذا لم يستقر. وقال الأزهري: {مرج البحرين} أي خلى بينهما. يقال: أمرجت الدابة، أي خليتها في المرعى. والمرج: الإجراء، وفي الحديث: «إذا مرج الدين» أي فسد، وحقيقته قلقت أسبابه ولم يثبت، وفي الحديث: «وقد مرجت عهودهم» أي اختلطت. قوله تعالى: {من مارجٍ من نارٍ} [الرحمن: 15] أي دخانٌ مختلط بسواد النار، وقيل: المختلط من اللهب بالدخان، وقال الفراء: المارج: نارٌ دون الحجاب. قوله: {يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان} [الرحمن: 22] قيل: المرجان: صغار اللؤلؤ، هو البسد، وهو جوهرٌ أحمر. م ر ح: قوله تعالى: {وبما كنتم تمرحون} [غافر: 75] المرح: شدة البطر والفرح والتوسع فيه. وقوله تعالى: {ولا تمش في الأرض مرحًا} [الإسراء: 37] أي مشيًا مرحًا، أي مرحٍ، أو يكون مفعولًا له وهو الظاهر. وقرئ بكسر الراء على الحال من فاعل فعل النهي. ومرحى: كلمة تعجبٍ. م ر د: قوله تعالى: {صرحٌ ممردٌ} [النمل: 44] أي أملس، ومنه الأمرد لملاسة وجهه من الشعر. وشجرٌ أمرد: لا ورق به. ورملةٌ مرداء: لا نبات بها. ومرد فلانٌ عن القبائح أو عن المحاسن، أي تعرى منها وتجرد. وقوله: {شيطانٍ مريدٍ} [الحج: 3] أي خارجًا عن الحق متجردًا من الخير، معروريًا منه.

وقد مرد الرجل يمرد مرودًا: إذا خرج عن الطاعة ونزع منها يده. وتمرد، أي عتا وزاد في الطغيان. كل ذلك في معنى التجرد والتعري. وقيل: ممرد: مطول في البناء، والأول أظهر، إليه أشار الشاعر بقوله: [من السريع] 1512 - في مجدلٍ شيد بنيانه ... يزل عنه ظفر الطائر منه {مردوا على النفاق} [التوبة: 101] أي مرنوا عليه وضربوا به وتزايد عتوهم فيه. و «ماردٌ»: اسم حصن للزباء، ومن كلامها: «تمرد ماردٌ وعز الأبلق» والمرد: ثمر الأراك لملاسته ونعومته، أنشد: ينقص المرد شادنٌ م ر ر: قوله تعالى: {سحرٌ مستمرٌ} [القمر: 2] قال الفراء: معناه باطل سيذهب، من قولك: استمر أمر فلانٍ: إذا ثبت واستقر، وقال غيره: قوي محكمٌ، من قولك: أمررت الحبل فهو مريرٌ ممر إذا أحكمت فتله، ومنه قوله تعالى: {ذو مرةٍ فاستوى} [النجم: 6] أي قوةٍ، من الإمرار وقال آخرون: مستمرٌ أي نافذٌ ماضٍ فيما سخر له، وقوله تعالى: {في يوم نحس مستمر} [القمر: 19] قيل: قويٌ محكم وقيل: دائمٌ نحسه، وقيل: نافذٌ فيما أمر به وسخر له. وقيل: مستمر بمعنى مرٍ من المرارة ضد الحلاوة، وقيل: إنه يوم الأربعاء، قال الهروي: الذي لا يدور في الشهر. قوله: {ذو مرةٍ} أي قوةٍ. من حبلٍ ممرٍ وفرسٍ ممرٍ، أي موثق الحلق، ويعني به جبريل، لأنه اقتلع سبع مدائن إلى الجو بريشةٍ من ريشه، وهو أقوى من ذلك، وصاح على أهل أنطاكية صيحةً واحدةً فماتوا. وفي الحديث: «لا تحل الصدقة لغني ولا لذي مرةٍ سويٍ». قوله تعالى: {وكأين من آيةٍ في السموات والأرض يمرون عليها}

[يوسف: 105] أي يتجاوزونها ويبصرونها، من قولك: مررت على فلانٍ إذا جزت عليه، والمشهور تعديته بحرف الجر على أو الباء، كقوله: [من الكامل] 1513 - ولقد أمر على اللئيم يسبني ... فمضيت ثمت قلت لا يعنيني وقال تعالى: {يمرون عليها} وقد توسع فيه ضمن معنى المتعدي فنصب بنفسه، كقول الشاعر: [من الوافر] 1514 - تمرون الدار فلم تعوجوا ... كلامكم علي إذا حرام قوله تعالى: {فمرت به} [الأعراف: 189] أي استمرت، أي قامت وقعدت، ولم تستثقل به. ولذلك فسره بعضهم شجعت، كأنه رأى بعده {فلما أثقلت} وقرئ مرت -بتخفيف الراء -من المرية وفي حديث الوحي: «سمعت الملائكة مرار السلسلة على الصفا» المرار من الإمرار في الفتل. قال الهروي: ولو روي «إمراراً» لكان حسنًا؛ يقال: أمررت الشيء: إذا جررته، وأنشد: [من الكامل] 1515 - ونقي بأمن ما لنا أحسابنا ... ونجر في الهيجا الرماح وندعي قلت: ويؤيده ما في حديث آخر «كإمرار الحديد على الطست الجديد» قوله تعالى: {وإذا مروا باللغو} [الفرقان: 72] أي اجتازوا، وفيه تنبيهٌ على أنهم إذا دفعوا بالقوة إلى اللغو كفوا عنه، وإذا سمعوا تصامموا عنه وإذا شاهدوا أعرضوا عنه.

قوله: {مر كأن لم يدعنا} [يونس: 12] أي ذهب ومثله في المعنى: {وإذا أنعمنا على الإنسان أعرض ونأى بجانبه} [الإسراء: 83] قوله: {في كل عام مرةً أو مرتين} [التوبة: 126] المرة: المدة من الزمان، وهي في الأصل مصدرٌ؛ فالمرة والمرتان كالفعلة والفعلتين، أطلقت على كل جزءٍ من الزمان. وفي الحديث: «ماذا في الأمرين من الشفاء؛ الصبر والثفاء» هذا بلفظ التثنية، والأمر بمعنى المر كالأثقل بمعنى الثقيل، فإذا قيل: كفيت منه الأمرين، أي الدواهي، قلت: الأمرين بلفظ جمع العقلاء. وفي الحديث: «كره من الشاء شبعًا: الدم والمرار ..» قال القتيبي: أراد المحدث أن يقول: الأمر وهي المصارين، فقال: المرار، وأنشد: [من الوافر] 1516 - فلا تهدي الأمر وما يليه ... ولا تهدن معروق العظام وقال الليث: المرار جمع المرارة، قال: والمرارة لكل ذي روح إلا البعير. م ر ض: قوله تعالى: {في قلوبهم مرضٌ} [البقر: 10] أي نفاقٌ وأصل المرض الخروج عن اعتدال المزاج الصحيح الخاص بالإنسان، وذلك ضربان: مرضٌ جسمي، وهو المذكور في قوله: {ولا على المريض حرجٌ} [النور: 61] والثاني عبارةٌ عن الرذائل الكائنة في القلب كالبخل والجبن والجهل والحسد والنفاق من الرذائل الخلقية، أي المكتسبة بالانفعال. قال بعضهم: وتشبيه النفاق والكفر وغيرهما من الرذائل بالمرض إما لكونها مانعةً من إدراك الفضائل كالمرض والمانع للبدن من التصرف الكامل، وإما لكونها مانعةً من تحصيل الحياة الأخروية المشار إليها بقوله: {وإن الدار الآخر لهي الحيوان} [العنكبوت: 64]، وإما لميل النفس به إلى الاعتقادات الرديئة لميل البدن المريض إلى الأشياء المضرة، قال: وتكون هذه الأشياء متصورة بصورة المرض؛ قالوا: دوي صدره،

ونغل قلبه. وقال -صلى الله عليه وسلم -: «أي داء أدوأ من البخل؟» واستعير ذلك من قولهم: شمسٌ مريضةٌ، أي غير مضيئةٍ لعارض عرض لها. والتمريض: القيام على المريضٍ، وحقيقته إزالة المرض، كالتقذية: إزالة القذى، وقيل: في قلوبهم شك، وقيل: ظلمةٌ. وأنشد: [من البسيط] 1517 - وليلةٍ مرضت من كل ناحيةٍ ... فما يحس بها شمسٌ ولا قمر وفلانٌ يمرض القول، أي لا يصححه. وقال ابن عرفة: المرض في القلوب فتورٌ عن الحث، وفي الأبدان فتورٌ عن الأعضاء، وفي العيون عن النظر. [م ر و]: قوله تعالى: {إن الصفا والمروة} [البقرة: 158]. م ر ي: قوله تعالى: {فلا تك في مرية} [هود: 109] قيل: الشك، وقال آخرون: المرية: التردد في الأمر، وهو أخص من الشك، قال الراغب: وفيه نظرٌ؛ فإن الشك تردد أيضًا مع تساوي الطرفين. قوله: {ذلك عيسى ابن مريم قول الحق الذي فيه يمترون} [مريم: 34] هو يفعلون من المرية أي يشكونه. قوله تعالى: {فلا تمار فيهم إلا مراءً ظاهرًا} [الكهف: 22] أي لا تجادل وتحاجج. والامتراء والمماراة، المحاججة فيما فيه مريةٌ. قيل: وأصل ذلك من: مريت الناقة: مسحت ضرعها للحلب. قوله: {أفتمارونه على ما يرى} [النجم: 12] أي أفتجادلونه مجادلة الشاكين المتحيرين لا الكائنين على بصيرةٍ فيما تخاصمون فيه. وقرئ {أفتمرونه}، وفسرت بالجحود، أي أفتجحدونه؟ والمراد: المجادلة، قال الشاعر: [من الطويل]

فصل الميم والزاي

1518 - وإياك إياك المراء فإنه ... إلى الشر دعاءٌ وللشر جالب ويشهد لقراءة «تمرونه» قول الآخر: [من البسيط] 1519 - وقد مريت أخًا ما كان يمريكا وفي الحديث: «لا تماروا في القرآن فإن مراءً فيه كفرٌ»، قال أبو عبيدٍ: ليس معنى الحديث عندنا على الاختلاف في التأويل، ولكن على الاختلاف في اللفظ، وذلك أن يقرأ الرجل بشيء فيقول له آخر: ليس ذلك كذا، وقد أنزلا جميعًا، يشهد لذلك قوله -صلى الله عليه وسلم -: «أنزل القرآن على سبعة أحرف» فالمماراة: أن يستخرج الرجل من مخاصمة كلامًا ومعاني من خصومةٍ وغيرها، من مريت الشاة والناقة كما تقدم أي استخرجت لبنها بمسح ضرعها. يقال: ماريت الرجل وماررته. ومنه قول الأسود: «ما فعل الذي كانت امرأته تشاره وتماره؟». وفي الحديث: «إمر الدم بما شئت» أي استخرجه، من مرى الناقة. ويروى «أمر الدم» بكسر الدم، من مار يمور: إذا سال أي أجره وأسله، وتلك مادة أخرى. وفي حديث الأحنف: «وساق معه ناقةً مريًا» أي تدر على المري. فصل الميم والزاي م ز ج: قوله تعالى: {كان مزاجها} [الإنسان: 5]. المزاج: ما يمزج به الشراب. وأصل المزج الخلط، منه: مزجت الماء بالعسل واللبن بالماء، وقال حسان رضي الله عنه: [من الوافر]

1520 - كأن خبيئةً من بيت رأسٍ ... يكون مزاجها عسلٌ وماء وامتزج فلانٌ مع فلانٍ، أي خالطه بودٍ وصفا كامتزاج الماء وما يخلط به. ومزاج الإنسان: طبيعته وخلقه وصحته وسقمه. م ز ق: قوله تعالى: {ومزقناه} [سبأ: 19] أي قطعناهم ومزقناهم في البلاد بعد اجتماعهم في بلدةٍ طيبةٍ آمنين. يقال: مزقت الأديم، أي قطعته قطعًا. قوله: {إذا مزقتم كل ممزقٍ} [سبأ: 7] أي فرقت أوصالكم وانقطعت أجسامكم. وممزق يعني تمزيق، أي كل تمزيقٍ. ويقال على الاستعارة: مزق عرضه: إذا تناوله بما لا يليق. قال زيد الخيل رضي الله تعالى عنه: [من الوافر] 1521 - أتاني أنهم مزقون عرضي ... جحاش الكرملين لها فديد م ز ن: قوله تعالى: {أأنتم أنزلتموه من المزن} [الواقعة: 69]. المزن: السحاب، واحدتها مزنةٌ، قال الشاعر: [من المتقارب] 1522 - فلا مزنة ودقت ودقها ... ولا أرض أبقل إبقالها وقيل: السحاب المضيء، وهو أخص من السحاب، والقطعة منه مزنةٌ، ويقال للهلال الذي يبدو من خلل السحابٍ ابن مزنةٍ. وفلانٌ يتمزن، أي تكرم ويتشبه بالمزن. ومزينة: قبيلةٌ معروفةٌ كأنه تصغير مزنة. والمازن: بيض النمل؛ اسم رجلٍ أيضًا نقل من أصله. ومنه قولهم: ماز رأسك والسيف، يريدون: يا مازن ق رأسك، فرخموا. والمزني المشهور رضي الله تعالى عنه نسبةً إلى مزن. ومزن جمع مزنةٍ نحو غرفة وغرف. ومزنت فلانًا: شبهته بالمزن.

فصل الميم والسين

فصل الميم والسين م س ح: قوله تعالى: {وامسحوا برؤوسكم} [المائدة: 6] أي الصقوا المسح برؤوسكم. وأصل المسح: إمرار اليد على الشيء وإزالة الأثر عنه، وقد يستعمل في كل واحدٍ منهما، يقال: مسحت يدي بالمنديل. قوله تعالى: {فطفق مسحًا بالسوق} [ص: 33] أي ضربًا بالسيف وهو مستعارٌ؛ يقال: مسحته بالسيف كما مستته به؛ يكنى بذلك عن الضرب. يقال إنه عليه السلام كشف عراقيبها وأعناقها بالسيف غضبًا لله تعالى، وكان ذلك مباحًا في شرعه في قصةٍ مذكورةٍ في التفسير. ويقال: بل يوضح على حقيقته وأنه عليه الصلاة والسلام كان يمسح بيده على نواصيها وأعراقها حنوًا عليها. قوله: {إنما المسيح عيسى} [النساء: 171] سمي بذلك مسيحًا، قيل: لأنه كان لا يمسح ذا عاهةٍ إلا عوفي. وقيل: لأنه كان يمسح الأرض أي يقطعها بالسير. يقال: مسحت الأرض: إذا ذرعتها أو سرت فيها، وكذا كان عليه السلام يسيح فيها؛ فهو فعيلٌ بمعنى فاعلٍ، وقيل: لأن زكريا عليه السلام مسح عليه، وقيل: لأنه المسيح ضد المسيخ بالخاء المعجمة قال أبو الهيثم: يقال: مسحه الله بالمهملة خلقه حسنًا مباركًا، ومسخه بالمعجمة أي خلقه خلقًا ملعونًا قبيحًا. وفي التفسير بشاعةٌ فظيعةٌ. وقال ابن الأعرابي: المسيح: الصديق. وقال أبو عبيدٍ: أصله بالعبرانية (ماشيحا) فعرب كما عرب موسى. وقيل: كان بالعبرانية (مشوحًا) فعرب. وقيل: لأنه كان في زمان قومٍ يقال لهم المشاؤون والمساحون، أي السائحون في الدنيا؛ سمي بذلك لذهابه في الأرض، وقيل: لأنه خرج من بطن أمه ممسوحًا بالدهن. وقال الراغب: قال بعضهم: المسيح هو الذي مسحت إحدى عينيه، وقد روي أن الدجال ممسوح اليمنى وأن عيسى كان ممسوح اليسرى.

قال: ويعني بأن الدجال قد مسحت عنه القوة المحمودة من العلم والعقل والحلم والأخلاق الجميلة، وأن عيسى قد مسحت عنه القوة الذميمة من الجهل والشره والحرص وسائر الأخلاق الذميمة قلت: لا ينبغي بل لا يجوز اعتقاد مسح العين في عيسى عليه السلام لأنه عاهةٌ، فإن قلت: فأيوب قد ابتلي أجيب بأنه قد عوفي، فإن قيل: فشعيبٌ قد أعمي فعلى تقدير صحته ليس هو في البشاعة كالعور. وأما الدجال فسمي مسيحًا لمسح عينه اليمنى، ومنه الحديث: «أعور عينه». وقيل: لأنه يمسح الأرض فيقطعها من المشرق إلى المغرب، وقيل: مسح شق وجهه، ففي الحديث: «أنه لا عين له ولا حاجب» نقله الراغب. وقيل: لأنه كان يلبس المسوح، والمسوح جمع مسحٍ وهو ما اتخذ من الشعر، ويجمع أيضًا على أمساحٍ نحو: حمل وأحمال وحمول. وكثر إطلاق المسح في لسان المشترعة على إمرار اليد بالماء غسلًا كان أو مسحًا، ومنه: «تمسح للصلاة». وعليه قوله: {وأرجلكم} [المائدة: 6] قال أبو زيدٍ الأنصاري: السمح في كلام العرب يكون غسلًا ويكون مسحًا، قلت: وعلى هذا يكون من استعمال المشترك. في معنييه، فإنه بالنسبة إلى الرؤوس مسحٌ وإلى الأرجل غسلٌ. وكني بالمسح عن الجماع كما كني عنه بالمس واللمس. ودرهمٌ مسيحٌ، أي أطلس لا نقش عليه. ومكانٌ أمسح، أي أملس لا نبات به. وفي صفته عليه الصلاة والسلام: «كان مسيح القدمين» أي أنهما ملساوان لا وسخ عليهما ولا شقوق فيهما ولا تكسر، إذا أصابهما الماء نبا عنهما، وقيل: بل غارمان من اللحم يعني: قليلٌ لحمهما، وهو صفة حسنٍ في القديم. وفي الحديث: «على وجهه مسحة ملكٍ» والعرب تقول: على وجه فلانٍ مسحة جمالٍ، قال الشاعر: [من الطويل] 1523 - على وجه مي مسحةٌ من ملاحةٍ ... ومن تحتٍ ذالك الخزي لو كان باديًا والتمساح: حيوانٌ في البحر وليس لنا مثال تفعالٍ إلا هو وتمثالٌ والباقي.

م س خ: قوله تعالى: {ولو نشاء لمسخناهم على مكانتهم} [يس: 67] المسخ: تشويه الخُلُق والخَلْق وتحويلهما من صورةٍ إلى صورةٍ. قال بعض الحكماء: المسخ ضربان؛ ضربٌ يحصل في بعض الأزمان دون بعضٍ وهو مسخ الخلق وتحويل الصور. وهذا كما مسخ الله طائفةً من اليهود فجعل شبابهم قردة وشيوخهم خنازير. ومنه قوله تعالى: {وجعل منهم القردة والخنازير} [المائدة: 60] وقال: {فقلنا لهم كونوا قردةً} [البقرة: 65]. والمنقول أن هؤلاء لم يتناسلوا ولم يعيشوا إلا ثلاثًا عن ابن عباسٍ. وضربٌ يحصل في كل زمانٍ وهو تغيير الخلق، وذلك أن يصير الإنسان متخلقًا بخلقٍ ذميمٍ من أخلاق بعض الحيوانات، كأنه يصير في شدة الحرص كالكلب، وفي شدة الشره كالخنزير، وفي شدة الغمارة كالثور، وفي شدة البلادة كالحمار، قال الراغب: قوله: {ولو نشاء لمسخناهم على مكانتهم} يتضمن الأمرين وإن كان الأول أظهر، يعني تحويل الصورة إلى صورةٍ أخرى. والمسيخ من الطعام: ما لا طعم له. ومسخت الناقة: أنضيتها حتى أزلت خلقتها عن حالها، قال الشاعر: [من المتقارب] 1524 - وأنت مسيخٌ كلحم الحوار والماسخي: القواس، وأصله أن رجلًا كان منسوبًا إلى ماسخة قبيلةٍ معروفةٍ تعمل القصي، فسمي كل قواسٍ باسمه، كما قيل لكل حدادٍ هالكي. م س د: قوله تعالى: {في جيدها حبلٌ من مسدٍ} [المسد: 5] أي ليفٌ، وقيل: ليفٌ يتخذ من ليف النخل فيمسد، أي يفتل ومنه امرأةٌ ممسودةٌ، أي مطوية الخلق غير مفاضةٍ

ولارهلةٍ، كأنما فتل جسدها بالشحم. والمسد: الحبل من أي شيءٍ اتخذ، قال الشاعر: [من الرجز] 1525 - يا رب عيسى لا تبارك في أحد ... في قائمٍ منهم ولا في من قعد إلا الذين قاموا بأطراف المسد والمسد يحتمل أن يكون مكانًا، وعن ابن عباسٍ: عني بالمسد هنا في الآية السلسلة التي ذكرها في قوله تعالى: {ذرعها سبعون ذراعًا} [الحاقة: 32] أي أنها تسلك فيها. م س س: قوله تعالى: {إذا مسهم طائفٌ} [الأعراف: 201] أي ألم بهم. والمس: مباشرة الجسم، والمس كاللمس، وقد تقدم أن اللمس قد يقال لطلب الشيء وإن لم يوجد، وإليه نحا الشاعر في قوله [من مجزوء الوافر] 1526 - وألمسه فلا أجده والمس يقال فيما يكون منه إدراكٌ بحاسة اللمس، وفي كتاب الراغب: بحاسة السمع، وأظنه غلطًا عليه. ويكنى به عن الجماع كالمباشرة والملامسة، قال تعالى: {من قبل أن تمسوهن} [البقرة: 237] وقرئ {تماسهن} والمفاعلة ظاهرةٌ فيه. ويكنى به عن الجنوهن لأن الشيطان يمس المجنون، قال تعالى: {الذي يتخبطه الشيطان من المس} [البقرة: 275]. قال: به مسٌ ولمسٌ ولممٌ وطيفٌ وطائفٌ، وقد مس فهو ممسوسٌ. والمس يقال في كل ما ينال الإنسان من شرٍ كقوله تعالى: {مستهم البأساء والضراء} [البقرة: 214]. وعندي أن فيه مبالغةً من حيث إنه جعل البأساء كالجسم

الماس لهم. ومثله قوله تعالى: {ذوقوا مس سقرٍ} [القمر: 48] قال الأخفش: جعل المس يذاق كما يقال: كيف وجدت طعم الضرب؟ ومس الحمى: أول ما ينال منها. قوله: {أن تقول لا مساس} [طه: 97] أي مماسة؛ كان السامري يقولها فلا يقربه أحدٌ عقوبةً لها حتى صار وحشيًا. م س ك: قوله تعالى: {ولا تمسكوهن ضرارًا} [البقرة: 231] الإمساك هنا المنع، وأصل الإمساك التعلق بالشيء وحفظه، ومنه قوله تعالى: {إن الله يمسك السموات والأرض إن تزولا} [فاطر: 41]. قوله: {فقد استمسك بالعروة الوثقى} [البقرة: 256] أي تعلق بها. قوله: {فاستمسك بالذي أوحي إليك} [الزخرف: 43] أي تحر الإمساك. قوله: {هل هن ممسكات رحمته} [الزمر: 38] أي مانعاتٌ. قوله: {لأمسكتم خشية الإنفاق} [الإسراء: 100] أي بخلتم، والإمساك كنايةٌ عن البخل، لأن من بخل فقد منع ما عنده وحفظه وتعلق به. قوله تعالى: {الذين يمسكون بالكتاب} [الأعراف: 170] أي يتمسكون به؛ يقال: مسك بالشيء وأمسك وتمسك وامتسك واستمسك بمعنى، قال زهيرٌ: [من البسيط] 1427 - بأي حبل جوارٍ كنت امتسك؟ قول: {ولا تمسكوا بعصم الكوافر} [الممتحنة: 10] قرئ بالتشديد

والتخفيف، أي خلواً سبيلهن. والمسكة من الطعام والشراب: ما يمسك به الرمق. والمسك بالفتح الذبل المشدود على المعصم، والمسك أيضًا الجلد الممسك للبدن. والمسك: الطيب المعروف؛ قال تعالى: {ختامه مسكٌ} [المطففين: 26] أي منقطعه رائحة المسك لأنه يمسك قوة النفس. وفي الحديث: «خذي فرصةً ممسكة»، قيل: مطيبة بالمسك، وقيل: من التمسك باليد. وقال القتيبي: محتملةٌ أي تحتملينها معك. وفي الحديث: «نهى عن بيع المسكان» بضم الميم وكسرها، قيل: المسكان: العربان وهو العربون. وفي صفته عليه الصلاة والسلام: «بادنٌ متماسكٌ» أي بعض أعضائه يمسك بعضًا؛ وصف بالقوة -صلى الله عليه وسلم. م س ي: قوله تعالى: {فسبحان الله حين تمسون} [الروم: 17] أي تدخلون في المساء، وهو الزوال إلى الصبح، ولذلك استدل بها بعضهم على الصلوات الخمس. فقوله: {تمسون} شمل صلاة العصر والمغرب والعشاء و {وتصبحون} [الروم: 17] الصبح و {وتظهرون} [الروم: 18] الظهر، وقيل: المساء من الغروب. والمسي والصبح: المساء والصباح، قال الشاعر: [من المنسرح] 1528 - والمسي والصبح لا فلاح معه أي لا بقاء. وأمسىى: فعلٌ ناقصٌ مثل كان، يدل على اقتران مضمون الجملة بزمن المساء، قال النابغة: [من البسيط]

فصل الميم والشين

1529 - أمست خلاء وأمسى أهلها احتملوا ... أخنى عليها الذي أخنى علي لبد وتكون تامةً بمعنى دخل في المساء كما تقدم في الآية الكريمة. وتكون بمعنى صار. وقوله عليه الصلاة والسلام: «أمسينا وأمسى الملك لله» أي دخلنا المساء. فصل الميم والشين م ش ج: قوله تعالى: {إنا خلقنا الإنسان من نطفة أمشاجٍ} [الإنسان: 2] أي أخلاطٍ لأنه خلق من ماء الرجل والمرأة جميعًا. ومثله: {يخرج من بين الصلب والترائب} [الطارق: 7] أي من صلب الأب وترائب الأم، قال يعقوب: هي أخلاط النطفة لأنها ممتزجةٌ من أنواعٍ تولد الإنسان منها ذات طبائع، الواحدة: مشجٌ ومشيجٌ، وفي صفة المولود: «المولود يكون مشيجًا أربعين ليلةً». ويقال: عليها أمشاجٌ من غيمٍ، أي أخلاطٌ. وقيل: ذلك عبارةٌ عما جعل الله تعالى من القوى المختلفة المشار إليها بقوله تعالى: {ولقد خلقنا الإنسان من سلالةٍ من طينٍ ثم جعلناه نطفةً في قرارٍ مكين} [المؤمنون: 12 - 13] الآية م ش ي: قوله تعالى: {أفمن يمشي مكبًا على وجهه} [الملك: 22] ضرب ذلك مثلًا لمن هو على الهدى، ومن هو على الضلالة. وأصل المشي الانتقال من مكانٍ إلى مكانٍ بإرادةٍ واختيارٍ، ومنه قوله تعالى: {فمنهم من يمشي على بطنه ومنهم من يمشي على رجلين ومنهم من يمشي على أربعٍ} [النور: 45]. ويعبر بذلك على النميمةٍ والوقيعة، كما يعبر عنها بالسعي، ومنه قوله تعالى: {همازٍ مشاءٍ بنميمٍ} [القلم: 11]. قول: {أن أمشوا واصبروا} [ص: 6] يجوز أن يكون على بابه، والمراد: اسعوا

فصل الميم والصاد

في مصالحكم. وقيل: دبروا أمركم. وهو لازمٌ لأن من دبر أمرًا مشى فيه وسعى. ويكنى المشي عن شرب المسهل؛ يقال: شربت مشوًا ومشيًا. وقيل: الماشية للنعم؛ الإبل والبقر والغنم لكثرة ذلك منها. ومشى الرجلٌ وأمشى كثرت ماشيته، قال الشاعر: [من الزجر] 1530 - والشاة لا تمشي مع الهملع أي هذا الجنس لا يكثر ولا ينبح على الذئب، والهملع: الذئب، أي متى أكلها فنيت. ومشت المرأة فهي ماشيةٌ، أي كثرت، وهي كنايةٌ عن كثرة الأولاد. فصل الميم والصاد م ص ر: قوله تعالى: {ادخلوا مصر} [يوسف: 99] هي هذا البلد المعروف، ولذلك منعت من الصرف بخلاف {اهبطوا مصرًا} [البقرة: 61] إذا المراد مصرًا من الأمصار ولذلك صرفت. وقيل: هي بلدٌ بعينه، وإنما صرف لخفة لفظه نحو هندٍ وليس بصحيح لأنه أعجمي، فهو كماهٍ وجورٍ. ولذلك قال بعضهم إنه معربٌ من مصراييم. وقيل: بل هو عربي الوضع. فالمصر: اسم كل بلدٍ ممصورٍ أي محدودٌ، ويقال: مصرت مصرًا أي بنيته. والمصر: الحد. وفي شروط هجر: اشترى فلانٌ الدار بمصورها، أي بحدودها، وأنشد: [من البسيط] 1531 - وجاعل الشمس مصرًا لا خفاء به ... بن النهار وبين الليل قد فصلا والماصر: الحاجر بين الماءين. ومصرت الناقة: إذا جمعت أطراف أصابعك على

فصل الميم والضاد

ضرعها فحلبتها. وعليه قالوا: لهم غلةٌ يتمصرونها، أي يحلبون منها قليلًا قليلًا. وناقةٌ ممصورة: جامعةٌ للبن لا تسمح بمثله. وثوبٌ ممصرٌ: مشبع الصبغ. ومن كلام الحسن: «لا بأس بكسب ما لم يمصر ولم يبسر» أي يحتلب بأصبعيه ويبسر على الشاة قبل وقتها. والمصير: المعى، جمعه مُصْرانٌ ومِصرانٌ، وجمع الجمع مصارين، وقيل: ميمه مزيدةٌ، لأنه من صار يصير لأن الطعام يصير إليه ويستقر فيه، فالمصير وزنه مفعولٌ نحو مبيع. وفي حديث عيسى: «ينزل بين ممصرتين». الممصرة من الثياب: التي فيها صفرةٌ خفيفةٌ. وفي حديث زيادٍ: «إن الرجل ليتكلم بالكلمة ما يقطع بها ذنب عنزٍ مصورٍ» المصور من الشاة خاصةً: المنقطعة اللبن؛ سميت بذلك لأن لبنها يتمصر قليلًا، والجمع: مصائر. والمصر والفطر: الحلب بأصبعين أو ثلاثةٍ. فصل الميم والضاد م ض غ: قوله تعالى: {ثم من مضغةٍ} [الحج: 5] المضغة من اللحم: قدر ما يمضغ، كالغرفة: قدر ما يغترف، واللقمة قدر ما يؤكل ويلقم، والجمع مضغٌ. ويقال لها: المضيغة، والجمع المضائغ. وجعلت المضغة اسمًا للحالة التي ينتهي إليها الجنين بعد العلقة. والمضاغة: ما يبقى من المضغ في الفم. والماضغان: الشدقان لأنهما آلته. والمضائغ أيضًا العقبات التي على طرفي سية القوس، الواحدة مضيغةٌ. م ض ي: قوله تعالى: {وامضوا حيث تؤمرون} [الحجر: 65] أي اذهبوا بسرعةٍ؛ يقال:

فصل الميم والطاء

مضى في حاجتي مضيًا ومضاءً: إذا نفذ وأسرع، ويكون ذلك في الأعيان والمعاني، ويقال: مضى الزمان ومضى شأن فلانٍ، قال الشاعر: [من الكامل] 1532 - اليوم أعلم ما يجيء به ... ومضى بفصل قضائه أمس فصل الميم والطاء م ط ر: قوله تعالى: {وأمطرنا عليهم مطرًا} [الأعراف: 84] المطر: الماء المنسكب من السماء. ويقال: يومٌ ماطرٌ، ومطيرٌ وممطرٌ، على المبالغة. وجاء في التفسير: إن «أمطرنا» في العذاب، و «مطرنا» في الرحمة. قال الهروي: وأما لغة العرب فيقال: مطرت السماء وأمطرت. وقال الراغب: إن «مطر» يقال في الخير، و «أمطر» في الشر، قال تعالى: {وأمطرنا عليهم حجارةً} [هود: 82]. ومطر وتمطر: ذهب في الأرض ذهاب المطر. وفرسٌ متمطرٌ؛ أي سريعٌ كالمطر. والمستمطر: طالب المطر. ويقال: ماطرين منه، وماطرت منه، بشر. ومطرٌ: علمٌ لرجلٍ مشهور. ومنه قوله: [من الوافر] 1533 - سلام الله يا مطرٌ عليها ... وليس عليك، يا مطر، السلام م ط و: قوله تعالى: {ثم ذهب إلى أهله يتمطى} [القيامة: 33] أي يتبختر. وأصله من: مد مطاه: إذا تبخر وتكسر في مشيه. وهو نهى عنه. والمطا: الظهر. ومنه المطية لما يركب مطاه، أي ظهره. وغلب في الإبل. وامتطيته: ركبت مطاه. وقال ابن عرفة: يتمطى: يمد أعضاءه. وهو التمطي والمطاء. وأنشد للراجز: [من الرجز]

فصل الميم والعين

1534 - شممتها إذ كرهت شميمي ... وهي تمطى كتمطي المحموم ويقال: إن الأصل يتمطط، فكره توالي الأمثال؛ فأبدل الثالث حرف علة. كقوله: [من الرجز] 1535 - تقضي البازي إذا البازي انكسر وقصيت أظفاري، وتطبيت. يقال: مطوت، ومططت، ومددت؛ كل بمعنى. وكل شيءٍ مددته فقط مطوته. وفي الحديث؛ «أن أبا بكرٍ مر ببلالٍ، وقد مطي في الشمس» أي مد. وفي الحديث: «إذا مشت أمتي المطيطاء» أي يتبخترون مادي أيديهم. كذا فسره أبو عبيد. والمطو: الصاحب المعتمد عليه. وتسميته بذلك كتسميته بالظهر. وقد أدخله الهروي في مادة «م ط ي». والصواب أن يدخله في مادة «م ط و» لقولهم: مطوت. والمطا يكتب بالألف، ولا تمال ألفه. فصل الميم والعين م ع ر: قوله تعالى: {فتصيبكم منهم معرةٌ} [الفتح: 25] والمعنى: لولا رجالٌ ونساءٌ آمنوا بمكة لم تعلموهم، فتقتلوهم فتصيبكم منهم معرةٌ من جهة الدية، ومن جهة ملامة العرب والكفار، يقولون قد قتلوا إخوانهم المؤمنين لفعلنا ذلك. وقال الليث: معرة الجيش أن تنزلوا بقومٍ فتصيبوا من زروعهم وثمارهم. ومنه قول عمر رضي الله عنه: «اللهم أبرأ إليك من معرة الجيش» وهذه اللفظة أدخلها الهروي هنا لأنه جعل أصلها من معرة الرأس وهو قلة الشعر. ومنه المعر والزمر، أي القليل شعر الرأس، وهو عيبٌ. وفي الحديث:

«ما أمعر حاجٌ قط» أي ما افتقر. قال الهروي: وأصله من معر الرأس. وأما عرة فجعل الميم زائدة من العر، والعر هو الجرب الذي يعرض للبدن، ثم سميت كل مضرةٍ معرةً. وقد تقدم تحقيق هذا في باب العين فأغنى عن إعادته هنا. م ع ز: قوله تعالى: {ومن المعز اثنين} المعز: جنسٌ من الغنم معروفٌ، وجمعه معيز ومعزى وأمعوزٌ، قال امرؤ القيس: [من الوافر] 1536 - ألا إن لم يكن إبلٌ فمعزى ... كأن قرون جلتها العصي وقال أيضًا: [من الوافر] 1537 - ويمنعها بنو شمجى بن جرمٍ ... معيزهم حنانك ذا الحنان وأنشد أبو زيد: [من الكامل] 1538 - كالتيس في أمعوزة المتزبل ويقال: معزٌ -بالسكون -أيضًا، وقد قرئ بهما، كما يقال في جماعة الضأن ضئينٌ وضأنٌ. وقيل: المَعْزُ والمَعَزُ جمعان لماعزٍ، نحو: تاجرٍ وتجر، وخادم وخدم. والأمعز والمعزاء: المكان الغليظ، قال الشاعر: [من البسيط] 1539 - ولى ليطلبه بالأمعز الخرب وقال آخر: واستمعز فلانٌ في أمره: جد فيه. ورجلٌ ماعزٌ: معصوب الخلق. وفي حديث عمر: «تمعززوا واخشوشنوا» أي كونوا أشد صبرًا من المعز، وهو الشدة.

م ع: قوله تعالى: {إن الله مع الصابرين} [البقرة: 153] مع: ظرف مكانٍ، والاستدلال على ظرفيتها قلقٌ، وكونها مكانًا لقولهم: زيدٌ مع عمرٍو. ولو كانت زمانًا لما أخبر بها عن الجثث. وزعم بعضهم أنها مسكنة العين حرف جر إجماعًا، وهو فاسدٌ. ونص سيبويه على أن تسكينها ضرورةٌ، وأنشد: [من الوافر] 1540 - وريشي منكم وهواي معكم ... وإن كانت زيارتكم لماما وتقطع عن الإضافة فيكثر انتصابها حالًا، نحو: جاؤوا معًا. وهو فرقٌ بين قولك: جاء الزيدان معًا أو جميعًا، في حكايةٍ بين ثعلبٍ وابن قادمٍ ذكرتها في غير هذا، وهل هي من باب المقصور أو المنقوص، وتظهر فائدته في التسمية بها؛ فعلى الأول يقال: جاء معًا، ومررت بمعًا، وعلى الثاني يقال: جاء معٌ ومررت بمعٍ، كيدٍ ودمٍ. وقد حققت الكلام في ذلك بموضع هو أليق به، وحيث جاء {والله مع الصابرين} [البقرة: 249] ونحوه فالمراد الصحبة بالمعونة والإثابة. وقال الراغب: مع يقتضي الاجتماع إما في المكان نحو: هما معًا في الدار، أو في الزمان نحو: ولدا معًا، أو في المعنى كالمتضايفين نحو: الأخ والأبد؛ فإن أحدهما صار أخًا في حال ما صار الآخر أخاه، وإما في الشرف والرتبة، نحو: هما في العلو معًا. ويقتضي معنى النصرة، وأن المضاف إليه لفظ مع هو المنصور نحو قوله تعالى: {إن الله معنا} [التوبة: 40] ورجلٌ إمعةٌ، أي يقول لكل واحدٍ: أنا معك. وفي كلام ابن عباسٍ: «كن عالمًا أو متعلمًا أو مستمعًا ولا تكن إمعةً فتهلك» قيل: هو البطال. والمعمعة: صوت الحريق، وصوت الشجعان في الحرب. والمعمعان: شدة الحرب.

م ع ن: قوله تعالى: {يطاف عليهم بكأسٍ من معينٍ} [الصافات: 45] قيل: هو من قولهم: معن الماء، أي جرى فهو فعيلٌ بمعنى فاعلٍ، يقال: معن الماء وأمعن: إذا جرى وسال. وأنشد لعبيد بن الأبرص: [من مجزوء البسيط] 1541 - واهيةٌ أو معينٌ ممعنٌ ... أو هضبةٌ دونها لهوب وأمعن الفرس: تباعد في عدوه تباعد الماء في جريانه. وأمعن في حاجتي: إذا بالغ. وفتش في أمرها، وأمعن بحقي: إذا ذهب به. وسميت مجاري الماء: معنانٌ، وقيل: قوله: {بماءٍ معينٍ} [الملك: 30] أي ظاهر يرى بالعين، فميمه زائدة. قوله تعالى: {ويمنعون الماعون} [الماعون: 7] قال قطربٌ: ماعونٌ: فاعولٌ من المعن، وهو المعروف، وأنشد للنمر بن تولبٍ: [من الوافر] 1542 - ولا ضيعته فألام فيه ... فإن ضياع مالك غير معن وقال بعض الأعرب: الماعون: الماء، وأنشد: [من الوافر] 1543 - إذا نسمٌ من الهيف اعتراه ... يمج صبيره الماعون صبا وقال الفراء: يجوز أن يكون قوله: {بماءٍ معين} فعيلًا من الماعون، وهو المعروف. وقال غيره: هو من الماعون الذي هو الماء، وقد تقدم. وعن ابن عباسٍ: الماعون العارية. وقال أبو عبيدٍ: الماعون في الجاهلية: العطاء والمنفعة، وفي الإسلام الزكاة والطاعة. وأنشد للراعي: [من الكامل] 1544 - قومٌ على الإسلام لما يمنعوا ... ما عونهم، ويضيعوا التهليلا وقيل: الماعون هو الأشياء المتعاون بها، وهي كالمحلاب والقدر والمغرفة والفأس والمقدحة، نقل ذلك عن ابن عباسٍ أيضًا، وذلك أنها الآلة المعروفة فسميت باسمه، وفي الحديث: «فنزل عن فراشه وتمعن على بساطه» أي تذلل وتصاغر، مأخوذٌ من المعن

فصل الميم والقاف

وهو الشيء القليل: وقيل: معناه اعترف من قولهم: تمعن بحقي أي اعترف به. وقوله: {وكأس من معينٍ} [الواقعة: 18] كقوله: {بماءٍ معينٍ} في احتمال الاشتقاقين المتقدمين. م ع ي: قوله تعالى: {وسقوا ماءً حميمًا فقطع أمعاءهم} [محمد: 15] الأمعاء: جمع معىً، والمعى: المصران، التثنية ميعان، وأنشد: [من الوافر] 1545 - ومعىً جياعا وفي الحديث: «المؤمن يأكل في معىً واحدٍ والكافر يأكل في سبعة أمعاءٍ» قال أبو عبيد: يرى أن المؤمن يسمي الله فيبارك له فيه. وقيل: ذلك في رجلٍ بعينه، وقيل هو مثل ضربه الله للمؤمن في زهده في الدنيا وقلة رغبته، وللكافر في حرصه وشرهه، ومنه قيل للحرص شؤوٌ وللرغبة لؤمٌ. وأما المعو بالواو فالبسر إذا أرطب، الواحد معوة. فصل الميم والقاف م ق ت: قوله تعالى: {لمقت الله أكبر من مقتكم أنفسكم} [غافر: 10] المقت: أشد البغض، فهو أخص من البغض والمعنى إن مقت الله إياكم على كفركم أشد من بغضكم لأنفسكم حين يتبين لكم في الآخرة سوء عاقبتكم. ويقال: مقته مقاتةً فهو مقيتٌ، ومقته مقتًا فهو مقيتٌ وممقوتٌ، وكانوا يسمون تزوج الرجل امرأة أبيه نكاح المقت. ويقال للرجل الذي يولد من بينهما المقتي، ويقال لذلك الزوج الضيزن.

فصل الميم والكاف

فصل الميم والكاف م ك ث: قوله تعالى: {فمكث غير بعيد} [النمل:22]. المكث: ثبات مع انتظارٍ، يقال: مكث يمكث مكثًا فهو ماكث، وقرئ بالضم، وقياسه مكيث. م ك ر: قوله تعالى: {ويمكرون ويمكر الله} [الأنفال:30] هذا من باب المقابلة، أي يجازيهم على مكرهم، كقوله: [من الكامل] 1546 - قالوا: اقترح شيئًا نجد لك طبخه ... قلت: اطبخوا لي جبة وقميصا والمكر في الأصل إخفاء الحيلة، ومنه: جارية ممكوره البطن، أي مطوي متداخل. قوله تعالى: {إذا لهم مكر في آياتنا} [يونس:21] أي احتيال وخداع للناس، وذلك قولهم في القرآن إنه شعر وسحر وأساطير الأولين ليصدوا غيرهم عنه. قوله: {قل الله أسرع مكرًا} [يونس:21] أي أقدر على تحصيل المكروه لهم، قاله ابن عرفة، وقال غيره: هو قولهم: مكرنا بنو كذا، ونظيره قوله {وتجعلون رزقكم أنكم تكذبون} [الواقعة:82] قوله: {بل مكر الليل والنهار} [سبأ:33] قيل: أضاف الحدث لظرفه الواقع فيه، أي مكر في الليل، والإضافة تكون بمعنى في. والأحسن أن تكون على المبالغة؛ جعل الظرفين ماكرين مبالغة، كقوله: [من البسيط] 1547 - أما النهار ففي قيد وسلسلة ... والليل في بطن منحوت من الساج

جعل النهار في قيد وسلسلة، والليل في صندوق، والمراد أن الأسر فعل ذلك فيهما. ومثله: نهاره صائم وليله قائم، ومثله: {في يوم عاصف} [إبراهيم:18] وقيل: المكر صرف الغير عما يقصده بحيلة من الحيل، وهو ضربان: محمود وهو أن يتحرى به فعل جميل، وعليه قوله تعالى: {ولا يحيق المكر السيء إلا بأهله} [فاطر:43]. ومن المكر إمهال الله العبد، وتمكينه من الأعراض الدنيوية استدراجًا له. وعلى ذلك قال أمير المؤمنين علي كرم الله وجهه: ((من وسع عليه دنياه ولم يعلم أنه مكر به فهو مخدوع عن عقله)). م ك ك: قوله تعالى: {ببطن مكة} [الفتح:24] مكة هذه البلدة الشريفة المعروفة، رزقنا الله تعالى بحرمة نبيه العود إليها. قيل: اشتقاقها من مك الفصيل ضرع أمه وامتكه: إذا شرب ما فيه من اللبن؛ سميت بذلك لأنها تمك من فيها من الظلمة، أي تستأصلهم، فلا ترى فيها جبارًا إلا أخذ، ولا يقصدها سلطان بظلم إلا قصم. وتمككت العظم: أخرجت مخه. فعبر عن الاستقصاء بالتمكك، وقال الخليل: سميت بذلك لأنها وسط الأرض كالمخ الذي هو وسط العظم وأصله. وفي الحديث: ((لا تمككوا على غرمائكم)) أي لا تلحوا عليهم إلحاحًا تضرونهم به في معايشهم فتستأصلونهم به. وقد تقدم الفرق بين مكة وبكة في باب الباء، فأغنى عن إعادته هنا. والمكوك: كيل معروف كالأردب، وقيل: هو إناء يشرب به ويكال. م ك ن: قوله تعالى: {مكناهم في الأرض} [الأنعام:6] أي ملكناهم وجعلناهم متمكنين من المكان الذي وليناهم إياه أي قويناهم، من تمكن فلان من كذا: إذا قدر عليه وأطاقه. وأصله من المكان. والمكان لغة هو الحاوي للشيء، وعند بعض المتكلمين أنه عرض، وهو اجتماع جنسين حاوٍ ومحوي، وذلك أن يكون سطح الجسم الحاوي محيطًا

بالمحوي، فالمكان عندهم هو المناسبة بين الجسمين. قوله تعالى: {اعملوا على مكانتكم} [الأنعام:135]. يقال: مكان ومكانة. والمعنى: اعملوا على تمكنكم، يقال: مكانك انتظر، فهو تهديد ووعيد. ومثله قوله تعالى: {مكانكم أنتم وشركاؤكم} [يونس:28] أي اثبتوا مكانكم وانتظروا ما يفعل بكم. وقيل: اعملوا على شاكلتكم ووجهتكم التي أنتم عليها من خير أو شر أو تهديد أيضًا، وجهتكم التي تمكنتم عند أنفسكم من العلم بها إلى عامل على جهتي. وقرئ: ((مكاناتكم)) جمعًا على اختلاف الأنواع في ذلك. قوله تعالى: {ونمكن لهم في الأرض} [القصص:6] يقال: مكنته ومكنت)) له نحو أسقيته وأسقيت له، أي جعلته متمكنًا وجعلت له مكانًا يتمكن منه وفيه، وقال ابن عرفة: التمكن: زوال المانع. قوله: {عند ذي العرش مكين} [التكوير:20] أي قوي متمكن عند اله. يقال: فلان مكين عند أستاذه: له عنده مكانة. وفي الحديث: ((أقروا الطير في مكناتها)) قال أبو عبيد: الواحدة مكنة. قال: فاستعير ذلك للطير كما استعيرت المشافر للحبش، وإنما هي في الأصل للإبل. وقال شمر: الصحيح فيها أنها جمع المكنة بمعنى التمكن؛ يقولون: إنه لذو مكنة من السلطان أي تمكن، فالمعنى أقروها على كل مكنة ترونها عليكم، ودعوا التطير بها، قال: وهكذا، كالتبعة من التتبع والطلبة من التطلب. وقال غيرهما: معناه على أمكنتها. قال: معناه الطير الذي يزجر به، وذلك أن الرجل إذا أراد سفرًا أو غيره زجر ما يراه من الطير، فإن أخذ ذات اليمين تفاءل به ومضى لأمره، ويسمى هذا الطير السانح، وإن أخذ ذات الشمال أمسك عن أمره، ويسمى هذا الطير البارح، وهذا دخول في علم الغيب فنهي عنه، وإليه نحا من قال: [من الطويل] 1548 - لعمرك ما تدري الطوارق بالحصى ... ولا زاجرات الطير ما الله صانع

فصل الميم واللام

ويقال: مكنت الضبة وأمكنت، أي باضت المكن. واختلف أهل التصريف في المكان، فعندهم أن ميمه أصلية على ما قدمناه، وزعم الخليل وأتباعه أنه من الكون، مفعل منه، قال: ولكثرته في الكلام أجري مجرى فعال، فقيل: تمكن نحو تمسكن وتمنزل، يعني أنه اعترض على نفسه بقولهم: تمكن فثبتت الميم في التصريف، فدل على أصالتها. فأجاب بأنه جرى مجرى ما ميمه أصلية ونظيره متمسكن ومتمنزل من السكون والنزل، وقد أتقنا ذلك في غير هذا. م ك و: قوله تعالى: {وما كان صلاتهم عند البيت إلا مكاء وتصدية} [الأنفال:35]. المكاء: صفير الطير. يقال: مكا الطير يمكو مكاء ومكوًا: صفر. والمعنى أنه لم يكن لهم صلاة عند البيت إلا هذا، أي جعلوا هذي بدل الصلاة، كقول الآخر: [من الوافر] 1449 - تحية بينهم ضرب وجيع أي بدل التحية، ومثله قوله تعالى: {وتجعلون رزقكم أنكم تكذبون} [الواقعة:82] ذلك أنهم كانوا يأتون البيت والقرآن يتلى فيصفرون بأيديهم ويلغون كما أخبر عنهم بقوله: {والغوا فيه} [فصلت:26] يقصدون بذلك الغلبة، وقد غلبوا وانقلبوا صاغرين. وقد نبه بقوله: {إلا مكاء} أن ذلك منهم جار مجرى مكاء الطير في قلة الغناء. والمكاء: طائر. والمك: طائر معروف. فصل الميم واللام م ل أ: قوله تعالى: {قال الملأ} [الأعراف:66] الملأ: الأشراف، سموا بذلك لأنهم يملؤون القلوب هيبة والعيون جلالًة. وهو اسم جمع كالبقر، وجمع على أملاء، نحو أبناء، وقيل: سمي الرؤساء بذلك لأنهم ملأى بالرأي والعناء. والملأ جمع مليء، وقيل: الملأ: القوم يجتمعون على رأي فيملؤون القلوب هيبة. ثم أطلق على كل جماعةٍ لأنهم

كانوا يتمالؤون على ما يريدون، أي يتعاونون. وقد مالأته على كذا، أي ظاهرته ووافقته عليه. قال أمير المؤمنين علي رضي الله عنه: ((لو تمالأ عليه أهل صنعاء لقتلتهم به)) وقال أيضًا: ((والله ما قتلت عثمان ولا مالأت على قتله)) ولقد والله صدق. ويقال: مالأته، أي صرت من ملئه وجمعه، نحو شايعته أي صرت من شيعته. والملاءة: الزكام الذي يملأ الدماغ. والملاءة أيضًا الملحفة، وأما الملاوة بالواو فالقطعة من الزمان غير ما نحن فيه. وحكى فلانا وأملى. قوله: {ملء الأرض ذهبًا} [آل عمران:91] ملء الشيء: مقدار ما يملؤه. ومثله: لي ملؤه عسلًا. ويقال: أعطني ملأه وملأيه وثلاثة أملائه. وفي حديث أم زرع: ((ملء كسائها وغيظ جارتها)) أي أنها بدينة تملأ كساءها وتغيظ من يحسدها. م ل ح: قوله تعالى: {وهذا ملح أجاج} [الفرقان:53] الملح: الماء الذي تغير طعمه التغير المعروف وتجمد. وقد يقال ذلك وإن لم يجمد، ومنه: {وهذا ملح أجاج} ولا يقولون: ماء مالح إلا في لغة شاذة. وملحت القدر: ألقيت فيها الملح. وأملحتها: أفسدتها بالملح. وسمك مليح: أي مملوح. ثم استعير من لفظ الملح الملاحة فقيل: رجل مليح، وامرأة مليحة. قيل: والملاحة راجعة إلى معنى يغمض إدراكه. وملحت الشاة: سمطتها، ومنه حديث الحسن: ((كالشاة المملوحة)) وأنشد لأبي الطمحان: [من الطويل] 1550 - وإني لأرجو ملحا في بطونكم ... وما بسطت من جلد أشعث أغبرا

وقيل: الملح في البيت الحرمة والذمام، وقال المبرد: العرب تعظم أمر الملح والنار والرماد، وفي المثل: ((ملحه في ركبته)) فيه قولان، أحدهما أنه مضيع لحق الرضاع فأدنى شيء ينسيه الذمام كما أن الذي على ركبته ملح يبدده أدنى شيء. والثني أنه يضرب للسيء الخلق كما أن الملح على الركبة يتبدد من أدنى شيء. والملح أيضًا الرضاع، ومنه قوله عليه الصلاة والسلام: ((ملحنا له)) أي أرضعنا، ومنه الحديث: ((لا تحرم الملحة والملحتان)) أي الرضعة الرضعتان. فأما الملجة بالجيم فيه المصة. وفي الحديث: ((بكبشين أملحين)) قال ابن الأعرابي: هو النقي البياض، وقال الكسائي: هو الذي بياضه أكثر من سواده. وفي الحديث: ((لم يكن لحمزة إلا نمرة ملحاء))؛ البرد ذات الخطوط: سواد وبياض. وامرأة ملاحة، أي مليحة. والملاح؛ ضرب من النبات، ومنه الحديث: ((يأكلون ملاحها ويرعون سراحها)). وأنشد لأبي النجم: [من الرجز] 1451 - فهبطت والشمس لم تترجل ... يخبطن ملاحًا كذاوي القرمل والملاح: المخلاة، ومنه: ((جعل رأسه في ملاح وعلقه)). م ل ق: قوله تعالى: {خشية إملاق} [الإسراء:31] أي فقر. أملق الرجل: افتقر، وحقيقته أملق صار ذا إملاق. قال الليث: الإملاق: كثرة إنفاق المال، وقال النضر: إنه لمملق أي مفسد. وأملق يكون لازمًا ومتعديًا، يقال: أملق زيد وأملقه الدهر، وأنشد لأوس: [من الطويل]

1552 - لما رأيت العدم قيد نائلي ... وأملق ما عندي خطوب تنبل وملق الجدي أمه: رضعها. م ل ك: قوله تعالى: {مالك يوم الدين} [الفاتحة:4] قرئ ملك ومالك في المتواتر، ملك بالسكون ومليك بالإشباع. وملك: فعل ماض على حد قوله: {ونادى أصحاب الجنة} [الأعراف:44] {أتى أمر الله} [النحل:1] واشتقاق ذلك من الملك وهو القوة والشدة، ومنه ملكت العجين أي بالغت في عجنه، يقال: ملكت العجين وأملكته. وفي حديث عمر رضي الله تعالى عنه: ((أملكوا العجين)) وعن الفراء: يقال للعجين إذا كان متماسكًا متينًا مملوك ومملك، يقال: ملك العجين وأملك وملك ملكًا وإملاكًا وتمليكًا. وقد اختار كل فريق قراءة من القراءتين؛ فقال أبو عمر: والملك أبلغ من المالك في المدح، لأن الملك لا يكون إلا مالكًا، وقد يكون المالك غير ملك. قال غيره: هذه في صفة المخلوقين، فأما في صفة الخالق فهما سواء، وقال أبو العباس: الاختيار أن يكون مع اليوم مالك أي ذو ملك، ومع الناس ملك أي ذو الملك والسلطان. وقال غيره: الملك هو المتصرف بالأمر والنهي في الجمهور، وذلك يختص بسياسة الناطقين، ولهذا يقال: ملك الناس، ولا يقال ملك الأشياء. ورجح بعضهم قراءة ((ملك)) بقوله تعالى: {لمن الملك اليوم} [غافر:16]

يقال: ملك بين الملك بالضم ومالك بين الملك بالكسر. والملك بالكسر ضربان: ضرب هو التملك والتولي. وملك هو القوة على ذلك، تولى أم لم يتول، فمن الأول قوله تعالى: {إن الملوك إذا دخلوا قرية أفسدوها} [النمل:34]. ومن الثاني قوله تعالى: {إذ جعل فيكم أنبياء وجعلكم ملوكًا} [المائدة:20]. فجعل النبوة مخصوصة والملك عامًا فيهم، وإن الملك ههنا هو القوة التي بها يترشح للسياسة، لا أنه جعلهم كلهم متولين للأمر؛ فإن ذلك مناف للحكمة، ولذلك قيل لا خير في كثرة الرؤساء. قال بعضهم: الملك اسم لكل من يملك السياسة إما في نفسه، وذلك بالتمكين من زمام قواه وصرفها عن هواها، وإما في نفسه وفي غيره، سواء تولى ذلك أم لم يتول على تقدم. والملك ضبط الشيء المتصرف فيه بالحكم، والملك كالجنس للملك؛ فكل ملك ملك من غير عكس. قول: {ملكوت السموات والأرض} [الأنعام:75] هو مبالغة في الملك. وهو مصدر ملك، كالرغبوت والرهبوت والجبروت والطاغوت، وذلك مختص بالله تعالى، ومثل قوله: {أو ينظروا في ملكوت السموات والأرض} [الأعراف:185]. والمملكة: سلطان الملك وبقاعه التي يكمي فيها. والمملوك في المتعارف يختص بالرقيق من بين سائر الأملاك؛ قال تعالى: {ضرب الله مثلًا عبدًا مملوكًا} [النحل:75]. وقد يطلق على كل ما يملك. وأصل ذلك كله من الشد والضبط، قال قيس: [من الطويل] 1553 - ملكت بها كفي فأنهرت فتقها ... يرى قائمًا من دونها ما وراءها والملكة: قوة في النفس والشد. وملاك الأمر: ما يعتمد فيه عليه. والملكة: أيضًا ملك العبيد؛ فلان حسن الملكة، أي حسن الصنع إلى مماليكه، ومملوك مقر بالملوكة والملكة والملك. والإملاك: التزويج، لما فيه من قوة العقد.

وقوله: {ما أخلفنا موعدك بملكنا} [طه:87] قرئ بالضم والكسر. وقد ذكرت توجيه القراءات في قوله: {مالك يوم الدين} وما ترجح به كل قراءة في ((الدر المصون)) و ((البحر الزاخر في التفسير)) فأغنى عن إعادته هنا. وقد أدخل بعضهم في هذه المادة لفظ ألك. وقد اختلف الناس فيه على ستة أقوال، أحدهما: أنه مشتق من الملك ووزنه فعل لكنه شذ جمعه على ملائكة. الثاني: أن أصله ملأك، الهمزة فيه مزيدة كشمأل، ثم خفف بنقل حركة الهمزة وحذفها، وجمعه على أصل زيادته، ويدل على ذلك النطق لهذا الأصل في قوله: [من الطويل] 1554 - فلست لإنسي ولكن لملأك ... تنزل من جو السماء يصوب الثالث: أنه مشتق من ألك أي أرسل، يدل على ذلك قوله: [من المنسرح] 1555 - أبلغ أبا دختنوس مألكة ... عن الذي قد يقال م الكذب ثم قلبت العين إلى موضع الفاء وصار ملأكًا، ثم فعل به ما فعل بملاك من النقل والحدث، ووزنه معل. والرابع: أنه مشتق من لاكه يلوكه أي أداره، لأن الملك يدير الرسالة في فيه، فأصله ملوك فنقلت حركة الواو إلى اللام، فتحرك حرف العلة وانفتح ما قبله، فقلبت الفاء وصار ملاكًا ثم خفف بحذف الألف، فوزنه أيضًا مفل بحذف العين، وأصل هذا ملاوكة بالواو فقلبت همزة، السادس: أنه لا اشتقاق له عند العرب، قاله النضر بن شميل، وقد أتقنا هذه الأقوال وتصريفها في ((الدر المصون)) وغيره. م ل ل: قوله تعالى: {ملة إبراهيم} [البقرة:130]. الملة قيل: معظم الدين، والشريعة:

الحلال والحرام، قاله ابن الأعرابي، قال ابن الأعرابي: يعني بمعظم الدين ما جاء به الرسل، وقال غيرهما: الملة: الدين، وهو اسم لما شرع الله لعباده على لسان أنبيائه ليتوصلوا إلى جوار الله. والفرق بينهما وبين الدين أن الملة لا تضاف إلا للنبي صلى الله عليه وسلم الذي تسند إليه، نحو: {أن اتبع ملة إبراهيم} [النحل:123] ولا تكاد توجد مضافة إلى الله تعالى ولا إلى آحاد الأمة، ولا تستعمل إلا في حملة الشرائع دون آحادها، لا يقال: ملة الله، ولا ملتي ولا ملة زيد، كما يقال: دين الله. وأصل الملة من أمللت الكتاب. والملة أيضًا: الدية، ومنه قول عمر رضي الله تعالى عنه: ((ولكن نقومهم الملؤة على آبائهم خمسًا من الإبل)). وأما الملة فالرماد الحار، وقيل: الجمر، ولذلك يقال: أطعمنا خبز ملة، بالإضافة. وقل خبزه: طرحه في الملة. ومن أطلق الملة على الخبز نفسه فمتجوز، وقد خطأه الناس, والمليل: ما طرح في الملة. وفي الحديث: ((إن الله لا يمل حتى تملوا)). الملل: الضجر من الشيء؛ يقال: مللت منه، قال الشاعر: [من الكامل] 1456 - حتى مللت وملني عوداي والمعنى أنه لا يمل أبدًا مللتم أم لم تملوا، نحو: لا أفعل حتى يبيض القار ويشيب الغراب ويلج الجمل في سم الخياط. والثاني: لا يطر حكم حتى تزهدوا في عمله، فسمى إطراحه لهم مللًا على المقابلة، كما تقدم في قوله تعالى: {ويمكرون ويمكر الله} وعليه قول عدي: [من الرمل] 1557 - أضحوا لعب الدهر بهم ... وكذاك الدهر يودي بالرجال

سمى إهلاكه لهم لعبًا. وقيل: معناه: لا يقطع فضله عنكم. وهو قريب من الأول. قوله تعالى: {وليملل الذي عليه الحق} [البقرة:282] أي ينطق بما عليه؛ يقال: أمللت عليه، وأمليت كقوله: {فهي تملى عليه بكرة} [الفرقان:5] فأبدل إحدى اللامين حرف علة. وأمللته: حملته عل الملل من الشيء. والملية: حرارة يجدها الإنسان. م ل و: قوله تعالى: {أنما نملي لهم} [آل عمران:178] أي نطيل لهم المدة وندر عليه الأرزاق استدراجًا لهم، والإملاء: الإمداد، ومنه قيل للمدة الطويلة ملاوة من الدهر، وملي من الدهر. قال تعالى: {واهجرني مليًا} [مريم:46] أي دهرًا طويلًا، وتملى بكذا: تمتع به مدة وملاوة من الزمان. وتمليت الثوب: تنعمت به. وملاك الله: أبقاك الله متمتعًا. والملا: المفازة الممتدة. والملوان: الليل والنهار. قال بعضهم: حقيقة ذلك تكررهما وامتدادهما، قال بدليل أنهما أضيفا إليهما في قول الشاعر: [من الطويل] 1558 - نهار وليل دائم ملواها ... على كل حال المرء يختلفان فلو كانا الليل والنهار لما أضيفا إليهما لئلا يلزم إضافة الشيء إلى نفسه. قوله: {وأملي لهم} [الأعراف:183] أي أمهلهم وأطيل مدتهم. قوله: {سول لهم وأملى لهم} [محمد:25] أي أمهل، وقرئ أملى مبنيًا للفاعل على أن ضميره للشيطان بسبب غروره إياهم. قوله: {وكأين من قرية أمليت لها} [الحج:48] أي أنسأت في أجلها وأمهلتها، قال أبو بكر: اشتقاقه من الملوة وهي المدة من الزمان؛ ملوة وملاوة وملاوة. وفي المثل ((تمل حبيبًا والبس جديدًا)).

فصل الميم والنون

فصل الميم والنون م ن ع: قوله تعالى: {وظنوا أنهم مانعتهم حصونهم} [الحشر: 2] أي ظنوا أن الحصون تحجز بينهم وبين من يريدهم. والمنع- في الأصل- الحجز بين شيئين، وهو- أيضًا- ضد العطية لأن الحاجز يحجز بين المعطي والعطية. ورجلٌ مانعٌ ورجالٌ منعةٌ نحو: كافرٍ وكفرة. والمناع: البليغ في المنع، قال تعالى: {مناعٍ للخير} [ق: 25] ومنعه: حماه مما يؤذيه، ومنه: {مانعتهم حصونهم} [الحشر: 2]. وقد منع: صار ذا منعة وهي القوة التي يحمي بها، والمنعة- بالسكون- أيضًا بمعنى المنعة. وفلانٌ منيعٌ. ومكانٌ منيعٌ، أي حصينٌ على ما يرومه. وامرأة منيعةٌ: كناية عن عفتها. قوله تعالى: {ما منعك ألا تسجد} [الأعراف: 12] قيل: ما حملك، وقيل: ما صدك وحملك على تركه؟ ومناع: اسم فعلٍ لا منع، كنزال لا نزال. والمانع من صفاته تعالى بمعنى الذي يمنع العطاء من يشاء، وقيل: الذي يحمي وينصر. وقوله عليه الصلاة والسلام: ((لا مانع لما أعطيت)) من الأول. وقولهم: مانع أوليائه، أي يحميهم وينصرهم ويحوطهم. م ن ن: قوله تعالى: {لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى} [البقرة: 264] المن: ذكر الصدقة والاستكثار عليه، وهما متلازمان. ومن ملح الكلام: طعم الآلاء أحلى من المن، وهي أمر من الآلاء عند المن، وقال الشاعر: [من الطويل]. 1559 - وإن امرؤ أهدى إلى صنيعةً ... وذكرنيها مرةً لبخيل. وكانوا يقولون: إذا صنعتم معروفًا فانسوه. والمنة: النعمة الثقيلة، ويقال ذلك على وجهين، أحدهما: أن يكون ذلك بالفعل، فيقال: من فلانٌ على فلانٍ: إذا أثقله بالنعمة الثقيلة، وعلى ذلك قوله تعالى: {لقد من الله على المؤمنين} [آل عمران: 164] وذلك

على الحقيقة لا يكون إلا لله تعالى. والثاني: أن يكون ذلك بالقول، وذلك مستقبحٌ فيما بين الناس عند كفران النعمة، ولذلك قيل: المنة تهدم الصنيعة وتوجب القطيعة. ويحسن ذكرها عند الكفران، ومن ثم قيل: ((إذا كفرت النعمة حسنت المنة)). قوله تعالى: {لهم أجرٌ غير ممنونٍ} [فصلت: 8] أي غير مقطوعٍ، من منه أي قطعه، قيل: غير معتدٍ به، كما قيل: {بغير حسابٍ}. وقيل: غير منقوصٍ، ومنه: المنون للمنية لأنها تنقص العدد وتقصر المدد. وقيل: إن المنية بالقول من هذا المعنى أيضًا لأنها تقطع الثواب وتقتضي قطع الشكر. وحبلٌ منينٌ، أي مقطوعٌ. وقيل: {غير ممنون} [فصلت: 8] غير محسوبٍ، كقوله تعالى: {يرزقون فيها بغير حساب} [غافر: 40]. وقال الهروي: وقيل: لا يمن عليهم بالثواب الذي استوجبوه. وهذا يشبه قول المعتزلة، ويجوز أن يكون ذلك بالنسبة إلى الوعد، فإن الله تعالى لا يخلف وعده. قوله تعالى: {وأنزلنا عليكم المن والسلوى} {البقرة: 57] قيل: هو الترنجبين، وقيل: هو صمغةٌ حلوةٌ تنزل على الشجرة، وقيل: هو شيءٌ كالطل فيه حلاوةٌ يسقط على الشجر، وقيل: المن والسلوى إشارةٌ إلى ما أنعم الله به عليهم، وهما شيءٌ واحدٌ، سماه منًا من حيث أنه امتن به عليهم، وسماه سلوى من حيث أنه كان لهم به التسلي. والمن: ما يوزن به، وهو رطلان بغداديان، ويجوز إبدال نونه الأخيرة حرف علةٍ فيقال: منًا. وجمعه أمناء. قوله تعالى: {فإما منًا بعد} [محمد: 4] المن: الإطلاق بلا فداءٍ. قوله: {فامنن أو امسك} [ص: 39] أي انفقٍ أو لا تنفق. وسمي الإنفاق منًا لأنه عطاءٌ والعطاء سبب المن. قوله: {ولا تمنن تستكثر} [المدثر: 6] قيل: هو المنة بالقول، وذلك أن يمنن به ويستكثر.

وقيل: معناه لا تعط شيئًا. وقال ابن عرفة: المعنى لا تمنن ما أوذيت به في جنب الله ولا تستكثر، فإنه قليلٌ في جنب الله أن يثبك به. ومن كلامهم: يا حنان، يا منان، والله تعالى يمن على عباده لأنه مبتديهم بنعمة. ومن قولهم: ((لا تتزوج حنانةً ولا منانةً))، أي من تمن عليك بمالها. قوله: {يمنون عليك أن أسلموا} [الحجرات: 17] الآية. فالمنة منهم بقولهم: آمنا بك وصدقناك، وقد كفر غيرنا وكذبك. ومنة الله عليهم بالفعل وهو أن هداهم للإيمان بعد أن كانوا ضلالًا. ومن: مخففة تكون شرطيةً فتجزم فعلين شرطًا وجزمًا كقوله تعالى: {ومن يفعل ذلك يلق أثامًا} [الفرقان: 68] واستفهامًا كقوله: {ومن يغفر الذنوب إلا الله} [آل عمران: 135] وهو استفهامٌ لفظًا نفي معنى، ولذلك وقع معه الاستثناء المفرغ وموصولة، كقوله تعالى: {ومن في الأرض} [المعارج: 14] ونكرةً موصوفة، وهي تقع تامةً أي موصولةً لا موصوفةً. وزعم الكسائي أنها تزداد، مستدلًا بقول عنترة: [من الكامل]. 1560 - يا شاة ما قنصٍ لمن حلت له ... حرمت علي وليتها لم تحرم. ولا دلالة، إذ المعنى يا شاة شخص ذي قنصٍ، فهي نكرةٍ موصوفة. ومن: بكسر الميم حرف جر، ولها معان كثيرةٌ: ابتداء الغاية في المكان نحو: {من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى} [الإسراء: 1]. وفي الزمان أي غلب ومنه قوله: {من أول يومٍ} [التوبة: 108] وهو مؤول عند أصحابنا. وتكون للتبغيض ولبيان الجنس، وتحريره في غير هذا، ومزيده بلا شرطٍ أو شرطين أو بشرطٍ. وتكون فعل أمرٍ من: مان يمين أي كذب، كقوله: [من الوافر]. 1561 - وألفى قولها كذبًا ومينًا. فالأمر منه من، كبع من باع. ولا يقال أنها مترددةٌ بين الحرفية والفعلية كما قيل ذلك في عدا وخلا لما بيناه في كتبنا النحوية.

ومن -بضم الميم- للقسم، قيل: هي بقية أيمن، فيقال: من الله لأفعلن كذا. م ن ي: قوله تعالى: {من مني يمنى} [القيامة: 37] المني: الماء الدافق، سمي منيًا لأنه بقدر منه الحيوان. وأصل المني: القدر، يقال: منى لك الماني، أي قدر لك المقدر، وأنشد قول الشاعر: [من البسيط]. 1562 - لا تأمنن وإن أمسيت في حرمٍ ... حتى تلاقي ما يمني لك الماني. ومنه المنا الذي يوزن به لأنه مقدرٌ بكيلٍ محصورٍ. قوله: {من نطفةٍ إذا تمنى} [النجم: 46] أي تقدر بالعزة الإلهية والحكمة الربانية، أي تحار العقول في كيفية ذلك ما لم تكن كالعظم والشعر. ومنه المنية أيضًا لأنها أجلٌ مقدرٌ لكل حيً غير المقدر لذلك جل وعز، وجمعها المنايا، والأصل المنائي، وقد نطق به الشاعر في قوله: [من الطويل]. 1563 - فما برحت أقدامنا في مكاننا ... بليلتنا حتى أديروا المنائيا. ومنه التمني -أيضًا- لأنه تقدير شيءٍ في النفس وتصويره فيها. وذلك قد يكون عن ظن وتخمينٍ. وقد يكون عن رؤيةٍ وبناءٍ على الأصل. ولكن لما كان أكثره عن تخمينٍ صار المكذب له أملك، فلا جرم كان غالب التمني، كذبً وتصور ما لا حقيقة له. وعليه قوله تعالى: {أم للإنسان ما تمنى} [النجم: 24] ولذلك وقع في المستحيلات عكس الترجي فلا يقع إلا في الممكن، يقال: ليت شبابي يعود، وقال الشاعر: [من الكامل]. 1564 - ليت الشباب هو الرجيع إلى الفتى ... والشيب كان هو البدئ الأول. وقال عروة للحجاج ((يابن المتمنية)) يشير إلى أن أمه هي القائلة: [من البسيط].

1565 - هل من سبيلٍ إلى خمرٍ فأشربها ... أم من سبيلٍ إلى نصر بن حجاج؟. وكان نصرٌ جميلًا وسيمًا تفتن به النساء، فلما سمع عمر شعرها نفاه إلى البصرة واسم هذه المرأة فريعة بنت همامٍ، وكانت قبل ذلك تحت المغيرة. والأمنية: الصورة الحاصلة في النفس من تمني الشيء، وجمعها أماني، وعليه قوله تعالى: {ومنهم أميون لا يعلمون الكتاب إلا أماني} [البقرة: 78] أي تمنيًا على الله كقولهم: {لن تمسنا النار إلا أيامًا} [البقرة: 80] {نحن أبناء الله وأحبائه} [المائدة: 18] {لكم الدار الآخرة عند الله خالصةٌ} [البقرة: 94]. قال مجاهد: إلا كذبًا، وقال غيره: إلا تلاوةً بلا معرفة معنى تجري عند صاحبها مجرى أمنيةٍ مبنيةٍ على التخمين. قيل: ولما كان الكذب تصور ما لا حقيقة له، وإبرازه بالفظ فقط، صار التمني كالمبدأ للكذب، فعبر به عنه، وعليه فسر مجاهد: {إلا أماني} إلا كذبًا، ومنه قول عثمان رضي الله تعالى عنه: ((ما تعنيت ولا تمنيت منذ أسلمت)). وقوله تعالى: {إلا إذا تمنى ألقى الشيطان في أمنيته} [الحج: 58]. التمني هو التلاوة، قال الشاعر: يرثي عثمان: [من الطويل]. 1566 - تمنى كتاب الله أول ليلةٍ ... وآخرها لاقى حمام المقادر. وقد ذكروا في التفسير والأسباب عند هذه الآية ما لا ينبغي ولا يجوز اعتقاده، وقال الراغب: قد تقدم أن التمني كما يكون في تخمينٍ وظن فقد يكون عن رؤيةٍ وبناءٍ على أصل. ولما كان النبي صلى الله عليه وسلم كثيرًا ما يبادر إلى ما نزل به الروح الأمين على قلبه حتى قيل له: {ولا تعجل بالقرآن من قبل أن يقضى إليك وحيه} [طه: 114] سمى تلاوته على ذلك تمنيًا، ونبه أن للشيطان تسلطًا على مثله في أمنيته، وذلك من حيث بين أن العجلة من

فصل الميم والهاء

الشيطان، انتهى. قوله: إن للشيطان تسلطًا .. إلى آخره كلامٌ صعبٌ لا ينبغي ولا يجوز قوله، ولذلك ذكرته منبهةً عليه. وأحسن ما قيل في ذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما تلي قوله تعالى: {أفرأيتم اللات والعزى ومناه الثلاثة الأخرى} [النجم: 19 - 20] قال: ((الشياطين تلك الغرانيق العلى وإن شفاعتهن لترجى)). فلما سمع قومه ذلك من الشيطان، وسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم في آخرها سجدوا معه ظنًا منهم أنه هو القائل لذلك. ولا غرو في ذلك فلله تعالى أن يمتحن عباده بضروبٍ من المحن. وأما ما يروى أنه هو عليه الصلاة والسلام القائل لذلك، من وسوسةٍ على سبيل الغلط فحاشا لله، بل الشيطان هو القائل المسمع للناس. فلما عرف النبي صلى الله عليه وسلم بذلك أكذبه وعرف الناس أن الشيطان هو الذي قال ذلك فتنةً واختبارًا، ليزداد المؤمنون إيمانًا والمنافقون شكًا وامتحانًا. قوله: {ولأمنينهم} [النساء: 119] يعني: لأجعلن لهم أمنيةً بما أشبههم فيه من أمور الدنيا. ووزن أمنيةٍ أفعولةٌ، وأصلها: أمنوية كأعجوبة، فأدغمت بعد القلب كمرمى. وقيل: إنما قيل للقارئ متمنيًا، وللقراءة تمنيًا، لأنه إذا مر بآية رحمةٍ تمنى دخولها، وبآية عذابٍ تمنى دفعه. وقال بعضهم: كأن المنى مقلوبٌ من المين، بمعنى أن التمني يكون كذبًا كما تقدم تقديره. والمين: الكذب، فيقال: منى يمني، ومان يمين، أي كذب. والتحقيق ما قدمناه. فصل الميم والهاء. م هـ د: قوله تعالى: {ألم نجعل الأرض مهادًا} [النبأ: 6] المهاد والمهد: المكان الموطأ، من مهدت الأرض، ومهدتها، أي وطأتها، وقرئ في طه: {مهدًا} و {مهادًا} [طه: 53] فالمهاد كالفراش، والمهد الفرش، وزنًا ومعنىً.

قوله: {ومهدت له تمهيداً} [المدثر: 14] أي وطأت له على سبيل المثال الاستدراج لا الإكرام، {إنما نملي لهم ليزدادوا إثمًا} [آل عمران: 178]. وقد اغتر كثيرٌ من معاصرينا بما من الله عليهم كأنهم صموا عن هذه الآيات. قوله: {كيف نكلم من كان في المهد} [مريم: 29] أي حال طفوليتك، فليس المهد مقصودًا بالظرفية الحقيقية، ولذلك عطف على محله حالًا أخرى، حسبما بيناه في كتبنا الإعرابية. وامتهد السنام: تسوى فصار لحمها كمهادٍ ومهدٍ. قوله: {فلأنفسهم يمهدون} [الروم: 44] أي يوطئون، كنى بذلك عن الاستعداد ليوم اللقاء. {فبئس المهاد} [ص: 56] أي الفراش. وذكره بلفظ المهاد تهكمًا بهم أو على العكس من الكلام كقوله: [من الوافر]. 1567 - تحية بينهم ضربٌ وجيع. م هـ ل: قوله تعالى: {فمهل الكافرين} [الطارق: 17] أي أرفق بهم وأخر أمرهم، وهو وعيدٌ كمعنى قوله تعالى: {ذرهم يأكلوا ويتمتعوا ويلههم} [الحجر: 3] الآية، وقوله: {اعملوا ما شئتم} [فصلت: 40] والإمهال: الرفق، ومنه المهلة، وهي الانتظار والتأخير. قوله: {بماءٍ كالمهل} [الكهف: 29] قيل: هو ما أذيب من الجواهر المعدنية كالنحاس والرصاص ونحو ذلك. وقيل: هو دردي الزيت. وفي التفسير: يبتلون بعطشٍ فيستغيثون فيؤتون بماءٍ كالمهل، فإذا قربه إلى فيه سقطت فروة وجهه. نسأل الله العظيم الإجارة من نار الجحيم. ودلت الآية الأخرى على أنهم يشربون. وهو قوله تعالى: {يغلي في البطون} [الدخان: 45] فقد حصل في بطون القوم، ويا بئس ما حصل. م هـ م: قوله تعالى: {وقالوا مهما تأتنا من آية} [الأعراف: 132] مهما: اسم شرطٍ يجزم فعلين أولهما شرطٌ والثاني خبرٌ، كأن المعنى ائتنا إن أتينا بآيةٍ من الآيات فما نحن

لك بمؤمنين. واختلف النحاة هل هي بسيطةٌ أم مركبةٌ، والقائلون بتركيبها اختلفوا، فقال بعضهم: مركبةٌ من مه: اسم فعل، وما الشرطية، فلما ركبنا هجر معنى اسم الفعل. وقال آخرون: مركبةٌ من ما الشرطية مكررةً تأكيدًا، فاستثقل اللفظ، فأبدلت الهاء من ألف ما الأولى. وتحقيقه في غير هذا. وقد تزداد استفهامًا. قال الشاعر: [من السريع]. 1568 - مهما لي الليلة مهما ليه ... أودي بنعلي وسرباليه. م هـ ن: قوله تعالى: {ألم نخلقكم من ماءٍ مهينٍ} [المرسلات: 20] أي ضعيفٍ حقيرٍ. يشير إلى النطفة التي هي أول خلقه، وإلى ذلك نحا أمير المؤمنين بقوله رضي الله عنه: ((ما لابن آدم والفخر وإنما أول نطفةٌ مذرةٌ، وآخره جيفة قذرةٌ، وهو فيما ذلك يحمل العذرة)). ونظمه بعضهم فقال: [من السريع]. 1569 - ما بال من أوله نطفةٌ ... وجيفةٌ آخره يفخر؟. أصبح لا يملك تقديم ما ... يرجو ولا يؤخر ما يحذر. وقوله تعالى حكايةً عن فرعون: {أم أنا خيرٌ من هذا الذي هو مهينٌ} [الزخرف: 52] أي ضعيفٌ قليلٌ ذليلٌ، فقواه ربه وكثره وأعزه بتسع آياتٍ إحداها عصًا من العصي صارت حيةً أحد لحييها تحت قصره والآخر على أعلى شرفاته. والمهانة: الذلة والقلة. قوله: {ولا تطع كل حلافٍ مهينٍ} [القلم: 10] أي ضعيف الرأي والتمييز، قال الفراء: هو ها هنا الفاجر، وغلب في العرف على الكسلان الكل على الناس، يقال: مهن يمهن مهانةً فهو مهينٌ، وامتهنته: استخدمته. المهنة: الخدمة، وفي حديث سلمان: ((إني أكره أن أجمع على ماهنٍ مهنتين))، المهنة- بفتح الميم- والفقهاء يكسرونها

فصل الميم والواو

فيقولون: ما يبدو في المهنة، وقد نص الهروي على أن خفض الميم خطأ، قاله شمر عن أشياخه. يقال: مهنت القوم أمهنهم وأمهنهم، وامتهنوني، أي ابتذلوني. فصل الميم والواو. م وت: قوله تعالى: {وكنتم أمواتًا فأحياكم} [البقرة: 28] أي كنتم نطفًا في أصلاب الآباء فأحياكم بالخلق والإيجاد، {ثم يميتكم} [البقرة: 28] الموت المتعارف {ثم يحييكم} [البقرة: 28] من القبور، وقيل: كنتم أمواتًا أي نطفًا في الأرحام فأحياكم فيها، والظاهر الأول، وعليه قوله: {أمتنا اثنتين وأحييتنا اثنتين} [غافر: 11] فالإحياء والإماتة مرتان، وهل يستدعي الموت سبق حياة؟ ظاهر كلام أكثرهم على أنه حقيقةٌ في ذلك، واستعماله في غيره مجازٌ. فقوله: {وكنتم أمواتًا} مجاز، وقوله: {ثم يميتكم} حقيقةٌ، قال بعضهم: الموت أنواعٌ بحسب أنواع الحياة، الأول: ما هو بإزاء القوة النامية الموجودة في الإنسان والحيوان والنبات، نحو قوله: {وأحيينا به بلدةً ميتًا} [ق: 11] والثاني: زوال القوة الحاسة، كقوله تعالى: {يحيي ويميت} [البقرة: 258] وقوله: {أئذا ما مت لسوف أخرج حيًا} [مريم: 66] والثالث: زوال القوة وهي الجهالة، وعليه قوله: {أو من كان ميتًا فأحييناه} [الأنعام: 122]. وإياه قصد بقوله تعالى: {إنك لا تسمع الموتى} [النمل: 80]، الرابع: الحزن المقدر للحياة، وإياه قصد بقوله تعالى: {ويأتيه الموت من كل مكانٍ} [إبراهيم: 17] و {ما هو بميتٍ} [إبراهيم: 17] قلت: وفي معناه قوله تعالى: {ثم لا يموت فيها ولا يحيا} [الأعلى: 13] وعليه قول الشاعر: [من الطويل]. 1570 - ألا من لنفسٍ لا تموت فينقضي ... شقاها ولا تحيا حياةً لها طعم.

وكان عمر بن عبد العزيز كثيرًا ما يتمثل بقول الشاعر: [من الطويل]. 1571 - كفى حزنًا أن لا حياة هنيئةٌ ... ولا عملًا يرضى به الله صالح. الخامس: المنام، ومن ثم قيل: النوم موتٌ خفيفٌ، والموت نومٌ ثقيلٌ، ومن ثم سماه الله تعالى وفاة، فقال: {الله يتوفى الأنفس حين موتها والتي لم تمت في منامها} [الزمر: 42] الآية، {وهو الذي يتوفاكم بالليل} [الأنعام: 60]. وسأل رجلٌ ابن سرين عن رجلٌ فقال: توفي. فلما رأى جزع الرجل قال: ألم تسمع الله تعالى يقول: {الله يتوفى الأنفس حين موتها} الآية، فسكن جأشه. قوله: {ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتًا بل أحياءٌ} [آل عمران: 169] قيل: معناه: نفى عنهم الحزن المذكور في قوله: {ويأتيه الموت من كل مكان} [إبراهيم: 17] وقيل: نفى عنهم وعن أرواحهم فإنه نبه على نفسهم. وقد جاء مفسرًا في الحديث: ((إن أرواحهم في حواصل طيرٍ خضرٍ تعلق من الجنة وتأوي إلى قناديل من ذهبٍ)) فهذه حياتهم ونفي الموت عنهم. قوله: {كل نفسٍ ذائقة الموت} [آل عمران: 185] هذه عبارةٌ عن زوال القوة الحيوانية وإبانة الروح عن الجسد. قوله: {إنك ميتٌ وإنهم ميتون} [الزمر: 30] أي أنك ستموت، تنبيهًا أنه لا ينفلت منه أحدٌ. وإن كان أكرم الخلق، كقوله: {وما جعلنا لبشرٍ من قبلك الخلد أفإن ميت فهم الخالدون} [الأنبياء: 34]. وقال الشاعر: [من الطويل]. 1572 - ولو كان مجدٌ يخلط الدهر واحدًا ... خلدت ولكن ليس حي بخالد.

وقال آخر: [من السريع]. 1573 - والموت حتمٌ في رقاب العباد. وقال آخرون: الميت في الآية معناه التحلل والنقص، فقوله: {إنك ميتٌ} ليس إشارةً إلى إبانة الروح عن الجسد، بل هو إشارةٌ إلى ما يعتري الإنسان في كل حالٍ من التحلل والنقص، فإن البشر ما دام في الدنيا يموت جزءًا فجزءًا. وقد عبر قومٌ عن هذا المعنى بالمائت، وفرقوا بين الميت والمائت، فقالوا: المائت هو المتحلل، وقد رد هذا القاضي الجرجاني فقال: ليس في لغتنا مائتٌ على حسب ما قالوه، وإنما يقولون: موتٌ مائتٌ نحو: شعرٌ شاعرٌ، وسيلٌ سائلٌ ويقال: ميتٌ وميتٌ، قال فجمع بين اللغتين: [من الخفيف]. 1574 - ليس من مات فاستراح بميتٍ ... إنما الميت ميت الأحياء. والأصل ميوتٌ، فأدغم بعد القلب، ومثله {المؤمن هينٌ لينٌ} الأصل التشديد. والميتة من الحيوان: ما زالت روحه بغير تزكيةٍ، والموتان يقابل الحيوان، وهي الأرض التي لم تحي للزرع. وأرضٌ مواتٌ. ووقع في الإبل موتانٌ كثيرٌ. وناقةٌ ميتٌ ومميتةٌ: مات ولدها. وأميتت الخمر: مزجت، وقيل: طبخت. والمستميت: المتعرض للموت، وأنشد: [من الوافر]. 1575 - فأعطيت الجعالة مستميتًا. والموتة شبه الجنون كأنه من موت العلم والعقل، ومنه رجلٌ موتان القلب، وامرأةٌ موتانةٌ. ويقال: مات يموت ويمات. قال:

وقد قرئ بهما، بضم الميم وكسرها. قال بعضهم: ما كان حيوانًا قيل منه ميتةٌ بالتخفيف، وما كان جمادًا قيل ميت بالتشديد. ولذلك لم يقرأ {حرمت عليكم الميتة} [المائدة: 3] إلا تخفيفًا. قلت: وهذا في المتواتر، ولكن يرد قوله قراءتهم في المتواتر {الأرض الميتة} [يس: 33] بالوجهين. م وج: قوله تعالى: {في موجٍ} [هود: 42] الموج في البحر ما علا وارتفع عند هيجان البحر من الماء ومن غواربه وهو الآذي، وأصله من الاضطراب والحركة والاختلاط، ومنه قوله تعالى: {وتركنا بعضهم يومئذٍ يموج في بعضٍ} [الكهف: 99] أي يختلطون مضطربين. وماج البر يموج، وتموج يتموج تموجًا: اضطراب. والجمع أمواج. م ور: قوله تعالى: {يوم تمور السماء مورًا} [الطور: 9] أي تدور دورانًا، وقال آخرون: تجئ وتذهب، من مار الدم يمور: إذا جرى وتردد على وجه الأرض. ومار الشيء: اضطرب، وهو قريبٌ من ماج، وسمي الطريق مورًا، لأنه يذهب به ويجاء، قال طرفة: [من الطويل]. 1476 - وظيفًا وظيفًا فوق مورٍ معبد. أي طريق مذلل بالسلوك. قيل المور: الجريان السريع. والمور- بالضم- التراب المتردد به الريح. وناقةٌ تمور في سيرها فهي موارة وموارٌ- دون تاء-. وفي حديث آدم: ((لما نفخ في جسده مار في رأسه فعطس)) أي دار.

م وس: قوله تعالى: {موسى} موسى بن عمران صلوات الله عليه وسلم. موسى، أي ماء وشجرٌ لأنه دخل في نيل مصر حيث ألقتها أمه إلى قصر فرعون من جداول تسرع إلي النيل وكان فيه شجرٌ. ومن ثم سمي بذلك فعربته العرب إلى موسى. والموسى عند العرب هذه الآلة المعروفة التي يستح دبها ويحلق. واختلف الصرفيون في اشتقاقها، فقيل: من أوست رأسه: حلقته، فوزنه [مفعل]. وقيل: من ماسه أي حسنه، فوزنه فعلى، وليس هذا من موسى العلم في شيء فإن ذاك أعجمي وهذا عربي. م ول: قوله تعالى: {المال والبنون} [الكهف: 46] المال: ما ملك من متاع الدنيا وصح الانتفاع به، وغلب في النقود والعروض المعدة للتجارة. قوله: {وما أموالكم ولا أولادكم بالتي تقربكم} [سبأ: 37]، نفي لما كانوا يعتدون به، فإن الرجل يدفع عن نفسه بماله ويقيه بولده. وقال الأعصمي، وتبعه الراغب: سمي المال مالًا لأنه يميل من هذا إلى ذاك. قال الراغب: ولذلك سمي عرضًا، وعلى هذا دل قول من قال: ((المال قحبة، يومًا تكون في بيت عطارٍ، ويومًا في دار بيطارٍ)). وخطأ الناس قائل ذلك فإن المال من الواو بدليل مويل وأموال، وتمول فلانٌ. وبأن الميل من الياء وليس خطأ، فإن هذا الاشتقاق الأكبر، وقد فعلوا مثله كثيرًا- كما تقدم- في لفظ الصلاة وغيرها. م وهـ: قوله تعالى: {وأنزل من السماء ماءً} [البقرة: 22] هو المطر، وأصله موه، فقلبوا الهاء همزةً كما قلب الهمزة هاءً في هرجت وهرقت وهزت، ويدل على ذلك قولهم في التصغير مويه، وفي التكثير مياه وأمواه، والتصغير والتكثير يردان الأشياء إلى أصولها.

وقالوا أيضًا: ماهت الركية وموهت: كثر ماؤها، وماهت تميه وتماه، وبئر ميهةٌ وماهةٌ وميهةٌ. وأماه الرجل وأمهى: بلغ الماء، وجلٌ ماه القلب وماهي القلب: كثير ماء القلب. وقد اختلف الناس في الماء هل كله من السماء، أو كله من الأرض، أو بعضه من هذه وبعضه من هذه؟ خلافٌ لا طائل تحته، وقد جاء لكل قولٍ ظاهرٌ من القرآن. قوله: {وجعلنا من الماء كل شيء حي} [الأنبياء: 30] هو الماء المعهود، وكذا كل دابة من ماء. وقيل هو المني. قوله: {وأنزلنا من السماء ماء} من محاسن الكلام، وتسمية المني ماءً مجازٌ، ولذلك سمي نطفةً وهي العاقبة، والسلالةً وهي المنسلة من الطين. م أ: في كلامهم ترد للنفي، وهي فيه على قسمين: عاملةٍ عمل ليس وهي لغة الحجاز، وعليها جاء التنزيل كقوله: {ما هذا بشرًا} [يوسف: 31] {ما هن أمهاتهم} [المجادلة: 2]. وغير عاملةٍ وهي لغة تميم، ولها أحكامٌ وشروطٌ أتقنها في كتبنا النحوية، وتكون شريطةً وجازمةً فعلين كإن، كقوله: {وما تفعلوا من خيرٍ يعلمه الله} [البقرة: 197]. وتكون استفهامًا كقوله تعالى: {ما هذه التماثيل} [الأنبياء: 52]. ويستفهم بها عن الذوات وأجناسها وأنواعها وعن جنس صفات الشيء ونوعه، وتكون موصولةً اسميةً بمعنى الذي وفروعه كقوله: {قل ما عند الله خيرٌ من اللهو} [الجمعة: 11]، وموصولةً حرفيةً ينسبك منها ومما بعدها مصدرٌ، كقوله تعالى: {بما عصوا وكانوا يعتدون} [البقرة: 61] أي بسبب عصيانهم، وهي على قسمين: ظريفة وغير ظريفة، فالظريفة: {وكنت عليهم شهيدًا ما دمت فيهم} [المائدة: 117] أي مدة دوامي فيهم. وتكون نكرة موصوفة كقولهم: مررت بما معجبٍ لك أي شيءٍ معجبٍ. وصفةً لنكرةٍ كقولهم: ((لأمرٍ ما جدع قصيرٌ أنفه)) أي لأمرٍ عظيمٍ، وقال امرأ القيس: [من المديد]. 1577 - وحديثٌ ما على قصره.

في أحد القولين، ومنه أحد الأوجه: {مثلًا ما بعوضةً} [البقرة:26] وتكون نكرة تامة لا موصوفة ولا موصولة في قوله: {نعما} [النساء:58] كقوله تعالى: {فنعما هي} [البقرة:271] {بئسما اشتروا به أنفسهم} [البقرة:90] على خلاف ذلك أتقناه في ((الدر)) وغيره. وتكون تعجبًا نحو: {فما أصبرهم على النار} [البقرة:175]. وقيل: هي هنا موصولة اسمية، وتحقيق هذا في غير هذا الموضوع. وتكون زائدة؛ فإذا زيدت فتارة يبطل معها عمل عامل إن وأخواتها إلا ليت نحو: {إنما الله إله واحد} [النساء:171] عند الجمهور؛ ومع ليت يجوز الأمران كقول النابغة: [من البسيط] 1578 - قالت ألا ليتما هذا الحمام لنا ... إلى حمامتنا ونصفه فقد ورفعه. ولسيبويه في البيت كلام، وتارة لا يبطل عمله البتة. وفي زيادتها بعد: من وعن والباء كقوله تعالى: {مما خطيئاتهم} [نوح:25] {عما قليل} [المؤمنون:40] {فبما رحمة} [آل عمران:159]. وتارة يجوز الأمران، وذلك في زيادتها بعد ليت- كما تقدم- وبعد رب والكاف، وينشد: [من الخفيف] 1579 - ربما الجامل المؤبل فيهم ... وعناجيج بينهن المهار وقول الآخر: [من الطويل] 1580 - وننصر مولانا ونعلم أنه ... كما الناس مجروم عليه وجارم

برفع الجامل والناس وجرهما. وتكون مهيئة وكافة، وهي متصلة تارة بحسب الجملة بعدها، فإن كانت الجملة فعلية كانت مهيئة نحو: {إنما يخشى الله من عباده العلماء} [فاطر:28]. وإن كانت اسمية فهي كافة نحو: {إنما الله إله واحد}، {إنما إلهكم الله} [طه:98] وهل تفيد الحصر حينئذ أم لا؟ وتزاد بعد بعض أدوات الشرط، وهي فيه على ضربين: ضرب يلزم فيه زيادتها وهو: إذ وحيث، لا تكونان شرطين إلا مع ما كقوله: [من الكامل] 1581 - إذ ما أتيت إلى الرسول فقل له ... حقًا عليك إذا اطمأن المجلس وقوله تعالى: {وحيثما كنتم فولوا وجوهكم شطره} [البقرة:144]. وهل إذ ما حينئذ على اسميتها أم صارت حرفًا ... سيبويه الثاني وجوازًا بعد إن وإذا ومتى وأين كقوله تعالى: {أينما تكونوا يدرككم الموت ولو كنتم في بروج مشيدة} [النساء:78] ويمنع زيادتها بعد من وما ومهما، وهذا كله نبذ من أصول طويلة نبهتك عليها. وتكون كافة للفعل أيضًا، وذلك في: قل، وطال، وكثر، نحو: قلما تفعل كذا، وكثر ما تفعل، وطالما تفعل، وقيل: بل هي هنا مصدرية، وتكتب ما متصلة بثلاثة الأفعال المذكورة، وقيل: إن اعتقد كونها زائدة كتبت متصلة، وإن كانت مصدرية فمنفصلة، قال الشاعر: [من الطويل] 1582 - صددت فأطولت الصدود وطالما ... وصال على طول الصدود يدوم فإذا جاءتك ((ما)) في الكتاب العزيز فاعتبرها بما ذكرت لك من هذه الأنواع، والله أعلم.

فصل الميم والياء

فصل الميم والياء م ي د: قوله تعالى: {ربنا أنزل علينا مائدةً من السماء} [المائدة:114] المائدة: الخوان ما كان عليه طعام، وإلا فهو خوان، كالكأس ما فيه شراب، وإلا قدح. ولهما أخوات، وأصلها من مادة يميده: أي أعطاه ميدًا، فهو مائد، والمطلوب منه الميد ممتاد. وأنشد لرؤبة: [من الرجز] 1583 - إلى أمير المؤمنين الممتاد وقيل: المائدة: الطبق الذي عليه الطعام، قاله الراغب. ويقال لكل واحد منهما مائدة، وهذا خلاف المشهور. ومادني: أطعمني، وقيل: يعشيني. قوله: {أن تميد بكم} [النحل:15] أي تضطرب وتتحرك حركة شديدة. وقيل: هو اضطراب الشيء المعظم، كاضطراب الأرض ونحوها. وقيل في قوله تعالى: {مائدة} إنها طعام. وقيل: طلبوا أشياء من العلم وسماه مائدة، من حيث إن العلم غذاء الأرواح كما أن الطعام غذاء الأبدان، قاله الراغب. وهذا وإن كان صحيحًا في الجملة إلا أنه ليس المراد لما يدل عليه الظاهر والآثار المنقولة. والميدان: مركض الدواب لاضطرابها وحركتها ذهابًا وإيابًا، وقيل في قول الشاعر: [من الطويل] 1584 - نعيمًا وميدانًا من العيش أخضرا إنه الممتد من العيش.

وماد الرجل: إذا أصابه الميد من ركوب البحر. ورجل مائد، ورجال ميدى، وليس يعبأ به، وماد الرجل: إذا أدير به وأصابه الدوران، وإن لم يكن من ركوب البحر. وفي الحديث: ((نحن السابقون الآخرون ميد أنا أوتينا الكتاب من بعدهم)). ميد وبيد بمعنى سوى أو غير ... ، وقيل: معناه على أنا. م ي ر: قوله تعالى: {ونمير أهلنا} [يوسف:65] أي نحمل لهم الميرة، وهي الطعام والأزواد، وكل مقتات فهو ميرة؛ يقال: مرت القوم أميرهم ميرًا فأنا مائر، والجالبون للميرة ميارة، والميرة والخيرة متقاربان. م ي ز: قوله تعالى: {ليميز الله الخبيث من الطيب} [الأنفال:37] أي ليبين ويخلص هذا من هذا. والميز والتمييز: الفصل بين المشتبهات، يقال: مازه يميزه ميزًا، وميزه يميزه تمييزًا، وقد قرئ بهما. وقول النحاة: ((تمييز)) أي بيان لما أبهم في ذات نحو عشرين درهمًا، أو نسبة نحو طاب زيد نفسًا. قوله: {وامتازوا اليوم} [يس:9] أي انعزلوا ولا تخلطوا بالمؤمنين حتى تعرفوا، يقال: مزته فامتاز وانماز وتميز، أي انفصل وانقطع وانسلخ عما كان متصلًا به. قوله: {تكاد تميز من الغيظ} [الملك:8] أي تنفصل وتنقطع من غيظها، إما بأن خلق الله فيها قوة ذلك أو تكون من مجاز التخييل، وفي حديث جبريل: ((استماز رجل من رجل به بلاء فابتلي به)) أي تباعد منه وانفصل. ويقال: لا مستمازلك، أي لا ملجأ ولا فاصل. ويطلق التمييز على القوة التي في الدماغ، وبها تستنبط المعاني، لا تمييز لفلان.

م ي ل: قوله تعالى: {فلا تميلوا} [النساء:129] أي ولا تجوروا، وأصل الميل العدول من جهة الوسط إلى أحد الجانبين، فاستعمل في الجور مجازًا، قيل: وإذا استعمل في الأجسام فإنه يقال فيما كان في خلقه ميل- بالفتح- وفيما كان عرضًا ميل- بالسكون ويقال- ملت إلى فلان، أي أحببته وعاونته. وملت عليه، أي تحاملت. قوله تعالى: {فيميلون عليكم ميلة واحدة} [النساء:102] وفي حديث ذم النساء: ((مائلات مميلات)) فيه أوجه؛ أحدها يمتشطن المشطة الميلاء وهي مشطة البغايا، وإياها عنى امرؤ القيس بقوله: [من الطويل] 1585 - غدائره مستشزرات إلى العلا ... تضل العقاص في مثنى ومرسل ونهى الشرع عنهما، والمميلات: الفاعلات ذلك بغيرهن، وقيل: مائلات عما أمر الله. مميلات: معلمات غيرهن الميل، وقيل: هن المتبخترات اللاتي يتمايلن في مشيهن، وكله مراد فإنه موجود.

باب النون

باب النون فصل النون والهمزة ن اش: قوله تعالى: {وأنى لهم التناوش من مكان بعيد} [سبأ:52]. قرئ في المتواتر ((التناوش)) بالهمز والواو؛ فمن قرأ بالهمز قال: هو التناول من بعد. يقال: ناش إذا أبطأ وتأخر. وأنشد: [من الطويل] 1586 - تمنى نئيشًا أن يكون أطاعني أي، أخيرًا. ومن قرأ بالواو قال: هو التنازل بسهولة. وأنشد قول عنترة: [من الكامل] 1587 - فتركته جزر السباع ينشنه ... يقصمن قلة رأسه والمعصم يقال: ناشه ينوشه، وتناوشه يتناوشه تناوشًا. وهذه التفرقة لأبي عمرو. وقال غيره: القراءتان بمعنى، والهمز بدل من الواو، وقال: لأنهم إذا أبدلوا الواو ساكنة مضمومًا ما قبلها، لأجل تلك الضمة في قول الشاعر: [من الوافر] 1588 - أحب المؤقدين إلى مؤسى فلأن يبدلونها مضمومة أولى. وعليه: {أقتت} [المرسلات:11] و ((وقتت)). وقيل: هو بالهمز بمعنى الطلب، والمعنى: كيف يتناولون أو يطلبون الإيمان من مكان

فصل النون والباء

بعيد أو يطلبونه من مكان قريب؟ وهي حالة الاختيار والانتفاع إشارة لقوله: {لا ينفع نفسًا إيمانها لم تكن آمنت من قبل} [الأنعام:158]. ن اي: قوله تعالى: {أعرض ونأى} [الإسراء:83] أي، تباعد. يقال: نأى عني ينأى نأيًا، فهو ناءٍ. وأنشد: [من الطويل] 1589 - ألا حبذا هند وأرض بها هند ... وهند أتى من دونها النأي والبعد جمع المترادفين تأكيدًا، وحسنه اختلافهما كقوله: {صلوات من ربهم ورحمة} [البقرة:157] وقول الآخر: [من الوافر] 1590 - فألفى قولها كذبًا ومينا وقيل: نأى أي، أعرض، وقيل: تكبر نحو شمخ بأنفه. وكلها معان متقاربة. ومن ذلك النؤي، وهو ما يحفر حول الخباء، لينفذ منه الماء. وأنشد للنابغة: [من البسيط] 1591 - إلا الأواري لأيًا ما أبينه ... والنؤي كالوض بالمظلومة الجلد فصل النون والباء ن ب أ: قوله تعالى: {ولقد جاءك من نبأ المرسلين} [الأنعام:34] أي، من أخبارهم مع قومهم. والنبأ: الخبر، كذا فسره الهروي وغيره. ولم يكتف الراغب بذلك، بل قيده بثلاثة أمور فقال: النبأ خبر ذو فائدة عظيمة، يحصل به علم أو غلبة ظن، قال: ولا يقال للخبر في الأصل نبأ حتى يتضمن هذه الأشياء الثلاثة. وحق الخبر الذي يقال فيه نبأ، أن يتعرى عن الكذب، كالتواتر وخبر الله وخبر الرسول. قال: ولتضمن النبأ معنى الخبر يقال: أنبأته بكذا أي أخبرته به، ولتضمنه معنى العلم قيل: أنبأته كذا كقولك: أعلمته كذا. قال

تعالى: {قل هو نبأ عظيم أنتم عنه معرضون} [ص:67 و 86]. قلت: أنبأ ونبأ، وأخبر وخبر متى تضمنت معنى أعلم تعدت لثلاثة مفاعيل. وهي نهاية التعدي. وأما أعلمته بكذا فتلضمنه معنى الإحاطة. قوله: {إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا} [الحجرات:6] فيه تبينه أنه إذا كان الخبر شيئًا عظيمًا له قدر، فحقه أن يتثبت فيه ويتيقن، وإن غلب صحته على الظن حتى يعاد النظر فيه. قيل: ونبأته أبلغ من أنبأته، ولذلك قال تعالى: {من أنبأك هذا قال نبأني العليم الخبير} [التحريم:3]، ولم يقل: أنبأني. فنزل ذلك على أنه من قبل الله تعالى. قوله: {قل هو نبأ عظيم} [ص:67] قيل: هو أخبر به من أمر يوم القيامة. قوله: {عم يتساءلون} [النبأ:1] قيل: هو القرآن، وقيل: أمر القيامة. قوله: {نبئنا بتأويله} [يوسف:36] أي خيرنا. وذلك لأنه أمر عظيم عند ما رأيا ما رأيا. قوله: {وأوحينا إليه لتنبئنهم بأمرهم} [يوسف:15] أي، لتجازينهم بأمرهم. فعبر بذلك عن المجاوزى غالبًا يؤنب من مجازيه. والعرب تقول لمن تتوعده: لأنبئنك. ومثله قوله تعالى: {فلننبئن الذين كفروا بما عملوا} [فصلت:50] أي، لنقرعنهم. والنبي قرئ بالهمز وبغير الهمز؛ فمن همزه جعله من النبأ. وهو فعيل بمعنى مفعول، لأنه منبأ من جهة الله تعالى ومخبر. وقيل: بمعنى فاعل، لأنه ينبئ الإنسان بما أوحي إليه. ويدل على ذلك أعني أن الهمز جمع لفظه على نبآء قال: [من الكامل] 1592 - يا خاتم النبآء إنك مرسل وقد أنكر بعضهم هذه القراءة. وليس بمصيب، لحديث رواه وهو أن رجلًا قال: ((يا نبيء الله، فقال: لست بنبيء الله، ولكن نبي الله)). وقد ذكرنا هذا مستوفى في

((العقد)) و ((الدر)) وغيرهما، فعليك باعتبار ثمة. ومن قرأه غير مهموز فمن نبا ينبو. وسيأتي في مادته. ن ب ت: قوله تعالى: {وأنبتها نباتًا حسنًا} [آل عمران:37] هذا مجاز عن [التربية] أي، رباها تربية. والنبت: والنبات: ما يخرج من الأرض من الناميات، سواء كان له ساق كالشجر أو لم يكن كالنجم. ولكن اختص في التعارف بما لا ساق له. قال الراغب: بل اختص عند العامة بما تأكله الحيوانات، وعليه قوله تعالى: {لنخرج به حبًا ونباتًا} [النبأ:15] ومتى اعتبرت الحقيقة فإنه يستعمل في كل نام نباتًا كان أو حيوانًا أو إنسانًا. قال بعضهم في قوله تعالى: {والله أنبتكم من الأرض نباتًا} [نوح:17]: النحويون يقولون: نباتًا موضوع موضع الإنبات، وهو مصدر. وقال غيرهم: هو حال لا مصدر، ونبه بذلك أن الإنسان هو من وجه نبات من حيث إن بدأه ونشأه من التراب، وإنه ينمو نموه وإن كان له وصف زائد على النبات. وعليه نبه في قوله تعالى: {هو الذي خلقكم من تراب} [غافر:67]. قوله: {تنبت بالدهن} [المؤمنون:20] قرئ تنبت من نبت ثلاثيًا، وتنبت من أنبت. وفي ذلك أقوال أحدها أن الباء مزيدة في قراءة تنبت، كقوله: {ولا تلقوا بأيديكم} [البقرة:195]. 1593 - لا يقرأن بالسور ويقال: إن بني فلان لنابتة شد. ونبتت فيهم نابتة، أي نشأ فيهم صغار.

ن ب ذ: قوله تعالى: {فنبذوه وراء ظهورهم} [آل عمران:187] أي رموه وطرحوه. قوله: {وراء ظهورهم} تمثيل عن قلة مبالاتهم به. لم يكتفوا بطرحه بل لا يهمون به، لأن الإنسان قد يرمي الشيء مع التفاته إليه. وفي المثل: ((نبذه نبذ النعل الخلق)). قوله: {فانبذ إليهم على سواء} [الأنفال:58] أي ألق عهدهم إليه، وآذنهم بالحرب ولا تأخذهم على غرة. قيل: واستعمال النبذ هنا كاستعمال الإلقاء في قوله: {فألقوا إليهم القول} [النحل:86] {وألقوا إلى الله يومئذ السلم} [النحل:87] تنبيه ألا يؤكد معهم عهدًا بل حقهم أن يطرح إليهم ذلك طرحًا، مستحثًا به على سبيل المجاملة، وأن يراعيهم حسب مراعاتهم، ويعاهدهم على قدر ما عاهدوه. قوله: {انتبذت من أهلها} [مريم:16] أي، اعتزلت وتنحت؛ يقال: انتبذ فلان مجلسه، وجلس نبذة ونبذة أي: اعتزل، يحيث إذا نبذت إليه شيئًا وصل إليه. وصبي منبوذ ونبيذ نحو ملقوط ولقيط. قيل: لكن منبوذ يقال اعتبارًا بمن طرحه، وملقوط ولقيط اعتبارًا بمن تناوله. والنبيذ: ما ألقي فيه تمر أو زبيب مع الماء، يقصدون بذلك تحلية الماء وعذوبته. ولذلك نهى الشارع عن الانتباذ في أوان مخصوصة، لئلا يشتد فيسكر. وصار النبيذ في العرف العام اسمًا للشراب المسكر، وإن كان النبيذ في الأصل إنما هو للشيء الملقى في الماء كالتمر والفضيح ونحوهما، ثم أطلق على ذلك الماء الذي ألقي فيه مجازًا للمجاورة، ثم غلب على المسكر. ونابذت زيدًا عهده، يجوز أن يكون مما وقع منه فاعلت موقع فعلت، نحو: سافرت وعاقبت اللص وطارقت النعل، وأن يكون على بابه من المفاعلة، وأن كلًا منهما نبذ عهد صاحبه إلى الأخر. ن ب ز: قوله تعالى: {ولا تنابزوا بالألقاب} [الحجرات:11] أي: لا تداعوا به. وهذا محمول على ما إذا كان التلقيب مؤذيا لصاحبه. فأما إذا كان غير مؤذيه، وفيه تعظيمه فلا

حرمة. وكذا إذا لم يعرف إلا به، وكان فيه مفسدة لو لم يذكر به، كتضييع حق الغير لا سيما إذا روي عنه كالأعرج والأعمش، حيث غلب على هذين. وكره سعيد بن المسيب فتح الياء من المسيب، وكان يقول: سيب الله من سيب أبي. وكره التلقيب مطلقًا وإن أحبه صاحبه. ن ب ط: قوله تعالى: {لعلمه الذين يستنبطونه منهم} [النساء:83] أي يستخرجونه. يقال: استنبطت الماء من الأرض، وأنبطته، أي استخرجته. وأصله من النبط وهو أول ما يخرج من البئر حين تحفر. وفي المثل: ((أنبط في غضراء)) أي استخراج الماء من طين حر. وأنشد: [من الطويل] 1594 - نعم، صادقًا، والقائل الفاعل الذي ... إذا قال قولًا أنبط الماء، في الثرى وسئل بعضهم عن رجل فقال: ذاك قريب الثرى بعيد النبط أي: قريب الوعد بعيد الوفاء. وفي الحديث: ((ورجل ارتبط فرسًا ليستنبطها)) أي ليخرج ما في بطنها. وسأل عمر بن الخطاب عمرو بن معدي كرب عنه فقال: ((ذاك أعرابي في حبوته، نبطي في جبوته)) أراد أنه في حبوة العرب، وكالنبطي في علمه بأمر الخراج وجبايته وعمارة الأرض، حذقًا بها ومهارة فيها. والنبط: جيل معروف، سموا بذلك، لأنهم ينبطون الماء في الأرض ويزرعونها، ويستخرجون بذرها. بمقابلة العرب يقال: ذاك عربي وهذا نبطي، ولذلك قال الفقهاء: لو قال لعربي: يا نبطي كان قذفًا. وكان عمر يقول: ((تمعددوا ولا تستنبطوا)) أي تشبهوا بمعد لا بالنبط.

فصل النون والتاء

وفرس أنبط: أبيض ما تحت الإبط. ن ب ع: قوله تعالى: {ينابيع في الأرض} [الزمر:21] هو جمع ينبوع. والينبوع: العين التي يخرج منها الماء. ويقال: نبع ينبع نبعًا ونبوعًا، فهو نابع من الينبوع. وقال تعالى: {حتى تفجر لنا من الأرض ينبوعًا} [الإسراء:90] ووزنه يفعول من النبع. والنبع: شجر تتخذ منه القسي. ن ب و: قوله تعالى: {يا أيها النبي} [التوبة:73] قد تقدم في لفظ النبي قولان: أحدهما أنه من النبأ مهموز، والثاني أنه من نبا ينبو، أي ارتفع. قال بعضهم: هو من النبوة، أي الرفعة. سمي نبيًا لرفعة محله عن سائر الناس المدلول عليها بقوله: {ورفعناه مكانًا عليًا} [مريم:57]. وعن قتادة: ((ما كان رجل بالبصرة أعلم من حميد بن هلال، غير أن النباوة أضرت به)). النباوة والنبوة: الارتفاع. يقال: له نباوة ونبوة، أي رفعة وشرف. وقال غيره: النبي ما ارتفع من الأرض المرتفعة المحدودبة. وقيل: على الطرق. وسميت رسل الله أنبياء لكونهم طرقًا إلى الله. والنباوة أيضًا: موضع بالطائف. ومنه الحديث: ((وخطب يومًا بالنباوة من الطائف)). ونبا السيف من الضريبة: ارتد عنا. ونبا بصره عن كذا تشبيهًا بذلك. فصل النون والتاء ن ت ق: قوله تعالى: {وإذ نتقنا الجبل} [الأعراف:171]. نتق الشيء: جذبه ونزعه حتى

فصل النون والثاء

يسترخي، كنتق عرى الحمل. ومنه استعير: امرأة ناتق: جذا كثر ولدها. ومنه قيل: زند ناتق، أي وا تشبيهًا بذلك. أب عبيدة: زعزعناه واستخرجناه من مقره. وكل شيء قلعته ورميت به فقد إنتقته. ونتقت الشيء: نقضته. وهو يرجع إلى معنى الرمي. وقال غيره: نتقناه: رفعناه بدليل قوله {ورفعنا فوقكم الطور} [البقرة:63]. ابن الأعرابي: الناتق: الرافع، والناتق الباسط، والناتق: الفاتق. وامرأة ناتق ومنتاق: كثيرة الولد. القتيبي: أخذ ذلك من نتق السقاء، وهو نفضه حتى يقتلع الزبدة منه. قال: وقوله {وإذ نتقنا الجبل} كأنه قلع من أصله. ابن اليزيدي: نتق الجراب: نثر ما فيها. وفي حديث علي رضي الله تعالى عنه: ((البيت المعمور نتاق الكعبة من فوقها)) أي هو مطل عليها. قال القتيبي: هو من قوله: {وإذ نتقنا الجبل من فوقهم}. فصل النون والثاء ن ث ر: قوله تعالى: {وإذا الكواكب انتثرت} [الإنفطار:2] أي تفرقت ورمي بها من مقارها، ونثر الشيء: نشره. يقال: نثرته فانتثر، ويقال: نثر السكر نثرة، بالضم ونثر الماء نثرة بالكسر. وفي الحديث: ((إذا توضأت فانثر)) وفي آخر ((فاستنثر)) أي استنشق. وحقيقته اجعل الماء في أنفك. والأنف يقال له: نثرة. وقيل: هي طرفه. والنثرة أيضًا: نجم معروف، لأنه بمنزلة نجم آخر يقال له الأسد. ويقال للدرع إذا لبس: نثرة. وذلك لنشرها عند لبسها.

فصل النون والجيم

وفي الحديث: ((أيوافقكم العدو حلب شاة نثور؟)) أي غزيرة اللبن، كأنها تنثر اللبن. ونثرت: طرحت الأذى من أنفها. والنثرة أيضًا: ما يسيل من الأنف. وقد طعنه فأنثره، أي ألقاه علن نثرته، أي أنفه. والاستنثار: جعل الماء في نثرته. وفي حديث المجادلة، وهي حوله: ((فلما خلا سني، ونثرت له ذا بطني)) أرادت: كنت شابة ألد له. وفي حديث ابن عباس: ((الجراد نثرة الحوت)) أي، عطسته. وفي حديث أم زرع: ((ويميس في حلق النثرة)) أي، يتبختر في حلق الدرع. وهو ما لطف منها. فصل النون والجيم ن ج د: قوله: {وهديناه النجدين} [البلد:10] أي عرفناه طريقي الخير والشر كقوله تعالى: {إنا هديناه السبيل إما شاكرًا وإما كفورًا} [الإنسان:3] وأصل النجد المكان الغليظ المرتفع، وجمعها نجاد. فجعل طريق الخير والشر، وإن كانت معنوية بمنزلة الطريق الحسية. ومن ذلك نجد للمكان المرفوع، لأنه مرتفع عن التهائم. قال الشاعر: [من الطويل] 1595 - فإن تدعي نجدًا أدعه ومن به ... وإن تسألي نجدًا فيا حبذا نجد وقال مجاهد: النجدان هنا: الثديان. أي ألهمناه أن يلتقمهما فيرضع منهما. وقيل: بينا له طريق الحق والباطل في الاعتقاد، والصدق والكذب في المقال، والجميل والقبيح في الفعال.

والنجاد: حميلة السيف، وبها كني عن طول القامة. قولهم فلان رفيع العماد، طويل النجاد، كثير الرماد. قال الشاعر: [من الكامل] 1596 - قصرت حمائله عليه فقلصت ... ولقد تحفظ قينها فأطالها وفي حديث الشورى ((وكانت امرأة نجودًا)) أي ذات رأي. وفي حديث: ((إلا من أعطى في نجدتها ورسلها)). قال أبو عبيد: نجدتها: كثرة شحومها حتى تمتنع به أن ينحرها ضنًا بها، فكان ذلك بمنزلة السلاح لها. والنجدة: الإعانة. واستنجدته: طلبت نجدته فأنجدني، أي أعانني بنجدته. واستنجد فلان أي، قوي. وقيل للمكروب: منجد، كأنه نالته نجدة، أي شدة. ونجدة الدهر حنكه لكثرة نجادته. وقيل: معناه قواه وشدده، وذلك لما رأي فيه من التجربة. ومنه: هو ابن نجدة كذا. والنجاد: ما يرفع به البيت. والنجاد: متخذه. والنجاد أيضًا: ما يرفع به السيف من ستر ونحوه. والناجود: الراووق، شيء يعلق ويصفى به الشراب، وأنشد لعلقمة بن عبدة: [من البسيط] 1597 - ظلت ترقرق في الناجود يصفقها ... وليد أعجم بالكتان مغروم ورجل نجد ونجد ونجيد، أي: شجاع قوي لما فيه من النجدة، وأنشد للنابغة الذبياني: [من البسيط] 1598 - فهاب ضمران منه، حين يوزعه ... طعن المعارك، عند المحجر، النجد

ونجدت البيت: زينته بالفرش. ومنه الحديث: ((وعليها مناجد من ذهب))، قال أبو عبيد: هي الحلي المكلل بالفصوص. وقيل: هي قلائد من لؤلؤٍ وذهبٍ وقرنفلٍ، كأنها من نجاد السيف، الواحد منجد، بكسر الميم. وفي آخر: ((أنه عليه الصلاة والسلام أذن في قطع المنجدة)) يعني من الحرم. والمنجدة: عصا تساق بها الدابة. وسمي النجاد نجادًا لأنه يرفع الثياب بحشوها. وفي الحديث: ((وعلى أكتافها يعني الإبل مثل النواجد شحمًا)) أي طرائق الشحم. والواحد ناجدة، قيل ذلك لارتفاعها. ن ج س: قوله تعالى: {إنما المشركون نجس} [التوبة: 28] أي ذو نجس. وقيل: جعلهم نجسًا مبالغة. وقيل: النجس: كل مستقذر. فإذا قرن بقولهم: رجس وجب كسر فائه وسكون عينه ليسا قرينة. فيقال: هذا نجس رجس. قال بعضهم: النجاسة: القذارة، وهي ضربان: ضرب يدرك بالحاسة، وضرب يدرك بالبصيرة. وعلى الأول وصف الله المشركين بالنجس. وقيل: نجسه: جعله نجسًا، وعلى الثاني تنجيس العرب، وهو شيء كانوا يعلقونه على الصبي من عودة، ليدفعوا بها نجاسة الشيطان. والناجس والنجيس: داء لا دواء له. ويقال: نجس ينجس، ونجس ينجس. ن ج ل: قوله تعالى: {التوراة والإنجيل} [آل عمران: 3] والإنجيل: أحد الكتب الأربعة. المنزل على عيسى ابن مريم. وأكثره مواعظ وأمثال، وأحكامه قليلة جدًا، لأن عيسى جاء

مقررًا لأحكام التوراة إلا يسيرًا. واختلف الناس فيه هل له اشتاق أم لا؟ والظاهر لا اشتقاق له أنه أعجمي. ثم القائلون باشتقاقه اختلفوا؛ فقال بعضهم: سمي لاستخراجه من عند الله تعالى على يد عيسى عليه السلام. ومنه النجيل لخروجه من الأرض، ومنه قيل للولد: نجل. وأنشد: [من المنسرح] 1599 - أنجب أيام والديه به ... إذا نجلاه، فنعم ما نجلا ومنه الحديث: ((كان يطلب نجلها)) أي ولدها. ومنه قولهم: قبح الله ناجليه أي، والديه. وقال آخرون: من النجل، وهو الماء الذي ينز من الأرض، يعني أنه يشبه الماء الذي ينزه من وجهين: كونه مستخرجًا، وكونه يحيي به النفوس كما يحيي بالماء. ومنه حديث عائشة رضي الله تعالى عنها: ((وكان واديها يعني المدينة نجلًا يجري)). وقال آخرون: الإنجيل: كل كتاب مسطور وافر السطور، قاله شمر. فعلى هذا يكون علما بالغلبة. وقال بعضهم: هو من قولهم: نجل، أي علم. وأنشد لبلعاء بني قيس: [من الطويل] 1600 - وأنجل في ذاك الصنيع كما نجل أي اعمل واصنع. وفي الحديث: ((أناجيلهم في صدورهم)) يعني كتبهم. وذلك إشارة إلى أن أمة محمد صلى الله عليه وسلم يحفظون القرآن عن ظهر قلب، بخلاف غيرهم، فإنه لا يحفظ كتابهم إلا نبي واحد نادر. ولذلك لما أنكر العزيز قومه قال: دليلي أني أحفظ التوراة. وكان لا يحفظها إلا هو في قصةٍ مشهورةٍ. ن ج م: قوله تعالى: {والنجم والشجر يسجدان} [الرحمن: 6] قيل: النجم: ما لا ساق له كاليقظين والقثاء والبطيخ، والشجر ماله ساق. قوله: {والنجم إذا هوى}

[النجم: 1] قيل: أراد جنس كوكب فدل بالواحد على الجمع، وقيل: أراد كوكبًا بعينه وهو الثريا. وقد صار علمًا غالبًا عليها كالعيوق والدبران. ومنه قول العرب: [من مجزوء الرمل] 1601 - طلع النجم غذيه ... وابتغى الراعي شكيه قيل: وإنما نص الله تعالى على هوية دون طلوعه، لأن الطلوع قد فهم من نفس مادة النجم. يقال: نجم قرن الشاة، أي طلع. وقيل: أراد به القرآن، وبهويه نزوله على سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، لأن القرآن نزل نجومًا، أي مفرقًا كقوله: {وقرآنا فرقناه لتقرأ على الناس على مكث} [الإسراء:106]. ومنه نجوم الكتابة لأنها مفرقة في الإيتاء. قوله تعالى: {وبالنجم هم يهتدون} [النحل: 16] قيل: أراد به نجمًا بعينه كالنجم والفرقدين والثريا ونحوهما، مما يستدل به على المسير لجهة خاصة. ويجور أن يريد به جنس النجوم، فصار النجم يطلق على الكوكب تارة وعلى المصدر أخرى، إما بطريق الاشتراك، وإما بطريق التسمية بالمصدر. وكذا لفظ النجوم يطلق على جمع النجم تارة وعلى المصدر أخرى، ثم شبه طلوع النبات والرأي بطلوع الكوكب فقيل: نجم النبات، والنبات نفسه نجم كما مر، وإن اختص بنوع من النبات مما لا ساق له. ونجم له رأي، أي طلع وظهر. وقيل هذا في قوله {فنظر نظرة في النجوم} [الصافات: 88] أي فيما نجم له من الرأي. وليس بظاهر، بل معناه انه وري لهم بذلك. وذلك أن القوم كانوا يقولون بعلم النجوم، فقال لهم: إني نظرت في علم النجوم وظهر لي أني سأسقم. وقصد بذلك التخلف في البيوت يوم عيدهم، ليفعل ما فعل من حطم الأصنام كما في القصة المشهورة. ويجوز أن يريد في النجم الفلاني، فدلني على قسمي أي على زعمكم. وإلا فأنبياء الله مبرؤون من ذلك، لا سيما خليل الرحمن. ونجمت المال على فلان: فرقته عليه في الأداء. وأصله أن يفرض قسطًا عند طلوع النجم الفلاني مثلا، ثم صار مطلقًا في كل تفريق وإن لم يكن بطلوع نجمٍ. قوله: {فلا أقسم بمواقع النجوم} [الواقعة: 75] فسر بنجوم القرآن وبالكواكب.

ويؤيد الأول قوله: {وإنه لقسم لو تعلمون عظيم إنه لقرآن كريم} [الواقعة: 76 - 77]. ن ج و: قوله تعالى: {وأنجينا الذين آمنوا} [النمل: 53] أي خلصناهم وأصل النجاة الانفصال من الشيء والتقصي منه. وذلك أن النجاة في الأصل المكان المرتفع، لأنه خلص عما حواليه من الأمكنة. وقيل: لأنه نجا من السيل. والناجي كأنه حل في ذلك المكان، ثم أطلق على كل خلاص. قوله تعالى: {فاليوم ننجيك ببدنك} [يونس: 92] أي نلقيك على نجوة من الأرض ليراك الناس فيعرفوك. وذلك أنه لما أغرق الله فرعون وملأه، قال بنو إسرائيل: لم يغرق فرعون. فسأل موسي ربه، فلفظ البحر من جوفه على ربوة من الأرض، وعليه درعه المعروفة. وهي التي عنى بها الباري تعالى في قوله {ببدنك} أي عريانا مجردا من ثيابك ليعرفك الخاص والعام. ونجيته وأنجيته لغتان، وقد قرئتا. والتنجية: الإزالة. ومنه قشر الشجرة وجلد الشاة: سلخته. وأنشد قول الشاعر: [من الطويل] 1602 - فقلت: انجوا عنها نجا الجلد إنه ... سيرضيكما منها سنام وغاربه قوله تعالى: {وتناجوا بالبر والتقوى} [المجادلة: 9] التناجي: المسرة. وناجيت فلانا: ساورته. وأله أن تخلو به في نجوة من الأرض لتفشي سرك. وقيل: من النجاة، لأنه قد قد يعاونك فتخلص من الهم. وقيل: لنجاتك بسرك من أن يطلع عليه أحد. قوله: {ما يكون من نجوي ثلاثة} [المجادلة: 7] يجوز أن يكون النجوى مصدرا مضافا لفاعله، وهو ثلاثة، وأن يكون مرادا به الأشخاص، ويكون ((ثلاثةٍ)) بدلًا

منها حسبما بيناه في غير هذا الموضع. ويدل للثاني {وإذ هم نجوى} [الإسراء: 47] أي متناجون. وللقائل بالأول أن يقدر ((وإذ هم نجوى)). قوله تعالى: {وأسروا النجوى الذين ظلموا} [الأنبياء: 3] النجوى هنا مصدر فقط. وقد فسرت بقوله تعالى: {هل هذا إلا بشر مثلكم} الآية. وإنما قال تعالى: {وأسروا} مع لفظ {النجوى} منبهة أنهم لم يظهروا ذلك بوجه من الوجوه، لأن النجوى ربما تظهر. فبالغوا بإخفائها، فلله در فصاحة القرآن! قوله: {وقربناه نجيا} [مريم: 52] أي: مناجيا لربه، أي مناجى من ربه حسبما شرحه في قوله تعالى: {وكلم الله موسي تكليما}. فنجي فعيل إما بمعنى فاعل أو بمعنى مفعول ويقع وصفا للفاعل كما مر، وللجمع كقوله تعالى: {خلصوا نجيا} [يوسف: 80] أي متناجين يتسارون فيما يفعلونه ويقولونه لأبيهم. ومعنى خلصوا أي انفردوا عن كل أحدٍ. ولا نجد لمحض الرأي واستخراج زبدته أعوز من الخلوة وقلة اللفظ. وانتجيت زيدًا: استخلصته لسري. وأنجي فلان: وأنجي فلان: أتى نجوة وهم في أرضٍ نجاةٍ، أي في أرضٍ مستنجى من شجرها العصى والقسي. والنجا عند الرب: عيدان قد قشرته. وقال بعضهم: نجوت فلانا: استنكهته، واحتج بقول الشاعر: [من الوافر] 1603 - نجوت مجالدا فوجدت منه ... كريح الكلب، مات حديث عهد وكأن هذا القائل إنما أخذ ذلك من أجل هذا البيت فليس في البيت حجة. وإنما أراد أني ساررته فوجدت من بخره ريح الكلب الميت. وكنى بالنجو عن الأذى الخارج. ومنه شرب دواء فما أنجاه، أي لم يفده. والاستنجاء: قطع النجو وإزالته. وأصل ذلك من النجوة: الأرض المرتفعة التي تقضي بها الحاجة، كما كنى بالغائط عن ذلك، وهو المكان المطمئن الذي يؤتى لقضاء الحاجه. وقيل: معني استنجى طلب نجوة أي

فصل النون والحاء

قطعة مدر لإزالته الأذى، كقولهم: إستجمر، أي طلب جمارًا، أي طلب أحجارًا. وأما النجاة، بالهمزة، فالإصابة بالعين، ومنه الحديث: ((ردوا نجاة السائل باللقمة)). قوله: {خلصوا نجيًا} قد تقدم أنه بمعى متناجين، وأنه وف على فعيل. قال الهروي: هو مصدر كالصهيل والسهيق، يقع على الواحد والجماعة نحو: رجل عدل. ومنه {خلصوا نجيا}. وأنشد لوقوعه على الجمع قول جرير: [من الكامل] 1604 - يعلو النجي إذا النجي أضجهم ... أمر تضيق به الصدور، جليل قلت: وجه الشاهد عود ضمير جماعة الذكور في قوله: أضجهم، على لفظ النجي. ثم حكى عن الأزهري أن نجيا جمع أنجية، وكذلك قوله: {نجوى}. قال: وقيل: نجى جمع ناج نحو: ناد وندي لأهل المجلس، وعار وعري وحاج وحجيج. وفيما قاله نظر، ليس هذا موضعه. وفي الحديث ((أتوك على نواج)) وهو جمع ناجيه، يعني إبلا مسرعات. يقال: نجوت نجا أنجو أي أسرعت. وفي الحديث أيضًا: ((إذا سافرتم في الجدب فاستنجوا)) أي أسرعوا. وفي آخر ((وإني لفي عذق أنجي منه رطبا))، وفي رواية ((استنجي)) ومعناها: التقط. واستنجيت النخلة: لقطتها. وقد ادخل الهروي لفظ نجي في مادة (ن ج و) بعد ما ذكره في مادة (ن ج و) والصواب ذكره في ذوات الواو. والله أعلم. فصل النون والحاء ن ح ب: قوله تعالى: {فمنهم من قضي نحبه} [الأحزاب: 23] أي قضي نذره، كأنه ألزم

نفسه أن يموت فوفي بنذره. وفي الحديث: ((طلحة ممن قضي نحبه)). وذلك أنه وعد أن يصدق أعداء الله في القتال فوفي بذلك. وتعبيرهم بذلك عن الموت كالتعبير عنه: قضي أجله، واستوفى أكله، وقضي من الدنيا وطره. والنحاب: السعال. والنحيب: البكاء معه صوت. وتناحب القوم: تواعدوا القتال وغيره. وتناحبوا: تراهنوا. وتناحبوا: تفاخروا. وتناحبوا: تنافروا لمن يحكم بينهم. ومنه قول طلحة لابن عباس: ((أناحبك وترفع النبي صلي الله عليه وسلم؟)) وفي الحديث ((لو يعلم الناس ما في الصف الأول لاقتتلوا عليه، وما تقدموا إلا بنحبة)) أي بقرعة. والتناحب: القمار لما فيه من المساهمة. ن ح ت: قوله تعالى: {وتنحتون منة الجبال بيوتا} [الأعراف: 74] النحت: الأخذ من الشيء لتجعله على صورة مخصوصة، كنحت النحيت والصنم والبيت من خشب وحجر ونحوهما. ويكون في الأجسام الصلبة المحتملة لذلك. وقد يتجوز به في غيرها. ومنه قول النحاة في باب النسب، مسألة النحت وهو أن يأخذوا من مجموع اسمين لفظًا، ينحتونه ثم ينسبونه إليه، كقولهم في النسب إلى امرئ القيس: مرقسي، وإلى عبد القيس: عبقسي، وإلى عبد شمس: عبشمي. وأنشدوا: [من الطويل] 1605 - وتضحك مني شيخه عبشمية ... كأن لم ترى قبلي أسيرًا يمانيا وفي هذا البيت أربعة شواهد لمسائل نحوية، بيناها في غير هذا الموضع. والنحاتة: مايسقط من الشيء المنحوت. والنحيت: الشيء المنحوت. والنحيتة: الطبيعة التي جبل عليها الآدمي، وطبع عليها كأنه نحت عليها، كما أن الغريزة ما غرز عليها الإنسان. وهو مجاز عن اتخاذه وخلقه كذلك.

ن ح ر: قوله تعالى: {فصل لربك وانحر} [الكوثر: 2] قيل: المراد انحر الضحايا. والنحر: قطع الشيء المنحور، وأصله من نحرت، أي أصبت نحره، نحو ركبته، أي أصبت ركبته، والنحر في الإبل غالبًا، والذبح في البقر والغنم. وقرأ عبد الله بن مسعود ((فنحروها)) موضع {فذبحوها} [البقرة: 71]، وهو تفسير ودفع توهم من يتوهم خلاف ذلك. وقيل: ((انحر)) اجعل يديك على صدرك تحت نحرك في الصلاة. وقيل: ((انحر)) انتصب بنحرك. قال المبرد: أراد القبلة، فإذا انتصب الإنسان في صلاته فنهد قيل: قد نحر. قال بعضهم: حث على مراعاة هذين الركنين، وهما الصلاة ونحر الهدي. فإنه لا بد من تعاطيهما. فذلك واجب في كل ملة. وهذا عند من يرى وجوب الأضحية أو الإهداء على البيت. وقيل: معناه حث الإنسان على قتل نفسه بقمعها عن شهواتها، فذلك نحرها. فهو تفسير صوفي. والنحر من الآدمي موضع القلادة، وتفرته: الفرجة بين العظمتين. والنحرير: الحاذق بالشيء العالم به. ومنه الحديث: ((وكلت الفتنة بثلاثة: بالحاد النحرير)) أي الفطن الحاذق، كأنه ينحر نفسه اجتهادا فيما يعانيه. وانتحروا على كذا: تقاتلوا، تشبيها بنحر البعير، ونحرة الشهر ونحيره: أوله. وقيل: آخر يوم منه، كأنه ينحر الذي قبله. وأنشد بعضهم: [من البسيط] 1606 - كم عاقل أعيت مذاهبه ... وجاهل جاهل تلقاه مرزوقا هذا الذي ترك الأوهام حائرة ... وصير العالم النحرير زنديقا والنحرير بكسر الفاء، وفتحها خطأ. ويقال: نحرير بينة النحريرة. فالنحريرة اسم للمدر. ن ح س: قوله تعالى: {في يوم نحس مستمر} [القمر: 19] أي مشؤوم. وكذا قوله {في

أيامٍ نحسات} [فصلت: 16] إلا أنه لم يقرأ {في يومٍ نحسٍ} إلا بالإضافة وسكون العين، ولم يقرأ {في أيام نحسات} إلا بالتنوين والوفية مع سكون العين وكسرها. والمقتضى لذلك أنه وصف الأيام بكونها مشؤومات في أنفسها. لما حل فيها من الشوم. وأما قوله {في يوم نحس} فالمراد إضافة الزمان إلى العذاب الموصوف بالنحس. والنحس ضد السعد. فإن قيل: كيف قيل في موضع {في يوم نحس} وفي آخر {في أيام نحسات} فأفرد هنا وجمع هناك وأضاف الزمان هنا ووصفه بالنحس هناك؟ ولم تخصص كل موضع بذلك؟ ولم التزم سكون العين مع الإفراد وقرئ بالوجهين مع الجمع من أن القصة واحدة والمرسل نبي واحد وهو الريح الصرصر؟ الجواب على سبيل الاختصار إنه لما لم يذكر العذاب في سورة القمر ناسب إضافته إليه تقديرا، وأن المقام في {فصلت} يقتضي التهويل على قريش فناسب الجمع. وأما السكون والكسر فلغتان مشهورتان؛ يقال: يوم نحس ونحس؛ بالسكون والكسر. قوله: {يرسل عليكما شواظ من نار ونحاس} بالرحمن: 35 ي بالرفع عطف على شواظ وبالجر عطف على النار. وقد حققنا ذلك في غير هذا الموضع. وقال بعضهم: وأصل النحس أن يحمر الأفق فيصير كالنحاس، أي لهب بلا دخان، فصار ذلك مثلا للشؤم، من حيث إن تلك الحالة تدل على جدب الزمان وقحطه. والظاهر أن النحاس هو الدخان. يدل على ذلك قول الجعدي: [من المتقارب] 1607 - يضيء كضوء سراج السليـ ... ـط لم يجعل الله فيه نحاسا

أي دخانًا. ن ح ل: قوله: {وأوحي ربك إلى النحل} [النحل: 68] هذا الذباب المعروف. والواحد نحلة. والنحلة تقع على الذكر والأنثى نحو حمامةٍ ونملةٍ ونحامة. وإنما يعرف التذكير والتأنيث بالوصف، فيقال: نحلة ذكر ونحلة أنثى. قوله تعالى: {وآتوا النساء صدقاتهن نحلة} [النساء: 4] أي عطية هينة لا تعب فيها من مخاصمة ونحوها. واشتقاقها مما يخرجه النحل من العسل، أي أعطوهن إياه حلوا سهلا، على الاستعارة. وقال ابن عرفة: أي دينًا انتحلوا ذلك. يقال: ما نحلتك؟ أي دينك. وكأن الرجل في الجاهلية إذا زوج مولاته أخذ لنفسه جعلًا يسمى الحلوان والنافجة، فنهي الله تعالى عن ذلك وأمر بإيتاء الصدقة للنساء. ويقال: نحله وأنحله بمعنى. وكذا النحلة أيضا، بالفتح. قال الراغب: النحلة والنحلة يعني بفتح النون وكسرها: العطية على سبيل التبرع. وهو أخص من الهبة. قال: واشتقاقه فيما أرى من النحل، نظرا منه إلى فعله، فكأن نحلته: أعطيته عطية النحل. وذلك ما نبه عليه قوله تعالى: {وأوحى ربك على النحل}. وقد بينه الحكماء وقالوا: إن النحل يقع على الأشياء كلها فلا يضرها بوجه، وينفع أعظم نفع. فإنه يعطيهم ما هو الشفاء كما وصفه تعالى: قال: وسمي الصداق بها من حيث إنه لا يجب في مقابلته أكثر من تمتع دون عوض مالي. وكذا عطية الرجل ابنه. نحله كذا وأنحله، ومنه نحلت المرأة. والانتحال: افتعال منه. وهو إدعاء الشيء ومنه انتحل شعر فلان. وانشد: [من المتقارب] 1508 - فكيف أنا وانتحالي القوا ونحل جسمه نحولًا، أي أشبه النحلة في الدقة. والنواحل: سيوف رقاق الظبات من ذلك عل التوسع. قال: ويصخ أن تكون النحلة أصلًا، فسمي النحل بذلك اعتباراً

فصل النون والخاء

بفعله. وأيضًا لاشتقاق النحل الذي هو الذباب المعروف، لما في فعله من إعطاء العسل الحكم الإلهي. ويجوز أن يكون بالعكس كما تقدم تحريره. ن ح ن: قوله تعالى: {وإنا نحن نحيي ونميت} [الحجر: 23] نحن ضمير مرفوع منفصل يكون للمتكلم، ومعه غيره كقوله حكاية عن قوم بلقيس: {نحن أولو قوةٍ} [النمل: 33] ويكون للمعظم نفسه كقوله: {إنا نحن نزلنا الذكر} [الحجر: 9] {إنا نحن نحيي ونميت} إلى غير ذلك. قال الراغب: وما ورد في القرآن من إخبار الله عن نفسه بقوله: {نحن} فقد قيل: هو إخبار عن نفسه وحده، لكن يخرج ذلك مخرج الإخبار الملوكي. وقال بعض العلماء: إن الله تعالى يذكر مثل هذه الألفاظ، إذا كان الفعل المذكور بعده يفعل بواسطة بعض ملائكته أو بعض أولياته. فيكون ((نحن)) عبارًة عنه تعالى وعنهم، وذلك كالوحي ونصرة المؤمنين وإهلاك الكافرين. ونحو ذلك. وقوله تعالى: {ونحن أقرب إليه منكم} [الواقعة: 85] يعني وقت المحتضر حين يشهده الرسل المذكورون. في قوله: {توفاهم [الملائكة]} [النساء: 97] وقوله {إنا نحن نزلنا الذكر} فما كان ذلك بواسطة القلم واللوح وجبريل كالوحي ونصرة المؤمنين وإهلاك الكافرين، ونحو ذلك مما تتولاه الملائكة المذكورون بقوله: {فالمدبرات أمرًا فالمقسمات أمرًا} [الذاريات: 4]. فصل النون والخاء ن خ ر: قوله تعالى: {كنا عظامًا نخرة} [النازعات: 11] أي بالية. من قولهم: نخرت الشجرة، أي بليت حتى سمع فيها نخير الريح، أي صوتها. يقال: نخر ينخر نخرًا ونخيرًا، فهو نخر، أي بلي ورم. وقد قرئ {ناخرًة} وذلك نحو: حذر وحاذر. وقد قرئ

للجميع: {حذرون، وحاذرون} [الشعراء: 56]. ولكن فعل أبلغ من فاعل. وقيل: ناخرة بمعنى فارغةٍ، يجيء منها عند هبوب الريح كالنخير. والنخير. والنخير: صوت من الأنف. ويقال لمقدم الأنف: نخرة، ولخرقيه: نخرتاه ومنخراه. وقيل: المنخران: ثقبان. وأنشد: [من الطويل] 1609 - إذا سد منها منخر جاش منخر ((وقد اتى عمر رضي الله تعالى عنه بسكران في رمضان، فقال: للمنخرين)). دعا عليه بأن يكبه الله لمنخريه، كقولهم: 1610 - لليدين والفم والناخر: ما يخرج منه النخير، والناخر أيضًا: الناقة التي لا تدر. وقيل: التي يدخل الإصبع في منخرها. والناخرة أيضًا: جماعة الخيل. واحدتها ناخر. قال المبرد في تفسير حديث عمرو بن العاص: ((وأنت على أكرم ناخرةٍ)) كما يقال: رجل حمار وبغال ولجماعته: حمارة وبغالة. يعني أن التاء أفادت الجمع. وفيه نظر. ولما دخل الوفد من قريش على النجاشي قال لهم: ((نخروا)). جاء مفسرًا في الحديث: أي تكلموا. وهو مأخوذ من النخير، وهو الصوت. ن خ ل: قوله تعالى: {والنخل} [ق: 10] النخل معروف. وهو اسم جنسٍ يفرق بين واحده وجمعه بالتاء. ويذكر ويؤنث. فمن التذكير قوله {أعجاز نخلٍ منقعرٍ} [القمر: 20] ومن التأنيث {أعجاز نخلٍ خاويةٍ} [الحاقة: 7] ويجمع على نخيلٍ أيضًا. ولكرمها عندهم اشتقوا من لفظها ما يدل على اصطفاء الشيء. يقال: نخلت

فصل النون والدال

الشيء وانتخلته. ومنه: نخل الدقيق. والمنخل: الآلة التي ينخل بها. وقد شذ ضم ميمه، والقياس كسرها وفتح عينه كمنجل. وله أخوات كالمسعط والمدق. وانتخلت الشيء: انتقيته، وأخذت خياره. وفي الحديث: ((لا يقبل الله إلا الناخلة)) أي الخالصة من كل شيء. وفيه أيضًا: ((لا يقبل الله إلا نخائل القلوب)) أي النيات الخالصة. ونخلت له النصيحة أي أخلصت له. وأنشد: [من الكامل] 1611 - نخلت له نفسي النصيحة إنه ... عند الشدائد تذهب الأحقاد فصل النون والدال ن د د: قوله تعالى: {فلا تجعلوا لله أندادًا} [البقرة: 22] الأنداد جمع ند. وهو المثل المناوئ. وقال بعضهم: الند أخص من المثل. قال: فإن الند هو المشارك للشيء في جوهره، وذلك ضرب من المماثلة؛ فإن المثل يقال في أي مشاركةٍ كانت. وكل ند مثل، وليس كل مثلٍ ندًا. وقيل: لا يقال إلا للمثل المخالف المناوئ. وأنشد لجريرٍ: [من الوافر] 1612 - أتيم تجعلون إلي ندًا ... وهل تيم لذي حسبٍ نديد؟ يقال: ند ونديد ونديدة، على المبالغة وأنشد للبيد: [من الطويل] 1613 - لكيما يكون السندري نديدتي ... وأجعل أقوامًأ عمومًا عماما وقيل: هو بمعنى المثل من غير عمومٍ ولا خصوصٍ. وأنشد لحسان: [من الوافر]

1614 - أتهجوه ولست له بند؟ ... فشركما لخير كما الفداء وقال آخر: [من الرمل] 1615 - نحمد الله، ولا ند له ... عنده الخير، وما شاء فعل وهذا أولى، لأن المطلوب النهي عن أن يجعل لله تعالى مثلاً على الإطلاق، لأنه لا يلزم من النهي عن الأخص النهي عن الأعمم. وقيل: أندادًا: نظراء، وقيل: أضداد، قاله أبو عبيدة. وقال غيره: ليس كذلك، بدليل قولهم: ليس لله ند ولا ضد. وقالوا في تفسيره: إنه نفى ما يسده مسده، ونفى ما ينافيه، فدل على أنهما غيران. وناددت الرجل: خالفته ونافرته. ومنه: ند البعير ندودًا. والند، بالفتح: المرتفع من التلال، وهو ضرب من الطيب أيضًا، ليس بعربي الأصل. وقرئ {يوم التناد} [غافر: 32] بتشديد الدال، أي الفرار والتنافر. وهو كقوله في موضع آخر: {يوم يفر المرء من أخيه} [عبس: 34] {إذ تبرأ الذين اتبعوا من الذين اتبعوا} [البقرة: 166] {الأخلاء يومئذٍ بعضهم لبعضٍ عدو} [الزخرف: 67] ونحو ذلك من الآية الكريمة. ن د م: قوله تعالى: {فأصبح من النادمين} [المائدة: 31] الندم والندامة: التحسر من تغير أمرٍ في رأيٍ فائتٍ. قيل: وأصله: من منادمة الحزن له، أي من مداومتها ومقارنتها، من المنادمة على الشراب. ومنه قيل: نديم وندمان ومنادم، لمن يداوم معك على الشراب. وندمانا جذيمة المضروب بهما المثل رجلان يقال لهما: مالك وعقيل، نادما الوضاح دهرًا طويلاً، فضرب بصفاء عيشهما المثل. قال الشاعر: [من الطويل]

1616 - ألم تعلمي أن قد تفرق قلبنا ... خليلا صفاءٍ: مالك وعقيل؟ ولما مات سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم تمثلت فاطمة الزهراء رضي الله تعالى عنها بقول متمم بن نويرة يرثي أخاه مالكًا: [من الطويل] 1617 - وكنا كندماني جذيمة، حقبة ... من الدهر، حتى قيل: لن يتصدعا فلما تفرقنا كأني ومالكًا ... لطول اجتماعٍ، لم نبت ليلةً معًا وقوله، عليه الصلاة والسلام {الندم توبة} أي معظمها الندم، لأن لها ركنًا آخر. وقوله تعالى: {وأسروا الندامة} [يونس: 54] أي لم يظهروا تلهفهم على ما فرطوا، خوفًا من شماتة الأعداء، نظرًا إلى قوله: [من الكامل] 1618 - والموت دون شماتة الأعداء ن د ي: قوله تعالى: {يوم ينادي المنادي} [ق: 41] قيل: هو إسرافيل ينادي بصوتٍ عظيمٍ يسمعه كل أحدٍ: أيتها الأجسام البالية، والعظام الناخرة، قوموا لحساب رب العالمين. والنداء في الأصل: رفع الصوت بطلب من ينادي. وله حروف مخصوصة مذكورة في كتب العربية. وقد يقال: النداء، للصوت المجرد. ومنه قوله تعالى: {إلا دعاء ونداءً} [البقرة: 171] أي لا يعرف إلا الصوت المجرد، دون المعنى الذي يقتضيه تركيب الكلام. قوله: {إذ نادى ربه نداءً خفيًا} [مريم: 3] أي دعاه واستغاث به. وإنما أخفاه، لأن إخفاء الدعاء مطلوب لبعده عن الشوائب. وقيل: إنما أخبر عنه بالنداء منبهة على أن الداعي استقصر نفسه، وهضمها تواضعًا لربه تعالى. والأنبياء عليهم الصلاة والسلام أعرف بمقام الحق وأخوف الناس منه مع أنهم أقربهم إليه. وعبر الراغب هنا بعبارةٍ سيئةٍ،

لا يليق ذكرها على الأنبياء. قوله: {وإذا ناديتم إلى الصلاة} [المائدة: 58] أي دعوتم إليها، إشارةً إلى الأذان والإقامة. قوله: {ربنا إننا سمعنا مناديًا ينادي للإيمان} [آل عمران: 193] هو الرسول. وقيل: القرآن، وقيل: كل رسولٍ وكل كتابٍ منزلٍ. وقال الراغب: أشار بالمنادي إلى العقل والكتاب والمنزل والرسول المرسل وسائر الآيات الدالة على وجوب الإيمان بالله. قال: وجعله مناديًا للإيمان، لظهوره ظهور النداء وحثه على ذلك كحث المنادي. قال: وأصل النداء، من الندى، أي الرطوبة. يقال: ثوب ندٍ، أي رفيع. واستعارة النداء للصوت من حيث إن من تكثر رطوبة فمه حسن كلامه. ولهذا يوصف الفصيح بكثرة الريق. يقال: ندى وأندية وذلك كتسمية المسبب باسم السبب. وقول الشاعر: [من الرجز] 1619 - كالكرم إذ نادى من الكافور أي: ظهر ظهور صوت المنادي. قال: وعبر عن المجالسة بالنادي، حتى قيل للمجلس: النادي والمنتدى والندي. وقيل ذلك للجليس. قال تعالى: {فليدع ناديه} [العلق: 17] قلت: يجوز أن يكون قد عبر عن اهل النادي بالنادي مجازًا، إطلاقًا لاسم المحل على الحال، كقول مهلهلٍ في أخيه: [من الكامل] 1620 - نبئت أنه النار بعدك أوقدت ... واستب بعدك، يا كليب، المجلس وقيل: على حذف مضافٍ، أي أهل ناديه، وأهل المجلس، وقوله: {أولئك ينادون من مكانٍ بعيدٍ} [فصلت: 44] قيل: استعمال النداء فيهم تنبيه على بعدهم عن الحق في قوله {يوم ينادي المنادي من مكانٍ قريبٍ} [ق: 41]

فصل النون والذال

قوله تعالى: {يوم التناد} [غافر: 32] هو يوم القيامة. قيل له ذلك، نظرًا إلى قوله: {ونادى أصحاب الجنة أصحاب النار} [الأعراف: 44] {ونادى أصحاب الأعراف} [الأعراف: 48]. وقيل: لأن كل واحد يدعى ليحاسب. ومنه قوله تعالى: {يوم ندعو كل أناسٍ بإمامهم} [الإسراء: 71]. وقرئ بتشديد الدال، وقد تقدم. وفي الحديث: ((إنه أندى صوتًا منك)) أي أرفع. وأنشد: [من الوافر] 1621 - فقلت: ادعي وأدع، فإن أندى ... لصوتٍ أن ينادي داعيان ويعبر عن السخاء بالندى، فيقال: فلان أندى كفًا. وأنشد: [من الطويل] 1622 - سريع إلى ابن العم، يلطم وجهه ... وليس إلى داعي الندى بسريع وفلان يتندى على أصحابه. وما نديت من فلانٍ بشيءٍ، أي ما نلت منه ندى. ومنه الحديث: ((من لقي الله ولم يتند من الدم الحرام بشيءٍ دخل الجنة)) أي لم يصب شيئًا من ذلك. ويسمى المكان المجتمع للمشاورة ندوة. ومنه دار الندوة بمكة، وهي مادة أخرى. وقد ذكرها الراغب والهروي في هذه المادة، وكأنه على سبيل الاستطراد. فصل النون والذال ن ذ ر: قوله تعالى: {أأنذرتهم} [البقرة] أي أأعلمتهم إعلامًا بتخويف؟ فهو أخص من الإعلام، إذ كل إنذارٍ إعلام، من غير عكس. وهو يتعدى باثنين لنفسه فقال {إنا

أنذرناكم عذابًا قريبًا} [النبأ: 40] {فقل: أنذرتكم صاعقة} [فصلت: 13]. فالمفعول الثاني يجوز أن يكون محذوفًا، أي أأنذرتهم العقاب أم لم تنذرهم إياه. والظاهر أنه غير مرادٍ فحذفه اقتصادًا لا اختصارًا، نحو: {كلوا واشربوا} [البقرة: 60]. قال ابن عرفة: الإنذار الإعلام بالشيء الذي يحذر منه. وكل منذرٍ معلم. وليس كل معلمٍ منذرًا. وهنا موافق لما قلناه؛ يقال: أنذرته فنذر ينذر. قوله {وجاءكم النذير} [فاطر: 37] هو الرسول؛ فعيل بمعنى مفعل. وقيل: هو الشيب. وقيل: القرآن. ويكون النذير أيضًا بمعنى الإنذار، فيكون اسمًا ووصفًا. ومنه قوله تعالى: {كيف نذير} [الملك: 17] أي إنذاري. قوله: {وما تغني الآيات والنذر} [يونس: 101] جمع نذيرٍ نحو رغيفٍ ورغفٍ. والمراد به المصدر. وجمعٍ لاختلاف أنواعه. قال الراغب: والنذير: المنذر؛ ويقع على كل شيءٍ فيه إنذار، إنسانًا كان أو غيره. وجمعه النذر. وقوله تعالى: {هذا نذير من النذر الأولى} [النجم: 56] أي من جنس ما أنذر به الذين تقدموا. قوله تعالى: {عذرًا أو نذرًا} [المرسلات: 6] أي للإعذار أو للإنذار. فهو اسم مصدر، ثم يجوز أن يكون أصلاً بنفسه، وأن يكون مخففًا بضمتين. قول: {لتنذر قومًا ما أنذر آباؤهم} [يس: 6] يجوز في ((ما)) أن تكون نافية، وهو الظاهر؛ أي لم يشاهد آباؤهم نبيًا. واستدل عليه بقوله: {وما أرسلنا إليهم قبلك من نذيرٍ} [سبأ: 44]. قال الهروي: وفيه نظر، ويجوز أن تكون مصدرية، أي لتنذر قومًا بمثل ما أنذر آباؤهم. فيكون آباؤهم منذرين أيضًا. ويجوز أن تكون بمعنى الذي. قوله تعالى: {يوفون بالنذر} [الإنسان: 7] النذر: ما يلتزمه الإنسان من صدقةٍ أو فعل عبادةٍ. ومنه قوله تعالى: {إني نذرت للرحمن صومًا} [مريم: 26]. وقال ابن عرفة: لو قال قائل: على أن أتصدق بدينارٍ، لم يكن ناذرًا، ولو قال: على إن شفى الله مريضي، أو رد غائبي صدقة دينارٍ، كان ناذرًا. فالنذر: ما كان وعدًا على شرطه، فكل

فصل النون والزاي

ناذرٍ واعد. وليس كل واعدٍ ناذرًا. وهذا إن كان من حيث اللغة فليس كذلك، إذ النذر التزام، وإن كان شرعًا فكذلك. وإنما هو قسمان: نذر لجاجٍ ونذر تبررٍ، سواء وجدت فيه أداة شرطٍ أم لا. قال الراغب: النذر أن توجب على نفسك ما ليس بواجبٍ لحدوث أمرٍ. يقال: نذرت لله نذرًا. وفي الحديث: ((أن عمر وعثمان قضيا في الملطاة بنصف نذر الموضحة)). النذر: أرش الجراحة بلغة الحجاز. ويقال: نذر ينذر وينذر، بكسر عين المضارع وضمها. ولا منافاة بين قوله تعالى {يوفون بالنذر} وبين قوله عليه الصلاة والسلام: ((النذر لا يأتي بخيرٍ)) وإنما يستخرج به من مال البخيل)) لأن الله تعالى أخبر عنهم أنهم إذا التزموا شيئًا وفوا به، يعني إن صدر ذلك منهم لم يفرطوا فيه، وليس فيه مدحهم بفعلهم النذر بل بوفائه. والحديث النبوي إنما هو في النذر لا في وفائه. فاختلفت الجهات. وقيل: النذر الذي في الآية نذر التبرر والذي في الحديث نذر اللجاج والغضب. فصل النون والزاي ن ز ع: قوله تعالى: {ونزعنا ما في صدورهم من غلٍ} [الأعراف: 43] أي أزلنا وشفينا صدورهم من ذلك. وأصل النزع جذب الأشياء من مقارها بقوةٍ. وحقيقته في الأجرام، هو نزع القوس عن كبده: {ونزعنا من كل أمةٍ شهيدًا} [القصص: 75] ثم يستعمل في المعاني مجازًا نحو {ونزعنا ما في صدورهم من غل}. وقوله تعالى: {والنازعات} [النازعات: 1] أي الملائكة التي تنزع الأرواح عن الأشباح. قيل: تنزع أرواح الكفرة إغراقًا، ((فغرقًا)) مصدر على حذف الزوائد، كما يغرق النازع في القوس. وقيل: المراد بالنازعا غرقا القسي. {والناشطات نشطًا} [النازعات: 2] الإرهاق. قوله: {ونزع يده} [الأعراف: 108] أي أخرجها بسرعةٍ. قوله: {فلا ينازعنك} [الحج: 67] المنازعة: المجادلة، لأن كلاً من المتجادلين ينزع صاحبه

ينازعنك} [الحج: 67] المنازعة: المجادلة، لأن كلاً من المتجادلين ينزع صاحبه عن غرضه. وقيل: معناه: لا ينازعهم. قال أبو منصورٍ: وكذا كل فعلٍ يكون من اثنين، بخلاف لا يضربنك فلان. وقوله: {يتنازعون} [الطور: 23] أي يتعاطون، وتناقل بعضهم بعضًا، كأن كلاً منهم ينزع الكأس من صاحبه. ونزع فلان إلى كذا، أي مال وذهب إليه معتقدًا له. ونزع عن كذا: كف عنه. ونازعته نفسه: أمرته وترددت في طلب شيءٍ، قال الشاعر: [من الوافر] 1623 - ولي نفس أقول لها إذا ما ... تنازعني: لعلي أو عساني والنزوع: شدة الاشتياق. والنزعتان: بياض يكتتف الناصية؛ يقال: رجل أنزع، ولا يقال: امرأة نزعاء بل زعراء. وبئر نزوع: قريبة القعر يتناول منها باليد. وفي الحديث: ((لقد رأيتني أنزع على قليب)) أي أستقي. قال الشاعر: [من الرجز] 1624 - مالي إذا أنزعها صائت ... أكبر قد غالني أم بيت؟ وشراب طيب المنزعة، أي المقطع، كقوله: {ختامه مسك} [المطففين: 26] وفي الحديث: ((مالي أنازع القرآن)) أي أجاذبه، وذلك لما جهروا خلفه. ومنه: ((إنما هو عرق نزعه)) أي نزع شبهه. ومنه أيضًا: ((طوبي للغرباء، قيل: ومن هم؟ قال: النزاع)) أي الذين نزعوا عن أهليهم، جمع نزيعٍ ونازعٍ. والنزائع: الغرائب من الإبل، ومنه حديث ظبيان ((أن قبائل من الأزد نتجوا فيها

النزائع)) لأنها نوعت من أيدي الناس. وأنزع إبلهم إلى مواطنهم. ن ز غ: قوله تعالى: {وإما ينزغنك} [الأعراف: 200] أي يوسوس. وقال الترمذي: يستخفنك. يقال: نزغ به: استخف. وقيل: يفسد، ومنه: {من بعد أن نزغ الشيطان بيني وبين إخوتي {[يوسف: 100] أي أفسد. وقيل: النزغ: الإغراء والتسليط. وأصل النزغ الدخول في الأمر لإفساده. ن ز ف: قوله تعالى: {لا يصدعون عنها ولا ينزفون} [الواقعة: 19] أي لا يسكرون. يقال: نزف الرجل ينزف نزفًا، مبنيا للمفعول: ذهب بعقله. ويقال للسكران: نزيف ومنزوف. قال امرؤ القيس: [من المتقارب] 1625 - وإذا هي تمشي كمشي النزيـ ... ـف يصرعه بالكثيب البهر هو مأخوذ من قولهم: نزف دمه ودمعه، أي انتزح. ونزفت ماء البئر، أي نزحته. فكأن السكران نزف فهمه بسكره. وقرئ ((ينزفون)) ومعناه: لا يفنى شرابهم. ويقال: أنزف القوم، أي فني شرابهم، ومنه الحديث في زمزم: ((لا تنزف ولا تذم)). وقد تكلمنا على هذه الآية بأوسع من هذا في ((الدار)) و ((العقد)). ن ز ل قوله تعالى: {نزل به الروح الأمين} [الشعراء: 193] النزول: الهبوط من علو

إلى سفل، هذا أصله، وقد يراد به مجرد الحلول كقوله تعالى: {فإذا نزل بساحتهم} [الصافات: 177]، أي حل. ويقال: نزلت بالجبل، وإن كان من سفل إلى علو لغلبة الاستعمال، وهو عكس تعال؛ فإنه أصله أن تدعو من هو أسفل أن يرتفع إليك. ثم كثر حتى يقول المستفل للمرتفع: تعال. وأنزلته مكان كذا: جعلته نازلًا منه. قال تعالى: {وقل رب أنزلني منزلا مباركا} [المؤمنون:29]. قال بعضهم: إنزال الله تعالى نعمه على خلقه؛ أعطاهم إياها، وذلك إما بإنزال الشيء نفسه، كإنزال القرآن. وإما بإنزال أسبابه والهداية إليه، كإنزال الحديد واللباس ونحو ذلك. قال تعالى: {أنزل على عبده الكتاب} [الكهف: 1] {وأنزلنا الحديد} [الحديد: 25] {قد أنزلنا عليكم لباسًا يواري سوءاتكم} [الأعراف: 26]. ومن إنزال العذاب قوله تعالى: {إنا منزلون على أهل هذه القرية رجزا} [العنكبوت: 34] قال الراغب: والفرق بين الإنزال والتنزيل في وصف القرآن والملائكة أن التنزيل يختص بالموضع الذي يشير إلى إنزاله متفرقًا، ومرة بعد أخرى، والإنزال عام. قلت: هذا الذي ذكره الراغب تبعه فيه أبو القاسم الزمخشري، وقد اعترضت عليها بقوله تعالى: {الذين كفروا لولا نزل عليه القرآن جملة واحدة} [الفرقان: 32] فإنه أتى بصيغة ((أنزل)) مع ((جملة)) دفعة واحدة من غير تفريق ولا تنجيم. وقد نقحنا في غير هذا. قال: وقوله: {لولا نزلت سورة فإذا أنزلت سورة} [محمد: 20] فإنما ذكر في الأول ((نزل)) وفي الثاني ((أنزل)) تنبيهًا أن المنافقين يقترحون أن ينزل شيء فشيء من الحث على القتال ليتولوه. وإذا أمروا بذلك دفعة واحدة تحاشوا عنه فلم يفعلوه، فهم يقترحون الكثير ولا يفون منه بالقليل. قوله: {إنا أنزلناه في ليلة القدر} [القدر: 1] إنما خص لفظ الإنزال دون التنزيل لما روى أن القرآن نزل دفعة واحدة إلى سماء الدنيا، ثم

نزل نجمًا نجمًا قوله: {لو أنزلنا هذا القرآن على جبل} [الحجر: 21 - 22] ولم يقل: نزلنا، منبهًا أنا لو خولناه مرة واحدة ما خولناك مرارًا لرأيته خاشعًا متصدعًا. قوله: {قد أنزل الله إليكم ذكرًا رسولًا} [آل عمران: 45] قيل؛ أراد بإنزال الذكر هنا بعثة النبي صلى الله عليه وسلم، كما سمي عيسى عليه السلام ((كلمة)).فعلى هذا يكون قوله: {رسولًا} بدلا من قوله: {ذكرًا}. وقيل: أراد إنزال ذكره، فيكون رسولًا مفعولًا لقوله: {ذكرًا} أي ذكرًا رسولًا. قلت ويجوز أن يكون ((ذكرًا)) مفعولًا له، ورسولًا مفعول الإنزال. فإن قل: قد اختلف الفاعل؛ فإن فاعل الإنزال غير فاعل الذكر، فالجواب: إنا وإن سلمنا اشتراط ذلك فالفاعل متحد، لأن الذكر بمعنى التذكر، أي أنزل الرسول ليذكركم به. وهو معنى حسن طائل. قال: وأما التنزل فكالنزول به؛ يقال: نزل الملك بكذا، وتنزل. ولا يقال: نزل الله بكذا، ولا تنزل؛ قال تعالى: {نزل به الروح الأمين} [الشعراء: 193] وقال تعالى: {تنزل الملائكة والروح فيها} [القدر: 4] ولا يقال في المفترى والكذب، وما كان من الشياطين إلا التنزل؛ قال تعالى: {وما تنزلت به الشياطين} [الشعراء: 210] قوله: وما كان من الشياطين ثم تلا قوله تعالى: {وما تنزلت به الشياطين} ليس مطابقا لذلك، لأن ((ما)) نافية، أي أن الشياطين لم تنزل به، أي بالقرآن. قوله تعالى: {هذا نزلهم يوم الدين} [الواقعة: 56] النزل: ما يعد للنازل من الضيافة؛ أنزلته: أضفته. فمن ثم قيل: إن هذا على سبيل التهكم نحو: {فبشرهم} [آل عمران: 21] ت. وإنه لم يكن لهم نزول إلا هذا كقوله: [من الوافر] 1626 - تحية بينهم ضرب وتجميع قوله: {نزلًا من عند الله} [آل عمران: 198] هذا على بابه، وقيل: ثوابًا ورزقًا. وهو بمعنى الأول. قوله: {وأنا خير المنزلين} [يوسف: 59] هو من: أنزلته، أي أضفته.

فصل النون والسين

والمعنى: خير من يضيف ببلاد مصر. قوله: {فنزل من حميم} [الواقعة: 93] كقوله: {هذا نزلهم يوم الدين} في احتمال الوجهين. قوله: {أذلك خير نزلًا {[الصافات: 62] يجوز فيه ما جاز في {هذا نزلهم}. ووجه آخر، وهو أن يراد: أذلك خير فضلًا وريعًا. يقال: له طعام: له نزل. والنوازل: الشدائد، واحدها نازلة، ومنه قيل: النزال، للحرب لقولهم فيها: نزال قال الشاعر: [من الكامل] 1627 - فدعوا تزال، فكنت أول نازل ... وعلام أركبه إذا لم أنزل ونازلة منازلة: قاتلة مقاتلة. ونزل فلان: أتى منزله. قال الشاعر: [من الطويل] 1628 - أنازلة أسماء أم غير نازلة؟ والنزالة: الساقطة. نحو: النخالة والذبالة، ويكنى بالنزالة أيضا وبالنزل عن ماء الرجل فصل النون والسين ن سء: قوله تعالى: {ما ننسخ من آية أو ننسها} [البقرة: 106] أي نؤخرها أو نؤخر نسخها. والنسء: التأخر. يقال: نسأ الله في أجلك، وأنسأ إنساء إنساء. ومنه النسيئة: وهو البيع إلى أجل. نسئت المرأة، أي أخر وقت حيضها فرجي حملها. وقيل: هي أول ما يطن بها الحمل. ومنه الحديث: ((دخلت عليها وهي نسء)) أي مظنون حملها.

والجمع نساء؛ يقال: امرأة نسء ونسوة نساء. قلت: وعلى هذا يقال: م نساء نساءً؛ فالأول جمع امرأة في المعنى، والثاني جمع نسء، وهو جمع تكسير حقيقة. فالأول اسم جمع وفي الحديث: ((من أحب أن ينسأ في أجله فليصل رحمه)). وانتسأت، أي تأخرن وأنشج لابن زغبة: [من الطويل] 1629 - إذا انتسؤوا فوت الرماح أتتهم ... عوائر نبل، كالجراد تطيرها ومنه أيضا النسيء في قوله: {إنما النسيء} [التوبة: 37] لأنه تأخير شهر إلى شهر، وذلك أنهم كانوا في الجاهلية يجعلون المحرم مكان صفر، فيؤخرونه إليه. وإنما كان يفعل ذلك المحاويج من كنانة ليغيروا على بعضهم فيستاقون إبلهم وغنمهم، والفاعل لذلك هو جنازة بن عون. قال الشاعر مفتخرا بذلك: [من الوافر] 1630 - ألسنا الناسئين على معد ... شهور الحل نجعلها حراما؟ قوله: {تأكل منسأته} [سبأ: 14] أي عصاه؛ سميت بذلك لأنها ينسأ بها أي يؤخر، فهي اسم آلة كالمكتب. وقد قرئ بسكون الهمزة وإبدالها ألفًا؛ قال الشاعر: [من البسيط] 1631 - إذا دببت على المنساة من هرم ... فقد تباعد عنك اللهو والغزل وقد حققنا القول فيها في غير هذا. يقال: نسأت الإبل، أي أخرتها بالمنسأة، ونسأت الإبل في ظمئها يومًا أو يومين، أي أخرت. وأنشد لطرفة بن العبد: [من الطويل] 1632 - أمون كألواح الأران نسأتها ... على لا حب كأنه ظهر برجد

والنسيء: الحليب أخر تناوله فحمض فمد بماء، فهو فعيل بمعنى مفعول، نحو النقيض والنكيث بمعنى منكوث ومنقوص. ن س ب: قوله تعالى: {فلا أنساب بينهم} [المؤمنون: 101] أي ثم ينقطع التفاخر بينهم بالأنساب التي كانوا يعتدون بها مفاخرة في الدنيا على غيرهم، من قولهم: أنا فلان بن فلان، لا على قصد التعريض بدناءة آباء غيره، كقول الشاعر: [من البسيط] 1633 - إنا بني نهشل لا ندعي لأب ... عنه ولا هو بالأبناء يشرينا آخر: [من الرجز] 1643 - نحن بنو ضبة أصحاب الجمل ... الموت عندنا أحلى من العسل وقال الشاعر في معنى الآية الكريمة: [من السريع] 1635 - لا نسب اليوم ولا خلة ... اتسع الخرق على الراقع والأصل في النسب الاشتراك في أب أو دين أو صناعة أو حي أو قبيلة. والنسبة والنسب أن تزيد في آخر الاسم الذي تريد أن تنسب إليه ياء مشددة تعتورها ألقاب الإعراب نحو: تميمي، وداري. وقد تقوم مقامها صيغ نحو: لبان ولابن ونهر، وله باب واسع أتقناه في كتب العربية والحمد لله. قوله تعالى: {فجعله نسبا وصهرًا} [الفرقان: 54] أي قرابة، وذلك أن النسب، كما قال الراغب، ضربان: نسب بالطول كالاشتراك بين الآباء والأبناء، ونسب بالعرض

كالنسبة بين الأخوة وبني الأعمام. والنسب يقال في مقدارين متجانسين بعض التجانس، يختص كل واحد منهما بالآخر. وقيل ومنه النسيب؛ نوع من أنواع الشعر، وهو ذكر العشق في النساء، وذلك أنه انتساب في الشعر إلى المرأة بذكر العشق؛ يقال: نسب الشاعر بالمرأة نسبًا. ن س خ: قوله تعالى: {مما ننسخ من آية} [البقرة: 106]. النسخ: الإزالة. نسخت الريح أثر القوم: أزالته. وقيل: هو إزالة شيء بشيء؛ يقال: نسخت الشمس الظل، والظل الشمس، والشيب الشباب. وقال الراغب: فتارة يفهم منه الإزالة، وتارة يفهم منه الإثبات، وتارة يفهم منه الأمران. ونسخ الكتاب: إزالة بحكم يتعقبه. وقال غيره: النسخ يكون بمعنى الإزالة، وبمعنى النقل. ومنه: نسخت النخل نقلتها. وتارة يكون النقل لنفس الذات كنسخ النقل. وتارة يكون نقل مثل الشيء المنقول مع بقائه مكانه نحو: نسخت الكتاب، أي نقلت مثل ما فيه. وهذا هذا من باب الاشتراك أو الحقيقة أو المجاز؟ وأما النسخ شرعًا فرفع حكم شرعي بدليل شرعي متأخر عنه لا إلى غاية. ثم النسخ يكون على ثلاثة أوجه: أحداهما أن ينسخ اللفظ والحكم معًا. كما يروي أنه مما يتلى ((عشر رضعات محرمات)). ثانيهما أن ينسخ اللفظ ويبقى الحكم، كما يروى أنه كان مما يتلى: ((الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة نكالًا من الله والله عزيز حكيم)). وثالثهما عكس هذا كآيتي العدة؛ فإن الثانية منسوخة بالأولى. ثم إنه هل يجوز النسخ إلى غيره بدل أو بأثقل؟ خلاف كبير أتقناه في ((القول الوجيز في أحكام الكتاب العزيز))، وذكرنا أقسامه واختلاف الناس فيه، فعليك بالالتفات إليه. وقرئ: ((ما ننسخ))، ((ما ننسخ))، وقد حققنا هذا في الكتاب المشار إليه وفي ((الدر)) و ((العقد)).

قوله: {إنا كنا نستنسخ ما كنتم تعلمون} [الجاثية: 29] أي نأمر الحفظة باستنساخه وكتبه، وذلك الإقامة الحجة عليهم، وإلا فالباري تعالى على أفعالهم قبل أن يخلقهم، وقبل أن تصدر منهم. والمناسخة، أن يموت مورث، ثم يموت بعض ورثته قبل أن تقسم تركة الأول. والتناسخية: قوم يزعمون أن لا بعث ولا نشور، بناءًا على مذهبهم الفاسد، وأن هذه الأرواح إذا خرجت من جسد حلت في جسد آخر، بحسب خيريته وشريته؛ فإن كان خيرًا حلت في جسد صالح وصورة حسنة، وإلا ففي أقبح صورة. فروح زيد أن تحل في مثله، أو كلب أو ذبابة، أو زنبور. وكذا روح الزنبور. ويذكرون على ذلك أدلة باطلة، وحججًا داحضة، يموهون بها على ضعفهم، نعوذ بالله مما خالف ما جاءت به أصحاب الشرائع صلوات الله وسلامه عليهم. ن س ر: قوله تعالى: {ونسرًا} [نوح: 23] قيل: هو اسم صنم، وكان وج وسواع ويغوث، ويعوق ونسر أصنامًا تعبد من دون الله. قيل: كان ود على صورة صنم لكلب، وسواع لهمدان، ويغوث لمذحج، ويعوق لمراد، ونسر لحمير. وكان ود على صورة رجل، وسواع امرأة، ويغوث أسدًا، ويعوق فرسًا، ونسر نسرًا. وقيل: كانوا قومًا صالحين في قوم نوح، فلما ماتوا اتخذوا صورهم ليتذكروا أعمالهم، فطال الزمان وجاءت الأبناء، فجاءهم إبليس وقال: أما ترون هذه التماثيل؟ فقالوا: نعم. فقال: كان آباؤكم يعبدونها. فعبدوها ثم جاءت عبادة الأصنام. والنسر في الأصل اسم الطائر، قيل: كان الصنم على صورته. النسر أيضًا نجم في السماء معروف. قال: [من الطويل] 1636 - تنظرت نسرًا والسماكين أيها ... على من الغيث استهلت مواطره وكان من حقه أن يلزمه الألف واللام لأنه علم بالغلبة، وإنما شذ حذفها منه كقولهم: هذا عيوق طالعًا، وهما نسران: نسر طائر ونسر واقع، تشبيها في الصورة. والنسر أيضًا مصدر نسر الطائر الشيء بمنسره، أي نقره بمنقاره. والنسر لحمه ناتئة

تشبيهًا به. ونسرت كذا. تناولته تناول الطائر الشيء بمنسره. ن س ف: قوله تعالى: {فقل ينسفها ربي نسفًا} [طه: 105]. النسف: القلع، يقال: نسفت الريح الشيء: قلعته وأزالته عن مقره، وقيل: نسفها: دكها وتذريتها وهو قريب. قوله: {ثم لننسفنه في اليم نسفا} [طه: 97] أي لنذرينه تذرية كما تذور الرياح الغبار. ويقال: نسف البعير الأرض بمقدم رجله. ويقال لذلك الغبار النسافة. ومنه انتسف لونه، أي تغير تغير النسافة، نحو/ اغبر وجهه، وأريد: كأن عليه نسافة. ومنه قيل لراعوفة البئر نسافة، وكلامهم نسيف. أي متغير ضئيل. والنسفة: حجارة يزال بها وسخ القدم. وقيل: {لننسفنه} أي لنطرحه فيه طرح النسافة: وهو ما يثور من الغبار. وقيل: نسفها: قلعها من أصلها، من قولهم: نسف البعير النبات، أي قلعه بفيه من الأرض بأصله، وكلها معان متقاربة. ن س ك: قوله تعالى: {وأرنا مناسكنا} [البقرة: 128] المناسك جمع منسك- بفتح السين وكسرها. وقد قرء بهما. قوله تعالى في المتواتر: {ولكل أمة جعلنا منسكًا} [الحج: 34]. والمناسك: عبادات الحج وأماكنها. وأصل النسك العبادة مطلقًا من حج وغيره. ومنه: تنسك فلان ونسك فهو نسيك وناسك، ثم غلب على الحج. وقال الأزهري في قوله تعالى: {قل إن صلاتي ونسكي ومحياي} [الأنعام: 162] النسك: ما يتقرب به إلى الله تعالى. وقول الناس: فلان ناسك من النساك، أي عابد من العباد يؤدي المناسك وما فرض عليه، وما يتقرب به إليه. وقال: والمنسك في قوله تعالى: {لكل أمة جعلنا منسكًا {[الحج: 67] يدل على موضع النحر؛ أراد مكان نسك. قال: والنسيكة: مختصة

بالذبيحة. وقال مجاهد في قوله: {جعلنا منسكًا}، مذبحًا. قال: نسك: إذا ذبح- ينسك نسكًا. والنسيكة: الذبيحة، وجمعها نسك. قال تعالى: {أو صدقة أو نسك} [البقرة: 196]. وقال غيره: النسك: الطاعة. وقال آخرون: النسك: ما أمرت الشريعة به، والورع: ما نهي عنه. وقال الهروي: وأخبرنا ابن عمار عن أبي عمر قال: سئل ثعلب عن معنى الناسك ما هو؟ فقال: هو مأخوذ من النسيكة، وهي السبيكة من الفضة المصفاة، وكأنه صفى الله نفسه. وقال ابن عرفة: ((جعلنا مسكًا)) أي مذهبًا من طاعة لله تعالى: نسك الرجل بنسك. قومه، أي سلك مذهبهم. فقوله: {وأرنا مناسكنا}، يجوز أن يكون التقدير: أرنا متعبداتنا من حج أو غيره، أو مواقف حجنا، أو عبادة حجنا، أو مواضع ذبحنان أو مواقف عباداتنا. ن س ل: قوله تعالى: {إلى ربهم ينسلون} [يس: 52] أي يسرعون في عدوهم من قولهم: نسل الثعلب، أي أسرع في ذهابه، ينسل نسلًا. ومنه قوله تعالى: {وهم من مل حدب ينسلون} [الأنبياء: 96]. وقيل: النسلان جون السعي. وفي حديث لقمان بن عاد: ((وإذا سعى القوم نسل)) أي إذا سعوا لغارة أو مخافة، قارب الخطو في إسراع. وفي الحديث: ((شكوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الضعف. فقال: عليكم بالنسل)) قال ابن الأعرابي: النسل ينشط، وهو الإسراع في المشي. وفي حديث آخر: ((أن قومًا شكوا إليه الإعياء فأمرهم أن ينسلوا)). وقال بعضهم: النسل: الذرية، وكأنه أمرهم- لما شكوا ضعفهم- بالتوالد. وأصل النسل الانفصال عن الشيء. وهذا المعنى يخدمك في جميع ما قدمته. ومنه نسل الوبر عن البعير، والقميص عن الإنسان، والريش عن الطائر. ويعبر به عن الهجر والإبعاد. وأنشد لامرئ القيس: [من الطويل]

1637 - وإن تك قد ساءتك مني خليقة ... فلي ثيابي من ثيابك تنسل كني بذلك عن الإبعاد. وأنسلت الإبل: حان أن تنسل وبرها. والنسل: الذرية لأنها نسلت عن الوالدين. وقيل: لكونها ناسلة عن الله بخلقه وإيجاده. قال تعالى: {ويهلك الحرث والنسل} [البقرة: 205] قيل: نزلت في الأخنس بن شربق وقد مر بزرع فحرقه، وبنعم فحرقها. وتناسلوا: توالدوا. وفي الحديث: ((تناكحوا تناسلوا فإني مكاثر بكم يوم القيامة)). وكان يقال: إذا طلبت فضل إنسان فخذ ما نسل لك عفوًا. ن س ي: قوله تعالى: {نسوا الله فنسيهم} [التوبة: 67] أي تركوا أوامره ونواهيه فتركهم مخلدين في النار. والنسيان يعبر به عن الترك. وقال بعضهم: النسيان: ترك الإنسان ضبط ما استودع، إما لضعف قلبه، وإما عن غفلةٍ، وإما عن قصدٍ حتى ينحذف عن القلب ذكره. قوله: {سنقرئك فلا تنسى} [الأعلى: 6] لا نافية، وهي ضمان من الله تعالى لنبيه، أنه إذا سمع شيئًا من القرآن لم ينسه، وقول من قال: إنه نهي ضعيف من حيث المعنى، ومن حيث اللغة لما بينا في غير هذا. قال الراغب: وكل نسيان من الإنسان ذمة الله تعالى به، فهو ما كان أصله عن تعمد. وما عذر فيه نحو ما روي عنه عليه الصلاة والسلام: ((رفع عن أمتي الخطأ والنسيان))، فهو ما لم يكن سببه منه. قوله: {فذوقوا بما نسيتم لقاء يومكم هذا} [السجدة: 14] هو ما كان سببه عن تعمد منهم. قوله تعالى: {واذكر ربك إذا نسيت} [الكهف: 24] قال ابن عباس: أي لم يقل: إن شاء تعالى أفعله إذا ذكرنه. ونقل عن عكرمة عبارة الله أعلم بصحتها. ولا ينبغي أن تصح. وأجاز ابن عباس الاستثناء بعد ذكره لظاهر هذه الآية على ما تأولها.

وقد حققنا هذا في ((الأحكام)). قوله: {وكنت نسيًا منسيًا} [مريم: 23] أي شيئًا تافهًا لا يؤبه له، مما حقه أن ينسى ويترك قلة مبالاة به. والنسي فعيل بمعنى مفعول كالنقض والنكث. وقوله: {منسيًا} مبالغة فيه؛ لم يكفها أن تتمنى أن تكون شيئًا تافهًا حتى بالغت فيه. يوصف بذلك لأن النسي يقال لما يقل الاعتداد به وإن لم ينس. وقرئ ((نسيًا)) بالفتح؛ وهو مصدر موضوع موضع المفعول. وكان العرب إذا ترحلت عن منزل تقول: احفظوا أنساءكم، أي ما حقه أن ينسى لقلة الاعتداد به كالوتد والشظاظ ونحوهما. قوله: {ما ننسخ من آية أو ننسها} [البقرة: 106] قرئ بضم النون الأولى وسكون الثانية من غير همز، والمراد: نأمر بنسيانها أو ننسها للناس. وقد جرى هذا حين أصبح القوم، وقد أذهب الله من قلوبهم حفظ بعض القرآن، الذي أراد نسخه لفظًا، كما هو مشهور في التفسير والأحبار. قال الراغب: فإنساؤها حذف ذكرها من القلوب بقوة إلهية. قال غيره: أي نأمركم بتركها. يقال: أنسيته الشيء: أمرته بتركه. قوله: {وما كان ربك نسيًا} [مريم: 64] أي ناسيًا؛ فعيل بمعنى فاعل، أي لم ينسك من الوحي. وإنما أخره لمصلحة، والقصة ذكرناها في التفسير. قوله: {إن الإنسان لفي خسر} [العصر: 2] المراد به الجنس، ولذلك استثنى منه. والإنسان عند قوم مشتق من النسيان؛ قالوا: مأخوذ من قوله تعالى: {ولقد عهدنا إلى آدم من قبل فنسي} [طه: 115] قال أبو منصور: هذا دليل على أن أصل إنسان إنسيان، ولذلك صغر فقيل أنيسيان. قلت: وأنشد القائل بذلك قول الشاعر: [من الكامل]

فصل النون والشين

1638 - سميت إنسانًا ناسي وقال آخر: [من البسيط] 1639 - لئن نسيت عهودًا كنت موثقها ... فاغفر؛ فأول ناسٍ أول الناس ولنا فيه كلام أتقناه في غير هذا. قوله: {وأناسي كثيرًا} [الفرقان: 59]. قيل: هو جمع إنسانٍ، فأبدلت النون ياء كقولهم: ظرابي والأصل ظرابين. ويقال: سرحان وسراحين وسراحي. وقيل: هو جمع إنسي، وفيه نظر من حيث صناعة النحو كما بيناه في غير هذا. فصل النون والشين ن ش أ: قوله تعالى: {ثم أنشأناه خلقًا آخر} [المؤمنون: 14] الإنشاء: ابتداء الخلق، وكل من ابتدأ خلق شيءٍ واخترعه فقد أنشأه. ومنه: أنشأ الشاعر القصيدة. وأنشأ فلان يفعل كذا، أي ابتدأ في فعله. والإنشاء الاختراعي غير المسبوق بمثالٍ لا يليق إلا بالباري تعالى. قال تعالى: {وهو الذي أنشأكم} [الأنعام: 98] قوله: {ولقد علمتم النشأة الأولى} [الواقعة: 62] يعين خلقكم الأول، وهو ما ثبت بالدليل من خلق أصلكم من ترابٍ، أو خلق أنفسكم من كونكم نطفًا في أصلاب الآباء، ثم تقذف في بطون الأمهات، ثم تتصور تلك النطفة، إلى أن تخرج بشرًا سويًا؛ لا يكابر في ذلك إلا معاند. وجعلت الأولى باعتبار النشأة الأخرى، وهو بعثهم أحياءً بعد إماتتهم وصيرورتهم رممًا. قال تعالى: {ثم الله ينشئ النشأة الآخرة} [العنكبوت: 20] جعلها نشأة باعتبار تفرق أوصالهم وبلاء أجسادهم وتقطع أبدانهم. يقال: نشأة ونشاءة نحو رأفةٍ ورآفةٍ، وكأبةٍ وكآبةٍ. وقد قرئ بهما في المتواتر. قوله: {أأنتم أنشأتم شجرتها} [الواقعة: 72] أي ابتدعتم الشجر، وهو المرخ والغفار

يحك أحدهما بالآخر فتخرج النار مع كونه أخضر يقطر ماء. {فسبحان الذي بيده ملكوت كل شيءٍ} [يس: 83] قوله: {أو من ينشأ في الحلية} [الزخرف: 18] أي يتربى في الحلي والزينة. يعني: النساء ربات الحجول. وقرئ: ((ينشأ)) بالتشديد. وقال بعضهم: النشء والنشأة: إحداث الشيء وتربيته. ومنه نشأ السحاب، لحدوثه في السماء وتربيته شيئًا فشيئًا. ومنه قوله تعالى: {وينشئ السحاب الثقال} [الرعد: 12]. قوله تعالى: {إن ناشئة الليل} [المزمل: 6] قال ابن عرفة: كل ساعةٍ قامها قائم بالليل فهي ناشئة. وقال غيره: كل ما حدث بالليل وبدا فقد نشأ، وهو ناشيء والجمع ناشئة. فناشئة الليل: ما حدث فيه من ساعاته وغيرها. وقال الأزهري: ناشئة مصدر جاء على فاعلةٍ بمعنى النشء كالعافية بمعنى العفو. والنشأ -بفتح الشين- والقصر جمع ناشئٍ نحو خادمٍ وخدمٍ، وهو الشاب. وقوله: {وله الجواري المنشآت} [الرحمن: 24] قرئ بفتح الشين، على أنها أحدثت وعلمت بتعليم الله كما علمها لنوحٍ عليه الصلاة والسلام، والتي أخبر بها، أو التي رفع أشرعتها، وهي قلاعها. يقال: نشأت الشيء: رفعته، وبكسرها على أنها أنشأت الموج أو السير، أي رفعت قلوعها على الإسناد المجازي. وفي الآية قراءات مذكورة في ((الدر)) وغيره. وفي الحديث: ((دخلت مستنشئة على خديجة)) هي الكاهنة. يقال: استشنأ الأخبار، أي بحث عنها. ن ش ر: قوله تعالى: {وإذا الصحف نشرت} [التكوير: 10] أي بسطت ليظهر ما فيها

من أعمال العباد لهم، من: نشرت الثوب. قوله تعالى: {والناشرات نشرًا} [المرسلات: 3] قيل: هي الرياح تنشر السحاب، أي تبثها وتسوقها. وقيل هي الملائكة التي تنشر الرياح. وقال الفراء: هي الرياح تأتي بالمطر. وقوله: {يرسل الرياح نشرًا بين يدي رحمته} [النمل: 60]، قيل: هو جمع نشورٍ، نحو رسولٍ ورسلٍ. ويقال: نشرت الرياح نشرًا، أي صرت. وأنشد لجرير: [من الكامل] 1640 - نشرت عليك فذكرت بعد البلى ... ريح يمانية بيومٍ ماطر وقرئ {بشرى} بالباء الموحدة. قوله: {وجعل النهار نشورًا} [الفرقان: 47] أي ذا نشورٍ، تنتشر الناس في حوائجهم ومتصرفاتهم، أي جعله محلاً للانتشار وابتغاء الرزق، لقوله في موضعٍ آخر: {ولتبتغوا من فضله} [النحل: 14]. قوله: {وإليه النشور} [الملك: 15] أي المبعث والمرجع إليه تعالى. يقال: أنشر الله الموتى فنشروا. قال الشاعر: [من السريع] 1641 - يا عجبًا للميت الناشر ويقال: نشر الله الميت، أيضًا من نشر الثوب، كما قال الشاعر: [من الوافر] 1642 - طوتك خطوب دهرك بعد نشرٍ ... كذاك خطوبه طيًا ونشرا قوله: {ثم إذا أنتم بشر تنتشرون} [الروم: 20] أي تتفرقون في حوائجكم، وتتصرفون في متقلباتكم. وقرئ {وإذا قيل انشروا فانشروا} [المجادلة: 11] أي تفرقوا عن مجالسكم. قوله: {كذلك النشور} [فاطر: 9] أي مثل ذلك إحياء الموتى وبعثهم. قوله: {كيف ننشزها} [البقرة: 259] من ذلك، أي كيف نحييها ونبعثها؟

وقرأ الحسن: «ننشرها» من نشرت الثوب بعد طيه. وقرئت بالزاي وسيأتي. قوله تعالى: {ينشر لكم ربكم من رحمته} [الكهف: 16] أي ينشئ لكم ويسهل لكم من رزقه. وأصل النشر في الأجرام، فتجوز به في المعاني. ومنه: نشر رحمته عليه وبسطها، ونشر الحديث. قوله: {جراد منتشر} [القمر: 7] أي متفرق منبث في كل جهةٍ والنواشر: عروض باطن الدماغ، وذلك لانتشارها. ونشرت الخشب بالمنشار، وذلك باعتبار ما ينشر منه عند النحت بعد كونه كالمطوي. والنشر: الغيم المنتشر، نحو النقض بمعنى المنقوض. والنشر: الريح الطيبة. ومنه حديث معاوية: «أنه خرج ونشره أمامه» وأنشد لامرئ القيس: [من المتقارب] 1643 - كأن الغمام وصوب الغمام ... وريح الخزامى ونشر القطر يعل به برد أنيابها ... إذا غرد الطائر المستحر ومن كلام عائشة رضي الله عنها في حق أبيها رضي الله تعالى عنه: {فرد نشر الإسلام على غرة» أي ما انتشر منه وتفرق إلى حاله التي كانت على عهده عليه السلام. وفي الدعاء: «اللهم اضمم نشري». وفي الحديث: «إذا دخل أحدكم الحمام فعليه بالنشير ولا يخصف» النشير: الإزار. ومعنى لا يخصف: لا يضع يده على فرجه. وفي حديث معاذٍ: «نشر كل أرضٍ» نشرها ما خرج من نباتها. والنشر: الكلأ اليابس إذا أمطر حيي، وهو دواء للغنم؛ يقال منه: نشرت الأرض، فهي ناشرة. والنشرة: رقية يعالج بها المريض. ن ش ز: قوله تعالى: {وانظر إلى العظام كيف ننشزها} [البقرة: 259] أي نرفع بعضها

إلى بعضٍ، وتركته على حالته الأولى لا يختل عظم عن مكانه. والنشز: الرفع، ومنه قوله تعالى: {وإذا قيل انشزوا فانشزوا} [المجادلة: 11] أي ارتفعوا عن مجالسكم فارتفعوا حتى لا تضيقوا على غيركم. وفي التفسير قصة. ومنه: نشوز المرأة على زوجها وهو ترفعها عليه وعدم امتثالها أمره. ومنه قوله تعالى: {واللاتي تخافون نشوزهن} [النساء: 34] والنشز من الأرض: المرتفع. وباعتبار نشوز المرأة قال الشاعر: [من الطويل] 1644 - إذا جلست عند الإمام كأنها ... ترى رفقةً من ساعةٍ تستحيلها وعرق ناشز، أي ناتئ، وامرأة ناشز كحائضٍ. ونشز الرجل ينشز وينشز، أي ينهض؛ بضم عين المضارع وكسرها، وقد قرئ بهما قوله: {وانشزوا فانشزوا}. ن ش ط: قوله تعالى: {والناشطات نشطًا} [النازعات: 2] قيل: هي الملائكة تنشط لحوم الكفرة، أي تنزعها. وقيل تنشط أرواحها. يقال: نشط الشيء ينشط فهو ناشط، أي نزع. ومنه «فنشط زينب من حجرها». وقال ابن عرفة: تنشط أرواح المؤمنين، أي تحلها حلًّا رقيقًا. وهذا على سبيل التوسع. وقيل: نشطت العقدة: عقدتها بأنشوطةٍ. وأنشطتها: حللتها. ومنه الحديث: «فكأنما أنشط من عقالٍ» وهذا يرد ما قاله ابن عرفة، وأحسن من هذا ما قاله الراغب: هي الملائكة تنشط الأمور، من قولهم: نشط العقدة: قال: وتخصيص النشط وهو العقد الذي يسهل حله تنبيه على سهولة الأمر بينهم. وقيل: الناشطات هي النجوم الخارجات من الشرق بسير الفلك، أو السائرات من المغرب إلى المشرق بسير أنفسها، من قولهم: ثور ناشط، أي خارج من أرضٍ إلى أرضٍ.

فصل النون والصاد

وبئر أشناط، أي قريبة القعر يخرج دلوها بجذبةٍ واحدةٍ. والنشيطة: ما ينشط الرئيس لأخذه، كل ذلك من السهولة. وقيل: الناشطات: حيات تنشط الكفرة. يقال: نشطته الحية، أي نهشته. فصل النون والصاد ن ص ب: قوله تعالى: {والأنصاب} [المائدة: 90] هي حجارة كانت تنصب فتعبد. وقيل: يذبح عليها ويغلى عليها اللحم يأكل منه المحاويج، وهو جمع نصب. ونصب جمع نصابٍ، نحو حمارٍ وحمر. ثم حمر يشبه عنقًا فجمع على أفعالٍ. وقيل: نصب جمع نصيبٍ. قال الراغب: نصب الشيء: وضعه وضعًا ناتئاً كنصب الزرع والبناء والحجر. والنصيب: الحجارة تنصب على الشيء، وجمعه نصائب ونصب، وكان للعرب حجارة تعبدها وتذبح عليها. ثم قال: وقد يقال في جمعه أنصاب. انتهى. قلت: الهاء في قوله:- جمعه- تعود على نصب لا على نصيب لأنه عهد جمع فعلٍ على أفعالٍ كما تقدم في نحو عنق وأعناق، ولم يعهد جمع فعيلٍ على أفعالٍ إلا صفةً نحو شريفٍ وأشراف. فإن ادعي أن النصيب صفة: فعيل بمعنى مفعولٍ صح أن يكون أنصاب جمع نصيب. وقال الهروي: الأنصاب واحدها نصب ونصب ونصب. ولم يبين هل النصب جمع أم لا؟ وقد قرئ قوله تعالى: {إلى نصب يوفضون} [المعارج: 43] بالأوجه الثلاثة. والظاهر أن النصب- بفتح النون- مصدر واقع موقع المفعول، وأن النصب- بالضم والسكون- مخفف من المضموم. قوله تعالى: {بنصبٍ وعذابٍ} [ص: 41] النصب والنصب: التعب. قال تعالى: {لا يمسهم فيها نصب} [الحجر: 48] وكذلك هو البخل والرشد، وقد قرئ بالوجهين فيهن، ومثله العدم والعدم، والحزن والحزن، والعرب والعرب. يقال منه:

نصب ينصب نصبًا ونصبًا فهو ناصب. وأنصبني كذا: أتعبني. وأنشد: [من الطويل] 1645 - تأوبني هم مع الليل منصب وهم ناصب من باب {ماءٍ دافقٍ} [الطارق: 6] {وعيشةٍ راضيةٍ} [الحاقة: 21] على النسب. وأنشد للنابغة: [من الطويل] 1646 - كليني لهم يا أميمة ناصب ... وليلٍ أقاسيه بطيء الكواكب ويجوز أن يكون «نصب» متعديًا وهذا منه، فيكون من باب فعل وأفعل. ويقال: نصب فهو نصيب وناصب، نحو فرح فهو فارح. قوله: {إلى نصبٍ يوفضون} أي إلى علمٍ منصوب. ومن قرأ «نصب» أو «نصب» فمعناه الأنصاب. قوله: {فإذا فرغت فانصب} [الشرح: 7]، أي إذا فرغت من الفريضة فاجهد في النافلة، من نصب في كذا، أي تعبٍ. وقيل: إذا فرغت من صلاتك فانصب في الدعاء والتضرع. قوله: {عاملة ناصبة} [الغاشية: 3] أي تعبانة مجتهدة في العبادة. وعنى بذلك الرهبان التي لا تجني من عبادتها شيئاً. ونصاب الشيء أصله وما يرجع إليه. ومنصب الرجل: زينته وما يعانيه ويرجع إليه. ونصاب السكين: بمنزلة الأصل لها. وناصبة في الحرب، وفي العداوة. ويقال: تيس أنصب، وعير نصباء، منتصب القرون، وناقة نصباء: منتصبة الصدر. ونصب الستر: رفعه: وتنصب الغبار: ارتفع. والنصب: غناء العرب يشبه الحداء. وفي الحديث: «لو نصبت لنا نصب العرب» قال الهروي: لو تغنيت. والنصب: ضرب من أغاني العرب. والنصب: أيضًا: أحد ألقاب الإعراب. والنصب أيضًا: الخط المنصوب، أي المعين.

ن ص ت: قوله تعالى: {وأنصتوا} [الأعراف: 204] قيل: معناه اسكتوا سكوت المستعمين. ونصت وأنصت بمعنىً واحدٍ. ويكون نصت متعديًا. وفي حديث طلحة: «أنصتوني» يقال: أنصته وأنصت له، نحو: نصحته ونصحت له. قاله الهروي وقال الراغب: الإنصات: الاستماع إلى الصوت مع ترك الكلام، قلت: لولا قوله: مع ترك الكلام كان تكريرًا في الآية الكريمة، ولذلك لم يفسره غيره إلا بالسكوت. قيل: هو من باب قوله: {صلوات من ربهم ورحمة} [البقرة: 157] لاختلاف اللفظ. قال: وقال بعضهم: يقال: للإجابة إنصات. قال: وليس ذلك بشيءٍ، لأن الإجابة تكون بعد الإنصات، وإن استعمل فيه فذلك حث على الاستماع لتمكن الإجابة. ن ص ح: قوله تعالى: {وهم له ناصحون} [القصص: 12] أي صادقون فيما يشيرون به عليه. قال أبو زيدٍ: نصحته: صدقته. قوله: {توبوا إلى الله توبةً نصوحًا} [التحريم: 8] أي صادقةً. وقال الراغب. النصح: يجري مجرى فعلٍ أو قولٍ فيه صلاح صاحبه. وهو من قولك نصحت له الود، أي أخلصته. وناصح العسل: خالصه، أو من قولهم: نصحت الجلد: خطته، والناصح: الخياط، والنصاح: الخيط. والتوبة النصوح من أحد هذين الوجهين؛ إما الإخلاص وإما الإحكام. ويقال: نصوح ونصاح مثل ذهوبٍ وذهاب وأنشد: [من الطويل] 1647 - أحبك حبًا خالطته نصاحة وقد قرئ: {توبة نصوحًا} [التحريم: 8] بفتح النون وضمها؛ وقال الزجاج: «توبة نصوحًا» أي بالغةً في النصح، وهو مأخوذ من النصح وهو الخياطة، كأن الغضبان

يخرق، والتوبة النصوح ترقع. والنصاح والمنصح: ما يخاط به نحو إزارٍ ومئزرٍ. والنصاح أيضًا: الخيط. وقال ابن عرفة: «نصوحًا» خالصةً. ونصح الشيء: خلص، ونصح له: أخلص له القول، وأنشد لجرير بن الخطفي: [من الطويل] 1648 - تركت بنا لوحًا ولو شئت جادنا ... بعيد الكرى ثلج بكرمان ناصح وفي حديث الشورى قال عبد الرحمن بن عوفٍ: «وإن جرعة شروب أنصح لكم من عذبٍ موبٍ» وقال الأصمعي: إذا شرب دون الري يقال: نضحت الري- بالضاد. معجمةً- فإن روي قيل ذلك بالصاد- غير معجمةٍ- نصحًا. ن ص ر: قوله تعالى: {فمن ينصرني} [هود: 63] أي يمنعني. والنصر والنصرة: الإعانة والمنعة. يقال: نصرته، أي أعنته على عدوه ومنعته منه. ونصر الغيث البلد، أي أعانه على الخصب والنبات. ونصرت المكان: أتيته، قاله ثعلب وأنشد: [من الطويل] 1649 - إذا دخل الشهر الحرام فودعي ... بلاد تميمٍ وانصري أرض عامر قوله: {والنصارى} [آل عمران: 67] قيل: هم جمع نصرانٍ نحو ندمانٍ وندامى. المنثة نصرانة وينشد لأبي الأخرز الحماني: [من الطويل] 1650 - فكلتاهما خرت وأسجد رأسها ... كما أسجدت نصرانة لم تحنف قال: وهم منسوبون إلى ناصرة، قيل: هي قرية. وقال بعضهم: قيل لهم نصارى لأنهم نصروا الله من قوله تعالى حكايةً عن عيسى: {من أنصاري إلى الله قال الحواريون نحن أنصار الله} [آل عمران: 52]. قال: ويقال: نصراني وأنصار، وأنشد: [من الرجز]

1651 - لما رأيت نبطًا أنصارا ... شمرت عن ركبتي الإزارا يريد: نصارى. ويقال: نصراني بين النصرانية. وقيل: هم منسوبون إلى قريةٍ يقال لها نصران، هذا أقيس في النسب من كونها ناصرة. قوله: {إن تنصروا الله ينصركم} [محمد: 7] نصرة الله لعباده، وأما نصرتهم له تعالى فمعناها إن تنصروا دين الله ينصركم وتنصروا أنبياءه وأولياءه. وقيل: نصرته القيام بحفظ حدوده ورعاية عهوده واعتبار أحكامه واجتناب نهيه. قلت: هذا هو نصرة دين الله بعينه، فهو شرح لذلك. قوله: {أني مغلوب فانتصر} [القمر: 10] ولم يقل فانصرني، تنبيه على أن مانال النبي وكأنما نال من أرسله على سبيل المجاز كقوله حكايةً عن ربه: «من عادى بي وليًا فقد آذاني بالمحاربة». وفي معناه: {إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله} [الفتح: 10] قال الراغب: لم يقل: اهصر تنبيهًا أن ما يلحقني يلحقك من حيث إني جئتهم بأمرك، فإذا نصرتني فقد انتصت لنفسك. وفي العبارة بعض شيءٍ. ونصرت فلانًا: أعطيته، وهو استعارة من العون أو من انصر المطر الأرض. وفي الحديث: «لا يؤمنكم أنصر ولا أزن ولا أفرع» الأنصر: الأقلف، والأزن: الحاقن، والأفرع: الموسوس. كذا جاءت مفسرةً في الحديث. ن ص ف: قوله تعالى: {فنصف ما فرضتم} [البقرة: 237]. النصف من كل شيءٍ شطره مساويًا له في القدر. يقال: نصف ونصيف. وفي الحديث: «ولا نصيفه». ويقال: نصف ونصيف نحو عشرٍ وعشير. ونصف ينصف، وأنشد: [من الكامل] 1652 - نصف النهار، الماء غامره ... ورفيقه بالغيب لا يدري

ونصف النهار، أي بلغ نصفه، وانتصفه كذلك. فنصف وانتصف يكونان لازمين ومتعديين. والنصيف أيضًا: مكيال كبير. والنصيف أيضًا: المقنعة، وقيل: الخمار، كأنه نصف مقنعةٍ. وفي الحديث في صفحة الحور: «ولنصيف إحداهن على رأسها خير من الدنيا وما فيها». وقيل: هو معجر المرأة. وأنشد للنابغة الذبياني: [من الكامل] 1653 - سقط النصيف ولم ترد إسقاطه ... فتناولته واتقتنا باليد والنصف: المرأة العوان، أي التي لم تبلغ سن الكبر وتجاوزت الصغر؛ فهي بين السنين، وأنشد: [من البسيط] 1654 - وإن أتوك وقالوا إنها نصف ... فإن أطيب نصفيها الذي ذهبا والإنصاف في المعاملة العدل، وهو أن لا تأخذ من صاحبك من المنافع إلا مثل ما تعطيه، ولا تنيله من المضار إلا مثل ما يناله. والخادم: ناصف، والنصفة: الخدمة. وفي حديث ابن عباسٍ وذكر داود فقال: «دخل المحراب وأقعد منصفًا على الباب» يعني خادمًا. وجمع الناصف نصف. والإنصاف والانتصاف: طلب النصفة. ن ص و: قوله تعالى: {لنسفعًا بالناصية} [العلق: 15] الناصية: مقدم الرأس، وهي قصاص الشعر: والسفع: الأخذ بها. قال تعالى: {فيؤخذ بالنواصي والأقدام} [الرحمن: 41] أي تجمع نواصيهم إلى أقدامهم، ثم يطرح بهم في النار كقوله: {فكبكبوا فيها هم والغاوون} [الشعراء: 94]. ونصوت فلانًا، وانتصيته، وناصيته: أخذت بناصيته. وقوله: {ما من دابةٍ إلا هو آخذ بناصيتها} [هود: 56] عبارة عن اقتداره تعالى وقهره لكل ما يدب على الأرض من إنسانٍ وغيره.

فصل النون والضاد

ولام الناصية. يجوز أن تكون واوًا وأن تكون ياءً. ويدل على ذلك أن العلماء ذكروها في المادتين. وفي حديث عائشة رضي الله تعالى عنها: «على م تنصون ميتكم؟» أي تسرحون شعره. وأصله من تسريح الناصية. يقال: نصوت الرجل أنصوه نصوًا، أي مددت ناصيته. ويروى عن عائشة: «مالكم تنصون ميتكم» أي تمدون ناصيته؛ قاله الراغب. وفلان ناصية قومه، كقولك: رأسهم وعينهم ووجههم. والنصي مرعىً من أفضل المراعي. واستعير للكثير؛ فقيل: فلان نصية قومه، لنفعه لهم نفع المراعي. وفي الحديث: «نصية من همدان» أي الرؤساء والأشراف، أخذًا من الناصية. «وانتصيت من القوم رجلًا» أي اخترته. وفي الحديث: «لم تكن واحدة تناصيني» أي تنازعني، كأن كل واحدٍ بناصية الآخر. فصل النون والضاد ن ض ج: قوله تعالى: {كلما نضجت جلودهم} [النساء: 56] النضج والنضج: إدراك اللحم نهاية شيه وطبخه. قال امرؤ القيس: [من الطويل] 1655 - فظل طهاة اللحم ما بين منضجٍ ... صفيف شواءٍ أو قدير معجل وناقة منضجة: جاوزت بحملها وقت ولادتها. وفلان نضيج الرأي، أي محكمه. وفي حديث لقمان بن عادٍ: «قريب من نضيجٍ بعيد من نيء» يريد أنه لا يعجله الفزع من إنضاج ما يطبخه وهم يمدحون بذلك. وصار ذلك كنايةً عن العجلة. وأنشد للشماخ: [من الطويل]

1656 - وأشعث قد قد السفار قميصه ... وحر الشواء بالعصا غير منضج ويريد أنه لا ينضجه لعجلته. ن ض خ: قوله تعالى: {فيهما عينان نضاختان} [الرحمن: 66] النضخ والنضح، متقاربان وهما رش الماء. وقال الأصمعي: النضخ فوق النضح، قال: ولا يقال منها فعل ولا يفعل. قال أبو زيدٍ: هما سواء يقال: نضخت أنضخ بالفتح، بالحاء والخاء. والنضاخ: المناضخة، وأنشد: [من الطويل] 1657 - به من نضاخ الشول ردع كأنه ... نقاعة حناءٍ بماء الصنوبر وقال القطامي: [من الكامل] 1658 - وإذا تضيفني الهموم قريتها ... سرح اليدين تخالس الخطرانا حرجًا من الكحيل صبابةً ... نضخت مغابنها به نضخانا ويقال: نضخناهم؟؟؟، أي فرقناها فيهم، بالحاء والخاء. والنضخة: المطرة. وأنشد: [من البسيط] 1659 - لا يفرحون إذا ما نضخة وقعت ... وهم كرام إذا اشتد الملازيب وعين نضاخة: كثيرة الماء. وقال أبو عبيدٍ الهروي: النضخ دون النضح. وقال في تفسير قول قتادة: «النضح من النضح» أي من أصابه نضح من البول فعليه أن ينضحه بالماء. وقال ابن الأعرابي: النضخ: ما نضخته بيدك متعمدًا، والنضح: من غير اعتمادٍ؛ إذا مر فوطئ على ماءٍ فنضحه عليه. فهذا فرق من وجهٍ آخر. وفي حديث إبراهيم: «كان لا

يرى بنضح البول بأسًا} قال الهروي: أي بنثره. ن ض د: قوله تعالى: {وطلحٍ منضودٍ} [الواقعة: 29] أي متراكب بعضه على بعضٍ. يقال: نضدت المتاع: ألقيت بعضه فوق بعضٍ، فهو نضيد ومنضود. والنضد أيضًا: السحاب المتراكم. وأنضاد القوم: جماعاتهم. ونضد الرجل: من يتقوى بهم من أعمامه وأخواله. والنضد: السرير الذي ينضد عليه المتاع. ومنه الحديث: «احتبس الوحي لكلبٍ». وقيل: النضد: متاع البيت. وقال أبو بكرٍ: «لتتخذن عليهم نضائد الديباج» الواحدة نضيدة وهي الوسادة. وأنشد لأبي محمدٍ الفقعسي: [من الرجز] 1660 - وقربت خدامها الوسائدا ... حتى إذا ما علوا النضائدا سبحت ربي قائمًا وقاعدا وفي الحديث: «شجر الجنة نضيد من أصلها إلى فرعها» يريد: ليس لها سوق خالية من الثمر. ن ض ر: قوله تعالى: {تعرف في وجوههم نضرة النعيم} [المطففين: 24] أي حسنه ورونقه. قال تعالى: {ولقاهم نضرةً وسرورًا} [الإنسان: 11]. قوله تعالى: {وجوه يومئذٍ ناضرة إلى ربها ناظرة} [القيامة: 22 - 23] أي مسرورة حسنة. والنضرة والنضارة: الحسن والبهجة. ومنه قيل للذهب نضار.

فصل النون والطاء

وأخضر ناضر كأصفر فاقعٍ. وقدح نضار: خالص. ويروى بالإضافة، أي متخذ من شجرٍ هذا اسمه تشبيهًا بالذهب. وفي الحديث: «نضر الله امرأً» يروى بالتخفيف والتشديد، أي حسن. وأنشد الأصمعي شاهدًا للتشديد قول ابن قيسٍ الرقيات: [من الخفيف] 1661 - نضر الله أعظمًا دفنوها ... بسجستان طلحة الطلحات ورواه أبو عبيدٍ بالتخفيف، أي نعم. ويقال: نضره، ونضر ينضر لغتان. وقال الحسن بن موسى: ليس هذا من الحسن في الوجه، إنما معناه حسن الله وجهه في خلقه، أي في جاهه وقدره. وهو مثل قوله: «اطلبوا الحوائج إلى حسان الوجوه» يعني به ذوي الوجوه في الناس وذوي الأقدار فيهم. وقال ابن شميلٍ: نضر الله، ونضر الله، وأنضر الله. وفي حديث إبراهيم: «لا بأس أن يشرب في قدح النضار»، قال شمر: قال بعضهم: هي الأقداح الحمر الجيشانية. وقال ابن الأعرابي: النضار: البيع، والنضار: شجر الإبل، والنضار: الخالص من كل شيءٍ، والنضار والنضير والنضر: الذهب. وقد سمي بكل من هذه الألفاظ الثلاثة شخص من الأناسي. ومنه بنو النضير، والنضر بن الحارث. وأنشد بعضهم عن الشيخ تقي الدين بن دقيق العيد لنفسه: [من الكامل] 1662 - والدهر كالميزان يرفع ناقصًا ... أبدًا، ويخفض عالي المقدار وإذا انتحى الإنصاف ساوى عدله ... في الوزن بين نحاسةٍ ونضار فصل النون والطاء ن ط ح: قوله تعالى: {والنطيحة} [المائدة: 3] هي ما نطحها غيرها من النعم فماتت. وكانوا يأكلونها كسائر الميتات. وفعيل إذا كان بمعنى فعولٍ حقه ألا يؤنث إلا إذا ألبس،

نحو: مررت بقبيلة بني فلانٍ. وقد خرجت هذه اللفظة عن نظائرها فأنثت، ومثلها الذبيحة. والناطح: ما استقبلك بوجهه من ظبيٍ أو طائرٍ، كأنه ينطحك. والعرب تتشاءم به. والناطح أيضًا: الوعل، وأنشد للأعشى: [من البسيط] 1663 - كناطحٍ صخرةً يومًا ليقلعها ... فلم يضرها وأوهى قرنه الوعل ورجل نطيح: مشؤوم. ونواضح الدهر: شدائده. وفرس نطيح: يأخذ ودي رأسه بياض. وفي الحديث: «فارس نطحةً أو نطحتين ثم لا فارس». وقال أبو بكرٍ: معناه تنطح نطحةً ثم يزول ملكها ويذهب، فحذف الفعل كقول حميد بن ثورٍ: [من الطويل] 1664 - رأتني بحبليها فصدت مخافةً ... وفي الحبل روعاء الفؤاد فروقً أي رأتني أقبلت بحبليها. ن ط ف: قوله تعالى: {نطفةٍ} [النحل: 4] النطفة هنا المني المخلوق منه البشر. وأصلها الماء الصافي، فعبر بها عن ماء الفحل. وقيل: النطفة أصلها للماء قليلًا كان أو كثيرًا، ومنه الحديث: «حتى يسير الراكب بين النطفتين لا يخشى جورًا» أي بين بحر المشرق وبحر المغرب، وفي بعض الأخبار: «إنا نقطع إليكم هذه النطفة» أي ماء البحر. وشرب بعض الأعراب من ركيةٍ فقال: هذه نطفة عذبة. وليلة نطوف، أي ممطرة. والناطف: السائل من المائعات. وفلان نطف بسوءٍ، استعارة لصدور الشر منه. ويكنى عن اللؤلؤة بالنطفة. ومنه صبي منطف، أي في أذنه نطفة في اللؤلؤة. ن ط ق: قوله تعالى: {علمنا منطق الطير} [النمل: 16] أي أن الله تعالى علمنا من

أصوات الطير ما تقول، وإن لم تنطق بنطق البشر. فسمى أصوات الطير نطقًا، اعتبارًا بفهمه عنها؛ فمن فهم من شيءٍ فهو ناطق بالنسبة إليه، وإن كان صامتًا بالنسبة إلى غيره. والنطق في العرف العام: الأصوات المقطعة التي يظهرها اللسان وتعيها الآذان. ولا يكاد يقال إلا للإنسان، ولا يقال لغيره إلا على سبيل التبع، نحو الناطق والصامت. فيراد بالناطق ما له صوت، وبالصامت ما لا صوت له. ولا يقال للحيوان ناطق إلا مقيدًا، أو على سبيل التشبيه، كقول الشاعر: [من الطويل] 1665 - عجبت لها أنى يكون غناؤها ... فصيحًا ولم تفغر بمنطقها فما قال الهروي: فأما معنى قول جرير: [من الطويل] 1666 - لقد نطق اليوم الحمام ليطربا ... وعنى طلاب الغانيات وشيبا فإن الحمام لا نطق له، وإن هو صوت رجلٍ ناطقٍ بمصوتٍ، وليس كل مصوتٍ ناطقًا. ولا يقال للصوت نطق حتى يكون هناك صوت وحروف تعرف بها المعاني. وإنما استخار الشاعر أن يقول: لقد نطق الحمام، لأنه لمّا شوقه إلى إلفه عرف ما أراد على سبيل التجوز. وقال الراغب الأصبهاني: والمنطقيون يسمون القوة التي منها النطق نطقًا، وإياها عنوا حيث حدوا الإنسان بالحيوان الناطق المائت. فانطق لفظ مشترك عندهم بين القوة الإنسانية التي يكون بها الكلام وبين الكلام المبرز بالصوت. وقد يقال الناطق لما يدل على شيءٍ، وعلى هذا قيل لحكيمٍ: ما الصامت الناطق؟ فقال: الدلائل المخبرة والعبر الواعظة. قوله: {لقد علمت ما هؤلاء ينطقون} [الأنبياء: 65] إشارة إلى أنهم ليسوا من الناطقين ذوي العقول. قوله: {قالوا: أنطقنا الله الذي أنطق كل شيءٍ} [فصلت: 21] قيل: أراد به الاعتبار. قال الهروي: معلوم أن الأشياء كلها ليست تنطق إلا من حيث العبرة. ثم قال: وقد قيل: إن ذلك يكون بالصوت المسموع. وقيل: يكون الاعتبار، والله أعلم، بما يكون في النشأة الآخرة. قوله: {هذا

كتابنا ينطق عليكم بالحق} [الجاثية: 29] أي هو بمنزلة من يشهد نطقًا حقًا. ويجوز أن يكون ذلك حقيقةً يخلق فيه قوةً. وقال بعضهم: حقيقة النطق اللفظ الذي هو كالنطاق للمعنى في ضمه وحصره. والمنطق والمنطقة: ما يشد به الوسط. وقيل في قول الشاعر: [من الوافر] 1667 - وأبرح ما أدام الله قومي ... بحمد الله منتطقًا مجيدا منتطقًا جانبًا فرسًا لم يركبه. قال الراغب: فإن لم يكن في المعنى غير هذا البيت، فإنه يحتمل أن يكون أراد بالمنتطق الذي شد نطاقه كقولهم: «من يطل ذيل أبيه ينتطق به». وقد قيل: معنى المنتطق المجيد هو الذي يقول قولًا فيجيد فيه. والمنطق والنطاق واحد، وهو أن تلبس المرأة ثوبًا، وتشد وسطها بحبلٍ. ثم ترسل الأعلى على الأسفل. ومنه الحديث: «فعمدن إلى حجز مناطقهن» هو جمع منطق. وكانت أسماء تسمى «ذات النطاقين» لأنها كانت تلبس واحدًا، وتحمل في الآخر الزاد للنبي صلى الله عليه وسلم وهو في الغار. وقيل: لأنها شقت مقنعةً لها، فانتطقت بواحدٍ، وجمعت سفرةً للنبيً صلى الله عليه وسلم بأخرويًا لها. وكان الخبيث الحجاج يعير عبد الله بـ: يا بن ذات النطاقين، لذعارته وحسه. وفي مدح العباس للنبي صلى الله عليه وسلم: [من المنسرح] 1668 - حتى احتوى بيتك المهيمن من ... خندف عليا تحتها النطق ضرب النطاق مثلًا له في ارتفاعه وتوسطه في عشيرته، فجعله في عليا وجعلهم تحته نطاقًا.

فصل النون والظاء

فصل النون والظاء ن ظ ر: قوله تعالى: {ثم نظر} [المدثر: 21] النظر في الأصل تقليب البصر وتوجيهه إلى جهة المنظور، فهو بمعنى الرؤية. ثم يستعمل في تقليب البصيرة، فيكون بمعنى التفكر. قال بعضهم: هو تقلب البصر أو البصيرة لإدراك الشيء ورؤيته. وقد يراد به التأمل والفحص. وقد يراد به المعرفة الحاصلة بعد الفحص. وقوله تعالى: {انظروا ماذا في السماوات} [يونس: 101] أي تأملوا. وقال بعضهم: إذا عدي بنفسه كان بمعنى الرؤية، وإذا عدي بإلى كان بمعنى الميل، وإذا عدي بفي كان بمعنى التفكر. وقال آخرون: استعمال النظر في البصر أكثر عند العمامة، وفي البصيرة أكثر عند الخاصة. وقيل؛ نظرت إلى كذا: مددت طرفي إليه، رأيته أم لم تره. ونظرت إليه، أي رأيته وتدبرته أيضًا، كقوله تعالى: {أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت} [الغاشية]. قوله: {أو لم ينظروا في ملكوت السماوات والأرض} [الأعراف: 185] هذا بمعنى الفكرة، حثهم على تأمل حكمته في خلقها وما فيها من عجائب المصنوعات، وتباين المخلوقات. قوله: {ولا ينظر إليهم} [آل عمران: 77] نظر الله تعالى إلى عباده عبارة عن إحسانه إليهم وإفاضة نعمه عليهم، وهو متعالٍ عن تقليب الحدقة والحاسة. قوله تعالى: {انظرونا نقتبس} [الحديد: 13] أي انتظرونا. وقد قرئ: «أنظرونا» من الإنظار وهو التأخير، لقوله: {أنظرني إلى يوم يبعثون} [الأعراف: 14]. قوله: {وما كانوا منظرين} [الدخان: 29] قال بعضهم: نفي الأنظار عنهم إشارةً إلى ما نبه عليه بقوله تعالى: {فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعةً ولا يستقدمون} [الأعراف: 34]. قوله: {غير ناظرين إناه} [الأحزاب: 53] أي منتظرين نضجه. قوله تعالى: {وقولوا انظرنا} [البقرة: 104] أي انتظرنا وتأن علينا، كما تقدم. ومن ذلك قول امرئ القيس: [من الطويل]

1669 - فإنكما إن تنظراني ساعة ... من الدهر تنفعني لدى أم جندب أي تنتظراني. قوله تعالى: {فنظرة إلى مسيرةٍ} [البقرة: 28] أي انتظار وتأخير، قوله: {وأغرقنا آل فرعون وأنتم تنظرون} [البقرة: 50] أي تبصرون وتشاهدون ذلك، وقيل: تعتبرون. ويقال: نظره، أي أعانه. وبه نظرة، أي مس من الجن، وأنشد: [من الرمل] 1670 - نظر الدهر إليهم فابتهل أي خانهم فأهلكهم مجازًا. والنظير: المثيل، وأصله المناظر، كأنه ينظر كل واحدٍ منهما إلى صاحبه، فيناظره ويباريه. والمناظرة: المباحثة والمباراة في النظر، واستحضر كل ما يراه ببصيرته. والنظر اصطلاحًا: البحث، وهو أعم عندهم من القياس؛ فكل قياسٍ نظر وليس نظرٍ قياسًا. قوله: {انتظروا إنا منتظرون} [الأنعام: 158]، أي انتظروا ما تتربصون به من ظهوركم علينا على زعمكم إنا منتظرون ما وعدنا ربكم من نصره، أو انتظروا- كما يزعمون ويقولون- انتهاء مدتنا وتقاصر أمرنا إنا منتظرون ما يقع بكم من العذاب. وقد حقق الله ما انتظره المؤمنون، وأبطل ما انتظره الكافرون. قوله: {هل ينظرون إلا سنة الأولين} [فاطر: 43] أي هل ينظرون إلا نزول العذاب بهم؟ قوله: {فهل ينظرون إلا أن تأتيهم الملائكة} [الأنعام: 158] قيل: ينتظرون. قوله تعالى: {فينظر كيف تعملون} [الأعراف: 129] أي يجازيكم بحسب أعمالكم جزاء من شاهد على العامل. قوله: {إلى ربها ناظرة} [القيامة: 23] أي مشاهدة تليق بجلالة من غير تكيفٍ ولا تحييز، كما صرح بذلك في الأخبار الصريحة. فلو استقصينا الكلام في هذه المسألة لطال الكتاب وخرجنا عما نحن بصدده وقد أتقناها في «القول الوجيز» وغيره ولله الحمد. وذكرنا تأويل المعتزلة من أن إلى جمع إل، لا حرف جر. والجواب عنه قوله: {لن تراني} [الأعراف: 143] فعليك باعتباره. وفي

فصل النون والعين

حديث الزهري: «لا تناظر بكتاب الله عز وجل ولا بسنة رسوله» قيل: معناه: لا تجعل شيئاً نظيرًا لهما يقول: لا تتبع قول قائلٍ وتدعهما. وقال أبو عبيدٍ: لا تجعلهما مثلًا لشيءٍ يعرض؛ كقول القائل لرجلٍ يجيء في وقتٍ يحتاج فيه إليه: {ثم جئت على قدرٍ يا موسى} [طه: 40]. وفي الحديث: «النظر إلى وجه علي عبادة» قال ابن الإعرابي: تأويله أن عليًا رضي الله تعالى عنه كان إذا برز قال الناس: لا إله إلا الله ما أشرف هذا الفتى! لا إله إلا الله ما أشجع هذا الفتى! لا إله إلا الله ما أكرم هذا الفتى! وفي الحديث أيضا: «إن عبد المطلب كان يمر بامرأةٍ تنظر» أي تتكهن. فصل النون والعين ن ع ج: قوله تعالى: {ولي نعجة واحدة} [ص: 23] النعجة: الأنثى من الغنم الضأن، والتاء فيها لتأكيد التأنيث، لأن مذكرها له لفظ يخصه وهو خروف، وهما نظير ناقةٍ وجمل. والنعجة أيضًا البقرة الوحشية، وللثور الوحشي شاء. وأنشد [من الخفيف] 1671 - قلت إذ أقبلت وزهر تهادى ... كنعاج الملاء تعسفن رملا ويكنى بالنعجة عن المرأة، وهو مراد الآية الكريمة. وقد [قيل] إن المراد النعجة المعهودة، وأن الخصام وقع في غنمٍ حقيقةً. وقد بينا ذلك في التفسير. ونعج الرجل، أي أكل لحم ضأنٍ فأتخم. وأنعج: سمنت نعاجه. والنعج: الابيضاض، ومنه: أرض ناعجة، أي بيضاء. ن ع س: قوله تعالى: {أمنة نعاسًا} [آل عمران: 154] النعاس: مبادئ النوم، وهو بمعنى

السنة. قال عدي بن الرقاع: [من الكامل] 1672 - وسنان أقصده النعاس فرنقت ... في جفنه سنة وليس بنائم وقال الرغب: النوم القليل، كذا قال. وهذا البيت يرده؛ فإنه نفى عنه النوم وأثبت له النعاس. وقيل: النعاس في الآية الكريمة السكون والهدوء، وعليه حمل قوله عليه الصلاة والسلام: «طوبى لكل عبدٍ نومةٍ» النومة: الكثير النوم. و {نعاسًا} بدل من {أمنة} أو مفعول له أو به. وله موضوع غير هذا. ن ع ق: قوله تعالى: {ينعق بما لا يسمع} [البقرة: 171] يقال: نعق الراعي بالغنم ينعق نعيقًا: إذا صوت وصاح عليها لترجع. فمعنى الآية: إن مثل داعي الكفرة كمثل الراعي الناعق بالغنم، والغنم المنعوق بها في أنه لم يحصل للكفرة من الدعاء الهدي الأمثل ما يحصل للغنم من صوت الناعق بها، وهو سماع الصوت من غير فهمٍ لمعناه. ولذلك قال: {إلا دعاءً ونداءً} [البقرة: 171] فذكر في أول الآية المدعو، وحذف الداعي، وفي آخرها ذكر الداعي وحذف المدعو. فحذف من الأول لدلالة الثاني عليه، ومن الثاني لدلالة الأول عليه. وفي الآية أقوال هذا أبينها، وإليه نحا سيبويه. ن ع ل: قوله تعالى {فاخلع نعليك} [طه: 12] النعل: ما ينتعله الإنسان، أي يلبسه في رجله. وانتعل: لبس نعلًا. قال الأعشى: [من البسيط] 1573 - في فتيةٍ كسيوف الهند قد علموا ... أن هالك كل من يحفى وينتعل

والنعل مؤنثةً قال: [من البسيط] 1574 - ألقى الصحيفة كي يخفف رحله ... والزاد حتى نعله ألقاها وبه شبه نعل الفرس ونعل السيف؛ وهو الحديدة المجعولة في أسفله. وفي الحديث: «كان نعل سيف رسول الله صلى الله عليه وسلم من فضةٍ» قال شمر: النعل من السيف الحديدة التي تكون في أسفل قرابة، ومنه: «إذا ابتلت النعال فالصلاة في الرحال» قيل: هنا ما غلظ من الأرض. وقيلأ: هي النعال المعروفة. ويكنى بالنعل عن الرجل الذليل وأنشد للعجاج: [من الرجز] 1675 - ألم أكن ذراعه ونعلاه قيل: إنما أمر موسى عليه السلام بخلعهما لأنهما من جلد حمارٍ ميتٍ لم يدبغ. وفي المثل: «أطري فإنك ناعلة» أصله أن رجلًا كان معه أمتان إحداهما حافية والأخرى منتعلة، فقال للمنتعلة: أطري، أي اسلكي الطرر، وهي الحجارة، فإنك ذات نعل. يضرب مثلًا لمن تقاعد عن أمرٍ فيه طاقة له به. ن ع م: قوله تعالى: {نعم} [الأعراف: 44] نعم: حرف جوابٍ وتصديق، ويكون جوابًا للنفي والإثبات؛ يقال: ما قام زيد، فيقال: نعم، أي ما قام. وقام زيد، فيقال: نعم، أي قام بخلاف بلى فإنها لا يجاب بها إلا للنفي كما تقدم. ويجوز كسر العين، وهي لغة قرأ بها الكسائي ويجوز إبدال عينها حاءً. قوله: {نعم العبد} [ص: 30] نعم: فعل جامد عند البصريين، واسم عند

الكوفيين، بدليل دخول حروف الجر عليها، كقوله: «والله ما هي بنعم المولودة، نصرتها بكاء وبرها سرقة» وأنشد: [من الرجز] 1676 - صبحك الله بخيرٍ باكر ... بنعم طيرٍ وشبابٍ فاخر وهو مؤول عند البصريين، ويقتضي المدح، عكس بئس، ولا يرفعان إلا ما فيه أل أو مضافًا لما هما فيه، أو ضمير نكرةٍ مفسرةٍ لما بعده، أو التامة على رأيٍ. ولا يكون غير ذلك إلا ضرورةً. وفيه أربع لغات، وكذا في كل ما كان على وزن فعل، عينه حرف حلق اسمًا كان أو فعلًا نحو فخذ ونعم وبئس، وأنشد: [من الرجز] 1676 - صبحك الله بخيرٍ باكر ... بنعم طيرٍ وشبابٍ فاخر وهو مؤول عند البصريين، ويقتضي المدح، عكس بئس، ولا يرفعان إلا ما فيه أل أو مضافًا لما هما فيه، أو ضمير نكرةٍ مفسرةٍ لما بعده، أو التامة على رأيٍ. ولا يكون غير ذلك إلا ضرورةً. وفيه أربع لغاتٍ، وكذا في كل ما كان على وزن فعل، عينه حرف حلق اسمًا كان أو فعلًا نحو فخذ ونعم وبئس، وأنشد: [من الرجز] 1677 - لو شهد عادًا في زمان تبع يريد شهد فسكن العين قوله: {وتلك نعمة تمنها علي أن عبدت} [الشعراء: 22] النعمة: الحالة الحسنة، وبناء النعمة كبناء الحالة التي يكون عليها الإنسان كالجلسة والركبة. قوله تعالى: {ونعمة كانوا فيها فاكهين} [الدخان: 27] وقوله: {أولي النعمة} [المزمل: 11] النعمة: التنعم، وبناؤها بناء المرة من الفعل. قوله تعالى: {صراط الذين أنعمت عليهم} [الفاتحة: 7] أي أوصلت الإحسان إليهم. فالإنعام: إيصال الإحسان إلى الغير. قال الراغب: ولا يقال إلا إذا كان الموصل إليه من الناطقين، فإنه لا يقال: أنعم فلان على فرسه. قوله: {نعماء بعد ضراء} [هود: 10]. النعماء مقابل الضراء، والنعمى مقابل البؤس. والنعيم: حيث ورد فهو النعمة الكثيرة. وتنعم: تناول ما فيه نعمة وطيب عيشٍ. والناعم ضد الخشن. قوله: {وإن لكم في الأنعام} [النحل: 66] الأنعام جمع نعمٍ، والنعم قال الراغب: وتسميته بذلك يكون الإبل عندهم أعظم نعمةٍ. ثم قال: لكن الأنعام تقال للإبل والبقر والغنم. ولا يقال لها أنعام حتى يكون فيها إبل. وقال في قوله

تعالى: {مما يأكل الناس والأنعام} [يونس: 24] إن الأنعام هاهنا عام في الإبل وغيرها. وقال أبو عبيد الهروي: «وإن لكم في الأنعام لعبرة نسقيكم مما في بطونه» معنى الأنعام النعم والنعم، يذكر ويؤنث. ثم قال: الأنعام: المواشي من الإبل والبقرة والغنم. فإذا قيل: نعم فهو الإبل خاصةً. وأما إفراد الضمير وتذكيره في قوله: {مما في بطونه} فلأنه في تأويل نعم كقول الآخر: [من الرجز] 1678 - وطاب ألبان اللقاح وبرد لأنه في معنىٍ لبن، وفيه نظر لما قدمته من أن الأنعام شاملة للثلاثة الأنعام، والنعم لواحدٍ منها خصوصًا. والنعامى: الريح الجنوب الناعمة الهبوب. والنعامة: سميت بذلك لشبهها بالأنعام خلقةٍ ولذلك أوجبوا في جزاء الصيد فيها بدنةً. والنعامة: المظلة على الجبل أو على رأس البئر، تشبيها بالنعامة في الهيئة. والنعائم: منزلة من منازل القمر تشبيها بالنعامة، نحو النسر. والنعامة أيضًا: باطن القدم، ويعبر بها عن الرجل، وأنشد: [من الكامل] 1679 - وابن النعامة عند ذلك مركبي شبه رجله بها في السرعة وقولهم: نعمى عينٍ، ونعام عينٍ، ونعمة عينٍ. ومنه الحديث: «نعم ونعمة عينٍ» فنعم جواب، ونعمة عينٍ منصوب بمقدارٍ، أي: وأجعل لك قرة عينٍ. وفي الحديث: «إن أبا بكرٍ وعمر منهم وأنعما» يعني من أهل عليين، «وأنعما» أي زادا. يقال: أحسنت وأنعمت، أي زدت. قال الراغب: وأصله من الإنعام، يعني إيصال النعمة كما تقدم. وقال الفراء: أي صارا إلى النعيم ودخلا فيه، نحو أجنب، أي دخل في الجنوب. ونعم ينعم بمعنى تنعم، ومنه الحديث: «كيف أنعم؟» أي كيف أفرح؟

فصل النون والغين

والنعمة: المسرة، وتفسيرهم «نعمة الله» في قوله: {من يبدل نعمة الله} [البقرة: 211] بالدين والإسلام حسن، لأنهما أعظم النعم. قوله: {فما أنت بنعمة ربك بكاهنٍ} [الطور: 29] أي برأك الله من ذلك بنعمته، والباء سببية. فصل النون والغين ن غ ض: قوله تعالى: {فسينغضون إليك رؤوسهم} [الإسراء: 51] أي يحركونها تحريك استهزاءٍ. وقيل: الإنغاض: تحريك الرأس نحو الغير كالمتعجبٍ منه. ويقال: نغض رأسه وأنغضها فنغضت. فنغض متعد ولازم، وفعل أفعل فيه بمعنى. وفي الحديث: «وإذا الخاتم في ناغض كتفه الأيمن» يعني خاتم النبوة. والناغض: غضروف الكتف. وقيل له نغض أيضًا. وكذا في روايةٍ سمي بذلك لتحركه. ومنه سمى الظليم نغضًا لتحريك رأسه عند العدو. وقال: شمر: الناغض من الإنسان أصل العنق، حيث يحرك رأسه. ونغض الكتف هو العظم الرقيق على طرفها، وقال غيره: الناغض: فرج الكتف. ووصف عليه رضي الله تعالى عنه النبي صلى الله عليه وسلم فقال: «كان نغاض البطن. فقال له عمر رضي الله تعالى عنه: ما نغاض البطن؟ قال: معكن البطن، وكانت عكنه أحسن من سبائك الذهب والفضة صلى الله عليه وسلم». وقال عثمان رضي الله تعالى عنه: «سلس بولي ونغضت أسناني» أي قلقت عن منابتها وتحركت، يصف نفسه بالطعن في السن. فصل النون والفاء ن ف ث: قوله تعالى: {ومن شر النفاثات في العقد} [الفلق: 4] هن الساحرات ينفثن في عقدٍ يعقدنها. قيل: هن بنات لبيد بن الأعصم. وأصل النفث قذف الريق القليل من

الفم. قيل: وهو أقل من التفل. وقال الهروي: هن السواحر تنفث، أي تتفل بلا ريق كما يعمل الرقاة. ثم نقل عن أبي عيبدة أن النفث بالفم شبه بالنفخ. وأما التفل فلا يكون إلا ومعه شيء من الريق وفي الحديث: «إن روح القدس نفث في روعي» أي ألقى، وهو مجاز عن النفخ. وقيل: معناه أوحى إلي ذلك. والروع، النفس. وفي الحديث: «أعوذ بالله من نفخه ونفثه» قال أبو عبيدٍ: تفسيره في الحديث أنه الشعر سمي نفثًا لأنه شيء ينفث، أي يلقى من الفم. منه: الحية تنفث السم. وفي المثل: «لو سألته نفاثة سواكٍ» هو ما بقي بين الأسنان فينفثه. وفي المثل: «لابد للمصدرو أن ينفث». ودم نفيث: نفثه الجرح. وفي حديث النجاشي: «ما يزيد عيسى عليه السلام على ما يقول هذا» وفي الحديث: «أنه قرأ المعوذتين على نفسه ونفث» أي نفخ في يديه. ن ف ح: قوله تعالى: {ولئن مستهم نفحة} [الأنبياء: 46] النفحة: الفورة. ومنه الحديث: «أول نفحةٍ من دم الشهيد» أي فورة. وطعنة تفوح، أي فوارة. قيل: أصله في الخير. يقال نفح الريح ينفح نفحًا، وله نفحة طيبة، أي هبوب من الريح. ثم يستعار ذلك للشر، قاله الراغب. ونفحته الدابة: رمته برجلها، ومنه حديث شريحٍ «أنه أبطل النفح» أي كان لا يلزم صاحب الدابة شيئاً إذا نفحت شيئًا. ونفح الطيب أي ضاع

ونفحه بالسيف، كناية عن ضربه به. وقوس نفوح: بعيدة الدفع للسهم. والنفوح من النوق: التي يخرج لبنها من غير حلبٍ. وأنفحة الدي معروفة، وشرطها ألا يشرب الجدي ولا السخلة لبنًا، فإن شربا كانت كرشًا. ن ف خ: قوله تعالى: {ونفخ في الصور} [الكهف: 99] النفخ: نفخ الريح في الشيء هذا أصله. ونفخ الملك في الصور عبارة عن نفخه بفيه في الصور الذي فيه أرواح العالم، فتخرج الأرواح بتلك النفخة فتلبس أجسدها. لقوله: {فإذا نقر في الناقور} [المدثر: 8] وقرئ: «في الصور» بفتح الواو جمع صورةٍ. وقيل ذلك في القراءة المشهورة، وإن الصور جمع صورةٍ، أي اسم جنس لها وقوله: {ونفخت فيه من روحي} [الحجر: 29] كناية عن الإحياء وجعله ذا روحٍ. وانتفخ بطنه، افتعل منه، أي ارتفع من الريح، واستعير منه: انتفخ النهار. ورجل منفوخ: سمين. ن ف د: قوله تعالى: {لنفد البحر} [الكهف: 109] أي لفني. يقال: نفد ينفد. قوله تعالى: {إن هذا لرزقنا ماله من نفاذٍ} [ص: 54] أي من فراغٍ وفناءٍ. وأنفدوا: فني زادهم. وخصم منافذ: إذا خاصم لينفد حجة صاحبه. يقال: نافدته، أي غلبته. ن ف ذ: قوله تعالى: {فانفدوا} [الرحمن: 33] أي اخرقوا. يقال: نفذ السهم في الرمية أي خرقها نفوذًا ونفاذًا. ونفذ فلان في الأمر نفاذًا. ونفذت الأمر تنفيذًا، أي أمضيته وكذا نفذت الجيش، ومنه الحديث: «نفذوا جيش أسامة» والمنفذ: الممر النافذ، وفي الحديث: «أيما رجلٍ أشار على مسلم بما هو بريء منه كان حقًا على الله أن يعذبه أو

يأتي بنفذ ما قال» أي بالمخرج منه. وفيه أيضًا: «ينفذكم البصرة» قال أبو عبيدٍ: ينفذهم بصر الرحمن حتى يأتي عليهم كلهم. الكسائي: نفذني بصره: تابعني وجاوزني. ابن عونٍ: أنفذت القوم: خرقتهم ومشيت في وسطهم، فإن جزتهم حتى تخلفت قلت: نفذتهم- دون ألفٍ- وقال غير أبي عبيدٍ: أراد بخرقهم لاستواء الصعيد. ويقال: «انفذ عنك»، أي امض. ن ف ر: قوله تعالى: {انفروا خفافًا وثقالًا} [التوبة: 41] أي ارحلوا وسافروا. يقال: نفر الشيء عن الشيء ينفر نفورًا. ونفر إلى الحرب وغيره ينفر وينفر نفرًا. ومنه: يوم النفر. والاستنفار: الحث على النفر أو النفور. قول: {حمر مستنفرة} [المدثر: 50] قرئ بكسر الفاء بمعنى أنها طلبت أن تنفر. فمعناها نافرة، وبفتحها على معنى أن غيرها طلب نفورها. قوله: {أكثير نفيرًا} [الإسراء: 6] أي جمعيصا وعددًا، وأصله أن النفير والنفرة جماعة يمكنهم النفر. وقال أبو عبيدٍ: النفير جمع نفرٍ نحو عبدٍ وعبيدٍ، وكلبٍ وكليبٍ. قوله: {وأعز نفرًا} [الكهف: 34] النفر والنفرة والنفير والنافرة: رهط الرجل الذي ينصرون ويذبون عنه. ونفر العضو: ورم. ومنه: «أن رجلًا تخلل بالقصب فنفر فوه» وذلك لتباعده وتجافيه والمنافرة: المحاكمة، ومنه قول زهيرٍ: [من الوافر] 1380 - فإن الحق مقطعه ثلاث ... يمنين، أو نفار، أو جلاء ولما سمع عمر رضي الله تعلى عنه هذا البيت قال: «قاتله الله ما أعلمه بالحكم!» ويقال: نفر فلان، أي سمي باسمٍ غريبٍ شنيع. وقال أعرابي: قيل لأبي حين ولدت: نفر

عنه. فسمّاني قُنْفذًا وكنّاني أبا العِدا (¬1)؛ وذلك أنهم كانوا يزعمون أنهم إذا سموا بذلك نفرعنه الشطيان. ن ف س: قوله تعالى: {كل نفسٍ ذائقة الموت} [آل عمران: 185] النفس هنا ذات الشيء وجملته، فقيل: المراد بها الروح، والناس مختلفون فيها اختلافًا شديدًا. قال الراغب: النفس: الروح في قوله تعالى: {أخرجوا أنفسكم} [الأنعام: 93] وقال أهل اللغة: النفس في كلام العرب على وجهين: أحدهما قولك: خرجت نفس فلانٍ، أي روحه، وفي نفسه أن يفعل كذا، أي في روعه. والثاني أن معنى النفس حقيقة الشيء وجملته. يقال: قتل فلان نفسه. وقال الأزهري: النفس نفسان إحداهما تزول بزوال العقل، والأخرى ترزول بزوال الحياة، وعليه قوله تعالى: {الله يتوفى الأنفس حين موتها} [الزمر: 42] والنفس: الدم، وأنشد: [من الطويل] 1681 - تسيل على حد الظبات نفوسنا ... ليست على غير الظبات تسيل قوله: {يوم تأتي كل نفسٍ تجادل عن نفسها} [النحل: 111] قيل: النفس الأولى المعنوية، والثانية الذات والجملة. وقيل: هما بمعنى، كأنه قيل: تجادل عنها، فأوقع الظاهر موقع المضمر. ويقال: فلان يؤامر نفسه: إذا تردد بين أمرين. قال الشاعر: قوله تعالى: {ويحذركم الله نفسه} [آل عمران: 28] أي ذاته المقدّسة بمعنى عقابه وعذابه، كقولك: احذر السلطان، إنما تريد عقوبته وسلطنته. قال الراغب: ¬

_ (¬1) Ms. وغصّته.

نفسه، أي ذاته. وهذا وإن كان قد حصل من حيث إنه مضاف ومضاف إليه، يقتضي المغيرة وإثبات شيئين من حيث العبارة، فلا شيء من حيث المعنى سواه، تعالى عن الأثنينية من كل وجهٍ. وقال آخرون: إن إضافة النفس إليه تعالى إضافة الملك، وعنى بنفسه نفوسنا، وأضاف إليه على [سبيل] الملك وهذا وإن صدر عن توقيفٍ من السلف فحسن، وإلا فالإقدام على القول به احتمالًا خطر عظيم. قوله تعالى: {وفي ذلك فليتنافس المتنافسون} [المطففين: 26] أي ليتعال المتعالون. وأصل المنافسة مجاهدة النفس للشبيه بالأفاضل، من غير إدخال ضررٍ على غيره. وشيء نفيس بمعنى منفوسٍ به، أي مضنون، وتنفس الشيء: اتسع. ومنه قوله تعالى: {والصبح إذا تنفس} [التكوير: 18] ومنه حرف التنفيس عند النحاة، لأن فيه دلالةً على طول الزمان وتراخيه عن الحل. والنفس: الريح الداخل والخارج من البدن من دلالة على طول الزمان وتراخيه عن الحل. والنفس: الريح الداخل والخارج من الدن من المنخر والفم، وهو كالغذاء للنفس. وبانقطاع النفس انقطاع النفس وبطلانها. ويعبر عن الفرج بالنفس لأن فيه توسعة بعد الكرب. ومنع عند بعضهم: «إني لأجد نفس ربكم من قبل اليمن» أي فرجه. وفي الحديث: «لا تسبوا الريح فإنها من نفس الرحمن» أي مما يفرج الكرب. ومنه في الدعاء: «ونفس عنا وعن المكروبين». وتنفست الريح: هبت. قال الشاعر: [من الطويل] 1682 - فإن الصبا ريحً إذا ما تنفست ... على نفس محزونٍ تجلت همومها والنفاس: ولادة المرأة، والمرأة نفساء، وجمعها نفاس نحو: عشراء وعشار. وصبيًّ منفوس، أي مولود مع دم النفاس. وتنفست المرأة: حاضت. وفي الحديث: «أنه قال لعائشة: أنفست؟» يروى مبينًا للمفعول، إلا أن أبا عبيدٍ الهروي قال: يقال: نفست

المرأة ونفست، أي ولدت. فإذا حاضت قيل: نفست- بفتح النون لا غير- ثم روى حديث أم سلمة: «كنت معه في الفراش فحضت، فقال: أنفست؟». وفي الحديث: «ما من منفوسةٍ» أي مولودة. وفي حديث آخر: «لا يرث المنفوس حتى يستهل صارخًا». وفي الحديث: «نهى عن التنفس في الإناء» وفي آخر: «كان يتنفس في الإناء ثلاثًا» جمع الناس بينهما بأن الأول إذا تنفس فيه ولم يبنه عن فيه، لأنه ربما يخرج من أنفه وفيه شيء مستقذر، وأن الثاني كان يتنفس مع إبانته له عن فيه، وهو حسن. وقرئ: {لقد جاءكم رسول من أنفسكم} [التوبة: 128] بفتح الفاء، أي من أرفعكم وأكرمكم، وهي قراءة عائشة رضي الله تعالى عنها. والنفس أيضًا العين، يقال: أماتته النفس، أي عين. وفي حديث ابن سيرين: «نهى عن الرقى إلا في ثلاثٍ: النملة، والحمة، والمنفس» أي العين. ن ف ش: قوله تعالى: {إذا نفشت فيه غنم القوم [الأنبياء: 78] أي انتشرت وتفرقت، من نفشت الصوف، ومنه: {كالعهن المنفوش} [القارعة: 5] أي المنبث. وما أبلغ هذا التشبيه من حيث الصورة والمعنى؛ فإن الجبال جدد بيض وحمر وغرابيب سود، والجوف المصبوغ ألوانًا إذا تطاير ونفش كانت رليته غريبةً، فوقع التشبيه في أعلى طباقه. وإبل نوافش، أي مترددة ليلًا في المرعى دون راعٍ، وقال بعضهم: النفش: الرعي

بالليل خاصةً. يقال: نفشت السائمة بالليل وهملت بالنهار، أي رعت بلا راعٍ، وأنفشها صاحبها، وإبل نفاش ونوافش. وفي الحديث: «وإن أتاك منتفش المنخرين» أي واسعهما متطامن المارن كأنوف الريح. وفيه أيضًا: «مثل كرش البعير يبيت نافشًا» أي راعيًا. ن ف ع: قوله تعالى: {فما تنفعهم} [المدثر: 48] أي لم تغن عنهم ولم تجد عليهم. والنفع ضد الضر والضر. وقد قرئ: {إن أراد بكم ضرًا أو أراد بكم نفعًا} [الفتح: 11] و «ضرً». وقد تقدم الكلام على الضر ومادته. وقال بعضهم: النفع ما يستعان به في الوصول إلى الخيرات، وما يتوصل به إلى الخير فهو خير. ويقال: نفع ينفع نفعًا فهو نافع، وانتفع ينتفع انتفاعًا فهو منتفع. ن ف ق: قوله تعالى: {أن تبتغي نفقًا في الأرض} [الأنعام: 35] أي سربًا تدخل فيه. والنفق: الطريق النافذ، والسرب في الأرض. ومنه: نافقاء اليربوع، لبعض حجرته. وقد نافق اليربوع ونفق، وذلك أنه يتخذ لحجره أبوابًا متعددةً، فإذا أمد الحارش يده ليأخذه خرج من بعض الأبواب. ومنه: النفاق الشرعي، لأنه خروج من الإسلام بضربٍ من الحيل، وهو إبطان غير الظاهر، وهذا شأن المنافق يظهر الإسلام ويبطن الكفر. قال بعضهم: ومنه النفاق وهو الدخول في الشرع من بابٍ والخروج من بابٍ آخر. وعليه نبه بقوله: {إن المنافقين هم الفاسقون} [التوبة: 67] أي الخارجون من الشرع، والفسق: الخروج، وجعلهم شرًا من الكفرة حيث قال: {إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار} [النساء: 145]. وتنفقت اليربوع: استخرجته. وأنشد ثعلب: [من الوافر]

1683 - إذا الشيطان نفق في قفاها ... تنفقناه بالحبل التؤام وقال ابن الأعرابي: وفي الاعتدال لتسمية المنافق منافقًا ثلاثة أوجهٍ: أحدها أنه يسر كفره ويخفيه. فشبه بالذي يدخل النفق وهو السرب يستتر فيه. والثاني أنه نافقٌ كاليربوع، وذلك أن اليربوع له جحران: أحدهما يقال له النافقاء، والآخر القاصعاء. فإذا طلب من النافقاء خرج من القاصعاء. والثالث أنه شبه به لمخادعته، وذلك أن اليربوع يحتفر الأرض من تحتها حتى يرقها جدًا، فإذا طلب من باب جحره عمد إلى ذلك الموضع الذي رقق ترابه بحفره ودفعه برأسه خارجًا. فظاهر جحره أرض، وباطنه حفرٌ، فكذلك المنافق ظاهره مؤمنٌ وباطنه كافرٌ. قوله: {إذا لأمسكتم خشية الإنفاق} [الإسراء: 100] قال الراغب: أي الإقتار، يقال: أنفق فلانٌ: إذا نفق ماله فافتقر. فالإنفاق كالإملاق في قوله تعالى: {ولا تقتلوا أولادكم خشية إملاق} [الإسراء: 31]. وقال أبو عبيد: أي خشية الفناء والفساد. وقال قتادة: خشية الفاقة. وحكي: نفق الزاد ينفق: نفد. وأنفقه صاحبه: أنفده. وأنفق القوم: فني زادهم. والظاهر أن هذا من باب التعبير عن المسبب بسببه؛ فإن الإنفاق سبب الافتقار من الشيء المنفق. وقد قيل: إن كل ما فاؤه نونٌ وعينه فاءٌ كيفما كانت لامه دل على الخروج والذهاب، وهو أمرٌ مستقرى. ويقال: نفق الشيء: مضى ونفد، إما بالبيع نحو نفق البيع نفاقًا، ونفق القوم: إذا نفق سوقهم، عكس كسد. وإما بالموت نحو: نفقت الدابة نفوقًا، أي خرجت روحها فوقع الفرق بالمصدر. قوله: {ولا ينفقون نفقةً} [التوبة: 121] النفقة: اسم للشيء المنفق من المال ثم النفقة الواردة في القرآن إما واجبةٌ أو مندوبةٌ، وقد تجري في الأحكام الخمسة. ومن كونها حرامًا قوله تعالى: {إن الذين كفروا ينفقون أموالهم ليصدوا عن سبيل الله} [الأنفال: 36] {ينفقون أموالهم رئاء الناس} [النساء: 38] وفي حديث ابن عباسٍ: «لا ينفق بعضكم لبعض» أي لا يروج سلعة صاحبه بالنجش.

ن ف ل: قوله تعالى: {يسألونك عن الأنفال} [الأنفال: 1] هو جمع نفلٍ، وهو ما اتخذ من مال الكفار لا بإيجاف خيلٍ ولا ركابٍ، والغنيمة: ما أخذ بذلك. وقال الهروي: يعني عن الغنائم، والواحد نفلٌ، وكل شيءٍ زيادةٌ على الأصل فهو نفلٌ. وإنما قيل للغنائم نفلٌ لأنه مما زاده الله تعالى على هذه الأمة. وقال الراغب: قيل: هو الغنيمة بعينها، ولكن اختلفت العبارة عنه لاختلاف الاعتبار. فإذا اعتبر بكونه مظفورًا به يقال له غنيمةٌ، وإذا اعتبر بكونه منحةً من الله تعالى ابتداءً من غيرٍ وجوبٍ يقال له نفلٌ. قال: ومنهم من فرق بينهما من حيث العموم والخصوص فقال: الغنيمة: ما حصل مستغنمًا ببعثٍ أو بغير بعثٍ، باستحقاق كان أو بغير استحقاقٍ، قبل الظفر كان أو بعده. والنفل: ما يحصل للإنسان قبل الغنيمة من جملة الغنيمة. وقيل: هو مايحصل للمسلمين بغير قتالٍ، وهو الفيء. وقيل: هو ما يفضل من المتاع ونحوه بعدما تقسم الغنائم. وعلى ذلك حمل قوله تعالى: {يسألونك عن الأنفال}. قوله: {ووهبنا له إسحاق ويعقوب نافلةً} [الأنبياء: 72]. نافلةً حالٌ من يعقوب، أي زيادةً لأن ولد الولد زيادةٌ على الولد. قوله: {نافلةً لك} [الإسراء: 79] أي زيادةً على ما فرض عليك. ومن جعل التهجد واجبًا قال: زيادةً على ما فرض على أمتك، فإنه لم يفرض عليهم. و «نافلةً» يجوز أن تكون مصدرًا جاء على فاعله كالكاذبة. ونوافل الصلاة: زيادةٌ عليها. ونفلته كذا: أعطيته ذلك زيادةٌ. ونفله السلطان: أعطاه سلب قتيله. وعن علي رضي الله عنه: «لوددت لو أن بني أمية رضوا ونفلناهم خمسين رجلًا على البراءة». يقال: انتفلت من كذا، أي تبرأت. وفي الحديث: «أن فلانًا انتفل من ولده» أي تبرأ منه. والنفل أصله النفي.

يقال: نفلت كذا فانتفل، وسمي اليمين في القسامة نفلًا. لأنه ينفي بها القصاص. وقول كعب بن زهيرٍ يمدح النبي -صلى الله عليه وسلم -في بانت سعاد: [من البسيط] 1684 - مهلًا هداك الذي أعطاك نافلة الـ ... قرآن فيها مواعيظٌ وتفصيل حسنٌ جدًا لأن النبي -صلى الله عليه وسلم -نفل على سائر الأنبياء عليهم الصلاة والسلام بتخصيصه بالقرآن العظيم. وتنفل فلانٌ، أي فعل النوافل من العبادات. والنوفل: الرجل الكثير الإعطاء. ونوفلٌ: علمٌ مشهورٌ، وهو نوفل بن الحارث وغيره. ن ف ي: قوله تعالى: {أو ينفوا من الأرض} [المائدة: 33] النفي: الطرد بإهانةٍ. ونفي الدراهم: ترديدها للنقد لتعرف جودتها من رداءتها. قال الشاعر: [من البسيط] 1685 - تنفي يداها الحصى في كل هاجرةٍ ... نفي الدراهم تنقاد الصياريف ونفى يكون لازمًا ومتعديًا وأنشد القطامي: [من الطويل] 1686 - فأصبح جاراكم: قتيلًا ونافيا. أي منتفيًا. والنفاية -بضم الفاء -ما نفيته لرداءته وهو النفي أيضًا. وأنشد: [من الرجز] 1687 - كأن متنيه من النفي ... مواقع الطير على الصفي

فصل النون والقاف

والنفي: ما نفته الريح من التراب في أصول الشجر، والنفيان مثله. وأنشد [من الطويل] 1688 - وحربٍ يضج القوم من نفيانها ... ضجيج الجمال الجلة الدبرات والنفي أيضًا: الوعيد: يقال: أتانا نفيكم، أي وعيدكم. وانتفى الشعر وورق الشجر، أي تساقط. والنفية: السفرة يؤكل عليها. ومنه حديث زيد بن أسلم: «فصنع لنا نفيتين يشرشر عليهما الأقط». قال أبو الهيثم: سفرتين من خوصٍ. وقال ابن الأعرابي: النفية والسهمة مدورٌ تسف من خوص النخل يسميها الناس البنية. فصل النون والقاف ن ق ب: قوله تعالى: {فنقبوا في البلاد} [ق: 36] أي طوفوا وساروا في نقوبها. وهي طرقها. الواحد نقبٌ. ويقال لها المناقب أيضًا، وأنشد: [من الوافر] 1689 - لقد نقبت في الآفاق حتى ... رضيت من الغنيمة بالإياب والتنقيب: البحث عن الشيء والتقصي لآثاره، ومنه النقيب لأنه ينقب عن أحوال قومه ويفتش عليها. قال تعالى: {وبعثنا منهم اثني عشر نقيبًا} [المائدة: 12] فهو فعيلٌ بمعنى فاعلٍ. وقد نقب على قومه ينقب نقبًا ونقابةً. ويقال: نقب، والنقب: الطريق ببين جلبين، وجمعه نقابٌ، نحو فرخ وفراخ. ومنه الحديث: «أنهم فزعوا من الطاعون فقال عليه الصلاة والسلام: أرجو ألا يطلع علينا نقابها» أي لا يطلع الطاعون. نقاب المدينة،

أي طرقها. والمنقبة: طرقٌ نافذةٌ في الجبل، ثم استعير للفعل الكريم. ومنه: مناقب الكرماء وأهل الصلاح، عكس المثالب. والنقاب: ما تجعله المرأة على وجهها. وجمعه في القلة أنقبةٌ، وفي الكثرة نقبٌ. والناقبة: قرحةٌ. والنقبة: ثوب كالإزار سمي بذلك لنقبةٍ تجعل فيها تكةً. والمنقب: ما ينقب به الحائط، وسرة الدابة، ومنه: نقب البيطار سرة الدابة. وفي الحديث: «لا شفعة في فناءٍ ولا طريقٍ ولا منقبةٍ» المنقبة: الطريق بين الدارين، وأصلها في الجبلين كما تقدم. والنقبة: أول الجرب يبدو؛ وفي الحديث: «إن النقبة قد تكون بمشفر البعير» وجمعها نقبٌ. والنقبة أيضًا: اللون. والنقبة أيضًا: السراويل يجعل لها حجزةٌ من غير نيفقٍ ولا ساقين، فإن كان فيه نيفقٌ وساقان فسراويل، وقد تقدم إنه الإزار والتكة؛ ومنه الحديث: «ألبستنا أمنا نقبتها». والنقاب بمعنى المنقب وذكر الحجاج ابن عباسٍ فقال: «ما كان إلا نقابًا» أي عالمًا بحاثًا عن الأشياء. ن ق ذ: قوله تعالى: {ولا هم ينقذون} [يس: 23] أي لا ينجون ولا يتخلصون. يقال: أنقذته من كذا، أي خلصته منه. وقال بعضهم: الإنقاذ: التخليص من ورطةٍ، ومنه قوله تعالى: {وكنتم على شفا حفرةٍ من النار فأنقذكم منها} [آل عمران: 103]. والنقذ كالنفض والقبض بمعنى المنفوض والمقبوض. وفرسٌ نقيذٌ: أخذ من قومٍ، لأنه خلص منهم، والجمع نقائذ. ن ق ر: قوله تعالى: {ولا يظلمون نقيرًا} [النساء: 124] النقير: الوقبة في ظهر النواة، ومنها تنبت النخلة، وهذا يضرب مثلًا في القلة، وفيه قولٌ أخر: نقل عن ابن عباسٍ أنه سئل

عن ذلك فوضع طرف إبهامه على باطن السبابة ثم نقرها وقال: «هذا النقير». وأصل النقر قرع الشيء المفضي إلى النقب. والمنقار: ما ينقر به كمنقار الطائر، والحديدة التي ينقر بها. ويعبر به عن البحث، فيقال: نقرت عن الأمر. وعن الاغتياب فقيل: نقرته. وقالت امرأةٌ لزوجها: مر بي على بني نظرى ولا تمر بي على بنات نقرى، أي مربي على الرجال الذين ينظرون إلي لا على النساء اللاتي يغتبنني. والنقير أيضًا: ما ينقر من خشب النخل وينبذ فيه. وفي الحديث: «نهى عن النقير والمزفت». وأنقر عن كذا: أقلع عنه، ومنه قول ابن عباس: «ما كان الله لينقر عن قاتل المؤمن» أي ليقلع ويترك. قوله: {فإذا نقر في الناقور} [المدثر: 8] أي نفخ في الصور، والناقور: الصور. وأصل إطلاق النقر على النفخ، وتسمية الصور ناقورًا، أي منفوخًا فيه، والله أعلم، من قولهم: نقرت الرجل: إذا صوت له بلسانك، وذلك بأن تلصق بلسانك نقرة حنكك، فشبه النافخ بذلك. ونقرت الرجل أيضًا: خصصته بالدعوة، كأنك نقرت له بلسانك مشيرًا إليه. وتلك الدعوة يقال لها النقرى، والدعوة العامة الجفلى. قال الشاعر: [من الرمل] 1690 - نحن في المشتاة ندعو الجفلى ... لا ترى الآداب فينا ينتقر الآداب: صاحب المأدبة. ن ق ص: قوله تعالى: {وقد علمنا ما تنقص الأرض منهم} [ق: 4] النقص: ضد الزيادة.

وفي معنى الآية الكريمة وجهان: أحدهما ما ينقص من عددهم، والثاني ما تأكله من لحومها وتمصه من دمائهم. وأصل النقص في الأجرام، ويستعمل في المعاني أيضًا مجازًا، وبمعناه النقصان كالكفر والكفران والخسر والخسران. ويكون قاصرًا ومتعديًا لواحدٍ ولاثنين كزاد في ذلك كله. تقول: نقص المال، ونقصت زيدًا مالًا، ونقصت المال. ن ق ض: قوله تعالى: {ولا تكونوا كالتي نقضت غزلها} [النحل: 92] النقض ضد الإبرام، وهو انثثار العقد من البناء والحبل والعهد. والنقض: ممنقوض، وذلك في الشعر أكثر. والنقض كذلك وذلك في البناء أكثر، والنقض: البعير المهزول، والجمع في الجميع أنقاضٌ. والمناقضة في الكلام: التخالف، وأصله التخالف نفيًا وإثباتًا من النقيضين، فإن النقيضين كل قضيتين متى صدقت إحداهما كذبت الأخرى. والنقيضان لا يجتمعان ولا يرتفعان، كقولك: زيدٌ قائمٌ، زيدٌ ليس بقائم، مع اتحاد جهاتٍ مذكورةٍ في غير هذا. قوله تعالى: {الذي أنقض ظهرك} [الشرح: 3] قال ابن عرفة: أي أثقله حتى جعله نقضًا. وهو الذي أتعبه السفر والعمل حتى ذهب لحمه. وقال الأزهري: أثقله حتى سمع نقيضه، أي صوته. قلت: الإنقاض: صوتٌ لزجر القعود، وأنشد: [من الرجز] 1691 - أعلمتها الإنقاض بعد القرقرة وأنقضت الدجاجة: صوتت عند البيض. فجعل ما يسمع من صوت المفاصل إنقاضًا. إلا أن الراغب قال: وحقيقة الإنقاض ليس الصوت، إنما هو انتقاضها في نفسها، يعني الدجاجة، لكي يكون فيها الصوت في ذلك الوقت. فعبر عن الصوت به. ن ق ع: قوله تعالى: {فأثرن به نقعًا} [العاديات: 4] أي فأثارت الخيل العاديات بالمكان

غبارًا بحوافرها. والنقع: الغبار أيضًا، وأنشد: [من الطويل] 1692 - كأن مثار النقع فوق رؤوسنا ... وأسيافنا ليلٌ تهاوى كواكبه. والنقع أيضًا: رفع الصوت. ومنه قول عمر رضي الله تعالى عنه في نساءٍ يبكين على خالد بن الوليد: «ما عليهن أن يسفكن من دموعهن ما لم يكن نقعٌ ولا لقلقةٌ». وأنشد للبيد بن ربيعة: [من الرمل] 1693 - فمتى ينقع صراخٌ صادقٌ ... يحلبوها ذات جرسٍ وزجل وقيل: معناه: يدوم ويثبت. وقال شمرٌ: النقع هنا شق الجيوب. وأنشد للمرار: [من الوافر] 1694 - نقعن جيبوهن على حيًا ... وأعددن المراثي والعويلا والنقع: أيضًا: الناقع، وهو المستنقع. قال الهروي: والجمع أنقعٌ. وفي المثل: «إن فلانًا لشرب ناقعٍ»، يضرب مثلًا لمن جرب الأمور وخبر الطرق. وأصله في الدليل، لأنه متى مهر بمواضع الماء مهر بمعرفة الطريق؛ قال الحجاج: «إنكم يا أهل العراق لشرابون علي بأنقع». وفي حديث المولد: «فاستقبلوه منتقعًا لونه» أي متغيرًا. يقال: انتقع لونه، وامتقع، واتقع، واستنقع، واهتقع، والتمع، وانتسف، وانتسر، والتهم، والتمئ: أي ذهب دمه. والنقيع: موضعٌ بالمدينة حماه عمر لنعيم الفيء. وفي الحديث: «إذا استنقعت نفس المؤمن جاءه ملكٌ» قال شمرٌ: لا أعرفه. قال الأزهري: أي اجتمعت فيه حين تريد أن تخرج كما يستنقع الماء في قراره.

فصل النون والكاف

ن ق م: قوله تعالى: {وما نقموا منهم} [التوبة: 74] يقال: نقمت الشيء ونقمته -بالفتح والكسر -أي كرهته، والفتح أفصح. ولذلك لم يقرأ قوله: {هل تنقمون} [المائدة: 59] إلا بالكسر، وقيل: نقمته: أنكرته إما باللسان أو بالعقوبة. والنقمة والانتقام: العقوبة بإنكار. قال تعالى: {فلما آسفونا انتقمنا منهم} [الزخرف: 55] ونقمت عليه كذا: أنكرته عليه. فصل النون والكاف ن ك ب: قوله تعالى: {عن الصراط لناكبون} [المؤمنون: 74] أي عادلون. يقال: نكب عن كذا ينكب نكبًا فهو ناكبٌ: إذا عدل عنه بمنكبه. والمنكب: مجتمع ما بين العضد والكتف، والجمع مناكبٌ. وقد استعير ذلك للأرض استعارة الظهور لها في قوله تعالى: {فامشوا في مناكبها} [الملك: 15] {ما ترك على ظهرها} [فاطر: 45]. وقيل: «في مناكبها» في طرقها، وقيل: جبالها. وأصله ما ذكرته لك. ومنكب القوم: رئيسهم، استعارةٌ من هذه الجارحة استعارة الرأس والوجه له في قولهم: هو رأس القوم ووجه القوم، كاستعارة اليد للقاضي والوالي. ولفلانٍ على قومه نكابةٌ ونقابةٌ، أي عرافةٌ. والأنكب: المائل المنكب، وهو من الإبل ما يمشي إلى شق. والنكب: داءٌ يأخذ في المنكب، ومنه استعير لكل ذاهب في نفسٍ أو مالٍ، فيقال: نكب فلانٌ، وأصابته نكبةٌ. والنكباء: كل ريحٍ هبت بين ريحين فهي نكباء، لأنها عدلت عن المهب. ونكبته حوادث الدهر، قيل: هبت عليه هبوب النكباء. ونكب عن الصواب تنكيبًا. ونكب كنانته ينكبها، ونكب -بالتخفيف -ينكبها نكبًا ونكوبًا: إذا كبها فأخرج سهامها. ومنه قوله الخبيث: «إن أمير المؤمنين نكب كنانته فعجم عيدانها، فوجدني أصلبها عودًا» وتنكب فرسه وترسه، أي علقه في منكبه.

ن ك ث: قوله تعالى: {فمن نكث فإنما ينكث على نفسه} [الفتح: 10] النكث والنقض أخوان. والنكث: المنكوث، والجمع أنكاثٌ. قال تعالى: {من بعد قوةٍ أنكاثًا} [النحل: 92]. واستعير النكث والنقص لعدم الوفاء بالعهد. قال تعالى: {وإن نكثوا أيمانهم من بعد عهدهم} [التوبة: 12]. والنكيثة كالنقيضة، وهي كل خصلة ينكث فيها القوم وأنشد لطرفة بن العبد: [من الطويل] 1695 - وقربت بالقربى وجدك إنني ... متى يك أمرٌ للنكيثة أشهد وفي حديث بعضهم: «كان يأخذ النكث من الطريق» يعني الخيط الخلق من صوفً وشعرٍ، لأنه ينكث ويعاد. ن ك ح: قوله تعالى: {ولا تنكحوا} [البقرة: 221] النكاح لغة: المداخلة والاشتباك. ومنه: تناكحت الأشجار، أي تداخلت أغصان بعضها في بعضٍ. ومنه قيل للوطء نكاحٌ، ويطلق على العقد لأنه سببه. وقيل هو حقيقةٌ فيهما، وقد جعله الراغب حقيقة في العقد، مستعارًا في الوطء، فقال: أصل النكاح العقد، ثم استعير للجماع. قال: ومحالٌ أن يكون في الأصل للجماع، ثم استعير للعقد، لأن أسماء الجماع كلها كناياتٌ، لاستقباحهم ذكره كاستقباح تعاطيه. ومحالٌ أن يستعير من لا يقصد فحشًا اسم ما يستفظعونه لما يستحسنونه. وفيما قاله نظرٌ لبشاع لفظتي الوطء والجماع في لسانهم، ومعناهما مرادٌ. على أن الوطء والجماع كنايتان عن الفعل المعروف، فإن حقيقة الوطء وطء الأرض ونحوها بالرجل. والجماع من الاجتماع والجمع. ويدل على النكاح لغةً التداخل قولهم: نكح الأرض المطر. قالوا: وكل نكاحٍ ورد

في الكتاب العزيز فالمراد به العقد، إلا موضعًا واحدًا وهو قوله: {حتى تنكح زوجًا غيره} [البقرة: 230]. ليس المراد مجرد العقد بل لابد من الوطء، وفيه نظرٌ من حيث إنه يكون المعنى حتى تطأ الزوجة زوجًا غيره. والوطء إنما ينسب للرجل لا للمرأة، فنقول: «تنكح» هنا على بابه. ودل دليلٌ آخر أنه لابد من الوطء لقوله عليه الصلاة والسلام: لا حتى تذوقي عسيلته ويذوق عسيلتك» الحديث. وقال أبو علي: فرقت العرب بين العقد والوطء بفرق لطيفٍ؛ فإذا قالوا: نكح فلانٌ فلانةً أو ابنة فلانٍ أرادوا عقد عليها. وإذا قالوا: نكح امرأته أو زوجته فلا يريدون غير المجامعة. قلت: وهذا غير صحيح لظهوره بالقرينة. ومن ورود النكاح بمعنى العقد قول الشاعر: [من الطويل] 1696 - فلا تقربن جارة إن سرها ... عليك حرامٌ، فانكحن أو تأبدا أي فاعقد أو كن كالأوابد، ومن وروده بمعنى الوطء قول الشاعر: [من الكامل] 1697 - التاركين على طهرٍ نساءهم ... والناكحين بشطي دجلة البقرا وقيل: أصل النكاح لغةً الملازمة. ومنه نكح المطر الأرض أي لزمها ن ك د: قوله تعالى: {والذي خبث لا يخرج إلا نكدًا} [الأعراف: 58] النكد: كل شيء أخرج إلى طالبه بتعسرٍ. وناقةٌ نكداء: طفيفة الدر صعبة الحلب. ورجلٌ نكَدٌ ونَكِدٌ. والنكد مصدر نكد ينكد نكدًا: إذا عسر. ونكدت عليه عيشه: عسرته عليه. ويقال: امرأةٌ نكداء ونساءٌ نكدى: إذا حصل عندهن نكدٌ. وأنشد لكعب بن زهيرٍ: [من البسيط] 1698 - شد النهار ذراعًا عيطلٍ نصفٍ ... قامت فجاوبها نكدٌ مثاكيل

جعلهن نكدًا لما أصابهن من فقد أولادهن. ن ك ر: قوله تعالى: {فلما رأى أيديهم لا تصل إليه نكرهم} [هود: 70] يقال: نكرت الشيء وأنكرته، فأنا ناكرٌ منكرٌ، وهو منكورٌ ومنكرٌ. والإنكار ضد العرفان. قال الراغب: وأصله أن يرد على القلب ما لا يتصوره، وذلك ضربٌ من الجهل. قال تعالى: {فلما رأى أيديهم لا تصل إليه نكرهم} {فعرفهم وهم له منكرون} [يوسف: 58]. قلت: وتلاوة الآية بعد هذا القول لا تليق أن تكون مثالًا له، لأن الأنبياء لا توصف بالجهل البتة، وإنما قصد تلاوة الآية لتضمنها لفظ المادة فقط. قال: ويستعمل ذلك منكرًا باللسان وسبب الإنكار باللسان كالإنكار بالقلب، لكن ربما ينكر اللسان الشيء وصورته في القلب حاصلةٌ، ويكون ذلك كاذبًا. قال: وعلى هذا: {يعرفون نعمة الله ثم ينكرونها} [النحل: 83] قال: والمنكر كل شيءٍ تحكم العقول الصحيحة بقبحه، أو تتوقف على استقباحه العقول، وتحكم بقبحه الشريعة. وإلى هذا قصد بقوله: {الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر} [التوبة: 112]. وتنكير الشيء من حيث المعنى جعله بحيث لا يعرف. قال تعالى: {نكروا لها عرشها} [النمل: 46] وتعريفه: جعله بحيث يعرف، واستعمال ذلك في عبارة النحويين هو أن يجعل الاسم على صيغةٍ مخصوصةٍ. انتهى. قلت: يعني التعريف عند النحويين كذا، وأراد بالصيغة إطلاقه على ذات مخصوصةٍ. والنكرة عندهم ما وقع شائعًا في جنسه كرجلٍ. والمعروف ما وقع خاصًا. وإنما قلنا: «ما وضع» ليدخل نحو شمسٍ وقمرٍ في النكرات، ونحو زيدٍ وعمرٍو في المعارف كما حققناه في غيره هذا. وقال مجاهد في قوله: «نكروا لها عرشها» أي غيروه أتعرفه أم لا؟ ومعنى قولهم: أنكرت على فلانٍ، أي فعلت به فعلًا يردعه. قوله تعالى: {فكيف كان نكير} [الحج: 44] نكيرٌ مصدر بمعنى الإنكار كالنذير. قوله: {وما لكم من نكير} [الشورى: 47] أي لا تقدرون على أن تنكروا

ذنوبكم. وقيل: مالكم من ينكر علينا ما نفعل بكم كقوله: {من ولي ولا نصير} [التوبة: 74]. قوله تعالى: {إن أنكر الأصوات} [لقمان: 19] أي أقبحها. ومنه وجهٌ منكرٌ، أي قبيحٌ ينكره من رآه ويشمئز منه. وفي الحديث: «إنه لم يناكر أحدًا قط إلا كانت معه الأهوال» أي يحارب. والمناكرة: المحاربة، لأن كل فريقٍ مخادع الآخر. قال الراغب: واستعمل المناكرة للمحاربة. ومعنى «إلا كانت معه الأهوال» كقوله: «نصرت بالرعب». والنكر، بفتح الفاء: الدهاء. وبضمها: الشيء المنكر. وقد قرئ قوله تعالى: {إلى شيءٍ نكر} [القمر: 6] بالوجهين، أعني ضم العين وسكونها مع ضم الفاء فقط. قال الراغب: والنكر: الدهاء والأمر الصعب الذي لا يعرف. وقد نكر نكارةً، وفي الحديث: «أتاه ملكان منكرٌ ونكيرٌ» المشهور كسر كاف منكرٍ، سميا بذلك لإنكارهما غالب الخلق، أو لأن كل أحدٍ يفزع منهما إلا من عصمه الله وثبته. ن ك س: قوله تعالى: {ولو ترى إذ المجرمون ناكسو رؤوسهم} [السجدة: 12] أي مميلوها مطرقين ذلًا وخجلًا. وأصل النكس القلب. وهو أن يجعل أعلاه أسفله، بأن تجعل رجلا الإنسان إلى فوق ورأسه إلى تحتٍ. فبولغ في وصف المجرمين بذلك. ويجوز أن يكونوا كذلك حقيقةً. قوله تعالى: {ثم نكسوا على رؤوسهم} [الأنبياء: 65] أي قلبوا. وهو عبارةٌ عن اختلاط عقولهم وأذهانهم. قال الفراء: أي رجعوا عما عرفوا من الحجة لإبراهيم عليه

السلام. وقال الأزهري: أي ضلوا. وأصل النكس أيضًا العود. ومنه نكس المريض، وهو أن يعود إلى مرضه بعد إفاقته منه. والنكس: الدنيء من الرجال، أصله السهم الذي انكسر فوقه، فجعل أعلاه أسفله، قوله: {ومن نعمره ننكسه في الخلق} [يس: 68] أي نرده إلى حالة الضعف كما كان حال الصغر لقوله {ومنكم من يرد إلى أرذل العمر} [النحل: 70] ولذلك يصير عقله كعقل الأطفال، وكذا قوته وأكله. وهذا أمرٌ مشاهدٌ. ومثله: {ثم رددناه أسفل سافلين} [التين: 5]. وقرئ: «ننكسه» مخففًا ومشددًا، إلا أن الأخفش قال: لا يكاد يقال: نكسته -بالتشديد -إلا لما يقلب، فيجعل رأسه أسفله. وقد حققنا هذا الحرف وقراءاته في غير هذا. ويقال: رجلٌ ناكسٌ، ورجالٌ ناكسون، وشذ جمعه على نواكس. وأنشد: [من الكامل]. 1699 - وإذا الرجال أتوا يزيد رأيتهم ... خضع الرقاب نواكس الأبصار يروى نواكسي -بالياء - على أنه جمع تصحيحٍ لجمع التكسير. ويروى نواكس -بفتح السين -على أنه جمع تكسيرٍ فقط. ومثله في الشذوذ فوارس. وفي حديث ابن مسعودٍ: «وقيل له في رجل يقرأ القرآن منكوسًا» قال أبو عبيد: وجهه عندي أن يبدأ من آخر القرآن؛ من المعوذتين، ثم يرتفع إلى البقرة كنحو ما يتعلم الصبيان. قلت: هذا قريبٌ، ولا يجوز أن يفهم أنه يقرأ من أخر سورةٍ إلى أولها، وهذا ما لا يجوز بوجهٍ. ن ك ص: قوله تعالى: {نكص على عقبيه} [الأنفال: 48] أي رجع إلى ورائه يمشي القهقري. ومثله قوله تعالى: {وكنتم على أعقابكم تنكصون} [المؤمنون: 66]. ولا يكاد يقال إلا مع لفظ العقب. وقيل: النكوص: الإحجام عن الشيء وعدم الإقبال

عليه، وإن لم يكن بهذه الكيفية الخاصة، لكن متى ذكر مع العقب، وأريد به الحقيقة لزم أن يمشي إلى روائه القهقري كما تقدم. ن ك ف: قوله تعالى: {لن يستنكف المسيح} [النساء: 172] الاستنكاف: الاستكبار والأنفة من الشيء. يقال: نكفت من كذا واستنكفت منه. وأصله من نكفت الشيء: إذا نحيته. والنكف: تنحية الدمع عن الخد بالإصبع. وأنكفته: نزهته عما يستنكف منه. ومنه الحديث: «وسئل عن: سبحان الله، فقال: إنكاف الله من كل سوءٍ». وفي الحديث: «فانتكف العرق عن جبينه» أي انقطع، مأخوذٌ من نكفت الدمع كما تقدم. وفي حديث آخر: «جاء جيشُ لا ينكف آخره» أي لا ينقطع. ن ك ل: قوله تعالى: {إن لدينا أنكالًا} [المزمل: 12] أي قيودًا. واحده نكلٌ نحو جمل وأجمال. وأصل ذلك من نكل، أي منع، لأن القيد يمنع من المشي. ومنه: نكلت به، أي فعلت به، فعلًا يمنع غيره من الوقوع في فعله. والنكول عن اليمين: الامتناع عنه. والنكل أيضًا: اللجام الثقيل، لأنه يمنع الدابة من الجماح. ويقال: نكل عن الأمر ينكل كعلم يعلم، ونكل ينكل كفتك يفتك. قوله: {فجعلناها نكالًا} [البقرة: 66] أي فجعلنا العقوبة، أو المسخة، أو القرية المعاقبة، أو الطائفة منعًا لمن تقدمها أو تأخر عنها أن يرتكبوا مثل ما ارتكبوا. وقال الأزهري: النكال: العذاب. قوله: {والله أشد بأسًا وأشد تنكيلًا} [النساء: 84] أي تعذيبًا عذابًا يمنع الغير من الذنب. وأنكلت الرجل عن حاجته: دفعته عنها، من أنكلت الحجر: إذا دفعته. وفي الحديث: «مضر صخرة الله التي لا تنكل» أي لا تندفع عما سلطت عليه. وفيه «إن الله يحب النكل على النكل. قيل: ما ذلك؟ قال؛ الرجل القوي المجرب المبدئ المعيد

فصل النون والميم

على الفرس المجرب المبدئ المعيد». وفيه أيضًا: «من غير نكلٍ في قدم ولا وهنٍ في عزمٍ». النكل: الجبن. [ن م ر ق]: قوله تعالى: {ونمارق مصفوقة} [الغاشية: 15]. فصل النون والميم ن م ل: قوله تعالى: {قالت نملة} [النمل: 18]. النملة واحد النمل، وهو هذا الحيوان المعروف يقع على الذكر والأنثى، ويفرق بين المذكر والمؤنث بالوصف نحو: نملةٌ أنثى ونملةٌ ذكرٌ كما ذكرنا. وحضر أبو حنيفة رحمه الله تعالى مجلس قتادة بالكوفة وهو يقول: سلوني ما شئتمٍ. فقال أبو حنيفة لبعض الحاضرين: سله عن النملة التي كلمت سليمان ما كانت؟ ذكرًا أم أنثى؟ فسأله فمكع. فقيل لأبي حنيفة فقال: أنثى. فقيل له: من أين عملت؟ فقال: من تأنيث فعلها، وتأنيث فعلها بالتاء، وهو حسنٌ جدًا وإن كان بعضهم أبدى فيه بحثًا لا يظهر كما بيناه في موضعه. وفي الحديث: «نهى عن قتل أربعٍ، منها النملة». قال الحربي: النملة ما كان لها قوائمٌ، وأما الصغار فهي الذر. وقال الأزهري: العجبي: الذرة الحمراء، والحبشية الذرة السوداء. والنملة: قرحةٌ تخرج بالجنب. قال الأصمعي وغيره: تشبيهًا بالنمل. وهي أيضًا شق في الحافر. ومنه: فرسٌ نمل القوائم. ويستعار ذلك للنميمة لدبيبه، فيقال: هو نملٌ، وذو نملةٍ، ومنملٌ ونمالٌ. وأنشد [من المتقارب] 1700 - ولست بذي تربٍ فيهم ... ولا منمشٍ منهم منمل وقيد الهروي ذلك فقال: وأما النملة بضم النون فهي النميمة. وتنمل القوم: تفرقوا

فصل النون والهاء

تفرق النمل بعد تجمعهم. وفي المثل: «هو أجمع من نملةٍ» والأنملة: طرف الإصبع. قال تعالى: {عضوا عليكم الأنامل من الغيظ} [آل عمران: 119]. وهو مثلٌ في شد الغيظ بالتندم. ن م م: قوله تعالى: {مشاء بنميمٍ} [القلم: 11]. النميم والنم: إظهار الحديث. والنميمية: الوشاية بالرجل والسعي به. ورجلٌ نمامٌ، أي ينقل الحديث المؤذي. يقال: نم عليه ينم وينم نمًا فهو نمامٌ ونمومٌ. قيل: وأصل النميمة الهمس والحركة الخفيفة. قال الراغب: ومنه: أسكت الله ناجته، أي ما ينم من حركته. والنمام: نبتٌ ذو رائحةٍ طيبةٍ. قيل: سمي بذلك لأنه تنم عليه رائحته. والنميمة: خطوطٌ متقاربة، وذلك لقلة الحركة في كتابته من كاتبه، واستعير ذلك للوشي والتزويق، فقيل: ثوبٌ منمنمٌ. فصل النون والهاء ن هـ ج: قوله تعالى: {شرعةً ومنهاجًا} [المائدة: 48]. المنهاج: الطريق الواضح، وكذلك المنهج. ويستعار ذلك للدين والأمر كاستعارة الطريق والمذهب لذلك. والنهج أيضًا: الطريق: وقد نهج الأمر وأنهج: اتضح. ومنه نهج الثوب وأنهج، أي بان فهي أثر البلى، وقد أنهجه البلى، وأنشد: [من الرجز] 1701 - يا صاح ما هاج الدموع الذرفا 1702 - من طلل كالأتحمي أنهجا أي خلق ودرس: وفي الحديث: «ضربه حتى أنهج» أي وقع عليه الربو. ومنه

حديث عائشة أيضًا: «فقادني وإني لأنهج» أي أربو وأتنفس. يقال: نهج وأنهج. ومنه: «نهج بين يديه عليه الصلاة والسلام حتى قضى». ومنه قول الناس: به نهيجٌ، أي تنفسٌ قويٌ. ن هـ ر: قوله تعالى: {في جناتٍ ونهرٍ} [القمر: 54] النهر: أصله الشق الواسع الذي يجري فيه الماء، من: نهرت الشيء، أي شققته شقًا واسعًا. ثم تجوز به عن الماء الجاري فيه للمجاورة. قوله: {تجري من تحتها الأنهار} [النساء: 57] مجازٌ إما بإسناد الجري إلى المكان مجازًا أو بإسناده للماء إطلاقًا لاسم المحل على الحال. وقرئ: {وفي جناتٍ ونهرٍ} بضمتين، فقيل: جمع نهرٍ بالسكون نحو سَقف وسُقُف، ورَهن ورُهن. وقيل: هو جمع نهارٍ بكسر النون. وقال: ثعلبٌ: نهرٌ جمع نهر، وهو جمع الجمع للنهار، وفيه نظرٌ؛ فلو جعل النهر جمعًا للنهار لكان أقرب، نحو حمارٍ وحمرٍ. وقال بعضهم: «في جناتٍ ونهرٍ»: في ضياءٍ لا ظلمة فيها لأن الجنة لا ليل فيها، إنما فيها نورٌ يتلألأ. قلت: ويكون ذلك جمع نهارٍ نحو قذل وقذالٍ. وقيل له نهارٌ مجازًا، لأن النهار عبارةٌ عن مدة طلوع الشمس إلى غروبها، وليس ذلك في الجنة. قوله: {وهو الذي جعل الليل والنهار خلفةً} [الفرقان: 62] سمي النهار نهارًا لأتساع الضوء فيه بخلاف طلوع الشمس. وهو عند بعضهم من الطلوع إلى الغروب بخلاف اليوم؛ فإنه من طلوع الفجر إلى الغروب. وعند العامة لا فرق بين اليوم والنهار. قال الراغب. والنهار: الوقت الذي ينتشر فيه الضوء، وهو في الشرع ما بين طلوع الفجر إلى غروب الشمس. وفي الأصل ما بين طلوع الشمس إلى غروبها. وقوبل به البيات في قوله: {بياتًا} [الأعراف: 4]. والنهار أيضًا فرخ الحبارى. والنهر الملازم للسير بالنهار، وأنشد: [من الرجز]

1703 - لست بليلي ولكني نهر ... لا أدلج الليل ولكن أبتكر ونهرت الدم: أسلته. وفي الحديث: «ما أنهر الدم» أي أجراه. وأنشد لقيسٍ: [من الطويل] 1704 - ملكت بها كفي فأنهرت فتقها ... يرى قائم من دونها ما وراءها والمنهمرة: فضاءٌ بين البيوت لاتساعها تلقى فيها القمامات. ومنه الحديث: «إن قتيلًا وجد بخيبر في منهرةٍ». ونهرته وانتهرته: زجرته زجرًا بغلظة؛ قال تعالى: {وأما السائل فلا تنهر} [الضحى: 10]. وفي الحديث: «فأتوا منهرًا فاختبؤوا فيه» هو خرقٌ في الحصن نافذٌ يدخل منه الماء. ويقال: نَهْرٌ ونَهَرٌ، بالسكون والفتح وهو أفصح نحو الشَّعَر والشَّعْر. قيل: وهو مطردٌ في كل ما كان مفتوح الفاء وسطه حلقٌ، أي جواز السكون. ن هـ ي: قوله تعالى: {إن في ذلك لآياتٍ لأولي النهي} [ط: 54]. النهي جمع نهيةٍ: وهو العقل: لأنه ينهي صاحبه عن ارتكاب القبيح. وقيل: لأنه ينتهي إلى رأيه واختياراته. والنهي: الزجر عن الشيء. وقيل: هو طلب ترك المنهي عنه. وقيل: طلب كف، وهي متقاربةٌ. وقال بعضهم: هو من حيث المعنى لا فرق بين أن يكون بالقول أو بغيره، وما كان بالقول لا فرق بين أن يكون بلفظة افعل نحو اجتنب كذا، أو بلفظة لا تفعل. ومن حيث اللفظ هو قولهم: لا تفعل كذا، فإن قيل: لا تفعل كذا فهو نهيٌ من حيث اللفظ والمعنى جميعًا كقوله: {ولا تقربا هذه الشجرة} [البقرة: 35]

فصل النون والواو

قوله تعالى: {ونهى النفس عن الهوى} [النازعات: 40] ليس معناه أن تقول لها: لا تفعلي، بل معناه: تركه لارتكاب المنهيات وقمعها عن شهواتها ودفعها عن رغباتها. قوله: {إن الله يأمر بالعدل والإحسان} إلى قوله: {وينهى عن الفحشاء} [النحل: 90] أي يحث على فعل الخير ويزجر عن فعل الشر. قوله: {وأن إلى ربك المنتهى} [النجم: 42] أي نهاية الأمور، كقوله: {وإليه المصير} [التغابن: 3]. قال بعض الأئمة: إذا انتهى الكلام إلى الله عز وجل فانتهوا. قوله: {سدرة المنتهى} [النجم: 14] أي التي تنتهي إليها أعمال العباد. وقيل: هي التي ينتهى إليها، فلا تجاوز. وفي الحديث: «أنه أتى على نهيٍ من ماءٍ» النهي بفتح النون وكسرها وسكون الهاء، موضعٌ يجتمع فيه الماء كالغدير؛ سمي بذلك لأنه يحجز الماء أن يفيض منه. قوله: {فانتهى فله ما سلف} [البقرة: 275]. الانتهاء: الانزجار عما نهي عنه لأنه مطاوع نهيته. ومنه قوله تعالى: {إن ينتهوا} [الأنفال: 38] {فهل أنتم منتهون} [المائدة: 91] ولما سمعها عمر قال: «يا رب انتهينا». ومن ثم قالوا: إن الاستفهام هنا بمعنى الأمر، كأنه قال: انتهوا. والإنهاء في الأصل إبلاغ النهي، ثم تعورف في كل إبلاغ حديثٍ، نهيًا كان أو أمرًا أو خبرًا. ومنه: أنهيت إليه خبر كذا. ونهاية الشيء: آخره. وقولهم لرجل: ناهيك من رجلٍ، أي لكفايته. كأنه ينهاك عن طلب غيره. وناقةٌ نهيةٌ: تناهت سمنًا، تنهى الإنسان، أي يطلب غيرها لسمنها. ونهاء النهار: ارتفاعه. وتنهية الوادي: حيث ينتهي إليه (السيل). فصل النون والواو ن وأ: قوله تعالى: {ما إن مفاتحه لتنوء بالعصبة} [القصص: 76] أي لتنهض.

يُقال: ناء ينوء: إذا نهض. وناء البعير نوءًا كذلك، فهو ناءٍ. وقد استعار امرؤ القيس ذلك لليل في قوله: [من الطويل] 1705 - فقلت له، لما تمطى بجوره ... وأردف أعجازًا وناء بكلكل وقوله تعالى: {أعرض ونأى بجانبه} [الإسراء: 83] قيل: هو من ذلك، أي نهض به، عبارة هن التكبر كقولهم: شمخ بأنفه. وقيل: مقلوب من نأى ينأى. وقد تقدم في قوله تعالى: {لتنوء بالعصبة} أحدهما أنه مقلوب، والأصل: لتنوء العصبة بالمفاتيح، فهو كقوله: {ويوم يعرض الذين كفروا على النار} [الأحقاف: 20] أي تُعرض النار على الذين كفروا. والثاني أنه ليس بمقلوب لأن الباء للحالية، وتحقيقه في غير هذا. وفي الحديث: "ثلاث من أمر الجاهلية كذا وكذا والأنواء" قال أبو عبيدة: هي ثمانية وعشرون نجمًا. وتقول العرب: "مُطرنا بنوءٍ كذا". وإنما سُمي النجم نوءًا لأنه إذا سقط الساقط منها بالمغرب ناء الطالع بالمشرق. وذلك النهوض هو النوء، فسمي النجم به. قال: وقد يكون النجم السقوط. وقال ابن الأعرابي: لا يكون نوءًا حتى يكون معه مطر. قال: وجمع النوء يُصبح من عبادي مؤمن بي، إلى أن قال، فمن قال: مُطرنا بنوء كذا فهو كافر" قال أبو العبيد: إنما غلظ القول فيه لأن العرب كانت تقول: إنما هو فعل النجم، ولا يجعلونه سقيًا من الله تعالى. وأما من قال ذلك ولم يرد هذا المعنى، بل مُطرنا في هذا الوقت، فذلك جائز، كما جاء عن عمر رضي الله عنه: "إنه استسقى بالمصلي ثم نادى العباس: كم بقي من نوء الثريا؟ فقال: إن العلماء يزعمون أنها تعترض في الأفق سبعًا بعد فوقها، فو الله ما مضت تلك السبع غيث الناس" أراد عمر:

كم بقي من الوقت الذي جرت العادة إذا تم أمر الله بالمطر. نقل ذلك الهروي عن أبي منصور. وفي الحديث أيضًا: "أن رجلًا ربط خيلًا فخرًا ورياءً ونواءً للإسلام". النواء مصدر ناوأت مناوأة ونواء، أي عاديت. وأصله ناء إليك، ونؤت إليه. والنواء أيضًا جمع نائية بمعنى ناهضة. وعليه قولها: [من الوافر] 1706 - ألا يا خمر للشرف النواء ... وهن معقلات بالفناء فيكون ذلك نحو صائمة وصيامٍ كقول الآخر: [من البسيط] 1707 - خيل صيام وخيل غير صائمة وقال الهروي: النواء: السمان. وقد نوت الناقة تنوي. إذا سمنت. وعلى هذا فليس البيت من مادتنا. ونواء جمع ناوئة. ن وب: قوله تعالى: {وخر راكعًا واناب} [ص: 24] أناب، أي رجع مرة بعد أخرى، وكذلك النوب أيضًا. يقال: ناب ينوب نوبًا، وأنا بيُنيب إنابة. والإنابة إلى الله: الرجوع إليه بالتوبة. قال تعالى: {وأنيبوا إلى ربكم} [الزمر: 54]. ومنه: النائبة، لأنها تقصد تنوبه، وجمعها نوائب، وهي حوادث الدهر. يقال: نائبة النوائب، والانتياب الافتعال منه؛ يقال: فلان ينتاب فلانًا، أي يقصده. ن وح: قوله تعالى: {سلام على نوح} [الصافات: 79]. نوح: اسم للنبي المعروف صلى الله عليه وسلم يقال: هو أبو البشر، وهو آدم الثاني، لأنه غرق أهل الأرض بالطوفان حدث من نسله الناس، لأنه ولد ثلاثة أولادٍ: سام وحام ويافث؛ فسام أبو العرب، وحام أبو السودان، ويافث أبو الترك كما نقله التاريخيون.

قيل: واشتقاقه من النوح، لأنه ناح عل نفسه تقربًا إلى الله تعالى. والمصطلح أنه غير مشتق لعجمته، وغنما صُرف لخفته، وليس يجوز منعه خلافًا لبعضهم، بل يتحتم صرفه. ومثله في ذلك لوط. والنوح مصدر ناح ينوح: إذا صاح بعويلٍ. والنياحة: البكاء بتعديد الشمائل، وهي النهي عنها. وأصل ذلك اجتماع الناس في المناحة، وهي المكان وذلك من التناوح وهو التقابل؛ يقال: جبلان يتناوحان، أي متقابلان. ن ور: قوله تعالى: {الله نور السموات والأرض} [النور: 35] قال ابن عرفة: أي منور، يعني أنه مصدر مراد به الفاعل. قال: كما يقولون: فلان غياثنا، أي مُغيثنا. وأنشد لجرير: [من الطويل] 1708 - وأنت لنا نور وغيث وعصمة ... ونبت لمن يرجو نداك وريق وقيل: هو على حذف مضاف، أي ذو نورٍ وقال الأزهري: أي مدبر أمرهما بحكم بالغةٍ. وقيل في {مثل نوره} [النور: 35] أي مثل هداه في قلب المؤمن. و {نور على نور} [النور: 35] أي نور الزجاجة ونور المصباح. وقال ثعلب: مثل نوره الذي هدى به سبل الحق. قوله تعالى: {قد جاءكم من الله نور} [المائدة: 15] يعني محمدًا صلى الله عليه وسلم، وذلك لأن النور يبين الأشياء في الظلمة، والنبي صلى الله عليه وسلم قد بين بشرعة جميع ما تحتاج إليه الأمة. وقيل: هو القرآن. والظاهر أنه أعم من ذلك، فالكل صالح إذ النور في الأصل هو الضوء المنتشر الذي يعين على الإبصار. وهو ضبان: دنيوي وأخروي. ثم الدنيوي ضربان: معقول بيمين البصيرة، وهو ما انتشر من الأنوار الإلهية كنور العقل ونو القرآن. ومحسوس بعين البصر، وهو ما انتشر من الأجسام النيرة كالقمرين والنجوم النيرات. فمن النور الإلهي قوله تعالى: {نور على نور يهدي الله لنوره من يشاء}. ومن المدرك للبصر قوله تعالى: {وهو الذي جعل الشمس ضياء والقمر نورًا}

[يونس: 5] {وجعل فيها سراجًا وقمرًا منيرًا} [الفرقان:61]. وإنما جُعلت الشمس ضياء لأن الضياء أخص من النور؛ إذ الضوء نور قوي. وقال الراغب: وتخصيص الشمس بالضوء والقمر بالنور من حيث أن الضوء أخص من النور. قلت: ولهذا قيل: لم قال تعالى: {ذهب الله بنورهم} [البقرة: 17] ولم يقل بضيائهم؟ فلم ينف عنهم ما هو أقوى. وجوابه أنه لا يلزم من نفي الأخص نفي الأعم؛ إذ لو نفي عنهم الضوء لجاز أن يتوهم بقاء نور. فإذا نفي عنهم النور الذي هو أعم لزم منه نفي الضوء الذي هو أخص. قوله: {وجعل الظلمات والنور} [الأنعام: 1] يشمل ما يدرك بالبصر والبصيرة. قوله: {وأشرقت الأرض بنور ربها} [الزمر: 69] أي بعدله عليه الصلاة والسلام في مقابلة: "الظلم ظلمات يوم القيامة"، والنار من ذلك، فألفها عن واوٍ. ويدل على ذلك تصفيرها على نويرة. قوله: {أفرأيتم النار الذي تورون} [الواقعة: 71] أي المسافرين الذين فنى زادهم. وتُستعار للحرب. قال تعالى: {كلما أوقدوا نارًا للحرب أطفأها الله} [المائدة: 64] ورشحها بالإطفاء. "قال بعضهم: النار والنور من أصل واحد، وكثيرًا ما يتلازمان، لكن النار متاع للمقوين في الدنيا، والنور متاع لهم في الدنيا والآخرة، ولذلك اُستعمل في النور الاقتباس، قال تعالى: {نقتبس من نوركم} [الحديد: 13] وتنورت نارًا: أبصرتها". قال امرؤ القيس: [من الطويل] 1709 - تنورتها من أذرعات فدارها ... بيثرب أدنى دارها نظر عال والمنار: علم الطريق الذي يُهتدى له. قال امرؤ القيس أيضًا: [من الطويل] 1710 - على لا حب لا يهتدي بمناره ... إذ سافه العود النباطي جرجرا

والمنارة: مفعلة من النور ومن النار. قال الراغب: كمنارة ما يؤذن عليها. والنوار من النساء: النفور، تشبيهها في النار في السرعة. وهو اسم امرأة بعينها. قال الشاعر: [من الكامل] 1711 - حنت نوار ولات هنا حنت ... وبدا الذي كانت نوار أجنت وكان اسم امرأة الفرزدق، ولما طلقها ضرب به المثل في الندم، فقيل ندم الفرزدق حين طلق نوارا. ويقال منه: نارت المرأة تنور نورًا ونوارًا، أي نفرت. ونزر الشجر تشبيهًا بالنور، وكذلك نواره. والنؤور: ما يتخذ للوشم. يقال منه: نورت المرأة يدها. وتسميته بذلك لكونه مظهرًا لنور اليد والعضو. وفي حديث صعصعة: "وما نارهما أي سمتهما" وفي المثل: "نجارها نارها" أي سمتها تدل على جوهرها، وأنشد [من الرجز] 1712 - حتى سقوا آبالهم بالنار ... والنار قد تشفي من الأوار وفي صفته عليه الصلاة والسلام: "كان أنور المتجرد" أي حسن الجسد، مشرقة إذا تجرد عن ثيابه، ومعناه نير المتجرد. ن وس: قوله تعالى: {يا أيها الناس} [البقرة: 21]. اختلف في الناس، وكنت قد وعدت بذكر لك هنا فأقول: فيه أقوال: أحدهما: أن أصله نوس مأخوذ من ناس ينوس: إذا تحرك. ومنه حديث أم زرع: "أناس من حلي أني" أي حركهما بالحلي كالقرطة

والشنوف. وفي حديث آخر: "رأيت العباس وضفيرتاه تنوسان على ترائبه". وكان ملك من حمير يُقال له ذو نواس، لضفيرتين على عاتقه. يقال: ناس ينوس نوسًا ونوسانًا. ونست للإبل: سقتها. فلما تحركت الواو وانفتح ما قبلها قُلبت الفاء وتصغيره على نويس.: الثاني أن أصله أناس، واشتقاقه من الإنس للإيناس بهم، فحذفت لما دخلت عليه"ال" كما حذفت الهمزة من إله لما دخلته"الـ" على أحد الأقوال، ويدل على ذلك التصريح بهذا الأصل. قال الشاعر: [من مجزوء الكامل] 1713 - إن المنايا يطلعن ... على الأناس الآمنينا الثالث أن أصله نسي من النسيان، فقلبت الكلمة بأن قدمت لامها وأخرت عينها فصار نيسًا، قلبت الياء ألفًا كما تقدم. وقد يراد بالناس الفضلاء المعتبرون دون من عداهم، وذلك إذا اعتبر معنى الإنسانية، وهو وجود العقل والذكر وسائر القوى المختصة به، فإن كل شيء عُدم فعله المختص به لا يكاد يُستحق اسمه كاليد؛ فإنها إذا عدمت فعلها الخاص بها فإطلاق اليد كاطلاقة على يد السرير ورجله. ومن ذلك قوله تعالى: {أم يحسدون الناس} [النساء: 54]، وكذا قوله: {قيل لهم آمنوا كما آمن الناس} [البقرة: 13] أي الكاملون في الإنسانية. قوله: {ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض} [البقرة: 251] عام في الجميع. ن وش: قوله تعالى: {وأنى لهم التناوش} [سبأ: 52] أي التناول. يقال: تناوش القوم كذا: إذ تناولوه. والنوش: التناول أيضًا. وناشه ينوشه: تناوله. قال عنترة: [من الكامل] 1714 - فتركته جزر السباع ينشنه

والمعنى: كيف يتناولون الإيمان من مكان بعيد ولم يكونوا يتناولونه من مكان قريب في حين الاختيار. وقرئ بالهمز. وقد تقدم الكلام على ذلك. ن وص: قوله تعالى: {ولات حين مناص} [ص: 3] المناص: المهرب والملجأ. يقال: ناص ينوص نوصًا ومناصًا، أي فاستغاثوا وليس الحين حين ملجأ ولا مهرب. قال امرؤ القيس: [من الطويل] 1715 - أمن ذكر سلمى أن نأتك تنوص ... فتقصر عنها أو تبوص؟ وقيل: تنوص، معناه تتحول. وقيل: تتأخر. وتنوص معناه: تتقدم. وقيل: ناصة ينوصة بمعنى فاته، وهو قريب مما تقدم. واستناص: طلب المناص. وأنشد لحارثه بن بدر يصف فرسًا: [من الكامل] 1716 - غمر الجراء إذا قصرت عنانه ... بيدي استناص ورام جري المسحل وقد قرئ هذا الحرف بقراءات كثيرة حررناها في غير هذا ولله الحمد. ن وق: قوله تعالى: {ناقة الله} [الأعراف: 73] الناقة: الأنثى من الإبل، وتُجمع على نوق. وفي المثل: "كيف العيوق بعد النوق" على أينق، وأصله أنوق، ثم قلبت الكلمة بأن قُدمت الواو على النون وقلبت تاء، والتاء في ناقة لتأكيد التأنيث كما قدمناه في نعجة. وهذه الناقة كان خلقها الله على خلاف غيرها من بنات جنسها، ولها قصة مشهورة. وفي الحديث: "أن رجلًا قد سار على جملٍ قد نوقه" أي راضه وذلله. و"استنوق الجمل" أي ذل ذُل الناقة. قال الشاعر: [من الرجز]

1717 - يا ناق سيري عنقًا فسيحا ... إلى سليمان فتستريحا أراد ناقة فرحمها. ن ول: قوله تعالى: {لن ينال الله لحمها} [الحج: 37] أي لن يصل إليه ما يعد لكم ثوابه من التقوى، أي نال يناله، وينوله نولًا ونيلًا. ففي العين والواو والياء، إلا أن لغة القرآن الياء. قال تعالى: {ولا ينالون من عدو نيلًا} [التوبة: 120] أي يُصيبون منهم مالًا أو عرضًا. يقال: هو ينال من عدوه، أو وتره ي مالٍ أو عرضٍ أو غير ذلك. ومنه الحديث: "أن رجلًا كان ينال من الصحابة" أي الوقيعة فيهم. والنول والنوال: العطاء. ومنه حديث موسى والخضر: "فحملوهما بغير نولٍ" أي بغير جعلٍ. ويقال: نلت معروفًا، ونولته إياه، أنلته إياه رسولًا ونيلًا وتنويلًا وإنالة. قال كعب بن زهير رضي الله تعالى عنه: [من البسيط] 1718 - أرجو وآمل أن تدنو مودتها ... وما إخال لدينا منك تنويل وقال الراغب: النيل: ما يناله الإنسان بيده. نلته أناله نيلًا. قال تعالى: {ولا ينالون من عدو نيلًا}. والنول: التناول. يقال: نلت كذا أنوله، وأنلته: أوليته. قال: ومثل ذلك: عطوت جذا: تناولت كذا. وأنلته: أعطيته. يقال: ما كان نولك أن تفعل كذا، أي ما فيه نوا لصلاحك. قال الشاعر: [من الوافر] 1719 - جزعت وليس ذلك بالنوال قيل معناه: بالصواب. وحقيقة النوال ما تناله من الصلة، وتحقيقه: ليس ذلك مما تنال منه مرادًا. ويقال: نال الشيء، أي جاوز وقرب. ومنه قول أبي بكر رضي الله تعالى

عنه لرسول الله صلى الله عليه وسلم: "قد نال الرحيل" أي حان. ويقال: نولك أن تفعل كذا، أي حقك. وقد نال لك ذلك ينول نولًا. ن وم: قوله تعالى: {والنوم سباتا} [الفرقان: 47] قال الراغب: قد فُسر النوم على أوجه كلها صحيحة، بنظرات مختلفة؛ قيل: هو أن يتوفى الله النفس من غير موت، وإليه الإشارة بقوله تعالى: {الله يتوفى الأنفس حين موتها والتي لم تمت في منامها} [الزمر: 42] الآية. وقيل: النوم موت خفيف والموت نوم ثقيل. والمنام والنوم واحد. والإنامة: القتل. ومنه قول علي رضي الله تعالى عنه وقد حث على قتال الخوارج: "إذا رأيتموهم فأنيموهم" أي اقتلوهم. قال الهروي: نامت الشاة: إذا ماتت. قال الفراء: النائمة: الميتة. وفي الحديث: "خير أهل ذلك الزمان كل مؤمن نومة" أي خامل الذكر، غامض بين الناس، لا يعرف الشر وأهله. وقال أبو بكر في "جمهرته": النوم، يعني بضم النون: الخامل الذكر. والنومة، يعني بفتحها: الكثير النوم، وفيه نظر لأن بناء فعله يدله على كثرة الفعل نحو هُمزة ولُمزة وضُحكة. وقد نص الراغب على أن النومة أعني بضم النون يطلق على الكثير النوم وعلى الخامل. والنؤوم أيضًا: الكثير النوم، نحو ضروبٍ وكسوبٍ. واستنام إلى كذا: اطمأن إليه. والمنامة: ثوب ينام فيه. وانمته: تسببت في نومه. ونام السوق: كسد. ونام التوب: أحلق؛ كل شيء على التشبيه. وفي حديث علي رضي الله تعالى عنه: "دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا على المنامة" قيل: هي هنا الدكان، وفي غير القطيفة. ن ون: قوله تعالى: {وذا النون} [الأنبياء: 87] أي اذكر صاحب النون. النون: الحوت

فصل النون والياء

كما صرح به في قوله: {ولا تكن كصاحب الحوت} [القلم: 48] والمراد به نبي الله يونس بن متى عليه السلام، وإنما أضيف يونس إلى النون لابتلاعه إياه في قصة مشهورة. ويجمع على نينان، نحو حوت وحيتان. وقال بعضهم: النون: الحوت العظيم فخصصه. ونو في قوله تعالى: {ن والقلم وما يسطرون} [القلم: 1] منهم من يجعله حرف تهج وهو الصواب كنظائره نحو"ص" و"ق" و"حم". وقيل: هو حوت عظيم في بحرٍ عظيم، حامل الثور عليه الأرضون. أقسم الله تعالى به في قصة طويلة، والله أعلم بصحتها. ويعبر بالنون عن الناقة الضامرة تشبيهًا بحرف الهجاء في الهيئة كقول الشاعر: [من الطويل] 1720 - وجرفٍ كنونٍ تحت راءٍ ولم يكن ... بدالٍ يؤم الرسم غيره النقط وفي هذا البيت تورية حسنة كبيرة أوردتها في شرح قصيدة كعب بن زهير وتلخيصه انه أراد حرف الهجاء، وبالحرف الناقة، وأراد براء اسم الفاعل من رأى، أي ضرب الرئة، وبدال اسم الفاعل من دلا يدلو، وبالرسم رسم الدار، وبالنقط المطر. ن وى: قوله تعالى: {إن الله فالق الحب والنوى} [الأنعام: 95] النوى للثمرة عجمها، وهو الذي ينبت منه الشجر، الواحدة نواة، فهو اسم جنس. والنواة أيضًا: الحاجة. يقال: لي عنده نية ونواة، أي حاجة، وذلك من نوى ينوي؛ إذ تجرد للشيء قاصدًا له. وفي الحديث: "تزوجت على نواة من ذهب" أي قدر نواة من ذهب، وهو خمسة دراهم. ونوت البسرة وأنوت: اشتدت نواتها. والنؤى أيضًا: البعد. ولام النواة ياء، لأن عينها واو. والأكثر التغاير، كما استدلوا على أن لام ذو بمعنى صاحب ياء بذلك. فصل النون والياء ن ي ل: قوله تعالى: {ولا ينالون من عدو نيلًا} [التوبة: 120] ليس في القرآن غيره، وقد تقدم الكلام عليه قريبًا. وأما مادة (ن اس) إذا قيل: إن ألفه عن ياء، وإن أصله (ن ي س) فقد تقدم أنه مقلوب من نسى. والله تعالى أعلم.

باب الهاء

باب الهاء فصل الهاء والباء هـ ب ط: قوله تعالى: {اهبطوا} [البقرة: 36] الهبوط: السقوط على سبيل القهر كهبوط الحجر في قله تعالى: {وإن منها لما يهبط (1) من خشية الله} [البقرة: 74] قال بعضهم: وإذا استعمل في الإنسان فعلى سبيل الاستخفاف بخلاف الإنزال، فإن الإنزال ذكره الله تعالى في الأشياء التي نبه على شرفها كإنزال القرآن والملائكة وغير ذلك. الهبط ذكر حيث نبه على الغض، نحو: {اهبطوا منها} [البقرة: 38] وقوله: {اهبطوا مصرًا فإن لكم ما سألتم} [البقرة: 61]. قال: وليس في قوله: {فإن لكم ما سألتم} تعظيم وتشريف. ألا ترى إلى قوله: {وضربت عليهم الذلة المسكنة باؤوا بغضب من الله} [البقرة: 61] قلت: وفيه نظر لقوله تعالى ذلك لآدم وحواء، إذ ليس المراد الاستخاف والغض. وقد يقال: إنه لما هبط إبليس والحية أراد الغض منهما فجرى الخطاب على ذلك، ولله أن يخاطب عباده بما شاء، وإن لم يجز لخلقه ذلك. وهبط يكون لازمًا ومتعديًا؛ يقال: هبطته فهبط. ويرد ما قاله هذا القائل أيضًا قول العباس بن عبد المطلب رضي الله تعالى عنه يمدح النبي صلى الله عليه سلم: [من المنسرح]. 1721 - ثم هبطت البلاد لا بشر ... أنت ولا مضغة ولا علق فإن هذا تعظيم وتشريف. والهبيط: الضامر من النوق وغيرها. ويقال: هبط بفتح الباء فقط ويهبط بكسرها وضمها إلا أن الضم في اللازم أكثر. وقد قرئ: "اهبطوا" بالضم. وقيل: الهبوط: الانتقال مطلقًا. وقيل: الخروج من البلد. وقيل: الدخول فيها؛

فصل الهاء والجيم

فهو من الأضداد. وفي الحديث: "غبطًا لا هبطًا" أي نسألك الغبطة ونعوذ بك أن تهبطنا إلى حالٍ سفالٍ. وقال الفراء: الهبط: الذل. وأنشد للبيدٍ: [من المنسرح]. 1722 - إن يغبطوا يهبطوا وإن أمروا ... يومًا يصيروا للهلك والنفد هـ ب و: قوله تعالى: {فجعلناه هباء منثورًا} [الفرقان: 23]. الهباء واحده هباءة، فقيل: الهباء والهبوء: التراب الرقيق. وأنشد لرؤبة: [من الرجز]. 11723 - في قطع الآل وهبوات الدقق وقال الأزهري: هو ما يخرج من الكوة مع ضوء الشمس؛ شبه أعمال الكفار التي كانوا يفعلونها في الدنيا، من فك العناة وإطعام المحاويج وغير ذلك، في عدم الجدوى بترابٍ وغبارٍ دقيقٍ. ثم لم يكتف بذلك حتى جعله منثورًا لا يرجى منه نفع، ولا يحصل منه شي البتة. وقوله: {فكانت هباء منبثًا} [الواقعة:6] شبه الجبال حال دكها بالهباء المنبث، وهو المتفرق. فوصفه بالموضعين بوصفين مختلفين لفظًا متحدين معنى. قال الراغب: الهباء: دقاق التراب، فلا يبدو إلا في أثناء الشمس في الكوة. ويقال: هبا الغبار يهبو، أي ثار وسطع. وأهببته أهبه هبًا: أثرته. والهبوة كالغببرة. وفي الحديث: "أن فلانًا جاء يتهبى" قال الأصمعي: أي ينفض يديه أي فار [اليدين، كقولهم: جاء فلان يرب أصدريه، أي جاء فارغ اليدين. فصل الهاء والجيم هـ ج د: قوله تعالى: {فتهجد به} [الإسراء: 79] أي اترك الهجود، وهو النوم، فتفعل فيه

للسلب نحو تحنث وتأثم، أي جانب الحنث والإثم. فحقيقة التهجد السهر وإلقاء النوم. ولكن المراد بالآية أخص من ذلك، وهو التنقل بالصلاة. وقوله: {به} أي القرآن في الصلاة. ومن ثم غلب التهجد على التنقل بالصلاة ليلًا، وهو المراد بقوله تعالى {قم الليل إلا قليلًا} [المزمل:2]. وأهجد البعير: ألقى جرانه للأرض متحريًا للهجود. وهجد يهجد فهو هاجد، والجمع هجد. قال الشاعر: [من الرجز]. 1724 - هم بيتونا بالوتير هجدا ... وقتلونا ركعًا وسجدًا هـ ج ر: قوله تعالى: {سامرًا تهجرون} [المؤمنون: 67] أي تتكلمون بكلام هجرٍ. والهجر في الكلام الفحش والقبح. واشتقاقه من الهجر، لأن من حق القبيح أن يترك ويهجر. ويقال: هجر الرجل، أي تكلم بهجرٍ عن قصد. وأهجر المريض: إذا أتى بذلك من غير قصدٍ. وقيل: هجر وأهجر بمعنى. وقد قرئ قوله: {تهجرون} بهما. قال بعضهم: قد يشبه المبالغ في المهجر، فيقال: أهجر وإن قصدوا. وأنشد قوله: [من الطويل]. 1725 - كما جدة الأعراق قال ابن ضرة ... عليها كلامًا، جار فيه وأهجرا ورماه بهاجرات فيه، أي فضائح كلامه. والهجيرى والإهجير: العادة الدأب. وأصل ذلك إذا أولع فيه وهذى به هذيان المريض المهجر. قال الراغب: ولا يكاد

يستعمل الهجر إلا في العادة الذميمة، إلا أن يستعمله في ضده من لا يراعي مرد هذه الكلمة عند العرب. والهجير والهاجرة من الهجر أيضًا لأنها ساعة يهجر فيها السير، أو لأنها تهجر الناس على المجاز. والهجار: حبل يربط به الفحل، فهو سبب لهجران الفحل الإبل، أي منعه عنها. وبني على مثال الزمام والعقال لموافقته معنى ذلك. وهجار القوس: وترها، وذلك تشبيه بهجار الفحل. وبعير مهجور: مربوط بالهجار. وقد فسر بعض الناس قوله: {واهجروهن في المضاجع} [النساء: 34] أي اربطوهن بالهجار. قال بعضهم: هو من تفسير الثقلاء. وقيل: معنى "تهجرون" أي تتركون، من الهجران وهو الترك. ومنه قوله: {واهجروهم هجرًا جميلًا} [المزمل: 20]. وهذا كقوله تعالى: {يا رب إن قومي اتخذوا هذا القرآن مهجورًا} [الفريقان: 30]، وقيل: معناه: جعلوه بمنزلة الهذيان. والهجر والهجران: مفارقة الإنسان غيره؛ إما بالبدن أو باللسان أو بالقلب. قيل: وقوله: {اتخذوا هذا القرآن مهجورًا} يجوز أن يراد فيه ذلك كله. وكذا قوله: {والرجز فاهجر} [المدثر:5] حث على المفارقة بهذه الوجوه كلها. قوله: {والذين هاجروا وجاهدوا} [البقرة: 218] وقوله: {والمهاجرين} [التوبة: 100]، ونحو ذلك. هذه المهاجرة عبارة عن الخروج من دار الكفر إلى دار الإسلام. ومنه الهجرة من مكة إلى المدينة. فالهجرة والمهاجرة غلبتا في ذلك، وإن كان أصلها مفارقة الغير ومتاركته. وقيل: الهجرة بعد الهجرة النبوية صارت عبارة عن ترك دار الحرب وترك الأخلاق الذميمة والخصال الرذيلة. وفي قوله عليه الصلاة والسلام: "فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله" إشارة لذلك. وهنا سؤال وهو انه لابد من تغاير الشرط والجزاء ليفيد، وهنا اتحدا. وأجيب بأن معناه: فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله ثوابًا وجزاء، أي من هاجر إلى الله كان أجره على الله كانت هجرته مقبولة. وفي الحديث: "لو يعلم الناس ما في التهجير" قيل:

فصل الهاء والدال

المراد التبكير إلى كل صلاة. في حديث الجمعة: "والمهجر كالمهدي بدنة" أي المبكر، وهي لغة حجازية. وأنشد للبيد: [من البسيط]. 1726 - راح القطين بهجرٍ بعد ما ابتكروا ... فما تواصله سلمى ما تذر هـ ج ع: قوله تعالى: {كانوا قليلًا من الليل ما يهجعون} [الذاريات: 17]. الهجوع: النوم بالليل، وتفسير معناه: كانوا يهجعون قليلًا من الليل. "ما" مصدرية، أي كانوا قليلًا هجوعهم. قوال الراغب: وذلك يصح أن يكون معناه: كان هجوعهم قليلًا من أوقات الليل. ويجوز أن يكون معناه: يهجعون هجوعًا قليلًا. ولقيته بعد هجعةٍ، أي نومةٍ. ورجل هجع كقولهم نوم، أي كثير النوم. فصل الهاء والدال هـ د د: قوله تعالى: {وتخر الجبال هدًا} [مريم: 90]. الهد: هدم له وقع. وهددت البقرة: أوقعتها للذبح. والهد: المهدود كالرعي والطحن. وقولهم: ترجل هدك من رجلٍ، أي كافيك. ولكونه في تأويل الصفة وصفت به النكرة مضافًا لمعرفةٍ. وحقيقة الكلام أنه لرجوليته يهدك ويزعزعك وجود مثله. وهددت فلانًا وتهددته، أي زعزعته خوفًا بالوعيد. والهدهدة: تحريك الصبي لينام. والهدهد: طائر معروف، وجمعه هداهد، بفتح الهاء، وأما الهداهد فمفرد؛ قيل: هو الحمام الكثير ترجيع الصوت. وأنشد: [من الكامل]. 1727 - كهداهدٍ كسر الرماة جناحه ... يدعو بقارعة الطريق هديلا والهد بالكسر: الجبان الضعيف، لأنه كما تقدم بمعنى المهدود.

هـ د م: قوله تعالى: {لهدمت صوامع} [الحج:40] الهدم: نقض البناء وإسقاطه. ومنه: دم هدم، أي هدر. والهدم بمعنى المهدوم كالنقض والذبح، ولكنه اختص بالثوب البالي، وجمعه أهدام. وفي الحديث: "أن أبا الهيثم بن النبهان قال: يا رسول الله إن بيننا وبين القوم حبالًا نحن قاطعوها، ونحن نخشى إن الله أعزك وأظهرك وأن ترجع إلى قومك. فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم: بل الدم الدم والهدم الهدم". وروى ثعلب عن ابن الأعرابي "الهدم" بفتح الدال: تقول العرب" "هدمي هدمك" بفتح الدال. يقال ذلك في النصرة. وقال أبو عبيد: يقال: هو الهدم واللدم. وأنشد: [من الرجز] 1728 - ثم الحقي بهدمي ولدمي أي بأصلي وموضعي. قال: وأصل الهدم ما أنهدم كالقبض والنقض. ومعنى قولهم: دمي دمك، إن قتلني إنسان طلبت بدمي كما تطلب بدم وليك. وهدمي هدمك، أي من هدم لي عزًا وشرفًا فقد هدمه منك. وفي الحديث: "كان يتعوذ من الأهدمين" قال: الأهدمان: أن ينهار عليك بناء أو تقع في بئرٍ أو هوةٍ. هـ د ي: قوله تعالى: {أولئك على هدى من ربهم} [البقرة:5] يطلق ويراد به الدعاء، كقوله: {ولكل قومٍ هاد} [الرعد:7] أي داعٍ. ويراد به الدلالة كقوله تعالى: {أهدانا الصراط المستقيم} [الفاتحة:6] أي دلنا إليه وأرشدنا إليه. وهوادي الخيل: متقدمها، وكذلك الهاديات. ومنه قول امرئ القيس: [من الطويل] 1729 - كأن دماء الهاديات بنحره ... عصارة حناءٍ بشيبٍ مرجل

وهديته إلى كذا: أوصلته إليه؛ قال تعالى: {فأهدوهم إلى صراط الجحيم} [الصافات:23]. قوله تعالى: {إنك لا تهدي من أحببت} [القصص:56] أي لا تخلق في قلبه الهدى. فلا منافاة بينه وبين قوله تعالى {وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم} [الشورى:52]: معناه: تدعو إلى صراطٍ. قوله تعالى: {إن علينا للهدى} [الليل:12] أي الدلالة على الحق. قوله: {أو أوجد على النار هدى} [طه:10] أي دليلًا يدلني على الطريق. وقال الراغب: الهدى: دلالة بتلطفٍ، ومنه الهدية. وهوادي الوحوش: المتقدمات الهادية لغيرها. وخص ما كان دلالة بهديت، وما كان إعطاء بأهديت. ثم قال: إن قيل: كيف جعلت الهداية دلالة بتلطفٍ، وقد قال تعالى: {فأهدوهم إلى صراط الجحيم}؟ ثم أجاب أنه من باب التهكم كقوله تعالى: {فبشرهم بعذابٍ أليمٍ} وقول الشاعر: [من الوافر] 1730 - تحية بينهم ضرب وجيع قال: وهداية الله تعالى للإنسان على أربعة أضرب: الأول، الهداية التي عم بها كل مكلفٍ، من العقل والفطنة والمعارف الضرورية، بل عم بها كل شيءٍ بقدرٍ فيه حسب احتماله كقوله تعالى: {ربنا الذي أعطى كل شيءٍ خلقه ثم هدى} [طه:50]. الثاني، الهداية التي جعل للناس بدعائه إياهم على ألسنة الأنبياء وإنزال القرآن ونحو ذلك، وهو المقصود بقوله تعالى: {وجعلناهم أئمة يهدون بأمرنا} [الأنبياء:73]. الثالث، التوفيق الذي يختص به من اهتدى، وهو المعنى بقوله: {والذين اهتدوا زادهم هدى} [محمد:17] وقوله: {ومن يؤمن بالله يهد قلبه} [التغابن:11].

الرابع، الهداية في الآخرة إلى الجنة، وهو المعني بقوله: {الحمد لله الذي هدانا لهذا} [الأعراف:43] قال: وهذه الهدايات الأربع مرتبة؛ فمن لم تحصل له الأولى لم تحصل له الثانية، بل لا يصح تكليفه. ومن لم تحصل له الثانية لم تحصل له الثالثة والرابعة. ومن حصلت له الرابعة فقد حصل له الثلاث التي قبلها. ومن حصل له الثلاث فقد حصل له اللتان قبلها، ثم لا تنعكس؛ وقد تحصل الأولى ولا يحصل الثاني، ويحصل الثاني ولا يحصل الثالث. والإنسان لا يقدر أن يهدي أحداً إلا بالدعاء وتعريف الطرق دون سائر أنواع الهدايات. وإلى الأولى أشار بقوله: {وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم} {ولكل قومٍ هادٍ} وإلى سائر الهدايات أشار بقوله: {إنك لا تهدي من أحببت} قال: وكل هدايةٍ ذكر الله تعالى أنه منع الظالمين والكافرين فهي الهداية الثالثة التي هي التوفيق الذي يختص به المهتدون. والرابعة التي هي الثواب في الآخرة وإدخال الجنة {كيف يهدي الله قومًا كفروا بعد إيمانهم} إلى قوله: {والله لا يهدي القوم الظالمين} [آل عمران:86]. قوله تعالى: {أفمن يهدي إلى الحق أحق أن يتبع أمن لا يهدي إلا أن يهدى} [يونس:35] أي أن الله تعالى هو الذي يهدي خلقه إلى الحق، فهو أحق بالإتباع ممن لا يهدي أن يهتدي بنفسه. يقال: هدى بنفسه يهدي مخففًا بمعنى اهتدى يهتدي، نحو شرى يشري بمعنى اشترى يشتري. إلا أن "يهدي" إلى طريق يسلكها أو عملٍ يرشده إليه. وهذا استفهام توبيخٍ لهم على ما اتخذوه من دون الله إلها بعيد، وإن كان من أشرف الناس وخيرهم كالمسيح وعزيزٍ والملائكة. يعني أن الله وحدة هو الذي يهدي كل أحدٍ، وغيرهم لا يهدي غيره إلا أن يهديه الله. وقيل: معنى: {لا يهدي كيد الخائنين} [يوسف:52]، أي لا يصلح. فاستعار الهداية للإصلاح، وهذا كقوله: {إن الله لا يصلح عمل المفسدين} [يونس:81] والمعنى لا يوفقهم لعمل أهل الخير. قوله: {وإن كانت لكبيرة إلا على الذين هدى

الله} [البقرة:143] أشار به إلى من هداه الله بالتوفيق المذكور في قوله: {والذين اهتدوا زادهم هدى} [محمد:17] قال بعضهم: الهداية والهدى في موضوع اللغة واحد، ولكن خص الله تعالى لفظ الهدى بما تولاه وأعطاه. واختص به هو دون ما هو إلى الإنسان، نحو: {هدى للمتقين} [البقرة:2] والاهتداء: يختص بما يتحراه الإنسان على طريق الاختبار، إما في الأمور الدنيوية أو الأخروية كقوله تعالى: {وهو الذي جعل لكم النجوم لتهتدوا بها في ظلمات البر والبحر} [الأنعام:97] فهذا يجوز أن يكون للهدايتين، لأنهم يهتدون بها في أسفارهم وإلى الجهة التي يتعبدون إليها لله تعالى. ويقال أيضًا: اهتدى إذا طلب الهداية. ومنه: {قد ضللت إذًا وما أنا من المهتدين} [الأنعام:56] وإذا تحراها أيضًا. ومنه: {وإذ آتينا موسى الكتاب والفرقان لعلكم تهتدون} [البقرة:53] أي تحرون هدايتكم فيهما. والاهتداء أيضًا: الاقتداء بالعلماء. ومنه قوله تعالى: {أو لو كان آباؤهم لا يعلمون شيئًا ولا يهتدون} [المائدة:104] منبهة على أنهم لا يعلمون بأنفسهم، ولا يقتدون بمن يعلم. وقوله: {فمن اهتدى فلنفسه} [الزمر:41] هذا يتناول وجوه الاهتداء المتقدمة بأسرها من طلب الهداية وتحريها والاقتداء بالعلماء. وقيل في قوله تعالى: {وإني لغفار لمن تاب وآمن وعمل صالحًا ثم اهتدى} [طه:82] أي ثم أدام طلب الهداية، ولم يفتر عن تحريها. ولم يرجع إلى المعصية. وفي قوله تعالى: {أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون} [البقرة:157] أي تحروا الهداية وقبلوها وعملوا بها ولم يخلوا بشرائطها. قوله تعالى: {والهدي معكوفًا} [الفتح:25]، الهدي: ما يهدى إلى البيت الحرام من الأنعام. والهدية: مختصة باللطف الذي يهدي بعضنا لبعضٍ. قال تعالى: {وإني مرسلة إليهم بهدية} [النمل:35]. وفيه لغتان: هدي وهدي. قال الهروي: الهدي والهدي لغتان وهما ما يهدى لبيت الله تعالى من بدنةٍ وغيرها، وهذا أعم مما ذكرناه أولًا، والواحد هدية وهدية. وقال الفراء: أخل الحجاز وبنو أسدٍ يخففون الهدي، وتميم وسفلى قريشٍ يثقلون الياء. وأنشد الفرزدق: [من الوافر]

فصل الهاء والراء

1731 - حلفت برب مكة والمصلى ... وأعناق الهدي مقلدات قال: ويقال في جمع الهدي أهداء، وفي جمع الهدي هدى. ويقال للأنثى أيضًا هدي وهدي، نص عليه الأخفش وكأنه في الأصل مصدر وصف به. وهذا ظاهر في المخففة الياء. وقال الراغب: والهدي يقال في الهدي. وفي العروس يقال: ما أحسن هدية فلانً! وقال أبو بكرٍ: سميت الإبل هديا لأن منها ما يهدى إلى البيت. وفي الحديث: "هلك الهدي ومات الودي"، أي هلكت الإبل ويبست النخيل. والهدي: الطريق؛ يقال: ما أحسن هدي فلانٍ! أي طريقة. وفي الحديث: "إن أحسن الهدي هدي محمدٍ صلى الله عليه وسلم". وفي حديثٍ آخر: "كنا ننظر إلى هديه ودله" أي طريقة وهباته. وفي آخر: "أهدوا هدي عمارٍ" أي سيروا بسيرته وفي الحديث: "خرج من مرضه يهادي بين اثنين" أي يعتمد عليهما متمايلًا في ضعفه. وأصله من تهادت المرأة: إذا تمايلت في مشيها، كأنهم شبهوها بالهدي في مشيه. ومن فعل ذلك بغيره يقال له المهادي وغيره المهادي بالفتح، والمهداء بالقصر مهموز: الطبق الذي يهدى عليه. والمهدى بالمد: الكثير الهدية. وأنشد: [من الطويل] 1732 - وإنك مهداء الخنا نطف الحشا فصل الهاء والراء هـ ر ب: قوله تعالى: {ولن نعجزه هربًا} [الجن:12] الهرب: الذهاب بسرعةٍ عن خوفٍ.

يقال: هرب الرجل هربًا فهو هارب وهربه غيره. وقال يعقوب: أهرب الرجل، أي وجد في الذهاب. وفي الحديث: "ما لعيالي هارب ولا قارب" أي لا صادر عن الماء ولا وارد، أخبر أنهم لا شيء لهم. هـ ر ت: قوله تعالى: {هاروت وماروت} [البقرة:102] هما ملكان بالفتح وقيل ملكان بالكسر وقد قرئ بذلك، لهما قصة مشهورة الله أعلم بصحتها. ونقل الراغب عن بعض المفسرين أنهما اسما شيطانين من الجن أو الإنس. قال: وجعلهما نصباً بدلاً من الشياطين، بدل البعض من الكل. كقولك: القوم قالوا: زيد وعمرو. انتهلا. وفي جعلهما بدلًا من الشياطين نظر لا يخفى من حيث إن النحويين نصوا على أنه يمتنع البدل في نظيره لعدم المطابقة، وأوجبوا القطع حينئذٍ، وجعلوا من ذلك قول النابغة الذبياني: [من الطويل] 1733 - توهمت آيات لها فعرفتها ... لستة أعوامٍ وذا العام سابع رماد ككحل العين لأيا أبينه ... وتؤي كجذم الحوض أثلم خاشع قالوا: فرفع "رماد ونؤي" على إضمار مبتدأ، ولم ينصبا بدلًا من آيات لعدم المطابقة. وهذا له موضع تحقق فيه. وقوله فيه: إنه يدل على بعضٍ من كل كالجواب عن الاعتراض الذي ذكرته، لكنه لا يصح لما قدمته من نص النحويين. قيل: واشتقاق اللفظة من الهرت وهو سعة الشدق. ومنه قولهم: فرس هريت الشدق. وأصله من هرت ثوبه: إذا شقه فاتسع. ومنه الحديث: "أكل كتفًا مهرته" أي ممزقة من النضج. وقيل: إنما هو "مهردة". قال الكسائي: يقال: لحم مهرد" إذا نضج. والمهرأة مثله. قلت: فيجوز أن تكون الدال هي الأصل، والتاء مبدلة منها لتقاربها. ولذلك حكي: هرد ثوبه وهرته: إذا شقه. وعندي أن ادعاء الاشتقاق في هاروت من ذلك لا يصح لما قدمته غير مرةٍ من أن

فصل الهاء والزاي

الاشتقاق لا مدخل له في الأعجميات. وهذا نظير ما فعلون في إبليس وآدم ويعقوب ونحوها. هـ ر ع: قوله تعالى {يهرعون إليه} [هود:78] أي يساقون سوقًا بعنفٍ. وقال ثعلب: يستحثون. وقال غيره: يسرعون في فزعٍ. ومنه قوله تعالى: {فهم على آثارهم يهرعون} [الصفات:70] أي يتبعونهم مسرعين. قيل: كانوا يزعجون من الإسراع. يقال: هرع وأهرع: إذا استحث. وهذه معان متقاربة. ويقال: هرعه وأهرعه: ساقه سوقا بعنفٍ وتخويفٍ. وهرع برمحه فتهرع: إذا أشرعه سريعًا. والهرع: السريع المشي، والبكاء، وهو الهريع. والهرعة: القملة الصغيرة. كأنهم توهموا فيها السرعة والخفة. هـ ر ن: قوله تعالى: {وهارون} [النساء:163] هو اسم النبي العلم المشهور أخو موسى صلوات الله وسلامه عليهما وعلى سائر الأنبياء. قال الراغب: هو اسم أعجمي، ولم يرد في شيء من كلام العرب. يعني لم ترد هذه المادة في لغتهم. فصل الهاء والزاي هـ ز أ: قوله تعالى: {أتتخذونا هزواٍ} [البقرة:67] الهزو: الاستخفاف. يقال: استهزأ به يستهزئ، أي استخف به. وقال بعضهم: الهزء مزح في خفيةٍ. وقد يقال لما هو كالمزح. فمن الأول قوله تعالى: {أتتخذنا هزوًا}. يقال: هزئت واستهزأت. قال الراغب الاستهزاء: ارتياد الهزؤ وإن كان قد يعبر به عن تعاطي الهزؤ كالاستجابة في كونها ارتيادًا للإجابة، وإن كانت قد تجري مجرى الإجابة. قوله تعالى: {قل أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزئون} [التوبة:65]. وقوله: {الله يستهزئ بهم}

[البقرة:15] من باب المقابلة، وإلا فحقيقة الاستهزاء على الله محال. وقيل: إنه عبر عن إمهاله لهم وازدراء رزقه عليهم، وأخذهم بعد ذلك بفتة بالاستهزاء. ويقال: إن الاستهزاء الانتقام. وأنشد: [من الطويل] 1734 - قد استهزؤوا منا بالأفي مدججٍ ... سراتهم وسط الصحاصح جثم قيل: فعلى هذا لا يحتاج إلى تأويلٍ. ويدل عليه أنه تعدى عن أن يقال: هزأت منه وبه. ومنه قول الشاعر: [من الرجز] 1735 - قد هزأت مني أم طيسلة ... قالت: أراه معدمًا لا مال له والاستهزاء في البيت إنما معناه الاستخفاف والسخرية. وكونه بمعنى الانتقام بعيد التأويل، أي انتقمت مني بهذا القول. ويروى أن يفتح للكفرة باب من الجنة فإذا قاربوها أغلق، فذلك الاستهزاء بهم. وقد قرئ قوله: {أتتخذنا هزوًا} بسكون العين وضمها وبالواو، حسبما بينا ذلك في "العقد". هـ ز ز: قوله تعالى: {وهزي إليك بجذع النخلة} [مريم:25] الهز: التحريك بشدةٍ، يقال: هزه يهزه، وهز الرمح فاهتز. واستعير ذلك في قولهم: هززت فلانًا للعطاء، أي حركته بما ذكرته له من المكارم والمآثر. وقوله تعالى: {تهتز كأنها جان} [النمل:10] إشارة إلى شدة حركتها واضطرابها، وأنها فاقت أبناء جنسها في حركتها ونشاطها. وقوله: {اهتزت وربت} [الحج:5] أي تحركت حركة شديدة تشقها عن نباتها وأزهارها بسبب إنزالها الماء بعد أن كانت على عكس هذه الصفة قبل ذلك. واهتز الكوكب في انقضاضه. وسيف هزهاز. ورجل هزهز: خفيف. وكذلك ماء

هزهز. قيل: وهو يتعدى بنفسه وبالباء؛ يقال: هززته وهززت به، كما يقال: أخذ الحطام وبالحطام، وتعلق زيدًا ويزيدٍ. وهز عطفه: كناية. وفي الحديث: "اهتز عرش الرحمن لموت سعد" أي ارتاح بروحه حين صعد به. وقيل: هو على حذف مضافٍ؛ أي أهل عرش الرحمن. [هـ ز ل]: {إنه لقول فصل وما هو بالهزل} [الطارق:14]. هـ ز م: قوله تعالى: {فهزموهم} [البقرة:251] أي كسروهم وطرودهم. وأصل الهزم الكسر. ومنه [شن] متهزم، أي منكسر بعضه على بعضٍ. وهزمت البئر: حفرتها. وبئر هزيمة، أي كسر جبلها حتى فاض ماؤها. وصار الهزم متعارفًا في فرار الجيش من الغلبة وفي الحديث: "زمزم هزمة جبريل" أي ضربها برجله. وقصب متهزم ومنهرم، أي متكسر. وسمعت هزمة الرعد، أي صوته الذي يكاد يشق القلوب. وفي الحديث: "فاجتنبوا هزم الأرض فإنها مأوى الهوام" يعني ما تشقق منها فلا تنتابونه لحاجتكم. وفي الحديث أيضًا" "أول جمعةٍ جمعت في الإسلام في هزم بني بياضة". وقال بعض اللغويين: أصل الهزم غمز الشيء اليابس حتى ينحطم كهزم الشن، وهزم القثاء والبطيخ. قال: ومنه الهزيمة لأنه كما يعبر عنه بذلك يعبر عنه بالحطم والكسر. وأصابته هازمة الدهر، أي مصيبته التي تكسر صاحبها. وهزم الرعد: تكسر صوته. والمهزام: عود يجعل في رأسه نار يلعب به الصبيان، كأنهم يهزمون به بعضهم.

فصل الهاء والشين

فصل الهاء والشين هـ ش ش قوله تعالى: {هي درجفرر بتوكأ عليها وأهش بها على غنمي} [فه:18] أي أخبط الشجر ليتناثر ورقة فيرداده الغنم. يقالك هش يهش، أففذ لذلك. وهش للمعروف يهش - بالفثحف المارتاح. وفي حديث عمر: "فهشئت يومًا فقبلت وأنا صائم"، أي فرحت. ويقال: هاش بمعنى هش. وأنشد للراعي: [من الطويل] 1736 - فكبر للرؤيا وهاش فؤاده ... وبشر نفسًا كان قبل يلومها وقال الراغب: الهش يقارب الهز بالشيء اللين. وناقشه هشوش: لينة غزيرة ضد الصلود التي لا تكاد تعرق. ورجل هش، أي طلق المحيا. وقد هششت، أي فرحت. هـ ش م: قوله تعالى: {فأصبح هشيمًا} [الكهف:45] أي فتانًا متكسرًا، من هشمت الشيء، أي فتتته. ومنه هشيم الشريد، وبه سمي هاشم. وأنشد: [من الكامل] 1737 - عمرو الذي هشم الثريد لقومه ... ورجال مكة مسنتون عجاف والهاشمة: أحد الشجاج، لهشمها العظم. قوله: {كهشيم المحتظر} [القمر:31] أي لما هلكوا صاروا مثل حطام النبات الذي يتخذه الراعي حظيرة في كونه هشيمًا متكسرًا. ولله در القرآن ما أبلغ تشبيهاته! واهتشم كل ما في ضرع الناقة، أي امتصه. فصل الهاء والضاد هـ ض م: قوله تعالى: {فلا يخاف ظلمًا ولا هضمًا} [طه:112] أي نقصًا. وفي التفسير:

فصل الهاء والطاء

لا يخاف أن يظلم فيحمل ذنب غيره، ولا يهتضم فينقص من حسناته. ومنه دواء يهضم الطعام، أي ينقص ثقله. ويقال: هضمته، واهتضمته، وتهضمته، أي نقصته حقه. وأنشد للمتوكل الليثي: [من الكامل] 1738 - إن الأذلة واللئام لمعشر ... مولاهم المهتضم المظلوم قيل: والظلم والضهم متقاربان. وفرق الماوردي فقال: الظلم منع جميع الحق، والهضم منع بعضه. وعن بشرين المفضل، وقد قال لابنه: "لم تشرب النبيذ؟ فقال: إنما أشرب القدح والقدحين لينهضم طعامي. قال: والله لدينك أهضم". قوله تعالى: {ونخل طلعها هضيم} [الشعراء:148] قال أبو عبد الله: هو المنضم في وعائه قبل أن يظهر. ومنه: رجل أهضم الجنبين، أي منهضمهما. هذا قول اللغويين، وفسره مجاهد: أي يتهشم تهشمًا. وقول أهل اللغة أوفق لمعنى الآية. وقال أبو القاسم: الهضم: شدخ ما فيه رخاوة؛ يقال: هضمته فانهضم، كالفضبة المهضومة التي يرمز بها. ومزمار مهضم. وقوله: "طلعها هضيم" أي داخل بعضه في بعضٍ، كأنها شدخ. قلت: وفي هذا الكلام جمع بين قول أهل اللغة وقول مجاهد. والهاضوم: ما يهضم الطعام. وبطن هضوم، وكشح مهضم، وامرأة هضيمة. واستعير الهضم للظلم، قال تعالى: {فلا يخاف ظلمًا ولا هضمًا}. فصل الهاء والطاء هـ ط ع: قوله تعالى: {مهطعين إلى الداع} [القمر:8] أي مسرعين. يقال: أهطع يهطع إهطاعًا، فهو مهطع، أي سريع الإجابة لداعي رب العالمين. وقال ثعلب: المهطع الذي ينظر في ذل وخشوع لا يقلع بصره. يقال: هطع الرجل ببصره: إذا صوبه. وبعير مهطع: إذا صوب عنقه، والظاهر الأول لقول الشاعر: [من البسيط]

فصل الهاء واللام

1739 - إذا دعانا فأهطعنا لدعوته ... داعٍ سميع فلقونا وساقونا فهذا بمعنى أسرعنا. ويقال: هطع وأهطع. وقال الأخفش: الإهطاع هو الإقبال على الإصغاء. وأنشد: [من الوافر] 1740 - بدجلة دراهم ولقد أراهم ... بدجلة مهطعين إلى السماع فصل الهاء واللام هـ ل ع: قوله تعالى: {إن الإنسان خلق هلوعًا} [المعارج:19] قيل: مفسرة بما بعده. وعن ثعلبٍ: سألني محمد بن عبد الله بن طاهر: ما الهلع؟ قلت: قد فسره الله تعالى، ولا يكون أبين من تفسيره؛ وهو الذي إذا ناله شر أظهر شدة الجزع، وإذا ماله خير بخل به ومنع. وقيل: هو الفزع والاضطراب الشديد، من قولهم: ناقة هلواع، أي سريعة السير. وقيل: "هلوعًا" ضجورًا لا يصبر على المصائب. وقيل: هو الذي يفزع ويجزع من الشر ويحرص ويشح على المال. وفي الحديث: "من شر ما أعطي العبد شح هالع وجبن خالع" الهلع أشد الجزعٍ. والمعنى شح يحزنه وجبن يخلع قلبه. هـ ل ك، قوله تعالى: {وجعلنا لمهلكهم موعدًا} [الكهف:59] أي لوقت هلاكهم. وقرئ بكسر اللام وفتحها مع ضم الميم، أي لوقت إهلاكهم. قال بعضهم: الهلاك على أربعة أوجه: أحدها افتقاد الشيء عنك وهو موجود عند غيرك. ومنه: {هلك عني سلطانيه}

[الحاقة:29]. والثاني هلاك الشيء باستحالةٍ وفسادٍ كقوله: {ويهلك الحرث والنسل} [البقرة:205]. والثالث الموت، نحو: {إن امرؤ هلك} [النساء:176]، و {وما يهلكنا إلا الدهر} [الجاثية:24]، {حتى إذا هلك قلتم} [غافر:34]. قال الراغب: لم يذكر الله تعالى الموت بلفظ الهلاك حيث لم يقصد الذم إلا في هذا الموضع. يعني {إن امرؤ هلك}. وفي قوله: {حتى إذا هلك قلتم لن ينبعث الله من بعده رسولا}. الرابع بطلان الشيء من العالم وعدمه رأسًا، وذلك هو المسمى فناء كقوله: {كل شيء هالك إلا وجهه} [القصص:88]. وقد يطلق الهلاك على العذاب والخوف والفقر ونحوها لأنها أسبابه كقوله تعالى: {وكم أهلكنا من قرية} أي عذبناها. وقوله تعالى: {فهل يهلك إلا القوم الفاسقون} [الأحقاف:35] أي يعذب عذاب اسئصالٍ، وهو الهلاك الأكبر الذي أشار إليه عليه الصلاة والسلام بقوله: "لا شر كشر بعده النار". قوله: {ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة} [البقرة:195]. قيل: التهلكة ما يؤدي إلى الهلاك. والهلوك: المرأة المتمايلة في مشيها، كأنها تتهالك في مشيها، كما قال الشاعر: [من الطويل] 1741 - مريضات أوبات التهادي كأنما ... تخاف على أحشائها أن تقطعا وكني عن الفاجرة بالهلوك لتمايلها. والهلك: الهلاك والشيء الهالك أيضًا. ومن الأول قول الشاعر: [من الطويل] 1742 - فما كان قيس هلكه هلك واحدٍ ... ولكنع بنيان قومٍ تهدما

والهالكي: الحداد، وأصله من قبيلة هالكٍ، فسمي كل حدادٍ هالكيًا. وفي حديث أبي هريرة: "إذا قال الرجل: هلك الناس، فهو أهلكهم" يروى برفع الكاف على أنه فعل ذلك هو أكثرهم هلاكًا، وإذا كان كذلك كان أيأسهم لله تعالى. هـ ل ل: قوله تعالى: {وما أهل به لغير الله} [البقرة:173] أي صرح باسمٍ غير الله عند ذبحه كما كانت الجاهلية يفعلون عند ذبح نسائكهم فيقولون: باسم اللات، باسم العزى. والإهلال: رفع الصوت. ومنه استهل الصبي. ومنه: "لا يوزث الصبي حتى يستهل صارخًا". وأهل بالحج: إذا رفع صوته بالتلبية به قيل: وأصل ذلك من الهلاك، لأنهم إذا رأوه صرخوا برؤيته، ورفعوا أصواتهم بها. قوله تعالى: {يسألونك عن الأهلة} [البقرة:189] هي جمع هلالٍ، وأفعلة يلزم في فعال وفعال معتلي اللام أو مضعفين، نحو خباءٍ وأخبيةٍ، وزمام وأزمةٍ. وقد ندر عنان وعننٍ وحجاج وحجج حسبما بيناه في غير هذا الموضوع. قيل: ولا يقال: هلال إلا لأول ليلةٍ والثانية، ثم هو قمر بعد ذلك. قال الراغب: ولا يقال له هلال. وقال الهروي: والقمر إذا بدا رقيقًا في أول الشهر يقال له في الثلاث الأول هلال، وهذا مخالف لما قدمته. وقال أبو الهيثم: يقال له هلال لليلتين من أول الشهر ولليلتين من آخره، وما بين ذلك فهو قمر. وقال الأصمعي: يقال له هلال إلى أن يحجر، ويحجر إلى أن يستدير له كالخيط الرقيق. وقيل: يسمى هلالًا إلى أن يقهر ضوؤه سواد الليل. قالوا: وذلك إنما يكون في سبع ليالٍ. قيل: والهلال مصدر في الأصل، سمي به هذا الكوكب، فيقال: هل الهلال هلالًا. ويقال: أهل الهلال واستهل، مبنيين للفاعل تارة وللمفعول أخرى. ومن الأول قول الشاعر: [من الوافر]

1743 - وشهر مستهل بعد شهرٍ ... وحول بعده حول جديد ويقال: أهللناه واستهللناه. ويقال له بدر من الثالثة عشر إلى الرابعة عشر. قال أبو العباس: إنما قيل له هلال لأن الناس يرفعون أصواتهم بالإخبار عنه. ومن أسائه الربرقان. ودراته التي حوله يقال لها الهالة، وضوؤه يقال له الفخت وظله السمر. ولذلك سمي المتحدثون في ضوئه سمارًا، ثم أطلق ذلك على كل متحدث ليلًا. وانهل المطر انصب انصبابًا شديدًا. والمطر يسمى هللا وأهلولًا. وأنشد لأمرئ القيس: [من الهرج] 1744 - لمن زحلوقة زل ... بها العينان تنهل؟ هـ ل: قوله تعالى: {هل أتى على الإنسان} [الإنسان:1] هل: في الأصل حرف استفهامٍ بمعنى الهمزة، وبينهما فرق، وقد ذكرته في غير هذا الموضع. وقيل: معناها هنا: قد أتى. واستشهد بدخول حرف الاستفهام عليها في قول الشاعر: [من البسيط] 1745 - سائل فوارس يربوعٍ بجملتها ... أهل رأونا بوادي القف ذي الأكم؟ وقيل: هي على بابها من الاستفهام، وتقدير القولين في "الدر المصون". وتأتي بمعنى النهي كقوله تعالى: {فهل أنتم منتهون} [المائدة:91] أي انتهوا، ونفيًا كقوله تعالى: {فهل يهلك إلا القوم الفاسقون} [الأحقاف:35] أي ما يهلك. قال بعضهم: وتكون شرطًا، وتكون تنبيهًا وتبكيتا. هـ ل م: قوله تعالى: {هلم إلينا} [الأحزاب:18] هلم بمعنى إئت. وتكون اسم فعل عند

فصل الهاء والميم

أهل الحجاز، وفعلًا عند تميمٍ فعلى الأول لا يبرز معها ضمير تثنية ولا جمع، بل يستوي لفظها في ذلك. وبهذه اللغة نزل القرآن. وعلى الثانية يبزز معها ذلك فيقال: هلما، هلموا. واختلف فيها هل هي مركبة أم لا؟ ومن قال بتركيبها اختلفوا أيضًا فقيل: أصلها هالم؛ ها للتنبيه ولم يفعل أمرٍ بمعنى أصلح، فحذفت ألف ها تخفيفًا وركبا. وحدث فيها معنى الأمر بالإسراع. وقيل: أصلها هل أم؛ هل استفهام وأم أمر من أم، أي قصد. والأصل هل لك ذلك في كذا؟ فأمه أي اقصده، فركبا، وحدث ذلك المعنى. وقد حققت ذلك في غير هذا. فصل الهاء والميم هـ م د: قوله تعالى: {وترى الأرض هامدًة} [الحج:5] أي جافًة يابسًة لا نبات بها. وأصل الهمود السكون والخشوع والبلى. ومنه: همد الثوب، أي بلي. وأنشد للأعشى: [من الكامل] 1746 - قالت قتيلة: ما لجسمك شاحبًا ... وأرى ثبابك بالياتٍ همدا؟ وهمدت النار: طفئت. والإهماد أيضًا: الإقامة، كأنه صار ذا همدٍ. وقيل: الإهماد: السرعة. قال الراغب: فإن يكن ذلك صحيحًا فهو كالإشكاء في كونه تارًة لإزالة الشكوى وتارًة لإثبات الشكوى، يعني في قولهم: أشكيته يجوز أزلت شكايته، ويجوز صيرته ذا شكايةٍ. وفي الحديث: "حتى كاد يهمد من الجوع" أي يهلك. فعبر عن الهلاك بلازمة، وهو سكون الحركة. هـ م ر: قوله تعالى: {بماءٍ منهمرٍ} [القمر:11] الهمر: صب الماء والدمع. يقال:

همرت الماء فانهمر، وهمرت الدمع، وهمرت ما في ضرع الشاة من اللبن، أي حلبته كله. وهمر الرجل في كلامه، أي أكثر الرجل، فهو مهمار، نحو مضرابٍ. وفلان يهامر الشيء، أي يجرفه. ومنه: همر له من ماله، أي أعطاه بكبشٍ. وقال الشاعر: [من الرجز] 1747 - راح بمرية الصبا ثم انتحى ... فيه شابيب جنوبٍ منهمر هـ م ز: قوله تعالى: {ويل لكافر همزةٍ} [الهمزة:1] الهمز كالعصر، ومنه: همزت الشيء في كفي، أي عصرته. ثم عبر به عن الاغتياب. والهمزة: الكثير الهمز كالهماز في قوله: {همازٍ مشاء بنميمٍ} [القلم:11]. وعن ابن الأعرابي: الهماز: المغتاب بالغيب، واللماز: المغتاب بالحضرة. قال الشاعر: [من البسيط] 1748 - وإن اغتيب فأنت الهامز اللمزه وعن شهر بن حوشب عن ابن عباسٍ في تفسيره قال: هو المشاء بالنميمة، المفرق بين الجماعة، المغري بين الأحبة. قوله تعالى: {وقل رب أعوذ بك من همزات الشياطين} [المؤمنون:97] أي نزعاتهم وما يوسوسون به. وأصله من الهمز، وهو الدفع. ومنه الحديث: "أما همزه فالموتة" وقال أبو عبيد: الموتة الجنون: سماه همزًا لأنه حصله من النخس والغمز. وكل شيءٍ غمزته فقد دفعته. هـ م س: قوله تعالى: {فلا تسمع إلا همسًا} [طه:108] جاء في التفسير: إنه صوت الأقدام حين يمشون إلى المحشر. وأصل الهمس الصوت الخفي، وهمس الأقدام أخفى

ما يكون من صوتها. ومنه همس الإبل كقول الشاعر: [من الرجز] 1749 - وهم يمشين بنا هميسا ... إن تصدق الطير ننك لميسا وقيل: هو تحريك الشفتين دون نطقٍ، والأول أشهر. ومنه الحروف المهموسة، وهي مجموعة في قولك: سكت فحثه شخص، حسبما بيناه في "العقد النضيد". ومنه تسميتهم الأسد هموسًا لأنه يمشي بخفة فلا يسمع صوت وطئه. وفي الحديث: "كان يتعود من همز الشيطان ولمزه وهمسه". قال الليث: والهمز كلام من وراء القفا، واللمز مواجهة. والشيطان يوسوس فيهمس بوسواسه في صدور بني آدم. وقال أبو الهيثم: إذا أسر الكلام وأخفاه فذلك الهمس من الكلام. هـ م م: قوله تعالى: {ولقد همت به} [يوسف:24] أي عزمت وقصدت. وقال أبو حاتم: كنت أقرأ كتاب "غريب القرآن" على أبي عبيدة، فلما أتيت على قوله: {ولقد همت به وهم بها} قال أبو عبيدة: هذا على التقديم والتأخير كأنه قال: ولقد همت و {لولا أن رأى برهان ربه} لهم بها. قلت: وما قاله حسن جدًا، وقد بينا ذلك في موضعه في كتابنا المشار إليه غير مرةٍ. وقال ثعلب: أي همت زليخة بالمعصية مصرة، وهم يوسف ولم يواقع ما هم به، فبين الهمين فرق. قيل: أوصل ذلك من الهم وهو الحزن الذي يذيب الإنسان. يقال: هممت الشحم فأنهم، أي أذبته فذاب. فالهم الذي تهم به نفسك يكاد يذيبك حتى تفعله. ومن ثم قال الشاعر: [من الطويل] 1750 - وهمك ما لم تمضه لك منصب وقوله تعالى: {وطائفة قد أهمتهم أنفسهم} [آل عمران:154] أي حملتهم.

يقال: أهمني كذا، أي حملني على أن أهم به. وقوله: {وهموا بما لم ينالوا} [التوبة:97] جاء في التفسير أن رجالًا عزموا على أن يغتالوا النبي صلى الله عليه وسلم. وقعدوا له في الطريق، فأطلعه الله تعالى، فأمر بتنحيتهم وسماهم رجلًا رجلًا. وفي الحديث: "أحب الأسماء إلى الله عبد الله وهمام، لأنه ما من أحد إلا وهو يهم بأمرٍ رشد أو غوي" وفي شعر سطيحٍ: [من البسيط] 1751 - شمر فإنك ماضي الهم شمير أي ماضي العزم. وفي الحديث: "من شر كل شيطان وهامة". قيل: الهامة: الحية وكل ذي سم قاتل، وما يقتل منها فهو سامة كالعقرب والزنبور وشبههما، والجمع الهوام والسوام والقوام. فالهوام والسوام تقدما، والقوام: دواب الأرض التي ليست بذي سم البتة كالقنافذ واليرابيع والخنافس والفئران. وقد يطلق الهوام على القمل، ومنه الحديث: "أتؤذيك هوام رأسك" قيل لها ذلك لأنها تهم في الرأس وتدب. وتهممم رأسه أي فلاه من الهوام. والهامة في قولهم: "نعم الهامة هذا" هو الفرس. هـ م ن: قوله: {ومهيمنا عليه] [المائدة:48] أي رقيبًا وشاهدًا. وقيل: مؤتمنًا. والمهيمن في قوله تعالى: {المؤمن المهيمن} [الحشر: 23] أي الرقيب الحافظ. وقد

فصل الهاء والنون

زل المبرد فجعله تصغير مؤمن؛ فإن الأصل مؤيمن فأبدل الهمزة هاء كهرقت ونحوه. وهذا خطأ محض، والقول به سفه لأن التصغير لا يرد في أسماء الله تعالى، بل ولا في كل اسمٍ معظمٍ شرعًا كأسماء الأنبياء. وقد كتب ذلك. .. فكتب إليه أن اتق الله وارجع عن هذا فإنه كفر وقد بينا هذه الحكاية مطولة في غير هذا. وقال بعضهم: هو من أسماء الله تعالى القديمة في الكتب. وفي شعر العباس بن عبد المطلب رضي الله تعالى عنه يمدح رسول الله صلى الله عليه وسلم: [من المنسرح] 1752 - حتى احتوى بيتك المهيمن من ... خنذف، علياء تحتها النطق قال القتيبي معناه احتويت يامهيمن من خندف علياء؛ يريد به النبي صلى الله عليه وسلم، فأقام البيت مقامه لأن البيت إذا حل بهذا المكان فقد حل به صاحبه، وأراد ببيته شرفه. والمهيمن من نعته كأنه قال: حتى احتوى شرفك الشاهد على شرفك علياء الشرف من نسب ذوي خنذف التي تحتها النطق، وهي أوساط الجبال العالية. وفي حديث عمر: "إني داعٍ فهيمنوا" يريد أمنوا، فأبدل الهمزة هاًء وإحدى اليمين ياًء. فصل الهاء والنون هـ ن أ: قوله تعالى: {فكلوه هنيئًا مريئًا} [النساء:4] الهنيء: كل ما ليس فيه مشقة ولا تعب. وقيل في التفسير: أي أكلًا هنيئًا يطيب الأنفس. وقيل: الهنيء: أكل كل ما لا تنغيص فيه ولا تعقبه وخامة. يقال: هنؤ فهو هنيء، نحو ظرف فهو ظريف. قال كثير عزة: [من الطويل]

1753 - هنيئًا مريئًا غير داءٍ مخامرٍ ... لعزة من أعراضنا ما استحلت ويقال: هنأه الطعام ومرأه. وإذا أفرد مرأ لم يقل إلا امرأة، وإنما ترك همزه للمشاكلة نحو: أخذه ما قدم وما حدث، حسبما بيناه في "إيضاح السبيل" وغيره. على أنه قد نقل أبو العباس عن ابن الأعرابي أنه يقال: هنأني وأهنأني، ومرأني وأمرأني، ولا يقال: مرني. والهناء: ضرب من القطران تطلى به الإبل من جربها. قال: [من الكامل] - يضع الهناء مواضع النقب وقد هنأت الإبل فهي مهنوءة. وأنشد لامرئ القيس: [من الطويل] 1754 - أيقتلني وقد شغفت فؤادها ... كما شغفت المهنوءة الرجل الطالي وقد هنأت البعير أهنوه وأهنتئه؛ لغتان فصيحتان. وقيل: الهنيء في الآية ما لا إثم فيه. وقد تقدم الكلام على "مريئًا". هـ ن أ: قوله تعالى: {هنالك الولاية} [الكهف:44] هنا: ظرف مكان لا يتصرف غالبًا، وهو من أسماء الإشارة، ولا يشار به إلا للأمكنة. وقد يشار به للزمان عند بعضهم في قوله تعالى: {هنالك ابتلي المؤمنون} [الأحزاب:11]. وجعل من ذلك قول الآخر: [من الكامل] 1755 - وإذا الأمور تعاظمت وتشاكلت ... فهناك يعترفون أين المفزع؟ والصحيح أنه باقٍ على مكانيته. وحكمه في القرب والبعد والتوسط حكم ذا. فهنا للمكان القريب، وهناك للمتوسط، وهنالك للبعيد، وبمعنى البعيد هنا. وهنا - بكسر الهاء مع التشديد - وهنت وثم. وله موضع هو أليق به من هذا. وقريب من هذه المادة الهن، وهو الفرج. وقيل: كل ما لا يراد التصريح بذكره.

فصل الهاء والواو

والمشهور فيه إعرابه منقوصًا لقوله عليه الصلاة والسلام: "فأعضوه بهن أبيه". وقد يعرب بالأحرف الثلاثة كالأب. وقد تسكن نونة منقوصًا كقوله: [من السريع] 1756 - وقد بدا هنك من المئزر أراد هنك. وفي فلانٍ هنات، أي خصل رذيلة. فصل الهاء والواو هـ ود: قوله تعالى: {والذين هادوا} [البقرة:62] أي رجعوا وتابوا. والهود: الرجوع برفقٍ. التهويد: وهو المشي كالدبيب. وصار الهود في التعارف التوبة كقوله تعالى: {إنا هدنا إليك} [الأعراف:156] أي تبنا. وقيل: سكنا. ومنه الهوادة: وهي السكون والموادعة، ومنه الحديث: "لا تأخذه في الله هوادة". قال بعضهم: يهود في الأصل من قوله: {إنا هدنا إليك} وكان اسم مدحٍ، ثم صار بعد نسخ شريعتهم [لازمًا لهم وإن لم يكن فيه معنى المدح، كما أن النصارى في الأصل من قوله]: {نحن أنصار الله} [آل عمران:52] ثم صار لازمًا بعد نسخ شريعتهم. قال الراغب: ويقال: هاد فلان: إذا تحرى فعل اليهود. ومنه قوله تعالى: {والذين هادوا}. قال: والاسم العلم قد يتصور منه ما يتعاطاه المسمى به، أي المنسوب إليه، ثم يشتق منه نحو قولهم: تفرعن فلان وتطفل: إذا فعل فعل فرعون في الجوز وفعل طفيلٍ في إتيان الدعوات من غير استدعاء. وتهود في مشيته: إذا مشى مشيًا

رفيقًا تشبيهًا باليهود في حركتهم عند القراءة. وكذا: هود الرائض الدابة: سيرها برفقٍ. وقال غيره في قوله: {وعلى الذين هادوا حرمنا كل ذي ظفرٍ} [الأنعام:146] أي دخلوا في دين اليهودية. وهو موافق لما ذكره في قوله تعالى: {كونوا هودًا أو نصارى} [البقرة:135] قيل: هو جمع هائدٍ. وقيل: أصله تهود، فحذفت تاؤه. نقله الهروي وهو غريب. ويهود في الأصل منقول من الفعل المضارع نحو يزيد ويشكر. فامتناعه من الصرف يحتمل أن يكون للوزن والعلمية، أو للتأنيث والعلمية باعتبار القبيلة. ويرجحه فعله المسند إليه في قول الشاعر: [من الكامل] 1757 - قرت يهود وأسلمت جيرانها ولنا فيه كلام أكثر من هذا وهود: اسم النبي المشهور؛ قال الراغب: وهود جمع هائد في الأصل، أي تائب. وهو اسم نبي عليه السلام. هـ ور: قوله تعالى: {على شفا جرفٍ هارٍ} [التوبة:109] أي ساقط متداعٍ. يقال: هار البئر يهور، وهار البناء يهور: إذا تداعى وسقط. والأصل: هاور، فقلبت الكلمة بأن قدمت لأمها وأخرت عينها فأعلت إعلال المنقوص نحو شاكٍ ولابٍ، من شوكة السلاح ولوب الغمامة. ويقال: لاقلب فيه. وإنما حذفت العين، ولذلك أعرب كالصحيح. يقال هذا بناء هارا، ونقضت بناًء هارًا. وقد نطق بالأصل فقيل: هائر كقائمٍ. وفي حديث خزيمة في ذكر السنة: "تركت المخ زارًا والمطي هارًا" أي تساقطًا ضعيفًا أمه شدة الزمان. قوله {فانهار به} [التوبة:109] أي سقط. يقال: انهار الرجل فهو منهارٍ، أي سقط من مكانٍ عالٍ. ورجل هارٍ، وبئر هائر. وهائر في أمره، أي ضعيف، تشبيهًا بالبئر الغائر. وتهور الليل: ذهب أكثره، ومنه الحديث: حتى "تهور الليل" أي انهزم ومضى

أكثره كما يتهور البناء. وقيل: زفور: اشتد ظلامه. ويقال: تهير؛ قال هالراغب: فهذا من الياء. ولو كان لقيل: ميهور، يعني لو كان من الواو لقيل تهوريتهور. انتهى. وما قاله ليس بلازمٍ لجواس أن يكون وزنه تفعيل لا تفعل. والأصل تهيور فأدغم. وهذا نحو متحير والأصل متحيور. وكذلك ديار والأصل ديوار على ما أتقناه في "الدار" وغيره. ويقال: تهور وتوهر - بقلب العين قبل الفاء. وفي حديث آخر: "ومن أطاع فلا هوارة عليه" أي لا هلاك. يقال: اهتور فلان، أي هلك. وفي حديث آخر: "من اتقى الله وفي الهورات" أي الهلكات الواحدة هورة. هـ ون: قوله تعالى: {وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هونًا} [الفرقان:63] الهون: الترفق والتثبت، أي يمشون بسكينة ووقارٍ، لا أشرًا وتجبرًا. والهون والهوان: اللين والرفق. و"هونًا" في الآية إما حال، وإما نعت مصدرٍ مقدرٍ، أي ذوي هونٍ، أو مشيًا ذا هونٍ. وقول أمير المؤمنين علي رضي الله عنه: "أحبب حبيبك هونًا ما" أي حبًا قصيرًا لا إفراط فيه. وقال بعضهم: الهوان على وجهين: أحدهما تذلل الإنسان من نفسه لما لا يلحقه من غضاضةٍ فيمدح به كقوله تعالى: {الذين يمشون على الأرض هونًا}، وكقوله عليه الصلاة والسلام: "المؤمن هين لهين". عذاب الهون} [الأنعام:93] {ومن يهن الله فما له من مكرمٍ} [الحج:18] وقيل: فلان يمشي الهوينا، هي تصغير الهونى، والهونى تأنيث الأهون، نحو الفضلى تأنيث الأفضل. وقولهم: "امض على هينتك" من ذلك، كأنه فعلة من الهون، فقلبت الواو بانكسار الفاء نحو ديمة. وقال ابن الأعرابي في قوله عليه الصلاة والسلام: "المؤمنون

هينون لينون": العرب تمدح بالهين مخففًا، وتذم بالهين اللين مثقلًا. وقال غيره: واحد وهو الصحيح، والأصل التثقيل. وهذا نحو ميتٍ وميتٍ. والهاوون من ذلك، لأن فيه تسهيل أمر الحاجات. قال بعضهم: هو فاعول، من الهون. ولا يقال: هاون لأنه ليس في كلامهم فاعل. هـ وي: قوله تعالى: {والنجم إذا هوى} [النجم:1] أي سقط. قيل: عنى الثريا. وقيل: أراد نجوم القرآن، فيكون هوى بمعنى ترك. وهذا من باب تحسين اللفظ، وإلا فالسقوط والنزول مقاربا. ويقال: هوى يهوي: سقط، وهوي - بالكسر - يهوى - بالفتح - أي مال وأحب. قال تعالى: {بما لا تهوى أنفسكم} [البقرة:87] أي تميل وتحب. ومنه الهوى. ومنه ميل النفس إلى الشيء ومحبتها إياه. وقد غلب على الميل المذموم. قال تعالى: {ونهى النفس عن الهوى} [النازعات: 40]. قال بعضهم: وهو على الإطلاق مذموم، ثم يضاف إلى مالا يذم، فيقال: هواي مع صاحب الحق، أي ميلي. وقال الشاعر: [من الطويل] 1758 - هواي مع الركب اليمانين مصعد ... حبيب وجثماني بمكة موثق وقيل: الهوى ميل النفس إلى الشهوة. وقيل: سمي بذلك لأنه يهوي بصاحبه في الدنيا إلى كل داهية، وفي الآخرة إلى الهاوية. وقد عظم الله تعالى ذم إتباع الهوى في قوله: {أفرأيت من اتخذ إلهه هواه} [الجاثية:23]، أي ما تميل إليه نفسه، والأصل: من اتخذ هواه إلهه، لما بيناه في غير هذا. قوله تعالى: {ولئن اتبعت أهواءهم} [البقرة:120]، إنما جمع لأن لكل واحد هوى غير هوى الآخر. ثم هوى كل واحدٍ منهم

لا ييناهى. فإذا اتباع أهوائهم نهاية الضلال والحيرة. قوله تعالى: {فأمه هاوية} [القارعة:9] يعني بها النار. وقيل: هي اسم طبقة من طباق جهنم، أعادنا الله منها. سميت بذلك لهوي صاحبها فيها على أم رأسه. فيجوز أن يكون كقوله: {عيشةٍ راضيةٍ} [الحاقة:21] أي ذات هوى. ويقال: الهوي، بالضم: ذهاب في انحدارٍ. والهوي، بالفتح: ذهاب في ارتفاعٍ. وأنشد: [من الكامل] 1759 - يهوي محارمها هوي الأجدل قوله تعالى: {وأفئدتهم هواء} [إبراهيم:43] أي قلوبهم خالية من الجزع. ومنه قول جريرٍ: [من الكامل] 1760 - ومجاشع قصب هوت أجوافهم ... لو ينفخون من الخؤورة طاروا وقال حسان رضي الله عنه: [من الوافر] 1761 - فأنت مجوف نخب هواء وقال زهير: [من الوافر] 1762 - كأن الرحل منها فوق صعلٍ ... من الظلمان جؤجؤه هواء وقال امرؤ القيس: [من الطويل] 1763 - وصدر هواءٍ تحت صلبٍ كأنه ... من الهضبة الحلفاء حلو ومصعب والهواء: ما بين السماء والأرض. قال الراغب: وعلى ذلك حمل قوله تعالى:

فصل الهاء والياء

{وأفئدتهم هواءٍ} [إبراهيم:43] أي هي بمنزلة الهواء من الخلاء. قوله تعالى: {فاجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم} [إبراهيم:37] أي تميل وتنزع بمنزلة من سقط لشدة محبتهم له. وقرئ بفتح الواو. وخرجت على تضمين تميل. قوله تعالى: {والمؤتفكة أهوى} [النجم:53] أي أهلك وأسقط. والأصل في قولهم: أهواه: رفعه في الهواء وأسقطه. المهوى: الحفرة التي يهلك من يهوي فيها. وهم يتهاون أي يتساقطون في الهواء. قوله تعالى: {كالذي استهوته الشياطين} [الأنعام:71] أي ذهبت به. وقيل: استمالته وأضلته فهوى، أي أسرع إلى ما دعته إليه. قوله: {أو تهوي به الريح} [الحج:31] أي تمر به مرًا سريعًا. وفي الحديث: "إذا عرستم فتجنبوا هوي الأرض". الهوي جمع هوةٍ وهي الحفيرة. ووصفت عائشة رضي الله عنها أباها فقالت: "وامتاح من المهواة" أرادت البئر القعيرة؛ تريد ما فتحه من البلاد، وحصله من الفيء والغنائم. فصل الهاء والياء [هـ ي أ]: قوله تعالى: {وهيئ لنا من أمرنا رشدًا} [الكهف:10]. هـ ي ت: قوله تعالى: {هيت لك} [يوسف:23]. هيت اسم فعلٍ بمعنى أقبل وتعال. وقرئ "هيت" بكسر الهاء وفتحها مع فتح التاء للخطاب، و"هئت" مهموزًا مع ضمة التاء للمتكلم، أي تهيأت لك. وفي الحرف لغات وقراءات أوضحتها في غير هذا من

الكتب المشار إليها غير مرة. هـ ى هـ ت: قوله تعالى: {هيهات هيهات لما توعدون} [المؤمنون:36]. هيهات: اسم فعلٍ ماضٍ معناه بعد، ويرفع الظاهر كقول الشاعر: [من الطويل] 1764 - فهيهات هيهات العقيق وأهله ... وهيهات خل بالعقيقٍ نواصله أي بعد، وفيه لغات، وهو مفرد مطلقًا، أي سواء وقف عليه بالتاء أو بالهاء. وقد قرئ بهما جميعًا. ومنهم من قال: إن وقف عليه بالتاء كان جمعًا على حد مسلمات وإن وقف عليه بالهاء كان مفردًا على حد مسلمة. وفرق أبو علي بينهما أيضًا في الجمع والإفراد لوجهٍ آخر فقال: المكسور جمع للمفتوح، يعني أنك إذا قلت: هيهات - بكسر التاء - كان جمعًا لهيهات بفتحها. وغيره يجعل ذلك من باب اللغة لا من باب الإفراد والجمع. وقال أبو عبيد صاحب "الغريبين": من وقف على هيهات بالهاء فاصلة هاهي يهاهي هيهاة. وهو حث على السير. وزعم الزجاج أنه مصدر بمعنى البعد، أي البعد لما توعدون. قال بعضهم: غلط الزجاج واستهواه اللام؛ بمعنى أنه لما رأى لام الجر بعد هذه اللفظة اعتقد كونها اسمًا. وقدره من غلطه بأن تقديره بعد الأمر لما توعدون. فجعل الفاعل مضمرًا، وفسره بالأمر. وقال بعضهم: هيهات كلمة تستعمل لتبعيد الشيء، وصرف منها فعلًا فقال: هيهت هيهًا وهيهاتًا. ويقال بالفتح والكسر وهيهاتًا بالتنوين. وقد مر أن أبا علي جعل المكسور جمعًا للمفتوح. ويقال: أيهات وإيهات، وكأنها بدل من الماء، كما أبدلت هي منها في هياك.

هـ ي ج: قوله تعالى: {ثم يهيج فتراه مصفرًا} [الزمر:21] أي ثم يطول. يقال: هاج البقل، أي طال واصفر. وأصل الهيجان شدة الحركة. وذلك كقولهم: هاج الفحل، وهاج البعير وهيجته: أثرته. وهاج الدم: إذا تموع. وهيجته وهجته بمعنى، وأنشد: [من الطويل] 1765 - أدارًا بحزوى هجت للعين عبرة ... فماء الهوى يرفض أو يترقرق وهيجت الحرب، والحرب الهيجاء؛ يمد ويقصر. فمن المد قول الشاعر: [من الرجز] 1766 - لا أقعد الجبن عن الهيجاء ... ولو توالت زمر الأعداء 1767 - لباسًا إلى الهيجا جلالها هاج الشيء هيجًا وهيجانًا. وفي حديث علي: "لا يهيج على التقوى زرع قومٍ" قيل: معناه من عمل الله لم يفسد عمله ولم يبطل كما يهيج النبت ويبطل. هـ ي ل: قوله تعالى: {كثيبًا مهيلًا} [المزمل:14] أي مصبوبًا سائلًا لا يتماسك. يقال: هلت الرمل أهيله هيلًا فهو ميل، وهيلته: أرسلته إرسالًا. وأهلته لغة في هلته. وفي حديث الخندق: "فعادت كثيبًا أهيل"، أي سيالًا.

هـ ي م: قوله تعالى: {فشاربون شرب الهيم} [الواقعة:55] جمع أهيم. والأهيم: الذي لا يروى من شدة العطش. وهو الكثيب من الرمل. قال بعض المفسرين: الهيم: الرمال التي لا ترويها ماء السماء. يقال: كثيب أهيم، وكثبان هيم. هذا قول بعض المفسرين. وقال أهل اللغة: الهيم: الإبل التي يصيبها داء، يقال لها الهيام من العطش، فلا تروى من الماء حتى تموت. واحدها أهيم وهيمان. ومنه حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنه: "أن رجلًا باعه إبلًا هيمًا" أي مراضًا، لأنها تمص الماء مصًا فلا تروى. ورجل أهيم وهيمان: شديد العطش. وأنشد: [من الطويل] 1768 - لئن كان برد الماء هيمان صاديًا ... إلى حبيبًا إنها لحبيب وفي الحديث: "اغبرت أرضنا وهامت" أي عطشت. والهيام من الرمل اليابس، كأنه به عطشًا؛ نقلته من الراغب. ويستعار ذلك لمن اشتد به العشق فيقال: هام فلان بفلانةٍ، ولمن تحير في أمره فذهب على وجهه لا يدري أين يذهب؟ يقال: هام على وجهه. ومنه قوله تعالى: {ألم ترأنهم في كل وادٍ يهيمون} [الشعراء:225] أي يذهبون في مذاهب القول مدحًا وذمًا، فلا يقتصرون على قول الحق في ذلك. وعن الحسن: "قد رأينا أوديتهم التي يهيمون فيها في مديح هذا مرة وفي هجاء هذا مرة". 1769 - فبتن بجانبي مصرعات ... وبت أفض أغلاق الختام قال هشام: قد أقررت على نفسك فنحدك. فقال: يا أمير المؤمنين: قد درأ الله

الحد عني. فقال: وأين درأ عنك الحد؟ فتلا قوله تعالى: {ألم ترأنهم في كل وادٍ يهيمون وأنهم يقولون مالا يفعلون}. فضحك وتركه. ومنه أيضًا ما جاء في الحديث: "كان ابن عباسٍ أعلم الناس بالقرآن. وكان علي أعلم بالمهيمات" أي دقائق المسائل التي تهيم الإنسان، أي تحيره. ويروى: "بالمهيمنات أي بالقضايا، لأن القضاة يقومون بها. والمهيمن على الشيء: القائم به. وقد تقدم ذكره في مادة (هـ م ن) فأغنى عن إعادته. هـ أ: قوله تعالى: {ها أنتم} [آل عمران:66] ها: حرف تنبيهٍ يدخل على أسماء الإشارة نحو: هذا وهذه وهؤلاء. وتدخل على سائر أسماء الإشارة إلا فيما اتصل منها باللام، فلا يقال: ها ذلك. وقد يجاء مع الكاف وحدها نحو: ها ذاك. وأنشد لطرفة بن العبد: [من الطويل] 1770 - رأيت بني غبراء لا ينكرونني ... ولا أهل ها ذاك الطراف المدد وتفصل من أسماء الإشارة بضمائر الرفع المنفصلة نحو: {ها أنتم أولاء تحبونهم} [آل عمران:119]. وقد يعاد توكيدًا كقوله تعالى: {ها أنتم هؤلاء جادلتم عنهم} [النساء:109] فها الثانية توكيد للأولى، وحسن ذلك الفصل وفيه نظر؛ لأنه لا يؤكد الحرف إلا بإعادة ما دخل عليه، أو بإعادة ضميره إلا في ضرورةٍ، أو يكون حرف جوابٍ. وقد تحذف ألف ها تخفيفًا نحو قراءة من قرأ: "هأنتم" بالقصر وقيل: الهاء بدل من همزة الاستفهام، والأصل أأنتم. وفي هذا الحرف قراءات كثيرة، وتوجيهاتها صعبة، قد اضطرب كلام الناس فيها. وقد أتقنا بحمد الله تعالى ذلك كله في "الدر المصون" و"الدر النضيد".

وقد يفصل ها التنبيه من اسم الإشارة بغير ضمائر الرفع المنفصلة كقول النابغة: [من البسيط] 1771 - ها إن ذي عذرة إلا تكن قبلت ... بأن صاحبها قد تاه في البلد وأنشد سيبويه: [من البسيط] 1772 - تعلمن ها - لعمر الله - ذا قسمًا ... * فاقدر بذرعك وانظر أين تنسلك؟ الأصل أن هذه عذرة، ولعمر الله هذا قسمًا.

باب الواو

باب الواو الواو: تكون عاطفة، وتنفرد عن أخواتها العواطف بأحكامٍ مذكورةٍ في كتب النحو، وتكون للحال، وعلامتها أن يصلح موضعها "إذا"، نحو: جاء زيد والشمس طالعة. وتكون حرف جر في القسم، نحو: والله لأقومن، نيابة عن الباء. ولا تجر إلا الظاهر، ولا يظهر معها فعل القسم بخلاف أصلها. وتكون حرفًا أيضًا نيابًة عن "رب" كقول امرئ القيس: [من الطويل] 1773 - وليلٍ كموج البحر أرخى سدوله ... علي بأنواع الهموم ليبتلي وهل الجر بها أو برب؟ قولان. وتكون استئنافا؛ قالوا: كالواو التي يؤتى بها أول الكلام، وفيه نظر لجواز أن يكون المتكلم بذلك قدر معطوفًا عليه. إذا كانت عاطفًة فلا تقتضي ترتيبًا ولا معية عند الجمهور. وهذه هي أصول الواو، وما ورد ففزع عنها. فصل الواو والألف وأ د: قوله تعالى: {وإذا الموءودة سئلت} [التكوير:8] الموءودة في الآية: البنت التي يدفنونها إما دفعًا للعار وإما خشية الفقر كقوله تعالى: {ولا تقتلوا أولادكم خشية إملاقٍ} [الإسراء:31]. قال بعضهم: هو مأخوذ من الوأد، وهو الثقل لأنها إذا دفنت ثقلت بالتراب؛ يقال: وأدت الوالدة ولدها بيدها وأدًا: فعلت به ذلك. وقيل في قوله تعالى: {ولا يؤوده حفظهما} [البقرة:255] أنه مقلوب من هذا،

أي لا يثقله ذلك. وفي الحديث: "نهى عن وأد البنات ومنع وهات" وهذا نهي لهم عما كانوا يفعلونه. وجعل بعضهم من ذلك قول بعض العرب: "دفن البنات من المكرمات" يريد دفن البنات من المكرمات، فعامل تاء الجمع معاملة تاء الإفراد؛ تاء الجمع نحو: الوقف على {خصاصة} [الحشر:9] {ورحمة} [البقرة:157]، ويجوز عندي أن يكون قولهم: دفن البنات أي موتهن، لا هذا الدفن الذي هو الوأد، فعبر عنه بغايته. وأ ل: قوله تعالى: {لن يجدوا من دونه موئلًا} [الكهف:58] الموئل قيل: هو المرجع، أي مرجعًا وقال الفراء: الموئل: المنجى. يقال: وأل زيد من العدو، أي نجا منه، يئل وألًا ووؤولًا. وأنشد لذي الرمة: [من البسيط] 1774 - وقد أجالس رب البيت غفلته ... وقد يحاذر مني ثم لا يئل أي لا ينجو. ومنه قول أبي دريدٍ - هو من كبار أهل اللغة: 1775 - فإن عثرت بعدها وإن وألت ... نفسي من هايا فقولا لامعا وقيل: هو الملجأ؛ يقال: وأل فلان إلى فلان، أي لجأ إليه. وفي الحديث: "فوألنا إلى حواءٍ" أي لجأنا إليه. وفي حديث علي رضي الله عنه: "إن درعه كانت صدرًا بلا مؤخرٍ فقيل له: فهلا احترزت من ظهرك؟ فقال: إذا أمكنت من ظهري فلا وألت" أي فلا نجوت.

فصل الواو والباء

ويقال: وأل يئل فهو وائل، وبه سمي الرجل وائلًا. والوألة: البعرة، سميت بذلك لخستها. وبه سميت بعض القبائل وألة. وفي حديث "أنه جلس إليه بعض الناس فقال: أنت من بني فلانٍ؟ قال: نعم. قال: فأنت وألة إذا؟ قم عني فلا تقربني". فصل الواو والباء وب ر: قوله تعالى: {ومن أصوافها وأوبارها} [النحل:80] الأوبار: جمع وبرٍ وهو من الإبل بمنزلة الصوف من الضأن، والشعر من الماعز. ولذلك جمع تعالى في الامتنان عليهم بثلاثة الأنواع من ثلاثة هذه الحيوانات في قوله تعالى: {ومن أصوافها وأوبارها وأشعارها}. وسكان الوبر مقابلو سكان المدر، وهم الأعراب البادون لاتخاذهم بيوتهم من الوبر. وبنات وبرٍ: ضرب من الكمء الصغار، لأن عليها مثل الوبر. وأنشد: [من الكامل] 1776 - ولقد حنيتك أكمؤًا وعساقلًا ... ولقد نهيتك عن بنات الأوبر أدخل "أل" على "أوبر" ضرورة لأنه علم على هذا الضرب. وكان بعضهم يصحفه فيقول عن نبات الأوبر. بتقديم النون كأنه لما رآه نباتًا من الأرض قال ذلك. ووبر الرجل في بلده: أقام به إقامة الوبر، مجازًا عن كثرة ذلك كقولهم: تلبد بمكان كذا: ثبت فيه ثبوت اللبد. ووبر: علم لامرأةٍ. وأنشد قول الشاعر: [من مخلع البسيط] 1777 - ومر دهر على وبارٍ ... فهلكت جهره وبار وقيل: وبار: أرض لعادٍ. ويقال: وبرت الأرنب، أي غطت بوبرها الذي على زمعاتها أثرها، فلا يرى لها أثر.

وب ق: قوله تعالى: {وجعلنا بينهم موبقًا} [الكهف: 52]. قال ابن عرفة: محبسًا. ومنه حديث المارين على الصراط: "ومنهم الموبق بذنوبه" أي المحبوس. ومنه قوله تعالى: {أو يوبقهن بما كسبوا} [الشورى: 34] أي يحبس السفن فلا تجري بذنوب أصحابهن. وقال أبو عبيدٍ: الموبق: الموعد. وأنشد: [من الطويل] 1778 - وجاد شرورى والستار، فلم يدع تعارًا له والواديين بموبق أي بموعدٍ. وقيل: معناه هلاكًا. ومعناه: جعلنا بينهم من العذاب ما يوبقهم، أي يهلكهم. يقال: وبق يبق كوعد يعد، وبق يوبق كوجل يوجل: إذا هلك. وأوبقته: أهلكته. وب ل: قوله تعالى: {أصابها وابل} [البقرة: 265] الوابل: المطر الثقل القطر. وقيل: العظيم القطر، وجمعه وبل نحو: راكب وركب، وصاحب وصحب. وقد جمع جمع العقلاء للنفع الحاصل به المشبه لنفع العقلاء في قول الشاعر: [من البسيط] 1779 - يلاعب الريح بالعصرين قسطله ... والوابلون وتهتان التجاويد ويجمع أيضًا على وبلٍ ووبال، نحو ضاربٍ وضربٍ وضرابٍ. قوله تعالى: {فذاقت وبال أمرها} [الطلاق: 9] أي وخامته وسوء عاقبته. يقال: ماء وبيل، وطعام وبيل. واستوبلت الشيء: كرهته. ومن ثم الوبال: ثقل الشيء المكروه. قال بعضهم: ولمراعاة الثقل قيل للأمر الذي يخاف ضرره: وبال. وقوله: {فأخذناه أخذًا وبيلاً}

فصل الواو والتاء

[المزمل: 16] أي شديدًا ثقيلاً ليس له منه مناص. واستوبلت البلد: إذا ثقلت عليك الإقامة فكرهته. ومنه قول ابن دريدٍ: [من الرجز] 1780 - في كل يومٍ منزل مستوبل ... يشتف ماء مهجتي أو مجتوى وأهدى رجل للحسين رضي الله عنه هديةً بحضرة أبيه علي رضي الله تعالى عنهما وأخيه محمد ابن الحنفية فانكسر قلبه، ففهم ذلك علي رضي الله عنه فأومأ إلى وابلة محمدٍ ثم قال متمثلاً بقول عمرو بن كلثومٍ: [من الوافر] 1781 - وما شر الثلاثة أم عمروٍ ... بصاحبك الذي لا تصبحينا فأهدى الرجل لمحمدٍ مثل ذلك. قال ابن الأعرابي: الوابلة: طرف الكتف. وفي الحديث: "أي مال أديت زكاته فقد ذهبت أبلته" أي وبلته. يريد الوبال، فأبدل واوه همزةً. وقد وبلت السماء وأوبلت؛ لغتان، بمعنى شرقت وأشرقت. فصل الواو والتاء وت د: قوله تعالى: {والجبال أوتادًا} [النبأ: 7] الأوتاد: جمع وتدٍ، بكسر التاء -وهو المشهور- وبفتحها، وتدغم التاء في الدال فيقال: ود. والوتد: معروف، ويعبر عن ثبات الشيء واستقراره. ومنه الآية الكريمة، لأن الله تعالى لما خلق الأرض على الماء جعلت تتكافأ كالسفينة، فأرساها وثبتها بالجبال لقوله في موضعٍ آخر: {أن تميد بكم} [النحل: 15] فهي بمنزلة أوتاد الخيمة المشدود عليه أطنابها. وقد يعبر بذلك عن ثبات الأمر ورسوخه. ومنه قولهم: ثبت الله أوتادك. وإليه نحا القائل: [من الكامل] 1782 - في ظل ملكٍ ثابت الأوتاد وقال جران العود: [من البسيط]

1783 - والملك لا يبنى إلا على عمدٍ ... ولا عماد إذا لم ترس أوتاد وقيل ذلك في قوله تعالى: {وفرعون ذي الأوتاد} [الفجر: 10] قيل: بل كان له أوتاد حقيقية، اتخذها من حديدٍ وضربها في الأرض. وكان إذا أراد أن يعذب أحدًا ربطه. ثم يرسل عليه الحيات. وقيل للناتئ خلف الأذن: وتدها على التشبيه الصوري. ويضرب بالوتد المثل في الذل والصغار فيقال: "هو أذل من وتدٍ" قال الشاعر: [من الوافر] 1784 - وكنت أذل من وتدٍ بقاعٍ ... يشجج رأسه بالفهر واج وقال آخر: [من البسيط] 1785 - ولا يقيم على ضيمٍ يراد به ... إلا الأذلان: عير الحي والوتد هذا على الخيف مربوط برمته ... وذا يشج فلا يرثي له أحد والوتد في اصطلاح العروضيين ينقسم إلى وتدٍ مجموعٍ ووتدٍ مفروقٍ؛ فالمجموع متحركان بعدهما ساكن. والمفروق ساكنان بعدهما متحرك. وقد وتد الوتد أتده أتدًا، أي ثبته. وت ر: قوله تعالى: {والشفع والوتر} [الفجر: 3] الوتر في العدد يقابل بالشفع، كالفرد والزوج. قال ابن عباسٍ: الوتر آدم والشفع زوجه. وقيل: الوتر هو الباري تعالى لتوحده، والشفع جميع خلقه لأنه تعالى خلقهم أزواجًا. وقيل: الوتر يوم عرفة، والشفع يوم النحر. وقيل: المراد بهما الأعداد، وفيه لغتان -وقرئ بهما في المتواتر- فتح الوتر وكسرها والوِتْرُ والوَتَرُ أيضًا: الذحل، وكذا الترة نحو الوعد والعدة ومنه قول الشاعر:

[من الوافر] 1786 - أنخنا حيهم طعنًا وضربًا ... وخير الطالبي الترة الغشوم بنصب الترة على حذف نون الطالبين تخفيفًا للطول، والجمع أوتار. وفي الحديث: "قلدوا الخيل ولا تقلدوها الأوتار" أي لا تطلبوا عليها الدخول التي وترتم بها في الجاهلية. وقال أنس بن مالكٍ: كانوا يقلدونها أوتار القسي دفعًا للعين، فأمرهم بقطعها، ليعلمهم أن ذلك لا يرد من الله شيئًا. وقال محمد بن الحسن: نهاهم عن تقليدها بأوتار القسي لئلا تختنق. قوله تعالى: {ولن يتركم أعمالكم} [محمد: 35] قيل: معناه لن يصيبكم مكروهٍ. يقال: وترته، أي أصبته بمكروهٍ. وأصله مما تقدم. وقيل: لن ينقصكم شيئًا من ثواب أعمالكم. وفي الحديث: "من فاتته صلاة العصر فكأنما وتر أهله" قيل: هو من النقص، أي نقص أهله، بمعنى خسرهم. وقال أبو بكرٍ: أصله من الوتر الذي هو الجناية التي يجنيها الرجل على الرجل من قبل حميمه أو أخذ ماله. فشبه ما يلحق هذا الذي فاتته صلاة العصر بما يلحق الموتور من قبل حميمه وأخذ ماله. والوتر: النافلة المعروفة؛ سميت بذلك لختمها بالوتر، وهو ركعة واحدة. يقال: أوتر صلاته، أي جعلها وترًا. ومنه الحديث: "ومن استجمر فليوتر" أي فليجعل ما يتجمر به وترًا. قوله تعالى: {ثم أرسلنا رسلنا تترى} [المؤمنون: 44] أي متتابعين بعضًا في إثر بعض، من المواترة. والأصل وترى فأبدلت الواو تاءً على حد إبدالها في تخمة وتراتٍ. وقال الهروي: أي متواترةً يجيء بعضها في إثر بعضٍ وبينهم فترة. قال: ومنه حديث أبي هريرة: "لا بأس بقضاء رمضان تترى" أي متقطعًا. وقال يونس: تترى، أي متفاوتة الأوقات. وجاءت الخيل تترى أي متقطعة وفي روايةٍ أخرى عن أبي

فصل الواو والثاء

هريرة: "في قضاء رمضان" قال: متواترة قال أبو الرقش: يصوم يومًا ويفطر يومًا، أو يصوم يومين ويفطر يومين، لا تكون المتواترة مواظبةً حتى يكون بينهما شيء. وقال بعضهم: التواتر: تتابع الشيء وترًا وفرادى. قال تعالى: {ثم أرسلنا رسلنا تترى} قلت: أصله: أن يجيئوا وترًا وترًا. ثم اتسع فيه حتى جعل لمجرد التتابع. وإن كانوا أزواجًا لا أوتارًا؛ أي متنوعين بالنوعين معًا. والتواتر في اصطلاح المتشرعة عدد يستحيل تواطؤهم على الكذب مع استواء الطرفين والوسط، والعلم بخبره ضروري ويقابله إخبار الآحاد. وهو ما لم يبلغ ذلك العدد. والوتيرة أيضًا: السجية. يقال: هم على وتيرةٍ واحدةٍ، أي سجيةٍ وحالةٍ واحدةٍ. ومنه حديث العباس: "فلم يزل على وتيرةٍ واحدةٍ حتى مات" قال أبو عبيدة: الوتيرة: المداومة على الشيء وهو مأخوذ من الواتر. والوتيرة والوترة: الحاجز بين المنخرين. ومنه حديث زيدٍ: "في الوترة ثلث الدية" والوتيرة أيضًا: الحلقة التي يتعلم عليها الرمي، والأرض المنقادة. وت ن: قوله تعالى: {ثم لقطعنا منه الوتين} [الحاقة: 46] الوتين: عرق مستبطن في القفا إذا انقطع مات صاحبه لا محالة. ويقال: إنه عرق متصل بالكبد، لكنه يسقيها لا يعيش من انقطع منه وقيل: هو مناط القلب إذا انقطع لم يكن معه حيًا. وقد وتن الرجل فهو موتون، أي قطع وتينه. واستوتن الإبل: غلظ وتينها من السمن. فالمواتنة أن يقرب منه قربًا كقرب الوتين، وكأنه إشارة إلى قوله: {ونحن أقرب إليه من حبل الوريد} [ق: 16] وفي الحديث: "أما تيماء فعين جارية وأما خيبر فماء واتن" أي دائم، كذا فسره الهروي. فصل الواو والثاء وث ق: قوله تعالى: {حتى تؤتون موثقًا من الله} [يوسف: 66] الموثق: العهد المؤكد

فصل الواو والجيم

باليمين أصله من الوثوق بالشيء وهو الاطمئنان بالشيء. يقال: وثقت به أثق ثقة: إذا سكنت إليه واعتمدت عليه. فالموثق مصدر كالموعد. قال تعالى: {فلما آتوه موثقهم} [يوسف: 66] والوثاق: ما يشد به الموثوق. قال تعالى: {فشدوا الوثاق} [محمد: 4] وهو عبارة عن الأسر. ومنه: {ولا يوثق وثاقه أحد} والوثقى فعلى منه نحو قوله تعالى: {بالعروة الوثقى} [البقرة: 256]. وناقة موثقة الخلق: محكمته. ورجل ثقة كقولهم: رجل عدل. وامرأة ثقة، ورجال ثقة وقد يقال: ثقات. وث ن: قوله تعالى: {إنما تعبدون من دون الله أوثانًا} [العنكبوت: 17] هو جمع وثنٍ. قيل: هو الصنم وقيل: وبينهما فرق؛ فالوثن ما كان له جثة من خشبٍ أو ذهب أو فضةٍ أو نحاسٍ أو حجر ينحت وينصب فيعبد من دون الله. والصنم: الصورة بلا جثة، قال أبو منصورٍ. وقا ابن عرفة: ما كان له صورة من حجارةٍ أو جصٍ أو غيره فهو وثن. وقيل: الأوثان: حجارة كانت تبعد من دون الله، وتجوز بها في تكثير العطية. فقيل: أوثنت فلانًا: أجزلت عطيته. وأوثنت من كذا، أي أكثرت منه. فصل الواو والجيم وج ب: قوله تعالى: {فإذا وجبت جنوبها} [الحج: 36] أي سقطت. يقال: وجب الحائط، أي سقط ووقع. ومنه: وجبت الشمس، أي غابت. وحقيقته: سقط قرصها في رأس العين. والوجوب أيضًأ الثبوت والاستقرار، ويعبر به عن الموت فيقال: وجب فلان، أي مات؛ تخيلوا فيه السقوط والثبوت. ومنه قول أبي بكرٍ رضي الله تعالى عنه: "فإذا وجب ونضب عمره وضحا ظله" يريد بهذه الألفاظ أنه مات. وأنشد لقيس بن الخطيم الأنصاري: [من الطويل]

1787 - أطاعت بنو عوفٍ أمرًا نهاهم ... عن السلم حتى كان أول واجب أي أول ميتٍ. ووجبت به الأرض توجيبًا: أسقطته عليها. وأوجب كذا: ختمه. ومنه الواجبات التي أوجبها الله تعالى على عباده من عباداته. والواجب في اصطلاح المتشرعة ما يذم تاركه شرعًا قصدًا مطلقًا. وأوجب فلان: استوجب بها النار. والموجبات تطلق على ما يوجب النار وما يوجب الجنة، هذا هو الصحيح. ومنه قوله عليه الصلاة والسلام: "أسألك موجبات رحمتك" وقال الراغب: وعبر بالموجبات عن الكبائر التي أوجب الله عليها النار. فإن عنى بذلك الغالب فقريب، وإن عنى به الاختصاص فممنوع للحديث المتقدم. وقال بعضهم: والواجب يقال على أوجه: أحدها يقال في مقابلة الممكن، وهو الحاصل الذي إذا قدر كونه مرتفعًا حصل منه محال، نحو وجود الواحد مع وجود الاثنين؛ فإنه محال أن يرتفع الواحد مع حصول الاثنين. الثاني يقال في مقابلة الذي إذا لم يفعل يستحق به اللوم، وذلك ضربان: واجب من جهة العقل، كوجوب معرفة الوحدانية والنبوة، وواجب من جهة الشرع، كوجوب العبادات الموظفة. وقال آخرون: الواجب قسمان: أحدهما يراد به اللازم الوجوب، وأنه لا يصح ألا يكون موجودًا، كقولنا في الباري: واجب وجوده. والثاني بمعنى أن حقه أن يوجد. قال الراغب: وقول الفقهاء: الواجب ما إذا لم يفعله يستحق صاحبه العقاب، فذلك وصف له بشيءٍ عارضٍ له، ويجري مجرى من يقول: الإنسان إذا مشى مشى برجلين. وج د: قوله تعالى: {من وجدكم} [الطلاق: 1] أي من سعة مالكم. والوجد والجدة: السعة في المال والمقدرة عليه. يقال: رجل واجد بين الوجد والجدة. وفي الحديث: "لي الواجد يحل عقوبته وعرضه" وهو بمعنى الحديث الآخر: "مطل

الغني ظلم". ووجد يقال بمعانٍ، وفرقوا بينها بمصادرها فقالوا: وجد زيد، أي صار غنيًا، وجدانًا وجدةً. قال الراغب: وقد حكي فيه الوجد والوِجد والوُجد. ووجد الضالة وجدانًا ووجودًا. ووجد عليه السلطان، أي غضب، وجدًا وموجدةً. ووجدت زيدًا عالمًا، أي ظننته، أي علمته وجدًا. ووجد فلان بفلانة وجدًا، أي أحبها. ومنه الحديث عن ابن عمر: قال أبو صرد في صفة عجوزٍ: "ما بطنها بوالدٍ ولا زوجها بواجدٍ" أي غير محب لها. وقال الراغب: الوجود أضرب: وجود بإحدى الحواس الخمس، نحو وجدت زيدًا، ووجدت طعمه ولونه وصوته وريحه وخشونته. ووجود بقوة الشهوة نحو: وجدت الشبع. ووجود بقوة الغض كوجود الحزن والسخط. ووجود بالعقل وبواسطة العقل كمعرفة الله تعالى ومعرفة النبوة وما نسب إلى الله تعالى من الوجود. فبمعنى العلم المجرد إذ كان الله منزهًا عن الوصف بالجوارح والآلات نحو قوله تعالى: {وما وجدنا لأكثرهم من عهدٍ وإن وجدنا أكثرهم لفاسقين} [الأعراف: 102] وكذا العموم يقال على هذه الأوجه. وقوله: {إني وجدت امرأة تملكهم} [النمل: 23] وقوله: {وجدتها وقومها يسجدون للشمس} [النمل: 24] انتهى. وفيه نظر؛ إذ البصر كافٍ في تجويز الإخبار بذلك دون البصيرة، لأنه إخبار بسجودٍ، وذلك يدرك بحاسة البصر. وقد قسم بعضهم الموجودات إلى ثلاثة أضربٍ: ضربٍ لا مبدأ له ولا منتهى، وليس ذلك إلا للباري تعالى. وموجود له مبدأ ونهاية، وهو الجواهر الدنيوية. وموجود له مبدأ ولا منتهى له، وهو الموجود في النشأة الآخرة. وج س: قوله تعالى: {فأوجس في نفسه خيفة} [طه: 67] أي أحس. وهو قريب من

الوجدان. وقيل: معناه أضمر، ومثله: {وأوجس منهم خيفةً} [هود: 70] وقيل: الوجس: الصوت الخفي. والتوجس: التسمع. والإيجاس: وجود ذلك في النفس. وفي الحديث: "نهى عن الوجس" هو أن يكون الرجل مع إحد جاريتيه والأخرى تسمع حسه. وهو الفهر أيضًا؛ وقد أفهر الرجل فعل ذلك. وأوجست منه أمرًا؛ خيرًا أو شرًا، أي وقع في نفسي ذلك. وج ف: قوله تعالى: {قلوب يومئذٍ واجفة} [النازعات: 8] أي مضطربة قلقة عن مقارها لما تشاهد من الأهوال لقوله: {إذ القلوب لدى الحناجر} [غافر: 18] ومثله: قلوب طائرة وخافقة، ونحو ذلك من الاستعارات قوله: {فما أوجفتم عليه من خيلٍ ولا ركابٍ} [الحشر: 6] الإيجاف: الإسراع؛ يقال: أوجف الراكب، أي أسرع. وسير وجيف وفي المثل: "أدل فأمل وأوجف فأعجف". وج ل: قوله تعالى: {وجلت قلوبهم} [الأنفال: 2] أي خافت. يقال: وجل يوجل وجلاً. وقيل: الوجل: استشعار الخوف. ويقال: يوجل وييجل؛ كسروا الياء ليقلبوا الواو ياء توصلاً للأخف وإن كان كسر حرف المضارعة إن كان ياءً ممنووعًا في المشهور. وإنما قلت في المشهور لقراءةٍ شاذة: {فإنهم يئلمون كما تئلمون} [النساء: 104] وكان الذي حسن هذا مجاورته لـ "تليت" الجائز الكسر. وج هـ: قوله تعالى: {كل شيءٍ هالك إلا وجهه} [القصص: 88] الوجه يعبر به عن الذات، والباري تعالى ينزه عن الجارحة، ومثله: {ويبقى وجه ربك} [الرحمن: 27] وإنما عبر به عن الذات في لسان العرب لأنه أشرف الأعضاء. وقيل في قوله تعالى:

{ويبقى وجه ربك} أراد بالوجه هنا التوجه إلى الله تعالى بالأعمال الصالحة. وقيل لأبي عبد الله بن الرضا في قوله تعالى: {كل شيءٍ هالك إلا وجهه} إن الوجه زائد، والمعنى: كله شيءٍ هالك إلا هو. فقال: سبحان الله! لقد قالوا قولاً عظيمًا، إنما عني الوجه الذي يؤتي منه، ومعناه كل شيءٍ من أعمال العباد هالك وباطل إلا ما أريد به. وقيل هذا في قوله: {وأقيموا وجوهكم عند كلٍ مسجدٍ} [الأعراف: 29] أي أخلصوا وجوهكم في الصلاة لله تعالى. فاراد بالإقامة تحري الاستقامة وبالوجه التوجه. وقال الراغب: أراد به الجارحة واستعارها، كقولك: فعلت كذا بيدي. ولما كان الوجه أشرف ما في الإنسان، وأول ما يستقبل به ويستقبلك به غيرك، استعمل في مستقبل كل شيءٍ وفي أشرفه ومبدئه، فقيل: فلان وجه القوم، كقولك: رأسهم، وعينهم، ووجه النهار: صدره، كقوله: {وجه النهار} بدليل قوله: {آخره} وقال متمم بن نويرة يرثي أخاه مالكًا: [من الكامل] 1788 - من كان مسرورًا بمقتل مالكٍ ... فليأت نسوتنا بوجه نهار قوله: {وجهت وجهي} [الأنعام: 79] أي قصدت لعبادتي وتوجهي. والوجه: المقصد والمذهب. يقال: ذهب فلان في وجه كذا، أي في ذهب كذا. والجهة والوجهة بمعنى، وهما المقصد والمذهب. قال تعالى: {ولكل وجهة هو موليها} [البقرة: 148] ومثله قوله: {لكل جعلنا منكم شرعةً ومنهاجًا} [المائدة: 48] وواجهته: جعلت وجهي تلقاء وجهه. قوله: {فثم وجه الله} [البقرة: 115] أي متعبداته، وذلك أن ناسًا اجتهدوا في أمر القبلة في ليلٍ، ثم أصبحوا فوجدوا كل طائفةٍ صلت إلى جهةٍ فنزلت. قال ابن عرفة: اعلم أن الوجوه كلها له؛ فأينما وجه أمة محمد صلى الله عليه وسلم بتعبدها فذلك الوجه له. وواجهت فلانًا: جعلت وجهك تلقاء وجهه.

فصل الواو والحاء

والجاه: مقلوب من الوجه، قال الراغب: لكن الوجه يقال في العضو والحظوة والجاه لا يقال إلا في الحظوة. قوله تعالى: {وكان عند الله وجيهًا} أي ذو جاهٍ ووجاهةٍ. وكذا قوله تعالى: {وجيهًا في الدنيا والآخرة} [آل عمران: 45] لأن الناس يشتركون في وجاهة الدنيا، ولا يفوز بوجاهة الآخرة إلا الخلص كالأنبياء ومن قاربهم في الحظوة. وعن عائشة: "كان لعلي وجه من الناس حياة فاطمة" رضي الله تعالى عنهم أجمعين يعني أنه كان ذا جاهٍ مدة حياة فاطمة الزهراء قد فقده بعدها. وكذا والله كان. وفي الحديث: "وذكر فتنا كوجوه البقر" يعني متشابهة، فإذا قصد التساوي في الأشياء قيل: كوجوه البقر. قيل أخذوه من قوله تعالى: {إن البقرة تشابه علينا} [البقرة: 70] وفي حديث أهل البيت: "لا يحبنا الأحدب الموجه" قال أبو العباس: هو صاحب الحدبتين؛ واحدة من الخلف وأخرى من قدام. والمعنى: ذو الوجهين. ومنه الحديث الآخر: "ذو الوجهين لا يكون عند الله وجهيًا" ويعبر به عن النفاق. والكلام الموجه المحتمل الأمرين فصاعدًا. ومنه أن رجلا أعور عابه إنسان فقال: جعل الله عينيك سواء. يحتمل أنه يريد: سواء في السلامة أو في العور. فهو دعاء له أو عليه. والتوجيه في الشعر: الحرف الذي بين ألف التأسيس وحرف الروي. فصل الواو والحاء وح د: قوله تعالى: {قل هو الله أحد} [الإخلاص: 1] أي لا ثاني له. وهذا همزته مبدلة من واو الوحدة، وهي الانفراد. وهذا بخلاف أحدٍ المستعمل في النفي، نحو: لا

أحد فيها. فإنه همزته أصلية. وقد أتقنت هذا في غير هذا. والمفسرون يقولون في قوله تعالى {قل هو الله أحد} أحد بمعنى واحد. وقال الأزهري: الفرق بين الواحد والأحد في صفاته تعالى أن الأحد بني لنفي ما يذكر معه العدد. والواحد اسم لمفتتح العدد. وتقول: ما أتاني من أحدٍ، وجاءني منهم واحد، والواحد بني على انقطاع النظير وعوز المثل، والوحيد بني على الوحدة والانفراد عن الأصحاب. وقوله: {ذرني ومن خلقت وحيدًا} [المدثر: 11] من صفة المخلوق، أي خلقته منفردًا لا مال له ولا ولد، ثم جعلت له ذلك. والوحدة: الانفراد. قال بعضهم: الواحد في الحقيقة هو الشيء الذي لا جزء له البتة. ثم يطلق في كل موجودٍ، حتى إنه ما من عددٍ إلا ويصح وصفه به؛ فيقال: عشرة واحدة، ومئة واحدة. قال: فالواحد لفظ مشترك يستعمل في ستة أوجهٍ: الأول ما كان واحدًا في الجنس أو في النوع كقولنا: الإنسان والفرس واحد في الجنس وزيد وعمر واحد في النوع. الثاني: ما كان واحدًا بالاتصال؛ إما من حيث الخلقة كقولك: شخص واحد، وإما من حيث الصناعة كقولك: حرفة واحدة. الثالث: ما كان واحدًا لعدم نظيره، إما في الخلقة كقولك: الشمس واحدة، وإما في دعوى الفضيلة كقولك: فلان واحد دهره مثل: نسيج وحده. الرابع: ما كان واحدًا لامتناع التجزيء فيه إما لصغره كالهباء، وإما لصلابته كالألماس. الخامس: للمبدأ؛ إما لمبدأ الأعداد كقولك: واحد، اثنان، أو لمبدأ الخط كقولك: النقطة الواحدة. والوحدة في كلها عارضة. قال: وإذا وصف الله تعالى: بالواحد فمعناه أنه الذي لا يجري عليه التجزيء ولا التكثير، ولصعوبة هذه الوحدة قال تعالى: {وإذا ذكر الله وحده اشمأزت قلوب الذين لا

يؤمنون بالآخرة} [الزمر: 45]. والوحد: المفرد، ويوصف به غير الباري، والوحد بمعناه. وأنشد للنابغة: [من البسيط] 1789 - بذي الجليل، على مستأنسٍ وحد قال: وأحد مطلقًا لا يوصف به غير الباري تعالى. ويقال في المدح: هو نسيج وحده. وفي الذم: عبير وحده، وجحيش وحده. فإن أريد أقل من ذلك في الذم قيل: رجيل وحده. وقولهم: جليس وحده نصب على الحال لأنه في قوة التنكير، إذ المعنى جلس منفردًا. وهو من الأسماء اللازمة للإضافة إلى المضمرات. قوله: {لستن كأحدٍ من النساء} [الأحزاب: 32] إنما أتي بأحد هنا دون واحدة لأن "أحد" نفي عام للمذكر والمؤنث والجماعة. قوله: {قل إنما أعظكم بواحدةٍ} [سبأ: 46] قيل: بأن توحدوا الله. وقيل: بخصلة ٍ واحدة. وهو عظة واحدة، وهي {أن تقوموا لله مثنى وفرادى} أي تجتمعون فتذكرون أمر النبي صلى الله عليه وسلم. ثم ينفرد كل منكم فينظر في عاقبة ما قال وما قيل له فيظهر لكم أن محمد صلى الله عليه وسلم لم يكن به جنة {بل جاء بالحق وصدق المرسلين} [الصافات: 37]. وح ش: قوله تعالى: {وإذا الوحوش حشرت} [التكوير: 5] الوحوش: جمع وحشٍ. والوحش خلاف الإنس. والحيوانات التي لا خلطة لها بالإنس ولا أنس لها يقال لها الوحش. والوحش أيضًا المكان القفر؛ قال الراغب: يقال: لقيته بوحشٍ إصمت، أي ببلدٍ قفرٍ. فظاهر هذا أن بين هذين الاسمين لمكانٍ خالٍ غير معين. فظاهر عبارة غيره من أهل اللغة أن "وحش" المذكور هو الحيوان المتوحش على الأصل. وإصمت: اسم لمكانٍ بعينه أضيف إليه الوحش. وأنشدوا: [من البسيط] 1790 - بوحش إصمت في أصلابها أود ويقولون: إن إصمت منقول من فعل الأمر مجردًا من ضميرٍ بديل منعه الصرف،

وفيه بحث حققناه في غير هذا. والوحش: الرجل لا طعام له؛ يقال: رجل وحش وجمعه أوحاش. وفي الحديث: "لقد بتنا وحشين ما لنا طعام". وتوحش الوحشات للدواء، أي احتمى له. وفي الحديث: "وحشوا برماحهم" أي رموا بها. وفيه أيضًا: "لا تحقرن شيئًا من المعروف ولو أن تؤنس الوشحان". يقال: رجل وحشان، أي مغتم، وجمعه وحاشى، على حد عطشان وعطاشى. والوحشي من الإنسان يضاد الإنسي منه، والإنسي منه ما أقبل والوحشي ما أدبر ومنه: وحشي القوس وإنسيه أيضًا. والوحشي مطلقًا ما نسب إلى الوحش. وتوحش، أي صار كالوحش نحو تأنس، أي صار كالإنس. وح ي: قوله تعالى: {فأوحى إلى عبده ما أوحى} [النجم: 10]. الإيحاء من الله تعالى إلى رسله إما بواسطة ملكٍ كريمٍ يليق بجلاله حسبما يشهد بذلك كتابه العزيز. وأصل الوحي في اللغة الإشارة الشريفة، هذا قول الراغب: وقال الهروي: أصله في اللغة إعلام في إخفاءٍ. قال الراغب. ولتضمنه معنى السرعة قيل: أمر وحي، وذلك يكون بالكلام على سبيل الرمز والتعرض. وقد يكون بصوتٍ مجردٍ عن التركيب وبإشارة بعض الجوارح وبالكتابة. وقد حمل على ذلك قوله: {فأوحى إليهم أن سبحوا بكرة وعشيًا} [مريم: 11] قيل: رمز، وقيل: كتب، وقيل: اعتبار. وعلى هذه الوجوه المذكورة حمل قوله: {يوحى بعضهم إلى بعضٍ زخرف القول غرورًا} [الأنعام: 112]. قال: ويقال للكلمة الإلهية التي تلقى إلى أنبيائه وأوليائه وحي، وذلك أضرب حسبما دل عليه قوله تعالى: {وما كان لبشرٍ أن يكلمه الله إلا وحيًا أو من وراء حجابٍ أو يرسل رسولاً فيوحي بإذنه ما يشاء} [الشورى: 51] ذلك إما برسولٍ مشاهدٍ يرى

ذاته ويسمع كلامه؛ كتبليغ جبريل عليه الصلاة والسلام للنبي صلى الله عليه وسلم في صورة معينةٍ، وإما بسماع كلامٍ من معاينةٍ كسماع موسى عليه السلام كلام الله، وإما بإلقاءٍ في الروع كما ذكر عليه الصلاة والسلام "إن روح القدس نفث في روعي" وإما بإلهامٍ نحو: {وأوحينا إلى أم موسى أن أرضعيه} [القصص: 7]. وإما بتسخير نحو قوله تعالى: {وأوحى ربك إلى النحل} [النحل: 68]، أو بمنامٍ كقوله عليه الصلاة والسلام: "انقطع الوحي وبقيت المبشرات رؤيا المؤمن". قال: فالإلهام والتسخير والنوم دل عليه قوله: {إلا وحيًا أو من وراء حجاب}، وتبيلغ جبريل في صورةٍ معينةٍ دل عليه قوله تعالى: {أو يرسل رسولاً} انتهى. يعني: أن الوحي يقع على أوجه أحدها: الوحي من الله لأنبيائه على لسان ملكٍ أو من غير ملكٍ، وهذا الوحي الخاص لا يشرك الأنبياء فيه غيرهم من الشر. وقد وقع لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم على أوجهٍ حسبما هو مذكور عنه عليه الصلاة والسلام في الأحاديث المشهورة. وثانيها أن يكون إلهامًا. وثالثها أن يكون إشارة. ورابعها أن يكون كتابةً. قيل: خط لهم في الأرض: {سبحوا بكرةً وعشيًا}. وخامسها أن يكون بالقهر والتسخير. وسادسها أن يكون أمرًا: {وإذ أوحيت إلى الحواريين} [المائدة: 111] أي أمرتهم. وهل ذلك بطريق الاشتراك أو الحقيقة والمجاز؟ يجوز الأمران. والمرجح عند الأصوليين أنه إذا دار الأمر بين الاشتراك وبين الحقيقة والمجاز فالثاني أولى. وقيل: بالعكس. ويقال: وحى وأوحى بمعنى وومى وأومى. وأنشد للعجاج: [من الرجز] 1791 - وحى لها القرار فاستقرت وقوله تعالى: {وإن الشياطين ليوحون إلى أوليائهم} [الأنعام: 121] أي يوصلون ذلك بالوسوسة. وهذا كما أشار إليه بقوله تعالى: {الذي يوسوس في صدور الناس} [الناس: 5] وقد يطلق الإيحاء على أصوات الحيوانات غير الأناسي. وأنشد

فصل الواو والدال

علقمة: [من البسيط] 1792 - يوحي إليها بإنقاضٍ ونقنقةٍ ... كما تراطن في أفدانها الروم والوحا بفتح الواو والحاء: السرعة، ومنه الحديث: "الوحا الوحا" قال الهروي: والفعل منه توحيت توحيًا. قلت: فيكون هذا مصدرًا على حذف الزوائد. فصل الواو والدال ود د: قوله تعالى: {وهو الغفور الودود} [البروج: 14] هو المحب لعباده. قلت: ومعنى محبة الله لعباده ومحبتهم له قد تقدمت في مادة الحب لا على ما يخطر ببال الجهلة. ولذلك قال الراغب: فالودود يتضمن ما دخل في قوله: {فسوف يأتي الله بقومٍ يحبهم ويحبونه} [المائدة: 54]. وقال بعضهم: مودة الله لعباده هي مراعاته لهم. روي أنه تعالى قال لموسى: أنا لا أغفل عن الصغير لصغره، ولا عن الكبير لكبره، فأنا الودود الشكور. قوله تعالى: {سيجعل لهم الرحمن ودًا} [مريم: 96] أي محبةً من خلقه لهم. روي "أن الله تعالى إذا أحب عبدًا نادى مناد في السماء ثم في الأرض ثم يوضع له القبول في السماء". الحديث. والود: محبة الشيء وتمني كونه. قال الراغب: ويستعمل في كل من المعنيين، على أن التمني يتضمن معنى الود، لأن التمنى هو تشهي حصول ما توده. فقوله: {وجعل بينكم مودة} [الروم: 21] إشارة إلى ما وقع بينهم من الألفة المشار إليها بقوله تعالى: {لو أنفقت ما في الأرض جميعًا ما ألفت بين قلوبهم ولكن الله ألف بينهم} [الأنفال: 63]. ومن المودة التي تقتضي المحبة قوله تعالى: {لا أسألكم عليه أجرًا إلا المودة

في القربى} [الشورى: 33]. ومن المودة التي تقتضي معنى التمني: {يود أحدهم لو يعمر} [البقرة: 96] {ودوا لوتدهن} [القلم: 9]. قوله: {ولا تذرن ودًا} [نوح: 23] هو صنم مشهور. قيل: سمي بذلك إما لمودتهم له وإما لا اعتقادهم أن بينه وبين الباري مودة، تعالى عما يقولون علوًا كبيرًا. والود -بفتح الواو- وقد تقدم أنه أدغم. وقال الراغب: يصح أن يكون وتدًا فأدغم، وأن يكون لتعليق ما يشد به أو لثبوته في مكانه، فتصور منه معنى المودة الملازمة، يعني فتكون الدالان أصليتين من هذه المادة. ود ع: قوله تعالى: {ما ودعك ربك وما قلى} [الضحى: 3] أي ما تركك وما خلاك، من توديع المسافر. قيل: والتوديع أصله من الدعة، وهي خفض العيش ورفاهيته، وذلك أنه يدعو للمسافر أن يتحمل الله عنه كآبة السفر، وأن يبلغه الدعة. كما أن التسليم دعاء له بالسلامة، ثم صار ذلك متعارفًا في تشييع المسافر وتركه. وودعت فلانًا، أي خليته. ويعبر بالوداع عن الموت. وعليه حمل قول الشاعر: [من الكامل] 1793 - ودعت نفسي ساعة التوديع وعن ابن عباسٍ في قوله: {ما ودعك} أي ما قطعك مذ أرسلك. قال: وسمي الوداع وداعًا لأنه فراق ومتاركة. وفي الحديث: "غير مودعٍ ربي ولا مكفورٍ". وقرئ "ما ودعك" مخفف الدال، وهو من الترك أيضًا. ولا يستعمل منه -في المشهور- ماضٍ ولا اسم فاعلٍ بل الأمر والمضارع، نحو: دع هذا، وتدعه. وقد جاء الماضي كهذه القراءة. وأنشدوا: [من الرمل]

1794 - سل أميري ما الذي غيره ... عن وصالي اليوم حتى ودعه؟ وقال آخر: [من الرمل] 1795 - ليت شعري عن خليلي ما الذي ... غاله في الحب حتى ودعه؟ وفي الحديث: "لينتهين الناس عن ودعهم الجمعات أو ليختمن الله على قلوبهم". فالودع هنا مصدر. ويحكى أن شمرًا قال: زعمت النحوية أن العرب أماتوا مصدره وماضيه، والنبي صلى الله عليه وسلم أفصح. قلت: أما فصاحته وأنه أفصح فلا نزاع فيه، ولكن يجوز أن يكون روي حديثه بالمعنى. قوله: {فمستقر ومستودع} [الأنعام: 98] قد تقدم أن المستودع الأرحام أو الأرض في مادة (ق ر ر). وتقدم قول العباس رضي الله تعالى عنه يمدح نبينا محمدًا صلى الله عليه وسلم: [من البسيط] 1796 - من قبلها طبت في الظلال وفي ... مستودعٍ حيث يخصف الورق والوديعة: ما استحفظها صاحبها عند غيره. يقال: أودعه إيداعًا، وذلك المودع وديعةً. ويعبر بها عن الهد، ومنه حديث طهفة: "لكم يا بني نهدٍ ودائع الشرك" أي عهود الجاهلية. وتوادع الفريقان، أي تعاهدوا. ومنه الموادعة، أي المعاهدة. وقيل: المتاركة، وهما متقاربان، لأن كلاً من الفريقين يعطي الآخر عهدًا أن يتركه ولا يقاتله. قال القتيبي: أعطيته وديعًا. فعلى هذا تكون الودائع في حديث طهفة جمعًا لوديعٍ. والتوديع: أن تجعل ثوبًا فوق ثوبٍ آخر وقايةً له. وفي الحديث: "فلما انصرف دعا له

بثوبٍ فقال: تودع بهذا خلقك". ود ق: قوله تعالى: {فترى الودق يخرج} [النور: 43] الودق: المطر، الواحدة ودقة. وقيل: الودق ما يكون خلال المطر كأنه غبار. وقد يعبر به عن المطر. والوديقة: ما تبدو كالهباء عند شدة الحر. ودقت الدبة واستودقت، وأتان ودق وودوق: اشتهت الفحل. وذلك على التشبيه لما ظهر من رطوبة الفرج عند إرادة الفحل. والمودق: المكان النازل منه الودق. وقول الشاعر: [من الطويل] 1797 - تعفي بذيل المرط إذ جئت مودقي استعارة وتشبيه لموطئ القدم بأثر المطر. وفي حديث إغراق فرعون: "فتمثل له جبريلٍ على فرسٍ وديقٍ" أي مشتهية للفحل كما مر؛ وذلك أن فرعون كان راكبًا حصانًا فتبع الرمكة في البحر. ود ي: قوله تعالى: {إنك بالواد المقدس} [طه: 12] الوادي اسم فاعلٍ من ودى يدي: إذا سال وديًا، فهو وادٍ. ثم أطلق على المكان الذي يجتمع فيه الماء ويسيل. فالوادي هو الماء، وسمي مكانه باسمه مجازًا للمجاورة، عكس تسميتهم الماء باسم مكانه في قولهم: نهر، كما تقدم تقريره. وقيل: الوادي: المفرج بين الجبلين الذي يسيل فيه الماء. ثم أطلق على كل مفرجٍ بين جبلين وإن لم يسل فيه ماء. وعلى كل ما يسيل فيه الماء وإن لم يكن مفرجًا بين الجبلين اتساعًا. ويجمع على أوديةٍ، وليس بقياسٍ، ولكنه فصح استعمالاً لقوله تعالى: {فسألت أودية} [الرعد: 17] وذلك نحو: نادٍ وأنديةٍ، وناجٍ وأنجيةٍ. وقد جمع على وداءٍ أيضًا؛ قاله جرير وأنشد: [من الوافر] 1798 - غرفت ببرقة الوداء رسمًا ... محيلاً طال عهدك من رسوم

فصل الواو والذال

ويعبر بالوادي عن المذاهب والطريقة؛ ومنه قوله تعالى: {ألم تر أنهم في كل وادٍ يهيمون} [الشعراء: 225] أي في فنون الكلام من مقالٍ في مدحٍ وهجوٍ وغزلٍ ونسيبٍ. وما أحسن قوله: {يهيمون} مع قوله: {في كل وادٍ}. ومنه قوله: أنا في وادٍ وأنت في وادٍ. وتقول العلماء: هما من وادٍ واحدٍ. وكني عن ماء الفحل عند المداعبة وعند البول بالودي، فيقال: أودى نحو أمذى وأمنى. وأوداه: أهلكه، تصورًا أنه أسال دمه، وأنشد: [من الكامل] 1799 - أودى بني وأودعوني حسرةً ... عند الرقاد وعيره ما تقلع وسميت دية القتيل لهلاك صاحبها. ثم تطلق الدية على المال المعطى من إبلٍ ودنانير ونحوهما، فيقال: وديت القتيل دية، أي أعطيت ديته. قوله: {فدية مسلمة إلى أهله} [النساء: 92] وإنما توصف بذلك الأموال. والودي: صفار الفسيل، أي النخل، واحده ودية من ذلك. قيل: اعتبارًا بسيلانه في الطول. ومن كلام أبي هريرة: "لم يكن يشغلني عنه صلى الله عليه وسلم غرس الودي" أي كنت ملازمه بخلاف غرس من يشتغل عنه. فصل الواو والذال وذ ر: قوله تعالى: {ويذرهم في طغيانهم يعمهون} [الأعراف: 186] أي يتركهم. ولم يستعمل منه ماضٍ ولا مصدر. وقد سمع الوذر مصدرًا. وهو شاذ كالورع. وقيل: أصل ذلك من القذف. يقال: فلان يذر الشيء، أي يقذفه لقلة اعتداده به. فمعنى قوله تعالى: {ثم ذرهم} [الأنعام: 91] أي اقذفهم وألقهم واتركهم فلا اعتداد بهم وعدم مبالاة. ومن ذلك الوذرة: وهي قطعة لحمٍ صغيرةٍ سميت بذلك لقلة الاعتداد بها، والجمع وذر. ومنه أن رجلاً رفع إلى عثمان رضي الله تعالى عنه قال لآخر: "يا بن شامة الوذر"

فصل الواو والراء

قال أبو عبيدة: هي كلمة معناها القذف، وإنما أراد: يا بن شامة المذاكير، كنى بذلك عن الكمرات، أي أنها تشم كمرًا مختلفة. والوذرة والمذرة بمعنى واحد. وفي الحديث: "فأتينا بثريدةٍ كثيرة الوذر" أي قطع اللحم. وفي حديث أم زرعٍ: "فإني أخاف ألا أذره" قال أحمد بن عبيدٍ: معناه أخاف ألا أقدر على فراقه لأن لي منه أولادًا. وقال يعقوب: معناه: ألا أذر صفته ولا أقطعها من طولها والله أعلم. فصل الواو والراء ور ث: قوله تعالى: {إنا نحن نرث الأرض} [مريم: 40] أي تنتقل إلينا بما عليها مما كان بأيدي الناس. وهذا على ما يتفاهمونه. وإلا فالباري تعالى لم يزل ملكوت السماوات والأرض بيده. قال بعضهم: وصف الله تعالى نفسه بأنه الوارث من حيث إن الأشياء كلها صائرة إليه. وقد روي أنه ينادى منادٍ: لمن الملك اليوم؟ فيجاب بأنه لله الواحد القهار، كما صرحت به الآية الكريمة. وأصل الوراثة انتقال فنية إليك من غيرك، من غير عقدٍ ولا جارٍ مجرى العقد. ثم تطلق الوراثة والإرث على نفس المال المنتقل عن الميت، ويقال لها ميراث وإرث وتراث، كقوله تعالى: {وتأكلون التراث أكلاً لمًا} [الفجر: 19] وأصله وراث، فأبدلت الواو تاءً على حد إبدالها منها في تخمة وتكأة. والإرث: الأصل، ومنه قوله صلى الله عليه وسلم: اثبتوا على مشاعركم فإنه على إرث أبيكم". ومنه قول الشاعر: [من المتقارب] 1800 - فينظر في صحفٍ كالربا ... ط فيهن إرث كتابٍ محي

ويتعدى ورث بنفسه لواحدٍ، فإذا دخلت عليه الهمزة أكسبته آخر؛ قال تعالى: {وورث سليمان داود} [النمل: 16]. وقال تعالى: {وأورثناها بني إسرائيل} [الشعراء: 59]. ويعبر بالإرث عن حصول الأشياء بلا تعبٍ. ويقال لكل من خول شيئًا مهنئًا أورث، وما وصل إليه إرث. قال تعالى: {تلك الجنة التي نورث من عبادنا من كان تقيًا} [مريم: 63]. وقيل: إن تلك المنازل كانت لقومٍ من الكفار، فأورثها الله الأتقياء لسبق الشقاوة لأولئك السعادة لهؤلاء. وقد ورد في ذلك حديث. والإرث قد يكون بمعنى البقاء، ومنه الحديث: "متعني بسمعي وبصري واجعله الوارث مني" أي الباقي. وقال ابن شميلٍ: أي أبقهما معي حتى أموت، ونقل الهروي عن غيره: إنه أراد بالسمع وعي ما يسمع والعمل به، وبالبصر الاعتبار بما يرى من صفاته جل وعز. الوارث هو الباقي بعد فناء خلقه. فيجوز أنه أراد بقاء السمع والبصر وقوتهما عند الكبر وانحلال القوى النفسانية، ويكون السمع والبصر وارثي سائر القوى والباقيين بعدها. ورد الهاء إلى الإمتاع. ولذلك وحدها بمعنى أنه أعاد الضمير مفردًا وإن تقدم شيئان اعتبارًا بالمصدر المدلول عليه الفعل. وقوله تعالى: {وليًا يرثني ويرث من آل يعقوب} [مريم: 6] أي يرث العلم لأنهم لا يعرفون به ولا يقتنونه إلا بقدر ما تدفع الحاجة، ولا يتنافسون فيه بل ينهون عن الاستكثار منه، وعن الاشتغال به عما الإنسان بصدده من الأمور الأخروية، ويزهدون في الدنيا ويرغبون في الآخرة. فكيف يتمنون أن يورثوا غيرهم ذلك؟ وقد قال عليه الصلاة والسلام: "نحن معاشر الأنبياء لا تورث، ما تركناه صدقة". وقوله عليه الصلاة

والسلام: "العلماء ورثة الأنبياء" إشارة إلى ما يورثونه من العلم، والتقدير عليه والأمر به دون إحداث شريعةٍ أخرى. وفي قوله: "الأنبياء" دقيقة، وذلك أن شأن النبي صلى الله عليه وسلم أن يقرر شريعة من تقدمه من الرسل، ويحمل الناس عليها من غير تشريع جديد بخلاف الرسول فإنه يأتي بشريعةٍ أخرى غير التي كانت لمن قبله. فلذلك قال "ورثة الأنبياء" ولم يقل: "ورثة الرسل" فإن كل رسولٍ نبي من غير عكسٍ. وقال عليه الصلاة والسلام لابن عمه علي: "أنت أخي ووارثي. قال: وما إرثك؟ قال: ما ورثت الأنبياء قبلي؛ كتاب الله وسنتي" وناهيك بهاتين المنقبيتين لأمير المؤمنين لو لم يكن غيرها لكفتاه فخرًا. قوله: {أن الأرض يرثها عبادي الصالحون} [الأنبياء: 105] أي يتمكنون فيها فيكونون كما أخبر عنهم {الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر} [الحج: 41] لأنهم يتكبرون على أهلها ويرثون عنهم أموالها وخراجها، ويضيقون عليهم مسالكها ومساكنها، ويخيفون سبلها. قال بعضهم في هذه الآية: الوراثة الحقيقية أن يحصل للإنسان شيء لا يكون عليه ولا فيه تبعة ولا عليه محاسبة. وعباد الله الصالحون لا يتناولون شيئًا من الدنيا إلا بقدر ما يجب، وعلى الوجه الذي يجب. ومن تناول الدنيا على هذا الوجه لا يحاسب عليه ولا يعاقب، بل يكون ذلك عفوًا صفوًا. كما وري: "من حاسب نفسه في الدنيا لم يحاسبه الله في الآخرة". ور د: قوله تعالى: {ولما ورد ماء مدين} [القصص: 23]. أصل الورود قصد الماء، ثم يستعمل في غيره اتساعًا. قال تعالى: {فأوردهم النار} [هود: 98]. وقال: {وإن منكم إلا واردها} [مريم: 71]. والورود: الماء المرشح للورود. وقيل في قوله تعالى: {وإن منكم إلا واردها} أي حاضرها وإن لم يشرع فيها. وقيل: يقتضي ذلك الشروع إلا

إنه من كان من الأولياء لا يؤثر فيه، بل يكون حاله في الآخرة كحال خليل الرحمن في الدنيا حيث ألقي في النار. قال ابن عرفة: الورد عند العرب موافاة المكان قبل دخوله. وقد يكون الورود دخولاً. قال: ويؤيد كونه ليس بدخولٍ حديث عائشة. وقوله تعالى: {إن الذين سبقت لهم منا الحسنى أولئلك عنها مبعدون} [الأنبياء: 101]. وقوله: {ولما ورد ماء مدين} أي بلغه. وأنشد لزهير بن أبي سلمى: [من الطويل] 1801 - فلما وردن الماء زرقًا جمامه ... وضعن عصي الحاضر المتخيم قوله: {وبئس الورد المورود} [هود: 98] الورد هو الماء الذي يورد، ويكون للإبل الواردة، ويكون لحمى تجيء كل وقتٍ، ولجزءٍ من القرآن يجعله القارئ له، ولعبادةٍ موظفةٍ له، كل ذلك يسمى وردًا على الاتساع، قوله تعالى: {ونسوق المجرمين إلى جهنم وردًا} [مريم: 86]. قال الأزهري: مشاة عطاشًا كالإبل التي ترد الماء. وقال ابن عرفة: الورد: القوم يردون الماء، فسمي العطاش وردًا لطلبهم ورود الماء، كقولهم: قوم صوم ورود، يعني أنه من باب وقوع المصدر على العين، فلذلك وحد، وفيه نظر لعدم ظهور المصدرية فيه، بل هو اسم جمع كما تقدم. قوله تعالى: {فأرسلوا واردهم} [يوسف: 19] هو الذي يتقدم القوم ليستقي لهم الماء. وشعر وارد، أي بلغ العجز أو المتن. قوله تعالى: {فكانت وردةً كالدهان} [الرحمن: 37] أي صارت حمراء، قال ابن عرفة: سمعت أحمد بن يحيى -يعني ثعلبًا- يقول: هي المهرة تنقلب حمراء، بعد أن كانت صفراء. والورد الأحمر. وأنشد الفرزدق يصف الأسد: [من الكامل] 1802 - ألقى عليه يديه ذو قوميةٍ ... ورد يدق مجامع الأوصال وقال الأزهري: كلون الورد تتلون ألوانًا يوم الفزع الأكبر كتلون الدهان المختلفة. والدهان: جمع دهنٍ، وقد تقدم. والورد: الذي يشم، معروف، قيل: سمي لكونه أول ما يرد من ثمار السنة، قاله الراغب. وفي تسميته ثمرًا نظر ظاهر. ويقال لنور كل

شجرٍ ورد. ورد الشجر توردًا وتوريدًا. أخرج نوره. وبه شبه لون الفرس. قوله تعالى: {ونحن أقرب إليه من حبل الوريد} [ق: 16] هو عرق مستبطن متصل بالكبد والقلب، وفيه مجاري الروح. وقيل: هما وريدان يستنطنان العنق ينتبضان أبدًا. قال: وكل عرق ينبض فهو من الأوراد. والمراد في الأصل طرق الماء، والواحد -وردة بالتاء- وقد يطلق على الشوارع. ومنه الحديث: "اتقوا البراز في الموارد" يعني الطرق؛ نهاهم عن التخلي فيها. كما نهاهم عنه في النادي وغيره مما في معناه. ور ق: قوله تعالى: {وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة} [الأعراف: 22] قيل: هو ورق التين. ويزعمون أن هذه التفاريج التي فيه لمكان أصابعهما، فالله أعلم. والورق: ما أخرجه الشجر غير الثمر، والجمع أوراق، وبه شبه ما يكتب فيه فقيل فيه ورق. ويعبر عن المال الكثير تشبهيًا له بالورق في الكثرة نحو قولهم: مال كالتراب والثرى والسيل. قال الشاعر: [من الراجز] 1803 - إليك تبت فتقبل ملقي ... فاغفر خطاياي وثمر ورقي كذا أنشده الراغب والظاهر ما أنشده غيره بكسر الراء، يعني به الدراهم. ويقال: أورق فلان، أي أخفق. كأنه صار ذا ورق بلا ثمرٍ. ألا ترى أنه عبر عن المال بالثمر في قوله: {وكان له ثمر} [الكهف: 34]. قال ابن عباسٍ: هو المال. قلت: وعلى هذا يكون قولهم: أورق فلان. تحتمل الغنى والفقر، كما قالوا: أترب، أي صار ماله كالتراب. وقيل: لصق جلده بالتراب، وصار ذا ترابٍ. والقولان منقولان أيضًا في قوله: {تربت داك} أي لصقت بالتراب، أو صار مالهما كالتراب. قوله: {فابعثوا أحدكم بورقكم} [الكهف: 19] وقرئ بسكون الراء، وبكسر

الواو مع سكون الراء، وذلك نحو: كَبْدٍ وكَبِدٍ وكِبْدٍ، وهي الدراهم. وجاء في التفسير أنهم إنما عرفوهم لأن صاحبهم أخرج دينارًا عليه اسم ملكهم فاتهموه، وفيه نظر لقوله: {بورقكم}. والرقة: الدراهم؛ وفي الحديث: "في الرقة ربع العشر"، ومن أمثالهم: "وجدان الرقين يغطي أفن الأفين" أي الغني يغطي الحمق. وفي الحديث: "إن جاءت به أورق" الأورق: الأسمر، ومنه الورقة للسواد. وقيل للرماد أورق، وحمامة ورقاء، كله من السواد. وورقان: جبل بعينه، وفي الحديث: "سن الكافر مثل ورقان" كما جاء في آخر: "مثل أحدٍ" يعني في النار. ور ي: قوله تعالى: {فالموريات قدحًا} [العاديات: 2] أقسم بالخيل في الجهاد، لأنها إذا عدت أصابت سنابكها الحجارة، فتوري منها النار كفعل القادح للزناد. يقال: وري الزند. ووري -بكسر الراء وفتحها- يري فيهما. وأورى: إذا قدح. ويقال: إنه لواري الزناد. رفيع العماد، طويل النجاد. وقوله تعالى: {أفرأيتم النار التي تورون} [الواقعة: 71]. ويقال: قدح فأورى وأثقب: إذا ظفر بحاجته. وفي ضده: قدح فأكبى. وأصله على الاستعارة من ورى الزناد. وأنشد لجريرٍ يهجو الفرزدق: [من المتقارب] 1804 - وعرق الفرزدق شر العروق ... خبيث الثرى كابي الأزند قوله تعالى: {وأنزل التوراة} [آل عمران: 3] هي فوعلة من ذلك، لأنها ضياء ونور. فأبدلت الواو تاء على حد إبدالها في تولج وتيقورٍ. وقد حققت ذلك فيما تقدم.

قوله تعالى: {وراءهم ملك} [الكهف: 79] قيل: هو هنا بمعنى أمامهم، كذا في التفسير. ومثله قوله تعالى: {من ورائهم محيط} [البروج: 20] قال ابن عرفة: كيف قال: من ورائهم وهو أمامهم؟ فزعم أبو عبيدة وأبو علي قطرب أن هذا من الأضداد وهذا غير محصلٍ لأن أمام ضد وراء، وإنما يصلح هذا في الأماكن والأوقات، يقول الرجل إذا وعد وعدًا لرمضان في رجبٍ ثم قال: من ورائك شعبان، لجاز وإن كان أمامه لأنه مخلفه إلى وقت وعده وأنشد قول لبيد: [من الطويل] 1805 - أليس ورائي إن تراخت منيتي ... لزوم العصا تحنى عليها الأصابع؟ قلت: قوله: إنما يصلح هذا في الأماكن والأوقات، فيه نظر لأن وراء ظرف مكانٍ ليس إلا. وقال الأزهري في قوله: {من ورائه جهنم} [إبراهيم: 16] وراء بمعنى خلف وقدام. ومعناه ما توارى عنك واستتر. وأنشد للنابغة: [من الطويل] 1806 - حلفت فلم أترك لنفسك ريبةٍ ... وليس وراء الله للمرء مذهب أي بعد الله. قوله: {ويكفرون بما وراءه} [البقرة: 91] أي سواه؛ قاله الفراء. قلت: كأن الأزهري جعله متواطئًا، وغيره جعله مشتركًا اشتراكًا لفظيًا لقوله: من الأضداد. {فأواري سوءة أخي} [المائدة: 31] أي أسترها. وكذا قوله: {يواري سوءاتكم} [الأعراف: 26]. ومثله: {حتى تورات بالحجاب} [ص: 32]. والتورية: أن تظهر شيئًا وتريد غيره، كأنه يظهر جزءًا ويستر آخر. وفي الحديث: "إذا أراد غزوًا ورى بغيره". قال بعضهم: ستر ووهم غيره. وأصله من الوراء، أي ألقى

فصل الواو والزاي

الستر وراء ظهره. والورى: الناس. قال الخليل: الورى: الأنام الذين على وجه الأرض، ليس من مضى ولا من يتناسل بعدهم، فكأنهم الذين يسترون الأرض بأشخاصهم. والوري: بسكون الراء يقال: ورى يورى. وفي الحديث: "لأن يمتلئ جوف أحدكم قيحًا حتى يريه خير له من أن يمتلئ شعرًا" وأنشد قول الشاعر: [من الرجز] 1807 - قالت له وريًا إذا تنحنح ... يا ليته يسقى على الذرحرح وفي الحديث: "وفي الشوي الوري السمين" فعيل بمعنى فاعل. وأنشد للعجاج: [من الرجز] 1808 - وأنهم هاموم السديف الواري ... عن جرزٍ منه وجوز ٍ عاري وجاءت امرأة جليلة لعمر رضي الله عنه فحسرت عن ذراعيها فإذا كدوح. قال: ما هذا؟ قالت: من احتراش الضباب. قال: "لو أخذت الضب فوريته". قال شمر: أي روغته في الدسم. ومن كلام علي رضي الله تعالى عنه في صفة النبي صلى الله عليه وسلم: "حتى أورى قبسًا" أي أظهر نورًا من الحق. فصل الواو والزاي وز ر: قوله تعالى: {كلا لا وزر} [القيامة: 11] الوزر: الملجأ. قال الشاعر: [من الطويل] 1809 - تعز فلا شيء على الأرض باقيا ... ولا وزر مما قضى الله واقيا

فالوزر: ما لجأت إليه من جبلٍ حصنٍ ونحوهما. والوزر: الذنب؛ سمي بذلك تشبيهًا بالجبل في ثقله لأنه يثقل صاحبه. قوله تعالى: {ووضعنا عنك وزرك} [الشرح: 2] كقوله: {ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر} [الفتح: 2]. وقيل: معناه لم يجعل لك وزرًا أصلا. ً قوله تعالى: {ليحملوا أوزارهم كاملةً يوم القيامة ومن أوزار الذين يضلونهم} [النحل: 25] كقوله: {وليحملن أثقالهم وأثقالاً مع أثقالهم} [العنكبوت: 13]. قال بعضهم: وحمل وزر الغير في الحقيقة هو على نحو ما أشار إليه عليه الصلاة والسلام بقوله: "ومن سن سنه سيئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها" وإلا فنفس وزر الغير غير آخر. وهذا يوضح عدم المباينة بين هذه الأمة ونحوها وبين قوله: {ولا تزر وازرة وزر أخرى} [الأنعام: 164] ونحوه. والهاء في قوله: {وازرة} قيل: لتأنيث النفس، والتقدير: نفس وازرة. وقيل: للمبالغة كراوية، والمعنى: لا تؤخذ نفس وازرة بذنب أخرى. وأصل الوزر: الحمل؛ يقال: وزر يزر. أي حمل دينًا أو شيئًا ثقيلاً. ومنه: {ألا ساء ما يزرون} [الأنعام: 31]. قوله: {واجعل لي وزيرًا} [طه: 29] أي معينًا. والوزير: فعيل بمعنى مفاعل كالجليس والخليط بمعنى المجالس والمخالط. سمي بذلك لمعاونته الملك. وقيل: لأنه يحمل أثقال الملك وأعباءه. وقيل: لتحمله أوزارة الملك. وقيل: لأنه ملجأ لقاصديه. وقيل هو مأخوذ من الأزر، أي القوة من قوله: {فآزره فاستغلظ} [الفتح: 29]. ومنه: لأنصرنك نصرًا مؤزرًا، أي مقوى. فيجوز أن يكون أبدلت الواو من الهمزة، وأن تكون العين نحو أوجب ووجب، وأكدت ووكدت. قوله: {حتى تضع الحرب أوزارها} [محمد: 4] أي آلاتها كقول الشاعر: [من المتقارب] 1810 - وأعددت للحرب أوزارها ... رماحًا طوالاً وخيلاً ذكورا قوله: {ولكنا حملنا أوزارًا من زينة القوم} [طه: 87] سموها أوزارًا لأنها أحمال

ثقال. ولذلك إنه لما غرق فرعون ألقاهم البحر بشاطئيه وعليهم حليهم، فأخذها بنو إسرائيل، وصاغوا منها العجل. وز ع: قوله تعالى: {فهم يوزعون} [النمل: 17] أي يكفون عن بعضهم. وفي التفسير: يحبس أولهم على آخرهم. وفي ذلك إشارة حسنة إلى أنهم مع كثرتهم وخروجهم عن الجمع المعتاد في الجيوش وحواشي الملوك وخدمهم ليسوا مهملين متروكين عند من يزعهم، أي يكفهم، بل هم مقموعون مسوسون تحت قهر سليمان مع انتشارهم وخروجهم عن حد الكثرة في تباين أجناسهم وأنواعهم. يقال: وزع يزع وزعًا فهو وازع، والجمع وزعة. ولما ولي الحسن القضاء قال: "لا بد للناس من وزعةٍ" أي من أعوانٍ يمنعون من تظالم الناس بعضهم لبعضٍ، أو يمنعونهم من هجومهم على ولاة الأمور في وقت لا ينبغي. وفي حديث جابرٍ لما قتل أبوه قال: "فأردت أن أكشف عن وجهه ورسول الله صلى الله عليه وسلم ينظر إلي فلا يزعني" أي فلا يؤخرني ولا يكفني عن ذلك. قوله: {رب أوزعني} [النمل: 19] أي ألهمني، كذا جاء في التفسير. قال بعضهم: وتحقيقه والمعنى بذلك: اجعلني بحيث أزع نفسي عن الكفران. قوله: {ويوم نحشر من كل أمةٍ فوجًا ممن يكذب بآياتنا فهم يوزعون} [النمل: 83] هذا على سبيل العقوبة، أي محتبسون للعقاب، وهو وزان قوله تعالى: {ولهم مقامع من حديدٍ كلما أرادوا أن يخرجوا منها من غم أعيدوا فيها} [الحج: 21 - 22]. والوزوع: الولوع بالشيء ومحبته؛ يقال رجل وزوع ولوع. وانوزع بكذا: أولع به. ومنه الحديث: "كان موزعًا بالسواك". والأوزاع: الفرق، ومنه "أن عمر خرج في رمضان والناس أوزاع"، أي فرق يتنفلون. والوزع: الارتعاش، ومنه أن الحكم بن أبي

العباس قبحه الله حاكى رسول الله صلى الله عليه وسلم من خلفه، فلما علم قال: "كذا فليكن" فأصابه وزع مكانه، ولعذاب الآخرة أشق. وز ن: قوله تعالى: {والوزن يومئذ الحق} [الأعراف: 8] قال مجاهد: الوزن: القضاء بالعدل. قال السري: توزن الأعمال. وقد اختلف المتأولون في ذلك؛ فقال بعضهم: هذا عبارة عن القضاء بالحق وعدم الظلم. وعبر بذلك لأن الناس يتعارفون أن الوزن أعدل شيءٍ. والحق أن ذلك على حقيقته. وفي الحديث الصحيح ما يؤيده كحديث النظافة وغيرها. وأن له كفتين ولسانًا. والوزن في الأصل معرفة قدر الشيء بهذه الآلة الخاصة. يقال: وزنت زيدًا كذا، ووزنت له وزنًا وزنةً، نحو: وعدًا وعدةً. قوله تعالى: {وإذا كالوهم أو وزنوهم} [المطففين: 3] في أحد القولين. وقيل؛ الوزن: التقدير، ومنه قوله تعالى: {وأنبتنا فيها من كل شيءٍ موزونٍ} [الحجر: 19] أي مقدر. ومنه: "نهى عن بيع الثمار حتى توزن" أي تقدر في الخرص. وذلك أن الخارص يحزر كم قدرها، فيكون كالوزن لها. وقيل: موزون كالمعادن نحو الذهب والفضة والنحاس والرصاص. وقيل: هو إشارة إلى كل ما أوجده تعالى وخلقه، وإنه خلقه باعتدالٍ كقوله: {إنا كل شيءٍ خلقناه بقدرٍ} [القمر: 49]. قوله: {ونضع الموازين القسط} [الأنبياء: 47] قيل: هو حقيقة وهو الصحيح، وقييل: عبارة عن عدله، وقد تقدم. ووصفها بالقسط وهو مفرد لكونه في الأصل مصدرًا، وفي موضعٍ: أتى بالميزان مفردًا اعتبارًا بالمحاسب، وفي مواضع بالجمع اعتبارًا بالمحاسبين. وأصل الميزان واو فقلبت ياء لسكونها وانكسار ما قبلها. ولذلك لما تحركت في الجمع وزالت الكسرة قبلها رجعت إلى أصلها نحو ميقاتٍ ومواقيت، وميعادٍ ومواعيد. ويقال: ما لفلانٍ عندي وزن، أي قدر لخسته. ومنه: {فلا نقيم لهم يوم القيامة

فصل الواو والسين

وزنًا} [الكهف: 105]. قوله: {ووضع الميزان} [الرحمن: 7] أي العدل. وعبر بالميزان لما تقدم من أنه أظهر الآلات في ذلك. وأنشد بعضهم للشيخ تقي الدين القشيري بن دقيق العيد رحمه الله تعالى: [من الكامل] 1811 - والدهر كالميزان يرفع ناقصًا ... أبدًا ويخفض عالي المقدار وإذا انتحى الإنصاف ساوى وزنه ... في العدل بين حديدة ونضار فصل الواو والسين وس ط: قوله تعالى: {وكذلك جعلناكم أمة وسطًا} [البقرة: 143] أي خيارًا، وذلك أن الوسط يحمى بالأطراف. ومنه قول الشاعر: [من البسيط] 1812 - كانت هي الوسط المحمي فانكشفت بها الحوادث حتى أصبحت طرقا ومن ذلك قوله تعالى: {قال أوسطهم} [القلم: 28] يعني طريقةً، أي أعدلهم وخيارهم. يقال: هو واسط قومه ووسطهم. وقد وسط وساطة وسطة. وقال الراغب: والوسط تارةً يقال فيما له طرفان مذمومان، كالجود الذي بين البخل والسرف، فيستعمل استعمال القصد المصون عن الإفراط والتفريط، فيمدح به نحو السواء والعدل نحو قوله تعالى: {وكذلك جعلناكم أمة وسطًا}، وعلى ذلك: {قال أوسطهم}. وتارةً يقال فيما له طرف محمود وطرف مذموم كالخير والشر، ويكنى به عن الرذل نحو قولهم: فلان وسط من الرجال، تنبيه أنه خرج من حد الخير. وفي هذا الأخير نظر. والوسط في الأصل ظرف مكانٍ، وتصرفه قليل، ومنه قول الشاعر: [من الخفيف]

1813 - وسطه كاليراع أسرج المجـ ... ــدل حينًا يخبو، وحينًا ينير وقال بعضهم: ما موقع موقعه (بين) كان بسكون السين، نحو: جلست وسط القوم ووسط الدور. وما لم يصح كان بفتحها نحو: جلست وسط الدار. وقال الراغب: وسط الشيء ماله طرفان متساويا القدر. ويقال ذلك في الكمية المتصلة كالجسم الواحد نحو: وسطه صلب. ووسطه بالسكون يقال في الكمية المنفصلة كشيءٍ يفصل بين جسمين، نحو: وسط القوم كذا. قوله: {حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى} [البقرة: 238] قيل: هي كل صلاةٍ من الصلوات المكتوبة. وقيل: الجمعة. وقيل غير ذلك. ووصلها بعضهم إلى سبعة عشر قولاً في تصنيفٍ مفردٍ. وقد صح في الصبح وفي العصر حديثان؛ قال بعضهم: أخفى الله الصلاة ليجتهد الناس، كإخفائه ليلة القدر وساعة الجمعة ونحو ذلك. وقد بينّا كله في "القول الوجيز". وس ع: قوله تعالى: {والله واسع عليم} [البقرة: 147] أي واسع علمه وقدرته ورحمته. وقد صرح بذلك في قوله: {ورحمتي وسعت كل شيءٍ} [الأعراف: 156] {وسع كل شيءٍ علمًا} [طه: 98] لأن علمًا تمييز منقول من الفاعلية؛ إذ الأصل وسع علمه كل شيءٍ. وقيل: معناه: وسع رزقه جميع خلقه. وقال ابن الأنباري: الواسع الذي يسع بما يسأل. وقيل: معناه المحيط بكل شيءٍ. وقيل: هو الجواد. والسعة: ضد الضيقٍ. وقوله تعالى: {ولم يؤت سعةً من المال} [البقرة: 247] أي زيادةً وكثرةً؛ فإن حقيقة السعة في الأجرام الممتدة. وقوله: {وسع كرسيه السماوات والأرض} [البقرة: 255]. قال الهروي: أي اتسع لهما. وقيل: وسع ملكه، فعبر عن الملك بالكرسي على ما يتعارفه أهل الدنيا. والسعة تكون في الأمكنة وهو الأصل لقوله تعالى: {يا عبادي الذين آمنوا إن أرضي واسعة} [العنكبوت: 56]. وفي الفعل

لقوله تعالى: {ورحمتي وسعت كل شيءٍ} [الأعراف: 156]. وفي الحال لقوله: {لينفق ذو سعةٍ من سعته} [الطلاق: 7]. قوله: {لا يكلف الله نفسًا إلا وسعها} [البقرة: 286]. الوسع من القدرة ما يفضل عن قدرة المكلف. وفيه تنبيه أنه يكلف عباده ما تنوء به قدرتهم. وقيل: معناه يكلفهم بما يثمر السعة، أي جنةً واسعةً، كقوله: {وجنةٍ عرضها السماوات والأرض} [آل عمران: 133]. وقيل: معناه لا يكلفها إلا قدر طاقتها. وظاهرها ينفي تكليف ما لا يطاق. والمذاهب فيها قد بيناها في "القول الوجيز". قوله: {والسماء بنيناها بأييدٍ وإنا لموسعون والأرض فرشناها فنعم الماهدون} [الذاريات: 47 - 48] أي أنها مع سعتها سعةً متزايدةً مفرطةً قوية؛ إن الأيد القوة، وذلك أن من عادة الأجرام المنبسطة إذا تزايدت سعتها وامتدادها ضعفت وتداعت. وما أحسن تلك السعة مع السماوات والمهد مع الأرض! حيث كانت السماوات بقدر الأرض مرارًا خارجةً عن الحصر. {قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعضٍ ظهرً} [الإسراء: 88]. وقال الراغب: {وإنا لموسعون} [الذاريات: 47] إشارة إلى نحو قوله: {ربنا الذي أعطى كل شيءٍ خلقه ثم هدى} [طه: 50] ولم أفهم الإشارة المذكورة. وفرس وساع الخطو: عبارة عن شدة عدوها. وس ق: قوله تعالى {والليل وما وسق} [الإنشقاق: 17] الوسق: جمع الأشياء المتفرقة، والمعنى: وما جمع من الظلم. وقيل: ذاك عبارة عن طوارق الليل. وقال شمر: كل شيءٍ حملته فقد وسقته. ومن أمثالهم: "لا أفعل ذلك ما وسقت عيني الماء" أي ما حملته. وهو عبارة عن الحياة، لأن العين تجمد عند الموت. وقال غيره: الوسق ضمك الشيء إلى الشيء بعضه إلى بعضٍ. ويقال للإبل التي تجمع من تفرقةٍ: وسيقة، ولجامعها واسق. وقد

استوسقتها فاستوسقت. وفي الحديث: "استوسقوا كما يستوسق جرب الغنم إذا أضيعوا كاجتماعها ولا تفرقوا". وفي حديثٍ: "ويقول: استوسقوا". قوله: {والقمر إذا اتسق} [الانشقاق: 18] هو افتعال من ذلك، والمعنى: اجتمع ضوؤه في الليالي البيض. وقال مجاهد: استوى. وقال ابن عرفة: تتابع ليالي حتى انتهى منتهاه. وقيل: امتلأ. وهي تفاسير. وس ل: قوله تعالى: {وابتغوا إليه الوسيلة} [المائدة: 35]. الوسيلة: هي القرب. وقيل: الوسيلة هي التوصل إلى الشيء الذي يرغب. فقيل: وهي أخص من الوصيلة، ولتضمنها معنى الرغبة قال تعالى: {وابتغوا إليه الوسيلة}. وقال بعضهم: حقيقة الوسيلة إلى الله مراعاة سبيله بالعلم والعبادة وتحري مكارم الشريعة. وعلى هذا فهي مقاربة للقربة. وس م: قوله تعالى: {إن في ذلك لآيات للمتوسمين} [الحجر: 75]. المتوسمون: المعتبرون الذين يتوسمون الأمور، أي يتبينونها تبين من يتوسم الشيء، أي يتعرفه بوسمةٍ. توسمت فيه خيرًا، أي تعرفت وسمةً فيه. والوسم: الكي بالنار في الدابة لتعرف من غيرها. ومن ذلك الاسم عند بعضهم، لأنه على مسماه، وهو فاسد من جهة الاشتقاق حسبما بيناه في غير هذا الموضع. والتوسم يقرب من الفراسة، ومنه فلان كان يتوسم من فلانٍ، كذا قال بعضهم. وهذا التوسم هو الذي سماه القوم الزكانة، وقوم الفطنة، وقوم الفراسة. قال عليه الصلاة والسلام "اتقوا فراسة المؤمن فإنه ينظر بنور الله". قوله: {سنسمه على الخرطوم} [القلم: 16] أي سنجعله على وجهه وقيل: أنفه وسمًا يعرف به لأنه كان شديدًا في عداوة الإسلام. وقيل: هو إشارة إلى سواد الوجه، وزرقة العين. والظاهر أنه لا بد لهذا الكافر الخاص من علامةٍ خاصةٍ شنعاء يفرق بها بين

أبناء جنسه. وقيل: إن هذا وقع في الدنيا حسبما بيناه في التفسير. والوسامة والجمال والحسن كأنه علامة لصاحبه. ومنه وجه وسيم كأنه بمعنى موسومٍ، إلا أنه خص بالملاحة. وقوم وسام، نحو ظريفٍ وظرافٍ. والموسم: المعلم، ومنه: مواسم الحج. ووسموا: شهدوا الموسم، نحو عرفوا: شهدوا عرفة. والوسمي: ما يسم الأرض من المطر. وتوسمت: تعرفت بالسمة، أو طلبت الوسمي. وفي الحديث: "بئس لعمر الله عمل الشيخ المتوسم والشاب الملوم" يعني المتحلي بسمة الشيوخ والمتلوم الذي يأتي بالقبيح فيجر اللائمة. وس ن: قوله تعالى: {لا تأخذه سنة ولا نوم} [البقرة: 255] السنة: النعاس. وقيل: مبادئ النوم. وقيل: الغفلة والغفوة. ويدل على كونه من مبادئ النوم قول الشاعر: [من الكامل] 1814 - وسنان أقصده النعاس فرنقت ... في جفنه سنة وليس بنائم ولهذا قال ابن عرفة: السنة: النعاس يبدأ في الرأس، فإذا صار إلى القلب فهو نوم. وإنما جمع بين نفييهما لأنه لا يلزم من نفي أحدهما نفي الآخر، إذ يتصور مجيء النوم دفعةً من غير مبادئ الوسن، ومجيء الوسن دون النوم. فلذلك نفى كل واحد منهما على حدته بدليل تكرير لا. وبهذا يندفع سؤال من يقول: إنه تعالى لو نفى السنة وحدها لاكتفى بذلك موجهًا له بأنه إذا نفي ما هو مقدمة للشيء كان انتفاء ذلك بطريق الأولى لما قدمته لك من تصور وجود أحدهما دون الآخر. وتوسنها، أي غشيها نائمةً. ويقال: وسن وأسن بالواو والهمز: إذا غشي عليه من ريح البئر. قال الراغب: وأرى أن وسن يقال لتصور النوم لا لتصور الغشيان. انتهى. يعني أنه من الوسن، وهو مبادئ النوم لا من الغشيان الذي يصيب الإنسان من ريح الماء

الآسن، أي المتغير. يعني فتكون الواو في قولهم: وسن أصلاً لا بدلاً من الهمسة، وهو حسن. وس وس: قوله تعالى: {الذي ييسوس} [الناس: 5]. الوسوسة: الخطرة الرديئة. قيل: وأصله من الوسواس. وهو صوت الحلي والهمس الخفي. والوسواس بالفتح: هو الشيطان الذي يوسوس. بالكسر مصدر كالوسوسة. ونظيره الزلال والزلال عند قومٍ. ومن ثم قال الفراء: الوسواس يعني بالتح إبليس. ويقال: وسوس له وإليه. وقد جاف في التنزيل، قال تعالى: {فوسوس لهما الشيطان} [الأعراف: 20] وفي موضعٍ آخر: {فوسوس إليه} [هود: 104] و {إلى أجلٍ} [البقرة: 282]. وقيل: بل معناه مع إلى: أوصل إليه الوسوسة، ومع اللام: فعلها إلى أجله. وقد أتقناه في "الدر المصون" وغيره. ووسو ونظيره مما يكرر فيه الفاء والعين نحو سمسم ونؤنؤ ولملم وكفكف سواء صح المعنى بإسقاط الثالث نحو كف أو لم يصح نحو وسوس، حروفه كلها أصول عند البصريين خلافًا للكوفيين، حيث يفصلون فيقولون: إن لم يصح بإسقاط الثالث فالكل أصول. وإن صح بإسقاطه فهو زائد، ودليل ذلك في كتب التصريف. وس ي: قوله تعالى: {يا موسى} [طه: 11] هو ابن عمران النبي المشهور صلى الله عليه وسلم وعلى سائر الأنبياء. قيل: هو معرب وأصله موشى بالشين المعجمة. قيل: سمي بذلك لأنه التقط من بين ماءٍ وشجرٍ كما في القصة المشهورة. قيل: و"مو" بالعبرانية هو الماء و"شا" هو الشجرة. وقال بعضهم: بل هو عربي الأصل، وهو منقول من موسى الحديد هذه الآلة المعروفة التي يحلق بها، وهو بعيد جدًا. ثم إن أهل التصريف اختلفوا في موسى الحديد هل هو مشتق من أوسيت رأسه، أي حلقته، أو من ماس يميس، أي تزين؟ والمعنيان لائقان بذلك، فعلى الأول وزنه مفعل، وعلى الثاني فعلى. وأصل الواو ياء نحو الصوفي والكوسي من الصيف والكيس.

فصل الواو والشين

فصل الواو والشين وش ي: قوله تعالى: {لا شية فيها} [البقرة: 71] أي ليس فيها لون يخالف لونها. وأصل ذلك من وشى الثوب: إذا نسجه على لونين فأكثر. واستعير ذلك في الحديث فقيل: وشى كلامه، أي زينه ونمقه ليقبل عنه، كما يوشي الثوب ناسجه، وذلك نحو قولهم: موه كلامه وزخرفه، أي طلاه بالذهب، والواشي: النمام، كذا أطلقه الراغب، وقال ابن عرفة: لا يقال لمن نم واشٍ حتى يغير الكلام ويلونه فيجعله ضروبًا، ويزين منه ما يشاء. وثور موشى الأكارع، أي قوائمه سود. وقيل: الثور الموشى: أن يكون في وجهه وقوائمه سواد. قال الشاعر: [من البسيط] 1815 - من وحش وجرة موشي أكارعه وفي حديث الزهري: "أنه كان يستوشي الحديث" تأوله الهروي بأن كان يستخرجه بالبحث كما يستوشي الرجل جري الفرس، وهو ضربه جنبيه بعقبيه وتحريكه ليجري، يقال من ذلك: أوشى فرسه واستوشاه. والائتشاء: يقال: ائتشى العظم: إذا برأ من كسرٍ كان به. وأصله وشى، فقلبت الواو ياءً لانكسار ما قبلها. وفي الحديث: "فائتشى محدودبًا" أي برأ من كسرٍ أصابه. قلت: ومن حق هذا الحرف أن يقال: اشتى، بتاءٍ مشددة؛ فإن الواو والياء متى وقعتا فاءين قبل تاء الافتعال وجب قلبهما ياءً وإدغامهما نحو اتعد واتسر؛ من الوعد واليسر. ولكن كذا روى هذا الحرف الهروي في هذه المادة. و {شية} [البقرة: 71] وزنها فعلة، وأصلها وشية فحذفت فاء المصدر حملاً على المضارع نحو عدة وزنة. والنسبة إليها عند سيبويه وشوي، وعند الأخفش وشي.

فصل الواو والصاد

فصل الواو والصاد وص ب: قوله تعالى: {وله الدين واصبًا} [النحل: 52] أي ثابتا دائمًا. والواصب: الثابت الدائم اللازم. ومنه قيل للعليل: وصب، أي ملازمه السقم وثابت به، يقال: واصب على الأمر، وواظب عليه، ووالب عليه، وداوم عليه، كله بمعنى. وقد وصب يوصب، فهو واصب، أي لازمه الوجع. وقوله تعالى: {ولهم عذاب واصب} [الصافات: 9] يجوز فيه الأمران؛ أي عذاب دائم متصل أو موجع. ويجوز أن يراد كلاهما. وقيل: الوصب: السقم اللازم. وقد وصب فلان فهو وصب. وأوصبه كذا، وهو يتوصب، أي ترجع. وفي حديث فارعة بنت أبي الصلت أنها قالت لأخيها أمية: "هل تجد شيئًا؟ قال: لا، إلا توصيبًا" أي فتورًا. ويقال: أصابه توصيب وتوصيم، كقولهم: دائم ودائب، ولازم ولازب. وقال بعضهم في قوله تعالى: {وله الدين واصبًا} أي حق الإنسان أن يطيع دائمًا في جميع الأحوال، كما وصف به الملائكة حيث قال: {لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون} [التحريم: 6]. وقال في قوله: {ولهم عذاب واصب} توعد لمن اتخذ إلهين، وتنبيه أن جزاء من فعل ذلك لازم شديد. وص د: قوله تعالى: {وكلبهم باسط ذراعيه بالوصيد} [الكهف: 18]. قيل: الوصيد: الباب. وقيل: فناء الكهف عند عتبته. وقيل: الوصيد في الأصل: حجرة تجعل للمال في الجبل. وقوله تعالى: {عليهم نار مؤصدة} [البلد: 20] قرئ بالواو وبالهمزة، أي مطبقة. وهما لغتان. يقال: أوصدت الباب وآصدته، أي أغلقته. وقد أنكر بعضهم الهمز، ولا يلتفت إليه. وقد حققناه بدلائله في غير هذا. وص ف: قوله تعالى: {سيجزيهم وصفهم} [الأنعام: 139] أي كذبهم. والتقدير: جزاء

وصفهم. وقد كثر ذكر الوصف بمعنى الكذب؛ قال تعالى: {والله المستعان على ما تصفون} [يوسف: 18] أي يكذبون. وقوله: {سبحان ربك رب العزة عما يصفون} [الصافات: 180]. قال بعضهم: فيه تنبيه على أن أكثر صفاته ليس على حسب ما يعتقده كثير من الناس، وأنه تعالى عما يقول الكفار. ومن ثم قال: {وله المثل الأعلى} [الروم: 27]. والأصل في الوصف ذكر الشيء بحليته ونعته. والصفة: الحالة التي يكون عليها الشيء من حليته ونعته. والوصف يكون حقًا وباطلاً. والظاهر أنه والنعت مترادفان. وبعضهم جعل النعت أخص؛ فلا يقال نعت إلا فيما هو محقق بخلاف الوصف. والظاهر الترادف. وص ل: قوله تعالى: {ولا وصيلةٍ} [المائدة: 103] قيل: هي الأنثى التي تولد من الشاة مع ذكرٍ؛ فيقولون: وصلت أخاها، فلا يذبحونها. وقيل: كانت الشاة إذا ولدت ستة أبطنٍ عناقين عناقين، وولدت في السابع عناقًأ وجديًا قالوا: وصلت أخاها، فأحلوا لبنها للرجال وحرموه على النساء؛ قاله أبو بكرٍ. وقال ابن عرفة: كانوا إذا ولدت الشاة ستة أبطنٍ نظروا فإن كان السابع ذكرًا ذبحوه، وأكل منه الرجال والنساء. وإن كانت أنثى تركت في الغنم. وإن كانت أنثى وذكرًا قالوا: وصلت أخاها، فلم يذبحوها، وكان لحمها حرامًا على النساء. قوله تعالى: {ولقد وصلنا لهم القول} [القصص: 51] أكثرنا لهم القول موصولاً بعضه ببعضٍ. وقال ابن عرفة: أنزلناه شيئًا بعد شيءٍ يتصل بعضه ببعضٍ ليكونوا أوعى له. وقوله تعالى: {إلا الذين يصلون إلى قومٍ} [النساء: 90] أي ينتمون إليهم. ومنه الحديث: "من اتصل فأعضوه"، وفي حديث آخر: "أعض إنسانًا اتصل" أي ادعى دعوى الجاهلية. قلت: كان يقال: اعضض هن أبيك، ونحوه. والاتصال: اتحاد

فصل الواو والضاد

الأشياء بعضها ببعضٍ، ويضاده الانفصال. ويستعمل الوصل في الأعيان، نحو: وصلت الحبل بالحبل. وفي المعاني، قال تعالى: {ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل} [البقرة: 27]. وص ي: قوله تعالى: {يوصيكم الله في أولادكم} [النساء: 11]. الوصية: التقدم إلى الغير بما يعمل به مقترنًا بوعظٍ، من قولهم: أرض واصية. وهي المتصلة النبات. وقال الهروي: يوصيكم، أي يفرض عليكم، لأن الوصية من الله فرض. وقال بعضهم: أصله من وصى. وتواصى البيت تاصيًا: إذا اتصل. وقوله: {وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر} [العصر: 3] أي وصى بعضهم بعضًا. ثم وصى لك البعض البعض الآخر، أي كل واحدٍ منهم وصى صاحبه. وقوله: {أتواصوا} [الذاريات: 53] أي أوصى أولهم آخرهم. قاله الأزهري. وهو استفهام توبيخ. يقال: وصى وأوصى. وقد قرئ بهما قوله تعالى: {ووصى بها إبراهيم بنيه} [البقرة: 32]. والوصي يطلق على الموصى إلى الغير، وعلى الموصى إليه؛ فهو فعيل بمعنى فاعلٍ تارةً، وبمعنى مفعولٍ أخرى. فصل الواو والضاد وض ع: قوله تعالى: {ووضعنا عنك وزرك} [الشرح: 2] أي أحططنا وأسقطنا. يقال: وضع الأمير عن قومه كذا، أي أسقطه. قال بعضهم: والوضع أعم من الحط، ومنه الموضع؛ قال تعالى: {يحرفون الكلم عن مواضعه} [النساء: 46]. ويقال ذلك في الحمل والحمل. قال تعالى: {وأكواب موضوعة} [الغاشية: 14]. وقال تعالى: {فلما وضعتها} [آل عمران: 36]. ويكون الوضع عبارة عن الإيجاد، ومنه قوله تعالى: {والأرض وضعها للأنام} [الرحمن: 10] أي أوجدها واخترعها. وقوله: {إن أول بيتٍ وضع للناس} أي بني واتخذ. وقيل: وضع البيت: بناؤه.

(وقوله): {ووضع الكتاب} [الكهف: 49] عبارة عن إبراز أعمال الخلائق، فلا يخفى عن كل عاملٍ ما عمل بدليل: {فترى المجرمين مشفقين مما فيه ويقولون} [الكهف: 49] الآية. وهو موافق لقوله تعالى في الأخرى: {ونخرج له يوم القيامة كتابًا يلقاه منشورًا} [الإسراء: 13]. قوله تعالى: {ولأوضعوا خلالكم} [التوبة: 47] أي عدوًا سريعًا، أي حملوا ركابهم على السير السريع. يقال: وضع البعير وضعًا، وأوضعته أنا فهو موضع إيضاعًا: إذا حثثه على السير فأسرع. ومنه قول امرئ القيس: [من الوافر] 1816 - أرانا موضعين لأمر غيبٍ ... ونسحر بالطعام وبالشراب ومنه الحديث: "وأوضع في الوادي وادي محسرٍ". وقيل: الإيضاع: سير مثل الخبب. ومثله الإيجاف. وناقة حسنة الوضوع، وهو استعارة في السير لقولهم: ألقى بعاعه وجرانه وثقله، ونحو ذلك. وفي الحديث: "إنه نبي وإن صورته واسمه في الوضائع". قال الأصمعي: الوضائع: الكتب وفيها الحكمة. والوضائع في غير هذا: الوظائف التي توظف على الإنسان. ومنه الحديث: "لكم يا بني نهدٍ ودائع الشرك ووضائع الملك" أي ما ألتزمه المسلمون من الوظائف في أموالهم نحو الزكوات. والوضائع: جمع وضيعةٍ أيضًا، والوضيعة: الحطيطة من رأس المال. يقال: وضع الرجل في تجارته، أي خسر. ومنه الحديث: "من أنظر معسرًا أو وضع له" أي من حط من رأس المال شيئًا. قوله تعالى: {ويضع عنهم إصرهم} [الأعراف: 157] أي

فصل الواو والطاء

يحط عنهم أثقال التكليف. وفي الحديث: "من رفع السلاح ثم وضعه فدمه هدر". قال أبو عبيدٍ: أي ثم قاتل به. أي في الفتنة: يقال: وضع السلاح في بين فلانٍ، أي ضربهم به. ومنه قول سديفٍ: [من الخفيف] 1817 - فضع السيف وارفع السوط حتى لا ترى فوق ظهرها أمويا وض ن: قوله تعالى: {على سررٍ موضونةٍ} [الواقعة: 15] أي منسوجة محكمة النسج. وهو مستعار من قولهم: وضن الدرع. أي أحكم نسجها. والوضين: حزام الرحل. ومنه قول الشاعر: [من الوافر] 1818 - تقول وقد درأت لها وضيني: ... أهذا دأبه أبدًا وديني؟ قال الأزهري: موضونة، أي مرمولة، بمعنى منسوجةٍ نسج الدرع. وقال مجاهد: منسوجة بالذهب، وكل شيءٍ وضعت بعضه فوق بعضٍ فهو موضون. ومنه قيل للدروع موضونة أي تداخل حلق بعضها في بعضٍ. وفي حديث عبد الله بن عمر ما أنشد: [من الرجز] 1819 - إليك تعدوا قلقًا وضينها ... مخالفًا دين النصارى دينها الوضين: وهو الحزام كما تقدم. ويجمع الوضين على وضنٍ نحو رغيف ورغف. فصل الواو والطاء وط أ: قوله تعالى: {ليوطئوا عدة ما حرم الله} [التوبة: 37] أي ليوافقوا عدة

الشهور. والمواطأة: الموافقة والمماثلة من وطئ الرجل برتجله موطئ صاحبه. فجعل لك كناية عن الموافقة والمواتاة. ومنه قوله تعالى: {هي أشد وطأ} [المزمل: 6] أي موافقةً يوافق القلب فيها اللسان، لأن الليل محل الخلوة والجلوة. وقيل: لأن اللسان يواطئ فيها العمل، والسمع يواطئ فيها القلب. وقرئ في المتواتر: "وطاء"، قيل: معناه أبلغ في القيام وأوطأ للقيام. وقيل: أبغ في الثواب. وقيل: أغلظ على الإنسان من القيام بالنهار، لأن الليل محل الاستراحة من قولهم: شد وطاءته على بني فلانٍ. ومنه: "اللهم أشدد وطأتك على مضر". قوله: {ولا يطؤون موطئًا} [التوبة: 120] من وطأ البلاد برجله. ويقال: وطئت البلاد أطؤها وطاءً ووطاء. وعلى هذا يتجوز أن تكون القراءتان المتقدمتان بمعنى. وقيل: الوطء هنا عبارة عن الأخذ والعقوبة. ومنه قوله تعالى: {لم تعلموهم أن تطؤوهم} [الفتح: 25] أن تنالوهم بمكروهٍ. وقد وطئنا العدو وطاءً شديدًا. ومنه قول جريرٍ: [من الوافر] 1820 - خصيت مجاشعًا وشددت وطئي على أعناق تغلب واعتمادي وفي حديثٍ آخر: "آخر وطأة لله بوج" وج: الطائف، وكانت آخر غزوةٍ غزاها صلى الله عليه وسلم، وهذا من الإخبار بالغيب. وفي الحديث: "أقربكم مني مجلسًا يوم القيامة أحاسكنم أخلاقًا، الموطؤون أكنافًا" قال المبرد: هذا مثل، وحقيقته أن التوطئة التمهيد والتذليل. ومنه دابة وطيء وفراش وطيء، أي لا تحرك راكبها ولا ينبو جانبًا لراقدٍ

عليه. والأكناف: جمع كنفٍ وهو الجانب؛ يقال: هو في كنفه وظله وزاده وحيزه وجانبه. والمعنى: اللينون جانبًا. وفي حديثٍ آخر: "إنه قال للخراصين: احتاطوا لأهل الأموال في النائبة والوائطة". قال أبو عبيدٍ الهروي: الواطئة: المارة والسابلة، كأنه وصى عليهم لما ينوبهم من الضيفان. وقال أبو سعيدٍ الضرير: هي الوطايا واحداتها وطيئة. وهي تجري مجرى العربية. سميت بذلك لأن صاحبها وطأها لأهله. فهي لا تدخل في الخرص. وقال غيره: الوطيئة: سقاطة التمر لأنها توضع فتوطأ؛ فهي فاعلة بمعنى مفعولةٍ. كقوله: {لا عاصم} [هود: 43]. كما جاء مفعول بمعنى فاعلٍ كقوله: {حجابًا مستورًا} [الإسراء: 45] {كان وعده مأتيًا} [مريم: 61]. ولنا فيه كلام في غير هذا. وفي الحديث: "إن جبريل عليه السلام صلى الله عليه وسلم صلى به العشاء حين غاب الشفق واتطأ العشاء" اتطأ افتعل من الوطء. والمعنى: حين يتهيأ العشاء. يقال: وطئت الشيء فاتطأ، أي هيأته فتهيأ. وأراد كل ظلام العشاء. وفي حديث آخر: "لنا ثلاث أكلٍ من طيئةٍ" الوطيئة: الغرارة يوضع فيها الكعك ونحوه. والوطء: كثر استعماله في الجماع حتى صار كالصريح. وط ر: قوله تعالى: {فلما قضى زيد منها وطرًا} [الأحزاب: 37]. الوطر: الحاجة. وقيل: كل حاجة من همتك وقصدك فهي وطر، فكأنه أخص من الحاجة. ومن أحسن ما قيل من فن التجنيس ما أنشدناه قاضي القضاة بدر الدين بن جماعة لوالده: [من البسيط] 1821 - لقاء أكثر هذا الناس أوزار ... فلا تبال صدوا عنك أو زاروا لهم لديك إذا جاؤوك أو طار ... فإن قضوها تنحوا عنك أو طاروا

فصل الواو والعين

وط ن: قوله تعالى: {لقد نصركم الله في مواطن كثيرةٍ} [التوبة: 25] هي جمع وطنٍ: وهي محل الإنسان دون سكنه. يقال: وطنت الأرض أطنها وطنًا، وأوطنتها أطنها إيطانًا: إذا اتخذتها وطنًا. قال رؤبة بن العجاج: [من الرجز] 1822 - أوطنت وطنًا لم يكن من وطني ... لو لم يكن عاملها لم أسكن بها، ولم أرجن بها في الرجن وفي الحديث: "نهى عن إيطان المساجد" أي اتخاذها وطنًا. فصل الواو والعين وع د: قوله تعالى: {وعدكم الله مغانم} [الفتح: 20] الوعد غلب في الخير، والإيعاد في الشر. وقيل: إنه ذكره متعلق وقع فيهما. فيقال: وعدته بخيرٍ وبشر. وإن لم يذكر اختص وعد بالخير وأوعد بالشر؛ هذا قول الهروي. وقال الراغب: الوعد يكون في الخير والشر. يقال: وعدته بنفعٍ وضر وعدًا وموعدًا وميعادا. والوعيد في الشر خاصة. يقال منه: أوعدته. قال: ومن الوعد بالشر قوله تعالى: {ويستعجلونك بالعذاب. ولن يخلف الله وعده} [الحج: 47]. وإنما كانوا يستعجلونه بالعذاب وذلك وعيد. ومما يتضمن الأمرين معًا قوله تعالى: {ألا إن وعد الله حق ولكن أكثرهم لا يعلمون} [يونس: 55]. فهذا وعد بالقيامة وجزاء للعباد إن خيرًا فخيرًا وإن شرًا فشرًا. قوله تعالى: {فاجعل بيننا وبينك عدًا} [طه: 58] أي وعدًا. فالموعد والميعاد يكونان اسمين ومصدرين. فقوله تعالى: {لكن ميعاد يومٍ} [سبأ: 30] اسم لا مصدر. وقوله تعالى: {وإذ واعدنا موسى} [البقرة: 51] وقرئ "وعدنا" فقيل: فاعل بمعنى

فعل. وقيل: سوغ المفاعلة تنزيل القبول من موسى منزلة الوعد. والموعد: العهد. ومنه: {ما أخلفنا موعدك بملكنا} [طه: 87] {فأخلفتم موعدي} [طه: 86] أي عهدك وعهدي. وقوله: {الشيطان يعدكم الفقر} [البقرة: 236] أي يخوفكم. وقوله: {والله يعدكم مغفرةً} [البقرة: 268] أي يرجيكم. وهذا بحسب القرينة. أي سمي تخويفه وعدًا على المقابلة نحو: {ومكروا ومكر الله} [آل عمران: 54]. قوله: {واليوم الموعود} [البروج: 2] إشارة إلى يوم القيامة كقوله: {إلى ميقات يومٍ معلومٍ} [الواقعة: 50]. وقيل: هو يوم بدر، لأنهم وعدوا به؛ وعد المؤمنون بأنهم ينصرون فيه والمشركون بأنهم يخذلون. قوله تعالى: {ولا تقعدوا بكل صراطٍ توعدون} [الأعراف: 86] لأنهم كانوا يتوعدون السابلة إن آمنوا بشعيبٍ، كما مفعل مشركو قريشٍ حين تقسموا شعاب مكة، كما أشار بقوله تعالى: {كما أنزلنا على المقتسمين} [الحجر: 90]. وقد أوضحناه في تفسير سورة الحجر. وقد تمدحت العرب بإنجاز الوعد وأخلاف الوعيد تكرمًا. ومنه قول شاعرهم: [من الطويل] 1823 - وإني وإن أوعدته أو وعدته ... لمخلف إيعادي ومنجز موعدي قوله: {وفي السماء رزقكم وما توعدون} [الذاريات: 22] ظاهره ما توعدون من الخير. وقيل: أعم من ذلك، وهو الجنة. وع ظ: قوله تعالى: {قل إنما أعظكم} [سبأ: 46] الوعظ: التخويف. وقيل: زجر مقترن بتخويفٍ. والعظة والموعظة كالوعظ. وقال الخليل: الوعظ: التذكير بالخير فيما يرق له القلب. وفي الحديث: "يأتي على الناس زمان يستحل فيه الربا بالبيع والقتل

فصل الواو والفاء

بالموعظة" قيل: هو أن يقتل البريء ليتعظ المريب. وع ي: قوله تعالى: {وتعيها أذن واعية} [الحاقة: 12] أي تحفظها ولا تهمل منها شيئًا أذن مصغية لما يقال. والوعي: حفظ الحديث ونحوه في الذهن. ويقال: وعيت الحديث وأوعيت المتاع. قال تعالى: {وجمع فأوعى} [المعارج: 18] أي جمع الأمتعة والأموال في أوعيتها، أي أنه لم يكن مفرطًا في دنياه بل شديد الحرص عليها. وقال الهروي: يقال: وعيت العلم وأوعيت المتاع. وهذا عندي مردود بقوله تعالى: {والله أعلم بما يوعون} [الإنشقاق: 23] أي بما يجمعون في صدورهم من التكذيب. كذا فسره الفراء. وقول الشاعر: [من البسيط] 1824 - والشر أخبث ما أوعيت من زاد من التشبيه؛ جعل الشر زادًا، والزاد يوعى. ويقال: وعى الجرح يعي وعيًا، أي جمع المدة. ووعى العظم: اشتد وجمع القوة. والواعية: الصارخة. وسمعت وعيهم، أي صراخهم. ولا وعي لي عن كذا، أي لا تماسك لنفسي عنه، ولا بد منه. فصل الواو والفاء وف د: قوله تعالى: {يوم نحشر المتقين إلى الرحمن وفدًا} [مريم: 85]. الوفد: القادمون على الملوك والأكابر يستخرجون منهم الحوائج. وأصل ذلك وافد الإبل وهو السابق لغيره. يقال: هم وفد ووفود. ومنه قول الشاعر: [من الطويل] 1825 - فإن تمس مهجور الفناء فربما ... أقام به بعد الوفود وفود

والوفادة: القدوم. والوفود هم الذين قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم آخر سنيه. وف ر: قوله تعالى: {جزاءً موفورًا} [الإسراء: 63] أي غير منقوصٍ. يقال: وفرته أفره وفرًا فهو موفور، أي لا تنقصون من جزائكم شيئًا. ومن كلامهم إذا قدم لأحدهم قرى: توفر وتحمد، أي يتوفر عليك مالك لا تنقص منه شيئًا، مع بقاء الحمد والثناء عليك. ومنه: توفير الثمن، أي عطاؤه كاملاً من غير نقصٍ. ووفرت عرضي بمالي. ومنه قول زهيرٍ: [من الطويل] 1826 - ومن يجعل المعروف من دون عرضه يفره، ومن لا يتق الشتم يشتم والوافر: المال التام. يقال: وفرت كذا أفره فرةً ووفرًا، ووفرته على التكثير، والوفرة من الشعر: ما بلغ المنكب، واللمة: ما بلغ الأذنين، والجمة: ما زاد على الوفرة. ومزادة وفر، وسقاء وفر: لم ينقص من أديمها شيء. ورأيت فلانًا ذا وفارةٍ، أي مروءةٍ تامةٍ وعقلٍ رصين. وف ض: قوله تعالى: {إلى نصبٍ يوفضون} [المعارج: 43] أي يسرعون عدوهم. يقال: وفض يفض وأوفض يوفض إيفاضًا، أي عدا عدوًا سريعًا. والمعنى: كأنهم نصب لهم شيء عجيب، فهم يستبقون إليه ويستدون نحوه. قيل: وأصل ذلك أن يعدو من عليه الوفضة، وهي الكنانة فتتخشخش فيسرع في عدوه لئلا يسمع حسها فيؤخذ. وفي الحديث: "أمر بصدقةٍ توضع في الأوفاض" قيل: هم الفرق من الناس والأخلاط. قال الفراء: هم الذين مع كل منهم وفضة، وهي تشبه الكنانة الصغيرة. قلت: وعلى هذا فهو على حذفٍ مضافٍ، أي ذوي الأوفاض، وهم الفقراء لأنهم

يستصحبون ما يشبه الكنانة ليعطوا فيها من الصدقات. واستوفضه، أي غربه وطرده. ومنه: استوفضت الإبل، أي تفرقت في مرعاها. ومنه قول ذي الرمة: [من البسيط] 1827 - مستوفض من بنات القفر مشهوم وقيل: الأوفاض: الفرق من الناس المستعجلة. وف ق: قوله تعالى: {جزاء وفاقًا} [النبأ: 26] الوفاق: المطابقة وعدم المنافرة. ومنه: وافقت الرجل: إذا لم تخالفه. والاتفاق افتعال منه، وهو موافقة فعل الإنسان القدر. ويستعمل ذلك في المحبوب والمكروه. يقال: اتفق فلانٍ خير وشر. والتوفيق تفعيل منه، إلا أنه اختص في العرف بالخير. ومنه قوله تعالى: {وما توفيقي إلا بالله} [هود: 88] وأتانا لتيفاق الهلال وميقاته، أي حين اتفق إهلاله. وقد وفق هذا لكذا، أي أرشد إليه. وف ي: قوله تعالى: {وأوفوا بعهدي أوف بعهدكم} [البقرة: 40]. يقال: وفَىَ ووفَّى وأوفى. وقد جاءت الثلاث لغاتٍ في الكتابٍ العزيز؛ فمن الأول قوله تعالى: {ومن أوفى بعهده من الله} [التوبة: 111] وجه الدلالة أن أفعل إنما يطرد من الثلاثي. ولنا فيه كلام. ومن الثاني: {وإبراهيم الذي وفى} [النجم: 37]. ومن الثالث ما تلوناه أولا. والتوفية: التميم. ومنه قوله تعالى: {ألا ترون أني أوف الكيل} [يوسف: 59] {وأوفوا الكيل إذا كلتم} [الإسراء: 35]. وقوله تعالى: {وإبراهيم الذي وفى} توفيته أنه بذل المجهود في طاعة المعبود في جميع ما طولب به، كما أشار إليه تعالى بقوله: {إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم} [التوبة: 111] الآية.

فبذل ماله في الإنفاق في قرى الضيفان، وبذل ما هو أعز من نفسه وهو ولده حيث امتثل أمر ربه عز وجل على هيئةٍ لا يطيقها البشر البتة من ذبحه له بيده. وأي شيءٍ أعظم من هذه التوفية؟ ومنه في المعنى: {وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلماتٍ فأتمهن} [البقرة: 124] وقد قيل في هذه الآية معنىً آخر؛ وهو أن إبراهيم التزم ألا يسأل غير ربه. فلما رفع في المنجنيق ليرمى في النار اعترضه جبريل عليه السلام وقال له: ألك حاجة؟ فقال: أما إليك فلا. فهذا توفيته. وأنشدني بعضهم في هذا المعنى بحرم الخليل عليه السلام، والشعر للوأواء الدمشقي من قصيدته المشهورة: [من البسيط] 1828 - قالت لطيف خيالٍ زارني ومضى: ... بالله صفه ولا تنقص ولا تزد فقال: خلفته لو مامت من ظمأ ... وزدته عن ورود الماء لم يرد قالت: صدقت وفاء الحب عادته ... يا برد ذاك الذي قالت على كبدي وقال هذا المنشد: إن ابن الجوزي، حين ذكر قصة الخليل أنشد الأبيات وهو حسن جدًا. وتوفية الشيء: بذله وافيًا. واستيفاؤه: تناوله وافيًا. ومنه قوله تعالى: {ووفيت كل نفسٍ ما عملت} [الزمر: 70] {الذين إذا اكتالوا على الناس يستوفون} [المطففين: 2]. وسمي الموت والنوم توفيًا لأنهما استيفاء مدةٍ. قال تعالى: {الله يتوفى الأنفس حين موتها والتي لم تمت في منامها} [الزمر: 42]. وقوله: {والذين يتوفون منكم} [البقرة: 234] أي يموتون، وقرئ بفتح الياء، وتأويلها: يتوفون آجالهم. وهذه القراءة تبطل حكايةً عن الشعبي أنه قال له رجل وهو في جنازةٍ: من المتوفي؟ فقال الشعبي: الله تعالى، قاله الزمخشري وفيه نظر لجواز أن هذه القراءة لم تبلغ الشعبي لا سيما وهي شاذة. قوله تعالى: {إني متوفيك} [آل عمران: 55] قيل: توفي رفعة لا موت. وعن ابن عباس: إنه توخي موتٍ فإنه أماته ثم أحياه. وقال: فيه تقديم وتأخير تقديره. رافعك إلي ومتوفيك. قال: وقد تكون الوفاة قبضًا وليست بموتٍ. يقال: توفيت حقي من فلانٍ

فصل الواو والقاف

واستوفيته بمعنىً. وقال آخرون: "متوفيك" أي مستوفٍ كونك في الأرض. وقال القتيبي: قابضك من الأرض من غير موتٍ؛ وهذا قول الفراء المتقدم. قوله: {وهو الذي يتوفاكم بالليل} [الأنعام: 60] فهذه التوفية إماتة. ومنه قول ذي الرمة: [من الوافر] 1829 - رجيع تنائفٍ ورفيق صرعى ... توفوا قبل آجال الحمام فصل الواو والقاف وق ب: قوله تعالى: {ومن شر غاسقٍ إذا وقب} [الغسق: 3] الوقوب: الدخول. والغاسق: القمر. وقيل: هو الليل. فوقب هنا بمعنى أظلم. وفي الحديث: "إنه لما رأى الشمس قد وقبت قال: هذا حين حلها" أي غابت ودخلت. وحين حلها، أي وقت وجوب صلاة المغرب. والوقب كالنقرة في الشيء. ومعنى وقب في الأصل: دخل في الوقت. ثم عبر به عن الدخول في الشيء مطلقًا. والإيقاب: تغييبه. والوقيب: صوت قنب الدابة. وق ت: قوله تعالى: {كتابًا موقوتًا} [النساء: 103] أي فرضًا موقتًا لا بد منه. والموقت من الأشياء: ما جعل له وقت يفعل فيه. قال بعضهم: الوقت: نهاية الزمان المفروض للعمل. ولهذا لا يكاد يقال إلا مقيدًا نحو قولهم: وقت كذا: جعل له وقتًا. قال تعالى: {إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابًا موقوتًا}، {وإذا الرسل أقتت} [المرسلات: 11]. وقيل: معنى "أقتت" جعل لها وقت واحد لفصل القضاء بين الأمة. وقال ابن عرفة: جمعت للميقات، وهو يوم القيامة. وقوله تعالى: {إن يوم الفصل كان ميقاتًا} [النبأ: 17] أي مصير الوقت. ومنه قوله تعالى: {ولما جاء موسى لميقاتنا} [الأعراف: 143] أي الوقت الذي حددناه له. فالميقات: الوقت المضروب للشيء،

والوعد: الذي جعل له وعد. وقد يطلق الميقات ويراد به المكان. ومنه مواقيت الحج المكانية كقوله: "وقت لأهل المدينة ذا الحليفة" الحديث لأنه بمعنى حدد وقوله: {قل هي مواقيت للناس والحج} [البقرة: 189] أي حدود الأزمنة يعرفون بها آجال ديونهم وعدة نسائهم ووقت نسكهم بأداء الحج، وغير ذلك. والتقدير: مواقيت لحاجات الناس. وق د: قوله تعالى: {النار ذات الوقود} [البروج: 5] بالفتح: اسم للحطب ونحوه وبالضم المصدر، نحو الوَضوء والوُضوء. وقد قرئ {وقودها} [البقرة: 24] بضمه الواو فقيل: هو على حذف مضافٍ، أي ذوو وقودها. وقيل: هما بمعنى، فقد جاء المصدر على فعول بالفتح في أفعالٍ محصورةٍ أتينا عليها مشروحةً في غير هذا الموضع. وقوله تعالى: {كلما أوقدوا نارًا للحرب أطفأها الله} [المائدة: 64] يجوز أن تكون حقيقةً؛ فإن العادة جرت بإيقاد النار للحروب، وأن تكون استعارةً على المشهور. يعني أنهم يتعاطون التحرز على المؤمنين والتعاضد عليهم. وجعل تعالى خذلانهم لهم عبارةً عن إطفائها، وحسن ذلك المقابلة. وأوقد واستوقد بمعنى {مثلهم كمثل الذي استوقد نارًا} [البقرة: 17]. ويجوز أن يكون استفعل على بابه من طلب الإيقاد مجازًا، وهو أبلغ. ويقال: وقدت النار واتقدت واستوقدت بمعنىً واحدٍ. وقد يستعار الإيقاد للتألق فيقال: اتقد الجوهر والذهب ونحوهما. وق ذ: قوله تعالى: {والموقودة} [المائدة: 3] أي المضروبة بعصًا أو حجرٍ ونحوهما حتى تموت. يقال: وقذتها أقذها وقذًا فهي وقيذ. وموقوذة: إذا أثخنتها ضربًا. ووقذت الرجل:

ضربته حتى مات. ووصفت عائشة رضي الله عنا أباها فقالت: "كان وقيذ الجوانح" أي حزين القلب، والجوانح تجن. كذا روي هذا بالذال المعجمة. ولو روي بها مهملةً لكان أحسن؛ من وقيد النار. تصفه بأنه كان لشدة حزنه كالمحرق الجوف. ويؤيد ما قلته أنه يقال: كان يشم من فيه رائحة كبدٍ مشويةٍ. ووجه الرواية الأولى أن الحزن قد كشره وأضعفه بمنزلة من ضرب فضعف. وفي حديثها أيضًا تصفه: "فوقذ النفاق" أي كسره ودمغه. وق ر: قوله تعالى: {وفي آذاننا وقرٍ} [فصلت: 5] الوقر بالفتح: الثقل، والوقر بالكسر: الحمل. ومنه: {فالحاملات وقرا} [الذاريات: 2]. وقيل: الوقر للحمار والبغل كالوسق للبعير؛ فهو فعيل بمعنى مفعولٍ. يقال: وقرت أذنه تقر، وتوقر وقرًا: إذا صمت. ووقرت فهي موقورة. ونخلة موقرة وموقِرة؛ بالفتح والكسر. قوله تعالى: {ما لكم لا ترجون لله وقارًا} [نوح: 13] أي عظمة. والرجاء هنا الخوف. وأصل الوقار السكون والحلم؛ يقال: هو وقور ووقار ومتوقر. وفلان ذو وقرة. قوله تعالى: {وقرن في بيوتكن} [الأحزاب: 33] جعله بعضهم من الوقار. وقيل: هو من: وقرت أقر، أي جلست. وفي الحديث: "ووقير كثير الرسل". قال يعقوب: الوقير: أصحاب الغنم. والقرة والقار: الغنم. وقال أبو عبيدٍ: القار الإبل، والقرة والقار: الغنم. واستشهد بعضهم لذلك بقول مهلهلٍ: [من الوافر] 1830 - كأن التابع المسكين فيها ... أجير في حدايات الوقير

قال بعضهم: سمي القطيع من الضأن وقيرًا كأن فيه وقارًا لكثرته وبطء سيره. وق ع: قوله تعالى: {وإذا وقع القول عليهم} [النمل: 82] أي وجب وثبت. والوقوع في الأصل: ثبوت الشيء واستقراره. ومنه قول أبي زيدٍ: [من البسيط] 1841 - واستحدث القوم أمرًا غير ما فهموا فطار أنصارهم شتى وما وقعوا أي ما ثبتوا. أو يعبر به عن السقوط؛ يقال: وقع الطائر، أي سقط. وأكثر ما جاء في القرآن من لفظ "وقع" جاء في العذاب والشدائد، نحو قوله تعالى: {إذا وقعت الواقعة} [الواقعة: 1]. والواقعة لا تقال إلا في الشدائد والمكروه، نحو: أصابتهم واقعة. وعليه {إذا وقعت الواقعة} لأنها عبارة عن يوم القيامة، ولا شدة أعظم من شدته. نسأل الله الأمن فيه من عذابه. قوله: {ووقع القول عليهم} [النمل: 85] ووقوع القول عبارة عن وقوع متضمنه، أي وجب العذاب الذي وعدوا به. قوله: {فقد وقع أجره على الله} [النساء: 100] عبر بالوقوع عن إثابة الله تأكيدًا لذلك، لا أنه يجب عليه؛ إذ لا يجب عليه تعالى شيء، إنما هو تفضل وامتنان. وهكذا قوله تعالى: {وكان حقًا علينا نصر المؤمنين} [الروم: 47]. قوله تعالى: {فلا أقسم بمواقع النجوم} [الواقعة: 75]. قيل: هي نجوم القرآن بدليل: {إنه لقرآن كريم} [الواقعة: 77]. وقيل: هي الأنواء، ومواقع الغيم: مساقطه. والمواقعة: يكنى بها عن الجماع، وكذا الإيقاع. ووقعت الحديدة أقعها وقعًا: إذا حددتها بالميقعة. والوقيعة: الغيبة مجازًا. والوقيعة أيضًا: المكان المستنقع فيه الماء،

والجمع الوقائع. والتوقيع: أثر الدبر في ظهر البعير. ومنه قول عمر رضي الله تعالى عنه: "من يدلني على نسيج وحده؟ فقالوا: ما نعلمه غيرك. فقال: ما هي إلا إبل موقع ظهورها" يهضم نفسه ويقول: أنا مثل تلك الإبل عيبًا. وكان رضي الله تعالى عنه مبرأ من العيوب. وعنه استعير التوقيع في الكتابة لظهور أثرها. وق ف: قوله تعالى: {وقفوهم إنهم مسؤولون} [الصافات: 24] أي احبسهوهم عن المشي. ومنه: وقفت الدابة أقفها وقوفًا ووقفًا. وقال بعضهم: وقفت القوم أقفهم وقفًا، ووقفوا وقوفًا. والوقوف يكون جمعًا. وقد قيل في قول امرئ القيس [من الطويل] 1832 - وقوفًا بها صحبي على مطيهم ... يقولون: لا تهلك أسى وتجمل يجوز الأمران كما أوضحنا في غير هذا. ومنه استعير: وقف الأعيان تصدقًا، لأنه حبسها عن التصريف الذي كان له. وأوقف لغية ضعيفة. وفي الحديث: "المؤمن وقاف متأنٍ" كالتأكيد؛ فإنه هو الوقاف في الأمور غير العجل. وهذا ينظر إلى قول الآخر: [من البسيط]. 1833 - قد يدرك المتأني بعض حاجته ... وقد يكون مع المستعجل الزلل والوقاف: الجبان عن الحرب. ومنه قول دريد بن الصمة: [من الطويل] 1834 - فإن يك عبد الله خلى مكانه ... فما كان وقافًا ولا راعش اليد وفي الحديث: "ولا واقفًا في وقيفاه" الواقف: خادم البيعة. والوقيفي: الخدمة. والوقف: سوار العاج. وحمار موقف بأرساغه مثل الوقف من البياض كقولهم: فرس

محجل: إذا كان به مثل الحجل: وموقف الإنسان حيث يقف. والموافقة: أن يقف كل واحدٍ منهم على ما يقف عليه صاحبه. والوقيفة الوحشية: التي يجلبها الصائد إلى أن تقف إلى أن تصاد. وق ي: قوله تعالى: {هو أهل التقوى وأهل المغفرة} [المدثر: 56]. التقوى: مصدر على فعلى فأبدلت فاؤها تاءً ولامها واوًا، لأنها من وقى يقي. فأصلها وقيًا. يقال: وقاه يقيه وقايةً. والوقاية: فرط الصيانة. قال ابن عباسٍ في قوله تعالى: {هو أهل التقوى وأهل المغفرة}: يقول الله تعالى: أنا أهل أن أتقى فإن عصيت فأنا أهل أن أغفر. وقيل: الوقاية: حفظ الشيء مما يؤذيه ويضره، كقوله تعالى: {فوقاهم الله شر ذلك اليوم} [الإنسان: 11]. والتوقي: جعل النفس في وقايةٍ مما يخاف، هذا تحقيقه. ثم يسمى الخوف تارةً تقوى، والتقوى حسب المقتضى لمقتضيه والمقتضي لمقتضاه. قال الراغب: وصارت التقوى في تعارف الشرع حفظ النفس مما يؤثم، وذلك بترك المحظور، ويتم ذلك بترك بعض المباحات لما روي: "الحلال بين والحرام بين، ومن رتع حول الحمى فحقيق أن يقع يقع فيه". قوله: {أفمن يتقي بوجهه سوء العذاب} تنبيه أنه لا شدة أشد مما ينالهم، وذلك أن سائر الأعضاء يتقى بها عن الوجه، وهؤلاء لشدة ما ينالهم يتقون بما هو أشرف الأعضاء. يقال: اتقى فلان بكذا: إذا جعله وقايةً لنفسه. وقوله تعالى: {لعلكم تتقون} [البقرة: 21] أي لعلكم أن تجعلوا ما أمركم الله به وقايةً بينكم وبين النار. ومنه قول العرب: اتقاه بحقه، أي جعله وقايةً من المطالبة والمخاصمة. قوله تعالى: {إلا أن تتقوا منهم تقاةً} [آل عمران: 28]. تقاة مصدر بمعننى الاتقاء. والمعنى: إلا أن تتقوا منهم تقية، أي مخافة. يقال: اتقاه يتقيه اتقاءً وتقاةً وتقيةً. وقد قرئ "تقية" موضع "تقاةً".

فصل الواو والكاف

والتقاة والتقية اسمان بمعنى الاتقاء. وقال ابن عرفة: أي يكون لهم عهد أو ذمام أو رحم فيخالفون على ذلك ويحاملون عليه. وقيل: تقاة جمع كغزاةٍ ورماة. ولهذين القولين موضع هو أليق من هذا. وأما قوله: {اتقوا لله حق تقاته} [آل عمران: 102] فهو مصدر ليس إلا، ومعناه: اتقوه على نحو ما أمركم ونهاكم. وليس فيه تكليف بما لا يطاق، لنه قل من يتقي الله حق تقاته؛ فإن ذلك لا يوجد إلا في الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم ومن لطف الله به ووفقه. اللهم بجاه كتابك وكتبك ونبيك وأنبيائك اجعلنا من الحزب الذين يتقونك حق تقاتك. وجمع التقوى تقاوى نحو فتوى وفتاوى. وجمع التقاة تقى نحو طمةٍ وطلى. والمتقى اسم فاعلٍ من اتقى تقي، أي أفرط في الصيانة. والأصل موتقي- فأبدلت الواو تاءً، وفي الحديث: "كنا إذا احمر البأس اتقينا برسول الله صلى الله عليه وسلم" أي جعلناه وقايةً لنا من العذاب. ومنه قول عنترة: [من الكامل] 1835 - إذ يتقون بي الأسنة لم أخم ... عنها، ولكني تضايق مع قدمي أي يتقون بي حر القتال. فصل الواو والكاف وك أ: قوله تعالى: {قال هي عصاي أتوكأ عليها} [طه: 18] أي أتكأ عليها وأعتمد. وحقيقته من الوكاء، وهو رةاط الشيء. ومنه وكاء السقاء. وفي الحديث: "العينان وكاء السه" أي بمنزلة الوكاء. فمعنى توكأ على العصا: تسدد بها وتقوى. وفي المثل: "يداك أوكتا وفوك نفخ" قيل في رجلٍ نفخ في زق وربطه، فسبح عليه في الماء فانحل رباطه، فقيل له "يداك أوكتا وفوك نفخ". يضرب لكل من لم يحتط في أمره. وفي معناه قول الآخر [من الوافر]

1836 - لنفسك لم ولا تلم المطايا ... ومت كمدًا فليس لك اعتذار وك د: قوله تعالى: {ولا تنقضوا الأيمان بعد توكيدها} [النحل: 91] أي تقويتها وإحكامها. يقال: وكدت القول وأكدته -بالواو والهمز- نحو: ورخ وأرخ -بمعنى أحكمته وقويته. ومنه التوكيد الاصطلاحي؛ فإنه تقوية المعنى في النفس. وقد فرق الخليل بين الواو والهمز فقال: «أكدت» في الأيمان أجود، و «كدت» في لبقول أجود. تقول إذا عقدت: أكدت وإذا حلفت: وكدت؛ نقله الراغ وفيه نظر؛ فإن القراء كلهم على الواو في الآية الكريمة، ولا يقال توكيدًا. انتهى. يعني أنه اختص بهذا اللفظ بالهمز دون الواو، وفيه نظر؛ إذ ليس في النطق باللغة الأخرى حجر، وفي الحديث، وقد ذكر طالب العلم: «قد أوكدتاه يداه، وأعمدتاه رجلاه». أوكدتاه، أعلمتاه. يقال: وكد فلان أمرًا: قصده: وما زال هذا وكدي، أي دأبي وقصدي. وأما الوكد -بالفتح- فمصدر. ووكد فلان وكد فلانٍ: قصد قصده وتخلق بخلقه. وك ز: قوله تعالى: {فوكزه موسى} [القصص: 15] أي ضربه بعصًا. والمشهور ضربه بجمع كفه. يقال: لكزه، أي ضربه ببعضه، ووكزه بكله. وقيل الوكز: الدفع بجمع الكف. وك ل: قوله تعالى: {وكفى بالله وكيلًا} [الأحزاب: 3] الباء مزيدة في فاعل كفى، ووكيلًا تمييز، أي كفى بالله متوليًا أمور خلقه؛ فإن الوكيل عبارة عمن يعتمد عليه في الأمور المهمة. وقيل: معناه اكتف به أن يتولى أمرك ويتوكل عليك. قوله: {وما أنت عليهم بوكيلٍ} [الزمر: 41] أي بموكلٍ عليهم وحافظٍ لهم، بل عليك البلاغ. وهذا

تسلية له لأنه عليه الصلاة والسلام كان حريصًا على سعادتهم دنيا وأخرى. فأبوا إلا الشقاء. ونظيره: {لست عليهم بمصيطرٍ} [الغاشية: 22]. قوله: {أم من يكون عليهم وكيلًا} [النساء: 109] قال الراغب: أي من يتوكل عنهم؟ وفي اللفظ نبو عن هذا. قال: والتوكيل يقال على وجهين؛ يقال: توكلت لفلانٍ بمعنى توليت له. ويقال: وكلته فتوكل لي. وتوكلت عليه: اعتمدته. قال تعالى: {وعلى الله فليتوكل المؤمنون} [التوبة: 51]. قوله: {ألا تتخذوا من دوني وكيلًا} [الإسراء: 2] قال الفراء: أي كفيلًا. وهذا لم يرتضه الراغب؛ فإنه قال: وربما فسر الوكيل بالكفيل، والوكيل أعم لأن كل وكيلٍ كفيل وليس كل كفيلٍ وكيلًا. وواكل فلان: ضيع أموره باعتماده على غيره. وتواكلوا: إذا اتكل بعضهم على بعضٍ. ورجل وكلة: إذا كان معتمدًا على غيره في أموره. وفي الحديث: «فتواكلا الكلام» أي اتكل كل منهما على صاحبه في ذلك. واتكل أصله اوتكل فقلبت الواو ياء وأدغمت في تاء الافتعال. فوزنه افتعل. والوكل: الجبان؛ قال الشاعر: [من البسيط] 1837 - كائنٍ دعيت إلى بأساء داهيةٍ ... فما انبعثت بمزؤود ولا وكل لأن الجبان يتكل على شجاعة غيره. يقال: وكل ووكل -بفتح العين وكسرها- قال شمر: أي بليد. وفي مقتل الحسين رضي الله تعالى عنه وعن آبائه الكرام قال قاتله لعنه كثيرًا، وهو سنان بن أنسٍ، للحجاج: «ووليت رأسه أمرًا غير وكلٍ». قال الهروي: الوكال: البلادة. وقد واكلت الإبل: إذا أساءت السير. وقال الراغب: الوكال في الدابة: ألا تمشي إلا بمشي غيرها. قوله تعالى: {وعلى الله فتوكلوا} [المائدة: 23] أي كلوا أموركم إليه. يقال: توكل فلان بالأمر: إذا ضمن القيام به. ووكل فلان فلانًا، أي وكل أمره إليه يستكفيه إياه،

فصل الواو واللام

فربما يكون ذلك لضعفٍ في الموكل. وربما يكون ثقة بالكفاية. وقال اةن عرفة في قوله: {ألا تتخذوا من دوني وكيلًا} أي لا تجعلوا شريكًا لي تكلون أموركم إليه. وقال غيره: أي كافيًا. وقال الفراء: كفيلًا. وقد تقدم فيه بحث. فصل الواو واللام ول ت: قوله تعالى: {لا يلتكم من أعمالكم} [الحجرات: 14] قرأ غير أبي عمرو «يأليتكم» فقيل: من ولته يلته، أي نقصه حقه وبخسه إياه. وعلى هذا فهي من مادة الولت. وقيل: هو من لاته يليته، نحو باعه يبيعه بمعنى نقصه أيضًا. فعلى الأول المحذوف من الكلمة فاؤها، ووزنها يعلكم. وعلى الثاني المحذوف منها عينها ووزنها يفلكم. وفيه لغة ثالثة: ألاته يليته كأباعه يبيعه. ولغة رابعة: أألته يؤلته؛ بالكسر في الماضي والفتح في المضارع. ول ج: قوله تعالى: {يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل} [الحج: 61]. قال أبو عبيدٍ: أي ليل الصيف في نهاره ونهار الشتاء في ليله. والإيلاج: الإدخال. قال الراغب الدخول في مضيقٍ، كقوله: {حتى يلج الجمل في سم الخياط} [الأعراف: 40]. وغيره: تفسير بمطلق الدخول. قال: قوله: {يولج الليل في النهار} تنبيه على ما ركب الله تعالى عليه العالم من زيادة الليل في النهار. وزيادة النهار في الليل، وذلك بحسب مطالع الليل ومغاربه. قوله: {يعلم ما يلج في الأرض} [سبأ: 2] أي يدخل فيه من المطر وحشراتها وأناسيها. قوله: {ولم يتخذوا من دون الله ولا رسوله ولا المؤمنين} [التوبة: 16] أي بطانةً وخاصةً. والوليجة: الدخيلة؛ يقال: فلان وليجة فلان، أي بطانته، أي يداخله في أموره. وقال الراغب: والوليجة: كل ما يتخذه الإنسان معتمدًا عليه، وليس من قولهم: فلان وليجة في القوم: إذا دخل فيهم، وليس منهم إنسانًا كان أو غيره. قال تعالى: {ولم يتخذوا من دون الله} الآية وذلك مثل قوله تعالى: {يأيها الذين

آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء} [المائدة: 51]. ورجل ولجة خرجة: كثير الدخول والخروج. وفي حديث عبد الله: «إياك والمناخ على ظهر الطريق فإنه منزل للوالجة». الوالجة: السباع والحيات. سميت بذلك لولوجها فيها واستتارها بها. والولج: ما ولجت فيه من كهفٍ وشعبٍ ونحوهما. ول د: قوله تعالى: {ووالدٍ وما ولد} [البلد: 3] قيل: الوالد آدم عليه السلام، وما ولد ولده. وجمهور النحويين يأبون وقوع «ما» على العاقل إلا في مواضع. وقال الراغب: قيل: آدم وما ولد من الأنبياء. انتهى. كأنه خص ذلك لأجل الإقسام بهم. وقال الهروي وما ولد من نبيٍ وصديقٍ وشهيدٍ ومؤمن. قلت: هذا أوسع مما تقدم، إلا أنه خصصه أيضًا حتى لا يقع الإقسام بالكفار، إذ الإقسام بالشيء تعظيم له. قوله تعالى: {أنى يكون له ولد} [الأنعام: 101]. الولد: فعل بمعنى المفعول، نحو القبض والنقض. والولد يقع على الذكر والأنثى، واحدًا كان أو أكثر كقوله تعالى: {أنى يكون له ولد} هذا استفهام بمعنى نفي الولد عن ذاته المقدسة بأي صفةٍ كان من ذكورته ووحدته وغيرهما. قوله تعالى: {لم يزده ماله وولده إلا خسارًا} [نوح: 21] قرئ بفتح الواو واللام، وبضم الواو وسكون اللام. فقيل: لغتان بمعنى كالعدم والعدم، والرشد والرشد، والعرب والعرب. وقيل: الولد - بالضم - جمع ولد - بالفتح - كأسدٍ جمع أسدٍ. والولد يقال للمتبنى به كقوله تعالى: {أو نتخذه ولدًا} [القصص: 9]. وقيل: بمنزلة الولد في الحنو والشفقة عليه. ويقال للأب والد وللأم والدة، وهما والدان كقوله تعالى: {وبالوالدين إحسانًا} [الأنعام: 151] قوله تعالى: {يوم ولدت} [مريم: 33] وقوله: {يوم ولد} [مريم: 15] الآيتين. قيل: إنما وقع السلام عليهما في هذه الثلاثة مواطن، لأن الإنسان أكثر ما يكون

مستوحشًا فيها. فالأول فيه مفارقة ما ألف من الرحمة والشيمة إلى دار التعب والكد ومعاناة الهموم. والثاني مفارقة ما ألف من الدنيا إلى القبر وما يتضمنه من أهواله. والثالث: مفارقته إلى موضع الحشر ودار الجزاء من ثوابٍ وعقابٍ. واللدة من وقت ولادتك كالترب، وشذ جمعه في لدين؛ يقال: هذا لدة هذا. واللدة في الأصل مصدر خص بما ذكرته لك. يقال: ولدت ولادة ولدة. وفي حديث رقيقة: «إلا وفيهم الطيب الطاهر لداته» قال الهروي: يريد موالده؛ جعل المصدر اسمًا ثم جمعه. وقال بعضهم: واللدة مختصة بالترب. فظاهر هذا أنها اسم لا مصدر. قوله تعالى: {يطوف عليهم ولدان مخلدون} [الإنسان: 19] قيل: هم أطفال الكفار يكونون خدم أهل الجنة. وقيل: هم خلق من خلق الجنة. وهم جمع وليدٍ. والوليد اشتهر استعماله في من قرب عهده بالولادة. قال الراغب: وإن كان في الأصل يصح لمن قرب عهده أو بعد. والوليدة مختصة في عامة كلامهم بالأمة. قلت: ومنه قول النابغة: [من البسيط] 1838 - ضرب الوليدة بالمسحاة في الثأد وفي حديث شريحٍ: «أن رجلًا اشترى جارية بشرط أنها مولدة، فإذا هي تليدة». قال القتيبي: التليدة: التي ولدت ببلاد العجم وحملت فنشأت ببلاء العرب. والوليدة: التي ولدت في الإسلام. قال ابن شميلٍ: هما واحد، وهما من ولد عبدك. وأثر شريحٍ يرده. وقال غيره: سمي المولد بذلك لأنه يتربى عندك تربية الأولاد. وفي الإنجيل لعيسى عليه السلام: «أنا ولدتك» بتشديد اللام، أي ربيتك. ونقلت عن بعض مشائخي أن الرشيد قال لولده: يابني تعلم العربية فإن النصارى رأوا في الإنجيل «ولدتك» بالتشديد فخففوها بجهلهم فكفروا أجمعون. والمولد من الكلام ما استحدث. والمولد من الشعر ما كان من الإسلاميين، والمخضرم من أدرك الجاهلية والإسلام.

ول ق: قوله تعالى: {إذ تلقونه بألسنتكم} [النور: 15] العامة: «تلقونه» على أنه من التلقي. وعائشة رضي الله تعالى عنها: «تلقونه» من الولق. والولق قيل: هو الإسراع في الكذب. وقيل: هو الاستمرار فيه، وهو في الأصل: الجنون والهوج. وجاءت الإبل تلق، أي تسرع لهوجها. وأنشد: [من الرجز] 1839 - جاءت به عنس من الشام تلق أي تسرع. ورجل مولوق ومألوق، وناقة ولقى، أي سريعة. وفي حديث على كرم الله وجهه: «كذبت وولقت». وهذا كقوله الآخر: [من الوافر] 1840 - وألفى قولها كذبًا ومينا ومثله الولع، ومنه قول كعبٍ رضي الله عنه: [من البسيط] 1841 - لكنها خلة قد سيط من دمها ... فجع وولع وإخلاف وتبديل وفي هذا الحرف قراءات، ولها توجيهات استوفيتها في «الدر». ول ي: قوله تعالى: {فنعم المولى} [الحج: 78] المولى يطلق بإزاء معانٍ؛ قيل على سبيل الاشتراك اللفظي. وقيل: على التواطؤ. فالمولى: الناصر والمنعم وابن العم والحليف والعقيد. ومنه قوله تعالى: {ولكل جعلنا موالي} [النساء: 33]. وكانوا يتوارثون بالحلف أول الإسلام ثم نسخ.

والمولى: هو السيد المعتق والعبد المعتق. قوله تعالى: {وإني خفت الموالي} [مريم: 5] قيل: أراد بني عمه وعصبته. ومعناه: الذين يلونه في النسب. قوله تعالى: {ذلك بأن الله مولى الذين آمنوا وأن الكافرين لا مولى لهم} [محمد: 11]. فالمولى هو الناصر. وقيل: وليهم والقائم بأمرهم. وكل من تولى أمرك فهو مولاك. وقال الراغب: الولاء والتوالي أن يحصل شيئان فصاعدًا حصولًا ليس بينهما ما ليس منهما. قال: ويستعار ذلك للقرب من حيث المكان ومن حيث النسب ومن حيث الدين ومن حيث الصداقة والنصرة والاعتقاد. والولي والمولى يستعملان في كل ذلك. وكل منهما يقال في معنى الفاعل، أي الموالي، وفي معنى المفعول أي الموالي. إلا أنه فرق بينهما بشيء؛ فقال: يقال: المؤمن ولي الله ولا يقال مولاه. ويقال: الله ولي المؤمن ومولاه. فمن الأول: {الله ولي الذين آمنوا} [البقرة:257] وقوله: {فنعم المولى} [الحج: 78]. ومن الثاني: {قل ياأيها الذين هادوا إن زعمتم أنكم أولياء لله} [الجمعة: 6]. قوله تعالى: {ما لكم من ولايتهم من شيءٍ} [الأنفال: 72]. قيل: ما لكم من موالاتهم ونصرتهم. وقرئ بفتح الواو وكسرها؛ فقيل: هما بمعنى نحو الدلالة والدلالة. ومعناها: توالي الأمر. وقيل: بالفتح النصرة، وبالكسر تولي الأمر. وقال الأزهري: بالفتح في النسب والنصرة. يقال: ولي من الولاية. وأما الولاية فهي الإمارة. ويقال: والٍ من الولاية، فشبه بالصناعة. قوله تعالى: {وما لهم من دونه من والٍ} [الرعد: 11] أي ولي، يعني ناصرًا وقائمًا بأمورهم، نحو قادرٍ وقديرٍ. قوله: {إنما ذلكم الشيطان يخوف أولياءه} [آل عمران: 137] قال أبو بكر: معناه: يخوفكم أولياؤه، فحذف أول مفعوليه؛ إما اقتصارًا أو اختصارًا. وقال غيره: إن المفعولين محذوفان. والتقدير: يخوفكم الشر بأوليائه. قال الراغب: ونفى الله الولاية

من المؤمن والكافر في غير آيةٍ، فقال تعالى: {يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء} [المائدة: 51]. وجعل بين الكافرين والشياطين موالاة في الدنيا، ونفى عنهم المولاة في الآخرة. قال تعالى في الموالاة بينهم في الدنيا: {إنا جعلنا الشياطين أولياء للذين لا يؤمنون} [الأعراف:27]. فكما جعل بينهم وبين الشياطين موالاةً جعل للشياطين عليهم سلطانًا في الدنيا، فقال: {إنما سلطانه على الذين يتولونه} [النحل: 100]. ونفى الموالاة بينهم في الآخرة فقال في موالاة الكفار بعضهم بعضًا: {يوم لا يغني مولى عن مولى شيئًا} [الدخان: 41]. قوله تعالى: {وتولى عنهم} [يوسف: 84] أي أعرض. قال بعضهم: «تولى» إذا عدي بنفسه اقتضى معنى الولاية وحصوله في أقرب المواضع. يقال: وليت سمعي كذا، ووليت عيني كذا: أقبلت به عليه. قال تعالى: {فول وجهك شطر المسجد الحرام} [البقرة: 144]. قال: وإذا عدي بعن لفظًا أو تقديرًا اقتضى معنى الإعراض وترك قربه. فمن الأول قوله تعالى: {ومن يتولهم منكم فإنه منهم} [المائدة: 51]. ومن الثاني: {فإن تولوا فإن الله عليم بالمفسدين} [آل عمران: 62]. قال: والتولي قد يكون بالجسم، وقد يكون بترك والإصغاء الائتمار؛ قال تعالى: {ولا تولوا عنه وأنتم تسمعون} [الأنفال: 20] أي لا تفعلوا ما فعل الموصوفون بقوله: {واستعشوا ثيابهم وأصروا واستكبروا} [نوح: 7]. ولا ترتسموا قول من حكى عنهم: {لا تسمعوا لهذا القرآن والغوا فيه} [فصلت: 26]. قوله: {فهب لي من لدنك وليًا} [مريم: 5] أي أننا نكون من أوليائك. قوله تعالى: {ولم يكن له ولي من الذل} [الإسراء: 111] أي ناصر من الذل، ولا مانع له لاعتزازه. وقيل: لم يوال أحد من أجل مذلةٍ. وقوله تعالى: {أولى لك فأولى} [القيامة: 34] من هذا. ومعناه: العقاب أولى لك وبك. قال الراغب: وقيل: هذا فعل المتعدي بمعنى افعل. يقال: ولي الشيء الشيء، وأوليت الشيء شيئًا آخر، أي جعلته إليه. وقيل: معناه انزجر. وقيل: هذه كلمة تهديد. وقال الأصمعي: قاربك فاحذره؛ مأخوذ من الولي وهو القرب. وإعراب الكلمة أن «أولى» مبتدأ، و «لك» خبره على معنى

فصل الواو والنون

القرب من العذاب مستقر لك. وقيل: «أولى» خبر لمبتدأ مضمرٍ، أي العذاب أولى لك وبك من غيره. و «فأولى» عطف عليه على سبيل التأكيد المعنوي. وفي هذا الحرف أقوال كثيرة حررتها في «الدر المصون» وغيره. قوله تعالى: {هو موليها} [البقرة: 148] أي متوليها. والتولية تكون إقبالًا لهذه الآية، أي مستقبلها. ويكون انصرافًا إذا عديت بعن، وقد تقدم. قوله تعالى: {والذي تولى كبره منهم} [النور: 11] أي تحمل وزره من قولهم: تولى الأمر، أي وليه وتبعه. وفي الحديث: «ألحقوا المال بالفرائض فما أبقت السهام فلأولى رجلٍ ذكرٍ» يعني أدنى وأقرب في النسب. وفي الحديث أيضًا: «سئل عن الإبل فقال: أعنان الشياطين، لا تقبل إلا مولية ولا تدبر إلا مولية» قيل: هو كالمثل المضروب فيها، قاله الهروي: وفي حديث «ابن عمر» أنه كان يقوم له الرجل من لية نفسه فلا يقعد مكان نفسه» قال الأزهري: هو عندي فعله من الحروف الناقصة أوائلها. هو من ولي يلي، مثل دية وشية. وقال ابن الأعرابي: يقال: فعل كذا من إلية نفسه، أي من قبل نفسه؛ كأن الواو جعلت همزةً. وفي الحديث: «نهى أن يجلس الرجل على الولايا» هو جمع ولية، والولية: البرذعة، لأنها تلي ظهر الدابة. وهذا كناية عن المكث على ظهور الدواب. والولاء في العتق استحقاق العتق. وورثته المال العتيق مأخوذ من الولي وهو القرب والأحقية. وفي الحديث: «نهى عن بيع الولاء وهبته» وكانت الجاهلية تفعل ذلك فنهاهم. فصل الواو والنون ر ن ي: قوله تعالى: {ولا تنيا في ذكري} [طه: 42] أي لا تفترا ولا تضعفا. يقال:

فصل الواو والهاء

ونى في الأمر يني: إذا ضعف فيه وقصر في تحصيله ونيًا، وتواني توانيًا. والأصل توانيًا بضم النون فكسرت لتصح الياء. والونى بفتح الفاء والعين: الفتور أيضًا. وزعم بعض النحويين أن ونى يجيء بمعنى زال الناقصة فتعمل بعد النفي وشبهه. يقال: ما ونى زيد قائمًا، أي ما زال قائمًا. وأنشد: [من الخفيف] 1842 - لا يني الحب شيمة الحب ما دا ... م فلا تحسبنه ذا ارعواء فصل الواو والهاء وهـ ب: قوله تعالى: {ووهبنا له إسحاق} [الأنعام: 84]. الهبة: أن تجعل الملك لغيرك من غير عوضٍ. يقال: وهبته هبةً وموهبًا. وقوله تعالى: {لأهب لك غلامًا زكيًا} [مريم: 19]. قرئ بإسناد الفعل إلى المتكلم وهو جبريل لأنه سبب في ذلك؛ وبإسناده إلى الباري تعالى. فالأول على التوسع، والثاني على الحقيقة. قوله تعالى: {إنك أنت الوهاب} [آل عمران: 8] هو كثير الهبة، أي العطية من غير استحقاقٍ عليه، بل هو تفضل منه على خلقه. فوصف الله تعالى بالوهاب والوهاب على هذا النحو. وقال الراغب: ويوصف الله تعالى بذلك، يعني أنه يعطي على قدر استحقاقه. وفي الحديث: «لقد هممت ألا أتهب إلا من قرشي أو أنصاري أو ثقفي» الاتهاب: قبول الهبة. وقد روى الهروي هذا الحديث ولم يذكر «إلا من قرشي» فقط. وقال في تفسيره: يقول: لا أقبل الهدية، وذلك أن في أخلاق أهل البادية جفاءً وذهابًا عن المودة وطلبًا للزيادة. وهـ ج: قوله تعالى: {وجعلنا سراجًا وهاجًا} [النبأ: 13] اشتعالها. والمعنى: جعلنا سراجًا مضيئًا قوي الضوء. والمعني به الشمس. الوهج: حصول الضوء وقوته. وقد

فصل الواو والياء

وهجت النار توهج، ووهجت تهج، أي اتقدت. وأنشد. وتوهجت الحرب، على الاستعارة نحو: توقدت. وتوقد الجوهر، أي تلألأ توقدًا. وهـ ن: قوله تعالى: {رب إني وهن العظم مني} [مريم: 4] أي ضعف ورق. وقال بعضهم: الوهن: ضعف من حيث الخلق والخلق. قوله تعالى: {حملته أمة وهنًا على وهنٍ} [لقمان: 14] أي ضعفًا على ضعفٍ. والمعنى أنه كلما عظم في بطنها زادها ضعفًا. قال قتادة: جهدًا على جهدٍ. يقال: ضعفت لحملها إياه مرةً بعد مرةٍ. قوله: {ولا تهنوا ولا تحزنوا} [آل عمران: 139] أي لا تضعفوا ولا تجبنوا. قال الفراء: يقال: وهنه الله وأوهنه. وفي الحديث: «أن فلانًا دخل عليه وفي عضده حلقة من صفرٍ. فقال: هذا من الواهنة. فقال: أما إنها لا تزيدك إلا وهنًا» قيل: الواهنة: عرق يأخذ في المنكب وفي اليد كلها فيرقى منها. وقيل: هو مرض يأخذ في عضد الرجل، وربما عقد عليها جنس من الخرز يقال: خرز الواهنة. وهي تأخذ الرجال دون النساء. وهـ ي: قوله تعالى: {فهي يومئذٍ واهية} [الحاقة: 16] أي منشقة ضعيفة. وأصل ذلك من الوهي وهو شق الأديم والثوب ونحوهما، ومن ذلك قولهم: وهت عزالي السماء بمائها، وذلك على الاستعارة. فصل الواو والياء وي ل: قوله تعالى: {ويل للمطففين} [المطففين: 1]. الويل: القبوح والتعس. قال الأصمعي: ويل قوح. وقد تستعمل على التحسر وويس استصغار، وويح ترحم. وقال

بعضهم: ويل: وادٍ في جهنم. قال الراغب: ومن قال: «ويل وادٍ في جهنم» فإنه لم يرد أن ويلًا في اللغة موضوع لهذا وإنما أراد من قال الله ذلك فيه فقد استحق مقرًا من النار وثبت له ذلك. وقال ابن كيسان: قال ثعلب: قال المازني: قال الأصمعي: الويل قبوح، والويح ترحم. وويس تصغيرها، أي هي دونها. وقال الهروي في قوله عليه الصلاة والسلام لعمارٍ: «ويح ابن سمية تقتله الفئة الباغية» توجع له. وويح: كلمة تقال لمن وقع في هلكة لا يستحقها فيترحم عليه ويرق له. وويل تقال لمن يستحقها ولا يترحم عليه. وقال سيبويه: ويح كلمة زجرٍ لمن أشرف على الهلكة، وويل لمن رقع في الهلكة. وقال ابن عرفة: الويل: الحزن والمكروه. وأنشد: [من الوافر] 1843 - تويل إن مددت يدي وكانت ... يميني لا تعلل بالقليل تويل، أي دعا بالويل. وإنما يفعل ذلك عند شدة الحزن. وعن ابن عباسٍ: الويل: المشقة من العذاب. والويلة تأنيث الويل؛ يقال: ويل وويلة. قال تعالى: {يا ويلتنا} [الكهف: 49] وقوله تعالى: {يا ويلتا ليتني لم أتخذ فلانًا خليلًا} [الفرقان: 28] يريد: يا ويلتي، فقلبت الياء ألفًا وهي لغة فصيحة. والمعنى: يا ويلتا، تعالي فهذا وقتك. وقال الفراء: الأصل في الويل وي، أي حزن. كما نقول: وي بفلان، أي حزن له. فوصلته العرب باللام، وقدروا أنها منه فأعربوها. وي: قوله تعالى: {ويكأنه} [القصص: 82] قال قطرب: وهي كلمة تفجع، وكأن حرف تشبيهٍ، إلا أنه لم يرتضه. وقال غيره: أصلها ويلك، فحذفت اللام. ومنه قول

عنترة: [من الكامل] 1744 - ويك عنتر أقدم وقيل: وي كلمة تعجبٍ اسم فعلٍ مضارعٍ بمعنى أعجب. والكاف بمعنى لام العلة، أي أعجب لأنه لا يفلح. واختلف الرسم في وصل «وي» بكلمة «كأن» وفصلها. وقال الهروي: وي كلمة تذكيرٍ للتحير والتندم والتعجب. وقد ذكرنا للناس أقوالًا كثيرةً في هذا الحرف في «الدر المصون» و «العقد النضيد» وغيرهما. فعليك باعتماده ثمة.

باب الياء

باب الياء فصل الياء والهمزة ي أس: قوله تعالى: {اليوم يئس الذين كفروا} [المائدة: 3] اليأس: انتفاء الطمع. يقال: يئس واستيأس نحو عجب واستعجب، وسخر واستسخر. ومنه قوله تعالى: {فلما استيأسوا منه خلصوا نجيًا} [يوسف: 80]. وقوله: {أفلم ييأس الذين آمنوا} [الرعد:31] قال بعضهم: ألم يعلموا علمًا ييأسون معه من أن يكون غير ما علموه. ولهذا قال الراغب: قيل: معناه أفلم يعلموا ولم يرد أن اليأس موضوع في كلامهم للعلم، وإنما قصد أن يأس الذين آمنوا من ذلك يقتضي أن يحصل بعد العلم بانتفاء ذلك؛ فإذا ثبوت يأسهم يقتضي حصول علمهم. قال بعضهم: اليأس بمعنى العلم لغة للنجع، وأنشد لجابر بن سحيم: [من الطويل] 1845 - أقول لهم بالشعب إذ ييسرونني: ... ألم تيأسوا اني ابن فارس زهدم؟ أي ألم يعلموا، وهو قول قتادة. وقيل: معناه: أفلم ييأس الذين آمنوا من إيمان من وصفهم الله بأنهم لا يؤمنون؟ لأنه قال تعالى: {ولو شاء الله لجمعهم على الهدى} [الأنعام: 35]. قوله تعالى: {قد يئسوا من الآخرة كما يئس الكفار} [الممتحنة: 13] قال ابن عرفة: معنى قول مجاهدٍ: كما يئس الكفار في قبورهم من رحمة الله تعالى لأنهم

فصل الياء والباء

آمنوا بالبعث بعد الموت فلم ينفعهم إيمانهم حينئذٍ. وقال غيره: كما يئسوا من أصحاب القبور أن يحيوا ويبعثوا. قلت: فقوله: من أصحاب القبور على القول الأول يكون بيانًا لقوله {الكفار}. وعلى الثاني تكون متعلقة باليأس. وقد حققنا هذا في غير هذا. قوله تعالى: {كان يؤوسًا} [الإسراء: 83] أي تشديد اليأس. يقال: أيس فهو آيس ويؤوس، نحو ضارب وضروبٍ. وفي صفته عليه الصلاة والسلام: «لا يأس من طول» فسره الهروي بأن معناه أن قامته لا يؤيس من طوله، لأنه كان إلى الطول أقرب. وأنشد قول أبي وجزة: [من الكامل] 1846 - يئس القصار فليس من نسوانها ... وحماسهن لها من الحساد يقول: يئسن من مباراتها في القوام. فصل الياء والباء ي ب س: قوله تعالى: {فاضرب لهم طريقًا في البحر يبسا} [طه: 77] قال الراغب: اليبس: المكان الذي يكون فيه ماء فيذهب. واليبس: يابس النبات، وهو ما كان فيه رطوبة فذهبت. يقال: يبس النبات وييبس يبسًا ويبوسًا، فهو يابس. قال تعالى: {ولا رطبٍ ولا يابسٍ} [الأنعام: 59]. ويستعار في كبر السن فيقال: يبس عظمه: لأن الشيخ تجف رطوبته. والأيبسان: ما لا لحم عليه من الساقين إلى الكعبين. فصل الياء والتاء ي ت م: قوله تعالى: {وآتوا اليتامى أموالهم} [النساء: 2]. اليتامى: جمع يتيمٍ، وهو من

فصل الياء والدال

فقد أباه قبل بلوغ الحنث ذكرًا كان أو أنثى. فأما بعد البلوغ فلا يتم، هذا بالنسبة إلى الحقيقة الشرعية. وأما اليتيم لغة فالانفراد. ومنه: درة يتيمة، لانفرادها عن نظائرها بحسنها. وقال بعضهم: اليتم في الآدميين من فقد الآباء، وفي غيرهم من الحيوانات من قبل فقد الأمات. ومظير يتيمٍ ويتامى أسير وأسارى. ويقال: يتم وييتم يتمًا فهو يتيم. وأنشد: [من الطويل] 1847 - وكيد ضباع القف يأكلن جثتي ... وكيد خراش بعد ذلك ييتم واليتامى جمع اليتيم واليتيمة. قال تعالى: {في يتامى النساء} [النساء: 127] وقال الشاعر: [من الرجز] 1848 - إن القبور تنكح الأيامى ... النسوة الأرامل اليتامى ومثل ذلك المسكين، جمع المسكين والمسكينة. وفي الحديث: «إني امرأة موتمة» أي ذات أيتام. والأصل ميتمة فقلبت الواو لانضمام ما قبلها. وهذه الرواية توافق رأي الأخفش في المحافظة على الضمة وقلب الحرف لأجلها. وقد ذكرنا هذه القاعدة في قوله: {معيشة} [طه: 124]. قوله تعالى: {وآتوا اليتامى أموالهم} سماهم يتامى بعد البلوغ اعتبارًا بما كانوا عليه، كما يتجوز عن الشيء بما يؤول إليه كقوله: {أعصر خمرًا} [يوسف: 36] وهو إنما يعصر العنب. فصل الياء والدال ي د ي: قوله تعالى: {يد الله فوق أيديهم} [الفتح: 10]. واليد تطلق على العقد والعهد. وقيل: يده أيديهم في الثواب. وقيل: في الوفاء. وجاء في التفسير: يد الله

في المنة عليهم فوق أيديهم في الطاعة. واليد تعبر عن القدرة والسعة في الإنفاق. فمن الأول قوله تعالى: {وأولي الأيدي} [ص: 45] أي القدرة والقوة. ومن الثاني قوله تعالى: {وقالت اليهود يد الله مغلولة غلت أيديهم} [المائدة: 64] ولذلك عقبه بقوله: {بل يداه مبسوطتان} [المائدة: 64]. وهذا كناية عن بسط اليد في النفقة وقبضها. واليد: النعمة أيضًا. ومنه: لي على فلانٍ يد، إلا أنه خولف بينهما في الجمع فقالوا في الجارحة أيدٍ وفي الجميع أيادٍ ويدي. وأنشد الراغب [من الطويل] 1849 - فإن له عندي يديًا وأنعمًا وإنما أطلقت اليد على هذه الأشياء لأنها يتعاطى بها ذلك. وقد ذكر الهروي أن اليد تطلق على أشياء منها الاستسلام. ومنه قوله عليه الصلاة والسلام في مناجاته لربه: «هذه يدي لك» أي أنقدت واستسلمت. ومنه أيضًا حديث عثمان: «هذه يدي لعمارٍ» أي أنا منقاد له فليحتكم علي. وقال الشاعر: [من الطويل] 1850 - أطاع يدًا بالقود فهو ذلول ومنها القدرة، ومنه قوله تعالى: {أولي الأيدي والأبصار} [ص: 45] أي القدرة والبصائر. وتقول العرب: هم يد على الآخرين، أي قادرون عليهم. ومنه قول علي بن عدي الغنوي الذي عرف بالغدير: [من الكامل] 1851 - فاعمد لما يعلو فما لك بالذي ... لا تستطيع من الأمور يدان

أي قدرة وطاعة. ومنها القوة، ومنه قوله تعالى: {أولي الأيدي} في القول الثاني. ومنها النعمة. ومنها الملك، ومنها السلطان، ومنها الطاعة، ومنها الأكل؛ يقال: ضع يدك، أي كل. ومنها الندم، ومنه قوله تعالى: {ولما سقط في أيديهم} [الأعراف: 149] أي ندموا، ومنها الغيظ ومنه قوله تعالى: {فردوا أيديهم في أفواههم} [إبراهيم: 9] أي اغتاظوا غيظًا عظيمًا. قال ابن مسعود: عضوا على أطراف أصابعهم. وقال غيره: فعلوه حنقًا. وأنشد لصخر الهذلي: [من المتقارب] 1852 - قد افنى أنامله أزمه ... فأمسى يعض على الوظيفا وقال الآخر: [من المتقارب] 1853 - يردون في فيه عشر الحسود واليد: العصيان، ومنه: جرح فلان تارعًا يده، أي عاصيًا. واليد: الجماعة، ومنه قوله عليه الصلاة والسلام: «وهم يد على من سواهم» أي مجتمعون. يعني أن المسلمين لا يسعهم التجادل، بل يعاون بعضهم بعضًا. ومنها الابتداء بالشيء، ومنه: أعطاني عن ظهر يدٍ، أي ابتداء. واليد: الطريق، ومنه قوله عليه الصلاة والسلام: «فأخذ بهم يد البحر» أي طريق الساحل. واليد: الصدقة، ومنه قولفه عليه الصلاة والسلام: «أسرعكن لحوقًا أطولكن يدًا» أي أكثر صدقة، فكانت سودة. وكانت تحب الصدقة. وهذه المعاني التي ذكرها إنما هي بطريق اللازم أو التجوز. ووجه ذلك كله ظاهر، فلا حاجة إلى الإطالة معه في البحث. وأصل اليد للجارحة، وأصلها يدي أو يدي -بسكون العين وفتحها- ويجمح على أيدٍ. قال تعالى: {أم لهم أيدٍ يبطشون بها}

فصل الياء والسين

[الأعراف: 195] إلا أن الراجح أن يكون فعلًا بدليل جمعه على أفعلٍ؛ فإن أفعله في فعلٍ أكثر منه في فعلٍ -فالفتح- وقد جاء فيه نحو جبلٍ وأجبلٍ، وزمنٍ وأزمن. واستدل بعضهم على أنها «فعل» بالفتح من قولهم: يديان، في التثنية، وفيه نظر لأنه لم يرد ذلك إلا ضرورة. فيجوز أن تكون حركة العين للضرورة. ويدل على أن لامه ياء قولهم في التثنية يديان. وأنشد: [من الكامل] 1854 - يديان بيضاوان عند محلم ... قد يمنعانك أن تضام وتظهرا والأكثر في تثنية حذف اللام كقوله تعالى: {بل يداه مبسوطتان} [المائدة: 64] {تبت يدا أبي لهبٍ} [المسد: 1] وقد ترد كالبيت المتقدم. ومثلها في حذف اللام تثنية وردها قليلًا دم عكس أبٍ أخواته. وقد حققت ذلك كله في موضوعات النحو. قوله: {فويل لهم مما كتبت أيديهم} [البقرة: 79] فنسبة الكتب إلى الأيدي تنبيه أنهم اختلقوه بأفواههم، تنبيهًا على اختلافهم، وإلا فمعلوم أن الكتب والقول إنما هما باليد والفم. قوله: {حتى يعطوا الجزية عن يدٍ وهم صاغرونؤ [التوبة:29] أي عن قوةٍ منكم وقدرةٍ. وقيل: يعطون ذلك في مقابلة نعمه عليهم في استقرارهم ببلاد الإسلام. فصل الياء والسين ي س: قوله تعالى: {يس والقرآن الحكيم} [يس: 1 - 2] هذان حرف تهج، القول فيهما كالقول في سائر الحروف المقطعة نحو «ألم» و «كهيعص». وفيها أقوال كثيرة جدًا حررتها في «التفسير الكبير» و «الدر المصون». وقيل: معناه يا رجل. وقيل: يا إنسان. والأول أصح.

ي س ر: قوله تعالى: {إن مع العسر يسرًا} [الشرح: 6] اليسر: السهولة ضد العسر. ومنه قوله تعالى: {فما استيسر من الهدى} [البقرة: 196] {فاقرؤوا ما تيسر} [المزمل: 20] أي ما سهل. وقوله: {ولقد يسرنا القرآن للذكر} [القمر: 17] أي سهلناه. ولولا ذلك لم يطق أحد أن يحفظه في صدره. ولذلك كانت كتب الأولين لا تحفظ في الصدور؛ فإن كلام الله تعالى أعظم من ذلك لولا تيسير ذلك. وأيسرت المرأة وتيسرت: ولدت بسهولةٍ. قوله تعالى: {فإنما يسرناه بلسانك} [مريم: 97] فإنما سهلناه بلغتك. قوله تعالى: {فنيسره للعسرى} [اللليل: 10] لمشاكلة قوله تعالى: {فنيسره لليسرى} [الليل: 7]. وقيل: على التهكم نحو: {فبشرهم بعذابٍ أليمٍ} [آل عمران: 21]. قوله: {فقل لهم قولًا ميسورًا} [الإسراء:28]. واليسير يقال في الشيء القليل. قوله: {وكان ذلك على الله يسيرًا} [النساء: 30] خطابًا لهم على ما يتعارفونه من عسر الأمور وسهولتها. واليسير يقال في الشيء القليل كقوله تعالى: {وما تلبثوا بها إلا يسيرًا} [الأحزاب: 14]. قوله: {فنظرة إل ميسرةٍ} [البقرة: 280] أي إلى يسرٍ وغنى. وقرئ «ميسرة» و «ميسرة» بالفتح والضم. واليسار أخت اليمين، والمشهور فتح الياء. ونقل الراغب كسرها. واليسرات: القوائم الخفاف. ويسرت الغنم: تهيأت للولادة. وأنشد الفراء لأبي أسيدة الدبيري: [من الطويل] 1855 - هما سيدانا يزعمان، وإنما ... يسوداننا أن يسرت غنماهما

فصل الياء والقاف

وفي الحديث: «كل ميسر لما خلق له» أي مهيأ ومصروف إليه. وأنشد للأعشى: [من الطويل] 1856 - ويسر سهمًا ذا غراءٍ يسوقه ... أمين القوى في صلبة المترنم قوله: {ثم السبيل يسره} [عبس: 20] أي سهل خروجه. قوله تعالى: {إنما الخمر والميسر} [المائدة: 90] الميسر: القمار. وله كيفية ذكرناها مستوفاةً، واختلاف أهل اللغة فيها في كتابنا «القول الوجيز». وله عشرة أسهمٍ معروفة. وقال بعضهم: الميسر: الجزور، لأنها تجزأ. وكل شيء جزأته فقد يسرته. والياسر: الجازر. يقال: ياسر ويسر والجمع أيسار. ورجل يسر وأيسر، أي سهل. وفي الحديث: «كان عمر أعسر أيسر» قال أبو عبيدة: هكذا رواه المحدثون، والصواب: «أعسر يسرًا» وهو الأضبط الذي يعمل بكلتا يديه. قوله: {ذلك كيل يسير} [يوسف:65] أي لقتله يسهل إعطاؤه. فصل الياء والقاف ي ق ظ: قوله تعالى: {وتحسبهم أيقاظًا} [الكهف: 18] هم جمع يقظٍ، بكسر العين وضمها. واليقظة: التنبه ضد النوم. ويقال: رجل يقظان، والجمع يقاظي. قال الشاعر: [من الطويل] ي ق ن: قوله تعالى: {ثم لترونها عين اليقين} [التكاثر:7] أي الأمر الثابت الذي لا شك يخالجه. واليقين هو سكون الفهم مع ثبات الحكم، وأصله من يقن الماء أي ثبت وسكن. قال بعضهم: اليقين من صفة العلم فوق المعرفة والدراية، وأخواتهما. يقال: علم يقينٍ ولا يقال: معرفة يقينٍ. ويقال: علم اليقين، عين اليقين، وبينهما حق اليقين، فروق.

فصل الياء والميم

فالأول أدناها، والثاني أعلاها، والثالث بينهما. وفيها أقوال غير ذلك حققتها في غير هذا الموضوع. قوله: {واستيقنتها أنفسهم} [النمل: 14] أي تيقنتها. يقال: أيقن الرجل ويقن وتيقن واستيقن. وقوله تعالى: {أيات لقومٍ يوقنون} [الجاثية: 4] وقوله تعالى: {حتى يأتيك اليقين} [الحجر: 99] أي الحق الذي وعدك الله من نصره لك ولدينه. وقيل: اليقين هنا الموت ولا شك أن الموت فرد من أفراده. قوله تعالى: {وما قتلوه يقينًا} [النساء: 157] أي حكموا بذلك تخمينًا وتوهمًا. فصل الياء والميم ي م م: قوله تعالى: {ولا تيمموا الخبيث منه تنتفقون} [البقرة:267] أي لا تقصدوا. ومنه قوله تعالى: {فتيمموا صعيدًا طيبًا} [النساء: 43] أي اقتصدوا التراب. ومنه قول الشاعر: [من الطويل] 1858 - تيممت الماء الذي عند ضارج واليم: البحر، قيل: مطلقًا. وقيل: هو الذي غرق فيه فرعون بخصوصه، ويسمى أساف، وقيل: هو البحر بلغة الحبشة. واليمام: طائر أصغر من الورشان. واليمام: هو ذو الطوق الذي يكون في البيوت، عكس الحمام الذي لا يكون في البيوت. وهو خلاف عرف الناس اليوم. واليمامة: مدينة معروفة، وكان مسيلمة -لعنه الله- يضاف إليها، فيقال: رحمان اليمامة. ي م ن: قوله تعالى: {إنكم كنتم تأتوننا عن اليمين} [الصافات: 28] أي عن القوة

فصل الياء والنون

والقهر، أي غلبتمونا وقهرتمونا حتى أطعناكم، وركبوا معاصيهم على قادتهم. قال ابن عرفة: أي تمنعوننا من طاعة الله، أي تأتوتنا من قبل الحق فتلبسوه علينا. والعرب تنسب الفعل المحمود إلى اليمين والمذموم إلى الشمال. قال الشماخ: [من الوافر] 1859 - إذا ما راية رفعت لمجدٍ ... تلقاها عرابة باليمين قوله: {لأخذنا منه باليمين} [الحاقة:45] عبارة عن الهلكة، لأن السياف عادةً يأخذ من يضرب عنقه من جهة اليمين ليتمكن من ضربه. وقيل: معناه: أخذناه بالقوة والقدرة. وقيل: أخذنا قوته وقدرته. واليمين في الأصل هي الجارحة المعروفة. وعبر عن تلك الأشياء بها كما عبر عنها باليد فيما تقدم. وعبر عن السعادة باليمين كقوله تعالى: {وأصحاب اليمين} [الواقعة:27] الآية وعن الشقاوة بالشمال كقوله تعالى: {وأصحاب الشمال} [الواقعة:41]. ولذلك أعطي السعداء كتبهم بالأيمان، وضدهم بالشمائل. واليمين في القسم لأن الحالف غالبًا يصفق بيمينه. وقرئ قوله تعالى: {إنهم لا أيمان لهم} [التوبة: 12] بفتح الهمزة جمع يمينٍ، أي لا موثق بيمينٍ لأنهم ينقضون العهد. وبالكسر على أنه «الإيمان» وهو التصديق بالجنان. والياء في الأول أصل بنفسها. وفي الثاني منقلبة عن همزة حسبما بيناه غير مرةٍ. وفي الحديث: «الحجر الأسود يمين الله في الأرض» أي يتوصل به إلى السعادة المقربة إليه. واليمين والتيمن: السعادة. فصل الياء والنون ي ن ع: قوله تعالى: {وينعه} [الأنعام: 99] أي نضجه. يقال: ينعت تينع ينعًا، وأينعت إيناعًا فهي مونعة. وقال ابن الأنباري: الينع جمع يانع وهو المدرك البالغ؛ كأنه جعله مثل صاحبٍ وصحبٍ، وراكبٍ وركبٍ. قال الفراء: أينع أكثر من ينع. قلت: وكأن هذا الحامل لأبي بكرٍ على جعله جمعًا لا مصدرًا لئلا يجيء القرآن على اللغة القليلة؛ إذ لو

فصل الياء والواو

جاء على الكثير لقيل: إيناعه. وقرئ: «وينعه» قيل: هو جمع يانعٍ. قلت: وكأنه جعله مثل خادمٍ وخدمٍ. وفي الحرف قراءات حررتها في غير هذا. والينعة: الخرزة الحمراء. فصل الياء والواو ي وم: قوله تعالى: {وذكرهم بأيام الله} [إبراهيم: 5] أي بنقماته وشدائده. والأيام يعبر بها عن الشدائد والوقائع. ومنه أيام العرب كيوم الكلاب ونحوه. وقال بعضهم: إضافة الأيام إلى الله للتشريف لها لما أفاض عليهم من نعمه فيها. وقال عبد الملك بن مروان للحجاج الخبيث وقد أرسله: «سر إلى العراق غرار النوم طويل اليوم» أي اجتهد في المسير دائبًا ليلك ونهارك. واليوم عبارة عن مدة الزمان من طلوع الفجر إلى غروب الشمس، والنهار مثله، وقيل: بل هو من طلوع الشمس إلى غروبها. وقد جعل الراغب اليوم عبارة عن وقت الشمس إلى غروبها. وإنه اشتبه عليه ذلك القول المنقول في النهار. وقد يعبر باليوم عن مطلق الزمان قل أو كثر من ليلٍ أو نهارٍ. قال تعالى: {إلى ربك يومئذٍ المساق} [القيامة: 30] وهو عبارة عن وقت الاحتضار. وقال تعالى: {إن الذين تولوا منكم يوم التقى الجمعان} [آل عمران: 155] وقال امرؤ القيس: [من الطويل] 1860 - كأني غداة البين يوم تحملوا ... لدى سمرات الحي ناقف حنظل وزعم بعضهم أن اليوم في البيت على حقيقته، وأنه بدل من غداة، وجعله دليلًا على إبدال الكل من البعض، هو مذهب مرجوح، وجوابه ما تقدم.

وليكن هذا آخر ما أردته وخاتمه ما حررته. وكمل الكتاب وتم، والحمد لمن فضله عم. راجيًا منه النفع إن شاء الله تعالى وبه التوفيق. وحسبنا الله ونعم الوكيل، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، وصلى الله على سيدنا ومولانا محمد وآله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا إلى يوم الدين. وكان الفراغ من رقم هذه الأحرف البالية الفانية في يوم الخميس المبارك الثامن أو التاسع من ذي الحجة ختام عام سنة واحدٍ وثلاثين وألفٍ من الهجرة النبوية على صاحبها أفضل الصلاة والسلام. على يد أفقر العباد وأحقرهم عبد الرحمن بن محمد المنشاوي. عفا الله عنه. 1861 - إن تجد عيبًا فسد الخللا ... جل من لا فيه عيب وعلا

§1/1