عمدة الحازم في الزوائد على مختصر أبي القاسم
موفق الدين ابن قدامة
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
كِتَابُ الهَادِي أو «عُمدَةُ الحَازِمِ في الزَّوَائِدِ عَلَى مُختَصَرِ أبي القَاسِمِ»
حُقُوق الطَّبْع محَفُوظَة لوزارة الْأَوْقَاف والشؤون الإسلامية إدارة الشؤون الإسلامية دولة قطر الطبعة الأولى / 1428 هـ - 2007 م
مقدمة التحقيق
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ المقدمة إنَّ الحمدَ للهِ نَحْمَدُهُ، ونَسْتَعينُهُ، ونَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنا، وَسيئاتِ أَعْمَالِنا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلا هَاديَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللهُ وَحْدَهُ لا شَريكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ. أما بعد: فَإِنَّ "كتابَ الهَادي"، أو "عُمدةَ الحازِمِ في تَلخيصِ المَسَائِلِ الخارجةِ عنْ مختصرِ أَبي القَاسِم"، من مُؤلفاتِ الإِمامِ شيِخِ الإِسلامِ أبي مُحمَّدٍ عبدِ اللهِ بنِ أحمدَ بنِ قدامةَ الحنبليِّ، المتوفَّى سنة (620)؛ كتابٌ عظيمُ الفائدةِ، كثيرُ النَّفْعِ، مشهورٌ بينَ الأَصحابِ، معتمدٌ فيما يُذْكَرُ فيه من المسائِل العلميةِ. وهوَ من جُملةِ المصادرِ التي اعتمدَ عليها، ونَقَلَ عنها علامةُ المذهبِ الحنبليِّ ومحرِّرُهُ الإِمامُ الشيخُ عليُّ بنُ سليمانَ المَرْداويُّ، في كتابِهِ "الإنصافِ" المشهورِ. وقد لخَّصَ الإمامُ الموفَّقُ أكثرَ "عُمدةِ الحازمِ" من كتابِ "الهدايةِ"
للعلامةِ أَبي الخَطَّابِ محفوظٍ بنِ أَحمدَ الكَلْوَذَانيِّ تلميذِ القاضي أبي يَعلى، وشيخِ الشيخِ عبدِ القادِرٍ الجَيْلانيِّ. وقصدَ الإِمامُ الموفَّقُ بتلخيصِ "الهِدَايةِ" بهذا المختصرِ المفيدِ، أن ينقلَ فيهِ من مَسائلِ "الهدايةِ"، المسائلَ التي لم تُذكرْ في "مُختصرِ" أبي القاسم عمرَ بنِ الحسينِ الخِرَقِيِّ، المتوفي سنة (334)؛ فجاءَ مصنفاً صغيرَ الحجْمِ، كثيرَ العِلْمِ. ولم يصْنع فيهِ الإمامُ الموفَّقُ كَمَا صَنَعهُ في "عُمدةِ الفقْهِ"، حيثُ جعلَها على قولٍ واحد، اختارَهُ هو من الرواياتِ عن الإِمامِ أَحمدَ، بل مَشَى فيه على طريقةِ أصلِهِ، في بعضِ المواضع؛ من ذكرِ الرواياتِ عنِ الإِمامِ أَحمدَ -رحمهُ اللهُ- والوجوهِ عن أصحابِهِ. وقد ذكرَ في أولِ كثيرٍ من فصولهِ بعضَ الأحاديثِ الجليلةِ التي بَنى عليها مسائلَ الفَصْلِ، وهذا عملٌ صالحٌ مُنَبِّهٌ للطالبِ الذَّكيِّ على تَتَبُّعِ الأَدِلةِ، وطلِبها من مظانِّها. ومنْ تأمَّل مِنْ أهلِ العلمِ هذا المختصرَ، علمَ أنهُ مِنْ أجمعِ المتونِ للمسائلِ العلميةِ، وأنه يُغنى عن كثيرٍ من المُختصراتِ الفقهيةِ، ولا يغُني عنهُ غيرُهُ. فرحمَ اللهُ الإمامَ الموفقَ، لقدْ جَدَّ واجتهدَ في نَصْرِ مذهبِ إِمامِ أهلِ السُّنَّةِ أَحمدَ بنَ حنبلٍ، حتى صارتْ كتبُهُ كلُّها عمدة عندَ الحنابلةِ، وقدَّموها على غيرِها من المؤلفاتِ. وأما مختصرُ أبي القاسمِ الخِرقِيِّ، فقد قَرَأَهُ الإمامُ الموفَقُ على شيخِهِ الشيخِ عبدِ القادرِ الجيلانيِّ، وشَرَحَهُ في كتابهِ "المغني" الذي هو
أكبرُ مؤلَّفاتِ الموفَّقِ، وأكثرِها علماً، وقد عُني علماءُ الحنابلةِ بهذا المختصرِ؛ بحفظِهِ وشرحِهِ ونظْمِهِ، حتى ذكر بعضُ العلماءِ أن له ثلاثمئةَ شَرْحٍ. ومنَ العلماءِ من شَرَحَهُ بالنظمِ. ونظمَهُ جعفرُ بن أحمدَ السرَّاجَ، المتوفَّى سنةَ (500)، ونظمَهُ -أيضًا- العلامةُ يحيى بن يوسفَ الصَّرْصَريُّ المتوفى سنة (656)، ولما أتمَّ نظمَهُ، نظَمَ "زوائدَ الكافي على مُختصرِ الخِرَقِي" بمنظومةٍ سَمَّاها "واسطةُ العِقْدِ الثمينِ وعُمدةُ الحَافظِ الأمينِ" قال في أوَّلها: سَأَلْتَ هَدَاكَ اللهُ لَمَّا نَظَمْتُ مَا ... رَوَى الخِرَقِيُّ مِنْ مَسَائِلِ أَحْمَدِ وَزِدْتُ عَليها أنْ أُحَبِّرَ نَاظِماً ... مَسَائِلَ لَم يُذْكَرْنَ فيهِ لِنُشَّدِ فَوَافَقْتَ مِني للإِجَابَةِ لِلَّذِيْ ... سَأَلْتَ قَبُولاً مِنْ أَخٍ مُتَوَدِّدِ وَعَوّلتُ في نَظْمِي عَلى مَا أَفَادَهُ الـ ... ـمُوفَّقُ في "الكَافِي" الكِتَابِ المُسَدَّدِ وقالَ في آخِرِهَا: وَعِدْتُهَا ألفَانِ كُنْ خَيْرَ آلِفٍ ... لَهَا تَحْمِدِ الآثَارَ مِنْهَا وَتُحْمَدِ تَخَيَّرْتُهَا مِما حَوَى ابنُ قُدَامَةَ الـ ... ـموفَّقُ في "الكَافِي" تَخَيُّرَ مُقْتَدِ هُمَا لَقَبَا صِدْقٍ لَهُ وَلِجَمْعِهِ ... بِتَوفيقِهِ تُكْفَى الضَّلالَ وَتَهْتَدِيْ" (¬1) وبعدُ ثانيةً: فهذا ما قَدَّم بِهِ الشيخُ العلامةُ محمدُ بنُ عبد العزيزِ بِنِ مانعٍ الحنبليُّ -رحمهُ اللهُ تعالى- الطبعةَ الأولى من هذا الكتابِ لما "صَدَرَ الأمرُ ¬
الكريمُ من الشيخِ المعظَّمِ عليِّ بن الشيخِ عبد الله بن قاسمِ الثاني -حاكم قَطَرَ- بطبعِ "عُمدةِ الحازمِ" على نفقتِهِ، وجَعَلهُ وقفًا على طلبةِ العلمِ" (¬1). أحببتُ التصديرَ بِهِ هُنا اعترافاً بفضْلِ هذا العَلَم الهُمَامِ -العلامةِ ابن مانعٍ- الذي نذرَ نفسَهُ لخدمةِ العلمِ وأهلِهِ، والسعيِ في طبع كتبهِ، وبخاصَّةٍ ما يتعلَّقُ بمذهبِ الإمامِ أحمدَ بنِ حنبلٍ -رضي الله عنهُ-. وإشادةً بجهود حاكمِ قطرَ الأسبقِ سمو الشيخِ عليِّ بنِ عبدِ اللهِ آل ثاني -رحمه الله تعالى- في نَشْرِ كتبِ المذهبِ الحنبليِّ وغيرِها، والتي لو لم يقُمْ بتمويلِ طَبعِها على نفقتهِ الخاصَّةِ لبقيَ الكثيرُ منها متعثّراً لم يجد له من يطبعُهُ، فجزاهُ اللهُ خيراً، ورحمهُ، وغفرَ لَهُ، على ما قَدَّم وأكرم (¬2). ومع أنَّ هذا الكتابَ كانَ قد طُبع سنة (1380) إلا أني تطلبتُهُ مدةً من الزمن فلم أعثرْ عليه، وسألتُ عنه المهتمينَ من الكُتبيينَ فأكثرهُم أشارَ إلى أنه لم يُنمَ إليه خبرُه، ثم وقفتُ على نسخةٍ منه، فحرَّكتْ همتي لإعادةِ تحقيقِهِ ونشرِهِ، وذلك لأسبابٍ خمسةٍ: ¬
السببُ الأولُ: أهميتُهُ، وقد ذكرَ طرفاً منها العلامةُ ابنُ مانعٍ، في مقدمتِه السابقةِ. السببُ الثاني: نُدرةُ وجودِ المطبوعةِ بين يدي طلبةِ العلمِ. السببُ الثالثُ: احتواءُ المطبوعِ على جملةٍ وافرةٍ من الأخطاءِ الطباعيةِ، فضلاً عن الأخطاء الأساسية الواقعةِ في أصلِ نَسْخِ المخطوط، أو قراءَتِهِ أثناءَ تحقيقِهِ. السببُ الرابعُ: كثرةُ السِّقطِ الحاصلِ في المطبوعِ حتى بلغَ أحياناً ربعَ صفحة كاملة، مما ستراه لاحقاً أثناءَ مروركَ على النصِّ. السببُ الخامسُ: حصولي على نسخةٍ خطيةٍ مهمةٍ هي أصلٌ للنسخةِ الخطيةِ التي اعتمدَ عليها العلامةُ ابنُ مانعٍ في مطبوعتِهِ السابِقةِ. * عند ذلك صحتِ العزيمةُ على تحقيقِهِ ونشرِهِ، وكانتْ خُطَّةُ العملِ فيه ما يلي: 1 - نَسخُ الكتابِ من المخطوطِ الأصلِ، ثم معارضةُ هذا المنسوخِ بالمطبوعِ (مطبوعةِ العلامةِ ابنِ مانع). 2 - الإشارةُ إلى أهمِّ الفروقِ الموجودة بين المخطوطِ الأصلِ والمطبوعِ، وقد بلغتْ عامةُ الفروق ما يزيد عن (500) فرق، مما يدلُّ على كثرةِ التصحيفِ والتحريِفِ الناشئِ معظمُهُ من خللٍ في الناسخِ الذي قام باستنساخِ المخطوطِ أَصلاً. 3 - اعتمادُ النصِّ المخطوطِ أصلًا إلا في مواضعَ يسيرةٍ جداً، كان الصوابُ فيها مع ما جاء في المطبوع، فأثبتُّهُ في صُلبِ النصِّ، وأشرتُ
إلى الخلاف مع المخطوط في الحاشيةِ، وذلك رغبةً في وقوفِ طالبِ العلم على نصٍّ كاملٍ صحيحٍ أثناءَ قراءَتِهِ للكتابِ أو دراستِهِ له، ومنشئُ الخطأ في المخطوط مردُّه -كما هو معروفٌ لدى الخُبَراءِ- إلى فسادِ نقلِ الناسخِ من الأصلِ الذي نقلَ عنهُ. 4 - ضبطُ النصِّ بالشكلِ الكاملِ، حتى تَسْهُلَ على طالبِ العلم قراءتُهُ دونَ توقُّفٍ. 5 - تخريجُ الأحاديثِ والآثارِ الواردة في النصِّ، وذلكَ بذكرِ راوي الحديثِ، وذكرِ الكتابِ والبابِ ورقم الحَديثِ، فإن كان الحديثُ في الصحيحين اقتصرتُ على العزو لهما، وإلا ففي السننِ الأربعةِ، ثم باقي الكُتبِ الحديثيةِ. 6 - كتابةُ مقدمةٍ للكتابِ. 7 - إدراج ترجمةٍ للمؤلفِ، بقلم الإِمام ابن رجب الحنبلي. 8 - صناعةُ فهرسٍ خاصٍّ بالموضوعاتِ. * أما النسخة الخطيةُ فهي من محفوظاتِ المكتبةِ المحموديةِ بالمدينةِ النبويَّةِ، وتقعُ في (155) ورقة، برقم (66 فقه حنبلي)، نُسخت سنة (838)، وهي نسخةٌ متوسطةُ الجودةِ والصِّحةِ، لكن يغفِر لها أنها الوحيدةُ بتاريخِها وقدمِها. وقد جاء في صدر النسخة: "كتابُ الهادي على مذهبِ الإمامِ المبجَّلِ أبي عبدِ اللهِ أحمدِ بنِ محمدِ بنِ حنبلٍ الشيبانيِّ قدسَ اللهُ وجهَهُ ونوَّرَ ضريحَهُ، وأثابَهُ الجنةَ بمنِّهِ، آمين. وهو زوائدُ الهدايةِ على
الخِرَقِي، جمعُ شيخِ الإِسلامِ موفقِ الدينِ أبي محمدٍ عبدِ اللهِ بنِ أحمدَ ابنِ قُدامَةَ المقدسيِّ -رضيَ الله عنه-". وجاء في ختامها: " ... في أصح الروايتينِ، آخرُهُ والحمدُ لله ربِّ العالمينَ، وكانَ الفراغُ من تتمةِ هذا الكتابِ المباركِ بتاريخِ ثامنِ من [كذا] شهر جُمادى الأولى، سنةَ ثمانٍ وثلاثين وثمانمئة". * * * هذا وأسألُ الله تعالى أن يتقبل هذا العَمل، ويجعلَه خالصاً لوجهِهِ الكريمِ، وصلى الله على نبينا محمدٍ، وعلى آلهِ وصحبهِ أجمعين. وَكتبه نور الدين طالب سوريا - دمشق - دومة 16 ربيع الأول 1427 هـ
ترجمة الإمام ابن قدامة المقدسي
ترجَمَة الإمام ابن قدامة المقدسي بقلم الإمام ابن رجب الحنبلي (¬1) هو: عبدُ الله بنُ أحمدَ بنِ محمدَ بن قُدَامةَ بن مِقْدامِ بنِ نصرِ بنِ عبدِ اللهِ، المقدسيُّ، ثم الدِّمشقيُّ، الصَّالحيُّ، الفقيهُ، الزاهدُ، الإمامُ، شيخُ الإِسلامِ، وأحدُ الأعلامِ، موفَّقُ الدِّينِ، أبو محمدٍ. وُلد في شعبان سنةَ إحدى وأربعين وخمس مئة، بـ: "جَمَّاعيل". وقدم دمشق مع أهله وله عشرُ سنين، فقرأ القرآن، وحفظ "مختصر الخرقي"، واشتغل، وسمع من والده، وأبي المكارم بن هلال، وأبي المعالي بن صابر، وغيرهم. ورحل إلى بغداد هو وابنُ خالَته الحافظُ عبد الغني سنة إحدى وستين، وسمعا الكثير من هبة الله الدَّقاق، وابن البَطِّيّ، وسعد الله ¬
الدجاجي، والشيخ عبد القادر، وابن تاج الفراء، وابن شافع، وأبي زرعة، ويحيى بن ثابت، والمبارك بن خضير، وأبي بكر بن النقور، وشُهد، وخلق كثير، وسمع بمكة من المبارك بن الطَّبَّاخ، وبالموصل من خطيبها أبي الفضل. وأقام عند الشيخ عبد القادر بمدرسته مدة يسيرة، فقرأ عليه من "الخرقي"، ثم توفي الشيخ، فلازم أبا الفتح بن المنِّي، وقرأ عليه المذهب، والخلاف، والأصل، حتى برع، وأقام ببغداد نحواً من أربع سنين، ثم رجع إلى دمشق، ثم عاد إلى بغداد سنة سبع وستين. وذكر الناصح ابن الحنبلي: أنه حج سنة أربع وسبعين، ورجع مع وفد العراق إلى بغداد، وأقام بها سنة، فسمع درسَ ابن المنِّي، قال: وكنت أنا قد دخلت بغداد سنة اثنتين وسبعين، واشتغلنا جميعًا على الشيخ أبي الفتح بن المنِّي، ثم رجع إلى دمشق، واشتغل بتصنيف كتاب "المغني في شرح الخرقي"، فبلغ الأمل في إتمامه، وهو كتاب بليغ في المذهب، عشر مجلدات، تعب عليه، وأجاد فيه، وجَمَّلَ به المذهب، وقرأه عليه جماعة، وانتفع بعلمه طائفة كثيرة. قال: ومشى على سمت أبيه وأخيه في الخير والعبادة، وغلب عليه الاشتغال بالفقه والعلم. وقال سبط ابن الجوزي: كان إماماً في فنون، ولم يكن في زمانه بعد أخيه أبي عمر والعماد أزهدُ ولا أورعُ منه، وكان كثير الحياء، عزوفاً عن الدنيا وأهلها، هَيِّناً، ليناً، متواضعاً، محباً للمساكين، حسنَ الأخلاق، جواداً، سخيًا، من رَآه كأنه رأى بعض الصحابة، وكأنما
النور يخرج من وجهه، كثير العبادة، يقرأ كل يوم وليلة سُبعاً من القرآن، ولا يصلي ركعتي السنة في الغالب إلا في بيته؛ اتِّباعاً للسنة، وكان يحضر مجالسي دائماً في جامع دمشق وقاسيون. وقال أيضًا: شاهدتُ من الشيخ أبي عمر، وأخيه الموفق، ونسيبه العماد: ما نرويه عن الصحابة والأولياء الأفراد، فأنساني حالُهم أهلي وأوطاني، ثم عدت إليهم على نية الإقامة، عسى أن أكون معهم في دار المقامة. وقال ابن النجار: كان الشيخ موفق الدين إمام الحنابلة بالجامع، وكان ثقةً، حُجَّةً، نبيلاً، غزيرَ الفضلِ، كامل العقل، شديد التثبت، دائم السكوت، حسن السَّمت، نزهاً، ورعاً، عَابداً، على قانون السلف، على وجهه النور، وعليه الوقار والهيبة، ينتفع الرجل برؤيته قبل أن يسمع كلامه، صنف التصانيف المليحة في المذهب والخلاف، وقصده التلامذة والأصحاب، وسار اسمه في البلاد، واشتهر ذكره، وكان حسن المعرفة بالحديث، وله يد في علم العربية. وقال عُمرُ بنُ الحاجب الحافظ في "معجمه": هو إمام الأئمة، ومفتي الأمة، خصه الله بالفضل الوافر، والخاطر الماطر، والعلم الكامل، طنت في ذكره الأمصار، وضنت بمثله الأمصار، قد أخذ بمجامع الحقائق النقلية والعقلية؛ فأما الحديث: فهو سابق فرسانه؛ وأما الفقه: فهو فارس ميدانه، أعرف الناس بالفتيا, وله المؤلفات الغزيرة، وما أظن الزمان يسمح بمثله، متواضع عند الخاصة والعامة، حسن الاعتقاد، ذو أناة وحلم ووقار، وكان مجلسه عامراً بالفقهاء
والمحدثين وأهل الخير، وصار في آخر عمره يقصده كل أحد، وكان كثير العبادة، دائم التهجد، لم يُرَ مثله، ولم يَرَ مثلِ نفسِهِ. وقال أبو شَامة: كان شيخ الحنابلة موفق الدين إمامًا من أئمة المسلمين، وعلماً من أعلام الدين في العلم والعمل، صنف كتباً حساناً في الفقه وغيره، عارفًا بمعاني الأخبار والآثار, سمعت عليه أشياء، وكان بعد موت أخيه أبي عمر هو الذي يؤم بالجامع المظفري، ويخطب يوم الجمعة إذا حضر، فإن لم يحضر، فعبد الله بن أبي عمر هو الخطيب والإمام، وأما بمحراب الحنابلة بجامع دمشق، فيصلي فيه الموفق إذا كان حاضرًا في البلد، وإذا مضى إلى الجبل، صلى العماد أخو عبد الغني، وبعد موت العماد: كان يصلي فيه أبو سليمان بن الحافظ عبد الغني، ما لم يحضر الموفق، وكان بين العشاءين يتنفل حذاء المحراب، وجاءه مرة الملك العزيز بن العادل يزوره، فصادفه يصلي، فجلس بالقرب منه إلى أن فرغ من صلاته، ثم اجتمع به، ولم يتجوز في صلاته، وكان إذا فرغ من صلاة العشاء الآخرة يمضي إلى بيته بالرصيف، ومعه من فقراء الحلقة من قدره الله تعالى، فيقدم لهم ما تيسر يأكلونه معه. ومن أظرف ما حكي عنه: أنه كان يجعل في عمامته ورقة مصرورة فيها رمل يرمل به ما يكتبه للناس من الفتاوى والإجازات وغيرها، فاتفق ليلة خطفت عمامته، فقال لخاطفها: يا أخي! خذ من العمامة الورقة المصرورة بما فيها، ورُدَّ العمامة أغطي بها رأسي، وأنت في أوسع الحل مما في الورقة، فظن الخاطف أنها فضة، ورآها ثقيلة،
فأخذها وَرَدَّ العمامة، وكانت صغيرة عتيقة، فرأى أخذ الورقة خيراً منها بدرجات، فَخَلَّصَ الشيخُ عمامته بهذا الوجه اللطيف. وبلغني من غير وجه عن الإِمام أبي العباس ابن تيمية -رحمه الله تعالى- أنه قال: ما دخلَ الشامَ بعدَ الأوزاعيِّ أفقَهُ من الشيخِ الموفَّقِ. قال الضياء: كان -رحمه الله- إمامًا في القرآن وتفسيره، إمامًا في علم الحديث ومشكلاته، إمامًا في الفقه، بل أوحد زمانه فيه، إمامًا في علم الخلاف، أوحد زمانه في الفرائض، إمامًا في أصول الفقه، إمامًا في النحو، إمامًا في الحساب، إمامًا في النجوم السيارة والمنازل. قال: ولما قدم بغداد، قال له الشيخ أبو الفتح بن المنِّي: اسكن هنا؛ فإن بغداد مفتقرة إليك، وأنت تخرج من بغداد ولا تخلف فيها مثلك، وكان شيخنا العماد يعظم الشيخ الموفق تعظيماً كثيرًا، ويدعو له، ويقعد بين يديه كما يقعد المتعلم من العالم. وسمعت الإِمام المفتي شيخنا أبا بكر محمد بن معالي بن غنيمة ببغداد يقول: ما أعرف أحدًا في زماني أدرك درجة الاجتهاد إلا الموفق. وسمعت أبا عمرو بن الصلاح المفتي يقول: ما رأيت مثل الشيخ الموفق. وقال الشيخ عبد الله اليونيني: ما أعتقد أن شخصاً ممن رأيته حصل له من الكمال في العلوم والصفات الحميدة التي يحصل بها الكمال سواه؛ فإنه -رحمه الله- كان كاملًا في صورته ومعناه؛ من الحسن، والإحسان، والحلم، والسؤدد، والعلوم المختلفة،
ذكر شيء من كراماته
والأخلاق الجميلة، والأمور التي ما رأيتها, كملت في غيره، وقد رأيت من كرم أخلاقه، وحسن عشرته، ووفور حلمه، وكثرة علمه، وغزير فطنته، وكمال مروءته، وكثرة حيائه، ودوام بشره، وعزوف نفسه عن الدنيا وأهلها، والمناصب وأربابها: ما قد عجز عنه كبار الأولياء؛ فإن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "ما أنعم الله على عبد نعمة أفضل من أن يلهمه ذكره"؛ فقد ثبت بهذا أن إلهام الذكر أفضل من الكرامات، وأفضل الذكر ما يتعدى نفعه إلى العباد، وهو تعليم العلم والسنة، وأعظم من ذلك وأحسن: ما كان جِبلَّةً وطبعاً؛ كالحلم، والكرم، والعقل، والحياء، وكان الله قد جبلهَ على خُلُقٍ شريفٍ، وأفرغ عليه المكارم إفراغاً، وأسبغ عليه النعم، ولطف به في كل حال. قال: وكان لا يناظر أحدًا إلا وهو يتبسم، حتى قال بعض الناس: هذا الشيح يقتل خصمه بتبسمه. قال: وأقام مدة يعمل حلقة يوم الجمعة بجامع دمشق، يناظر فيها بعد الصلاة، ثم ترك ذلك في آخر عمره، وكان يشتغل عليه الناس من بكرة إلى ارتفاع النهار، ثم يقرأ عليه بعد الظهر، إما من الحديث، أو من تصانيفه إلى المغرب، وربما قرأ عليه بعد المغرب وهو يتعشى، وكان لا يُرِي لأحدٍ ضَجَراً، وربما تضرر في نفسه، ولا يقول لأحد شيئًا. • ذكر شيء من كراماته: قال سبط ابن الجوزي: حكى أبو عبد الله بن فضل الأعتاكي قال: قلت في نفسي: لو كان لي قدرة، لبنيت للموفق مدرسة، وأعطيته كل يوم ألف درهم، قال: فجئت بعد أيام، فسلمت عليه، فنظر إليَّ
وتبسم، وقال: إذا نوى الشخصُ نية، كُتبَ له أجرُها. وحكى أبو الحسن بن حمدان الجرائحي قال: كنت أبغض الحنابلة؛ لما شُنِّعَ عليهم من سوء الاعتقاد، فمرضت مرضاً شنج أعضائي، وأقمت سبعة عشر يوما لا أتحرك، وتمنيتُ الموت، فلما كان وقت العشاء، جاءني الموفق, وقرأ علي آيات، وقال: {وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ} [الإسراء: 82] , ومسح على ظهري، فاحسست بالعافية، وقام، فقلت: يا جارية! افتحي له الباب، فقال: أنا أروح من حيث جئت، وغاب عن عيني، فقمتُ من ساعتي على بيت الوضوء، فلما أصبحتُ، دخلت الجامع، فصليت الفجر خلف الموفق، وصافحته، فعصر يدي وقال: احذر أن تقول شيئًا، فقلت: أقول وأقول. وقال قوام جامع دمشق: كان ليلة يبيت في الجامع، فتفتح له الأبواب، فيخرج ويعود، فتغلق على حالها. وحدث العفيف كتائب بن أحمد بن مهدي البانياسي بعد موت الشيخ الموفق بأيام قال: رأيت الشيخ الموفق على حافة النهر يتوضأ، فلما توضأ أخذ قبقابه، ومشى على الماء إلى الجانب الآخر، ثم لبس القبقاب وصعد إلى المدرسة -يعني: مدرسة أخيه أبي عمر-، ثم حلف كتائب بالله لقد رأيته، وما لي في الكذب حاجة، وكتمت ذلك في حياته، فقيل له: هل رآك؟ قال: لا, ولم يكن ثَمَّ أحد، وذلك وقت الظهر. فقيل له: هل كانت رجلاه تغوص في الماء؟ قال: لا، إلا كأنه يمشي على وطاءٍ -رحمه الله-.
ذكر تصانيفه
وقرأت بخط الحافظ الذهبي: سمعت رفيقنا أبا طاهر أحمد الدربي، سمعت الشيخ إبراهيم بن أحمد بن حاتم -وزرت معه قبر الشيخ الموفق-، فقال: سمعت الفقيه محمداً اليونيني شيخنا يقول: رأيت الشيخ الموفق يمشي على الماء. • ذكر تصانيفه: صنف الشيخ الموفق -رحمه الله- التصانيف الكثيرة الحسنة في المذهب، فروعًا وأصولاً، وفي الحديث، واللغة، والزهد، والرقائق. وتصانيفه في أصول الدين في غاية الحسن، أكثرها على طريقة أئمة المحدِّثين، مشحونة بالأحاديث والآثار, وبالأسانيد، كما هي طريقة الإِمام أحمد وأئمة الحديث، ولم يكن يرى الخوض مع المتكلمين في دقائق الكلام، ولو كان بالرد عليهم، وهذه طريقة الإمام أحمد والمتقدمين، وكان كثير المتابعة للمنقول في باب الأصول وغيره، لا يرى إطلاق ما لم يؤثر من العبارات، ويأمر بالإقرار والإمرار لما جاء في الكتاب والسنة من الصفات، من غير تفسير ولا تكييف، ولا تمثيل ولا تحريف، ولا تأويل ولا تعطيل. * فمن تصانيفه في أصول الدين: 1 - "البرهان في مسألة القرآن" جزء. 2 - "جواب مسألة وردت من صرخد في القرآن" جزء. 3 - "الاعتقاد" جزء.
4 - "مسألة العلو" جزآن. 5 - "ذم التأويل" جزء. 6 - "كتاب القدر" جزآن. 7 - "فضائل الصحابة" جزآن، وأظنه: 8 - "منهاج القاصدين في فضل الخلفاء الراشدين". 9 - "رسالة إلى الشيخ فخر الدين بن تيمية في تخليد أهل البدع في النار". 10 - "مسألة في تحريم النظر في كتب أهل الكلام". * من تصانيفه في الحديث: 1 - "مختصر العلل" للخلال، مجلد ضخم. 2 - "مشيخة شيوخه" جزء، وأجزاء كثيرة خرجها. * ومن تصانيفه في الفقه: 1 - "المغني في الفقه" عشر مجلدات. 2 - "الكافي في الفقه" أربع مجلدات. 3 - "المقنع في الفقه" مجلد. 4 - "مختصر الهداية" مجلد. 5 - "العمدة" مجلد صغير. 6 - "مناسك الحج" جزء. 7 - "ذم الوسواس" جزء.
8 - "فتاوى ومسائل منثورة، ورسائل شتى كثيرة". * ومن تصانيفه في أصول الفقه: 1 - "الروضة" مجلد. * وله في اللغة والأنساب ونحو ذلك: 1 - "قنعة الأريب في الغريب" مجلد صغير. 2 - "التبيين في نسب القرشيين" مجلد. 3 - "الاستبصار في نسب الأنصار" مجلد. * وله في الفضائل والزهد والرقائق ونحو ذلك: 1 - "كتاب التوابين" جزآن. 2 - "كتاب المتحابين في الله" جزآن. 3 - "كتاب الرقة والبكاء" جزآن. 4 - "فضائل عاشوراء" جزء. 5 - "فضائل العشر" جزء. وانتفع بتصانيفه المسلمون عموماً، وأهل المذهب خصوصًا، وانتشرت واشتهرت بحسن قصده وإخلاصه في تصنيفها, ولا سيما كتاب "المغني"؛ فإنه عظم النفع به، وَكَثُرَ الثناء عليه. قال الحافظ الضياء: رأيت الإِمام أحمد بن حنبل في النوم، وألقى عليَّ مسألة في الفقه، فقلت: هذه في "الخرقي"، فقال: ما قصر صاحبكم الموفق في شرح "الخرقي".
وقرأت بخط الحافظ الدبيثي قال: سمعت الشيخ علاء الدين المقدسي قال: سمعت شيخنا أبا العباس ابن تيمية -قال الذهبي: وأظنني سمعت من شيخنا ابن تيمية- يقول: قال لي الشيخ تاج الدين عبد الرحمن بن إبراهيم القزازي: كان الشيخ عز الدين بن عبد السلام شيخنا يرسلني أستعير له "المحلى والمجلَّى" من ابن عربي، وقال: قال الشيخ عز الدين: ما رأيت في كتب الإسلام في العلم مثل "المحلى والمجلى"، وكتاب "المغني" للشيخ موفق الدين بن قدامة؛ في جودتهما، وتحقيق ما فيهما. ونقل عن ابن عبد السلام أيضًا أنه قال: لم تطب نفسي بالفتيا حتى صار عندي نسخة "المغني". وللشيح يحيى الصرصري في مدح الشيخِ وكتبِهِ، في جملة القصيدة الطويلة اللامية: وَفي عَصْرِنَا كانَ الموفقُ حُجَّةً ... على فِقْهِهِ ثَبْتِ الأُصولِ مُخَوَّلِ كَفَى الخلقَ بـ "الكافِي"، وأَقنعَ طَالباً ... بـ: "مُقنعِ" فِقْهٍ عن كتابٍ مُطَوَّلِ وأغنى بمُغنِي الفِقْهِ مَنْ كَانَ بَاحِثًا ... وعُمدتُهُ مَنْ يعتمدْها يُحَصِّلِ و"روضتُهُ" ذاتُ الأصولِ كروضةٍ ... أَمَاستْ بها الأزهارُ أنفاسَ شَمأَلِ تَدُلُّ على المنطوقِ أوفى دَلالةً ... وتَحمِلُ في المفهومِ أحسنَ مَحْملِ وللشيخ موفق الدين نظم كثير حسن، وقيل: إن له قصيدة في عويصِ اللّغةِ، طويلةً. وله مُقَطَّعاتٌ من الشِّعرِ، فمنها قوله: أتغفُلُ يَا بنَ أحمدَ وَالمنايا ... شَوارِعُ تَخْتَرِمْكَ عَنْ قَريبِ
أَغَرَّكَ أَنْ تُخَطِّيَكَ الرَّزَايا ... فَكَمْ لِلْمَوتِ مِنْ سَهْمٍ مُصيبِ؟ كؤوسُ المَوتِ دائرةٌ عَلَيْنَا ... وَمَا لِلْمَرءِ بُدٌّ مِنْ نَصيبِ إلى كَمْ تَجْعَلُ التَّسْوِيفَ دَأْباً ... أَمَا يكْفِيكَ إنْذَارُ المَشِيبِ؟ أَما يكفيكَ أنَّكَ كُلَّ حِيْنٍ ... تمرُّ بغيرِ خِلٍّ أو حَبيبِ؟ كأنَّكَ قد لَحِقْتَ بهم قَرِيباً ... ولا يُغْنيكَ إفْراطُ النَّحِيبِ قال سِبْطُ ابنِ الجوزيِّ: وأنشدني لموفق لنفسه: أبعدَ بياضِ الشَّعرِ أُعمِّرُ مَسكناً ... سِوى القَبْرِ؟ إنِّي إنْ فَعلْتُ لأحمَقُ يُخَبِّرُني شَيْبِي بأنيَ مَيِّمتٌ ... وَشيكًا، ويَنْعَانِي إليَّ، فَيَصْدُقُ تخرَّقَ عُمري كُلَّ يومٍ وليلةٍ ... فهلْ مستطيعٌ رَفْلَ ما يَتَخَرَّقُ كأني بجسمِي فَوقَ نَعْشِي مُمَدَّداً ... فَمِنْ سَاكِتٍ أو مُعْوِلٍ يَتَحَرَّقُ إذا سُئِلوا عَنِّي أَجَابوا وأَعْوَلُوا ... وأدمُعُهم تَنْهَلُّ: هَذا المُوفَّقُ وغُيِّبْتُ في صَدْعٍ من الأرضِ ضَيِّقٍ ... وأُودعْتُ لَحْداً فوقَهُ الصَّخْرُ مُطِبْقُ ويحثوُ عَليَّ التُّربَ أوثقُ صَاحِبٍ ... ويُسْلِمُني للقبرِ مَنْ هُو مُشْفِقُ فيا ربِّ كُنْ لي مُؤْنساً يومَ وَحْشَتي ... فإِنِّي لِما أنزلْتَهُ لَمُصَدِّقُ وَمَا ضَرَّني أَنِّي إلى اللهِ صَائِرٌ ... وَمَنْ هو مِنْ أَهْلي أَبَرُّ وأَرْفَقُ قال أبو شامة: ونقلتُ من خطه: لا تجلسنَّ ببابِ مَنْ ... يأبى عليكَ دُخولَ دَارِهْ وَتَقُولُ حَاجَاتِي إليـ ... ـه يَعُوقُهَا إن لم أُدَارِهْ واتركْهُ وَاقْصِدْ رَبَّهَا ... تُقْضَى وَرَبُّ الدَّارِ كَارِهْ
تفقَّه على الشيخ موفق الدين خلق كثير، منهم: ابن أخيه الشيخ شمس الدين عبد الرحمن بن أبي عمر، والمراتبي. وسمع منه الحديث خلائق من الأئمة والحفاظ وغيرهم، وروى عنه ابن الدبيثي، والضياء، وابن خليل، والمنذري. وحدث ببغداد، وسمع منه بها رفيقه أبو منصور عبد العزيز بن طاهر بن ثابت الخياط المقري، سنة ثمان وستين وخمس مئة. توفي -رحمه الله- يوم السبت يوم عيد الفطر، سنة عشرين وست مئة، بمنزله بدمشق، وصلِّي عليه من الغد، وحُمل إلى سفح قاسيون، فدفن به، وكان له جمع عظيم، امتد الناس في طرق الجبل فملؤوه. قال أبو المظفر سبط ابن الجوزي: حكى إسماعيل بن حماد الكاتب البغدادي، قال: رأيت ليلة عيد الفطر كأن مصحف عثمان قد رُفِعَ من جامع دمشق إلى السماء، فلحقني غم شديد، فتوفى الموفق يوم العيد. قال: وَرَأى أحمد بن سعد، أخو محمد بن سعد الكاتب المقدسي، وكان أحمد هذا من الصالحين، قال: رأيت ليلة العيد ملائكة ينزلون من السماء جملة، وقائل يقول: انزلوا بالنوبة، فقلت: ما هذا؟ قالوا: ينقلون روح الموفق الطيبة في الجسد الطيب. قال: وقال عبد الرحمن بن محمد العلوي: رأيت كأن النبي - صلى الله عليه وسلم - مات، وقُبر بقاسيون يوم عيد الفطر، قال: وكنا بجبل بني هلال، فرأينا على قاسيون ليلة العيد ضوءاً عظيمًا، فظننا أن دمشق قد احترقت،
وخرج أهل القرية ينظرون إليه، فوصل الخبر بوفاة الموفق يوم العيد، ودفن بقاسيون -رحمه الله تعالى-.
صور المخطوطات
صورة غلاف النسخة الخطية
صورة اللوحة الأولى من النسخة الخطية
صورة اللوحة الأخيرة من النسخة الخطية
صورة غلاف مطبوعة العلامة ابن مانع
كتاب الهادي أو «عمدة الحازم في الزوائد على مختصر أبي القاسم» تأليف الإمام موفق الدين عبد الله بن أحمد بن قدامة المقدسي المولود بجماعيل سنة (541 هـ) والمتوفى بدمشق سنة (620 هـ) - رحمه الله تعالى - اعتنى به تحقيقا وضبطا وإخراجا نور الدين طالب
مقدمة المؤلف
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ اللهمَّ صَلِّ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ (¬1) قَالَ الشَّيْخُ الإِمَامُ الْعَالِمُ الأوْحَدُ الصَّدْرُ الْكَبِيرُ، شَيْخُ الإِسْلامِ، مُوَفَّقُ الدِّينِ أَبُو مُحَمَّدٍ، عَبْدُ اللهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ قُدَامَةَ الْمَقْدِسِيُّ -قَدَّسَ اللهُ رُوحَهُ، وَنَوَّرَ ضَرِيحَهُ، وَأثابَهُ الْجَنَّةَ بِرَحْمَتِهِ-: الْحَمْدُ للهِ الَّذِي هَدَانا لِدِينهِ، وَمَنَّ عَلَيْنَا بِتَعْرِيفِهِ وَتَبْيينهِ، وَاخْتَصَّنَا مِنْ بَيْنِ الأُمَمِ بِسَيِّدِ الْعَرَبِ وَالْعَجَمِ، مُحَمَّدٍ رَسُولهِ وأَمينهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ، وَعَلَى آلِهِ وَأَنْصَارِهِ، صَلاةً يُحِلُّهُمْ بِهَا في جِوَارِهِ، وَيُبَوِّئُهُمْ بِفَضْلِهَا أَعلَى دَرَجَاتِ دَارِهِ. أَمَّا بَعْدُ: فَهذَا كِتَابٌ اخْتَصَرْتُهُ عَلَى مَذْهَبِ إِمَامِ الأَئِمَّةِ، وَمُحْيِي السُّنَّةِ، أَبِي عَبْدِ اللهِ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ حَنْبَلٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- اعْتَمَدْتُ في مُعْظَمِهِ، عَلَى مَسَائِلِ كِتَابِ "الْهِدَايَةِ" لأَبِي الْخَطَّابِ مَحْفُوظِ بْنِ أَحْمَدَ ¬
ابْنِ الْحَسَنِ الْكَلْوَذَانِيِّ (¬1): "الزَّوائِدِ (¬2) عَلَى مُخْتَصَرِ أَبِي الْقَاسِمِ الْخِرَقِيِّ"؛ تَسْهِيلاً عَلَى الطَّالِبِينَ، وَتَقْرِيباً عَلَى الْمُبْتَدِئِينَ، وَاللهُ سُبْحَانَهُ الْمَسْؤُولُ لِلتَّوْفِيقِ للصَّوَابِ بِرَحْمَتِهِ وَفَضْلِهِ، إِنَّهُ جَوَادٌ كَرِيمٌ. * * * ¬
باب المياه
بابُ المِيَاهِ الْمَاءُ يَنْقَسِمُ ثَلاثَةَ أَقْسَامٍ: مَاءٌ طَهُورٌ: وَهُوَ البَاقِي عَلَى أَصْلِ الْخِلْقَةِ. فَإِنْ تَغَيَّرَ بِطَاهِرٍ لا يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ مِنْهُ؛ كَالتُّرَابِ وَالطُّحْلُبِ، أو لا يُخَالِطُهُ؛ كَالدُّهْنِ وَالْكَافُورِ وَالْعُودِ، فَهُوَ عَلَى طَهُورِيَّتِهِ. وَإنْ سُخِّنَ بِنَجَاسَةٍ لا تَصِلُ إلَيْهِ غَالِباً، فَفِي كَرَاهِيَةِ التَّطَهُّرِ بِهِ رِوَايَتَانِ. وَمَاءٌ طَاهِرٌ غَيْرُ مُطَهِّرٍ: وَهُوَ الْمُسْتَعْمَلُ في رَفْعِ حَدَثٍ، أوْ مَا خَالَطَهُ طَاهِرٌ، فَغَلَبَ عَلَى أَجْزَائِهُ، أَوْ طُبِخَ فِيهِ، فَإِنِ اسْتُعْمِلَ في طَهَارَةٍ مُسْتَحبَّةٍ؛ كَالتَّجْدِيدِ، أَوْ تَغَيَّرَ طَعْمُهُ أَوْ لَوْنُهُ بِطَاهِرٍ؛ كَالزَّعْفَرَانِ وَنَحْوِهِ، فَهَلْ يُسْلَبُ طَهُورِيَّتَهُ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ. وَمَاءٌ نَجِسٌ: وَهُوَ مَا تَغَيَّرَ بِمُخَالَطَةِ النَّجَاسَةِ. فَأَمَّا مَا دُونَ الْقُلَتيْنِ -وَهُمَا خَمْسُ مِئَةِ رِطْلٍ بِالْعِرَاقِيِّ- إذَا خَالَطَتْهُ النَّجَاسَةُ، وَلَمْ تُغَيِّرْهُ، فَهَلْ يَنْجُسُ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ.
وَمَتَى زَالَ التَّغَيُّرُ بِنَفْسِهِ في الماءِ الْكَثيرِ، أَوْ بِقُلَتيْ (¬1) مَاءٍ طَهُورٍ يَجْرِي عَلَيْهِ، أَوْ بِنَزْحٍ (¬2) بَقِيَ عَلَيْهَ بَعْدَهُ قُلَّتانِ (¬3)، طَهُرَ. وإِنْ طُرِحَ فِيهِ تُرَابٌ، أَوْ شَيْءٌ غَيْرُ الْماءِ، فَقُطِعَ التَّغَيُّرُ، لَمْ يَطْهُرْ. * * * ¬
فصل في الآنية
فَصْلٌ في الآنِيَةِ وَكُلُّ إِنَاءٍ طَاهِرٍ مِنْ غَيْرِ جِنْسِ الأَثْمَانِ، فَلا بَأْسَ بِاتِّخَاذِهِ وَاسْتِعْمَالِهِ، ثَمِيناً كانَ أَوْ غَيْرَ ثَمِينٍ. فَأَمَّا آنِيَةُ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ، فَلا يُبَاحُ اتِّخَاذُهَا، وَلا اسْتِعْمَالُها. وَكذلِكَ الْمَضَبَّبُ بِهِمَا، إلَّا أَنْ تَكُونَ الضَّبَّةُ يَسِيرَةً مِنَ الْفِضَّةِ لِحَاجَةٍ؛ كَتَشْعِيبِ الْقَدَحِ، وَقَبْضَةِ السَّيْفِ، وَشَعِيرَةِ السِّكِّينِ. وَأَوَانِي الْكُفَّارِ وثيَابُهُمْ طَاهِرَةٌ، مَا لَمْ يُتَيَقَّنْ نَجَاسَتُها. وَفِي كَرَاهِيَةِ اسْتِعْمَالِهَا رِوَايَتَانِ. وَإِذَا اشْتَبَهَ الْماءُ الطَّاهِرُ بِالطَّهُورِ، تَوَضَّأَ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وُضُوءاً كَامِلاً. وَإِنِ اشْتَبَهَتِ الثِّيَابُ الطَّاهِرَةُ بِالنَّجِسَةِ، كَرَّرَ فِعْلَ الصَّلاةِ في عَدَدِ النَّجِسِ مِنْهَا، وَزَادَ صَلاةً، لِتَحْصُلَ لَهُ تَأْدِيَةُ فَرْضِهِ بِيَقِينٍ.
فصل في أدب قضاء الحاجة
فَصْلٌ في أَدَبِ قَضَاءِ الْحاجَةِ يُسْتَحَبُّ لِمَنْ أَرَادَ قَضَاءَ الْحَاجَةِ أَنْ يَقُولَ: "بِاسْمِ اللهِ، أَعُوذُ بِاللهِ مِنَ الْخُبُثِ وَالْخَبَائِثِ، وَمِنَ الرِّجْسِ النَّجِسِ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ". وَيَضَعَ مَا مَعَهُ مِمَّا فِيهِ ذِكْرُ اللهِ تَعَالَى. وَلا يَرْفَعُ ثَوْبَهُ حَتَّى يَدْنُوَ مِنَ الأَرْضِ. وَيَعْتَمِدُ في حَالِ جُلُوسِهِ عَلَى رِجْلِهِ الْيُسْرَى، وَيَنْصِبُ الْيُمْنَى. وَلا يَتكلَّمُ. وَلا يُطِيلُ مُقَامَهُ أَكْثَرَ مِنْ حَاجَتِهِ. وَإِذَا فَرَغَ قَالَ: "غُفْرَانَكَ، الْحَمْدُ للهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنِّي الأَذَى وَعَافَانِي". فَإِنْ كَانَ في الْخَلاءِ، قَدَّمَ رِجْلَهُ الْيُسْرَى في الدُّخُولِ، وَاليُمْنَى في الْخُرُوجِ. وَإِنْ كَانَ فِي فَضَاءٍ، أَبْعَدَ، وَاسْتَتَرَ عَنِ الْعُيُونِ. وَارْتَادَ لِبَوْلهِ مَكَاناً دَمْثاً.
وَيَتَوَقَّى الأَظِلَّةَ الَّتِي يُجْلَسُ فِيهَا، وَالطُّرُقَاتِ، وَالأَشْجَارَ الْمُثْمِرَةَ، وَفُرَضَ الأَنْهَارِ. وَلا يَبُولُ في ثَقْبٍ، وَلا شَقٍّ. وَلا يَسْتَقْبِلُ شَمْساً، وَلا قَمَراً. وَلا يَجُوزُ استِقْبَالُ القِبْلَةِ. وَفِي اسْتِدْبَارِهَا في الْفَضَاءِ وَاسْتِقْبَالِهَا رِوَايَتَانِ. وَإِذَا انْقَطَعَ الْبَولُ، مَسَحَ بِيَدِهِ الْيُسْرَى مِنْ أَصْلِ ذَكَرِهِ إلَى رَأْسِهِ، ثُمَّ يَنْتُرُهُ ثَلاثاً. وَيَتَحَوَّلُ عَنْ مَوْضِعِهِ. وَيَسْتَجْمِرُ بِالأَحْجَارِ، ثُمَّ يَسْتَنْجِي بِالْمَاءِ، وَيَجُوزُ الِاقْتِصَارُ عَلَى أَحَدِهِمَا، وَأَفْضَلُهَا (¬1) الْماءُ، وَالْجَمْعُ بَيْنَهُمَا أَفْضَلُ، وَلا يَقْطَعُ إِلَّا عَلَى وِتْرٍ (¬2)؛ لِقَوْلهِ -عَلَيْهِ السَّلامُ-: "مَنْ تَوَضَّأَ فَلْيَسْتَنْثِرْ، وَمَنِ اسْتَجْمَرَ فَلْيُؤترْ" رَوَاه الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ (¬3). وَصِفَةُ مَا يَجُوزُ الاسْتِجْمَارُ بِهِ: أَنْ يَكُونَ جَامِداً، طَاهِراً، مُنْقِياً (¬4)، ¬
غَيْرَ مَطْعُومٍ، وَلا حُرْمَةَ لَهُ، وَلا مُتَّصِلاً بِحَيَوَانٍ. وَلا يَسْتَعِينُ بِيَمِينهِ في الِاسْتِجْمَارِ، فَإِنْ فَعَلَ، كُرِهَ، وَأَجْزَأَهُ، وَلا بَأْسَ بِالاسْتِعَانَةِ بِهَا فِي الْمَاءِ. فَإِنْ أَخَّرَ الِاسْتِنْجَاءَ عَنِ الْوُضُوءِ، فَهَلْ يَصِحُّ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ. وإنْ تَيَمَّمَ قَبْلَ الاسْتِجْمَارِ؟ فَقِيلَ: يُخَرَّجُ عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ، وَقِيلَ: لا يُجْزِئُهُ، وَجْهًا وَاحِداً.
فصل في السواك وغيره
فَصْلٌ في السِّوَاكِ وَغَيْرِهِ رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ: أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "لَوْلا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي، لأَمَرْتُهُمْ بِالسِّوَاكِ عِنْدَ كُلِّ صَلاةٍ" مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ (¬1). وَالسِّوَاكُ سُنَّة مُؤَكَّدَةٌ عِنْدَ الصَّلاةِ، وَتَغَيُّرِ رَائِحَةِ الْفَمِ بِمَأكُولٍ، أو أَزْمٍ (¬2)، أَوْ نَومٍ (¬3)، وَغَيْرِ ذلِكَ. وُيسْتَحَبُّ فِي سَائِرِ الأَوْقَاتِ، إِلَّا فِيمَا بَعْدَ الزَّوَالِ في حَقِّ الصَّائِمِ، فَفِي كَرَاهِيَتِهِ لَهُ رِوَايَتَانِ. وَيُسْتَاكُ بِعُودٍ يُنَقِّي الْفَمَ، وَلا يَجْرَحُهُ، وَلا يَتَفَتَّتُ فِيهِ، وَيَجْتَنِبُ الرَّيَاحِينَ، وَالأَوْلَى أَنْ يَكُونَ (¬4) عُرْجُوناً، أَوْ زَيْتُوناً، أَوْ عُودَ أَرَاكٍ. وَيَسْتَاكُ عَرْضاً. ¬
وَيَكْتَحِلُ وِتْراً. وَيَدَّهِنُ غِبّاً. وَيُسَرِّحُ شَعْرَهُ. وَيَنْظُرُ فِي الْمِرْآةِ. وَيَتَطيَّبُ. وَيَجِبُ الْخِتَانُ. وَيُكْرَهُ الْقَزَعُ. وَفِي "مُسْلِمٍ" عَنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قالَ: "خَمْسٌ مِنَ الْفِطْرَةِ: الْخِتَانُ وَالاسْتِحْدَادُ، وَتَقْلِيمُ الأَظْفَارِ، وَنتفُ الإِبِطِ، وَقَصُّ الشَّارِبِ" (¬1). وَقَالَ أَنسٌ: "وُقِّتَ لَنَا فِي قَصِّ الشَّارِبِ، وَتَقْلِيمِ الأَظْفَارِ، وَنتفِ الإِبطِ، وَحَلْقِ الْعَانَةِ، أَلاَّ نترُكَ أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً" (¬2). وَيُسْتَحَبُّ التَّيَامُنُ فِي سوَاكِهِ، وَوُضُوئِهِ، وانْتِعالِهِ (¬3)، وَدُخُولِهِ الْمَسْجِدَ. * * * ¬
فصل في صفة الوضوء
فَصْلٌ فِي صِفَةِ الْوُضَوءِ وَيَبْتَدِىَ الطَّهَارَةَ نَاوِياً أَحَدَ شَيْئَيْنِ: رَفْعَ الْحَدَثِ، أَوِ اسْتِبَاحَةَ مَا لا يُسْتَبَاحُ إِلا بِالطَّهَارَةِ؛ كَالصَّلاةِ، وَمَسِّ المُصْحَفِ. وُيقَدِّمُهَا عَلَى غَسْلِ الْيَدَيْنِ؛ لِتَكُونَ شَامِلَةً لِمَفْرُوضِ الْوُضُوءِ وَمَسْنُونِهِ، وَإِنْ أَخَّرَهَا إِلَى الْمَضْمَضَةِ أَجْزَأَهُ. وَيَسْتَدِيمُ ذِكْرَهَا إِلَى آخِرِ طَهَارَتِهِ. وَإِنْ تَرَكَ ذِكْرَهَا فِي أَثْنَاءِ الْوُضُوءِ، وَلَم يَنْوِ قَطْعَهَا، أَجْزَأَهُ. ثُمَّ يُسَمِّي، وَيَغْسِلُ كَفَّيْهِ ثَلاثا، ثُمَّ يَتَمَضْمَضُ، وَيَسْتَنْشِقُ ثَلاثاً. وَفِي "الْبُخَارِيِّ" عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ زَيْدٍ: "أَنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - مضْمَضَ، واسْتَنْشَقَ ثَلاثاً مِنْ كَفٍّ وَاحِدٍ، فَعَلَ ذلِكَ ثَلاثاً" (¬1). ¬
وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ: "أَنَّهُ مَضْمَضَ، وَاسْتَنْشَقَ ثَلاثَ مَرَّاتٍ مِنْ غُرْفَةٍ وَاحِدَةٍ" (¬1). وَيُبَالِغُ (¬2) فِيهِمَا إِذَا كَانَ مُفْطِراً. ثُمَّ يَغْسِلُ وَجْهَهُ ثَلاثاً، وَيَتَعَاهَدُ الْمَوَاضِعَ الَّتِي يَنْبُو الْماءُ عَنْها. وَيَدْلِكُ عَارِضَيْهِ. فَإِنْ كَانَ فِي الْوَجْهِ شَعْرٌ كَثيفٌ، لَمْ يَجِبْ غَسْلُ مَا تَحْتَهُ، وُيسْتَحَبُّ تَخْلِيلُهُ، وَإِنْ كَانَ خَفِيفاً يَصِفُ الْبَشَرَةَ، وَجَبَ ذلِكَ. ثُمَّ يَغْسِلُ يَدَيْهِ إِلَى الْمِرْفَقَيْنِ ثَلاثاً. ثُمَّ يَمْسَحُ رَأْسَهُ، كَمَا رَوَى عَبْدُ اللهِ بْنُ زَيْدٍ: "أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - مسَحَ بِرَأْسِهِ، فَأَقْبَلَ بِيَدَيْهِ وَأَدْبَرَ: بَدَأَ بِمُقَدَّمِ (¬3) رَأْسِهِ، ثُمَّ ذَهَبَ بِهِمَا إِلَى قَفَاهُ، ثُمَّ رَدَّهُمَا حَتَّى رَجَعَ إِلَى الْمَكانِ الَّذِي بَدَأَ مِنْهُ" مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ (¬4). وَيمْسَحُ أُذُنَيْهِ بِمَاءِ رَأْسِهِ إِذَا أَحَبَّ. ¬
وَيَجِبُ اسْتِيعَابُ الرَّأْسِ بِالْمَسْحِ فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ. وَالأُخْرَى: يُجْزِئُهُ مَسْحُ أَكْثَرِهِ. وَلا يُسْتَحَبُّ تَكْرَارُ الْمَسْحِ. وَعَنْهُ: أنَّهُ يُسْتَحَبُّ. ثُمَّ يَغْسِلُ رِجْلَيْهِ ثَلاثاً. فَإِنْ كَانَ أَقْطَعَ الْيَدَيْنِ وَالرّجْلَيْنِ مِنْ دُونِ مَحَلِّ الْفَرْضِ، غَسَلَ مَا بَقِيَ مِنْهُ، وَإنْ كَانَ مِنْ فَوْقِ مَحَلِّ الْفَرْضِ، سَقَطَ الْغَسْلُ. وَيُرَتِّبُ الطَّهَارَةَ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ. وَلا يُؤَخِّرُ غَسْلَ عُضْوٍ حَتَّى يَنْشَفَ الَّذي قَبْلَهُ. وَيَقُولُ ما رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: أنَّهُ قَالَ: "مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ يَتَوَضَّأُ فَيُبْلِغُ، ثُمَّ يَقُولُ: أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا اللهُ، وَأَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، إِلَّا فُتِحَتْ لَهُ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ الثَّمَانِيَةُ، يدخلُ مِنْ أَيِّهَا شَاءَ" رَوَاهُ مُسْلِمٌ (¬1). وَالْمَفْرُوضُ مِنْ جَمِيعِ ذلِكَ: النِّيَّةُ، وَغَسْلُ الْوَجْهِ، وَالْيَدَيْنِ، وَالرِّجْلَيْنِ، وَمَسْحُ الرَّأْسِ. وَفِي الْمَضْمَضَةِ، وَالاسْتِنْشَاقِ، وَالتَّرْتِيبِ، وَالْمُوَالاةِ رِوَايَتَانِ، أَشْهَرُهُمَا الْوُجُوبُ. ¬
وَفِي التَّسْمِيَةِ رِوَايَتَانِ، إلَّا أَنَّهَا تَخْتَصُّ بِحُكْمٍ، وَهُوَ سُقُوطُها لِسَهوٍ. وَيُكْرَهُ نَفْضُ الْيَدِ مَعَ الْوُضُوءِ. وَيُبَاحُ تَنْشِيفُ أَعْضَائِهِ، وَالْمُعَاوَنَةُ فِي وُضُوئهِ، ولا يُسْتَحَبُّ ذلِكَ.
فصل في المسح على الحوائل
فَصْلٌ فِي الْمَسْحِ عَلَى الْحَوَائِلِ يَجُوزُ الْمَسْحُ عَلَى الْعِمَامَةِ، بِشَرْطِ أَنْ تَكُونَ تَحْتَ الْحَنَكِ، ساتِرَةً لِجَمِيعِ الرَّأْسِ، إِلَّا مَا جَرَتِ الْعَادَةُ بِكَشْفِهِ؛ كَمُقَدَّمِ الرَّأْسِ، وَالأُذُنَيْنِ. فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَحْتَ الْحَنَكِ، وَلاَ ذُؤَابَةَ لَهَا (¬1)، لَمْ يَجُزِ الْمَسْحُ عَلَيْهَا. فَإنْ كَانَ لَهَا ذُؤَابَةٌ، فَعَلَى وَجْهَيْنِ. وُيجْزِئُهُ مَسْحُ أَكْثَرِ الْعِمَامَةِ. وَعَنْهُ: لا يُجْزِىَ إِلَّا مَسْحُ جِمِيعِها. وَهَلْ يَجُوزُ الْمَسْحُ عَلَى الْقَلانِسِ وَالنَّوْمِيَّاتِ وَالزِّينَاتِ وَخُمُرِ النِّسَاءِ الْمُدَارَةِ تَحْتَ حُلُوقِهِنَّ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ. وَلا يَجُوزُ الْمَسْحُ إِلَّا عَلَى ما يَثْبُتُ بِنَفْسِهِ؛ كَاللَّفَائِفِ وَنَحْوِهَا. وَإِذَا لَبِسَ الْمُتَطَهِّرُ خُفّاً فَوْقَ خُفٍّ قَبْلَ الْمَسْحِ عَلَى التَّحْتَانِيِّ، ¬
جَازَ (¬1) الْمَسْحُ عَلَى الْفَوْقَانِيِّ، سَوَاءٌ كَانَ الَّذِي تَحْتَهُ صَحِيحاً أَوْ مَخْرُوقاً. وَإِذَا شَكَّ هَلِ ابْتَدَأَ الْمَسْحَ فِي الْحَضَرِ أَوْ السَّفَرِ؟ بَنَى عَلَى مَسْحِ حَاضِرٍ. وَإِذَا ظَهَرَ قَدَمُهُ أَوْ رَأْسُهُ، أَوْ انْقَضَتْ مُدَّةُ الْمَسْحِ، اسْتَأْنَفَ الطَّهَارَةَ الْكُبْرَى، إِلَّا الْجَبِيرَةَ. * * * ¬
فصل في نواقض الطهارة
فَصْلٌ فِي نَوَاقِضِ الطَّهَارَةِ وَيُنْقَضُ الْوُضُوءُ بِلَمْسِ النِّسَاءِ لِشَهْوَةٍ. وَلَمْسِ الذَّكَرِ بِيَدِهِ -عَلَى الْمَشْهُورِ مِنَ الْمَذْهَبِ-. وَلا يَنْقُضُ لَمْسُ الشَّعْرِ والسِّنِّ والظُّفُرِ، وَالأَمْرَدِ، وَلا لَمْسُ الذَّكَرِ بِذِرَاعِهِ. وَفِي لَمْسِ الذَّكَرِ الْمَقْطُوعِ وَجْهَانِ. وَإِذَا لَمَسَ ذَكَرَ الْخُنْثَى الْمُشكِلِ، وَقُبُلَهُ، انتُقَضَ وُضُوءُهُ. وَإِنْ لَمَسَ أَحَدَهُمَا، لَمْ يَنْتَقِضْ، إِلَّا إِنْ لَمَسَ الرَّجُلُ ذَكَرَهُ، وَالْمَرْأَةُ قُبُلَهُ (¬1) لِشَهْوَةٍ. وَفي "مُسْلِمٍ" عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ: "أَنَّ رَجُلاً قَالَ لِلنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: أَنتَوَضَّأُ (¬2) مِنْ لُحُومِ الإِبِلِ؟ قَالَ: نَعَمْ، تَوَضَّأْ مِنْ لُحُومِ الإِبِلِ" (¬3). ¬
وَإِنْ شَرِبَ مِنْ أَلْبَانِهَا، فَهَلْ يُنْقَضُ وُضُوءُهُ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ. وَإِنْ أَكَلَ مِنْ كَبِدِهَا، أَوْ طِحَالِهَا، فَعَلَى وَجْهَيْنِ. وَمَنْ تَيَقَّنَ الطَّهَارَةَ، وَشَكَّ فِي السَّابِقِ مِنْهُمَا، نَظَرَ فِي حَالِهِ قَبْلَ ذلِكَ: فَإِنْ كَانَ مُحْدِثاً، فَهُوَ مُتَطَهِّرٌ، وَإِنْ كَانَ مُتَطَهِّراً، فَهُوَ مُحْدِثٌ. وَإِنْ تَيَقَّنَ ابْتِدَاءَ نَقْضِ الطَّهَارَةِ (¬1) وَفِعْلَهَا فِي حَالٍ، وَشَكَّ فِي السَّابِقِ مِنْهُمَا، نَظَرَ فِي حَالِهِ قَبْلَهُمَا: فَإِنْ كَانَ مُتَطَهِّراً، فَهُوَ الآنَ مُتَطَهِّرٌ، وَإِنْ كَانَ مُحْدِثاً، فَهُوَ الآنَ مُحْدِثٌ. * * * ¬
فصل في ما يوجب الغسل
فَصْلٌ فِي مَا يُوجِبُ الْغُسْلَ كُلُّ مَنْ لَزِمَهُ الْغُسْلُ حَرُمَ عَلَيْهِ قِرَاءَةُ آيَةٍ فَصَاعِداً. فَأَمَّا بَعْضُ آيةَ، فَعَلَى رِوَايَتَيْنِ. وَلا يَحْرُمُ عَلَيْهِ الْعُبُورُ فِي الْمَسْجِدِ. وَيَحْرُمُ عَلَيْهِ اللُّبْثُ فِيهِ إِلَّا أَنْ يَتَوَضَّأَ. وَيَجِبُ الْغُسْلُ بِتَغْيِيبِ الْحَشَفَةِ فِي الْفَرْجِ، قُبُلاً كَانَ أَوْ دُبُراً، مِنْ كُلِّ حَيَوانٍ نَاطِقٍ أَوْ بَهِيمَةٍ، حَيّاً كَانَ أَوْ مَيْتاً؛ لِقَوْلِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: "إِذَا قَعَدَ بَيْنَ شُعَبِهَا الأَرْبَعِ، وَمَسَّ الْخِتَانُ الخْتَانَ (¬1)، فَقَدْ وَجَبَ الْغُسْلُ" مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ (¬2). ¬
وَيَجِبُ بِإِنْزَالِ الْمَنِيِّ لِشَهْوَةٍ، فَإِنْ خَرَجَ لِغَيْرِ شَهْوَةٍ، نَحْوَ أَنْ يَخْرُجَ لِمَرَضٍ أَوْ بَرْدٍ، لَمْ يِجِبِ الْغُسْلُ. فَإِنْ أَحَسَّ بِانْتِقَالِ الْمَنِيِّ عِنْدَ الشَّهْوَةِ، فَأَمْسَكَ ذَكَرَهُ، فَلَمْ يَخْرُجْ، فَعَلَى رِوَايَتَيْنِ. فَإِنْ خَرَجَ بَعْدَ الْغُسْلِ، فَهُوَ كَكَيْفِيَّةِ الْمَنِيِّ (¬1) يَخْرُجُ بَعْدَ الْغُسْلِ، وَفِيهِ ثَلاثُ رِوَايَاتٍ: إحْدَاهَا: يَجِبُ الْغُسْلُ. وَالثَّانِيَةُ: لا يَجِبُ. وَالثَّالِثَةُ: إِنْ ظَهَرَ قَبْلَ الْبَوْلِ، وَجَبَ الْغُسْلُ، وَإِنْ ظَهَرَ بَعْدَهُ، لَمْ يَجِبْ. وَالأَغْسَالُ الْمُسْتَحَبَّةُ ثَلاثَةَ عَشَرَ غُسْلاً: لِلْجُمُعَةِ، وَالْعِيدَيْنِ، وَالاسْتِسْقَاءِ، وَالْكُسُوفِ، وَالْغُسْلُ مِنْ غَسْلِ الْمَيِّتِ، وَغُسْلُ الْمَجْنُونِ، وَالْمُغْمَى عَلَيْهِ إِذَا أَفَاقَ مِنْ غَيْرِ احْتِلامٍ، وَغُسْلُ الْمُسْتَحَاضَةِ لِكُلِّ صَلاةٍ، وَالْغُسْلُ لِلإِحْرَامِ، وَلِدُخُولِ مَكَّةَ، وَلِلْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ، وَلِلْمَبِيتِ بِمُزْدَلِفَةَ، وَلِرَمْيِ الْجِمَارِ، وَالطَّوَافِ. صِفَةُ الْغُسْلِ: عَنْ مَيْمُونَةَ قَالَتْ: "وَضَعْتُ لِلنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - مَا يَغْتَسِلُ بِهِ، فَأَفْرَغَ عَلَى يَدَيْهِ، فَغَسَلَهُمَا مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلاثاً، ثُمَّ أَفْرَغَ بِيَمِينِهِ عَلَى شِمَالِهِ، ¬
فَغَسَلَ مَذَاكِيرَهُ، ثُمَّ دَلَكَ بِيَدِهِ الأَرْضَ، ثُمَّ تَمَضْمَضَ وَاسْتَنْشَقَ، ثُمَّ غَسَلَ وَجْهَهُ وَيَدَيْهِ، ثُمَّ غَسَلَ رَأْسَهُ ثَلاثاً، ثُمَّ أَفْرَغَ عَلَى سَائِرِ جَسَدِهِ، ثمَّ تنحَّى عَنْ مَقْعَدِهِ، فَغَسَلَ قَدَمَيْهِ" مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ (¬1). * * * ¬
فصل في التيمم
فَصْلٌ فِي التَّيَمُّمِ قَالَ عَمَّار: "أَجْنَبْتُ، فتمَعَّكْتُ، فَصَلَّيْتُ، فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ: إِنَّمَا يَكْفِيكَ هَكَذَا، وَضَرَبَ بِكَفَّيْهِ الأَرْضَ، وَنَفَخَ فِيهِمَا، ثُمَّ مَسَحَ بِهِمَا وَجْهَهُ وَكَفَّيْهِ" رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِم بِمَعْنَاهُ (¬1). فَالسُّنَّةُ فِي التَّيَمُّمِ: أَنْ يَضْرِبَ ضَرْبَةً وَاحِدَةً، يَمْسَحُ جَمِيعَ وَجْهِهِ بِبَاطِنِ أَصَابِعِ يَدَيْهِ، وَظَاهِرَ كَفَّيْهِ بِبَاطِنِ رَاحَتَيْهِ. فَإِنْ ضَرَبَ ضَرْبَتَيْنِ، مَسَحَ بِإِحْدَاهُمَا وَجْهَهُ، وَبِالأُخْرَى يَدَيْهِ إِلَى الْمِرْفَقَيْنِ، جَازَ. وَلا يَجُوزُ التَّيَمُّمُ إِلَّا بِتُرَابٍ طَاهِرٍ لَهُ غُبَارٌ يَعْلَقُ بِالْيَدِ. وَإِنْ خَالَطَهُ مَا لا يَجُوزُ التَّيَمُّمُ بِهِ، فَحُكْمُهُ حُكْمُ الْماءِ إِذَا خَالَطَتْهُ الطَّاهِرَاتُ. ¬
وَلا يَجُوزُ التَّيَمُّمُ حَتَّى يَطْلُبَ الْماءَ فِي رَحْلِهِ وَرُفْقَتِهِ، وَمَا قَرُبَ مِنْهُ. فَإِنْ بُذِلَ لَهُ، أَوْ بِيعَ بِزِيادَةٍ يَسِيرَةٍ عَلَى مِثْلِهِ لا يُجْحِفُ بِمَالِهِ، لَزِمَهُ قَبُولُهُ. وَإِنْ عَلِمَ بِمَاءٍ، لَزِمَهُ قَصْدُهُ مَا لَمْ يَخَفْ عَلَى نَفْسِهِ وَمَالِهِ، وَلَمْ يَفُتِ الْوَقْتُ. وَعَنْهُ: لا يَجِبُ. وَإِنْ نَسِيَ الْماءَ بَمَوْضِعٍ يُمْكِنُهُ اسْتِعْمَالُهُ، وَصَلَّى بالتَّيَمُمِ (¬1)، لَمْ يُجْزِهِ. وَإِذَا وَجَدَ مَاءً يَكْفِي بَعْضَ بَدَنِهِ، لَزِمَهُ اسْتِعْمَالُهُ، وتَيَمَّمَ لِلْبَاقِي إِنْ كَانَ جُنُباً، وَإِنْ كَانَ مُحْدِثاً، فَهَلْ يَلْزَمُهُ ذلِكَ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ. وَيَتَيَمَّمُ لِلنَّجَاسَةِ عَلَى بَدَنِهِ كَمَا يَتَيَمَّمُ لِلْحَدَثِ، وَيُعَيِّنُ بِالنِّيَّةِ مَا يَتَيَمَّمُ لَهُ مِنْ حَدَثٍ أَوْ نَجَاسَةٍ. وَإِذَا نَوَى نَفْلاً، أَوْ أَطْلَقَ النِّيَّةَ، لَمْ يُصَلِّ إِلَّا نَفْلاً. وَلا يَجُوزُ التَّيَمُّمُ لِنَافِلَةٍ فِي وَقْتٍ نُهِيَ عَنْ فِعْلِهَا فِيهِ. وَإِذَا خَافَ شِدَّةَ الْبَرْدِ، تَيَمَّمَ وَصَلَّى، وَلا إِعِادَةَ عَلَيْهِ إِنْ كَانَ مُسَافِراً. ¬
وَإِنْ كَانَ حَاضِراً، فَعَلَى رِوَايَتَيْنِ. وَإِذَا خَافَ فَوَاتَ الْمَكْتُوبَةِ فِي الْحَضَرِ، لَمْ يَجُزْ لَهُ التَّيَمُّمُ. وَإِنْ خَافَ فَوَاتَ الْجَنَازَةِ، فَعَلَى رِوَايَتَيْنِ. وَإِذَا عَدِمَ الماءَ فِي الْحَضَرِ، فَلَهُ التَّيَمُّمُ، وَلا إِعَادَةَ عَلَيْهِ. وَمَنْ لَمْ يَجِدْ مَاءً، وَلا تُرَاباً، صَلَّى. وَفِي الإِعَادَةِ رِوَايَتَانِ. وَمَنْ تَيَمَّمَ وَعَلَيْهِ حَائِلٌ يَجُوزُ لَهُ الْمَسْحُ عَلَيْهِ، ثُمَّ خَلَعَهُ، بَطَلَ تَيَمُّمُهُ. وَإِذَا اجْتَمَعَ (¬1) جُنُبٌ، وَمَيِّتٌ، وَمَنْ عَلَيْهَا غُسْلُ الْحَيْضِ، فَلَمْ يَجِدْ إِلَّا مَا يَكْفِي أَحَدَهُمْ، فَالْمَيِّتُ أَوْلَى. وَعَنْهُ: الْحَيُّ أَوْلَى. وَهَلْ تُقَدَّمُ الْحَائِضُ أَمِ الْجُنُبُ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ. * * * ¬
فصل في إزالة النجاسة
فَصْلٌ فِي إِزَالَةِ النَّجَاسَةِ اخْتَلَفَتِ الرِّوَايَةُ فِي إِزَالَةِ النَّجَاسَةِ غَيْرَ نَجَاسَةِ الْكَلْبِ وَالْخِنْزِيرِ، فَرُوِيَ إِيْجَابُ غَسْلِهَا سَبْعاً. وَهَلْ يُشْتَرَطُ التُّرَابُ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ، فَرُوِيَ أَنَّهَا تُكاثَرُ بِالْماءِ مِنْ غَيْرِ عَدَدٍ؛ كَالنَّجَاسَاتِ كُلِّهَا إِذَا كَانَتْ عَلَى الأَرْضِ. وَلا يَطْهُرُ شَيْءٌ مِنَ النَّجَاسَاتِ بِالاسْتِحَالَةِ، إِلَّا الْخَمْرَ إِذَا انْقَلَبَتْ بِنَفْسِها، فَإِنْ خُلِّلَتْ، لَمْ تَطْهُرْ، وَقِيلَ: تَطْهُرُ. وَلا يَطْهُرُ جِلْدُ مَا لا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ بِالذَّكاةِ (¬1). وَلا يَنْجُسُ الآدَمِيُّ بِالْمَوْتِ. وَإِذَا أَصَابَ أَسْفَلَ الْخُفِّ أَوِ الْحِذَاءِ نَجَاسَةٌ، فَهَلْ يَجِبُ غَسْلُهُ، أَمْ يُجْزِىَ دَلْكُهُ بِالأَرْضِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ. وَهَلْ يُعْفَى عَنْ يَسِيرِ الْمَذْيِ، وَرِيقِ الْبَغْلِ، والْحِمَارِ، وَسِبَاعِ ¬
الْبَهَائِمِ، وَجَوَارِحِ الطَّيرِ، وَعَرَقِها، وَبَوْلِ الْخُفَّاشِ، وَالنَّبِيذِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ. وَجَمِيعُ الدِّمَاءِ نَجِسَةٌ إِلَّا الْكَبِدَ وَالطِّحَالَ وَدَمَ السَّمَكِ. فَأَمَّا دَمُ الْبَقِّ وَالبَرَاغِيثِ وَالذُّبَابِ، فَعَلَى رِوَايَتَيْنِ. وَمَا لا يَرْفَعُ الْحَدَثَ لا يُزيلُ حُكْمَ النَّجَاسَةِ. وَعَنْهُ ما يَدُلُّ عَلَى أَنَّها تُزَالُ بِكُلِّ مَائِعٍ طَاهِرٍ مُزِيلٍ. وَمَا أُزِيلَتْ بِهِ النَّجَاسَةُ، فَانْفَصَلَ غَيْرَ مُتَغَيِّرٍ بَعْدَ طَهَارَةِ الْمَحَلِّ، فَهُوَ طَاهِرٌ، وَإِنِ انْفَصَلَ مُتَغَيِّراً، وَقَبْلَ طَهَارَةِ الْمَحَلِّ، فَهُوَ نَجِسٌ بِكُلِّ حَالٍ.
فصل في الحيض
فَصْلٌ فِي الْحَيْضِ كُلُّ دَمٍ تَرَاهُ الأُنثى قَبْلَ تِسْعِ سِنِينَ، وَبَعْدَ الْخَمْسِينَ، فَلَيْسَ بِحَيْضٍ. وَإِذَا اسْتُحِيضَتِ الْمَرْأَةُ، رَجَعَتْ إِلَى عَادَتِها؛ لِمَا رَوَى مُسْلِمٌ: "أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - لمَّا سَأَلَتْهُ أُمُّ حَبِيبَةَ عَنِ الدَّمِ، قَالَ لَهَا: امْكُثِي قَدْرَ مَا كَانَتْ تَحْبِسُكِ حَيْضَتُكِ، ثُمَّ اغْتَسِلِي وَصَلِّي" (¬1). وَإِنْ كَانَتْ مُبْتَدَأَةً (¬2) مُمَيِّزَةً، رَجَعَتْ إِلَى تَمْييزِهَا (¬3)، لِمَا رَوَى الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ قَالَ: "جَاءَتْ فَاطِمَةُ بِنْتُ أَبي حُبَيْشٍ إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ! إِنِّي امْرَأَةٌ أُسْتَحَاضُ فَلا أَطْهُرُ، أَفَأَدعُ الصَّلاةَ؟ قَالَ: إِنَّمَا (¬4) ذلِكَ عِرْقٌ، وَلَيْسَ بِالْحَيْضَةِ، فَإِذَا أَقْبَلَتِ الْحَيْضَةُ، فَدَعِي ¬
الصَّلاةَ، وَإِذَا أَدْبَرَتْ، فَاغْسِلِي عَنْكِ الدَّمَ وَصَلِّي" (¬1). وَفِي "الْبُخَارِيِّ": "فَإِذَا ذَهَبَ قَدْرُهَا، فَاغْسِلِي عَنْكِ الدَّمَ وَصَلِّي" (¬2). فَإِنْ كَانَ لَهَا تَمْيِيزٌ وَعَادَةٌ، فَهَلْ تُقَدِّمُ الْعَادَةَ أَمِ التَّمْيِيزَ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ. فَإِنْ كَانَتْ مُبْتَدَأَةً لا تَمْيِيزَ لَهَا، فَإِنَّهَا تَجْلِسُ أَقَلَّ الْحَيْضِ فِي إِحْدَى الرِّوَاياتِ، وَالثَّانِيَةِ: غَالِبَهُ، وَالثَّالِثَةِ: أَكْثَرَهُ، وَالرَّابِعَةِ: عَادَةَ نِسَائِها؛ كَأُمِّهَا وَأُخْتِها وَعَمَّتِها وَخَالَتِها. وَإِنْ كَانَ لَها عَادَةٌ، وَنَسِيَتْ عَادَتَهَا، وَلا تَمْيِيزَ لَهَا، فَإِنَّهَا تَجْلِسُ أَقَلَّ الْحَيْضِ فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ، وَالأُخْرَى: غَالِبَهُ. فَإِنْ كَانَتْ ذَاكِرَةً لِلْعَادَةِ، نَاسِيَةً لِلْوَقْتِ، فَقَالَتْ: حَيْضِي خَمْسٌ مِنْ نِصْفِ الشَّهْرِ الأَوَّلِ، لا أَعْلَمُ عَيْنَها، فَإِنَّهَا تَجْلِسُ مِنْهُ خَمْساً بِالتَّحَرِّي عَنْدَ (¬3) أَبِي بَكْرٍ. وَقَالَ غَيْرُهُ: تَجْلِسُ الْخَمْسَ الأُوَلَ مِنْهُ. وَإِنْ قَالَتْ: حَيْضِي مِنْهُ عَشَرَةٌ، وَلا أَعْلَمُ عَيْنَهَا، فَالْخَمْسُ الْوُسطَى ¬
مِنْهُ حَيْضٌ بِيَقِينٍ، وَبَقِيّهُ النِّصْفِ مَشْكُوكٌ فِيهِ، فتجْلِسُ مِنْهُ الْخَمْسَ الأُوَلَ. وَعَلَى قَوْلِ أَبِي بَكْرٍ؛ تَجْلِسُ مِنْهُ بِالتَّحَرِّي تَمَامَ عَادَتِها. وَكَذلِكَ كُلُّ مَا زَادَ عَلَى رُبْعِ الشَّهْرِ أَضْعَفْنَاهُ، فَجَعَلْنَاهُ حَيْضاً بِيَقِينٍ، وَجَلَسَتْ مِنْ بَقِيَّةِ النِّصْفِ تَمَامَ عَادَتِها عَلَى الْوَجْهَيْنِ. فَإِنْ كَانَتْ ذَاكِرَةً لِلْوَقْتِ، نَاسِيَةً لِلْعَادَةِ، فَقَالَتْ: كُنْتُ أَوَّلَ يَوْمٍ مِنَ الشَّهْرِ حَائِضاً، وَلا أَعْلَمُ آخِرَهُ، فَالْيَوْمُ الأَوَّلُ حَيْضٌ، وَبَقِيَّةُ النِّصْفِ مَشْكُوكٌ فِيهِ، تَجْلِسُ مِنْهُ أَقَلَّ الْحَيْضِ، أَوْ غَالِبَهُ، عَلَى اخْتِلافِ الرِّوايَتَيْنِ. وَمَتَى رَأَتْ يَوْماً دَماً، وَيَوْمًا طُهْراً، وَلَمْ تُجَاوِزْ أَكْثَرَ الْحَيْضِ، فَإِنَّهَا تَضُمُّ الدَّمَ إِلَى الدَّمِ، فَيَكُونُ حَيْضاً، وَالْبَاقِي طُهْراً، وَإِنْ جَاوَزَ أَكْثَرَ الْحَيْضِ، فَهِيَ مُسْتَحاضَةٌ. وَإِذَا وَطِىَ الْحَائِضَ فِي الْفَرْجِ، فَعَلَيْهِ كَفَّارَةٌ: دِينَارٌ، أَوْ نِصْفُ دِينَارٍ فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ، وَالأُخْرَى: لا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَيَسْتَغْفِرُ اللهَ. وَالْحَيْضُ يَمْنَعُ: فِعْلَ الصَّلاةِ وَوُجُوبَهَا، وَفِعْلَ الصِّيامِ دُونَ وُجُوبِهِ، وَقِرَاءَةَ الْقُرْآنِ، وَمَسَّ الْمُصْحَفِ، وَاللُّبْثَ فِي الْمَسْجِدِ، وَالطَّوَافَ بِالْبَيْتِ، وَالْوَطْءَ فِي الْفَرْجِ، وَسُنَّةَ الطَّلاقِ، وَالاعْتِدَادَ بِالأَشْهُرِ. وَيُوجِبُ: الْغُسْلَ، وَالْبُلُوغَ، وَالاعْتِدَادَ بِهِ
فصل [في النفاس]
فَصْلٌ [في النفاس] وَالنِّفَاسُ كَالْحَيْضِ فِي جِمِيعِ أَحْكَامِهِ. وَإِذَا انْقَطَعَ دَمُ النَفَاسِ، ثُمَّ عَادَ فِي مُدَّةِ الأَرْبَعِينَ، فَهُوَ نِفاسٌ. وَعَنْهُ: إِنَّهُ مَشْكُوكٌ فِيهِ، تَصُومُ وَتُصلِّي، وَتَقْضِي الصَّوْمَ. وَإِذَا جَاوَزَ الدَّمُ الأَرْبَعيِنَ، وَصَادَفَ عَادَةَ الْحَيْضِ، فَهُوَ حَيْضٌ، وَإِلَّا فَهُوَ اسْتِحَاضَةٌ. وَإِذَا وَلَدَتْ تَوْءَمَيْنِ، فَالنِّفَاسُ مِنَ الأَوَّلِ، وَآخِرُهُ مِنْهُ. وَحُكِيَ عَنْهُ: أَنَّهُ مِنَ الأَخِيرِ. وَالأَوَّلُ أَصَحُّ
كتاب الصلاة
كتَابُ الصَّلاةِ الصَّلاةُ وَاجِبَةٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ بَالِغٍ عَاقِلٍ. وَيُعْتَبَرُ فِي حَقِّ الْمَرْأَةِ خُلُوُّهَا مِنَ الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ. وَمَتَى صَلَّى الْكَافِرُ، حَكَمْنَا بِإِسْلامِهِ. وَتَصِحُّ صَلاةُ الصَّبِيِّ. وَإِنْ بَلَغَ فِي أَثْنَائِهَا، أَوْ بَعْدَهَا فِي الْوَقْتِ، لَزِمَهُ إِعَادَتُهَا. وَهَلْ يَكْفُرُ (¬1) تَارِكُ الصَّلاةِ مُتَهَاوِناً؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ. وَمَنْ تَرَكَ صَلَوَاتٍ، لَزِمَهُ قَضَاؤُهَا عَلَى الْفَوْرِ مُرَتَّباً، قَلَّتْ أَوْ كَثُرَتْ. فَإِنْ خَشِيَ فَوَاتَ الْحَاضِرَةِ، أَوْ نَسِيَ التَّرْتِيبَ، سَقَطَ وُجُوبُهُ. * * * ¬
فصل [في المواقيت]
فَصْلٌ [في المواقيت] وَمَنْ أَدْرَكَ تَكْبِيرَةَ الإِحْرَامِ قَبْلَ أَنْ يَخْرُجَ الْوَقْتُ، فَقَدْ أَدْرَكَ الصَّلاةَ. وَمَنْ أَدْرَكَ مِنَ الْوَقْتِ مِقْدَارَ تَكْبِيرَةِ الإِحْرَامِ، ثُمَّ جُنَّ، أَوْ حَاضَتِ الْمَرْأَةُ، لَزِمَهُمَا الْقَضَاءُ. وَمَنْ شَكَّ فِي دُخُولِ الْوَقْتِ، لَمْ يُصَلِّ حَتَى يَغْلِبَ عَلَى ظَنِّهِ دُخُولُهُ. فَإِنْ أَخْبَرَهُ ثِقَة عَنِ اجْتِهَادٍ، لَمْ يُقَلِّدْ (¬1)، وَإِنْ أَخْبَرَهُ عِنْ عِلْمٍ، عَمِلَ بِهِ. وَإِذَا اجْتَهَدَ وَصَلَّى، فَبَانَ أَنَّهُ وافَقَ الْوَقْتَ أَوْ بَعْدَهُ، أَجْزَأَهُ، وَإِنْ وَافَقَ قَبْلَهُ، لَمْ يُجْزِهِ. * * * ¬
فصل في الأذان
فَصْلٌ فِي الأَذَانِ الأَذَانُ وَالإِقَامَةُ فَرْضٌ عَلَى الكِفَايَةِ. فَإِذَا اتَّفَقَ أَهْلُ بَلَدٍ عَلَى تَرْكِهِمَا، قَاتَلَهُمُ الإِمَامُ. وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْمُؤَذِّنُ صَيِّتاً أَمِيناً، عَالِماً بِالأَوْقَاتِ. وَلَيْسَ (¬1) فِي حَقِّ النِّسَاءِ أَذَانٌ وَلا إِقَامَةٌ. وَلا يَجُوزُ أَخْذُ الأُجْرَةِ عَلَى الأَذَانِ، فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ مَنْ يَتَطَوَّعُ بِهِ، رَزَقَ الإِمَامُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ مَنْ يَقُومُ بِهِ. وَيُجْزِىَ أَذَانُ الْمُمَيزِ لِلْبَالِغِينَ فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ. وَفِي أَذَانِ الْمُلَحِّنِ وَأَذَانِ الْفَاسِقِ وَجْهَانِ. فَإِنْ تَشَاحَّ نَفْسَانِ فِي الأَذَانِ، قُدِّمَ أَكْمَلُهُمَا فِي دِيْنِهِ وَفَضلِهِ، فَإِنْ اسْتَوَيَا، فَأَعْمَرُهُمَا (¬2) لِلْمَسْجِدِ، وَأَتَمُّهُمَا مُرَاعَاةً لَهُ، فَإِنِ اسْتَوَيَا فِي ذلِكَ، أُقْرِعَ بَيْنَهُمَا. ¬
وَعَنْهُ: يُقَدَّمُ (¬1) مَنْ يَرْضَى بِهِ الْجِيرَانُ. وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُؤَذِّنَ قَائِماً مُتَطَهِّراً، عَلَى مَوْضِعٍ عالٍ، وَيَتَوَلاَّهُمَا مَعاً. وُيقِيمُ فِي مَوْضِعِ أَذَانِهِ، إِلَّا أَنْ يَشُقَّ ذلِكَ عَلَيْهِ؛ مِثْلَ أَنْ يَكُونَ الأَذانُ (¬2) فِي الْمَنَارَةِ. وُيسْتَحَبُّ أَنْ يَجْلِسَ بَعْدَ أَذَانِ الْمَغْرِبِ جَلْسَةً خَفِيفَةً، ثُمَّ يُقِيمَ. وَمَنْ جَمَعَ بَيْنَ صَلاتَيْنِ، أَوْ قَضَى فَوَائِتَ، أَذَّنَ وَأَقَامَ لِلأُولَى، ثُمَّ أَقَامَ لِكُلِّ صَلاةٍ بَعْدَهَا. وَرَوَى الْبُخَارِيُّ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "مَنْ قَالَ حِيْنَ يَسْمَعُ النِّدَاءَ: اللَّهُمَّ رَبَّ هذِهِ الدَّعْوَةِ التَّامَّةِ، وَالصَّلاةِ الْقَائِمَةِ، آتِ مُحَمَّداً الْوَسِيلَةَ وَالْفَضِيلَةَ، وَابْعَثْهُ مَقَاماً مَحْمُوداً الَّذِي وَعَدْتَهُ، حَلَّتْ لَهُ شَفَاعَتِي (¬3) يَوْمَ القِيَامَةِ" (¬4). وَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ قَالَ حِيْنَ يَسْمَعُ الْمُؤَذِّنَ: أَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ ¬
إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وَأَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، رَضِيتُ بِاللهِ رَبّاً، وَبِمُحَمَّدٍ رَسُولاً، وَبِالإِسْلامِ دِيناً، غُفِرَ لَهُ ذَنْبُهُ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ (¬1). * * * ¬
فصل في ستر العورة
فَصْلٌ فِي سَتْرِ الْعَوْرَةِ وَيَجِبُ سَتْرُ الْعَوْرَةِ بِمَا لا يَصِفُ الْبَشَرَةَ. وَعَوْرَةُ الرَّجُلِ وَالأَمَةِ مَا بَيْنَ السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ. وَعَنْهُ: أَنَّهَا الْفَرْجَانِ. وَالْحُرَّةُ جَمِيعُها عَوْرَةٌ إِلَّا الْوَجْهَ. وَفِي الْكَفَّيْنِ رِوَايَتَانِ. وَفِي أُمِّ الْوَلَدِ وَالْمُعْتَقِ بَعْضُهَا رِوَايَتَانِ: إِحْدَاهُمَا: أَنَّهَا كَالْحُرَّةِ، وَالأُخْرَى: كَالأَمَة. وَإِذَا اقْتَصَرَ الرَّجُلُ عَلَى سَتْرِ عَوْرَتهِ، أَجْزَأَهُ فِي النَّفْلِ، وَلَمْ يُجْزهِ فِي الْفَرْضِ حَتَّى يَضَعَ عَلَى عَاتِقِهِ شَيْئاً؛ لِقَوْلِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: "لا يُصَلِّي أَحَدُكُمْ فِي الثَّوْبِ الْوَاحِدِ لَيْسَ عَلَى عَاتِقِهِ مِنْهُ شَيْءٌ" رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَالْبُخَارِيُّ (¬1). ¬
وَمَنْ صَلَّى فِي ثَوْبٍ مَغْصُوبٍ، فَهَلْ تَصِحُّ صَلاتُهُ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ. فَإِنْ لَمْ يَجِدْ إِلَّا (¬1) ما يَسْتُرُ الْعَوْرَةَ، سَتَرَها، فَإِنْ لَمْ يَكْفِ جَمِيعَها، سَتَرَ الْفَرْجَيْنِ، فَإِنْ كَانَ لا يَكْفِي إِلَّا أَحَدَهُما، سَتَرَ الدُّبُرَ عَلَى ظَاهِرِ كَلامِ أَحْمَدَ. فَإِنْ عُدِمَ بِكُلِّ حَالٍ، صَلَّى جَالِساً، يُومِىَ إِيمَاءً، فَإِنْ صَلَّى قَائِماً، فَلا بَأْسَ. فَإِنْ لَمْ يَجِدْ إِلَّا ثَوْباً نَجِساً، صَلَّى فِيهِ، وَأَعَادَ -عَلَى الْمَنْصُوصِ- وَيَتَخَرَّجُ أَنْ لا يُعِيدُ؛ بِنَاءً عَلَى مَنْ صَلَّى فِي مَوْضِعٍ نَجِسٍ لا يُمْكِنُهُ الْخُرُوجُ مِنْهُ؛ فَإِنَّهُ خَالٍ لا إِعَادَةَ عَلَيْهِ. وَإِنْ بُذِلَتْ لَهُ سُتْرَةٌ، لَزِمَهُ قَبُولُها. وَإِذَا وَجَدَ الْعُرْيَانُ السُّتْرَةَ قَرِيبَةً مِنْهُ فِي أَثْنَاءِ الصَّلاةِ، سَتَرَ، وَبَنَى، وَإِنْ كَانَتْ بَعِيدَةً، سَتَرَ، وابْتَدَأَ. وَإِنْ كَانَ الْعُرَاةُ رِجَالاً وَنِسَاءً، كُلُّ نَوْعٍ لِنَفْسِهِمْ. وَإِنْ كانُوا فِي ضَيِّقٍ، صَلَّى الرِّجَالُ، وَاسْتَدْبَرَهُمُ النِّسَاءُ، ثُمَّ صَلَّى النِّسَاءُ، وَاسْتَدْبَرَهُنَّ الرِّجَالُ. وَتُكْرَهُ تَغْطِيَةُ الوَجْهِ (¬2) فِي الصَّلاةِ، وَكَفُّ (¬3) الْكُمِّ، وَشَدُّ الْوَسَطِ ¬
بِمَا يُشْبِهُ شَدَّ (¬1) الزُّنَّار، وَالتَّلَثُّمُ عَلَى الْفَمِ وَالأَنْفِ (¬2)؛ وَالاضْطِبَاعُ بِالثَّوْبِ إِذَا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ غَيْرُهُ، وَهُوَ أَنْ يَطْرَحَ عَلَى كَتِفَيْهِ ثَوْباً، وَلا يَرُدَّ طَرَفَيْهِ عَلَى الْكَتِفِ الأُخْرَى. وَيُكْرَهُ إِسْبَالُ الْقَمِيصِ وَالإزارِ وَالسَّرَاوِيلِ؛ عَلَى وَجْهِ التَّفَاخُرِ وَالْخَيلاءِ. وَرَوَى الْبُخَارِيُّ: "أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - نهَى أَنْ يَتَزَعْفَرَ الرَّجُلُ" (¬3). * * * ¬
فصل [في اللباس]
فصل [في اللباس] وَيَحْرُمُ عَلَى الرِّجَالِ اسْتِعْمَالُ الْمَنْسُوجِ بِالذَّهَبِ، وَالْمُمَّوهِ بِهِ فِي لُبْسِهِ وَافْتِرَاشِهِ. وَإِنْ كَانَ قَدِ اسْتَحَالَ لَوْنُهُ، فَعَلَى وَجْهَيْنِ. وَكَذلِكَ يَحْرُمُ ثِيَابُ الإِبْرِيسَمِ، وَمَا غَالِبُهُ الإِبْرِيسَمُ (¬1). فَإِنِ اسْتَوى الإِبْرِيسَمُ (1) وما نُسِجَ مَعَهُ مِنْ غَيْرِهِ، فَعَلَى وَجْهَيْنِ. وَهَلْ يُبَاحُ لَهُ الإِبْرِيسَمُ (1) لِمَرَضِهِ، أَوْ حِكَّةٍ، أَوْ لُبْسِهِ فِي الْحَرْبِ لِغَيْرِ حاجَةٍ؛ أَوْ يُبَاحُ لِوَليِّ الصَّبِيِّ أَنْ يُلْبِسَهُ إِيَّاهُ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ. وَرَوَى الْبُخَارِيُّ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: "رَخَّصَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - لِلزُّبَيْرِ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ فِي لُبْسِ الْحَرِيرِ؛ لِحِكَّةٍ بِهِمَا" (¬2). ¬
وَلا يُبَاحُ لُبْسُ مَا فِيهِ التَّصَاوِيرُ مِنَ الثِّيَابِ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ. وَيُبَاحُ الْعَلَمُ الْحَرِيرُ فِي الثِّيَابِ إِذَا كَانَ أَرْبَعَ أَصَابِعَ فَمَا دُونَ. وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: يُبَاحُ، وَإِنْ (¬1) مُذْهَباً، وكَذلِكَ الرِّقَاعُ، وَلَبِنَةُ (¬2) الْجَيْبِ، وسَجْفُ الْفِرَا. وَيَجُوزُ أَنْ يُلْبِسَ دَبَّتَهُ الْجِلْدَ النَّجِسَ، وَيُكْرَهُ لُبْسُهُ وَافْتِرَاشُهُ. وَيُبَاحُ لُبْسُ السَّوَادِ. وَيُكْرَهُ لُبْسُ الأَحْمَرِ للرِّجَالِ. * * * ¬
فصل في اجتناب النجاسة
فَصْلٌ فِي اجْتِنَابِ النَّجَاسَةِ وَإِذَا لاقَى نَجَاسَةً غَر مَعْفُوٍّ عَنْها؛ بِبَدَنِهِ أَوْ ثِيَابِهِ، لَمْ تَصِحَّ صَلاتُهُ، فَإِنْ رَآهَا بَعْدَ الصَّلاةِ؛ وَلا يَعْلَمُ هَل كَانَتْ عَلَيْهِ فِي الصَّلاةِ أَوْ بَعْدَها؟ فَصَلاتُهُ صَحِيحَةٌ، وَإِنْ عَلِمَ أَنَّهَا كَانَتْ فِي الصَّلاةِ، ولكِنَّهُ نَسِيَها، أَوْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى إِزَالَتِهَا، فَهَلْ تَصِحُّ أَمْ لا؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ. وَلا تَطْهُرُ الأَرْضُ النَّجِسَةُ بِرِيحٍ، وَلا شَمْسٍ، وَإِنْ طَيَّنَهَا، أَوْ بَسَطَ عَلَيْهَا شَيْئاً طَاهِراً، صَحَّتِ الصَّلاةُ عَلَيْهَا مَعَ الْكَرَاهَةِ. وَإِذَا صَلَّى عَلَى مِنْدِيلٍ طَرَفُهُ نَجِسٌ، فَصَلاتُهُ صَحِيحَةٌ، فَإِنْ كَانَ متَعَلِّقاً بِهِ؛ بِحَيْثُ يَنْجَرُّ مَعَهُ إِذَا مَشَى، لَمْ تَصِحَّ. وَلا تَصِحُّ الصَّلاةُ فِي الْمَجْزَرَةِ، وَالْمَزْبَلَةِ، وَالْمَوْضِعِ الْمَغْصوبِ عَلَى إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ، وَتَصِحُّ فِي الأُخْرَى مَعَ التَّحْرِيم. وَكَذلِكَ الْحُكْمُ إِنْ صَلَّى عَلَى سَابَاطٍ أُحْدِثَ عَلَى طَرِيقٍ، أَوْ فِي مَسْجِدٍ بُنِيَ فِي الْمَقْبَرَةِ، أَوْ سَطْحِ بَيْتِ الْحُشِّ وَ (¬1) الْحَمَّامِ، وَلا عَلى ¬
ظَهْرِهَا (¬1)، وَإِنْ صَلَّى إِلَى هذِهِ الْمَوَاضِعِ، فَصَلاتُهُ صَحِيحَةٌ. وَلا تَصِحُّ الْفَرِيضَةُ فِي الْكَعْبَةِ، وَتَصِحُّ النَّافِلةُ إِذَا كَانَ بَيْنَ يَدَيْهِ شَيْءٌ مِنْهَا، لأَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - صَلَّى فِي الْبَيْتِ رَكْعَتَيْنِ، رَوَاهُ مُسْلِمٌ (¬2). وَإِذَا جَبَرَ عَظْمَهُ بِعَظْمٍ نَجِسٍ، فَانْجَبَرَ؛ لَمْ يَلْزَمْهُ قَلْعُهُ إِذَا خَافَ الضَّرَرَ، وَأَجْزَأَتْهُ صَلاتُهُ. وَإِذَا سَقَطَ سِنٌّ أَوْ عُضْوٌ، فَأَعَادَهُ بِحَرَارَتِهِ، فَثَبَتَ، فَهُوَ طاهِرٌ. وَعَنْهُ (¬3): نَجِسٌ، وَحُكْمُهُ حُكْمُ الْعَظْمِ إِذَا جَبَرَ بِهِ سَاقَهُ (¬4). * * * ¬
فصل في استقبال القبلة
فَصْلٌ فِي اسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ وَإِذَا اشْتَبَهَتِ الْقِبْلَةُ فِي السَّفَرِ، اجْتَهَدَ بِطَلَبِها بالدَّلائِلِ، وَأَثْبَتُهَا: الْجَدْيُ، يَعْرِفُ مَكَانَهُ بِالفَرْقَدَيْنِ، إِذَا جَعَلَهُ وَرَاءَ ظَهْرِهِ، كَانَ مُسْتَقْبِلَ الْكَعْبَةِ. وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَمَنَازِلُهُمَا كُلُّهُا (¬1) تَطْلُعُ مِنْ يَسْرَةِ الْمُصَلِّي (¬2)، وَتَغْرُبُ عَنْ يَمِينِه. فَإِنْ أَخْبَرَهُ ثِقَةٌ عَنْ يَقِينٍ، صَلَّى بِقَوْلهِ، وَإِنْ لَمْ يَجِدْ مَنْ يُقَلِّدُهُ، اجْتَهَدَ وَصَلَّى، وَلا إِعَادَة عَلَيْهِ، وَإِنْ أَخْطَأَ (¬3). وَإِذَا دَخَلَ بَلَداً فِيهِ مَحَارِيبُ؛ لا يَعْلَمُ هَلْ هِيَ لِلْمُسْلِمِينَ أَمْ لِغَيْرِهِمْ؛ اجْتَهَدَ، وَلَمْ يَلْتَفِتْ إِلَيْهَا. * * * ¬
فصل في صفة الصلاة
فَصْلٌ فِي صِفَةِ الصَّلاةِ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَقُومَ إِلَى الصَّلاةِ؛ مِنْ (¬1) قَوْلِ الْمُؤَذِّنِ: قَدْ قَامَتِ الصَّلاةُ، ثُمَّ يُسَوِّي الصُّفُوفَ إِنْ كَانَ إِمَاماً، ثُمَّ يَنْوِي الصَّلاةَ بِعَيْنِها إِنْ كَانَتْ مَكْتُوبَةً، أَوْ سُنَّةً مُعَيَّنَةً. قَالَ ابْنُ حَامِدٍ: لا بُدَّ فِي الْمَكْتُوبَةِ أَنْ يَنْوِيَهَا بِعَيْنِها فَرْضاً. وَيُجْزِئُهُ فِي غَيْرِ الْمُعَيَّنَةِ نِيَّةُ الصَّلاةِ. وَهَلْ يُشْتَرَطُ نِيَّةُ الْقَضَاءِ فِي الْفَائِتَةِ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ. وَيَسْتَفْتِحُ الصَّلاةَ بِقَوْلهِ: اللهُ أَكْبَرُ، فَإِنْ لَمْ يُحْسِنِ التكبِيرَ بِالْعَرَبِيَّةِ، لَزِمَهُ أَنْ يَتَعَلَّمَ، فَإِنْ خَشِيَ فَوَاتَ الْوَقْتِ، كَبَّرَ بِلُغَتِهِ، وَيَجْهَرُ بِالتَّكْبِيرِ إِنْ كَانَ إِمَاماً؛ بِقَدْرِ مَا يُسْمِعُ مَنْ خَلْفَهُ (¬2)، فَإِنْ كَانَ مَأْمُوماً بِقَدْرِ مَا يُسْمِعُ نَفْسَهُ؛ كَالْقِرَاءَةِ. وَيَرْفَعُ يَدَيْهِ مَعَ ابْتِدَاءِ التكبِيرِ، مُمَدَّةَ الأَصَابِعِ، مَضْمُوماً بَعْضُهَا إِلَى ¬
بَعْضٍ، وَيَحُطُهُمَا عِنْدَ انْقِضَاءِ التَّكْبِيرِ. وَيَجْعَلُ نَظَرَهُ إِلَى مَوْضِعِ سُجُودِهِ. ثُمَّ يَقْرَأُ الْفَاتِحَةَ، وَيَأْتِي فِيهَا بِإِحْدَى عَشْرَةَ تَشْدِيدَةً، فَإِنْ لَمْ يُحْسِنْهَا، وَضَاقَ وَقْتُ الصَّلاةِ عِنْ تَعَلُّمِهَا، قَرَأَ (¬1) بِقَدْرِهَا فِي عَدَدِ الْحُرُوفِ، وَقِيلَ: بَلْ فِي عَدَدِ الآياتِ مِنْ غَيْرِها. فَإِنْ لَمْ يُحْسِنْ إِلَّا آيَةً، كَرَّرَهَا بِقَدْرِهَا. فَإِنْ لَمْ يُحْسِنْ شَيْئاً مِنَ الْقُرآنِ بِالعَرَبِيَّةِ، وَقَدَرَ أَنْ يُتَرْجِمَ عَنْهُ بِلُغَةٍ أُخْرَى، لَمْ يُجْزِهِ ذَلِكَ، وَلَزِمَهُ أَنْ يَقُولَ: سُبْحَانَ اللهِ، وَالْحَمْدُ للهِ، وَلا إِلهَ إِلَّا اللهُ، وَاللهُ أَكْبَرُ، وَلا حَوْلَ وَلا قُوَّةَ إِلَّا باللهِ. فَإِنْ لَمْ يُحْسِنْ شَيْئاً مِنَ الذِّكْرِ، وَقَفَ بِقَدْرِ الْقِرَاءَةِ. وَإِنْ تَرَكَ تَرْتِيبَ الْفَاتِحَةِ؛ أَوْ تَشْدِيدَةً مِنْهَا، أَوْ قَطَعَ قِرَاءَتَهَا بِذِكْرٍ كَثيرٍ، أَوْ سُكُوتٍ طَوِيلٍ فِي الْعَادَةِ، أَعَادَهُ، وَإِنْ كَانَ الذَكْرُ يَسِيراً مِثْلَ "آمِينَ" أو (¬2) نَحْوِهِ؛ أَوِ السُّكُوتُ يَسِيراً، أَتَمَّهَا، وَأَجْزَأَتْهُ. وَإِنْ قَرَأَ بِمَا يَخْرُجُ عَنْ مُصْحَفِ عُثْمَانَ، لَمْ تَصحَّ صَلاتُهُ. وَعَنْهُ -أيضاً-: تَصحُّ. ثُمَّ يَرْكَعُ مُكَبِّراً، وَيُجَافِي مِرْفَقَيْهِ عَنْ جَنْبَيْهِ. ¬
وَقَدْرُ الإجْزَاءِ الانْحِنَاءُ حَتَّى يُمْكِنَهُ مَسُّ (¬1) رُكْبَتَيْهِ بِيَدَيْهِ. ثُمَّ يَرْفَعُ رَأْسَهُ قَائِلاً: "سَمعَ اللهُ لِمَنْ حَمِدَهُ". ثُمَّ يَسْجُدُ مُكَبِّراً، وَيَضَعُ يَدَيْهِ حَذْوَ مَنْكِبَيْهِ، وُيفَرِّقُ بَيْنَ رُكْبَتَيْهِ. وَهَلْ يَلْزَمُهُ السُّجُودُ عَلَى الأَنْفِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ. وَلا يَجِبُ عَلَيْهِ مُبَاشَرَةُ الْمُصَلَّى بِشَيْءٍ مِنْ أَعْضَاءِ السُّجُودِ إِلَّا الجبهة (¬2) عَلَى إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ. ثُمَّ يَجْلِسُ مُفْتَرِشاً؛ وَلا يُقْعِي. ثُمَّ يَسْجُدُ الثَّانِيَةَ كَالأُولَى. ثُمَّ يَقُومُ إِلَى الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ. ثُمَّ يَجْلِسُ لِلتَّشَهُّدِ مُفْتَرِشاً، وَيَقُولُ بَعْدَ الاسْتِعاذَةِ؛ مَا رَوَاهُ الأَثْرَمُ عَنْ عُمَيْرِ بْنِ سَعْدٍ، قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ يَقُولُ: "إِذَا جَلَسَ أَحَدُكُمْ فِي (¬3) صَلاتِهِ، ذَكَرَ التَّشَهُّدَ، ثُمَّ لْيَقُلْ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ مِنَ الْخَيْرِ كُلِّهِ مَا عَلِمْتُ مِنْهُ وَمَا لَمْ أَعْلَمُ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنَ الشَّرِّ كُلِّهِ مَا عَلِمْتُ مِنْهُ وَمَا لَمْ أَعْلَمْ (¬4)، اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْألكَ مِنْ خَيْرِ مَا سَالَكَ بِهِ عِبَادُكَ الصَّالِحُونَ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا عَاذَ مِنْهُ عِبَادُكَ الصَّالِحُونَ، رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا ¬
حَسَنَةً، وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً، وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ، رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا؛ وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّاتِنَا؛ وَتَوَفَّنَا مَعَ الأَبْرَارِ، رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدْتنا عَلَى رُسُلِكَ، وَلا تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ؛ إِنَّكَ لا تُخْلِفُ الْمِيعَادَ" (¬1). ثُمَّ يُسَلِّمُ تَسْلِيمَتَيْنِ، يَنْوِي بِهِمَا الْخُرُوجَ مِنَ الصَّلاةِ، فَإِنْ نَوَى بِالتَّسْلِيم عَلَى الْحَفَظَةِ وَالْمُصَلِّينَ مَعَهُ، وَلَمْ يَنْوِ الْخُرُوجَ مِنَ الصَّلاةِ، لَمْ تَبْطُلْ صَلاتُهُ -نَصَّ عَلَيْهِ-. وَقَالَ ابْنُ حَامِدٍ: تَبْطُلُ، وَلا يَخْرُجُ مِنَ الصَّلاةِ بِغَيْرِ السَّلامِ. وَتَجِبُ التَّسلِيمَتَانِ فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ، والأُخْرَى: أَنَّ الثَّانِيَةَ سُنَّةٌ؛ وَقَدْرُ الْوَاجِبِ: السَّلامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ. وَقَالَ الْقَاضِي: إِنْ تَرَكَ: وَرَحْمَةُ اللهِ، أَجْزَأَهُ -نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ رَحِمَهُ اللهُ- فِي صَلاةِ الْجِنَازَةِ. وَلا يُكْرَهُ قِرَاءَةُ أَوَاخِرِ السُّوَرِ وَأَوْسَطِهَا (¬2) فِي صَلاةٍ فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ، والأُخْرَى: تُكْرَهُ. * * * ¬
فصل في شرائط الصلاة
فَصْلٌ فِي شَرَائِطُ الصَّلاةِ مَا يَجِبُ لَهَا قَبْلَهَا، وَهِىَ سِتَّةٌ: الطَّهَارَةُ، وَالسِّتَارَةُ، وَدُخُولُ الْوَقْتِ، وَالْمَوْضِعُ، وَاسْتِقْبَالُ الْقِبْلَةِ، وَالنِّيَّةُ: مَنْ تَرَكَ مِنْهَا سَبَباً لِغَيْرِ عُذْرٍ، لَمْ تَصِحَّ صَلاتُهُ. وَأَرْكَانُهَا خَمْسَةَ عَشَرَ: الْقِيَامُ، وَتَكْبِيرَةُ الإِحْرَامِ، وَقِرَاءَةُ الْفَاتِحَةِ، وَالرُّكُوعُ، وَالطُّمَأْنِينَةُ فِيهِ، وَالاعْتِدَالُ عَنْهُ، وَالطُّمَأْنِينَةُ فِيهِ، وَالسُّجُودُ، وَالطُّمَأْنِينَةُ فِيهِ، وَالْجُلُوسُ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ، وَالطُّمَأْنِينَةُ فِيهِ، وَالتَّشَهُّدُ الأَخِيرُ، وَالْجُلُوسُ لَهُ، وَالسَّلامُ، وَتَرْتِيبُهَا عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ. وَوَاجِبَاتُهَا تِسْعَةٌ: التكبِيرُ غَيْرَ تَكْبِيرَةِ الإِحْرَامِ، وَالتَّسبِيحُ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودُ مَرَّةً مَرَّةً، وَقَوْلُ: سَمعَ اللهُ لِمَنْ حَمِدَهُ لِلإِمَامِ وَالْمُنْفَرِدِ، وَقَوْلُ: رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ لِلْكُلِّ، وَقَوْلُ: رَبِّ اغْفِرْ لي، مَرَّةً، وَالتَّشَهُّدُ الأَوَّلُ (¬1)، وَالْجُلُوسُ لَهُ، وَالصَّلاةُ عَلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فِي التَّشَهُّدِ الأَخِيرِ، وَالتَّسْلِيمَةُ الثَّانِيَةُ -مِن رِوَايَتِهِ-. ¬
وَسُنَنُهَا ثَلاثَ عَشْرَةَ: الاسْتِفْتَاحُ، وَالتَّعَوُّذُ، وَقِرَاءَةُ: بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ، وَقَوْلُ: آمِينَ، وَقِرَاءَةُ السُّورَةِ بَعْدَ الْفَاتِحَةِ، وَقَوْلُ: مِلْءَ السَّمَاءِ بَعْدَ التَّحْمِيدِ، وَمَا زَادَ عَلَى التَّسْبِيحَةِ الْوَاحِدَةِ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ، وَعَلَى الْمَرَّةِ (¬1) فِي سُؤَالِ الْمَغْفِرَةِ، وَالسُّجُودُ عَلَى أَنْفِهِ، وَجَلْسَةُ الاسْتِرَاحَةِ -عَلَى إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ فِيهِمَا-، وَالدُّعَاءُ فِي التَّشَهُّدِ الأَخِيرِ، وَالْقُنُوتُ فِي الْوِتْرِ. وَمَا عَدَا هذَا، فَهَيْئَاتٌ، لا تَبْطُلُ الصَّلاةُ بِتَرْكِهَا. وَلا يَتْرُكُ السُّنَنَ عَمْداً، وَإِنْ تَرَكَهَا سَهْواً، فَهَلْ يُسَنُّ السُّجُودُ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ. * * * ¬
فصل في صلاة التطوع
فَصْلٌ فِي صَلاةِ التَّطَوُّعِ أَفْضَلُ تَطَوُّعِ الْبَدَنِ الصَّلاةُ، وَتَطَوُّعُ اللَّيْلِ أَفْضَلُ مِنْ تَطَوُّع النَّهَارِ، وَالنِّصْفُ الأَخِيرُ أَفْضَلُ مِنَ الأَوَّلِ، وَأَفْضَلُ التَّهَجُّدِ وَسَطَ اللَّيلِ (¬1). وَآكَدُ التَّطَوُّعِ مَا سُنَّ لَهُ الْجَمَاعَةُ؛ كَصَلاةِ الْكُسُوفِ وَالتَّرَاوِيحِ، ثُمَّ بَعْدَ ذلِكَ السُّنَنُ الرَّاتِبَةُ، وَهِيَ الَّتِي (¬2) ذَكَرَهَا ابْنُ عُمَرَ قَالَ: حَفِظْتُ مِنَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - (¬3) فِيها ما حَدَّثَتْنِي حَفْصَةُ: أَنَّهُ كَانَ (¬4) إِذَا أَذَّنَ الْمُؤَذِّنُ، وَطَلَعَ الْفَجْرُ، صَلَّى رَكْعَتَيْنِ، رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ (¬5). قَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: وَأَرْبَع قَبْلَ الْعَصْرِ. وَآكَدُ هذ السُّنَنِ رَكْعَتَا الْفَجْرِ، وَالْوِتْرُ آكَدُ مِنْهَا (¬6)، وَوَقْتُهُ بَعْدَ ¬
الْعِشَاءِ إِلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ، وَأَقَلُّهُ رَكْعَةٌ، وَأَفْضَلُهُ إِحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً، يُسَلِّمُ مَنْ كُلِّ رَكْعَتَيْنِ. قَالَ الْقَاضِي: إِذَا أَوْتَرَ بِخَمْسٍ، أَوْ بِسَبع، لَمْ يَجْلِسْ إِلَّا فِي آخِرِهَا، وَإِنْ أَوْتَرَ بِتِسْعٍ، جَلَسَ عَقِيبَ الثَّامِنَةِ وَلَمْ يُسَلِّمْ، ثُمَّ جَلَسَ بَعْدَ التِّاسِعَةِ، فتشَهَّدَ وَسَلَّمَ، وَإِذَا أَوْتَرَ بِثَلاثٍ، سَلَّمَ عَقِيبَ الثَّانِيَةِ وَالثَّالِثَةِ. وَيَقْرَأُ فِي الأُولَى بِـ: {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} هو، وَفِي الثَّانِيَةِ بِـ: {قُلْ يَاأَيُّهَا الْكَافِرُونَ}، وَفِي الثَّالِثَةِ بِـ: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ}، وَيَقْنُتُ فِيهَا بَعْدَ الرُّكُوعِ فَيَقُولُ: "اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْتَعينُكَ، وَنَسْتَهْدِيكَ، وَنُؤْمِنُ بكَ وَنتَوَكَّلُ عَلَيْكَ، وَنُثْنِي عَلَيْكَ الْخَيْرَ كُلَّهُ، وَنَشْكُرُكَ وَلا نَكْفُرُكَ، اللَّهُمَّ إِيَّاكَ نَعْبُدُ، وَلَكَ نُصَلِّي وَنَسْجُدُ، وَإِلَيْكَ نَسْعَى وَنَحْفِدُ، نَرْجُو رَحْمَتَكَ، وَنَخْشَى عَذَابَكَ، إِنَّ عَذَابَكَ الْجِدَّ بِالْكُفَّارِ مُلْحِقٌ، اللَّهُمَّ اهْدِنَا فِيمَنْ هَدَيْتَ، وَعَافِنَا فِيمَنْ عَافَيْتَ، وَتَوَلّنَا فِيمَنْ تَوَلَّيْتَ، وَبَارِكْ لَنَا فِيمَا أَعْطَيْتَ، وَقِنَا شَرَّ مَا قَضَيْتَ، إِنَّكَ تَقْضِي وَلا يُقْضَى عَلَيْكَ، إِنَّهُ لا يَذِلُّ مَنْ وَالَيْتَ، وَلا يَعِزُّ مَنْ عَادَيْتَ، تَبَارَكْتَ رَبَّنَا وَتَعَالَيْتَ، اللَّهُمَّ إِنِّا نَعُوذُ (¬1) بِرِضَاكَ مِنْ سَخَطِكَ، وَبِمُعَافَاتِكَ مِنْ عُقُوبَتِكَ وَبِكَ مِنْكَ لا نُحْصِي ثَنَاءً عَلَيْكَ أَنتَ (¬2) كَمَا أَثْنَيْتَ عَلَى نَفْسِكَ". وَيَرْفَعُ يَدَيْهِ فِي الْقُنُوتِ، وَهَلْ يُمِرُّ يَدَهُ عَلَى وَجْهِهِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ. ¬
وَلا يَقْنُتُ فِي (¬1) صَلاةٍ غَيْرِ الْوِتْرِ، إِلَّا أَنْ يَنْزِلَ (¬2) بِالْمُسْلِمِينَ نَازِلَةٌ، وَ (¬3) جَازَ لِلإمَامِ أَنْ يَقْنُتَ فِي الْفَجْرِ وَالْمَغْرِبِ بَعْدَ الرُّكُوعِ، وَيَقُولَ مَا قَالَهُ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - فِي دُعَائِهِ، أو (¬4) نَحْوَهُ، وَلَمْ يَكُنْ ذلِكَ لآحَادِ المُسْلِمِينَ. وَيُؤيرُ فِي رَمَضَانَ مَعَ الإِمَامِ، فَإِنْ كَانَ لَهُ تَهَجُّد، جَعَلَ الْوِتْرَ بَعْدَهُ، فَإِنْ أَحَبَّ مُتَابَعَةَ الإمَامِ، أَوْتَرَ مَعَهُ، فَإِذَا سَلَّمَ الإمَامُ، قَامَ فَضَمَّ إِلَى الْوِتْرِ رَكْعَةً أُخْرَى. وَيُكْرَهُ التَّطَوُّعُ بَيْنَ التَّرَاوِيحِ. وَهَلْ يَصِحُّ التَّطَوُّعُ بِرَكْعَةٍ وَاحِدَةٍ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ. * * * ¬
فصل في ما يبطل الصلاة
فَصْلٌ فِي ما يبْطِل الصَّلاةَ إِذَا عَزَمَ عَلَى قَطْعِ النّيَّةِ، بَطَلَتْ صَلاتُهُ، وَإِنْ تَرَدَّدَ فِي قَطْعِهَا، فَعَلَى وَجْهَيْنِ. وَالْعَمَلُ فِي الصَّلاةِ عَلَى ضَرْبَيْنِ: أَحَدُهُما: زِيَادَةٌ مِنْ جِنْسِ الصَّلاةِ؛ كَزِيَادَةِ رُكُوعٍ أَوْ سُجُودٍ، فتبْطُلُ (¬1) الصَّلاةُ بِهِ إِذَا كَانَ عَمْداً، وَيَسْجُدُ لَهُ إِذَا كَانَ سَهْواً. وَالثَّانِي: مِنْ غَيْرِ جِنْسِ الصَّلاةِ، فَإِنْ كَانَ كَثِيراً فِي الْعَادَةِ لِغَيْرِ حَاجَةٍ، أَبْطَلَ الصَّلاةَ، إِلَّا أَنْ يَفْعَلَهُ مَتَفَرِّقاً، وَإِنْ كَانَ يَسِيراً، لَمْ تَبْطُلْ، وَلا يُشْرَعُ لَهُ سُجُودٌ. وَلا فَرْقَ بَيْنَ مَا يُكْرَهُ؛ كَالْعَبَثِ، وَفَرْقَعةِ الأَصَابِعِ، وَالتَّشْبِيكِ، وَالتَّرَوُّحِ، وَبَيْنَ مَا لا يُكْرَهُ؛ كَرَدِّ الْمارِّ بَيْنَ يَدَيْهِ، وَعَدِّ الآيِ، وَالنَّظَرِ فِي الْمُصْحَفِ، وَقَتْلِ الْحَيَّةِ وَالْعَقْرَبِ وَالْقَمْلَةِ، وَرَدِّ السَّلامِ بِالإشَارَةِ. ¬
وَإِذَا انتظَمَ حَرْفَيْنِ، بَطَلَتْ صَلاتُهُ، إِلَّا أَنْ يَكُونَ مِنْ خَشْيَةِ اللهِ؛ كَالتَّأَوُّهِ والْبُكاءِ وَالأَنِينِ. وَعَنْهُ: أَنَّ الْكَلامَ مِنْ سَهْوٍ لا يُبْطِلُ. فَإِنْ أَكَلَ أَوْ شَرِبَ عَمْداً، بَطَلَتْ صَلاتُه الْفَرِيضَةُ. وَالنَّافِلَةُ عَلَى رِوَايَتَيْنِ. وَإِنْ كَانَ سَاهياً، لَمْ تَبْطُلْ. وَإِذَا عَرَضَ لَهُ بُصَاقٌ، بَصَقَ عَنْ يَسَارِهِ، أَوْ تَحْتَ قَدَمِهِ، وَإِنْ كَانَ فِي الْمَسْجِدِ، بَصَقَ فِي ثَوْبِهِ، وَحَكَّ بَعْضَهُ "بِبَعْضٍ" (¬1). وَإِذَا سَهَا إِمَامُهُ (¬2)، أَوْ اسْتَأْذَنَ عَلَيْهِ إنْسَانٌ، أَوْ نَابَهُ شَيْءٌ، سَبَّحَ إِنْ كَانَ رَجُلاً، وَإِنْ كَانَتِ امْرَأَةً، صَفَّقَتْ (¬3) بِبَطْنِ كَفِّهَا عَلَى ظَهْرِ الأُخْرَى. وَيَجُوزُ لِمَنْ مَرَّ بِآيَةِ رَحْمَةٍ أَنْ يَسْأَلَهَا، أَوْ آيَةِ عَذَابٍ أَنْ يَسْتَعِيذَ مِنْها. وَلا يُكْرَهُ الْجَمْعُ بَيْنَ سُوَرٍ فِي النَّافِلَةِ، وَفِي الْفَرِيضَةِ وَجْهَانِ. * * * ¬
فصل في سجود السهو
فَصْلٌ فِي سُجُودِ السَّهْوِ إِذَا شَكَّ الإمَامُ فِي صَلاتِهِ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ ظَنٌّ، بَنَى عَلَى الْيَقِينِ؛ كَالْمُنْفَرِدِ. وَمَنْ شَكَّ: هَلْ سَهَا أَمْ لا؟ لَمْ يَسْجُدْ. وَقَالَ الْقَاضِي: إِنْ شَكَّ فِي التَّرْكِ، سَجَدَ، لأَنَّ الأَصْلَ أَنَّهُ مَا أَتَى بِهِ. وَإِنْ أَتَى بِذِكْرٍ مَشْرُوعٍ فِي غَيْرِ مَحَلِّهِ؛ كَالْقِرَاءَةِ فِي السُّجُودِ، أَوِ التَّشَهُّدِ فِي الْقِيَامِ، فَهَلْ يَسْجُدُ أَمْ لا؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ. وَإِذَا قَامَ إِلَى رَكْعَةٍ زَائِدَةٍ، فَذَكَرَ، جَلَسَ فِي الْحَالِ، فتشَهَّدَ، وَسَجَدَ لِلسَّهْوِ، وَسَلَّمَ، إِلَّا أَنْ يَكُونَ قِيَامُهُ بَعْدَ التَّشَهُّدِ، فَإِنَّهُ يَسْجُدُ وَيُسَلِّمُ مِن غَيْرِ تَشَهُّدٍ، فَإِنْ سَبَّحَ بِهِ اثْنَانِ، لَزِمَهُ الرُّجُوعُ، فَإِنْ لَمْ يَرْجِعْ، بَطَلَتْ صَلاتُهُ وَصَلاةُ مَنْ خَلْفَهُ، إِنِ اتَّبَعُوهُ، وَإِنْ فَارَقُوهُ وَسَلَّمُوا، صَحَّتْ صَلاتُهُمْ. فَإِنْ نَسِيَ التَّشَهُّدَ، فَانتصَبَ قَائِماً، قَامَ الْمَأْمُومُ مَعَهُ، لِما رَوَى ابْنُ
بُحَيْنَةَ: "أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - صَلَّى بِهِمُ الظُّهْرَ: قَامَ فِي الرَّكْعَتَيْنِ، وَلَمْ يَجْلِسْ، فَقَامَ النَّاسُ مَعَهُ، حَتَّى إِذَا قَضَى الصَّلاةَ، انتظَرَ النَّاسُ تَسْلِيمَهُ، كَبَّرَ وَهُوَ جَالِسٌ، فَسَجَدَ سَجْدَتَيْنِ قَبْلَ أَنْ يُسَلِّمَ، ثُمَّ سَلَّمَ" رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ (¬1). وَإِذَا تَرَكَ رُكْناً، فَلَمْ يَذْكُرْهُ حَتَّى شَرَعَ فِي قِرَاءَةِ الرَّكْعَةِ الأُخْرَى، بَطَلَتِ الأُولَى، وَإِنْ ذَكَرَهُ قَبْلَ الشُّرُوعِ فِي الْقِرَاءَةِ، لَزِمَهُ أَنْ يَعُودَ، فَيَأْتِيَ بِمَا تَرَكَهُ، ثُمَّ يَأْتِي بِمَا بَعْدَهُ، وَيَسْجُدُ لِلسَّهْوِ فِي الْمَوْضِعَيْنِ. وَإِذَا ترَكَ رُكْناً، وَلَمْ يَعْلَمْ مَوْضِعَهُ، بَنَى (¬2) عَلَى أَسْوَأ الأَحْوَالِ. وَإِذَا سَهَا الإِمَامُ، سَجَدَ الْمَأْمُومُ مَعَهُ. فَإِنْ تَرَكَ الإمَامُ السُّجُودَ، فَهَلْ يَسْجُدُ الْمَأْمُومُ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ. وَإِذَا تَرَكَ السُّجَودَ الْوَاجبَ قَبْلَ السَّلامِ عَمْداً، بَطَلَتْ صَلاتُهُ، وإِنْ تَرَكَ الْمَشْرُوعَ بَعْدَ التَّسْلِيم (¬3) لَمْ تَبْطُلْ، عَمْداً كَانَ أَوْ سَهْواً. وَإِذَا سَهَا سَهْوَيْنَ أَوْ أَكْثَرَ، كَفَاهُ لِلْجَمِيعِ سَجْدَتَانِ. * * * ¬
فصل في سجود التلاوة
فَصْلٌ فِي سُجُودِ التِّلاوَةِ وَهُوَ سُنَّة لِلتَّالِي وَالْمُسْتَمِعِ دُونَ السَّامِعِ، وَيُعْتَبَرُ أَنْ يَكُونَ التَّالِي يَصْلُحُ إِمَاماً لِلْمُسْتَمِعِ، فَإِنْ لَمْ يَسْجُدِ التَّالِي، لَمْ يَسْجُدِ الْمُسْتَمِعُ. وَيُعْتَبَرُ لِلسُّجُودِ مِنَ الشُّرُوطِ مَا لا يُعْتَبَرُ لِلنَّافِلَةِ. وَيُكْرَهُ لِلإمَامِ قِرَاءَةُ السُّجُودِ فِي صَلاةٍ لا يَجْهَرُ فِيهَا، فَإِنْ قَرَأَ، لَمْ يَسْجُدْ، فَإِنْ سَجَدَ، فَالْمَأْمُومُ (¬1) مُخَيَّرٌ بَيْنَ اتِّبَاعِهِ وَتَرْكِهِ. وَيُكْرَهُ أَنْ يَجْمَعَ السَّجَدَاتِ، فَيَقْرَأَهَا فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ. وُيسَنُّ سُجُودُ الشُّكْرِ عِنْدَ تَجَدُّدُ النِّعَمِ، وَانْدِفَاعِ النِّقَمِ. وَلا يَسْجُدُ لِلشُّكْرِ فِي الصَّلاةِ. * * * ¬
فصل في أوقات النهي
فَصْلٌ فِي أَوْقَاتِ النَّهْي رَوَى مُسْلِمٌ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ قَالَ: "ثَلاثُ سَاعَاتٍ كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَنْهَانَا أَنْ نُصَلِّيَ فِيهِنَّ، وَأَنْ نَقْبُرَ فِيهِنَّ مَوْتَانَا: حِيْنَ تَطْلُعُ الشَّمْسُ بَازِغَةً حَتَّى تَرْتَفِعَ (¬1)، وَحِينَ يَقُومُ قَائِمُ الظَّهِيرَةِ حَتَّى تَمِيلَ، وَحِينَ تَضَيَّفُ الشَّمْسُ لِلْغُرُوبِ حَتَّى تَغْرُبَ" (¬2)، فَهذِهِ الأَوْقَاتُ لا يَجُوزُ التَّنَفُّلُ فِيها (¬3). وَهَلْ يَجُوزُ الصَّلاةُ فِيها عَلَى الْجِنَازَةِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ. وَهَلْ يَجُوزُ فِعْلُ النَّافِلَةِ الَّتِي لَهَا سَبَبٌ؛ كَتَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ، وَصَلاةِ الْكُسُوفِ، وَقَضَاءِ السُّنَنِ فِي أَوْقَاتِ النَّهْيِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ. ¬
وقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "إِذَا أُقِيمَتِ الصَّلاةُ، فَلا صَلاةَ إِلَّا الْمَكْتُوبَةُ" رَوَاهُ مُسْلِمٌ (¬1). فَإِنْ أُقِيمَتْ، وَهُوَ فِي نَافِلَةٍ، أَتَمَّهَا. وَعَنْهُ: إِنْ خَشِيَ فَوَاتَ الْجَمَاعَةِ، قَطَعَها. وَمَنْ أَحْرَمَ بِفَرِيضَةٍ، فَبَانَ أَنَّهُ لَمْ يَدْخُلْ وَقْتُهَا، انتفَلَ نَفْلاً. وَإِنْ أَحْرَمَ بِهَا فِي الْوَقْتِ مُنْفَرِداً، فَحَضَرَتْ جَمَاعَةٌ، قَلَبَهَا نَفْلاً لِيُصَلِّيَ مَعَهُمْ، فَإِنْ قَلَبَهَا نَفْلاً لِغَيْرِ غَرَضٍ، كُرِهَ، وَصَحَّ قَلْبُهَا، وَقِيلَ: لا يَصِحُّ. وَإِنْ قَلَبَهَا إِلَى فَرِيضَةٍ أُخْرَى، بَطَلَتِ الصَّلاتَانِ. وَلا يُكْرَهُ إِعَادَةُ الْجَمَاعَةِ فِي غَيْرِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، وَمَسْجِدِ الرَّسُولِ - صلى الله عليه وسلم -. * * * ¬
باب الجماعة
بَابُ الْجَمَاعَةِ (¬1) قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "صَلاةُ الرَّجُلِ فِي الْجَمَاعَةِ، تَزِيدُ عَلَى صَلاتِهِ وَحْدَهُ سَبْعاً وَعِشْرِينَ دَرَجَةً" (¬2). وَقَالَ: "لَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ آمُرَ بِالصَّلاةِ فَتُقَامَ، ثُمَّ آمُرَ رَجُلاً يُصَلِّي بِالنَّاسِ، ثُمَّ أَنْطَلِقَ مَعِي بِرِجَالٍ، مَعَهُمْ حُزَمٌ مِنْ حَطَبٍ، إِلَى قَوْمٍ لا يَشْهَدُونَ الصَّلاةَ، فَأُحَرِّقَ عَلَيْهِمْ بُيُوتَهُمْ بِالنَّارِ" مُتَّفَقٌ عَلَيْهِما (¬3) (¬4). ¬
وَالْجَمَاعَةُ لِلصَّلَواتِ الْخَمْسِ وَاجِبَةٌ عَلَى الأَعْيَانِ، وَلَيْسَتْ شَرْطاً فِي الصِّحَّةِ. وَمِنْ شَرْطِهَا أَنْ يَنْوِيَ الإمَامُ حَالَهَا. وَيَجُوزُ فِعْلُهَا فِي بَيْتِهِ. وَالأَفْضَلُ فِعْلُها فِي الْمَسْجِدِ الْعَتيقِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ، فَفِيما (¬1) كَثُرَ فِيهِ الْجَمْعُ مِنَ الْمَسَاجِدِ. وَهَلِ الأَفْضَلُ قَصْدُ الأَبْعَدِ أَمِ الأَقْرَبِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ. وَلا يَجُوزُ أَنْ يَؤُمَّ فِي مَسْجِدٍ قَبْلَ إِمَامِهِ الرَّاتِبِ إِلَّا بِإِذْنِهِ، أَوْ يَتَأَخَّرَ لِعُذْرٍ. وَلِمَنْ أَحْرَمَ مُنْفَرِداً، ثُمَّ نَوَى مُتَابَعَةَ الإِمَامِ، لَمْ يَجُزْ، فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ. فَإِنْ نَوَى الإِمَامَةَ، لَمْ يَصِحَّ إِلَّا فِي النَّافِلَةِ، وَلا فَرْقَ فِي ذلِكَ بَيْنَ ابْتِدَاءِ الصَّلاةِ أَوْ أَثْنَائِهَا. وَإِنْ نَوَى الْمَأْمُومُ مُفَارَقَةَ الإمَامِ لِعُذْرٍ، وَأَتَمَّ مُنْفَرِداً، جَازَ، وَلا يَجُوزُ لِغَيْرِ عُذْرٍ فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ. وَإِذَا سَبَقَ الإمَامَ الْحَدَثُ، فَاسْتَخْلَفَ بَعْضَ الْمَأْمُومِينَ؛ لِيُتِمَّ بِهِمُ الصَّلاةَ، جَازَ. وَفِيهِ وَجْهٌ آخَرُ أَنَّهُ لا يَصِحُّ. ¬
وَكَذلِكَ إِنْ أَدْرَكَ نَفْسَانِ بَعْضَ الصَّلاةِ مَعَ الإمَامِ، فَلَمَّا سَلَّمَ، ائْتَمَّ أَحَدُهُمَا بِصَاحِبِهِ فِي بَقِيَّةِ الصَّلاةِ، فَعَلَى وَجْهَيْنِ. وَيَصِحُّ أَنْ يَأْتَمَّ مَنْ يُؤَدِّي الظُّهْرَ بِمَنْ يَقْضِيهَا. وَهَلْ يَصحُّ ائْتِمَامُ الْمُفْتَرِضِ بِالْمُتَنَفِّلِ؟ وَمَنْ يُصلِّي الظُّهْرَ بِمَنْ يُصَلِّي الْعَصْرَ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ. وَمَنْ كَبَّرَ قَبْلَ سَلامِ الإمَامِ، فَقَدْ أَدْرَكَ الْجَمَاعَةَ. وَمَنْ أَدْرَكَ الإمَامَ فِي الرُّكُوعِ، فَقَدْ أَدْرَكَ الرَّكْعَةَ، وَعَلَيْهِ تَكْبِيرَتَانِ لِلافْتِتَاحِ وَالرُّكُوعِ، وَإِنْ كَبَّرَ وَاحِدَةً، أَجْزَأَهُ. وَمَنْ رَكَعَ، أَوْ سَجَدَ، قَبْلَ إِمَامِهِ، فَعَلَيْهِ أَنْ يَرْفَعَ لِيَأْتِيَ بِذلِكَ مَعَهُ، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ، بَطَلَتْ صَلاتُهُ عِنْدَ أَصْحَابِنا، وَقَالَ الْقَاضِي: لا تَبْطُلُ. فَإِنْ رَكَعَ قَبْلَ رُكُوعِ إِمَامِهِ عَامِداً، فَهَلْ تَبْطُلُ صَلاتُهُ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ. وَإِنْ كَانَ جَاهِلاً أَوْ نَاسِياً، لَمْ تَبْطُلْ. وَهَلْ يَعْتَدُّ بِتِلْكَ الرَّكْعَةِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ. فَإِنْ رَكَعَ قَبْلَهُ، فَلَمَّا أَرَادَ أَنْ يَرْكَعَ، رَفَعَ، فَلَمَّا أَرَادَ أَنْ يَرْفَعَ سَجَدَ، بَطَلَتْ، إِلَّا أَنْ يَكُونَ جَاهِلاً أَوْ نَاسياً، فَلا تَبْطُلُ، وَيَعْتَدُّ بِتِلْكَ الرَّكْعَةِ. وَإِذَا لَمْ يَسْمَعِ الْمَأْمُومُ قِرَاءَةَ الإمَامِ؛ لِبُعْدِهِ عَنْهُ، اسْتُحِبَّ لَهُ الْقِرَاءَةُ، فَإِنْ لَمْ يَسْمَعْهُ لِطَرَشٍ، فَهَلْ يُكْرَهُ أَوْ يُسْتَحَبُّ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ. وَهَلْ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَسْتَفْتِحَ الْمَأْمُومُ وَيَسْتَعِيذَ فِيمَا يَجْهَرُ فِيهِ الإمَامُ، أَوْ يُكْرَهُ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ.
وَإِذَا أَحَسَّ بِدَاخِلى، وَهُوَ فِي الرُّكُوعِ، فِي مَسْجِدٍ يَقِلُّ فِيهِ الْجَمَاعَةُ، اسْتُحِبَّ لَهُ إِنْظَارَهُ (¬1) مَا لَمْ يَشُقَّ (¬2) عَلَى المْأْمُومِينَ. وَلا يُكْرَهُ (¬3) لِلْعَجَائِزِ حُضُورُ الْجَمَاعَةِ مَعَ الرِّجَالُ. * * * ¬
فصل في الإمامة
فَصْلٌ فِي الإمَامَةِ قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "يَؤُمُّ الْقَوْمَ أَقْرَؤُهُمْ لِكِتَابِ اللهِ، فَإِنْ كَانُوا فِي الْقِرَاءَةِ سَوَاءً، فَأَعْلَمُهُمْ بِالسُّنَّةِ، فَإِنْ كَانُوا فِي السُّنَّةِ سَوَاءً، فَأَقْدَمُهُمْ هِجْرَةً، فَإِنْ كَانُوا فِي الْهِجْرَةِ سَوَاءً، فَأَقْدَمُهُمْ (¬1) سِنّاً، وَلا يَؤُمَّنَّ الرَّجُلُ الرَّجُلَ (¬2) فِي سُلْطَانِهِ، وَلا يَقْعُدْ فِي بَيْتِهِ عَلَى تَكْرِمَتِهِ إِلَّا بِإِذْنِهِ" رَوَاهُ مُسْلِمٌ (¬3). فَإِذَا اسْتَوَوْا فِي جَمِيعِ ذلِكَ، قُدِّمَ أَتْقَاهُمْ، فَإِنْ تَسَاوَوْا، أُقْرِعَ بَيْنَهُمْ. وَالْحُرُّ أَوْلَى مِنَ الْعَبْدِ، وَالْحَاضِرُ أَوْلَى مِنَ الْمُسَافِرِ، وَالْحَضَرِيُّ أَوْلَى مِنَ الْبَدَوِيِّ. وَلا تَصِحُّ إِمَامَةُ الأَخْرَسِ. ¬
وَهَلْ تَصِحُّ إِمَامَةُ الأَقْطَعِ الْيَدَيْنِ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ. وَهَلْ تَصِحُّ إِمَامَةُ الْفَاسِقِ، أَوِ الأَقْلَفِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ. وَتَصِحُّ إِمَامَةُ الصَّبِيِّ فِي النَّوَافِلِ، وَلا تَصِحُّ فِي الْفَرَائِضِ إِلَّا بِمِثْلِهِ. وَلا تَصِحُّ الصَّلاةُ خَلْفَ نَجِسٍ، وَلا مُحْدِثٍ يَعْلَمُ ذَلِكَ، فَإِنْ جَهِلَ هُوَ وَالْمَأْمُومُ، حَتَّى فَرَغُوا مِنَ الصَّلاةِ، فَصَلاةُ الْمَأْمُومِ صَحِيحةٌ، وَصَلاتُهُ بَاطِلَةٌ. وَلا تَصِحُّ صَلاةُ الْقَارِئِ خَلْفَ مَنْ لا يُحْسِنُ الْفَاتِحَةَ، أَوْ يُخِلُّ بِحَرْفٍ فيها (¬1)، أَوْ يَلْحَنُ (¬2) لَحْناً يُحِيلُ الْمَعْنَى. وَتُكْرَهُ إِمَامَةُ اللَّحَّانِ، وَمَنْ يُكَرِّرُ بَعْضَ الْحُرُوفِ، وَلا يُفْصِحُ بِهَا؛ كَالْغَرَبِيِّ (¬3) الَّذِي لا يُفْصِحُ بِالْقَافِ. وَيُكْرَهُ أَنْ يَؤُمَّ نِسَاءً أَجَانِبَ لا رَجُلَ مَعَهُنَّ، وَأَنْ يَؤُمَّ قَومْاً وَأَكْثَرُهُمْ لَهٌ كَارِهُونَ. وَلا تُكْرَهُ إِمَامَةُ وَلَدِ الزِّنَا وَالْجُنْدِيِّ إِذَا سَلِمَا في دِينِهِمَا. وَيَجُوزُ ائْتِمَامُ (¬4) الْمُتَوَضِّئِ بِالْمُتَيَمِّمِ. وَلا يَصِحُّ ائْتِمَامُ مَنْ لَيْسَ بِهِ سَلَسٌ بِمَنْ بِهِ سَلَسٌ، والْقَادِرِ عَلَى ¬
الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ بِالْمُومِئِ، وَلا (¬1) الْقَادِرِ عَلَى الْقِيَامِ بِالْعَاجِزِ عَنْهُ، إِلَّا أَنْ يَكُونَ إِمَامَ الْحَيِّ، وَيَكُونَ مَرَضُهُ يُرْجَى زَوَالُهُ، وَيُصَلُّونَ خَلْفَهُ جُلُوساً، فَإِنْ صَلَّوْا قِيَاماً، صَحَّتْ صَلاتُهُمْ، وَقِيلَ: لا تَصِحُّ. * * * ¬
فصل في الموقف
فَصْلٌ فِي الْمَوْقِفِ السُّنَّةُ أَنْ يَقِفَ الْمَأْمُومُونَ خَلْفَ الإمَامِ، فَإِنْ وَقَفُوا قُدَّامَهُ، لَمْ يَصِحَّ، فَإِنْ كَانَ واحداً، وَقَفَ عَنْ يَمِينهِ، إِلَّا أَنْ تَكُونَ امْرَأَةً، فتقِفَ خَلْفَهُ. فَإِنِ اجْتَمَعَ رِجَالٌ وَصِبْيَانٌ وَخُنَاثَى وَنساءٌ، قُدِّمَ (¬1) الرِّجَالُ، ثُمَّ الصِّبْيَانُ، ثُمَّ الْخُنَاثَى، ثُمَّ النِّسَاءُ. فَإِنْ وَقَفَتِ الْمَرْأَةُ فِي صَفِّ الرِّجَالِ (¬2)، كُرِهَ، وَلَمْ تَبْطُلْ صَلاتُهَما وَلا صَلاةُ مَنْ يَلِيهَا. وَمَنْ وَقَفَ قُدَّامَ الإمَامِ، لَمْ تَصِحَّ صَلاتُهُ. وَمَنْ لَمْ يَقِفْ مَعَهُ إِلَّا كَافِرٌ أَوْ مُحْدِثٌ أَوْ امْرَأَةٌ أَوْ صَبِيٌّ، فَحُكْمُهُ حُكْمُ الْمُؤْتَمِّ بِهِمْ. وَإِذَا صَلَّى وَرَاءَ الإمَامِ، أَوْ خَارِجَ الْمَسْجِدِ، صَحَّ إِذَا اتَّصَلَتِ ¬
الصُّفُوفُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمَا حَائِلٌ يَمْنَعُ رُؤْيَةَ الْمَأْمُومِينَ. وَيُكْرَهُ لِلإمَامِ أَنْ يُصَلِّيَ فِي طَاقِ الْقِبْلَةِ، وَأَنْ يَتَطَوَّعَ مَوْضِعَ صَلاتِهِ الْمَكْتُوبَةِ إِلَّا مِنْ حَاجَةٍ، وَيُكْرَهُ لِلْمَأْمُومِينَ الْوُقُوفُ بَيْنَ السَّوَارِي؛ لأَنَّهَا تَقْطَعُ صُفُوفَهم (1).
فصل في ترك الجمعة والجماعة
فَصْلٌ فِي تَرْكِ الْجُمُعَةِ وَالْجَمَاعَةِ وَيُعْذَرُ بِتَرْكِ الْجُمُعَةِ: الْمَرِيضُ، وَمَنْ لَهُ قَرِيبٌ يَخَافُ مَوْتَهُ، وَمَنْ يُدَافِعُ وَاحِداً مِنَ الأَخْبَثَيْنِ، وَمَنْ حَضَرَ الطَّعامَ وَبِهِ حَاجَةٌ إِلَيْهِ، وَمَنْ يَخَافُ مِنْ سُلْطَانٍ يَأْخُذُهُ، أَوْ غَرِيمٍ يُلازِمُهُ، وَلا شَيْءَ مَعَهُ يُعْطِيهِ، وَالْمُسَافِرُ إِذَا خَافَ فَوَاتَ الْقَافِلَةِ، وَمَنْ يَخَافُ ضَرَراً مِنْ مَالِهِ، أَوْ يَرْجُو وُجُودَهُ، وَمَنْ يَخَافُ مِنْ غَلَبَةِ النُّعَاسِ حَتَّى يَفُوتَهُ الْوَقْتُ، وَمَنْ يَخَافُ التَّاَذِّيَ بِالْمَطَرِ أَوِ الْوَحَلِ أَوِ الِّريحِ الشَّدِيدَةِ فِي اللَّيْلَةِ الْمُظْلِمَةِ الْبَارِدَةِ.
باب صلاة ذوي الأعذار
بَابُ صَلاةِ ذَوِي الأَعْذَارِ قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - لِعِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ: "صَلِّ قَائِماً، فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ، فَقَاعِداً، فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ، فَعَلَى (¬1) جَنْبٍ" رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ (¬2). وَإِذَا صَلَّى الْعَاجِزُ عَنِ الْقُعُودِ عَلَى ظَهْرِه، وَوَجْهُهُ وَرِجْلاهُ إِلَى الْقِبْلَةِ، جَازَ مَعَ تَرْكِ الاخْتِيَارِ (¬3)، فَإِنْ عَجَزَ عَنْ ذلِكَ، أَوْمَى (¬4) بِطَرْفِهِ، وَنَوى بِقَلْبِهِ. وَلا تَسْقُطُ عَنْهُ الصَّلاةُ مَا دَامَ عَقْلُهُ ثَابِتاً. فَإِنْ قَدَرَ عَلَى الْقِيَامِ أَوْ الْقُعُودِ فِي أَثْنَاءِ الصَّلاةِ، انتُقَلَ إِلَيْهِ، وَأَتَمَّ صَلاتَهُ. ¬
وَإِنْ قَدَرَ عَلَى الْقِيَامِ، وَعَجَزَ عَنِ الرّكُوعِ وَالسُّجُودِ، صَلَّى قَائِماً، فَأَوْمَى (¬1) بِالرُّكُوعِ، وَجَلَسَ (¬2) فَأَوْمَى بِالسُّجُودِ. وَتَجُوزُ صَلاةُ الْفَرْضِ عَلَى الرَّاحِلَةِ لأَجْلِ التَّاَذِّي بِالْمَطَرِ وَالْوَحَلِ. وَهَلْ تَجُوزُ لأَجْلِ الْمَرَضِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ. * * * ¬
فصل في صلاة المسافر
فَصْلٌ فِي صَلاةِ الْمُسَافِرِ وَإِذَا كَانَ لِلْبَلَدِ طَرِيقَانِ يُقْصَرُ فِي أَحَدِهِما دُونَ الآخَرِ، فَسَلَكَ الأَبْعَدَ، أَوْ نَسِيَ صَلاةَ سَفَرٍ، فَذَكَرَهَا فِي سَفَرٍ آخَرَ، قَصرَ. وَإِذَا سَافَرَ بَعْدَ دُخُولِ الْوَقْتِ، وَلَمْ يَنْوِ الْقَصْرَ، أَوْ نَوَى الإقَامَةَ فِي أَثْنَاءِ الصَّلاةِ، أَوِ ائْتَمَّ بِمُقِيمٍ، أَوْ (¬1) فَسَدَتِ الصَّلاةُ، وَأَعَادَهَا وَحْدَهُ، لَمْ يَقْصُرْ فِي جَمِيعِ ذلِكَ. وَمَنْ أَقَامَ لِقَضَاءِ حَاجَةٍ، وَلَمْ يَنْوِ الإقَامَةَ، أَوْ حَبَسَهُ سُلْطَانٌ أَوْ عَدُوٌّ، قَصَرَ أَبَداً (¬2). وَالْمَلاَّحُ الَّذِي يُسَافِرُ بِأَهْلِهِ، وَلَيْسَ لَهُ نِيَّةُ الْمُقَامِ بِبَلَدٍ، لَيْسَ لَهُ التَّرَخُّصُ. * * * ¬
فصل في الجمع
فَصْلٌ فِي الْجَمْعِ قَالَ مُعَاذ: "خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ، فَكَانَ يُصَلِّي الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ جِمِيعاَ، وَالْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءِ جَمِيعاً" رَوَاهُ مُسْلِمٌ (¬1). وَيَجُوزُ فِي السَّفَرِ الطَّوِيلِ الْجَمْعُ بَيْنَ صَلاتَيْنِ فِي وَقْتٍ أَحَدِهِمَا (¬2)، فَإِنْ جَمَعَ فِي وَقْتِ الأولَى، فَمِنْ شَرْطِهِ أَنْ يَنْوِيَ الْجَمْعَ عِنْدَ الإِحْرَامِ بِهَا فِي أَحَدِ الوَجْهَيْنِ، وَفِي الآخَرِ: يَجُوزُ أَنْ يَنْوِيَ قَبْلَ الْفَرَاغِ مِنْها، وَلا فَرْقَ بَيْنَهُمَا إِلَّا بِقَدْرِ الإقَامَةِ وَالْوُضُوءِ. وَإِنْ صَلَّى بَيْنَهُمَا السُّنَّةَ، فَهَلْ يَبْطُلُ الْجَمْعُ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ. وَإِنْ جَمَعَ فِي وَقْتِ الثَّانِيَةِ، كَفَاهُ نِيِّةُ الْجَمْعِ فِي وَقْتِ الأُولَى، إِلَى أَنْ يَبْقَى مِنْهُ قَدْرُ مَا يُصَلِّيهَا، وَلا يُشْتَرَطُ أَلَّا يُفَرِّقَ (¬3) بَيْنَهُمَا، عَلَى أَصَحِّ الوَجْهَيْنِ. ¬
وَيَجُوزُ الْجَمْعُ لأَجْلِ الْمَرَضِ وَالْمَطَرِ الَّذِي يَبُلُّ الثِّيَابَ. وَهَلْ يَجُوزُ الْجَمْعُ لِمَنْ يُصَلِّي فِي بَيْتِهِ، أَوْ فِي مَسْجِدٍ يَخْرُجُ إِلَيْهِ تَحْتَ سَابَاطٍ، أَوْ فِي الْوَحَلِ وَالرِّيحِ الشَّديِدَةِ فِي اللَّيْلَةِ الْمُظْلِمَةِ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ. وَإِذَا جَمَعَ فِي (¬1) وَقْتِ الأُولَى، اعْتُبِرَ أَنْ يَكُونَ الْمَطَرُ قَائِماً عِنْدَ افْتِتَاحِ الأُولَى وَالْفَرَاغِ مِنْها، وَافْتِتَاحِ الثَّانِيَةِ، وَإِنْ جَمَعَ فِي وَقْتِ الثَّانِيَةِ، جَازَ، وإِنْ زَالَ الْعُذْرُ. وَالْمَرَضُ الْمُبِيحُ لِلْجَمْعِ مَا يَلْحَقُهُ بِتَرْكِهِ مَشَقَّةٌ وَضَعْفٌ. * * * ¬
فصل في صلاة الخوف
فَصْلٌ فِي صَلاةِ الْخَوْفِ قَالَ جَابِرٌ: "لَمَّا حَضَرَتِ الْعَصْرُ، صَفَّنَا صَفَّيْنِ، -يَعْنِي: النَّبِيَّ (¬1) - صلى الله عليه وسلم -، وَالْمُشْرِكُونَ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْقِبْلَةِ، قَالَ: فَكَبَّرَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، وَكَبَّرْنا، وَرَكَعَ فَرَكَعْنَا، ثُمَّ سَجَدَ وَسَجَدَ مَعَهُ الصَّفُّ الأَوَّلُ، فَلَمَّا قَامُوا (¬2)، سَجَدَ الصَّفُّ الثَّانِي، ثُمَّ تَأَخَّرَ الصَّفُّ الأَوَّلُ، وَتَقَدَّمَ الصَّفُّ الثَّانِي، فَقَامُوا مَقَامَ الأَوَّلِ، فَكَبَّرَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، وَكَبَّرْنا، وَرَكَعَ فَرَكَعْنَا، ثُمَّ سَجَدَ وَسَجَدَ مَعَهُ الصَّفُّ الأَوَّلُ، وَقَامَ الثَّانِي، فَلَمَّا سَجَدَ الصَّفُّ الثَّانِي، ثُمَّ (¬3) جَلَسُوا جَمِيعاً، سَلَّمَ عَلَيْهِمْ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -" رَوَاهُ مُسْلِمٌ (¬4). فَهذِهِ صَلاةُ الْخَوْفِ إِذَا كَانَ الْعَدُوُّ فِي غَيْرِ جِهَةِ الْقِبْلَةِ، وَلَمْ يَخَافُوا كَمِيناً. ¬
وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَحْمِلَ مِنَ السِّلاحِ فِي صلاةٍ (¬1) مَا يَدْفَعُ بِهِ عَنْ نَفْسِهِ. وَيُكْرَهُ مَا يُثْقِلُهُ، أَوْ يَمْنَعُ مِنْ كَمَالِ الصَّلاةِ؛ كَالْجَوْشَنِ، وَالْمِغْفَرِ. وَمَنْ رَأَى سَوَاداً ظَنَّهُ عَدُوّاً، فَصَلَّى صَلاةَ شِدَّةِ الْخَوْفِ، ثُمَّ بَانَ أَنَّهُ لَيْسَ بِعَدُوٍّ، أَوْ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ مَا يَمْنَعُ الْعُبُورَ، أَعَادَ الصَّلاةَ. وَيَجُوزُ أَنْ يُصَلِّيَ فِي حَال شِدَّةِ الْخَوْفِ جَمَاعَةً، رِجَالاً وَرُكْبَاناً، وَمَتَى احْتَاجُوا إِلَى الضَّرْبِ وَالطَّعْنِ، وَالْكَرِّ وَالْفَرِّ، فَعَلُوا، وَلا يُؤَخِّرُونَ الصَّلاةَ عَنْ وَقْتِهَا. وَإِذَا خَافَ سَبْياً (¬2)، أَوْ سَبُعاً، أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ، فَلَهُ أَنْ يُصَلِّيَ صَلاةَ الْخَوْفِ. * * * ¬
باب في الجمعة وغيرها
بَابٌ فِي الْجُمُعَةِ وَغَيْرِهَا يُسْتَحَبُّ لِمَنْ أَتَى الْجُمُعَةَ، التَّبْكِيرُ إِلَيْها مَاشِياً، فَيَدْنُو مِنَ الإمَامِ، وَيَتَشَاغَلُ بِالنَّفْلِ، أَوْ ذِكْرِ اللهِ سُبْحَانَهُ، وَلا يَتَخَطَّى رِقَابَ النَّاسِ إِلَّا أَنْ يَكُونَ إِمَاماً، أَوْ يَرَى فُرْجَةً، فَيَتَخَطَّى إِلَيْها. وَعَنْهُ: يُكْرهُ -أيضاً-. وَيُنْصِتُ (¬1) لِلْخُطْبَةِ، فَإِنْ كَانَ عَلَى بُعْدٍ لا يَسْمَعُهَا، فَهَلِ الأَفْضَلُ (¬2) الإِنْصَاتُ، أَوْ ذِكْرُ اللهِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ. وَيَحْرُمُ الْكَلامُ عَلَى الْمَأْمُومِ وَالإمَامُ يَخْطُبُ. وَعَنْهُ: لا يَحْرُمُ. وَلا يُقِيمُ غَيْرَهُ فَيَجْلِسُ فِي مَوْضِعِهِ. وَإِنْ قَدَّمَ صَاحِباً لَهُ فَجَلَسَ فِي مَوْضِعٍ يَحْفَظُهُ لَهُ، فَلا بَأْسَ. ¬
وَإِنْ بَعَثَ مُصَلًّى، فَفُرِشَ فِي مَوْضِعٍ، فَهَلْ لِغَيْرِهِ أَنْ يَرْفَعَهُ وَيَجْلِسَ فِي مَوْضِعِهِ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ. فَإِنْ قَامَ الْجَالِسُ مِنْ مَوْضِعِهِ لِعَارِضٍ، ثُمَّ عَادَ إِلَيْهِ، فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ. وَأَقَلُّ السُّنَّةِ بَعْدَ الْجُمُعَةِ رَكْعَتَانِ، وَأَكْثَرُهَا سِتُّ رَكَعَاتٍ. وَلا يُكْرَهُ لِمَنْ يَحْضُرُ الْجُمُعَةَ أَنْ يُصَلِّيَ الظُّهْرَ فِي جَمَاعَةٍ، وَالأَفْضَلُ لِمَنْ لا جُمُعَةَ عَلَيْهِ، أَلَّا يُصَلُّوا حَتَّى يَفْرُغَ الإمَامُ. وَلا يَجُوزُ لِمَنْ تَجِبُ عَلَيْهِ الْجُمُعَةُ، السَّفَرُ بَعْدَ الزَّوَالِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، وَيَجُوزُ فِيها قَبْلَهُ لِلْجِهَادِ خَاصَّةً. وَعَنْهُ: لا يَجُوزُ عَلَى الإِطْلاقِ. وَإِذَا أُقِيمَتِ الْجُمُعَةُ فِي مَوْضِعَيْنِ لِغَيْرِ حَاجَةٍ، فَالثَّانِيَةُ مِنْهُمَا بَاطِلَةٌ، فَإِنْ وَقَعَتَا مَعاً، أَوْ لَمْ تُعْلَمِ الأُولَى مِنْهُمَا، فَهُمَا بَاطِلَتَانِ، فَإِنْ كَانَتْ الثَّانِيَةُ جُمُعَةَ الإِمَامِ، فَهِيَ الصَّحِيحَةُ، وَقِيلَ: السَّابِقَةُ هِيَ الصَّحِيحَةُ. وَتَصِحُّ إِقَامَةُ (¬1) الْجُمُعَةِ فِي الأَبْنِيَةِ الْمُتَفَرِّقَةِ إِذَا شَمِلَها اسمٌ وَاحِدٌ، وَفِيما قَارَبَ الْبُنْيَانَ من الصحراء (¬2). وَمِنْ شَرْطِ صِحَّتِهَا حُضُورُ الأَرْبَعِينَ، مِمَّنْ تَجِبُ عَلَيْهِ الْجُمُعَةُ. وَعَنْهُ: حُضُورُ ثَلاثَةٍ. فَإِنْ نَقَصُوا، فَلَمْ يَبْقَ إِلَّا أَقَلُّ مِنَ الْعَدَدِ الْمُشْتَرَطِ، اسْتَأْنَفَ ظُهْراً. ¬
وَأَنْ يَتَقَدَّمَهَا خُطْبَتَانِ، وَمِنْ شَرْطِ صِحَّتِهِما حَمْدُ اللهِ تَعَالَى، وَالصَّلاةُ عَلَى رَسُولهِ، وَقِرَاءَةُ آيَةٍ، وَالْوَصِيَّةُ بِتَقْوَى اللهِ، وَحُضُورُ الْعَدَدِ الْمَشْرُوطِ. وَهَلْ تُشْتَرَطُ الطَّهَارَةُ، وَأَنْ يَتَوَلاَّهُمَا مَنْ يَتَوَلَّى الصَّلاةَ، وَإِذْنُ الإمَامِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ. وَيُسَنّ (¬1) أَنْ يَخْطُبَ قَائِماً، وَيَعْتَمِدَ عَلَى سَيْفٍ أَوْ قَوْسٍ أَوْ عَصًا، وَيُقَصِّرَ الْخُطْبَةَ، وَيَدْعُوَ لِلْمُسْلِمِينَ. وَمَنْ لَمْ تَجِبْ عَلَيْهِ الْجُمُعَةُ، لَمْ يَجُزْ أَنْ يَكُونَ إِمَاماً فِيها، فَأَمَّا الْمَعْذُورُ لِمَرَضٍ أَوْ مَطَرٍ (¬2)، فَإِذَا حَضَرَ، وَجَبَتْ عَلَيْهِ، وَانْعَقَدَتْ بِهِ. وَإِذَا وَقَعَ الْعِيدُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، فَاجْتَزَأَ بِالْعِيدِ، أَوْ صَلَّى (¬3) ظُهْراً، جَازَ. وَمَنْ زُحِمَ عَنِ السّجُودِ، سَجَدَ عَلَى ظَهْرِ إِنْسَانٍ، فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْهُ، انتظَرَ زَوَالَ الزِّحَامِ لِيَسْجُدَ، إِلَّا أَنْ يَخَافَ فَوَاتَ الثَّانِيَةِ، فَيتُابِعُ الإمَامَ، وَتَصِيرُ الثَّانِيَةُ أُوليَّتَهُ (¬4)، وَيُتِمُّهَا جُمُعَةً، فَإِنْ تَرَكَ مُتَابَعَتَهُ، بَطَلَتْ صَلاتُهُ، إِلَّا أَنْ يَكُونَ جَاهِلاً بِتَحْرِيمِ ذَلِكَ؛ فَإِنَّهُ إِذا سَجَدَ (¬5)، وأَدرَكَ ¬
الإِمَامَ فِي التَّشَهُّدِ، قَامَ بَعْدَ سَلامِ الإمَامِ، فَأَتَى بِثَانِيَةٍ، وَسَجَدَ لِلسَّهْوِ، وَصَحَّتْ جُمُعَتُهُ. وَعَنْهُ: أَنَّهُ يُتِمُّهَا ظُهْراً.
فصل في صلاة العيد
فَصْلٌ فِي صَلاةِ الْعِيدِ صَلاةُ الْعِيدِ فَرْضٌ عَلَى الْكِفَايَةِ، وَإِذَا اتَّفَقَ أَهْلُ بَلَدٍ عَلَى تَرْكِهِمَا (¬1)، قَاتَلَهُمُ الإمَامُ. وَأَوَّل وَقْتِها: إِذَا ارْتَفَعَتِ الشَّمْسُ، وَآخِرُهُ: إِذَا زَالَتْ. وَيَحْسُنُ تَقْدِيمُ الأَضْحَى، وَتَأْخِيرُ الْفِطْرِ، وَأَنْ يَأْكُلَ فِي الْفِطْرِ قَبْلَ الصَّلاةِ، ويُمْسِكَ فِي الأَضْحَى حَتَّى يُصَلِّيَ. وَهَلْ يُشْتَرَطُ لَهَا الاسْتِيطَانُ وَالْعَدَدُ، وَإِذْنُ الإمَامِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ. وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُبَاكِرَ إِلَيْهَا الْمَأْمُومُ بَعْدَ الصُّبْحِ مَاشِياً عَلَى أَحْسَنِ هَيْئَةٍ كَمَا ذَكَرْنَا لِلْجُمُعَةِ، إِلَّا الْمُعْتَكِفَ، فَإِنَّهُ يَخْرُجُ فِي ثِيَابِ اعْتِكَافِهِ، وَيَتَأَخَّرُ الإمَامُ إِلَى وَقْتِ الصَّلاةِ. وَيُسْتَحَبُّ إِقَامَتُهَا فِي الصَّحْرَاءِ، وَتُكْرَهُ فِي الْجَامِعِ إِلَّا لِعُذْرٍ، وَلا بَأْسَ أَنْ يَحْضُرَهَا النِّسَاءُ. ¬
وَمَنْ أَدْرَكَ الإمَامَ فِي الرُّكُوع، تَبعَهُ، وَلَمْ يَتَشَاغَلْ بِقَضَاءِ التكْبِيرِ، وَإِنْ أَدْرَكَهُ فِي التَّشَهُّدِ، قَامَ إِذَا سَلَّمَ الَإمَامُ، فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ، يَأْتِي فِيهِمَا بِالتَّكْبِيرِ. وَالْخُطْبَتَانِ سُنَّةٌ، وَيَسْتَفْتِحُ الأُولَى بِتِسْعِ تَكْبِيرَاتٍ، وَالثَّانِيَةَ بِسَبعٍ، وَصِفَةُ التَّكْبِيرِ بَعْدَ الصَّلاةِ شَفْعاً: اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ، لا إِلهَ إِلَّا اللهُ، اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ وَللهِ الْحَمْدُ، وَإِذَا نَسِيَ التَّكْبِيرَ، قَضَاهُ (1 مَا لَمْ يُحْدِثْ أَو يَخْرُجْ مِنَ المَسجدِ، وَإِذَا لَمْ يَعْلَم بِالْعِيدِ إِلَّا بَعْدَ الزَّوالِ، خَرَجَ مِنَ الْغَدِ فَصَلَّى بِهِمُ الْعِيدَ (¬1). * * * ¬
فصل في الكسوف
فَصْلٌ فِي الْكُسُوفِ رَوَى مُسْلِمٌ: أَنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "إِنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ اللهِ، لا يَنْخَسِفَانِ (¬1) لِمَوْتِ أَحَدٍ وَلا لِحَيَاتِهِ، فإذا رَأَيْتُمُوهُمَا، فَصَلُّوا حَتَّى يُفَرِّجَ اللهُ عَنْكُمْ" (¬2). وَالصَّلاةُ لِلْكُسُوفِ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ، فَإِنْ تَجَلَّى الْكُسُوفُ، أَوْ غَابَتِ الشَّمْسُ كَاسِفَةً، أَوْ طَلَعَتْ الشِّمْسُ (¬3) وَالقَمَرُ خَاسِفاً قَبْلَ أَنْ يُصَلِّي الْكُسُوفَ، لَمْ يُصَلِّ، وَإِنْ كَانَ فِي الصَّلاةِ، أَتَمَّهَا، غَيْرَ أَنَّهُ يُخَفِّفُ. وَالسُّنَّةُ أَنْ تُفْعَلَ فِي مَوْضِعِ الْجُمُعَةِ، وُيُنَادَى لَهَا: "الصَّلاةَ جَامِعَةً". وُيصَلِّي لِلزَّلْزَلَةِ كَمَا يُصَلِّي لِلْكُسُوفِ، وَلا يُصَلَّي لِغَيْرِ ذَلِكَ. * * * ¬
فصل في صلاة الاستسقاء
فَصْلٌ فِي صَلاةِ الاسْتِسْقاءِ وَهِيَ مَسْنُونَةٌ، وَصِفَتُهَا فِي مَوْضِعِهَا وَأَحْكَامِهَا صِفَةُ صَلاةِ الْعِيدِ. وَيُسْتَحَبُّ لَهُ (¬1) التَّنْظِيفُ، وَلا (¬2) يَتَطَيَّبُ. وَيَجُوزُ خُرُوجُ الصِّبْيَانِ، وَقَالَ ابْنُ حَامِدٍ: يُسْتَحَبُّ ذَلِكَ. وَإِذَا صَلَّى بِهِمْ، خَطَبَ. وَعَنْهُ: أَنَّهُ يَخْطُبُ قَبْلَ الصَّلاةِ. وَعَنْهُ: لا يَخْطُبُ، وَإِنَّمَا يَدْعُو. وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يَخْطُبُ خُطْبَةً واحِدَةً يَفْتَتِحُهَا بِالتكْبِيرِ، وَيَقُولُ مَا رُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ: أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ إِذَا اسْتَسْقَى قَالَ: "اللَّهُمَّ اسْقِنَا غَيْثاً مُغِيثاً هَنِيئاً مَرِيعاً مَرِيئاً غَدَغَاً (¬3) سَريعاً مَريعاً غَدَقاً، مُجَلِّلاً طَبَقاً سَحّاً دَائِماَ، اللَّهُمَّ اسْقِنَا الْغَيْثَ وَلا تَجْعَلْنَا مِنَ الْقَانِطِينَ، اللَّهُمَّ إِنَّ ¬
بِالْعِبَادِ وَالْبِلادِ مِنَ اللأْوَاءِ وَالضَّنْكِ وَالْجَهْدِ، مَا لا نَشْكُوهُ إِلَّا إِلَيْكَ، اللَّهُمَّ أَنْبِتْ لَنَا الزَّرْعَ، وَأَدِرَّ لَنَا الضَّرْعَ، وَاسْقِنَا مِنْ بَرَكَاتِ السَّمَاءِ، وَأَنْزِلْ عَلَيْنَا مِنْ بَرَكَاتِكَ، اللَّهُمَّ ارْفَعْ عَنَّا الْجَهْدَ وَالْجُوعَ وَالْعُرْيَ، وَاكْشِفَ عَنَّا مِنَ الْبَلاءِ مَا لا يَكْشِفُهُ إِلَّا أَنْتَ، اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْتَغْفِرُكَ إِنَّكَ كُنْتَ غَفَّاراً، فَأَرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْنَا مِدْرَاراً" (¬1). وَيَسْتَقْبِلُ الْقِبْلَةَ فِي الْخُطْبَةِ، وَيُحَوِّلُ رِدَاءَهُ، وَيَدْعُو سِرّاً، وَيَكُونُ مِنْ دُعَائِهِ: "اللَّهُمَّ إِنَّكَ أَمَرْتَنَا بِدُعَائِكَ، وَوَعَدْتَنَا إِجَابَتَكَ، وَقَدْ دَعَوْنَاكَ كَمَا أَمَرْتَنَا، فَاسْتَجِبْ لَنَا كَمَا وَعَدْتَنَا". وَإِذَا تَأَهَّبُوا لِلْخُرُوجِ، فَسُقُوا (¬2)، صَلَّوْا وَشَكَرُوا اللهَ تَعَالَى، وَسَأَلُوهُ الْمَزِيدَ مِنْ فَضْلِهِ. وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَقِفَ فِي أَوَّلِ الْمَطَرِ، وَيُخْرِجَ رَحْلَهُ وَثِيَابَهُ لِيُصِيبَهَا. وَإِذَا زَادَتِ الْمِيَاهُ بِحَيْثُ يَخَافُونَ مِنْهَا، اسْتُحِبَّ أَنْ يَقُولَ:"اللَّهُمَّ حَوَالَيْنَا وَلا عَلَيْنَا، اللَّهُمَّ عَلَى ظُهُورِ الْجِبَالِ وَالآكَامِ وَبُطُونِ الأَوْدِيَةِ وَمَنَابِتِ الشَّجَرِ {رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ ...} الآية (¬3). * * * ¬
كتاب الجنائز
كِتَابُ الْجَنَائِزِ يُسْتَحَبُّ عِيَادَةُ الْمَرِيضِ، وَالدُّعَاءُ لَهُ، وَإِنْ خَافَ مَوْتَهُ رَغَّبَهُ فِي التَّوْبَةِ وَالْوَصِيَّةِ، وَيَنْبَغِي لأَهْلِهِ أَنْ يُلْزِمُوهُ أَرْفَقَهُمْ بِهِ، وَأَتْقَاهُمْ لِرَبِّهِ؛ لِيُذَكِّرَهُ بِاللهِ، وَيَحُثَّهُ عَلَى التَّوْبَةِ وَالْوَصِيَّةِ. وَإِذَا رَآهُ مَنْزُولاً بِهِ، نَدَّى حَلْقَهُ بِمَاءٍ، أَوْ شَرَابٍ (¬1)، وَنَدَّى شَفتَيْهِ بِقُطْنَةٍ، وَيُلَقِّنُهُ قَوْلَ: لا إلهَ إِلَّا اللهُ، مَرَّةً، وَلا يَزِيدُ عَلَى ثَلاثٍ، فَإِنْ تَكَلَّمَ بَعْدَ ذلِكَ بِشَيْءٍ، أَعَادَ تَلْقِينَهُ؛ لِيَكُونَ آخِرَ كَلامِهِ، وَيَقْرَأُ عِنْدَهُ سُورَةً، وُيوَجِّهُهُ إِلَى الْقِبْلَةِ. فإذا مَاتَ، غَمَّضَ عَيْنَيْهِ، وَشَدَّ لَحْيَيْهِ، وَلَيَّنَ مَفَاصِلَهُ؛ فَيَرُدُّ سَاقَيْهِ إِلَى فَخِذَيْهِ إِلَى بَطْنِهِ، ثُمَّ يَرُدُّهُمَا، وَيَرُدُّ ذِرَاعَيْهِ إِلَى عَضُدَيْهِ، وَعَضُدَيْهِ إِلَى بِطْنِهِ، ثُمَّ يَرُدُّهُمَا. وَيُوضَعُ عَلَى سَرِيرِ غَسْلِهِ مُتَوَجِّهاً مُنْحَدِراً نَحْوَ رِجْلَيْهِ، وَيُسَارَعُ فِي ¬
قَضَاءِ دَيْنهِ، وَتَفْرِيقِ وَصيَّتِهِ، وَيُسَارَعُ فِي تَجْهِيزهِ، إِلَّا أَنْ يَكُونَ قَدْ مَاتَ فَجْأَةً، فَيُتْرَكُ حَتَّى يُتَيَقَّنَ مَوْتُهُ؛ بِانْخِسَافِ صُدْغَيْهِ، وَمَيْلِ أَنْفِهِ، وَانْفِصَالِ كَفَّيْهِ، وَاسْتِرْخَاءِ رِجْلَيْهِ.
فصل في الغسل
فَصْلٌ فِي الْغَسْلِ عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ: "أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ لَهُنَّ فِي غَسْلِ ابْدَأْنَ بِمَيَامِنِهَا، وَمَوَاضِعِ الْوُضُوءِ مِنْهَا، فَقَالَ: اغْسِلْنَهَا خَمْساً، أَوْ سَبْعاً، أَوْ أَكْثَرَ مِنْ ذلِكَ إِنْ رَأَيْتُنَّ وَسِدْرٍ، وَاجْعَلْنَ فِي الأَخِيرَةِ كَافُوراً، أَوْ شَيْئاً مِنْ كَافُورٍ" مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ (¬1). وَغَسْلُ الْمَيِّتِ، وَتَكْفِينُهُ، وَالصَّلاةُ عَلَيْهِ، وَحَمْلُهُ، وَدَفْنُهُ فَرْضٌ عَلَى الْكِفَايَةِ. وَأَوْلَى النَّاسِ بِهِ وَصِيُّهُ، ثُمَّ أَبُوهُ، ثُمَّ جَدُّهُ، ثُمَّ الأَقْرَبُ مِنْ عَصَبَاتِهِ الرِّجَالِ، ثُمَّ ذَوو (¬2) أَرْحَامِهِ، ثُمَّ الأَجَانِبُ، ثمَّ أُمُّ وَلَدِهِ، أَوْ زَوْجَتُهُ عَلَى أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ. وَأَوْلَى النَّاسِ بِغَسْلِ الْمَرْأَةِ أُمُّهَا، ثُمَّ جَدَّتُهَا، ثُمَّ بِنْتُهَا , ثُمَّ الأَقْرَبُ ¬
فَالأَقْرَبُ مِنْ نِسَائِهَا؛ ثُمَّ الأَجْنَبِيَّاتُ، ثُمَّ زَوْجُهَا، أَوْ سَيِّدُهَا عَلَى أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ. فَإِنْ مَاتَ الرَّجُلُ بَيْنَ نِسْوَةٍ، أَوْ امْرَأَةٌ بَيْنَ الرِّجَالِ، أَوْ خُنْثَى مُشْكِلٌ، يُمِّمَ فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ، وَأُخْرَى: يُغْسَلُ فِي (¬1) قَمِيصِهِ، وَيُصُّبُّ الْماءُ مِنْ فَوْقِ الْقَمِيصِ، وَلا يُمَسُّ. وَلا يَجُوزُ لِلرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ غَسْلُ مَنْ لَهُ دُونَ السَّبع سِنِينَ، ذَكَراً كَانَ أَوْ أُنْثَى، وَلا يَغْسِلُ الْمُسْلِمُ قَرِيبَهُ (¬2) الْكَافِرَ، وَلا يَدْفِنُهُ. وَعَنْهُ: يَجُوزُ ذلِكَ. وُيقَلَّمُ أَظْفَارُ الْمَيِّتِ، وَيُزَالُ شَعْرُ عَانَتِهِ بِالنُّورَةِ أَوِ الْحَلْقِ، وَلا يُحْلَقُ رَأْسُهُ، وَلا يُخْتَنُ إِنْ مَاتَ غَيْرَ مَخْتُونٍ. وَتَجِبُ (¬3) النِّيَّهُ فِي غَسْلِ الْمَيِّتِ، وَفِي التَّسْمِيَةِ رِوَايَتَانِ. وَمَنْ تَعَذَّرَ غَسْلُهُ، فَإِنَّهُ يُيَمَّمُ، وَعَلى الْغَاسِلِ سَتْرُ ما رَآهُ إِنْ لَمْ يَكُنْ حَسَناً. * * * ¬
فصل في الكفن
فَصْلٌ فِي الْكَفَنِ قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "إِذَا كَفَّنَ أَحَدُكُمْ (¬1) أَخَاهُ، فَلْيُحْسِنْ كَفَنَهُ" رَوَاهُ مُسْلِمٌ (¬2). وَقَالَتْ عَائِشَةُ - رَضِي اللهُ عَنْهَا -: "كُفِّنَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي ثَلاثَةِ أَثْوَابٍ بِيضٍ سَحُوليَّةٍ" مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ (¬3). وَلا يَجِبُ عَلَى الرَّجُلِ كَفَنُ امْرَأَتِهِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا مَالٌ, فَعَلَى مَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهَا لَوْ لَمْ تَكُنْ ذَاتَ زَوْجٍ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ، فَفِي بَيْتِ الْمالِ. وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُذَرَّ الْحَنُوطُ وَالْكَافُورُ فِي قُطْنٍ، وَيُجْعَلَ مِنْهُ بَيْنَ أَلْيَتَيْهِ، وَمَثَانَتِهِ (¬4)، وَيُجْعَلَ الْبَاقِي عَلَى مَنَافِذِ وَجْهِهِ، وَمَوَاضِعِ سُجُودِهِ، وَإِنْ طُيِّبَ بِالْكَافُورِ وَالصَّنْدَلِ جَمِيعُ بَدَنِهِ، كَانَ حَسَناً. ¬
فصل [في الصلاة على الجنازة]
فَصْلٌ [في الصَّلاةِ على الجَنَازَةِ] قَالَ عَوْفُ بْنُ مَالِكٍ: صَلَّى رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى جَنَازَةٍ، فَحَفِظْتُ مِنْ دُعَائِهِ: "اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُ، وَارْحَمْهُ، وَعَافِهِ وَاعْفُ عَنْهُ، وَأَكْرِمْ نزلَهُ، وَوَسِّحْ مُدْخَلَهُ، وَاغْسِلْهُ بِالْماءِ وَالثَّلْجِ وَالْبَرَدِ، وَنَقِّهِ مِنَ الذُّنُوبِ (¬1) والْخَطَايَا كَمَا يُنَقَّى الثَّوْبُ الأَبْيَضُ مِنَ الدَّنسَ، وَأَبْدِلْهُ دَاراً خَيْراً مِنْ دَارِهِ، وَأَهْلاً خَيْراً مِنْ أَهْلِهِ، وَزَوْجاً خَيْراً مِنْ زَوْجِهِ، وَأَدْخِلْهُ الْجَنَّةَ، وَأَعِذْه مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ، وَمِنْ عَذَابِ النَّارِ". قَالَ: حَتَّى تَمَنَّيْتُ أَنْ أَكُونَ أَنا (¬2) ذلِكَ الْمَيِّتَ، رَوَاهُ مُسْلِمٌ (¬3). وَالْوَاجِبُ فِي صَلاةِ الْجَنَازَةِ: النِّيَّةُ، والتكبِيرُ، وَالْفَاتِحَةُ، وَالصَّلاةُ عَلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، وَأَيُّ دُعَاء لِلْمَيِّتِ، وَالسَّلامُ. وَإِذَا اجْتَمَعَ جَنَائِزُ، قَدَّمَ (¬4) الإِمَامُ أَفْضَلَهُمْ، وَيُسَاوِي بَيْنَ ¬
رُؤُوسِهِمْ، فَإِنْ كانُوا رِجَالاً وَنِسَاءً، جَعَلَ صَدْرَ الرَّجُلِ حِذَاءَ وَسَطِ الْمَرْأَةِ. وَلايتَابَعُ الإِمَامُ فِي زِيَادَةٍ عَلَى أَكْثَرَ مِنْ خَمْسِ تَكْبِيرَاتٍ. وَعَنْهُ: لا يُتَابَعُ فِي زِيَادَةٍ عَلَى سَبْعٍ. وُيصلَّى عَلَى الْغَائِبِ بِالنِّيَّةِ، فَإِنْ كَانَ الْمَيِّتُ فِي أَحَدِ (¬1) جَانِبَيِ الْبَلَدِ، فَهَلْ يُصَلَّى عَلَيْهِ بِالنِّيَّةِ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ. وَإِذَا وُجِدَ بَعْضُ الْمَيِّتِ، غُسِلَ، وَصُلِّي عَلَيْهِ. وَعَنْهُ: لا يُصَلَّى عَلَى الْجَوَارِيح. وُيغَسَّلُ الشَّهِيدُ إِذَا كَانَ جُنُباً، وَكَذَلِكَ إِنْ سَقَطَ مِنْ دَابَّتِهِ، أَوْ عَادَ عَلَيْهِ سِلاحُهُ، أَوْ وُجِدَ مَيْتاً وَلا أثَرَ بِهِ، أَوْ قُتِلَ ظُلْماً، غُسِّلَ، وَصُلِّيَ عَلَيْهِ. وَعَنْهُ: لا يُغَسَّلُ مَنْ قُتِل ظُلْماً. وَإِذَا لَمْ يَحْضُرِ الْمَيِّتَ غَيْرُ النِّسَاءِ، صَلَّيْنَ عَلَيْهِ جَمَاعَةً. وَإِذَا اخْتَلَطَ مَنْ يُصَلَّى عَلَيْهِ بِمَنْ لا يُصَلَّى عَلَيْهِ، صَلَّى عَلَى الْجَمِيعِ، يَنْوِي مَنْ يُصَلَّى عَلَيْهِ. * * * ¬
فصل [في دفن الميت]
فَصْلٌ [في دَفْنِ الميِّتِ] وَلا يَجْلِسُ مَنْ تَبِعَهَا حَتَّى تُوضَعَ، فَإِنْ سَبَقَهَا فَجَلَسَ، لَمْ يَقُمْ لَهَا (¬1) عِنْدَ مَجِيئِهَا. وَيَقُولُ الَّذِي يَدْفِنُ الْمَيِّتَ: بِاسْمِ اللهِ، وَعَلَى مِلَّةِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -. وَيَضَعُهُ فِي لَحْدِهِ عَلَى جَنْبهِ الأَيْمَنِ، مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ، وَيَنْصِبُ عَلَيْهِ اللَّبِنَ نَصْباً، ثُمَّ يَحْثِي عَلَيْهِ التُّرَابَ بِالْيَدِ ثَلاثَ حَثَيَاتٍ، ثُمَّ يُهَالُ عَلَيْهِ التُّرَابُ. وُيرْفَعُ الْقَبْرُ عَنِ الأَرْضِ قَدْرَ شِبْرٍ، وَيُرَشُّ عَلَيْهِ الْماءُ، وَيُوضَعُ عَلَيْهِ الْحَصْبَاءُ، وَلا بَأْسَ بِتَطْيِينهِ، وَيُكْرَهُ تَجْصِيصُهُ، وَالْبِنَاءُ عَلَيْهِ، وَالْجُلُوسُ وَالِاتِّكَاءُ عَلَيْهِ. وَلا يُدْفَنُ فِيهِ اثْنَانِ إِلَّا لِضَرُورَةٍ، وُيقَدَّمُ الأَفْضَلُ إِلَى الْقِبْلَةِ. وَإِنْ لُقِّنَ الْمَيِّتُ كَمَا يَفْعَلُ النَّاسُ، فَلا بَأْسَ. ¬
وَإِذَا دُفِنَ مِنْ غَيْرِ غَسْلٍ، أَوْ إِلَى غَيْرِ الْقِبْلَةِ، أَوْ وَقَعَ فِي الْقَبْرِ مَا لَهُ قِيمَةٌ، نُبِشَ، وَأُخِذَ وَغُسِّلَ وَوُجِّهَ. وَإِنْ كُفّنَ بِثَوْبِ غَصْب، أَوْ بَلَعَ مَالَ غَيْرِهِ، أُنْبِشَ، وَأُخِذَ الْكَفَنُ، وَشُقَّ جَوْفُهُ، وَأُخْرِجَ، فِي إِحْدَى الوَجْهَيْنِ (¬1)، وَفِي الآخَرِ (¬2): يُغَرَّمُ قِيمَتَهُ مِنْ تَرِكَتِهِ، وَلا يُعْرَضُ لَهُ. وَرَوَى مُسْلِمٌ قَالَ: "كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يُعَلِّمُهُمْ إِذَا خَرَجُوا إِلَى الْمَقَابِرِ، فَكَانَ قَائِلُهُمْ يَقُولُ: السَّلامُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الدِّيَارِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُسْلِمِينَ، وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللهُ بِكُمْ لاحِقُونَ، نَسْأَلُ اللهَ لَنَا وَلَكُمُ الْعَافِيَةَ" (¬3). وَلا تُكْرَهُ الْقِرَاءَةُ عَلَى الْقَبْرِ في أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ. وَأَيُّ قُرْبَةٍ فَعَلَها، وَجَعَلَ ثَوَابَهَا لِلْمَيِّتِ الْمُسْلِم، نَفَعَهُ ذلِكَ. * * * ¬
فصل [في التعزية]
فَصْلٌ [في التَّعْزِيَةِ] رَوَى مُسْلِمٌ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ قَالَتْ: "سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: مَا مِنْ مُسْلِمٍ تُصِيبُهُ مُصِيبَةٌ، فَيَقُولُ مَا أَمَرَهُ الله - عَزَّ وَجَلَّ-: إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ، اللَّهُمَّ أْجُرْنِي فِي مُصِيبَتِي، وَاخْلُفْ لِي خَيْراً مِنْهَا، إِلَّا خَلَفَ اللهُ لَهُ خَيْراً مِنْهَا، فَلَمَّا مَاتَ أَبُو سَلَمَةَ، قَالَ: لا تَدْعُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ (¬1) إِلَّا بِخَيْرٍ؛ فَإِنَ الْمَلائِكَةَ يُؤَمِّنُونَ عَلَى مَا تَقُولُونَ، ثُمَّ قَالَ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لأَبِي سَلَمَةَ، وَارْفَعْ دَرَجَتَهُ فِي الْمُقَرَّبِينَ، وَاخْلُفْهُ فِي عَقِبِهِ فِي الْغَابِرِينَ، وَاغْفِرْ لَهُ يَارَبَّ الْعَالَمِينَ، وَافْسَحْ لَهُ فِي قَبْرِهِ، وَنَوِّرْ لَهُ فِيهِ" (¬2). وَيُسْتَحَبُّ التَّعْزِيَةُ، وَيُكْرَهُ الْجُلُوسُ لَهَا، وَيَقُولُ فِي تَعْزِيَةِ الْمُسْلِمِ ¬
بِالْمُسْلِمِ (¬1): "أَعْظَمَ اللهُ أَجْرَكَ، وَأَحْسَنَ عَزَاءَكَ، وَغَفَرَ لِمَيِّتِكَ". وَفِي تَعْزِيَةِ الْكَافِرِ بِالْمُسْلِمِ: "أَحْسَنَ اللهُ عَزَاءَكَ، وَغَفَرَ لِمَيِّتِكَ". وَفِي تَعْزِيَتِهِ بِالْكَافِرِ: "أَخْلَفَ اللهُ عَلَيْكَ، وَلا نَقَّصَ عَدَدَكَ". وَلا بَأْسَ أَنْ يَطْرَحَ الْمُصَابُ عَلَى رَأْسِهِ ثَوْباً يُعْرَفُ بِهِ. * * * ¬
كتاب الزكاة
كِتَابُ الزَّكَاةِ وَلا تَجِبُ إِلَّا عَلَى حُرٍّ مُسْلِمٍ تَامِّ الْمُلْكِ، وَلا تَجِبُ فِي الدَّيْنِ الَّذِي عَلَى الْمُكَاتَبِ. وَهَلْ تَجِبُ فِي الضَّالِّ وَالْمَغْصُوبِ وَالدَّيْنِ عَلَى مُمَاطِلٍ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ. وَيَصِحُّ بَيْعُ مَا وَجَبَتْ فِيهِ الزَّكَاةُ. وَإِذَا مَلَكَ نِصَاباً، فَحَالَ عَلَيْهِ حَوْلانِ لَمْ يُؤَدِّ زَكَاتَهُمَا، فَهَلْ تَلْزَمُهُ زَكَاة حَوْلٍ، أَمْ زَكَاة حَوْلَيْنِ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ. وَهَلْ يُمْنَعُ وُجُوبُ الزَّكَاةِ فِي الأَمْوَالِ الظَّاهِرَةِ كَالْمَوَاشِي وَنَحْوِهَا؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ. وَهَل تَمْنَعُ الْكَفَّارَةُ وُجُوبَ الزَّكَاةِ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ. وَمَا نتُجَ مِنَ النِّصَابِ فِي أَثْنَاءِ الْحَوْلِ، فَحَوْلُهُ حَوْلُ النِّصَابِ، وَالْمُسْتَفَادُ بِإِرْثٍ أَوْ عَقْدٍ، لَهُ حُكْمُ نَفْسِهِ، وَلا يَبْنِي الْوَارِثُ حَوْلَهُ عَلَى
حَوْلِ الْمَوْرُوثِ، وَإِذَا نَقَصَ النِّصَابُ فِي أَثْنَاءِ الْحَوْلِ، فَلا زَكَاةَ عَلَيْهِ. وَإِنْ كَانَ قَصَدَ الفِرَارَ مِنَ الزَّكَاةِ، عِنْدَ قُرْبِ وُجُوبِهَا عَلَيْهِ بِبَيْع أَوْ غَيْرِهِ، لَمْ تَسْقُطْ عَنْهُ.
فصل [في زكاة الأنعام]
فَصْلٌ [في زَكاةِ الأنْعَامِ] فَإِذَا (¬1) اتَّفَقَ فِي الْمالِ فَرْضَانِ؛ كَالْمِئَتَيْنِ فِيهَا خَمْسُ بَنَاتِ لَبُونٍ، أَوْ أَرْبَعُ حِقَاقٍ، وَجَبَتِ الْحِقَاقُ -نَصَّ عَلَيْهِ-. وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ، وَابْنُ حَامِدٍ: أَيَّ الْفَرْضَيْنِ أَرَادَ. وَمَنْ وَجَبَ (¬2) عَلَيْهِ فِي الإِبِلِ شَاةٌ، فَأَخْرَجَ عَنْهَا بَعِيراً، لَمْ يُجْزِه. وَإِذَا زَادَتِ الْغَنَمُ عَلَى ثَلاثِ مِئَةٍ وَاحِدَةً، فَعَلَيْهِ أَرْبَعُ شِيَاهٍ، فِي إِحْدَى الرّوَايَتَيْنِ، والأُخْرَى: لا تَجِبُ الأَرْبَعُ حَتَى تَبْلُغَ أَرْبَعَ مِئَةٍ. وَتَجِبُ الزَّكَاةُ في الْمُتَوَلِّدِ بَيْنَ الْوَحْشِيِّ وَالأَهْلِيِّ، وَلا تَجِبُ فِي الظِّباءِ، رِوَايَةً وَاحِدَةً. وَهَلْ تَجِبُ فِي الْبقَرِ الْوَحْشِيِّ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ. * * * ¬
فصل في أسنان الفرائض
فَصْلٌ فِي أَسْنَانِ الْفَرَائِضِ بِنْتُ مَخَاضٍ: الَّتِي لَها سَنَةٌ، وَبِنْتُ لَبُونٍ: لَهَا سَنَتَانِ، وَالْحُقَّةُ: مَا كَمُلَ لَهَا ثَلاثُ سِنِينَ، وَالْجَذَعَةُ: مَا كَمُلَ لَهَا أَرْبَعُ سِنِينَ، وَهِيَ أَعْلَى سِنٍّ تُؤْخَذُ فِي الزَّكَاةِ، وَالثَّنِيَّةُ: مَا كَمُلَ لَهَا خَمْسٌ، وَالتَّبِيعُ مِنَ الْبَقَرِ: مَا لَهُ سَنَةٌ، وَالْمُسِنَّةُ: مَا (¬1) لَهَا سَنَتَانِ، وَهِيَ الثَّنِيَّةُ -أَيْضاً-. * * * ¬
فصل
فَصْلٌ وَلا زَكَاةَ فِي مَالٍ حَتَّى يَحُولَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ مِنْ حِينِ يُكْمِلُ نِصاباً. فَإِنْ مَلَكَ نِصَاباً صِغَاراً (¬1)، انْعَقَدَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ مِنْ حِينِ مُلْكِهِ، وَيُؤْخَذُ مِنَ الصِّغَارِ صَغِيرَةٌ، وَمِنَ الْمِرَاضِ مَرِيضَةٌ. فَإِنْ كَانَ فِي الْمالِ صِغَارٌ وَكِبَارٌ، وَصِحَاحٌ وَمِرَاضٌ، لَمْ يُؤْخَذْ إِلَّا (¬2) صَحِيحَةٌ كَبِيرَةٌ قِيمَتُها عَلَى قَدْرِ قِيمَةِ الْمالَيْنِ. وَإِنْ كَانَ فِيهِ كِرَامٌ وَلِئَامٌ، أَوْ سِمَانٌ وَمَهَازِيلُ، وَكَانَ مِنْ نَوْعَيْنِ؛ كَالْبَخَاتِيِّ وَالْعِرَابِيِّ، وَالْبقَرِ وَالْجَوَامِيسِ، أُخِذَ الْفَرْضُ مِنَ الْوَاسَطِ (¬3) عَلَى قَدْرِ الْمالَيْنِ، وَلا يُجْزِىَ فِي الزَّكَاةِ ذَكَرٌ، إِلَّا فِي الثَّلاثِينَ مِنَ الْبَقَرِ، وَمَا تَكَرَّرَ مِنْهَا، أَوْ تَرَكَّبَ؛ كَالسِّتِّينَ وَالسَّبْعِينَ، وَابْنُ لَبُونٍ مَكانَ بِنْتِ مَخَاضٍ إِذَا (¬4) عَدِمَها، فَلَوْ عَدِمَهُ -أَيْضاً-، وَأَرَادَ الشِّرَاءَ، لَزِمَهُ بِنْتُ مَخَاضٍ. ¬
فَإِنْ كَانَتْ مَاشِيَتُهُ كُلُّها ذُكُوراً، أَجْزَأَ الذَّكَرُ فِي الغَنَمِ -وَجْهاً وَاحِداً-، وَلا يُجْزِىَ فِي الإِبِلِ وَالْبَقَرِ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ. وَلا يُؤْخَذُ فِي الصَّدَقَةِ خِيَارُ الْمالِ وَلا شِرَارُهُ، إِلَّا أَنْ يَتَبَرَّعَ رَبُّ الْمالِ بِدَفْعِ الْخِيَارِ. وَإِذَا أَخْرَجَ مُسِنّاً أَعْلَى مِنَ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ مِنْ جِنْسِهِ، جَازَ. وَلا يَجُوزُ إِخْرَاجُ الْقِيمَةِ فِي الزَّكَاةِ. وَعَنْهُ: يَجُوزُ.
فصل في الخلطة
فَصْلٌ فِي الْخِلْطَةِ رَوَى الْبُخَارِيُّ عَنْ أَنسَ: "أَنَّ أَبا بَكْرٍ كَتَبَ لَهُ التي فَرَضَ (¬1) رسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: وَمَا كَانَ مِنْ خَلِيطَيْنِ، فَإِنَّهُمَا يَتَرَاجَعَانِ بَيْنَهُمَا بالسَّوِيَّةِ، وَلا يُجْمَعُ بَيْنَ مُفْتَرِقٍ، وَلا يُفَرَّقُ بَيْنَ مُجْتَمِعٍ خَشْيَةَ الصَّدَقَةِ" (¬2). وَتُعْتَبَرُ الْخِلْطَةُ فِي جَمِيعِ الْحَوْلِ، فَإِنْ ثَبَتَ لَهُمَا حُكْمُ الِانْفِرَادِ فِي بَعْضِهِ، زَكَّيَا زَكاةَ الْمُنْفَرِدَيْنِ فِي ذلِكَ الْحَوْلِ. وَإِنْ ثَبَتَ لأَحَدِهِمَا دُونَ الآخَرَيْنِ، يُزَكِّي الْمُنْفَرِدُ زَكَاةَ الِانْفِرَادِ، والْمُخَلِّطُ زَكَاةَ الْمُخَلَّطَةِ عَنْ تَمَامِ حَوْلهِ. وَإِذَا كَانَ لِرَجُلٍ أَرْبَعُونَ شَاةً مَضَى عَلَيْهَا نِصْفُ حَوْلٍ، ثُمَّ بَاعَ نِصْفَهَا مُشَاعاً، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: يَنْقَطِعُ الْحَوْلِ، وَيَسْتَأْنِفَانِهِ حَوْلاً. وَقَالَ ابْنُ حَامِدٍ: لا يَنْقَطِعُ، وَعَلَى الْبَائِعِ إِذَا تَمَّ حَوْلُهُ نِصْفُ شَاةٍ، فَإِنْ أَخْرَجَهَا مِنَ النِّصَابِ، انْقَطَعَ حَوْلُ الْمُشْتَرِي؛ لِنُقْصَانِ النِّصَابِ، ¬
وَإِنْ أَخْرَجَها مِنْ غَيْرِهِ، فَهَلْ يَلْزَمُ الْمُشْتَرِيَ نَصْفُ شَاةٍ عِنْدَ تَمَامِ حَوْلهِ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ، أَصْلُهُا (¬1) هَلْ تَجِبُ الزَّكَاةُ فِي الْعَيْنِ؟ أَمْ فِي الذِّمَّةِ؟ عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ، قَالَ: أَمَّا إِنْ (¬2) أَفْرَدَ عِشْرِينَ وَبَاعَها، ثُمَّ خَلَطَها بَغَنَمِ الأَوَّلِ، انْقَطَعَ الْحَوْلُ، وَقَالَ الْقَاضِي: يُحْتَمَلُ أَلَّا يَنْقَطِعَ إِذَا كَانَ زَمَاناً يَسِيراً. وَإِذَا مَلَكَ رَجُلٌ أَرْبَعِينَ فِي الْمُحَرَّمِ، وَأَرْبَعِينَ فِي صَفَرَ، وَأَرْبَعِينَ فِي رَبِيعٍ، فَإِذَا تَمَّ حَوْلُ الأَوَّلِ، فَعَلَيْهِ شَاةٌ، وَهَلْ يَلْزَمُهُ لِما بَقِيَ زَكَاتُهُ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُما: لا زَكاةَ عَلَيْهِ، وَالثَّانِي: عَلَيْهِ زَكَاةُ الثَّانِي عِنْدَ تَمَامِ حَوْلهِ نِصْفُ شَاةٍ، وَزَكَاةُ الثَّالِثِ عِنْدَ تَمَامِ حَوْلهِ شَاةٌ. وَإِذَا كَانَ لِرَجُلٍ سِتُّونَ شَاةً، كُلُّ عِشْرِينَ مِنْهَا مُخْتَلِطَةٌ مَعَ عِشْرِينَ لِرَجُلٍ آخَرَ، فَعَلَى صَاحِبِ السِّتِّينَ نِصْفُ شَاةٍ، وَعَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ (¬3) سُدُسُ شَاةٍ. وَيَجُوزُ لِلسَّاعِي أَخْذُ الْفَرْضِ مِنْ مَالِ أَيِّ الْخَلِيطَيْنِ شَاءَ، وَإِنْ أَخَذَ أَكْثَرَ مِنَ الْفَرْضِ بِغَيْرِ تَأْوِيلٍ، لَمْ يَرْجِعْ بِالزِّيَادَةِ عَلَى خَلِيطِهِ، وَإِنْ كَانَ بِتَأْوِيلٍ (¬4)، وَهُوَ أَنْ يَقُولَ بَعْضُ الْعُلَماءِ، رَجَعَ عَلَيْهِ، وَإِذَا اخْتَلَفَ الْخَلِيطَانِ فِي الْقِيمَةِ، وَلَمْ تَكُنْ بَيِّنَة، فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمَرْجُوعِ عَلَيْهِ. وَإِذَا كَانَتْ سَائِمَةُ الرَّجُلِ فِي بَلَدَيْنِ مُتَفَارِقَيْنِ، فَهِيَ كَالْمُجْتَمِعَةِ، ¬
وإِنْ كَانَ بَيْنَهُمَا مَسَافَةُ الْقَصْرِ، فَلِكُلِّ مَالِ حُكْمُ نَفْسِهِ (¬1) كَمَا لَوْ كَانَا لِرَجُلَيْنِ -نَصنَ عَلَيْهِ-. وَاخْتَارَ أَبُو الْخَطَّابِ أَنَّهُ يُضَمُّ أَحَدُهُمَا إِلَى الآخَرِ عَلَى كُلِّ حَالٍ. * * * ¬
فصل في الزروع والثمار
فَصْلٌ فِي الزُّرُوعِ وَالثِّمَارِ قَالَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "لَيْسَ فِي حَبٍّ وَلا تَمْرٍ صَدَقَةٌ حَتَّى يَبْلُغَ خَمْسَةَ أَوْسُقٍ" (¬1). وَقَالَ: "فِيمَا سَقَتِ الأَنْهَارُ وَالْغَيْمُ العُشُورُ، وَفِيمَا سُقِيَ بِالسَّانِيَةِ (¬2) نِصْفُ الْعُشْرِ" رَوَاهُمَا مُسْلِمٌ (¬3). وَلا تَجِبُ الزَّكَاةُ فِي حَبٍّ وَلا ثَمَرٍ، حَتَّى يَبْلُغَ بِالْكَيْلِ بَعْدَ التَّصْفِيَةِ وَالْجَفَافِ خَمْسَةَ أَوْسُقٍ مِمَّا يُدَّخَرُ، إِلَّا الأَرُز وَالعَلَسَ -نَوْعٌ مِنَ الْحِنْطَةِ يُدَّخَرُ فِي قِشْرِهِ- فَإِنَّ نِصَابَهُمَا مَعَ قِشْرِهِمَا عَشَرَةُ أَوْسُقٍ. وَلا زَكَاةَ فِي الْقُطْنِ وَالزَّيْتُونِ وَالزَّعْفَرَانِ. وَعَنْهُ: فِيهَا الزَّكَاةُ. ¬
وَلا نَصَّ فِي نِصَابِها. قَالَ الْقَاضِي: يَتَوَجَّهُ أَنْ يُجْعَلَ نِصَابُهَا مَا تَبْلُغُ قِيمَتُهُ خَمْسَةَ أَوْسُقٍ مِنْ أَدْنَى (¬1) ما تُخْرِجُهُ الأَرْضُ مِمَّا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ. وَفِي الْوَرْسِ وَالْعُصْفُرِ وَجْهَانِ بِناءً عَلَى الزَّعْفَرَانِ. وُيعْتَبَرُ النِّصَابُ فِي كُلِّ نَوْع مِنَ الْحُبُوبِ وَالثِّمَارِ عَلَى الانْفِرَادِ. وَعَنْهُ: يُضَمُّ الْحِنْطَةُ إِلَى الشَّعِيرِ، وَالْقُطْنِيَّاتُ بَعْضُهَا إِلَى بَعْضٍ. وَعَنْهُ: يُضَمُّ جَمِيعُ الْحُبُوبِ، بَعْضُهَا إِلَى بَعْضٍ. فَإِنْ كَانَ لَهُ نَخْلٌ يَحْمِلُ فِي السَّنَةِ حَمْلَيْنِ، لَمْ يُضَمَّ أَحَدُهُمَا عَلَى الآخَرِ، عَلَى قَوْلِ الْقَاضِي، وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: يُضَمُّ. وَإِذَا اخْتَلَفَتْ ثِمَارٌ فِي الْجَوْدَةِ وَالرَّدَاءَةِ، أُخِذَ مِنْ كُلِّ نَوْعٍ ما يَخُصُّهُ، إِلَّا أَنْ يَشُقَّ عَلَيْهِ ذلِكَ لِكَثْرَةِ الأَنْوَاعِ، فَيُؤْخَذُ مِنَ الْوَسَطِ. وَيجِبُ فِيمَا زَادَ عَلَى النِّصَابِ بِحِسَابِهِ. وَإِذَا سَقَى زَرْعَهَ نِصْفَ السَّنَةِ بِكُلْفَةٍ، وَنصْفَهُ بِمَا لا كُلْفَةَ فِيهِ، فَفِيهِ ثَلاثَةُ أَرْبَاعِ الْعُشْرِ. وَإِنْ سَقَى بِأَحَدِهِمَا أَكْثَرَ مِنَ الآخَرِ، اعْتُبِرَ بِأَكْثَرِهِمَا فِي الْمَنْصُوصِ. قَالَ ابْنُ حَامِدٍ: يُؤْخَذُ بالْقِسْطِ، فَإِنْ جُهِلَ الْمِقْدَارُ، غَلَّبْنَا إِيْجَابَ الْعُشْرِ احْتِياطاً. ¬
وَلا فَرْقَ فِي الزَّكَاةِ بَيْنَ مَا يُنْبِتُهُ الآدَمِيُّونَ؛ كَالْقُطْنِيَّاتِ وَالْبُذُورِ وَالتَّمْرِ (¬1) وَالزَّبِيبِ وَاللَّوزِ وَالْفُسْتُقِ وَالْبُنْدُقِ وَالْعُنَّابِ، وَبَيْنَ مَا يَنْبُتُ بِنَفْسِهِ؛ كبرطونا وَحَبِّ الأُشْنَانِ. وَلا تَجِبُ (¬2) فِي التِّينِ وَالْمِشمِشِ وَنَحْوِهَا. * * * ¬
فصل
فَصْلٌ إِذَا بَدَا الصَّلاحُ فِي الثِّمَارِ، وَاشْتَدَّ الْحَبُّ، وَجَبَتِ الزَّكَاةُ، فَإِنْ قَطَعَهُ قَبْلَ ذلِكَ لِغَرَضٍ صَحِيحٍ، لَمْ تَجِبِ الزَّكَاةُ، وَإِنْ كَانَ لِغَيْرِ غَرَضٍ صَحِيحٍ، وَجَبَتْ. وَيجِبُ إِخْرَاجُ الْوَاجِبِ مِنَ الْحُبُوبِ مُصَفًّى، وَمِنَ الثِّمَارِ يَابِساً؛ فَإِنِ احْتِيجَ إِلَى قَطْعِ ذلِكَ قَبْلَ كَمَالِهِ؛ خَوْفاً مِنَ الْعَطَشِ وَنَحْوِهِ، فَفِيهِ الزَّكَاةُ، وَلا يُؤْخَذُ مِنْهُ إِلَّا يَابِساً -نَصَّ عَلَيْهِ-. قَالَ الْقَاضِي: يُخَيَّرُ السَّاعِي بَيْنَ قَسْمِهَا مَعَ رَبِّ الْمالِ قَبْلَ الْجُذَاذِ وَبَعْدَهُ؛ وَبَيْنَ بَيْعِهَا مِنْهُ أَمْ مِنْ غَيْرِهِ. فَإِنْ أَرَادَ التَّصَرّفَ فِي الثَّمَرَةِ قَبْلَ الْجُذَاذِ، خُرِصَتْ عَلَيْهِ، وَضَمِنَ نَصِيبَ الْفُقَرَاءِ، ثُمَّ يَتَصَرَّفُ، فَإِنِ ادَّعَى هَلاكَهَا بِغَيْرِ تَفْرِيطٍ مِنْهُ، قُبِلَ قَوْلُهُ بِغَيْرِ يَمِينٍ، وَإِنْ هَلَكَتْ بَعْدَ جَعْلِها فِي الْجَرِينِ، لَمْ يَسْقُطْ عَنْهُ الضَّمَانُ. وَيخْرُصُ كُلَّ نَخْلَةٍ عَلَى حِدَةٍ، فَإِنْ كَانَ نَوْعاً وَاحِداً، فَهُوَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ
ذَلِكَ، وَبَيْنَ (¬1) خَرْصِ الْجَمِيعِ دَفْعَةً وَاحِدَةً، وَيَجِبُ أَنْ يَتْرُكَ لِرَبِّ الْمالِ فِي الخَرْصِ (¬2) الثُّلُثَ أَوِ الربُعَ، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ، فَلِرَبِّ الْمالِ أَنْ يَأْكُلَ بِقَدْرِ ذَلِكَ، وَلا يُحْسَبَ عَلَيْهِ. وَيَجُوزُ لأَهْلِ الذِّمَّةِ شِرَاءُ الأَرْضِ العُشْرِيَّةِ، وَلا عُشْرَ عَلَيْهِمْ فِيمَا يَخْرُجُ مِنْهَا (¬3) فِيها فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ، والأُخْرَى: لَيْسَ لَهُمْ شِرَاؤُها، فَإِنِ اشْتَرَوْهَا، ضُرِبَ عَلَى زَرْعِهِمْ وَثمَارِهِمْ (¬4) عُشْرَانِ، وَالْعُشْرُ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ دُونَ الْمالِكِ لِلأَرْضِ. وَإِذَا أَخْرَجَ الْعُشْرَ مِنْ زَرْعِهِ وَثَمَرِهِ، فَلَيْسَ عَلَيْهِ فِيهِ عُشْرٌ آخَرُ، وَإِنْ حَالَ عِنْدَ أَحْوَالٌ. * * * ¬
فصل
فَصْلٌ وَيَجِبُ فِي الْعَسَلِ الْعُشْرُ، سَوَاءٌ أَخَذَهُ مِنْ أَرْضٍ، أَوْ مَوَاتٍ، وَنصَابُهُ عَشَرَةُ أَفْرَاقٍ، وَهِيَ سِتُّ مِئَةِ رِطْلٍ عَلَى قَوْلِ ابْنِ حَامِدٍ. قَالَ الْقَاضِي: ثَلاثُ مِئَةٍ وَسِتُّونَ رِطْلاً، وَاللهُ أَعْلَمُ.
فصل في الأثمان
فَصْلٌ فِي الأَثْمانِ تَجِبُ الزَّكَاةُ فِي مَغْشُوشِهِمَا (¬1) إِذَا بَلَغَ قَدْرُ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ نِصاباً، فَإِنْ لَمْ يُعْرَفْ قَدْرُ مَا فِيهِ مِنْهُمَا، فَهُوَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ أَنْ يَسْبِكَهَا لِيَعْرِفَ قَدْرَ الْوَاجِبِ فَيُخْرِجَهُ، وَبَيْنَ أَنْ يَسْتَظْهِرَ، فَيُخْرِجَ لِيَسْقُطَ الْفَرْضُ بِيَقِينٍ (¬2). وَيُخْرِجُ عَنِ النِّصَابِ مِنْ جِنْسِهِ، فَإِنْ أَخْرَجَ عَنِ الْجِيَادِ مَكْسُورَةً، أَوْ بَهْرَجَةً، زَادَ فِي الْمُخْرَجِ (¬3) قَدْرَ مَا بَيْنَهُمَا مِنَ الْفَضْلِ -نَصَّ عَلَيْهِ-. وَإِذَا نَقَصَ النِّصَابُ نَقْصاً يَسِيراً؛ كَالْحَبَّةِ وَالْحَبَّتيْنِ، وَجَبَتِ الزَّكَاةُ، وَإِنْ كَانَ بَيِّناً؛ كَالَّدَانِقٍ وَالدَّانِقَيْنِ (¬4)، فَعَلَى رِوَايَتَيْنِ. ¬
وَهَلْ يَجُوزُ إِخْرَاجُ أَحَدِ النَّقْدَيْنِ عَنِ الآخَرِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ. وَيُضَمُّ الذَّهَبُ إِلَى الْفِضَّةِ بِالأَجْزَاءِ، وَقِيلَ: يُضَمُّ بَمَا هُوَ أَحَظُّ (¬1) لِلْفُقَرَاءِ مِنَ الأَجْزَاءِ وَالْقِيمَةِ، وَعَنْهُ: لا يُضَمُّ بِحَالٍ. * * * ¬
فصل
فَصْلٌ يُبَاحُ لِلنِّسَاءِ مِنَ الْحُلِيَّ مَا جَرَتِ الْعَادَةُ لَهُنَّ بِلُبْسِهِ، قَلَّ أَوْ كَثُرَ. وَقَالَ ابْنُ حَامِدٍ: يُبَاحُ جَمِيعُ ذلِكَ مَا لَمْ يَبْلُغْ أَلْفَ مِثْقَالٍ، فَإِنْ بَلَغَهَا (¬1)، فَهُوَ مُحَرَّمٌ، وَفِيهِ الزَّكَاةُ. وَيُبَاحُ لِلرَّجَالِ مِنَ الْفِضَّةِ الْخَاتَمُ، وَقَبِيعَةُ السَّيْفِ. فَأَمَا حِلْيَةُ الْمِنْطَقَةِ، فَعَلَى رِوَايَتَيْنِ، وَعَلَى قِيَاسِهَا الْجَوْشَنُ، وَالْخُوذَةُ، وَالْخُفُّ، وَالرَّانُ، وَالْحَمَائِلُ. وَمَا كَانَ مَنَ الْحُلِيَّ مُحَرَّماً، أَوْ مُعَدّاً لِلْكَرْيِ (¬2) أَوِ النَّفَقَةِ، إِذَا احْتِيجَ إِلَيْهِ، فَفِيهِ الزَّكَاةُ. وَيُعْتَبَرُ وَزْنُهَا عَلَى ظَاهِرِ كَلامِ أَحْمَدَ -رَحِمَهُ اللهُ-. وَقَالَ الْقَاضِي: تُعْتَبَرُ قِيمَتُهَا. * * * ¬
فصل في العروض
فَصْلٌ فِي الْعُرُوضِ وَلا تَصِيرُ الْعُرُوضُ لِلتِّجَارَةِ إِلَّا أَنْ يَمْلِكَهَا بِفِعْلِهِ، وَيَنْوِيَ عِنْدَ تَمَلُّكِهَا أَنَّهَا لِلتِّجَارَةِ. وَيُعْتَبَرُ وُجُودُ (¬1) النِّصَابِ فِي جَمِيعِ الْحَوْلِ، وَتُؤْخَذُ الزَّكَاةُ مِنْ قِيمَتِهَا لا مِنَ الْعُرُوضِ، وَإِذَا اشْتَرَى عَرْضاً بِنِصَابٍ مِنَ الأَثْمَانِ، أَوْ مِنْ عُرُوضِ التِّجَارَةِ، بَنَى (¬2) حَوْلَ الثَّانِي عَلَى حَوْلِ الأَوَّلِ، وَإِنِ اشْتَرَى بِغَيْرِ ذلِكَ، لَمْ يَبْنِ عَلَى حَوْلِهِ. وَإِذَا مَلَكَ لِلتِّجَارَةِ نِصَاباً مِنَ السَّائِمَةِ، أَوْ أَرْضاً وَنَخْلاً، فَأَثْمَرَتِ النَّخْلُ، وَزَرَعَ الأَرْضَ، فَالْوَاجِبُ زَكَاةُ التِّجَارَةِ، وَقِيلَ: يُزَكِّي الثَّمَرَةَ وَالزَّرْعَ زَكَاةَ الْعُشْرِ، فَأَمَّا إِنْ وَجَدَ نِصَابَ السَّوْمِ وَالْعُشْرِ لَمْ تَبْلُغْ قِيمَتُهُ نِصَاباً لِلتِّجَارَةِ، فَعَلَيْهِ زَكَاةُ ما وُجِدَ نِصَابُهُ -وَجْهاً وَاحِداً-. وَإِذَا بَلَغَتْ حِصَّةُ الْمُضَارِبِ مِنَ الرِّبْحِ نِصَاباً، لَمْ يُجْزِ في حَوْلِ ¬
الزَّكَاةِ حَتَّى يَقْتَسِمَا؛ لأَنَّ مِلْكَهُ غَيْرُ مُسْتَقِرٍّ عَلَيْهِ. وَاخْتَارَ أَبُو الْخَطَّابِ أَنَّهُ يُحْسَبُ حَوْلُها مِنْ حِيْنِ ظُهُورِ الرِّبْحِ، وَلا يَلْزَمُ إِخْرَاجُ زَكَاتِهِ حَتَّى يَقْبِضَهُ، فَإِنْ أَرَادَ مِنْ حِيْنِ إِخْرَاجِ زَكَاتِهِ مِنْهُ قَبْلَ الْقِسْمَةِ، لَمْ يُجْزِ. وَإِذَا أَذِنَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَ الشَّرِيكَيْنِ لِصَاحِبِه فِي إِخْرَاجِ الزَّكَاةِ، فَأَخْرَجَاهَا مَعاً، ضَمِنَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نَصِيبَ صَاحِبِهِ، وَإِنْ أَخْرَجَهَا أَحَدُهُمَا بَعْدَ الآخَرِ، ضَمِنَ الثَّانِي نَصِيبَ الأَوَّلِ، عَلِمَ بِإِخْرَاجِهِ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ.
فصل في المعدن والركاز
فَصْلٌ فِي الْمَعْدِن وَالرِّكَاز وَلا يَجِبُ فِي الْمَعْدِنِ شَيْءٌ حَتَّى يَبْلُغَ نِصَاباً بَعْدَ السَّبْكِ وَالتَّصْفِيَةِ، وَسَوَاءٌ اسْتَخْرَجَهُ دَفْعَةً، أَوْ فِي دَفَعَاتٍ بَعْدَ أَلَّا يَتْرُكَ الْعَمَلَ فِيهَا تَرْكَ إِهْمَالٍ. وَإِنِ اخْتَلَفَتِ الرِّوَايَةُ فِي الْخَارِجِ مِنَ الْبَحْرِ؛ كَاللُّؤْلُؤِ وَالمَرْجَانِ وَالْعَنْبَرِ، فَرُوِيَ أَنَّهُ كَالْمَعْدِنِ، وَرُوِيَ أَنَّهُ لا شَيْءَ فِيهِ. وَإِذَا كَانَ الرِّكَازُ فِي أَرْضٍ مَمْلُوكَةٍ، فَهُوَ لِمالِكِهَا إِنِ اعْتَرَفَ بِهِ، فَإِنْ لَمْ يَعْتَرِفْ بِهِ، فَهُوَ لأَوَّلِ مَالِكٍ، وَإِنْ كَانَ الْمالِكُ حَرْبِيّاً، فَقَدِمَ عَلَيْهِ بِنَفْسِهِ، فَهُوَ رِكازٌ، وَإِنْ قَدِمَ عَلَيْهِ بِجَمَاعَةٍ الْمُسْلِمينَ، فَهُوَ غَنِيمَةٌ، وَإِنْ وَجَدَهُ فِي مِلْكٍ انتقَلَ إِلَيْهِ، فَهَلْ يَمْلِكُهُ بِالظُّهُورِ؟ أَمْ يَكُونُ لِلْمَالِكِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ. وَمَا وُجِدَ عَلَيْهِ عَلامَةُ الْمُسْلِمِينَ، أَوْ لَمْ يُوجَدْ عَلَيْهِ عَلامَةٌ لأَحَدٍ، فَهُوَ لُقَطَةٌ.
فصل في صدقة الفطر
فَصْلٌ فِي صَدَقَةِ الْفِطْرِ تَجِبُ صَدَقَةُ الْفِطْرِ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ أَدْرَكَ آخِرَ جُزْءٍ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ، وَعِنْدَهُ فَضْلٌ عَنْ قُوتِهِ وَقُوتِ عِيَالِهِ، صَاعاً. فَإِنْ فَضَلَ بَعْضُ صَاعٍ، فَهَلْ يَلْزَمُهُ إِخْرَاجُهُ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ. فَإِنْ أَيْسَرَ بَعْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ، أَوْ تَزَوَّجَ، أَوْ وُلِدَ لَهُ وَلَدٌ، أَوْ أَسْلَمَ كَافِرٌ، لَمْ تَلْزَمْهُ فُطْرَتُهُ لِذَلِكَ. فَإِنْ كَانَ الْمَمْلُوكُ آبِقاً حِينَ الْوُجُوبِ، فَعَلَيْهِ فُطْرَتُهُ، إِلَّا أَنْ يَشُكَّ (¬1) فِي حَيَاتِهِ، لَمْ تَلْزَمْهُ فُطْرَتُهُ، فَإِنْ عَلِمَ حَيَاتَهُ بَعْدَ ذَلِكَ، لَزِمَهُ الإِخْرَاجُ لِما مَضَى. فَإِنْ كَانَتِ الزَّوْجَةُ نَاشِزاً، فَهَلْ يَلْزَمُهُ فُطْرَتُهَا؟ عَلَى وَجْهَيْنِ. وَمَنْ لَمْ يَجِدْ إِلَّا مَا يُخْرِجُهُ عَنْ بَعْضِ عِيَالِهِ، بَدَأَ بِنَفْسِهِ، ثُمَّ بِزَوْجَتِهِ، ثُمَّ بِرَقِيقِهِ، ثُمَّ بِوَلَدِهِ، ثُمَّ بِأُمِّهِ، ثُمَّ بِأَبِيهِ، ثُمَّ بِالأَقْرَبِ فَالأَقْرَبِ فِي الْمِيرَاثِ. ¬
وَمَنْ تَكَفَّلَ بِمَؤُونَةِ شَخْصٍ فِي رَمَضَانَ، لَمْ تَلْزَمْهُ فُطْرَتُهُ. وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: تَلْزَمُهُ (¬1). وَإِذَا كَانَ زَوْجُ الْمَرْأَةِ مُعْسِراً، لَزِمَ الزَّوْجَةَ، أَوْ سَيِّدَهَا إِنْ كَانَتْ مَمْلُوكَةً فُطْرَتُها. وَمَنْ لَزِمَ غَيْرَهُ فُطْرَتُهُ، فَأَخْرَجَ عَنْ نَفْسِهِ بِغَيْرِ إِذْنِهِ، فَهَلْ يُجْزِىَ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ. وَالأَفْضَلُ إِخْرَاجُ الْفُطْرَةِ قَبْلَ صَلاةِ الْعِيدِ، فَإِنْ أَخَّرَهَا عَنْ يَوْمِ الْعِيدِ، أَثِمَ، وَلَزِمَهُ الْقَضَاءُ. وَيَجُوزُ إِخْرَاجُ صَاعٍ مِنْ أَجْنَاسٍ، إِذَا لَمْ يَعْدِلْ عَنِ الْمَنْصُوصِ. وَهَلْ يُجْزِىَ الأَقِطُ (¬2) مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى بَقِيَّهِ الأَصْنَافِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ. * * * ¬
فصل في إخراج الزكاة
فصْلٌ فِي إِخْرَاجِ الزَّكَاةِ لا يَجُوزُ تَأْخِيرُ الزَّكَاةِ الْوَاجِبَةِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الإِخْرَاجِ، فَإِنْ مَنَعَهَا جَاحِداً لِوُجُوبِهَا، كَفَرَ، وَأُخِذَتْ مِنْهُ، (¬1) وَإِنْ مَنَعَهَا بُخْلاً بِهَا، أُخِذَتْ مِنْهُ، وَعُزِّرَ، فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ أَخْذُهَا؛ لِمُقَاتَلَتِهِ، أَوْ تَغْيِيبِهِ الْمالَ، أُمِرَ بِالإِخْرَاجِ، أَوِ اسْتُتِيبَ ثَلاثاً، فَإِنْ تَابَ وَأَخْرَجَ، وَإلَّا قُتِلَ، وَأُخِذَتْ مِنْ تَرِكَتِهِ؛ فَإِنْ كَتَمَ الْمالَ حَتَّى لا يُؤْخَذَ مِنَ الْمالِ زَكَاتُهُ، عَالِماً بِتَحْرِيمِ ذَلِكَ، عُزِّرَ، وَأُخِذَتْ مِنْهُ مِنْ غَيْرِ زِيادَةٍ. وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ بِأَخْذِهَا وَشَطْرَ مَالِهِ. وَإِنِ ادَّعَى رَبُّ الْمالِ ما يَمْنَعُ وُجُوبَ الزَّكَاةِ، فَقَالَ: مَا حَالَ الْحَوْلُ عَلَى الْمالِ، أَوْ: قَدْ بِعْتُ النِّصَابَ فِي أَثْنَاءِ الْحَوْلِ ثُمَّ اشْتَرَيْتُهُ، وَنَحْوَ ذلِكَ، قُبِلَ قَوْلُهُ مِن غَيْرِ يَمِينٍ. وَإِذَا دَفَعَ الزَّكَاةَ، اسْتُحِبَّ أَنْ يَقُولَ: "اللَّهُمَّ اجْعَلْهَا مَغْنَماً، وَلا تَجْعَلْهَا مَغْرَماً"، وَيَقُولَ الآخِذُ: "آجَرَكَ اللهُ فِيمَا أَعْطَيْتَ، وَبَارَكَ لَكَ ¬
فِيمَا أَبْقَيْتَ، وَجَعَلَهَا لَكَ طَهُوراً". وَالأَوْلَى أَنْ يَنْوِيَ حَالَ الدَّفْعِ أَنَّهَا زَكَاةٌ، فَإِنْ تَقَدَّمَتِ النِّيَّةُ عَلَى الدَّفْعِ بِالزَّمَانِ الْيَسِيرِ، جَازَ. وَإِنْ دَفَعَ الزَّكَاةَ إِلَى وَكِيلِهِ، اعْتُبِرَتِ النِّيَّهُ فِي الْمُوَكِّلِ دُونَ الْوَكِيلِ. وَالإِمَامُ كَالْوَكِيلِ عِنْدَ أَبِي الْخَطَّابِ. وَقَالَ الْقَاضِي: تُجْزِىَ نِيِّهُ الإِمَامِ. وَالأَفْضَلُ لِلرَّجُلِ أَنْ يَتَوَلَّى تَفْرِقَةَ زَكَاتِهِ بنَفْسِهِ، فَإِنْ دَفَعَهَا إِلَى الإِمَامِ، فَلا بَأْسَ، وَإِنْ تَسَلَّفَ الإِمَامُ الزَّكَاةَ، فتَلِفَتْ فِي يَدِهِ، فَهِيَ مِنْ ضَمَانِ الْفُقَرَاءِ عَلَى كُلِّ حَالٍ. فَإِنْ دَفَعَ الزَّكَاةَ إِلَى مَنْ يَظُنُّهُ فَقِيراً، فَبَانَ غَنِيّاً، فَهَلْ تُجْزِئُهُ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ. وَإِنْ بَانَ عَبْداً أَوْ كَافِراً، أَوْ مِنْ ذَوِي الْقُرْبَى، لَمْ تُجْزِهِ -رِوَايَةً وَاحِدَةً-. وَإِذَا أَخْرَجَ الصَّدَقَةَ مِنْ بَلَدِهِ إِلَى مَسَافَةِ الْقَصْرِ، فَهَلْ تُجْزِيهِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ. وَإِنْ حَالَ الْحَوْلُ، وَمَالُهُ بِبَادِيَةٍ، فَرَّقَهُ عَلَى فُقَرَاءِ أَقْرَبِ الْبُلْدَانِ إِلَيْهِ، فَإِنْ كَانَ فِي بَلَدٍ، وَمَالُهُ فِي أُخْرَى، فَرَّقَهُ فِي بَلَدِ الْمالِ، فَأَمَّا زَكَاةُ الْفِطْرِ، فَيُفَرِّقُهَا فِي الْبَلَدِ الَّذِي بَدَنُهُ فِيهِ. =
فصل في تعجيل الزكاة
فَصْلٌ فِي تَعْجِيلِ الزَّكَاةِ لا يَجُوزُ تَقْدِيمُهَا لأَكْثَرَ مِنْ حَوْلٍ فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ. وَلا يَجُوزُ تَقْدِيمُهَا إِلَّا بَعْدَ كَمَالِ النِّصَابِ، فَإِنْ مَلَكَ نِصَاباً، فَعَجَّلَ زَكَاتَهُ، وَزَكَاةَ مَا يَسْتَفِيدُهُ فِي الْحَوْلِ، لَمْ يُجْزِهِ عَنِ الزِّيَادَةِ. وَإِنْ عَجَّلَ عُشْرَ الثَّمَرَةِ قَبْلَ ظُهُورِها، أَوْ عُشْرَ الزَّرْعِ قَبْلَ نَبَاتِهِ، لَمْ يُجْزِهِ. وَإِنْ عَجَّلَ الزَّكَاةَ، فَتَمَّ الْحَوْلُ، وَالنِّصَابُ نَاقِصٌ مِقْدَارَ مَا عَجَّلَ، أَجْزَأَتْ عَنْهُ، وَلَوْ مَلَكَ مِئَتَيْ شَاةٍ، فَعَجَّلَ زَكَاتَهَا، فَحَالَ الْحَوْلُ وَقَدْ نُتِجَتْ سَخْلَةً، لَزِمَهُ إِخْرَاجُ شَاةٍ أُخْرَى. فَإِنْ عَجَّلَ الزَّكَاةَ، ثُمَّ هَلَكَ الْمالُ، لَمْ يَرْجِعْ عَلَى الْمَسَاكِينِ. وَقَالَ ابْنُ حَامِدٍ: إِنْ كَانَ الدَّافِعُ السَّاعِيَ، وَأَعْلَمَ الْفَقِيرَ أَنَّهَا زَكَاةٌ مُعَجَّلَةٌ، رَجَعَ عَلَيْهِمْ. وَلَوْ دَفَعَهَا إِلَى غَنِيٍّ، فَافْتَقَرَ عَنِ (¬1) الْوُجُوبِ، لَمْ تُجْزِهِ. ¬
فصل
فَصْلٌ قَالَ: اللهُ تَعَالَى: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ} [التوبة: 60]. وَالْفُقَرَاءُ أَشَدُّ حَاجَةً مِنَ الْمَسَاكِينِ، وَهُمُ الَّذِينَ لا يَقْدِرُونَ عَلَى مَا يَقَعُ مَوْقِعاً مِنْ كِفَايَتِهِمْ، وَالْمَسَاكِينُ الَّذِينَ يَقْدِرُونَ عَلَى مُعْظَمِ الْكِفَايَةِ (¬1)، فَيُدْفَعُ إِلَيْهِمْ مَا يَسُدُّ حَاجَتَهُمْ. فَإِنِ ادَّعَى الْفَقْرَ مَنْ يُعْرَفُ بِالْغِنَى، لَمْ يُقْبَلْ إِلَّا بِبيِّنَةٍ، وَإِنْ رَآهُ جَلْداً، وَذَكَرَ أَنَّهُ لا كَسْبَ لَهُ، أَعْطَاهُ مِنْ غَيْرِ يَمِينٍ، بَعْدَ أَنْ يُخْبِرَهُ بِأَنَّهُ لا حَظَّ فِيهَا لِغَنِيٍّ، وَلا لِقَوِيٍّ مُكْتَسِبٍ، فَإِنِ ادَّعَى أَنَّ لَهُ عِيَالاً، قَلَّدَ وَأَعْطَى. وَمِنْ شَرْطِ الْعَامِلِ أَنْ يَكُونَ بَالِغاً عَاقِلاً أَمِيناً، فَإِنْ تَلِفَتِ الزَّكَاةُ فِي يَدِهِ، أُعْطِيَ أُجْرَتَهَا مِنْ بَيْتِ الْمالِ. ¬
وَالمُؤَلَّفَةُ قُلُوبُهُمْ هُمُ السَّادَةُ الْمُطَاعُونَ فِي عَشَائِرِهِمْ، وَفِي الدَّفْعِ إِلَيْهِمْ مَصْلَحَةٌ لِلْمُسْلِمِينَ، وَسَوَاءٌ فِي ذلِكَ مَنْ يُرْجَى إِسْلامُهُ، أَوْ يُخَافُ شَرُّهُ، أَوْ يُشَكُّ فِي حُسْنِ إِسْلامِهِ، وَيُرْجَى بِعَطِيَّتِهِ قُوَّةُ الإيمَانِ مِنْهُ، وَالْمُنَاصَحَةُ فِي الْجِهَادِ، أَوْ مَنْ يُرْجَى إِسْلامُ نَظِيرِهِ، أَوْ مَنْ يَدْفَعُ عَنِ الْمُسْلِمِينَ، أَوْ يُعِينُهُمْ عَلَى جِبَايَةِ الزَّكَاةِ مِمَّنْ لا يُعْطِيهَا إِلَّا أَنْ يَخَافَ. وَيَجُوزُ لِلسَّيِّدِ أَنْ يَدْفَعَ مِنْ زَكَاتِهِ إِلَى مُكَاتَبِهِ، وَلا يُقْبَلُ قَوْلُهُ: إِنَّهُ مُكَاتَبٌ إِلَّا بِبَيِّنَةٍ، فَإِنْ صَدَّقَهُ الْوَليُّ، فَعَلَى وَجْهَيْنِ، وَكَذلِكَ الْحُكْمُ فِي الْغَارِمِ. وَيَجُوزُ لِلرَّجُلِ أَنْ يَشْتَرِيَ مِنْ زَكَاتِهِ أَسِيراً مُسْلِماً -نَصَّ عَلَيْهِ-. وَمَنْ غَرِمَ فِي مَعْصِيَةٍ، لَمْ يُدْفَعْ إِلَيْهِ حَتَّى يَتوبَ. وَلا يُزَادُ الْغَارِمُ وَالْمُكَاتَبُ عَلَى ما يَقْضِي دَيْنَهُمَا، وَمَنْ غَرِمَ لإِصْلاحِ ذَاتِ الْبَيْنِ، دُفِعَ إِلَيْهِ مَا يَقْضِي غُرْمَهُ، وَإِنْ كَانَ مُوسِراً. وَيَجُوزُ الدَّفْعُ إِلَى الْغُزَاةِ الَّذِينَ لا دِيوَانَ لَهُمْ ما يَكْفِيهِمْ لِغَزْوِهِمْ، فَإِنْ لَمْ يَغْزُوا، اسْتُرْجِعَ ذلِكَ مِنْهُمْ. وَهَلْ يَجُوزُ الدَّفْعُ إِلَى الْفَقِيرِ مَا يَحُجُّ بِهِ حِجَّةَ الإِسْلامِ، أَوْ يُعِينُهُ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ. وَيُعْطَى ابْنُ السَّبِيلِ مِنَ الصَّدَقَةِ مَا يُوصِلُهُ إِلَى بَلَدِهِ، فَإِنْ كَانَ سَفَرُهُ فِي مَعْصِيَةٍ، لَمْ يُدْفَعْ إِلَيْهِ، وَلا يُعْطَى حَتَّى تَثْبُتَ حَاجَتُهُ، وَإِذَا فَضَلَ
مَعَهُ بَعْدَ وُصُولِهِ إِلَى بَلَدِهِ شَيْءٌ مِمَّا أَخَذَ، اسْتُرْجِعَ مِنْهُ (¬1). وَلا يُعْطَى أَحَدٌ مِنْ هؤُلاءِ الأَصْنَافِ زِيَادَةً عَلَى مَا يَزُولُ بِهِ الْمَعْنَى الَّذِي جَازَ الدَّفْعُ إِلَيْهِ لأَجْلِهِ. وَالْمُسْتَحَبُّ صَرْفُها إِلَى جَمِيع الأَصْنَافِ، وَإِنِ اقْتَصَرَ عَلَى واحدٍ، أَجْزَأَهُ، فِي الْمَشْهُورِ مِنَ الرِّوَايَتَيْنِ. * * * ¬
فصل
فَصْلٌ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَصْرِفَ صَدَقتهُ إِلَى أَقَارِبِهِ الَّذِينَ لا يَرِثُهُمْ، وَيَخُصُّ ذَوِي الْحَاجَةِ مِنْهُمْ، فَأَمَّا مَنْ يَرِثُهُ غَيْرَ عَمُودَيِ النَّسَبِ، فَهَلْ يَجُوزُ الدَّفعُ إِلَيْهِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ. وَلا يَجُوزُ دَفْعُ الزَّكَاةِ إِلَى فَقِيرَةٍ لَهَا زَوْجٌ غَنِيٌّ. وَهَلْ يَجُوزُ لِلْمَرْأَةِ دَفْعُ زَكَاتِها إِلَى زَوْجِهَا، أَوْ دَفْعُ الزَّكَاةِ إِلَى بَنِي الْمُطَّلِبِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ. وَيَجُوزُ لِذَوِي الْقُرْبَى أَنْ يَأْخُذُوا مِنْ صَدَقَةِ التَّطَوُّعِ، وَمِنَ الْوَصَايَا لِلْفُقَرَاءِ، وَهَلْ لَهُمُ الأَخْذُ مِنَ الْكَفَّارَةِ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ. وَمَنْ كَانَ لَهُ مَا يَقُومُ بِكِفَايَتِهِ عَلَى الدَّوَامِ؛ مِنْ تِجَارَةٍ، أَوْ صِنَاعَةٍ، أَوْ أُجْرَةِ عَقَارٍ، وَنَحْوِ ذلِكَ، فَلَيْسَ لَهُ الأَخْذُ مِنَ الزَّكَاةِ. فَإِنْ مَلَكَ خَمْسِينَ دِرْهَماً، أَوْ قِيمَتَهَا مِنَ الذَّهَبِ، وَهِيَ لا تَقُومُ بِكِفَايَتِهِ، فَلَيْسَ لَهُ الأَخْذُ، فِي الْمَشْهُورِ مِنَ الرِّوَايَتَيْنِ، وَالأُخْرَى:
يَجُوزُ، وَاخْتَارَهَا أَبُو الْخَطَّابِ، فَإِنْ مَلَكَ مِنَ العُرُوضِ (¬1) مَا لا يَقُومُ بِكِفَايَتِهِ، جَازَ لَهُ الأَخْذُ، وَإِنْ كَثُرَ ذلِكَ. * * * ¬
فصل
فَصْلٌ وَصَدَقَةُ التَّطَوُّعِ مُسْتَحَبَّةٌ. وَالأَفْضَلُ الصَّدَقَةُ فِي رَمَضَانَ، وَأَيَّامَ الْحَاجَاتِ. وَالأَفْضَلُ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِالْفَاضِلِ عَنِ الْكِفَايةِ وَكِفَايَةِ مَنْ يَمُونُهُ عَلَى الدَّوَامِ. فَإِنْ أَرَادَ الصَّدَقَةَ بِكُلِّ مَالِهِ، وَكَانَ يَعْلَمُ مِنْ نَفْسِهِ حُسْنَ التَّوَكُّلِ، وَقُوَّةَ الْيَقِينِ، وَالصَّبْرَ عَنِ الْمَسْأَلَةِ، فَلَهُ ذَلِكَ، وَإِنْ لَمْ يَثِقْ مِنْ نَفْسِهِ بِذَلِكَ، لَمْ يَجُزْ لَهُ، وَيُكْرَهُ لِمَنْ لا صَبْرَ لَهُ عَلَى الإِضَاقَةِ أَنْ يُنْقِصَ نَفْسَهُ مِنَ الْكِفَايَةِ التَّامَّةِ.
كتاب الصيام
كِتَابُ الصِّيَامِ لا يَجب الصِّيَامُ إِلَّا عَلَى الْمُسْلِمِ الْبَالِغِ الْعَاقِلِ الْقَادِرِ عَلَى الصَّوْمِ. وَيُؤْمَرُ بِهِ الصَّبِيُّ إذَا أَطَاقَهُ، وَيُضْرَبُ عَلَيْهِ لِيَعْتَادَهُ. فَإِنْ بَلَغَ وَهُوَ صَائِمٌ، فَهَلْ يُجْزِئُهُ الْقَضَاءُ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ. وَإِنْ بَلَغَ فِي أَثْنَاءِ النَّهَارِ غَيْرَ صَائِمٍ، أَوْ أَفَاقَ الْمَجْنُونُ، أَوْ أَسْلَمَ الْكَافِرُ (¬1)، لَزِمَهُ إِمْسَاكُ الْيَوْمِ، وَقَضَاؤُهُ. وَعَنْهُ: لا يَلْزَمُهُ ذلِكَ. وَإذَا قَامَتِ الْبيِّنَةُ بِالرُّؤْيَةِ فِي أَثْنَاءِ النَّهَارِ، لَزِمَ النَّاسَ الإِمْسَاكُ. فَإِنْ طَهُرَتِ الْحَائِضُ وَالنُّفَسَاءُ، أَوْ قَدِمَ الْمُسَافِرُ، فَهَلْ يَلْزَمُهُمُ الإِمْسَاكُ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ. وَإذَا رَأَى الْهِلالَ أَهْلُ بَلَدٍ، لَزِمَ جَمِيعَ الْبِلادِ الصَّوْمُ. وَإذَا صَامَ النَّاسُ لأَجْلِ الْغَيْمِ ثَلاثِينَ يَوْماً، فَلَمْ يَرَوُا الْهِلالَ، لَمْ يُفْطِرُوا. ¬
وَإِنْ صَامُوا بِشَهَادَةِ اثْنَيْنِ، أَفْطَرُوا، وَإِنْ صَامُوا بِشَهَادَةِ وَاحِدٍ، لَمْ يُفْطِرُوا، وَقِيلَ: يُفْطِرُونَ. وَمَنْ أُبيحَ لَهُ الْفِطْرُ لِعُذْرٍ، فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَصُومَ فِي رَمَضَانَ عَنْ غَيْرِهِ، وَمَنْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ، أَوْ جُنَّ جَمِيعَ النَّهَارِ، لَمْ يَصحَّ صَوْمُهُ، وَإِنْ أَفَاقَ جُزْءاً مِنَ النَّهَارِ، فَصَوْمُهُ صَحِيحٌ. وَلَوْ نَامَ جَمِيعَ النَّهَارِ، صَحَّ صَوْمُهُ. وَيَلْزَمُ الْمُغْمَى عَلَيْهِ الْقَضَاءُ، وَلا يَلْزَمُ الْمَجْنُونَ. وَمَنْ أَكَلَ شَاكّاً فِي طُلُوعِ الْفَجْرِ، لَمْ يُفْطِرْ، وَمَنْ أَكَلَ شَاكّاً فِي غُرُوبِ الشَّمْسِ، لَزِمَهُ الْقَضَاءُ.
فصل في النية
فَصْلٌ فِي النِّيَّةِ لا يَصِحُّ صِيَامُ فَرْضٍ حَتَّى يُعَيِّنَهُ بالنّيَّةِ (¬1)، فَيَعْتَقِدُ (¬2) أَنَّهُ يَصُومُ فِي غَدٍ مِنْ رَمَضَانَ، أَوْ عِنْ كَفَّارَتهِ، أَوْ عَنْ نَذْرِهِ. وَقَالَ ابْنُ حِامِدٍ: يَحْتَاجُ أَنْ يَنْوِيَ الْفَرِيضَةَ مَعَ ذلِكَ. وَعَنْ أَحْمَدَ -رَحِمَهُ اللهُ- (¬3): لا يَجِبُ تَعْيِينُ النِّيَّةِ لِرَمَضَانَ. وَلَوْ نَوَى لَيْلَةَ الشَّكِّ: إِنْ كَانَ غَدٌ مِنْ رَمَضَانَ، فَهُوَ فَرْضٌ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ، فَهُوَ نَفْلٌ، لَمْ يُجْزِهِ، عَلَى إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ. * * * ¬
فصل
فَصْلٌ وَمَنْ طَلَعَ عَلَيْهِ الْفَجْرُ وَهُوَ مُجَامِعٌ، فَاسْتَدَامَ، فَعَلَيْهِ الْقَضاءُ والْكَفَّارَةُ، وَإِنْ نَزَعَ، فَكَذلِكَ فِي اخْتِيَارِ ابْنِ حَامِدٍ، وَقَوْلِ الْقَاضِي. وَقَالَ أَبُو حَفْصٍ: لا قَضَاءَ وَلا كَفَّارَةَ. وَإذَا جَامَعَ ثَانِيَةً قَبْلَ التَّكْفِيرِ عَنِ الأَوَّلِ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ، فَكَفَّارَتُهُ وَاحِدَةٌ، وَإِنْ كَانَ فِي يَوْمَيْنِ، فَعَلَى وَجْهَيْنِ. وَكَفَّارَةُ الْجِمَاعِ كَفَّارَةُ (¬1) الظِّهَارِ، إِلا أَنَّهَا (¬2) تَسْقُطُ بِالْعَجْزِ عَنْهَا. وَرُوِيَ أَنَّهَا عَلَى التَّخْيِيرِ بَيْنَ الْعِتْقِ وَالصِّيَامِ وَالطَّعَامِ، (3 ومن لزمه الإمساك فجامع؛ لزمه الكفارة (¬3). وَإِنْ نَوَى الصَّوْمَ فِي سَفَرِهِ، ثُمَّ جَامَعَ، فَفِي الْكَفَّارَةِ رِوَايَتَانِ. ¬
وَلا فَرْقَ فِي الْوَطْءِ فِي (¬1) الْقُبُلِ وَالدُّبُرِ، فَإِنْ وَطِىَ بَهِيمَةً، فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ، وَفِي الْكَفَّارَةِ وَجْهَانِ. وَإذَا لَمَسَ فَأَمْذَى، فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ، وَإِنْ فَكَّرَ فَأَنْزَلَ، لَمْ يَفْسُدْ صَوْمُهُ. وَلا يَلْزَمُ الْمَرْأَةَ الْكَفَّارَةُ مَعَ الْعُذْرِ. وَهَلْ يَلْزَمُهَا مَعَ الْمُطَاوَعَةِ، أَوْ يَلْزَمُ الرَّجُلَ مَعَ الإِكْرَاهِ أَوِ النِّسْيَانِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ. وَنَقَلَ ابْنُ الْقَاسِم عَنْ أَحْمَدَ -رَحِمَهُ اللهُ-: كُلُّ أَمْرٍ غُلِبَ عَلَيْهِ الصَّائِمُ، فَلَيْسَ عَلَيْهِ قَضَاؤُهُ (¬2)، وهذا يَدُلُّ عَلَى إِسْقَاطِ الْقَضَاءِ وَالْكَفَّارَةِ مَعَ الإِكْرَاهِ وَالنِّسْيَانِ. وَإذَا جَامَعَ وَهُوَ صَحِيحٌ، ثُمَّ مَرِضَ أَوْ جُنَّ فِي أَثْنَاءِ النَّهَارِ، لَمْ تَسْقُطِ الْكَفَّارَةُ عَنْهُ. وَإذَا قَطَرَ فِي إِحْلِيلِهِ دُهْناً، أَوْ طَارَ إِلَى حَلْقِهِ ذُبَابٌ أَوْ غُبَارٌ، أَوْ أَصْبَحَ وَفِي فِيهِ طَعَامٌ، فَلَفَظَهُ، لَمْ يَبْطُلْ صَوْمُهُ. وَإِنْ تَمَضْمَضَ أَوِ اسْتَنْشَقَ، فَوَصَلَ الْماءُ إِلَى حَلْقِهِ، لَمْ يَبْطُلْ صَوْمُهُ، وَإِنْ زَادَ عَلَى الثَّلاثِ فِيهِما، أَوْ بَالَغَ فِي الاسْتِنْشَاقِ، فَعَلَى وَجْهَيْنِ. ¬
وَإِذَا اكْتَحَلَ بِمَا يَصِلُ إِلَى جَوْفِهِ، أَوْ قَطَرَ فِي أُذُنِهِ، فَوَصَلَ إِلَى دِمَاغِهِ، ذَاكِراً لِصَوْمِهِ، أَفْطَرَ، وَيَلْزَمُهُ إِمْسَاكُ بَقِيَّةِ يَوْمِهِ، وَيَقْضِي. وَيُكْرَهُ لَهُ أَنْ يَجْمَعَ رِيقَهُ فَيَبْتَلِعَهُ، وَهَلْ يُفْطِرُ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ.
فصل
فَصْلٌ يُكْرَهُ لِلصَّائِمِ الْقُبْلَةُ إذَا كَانَتْ تُحَرِّكُ (¬1) شَهْوَتَهُ؛ فَإِنْ لَمْ تَتَحَرَّكْ شَهْوَتُهُ، فَعَلَى رِوَايَتَيْنِ. وَيُكْرَهُ لَهُ مَضْغُ اللُّبَانِ الَّذِي كُلَّمَا مَضَغَهُ قَوِيَ، فَإِنْ كَانَ مَمَّا يَتَحَلَّلُ منه (¬2) أَجْزَاءٌ، فَمَضَغَهُ، وَوَجَدَ طَعْمَهُ فِي حَلْقِهِ، أَفْطَرَ. وَيُكْرَهُ لَهُ أَنْ يَذُوقَ الطَّعَامَ، فَإِنْ فَعَلَ، فَوَجَدَ طَعْمَهُ فِي حَلْقِهِ، أَفْطَرَ. وَلا يُكْرَهُ لَهُ الاغْتِسَالُ، وَهَلْ يُكْرَهُ لَهُ السِّوَاكُ بِالْعُودِ الرَّطْبِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ. وَيَنْبَغِي لَهُ أَنْ يُنَزِّهَ صَوْمَهُ عَنِ الْكَذِبِ وَالْغِيبَةِ وَالشَّتْمِ، فَإِنْ شُتِمَ، فَلْيَقُلْ: إِنِّي صَائِمٌ. * * * ¬
فصل
فَصْلٌ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُفْطِرَ عَلَى التَّمْرِ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ، فَعَلَى الْماءِ. وَرُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: أَنَّهُ قَالَ (¬1): "إذَا صَامَ أَحَدُكُمْ، فَقَدَّمَ عَشَاءَهُ، فَلْيَقُلْ: بِاسْمِ اللهِ، اللَّهُمَّ لَكَ صُمْتُ، وَعَلَى رِزْقِكَ أَفْطَرْتُ، اللَّهُمَّ تَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ" (¬2). * * * ¬
فصل في صيام التطوع
فَصْلٌ فِي صِيَامِ التَّطَوُّعِ قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - لِعَبْدِ اللهِ بْنِ عمرٍو: "صُمْ يَوْماً وَأَفْطِرْ يَوْماً، فَذَلِكَ صِيَامُ دَاوُدَ، وَهُوَ أَفْضَلُ الصِّيَامِ" رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ (¬1). وَيُسْتَحَبُّ صِيَامُ الإِثْنَيْنِ وَالْخَمِيسِ. وَيُكْرَهُ إِفْرَادُ رَجَبٍ بِالصَّوْمِ، وَيُكْرَهُ إِفْرَادُ يَوْمِ الْجُمُعَةِ وَيَوْمِ السَّبْتِ، وَيَوْمِ الشَّكِّ، وَيَوْمِ النَّيْرُوزِ، وَيَوْمِ الْمَهْرَجَانِ بِالصَّوْمِ، إِلَّا أَنْ يُوَافِقَ ذَلِكَ عَادَةً لَهُ. وَيُكْرَهُ الْوِصَالُ فِي الصَّوْمِ، وَاسْتِقْبَالُ رَمَضَانَ بِالْيَوْمِ وَالْيَوْمَيْنِ، إِلَّا أَنْ يُوَافِقَ عَادَةً. وَمَنْ دَخَلَ فِي صِيَامِ نَفْلٍ، أَوْ صَلاةِ نَفْلٍ، اسْتُحِبَّ لَهُ إِتْمَامُهَا، فَإِنْ أَفْسَدَهُمَا، لَمْ يَلْزَمْهُ الْقَضَاءُ. ¬
وَتُطْلَب لَيْلَةُ الْقَدْرِ فِي الْعَشْرِ الأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ، وَفِي لَيالِي الْوِتْرِ آكَدُ، وَأَرْجَاهَا لَيْلَةُ سَبع وَعِشْرِينَ مِنْهُ. وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَدْعُوَ بِمَا رُوِيَ عَنْ عِائِشَةَ -رَضِي اللهُ عَنْهَا- (¬1): أَنَّهَا قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ! إِنْ وَافَقْتُهَا، فَبِمَ أَدْعُو؟ قَالَ: "قُولِي: اللَّهُمَّ إِنَّكَ عَفُوٌّ تُحِبُّ الْعَفْوَ فَاعْفُ عَنِّي" (¬2). * * * ¬
فصل في القضاء وصوم النذر
فَصْلٌ فِي الْقضَاءِ وَصَوْمِ النَّذْرِ لا يَجُوزُ تَأْخِيرُ قَضَاءِ رَمَضَانَ إِلَى رَمَضَانَ آخَرَ لِغَيْرِ (¬1) عُذْرٍ، فَإِنْ أَخَّرَهُ، ثُمَّ مَاتَ، أُطْعِمَ عَنْهُ لِكُلِّ يَوْمٍ فَقِيرٌ. وَمَنْ مَاتَ، وَعَلَيْهِ صِيَامٌ مَنْذُور، فَعَلَهُ الْوَليُّ عَنْهُ. فَأَمَّا الصَّلاةُ الْمَنْذُورَةُ، فَهَلْ يَفْعَلُهَا الْوَليُّ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ. وَمَنْ نَذَرَ أَنْ يَصُومَ يَوْمَ يَقْدَمُ فُلانٌ، فَقَدِمَ لَيْلاً، فَلا شَيْءَ، فَإِنْ قَدِمَ نَهَاراً، وَالنَّاذِرُ مُمْسِكٌ، لَزِمَهُ صِيَامُ ذلِكَ الْيَوْمِ. وَهَلْ يَلْزَمُهُ الْقَضَاءُ وَالْكَفَّارَةُ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ. وَإِنْ قَدِمَ وَالنَّاذِرُ مُفْطِرٌ، فَفِي الْقَضَاءِ والْكَفَّارَةِ -أَيْضاً- رِوَايتانِ. وَإِنْ قَدِمَ يَوْمَ عِيدٍ، لَمْ يَصُمْهُ، وَيُكَفِّرُ، وَفِي الْقَضَاءِ رِوَايَتَانِ. وَإِنْ نَذَرَ اعْتِكَافَ يَوْمِ يَقْدَمُ فُلانٌ، فَقَدِمَ نَهَاراً، لَزِمَهُ اعْتِكَافُ الْبَاقِي، وَلَمْ يَلْزَمْهُ قَضَاءُ مَا مَضَى. ¬
وَمَنْ نَذَرَ صَوْمَ يَوْمٍ مُعَيَّنٍ، فَجُنَّ فِي جَمِيعِ الْيَوْمِ، لَمْ يَلْزَمْهُ الْقَضَاءُ، فَإِنْ تَرَكَ صِيَامَهُ لِغَيْرِ عُذْرٍ، قَضَى، وَكَفَّرَ، وَإِنْ تَرَكَهُ لِعُذْرٍ، قَضَى، وَفِي الْكَفَّارَةِ رِوَايَتَانِ، وَإِنْ صَامَ قَبْلَهُ لَمْ يُجْزِهِ.
كتاب الاعتكاف
كِتَابُ الاِعْتِكَافِ الْمُسْتَحَبُّ أَنْ يَعْتكِفَ فِي الْجَامِعِ، وَإذَا كَانَ اعْتِكَافُهُ تَتَخَلَّلُهُ جُمُعَةٌ. وَيَصِحُّ مِنَ النِّسَاءِ فِي جَمِيعِ الْمَسَاجِدِ غَيْرَ مَسْجِدِ بُيُوتهِنَّ. وَإِذَا نَذَرَ اعْتِكافاً، أَوْ صَلاةً فِي مَسْجِدٍ مُعَيَّنٍ، فَلَهُ فِعْلُهُمَا فِي غَيْرِهِ، إِلَّا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ وَالْمَسْجِدَ الأَقْصَى، وَمَسْجِدَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَإِنْ نَذَرَ الِاعْتِكَافَ فِي الْمَسْجِدِ الأَقْصَى، فَلَهُ الِاعْتِكَافُ فِي الْمَسْجِدَيْنِ الآخَرَيْنِ، وَإِنْ نَوَى نَذْرَ (¬1) الاعْتِكَافِ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، لَمْ يَكُنْ لَهُ الاعْتِكَافُ فِي الْمَسْجِدَيْنِ الآخَرَيْنِ؛ لأَنَّهُ أَفْضَلُ مِنْهمَا. وَإِنْ نَذَرَ اعْتِكَافَ يَوْمَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ، لَزِمَهُ اللَّيْلَةُ الَّتِي بَيْنَهُمَا، وَإذَا نَذَرَ اعْتِكَافَ ثَلاثِينَ يَوْماً، لَمْ يَلْزَمْهُ التَّتَابُعُ. فَإِنْ نَذَرَ اعْتِكَافَ شهْرٍ، لَزِمَهُ التَّتَابُعُ، وَيَدْخُلُ مُعْتَكَفَهُ قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ مِنْ أَوَّلِ رَكْعَةٍ، وَيَخْرُجُ مِنْهُ بَعْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ مِنْ آخِرِهِ. فَإِنْ خَرَجَ لِمَا لا بُدَّ مِنْهُ، فَسَأَلَ عَنِ الْمَرِيضِ فِي طَرِيقِهِ، وَلَمْ يُعَرِّجْ، ¬
أَوْ دَخَلَ مَسْجِداً فِي طَرِيقِهِ، فَأَتَمَّ اعْتِكَافَهُ فِيهِ، جَازَ. فَإِنْ خَرَجَ لِما لَهُ مِنْهُ بُدٌّ، بَطَلَ اعْتِكَافُهُ، وَاسْتَأْنَفَ، وَيَتَخَرَّجُ أَنْ يَقْضِيَ مَا خَرَجَ فيه (¬1)، وَيُكَفِّرَ. وَإِنْ وَطِىَ الْمُعْتَكِفُ فِي الْفَرْجِ، أَوْ أَنْزَلَ بِالْوَطْءِ دُونَ الْفَرْجِ، بَطَلَ اعْتِكَافُهُ، وَإِنْ كَانَ نَاسِياً، فَعَلَيْهِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ إِنْ كَانَ نَذْراً (¬2). وَقَالَ الْقَاضِي: يَلْزَمُهُ كَفَّارَةُ ظِهَارٍ. وَعَنْهُ: لا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ. وَلَيْسَ لِلزَّوْجَةِ وَالْعَبْدِ الِاعْتِكَافُ إِلَّا بِإِذْنٍ، فَإِنِ اعْتَكَفَا (¬3) بِالإِذْنِ تَطَوُّعاً، جَازَ تَحْلِيلُهُمَا، فَإِنْ كَانَ فَرْضاً، لَمْ يَجُزْ تَحْلِيلُهُما. وَمَنْ نِصْفُهُ حُرٌّ، إِنْ كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ السَّيِّدِ مُهَايَأَةٌ، فَلَهُ أَنْ يَعْتَكِفَ وَيَحُجَّ فِي نَوْبَتِهِ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ مُهَايَأَةٌ، فَلِلسَّيِّدِ مَنْعُهُ. وُيسْتَحَبُّ لِلْمُعْتكِفِ أَنْ يَتَشَاغَلَ بِالقُرَبِ، وَيَجْتَنِبَ مَا لا يَعْنِيهِ مِنْ قَوْلٍ وَفِعْلٍ. فَأَمَّا إِقْرَاءُ الْقُرْآنِ، وَتَدْرِيسُ الْفِقْهِ، وَمُنَاظَرَةُ الْفُقَهَاءِ، فَلا يُسْتَحَبُّ، وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: يُسْتَحَبُّ ذلِكَ. * * * ¬
كتاب الحج
كتاب الْحَجِّ ولا (¬1) يَجِبُ عَلَى عَبْدٍ وَلا صَبِيٍّ، وَيصِحُّ مِنْهُمَا، إِلَّا أَنَّ الصَّبِيَّ إِنْ كَانَ مُمَيِّزاً، أَحْرَمَ بِإِذْنِ الْوَليِّ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مُمَيِّزٍ، أَحْرَمَ عَنْهُ وَلِيُّهُ، وَفَعَلَ مَا لا يُمْكِنُهُ فِعْلُهُ، وَنَفَقَةُ الْحَجِّ وَمَا يَلْزَمُهُ مِنَ الْكَفَّارَةِ فِي (¬2) مَالِهِ، وَعَنْهُ: فِي (¬3) مَالِ الْوَلِيِّ. وَإِنْ أُعْتِقَ الْعَبْدُ، وَبَلَغَ الصَّبِيُّ، قَبْلَ الْوُقُوفِ فِي الْحَجِّ، وَالطَّوَافِ فِي الْعُمْرَةِ، أَجْزَأَهُمَا عَنْ حِجَّةِ الإِسْلامِ وَعُمْرَتِهِ. وَالِاسْتِطَاعَةُ: وِجْدَانُ الزَّادِ وَالرَّاحِلَةِ، وما تَحْتَاجُ إِلَيْهِ مِنْ آلَتِها الَّتِي تَصْلُحُ لِمِثْلِهِ مِنْ مَحْمِلٍ أَوْ زَامِلَةٍ، أَوْ قَتَبٍ، وَالْقُدْرَةُ عَلَى الْمَاءِ، وَعَلَفِ بَهَائِمِ الذَّهَابِ وَالرُّجُوعِ؛ وَيَكُونُ ذلِكَ فَاضِلاً عَمَّا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ مِنْ مَسْكَنٍ وَخَادِمٍ إِنِ احْتَاجَ إِلَيْهِ، وَنَفَقَةِ عِيَالِهِ إِلَى أَنْ يَعُودَ، وَقَضَاءِ دَيْنِهِ، وَيَكُونُ ¬
لَهُ إذَا رَجَعَ مَا يَقُومُ بِكِفَايَتِهِ مِنْ عَقَارٍ أَوْ بِضَاعَةٍ أَوْ صِنَاعَةٍ، وَيَكُونُ الطَّرِيقُ آمِناً لا يَحْتَاجُ إِلَى خَفَارَةٍ. وَقَالَ ابْنُ حَامِدٍ: إِنْ كَانَتْ لا تُجْحِفُ بمَالِهِ، لَزِمَهُ الْحَجُّ، وَيَكُونُ فِي الْوَقْتِ سَعَةٌ لِتُمَكِّنَ مِنَ السَّيْرِ لأَدَائِهِ. وَيُؤْخَذُ الْمَحْرَمُ فِي حَقِّ الْمَرْأَةِ، وَهُوَ الزَّوْجُ، أَوْ مَنْ يَحْرُمُ عَلَيْهِ نِكَاحُهَا عَلَى التَّأْبِيدِ. وَيجِبُ الْحَجُّ وَالْعُمْرَةُ عَلَى الْفَوْرِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ، فَبَذَلَ لَهُ نَسِيبُهُ أَوْ غَيْرُهُ طَاعَةً (¬1)، لَمْ يَلْزَمْهُ الْحَجُّ. وَمَنْ حَجَّ عَنْ غَيْرِهِ، أَوْ نَذرٍ أَوْ نَافِلَةٍ قَبْلَ حِجَّةِ الإِسْلامِ، انْصَرَفَ إِلَيْهَا فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ، وَالأُخْرَى: يَقَعُ مَا نَوَاهُ. وَيَجُوزُ لِمَنْ يَقْدِرُ عَلَى الْحَجِّ بِنَفْسِهِ أَنْ يَسْتَنِيبَ فِي حَجِّ التَّطَوُّعُ. وَعَنْهُ: لا يَجُوزُ. * * * ¬
فصل
فَصْلٌ قَالَتْ عَائِشَةُ - رَضِيَ اللهُ عَنْهَا -: "خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم -، فَمِنَّا مَنْ أَهَلَّ بَعُمْرَةٍ، وَمِنَّا مَنْ أَهَلَّ بِحَجٍّ وَعُمْرَةٍ، وَمِنَّا مَنْ أَهَلَّ بِحَجٍّ" (¬1) مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَيُكْرَهُ الإِحْرَامُ بِالْحَجِّ قَبْلَ أَشْهُرِهِ، وَقَبْلَ الْمِيقَاتِ، فَإِنْ خَالَفَ، وَفَعَلَ، جَازَ، وَإِلَّا فَلا. * * * ¬
فصل
فَصْلٌ عِنْدَ أَبي عَبْدِ اللهِ، التَّمَتُّعُ ثُمَّ الإِفْرَادُ. وَعَنْهُ: إِنْ سَاقَ الْهَدْيَ، فَالْقِرَانُ أَفْضَلُ، وَهُوَ أَنْ يُحْرِمَ بِالْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ مَعاً، أَوْ يُحْرِمَ بِالْعُمْرَةِ، وَيُدْخِلَ عَلَيْهَا الْحَجَّ، وَيقصر عَلَى أَفْعَالِ الْحَجِّ، فَإِنْ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ، ثُمَّ أَدْخَلَ عَلَيْهِ الْعُمْرَةَ، لَمْ يَصِحَّ، وَلَمْ يَصِرْ قَارِناً. وَيَجِبُ عَلَى الْقَارِنِ وَالْمُتَمَتِّعِ دَمُ نُسُكٍ بِطُلُوعِ الْفَجْرِ مِنْ يَوْمِ النَّحْرِ إذَا لَمْ يَكُونا مِنْ حَاضِرَي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، وَلا يَجُوزُ لَهُمَا نَحْرُ هَدْيِهِمَا قَبْلَ وُجُوبِهِ، فَإِنْ عُدِمَ الْهَدْيُ فِي مَوْضِعِهِمَا، فَلَهُمَا الانْتِقَالُ إِلَى صِيَامِ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ إِذَا أَحْرَمَ بِالْعُمْرَةِ، وَسَبْعَةٍ إذَا رَجَعَ مِنَ الْحَجِّ، وَالأَفْضَلُ أَنْ يَكُونَ آخِرُ الثَّلاثَةِ يَوْمَ عَرَفَةَ، وَلا يَجِبُ التَّتَابُعُ فِي الصِّيَامِ، وَوَقْتُ وُجُوبِهِ وَقْتُ وُجُوبِ الْهَدْيِ. فَإِنْ وَجَبَ عَلَيْهِ الصِّيَامُ، فَلَمْ (¬1) يَشْرَعْ فِيهِ حَتَّى وَجَدَ الْهَدْيَ، لَمْ ¬
يَلْزَمْهُ الانْتِقَالُ إِلَيْهِ، فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ. فَإِنْ أَخَّرَ الْهَدْيَ أَوِ الصِّيَامَ لِعُذْرٍ، لَمْ يَلْزَمْهُ إِلَّا قَضَاؤُهُ، وَإِنْ أَخَّرَهُ بِغَيْرِ عُذْرٍ، فَهَلْ يَلْزَمُهُ مَعَ قَضَائِهِ دَمٌ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ.
فصل
فَصْلٌ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: "وَقَّتَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - لأَهْلِ الْمَدِينَةِ ذَا (¬1) الْحُلَيْفَةِ، وَلأَهْلِ الشَّامِ الجُحْفَةَ، وَلأَهْلِ نَجْدٍ قَرْناً، وَلأَهْلِ الْيَمَنِ يَلَمْلَمَ، قَالَ: فَهُنَّ لَهُنَّ وَلِمَنْ أَتَى عَلَيْهِنَّ مِنْ غَيْرِ أَهْلِهِنَّ مِمَّنْ أَرَاد الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ، فَمَنْ كَانَ دُونَهُنَّ، فَمِنْ أَهْلِهِ، وَكَذَا فَكَذَاكَ، حَتَّى أَهْلُ مَكَّةَ يُهِلُّونَ مِنْهَا" (¬2) رَوَا مُسْلِمٌ. وَمَنْ أَرَادَ دُخُولَ مَكَّةَ، لَمْ يَجُزْ لَهُ مُجَاوَزَةُ الْمِيقَاتِ إِلَّا مُحْرِماً، إِلَّا أَنْ يَكُونَ دُخُولُهُ لِقِتَالٍ مُبَاحٍ، أَوْ مِنْ خَوْفٍ، أَوْ لِحَاجَةٍ مُتكَرِّرَةٍ، فَلَهُ الدُّخُولُ بِغَيْرِ إِحْرَامٍ، ثُمَّ إذَا أَرَادَ الإِحْرَامَ بَعْدَ مَجَاوَزَةِ الْمِيقَاتِ، أَحْرَمَ مِنْ مَوْضِعِهِ. وَلا يَنْعَقِدُ الإِحْرَامُ إِلَّا بِنِيَّةٍ. وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُعَيِّنَ مَا أَحْرَمَ بِهِ، فَإِنْ أَحْرَمَ مُطْلَقاً، ثُمَّ صَرَفَهُ على ¬
حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ، جَازَ، وَإِنْ أَحْرَمَ بِحَجَّتَيْنِ أَوْ عُمْرَتَيْنِ، انْعَقَدَ بِإِحْدَاهُما. وَإِنْ أَحْرَمَ بِنُسُكٍ، ثُمَّ نَسِيَهُ، جَعَلَهُ عُمْرَةً عَلَى ظَاهِرِ كَلامِهِ. فَإِنِ اسْتُثْنِيَ بِهِ اثْنَانِ فِي الْحَجِّ، فأَحْرَمَ عَنْ أَحَدِهِما، لا بِعَيْنِهِ، وَقَعَ عَنْ نَفْسِهِ، وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: لَهُ صَرْفُها إِلَى أَيِّهِمَا شاءَ. وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَنْطِقَ بِمَا أَحْرَمَ بِهِ، وَيَرْفَعَ صَوْتَهُ بِالتَّلْبِيَةِ. وَالتَّلْبِيَةُ مُسْتَحَبَّةٌ، وَلا يُسْتَحَبُّ تَكْرَارُها فِي حَالَةٍ وَاحِدَةٍ، وَلا إِظْهَارُهَا فِي الأَمْصَارِ (¬1)، وَلا طَوَافِ الْقُدُومِ. وَإذَا فَرَغَ مِنَ التَّلْبِيَةِ، صَلَّى عَلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، وَدَعَا بِمَا أَحَبَّ مِنْ خَيْرَيِ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ. * * * ¬
فصل فيما يتوقاه المحرم
فَصْلٌ فِيمَا يَتَوَقَّاهُ الْمُحْرِمُ لَيْسَ لِمُحْرِمٍ تَغْطِيَةُ الرَّأْسِ، وَفِي تَغْطِيَةِ وَجْهِهِ رِوَايَتَانِ. فَإِنْ طَيَّنَ رَأْسَهُ، أَوْ خَضَبَهُ بِحِنَّاءٍ، أَوْ عَصَبَهُ، أَوْ جَعَلَ عَلَيْهِ خِرْقَةً أَوْ قِرْطَاساً فِيهِ دَوَاءٌ، فَعَلَيْهِ الْفِدْيَةُ. وَإِنْ حَمَلَ عَلَى رَأْسِهِ شَيْئاً، أَوْ نَصبَ حِيَالَهُ ثَوْباً يَقِيهِ الشَّمْسَ أَوِ الْبَرْدَ، أَوْ جَلَسَ فِي خَيْمَةٍ أَوْ ظِلِّ شَجَرَةٍ، أَوْ تَحْتَ سَقْفٍ، فَلا فِدْيَةَ عَلَيْهِ. وَإِنِ اسْتَظَلَّ بِالْمَحْمِلِ، فَهَلْ يَلْزَمُهُ فِدْيَةٌ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ. وَلَهُ أَنْ يَتَّشِحَ بِالْقَمِيصِ وَالرِّدَاءِ، وَلا يَعْقِدُهُ، وَيَتَّزِرُ بِالإِزَارِ وَيَعْقِدُهُ، وَيَعْقِدُ عَلَيْهِ (¬1) هِمْيَانَهُ الَّذِي فِيهِ نَفَقَتُهُ. فَإِنْ لَبِسَ ثَوْباً كَانَ مُطَيَّباً، وَانْقَطَعَ مِنْهُ رِيحُ الطِّيبِ، وَكَانَ بِحَيْثُ يَفُوحُ (¬2) إذَا رُشَّ فِيهِ مَاءٌ، فَعَلَيْهِ الْفِدْيَةُ، وَإِلَّا فَلا. ¬
فَإِنْ مَسَّ مِنَ الطِّيبِ مَا لا يَعْلَقُ بِيَدِهِ؛ كَالْمِسْكِ غَيْرِ الْمَسْحُوقِ، فَلا بَأْسَ، وَإِنْ شَمَّهُ، فَعَلَيْهِ الْفِدْيَةُ. وَإِنْ شَمَّ الْعُودَ وَالْفَواكِهَ، فَلا فِدْيَةَ. وَهَلْ لَهُ شَمُّ الْبَنَفْسَجِ وَالرَّيْحَانِ، وَالادِّهَانُ بِدُهْنٍ غَيْرِ مُطَيَّبٍ؟ فَعَلَى رِوَايَتَيْنِ. فَإِنْ خَرَجَ فِي عَيْنِهِ شَعْرٌ يُؤْلمُهُ، فَأَزَالَهُ، أَوْ نَزَلَ شَعْرُهُ فَغَطَّى عَيْنَيْهِ، فَقَصَّ مَا نَزَلَ مِنْهُ، أَوْ قَصَّ مَا انْكَسَرَ مِنْ ظُفْرِهِ، أَوْ قَلَعَ جِلْداً عَلَيْهِ شَعْرٌ، فَلا فِدْيَةَ عَلَيْهِ. وَإِنْ حَلَقَ مِنْ شَعْرِ رَأْسِهِ وَبَدَنِهِ مَا يَجِبُ الدَّمُ بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا إذَا انْفَرَدَ، فَعَلَيْهِ دَمٌ وَاحِدٌ. وَإِنْ كَرَّرَ مَحْظُوراً، فَكْفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ مَا لَمْ يُكَفِّرْ عَنِ الأَوَّلِ قَبْلَ فِعْلِ الثَّانِي. وَإِنْ قتلَ صَيْداً بَعْدَ صَيْدٍ، أَوْ فَعَلَ مَحْظُوراً مِنْ أَجْنَاسٍ، فَعَلَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ كَفارَةٌ. وَعَنْهُ: فِي جَمِيعِ ذلِكَ كَفَّارَةٌ. وَإذَا حَلَقَ رَأْسَهُ مُكْرَهاً، أَوْ نَائِماً، فَالْفِدْيَةُ عَلَى الْحَالِقِ. وَإذَا حَلَقَ الْمُحْرِمُ رَأْسَ حَلالٍ أَوْ مُحْرِمٍ بِإِذْنِهِ، فَلا فِدْيَةَ عَلَيْهِ. وَإِنْ غَسَلَ الْمُحْرِمُ رَأْسهُ بِالسِّدْرِ، وَالْخَطْمِيِّ، فَلا فِدْيَةَ عَلَيْهِ.
وَعَنْهُ: عَلَيْهِ الْفِدْيَةُ. وَلَهُ أَنْ يَخْتَضِبَ (¬1) بِالْحِنَّاءِ. وَقَلِيلُ اللُّبْسِ وَالطِّيبِ وَكَثيرُهُ سَوَاءٌ. وَإذَا احْتَاجَ إِلَى فِعْلِ شَيْءٍ مِنَ الْمَحْظُوراتِ، جَازَ لَهُ ذلِكَ، وعَلَيْهِ الْفِدْيَةُ. * * * ¬
فصل في الصيد
فَصْلٌ فِي الصَّيْدِ يَحْرُمُ عَلَى الْمُحْرِمِ قَتْلُ الصَّيْدِ الْمَأْكُولِ، وَالْمُتَوَلِّدِ مِنْ مَأْكُولٍ وَغَيْرِ مَأْكُولٍ، فَإِنْ مَاتَ بِيَدِهِ، أَوْ أَتْلَفَهُ، أَوْ أَتْلَفَ جُزْءاً مِنْهُ، فَعَلَيْهِ الْجَزَاءُ، وَلا يَجِبُ الْجَزَاءُ بِغَيْرِ ذلِكَ. وَيَحْرُمُ عَلَيْهِ أَكْلُ مَا صِيدَ لأَجْلِهِ، أَوْ أَشَارَ إِلَيْهِ، أَوْ دَلَّ عَلَيْهِ، أَوْ أَعَانَ عَلَى ذَبْحِهِ، أَوْ كَانَ لَهُ أَثَرٌ فِي ذَبْحِهِ؛ مِثْلَ أَنْ يُعِيرَهُ سِكِّيناً. وَإِنْ ذَبَحَ الصَّيْدَ، صَارَ مَيْتَةً، وَلا يَمْلِكُهُ إِلَّا بِالإِرْثِ، وَقِيلَ: لا يَمْلِكُهُ -أَيْضاً-. فَإِنْ أَحْرَمَ وَفِي مُلْكِهِ صَيْدٌ لَمْ يَزُلْ مُلْكُهُ عَنْهُ (¬1). وَيَجِبُ عَلَيْهِ إِزَالَةُ يَدِهِ الْمُشَاهَدَةِ دُونَ يَدِهِ الْحُكْمِيَّةِ. فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ، فَأَرْسَلَهُ إِنْسَانٌ مِنْ يَدِهِ قَهْراً، فَلا ضَمَانَ عَلَى الْمُرْسِلِ، فَإِنْ تَرَكَهُ فِي يَدِهِ حَتَّى تَحَلَّلَ ثُمَّ تَلِفَ، ضَمِنَ. ¬
فَإِنْ ذَبَحَهُ بَعْدَ التَّحَلُّلِ، فَقَالَ الْقَاضِي: يَكُونُ مَيْتَةً، وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: يُبَاحُ لَهُ أَكْلُهُ، وَعَلَيْهِ الضَّمَانُ. فَإِنْ صَالَ عَلَيْهِ صَيْدٌ، فَقَتَلَهُ دِفَاعاً عَنْ نَفْسِهِ، أَوْ خَلَّصَ صَيْداً مِنْ سَبُعٍ أَوْ شَبَكَةٍ لِيُرْسِلَهُ، فَتَلِفَ قَبْلَ ذلِكَ، فَلا ضَمَانَ عَلَيْهِ. وَإِنْ نَقَلَ بَيْضَ صَيْدٍ، فَجَعَلَهُ تَحْتَ آخَرَ، فَفَسَدَ، فَعَلَيْهِ ضَمَانُهُ. وَلا تَحْرِيمَ لِلْحَرَمِ وَلا لِلإِحْرَامِ (¬1) فِي تَحْرِيمِ شَيْءٍ مِنَ الْحَيَوَانِ الإِنْسِيِّ، وَلا مَا فِيهِ مَضَرَّةٌ مِنَ الْوَحْشِ، إِلَّا الْقَمْلَ وَالصِّئْبَانَ، عَلَى إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ. وَفِي الْجَرَادِ رِوَايَتَانِ: إِحْدَاهُمَا: يَضْمَنُ قَتْلَهُ، وَفيهِ الْجَزَاءُ، فَعَلَى هذِهِ الرِّوَايَةِ إِنِ افْتَرَشَ فِي طَرِيقِهِ فَقتَلَهُ بِالْمَشْيِ عَلَيْهِ، فَفِي الْجَزَاءِ وَجْهَانِ. * * * ¬
فصل في جزاء الصيد
فَصْلٌ فِي جَزَاءِ الصَّيْدِ قَالَ تَعَالَى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ} الآية [المائدة: 95]. وَيُرْجَعُ فِي مَعْرِفَةِ الْمِثْلِ وَالْقِيمَةِ إِلَى قَوْلِ عَدْلَيْنِ مِنْ أَهْلِ الْخِبْرَةِ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْقَاتِلُ أَحَدَهُمَا، إِلَّا أَنْ يَكُونَ مِمَّا قَضَتِ الصَّحَابَةُ فِيهِ، فَيَجِبُ فِيهِ مَا قَضَتْ؛ كَالنَّعَامَةِ فِيهَا بَدَنَةٌ، وَفِي حِمَارِ الْوَحْشِ وَالإِيَّلِ وَالثَّيْتَلِ وَالْوَعْلِ بَقَرَةٌ، وَفِي الضَّبُعِ كَبْشٌ، وَفِي الْغَزَالِ وَالثَّعْلَبِ عَنْزٌ، وَفِي الْوَبْرِ وَالضَّبِّ جَدْيٌ، وَالْحَمَامِ وَكُلِّ مَا عَبَّ وَهَدَرَ شَاةٌ، وَالأَرْنَبِ عَنَاقٌ، وَفِي الْيَرْبُوعِ جَفْرَةٌ، وَفِي الضَّبُعِ جَدْيٌ (¬1)، وَفِي الصَّغِيرِ صَغِيرٌ، وَفِي الْكَبِيرِ كَبِيرٌ، وَفِي الذَّكَرِ ذَكَرٌ، وَفِي الأُنْثَى أُنْثَى، وَفِي الصَّحِيحِ صَحِيحٌ، وَفِي الْمَعِيبِ مَعِيبٌ، وَفِي الْحَامِلِ حَامِلٌ، فَإِنْ فُدِيَ الذَّكَرُ بِالأُنْثَى، جَازَ، وَإِنْ فُدِيَتِ الأُنْثَى بِالذَّكَرِ (¬2)، احْتَمَلَ وَجْهَيْنِ. ¬
وَإِنْ فُدِي الأَعْوَرُ بِالأَعْوَرِ مِنْ عَيْنٍ أُخْرَى، جَازَ. وَقِيلَ: مَا لا مِثْلَ لَهُ، فَفِيهِ قِيمَتُهُ. وَهَلْ يَجِبُ فِيما كَانَ أَكْبَرَ مِنَ الْحَمَامِ مِنَ الطُيُورِ قِيمَتُهُ، أَوْ شَاةٌ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ. وَإذَا جُرِحَ صَيْدٌ، فتحَامَلَ، فَوَقَعَ فِي شَيْءٍ يَتْلَفُ بِهِ، ضَمِنَهُ. وَإِنْ غَابَ عَنْهُ، ثُمَّ وَجَدَهُ مَيْتاَ، وَلا يَعْلَمُ أَمَاتَ مِنَ الْجِنَايَةِ أَوْ مِنْ غَيْرِهَا، فَالْوَاجِبُ مَا نَقَصَتْهُ الْجِنَايَةُ. وَكَذلِكَ إِنْ أَزَالَ مَا يُمْنَعُ بِهِ الصَّيْدُ، مِثْلَ أَنْ كَسَرَ سَاقَ الظَّبْيِ، أَوْ جَنَاحَ الْحَمَامِ، وَغَابَ فَلَمْ يَعْلَمْ خَبَرَهُ، فَأَمَّا إِنِ انْدَمَلَ غَيْرُ مُمْتَنِعٍ، فَعَلَيْهِ جَزَاءُ جَمِيعِهِ. وَإِنْ نَتَفَ رِيشَ طَائِرٍ، فَعَادَ رِيشُهُ فَنَبَتَ، فَلا شَيْءَ عَلَيْهِ. وَقِيلَ: عَلَيْهِ قِيمَةُ الرِّيشِ. وُيضْمَنُ بَيْضُ الصَّيْدِ بِقِيمَتِهِ، وَإذَا أَمْسَكَ (¬1) مُحْرِمٌ، وَقتلَهُ حَلالٌ، فَالْجَزَاءُ عَلَى الْمُحْرِمِ. وَإِنْ قتلَهُ مُحْرِمٌ آخَرُ، فَالْجَزَاءُ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ. وَإِنْ جَرَحَهُ (¬2) مُحْرِمٌ، وَقتلَهُ آخَرُ، فَعَلَى الْجَارِحِ ما نَقَصَ، وَالْبَاقِي عَلَى الآخَرِ. ¬
وَإذَا ضَمِنَ النُّقْصَانَ (¬1) مِثْلَ أَنْ يَنْقُصَ سُدُسُ قِيمَتِهِ، فَهَلْ يَجِبُ سُدُسٌ مِثْلُهُ، أَوْ سُدُسُ قِيمَةِ مِثْلِهِ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ. * * * ¬
فصل في صيد الحرم ونباته
فَصْلٌ فِي صَيْدِ الْحَرَمِ وَنَبَاتِهِ قَالَ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "قَدْ حَبَسَ اللهُ عَنْ مَكَّةَ الْفِيلَ، وَسَلَّطَ عَلَيْهَا رَسُولَهُ وَالْمُؤْمِنِينَ، وَإِنَّهَا لَمْ تَحِلَّ لأَحَدٍ قَبْلي، وَلَمْ تَحِلَّ لأَحَدٍ بَعْدِي، وَإنَّما أُحِلَّتْ لِي سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ، وَإِنَّهَا سَاعَتِي هذ حَرَامٌ، لا يُعْضَدُ شَجَرُهَا، وَلا يُخْتَلَى (¬1) شَوْكُهَا، وَلا يُلْتَقَطُ لُقَطَتُهَا إِلَّا لِمُنْشِدٍ" مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ (¬2). وَحُكْمُ صَيْدِ الْحَرَمِ حُكْمُ صَيْدِ الْحِلِّ فِي حَقِّ الْمُحْرِمِ، أَوْ فِي الْحِلِّ مِثْلَ أَنْ يَرْمِيَ مِنَ الْحِلِّ صَيْداً فِي الْحَرَمِ، أَوْ يُرْسِلَ كَلْبَهُ مِنَ الْحِلِّ عَلَى صَيْدٍ فِي (¬3) الْحَرَمِ، أَوْ يَرْمِيَ صَيْداً عَلَى غُصْنٍ مِنَ الْحَرَمِ أَصْلُهُ فِي الْحِلِّ. فَأَمَّا إِنْ رَمَى مِنَ الْحَرَمِ صَيْداً فِي الْحِلِّ، أَوْ أَرْسَلَ كَلْبَهُ عَلَى صَيْدٍ فِي ¬
الْحِلِّ، أَوْ قَتَلَ صَيْداً عَلَى غُصْنٍ فِي الْحِلِّ أَصْلُهُ فِي الْحَرَمِ، فَلا جَزَاءَ عَلَيْهِ. قَالَ أَصْحَابُنَا فِي جَمِيعِ مَا ذَكَرْنَاهُ رِوَايَتَانِ. وَإِنْ أَمْسَكَ طَائِراً فِي الْحِلِّ، فَهَلَكَ فِرَاخُهُ فِي الْحَرَمِ، أَوْ أَمْسَكَهُ (¬1) فِي الْحَرَمِ، فَهَلَكَ فِرَاخُهُ فِي الْحِلِّ، فَعَلَيْهِ الضَّمَانُ. وَيَتَخَرَّجُ فِي ذلِكَ وَجْهَانِ هُمَا عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ. وَإِنْ أَرْسَلَ كَلْبَهُ عَلَى صَيْدٍ فِي الْحِلِّ، فَدَخَلَ الْحَرَمَ، فَأَدْخَلَ الْكَلْبَ (¬2) خَلْفَهُ فَقتَلَهُ، فَلا ضَمَانَ عَلَيْهِ. وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: عَلَيْهِ الضَّمَانُ. وَلَوْ رَمَى صَيْداً فِي الْحِلِّ، فَقَتَلَ صَيْداً فِي الْحَرَمِ، ضَمِنَ. وَإِنْ مَلَكَ صَيْداً فِي الْحِلِّ، فَأَدْخَلَهُ الْحَرَمَ، لَزِمَهُ رَفْعُ يَدِهِ عَنْهُ وَإِرْسَالُهُ. وَهَلْ يَجُوزُ صَيْدُ السَّمَكِ مِنْ آبَارِ الْحَرَمِ وَعُيُونِهِ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ. وَمَنْ قَطَعَ شَجَرَةً مِنَ الْحَرَمِ، فَعَلَيْهِ ضَمَانُ الْكَبِيرَةِ بِبَقَرَةٍ، وَالصَّغِيرَةِ بِشاةٍ، وَالْغُصْنِ بِمَا نَقَصَ، وَالْحَشِيشِ بِقِيمَتِهِ، فَإِنْ عَادَ، سَقَطَ الضَّمَانُ، وَيُحْتَمَلُ أَلَّا يَسْقُطَ. وَهَلْ يُبَاحُ لَهُ زَرْعُ الْحَشِيشِ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ. ¬
وَلَهُ قَطْعُ الشَّجَرِ الْيَابِسِ، وَمَا أَنْبَتَهُ (¬1) الآدَمِيُّونَ. وَإذَا قَطَعَ غُصْناً فِي الْحِلِّ أَصْلُهُ فِي الْحَرَمِ، ضَمِنَ، فَإِنْ كَانَ الأَصْلُ فِي الْحِلِّ، وَالْفَرْعُ فِي الْحَرَمِ، فَعَلَى وَجْهَيْنِ. * * * ¬
فصل في حرم المدينة
فَصْلٌ فِي حَرَمِ الْمَدِينَةِ وَيَحْرُمُ صَيْدُ الْمَدِينَةِ وَشَجَرُهَا وَحَشِيشُهَا، وَلا يَجِبُ فِيهِ جَزَاءٌ، عَلَى إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ، وَالأُخْرَى: فِيهِ الْجَزَاءُ، وَهُوَ سَلَبُ الْقَاتِلِ لِمَنْ أَخَذَهُ. وَمَنْ أَدْخَلَ إِلَيْها صَيْداً، لم يَلْزَمْهُ رَفْعُ يَدِهِ عَنْهُ، وَلَهُ ذَبْحُهُ وَأَكْلُهُ. وَيَجُوزُ أَنْ يَأْخُذَ من شَجَرِهَا مَا تَدْعُو الحَاجَةُ إِلَيْهِ لِلْمُسَافِرِ وَالْوَسَائِدِ وَالرَّحْلِ، وَمِنْ حَشِيشِها مَا تَدْعُو الْحَاجَةُ إِلَيْهِ، بِخِلافِ الْحَرَمِ. وَحَرَمُ الْمَدِينَةِ مَا بَيْنَ جَبَلِ ثَوْرٍ إِلَى عَيْرٍ. وَجَعَلَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - حَوْلَ الْمَدِينَةِ اثْنَيْ عَشَرَ مِيلاً حِمًى.
باب صفة الحج
بَابُ صِفَةِ الْحَجِّ وَإذَا أَتَى مَكَّةَ، فَالِاسْتِحْبَابُ أَنْ يَدْخُلَ مِنْ أَعْلاَها، وَيَدْخُلَ الْمَسْجِدَ مِنْ بَابِ بَنِي شَيْبَةَ. فَإذَا رَأَى الْبَيْتَ، رَفَعَ يَدَيْهِ وَقَالَ: "اللهُ أَكْبَرُ، اللَّهُمَّ أَنْتَ السَّلامُ، وَمِنْكَ السَّلامُ، حَيِّنَا رَبَّنَا بِالإسلامِ (¬1)، اللَّهُمَّ زِدْ هذَا الْبَيْتَ تَعْظِيماً وَتَكْرِيماً وَتَشْرِيفاً، وَمَهَابَةً وَبِرّاً، وَزِدْ مَنْ عَظَّمَهُ وَشَرَّفَهُ مِمَّنْ حَجَّهُ واعْتَمَرَهُ تَعْظِيماً وَتَشْرِيفاً، وَتَكْرِيماً وَمَهَابَةً وَبِرّاً، الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ كَثِيراً كَمَا هُوَ أَهْلُهُ، وَكَمَا يَنْبَغِي لِكَرَمِ وَجْهِهِ، وَعِزِّ جَلالِهِ، الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ الَّذِي بَلَّغَنِي بَيْتَهُ، وَأَرَانِيهِ، وَالْحَمْدُ للهِ عَلَى كلِّ حَالٍ، اللَّهُمَّ إِنَّكَ دَعَوْتَ إِلَى حَجِّ بَيْتِكَ الْحَرَامِ، وَقَدْ جئْتُكَ لِذَلِكَ، اللَّهُمَّ تَقَبَّلْ مِنِّي، وَاعْفُ عَنِّي، وَأَصْلِحْ لي (¬2) شَأْنِي كُلَّهُ، لا إلهَ إِلَّا أَنْتَ"، يَرْفَعُ بِذلِكَ صَوْتَهُ. ¬
ثُمَّ يَطُوفُ لِلْقُدُومِ مُضْطَبِعاً، وَهُوَ أَنْ يَجْعَلَ وَسَطَ الرِّدَاءِ تَحْتَ كَتِفِهِ الأَيْمَنِ، وَطَرَفَيْهِ عَلَى كَتِفِهِ الأَيْسَرِ. وَيَبْتَدِىَ بِالْحَجَرِ الأَسْوَدِ، فَيُحَاذِيهِ بِجَمِيعِ بَدَنِهِ، وَيَقُولُ عِنْدَ اسْتِلامِهِ: "باسْم اللهِ، وَاللهُ أَكْبَرُ، إِيْمَاناً بِكَ، وَتَصْدِيقاً بِكِتَابِكَ، وَوَفَاءً بِعَهْدِكَ، وَاتِّبَاعاً لِسُنَّةِ نَبِيِّكَ مُحَمَّدٍ - صلى الله عليه وسلم -، وَيَجْعَلُ الْبَيْتَ فِي الطَّوَافِ عَلَى يَسَارِهِ، وَيَرْمُلُ ثَلاثَةَ أَشْوَاطٍ يَقُولُ فِيهَا: "اللَّهُمَّ اجْعَلْهُ حَجّاً مَبْرُوراً، وَسَعْياً مَشْكُوراً، وَذَنْباً مَغْفُوراً"، وَكُلَّمَا حَاذَى الْحَجَرَ، وَالرُّكْنَ الْيَمَانِيَ، اسْتَلَمَهُمَا، وَيَقُولُ كُلَّمَا حَاذَى الْحَجَرَ الأَسْوَدَ: "اللهُ أَكْبَرُ، وَلا إلهَ إِلَّا هُوَ"، وَيَمْشِي أَرْبَعَةً يَقُولُ فِيهَا: "رَبِّ اغْفِرْ وَارْحَمْ، وَاعْفُ عَمَّا تَعْلَمُ، فَأَنْتَ الأَعَزَّ الأَكْرَمُ، رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً، وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً، وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ"، وَيَدْعُو بِمَا أَحَبَّ. فَإِنْ جَعَلَ الْبَيْتَ عَلَى يَمِينِهِ فِي الطَّوَافِ، أَوْ طَافَ عَلَى جِدَارِ الْحِجْرِ، أَوْ شَاذِرْوَانِ الْكَعْبَةِ، أَوْ تَرَكَ شَيْئاً مِنَ الطَّوَافِ، وَإِنْ قَلَّ، أَوْ طَافَ بِغَيْرِ نِيَّةٍ، أَوْ تَرَكَ الْمَوالاةَ، لَمْ يُجْزِهِ. وَإِنْ طَافَ نَجِساً، أَوْ مُحْدِثاً، أَوْ عُرْيَاناً، لَمْ يُجْزِهِ. وَعَنْهُ: يُجْزِئُهُ، وَيُجْبَرُ بِدَمٍ. وَهَلْ يُجْزِئُهُ الطَّوَافُ رَاكِباً، أَوْ مَحْمُولاً بِغَيْرِ عُذْرٍ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ. وَيُسَنُّ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ بَعْدَ الطَّوَافِ رَكْعَتَيْنِ، يَقْرَأُ فِي الأُولَى بَعْدَ
الْفَاتِحَةِ: {قُلْ يَاأَيُّهَا الْكَافِرُونَ}، وَفِي الثَّانِيَةِ: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ}. ثُمَّ يَعُودُ فَيَسْتَلِمُ الْحَجَرَ، وَيَخْرُجُ إِلَى الصَّفَا مِنْ بَابِهِ، فَيَرْقَى عَلَيْهِ حَتَّى يَرَى الْبَيْتَ، فَيُكَبِّرُ ثَلاثاً، وَيَقُولُ: "الْحَمْدُ للهِ عَلَى مَا هَدَانَا، لا إلهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ، يُحْيِي وَيُمِيتُ، وَهُوَ حَيٌّ لا يَمُوتُ، بِيَدِهِ الْخَيْرُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، لا إِلهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ، صَدَقَ وَعْدَهُ، وَنَصَرَ عَبْدَهُ، وَهَزَمَ الأَحْزَابَ وَحْدَهُ، لا إِلهَ إِلَّا اللهُ، لا نَعْبُدُ إِلَّا إِيَّاهُ، مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ"، وَيَدْعُو بِمَا أَحَبَّ، وَيَدْعُو ثَانِياً وَثَالِثاً، وَيَسْعَى سَبْعاً. وَيَفْعَلُ عَلَى الْمَرْوَةِ كَمَا فَعَلَ عَلَى الصَّفَا، إِلَّا أَنَّ الْمَرْأَةَ لا تَرْقَى، وَلا تَرْمُلُ فِي طَوَافٍ وَلا سَعْيٍ. وَعَنْهُ: أَنَّ ذلِكَ وَاجِبٌ. فَإذَا فَرَغَ مِنَ السَّعْيِ، قَصَّرَ مِنْ شَعْرِهِ، وَحَلَّ إِنْ كَانَ مُعْتَمِراً، إِلَّا الْمُتَمَتِّعَ (¬1) إذَا كَانَ مَعَهُ هَدْيٌ لا يَحِلُّ حَتَّى يَفْرُغَ مِنْ أَفْعَالِ الْحَجِّ. * * * ¬
فصل
فَصْلٌ فَإذَا كَانَ يَوْمُ التَّرْوِيَةِ، فَمَنْ كَانَ مُحِلًّا، أَحْرَمَ بِالْحَجِّ مِنْ مَكَّةَ، وَيَمْضِي إِلَى مِنًى، فَيَبِيتُ بِهَا تِلْكَ اللَّيْلَةَ، وَيَدْفَعُ إِلَى عَرَفةَ بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ، فَيُقِيمُ بِهَا حَتَّى تَزُولَ الشَّمْسُ، ثُمَّ يَخْطُبُ الإِمَامُ خُطْبَةً يُعَلِّمُهُمْ فِيهَا مَنَاسِكَهُمْ. ثُمَّ يَنْزِلُ بِهِمْ، فَيَجْمَعُ بَيْنَ صَلاتَيْنِ، هذَا كُلُّهُ سُنَّةٌ. وَلا يَجُوزُ الْجَمْعُ وَالْقَصْرُ إِلَّا لِمَنْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ وَطَنِهِ سِتَّةَ عَشَرَ فَرْسَخاً فَصَاعِداً. ثُمَّ يَرُوحُ إِلَى الْمَوْقِفِ، وَهُوَ مِنَ الْجَبَلِ الْمُشْرِفِ عَلَى عَرَفَةَ إِلَى الْجِبَالِ الْمُقَابِلَةِ لَهُ إِلَى مَا يَلِي حَوَائِطَ بَنِي عَامِرٍ. وَالْمُسْتَحَبُّ أَنْ يَقِفَ عِنْدَ الصَّخَرَاتِ وَجَبَلِ الرَّحْمَةِ، وَيَكُونَ رَاكِباً، وَقِيلَ: الرَّاجِلُ أَفْضَلُ. وَيُكْثِرُ مِنَ الدُّعَاءِ، وَيُكْثِرُ مِنْ قَوْلِ: "لا إِلهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ، يُحْيِي وَيُمِيتُ، وَهُوَ حَيٌّ لا يَمُوتُ، بِيَدِهِ الْخَيْرُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، اللَّهُمَّ اجْعَلْ فِي قَلْبِي نُوراً، وَفي
سَمْعِي نُوراً، وَفي بَصَرِي نُوراً، وَيَسِّرْ لي أَمْرِي". وَوَقْتُ الْوُقُوفِ مِنْ طُلُوعِ الْفَجْرِ الثَّانِي مِنْ يَوْمِ عَرَفَةَ إِلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ الثَّانِي مِنْ يَوْمِ النَّحْرِ. فَمَنْ حَصَلَ بِعَرَفَةَ فِي شَيْءٍ مِنْ هذَا الْوَقْتِ، وَهُوَ عَاقِلٌ، فَقَدْ تَمَّ حَجُّهُ. وَمَنْ وَافَى عَرَفَةَ لَيْلاً، فَوَقَفَ بِهَا، أَوْ وَافَى مُزْدَلِفَةَ بَعْدَ نَصْفِ اللَّيْلِ مِنْ لَيْلَتِهَا، فَلا دَمَ عَلَيْهِ. ثُمَّ يَدْفَعُ إِلَى مُزْدَلِفَةَ بَعْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ، وَحَدُّهَا مَا بَيْنَ الْمَأْزِمَيْنِ وَوَادِي مُحَسِّرٍ، فَيُصَلِّي بِهَا الْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ قَبْلَ حَطِّ الرِّحَالِ. وَإِنْ صَلَّى الْمَغْرِبَ فِي طَرِيقِ مُزْدَلِفَةَ، تَرَكَ السُّنَّةَ، وَأَجْزَأَهُ (1 وَيَأْخُذُ حَصَى الْجِمارِ، وَيَكونُ أَكْبَرَ منَ الحِمِّصِ وَدُونَ البُنْدُقِ، وعَدَدُهُ سَبْعُونَ حَصاةً، وَهَلْ يُسَنُّ غَسْلُهُ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ (¬1). وَإذَا أَصْبَحَ بِمُزْدَلِفَةَ، صَلَّى الْفَجْرَ فِي أَوَّلِ وَقْتِهَا، ثُمَّ يَأْتِي الْمَشْعَرَ الْحَرَامَ، فَيَرْقَى عَلَيْهِ إِنْ أَمْكَنَهُ، وَإِلَّا وَقَفَ عِندَهُ، وَدَعَا، وَيَكُونُ مِنْ دُعَائِهِ: "اللَّهُمَّ كَمَا وَقَفْتَنَا فِيهِ، وَأَرَيْتَنَا إِيَّاهُ، فَوَفِّقْنَا لِذِكْرِكَ كَمَا هَدَيْتَنَا، وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا كَمَا وَعَدْتَنَا بِقَوْلكَ، وَقَوْلُكَ الْحَقُّ: {فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ} إِلَى {غَفُورٌ رَحِيمٌ} [البقرة: 198 - 199] ". ثُمَّ يَدْفَعُ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ إِلَى مِنًى، فَيَبْتَدِىَ بِرَمْيِ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ ¬
بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ، وَاحِدَةً بَعْدَ وَاحِدةً، وَيُعْلَمُ حُصُولُهَا فِي الرَّمْيِ بَعْدَ نِصْفِ اللَّيْلِ مِنْ لَيْلَةِ النَّحْرِ. وَالأَفْضَلُ أَنْ يَرْمِيَ بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ، وَلا يُجْزِىَ الرَّمْيُ بِغَيْرِ الْحَصَى، وَلا بِحَجَرٍ قَدْ رُمِيَ بِهِ. وَيَرْفَعُ (¬1) يَدَهُ فِي الرَّمْيِ حَتَّى يُرَى بَيَاضُ إِبْطَيْهِ، ثُمَّ يَنْحَرُ وَيَحْلِقُ رَأْسَهُ، أَوْ يُقَصِّرُ مِنْ جَمِيعِهِ، وَلا يُجْزِىَ بَعْضُهُ. وَعَنْهُ: يُجْزِئُهُ بَعْضُهُ؛ كَالْمَسْحِ. وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ شَعْرٌ، اسْتُحِبَّ أَنْ يُمِرَّ الْمُوسَى عَلَى رَأْسِهِ. وَالْحِلاقُ نُسُكٌ. وَعَنْهُ: أَنَّهُ إِطْلاقٌ مِنْ مَحْصورٍ، فَإِنْ أَخَّرَهُ عَنْ أَيَّامِ مِنًى، فَهَلْ يَلْزَمُهُ دَمٌ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ. وَيَخْطُبُ الإِمَامُ يَوْمَ النَّحْرِ خُطْبَةً يُعَلِّمُهُمْ فِيهَا النَّحْرَ، وَالإِفَاضَةَ وَالرَّمْيَ. ثُمَّ يُفِيضُ إِلَى مَكَّةَ، فَيَطُوفُ لِلزِّيَارَةِ، وَأَوَّلُ وَقْتِهِ نِصْفُ اللَّيْلِ مِنْ لَيْلَةِ النَّحْرِ، وَإِنْ أَخَّرَهُ عن أَيَّامِ مِنًى، جَازَ. فإذَا فَرَغَ مِنَ الطَّوَافِ، فَإِنْ كَانَ قَدْ سَعَى مَعَ طَوَافِ الْقُدُومِ، لَمْ يَسْعَ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ سَعَى، أَتَى بِالسَّعْيِ. ¬
ثُمَّ يَأْتِي زَمْزَمَ، فَيَشْرَبُ مِنْ مَائِهَا كَمَا أَحَبَّ، وَيَتَضَلَّعُ منه، وَيَقُولُ: "بِاسْمِ اللهِ، اللَّهُمَّ اجْعَلْهُ لَنَا عِلْماً نَافِعاً، وَرِزْقاً وَاسِعاً، وَرِيّاً وَشِبَعاً، وَشِفَاءً مِنْ كُلِّ دَاءٍ، وَاغْسِلْ بِهِ قَلْبِي، وَامْلأْهُ مِنْ خَشْيَتِكَ". ثُمَّ يَرْجِعُ إِلَى مِنًى، فَيَبِيتُ بِهَا، وَيَرْمِي الْجَمَرَاتِ الثَّلاثَ بَعْدَ الزَّوَالِ، كُلُّ جَمْرَةٍ فِي كُلِّ يَوْمٍ بِسَبع حَصَيَاتٍ. وَالتَّرْتِيبُ شَرْطٌ فِي الرَّمْيِ، وَكَذلِكَ عَدَدُ الْحَصَى، عَلَى إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ. فَإِنْ أَخَلَّ بِحَصَاةٍ مِنَ الأُولَى، لَمْ يَصِحَّ رَمْيُ الثَّانِيَةِ حَتَّى يُكْمِلَ الأُولَى، فَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ مِنْ أَيْنَ (¬1) تَرَكَهَا، بَنَى عَلَى الْيَقِينِ. وَمَنْ تَرَكَ الْوُقُوفَ عِنْدَهَا، وَالدُّعَاءَ، أَوْ أَخَّرَ الرَّمْيَ الْيَوْمَ الأَوَّلَ إِلَى الثَّانِي، أَوْ أَخَّرَ الرَّمْيَ كُلَّهُ إِلَى آخِرِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ، تَرَكَ السُّنَّةَ، وَلا شَيْءَ عَلَيْهِ، لكِنَّهُ يُقَدِّمُ بِالنِّيَّةِ رَمْيَ الْيَوْمِ الأَوَّلِ، ثُمَّ الثَّانِي، ثُمَّ الثَّالِثِ، وَإِنْ تَرَكَهُ (¬2) حَتَّى مَضَتْ (¬3) أَيَّامُ التَّشْرِيقِ، فَعَلَيْهِ دَمٌ، وَإِنْ تَرَكَ حَصَاةً وَاحِدَةً، فَلا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَعَنْهُ: يَلْزَمُهُ دَمٌ، وَعَنْهُ: نِصْفُ دِرْهَمٍ، وَعَنْهُ: مُدٌّ مِنْ طَعَامٍ، وَفِي حَصَاتَيْنِ مُدَّانِ، وَفِي ثَلاثٍ دَمٌ؛ كَالشَّعْرِ. وَفِي لَيْلَةٍ مِنْ لَيَالِي مِنًى الرِّوَايَاتُ الأَرْبَعُ. ¬
وَإذَا غَرَبَتِ الشَّمْسُ وَهُمْ بِمِنًى، لَزِمَ الرَّمْيُ وَالْبَيْتُوتَةُ، وَلَمْ يَلْزَمْ مِنْ أَهْلِ السِّقَايَةِ. وَيَخْطُبُ الإِمَامُ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي مِنْ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ خُطْبَةً يُعَلِّمُهُمْ فِيهَا بَقِيَّةَ مَنَاسِكِهِمْ. ثُمَّ يَطُوفُ لِلْوَدَاعِ، فَإِنْ تَرَكَ طَوَافَ الْقُدُومِ، أَوْ طَوَافَ الزِّيَارَةِ، فَطَافَهُ عِنْدَ الْخُرُوجِ، أَجْزَأَهُ عن طَوَافِ الْوَدَاعِ. فإذَا فَرَغَ مِنْ الطَّوَافِ، وَقَفَ فِي الْمُلْتَزَمِ بَيْنَ الرُّكْنِ وَالْبَابِ، وَقَالَ: "اللَّهُمَّ هذَا بَيْتُكَ، وَأَنَا عَبْدُكَ وَابْنُ عَبْدِكَ، حَمَلْتَنِي عَلَى مَا سَخَّرْتَ لِي مِنْ خَلْقِكَ، وَسَيَّرْتَنِي فِي بِلادِكَ حَتَّى بَلَّغْتَنِي بِنِعْمَتِكَ إِلَى بَيْتِكَ، وَأَعَنْتَنِي عَلَى أَدَاءِ نُسُكِي، فَإِنْ كُنْتَ رَضِيتَ عَنِّي، فَازْدَدْ عَنِّي رِضًا، وَإِلَّا فَمِنَ الآنَ قَبْلَ أَنْ تَنْأَى عَنْ بَيْتِكَ إلى (¬1) دَارِي، فَهذَا أَوَانُ انْصِرَافِي، إِنْ أَذِنْتَ لِي غَيْرَ مُسْتَبْدِلٍ بِكَ وَلا بِبَيْتِكَ، وَلا رَاغِبٍ عَنْكَ وَلا عَنْ بَيْتِكَ، اللَّهُمَّ فَاصْحَبْنِي الْعَافِيَةَ فِي بَدَنِي، وَالصِّحَّةَ فِي جِسْمِي، وَالْعِصْمَةَ فِي دِينِي، وَأَحْسِنْ مُنْقَلَبِي، وَارزُقْنِي طَاعَتَكَ مَا أَبْقَيْتَنِي، وَاجْمَعْ لِي بَيْنَ خَيْرَيِ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ"، وَمَا زَادَ عَلَى ذلِكَ مِنَ الدُّعَاءِ، فَحَسَنٌ. ثُمَّ يُصَلِّي عَلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -. ¬
إِلَّا أَنَّ الْمَرْأَةَ إذَا كَانَتْ حَائِضاً، لَمْ تَدْخُلِ الْمَسْجِدَ، وَوَقَفَتْ عَلَى بَابِهِ، فَدَعَتْ بِذلِكَ. وَالْقَارِنُ وَالْمُنْفَرِدُ فِي جَمِيعِ ذلِكَ سَوَاءٌ. وُيسْتَحَبُّ الْمُجَاوَرَةُ بِمَكَّةَ (¬1)، وَزِيَارَةُ قَبْرِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، وَقَبْرِ صَاحِبَيْهِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا-. * * * ¬
فصل
فَصْلٌ أَمَّا الْعُمرَةُ، فَيُحْرِمُ بِهَا مِنَ الْحِلِّ (¬1) إِنْ كَانَ بِمَكَّةَ، وَيَطُوفُ بِالْبَيْتِ سَبْعاً، وَيَسْعَى بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، وَيَحْلِقُ أَوْ يُقَصِّرُ، وَقَدْ حَلَّ. فَإِنْ أَحْرَمَ بِهَا مِنْ مَكَّةَ، لَمْ يُجْزِهِ، وَيَنْعَقِدُ. وَهَلِ الْحَلْقُ فِيهَا نُسُكٌ يَلْزَمُ بِتَرْكِهِ دَمٌ، وَيَحْصلُ بِهِ التَّحَلُّلُ مِنَ الْعُمْرَةِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ. * * * ¬
فصل
فَصْلٌ أَرْكَانُ الْحَجِّ: طَوَافُ الزِّيَارَةِ، وَالْوُقُوفُ بِعَرَفَةَ، وَفِي الإِحْرَامِ وَالسَّعْيِ رِوَايَتَانِ. وَوَاجِبَاتُهُ: الإِحْرَامُ مِنْ الْمِيقَاتِ، وَالْوُقُوفُ بِعَرَفَةَ إِلَى غُرُوب الشَّمْسِ، وَالْمَبيتُ بِمُزْدَلِفَةَ إِلَى بَعْدِ نِصْفِ اللَّيْلِ، وَالمَبِيتُ بِمِنًى فِي (¬1) حَقِّ أَهْلِ السِّقَايَةِ وَالرِّعَاءِ، وَالرَّمْيُ، وَطَوَافُ الْوَدَاعِ، وَفِي الْحَلْقِ رِوَايَتَانِ، وَمَا عَدَا ذلِكَ سُنَنٌ. وَأَرْكَانُ الْعُمْرَةِ: الإِحْرَامُ، وَالطَّوَافُ، وَفِي السَّعْيِ رِوَايَتَانِ. وَوَاجِبَاتُهَا: الإِحْرَامُ مِنَ الْحِلِّ، أَوْ مِنَ الْمِيقَاتِ، وَالْحِلاقُ، عَلَى أَظْهَرِ الرِّوَايَتَيْنِ. فَمَنْ تَرَكَ رُكْناً، لَمْ يَتِمَّ نُسُكُهُ إِلَّا بِهِ. وَمَنْ تَرَكَ وَاجِباً، فَعَلَيْهِ دَمٌ. وَمَنْ تَرَكَ سُنَّةً، فَلا شَيْءَ عَلَيْهِ. ¬
فصل في الفوات
فَصْلٌ فِي الْفَوَاتِ إذَا أَخْطَأَ النَّاسُ كُلُّهُمْ، فَوَقَفُوا فِي غَيْرِ يَوْمِ عَرَفَةَ، أَجْزَأَهُمْ ذلِكَ، وَإِنْ وَقَعَ ذلِكَ لِنَفَرٍ مِنْهُمْ، مَا أَجْزَأَهُمْ. وَمَنْ فَاتَهُ الْحَجُّ بِحَصْرٍ أَوْ غَيْرِهِ، لَزِمَهُ الْقَضَاءُ، وَعَنْهُ: لا قَضَاءَ عَلَيْهِ. وَإِنْ كَانَتْ فَرْضاً، فَعَلَهَا بِالْوُجُوبِ السَّابِق، وَإِنْ كَانَتْ نَفْلاً، سَقَطَتْ. وَمَنْ شَرَطَ فِي ابْتِدَاءِ إِحْرَامِهِ أَنْ يَحِلَّ مِنْ مَرَضٍ، أَوْ ضَاعَتْ نَفَقَتُهُ، أَوْ حَصَرَهُ عَدُوٌّ، فَاتَهُ الْحَجُّ، فَلَهُ التَّحَلُّلُ مَتَى وُجِدَ ذلِكَ، وَلا شَيْءَ عَلَيْهِ، فَإِنْ لَمْ يَشْتَرِطْ، فَلَهُ التَّحَلُّلُ بِحَصْرِ الْعَدُوِّ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَتَحَلَّلَ بِغَيْرِهِ، بَلْ يُقِيمُ عَلَى إِحْرَامِهِ، فَإِنْ فَاتَهُ الْحَجُّ (¬1)، تَحَلَّلَ بِعُمْرَةٍ. وَلَيْسَ لِلزَّوْجِ مَنع زَوْجَتِهِ مِنَ الْحَجِّ الْوَاجِبِ، فَإِنْ أَحْرَمَتْ به (¬2) بِغَيْرِ ¬
إِذْنِهِ، أَوْ أَحْرَمَتْ فِي حَجِّ النَّفْلِ بِإِذْنِهِ، لَمْ يَكُنْ لَهُ تَحْلِيلُهَا. وَكَذلِكَ الْعَبْدُ إذَا أَحْرَمَ بِإِذْنِ سَيِّدِهِ. فَإِنْ أَحْرَمَا فِي النَّفْلِ بِغَيْرِ إِذْنٍ، فَلَهُمَا تَحْلِيلُهُمَا، فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ، وَيَكُونُ حُكْمُهُمَا حُكْمَ الْمُحْصَرِ بِعَدُوٍّ. وَهَلْ يَتَعَيَّنُ الْمَحْرَمُ فِي حَقِّ الْمَرْأَةِ فِي السَّفَرِ الْقَصِيرِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ.
فصل في الهدي
فَصْلٌ فِي الْهَدْيِ لا يُجْزِىَ فِي الْهَدْيِ إِلَّا الْجَذَعُ مِنَ الضَّأْنِ، وَالثَّنِيُّ مِنْ غَيْرِهِ. وَسُنَّ إِشْعَارُ الْهَدْيِ، وَهُوَ أَنْ يَشُقَّ صَفْحَةَ سَنَامِ الْبَدَنَةِ الْيُمْنَى حَتَّى يَسِيلَ الدَّمُ، وَيُقَلِّدُ الْغَنَمَ النَّعْلَ وإذَان (¬1). وَتُجْزِىَ الْبَدَنَةُ عَنْ سَبْعَةٍ، سَوَاءٌ أَرَادَ جَمِيعُهُمُ الْقُرْبَةَ، أَوْ بَعْضُهُمْ، وَأَرَادَ الْبَاقُونَ اللَّحْمَ. وَأَفْضَلُ الْهَدْيِ الإِبِلُ، ثُمَّ الْبَقَرُ، ثُمَّ الْغَنَمُ. وَالأفْضَلُ مِنْ ذلِكَ: الشُّهْبُ، ثُمَّ الصُّفْرُ، ثُمَّ السُّودُ. وَلا يُشْتَرَطُ فِي الْهَدْيِ أَنْ يَجْمَعَ فِيهِ بَيْنَ الْحِلِّ وَالْحَرَمِ، وَلا أَنْ يَقِفَ بِعَرَفَةَ، لكِنْ يُسْتَحَبُّ. وَإذَا نَذَرَ هَدْياً مُطْلَقاً، فَأَقَلُّ مَا يُجْزِئُهُ شَاةٌ، وَإِنْ نَذَرَ بَدَنَةً، أَجْزَأَهُ بَقَرَةٌ، وَإِنْ عَيَّنَهُ بَعْدَ ذلِكَ، فَحَدَثَ بِهِ عَيْبٌ أَوْ عَطَبٌ، لَزِمَهُ بَدَلُهُ. وَإِنْ عَيَّنَ الْهَدْيَ بِنَذْرِهِ ابْتِداءً، أَجْزَأَهُ كَمَا عَيَّنَهُ، صَغِيراً كَانَ أَوْ ¬
كَبِيراً، جَلِيلاً أَوْ حَقِيراً، وَيَجِبُ إِيْصَالُهُ إِلَى فُقَرَاءِ الْحَرَمِ، إِلَّا أَنْ يُعَيِّنَهُ بِمَوْضِعٍ سِوَاهُ. فَإِنْ عَطِبَ أَوْ سُرِقَ، فَلا بَدَلَ عَلَيْهِ. وَإِنْ تَعَيَّبَ، ذَبَحَهُ، وَأَجْزَأَهُ. وَإِنْ ذَبَحَهُ إِنْسانٌ بِغَيْرِ إِذْنِهِ، أَجْزَأَ عَنْهُ، وَلا ضَمَانَ عَلَى الذَّابِحِ. وَإِنْ أَتْلَفَهُ، ضَمِنَهُ بِأَكْثَرِ الأَمْرَيْنِ مِنْ قِيمَتِهِ، أَوْ مِثْلِهِ. وُيكْرَهُ الْمَشْقُوقَةُ الأُذُنِ، أَوْ مَا خَرَقَ الْكَيُّ أُذُنَهَا، أَوْ قُطِعَ مِنْهَا شَيْءٌ. وُيجْزِىَ الْخَصِيُّ. وَالسُّنَّةُ نَحْرُ الإِبِلِ قَائِمَةً مَعْقُولَةً يَدُهَا الْيُسْرَى، فَيَضْرِبُهَا بِالْحَرْبَةِ فِي الْوَهْدَةِ الَّتِي بَيْنَ أَصْلِ الْعُنُقِ وَالصَّدْرِ. وَإذَا عَطِبَ الْهَدْيُ فِي الطَّرِيقِ، نَحَرَهُ مَوْضِعَهُ، وَجَعَلَ عَلَيْهِ عَلامَةً، وَهُوَ أَنْ يَصْبُغَ نَعْلَهُ بدَمِهِ، وَيَضْرِبَ بهِ صَفْحَتَهُ؛ لِيَعْرِفَهُ الْفُقَرَاءُ فَيَأْخُذُوهُ (¬1). * * * ¬
فصل في الأضحية
فَصْلٌ في الأُضْحِيَةِ وَالأُضْحِيَةُ وَالْهَدْيُ سَوَاءٌ فِي وَقْتِ الذَّبْحِ؛ وَسَائِرِ الأَحْكَامِ، فَإِنْ فَاتَ وَقْتُ الذَّبْحِ، ذَبَحَ الْوَاجِبَ قَضَاءً، وَهُوَ مُخَيَّرٌ في التَّطَوُّعِ. وَالْعَقِيقَةُ كَالأُضْحِيَةِ، إِلَّا أَنَّهَا تُذْبَحُ يَوْمَ السَّابِعِ. يُحْلَقُ رَأْسُ الصَّبِيِّ، وُيسَمَّى، فَإِنْ فَاتَ، فَفِي الرَّابِعَ عَشَرَ، فَإِنْ فَاتَ، فَفِي الْوَاحِدِ وَالْعِشْرِينَ (¬1). وَنَصَّ أَحْمَدُ -رَحِمَهُ اللهُ- عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ بَيع جُلُودِها وَجِلالِها وَسَوَاقِطِها، أَوْ يُتَصَدَّقُ بِهِ، بِخِلافِ مَا قَالَ فِي الأُضْحِيَةِ، وَفِي المَسْأَلَةِ رِوَايَتَانِ. وَلا تُسَنُّ الْفَرَعَةُ، وَلا الْعَتِيرَةُ. * * * ¬
كتاب الجهاد
كِتَابُ الْجِهَادِ وَالْجِهَادُ فَرْضٌ مِنْ فُرُوضِ الْكِفَايَاتِ. وَلا يَجِبُ إِلَّا عَلَى ذَكَرٍ حُرٍّ بَالِغٍ عَاقِلٍ يَسْتَطِيعُ. وَلا يُجَاهِدُ مَنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ إِلَّا بِإِذْنِ غَرِيمِهِ، إِلَّا أَنَّ يَتَعَيَّنَ عَلَيْهِ. وَإذَا أَلْقَى الْمُشْرِكُونَ نَاراً فِي سَفِينَةٍ فِيهَا مُسْلِمُونَ، فَمَا غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِمُ السَّلامَةُ فِيهِ، لَزِمَهُمْ فِعْلُهُ، فَإِنْ شَكُّوا، لَزِمَهُمُ الْمُقَامُ، فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ، وَالأُخْرَى: يُخَيَّرُونَ بَيْنَ الْمُقَامِ، أَوْ إِلْقَاءِ نُفُوسِهِمْ (¬1). وَالْمُرَابَطَةُ أَفْضَلُ مِنَ الْقِيَامِ بِمَكَّةَ، وَالصَّلاةُ بِمَكَّةَ أَفْضَلُ مِنَ الصَّلاةِ بِالثَّغْرِ، وَأَفْضَلُهَا الْمُقَامُ بِأَشَدِّ الثُّغُورِ خَوْفاً. وَلا يُسْتَحَبُّ نَقْلُ أَهْلِهِ إِلَى الثَّغْرِ، وُيسْتَحَبُّ تَشْييعُ الْغَازِي، وَلا يُسْتَحَبُّ اسْتِقْبَالُهُ. * * * ¬
فصل
فَصْلٌ وَلا يَنْفَسِخُ النِّكَاحُ بِاسْتِرْقَاقِ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ الْكَافِرَيْنِ، فَإِنْ سُبِيَتِ الْمَرْأَةُ وَحْدَهَا، انْفَسَخَ النِّكَاحُ. وَمَنْ سَبَى كَافِراً، لَمْ يَكُنْ لَهُ قَتْلُهُ حَتَّى يَأْتِيَ بِهِ الإِمَامَ، إِلَّا أَنْ يَمْتَنِعَ الأَسِيرُ أَنْ يَنْقَادَ مَعَهُ، وَلا يُمْكِنَهُ إِكْرَاهُهُ، فَلَهُ قَتْلُهُ. وَإِنْ كَانَ امْتِنَاعُهُ لِمَرضٍ وَنَحْوِهِ، فَعَلَى وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: يَقْتُلُهُ، وَالثَّانِي: يَتْرُكُهُ. وَيُكْرَهُ نَقْلُ رُؤُوسِ الْمُشْرِكِينَ، وَرَمْيُهَا بِالْمَنْجَنِيقِ.
فصل
فَصْلٌ وَيَجُوزُ تَبْيِيتُ الْكُفَّارِ، وَرَمْيُهُمْ بِالْمَنْجَنِيقِ، وَقَطْعُ الْمِيَاهِ عَنْهُمْ، فَإِنْ تَتَرَّسُوا بنِسَائِهِمْ وَصِبْيَانِهِمْ، جَازَ رَمْيُهُمْ، وَيَقْصِدُ الْمُقَاتِلَةَ، وَإِنْ تَتَرَّسُوا بِأَسْارَىَ (¬1) الْمُسْلِمِينَ، لَمْ يَجُزْ رَمْيُهُمْ إِلَّا أَنْ يَخَافَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ، فَيَرْمِيهِمْ، وَيَقْصِدُ الْكُفَّارَ. فَإِنْ أَصَابَ مُسْلِماً، فَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ. وَفِي الدِّيَةِ عَلَى عَاقِلَتِهِ رِوَايَتَانِ. وَإذَا حَاصَرَ حِصْناً، لَزِمَهُ مُصَابَرَتُهُ إذَا أَمْكَنَ، وَلا يَنْصَرِفُ (¬2) عَنْهُ إِلَّا أَنْ يُسَلِّمُوا، فَيُحْرِزُوا دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ. وَإِنْ بَذَلُوا مَالاً عَلَى الْمُوَادَعَةِ، فَيَجُوزُ قَبُولُهُ مِنْهُمْ، سَوَاءٌ أَعْطَوْهُ جُمْلَةً، أَوْ جَعَلُوهُ خَرَاجاً مُسْتَمِرّاً يُؤْخَذُ مِنْهُمْ كُلَّ عَامٍ. فَإِنْ سَأَلُوا الْمُوَادَعَةَ عَلَى غَيْرِ مَالٍ، فَقِيلَ: يَجُوزُ قَبُولُهُ، وَقِيلَ: ¬
لا يَجُوزُ قَبُولُهُ (¬1)، أَوْ يَنْزِلُوا عَلَى حُكْمِ حَاكِمٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ ذَكَراً حُرّاً بَالِغاً مِنْ أَهْلِ الاجْتِهَادِ، وَلا يَحْكُمُ إِلَّا بِمَا فِيهِ الْحَظُّ لِلْمُسْلِمِينَ مِنَ الْقَتْلِ وَالاسْتِرْقَاقِ وَالْفِدَاءِ وَالْمَنِّ. فَإِنْ حَكَمَ بِالْقَتْلِ وَالسَّبْيِ، فَأَسْلَمُوا، عَصَمُوا دِمَاءَهُمْ، وَلَمْ يَعْصِمُوا أَمْوَالَهُمْ، وَلا يُسْتَرَقُّونَ عَلَى قَوْلِ الْقَاضِي، وَيُحْتَمَلُ جَوَازُ اسْتِرْقَاقِهِمْ. فَإِنْ لَمْ يُسْلِمُوا، فَرَأَى الإِمَامُ أَنْ يَمُنَّ عَلَيْهِمْ، جَازَ. وَيَجُوزُ لِلإِمَامِ أَنْ يَبْذُلَ جُعْلاً مَعْلُوماً لِمَنْ دَلَّهُ طًى قَلْعَةٍ أَوْ مَالٍ أَوْ طَرِيقٍ سَهْلِ، وَإِنْ كَانَ الْجُعْلُ مَالَ الْمُشْرِكِينَ، جَازَ مَجْهُولاً. فَإِنْ كَانَ الْجُعْلُ جَارِيَةً، فَأَسْلَمَتْ قَبْلَ الْفَتْحِ، فَلَهُ قِيمَتُهَا، وَإِنْ أَسْلَمَتْ بَعْدَ الْفَتْحِ، سُلِّمَتْ إِلَيْهِ، إِلَّا أَنْ يَكُونَ مُشْرِكاً، فَلَهُ قِيمَتُهَا. فَإِنْ كَانَ الْفَتْحُ صُلْحاً، أَوِ امْتَنَعَ صَاحِبُ الْقَلْعَةِ مِنْ تَسْلِيمِ الْجَارِيَةِ، وَامْتَنَعَ الْمُسْتَحِقُّ مِنْ أَخْذِ قِيمَتِها، فُسِخَ الصُّلْحُ، فَإِنْ تَلِفَ الْجُعْلُ قَبْلَ الصُّلْحِ، فَلا شَيْءَ لَهُ. * * * ¬
باب قسمة الغنائم
بَابُ قِسْمَةِ الْغَنَائِمِ تُقَسَّمُ بَيْنَ مَنْ شَهِدَ الْوَقْعَةَ، مَنْ قَاتَلَ وَمَنْ لَمْ يُقَاتِلُ مِنْ تُجَّارِ الْعَسْكَرِ وَأُجَرَائِهِمْ. فَإِنْ كَانَ مَرِيضاً لا يَسْتَطِيعُ الْقِتَالَ، فَلا سَهْمَ لَهُ. وَمَنِ اسْتُؤْجِرَ عَلَى الْجِهَادِ مِمَّنْ لا يَلْزَمُهُ الْجِهَادُ، لَمْ يَسْتَحِقَّ غَيْرَ الأُجْرَةِ. وَمَنْ غَصَبَ فَرَساً، فَقَاتَلَ عَلَيْهِ، فَسَهْمُ الْفَرَسِ لِمالِكِهِ. وَلا يُشَارِكُ الْجَيْشُ الآخَرَ فِيمَا غَنِمَهُ. وَهَلْ يَمْلِكُ الْكُفَّارُ أَمْوَالَ الْمُسْلِمِينَ بِالْقَهْرِ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ. وَإذَا أَخَذَهُ مِنْهُمْ (¬1) آحَادُ الْمُسْلِمِينَ سَرِقَةً، أَوْ هِبَةً، أَوْ غَيْرَ ذلِكَ، فَصَاحِبُهُ أَحَقُّ بِهِ بِغَيْرِ شَيْءٍ. وَمَا أخذَ مِنَ الْفِدْيَةِ، أَوْ أَهْدَاهُ الْمُشْرِكُونَ لأَمِيرِ الْجَيْشِ، أَوْ لِبَعْضِ قُوَّادِهِ، فَهُوَ غَنِيمَةٌ. ¬
وَإذَا قَالَ الإِمَامُ: مَنْ أَخَذَ شَيْئاً، فَهُوَ لَهُ، أَوْ فَضَّلَ بَعْضَ الْغَانِمِينَ عَلَى بَعْضٍ، لَمْ يَجُزْ، وَعَنْهُ: يَجُوزُ. وَسَلَبُ الْمَقْتُولِ لِقَاتِلِهِ غَيْرَ مَخْمُوسٍ إذَا قَتَلَهُ فِي حَالِ الْحَرْبِ، وَهُوَ مُنْهَمِكٌ عَلَى الْقِتَالِ، غَيْرَ مُثْخَنٍ بِالجِرَاحِ، وَغَرَّرَ بِنَفْسِهِ فِي قَتْلِهِ. لا (¬1) يُشْتَرَطُ إِذْنُ الإِمَامِ فِي ذلِكَ؟ وَعَنْهُ: يُشْتَرَطُ (¬2)، فَإِنِ اشْتَرَكَ اثْنَانِ فِي قَتْلِهِ، اشْتَرَكَا فِي سَلَبِهِ. قَالَ الْقَاضِي: وَنَصَّ أَحْمَدُ -رَحِمَهُ اللهُ- أَنَّ سَلَبَهُ فِي الْغَنِيمَةِ. وَإِنْ قَطَعَ أَحَدُهُما يَدَهُ وَرِجْلَهُ، وَقتلَهُ الآخَرُ، فَعَلَى وَجْهَيْنِ. وَإِنْ قَطَعَ أَحَدُهُمَا أَرْبَعَتَهُ، وَقتلَهُ الآخَرُ، فَسَلَبُهُ لِلْقَاطِعِ. وَإِنْ أَسَرَهُ مُسْلِماً، وَقتلَهُ الإِمَامُ صَبْراً، فَسَلَبُهُ فِي الْغَنِيمَةِ، وَقِيلَ: سَلَبُهُ لِمَنْ أَسَرَهُ. وَإذَا دَخَلَ قَوْمٌ لا مَنَعَةَ لَهُمْ دَارَ الْحَرْبِ، فَغَنِمُوا، فَغَنِيمَتُهُمْ لَهُمْ بَعْدَ الْخُمْسِ. وَعَنْهُ: هِيَ لهما مِنْ غَيْرِ أَنْ تُخَمَّسَ. * * * ¬
فصل في الأرضين المغنومة
فَصْلٌ فِي الأَرَضِينَ الْمَغْنُومَةِ وَهِيَ عَلَى ثَلاثَةِ أَضْرُبٍ: أَحَدُهَا: مَا افْتُتِحَ عَنْوَةً، وَهِيَ مَا أُجْلِيَ أَهْلُهَا بِالسَّيْفِ، فَالإِمَامُ مُخَيَّرٌ بَيْنَ قِسْمَتِهَا بَيْنَ الْغَانِمينَ (¬1) وَبَيْنَ وَقْفِهَا عَلَى الْمُسْلِمِينَ، فتكُونُ مُلْكاً لَهُمْ، لا خَرَاجَ عَلَيْهَا، وَلا يَجُوزُ بَيْعُها، وَلا رَهْنُهَا، وَلا هِبَتُهَا، وَلِلإِمَامِ إِقْطَاعُهَا، وَيَضْرِبُ عَلَيْهَا خَرَاجاً مُسْتَمِرّاً يُؤْخَذُ مِمَّنْ جُعِلَتْ فِي يَدِهِ مِنْ مُسْلِمٍ أو (¬2) مُعَاهَدٍ. وَعَنْهُ: أَنَّهَا تُقْسَمُ بَيْنَ الْغَانِمِينَ (¬3). وَعَنْهُ: أَنَّهَا تَصِيرُ وَقْفاً بِنَفْسِ الظُّهُورِ عَلَيْهَا. وَمَا كَانَ فِيهَا مِنْ شَجَرٍ، فَهُوَ وَقْفٌ مَعَها، لا عُشْرَ فِي ثَمَرِهِ، وَمَا اسْتُؤْنِفَ فيها (¬4) مِنْ شَجَرٍ وَزَرْعٍ، فَفِيهِ الْعُشْرُ مَعَ الْخَرَاجِ. ¬
الضَّرْبُ الثَّانِي: ما جَلا عَنْهَا أَهْلُهَا خَوْفاً، فتكُونُ وَقْفاً بِنَفْسِ الِاستِيلاءِ، وَحُكْمُهَا حُكْمُ الْعَنْوَةِ إذَا وُقِفَتْ. الضَّرْبُ الثَّالِثُ: مَا صَالَحُونَا عَلَيْهِ، وَذلِكَ قِسْمَانِ: الأَوَّلُ: أَنْ نُصَالِحَهُمْ عَلَى أَنَّ الأَرْضَ لَنَا، نُقِرُّهَا فِي أَيْدِيهِمْ بِالْخَرَاجِ، فَهذِهِ تَصِيرُ وَقْفا" (¬1)، وَلا يَجُوزُ إِقْرَارُهُمْ فِيهَا إِلَّا أَنْ يُؤَدُّوا جِزْيَةَ رِقَابِهِمْ. وَالثَّانِي: أَنْ نُصَالِحَهُمْ عَلَى أَنَّ الأَرْضَ لَهُمْ، وَلَنَا الْخَرَاجُ عَنْهَا، فَهذَا الْخَرَاجُ في حُكْمِ الْجِزْيَةِ يَسْقُطُ بِإِسْلامِهِم، وَلَهُمْ بَيْعُهَا وَرَهْنُها وَهِبَتُهَا، وَيُقَرُّونَ فِيهَا بِغَيْرِ جِزْيَةٍ؛ لأَنَّهُمْ في غَيْرِ دَارِ الإِسْلامِ، وَإذَا انْتَقَلَتْ على مُسْلِمٍ، لَمْ يُؤْخَذْ خَرَاجُها. وَيُعْتَبَرُ الْخَرَاجُ بِمَا تَحْمِلُهُ الأَرْضُ، وَالْمَرْجِعُ فِيهِ إلى (¬2) اجْتِهَادِ الإِمَامِ، وَرُوِيَ أَنَّهُ يُرْجَعُ إِلَى مَا كَانَ عَلَى عَهْدِ عُمَرَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-، وَكَذلِكَ حُكْمُ الْجِزْيَةِ. وَظَاهِرُ كَلامِ أَحْمَدَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-: أَنَّهُ ذَهَبَ إِلَى أَنَّ عُمَرَ ضَرَبَ عَلَى كُلِّ جَرِيبٍ مِنْ أَرْضِ السَّوَادِ دِرْهَماً، وقَفِيزاً قَدْرُهُ ثَمَانِيَةُ أَرْطَالٍ. وَقَالَ الْقَاضِي: قَدْرُهُ سِتَّةَ عَشَرَ رِطْلاً بِالْعِرَاقِيِّ. وَقَدْرُ الْجَرِيبِ سِتُّونَ ذِرَاعاً فِي سِتِّينَ ذِرَاعاً بِذِرَاعِ عُمَرَ -رَضِيَ اللهُ ¬
عَنْهُ-، وَهِيَ (¬1) ذِرَاعٌ وَسَطٌ وَقَبْضَةٌ وَإِبْهامٌ قائِمَةٌ. وَمَا كَانَ مِنَ الأَرْضِ لا يُمْكِنُ ذَرْعُهُ (¬2) حَتَّى يُرَاحُ عَاماً، وَيُزْرَعُ عَاماً (¬3)، أُخِذَ نِصْفُ خَرَاجِهَا مِنْ كُلِّ عَامٍ. وَمَا لا يَنَالُهُ الْمَاءُ، لا خَرَاجَ عَلَيْهِ في إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ. وَالْخَرَاجُ عَلَى الْمالِكِ دُونَ الْمُسْتَأْجِرِ. وَعَنْهُ: أَنَّهُ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ. وَإذَا عَجَزَ رَبُّ الأَرْضِ عَنْ عِمَارَتهَا، أُجْبِرَ عَلَى إِجَارَتهَا، أَوْ رَفْعِ يَدِهِ عَنْهَا. وَالْخَرَاجُ كَالدَّيْنِ، وَمَصْرِفُهُ مَصْرِفُ الْفَيْءِ. وَمَنْ ظُلِمَ في الْخَرَاجِ، لَمْ نَحْتَسِبْهُ في الْعُسْرِ، وَعَنْهُ: يُحْتَسَبُ بِهِ. وَإذَا رَأَى الإِمَامُ الْمَصْلَحَةَ في تَرْكِ خَرَاجِ إِنْسانٍ لَهُ، جَازَ. وَيَجُوزُ أَنْ يَرْشُوَ الْعَامِلَ لِيَدْفَعَ عَنْهُ الظُّلْمَ في خَرَاجِهِ، وَلا يَجُوزُ ذلِكَ لِيَدَعَ شَيْئاً مِنْ خَرَاجِهِ. وَقَالَ أَحْمَدُ -رَحِمَهُ اللهُ-: جَوَازُ السُّلْطَانِ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنَ الصَّدَقَةِ. * * * ¬
فصل في الفيء
فَصْلٌ في الْفَيْءِ حُكْمُهُ (¬1) أَنْ يُصْرَفَ في مَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ، وَيُبْدَأَ بِالأَهَمِّ فَالأَهَمِّ مِنْ سَدِّ الثُّغُورِ، وَتَعَاهُدِ أَهْلِهَا مِنْ أَجْنَادِ الْمُسْلِمِينَ بِكِفَايَتِهِمْ، وَسَدِّ الْبُثُوقِ، وَكَرْيِ الأَنْهَارِ، وَعَمَلِ الْقَنَاطِرِ، وأَرْزَاقِ الْقُضَاةِ، وَغَيْرِ ذلِكَ. وَلِلإِمَامِ أَنْ يُفَضِّلَ في قِسْمَةِ الْفَيْءِ قَوْماً عَلَى قَوْمٍ. وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: اخْتِيَارُ (¬2) قَوْلِ أَبي عَبْدِ اللهِ: أَلَّا يُفَضَّلُوا. وُيسْتَحَبُّ أَنْ يُبْدَأَ بِالْمُهَاجِرِينَ في قِسْمَتِهِ، وَيُقَدَّمَ الأَقْرَبُ فَالأَقْرَبُ مِنْ رَسولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، ثُمَّ الأَنْصَارُ، ثُمَّ سَائِرُ الْمُسْلِمِينَ. وَيُعْطَوْنَ مَرَّةً في السَّنَةِ، وَمَنْ مَاتَ بَعْدَ ظُهُورِ الْعَطَاءِ، دُفِعَ إِلَى وَرَثَتِهِ حَقُّه. وَمَنْ مَاتَ مِنْ أَجْنَادِ الْمُسْلِمِينَ، دُفِعَ إِلَى زَوْجَتِهِ وَأَوْلادِهِ الصِّغَارِ ¬
قَدْرُ كِفَايَتِهِمْ، فإذَا بَلَغَ ذُكورُ أَوْلادِهِ، وَاخْتَارُوا أَنْ يَكُونُوا مَعَ الْمُقَاتِلَةِ، فُرِضَ لَهُمْ، وَإِنْ لَمْ يَخْتَارُوا، أُسْقِطَ حَقُّهُمْ، وَمَنْ خَرَجَ عَنِ الْمُقَاتِلَةِ، سَقَطَ حَقُّهُ.
فصل في الهدنة
فَصْلٌ في الْهُدْنَةِ (¬1) وَلا يَجُوزُ عَقْدُ الْهُدْنَةِ إِلَّا لِحَاجَةٍ، أَوْقَى إِلَيْهِ (¬2)، وَقَالَ بِهِ أَحْمَدُ -رَحِمَهُ اللهُ-. وَقَالَ الْقَاضِي: يَجُوزُ (3 وَإِنْ كَانَ قَوِيّاً مُسْتَظْهِراً (¬3). وَيَجُوزُ عَقْدُهَا أَكْثَرَ مِنْ عَشْرِ سِنِينَ. وَعَنْهُ: لا يَجُوزُ، فَإِنْ فَعَلَ (¬4) بَطَلَ في الزِّيَادَةِ. وَهَلْ يَبْطُلُ في الْعَشَرَةِ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ. فَإِنْ هَادَنَهُمْ مُطْلَقاً بِطَلَبِ الْهُدْنَةِ، أَوْ شَرَطَ شَرْطاً فَاسِداً؛ نَحْوَ أَنْ يَشْتَرِطَ بَعْضَهَا مَتَى شَاءَ، أَوْ يَرُدَّ مَنْ جَاءَتْهُ مِنَ النِّسَاءِ مُسْلِمَةً، أَوْ يَرُدَّ مَهْرَهَا، أَوْ يَرُدَّ سِلاحَهُمْ، أَوْ يُدْخِلَهُمُ الْحَرَمَ؛ بَطَلَ الشَّرْطُ. وَهَلْ تَبْطُلُ الْهُدْنَةُ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ. ¬
فَإِنْ شَرَطَ أَنْ يَرُدَّ مَنْ جَاءَهُ مِنَ الرِّجَالِ مُسْلِماً (¬1)، لَزِمَهُ الْوَفَاءُ بِمَعْنَى؛ أَنَّهُ لا يَمْنَعُهُمْ مِنْ أَخْذِهِ، وَلا يُجْبِرُهُ عَلَى الْمُضِيِّ مَعَهُمْ، وَلَهُ أَنْ يَأْمُرَهُ بِأَنْ يُقَاتِلَهُمْ، أَوْ يَفِرَّ مِنْهُمْ. فَإِنْ جَاءَهُ صَبِيٌّ يَعْقِلُ الإِسْلامَ، لَمْ يَرُدَّهُ إِلَيْهِمْ. وَإذَا عَقَدَ الْهُدْنَةَ، فَعَلَيْهِ حِمَايَتُهُمْ مِنَ الْمُسْلِمِينَ دُونَ أَهْلِ الْحَرْبِ، فَإِنْ سَبَاهُمْ أَهْلُ بَلَدٍ آخَرَ، لَمْ يَكُنْ لِلْمُسْلِمِينَ شِرَاؤُهُمْ. وَإِنْ خَافَ نَقْضَ الْعَهْدِ مِنْهُمْ، جَازَ أَنْ يَنْبِذَ إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ. * * * ¬
فصل في الأمان
فَصْلٌ في الأَمَانِ يَجُوزُ لِلإِمَامِ عَقْدُهُ لِجَمِيعِ الْمُشْرِكِينَ، وَيَجُوزُ لِلأَمِيرِ أَنْ يَعْقِدَهُ لأَهْلِ الْبَلَدِ الَّذِي أُقِيمَ بِإِزَائِهِ، وَلآحَادِ الرَّعِيَّةِ عَقْدُهُ لِلْوَاحِدِ وَالْعَشَرَةِ وَالقَافِلَةِ. وَيَصِحُّ أَمَانُ الصَّبِيِّ الْعَاقِلِ، وَالأَسِيرِ إذَا عَقَدَهُ غَيْرَ مُكْرَهٍ. وَمَنْ دَخَلَ إِلَيْنَا بِأَمَانٍ، فَأَوْدَعَنَا مَالَه، أَوْ أَقْرَضَنَاهُ، ثُمَّ عَادَ إِلَى دَارِ الْحَرْبِ، بَطَلَ الأَمَانُ في نَفْسِهِ، وَبَقِيَ في مَالِهِ، فَإِنْ طَلَبَهُ، بُعِثَ إِلَيْهِ، وَإِنْ مَاتَ، بُعِثَ بِهِ إِلَى وَرَثَتِهِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَارِثٌ، فَهُوَ فَيْءٌ. وَيَجُوزُ لِلرَّسُولِ وَالْمُسْتَأْمَنِ أَنْ يُقِيمَا (¬1) في دَارِنَا مُدَّةَ الْهُدْنَةِ بِغَيْرِ جِزْيَةٍ. وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: لا يَجُوزُ أَنْ يُقِيمَا (¬2) سَنَةً بِغَيْرِ جِزْيَةٍ. ¬
وَإذَا أَعْطَى الإِمَامُ رَجُلاً مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ أَمَاناً، ثُمَّ (¬1) قَدَرَ عَلَيْهِ، فَادَّعَى الأَمَانَ جَمَاعَةٌ، وَأَشْكَلَ عَلَى الإِمَامِ، حَرُمَ (¬2) قَتْلُهُمْ واسْتِرْقَاقُهُمْ. وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: يُخْرَجُ صَاحِبُ الأَمَانِ بِالْقُرْعَةِ، وَيُسْتَرَقُّ الْبَاقُونَ. وَإِنْ جَاءَ الْمُسْلِمُ بِأَسِيرٍ، فَادَّعَى أَنَّهُ أَمَّنَهُ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُسْلِمِ. وَعَنْهُ: قَوْلُ الأَسِيرِ. وَعَنْهُ: يُرْجَعُ إِلَى قَوْلٍ مِنْ ظَاهِرِ الْحَالِ يَدُلُّ عَلَى صِدْقِهِ. وَمَنْ دَخَلَ دَارَ الإِسْلامِ بِغَيْرِ أَمَانٍ، فَإِنْ كَانَ تَاجِراً وَمَعَهُ مَتَاعٌ يَبِيعُهُ، وَقَدْ جَرَتِ الْعَادَةُ بِمِثْلِ ذلِكَ، لَمْ يُتَعَرَّضْ لَهُ، وَإِنْ كَانَ جَاسُوساً، خُيِّرَ الإِمَامُ فِيهِ كَالأَسِيرِ. وَإِنْ كَانَ مِمَّنْ ضَلَّ الطَّرِيقَ، فَهُوَ لِمَنْ أَخَذَهُ. وَعَنْهُ: يَكُونُ قِنّاً. وَإذَا أَسَرُوا مُسْلِماً، فَأَطْلَقُوهُ بِشَرْطِ أَنْ يُقِيمَ عِنْدَهُمْ، كَانُوا في أَمَانٍ مِنْهُ، وَلَزِمَهُ الْوَفَاءُ، فَإِنْ لَمْ يَشْرُطُوا عَلَيْهِ شَيْئاً، أَوْ شَرَطُوا أَنْ يَكُونَ رَقِيقاً، كَانَ لَهُ أَنْ يَقْتُلَ وَيَسْرِقَ وَيَهْرُبَ. وَإذَا أَسْلَمَ الْحَرْبِيُّ قَبْلَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ، حَقَنَ دَمَهُ وَمَالَهُ وَأَوْلادَهُ الصِّغَارَ. ¬
وَإِنْ أَسْلَمَ عَبْدٌ، وَأَسَرَهُ وَمَالَهُ، وَلِحِقَ بِنَا، فَهُوَ حُرٌّ، وَالْمالُ إِلَيْهِ، وَالسَّبْيُ رَقِيقُهُ. وَإِنْ أَسْلَمَ وَأَقَامَ بِدَارِ الْحَرْبِ، فَهُوَ عَلَى رِقِّهِ.
كتاب الجزية
كِتَابُ الْجِزْيَةِ وَلا يَصِحُّ عَقْدُ الذِّمَّةِ إِلَّا مِنَ الإِمَامِ أَوْ نَائِبِهِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَصِحَّ مِنْ كُلِّ مُسْلِمٍ. وَمِنْ شَرْطِ صِحَّةِ عَقْدِهَا بَذْلُ الْجِزْيَةِ، وَالْتِزَامُ أَحْكَامِ الْمِلَّةِ، فَإِنْ شُرِطَ نَفْيُ ذلِكَ، بَطَلَ الشَّرْطُ. وَفِي صِحَّةِ الْعَقْدِ وَجْهَانِ. وَمَنْ بَلَغَ مِنْ أَوْلادِ أَهْلِ الذِّمَّةِ، فَهُوَ مِنْ أَهْلِهَا بِالْعَقْدِ لا يَزُولُ. وَتُؤْخَذُ الْجِزْيَةُ في آخِرِ كُلِّ حَوْلٍ ... وَمَنْ كَانَ يُجَنُّ يَوْماً، وَيُفِيقُ يَوْماً، لَمْ يُلْتَفَتْ إِلَّا إِلَى إِفَاقَتِهِ، فإذَا بَلَغَتْ حَوْلاً، أُخِذَتْ. وَيُحْتَمَلُ أَنْ تُؤْخَذَ مِنْهُ جِزْيَتُهُ في آخِرِ كُلِّ حَوْلٍ. وَمَنْ تنصَّرَ، أَوْ تَهَوَّدَ، أَوْ تَمَجَّسَ مِنَ الْعَرَبِ، فَحُكْمُهُ حُكْمُ نَصَارَى بَنِي تَغْلِبَ (¬1). ¬
وَهَلْ تُقْبَلُ الْجِزْيَةُ مِمَّنِ انتْقَلَ إِلَى دِينِ أَهْلِ الْكِتَابِ بَعْدَ تَبْدِيلِ كَلامِهِمْ؟ أَوْ مِمَّنْ وُلِدَ بَيْنَ أَبَوَيْنِ أَحَدُهُمَا مِمَّنْ لا تُقْبَلُ مِنْهُ الْجِزْيَةُ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ. وَأَمَّا أَهْلُ صحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَزَبُورِ دَاوُدَ، وَمَنْ تَمَسَّكَ بِدِيْنِ شِيثٍ (¬1)، فَلا تُقْبَلُ مِنْهُمُ الْجِزْيَةُ. وَرَوَى الْحَسَنُ بْنُ ثَوابٍ عَنْهُ: أَنَّ الْجِزْيَةَ تُقْبَلُ مِنْ جَمِيعِ الْكُفَّارِ إِلَّا عَبَدَةَ الأَوْثَانِ مِنَ الْعَرَبِ. وَحَدُّ الْغِنَى في حَقِّ أَهْلِ الذِّمَّةِ مَا عَدَّهُ النَّاسُ غِنَى (¬2) الْعَادَةِ، في الصَّحِيحِ مِنَ الْمَذْهَبِ. وَمَنْ مَاتَ بَعْدَ الْحَوْلِ، أُخِذَتِ الْجِزْيَةُ مِنْ مَالِهِ. وَقَالَ الْقَاضِي: تَسْقُطُ. * * * ¬
فصل
فَصْلٌ وَيَأْخُذُ الإِمَامُ أَهْلَ الذِّمَّةِ بِأَحْكَامِ الإِسْلامِ، وَإِقَامَةِ الْحُدُودِ عَلَيْهِمْ فِيمَا يَعْتَقِدُونَ تَحْرِيمَهُ، فَأَمَّا مَا يَعْتَقِدُونَ إِبَاحَتَهُ مِنْ شُرْبِ الْخَمْرِ، وَنكَاحِ ذَوَاتِ الْمَحْرَمِ، فَلا يَتَعَرَّضُ لَهُمْ فِيهِ. وَيَلْزَمُهُمْ أَنْ يَتَمَيَّزُوا عَنِ الْمُسْلِمِينَ في لِبَاسِهِم وَشُعُورِهِمْ بِأَنْ يَحْذِفُوا مَقَادِمَ رَؤُوسِهِمْ، وَلا يَفْرِقُونَ شُعُورَهُمْ، وَيُمْنعُونَ مِنَ الرُّكُوبِ عَلَى السُّرُوجِ، وَلَهُمُ الرُّكُوبُ عَرْضاً عَلَى الأُكُفِ. وَلا يَتَكَنَّوْا بِكُنَى الْمُسْلِمِينَ، وَلا يُعْلُونَ أَبْنِيَتَهُمْ عَلَيْهِمْ، وَفِي مُسَاوَاتِهِمْ وَجْهَانِ. فَإِنْ مَلَكُوا مِنْ مُسْلِمٍ دَاراً عَالِيَةً، لَمْ يُؤْمَرُوا بِنَقْضِهَا. وَلا يُظْهِرُونَ مُنْكَراً في دَارِ الإِسْلامِ، وَلا يَرْفَعُونَ أَصْوَاتَهُمْ بِكَنَائِسِهِمْ، وَلا يَضْرِبُونَ نَاقُوساً، وَلا يَجُوزُ تَصْدِيرُهُمْ في الْمَجَالِسِ، وَلا بَدَاؤُهُمْ بِالسَّلامِ.
وَهَلْ تَجُوزُ تَهْنِئتهُمْ وَتَعْزِيَتُهُمْ وَعِيَادَتُهُمْ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ. وَيُمْنَعُونَ مِنَ الإِقَامَةِ بِالْحِجَازِ، فَإِنْ دَخَلُوا لِتِجَارَةٍ، لَمْ يُقِيمُوا أَكْثَرَ مِنْ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ، إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَرِيضاً. وَلَيْسَ لَهُ دُخُولُ الْحَرَمِ بِحَالٍ، فَإِنْ كَانَ مَعَهُ رِسَالَةٌ، وَلا بُدَّ مِنْ لِقَاءِ الإِمَامِ، خَرَجَ إِلَيْهِ، وَلَمْ يَأْذَنْ لَهُ، فَإِنْ دَخَلَ مَعَ عِلْمِهِ بِالنَّهْيِ، عُزِّرَ، وَإِنْ كَانَ جَاهِلاً، نُهِيَ وَهُدِّدَ. فَإِنْ مَرِضَ أَوْ مَاتَ أَوْ دُفِنَ، أُخْرِجَ، إِلَّا أَنْ يَكُونَ قَدْ بَلِيَ. وَلَيْسَ لَهُمْ دُخُولُ بَقِيَّةِ الْمَسَاجِدِ في الْحِلِّ (¬1) في إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ، وَالأُخْرَى: لَهُمْ دُخُولُها بِإِذْنِ مُسْلِمٍ. وَمَنْ خَرَجَ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ إِلَى غَيْرِ بَلَدِهِ، ثُمَّ عَادَ، أُخِذَ مِنْهُ نِصفُ عُشْرِ مَا مَعَهُ، قَالَهُ ابْنُ حَامِدٍ، وَنَصَّ (¬2) أَحْمَدُ أَنَّهُ لا يُؤْخَذُ مِنْهُ (¬3) أَقَلُّ مِنْ عَشَرَةِ دَنَانِيرَ. وَكَذلِكَ يُقَالُ في عُشْرِ مَالِ الْحَرْبِيِّ. وَإذَا تَحَاكَمَ إِلَيْنَا أَهْلُ الذِّمَّةِ مَعَ مُسْلِمٍ، لَزِمَ الْحُكْمُ بَيْنَهُمَا، فَإِنْ تَحَاكَمَ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ، خُيِّرَ بَيْنَ الْحُكْمِ بَيْنَهُمْ، وَبَيْنَ تَرْكِهِمْ. ¬
فَإِنْ عَقَدُوا عُقُوداً فَاسِدَةً، وَتَقَابَضُوا، ثُمَّ تَرَافَعُوا إِلَيْنَا، لَمْ يُنْقَضْ مَا فَعَلُوهُ، وَإِنْ تَرَافَعُوا (¬1) قَبْلَ الْقَبْضِ، فُسِخَ. وَلا تَجِبُ عَلَيْهِمْ ضِيَافَةُ الْمُسْلِمِينَ إِلَّا بِشَرْطٍ، وَقِيلَ: تَجِبُ بِغَيْرِ شَرْطٍ كَمَا تَجِبُ عَلَى المُسْلِمِينَ. * * * ¬
فصل
فَصْلٌ وَيُنْقَضُ عَهْدُهُمْ بِالامْتِنَاعِ مِنْ (¬1) بَذْلِ الْجِزْيَةِ وَالْتِزَامِ أَحْكَامِ اللهِ. وَأَمَّا إِنْ زَنَى بمُسْلِمَةٍ، أَوْ أَصَابَهَا بِاسْمِ نِكَاحٍ، أَوْ آوَى جَاسُوساً، أَوْ قتلَ مُسْلِماً (¬2)، أَوْ قَطَعَ الطَّرِيقَ، أَوْ نَحْوَ ذلِكَ، أَوْ ذَكَرَ اللهَ تَعَالَى أَوْ كِتَابَهُ، أَوْ رَسُولَهُ بِالسُّوءِ، فَعَلَى رِوَايَتَيْنِ. وَإِنْ أَظْهَرَ مُنْكَراً في دَارِ الإِسْلامِ، وَنَحْوَهُ، لَمْ يَنتقِضْ عَهْدُهُ، وَلا يَنتقِضُ عَهْدُ نِسَائِهِ وَأَوْلادِهِ بِنَقْضِ عَهْدِهِ. * * * ¬
كتاب البيوع
كِتَابُ الْبُيُوعِ يَجُوزُ بَيع دُودِ الْقَزِّ وَبِزْرِهِ، و (¬1) بَيع النَّحْلِ مَعَ الكُوارَاتِ، وَمُنْفَرِداً عَنْهَا، وَبَيْعُ الْمُرْتَدِّ وَالْجَانِي (¬2)، وَيَجُوزُ بَيع الْمُصْحَفِ مَعَ الْكَرَاهَةِ. وَعَنْهُ: لا يَجُوزُ. وَهَلْ يُكْرَهُ شِرَاؤُهُ وَإِبْدَالُهُ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ. وَيَجُوزُ أَنْ يَشْتَرِيَ عُلْوَ بَيْتٍ لِيَبْنِيَ عَلَيْهِ بُنْيَاناً مَوْصُوفاً. فَإِنْ كَانَ الْبَيْتُ غَيْرَ مَبْنيٍّ، جَازَ -أَيْضاً- إذَا وُصِفَ الْعُلْوُ مِنْهُ وَالسُّفْلُ. وَيَجُوزُ أَنْ يَشْتَرِيَ مَمَرّاً في دَارٍ، وَمَوْضِعاً في حَائِطٍ يَفْتَحُهُ بَاباً، وَيَفْتَحُهُ بِحُقُوقِهَا مِيزَاباً لِلْمَطَرِ. وَهَلْ يَجُوزُ بَيع لَبَنِ الآدَمِيَّاتِ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ. * * * ¬
فصل في البيوع المنهي عنها
فَصْلٌ في الْبُيُوعِ الْمَنْهِيِّ عَنْهَا فيمَا رَوَى الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ: "أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - نَهَى عَنِ الْمُلامَسَةِ، وَهُوَ أَنْ يَقُولَ: بِعْتُكَ ثَوْبِي هذَا عَلَى أَلَّا تُقَلِّبَهُ، وَلكِنْ إذَا لَمَسْتَهُ، وَقَعَ الْبَيْعُ. وَعَنِ الْمُنَابَذَةِ، وَهُوَ أَنْ يَقُولَ: أَيُّ ثَوْبِ نَبَذْتَهُ إِلَيَّ، فَقَدِ اشْتَرَيْتُهُ بِكَذَا وَكَذا (¬1). وَعَنِ الْمُزَابَنَةِ وَهُوَ بَيْعُ الرُّطَبِ في رُؤُوسِ النَّخْلِ بِالتَّمْرِ. وَعَنِ الْمُحَاقَلَةِ، وَهُوَ بَيْعُ الْحَبِّ في سُنْبُلِهِ بِجِنْسِهِ (¬2). وَعَنْ بَيْعِ الثَّمَرِ حَتَّى يَطِيبَ وَهُوَ مَجْهُولٌ إِلَّا بِشَرْطِ الْقَطْعِ (¬3). ¬
وَنَهَى عَنْ ثَمَنِ الْكَلْبِ، وَعَنْ ثَمَنِ الدَّمِ (¬1). وَعَنْ بَيْعِ الطَّعَامِ قَبْلَ قَبْضِهِ" (¬2). وَقَالَ: "لا يَبِعْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَيْعِ بَعْضٍ" (¬3)، وَهُوَ أَنْ يَقُولَ لِمَنِ اشْتَرَى سِلْعَتَهُ بِعَشَرَةٍ: أَنا أُعْطِيكَ مِثْلَهَا بِتِسْعَةٍ، فَيَفْسَخُ الْمُشْتَرِي الْبَيْعَ، وَيَشْتَرِي سِلْعَتَهُ. وَقَالَ: "إِنَّ اللهَ حَرَّمَ بَيْعَ الْخَمْرِ وَالْمَيْتَةِ وَالْخِنْزِيرِ وَالأَصْنَامِ"، قَالُوا: يَا رَسُولِ اللهِ! أَرَأَيْتَ شُحُومَ الْمَيْتَةِ؛ فَإِنَّهَا تُطْلَى بِهَا السُّفُنُ، وَيُدْهَنُ بِهَا الْجُلُودُ، وَيَسْتَصْبِحُ (¬4) بِهَا النَّاسُ؟ قَالَ: "لا، هُوَ حَرَامٌ" (¬5). وَنَهَى عَنْ بَيْعِ الْوَلاءِ وَعَنْ هِبَتِهِ (¬6). ¬
وَرَوَى مُسْلِمٌ: أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - نَهَى عَنْ بَيْعِ الْحَصَاةِ، وَهُوَ أَنْ يَقُولَ: اِرْمِ هذِهِ الْحَصَاةَ، فَعَلَى أَيِّ ثَوْبٍ وَقَعَتْ، فهُوَ لَكَ بِكَذَا، وَقِيلَ: هُوَ أَنْ يَقُولَ: بِعْتُكَ مِنْ هذِهِ الضَّيْعَةِ بِمِقْدَارِ مَا تَبْلُغُ هذِهِ الْحَصَاةُ إذَا رَمَيْتَهَا بِكَذَا. وَعَنْ بَيْع الْغَرَرِ، وَقِيلَ: هُوَ بَيْعُ الطَّيْرِ في الْهَوَاءِ، وَالسَّمَكِ في الْماءِ (¬1). وَعَنْ بَيْع الصُّبْرَةِ لا يُعْلَمُ كَيْلُهَا بِالتَّمْرِ (¬2). وَقَالَ: "لا يَسُمِ الْمُسْلِمُ عَلَى سَوْمِ أَخِيه" (¬3). وَنَهَى عَنْ بَيْعِ الثَّمَرِ سِنينَ (¬4). وَمِنْ صَحِيحِ مَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ: أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - نَهَى عَنْ بَيْعَتَيْنِ (¬5) في بَيْعَةٍ (¬6)، وَهُوَ أَنْ يَقُولَ: بِعْتُكَ بِعَشَرةٍ صِحَاحٍ، أَوْ بِأَحَدَ عَشَرَ مُكَسَّرَةٍ، ¬
أَوْ بِخَمْسَةٍ نَقْداً، أَوْ بِعَشَرَةٍ نَسِيئَةً. وَقَالَ: لا يَحِلُّ بَيْعٌ وَسَلَفٌ، وَهُوَ أَنْ يَبِيعَهُ بِشَرْطِ أَنْ يُسْلِفَهُ، وَلا شَرْطَانِ في بَيْعٍ، وَلا رِبْحُ مَا لَمْ يُضْمَنْ، وَلا بَيْعُ مَا لَيْسَ عِنْدَكَ (¬1). وَنَهَى عَنِ الْمُعَاوَمَةِ (¬2)، وَنَهَى عَنِ الثُّنْيَا إِلَّا أَنْ يَعْلَمَ (¬3). وَفي السُّنَنِ: نَهَى عَنْ شرَاءِ مَا في بُطُونِ الأَنْعَامِ حَتَّى تَضَعَ، وَعَمَّا في ضُرُوعِهَا إِلَّا بِكَيْلٍ، وَعَنْ شرَاءِ الْعَبْدِ وَهُوَ آبِقٌ، وَعَنْ شرَاءِ الْمَغَانِمِ حَتَّى تُقَسَّمَ، وَعَنْ شِرَاءِ الصَّدَقَاتِ حَتَّى تُقْبَضَ (¬4)، وَعَنْ بَيْعِ الْفَائِضِ (¬5)، وَعَنْ بَيْعِ الْعِنَبِ حَتَّى يَسْوَدَّ، وَعَنْ بَيْعِ الْحَبِّ حَتَّى يَشْتَدَّ (¬6). ¬
وَهذَا مَحْمُولٌ عَلَى مَا لَمْ يُشْرَطْ فِيهِ الْقَطْعُ. فَهذِهِ الْبُيُوعُ كُلُّهَا بَاطِلَةٌ. وَرَوَى الْبُخَارِيُّ: أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "لا تَلَقَّوُا الرُّكْبَانَ، وَلا تَنَاجَشُوا، وَلا يَبِعْ حَاضِرٌ لِبَادٍ، وَلا تُصَرُّوا الْغَنَمَ" (¬1). فَهذِهِ الْبُيُوعُ صحِيحَةٌ، وَيَثْبُتُ بِالْخِيَارِ فِيهَا، إِلَّا بَيْعَ الْحَاضِرِ لِلْبَادِي، فَإِنَّهُ يَبْطُلُ بِخَمْسِ شَرَائِطَ: أَنْ يَحْضُرَ الْبَدَوِيُّ لِيَبيعَ سِلْعَتَهُ بِسِعْرِ يَوْمِهَا، وَبِالنَّاسِ حَاجَةٌ إِلَيْهَا، وَالْبَادِي جَاهِلٌ بِسِعْرِها، وَيَقْصِدَهُ الْحَاضِرُ. فَأَمَّا شِرَاءُ الْحَاضِرِ لِلْبَادِي، فَيَصِحُّ. وَلا تَصِحُّ الْبُيُوعُ في وَقْتِ النِّدَاءِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ. وَفي الْهِبَةِ وَالإِجَارَةِ وَالنِّكَاحِ وَجْهَانِ. وَلا بَيْعُ السِّلاحِ في الْفِتْنَةِ، أَوْ لأَهْلِ الْحَرْبِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَصِحَّ مَعَ التَّحْرِيمِ. * * * ¬
فصل
فَصْلٌ وَلا يَجُوزُ أَنْ يُفَرِّقَ في الْبَيْعِ بَيْنَ كُلِّ ذِي رَحِمٍ مُحَرَّمٍ، فَإِنْ فَعَلَ قَبْلَ الْبُلُوغِ، فَالْبَيْعِ بَاطِلٌ، وَإِنْ كَانَ بَعْدَهُ، فَعَلَى رِوَايَتَيْنِ. وَلا يَصِحُّ شِرَاءُ الْكَافِرِ لِلرَّقِيقِ الْمُسْلِمِ، وَإِنْ كَانَ بما يُعْتَقُ عَلَيْهِ، فَعَلَى رِوَايَتَيْنِ. وَلا يُبَاحُ بَيْعُ مَا لا مَنْفَعَةَ فِيهِ، أَوْ مَا يَحْرُمُ الِانْتِفَاعُ بِهِ؛ كَالسِّرْجِينِ النَّجِسِ، وَسِبَاعِ الْبَهَائِمِ الَّتِي لا تَصْلُحُ لِلِاصْطِيَادِ، وَلا بَيْعُ مَا لا يُقْدَرُ عَلَى تَسْلِيمِهِ، وَلا بَيْعُ رِباعِ مَكَّةَ، وَلا إِجَارَةُ دُورِها. وَعَنْهُ: يَجُوزُ ذلِكَ. فَأَمَّا سَوَادُ الْعِرَاقِ، فَإِنَّ عُمَرَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- وَقَفَهُ عَلَى كَافَّةِ الْمُسْلِمِينَ، وَأَقَرَّهُ في يَدِ أَرْبَابِهِ في الْخَرَاجِ الَّذِي ضَرَبَهُ يَكُونُ أُجْرَةً لَهُ في كُلِّ عامٍ، وَلَمْ يُقَدِّرْ مُدَّتَهُ؛ لِعُمُومِ الْمَصْلَحَةِ فِيهِ، فَلا يَجُوزُ بَيْعُهُ وَلا شِرَاؤُهُ. وَعَنْهُ: أَنَّهُ كَرِهَ بَيْعَهُ، وَأَجَازَ شِرَاءَهُ.
فَأَمَّا إِجَارَتُهُ، فَإِنَّهَا جَائِزَةٌ؛ (1 لأَنَّهُ مُسْتَأجَرٌ في يَدِ أَرْبَابهِ بالْخَرَاجِ، وَإِجَارَةُ الْمُسْتَأْجَرِ جَائِزَةٌ (¬1). وَكَذلِكَ أَرْضُ الشَّامِ وَنَحْوِهَا مِمَّا فُتِحَ عَنْوَةً. وَلا يَجُوزُ بَيْعُ مَعْدُومٍ إِلَّا في السَّلَمِ، وَالإِجَارَةُ رُخْصَةٌ، وَلا يَجُوزُ بَيْعُ كُلِّ مَا عَدَاهُ؛ كَالْعُيُونِ، وَنَضْحِ الْبِئْرِ، وَلا بَيْعُ مَا في الْمَعَادِنِ الْجَارِيَةِ؛ كَالْقِيرِ وَالْمِلْحِ وَالنِّفْطِ. وَمَنْ أَخَذَ مِنْهَا شَيْئاً، مَلَكَهُ، إِلَّا أَنَّهُ لا يَجُوزُ لَهُ دُخُولُ مِلْكِ الْغَيْرِ بِغَيْرِ إِذْنِهِ. وَعَنْهُ (¬2): يَجُوزُ لِمالِكِ الأَرْضِ بَيْعُ ذلِكَ؛ لأَنَّهُ لا يَمْلِكُهُ بِمِلْكِ الأَرْضِ الَّتِي فِيهَا. وَكَذلِكَ الْحُكْمُ في النَّابِتِ (¬3) في أَرْضِهِ مِنَ الْكَلأِ وَالشَّوْكِ وَغَيْرِ ذلِكَ. فَأَمَّا الْمَعَادِنُ الْجَامِدَةُ؛ كَمَعَادِنِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَسَائِرِ الْجَوَامِدِ؛ فَإِنَّهَا تُمْلَكُ بِمِلْكِ الأَرْضِ الَّتِي هِيَ فِيهَا. * * * ¬
فصل
فَصْلٌ وَلا يَجُوزُ بَيْعُ الصُّوفِ عَلَى الظَّهْرِ. وَعَنْهُ: يَجُوزُ بِشَرْطِ جَزِّهِ في الْحَالِ. وَلا يَجُوزُ بَيْعُ مَا تُجْهَلُ صِفَتُهُ؛ كَالْبَيْضِ في الدَّجَاجِ، وَالْمِسْكِ في الْفَأَرِ، وَالنَّوَى في التَّمْرِ، وَلا بَيْعِ الأَعْيَانِ مِنْ غَيْرِ رُؤْيَةٍ أَوْ صِفَةٍ تَحْصُلُ بِهَا مَعْرِفَةُ الْمَبِيعِ، (1 فَلَوْ رَآهَا وَلَمْ يَعْلَمْ مَا هِيَ، أَوْ دَلَّ لَهُ فِيْ صِفَتِهَا مَا لا يُلْغِيْ فَيْ صَحْةِ السَّلَمِ، لَمْ يَصِحَّ (¬1). وَإذَا اشْتَرَاهَا بِالصِّفَةِ، ثُمَّ وَجَدَهَا عَلَى الصِّفَةِ، لَمْ يَكُنْ لَهُ الْفَسْخُ، فَإِنْ رَاهَا، ثُمَّ عَقَدَا بَعْدَ ذلِكَ بِزَمَانٍ لا تَتَغَيَّرُ الصِّفَةُ فِيهِ، جَازَ، وَإِنْ وَجَدَهَا قَدْ تَغَيَّرَتْ، فَلَهُ الْفَسْخُ كَمَا لَوْ وَجَدَهَا بِخِلافِ الصِّفَةِ. فَإِنِ اخْتَلَفَا في الصِّفَةِ وَالتَّغْيِيرِ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُشْتَرِي. فَإِنْ بَاعَ بِدِينَارٍ، وَأَطْلَقَ، انْصَرَفَ إِلَى نَقْدِ الْبَلَدِ، فَإِنْ كَانَ هُنَاكَ نُقُودٌ، لَمْ يَصِحَّ. ¬
وَمَنْ بَاعَ مِلْكَ غَيْرِهِ بِغَيْرِ إِذْنِهِ، أَوْ اشْتَرَى بِغَيْرِ مَالِهِ شَيْئاً، لَمْ يَصِحَّ. وَعَنْهُ: يَصِحُّ، وَيَقِفُ عَلَى إِجَازَةِ الْمالِكِ. وَإِنِ اشْتَرَى لِغَيْرِهِ شَيْئاً بِثَمَنٍ في الذِّمَّةِ، صَحَّ، فَإِنْ أَجَازَهُ مَنِ اشْتَرَى لَهُ، مَلَكَهُ، وَإِنْ لَمْ يُجِزْهُ، لَزِمَ مَنِ اشْتَرَاهُ.
فصل
فَصْلٌ وَإذَا بَاعَهُ السِّلْعَةَ بِرَقْمِهَا، أَوْ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ ذَهَباً وَفِضَّةً، أَوْ شَاةً مِنْ قَطِيعٍ، لَمْ يَصِحَّ. فإذَا بَاعَهُ الصُّبْرَةَ إِلَّا قَفِيزاً، لَمْ يَصِحَّ. وَإِنْ بَاعَهُ قفيزاً مِنَ الصُّبْرَةِ صَحَّ (¬1)، لَمْ يَصِحَّ. فإذَا بَاعَهُ الضَّيْعَةَ إِلَّا جَرِيباً، أَوْ بَاعَهُ جَرِيباً مِنَ الضَّيْعَةِ، وَهُمَا يَعْلَمَانِ جُرْبَانَ الضَّيْعَةِ، صَحَّ، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمَا، لَمْ يَصِحَّ. وَإِنْ بَاعَهُ قَطِيعاً كُلُّ شَاةٍ بِدِرْهَمٍ، أَوْ ثَوْباً كُلُّ ذِرَاعٍ بِدِرْهَم، صَحَّ، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمَا مِقْدَارَ ذلِكَ حَالَ الْعَقْدِ. وَإذَا جَمَعِ في الْبَيع بَيْنَ مَا يَصِحُّ بَيْعُهُ وَما لا يَصِحُّ؛ كَخَلٍّ وَخَمْرٍ، أَوْ عَبْدِهِ وَعَبْدِ غيْرِهِ، لَمْ يَصِحَّ فِيهِمَا، عَلَى إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ، وَالأُخْرَى: يَصِحُّ في الْكُلِّ. وَفِي عَبْدِهِ، فَبِقِسْطِهِ مِنَ الثَّمَنِ. ¬
وَإِنْ جَمَعَ بَيْنَ عَقْدَيْنِ مُخْتَلِفَيِ الْحُكْمِ؛ كَالْبَيْعِ وَالصَّرْفِ، وَالإِجَارَةِ وَالْبَيع بِعِوَضٍ وَاحِدٍ، صَحَّ فِيهِما، وَيُقَسَّطُ الْعِوَضُ عَلَى قَدْرِ قِيمَتِهِمَا في أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ، وَالآخَرِ: يَبْطُلُ فِيهِمَا.
فصل
فَصْلٌ يَصِحُّ الْبَيْعُ بِالْمُعَاطَاةِ، نَحْوَ أَنْ يَقُولَ: أَعْطِنِي بِهذَا الدِّينَارِ خُبْزاً، فَيُعْطِيهِ مَا يَرْضَى، أَوْ يَقُولَ: خُذْ هذَا الثَّوْبَ بِدِينَارٍ، فَيَأْخُذُهُ. فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُعَاطَاةً، فَلا بُدَّ مِنَ الإِيجَابِ، وَهُوَ أَنْ يَقُولَ: بِعْتُكَ وَمَلَّكْتُكَ، وَالْقَبُولُ نَحْوُ: قَبِلْتُ، أَوِ اشْتَرَيْتُ. فَإِنْ يُقَدَّمِ الْقَبُولُ عَلَى الإِيجَابِ، صَحَّ في إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ، وَالأُخْرَى: لا يَصِحُّ.
فصل في الخيار
فَصْلٌ في الْخِيَارِ رَوَى الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "إذَا تَبَايَعَ الرَّجُلانِ، فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا، وَكَانَا جَمِيعاً، أَوْ يُخَيِّرْ أَحَدُهُمَا الآخَرَ. فَإِنْ خَيَّرَ أَحَدُهُمَا الآخَرَ، فتبَايَعَا عَلَى ذلِكَ، فَقَدْ وَجَبَ الْبَيْعُ، وَإِنْ تَفَرَّقَا بَعْدَ أَنْ يَتَبَايَعَا، وَلَمْ يَتْرُكْ أَحَدُهُمَا الْبَيْعَ، فَقَدْ وَجَبَ الْبَيْعُ" (¬1). وَلا يَثْبُتُ خِيَارُ الْمَجْلِسِ إِلَّا في الْبَيْعِ. وَالإِجَارَةُ وَالصُّلْحُ بِمَعْنَى الْبَيْعِ. وَعَنْهُ: أَنَّهُ يَثْبُتُ في الصَّرْفِ وَالسَّلَمِ، وَفِي الْمُسَاوَاةِ (¬2) ¬
وَالْحَوَالَةِ، والسَّفَرِ وَالرَّمْيِ وَجْهَانِ (¬1). وَإذَا تَبَايَعَا عَلَى أَنْ لا خِيَارَ بَيْنَهُمَا، أَوْ قَالا بَعْدَ الْعَقْدِ: اخْتَرْنَا إِمْضَاءَ الْعَقْدِ، بَطَلَ الْخِيَارُ، وَعَنْهُ: لا يَبْطُلُ. * * * ¬
فصل
فَصْلٌ وَلا يَصِحُّ اشْتِرَاطُ الْخِيَارِ في الْبَيْعِ وَالإِجَارَةِ. وَالصُّلْحُ بِمَعْنَى الْبَيْعِ فِيمَا يَتَّفِقَانِ عَلَيْهِ في الْمُدَّةِ الْمَعْلُومَةِ، فَإِنْ كَانَتْ مَجْهُولَةً، لَمْ يَصِحَّ، وَعَنْهُ: يَصِحُّ، وَلَهُمَا الْخِيَارُ إِلَى أَنْ يَقْطَعَاهُ. فَإِنْ شَرَطَا إِلَى الْحَصَادِ أَوِ (¬1) الْجُذَاذِ، فَعَلَى رِوَايَتَيْنِ. فإنْ شَرَطَا إِلَى الْغَدِ، لَمْ يَدْخُلْ في مُدَّةِ الْخِيَارِ. وُيعْتَبَرُ ابْتِدَاءُ مُدَّةِ الْخِيَارِ مِنْ حِيْنِ الْعَقْدِ في أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ، وَفِي الآخَرِ: مِنْ حِينِ (¬2) التَّفَرُّقِ، وَيَنْتَقِلُ الْمِلْكُ فِيهِ بِنَفْسِ الْعَقْدِ في أَظْهَرِ الرِّوَايَتَيْنِ. وَلَيْسَ لَهُمَا التَّصَرُّفُ في الْمَبِيعِ في مُدَّةِ الْخِيَارِ، فَإِنْ تَصَرَّفَا بِغَيْرِ الْقَبُولِ، لَمْ يَنْفُذْ. وَهَلْ يَكُونُ تَصَرُّفُ الْبَائِعِ فَسْخاً لِلْبَيْعِ، وَتَصَرُّفُ الْمُشْتَرِي رِضًا ¬
بِتَمَامِ الْبَيْع، وَفَسْخَ خِيَارِهِ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ. وَيَنْفُذُ عِتْقُ مَنْ (¬1) حَكَمْنَا لَهُ بِالْمِلْكِ. وَهَلْ يَبْطُلُ الْخِيَارُ بِالْعِتْقِ وَتَلَفِ السِّلْعَةِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ. وَإذَا وَطِىَ أَحَدُ الْمُتَعَاقِدَيْنِ الْجَارِيَةَ في الْخِيَارِ؛ مِمَّنْ حَكَمْنَا لَهُ بِالْمِلْكِ، (2 فَلا حَدَّ عَلَيْهِ وَلا مَهْرَ، وكُلُّ وَلَدِهِ أَحْرارٌ، وَمَنْ لَمْ نَحْكُمْ لَهُ بِالْمِلْكِ (¬2)، فَعَلَيْهِ الْمَهْرُ، وَقِيمَةُ الأَوْلادِ. وَإِنْ كَانَ عَالِماً أَنَّ مِلْكَهُ قَدْ زَالَ، وَأَنَّ الْوَطْءَ لا يَحْصُلُ بِهِ الْفَسْخُ، فَعَلَيْهِ الْحُكْمُ، وَوَلَدُهُ رَقيقٌ. فَإِنِ اسْتَخْدَمَ الْمُشْتَرِي الْمَبِيعَ، بَطَلَ خِيَارُهُ. وَخِيَارُ الشَّرْطِ لا يُوَرَّثُ، وَيَجُوزُ لِمَنْ لَهُ الْخِيَارُ فَسْخُهُ مِنْ غَيْرِ حُضُورِ صَاحِبِهِ. وَإذَا اشْتَرَى اثْنَانِ شَيْئاً، وَشَرَطَا الْخِيَارَ، أَوِ اشْتَرَيا مَعِيباً (¬3)، فَرَضِي أَحَدُهُمَا، كَانَ لِلآخَرِ الْفَسْخُ. وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: الْمَسْأَلةُ عَلَى رِوَايَتَيْنِ. وَإذَا شَرَطَ الْخِيَارَ لِغَيْرِهِ، جَازَ، وَكَانَ تَوْكِيلاً لَهُ، وَلا يَتَصَرَّفُ فى غَيْرِ الْمُتَعَيِّنِ إِلَّا بِالْقَبْضِ. ¬
فَإِنْ تَلِفَ بآفة سَمَاوِيَّةٍ، بَطَلَ الْعَقْدُ، وَهُوَ مِنْ مَالِ الْبَائِعِ، فَإِنْ أَتْلَفَهُ آدَمِيّ، فَالْمُشْتَرِي بِالْخِيَارِ بَيْنَ أَنْ يَفْسَخَ (¬1)، وَيَرْجِعَ بِالثَّمَنِ، وَبَيْنَ أَنْ يُمْضِيَ الْعَقْدَ، وَيُطَالِبَ مُتْلِفَهُ بِالْقِيمَةِ. * * * ¬
فصل
فَصْلٌ يَصِحُّ اشْتِرَاطُ صِفَةٍ بالْمَبِيعِ؛ نَحْوَ: إِنِ اشْتَرَى دَابَّةً عَلَى أَنَّهَا هِمْلاجَةٌ، أَوْ فَهْداً عَلَى أَنَّهُ صَيُودٌ، فَإِنْ شَرَطَ في الطَّائِرِ أَنَّهُ (¬1) يَجِيءُ مِنْ مَسَافَةٍ ذَكَرَهَا، صَحَّ، وَقَالَ الْقَاضِي: لا يَصِحُّ. وَإِنِ اشْتَرَطَ في الْقُمْرِيِّ أَنَّهُ مُصَوِّتٌ، وَفِي الدِّيكِ أَنَّهُ يُوقِظُهُ لِلصَّلاةِ، لَمْ يَصِحَّ. وَيَصِحُّ اشْتِرَاطُ مَنْفَعَةِ الْبَائِعِ في الْمَبِيعِ؛ نَحْوَ أَنْ يَشْتَرِطَ عَلَى بَائِعِ الْحَطَبِ حَمْلَهُ، وَعَلَى بَائِعِ الثَّوْبِ خِيَاطَتَهُ. وَيَجُوزُ اسْتِثْنَاءُ مَنْفَعَةِ الْمَبِيعِ مُدَّةً مَعْلُومَةً، نَحْوَ أَنْ يَبِيعَ دَاراً، فَيَسْتَثْنِيَ سُكْنَاهَا شَهْراً. وَقَدْ بَاعَ جَابِرٌ مِنَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - بَعِيراً، فَاشْتَرَطَ ظَهْرَهُ إِلَى أَهْلِهِ (¬2). وَإِنْ بَاعَ حَيَوَاناً مَأْكُولاً، واسْتَثْنَى رَأْسَهُ وَجِلْدَهُ وَأَطْرَافَهُ، فَلَهُ مَا اسْتَثْنَاهُ. ¬
فصل
فَصْلٌ وَلا يَصِحُّ اشْتِرَاطُ مَا يُنَافِي مُقْتَضَى الْبَيْعِ، مِثْلَ أَنْ يَشْتَرِيَ بِشَرْطِ أَلَّا يَهَبَ وَلا يُعْتِقَ، وَإِنْ أَعْتَقَ، فَالْوَلاءُ لَهُ، أَوْ يَشْتَرِيَ مِنْهُ بِشَرْطِ أَنْ لا خَسَارَةَ عَلَيْهِ، أَوْ مَتَى نَفَقَ الْمَبِيعُ، وَإِلَّا رَدَّهُ، وَمَتَى غَصَبَهُ غَاصِبٌ، رَجَعَ عَلَيْهِ بِالثَّمَنِ، فَهذِهِ وَمَا أَشْبَهَهَا شُرُوطٌ فَاسِدَةٌ في نَفْسِهَا، وَهَلْ يَبْطُلُ بِهَا الْبَيْعُ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ. وَكَذلِكَ إذَا اشْتَرَطَ في الْبَيْعِ رَهْناً فَاسِداً. فَأَمَّا إِنْ بَاعَهُ رَقِيقاً، وَشَرَطَ الْعِتْقَ، فَهَلْ يَصِحُّ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ. فَإِنْ سَاوَمَهُ بِسِلْعَةٍ، وَدَفَعَ إِلَى الْبَائِع دِرْهَماً أَوْ دِينَاراً عَلَى أَنَّهُ إِنْ أَخَذَ السِّلْعَةَ احْتُسب بِهِ مِنَ الثَّمَنِ، وَإِلَّا فَهُوَ لِلْبَائع، فَالْمَنْصُوصُ أَنَّهُ صَحِيحٌ، وَاخْتَارَ أَبُو الْخَطَّابَ أَنَّهُ (¬1) لا يَصِحُّ، وَسُمِّيَ بَيْعَ الْعُرْبُونِ. * * * ¬
باب الربا
بَابُ الرِّبَا عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ، وَالْفِضَّةُ بِالْفِضَّةِ، وَالْبُرُّ بِالْبُرِّ، وَالشَّعِيرُ بِالشَّعِيرِ، وَالتَّمْرُ بِالتَّمْرِ، وَالْمِلْحُ بِالْمِلْحِ، سَوَاءً بِسَوَاءٍ، يَداً بيَدٍ، فَإذَا اخْتَلَفَتْ هَذِهِ الأَصْنَافُ، فَبِيعُوا كَيْفَ شِئتمْ، إذَا كَانَ يَداً بِيَدٍ" (¬1). وَعِلَّةُ رِبَا الْفَضْلِ: الْكَيْلُ وَالْجِنْسُ، أَوِ (¬2) الْوَزْنُ مَعَ الْجِنْسِ. وَعَنْهُ: الْعِلَّةُ في الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ الثَّمَنِيَّةُ غَالِباً، وَفِي غَيْرِهِمَا الطُّعْمُ مَعَ الْجِنْسِ. وَعَنْهُ: الْعِلَّةُ في غَيْرِ الأَثْمَانِ كَوْنُهُ مَطْعُوماً، أَوْ مَوْزُوناً مَطْعُوماً في جِنْسٍ. وَكُلُّ نَوْعَيْنِ اجْتَمَعَا في الِاسمِ الْخَاصِّ، فَهُمَا جِنْسٌ وَاحِدٌ؛ كَالتَّمْرِ وَالْحِنْطَةِ، وَفِي اللُّحُومِ وَالأَلْبَانِ ثَلاثُ رِوَايَاتٍ: ¬
إحْدَاهُنَّ: أَنَّهَا جِنْسٌ وَاحِدٌ. وَالثَّانِيَةُ: أَجْنَاس بِاخْتِلافِ أُصُولهَا. والثَّالِثَةُ: أَرْبَعَةُ أَجْنَاسٍ: الأَنْعَامُ جِنْسٌ، وَالْوَحْشُ جِنْسٌ، وَالطَّيْرُ جِنْسٌ، وَدَوَابُّ الْماءِ جنْسٌ، وَاللَّحْمُ وَالشَّحْمُ جِنْسَانِ، وَكَذلِكَ اللَّحْمُ والأَلْيَةُ واللَّحْمُ وَالْكَبِدُ (¬1)، وَخَلُّ الْعِنَبِ وَخَلُّ التَّمْرِ جِنْسَانِ. وَلا يَجُوزُ بَيْعُ الْحَبِّ بِدَقِيقٍ في أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ، وَلا بَيْعِ نِيئِهِ بِمَطْبُوخِهِ، وَلا أَصْلُهُ بِعَصِيره، وَرَطْبِهِ بِرَطْبِهِ (¬2) وَلا خَالِصُهُ بِمَشُوبِهِ. وَيَجُوزُ بَيْعُ دَقِيقِهِ بِدَقِيقِهِ إذَا اسْتَوَيَا في النُّعُومَةِ، أَوْ بَيْعُ مَطْبُوخِهِ بِمَطْبُوخِهِ، وَعَصِيرِهِ بِعَصِيرِهِ، وَخُبْزِهِ بِخُبْزِهِ. وَلا يَجُوزُ بَيْعُ النَّوَى بِتَمْرٍ فِيهِ النَّوَى. وَعَنْهُ: يَجُوزُ ذلِكَ، فَيَخْرُجُ في بَيْعِ اللَّبَنِ (¬3) بِشَاةٍ فِيهَا لَبَن، وَبَيْعُ الصُّوفِ بِنَعْجَةٍ عَلَيْهَا صُوفٌ. وَلا يَجُوزُ بَيْعُ جِنْسٍ فِيهِ الرِّبَا بَعْضِهِ بِبَعْضٍ، وَمَعَ أَحَدِهِمَا أَوْ مَعَهُمَا مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِما؛ كَمُدِّ عَجْوَةٍ وَدِرْهَمٍ بِمُدَّي (¬4) عَجْوَةٍ، أَوْ بِمُدِّ عَجْوَةٍ وَدِرْهَمٍ، أَوْ بِدِرْهَمَيْنِ. ¬
وَعَنْهُ: مَا يَدُلُّ عَلَى الْجَوَازِ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ الْمُفْرَدُ أَكْثَرَ مِنَ الَّذِي مَعَهُ غَيْرُهُ، أَوْ يَكُونَ مَعَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُما مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ. فَأَمَّا إِنْ بَاعَ نَوْعَيْنِ مُخْتَلِفَيِ الْقِيمَةِ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ مِنْ ذلِكَ الْجِنْسِ" كَدِينَارٍ مَغْرِبِيٍّ وَدِينَارٍ سَابُورِيٍّ بِدِينَارَيْنِ مَغْرِبِيَّيْنِ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: يَجُوزُ، وَقَالَ الْقَاضِي: هِيَ كَالْمَسْأَلَةِ قَبْلَهَا. وَيُرْجَعُ في مَعْرِفَةِ الْكَيْلِ وَالْوَزْنِ إِلَى الْعَادَةِ في الْحِجَازِ في زَمَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، وَمَا لا عُرْفَ لَهُ بِالْحِجَازِ، فَعَلَى وَجْهَيْنِ: أحَدُهُمَا: اعْتِبَارُ عُرْفهِ في مَوْضِعِهِ. وَالثَّانِيَةُ: يُرَدُّ إِلَى أَقْرَبِ الأَشْيَاءِ شَبَهاً بِهِ في الْحِجَازِ.
فصل في ربا النسيئة
فَصْلٌ في رِبَا النَّسِيئَةِ وَكُلُّ شَيْئَيْنِ عِلَّةُ (¬1) رِبَا الْفَضْلِ فِيهِمَا وَاحِدَةٌ، وَلَيْسَ أَحَدُهُمَا ثَمَناً، يَحْرُمُ النَّسَاءُ فيهِمَا. وَمَتَى حَصَلَ التَّفَرّقُ في بَيْعِهِمَا قَبْلَ الْقَبْضَ، بَطَلَ الْعَقْدُ. فَإِنِ اخْتَلَفَ عَلَيْهِمَا؛ كَالْمَكِيلِ بِالْمَوْزُونِ، جَازَ التَّفَرُّقُ فِيهِمَا قَبْلَ الْقَبْضِ، رِوَايَةً وَاحِدَةً، وَهَلْ يَحْرُمُ النَّسَاءُ فِيهِمَا؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ. وَمَا لا يَدْخُلُهُ رِبَا الْفَضْلِ لا يَحْرُمُ فِيهِ النَّسَاءُ. وَعَنْهُ: يَحْرُمُ إذَا كَانَ الْجِنْسُ وَاحِداً. وَعَنْهُ: يَحْرُمُ عَلَى الإِطْلاقِ. * * * ¬
فصل
فَصْلٌ النُّقُودُ تَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ في الْعَقْدِ، فَلا يَجُوزُ إِبْدَالُها، وَإِنْ خَرَجَتْ مَغْصُوبَةً، بَطَلَ الْعَقْد، وَإِنْ وَجَدَ بِها عَيْباً، لَمْ يَكُنْ لَهُ الْبَدَلُ، وَلكِنْ يُمْسِكُ أَوْ يَفْسَخُ. وَيَتَخَرَّجُ: أَنْ يُمْسِكَ وَيُطَالِبَ بِأَرْشِ الْعَيْبِ. وَإِنْ تَلِفَتْ، فَهِيَ مِنْ مَالِ الْبَائِعِ، وَإِنْ لَمْ يَقْبِضْهَا. وَعَنْهُ: أَنَّهَا لا تَتَعَيَّنُ (¬1)، فتنْعَكِسُ هذِهِ الأَحْكامُ. وَإذَا وَجَدَ أَحَدُ الْمُتَصَارِفَيْنِ عَيْباً فِيهِ، بَطَلَ الْعَقْدُ في إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ، وَالأُخْرى: إذَا رَدَّهُ، وَأَخَذَ بَدَلَهُ في مَجْلِسِ الرَّدِّ، لَمْ يَبْطُلْ. وَعَلَى الرِّوَايَةِ الأُولَى إذَا رَدَّ بَعْضَهُ هل يَبْطُلُ في الْجَمِيعِ أَمْ في الْمَرْدُودِ خَاصَّةً؟ عَلَى وَجْهَيْنِ. * * * ¬
فصل في بيع الأصول
فَصْلٌ في بَيْعِ الأُصُولِ وَمَنْ بَاعَ أَرْضاً، دَخَلَ مَا فِيهَا مِنْ غِرَاسٍ في الْبَيْعِ، وَفِيهِ وَجْهٌ آخَرُ: لا يَدْخُلُ في الْبَيْعِ، إِلَّا أَنْ يَقُولَ: بِحُقُوقِهَا، فَيَدْخُلُ. فَإِنْ كَانَ فِيهَا زَرْعٌ لا يُحْصَدُ إِلَّا مَرَّةً، لَمْ يَدْخُلْ في الْبَيْعِ، وَكَانَ لِلْبَائِعِ بِنَفْسِهِ إِلَى حِيْنِ الْحَصَادِ. وَإِنْ كَانَ يُجَزُّ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى، فَالأُصُولُ لِلْمُشْتَرِي، وَالْجَزَّةُ الظَّاهِرَةُ عِنْدَ الْبَيْعِ لِلْبَائِعِ، وَكَذلِكَ اللَّقْطَةُ الأُولَى مِنَ القِثَّاءِ وَالْباذِنْجَانِ وَنَحْوِهِمَا. فَإِنْ بَاعَ قَرْيَةً بِحُقُوقِهَا، لَمْ يَدْخُلْ مَزَارِعُهَا في الْبَيْعِ إِلَّا بِذِكْرِهَا، فَأَمَّا الْغِرَاسُ بَيْنَ بُنْيَانِهَا، فَتَدْخُلُ في الْبَيْعِ. فَإِنْ بَاعَ دَاراً، تَنَاوَلَ الْبَيْعُ أَرْضَهَا، وَبُنْيَانَهَا، وَمَا يَتَّصِلُ بِهَا مِمَّا هُوَ مِنْ مَصَا لِحِهَا؛ كَالدَّرَجِ، وَالسَّلالِمِ الْمُسَمَّرَةِ، وَالأَبْوَابِ، وَالدُّفُوفِ (¬1) الْمُسَمَّرَةِ، وَالْخَوَابِي الْمَدْفُونَةِ، وَالْحَجَرِ السُّفْلِيِّ الْمَنْصُوبِ. ¬
فَأَمَّا مَا هُوَ مُودعٌ فِيهَا؛ كَالْكَنْزِ، وَالأَحْجَارِ الْمَدْفُونَةِ، فَلا تَدْخُلُ في الْبَيْع، وَالْغِرَاسُ فِيهَا حُكْمُهُ حُكْمُ الْغِرَاسِ في الأَرْضِ، وَلا يَدْخُلُ في الْبَيْعِ مَا هُوَ مَنْفَصِلٌ عَنْهَا، ممَّا (¬1) لَيْسَ مِنْ مَصَالِحِهَا؛ كَالْحَبْلِ وَالدَّلْوِ وَالْقُفْلِ، فَإِنْ كَانَ مِنْ مَصَالِحِهَا؛ كَالْمَفَاتِيحِ، وَالْحَجَرِ الْفَوْقَانِيِّ مِنَ الرَّحَى، فَعَلَى وَجْهَيْنِ. * * * ¬
فصل في بيع الثمار
فَصْلٌ في بَيْعِ الثِّمارِ (¬1) إذَا بَدَا الصَّلاحُ في نَوْعٍ، جَازَ مَعَ مَا فِي الْبُسْتَانِ مِنْ ذلِكَ النَّوْعِ في إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ، وَالأُخْرَى: لا يَجُوزُ إِلَّا بَيْعِ الثَّمَرَةِ الَّتِي بَدَا الصَّلاحُ فِيهَا. وَكَذلِكَ إذَا ظَهَرَ بَعْضُ الثَّمَرَةِ دُونَ بَعْضٍ، فَالْكُلُّ لِلْبَائِعِ، كَمُبْتَاعٍ لِلأَصْلِ؛ عَلَى قَوْلِ ابْنِ حَامِدٍ. وَالْمَنْقُولُ عَنْ أَحْمَدَ: لُزُومُ مَا أُبِّرَ لِلْبَائِعِ، وَمَا لَمْ يُؤَبَّرْ لِلْمُشْتَرِي. وَإذَا بَاعَ ثَمَرَةً، أَوْ زَرْعا، لَزِمَ الْبَائِعَ سَقْيُهُ إذَا احْتَاجَ إِلَى ذلِكَ، فَإِنِ امْتَنَعَ لِضَرَرٍ يَلْحَقُ بِالأَصْلِ، أُجْبِرَ عَلَيْهِ. فَإِنْ بَاعَ أَصْلاً عَلَيْهِ ثَمَرَةٌ لِلْبَائِعِ، لَمْ يَكُنْ لِلْمُشْتَرِي مَنْعُهُ مِنْ سَقْيِهَا. فَإذَا اشْتَرَى ثَمَرَةً، فَلَمْ يَأْخُذْهَا حَتَّى حَدَثَتْ ثَمَرَةٌ أُخْرَى لَمْ تَتَمَيَّزْ، أَوْ جَزَّةٌ مِنَ الرَّطْبَةِ فَطَابَتْ، أَوِ اشْتَرَى ثَمَرَةً قَبْلَ بُدُوِّ (¬2) صَلاحِها بِشَرْطِ ¬
الْقَطْعِ، فترَكَهَا حَتَّى بَدَا صَلاحُها، بَطَلَ الْبَيْعُ. وَعَنْهُ: لا يَبْطُلُ، وَيَكُونَانِ شَرِيكَيْنِ في الزِّيَادَةِ. عنْهُ: يَتَصَدَّقَانِ بِهَا. (1 وَإذَا بَاعَ كُلَّهُ وَاستَثْنَى مِنْهُ أَرْطَالاً مَعْلُوْمَةً، فَهَلْ يَصِحُّ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ (¬1). * * * ¬
باب في ما يرد به المبيع
بَابٌ فِي مَا يُرَدُّ بِهِ الْمَبِيعُ (¬1) قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: " (2 مَنِ اشْتَرَى مُصَرَّاةً، فَهُوَ فِيهَا بِالْخِيَارِ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ، إِنْ شَاءَ أَمْسَكَهَا (¬2) وَإِنْ شَاءَ رَدَّهَا، وَرَدَّ مَعَهَا صَاعاً مِنْ تَمْرٍ" رَوَاهُ مُسْلِمٌ (¬3). * * * ¬
فصل في التدليس
فَصْلٌ في التَّدْلِيسِ وَكُلُّ تَدْلِيسٍ يَخْتَلِفُ الثَّمَنُ لأَجْلِهِ يُثْبِتُ خِيَارَ الرَّدِّ؛ نَحْوَ أَنْ يَحْمَرَّ وَجْهُ الْجَارِيَةِ، أَوْ يَصُرُّ الْماءَ عَلَى الرَّحَى، وُيرْسِلَهُ عِنْدَ عَرْضِهَا عَلَى الْمُشْتَرِي، فَكَذلِكَ إِنْ شَرَطَ في الْمِبِيعِ صِفَةً مَقْصُودَةً، فَبَانَ بِخِلافِهَا. فَإِنْ شَرَطَ الأَمَةَ ثَيِّباً، فَبانَتْ بِكْراً، فَلا خِيَارَ لَهُ، لأَنَّهَا زِيَادَةٌ، وَفِيهِ وَجْهٌ أَحْسَنُ: لَهُ الْخِيَارُ. وَكَذلِكَ إِنْ شَرَطَهَا كَافِرَةً، فَبَانَتْ مُسْلِمَةً، فَعَلَى وَجْهَيْنِ. فَإِنْ شَرَطَ الْعَبْدَ فَحْلاً، فَبَانَ خَصِيّاً، مَلَكَ الرَّدَّ، وَإِنْ شَرَطَهُ خَصِيّاً، فَبَانَ فَحْلاً، فَلَهُ الرَّدُّ، وَهذَا آخِرُ الْبَابِ. وَإذَا اشْتَرَى أَمَةً مُصَرَّاةً، أَوْ أتَاناً مُصَرَّاةً، فَهَلْ لَهُ الْفَسْخُ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ. وَإذَا رَدَّ، لَمْ يَلْزَمْهُ بَدَلُ اللَّبَنِ؛ لأَنَّهُ لا قِيمَةَ لَهُ. وَلا يَمْلِكُ الرَّدَّ في التَّصْرِيَةِ قَبْلَ الثَّلاثِ، قَالَهُ الْقَاضِي. وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: مَتَّى تَبيَنَتْ لَهُ التَّصْرِيَةُ، فَلَهُ الرَّدُّ.
فَإِنْ صُارَ (¬1) لَبَنُ الْمُصَرَّاةِ عَادَةً، لَمْ يَكُنْ لَهُ الرَّدُّ عَلَى ظَاهِرِ كَلامِ أَحْمَدَ -رَحِمَهُ اللهُ- (¬2). وَإِنْ كَانَتْ أَمَةً مُزَوَّجَةً، فَطَلَّقَهَا الزَّوْجُ، لَمْ يَكُنْ لَهُ الرَّدُّ. وَإِنْ كَانَ لَبَنُ التَّصْرِيَةِ بِحَالِهِ، فَرَدَّهُ الْمُشْتَرِي عَلَى الْبَائِعِ، لَمْ يَلْزَمْهُ قَبُولُهُ. قَالَ الْقَاضِي: ذلِكَ أَشْبَهُ بِمَذْهَبِنا أَنَّهُ يَلْزَمُهُ قَبُولُهُ. * * * ¬
فصل في الرد بالعيب
فَصْلٌ في الرَّدِّ بِالْعَيْبِ الْعُيُوبُ هِيَ النَّقَائِصُ؛ كَالْمَرَضِ وَنَحْوِهِ. وَعُيُوبُ الرَّقِيقِ الْمُتَعَلِّقَةُ بِفِعْلِهِ، كَالسَّرِقَةِ، وَالْبَوْلِ في الْفِرَاشِ، لا يُرَدُّ لَهَا، إِلَّا أَنْ يُوجَدَ مِنْهُ مَا هُوَ مُمَيَّزٌ. فَأَمَّا مَا لا صُنْعَ لَهُ فِيهَا، فيُرَدُّ بِهَا مَعَ التَّمْيِيزِ وَعَدَمِهِ. فَإِنْ عَلِمَ بِالْعَيْبِ، فَأَخَّرَ الرَّدَّ، لَمْ يَبْطُلْ خِيَارُهُ، إِلَّا أَنْ يُوجَدَ مِنْهُ مَا يَدُلُّ عَلَى الرِّضَا مِنَ التَّصَرُّفِ بِاسْتِمْتَاعٍ، أَوْ بَيْعِ. وَلا يَفْتَقِرُ الرَّدُّ بِالْعَيْبِ إِلَى رِضًا، وَلا إِلَى قَضَاءٍ. فَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ بِالْعَيْبِ حَتَّى حَدَثَ مِنْهُ نَمَاءٌ، فَلَهُ رَدُّ الأَصْلِ وَإِمْسَاكُ النَّمَاءِ. وَعَنْهُ: لَيْسَ لَهُ إِلَّا رَدُّهُمَا، أَوْ إِمْسَاكُهُمَا وَالْمُطَالَبَةُ بِالأَرْشِ، فَإِنْ بَاعَ الْمَبِيعَ أَوْ وَهَبَهُ، فَلَهُ الأَرْشُ (¬1). ¬
وَعَنْهُ: لَيْسَ لَهُ شَيْءٌ إِلَّا أَنْ يَرُدَّ عَلَيْهِ الْمَبِيعَ، فَيَكُونُ لَهُ رَدُّهُ، أَوِ الْمُطَالَبَةُ بِالأَرْشِ. فَإِنْ كَانَ الْمَبِيعُ ثَوْباً، فَصَبَغَهُ، أَوْ غَزْلاً، فَنَسَجَهُ، فَلَهُ الأَرْشُ. وَعَنْهُ: يَرُدُّهُ، وَيَكُونُ شَرِيكاً لِلْبَائِعِ بِقِيمَةِ الصَّبْغِ أَوِ النَّسْجِ. فَإِنْ كَانَ الْمَبِيعُ شَيْئَيْنِ، فَوَجَدَ بِأَحَدِهِمَا عَيْباً، فَلَهُ رَدُّهُمَا، أَوِ الْمُطَالَبَةُ بِالأَرْشِ. وَعَنْهُ: لَهُ رَدُّ الْمَعِيبِ (¬1) إِلَّا أَنْ يَكُونَ مِمَّا يَنْقُصُ بِالتَّفْرِيقِ؛ كَمِصْرَاعَيْ بَابٍ، وَنَحْوِهِ، فَلَيْسَ لَهُ إِلَّا رَدُّهُمَا، أَوْ أَخْذُ الأَرْشِ. وَكَذلِكَ إِنْ كَانَ مِمَّنْ لا يَجُوزُ التَّفْرِيقُ بَيْنَهُمَا؛ كَالْوَلَدِ مَعَ أَبَوَيْهِ. وَإِنْ تَلِفَ أَحَدُهُمَا، وَوَجَدَ بِالآخَرِ عَيْباً، فَعَلَى رِوَايَتَيْنِ. وَإِنِ اخْتَلَفَا في قِيمَةِ التَّالِفِ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُشْتَرِي. * * * ¬
فصل في بيع المرابحة
فَصْلٌ في بَيْعِ الْمُرَابَحَةِ وَيَجُوزُ بَيْعُ الْمُرَابَحَةِ إذَا (¬1) بيَنَ رَأْسَ الْمَالِ وَمِقْدَارَ الرِّبْحِ، فَيَقُولُ: رَأْسُ مَالِهِ مِئَةٌ، وَأَرْبَحُ عَشَرَةً، أَوْ: عَلَى أَنْ أَرْبَحَ في كُلِّ عَشَرَةٍ دِرْهَماً، وَمَا يُزَادُ في الثَّمَنِ (¬2) أَوْ يُنْقَصُ مِنْهُ في مُدَّةِ الْخِيَارِ، يَلْحَقُ بِرَأْسِ الْمالِ، وَأَرْشُ الْعَيْبِ مِنَ الثَّمَنِ. وَكَذلِكَ إِنْ جُنِيَ عَلَيْهِ جِنَايَةٌ، وَأَخَذَ أَرْشَهَا. فَإِنْ جَنَى الْعَبْدُ، فَفَدَاهُ الْمُشْتَرِي، لَمْ يَلْحَقْ بِالثَّمَنِ. فَإِنِ اشْتَرَى ثَوْباً بِعَشَرَة، وَقَصَرَهُ بِعَشَرَةٍ، أَخْبَرَ بِذَلِكَ عَلَى وَجْهِهِ، فَإِنْ قَالَ: تَحَصَّلَ عَلَيَّ بَكَذَا، فَقَالَ الْقَاضِي: لا يَجُوزُ، وَيَحْتَمِلُ الْجَوَازَ. فَإِنْ عَمِلَ فِيهِ عَمَلاً يُسَاوِي عَشَرَةً، لَمْ يَجُزْ أَنْ يَقُولَ: تَحَصَّلَ عَلَيَّ بِكَذَا، بَلْ يَقُولُ: اشْتَرَيْتُهُ بِكَذَا، وَعَمِلْتُ بِهِ (¬3) عَمَلاً يُسَاوِي كَذَا. ¬
فَإِنِ اشْتَرَى عَبْدَيْنِ، فَأَرَادَ بَيْعَ أَحَدِهِمَا بِقِسْطِهِ مِنَ الثَّمَنِ مُرَابَحَةً، أَوْ قَطَعَ خِرْقَةً مِنَ الثَّوْبِ، وَأَرَادَ بَيْعَ الْبَاقِي مُرَابَحَةً، أَوْ بَاعَهُ لِغُلامِ دكَّانِهِ، ثُمَّ اشْتَرَاهُ مِنْهُ بِأَكْثَرَ مِنَ الثَّمَنِ حِيلَةً، أَوِ اشْتَرَاهُ مِنْ أَبِيهِ، أَوْ مِمَّنْ لا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ لَهُ، أَوِ اشْتَرَاهُ بِثَمَنٍ مُؤَجَّلٍ، لَمْ يَجُزْ بَيْعُهُ حَتَّى يُخْبِرَ بِالْحالِ عَلَى وَجْهِهِ (¬1). فَإِنْ بَاعَ وَلَمْ يُبيِّنْ، ثمَّ عَلِمَ الْمُشْتَرِي بَعْدَ ذلِكَ، فَلَهُ الْخِيَارُ. وَإِنْ قَالَ: رَأْسُ مَالي فِيهِ مِئَةٌ بِعْتُكَ بِهَا، وَوَضِيعَةُ دِرْهَمٍ مِنْ كُلِّ عَشَرَةٍ، صَحَّ، وَلَزِمَ الْمُشْتَرِيَ تِسْعُونَ، وَإذَا قَالَ: بِوَضِيعَةِ دِرْهَمٍ لِكُلِّ عَشَرَة، لَزِمَ الْمُشْتَرِيَ دِرْهَمٌ وَعَشَرَةُ أَجْزَاءٍ مِنْ أَحَدَ عَشَرَ جُزْءاً مِنْ دِرْهَمٍ (¬2). * * * ¬
فصل في اختلاف المتبايعين
فَصْلٌ في اخْتِلافِ الْمُتَبَايِعَيْنِ إذَا اخْتَلَفَا في أَجَلٍ، أَوْ شَرْطٍ، أَوْ رَهْنٍ، أَوْ ضَمِينٍ، أَوْ في مِقْدَارِ ذلِكَ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ مَنْ يَنْفِيهِ مَعَ يَمِينِهِ. وَعَنْهُ: يَتَحَالَفَانِ، إِلَّا أَنْ يَكُونَ الشَّرْطُ فَاسِداً، فَيَكُونُ الْقَوْلُ قَوْلَ مَنْ يَنْفِيهِ. وَإِنِ اخْتَلَفَا في صِفَةِ الثَّمَنِ، رُجِعَ إِلَى نَقْدِ الْبَلَدِ، فَإِنْ كَانَ فِيهِ نُقُودٌ، رُجِعَ إِلَى وَسَطِهَا عَلَى ظَاهِرِ كَلامِ أَحْمَدَ. وَقَالَ الْقَاضِي: يَتَحَالَفَانِ، فَإِنْ حَلَفَ أَحَدُهُمَا، وَنَكَلَ الآخَرُ، لَزِمَهُ مَا قَالَ صَاحِبُهُ. فَإِنْ مَاتَ الْمُتَبَايِعَانِ، فَوَرَثَتُهُمَا بِمَنْزِلَتِهِمَا. وَإِنِ اخْتَلَفَا في شَرْطٍ يُفْسِدُ الْبَيْع (¬1)، فَالْقَوْلُ قَوْلُ مَنْ يَنْفِيهِ. وَإِنِ اخْتَلَفَا في عَيْنِ الْمَبِيعِ، فَقَالَ: بِعْتَنِي هذَا الْعَبْدَ، فَقَالَ: بَلْ هذِهِ الْجَارِيَةَ، تَحَالَفَا. ¬
وَإِنْ قَالَ: بِعْتُكَ هَذَا الْعَبْدَ، فَقَالَ الْمُشْتَرِي: بَلْ هُوَ وَالْعَبْدُ الآخَرُ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْبَائِعِ. فَإِنِ اخْتَلَفَا في التَّسْلِيمِ، وَالثَّمَنُ عَيْنٌ، جُعِلَ بَيْنَهُمَا عَدْلٌ يَقْبِضُ مِنْهُمَا، وَيُسَلِّمُ إِلَيْهِما. وَإِنْ كَانَ دَيْناً في الذِّمَّةِ، أُجْبِرَ الْبَائِعُ عَلَى تَسْلِيمِ الْمَبِيعِ، ثُمَّ أُجْبِرَ الْمُشْتَرِي عَلَى تَسْلِيمِ الثَّمَنِ إِنْ كَانَ مَعَهُ، وَإِنْ كَانَ غَائِباً عَنْهُ في الْبَلَدِ، حُجِرَ عَلَى الْمُشْتَرِي في جَمِيعِ مَالِهِ حَتَّى يُسَلِّمَهُ، وَإِنْ كَانَ غَائِباً عَنِ الْبَلَدِ، أَوْ كَانَ الْمُشْتَرِي مُعْسِراً، فَلِلْبَائِعِ الْخِيَارُ بَيْنَ أَنْ يَصْبِرَ إِلَى أَنْ يُوجَدَ، وَبَيْنَ فَسْخِ الْعَقْدِ، (1 وَإِنْ كانَ الْمُشْتَرِي مُعْسِراً، فَلِلْبَائِعِ الفَسْخُ (¬1) في الْحَالِ، وَالرُّجُوعُ في الْمَبِيعِ. * * * ¬
باب السلم
بَابُ السَّلَمِ رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ أَسْلَفَ في ثَمَرٍ، فَلْيُسْلِفْ في كَيْلٍ مَعْلُومٍ، وَوَزْنٍ مَعْلُومٍ إِلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ" رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ ومُسْلِمٌ (¬1). وَالسَّلَمُ نَوْعٌ مِنَ الْبَيْعِ يَنْعَقِدُ بِاللَّفْظِ الَّذِي يَنْعَقِدُ بِهِ الْبَيْعُ، وَبِلَفْظِ السَّلَمِ والسَّلَفِ (¬2). وَلا يَصِحُّ السَّلَمُ في الْمَكِيلِ وَزْناً، وَلا الْمَوْزُونِ كَيْلاً، وَكَذلِكَ الْمَذْرُوعُ وَالْمَعْدُودُ. وَهَلْ يَصِحُّ في الْمَعْدُودِ الْمُخْتَلِفِ؛ كَالْبَيْضِ وَالرُّمَّانِ وَالْبِطِّيخِ وَالْحَيَوَانِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ: إحْدَاهُمَا: لا يَصِحُّ. ¬
وَالأُخرَى: يَصِحُّ. ويُسْلَمُ فِيهَا غَيْرَ الْحَيَوَانِ، بِالْعَدَدِ في إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ، وَالأُخْرَى: بِالْوَزْنِ. وَقِيلَ: يُسْلَمُ في الْجَوْزِ وَالْبَيْضِ وَالأَوَانِي الْمُخْتَلِفَةِ الرُّؤُوسِ وَالأَوْسَاطِ عَدَداً، وَفِي الْفَوَاكِهِ وَالْبُقُولِ وَزْناً. وَهَلْ يَصِحُّ السَّلَمُ في الثِّيَابِ الْمَنْسُوجَةِ مِنْ شَيْئَيْنِ، كَالْقُطْنِ وَالإِبْرِيسَمِ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ. وَلا يَصِحُّ فِيمَا يَشْتَمِلُ عَلَى أَشْيَاءَ غَيْرِ مُتَمَيزَةٍ، كَالْغَالِيَةِ، وَالنَّدِّ، وَالْمَعَاجِينِ، وَاللَّبَنِ الْمَشُوبِ بِالْماءِ، وَالذَّهَبِ الْمَغْشُوشِ، وَالْقَسِّيِّ، وَلا فِيمَا لا يَنْضَبِطُ بِالصِّفَةِ؛ كَالْجَوَاهِرِ، وَالْحَوَامِلِ مِنَ الْحَيَوَانِ، وَلا في عَيْنٍ مُتَعَيِّنَةٍ، (1 وَلاَ فِي الأَوَانِي مُخْتَلِفَةِ الرُّؤُوسِ، وَلِلأَوْسَاطِ وَجهَانِ (¬1). وَمَا فِيهِ خِلْطٌ مِنْ غَيْرِهِ لِمَصْلَحَتِهِ، وَلَيْسَ بَمَقْصُودٍ في نَفْسِهِ، كَالْمِلْحِ في الْعَجِينِ، وَالإِنْفَحَةِ في الْجُبْنِ، يَصِحُّ السَّلَمُ فِيهِ. (2 وَلا يَصِحُّ السَّلَمُ في ثَمَرِ بُستانٍ بِعَيْيهِ؛ لأَنَّهُ لا يُؤْمَنُ انْقِطَاعٌ، فَإِنِ انْقَطَعَ الْمُسْلَمُ فِيْهِ، أَوْ (¬2) بَعْضُهُ فِي مَحَلِّهِ، فَالْمُشْتَرِي مُخَيَّرٌ بَيْنَ أَنْ ¬
يَصْبِرَ إِلَى أَنْ يُوجَدَ، وَبَيْنَ فَسْخِ الْعَقْدِ، وَيَرْجعُ بِالثَّمَنِ، أَوْ بِبَدَلِهِ إن كَانَ مَعْدُوماً. وَقِيلَ: يَنْفَسِخُ الْعَقْدُ بِنَفْسِ التَّعَذُّرِ. وَلا يَصِحُّ السَّلَمُ حَالاً، وَلا مُؤَجَّلاً أَجَلاً لا وَقْعَ لَهُ في الثَّمَنِ؛ كَالْيَوْمِ وَنَحْوِهِ. وَيُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ رَأْسُ مَالِ السَّلَمِ مَعْلُومَ الصِّفَةِ وَالْمِقْدَارِ؛ كَالْمُسْلَمِ فِيهِ، فَإِنْ تَفَرَّقَا قَبْلَ قَبْضِ بَعْضِهِ، بَطَلَ فِيمَا لَمْ يُقْبَضْ. وَهَلْ يَصِحُّ في الْمَقْبُوضِ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ. وَإذَا وَجَدَ الثَّمَنَ رَدِيئا فَرَدَّهُ، فَحُكْمُهُ حُكْمُ رَدِّ أَحَدِ الْعِوَضَيْنِ في الصَّرْفِ. وَإِنْ تَقَابَلا في بَعْضِ الْمُسْلَمِ فِيهِ، لَمْ يَصِحَّ في إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ، وَيَصِحُ في الأُخْرَى. وَيَقْبِضُ قِسْطَهُ مِنَ الثَّمَنِ أَوْ عِوَضِهِ في مَجْلِسِ الإِقَالَةِ، وَيَكُونُ وَفَاءُ السَّلَمِ فِي مَكَانِ الْعَقْدِ. فَإِنْ شَرَطَا مَكَانَ الإِيفَاءِ، صَحَّ، وَعَنْهُ: لا يَصِحُّ. فَإِنْ قَبَضَ الْمُسْلَمَ، ثُمَّ قَدِ ادَّعَى أَنَّهُ غَلِطَ عَلَيْهِ فِي الْكَيْلِ أَوِ الْوَزْنِ، فَهَلْ يُقْبَلُ قَوْلُهُ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ. وَإِنْ قَبَضَهُ جُزَافاً، قُبِلَ قَوْلُهُ، وَجْهاً وَاحِداً.
وَإذَا شَرَطَ في السَّلَمِ الأَجْوَدَ، لَمْ يَصِحَّ، وَإِنْ شَرَطَ الأَرْدَأَ، فَعَلَى وَجْهَيْنِ. وَإذَا أَحْضَرَ الْمُسْلَمَ فِيهِ عَلَى الصِّفَةِ، أَوْ أَجْوَدَ، لَزِمَهُ قَبُولُهُ. وَإِنْ جَاءَهُ بِأَجْوَدَ فِي الصَّفَةِ، فَقَال: خُذْهُ وَزِدْنِي دِرْهَماً، لَمْ يَصِحَّ. وَإِنْ جَاءَهُ بِزِيَادَةٍ فِي الْمِقْدَارِ، فَقَالَ ذلِكَ، صَحَّ. وَإذَا أَحْضَرَ الْمُسْلَمَ فِيهِ قَبْلَ الْمَحَلِّ، وَلا ضَرَرَ في قَبْضِهِ، لَزِمَهُ ذلِكَ، وَإِنْ كَانَ فِيهِ ضَرَرٌ، لَمْ يَلْزَمْهُ.
فصل في القرض
فَصْلٌ في الْقَرْضِ رَوَى أَبُو رَافِعٍ: أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - اسْتَسْلَفَ مِنْ رَجُلٍ بَكْراً، فَقَدِمَتْ عَلَيْهِ إِبل مِنْ إِبلِ الصَّدَقَةِ، فَأَمَرَ أَبَا رَافِعٍ أَنْ يَقْضِيَ الرَّجُلَ بَكْراً، فَرَجَعَ إِلَيْهِ أَبُو رَافِعٍ، فَقَالَ: لَمْ أَجِدْ فِيهَا إِلَّا خِيَاراً رَبَاعِياً، فَقَالَ: "أَعْطِهِ إِيَّاهُ؛ فَإِنَّ خِيَارَ النَّاسِ أَحْسَنُهُمْ قَضَاءً" رَوَاهُ مُسْلِمٌ (¬1). وَيَصِحُّ قَرْضُ مَا يَصِحُّ السَّلَمُ فِيهِ، فَقَالَ أَحْمَدُ -رَحِمَهُ اللهُ-: أَكْرَهُ قَرْضَ بَني آدَمَ. وَهَلْ يَصِحُّ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ. فَأَمَّا الْجَوَاهِرُ وَنَحْوُهَا، فَلا يَصِحُّ قَرْضُهَا فِي قَوْلِ أَبِي الْخَطَّابِ. وَقَالَ الْقَاضِي: يَصِحُّ، وَيَرُدُّ الْمُسْتَقْرِضُ الْقِيمَةَ. وَيُكْرَهُ قَرْضُ بَنِي آدَمَ، وَهَلْ يَصِحُّ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ. ¬
وَيُرَدّ الْمِثْلُ فِي الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ، وَالْقِيمَةُ فِيمَا عَدَاهُمَا. وفيه صُوَرُ وَجْهٍ آخَرَ: أَنَّهُ يُرَدُّ (¬1) الْمِثْلُ فِي الْجَمِيعِ. وَيَثْبُتُ الْمِلْكُ فِي الْقَرْضِ بِالْقَبْضِ. فَلَوْ أَرَادَ الْمُقْرِضُ الرّجُوعَ في عَيْنِ مَالِهِ، لَمْ يَكُنْ لَهُ ذلِكَ. وَإِنْ رَدَّهُ الْمُسْتَقْرِضُ، لَزِمَهُ قَبُولُهُ، إِلَّا أَنْ يَتَغَيَّرَ حَالُهُ بِعَيْبٍ حَادِثٍ، أَوْ تَحْرِيمِ السّلْطَانِ لَهُ؛ كَالْفُلُوسِ وَنَحْوِهَا، فَيَكُونُ لَهُ الْقِيمَةُ وَقْتَ الْقَرْضِ. وَإذَا أَقْرَضَهُ أَثْمَاناً، فَلَقِيَهُ بِبَلَدٍ آخَرَ، فَطَالَبَهُ، لَزِمَهُ، وَإِنْ كَانَ الْمُقْرَضُ غَيْرَهَا، لَمْ يَلْزَمْهُ مِثْلُهُ. وَإِنْ كَانَ قَرْضُهُ مَكِيلاً أَوْ مَوْزُوناً، فَطَالَبَهُ بِمِثْلِهِ فِي بَلَدٍ آخَرَ، لَمْ يَلْزَمْهُ. وَإِنْ أَحَبَّ أَنْ يُوَكِّلَ وَكِيلاً يَقْبِضُهُ لَهُ فِي بَلَدِ الْقَرْضِ، لَزِمَ الْمُقْرَضَ تَسْلِيمُهُ. فَإِنْ طَالَبَهُ بِالْقِيمَةِ، لَزِمَهُ. وَيَصِحُّ شَرْطُ الرَّهْنِ وَالضَّمِينِ فِي الْقَرْضِ، وَلا يَصِحُّ شَرْطُ الأَجَلِ، وَلا شَرْطُ مَا يَجُرُّ مَنْفَعَة؛ مِثْلَ أَنْ يُقْرِضَهُ عَلَى أَنْ يُسْكِنَهُ دَارَهُ، أَوْ يُعْطِيَهُ أَجْوَدَ مِمَّا أَخَذَ، وَيَكْتُبَ لَهُ سَفْتَجَةً. ¬
وَيُحْتَمَلُ جَوَازُ السَّفْتَجَةِ؛ لأَنَّهُ مَصْلَحَةٌ لَهُما جَمِيعاً، وَإِنْ بَدَأَهُ الْمُقْتَرِضُ بِفِعْلٍ، جَازَ، وَإِنْ أَهْدَى لَهُ هَدِيَّةً، أَوْ زَادَهُ (¬1) زِيَادَةً بَعْدَ الْوَفَاءِ مِنْ غَيْرِ مُوَاطَأَةٍ، فَهَلْ يَجُوزُ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ. * * * ¬
باب الرهن
بَابُ الرَّهْنِ رَوَى مُسْلِمٌ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: "اشتَرَى رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - مِنْ يَهُودِيٍّ طَعَاماً إِلَى أَجَلٍ، وَرَهَنَهُ دِرْعاً لَهُ مِنْ حَدِيدٍ" مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ (¬1). وَهُوَ عَقْدٌ لازِمٌ مِنْ أَحَدِ الطَرَفَيْنِ، وَلا يَصِحُّ إِلَّا في عَيْنٍ يَجُوزُ بَيْعُهَا. وَاسْتِدَامَةُ القَبْضِ شَرْط فِيهِ، فَإِنْ أَخْرَجَهُ الْمُرْتَهِنُ عَنْ يَدِهِ بِاخْتِيَارِهِ إِلَى يَدِ الرَّاهِنِ، زَالَ لُزُومُهُ، وَبَقِيَ كَأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ فِيهِ قَبْضٌ، فَإِنْ عَادَ فَرَدَّهُ إِلَيْهِ، عَادَ اللُّزُومُ بِحُكْمِ الْعَقْدِ السَّابِقِ. وَإذَا رَهَنَهُ عَصِيراً، فَصَارَ خَمْراً، ثُمَّ عَادَ خَلاًّ، عَادَ اللُّزُومُ. وَلا يَصِحُّ تَصَرُّفُ الرَّاهِنِ في الرَّهْنِ إِلَّا أَنْ يَأْذَنَ لَهُ الْمُرْتَهِنُ، فَيَصِحُّ، وَيَبْطُلُ الرَّهْنُ. ¬
وَقَالَ الْقَاضِي: يَجُوزُ تَزْوِيجُ الأَمَةِ الْمَرْهُونَةِ، وَلِلْمُرْتَهِنِ مَنع الزَّوْجِ مِنْ وَطْئِهَا، وَمَهْرُهَا رَهْنٌ مَعَهَا. وعَنْ أَحْمَدَ -رَحِمَهُ اللهُ- رِوَايَةٌ أُخْرَى: أَنَّ الْقَبْضَ فِي الْمُعَيَّنِ لَيْسَ بِشَرْطٍ، وَكَذلِكَ اسْتِدَامَةُ الْقَبْضِ في الْجَمِيعِ؛ فَعَلَى هذَا يَصِحُّ رَهْنُ الْمُكَاتَبِ إِنْ قُلْنَا بِجَوَازِ بَيْعِهِ، وَيَكُونُ وَمَا يُؤَدِّيهِ رَهْناً مَعَهُ. وَلا يَصِحُّ الرَّهْنُ بِالْحَقِّ قَبْلَ وُجُوبِهِ. وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: يَصِحُّ. وَيَصِحُّ رَهْنُ الْمُشَاعِ، وَيَجْعَلُهُ الْحَاكِمُ عَلَى يَدِ عَدْلٍ، أَوْ يُؤْجِرُهُ لَهُمَا، إِلَّا أَنْ يَتَرَاضَيَا عَلَى كَونهِ في يَدِ أَحَدِهِمَا. وَيَصِحُّ رَهْنُ مَا يُسْرِعُ إِلَيْهِ الْفَسَادُ، وَيَبِيعُهُ الْحَاكِمُ، وَيَكُونُ ثَمَنُهُ رَهْناً. وَهَلْ يَصِحُّ رَهْنُ الثَّمَرَةِ قَبْلَ بُدُوِّ صَلاحِهَا مِنْ غَيْرِ شَرْطِ الْقَطْعِ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ. وَلا يَصِحُّ رَهْنُ الْمَغْصُوبِ مِنْ غَيْرِ الْغَاصِبِ، وَلا رَهْنُ الْمُسْلِمِ مِنْ كَافِرٍ. وَإذَا رَهَنَ شيْئاً مِنْ رَجُلَيْنِ، فَوَفَّى أَحَدُهُمَا، فَجَمِيعُهُ رَهْنٌ عِنْدَ الآخَرِ، فِي اخْتِيَارِ ابْنِ أَبِي مُوسَى وَأَبِي الْخَطَّابِ، وَقَالَ الْقَاضِي: نِصْفُهُ رَهْنٌ، وَبَاقِيهِ وَدِيعَةٌ، إِلَّا أَنَّ يَكُونَ مِمَّا لا يَنْقُصُ بِالْقِسْمَةِ، فَيَقْسِمَانِهِ.
فصل في الشروط في الرهن
فَصْلٌ في الشُّرُوط في الرَّهْنِ وَهِيَ عَلَى ضَرْبَيْنِ: صَحِيحٍ: مِثْلَ أَنْ يَشْتَرِطَ كُوْنَه فِي يَدِ اثْنَيْنِ، أَوْ أَنْ يَبِيعَهُ اثْنَانِ، أَوْ أَنْ يَبِيعَهُ الْمُرْتَهِنُ أَوِ الْعَدْلُ عِنْدَ حُلُولِ الْحَقِّ؛ فَإِنْ عَزَلَهُمَا بَعْدَ ذلِكَ، صَحَّ، وَيَبِيعُهُ الْحَاكِمُ، وَيَصِحُّ أَنْ يَأْذَنَ الْمُرْتَهِنُ لِلرَّاهِنِ فِي بَيْعِ الرَّهْنِ، بِشَرْطِ أَنْ يَجْعَلَ ثمَنَهُ رَهْناً مَكَانَهُ، أَوْ يَجْعَلَ لَهُ دَيْنَهُ مِنْ ثَمَنِهِ. وَالشَّرْطُ الْفَاسِدُ: نَحْوَ أَنْ يَشْتَرِطَ أَلَّا يَبِيعَ الرَّهْنَ عِنْدَ حُلُولِ الْحَقِّ، أَوْ إِنْ لَمْ يَأْتِهِ بِحَقِّهِ عِنْدَ حُلُولهِ، وَإِلَّا فَالرَّهْنُ لَهُ، أَوْ نَحْوَ ذلِكَ. وَهَلْ يَبْطُلُ الرَّهْنُ بِذلِكَ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ.
فصل
فَصْلٌ إذَا اتَّفَقَا عَلَى جَعْلِ الرَّهْنِ فِي يَدِ عَدْلٍ، ثُمَّ اتَّفَقَا عَلَى نَقْلِهِ عَنْ يَدِهِ، جَازَ، وَإِنِ اخْتَلَفَا، لَمْ يَكُنْ لَهُمَا وَلا لِلْحَاكِمِ نَقْلُهُ. وَإِنْ أَرَادَ الْعَدْلُ رَدَّهُ عَلَيْهِمَا، فَلَهُ ذلِكَ، فَإِنْ رَدَّهُ إِلَى أَحَدِهِمَا، لَمْ يَجُزْ. فَإِنْ لَمْ يَرُدَّهُ إِلَى يَدِهِ، لَزِمَهُ ضَمَانُ حَقِّ الآخَرِ، فَإِنْ أَذِنَا لَهُ فِي الْبَيْعِ، لَزِمَهُ أَنْ يَبِيعَ بِنَقْدِ الْبَلَدِ، فَإِنْ كَانَ فِيهِ نُقُودٌ، بَاعَ بِجِنْسِ الدَّيْنِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهَا جِنْسُ الدَّيْنِ، بَاعَهُ بِمَا يُؤَدِّيهِ اجْتِهَادُهُ إِلَيْهِ أَنَّهُ الأَصْلَحُ. فَإِنْ تَلِفَ الثَّمَنُ فِي يَدِهِ، فَهُوَ مِنْ ضَمَانِ الرَّاهِنِ. وَكَذلِكَ إِنْ تَلِفَ الثَّمَنُ، واسْتَحَقَّ (¬1) في يَده الْمَبِيعِ، رَجَعَ الْمُشْتَرِي عَلَى الرَّاهِنِ، (2 فَإِنِ ادَّعَى تَسْليمَ الثَّمَنِ إِلَى المُرْتَهِنِ، لَمْ يُقْبَلْ إِلَّا بِبيِّنَيما، وَقَالَ الْقَاضِي: يُقْبَلُ قَوْلُهُ، وَقَالَ أَبُو الخَطَّابِ: يُقُبَلُ قُوْلُهُ عَلى الرَّاهِنِ (¬2)، وَلا يقبل عَلَى الْمُرْتَهِنِ. ¬
فَإذَا امْتَنَعَ الرَّاهِنُ مِنْ إِيفَاءِ الْحَقِّ، أَجْبَرَهُ الْحَاكِمُ، وَحَبَسَهُ، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ، بَاعَ الْحَاكِمُ الرَّهْنَ، وَقَضَى دَيْنَهُ. وَإذَا اخْتَلَفَا في رَدِّ الرَّهْنِ، أَوْ قَدْرِ الدَّيْنِ، أَوْ قَالَ: رَهَنْتُكَ عَصِيراً، فَقَالَ الْمُرْتَهِنُ: بَلْ رَهَنتنِي (¬1) خَمْراً، فَالْقَوْلُ قَوْلُ الرَّاهِنِ. وَإذَا أَنْفَقَ الْمُرْتَهِنُ عَلَى الرَّهْنِ بِغَيْرِ إِذْنِ الرَّاهِنِ، فَهُوَ مُتَطَوِّع، إِلَّا إِنْ عَجَزَ عَنِ اسْتِئْذَانِهِ واسْتِئْذَانِ الْحَاكِمِ، فَعَلَى رِوَايَتَيْنِ. فَإِنْ كَانَ الرَّهْنُ دَاراً، فَإِنْ تَهَدَّمَتْ (¬2)، فَعَمَّرَهَا الْمُرْتَهِنُ، لَمْ يَرْجِعْ عَلَى الرَاهِنِ. فَإِنْ جَنَى الرَّهْنُ، فَفَدَاهُ الْمُرْتَهِنُ بِغَيْرِ إِذْنِ الرَّاهِنِ مُعْتَقِداً لِلرُّجُوعِ، فَهَلْ يَرْجِعُ بِذلِكَ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ. وَيَجُوزُ أَنْ يَنتفِعَ الرَّاهِنُ بِالرَّهْنِ بِإِذْنِ الْمُرْتَهِنِ، وَيَجُوزُ لِلْمُرْتَهِنِ الِانْتِفَاعُ بِهِ بِإِذْنِ الرَّاهِنِ إذَا كَانَ في غَيْرِ قَرْضٍ، وَإِنْ كَانَ في قَرْضٍ، لَمْ يَجُزْ. * * * ¬
فصل
فَصْلٌ إذَا جَنَى عَلَى الرَّهْنِ جِنَايَةً تُوجِبُ الْقِصَاصَ، لَمْ يَكُنْ لِلسَّيِّدِ الِاقْتِصَاصُ، فَإِنْ فَعَلَ (¬1)، أُخِذَتْ مِنْهُ قِيمَتُهُ، فَجُعِلَتْ رَهْناً، وَكَذلِكَ إِنْ عَفَا عَنِ الْقِصَاصِ، أَوْ عَفَا عَنْ جِنَايَةِ الْخَطَأِ. وَهكَذَا إِنْ قتلَ سَيِّدَهُ، وَاخْتَارَ الْوَرَثَةُ الْقِصَاصَ. وَإِنْ أَقَرَّ الرَّاهِنُ أَنَّ الْمَرْهُونَ جَنَى قَبْلَ الرَّهْنِ، وَصَدَّقَهُ وَلِيُّ الْجِنَايَةِ، أَوْ أَنَّهُ (¬2) أَعْتَقَهُ، أَوْ غَصَبَهُ، أَوْ بَاعَهُ، قُبِلَ قَوْلُهُ عَلَى نَفْسِهِ، (3 وَلَمْ يُقْبَلْ عَلَى الْمُرْتَهِنِ. وَإذَا وَطِىَ الْمُرْتَهِنُ الْجَارِيَةَ الْمَرْهُونَة (¬3) بِإِذْنِ الرَّاهِنِ، وَادَّعَى الْجَهَالَةَ، وَكَانَ مِثْلُهُ يَجْهَلُ ذلِكَ، سَقَطَ عَنْهُ الْحَدُّ وَالْمَهْرُ. وَإِنْ وَلَدَتْ مِنْهُ، فَالْوَلَدُ حُرٌّ، وَلا يَلْزَمُهُ قِيمَتُهُ. ¬
وَإِنْ وَطِئَهَا، وَلَمْ يَدَّعِ شُبْهَةً، لَزِمَهُ الْحَدُّ وَالمَهرُ (¬1)، وَالْوَلَدُ مِلْكٌ لِلرَّاهِنِ. * * * ¬
باب في الحوالة والضمان والكفالة
بَابٌ في الْحَوَالَةِ وَالضَّمَانِ وَالْكَفَالَةِ رَوَى البُخَارِيُّ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، قالَ رسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "إذَا أُتْبِعَ أَحَدَكُمْ عَلَى مَلِيءٍ فَلْيَتْبَعْ" مُتَّفَق عَلَيْهِ (¬1) (¬2) وتَفْتَقِرُ صِحَّةُ الْحَوَالَةِ إِلَى أَنْ تَكُونَ بِدَيْن مُسْتَقِرٍّ عَلَى دَيْنٍ مُسْتَقِرٍّ، وَأَنْ يَكُونَ الدَّيْنَانِ مُتَّفِقَيْنِ (¬3) في الْجِنْسِ، وَالصِّفَةِ، وَالْحُلُولِ أَوِ التَّأجِيلِ، وَأَنْ تَكُونَ بِمَالٍ مَعْلُومٍ يَصِحُّ السَّلَمُ فِيهِ. وَلا يَصِحُّ بِإبِلِ الدِّيَةِ. وَأَنْ يُحِيلَ بِرِضَاهُ، فَإِنْ أَحَالَهُ عَلَى رَجُلٍ، فَبَانَ مُفْلِساً؛ فَإِنْ كَانَ رَضِيَ الْحَوَالَةَ، لَمْ يَرْجِعْ، وَإِنْ لَمْ يَرْضَ، رَجَعَ عَلَيْهِ. وَإذَا قَالَ الْمُحِيلُ: أَحَلْتُكَ بِدَيْنِكَ، فَقَالَ: بَلْ وَكَّلْتَنِي، أَوْ قَالَ ¬
الْمُحْتَالُ: أَحَلْتَنِي بِدَيْني، فَقَالَ: بَلْ وَكَّلْتُكَ في الْقَبْضِ؛ فَالْقَوْلُ قَوْلُ مُدَّعِي الْوِكَالَةِ، وَقَالَ الْقَاضِي: بَلِ الْقَوْلُ قَوْلُ مُدَّعِي الْحَوَالَةِ (¬1). وَإذَا أَحَالَ الْبائِعُ بِالثَّمَنِ رجلاً (¬2)، فَبَانَ الْبَيْع بَاطِلاً، بَطَلَتِ الْحَوالَةُ. وَإِنْ وَجَدَ بِالسِّلْعَةِ عَيْباً، فَرَدَّها، لَمْ يَبْطُلْ. وَكَذلِكَ إِنْ أَحَالَ الْمُشْتَرِي البَائِعَ بِالثَّمَنِ عَلَى رَجُلٍ. وَفيهِ وَجْهٌ آخَرُ: إِنْ لَمْ يَكُنِ الْبَائِعُ قَدْ قَبَضَ الثَّمَنَ، بَطَلَتِ (¬3) الْحَوَالَةُ. * * * ¬
فصل في الضمان
فَصْلٌ في الضَّمَانِ رَوَى الْبُخَارِيُّ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الأَكْوَعِ: أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - أُتِيَ بِجِنَازَةٍ، قَالُوا: صَلِّ عَلَيْهَا، قَالَ: "فَهَلْ تَرَكَ شَيْئاً؟ "، قَالُوا: لا، قَالَ: "فَهَلْ عَلَيْهِ دَيْنٌ؟ " قَالُوا: ثَلاثَةُ دَنَانِيرَ، قَالَ: "صَلُّوا عَلَى صَاحِبكُمْ"، قَالَ أَبُو قتادَةَ: صَلِّ عَلَيْهِ يَا رسولَ اللهِ وَعَلَيَّ دَيْنُهُ، فَصَلَّى عَلَيْهِ (¬1). فَالضَّمَانُ ضَمُّ ذِمَّةِ الضَّامِنِ إِلَى ذِمَّةِ الْمَضْمُونِ عَنْهُ، وَلِصَاحِبِ الْحَقِّ مُطَالَبَةُ مِنْ شَاءَ مِنْهُمَا، في الْحَيَاةِ وَبَعْدَ الْمَوْتِ. وَيَصِحُّ ضَمَانُ الْمَعْلُومِ وَالْمَجْهُولِ، وَضَمَانُ إِبلِ الدِّيَةِ، وَضَمَانُ عُهْدَةِ الْمَبِيعِ. وَمِنْ ضَمَانِ لِلأَعْيَانِ (¬2) الْمَضْمُونَةِ؛ كَالْمَغْصُوبِ، وَالْعَوَارِيِّ، وَالْكَفَالَةِ (¬3). ¬
فَأَمَّا الأَمَانَاتِ (¬1)؛ كَالْوَدِيعَةِ، فَلا يَصِحُّ ضَمَانُها. وَفِي ضَمَانِ مَالِ الْكِتَابَةِ وَدَيْنِ السَّلَمِ وَالرَّهْنِ بِمَالِ السَّلَمِ رِوَايَتَانِ. وَيَصِحُّ ضَمَانُ الدَّيْنِ الْحَالِّ مُؤَجَّلاً، وَلا يَصِحُّ ضَمَانُ الدَّيْنِ الْمُؤَجَّلِ حَالاًّ في أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ. وَإذَا قَضَى الضَّامِنُ الدَّيْنَ، فَأَنْكَرَ الْمَضْمُونُ لَهُ، وَحَلَفَ، لَمْ يَكُنْ لَهُ الرُّجُوعُ عَلَى الْمَضْمُونِ عَنْهُ، سَوَاءٌ (¬2) صَدَّقَهُ في الْقَضَاءِ، أَوْ كَذَّبَهُ. وَإِنِ اعْتَرَفَ الْمَضْمُونُ لَهُ بِالْقَضَاءِ، وَأَنْكَرَ الْمَضْمُونُ عَنْهُ، فَلَهُ الرُّجُوعُ عَلَيْهِ. وَيَرْجِعُ بِأَقَلِّ الأَمْرَيْنِ مِمَّا قَضَاهُ، أَوْ قَدْرِ الدَّيْنِ. وَإذَا ضَمِنَ دَيْناً مُؤَجَّلاً، فَقَضَاهُ حَالاًّ، لَمْ يَرْجِعْ بِهِ قَبْلَ الأَجَلِ. وَإذَا أَبْرَأَ صَاحِبُ الدَّيْنِ الْمَدِينَ، بَرِئَتْ ذِمَّةُ (3 الضَّامِنِ، وَإِنْ أَبْر تبرأ ذمة المضمون عنه (¬3) الْمَضْمُونِ عَنْهُ. وَيَصِحُّ ضَمَانُ دَيْنِ الْمَيِّتِ الْمُفْلِسِ وَغَيْرِهِ، وَلا تَبْرَأُ ذِمَّتُهُ قَبْلَ الْقَضَاءِ في أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ. وَلا يَصِحُّ الضَّمَانُ إِلَّا مِمَّنْ يَصِحُّ تَصَرُّفُهُ، فَإِنْ ضَمِنَ الْمُفْلِسَ، صَحَّ، وَتَبِعَهُ بَعْدَ فَكِّ الْحَجْرِ عَنْهُ. ¬
وَفِي ضَمَانِ الصَّبِيِّ الْعَاقِلِ رِوَايَتَانِ. وَلا يَصِحّ ضَمَانُ الْعَبْدِ إِلَّا أَنْ يَأْذَنَ لَهُ السَّيِّدُ، فَيَصِحُّ. وَهَلْ يَتَعَلَّقُ بِرَقَبَتِهِ أَمْ بِذِمَّةِ السَّيِّدِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ.
فصل في الكفالة
فَصْلٌ في الْكَفَالَةِ وَلا تَصِحُّ الْكَفَالَةُ بِبَدَنِ مَنْ عَلَيْهِ حَدٌّ، وَلا بِغَيْرِ مُعَيَّنٍ؛ مِثْلَ أَنْ يَقُولَ: كَفَلْتُ أَحَدَ هَذَيْنِ الرَّجُلَيْنِ. فَإِنْ تَكَفَّلَ بِبَدَنِ إِنْسَانٍ عَلَى أَنَّهُ إِنْ جَاءَ بِهِ، وَإِلَّا فَهُوَ كَفِيلٌ بِبَدَنٍ آخَرَ، أَوْ فَهُوَ ضَامِنٌ لَهُ دَيْناً عَلَى آخَرَ، صَحَّ. وَقَالَ الْقَاضِي: لا يَصِحُّ فِيهِمَا. وَكَذَلِكَ الْحُكْمُ إذَا تَكَفَّلَ بِجُزْءٍ شَائِعٍ مِنْ إِنْسَانٍ، أَوْ بِعُضْوٍ مِنْ أَعْضَائِهِ. وَإذَا أَرَادَ الْكَفِيلُ إِحْضَارَ الْمَكْفُولِ بِهِ، لَزِمَهُ أَنْ يَحْضُرَ إِنْ طَلَبَهُ الْمَكْفُولُ لَهُ، أَوْ كَانَتْ الْكَفَالَةُ بِإِذْنِهِ، فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ أَحَدُ هَذَيْنِ، لَمْ يَلْزَمْهُ الْحُضُورُ مَعَهُ. وَهَلْ تَفْتَقِرُ صِحَّةُ الْكَفَالَةِ إِلَى رِضَا الْمَكْفُولِ بِهِ؟ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ. وَإذَا سَلَّمَ الْمَكْفُولُ بِهِ نَفْسَهُ، أَوْ سَلَّمَهُ الْكَفِيلُ قَبْلَ الأَجَلِ، وَلا
ضَرَرَ عَلَى الْمَكْفُولِ لَهُ (¬1)، بَرِىَ الْكَفِيلُ. فَإِنْ غَابَ، لَمْ يُطَالَبْ حَتَّى يَمْضِيَ زَمَانٌ يُمْكِنُ الْمُضِيُّ فِيهِ وَإِعَادَتُهُ. فَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَيْهِ، ضَمِنَ مَا عَلَيْهِ. فَإِنْ مَاتَ، سَقَطَتِ الْكَفَالَةُ، وَكَذلِكَ إذَا تَلِفَتِ الْعَيْنُ الْمَكْفُولَةُ بِمَا يَفْعَلُ اللهُ تَعَالَى. فَإِنْ كَفَلَ اثْنَانِ بِرَجُلٍ، فَسَلَّمَهُ أَحَدُهُمَا، لَمْ يَبْرَأ الآخَرُ، وَإِنْ كَفَلَ وَاحِدٌ لِاثْنَيْنِ، فَأَبْرَأَهُ أَحَدُّهَمَا، لَمْ يَبْرَأْ مِنَ الآخَرِ. وَإذَا تَكَفَّلَ رَجُلٌ بِالْكَفِيلِ، صَحَّ. وَإذَا كَفَلَ ذِمِّيٌّ لِذِمِّيٍّ بِخَمْرٍ، فَأَسْلَمَ الْمَكْفُولُ لَهُ، بَرِىَ الْكَفِيلُ وَالْمَكْفُولُ عَنْهُ، وَإِنْ أَسْلَمَ الْمَكْفُولُ، لَمْ تَبْرَأْ في أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ. وَإذَا قَالَ الطَّالِبُ لِلْكَفِيلِ: بَرِئْتَ مِنَ الدَّيْنِ الَّذِي كَفَلْتَ بِهِ، لَمْ يَكُنْ إِقْرَاراً بِقَبْضِ الْحَقِّ. * * * ¬
باب الصلح
بَابُ الصُّلْحِ إِذَا اعْتَرَفَ بِحَقٍّ، فَاتَّفَقَا عَلَى أَنْ يَعَوِّضَهُ عَنْهُ، جَازَ، وَكَانَ بَيْعاً في جَمِيعِ أَحْكَامِهِ، إِلَّا أَنَّهُ يَصِحُّ عَنِ الْمَجْهُولِ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ الْعِوَضُ مَعْلُوماً مِنْ جِنْسِ الْوَاجِبِ، لَمْ يَجُزْ بِأَكْثَرَ مِنْهُ. فَإِذَا اعْتَرَفَ لَهُ بِقَتْلٍ خَطَأٍ، لَمْ يَجُزْ أَنْ يُصَالِحَهُ عَلَى أَكْثَرَ مِنَ الدِّيَةِ مِنْ جِنْسِهَا، وَيَجُوزُ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهَا. وَلَوْ أَتْلَفَ عَبْداً قِيمَتُهُ مِئَةٌ (¬1)، فَصالَحَهُ بِأَكْثَرَ مِنْ مِئَةٍ، لَمْ يَجُزْ، وَإِنْ صَالَحَهُ عَلَى (¬2) عِوَضٍ يُسَاوِي أَكْثَرَ مِنَ الْمِئَةِ، صَحَّ. وَإِنْ كَانَ الْعِوَضُ في الصُّلْحِ خِدْمَةً مُعَيَّنَةً، أَوْ سُكْنَى مُدَّةٍ، صَحَّ (¬3)، وَكَانَتْ إِجَارَةً. وَتَبْطُلُ بِتَلَفِ الْعَيْنِ (4 الَّتَيْ تُسْتَوفَى، كَمَا تَبْطُلُ الإِجَارَةُ (¬4). ¬
وَإِنْ كَانَ الْحَقُّ عَيْناً، فَوَهَبَ لَهُ بَعْضَهَا، أَوْ دَيْناً، فَأَسْقَطَ عَنْهُ بَعْضَهُ، جَازَ، إِلَّا أَنْ يُخْرِجَهُ مُخْرَجَ الشَّرْطِ، فَيَقُولَ: أَبْرَأْتُكَ وَوَهَبْتُكَ بَعْضَهُ عَلَى أَنْ تُعْطِيَنِي الْبَاقِي، فَلا يَصِحُّ. وَإذَا صَالَحَهُ عَنِ الْمِئَةِ الْمُؤَجَّلَةِ بِخَمْسِ مِئَةٍ حَالَّةٍ، أَوْ عَنِ الْحَالَّةِ بِخَمْسِ مِئَةٍ مُؤَجَّلَةٍ، لَمْ يَصِحَّ. وَإِنْ لَمْ يَعْتَرِفْ بِمَا ادُّعِيَ عَلَيْهِ (¬1)، فَصَالَحَ عَنْهُ بِمَالٍ مَعْلُومٍ، صَحَّ، وَكَانَ بَيْعاً في حَقِّ الْمُدَّعِي، حَتَّى وَلَوْ كَانَ الْمَأْخُوذُ شِقْصاً ثَبَتَتْ فِيهِ الشُّفْعَةُ، وَيَكُونُ إِبْرَاءً في حَقِّ الْمُنْكِرِ، حَتَّى لَوْ وَجَدَ بِالْمُدَّعَى عَيْباً، لَمْ يَرْجِعْ بِهِ عَلَى الْمُدَّعِي. وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا كَاذِباً، فَالصُّلْحُ بَاطِل في الْبَاطِنِ، وَإِنْ صَالَحَ عَنِ الْمُنْكِرِ أَجْنَبِيٌّ، صَحَّ، فَإِنْ كَانَ بِإِذْنِهِ، رَجَعَ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ بِغَيْرِ إِذْنِهِ، لَم يَرْجِعْ. فَإِنْ صَالَحَ الأَجْنَبِيُّ عَنْ نَفْسِهِ لِتكُونَ الْمُطَالَبَةُ لَهُ (¬2)، فَإِنِ اعْتَرَفَ لِلْمُدَّعِي بَصِحَّةِ دَعْوَاهُ، صَحَّ، لكِنْ إِنْ عَجَزَ عَنِ الاسْتِيفَاءِ (¬3)، فَهُوَ مُخَيَّر بَيْنَ فَسْخِ الصُّلْحِ وَإِمْضَائِهِ، وَإِنْ لَمْ يَعْتَرِفْ لَهُ بِصِحَّةِ دَعْوَاهُ، لَمْ يَصِحَّ. * * * ¬
فصل
فَصْلٌ وَيَصِحُّ الصُّلْحُ عَنِ الْقِصَاصِ بِكُلِّ مَا ثَبَتَ مَهْراً، وَلا يَصِحُّ بِغَيْرِ ذَلِكَ. وَإِذَا صَالَحَ عَنْ حَقِّ الشُّفْعَةِ، أَوِ الْمُطَالَبَةِ بِحَدِّ الْقَذْفِ، فَالصُّلْحُ باطِلٌ، وَتَسْقُطُ الشُّفْعَةُ، وَهَلْ يَسْقُطُ حَدُّ الْقَذْفِ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ. وَإِنْ صَالَحَ شَاهِداً عَلَى أَلَّا يَشْهَدَ عَلَيْهِ، أَوْ صَالَحَ السَارِقُ (¬1) رَجُلاً أَلَّا يَرْفَعَهُ لِلسُّلْطَانِ، أَوْ صَالَحَ رَجُل امْرَأَة لِتُقِرَّ لَهُ بِالزَّوْجِيَّةِ، أَوْ مَجْهُولَ النَّسَبِ لِيُقِرَّ لَهُ بِالْعُبُودِيَّةِ، فَالصُّلْحُ بَاطِلٌ. وَإِنْ دَفَعَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِالْعُبُودِيَّةِ إِلَى الْمُدَّعِي مَالاً صُلْحاً عَنْ دَعْوَاهُ، صَحَّ. وَإذَا ادَّعَى عَلَى رَجُلٍ وَدِيعَةً، فَأَنْكَرَ، أَوْ أَقَرَّ، وَاخْتَلَفَا في رَدِّهَا، وَالتَّفْرِيطِ فِيهَا، ثُمَّ اصْطَلَحَا عَلَى مَالٍ، فَالصُّلْحُ جَائِزٌ، وَكَذلِكَ المُضَارَبَةُ (¬2). ¬
وَإذَا وَجَدَ الْمُشْتَرِي بِالْمَبِيعِ عَيْباً، فَصَالَحَهُ الْبَائِعُ عَنْهُ، صَحَّ، فَإِنْ زَالَ الْعَيْبُ، مِثْلَ أَنْ ظَنَّ الأَمَةَ حَامِلاً، فَبَانَ غَيْرَ ذلِكَ، رَجَعَ الْبَائِعُ بِمَا أُخِذَ مِنْهُ. فَإِنْ كَانَ الْبَائِعُ امْرَأَةً، فَصَالَحَتْهُ عَنِ الْعَيْبِ عَلَى أَنْ تُزَوِّجَهُ نَفْسَهَا، صَحَّ، فَإِنْ زَالَ الْعَيْبُ، رَجَعَتْ بِأَرْشِهِ، لا بِمَهْرِ الْمِثْلِ. وَصُلْحُ الْمُكَاتَبِ وَالْمَأْذُونِ لَهُ مِنَ الْعَبيدِ وَالصِّبْيَانِ مِنْ دَيْنٍ لَهُمْ عَنْ بَعْضِهِ لا يَصِحُّ إذَا كَانَ بِهِ بَيِّنَةٌ، أَوْ أُقِرَّ لَهُمْ بِهِ، فَإِنْ كَانَ عَلَى الإِنْكَارِ، صَحَّ صُلْحُهُمْ.
فصل
فَصْلٌ وَلا يَجُوزُ أَنْ يُشْرِعَ إِلَى طَرِيقٍ نَافِذٍ (¬1) جَنَاحاً، وَلا سَابَاطاً، وَلا دُكَّاناً، وَلا يُشْرِعَهُ إِلَى نَافِذٍ، وَلا إِلَى مِلْكِ إِنْسَانٍ إِلَّا بِإِذْنِ أَهْلِهِ، فَإِنْ صَالَحُوهُ عَنِ ذلِكَ، صَحَّ. وَيَجُوزُ أَنْ يُصَالِحَهُ عَلَى أَنْ يُجْرِيَ عَلَى سَطْحِهِ أَوْ أَرْضِهِ مَاءً مَعْلُوماً، وَأَنْ يَضَعَ عَلَى جِدَارِهِ خَشَباً. وَإِنْ أَلْجَأَتْهُ الضَّرُورَةُ إِلَى وَضْعِ خَشَبِهِ عَلَى جِدَارِ غَيْرِهِ، مِثْلَ أَنْ يَكُونَ لَهُ حَائِطٌ وَاحِدٌ، وَلِجَارِهِ ثُلُثُهُ، فَلَيْسَ لِجَارِهِ مَنْعُهُ إذَا كَانَ ذلِكَ لا يُضِرُّ بِالْحَائِطِ -نَصَّ عَلَيْهِ-، لِقَوْلِ رَسولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "لا يَمْنَعْ أَحَدُكُمْ جَارَهُ أَنْ يَغْرِزَ خَشَبَهُ في جِدَارِهِ" رَوَاهُ مُسْلِمٌ (¬2). وَعَنْهُ: لَيْسَ لَهُ وَضْعُ خَشَبِهِ في جِدَارِ الْمَسْجِدِ، وَهذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لا يَضَعُ خَشَبَهُ في مِلْكِ الْجَارِ، وَكَذلِكَ في الْحَائِطِ الْمُشْتَرَكِ. ¬
وَلا يَجُوزُ أَنْ يَفْتَحَ في الْحَائِطِ الْمُشْتَرَكِ رَوْزَنَةً، وَلا طَاقَةً إِلَّا بِإِذْنِ شَرِيكِهِ، وَإذَا كَانَ ظَهْرُ دَارِهِ إِلَى دَرْبٍ غَيْرِ نَافِذٍ، فَفَتَحَ فِيهِ بَاباً لِغَيْرِ الِاسْتِطْرَاقِ، جَازَ، وَإِنْ فَتَحَهُ لِلاسْتِطْرَاقِ، لَمْ يَجُزْ، فَإِنْ صَالَحَ أَهْلَ الدَّرْبِ عَنْ ذلِكَ بِعِوَضٍ، جَازَ. فَإِنْ كَانَ لَهُ بَابٌ في آخِرِ الدَّرْبِ، فأَرَادَ أَنْ يُقَدِّمَهُ تِلْقَاءَ أَوَّلِهِ، جَازَ، وَإِنْ كَانَ في أَوَّلِهِ، فَأَرَادَ أَنْ يُقَدِّمَهُ تِلْقَاءِ آخِرِهِ، لَمْ يَجُزْ، إِلَّا أَنْ يَرْضَى الْجِيرَانُ. وَإذَا حَصَلَتْ أَغْصَانُ شَجَرَتِهِ في هَوَاءِ غَيْرِهِ، فَطَالَبَهُ بِإِزَالَتِهَا، لَزِمَهُ ذلِكَ، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ، فَلِصَاحِبِ الْهَوَاءِ قَطْعُهَا، فَإِنْ صَالَحَهُ عَنْ ذلِكَ بِعِوَضٍ، لَمْ يَجُزْ؛ لأَنَّ هَذَا يَرْتَدُّ وَيَتَغَيَّرُ (¬1). * * * ¬
فصل
فَصْلٌ إذَا انْهَدَمَ الْحَائِطُ الْمُشْتَرَكُ، فَاتَّفَقَا عَلَى قِسْمَةِ الْعَرَصَةِ، جَازَ، وَإِنِ امْتَنَعَ أَحَدُهُمَا، وَطَلَبَ الآخَرُ قِسْمَتَها طُولاً، أُجْبِرَ الآخَرُ؛ وَإِنْ طَلَبَ قِسْمَتَهَا عَرْضاً، وَكَانَتْ لا تَضُرُّ، مِثْلَ أَنْ يَحْصُلَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَا يُمْكِنُهُ أَنْ يُنْشِىَ حَائِطاً، أُجْبِرَ -أَيْضاً-، وَإِنْ كَانَتْ تَضُرُّ، لَمْ يُجْبَرْ. فَإِنْ طَلَبَ أَحَدُهُمَا الْبِنَاءَ، فَامْتَنَعَ الآخَرُ، أُجْبِرَ في إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ، وَالأُخْرَى: لا يُجْبَرُ؛ لكِنْ لِشَرِيكِهِ أَنْ يَبْنِيَ. فَإِنْ بَنَاهُ ثَلاثَةٌ، فَهُوَ بَيْنَهُمَا عَلَى الشَّرِكَةِ؛ وَإِنْ بَنَاهُ بِآلَةٍ مِنْ عِنْدَهِ، فَهُوَ مِلْكُهُ خَاصَّةً، وَلَيْسَ لِشَرِيكِهِ الِانْتِفَاعُ بِهِ، فَإِنْ كَانَ لَهُ عَلَيْهِ رَسْمُ انْتِفَاعٍ، فَالثَّانِي مُخَيَّرٌ (¬1) بَيْنَ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُ نِصْفَ قِيمَةِ الْحَائِطِ، وَيَكُونَ بَيْنَهُمَا، وَبَيْنَ أَنْ يَأْخُذَ آلَتَهُ لِيُعِيدَ الْبِنَاءَ بَيْنَهُمَا. وَكَذلِكَ إِنْ كَانَ بَيْنَهُمَا نَهْرٌ، أَوْ دُولابٌ، أَوْ قَنَاةٌ، وَاحْتَاجَ إِلَى عِمَارَةٍ، فَفِي إِجْبَارِ الْمُمْتَنِعِ رِوَايَتَانِ. * * * ¬
باب الحجر
بَابُ الْحَجْرِ فصْلٌ في الْمُفْلِسِ قَالَ أَبُو سَعيدٍ: أُصِيبَ رَجُلٌ في عَهْدِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - في ثِمَارٍ ابْتَاعَهَا، فَكَثُرَ دَيْنُهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "تَصَدَّقُوا عَلَيْهِ"، فتصَدَّقَ النَّاسُ عَلَيْهِ، فَلَمْ يَبْلُغْ ذلِكَ وَفَاءَ دَيْنِهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - لِغُرَمَائِهِ: "خُذُوا مَا وَجَدْتُمْ، وَلَيْسَ لَكُمْ إِلَّا ذَلِكَ" (¬1). وَقَالَ -عَلَيْهِ السَّلامُ-: "إذَا أَفْلَسَ الرَّجُلُ، فَوَجَدَ الرَّجُلُ عِنْدَهُ سِلْعَتَهُ بِعَيْنِهَا، فَهُوَ أَحَقُّ بِهَا" رَوَاهُ مُسْلِمٌ (¬2). إذَا لَزِمَ الإِنْسَانَ دُيُونٌ حَالَّةٌ لا يَفِي مَالُهُ بِهَا (¬3)، فَسَأَلَ غُرَمَاؤُهُ الْحَاكِمَ الْحَجْرَ عَلَيْهِ، لَزِمَتْهُ إِجَابَتُهُمْ، فإذَا حَجَرَ عَلَيْهِ، لَمْ يَنْفُذْ تَصَرُّفُهُ في مَالِهِ، إِلَّا أَنَّ في الْعِتْقِ رِوَايَتَيْنِ. ¬
وَإِنْ تَصَرَّفَ في ذِمَّتِهِ، أَوْ أَقَرَّ بِدَيْنٍ، صَحَّ، وَلَمْ يُشَارِكِ (¬1) الْغُرَمَاءَ. وَإِنْ جَنَى جِنَايَةً، شَارَكَ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ الْغُرَمَاءَ. وَلا يَتْرُكُ (¬2) لَهُ مَا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ مِنْ ثِيَابٍ وَخَادِمٍ وَمَسْكَنٍ، وَمَا يَتَّجِرُ فِيهِ لِقُويِهِ وَقُوتِ عِيَالِهِ إِنْ لَمْ يَكُنْ ذَا صَنْعَةٍ، وَإِنْ كَانَ ذَا صَنْعَةٍ، فَهَلْ يُؤَخِّرُهُ الْحَاكِمُ لِيَقْضِيَ بَقِيَّةَ دَيْنِهِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ. ثُمَّ يَبِيعُ الْحَاكِمُ بَقِيَّةَ مَالِهِ بِحَضْرَتهِ، أَوْ بِحَضْرَةِ وَكِيلِهِ وَحَضْرَةِ الْغُرَمَاءِ، كُلُّ شَيْءٍ في سُوقِهِ، وَيَقْسِمُ ثَمَنَهُ بَيْنَ الْغُرَمَاءِ عَلَى قَدْرِ حِصَصِهِمْ، فَإِنْ ظَهَرَ لَهُ غَرِيمٌ بَعْدَ الْقِسْمَةِ، رَجَعَ عَلَى الْغُرَمَاءِ بِقِسْطِهِ، وَإِلَّا فَإذَا فُكَّ الْحَجْرُ عَنْهُ، وَلَزِمَتْهُ دُيونٌ، فَأُعِيدَ الْحَجْرُ عَلَيْهِ، شَارَكَ غُرَمَاءُ الْحَجْرِ الأَوَّلِ غُرَمَاءَ الْحَجْرِ الثَّانِي. وَمَنْ وَجَدَ مِنَ الْغُرَمَاءِ عَيْنَ مَالِهِ نَاقِصَةً بِهُزَالٍ أَوْ نِسْيَانِ صِفَةٍ، فَهُوَ مُخَيَّر بَيْنَ الرِّضَا بِهَا نَاقِصَةً، وَبَيْنَ تَرْكِهَا، وَيَضْرِبُ مَعَ الْغُرَمَاءِ بِكَمَالِ الثَّمَنِ، وَإِنْ تَعَلَّقَ بِهَا حَقُّ شُفْعَةٍ أَوْ جِنَايَةٍ أَوْ رَهْنٍ، أَوْ غَيَّرَ الْمُفْلِسُ صِفَتَهَا؛ بِأَنْ كَانَ غَزْلاً فَنَسَجَهُ، أَوْ دَقِيقاً فَخَبَزَهُ، لَمْ يَرْجِعْ بِهَا. وَكَذلِكَ إِنْ زَادَتْ زِيَادَةً مُتَّصَلِةً. وَنَقَلَ الْمَيْمُونِيُّ عَنْهُ: أَنَّهُ يَرْجِعُ. فَإِنْ كَانَ النَّمَاءُ مُنْفَصِلاً، لَمْ يَمْنَعِ الرُّجُوعَ، وَالزِّيَادَةُ لِلْمُفْلِسِ في ¬
قَوْلِ ابْنِ حَامِدٍ، وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: هِيَ لِلْبَائِعِ. وَرُوِي -أَيْضاً- عَنْ أَحْمَدَ: إِنْ كَانَتْ ثِيَاباً فَصَبَغَهَا، أَوْ قَصَرَهَا، لَمْ يُمْنَعِ الرُّجُوعُ فِيهَا، وَالزِّيَادَةُ لِلْمُفْلِسِ، وَإِنْ كَانَتْ أَرْضاً فَغَرَسَهَا، أَوْ بَنَى فِيهَا، فَلِلْبَائِعِ الرُّجُوعُ، وَيَدْفَعُ قِيمَةَ الْبِنَاءِ وَالْغِرَاسِ، وَإِنِ اخْتَارَ الْغُرَمَاءُ وَالْمُفْلِسُ الْقَلْعَ، فَلَهُمْ ذلِكَ، وَعَلَيْهِمْ ضَمَانُ نَقْصِ الأَرْضِ، وَإِنِ امْتَنَعُوا مِنَ القَلْعِ (¬1)، وامْتَنَعَ الْبَائِعُ مِنْ دَفْعِ الْقِيمَةِ، سَقَطَ حَقُّ الرُّجُوعِ، وَقَالَ الْقَاضِي: يُبَاعُ، وَيَأْخُذُ كُلٌّ مِنْهُمَا (¬2) حَقَّهُ. وَمَنِ ادَّعَى الإِعْسَارَ مِمَّنْ لا يُعْرَفُ لَهُ مَالٌ قَبْلَ ذلِكَ، حَلَفَ، وَخُلِّيَ سَبِيلُهُ، وَتُسْمَعُ الْبَيِّنَةُ عَلَى الإِعْسَارِ قَبْلَ الْحَبْسِ وَبَعْدَهُ. * * * ¬
فصل في الحجر على الصبي والمجنون
فَصْلٌ في الْحَجْرِ عَلَى الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ وَإذَا بَلَغَ الصَّبِيُّ، وَعَقَلَ الْمَجْنُونُ، وَرَشَدَ، انْفَكَّ الْحَجْرُ عَنْهُمَا مِنْ غَيْرِ حُكْمِ حَاكِمٍ. وَالْبُلُوغُ لِلْغُلامِ بِالِاحْتِلامِ، أَوْ كَمَالِ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً، أَوْ (¬1) إِنْبَاتِ الشَّعْرِ الْخَشِنِ حَوْلَ الْقُبُلِ، وَفِي حَقِّ الْجَارِيَةِ بِهذِهِ الثَّلاثَةِ، وَبِالْحَيْضِ وَالْحَمْلِ. وَلا يُدْفَعُ إِلَيْهِ مَالُهُ حَتَّى يُخْتَبَرَ اخْتِبَارَ مِثْلِهِ، فَتُكَرَّرُ تَصَرُّفَاتُهُ الَّتِي يَتَصَرَّفُ فِيهَا أَمْثَالُهُ عَلَى وَجْهِ الْمَصْلَحَةِ. ووَقْتُ الِاخْتِبَارِ قَبْلَ الْبُلُوغِ في إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ، وَالأُخْرَى: بَعْدَهُ. وَالْوَليُّ (¬2) في مَالِهِمَا الأَبُ، أَوْ وَصِيُّهُ، ثُمَّ الْحَاكِمُ، وَلَيْسَ لِوَليِّهِمَا ¬
أَنْ يَتَصَرَّفَ في مَالِهِمَا (¬1) إِلَّا عَلَى (¬2) وَجْهِ الْحَظِّ لَهُمَا، وَلَهُ تَزْوِيجُ إِمَائِهِمَا، وَمُكَاتَبَةُ رَقِيقِهِمَا (¬3) إذَا رَأَى الْمَصْلَحَةَ فِيهِ، -نَصَّ عَلَيْهِ-. وَيَبِيعُ نَسَاءً، وَيُقْرِضُ مَالَهُمَا إذَا أَخَذَ بِالْعِوَضِ رَهْناً، وَيشْتَرِي لَهُمَا الْعَقَارَ، وَيَبْنِيهِ بِالآجُرِّ وَالطِّينِ، وَلَيْسَ لَهُ تَرْكُ شُفْعَتِهِمَا إذَا كَانَ الْحَظُّ في الأَخْذِ بِهَا، وَلا يَبِيعُ عَقَارَهُمَا إِلَّا لِضَرُورَةٍ، أَوْ أَنْ يُدْفَعَ فِيهِ زِيَادَةٌ كَثيرَةٌ؛ كَالثُّلُثِ وَنَحْوِهِ. فَإِنْ تَبَرَّعَ، أَوْ بَاعَ دُونَ ثَمَنِ الْمِثْلِ، أَوْ أَنْفَقَ عَلَيْهِمَا زيَادَةً عَلَى النَّفَقَةِ بِالْمَعْرُوفِ، لَوْ صَالَحَ بِشَيْءٍ مِنْ مَالِهِمَا لِمَنْ لا بَيِّنَةَ لَهُ بِمَا يَدَّعِيهِ، ضَمِنَ. فَإِنْ زَالَ الْحَجْرُ عَنْهُمَا، فَادَّعَيَا عَلَى الْوَليِّ شَيْئاً مِنْ ذلِكَ، فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ. وَكَذلِكَ الْقَوْلُ قَوْلُهُ في تَلَفِ المَالِ (¬4)، وَفِي دَفْعِهِ إِلَيْهِمَا بَعْدَ الرُّشْدِ. فإذَا آجَّرَ الْوَليُّ الصَّبِيَّ مُدَّةً، فَبَلَغَ في أَثْنَائِهَا، لَمْ يَكُنْ لَهُ فَسْخُ الإِجَارَةِ، وَكَذلِكَ إذَا أَعْتَقَ السَّيِّدُ عَبْدَهُ في أَثْنَاءِ مُدَّةِ الإِجَارَةِ. ¬
وَلِلْوَليِّ أَنْ يَأْكُلَ مِنْ مَالِ الْمُوَلَّى عَلَيْهِ بِقَدْرِ عَمَلِهِ، وَذلِكَ (¬1) إذَا كَانَ اشْتِغَالُهُ بِمَالِهِ يَقْطَعُهُ عَنْ مَعِيشَةِ مَا يَقُومُ بِكِفَايَتِهِ، وَهَلْ يَلْزَمُهُ عِوَضُ ذلِكَ إذَا أَيْسَرَ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ. * * * ¬
فصل في الحجر على السفيه
فَصْلٌ في الْحَجْرِ عَلَى السَّفِيهِ وَمَنْ عَاوَدَ السَّفَهَ، حُجِرَ عَلَيْهِ، وَلا يَنْظُرُ في مَالِهِ إِلا الْحَاكِمُ، وَيُسْتَحَبُّ الإِشْهَادُ عَلَى الْحَجْرِ عَلَيْهِ، فَمَنْ دَفَعَ إِلَيْهِ مَالاً بِبَيْعٍ أَوْ غَيْرِهِ، فَلَهُ الرُّجُوعُ فِيهِ إِنْ كَانَ بَاقِياً، وَإِنْ كَانَ تَالِفاً، فَهُوَ مِنْ ضَمَانِ مَالِكِهِ، عَلِمَ بِالْحَجْرِ عَلَيْهِ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ. وَإِذَا جَنَى عَلَى أَمْوَالِ النَّاسِ وَأَنْفُسِهِمْ، فَهُوَ مَضْمُونٌ عَلَيْهِ. وَإِذَا أَذِنَ لَهُ الْوَليُّ في النِّكَاحِ، صَحَّ. وَقَالَ الْقَاضِي: يَصِحُّ مِنْ غَيْرِ إِذْنِ الْوَليِّ، وَإِنْ أَذِنَ لَهُ في الْبَيْعِ، فَهَلْ يَصِحُّ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ.
باب الإذن
بَابُ الإِذْنِ إِذَا أَذِنَ الْوَليُّ لِلْيَتِيمِ الْعَاقِلِ في التِّجَارَةِ، صَحَّ، وَلَمْ يَنْفَكَّ عَنْهُ الْحَجْرُ إِلَّا فِيمَا أَذِنَ لَهُ. وَلا يَصِحُّ تَصَرُّفُهُ وَإِقْرَارُهُ بِمَا زَادَ -نَصَّ عَلَيْهِ-. وَإذَا عَيَّنَ لَهُ نَوْعَ تِجَارَةٍ، لَمْ يَجُزْ لَهُ (¬1) أَنْ يَتَّجِرَ في غَيْرِهَا، فَإِنْ أَذِنَ لَهُ في جَمِيعِ أَنْوَاعِ التِّجَارَةِ، لَمْ يَجُزْ أَنْ يُؤَجِّرَ نَفْسَهُ، وَلا أَنْ يَتَوَكَّلَ لإِنْسَانٍ. وَهَلْ لَهُ أَنْ يُوَكِّلَ فِيمَا يَتَوَلَّى مِثْلَهُ بِنَفْسِهِ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ. وَكَذلِكَ الْحُكْمُ في تَصَرُّفِ الْعَبْدِ الْمَأْذُونِ. وَلَوْ رَآهُ سَيِّدُهُ يَتَّجِرُ، فَلَمْ يَنْهَهُ، لَمْ يَصِرْ مَأْذُوناً لَهُ. وَلا يَبْطُلُ الإِذْنُ بِالإِبَاقِ. وَلا يَجُوزُ تَبَرُّعُ الْمأْذُونِ لَهُ بِهِبَةِ الدَّرَاهِمِ وَكِسْوَةِ الثِّيَابِ، وَيَجُوزُ هَدِيَّتُهُ الْمَأْكُولَ، وَإِعَارَةُ دَابَّتِهِ. ¬
وَهَلْ يَجُوزُ لِلْعَبْدِ غَيْرِ الْمَأْذُونِ أَنْ يَتَصَدَّقَ مِنْ قُوتهِ بِالرَّغِيفِ وَنَحوِهِ إذَا لَمْ يَضُرَّ بِهِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ. وَهكَذَا الْحُكْمُ في تَصَدُّقِ الْمَرْأَةِ مِنْ بَيْتِ زَوْجِهَا بِغَيْرِ إِذْنِهِ عَلَى رِوَايَتَيْنِ. وَهَلْ لِلزَّوْجِ أَنْ يَحْجُرَ عَلَى زَوْجَتِهِ إِنْ تَتَبَرَّعْ بِمَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ.
فصل في الوكالة
فَصْلٌ في الْوَكَالَةِ تَصِحُّ الْوَكَالَةُ بِكُلِّ لَفْظٍ يَدُلُّ عَلَى الإِذْنِ، وَبِكُلِّ قَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ يَدُلُّ عَلَى الْقَبُولِ، وَيَصِحُّ عَلَى الْفَوْرِ وَالتَّرَاخِي بِأَنْ يَثْبُتَ عِنْدَهُ أَنَّ فُلاناً وَكَّلَهُ مُنْذُ شَهْرٍ، فَيَقُولَ: قَبِلْتُ. وَيَجُوزُ تَعْلِيقُها عَلَى شَرْطٍ مُسْتَقْبَلٍ، وَيَجُوزُ في جَمِيعِ حُقُوقِ الآدَمِيِّينَ إِلَّا في الظِّهَارِ وَاللِّعَانِ والأَيْمَانِ. وَلا يَجُوزُ التَّوْكِيلُ وَلا التَّوَكُّلُ في شَيْءٍ إِلَّا مِمَّنْ يَصِحُّ تَصَرُّفُهُ فِيهِ. وَيَجُوزُ لِلْوَكِيلِ وَالْوَصِيِّ وَالْحَاكِمِ التَّوْكِيلُ فِيمَا لا يَتَوَلاَّهُ مِثْلُهُ بِنَفْسِهِ، أَوْ يَعْجِزُ عَنْهُ لِكَثْرَتِهِ. فَأَمَّا (¬1) في غَيْرِ ذلِكَ، فَعَلَى رِوَايَتَيْنِ. وَإِذَا وَكَّلَ اثْنَيْنِ، لَمْ يَكُنْ لأَحَدِهِمَا الِانْفِرَادُ بِالتَّصَرُّفِ، إِلَّا أَنْ يَجْعَلَ إِلَيْهِ ذلِكَ. ¬
وَالْوِكَالَةُ عَقْدٌ جَائِزٌ مِنَ الطَّرَفَيْنِ، فَإذَا مَاتَ الْمُوَكِّلُ، أَوْ عُزِلَ الْوَكِيلُ، انْعَزَلَ، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ. وَعَنْهُ: لا يَنْعَزِلُ حَتَّى يَعْلَمَ. وَتَبْطُلُ الْوِكَالَةُ وَالْمُضَارَبَةُ بِالْمَوْتِ وَالْجُنُونِ وَالْحَجْرِ لِلسَّفَهِ، وَلا تَبْطُلُ بِالإِغْمَاءِ وَالسُّكُرِ وَالتَّعَدِّي فِيمَا وُكِّلَ فِيهِ. فَهَلْ تَبْطُلُ بِالرِّدَّةِ وَإِعْتَاقِهِ (¬1) الْعَبْدَ الَّذِي وَكَّلَهُ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ. وَحُقُوقُ الْعَقْدِ مِنَ الْمُطَالَبَةِ بِالثَّمَنِ، وَضَمَانِ عُهْدَةِ الْمَبِيع، وَالْمُطَالَبَةِ بِالتَّسْلِيمِ يَتَعَلَّقُ بِالْمُوَكِّلِ، وَالْمُلْكُ يَنتقِلُ إِلَيْهِ، فَلَوْ وَكَّلَ مُسْلِمٌ ذِمِّيّاً في شِرَاءِ (¬2) خَمْرٍ، لَمْ يَصِحَّ. * * * ¬
فصل
فَصْلٌ إذَا وَكَّلَهُ في بَيْعِ شَيْءٍ، فَبَاعَهُ نَسَاءً، أَوْ بِغَيْرِ نَقْدِ الْبَلَدِ، لَمْ يَصِحَّ. فَإِنْ بَاعَهُ بِدُونِ ثَمَنِ الْمِثْلِ، أَوْ بِأَنْقَصَ مِمَّا قَدَّرَ لَهُ، صَحَّ الْبَيْعُ، وَضَمِنَ النُّقْصَانَ، وَيَحْتَمِلُ أَلَّا يَصِحَّ. فَإِنْ قَالَ: بِعْهُ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ، فَبَاعَهُ (¬1) بِأَكْثَرَ مِنْهَا، صَحَّ، وَإِنْ بَاعَهُ بِأَلْفِ دِينَارٍ، أَوْ قَالَ: بِعْهُ بِمِئَةٍ مُؤَجَّلَة، فَبَاعَهُ بِمِئَةٍ حَالَّةٍ، صَحَّ، وَيَحْتَمِلُ أَلَّا يَصِحَّ إذَا كَانَ الثَّمَنُ مِمَّا يَسْتَضِرُّ بِحِفْظِهِ. فَإِنْ قَالَ: اشْتَرِ لِي عَبْداً بِمِئَةٍ، فَاشْتَرَى عَبْداً بِثَمَانِينَ يُسَاوِي مِئَةً، صَحَّ، وَإِنْ كَانَ لا يُسَاوِي مِئَةً، لَمْ يَصِحَّ. وَلَوْ قَالَ: اشْتَرِ لِي شَاةً بِدِينَارٍ، فَاشْتَرَى شَاتَيْنِ تُساوِي إِحْدَاهُمَا دِينَاراً، صَحَّ، وَإِلَّا، فَلا يَصِحُّ. وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ إِلَّا سَلِيماً، فَإِنْ وَجَدَ بِهِ عَيْباً، فَلَهُ الرَّدُّ. فَإِنْ قَالَ الْبَائِعُ: مُوَكِّلُكَ قَدْ عَلِمَ بِالْعَيْبِ، فَرَضِيَ، فَأَنْكَرَ الْوَكِيلُ، ¬
فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ أَنَّهُ لا يَعْلَمُ ذلِكَ. فَإذَا فَسَخَ، فَحَضَرَ الْمُوَكِّلُ، وَصَدَّقَ الْبَائِعَ، فَهَلْ لَهُ أَخْذُ السِّلْعَةِ بِالْعَقْدِ الأَوَّلِ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ. وَلَوْ وَكَّلَهُ في شِرَاءِ (¬1) شَيْءٍ عَيَّنَهُ، فَاشْتَرَاهُ، وَوَجَدَ بِهِ عَيْباً، لَمْ يَكُنْ لَهُ الرَّدُّ مِنْ غَيْرِ إِعْلامِ الْمُوَكِّلِ في أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ. فَإِنْ قَالَ: اشْتَرِ لِي في ذِمَّتِكَ، وانْقُدِ الثَّمَنَ، فَاشْتَرَاهُ بِعَيْنِ الْمالِ، صَحَّ. وَلَوْ قَالَ: اشْتَرِ لِي بِعَيْنِ الْمالِ، فَاشْتَرَى في ذِمَّتِهِ، لَمْ يَلْزَمِ الْمُوَكِّلَ، وَهَلْ يَقِفُ عَلَى إِجَازَتهِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ. فَإِنْ وَكَّلَهُ في بَيْعِ ثَوْبِهِ في سُوقٍ بِمِئَةٍ، فَبَاعَهُ بِهَا في سُوقٍ أُخْرَى، جَازَ. وَلَوْ قَالَ: بِعْهُ لِزَيْدٍ، فَبَاعَهُ لِعَمْرٍو، لَمْ يَجُزْ. فَإِنْ وَكَّلَهُ في كُلِّ قَلِيلٍ وَكَثِيرٍ، أَوْ قَالَ: اشْتَرِ لِي ما شِئْتَ، أَوِ اشْتَرِ لِي عَبْداً كَمَا شِئْتَ، لَمْ يَصِحَّ حَتَّى يَذْكُرَ النَّوْعَ وَقَدْرَ الثَّمَنِ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَصِحَّ. وَلَوْ قَالَ: بِعْ مَالِي كُلَّهُ، صَحَّ. وَإِنْ قَالَ: بِعْ هذَا الثَّوْبَ بِعَشَرَةٍ، فَمَا زَادَ عَلَيْهَا فَهُوَ لَكَ، صَحَّ. * * * ¬
فصل
فَصْلٌ وَمَنْ وُكِّلَ في بَيْعٍ أَوْ نِكَاح، لَمْ يَكُنْ وَكِيلاً في قَبْضِ الثَّمَنِ وَالْمَهْرِ. وَإِنْ وُكِّل في الْخُصُومَةَ، لَمْ يَكُنْ وَكِيلاً في الْقَبْضِ، وَلَوْ وَكَّلَهُ في الْقَبْضِ، لَمْ يَكُنْ وَكِيلاً في الْخُصُومَةِ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ وَكِيلاً فيها. وَلا يَصِحُّ إِقْرَارُ الْوَكِيلِ عَلَى مُوَكِّلِهِ إِلَّا بِإِذْنِهِ. وَمَنْ وُكِّلَ في بَيْعِ شَيْءٍ، مَلَكَ تَسْلِيمَهُ، وَلَمْ يَمْلِكْ قَبْضَ ثَمَنِهِ وَالإِبْرَاءَ مِنْهُ، وَإِنْ تَعَذَّرَ قَبْضُ الثَّمَنِ، لَمْ يَلْزَمِ الْوَكِيلَ شَيْءٌ. وَلوْ قَالَ: اقْبِضْ حَقِّي مِنْ زَيْدٍ، فَمَاتَ زَيْدٌ، لَمْ يَكُنْ لَهُ الْقَبْضُ مِنْ وَارِثِهِ. وَإِنْ قَالَ: اقْبِضْ حَقِّي الَّذِي قِبَلَ زَيْدٍ، فَمَاتَ زَيْدٌ، فَلَهُ الْقَبْضُ مِنْ وَارِثِهِ. وَإِنْ وَكَّلَهُ في قَبْضِ الْوَدِيعَةِ الْيَوْمَ، لَمْ يَكُنْ لَهُ قَبْضُهَا مِنَ الْغَدِ.
فصل
فَصْلٌ الْوَكِيلُ أَمِينٌ، وَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ فِيما يَدَّعِيهِ مِنْ رَدٍّ أَوْ تَلَفٍ أَوْ تَفْرِيطٍ إِنْ كَانَ مُتَطَوِّعاً، وَإِنْ كَانَ بِجُعْلٍ، فَعَلَى وَجْهَيْنِ. وَإذَا قَالَ: أَذِنْتَ لِي في الْبَيْع نَسَاءً، وَفِي الشِّرَاءِ بِخَمْسِينَ، فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ -نَصَّ عَلَيْهِ-. وَقَالَ الْقَاضِي: الْقَوْلُ قَوْلُ الْمُوَكِّلِ كَمَا لَوِ اخْتَلَفَا في أَصْلِ الْوَكَالَةِ وَفِي الْمُضَارَبَةِ. فَإِنْ قَالَ: وَكَّلْتَنِي أَنْ أَتَزَوَّجَ لَكَ بِفُلانَةَ، فَفَعَلْتُ، فَصَدَّقَتْهُ الْمَرْأَةُ، فَأَنْكَرَ الْمُوَكِّلُ، فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مِنْ غَيْرِ يَمِينٍ. وَهَلْ يَلْزَمُ الْوَكِيلَ نِصْفُ الصَّدَاقِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ. وَإذَا قَضَى الْوَكِيلُ الدَّيْنَ بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ، فَأَنْكَرَ الْغَرِيمُ، ضَمِنَ؛ إِلَّا أَنْ يَقْضِيَهُ بِحَضْرَةِ الْمُوَكِّلِ. وَإِنْ وَكَّلَهُ في الْوَدِيعَةِ فَأَودَعَ، وَلَمْ يَشْهَدْ، لَمْ يَضْمَنْ، سَوَاءٌ كَانَ بِحَضْرَةِ الْمُوَكِّلِ أَوْ في غَيْبَتِهِ.
فصل
فَصْلٌ وَمَنْ كَانَ عِنْدَهُ وَدِيعَةٌ، فَادَّعَى إِنْسَانٌ أَنَّهُ وَكِيلُ صَاحِبهَا، فَأَنْكَرَ، لَمْ يُسْتَحْلَفَ (¬1). وَإِنْ صَدَّقَهُ، لَمْ يَلْزَمْهُ دَفْعُهَا إِلَيْهِ، فَإِنْ دَفَعَهَا، فَجَاءَ صَاحِبُهَا، فَأَنْكَرَ الْوَكَالَةَ، حَلَفَ، وَرَجَعَ في الْعَيْنِ إِنْ كَانَتْ بَاقِيَةً، وَإِنْ كَانَتْ تَالِفَةً، ضَمِنَ أَيَّهُمَا شَاءَ، وَأَيُّهُمَا ضَمِنَ لَهُ، لَمْ يَرْجِعْ عَلَى الآخَرِ، فَإِنْ كَانَ الْمَدْفُوعَ دَيْنٌ، رَجَعَ بِهِ عَلَى الدَّافِعِ وَحْدَهُ، وَلَوْ كَانَ الْمُدَّعِي ذَكَرَ أَنَّ صَاحِبَ الْوَدِيعَةِ مَاتَ، وَأَنَّهُ وَارِثُهُ، وَأَنَّهُ (¬2) لا وَارِثَ لَهُ سِوَاهُ، فَصَدَّقَهُ، لَزِمَهُ الدَّفْعُ إِلَيْهِ، وَإِنْ أَنْكَرَ، لَزِمَتْهُ الْيَمِينُ أَنَّهُ لا يَعْلَمُ ذلِكَ. فَإِنْ كَانَ ادَّعَى أَنَّ صَاحِبَ الْحَقِّ أَحَالَهُ بِهِ، فَصَدَّقَهُ، فَهَلْ يَلْزَمُهُ الدَّفْعُ (¬3) إِلَيْهِ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ. وَإِنْ كَذَّبَهُ، فَهَلْ يَلْزَمُهُ الْيَمِينُ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ. ¬
فصل في الشركة
فَصْلٌ في الشَّرِكَةِ وَهِيَ خَمْسَةُ أَضْرُبٍ: إحْدَاهَا: شَرِكَةُ الْعِنَانِ: وَهُوَ أَنْ يَشْتَرِكَ اثْنَانِ بِمَالَيْهِمَا، فَيُصْبِحَ تَصَرُّفُ وَاحِدٍ مِنْهُمَا في الْمَالَيْنِ بِحُكْمِ الْمِلْكِ في حِصَّتِهِ، وَالْوِكَالَةِ في حِصَّةِ شَرِيكِهِ. وَيَصِحُّ وَإِنْ لَمْ يَخْلِطِ الْمالَيْنِ (¬1)، فَإِنْ تَلِفَ أَحَدُهُمَا، فَهُوَ مِنْ ضَمَانِهِمَا. وَلا تَصِحُّ الشَّرِكَةُ، وَالْمُضَارَبَةُ إِلَّا بِالأَثْمَانِ، سَوَاءٌ اتَّفَقَ الْمالانِ في الْجِنْسِ وَالصِّفَةِ، أَوِ اخْتَلَفَا. وَهَلْ يَصِحُّ بِالْمَغْشُوشِ مِنَ الْفُلُوسِ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ. وَعَنْهُ: أَنَّهَا تَصِحُّ بِالْعُرُوضِ، وَيُجْعَلَ رَأْسُ الْمَالِ قِيمَتَهَا وَقْتَ الْعَقْدِ. وَيَجُوزُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الشَّرِيكَيْنِ أَنْ يَبِيعَ وَيَشْتَرِيَ، وَيَقْبِضَ، ¬
وَيُحِيلَ، وَيَحْتَالَ، وَيُخَاصِمَ في الدَّيْنِ، وَيَرُدَّ بِالْعَيْبِ، وَيَفْعَلَ مَا هُوَ مِنْ مَصْلَحَةِ تِجَارَتِهِمَا بِمُطْلَقِ الشَّرِكَةَ. وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُكَاتِبَ، وَلا يُزَوِّجَ الرَّقِيقَ، وَلا يُعْتِقَ عَلَى مَالٍ، وَلا يُقْرِضَ، وَلا يُحَابِيَ، وَلا يُضَارِبَ بِمَالِ الشَّرِكَةِ، وَلا يَأْخُذَ بِهِ سَفْتَجَةً، وَلا يُعْطِيَ بِهِ سَفْتَجَةً. وَهَلْ لَهُ أَنْ يُودِعَ أَوْ يَبِيعَ نَسَاءً، أَوْ يُبْضِعَ أَوْ يُوَكِّلَ فِيمَا يَتَوَلَّى مِثْلَهُ بِنَفْسِهِ، أَوْ يَرْهَنَ أَوْ يَرْتَهِنَ أَوْ يُقَابِلَ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ. وَإِنْ أَقَرَّ بِعَيْبٍ في عَيْنٍ بَاعَهَا قَبْلَ إِقْرَارِهِ، وَكَذلِكَ يُقْبَلُ إِقْرَارُ الْوَكِيلِ عَلَى مُوَكِّلِهِ بِالْعَيْبِ، وَلا يُقْبَلُ إِقْرَارُهُ عَلَى شَرِيكِهِ بِمَالٍ. وَقَالَ الْقَاضِي: يُقْبَلُ إِقْرَارُهُ عَلَى مَالِ الشَّرِكَةِ. وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَسْتَدِينَ عَلَى مَالِ الشَّرِكَةِ، فَإِنْ فَعَلَ، لَزِمَ في حَقِّهِ، وَرِبْحُهُ لَهُ. وَإذَا صَارَ مَالُهما (¬1) دَيْناً، فتقَاسَمَاهُ في الذِّمَمِ، لَمْ يَصِحَّ في إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ، وَالأُخْرَى: يَصِحُّ. وَأَيُّهُمَا عَزَلَ صَاحِبَهُ عَنِ الشَّرِكَةِ، انْعَزَلَ. فَصْلٌ: الثَّانِي: شَرِكَهُ الْوُجُوهِ: وَهُوَ أَنْ يَشْتَرِكا فِيما يَشْتَرِيَانِ بِجَاهِهِمَا، وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَكِيلٌ لِصَاحِبِهِ، كَفِيلٌ عَنْهُ بِالثَّمَنِ، وَالرِّبْحُ ¬
فيها (¬1) عَلَى ما شَرَطَاهُ، وَالْوَضِيعَةُ عَلَى قَدْرِ مِلْكَيْهِمَا (¬2) في الْمُشْتَرَى. وَلا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يُعَيِّنَا الْمُشْتَرَى، أَوْ يَقُولَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا: مَا اشْتَرَيْتَ مِنْ شَيْءٍ، فَهُوَ بَيْنَنَا. فَصْلٌ: الثَّالِثُ: شَرِكَةُ الأَبْدَانِ: وَهُوَ أَنْ يَشْتَرِكَا فِيما يَكْتَسِبَانِ بِأَبْدَانِهِمَا، فَمَا يَتَقَبَّلُهُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِنَ الأَعْمَالِ، فَهُوَ فِي ضَمَانِهِ وَضَمَانِ شَريكِهِ (¬3) يُطَالَبُ بِهِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، وَيَصِحُّ مَعَ اتِّفَاقِ الْبَضَائِعِ وَاخْتِلافِها وَعِنْدَ الْقَاضِي لا يَصِحُّ (¬4)، وَعِنْدَ (¬5) أَبِي الْخَطَّابِ: لا يَصِحُّ مَعَ اخْتِلافِهِمَا. وَإِنْ مَرِضَ أَحَدُهُمَا، فَالْكَسْبُ بَيْنَهُمَا، وَإِنْ طَالَبَ الْمَرِيضُ الصَّحِيحَ أَنْ يُقِيمَ مُقَامَهُ مَنْ يَعْمَلُ، فَلَهُ ذلِكَ. وَتَصِحُّ الشَّرِكَةُ في الِاحْتِطَابِ، وَالِاصْطِيَادِ، وَالتَّلَصُّصِ عَلَى دَارِ الْحَرْبِ، وَسَائِرِ الْمُبَاحَاتِ. وَإذَا كَانَ لِرَجُلٍ بَغْلٌ، ولِلآخَرِ حِمَارٌ، فَاشْتَرَكَا عَلَى أَنْ يَحْمِلا عَلَيْهِمَا حِمْلاً، وَيَقْتَسِمَا الأُجْرَةَ، جَازَ. ¬
وَإذَا تَقَبَّلا حَمْلَ شَيْءٍ إِلَى مَوْضِعٍ مُعَيَّنٍ بِأُجْرَة في الذِّمَّةِ، فَحَمَلاهُ عَلَيْهِمَا، فَالشَّرِكَةُ صَحِيحَةٌ. وَإِنْ آجَرَهُما عَلَى حَمْلِ شَيْءٍ مَعْلُومٍ، وَأخَذَ الأُجْرَةَ، فَالشَّرِكَةُ فَاسِدَةٌ، وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أُجْرَةُ بَهِيمَتِهِ. وَإذَا جَمَعَ في الشَّرِكَةِ بَيْنَ شَرِكَةِ الْعِنانِ وَالْوُجُوهِ وَالأَبْدَانِ، صَحَّ. فَصْلٌ: الرَّابِعُ: الْمُفَوّضَةُ: وَهُوَ أَنْ يَشْتَرِكَا فِيمَا يَجِدَانِ مِنْ لُقَطَةٍ، أَوْ رِكازٍ، أَوْ مِيرَاثٍ، أَوْ مَا يَلْزَمُ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ ضَمَانِ غَصْبٍ، أَوْ بَيْعٍ فَاسِدٍ، أَوْ أَرْشِ جِنَايَةٍ، فَهذِهِ شَرِكَةٌ بَاطِلَةٌ. فَصْلٌ: الْخَامِسُ: الْمُضَارَبَةُ: وَهُوَ أَنْ يَدْفَعَ الرَّجُلُ مَالَهُ إِلَى رَجُلٍ يَتَّجِرُ فِيهِ، وَالرِّبْحُ بَيْنَهُمَا عَلَى مَا شَرَطَاهُ، فَإِنْ قَالَ: خُذْهُ مُضَارَبَةً، وَالرِّبْحُ بَيْنَنَا، جَازَ، وَكَانَ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ. فَإِنْ قَالَ: خُذْهُ عَلَى أَنَّ لي ثُلُثَ الرِّبْحِ، فَهَلْ يَصِحُّ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ. وَإذَا اخْتَلَفَا، هَلِ الْجُزْءُ الْمَشْرُوطُ لِلْعَامِلِ أَمْ لِرَبِّ الْمالِ؟ فَهُوَ لِلْعَامِلِ. وَالشَّرْطُ في الْمُضَارَبَةِ عَلَى ضَرْبَيْنِ: صحيح، مِثْلَ أَنْ يَشْتَرِطَ عَلَيْهِ (¬1) أَلَّا يَتَّجِرَ إِلَّا في نَوْعٍ مُعَيَّنٍ، أَوْ بَلَدٍ مُعَيَّنٍ، أَوْ لا يُعَامِلَ إِلَّا شَخْصاً مُعَيَّناً. ¬
وَفَاسِدٌ، وَهُوَ عَلَى ضَرْبَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ يُضَارِبَهُ، وَلا يَذْكُرُ الرِّبْحَ، أَوْ يَشْتَرِطُ جُزْءاً مِنَ الرِّبْحِ لأَحَدِهِمَا أَوْ لأَجْنَبِيٍّ، وَالْبَاقِي بَيْنَهُمَا، أَوْ يَقُولُ: خُذْهُ مُضَارَبَةً، وَالرِّبْحُ كُلُّهُ لَكَ، أَوْ كُلُّهُ لي، وَمَا أَشْبَهَ هذَا مِمَّا يَعُودُ بِجَهَالَةِ الرِّبْحِ، فَإِنَّ الْمُضَارَبَةَ تَفْسُدُ، وَالرِّبْحُ كُلُّهُ لِرَبِّ الْمالِ، وَلِلْمُضَارِبِ الأَجْرُ. وَالثَّانِي: أَنْ يَشْتَرِطَ عَلَى المُضَارِبِ (¬1) ضَمَانَ الْمالِ، أَوْ سَهْماً مِنَ الْوَضِيعَةِ (¬2)، أَوْ أَنْ يُوَلِّيَهُ مَا يَخْتَارُهُ مِنَ السِّلَعِ، أَوْ أَنْ يَرْتَفِقَ بِالسِّلَعِ، أَوْ يَشْتَرِطَ الْمُضَارِبُ أَلَّا يَعْزِلَهُ مُدَّةً بِعَيْنِهَا، أَوْ يَشْتَرِطَ تَأْقِيتَ الْمُضَارَبَةِ، أَوْ أَنْ يَعْمَلَ مَعَهُ رَبُّ الْمالِ، فَهَلْ يَبْطُلُ الْعَقْدُ بِهذَا؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ. فَإِنْ شَرَطَ أَنْ يَعْمَلَ مَعَهُ غُلامُ رَبِّ الْمالِ، احْتَمَلَ وَجْهَيْنِ. فَاِنْ قَالَ: بِعْ هذِهِ الْعُرُوضَ، وَضَارِبْ بِثَمَنِهَا، أَوِ اقْبِضْ وَدِيعَتِي وَضَارِبْ بِهَا، أَوْ إذَا قَدِمَ الْحَاجُّ، فَقَدْ ضَارَبْتُكَ بِهذِهِ الأَلْفِ، صَحَّ الْعَقْدُ، وَعَلَى الْعَامِلِ أَنْ يَتَوَلَّى بِنَفْسِهِ مَا جَرَتِ الْعَادَةُ أَنْ يَتَوَلاَّهُ، فَإِنِ اسْتَأْجَرَ مَنْ يَفْعَلُ ذلِكَ، فَالأَجْرُ عَلَيْهِ خَاصَّةً، وَلَهُ أَنْ يَسْتَأْجِرَ عَلَى مَا جَرَتِ الْعَادَةُ أَنْ يَسْتَنِيبَ فِيهِ. فَإِنْ فَعَلَهُ بِنَفْسِهِ لِتكُونَ أُجْرَتُهُ لَهُ، فَهَلْ لَهُ ذلِكَ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ. فَإِذَا تَعَدَّى الْمُضَارِبُ، أَوْ خَالَفَ، فَهُوَ ضَامِنٌ لِما يُتْلِفُ، وَالرِّبْحُ ¬
كُلُّهُ لِرَبِّ الْمالِ، وَلَهُ أُجْرَةُ الْمِثْلُ. وَعَنْهُ: لَهُ الأَقَلُّ مِنَ الأُجْرَةِ، أَوْ مَا شَرَطَ لَهُ مِنَ الرِّبْحِ. وَعَنْهُ: يَتَصَدَّقَانِ بِالرِّبْحِ. فَإِنِ اشْتَرَى الْمُضَارِبُ مَنْ يُعْتَقُ عَلَى رَبِّ الْمالِ، عَتَقَ، وَلَزِمَهُ الضَّمَانُ، عَلِمَ بِذلِكَ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ. وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: إِنْ كَانَ جَاهِلاً، لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ. فَإِنِ اشْتَرَى مَنْ يُعْتَقُ عَلَى نَفْسِهِ، وَلا رِبْحَ في الْمالِ، لَمْ يُعْتَقْ، وَإِنْ ظَهَرَ فِيهِ رِبْحٌ، فَعَلَى وَجْهَيْنِ، بِنَاءً عَلَى الْعَامِلِ هَلْ يَمْلِكُ الرِّبْحَ بِالظُّهُورِ أَمْ بِالْقِسمَةِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ. وَهَلْ لِرَبِّ الْمالِ أَنْ يَشْتَرِيَ مِنْ مَالِ الْمُضَارَبَةِ، أَوْ لِلسَّيِّدِ أَنْ يَشْتَرِيَ مِنْ عَبْدِهِ الْمَأْذُونِ (¬1)؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ. وَنَفَقَةُ الْمُضَارِبِ عَلَى نَفْسِهِ، فَإِنْ شَرَطَهَا لَهُ رَبُّ الْمالِ، جَازَ، فَإِنْ أَطْلَقَ ذلِكَ، فَلَهُ جَمِيعُ نَفَقَتِهِ مِنْ مَأْكَلٍ أَوْ مَلْبَسٍ بِالْمَعْرُوفِ، وَإِنِ اخْتَلَفَا فِي ذلِكَ، رَجَعَ في الْقُوتِ إِلَى الإِطْعَامِ في الْكَفَّارَةِ، وَفِي الْمَلْبُوسِ إِلَى أَقَلِّ مَلْبُوسِ مِثْلِهِ. وَإِنْ شَرَطَ أَنْ يَتَسَرَّى مِنْ مَالِ الْمُضَارَبَةِ، فَاشْتَرَى أَمَةً، فَأَعْتَقَهَا، خَرَجَ ثَمَنُهَا مِنَ الْمُضَارَبَةِ، وَصَارَتْ قَرْضاً في ذِمَّتِهِ. وَإِذَا تَلِفَ بَعْضُ رَأْسِ الْمالِ قَبْلَ التَّصَرُّفِ، انْفَسَخَتْ فِيهِ الْمُضَارَبَةُ، ¬
وَإِنْ تَلِفَ بَعْدَ الشِّرَاءِ، فَتَلَفُهُ مِنَ الرِّبْحِ، وَلا تَنْفَسِخُ فِيهِ الْمُضَارَبَةُ. فَإِنِ اشْتَرَى الْمُضَارِبُ سِلْعَةً في الذِّمَّةِ، ثُمَّ تَلِفَ الثَّمَنُ، فَعَلَى رَبِّ الْمالِ، وَإِنْ تَلِفَ قَبْلَ الشِّرَاءِ، لَزِمَ الْعَامِلَ الثَّمَنُ، وَهَلْ تَقِفُ عَلَى إِجَازَةِ رَبِّ الْمالِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ. وَإذَا قَالَ الْمُضَارِبُ: رَبِحْتُ أَلْفاً، ثُمَّ قَالَ: نَسِيتُ، أَوْ غَلِطْتُ، لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ. وَإِنْ قَالَ: خَسِرْتُهَا، أَوْ تَلِفَتْ، قُبِلَ قَوْلُهُ. وَإذَا اخْتَلَفَا في رَدِّ الْمالِ، أَوْ في مِقْدَارِ مَا لِلْعَامِلِ مِنَ الرِّبْحِ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ رَبِّ الْمالِ. وَعَنْهُ: إِنِ ادَّعَى الْعَامِلُ أُجْرَةَ الْمِثْلِ، أَوْ زِيَادَةً يَتَغَابَنُ النَّاسُ بِمِثْلِهَا، فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ. وَإذَا طَلَبَ الْمُضَارِبُ الْبَيْعَ، وَأَبَى رَبُّ الْمالِ، فَكَانَ في الْمالِ رِبْحٌ، أُجْبِرَ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ رِبْحٌ، لَمْ يُجْبَرْ، فَإِنِ انْفَسَخَتِ الْمُضَارَبَةُ، وَالْمالُ عَرْضٌ، فَطَلَبَ رَبُّ الْمالِ أَنْ يَأْخُذَ بِمَالِهِ عَرْضاً، فَلَهُ ذلِكَ، وَإِنْ طَلَبَ الْبَيْعَ، فَلَهُ ذلِكَ، وَإِنْ كَانَ دَيْناً، لَزِمَ الْعَامِلَ أَنْ يَتَقَاضَاهُ، وَإذَا ضَارَبَ في الْمَرَضِ، اعْتُبِرَ الرِّبْحُ مِنْ رَأْسِ الْمالِ، وَإِنْ زَادَ عَلَى أُجْرَةِ الْمِثْلِ، وَإِنْ مَاتَ، قُدِّمَتْ حِصَّةُ الْعَامِلِ عَلَى سَائِرِ الْغُرَمَاءِ.
فصل في المساقاة
فَصْلٌ في الْمُسَاقَاةِ قَالَ ابْنُ عُمَرَ: دَفَعَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - إِلَى يَهُودِ خَيْبَرَ نَخْلَ خَيْبَرَ وَأَرْضَهَا، عَلَى أَنْ يَعْمَلُوهَا مِنْ أَمْوَالِهِمْ، وَلِرَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - شَطْرُ ثَمَرِها. وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَامَلَ (¬1) أَهْلَ خَيْبَرَ بِشَطْرِ مَا يَخْرُجُ مِنْهَا مِنْ ثَمَرٍ وَزَرْعٍ، رَوَاهُمَا (¬2) مُسْلِمٌ (¬3). وَالْمُسَاقَاةُ عَقْدٌ جَائِزٌ، تَبْطُلُ بِالْمَوْتِ، وَلا تَفْتَقِرُ إِلَى مُدَّةٍ في ظَاهِرِ كَلامِ أَحْمَدَ. فَإذَا فَسَخَ بَعْدَ ظُهُورِ الثَّمَرِ، فَهِيَ بَيْنَهُما. وَإِنْ فَسَخَ رَبُّ الْمالِ قَبْلَ ذلِكَ، فَعَلَيْهِ أُجْرَةُ الْمِثْلِ لِلْعَامِلِ؛ لِما رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ: أَنَّ يَهُودَ خَيْبَرَ سَأَلُوا رَسُولَ اللهِ لِيُقِرَّهُمْ بِهَا لِيَكْفُوا عَمَلَهَا، ¬
وَلَهُمُ النِّصْفُ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "نُقِرُّهُمْ بِهَا عَلَى ذلِكَ مَا شِئْنَا" (¬1). وَإِنْ فَسَخَ الْعَامِلُ، فَلا شَيْءَ لَهُ. وَقَالَ الْقَاضِي: هِيَ عَقْدٌ لازِمٌ لا يَبْطُلُ بِالْمَوْتِ. وَتَفْتَقِرُ إِلَى ضَرْبِ مُدَّةٍ تَكْمُلُ الثَّمَرَةُ في مِثْلِهَا، فَإِنْ جَعَلا مُدَّةً لا تَكْمُلُ في مِثْلِهَا، لَمْ يَصِحَّ. فَإِنْ كَانَتْ قَدْ تَكْمُلُ، وَقَدْ لا تَكْمُلُ، فَهَلْ يَصِحُّ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ. فَإذَا قُلْنَا: لايَصِحُّ، فَهَلْ يَسْتَحِقُّ الْعَامِلُ أُجْرَةَ عَمَلِهِ؟ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ. فَإِنْ مَاتَ الْعَامِلُ، عَمِلَ الْوَارِثُ، فَإِنْ أَبَى، اسْتُؤْجِرَ مِنَ التَّرِكَةِ مَنْ يَعْمَلُ، فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ، فَلِرَبِّ الأَرْضِ الْفَسْخُ. وَكَذلِكَ إِنْ هَرَبَ الْعَامِلُ، وَلَمْ يُوجَدْ لَهُ مَالٌ، وَلا يُسْتَقْرَضُ عَلَيْهِ. فَإذَا فَسَخَ قَبْلَ ظُهُورِ الثَّمَرِ، فَهَلْ لِلْعَامِلِ الأُجْرَةُ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ. وَإِنْ فَسَخَ بَعْدَ ظُهُورِهَا، فَهِيَ بَيْنَهُمَا. فَإِنْ عَمِلَ فِيهَا رَبُّ الْمالِ بِإِذْنِ الْحَاكِمِ، أَوْ إِشْهَادٍ، رَجَعَ بِهِ، وَإِلَّا فَهُوَ مُتَبَرِّعٌ. وَهَلْ تَصِحُّ الْمُسَاقَاةُ عَلَى ثَمَرَةٍ مَوْجُودَةٍ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ. ¬
فَإِنْ سَاقَاهُ عَلَى شَجَرٍ يَغْرِسُهُ، وَيَعْمَلُ عَلَيْهِ حَتَّى يَحْمِلَ، وَيَكُونُ لَهُ جُزْءٌ مِنَ الثَّمَرَةِ مَعْلُوماً، صَحَّ، وَيَلْزَمُ الْعَامِلَ مَا فِيهِ صَلاحُ الثَّمَرَةِ وَزِيَادَتُهَا مِنَ الْحِفْظِ وَإِصْلاحِ الْحَدِيدِ وَالأَحَاجِينِ وَنَحْوِهِ، وَيَلْزَمُ رَبَّ الْمالِ مَا فِيهِ حِفْظُ الأَصْلِ؛ كَسَدِّ الْحِيطَانِ، وَالدُّولابِ وَمَا يُدِيرُهُ، وَالَّذِي يُلَقَّحُ بِهِ. وَنَصَّ أَحْمَدُ (¬1) -رَحِمَهُ اللهُ- أَنَّ الْجُذَاذَ عَلَيْهِمَا عَلَى قَدْرِ حَقَّيْهِمَا، وَفِي الْمُزَارَعَةِ عَلَى أَنَّ الْحَصَادَ عَلَى الْعَامِلِ، فَيَحْتَمِلُ أَنْ يُنْقَلَ حُكْمُ كُلِّ وَاحِدَةٍ إِلَى الأُخْرَى. وَإذَا كَانَ الْعَامِلُ خَائِناً، ضُمَّ إِلَيْهِ مِنْ يُشْرِفُ عَلَيْهِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ حَفَظَةٌ، اسْتُؤْجِرَ مِنْ مَالِهِ مَنْ يَعْمَلُ، وَحُكْمُهُمَا في الِاخْتِلافِ حُكْمُ الْمُضَارِبِ وَرَبِّ الْمالِ. * * * ¬
فصل في المزارعة
فَصْلٌ في الْمُزَارَعَةِ وَحُكْمُهَا حُكْمُ الْمُسَاقَاةِ، وَهَلْ تَصِحُّ إذَا كَانَ الْبَذْرُ مِنَ الْعَامِلِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ. وَمَتَى فُسِخَتْ، فَالزَّرْعُ لِصَاحِبِ الْبَذْرِ، وَعَلَيْهِ أُجْرَةُ الْمِثْلِ لِصَاحِبِهِ. وَإذَا شَرَطَ أَنَّهُ إِنْ سَقَى سَيُحَاقِلُهُ الثُّلُثَ، وَإِنْ سَقَى وَكَلَّفَهُ النِّصْفَ، وَإِنْ زَرَعَ حِنْطَةً، فَلَهُ الثُّلُثُ (¬1)، وَإِنْ زَرَعَ شَعِيراً، فَلَهُ النِّصْفُ، لَمْ يَصِحَّ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَصِحَّ. فَإِنْ قَالَ: مَا زَرَعْتَ فِيهَا مِنْ شَعِيرٍ، فَلي نِصْفُهُ، وَمَا زَرَعْتَ مِنْ حِنْطَةٍ، فَلي ثُلُثُهُ، أَوْ قَالَ: أُزَارِعُكَ هذِهِ الأَرْضَ بِالنِّصْفِ، عَلَى أَنْ أُزَارِعَكَ الأُخْرَى بِالرُّبُعِ، فَسَدَ الْعَقْدُ، وَجْهاً وَاحِداً. فَإِنْ قَالَ صَاحِبُ الأَرْضِ: أَنا أَزْرَعُ الأَرْضَ بِبَذْرِي وَعَوَامِلي، عَلَى أَنْ أَسْقِيَهَا مِنْ مَائِكَ، وَالزَّرْعُ بَيْنَنَا، فَهَلْ يَصِحُّ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ. وَإِنْ زَارَعَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ شَرِيكَهُ، فَهَلْ يَصِحُّ؟ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ. ¬
باب الإجارة
بَابُ الإِجَارَةِ تَنْعَقِدُ الإِجَارَةُ بِلَفْظِ الإِجَارَةِ وَالْكِرَاءِ. وَهَلْ تَنْعَقِدُ بِلَفْظِ الْبَيْعِ؟ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ. وَلا يَصِحُّ إِلَّا عَلَى عَيْنٍ مَعْلُومَةٍ بِرُؤْيَةٍ أَوْ صِفَةٍ يُمْكِنُ اسْتِيفَاءُ الْمَنْفَعَةِ (¬1) الْمُبَاحَةِ مِنْهَا مَعَ بَقَائِهَا، وَإذَا وَجَدَهَا مَعِيبَةً، أَوْ حَدَثَ بِهَا عَيْبٌ، فَلَهُ الْفَسْخُ، وَعَلَيْهِ أُجْرَةُ مَا مَضَى. وَإِنْ تَلِفَتِ الْعَيْنُ، انْفَسَخَتِ الإِجَارَةُ. وَكَذلِكَ إِنْ كَانَتْ دَاراً فَانْهَدَمَتْ، أَوْ أَرْضاً فَانْقَطَعَ مَاؤُها. وَقِيل: يَثْبُتُ لَهُ الْخِيَارُ. وَإِنْ غُصِبَتِ الْعَيْنُ حَتَّى انْقَضَتْ مُدَّةُ الإِجَارَةِ، أَوْ هَرَبَ الْمُسْتَأْجِرُ، وَالأُجْرَةُ عَلَى مُدَّةٍ، فَلَهُ الْخِيَارُ بَيْنَ الْفَسْخِ أَوْ دَفع الأُجْرَةِ، وَمُطَالَبَةُ الْغَاصِبِ بِأُجْرَةِ الْمِثْلِ. ¬
وَإِنْ كَانَتِ الإِجَارَةُ عَلَى عَمَلٍ؛ كَخِيَاطَةٍ (¬1) أَوْ بِنَاءٍ، فَلَهُ الْخِيَارُ بَيْنَ الْفَسْخِ وَالْبَقَاءِ إِلَى أَنْ يَقْدِرَ عَلَيْهِ، فَيُطَالِبَهُ بِالْعَمَلِ. وَتَفْتَقِرُ صِحَّةُ الإِجَارَةِ إِلَى مَعْرِفَةِ الْمَنْفَعَةِ لَهَا بِالْعُرْفِ؛ كَسُكْنَى الدَّارِ، أَوْ بِالْوَصْفِ؛ كَقَوْلهِ: لِتَحْمِلَ لي حَدِيدَةً وَزْنُهَا كَذَا، إِلَى مَوْضِعِ كَذَا، أَوْ تَبْنِيَ لِي حَائِطاً طُولُهُ كَذَا، وَعَرْضُهُ كَذَا، وَعُلْوُهُ كَذَا، بِلَبِنٍ وَطِينٍ وَنَحْوِه، أَوْ آجَرْتُكَ هذِهِ الأَرْضَ لِتَزْرَعَ فِيهَا كَذَا. وَمَعْرِفَةِ الْمُدَّةِ لَهَا بِالزَّمَانِ؛ كَخِدْمَةِ سَنَةٍ، وَلَوْ بِالْعَمَلِ؛ كَخِيَاطَةِ قَمِيصٍ، وَالرُّكُوبِ إِلَى مَوْضِعٍ مُعَيَّنٍ. فَإِنْ شَرَطَا تَقْدِيرَ الْعَمَلِ وَالزمَانِ، فَقَالَ: اسْتَأْجَرْتُكَ لِتَبْنِيَ هذِهِ الدَّارَ في شَهْرٍ، لَمْ يَصِحَّ. وَإِنْ شَرَطَ زَرْعَ شَيْءٍ، فَلَهُ زَرْعُ مَا هُوَ مِثْلُهُ أَوْ دُونَهُ في الضَّرَرِ. وَعَلَى الْمُؤْجِرِ كُلُّ مَا يُحْتَاجُ إِلَيْهِ لِلتَّمَكُّنِ مِنَ (¬2) الِانْتِفَاعِ؛ كآلَةِ الْبَعِيرِ وَالشَّدِّ وَالْحَطِّ، وَلُزُومِ الْبَعِيرِ لِيَنْزِلَ لِصَلاةِ الْفَرِيضَةِ، وَعِمَارَةِ الدَّارِ وَمَفَاتِيحِها. فَأَمَّا تَفْرِيغُ الْبَالُوعَةِ وَالْكَنِيفِ، فَيَلْزَمُ الْمُسْتَأْجِرَ إذَا اسْتَلَمَهَا فَارِغَةً. وَيَجُوزُ لِلْمُسْتَأْجِرِ إِجَارَةُ الْعَيْنِ الْمُسْتَأْجَرَةِ بِمِثْلِ الأُجْرَةِ وَزِيَادَةٍ، وَلِلْمَالِكِ بَيْعِ الْعَيْنِ الْمُسْتَأْجَرَةِ، وَلا تَنْفَسِخُ الإِجَارَةُ، فَإِنْ بَاعَهَا مِنَ ¬
الْمُسْتَأْجِرِ، فَهَلْ تَنْفَسِخُ الإِجَارَةُ؟ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ. فَإذَا آجَرَهُ شَهْرَ رَجَبٍ، وَهُوَ في الْمُحَرَّمِ، صَحَّ. وَإذَا مَاتَ الْجَمَّالُ، أَوْ هَرَبَ وَتَرَكَ الْجِمَالَ، وَلَمْ يَجِدِ الْحَاكِمُ لَهُ مَالاً يُنْفِقُ عَلَيْهِ، وَلا أَمْكَنَهُ الِاسْتِدَانة عَلَيْهِ، فَلِلْمُكْتَرِي أَنْ يُنْفِقَ عَلَيْهَا بِإِذْنِ الْحَاكِمِ، فَإذَا وَصَلَ، بَاعَ الْحَاكِمُ مَا يَرَى بَيْعَهُ، وَحَفِظَ الْبَاقِيَ لِلْجَمَّالِ أَوْ لِوَرَثَتِهِ. فَإِنْ أَنْفَقَ عَلَى الْجِمَالِ مِنْ غَيْرِ إِذْنِ الْحَاكِمِ، وَلا إِشْهَادٍ، فَهُوَ مُتَبَرِّعٌ، وَإِنْ أَشْهَدَ عَلَى الرُّجُوعِ، فَعَلَى رِوَايَتَيْنِ. فَإِنْ رَجَعَ الْجَمَّالُ، وَاخْتَلَفَا في النَّفَقَةِ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُنْفِقِ. وَإذَا ضَرَبَ الدَّابَّةَ بِقَدْرِ الْعَادَةِ، أَوْ ضَرَبَ الْمُعَلِّمُ الصَّبِيَّ، أَوِ الزَّوْجُ زَوْجَتَهُ في النُّشُوزِ بِقَدْرِ الْعَادَةِ، فَتَلِفَتْ، فَلا ضَمَانَ عَلَيْهِ. وَالأَجِيرُ الْخَاصُّ الَّذِي سَلَّمَ نَفْسَهُ إِلَى الْمُسْتَأْجِرِ لا ضَمَانَ عَلَيْهِ فِيمَا جَنَتْ يَدُهُ، إِلَّا أَنْ يُقِرَّ بِتَعَمُّدِ الْجِنَايِةِ. وَإذَا أَتْلَفَ الصَّانِعُ الثَّوْبَ بَعْدَ عَمَلِهِ، فَلِمَالِكِهِ الْخِيَارُ بَيْنَ أَنْ يُضَمِّنَهُ إِيَّاهُ غَيَر مَعْمُولٍ، وبَيْنَ أَنْ يُضَمِّنَهُ (¬1) مَعْمُولاً، وَيَدْفَعَ إِليهِ أُجْرَتَهُ (¬2)، وَبَيْنَ أَنْ يُضَمِّنَهُ إِيَّاهُ غَيْرَ مَعْمُولٍ، وَلا أُجْرَةَ لَهُ. وَإذَا حَبَسَ الصَّانِعُ الثَّوْبَ عَلَى الأُجْرَةِ، فَتَلِفَ مِنْ حِرْزِهِ، ضَمِنَهُ. ¬
وَإذَا اسْتَأْجَرَهُ لِحَمْلِ كِتَابٍ إِلَى صَاحِبٍ لَهُ بِمَكَّةَ، فَحَمَلَهُ، فَلَمْ يَجِدْ صَاحِبَهُ، فَرَدَّهُ، اسْتَحَقَّ الأُجْرَةَ. وَإذَا اسْتَأْجَرَ عَيْناً فِي أَثْنَاءِ أَشْهُرِ سَنَةٍ، فَإِنَّهُ يَسْتَوْفِي في أَحَدَ عَشَرَ شَهْراً بِالأَهِلَّةِ، وَشَهْراً بِالْعَدَدِ. وَعَنْهُ: يَسْتَوْفي الْجَمِيعَ بِالْعَدَدِ. وَإذَا دَفَعَ ثَوْبَهُ إِلَى خَيَّاطٍ، أَوْ إِلَى قَصَّارٍ لِيَعْمَلاهُ، فَفَعَلا ذلِكَ، اسْتَحَقَّا الأُجْرَةَ، وَإِنْ لَمْ يَعْقِدَا مَعَهُ عَقْدَ إِجَارَةٍ، وَكَذلِكَ إِنْ دَخَلَ حَمَّاماً، أَوْ قَعَدَ مَعَ مَلاَّحٍ في سَفِينَةٍ. وَإذَا قَالَ الْخَيَّاطُ: أَمَرْتَنِي بِتَفْصِيلِهِ قَمِيصاً، وَقَالَ الْمَالِكُ: بَلْ قَبَاءً، فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْخَيَّاطِ مَعَ يَمِينِهِ. وَإذَا انْقَضَتِ الإِجَارَةُ، وَفِي الأَرْضِ غِرَاسٌ أَوْ بِنَاءٌ لَمْ يَشْتَرِطْ قَلْعَهُ عِنْدَ انْقِضَائِها، فَالْمُؤْجِرُ مُخَيَّرٌ بَيْنَ قَلْعِهِ، وَيَضْمَنُ مَا نَقَصَ، وَبْين تَرْكِهِ بِالأُجْرَةِ. فَإِنْ كَانَ فِيهَا زَرْعٌ بَقَاؤُهُ بِتَفْرِيطِ الْمُسْتَأْجِرِ، فَلِلْمُؤْجِرِ أَخْذُهُ بِالْقِيمَةِ، أَوْ تَرْكُهُ بِالأُجْرَةِ، وَإِنْ كَانَ بَقَاؤُهُ بِغَيْرِ تَفْرِيطٍ، لَزِمَ تَرْكُهُ بِالأُجْرَةِ.
فصل
فَصْلٌ وَيجُوزُ إِجَارَةُ كُتُبِ اللُّغَةِ وَالْفِقْهِ وَالشِّعْرِ. وَفِي إِجَارَةِ الْمُصْحَفِ وَجْهَانِ. وَيَجُوزُ الِاسْتِئْجَارُ لِاسْتِيفَاءِ الْقِصَاصِ، وَالأُجْرَةُ عَلَى الْمُقْتَصِّ مِنْهُ، وَاسْتِئْجَارُ حَائِطٍ لِيَضَعَ عَلَيْهِ خَشَبَهُ، وَإِجَارَةُ دَارِهِ لِمَنْ يَتَّخِذُهَا مَسْجِداً؛ وَإِجَارَةُ الْعَارِيَّةِ إذَا أَذِنَ لَهُ الْمالِكُ في مُدَّةٍ بِعَيْنِها، وَإِجَارَةُ الْوَقْفِ. فَإذَا مَاتَ الْمُؤْجِرُ، فَلِمَنِ انتقَلَ إِلَيْهِ حِصَّتُهُ مِنَ الأُجْرَةِ مِنْ يَوْمِ مَوْتِ الأَوَّلِ، وَقِيلَ: تُفْسَخُ الإِجَارَةُ. وَيَجُوزُ اسْتِئْجَارُ زَوْجَتِهِ لِرَضَاعِ وَلَدِهِ، وَاسْتِئْجَارُ وَلَدِهِ لِخِدْمَتِهِ، واسْتِئْجَارُ النُّقُودِ لِلْوَزْنِ وَالتَّحَلِّي. وَلا يَجُوزُ الِاسْتِئْجَارُ عَلَى مَا يَخْتَصُّ فَاعِلُهُ أَنْ يَكُونَ مِنْ أَهْلِ القُرْبَةِ، في أَظْهَرِ الرِّوَايَتَيْنِ، وَلا إِجَارَةُ الْفَحْلِ لِلضِّرَابِ، وَالْكَلْبِ لِلصَّيْدِ، في ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ، وَلا إِجَارَةُ الْحُلِيِّ بِأُجْرَةٍ مِنْ جِنْسِهِ. وَقَالَ الْقَاضِي: يُكْرَهُ، وَيَصِحُّ.
وَلا يَجُوزُ عَقْدُ الإِجَارَةِ عَلَى مَنْفَعَةٍ مُحَرَّمَةٍ؛ كَالْغِنَاءِ وَنَحْوِهِ، وَلا إِجَارَةُ دَارِهِ لِمَنْ يَتَّخِذُهَا كَنِيسَةً. فَإِنِ اسْتَأْجَرَهُ لِحَمْلِ خَمْرٍ أَوْ مَيْتَةٍ، لَمْ يَصِحَّ. وَعَنْهُ: يَصِحُّ، وُيكْرَهُ لَهُ (¬1) أَكْلُ أُجْرَتهِ. فَإِنِ اسْتَأْجَرَهُ لِيَحْجُمَهُ، لَمْ يَصِحَّ عِنْدَ الْقَاضِي، وَعِنْدَ أَبِي الْخَطَّابِ يَصِحُّ، وَيُطْعِمُهُ عَبْدَهُ وَنَاضِحَهُ، وَيُكْرَهُ لِلْحُرِّ أَكْلُهُ. وَلا يَجُوزُ إِجَارَةُ الْمُشَاعِ، وَقَالَ أَبُو حَفْصٍ: يَجُوزُ. * * * ¬
فصل
فَصْلٌ وَإذَا قَالَ: إِنْ خِطْتَ هذَا الثَّوْبَ الْيَوْمَ، فَلَكَ دِرْهَمٌ وَإِنْ خِطْتَهُ غَداً، فَلَكَ نِصْفُ دِرْهَمٍ، فَفِي صِحَّتِهِ رِوَايَتَانِ. وَإذَا قَالَ: إِنْ خِطْتَهُ رُومِيّاً، فَلَكَ دِرْهَمٌ، وَإِنْ خِطْتَهُ فَارِسِيّاً، فَلَكَ نِصْفُ دِرْهَمٍ، يَخْرُجُ فِيهِ وَجْهَانِ. وَكَذلِكَ إِنْ قَالَ: آجَرْتُكَ هذَا الْحَانُوتَ إِنْ فَعَلْتَ فِيهِ حَائِطاً بِخَمْسَةٍ، وَجِدَاراً بِعَشَرَةٍ، فَعَلَى وَجْهَيْنِ. فَإِنْ أَكْرَاهُ دَابَّةً، وَقَالَ: إِنْ رَدَدْتَهَا الْيَوْمَ، فَكِرَاهَا خَمْسَةٌ، وَإِنْ رَدَدْتَها غَداً، فَكِرَاهَا عَشَرَةٌ، قَالَ أَحْمَدُ -رَحِمَهُ اللهُ-: لا بَأْسَ. وَقَالَ: فَمَنِ اسْتَأْجَرَ دَابَّةً عَشَرَةَ أَيَّامٍ بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ، فَحَبَسَهَا أَكْثَرَ مِنْ ذلِكَ، فَلَهُ بِكُلِّ يَوْمٍ دِرْهَمٌ، فَهُوَ جَائِزٌ. وَتَأَوَّلَ الْقَاضِي هَذَا عَلَى أَنَّهُ لا بَأْسَ، وَجَائِزٌ في الأَوَّلِ، وَيَبْطُلُ في الثَّانِي، وَالظَّاهِرُ خِلافُ ذَلِكَ
باب الجعالة
بَابُ الْجِعَالَةِ وَهِيَ أَنْ يَقُولَ: مَنَّ رَدَّ عَبْدِي، أَوْ لُقْطَةً ضَاعَتْ مِنِّي، أَوْ بَنَى لِي (¬1) هذَا الْحَائِط، فَلَهُ كَذَا، فَمَنْ عَمِلَهُ، اسْتَحَقَّ الْجُعْلَ. وَهِيَ عَقْدٌ جَائِزٌ، فَإِنْ فَسَخَ صَاحِبُ الْعَمَلِ بَعْدَ الشُّرُوعِ، فَلِلْعَامِلِ أُجْرَةُ مَا عَمِلَ، وَإِنْ فَسَخَ الْعَامِلُ، فَلا شَيْءَ لَهُ. وَتَصِحُّ الْجِعَالَةُ عَلَى عَمَلٍ مَجْهُولٍ، وَمُدَّةٍ مَجْهُولَةٍ، وَلا تَصِحُّ إِلَّا عَلَى عِوَضٍ مَعْلُومٍ، فَإِنْ تَعَذَّرَ الْعِوَضُ، فَلِلْعَامِلِ أُجْرَةُ الْمِثْلِ. وَإذَا قَالَ الْعَامِلُ: جَعَلْتَ لي كَذَا، وَأَنْكَرَ الْمالِكُ، أَوِ اخْتَلَفَا في مِقْدَارِ الْجُعْلِ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمالِكِ، وَيَتَخَرَّجُ أَنْ يَتَخَالَفَا في الْمِقْدَارِ. وَمَنْ عَمِلَ لِغَيْرِهِ بِغَيْرِ شَرْطٍ، فَلا جُعْلَ لَهُ إِلَّا في رَدِّ الآبِقِ خَاصَّةً دِينَاراً وَاثْنَيْ عَشَرَ دِرْهَماً بِالشَّرْعِ. وَعَنْهُ: إِنْ رَدَّهُ مِنْ خَارِجِ الْمِصْرِ، فَلَهُ أَرْبَعُونَ دِرْهَماً. ¬
وَيَسْتَحِقُّ الْجُعْلَ إِنْ كَانَ أَكْثَرَ مِنْ قِيمَةِ الْعَبْدِ. وَمَا أَنْفَقَهُ عَلَى الآبِقِ في قُوتِهِ، رَجَعَ بِهِ عَلَى سَيِّدِهِ، سَوَاءٌ رَدَّهُ إِلَيْهِ، أَوْ هَرَبَ مِنْهُ في بَعْضِ الطَّرِيقِ، فَإِنْ مَاتَ السَّيِّدُ، استَحَقَّ الْجُعْلَ مِنْ تَرِكَتِهِ.
فصل في السبق
فَصْلٌ في السَّبْقِ الْمُسَابَقَةُ بِعِوَضٍ جِعَالَةٌ لا يَدْخُلُهَا رَهْنٌ، وَلا ضَمِينٌ (¬1). وَعَنْهُ: أَنَّهَا (¬2) لازِمَةٌ كَالإِجَارَةِ يَدْخُلُهَا الرَّهْنُ والضَّمِينُ (¬3)، وَلا تَصِحُّ بَيْنَ نَوْعَيْنِ؛ كَالْعَرَبِيِّ وَالْهَجِينِ، وَيَتَخَرَّجُ الْجَوَازُ. وَلا بُدَّ مِنْ تَعْيِينِ الْفَرَسَيْنِ، وَتَحْدِيدِ الْمَسَافَةِ، وَالْعِلمِ بِالْعِوَضِ، فَإِنْ كَانَ مِنَ الإِمَامٍ أَوْ مِنْ آحَادِ الرَّعِيَّةِ عَلَى أَنَّ مَنْ سَبَقَ أَخَذ، جَازَ، فَإِنْ جَاءَ إِمَّعاً، فَلا شيْءَ لَهُمَا، وَإِنْ كَانَ بَيْنَهُمَا مُحَلِّل، فَسَتقَاهُ، أَحْرَزَا سَبْقَيْهِمَا، وَإِنْ سَبَقَ أَحَدُهُمَا مَعِ الْمُحَلِّلِ، أَحْرَزَ سَبْقَهُ، فَإِنْ سَبَقَ الآخَرُ، بَيْنَهُ (¬4) وَبَيْنَ الْمُحَلِّلِ نِصْفيْنِ، فَإِنْ قَالَ الإِمَامُ: مَنْ سَبَقَ، فَلَهُ عَشَرَةٌ، وَمَنْ صَلَّى، فَلَهُ كَذلِكَ، لَمْ تَصِحَّ الْمُسَابَقَةُ. وَإِنْ قَالَ: مَنْ صَلَّى، فَلَهُ خَمْسَةٌ، صَحَّتْ. ¬
فَإِنْ شَرَطَا أَنَّ مَنْ سَبَقَ أَطْعَمَ السَّبْقَ أَصْحَابَهُ، بَطَلَ الشَّرْطُ، وَفِي بُطْلانِ الْمُسَابَقَةِ وَجْهَانِ. وَالسَّبْقُ في الْخَيْلِ أَنْ يَسْبِقَ أَحَدُهُمَا بِالرَّأْسِ، إِلَّا أَنْ يَخْتَلِفَا في طُولِ الْعُنُقِ، أَوْ يَكُونَ ذلِكَ في الإِبِلِ، فَيُعْتَبَرُ السَّبْقُ بِالْكَتِفِ. وَتَجُوزُ الْمُسَابَقَةُ بِغَيْرِ الْخَيْلِ وَالإِبِلِ وَالسِّهَامِ بِغَيْرِ عِوَضٍ.
فصل في المناضلة
فَصْلٌ في الْمُنَاضَلَةِ وَلا تَصِحُّ إِلَّا عَلَى مَنْ يُحْسِنُ الرَّمْيَ، فَإِنْ كَانَ في أَحَدِ الحِزْبَيْنِ مَنْ لا يُحْسِنُ، بَطَلَ الْعَقْدُ فِيهِ، وَأُخْرِجَ مِنَ الْحِزْبِ الآخَرِ بِإِزَائِهِ، وَإِنْ أَحَبُّوا الْفَسْخَ، فَسَخُوا. وَلا يَصِحُّ إِلا عَلَى عَدَدٍ مِنَ الرَّشقِ مَعْلُومٍ، وَإِصَابَةٍ مَعْلُومَةٍ، فَيَقُولانِ: أُيُّنا أَصَابَ عَشَرَةً مِنْ عِشْرِينَ، فَقَدْ سَبَقَ، فَإِنْ تَسَاوَيَا في الإِصَابَةِ، فَلا شَيْءَ لَهُمَا. أَوْ يَقُولانِ: مَنْ سَبَقَ إِلَى خَمْسِ إِصَابَاتٍ مِنْ عِشْرِينَ رَمْيَة، فَقَدْ سَبَقَ، فَأَيُّهُمَا سَبَقَ إِلَيْهَا (¬1) مَعَ تَسَاوِيهِمَا في الرَّمْيِ، فَهُوَ السَّابِقُ، وَلا يَلْزَمُ إِتْمَامُ الرَّمْيِ. ويَقُولانِ: أَيُّنَا فَضَلَ صَاحِبَهُ بِثَلاثِ إِصَابَاتٍ أَوْ نَحْوِهَا مِنْ عِشْرِينَ رَمْيَةً، فَقَدْ سَبَقَ، وَيَصِفَانِ الإِصَابَةَ، فَيَقُولانِ: خَوَاسي، -وَهُوَ مَا وَقَعَ دُونَ الْغَرَضِ وَحَبا إِلَيْهِ- أَوْ: خَوَاصِرُ -وَهُوَ مَا كَانَ في أَحَدِ جَانِبَيِ ¬
الْغَرَضِ-، أَوْ خَوَاسِقُ (¬1) -وَهُوَ مَا فتحَ الْغَرَضَ، وَثَبَتَ فِيهِ- أَوْ خَوَاْرِقُ (¬2) -وَهُوَ مَا خَزَقَ (¬3) الْغَرَضَ وَلَمْ يَثْبُتْ فِيهِ- أَوْ خَواصِلُ -وَهُوَ اسْمٌ لِلإِصَابَةِ عَلَى أَيِّ صِفَةٍ كَانَتْ-. وَلا بُدَّ أَنْ يَكُونَ الْمَدَى بَيْنَ الْغَرَضَيْنِ مُقَدَّراً. أَوْ مَعْرِفَةِ مِقْدَارِ الْغَرَضِ. وَلَوْ قَالا: السَّبْقُ لأَبْعَدِنَا رَمْياً، لَمْ يَصِحَّ. وَلا يَفْتَقِرُ إِلَى تَعْيِينِ الْقَوْسِ وَالسِّهَامِ إذَا كَانَا مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ، فَإِنْ تناضَلا عَلَى أَنْ يَرْمِيَ أَحَدُهُمَا عَنْ قَوْسٍ عَرَبِيٍّ، وَالآخَرُ عَنْ فَارِسِيٍّ، لَمْ يَصِحَّ. وَإذَا تَشَاحَّا في الْمُبتَدِئِ بِالرَّمْيِ، أُقْرِعَ بَيْنَهُمَا، وَالسُّنَّةُ أَنْ يَكُونَ لَهُمَا غَرَضَانِ، إذَا بَدَأَ أَحَدُهُمَا بِغَرَضٍ، بَدَأَ الآخَرُ بِالثَّانِي. وَإذَا عَرَضَ لأَحَدِهِمَا عَارِضٌ مِنْ كَسْرِ قَوْسٍ، أَوْ رِيحٍ شَدِيدَةٍ تَرُدُّ السَّهْمَ عَرْضاً، لَمْ يُحْتَسَبْ عَلَيْهِ ذلِكَ. وَإِنْ عَرَضَ مَطَرٌ أَوْ ظُلْمَةٌ، جَازَ تَأْخِيرُ الرَّمْيِ. وَإذَا أَطَارَتِ الرِّيحُ الْغَرَضَ، فَوَقَعَ السَّهْمُ في مَوْضِعِهِ، وَكَانَ ¬
شَرْطُهُمُ الإِصَابَةَ، احْتُسِبَ بِهِ، وَإِنْ كَانَ شَرْطُهُمْ خَوَاسِقَ (¬1)، لَمْ يُحْتَسَبْ بِهِ. وَيُكْرَهُ لِلأَمِيرِ وَالشُّهُودِ مَدْحُ أَحَدِهِمَا وَزَهْزَهَتُهُ؛ لأَنَّ فِيهِ كَسْرَ قَلْبِ صَاحِبِهِ. * * * ¬
كتاب الوديعة
كتَابُ الْوَدِيعَةِ إذَا أَمَرَهُ صَاحِبُهَا أَنْ يَجْعَلَهَا في مَنْزِلٍ، فَأَخْرَجَهَا إِلَى مِثْلِهِ، أَوْ أَحْرَزَ مِنْهُ، لَمْ يَضْمَنْ، وَقِيلَ: إِنْ أَخْرَجَهَا لِغَيْرِ حَاجَةٍ، ضَمِنَ. فَإِنْ نَهَاهُ الْمالِكُ عَنْ إِخْرَاجِهَا، فَخَافَ عَلَيْهَا فِيهِ، فَلَمْ يُخْرِجْهَا، ضَمِنَ، وَإِنْ أَخْرَجَهَا لِغَيْرِ خَوْفٍ، ضَمِنَ. فَإِنْ قَالَ: لا تَخْرِجْهَا وَإِنْ خِفْتَ عَلَيْهَا، فَأَخْرَجَهَا عِنْدَ خَوْفِهِ عَلَيْهَا، أَوْ تَرَكَهَا، فَلا ضَمَانَ. فَإِنْ قَالَ: لا تُقْفِلْ عَلَيْهَا، وَلا تَنَمْ فَوْقَهَا، فَفَعَلَ، لَمْ يَضْمَنْ. فَإِنْ قَالَ: اجْعَلْهَا في جَيْبِكَ، فَجَعَلَهَا في كُمِّهِ، ضَمِنَ. وَإِنْ قَالَ: اجْعَلْهَا في كُمِّكَ، فَتَرَكَهَا في جَيْبِهِ، لَمْ يَضْمَنْ، وَإِنْ تَرَكَهَا في يَدِهِ، احْتَمَلَ وَجْهَيْنِ. فَإِنْ أَرَادَ السَّفَرَ، وَصَاحِبُهَا غَائِبٌ، فَلَهُ حَمْلُهَا مَعَهُ إذَا كَانَ أَحْرَزَ لَهَا، وَإِلَّا دَفَعَهَا إِلَى الْحَاكِمِ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ حَاكِماً، أَوْدَعَهَا ثِقَةً في الْبَلَدِ.
قَالَ الْقَاضِي: وَنَصَّ أَحْمَدُ -رَحِمَهُ اللهُ-: أَنَّهُ لا يُودِعُهَا. فَإِنْ دَفَنَهَا في دَارِهِ، وَأَعْلَمَ بِهَا ثِقَةً سَكَنَ الدَّارَ، فَعَلَى وَجْهَيْنِ. وَإذَا أُوْدِعَ بَهِيمَةً، فَلَمْ يَعْلِفْهَا حَتَّى مَاتَتْ، ضَمِنَ، وَمَا أَنْفَقَ عَلَيْهَا بِإِذْنِ الْحَاكِمِ رَجَعَ بِهِ. فَإِنْ لَمْ يَسْتَأْذِنْ -مَعَ قُدْرَتهِ عَلَيْهِ- فَهَلْ يَرْجِعُ؟ تَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ. فَإِنْ نَهَاهُ الْمالِكُ عَنْ عَلْفِهَا وَلَمْ يَعْلِفْهَا (¬1) حَتَّى مَاتَتْ، أَثِمَ، وَلَمْ يَضْمَنْ. وَإذَا دَفَعَ الْوَدِيعَةَ إِلَى مَنْ في دَارِهِ مِنْ زَوْجَتِهِ أَوْ أَمَتِهِ، لَمْ يَضْمَنْ، وَإِنْ دَفَعَهَا إِلَى الأَجْنَبِيٍّ (¬2) لِحِفْظِهَا، ضَمِنَ، وَلَيْسَ لِلْمَالِكِ مُطَالَبَةُ الأَجْنَبِيِّ، عَلَى ظَاهِرِ كَلامِهِ، وَقَالَ الْقَاضِي: يُضَمِّنُ أَيَّهُمَا شَاءَ. وَإذَا أَوْدعً صَبِيّاً وَدِيعَةً، فتلِفَتْ، لَمْ يَضمَنْ. وَإِنْ أَتْلَفَهَا الصَّبِيُّ، فَهَلْ يَضْمَنُ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ. وَإِنْ أَوْدَعَهُ الصَّبِيُّ وَدِيعَةً، ضَمِنَ، وَلَمْ يَبْرَأْ إِلَّا بِالتَّسْلِيمِ إِلَى وَلِيِّهِ. وَإذَا أَوْدعً عَبْداً وَدِيعَةً فَأَتْلَفَهَا، ضَمِنَ، وَيَكُونُ في رَقَبَتِهِ. وَإذَا أَتْلَفَ الْوَدِيعَةَ مِنْ بَيْنِ مَالِهِ، لَمْ يَضْمَنْ. وَعَنْهُ: يَضْمَنُ. ¬
وَإِنْ رَكِبَ الدَّابَّةَ، أَوْ لَبِسَ الثَّوْبَ، أَوْ كَسَرَ خَتْمَ الْكِيسِ وَفتُحَهُ، أَوْ أَخْرَجَ الدَّرَاهِمَ لِيُنْفِقَهَا ثُمَّ رَدَّهَا، ضَمِنَ في جَمِيعِ ذلِكَ. وَإذَا مَاتَ الْمُودعُ، وَلَمْ يُبَيِّنْ مَكَانَ الْوَدِيعَةِ، كَانَتْ دَيْناً في تَرِكَتِهِ. وَإذَا غُصِبَتِ الْوَدِيعَةُ، فَهَلْ لِلْمودعَ الْمُخَاصَمَةُ فِيهَا بِغَيْرِ إِذْنِ الْمالِكِ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ. وَإذَا أَوْدَعَهُ اثْنَانِ مَكِيلاً وَمَوْزُوناً، فَطَلَبَ أَحَدُهُمَا نَصِيبَهُ، لَزِمَهُ دَفْعُهُ إِلَيْهِ.
فصل
فَصْلٌ وَإذَا قَالَ الْمُودعُ: أَمَرْتَنِي بِدَفْعِهَا إِلَى فُلانٍ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُودعَ، فَإِنْ مَاتَ الْمودعُ، وَادَّعَى وارِثُهُ الرَّدَّ، لَمْ يُقْبَلْ إِلَّا بِبيِّنَةٍ، وَإِنْ تَلِفَتْ في يَدِ الْوَارِثِ قَبْلَ إِمْكَانِ الرَّدِّ، لَمْ يَضْمَنْ، وَإِنْ تَلِفَتْ بَعْدَ إِمْكَانِ الرَّدِّ، ضَمِنَ. وَإذَا قَالَ الْمُودعُ: مَا أَوْدَعَنِي، ثُمَّ قَالَ: ضَاعَتْ مِنْ حِرْزٍ، وَأَقَامَ بِذلِكَ بَيِّنَةً، لَمْ تُقْبَلْ، وَلَزِمَهُ الضَّمَانُ. وَإذَا ادَّعَى الْوَدِيعَةَ نَفْسَانِ، رَجَعَ إِلَى قَوْلِ الْمُودعَ، وَعَلَيْهِ الْيَمِينُ لِغَيْرِ مَنْ أقرَّ لَهُ، فَإِنْ نَكَلَ، قَضَى عَلَيْهِ، فَإِنْ قَالَ: لا أَعْلَمُ صَاحِبَهَا، فَعَلَيْهِ الْيَمِينُ أَنَّهُ لا يَعْلَمُ مَالِكَها.
باب العارية
بَابُ الْعَارِيَّةِ الْعَارِيَّةُ هِبَةُ مَنْفَعَةٍ. وَلِلْمَالِكِ الرُّجُوعُ فِيها مَتَى شَاءَ. وَلا يَجُوزُ إِعَارَةُ الْمُسْلِمِ لِكَافِرٍ، وَلا الصَّيْدِ لِمُحْرِمٍ. وَتُكْرَهُ إِعَارَةُ الأَمَةِ الشَّابَّةِ لِغَيْرِ ذِي مَحْرَمٍ، وَاسْتِعَارَةُ وَالِدَيْهِ لِلْخِدْمَةِ. وَإذَا أَعَارَهُ حَائِطاً لِيَضَعَ عَلَيْهِ أَطْرَافَ خَشَبِهِ، لَمْ يَكُنْ لَهُ الرُّجُوعُ مَا دَامَ الْخَشَبُ عَلَى الْحَائِطِ، فَإِنِ اسْتَهْدَمَ الْحَائِطَ، لَمْ يَكُنْ لِلْمُسْتَعِيرِ رَدُّ الْخَشَبِ. وَإِنْ أَعَارَهُ أَرضاً لِلدَّفْنِ، لَمْ يَكُنْ لَهُ الرُّجُوعُ مَا لَمْ يَبْلَ الْمَيِّتُ. وَإِنْ أَعَارَهُ سَفِينَةً، فَلَيْسَ لَهُ الرُّجُوعُ مَا دَامَتْ في لُجَّةِ الْبَحْرِ. وَإذَا اشْتَرَطَ نَفْيَ الضَّمَانِ، لَمْ يَنْتَفِ. وَقَالَ أَبُو حَفْصٍ: لا يَضْمَنُ.
فَإِنْ تَلِفَتْ أَجْزَاؤُها بِالِاسْتِعْمَالِ؛ كَخَمَلِ المِنْشَفَةِ وَالْقَطِيفَةِ، فَهَلْ يَضْمَنُ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ. وَلَيْسَ لِلْمُسْتَعِيرِ مُؤْنَةُ رَدِّ الْعَارِيَّةِ إِلَى مَالِكِهَا (¬1)، فَإِنْ رَدَّ الدَّابّهَ إِلَى إِسطَبْلِ الْمالِكِ، أَوْ غُلامِهِ، لَمْ يَبْرَأْ مِنَ الضَّمَانِ، وَإِنْ رَدَّهَا إِلَى وَكِيلِهِ في قَبْضِ حُقُوقِهِ، أَوْ مَنْ جَرَتْ عَادَتُه أَنْ يَجْرِيَ ذلِكَ عَلَى يَدِهِ؛ كَزَوْجَتِهِ وَنَحْوِهَا، بَرِىَ. * * * ¬
فصل
فَصْلٌ وَإذَا اسْتَعَارَ أَرْضًا لِلْغِرَاسِ، لَمْ يَبْنِ فِيها، وَلَهُ أَنْ يَزْرَعَ فِيها، وَإِنِ اسْتَعَارَهَا لِلْبِنَاءِ وَالزَّرْعِ، لَمْ يَغْرِسْ فِيهَا، فَإِنِ اسْتَعَارَهَا لِزَرْعِ شَيْءٍ، فَلَهُ زَرْعُ مِثْلِهِ وَمَا هُوَ دُونَهُ في الضَّرَرِ. فَإِنِ اسْتَعَارَهَا لِلْغِرَاسِ وَالزَّرْعِ مُطْلَقًا، زَرَعَ مَا شَاءَ، فَإِنْ رَجَعَ الْمُعِيرُ وَالزَّرْعُ قَائِمٌ، وَكَانَ مِمَّا يُحْصَدُ قَصِيلًا، حَصَدَهُ، وَإِلَّا لَزِمَ تَرْكُهُ بِالأُجْرَةِ. وَإِنْ حَمَلَ السَّيْلُ بَذْرَ الرَّجُلِ، فَنَبَتَ في أَرْضِ آخَرَ، فَهُوَ لِمالِكِ الْبَذْرِ مُبْقًى حَتَّى يَسْتَحْصِدَ، وَعَلَيْهِ أُجْرَةُ الْمِثْلِ. وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ لِصَاحِبِ الأَرْضِ، وَعَلَيْهِ قِيمَةُ الْبَذْرِ. فَإِنْ أَعَارَهُ لِلْبنَاءِ وَالْغِرَاسِ، وَشَرَطَ عَلَيْهِ الْقَلْعَ عِنْدَ الرُّجُوعِ، لَزِمَهُ ذلِكَ، وَلَمْ يَلْزَمْهُ أَرْشُ النَّقْصِ، وَلا تَسْوِيَةُ الأَرْضِ. وَإِنْ لَمْ يَشْتَرِطْ عَلَيْهِ الْقَلْعَ، فَالْمُعِيرُ بِالْخِيَارِ بَيْنَ دَفْعِ قِيمَةِ الْبِنَاءِ وَالْغِرَاسِ فَيَمْلِكُهُ، وَبَيْنَ الْقَلْعِ وَضَمَانِ مَا نَقَصَ، وَبَيْنَ تَرْكِهِ بِالأُجْرَةِ،
وَلا يُمْنَعُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا مِنْ بَيْعِ مِلْكِهِ لِمَنْ أَرَادَ. وَلِلْمُعِيرِ دُخُولُ أَرْضِهِ كَيْفَ شَاءَ، وَلِلْمُسْتَعِيرِ دُخُولُهَا لِلسَّقْيِ وَالإِصْلاحِ وَأَخْذِ الثَّمَرَةِ (¬1)، وَلَيْسَ لَهُ دُخُولهَا لِلتَّفَرُّجِ. وَإِنْ بَنَى أَوْ غَرَسَ بَعْدَ الرُّجُوعِ، أَوْ وَقَّتَ لَهُ الْعَارِيَّةَ، فَبَنَى بَعْدَ الْوَقْتِ، لَزِمَهُ الْقَلْعُ، وَضَمَانُ النَّقْصِ، وَتَسْوِيَةُ الأَرْضِ، وَأُجْرَةُ الْمِثْلِ لِذلِكَ. فَصْلٌ: وَإذَا اخْتَلَفَ الْمُعِيرُ وَالْمُسْتَعِيرُ في الرَّدِّ، أَوْ قَالَ: آجَرْتُكَ هذِهِ الدَّابَّةَ، فَقَالَ: بَلْ أَعَرْتَنِي، أَوْ قَالَ: أَعَرْتُكَها (¬2)، فَقَالَ: بَلْ آجَرْتَنِي، أَوْ قَالَ: غَصَبْتَنِي، فَقَالَ: بَلْ أَعَرْتَنِي، فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمالِكِ، وَقِيلَ: الْقَوْلُ قَوْلُ الرَّاكِبِ في نَفْيِ الْغَصْبِ. * * * ¬
باب الغصب
بَابُ الْغَصْبِ رَوَى مُسْلِمٌ عَنْ سَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قُولُ: "مَنْ أَخَذَ شِبْرًا مِنَ الأَرْضِ ظُلْمًا، فَإِنَّهُ يُطَوَّقُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ سَبعِ أَرَضِينَ" (¬1). الْغَصْبُ هُوَ الِاسْتِيلاءُ عَلَى مَالِ الْغَيْرِ قَهْرًا بِغَيْرِ حَق. وَمَنْ غَصَبَ شَيْئًا، لَزِمَهُ رَدُّهُ، وَإِنْ غَرِمَ عَلَيْهِ أَضْعَافَ قِيمَتِهِ. وَلَوْ بَنَى عَلَى الْمَغْصُوبِ، لَزِمَ رَدُّهُ، وَإِنِ انتقَضَ الْبِنَاءَ، فَإِنْ نَقَصَ لِمَعْنًى حَدَثَ فِيهِ، ضَمِنَ النَّقْصَ، وَإِنْ نَقَصَ (¬2) لِتَغَيُّرِ الأَسْعَارِ، لَمْ يَضْمَنْ. فَإِنْ زَادَ في يَدِهِ، ثُمَّ نَقَصَ، ثُمَّ عَادَ مِثْلَ الزِّيَادَةِ، فَهَلْ يَضْمَنُ الزِّيَادَةَ الأُولَى؛ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ. ¬
فَإِنْ غَصَبَ خَيْطًا، فَخَاطَ بِهِ جُرْحَهُ أَوْ جُرْحَ حَيَوانٍ، فَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ، وَقِيلَ: إِنْ كَانَ الْحَيَوانُ مَأْكُولًا، رَدَّ الْخَيْطَ، فَإِنْ خَشِيَ تَلَفَ الْحَيَوَانِ، ذَكَّاهُ، فَإِنْ مَاتَ الْحَيَوَانُ، رَدَّ الْخَيْطَ، إِلَّا أَنْ يَكُونَ آدَمِيًّا. وَإِنْ غَصَبَ لَوْحًا، فَرَقَعَ بِهِ سَفِينَةً، فَحَمَلَ فِيهَا مَالَهُ أَوْ مَالَ الْغَيْرِ، لَمْ يُقْلَعْ حَتَّى تُرْسِيَ. وَإِنْ كَانَ الْمَغْصُوبُ تَالِفًا، وَهُوَ مَكِيل أَوْ مَوْزُونٌ، ضَمِنَهُ بِمِثْلِهِ، فَإِنْ تَعَذَّرَ الْمِثْلُ، فَعَلَيْهِ قِيمَةُ مِثْلِهِ يَوْمَ انْقِطَاعِهِ. فَإِنْ كَانَ مَصُوغًا قِيمَتُهُ أَكْثَرُ مِنْ وَزْنِهِ، وَكَانَتِ الصِّنَاعَةُ مُبَاحَةً، قُوِّمَ بِغَيْرِ جِنْسِهِ، وَإِنْ كَانَتْ مُحَرَّمَةً، ضَمِنَ بِمِثْلِهِ وَزْنًا. وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَكِيلًا وَلا مَوْزُونًا، ضَمِنَهُ بِقِيمَتِهِ يَوْمَ التَّلَفِ. وَإِنْ تَلِفَ بَعْضُهُ، ضَمِنَهُ بِمَا نَقَصَ. وَعَنْهُ: في الرَّقِيقِ: يَضْمَنُ بِما يَضْمَنُ بِهِ في الإِتْلافِ. وَعَيْنُ الدَّابَّةِ تُضْمَنُ بِرُبع قِيمَتِها. فَإِنْ تَلِفَ بَعْضُهُ، فَنَقَصَ قِيمَةَ الْباقِي، رَدَّ الْبَاقِيَ وَقِيمَةَ التَّالِفِ وَأَرْشَ النَّقْصِ. وَقِيلَ: لا يَلْزَمُهُ إِلَّا قِيمَةُ التَّالِفِ مَعَ الرَّدِّ. فَإِنْ غَصَبَ حِنْطَةً قَبْلَهَا، فَصَاحِبُهَا بِالْخِيَارِ بَيْنَ أَنْ يَأْخُذَ مِثْلَ حِنْطَتِهِ (¬1)، أَوْ يَتْرُكَهَا حَتَّى يَسْتَقِرَّ فِيهَا الْفَسَادُ، وَيَأْخُذَ أَرْشَ النَّقْصِ. ¬
فَإِنْ غَيَّرَ الْمَغْصُوبَ بِمَا يَنْتَقِلُ بِهِ عَنِ اسْمِهِ؛ مِثْلَ أَنْ ضَرَبَ النُّقْرَةَ دَرَاهِمَ، وَالْبيرَمَ إِبَرًا، وَالْخَشَبَةَ بَابًا، وَالْغَزْلَ ثَوْبًا، والشَّاةَ شِوَاءً، فَالصَّحِيحُ في الْمَذْهَبِ أَنَّهُ إِنْ زَادَتِ الْقِيمَةُ، فَهُمَا شَرِيكَانِ في الزِّيَادَةِ، وَإِنْ نَقَصَتِ الْقِيمَةُ، فَعَلَى الْغَاصِبِ ضَمَانُ النَّقْصِ، وإِنْ زَادَتْ، أَوْ لَمْ تَزِدْ وَلَمْ تَنْقُصْ، فَهِيَ لِلْمَالِكِ، وَلا شَيْءَ لِلْغَاصِبِ. وَعَنْهُ: أَنَّ الْغَاصِبَ يَصيرُ شَرِيكًا في الزِّيَادَةِ. وَإِنْ صَبَغَ الثَّوْبَ، فَلَمْ تَزِدْ قِيمَةُ الثَّوْبِ وَالصَّبغ وَلَمْ تَنْقُصْ، أَوْ زَادَتْ قِيمَتُهُما، فَهُمَا شَرِيكَانِ، وَإِنْ نَقَصَتْ قِيمَتُهُمَا، فَهُوَ مِنْ ضَمَانِ الْغَاصِبِ، وَإِنْ زَادَتْ قِيمَةُ أَحَدِهِمَا، فَالزِّيَادَةُ لِمالِكِ ذلِكَ، وَلَيْسَ لِلْمَالِكِ قَلْعُ الصَّبغ، وَيَتَخَرَّجُ أَنَّ لَهُ ذلِكَ قِيَاسًا عَلَى الْغِرَاسِ. وَهَلْ لِلْغَاصِبِ قَلع الصَّبغ وَيَضمَنُ النَّقْصَ؟ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ. فَإِنْ وَهَبَ الْغَاصِبُ الصَّبغ لِصَاحِبِ الثَّوْبِ، لَزِمَهُ قَبُولُهُ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ لا يَلْزَمُهُ. فَإِنْ خَلَطَ الْمَغْصُوبَ بِمَا يَتَمَيَّزُ، لَزِمَهُ تَخْلِيصُهُ وَردُّهُ، وَإِنْ خَلَطَهُ بِمَا لا يَتَمَيَّزُ؛ كَالْحِنْطَةِ وَالزَّبِيبِ وَنَحْوِهِمَا، لَزِمَهُ مِثْلُهُ في قَوْلِ الْقَاضِيِ. وَعَنْ أَحْمَدَ -رَحِمَهُ اللهُ-: أَنَّهُ (¬1) إذَا خَلَطَهُ بِأَجْوَدَ مِنْهُ أَوْ دُونَهُ، فَهُمَا شَرِيكانِ. فَإِنْ حَفَرَ الْغَاصِبُ بِئْرًا في الدَّارِ، ثُمَّ أَرَادَ طَمَّهَا، فَقَالَ الْقَاضِي: لَهُ ¬
ذلِكَ، وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: لَيْسَ لَهُ ذلِكَ إذَا أَبْرَأَهُ الْمَالِكُ مِنْ ضَمَانِ مَا يَتْلَفُ فِيهَا. فَإِنْ غَصَبَ أَثْمَانًا، واتَّجَرَ فِيهَا، فَالرِّيِحُ لِلْمَالِكِ، وَإِنْ كَانَ الشِّرَاءُ في الذِّمَّةِ، احْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ كَذلِكَ، وَاحْتَمَلَ أَنْ يَلْزَمَهُ رَدُّ مِثْلِ الدَّنَانِيرِ، أَوْ تَكُونَ السِّلْعَةُ وَرِبْحُهَا لَهُ. فَإِنْ بَاعَ الْغَاصِبُ الْعَيْنَ، أَوْ وَهَبَهَا، وَقَبَضَهَا، فتلِفَتْ، فَلِلْمَالِكِ أَنْ يُضَمِّنَ أَيَّهُمَا شَاءَ، فَإِنْ ضَمَّنَ الْمُشْتَرِيَ، و (¬1) الْمُتَّهِبَ، مَعَ عِلْمِهِمَا بِالْغَصْبِ، لَمْ يَرْجِعَا، وَإِنْ لَمْ يُعْلِمْهُمَا بِالْغَصْبِ، رَجَعَ الْمُتَّهِبُ عَلَى الْغَاصِبِ، وَيَرْجِعُ الْمُشْتَرِي عَلَى الْغَاصِبِ بِالثَّمَنِ الَّذِي أُخِذَ مِنْهُ، وَبِمَا لَمْ يَكُنْ ضَمَانٌ يكثْرُ منْ ضَمَانِهِ (¬2) بِالْبَيْعِ، وَلَمْ ينتفِعْ بِهِ؛ كَنُقْصَانِ الْوِلادَةِ، وَقِيمَةِ الْوَلَدِ. وَلا يَرْجِعُ بِمَا الْتَزَمَ ضَمَانَهُ، كَقِيمَةِ الْعَيْنِ وَالأَجْزَاءِ. فَأَمَّا مَا جُعِلَتْ لَهُ بِهِ مَنْفَعَةٌ، وَلَمْ يَلْتَزِمْ ضَمَانَهُ، كَالأُجْرَةِ وَأَرْشِ الْبَكَارَةِ، فَهَلْ يَرْجِعُ بِهِ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ. فَإِنْ ضَمِنَ الْغَاصِبُ، رَجَعَ عَلَى الْمُشْتَرِي بِمَا لا يَرْجِعُ بِهِ الْمُشْتَرِي عَلَيْهِ، وَكُلُّ مَا يَرْجِعُ بِهِ الْمُشْتَرِي عَلَى الْغَاصِبِ، لا يَرْجِعُ بِهِ الْغَاصِبُ عَلَى الْمُشْتَرِي. ¬
وَإِنِ اشْتَرَى عَبْدًا فَأَعْتَقَهُ، فَادَّعَى رَجُلٌ أَنَّ الْبَائِعَ غَصَبَهُ مِنْهُ، فَصَدَّقَهُ الْبَائِعُ وَالْمُشْتَرِي، وَالْعَبْدُ، لَمْ يُقْبَلْ، وَلِلْمُدَّعِي أَنْ يُضَمِّنَهُ مَنْ شَاءَ مِنَ الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي بِقِيمَتِهِ (¬1) يَوْمَ الْعِتْقِ، فَإِنْ طَالَبَ الْبَائِعَ، رَجَعَ عَلَى الْمُشْتَرِي، وَإِنْ طَالَبَ الْمُشْتَرِيَ لَمْ يَرْجِعْ عَلَى الْبَائِعِ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَبْطُلَ الْعِتْقُ إذَا صَدَّقُوهُ كُلُّهُمْ، فَإِنْ صَدَّقَهُ بَعْضُهُمُ دُونَ بَعْضٍ (¬2)، لَمْ يُقْبَلْ في حَقِّ غَيْرِهِ. وَإذَا أَطْعَمَ الْمَغْصُوبَ لإِنْسَانٍ يَعْلَمُ بِالْغَصْبِ، فَضَمَّنَ الْمالِكُ الْغَاصِبَ، رَجَعَ عَلَى الآكِلِ، وَإِنْ ضَمَّنَ الآكِلَ، لَمْ يَرْجِعْ عَلَى الْغَاصِبِ، فَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ بِالْغَصْبِ، فَضَمَّنَ الْغَاصِبَ، لَمْ يَرْجِعْ عَلَى الآكِلِ، وَإِنْ ضَمَّنَ الآكِلِ، رَجَعَ عَلَى الْغَاصِبِ، في أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ، فَإِنْ أَطْعَمَ الْمَغْصُوبَ لِمالِكِهِ، مَعَ عِلْمِهِ أَنَّهُ طَعَامُهُ، بَرِىَ الْغَاصِبُ، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ، لَمْ يَبْرَأْ. وَلَوْ رَهَنَ الْمَغْصُوبَ مِنْ مَالِكِهِ، أَوْ أَوْدَعَهُ عِنْدَهُ، أَوْ أَعَارَهُ إِيّاهُ، أَوِ اسْتَأْجَرَهُ عَلَى قِصَارَتهِ أَوْ خِيَاطَتِهِ، بَرِىَ الْغَاصِبُ مِنَ الضَّمَانِ. وَإذَا غَصَبَ أَرْضًا، فَزَرَعَهَا، فَصَاحِبُهَا مُخَيَّرٌ بَيْنَ الْمِثْلِ، وَبَيْنَ أَخْذِ الزَّرْعِ بِقِيمَتِهِ في إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ. وَفِي الأُخْرَى: بِأَخْذِهِ بِمَا أَنْفَقَ عَلَيْهِ. ¬
فصل
فَصْلٌ وَإذَا غَصَبَ حُرًّا، فَاسْتَعْمَلَهُ، ضَمِنَ أُجْرَةَ مِثْلِهِ، فَإِنْ حَبَسَهُ مُدَّةً، احْتَمَلَ وَجْهَيْنِ. وَأُمُّ الْوَلَدِ مَضْمُونَةٌ بِالْغَصْبِ. وَإِنْ غَصَبَ عَصِيرًا، فَانْقَلَبَ خَمْرًا، ضَمِنَ قِيمَتَهُ؛ فَإِنِ انْقَلَبَ خَلًّا، رَدَّهُ وَمَا نَقَصَ مِنْ قِيمَةِ الْعَصِيرِ. وَإِنْ غَصَبَ خَمْرًا مِنْ ذِمِّيٍّ، لَزِمَهُ رَدُّهَا عَلَيْهِ، وَإِنْ غَصَبَهَا مِنْ مُسْلِمٍ، وَجَبَ إِرَاقتهَا، فَإِنْ تَرَكَهَا فَصَارَتْ خَلًّا، رَدَّهَا. وَإِنْ غَصَبَ كَلْبًا فِيهِ مَنْفَعَة، لَزِمَهُ رَدُّهُ. فَإِنْ غَصَبَ جِلْدَ مَيْتَةٍ، فَفِي لُزُومِ رَدِّهِ وَجْهَانِ. وَإِنْ كَسَرَ طَبْلًا، أَوْ صَلِيبًا، أَوْ طُنْبُورًا، لَمْ يَضْمَنْهُ، فَإِنْ كَسَرَ أَوَانِيَ الْخَمْرِ، أَوْ آنِيَةَ الذهَبِ وَالْفِضَّةِ، فَهَلْ يضْمَنُ (¬1)؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ. ¬
وَجِنَايَةُ الْمَغْصُوبِ عَلَى الْغَاصِبِ وَعَلَى مَالِهِ هَدْر، وَجِنَايَتُهُ عَلَى سَيِّدِهِ مَضْمُونَةٌ عَلَى الْغَاصِبِ، وَتَصَرُّفَاتُ الْغَاصِبِ الْحُكْمِيَّةُ بَاطِلَةٌ، في إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ، وَالأُخْرَى: صَحِيحَةٌ، وَسَوَاءٌ في ذلِكَ الْعِبَادَاتُ؛ كَالْحَجِّ أوِ الزَّكَاةِ (¬1)، وَالْعُقُودُ؛ كَالْبَيْعِ وَالإِجَارَةِ وَالنِّكاحِ. فَصْلٌ: وَإذَا اخْتَلَفَا في رَدِّ الْغَصْبِ أَوْ صِفَتِهِ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمالِكِ، وَإِنِ اخْتَلَفَا في قِيمَتِهِ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْغَاصِبِ. * * * ¬
فصل فيما يضمن به المال وغير الغصب
فَصْلٌ فيما يُضْمَنُ بِهِ الْمالُ وَغَيْرُ الْغَصْبِ مَنْ أَتْلَفَ عَلَى غَيْرِهِ مَالًا مُحْتَرَمًا، ضَمِنَهُ، وَإِنْ فَتَحَ قَفَصًا عَلَى طَائِرِ إِنْسَانٍ، أَوْ حَلَّ قَيْدَ عَبْدِهِ أَوْ فَرَسِهِ، فَذَهَبَ، أَوْ حَلَّ زِقًّا فِيهِ مَائِعٌ، فَانْدَفَقَ، أَوْ كَانَ جَامِدًا فَذَابَ بِالشَّمْسِ، أَوْ قَاعِدًا فَوَقَعَ بِالرِّيحِ فَذَهَبَ مَا فِيهِ، ضَمِنَ في ذلِكَ كُلِّهِ. وَإِنْ أَجَّجَ نَارًا في سَطْحِهِ، أَوْ سَقَى أَرْضَهُ فَتَعَدَّى إِلَى مِلْكِ غَيْرِهِ، ضَمِنَ ما تَلِفَ بِهِ، إذَا كَانَ قَدْ أَسْرَفَ في ذلِكَ. وَإذَا حَفَرَ بِئْرًا في فِنَائِهِ يَنْتَفِعُ بِهَا، ضَمِنَ مَا تَلِفَ بِهَا، وَإِنْ حَفَرَهَا (¬1) في الطَّرِيقِ لِيَنْتَفِعَ الْمُسْلِمُونَ بِهَا، لَمْ يَضْمَنْ، وَعَنْهُ: يَضْمَنُ. وَإِنْ بَسَطَ في مَسْجِدٍ بَارِيَّةً، أَوْ نَصَبَ بَابًا، أَوْ عَلَّقَ قِنْدِيلًا، لَمْ يَضْمَنْ مَا تَلِفَ بِهِ. وَإِنْ جَلَسَ في مَسْجِدٍ أَوْ طَرِيقٍ وَاسِع، فَعَثَرَ بِهِ إِنْسَانٌ، فَهَلْ يَضْمَنُ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ. ¬
وَإِنْ رَبَطَ دَابَّةً في طَرِيقٍ، فَجَنَتْ، ضَمِنَ. وَإِنِ اقْتَنَى كَلْبًا عَقُورًا، فَعَقَرَ إِنْسَانًا، فَقَالَ الْقَاضِي: فِيها رِوَايَتَانِ. وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: إِنْ كَانَ الدَّاخِلُ إِلَى مَنْزِلِهِ بِغَيْرِ إِذْنِهِ، لَمْ يَضْمَنْ، وَإِنْ دَخَلَ بِإِذْنِهِ، ضَمِنَ. وَإِنْ مَالَ حَائِطُهُ إِلَى الطَّرِيقِ، فَلَمْ يَهْدِمْهُ حَتَّى وَقَعَ عَلَى شَيْءٍ فَأَتْلَفَهُ، لَمْ يَضْمَنْ. وَيَتَخَرَّجُ أَنْ يَضْمَنَ؛ كَمَا لَوْ أَخْرَجَ جَنَاحًا إِلَى الطرِيقِ، فَإِنَّهُ يَضْمَنُ مَا تَلِفَ بِهِ. وَعَنْهُ: إِنْ تَقَدَّمَ إِلَيْهِ في نَقْضِهِ، وَأَشْهَدَ عَلَيْهِ، فَإِنَّهُ يَضْمَنُ. وَاخْتَارَ أَصْحَابُنا.
باب الشفعة
بَابُ الشُّفْعَةِ رَوَى الْبُخَارِيُّ عَنْ جَابِرٍ قَالَ: قَضَى النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - (¬1) بِالشُّفْعَةِ في كُلِّ مَا لَمْ يُقْسَمْ، فَإذَا وَقَعَتِ الْحُدُودُ، وَصُرِّفَتِ الطُّرُقُ، فَلا شُفْعَةَ (¬2). قَالَ جَابِرٌ: قَضَى رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بالشُّفْعَةِ في كُلِّ شِرْكَةٍ لَمْ تُقْسَمْ: رَبْعَةٍ، أَوْ حَائِطٍ، لا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَبيعَ حَتَّى يُؤْذِنَ شَرِيكَهُ، فَإِنْ شَاءَ أَخَذَ، فَإِنْ (¬3) شَاءَ تَرَكَ، فَإذَا بَاعَ وَلَمْ يُؤْذِنْهُ (¬4)، فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ، رَوَاهُ مُسْلِمٌ (¬5). وَمَا لا تَجِبُ قِسْمَتُهُ؛ كَالْبِئْرِ وَالْحَمَّامِ الصَّغِيرِ وَالرَّحَى وَالشَّجَرَةِ وَنَحْوِ ذلِكَ، فَهَلْ تَجِبُ فِيهِ الشُّفْعَةُ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ. ¬
وَلا يَخْتَلِفُ الْمَذْهَبُ أَنَّ الْغِرَاسَ وَالْبِنَاءَ يُؤْخَذُ بِالشُّفْعَةِ تَبَعًا لِلأَرْضِ. وَمَا انتقَلَ بِهِبَةٍ أَوْ وَصِيَّةٍ، فَلا شُفْعَةَ فِيهِ، فَأَمَّا مَا لَهُ عِوَض غَيْرُ المالِ؛ كَالصَّدَاقِ، وَعِوَضِ الْخُلْعِ، وَالصُّلْحِ عَنْ دَمِ الْعَمْدِ، أَوْ في مَنْفَعَةِ دَارٍ، أَوِ اشْتَرَى الذِّمِّيُّ شِقْصًا بِخَمْرٍ، فَهَلْ يُؤْخَذُ بِالشُّفْعَةِ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ. قَالَ القاضِي (¬1): وَلا شُفْعَةَ بِشَرَاكَةِ الْوَقْفِ. وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: فِيهَا وَجْهَانِ. وَإذَا اشْتَرَى اثنَانِ حَقَّ وَاحِدٍ، فَلِلشَّفِيعِ أَخْذُ نَصِيبِ أَحَدِهِمَا، وَإِنِ اشْتَرَى وَاحِدٌ حَقَّ اثْنَيْنِ، فَعَلَى وَجْهَيْنِ. وَإِنِ اشْتَرَى وَاحِدٌ شِقْصَيْنِ مِنْ أَرْضَيْنِ صَفَقَةً وَاحِدَةً، فَلَيْسَ لِلشَّفِيعِ أَخْذُ أَحَدِهِما، وَإذَا كَانَ الْمُشْتَرِي شَرِيكًا بِالشُّفْعَةِ بَيْنَهُ (¬2) وَبَيْنَ الشَّرِيكِ الآخَرِ. وَلا شَفْعَةَ في بَيْعِ الْخِيَارِ قَبْلَ انْقِضَائِهِ -نَصَّ عَلَيْهِ-. وَيَحْتَمِلُ أَنْ تَجِبَ بِهِ. وَإذَا كَانَ الثَّمَنُ مُؤَجَّلًا، أَخَذَ الشَّفِيعُ بِالأَجَلِ إِنْ كَانَ مَلِيًّا، وَإِلَّا أَقَامَ ضَمِينًا مَلِيًّا، وَأَخَذَ. ¬
وَإذَا أَقَرَّ الْبَائِعُ بِالْبَيْعِ، وَأَنْكَرَ الْمُشْتَرِي، فَهَلْ تَجِبُ الشُّفْعَةُ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ. وَإذَا قَالَ الشَّفِيعُ: بِعْنِي مَا اشْتَرَيْتَ، أَوْ صَالِحْنِي عَلَى مَالٍ، أَوْ أَخِّرَ الْمُطَالَبَةَ عَنْ حَالِ الْعِلْمِ بِالْبَيْعِ، بَطَلَتْ. وَقَالَ ابْنُ حَامِدٍ: شَرْطُ ثُبُوتِ الشُّفْعَةِ الْمُطَالَبَةُ بِهَا في الْمَجْلِسِ، وَإِنْ طَالَ. وَإِنْ دَلَّ في الْبَيْعِ، أَوْ تَوَكَّلَ فِيهِ، أَوْ ضَمِنَ عُهْدَةَ الثَّمَنِ، أَوْ جَعَلَ لَهُ الْخِيَارَ، فَاخْتَارَ إِمْضَاءَ الْبَيْعِ، لَمْ تَسْقُطْ شُفْعَتُهُ. وَإذَا عَلِمَ بِالْبَيْعِ في حَالٍ لَمْ يُمْكِنْهُ التَّوْكِيلُ وَالإِشْهَادُ بِالْمُطَالَبَةِ، أَوْ أَخْبَرَهُ بِالْبَيْعِ مَنْ لا يَقْبَلُ خَبَرَهُ، فَلَمْ يُصَدّقْهُ، أَوْ ظَهَرَ لَهُ زِيَادَةٌ في الثَّمَنِ، فترَكَ الْمُطَالَبَةَ، أَوْ بَاعَ حِصَّتَهُ قَبْلَ الْعِلْمِ بِالْبَيْعِ، فَهُوَ عَلَى شُفْعَتِهِ. وَإذَا أَخَّرَ الْمُطَالَبَةَ بَعْدَ الإِشْهَادِ لِغَيْرِ عُذْرٍ، لَمْ تَسْقُطْ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ تَسْقُطَ. فَإِنْ لَمْ يُشْهِدْ، أَوْ أَشَارَ في طَلَبِهَا، فَعَلَى وَجْهَيْنِ. فَإِنْ وَهَبَ الْمُشْتَرِي الشِّقْصَ، أَوْ وَقَفَهُ، سَقَطَتِ الشُّفْعَةُ -نَصَّ عَلَيْهِ-. وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: لا تَسْقُطُ. وَإذَا تَقَايَلا الْمَبِيعَ، أَوْ رُدَّ بِعَيْبٍ، أَوْ تَحَالَفَا وَفَسَخَا الْبَيْعَ، فَلِلشَّفِيعِ الأَخْذُ بِمَا حَلَفَ عَلَيْهِ الْبَائِعُ، فَإِنْ قَالَ الْمُشْتَرِي: اشْتَرَيْتُهُ بِأَلْفٍ، وَأَقَامَ
الْبَائِعُ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ بَاعَهُ بِأَلْفَيْنِ، فَلِلشَّفِيعِ أَخْذُهُ بِأَلْفٍ. وَإِنْ قَالَ الْمُشْتَرِي: غَلِطْتُ في الثَّمَنِ، فَهَلْ يُقْبَلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ. وَإذَا حَطَّ الْبَائِعُ بَعْضَ الثَّمَنِ عَنِ الْمُشْتَرِي، فَلِلشَّفِيعِ أَنْ يَأْخُذَ الْبَاقِيَ بِحِصَّتِهِ مِنَ الثَّمَنِ (¬1). وَقَالَ ابْنُ حَامِدٍ: إِنْ كَانَ التَّلَفُ بِفِعْلِ اللهِ تَعَالَى، فَلَيْسَ لَهُ أَخْذُهُ إِلَّا بِجَمِيعِ الثَّمَنِ. فَإِنْ كَانَ الْمَبِيعُ شِقْصًا وَسَيْفًا، أَخَذَ الشِّقْصَ بِحِصَّتِهِ مِنَ الثَّمَنِ، وَيَتَخَرَّجُ أَنْ لا يَجُوزُ. وَإذَا امْتَنَعَ الْمُشْتَرِي مِنْ قَبْضِ الشِّقْصِ، أُجْبِرَ عَلَى ذلِكَ عِنْدَ الْقَاضِي. وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: قِيَاسُ الْمَذْهَبِ أَنَّ الشَّفِيعَ يَأْخُذُهُ مِنْ يَدِ الْبَائِعِ. * * * ¬
كتاب إحياء الموات
كِتَابُ إِحْيَاءِ الْمَوَاتِ لا يَجُوزُ إِحْيَاءُ مَا قَرُبَ مِنَ الْعَامِرِ وَتَعَلَّقَ بِمَصَالِحِهِ، فَإِنْ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِمَصَالِحِهِ، فَعَلَى رِوَايَتَيْنِ. وَمَا دَثَرَ مِنَ الأَمْلاكِ، وَلَمْ يَبْقَ لَهُ مَالِكٌ مَعْرُوفٌ، هَلْ يُمْلَكُ بِالإِحْيَاءِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ. وَيُمْلَكُ الْمُحْيا (¬1) بِمَا فِيهِ مِنَ الأَشْجَارِ وَالْمَعَادِنِ. وَمَا فَضَلَ مِنْ مَائِهِ، لَزِمَهُ بَذْلُه لِزَرْعِ الْغَيْرِ وَبَهَائِمِهِ. وَعَنْهُ: لا يَلْزَمُهُ بَذْلُهُ لِزَرْعِ الْغَيْرِ. وَمَنْ شَرَعَ في إِحْيَاءِ أَرْضٍ، فَهُوَ أَحَقُّ بِهَا، وَوَارِثُهُ بَعْدَهُ، وَلَهُ نَقْلُهَا إِلَى غَيْرِهِ، فَيَكُونُ بِمَنْزِلَتِهِ، وَلَيْسَ لَهُ بَيْعُها. فَإِنْ لَمْ يُحْيِهَا، قِيلَ لَهُ: إِمَّا أَنْ تُحْيِيَهَا، وَإِلَّا أَحْيَاهَا غَيْرُكَ، فَإِنْ طَلَبَ الْمُهْلَةَ، أُمْهِلَ الشَّهْرَ وَالشَّهْرَيْنِ، فَإِنْ أَحْيَاهَا غَيْرُهُ في مُدَّةِ الْمُهْلَةِ، فَعَلَى وَجْهَيْنِ. ¬
وَإذَا أَقْطَعَهُ الإِمَامُ مَوَاتًا، فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الشَّارِعِ في الإِحْيَاءِ. وَلا تُمْلَكُ الطُرُقُ الْوَاسِعَةُ وَرِحَابُ الْمَسَاجِدِ وَمَقَاعِدُ الأَسْوَاقِ بِالإِحْيَاءِ، وَلِمَنْ سَبَقَ إِلَيْهَا الْجُلُوسُ فِيهَا مَا لَمْ يُضَيِّقْ عَلَى النَّاسِ، فَإِنِ اسْتَدَامَ ذلِكَ زَمَنًا طَوِيلًا، فَهَلْ يُزَالُ مِنْهُ (¬1)؟ عَلَى وَجْهَيْنِ. فَإِنْ سَبَقَ اثْنَانِ، أُقْرِعَ بَيْنَهُمَا، وَقِيلَ: يُقَدِّمُ الإِمَامُ مَنْ يَرَاهُ مِنْهُمَا، فَإِنْ أَقْطَعَهُ الإِمَامُ لِرَجُلٍ، فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ السَّابِقِ. وَمَنْ سَبىَ إِلَى مَعْدِنٍ، فَهُوَ أَحَقُّ بِمَا يَنَالُ مِنْهُ. وَهَلْ يُمْنَعُ إذَا طَالَ مُقَامُهُ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ. وَمَنْ سَبَقَ إِلَى مُبَاحٍ؛ كَصَيْدٍ أَوْ ثَمَرٍ أَوْ مَا يَنْبِذُهُ النَّاسُ رَغْبَةً عَنْهُ، مَلَكَهُ بِأَخْذِهِ، فَإِنْ سَبَقَ إِلَيْهِ اثْنَانِ، قُسِمَ بَيْنَهُمَا. وَإذَا كَانَ في الْمَوَاتِ مَوْضِعٌ يُمْكِنُ فِيهِ إِحْدَاثُ مَعْدِنٍ ظَاهِرٍ كَشَطِّ الْبَحْرِ إذَا حَصَلَ فِيهِ الْماءُ صَارَ مِلْحًا، مُلِكَ بِالإِحْيَاءِ، وَلِلإِمَامِ إِقْطَاعُهُ. وَلِلإِمَامِ حِمَايَةُ أَرْضٍ مِنَ الْمَوَاتِ لِتَرْعَى فِيهِ دَوَابُّ الْمُسْلِمِينَ الَّتِي يَقُومُ بِحِفْظِهَا، وَلَيْسَ ذَلِكَ لِغَيْرِهِ. وَمَا حَمَاهُ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -، فَلَيْسَ لأَحَدٍ نَقْضُهُ، وَمَا حَمَاهُ غَيْرُهُ مِنَ الأَئِمَّةِ، فَعَلَى وَجْهَيْنِ. وَمَا أَحْيَاهُ الْمُسْلِمُ مِنْ أَرَاضِي الْكُفَّارِ الَّتِي صُولحُوا عَلَيْهَا، لَمْ يَمْلِكْهُ بِالإِحْيَاءِ. ¬
فصل في اللقطة
فَصْلٌ في اللُّقَطَةِ وَمَنْ وَجَدَ لُقَطَةً لا يَأْمَنُ نَفْسَهُ عَلَيْهَا، فَلَيْسَ لَهُ أَخْذُهَا، فَإِنْ أَخَذَهَا (¬1)، ضَمِنَهَا، وَإِنْ أَمِنَ نَفْسَهُ عَلَيْهَا، فَالأَفْضَلُ تَرْكُهَا، عَلَى ظَاهِرِ كَلامِ أَحْمَدَ. وَاخْتَارَ أَبُو الْخَطَّابِ: إِنْ وَجَدَهَا بِمَضْيَعَةٍ، فَالأَفْضَلُ أَخْذُهَا. فَمَتَى أَخَذَهَا، ثُمَّ رَدَّهَا إِلَى مَوْضِعِهَا، ضَمِنَها. وُيسْتَحَبُّ أَنْ يُشْهِدَ عَلَيْهَا، وَيَجِبُ عَلَيْهِ تَعْرِيفُهَا حَوْلًا، وَيَكُونُ تَعْرِيفُهَا في أَوْقَاتِ الصَّلَوَاتِ وَاجْتِمَاعِ النَّاسِ، وَيَجُوزُ مُتَفَرِّقًا في الْحَوْلِ، وَأُجْرَةُ الْمُنَادِي مِنْ مَالِ الْمُعَرِّفِ. فَإذَا عَرَّفَهَا حَوْلًا، دَخَلَتْ في مِلْكِهِ حُكْمًا كَالْمِيرَاثِ. وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: لا تَدْخُلُ إِلَّا بِاخْتِيَارِهِ. وَتُمْلَكُ الْعُرُوضُ بِالتَّعْرِيفِ، وَقَالَ أَصْحَابُنَا: ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ أَنَّهَا لا تُمْلَكُ. ¬
وَهَلْ لَهُ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِهَا؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ. وَرَوَى الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَسَأَلهُ عَنِ اللُّقَطَةِ، فَقَالَ: "اعْرِفْ عِفَاصَهَا وَوِكاءَهَا، ثُمَّ عَرِّفْهَا سَنَةً، فَإِنْ جَاءَ رَبُّهَا، وَإِلَّا فَشَأْنَكَ بِها"، قَالَ: فَضَالَّةُ الْغَنَمِ؟ قَالَ: "هِيَ لَكَ، أَوْ لأَخِيكَ، أَوْ لِلذِّئْبِ"، قَالَ: فَضَالَّةُ الإِبِلِ؟ قَالَ: "مَا لَكَ وَلَهَا؟! مَعَهَا سِقَاؤُهَا وَحِذَاؤُهَا، تَرِدُ الْماءَ، وَتَأْكُلُ الشَّجَرَ حَتَّى يَأْتِيَهَا رَبُّهَا" (¬1). فَإذَا (¬2) الْتَقَطَ مَا يَمْتَنِعُ بِقُوَّتهِ عَنْ صِغَارِ السِّبَاعِ؛ كَالْبِغَالِ وَالْحَمِيرِ، أَوْ بِطَيَرَانِهِ، أَوْ بِسُرْعَتِهِ، ضَمِنَهُ، فَإِنْ سَلَّمَهُ إِلَى الإِمَامِ أَوْ نَائِبِهِ، زَالَ الضَّمَانُ. وَإذَا خَافَ فَسَادَ اللُّقَطَةِ، فَهُوَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ بَيْعِهَا وَحِفْظِ ثَمَنِهَا، أَوْ أَكْلِهَا إِنْ كَانَتْ مَأْكُولَةً، وَعَلَيْهِ قِيمَتُهَا. وَعَنْهُ: أَنَّهُ (¬3) يَرْفَعُهَا إِلَى السُّلْطَانِ إِنْ كَانَ كَثِيرًا، وَإِنْ كَانَ يَسِيرًا، فَلَهُ بَيْعُهُ. فَإِنْ كَانَ مِمَّا يُمْكِنُ إِصْلاحُهُ بِالتَّجْفِيفِ، فَعَلَ مَا فيهِ الْحَظُّ مِنْ ¬
تَجْفِيفِهِ أَوْ بَيْعِهِ، فَإِنِ احْتَاجَ في التَّجْفِيفِ إِلَى غَرَامَةٍ، بَاعَ بَعْضَهُ في ذلِكَ. وَإِنْ تَلِفَتِ اللُّقَطَةُ قَبْلَ الْحَوْلِ، فَهِيَ مِنْ ضَمَانِ مَالِكِهَا، وَإِنْ تَلِفَتْ بَعْدَ الْحَوْلِ، ضَمِنَهَا الْمُلْتَقِطُ، وَزِيَادَتُهَا الْمُتَّصِلَةُ لِمَالِكِهَا عَلَى كُلِّ حَالٍ، وَالْمُنْفَصِلَةُ بَعْدَ الْحَوْلِ لِلْمُلْتَقِطِ، وَقَبْلَهُ لِلْمَالِكِ. وَإذَا وَصَفَهَا اثْنَانِ، قُسِمَتْ بَيْنَهُمَا، وَقِيلَ: يُقْرَعُ بَيْنَهُمَا، فَمَنْ قَرَعَ صَاحِبَهُ، حَلَفَ أَنَّهَا لَهُ، وَسُلِّمَتْ إِلَيْهِ، فَإِنْ أَقَامَ الآخَرُ الْبَيِّنَةَ أَنَّهَا لَهُ، انْتَزَعَهَا مِنَ الْوَاصِفِ. فَإِنْ كَانَتْ قَدْ تَلِفَتْ في يَدِهِ، ضَمَّنَهَا لِمَنْ شَاءَ مِنَ الْمُلْتَقِطِ أَوِ الْوَاصِفِ، إِلَّا أَنَّهُ إذَا ضَمَّنَ الْمُلْتَقِطَ، رَجَعَ عَلَى الْوَاصِفِ، وَلا يَرْجِعُ الْوَاصِفُ عَلَى الْمُلْتَقِطِ بِحَالٍ.
فصل
فَصْلٌ وَلا فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِ الْمُلْتَقِطِ مُسْلِمًا أَوْ كَافِرًا، عَدْلًا أَوْ فَاسِقًا، غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا. فَإِنْ كَانَ عَبْدًا، فَلِلسَّيِّدِ انْتِزَاعُهَا قَبْلَ الْحَوْلِ، أَوْ (¬1) بَعْدَهُ يَكُونُ بِمَنْزِلَةِ الْمُلْتَقِطِ، وَلَيْسَ عَلَيْهِ انْتِزَاعُهَا. وَعَلَى الْعَبْدِ تَعْرِيفُهَا، فَإِنْ أَتْلَفَهَا قَبْلَ الْحَوْلِ، فَهِيَ في رَقَبَتِهِ، وَإِنْ أَتْلَفَهَا بَعْدَ الْحَوْلِ، فَهِيَ في ذِمَّتِهِ. فَإِنْ عَلِمَ الْعَبْدُ أَنَّ سَيِّدَهُ غَيْرُ مَأْمُونٍ عَلَيْهَا، لَزِمَهُ سَتْرُهَا، أَوْ تَسْلِيمُهَا إِلَى الْحَاكِمِ لِيُعَرِّفَهَا، ثُمَّ يَدْفَعَها إِلَى سَيِّدِ الْعَبْدِ بِشَرْطِ الضَّمَانِ. وَالْمُكَاتَبُ كَالْحُرِّ، وَمَنْ بَعْضُهُ حُرٌّ إِنْ كَانَ بَيْنَهُ وبَيْنَ السَّيِّدِ (¬2) مَهَايَأَةٌ، فَهَلْ يَدْخُلُ في الْمهَايَأَةِ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَهَايَأَةٌ، فَهِيَ بَيْنَهُمَا بَعْدَ التَّعْرِيفِ. ¬
فصل
فَصْلٌ في اللَّقِيطِ وَهُوَ الطِّفْلُ الْمَنْبُوذُ وَيُحْكَمُ بِإِسْلامِهِ في دَارِ الإِسْلامِ، وَبِكُفْرِهِ في دَارِ الْكُفْرِ، إِلَّا أَنْ يَكُونَ فِيها مُسْلِمُونَ، فَعَلَى وَجْهَيْنِ. وَلا يُقَرُّ في يَدِ كَافِرٍ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَحْكُومًا بِكُفْرِهِ، وَلا يَدِ عَبْدٍ إِلَّا أَنْ يَأْذَنَ لَهُ السَّيِّدُ، وَهَلْ يُقَرُّ في يَدِ الْبَدَوِيِّ الْمُتَنَقِّلِ في الْمَوَاضِعِ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ. وَإذَا الْتَقَطَهُ اثْنَانِ، قُدِّمَ الْمُوسِرُ مِنْهُمَا، فَإِنْ تَسَاوَيَا، أُقْرِعَ بَيْنَهُمَا. وَإِنِ اخْتَلَفَا في الْمُلْتَقِطِ مِنْهُمَا، قُدِّمَ صَاحِبُ الْيَدِ، فَإِنْ تَسَاوَيَا، أُقْرِعَ بَيْنَهُمَا، فَإِنْ وَصَفَهُ أَحَدُهُمَا، قُدِّمَ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ في أَيْدِيهِمَا، سَلَّمَهُ الْحَاكِمُ إِلَى (¬1) مَنْ يَرَى مِنْهُمَا، أَوْ مِنْ غَيْرِهِمَا. وَكَذلِكَ إِنْ كَانَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بَيِّنَةٌ، وَاسْتَوَيَا في التَّأْرِيخِ، وَإِنِ اخْتَلَفَا، قُدِّمَ أَسْبَقُهُمَا تَأْرِيخًا. ¬
فَإِنِ ادَّعَى نَسَبَهُ كافِرٌ، أُلْحِقَ بِهِ نَسَبًا لا دِينًا، إِلَّا أَنْ يَكُونَ لَهُ: بَيِّنَةٌ، فَيَتْبَعُهُ في الدِّيْنِ. وَإذَا بَلَغَ اللَّقِيطُ، وَتَصَرَّفَ، ثُمَّ أَقَرَّ بِالرِّقِّ، قُبِلَ فِيمَا عَلَيْهِ، وَهَلْ يُقْبَلُ في مَالِهِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ. وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: في الْجَمِيعِ رِوَايَتَانِ. فَإذَا بَلَغَ اللَّقِيطُ الْمَحْكُومُ بِإِسْلامِهِ، فَوَصَفَ الْكُفْرَ، لَمْ يُمَرَّ عَلَى الْكُفْرِ. وَفِيهِ وَجْهٌ آخَرُ: أَنَّهُ يُقَرُّ بِالْجِزْيَةِ إِنْ وَصَفَ كُفْرًا يُقَرُّ أَهْلُهُ بِالْجِزْيَةِ. وَإذَا قَتَلَ اللَّقِيطَ عَمْدًا، فَذَلِكَ إِلَى اجْتِهَادِ الإِمَامِ، إِنْ رَأَى اقْتَصَّ، وَإِنْ رَأَى أَخَذَ الدِّيَةَ، وَلا فَرْقَ بَيْنَ ذلِكَ قَبْلَ الْبُلُوغِ أَوْ بَعْدَهُ، وَإِنْ قَطَعَ طَرَفَهُ عَمْدًا قَبْلَ الْبُلُوغِ، انْتُظِرَ بُلُوغُهُ، إِلَّا أَنْ يَكُونَ فَقِيرًا مَجْنُونًا فَلِلإِمَامِ أَنْ يَعْفُوَ عَلَى مَالٍ يُنْفِقُهُ عَلَيْهِ، وَإِنْ قُتِلَ خَطَأً، فَدِيَتُهُ في بَيْتِ الْمالِ. وَإِنْ جُنِيَ عَلَيْهِ، أَوْ قُذِفَ، وَادَّعَى الْجَانِي أَنَّهُ عَبْدٌ، وَكَذَّبَهُ اللَّقِيطُ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ اللَّقِيطِ، وَقِيلَ: يُقْبَلُ قَوْلُ الْجَانِي في إِسْقَاطِ الْحَدِّ فَقَطْ.
كتاب الوقف
كِتَابُ الْوَقْفِ قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "إذَا مَاتَ الإِنْسَانُ، انْقَطَعَ عَمَلُهُ إِلَّا مِنْ ثَلاثٍ: مِنْ صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ، أَوْ عِلْمٍ يُنتفَعُ بِهِ، أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ" رَوَاهُ مُسْلِمٌ (¬1). وَعَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - قَالَ: أَصَبْتُ أَرْضًا مِنْ أَرْضِ خَيْبَرَ، فَأَتَيْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقُلْتُ: أَصَبْتُ أَرْضًا لَمْ أَجِدْ مَالًا أَحَبَّ إِلَيَّ وَلا أَنْفَسَ عِنْدِي مِنْهَا، فَمَا تَأْمُرُنِي بِهَا؟ قَالَ: "إِنْ شِئْتَ حَبَسْتَ أَصْلَهَا، وَتَصَدَّقْتَ بِهَا، غَيْرَ أَنَّهُ لا يُبَاعُ أَصْلُهَا، وَلا يُوَرَّثُ، وَلا يُوهَبُ"، قَالَ: فتصَدَّقَ عُمَرُ في الْفُقَرَاءِ، وَفِي الْقُرْبَى، وَفِي الرِّقَابِ، وَفِي سَبِيلِ اللهِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَالضَّيْفِ، لا جُنَاحَ عَلَى مَنْ وَلِيَهَا أَنْ يَأْكُلَ مِنْهَا بِالْمَعْرُوفِ، وَيُطْعِمَ صَدِيقًا غَيْرَ مُتَمَوِّلٍ فيهِ (¬2)، مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ (¬3). ¬
الْوَقْفُ: تَحْبِيسُ الأَصْلِ، وَتَسْبِيلُ الْمَنْفَعَةِ. وَتَصِحُّ بِالْفِعْلِ الدَّالِّ عَلَى الْوَقْفِ، مِثْلَ أَنْ يَبْنِيَ مَسْجدًا في دَارِهِ، وَيَأْذَنَ لِلنَّاسِ في الصَّلاةِ فيهِ، أَوْ يَجْعَلَ أَرْضَهُ مَقْبَرَةً، وَيَأذَنَ في الدَّفْنِ فِيهَا، في إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ، وَفِي الأُخْرَى: لا يَصِحُّ إِلَّا بِالْقَوْلِ. وَأَلْفَاظُهُ الصَّرِيحَةُ: وَقَفْتُ، وَحَبَّسْتُ، وَسَبَّلْتُ. وَالْكِنَايَةُ: تَصَدَّقْتُ، وَحَرَّمْتُ، وَأَبَّدْتُ. فَإذَا أَتَى بِالْكِنَايَةِ، لَمْ يَصِحَّ الْوَقْفُ حَتَّى يَنْوِيَهُ، أَوْ يَضُمَّ إِلَيْهِ أَحَدَ أَلْفَاظِهِ البَاقِيَةِ، أَوْ مَا يَدُلُّ عَلَى الْوَقْفِ، فَيَقُولَ: تَصَدَّقْتُ صَدَقَةً مُحَرَّمَةً، أَوْ مُؤَبَّدَةً، أَوْ صَدَقَةً لا تُبَاعُ وَلا تُوهَبُ. وَلا تَفْتَقِرُ إِلَى الْقَبُولِ إِلَّا أَنْ يَكُونَ عَلَى آدَمِيٍّ مُعَيَّنٍ، فتحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ. وَيَصِحُّ في كُلِّ عَيْنٍ يَجُوزُ بَيْعُها وَيُنْتَفَعُ بِهَا مَعَ بَقَائِهَا دَائِمًا. وَلا يَصِحُّ تَعْلِيقُ ابْتِدَاءِ الْوَقْفِ عَلَى شَرْطٍ. وَإِنْ عَلَّقَ انْتِهَاءَهُ عَلَى شَرْطٍ (¬1)، فَقَالَ: وَقَفْتُ دَارِي إِلَى سَنَةٍ، لَمْ يَصِحَّ، وَفِي وَجْهٍ آخَرَ أَنَّهُ يَصِحُّ، وَيَنْتَقِلُ بَعْدَ السَّنَةِ إِلَى قَرَابَةِ الْوَارِثِ. ¬
وَهَلْ يُشْتَرَطُ في صِحَّةِ الْوَقْفِ إِخْرَاجُهُ عَنْ يَدِ الْوَاقِفِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ. وَيَمْلِكُ الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ الْوَقْفَ. وَعَنْهُ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لا يَمْلِكُهُ. وَيَمْلِكُ الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ صُوفَهُ وَثَمَرَهُ وَلَبَنَهُ، وَتَزْوِيجَ الْجَارِيَةِ، وَأَخْذَ مَهْرِهَا، فَإِنْ أَتَتْ بِوَلَدٍ، كَانَ وَقْفًا مَعَهَا، وَلَيْسَ لِلْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ وَطْؤُهَا، فَإِنْ وَطِئَهَا، فَلا حَدَّ عَلَيْهِ، وَإِنْ أَتَتْ بِوَلَدٍ، فَهُوَ حُرٌّ، وَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ يَشْتَري بِهَا عَبْدًا يَكُونُ وَقْفًا مَكَانَهُ، وَتَصِيرُ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ، وَتَكُونُ قِيمَتُهَا في تَرِكَتِهِ يَشْتَرِي بِهَا أَمَةً تَكُونُ وَقْفًا مَكَانَهَا. وَإِنْ وَطِئَهَا أَجْنَبِيٌّ بِشُبْهَةٍ، فَالْوَلَدُ حُرٌّ، وَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ يَشْتَرِي مَكَانَهُ، وَالْمَهْرُ لأَهْلِ الْوَقْفِ. وَإِنْ أَتْلَفَ الْوَقْفَ إِنْسَانٌ، فَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ يَشْتَرِي بِهَا مَا يَقُومُ مَقَامَهُ. وَإِنْ جَنَى الْوَقْفُ جِنَايَة، فَالأَرْشُ عَلَى أَهْلِ الْوَقْفِ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ في كَسْبِ الْوَقْفِ، وَيُنْفَقُ عَلَيْهِ مِنْ حَيْثُ شَرْطُ الْوَاقِفِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ، فَمِنْ غَلَّتِهِ. وُينْظَرُ في الْوَقْفِ مِنْ شَرْطِ الْوَاقِفِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ، فَأَهْلُ الْوَقْفِ، وَقِيلَ: الْحَاكِمُ. وَإذَا وَقَفَ عَلَى نَفْسِهِ، ثُمَّ عَلَى وَلَدِهِ، صَحَّ -نَصَّ عَلَيْهِ-. وَعَنْهُ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لا يَصِحُّ.
وَإِنْ وَقَفَ ثُلُثَهُ في مَرَضِ مَوْتهِ عَلَى وَرَثَتِهِ، فَهَلْ يَصِحُّ أَمْ لا؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ. وَإذَا وَقَفَ عَلَى مَنْ يَجُوزُ، ثُمَّ عَلَى مَنْ لا يَجُوزُ، صَحَّ، وَيَنْصَرِفُ بَعْدَ انْقِرَاضِ مَنْ يَجُوزُ إِلَى أَقَارِبِ الْوَاقِفِ. وَإذَا قَالَ: وَقْفٌ، وَسَكَتَ، صَحَّ، وَيَنْصَرِفُ إِلَى أَقَارِبِ الْوَارِثِ، وَقَالَ الْقَاضِي: يَنْصَرِفُ إِلَى الْمَساكِينِ. فَإِنْ وَقَفَ عَلَى مَنْ لايَجُوزُ، ثُمَّ عَلَى مَنْ يَجُوزُ، فَإِنْ كَانَ مَنْ لا يَجُوزُ لا يُعْرَفُ انْقِرَاضُهُ، انْصَرَفَ في الْحَالِ إِلَى مَنْ يَجُوزُ، وَإِنْ كَانَ يُعْرَفُ انْقِرَاضُهُ، كَعَبْدٍ، احْتَمَلَ ذلِكَ -أَيْضًا-، وَاحْتَمَلَ أَنْ يُصْرَفَ إِلَى أَقَارِبِ الْوَارِثِ إِلَى أَنْ يَمُوتَ الْعَبْدُ مِمَّنْ يُصْرَفُ إِلَى مَنْ يَجُوزُ. فَإِنْ وَقَفَ عَلَى مُعَيَّنٍ، ثُمَّ عَلَى الْمَسَاكِينِ، (1 فَرَدَّ المَعَيَّنُ، بَطَلَ في حَقِّهِ، وَلَمْ يَبْطُلْ في حَقِّ المَسَاكينِ (¬1). وَيَصِحُّ الْوَقْفُ عَلَى قَرِيبِهِ الذِّمِّيِّ، وَلا يَصِحُّ عَلَى حَرْبِيٍّ، وَلا مُرْتَدٍّ، وَلا كَنِيسَةٍ، وَإِنْ كَانَ الْوَاقِفُ كَافِرًا، وَلا عَلَى مَنْ لا يَمْلِكُ، كَالْعَبْدِ، وَالْحَمْلِ، وَلا مَجْهُولٍ؛ كَرَجُلٍ وَامْرَأَةٍ. وَإذَا وَقَفَ عَلَى ثَلاثَةٍ، ثُمَّ عَلَى الْمَسَاكِينِ، فَمَنْ مَاتَ مِنْهُمْ، رَجَعَ نَصِيبُهُ إِلَى الآخَرِينَ. ¬
وَإذَا وَقَفَ عَلَى الْفُقَرَاءِ، لَمْ يَزِدْ وَاحِدٌ مِنْهُمْ عَنْ خَمْسِينَ دِرْهَمًا، في أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ، وَفِي (¬1) الآخَرِ: يَجُوزُ. * * * ¬
فصل
فَصْلٌ يَجُوزُ بَيْعِ بَعْضِ آلَةِ الْمَسْجِدِ وَصَرْفُهَا في عِمَارَتهِ، وَمَا فَضَلَ مِنْ بَوَارِي الْمَسْجِدِ وَبِزْرِهِ، وَلَمْ يُحْتَجْ إِلَيْهِ، جَازَ أَنْ يُجْعَلَ في مَسْجِدٍ آخَرَ، وَجَازَ أَنْ يُتَصَدَّقَ مِنْهُ عَلَى فُقَرَاءِ جِيرَانِهِ، وَثَمَرُ نَخْلَةِ الْمَسْجِدِ مُبَاحٌ لِلْجِيرَانِ -نَصَّ عَلَيْهِ-. وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: إِنِ احْتَاجَ الْمَسْجِدُ، بِيعَتْ، وَصُرِفَ ثَمَنُهَا فِي عِمَارَتهِ، هذَا إذَا وُقِفَتْ مَعَ الْمَسْجِدِ، فَإِنْ غُرِسَتْ فيهِ، لَمْ يَجُزْ، وَلِلإِمَامِ قَلْعُهَا.
فصل في الهبة
فَصْلٌ فِي الْهِبَةِ قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "الْعَائِدُ في هِبَتِهِ كَالْكَلْبِ يَعُودُ في قَيْئهِ" رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ (¬1)، وَمُسْلِمٌ (¬2). وَهَلْ تَلْزَمُ في الْمُعَيَّنِ قَبْلَ الْقَبْضِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ. وَإذَا أَبْرَأَهُ مِنْ دَيْنٍ أَوْ حَالَّةٍ، أَوْ هِبَةٍ، بَرِئَتْ ذِمَّتُهُ، وَإِنْ رَدَّ ذلِكَ وَلَمْ يَقْبَلْهُ. وَلا يَصِحُّ الْقَبْضُ إِلَّا بِإِذْنِ الْوَاهِبِ، فَإِنْ كَانَ في يَدِ الْمُتَّهِبِ، اعْتُبِرَ مُضِيُّ زَمَانٍ يَتَأَتَّى الْقَبْضُ فيهِ. وَهَلْ يُعْتَبَرُ الإِذْنُ في الْقَبْضِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ. فَإِنْ مَاتَ الْوَاهِبُ، قَامَ وَارِثُهُ مَقَامَهُ في الإِذْنِ أَوِ الْفَسْخِ. ¬
وَلا يَصِحُّ هِبَةُ الْمَجْهُولِ، وَلا مَا لا يُقْدَرُ عَلَى تَسْلِيمِهِ، وَلا الْمَبِيعُ غَيْرُ الْمُتَعَيِّنِ قَبْلَ قَبْضِهِ، وَلا يَجُوزُ تَعْلِيقُها عَلَى الشُّرُوطِ، وَتَصِحُّ هِبَةُ الْمُشَاعِ. وَإذَا شَرَطَ في الْهِبَةِ ثَوَابًا (1 مَعْلُومًا، كَانَتْ بَيْعًا. عَنْهُ: يَغْلِبُ فيها حُكْمُ الْهِبَةِ، وَإِنْ شَرَطَ فِيهَا ثَوَابًا (¬1) مَجْهُولًا، بَطَلَتْ في قَوْلِ الْقَاضِي. وَعَنْ أَحْمَدَ -رَحِمَهُ اللهُ- ما يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ يَصِحُّ، فَعَلَى هذِهِ يُعْطِيهِ مَا يُرْضِيهِ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُعْطِيَهُ قِيمَتَهَا، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ، فَلِلْوَاهِبِ الرُّجُوعُ. فَإِنْ قَالَ: وَهَبْتُكَ هذِهِ الدَّارَ سَنَةً، أَوْ يَشْرُطُ أَلَّا يَبيعَها، لَمْ يَصِحَّ. * * * ¬
فصل
فَصْلٌ وَإذَا شَرَطَ في الْعُمْرِيِّ أَنْ يَعُودَ إِلَى الْمُعْمِرِ، أَوْ إِلَى وَرَثَتِهِ (¬1)، فَهَلْ يَصِحُّ الشَّرْطُ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ. وَإذَا فَاضَلَ بَيْنَ وَلَدِهِ في الْعَطِيَّةِ، وَمَاتَ وَلَمْ يَرْدُدْهُ، فَهَلْ لِبَقِيَّةِ الْوَرَثَةِ الرُّجُوعُ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ. وَإذَا فَاضَلَ بَيْنَهُمْ في الْوَقْفِ، جَازَ -نَصَّ عَلَيْهِ-. وَيَحْتَمِلُ أَنْ لا يَجُوزُ. وَإذَا وَهَبَ الأَبُ لِابْنِهِ شَيْئًا، فَزَادَ زِيَادَةً مُتَّصِلَةً، أَوْ تَعَلَّقَ بِهِ حَقٌّ أَوْ رَغْبَةٌ؛ نَحْوَ أَنْ يُفْلِسَ الِابْنُ، أَوْ يُزَوِّجَ الْبِنْتَ، فَهَلْ لَهُ الرُّجُوعُ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ. وَهَلْ يَرْجِعُ في نَمَاءِ الْعَيْنِ الْمُنْفَصِلِ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ. فَإِنْ رَهَنَهُ، أَوْ كَاتَبَهُ، أَوْ وَهَبَهُ، أَوْ بَاعَهُ، لَمْ يَرْجِعْ فيهِ حَتَّى يَعُودَ إِلَى الابْنِ. ¬
وَلا إِنْ حُجِرَ عَلَى الِابْنِ لَمْ يَرْجِعْ في أَحِدِ الْوَجْهَيْنِ. وَلِلأَبِ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ مَالِ وَلَدِهِ مَا أَرَادَ، وَيَمْلِكَهُ في حَالِ الْحَاجَةِ وَعَدَمِهَا، مَعَ صِغَرِ الِابْنِ وَكِبَرِهِ، إِلَّا أَنْ يَكُونَ بِالِابْنِ حَاجَةٌ إِلَيْهِ، وَإِنْ تَصَرَّفَ في شَيْءٍ مِنْ مَالِ ابْنِهِ (¬1) قَبْلَ قَبْضِهِ وَتَمَلُّكِهِ، كَإِعْتَاقِ الْعَبْدِ، وَالإِبْرَاءِ مِنَ الدَّيْنِ، لَمْ يَصِحَّ، وَلَيْسَ لِلأُمِّ الأَخْذُ مِنْ مَالِ وَلَدِهَا. وَلَيْسَ لِلِابْنِ مُطَالَبَةُ أَبيهِ بِمَالٍ ثَبَتَ لَهُ في ذِمَّتِهِ. وَإِنْ وَطِىَ الأَبُ جَارِيَةَ ابْنِهِ، فَأَوْلَدَهَا، صَارَتْ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ (¬2)، وَالْوَلَدُ حُرٌّ، وَلا حَدَّ عَلَيْهِ، وَهَلْ يُعَزَّرُ؟ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ. وَحُكْمُ الْهَدِيَّةِ وَصَدَقَةِ التَّطَوُّعِ حُكْمُ الْهِبَةِ فِيمَا ذَكَرْنَاهُ. * * * ¬
كتاب الوصايا
كِتَابُ الْوَصَايَا رَوَى ابْنُ عُمَرَ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "مَا حَقُّ امْرِئٍ مُسْلِمٍ لَهُ شَيْءٌ يُرِيدُ أَنْ يُوصِيَ فيهِ يَبِيتُ لَيْلَتَيْنِ إِلَّا وَوَصِيَّتُهُ مَكْتُوبَةٌ عِنْدَهُ" (¬1). وَعَنْ سَعْدٍ قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُول اللهِ! إِنَّ لِي مَالًا كَثيرًا، وَإنَّمَا تَرِثُنِي ابْنَتِي، أَفَأُوصِي بِمَالِي كُلِّهِ؟ قَالَ: "لا"، قَال: فَبِالثُّلُثَيْنِ؟ قَال: "لا"، قَال: فَبِالنِّصْفِ؟ قَال: "لا"، قَالَ: فَبِالثُّلُثِ؟ قَالَ: "الثُّلُثُ، وَالثُّلُثُ كَثِيرٌ، إِنَّ صَدَقَتَكَ مِنْ مَالِكَ صَدَقَةٌ، وَإِنَّ نَفَقَتَكَ عَلَى عِيَالِكَ صَدَقَةٌ، وَإِنَّمَا تَأْكُلُ (¬2) امْرَأتُكَ مِنْ مَالِكَ صَدَقَةٌ، وَإِنَّكَ أَنْ تَدَعَ أَهْلَكَ بخَيْرٍ خَيْرٌ مِنْ أَنْ تَدَعَهُمْ يَتكَفَّفُونَ النَّاسَ" رَوَاهُمَا مُسْلِمٌ مُتَّفَق عَلَيْهِمَا (¬3). ¬
الْوَصِيَّةُ هِيَ التَّبَرُّعُ بِشَيْءٍ مِنْ مَالِهِ (¬1) يَقِفُ نُفُوذُهُ عَلَى خُرُوجِهِ مِنَ الثُّلُثِ بَعْدَ الْمَوْتِ. وَيُسْتَحَبُّ لِلْغَنِيِّ الإِيصَاءُ بِالثُّلُثِ، وَلِلْمُتَوَسِّطِ الإِيصَاءُ بِالْخُمُسِ، فَأَمَّا مَنْ يَمْلِكُ (¬2) أَقَلَّ مِنْ أَلْفِ دِرْهَمٍ لَهُ وَرَثَةٌ (¬3) مَحَاويجُ، فَيُكْرَهُ لَهُ الإِيصَاءُ. وَإذَا أَوْصَى لِوَارِثٍ، أَوْ أَوْصَى بأَكْثَرَ مِنَ الثُّلُثِ، وَقَفَ نُفُوذُها عَلَى إِجَازَةِ الْوَرَثَةِ، وَهَلْ إِجَازَتُهُمْ تَنْفِيذٌ، أَوْ عِطِيَّةٌ مُبْتَدَأَةٌ تَفْتَقِرُ إِلَى شُرُوطِ الْهِبَةِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ. وَإذَا أَخْلَفَ اثْنَيْنِ، وَفَرَسًا وَعَبْدًا مُتَسَاوِيِ الْقِيمَةِ، فَأَوْصَى لأَحَدِهِمَا بِالْفَرَسِ، وَلِلآخَرِ بِالْعَبْدِ، فَهَلْ تَلْزَمُ الْوَصِيَّةُ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ. وَإذَا تَبَرَّعَ في الْمَرَضِ الْمَخُوفِ، أَوْ في حَالٍ يُخَافُ فِيهَا التَّلَفُ؛ كَالَّذِي بَيْنَ الصَّفَّيْنِ حَالَةَ الْحَرْبِ، وَمَنْ وَقَعَ الطَّاعُونُ بِبَلَدِهِ، أَوْ قَدِمَ لِيُقْتَصَّ مِنْهُ بِعَطَايَا يَعْجِزُ ثُلُثُهُ عَنْ جَمِيعِهَا، بُدِىَ بِالأَوَّلِ فَالأَوَّلِ، فَإِنْ وَقَعَتْ دَفْعَةً وَاحِدَةً، قُدِّمَ الْعِتْقُ. وَعَنْهُ: يُسَوَّى بَيْنَ الْكُلِّ، وَيَتَحَاصُّونَ في الثُّلُثِ. ¬
فَإِنْ لَمْ يَكُنِ الْمَرَضُ مَخُوفًا، أَوْ كَانَ مَخُوفًا وَبَرِىَ مِنْهُ، فَحُكْمُهُ حُكْمُ الصَّحِيحِ. فَإِنْ كَانَتِ الْعَطَايا مُعَلَّقَةً بِالْمَوْتِ، سَوَّى بَيْنَ الْمُقَدَّمِ وَالْمُؤَخَّرِ. فَإِنْ أَوْصَى بِالْوَاجِبَاتِ مِنْ ثُلُثِهِ، زُوحِمَ بِها أَصْحَابُ الْوَصَايَا. وَإذَا أَجَازَ الْوَارِثُ الْوَصِيَّةَ، ثُمَّ قَالَ: إنَّمَا أَجَزْتُها لأَنَّنِي ظَنَنْتُ الْمالَ قَلِيلًا، قُبِلَ قَوْلُهُ، وَيَحْتَمِلُ أَلَّا يُقْبَلَ. وَتَصِحُّ وَصِيَّةُ الأَخْرَسِ بِالإِشَارَةِ، وَلا تَصِحُّ وَصِيَّةُ مَنِ اعْتُقِلَ لِسَانُهُ بِهَا، وَيَحْتَمِلُ أَنْ تَصِحَّ. وَإذَا قَبِلَ الْوَصِيَّةَ، فَهَلْ يَمْلِكُهَا مِنْ حِينِ الْمَوْتِ، أَوْ مِنْ حِينِ الْقَبُولِ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ. وَهَلْ تَصِحُّ وَصِيَّةُ السَّفِيهِ وَالسَّكْرَانِ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ.
فصل في الموصى إليه
فَصْلٌ في الْمُوصَى إِلَيْهِ وَمِنْ شَرْطِهِ أَنْ يَكُونَ عَاقِلًا مُسْلِمًا، وَلا يُشْتَرَطُ الْبُلُوغُ وَالْحُرِّيَّةُ وَالذُّكُورِيَّةُ. وَهَلْ تُشْتَرَطُ الْعَدَالَةُ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ. فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فيهِ الشُّرُوطُ عِنْدَ الْوَصِيَّةِ، وَوُجِدَتْ حِينَ الْمَوْتِ، فَهَلْ تَصِحُّ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ. وَيَصِحُّ قَبُولُ الْوَصِيَّةِ في حَيَاةِ الْمُوصِي، وَلَهُ عَزْلُهُ مَتَى شَاءَ، وَلِلْوَصِيِّ عَزْلُ نَفْسِهِ مَتَى أَرَادَ. وَعَنْهُ: لَيْسَ لَهُ ذلِكَ. وَهَلْ لَهُ أَنْ يُوصِيَ بِمَا أُوصِيَ إِلَيْهِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ. وَإذَا أَوْصَى إِلَيْهِ بِإِخْرَاجِ ثُلُثِهِ، فَامْتَنَعَ الْوَرَثَةُ مِنْ إِخْرَاجِ ثُلُثِ مَا في أَيْدِيهِمْ، أَخْرَجَ الثُّلُثَ كُلَّهُ مِمَّا في يَدِهِ. وَعَنْهُ: يُخْرِجُ ثُلُثَ مَا في يَدِهِ، وَيَحْبِسُ الْبَاقِيَ حَتَّى يُخْرِجُوا.
فَإِنْ أَوْصَى إِلَيْهِ بِقَضَاءِ دُيُونِهِ، وَعَيَّنَهَا، فَامْتَنَعَ الْوَرَثَةُ مِنَ الْقَضَاءِ، قَضَى مِمَّا في يَدِهِ بِغَيْرِ عِلْمِهِمْ. وَعَنْهُ: لا يَقْضِي، ويُعْلِمُ الْقَاضِيَ بِالْقَضِيَّةِ. وَلِلْوَصِيِّ أَنْ يُقْعِدَ الصَّبِيَّ في الْمَكْتَبِ، وَيُؤَدِّيَ عَنْهُ، وَيَشْتَرِيَ لَهُ الأُضْحِيَةَ إذَا كَانَ مُوسِرًا، وَإذَا دَعَتِ الْحَاجَةُ إِلَى بَيْعِ بَعْضِ الْعَقَارِ لِقَضَاءِ دَيْنٍ، أَوْ حَاجَةِ الصِّغَارِ، وَفِي الْبَيْعِ نَقْصٌ، فَلِلْوَصِيِّ الْبَيْعِ عَلَى الصِّغَارِ وَالْكِبَارِ. وَإذَا قَالَ: ضَعْ ثُلُثِي حَيْثُ شِئْتَ، وَافْعَلْ بِهِ مَا شِئْتَ، لَمْ يَكُنْ لَهُ أَخْذُهُ، وَلا دَفْعُهُ إِلَى وَلَدِهِ.
فصل في الموصى له
فَصْلٌ في الْمُوصَى لَهُ وَإذَا أَوْصَى لِجَمَاعَةٍ يُمْكِنُ اسْتِيعَابُهُمْ، وَجَبَتِ التَّسْوِيَةُ بَيْنَهُمْ، وَيُشْتَرَطُ قَبُولُ جَمِيعِهِمْ؛ فَإِنْ قَبِلَ بَعْضُهُمْ، سُلِّمَتْ إِلَيْهِ حِصَّتُهُ، وَرُدَّتْ حِصَّةُ الْبَاقِينَ، وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ حَصْرُهُمْ، جَازَ الدَّفْعُ إِلَى وَاحِدٍ، وَقِيلَ: لا يُجْزَّأُ (¬1) إِلَى أَقَل مِنْ ثَلاثَةٍ، وَيَجُوزُ تَفْضِيلُ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ. وَإذَا أَوْصَى لأَقْرَبِ النَّاسِ إِلَيْهِ، لَمْ يُدْفَعْ إِلَى الأَبْعَدِ، وَيُسَوَّى بَيْنَ أَبِيهِ وَابْنِهِ، وَقِيلَ: يُقَدَّمُ الِابْنُ، وَكَذلِكَ الأَخُ وَالْجَارُ، وَيَسْتَوِي الأَخُ مِنَ الأَبِ وَالأَخُ مِنَ الأُمِّ، وَالأَخُ مِنَ الأَبَوَيْنِ أَوْلَى مِنْهُمَا؛ وَقَوْمُهُ وَنُسَبَاؤُهُ (¬2) بِمَثَابَةِ أَهْلِ بَيْتِهِ، وَعِتْرَتُهُ عَشِيرَتُهُ وَوَلَدُهُ، وَقِيلَ: وَلَدُهُ خَاصَةً. وَإذَا أَوْصَى لِوَلَدِ وَلَدِهِ، لَمْ يَدْخُلْ وَلَدُ الْبَنَاتِ. وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: يَدْخُلُونَ في الْوَصِيَّةِ، فَإِنَّهُ قَدْ قَالَ: إذَا أَوْصَى لِذُرِّيَّتِهِ وَنَسْلِهِ، أَوْ لِوَلَدِ فُلانٍ، دَخَلَ فيهِ وَلَدُ الْبَنَاتِ. ¬
وَالأَيَامَى هُمُ الْعُزَّابُ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ. وَجِيرَانُهُ أَرْبَعُونَ دَارًا مِنْ كُلِّ جِانِبٍ. فَإِنْ أَوْصَى لِبَنِي فُلانٍ، اخْتَصَّ الذُّكُورُ، إِلَّا أَنْ يَكُونُوا قَبِيلَةً؛ كَبَنِي تَمِيمٍ، وَبَنِي بَكْرٍ، فَيَدْخُلُ فيهِ النِّسَاءُ. وَإذَا أَوْصَى بِثُلثِهِ لِفُلانٍ، وَلِلْفُقرَاءِ وَالْمَساكِينِ، فَقَالَ الْقَاضِى: لِفُلانٍ الثُّلُثُ، وَالثُّلُثَانِ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ. وَإذَا أَوْصَى الْكَافِرُ لأَهْلِ قَرْيَتِهِ، فَهَلْ يَدْخُلُ فِيهَا الْمُسْلِمُونَ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ. وَتَصِحُّ الْوَصِيَّةُ لِلْحَرْبِيِّ وَالْمُرْتَدِّ وَالْقَاتِلِ. وَعَنْهُ: لا تَصِحُّ لِلْقَاتِلِ. وَإذَا أَوْصَى لِعَبْدِهِ بِمُعَيَّنٍ، أَوْ بِمِئَةٍ، لَمْ يَصِحَّ. وَعَنْهُ: يَصِحُّ. وَإِنْ أَوْصَى لِمُدَبَّرِهِ، أَوْ مُكَاتَبِهِ، أَوْ أُمِّ وَلَدِهِ، أَوْ عَبْدِ غَيْرِهِ، صَحَّ. وَإِنْ أَوْصَى في أَبْوَابِ الْبِرِّ، جُعِلَ أَرْبَعَةَ أَجْزَاءٍ: جُزْءٌ لأَقَارِبِهِ غَيْرِ الْوَارِثينَ، وَجُزْءٌ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ، وَجُزْءٌ في الْجِهَادِ، وَجُزْءٌ في الْحَجِّ. فَإِنْ أَوْصَى لِلْمَسْجِدِ، أَوْ لِكَتْبِ القُرْآن وَالْفِقْهِ، صَحَّ. وَإِنْ أَوْصَى لِكَنِيسَةٍ، أَوْ كَتْبِ التَّوْرَاةِ أَوِ الإِنْجِيلِ، لَمْ يَصِحَّ.
وَإِنْ وَصَّى لِرَجُلٍ وَلِلْحَائِطِ، أَوْ لِلْمَلَكِ، أَوْ لِمَيِّتٍ، فَالْمُوصَى بِهِ لِلرَّجُلِ. وَإِنْ وَصَّى لِرَجُلَيْنِ، فَإذَا أَحَدُهُمَا مَيِّتٌ، فَلِلْحَيِّ نِصفُ الْمُوصَى بِهِ. وَإِنْ وَصَّى بِثُلُثَيْ مَالِهِ لِوَارِثٍ وَأَجْنَبِيِّ (¬1)، فَرَدَّ الْوَرَثَةُ، قَالَ الْقَاضِي: لِلأَجْنَبِيِّ السُّدُسُ، وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: لَهُ الثُّلُثُ كَامِلًا. * * * ¬
فصل في الموصى به
فَصْلٌ فِي الْمُوصَى بِهِ إذَا كَانَ لَفْظُ الْمُوصِي مُبْهَمًا؛ مِثْلَ أَنْ أَوْصَى (¬1) بِنَصِيبٍ، أَوْ حَظٍّ، أَوْ جُزْءٍ مِنْ مَالِهِ، رَجَعَ في التَّفْسِيرِ إِلَى الْوَرَثَةِ، وَإِنِ احْتَمَلَ وَاحِدًا مِنَ الْجِنْسِ؛ كَعَبْدٍ مِنْ عَبِيدِهِ، فَهَلْ يَخْرُجُ بِالْقُرْعَةِ، أَوْ يَرْجِعُ إِلَى اخْتِيَارِ الْوَرَثَةِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ. فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ عَبِيدٌ، لَمْ يَصِحَّ. وَقِيلَ: يَصِحُّ، وَيَشْتَرِي لَهُ ما يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ عَبْدٍ. فَإِنْ مَاتَ الْعَبِيدُ إِلَّا وَاحِدًا، تَعَيَّنَتِ الْوَصِيَّةُ فيهِ. فَإِنْ قُتِلَ الْعَبِيدُ كُلُّهُمْ، فَلَهُ قِيمَةُ وَاحِدِهِمْ. وَإذَا احْتَمَلَ لَفْظُ الْمُوصِي مَعْنَيَيْنِ؛ مِثْلَ قَوْسِ النُّشَّابِ، وَقَوْسِ الْقُطْنِ، وَقَوْسِ الْبُنْدِقِ، حُمِلَ عَلَى أَظْهَرِهِمَا، وَهُوَ قَوْسُ (¬2) النُّشَّابِ. ¬
وَكَذلِكَ إِنْ وَصَّى لَهُ بِطَبْلٍ، أَوْ كَلْبٍ، حُمِلَ عَلَى طَبْلِ الْحَرْبِ، وَكَلْبٍ مُبَاحِ اتِّخَاذُهُ. وَقِيلَ: يُخَرَّجُ عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ كَالْمَسْأَلَةِ قَبْلَها. وَإذَا احْتَمَلَ اللَّفْظُ نَوْعَيْ عَدَدٍ، حُمِلَ عَلَى الْيَقِينِ. وَإذَا أَوْصَى لَهُ بِمَنْفَعَةِ عَبْدِهِ حَيَاتَهُ، (1 أَوْ بِمَا يَحْمِلُ شَجَرُهُ أَبَدًا، أَوْ في مُدَّةٍ مُعَيَّنَةٍ (¬1)، صَحَّ، وَيُعْتَبَرُ مِنَ الثُّلُثِ. وَتَجُوزُ الْوَصِيَّةُ بِالْعَبْدِ الآبِقِ، وَالطَّيْرِ في الْهَوَاءِ، وَبِمَا لا يَمْلِكُهُ؛ كَمِئَةِ دِينَارٍ لا يَمْلِكُهَا، وَبِمَا فيهِ مَنْفَعَةٌ مِنَ النَّجَاسَاتِ؛ كَالسِّرْجِينِ، وَالرَّوْثِ النَّجِسِ، وَكَلْبِ الصَّيْدِ وَالْماشِيَةِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ سِوَاهُ، فَلِلْمُوصَى لَهُ ثُلُثُهُ، وَإِنْ كَانَ لَهُ مَالٌ سِوَاهُ، فَكُلُّهُ لِلْمُوصَى لَهُ، وَقِيلَ: لِلْمُوصَى لَهُ ثُلثُهُ. * * * ¬
فصل في الرجوع في الوصية
فَصْلٌ في الرُّجُوعِ في الْوَصِيَّةِ إذَا بَاعَ الْمُوصَى بِهِ، أَوْ وَهَبَهُ، بَطَلَتِ الْوَصِيَّةُ، فَإِنْ دَبَّرَهُ، أَوْ كَاتَبَهُ، فَعَلَى وَجْهَيْنِ. فَإِنْ آجَرَهُ، أَوْ زَوَّجَ الأَمَةَ، أَوْ جَحَدَ الْوَصيَّةَ، أَوْ خَلَطَ الطَّعَامَ الْمُوصَى بِهِ بِغَيْرِهِ، لَمْ يَكُنْ رُجُوعًا. وَإِنْ زَالَ اسْمُهُ، فَطَحَنَ الْحِنْطَةَ، أَوْ خَمَّرَ الدَّقِيقَ، أَوْ نَسَجَ الْغَزْلَ، أَوْ ضَرَبَ النُّقْرَةَ دَرَاهِمَ، لَمْ يَكُنْ رُجُوعًا، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ رُجُوعًا. فَإِنْ قَالَ: وَصَّيْتُ لَكَ بِكَذَا، فَإِنْ قَدِمَ فُلانٌ، فَهُوَ لَهُ، فَقَدِمَ، وَالْمُوصِي حَيٌّ، فَهِيَ لَهُ، وَإِنْ قَدِمَ بَعْدَ مَوْتهِ، فَقَالَ الْقَاضِي: الْوَصِيَّةُ لِلأَوَّلِ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ لِلْقَادِمِ. وَإذَا أَوْصَى بِدَارٍ، تَبِعَهَا مَا يَتْبَعُ في الْبَيْعِ، وَإِنِ انْهَدَمَ بَعْضُهَا، وَالْمُوصِي حَيٌّ، أَوْ زَادَ فِيهَا بِعِمَارَةٍ، فَهَلْ تَدْخُلُ في الْوَصِيَّةِ؛ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ.
فصل في الوصية بالأنصباء
فَصْلٌ في الْوَصِيَّةِ بِالأَنْصِبَاءِ وَإذَا أَوْصَى بِضِعْفِ نَصِيبِ وَارِثٍ، أُعْطِيَ مِثْلَ حَقِّهِ مَرَّتَيْنِ، وَإِنْ قَالَ: بِضِعْفَيْ نَصِيبِهِ، فَلَهُ ثَلاثَةُ أَمْثَالِهِ، كُلَّمَا زَادَ ضِعْفًا، زَادَتِ الْوَصِيَّةُ عَلَى مِقْدَارِ النَّصِيبِ مَرَّةً، فَإِنْ أَوْصَى بِنَصِيبِ وَلَدِهِ، فَلَهُ مِثْلُ نَصِيبِهِ، وَيَحْتَمِلُ أَلَّا يَصِحَّ. فَإِنْ أَوْصَى بِثُلُثِ مَالِهِ لِرَجُلٍ، وَلآخَرَ بِجَمِيعِهِ، فَالْمالُ بَيْنَهُمَا عَلَى أَرْبَعَةٍ إِنْ أَجَازَتِ الْوَرَثَةُ، وَالثُّلُثُ بَيْنَهُمْ عَلَى أَرْبَعَةٍ إِنْ لَمْ يُجِيزُوا، فَإِنْ أَجَازُوا لِصَاحِب الْحَلِّ (¬1) وَحْدَهُ، فَلِصَاحِبِ الثُّلُثِ رُبُعُهُ، وَالبْاقِي لِصَاحِبِ الْحَلِّ (¬2)، وَيَحْتَمِلُ أَلَّا يُعْطَى إِلَّا ثَلاثَةَ أَرْبَاعِ الْمالِ الَّتِي كَانَتْ لَهُ في حَالِ الإِجَازَةِ لَهُمَا، (3 فَإِنْ أَجَازُوا لِصَاحِبِ الثُلُثِ وَحْدَهُ، فَلَهُ الثُّلُثُ على الْوَجْهِ الأَوَّلِ، والرَّبُعُ عَلَى الوَجْهِ الثَانِي، وَلِصَاحِبِ الحَلِّ الرُّيُعُ (¬3) وَالْبَاقِي لِلْوَرَثَةِ. ¬
وَإذَا أَوْصَى بِرُبُعِ مَالِهِ لِرَجُلٍ، وَلآخَرَ بِمِثْلِ نَصِيبِ أَحَدِ قَرِيبَيْهِ، وَهُمُ اثْنَانِ، وَأَجَازَا الْوَصِيَّةَ، صَحَّتِ الْمَسْأَلَةُ مِنْ أَرْبَعَةٍ، لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ سَهْمٌ، وَإِنْ رَدَّا، فَالثُّلُثُ لِلْمُوصَى لَهُمَا بَيْنَهُمَا، وَتَصِحُّ مِنْ سِتَّةٍ. وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: قِيَاسُ الْمَذْهَب عِنْدِي أَنَّ لِلْمُوصَى لَهُ بِمِثْلِ النَّصِيبِ الثُّلُثَ، ولِلآخَرِ الرُّبُعَ، فَتَكُونُ مِنْ أَرْبَعَةٍ وَعِشْرِينَ في حَالِ الإِجَازَةِ، وَفِي حَالِ الرَّدِّ مِنْ إِحْدَى وَعِشْرِينَ. فَإِنْ أَوْصَى بِمِثْلِ نَصِيبِ أَحَدِ وَرَثَتِهِ، وَهُمُ ابْنَانِ، وَلآخَرَ بِنِصْفِ مَا يَبْقَى مِنْ الْمالِ؟ فَالْعَمَلُ فيهَا عَلَى أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ (¬1): الوَجْهُ (¬2) الأَوَّلُ: بِالْجُبْرَانِ يُجْعَلُ الْمالُ سَهْمَيْنِ وَشَيْئًا، يُدْفَعُ الشَّيْءُ إِلَى الْمُوصَى لَهُ بِالنَّصِيبِ، وَإِلَى الآخَرِ نِصْفُ مَا يَبْقَى: سَهْمٌ، يَبْقَى سَهْمُ بَيْنَ الِاثْنَيْنِ، لِكُلِّ وَاحِدٍ نِصْفُهُ، فَالشَّيْءُ إذًا نِصْفُ سَهْمٍ. ابْسُطِ الْمَسْأَلَةَ مِنْ جِنْسِ الْكَسْرِ تَكُنْ خَمْسَةً، لِلْمُوصَى لَهُ بِالنَّصِيبِ سَهْمٌ، وَلِلآخَرِ نِصْفُ الْبَاقِي سَهْمَانِ، وَلِكُلِّ ابْنٍ سَهْمٌ. فَإِنْ رَدَّا الْوَصِيَّةَ، فَالثُّلُثُ بَيْنَ الْمُوصَى لَهُما عَلَى ثَلَاثةٍ، فَتُصْبِحُ مِنْ تِسْعَةٍ، وَعَلَى قَوْلِ أَبي الْخَطَّابِ تُصْبِحُ مِنْ سِتَّةٍ؛ لِلْمُوصَى لَهُمَا أَرْبَعَةٌ في حَالِ الإِجَازَةِ، وَسَهْمَانِ لِلْوَرَثَةِ أَرْبَعَةٌ، وَسَهْمَانِ لِلْوَصِيَّيْنِ (¬3). ¬
فَإِنْ كَانَ إنَّمَا أَوْصَى لِلآخَرِ (¬1) بِنِصْفِ مَا يَبْقَى مِنَ النِّصْفِ، جَعَلْتَ النِّصْفَ سَهْمَيْنِ وَشَيْئًا، وَدَفَعْتَ الشَّيْءَ إِلَى صَاحِبِ النَّصِيبِ، وَأَعْطَيْتَ لِلآخَرِ سهْمَيْنِ، يَبْقَى سَهْمٌ تَضُمُّهُ إِلَى النِّصْفِ الآخَرِ، وَهُمَا سَهْمَانِ وَشَيْءٌ، يَصِيرُ ثَلاثَةً وَشَيْئًا بَيْنَ الِاثْنَيْنِ؛ لأَحَدِ الِاثْنَيْنِ الشَّيْءُ، وَلِلآخَرِ الثَّلاثَةُ، فَالشَّيْءُ إذًا ثُلثهُ، فَيِكُونُ نِصفُ الْمالِ خَمْسَةً، وَالَمالُ كُلُّهُ عَشَرَةً؛ لِصَاحِبِ النَّصِيبِ ثُلُثُهُ، وَلِلآخَرِ نِصْفُ مَا بَقِيَ مِنَ النِّصْفِ سَهْمٌ، يَبْقَى سِتَّةٌ لِكُلِّ ابْنٍ ثَلاثَةٌ. وَإذَا أَخْلَفَ ثَلاثَةَ بَنِينَ، وَأَوْصَى لِرَجُلٍ بِمِثْلِ نَصِيبِ ابْنٍ رَابِعٍ لَوْ كَانَ، فَلَهُ الْخُمُسُ. وَلَوْ كَانُوا أَرْبَعَةً، وَأَوْصَى بِمِثْلِ نَصِيبِ ابْنٍ خَامِسٍ لَوْ كَانَ، فَلَهُ السُّدُسُ. فَإِنْ كَانُوا ثَلاثَةً (¬2)، فَأَوْصَى بِمِثْلِ نَصِيبِ أَحَدِهِمْ إِلَّا رُبُعَ الْمالِ، فَمَسْأَلَتهُمْ مِنْ أَرْبَعَةٍ، لِكُلِّ ابْنٍ سَهْمٌ، وَلِلْمُوصَى لَهُ سَهْمٌ يُقْسَمُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْبَنِينَ عَلَى أَرْبَعَةٍ، لا يَنْقَسِمُ، تَضْرِبُ أَرْبَعَةً في أَرْبَعَةٍ تَكُنْ سِتَّةَ عَشَرَ، لِلْمُوصَى لَهُ سَهْمٌ، وَلِكُلِّ ابْنٍ خَمْسَةٌ. * * * ¬
كتاب العتق
كِتَابُ الْعِتْقِ رَوَى مُسْلِمٌ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ أَعْتَقَ شِرْكًا لَهُ في عَبْدٍ، فَكَانَ لَهُ مَا يَبْلُغُ ثَمَنَ الْعَبْدِ، قُوِّمَ عَلَيْهِ قِيمَةَ الْعَبْدِ، فَأَعْطَى شُرَكَاءَهُ حِصَصَهُمْ، وَعَتَقَ عَلَيْهِ الْعَبْدُ، وَإِلَّا فَقَدْ عَتَقَ مِنْهُ مَا عَتَقَ" مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ (¬1). وَلا يُسْتَحَبُّ عِتْقُ مَنْ لا كَسْبَ لَهُ، وَصَرِيحُ الْعِتْقِ لَفْظُ الْعِتْقِ وَالْحُرِّيَّةِ، وَمَا تَصَرَّفَ مِنْهُمَا. وَاخْتَلَفَتِ الرِّوَايَةُ (¬2) في: "لا سَبِيلَ لِي عَلَيْكَ"، وَ"لا سُلْطَانَ لِي عَلَيْكَ"، وَ"لا مُلْكَ لِي عَلَيْكَ"، وَ"لا رِقَّ لِي عَلَيْكَ"، وَ"مَلكْتَ (¬3) رَقَبَتَكَ"، وَ"مَلَّكْتُكَ نَفْسَكَ"، و"أَنتَ مَوْلايَ"، و"أَنْتَ للهِ" (¬4)، ¬
وَ"أَنْتَ سَائِبَةٌ" هَلْ هُوَ صَرِيحٌ أَمْ (¬1) كِنَايَةٌ؟. فَأَمَّا الْكِنَايَةُ، فَنَحْوُ: "خَلَّيْتُكَ فَاذْهَبْ حَيْثُ شِئْتَ"، وَ"الْحَقْ بِأَهْلِكَ". وَهَلْ قَوْلُهُ لأَمَتِهِ: "أَنْتِ طَالِقٌ، أَوْ: أَنْتِ حَرَامٌ" كِنَايَةٌ أَمْ لا، تُعْتَقُ (¬2) بِهِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ. فَإِنْ قَالَ لِعَبْدِهِ وَهُوَ أَكْبَرُ مِنْهُ: "أَنْتَ ابْنِي"، فَقَالَ الْقَاضِي: لا يُعْتَقُ. وَإذَا عَلَّقَ الْعِتْقَ بِصِفَةٍ، لَمْ يَمْلِكْ إِبْطَالَهَا بِالْقَوْلِ، وَيَبْطُلُ بِزَوَالِ مُلْكِهِ عَنْهُ، فَإِنْ عَادَ إِلَى مِلْكِهِ، عَادَتِ الصِّفَةُ، فَإِنْ كَانَ فَعَلَ الصِّفَةَ في حَالِ زَوَالِ مِلْكِهِ، فَهَلْ تَعُودُ الصِّفَةُ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ. وَلَوْ قَالَ لِعَبْدِهِ: "إِنْ دَخَلْتَ الدَّارَ فَأَنْتَ حُرٌّ"، فَمَاتَ السَّيِّدُ، بَطَلَتِ الصِّفَةُ. فَإِنْ قَالَ: "إِنْ دَخَلْتَهَا بَعْدَ مَوْتِي، فَأَنْتَ حُرٌّ"، فَدَخَلَهَا بَعْدَ مَوْتهِ، فَهَلْ يُعْتَقُ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ. وَإِنْ قَالَ: "إِنْ دَخَلْتَهَا، فَأَنْتَ حُرٌّ بَعْدَ مَوْتِي"، فَدَخَلَها في حَيَاتِهِ، فَهُوَ مُدَبَّرٌ، وَإِنْ دَخَلَهَا بَعْدَ مَوْتِهِ، لَمْ يُعْتَقْ. ¬
وَإذَا قَالَ الْحُرُّ: "كُلُّ مَمْلُوكٍ أَمْلِكُهُ في الْمُسْتَقْبَلِ فَهُوَ حُرٌّ"، فَهَلْ تَنْعَقِدُ هذِهِ الصِّفَةُ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ. فَإِنْ قَالَ ذلِكَ الْعَبْدُ، فَعَلَى قَوْلِنَا: يَصِحُّ مِنَ الْحُرِّ؛ هَلْ يَصِحُّ مِنَ الْعَبْدِ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ. وَإِذَا أَعْتَقَ الْمَرِيضُ عَبِيدًا لا مَالَ لَهُ غَيْرُهُمْ، فَمَاتَ بَعْضُهُمْ، أَقْرَعْنَا بَيْنَ الْمَيِّتِ وَالأَحْيَاءِ، فَمَنْ خَرَجَ لَهُ سَهْمُ حُرِّيَّةٍ، فَهُوَ الْحُرُّ. وَإذَا قَالَ: آخِرُ عَبْدٍ أَشْتَرِيهِ (¬1)، فَهُوَ حُرٌّ، فَاشْتَرَى عَبِيْدًا (¬2)، ثُمَّ مَاتَ، عَتَقَ الأَخِيرُ مِنْهُمْ حِينَ الشِّرَاءِ، وَيَكُونُ مَا كَسَبَهُ لَهُ. وَإذَا قَالَ لِعَبْدِهِ: أَنْتَ حُرٌّ عَلَى أَلْفٍ، أَوْ: "عَلَيْكَ أَلْفٌ"، عَتَقَ، وَلَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ. وَعَنْهُ: إِنْ لَمْ يَقْبَلِ الْعَبْدُ، لَمْ يُعْتَقْ. فَإِنْ قَالَ: "أَنْتَ حُرٌّ عَلَى أَنْ تَخْدُمَنِي سَنَةً"، فَكَذلِكَ. وَقِيلَ: إِنْ لَمْ يَقْبَلِ الْعَبْدُ، لَمْ يُعْتَقْ، رِوَايَةً وَاحِدَةً. وَإذَا مَلَكَ وَلَدَهُ مِنَ الزِّنَا، لَمْ يُعْتَقْ عَلَيْهِ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُعْتَقَ، وَقَالَ ابْنُ أَبِي مُوسَى: يُعْتَقُ. وَإذَا أَوْصَى لِلْمَحْجُورِ عَلَيْهِ بِمَنْ يُعْتَقُ عَلَيْهِ، وَكَانَ لا يَسْتَضِرُّ ¬
بِذلِكَ؛ لِكَوْنِهِ مُعْسِرًا، أَوْ كَوْنِ الْمُوصَى بِهِ لا يَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ، لَزِمَ الْوَليَّ قَبُولُ الْوَصِيَّةِ، وَإِنْ كَانَ يَسْتَضِرُّ بِذلِكَ، لَمْ يَجُزْ لِوَليِّهِ أَنْ يَقْبَلَ الْوَصِيَّةَ. وَإذَا قَالَ الْكَافِرُ لِلْمُسْلِمِ: أَعْتِقْ عَبْدَكَ عَنِّي، وَعَلَيَّ قِيمَتُهُ، فَهَلْ يَصِحُّ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ.
فصل في التدبير
فَصْلٌ في التَّدْبِيرِ وَصَرِيحُهُ لَفْظُ التَّدْبِيرِ، وَالْحُرِّيَّةِ وَالْعِتْقِ الْمُعَلَّقَيْنِ بِالْمَوْتِ، وَمَا تَصَرَّفَ مِنْها، فَإِنْ قَالَ: "أَنْتَ حُرٌّ بَعْدَ مَوْتِي بِشَهْرٍ"، فَهَلْ يَصِحُّ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ. وَإِنْ قَالَ: "إِنْ شِئْتَ، فَأَنْتَ مُدَبَّرٌ"، فَشَاءَ في الْمَجْلِسِ، فَهُوَ مُدَبَّرٌ، وَإِلَّا فَلا. فَإِنْ قَالَ: "مَتَى شِئْتَ، فَأَنْتَ مُدَبَّرٌ"، فَمَتَى شَاءَ في حَيَاةِ السَّيِّدِ، فَهُوَ مُدَبَّرٌ.
فصل في الكتابة
فَصْلٌ في الْكِتابَةِ وَهِيَ مُسْتَحَبّةٌ. وَعَنْهُ: أَنَّهَا وَاجِبَةٌ، إذَا دَعَا الْعَبْدُ الْمُكْتَسِبُ الصَّدُوقُ سَيِّدَهُ إِلَيْهَا، أَجْبَرَهُ الْحَاكِمُ عَلَيْهَا. وَهَلْ تُكْرَهُ كِتَابَةُ مَنْ لا كَسْبَ لَهُ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ. وَإذَا كَاتَبَ عَبْدَهُ الْمُمَيِّزَ، صَحَّ، فَإِنْ كَاتَبَ الْمُمَيِّزُ عَبْدَهُ بِإِذْنِ وَلِيِّهِ، صَحَّ، وَيَحْتَمِلُ لا (¬1) يَصِحُّ إِلَّا عَلَى عِوَضٍ مَعْلُومٍ مُنَجَّمٍ، نَجْمَانِ فَصَاعِدًا، يَعْلَمُ في كُلِّ نَجْمٍ قَدْرَ مَا يُؤَدِّي، وَقِيلَ: تَصِحُّ عَلَى نَجْمٍ وَاحِدٍ، وَقَالَ الْقَاضِي: إذَا كَاتَبَهُ عَلَى عَبْدٍ مُطْلَقٍ، صَحَّ، وَلَهُ الْوَسَطُ، وَيَصِحُّ إِنْ كَاتَبَهُ عَلَى مَالٍ وَخِدْمَةٍ. وَتَنْعَقِدُ بِقَوْلهِ: "كَاتَبْتُكَ عَلَى كَذَا"، وَإِنْ لَمْ يَقُلْ: إذَا أَدَّيْتَ إِلَيَّ (¬2) فَأَنْتَ حُرٌّ. ¬
وَتُعْتَبَرُ الْكِتَابَةُ في الْمَرَضِ مِنَ الثُّلُثِ. وُيعْتَقُ الْعَبْدُ بِالإِبْرَاءِ مِنَ الْمالِ، وَيُعَجَّزُ إذَا حَلَّ نَجْمٌ وَلَمْ يُؤَدِّهِ. وَعَنْهُ: لا يُعَجَّزُ حَتَّى يَحُلَّ عَلَيْهِ نَجْمَانِ. وَإذَا أَدَّى ثَلاثَةَ أَرْبَاعِ مَالِ الْكِتَابَةِ، وَعَجَزَ عَنِ الرُّبُعِ، لَمْ يَجُزْ فَسْخُ الْكِتَابَةِ. وَإذَا كَاتَبَ جَمَاعَةً كِتَابَةً وَاحِدَةً، صَحَّ، وَيَتَقَسَّطُ الْعِوَضُ بَيْنَهُمْ عَلَى قِيَمِهِمْ، وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: عَلَى قَدْرِ رُؤُوسِهِمْ. فَإِنْ أَدَّى أَحَدُهُمْ، عَتَقَ، وَإِنْ عَجَزَ، رَقَّ وَحْدَهُ، وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: لا يُعْتَقُ وَاحِدٌ مِنْهُمْ حَتَّى تُؤَدَّى جَمِيعُ (¬1) الْكِتَابَةِ، (2 وَإذَا ضَمِنَ بَعْضُ المُكَاتَبينَ عَنْ بَعْضٍ، صَحَّ على قَوْلِ ابنِ حَامِدٍ، وقالَ القَاضِي: لا يَصحُّ (¬2). وَإذَا شَرَطَ في الْكِتَابَةِ شَرْطًا فَاسِدًا، فَهَلْ يَفْسُدُ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ. وَإذَا أَوْصَى بِمَالِ الْكِتَابَةِ لِرَجُلٍ، وَبِالرَّقَبَةِ لآخَرَ، صَحَّ، فَإِنْ عَجَزَ، بَطَلَتِ الْوَصِيَّةُ بِالْمالِ، وَإِنْ أَدَّى إِلَى صَاحِبِ الْمالِ، عَتَقَ، وَالْوَلاءُ لِلْمُوصَى لَهُ بِالرَّقَبَةِ. وَإذَا شَرَطَ عَلَى الْمُكَاتَبِ أَلَّا يُسَافِرَ، وَلا يَطْلُبَ الصَّدَقَةَ، صَحَّ الشَّرْطُ. ¬
وَعَنْهُ: لا يَصِحُّ. وَإذَا أَسْلَمَ عَبْدُ الذِّمِّيِّ، لَزِمَهُ إِزَالَةُ مِلْكِهِ عَنْهُ، فَإِنْ كَاتَبَهُ، لَمْ يَصِحَّ، وَقَالَ الْقَاضِي: يَصِحُّ. وَإذَا حَبَسَ السَّيِّدُ الْمُكَاتَبَ مُدَّةً، لَزِمَهُ أَرْفَقُ الأَمْرَيْنِ بِهِ مِنْ أُجْرَةِ الْمِثْلِ، أَو تَأْخِيرِهِ (¬1) مِثْلَ الْمُدَّةِ. وَإِنْ جَنَى عَلَيْهِ، لَزِمَهُ أَرْشُ الْجِنَايَةِ. فَإِنْ جَنَى عَلَى سَيِّدِهِ خَطَأً، فَدَى بِنَفْسِهِ بِأَقَلِّ الأَمْرَيْنِ مِنْ قِيمَتِهِ، أَوْ أَرْشِ الْجِنَايَةِ. وَعَنْهُ: يَلْزَمُهُ أَرْشُ الْجِنَايَةِ بَالِغًا مَا بَلَغَ. وَمَا لَزِمَ الْمُكَاتَبَ مِنَ الدُّيُونِ، تَعَلَّقَ بِذِمَّتِهِ تَبَعٌ بِهِ بَعْدَ الْعِتْقِ. فَإِنْ جَنَى جِنَايَاتٍ، فَأَعْتَقَهُ السَّيِّدُ، لَزِمَهُ أَقَلُّ الأَمْرَيْنِ مِنْ قِيمَتِهِ، أَوْ أَرْشِ الْجِنَايَاتِ، وَكَذلِكَ إِنِ اخْتَارَ أَنْ يَفْدِيَهُ فَلا يُعْتِقَهُ. وَعَنْهُ: إِنِ اخْتَارَ فِدَاهُ، لَزِمَهُ أَرْشُ جَمِيعِ الْجِنَايَاتِ. وَكَذلِكَ إِنْ عَتَقَ بِالْكِتَابَةِ، هَلْ يَلْزَمُهُ أَقَلُّ الأَمْرَيْنِ، أَوْ أَرْشُ جَمِيعِ الْجِنَايَاتِ؟ يُخَرَّج عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ (¬2). وَإذَا جنى بَعْضُ عَبِيدِ الْمُكَاتِبِ عَلَى بَعْضٍ، لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَقْتَصَّ إِلَّا بِإِذْنِ السَّيِّدِ. ¬
وَإذَا أَدَّى الْمُكَاتَبُ، وَعَتَقَ، فَوَجَدَ السَّيِّدُ بِالْعِوَضِ عَيْبًا، رَجَعَ بِأَرْشِهِ، أَوْ بِقِيمَتِهِ، وَلا يَرْتَفِعُ الْعِتْقُ. وَلَيْسَ لِلْمُكَاتَبِ أَنْ يَتَزَوَّجَ، وَلا يَتَسَرَّى، وَلا يَفْرِضَ، وَلا يُحَابِيَ، وَلا يَتَبَرَّعَ، وَلا يُعْتِقَ، وَلا يُكَاتِبَ إِلَّا بِإِذْنِ السَّيِّدِ، وَيَكُونُ الْوَلاءُ لِلسَّيِّدِ. وَهَلْ يَرْهَنُ وَيُضَارِبُ؟ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ. وَالْكِتَابَةُ الْفَاسِدَةُ؛ مِثْلَ أَنْ يُكَاتِبَهُ عَلَى خَمْرٍ أَوْ خِنْزِيرٍ، حُكْمُهَا حُكْمُ الْعِتْقِ الْمُعَلَّقِ عَلَى أَدَاءِ ذلِكَ في جَمِيعِ الأَحْكَامِ، إِلَّا أَنَّهَا تَنْفَسِخُ بِالْجُنُونِ وَالْمَوْتِ وَالْحَجْرِ لِسَفَهٍ، وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: لا تَنْفَسِخُ. وَيَمْلِكُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَسْخَهَا، وَالأَوْلادُ يَتْبَعُونَ في الصَّحِيحَةِ وَفِي الْفَاسِدَةِ؟ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ.
فصل في أمهات الأولاد
فَصْلٌ في أُمَّهَاتِ الأَوْلادِ وَإذَا اسْتَبْرَأَ رَجُلٌ زَوْجَتَهُ الأَمَةَ، فَوَلَدَتْ بَعْدَ أَنِ إسْتَبْرَأَهَا، ثُمَّ وَطِئَهَا بِسِتَّةِ أَشْهُرٍ، صَارَتْ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ. وَإِنْ وَضَعَتْ جِسْمًا لا تَخْطِيطَ فيهِ، فَهَلْ (¬1) تَصِيرُ أُمَّ وَلَدٍ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ. وَإذَا قَتَلَتْ أُمُّ الْوَلَدِ سَيِّدَهَا، فَلِوَرَثَتِهِ الْقِصَاصُ، وَلَهُمُ الْعَفْوُ عَلَى أَوْلَى الأَمْرَيْنِ مِنْ دِيَتِهِ أَوْ قِيمَتِهَا. * * * ¬
كتاب النكاح
كِتَابُ النِّكَاحِ رَوَى ابْنُ مَسْعُودٍ قَالَ: قَالَ لَنَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ! مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمُ الْبَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ؛ فَإنَّهُ أَغَضُّ لِلبَصَر، وأَحْصَنُ لِلْفَرْجِ، وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ، فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ؛ فَإنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ" مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ (¬1). فَالنِّكاحُ وَاجِبٌ لِمَنْ خَافَ الزِّنَا، فَإنْ لَمْ يَخَفْ، وَكَانَ ذَا شَهْوَةٍ، فَالنِّكاحُ في حَقِّهِ أَفْضَلُ مِنَ التَّشَاغُلِ بِنَفْلِ الْعِبَادَةِ، (2 وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ذَا شَهْوَةٍ؛ كَالْعِنِّينِ، ومَنْ بِهِ الأَبْرِدَةُ، فالتَّشاغُلُ لَهُ بِنَفْلِ الْعِبادَةِ أَفْضَلُ (¬2). وَعَنْهُ: أنَّهُ وَاجِبٌ عَلى الإِطْلاقِ. وَمَنْ أَرَادَ أَنْ يَتَزَوَّجَ امْرَأَةً، فَلَهُ النَّظَرُ إِلَى وَجْهِهَا وَكَفَّيْهَا. وَعَنْهُ: لَهُ النَّظَرُ إِلَى مَا يَظْهَرُ غَالِبًا؛ كَالرَّقَبَةِ وَالْقَدَمَيْنِ، وَلَهُ النَّظَرُ ¬
إِلَى مِثْلِ ذَلِكَ في الأَمَةَ المُسْتَامَةِ (¬1)، وَذَواتِ الْمَحَارِمِ، وَيُريدُ بِالنَّظَرِ: إِلَى رَأْسِهَا وَسَاقَيْهَا. وَلِلشَّاهِدِ النَّظَرُ إِلَى وَجْهِ الْمَشْهُودِ عَلَيْها. وَلِلْبَائِعِ وَالْمُبْتَاعِ النَّظَرُ إِلَى وَجْهِ مَنْ تُعَامِلُهُ. وَلِلطَّبِيبِ النَّظَرُ إِلَى مَا تَدْعُو إِلَيْهِ الْحَاجَةُ مِنْ بَدَنِها. وَلِلْعَبْدِ النَّظَرُ إِلَى وَجْهِ مَوْلاتِهِ وَكَفَّيْها. وَلِلصَّبِيِّ غَيْرِ ذِي الشَّهْوَةِ النَّظَرُ إِلَى مَا عَدَا مَا بَيْنَ السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ، فَإنْ كَانَ ذَا شَهْوَةٍ، فَهَلْ هُوَ كَالبَالِغِ أَوْ كَذِي الْمَحْرَمِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ. وَيُبَاحُ النَّظَرُ إِلَى المُرْدِ. وَلا يَحِلُّ النَّظَرُ إلَى أَحَدٍ مِمَّنْ ذَكَرْنَا مَعَ الشَّهْوَةِ، وَلا يَجُوزُ النَّظَرُ لِغَيْرِ مَنْ ذَكَرْنا، وَسَواءٌ فِي ذلِكَ الْفَحْلُ وَالْمَجْبُوبُ وَالْخَصِيُّ وَالْعِنِّينُ، وَالشَّيْخُ وَالْمُخَنَّثُ وَالْمَمْسُوحُ. فَأَمَّا الرَّجُلُ مَعَ الرَّجُلِ، فَيُبَاحُ لَهُ أَنْ يَنْظُرَ إلَى مَا عَدَا مَا بَيْنَ السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ، وَكَذلِكَ الْمَرْأَةُ مَعَ الْمَرْأَةِ. وَعَنْهُ: أَنَّ الْكَافِرَ مَعَ الْمُسْلِمَةِ كَالأَجْنَبِيِّ. وَهَلْ يَحْرُمُ عَلى الْمَرْأَةِ أنْ تَنْظُرَ مِنَ الرَّجُلِ إِلَى (¬2) مَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ أنْ ¬
يَنْظُرَ مِنْهَا، أَوْ يُبَاحُ لَها النَّظَرُ إلَى مَا عَدَا مَا بَيْنَ السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ؟ عَلى رِوَايَتَيْنِ. وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الزَّوْجَيْنِ أنْ يَنْظُرَ إلى جَمِيعِ بَدَنِ صَاحِبِهِ وَيَلْمِسَهُ، وَكَذلِكَ السّيِّدُ مَعَ أَمَتِهِ.
فصل
فَصْلٌ وَيَحْرُمُ التَّعْرِيضُ بِخِطْبَةِ الرَّجْعِيَّةِ، وَيَجُوزُ في عِدَّةِ الوَفَاةِ. وَهَلْ يَجُوزُ في عِدَّةِ الْبَائِنِ؟ عَلى وَجْهَيْنِ. وَإذَا حَصَلَتِ الإجَابَةُ، حَرُمَ عَلى غَيْرِهِ خِطْبَتُهَا؛ لِقَوْلِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -: "الْمُؤْمِنُ أخُو الْمُؤمِنِ، فَلا يَحِلُّ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَبْتَاعَ عَلى بَيْعِ أَخِيهِ، وَلا يَخْطُبَ عَلى خِطْبَةِ أخِيهِ حتَّى يَذَرَ" رَوَاهُ مُسْلِمٌ (¬1). وَإنْ حَصَلَ الرَّدُّ، فَلِغَيْرِهِ خِطْبَتُهَا، فَإنْ لَمْ يَعْلَمْ هَلْ أجَابَتْ أمْ لا؟ فَعَلَى وَجْهَيْنِ. وَالتَّعْوِيلُ في الرَّدِّ وَالإجَابَةِ عَلَى الْمَرْأَةِ إِنْ لَمْ تَكُنْ مُجْبَرَةً، وَعَلى الْوَليِّ إنْ كَانَتْ مُجْبَرَةً. وَيُسْتَحَبُّ عَقْدُ النِّكَاح يَوْمَ الْجُمُعَةِ، وَالْمَسَاءُ أَوْلَى. ¬
وَيَجُوزُ أَنْ يُوَكِّلَ الزَّوْجُ مَنْ يَقْبَلُ لَهُ النِّكَاحَ إذَا كَانَ الْوَكِيلُ مِمَّنْ يَصِحُّ أَنْ يَقْبَلَ النِّكَاحَ لِنَفْسِهِ. وَيُسَنَّ أنْ يُخْطَبَ قَبْلَ الْعَقدِ. وَإذَا وَقَعَ الْعَقْدُ، اسْتُحِبَّ أنْ يُقَالَ لَهُ: "بَارَكَ اللهُ لَكَ وَعَلَيْكَ، وَجَمَعَ بَيْنَكُما في خَيْرٍ وَعَافِيَةٍ"، وَإذَا زُفَّتْ إِلَيْهِ قَالَ: "اللَّهُمَّ إنيِّ أَسألُكَ خَيْرَهَا، وَخَيْرَ مَا جَبَلْتَهَا عَلَيْهِ، وأعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّهَا، وَشَرِّ مَا جَبَلْتَهَا عَلَيْهِ".
فصل في ولاية النكاح
فَصْلٌ في وِلايَةِ النِّكَاحِ رَوَى مُسْلِم: أنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَال: "الثَّيِّبُ أَحَقُّ بِنَفْسِهَا مِنْ وَلِيِّهَا، وَالْبِكُرُ تُسْتَأْمَرُ، وَإذْنُهَا سُكُوتُها" (¬1). وَإذَا أوْصَى الْوَليُّ بِنِكَاحِ مَنْ لَهُ عَلَيْهَا الْوِلايَهُ، فَحُكْمُ وَصِيِّهِ حُكْمُهُ. وَعَنْهُ: لا تُسْتَفَادُ الْوِلايَةُ في النِّكَاحِ بِالْوَصِيَّةِ. وَقَالَ ابنُ حَامِدٍ: تَصِحُّ إذَا لَمْ يَكُنْ لَها عَصَبَةٌ. وَهَلْ يَجُوزُ لِلأَبِ إجْبَارُ الْبِكرِ الْبَالِغِ؟ عَلى رِوَايَتَيْنِ. وَهَلْ لَهُ تَزوِيجُ الصَّغِيرةِ البنت؟ عَلى وَجْهَيْنِ. وَلا فَرْقَ بَيْنَ الثُّيُوبَةِ بِوَطْءٍ مُبَاحِ أَوْ مُحَرَّمٍ، فَأمَّا زَوَالُ الْبَكَارَةِ بِأُصْبُعٍ أَوْ وَثْبَةٍ، فَلا تُغَيِّرُ صِفَةَ الإِذْنِ. وَلَيْسَ لِغَيْرِ الأبِ أَوْ وَصِيِّهِ تَزْوِيجُ صَغِيرَةٍ بِحَالٍ، وَلا بَالِغٍ إلَّا بِإِذْنِهَا، إلَّا الْمَجْنُونَةَ، فَلَهُمْ تَزْوِيجُهَا إِذَا ظَهَرَ مِنْها شَهْوَةُ الرِّجَال. ¬
وَعَنهُ: لَهُمْ تَزْوِيجُ الصَّغِيرَةِ، وَلَها الْخِيَارُ إذَا بَلَغَتْ. وَتَزْوِيجُ الْمَرْأَةِ لِنَفْسِهَا ولِغَيْرِهَا (¬1) بَاطِلٌ. وَعَنهُ: أَنَّ (¬2) لَهَا تَزوِيجَ أَمَتِها وَمُعْتَقَتِهَا، وَهذا يَدُلُّ عَلى صِحَّةِ تَزوِيجِها لِنَفْسِهَا بِإِذْنِ وَلِيِّهَا، وَتَزْوِيجِ غَيْرِهَا بِالْوِكَالَةِ. وَهَلْ يُقْبَلُ إقْرَارُهَا بِالنِّكَاحِ؟ عَلى رِوَايَتَيْنِ. فَأمَّا الْوَلِيُّ، فَإنْ كَانَتْ مُجْبَرَةً، صَحَّ إقْرارُهُ عَلَيْها، وَإلَّا فلا. وَهَلْ يُشْتَرَطُ بُلُوغُ الْوَليِّ وَعَدَالَتُهُ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ. وَيَلي الذِّمِّيُّ نِكَاحَ مُوَلِّيَتِهِ الذِّمِّيَّةِ مِنْ مُسْلِمٍ وَذِّمِّيٍّ، وَقَالَ الْقَاضِي: لا يَلِي نِكَاحَهَا بِمُسْلِمٍ. وَهَلْ يَلِي سَيِّدُ أُمِّ الْوَلَدِ الذِّمِّيُّ نِكَاحَهَا إذَا أسلَمَتْ؟ عَلى وَجْهَيْنِ. وَلا يَجُوزُ لأحَدٍ أَنْ يَتَوَلَّى طَرَفَيِ الْعَقْدِ، إلَّا السَّيِّدَ إذَا زَوَّجَ عَبْدَهُ مِنْ أَمَتِهِ. وَعَنْهُ: أَنَّ لِوَلِيِّ الْمَرْأَةِ أنْ يَتَزَوَّجَها بَإذْنِهَا. وَلِلسَّيِّدِ أنْ يُعْتِقِ الأمَةَ، وَيَجْعَلَ عِتْقَهَا صَدَاقَهَا. * * * ¬
فصل في الشهادة
فَصْلٌ في الشَّهَادَةِ وَلا يَنْعَقِدُ النِّكَاحُ إلَّا بِحُضُورِ شَاهِدَيْنِ عَدْلَيْنِ ذَكَرَيْنِ. وَعَنْهُ: يَنْعَقِدُ بِحُضُورِ فَاسِقَيْنٍ، وَبِرَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ، وَبِحُضُورِ مُرَاهِقَيْنِ عَاقِلَيْنِ. وَيَتَخَرَّجُ أَنْ يَنْعَقِدَ في نِكَاحِ مُسْلِمٍ بِذِمِّيَّةٍ بِشَهَادَةِ ذِمِّيَّيْن. وَيَنْعَقِدُ بِشَهَادَةِ الْعَبِيدِ والأَضِرَّاءِ، وَلا يَنْعَقِدُ بِحُضُورِ أَصَمَّيْنِ، أَوْ أخْرَسَيْنِ. وَهَلْ يَنْعَقِدُ بِشَهَادةِ عَدُوَّيْنِ، أَوْ ابْنَيِ الزَّوْجَيْنِ، أَوْ أحَدِهِمَا؟ عَلى وَجْهَيْنِ. وَعَنْهُ: أنَّ الشَّهَادَةَ لَيْسَتْ شَرْطًا في النِّكَاحِ.
فصل في الكفاءة
فَصْلٌ في الْكَفَاءَةِ وَهِيَ شَرْطٌ في النِّكَاحِ، وَلا تُزَوَّجُ عَفِيفَةٌ بِفَاجِرٍ، وَلا عَرَبِيَّةٌ بِعَجَمِيٍّ، وَالْعَرَبُ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ أَكْفَاءٌ، وَالْعَجَمُ لِلْعَجَمِ أكْفَاءٌ. وَعَنْهُ: لا تُزَوَّجُ الْقُرَشِيَّةُ بِغَيْرِ الْقُرَشِيِّ، وَلا الْهَاشِمِيَّةُ بِغَيْرِ الْهَاشِمِيِّ. وَعَنْهُ: لا تُزَوَّجُ حُرَّةٌ بِعَبْدٍ، وَلا مُوسِرَةٌ بِمُعْسِرٍ، وَلا بِنْتُ بَزَّازٍ بِحَجَّامٍ، وَلا بِنْتُ تَانٍ بِحَائِكٍ. وَعَنْهُ: أنَّ الْكَفَاءَةَ لَيْسَتْ شَرْطًا في النِّكَاحِ، لكِنْ إنْ لَمْ يَرْضَ بَعْضُ الأَوْلِيَاءِ، فَلَهُ الْفَسْخُ. فَإذَا زَوَّجَ الأبُ بِغَيْرِ الْكُفْءِ، فَرَضِيَتِ الْبِنْتُ، فَلِلإِخْوَةِ الْفَسْخُ.
فصل تعيين الزوجين شرط
فَصْلٌ تَعْيِينُ الزَّوْجَيْنِ شَرْطٌ فَإذَا قَالَ: زَوَّجْتُكَ ابْنَتِي، وَلَيْسَ لَهُ إلَّا بِنْتٌ واحِدَةٌ، صَحَّ، فَإنْ كَانَ لَهُ بَنَاتٌ، لَمْ يَصِحَّ حتَّى يُشِيرَ إلَيْها، أَوْ (¬1) يَذْكُرَهَا بِمَا تَتَمَيَّزُ بِهِ. فَإنْ قَالَ: إنْ وَضَعَتْ زَوْجَتِي بِنْتًا، فَقَدْ زَوَّجْتُكَهَا، لَمْ يَصِحَّ. * * * ¬
فصل
فَصْلٌ وَلا يَنْعَقِدُ النِّكَاحُ إلَّا بِلَفظِ الإنْكَاحِ وَالتَّزْوِيج، أَوْ بِمَعْنَاهُمَا الخَاصِّ بِكُلِّ لِسَانٍ لِمَنْ لا يُحْسِنُهُمَا، فإنْ قَدَرَ على تَعَلُّمِهَا بِالعَرَبِيَّةِ، لَزِمَهُ، وقَالَ القاضِي: لا يَلْزَمُهُ. وَيُشْتَرَطُ الْقَبُولُ، فَيَقولُ: قَبلْتُ هَذَا النِّكَاحَ، أَوْ مَا يَقُومُ مَقَامَهُ في حَقِّ مَنْ لا يُحْسِنْ، فَإنْ تَقَدَّمَ القَبُولُ، لَمْ يَصِحَّ، وَإنْ تَرَاخَى، صَحَّ مَا دَامَا (¬1) في الْمَجْلِسِ، وَلَمْ يَتَشَاغَلا بِمَا يَقْطَعُهُ، فإنْ تَفَرَّقَا قَبْلَ الْقَبُولِ، بَطَلَ، وَعَنْهُ: يَصِحُّ، وَلا يَبْطُلُ. * * * ¬
فصل في الشروط في النكاح
فَصْلٌ في الشُّرُوطِ في النِّكَاح قَال النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "إنَّ أحَقَّ مَا يُوفَى بِهِ مِنَ الشُّرُوطِ ما اسْتَحْلَلْتُمْ (¬1) بِهِ الْفُرُوجَ" (¬2) رواه مسلم (¬3). وَإذَا شُرِطَ في النِّكَاحِ أنْ يُطَلِّقَ ضَرَّتَهَا، أَوْ لا يَتَسَرَّى عَلَيْهَا، فَلَهَا شَرْطُهَا إنْ وَفَى لَهَا، وَإلَّا فَلَهَا الْخِيَارُ بِفَسْخِ النِّكَاحِ. فإنْ شَرَطَ في النِّكّاَح الشِّغَارِ مَهْرًا، فَهَلْ يَصِحُّ؟ عَلى رِوَايَتَيْنِ. وإنْ نَوَى التَّحلِيلَ مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ، لَمْ يَصِحَّ. وَعَنْهُ مَا يَدُلُّ عَلى الصِّحَّة مَعَ الْكَرَاهَةِ. فَإنْ قَالَ: زَوَّجْتُكَ إذَا جَاءَ رَأْسُ الشَّهْرِ، أَوْ إنْ رَضِيَتْ أمُّهَا، لَمْ يَصِحَّ. ¬
وَإنْ شَرَطَ لَهَا الْخِيَارَ، أَوْ إنْ جَاءَهَا بِالمَهْرِ في وَقْتِ كَذا، وَإلّا فَلا نِكَاحَ بَيْنَهُمَا، فَالنِّكَاحُ بَاطِلٌ. وَعَنْهُ: يَبْطُلُ الشَّرطُ، وَيَصِحُّ النِّكَاحُ. فَأَمَّا إِنْ شَرَطَ أَنَّهُ لا مَهْرَ لَهَا، أَوْ لا نَفَقَةَ، أَوْ لا يَطَؤُهَا، أَوْ يَعْزِلُ عَنْهَا، أَوْ يَقْسِمُ لَهَا أكْثَرَ مِنْ زَوْجَاتِهِ، فَالنِّكاحُ صَحِيْحٌ، وَالْشَّرْطُ بَاطِلٌ. وَنَهَى النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -[عَنْ] نِكاحِ الشِّغَارِ، فَإِنْ سَمَّى فيهِ مَهْرًا، فَهَلْ يَصِحُّ؟ عَلَى رِوَايَتَينِ.
فصل إذا اشترى أمة
فَصلٌ إذَا اشْتَرَى أمَةً رَوَى مُسْلِمٌ: أَنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا يُجْمَعُ بَيْنَ الْمَرْأَةِ وَعَمَّتِهَا، ولا بَيْنَ الْمَرْأَةِ وَخَالَتِهَا" (¬1). وقال: "يَحْرُمُ مِنَ الْرَّضَاعَةِ مَا يَحْرُمُ مِنَ الْوِلادَةِ" (¬2). وَإذَا اسْتَفْرَشَ أَمَةً، ثُمَّ تَزَوَّجَ أُخْتَهَا، لَم يَصِحَّ، ذَكَرَهُ أَبُو بَكْرِ. وَإذَا اشْتَرَى أُخْتَ زَوْجَتِهِ، أَوْ عَمَّتَهَا، أَوْ خَالَتَها، لَمْ يَكُنْ لَهُ وَطْءُ إِحْدَاهُنَّ حَتَّى يَحُرِّمَ الزَّوْجَةَ. وَقَالَ أَحمَدُ -رَحِمَهُ اللهُ- فِيمَنْ لَهُ أَمَةٌ يَطَؤُهَا، فَزَوَّجَهَا (¬3)، فَلا بأسَ أَنْ يَتَزَوَّجَ أُخْتَهَا. ¬
فَإنْ طَلَّقَهَا، فَيَنْبَغِي أنْ يُحَرِّمَ إحْدَاهُنَّ. وَلَوِ اشْتَرَى أُخْتَ زَوْجَتِهِ، أَوْ عَمَّتَهَا، أَوْ خَالَتَهَا، صَحَّ، وَلا يَحِلُّ لَهُ وَطْءُ إِحْدَاهُنَّ حَتَّى يُطَلِّقَ الزَّوْجَةَ الَّتِي لا يُوْطَأُ مِثْلُهَا (¬1). وَيَحْرُمُ عَلَيْهِ نِكَاحُ الْمَرْأَةِ في عِدَّةِ أُخْتِهَا، أَوْ عَمَّتِهَا، أَوْ خَالَتِهَا، أَوْ بِنْتِ أَخِيْهَا، أَوْ بِنْتِ أُخْتِهَا مِنْهُ. وَإذَا وَطِىَ مَيْتَةً، أَوْ صَغِيرَةً، فَهَلْ يَثْبُتُ التَّحرِيمُ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ. وَإنْ بَاشَرَهَا دُونَ الْفَرجِ، أَوْ خَلا بِهَا، أَوْ نَظَرَ إلَى فَرْجِهَا لِشَهْوَةٍ، لَمْ تَسْرِ الْحُرْمَةُ. وَقَالَ أصْحَابُنا: فِي ذَلِكَ رِوَايَتَانِ. وَاللِّوَاطُ كَذَلِكَ عِنْدَ أَبِي الخَطَّابِ، وَعِنْدَ غَيْرِهِ حُكْمُهُ حُكْمُ وَطْءِ الْمَرْأَةِ فِي تَحْرِيمِ الْمُصَاهَرَةِ. وَإذَا تَزَوَّجَ امْرَأةً فَمَاتَتْ قَبْلَ الْدُّخُولِ، لَمْ تَحْرُمِ ابْنَتُهَا. وَعَنْهُ: تَحْرُمُ. وَيَحْرُمُ نِكَاحُ الْمَزْنِيِّ بِهَا حَتَّى تَتُوبَ وَتَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا. وَإذَا تَزَوَّجَ الْحُرُّ حُرَّةً وأَمَةً فِي عَقْدٍ وَاحِدٍ، فَسَدَ نِكَاحُ الأمَةِ، وَفِي نِكاحِ الْحُرَّةِ رِوَايَتَان. ¬
وَإِنْ تَزَوَّجَهُمَا الْعَبْدُ، صَحَّ نِكَاحُهُما، وَإِنْ كَانَت تَحْتَ الْعَبْدِ حُرَّةٌ، فَتَزَوَّجَ بِأَمَةٍ، فَهَلْ يَصِحُّ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ. وَإِنْ تَزَوَّجَ الْحُرُّ حُرَّةً، وَتَحتَهُ أَمَةٌ، فَهَلْ يَبْطُلُ نِكَاحُ الأمَةِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ، وَإِنْ وَجَدَ طَوْلًا لِحُرَّةٍ، فعَلَى وَجْهَيْنِ. وَلا يَحِلُّ لِلحُرِّ أَنْ يَتَزَوَّج أَمَةَ ابْنِهِ، وَيَجُوزُ ذَلِكَ لِلْعَبْدِ، وَلِلابْنِ أَنْ يَتَزَوَّجَ أَمَةَ أَبِيهِ. وَإذَا اشْتَرَى زَوْجَتَهُ الأَمَةَ، انْفَسَخَ النِّكَاحُ. فَإِنِ اشْتَرَاهَا ابْنُهُ، فَعَلَى وَجْهَيْنِ.
فصل في الرد بالعيب في النكاح
فَصْلٌ في الرَّدِّ بِالْعَيْبِ في النِّكَاحِ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا، هَلْ يَثْبُتُ خِيَارُ الْفَسْخِ بِالْبَخْرِ، وَهُوَ نَتْنُ الْفَمِ، وَقِيلَ: نَتْنٌ في الْفَرْجِ يَثُورُ عِنْدَ الْوَطْءِ. وَيَثْبُتُ الْخِيَارُ بِاسْتِطْلاقِ الْبَوْلِ وَالنَّجْوِ في أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ. وَيُخَرَّجُ عَلَيْهِ النَّاصُورُ وَالْبَاسُورُ وَالْقُرُوحُ السَّيَّالَةُ في الْفَرْج. فَإِنْ وَجَدَ أَحَدُهُمَا الآخَرَ خُنْثَى مُشْكِلًا، أَوْ وَجَدَتِ الْمَرْأَةُ الرَّجُلَ خَصِيًّا، أَوْ وَجَدَ أَحَدُهُمَا عَيْبًا بِهِ مِثْلُهُ، أَوْ حَدَثَ الْعَيْبُ بَعْدَ الْعَقْدِ، فَعَلَى وَجْهَيْنِ. وَإِنْ بَقِيَ مِنْ ذَكَرِ الْمَجْبُوبِ مَا يَقْدِرُ عَلَى الْجِمَاعِ بِهِ، فَلا خِيَارَ، وَإنِ اخْتَلَفَا في ذَلِكَ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمَرْأَةِ، وَيَحْتَمِلُ أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُهُ. وَإِنِ اخْتَلَفَا هَلْ هُوَ عِنِّينٌ أَمْ لا، وَهَلْ يَحْلِفُ؟ يَحْتَمِلُ الوَجْهَيْنِ. وَلا يَجُوزُ الْفَسْخُ إِلَّا بِحُكْمِ حَاكِمٍ، وَلا مَهْرَ لَهَا إِنْ كَانَ قَبْلَ الدُّخُولِ، وَإِنْ كَانَ بَعْدَهُ، فَلَهَا الْمُسَمَّى.
وَعَنْهُ: لَهَا مَهْرُ المِثْلِ، وَيَرْجِعُ بِهِ عَلَى مَنْ غَرَّهُ في إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ. وَلَيْسَ لِلْوَليِّ تَزْوِيجُ مُوَلِّيَتِهِ مِنْ مَعِيبٍ، فَإِنْ أَرَادَتِ الْحُرَّةُ ذَلِكَ، لَمْ يَكُنْ لَهُ مَنْعُهَا إِلَّا مِنَ التَّزَوُّج بالْمَجْنُونِ وَالْمَجْذُومِ وَاْلأَبْرَصِ، في أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ. وَلا فَرْقَ بَيْنَ الْمَجْنُونِ الْمُطْبَقِ، وَمَنْ يُخْنَقُ في الأَحْيَانِ، وَلَيْسَ لِوَليِّهَا إِجْبَارُهَا عَلَى الْفَسْخِ بَعْدَ الْعَقْدِ. وَإِنْ عَلِمَتْ بِالْعَيْبِ بَعْدَ الْعَقْدِ، فَسَكَتَتْ، لَمْ يَبْطُلْ خِيَارُهَا حَتَّى يُوجَدَ مِنْهَا مَا يَدُلُّ عَلَى الرِّضَا مِنَ التَّمْكِينِ مِنَ الْوَطْءِ وَنَحْوِهِ.
فصل
فَصْلٌ إذَا تَزَوَّجَ امْرَأَةً عَلَى أَنَّهَا مُسْلِمَةٌ [فَخَرَجَتْ] كِتَابِيَّةً، فَلَهُ الْخِيَارُ، وَإِنْ شَرَطَهَا كِتَابِيَّةً، فَخَرَجَتْ مُسْلِمَةً، فَلا خِيَارَ، وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: لَهُ الْخِيَارُ. وَإِنْ تَزَوَّجَها عَلَى أَنَّهَا أَمَةٌ، فَخَرَجَتْ حُرَّةً، فَلا خِيَارَ لَهُ. وَإِنْ تَزَوَّجَتِ الْمَرْأَةِ رَجُلًا عَلَى أَنَّهُ حُرٌّ، فَخَرَجَ عَبْدًا، فَلَهَا الْخِيَارُ.
فصل
فَصْلٌ وَإذَا عَتَقَتْ زَوْجَةُ الْعَبْدِ وَهِيَ صَغِيرَةٌ أَوْ مَجْنُونَةٌ، فَلَهَا الْخِيَارُ إذَا بَلَغَتْ وَعَقَلَتْ، وَلَيْسَ لِوَليِّهَا أَنْ يَخْتَارَ عَنْهَا. فَإنْ كَانَتْ كَبِيرَة عَاقِلَةً، فَأَمْكَنَتْهُ مِنْ وَطْئِهَا، وَادَّعَتِ الْجَهْلَ بِالْعِتْقِ، أَوْ قَالَتْ: لَمْ أَعْلَمْ أَنَّهُ يَثْبُتُ لِيَ الْخِيَارُ بِالْعِتْقِ، وَأَمْكَنَ صِدْقُهَا، فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا، وَقَالَ الْخِرَقِيُّ: يَبْطُلُ خِيَارُهَا.
باب نكاح الكفار
بَابُ نِكَاحِ الْكُفَّارِ أَنْكِحَةُ الْكُفَّارِ صَحِيحَةٌ يَثْبُتُ فِيهَا أَحْكَامُ الصِّحَّةِ مِنَ الطَّلاقِ وَالظِّهَارِ وَاْلإِيلاءِ وَالإِحْصَانِ، والإِبَاحَةِ لِلزَّوْجِ الأَوَّلِ (¬1) وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَيَحْرُمُ فِيهَا مَا يَحْرُمُ في أَنْكِحَةِ الْمُسْلِمِينَ، إِلَّا أَنَّهُمْ يُقَرُّونَ عَلَى الأَنْكِحَةِ الْمُحَرَّمَةِ إذَا اعْتَقَدُوا إِبَاحَتَها في شَرْعِهِمْ، وَلَمْ يَرْتَفِعُوا إِلَيْنَا. فَإِنْ تَحَاكَمُوا إِلَيْنَا في ابْتِدَاءِ الْعَقْدِ، لَمْ يُجَزْ إِلَّا عَلَى الْوَجْهِ الصَّحِيحِ، وَإِنْ كانَ في أَثْنَائِهِ، لَمْ نَتَعَرَّضْ لِكَيْفِيَّةِ الْعَقْدِ، وَنَظَرْنَا في الْحَالِ؛ فَإِنْ كَانَتِ الْمَرْأَةُ مِمَّنْ يَجُوزُ الْعَقْدُ عَلَيْهَا ابْتِدَاءً قَبْلَ الدُّخُولِ، أَقْرَرْنَاهُمَا، وَإِنْ كَانَتْ مِنْ ذَوَاتِ مَحَارِمِهِ، أَوْ مُعْتَدَّةً، فُرِّقَ بَيْنَهُمَا. فَإِنْ أَسْلَمَ الزَّوْجَانِ قَبْلَ الدُّخُولِ (¬2) وَاخْتَلَفَا في السَّابِقِ، فَإنْ كَانَ قَبْلَ الدُّخُولِ، فَالْقَولُ قَوْلُ الْمَرْأَةِ. ¬
وَكَذَلِكَ إِنْ قَالا: لا نَعْلَمُ أَيُّنَا أَسْلَمَ أَوَّلًا، فَلَهَا نِصْفُ الْمَهْرِ. وَإِنْ كَانَ بَعْدَ الدُّخُولِ، فَهَلْ يُقَدَّمُ قَوْلُهُ أَمْ قَوْلُهَا؟ عَلَى وَجْهَيْنِ. فَإِنْ قَالَ الزَّوْجُ: أَسْلَمْنَا مَعًا، فَأَنْكَرَتْهُ، وَقَالَتْ: بَلْ أَسْلَمَ أَحَدُنَا قَبْلَ صَاحِبِهِ، فَقَالَ الْقَاضِي: يُقَدَّمُ قَوْلُ الزَّوْجَةِ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُقَدَّمَ قَوْلُ الزَّوْجِ. وَهَلْ تَتَعَجَّلُ الْفُرْقَةُ بِإِسْلامِ أَحَدِهِما بَعْدَ الدُّخُولِ، أَوْ رِدَّتِهِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ: إِحْدَاهُمَا: تَقِفُ عَلَى انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ، فَإِنْ لَمْ يُسْلِمِ الآخَرُ، وَقَعَتِ الْفُرْقَةُ مِنْ حِينِ إِسْلامِ الأَوَّلِ. فَإنْ وَطِئَهَا في الْعِدَّةِ، وَلَمْ يُسْلِمِ الآخَرُ، فَلَهَا مَهْرُ الْمِثْلِ، وَإِنْ أَسْلَمَ في الْعِدَّةِ، فَلا شَيْءَ لَهَا. وَإذَا أَسْلَمَا وَبَيْنَهُمَا مُتْعَةٌ أَوْ (¬1) نِكَاحٌ شَرَطَ فيهِ الْخِيَارَ مَتَى شَاءَ، لَمْ يُقَرَّا (¬2) عَلَيْهِ، وَإِن تَزَوَّجَها في الْعِدَّةِ، أَوْ بِشَرْطِ الْخِيَارِ مُدَّةً مَعْلُومَةً، فَأَسْلَمَا في الْعِدَّةِ أَوِ الْمُدَّةِ، لَمْ يُقَرَّا. وَإِنْ أَسْلَمَا بَعْدَ انْقِضَائِهَا، أُقِرَّا. وَلَوْ طَلَّقَهَا ثَلاثًا، وَاسْتَدَامَ نِكَاحَهَا، ثُمَّ أَسْلَمَا، لَمْ يُقَرَّا. ¬
فَإِنْ قَهَرَ حَرْبِيٌّ حَرْبِيَّةً، فَوَطِئَهَا، أَوْ طَاوَعَتْهُ، وَاعْتَقَدَا ذلِكَ نِكَاحًا، ثُمَّ أَسْلَمَا، أُقِرَّا عَلَيْهِ، وَإِنْ لَمْ يَعْتَقِدَا، لَمْ يُقَرَّا عَلَيْهِ (¬1). وَإذَا أَسْلَمَ وَتحْتَهُ أَكْثَرُ مِنْ أَرْبَعِ نِسْوَةٍ، فَأَسْلَمْنَ مَعَهُ، أُجْبِرَ عَلَى أَنْ يَخْتَارَ مِنْهُنَّ أَرْبَعًا، فَإِنْ لَمْ يَخْتَرْ، فَعَلَيْهِ نَفَقَتُهُنَّ إِلى أَنْ يَخْتَارَ. فَإِنْ وَطِىَ إِحْدَاهُنَّ، أَوْ طَلَّقَهَا، كَانَ ذلِك اخْتِيارًا لَهَا. فَإِنْ طَلَّقَ الْجَمِيعَ ثَلاثًا، أُقْرِعَ بَيْنَهُنَّ، فَإذَا وَقَعَتِ الْقُرْعَةُ عَلَى أَرْبَعٍ مِنْهُنَّ، فَهُنَّ الْمُخْتَارَاتُ، وَلَهُ نِكَاحُ الْبَوَاقِي. وَإِنْ ظَاهَرَ أَوْ آلَى مِنْ بَعْضِهِنَّ، فَهَلْ يَكُونُ اخْتِيَارًا؟ عَلَى وَجْهَيْنِ. فَإِنْ مَاتَ قَبْلَ الِاخْتِيَارِ، فَعَلَى الْجَمِيعِ أَطْوَلُ الأَمْرَيْنِ مِنْ عِدَّةِ الْوَفَاةِ، أَوْ ثَلاثَةِ أَقْرَاءٍ مِنْ حِينِ الإِسْلامِ، وَالْمِيرَاثُ لأَرْبَعٍ مِنْهُنَّ بِالْقُرْعَةِ. فَإِنْ أَسْلَمَ وَتَحْتَهُ إِمَاءٌ، وَكَانَ في حَالِ اجْتِمَاعِهِمْ عَلَى الإِسْلامِ مِمَّنْ لا يَحِلُّ لَهُ نِكَاحُ الإِمَاءِ، انْفَسَخَ نِكَاحُهُنَّ، وَإِنْ كَانَ مِمَّنْ يَحِلُّ لَهُ نِكَاحُ الإِمَاءِ، اخْتَارَ مِنْهُنَّ مَنْ يُعِفُّهُ، وَلا عِبْرَةَ بِحَالِ إِسْلامِهِ. وَلَوْ أَسْلَمَتْ إِحْدَاهُنَّ بَعْدَ إِسْلامِهِ، ثُمَّ أُعْتِقَتْ (¬2)، وَأسْلَمَ الْبَوَاقي، فَلَهُ الِاخْتِيَارُ مِنْهُنَّ. ¬
وَلَوْ عَتَقَتْ، ثُمَّ أَسْلَمَتْ، ثُمَّ أَسْلَمَ الْبَوَاقِي، لَمْ يَكُنْ لَهُ الِاخْتِيَارُ اعْتِبَارًا بِحَالَةِ الِاجْتِمَاعِ في الإِسْلامِ. وَإذَا أَسْلَمَ عَبْدٌ، وَتَحْتَهُ أَرْبَعٌ، فَأُعْتِقَ، ثُمَّ أَسلَمْنَ، فَحُكْمُهُ حُكْمُ الْحُرِّ.
كتاب الصداق
كِتَابُ الصَّدَاقِ قَالَ أَبُو سَلَمَةَ: سَأَلْتُ عائِشَةَ- رَضِيَ اللهُ عَنْهَا-: كَمْ كَانَ صَدَاقُ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -؟ قَالَتْ: كَانَ صَدَاقُهُ لأَزْوَاجِهِ ثِنْتَي (¬1) عَشْرَةَ أُوقِيَّةً وَنشًّا، وَالنَّشُّ نِصْفُ أُوقِيَّةٍ، فَتِلْكَ خَمْسُ مِئَةِ دِرْهَمٍ، فَهذا صَدَاقُ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - لأَزْوَاجِهِ، رَوَاهُ مُسْلِمٌ (¬2). وَرَوَى مُسلِمٌ أيْضًا: أَنَّ امْرَأَةً قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ! جِئْتُ أَهَبُ نَفْسِي لَكَ، فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللهِ! إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكَ بِهَا حَاجَةٌ، فَزَوِّجْنِيهَا، فَقَالَ: "فَهَلْ عِنْدَكَ مِنْ شَيْءٍ؟ "، فَقَالَ: لا وَاللهِ! فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "انْظُرْ وَلَوْ خَاتَمًا مِنْ حَدِيدٍ"، فَذَهَبَ ثُمَّ رَجَعَ، فَقَالَ: لا واللهِ! يَا رَسُولَ اللهِ، وَلا خَاتَمًا مِنْ حَدِيدٍ، قَالَ: "مَاذَا مَعَكَ مِنَ الْقُرْآنِ؟ " قَالَ: مَعِي سُورَةُ كَذَا، وَسُورَةُ كَذَا -عَدَّدَهَا-، فَقَالَ: "تَقْرَؤُهُنَّ عَنْ ظَهْرِ قَلْبِكَ؟ "، قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: "اذْهَبْ فَقَدْ مَلَّكْتُكَهَا بِمَا ¬
مَعَكَ مِنَ الْقُرْآنِ"، وفي لفظ: "انْطَلِقْ فَقَدْ زَوَّجْتُكَهَا، فَعَلِّمْهَا مِنَ الْقُرْآنِ" (¬1). وَلا تُسْتَحَبُّ الزِّيَادَةُ عَلَى صَدَاقِ زَوْجَاتِه - صلى الله عليه وسلم -. وَإذَا أَصْدَقَهَا تَعْلِيمَ سُورَةٍ مِنَ الْقُرْآنِ، لَمْ يَصِحَّ، وَلَهَا مَهْرُ الْمِثْلِ. وَعَنْهُ: يَصِحُّ إذَا عَيَّنَ السُّورَةَ، وَعَلَى قِرَاءَةِ مَنْ، فَإِنْ أَطْلَقَ، وَفِي الْبَلَدِ قِرَاءَةٌ وَاحِدَةٌ، انصرفَ إِلَيْهَا، وَإِنْ كَانَ فيهِ قِراءَاتٌ، لَمْ يَصِحَّ. فَإِنْ كَانَ لا يُحْسِنُ السُّورَةَ، فَهَل يَصِحُّ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ. فَإنْ تَعَلَّمَتِ السُّورَةَ مِنْ غَيْرِهِ، فَعَلَيْهِ أُجْرَةُ ذلِكَ. فَإِنْ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ، فَعَلَيْهِ نِصْفُ الأُجْرَةِ، فَإِنْ كَانَ قَدْ لَقَّنَهَا (¬2) السُّورَةَ، رَجَعَ عَلَيْهَا بِنِصْفِ الأُجْرَةِ. وَإِنْ أَصْدَقَهَا تَعْلِيمَ شَيْءٍ مِنَ الْفِقْهِ أَوِ (¬3) الشِّعْرِ الْمُبَاحِ، صحَّ، رِوَايةً وَاحِدَةً. وَيَجُوزُ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا عَلَى مَنَافِعِ مِلْكِهِ، أَوْ مَنَافِعِهِ مُدَّةً مَعْلُومَةً. وَإِنْ أَصْدَقَهَا رَدَّ عَبْدِهَا الآبِقِ أَيْنَ كَانَ، أَوْ عَلَى خِدْمَتِهَا فِيمَا أَرَادَتْ، لَمْ يَصِحَّ. ¬
وَإِنْ تَزَوَّجَهَا عَلَى خِدْمَتِهَا فِيمَا أَرَادَتْ، لَمْ يَصِحَّ. وَإنْ تَزَوَّجَهَا عَلَى أَلْفٍ إنْ كَانَ أَبُوهَا حَيًّا، وَعَلَى أَلْفَيْنِ إِنْ كَانَ مَيْتًا، أَوْ عَلَى أَلْفٍ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ زَوْجَةٌ، وَعَلَى أَلْفَيْنِ إِنْ كَانَتْ لَهُ زَوْجَةٌ، فَنَصَّ أَحْمَدُ -رَحِمَهُ اللهُ- في الأُولَى: أَنَّه يَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ، وَفِي الثَّانِيَةِ: عَلَى صِحَّةِ التَّسْمِيَةِ، فَقَالَ أَبُو بَكْرِ: يَخْرُجُ في الْمَسْأَلَتَيْنِ رِوَايَتَانِ. وَإذَا أَصْدَقَهَا طَلاقَ زَوْجَةٍ لَهُ أُخْرَى، فَلَهَا مَهْرُ الْمِثْلِ. وَعَنْهُ: تَصِحُّ التَّسْمِيَةُ، فَإِنْ لَمْ يُطَلِّقِ الأُخْرَى، فَلَهَا مَهْرُ الْمِثْلِ. وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: قِيَاسُ الْمَذهَبِ أَنَّ لَهَا مَهْرَ الأُخْرَى. وَإذَا تَزَوَّجَ أَرْبَعًا في عَقْدٍ وَاحِدٍ بِأَلْفٍ، صَحَّ، وَقُسِمَتْ بَيْنَهُنَّ عَلَى قَدْرِ مُهُورِهِنَّ في أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ، وَفِي الآخَرِ (¬1): يُقْسَمُ بَيْنَهُنَّ أَرْبَاعًا. وَإذَا تَزَوَّجَها عَلَى صَدَاقَيْنِ سِرٍّ وَعَلانِيَةٍ، أُخِذَ بِالْعَلانِيَةِ. وَقَالَ الْقَاضِي: إِنْ تَصَادَقَا عَلى السِّرِّ، فَلَيْسَ لَهَا غَيْرُهُ. فَإِنِ ادَّعَتْ أَنَّهُمَا عَقْدَانِ، فَأَنْكَرَهَا، وَقَالَ: بَلْ هُوَ وَاحِدٌ أَسْرَرْتُهُ ثُمَّ أَظْهَرْتُهُ، فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا. وَإذَا أَعْتَقَتِ الْمَرْأَةُ عَبْدَهَا عَلَى أَنْ يتَزَوَّجَ بِهَا، عَتَقَ، وَلَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ. ¬
وَإذَا تَزَوَّجَها عَلَى عَبْدٍ مِنْ عَبِيدِهِ، فَلَهَا أَحَدُهُمْ بِالْقُرْعَةِ. وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: لا يَصِحُّ. وَكَذَلِكَ يَخْرُجُ إذَا أَصْدَقَهَا قَمِيصًا مِنْ قُمْصَانِهِ، أَوْ دَابَّةً مِنْ دَوَابِّهِ. وَإِنْ تَزَوَّجَها عَلَى عَبْدٍ مُطْلَقٍ، لَمْ يَصِحَّ، وَقَالَ الْقَاضِي: يَصِحُّ، وَلَهَا الْوَسَطُ، وَهُوَ. . . (¬1)، وَالصَّحِيحُ أَنَّه لا يَصِحُّ، فَإنْ جَاءَهَا بِقِيمَتِهِ، أَوْ تَزَوَّجَهَا بِعَبْدٍ مَوْصُوفٍ، فَجَاءَهَا بِقِيمَتِهِ، فَقَالَ الْقَاضِي: يَلْزَمُهَا قَبُولُهُ، وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: لا يَلْزَمُها. وَإذَا زَوَّجَ ابْنَهُ الصَّغِيرَ بَأَكْثَرَ مِنْ مَهْرِ الْمِثْلِ، صَحَّ، وَلَزِمَ ذِمَّةَ الِابْنِ، فَإِنْ كَانَ الِابْنُ مُعْسِرًا، فَهَلْ يَضْمَنُهُ لَهُ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ. وَإذَا وَهَبَتِ الْمَرْأَةُ صَدَاقَهَا لِزَوْجِهَا، ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ، أَوِ ارْتَدَّ، فَهَلْ يَرْجِعُ عَلَيْهَا (¬2) بِنِصْفِ الصَّدَاقِ في الطَّلاقِ في الرِّدَّةِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ. وَيَجِبُ الْمُسَمَّى بِالدُّخُولِ أَوِ الْخَلْوَةِ في النِّكَاحِ الْفَاسِدِ. وَعَنْهُ: يَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ. * * * ¬
فصل
فصلٌ وَإذَا ادَّعى الزَّوْجُ أَنَّ صَدَاقَها أَقَلُّ مِنْ مَهْرِ الْمِثْلِ، وَادَّعَتْ أَكثَرَ مِنْهُ، رُدَّ إِلَى مَهْرِ الْمِثْلِ. وَهَلْ يَجِبُ اليَمِينُ (¬1)؟ عَلَى وَجْهَيْنِ. فَإِنْ قَالَ: تَزَوَّجْتُكِ عَلَى هَذَا الْعَبْدِ، وَقَالَ عَلَى هَذِهِ الأَمَةِ، فَهَلْ يُقْبَلُ قَوْلُ الزَّوْجِ، أم قَوْلُ مَنْ يَدَّعِي مَهْرَ الْمِثْلِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ. فَإِنِ اخْتَلَفَا في قَبْضِ الصَّدَاقِ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ الزَّوْجَةِ، فَإِنِ اخْتَلَفَا فِيمَا يَسْتَقِرُّ بِهِ المَهْرُ (¬2)، فَالقَوْلُ قَوْلُ الزَّوْجِ. وَلِلأَبِ قَبْضُ صَدَاقِ ابْنَتِهِ الصَّغِيرَةِ، وَلا يَقْبِضُ صَدَاقَ الثَّيِّبِ إِلَّا بِإِذْنِهَا، فَأَمَّا الْبِكْرُ الْبَالِغَةُ الْعَاقِلَةُ، فَعَلَى رِوَايَتَيْنِ. وَيَجُوزُ أَنْ يتَزَوَّجَهَا عَلَى مَهْرٍ مُؤَجَّلٍ إذَا كَانَ الأَجَلُ مَعْلُومًا؛ فَإِنْ لَمْ يُذْكَرْ مَحِلُّ الأَجَلِ، صَحَّ، وَمَحِلُّهُ الْفُرْقَةُ عِنْدَ أَصْحَابِنَا. ¬
وَعِنْدَ أَبِي الخَطَّاب لا يَصِحُّ، وَلَهَا مَهْرُ الْمِثْلِ، وَلَهَا مَنْعُ نَفْسِهَا حَتَّى تَقْبِضَ الْعَاجِلَ دون الآجِلِ. فَإِنْ سَلَّمَتْ نَفْسَهَا، فَهَلْ لَهَا الِامْتِنَاعُ بَعْدَ ذَلِكَ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ. وَإِنْ أَعْسَرَ بِالْمَهْرِ قَبْلَ الدُّخُولِ، فَلَهَا الْفَسْخُ، وَإِن كَانَ بَعْدَهُ، احْتَمَلَ وَجْهَيْنِ، وَلا يَجُوزُ الْفَسْخُ إِلَّا بِحُكْمِ حَاكِمٍ.
فصل
فَصْلٌ وَكُلُّ مَوْضِعٍ حَكَمْنَا بِفَسَادِ التَّسْمِيَةِ، لِكَوْنِ المُسَمَّى مُحَرَّمًا؛ كَالْخَمْرِ، أَوْ مَجْهولًا، أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ، فَلَهَا مَهْرُ الْمِثْلِ إذَا طَلَّقَهَا بَعْدَ الدُّخُولِ، أَوْ مَاتَ أَحَدُهُمَا، إِلَّا أَنْ يَكُونَ المُسَمَّى عَبْدًا، فَيَخْرُجُ حُرًّا، أَوْ مُسْتَحَقًّا، أَوْ عَصِيرًا فَيَبِينُ خَمْرًا، وَنَحْوَ ذَلِكَ، فَلَهَا قِيمَتُهُ. وَيُعْتَبَرُ مَهْرُ الْمِثْلِ بِمَنْ يُسَاوِيهَا مِنْ نِسَاءِ عَصَبَاتِهَا؛ كَأُخْتِهَا وَعَمَّتِهَا وَبَنَاتِ عَمِّهَا. وَعَنْهُ: يُعْتَبَرُ بِجَمِيعِ قَرَابَاتِهَا؛ كَالأُمِّ وَالعَمَّةِ وَالْخَالَةِ. وَتُعْتَبَرُ الْمُسَاوَاةُ في الْمَالِ وَالْجَمَالِ وَالْعَقْلِ وَاْلأَدَبِ وَالسِّنِّ، وَالْبَكَارَةِ وَالثُّيُوبَةِ، وَالْبَلَدِ وَالنَّسَبِ. فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ إِلَّا امْرَأَةٌ دُونَهَا، زِيدَ لَهَا بِمِقْدَارِ زِيَادةِ فَضِيلَتِهَا، وَإِنْ وُجِدَ فَوْقَهَا، نُقِصَتْ بِقَدْرِ نَقِيصَتِها. فَإِنْ كَانَتِ الْعَادَةُ أَنَّهُم إذَا زَوَّجُوا عَشِيرَتَهُمْ خَفَّفُوا، وَإِنْ زَوَّجُوا غَيْرَهُمْ ثَقَّلُوا، اعْتُبِرَ ذَلِكَ.
وَإِنْ كَانَتْ عَادَتُهُمُ التَّأْجِيلَ، فَهَلْ يُفْرَضُ مُؤَجَّلًا؟ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ. فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا أَقَارِبُ، اعْتَبَرْنَا بِأَقْرَبِ النِّسَاءِ شَبَهًا بِهَا مِنْ أَهْلِ بَلَدِهَا. وَيَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ لِلْمُكْرَهَةِ عَلَى الزِّنَا، وَالْمَوْطُوءَةِ بِشُبْهَةٍ، وَلا يَجِبُ مَعَ ذَلِكَ أَرْشُ الْبَكَارَةِ. وَإذَا دَفَعَ رَجُلٌ أَجْنَبيَّةً، فَأَذْهَبَ عُذْرَتَهَا، فَعَلَيْهِ أَرْشُ الْبَكَارَةِ، وَإنْ فَعَلَ ذَلِكَ الزَّوْجُ قَبْلَ الدُّخُولِ، لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ لِذلِكَ شَيْءٌ.
فصل
فَصْلٌ وَكُلُّ فُرْقَةٍ جَاءَتْ مِنَ الزَّوْجُ؛ كَالْخُلْعِ، وَانْتِقَالِهِ عَنْ دِينِهِ، أَوْ مِنْ أَجْنَبِيٍّ، فَحُكْمُهُ حُكْمُ طَلاقِهِ. وَكُلُّ فُرْقَةٍ جَاءَتْ مِنْ جِهَةِ الزَّوْجَةِ، كَانْتِقَالِهَا، أَوْ فَسْخٍ بِعَيْبٍ في أَحَدِهِمَا، أَوْ بِإِعَارَةٍ (¬1)، أَوْ بِعِتْقِهَا، أَوْ بِغَيْرِ ذَلِكَ، فَلا مَهْرَ لَهَا، وَلا مُتْعَةَ، إِلَّا الْمَدْخُولَ بِهَا، فَلَهَا الْمُسَمَّى، أَوْ مَهْرُ الْمِثْلِ بِكُلٍّ حَالٍ (¬2). فَأَمَّا فُرْقَةُ اللِّعَانِ، فَتَخْرُجُ عَلَى رِوَايَتَيْنِ. وَفُرْقَةُ بَيْعِ الزَّوْجَةِ مِنَ الزَّوْجُ عَلَى وَجْهَيْنِ. فَإِنِ اشْتَرَتِ الْحُرَّةُ زَوْجَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ، فَلَهَا نِصْفُ الْمَهْرِ، فَإِنْ كَانَ الْبَيْعُ بِثَمَنٍ بِالذِّمَّةِ، تَحَوَّلَ صَدَاقُهَا إلى ثَمَنِهِ، وَإِنِ اشْتَرَتْهُ بِصَدَاقِها، صَحَّ. * * * ¬
فصل
فَصْلٌ إذَا طَلَّقَ الزَّوْجُ قَبْلَ الدُّخُولِ، رَجَعَ بِنِصْفِ الْمُسَمَّى إِنْ كَانَ باقِيًا، وَيَدْخُلُ في مِلْكِهِ حُكْمًا، وَيَحْتَمِلُ أَلَّا يَدْخُلَ حَتَّى يُطَالِبَ بِهِ وَيَخْتَارَ. فَإِنْ كَانَ مُسْتَحَقًّا بِدَيْنٍ أَوْ شُفْعَةٍ عَلَى أحَدِ الْوَجْهَيْنِ، رَجَعَ بِنِصْفِ مِثْلِهِ، أَوْ بِنِصْفِ قِيمَتِهِ وَقْتَ الْعَقْدِ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مِثْلٌ. فَإِنْ نَقَصَ في يَدِ الزَّوْجَةِ بَعْدَ الطَّلاقِ، فَهَلْ يُضْمَنُ؟ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ. فَإِنِ اخْتَلَفَا في وَقْتِ النَّقْصِ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ الزَّوْجَةِ مَعَ يَمِينَها. وَحُكْمُ الصَّداقِ حُكْمُ الْمَبِيعِ في أَنَّهُ يَدْخُلُ في ضَمَانِهَا بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ إِنْ كَانَ مُعَيَّنًا، وَيَجُوزُ تَصَرُّفُهَا فيه، بِخِلافِ غَيْرِ الْمُتَعَيِّنِ، فَإِنْ تَلِفَ غَيْرُ المُتَعَيِّنِ قَبْلَ الْقَبْضِ، رَجَعَتْ بِمِثْلِهِ، أَوْ قِيمَتِهِ.
باب الوليمة
بَابُ الْوَلِيمَة قال ابْنُ عُمَرَ: إِنَّ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "إذَا دُعِيَ أَحَدُكُمْ إِلَى وَلِيمَةِ عُرْسٍ، فَلْيُجِبْ" رواه مُسْلِمٌ (¬1). فَإِنْ دَعَاهُ اثْنَانِ، أَجَابَ أَسْبَقَهُمَا، فَإِنِ اسْتَوَيَا، أَجَابَ أَدْيَنَهُمَا، فإِنِ اسْتَوَيَا، أَجَابَ أَقْرَبَهُمَا جِوارًا. فَإنْ دُعِيَ الْجَفَلَى (¬2)، أَوْ دُعِيَ الْيَوْمَ الثَّالِثَ، لَمْ تُسْتَحَبَّ الإِجَابَةُ. وَإِنْ دُعِيَ الْيَوْمَ الثَّانِيَ، استُحِبَّتِ الإِجَابَةُ. وَإذَا دُعِيَ إِلَى وَلِيمَةٍ فِيها لَهْوٌ، حَضَرَ وَأَنْكَرَ، وَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى الإِنْكَارِ، لَمْ يَحْضُرْ، فَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ حَتَّى حَضَرَ، وَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى الإِنْكَارِ، انْصَرَفَ. فإِنْ عَلِمَ بِالْمُنْكَرِ وَلَمْ يَسْمَعْهُ، لَمْ يَنْصَرِفْ. ¬
وَإذَا كَانَ عَلَى الْبَابِ صُورَةُ (¬1) حَيَوانٍ، وَكَانَتْ تُدَاسُ، أَوْ يُتَّكأُ (¬2) عَلَيْهَا، جَلَسَ عَلَيها، وَإنْ كانَتْ عَلَى حِيطَانٍ أَوْ سُتُورٍ مُعَلَّقَةٍ، لَمْ يَجْلِسْ. وَالدُّعَاءُ إِلَى الْوَليمَةِ أَدَبٌ في الطَّعَامِ. وَمَنْ وَقَعَ في حِجْرِهِ شَيْءٌ مِنَ النِّثَارِ، فَهُوَ لَهُ. وَهَلْ يُكْرَهُ النِّثَارُ في الْعُرْسِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ. * * * ¬
باب عشرة النساء
بَابُ عِشْرَةِ النِّسَاءِ وَإذَا تَمَّ الْعَقْدُ، وَجَبَ تَسْلِيمُ الْمَرْأَةِ في بَيْتِهِ إذَا كَانَتْ حُرَّةً يُمْكِنُ الِاسْتِمْتَاعُ بِهَا، وَإِنْ سَألَتِ الإنْظَارَ نُظِرَتْ مُدَّةً جَرَتِ الْعَادَةُ أَنْ يَصْلُحَ أَمْرُهَا في مِثْلِهَا. وَإِنْ كَانَتْ أَمَةً، لَمْ يَلْزَمْ تَسْلِيمُهَا إِلَّا بِاللَّيْلِ، وَلَهُ أَنْ يَسْتَمْتِعَ بِهَا في غَيْرِ أَوْقَاتِ الصَّلاةِ مِنْ غَيْرِ إِضْرَارٍ بِهَا. وَلا يَجُوزُ وَطْؤُهَا في الدُّبُرِ، وَلا يَعْزِلُ عَنْهَا إِلَّا بِاِذْنِهَا. وَإِنْ كَانَتْ أَمَةً، لَمْ يَعْزِلْ عَنْهَا (¬1) إِلَّا بإِذْنِ سَيِّدِهَا. وَلا يَجُوزُ لأحَدِ الزَّوْجَيْنِ مَطْلُ صَاحِبِهِ بِحَقِّهِ، وَلا إظْهَارُ الْكَرَاهِيَةِ لِلْبَذْلِ. وَلا يَجْمَعُ بَيْنَ زَوْجَتَيْهِ في مَسْكَنٍ وَاحِدٍ إِلَّا بِرِضَاهُمَا، وَلا يُحَدِّثُ إِحْدَاهُمَا بِمَا يَجْرِي بَيْنَهُ وَبَيْنَ الأُخْرَى. وَرَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "أَمَا لَوْ أَنَّ أَحَدَهُمْ يَقُولُ ¬
حِيْنَ يَأْتِي أَهْلَهُ: بِاسْمِ اللهِ، اللَّهُمَّ جَنِّبْنِي الشَّيْطَانَ، وَجَنِّبِ الشَّيْطَانَ مَا رَزَقْتَنَا، ثُمَّ قُدِّرَ بَيْنَهُمَا في ذَلِكَ وَلَدٌ، لَمْ يَضُرَّهُ الشَّيْطَانُ" مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ (¬1). وُيسْتَحَبُّ لَهُ (¬2) تَغْطِيَةُ رَأْسِهِ عِنْدَ الْجِمَاعِ، وَلا يُكْثِرُ الْكَلامَ حَالَ الْوَطْءِ، وَلَهُ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَ زَوْجَاتِهِ بِغُسْلٍ وَاحِدٍ، وَيُسْتَحَبُّ الْوُضُوءُ عِنْدَ مُعَاوَدَةِ الْوَطْءِ. وَلَهُ إِجْبَارُ زَوْجَتِهِ عَلَى الْغُسْلِ مِنَ الْحَيْضِ وَالْجَنَابَةِ والنَّجَاسَةِ (¬3) وتَرْكِ السَّكَرِ، وَإِزَالَةِ الشَّعْرِ الَّذِي تَعَافُهُ النَّفْسُ، وَمَا أَشْبَهَهُ. وَعَنْهُ: وَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ إذَا كَانَتْ ذِمِّيَّةً. وَقَالَ الْقَاضِي: لَهُ إِجْبَارُهَا عَلَى الْغُسْلِ مِنَ الْحَيْضِ، وَفِي بَقِيَّةِ الأَشْيَاءِ رَوَايَتَانِ. فَإذَا فَرَغَ مِنَ الْجِمَاعِ قَبْلَهَا، كُرِهَ لَهُ النَّزْعُ حَتَّى تَفْرُغَ. وَلا يَطَؤُهَا بِحَيْثُ يَرَاهُمَا إِنْسَانٌ، أَوْ مُتَجَرِّدَيْنِ. وَلَهُ مَنْعُهَا مِنَ الْخُرُوجِ مِنْ مَنْزِلهِ، فَإِنْ مرض بَعْضُ (¬4) مَحَارِمِهَا، اسْتُحِبَّ لَهُ أَنْ يَأْذَنَ لَهَا في الْخُرُوجِ إِلَيْهِ. * * * ¬
فصل في القسم
فَصْلٌ في الْقَسْمِ يَلْزَمُ الرَّجُلَ أَنْ يَكُونَ عِنْدَ زَوْجَتِهِ الْحُرَّةِ يَوْمًا مِنْ كُلِّ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ، وَالأَمَةِ مِنْ كُلِّ سَبْعَةِ أَيَّامٍ، وَلَهُ الِانْفِرَادُ بِنَفْسِهِ فِيمَا بَقِيَ، وَعَلَيهِ وَطْؤُهُنَّ في كُلِّ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ مَرَّةً إِنْ لَمْ يَكُنْ عُذْرٌ، فَإِنْ لَمْ يَفْعَل، فَطَلَبْنَ (¬1) الْفُرْقَةَ، فُرِّقَ بَيْنَهُمَا. وَإذَا سَافَرَ عَنْ زَوْجَتِهِ أَكثَرَ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ، فَطَلَبَتْ مِنْهُ الْقُدُومَ، فَلَمْ يَقْدَمْ مَعَ الْقُدْرَةِ، فَلِلْحَاكِمِ أَنْ يُفَرِّقَ بَيْنَهُمَا إذَا طَلَبَتْ ذَلِكَ. وَعَنْهُ مَا يَدُلَّ عَلَى أَنَّ الْوَطْءَ غَيْرُ وَاجِبٍ، فَيَكُونُ قَسْمُ الِابْتِدَاء غَيْرَ وَاجِبٍ. * * * ¬
فصل
فَصْلٌ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَبْتَدِىَ بِالْمَبِيتِ عِنْدَ إِحْدَى نِسَائِهِ، وَلا يُسَافِرَ بِهَا وَحْدَهَا إِلَّا بِقُرْعَةٍ، فَإنْ فَعَلَ، أَثِمَ، وَقَضَى لِلْبَوَاقِي، فَإِنِ امْتَنَعَتْ إِحْدَاهُنَّ مِنَ السَّفَرِ مَعَهُ (¬1)، سَقَطَ حَقُّهَا. ولِلْمَرْأَةِ أَنْ تَهَبَ حَقَّهَا مِنَ الْقَسْمِ لِبَعْضِ ضَرَائِرِهَا إذَا رَضِيَ الزَّوْجُ، وَللزَّوْجِ أَنْ يَجْعَلَهُ لِمَنْ شَاءَ؛ لِما رَوَى الْبُخَارِيُّ: أَنَّ سَوْدَةَ وَهَبَتْ يَوْمَهَا لِعَائِشَةَ، فكَانَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَقْسِمُ لِعَائِشَةَ يَوْمَهَا وَيَوْمَ سَوْدَةَ (¬2). وَإذَا رَجَعَتْ في الْهِبَةِ، عَادَ حَقُّها مِنْ حِينِ الرُّجُوعِ. وَيَقْسِمُ لِلْحَائِضِ وَالنَّفَسَاءِ وَالْمَرِيضَةِ وَالمَعِيبَةِ. وَإذَا دَخَلَ في لَيْلَتِهَا إِلى غَيْرِهَا لِحَاجَةٍ دَاعِيَةٍ، وَلَمْ يَلْبَثْ أَنْ خَرَجَ، لَمْ يَقْضِ، فَإِنْ لَبِثَ، أَوْ جَامَعَ، أَثِمَ، وَقَضَى لَهَا حَقَّها. ¬
وَلا قَسْمَ عَلَيْهِ في مِلْكِ الْيَمِينِ. وَإذَا كَانَ لَهُ نِسَاءٌ وَإِمَاءٌ، كَانَ لَهُ الدُّخُولُ عَلَى الإمَاءِ كَيْفَ شَاءَ. وَإذَا تَزَوَّجَ ثَيِّبًا، فَأَحَبَّتْ أَنْ يُقِيمَ عِنْدَهَا سَبْعا، أَقَامَ، وَقَضَى الْجَمِيعَ لِلْبَوَاقِي؛ لِقَوْلِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - لِأمِّ سَلَمَةَ: "إنْ شِئْتِ سَبَّعْتُ لَكِ، وَإِنْ سَبَّعْتُ لَكِ سَبَّعْتُ لِنِسَائِي" رَوَاهُ مُسْلِمٌ (¬1). وَإذَا زُفَّتْ إِلَيْهِ امْرَأَتَانِ في لَيْلَةٍ، قَدَّم السَّابِقَةَ مِنْهُمَا، فَإنِ اسْتَوَتَا، أَقْرَعَ بَيْنَهُمَا، فَإِنْ سَافَرَ بإِحْدَاهُمَا، دَخَلَ حَقُّ الْعَقْدِ في قَسْمِ السَّفَرِ. وَإذَا طَلَّقَ (2 إِحْدَاهُمَا في لَيْلَتِها، أَثِمَ، فَإِنْ عَادَ فتزَوَّجَهَا، قَضَى لَهَا، ولَهُ أَنْ يَخْرُجَ (¬2) في نَهَارِ لَيْلَةِ الْقَسْمِ لِمَعَاشِهِ، وَإذَا ادَّعَتِ الْمَرْأَةُ مَنْعَ الزَّوْجِ لِحُقُوقِهَا، فَجَحَدَ (¬3)، أَسْكَنَهَا الْحَاكِمُ بِجَنْبِ ثِقَةٍ يَنْظُرُ حَالَهُمَا، وَيُلْزِمُهُمَا الإِنْصَافَ. * * * ¬
باب الخلع
بَابُ الْخُلْعِ يَصِحُّ الْخُلع مِنْ كُلِّ زَوْجٍ يَصِحُّ طَلاقُهُ. فَإِنْ كَانَ مَحْجُورًا عَلَيْهِ، دُفِعَ المالُ إِلَى وَلِيِّهِ، وَلَيْسَ لِلأَبِ خَلْعُ الصَّغِيرَةِ بِشَيْءٍ مِنْ مَالِهَا، وَهَلْ لَهُ خَلْعُ زَوْجَةِ ابْنِهِ الطِّفْلِ أَوْ طَلاقُهَا؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ. وَإذَا وَقَعَ الْخُلع بِلَفْظَةِ (¬1) الْخُلْعِ، أَوِ الْمُفَادَاةِ، أَوِ الْفَسْخِ، أَوْ بِكِنَايَاتِ الطَّلاقِ، وَنَوَى بِهِ الطَّلاقَ، فَهُوَ طَلاقٌ، وَإِنْ لَمْ يَنْوِ، فَعَلَى رِوَايَتَيْنِ. وَإذَا مَنَعَ الْمَرْأَةَ حَقَّهَا، وَعَضَلَهَا لِتَفْتَدِيَ نَفْسَهَا مِنْهُ، فَفَعَلَتْ، فَهُوَ مُحَرَّمٌ، وَالْخُلْعُ بَاطِلٌ، وَالْعِوَضُ مَرْدُودٌ، وَالزَّوْجيَّةُ بِحَالِهَا، إِلَّا أَنْ يَكُونَ الْخُلْعُ في أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ، وَفِي الآخَرِ (¬2): يَصِحُّ، وَيَبْطُلُ الْعِوَضُ. ¬
وَكُلُّ ما جَازَ صَدَاقًا، جَازَ أَنْ يَكُونَ عِوَضاً في الْخُلْعِ، فَإِنْ خَالَعَتْهُ بِمُحَرَّمٍ؛ كَالْخَمْرِ وَنَحْوِهِ، فَلا شَيْءَ لَهُ. وَقَالَ أبُو الخَطَّابِ: هُوَ كَالْخُلْعِ بِغَيْرِ عِوَضٍ، وَهَلْ يَصِحُّ أَمْ لا؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ. فَإِنْ خَالَعَتْهُ بِمَا في بَيْتِهَا مِنَ الْمَتَاعِ، أَوْ عَلَى مَا يُثْمِرُ نَخْلُهَا، أَوْ حَمْلِ أَمَتِهَا، بَطَلَ الْخُلْعُ، عَلَى قَوْلِ أَبِي بَكْرٍ. وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: يَصِحُّ، وَيَرْجِعُ بِمَا أَعْطَاهَا. وَقَالَ الْقَاضِي: يَرْجِعُ بِمَا أَعْطَاهَا في مَسْأَلَةِ الْمَتَاعِ، وَلا يَرْجِعُ بِشَيْءٍ في غَيْرِهِ. فَإِنْ خَالَعَهَا عَلَى رَضَاعِ وَلَدِهِ مُدَّةً، فَمَاتَ في بَعْضِهَا (¬1)، رَجَعَ بِأُجْرَةِ مَا بَقِيَ مِنْهَا. فَإِنْ قَالَ: إِنْ أَعْطَيْتيني (¬2) عَبْداً، فَأَنْتِ طَالِقٌ، فَأَعْطَتْهُ عَبْداً، بَانَتْ، فَإِنْ خَرَجَ مُكَاتَباً، أَوْ مَغْصُوباً، لَمْ تَطْلُقْ في أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ، وَفِي الآخَرِ: تَطْلُقُ، وَقَالَ الْقَاضِي: يَلْزَمُهَا عَبْدٌ وَسَطٌ. وَإِنْ قَالَ: إِنْ أَعْطَيْتِيني (2) هَذَا الْعَبْدَ، فَاَنْتِ طَالِقٌ، فَأَعْطَتْهُ إِيَّاهُ، فَخَرَجَ مَغْصُوباً، لَمْ يَقَعْ. وَعَنْهُ: يَقَعُ، وَلَهُ عَلَيْهَا قِيمَتُهُ. ¬
وَإذَا قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ عَلَى أَلْفٍ، أَوْ بِأَلْفٍ، أَوْ عَلَيْكِ أَلْفٌ، وَقَعَ الطَّلاقُ رَجْعِيّاً، وَلا شَيْءَ لَهُ. وَلَو قَالَتْ لَهُ: اخْلَعْنِي بِأَلْفٍ، أَوْ عَلَى أَلْفٍ، فَفَعَلَ، اسْتَحَقَّ الأَلْفَ. وَلَوْ قَالَتْ لَهُ: طَلِّقْنِي ثَلاثاً بِأَلْفٍ، وَلَمْ يَبْقَ مِنْ طَلاقِهَا إِلَّا وَاحِدَةٌ، فَفَعَلَ، اسْتَحَقَّ الأَلْفَ، عَلِمَتْ أَوْ لَمْ تَعْلَمْ. فَإِنْ قَالَتْ لَهُ زَوْجَتَاهُ: طَلِّقْنَا بِأَلْفٍ، فَفَعَلَ، تُقَسَّطُ الأَلْفُ عَلَى قَدْرِ مُهُورِهِمَا في أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ، وَفِي الآخَرِ: يَكُونُ عَلَيْهِمَا نِصْفَيْنِ. فَإِنْ كَانَتْ إِحْدَاهُمَا غَيْرَ مُكَلَّفَةٍ، كَانَ طَلاقُهَا رَجْعِيّا، وَلا شَيْءَ عَلَيْهَا، وَلَزِمَ الأُخْرَى حِصَّتُهَا مِنَ الأَلْفِ. وَإذَا وَكَّلَ في خَلْعِ زَوْجَتِهِ بِعِوَضٍ مُعَيَّنٍ، فَخَالَفَ، بَطَلَ الْخُلْعُ عَلَى قَوْلِ ابْنِ حَامِدٍ، وَقَالَ أبُو بَكْرٍ: يَصِحُّ، وَيَرْجِعُ عَلَى الوَكِيلِ بِالنَّقْصِ. فَإِنْ أَطْلَقَ الْوِكَالَةَ، فَخَالَعَ بِمَهْرِ الْمِثْلِ، فَمَا زَادَ صَحَّ، وَإِنْ خَالَعَ بِأَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ، رَجَعَ عَلَى الْوَكِيلِ بِالنَّقْصِ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مُخَيَّراً بَيْنَ قَبُولِ الْعِوَضِ نَاقِصاً، وَبَيْنَ رَدِّهِ، وَيَكُونُ لَهُ الرَّجْعَةُ. فَإِنْ كَانَتْ الْمُوَكِّلَةُ الزَّوْجَةَ، لَمْ يَلْزَمْهَا أَكْثَرُ مِمَّا قَدَّرَتْ لَهُ، أَوْ مَهْرُهَا مَعَ عَدَمِ التَّقْدِيرِ، وَالْبَاقِي عَلَى الوَكِيلِ. وَيَجُوزُ الْخُلْعُ في الْحَيْضِ، وَلا سُنَّةَ بِهِ وَلا بِدْعَةَ. وَإذَا عَلَّق طَلاقَ زَوْجَتِهِ بِصِفَةٍ، ثُمَّ أَبَانَهَا، ثُمَّ وُجِدَتِ الصِّفَةُ، ثُمَّ
تَزَوَّجَهَا فَوُجِدَتِ الصِّفَةُ، وَقَعَ الطَّلاقُ -نَصَّ عَلَيْهِ-. فَإِنْ كَانَ الْمُعَلَّقُ عِتْقاً، فَهَلْ تَنْحَلُّ الصِّفَةُ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ. وُيخَرَّجُ في الطَلاقِ أَنْ تَنْحَلَّ الصّفَةُ كَالْعِتْقِ، وَهُوَ اخْتيَارِ أَبِي (¬1) الْحَسَنِ التَّمِيمِيِّ. فَأَمَّا إِنْ عَادَ فتَزَوَّجَهَا قَبْلَ وُجُودِ الصِّفَةِ، عَادَتِ الصِّفَةُ، رِوَايَةً وَاحِدَةً. فَصْلٌ: إذَا قَالَ الزَّوْجُ: خَالَعْتُكِ بِأَلْفٍ، فَأَنْكَرَتْ، أَوْ قَالَتْ لَهُ: إِنَّمَا (¬2) خَالَعْتَ ضَرَّتِي، أَوْ إِنَّمَا خَالَعْتَ غَيْرِي بِأَلْفٍ في ذِمَّتِهِ، بَانَتْ، وَالْقَوْلُ قَوْلُهَا مَعَ يَمِينِهَا. فَإذَا اخْتَلَفَا في قَدْرِ الْعِوَضِ، أَوْ في عَيْنِهِ، أَوْ في تَعْجِيلِهِ، فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا مَعَ يَمِينِهَا، وَقَالَ الْقَاضِي: يَتَخَرَّجُ أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الزَّوْجِ. وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَتَحَالَفَا، وَيَرْجِعَ إِلَى مَهْرِهَا. * * * ¬
كتاب الطلاق
كتَابُ الطَّلاقِ قَالَ ابْنُ عُمَرَ: طَلَّقْتُ امْرَأَتِي وَهِيَ حَائِضٌ، فَأَتَى عُمَرُ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم -، فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ، فَقَالَ لَهُ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "لِيُرَاجِعْهَا، فَإذَا طَهُرَتْ، فَإِنْ شَاءَ فَلْيُطَلِّقْهَا" مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ (¬1). وَيَقَعُ الطَّلاقُ في النكِّاحِ الْفَاسِدِ الْمُخْتَلَفِ فيِهِ -نَصَّ عَلَيْهِ-. وَاخْتَارَ أبو الخَطَّابِ أَنَّهُ لا يَقَعُ إذَا اعْتَقَدَ فَسَادَ النكِّاحِ. وَيُكْرَهُ الطَّلاقُ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ. وَعَنْهُ: أَنَّه مُحَرَّمٌ. وَهَلْ يَحْرُمُ جَمْعُ الثَّلاثِ في طُهْرٍ وَاحِدٍ، أَمْ في ثَلاثَةِ أَطْهَارٍ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ. وَإِنْ طَلَّقَهَا في حَالِ حَيْضِهَا، لَمْ يَجِبِ ارْتجَاعُهَا. ¬
وَعَنْهُ: أَنَّه يَجِبُ. وَإذَا قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ أَحْسَنَ الطَّلاقِ وَأَجْمَلَهُ، طَلَقَتْ وَاحِدَةً في طُهْرٍ لَمْ يُجَامِعْهَا فيه، إِلَّا أَنْ يَنْوِيَ: أَحْسَنُ أَحْوَالِكِ أَنْ تَكُونِي مُطَلَّقَةً، أَوْ تَكُونَ مِمَّنْ لا سُنَّةَ لِطَلاقِهَا وَلا بِدْعَةَ، فَتَطْلُقُ في الْحَالِ. فَإِنْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ أَقْبَحَ الطَّلاقِ وَأَسْمَجَهُ، فَهُوَ بِالْعَكْسِ مِمَّا ذَكَرْنَاهُ. فَإِنْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ حَسَنَةً قَبِيحَةً، طَلَقَتْ في الْحَالِ. وَالنِّفَاسُ كَالْحَيْضِ في بِدْعَةِ الطَّلاقِ. وَلَوْ قَالَ لَهَا (¬1): أَنْتِ طَالِق لِلسُّنَّةِ، وَهِيَ حَائِضٌ، فَطَهُرَتْ، طَلَقَتْ قَبْلَ أَنْ تَغْتَسِلَ. * * * ¬
فصل في صريح الطلاق
فَصْلٌ في صَرِيحِ الطَّلاقِ وَهُوَ ثَلاثَةٌ: الطَّلاقُ، وَالْفِرَاقُ، وَالسَّرَاحُ، وَمَا تَصَرَّفَ مِنْهُنَّ (¬1) في أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ، وَفِي الآخَرِ: لَفْظُ الطَّلاقِ وَمَا تَصَرَّفَ مِنْهُ فَقَطْ. وَإذَا قَالَ: يَا مُطَلَّقَةُ! فَهُوَ صَرِيحٌ في الطَّلاقِ. إذَا نَوَى الطَلاقَ بِقَلْبِهِ، أَوْ أَشَارَ بِأَصَابِعِه (¬2)، لَمْ يَقَعْ. فَإِنْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ (¬3)، وَقَالَ: أَرَدْتُ مِنْ وَثَاقٍ، أَوْ مِنْ زَوْجٍ كَانَ قَبْلِي، أَوْ أَرَدْتُ أَنْ أقولَ: طَاهِرٌ، فَسَبَقَ لِسَانِي، أَوْ كَتَبَ الطَّلاقَ، وَقَالَ: أَرَدْتُ تَجْوِيدَ خَطِّي، أَوْ أَنْ أَغُمَّ (¬4) أَهْلي، قُبِل فِيمَا بَيْنَه وَبَيْنَ اللهِ تَعَالَى، وَهَلْ يُقْبَلُ في الْحُكْمِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ. فَإِنْ كَانَ في حَالِ الْغَضَبِ وَسُؤالِ الطَّلاقِ، لَمْ يُقبَل في الْحُكْمِ، رِوَايَةً وَاحِدَةً. ¬
وَإِنْ كَتَبَ الطَّلاقَ وَنَوَاهُ، وَقَعَ، وَإِنْ كَتَبَهُ بِشَيْءٍ لا يَبِينُ، فَظَاهِرُ كَلامِ أَحْمَدَ -رَحِمَهُ اللهُ- (¬1): أَنَّه لا يَقَعُ، وَقَالَ أَبُو حَفْصٍ: يَقَعُ. * * * ¬
فصل في الكنايات
فَصْلٌ في الْكِنَايَاتِ مِنْ شَرْطِ وُقُوعِ الطَّلاقِ بِالْكِنَايَةِ أَنْ يَنْوِيَ بِهَا الطَلاقَ، أَوْ يَكُونَ جَوَاباً عَنْ سُؤَالِهَا الطَّلاقَ. فَإِنْ أتى بِهَا (¬1) حَالَ الْخُصُومَةِ وَالْغَضَبِ، فعَلَى رِوَايَتَيْنِ. وَيَقَعُ بِالْكِنَايَةِ الْخَفِيَّةِ مَا نَوَاهُ. فإِنْ لَمْ يَنْوِ شَيْئاً، وَقَعَتْ وَاحِدَةٌ، وَفِي الظَّاهِرَةِ يَقَعُ ثَلاثٌ في ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ. وَعَنْهُ: يَقَعُ مَا نَوَى. وَعَنْهُ مَا يَدُكُ عَلَى أَنَّهُ يَقَعُ بِهَا وَاحِدَةٌ بَائِنَةٌ. وَالْكِنَايَاتُ الظَّاهِرَةُ: أَنْتِ خَلِيَّةٌ، وَبَرِيَّةٌ، وَبَائِنٌ، وَبَتَّةٌ، وَبَتْلَةٌ، وَحُرَّةٌ، وَأَنْتِ الْحَرَجُ. وَالْخَفِيَّةُ: اخْرُجِي، وَتَجَرَّعِي، وَذُوقِي، وَاعْتَزِلي، وَاعْتَدِّي، ¬
وَاسْتَبْزِئِي، وَأَنْتِ مُخَلاَّةٌ، وَأَنْتِ وَاحِدَةٌ، وَنَحوُ ذَلِكَ. فَأَمَّا الْحَقِي بِأَهْلِكِ، وَحَبْلُكِ عَلَى غَارِبِك، وَاذْهَبِي فَتَزَوَّجَي (¬1) مَنْ شِئْتِ، وَحَلَلْتِ لِلأَزْوَاجِ، وَلا سَبِيلَ لِي عَلَيْكِ، وَلا سُلْطَانَ لِي عَلَيْكِ، فَهَلْ هِيَ ظَاهِرَةٌ أَمْ خَفِيَّةٌ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ. وَقَوْلُهُ: أَنْتِ طَالِقٌ لا رَجْعَةَ لِي عَلَيْكِ، صَرِيحٌ في الْوَاحِدَةِ، كِنَايَةٌ ظَاهِرَةٌ فِيمَا زَادَ عَلَيْهَا. وَلَفْظُ التَّخْيِيرِ، وَ "أَمْرُكِ بِيَدِكِ" كِنَايَةُ في حَقِّ الزَّوْجِ، فَإِنْ قَبِلَتْهُ الْمَرْأَةُ بِلَفْظِ الْكِنَايَةِ؛ كَقَوْلهَا: "اخْتَرْتُ نَفْسِي"، وَلا "تَدْخُلْ عَلَيَّ"، احْتَاجَ إِلَى نِيَّةٍ، وَإِنْ قَبِلَتْهُ بِلَفْظِ الصَّرِيحِ (¬2)، فَهُوَ صَرِيحٌ وَقَعَ مِنْ غَيْرِ نِيَّةٍ. وَلَوْ (¬3) قَالَ لَهَا: "طَلِّقِي نَفْسَكِ"، فَقَالَتْ: اخْتَرْتُ نَفْسِي، وَنَوَتِ الطَّلاقَ، وَقَعَ، وَيَحْتَمِلُ أَلَّا يَقَعَ. وَإنِ اخْتَلَفَا فِي نِيَّتِهَا، فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا، وَإنِ اخْتَلَفَا فى رُجُوعِهِ فِيمَا جَعَلَ إِلَيْهَا، فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ. فَإِنْ قَالَ: كُلِي وَاشْرَبِي وَافْتَدِي، وَبَارَك اللهُ عَلَيْكِ، وَأَنتِ مَلِيحَةٌ أَوْ قَبِيحَةٌ، وَأَنْتِ (¬4) عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي، يَنْوِي بِهِ الطَّلاقَ، لَمْ يَقَعْ. ¬
فَإِنْ قَالَ: أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ، وَنَوَى الطَّلاقَ، فَالمَشْهُورُ أَنَّه ظِهَارٌ، وَلَيْسَ بِطَلاقٍ. وَعَنْهُ: أَنَّه يَمِينٌ. وَعَنْهُ: أَنَّه كِنَايَةٌ ظَاهِرَةٌ، اخْتَارَهَا ابْنُ عَقِيل. وَإذَا قَالَ: الطَّلاقُ لازِمٌ لِي، أَوْ أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ، أَعْنِي بِهِ الطَّلاقَ، ففيه روايتان: إِحْدَاهُما: هُوَ صَرِيحٌ في الثلاثِ، والثَّانيةُ: هو صريحٌ في الواحدة، كِنايةٌ في الثَّلاثِ. (1 وعنهُ فِيْمَنْ قَالَ: أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ، أَعْنِي بِهِ طَلاقاً (¬1)، فَهُوَ وَاحِدَةٌ. وَعَنْهُ فِيمَنْ قَالَ: أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ، أَعْنِي بِهِ الطَّلاقَ: أَنَّه ظِهَارٌ، وَلَيْسَ بِطَلاقٍ. فَإِنْ قَالَ: أَنْتِ عَلَيَّ كَالْمَيْتَةِ وَالدَّمِ، وَنَوَى بِهِ الطَّلاقَ أَوِ الظَّهَارَ أَوِ الْيَمِينَ، وَقَعَ مَا نَوَاهُ. وإنْ لَمْ يَنْوِ شَيْئاً، فَهُوَ يَمِينٌ في أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ، وَفِي الآخَرِ: ظِهَارٌ. فَإِنْ قَالَ: أَنا مِنْكَ بَائِنٌ (¬2)، أَوْ أَنا مِنْكِ حَرَامٌ، فَهَلْ يَقَعُ بِهِ مَعَ النِّيَّة طَلاقٌ؟ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ. ¬
وَكَذلِكَ إذَا قَالَ: أَنا مِنْكِ طَالِقٌ، أَوْ جَعَلَ أَمْرَ امْرأَتِهِ بِيَدِهَا، فَقَالَتْ: أَنْتَ طَالِقٌ، وَنَوَتْ. وَقَالَ ابْنُ حَامِدٍ: لا يَقَعُ بِهِ شَيْءٌ. وَإذَا قَالَ: قَدْ حَلَفْتُ بِطَلاقِ زَوْجَتِي (¬1)، لَزِمَهُ إقْرَارُهُ في الْحُكْمِ، وَلَمْ يَلْزَمْهُ فِيمَا بَيْنَه وَبَيْنَ اللهِ تَعَالَى. * * * ¬
فصل فيما يختلف به العدد
فَصْلٌ فيما يَخْتَلفُ بِهِ الْعَدَدُ إذَا قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ كَأَلْفٍ، أَوْ بِعَدَدِ الرِّيح، أَوِ الْحَصَى، أَوِ الْمَاءِ، أَوْ أَنْتِ طَالِقٌ كُلَّ الطَّلاقِ، أَوْ أَكْثَرَهُ، أَوْ جَمِيعَهُ، أَوْ مُنتهَاهُ، أو يَا مِئَةَ (¬1) طالِقٌ، وَقَعَ ثَلاثٌ، وَلَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ: نَوَيْتُ وَاحِدَةً. وَلَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ مِلْءَ الدُّنْيَا، أَوْ أَطْوَلَ الطَّلاقِ، أَوْ أَعْرَضَهُ، أَوْ أَشَدَّهُ، أَوْ أَغْلَظَهُ، وَقَعَ وَاحِدَةٌ، إِلَّا أَنْ يَنْوِيَ الثَّلاثَ. فَإِنْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ مِنْ وَاحِدَةٍ إِلى ثَلاثٍ، وَقَعَ طَلْقتَانِ، وَيَحْتَمِلُ ثَلاثٌ. فَإِنْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ (¬2) لأَرْبَعِ نِسَائِهِ (¬3): أَوْقَعْتُ بَيْنَكُنَّ ثَلاثَ تَطْلِيقَاتٍ، وَقَعَ بِكُلِّ وَاحِدَةٍ طَلْقَةٌ. وَعَنْهُ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّه يَقَعُ بِكُلِّ وَاحِدَةٍ ثَلاثٌ. ¬
فَإِنْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ نِصْفَ طَلْقَةٍ، وَثُلُثَ طَلْقَةٍ، وَسُدُسَ طَلْقَةٍ، وَقَعَ ثَلاثاً. فَإِنْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ نِصْفَ تَطْلِيقَةٍ، وَثُلُثَ تَطْلِيقَةٍ، وَسُدُسَ تَطْلِيقَةٍ، وَقَعَ ثَلاثٌ. وَلَوْ قَالَ: نِصْفَ طَلْقَةٍ، ثُلُثَ طَلْقَةٍ، سُدُسَ طَلْقَةٍ، أَوْ نِصْفَ وَثُلُثَ وَسُدُسَ طَلْقَةٍ، وَقَعَت طَلْقَةٌ (¬1) وَاحِدَةٌ. فَإِنْ قَالَ: نِصْفَيْ طَلْقَتَيْنِ، وَقَعَتْ طَلْقَتَانِ. وَلَوْ قَالَ: نِصْفَيْ طَلْقَةٍ، أَوْ نِصْفَ طَلْقَتَيْنِ، وَقعَتْ طَلْقَتَانِ. وَلَوْ قَالَ: نِصْفَيْ طَلْقَةٍ، أَوْ نِصْفَ طَلْقَتَيْنِ، وَقَعَتْ طَلْقَةٌ. فَإِنْ قَالَ الْحَاسِبُ: أَنْتِ طَالِقٌ طَلْقَةً في طَلْقَتَيْنِ، وَقَعَ طَلْقَتَانِ؛ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ يَعْرِفُ الْحِسَابَ، وَقَعَتْ طَلْقَةٌ. فَإِنْ نَوَى مُوجِبَهُ عِنْدَ الْحِسَابِ، فَقَالَ ابْنُ حَامِدٍ: يَقَعُ طَلْقَتَانِ، وَقَالَ الْقَاضِي: يَقَعُ طَلْقَةٌ. وَلَوْ نَوَى طَلْقَةً مَقْرُونَةً بِطَلْقَتَيْنِ، طَلَقَتْ ثَلاثاً، حَاسِباً كَانَ أَوْ غَيْرَ حَاسِبٍ. وَلَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ هكَذا، وَأَشَارَ بِأَصَابِعِهِ الثَّلاثِ، وَقَعَ ثَلاثٌ؛ ¬
فَإِنْ قَالَ: أَرَدْتُ بِعَدَدِ الأُصْبُعَيْنِ (¬1) الْمَغْمُوضَتَيْنِ (¬2)، قُبِلَ مِنْهُ. وَلَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ، وَأَشَارَ بِأَصَابِعِهِ، لَمْ يَقَعْ إِلَّا وَاحِدَةٌ. وَإذَا قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً أَوَّلاً، لَمْ يَقَعْ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَقعَ. فَإِنْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ لا شَيْءَ، أَوْ (¬3) لَيْسَ بِشَيْءٍ، أَوْ طَلْقَةً لا تَقَعُ عَلَيْكِ، طَلَقَتْ. وَإذَا قَالَهُ الْعَجَمِيُّ يَشْتِمُ نِسَاءَهُ، وَقَعَ مَا نَوَاهُ. فَإِنْ قَالَهُ الْعَرَبِيُّ، وَلا يَفْهَمُ مَعْنَاهُ، لَمْ يَقَعْ. فَإِنْ نَوَى مُوجِبَهُ عِنْدَ الْعَجَمِ، وَقَعَ، وَقِيلَ: لا يَقَعُ. وَلَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ: رُوحُكِ أَوْ دَمُكِ طَالِقٌ، طَلَقَتْ؛ فَإِنْ أَضَافَهُ إِلَى الرِّيقِ وَالْعَرَقِ وَالدَّمْعِ وَالْحَمْلِ، لَمْ تَطْلُقْ. فَإِنْ قَالَ لإِحْدَى زَوْجَتَيْهِ: أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً، بَلْ هذِهِ ثَلاثٌ، طَلَقَتِ الأُولَى وَاحِدَةً، وَالثَّانِيَةُ ثَلاثاً. * * * ¬
فصل
فَصْلٌ فيما يَخْتَلِفُ بِه حُكْمُ الْمَدْخُولِ بِهَا وَغَيْرِهَا إذَا قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ فَطَالِقٌ، أَوْ طَالِقٌ بَلْ طَالِقٌ، أَوْ طَالِقٌ طَلْقَةً قَبْلَ طَلْقَةٍ، أَوْ طَلْقَةً بَعْدَهَا طَلْقَةٌ، وَقَعَ بِالْمَدْخُولِ بِهَا طَلْقَتَانِ، وَبِغَيْرِ الْمَدْخُولِ بِهَا طَلْقَةٌ، وَكَذا إِنْ قَالَ: طَلْقَةً قَبْلَهَا طَلْقَةٌ، عِنْدَ الْقَاضِي. وَقَالَ أبو الخَطَّابِ: يَقَعُ طَلْقَتَانِ. فَإِنْ قَالَ: أَرَدْتُ قَبْلَهَا في نِكَاحٍ آخَرَ، دُيِّنَ، وَلَمْ يُقْبَلْ في الْحُكْمِ في أَحَدِ الْوُجُوهِ، وَفِي الثَّانِي: يُقْبَلُ، وَالثَّالِثِ: يُقْبَلُ إِنْ كَانَ وُجِدَ، وَإِلا فَلا. وَلا فَرْقَ بَيْنَ الْمُنَجَّزِ وَالْمُعَلَّقِ عَلَى شَرْطٍ؛ كَقَوْلهِ: أَنْتِ طَالِقٌ ثُمَّ طَالِقٌ إِنْ دَخَلْتِ فَأَنْتِ طَالِقٌ ثُمَّ طَالِقٌ، في أَنَّ غَيْرَ (¬1) الْمَدْخُولِ بِهَا لا تَطْلُقُ إِلَّا وَاحِدَةً إذَا دَخَلَتْ. فَإنْ قَالَ: إِنْ دَخَلْتِ فَأَنْتِ طَالِقٌ، إِنْ دَخَلْتِ فَأَنْتِ طَالِقٌ؛ أَوْ إِنْ ¬
دَخَلْتِ فَأَنْتِ طَالِقٌ وَطَالِقٌ، فَدَخَلَتْ؛ أَوْ قَالَ: أنت طَالِقٌ طَلْقَةً مَعَهَا طَلْقَةٌ، أَوْ مَعَ طَلْقَةٍ، أَوْ طَالِقٌ طَلْقَةً بَلْ طَلْقَتَيْنِ، وَقَعَ بِهَا طَلْقَتَانِ عَلَى كُلِّ حَالٍ.
فصل
فَصْلٌ في الاِسْتِثْنَاءِ في الطَّلاقِ يَصِحُّ اسْتِثْنَاءُ مَا دُونَ النِّصْفِ، وَلا يَصِحُّ زِيَادَةٌ عَلَى النِّصْفِ، وَفِي اسْتِثْنَاءِ النِّصْفِ وَجْهَانِ. فَإذَا قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ ثَلاثاً إِلَّا ثَلاثاً إِلَّا وَاحِدَةً، أَوِ اثْنتَيْنِ وَواحِدَةً إِلَّا وَاحِدَةً، أَوْ طَلْقتيْنِ وَيصْفاً إِلَّا طَلْقَةً، أَوْ طَالِقٌ وَطَالِقٌ وَطَالِقٌ إِلَّا وَاحِدَةً، احْتَمَلَ أَنْ يَقَعَ طَلْقتانِ، واحْتَمَلَ أَنْ يَقَعَ ثَلاثاً. فَإِنْ قَالَ: أَرَدْتُ اسْتِثْنَاءَ الْوَاحِدَةِ مِنْ جَمِيعِ الثَّلاثِ، قُبِلَ. فَإِنْ قَالَ: أَنْتِ (¬1) طَالِقٌ ثَلاثاً، وَاسْتَثْنَى بِقَلْبِهِ إِلَّا وَاحِدَةً، لَمْ يُقْبَلْ. وَإِنْ قَالَ: نِسَاؤُهُ طَوَالِقُ، وَاسْتَثْنَى بِقَلْبِهِ: إِلَّا فُلانَةَ، فَهَلْ يُقْبَلُ في الْحُكْمِ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ. * * * ¬
فُصُولٌ تَعْلِيقِ الطَّلاقِ إذَا عَلَّقَ طَلاقَ زَوْجَتِهِ، أَوْ عِتْقَ عَبْدِهِ بِشَرْط، ثُمَّ قَالَ: عَجَّلْتُ مَا كُنْتُ عَلَّقْتُهُ، لَمْ يَتَعَجَّلْ. فَإِنْ قَالَ: سَبَقَ لِسَانِي بِالشَّرْطِ، وَإِنَّمَا أَرَدْتُ الْوُقُوعَ في الْحَالِ، وَقَعَ. فَإِنْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ، ثُمَّ قَالَ: أَرَدْتُ: إِنْ دَخَلْتِ الدَّارَ، دُيِّنَ، وَهَلْ يُقْبَلُ في الْحُكْمِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ. فَإِنْ عَلَّقَهُ بِشَرطٍ مُسْتَحِيلٍ؛ كَشُرْب الْماءِ الَّذِي في الْكُوزِ، وَلا مَاءَ فِيهِ، أَوْ قُتِلَ فُلانٌ الْمَيِّتُ، لغا شَرْطُهُ (¬1)، وَوَقَعَ في الْحَال. وَقَالَ الْقَاضِي: لا يَحْنَثُ؛ كَمَا لَوْ حَلَفَ لَيَصْعَدَنَّ السَّمَاءَ، أَوْ لَيَطِيرَنَّ، فَإِنَّهُ لا يَحْنَثُ. وَإذَا قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ إِنْ طِرْتِ أَوْ صَعِدْتِ السَّمَاءَ، أَوْ قَلَبْتِ الْحَجَرَ ذَهَباً، أَوْ شَاءَ الْمَيِّتُ، أَوِ الْبَهِيمَةُ، لَمْ يَقَعْ، وَفِيهِ وَجْهٌ: أَنَّهُ يَقَعُ في الْحَالِ. ¬
فصل في التعليق بالماضي
فَصْلٌ في التَّعْلِيقِ بِالْماضِي إذَا قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ أَمْسِ، أَوْ قَبْلَ أَنْ أَتَزَوَّجَكِ، وَلا نِيَّةَ لَهُ، لَمْ تَطْلُقْ في ظَاهِرِ كَلامِ أَحْمَدَ -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى-. وَقَالَ الْقَاضِي: تَطْلُقُ. وَإِنْ نَوَى الإِيقَاعَ مُسْتَنِداً إِلَى ذلِكَ الزمَانِ، وَقَعَ. وَاخْتَارَ ابْنُ عَقِيلٍ أَنَّهُ لا يَقَعُ. وَإِنْ مَاتَ قَبْلَ أَنْ يُبَيِّنَ مُرَادَهُ، أَوْ جُنَّ، أَوْ خَرِسَ، فَعَلَى وَجْهَيْنِ. وَإِنْ قَالَ: أَرَدْتُ أَنَّهَا قَدْ كَانَتْ طَلَقَتْ في ذَلِكَ الْوَقْتِ، قُبِلَ مِنْهُ. وَقَالَ أَبُو الخَطَّابِ: إِنْ لَمْ يَكُنْ لِذَلِكَ وَجْهٌ، وَقَعَ الطَّلاقُ. فَإنْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ قَبْلَ مَوْتِي بشَهْرٍ، أَوْ قَبْلَ (¬1) قُدُومِ زَيْدٍ بِشَهْرٍ، ثُمَّ مَات، أَوْ قَدِمَ زَيْدٌ قَبْلَ مُضِيِّ الشَّهْرِ، أَوْ مَعَ مُضِيِّهِ، لَمْ تَطْلُقْ، وَإِنْ وُجِدَ بَعْدَ مُضِيِّ شَهْرٍ وَجُزْءٍ يَقَعُ الطَّلاقُ في مِثْلِهِ، تَبَيَّنَّا أَنَّهُ قَدْ وَقَعَ في ذَلِكَ الْجُزْءِ، فَإِنْ كَانَ الطَّلاقُ بَائِناً، فَخَالَعَهَا بَعْدَ يَوْمٍ، ثُمَّ قَدِمَ بَعْدَ ¬
الْخُلع بِشَهْرٍ وَسَاعَةٍ، صَحَّ الْخُلْعُ، وَلَمْ يَقَعِ الطَّلاقُ. فَإِنْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ قَبْلَ مَوْتِي، طَلَقَتْ في الْحَالِ. فَإِنْ قَالَ: بَعْدَ مَوْتِي، أَوْ مَعَ مَوْتِي، لَمْ تَطْلُقْ. وَلَوْ تَزَوَّجَ بِأَمَةِ أَبِيهِ، ثُمَّ قَالَ: إذَا مَاتَ أَبِي، فَأَنْتِ طَالِقٌ، وَإذَا اشْتَرَيْتُكِ، فَأَنْتِ طَالِقٌ، ثُمَّ مَاتَ أَبُوهُ، أَوِ (¬1) اشْتَرَاهَا، لَمْ تَطْلُقْ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ تَطْلُقَ. فَإِنْ قَالَ الأَبُ: إذَا مِتُّ، فأَنْتِ حُرَّةٌ، وَقَالَ الِابْنُ: إذَا مَاتَ أِبِي، فأَنْتِ طَالِقٌ، فَمَاتَ الأَبُ، وَقَعَ الطَّلاقُ وَالْعِتْقُ مَعاً. * * * ¬
فصل في التعليق بزمن مستقبل
فَصْلٌ في التَّعْلِيقِ بِزَمَنٍ مُسْتَقْبَلٍ إذَا قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ غَداً، أَوْ في شَهْرِ كَذَا، طَلَقَتْ بِأَوَّلِ جُزْءٍ يُوجَدُ مِنْ ذلِكَ. وَلَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ الْيَوْمَ، أَوْ في هَذا الشَّهْرِ، طَلَقَتْ في الْحَالِ. فَإِنْ قَالَ: أَرَدْتُ في آخِرِ الْيَوْمِ، أَوِ الْغَدِ، أوِ الشَّهْرِ، دُيِّنَ. وَهَلْ يُقْبَلُ في الْحُكْمِ؟ يُخَرَّجُ عَلَى رِوَايَتَيْنِ. فَإِنْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ الْيَوْمَ غَداً، طَلَقَتْ وَاحِدَةً في الْحَالِ، إِلَّا أَنْ يَنْوِيَ: طَالِقٌ الْيَوْمَ، وَطَالِقٌ غَداً، أَوْ يُرِيدَ نِصْفَ طَلْقَةٍ الْيَوْمَ، وَيصْفَهَا غَداً، فَيَقَعُ طَلْقَتَانِ. فَإِنْ قَالَ: أَرَدْتُ نِصْفَ طَلْقَةٍ الْيَوْمَ، وَبَاقِيَها غَداً، احْتَمَلَ وَجْهَيْنِ. فَإِنْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ الْيَوْمَ وَالْغَدَ وَبَعْدَ الْغَدِ، طَلَقَتْ وَاحِدَةً. وَإِنْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ فِي الْيَوْمِ وَالْغَدِ وَبَعْدَ الْغَدِ، طَلَقَتْ وَاحِدَةً. وَإِنْ قَال: أَنْتِ طَالِقٌ فِي الْيَوْمِ وَفِي غَدٍ وَفِي بَعْدِ غَدٍ، طَلَقَتْ ثَلاثاً، وَيَحْتَمِلُ أَلَّا يَقَعَ إِلَّا وَاحِدَةٌ.
وَلَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ اليَوْمَ إذَا جَاءَ غَدٌ، لَمْ تَطْلُقْ. وَإِنْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ اليَوْمَ إِنْ لَمْ أُطَلِّقْكِ اليَوْمَ، لَمْ تَطْلُقْ عِنْدَ الْقَاضِي، وَتَطْلُقُ عِنْد أَبِي الخَطَّابِ إذَا بَقِيَ مِنَ اليَوْمَ مَالا يَتَّسِعُ لِقَوْلِهِ: أَنْتِ طَالِقٌ. فَإِنْ قال: أَنْتِ طَالِقٌ غَداً إذَا قَدِمَ زَيْدٌ، فَمَاتَتْ في غَدٍ الظُّهْرَ، أَوْ قَدِمَ زَيْدٌ الْعَصْرَ، لَمْ تَطْلُقْ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ تَطْلُقَ. فَإِنْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ إلَى شَهْرٍ، طَلَقَتْ بَعْدَ الشَّهْرِ، إِلَّا أَنْ يَنْوِيَ: طَالِقٌ مِنَ الآنَ إِلَى شَهْرٍ، فَتَطْلُقُ في الْحَالِ. فَإِنْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ في آخِرِ الشَّهْرِ، أَوْ في أوَّلِ آخِرِ الشَّهرِ، طَلَقَتْ بِطُلُوعِ الْفَجْرِ مِنْ آخِرِ يَوْمٍ فيهِ، وَعِنْدَ أِبي بَكْرٍ: تَطْلُقُ مِنْ أَوَّلِ لَيْلَةِ السَّادِسَ عَشَرَ مِنْهُ. فَإِنْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ في آخِرِ أَوَّلِ الشَّهْرِ، طَلَقَتْ عِنْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ مِنَ اليَوْمِ الأَوَّلِ، وَعِنْدَ أَبِي بَكْرٍ: تَطْلُقُ بِغُرُوبِهَا مِنَ الْخَامِسَ عَشَرَ مِنْهُ. فَإِنْ قَالَ: إذَا مَضَتْ سَنَةٌ فَأَنْتِ طَالِقٌ، اعْتُبِرَتْ بِالأَهِلَّةِ. فَإِنْ قَالَ ذلِكَ في أَثْنَاءِ شَهْرٍ، كُمِّلَ ذلِكَ الشَّهْرُ بِالْعَدَدِ. فَإِنْ قَالَ: إذَا مَضَتِ السَّنَةُ فَأَنْتِ طَالِقٌ، طَلَقَتْ بِانْسِلاخِ ذِي الْحِجَّةِ.
فَإِنْ قَالَ: أَرَدْتُ سَنَةً كَامِلَةً، فَهَلْ يُقْبَلُ في الْحُكْمِ؟ يُخَرَّجُ عَلَى رِوَايَتَيْنِ. فَإِنْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ في كُلِّ سَنَةٍ طَلْقَةً، طَلَقَتْ وَاحِدَةً في الْحَالِ، وَتَقَعُ الثَّانِيَةُ بِأَوَّلِ جُزْءٍ مِنْ مُحَرَّمٍ، وَكَذلِكَ الثَّالِثَةُ، فَإِنْ قَالَ: أَرَدْتُ بِالسَّنَةِ اثْنَيْ عَشَرَ شَهْراً، قُبِلَ مِنْهُ. فَإِنْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ يَوْمَ يَقْدَمُ فُلانٌ، فَقَدِمَ لَيْلاً، لَمْ تَطْلُقْ إِلَّا أَنْ يَنْوِيَ بِالْيَوْمِ الْوَقْتَ، فَتَطْلُقُ. فَإِنْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ (¬1) إذَا رَأَيْتِ الْهِلالَ، طَلَقَتْ إذَا رَأَى الْهِلالَ، فَإِنْ قَالَ: أَرَدْتُ: إذَا رَأَيْتِيهِ بِعَيْنَيْكِ، قُبِلَ مِنْهُ. وَلَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ إذَا رأَيْتِ فُلاناً، فَرَأَتْهُ مَيْتاً، طَلَقَتْ، وَإِنْ رَأَتْ خَيَالَهُ في مَاءٍ أَوْ غَيْرِهِ، لَمْ تَطْلُقْ. * * * ¬
فصل في التعليق بالحيض
فَصْلٌ في التَّعْلِيقِ بِالْحَيْضِ إذَا قَالَ: إذَا حِضْتِ فَأَنْتِ طَالِقٌ، طَلَقَتْ بِأَوَّلِ جُزْءٍ تَرَاهُ مِنَ الدَّمِ؛ فَإِنْ بَانَ أَنَّهُ لَيْسَ بِحَيْضٍ، تَبَيَّنَّا أَنَّ الطَّلاقَ لَمْ يَقَعْ. فَإِنْ قَالَ: إذَا حِضْتِ حَيْضَةً، فَأَنْتِ طَالِقٌ، لَمْ تَطْلُقْ حَتَّى تَحِيضَ ثُمَّ تَطْهُرَ، فَإِنْ كَانَتْ حَائِضاً وَقْتَ قَوْلِهِ، لَمْ تَعْتَدَّ بِتِلْكَ الْحَيْضَةِ الْمَوْجُودَةِ وَقْتَ قَوْلهِ. وَلَوْ قَالَ: إذَا طَهُرْتِ فَأَنْتِ طَالِقٌ، لَمْ تَطْلُقْ حَتَّى يَنْقَطِعَ دَمُهَا، فَإِنْ كَانَتْ طَاهِراً وَقْتَ الْقَوْلِ، لَمْ تَطْلُقْ حَتَّى تَحِيضَ ثُمَّ تَطْهُرَ. فَإِنْ قَالَ: إذَا حِضْتِ نِصْفَ حَيْضَةٍ، فَأَنْتِ طَالِقٌ، فَقَالَ الْقَاضِي: إذَا حَاضَتْ سَبْعَةَ أَيَّامٍ وَنِصْفاً، طَلَقَتْ، وَيَحْتَمِلُ أنْ يَلْغُوَ قَوْلُهُ: نِصْفَ حَيْضَةٍ، فَإِنْ قَالَتْ: قَدْ حِضْتُ، وَكَذَّبَهَا، قُبِلَ قَوْلُهَا في حَقِّ نَفْسِهَا، فَإِنْ قَالَتْ: مَا حِضْتُ، وَكَذَّبَهَا، طَلَقَتْ بِإقْرَارِهِ. فَإِنْ قال: إذَا حِضْتِ فَأَنْتِ وَضَرَّتُكِ طَالِقَتَان، فَقَالَتْ: قَدْ حِضْتُ، وَكَذَّبَهَا، طَلَقَتْ دُونَ ضَرَّتِها.
وَلَوْ قَالَ لأَرْبَعِ نِسَائِهِ: إذَا حِضْتُنَّ فَأَنْتُنَّ طَوَالِقُ، فَقُلْنَ: قَدْ حِضْنَا، فَصَدَّقَهُنَّ، طَلَقْنَ، وَإِنْ كَذَّبَ اثْنتَيْنِ مِنْهُنَّ، لَمْ تَطْلُقْ وَاحِدَ مِنْهُنَّ، وَإِنْ صَدَّقَهُنَّ إِلَّا وَاحِدَةً، طَلَقَتْ وَحْدَهَا. فَإِنْ قَالَ: كُلَّمَا حَاضَتْ وَاحِدَةٌ مِنْكُنَّ فَضرائِرُهَا طَوَالِقُ، فَقُلْنَ: قَدْ حِضْنَا (¬1)، فَصَدَّقَهُنَّ، طَلَقْنَ ثَلاثاً، وَإنْ كَذَّبَهُنَّ، لَمْ يَطْلُقْنَ، وَإِنْ صَدَّقَ وَاحِدَةً مِنْهُنَّ، وَقَعَ بِضَرائِرِهَا طَلْقَةٌ طَلْقَةٌ؛ فَإذَا صَدَّقَ ثَلاثاً، طَلَقَتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ طَلْقَتَيْنِ، وَطَلَقَتِ الْمُكَذَّبَةُ ثَلاثاً. * * * ¬
فصل بالتعليق بالحمل والولادة
فَصْلٌ بِالتَّعْلِيقِ بِالْحَمْلِ وَالْوِلادَةِ إذَا قَالَ لَهَا: إِنْ كُنْتِ حَامِلاً، فَأَنْتِ طَالِقٌ، لَمْ يَحْرُمْ وَطْؤُهَا في إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ، وَالأُخْرَى: يَحْرُمُ قَبْلَ اسْتِبْرَائِهَا بِحَيْضَةٍ؛ فَإِنْ تَبَيَّنَّا أَنَّها حَامِلٌ (¬1)، طَلَقَتْ مِنْ حِيْنِ عَقْدِ الْيَمِينِ. وَلَوْ قَالَ: إِنْ لَمْ تَكُونِي حَامِلاً، فَأَنْتِ طَالِقٌ، كذلِكَ. فَإِنْ قَالَ: إِنْ كُنْتِ حَامِلاً بِأُنْثَى، فَأَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً، وَإِنْ كُنْتِ حَامِلاً بِذَكَرٍ، فَأَنْتِ طَالِقٌ ثِنْتَيْنِ، فَوَلَدَتْ ذَكَراً وَأُنْثَى، طَلَقَتْ ثَلاثاً. وَلَوْ كَانَ قَوْلُهُ: إِنْ كَانَ حَمْلُك ذَكَراً، أَوْ كَانَ حَمْلُكِ أُنْثَى، لَمْ تَطْلُقْ إذَا وَضَعَتْ ذَكَراً وَأُنْثَى. فَإِنْ قَالَ: إِنْ وَلَدْتِ ذَكَراً، فَأَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَة، وَإِنْ وَلَدْتِ أُنْثَى، فَأَنْتِ طَالِقٌ اثْنتَيْنِ (¬2)، فَوَلَدَتْهُمَا حالَةً وَاحِدَةً، طَلَقَتْ ثَلاثاً، في قَوْلِ ابْنِ حَامِدٍ وَقَعَ بِالأَوَّلِ مَا عَلَّقَ عَلَيْهِ، وَبَانَتْ بِالثَّانِي عَلَى قَوْلِ أَبِي بَكْرٍ، ¬
وَلَمْ يَقَعْ بِهَا طَلاقٌ إِلَّا أَنْ يُرَاجِعَهَا قَبْلَ وَضْعِ الثَّانِي، فَيَقَعُ بِهِ مَا عَلَّقَ عَلَيْهِ، وَإِنْ أَشْكَلَ كَيْفِيَّةُ وَضْعِهِمَا، وَقَعَتْ طَلْقَةٌ بِيَقِينٍ، وَمَا زَادَ مَشْكُوكٌ فيهِ. وَقَالَ الْقَاضِي: قِيَاسُ الْمَذْهَبِ أَنْ يُقْرِعَ بَيْنَهُمَا. فَإِنْ قَالَ: إِنْ وَلَدْتِ وَلَداً فَأَنْتِ طَالِقٌ، وَإِنْ وَلَدْتِ ذَكَراً فَأَنْتِ طَالِقٌ، وَإِنْ وَلَدْتِ غُلاماً فَأَنْتِ طَالِقٌ، فَوَلَدَتْ غُلاماً، طَلَقَتْ ثَلاثاً.
فصل في التعليق بالمشيئة
فَصْلٌ في التَّعْلِيقِ بِالْمَشِيئَة إذَا قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ إِنْ شِئْتِ، أَوْ أَنَّى شِئْتِ، أَوْ حَيْثُ شِئْتِ، أَوْ كَيْفَ شئْتِ، لَمْ تَطْلُقْ حَتَّى تَشاءَ، وَسَواءٌ كَانَتِ الْمَشِيئَةُ عَلَى الْفَوْرِ، أَوْ عَلَى التَّرَاخِي، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَقِفَ عَلَى الْمَجْلِسِ. فَإِنْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ إِنْ شَاءَ زَيْدٌ، فَمَاتَ قَبْلَ الْمَشِيئَةِ، أَوْ جُنَّ، لَمْ يَقَعِ الطَّلاقُ، فَإِنْ شَاءَ بِالإِشَارَةِ وَهُوَ أَخْرَسُ طَلَقَتْ، وَإِنْ كَانَ نَاطِقاً فَخَرِسَ، احْتَمَلَ وَجْهَيْنِ، وَإِنْ شَاءَ وَهُوَ صَبِيٌّ أَوْ سكْرَانُ، خُرِّجَ عَلَى الْوَجْهَيْنِ في طَلاقِهِمَا. وَلَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ إِنْ شَاءَ زَيْدٌ، فَقَالَ: قَدْ شِئْتُ إِنْ شَاءَتْ (¬1)، فَقَالَتْ: قَدْ شِئْتُ، لَمْ تَطْلُقْ. وَإنْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ إِلا أَنْ يَشَاءَ زَيْدٌ، فَجُنَّ أَوْ خَرِسَ، طَلَقَتْ في الحالِ، فَإِنْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً إِلَّا إِنْ شَاءَ زَيْدٌ بِهِ ثَلاثاً، فَشَاءَ ثَلاثاً، طَلَقَتْ ثَلاثاً، وَيَحْتَمِلُ أَلَّا تَطْلُقَ بِحَالٍ. ¬
فَإِنْ قَالَ: إِنْ شِئْتِ وَشَاءَ أَبُوكِ، فَشَاءَ أَحَدُهُمَا مُنْفَرِداً، لَمْ تَطْلُقْ. فَإِنْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ لِرِضا فُلانٍ، أَوْ لِمَشِيئَتِهِ، طَلَقَتْ في الْحَالِ، فَإِنْ قَالَ: أَرَدْتُ: إِنْ رَضِيَ، أَوْ إِنْ شَاءَ، دُيِّنَ. وَهَلْ يُقْبَلُ في الْحُكْمِ؟ يُخَرَّجُ عَلَى رِوَايَتَيْنِ. فَإِنْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللهُ، طَلَقَتْ. فَإِنْ قَالَ: إِنْ لَمْ يَشَأِ اللهُ، احْتَمَلَ وَجْهَيْنِ. فَإِنْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ إِنْ دَخَلْتِ الدَّارَ إِنْ شَاءَ اللهُ، فَدَخَلَتِ الدَّارَ، طَلَقَتْ في إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ.
فصل في الألفاظ المستعملة في التعليق
فَصْلٌ في اْلأَلْفَاظِ الْمُسْتَعْمَلَةِ في التَّعْلِيقِ وَهِيَ سِتَّةٌ: إِنْ، وَإذَا، وَمَتَى، وَأَيُّ، وَمَنْ، وَكُلَّمَا. وَلَيْسَ فِيهَا مَا يَقْتَضِي التَّكْرَارَ إِلَّا "كُلَّمَا"، وَكُلُّهَا عَلَى التَّرَاخِي إذَا تَجَرَّدَتْ (¬1) عَنْ حَرْفِ "لَمْ"، فَإِنْ دَخَلَتْهَا "لَمْ"، كَانَتْ "إِنْ" عَلَى التَّرَاخِي، وَ "مَتَى" وَ "أَيُّ" وَ "مَنْ" عَلَى الْفَورِ، وَ"إذَا" تَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ. فَإذَا قَالَ: مَتَى لَمْ تَدْخُلِي، وَأَيَّ وَقْتٍ لَمْ تَدْخُلِي، وَمَنْ لَم يَدْخُلْ مِنْكُنَّ الدَّارَ فَهِي طَالِقٌ، فَمَضَى زَمَانٌ يُمْكِنُ الدُّخُولُ فيهِ، فَلَمْ تدْخُلْ، طَلَقَتْ. وَإِنْ قَالَ: كُلَّمَا لَمْ تَدْخُلِي فَأَنْتِ طَالِقٌ، فَمَضَى زَمَان يُمْكِنُ الدُّخُولُ فيهِ (¬2)، فَلَمْ تَدْخُلْ، طَلَقَتْ ثَلاثاً. فَإِنْ قَالَ: إذَا لَمْ تَدْخُلِي، احْتَمَلَ وَجْهَيْنِ، أَحَدُهُمَا: هِيَ (¬3) كَمَتَى، ¬
وَالثَّانِي: لا تَطْلُقُ إِلَّا في آخِرِ جُزْءٍ مِنْ حَيَاةِ أَحَدِهِمَا. فَإِنْ قَالَ: إِنْ دُخِلَتِ الدَّارُ، فَأَنْتِ طَالِقٌ -بِفَتْحِ اللاَّمِ-، وَهُوَ يَعْرِفُ الْعَرَبِيَّةَ، طَلَقَتْ في الْحَالِ. وَحُكِيَ عَنِ الْخَلاَّل أَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ، فَهُوَ كَالْعَامِّيِّ، فَإِنْ قَالَ: أَرَدْتُ (¬1): إِنْ دُخِلَتِ الدَّارُ وَأَنْتِ طَالِقٌ، وَلا نِيَّةَ لَهُ، طَلَقَتْ، فَإِنْ قَالَ: أَرَدْتُ أَنْ أَجْعَلَ دُخُولَ الدَّارِ فَطَلاقَهَا شَرْطَيْنِ، لَغْوٌ أَوْ طَلاقٌ، ثُمَّ سَكَتُّ، دُيِّنَ. وَهَلْ يُقْبَلُ في الْحُكْمِ؟ يُخَرَّجُ عَلَى رِوَايَتَيْنِ. وَكَذلِكَ إنْ قَالَ: أَرَدْتُ الْجَزَاءَ، وَأَقَمْتُ الْوَاوَ مَقَامَ الْفَاءِ. فَإِنْ قَالَ: إِنْ كَلَّمْتُكِ فَدَخَلْتِ دَارَكِ فَأَنْتِ طَالِقٌ، لَمْ تَطْلُقْ حَتَّى يُكَلِّمَهَا ثُمَّ تَدْخُلَ. وَإِنْ قَالَ: إِنْ كَلَّمْتُكِ وَدَخَلْتِ دَارَكِ فَأَنْتِ طَالِقٌ (¬2)، طَلَقَتْ بِوُجُودِهِمَا، سَوَاءٌ تَقَدَّمَ الدُّخُولُ أَوْ تَأَخَّرَ. وَعَنْهُ: تَطْلُقُ بِوُجُودِ إِحْدَى الصِّفَتَيْنِ. وَكَذلِكَ إذَا حَلَفَ أَلَّا يَفْعَلَ شَيْئاً، فَفَعَلَ بَعْضَهُ، فَعَلَى رِوَايَتَيْنِ. فَإِنْ قَالَ: إِنْ كَلَّمْتُكِ أَوْ دَخَلْتِ دَارَكِ، فَأَنْتِ طَالِقٌ، طَلَقَتْ بِوُجُودِ ¬
إحْدَى الصِّفَتَيْنِ؛ كَمَا لو قَالَ: إِنْ كَلَّمْتُكِ، وَإِنْ دَخَلْتِ دَارَكِ. فَإِنْ قَالَ: طَالِقٌ إِنْ قُمْتِ إِنْ قَعَدْتِ، لَمْ تَطْلُقْ حَتَّى تَقْعُدَ ثُمَّ تَقُومَ، فَإِنْ تَقَدَّمَ الْقِيَامُ، لَمْ تَطْلُق.
فصل في التعليق بالحلف
فَصْلٌ في التَّعْلِيقِ بِالْحَلفِ إذَا قَالَ: إذَا أَتَاكِ طَلاقِي فَأَنْتِ طَالِقٌ، ثُمَّ كَتَبَ إلَيْهَا: إذَا أَتَاكِ كِتَابِي فَأَنْتِ طَالِقٌ، فَأتاهَا الْكِتَابُ، طَلَقَتْ طَلْقَتَيْنِ، فَإِنْ قَالَ: أَرَدْتُ: إذَا أَتَاكِ كِتَابِي فَأَنْتِ طَالِقٌ بِذلِكَ الطَّلاقِ الَّذِي عَلَّقْتُهُ، دُيِّنَ، وَهَلْ يُقْبَلُ في الْحُكْمِ؟ يُخَرَّجُ عَلَى رِوَايَتَيْنِ. (1 وَإذَا قَالَ: إذَا طَلَّقتُكِ فَأَنْتِ طَالِقٌ، ثُمَّ قَالَ: إِنْ دَخَلْتِ الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ (¬1)، أَوْ قَالَ: إذَا دَخَلْتِ الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ، ثُمَّ قَالَ: إذَا وَقَعَ عَلَيْكِ طَلاقِي فَأَنْتِ طَالِقٌ، فَدَخَلَتِ الدَّارَ، طَلَقَت طَلْقَتَيْنِ. فَلَوْ قَالَ: إِنْ دَخَلْتِ الدَّارَ فَأنْتِ طَالِقٌ، ثُمَّ قَالَ: إذَا طَلَّقْتُكِ فَأَنْتِ طَالِقٌ، فَدَخَلَتِ الدَّارَ، طَلَقَتْ وَاحِدَةً. فَإِنْ قَالَ: كُلَّمَا وَقَعَ عَلَيْكِ طَلاقِي فَأَنْتِ طَالِقٌ، فَمَتَى وَقَعَ عَلَيْهَا طَلاقٌ، طَلَقَتْ ثلاثاً. ¬
فَإِنْ قَالَ: إِنْ طَلَّقْتُكِ، أَوْ إِنْ وَقَعَ عَلَيْكِ طَلاقِي، طَلَقَتْ ثَلاثاً. فَإِنْ قَالَ: إِنْ طَلَّقْتُكِ، أَوْ إِنْ وَقَعِ عَلَيْكِ طَلاقِي، فَأَنْتِ طَالِقٌ قَبْلَهُ ثَلاثاً، ثُمَّ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ، فَلا نصَّ فِيهَا، وظَاهِرُ كَلامِ أَبِي بَكْرٍ وَالْقَاضِي أَنَّهَا تَطْلُقُ ثَلاثاً. وَاخْتَارَ ابْنُ عَقِيلٍ أَنَّه يَقَعُ وَاحِدَةً بِالْمُبَاشَرَةِ، وَيَلْغُو فِيمَا قَبْلَهَا، فَإِنْ كَانَتْ غَيْرَ مَدْخُولٍ بِهَا (¬1)، لَمْ يَقَعْ إِلا وَاحِدَةٌ في جَمِيعِ هذِهِ الْمَسَائِلِ. وَإذَا قَالَ: إذَا حَلَفْتُ بِطَلاقِكِ فَأَنْتِ طَالِقٌ، ثُمَّ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ إِنْ قَدِمَ زَيْدٌ، أَوْ إذَا طَلَعَتِ الشَّمْسُ، أَوْ لا دَخَلْتِ الدَّارَ، أَوْ ليدخلن، طَلَقَتْ. وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: إذَا قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ إذَا جَاءَ رَأْسُ الشَّهْرِ، أَوْ طَلَعَتِ الشَّمْسُ، أَوْ إذَا قَدِمَ الْحَاجُّ، لَمْ يَكُنْ حَلِفاً. فَإذَا قَالَ: إذَا حَلَفْتُ بِطَلاقِكِ فَأَنْتِ طَالِقٌ، وَإذَا كَلَّمْتُكِ فَأَنْتِ طَالِقٌ، وَكَرَّرَ ذلِكَ أَرْبَعاً، طَلَقَتْ ثَلاثاً. وَلَوْ قَالَ لِزَوْجَتَيْهِ: كُلَّمَا حَلَفْتُ بِطَلاقِ وَاحِدَةٍ مِنْكُمَا فَأَنْتُمَا طَالِقَتَانِ، فَأَعَادَ ذلِكَ ثَانِياً (¬2) , طَلَقَتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا طَلْقَتَيْنِ. وَلَوْ قَالَ: كُلَّمَا حَلَفْتُ بِطَلاقِ وَاحِدَةٍ مِنْكُمَا فَهِيَ طَالِقٌ، فَأَعَادَ ذلِكَ ثَانِياً، طَلَقَتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ طَلْقَةً. ¬
فَإِنْ قَالَ لإِحْدَاهُمَا: إذَا حَلَفْتُ بِطَلاقِ صَاحِبَتِكِ فَأَنْتِ طَالِقٌ، ثُمَّ قَالَ لِلأُخْرَى كذَلِكَ، طَلَقَتِ الأُولَى في الْحَالِ؛ فَإذَا أَعَادَ ذَلِكَ لِلأُولَى، طَلَقَتِ الأُخْرَى. فَإِنْ قَالَ لِأرْبَعِ نِسَائِهِ: أَيَّتُكُنَّ وَقَعَ عَلَيْهَا طَلاقِي فَصُوَيْحِبَاتُهَا طَوَالِقُ، ثُمَّ طَلَّقَ إِحْدَاهُنَّ، طَلَقَ جَمِيعُهُنَّ ثَلاثاً ثَلاثاً. فَإِنْ قَالَ: كُلَّمَا طَلَّقْتُ امْرَأَةً مِنْ نِسَائِي فَعَبْدٌ مِنْ عَبِيدِي حُرٌّ، وَكُلَّمَا طَلَّقْتُ امْرَأَتَيْنِ فَعَبْدَانِ حُرَّانِ، وَكُلَّمَا طَلَّقْتُ ثَلاَثَةً فَثَلاثَةُ أَعْبُدٍ أَحْرَارٌ، وَكُلَّمَا طَلَّقْتُ أَرْبَعَةً (¬1)، فَأَرْبَعَةُ أَعْبُدٍ أَحْرَارٌ، فَطَلَّقَ الأَرْبَعَ، عَتَقَ مِنْ عَبِيدِهِ خَمْسَةَ عَشَرَ عَلَى قَوْلِ الْقَاضِي، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَعْتَقَ عَشَرَةٌ. * * * ¬
فصل في التعليق بالكلام والإذن
فَصْلٌ في التَّعْلِيقِ بِالْكَلامِ وَالإِذْنِ إذَا قَالَ: إِنْ كَلَّمْتُكِ فَأَنْتِ طَالِقٌ، فتحَقَّقَ (¬1) ذلِكَ، طَلَقَتْ وَاحِدَةً، فَإِنْ قَالَ: إِنْ بَدَأْتُكِ بِالْكَلامِ فَأَنْتِ طَالِقٌ، فَقَالَتْ: إِنْ بَدَأْتُكَ بِالْكَلامِ فَعَبْدِي حُرٌّ، انْحَلَّتْ يَمِينُهُ، وَبَقِيَتْ يَمِينُها. فَإِنْ قَالَ: إِنْ كَلَّمْتِ فُلاناً فَأَنْتِ طَالِقٌ، فَكَلَّمَتْهُ، فَلَمْ يَسْمَعْ لِتَشَاغُلِهِ أَوْ غَفْلَتِهِ، حَنِثَ -نَصَّ عَلَيْهِ-، وَإِنْ كَلَّمَتْهُ سَكْرانَ، حَنِثَ، وَإِنْ أَشَارَتْ إِلَيْهِ، أَوْ كَلَّمَتْهُ مَيْتاً، أَوْ نَائِماً، أَوْ مَجْنُوناً، أَوْ غَائِباً، أَوْ مُغْمًى عَلَيْهِ، أَوْ أَصَمَّ؟ فَعَلى وَجْهَيْنِ. فَإِنْ قَالَ لِزَوْجَتَيْهِ: إِنْ كَلَّمْتُمَا هَذَيْنِ الرَّجُلَيْنِ فَأَنْتُمَا طَالِقَتَانِ، فَكَلَّمَتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ وَاحِداً، حَنِثَ، وَيَحْتَمِلُ أَلَّا يَحْنَثَ حَتَّى يُكَلِّمَا جَمِيعاً كُلَّ وَاحِدٍ مِنَ الرَّجُلَيْن. فَإِنْ قَالَ: إِنْ أَمَرْتُكِ فَخَالَفْتِيني فَأنْتِ طَالِقٌ، فَنَهَاها فَخَالَفَتْهُ، حَنِثَ، وَقالَ أَبُو بَكْرٍ: لا يَحْنَثُ. ¬
فَإِنْ قَالَ: إِنْ خَرَجْتِ بِغَيْرِ إِذْنِي فَأَنْتِ طَالِقٌ، فَأَذِنَ لَهَا مِنْ حَيْثُ لا تَعْلَمُ، فَخَرَجَتْ، طَلَقَتْ، وَيَحْتَمِلُ أَلَّا تَطْلُقَ، فَإِنْ أَذِنَ لَهَا ثُمَّ نَهَاهَا، فَخَرَجَتْ، فَعَلَى وَجْهَيْنِ. فَإِنْ قَالَ: إِنْ خَرَجْتِ إلَى غَيْرِ الْحَمَّامِ بِغَيْرِ إِذْنِي فَأَنْتِ طَالِقٌ، فَخَرَجَتْ إِلَى الْحَمَّامِ، ثُمَّ عَدَلَتْ إِلَى غَيْرِهِ، فَقِيَاسُ الْمَذْهَبِ أَنْ تَطْلُقَ، وَيَحْتَمِلُ أَلَّا تَطْلُقَ. فَإِنْ حَلَفَ لِعَامِلٍ أَلَّا يَخْرُجَ، فَعُزِلَ، فَقَالَ الْقَاضِي: لا تَنْحَلُّ الْيَمِينُ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ تَنْحَلَّ. فإِنْ قَالَ: إِنْ كُنْتِ تُحِبِّينَ أَنْ يُعَذِّبَكِ اللهُ فَأَنْتِ طَالِقٌ، فَقَالَ أَحْمَدُ: دَعْنَا مِنْ هذِهِ الْمَسائِلِ، وَقَالَ الْقَاضِي: إذَا قَالَتْ: أَنَا (¬1) أُحِبُّ ذلِكَ، طَلَقَتْ. وَكَذلِكَ إذَا قَالَ: إِنْ كُنْتِ تُحِبِّينَ ذَلِكَ بِقَلْبِكِ. * * * ¬
فصل في التوكيل في الطلاق
فَصْلٌ فيِ التَّوْكِيلِ في الطَّلاقِ (¬1) إذَا وَكَّلَ في الطَّلاقِ مَنْ يَصِحُّ طَلاقُهُ، صَحَّ تَوكِيلُهُ، وَلَهُ أَنْ يُطَلِّقَ مَا شاءَ مَتَى شَاءَ، إِلَّا أَنْ يَحُدَّ لَهُ حَدّاً. وَإذَا وَكَّلَ رَجُلَيْنِ، فَطَلَّقَ أَحَدُهُمَا، لَمْ يَقَعْ. فَإِنْ طَلَّقَ أَحَدُهُمَا وَاحِدَةً، وَالآخَرُ ثَلاثاً، وَقَعَتْ وَاحِدَةٌ. فَإِنْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ: طَلِّقِي نَفْسَكِ، وَأَطْلَقَ، فَطَلَّقَتْ ثَلاثاً، أَوْ قَالَ: طَلِّقِي ثَلاثاً، فَطَلَّقَتْ وَاحِدَةً، وَقَعَتْ وَاحِدَةٌ. وَهَلْ يَقِفُ ذلِكَ عَلَى الْمَجْلِسِ؟ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ. فَإِنْ قَالَ لَهَا: اخْتَارِي مِنْ ثَلاثِ تَطْلِيقَاتٍ مَا شِئْتِ، لَمْ يَكُنْ لَهَا أَنْ تَخْتَارَ أَكْثَرَ مِنْ طَلْقَتَيْنِ، وَلَهَا أَنْ تُطَلِّقَ مَتَى شَاءَتْ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَقِفَ عَلَى الْمَجْلِسِ. وَلَوْ قَالَ: اخْتَارِي مَا شئْتِ، لَمْ يَكُنْ لَهَا أَنْ تَخْتَارَ الطَّلاقَ؛ لأَنَّهُ لَمْ يَجْرِ لَهُ ذِكْرٌ. ¬
وَهَلْ يَكُونُ التَّهْدِيدُ بِالضَّرْبِ وَالْقَتْلِ وَأَخْذِ الْمَالِ مِنَ الْقَادِرِ عَلَيْهِ إِكْرَاهاً يَمْنَعُ وُقُوعَ الطَّلاقِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ. وَإذَا قَالَ: إِنْ وَطِئْتُكِ فَأَنْتِ طَالِقٌ ثَلاثاً، فَأَوْلَجَ الْحَشَفَةَ، لَزِمَهُ النَّزْعُ، فَإِنِ اسْتَدَامَ، فَعَلَيْهِ الْمَهْرُ، وَفِي الْحَدِّ وَجْهَانِ.
فصل في الشك بالطلاق
فَصْلٌ في الشَّكِّ بِالطَّلاقِ إذَا شَكَّ فِي الطَّلاقِ، أَوْ فِي عَدَدِهِ، أَوْ في الرَّضَاعِ، أَوْ في عَدَدِهِ، بَنَى عَلَى الْيَقِينَ. فإِنْ قَالَ: إِنْ كَانَ هَذَا الطَّائِرُ غُرَاباً، فَعَمْرَةُ طَالِقٌ، وَإِنْ كَانَ حَمَاماً، فَحَفْصَةُ طَالِقٌ، وَلَمْ يَعْلَمْ مَا هُوَ، لَمْ تَطْلُقْ وَاحِدَةٌ مِنْهُمَا. فَإِنْ قَالَ: إِنْ كَانَ غُرَاباً فَنِسَائِي طَوَالِقُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ غُرِاباً فَعَبِيدي أَحْرَارٌ، وَلَمْ يَعْلَمْ، أَقْرَعْنَا بَيْنَهُمَا. فَإِنْ قَالَ رَجُلٌ: إِنْ لَمْ يَكُنْ غُرَاباً فَعَبْدِي حُرٌّ، وَقَالَ آخَرُ: إِنْ لَمْ يَكُنْ غُرَاباً فَعَبْدِي حُرٌّ، وَلَمْ يَعْلَمَا حَالَهُ، لَمْ يَتَعَيَّنِ الْحِنْثُ في أَحَدِهِما؛ فَإِنِ اشْتَرَى أَحَدُهُمَا عَبْدَ الآخَرِ، أُقْرِعَ بَيْنَ الْعَبْدَيْنِ حِيْنَئِذٍ. وَقالَ الْقَاضِي: يَعْتَقُ الَّذِي اشْتَرَاهُ. وَإذَا طَلَّقَ إِحْدَى نِسَائِه، وَأَيُّهَا أُخْرِجَتْ بِالْقُرْعَةِ، وَعَلَيْهِ نَفَقَةُ الْجَمِيعِ حَتَّى يُقْرِعَ، فَإِنْ تَبَيَّنَ لَهُ بَعْدَ ذلِكَ أَنَّ الْمُطَلَّقَةَ غَيْرُهَا، رُدَّتْ إِلَيْهِ عَلَى ظَاهِرِ كَلامِ أَحْمَدَ، إِلَّا أَنْ يَكُونَ بِحُكْمِ حَاكِمٍ، أَوْ تَكُونَ قَدْ تَزَوَّجَتْ.
وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ وَابْنُ حَامِدٍ: تَطْلُقُ الزَّوْجَتَانِ؛ فَإِنْ مَاتَتْ الزَّوْجَتَانِ، قَرَعْنَا بَيْنَهُمَا، فَمَنْ خَرَجَتْ لَهَا الْقُرْعَةُ، حَرَمْنَاهُ مِيرَاثَهَا. وَإذَا قَالَ لِزَوْجَتِهِ وَأَجْنَبِيَّةٍ: إحْدَاكُمَا طَالِقٌ، فَقَالَ: سَلْمَى طَالِقٌ، وَاسْمُ زَوْجَتِهِ سَلْمَى، طَلَقَت زَوْجَتُهُ؛ فَإِنْ قَالَ: أَرَدْتُ الأَجْنَبِيَّةَ، أَوْ أَجْنَبِيَّةً اسْمُهَا سَلْمَى، دُيِّنَ. وَهَلْ يُقْبَلُ في الْحُكْمِ؟ يُخَرَّجُ عَلَى رِوَايَتَيْنِ. فَإِنْ قَالَ: يَا سَلْمَى! فَأَجَابَتْهُ زَوْجَتُهُ الأُخْرَى، فَقَالَ (¬1): أَنْتِ طَالِقٌ، وَقَالَ: ظَنَنْتُهَا سَلْمَى، طَلَقَتَا مَعاً. وَعَنْهُ: لا تَطْلُقُ إِلَّا سَلْمى. وَلَوْ أَشَارَ إِلَى سَلْمَى، وَقَالَ: يَا زَيْنَبُ! أَنْتِ طَالِقٌ، وَ (¬2) قَالَ: عَلِمْتُ أَنَّهَا سَلْمَى، وَأَرَدْتُ طَلاقَ زَيْنَبَ، طَلَقَتَا، رِوَايَةً وَاحِدَةً. وَلَوْ قَالَ لأَجْنَبِيَّةٍ: أَنْتِ طَالِقٌ، وَقَالَ: ظَنَنْتُهَا زَوْجَتي، طَلَقَتْ زَوْجَتُهُ. فَإِنْ قَالَ: زَوْجَتِي طَالِقٌ، وَلَهُ نِسَاءٌ، طَلَقْنَ كُلُّهُنَّ. وَكذَلِكَ لو قَالَ: أَمَتِي حُرَّةٌ، وَلَهُ إِمَاءٌ، عَتَقْنَ جَمِيعُهُنَّ (¬3). وَقَدْ رُويَ عَنْ أَحْمَدَ -رَحِمَهُ اللهُ- أَنَّهُ قَالَ: وَإذَا هَدَّدَهُ بِالْقَتْلِ أَوْ أخْذِ الْمَالِ مَنْ يَقْدِرُ عَلَيْهِ، فَهَلْ هُوَ إِكْرَاهٌ يَمْنَعُ وُقُوعَ الطَّلاقِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ. ¬
كتاب الرجعة
كِتَابُ الرَّجْعَةِ وَأَلْفَاظُ الرَّجْعَةِ: رَاجَعْتُ زَوْجَتِي، أَوِ ارْتَجَعْتُهَا، أَوْ رَدَدْتُهَا، أَوْ أَمْسَكْتُهَا. وَقَالَ ابْنُ حَامِدٍ: تَقَعَ الرَّجْعَةُ بِقَوْلِهِ: نَكَحْتُهَا، أَوْ تَزَوَّجْتُهَا. وَالرَّجْعِيَّةُ مُبَاحَةٌ لِزَوْجِهَا، لَهَا أَنْ تَتَشَرَّفَ لَهُ، وَيَخْلُوَ بِهَا، وَيَقَعُ بِهَا طَلاقُهُ وَظِهَارُ وَإِيلاؤهُ. وَإذَا وَطِئَهَا، حَصَلَتْ لَهُ الرَّجْعَةُ، وَإِنْ قَبَّلَهَا أَوْ مَسَّهَا لِشَهْوَةٍ، أَوْ نَظَرَ إِلى فَرْجِهَا، فَعَلَى وَجْهَيْنِ. وَلَيْسَ لَهُ ارْتَجَاعُهِا بَعْدَ الطُّهْرِ مِنَ الْحَيْضَةِ الثَّالِثَةِ قَبْلَ الْغُسْلِ، عَلَى إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي الخَطَّابِ. وَقَالَ غَيْرُهُ مِنْ أَصْحَابِنَا: لَهُ ذلِكَ. وَعَنْهُ: أَنَّهَا لَيْسَتْ مُبَاحَةً، وَلا تَحْصُلُ الرَّجْعَةُ بِالْوَطْءِ. وَإِنْ أَكْرَهَهَا عَلَيْهِ، فَلَهَا الْمَهْرُ.
وَلا يَصِحُّ تَعْلِيقُ الرَّجْعَةِ بِشَرْطٍ. وَلا يَصِحُّ الِارْتجَاعُ في الرِّدَّة. وَكَذلِكَ قَالُوا: تَحْصُلُ بِالْخَلْوَةِ، وَعِنْدَ أَبِي الخَطَّابِ لا تَحْصُلُ.
فصل
فَصْلٌ إذَا ادَّعَتِ الْمَرْأَةُ انْقِضَاءَ عِدَّتِهَا؛ وَكَانَ ذلِكَ مُمْكِناً، فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا، إِلَّا أَنْ تَدَّعِيَ انْقِضاءَ عِدَّتِهَا بِالأَقْرَاءِ في شَهْرٍ؛ فَإِنَّهُ لا يُقْبَلُ إِلَّا بِبَيِّنَةٍ -نَصَّ عَلَيْهِ-. وَلَوْ قَالَ الزَّوْجُ: قَدْ كُنْتُ أَصَبْتُكِ، فَلِي عَلَيْكِ الرَّجْعَةُ، فَأَنْكَرَتْ، فَالْقَوْلُ قَوْلُها. وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَتْ: قَدِ انْقَضَتْ عِدَّتِي، فَقَالَ الزَّوْجُ: قَدْ كُنْتُ (¬1) رَاجَعْتُكِ، فَأَنْكَرَتْهُ، فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا. وَلَوْ قَالَ: رَاجَعْتُكِ، فَقَالَتْ: قَدِ انْقَضَتْ عِدَّتِي قَبْلَ رَجْعَتِكَ، فَأَنْكَرَهَا، فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ. وَهَلْ يَحْلِفُ مَنِ الْقَوْلُ قَوْلُهُ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ. وَإذَا ادَّعَى الزَّوْجُ الرَّجْعَةَ بَعْدَ أَنْ تَزَوَّجَتْ، فَصَدَّقَتْهُ هِيَ وَزَوْجُهَا، رُدَّتْ إِلَيْهِ، وَإِنْ صَدَّقَهُ أَحَدُهُمَا، لَمْ يُقْبَلْ، لكِنْ إِنْ كَانَ الْمُصَدِّقُ ¬
الزَّوْجَ، بَطَلَ نِكَاحُهُ؛ وَإِنْ كَانَتِ الْمُصَدِّقَةُ الزَّوْجَةَ، فَمَتَى بَانَتْ مِنَ الثَّانِي، رُدَّتْ إِلَى الأوَّلِ مِن غَيْرِ عَقْدٍ جَدِيدٍ. فَصْلٌ: وَإذَا وُطِئَتِ الْمَرْأَةُ بِشُبْهَةٍ، أَوْ في نِكَاحٍ فَاسِدٍ، أَوْ وَطِئَهَا مَوْلاَها، أَوْ وَطِئَهَا الزَّوْجُ في حَيْضٍ أَوْ نِفَاسٍ، أَوْ إِحْرَامٍ أَوْ صِيَامٍ، أَوْ في الدُّبُرِ، لَمْ تَحِلَّ لِمُطَلِّقِهَا ثَلاثاً. وَلَوْ كَانَتْ أَمَةً، فَاشْتَرَاهَا زَوْجُهَا، لَمْ تَحِلَّ لَهُ، وَإِنْ وَطِئَهَا زَوْجٌ مُرَاهِقٌ، أَوْ ذِمِّيٌّ، أَوْ مَجْبُوبٌ قَدْ بَقِيَ مِنْ ذَكَرِهِ قَدْرُ الْحَشَفَةِ أَحَلَّهَا (¬1). * * * ¬
باب الإيلاء
بَابُ الإِيْلاءِ يَصِحُّ الإِيلاءُ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ يَصِحُّ طَلاقُهُ، إِلَّا الْعَاجِزَ عَنِ الْوَطْءِ بِجَبٍّ أَوْ شَلَلٍ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَصِحَّ إيلاؤُهُمُا، وفَيْئَتُهُمَا كَفَيْئَةِ الْمَرِيضِ: لَوْ قَدَرْتُ، لَجَامَعْتُكِ. وَلا يَكُونُ مُؤْلياً إِلَّا أَنْ يَحْلِف بِاللهِ، أَوْ صِفَةٍ مِنْ صِفَاتِهِ -في ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ-. وَعَنْهُ: أَنَّهُ يَصِيرُ مُؤْلياً بِالْحَلِفِ وَبِالنُّذُورِ (¬1) وَالْعِتَاقِ وَالطَّلاقِ. فَلَوْ قَالَ: إِنْ وَطِئْتُكِ فَأنْتِ زَانِيَةٌ، أَوْ حَلَفَ عَلَى تَرْكِ الْوَطْءِ دُونَ الْفَرْجِ، أَوْ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ فَمَا دُونَ، أَوْ حَتَّى يَقْدَمَ زَيْدٌ، أَوْ في هَذِهِ الْبَلْدَةِ، أَوْ قَالَ: وَاللهِ لا وَطِئْتُكِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ، فَإذَا مَضَتْ، فَوَاللهِ لا وَطِئْتُكِ، لَمْ يَصِرْ مُؤْلِياً. وَإِنْ قَالَ: حَتَّى يَنْزِلَ عِيسَى، أَوْ حَتَّى يَخْرُجَ الدَّجَّالُ، وَنَحْوَهُ مِمَّا يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ أَنَّهُ لا يُوجَدُ في أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ، صَارَ مُؤْلِياً. ¬
وَإذَا قَالَ: إِنْ فَعَلْتِ كَذَا، فَوَاللهِ لا وَطِئْتُكِ، لَمْ يَصِرْ مُؤْلياً حَتَّى يَفْعَلَهُ. فَإِنْ قَالَ: وَاللهِ لا وَطِئْتُكِ في هذِهِ السَّنَةِ إِلَّا مَرَّةً، لَمْ يَصِرْ مُؤْلياً، إِلَّا أَنْ يَطَأَهَا وَقَدْ بَقِيَ مِنَ السَّنَةِ أَكْثَرُ مِنْ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ، لَمْ يَصِرْ مُؤْلِياً (¬1). فَإِنْ قَالَ: لا وَاللهِ لا وَطِئْتُكِ سَنَةً إِلَّا يَوْماً، صَارَ مُؤْلِياً، وَيَحْتَمِلُ أَلَّا يَصِيرَ مُؤْلِياً. وَلَوْ قَالَ: وَاللهِ لا وَطِئْتُكِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ، فَإذَا مَضَتْ، فَوَاللهِ لا وَطِئْتُكِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ، لَمْ يَصِرْ مُؤْلِياً. فَإِنْ قَالَ: وَاللهِ لا وَطِئْتُكِ في هَذِهِ الْبَلْدَةِ، أَوْ حَتَّى يَقْدَمَ زَيْدٌ، أَوْ حَتَّى تَحْبَلِي، وَهِيَ مِمَّنْ تَحْبَلُ، لَمْ يَصِرْ مُؤْلِياً. وَإِنْ قَالَ: حَتَّى يَنْزِلَ عِيسَى بْنُ مَرْيَمَ، أَوْ يَخْرُجَ الدَّجَّالُ، أَوْ نَحْوَهُ مِمَّا يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ أَنَّهُ لا يُوجَدُ في مُدَّةِ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ، صَارَ مؤْلِياً. فَإِنْ قَالَ: وَاللهِ لا وَطِئْتُكِ إِنْ شِئْتِ، فَشاءَتْ، صَارَ مُؤْلِياً، وَإِنْ لَمْ تَشَأْ، لَمْ يَصِرْ مُؤْلِياً. فَإِنْ قَالَ: إِلَّا أَنْ تَشَائِي، فَشَاءَتْ في الْمَجْلِسِ، وَإِلَّا صَارَ مُؤْلِياً. فَإِنْ قَالَ: وهو مَعَ نِسائِهِ الأَرْبَعِ (¬2): وَاللهِ لا أَطَؤُكُنَّ، فَعَلَى ¬
وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: يَصِيرُ مُؤْلِياً في الْحَالِ، وَالثَّانِي: لا يَصِيرُ مُؤْلِياً حَتَّى يَطَأَ ثَلاثاً، فَيَصِيرُ مُؤْلِياً مِنَ الرَّابِعَةِ. فَإِنْ قَالَ: وَاللهِ لا وَطِئْتُ وَاحِدَةً مِنْكُنَّ، صَارَ مُؤْلِياً مِنْهُنَّ في الْحَالِ؛ فَإِنْ قَالَ: أَرَدْتُ وَاحِدَةً بِعَيْنِهَا، قُبِلَ مِنْهُ، وَإِنْ وَطِىَ وَاحِدَةً مِنْهُنَّ، انْحَلَّتْ يَمِينُهُ. وَإذَا قَالَ: وَاللهِ لا وَطِئْتُكِ، ثُمَّ قَالَ لِلأُخْرَى: أَشْرَكْتُكِ مَعَهَا، لَمْ يَصِرْ مُؤْلِياً مِنَ الثَّانِيَةِ. فَصْلٌ: وَإذَا كَانَ بالْمَرْأَةِ عُذْرٌ يَمْنَعُ الْوَطْءَ، لَمْ يُحْتَسَبْ عَلَيْهِ بِالْمُدَّةِ، وَإِنْ (¬1) طَرَأَ الْعُذْرُ ثُمَّ زَالَ، اسْتُؤْيفَتِ الْمُدَّةُ، وَإِنْ كَانَ نِفَاساً، فَعَلَى وَجْهَيْنِ. وَإِنْ كَانَ الْعُذْرُ مِنَ الزَّوْجِ، احْتُسِبَ عَلَيْهِ. وَإذَا انْقَضَتِ الْمُدَّةُ، وَلِلْمَرْأَةِ عُذْرٌ، لَمْ يُطَالَبْ بِالْفَيْئَةِ. وَإذَا قَالَ: أَمْهِلُونِي حَتَّى أَقْضِيَ صَلاتِي، أَوْ أَتَغَدَّى، أَوْ حَتَّى (¬2) يَنْهَضِمَ الطَّعَامُ، أَوْ يَذْهَبَ النُّعَاسُ، أُمْهِلَ بِقَدْرِ ذلِكَ. وَإِنْ كَانَ مُظَاهِراً فَقَالَ: أَمْهِلُوني حَتَّى أَطْلُبَ بَقِيَّةَ عِتْقِهَا عَنْ ظِهَارِي، أُمْهِلَ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ. وَمَتَى قالت مِنْهُ كَفَّارَةُ يَمِين. ¬
وَمُدَّةُ إِيلاءِ الرَّقِيقِ وَالأَحْرَارِ سَوَاءٌ، وَلا حَقَّ لِلسَّيِّدِ في الْمُطَالَبَةِ بِالْفَيْئَةِ وَالْعَفْوِ عَنْهَا، وَالأَمْرُ في ذلِكَ إِلَى الأَمَةِ، وَتَحْصُلُ الفَيْئَةُ بإِيلاجِ الْحَشَفَةِ في الْفَرْج.
كتاب الظهار
كِتَابُ الظِّهَار إذَا شَبَّهَ امْرَأَتَهُ، أَوْ عُضْواً مِنْهَا بِعُضْوٍ مِمَّن لا تَحِلُّ لَهُ عَلَى التَّأْبِيدِ، فَهُوَ مُظَاهِرٌ. فَإِنْ قَالَ: أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أَبِي، فَعَلَى رِوَايَتَيْنِ. وَإِنْ قَالَ: أَنْتِ مِثْلُ أُمِّي، أَوْ كَأُمِّي، لَمْ يَكُنْ مُظَاهِراً حَتَّى يَنْوِيَهُ، قَالَهُ ابْنُ أَبِي مُوسَى، وَالْمَنْصُوصُ أَنَّهُ مُظَاهِرٌ، فَإِنْ قَالَ: أَرَدْتُ مِثْلَهَا في الْكَرَامَةِ، دُيِّنَ، وَهَلْ يُقْبَلُ في الْحُكْمِ؟ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ. وَيَصِحُّ الظِّهَارُ مُؤَقَّتاً؛ كَقَوْلِهِ: أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي شَهْراً، أَوْ مُعَلَّقاً بِشَرْطٍ نَحْوَ: إذَا قَدِمَ زَيْدٌ، فَأَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي. فَإِنْ ظَاهَرَ مِنْ زَوْجَتَهِ، أَوْ قَالَ لِلأُخْرَى: أَنْتِ مِثْلُهَا، فَهُوَ صَرِيحٌ، وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ كِنَايَةٌ. وَإذَا قَالَتِ الْمَرْأَةُ لِزَوْجِهَا: أَنْتَ عَلَيَّ كَظَهْرِ أَبِي، فَفِي الْكَفَّارَة رِوَايَتَانِ، وَيَلْزَمُهَا التَّمْكِينُ قَبْلَ التَّكْفِيرِ. وَإذَا ظَاهَرَ مِنْ أَمَتِهِ، أَوْ حَرَّمَهَا، فَعَلَيْهِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ.
وَيَصِحُّ الظِّهَارُ مِمَّنْ يَصِحُّ طَلاقُهُ. ولا يَجُوزُ أَنْ يَسْتَمْتِعَ مِنَ الْمُظَاهَرِ مِنْهَا بِمَا دُونَ الْفَرْجِ قَبْلَ التَّكْفِيرِ في أَصَحَّ الرِّوَايَتَيْنِ. وَإذَا قَالَ: الْحِلُّ عَلَيَّ حَرَامٌ، أَوْ كُلُّ مَا أَمْلِكُهُ حَرَامٌ، فَكَفَّارَةُ ظِهَارٍ، وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: عَلَيْهِ مَعَ ذلِكَ كَفَّارَةُ يَمِينٍ لِتَحْرِيمِ الْمَالِ (¬1). * * * ¬
فصل
فَصْلٌ وَالِاعْتِبَارُ بِالْكَفَّارَاتِ بِحَالَةِ الْوُجُوبِ، فَإِنْ أَرَادَ الِانْتِقَالَ إِلَى الأَعْلَى، لَمْ يَجُزْ. وَعَنْهُ مَا يَدُلُّ عَلَى الْجَوازِ. وَعَنْهُ الِاعْتِبَارُ بِأَغْلَظِ الأَحْوَالِ مِنْ حِينِ الْوُجُوبِ إِلَى حِينِ الأَدَاءِ. وَلا يَجِبُ الْعِتْقُ إِلَّا فِيمَا يَفْضُلُ عَنْ (¬1) كِفَايَتِهِ عَلَى الدَّوَامِ، فَإِنْ وُهِبَتْ لَهُ رَقَبَةٌ، لَمْ يَلْزَمْهُ قَبُولُها، وَإِنْ وَجَدَهَا تُبَاعُ بِزِيَادَةٍ عَلَى ثَمَنِ الْمِثْلِ لا تُجْحِفُ بِمَالِهِ، احْتَمَلَ وَجْهَيْنِ. وَيُجْزِىَ الأَعْرَجُ يَسِيراً، وَالأَصَمُّ وَالأَخْرَسُ إذَا فُهِمَتْ إِشَارَتُهُ، وَالأَعْوَرُ، وَالْمَقْطُوعُ الأُذُنِ وَالأَنْفِ، وَالْمَجْبُوبُ، وَالْمَقْطُوعُ الْخِنْصَرِ وَالْبِنْصَرِ، وَالْجَانِي، وَالصَّغِيرُ. وَلا يُجْزِىَ عِتْقُ الْمَقْطُوعِ الإِبْهَامِ، أَوْ أُنْمُلَةٍ مِنْهَا، أَوِ السَّبَّابَةِ، أَوِ الْوُسْطَى، أَوْ مَقْطُوعِ الْخِنْصَرِ وَالْبِنْصَرِ مِنْ يَدٍ وَاحِدَةٍ، وَلا عِتْقُ الأَخْرَسِ ¬
الأَصَمِّ، وَلا الْمَرِيضِ الْمَيْئُوسِ مِنْهُ، وَلا النَّحِيفِ الْعَاجِزِ عَنِ الْعَمَلِ، وَلا غَائِبٍ لا يُعْلَمُ خَبَرُهُ، وَلا عِتْقُ مَنْ عُلِّقَ عِتْقُهُ بِصِفَةٍ عِنْدَ وُجُودِهَا. فَإِنْ كَانَ مُوسِراً، فَأَعْتَقَ شِرْكاً لَهُ مِنْ عَبْدٍ، لَمْ يُجْزِهِ -نَصَّ عَلَيْهِ-. وَإذَا قَالَ: أَعْتِقْ عَبْدَكَ عَنْ كَفَّارَتِي، فَفَعَلَ، أَجْزَأ. وَعَنْهُ: لا يُجْزِىَ حَتَّى يَضْمَنَ (¬1) عِوَضاً. * * * ¬
فصل
فَصْلٌ إذَا شَرَعَ في الصِّيَامِ في أَثْنَاءِ شَهْرٍ (¬1)، لَزِمَهُ شَهْرٌ بِالْهِلالِ، وَشَهْرٌ بِالْعَدَدِ. وَإذَا قَطَعَ صَوْمَ الْكَفَّارَةِ بِفِطْرٍ، أَوْ صَوْمٍ غَيْرِها، لَزِمَهُ الِاسْتِئْنَافُ، وَإِنْ قَطَعَهُ بِعُذْرٍ يُوجِبُ الْفِطْرَ، بَنَى؛ وَإِنْ قَطَعَهُ لِعُذْرٍ يُبِيحُ الْفِطْرَ؛ كَالسَّفَرِ، وَالْحَامِلِ وَالْمُرْضِعِ إذَا خَافَتَا عَلَى وَلَدَيْهِمَا، فَعَلى وَجْهَيْنِ. وَإِنْ أَصَابَهَا لَيْلاً أَوْ نَهَاراً، فَعَلى رِوَايَتَيْنِ، وَإِنْ أَصَابَ غَيْرَهَا لَيْلاً، لَمْ يَنْقَطِعِ التَّتَابُعُ، رِوَايَةً وَاحِدَةً. * * * ¬
فصل
فَصْلٌ وَيُجْزِىَ في الْكَفَّارَةِ مِنَ الطَّعَامِ مَا يُجْزِىَ في الْفُطْرَةِ، وَفِي الْخُبْزِ رِوَايَتَانِ، فَإِنْ كَانَ قُوتُ بَلَدِهِ غَيْرَ ذلِكَ مِنَ الْحُبُوبِ، لَمْ يُجْزِهِ عِنْدَ الْقَاضِي، وَيُجْزِىَ عِنْدَ أَبِي الخَطَّابِ. وَإذَا غَدَّى الْمَسَاكِينَ، أَوْ عَشَّاهُمْ، أَوْ أَخْرَجَ الْقِيمَةَ، لَمْ يُجْزِهِ في أَظْهَرِ الرِّوَايَتَيْنِ. وَيَصْرِفُها إِلَى أَهْلِ الْحَاجَةِ مِنْ أَهْلِ الزَّكَاةِ. وَيَقْتَصُّ لِلصَّغِيرِ وَلِيُّهُ.
فصل
فَصْلٌ إذَا اجْتَمَعَ عَلَيْهِ كَفَّارَاتٌ مِنْ جِنْسٍ، فَكَفَّرَ يَنْوِي الْكَفَّارَةَ (¬1) مُطْلَقاً، أَجْزَأَهُ عَنْ أَحَدِهَا، وَإِنْ كَانَتْ مِنْ أَجْنَاسٍ، فَكَذلِكَ عِنْدَ أَبِي الخَطَّابِ. وَعِنْدَ الْقَاضِي لا يُجْزِىَ حَتَّى يُعَيِّنَ سَبَبَهَا، وَعِنْدَ أَبِي الخَطَّابِ يُجْزِىَ بِنِيَّةٍ مُطْلَقَةٍ. وَلَوْ عَلِمَ أَنَّ عَلَيْهِ كَفَّارَةً، وَنَسِيَ سَبَبَهَا، أَجْزَأَهُ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ -نَصَّ عَلَيْهِ-. وَإذَا أَطْعَمَ مِسْكِيناً وَاحِداً في يَوْمٍ مِنْ كَفَّارَتَيْنِ، لَمْ يُجْزِهِ مَعَ وُجُودِ غَيْرِهِ. وَعَنْهُ: أَنَّه يُجْزِئُهُ. * * * ¬
كتاب اللعان
كِتَابُ اللِّعَانِ يَصِحُّ اللِّعَانُ مِنْ كُلِّ زَوْجَيْنِ عَاقِلَيْنِ بَالِغَيْنِ (¬1)، مُسْلِمَيْنِ كَانَا أَوْ ذِمِّيَّيْنِ أَوْ رَقِيقَيْنِ أَوْ فَاسِقَيْنِ، أَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا كَذَلِكَ، في أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ. وَالأُخْرَى: لا يَصِحُّ إلَّا مِنْ مُسْلِمَيْنِ عَدْلَيْنِ. وَإذَا فُهِمَتْ إشَارَةُ الأخْرَسِ، أَوْ كِنَايَتُهُ (¬2)، صَحَّ لِعَانُهُ، وَإِلَّا فَلا. وَمَنِ اعْتُقِلَ لِسَانُهُ، وَأُيِسَ مِنْ نُطْقِهِ، فَعَلَى وَجْهَيْنِ. وَلا يَصِحُّ اللِّعَانُ بِغَيْرِ الْعَرَبِيَّةِ، إِلَّا أَلَّا يُحْسِنَهَا، فيَحْتَمِلُ أَنْ يَصِحَّ بِلِسَانِهِ، وَيَحْتَمِلُ أَلَّا يَصِحَّ، وَيَتَعَلَّمُ. وَيَكُونُ اللِّعَانُ بِحَضْرَةِ الْحَاكِمِ، فَإِن كَانَتْ خَفِرَةً، بَعَثَ مَنْ يُلاعِنُ بَيْنَهُما. ¬
وَالسُّنَّةُ أَنْ يَتَلاعَنَا قِياماً في الْمَواضِعِ وَالأَزْمَانِ الَّتِي تُعَظَّمُ بِحَضْرَةِ جَمَاعَةٍ، وَلا يَجِبُ ذلِكَ. وَإِنْ بُدِىَ بِلِعَانِ الْمَرْأَةِ، لَمْ يُعْتَدَّ بِهِ. وَإِنْ بَدَّلَ لَفْظَةَ اللَّعْنَةِ بِالإِبْعَادِ، وَالْغَضَبِ بِالسَّخَطِ، أَوْ لَفْظَ أَشْهَدُ بِأُقْسِمُ، أَوْ أَحْلِفُ، لَمْ يُعْتَدَّ بِهِ في أَظْهَرِ الْوَجْهَيْنِ. وَلا تَحْصُلُ الْفُرْقَةُ قَبْلَ تَفْرِيقِ الْحَاكِمِ. وَعَنْهُ: تَحْصُلُ بِمُجَرَّدِ لِعَانِهِمَا، وَهِي فَسْخٌ. وَإذَا نَكَلَتِ الْمَرْأَةُ عَنِ اللِّعَانُ، فَهَلْ تُحْبَسُ حَتَّى تَلْتَعِنَ أَوْ تُقِرَّ أَوْ يُخَلَّى سَبِيلُهَا؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ. وَيَصِحُّ نَفْيُ الْوَلَدِ بَعْدَ مَوْتِهِ، وَإِنْ أَقَرَّ بِهِ ثُمَّ نَفَاهُ، لَمْ يَنْتَفِ، وَلَزِمَهُ الْحَدُّ. وَهلْ لَهُ إِسْقَاطُهُ بِاللِّعَانِ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ. وَكَذلِكَ إذَا أَتَتْ بِوَلَدَيْنِ، فَأَقَرَّ بِأَحَدِهِمَا، وَنَفَى الآخَرَ. وَإذَا قَذَفَ زَوْجَتَهُ، ثُمَّ أَبَانَهَا، لاعَنَ. وَإِنْ أَبَانَهَا ثُمَّ قَذَفَهَا بِزِنًا في حَالِ الزَّوْجِيَّةِ؛ فَإِنْ كَانَ هُنَاكَ وَلَدٌ، لاعَنَ لِنَفْيِهِ، وإِلا (¬1) حُدَّ وَلَمْ يُلاعِنْ. وَإِنْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ: زَنَيْتِ قَبْلَ أَنْ أتَزَوَّجَ بِكِ، حُدَّ، وَلَمْ يُلاعِنْ. ¬
وَإذَا قَذَفَ زَوْجَتَهُ، فَصَدَّقَتْهُ، أَوْ مَاتَتْ قَبْلَ لِعَانِهِ، سَقَطَ عَنْهُ الْحَدُّ، وَلَحِقَهُ النَّسَبُ. وَإذَا قَالَ: زَنَى بِكِ فُلانٌ، حُدَّ؛ لإِسقَاطِ الْحَدِّ لَهُمَا. وَإذَا أَعَادَ القَذْفَ بَعْدَ لِعَانِهِ، أَوْ أَعَادَ الأَجْنَبِيُّ الْقَذْفَ بَعْدَ الْحَدِّ، عُزِّرَ. وَإذَا قَذَفَ زَوْجَتَهُ بِزِنًا في الدُّبُرِ، لاعَنَ. وَإِنْ قَذَفَ زَوْجَتَهُ في نِكَاحٍ فَاسِدٍ، أَوْ شُبْهَةٍ، أَوْ مُكْرَهَةً، لَمْ يُلاعِنْ إِلَّا أَنْ يَكُونَ بَيْنَهُمَا وَلَدٌ يَنْفِيهِ، وَلا يَنْتَفِي (¬1) الْوَلَدُ إِلا بِذِكْرِهِ، وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: يَنْتَفِي (1) بِزَوَالِ الْفِرَاشِ. * * * ¬
فصل
فَصْلٌ وَالْقَذْفُ مُحَرَّمٌ إلَّا في مَوْضِعَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ يَرَى زَوْجَتَهُ تَزْنِي في طُهْرٍ لَمْ يُصِبْهَا فيه، فَيَعْتَزِلُها، وَتَأْتِي بِوَلَدٍ بَعْدَ ذَلِكَ بِسِتَّةِ أَشْهُرٍ فَصَاعِداً، فَإنَّهُ يَلْزَمُهُ قَذْفُهَا، وَنَفْيُ الْوَلَدِ. الثَّانِي: أَنْ يَرَاهَا تَزْني، أَو (¬1) يَسْتَفِيضُ ذَلِكَ في النَّاسِ، أَوْ يُخْبِرُهُ بِهِ ثِقَةٌ، أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ مِمَّا يَغْلِبُ عَلَى ظَنِّهِ زِنَاهَا، فَيُبَاحُ لَهُ قَذْفُهَا، وَلا يَجِبُ. وَلا يُبَاحُ الْقَذْفُ لِمُخَالَفَةِ الْوَلَدِ لَوْنَ وَالِدَيْهِ؛ لما رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ، قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي فَزَارَةَ إِلَى النَّبِي - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ: إِنَّ امْرَأَتِي وَلَدَتْ غُلاماً أَسْوَدَ -وَهُوَ حِينَئِذٍ يُعَرِّضُ أَنْ يَنْفِيَهُ-، فَقَالَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: "هَلْ لَكَ مِنْ إِبلٍ؟ "، قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: "فَمَا أَلْوَانُهَا؟ "، قَالَ: حُمْرٌ، قَالَ: "هَلْ فِيهَا مِنْ أَوْرَقَ؟ "، قَالَ: إِنَّ فِيهَا لَوُرْقاً (¬2)، قَالَ: "فَأَنَّى أَتَاهَا ذَاكَ؟ "، ¬
قَالَ: عَسَى أَنْ يَكُونَ نَزَعَهُ عِرْقٌ، قَالَ: "وَهَذَا عَسَى أَنْ يَكُونَ نَزَعَهُ عِرْقٌ"، قَالَ: وَلَمْ يُرَخِّصْ لَهُ في الِانْتِفاءِ مِنْهُ، رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ (¬1). وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: ظَاهِرُ كَلامِ أَحْمَدَ إِبَاحَةُ ذَلِكَ. وَمَنْ وُلِدَ عَلَى فِرَاشِهِ وَلَدٌ، فَأَخَّرَ نَفْيَهُ لِغَيْرِ عُذْرٍ، أَوْ رَجَا مَوْتَهُ، أَوْ هُنِّىَ بِهِ فَسَكَتَ، أَوْ أَمَّنَ عَلَى الدُّعَاءِ، لَمْ يَكُنْ لَهُ نَفْيُهُ. وَإِنْ أَخَّرَهُ لِعُذْرٍ (¬2)، أَوْ قَالَ: لَمْ أَعْلَمْ بِهِ، أَوْ لَمْ أَعْلَمْ أَنَّ لِي نَفْيَهُ، أَوْ لَمْ أَعْلَمْ أَنَّ النَّفْيَ عَلَى الْفَوْرِ، وَأَمْكَنَ صِدْقُهُ، لَمْ يَسْقُطْ نَفْيُهُ. * * * ¬
فصل
فَصْلٌ وَإذَا أَتَتْ زَوْجَتُهُ بِوَلَدٍ لا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ مِنهُ، مَثْلَ أَنْ تَأْتِيَ بِوَلَدٍ لِدُونِ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ حِينِ تَزَوُّجِهِ بِهَا، أَوْ لأَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعِ سِنينَ مِنْ حِينَ أَتَاهَا، أَوْ أَقَرَّتْ بِانْقِضَاءِ عِدَّتِهَا بِالْحَيْضِ، ثُمَّ أَتَتْ بِوَلَدٍ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ فَصَاعِداً، أَوْ طَلَّقَ الْحَامِلَ فَوَلَدَتْ، ثُمَّ وَلَدَتْ آخَرَ لأَكْثَرَ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ، أَوْ مَعَ الْعِلمِ بِأَنَّه لَمْ (¬1) يُجَامِعْهَا؛ كالَّتِي يَعْقِدُ عَلَيْهَا بِحَضْرَةِ الْحَاكِمِ ثُمَّ يُطَلِّقُهَا، أَوْ يَكُونُ بَيْنَهُمَا مَسَافَةٌ لا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ وَصَلَ إِلَيْهَا في الْمُدَّةِ الَّتِي جَاءَتْ بِالْوَلَدِ فِيهَا، أَوْ يَكُونُ الزَّوْجُ مِمَّنْ لا يَطَأُ؛ كَابْنِ سَبْعِ سِنينَ فَمَا دُونَ، وَالْمَقْطُوعِ الذَّكَرِ والأُنْثَيَيْنِ، لَمْ يُلْحَقْ نَسَبُهُ. وَلا تَنْقَضِي عِدَّتُهَا بِوَضْعِهِ (¬2) وَكَذلِكَ إِذَا أَقَرَّتْ بانْقِضَاءِ عِدَّتِهَا بِالْحِيَضِ، ثُمَّ أَتَتْ بِهِ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ فَصَاعِداً، أَوْ طَلَّقَ الْحَامِلَ فَوَلَدَتْ، ثُمَّ أَتَتْ بِوَلَدٍ آخَرَ لأَكْثَرَ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ (2). ¬
فَإِنْ طَلَّقَهَا طَلاقاً رَجْعِيّاً، ثُمَّ أَتَتْ بِوَلَدٍ لِأكْثَرَ مِنْ أَرْبَعِ سِنينَ، فَهَلْ يُلْحَقُ بِهِ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ. وَإِنْ وَطِىَ أَمَتَهُ ثُمَّ أَعْتَقَهَا فَاسْتَبْرَأَتْ، وَأَتَتْ بِوَلَدٍ لأَكْثَرَ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ حِينِ (¬1) الْعِتْقِ، لَمْ يُلْحَقْ بِهِ. وَمَنِ اعْتَرَفَ بِوَطْءِ أَمَتِهِ فِي الْفَرْجِ، أَوْ دُونَ الْفَرْجِ، لَحِقَهُ وَلَدُهَا؛ وَإِنْ ادَّعَى الْعَزْلَ، وَلا يَنْتَفِي عَنْهُ إِلَّا أَنْ يَدَّعِيَ الاسْتِبْراءَ، وَهَلْ يَحْلِفُ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ. فَصْلٌ: وَإذَا وُطِئَتْ زَوْجَتُهُ بِشُبْهَةٍ، فَأَتَتْ بِوَلَدٍ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ، فَادَّعَى الزَّوْجُ أَنَّهُ مِنَ الْوَاطِئِ، أُرِيَ الْقَافَةَ مَعَهُمَا، فَأُلْحِقَ بِمَنْ أَلْحَقُوهُ مِنْهُمَا، أَوْ بِهِمَا، وَلا يُقْبَلُ قَوْلُ الْقَائِفِ إِلَّا أَنْ يَكُونَ ذَكَراً عَدْلاً مُجَرَّباً في الإِصَابَةِ. فَإِنْ لَمْ يَكُنْ قَافَةٌ، أَوْ أَشْكَلَ عَلَيْهِمْ، انْقَطَعَ نَسَبُهُ عِنْدَ أَبِي بَكْرٍ. وَقَالَ ابْنُ حَامِدٍ: يُتْرَكُ حَتَّى يَبْلُغَ فَيَنْتَسِبَ إِلَى مَنْ شَاءَ مِنْهُمَا. وَكَذَلِكَ الْحُكْمُ في اللَّقِيطِ إذَا ادَّعَى نَسَبَهُ اثْنَانِ. فَإِنِ ادَّعَاهُ أَكْثَرُ مِنِ اثْنَيْنِ، (¬2) فَقَدْ نَصَّ أَحْمَدُ أَنَّهُ يُلْحَقُ بِثَلاثَةٍ. وَقَالَ ابْنُ حَامِدٍ: لا يَلْحَقُ أَكْثَرَ مِنِ اثْنَيْنِ (2)، وَمَا زَادَ عَلَى ثَلاثةٍ فَفِيهِ وَجْهَانِ. ¬
وَلا يُلْحَقُ بِأَكْثَرَ مِنْ أُمٍّ وَاحِدَةٍ. وَإذَا وَطِىَ الْمَجْنُونُ مَنْ لا مِلْكَ لَهُ عَلَيْهَا (¬1)، وَلا شُبْهَةَ مِلْكٍ، لَمْ يَلْحَقْهُ النَّسَبُ، وَعَلَيْهِ الْمَهْرُ إِنْ كَانَ اسْتَكْرَهَهَا. * * * ¬
كتاب العدد
كِتَابُ الْعِدَدِ وَإذَا وَضَعَتِ الْحَامِلُ مُضْغَةً، وَذكَرَ الثِّقَاتُ أَنَّهُ مُبْتَدَأُ خَلْقِ آدَمِيٍّ، فَهَلْ تَنْقَضِي بِهِ الْعِدَّةُ، أَمْ لا؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ. وَالأَقْرَاءُ: الْحِيَضُ في أصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ، وَالأُخْرَى: الأَطْهَارُ. وَيُحْتَسَبُ بِالطُهْرِ الّذِي طَلَّقَهَا فيهِ قُرْءٌ. وَإذَا أَتَى عَلَى الصَّغِيرَةِ زَمَانُ الْحَيْضِ فَلَمْ تَحِضْ، فَهَلْ تَعْتَدُّ عِدَّةَ الصَّغِيرَةِ، أم عِدَّةَ مَنِ ارْتَفَعَ حَيْضُها لِغَيْرِ عَارِضٍ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ. وَكَذَلِكَ الْحُكْمُ في النَّاسِيَةِ الْمُسْتَحَاضَةِ. وَإذَا حَاضَتِ الصَّغِيرَةُ في أَثْنَاءِ الْعِدَّةِ، وَقُلْنَا: الأَقْرَاءُ الأَطْهَارُ، فَهَلْ تَعْتَدُّ بِمَا مَضَى فَهُوَ قُرْءٌ؟ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ. وَعِدَّةُ الْمَزْنيِّ بِهَا وَالْمَوطُوءَةِ بِشُبْهَةٍ عِدَّةُ الْمُطَلَّقَةِ. وَعَنْهُ: أَنَّهَا تَسْتَبْرِىَ بِحَيْضَةٍ. وَعِدَّةُ الْمُعْتَقِ بَعْضُهَا بِالْحِسَابِ مِنْ عِدَّةِ حُرَّةٍ وَ (¬1) عِدَّة أَمَةٍ. ¬
وَإذَا مَاتَ زَوْجُ الْمُعْتَدَّةِ الرَّجْعِيَّةِ في الْعِدَّةِ، اعْتَدَّتْ بِأَرْبَعَةِ أشْهُرٍ وَعَشْرٍ. فَإِنْ كَانَ الطَّلاقُ بَائِناً، اعْتَدَّتْ بِأَطْوَلِ الأَجَلَيْنِ مِنْ عِدَّةِ الْوَفَاةِ أَوْ عِدَّةِ الطَّلاقِ. وَإذَا ظَهَرَ بِالْمُتَوَفَّى عَنْهَا أَمَارَاتُ الْحَمْلِ في عِدَّتِهَا، لَمْ تَزَلْ في عِدَّةٍ حَتَّى تَزُولَ الرِّيْبَةُ، فَإِنْ ظَهَرَ بِهَا ذَلِكَ بَعْدَ انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا وَتَزَوُّجِهَا، نَظَرْنَا، فَإِنْ وَضَعَتْهُ لأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ حِيْنِ الْعَقْدِ، فَالنِّكَاحُ بَاطِلُ، وَإِنْ لن يَكُنْ حَمْلاً، أَوْ وَضَعَتْهُ لأَكْثَرَ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ، فَهُوَ صَحِيحٌ. وَإذَا انْقَطَعَ خَبَرُ الزَّوْجِ بِغَيْبَةٍ ظَاهِرُهَا السَّلامَةُ، فَالزَّوْجِيَّةُ قَائِمَةٌ حَتَّى يَثْبُتَ مَوْتُهُ، وَإِنْ كَانَ ظَاهِرُهَا الْهَلاكَ؛ كَالَّذِي يُفْقَدُ مِنْ بَيْنِ أَهْلِهِ، أَوْ يَنْكَسِرُ بِهِمُ الْمَرْكَبُ، وَلا يُعْرَفُ خَبَرُهُ، أَوْ يُفْقَدُ بَيْنَ الصَّفَّيْنِ، أَوْ في طَرِيقِ مَكَّةَ، وَلا يُعْلَمُ خَبَرُهُ، فَإِنَّ زَوْجَتَهُ تَتَرَبَّصُ أَرْبَعَ سِنِينَ، وَتَعْتَدُّ لِلْوَفَاةِ، وَتَحِلُّ لِلأَزْوَاجِ. وَعَنْهُ: التَّوَقُّفُ عَنِ الْجَوَابِ. وَهَلْ يَفْتَقِرُ ذَلِكَ إِلَى رَفْعِ الأَمْرِ إِلَى الْحَاكِمِ لِيَحْكُمَ بِضَرْبِ الْمُدَّةِ وَفُرْقَةِ الْوَفَاةِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ. وعَنْهُ: التَّوَقُّفُ عَنِ الْجَوَابِ (¬1). فَإِنْ تَزَوَّجَتْ، ثُمَّ قَدِمَ زَوْجُها، رُدَّتْ إِلَيْهِ. ¬
وَعَنْهُ: أَنَّهُ إذَا قَدِمَ بَعْدَ دُخُولِهَا، خُيِّرَ بَيْنَ أَخْذِهَا أَوْ تَرْكِهَا مَعَ الثَّانِي، وَيَأخُذُ صَدَاقَهَا مِنْهُ، وَفِي مِقْدَارِهِ رِوَايَتَانِ: أَحَدُهُمَا: صَدَاقُ الأَوَّلِ. وَالثَّانِي: صَدَاق الثَّانِي. وَإذَا رَاجَعَ زَوْجَتَهُ أَو (¬1) طَلَّقَهَا طَلاقاً بَائِناً، ثُمَّ تَزَوَّجَهَا في عِدَّتِهَا، ثُمَّ طَلَّقَهَا بَعْدَ الدُّخُولِ، أَوْ وَطِئَهَا بِشُبْهَةٍ، اسْتَأْنَفَتِ الْعِدَّةَ، وَإِنْ كَانَ قَبْلَ وَطْئِهَا، بَنَتْ عَلَى الْعِدَّةِ الأولى. وَعَنْهُ: أَنَّها تَسْتَأنِفُ الْعِدَّةَ. * * * ¬
فصل في أحكام العدد
فَصْلٌ في أَحْكَامِ الْعِدَدِ عَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ قَالَتْ: "طَلَّقَهَا زَوْجُهَا الْبَتَّةَ، فَخَاصَمَتْهُ إِلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - في السَّكَنِ وَالنَّفَقَةِ، قَالَتْ: فَلَمْ يَجْعَلْ لِي سُكْنَى وَلا نَفَقَةً" رَوَاهُ مُسْلِمٌ (¬1). وَلا سُكْنَى وَلا نَفَقَةَ لِحَائِلٍ غَيْرِ الرَّجْعِيَّةِ. وَعَنْهُ: أَنَّ السُّكْنَى تَجِبُ لِلْبَائِنِ. فَأَمَّا الْحَامِلُ، فَإِنْ كَانَ حَمْلُهَا مِنْ زِنًا، فَلا سُكْنَى لَهَا وَلا نَفَقَةَ بِحَالٍ، وَإِنْ كَانَ مِنْ نِكَاحٍ، وَهِيَ بَائِن بِفَسْخٍ أَوْ طَلاقٍ، فَلَهَا السُّكْنَى وَالنَّفَقَةُ. وَهَلْ تَجِبُ النَّفَقَةُ لِلْحَمْلِ أَمْ لِلْحَامِلِ لأَجْلِهِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ. فَإِنْ قُلْنَا: تَجِبُ لِلْحَمْلِ، فَلا نَفَقَةَ لَهَا إذَا كَانَ أَحَدُهُمَا رَقِيقاً. وَتَجِبُ لِلْمَوْطُوءَةِ بِشُبْهَةٍ، وَفِي نِكَاحٍ فَاسِدٍ، وَلِلنَّاشِزِ. وَإِنْ قُلْنَا: تَجِبُ لِلْحَامِلِ لأَجْلِهِ، انْعَكَسَتْ هذِهِ الأَحْكَامُ. ¬
وَتَجِبُ النَّفَقَةُ لِمُدَّةِ الْحَمْلِ. وَإِنْ أَنْفَقَ عَلَيْهَا، ثُمَّ بَانَ أَنَّهُ لَيْسَ بِحَمْلٍ، فَهَلْ يَرْجِعُ عَلَيْهَا بِمَا أَنْفَقَ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ. فَأَمَّا الْحَامِلُ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا، فَهَلْ لَهَا النَّفَقَةُ وَالسُّكْنَى؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ. وَلا نَفَقَةَ لِمُرْتَدَّةٍ. وَعَلَى الْمُرْتَدِّ نَفَقَةُ زَوْجَتِهِ لِمُدَّةِ الْعِدَّةِ.
فصل في الإحداد
فَصْلٌ في الإِحْدَادِ رَوَى مُسْلِمٌ عَنْ أُمِّ حَبِيبَةَ وَزَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ زَوْجَتَيْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَتَا: سَمِعْنَا رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "لا يَحِلُّ لامْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ تُحِدُّ عَلَى مَيِّتٍ فَوْقَ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ إِلَّا عَلَى زَوْجٍ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً" (¬1). وَالْمُسْلِمَةُ وَغَيْرُهَا، وَالصَّغِيرَةُ والأَمَةُ، سَوَاءٌ في الإحْدَادِ. وَلا إِحْدَادَ في غَيْرِ عِدَّةِ الْوَفَاةِ إِلَّا عَلَى الْبَائِنِ مِنْ نِكَاحٍ صَحِيحٍ عَلَى إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ. وَهُوَ اجْتِنَابُ مَا يَدْعُو إِلَى جِمَاعِهَا؛ كَالْحُلِيِّ وَالْمُلَوَّنِ مِنَ الثِّيابِ لِلتَّحْسِينِ، وَالْحِنَّاءِ وَالْخِضَابِ وَالْحِفَافِ وَنَحْوِ ذَلِكَ. وَتَجِبُ عِدَّةُ الْوَفَاةِ في الْمَنْزِلِ الَّذِي وَجَبَتْ فيِه، إِلَّا أَنْ تَدْعُوَ ضَرُورَةٌ ¬
إِلَى خُرُوجِهَا مِنْهُ بِأَنْ يُحَوِّلَهَا مَالِكُهُ، أَوْ تَخْشَى عَلَى نَفْسِهَا، فَتَنْتَقِلَ إِلَى أَقْرَبِ مَا يُمْكِنُها. وَلا تَخْرُجُ لَيْلاً، وَلَهَا الْخُرُوجُ نَهاراً. وَإذَا أَذِنَ زَوْجُهَا بِالنُّقْلَةِ إِلَى بَلَدٍ آخَرَ، ثُمَّ مَاتَ بَعْدَ ذَلِكَ، فَهَلْ يَلْزَمُهَا الْمُضِيُّ لِقَضَاءِ الْعِدَّةِ في الْبَلَدِ الَّذِي قَصَدَتْهُ، أَوْ تَكُونُ مُخَيَّرَةً بَيْنَ الْبَلَدَيْنِ؟ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ. وَلا يَلْزَمُ الِاعْتِدَادُ في مَنْزِلهَا في غَيْرِ عِدَّةِ الْوَفَاةِ.
فصل في الاستبراء
فَصْلٌ في الاِسْتِبْرَاءِ وَتَسْتَبْرِىَ الَّتِي لا تَحِيضُ بِشَهْرٍ. وَعَنْهُ: ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ. وَهَلْ يَجِبُ اسْتِبْرَاءُ الصَّغِيرَةِ الَّتِي لا يُوْطَأُ مِثْلُها؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ. وَإذَا أَسْلَمَتِ الْكَافِرَةُ الْمُحَرَّمَةُ، حَلَّتْ لِسَيِّدِهَا بِغَيْرِ استِبْرَاءٍ. وَإذَا حَاضَتِ الأَمَةُ في يَدِ الْبَائِعِ قَبْلَ الْقَبْضِ، أَوْ في مُدَّةِ الْخِيَارِ، حَصَلَ بِذَلِكَ الِاسْتِبْرَاءُ. وَعَنْهُ: لا يَحْصُلُ. وَإذَا رُدَّتْ عَلَى الْبَائِعِ بِفَسْخٍ أَوْ إِقَالَةٍ، لَزِمَهُ استِبْرَاؤهَا إِنْ كَانَ بَعْدَ الْقَبْضِ، وَإِنْ كَانَ قَبْلَهُ، فَعَلى رِوًّاَيَتَيْنِ. وَلَوِ اشْتَرَى أَمَةً مُزَوَّجَةً، فَطَلَّقَهَا الزَّوْجُ، هَلْ يَدْخُلُ الِاستِبْرَاءُ في الْعِدَّةِ؟ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ. وَإِنْ كَانَ طَلاقُهَا قَبْلَ الدُّخُولِ، لَمْ تُبَحْ بِغَيْرِ اسْتِبْرَاءٍ.
وَلَوْ أَعْتَقَ الْمُشْتَرِي الأَمَةَ قَبْلَ الِاسْتِبْرَاءِ، أَوْ تَزَوَّجَهَا، لَمْ يَصِحَّ الْعَقْدُ حَتَّى يَسْتَبْرِئَهَا. وَإذَا اشْتَرَى عَبْدُهُ التَّاجِرُ أَمَةً، فاشْتَرَاهَا، أوِ اشْتَرَى مُكاتَبُهُ ذَوِي رَحِمِه، فَحِضْنَ عِنْدَهُ، ثُمَّ صُرِفَ إِلَى السَّيِّدِ، لَمْ يَلْزَمْهُ اسْتِبْرَاءٌ. وَمَنْ لَزِمَهُ اسْتِبْرَاؤُهَا، لَمْ يَحِلَّ لَهُ التَّلَذُّذُ بِهَا بِاللَّمْسِ وَالنَّظَرِ، إِلَّا الْمَسْبِيَّةَ؛ فَإِنَّهَا عَلَى رِوَايَتَيْنِ. وَإذَا أَعْتَقَ السَّيِّدُ أُمَّ وَلَدِهِ وَهِيَ في عِدَّةٍ مِنْ زَوْجٍ، لَمْ يَلْزَمْهَا اسْتِبْرَاءٌ. فَإِنْ مَاتَ زَوْجُهَا وَسَيِّدُهَا، وَلَمْ يُعْلَمِ السَّابِقُ مِنْهُمَا، وَبَيْنَ مَوْتهِمَا أَقَلُّ مِنْ شَهْرَيْنِ وَخَمْسَةِ أَيَّامٍ، فَعَلَيْهَا أَنْ تَعْتَدَّ بَعْدَ مَوْتِ الأَخِيرِ مِنْهُمَا عِدَّةَ الْحُرَّةِ مِنَ الْوَفَاةِ، وَلا اسْتِبْرَاءَ. وَإِنْ كَانَ بَيْنَهُمَا أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ، أَوْ جُهِلَتِ الْمُدَّةُ، لَزِمَهَا بَعْدَ الأَخِيرِ مِنْهُمَا الأَكْثَرُ مِنْ عِدَّةِ الْوَفَاةِ، وَالِاسْتِبْرَاءِ بِحَيْضَةٍ، وَلا مِيْرَاثَ لَهَا. وَإذَا اشْتَرَكَ اثْنَانِ في وَطْءِ أَمَةٍ، لَزِمَهَا اسْتِبْرَاءَانِ. وَإذَا اشْتَرَى أَمَةً، فَوَلَدَتْ عِنْدَه لِدُونِ سِتَّةِ أَشْهُرٍ، فَادَّعَاهُ الْبَائِعُ، وَصَدَّقَهُ الْمُشْتَرِي، فكَذَلِكَ، وَإِنْ لَمْ يُصَدِّقْهُ، لَمْ يَلْحَقْهُ، وَالْبَيْعُ بِحَالِهِ. وَكَذَلِكَ إِنْ أَتَتْ بِهِ لِدُونِ سِتَّةِ أَشْهُرٍ، وَإِنْ لَمْ يَكُنِ الْبَائِعُ أَقَرَّ بِالْوَطْءِ، وَيَحْتَمِلُ أَنَّ النَّسَبَ يَلْحَقُ بِالْبَائِعِ (¬1) هَاهُنا، وَيَكُون عَبْداً لِلمُشْتَرِي. ¬
كتاب الرضاع
كِتَابُ الرَّضَاعِ وَعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: "كَانَ فِيمَا أُنْزِلَ مِنَ الْقُرْآنِ: عَشْرُ رَضَعَاتٍ مَعْلُومَاتٍ يُحَرِّمْنَ، ثُمَّ نُسِخْنَ بِخَمْسٍ مَعْلُومَاتٍ" رَوَاهَ مُسْلِمٌ (¬1). وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا في حَدِّ الرَّضْعَةِ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: إذَا ارْتَضَعَ، ثُمَّ قُطِعَ لِلتَّنَفُّسِ أولا لأمْرٍ (¬2) مَنْ يُلْهِيهِ، أَوْ قَطَعَتْ عَنْهُ الْمُرْضِعَةِ، أَوْ انْتَقَلَ إِلَى ثَدْيٍ آخَرَ، أَوْ إِلَى امْرَأَةٍ أُخْرَى، فَهِي رَضْعَةٌ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلامِ أَحْمَدَ. وَقَالَ ابْنُ حَامِدْ: لا يُعْتَدُّ بِهِ رَضْعَةً إذَا لَمْ يَطُلِ الْفَصْلُ بَيْنَهُمَا. وَالْحُقْنَةُ لا تَنْشُرُ الْحُرْمَةَ. وَفِي السَّعُوطِ وَالْوَجُورِ رِوَايَتَانِ. فَلَوْ ثَابَ لِرَجُلٍ لَبَنٌ (¬3) أَوْ لِخُنْثَى مُشْكِلٍ، لَمْ يَنْشُرِ الْحُرْمَةَ. ¬
وَفِي لَبَنِ الْمَرْأَةِ إذَا ثَابَ مِنْ غَيْرِ حَمْلٍ تَقَدَّمَ رِوَايَتَانِ. قَالَ ابْنُ أَبِي مُوسَى: أَظْهَرُهُمَا أَنَّهُ رَضَاعٌ. وَيَنْشُرُ حُرْمَةَ الرَّضَاعِ مِنَ الْمُرْتَضِعِ إِلَى أَوْلادِهِمْ وَإِنْ سَفُلُوا دُونَ مَنْ هُوَ في درَجَتِهِ وَمَنْ هُوَ أَعْلَى مِنْهُ؛ كَإخْوَتهِ وَأَخَوَاتِهِ، وَأَعْمَامِهِ وَعَمَّاتِهِ، وَأَخْوَالِهِ وَخَالاتِهِ. إذَا كَانَ لِرَجُلٍ ثَلاثُ بَنَاتِ زَوْجَةٍ، فَأَرْضَعْنَ ثَلاثَ زَوْجَاتٍ لَهُ صِغَارٍ دَفْعَةً وَاحِدَةً، حَرُمَتْ عَلَيْهِ الْكَبِيرَةُ، وَالصِّغَارُ يَحْرُمْنَ إِنْ كَانَ دَخَلَ بِالْكَبِيرَةِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ دَخَلَ بِهَا، فَهَلْ يَنْفَسِخُ نِكَاحُهُنَّ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ. وَمَنْ أَفْسَدَ عَلَى الزَّوْجُ نِكَاحَ زَوْجَتِهِ في الرَّضَاعِ، لَزِمَهُ نِصْفُ الْمَهْرِ. فَلَوْ دَبَّتْ زَوْجَتَهُ الصَّغِيرَةُ إِلَى زَوْجَتِهِ الكَبِيرَةِ وَهِيَ نَائِمَةٌ، أَوْ مُغْمًى عَلَيْهَا، فَارْتَضَعَتْ مِنْهَا، حَرُمَتِ الْكَبِيرَةُ، وَعَلَيْهِ مَهْرُهَا، أَوْ نِصْفُهُ إِنْ كَانَ قَبْلَ الدُّخُولِ، وَيَرْجِعُ بِهِ عَلَى مَالِ الصَّغِيرَةِ. وَإذَا كَانَ لِرَجُلٍ خَمْسُ أُمَّهَاتِ أَوْلادٍ، فَأَرْضَعْنَ طِفْلاً، كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ رَضْعَةً، صَارَ السَّيِّدُ أَباً لَهُ في قَوْلِ ابْنِ حَامِدٍ، وَلَمْ يَصِرْنَ أُمَّهَاتٍ لَهُ. وَإذَا تَزَوَّجَ بامْرَأَةٍ ذَاتِ لَبَنٍ مِنْ زَوْجٍ، فَحَبلَتْ مِنْهُ، وَزَادَ لَبَنُهَا، فَأَرْضَعَتْ بِهِ طِفْلاً، صَارَ ابْناً لَهُمَا، فَإِنِ انْقَطَعَ اللَّبَنُ مِنَ الأَوَّلِ، ثُمَّ ثَابَ بِحَمْلِهَا مِنَ الثَّانِي، فكَذَلِكَ في قَوْلِ أَبِي بَكْرٍ.
وَقَالَ أبُو الخَطَّابِ: يَكُونُ ابْناً لِلثَّانِي فَقَطْ. وَإذَا وَطِىَ رَجُلانِ امْرَأةً، فَأَتَتْ بِوَلَدٍ، فَأَرْضَعَتْ بِلَبَنِهِ طِفْلاً، صَارَ وَلَداً لِمَنْ ثَبَتَ نَسَبُ الْمَوْلُودِ مِنْهُ، فَإِنْ مَاتَ، وَلَمْ يَثْبُتْ نَسَبُهُ، فَالْمُرْتَضِعُ ابْنٌ لَهُمَا. وَلَبَنُ الزَّانِي لا يَنْشُرُ الْحُرْمَةَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الطِّفْلِ الْمُرْتَضِعِ إِلَّا عَلَى قَوْلِ أَبِي بَكْرٍ. وَكَذَلِكَ لَبَنُ الْوَلَدِ الْمَنْفِيِّ بِاللِّعَانِ. وَإذَا ادَّعَتِ امْرَأَةٌ أَنَّ رَجُلاً أَخُوهَا مِنَ الرِّضَاعِ، لَمْ يَحِلَّ لَهَا أَنْ تَتَزَوَّجَ بِهِ. وَإذَا أَقَرَّ رَجُلٌ أَنَّ امْرَأَةً ابْنَتُهُ مِنَ الرَّضَاعِ، وَهِيَ أَكْبَرُ مِنْهُ، لَمْ تَحْرُمْ عَلَيْهِ؛ لِأنَّنَا نَتَحَقَّقُ كَذِبَهُ.
كتاب النفقات
كِتَابُ النَّفَقَاتِ رَوَى الْبُخَارِيُّ عَنْ عُمَرَ: أَنَّ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -[كَانَ] يَبِيعُ نَخْلَ بَنِي النَضِيرِ، وَيَحْبِسُ لأَهْلِهِ قُوتَ سَنَتِهِمْ (¬1). وَقَالَ - صلى الله عليه وسلم -: "أَفْضَلُ الصَّدَقَةِ مَا تَرَكَ (¬2) عَنْ ظَهْرِ غِنًى، وَالْيَدُ الْعُلْيَا خَيْرٌ مِنَ الْيَدِ السُّفْلَى، وَابْدَأْ بِمَنْ تَعُولُ" (¬3). وَنَفَقَةُ الزَّوْجَةِ مُعْتَبَرَةٌ بِحَالِ الزَّوْجَيْنِ، فَيَجْتَهِدُ الْحَاكِمُ في مِقْدَارِ ذَلِكَ، فَيَفْرِضُ لِلْمُوسِرَةِ تَحْتَ الْمُوسِرِ قَدْرَ كِفَايَتِهَا مِنْ أَرْفَعِ خُبْزٍ في الْبَلَدِ، وَمَا يُضَاهِيهِ مِنَ الأُدْمِ وَاللَّحْمِ مَرَّتَيْنِ في الأُسْبُوعِ. وَالْكِسْوَةُ جَيِّدُ الْكَتَّانِ وَالْقُطْنِ وَالْخَزِّ (¬4) وَالإِبْرِيسَمِ، وَأَقَلُّهُ قَمِيصٌ ¬
وَوِقَايَةٌ وَسَرَاوِيلُ وَمِقْنَعَةٌ وَمَدَاسٌ وَجُبَّةٌ في الشِّتَاءِ. وَلِلنَّوْمِ فِرَاشٌ وَلِحَافٌ وَمِخَدَّةٌ وَإِزَارٌ. وَلِلْجُلوسِ في النَّهَارِ الْحَصِيرُ وَالزِّلِّيُّ، وَأَشْبَاهُ ذَلِكَ. وَيَفْرِضُ لِلْفَقِيرَةِ تَحْتَ الْفَقِيرِ دُونَ قُوتِ الْبَلَدِ مِنَ الْخُبْزِ، وَمَا يُضَاهِيهِ مِنَ الأُدْمِ وَاللَّحْمِ في كُلِّ شَهْرٍ مَرَّةً. وَالْكِسْوَةُ غَلِيظُ الْكَتَّانِ وَالقُطْنِ. وَلِلنَّوْمِ الْمُبَطَّنَةُ، وَالْبارِيةُ لِلْجُلُوسِ. وَلِلْمُتَوَسِّطَةِ تَحْتَ الْمُتَوَسِّطِ مَا بَيْنَ ذَلِكَ مِنَ الْخُبْزِ وَالأُدْمِ وَالْكِسْوَةِ، وَلِلنَّوْمِ اللِّحَافُ وَالْحَصِيرُ، وَلِلْجُلُوسِ اللِّبْدُ وَغَلِيظُ الْحُصُرِ، وَلا يَلْزَمُهُ أَنْ يُمَلِّكَهَا خَادِماً. فَإِنْ كَانَ مِثْلُها لا تَخْدِمُ نَفْسَهَا، وَكَانَتْ مَرِيضَةً، لَزِمَهُ نَفَقَةُ خَادِمٍ بِمِقْدَارِ نَفَقَةِ الْفَقِيرَيْنِ، فَإِنْ كَانَ لَهَا خَادِمٌ، جَازَ، فَإِنِ اشْتَرَاهُ أَوِ اسْتَأْجَرَهُ، جَازَ، وَلا يَلْزَمُهُ مُؤْنَةُ (¬1) أَكْثَرَ مِنْ خَادِمٍ وَاحِدٍ. فَإِنْ قَالَ الزَّوْجُ: أَنَا أَخْدُمُكِ بِنَفْسِي، فَهَلْ يَلْزَمُهَا قَبُولُ ذَلِكَ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ. وَإِنْ قَالَت: أَنَا أَخْدُمُ نَفْسِي، وَآخَذُ مَنْكَ مَا يَلْزَمُ لِخَادِمِي، لَمْ يَكُنْ لَهَا ذَلِكَ. ¬
وَعَلَيْهِ دَفْعُ النَّفَقَةِ إِلَيْهَا في صَدْرِ نَهَارِ كُلِّ يَوْمٍ، فَإِنِ اتَّفَقَا عَلَى تَأْخِيرِهَا، جَازَ، وَإِنِ اتَّفَقَا عَلَى تَعْجِيلِ نَفَقَةِ الشَّهْرِ أَوْ السَّنَةِ، جَازَ، وَإِنْ طَلَبَ أَحَدُهُمَا دَفْعَ الْقِيمَةِ، لَمْ يَلْزَمْ ذَلِكَ. فَإذَا قَبَضَتِ النَّفَقَةَ، فَلَهَا التَّصَرُّفُ فِيهَا عَلَى وَجْهٍ لا يَضُرُّ بِهَا، وَلا يُنْهِكُ بَدَنَها. وَإذَا دَفَعَ إِلَيْهَا كِسْوَةَ السَّنَةِ، فَتَلِفَتْ، لَمْ يَلْزَمْهُ عِوَضُهَا. وَإِنِ انْقَضَتِ السَّنَةُ وَهِيَ صَحِيحَةٌ، فَعَلَيْهِ كِسْوَةُ السَّنَةِ الأُخْرَى، وَيَحْتَمِلُ أنْ لا يَلْزَمُهُ. وَإِنْ طَلَّقَ الزَّوْجَةَ فِي أَثْنَاءِ السَّنَةِ، فَهَلْ لَهُ الرُّجُوعُ في قِسْطِ نَفَقَةِ السَّنَةِ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ. وَعَلَيْهِ مَا يَعُودُ بنَظَافَةِ الْمَرْأَةِ مِنَ الدُّهْنِ وَالسِّدْرِ وَالْمُشْطِ وَالْماءِ، وَلا يَجِبُ ثَمَنُ الطِّيبِ وَالْحِنَّاءِ وَالْخِضَابِ إِلَّا أَنْ يُرِيدَ مِنْهَا التَّزَيُّنَ بِذَلِكَ. وَلَيْسَ عَلَيْهِ لِلْخَادِمِ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ. وَلا يَلْزَمُهُ ثَمَنُ الأَدْوِيَةِ وَأُجْرَةُ الطَّبِيبِ.
فصل
فَصْلٌ وَإذَا بَذَلَتِ الْمَرْأَةُ تَسْلِيمَ نَفْسِهَا، وهِيَ رَتْقَاءُ، أَوْ مَرِيضَةٌ، أَوْ حَائِضٌ، أَوِ الزَّوجُ عَاجِزٌ عَنِ الوَطْءِ (¬1)، فَلَهَا النَّفَقَةُ، وَكَذَلِكَ إِنْ كَانَ الزَّوْجُ عَاجِزاً عَنِ الْوَطْءِ. فَإِنْ بَذَلَتِ التَّسْلِيمَ، وَالزَّوْجُ غَائِبٌ، لَمْ يَفْرِض لَهَا حَتَّى يُرَاسِلَهُ الْحَاكِمُ، وَيَمْضِيَ زَمَانٌ يُقْدَمُ في مِثْلِه. فَإِنْ تَطَوَّعَتْ بِصَوْمٍ أَوْ حَجٍّ، أَوْ أَحْرَمَتْ بِحَجٍّ مَنْذُورٍ في الذِّمَّةِ، فَلا نَفَقَةَ لَهَا. وَإِنْ أَحْرَمَتْ بِحِجَّةِ الإِسْلامِ، أَوْ صَامَتْ رَمَضَانَ، فَلَهَا النَّفَقَةُ. فَإِنْ أَحْرَمَتْ بِحَجٍّ مَنْذُورٍ مُعَيَّنٍ في وَقْتِهِ، فَعَلَى وَجْهَيْنِ. وَإذَا غَابَ الزَّوْجُ، وَلَمْ يَتْرُكْ للزَّوْجَةِ نَفَقَةً، فَلَهَا النَّفَقَةُ لِمَا مَضَى مِنَ الْمُدَّةِ في إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ، وَالأُخْرَى: لَيْسَ لَهَا [إِلَّا] أَنْ يَكُونَ الْحَاكِمُ قَدْ فَرَضَ لَهَا. ¬
فصل
وَهَلْ (¬1) تَجِبُ نَفَقَهُ الْحَامِلِ الْبَائِنِ لِلْحَمْلِ أَوْ لِلْحَامِلِ؟ على رِوَايَتَيْنِ. فَإِنْ قُلْنَا: تَجِبُ لِلْحَمْلِ، فَلا نَفَقَةَ لَهَا إِذَا كانَ أَحَدُهُما رَقِيقاً، وَلا يَجِبُ لِلنَّاشِزِ وَالْمَوْطُوءَةِ بِشُبْهَةٍ وَفِي نِكَاحٍ فَاسِدٍ. وَإنْ قُلْنَا: يَجِبُ لَهُ لأَجْلِهِ، انْعَكَسَتْ هذِهِ الأَحْكامُ. وَتَجِبُ النَّفَقَةُ لِلْبَائِنِ الْحَامِلِ تَأْخُذُهَا في كُلِّ يَوْمٍ -نَصَّ عليه-. فَإِنْ لَمْ يُنْفِقْ عَلَيْهَا، اسْتَحَقَّتِ النَّفَقَةَ لِمُدَّةِ الْحَمْلِ، وَإِنْ أَنْفَقَ عَلَيْهَا، ثُمَّ بَانَ أَنَّهُ لَيْسَ بِحَمْلٍ، فَهَلْ يَرْجِعُ عَلَيْهَا بِمَا أَنْفَقَ؟ رِوَايَتَيْنِ. وَلا نَفَقَةَ لِمُرْتَدٍّ، وَعَلَى المرتَدِّ نَفَقَةُ زَوْجَتِهِ لِمُدَّةِ الْعِدَّةِ (1) فَصْلٌ: وَإذَا أَعْسَرَ الزَّوْجُ بِنَفَقَةِ زَوْجَتِهِ، أَوْ بِكِسْوَتِهَا، أَوْ بِبَعْضِ قُوتِهَا (¬2)، فَلَهَا الْخِيَارُ بَيْنَ الْفَسْخِ وَالإقَالَةِ، وَتُجْعَلُ النَّفَقَةُ دَيْناً في ذِمَّتِهِ، وَإِنِ اخْتَارَتِ الْمُقَامَ، ثُمَّ بَدَا لَهَا الْفَسْخُ، فَلَهَا ذَلِكَ. وَإِنْ أَعْسَرَ بِنَفَقَةِ الْمُوسِرِ أَوْ الْمُتَوَسِّطِ، وَبالأُدْمِ، أَوْ بِنَفَقَةِ الْخَادِمِ، لَمْ يُفْسَخْ، وَكَانَتْ النَّفَقَةُ (¬3) دَيْناً في ذِمَّتِهِ. وَقَالَ الْقَاضِي: لا يَثْبُتُ في ذِمَّتِهِ. ¬
وَإِنْ أَعْسَرَ بِالنَّفَقَةِ الْمَاضِيَةِ، لَمْ يَثْبُتِ الْفَسْخُ. وَإِنْ أَعْسَرَ بِالسُّكْنَى، احْتَمَلَ بِهِ وَجْهَيْنِ. وَإِنْ أَعْسَرَ زَوْجُ الأَمَةِ، فَرَضِيَتْ بِالْمُقَامِ، لَمْ يَكُنْ لِسَيِّدِهَا الْفَسْخُ. وَكَذَلِكَ إذَا أَعْسَرَ زَوْجُ الصَّغِيرَةِ وَالْمَجْنُونَةِ لَمْ يَكُنْ لِلْوَليِّ الْفَسْخُ. وَيَحْتَمِلُ أَنَّ لَهُمَا ذَلِكَ. وَإذَا قَطَعَ الزَّوْجُ النَّفَقَةَ مَعَ الْيَسَارِ، أَجْبَرَهُ الْحَاكِمُ عَلَيْهَا، وَحَبَسَهُ، فَإِنْ غَيَّبَ مَالَهُ، وَصَبَرَ عَلَى الْحَبْسِ، فَقَالَ الْقَاضِي: لا يَثْبُتُ لَهَا الْفَسْخُ. وَعِنْدَ أَبِي الخَطَّابِ: يَثْبُتُ لَهَا ذَلِكَ، وَيأْمُرُهُ الْحَاكِمُ بِالطَّلاقِ، فَإِنْ طَلَّقَ، وَإِلَّا طَلَّق عَلَيْهِ. وَإذَا اخْتَلَفَا في بَذْلِ التَّسْلِيمِ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ الزَّوْجِ، وَإِنِ اخْتَلَفَا في النُّشُوزِ بَعْدَ التَّسْلِيمِ (¬1)، فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا. * * * ¬
فصل في نفقة الأقارب
فَصْلٌ في نَفَقَةِ الأَقَارِبِ وَمَنْ كَانَ لَهُ مَا يَفْضُلُ مِنْ قُوتِهِ وَقُوتِ زَوْجَتِهِ في كُلِّ يَوْمٍ مَا يُنْفِقُهُ عَلَى مَوْرُوثِهِ، لَزِمَهُ ذَلِكَ إذَا كَانَ طِفْلاً فَقِيراً لا حِرْفَةَ لَهُ. فَإِنْ كَانَ مُكَلَّفاً صَحِيحاً لا حِرْفَةَ لَهُ، فَكَلامُ أَحْمَدَ -رَحِمَهُ الله- يَحْتَمِلُ رِوَايَتَيْنِ. وَكَذَا إِنْ كَانَ الْمَوْرُوثُ غَيْرَ وَارِثٍ؛ كَالْعَمَّةِ مَعَ ابْنِ أَخِيهَا، وَالْمَوْلَى مَعَ عَتِيقِهِ، فَعَلَى رِوَايَتَيْنِ. وَلَيْسَ عَلَيْهِ نَفَقَةُ ذَوِي الأَرْحَامِ، رِوَايَةً وَاحِدَةً. وقَالَ أَبُو الخَطَّابِ: يُخَرَّجُ عَلَى رِوَايَتَيْنِ. وَإذَا فَضَلَ عِنْدَهُ مَا يُنْفِقُ عَلَى واحِدٍ، وَلَهُ أَبٌ وَأُمٌّ، فَهُوَ بَيْنَهُمَا، فَإِنْ كَانَ لَهُ أَبٌ وابْنٌ، فَأَيَّهُمَا يُقدِّمُ؟ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ. وَالأَبُ أَحَقُّ مِنَ الْجَدِّ، وَالِابْنُ أَحَقُّ مِنِ ابْنِ الِابْنِ. وَمَنْ لَهُ ابْن فَقِيرٌ وَأَخٌ مُوسِرٌ، فَلا نَفَقَةَ لَهُ عَلَيْهِما. وَمَنْ لَمْ يُنفِقْ عَلَى مَوْرُوثِهِ مُدَّةً، لَمْ يَلْزَمْهُ عِوَضُ ذَلِكَ.
وَمَنْ لَزِمَهُ نَفَقَةُ شَخْصٍ، فَهَلْ يَلْزَمُهُ نَفَقَةُ زَوْجَتِهِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ. وَلا يَجِبُ نَفَقَةُ الأَقَارِبِ مَعَ اخْتِلافِ الدِّيْنِ. وَقَالَ الْقَاضِي: في عَمُودَي النَّسَبِ رِوَايَتَانِ.
فصل في كفالة الطفل
فَصْلٌ في كَفَالَةِ الطِّفْلِ وَأَحَقُّ النَّاسِ بِهَا أُمُّهُ، ثُمَّ أُمَّهَاتُهَا، ثُمَّ الأَبُ، ثُمَّ أُمَّهَاتُهُ، ثُمَّ الْجَدُّ، ثُمَّ أُمَّهَاتُهُ، ثُمَّ الأُخْتُ لِلأَبَوَيْنِ، ثُمَّ الأُخْتُ لِلأَبِ، ثُمَّ الأُخْتُ لِلأُمِّ، ثُمَّ الْخَالَةُ، ثُمَّ الْعَمَّةُ، هَذا الصَّحِيحُ في مَذْهَبِهِ. وَعَنْهُ: الأُخْتُ مِنَ الأُمِّ، وَالْخَالَةُ أَحَقُّ مِنَ الأَبِ. فَعَلَى هَذا، الأُخْتُ مِنَ الأَبَوَيْنِ أَوْلَى، وَيَكُونُ هَؤُلاءِ أَحَقَّ مِنْ جَمِيعِ الْعَصَبَاتِ، وَمِنَ الأُخْتِ مِنَ الأَبِ. وَإذَا عُدِمَ هَؤُلاءِ، احْتَمَلَ أَنْ يَنْتَقِلَ الأَمْرُ إِلى الْحَاكِمِ، وَاحْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ لِذَوِي أَرْحَامِهِ، فيَكُونُ أَبُو الأُمِّ وَأُمَّهَاتُهُ أَوْلَى مِنَ الْخَالِ، وَهَلْ يُقَدَّمُونَ عَلَى الأَخِ مِنَ الأُمِّ، أَوْ يُقَدَّمُ عَلَيْهِمْ؟ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ. وَلا حَضَانَةَ لِرَقِيقٍ وَلا فَاسِقٍ وَلا كافِرٍ لِمُسْلِمٍ، وَلا امْرَأَةٍ لَهَا زَوْجٌ أَجْنَبِيٌّ مِنَ الطِّفْلِ، فَإِنْ زَالَتِ الْمَوَانِعُ مِنْهُم، فَلَهُمْ حَقُّهُمْ مِنَ الْحَضَانةِ.
وَإذَا اخْتَارَ الْغُلامُ أُمَّهُ بَعْدَ السَّبْعِ، كَانَ عِنْدَها لَيْلاً، (¬1) وَعِنْدَ أَبيهِ نَهاراً؛ لِيُعَلِّمَهُ الصَّنْعَةَ وَيُؤَدِّبَهُ، وَإِنِ اخْتَارَ أَبَاهُ، كَانَ عِنْدَهُ لَيْلاً وَنَهَاراً (1)، وَلا يُمْنَعُ مِنْ زِيَارَةِ أُمِّهِ، وَلا تُمْنَعُ هِيَ مِنْ تَمْرِيضِهِ. وَإِنْ كَانَتْ جَارِيَةً، فَلا تُمْنَعُ الأُمُّ مِنْ زِيَارَتهَا وَتَمْرِيضِهَا. وَإِنِ اخْتَارَ الْوَلَدُ أَحَدَهُمَا، ثُمَّ عَادَ فَاخْتَارَ الآخَرَ، دُفِعَ إِلَيْهِ؛ فَإِنْ أَرَادَ الأَوَّلَ، لَمْ يُمْنَعْ. فَإِنْ لَمْ يَخْتَرْ أَحَدَهُمَا، قُدِّمَ مَنْ تَقَعُ لَهُ الْقُرْعَةُ. وَإذَا امْتَنَعَتِ الأُمُّ مِنَ الْحَضَانَةِ، انُتَقَلَتْ إِلَى أُمِّهَا، وَيَحْتَمِلُ أَنْ تَنْتَقِلَ إِلَى الأَبِ. وَإذَا اسْتَوَى شَخْصَانِ في الْحَضَانَةِ، أُقْرِعَ بَيْنَهُمَا. وَإذَا أَرَادَ أَحَدُ أَبَوَي الطِّفْلِ النُّقْلَةَ إِلَى بَلَدٍ تُقْصَرُ إِلَيْهِ الصَّلاةُ لِلْمُقَامِ فِيهِ، وَهُوَ وَالطَّرِيقُ إِلَيْهِ (¬2) آمِنَانِ، فَالأَبُ أَحَقُّ بِالْوَلدِ. وَعَنْهُ: الأُمُّ أَحَقُّ. فَإِنْ عُدِمَ شَيْءٌ مِنَ الشُّرُوطِ، فَالأُمُّ أَحَقُّ بِالحَضَانَةِ عَلَى كِلْتَا الرِّوَايَتَيْنِ. وَإِذَا بَلَغَ الْغُلامُ مَعْتُوهاً، كَانَ عِنْدَ الأُمِّ. * * * ¬
فصل في نفقة الرقيق والبهائم
فَصْلٌ في نَفَقَةِ الرَّقيقِ وَالْبَهَائِمِ رَوَى مُسْلِم عَنْ أَبِي ذَرٍّ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّهُ قَالَ: "إِخْوَانُكُمْ خَوَلُكُمْ، جَعَلَهُمُ اللهُ تَحْتَ أَيْدِيكُمْ، فَمَنْ كَانَ أَخُوهُ تَحْتَ يَدَيْهِ، فَلْيُطْعِمْهُ مِمَّا يَأْكُلُ، وَلْيُلْبِسْهُ مِمَّا يَلْبَسُ، وَلا تُكَلِّفُوهُمْ مَا يَغْلِبُهُمْ، فَإِنْ كَلَّفْتُمُوهُمْ، فَأَعِينُوهُمْ عَلَيْهِ" (¬1). فَصْلٌ: وَعَلَى الرَّجُلِ أَنْ يُرِيحَ رَقِيقَهُ مِنَ الْخِدْمَةِ وَقْتَ النَّوْمِ، وَأَوْقَاتِ الصَّلاةِ، وَيُداوِيَهُمْ إذَا مَرِضُوا، وَإنْ سَافَرَ بِهِمْ أَرْكَبَهُمْ عُقْبَةً، وَإذَا وَلِيَ أَحَدُهُمْ طَعاماً، أَطْعَمَهُ مَعَهُ، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ، أَطْعَمَهُ مِنْهُ، ولا يُجْبَرُ (¬2) العبدُ والأَمَةُ عَلَى المُحَارَجةِ، وَلَهُ تَأْدِيبُهُمْ بِمَا يُؤَدِّبُ بِهِ وَلَدَهُ وزَوْجَتَهُ النَّاشِزَ. وَهَلْ يَمْلِكُ الرَّقِيقُ الْمَالَ بِالتَّمْلِيكِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ. ¬
وَيَجِبُ عَلَيْهِ النَّفَقَةُ عَلَى بَهَائِمِهِ مَا تَحْتَاجُ إِلَيْهِ، وَلا يُحَمِّلُهَا مَا لا تُطِيقُ، وَلا يَحْلُبُ مِنْ لَبَنِهَا إِلَّا مَا فَضَلَ عَنْ وَلَدِهَا، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ ما يُنْفِقُ عَلَيْهَا، أُجْبِرَ عَلَى إِجَارَتهَا أَوْ بَيْعِها، أَوْ ذَبْحِهَا إِنْ كَانَتْ مِمَّا يُبَاحُ أَكْلُهَا.
كتاب الجنايات
كِتَابُ الجِنَايَاتِ عَنْ عَبْدِ اللهِ وَعَائِشَةَ قَالا: قَامَ فِينَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ: "وَالَّذِي لا إِلَهَ غَيْرُهُ! لا يَحِلُّ دَمُ مُسْلِمٍ يَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَأَنِّي رَسُولُ اللهِ، إِلَّا ثَلاثَةٌ: التَّارِكُ لِلإِسْلامِ الْمُفَارِقُ لِلْجَمَاعَةِ، وَالثَّيِّبُ الزَّانِي، وَالنَّفْسُ بِالنَّفْسِ" (¬1). وَإذَا جَرَحَ عَبْدٌ عَبْداً، أَوْ كَافِرٌ كَافِراً، ثُمَّ أَسْلَمَ الْجَارِحُ، أَوْ عَتَقَ، وَمَاتَ الْمَجْرُوحُ، لَمْ يَسْقُطِ الْقِصَاصُ. وَلو قتَلَ مَنْ لا يُعْرَفُ، وَادَّعَى كُفْرَهُ أَوْ رِقَّهُ، وَأَنْكَرَ الْوَليُّ، فَلَهُ الْقِصَاصُ. وَيُقْتَلُ الْكَافِرُ بِالْمُسْلِمِ، والْعَبْدُ بِالْحُرِّ، وَالْمُرْتَدُّ بِالذِّمِّيِّ، وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ، وَلا قِصَاصَ عَلَى قَاتِلِ مُرْتَدٍّ أَوْ زَانٍ مُحْصَنٍ. وَإذَا وَرِثَ الْقَاتِلُ أَوْ وَلَدُهُ شَيْئاً مِنَ الْقِصَاصِ، سَقَطَ. وَإذَا قَتَلَ في الْمُحَارَبَةِ مَنْ لا نَكَأَ فِيهِ، لَمْ يُقْتَلْ. ¬
وَلَوْ جَنَى عَلَى مُرْتَدٍّ أَوْ حَرْبِيٍّ، فَأَسْلَمَ ثُمَّ مَاتَ، فَلا قَوَدَ وَلا دِيَةَ. وَلَوْ قَطَعَ يَدَ مُسْلِمٍ، فَارْتَدَّ وَمَاتَ، فَكَذَلِكَ في أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ، وَفِي الآخَرِ: يَجِبُ الْقَوَدُ في الْيَدِ، أَوْ نِصْفُ الدِّيَةِ. فَإِنْ قَطَعَ يَدَهُ، فَارْتَدَّ، ثُمَّ أَسْلَمَ وَمَاتَ، وَجَبَ الْقِصَاصُ في النَّفْسِ، عَلَى ظَاهِرِ كَلامِهِ. وَقَالَ الْقَاضِي: إِنْ كَانَ زَمَانَ رِدَّتِهِ مِمَّا يُشْتَرَى في الْجِنَايَةِ، فَلا قِصَاصَ. وَلَوْ قَطَعَ حُرٌّ يَدَ عَبْدٍ، أَوْ مُسْلِمٌ يَدَ ذِمِّيٍّ، ثُمَّ عَتَقَ الْعَبْدُ، وَأَسْلَمَ الذِّمِّيُّ، فَلا قَوَدَ، وَعَلَيْهِ دِيَةُ حُرٍّ مُسْلِمٍ، وَقَالَ في بَابٍ آخَرَ: دِيَةُ ذِمِّيٍّ، وَيَضْمَنُ الْعَبْدَ بِقِيمَتِهِ يَوْمَ الشِّرَاءِ، وَقَالَ: وَهُوَ أَصَحُّ في الْمَذْهَبِ.
فصل في الآلة
فَصْلٌ في الآلَةِ إذَا غَرَزَهُ بِإِبْرَةٍ أَوْ نَحْوِهَا في غَيْرِ مَقْتَلٍ، فَمَاتَ في الْحَالِ، فَهَلْ يَجِبُ الْقَوَدُ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ. وإِنْ بَقِيَ ذَلِكَ ضِمْناً حَتَّى مَاتَ، أَوْ كَانَ الْغَرْزُ بِهَا في مَقْتَلٍ؛ كَالْعَيْنِ وَالْفُؤَادِ وَالْخُصْيَتَيْنِ، فَعَلَيْهِ الْقَوَدُ. وَإذَا ضَرَبَهُ بِمُثَقَّلٍ صَغِيرٍ في مَقْتَلٍ، أَوْ في حَالِ ضَعْفِ قُوَّةٍ، أَوْ حَرٍّ أَوْ بَرْدٍ يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ أَنَّه يَمُوتُ بِذَلِكَ الْفِعْلِ، فَمَاتَ، فَعَلَيْهِ الْقَوَدُ. وَلَوْ أَلْقَاهُ في زُبْيَةِ (¬1) أَسَدٍ، أَوْ أَنْهَشَهُ كَلْباً، أَوْ أَلْسَعَهُ حَيَّةً، فَعَلَيْهِ الْقُودُ. فَإِنْ طَرَحَهُ مَكْتُوفاً في أَرْضٍ مَسْبَعَةٍ، أَوْ ذَاتِ حَيَّاتٍ، فَقَتَلَتْهُ (¬2)، فَحُكْمُهُ حُكْمُ الْمُمْسَكِ لِلْقَتْلِ. وَإذَا أَطْعَمَهُ سُمّاً، أَوْ خَلَطَهُ بِطَعَامِهِ، فَأَكَلَهُ وَلا يَعْلَمُ، أَوْ قَتَلَهُ بِسِحْرٍ ¬
يَقْتُلُ في الْغَالِبِ، فَعَلَيْهِ الْقَوَدُ؛ فَإِنِ ادَّعَى أَنِّي لا أَعْلَمُ أَنَّهُ يَقْتُلُ، فَهَلْ يُقْتَلُ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ. وَإِنْ عَلِمَ آكِلُ السُّمِّ بِهِ، أَوْ خَلَطَ السُّمَّ بِطَعَامِ نَفْسِهِ، فَأَكَلَهُ إِنْسَانٌ بِغَيْرِ إِذْنِهِ، فَلا قَوَدَ. وإِنْ قَطَعَ سَلْعَةً مِنْ إِنْسَانٍ بِغَيْرِ إِذْنِهِ، فَمَاتَ، فَعَلَيْهِ الْقَوَدُ. وإِنْ قَطَعَهَا حَاكِمٌ مِنْ صَبِيٍّ صَغِيرٍ، فَلا قَوَدَ. فَإِنْ رَمَاهُ مِنْ عُلْوٍ، فَتَلَقَّاهُ إِنْسَانٌ بِسَيْفٍ، فَقَدَّهُ، فَالْقِصَاصُ عَلَى مَنْ قَدَّهُ. فَإِنْ رَمَاهُ في لُجَّةِ بَحْرٍ، فَالْتَقَمَهُ حُوتٌ قَبْلَ أَنْ يَصِلَ، فَعَلَيْهِ الْقَوَدُ في أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ. وَإذَا قَطَعَ رَجُلٌ يَدَهُ مِنَ الْكُوعِ، ثُمَّ قَطَعَ آخَرُ مِنَ الْمِرْفَقِ، فَمَاتَ، فَالْقَوَدُ عَلَيْهِمَا. وَلَوْ جَرَحَهُ أَحَدُهُمَا وَالآخَرُ مَا بِهِ جَرْحٌ، فَهُمَا قَاتِلانِ. فَإِنْ أَمَرَ مَنْ لا يُمَيِّزُ، فَقَتَلَ إِنْسَاناً، قُتِلَ الآمِرُ وَحْدَهُ. وَإِنْ أَمَرَ السُّلْطَانُ بِقَتْلِ إِنْسَانٍ بِغَيْرِ حَقٍّ، فَقَتَلَهُ مَعَ عِلْمِهِ بذلك، فَعَلَيْهِ الْقَوَدُ، وإِنْ جَهِلَ الْحَالَ، فَالْقَوَدُ عَلَى الآمِرِ. وَإِذَا حَكَمَ الْحَاكِمُ بِالْقِصَاصِ، ثُمَ قَالَ بَعْدَ الْقَتْلِ: عَلِمْتُ أَنَّ الشَّاهِدَيْنِ كَذَبَا، وَتَعَمَّدْتُ قَتْلَهُ، أَوْ قَالَ ذَلِكَ الْوَليُّ، فَعَلَيْهِمَا الْقَوَدُ. وإذَا اشْتَرَكَ اثْنَانِ لا يَجِبُ الْقِصَاصُ عَلَى أَحَدِهِمَا؛ كَالأَبِ
وَالْخَاطِئِ (¬1)، وَالْحُرِّ إذَا قَتَلَ الْعَبْدَ، فَهَلْ يَجِبُ الْقِصَاصُ عَلَى شَرِيكِهِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ، إِلَّا أَنَّ الصَّحِيحَ: يَجِبُ عَلَى شَرِيكِ الأَبِ، وَلا يَجِبُ عَلَى شَرِيكِ الْخَاطِئِ. وَفِي شَرِيكِ نَفْسِهِ وَشَرِيكِ السَّبُعِ وَجْهَانِ. وَإذَا دَاوَى جُرْحَهُ بِسُمٍّ يَقْتُلُ غَالِباً، أَوْ خَاطَهُ في اللَّحْمِ، أَوْ خَاطَهُ وَلِيُّهُ، فَمَاتَ، فَعَلى الْوَجْهَيْنِ. وَإذَا تَشَاحَّ أَوْلِيَاءُ الْمَقْتُولِ فِيمَنْ يَتَوَلَّى الْقِصَاصَ، قُدِّمَ أَحَدُهُم بِالْقُرْعَةِ، فَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ قِصَاصٌ في الطَّرَفِ، وَقِصَاصٌ في النَّفْسِ، بُدِىَ بِالطَّرَفِ، ثُمَّ اقْتُصَّ مِنْهُ في النَّفْسِ. * * * ¬
فصل في الجنايات على الأطراف
فَصْلٌ في الْجِنَايَاتِ عَلَى الأَطْرَافِ وَتُؤْخَذُ الْعَيْنُ الْقَائِمَةُ بِالصَّحِيحَةِ، وَلِسانُ الأَخْرَسِ بِالصَّحِيحِ، وَالذَّكَرُ الأَشَلُّ بِالصَّحِيحِ، وَلا يُؤْخَذُ الْمَعِيبُ مِنْ ذَلِكَ بِالصَّحِيحِ، وَيُؤْخَذُ الأَنْفُ الأَخْشَمُ وَالْمَخْرُومُ وَالْمُسْتَحْشَفُ بِالأَشَمِّ، وَأُذُنُ الأَصَمِّ بِالصَّحِيحِ، وَكذلك الْخَصِيُّ وَالْعِنِّينُ بِالذَّكَرِ الصَّحِيحِ. وَفِي أَخْذِ الْمَعِيبِ مِنْ ذَلِكَ بِالصَّحِيحِ وَجْهَانِ. وَيُؤْخَذُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَ الصَّحِيحِ وَالْمَعِيبِ بِمِثْلِهِ. وَإذَا جَنَى عَلَى بَعْضِ الأَنْفِ وَاللِّسَانِ، أَوِ الأُذُنِ أَوِ الشَّفَةِ، قَدَّرْنَا لآخَرَ كَالثُّلُثِ وَالرُّبُعِ، وَأُخِذَ مِنَ الآخَرِ مِثْلُهُ. وَإذَا أَوْضَحَهُ، فَذَهَبَ ضَوْءُ عَيْنِهِ أَوْ سَمْعِهِ أَوْ شَمِّهِ، أَوْضَحَهُ، فَإِنْ ذَهَبَ ذَلِكَ، وَإِلَّا اسْتَعْمَلَ فيهِ دَواءً، أَوْ فِعْلاً يُذْهِبُهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُذْهِبَ الحَدَقَةَ أَوِ الأُذُنَ أَوِ الأَنْفَ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ إِلَّا بِالجِنَايَةِ عَلَى هذِهِ الأَعْضاءِ، صَارَ إِلَى الدِّيَة. وَيُؤْخَذُ الْحَقُّ الأَعْلَى بِالأَعْلَى، وَالأَسْفَلُ بِالأَسْفَلِ، وَالْمارِنُ
بِالْمارِنِ، وَالْمَنْخِرُ بِالْمَنْخِرِ، وَالسِّنُّ بِالسِّنِّ الْمُشَارِكِ لَهُ في الِاسْمِ وَالْمَوْضِعِ، وَالأَنَامِلُ بِالأَنَامِلِ الْمُمَاثِلَةِ في الاِسْمِ وَالْمَوْضِعِ، الْيَسَارْ بِالْيَسَارِ، وَالْبَرَاجِمُ بِالْبَرَاجِمِ، وَالْكَفُّ بِالْكَفِّ، وَالْمِرْفَقُ بِالْمِرْفَقِ، وَالْمَنْكِبُ بِالْمَنْكِبِ، إذَا لَمْ يُخَفْ جَائِفَةٌ. وَلا تُؤْخَذُ إِصْبَعٌ أَصْلِيَّةٌ بِإِصْبَعٍ زَائِدَةٍ، وَلا زَائِدَةٌ بِأَصْلِيَّةٍ، وَلا يُقْتَصُّ في الأَنْفِ إِلَّا مِنْ حَدِّ الْمارِنِ، وَهُوَ مَا لانَ مِنْهُ. فَإِنْ قَطَعَ قَصَبَةَ أَنْفِهِ، فَلَهُ الْخِيَارُ بَيْنَ قَطْعِ (¬1) وَأَخْذِ الأَرْشِ لِلْقَصَبَةِ، وَبَيْنَ أَخْذِ دِيَة الْمارِنِ وَحُكُومَةٍ في الْقَصَبَةِ. وَإِنْ قَطَعَ يَدَهُ مِنْ نِصْفِ الذِّرَاعِ، فَلا قِصَاصَ عِنْدَ أَصْحَابِنا، وَيَحْتَمِلُ أَنْ تُقْطَعَ يَدُهُ مِنَ الْكُوعِ، وَفِي الأَرْشِ لِلْبَاقِي وَجْهَانِ. وَإذَا اقْتَصَّ كَامِلُ الأَصَابِعِ في نَاقِصِ الأَصَابِعِ، فَهَلْ لَهُ دِيَةُ الأَصَابِعِ النَّاقِصَةِ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ. وَإذَا قَطَعَ إِصْبَعاً فَتَآكَلَتْ إِلَى جَانِبِهَا الأُخْرَى، وَسَقَطَتْ مِنْ مَفْصِلٍ، أَوْ تآكَلَتِ الْيَدُ، وَسَقَطَتْ مِنْ مَفْصِلٍ، وَجَبَ الْقِصَاصُ في الْجَمِيعِ. وَإِنْ قَطَعَ إِصْبَعاً، فَشَلَّتْ إِلى جَانِبِها أُخْرَى، فَلَهُ الْقِصَاصُ في الْمَقْطُوعَةِ، وَيَأْخُذُ الأَرْشَ لِلشَّلاَّءِ. وَإذَا اخْتَلَفَا في شَلَلِ الْعُضْوِ الْمَقْطُوعِ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ. ¬
وَقَالَ ابْنُ حَامِدٍ: الْقَوْلُ (¬1) قَوْلُ الْجَانِي. ولا يَجْرِي الْقِصَاصُ في الشَّعْرِ عِنْدَ الْقَاضِي، وَعِنْدَ أبِي الخَطَّابِ يَجْرِي. * * * ¬
فصل في الجراح
فَصْلٌ في الْجرَاحِ يَجْرِي الْقِصَاصُ في كُلِّ جُرْحٍ انْتَهِى إِلَى عَظْمٍ (¬1)؛ كَجُرْحِ الْعَضُدِ وَالْقَدَمِ، وَيُعْتَبَرُ مِقْدَارُهُ بِالْمِسَاحَةِ. فَلَوْ أَوْضحَ إِنْسَاناً في بَعْضِ رَأْسِهِ، وَكَانَ مِقْدَارُ ذَلِكَ الْبَعْضِ جَمِيعَ رَأْسِ الشَّاجِّ أَوْ أَكْثَرَ، أَوْضَحَهُ في جَمِيعِ الرَّأْسِ، وَأَخَذَ أَرْشَ الزِّيَادَةِ، فَإِنْ كَانَ الْجُرْحُ هَاشِمَةً أَوْ مُنَقِّلَةً أَوْ جَائِفَةً، اقْتَصَّ مِنْهُ مُوضِحَةً، وَأَخَذَ مَا بَيْنَ دِيَةِ الْجُرْحِ وَدِيَةَ الْمُوضِحَةِ. وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: لَيْسَ مَعَ الْقِصَاصِ أَرْشٌ، وَلا شَيْءٌ. وَسِرَايَةُ الْجُرْحِ مَضْمُونَةٌ بِالْقِصَاصِ، وَلا يَجُوزُ الِاقْتَصَاصُ إِلَّا بَعْدَ الِانْدِمَالِ؛ فَإِنِ اقْتَصَّ قَبْلَ ذَلِكَ، بَطَلَ حَقُّهُ مِنَ السِّرَايَةِ الَّتِي بَعْدَ الِاقْتِصَاصِ. وَسِرَايَةُ الْقَوَدِ هَدْرٌ؛ فَلَوْ قُطِعَ طَرَفُ رَجُلٍ، فَاقْتَصَّ مِنْهُ قَبْلَ الِانْدِمَالِ، فَسَرَتِ الجِنَايَتَانِ إِلَى أَنْفُسِهِمَا، فَهُمَا هَدْرٌ. ¬
وَلا قِصَاصَ في السِّنِّ حَتَّى يَقُولَ أَهْلُ الْخِبْرَةِ: إِنَّهَا لا تَعُودُ، فَإِنْ عَادَتْ بَعْدَ أَنِ اقْتَصَّ، دَفَعَ إِلَى الْجَانِي دِيَةَ سِنِّهِ، فَإِنْ عَادَتْ سِنُّ الْجانِي -أَيْضاً-، رَدَّ مَا أَخَذَ، فَإِنْ عَادَتْ قَصِيرَةً أَوْ مَعِيبَةً، لَزِمَ الْجَانِيَ أَرْشُ النَّقْصِ، وَإِنْ مَاتَ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ قَبْلَ الإِيَاسِ مِنْ عَوْدِ سِنِّهِ، فَلِوَليِّهِ الدِّيَةُ، وَلا قِصَاصَ. وَإذَا تَرَاضَيَا عَلَى أَخْذِ الْيَسَارِ بَدَلاً عَنِ الْيَمِينِ، وَجَبَتْ دِيَةُ الْيَسَارِ، وَهَلْ يَسْقُطُ الْقِصَاصُ في الْيَمِينِ؟ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ. فَإِنْ قَالَ لَهُ: أَخْرِجْ يَمِينَكَ، فَأَخْرَجَ يَسَارَهُ عَمْداً، فَقُطِعَتْ، أَجْزَأَتْ عِنْدَ أَبِي بَكْرٍ، وَعِنْدَ ابْنِ حَامِدٍ لا تُجْزِىَ، ويُسْتَوْفَى مِنْ يَمِينِهِ بَعْدَ انْدِمَالِ الْيَسَارِ، فَإِنْ قَالَ: أَخْرَجْتُهَا دَهْشَةً، أَوْ ظَنّاً أَنَّهَا تُجْزِىَ، لَزِمَ الْقَاطِعَ دِيَتُهَا، وَيُعَزَّرُ إِنْ قَطعَهَا مَعَ الْعِلْمِ بِذَلِكَ. وَإِنْ كَانَ جَاهِلاً بِالْحُكْمِ، أَوْ بِأَنَّهَا الْيَسَارُ، فَعَلَيْهِ الدِّيَةُ، فَإِنْ كَانَ الَّذِي لَهُ الْقِصَاصُ مَجْنُوناً، فَقَالَ لِلْعَاقِلِ: أَخْرِجْ يَمِينَكَ لأَقْتَصَّ، فَأَخْرَجَهَا، فَقَطَعَهَا، ذَهَبَتْ هَدْراً. وَإِنْ وَثَبَ الْمَجْنُونُ عَلَيْهِ فَقَطَعَ يَمِينَهُ قَهْراً، سَقَطَ حَقُّهُ بِذَلِكَ في أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ، وَفِي الآخَرِ: لا تَسْقُطُ، وَلِلْمَجْنُونِ دِيَةُ يَدِهِ (¬1)، وَعَلَى عَاقِلَتِهِ دِيَةُ يَدِ صَاحِبِهِ. * * * ¬
فصل الواجب بقتل العمد
فَصْلٌ الْوَاجِبُ بِقَتْلِ الْعَمْدِ أَحَدُ (¬1) شَيْئَين؛ إِمَّا الْقِصَاصُ، وَإِمَّا الدِّيَةُ، في أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ، وَالأُخْرَى: الْوَاجِبُ الْقِصَاصُ إذَا عَفَا وَلِيُّ الْجِنَايَةِ إِلَى الدِّيَةِ، فَلَهُ ذَلِكَ بِكُلِّ حَالٍ، وَإِنْ عَفَا مُطْلَقاً، فَلَهُ الدِّيَةُ إذَا قُلْنَا: الْوَاجِبُ أَحَدُ شَيْئَيْنِ، وَإِنْ قُلْنَا: الْوَاجِبُ الْقِصَاصُ، فَلا شَيْءَ لَهُ. وَلَيْسَ لِمَنْ لَهُ الْقِصَاصُ في النَّفْسِ قَطْعُ الطَّرَفِ، فَإِنْ عَفَا بَعْضُ الأَوْلِيَاءِ، فَلِلْبَاقِينَ حَقُّهُمْ مِنَ الدِّيَةِ، فَإِنْ قَتَلُوهُ، فَعَلَيْهِمُ الْقَوَدُ، إِلَّا أَلَّا يَعْلَمُوا بِالْعَفْوِ، أَوْ لا يَعْلَمُوا أَنَّ الْقِصَاصَ سَقَطَ، فَإِنْ لَمْ يَعْفُوا، فَيَأْذَنُ أَحَدُ (¬2) الأَوْلِيَاءِ، فَيَقْتُلُهُ مِنْ غَيْرِ إِذْنِ الْبَاقِينَ، فَلا قَوَدَ، وَعَلَيْهِ لِلْبَاقِينَ حَقُّهُمْ مِنَ الدِّيَةِ في أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ، وَالآخَرِ: يَأْخُذُونَ مِنَ الْجَانِي. وَإذَا اقْتَصَّ الْوَكِيلُ بَعْدَ عَفْوِ الْمُوَكِّلِ جَاهِلاً بِذَلِكَ، فَلا ضَمَانَ عَلَيْهِ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَضْمَنَ، وَهَلْ يَضْمَنُ الْعَافِي؟ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ. ¬
وَإذَا قُتِلَ مَنْ لا وَلِيَّ لَهُ، فَالإِمَامُ مُخَيَّر بَيْنَ الْقِصَاصِ وَالدِّيَةِ. وَلَيْسَ لِوَليِّ الصَّغِيرِ أَوِ الْمَجْنُونِ اسْتِيفَاءُ الْقِصَاصِ لَهُمَا. وَعَنْهُ: لَهُ ذَلِكَ إذَا كَانَ أَباً. فَإِنْ كَانَا مُحْتَاجَيْنِ إِلَى النَّفَقَةِ، فَهَلْ لِوَليِّهِمَا الْعَفْوُ عَلَى الدِّيَةِ؟ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ. فَإِنْ قَتَلَ الصَّبِيُّ وَالْمَجْنُونِ قَاتِلَ أَبِيهِمَا، فَعَلَى عَاقِلَتِهِمَا دِيَتُهُ، وَلَهُمَا دِيَةُ أَبِيهِمَا في مَالِ الْجَانِي، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَسْقَطَ حَقُّهُمَا. وَإذَا قَطَعَ يَدَ رَجُلٍ، فَعَفَا عَنْهُ، ثُمَّ سَرَتِ الْجِنَايَةُ إِلَى نَفْسِهِ، فَإِنْ كَانَ عَفْوُهُ عَلَى مَالٍ، فَلِوَليِّهِ الْمُطَالَبَةُ بِكَمَالِ الدِّيَةِ، وَإِنْ كَانَ عَفْوُهُ عَلَى غَيْرِ مَالٍ، فَلا شَيْءَ لِوَليِّهِ عَلَى ظَاهِرِ كَلامِ أَحْمَدَ. وَقَالَ الْقَاضِي: الْقِيَاسُ أَنْ يَرْجِعَ الْوَلِيُّ بِنِصْفِ الدِّيَةِ، فَإِنْ قَالَ الْجَانِي: عَفَوْتَ مُطْلَقاً، وَقَالَ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ: بَلْ عَفَوْتُ عَنِ الْقَوَدِ إِلَى مَالٍ، أَوْ قَالَ: عَفَوتُ عَنِ الْجِنَايَةِ دُونَ مَا يَحْدُثُ مِنْهَا، فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ مَعَ يَمِينِهِ. فَإِنْ كَانَ الْمَقْطُوعُ إِصْبَعاً، فَسَرَتْ إِلَى الْكَفِّ، كَانَ لَهُ دِيَةُ يَدٍ، إِلا (¬1) إِصْبَعاً، وَقَالَ الْقَاضِي: لا قَوَدَ فِيهَا، وَلا في سِرَايَتِها، وَلا دِيَةَ. وَإذَا أَبْرَى (¬2) الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ الْعَبْدَ مِنَ الْجِنَايَةِ الَّتِي يَتَعَلَّقُ أَرْشُهَا ¬
بِرَقَبَتِهِ، أَوْ أَبْرَأَ الحُرَّ مِنَ الْجِنَايَةِ الَّتِي تَجِبُ دِيَتُهَا عَلَى عَاقِلَتِهِ، لَمْ يَصِحَّ الإِبْرَاءُ، وَإِنْ أَبْرَأَ السَّيِّدُ، أَوْ الْعَاقِلَةُ، صَحَّتِ الْبَرَاءَةُ. وَإِنْ قَتَلَ الْجَانِي الْعَافِيَ، فَلِوَليِّهِ الْقِصَاصُ، أَوْ أَخْذُ كَمَالِ الدِّيَةِ. وَقَالَ الْقَاضِي: لَهُ نِصْفُ الدِّيَةِ أَوْ الْقِصَاصُ.
فصل
فَصْلٌ وَلا يُقْتَصُّ مِنْ حَامِلٍ حَتَّى تَضَعَ، وَتَسْقِيَهُ اللِّبَأَ، ثُمَّ إِنْ وُجِدَ مَنْ يُرْضِعُهُ، وَإِلَّا تُرِكَتْ حَتَّى تَفْطِمَهُ؛ فَإِنِ ادَّعَتِ الْحَمْلَ، احْتَمَلَ أَنْ يُقْبَلَ مِنْهَا، فَتُحْبَسَ حَتَّى يَتَبَيَّنَ، وَاحْتَمَلَ أَلَّا يُقْبَلَ. فَإِنِ اقْتُصَّ مِنْها، فَتَلِفَ الْجَنِينُ، فَضَمَانُهُ عَلَى الإِمَامِ الَّذِي مَكَّنَ مِنِ اسْتِيفَاءِ الْقِصَاصِ مِنْهَا. فَإِنْ أَلْقَتْهُ حَيّاً، فَمَاتَ، فَدِيَتُهُ عَلَى عَاقِلَةِ الإِمَامِ في إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ، وَالأُخْرَى: في بَيْتِ الْمَالِ. وَلا يُسْتَوْفَى الْقِصَاصُ في النَّفْسِ إِلَّا بِالسَّيْفِ في إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ، وَالأُخْرَى: يُفْعَلُ بِهِ كَمَا فَعَلَ، فَإِنْ مَاتَ، وَإِلَّا جَزَّ رَقَبَتَهُ بِالسَّيْفِ، إِلَّا أَنْ يَكُونَ قَدْ قَتَلَهُ بِمُحَرَّمٍ؛ كَالسِّحْرِ، وَتَجْرِيعِ الْخَمْرِ، فَإِنَّهُ يَقْتُلُهُ بِالسَّيْفِ. وَإِنْ قَطَعَ يَدَ رَجُلٍ، ثُمَّ قَتَلَهُ، قُتِلَ، وَلَمْ يُقْطَعْ، في إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ.
وَكَذَلِكَ إِنْ أَوْضَحَهُ، أَوْ قَطَعَ يَدَهُ فَمَاتَ، رِوَايَةً وَاحِدَةً. وَلا يُسْتَوْفَى الْقِصَاصُ إِلَّا بِحَضْرَةِ السُّلْطَانِ، وَعَلَيْهِ أَنْ يَتَفَقَّدَ الآلَةَ الَّتِي يُسْتَوْفَى بِهَا، فَإِنْ كَان الْوَليُّ يُحْسِنُ الِاسْتِيفَاءَ، وَإِلَّا أَمَرَهُ بِالتَّوْكِيلِ.
باب الدية
بابُ الدِّيَةِ تَجبُ الدِّيَةُ عَلَى كُلِّ مَنْ أَتْلَفَ آدَمِيّاً مَعْصُوماً، سَوَاءٌ أَكَانَ بِمُبَاشَرَةٍ، أَوْ تَسَبُّبٍ؛ كَحَافِرِ الْبِئْرِ، وَنَاصِبِ السِّكِّينِ. وَإِنْ كَانَ نَائِماً، فَانْقَلَبَ عَلَى شَخْصٍ، أَوْ غَصَبَ حُرّاً صَغِيراً فَأَصَابَتْهُ صَاعِقَةٌ، أَوْ نَهَشَتْهُ حَيَّةٌ، أَوْ صَاحَ بِصَبِيٍّ أَوْ مَعْتُوهٍ وَهُمَا عَلَى سَطْحٍ، فَسَقَطَا، أَوْ اغْتَفَلَ عَاقِلاً، فَصَاحَ بِهِ، فَسَقَطَ، أَوْ طَلَبَ إِنْسَاناً بِالسَّيْفِ، فَتَرَدَّى في شَيْءٍ، فَهَلَكَ، فَعَلَى عَاقِلَتِهِ الدِّيَةُ. فإِنْ غَصَبَ صَبِيّاً، فَمَرِضَ عِنْدَهُ وَمَاتَ، فَعَلَى وَجْهَيْنِ. وَإِنْ أَدَّبَ السُّلْطَانُ أَحَدَ رَعِيَّتِهِ، فَتَلِفَ، فَلا ضَمَانَ عَلَيْهِ، وَيَتَخَرَّجُ وُجُوبُ الضَّمَانِ عَلَى مَا قَالَهُ إذَا أَرْسَلَ السُّلْطَانُ إِلَى امْرَأَةٍ لِيُحْضِرَهَا، فَأَجْهَضتْ جَنِينَهَا، أَوْ مَاتَتْ، فَعَلَى عَاقِلَتِه الدِّيَةُ. وَإذَا أَسْلَمَ وَلَدَهُ إِلَى السَّابِحِ لِيُعَلِّمَهُ، فَغَرِقَ في يَدِهِ، فَلا ضَمَانَ، وَيَحْتَمِلُ وُجُوبَ الدِّيَةِ عَلَى العَاقِلَةِ (¬1). ¬
فَإِنْ وَضَعَ في فِنَائِهِ حَجَراً، أَوْ مَاءً، أَوْ حَفَرَ بِئْراً، فَهَلَكَ بِهِ إِنْسَانٌ، فَفِيهِ الدِّيَةُ. فَإِنْ حَفَرَ بِئْراً، وَوَضَعَ آخَرُ حَجَراً، فَتَعَثَر بِهِ إِنْسَانٌ، فَتَرَدَّى في الْبِئْرِ، فَالدِّيَةُ على وَاضِعِ الْحَجَرِ. وَإِنْ وَضَعَ جَرَّةً عَلَى سَطْحِ دَارِهِ، فَرَمَاهَا الرِّيْحُ عَلَى إِنْسَانٍ، أَوْ أَمَرَ إنْسَاناً أَنْ يَنْزِلَ أَوْ يَفْعَلَ شَيْئاً، فَهَلَكَ بِذَلِكَ، فَلا ضَمَانَ، وَإِنْ كَانَ الآمِرُ السُّلْطَانَ، احْتَمَلَ وَجْهَيْنِ. وَإِنْ أَرْكَبَ صَبِيَّيْنِ لا وِلاَيَةَ لَهُ عَلَيْهِمَا، فَاصْطَدَمَا فَمَاتَا، فَعَلَيْهِ الضَّمَانُ. وَإذَا نَزَلَ رَجُل بِئْراً، فَسَقَطَ عَلَيْهِ آخَرُ، وَسَقَطَ عَلَيْهِمَا ثَالِثٌ، فَهَلَكُوا، فَدَمُ الثَّالِثِ هَدْرٌ، وَعَلَيْهِ ضَمَانُ الثَّانِي، وَيَجِبُ ضَمَانُ الأَوَّلِ عَلَى الثَّانِي وَالثَّالِثِ نِصْفَيْنِ. وَإِنْ كَانَ وُقُوعُهُمْ عَمْداً، وَكَانَ مِمَّا يَقْتُلُ مِثْلُهُ غَالِباً، فَفِيهِ الْقِصَاصُ عَلَى حَسَبِ الضَّمَانِ. وَإذَا وَقَعَ رَجُلٌ في زُبْيَةٍ، فَجَذَبَ ثَانِياً، وَجَذَبَ الثَّانِي ثَالِثاً، وَجَذَبَ الثَّالِثُ رَابِعاً، فَهَلَكُوا بِذَلِكَ، فَإِنَّ عَلِيّاً -رَضِي اللهُ عَنْهُ- قَضَى لِلأَوَّلِ بِرُبُعِ الدِّيَةِ، وَللثَّانِي بِثُلُثِهَا، وَللثَّالِثِ بِنِصْفِهَا، وَلِلرَّابِعِ بِكَمَالِها، وَرُفِعَتْ إِلَى النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَأَجَازَهَا، فَذَهَبَ أَحْمَدُ -رَحِمَهُ اللهُ- إِلَيْهِ تَوْقِيفاً عَلَى خِلافِ الْقِيَاسِ، وَالقِيَاسُ فِيهَا أَنَّهُ تَجِبُ دِيَةُ الأَوَّلِ عَلَى الثَّانِي
وَالثَّالِثِ؛ لأَنَّهُ مَاتَ مِنْ جَذْبِهِ وَجَذْبِ الثَّانِي وَالثالث، فَسَقَطَ فِعْلُ نَفْسِهِ؛ كَالْمُصْطَدِمَيْنِ، وَلا شَيْءَ عَلَى الرَّابِعِ، وَدِيَةُ الثَّانِي عَلَى الأَوَّلِ وَالثَّالِثِ نِصْفَيْنِ، وَدِيَةُ الثَّالِثِ تَجِبُ عَلَى الثَّانِي في أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ، وَفِي الآخَرِ: عَلَيْهِ وَعَلَى الأَوَّلِ نِصْفَيْنِ، وَدِيَةُ الرَّابِعِ عَلَى الثَّالِثِ في أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ، وَفِي الآخَرِ: عَلَى الثَّلاثَةِ أَثْلاثاً. وَإذَا رَمَى ثَلاثَةٌ بِحَجَرٍ، فَقَتَلَ أَحَدَهُمْ، فَقَالَ الْقَاضِي: عَلَى عَاقِلَةِ الآخَرَيْنِ ثُلُثَا الدِّيَةِ، وَيَسْقُطُ الثُّلُثُ؛ لأَنَّهُ فِعْلُ نَفْسِهِ، وَالْقِيَاسُ أَنْ تَجِبَ الدِّيَةُ عَلَيْهِمَا نِصْفَيْنِ، وَيُلْغَى فِعْلُ نَفْسِه؛ كَالْمُصْطَدِمَيْنِ. وَإذَا جَنَى إِنْسَانٌ عَلَى نَفْسِهِ أَوْ أَطْرَافِهِ خَطَأً، فَرُوِيَ أَنَّ دِيَةَ النَّفْسِ عَلَى عَاقِلَتِهِ لِوَرَثَتِهِ، وَدِيَةَ الطَّرَفِ عَلَى عَاقِلَتِهِ لِنَفْسِهِ. وَرُوِيَ أَنَّ ذَلِكَ غَيْرُ مَضْمُونٍ، وَهُوَ الْقِيَاسُ. وَإذَا تَجَارَحَ نَفْسَانِ، فَادَّعَى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنَّهُ جَرَحَهُ دَفْعاً عَنْ نَفْسِهِ، لَمْ تُقْبَلْ دَعْوَاهُمَا، وَعَلَيْهِمَا الضَّمَانُ. وَمَنِ اضْطُرَّ إِلَى طَعَامِ إِنْسَانٍ أَوْ شَرَابِهِ، فَمَنَعَهُ، فَمَاتَ، فَعَلَيْهِ دِيَتُهُ -نَصَّ عَلَيْهِ-. وَيَتَخَرَّجُ عَلَى هذَا في كُلِّ مَنْ أَمْكَنَهُ أَنْ يُحْيِيَ إِنْسَاناً مِنَ الْهَلاكِ، فَلَمْ يَفْعَلْ: أَنَّهُ يَلْزَمُهُ دِيَتُهُ.
فصل في الجناية على الأعضاء
فَصْلٌ في الْجِنَايَةِ عَلَى الأَعْضَاءِ إذَا زَالَ بَعْضُ شَعْرِ رَأْسِهِ أَوْ لِحْيَتِهِ أَوْ بَعْضُ حَاجِبهِ أَوْ هُدْبِ عَيْنِهِ، أَوْ قُطِعَ بَعْضُ أَوْ كُلُّ مَارِنهِ، أَوْ جَفْنِهِ أَوْ شَفَتِهِ، فَفِيهِ بِالْحِسَابِ مِنْ دِيَتِهِ. وَإِنْ أَشَلَّ أُذُنَيْهِ، أَوْ أَنْفَهُ، أَوْ عَوَجَهُ، فَفِيهِ حُكُومَةٌ. وَإِنْ قَطَعَهَا بَعْدَ الشَّلَلِ، وَجَبَتِ الدِّيَةُ كَامِلَةً. وَإِنْ أَشَلَّ لِسَانَهُ، أَوْ يَدَهُ، أَوْ رِجْلَهُ، أَوْ ثَدْيَيْهِ، أَوْ ذَكَرَهُ، أَوْ قَطَعَ حَشَفَتَهُ، أَوْ سَوَّدَ سِنَّهُ أَوْ ظُفْرَهُ، فَعَلَيْهِ كَمَالُ دِيَتِهِ. فَإِنْ أَتْلَفَ بَعْدَ ذَلِكَ، فَفِيهِ ثُلُثُ دِيَتِهِ في إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ، وَالأُخْرَى: حُكُومَةٌ. وَكَذَلِكَ الرِّوَايَتَانِ في الْعَيْنِ الْقَائِمةِ، وَلِسَانِ الأَخْرِسِ، وَالْيَدِ الشَّلاَّءِ، وَالإِصْبَعِ الزَّائِدَةِ، وَشَحْمَةِ الأُذُنِ، وَذَكَرِ الْخَصِيِّ. وَإذَا قَطَعَ أُذُنَيْهِ، فَذَهَبَ سَمْعُهُ، أَوْ قَطَعَ أَنْفَهُ، فَذَهَبَ شَمُّهُ، فَفِيهِ دِيَتَانِ، فَإِنِ اخْتَلَفَا في ذَهَاب السَّمْعِ وَالشَّمِّ، صِيْحَ (¬1) بِهِ، وَيُتْبَعُ ¬
بِالرَّائِحَةِ الْمُنْتِنَةِ في أَوْقَاتِ غَفْلَتِهِ، فَإِنْ ظَهَرَ مِنْهُ انْزِعَاجٌ أَوْ إِجَابَةٌ، فَهُوَ سَمِيعٌ، وَإِنْ ظَهَرَ مِنْهُ تَعَبُّسٌ عِنْدَ الرَّائِحَةِ، سَقَطَتْ دَعْوَاهُ، وَإِلَّا فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ. وَفِي نُقْصَانِ السَّمْعِ وَالشَّمِّ وَالْبَصَرِ حُكُومَةٌ. وَكَذَلِكَ في نُقْصَانِ الْعَقْلِ إذَا لَمْ يُعْرَفَ مِقْدَارُهُ، مِثْلَ أَنْ صَارَ مَدْهُوشاً؛ فَإِنْ عُلِمَ؛ مِثْلَ أَنْ يُجَنَّ يَوْماً وَيُفِيقَ يَوْماً، وَجَبَ بِالْقِسْطِ مِنَ الدِّيَةِ، وَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ في النُّقْصَانِ مَعَ يَمِينِهِ. وَإذَا ذَهَبَ ضَوْءُ عَيْنَيْهِ، وَقَالَ رَجُلانِ مِنْ أَهْلِ الْمَعْرِفَةِ: إِنَّهُ يُرْجَى عَوْدُهُ، أَوْ قَلَعَ سِنّاً يُرْجَى عَوْدُهَا، أَوْ أَذْهَبَ سَمْعَهُ أَوْ ذَوْقَهُ أَوْ شَمَّهُ، وَرُجِيَ عَوْدُهَا إِلَى مُدَّةٍ، انْتُظِرَ إِلَيْهَا؛ فَإِنْ مَاتَ قَبْلَ ذَلِكَ، أَوْ يُئِسَ مِنْ عَوْدِهَا، وَجَبَ ضَمَانُها، فَإِنْ عَادَ بَعْدَ ضَمَانِهِ، سَقَطَتِ الدِّيَةُ. فَإِنِ ادَّعى الْجَانِي عَوْدَهَا قَبْلَ مَوْتهِ، فَأَنْكَرَ الْوَليُّ، فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ. وَفِي عَيْنِ الأَعْوَرِ كَمَالُ الدِّيَةِ، فَإِنْ قَلَعَ الأَعْوَرُ عَيْنَ الصَّحِيحِ عَمْداً، فَلا قِصَاصَ، وَعَلَيْهِ دِيَةٌ كَامِلَةٌ، وَإِنْ قَلَعَ عَيْنَي الصَّحِيحِ عَمْداً، فَهُوَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ قَلْعِ عَيْنَهِ (¬1)، وَبَيْنَ تَرْكِهَا وَأَخْذِ الدِّيَةِ كَامِلَةً. وَفِي قَطْعِ يَدِ الأَقْطَعِ أَوْ رِجْلِهِ رِوَايَتَانِ: إِحْداهُمَا: نِصْفٌ، وَالثَّانِيَةُ: كَمَالٌ الدِّيَةِ. ¬
وَإذَا قَطَعَ الْمارِنَ وَبَعْضَ الْقَصَبَةِ، فَفِيهِ حُكُومَةٌ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ لا يَجِبُ إِلَّا دِيَةٌ. وَفِي الْمَنْخِرَيْنِ ثُلُثَا الدِّيَةِ، وَفِي الْحَاجِزِ بَيْنَهُمَا ثُلُثُهَا، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَجِبَ في الْمَنْخِرَيْنِ كَمَالُ الدِّيَةِ، وَفِي كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنَ الشَّفَتَيْنِ نِصْفُ الدِّيَةِ. وَعَنْهُ: في السُّفْلَى ثُلُثَا الدِّيَةِ. فَإِنْ تَفَلَّسَتَا بِحَيْثُ لا تَنْطَبقَانِ عَلَى الأَسْنَانِ، فَفِيهِمَا الدِّيَةُ، وَإِنْ تَفَلَّسَتَا بَعْضَ التَّفَلُّسِ، فَفِيهِمَا حُكُومَةٌ. وَإذَا جَنَى عَلَيْهِ، فَخَرِسَ، فَعَلَيْهِ الدِّيَةُ. فَإِنْ ذَهَبَ بَعْضُ الْكَلامِ، فَفيهِ بِقِسْطِهِ تُقْسَمُ عَلَى الثَّمَانِيَةِ وَالْعِشْرِينَ حَرْفاً، وَيَحْتَمِلُ أَنْ تُقْسَمَ عَلَى الْحُرُوفِ الَّتِي لِلِّسَانِيِّ فِيهَا عَدَدٌ مِنَ الْحُرُوفِ (¬1) الشَّفَوِيَّةِ؛ كَالْبَاءِ وَالْفَاءِ وَالْمِيمِ. فَإِنْ حَصَلَ تَمْتَمَةٌ، أَوْ عَجَلَةٌ، أَوْ لُثْغَةٌ، فَفِيهِ حُكُومَةٌ. فَإِنْ قَطَعَ بَعْضَ اللِّسَانِ، فَأَذْهَبَ ثُلُثَ الْكَلامِ، أَوْ ثُلُثَ اللِّسَانِ، فَأَذْهَبَ نِصْفَ الْكَلامِ، فَعَلَيْهِ نِصْفُ الدِّيَةِ في الْمَوْضِعَيْنِ. فَإِنْ قَطَعَ رُبُعَهُ، فَذَهَبَ نِصْفُ الْكَلامِ، ثُمَّ قَطَعَ آخَرُ بَقِيَّتَهُ، فَعَلَى الثَّانِي نِصْفُ الدِّيَةِ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَجِبَ النِّصْفُ وَحُكُومَةٌ لِرُبُعِ اللِّسَانِ. ¬
وَإذَا جَنَى عَلَى سِنِّهِ، فَتَغَيَّرَتْ أَوْ تَحَرَّكَتْ، أَوْ قَلَعَ سِنْخَ السِّنِّ وَحْدَهُ، فَفِيهِ حُكُومَةٌ. فَإِنْ جَنَى عَلَى سِنِّهِ اثْنَانِ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ في مِقْدَارِ مَا أَتْلَفَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا. قَالَ أَحْمَدُ -رَحِمَهُ اللهُ-: إذَا قَلَعَ سِنَّهُ، فَرَدَّهُ، فَالْتَحَمَ، يَرُدُّ الدِّيَةَ، وَلَهُ أَرْشُ الْجُرْحِ. وَإذَا قَلَعَ لَحْيَيْهِ، وَعَلَيْهِمَا أَسْنَان، فَفِيهِمَا الدِّيَةُ كَامِلَةً، وَدِيَةُ الأَسْنَانِ. وَإذَا بَقِيَ مِنْ لَحْيَيْهِ مَا لا جَمَالَ فيهِ بِحَالٍ، فَهَلْ يَلْزَمُهُ كَمَالُ الدِّيَةِ، أم بِالْحِسَابِ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ. وَإذَا اسْوَدَّ وَجْهُهُ بِحَيْثُ لا يَزُولُ، فَفِيهِ الدِّيَةُ. وَفِي الظُّفُرِ خُمْسُ دِيَةِ الإِصْبَعِ، وَعَنْهُ: يَلْزَمُهُ خَمْسَةُ دَنَانِيرَ، فَإِنْ عَادَ فَانْقَلَبَ أَسْوَدَ، فَفِيهِ عَشْرَةُ دَنَانِيرُ. وَفِي الْكَفِّ الَّذِي لا أَصَابِعَ عَلَيْهِ حُكُومَةٌ. وَعَنْهُ: ثُلُثَا (¬1) الدِّيَةِ. وَكَذَلِكَ في الذِّرَاعِ أَوْ (¬2) حْدَهُ، وَالْعَضُدِ. ¬
فَإِنْ قَطَعَ كَفّاً (¬1) عَلَيْهِ بَعْضُ الأَصَابِعِ، دَخَلَ أَرْشُ مَا حَاذَى الأَصَابِعَ في دِيَتِهَا، وَوَجَبَ في الْبَاقِي حُكُومَةٌ. فَإِنْ قَطَعَ الْيَدَ مِنَ الْمِرفَقِ أَوْ الْعَضُدِ، فَظَاهِرُ كَلامِ أَحْمَدَ -رَحِمَهُ الله- أَنَّهُ يَلْزَمُهُ دِيَةُ الْيَدِ. وَقَالَ الْقَاضِي: الدِّيَةُ في الْيَدِ إِلَى الْكُوعِ، وَفِيمَا زَادَ حُكُومَةٌ. وَالرِّجْلُ كَالْيَدِ في ذَلِكَ. وَفِي كَسْرِ الصُّلْبِ إذَا عَجَزَ عَنِ الْمَشْيِ الدِّيَةُ، وَإِنْ نَقَصَ مَشْيُهُ، أَوِ انْحَنَى، فَفِيهِ حُكُومَةٌ، وَيَحْتَمِلُ أَنَّ في الِانْحِنَاءِ الدِّيَةَ؛ لِأنَّ أَحْمَدَ -رَحِمَهُ اللهُ- قَالَ: في الْحَدَبِ الدِّيَةُ، وَفِي ذَهَابِ مَنْفَعَةِ الْوَطْءِ الدِّيَةُ، وَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ. فَإِنْ أَبْطَلَ بِكَسْرِ الصُّلُبِ مَنْفَعَةَ الْوَطْءِ أَوِ الْمَشْيِ، لَزِمَهُ دِيَتَان. وَعَنْهُ: يَلْزَمُهُ دِيَةٌ وَاحِدَةٌ. وَفِي حَلْمَةِ الثَّدْيَيْنِ الدِّيَةُ، وَفِيهِمَا بِغَيْرِ الْحَلْمَتَيْنِ حُكُومَةٌ، فَإِنْ جَنَى عَلَيْهِمَا، فَذَهَبَ لَبَنُهُمَا، فَفِيهِ حُكُومَةٌ، وَفِي قَطْعِ بَعْضِهِ بِقِسْطِهِ. وَإذَا قَطَعَ ذَكَرَهُ وَخُصْيَتَيْهِ، أَوْ ذَكَرَهُ ثُمَّ خُصْيَتَيْهِ، فَفِيهِ دِيَتَانِ. وَإِنْ قَطَعَ الذَّكَرَ بَعْدَ الْخُصْيَتَيْنِ، فَعَلَيْهِ دِيَةُ الْخُصْيَتَيْنِ. وَفِي قَطْعِ الذَّكَرِ حُكُومَةٌ، أَوْ ثُلُثُ الدِّيَةِ، عَلَى اخْتِلافِ الرِّوَايَتَيْنِ. ¬
وَفِي ذَكَرِ الْعِنِّينِ ثُلُثُ الدِّيَةِ. وَعَنْهُ: حُكُومَةٌ. وَإذَا أَفْضَى (¬1) زَوْجَتَهُ الَّتِي يُوْطَأُ مِثْلُهَا بِالْوَطْءِ، فَلا شَيْءَ عَلَيْهِ. وَالإِفْضَاءُ (¬2) أَنْ يَجْعَلَ مَخْرَجَ الْبَوْلِ وَالْوَلَدِ وَاحِداً. وَإِنْ كَانَ مِثْلُهَا لا يُوطَأُ، فَعَلَيْهِ ثُلُثُ الدِّيَةِ، إِلَّا أَلَّا يَسْتَمْسِكَ (¬3) بَوْلُهَا، فَيَلْزَمُهُ الدِّيَةُ. وَكَذلِكَ إِنْ كَانَتْ أَجْنَبِيَّةً مُكْرَهَةً، أَوْ مَوْطُوءَةً بِشُبْهَةٍ، وَيَزِيدُ بِوُجُوبِ أَرْشِ الْبَكَارَةٍ، وَإِنْ كَانَتِ الأَجْنَبِيَّةُ مُطَاوِعَةً، فَلا شَيْءَ عَلَيْهِ. * * * ¬
فصل
فَصْلٌ وَرُويَ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ: أَنَّ يَعْلَى بْنَ أُمَيَّةَ قَاتَلَ رَجُلاً، فَعَضَّ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ، فَانتُزَعَ يَدَهُ مِنْ فِيهِ، فَنَزَعَ ثَنِيَّتَهُ، فَاخْتَصَمَا إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَاَلَ: "أَيَعَضُّ (¬1) أَحَدُكُمْ كَمَا يَعَضُّ الْفَحْلُ؟ لا دِيَةَ لَهُ" (¬2). وَإذَا اطَّلَعَ رَجُلٌ في بَيْتِ إِنْسَانٍ بِحَيْثُ يَرَى عَوْرَتَهُ وَحَرَمَهُ، فَلَهُ أَنْ يَرْمِيَ عَيْنَهُ؛ فَإِنْ فَقَأَهَا، فَلا ضَمَانَ لِمَا رَوَى الْبُخَارِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ أَبُو الْقَاسِم - صلى الله عليه وسلم - (¬3): "لو أَنَّ امْرَأً اطَّلَعَ عَلَيْكَ، فَحَذَفَتْهُ بِحَصَاةٍ، فَفَقَأْتَ عَيْنَهُ، لَمْ يَكُنْ عَلَيْكَ جُنَاحٌ" (¬4). * * * ¬
فصل في الشجاج
فَصْلٌ في الشِّجَاجِ وَإذَا عَمَّتِ الْمُوضِحَةُ الرَّأْسَ وَالْوَجْهَ، فَهَلْ هِي مُوضِحَةٌ، أَمْ مُوضِحَتَانِ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ. فَإِنْ أَوْضَحَهُ مُوضِحَتَيْنِ بَيْنَهُمَا حَائِلٌ، فَعَلَيْهِ عَشْرٌ مِنَ الإبِلِ؛ فَإِنْ خَرَقَ مَا بَيْنَهُمَا، أَوْ ذَهَبَ بِالسِّرَايَةِ، فَهِيَ مُوضِحَةٌ وَاحِدَةٌ. وَإِنْ خَرَقَهُ غَيْرُهُ، فَهِيَ ثَلاثَةُ مَوَاضِحَ (¬1): فَإِنْ قَالَ الْجَانِي: أَنَا خَرَقْتُهَا، وَقَالَ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ: بَلْ أَنَا، فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ. فَإِنْ خَرَقَ مَا بَيْنَهُمَا في الْبَاطِنِ، فَهَلْ هِيَ مُوضِحَةٌ، أَم مُوضِحَتَانِ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ. فَإِنْ شَجَّ جَمِيعَ رَأْسِهِ سِمْحاقاً إِلَّا مَوْضِعاً مِنْهُ، فَإِنْ أَوْضَحَهُ، فَهِيَ مُوضِحَةٌ. ¬
وَإذَا هَشَمَ الْعَظْمَ بِمُثَقَّلٍ، وَلَمْ يُوضِحْهُ، فَعَلَيْهِ حُكُومَةٌ، وَقِيْلَ: يَلْزَمْهُ خَمْسٌ مِنَ الإِبِلِ. وَفِي الدَّامِغَةِ الَّتِي تَخْرِقُ جِلْدَةَ الدِّمَاغَ مَا فِي الْمَأْمُومَةِ. وَإذَا أَجَافَهُ، ثُمَّ جَاءَ آخَرُ فَوَسَّعَ الْجُرْحَ، فَهُمَا جَائِفَتَانِ. وَإِنِ الْتَحَمَتْ، فَفَتَحَهَا إِنْسَانٌ، فَهِيَ جَائِفَةٌ. وَالْجَائِفَةُ مَا وَصَلَ إِلَى جَوْفٍ مِنْ ظَهْرٍ أَوْ بَطْنٍ أَوْ صَدْرٍ أَوْ نَحْرٍ، فَإِنْ طَعَنَهُ في خَدِّهِ، فَوَصَلَ إِلَى فَمِهِ، فَفِيهِ حُكُومَةٌ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ جَائِفَةً. فَإِنْ طَعَنَه في وَرِكِهِ، ثُمَّ مَدَّ السِّكِّينَ إِلَى جَوْفِهِ، أَوْ أَوْضَحَهُ، وَمَدَّ السِّكِّينَ إِلَى قَفَاهُ، فَعَلَيْهِ حُكُومَةٌ لِجُرْحِ الْوَرِكِ وَالْقَفَا، مَعَ أَرْشِ الْمُوضحَةِ وَالْجَائِفَةِ. وَفِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الذِّرَاعِ وَالْعَضُدِ وَالْفَخِذِ وَالسَّاقِ بَعِيرَانِ. وَمَا عَدَا الْمَذْكُورَ مِنَ الشِّجَاجِ وَكَسْرِ الْعِظَامِ؛ كَكَسْرِ خَرَزَةِ الصُّلْبِ وَالْعُصْعُصِ وَنَحْوِهِ، فَفِيهِ حُكُومَةٌ، فَإِنْ كَانَتِ الْجِنَايَةُ مِمَّا لا يَنْقُصُ بِهَا شَيئاً بَعْدَ الِانْدِمَالِ، قُوِّمَ حَالَ الْجِنَايَةِ، وَإِنْ كَانَتِ الْجِنَايَةُ تَزِيدُهُ حُسْناً؛ كَإذْهَابِ لِحْيَةِ الْمَرْأَةِ، فَقَدْ قِيلَ: يُقَوَّمُ كَأَنَّهُ عَبْدٌ ذُو لِحْيَةٍ، وَفِيه نَظَرٌ.
فصل في مقادير الديات
فَصْلٌ في مَقَادِيرِ الدِّيَاتِ وَدِيَةُ الْحُرِّ المُسْلِمِ مِئَةٌ مِنَ الإِبِلِ، أَوْ مِئَتَا بَقَرَةٍ، أَوْ مِئَتَا حُلَّةٍ، أَوْ أَلْفُ دِينَارٍ (¬1)، أَوْ أَلْفَا شَاةٍ، أَوِ اثْنَا عَشَرَ أَلْفَ دِرْهَمٍ. فَهذِهِ السِّتُّ أُصُولٌ كُلُّهَا، أَيُّ شَيءٍ أُحْضِرَ مِنْهَا، لَزِمَ الْوَلِيَّ قَبُولُهُ في إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ، وَفِي الأُخْرَى: الأَصْلُ الإِبِلُ خَاصَّةً، وَهذِهِ أَبْدَالٌ عَنْها مُقَدَّرَةٌ بِالشَّرْعِ، فَإِنْ قَدَرَ عَلَى إِبلٍ قِيمَةُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا مِئَةٌ وَعِشْرُونَ دِرْهَماً، لَزِمَهُ دَفْعُهَا، وَإِلَّا انْتَقَلَ إِلَى الأَبْدَالِ. وَيُؤْخَذُ في الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ السِّنُّ الْمَأْخُوذُ في الزَّكَاةِ: النِّصْفُ مَسَانُّ، وَالنِّصْفُ أَتْبِعَهٌ. وَفِي الْغَنَمِ الضَّأْنِ: النِّصْفُ ثَنَايَا، وَالنِّصْفُ أَجْذِعَةٌ. وَيُؤْخَذُ في الْحُلَلِ الْمُتَعَارَفُ؛ فَإِنِ اخْتَلَفَا في الْقِيمَةِ، أُخِذَ مَا قِيمَةُ كُلِّ حُلَّةٍ مِنْهَا مِئَةٌ وَستُّونَ دِرْهَماً. ¬
وَتُغَلَّظُ الدِّيَةِ بِالْقَتْلِ (¬1) في الْحَرَمِ وَالإحْرَامِ وَالأَشْهُرِ الْحُرُمِ، وَالرَّحِمِ الْمُحَرَّمِ، وَزَادَ لِكُلِّ وَاحِدٍ ثُلُثَ الدِّيَةِ؛ فَإِنِ اجْتَمَعَتِ الْحُرُمَاتُ كُلُّهَا، لَزِمَهٌ دِيَتَانِ وَثُلُثٌ. وَدِيَةُ الْوَثَنِيِّ كَدِيَةِ الْمَجُوسِيِّ، وَإذَا قُتِلا عَمْداً، أُضْعِفَتْ دِيَتُهُمَا عَلَى مَنْ لا يُقْتَصُّ لَهُمَا مِنْهُ. وَإذَا جَنَى الْعَبْدُ، فَلِسَيِّدِهِ أَنْ يَفْدِيَهُ، أَوْ يُسْلِمَهُ؛ فَإِنْ أَبَى الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ أَنْ يَقْتُلَهُ، وَقَالَ: بِعْهُ وَلِي ثَمَنُهُ، فَهَلْ يَلْزَمُ السَّيِّدَ ذَلِكَ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ. فَإِنْ كَانَتِ الْجِنَايَةُ عَمْداً، فَعَفَا الْوَلِيُّ عَنِ الْقِصَاصِ عَلَى أَنْ يَمْلِكَ رَقَبَةَ الْعَبْدِ، فَهَلْ يَمْلِكُهَا بِغَيْرِ رِضَا السَّيِّدِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ. * * * ¬
فصل في العاقلة
فَصْلٌ في الْعَاقِلَةِ وَمَا يَلْزَمُ كُلَّ وَاحِدٍ مِنَ الْعَاقِلَةِ لا يَتَقَدَّرُ، بَلْ يُرَدُّ إِلَى اجْتِهَادِ الْحَاكِمِ، فَيُلْزِمُ كُلَّ إِنْسَانٍ عَلَى قَدْرِ حَالِهِ عَلَى (¬1) ما تَسَهَّلَ وَلا يُؤْذَى. وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: عَلَى الْمُوسرِ نِصْفُ دِينَارٍ، وَعَلَى الْمُتَوَسِّطِ رُبْعُ دِينَارٍ، وَيُبْدَأُ بِالأَقْرَبِ فَالأَقْرَبِ مِنْهُمْ، فَمَتَى عَجَزَتْ أَمْوَالُهُمْ، قُسِّمَتْ عَلَى مَنْ بَعْدَهُمْ، وَيَدْخُلُ الْغَائِبُ في الْعَقْلِ. وَمَنْ مَاتَ قَبْلَ الْحَوْلِ، سَقَطَ مَا عَلَيْهِ (¬2)؛ فَإِنْ مَاتَ بَعْدَ الْحَوْلِ، لَمْ تَسْقُطْ. وَيُعْتَبَرُ ابْتِدَاءُ الْحَوْلِ مِنْ حِينِ الْمَوْتِ، وَفِي الْجُرْحِ مِنْ حِينِ الِانْدِمَالِ. فَإِنْ كَانَ الْوَاجِبُ ثُلُثَ الدِّيَةِ؛ كَدِيَةِ الْجَائِفَةِ، وَجَبَ عِنْدَ انْقِضَاءِ الْحَوْلِ، وَإِنْ كَانَ أكْثَرَ مِنَ الثُّلُثِ؛ كَدِيَةِ الْمَرْأَةِ، وَجَبَ الثُّلُثُ في رَأْسِ ¬
الْحَوْلِ، وَالْبَاقِي في رَأْسِ الْحَوْلِ الثَّانِي. وَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ مِنْ دِيَةٍ؛ كَمَا لو صَوَّبَ رَأْسَهُ، فَأَذْهَبَ سَمْعَهُ وَبَصَرَهُ، لَمْ يَجِبْ في كُلِّ حَوْلٍ أكْثَرُ مِنْ ثُلُثِ الدِّيَةِ، وَخَطَأُ (¬1) الإِمَامِ عَلَى عَاقِلَتِهِ. وَعَنْهُ: في بَيْتِ الْمَالِ. وَيَتَعَاقَلُ أَهْلُ الذِّمَّةِ. وَعَنْهُ: لا يَتَعَاقَلُونَ. وَلا يَعْقِلُ مُسْلِمٌ عَنْ كَافِرٍ، وَلا كَافِرٌ عَنْ مُسْلِمٍ وَلا ذِمِّيٌّ عَنْ حَرْبِيٍّ. * * * ¬
باب القسامة
بَابُ الْقَسَامَةِ وَالأَصْلُ فِيهَا مَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ سَهْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ قَالَ: خَرَجَ عَبْدُ الله بْنُ سَهْلِ بْنِ زَيْدٍ، وَمُحَيِّصَةُ بْنُ مَسْعُودٍ، حَتَّى إذَا كَانَا بِخَيْبَرَ، تَفَرَّقَا في بَعْضِ مَا هُنَالِكَ، ثُمَّ (¬1) إذَا مُحَيِّصَةُ يَجِدُ عَبْدَ اللهِ بْنَ سَهْلٍ قَتِيلاً، فَدَفَنَهُ (¬2)، ثُمَّ أَقْبَلَ إِلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، وَذَكَرَ الْحَدِيثَ إِلَى أَنْ قَالَ: فَذَكَرُوا لِرَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - مَقْتَلَ عَبْدِ اللهِ بْنِ سَهْلٍ، فَقَالَ لَهُمْ: "أَتَحْلِفُونَ خَمْسِينَ يَمِيناً فَتَسْتَحِقُّونَ صَاحِبَكُمْ، أَوْ قَاتِلَكُمْ؟ "، قَالُوا: وَكَيْفَ (¬3) نَحْلِفُ وَلَمْ نَشْهَدْ؟ قَالَ: "فَتُبْرِئُكُمْ يَهُودُ بِخَمْسِينَ يَمِيناً؟ "، فَقَالُوا (¬4): وَكَيْفَ نَقْبَلُ أَيْمَانَ قَوْمٍ كُفَّارٍ؟ فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، أَعْطَى عَقْلَهُ (¬5). ¬
وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ: فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "بَلْ يُقْسِمُ خَمْسُونَ مِنْكُمْ عَلَى رَجُلٍ مِنْهُمْ، فَيُدْفَعُ بِرُمَّتِهِ؟ " (¬1)، قَالُوا: أَمْرٌ لَمْ نَشْهَدْهُ، كَيْفَ نَحْلِفُ؟ قَالَ: "فَتُبْرِئُكُمْ يَهُودُ بِأَيْمَانِ خَمْسِينَ مِنْهُمْ؟ "، قَالوا: يَا رَسُولَ اللهِ! قَوْمٌ كُفَّارٌ، فَوَدَاهُ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - مِنْ قِبَلِهِ (¬2). * * * ¬
فصل من شرط القسامة
فَصْلٌ مِنْ شَرْطِ الْقَسَامَةِ اللَّوْثُ: وَهِيَ الْعَدَاوَةُ الظَّاهِرَةُ وَالْعَصَبِيَّهُ في الْمَذْهَبِ. وَعَنْهُ: مَا يَدُلَّ عَلَى اللَّوْثِ وُجُودُ مَا يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ؛ كَوُجَودِ مَقْتُولٍ في صَحْرَاءَ، وَعِنْدَهُ رَجُلٌ بِسَيْفٍ مُجَرَّدٍ مُلَطَّخٍ بِالدَّمِ، أَوْ يَرَى رَجُلاً يُحَرِّكُ يَدَهُ كَالضَّارِبِ، ثُمَّ يُوجَدُ بِقُرْبِهِ قَتِيلٌ، أَوْ يَشْهَدُ عَلَيْهِ فُسَّاقٌ، أَوْ نِسَاءٌ أَوْ صِبْيَانٌ، أَوْ رَجُلٌ، وَنَحْوَ ذَلِكَ؛ فَإِنِ ادَّعَوُا الْقَتْلَ عَمْداً، لَمْ يُقْسِمُوا إِلَّا عَلَى وَاحدٍ مُعَيَّنٍ؛ وَإِنْ ادَّعَوُا الْقَتْلَ خَطَأً، أَوْ شِبْهَ عَمْدٍ، فَلَهُمْ أَنْ يُقْسِمُوا عَلَى جَمَاعَةٍ مُعَيَّنِينَ، وَيَسْتَحِقُّونَ الدِّيَةِ. وَلا يُقْسِمُ مَنْ لَيْسَ بِوَارِثٍ. وَعَنْهُ: يُقْسِمُ الْعَصَبَةُ؛ الْوَارِثُ مِنْهُمْ وَغَيْرُهُ، خَمْسُونَ رَجلاً خَمْسِينَ يَمِيناً. فَإِنْ كَانَ الْوَرَثَةُ اثْنَيْنِ، أَحَدُهُمَا صَغِيرٌ أَو مَجْنُونٌ أَوْ غَائِبٌ، وَكَانَتِ الدَّعْوَى عَمْداً؛ فَلا قَسَامَةَ حَتَّى يَجْتَمعَ مَعَ زَوَالِ الصِّغَرِ وَالْجُنُونِ؛ وَإِنْ كَانَتْ عَمْداً، فَلِلْحَاضِرِ الْمُكَلَّفِ أَنْ يُقْسِمَ وَيَسْتَحِقَّ نِصْفَ الدِّيَةِ.
وَهَلْ يَحْلِفُ خَمْسِينَ يَمِيناً، أَوْ خَمْسَةً وَعِشْرينَ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ. فَإذَا قَدِمَ الْغَائِبُ، وَبَلَغَ الصَّبِيُّ، أَقْسَمَ بَقِيَّةَ الأَيْمَانِ، وَاسْتَحَقَّ الْبَاقِيَ. وَإذَا نَكَلَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِمْ عَنِ الأَيْمَانِ، لَمْ يُحْبَسُوا. وَهَلْ يَلْزَمُهُمُ الدِّيَةُ، أَوْ تكُونُ في بَيْتِ الْمَالِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ. وَإذَا ادَّعَى قَتْلُ الْخَطَأِ عَلَى اثْنَيْنِ، عَلَى (¬1) أَحَدِهِمَا لَوْثٌ، حَلَفَ عَلَى صَاحِبِ اللَّوْثِ، وَأَخَذَ نِصْفَ الدِّيَةِ، وَحَلَفَ لَهُ الآخَرُ، وَبُرِّىَ. * * * ¬
كتاب الحد
كِتَابُ الْحَدِّ (¬1) قَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "إِنْ أَتَى مُسْلِمٌ حَدّاً، فَأُقِيمَ عَلَيْهِ، فَهُوَ كَفَّارَتُهُ، وَمَنْ سَتَرَهُ اللهُ عَلَيْهِ، فَأَمْرُهُ إِلَى اللهِ، إِنْ شَاءَ عَذَّبَهُ، وَإِنْ شَاءَ غَفَرَ لَهُ" (¬2). * * * ¬
فصل في حد الزنا
فَصْلٌ في حَدِّ الزِّنَا رَوَى مُسْلِمٌ عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "خُذُوا عَنِّي، خُذُوا عَنِّي، قَدْ جَعَلَ اللهُ لَهُنَّ سَبِيلاً: الْبِكْرُ بِالْبِكْرِ جَلْدُ مِئَةٍ وَنَفْيُ سَنَةٍ، وَالثَّيِّبُ بِالثَّيِّبِ جَلْدُ مِئَةٍ وَالرَّجْمُ" (¬1). فَإذَا زَنَى الْبِكْرُ، جُلِدَ مِئَةً، وَغُرِّبَ عَاماً إِلَى مَسَافَةٍ تُقْصَرُ في مِثْلِهَا الصَّلاةُ. فَإِنْ كَانَتِ امْرَأَةً، أُخْرِجَ مَعَهَا مَحْرَمُها، فَإِنْ أَبَى، بُذِلَتْ لَهُ الأُجْرَةُ مِنْ مَالِهَا، فَإِنْ أَبَى، اسْتُؤْجِرَتِ امْرَأَةٌ ثِقَةٌ، فَإِنْ تَعَذَّرَتِ الأُجْرَةُ، بُذِلَتْ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ، فَإِنْ أَعْوَزَ، بَقِيَتْ بِغَيْرِ مَحْرَمٍ. وَعَنْهُ: أَنَّ الْمَرْأَةَ تُنْفَى إِلَى دُونِ مَسَافَةِ القَصْرِ. وَمَنْ لَمْ تَكْمُلْ حُرِّيَّتُهُ لا يُغَرَّبُ. وَفِي (¬2) مَنْ نِصْفُهُ حُرٌّ وَجْهٌ آخَرُ: أَنَّهُ يُغَرَّبُ نِصْفَ عَامٍ. ¬
وَحَدُّهُ خَمْسٌ وَسَبْعُونَ جَلْدَةً. وَمَنْ زَنَى وَلَهُ زَوْجَةٌ لَهُ مِنْهَا وَلَدٌ، فَقَالَ: مَا وَطِئْتُ زَوْجَتِي، لَمْ يُرْجَمْ. وَإذَا أُكْرِهَتِ الْمَرْأَةُ عَلَى الزِّنَا، فَلا حَدَّ عَلَيْهَا. فَإِنْ أُكْرِهَ الرَّجُلُ، فَزَنَى، حُدَّ. وَلَوْ زَنَى بِامْرَأَةٍ لَهُ عَلَيْهَا الْقِصَاصُ، حُدَّ. وَمَنْ أَتَى بَهيمَةً، فَهَلْ يُعَزَّرُ، أَوْ عَلَيْهِ حَدُّ اللُّوطِيِّ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ. وَتُذْبَحُ الْبَهِيمَةُ. قَالَ أَحْمَدُ: أَكْرَهُ أَكْلَ لَحْمِهَا. فَيَحْتَمِلُ كَرَاهَةَ تَحْرِيمٍ، وَيَحْتَمِلُ كَرَاهَةَ تَنْزِيهٍ، وَعَلَيْهِ الْقِيمَةُ لِمالِكِهَا. وَإذَا وَطِىَ أُخْتَهُ أَوْ أُمَّهُ (¬1) مِنَ الرَّضَاعِ، وَهُمَا (¬2) مِلْكُ يَمِينِهِ، حُدَّ. وَعَنْهُ: يُعَزَّرُ. فَإِنْ وَطِىَ امْرَأَةً في نِكَاحٍ أُجْمِعَ عَلَى بُطْلانِهِ، أَوِ اسْتَأجَرَ امْرَأَةً لِلزِّنَا، فَزَنَى بِها، حُدَّ. وَعَنْهُ: في وَطْءِ ذَوَات الْمَحَارِمِ أَنَّهُ يُرْجَمُ بِكُلِّ حَالٍ. ¬
فَإِنْ كَانَ النِّكَاحُ مُخْتَلَفاً في صِحَّتِهِ، لَمْ يُحَدَّ. فَإِنْ وَطِىَ مَيْتَةً، فَهَل يُحَدُّ أَوْ يُعَزَّرُ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ. وَإذَا مَكَّنَتِ الْعَاقِلَةُ مِنْ نَفْسِهَا مَجْنُوناً أَوْ مُرَاهِقاً، لَزِمَهَا الْحَدُّ. وَمَنْ زَنَى وَادَّعَى أَنَّهُ لَمْ يَعْلَمْ بِتَحْرِيمِ الزِّنَا، وَاحْتَمَلَ صِدْقُهُ بِأَنْ يَكُونَ قَرِيبَ عَهْدٍ بِالإسْلامٍ، أَوْ نَشأَ بِبَادِيَةٍ بَعيدَةٍ، لَمْ يُحَدَّ.
فصل
فَصْلٌ وَإذَا كَانَ الْحَدُّ رَجْماً، لَمْ يُحْفَرْ لِلرَّجُلِ، ولا لِلْمَرْأَةِ في أحَدِ الْوَجْهَيْنِ، وَفِي الآخَرِ: إِنْ ثَبَتَ الْحَدُّ عَلَى الْمَرْأَةِ بِبيِّنَةٍ، حُفِرَ لَهَا إِلَى الصَّدْرِ، وُيفَرَّقُ الْجَلْدُ عَلَى جَمِيعِ أَعْضَائِهِ، إِلَّا الرَّأْسَ وَالْوَجْهَ وَالْفَرْجَ وَمَوْضِعَ الْمَقْتَلِ. وَلا يُجَرَّدُ، وَيَكُونُ عَلَيْهِ الْقَمِيصُ وَالْقُمْصانِ، وَلا يُبَالَغُ في ضَرْبِهِ بِحَيْثُ يُشَقُّ الْجِلْدُ. وَلا يُؤَخَّرُ الْحَدُّ لأَجْلِ الْمَرَضِ وَالْحَرِّ وَالْبَرْدِ. فَإِنْ كَانَ جَلْداً، وَخُشِيَ عَلَيْهِ التَّلَفُ، أُقِيمَ مُتَفَرِّقاً بِسَوْطٍ يُؤْمَنُ مَعَهُ التَّلَفُ، فَإِنْ خُشِيَ مِنَ السَّوْطِ، أُقِيمَ بِأَطْرَافِ الثِّيَابِ وَالْعُثْكُولِ. وَلا تُحَدُّ الْحَامِلُ حَتَّى تَضَعَ، ثُمَّ تُحَدُّ، إِلَّا أَنْ يَكُونَ (¬1) رَجْماً، فَلا يُقَامُ حَتَّى يُسْقَى الْوَلَدُ اللِّبَأَ. ¬
ثُمَّ إِنْ وُجِدَ مُرْضِعَةٌ غَيْرُهَا، رُجِمَتْ، وَإِلا أُخِّرَتْ حَتَّى (¬1) تُرْضِعَهُ حَوْلَيْنِ. وَلا يُقِيمُ الْحَدَّ إِلَّا الإِمَامُ أَوْ نَائِبُهُ، إِلَّا السَّيِّدَ، فَلَهُ إِقَامَةُ الْحَدِّ عَلَى رَقِيقِهِ إذَا كَانَ جَلْداً، وَلَمْ تَكُنِ الأَمَةُ مُزَوَّجَةً؛ لِقَوْلِ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - لَمَّا سُئِلَ عَنِ الأَمَةِ إذَا زَنَتْ؟ قَالَ: "إِنْ زَنَتْ فَاجْلِدُوهَا، ثُمَّ إِنْ زَنَتْ فَاجْلِدُوهَا، ثُمَّ إِنْ زَنَتْ فَاجْلِدُوهَا؛ ثُمَّ بِيعُوهَا وَلَوْ بِضَفِيرٍ (¬2) " رَوَاهُ مُسْلِمٌ (¬3). وَهَلْ يَمْلِكُ السَّيِّدُ الْقَتْلَ في الرِّدَّةِ، وَالْقَطْعَ في السَّرِقَةِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ. وَلا فَرْقَ (¬4) إِنْ ثَبَتَ الزِّنَا بِالبَيِّنَةِ، أَوْ بِالإقْرَارِ، أَوْ بِمُشَاهَدَةِ السَّيِّدِ لَهُ. وَقَالَ الْقَاضِي: لا يُقِيمُ الْحَدَّ بِعِلْمِهِ؛ كَالإِمَامِ. وَلا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ السَّيِّدُ عَدْلاً أَوْ فَاسِقاً أَوْ امرأةً. ¬
وَقَالَ الْقَاضِي: يَحْتَمِلُ أَلَّا يَمْلِكَ ذَلِكَ الْفَاسِقُ؛ فَإِنْ كَانَ مُكَاتِباً، فَعَلَى وَجْهَيْنِ، أَصَحُّهُمَا لا يُقِيمُهُ. وَإذَا ثَبَتَ الْحَدُّ بِالإِقْرَارِ، فَالْمُسْتَحَبُّ أَنْ يَبْدَأَ الإِمَامُ بِالرَّجْمِ، وَإِنْ ثَبَتَ بِالْبَيِّنَةِ، فَالْمُسْتَحَبُّ أَنْ تَبْدَأَ بِهِ الشُّهُودُ. وَلا تُقَامُ الْحُدُودُ في الْمَسَاجِدِ. وَإذَا أَزَادَ الإِمَامُ سَوْطاً، أَوْ حَكَمَ بِشَهَادَةِ مَنْ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الشَّهَادَةِ، أَوْ حَدَّ حَامِلاً، فَأَسْقَطَتْ، وَجَبَ ضَمَانُ ذَلِكَ.
فصل فيما يثبت به الزنا
فَصْلٌ فيما يَثْبُتُ بِهِ الزِّنَا وَإذَا شَهِدَ أَرْبَعَةٌ بِالزِّنَا، أَحَدُهُمْ زَوْجٌ، حُدَّ الثَّلاثَةُ، وَلاعَنَ الزَّوْجُ. وَإِنْ شَهِدَ أَرْبَعَةٌ، فَرَجَعَ أَحَدُهُمْ قَبْلَ إِقَامَةِ الْحَدِّ، حُدَّ الثَّلاثَةُ. وَهَل يُحَدُّ الرَّاجِعُ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ. وَإنْ رَجَعَ بَعْدَ إِقَامَةِ الْحَدِّ، ضَمِنَ رُبُعَ الدِّيَةِ، وَلا شَيْءَ عَلَى الثَّلاثَةِ. وَإِنْ شَهِدَ أَرْبَعَةٌ، فَبَانَ أَنَّهُمْ فُسَّاقٌ أَوْ عُمْيَانٌ، أَوْ بَعْضُهُمْ كَذَلِكَ، فَعَلَيْهمُ الْحَدُّ في أحَدِ الرِّوَايَتَيْنِ. فَإِنْ شَهِدَ اثْنَانِ أَنَّهُ زَنَى بِهَا مُطَاوِعَةً، وَشَهِدَ آخَرَانِ (¬1) أَنَّهُ زَنَا بِهَا مُكْرَهَةً، فَهَلْ يُحَدُّ جَمِيعُهُمْ، أَمِ اللَّذَانِ شَهِدَا بِالْمُطَاوَعَةِ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ. وَاخْتَارَ أَبُو الخَطَّابِ أَنَّ الْحَدَّ عَلَى الرَّجُلِ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ دُونَ الشَّهُودِ. ¬
وَإِنْ شَهِدَ اثْنَانِ أَنَّهُ زَنَى بِهَا في قَمِيصٍ أَبْيَضَ، وَشَهِدَ آخَرَانِ أَنَّهُ زَنَى بِهَا في قَمِيصٍ أَحْمَرَ، أَوْ شَهِدَ اثْنَانِ أَنَّهُ زَنَى بِهَا في زَاوِيَةِ بَيْتٍ، وَشَهِدَ اثْنَانِ أَنَّهُ زَنَى بِهَا في زَاوِيَةٍ مِنْهُ أُخْرَى، فَالْحَدُّ عَلَى الْمَشْهُودِ عَلَيْهِمَا، وَيَتَخَرَّجُ أَلَّا يَجِبَ. فَإِنْ شَهِدَ أَرْبَعَةٌ بِالزِّنَا، فَشَهِدَ نِسَاءٌ ثِقَاتٌ أَنَّهَا عَذْرَاءُ، فَلا حَدَّ عَلَيْهَا، وَلا عَلَى الشُّهُودِ. وَإِنْ شَهِدَ أَرْبَعَةٌ عَلَى رَجُلٍ أَنَّهُ زَنَى بِامْرَأَةٍ، فَشَهِدَ أَرْبَعَةٌ آخَرُونَ عَلَى الشُّهُودِ أَنَّهُمْ هُمُ الزُّنَاةُ بِهَا، فَلا حَدَّ عَلَى أحَدٍ (¬1) مِنْهُم. وَعَنْهُ: يُحَدُّ الشُّهُودُ الأَوَّلُونَ. وَلا يَثْبُتُ الإِقْرارُ بِالزِّنَا إِلَّا بِأَرْبَعَةِ شُهُودٍ. وَعَنْهُ: أَنَّهُ يَثْبُتُ بِشَهَادَةِ رَجُلَيْنِ. وَتُقْبَلُ الشَّهَادَةُ عَلَى الزِّنَا وَالسَّرِقَةِ وَالشُّرْبِ مَعَ بَقَاءِ حرمِ الزَّمَانِ. وَإذَا حَمَلَتِ امْرَأَةٌ لا زَوْجَ لَهَا وَلا مَوْلىً، فَلا حَدَّ عَلَيْهَا. * * * ¬
فصل
فَصْلٌ وَإذَا شَهِدَ ثَمَانِيَةٌ بِالزِّنَا عَلَى شَخْصٍ (¬1)، فَرُجِمَ، فَرَجَعَ مِنْهُمْ أَرْبَعَةٌ قَالُوا: أَخْطَأْنَا، غُرِّمُوا نِصْفَ الدِّيَةِ؛ فَإِنْ شَهِدَ أَرْبَعَةٌ بِالزِّنَا، وَاثْنَانِ بِالإحْصَانِ، ثُمَّ رَجَعُوا، فَعَلَى شُهُودِ الإِحْصَانِ ثُلُثَا الدِّيَةِ، أَوْ ثَلاثَةُ أَرْبَاعِها، عَلَى اخْتِلافِ الْوَجْهَيْنِ. فَإِنْ شَهِدَ أَرْبَعَةٌ، فَزَكَّاهُمُ اثْنَانِ، ثُمَّ بَانَ أَنَّهُمْ كَانُوا فُسّاقاً، فَالدِّيَةُ عَلَى شَاهِدَيِ التَّزْكِيَةِ، وَلا شَيْءَ عَلَى شُهُودِ الزِّنَا. * * * ¬
فصل في التعزير
فَصْلٌ في التَّعْزِيرِ التَّعْزِيرِ فِيمَا شُرِعَ فيهِ التَّعْزِيرُ وَاجِبٌ، وَهُوَ فِعْلُ الْمَعْصِيَةِ الَّتِي لا حَدَّ فِيهَا وَلا كَفَّارَةَ، نَحْوَ أَنْ يَطَأَ زَوْجَتَهُ في الْمَوْضِعِ الْمَكْرُوهِ، أَوْ يَطَأَهَا حَائِضاً أَوْ نُفَسَاءَ، أَوْ تَأتِيَ الْمَرْأَةُ الْمَرْأَةَ، أَوْ يَسْتَمْنِيَ الرَّجُلُ بِيَدِهِ لِغَيْرِ حَاجَةٍ، فَإِنْ فَعَلَهَا خَوْفاً مِنَ الزِّنَا، فَلا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَنَحْوَ هذا، فَرُوِيَ عَنْ أَحْمَدَ -رَحِمَهُ الله- أَنَّهُ لا يُزَادُ في التَّعْزِيرِ عَلَى عَشْرِ جَلَدَاتٍ؛ لِما رَوَى الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ عَنْ أَبِي بُرْدَةَ: أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "لا يُجْلَدُ أَحَدٌ فَوْقَ عَشْرَةِ أَسْوَاطٍ إِلَّا في حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللهِ" (¬1). وَرُوِيَ أَنَّ ذَلِكَ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلافِ أَسْبَابِهِ، فَمَا كَانَ سَبَبُهُ الْوَطْءَ؛ كَوَطْءِ أَمَتِهِ الْمُزَوَّجَةِ، أَوْ وَطْءِ أَجْنَبِيَّهٍ دُونَ الْفَرْجِ، أَوْ وَطْءِ أُخْتِهِ مِنَ الرَّضَاعِ الْمَمْلُوكَةِ، غُلِّطَ (¬2)، فَيُضْرَبُ مِئَةً. وَفِي وَطْءِ الْجَارِيَةَ الْمُشْتَرَكَةِ يُضْرَبُ مِئَةً إِلا سَوْطاً. ¬
وَمَا لَمْ يَكُنْ وَطْئاً؛ كَقُبْلَةِ الأَجْنَبِيَّةِ، والْخَلْوَةِ، وَشَتْمِ النَّاسِ، وَقَذْفِ غَيْرِ (¬1) الْمُحْصَنِ، وَسَرِقَةِ مَا لاَ يُوجِبُ الْقَطْعَ، لَمْ يُبْلَغْ بِهِ أَدْنَى الْحُدُودِ. وَعَنْهُ: يُجْلَدُ عَشَرَةً، وَعَنْهُ: يُجْلَدُ تِسْعَةً. وَإذَا وَطِىَ جَارِيَةَ أَمَتِهِ (¬2) بِغَيْرِ إِذْنِهَا، حُدَّ، وَإِنْ كَانَتْ أَحَلَّتْهَا لَهُ، جُلِدَ مِئَةٌ. * * * ¬
فصل في حد القذف
فَصْلٌ في حَدِّ الْقَذْفِ لا يَجِبُ الْحَدُّ إِلَّا بِقَذْفِ الْمُحْصَنِ، وَهُوَ الْحُرُّ المُسْلِمُ الْعَاقِلُ الْعَفِيفُ الَّذِي يُجَامِعُ مِثْلُهُ في إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ، وَالأُخْرَى: يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ بَالِغاً. وَصَرِيحُ الْقَذْفِ: يَا زَانِي! يَا عَاهِرُ! يَا مَعْفُوجُ! يَا لُوطِيُّ! وَنَحْوُ ذَلِكَ، فَلا يُقْبَلُ تَفْسِيرُهُ بِمَا يُحِيلُ الْقَذْفَ، نَحْوَ أَنْ يَقُولَ: يَا زَانِيَ الْعَيْنِ! يَا عَاهِرَ الْيَدِ. فَإِنْ قَالَ: أَنْتَ أَزْنَى مِنْ فُلانَةَ، أَوْ أَزْنَى النَّاسِ، فَقِيْلَ: يَكُونُ صَرِيحاً في قَذْفِ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ، وَقِيْلَ: لا يَكُونُ صَرِيحاً. وَكَذَلِكَ الْحُكْمُ إِنْ قَالَ لِرَجُلٍ وَلامْرَأَةٍ: يَا زَانِي (¬1)! يا زَانِيَةُ! فَإِنْ قَالَ: نَوَيْتُ قَذْفَهُ (¬2)، أَوْ فَسَّرَهُ بِالْقَذْفِ، فَلا شَكَّ أَنَّه قَاذِفُ. وَكَذَلِكَ إذَا قَالَ: زَنَأْتَ في الْجَبَلِ، وَهُوَ مِمَّنْ يَعْرِفُ اللُّغَةَ، فَإِنْ لَمْ ¬
يَكُنْ يَعْرِفُ اللُّغَةَ، فَهُوَ صَرِيحٌ، وَإِنْ قَالَ: زَنأْتَ، وَلَمْ يَقُلْ: في الْجَبَلِ، فَهُوَ صَرِيحٌ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ كَالَّتِي قَبْلَهَا. فَأَمَّا الْكِنَايَةُ، فَنَحْوُ أَنْ يَقُولَ لِزَوْجَتِهُ: قَدْ فَضَحْتِيهِ، وَغَطَّيْتِ رَأْسَهُ، وَجَعَلْتِ لَهُ قُرُوناً، وَعَلَّقْتِ عَلَيْهِ أَوْلاداً، وَغَيْرَهُ، وَأَفْسَدْتِ فِرَاشَهُ، وَنَكَّسْتِ رَأْسَهُ، أَوْ (¬1) يَقُولَ لِمَنْ يُخَاصِمُهُ: يا حَلالُ بنَ حَلالٍ، يَا عَفِيفُ مَا يَعْرِفُكَ النَّاسُ بِالزِّنَا، أَوْ يَقُولَ: يا فَاجِرَةُ! يَا قَحْبَةُ! يَا خَبِيثَةُ! فَلا يَكُونُ قَاذِفاً إِلَّا أَنْ يَنْوِيَ الْقَذْفَ، فَإِنْ فَسَّرَهُ بِغَيْرِ الْقَذْفِ مِمَّا يَحْتَمِلُهُ، قُبِلَ في إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ، وَفِي الأُخْرَى: جَمِيعُ ذَلِكَ صَرِيحٌ في الْقَذْفِ. وَكَذَلِكَ إِنْ سَمِعَ قَاذِفاً يَقْذِفُ، فَقَالَ: صَدَقْتَ، أَوْ قالَ: أَخْبَرَنِي فُلانٌ أَنَّكَ تَزْنِي، وَكَذَّبَهُ الآخَرُ، يُخَرَّجُ عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ. فَإِنْ قَالَ العَرَبِيُّ (¬2): يَا عَجَمِيُّ! يَا نَبَطِيُّ! فَهَلْ يَكُونُ قَاذِفاً؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ. وَإِنْ قَالَ الرَّجُلُ: اقْذِفْنِي، فَقَذَفَهُ، احْتَمَلَ وَجْهَيْنِ. فَإِنْ قَالَ: لَسْتَ بِوَلَدِ فُلانٍ، فَقَدْ قَذَفَ أُمَّهُ. وَإِنْ قَالَ لِوَلَدِهِ: لَسْتَ بِوَلَدِي، فَهَلْ هُوَ صَرِيحٌ في الْقَذْفِ، أَوْ كِنَايَةٌ؟ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ. ¬
وَإِنْ قَالَ لِحُرَّةٍ مُسْلِمَةٍ: زَنَيْتِ، وَأَنْتِ نَصْرَانِيَّةٌ، أَوْ أَمَةٌ، وَلَمْ يَثْبُتْ أَنَّهَا كَانَتْ نَصْرَانِيَّةً وَلا أَمَةً، فَعَلَيْهِ الْحَدُّ، وَإِنْ ثَبَتَ أَنَّهَا كَانَتْ كَذَلِكَ، فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ. وَقَالَ الْقَاضِي: إذَا قَالَتْ: إِنَّمَا أَرَدْتَ قَذْفِي في الْحَالِ، فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا. وَلو قَالَ: زَنَيْتُ بِكِ وَأَنْتِ صَغِيرَةٌ، وَفَسَّرَهُ بِصِغَرٍ لا يُجَامَعُ في مِثْلِهِ، فَلا حَدَّ عَلَيْهِ. وَلو قَالَ: زَنَتْ يَدَاكَ، أَوْ رِجْلاكَ، لَمْ يَكُنْ قَاذِفاً. وَقَالَ: أَبُو بَكْرٍ: يَكُونُ قَاذِفاً. فَإِنْ قَذَفَ جَمَاعَةً لا يُتَصَوَّرُ الزِّنَا مِنْ جَمِيعِهِمْ، فَقَالَ مَثَلاً: أَهْلُ بَغْدَادَ زُنَاةٌ، لَمْ يُحَدَّ.
فصل في حد السرقة
فَصْلٌ في حَدِّ السَّرِقَةِ رَوىَ مُسْلِمٌ عَنْ عَائِشَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهَا- عَنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "لا تُقْطَعُ يَدُ (¬1) السَّارِقُ إِلَّا فِي رُبْعِ دِينَارٍ فَصَاعِداً" مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ (¬2). وَإذَا اشْتَرَكَ الْجَمَاعَةُ في سَرِقَةِ نِصَابٍ، قُطِعُوا، سَوَاءٌ أَخْرَجُوهُ مَعاً، أَوْ أَخْرَجَ كُلُّ وَاحِدٍ جُزْءاً. فَإِنِ اشْتَرَكَ اثْنَانِ في هَتْكِ حِرْزٍ، وَدَخَلا، فَأَخْرَجَ أَحَدُهُمَا نِصَاباً، وَلَمْ يُخْرِجِ الآخَرُ شَيْئاً، لَزِمَهُمَا الْقَطْعُ. فَإِنْ دَخَلَ أَحَدُهُمَا، وَقَذَفَ الْمَسْرُوقَ مِنْ بَابِ النَّقْبِ، فَأَدْخَلَ الْخَارِجُ يَدَهُ، فَأَخَذَهُ، فَالْقَطْعُ عَلَيْهِمَا. فَإِنْ رَمَى الْمَسْرُوقَ إِلَى خَارِجِ الْحِرْزِ، أَوْ خَرَجَ فَأَخَذَهُ، فَالْقَطْعُ عَلَى الدَّاخِلِ. ¬
فَإِنْ نَقَبَ أَحَدُهُمَا، وَدَخَلَ الآخَرُ فَأَخْرَجَ الْمَتَاعَ، فَلا قَطْعَ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا. فَإِنْ نَقَبَ وَقَالَ لِصَغيِرٍ: ادْخُلْ فَأَخْرِجِ الْمَتَاعَ، فَأَخْرَجَهُ، أَوْ دَخَلَ (¬1) وَتَرَكَهُ عَلَى بَهِيمَةٍ فَخَرَجَتْ بِهِ، فَعَلَيْهِ الْقَطْعُ. وَإِذَا نَقَبُ حِرْزاً وَدَخَلَ (1) فَابْتَلَعَ دِينَاراً وَخَرَجَ، فَعَلَيْهِ الْقَطْعُ. وَإِنْ سَرَقَ إِنَاءً فيهِ خَمْرٌ، أَوْ مُصْحَفاً، أَوْ صَلِيباً، أَوْ خَاتَمَ ذَهَبٍ، لَمْ يُقْطَعْ. وَقَالَ أَبُو الخَطَّابِ: يُقْطَعُ، وَقَالَ: هُوَ ظَاهِرُ كَلامِ أَحْمَدَ. وَإِنْ سَرَقَ مِنْدِيلاً في طَرَفِهِ دِينَارٌ مَشْدُوداً، لا يَعْلَمُ بِهِ، لَمْ يُقْطَعْ. وَيُقْطَعُ بِسَرِقَةِ كُتُبِ الْفِقْهِ وَالْحَدِيثِ وَرِتَاجِ الْكَعْبَةِ، وَلا يُقْطَعُ بِسَرِقَةِ سِتَارَتِهَا في ظَاهِرِ كَلامِهِ. وَقَالَ الْقَاضِي: يُقْطَعُ بِسَرِقَةِ الْمَخِيطَةِ عَلَيْهَا. وَإِنْ سَرَقَ عَبْداً صَغِيراً مِنْ حِرْزٍ، قُطِعَ، وَإِنْ كَانَ حُرّاً، فَعَلَى رِوَايَتَيْنِ، فَإِنْ قُلْنَا: لا يُقْطَعُ، فَسَرقَهُ وَعَلَيْهِ حُلِيٌّ، فَهَلْ يُقْطَعُ؟ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ. وَإِنْ سَرَقَ ثِياباً مِنَ الْحَمَّامِ، أَوْ غَزْلاً مِنَ السُّوقِ، وَثَمَّ حَافِظٌ، قُطِعَ. وَإِنْ بَطَّ جَيْبَ رَجُلٍ، فَسَقَطَ مِنْهُ الْمَالُ، فَأَخَذَهُ، فَعَلَيْهِ الْقَطْعُ. ¬
وَعَنْهُ: لا قَطْعَ عَلَيْهِ. وَإذَا أَعَارَهُ دَارَهُ، أَوْ أَجَرَها، ثُمَّ سَرَقَ مِنْها مَالَ الْمُسْتَعِيرِ أَوْ الْمُسْتَأْجِرِ، قُطِعَ. وَإذَا سَرَقَ الْمَسْرُوقُ مِنْهُ مَالَ السَّارِقِ، أَوْ الْمَغْصُوبُ مِنْهُ مَالَ الْغَاصِبِ مِنِ الْحِرْزِ الَّذِي فيهِ الْعَيْنُ الْمَسْرُوقَةُ أَوْ الْمَغْصُوبَةُ، لَمْ يُقْطَعْ في أحَدِ الْوَجْهَيْنِ، وَيُقْطَعُ في الآخَرِ. وَإِنْ سَرَقَ مِنَ الْغَرِيمِ مِقْدَارَ دَيْنِهِ، قُطِعَ. وَقَالَ أَبُو الخَطَّابِ: إِنْ كَانَ قَدْ جَحَدَهُ، فَلا قَطْعَ. وَإِنْ سَرَقَ مِنْ مَالٍ لهُ فيهِ شُبْهَةٌ؛ كَبَيْتِ الْمَالِ، وَالْمَالِ الْمُشْتَرَكِ، وَمَالِ الأَبِ وَإِنْ عَلا، لَمْ يُقْطَعُ. وَإِنْ سَرَقَ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ مِنْ مَالِ الآخَرِ؟ فَعَلَى رِوَايَتَيْنِ. وَيُقْطَعُ الْمُسْلِمُ بِسَرِقَةِ مَالِ الذِّمِّيِّ وَالْمُسْتَأْمَنِ، وَيُقْطَعُ كُلُّ وَاحِدٍ مَنْهُمَا بِسَرِقَةِ مَالِهِ. وَمَنْ سَرَقَ عَيْناً، وَادَّعَى أَنَّهَا مِلْكُهُ، لَمْ يُقْطَعُ. وَعَنْهُ: يُقْطَعُ. وَعَنْهُ: إِنْ كَانَ مَعْرُوفاً بِالسَّرِقَةِ، قُطِعَ، وَإِلَّا فَلا. وَلا قَطْعَ عَلَى مُنْتَهِبٍ، وَلا مُخْتَلِسٍ، وَلا خَائنٍ، وَلا جَاحِدِ الْعَارِيَّةِ.
وَنَصَّ أَحْمَدُ عَلَى أَنَّ جَاحِدَ الْعَارِيَّةِ يُقْطَعُ. وَهَلْ تُقْطَعُ الْيَدُ الْيُسْرَى وَ (¬1) الرِّجْلُ الْيَمْنَى في الْمَرَّةِ (¬2) الثَّالِثَةِ وَالرَّابِعَةِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ. وَمَنْ سَرَقَ ولا يَدَ لَهُ، قُطِعَتْ رِجْلُهُ. فَإِنْ سَرَقَ ذُو يَمِينٍ، فَسَقَطَتْ، ذَهَبَ الْقَطْعُ. - فَإِنْ قَطَعَ الْقَاطِعُ يَسَارَهُ عَمْداً، أُقِيدَ مِنْهُ. وَهَلْ تُقْطَعُ يَمِينُهُ بَعْدَ ذَلِكَ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ. وَإِنْ قَطَعَهَا، أَخَذَ مِنَ الْقَاطِعِ الدِّيَةِ. وَإذَا أَمَرَ الْعَبْدَ بِسَرِقَةِ مَالٍ، وَكَذَّبَهُ السَّيِّدُ، فَالْمَالُ لِلسَّيِّدِ، وَيُقْطَعُ (¬3) الْعَبْدُ. * * * ¬
فصل
فَصْلٌ وَلا قَطْعَ عَلَى السَّارِقِ مِنْ غَيْرِ حِرْزٍ. وَالأَحْرَازُ تَخْتَلِفُ بِاخْتِلافِ الْمالِ وَالْبُلْدانِ، وَعَدْلِ السُّلطَانِ وَجَوْرِهِ، وَقُوَّتهِ وَضَعْفِه عِنْدَ ابْنِ حَامِدٍ: فَحِرْزُ الثِّيَابِ وَالْحُلِيِّ وَمَا فَوْقَهَا الصَّنَادِيقُ وَالأَقْفَالُ في الْعُمْرَانِ. وَحِرزُ الصُّفْرِ وَالْفُرُشِ وَنَحْوِهِمَا في الدُّورِ وَالدَّكَاكِينِ وَالأَغْلاقِ. وَحِرْزُ قُدُورِ الْبَاقِلَّاءِ وَرَاءَ الشَّرايِجِ إذَا كَانَ في السُّوقِ حَارِسٌ. وَحِرْزُ الْحَطَبِ أَنْ يُعَبَّأَ بَعْضُهُ عَلَى بَعْضٍ في الْحَظَائِرِ. وَحِرْزُ الثِّيَابِ في الْحَمَّامِ بِالْحَافِظِ. وَحِرْزُ الْمَواشِيِ بِالرَّاعِي وَنَظَرِهِ إِلَيْهَا. وَحِرْزُ السُّفُنِ في الشَّطِّ بِرَبْطِهَا. وَحِرْزُ الْحُمُولَةِ مِنَ الإِبِلِ بِالتَّقْطِيرِ وَالسَّائِقِ. وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: مَا كَانَ حِرْزاً لِمالٍ، كَانَ حِرْزاً لِمالِ آخَرَ. وَمَنْ سَرَقَ مِنَ الشَّجَرِ مِنْ غَيْرِ حِرْزٍ، فَلا قَطْعَ، وَيَضْمَنُ عِوَضَهَا مَرَّتَيْنِ.
فصل في قطاع الطريق
فَصْلٌ في قُطَّاع الطَّرِيقِ وَإذَا قَتَلُوا غَيْرَ مُكافٍ، فَهَلْ يُقْتَلُونَ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ. فَإِنْ جَنَوا جِنَايَةً تُوجِبُ الْقِصَاصَ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ، فَهَلْ يَتَحَتَّمُ الْقِصَاصُ فِيهَا؟ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ. وَلا تَسْقُطُ حُكْمُ الْجِرَاحِ بِالْقَتْلِ في الْمُحَارَبَةِ. وَإذَا قَطَعَ يَسَارَ رَجُلٍ، ثُمَّ أَخَذَ الْمالَ، قُطعَتْ يَسَارُهُ قِصَاصاً، وَقُطِعَتْ رِجْلُهُ الْيُسْرَى. وَهَلْ تُقْطَعُ يَدُهُ الْيُمْنَى؟ يُبْنَى عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ في السَّارِقِ. وَإذَا اجْتَمَعَمتْ حُدُودٌ لله تَعَالَى فِيها قَتْلٌ، قُتِلَ، وَسَقَطَ بَقِيَّتُهَا. فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهَا قَتْلٌ، اسْتُوفِيَتْ كُلُّهَا. وَإِنْ كَانَتْ لِلآدَمِيِّيْنَ، اسْتُوفِيَتْ، سَوَاءٌ أَكَانَ فِيهَا قَتْلٌ، أَوْ لَمْ يَكُنْ. فَإِنْ كَانَ بَعْضُهَا حَقّاً لآدَمِيٍّ، بُدِىَ بِهِ. فَإذَا قَذَفَ، وَقَطَعَ يَداً، وَزَنَى، وَشَرِبَ، قُطِعَ.
- فَإذَا بَرِىَ، حُدَّ لِلْقَذْفِ، فَإذَا بَرِىَ، يُحَدِّ لِلشُّرْبِ، فَإذَا بَرِىَ، يُحَدُّ لِلزِّنَا. وَهَلْ تَسْقُطُ الْحُدُودُ الَّتِي للهِ تَعَالَى بِمُجَرَّدِ التَّوْبَةِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ. وَالْجَلْدُ في الزِّنَا أَشَدُّ مِنْهُ في الْقَذْفِ، وَفِي الْقَذْفِ أَشَدُّ مِنْهُ في الشُّرْبِ، وَفِي الشُّرْبِ أَشَدُّ مِنْهُ في التَّعْزِيرِ.
فصل في حد الشرب
فَصْلٌ في حَدِّ الشُّرْبِ رَوَى مُسْلِمٌ عَنْ حُصَيْنِ بْنِ الْمُنذِرِ، قَالَ: "شَهِدْتُ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ، وَأُتِيَ بِالْوَليدِ، فَشَهِدَ عَلَيْهِ رَجُلانِ أَنَّه شَرِبَ الْخَمْرَ، فَقَالَ: يَا عَلِيُّ! قُمْ فَاجْلِدْهُ، فَقَالَ: عَلِيٌّ: يا عَبْدَ اللهِ بْنَ جَعْفَرٍ! قُم فَاجْلِدْهُ، فَجَلَدَهُ، وَعَلِيٌّ يَعُدُّ حَتَّى بَلَغَ أَرْبَعِينَ، فَقَالَ: أَمْسِكْ، ثُمَّ قَالَ: جَلَدَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - أَرْبَعِينَ، وَجَلَدَ أَبُو بَكْرٍ أَرْبَعِينَ، وَعُمَرُ ثَمَانِينَ، وَكُلٌّ سُنَّةٌ، وَهذَا أَحَبُّ إِلَيَّ" (¬1). وَهَلْ يُجْلَدُ الشَّارِبُ أَرْبَعِينَ أَمْ ثَمَانِينَ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ. وَلا يَجِبُ الْحَدُّ بِوُجُودِ الرَّائِحَةِ. وَعَنْهُ: يَجِبُ. وَكُلُّ مُسْكِرٍ خَمْرٌ، وَيُحَدُّ شَارِبُهَا، سَوَاءٌ أَشَرِبَهَا لِلَّذَّةِ، أَوْ لِلْعَطَشِ، أَوْ لِلتَّدَاوِي. وَلا يُحَدُّ الذِّمِّيُّ بِشُرْبِهِ، في الصَّحِيحِ مِنَ الْمَذْهَبِ. ¬
وَيُسْتَوْفَى الْحَدُّ بِالسَّوْطِ (¬1)، إِلَّا أَنْ يَرَى (¬2) الإمَامُ اسْتِيفَاءَهُ بِالأَيْدِي وَالنِّعَالِ. - وَحَدُّ السُّكْرِ: الْمانِعِ مِنْ صِحَّةِ الْعِبَادَاتِ، وَدُخُولِ الْمَسْجِدِ، وَالْمُوجِبِ فِسْقَ شَارِبِ النَّبِيذِ (¬3) القَلِيلِ، وَيُخْتَلَفُ في وُقُوعِ طَلاقِهِ، هُوً الَّذِي يَجْعَلُهُ يَخْلِطُ في كَلامِهِ، وَإذَا وَضَعَ ثَوْبَهُ مَعَ ثَوْبِ غَيْرِهِ لَمْ يَعْرِفْهُ. وَلا يُكْرَهُ أَنْ يُنْبَذَ التَّمْرُ وَالزَّبِيبُ في الماءِ لِيَأْخُذَ حَلاوَتَهُ لَمْ يُكْرَهْ، فَإِنْ نَبَذَ التَّمْرَ أَوِ الزَّبِيبَ أَوِ الْبُسْرَ (¬4) أوِ التَّمْرَ، كُرِهَ شُرْبُهُ. * * * ¬
فصل في قتال أهل البغي
فَصْلٌ في قِتَالِ أَهْلِ الْبَغْيِ وَكُلُّ طَائِفَةٍ لَهَا مَنَعَةٌ وَشَوْكَةٌ خَرَجُوا عَنْ قَبْضَةِ الإمَامِ، أَوْ رَامُوا مَخَالَفَتَهُ بِتَأْوِيلٍ سِائِغٍ، فَهُمْ بُغَاةٌ؛ عَلَى الإِمَامٍ أَنْ يُرَاسلَهُمْ، وَيُزِيلَ مَا يَذْكُرُونَهُ مِنْ مَظْلَمَةٍ أَوْ شُبْهَةٍ، وَيَعِظَهُمْ، وَيُخَوِّفهُمْ بِالْقِتَالِ. فَإِنْ لَجُّوا (¬1)، قَاتَلَهُمْ. فَإِنِ اسْتَنْظَرُوهُ مُدَّةً، فَرَجَا رُجُوعَهُمْ، أَنْظَرَهُمْ، وَإِنْ خَافَ اجْتِمَاعَهُمْ عَلَى حَرْبِهِ، لَمْ يُنْظِرْهُمْ. وَلا يُقَاتلُهُمْ بِمَا يَعُمُّ إِتْلافَهُمْ؛ كَالنَّارِ وَالْمَنْجَنِيقِ إِلَّا لِضَرُورَةٍ. وَلا يَسْتَعينُ عَلَى حَرْبِهِمْ بِالْكُفَّارِ. وَهَلْ يَسْتَعِينُ بِسِلاحِ الْبُغَاةِ وَدِرْعِهِمْ عَلَيْهِمْ؟ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ. وَمَنْ أَسَرَهُ مِنْهُمْ، حَبَسَهُ حَتَّى تَنْقَضِيَ الْحَرْبُ، ثُمَّ يُطْلِقُهُ. وَإِنِ اسْتَعانَ أَهْلُ الْبَغْيِ بِأَهْلِ الْحَرْبِ، وَأَمَّنُوهُمْ، لَمْ يَصِحَّ أَمَانُهُمْ. ¬
فَإِنِ اسْتَعَانُوا بِأَهْلِ الذِّمَّةِ، فَأَعَانُوهُمْ طَوْعاً، مَعَ الْعِلْمِ بِأَنَّهُ لا يَجُوزُ، فَقَدْ نَقَضُوا الْعَهْدَ، وَإِنْ قَالُوا: ظَنَنَّا أَنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ، لَمْ يَنْتَقِضْ عَهْدُهُمْ. وَلا ضَمَانَ عَلَى أَهْلِ الْعَدْلِ فِيمَا أَتْلَفُوهُ حَالَ الْقِتَالِ. - وَهَلْ يَضْمَنُ أَهْلُ الْبَغْيِ مَا أَتْلَفُوهُ عَلَى أَهْلِ الْعَدْلِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ. وَمَا أَتْلَفَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ في غَيْرِ حَالِ الْقِتَالِ، فَهُوَ مَضْمُونٌ. وَمَنْ أُسِرَ مِنْهُمْ، حُبِسَ حَتَّى تَنْقَضِيَ الْحَرْبُ، ثُمَّ يُخَلَّى سَبِيلُهُ. وَمَنِ ادَّعَى دَفْعَ زَكَاتِهِ إِلَيْهِمْ، قُبِلَ، فَإِنِ ادَّعَى الذِّمِّيُّ دَفْعَ جِزْيَتِهِ إِلَيْهِمْ، لَمْ تُقْبَلْ إِلَّا بِبَيِّنَةٍ، وَمَنِ ادَّعَى دَفْعَ خَرَاجِهِ إِلَيْهِمْ، فَهَلْ يُقْبَلُ بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ. وَإِنِ اقْتَتَلَ طَائِفَتَانِ لِطَلَبِ رِيَاسَةٍ، أَوْ عَصَبِيَّةً، فَهُمَا ظَالِمَتَانِ، وَيَلْزَمُ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا مَا أَتْلَفَتْ عَلَى الأُخْرَى.
فصل في المرتد
فَصْلٌ في الْمُرْتَدِّ رَوَى الْبُخَارِيُّ (¬1) عَنِ ابْنِ (¬2) عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ بَدَّلَ دِينَهُ، فَاقْتُلُوهُ" (¬3) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ (¬4). وَهَلْ يُقْبَلُ إسْلامُ مَنْ تَكَرَّرَتْ مِنْهُ الرِّدَّةُ، وَالزِّنْدِيقِ الَّذِي يُظْهِرُ الإسْلامَ وَيُبْطِنُ الْكُفْرَ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ (¬5). وَتَوْبَةُ السَّاحِرِ، وَمَنْ سَبَّ اللهَ وَرَسُولَهُ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ. وَالسَّاحِرُ هُوَ الَّذِي يُعَزِّمُ عَلَى الْجِنِّ بِطِلَّسْمَاتٍ (¬6)، وَيُدَخِّنُ، وَيَزْعُمُ أَنَّهَا تَحْضُرُ وَتُطِيعُهُ، وَيَرْكَبُ الْمِكْنَسَةَ فَتَسِيرُ بِهِ، وَنَحْو ذَلِكَ؛ فَإنَّهُ يُكَفَّرُ بِذَلِكَ، وَيُقْتَلُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ كِتَابِيّاً. ¬
وَمَنْ لَمْ يَعْتَقِدْ وُجُوبَ الصَّلَواتِ الْخَمْسِ، وَتَحْرِيمَ مَا أُجْمِعَ عَلَى تَحْرِيمِهِ، فَهُوَ كَافِرٌ. - وَمَنْ شَهِدَ أَنَّ مُحَمَّداً رَسُولُ اللهِ، حُكِمَ بِإِسْلامِهِ. وَعَنْهُ: إِنْ كَانَ مِمَّنْ لا يُقِرُّ بِالتَّوْحِيدِ، لَمْ يُحْكَمْ بِإِسْلامِهِ حَتَّى يَأْتِيَ بِالشَّهَادَتَيْنِ. وَإِنْ كَانَ مِمَّنْ يَعْتَقِدُ أَنَّ مُحَمَّداً بُعِثَ إِلَى الْعَرَبِ خَاصَّةً، لَمْ يُحْكَمْ بإِسْلامِهِ حَتَّى يَقُولَ: أَرْسَلَهُ إِلَى الْعَالَمِينَ، أَوْ يَقُولَ: أَنَا بَرِيءٌ مِنْ كُلِّ دِينٍ يُخَالِفُ دِينَ الإِسْلامِ. قَتْلُ (¬1) الْمُرْتَدِّ إِلَى الإِمَامِ، فَإِنْ قَتَلَهُ غَيْرُهُ بِغَيْرِ إِذْنِهِ، عُزِّرَ، فَإِنْ قَامَتِ الْبَيِّنَةُ أَنَّهُ كَانَ قَدْ أَسْلَمَ، فَعَلَى قَاتِلِهِ الْقَوَدُ. وَمَا يُتْلِفُهُ في رِدَّتِهِ مَضْمُونٌ عَلَيْهِ، وَيَحْتَمِلُ في الْجَمَاعَةِ الْمُمْتَنِعَةِ أَلَّا يَضْمَنُوا مَا أَتْلَفَتْ. وَهَلْ يَلْزَمُهُ قَضَاءُ مَا تَرَكَ مِنَ الْعِبَادَاتِ في رِدَّتِهِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ. وَلا يَزُولُ مِلْكُ الْمُرْتَدِّ بِرِدَّتِهِ، بَلْ يَكُونُ تَصَرُّفُهُ فيهِ مَوْقُوفاً، فَإِنْ أَسْلَمَ، نَفَذَ، وَإِنْ قُتِلَ، لَمْ يَنْفُذْ، وَتُقْضَى دُيُونُهُ، وَيُنْفَقُ عَلَى مَنْ تَلْزَمُهُ مُؤْنَتُهُ، فَإذَا عَادَ إِلَى الإسْلامِ، رُدَّ إِلَيْهِ. وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: يَزُولُ مِلْكُهُ بِرِدَّتِهِ، فَتَنْعَكِسُ هذِهِ الأَحْكَامُ، وَإذَا عَادَ إِلَى الإِسْلامِ، رُدَّ إِلَيْهِ تَمْلِيكاً مُسْتَأْنَفاً. ¬
كتاب الأطعمة
كِتَابُ الأَطْعِمَةِ فَصْلٌ في الصَّيْدِ وَعَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتَمٍ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، قَالَ: "إذَا أَرْسَلْتَ كَلْبَكَ، وَسَمَّيْتَ، فَأَمْسَكَ وَقَتَلَ، فَكُلْ، فَإِنْ أَكَلَ فَلا تَأْكُلْ؛ فَإِنَّمَا أَمْسَكَ عَلَى نَفْسِهِ، وَإذَا خَالَطَ كِلاباً لَمْ تَذْكُرِ اسْمَ اللهِ عَلَيْهَا، فَأَمْسَكْنَ وَقَتَلْنَ، فَلا تَأْكُلْ؛ فَإِنَّكَ لا تَدْرِي أَيُّهَا قَتَلَ، وَإِنْ رَمَيْتَ الصَّيْدَ، فَوُجِدَ بَعْدَ يَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ لَيْسَ بِهِ إِلَّا أَثَرُ سَهْمِكَ، فَكُلْ، وَإِنْ وَقَعَ في الْماءِ، فَلا تَأْكُلْ" (¬1). قَالَ عَدِيٌّ: وَسأَلْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عنْ صَيْدِ الْمِعْرَاضِ، فَقَالَ: "إذَا أَصَبْتَ بِحَدِّهِ، فَكُلْ، وَإذَا أَصَبْتَ بِعَرْضِهِ، فَقَتَلَ، فَإِنَّهُ وَقِيذٌ، فَلا تَأْكُلْ" متفق عَلَيْهِ (¬2). وَإذَا اشْتَرَكَ مُسْلِمٌ وَمَجُوسِيٌّ في رَمْيِ صَيْدٍ، أَوْ إِرْسَالِ الْجَارِحَةِ ¬
عَلَيْهِ، أَوْ أُشْرِكَتْ جَارِحَةٌ مُعَلَّمَةٌ وَغَيْرُ مُعَلَّمَةٍ في قَتْلِ صَيْدٍ، لَمْ يُبَحْ؛ إِلَّا أَنْ يَكُونَ أَحَدُهُمَا أَصَابَ الْمَقْتَلَ، وَالآخَرُ في غَيْرِ الْمَقْتَلِ، فَيَثْبُتُ الْحُكْمُ لِلْجَارِحِ في الْمَقْتَلِ. وَإِنِ اصْطَادَ الْمُسْلِمُ بِكَلْبِ الْمَجُوسِيِّ، أُبِيحَ. وَعَنْهُ: لا يُبَاحُ. وَإِنِ اصْطَادَ الْمَجُوسِيُّ بِكَلْبِ الْمُسْلِمِ، لَمْ يُبَحْ. وَالِاعْتِبَارُ بِالإِرْسَالِ لا بِالزَّجْرِ بَعْدَهُ.
فصل
فَصْلٌ وَيُعْتَبَرُ في تَعْلِيمِ مَا يَصْطَادُ (¬1) بِنَابِهِ ثَلاثَةُ أَشْيَاءَ: أَنْ يَسْتَرسِلَ إذَا أُرْسِلَ، وَيَنْزَجِرَ إذَا زُجِرَ، وَإذَا أَمْسَكَ لَمْ يَأكُلْ، وَلا يُعْتَبَرُ تَكْرَارُ ذَلِكَ. ويُعْتَبَرُ في تَعْلِيمِ غَيْرِهِ أَنْ يَسْتَرْسِلَ إذَا أُرْسِلَ، وَيَرْجِعَ إِلَيْهِ إذَا دَعَاهُ. وَإذَا قَتَلَ الصَّيْدَ بِصَدْمَتِهِ، أَوْ خَنَقَهُ، لَمْ يُؤكَلْ. وَقَالَ ابْنُ حَامِدٍ: يَأْكُلُ (¬2). وَمَا أَصَابَهُ فَمُ الْكَلْبِ أَوْ الْفَهْدِ يَنْجُسُ، وَيَجِبُ غَسْلُهُ. وَعَنْهُ: يُعْفَى عنه. * * * ¬
فصل
فَصْلٌ وَإذَا قَتَلَ السَّهْمُ الصَّيْدَ بِثِقْلِهِ، وَلَمْ يَجْرَحْهُ، لَمْ يُؤْكَل. وَإذَا رَمَى صَيْداً، فَأَبَان مِنْهُ عُضْواً، وَبَقِيَتْ فِيهِ حَيَاةٌ (¬1) مُسْتَقِرَّةً، لَمْ يُبَحْ أَكلُ مَا أَبَانَ مِنْهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ حق، فَإِنْ بَقِيَ الْعُضْوُ مُعَلَّقاً بِجِلْدِهِ، أُكِلَ الْجَمِيعُ. وَإِنْ رَمَى (¬2) طَائِراً، فَوَقَعَ عَلَى الأَرْضَ، وَوَجَدَهُ مَيْتاً، أُبِيحَ. وَإِنْ وَقَعَ عَلَى شَجَرَةٍ أَوْ جَبَلٍ، ثُمَّ تَرَدَّى، أَوْ وَقَعَ في مَاءٍ، وَكَانَتِ الْجِرَاحَةُ غَيْرَ مُوَحِّيَةٍ، لَمْ يُبَحْ، وَإِنْ كَانتْ مُوَحِّيَةً، فَعَلَى رِوَايَتَيْنِ. وَكَذَلِكَ الْحُكْمُ في الذَّكَاةِ. * * * ¬
فصل
فَصْلٌ وَإذَا أَرْسَلَ سَهْمَهُ إِلَى هَدَفٍ، فَأَصَابَ صَيْداً، لَمْ يُبَحْ. وَلَوْ أَرْسَلَ كَلْبَة أَوْ سَهْمَةُ يُريد الصَّيْدَ، وَهُوَ لا يَرَى صَيْداً، لَمْ يُبَحْ. وَلَوِ استَرْسَلَ الكَلْبُ بِنَفْسِهِ، فَصاحَ بِهِ وَسَمَّى، فَمَضى الْكَلْبُ عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ، لَمْ يُبَحْ صَيْدُهُ. فَإِنْ زَجَرَهُ فَوَقَفَ، أَوْ (¬1) زَادَ في عَدْوِهِ بِإِرْسَالِهِ، حَلَّ. وَإِنْ رَمَى حَجَراً يَظُنُّهُ صَيْداً، فَأَصَابَ صَيْداً، لَمْ يَحِلَّ، وَيَحْتَمِل أَنْ يَحِلَّ؛ كَمَا لو رَمَى صَيْداً فَأَصَابَ غَيْرَهُ. وَلَوْ أَعَانَتِ الرِّيْحُ سَهْمَهُ، وَلَوْلاهَا مَا وَصَلَ، حَلَّ صَيْدُهُ. وَإذَا غَصَبَ جَارِحاً أَوْ سَهْماً، فَصَادَ بِهِ، فَالصَّيْدُ لِصَاحِبِهِ. وَإذَا مَلَكَ صَيْداً، فَأَرْسَلَهُ، أَوْ قَالَ: أَعْتَقْتُكَ، لَمْ يَزُلْ مِلْكُهُ عَنْهُ. وَلَوْ رَمَى صَيْداً، فَأَصَابَ مَقْتَلَهُ، ثُمَّ جَرَحَهُ آخَرُ، حَلَّ، وَعَلَى الثَّانِي غُرْمُ مَا خَرَقَ مِنْ جِلْدِهِ. ¬
- وَلَوْ جَرَحَ صَيْداً، فَتَحَامَلَ، فَدَخَلَ في خَيْمَةِ رَجُلٍ، فَهُوَ لِمَنْ هُوَ في خَيْمَتِهِ. وَلَوْ وَقَعَ في شَبَكَتِهِ صَيْدٌ، فَخَرَقَهَا وَمَضَى، فَصَادَهُ آخَرُ، فَهُوَ لِلثَّانِي. وَلَوْ صَادَ سَمَكَةً، فَوَجَدَ في جَوْفِهَا أُخْرَى، أَوْ طَائِراً، فَوَجَدَ في جَوْفِهِ جَرَاداً، أَوْ حِنْطَةً، أَوْ شَعِيراً، أُبِيحَ. وَعَنْهُ: لا يُبَاحُ. وَيُكْرَهُ صَيْدُ السَّمَكِ بِشَيْءٍ نَجِسٍ، وَصَيْدُ الطَّيْرِ بِالشّبَاشِ.
فصل في الذبح
فَصْلٌ في الذَّبْحِ رَوَىَ الْبُخَارِيُّ: أَنَّ جَارِيَةً لِكَعْبٍ كَانَتْ تَرْعَى غَنَماً بِسَلْعٍ، فَأُصِيبَتْ شَاةٌ مِنْها، فَأَدْرَكَتْهَا فَذَبَحَتْهَا بِحَجَرٍ، وَسُئِلَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَال: "كُّلُوهَا" (¬1). وَرَوَى أَيْضاً عَنْ أَبِي رَافِعٍ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "مَا أَنْهَرَ الدَّمَ، وَذُكِرَ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ، فَكُلْ، لَيْسَ السِّنَّ وَالظُّفُرَ" (¬2). وَلا تَحِلُّ ذَكَاةُ الْكِتَابِيِّ إذَا كَانَ أَحَدُ أَبَوَيْهِ مَجُوسِيّاً أَوْ وَثَنِيّاً، وَلا الْمَجْنُونِ، وَلا السَّكْرَانِ، وَلا غَيْرِ الْمُمَيِّزِ مِنَ الصِّبْيَانِ. فَإِنْ ذَبَحَ بِآلَةٍ مَغْصُوبَةٍ، فَهَلْ يُبَاحُ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ. وَيُكْرَهُ أَنْ يُوَجِّهَ الذَّبِيحَةَ إِلَى غَيْرِ الْقِبْلَةِ، وَأنْ يُحِدَّ السِّكِّينَ والْحَيَوانُ يُبْصِرُهُ. ¬
وَلا يَحِلُّ ذَكَاةُ الْمَقْدُورِ عَلَيْهِ إِلَّا أنْ يَقْطَعَ الْحُلْقُومَ وَالْمَرِيءَ. وَعَنْهُ: يُشْتَرَطُ مَعَ ذَلِكَ قَطْعُ الْوَدَجَيْنِ. - وَلا يَكْسِرُ عُنُقَ الْحَيَوانِ، وَلا يَسْلَخُهُ حَتَّى يَبْرُدَ، فَإِنْ فَعَلَ، أَسَاءَ، وَأُكِلَتْ. وَلَوْ قَطَعَ مِنْهَا قِطْعَةً بَعْدَ الذَّبْحِ، وَهِيَ تَخْتَلِجُ، كُرِهَ ذَلِكَ، وَلَمْ يَحْرُمْ. وَإِنْ تَعَمَّدَ ذَبْحَ الْحَيَوانِ مِنْ قَفَاهُ، فَأَتَتِ السِّكِّينُ عَلَى مَوْضِعِ ذَبْحِهِ وَهُوَ في الْحَيَاةِ، فَهَلْ يُبَاحُ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ. وَإذَا شَكَّ هَلْ سَمَّى الذَّابِحُ أمْ لا؟ بُنِيَ الأَمْرُ عَلَى الإِبَاحَةِ؛ لِمَا رَوَتْ عَائِشَةُ: أَنَّ قَوْماً قَالُوا للنَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -: إِنَّ قَوْماً يَأتُونَنَا باللَّحْمِ لا نَدْرِي أَذَكَرُوا اسْمَ (¬1) اللهِ عَلَيْهِ أَمْ لا؟ فَقَالَ: "سَمُّوا أَنْتَمْ وَكُلُوا" رَوَاهُ مُسْلِمٌ (¬2). وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ فَلَمْ يَكُنْ فِيهِ إِلَّا كَحَرَكَةِ الْمَذْبُوحِ، لَمْ يُبَحْ بِالذَّكَاةِ؛ وَإِنْ كَانَتْ فَيهِ حياةٌ يَجُوزُ بَقَاؤهَا مُعْظَمَ الْيَوْمِ، حَلَّ بِالذَّكَاةِ. وَقَالَ ابْنُ أَبِي مُوسَى: إذَا بَلَغ مَبْلَغاً لا يَعِيشُ لِمِثْلِهَا قَبْلَ أَنْ يَكُونَ قَدْ أَخْرَجَ حَشْوَتَهَا، لَمْ يُبَحْ بِالذَّكَاةِ. * * * ¬
فصل بما يباح من الحيوانات ويحرم
فَصْلٌ بِما يُبَاحُ مِنَ الْحَيَوَانَاتِ وَيَحْرُمُ يُبَاحُ أَكْلُ النَّعَامِ، وَالْحَمَامِ، وَالزَّاغِ، وَغُرَابِ الزَّرْعِ، وَالزَّرَافَةِ، وَالأَرْنَبِ، وَالْخَيْلِ؛ لِما رَوَى جَابِرٌ قَالَ: نَهَى النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - عَنْ لُحُومِ الْحُمُرِ الأَهْلِيَّةِ، وَرَخَّصَ في لُحُومِ الْخَيْلِ (¬1). وَقَالَ أَنَسٌ: جِئْتُ بِأَرْنَبٍ إِلَى طَلْحَةَ، فَبَعَثَ إِلَى النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - بِوَرِكِهَا وَفَخِذِهَا، فَقَبِلَهُ، مُتَّفَقٌ عَلَيْهِمَا (¬2) (¬3). وَيُبَاحُ حَيَوَانُ الْبَحْرِ جَمِيعُهُ إِلَّا الضِّفْدِعَ وَالتِّمْسَاحَ. وَقَالَ ابْنُ حَامِدٍ: وَإِلَّا الْكَوْسَجَ. وَقِيلَ: لا يُؤْكَلُ مِنَ الْبَحْرِيِّ مَا يُشْبِهُ الْمُحَرَّمَ في الْبَرِّ؛ كَكَلْبِ الْماءِ وَإِنْسَانِهِ وَخِنْزِيرِهِ. ¬
وَقَالَ ابْنُ أَبِي مُوسَى: تُؤْكَلُ السُّلَحْفَاةُ وَالرّقَّةُ وَكَلْبُ الْمَاءِ وَالسَّرَطَانُ إذَا ذُكِّيَتْ. وَعَنْهُ: يُؤْكَلُ السَّرَطَانُ بِغَيْرِ ذَكاةٍ. وَفِي التِّمْسَاحِ رِوَايَتَانِ. وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: لا يُبَاحُ حَيَوانٌ بِغَيْرِ ذَكَاةٍ إلا السَّمَكُ والْجَرَادُ. وَفِي الثَّعْلَبِ وَالْوَبْرِ وَالْيَرْبُوعِ وَسِنَّوْرِ الْبَرِّ رِوَايَتَانِ. وَرَوَى الْبُخَارِيُّ: أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - نَهَى عَنْ أَكْلِ كُلِّ ذِي نَابٍ مِنَ السِّبَاعِ (¬1). وَيَحْرُمُ أَكْلُ الْحِدَأَةِ، وَاللَّقْلَقِ، وَالْغُرَابِ الأَبْقَعِ، وَالْغُرَابِ الأَسْوَدِ الْكَبِيرِ، وَالرَّخَمِ، وَكُلِّ مَا يَأْكُلُ الْجِيَفَ، والْوَرْزِ، وَابْنِ عِرْسٍ، وَالْقُنْفُذِ، وَالْحَشَرَاتِ كُلِّهَا، وَمَا يُولَدُ مِنْ مَأْكُولٍ وَغَيْرِ مَأْكُولٍ. وَتَحْرُمُ الْجَلاَّلَةُ الَّتِي أَكْثَرُ عَلَفِهَا النَّجَاسَةُ، وَبَيْضُهَا وَلَبَنُهَا حَتَّى تُحْبَسُ ثَلاثاً. وَعَنْهُ: يُحْبَسُ الطَّائِرُ ثَلاثاً، وَمَا عَدَاهُ يُحْبَسُ أرْبَعِينَ يَوْماً. وَقَالَ ابْنُ أَبِي مُوسى: أَكْلُهَا مَكْرُوهٌ، وَأُحِبُّ أَنْ يُتَوَقَّى عَرَمُهَا (¬2) حَتَّى تُحْبَسَ. ¬
وَكَذَلِكَ لَوْ شَرِبَ الْحَيَوانُ خَمْراً. وَقِيلَ عَنْهُ: إِنَّ أَكْلَهَا مُحَرَّمٌ قَبْلَ الْحَبْسِ. وَيَحْرُمُ أَكْلُ الزُّرُوعِ وَالثِّمَارِ الَّتِي سَقْيُهَا بِالْمَاءِ النَّجِسِ، فَإِنْ سُقِيَ بِالطَّاهِرِ، طَهُرَ، وَحَلَّ أَكْلُهُ. - وَيَحْرُمُ أَكْلُ النَّجَاسَاتِ إِلَّا في حَالِ الضَّرُورَةِ؛ كَالْمَيْتَةِ، يَأْكُلُ مِنْهَا مَا يَسُدُّ رَمَقَهُ. وَعَنْهُ: يَحِلُّ لَهُ الشِّبَعُ (¬1). فَإِنْ وَجَدَ الْمُحْرِمُ صَيْداً وَمَيْتَةً، أَكَلَ الْمَيْتَةَ. وَيَجُوزُ لَهُ دَفْعُ اللُّقْمَةِ بِالْخَمْرِ إذَا غَصَّ وَلَمْ يَجِدْ مَاءً يَدْفَعُهَا بِهِ، وَكَذَا إِنْ أُكْرِهَ عَلَى شُرْبِهِ. وَلا يَحِلُّ أَكْلُ مَا يَضُرُّ؛ كَالسُّمِّ وَمَا جَرَى مَجْرَاهُ. وَمَنِ اضْطُرَّ إِلَى لَحْمِ آدَمِي مُبَاحِ الدَّمِ؛ كَالْحَرْبِيِّ وَالزَّانِي الْمُحْصَنِ، قتلَهُ وَأَكَلَ مِنْهُ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ إِلَّا آدَمِيّاً مَعْصُوماً مَيْتاً، لَمْ يَأْكُلْهُ عِنْدَ الْقَاضِي، أَكَلَهُ (¬2) عِنْدَ أَبي الخَطَّابِ إذَا خَافَ الْمَوْتَ. وَالشُّحُومُ الْمُحَرَّمَاتُ عَلَى الْيَهُود -شَحْمُ الثَّرَبِ وَالْكُلْيَتَيْنِ- لا يَحْرُمُ عَلَيْنَا، وَإِنْ كَانَ الذَّابِحُ كِتَابِيّاً عَلَى ظَاهِرِ كَلامِهِ. ¬
وَقال الْقَاضِي وَالتَّمِيمِيُّ: يَحْرُمُ. وَالصَّابِىَ تُؤْكَلُ ذَبِيحَتُهُ كَالْيَهُودِ. وَمَنْ مَرَّ بِثَمَرَةٍ أَوْ زَرْعٍ لا حَائِطَ لَهُ وَلا نَاظِرَ، فَهَلْ لَهُ الأَكْلُ مِنْهُ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ. وَكَذلِكَ في شُرْبِ لَبَنِ الْمَاشِيَةِ.
فصل فيه مسائل متفرقة
فَصْلٌ فيهِ مَسَائِلُ متَفَرِّقَةٌ يَجِبُ عَلَى الْمُسْلِمِ ضِيَافَةُ الْمُسْلِمِ الْمُجْتَازِ بِهِ، فَإِنِ امْتَنَعَ، فَلِلضَّيْفِ مُطَالَبَتُهُ بِذلِكَ عِنْدَ الْحَاكِمِ. وَفِي الْحَدِيثِ عَنْ عُقْبَةَ قَالَ: قُلْنَا لِلنَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -: إنَّكَ تَبْعَثُنَا فَنَنْزِلُ بِقَوْمٍ لا يَقْرُونا، فَمَا تَرَى فيه؟ فَقَالَ لَنَا: "إِنْ نَزَلتمْ بِقَوْمٍ، فَأَمَرُوا لَكُمْ بِمَا يَنْبَغِي لِلضَّيْفِ، فَاقْبَلُوا، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلُوا، فَخُذُوا مِنْهُمْ حَقَّ الضَّيْفِ" رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ (¬1). وَلا يَلْزَمُهُ إِنْزَالُهُ في بَيْتِهِ إِلَّا أَلَّا يَجِدَ مَسْجِداً أَوْ رِبَاطاً يَبِيتُ فيهِ. وَتُسْتَحَبُّ الضِّيَافَةُ ثَلاثًا. وَمَنِ اضْطُرَّ إِلَى طَعَامِ مَنْ لَيْسَ بِهِ مِثْلُ ضَرُورَتهِ، فَمَنَعَهُ، فَلَهُ أَخْذُهُ قَهْراً، وَلَهُ أَنْ يُقَاتِلَهُ عَلَى أَخْذِ مَا يَسُدُّ رَمَقَهُ، أَوْ قَدْرِ شِبَعِهِ، عَلَى اخْتِلافِ الرِّوَايَتَيْنِ. ¬
- وَلا تَطْهُرُ الأَدْهَانُ النَّجِسَةُ. وَقَالَ أَبُو الخَطَّابِ: مَا يَتَأَتَّى غَسْلُهُ مِنْهَا، يَطْهُرُ بِالْغَسْلِ، وَلا يَجُوزُ بَيْعُهُ قَبْلَ الْغَسْلِ. وَعَنْهُ: يُبَاعُ لِكَافِرٍ بِشَرْطِ أَنْ يُعْلِمَهُ بِنَجَاسَتِه.
كتاب الأيمان
كِتَابُ الأَيْمَانِ رَوَى مُسْلِم عَنْ عَدِيٍّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "إذَا حَلَفَ أَحَدُكُمْ عَلَى يَمِينٍ، فَرَأَى خَيْراً مِنْهَا، فَلْيُكَفِّرْهَا، وَلْيَأْتِ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ" (¬1). وَالْيَمِينُ الْمُوجِبَةُ لِلْكَفَّارَةِ: أَنْ يَحْلِفَ بِاسْمٍ مِنْ أَسْمَاءِ اللهِ تَعَالَى، أَوْ صِفَةٍ مِنْ صِفَاتِ ذَاتِهِ، وَهِيَ أَقْسَامٌ ثَلاثَةٌ: أَحَدُها: مَا لا يُشَارِكُ الْبَارِيَ فيهِ غَيْرُهُ، كَقَوْلهِ: فَاللهِ، فَالْقَدِيمِ الأَزَلِيِّ، وَالأَوَّلِ الَّذِي لَيْسَ قَبْلَهُ شَيْءٌ، وَالْقَادِرِ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ، وَرَازِقِ الْعَالَمِينَ، فَهذَا يَمِينٌ بِكُلِّ حَالٍ. وَالثَّانِي: أَنْ يَحْلِفَ بِمَا يُشَارِكُهُ فِيهِ غَيْرُهُ، فَإِطْلاقُهُ يَنْصَرِفُ إِلَيْهِ؛ كَالرَّحْمَنِ، وَالرَّحِيمِ، وَالرَّبِّ، وَالْقَادِرِ، وَالْمَوْلَى، وَنَحْوِهِ، فَإذَا أَطْلَقَ، فَهُوَ يَمِين، وَإِنْ نَوَى بِهِ غَيْرَ الله، عَصَى، وَلَمْ يَكُنْ يَمِينًا. ¬
وَالثالِثُ: مَا لا يَنْصَرِفُ بِإِطْلاقِهِ إِلَيْهِ؛ كَالْحَيِّ، وَالْمَوْجُودِ، فَهَذَا إِنْ لَمْ يَنْوِ الْيَمِينَ بِصِفَةِ اللهِ، لَمْ يَكُنْ يَمِينًا، وَإِنْ نَوَى، كَانَ يَمِينًا. وَقَالَ الْقَاضِي: لا يَكُونُ يَمِيناً. - فَإِنْ قَالَ: للهُ لأَفْعَلَنَّ -مَرْفُوعاً- كَانَ يَميناً، إِلَّا أَنْ يَكُونَ مِنْ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ، وَلا يَقْصِدُ الْيَمِينَ. وَإِنْ قَالَهُ بِالْجَرِّ أَوِ النَّصْبِ، كَانَ يَمِينًا. فَإِنْ قَالَ: أَشْهَدُ، أَوْ أُقْسِمُ، أَوْ أَحْلِفُ، وَنَوَى الْيَمِينَ، كَانَ يَمِينًا، وَإِنْ أَطْلَقَ، فَعَلَى رِوَايَتَيْنِ. وَإِنْ قَالَ: وَايْمُنُ اللهِ، وَلَعَمْرُ اللهِ، وَأَمَانَةِ اللهِ، وَعَهْدِ اللهِ وَمِيثَاقِهِ لأَفْعَلَنَّ، كَانَ يَمِيناً. فَإِنْ قَالَ: وَالْعَهْدِ، وَالْمِيثَاقِ، وَالأَمَانَةِ، وَالْعَظَمَةِ، وَالْجَبَرُوتِ لأَفْعَلَنَّ، وَنَوَى الْيَمِينَ، فَهُوَ يَمِينٌ، وَإِلَّا فَلا. وَإذَا حَلَفَ بِالْمُصْحَفِ، ثُمَّ حَنِثَ، فَعَلَيْهِ كَفَّارَةٌ. وَعَنْهُ: بِكُلِّ آيَةٍ كَفَّارَةُ يَمِينٍ. فَإِنْ حَلَفَ بِصِفَاتِ الْفِعْلِ، فَقَالَ: وَخَلْقِ اللهِ، وَرَزْقَ اللهِ، وَمَعْلُومِ اللهِ، فَلَيْسَ بِيَمِينٍ. فَإِنْ حَلَفَ بِحَقِّ رَسُولِ (¬1) اللهِ، فَهُوَ يَمِينٌ مُوجِبَةٌ لِلْكَفَّارَةِ. ¬
فَإِنْ قَالَ: هُوَ يَهُودِيٌّ أَوْ نَصْرَانِيٌّ، أَوْ بَرِيءٌ مِنَ الإِسْلامِ وَالْقُرآنِ وَالنَّبيِّ، إنْ فَعَلَ كَذَا، وَحَنِثَ، فَعَلَيْهِ كَفَّارَةٌ. وَعَنْهُ: لا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ. وَإِنْ قَالَ: هُوَ يَسْتَحِلُّ الزِّنَا أَوْ شُرْبَ الْخَمْرِ وَفِعْلَ كَذَا، فَعَلَى وَجْهَيْنِ. - فَإِنْ قَالَ: عَصَيْتُ اللهَ، أَوْ أَنا أَعْصِي اللهَ في كُلِّ مَا أَمَرَنِي، أَوْ مَحَوْتُ الْمُصْحَفَ إِنْ فَعَلْتُ، لَمْ يَكُنْ يَمِيناً. فَإِنْ حَرَّمَ عَلَى نَفْسِه أَمَتَهُ، أَوْ شَيْئًا مِنْ مَالِهِ، فَهُوَ يَمِينٌ، وَلا يَحْرُمُ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ بِالْحَلِفِ. وَإِنْ قَالَ: أَيْمَانُ الْبَيْعَةِ تَلْزَمُنِي، فَإِنَّهَا أَيْمَان رَتَّبَهَا الْحَجَّاجُ تَشْتَمِلُ عَلَى الْيَمِينِ بِاللهِ وَبِالطَّلاقِ وَالْعِتَاقِ (¬1)؛ فَإِنْ نَوَى انْعِقَادَ ذَلِكَ الْيَمِينِ، انعَقَدَتْ، وَإِنْ لَمْ يَنْوِهَا، فلا شَيْءَ عَلَيْهِ. وُيكْرَهُ تَكْرَارُ الْحَلِفِ بِاللهِ. فَإِنْ دُعِيَ إِلَى الْيَمِينِ عِنْدَ الْحَاكِمِ، اسْتُحِبَّ أَنْ يَفْتَدِيَ يَمِينَهُ. وَإذَا أُكْرِهَ عَلَى الْحَلِفِ، لَمْ يَنْعَقِد يَمِينُهُ. وَمَنْ أُكْرِهَ عَلَى الْحِنْثِ، فَلا كَفَّارَةَ، وَيَنْعَقِدُ يَمِينُ الْكَافِرِ، وَتَكْفِيرُهُ بِالْمَالِ. ¬
وَلَغْوُ الْيَمِينِ: أَنْ يَحْلِفَ عَلَى شَيْءٍ يَظُنُّهُ، فَيَتَبَيَّنُ بِخِلافِهِ، في إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ، وَفِي الأُخْرَى: اللَّغْوُ أَنْ يَسْبِقَ عَلَى لِسَانِهِ: لا وَاللهِ، وَبَلَى وَاللهِ، وَهُو لا يُرِيدُ الْيَمِينَ. قَالَتْ عَائِشَةُ: "نَزَلَتْ: {لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ} [البقرة: 225] في: لا وَاللهِ، وَبَلَى وَاللهِ" رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ (¬1). * * * ¬
فصل في جامع الأيمان
فَصْلٌ في جَامِعِ الأَيْمانِ وَإذَا عُدِمَتِ النِّيَّةُ وَالسَّبَبُ في الْيَمِينِ، رَجَعْنَا إِلَى التَّعْيِينِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ، فَإِلَى الِاسْمِ وَالصِّفَةِ، فَإِنِ اجْتَمَعَ الِاسْمُ وَالْعُرْفُ، فَأَيّهُمَا يُغَلَّبُ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ. وَإذَا حَلَفَ لا يَسْكُنُ هذِهِ الدَّارَ، فَخَرَجَ مِنْهَا دُونَ رَحْلِهِ وَأَهْلِهِ، حَنِثَ؛ فَإِنْ وَهَبَ رَحْلَهُ، أَوْ أَوْدَعَهُ، أَوْ أَعَارَهُ، وَخَرَجَ، أَوِ امْتَنَعَتْ زَوْجَتَهُ مِنَ الْخُرُوجِ، وَلَمْ يَمْكِنْهُ إِخْرَاجُهَا، أَوْ أَقَامَ لِنَقْلِ قُمَاشِهِ، أَوْ كَانَ لَيْلاً فَخَشِيَ عَلَى نَفْسِهِ إِنْ خَرَجَ فَأَقَامَ حَتَّى أَمِنَ، لَمْ يَحْنَثْ. وَإِنْ حَلَفَ: لا يُسَاكِنُ فُلاناً في هذِهِ الدَّارِ، فتشَاغَلا بِقِسْمَةِ الدَّارِ، أَوْ بِبِنَاءِ حَائِطٍ بَيْنَهُمَا (¬1)، وَهُمَا مُتَساكِنَانِ، حَنِث. فَإِنْ حلَفَ: لَيَرْحَلَنَّ عَنْ هذِهِ الدَّار، أَوْ لَيَخْرُجَنَّ مِنْ بَغْدَادَ، فَرَحَلَ، فَلَهُ الْعَوْدُ إِلَيْهَا إذَا لَمْ يَنْوِ. ¬
فَإِنْ حَلَفَ: لا يَدْخُلُ دَارَ فُلانٍ هذِهِ، فَدَخَلَ سَطْحَهَا، حَنِثَ. وَإِنْ دَخَلَ طَاقَ الْبَابِ، احْتَمَلَ وَجْهَيْنِ. - فَإِنْ دَخَلَهَا بَعْدَ أَنْ صَارَتْ فَضَاءً أَوْ مَسْجِداً أَوْ حَمَّاماً، أَوْ بَاعَهَا، حَنِث، إِلَّا أَنْ يَكُونَ لَهُ نِيَّةٌ. وَكَذَلِكَ إذَا حَلَفَ: لا لَبِسْتُ هذَا الثَّوْبَ، وَهُوَ قَمِيصٌ، فَجَعَلَهُ عِمَامَةً أَوْ سَرَاوِيلَ، أَوْ: لا كَلَّمْتُ هذَا الصَّبِيِّ، فَصَارَ شَيْخاً، أَوْ: لا أَكَلْتُ هذَا اللَّبَنَ، فَصَارَ كَامِخًا، أَوْ: لا كَلَّمْتَ زَوْجَةَ فُلانٍ هَذِهِ، أَوْ صَدِيقَهُ هَذَا، فتغَيَّرَتْ حَالُهُمْ، وَكَلَّمَهُمْ، حَنِثَ، إِلَّا أَنْ يَكُونَ لَهُ نِيَّةٌ. فَإِنْ حَلَفَ: لا يَدْخُلُ هذِهِ الدَّارَ، فَحُمِلَ بِغَيْرِ أَمْرِهِ، وُيمكِنُهُ الِامتِنَاعُ، فَهَلْ يَحْنَثُ؟ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ. فَإِنْ كَانَ حِينَ الْيَمِينِ فِيهَا، فَلَمْ يَخْرُجْ، حَنِث، وأَوْمَأَ إِلَيْهِ أَحْمَدُ. وَعِنْدَ أَبِي الخَطَّابِ: لا يَحْنَثُ. فَإِنْ حَلَفَ لا يَدْخُل عَلَى فُلانٍ بَيْتًا، فَدَخَلَ فُلانٌ عَلَيْهِ، فَأَقَامَ مَعَهُ، حَنِث، وَيَحْتَمِلُ أَلَّا يَحْنَثَ، فَإِنْ دَخَلَ بَيْتاً هُوَ فيهِ وَلا يَعْلَمُ، فَهُوَ كَالدُّخُولِ نَاسِيًا. وَإِنْ دَخَلَ عَلَى جَمَاعَةٍ هُوَ فِيهِمْ، حَنِث؛ فَإِنْ نَوَى بالدُّخُولِ عَلَى غَيْرِهِ، احْتَمَلَ وَجْهَيْنِ. فَإِنْ حَلَفَ: لا يَدْخُلُ بَيْتًا، حَنِث بِدُخُولِ الْمَسْجِدِ وَبَيْتِ الشَّعْرِ، وَلا يَحْنَثُ بِدُخُولِ الدِّهْلِيزِ وَالصُّفَّهِ وَالطَّرزِ.
وَإِنْ حَلَفَ: لا يَدْخُلُ بَيْتَ فُلانٍ، فَدَخَلَ بَيْتًا يَسْكُنُهُ بِالأُجْرَةِ، حَنِثَ، إِلَّا أَنْ يَنْوِيَ مِلْكَهُ. - فَإِنْ دَخَلَ دَاراً لَهُ مُؤْجَرَةً، وَدَارَ عَبْدِهِ، حَنِثَ. وَإِنْ حَلَفَ: لا يَدْخُلُ دَارَ عَبْدِ فُلانٍ، فَدَخَلَ دَاراً جُعِلَتْ بِوَسْمِهِ (¬1)، حَنِث. * * * ¬
فصل في اللبس
فَصْلٌ في اللُّبْسِ إذَا حَلَفَ: لا لَبِسْتُ حَلْياً، فَلَبِسَ الْعَقِيقَ وَالشِّيحَ، لَمْ يَحْنَثْ. فَإِنْ لَبِسَ الدَّراهِمَ وَالدَّنَانِيرَ في مرسله، احْتَمَلَ وَجْهَيْنِ. فَإِنْ حَلَفَ: لا لَبِسْتُ شَيْئاً، فَلَبِسَ خُفّاً، أَوْ نَعْلاً، أَوْ جَوْشَناً، حَنثَ. وَإِنْ حَلَفَ: لا لَبِسْتَ ثَوْباً، وَهُوَ لابِسُهُ، أَوْ: لا يَرْكَبُ دَابَّةً هُوَ رَاكِبُها، فَاسْتَدَامَ ذَلِكَ، حَنِث. وَلَوْ حَلَفَ: لا يَتَزَوَّجُ، وَهُوَ مُتَزَوِّجٌ، أَوْ: لا يَتَطَهَّرُ، وَهُوَ مُتَطَهِّرٌ، أَوْ: لا يَتَطَيَّبُ، وَهُوَ مُتَطَيِّبٌ، فَاسْتَدَامَ، لَمْ يَحْنَثْ.
فصل في الشرب والأكل والشم
فَصْلٌ في الشُّرْبِ وَالأَكْلِ وَالشَّمِّ إذَا حَلَفَ: لا يَشرَبُ لَهُ الْماءَ مِنْ الْعَطَشِ، فَاسْتَعَارَ ثَوْبَهُ، أوِ انتفَعَ بِشَيْءٍ مِنْ مَالِهِ، حَنِثَ إِذَا قَصَدَ قَطْعَ الْمِنَّةِ. وَإِنْ حَلَفَ: لا يَأْكُلُ لَحْمًا، لَمْ يَحْنَثْ بِأَكْلِ الْقَلْبِ وَالْقَانِصَةِ وَالْكِرْشِ وَالْمَرَقِ. فَإِنْ حَلَفَ: لا يَأْكُلُ شحْماً، فَأَكَلَ اللَّحْمَ الأَحْمَرَ وَحْدَهُ، لَمْ يَحْنَثْ، وَإِنْ أَكَلَ شَحْمَ الظَّهْرِ، حَنِثَ. فَإِنْ حَلَفَ: لا يَأْكُلُ رَأْساً، وَلا بَيْضًا نِيئاً، وَلا رُؤُوسَ الطُّيُورِ وَالْحِيتَانِ وَبَيْضَ السَّمَكِ وَالْجَرادِ عِنْدَ الْقَاضِي. وَعِنْدَ أَبِي الخَطَّابِ لا يَتَنَاوَلُ رَأْساً لَمْ تَجْرِ الْعَادَةُ بِأَكْلِهِ مُنْفَرِداً، وَلا بَيْضَ مَا لا يُفَارِقُ بَايِضَهُ حَالَ الْحَيَاةِ. فَإِنْ حَلَفَ: لا يَأْكُلُ لَبَناً، فَأَكَلَ زُبْدًا أَوْ (¬1) سَمْناً، أَوْ مَصْلاً وَجُبْناً، أَوْ كِشْكاً، لَمْ يَحْنَثْ. ¬
فَإِنْ حَلَفَ: لا يَأْكُلُ الزُّبْدَ، فَأَكَلَ اللَّبَن، لَمْ يَحْنَثْ. فَإِنْ حَلَفَ: لا يَاْكُلْ سَمْنًا، فَعَمِلَ بِهِ خَبِيصاً، فَصَارَ مُسْتَهْلَكاً فيهِ، فَأَكَلَ مِنْهُ، لَمْ يَحْنَثْ، وَإِنْ ظَهَرَ فيهِ طَعْمُ السَّمْنِ، حَنِثَ، وَإِنْ أَكَلَهُ بِالْخُبْزِ، حَنِثَ. فَإِنْ حَلَفَ: لا يأْكُلُ رُطَبًا، فَأَكَلَ مُذَنِّبًا، حَنِث، فَإِنْ أَكَلَ تَمْراً أَوْ بُسْراً، لَمْ يَحْنَثْ. وَإِنْ حَلَفَ: لا يَأْكُلُ تَمْراً، فَأَكَلَ دِبْسًا، أَوْ لا يَأْكُلُ دِبْسًا, فَأَكَلَ نَاطِفاً، لَمْ يَحْنَثْ. وَإِنْ حَلَفَ: لا يَأْكُلُ حِنْطَةً، فَأَكَلَ حِنْطَةً فيهَا حَبَّاتُ شَعِيرٍ، حَنِثَ. وَيَتَخَرَّجُ أَلَّا يَحْنَثَ. فَإِنْ حَلَفَ: لا يَأْكُلُ فَاكهَةً، حَنِثَ بِأَكْلِ اللَّوْزِ وَالْبِطِّيخِ، وَلَمْ يَحْنَثْ بِأَكْلِ الْقِثَّاءِ وَالْخِيَارِ. فَإِنْ حَلَفَ: لا يَأْكُلُ أُدْماً، حَنِثَ بِأَكْلِ الْجُبْنِ وَالْمِلْحِ وَالزَّيْتُونِ. وَهَلْ يَحْنَثُ بِأَكْلِ التَّمْرِ؟ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ. وَإِنْ حَلَفَ: لا يَأْكُلُ شَيْئًا، فَذَاقَهُ وَلَمْ يَبْلَعْهُ، لَمْ يَحْنَثْ. وَإِنْ حَلَفَ: لا يَأْكُلُ السُّكَّرَ، فترَكَهُ في فِيهِ حَتَّى ذَابَ، فَعَلَى رِوَايَتَيْنِ. فَإِنْ حَلَفَ: لا يَشَمُّ الْبَنَفْسَجَ، فَشَمَّ دُهْنَهُ، حَنِثَ.
فَإِنْ حَلَفَ: لا يَشَمُّ الرَّيْحَانَ، فَشَمَّ الْوَرْدَ والْبَنَفْسَجَ وَالْيَاسَمِينَ، فَهَلْ يَحْنَث؟ عَلَى وَجْهَيْنِ. فَإِنْ شَمَّ الْفَاكِهَةَ، لَمْ يَحْنَثْ، وَكَذَلِكَ إذَا حَلَفَ لا يَشَمُّ الطِّيْبَ، فَشَمَّهَا.
فصل في البيع وقضاء الحقوق
فَصْلٌ في الْبَيْعِ وَقَضَاءِ الْحُقُوقِ إذَا حَلَفَ (¬1): لا يَبِيعُ ثَوْبَهُ بِمِئَةٍ، فَبَاعَهُ بِأَقَلَّ، حَنِثَ، إِلَّا أَنْ يَنْوِيَ. فَإِنْ حَلَفَ: لا يَهَبُ فُلاناً، وَلا يُهْدِي لَهُ، ولا يَتصَدَّقُ عَلَيْهِ، فَفَعَلَ ذَلِكَ، وَلَمْ يَقْبَلِ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ، حَنِثَ. فَإِنْ حَلَفَ: لا يَهَبُ لَهُ، فتصَدَّقَ عَلَيْهِ، حَنِثَ عِنْدَ الْقَاضِي، وَعِنْدَ أَبِي الخَطَّابِ لا يَحْنَثُ. فَإِنْ أَوْصَى لَهُ، لَمْ يَحْنَثْ، وَإِنْ أَعَارَهُ، لَمْ يَحْنَث، إِلَّا عِنْدَ أَبِي الخَطَّابِ. وَإِنْ بَاعَهُ بِالْمُحَابَاةِ، حَنِثَ، وَيَحْتَمِلُ ألاَّ يَحْنَثَ. وَإِنْ وَقَفَ عَلَيْهِ، حَنِثَ. وَإِنْ حَلَفَ: لا يَتَصَدَّقُ عَلَيْهِ، فَوَهَبَ لَهُ، لَمْ يَحْنَثْ. فَإِنْ حَلَفَ: لا يَبِيعُ الْخَمْرَ، فَبَاعَهَا، حَنِثَ، وَيَحْتَمِلُ أَلَّا يَحْنَثَ. ¬
وَإِنْ حَلَفَ: لَيَقْضِيَنَّهُ حَقَّهُ غَداَّ، فَمَاتَ صَاحِبُ الْحَقِّ، فَقَضَى وَرَثتهُ، لَمْ يَحْنَثْ. وَقَالَ الْقَاضِي: يَحْنَثُ. - وَإِنْ أَبْرَأَهُ صَاحِبُ الْحَقِّ، فَهَلْ يَحْنَثُ؟ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ. فَإِنْ بَاعَهُ بِمَالِهِ عُرُوضاً، وَقَبَضَهَا، لَمْ يَحْنَثْ عِنْدَ ابْنِ حَامِدٍ. وَقَالَ الْقَاضِي: يَحْنَثُ. فَإِنْ حَلَفَ: لَيَقْضِيَنَّهُ حَقَّهُ عِنْدَ رَأَسِ الْهِلالِ، فَقَضَاهُ عِنْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ مِنْ لَيْلَةِ الشَّهْرِ، لَمْ يَحْنَثْ. فَإِنْ حَلَفَ: لا فَارَقْتُكَ حَتَّى أَسْتَوْفِيَ حَقِّي مِنْكَ، فَفَلَّسهُ (¬1) الْحاكِمُ، وَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا، وَأَعْطَاهُ حَقَّهُ في الظَّاهِرِ، فَفَارَقَهُ، فَخَرَجَ رِدْئاً، أَوْ أَحَالَهُ، فَفَارَقَهُ يَظُنُّ أَنَّهُ قَدِير، خُرِّجَ عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ. وَقَدْرُ الْفُرْقَةِ مَا عَدَّهُ النَّاسُ فِرَاقًا في الْعَادَةِ. * * * ¬
فصل في الكلام
فَصْلٌ في الْكلامِ إذَا حَلَفَ: لا يُكَلِّمُهُ، فَدَقَّ الْبَابَ، فَقَالَ: ادْخُلُوهَا بِسَلامٍ، يَقْصِدُ تَنْبِيهَهُ، لَمْ يَحْنَثْ، وَإِنْ زَجَرَهُ فَقَالَ: تنَحَّ، أَوِ اسْكُتْ، حَنِثَ. فَإِنْ حَلَفَ: لا يُكَلّمُهُ زَمَاناً، أَوْ عُمْرًا، أَوْ دَهْرًا، أوِ الْحِيْنَ وَالزَّمَانَ، فَهُوَ إِلَى سِتَّةِ أَشْهُرٍ. وَإِنْ قَالَ: إِلَى الْبَعِيْدِ، أَوْ مَلِيّاً، أَوْ طَوِيلًا (¬1)، فَهُوَ إِلَى أَكْثَرَ مِنْ شَهْرٍ. وَإِنْ قَالَ: الدَّهْرَ، فَهُوَ إِلَى الأَبَدِ. وَعِنْد أَبِي الخَطَّابِ في غَيْرِ الْحِينِ يَحْتَمِلُ (¬2) عَلَى أَقَلّ مَا يَقَعُ عَلَيْهِ الِاسْمُ، إِلَّا أَنْ يَنْوِيَ. وَالْحُقْبُ ثَمَانُونَ سَنَةً. فَإِنْ حَلَفَ: لا يُكَلِّمُهُ أَيَّامًا، فَهُوَ عَلَى ثَلاثَةٍ، وَإِنْ قَالَ: شُهُورًا، ¬
فَهَلْ يَحْتَمِلُ (¬1) عَلَى اثْنَيْ عَشَرَ، أَوْ عَلَى ثَلاثَةٍ؟ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ. وَإِنْ حَلَفَ: لا يُصَلِّي، فَكَبَّرَ، حَنِثَ عِنْدَ الْقَاضِي، وَعِنْدَ أَبِي الخَطَّابِ لا يَحْنَثُ حَتَّى يُصَلِّيَ رَكْعَةً؛ كَمَا إذَا حَلَفَ: لا يَصُومُ، لَمْ يَحْنَثْ حَتَّى يَصُومَ يَوْمًا. فَصْلٌ: إذَا حَلَفَ: لا يَضْرِبُ إِنْسَانًا، فَخَنَقَهُ، أَوْ عَضَّهُ، أَوْ نتَفَ شَعْرَهُ، حَنِثَ، وَيَحْتَمِلُ أَلَّا يَحْنَثَ. فَإِنْ حَلَفَ: لَيَتَزَوَّجَنَّ عَلَى امْرَأَتِهِ، بَرَّ بِنِكَاحِ أَيِّ امْرَأَةٍ تَزَوَّجَهَا، وَقَالَ أَصْحَابُنَا: لا يَبَرُّ حَتَّى يَتَزَوَّجَ بِنَظَائِرِهَا وَيَدْخُلَ بِهَا. فَإِنْ حَلَفَ: لا يَسْتَخْدِمُ إِنْسَانًا، فَخَدَمَهُ وَهُوَ سَاكِتٌ، حَنِثَ، وَيَحْتَمِلُ أَلَّا يَحْنَثَ. * * * ¬
فصل في الكفارة
فَصْلٌ في الْكَفَّارَةِ لا يَجُوزُ التَّكْفِيرُ قَبْلَ الْيَمِينِ، وَيَجُوزُ بَعْدَهَا وَقَبْلَ الْحِنْثِ. وَإذَا كَرَّرَ الْيَمِينَ عَلَى أَفْعَالٍ مُخْتَلِفَةٍ، فَهَلْ يَلْزَمُهُ كَفَّارَةٌ أَوْ كَفَّارَتَانِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ. وَمَنْ نِصْفُهُ حُرٌّ، فَحُكْمُهُ حُكْمُ الأَحْرَارِ في التكفِيرِ، فَيُكَفِّرُ الْعَبْدُ بِالصّيَامِ، وَلَيْسَ لِسَيّدِهِ (¬1) مَنْعُهُ؛ فَإِنْ أَذِنَ لَهُ بِالتكفِيرِ بِالطَّعَامِ، جَازَ. وَإِنْ أَذِنَ لَهُ في التكْفِيرِ بِالْعِتْقِ، فَعَلَى رِوَايَتَيْنِ. فَإِنْ قُلْنَا: يُجْزىَ، فَأَعْتَقَ نَفْسَهُ، فَهَلْ يَصِحُّ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ. * * * ¬
فصل في النذر
فَصْلٌ في النَّذْرِ عَنْ عُقْبَةَ، عَنْ رَسُول اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "كَفَّارَةُ النَّذْرِ كَفَّارَةُ الْيَمِيْنِ (¬1) " رَوَاهُ مُسْلِمٌ (¬2). وَيَصِحُّ مِنَ الْبَالِغِ الْعَاقِلِ، مُسْلِماً كَانَ أَوْ كَافِراً، وَلا يَنْعَقِدُ بِالنِّيَّةِ مِنْ غَيْرِ قَوْلٍ. وَقَدْرُ (¬3) اللِّجَاجِ وَالْغَضَبِ نَحْوَ أَنْ يَقُولَ: إنْ كَلَّمْتُ فُلاناً، فَمَالِي صَدَقَةٌ، أَوْ: فَعَلَيَّ الْحَجُّ، يَمِينٌ مُكَفَّرَةٌ. وَإذَا نَذَرَ الصَّدَقَةَ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ، لَزِمَهُ الْجَمِيعُ. وَعَنْهُ: يُجْزِئُهُ الثُّلُثُ. وَإذَا نَذَرَ صَوْمَ السَّنَةِ، لَمْ يَدْخُلْ في نَذْرِهِ رَمَضَانُ وَيَوْمَا الْعِيدِ، وَفِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ رِوَايَتَانِ. ¬
وَإذَا نَذَرَ صِيَاماً، فَعَجَزَ لِمَرَضٍ أَوْ كِبَرٍ، أَفْطَرَ، وَكَفَّرَ، وَأَطْعَمَ لِكُلِّ يَوْمٍ مِسْكِينًا. - وَإذَا نَذَرَ الطَّوَافَ عَلَى أَرْبَعٍ، طَافَ طَوَافَيْنِ. وَإذَا نَذَرَ الصَّلاةَ في أحَدِ الْمَسَاجِدِ، فَهُوَ كَنَذْرِ الِاعْتِكَافِ فِيهَا. وَإذَا نَذَرَ الْحَجَّ رَاكِبًا، فَمَشَى، فَعَلَيْهِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ. وَإذَا نَذَرَ هَدْياً، وَعَيَّنَهُ بِمَا لا يُنْقَلُ في الْقَفَارِي، بِيع، وَنُقِلَ ثَمَنُهُ، وَيُفَرَّقُ في الْحَرمِ. فَإِنْ قَالَ: للهِ عَلَيَّ نَذْرٌ، لَزِمَهُ كَفَّارَةَ يَمِينٍ. وَإِنْ قَالَ: عِنْدِي عَبْدُ فُلانٍ حُرٌّ لأَفْعَلَنَّ، فَهَلْ يَلْزَمْهُ كَفَّارَةَ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ.
كتاب القضاء
كِتَابُ الْقَضَاءِ عَنْ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ: أَنَّهُ سَمعَ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قالَ: "إذَا حَكَمَ الْحَاكِمُ فَاجْتَهَدَ، ثُمَّ أَصَابَ، فَلَهُ أَجْرَانِ، وَإذَا حَكَمَ فَاجْتَهَدَ، ثمَّ أَخْطَأَ، فَلَهُ أَجْرٌ" رَوَاهُ مُسْلِمٌ (¬1). قَالَ أَحْمَدُ -رَحِمَهُ اللهُ-: "لا بُدَّ للنَّاسِ مِنْ حَاكِمٍ، أتذْهَبُ (¬2) حُقُوقُ النَّاسِ؟! ". وَهذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْقَضَاءَ فَرْضٌ عَلَى الْكِفَايَةِ، وَأَنَّهُ يَتَعَيَّنُ عَلَى الإِنْسَانِ الدُّخُولُ فيهِ إذَا لَمْ يُوجَدْ غَيْرُهُ. رُوِيَ عَنْهُ: سُئِلَ: هَلْ يَأْثَمُ الْقَاضِي إذَا لَمْ يُوجَدْ غَيْرُهُ مِمَّنْ يُوثَقُ بِهِ؟ قَالَ: لا يَأْثَمُ بِذَلِكَ، وَهذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا لا تَجِبُ. ¬
وَلا خِلافَ في أَنَّهُ يُكْرَهُ طَلَبُهُ إذَا كَانَ هُنَاكَ غَيْرُهُ، وَإِنْ طُلِبَ، فَالأَفْضَلُ أَلَّا يَدْخُلَ فيه. وَلا تَصِحُّ وِلايَةُ الْقَضَاءِ إِلَّا بِتَوْليَةِ الإمَامِ، أَوْ مَنْ فَوَّضَ إِلَيْهِ الإمَامُ؛ فَإِنْ وَلاَّهُ مَنْ لَيْسَ بِعَدْلٍ، فَهَلْ يَصِحُّ؟ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ. وَإِنْ تَحَاكَمَ اثْنَانِ إِلَى رَجُلٍ يَصْلُحُ للْقَضاءِ، فَحَكَّمَاهُ في مَالٍ، فَمَا قَضَى بِهِ في حَقِّهِمَا لَزِمَهُمَا. وَلا يَنْفُذُ حُكْمُهُ في الْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ وَالنِّكاحِ وَاللِّعَانِ، عَلَى ظَاهِرِ كَلامِهِ. وقال الْقَاضِي: يَنْفُذُ. وَيَلْزَمُ الإمَامَ أَنْ يَخْتَارَ لِلْقَضَاءِ أَفْضَلَ مَنْ يَجِدُ، وَأَورَعَهُمْ، وَيأْمُرَهُ بِتَقْوَى اللهِ، وَالْعَدْلِ، وأن يَسْتَخْلِفَ في كُلِّ صُقْعٍ أَصْلَحَ مَنْ يَقْدِرُ عَلَيْهِ لَهُمْ. وَمِنْ شَرْطِ صِحَّةِ الْوِلاَيَةِ مَعْرِفَةُ الْمُوَلِّي لِلْمُوَلَّى، وَأَنَّهُ عَلَى صِفَةٍ تَصْلُحُ لِلْقَضَاءِ، وَيُعَيِّنُ مَا يُوَلِّيهِ الْحُكْمَ فيهِ مِنَ الْبُلْدَانِ والأَعْمَالِ، وَيُشَافِهُهُ، وَمُشَافَهَتُهُ بِالْوِلاَيَةِ إِنْ كَانَ حَاضِرًا، أَوْ يُكَاتِبُهُ إِنْ كَانَ غِائِبًا، وَيُشْهِدُ عَلَى تَوْليتهِ بِشَاهِدَيْنِ. وَقِيلَ: تَثْبُتُ الْوِلاَيَةُ بِالِاسْتِفَاضَةِ إذَا كَانَ الْبَلَدُ قَرِيباً. وَألْفَاظُ الْوِلاَيَةِ الصَّرِيحَةُ سَبْعَةٌ: وَلَّيْتُكَ الْحُكْمَ، وَقَلَّدْتُكَ،
وَاسْتَنَبْتُكَ، وَاستَخْلَفْتُكَ، وَرَدَدْتُ إِلَيْكَ الْحُكْمَ، وَفَوَّضْتُ إِلَيْكَ، وَجَعَلْتُ إِلَيْكَ. وَالْكِنَايَةُ أَرْبَعَةٌ: اعْتَمَدْتُ عَلَيْكَ، وَعَوَّلْتُ عَلَيْكَ، وَوَكَلْتُ إِلَيْكَ، وَأَسْنَدتُ إِلَيْكَ. فَلا تَثْبُتُ الْوِلاَيَةُ بِهَا حَتَّى تَقْتَرِنَ بِهَا قَرِينَةٌ، نَحْوَ قَوْلهِ: فَاحْكُمْ، أَوْ: فَانْظُرْ، وَتَوَلَّ. وَيُعْتَبَرُ الْقَبُولُ مِنَ الْمُوَلَّى. فَإنْ قَالَ: مَن نَظَرَ في الْحُكْمِ مِنْ فُلانٍ وَفُلانٍ، فَهُوَ خَلِيفَتِي، لَمْ تَنْعَقَدِ الْوِلاَيَةُ. وَإِنْ قَالَ: قَدْ وَلَّيْتُ فُلاناً وَفُلاناً، فَأَيُّهُمَا نَظَرَ، فَهُوَ خَلِيفَتِي، انْعَقَدَتِ الْوِلاَيَةُ. وَيَجُوزُ أَنْ يُوَلِّيَهُ جَمِيعَ الأَحْكَامِ في بَلَدٍ يُعَيِّنُهُ، فَيَنْفُذُ حُكْمُهُ فِيمَنْ سَكَنَ ذَلِكَ الْمَوْضِعَ، أَوْ قَدِمَ إِلَيْهِ. وَيَجُوزُ أَنْ يُقَلِّدَهُ خُصُوصَ النَّظَرِ في عُمُومِ الْعَمَلِ، فَيَقُولَ: جَعَلْتُ إِلَيْكَ الْحُكْمَ في الْمُدايَنَاتِ خَاصَّةً. وَيجُوزُ أَنْ يَجْعَلَ حُكْمَهُ في قَدْرٍ مِنَ المَالِ. وَيَجُوزُ أَنْ يُوَلِّيَ قَاضِيَيْنِ في بَلَدٍ يَجْعَلُ إِلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَمَلاً؛ فَإِنْ قَلَّدَ قَاضِيَيْنِ عَمَلاً وَاحِداً، لَمْ يَجُزْ عِنْدَ أَبِي الخَطَّابِ، وَقِيلَ: يَجُوزُ.
وَإذَا صَحَّتِ الْوِلاَيَةُ، وَكَانَتْ عَامَّةً، اسْتَفَادَ بِهَا النَّظَرَ في عَشَرَةِ أشْيَاءَ: فَصْلِ (¬1) الْخُصُومَاتِ، وَاسْتيفَاءِ الْحَقِّ مِمَّنْ عَلَيْهِ، وَدَفْعِهِ إِلَى مُسْتَحِقِّهِ، وَالنَّظَرِ في أَمْوَالِ الْيَتَامَى وَالْمَجَانِينِ، وَالْحَجْرِ عَلَى مَنْ يَرَى الْحَجْرَ عَلَيْهِ، وَالنَّظَرِ في الْوُقُوفِ في عَمَلِهِ عَلَى مَا شَرَطَ الْوَاقِفُ، وَتَنْفِيذِ الْوَصَايَا، وَتَزْوِيجِ مَنْ لا وَلِيَّ لَهَا، وَإِقَامَةِ الْحُدُودِ، وَالنَّظَرِ في مَصَالِح عَمَلِهِ بِكَفِّ الأَذَى عَنْ طُرُقَاتِ الْمُسْلِمِينَ وَأَفْنِيَتِهِمْ، وَتَصَفُّحِ حَالِ شُهُودِهِ وَأُمَنَائِهِ، وَالِاسْتِبْدَالِ بِهِمْ (¬2)، وَالإِمَامَةِ في صَلاةِ الْجُمُعَةِ وَالْعِيدِ. فَأَمَّا جِبَايَةُ الْخَرَاجِ وَالصَّدَقَةِ، فَيَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ. وَلَهُ طَلَبُ الرِّزقِ لِنَفْسِهِ وَلخُلَفَائِهِ وَأُمَنَائِهِ مَعَ الْحَاجَةِ، فَأَمَّا مَعَ عَدَمِهَا، فَهَلْ لَهُ أَخْذُ الرِّزْقِ؟ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ. * * * ¬
فصل
فَصْلٌ وَلا يُوَلَّى قَاضٍ حَتَّى يَكُونَ سَمِيعاً بَصِيراً مُتَكَلِّمًا مُجْتَهِداً. وَالْمُجْتَهِدُ مَنْ يَعْرِفُ مِنْ كِتَابِ اللهِ وَسُنَّةِ نَبيِّهِ - صلى الله عليه وسلم - الْحَقِيقَةَ وَالْمَجَازَ، وَالأَمْرَ وَالنَّهْيَ، وَالْمُبيَّنَ وَالْمُجْمَلَ، وَالْمُحْكَمَ وَالْمُتَشَابِهَ، وَالْخَاصَّ وَالْعَامَّ، وَالْمُطْلَقَ وَالْمُقَيَّدَ، وَالِاسْتِثْنَاءَ وَالْمُسْتَثْنَى مِنْهُ، وَالنَّاسِخَ وَالْمَنْسُوخَ، وَيعْرِفُ مِنَ السُّنَّةِ مِثْلَ ذَلِكَ: يَعْرِفُ صَحِيحَهَا مِنْ سَقِيمِهَا، وَتَوَاتُرَهَا مِنْ آحَادِهَا، وَمُرْسَلَهَا مِنْ مُتَّصِلِهَا، وَمُسْنَدَهَا مِنْ مُنْقَطِعِهَا مِمَّا لَهُ تَعَلُّقٌ بِأَحْكَامِ الشَّرْعِ. وَلا تُشْتَرَطُ عَلَيْهِ الإِحَاطَةُ بِجَمِيعِ مَا في الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ مِنْ هذِهِ الأَبْوَابِ. وَيعْرِفُ مَا اتَّفَقَ عَلَيْهِ الْعُلَمَاءُ مِنَ الصَّحَابَةِ وَمَنْ بَعْدَهُم، وَمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ (¬1) مِنَ الْمَسائِلِ. وَيعْرِفُ حُدُودَ الْقِيَاسِ وَشُرُوطَهُ وَكَيْفِيَّةَ اسْتِنْبَاطِهِ. ¬
وَيَعْرِفُ الْعَرَبِيَّةَ الْمُتَدَاوَلَةَ بَيْنَ أَهْلِ الْحِجَازِ وَالْيَمَنِ وَالشَّامِ وَالْعِرَاقِ وَمَنْ يُوَالِيهِمْ. وَجَمِيعُ ذَلِكَ مَذْكُورٌ في أُصُولِ الْفِقْهِ وَفُرُوعِهِ، مُسْتَوْفًى بِأَدِلَّتِهِ، فَمَنْ تَشَاغَلَ بِهِ، وَرَزَقَهُ الله (¬1) فَهْمَهُ، فَهُوَ مِنْ أَهْلِ الِاجْتِهَادِ، يَصْلُحْ لِلْقَضَاءِ وَالْفُتْيَا. وَهَلْ يُشْتَرَطُ في الْقَاضِي أَنْ يَكُونَ كَاتِبًا؟ عَلَى وَجْهَيْنِ. * * * ¬
فصل في آداب القاضي
فَصْلٌ في آدابِ الْقَاضِي يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ قَوِيًّا مِنْ غَيْرِ عُنْفٍ، لَيِّنًا مِنْ غَيْرِ ضَعْفٍ، وَيَسْأَلَ عَنْ حَالِ الْبَلَدِ الَّذِي قُلِّدَ الْحُكْمَ فيهِ، وَعَنْ حَالِ مَنْ فيهِ مِنَ الْعُدُولِ وَالْفُضَلاءِ، وَيَقْصِدَ الْجَامِعَ، فَيُصَلِّيَ فيهِ رَكْعَتَيْنِ، وَيَجْلِسَ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ. فَإذَا اجْتَمَعَ النَّاسُ، أَمَرَ بِعَهْدِهِ فَقُرِىَ عَلَيْهِمْ، ثُمَّ يَأْمُرُ مُنَادِيَهُ فَيُنَادِي: مَنْ كَانَتْ لَهُ حَاجَةٌ إِلَى الْقَاضِي، فَلْيَحْضُرْ يَوْمَ كَذَا وَكَذَا، وَيَنْفُذُ فَيَتَسَلَّمُ (¬1) دِيْوَانَ الْحُكْمِ مِمَّنْ كَانَ قَبْلَهُ، وَيَخْرُجُ الْيَوْمَ الَّذِي وَعَدَ بِالْجُلُوسِ فيهِ عَلَى أَعْدَلِ أَحْوَالِهِ، وَيَجْعَلُ مَجْلِسَهُ في وَسَطِ الْبَلَدِ في مَكَانِ فَسِيحٍ؛ كَالْجَامعِ، أَوِ الْفَضَاءِ، أَوْ دَارٍ كَبِيرَة، وَيَسْتَعِينُ بِاللهِ، وَيَتَوَكَّلُ عَلَيْهِ، وَيَدْعُوهُ سِرّاً أَنْ يَعْصِمَهُ. وَينْبَغِي أَنْ يَحْضُرَ مَجْلِسَهُ الْفَقَهَاءُ مِنْ كُلِّ مَذْهَبٍ إِنْ أَمْكَنَ، ¬
فَيُشَاوِرَهُمْ فِيمَا يُشْكِلُ عَلَيْهِ، فَإِنِ اتَّضَحَ لَهُ، حَكَمَ، وَإِلَّا أَخَّرَهُ، وَلَمْ يُقَلِّدْ غَيْرَهُ، وَإِنْ كَانَ أَعْلَمَ مِنْهُ. وَلا يَتَّخِدُ حَاجِباً وَلا بَوَّاباً إِلَّا في مَجْلِسِ الْحُكْمِ، وَيَعْرِضُ الْقُصَصَ، فَيَبْدَأُ بِالأَوَّلِ فَالأَوَّلِ، فَإِنْ حَضَرَ حَالَةٌ وَاحِدَةٌ، وَتَشَاحَّا، قُدِّمَ السَّابِقُ بِالْقُرْعَةِ، ولا يُقَدَّمُ السَّابِقُ في أَكْثَرَ مِنْ حُكُومَةٍ. وَيَتَّخِذُ كَاتِبا عَدْلاً عَالِمًا حَافِظًا مَجْلِسَهُ بِحَيْثُ يُشَاهِدُ مَا يَكْتُبُهُ، وَيَجْعَلُ الْقِمَطْرَ مَخْتُومًا بَيْنَ يَدَيْهِ، وَيُسَوِّي بَيْنَ الْخَصْمَيْنِ؛ فَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا كَافِراً، قَدَّمَ عَلَيْهِ الْمُسْلمَ في الدُّخُولِ، وَرَفَعَهُ في الْجُلُوس، وَقِيلَ: يُسَوِّي بَيْنَهُمَا في الْجُلُوسِ، وَلا يُسَارِرُ أَحَدَهُمَا، وَلا يُلَقِّنُهُ حُجَّتَهُ، وَلا يُعَلِّمُهُ كَيْفَ يَدَّعِيِ، وَلَهُ أَنْ يَشْفَعَ إِلَى خَصْمِهِ أَنْ يُنْظِرَهُ، وَلَهُ أَنْ يَرُدَّ عَنْهُ، وَلَهُ حُضُورُ الْوَلائِمِ؛ فَإِنْ كَثُرَتِ عَلَيْهِ (¬1)، امْتَنَعَ عَنْ حُضُورِهَا. وَلا يُجِيبُ بَعْضَهُمْ دُونَ بَعْضٍ. وَيُكْرَهُ لَهُ أَنْ يَتَوَلَّى الْبَيْعِ وَالشِّرَاءَ بِنَفْسِهِ، وَيُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يُوَكّلَ في ذَلِكَ مَنْ لا يُعْرَفُ أَنَّهُ وَكِيلُهُ. وَلا يَجُوزُ أَنْ يَحْكُمَ لِنَفْسهِ، وَلا لِوَالِدَيْهِ، وَلا وَلَدِهِ، وَلا رَقِيقِهِ، وَيَحْكُمُ لَهُمْ بَعْضُ خُلَفَائِهِ. قَالَ أَبُو بَكْرٍ: يَجُوزُ. ¬
وَيُوصِي أَعْوَانَهُ بِتَقْوَى اللهِ، وَالرِّفْقِ، وَيَجتَهِدُ أَنْ يَكُونُوا شُيُوخاً أَوْ كُهُولاً مِنْ أَهْلِ الدِّيْنِ وَالْعِفَّةِ. وَيَنْبَغِي أَلَّا يَحْكُمَ إِلَّا بِمَحْضَرٍ مِنَ الشُّهُودِ، وَلا يَقْضِي وَهُوَ غَضْبَانُ، وَلا في شِدَّةِ الْجُوعِ وَالْعَطَشِ، وَالْهَمِّ وَالْوَجَعِ وَالنُّعَاسِ، وَالْبَرْدِ الْمُؤلمِ وَالْحَرِّ الْمُزْعِجِ، وَمُدَافَعَةِ الأَخْبَثَيْنِ. فَإِنْ حَكَمَ فَوَافَقَ الْحَقَّ، نَفَذَ. وَقَالَ الْقَاضِي: لا يَنْفُذُ؛ لِقَوْلِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "لا يَحْبهُمُ أَحَدٌ بَيْنَ اثْنَيْنِ وَهُوَ غَضْبَانُ" رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ (¬1) وَمُسْلِمٌ (¬2). وَأَوَّلُ مَا يَنْظُرُ في أَمْرِ الْمُحَبَّسِينَ، فَيَأْمُرُ أَنْ يُكْتَبَ اسْمُ كُلِّ مَحْبُوسٍ في رُقْعَةٍ مُفْرَدَةٍ، وَمَنْ حَبَسَهُ؟ وَفِيمَ حَبَسَهُ؟ وَيُنَادِي في الْبَلَدِ أَنَّهُ يَنْظُرُ في أَمْرِهِمْ غَداً، فَمَنْ كَانَ لَهُ عَلَيْهِمْ حَقٌّ، فَلْيَحْضُرْ في غَدٍ، فإذَا كَانَ الْغَدُ، حَضَرَ الْقَاضِي، وَأَخْرَجَ رُقْعَةً فَقَالَ: هَذِهِ رُقْعَةُ فُلانٍ، فَمَن خَصْمُهُ؟ فَإذَا حَضَرَ خَصْمُهُ، نَظَرَ فِيمَا بَيْنَهُمَا، وَإِنْ كَانَ حُبسَ في تُهَمَةٍ أوِ افْتِيَاتٍ عَلَى الْقَاضِي، خَلَّى سَبِيلَهُ، وَإِنْ (¬3) لَم يُعْرَفْ لَهُ خَصْمٌ، وَقال: حُبِسْتُ ¬
ظُلْما، نَادَى الْقَاضِي لِذلِكَ ثَلاثاً، فَإِنْ ظَهَرَ لَهُ خَصْمٌ، وَإِلَّا حَلَفَ وَأُطْلِقَ. ثُمَّ يَنْظُرُ في أَمْرِ الأَيْتَامِ وَالْوَصَايَا وَالْوَقْفِ. ثُمَّ يَنْظُرُ في حَالِ الْقَاضِي قَبْلَهُ، فَإِنْ كَانَ مِمَّنْ لا يَصْلُحُ لِلْقَضَاءِ، نَقَضَ أَحْكَامَهُ، وَلَوْ وَافَقَتِ الصَّحِيحَ. فَإِنِ اسْتَعْدَى عَلَيْهِ الْقَاضِي قَبْلَهُ، رَاسَلَهُ، فَإِنْ قَالَ: إِنَّما يُرِيدُ تَبْدِيلي وَالتَّشَفِّيَ مِنِّي، لَمْ يَحْضُرْ حَتَّى يُبَيِّنَ لِما ادَّعَاهُ أَصْلًا في إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ. وَكَذَلِكَ كُلُّ مُدَّعًى عَلَيْهِ لا يُحْضِرُهُ حَتَّى يَعْلَمَ لِما ادَّعَاهُ أَصْلًا وَإِنْ (¬1) بَيْنَهُمَا مُعَامَلَةٌ، وَفِي الرِّوَايَةِ الأُخْرَى: يُحْضِرُ كُلَّ مَنِ ادَّعَى، وَهِيَ اخْتِيَارُ الأَصْحَابِ. وَإِنْ قَالَ: حَكَمَ عَلَيَّ بِشَهَادَةِ فَاسِقَيْنِ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْقَاضِي بِغَيْرِ يَمِينٍ. وَإذَا عُزِلَ الْقَاضِي مَعَ صَلاحِيتِهِ، أَوْ مَات الْمُوَلِّي لَهُ، فَهَلْ يَنْعَزِلُ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ. فَإِنْ قُلْنَا: يَنْعَزِلُ، فَهَلْ يَنْعَزِلُ قَبْلَ عِلْمِهِ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ؛ بِنَاء عَلَى الْوَكِيلِ. * * * ¬
فصل في طريق الحكم
فَصْلٌ في طَرِيقِ الْحُكْمِ إذَا جَلَسَ إِلَيْهِ الْخَصْمَانِ، فَلَهُ أَنْ يَقُولَ: مَنِ الْمُدَّعِي؟ وَلَهُ أَنْ يَسْكُتَ حَتَّى يَبْتَدِيا؛ فَإِنْ سَبق أَحَدُهُمَا بِالدَّعْوَى، قُدِّمَ، وَإِنِ ادَّعَيَا معاً، قُدِّمَ أَحَدُهُمَا بِالْقُرْعَةِ، وَلا تُسْمَعُ إِلَّا دَعْوَى صَحِيحَةٌ مُجَرَّدَةٌ، ثُمَّ يَقُولُ لِلْخَصْمِ: مَا تَقُولُ؟ فَإِنْ أقرَّ لَهُ، لَمْ يَحْكُمْ لَهُ حَتَى يُطَالِبَهُ الْمُدَّعِي بِالْحُكْمِ، وَإِنْ أَنْكَرَ، سَأَلَ الْمُدَّعِي: ألكَ بَيِّنَةٌ؟ فَإنْ قَالَ: مَا لي بيِّنَةٌ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُنْكِرِ مَعَ يَميِنِهِ إِنْ سَأَلَ الْمُدَّعِي إِحْلافَهُ، فَإِنْ نَكَلَ عَنِ الْيَمِينِ، فَالْمَنْصُوصُ أَنَّهُ يَحْكُمُ عَلَيْهِ بَعْدَ أَنْ يَقُولَ لَهُ: إِنْ لَمْ تَحْلِفْ، قَضَيْتُ عَلَيْكَ، ثَلاثاً، وَاخْتَارَهُ عَامَّةُ شُيُوخِنَا. وَاخْتَارَ (¬1) أَبُو الخَطَابِ: أَنَّهُ يَرُدُّ الْيَمِينَ عَلَى الْمُدَّعِي، وَقَالَ: هُوَ قِيَاسُ قَوْلِ أَحْمَدَ، وَقَدْ صَوَّبَهُ فَقَالَ: وَمَا هُوَ بِبَعِيدٍ أَنْ يَحْلِفَ وَيَأْخُذَ، فَيُقَالُ لِلْمُنْكِرِ: رُدَّ الْيَمِينَ عَلَى الْمُدَّعِي، فَإِنْ رَدَّهَا، وَحَلَفَ الْمُدَّعِي، حَكَمَ لَهُ، وَإِنْ نَكَلَ أَيْضًا، صَرَفَهُمَا، فَإِنْ عَادَ أَحَدُهُمَا فَبَذَلَ الْيَمِينَ، لَمْ ¬
يُقْبَلْ مِنْهُ حَتَّى يَتَحَاكَمَا في مَجْلِسٍ آخَرَ، وَإِنْ قَالَ الْمُدَّعِي: مَا أَعْلَمُ لِي بَيِّنَةً، فَقَالَ شَاهِدَانِ: نَحْنُ نشهَدُ لَكَ، فَقَالَ: هذَانِ بَيِّنَتِي، (1 سُمِعَتْ بَيِّنَتُهُ، فَإِنْ لَمْ يُرِدْ أَنْ يَشْهَدا لَهُ، لَمْ يُطَالَبْ بِإِقَامَةِ الْبَيِّنَةِ (¬1). وَإِنْ قَالَ: لِي بَيِّنَةٌ، وَأُرِيدُ يَمِينَهُ، فَهَلْ يَحْلِفُ؟ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ. فَإِنْ كَانَتِ الْبَيِّنَةُ فَسَقَةً، قَالَ الْقَاضِي: زِدْنِي شُهُوداً، وَإِنْ كَانُوا عُدُولاً، فَارْتَابَ بِشَهَادَتِهِمْ، فَفَرَّقَهُمْ، ثُمَّ سَأَلَ كُلَّ وَاحِدٍ: كَيْفَ تَحَمَّلْتَ الشَّهَادَةَ؟ وَفِي أَيِّ وَقْتٍ وَمَوْضِعٍ؟ وَهَلْ تَحَمَّلْتَهَا وَحْدَكَ؟ فَإِنِ اخْتَلَفُوا، تَوَقَّفَ، وَإِنِ اتَّفَقُوا، وَعَظَهُمْ وَخَوَّفَهُمْ، فَإِنْ ثَبَتُوا، اسْتُحِبَّ أَنْ يَقُولَ لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ: قَدْ شَهِدَ عَلَيْكَ فُلانٌ وَفُلانٌ، وَقَدْ قَبِلْتُ شَهَادَتَهُمَا عَلَيْكَ، إِلَّا أَنْ يَثْبُتَ أَمْرٌ (¬2) يَقْدَحُ فِيهِمَا، فَإِنْ جَرَّحَهُمَا، كُلِّفَ إِقَامَةَ الْبَيِّنَةِ عَلَى الْجَرْحِ، وَلا يُسْمَعُ الْجَرْحُ إِلَّا مُفَسَّراً بِمَا يَقْدَحُ، نَحْوَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْهِ بِشُرْبِ خَمْرٍ وَنَحْوِهِ، إِمَّا أَنْ يَرَاهُ، أَوْ يَسْتَفِيضَ عَنْهُ. وَعَنْهُ: أَنَّهُ (¬3) يَكْفِي أَنْ يَشْهَدَ أَنَّهُ فَاسِقٌ وَلَيْسَ بِعَدْلٍ، فَإِنْ طَلَبَ الإِمْهَالَ لِيُخَرِّجَ الشُّهُودَ، أَوْ لِيُقِيمَ بينَةً بِالْقَضَاءِ أَوِ الإِبْراءِ، أُمْهِلَ الْيَوْمَيْنَ وَالثَّلاثَةَ، وَلِلْمُدَّعِي مُلازَمَتُهُ حَتَّى يُثْبِتَ الْجَرْحَ. فَإِنْ سَأَلَ الْمُدَّعِي حَبْسَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ حَتَّى يُثْبِتَ عَدَالَةَ الشُّهُودِ، احْتَمَلَ أَنْ يَحْبِسَهُ، وإِنْ أَقَامَ شَاهِداً، أَوْ سَأَلَ حَبْسَهُ حَتَّى يُقِيمَ الآخَرِ، ¬
فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ في الْمَالِ، حَبَسَهُ، وَإِنْ كَانَ في غَيْرِهِ، احْتَمَلَ وَجْهَيْنِ. وَيَحْكُمُ بِالإِقْرَارِ في مَجْلِسِهِ إذا سَمِعَهُ مَعَهُ شَاهِدَانِ، فَإِنْ لَمْ يَسْمَعْهُ أَحَدٌ، أَوْ لَمْ يَسْمَعْهُ مَعَهُ إِلَّا وَاحِدٌ، حَكَمَ لَهُ -نَصَّ عَلَيْه-. وَقَالَ الْقَاضِي: لا يَحْكُمُ بِهِ. وَهَلْ يَحْكُمُ بِعِلْمِهِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ. فَإنْ سَكَتَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، فَلَمْ يُقِرَّ وَلَمْ يُنْكِرْ، قَالَ لَهُ الْقَاضِي: إِنْ أَجَبْتَ، وَإِلَّا جَعَلْتُكَ نَاكِلاً، وَحَكَمْتُ عَلَيْكَ، وُيرَدِّدُهُ عَلَيْهِ ثَلاثاً، فَإِنْ قَالَ: لي حِسَابٌ أُرِيدُ أَنْ أَنْظُرَ فيهِ، لَمْ يَلْزَمِ الْمُدَّعِيَ إِنْظَارُهُ، فَإِنْ قَالَ: لِي بيِّنَةٌ أُقِيمُهَا بِالْقَضَاءِ أَوِ الإِبرَاءِ، أُمْهِلَ إِلَى (¬1) ثَلاثَةِ أَيَّامٍ، وَلِلْمُدَّعِي مُلازَمَتُهُ حَتَّى يُقِيمَهَا، فَإِنْ عَجَزَ، حَلَفَ الْمُدَّعِي أَنَّهُ لَمْ يَقْضِ، وَلَمْ يَبَرَّ، وَاسْتَحَقَّ مَا ادَّعَاه. فَإِنِ ادَّعَى عَلَى غَائِبٍ، أَوْ مُسْتَتِرٍ في الْبَلَدِ، أَوْ صَبِيٍّ، أَوْ مَجْنُونٍ، وَلَهُ بَيِّنَتُهُ، حَكَمَ لَهُ بِهَا، وَهَلْ يَحْلِف الْمُدَّعِي أَنَّهُ لَمْ يَبْرَأْ إِلَيْهِ مِنْهُ، وَلا مِنْ شَيْءٍ مِنْهُ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ، وَهُمْ عَلَى حُجَجِهِمْ. وَإِنِ ادَّعَى عَلَى ظَاهِرٍ في الْبَلَدِ، فَامْتَنَعَ مِنَ الْحُضُورِ، سُمِعَتِ الْبيِّنَةُ عَلَيْهِ في أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ، وَفِي الآخَرِ: يَتَقَدَّمُ إِلَى مَنْزلهِ أَنَّ الْقَاضِيَ يَسْتَدْعِي فُلاناً، فَأَخْبِرُوهُ، فَإِنْ تَكَرَّرَ مِنْهُ الِاسْتِتَارُ، أَقْعَدَ عَلَى بَابِهِ مَنْ يُضَيِّقُ عَلَيْهِ في الدُّخُولِ وَالْخُرُوجِ حَتَّى يَحْضُرَ. ¬
فَإِنِ اسْتَعْدَى عَلَى غَائِبٍ في الْبَلَدِ في مَوْضِعٍ لا حَاكِمَ فيهِ، كَتَبَ إِلَى ثِقَاتٍ مِنْ أَهْلِ ذَلِكَ الْبَلَدِ لِيَتَوَسَّطُوا بَيْنَهُمَا، فَإِنْ لَمْ يَقْبَلُوا، قِيلَ لِلْخَصْمِ: حَقِّقْ مَا تَدَّعِيهِ، ثُمَّ يُحْضِرُهُ، سَوَاءٌ أَبَعُدَتِ الْمَسَافَةُ أَوْ قَرُبَتْ. فَإِنِ ادَّعَى عَلَى امْرَأَةٍ غَيْرِ بَرْزَةٍ، تَقَدَّمَ إِلَيْهَا أَنْ تُوَكِّلَ وَلا تَحْضُرَ؛ فَإِنْ وَجَبَتْ عَلَيْهَا الْيَمِينُ، أَرْسَلَ إِلَيْهَا مَنْ يُحَلِّفُهَا. وَلا يُقْبَلُ في التَّرْجَمَةِ وَالتَّعْرِيفِ وَالتَّعْدِيلِ وَالْجَرْحِ وَالرِّسَالَةِ إِلَّا قَوْلُ عَدْلَيْنِ. وَعَنْهُ: يُقْبَلُ قَوْلُ وَاحِدٍ. وَإذَا قَالَ الْحَاكِمُ: قَدْ كُنْتُ حَكَمْتُ لِفُلانٍ، قُبِلَ قَوْلُهُ وَحْدَهُ، وإنِ اذَعَى أَنَّهُ حَكَمَ لَهُ، فَلَمْ يَذْكُرِ الْقَاضِي، فَشَهِدَ عَدْلانِ أَنَّهُ قَدْ حَكَمَ لَهُ، قُبِلَ قَوْلُهُمَا (¬1)، وَنَفَذَ الْقَضَاءُ. وَإِنْ شَهِدَ عِنْدَهُ عَدْلانِ بِحَقٍّ، وَنَسِيَ، فَشَهِدَ اثْنَانِ أَنَّهُمَا شَهِدَا عِنْدَهُ بِذَلِكَ، قَبِلَ شَهَادَتَهُمَا. فَإنْ وَجَدَ في قِمَطْرِهِ وَتَحْتَ خَتْمِهِ صَحِيفَةً بِخَطِّهِ فِيهَا حُكْمُهُ، لَمْ يَنْفُذْ حَتَّى يَذْكُرَهُ. وَعَنْهُ: يَنْفُذُ. وَكَذَلِكَ الْحُكْمُ في الشَّاهِدِ إذا عَرَفَ خَطَهُ، وَلَمْ يَذْكُرِ الشَّهَادَةَ. وَحُكْمُ الْحَاكِمِ لا يُزِيلُ الشَّيءَ عَنْ صِفَتِهِ؛ لِقَوْلِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: ¬
"إِنَكمْ تَخْتَصِمُونَ إِلَيَّ، وَلَعَلَّ بَعْضَكُمْ أَنْ يَكُونَ أَلْحَنَ بِحُجَّتِهِ مِنْ بَعْضٍ، فَأَقْضِيَ لَهُ عَلَى نَحْوِ مَا أَسْمَعُ، فَمَنْ قَطَعْتُ لَهُ (¬1) مِنْ حَقِّ أَخِيهِ شَيْئاً، فَلا يَأْخُذْهُ، فَإِنَّمَا أَقْطَعُ لَهُ قِطْعَةً مِنَ النَّارِ" رَوَاهُ مسلمٌ (¬2). وَعَنْهُ: يَزُولُ الْفُسُوخُ وَالْعُقُودُ، وَلا يَنْقُضُ الْحَاكِمُ اجْتِهَادَهُ بِاجْتِهَادِهِ. * * * ¬
فصل في كتاب القاضي
فَصْلٌ في كِتَابِ الْقَاضِي وَلا يُقْبَلُ في الْحُدُودِ؛ لِحَقِّ الله تَعَالَى، وَيُقْبَلُ في الْمالِ وَمَا يُقْصَدُ بِهِ الْمالُ، وَمَا عَدَا ذَلِكَ؛ كَالْقِصَاصِ، وَالنِّكاحِ، وَالطَّلاقِ، وَالْخُلْعِ، وَالتَّوْكِيلِ، وَالْوَصِيَّةِ، وَالْعِتْقِ، وَالنَّسَبِ وَالْكِنَايَةِ، فَعَلَى رِوَايَتَيْنِ. وَهَذَا الْحُكْمُ في الشَّهَادَة عَلَى الشَّهَادَةِ. وَيَجُوزُ كِتَابُ الْقَاضِي فَيمَا حَكَمَ فيهِ لِيُنْفِذَهُ في الْمَسَافَةِ الْقَرِيبَةِ وَالْبَعِيدَةِ، وَفِيمَا ثَبَتَ عِنْدَهُ لِيَحْكُمَ بِهِ إذا كَانَ بَيْنَهُمَا مَسَافَةُ الْقَصْرِ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكْتُبَ إِلَى قَاضٍ مُعَيَّنٍ، وَإِلَى مَنْ وَصَلَهُ كِتَابِي مِنْ قُضَاةِ الْمُسْلِمِينَ وَحُكَّامِهِمْ، وَلا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَصِلَ مَخْتُومًا أوْ غَيْرَ مَخْتُومٍ. فَإنْ تَغَيَّرَ حَالُ الْقَاضِي الْكَاتِبِ بِعَزْلٍ أَوْ مَوْتٍ، لَمْ يُقْدَحْ في كِتَابِهِ، وَجَازَ لِكُلِّ مَنْ وَصَلَ إِلَيْهِ أَنْ يُنْفِذَهُ. وَإِنْ تَغَيَّرَ بِفِسْقٍ، قُبِلَ كِتَاُبهُ فِيمَا حَكَمَ بِهِ، وَلَمْ يُقْبَلْ فِيمَا ثَبَتَ لِيُنْفِذَه. وَإِنْ تَغَيَّرَ حَالُ الْمَكْتُوبِ إِلَيْهِ، جَازَ لِمَنْ قَامَ مَقَامَهُ قَبُولُ الْكِتَابِ،
وَإِنْ أَحْضَرَ الْمَكْتُوبُ إِلَيْهِ الْخَصْمَ فَقَالَ: لَسْتَ بِفُلانِ بْنِ فُلانٍ، فَالْقَوْلُ قَوْلُه، إِلَّا أَنْ تَقُومَ بَيِّنَةٌ أَنَّهُ فُلانُ بْنُ فُلانٍ. فَإذَا ثَبَتَ ذَلِكَ بِبَيِّنَةٍ أَوْ إِقْرَارٍ، فَقَالَ: الْمَحْكُومُ عَلَيْهِ غَيْرِي، لَمْ يُقْبَلْ إِلَّا أَنْ يُقِيمَ بَيِّنَةَ أَنَّ في الْبَلَدِ مَنْ يُشَارِكُهُ فِيمَا سُمِّيَ وَوُصِفَ بِهِ، فَيَتَوَقَّفَ حَتَّى يَثْبُتَ مَنِ الْمَحْكُومُ عَلَيْهِ مِنْهُمَا. وَكُلُّ مَنْ ثَبَتَ لَهُ الْحَقُّ، أَوْ ادُّعِيَ عَلَيْهِ، فَأَنْكَرَ وَحَلَفَ، وَسَأَلَ الْحَاكِمَ أَنْ يَكْتُبَ لَهُ مَحْضَراً بِمَا جَرَى لِيَكُونَ حُجَّةً عَلَى فَصْلِ الْخُصَومَةِ، لَزِمَهُ إِجَابَتُهُ. وَإِنْ سَأَلَ مَنْ ثَبَتَ لَهُ الْحَقُّ أَنْ يُسَجِّلَ لَهُ بِهِ، فَعَلَ ذَلِكَ، وَيَجْعَلُ السِّجِلَّ أَوِ الْمَحْضَرَ نُسْخَتَيْنِ، يَدْفَعُ إِحْدَاهُمَا إلَيْهِ، وَالأُخْرَى تَكُونُ في دِيوَانِهِ. وَالْبَيَاضُ مِنْ بَيْتِ (¬1) الْمَالِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ، فَمِنْ صَاحِبِ الْحَقِّ. وَصِفَةُ الْمَحْضَرِ: بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ، حَضَرَ الْقَاضِيَ فُلانَ بْنَ فُلانٍ الفُلانِيّ قَاضِيَ عَبْدِ اللهِ (فُلانٍ) الإِمَامِ عَلَى كَذَا وَكَذَا، في مَجْلِسِ حُكْمِهِ وَقَضَائِهِ، بِمَوْضِعِ كَذَا، مُدَّع ذَكَرَ أَنَّهُ فُلانُ بْنُ فُلانٍ الْفُلانِيِّ، وَأَحْضَرَ مَعَهُ مُدَّعًى عَلَيْهِ، ذَكَرَ أَنَّهُ فُلانُ بْنُ فُلانٍ الْفُلانِيِّ، وَادَّعَى عَلَيْهِ كَذَا وَكَذَا، فَأقَرَّ، أَوْ فَأَنْكَرَ، فَقَالَ الْقَاضِي لِلْمُدَّعِي: ألكَ بَيِّنَةٌ؟ فَقَالَ: نَعَمْ، فَأَحْضَرَهَا، وَسَأَلهُ سَمَاعَهَا، فَفَعَلَ، (أَوْ فَلَمْ يُقِمْ لَهُ بَيِّنَةً)، وَسَأَلَ ¬
إِحْلافَهُ، فَفَعَلَ ذَلِكَ، (وَإِنْ نَكَلَ عَنِ الْيَمِينِ، ذَكَرَ ذَلِكَ، وَأَنَّهُ حَكَمَ بِنُكُولِهِ)، وَسَأَلَهُ أَنْ يَكْتُبَ لَهُ مَحْضَراً بِمَا جَرَى، فَأَجَابَهُ إِلَيْهِ، وَذَلِكَ في يَوْمِ كَذَا وَكَذَا، وَيُعَلِّمُ في الإِقْرَارِ: جَرَى الأَمْرُ عَلَى ذَلِكَ، وَفِي الْبَيِّنَةِ: شَهِدَا عِنْدِي بِذَلِكَ. فَأَمَّا السِّجِلُّ، فَهُوَ لإِنْفَاذِ مَا ثَبَتَ عِنْدَهُ، وَالْحُكْمِ بِهِ، وَصِفَتُهُ أَنْ يَكْتُبَ: بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ، هذَا مَا أَشْهَدَ عَلَيْهِ الْقَاضِي فُلان - وَيَذْكُرُ مَا تَقَدَّمَ- أَنَّهُ ثَبَتَ عِنْدَهُ بِشَهَادَةِ فُلان وَفُلانٍ مَا في كِتَابِ نُسْخَتِهِ كَذَا وَكَذَا، وَأَنَّ الْقَاضِيَ أَنْفَذَ مَا ذَكَرَ ثُبُوتَهُ عِنْدَهُ في صَدْرِ هذَا السِّجِلِّ، وَأَمْضَاهُ وَحَكَمَ بِهِ. وَمَا يَجْتَمِعُ عِنْدَ الْحَاكِمِ مِنَ الْمَحَاضِرِ وَالسِّجِلاَّتِ في كُلِّ أُسْبُوعٍ أَوْ شَهْرٍ، عَلَى قِلَّتِهَا وَكَثْرَتهَا، يَضُمُّ بَعْضَهَا إِلَى بَعْضٍ، وَيَكْتُبُ عَلَيْهَا: "مَحَاضِرُ" وَقْتِ كَذَا، وَ"سِجِلَّاتُ" وَقْتِ كَذَا مِنْ سَنَةِ كَذَا، وَيَتْرُكُهَا عِنْدَهُ (¬1). * * * ¬
كتاب في القسمة
كِتَابٌ في الْقِسْمَةِ وَهِيَ عَلَى ضَرْبَيْنِ: قِسْمَةُ تَرَاضٍ، وَهِيَ مَا كَانَ فِيهَا رَدُّ عِوَضٍ أَوْ ضَرَرٍ تَنْقُصُ قِيمَتُهُ بِالْقِسْمَةِ، عَلَى ظَاهِرِ كَلامِهِ، أَوْ أَلَّا يَنتفِعَ أَحَدُهُمَا فِيمَا يَحْصُلُ لَهُ عَلَى ظَاهِرِ قَوْلِ الْخِرَقِيِّ؛ كَالدُّورِ الصّغَارِ، وَالْحَمَّامِ، وَنَحْوِهَا، إذا رَضُوا بِقِسْمَتِهَا أَعْيَانا بِالْقِيمَةِ، فَهذِهِ جَارِيَةٌ مَجْرَى الْبَيْعِ. وَقِسْمةُ إِجْبَارٍ، وَهِيَ مَا لا ضَرَرَ فِيهَا، وَلا رَدَّ عِوَضٍ؛ كَالأَرَاضِي الْوَاسِعَةِ، وَالْبَسَاتِينِ وَالْقُرَى وَالدُّورِ الْكِبَارِ، وَالْمَكِيلاتِ وَالْمَوْزُونَاتِ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ. وَالْقِسْمَةُ: إِفْرَازُ حَقٍّ. وَفِي (¬1) ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ، فتجُوزُ قِسْمَةُ الْمَكِيلِ بِالْوَزْنِ، وَالْمَوْزُونِ بِالْكَيْلِ، وَقِسْمَةُ الثِّمَارِ خَرْصاً، وَالتَّفَرُّقُ قَبْلَ الْقَبْضِ. وَإذَا كَانَ نِصْفُ الْعَقَارِ وَقْفاً، جَازَتِ الْقِسْمَةُ. ¬
وَقَالَ ابْنُ بَطَةَ: هِيَ كَالْبَيع، فَلا يَجُوزُ ذَلِكَ فِيهَا. وَيَجُوزُ لِلشُّرَكَاءِ أَنْ يَتَقَاسَمُوا بِأَنْفُسِهِمْ، وَأَنْ يُنَصِّبُوا قَاسِماً، وَإِنْ سَأَلُوا الْحَاكِمَ، يُنَصِّبْ قَاسِماً يَقْسِمُ بَيْنَهُمْ. فَإذَا عُدِّلَتِ السِّهَامُ، وَأُخْرِجَت الْقُرْعَةُ، لَزِمَتِ الْقِسْمَةُ، وَيَحْتَمِلُ فِيما فِيهِ رَدٌّ أَلَّا يَلْزَمَ حَتَّى يَرْضَيَا بِذَلِكَ. وُيجْزِىَ قَاسِمٌ وَاحِدٌ إذا كَانَ عَارِفاً بِالْقِسْمَةِ عَدْلاً إذا خَلَتْ مِن تَقْوِيمٍ، فَإِنْ كَانَ فِيهَا تَقْوِيمٌ, لَمْ يَجُزْ أَقَلُّ مِنْ قَاسِمَيْنِ. وَإذَا كَانَ في بَعْضِ الأَرْضِ نَخِيلٌ، وَفِي بَعْضِها أَشْجَارٌ، أَوْ بَعْضُهَا يُسْقَى سَحّاً (¬1)، وَبَعْضُهَا بِالنَّواضِحِ، أَوْ دَارٌ لَهَا عُلْوٌ وَسُفْلٌ، فَطَلَبَ بَعْضُهُمْ أَنْ يَقْسِمَ أَعْياناً بِالْقِيمَةِ، أَوْ طَلَبَ أَنْ يَأْخُذَ أَحَدُهُمَا الْعُلْوَ، وَالآخَرُ السُّفْلَ، وَطَلَبَ بَعْضُهُمْ قِسْمَةَ كُلِّ عَيْنٍ عَلَى حِدَةٍ، قُسِمَتْ كُلُّ عَيْنٍ عَلَى حِدَةٍ (¬2)، وَإِنْ تَرَاضَوْا عَلَى الأَوَّلِ، جَازَ. فَإِنْ كَانَ بَيْنَهُمَا أَرْضٌ فِيهَا زَرْعٌ، فَطَلَبَ أَحَدُهُمَا قِسْمَتَهَا دُونَ الزَّرْعِ، قُسِمَتْ. وَإِنْ طَلَبَ قِسْمَتَهَا مَعَ الزَّرْعِ، أَوْ قِسْمَةَ الزَّرْعِ مُنْفَرِداً، لَمْ يُجْبَرِ الآخَرُ. وَإِنْ تَرَاضَيَا عَلَى ذَلِكَ، وَالزَّرْعُ قَصِيلٌ أَوْ قُطْنٌ، جَازَ ذَلِكَ، وَإِنْ ¬
كَانَ سَنَابِلَ قَدِ اشْتَدَّ حَبُّهَا، قَالَ الْقَاضِي: يَجُوزُ، وَقَالَ أَبُو الخَطَّابِ: في الْبَذْرِ وَالسَّنَابِلِ وَجْهَانِ. فَإِنْ كَانَ بَيْنَهُمَا مَنَافِعُ، فتراضَيَا عَلَى قِسْمَتِهَا بِالْمُهَايَأَةِ، جَازَ، وَإِنِ امْتَنَعَ أَحَدُهُمَا، لَمْ يُجْبَرْ. فَإِنْ كَانَ بَيْنَهُمَا نَهْرٌ، أَوْ عَيْنٌ، أَوْ قَنَاةٌ، فَالْمَاءُ بَيْنَهُمَا عَلَى مَا اشْتَرَطَا عِنْدَ اسْتِخْرَاجِ ذَلِكَ، فَإِنِ اتَّفَقَا عَلَى قِسْمَتِهِ بِالْمُهَايَأَةِ، جَازَ. وَإِنْ أَرَادَ قِسْمَتَهُ بِنَصْبِ خَشَبَةٍ أوْ حَجَير مُسْتَوٍ في مَصْدَمِ (¬1) الْمَاءِ فيه ثَقْبَانِ عَلَى قَدْرِ حَقِّ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، جَازَ. فَإِنْ (¬2) أَرَادَ أَحَدُهُمَا أَنْ يَسْقِيَ بِنَصِيبِهِ أَرْضاً لَيْسَ لَهَا رَسْمُ شُرْبٍ مِنْ هذَا النَّهْرِ، جَازَ، وَفِيهِ وَجْهٌ: أَنَّهُ لا يَجُوزُ. وَيَجِيْءُ عَلَى أَصْلِنَا أَنْ يَنتفِعَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى قَدْرِ حَاجَتِهِ، ولا يَمْلِكَ، فَإِنْ كَانَ الْمَاءُ في نَهْرٍ غَيْرِ مَمْلُوكٍ، سَقَى الأَعْلَى حَتَّى يَبْلُغَ الْكَعْبَ، ثُمَّ يُرْسِلُ إِلَى الَّذِي يَلِيهِ. فَإِنْ أَرَادَ إِنْسَانٌ إِحْيَاءَ أَرْضٍ يَسْقِيهَا مِنْ هذَا النَّهْرِ، جَازَ بِشَرْطِ أَلَّا يَسْتَضِرَّ أَهْلُ الأَرْضِ الشَّارِبَةِ مِنَ النَّهْرِ. فَإِنْ كَانَ بَيْنَهُمَا عَبيدٌ أَوْ ثِيَابٌ أَوْ حَيَوَانٌ، فَطَلَبَ أَحَدُهُمَا قِسْمَتَهَا أَعْيَاناً بِالْقِيمَةِ، فَقَالَ الْقَاضِي: يُجْبَرُ، وَيَحْتَمِلُ أَلَّا يُجْبَرَ. ¬
وُيعَدِّلُ الْقَاسِمُ السِّهَامَ بِالأَجْزَاءِ إنْ كَانَتْ مُتَسَاوِيَةً، أَوْ بِالْقِيمَةِ إِنْ كَانَتْ مُخْتَلِفَةً، وَبِالرَّدِّ إنْ كَانَتْ تَقْتَضِي الرَّدَّ، وَيُقْرِعُ بَيْنَهُمْ، وَهُوَ أَنْ يَكْتُبَ اسْمَ كُلِّ وَاحِدٍ في رُقْعَةٍ، وَتُدْرَجُ كُل رُقْعَةٍ في بُنْدُقَةٍ مِنْ طِينٍ أَوْ شَمْعٍ، وَتَكُونُ الْبَنَادِقُ مُتَسَاوِيَةً في الْقَدْرِ وَالْوَزْنِ، وَتُوضَعُ في حِجْرِ مَنْ لَمْ يَحْضُرْ ذَلِكَ، وُيقَالُ لَهُ: أَخْرِجْ بُنْدُقَةً عَلَى هذَا السَّهْمِ، فَمَنْ خَرَجَ سَهْمُهُ، فَهُوَ لَهُ، ثُمَّ يُفْعَلُ بِالثَّانِيَةِ كَذَلِكَ، وَيَكُونُ السَّهْمُ الثالِثُ لِلثَّالِثِ. وإنِ اخْتَارَ إِخْرَاجَ السِّهَامِ عَلَى الأَسْمَاءِ، جَازَ، إِلَّا أَنْ تَكُونَ مُخْتَلِفَةً، مِثْلَ أَنْ يَكُونَ لِوَاحِدٍ الثُّلُثُ، وَلِلآخَرِ السُّدُسُ، فَإِنَّهُ يَكْتُبُ سِتَّ رِقَاعٍ بِأسْمَائِهِمْ، فَإذَا خَرَجَ السَّهْمُ الأَوَّلُ لِصَاحِبِ النِّصِفِ، أَخَذَهُ، وَالثَّانِيَ وَالثَّالِثَ، ثُمَّ يُخْرَجُ السَّهْمُ الرَّابع؛ فَإنْ خَرَجَ لِصَاحِبِ الثُّلُثِ، أَخَذَهُ وَالَّذِي يَلِيهِ، وَالسَّهْمُ الآخَرُ لِصَاحِبِ السّدُسِ. فَإِنِ ادَّعَى بَعْضُهُمْ غَلَطاً في الْقِسْمَةِ، فَإِنْ كَانَ فِيمَا قَسَمُوهُ بِأنْفُسِهِمْ، وَأَشْهَدُوا عَلَى تَرَاضِيهِم، لَمْ يُلْتَفَتْ إِلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ فِيمَا قَسَمَهُ قَاسِمُ الْحَاكِمَ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ مَعَ يَمينِهِ، إِلَّا أَنْ يُقِيمَ الْمُدَّعيِ بَيِّنَةً. وَإِنْ كَانَ فِيمَا قَسَمَهُ (¬1) قَاسِمٌ نَصَّبُوهُ، فَإنْ كَانَ فِيما يُعْتَبَرُ فيه الرِّضَا، لَمْ تُقْبَلْ دَعْوَاهُ، وإنْ كَانَ في غَيْرِ ذَلِكَ، فَهُوَ كَقَاسِمِ الْحَاكِمِ، فَإِنِ اسْتَحَقَّ مِنْ حِصَّةِ أَحَدِهِمَا شَيْئاً مُعَيَّناً، بَطَلَتِ الْقِسْمَةُ، وَإِنْ كَانَ مُشَاعاً، فَهَلْ يَبْطُلُ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ. ¬
فَإنِ اقْتَسَمَا دَارَيْنِ قِسْمَةَ تَرَاضٍ، وَأَخَذَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا دَاراً، وَبَنَى أَحَدُهُمَا، ثُمَّ خَرَجَتِ الدَّارُ مُسْتَحَقَّةً، فَقَالَ الْقَاضِي: يَرْجِعُ عَلَى شَرِيكِهِ بِنِصْفِ قِيمَةِ الْبنَاءِ، وَإِنْ خَرَجَ في نَصِيبِ أَحَدِهِمَا عَيْبٌ، فَلَهُ فَسْخُ الْقِسْمَةِ. وَإذَا قَسَمَ الْوَارِثَانِ، ثُمَّ ظَهَرَ عَلَى الْمَيْتِ دَيْنٌ؛ لَمْ تَبْطُلِ الْقِسْمَةُ. وَيَجُوزُ لِلأَبِ وَالْوَصِيِّ قِسْمَةُ مَالِ الصَّغِيرِ مَعَ شَرِيكِهِ.
باب الدعاوى
بَاب الدَّعَاوَى الْمُدَّعي: مَنْ إذا سَكَتَ تُرِكَ. وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ: مَنْ إذا سَكَتَ لَمْ يُتْرَكْ. وَلا تَصِحُّ إِلَّا مِنْ جَائِزِ التَّصَرُّفِ، وَلا تُسْمَعُ إِلَّا مُحَرَّرَةً، إِلَّا في الْوَصِيَّةِ، فَإِنَّهَا تَصِحُّ بِالْمَجْهُولِ. فَإِنْ كَانَ الْمُدَّعى عَيْناً حَاضِرَة، عَيَّنَهَا، وَإِنْ كَانَتْ غَائِبَة أَوْ تَالِفَة، أَوْ دَيْناً، ذَكَرَ صِفَاتِهَا إِنْ كَانَتْ مِمَّا يَنْضَبِطُ، والأَوْلَى أَنْ يَذْكُرَ قِيمَتَهَا، وَإِنْ لَمْ تَنْضَبِطْ، ذَكَرَ قِيمَتَهَا، فَإِنْ كَانَ سَيْفاً مُحَلًّى، قَوَّمَهُ بِغَيْرِ جِنْسِ حِلْيَتِهِ. فَإِنِ ادَّعَى نِكَاحَ امْرَأَةٍ، عَيَّنَهَا إِنْ كَانَتْ حَاضِرَةً، وَإِلَّا ذَكَرَ اسْمَهَا وَنَسَبَهَا، وَشَرَائِطَ النِّكاحِ عَلَى الصَّحِيحِ. وَإِنِ ادَّعَى بَيْعاً، أَوْ عَقْداً مِنَ الْعُقُودِ، فَهَلْ يَفْتَقِرُ إِلَى ذِكْرِ شُرُوطِهِ؟ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ. فَإِنِ ادَّعَى قَتْلَ وَلِيِّهِ، ذَكَرَ الْقَاتِلَ، وَصِفَةَ الْقَتْلِ عَمْداً أَوْ خَطَأً. وَإِنِ ادَّعَى الإِرْثَ، ذَكَرَ سَبَبَهُ.
فَإِنْ لَمْ يُحْسِنِ الْمُدَّعي تَحْرِيرَ الدَّعْوَى، فَهَلْ يَجُوزُ لِلْحَاكِمِ تَحْرِيرُهَا لَهُ؟ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ. وَهَلْ لَهُ مُطَالَبَةُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِالْجَوَابِ قَبْلَ قَوْلِ الْمُدَّعي: أَسُئِلَ سُؤَالُهُ عَنْ ذَلِكَ؟ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ. فَإذَا أَنْكَرَ بِأَنْ يَقُولَ: أَقْرَضْتُهُ، فَيَقُولَ: مَا أَقْرَضَنِي (¬1)، أَوْ قَالَ: مَا يَسْتَحِقُّ عَلَيَّ مَا ادَّعَاهُ، وَلا شَيْئاً مِنْهُ، صَحَّ (¬2) الْجَوَابُ. وَلِلْمُدَّعيِ أَنْ يَقُولَ: لِي بَيِّنَةٌ، فَإِنْ لَمْ يَقُلْ، قَالَ الْحَاكِمُ: أَلكَ بيِّنَةٌ؟ وَإِنْ (¬3) لَمْ يَكُنْ لَهُ بَيِّنَةٌ، عَرَّفَهُ الْحَاكِمُ أَنَّ لَهُ عَلَى الْمُنْكِرِ الْيَمِينَ، فَإِنْ طَالَبَ الْحَاكِمَ بِاسْتِيفَائِهَا، حَلَّفَهُ. فَإِنْ بَدَرَ الْمُنْكِرُ فَحَلَفَ، أَوْ حَلَّفَهُ الْحَاكِمُ مِنْ غَيْرِ مَسْأَلةِ الْمُدَّعيِ، لَمْ يُعْتَدَّ بِتِلْكَ الْيَمِينِ. فَإِنْ قَالَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ: لِي مَخْرَجٌ مِمَّا ادَّعَاهُ، لَمْ يَكُنْ مُقِرّاً، وَلا مُجِيباً. وَإِنْ قَالَ: لِفُلانٍ عَلَيَّ أَكْثَرُ مِمَّا لَكَ، لَمْ يَكُنْ إِقْرَاراً بِشَيْء، إذا قَالَ (¬4): أَرَدْتُ التَّهَزِّي بِهِ، في أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ، وَفِي الآخَرِ: يَكُونُ مُقِرّاً بِحَقٍّ لَهُمَا، يُرْجَعُ في تَفْسِيرِهِ إِلَيْهِ. ¬
فَإِنْ قَالَ: إِنْ كُنْتَ تَدَّعِي هَذَا الْمالَ مِنْ ثَمَنِ المَبِيعِ الَّذِي لَمْ تُقْبِضْنِي (¬1) إِيَّاهُ، فَنَعَمْ، أَوِ ادَّعَيْتَ أَلْفاً عَلَى رَهْنِ فُلانٍ لي في يَدِكَ، أَجَبْتُ، وإن ادَّعَيْتَ غَيْرَ ذَلِكَ، فَلا تَسْتَحِقُّ عَلَيَّ ذَلِكَ، كَانَ جَوَاباً. * * * ¬
فصل في تعارض البينتين
فَصْلٌ في تَعَارُضِ الْبَيِّنَتَيْنِ بَيِّنَةُ الْخَارِجِ مُقَدَّمَةٌ. وَعَنْهُ: تُقَدَّمُ بَيِّنَةُ الدَّاخِلِ. وَعَنْهُ: إِنْ أَقَامَ صَاحِبُ الْيَدِ الْبَيِّنَةَ أَنَّهَا لَهُ نُتِجَتْ في مِلْكِهِ، أَوْ قَطيعةً مِنَ الإِمَامِ، قُدِّمَتْ بيِّنَتُهُ، وَإِلَّا قُدِّمَتِ الأُخْرَى. فَإِنْ كَانَتِ الْعَيْنُ في أَيْدِيهِمَا، أَوْ لَمْ تَكُنْ في يَدِ أَحَدِهِما، أُسْقِطَتِ الْبَيِّنتَانِ. عَنْهُ: تُسْتَعْمَلانِ، وَ (¬1) تُقْسَمُ الْعَيْنُ بَيْنَهُمَا في إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ، وَالثَّانِيَةِ: يُقْرَعُ بَيْنَهُمَا، فَيُقَدَّمُ مَنْ خَرَجَتْ لَهُ الْقُرْعَةُ. فَإِنِ اخْتَلَفَتِ الْبَيِّنتَانِ في التَّأْرِيخِ، قَدَّمَ أَقْدَمَهَا تَأْرِيخاً، فَإِنْ وُقِّتَتْ إِحْدَاهُمَا دُونَ الأُخْرِى، فَهُمَا سَوَاءٌ، قَالَهُ الْقَاضِي، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَحْكُمَ بِهِ لِمَنْ لَمْ يُوَقِّتْ. ¬
فَإِنْ شَهِدَتْ إِحْدَاهُمَا بِالْمِلْكِ وَالنِّتَاجِ، وَالأُخْرَى بِالْمِلْكِ فَقَطْ، فَهَلْ يَتَسَاوَيَانِ، أَمْ تُقَدَّمُ بَيِّنَةُ النِّتَاجِ؟ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ. وَلا تُرَجَّحُ الْبَيِّنَةُ بِكَثْرَةِ الْعَدَدِ، وَلا اشْتِهَارِ الْعَدَالَةِ، وَلا الرَّجُلانِ عَلَى الرَّجُلِ وَالْمَرْأَتَيْنِ. وفي تَقْدِيمِ الشَّاهِدَيْنِ عَلَى الشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ وَجْهَانِ. وَإذَا تَدَاعَيَا جِدَاراً لأَحَدِهِمَا عَلَيْهِ أرجٌ، أَوْ عَرَصَةٌ لأَحَدِهِمَا فِيهَا (¬1) بِنَاءٌ أَوْ شَجَرٌ، حَكَمَ لَهُ. وَلا يُرَجَّحُ بِوُجُوهِ الآجُرِّ وَالتَّجْصِيصِ وَالتَّزْوِيقِ وَمَعَاقِدِ الْقُمُطِ في الْخُصِّ. فَإنْ تنازَع صَاحِبُ الْعُلْوِ وَالسُّفْلِ في سُلَّمٍ مَنْصُوبٍ، أَوْ دَرَجَةٍ لا مَسْكَنَ تَحْتَهَا، فَهِيَ لِصَاحِبِ الْعُلْوِ، وَإِنْ كَانَ تَحْتَ الدَّرَجَةِ مَسْكَنٌ، وَاخْتَلَفَا في السَّقْفِ، تَحَالَفَا، وَكَانَ بَيْنَهُمَا. وَكَذَلِكَ إِنْ تنازَعَا مُسَنَّاةً بَيْنَ نَهْرِ أَحَدِهِمَا وَأَرْضِ الآخَرِ. وَإذَا تَنَازَعَ صَانِعَانِ في بَيْتٍ لَهُمَا فيهِ قُمَاشٌ، حَكَمَ بِآلَةِ كُلِّ صِنَاعَةٍ لِصَاحِبِهَا؛ كَالزَّوْجَيْنِ إذا اخْتَلَفَا. وَقَالَ الْقَاضِي: إِنْ كَانَتْ أَيْدِيهِمَا عَلَيْهِ مِنْ طَرِيقِ الْحُكْمِ، فَكَذَلِكَ، وَإِنْ كَانَتْ مِنْ طَرِيقِ الْمُشَاهَدَةِ، فَهُوَ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ بِكُلِّ حَالٍ. ¬
فَإِنْ تَنَازَعَا دَابَّةً: أَحَدُهُمَا رَاكِبُهَا، أَوْ لَهُ عَلَيْهَا حِمْل، وَالآخَرُ آخِذٌ بِزِمَامِهَا، فَهِيَ لِلأَوَّلِ. وَإِنْ تَنَازَعَا قَمِيصاً: أَحَدُهُمَا لابِسُهُ، وَالآخَرُ آخِذٌ بِكُمِّهِ، فَهُوَ لِلابِسِهِ. وَإِنْ تنازَعَ الْمُؤْجِرُ وَالْمُسْتَأْجِرُ في مِصْرَاعٍ أَوْ دَفٍّ مَقْلُوعٍ لَهُ شَكْلٌ مَنْصُوبٌ في الدَّارِ، فَهُوَ لِصَاحِبِهَا، وَإِلَّا تَحَالَفَا، وَهُوَ بَيْنَهُمَا. وَإِنْ تنازَعَ الْخَيَّاطُ وَصَاحِبُ الدُّكَّانِ في الإِبْرَةِ وَالْمِقَصِّ، فَهُوَ لِلْخَيَّاطِ. فَإِنْ تَنَازَعَا في صَبِيٍّ غَيْرِ مُمَيِّزٍ في أَيْدِيهِمَا، فَهُوَ لَهُمَا، وَإِنْ كَانَ مُمَيِّزاً، فَقَالَ: إِنِّي حُرٌّ، مُنِعَا مِنْهُ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ بَيْنَهُمَا. وَإِنْ كَانَ كَبِيراً، فَأَقَرَّ لأَحَدِهِمَا، قُدِّمَ. وَلَوِ ادَّعَيَاهُ وَهُوَ في يَدِ غَيْرِهِمَا، فَأَقَرَّ الْعَبْدُ لأَحَدِهِمَا، لَمْ يُرَجَّحْ بِإِقْرَارِهِ. وَإذَا ادَّعَى رَجُلٌ مُلْكَ عَبْدٍ، وَادَّعَى آخَرُ أَنَّهُ اشْتَرَاهُ مِنْهُ، أَوْ وَقَفَهُ عَلَيْهِ، أَوْ أَعْتَقَهُ، وَأقامَ بَيِّنَةً، قُدّمَتْ بَيِّنَةُ الشَّرَاءِ وَالْوَقْفِ وَالْعِتْقِ، وَكَذَلِكَ الدَّارُ. وَإِنِ ادَّعَى الْعَبْدُ أَنَ سَيِّدَهُ أَعْتَقَهُ، وَادَّعَى آخَرُ أَنَّهُ اشْتَرَاهُ مِنْ سَيِّدِهِ، وَأقامَا الْبَيِّنَةَ، قُدِّمَ أَسْبَقُهُمَا تَأْرِيخاً. فَإِنِ اتَّفَقَتَا، وَأَطْلَقتَا التَّأْرِيخَ، وَالْعَبْدُ في يَدِ الْمُشْتَرِي، فَأَيُّهُمَا
يُقَدَّمُ؟ تَنْبَنِي عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ في بيِّنَةِ الدَّاخِلِ وَالْخَارِجِ. وَإِنْ كَانَ الْعَبْدُ في يَدِ السَّيِّدِ، فَأقَرَّ لأَحَدِهِمَا، لَمْ يُرَجَّحْ بِإقْرَارِهِ، وَيُقَدَّمُ أَحَدُهُمَا بِالْقُرْعَةِ عَلَى قَوْلِ أَبي بَكْرٍ، وَكَذَلِكَ إِنْ جَحَدَهُمَا. وَقَالَ الْقَاضِي: إِنْ جَحَدَهُمَا، حَلَفَ لِكُلِّ وَاحِدٍ عَلَى نَفْيِ دَعْوَاهُ، وَالْعَبْدُ لَهُ. وَإِنْ كَانَ في يَدِ رَجُلٍ عَبْدٌ، فَادَّعَى اثْنَانِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنَّهُ بَاعَهُ مِنْهُ بِأَلْفٍ، وَصَدَّقَهُمَا، أَوْ قَامَتْ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بَيِّنَةٌ، لَزِمَهُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كَمَالُ الثَّمَنِ (¬1)، إِلَّا أَنْ يَتَّفِقَ تَارِيخُ الْبيِّنتَيْنِ في وَقْتٍ وَاحِدٍ، فَيَتَعَارَضَان. وَإِنْ أَقَرَّ لأَحَدِهِمَا، أَوْ قَامَتْ لَهُ بَيِّنَةٌ، لَزِمَهُ كَمَالُ الثَّمَنِ (1) لَهُ، وَيَحْلِف الآخَرُ. وَإذَا شَهِدَتِ الْبَيِّنتَانِ أَنَّ الْعَبْدَ ابْنُ أَمَةِ أَحَدِ الْمُدَّعِيَيْنِ، لَمْ يَحْكُمْ لَهُ إِلَّا أَنْ تَشْهَدَ أَنَّهَا وَلَدَتْهُ في مِلْكِهِ. وَإِنْ شَهِدَتْ أَنَّ الْغَزْلَ مِنْ قُطْنِ أَحَدِهِمَا، أوِ الطَّيْرَ مِنْ بَيْضِهِ، أوِ الدَّقِيقَ مِنْ حِنْطَتِهِ، حَكَمَ لَهُ بِهَا. وَإِنْ قَالَ: مَتَى قُتِلْتُ، فَأنْتَ حُرٌّ، فَأَقَامَ الْعَبْدُ بيِّنَةَ أَنَّهُ قُتِلَ، وَأَقَامَ الْوَرَثَةُ بيِّنَةَ أَنَّهُ مَاتَ، فَهَلْ تُقَدَّمُ بَيِّنَةُ الْعَبْدِ، أَوْ يَتَعَارَضَانِ؟ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ. ¬
فَإِنْ قَالَ: إِنْ مِتُّ في الْمُحَرَّمِ فَعَبْدِي حُرٌّ، وَإِنْ مِتُّ في صَفَرٍ، فَجَارِيَتي حُرَّة، فَأقَامَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بَيِّنَةً بِمُوجِبِ عِتْقِهِ، قُدِّمَتْ بَيِّنَةُ الْعَبْدِ. وَإِنْ قَالَ: إِنْ مِتُّ في مَرَضِي هذَا، فَعَبْدِي حُرٌّ، وَإِنْ بَرِئْتُ، فَجَارِيَتي حُرَّةٌ، وَاخْتَلَفَا، وَأَقَامَا الْبَيِّنَةَ، تَعَارَضَتَا، وَبَقِيَا عَلَى الرِّقِّ، فَإِنْ شَهِدَتِ الْبَيِّنَةُ أَنَّهُ أَعْتَقَ زَيْداً في مَرَضِهِ، فَشَهِدَتْ (¬1) بَيِّنَةٌ أُخْرَى أَنَّه أَعْتَقَ سَالِماً، وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ثُلُثُ مَالِهِ، وَلَمْ يُجِزِ الْوَرَثَةُ، احْتَمَلَ أَنْ يُعْتَقَ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نِصْفُهُ، وَاحْتَمَلَ أَنْ يُعْتَقَ مَنْ خَرَجَتْ لَهُ الْقُرْعَةُ، إِلَّا أَنْ يُعْلَمَ عَيْنُ السَّابِقِ مِنْهُمَا، فَيُعْتَقَ دُونَ صَاحِبهِ، سَوَاءٌ كَانَتْ إحْدَى الْبَيِّنتَيْنِ مِنَ الْوَرَثَةِ، أَوْ لَمْ تَكُنْ. فَإِنْ كَذَّبَتِ الْوَرَثَةُ الأَجْنَبِيَّةَ (¬2)، فَقَالَتْ: مَا أَعْتَقَ زَيْداً، وَإنَّمَا أَعْتَقَ سَالِماً، عَتَقَ الْعَبْدَانِ، وَإِنْ كَانَتْ قِيمَةُ الْعَبْدِ الَّذِي شَهِدَتْ بِهِ الْوَرَثَةُ أَقَلَّ مِنْ قِيمَةِ الآخَرِ، عَتَقَ الآخَرُ كُلُّهُ، وَعَتَقَ مِنَ الَّذِي شَهِدَتْ بِهِ الْوَرَثَةُ ثُلُثُ الْبَاقِي. فَإِنْ كَانَ في أَيْدِيهِمَا دارٌ، فَادَّعَاهَا (¬3) أَحَدُهُمَا، وَادَّعَى الآخَرُ نِصْفَهَا، فَهِيَ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ، وَالْيَمِينُ عَلَى صَاحِبِ النِّصْفِ. ¬
وَإِنْ كَانَتْ (¬1) لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بَيِّنَةٌ، ابْتُنِيَ عَلَى بَيِّنَةِ الدَّاخِلِ وَالْخَارِجِ. فَإِنْ كَانَتْ دَارٌ في يَدِ رَجُلٍ، فَأقَامَ آخَرُ بَيِّنَةً أَنَّهُ اشْتَرَاهَا مِنْ عَمْرٍو، أَوْ وَقَفَهَا عَلَيْهِ، لَمْ يَحْكُمْ بِهَا لِلْمُدَّعِي حَتَّى تَشْهَدَ الْبَيِّنَةُ مَعَ ذَلِكَ أَنَّهَا كَانَتْ مِلْكَ عَمْرٍو. وَإذَا تَدَاعَيَا دَاراً في يَدِ غَيْرِهِمَا، قَالَ أَحَدُهُما: غَصَبَنِي إيَّاهَا، وَقَالَ الآخَرُ: مَلَّكَنِي، أَوْ أَقَرَّ لِي بِها، وَأَقَامَا بَيِّنَةً، فَهُوَ لِلْمَغْصُوبِ مِنْهُ، وَلا يَغْرَمُ الآخَرُ شَيْئاً (¬2). وإذا مَاتَ رَجُلٌ، فَادَّعَى آخَرُ أَنَّهُ وَارِثُهُ، فَشَهِدَ لَهُ شَاهِدَانِ أَنَّهُ وَارِثُهُ، وَ (¬3) لا يَعْرِفَانِ لَهُ وَارِثاً سِوَاهُ، سَلَّمَ مَالَهُ إِلَيْهِ، سَوَاءٌ كَانَا مِنْ أَهْلِ الْخِبْرَةِ الْبَاطِنَةِ، أَوْ لَمْ يَكُونَا (¬4). وَإِنْ قَالا: لا نَعْرِفُ لَهُ وَارِثاً غَيْرَهُ في هَذَا (¬5) الْبَلَدِ، احْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ كَذَلِكَ، وَاحْتَمَلَ أَلَّا يُسلَّمَ إِلَيْهِ حَتَّى يَكْشِفَ الْقَاضِي عَنْ حَالِهِ في الْبِلادِ الَّتِي سَافَرَ إِلَيْهَا. وَإذَا اخْتَلَفَ أَبَوَانِ كافِرانِ وَابْنَانِ مُسْلِمَانِ، فَادَّعَى كُلُّ وَاحِدٍ ¬
مِنْهُمْ (¬1) أَنَّهُ مَاتَ عَلَى دِينِهِ، فَقَالَ الْقَاضِي: الْقَوْلُ قَوْلُ الأَبَوَيْنِ، وَاحْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ الْقَوْلُ قَوْلَ الِابْنَيْنِ. وَإِنْ خَلَّفَ ابْناً مُسْلِماً، وَأَخاً وَزَوْجَةً كافِرَيْنِ، وَاخْتَلَفُوا، فَإِنْ عُرِفَ أَصْلُ دِينِهِ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ مَنْ يَدَّعِيهِ، وَإِنْ لَمْ يُعْرَفْ، فَقَالَ الْقَاضِي: يَحْكُمُ لِمَنْ تَخْرُجُ لَهُ الْقُرْعَةُ. * * * ¬
فصل في اليمين
فَصْلٌ في الْيَمِينِ رَوَى ابْنُ عَبَّاسِ: أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "لَوْ يُعْطَى النَّاسُ بِدَعْوَاهُمْ، لادَّعَى نَاسٌ (¬1) دِمَاءَ رِجَالٍ وَأَمْوَالَهُمْ، وَلكِنَّ الْيَمِينَ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ" (¬2). وَعَنْهُ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - "قَضَى بِيَمِينِ وَشَاهِدٍ" رَوَاهُمَا (¬3) مُسْلِمٌ (¬4). وَإذَا رَأى الْحَاكِمُ تَغْلِيظَهَا في اللَّفْظِ وَالْمَكانِ وَالزَّمَانِ، فَلَهُ ذَلِكَ، فَيَقُولُ في اللَّفْظِ: وَاللهِ الَّذِي لا إِلهَ إِلَّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الرَّحْمنُ الرَّحِيمُ الطَّالِبُ الْغَالِبُ النَّافِعُ الضَّارُّ، وَنَحْوَ ذَلِكَ. ¬
وَفِي الزَّمَانِ: فحَلَّفَهُ (¬1) بَعْدَ الْعَصْرِ، أَوْ بَيْنَ الأَذَانَيْنِ. وَفِي الْمَكَانِ: يُحَلِّفُهُ في الأَمَاكِنِ الشَّرِيفَةِ، كَبَيْنَ الرُّكْنِ وَالْمَقَامِ بِمَكَّةَ، وَعِنْدَ مِنْبَرِ رسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بِالْمَدِينَةِ، وَالصَّخْرَةِ بِبَيْتِ الْمَقْدِسِ، وَفِي غَيْرِ ذلِكَ في الْجَوامِعِ عِنْدَ الْمِنْبَرِ. وَلا تُغَلَّظُ إِلَّا فِيمَا لَهُ (¬2) خَطَرٌ، كَالَّذِي تَجِبُ فيهِ الزَّكَاةُ. وَقِيلَ: فِيمَا يُقْطَعُ فِيهِ (¬3) السَّارِقُ، وَفِي الْجِنَايَاتِ وَالْعِتَاقِ وَالطَّلاقِ. وَلِلْحَاكِمِ تَرْكُ التَّغْلِيظِ إذا رَأَى. وَمَنْ تَوَجَّهَ عَلَيْهِ يَمِينٌ لِجَمَاعَةٍ، فَقَالَ: أَحْلِفُ يَمِيناً وَاحِدَةً لِلْكُلِّ، فَرَضُوا، جَازَ، وَإِنْ أَبَوْا، حَلَفَ لِكُلِّ وَاحِدٍ يَمِيناً. وَلا يُسْتَحْلَفُ في شَيْءٍ مِنْ حُقوقِ اللهِ، وَيُسْتَحْلَفُ في كُلِّ حَقٍّ لآدَمِيٍّ. وَقَالَ الْقَاضِي: لا يُسْتَحْلَفُ في النِّكَاحِ، وَالرَّجْعَةِ، وَالرِّقِّ، وَالِاسْتِيلادِ، وَالْوَلاءِ، وَالنَّسَبِ، رِوَايَةً وَاحِدَةً. وَهَلْ يُسْتَحْلَفُ في الْقِصَاصِ وَالْقَذْفِ وَالطَّلاقِ أَمْ لا؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ. * * * ¬
باب في الشهادات
بَابٌ في الشَّهَادَاتِ تَحَمُّلُ الشَّهَادَةِ وَأَدَاؤهَا فَرْضٌ عَلَى الْكِفَايَةِ. وَلا يَجُوزُ أَخْذُ الأُجْرَةِ عَلَيْهَا، وَيَتَخَرَّجُ أَنْ يَجُوزَ إذَا لَمْ تَتَعَيَّنْ. وَمَنْ كَانَتْ عِنْده شَهَادَةٌ في حَدٍّ للهِ، لَمْ تُسْتَحَبَّ لَهُ إِقَامَتُهَا، وَأُبِيحَ لَهُ. وَمَنْ كَانَتْ عِنْدَهُ شَهَادَةٌ لآدَمِيٍّ لا يَعْلَمُ بِهَا، اسْتُحِبَّ لَهُ أَنْ يُعْلِمَهُ بِهَا، وَلَهُ إِقَامَتُهَا قَبْلَ إِعْلامِهِ؛ لِقَوْلِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - "أَلا أُخْبِرُكُمْ بِخَيْرِ الشُّهَدَاءِ؟ الَّذِي يَأْتِي بِشَهَادَتِهِ قَبْلَ أَنْ يُسْأَلَهَا" رَوَاهُ مُسْلِمٌ (¬1). فَإِنْ كَانَ مَنْ لَهُ (¬2) الشَّهَادَةُ يَعْلَمُهَا، وَلا يُقِيمُهَا حَتَّى يَسْأَلهُ، وَلا يَشْهَدُ إِلَّا بِمَا يَعْلَمُ بِرُؤْيَةٍ أوْ سَمَاعٍ مِنَ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ. ولَهُ الشَّهَادَةُ بِمَا سَمِعَهُ مِنْ جِهَةِ الِاسْتِفَاضَةِ فِيمَا يَتَعَذَّرُ عِلْمُهُ في ¬
الْغَالِبِ إِلَّا بِذَلِكَ؛ كَالنَّسَبِ، وَالْمَوْتِ، وَالْمِلْكِ، وَالنِّكاحِ، وَالْوَقْفِ وَمَصْرِفِهِ، وَالْعِتْقِ وَالْوَلاءِ، وَالْوِلايَةِ وَالْعَزْلِ، وَالْخُلْعِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ. وَلا تُقْبَلُ الِاسْتِفَاضَةُ إِلَّا مِنْ عَدَدٍ يَقَعُ الْعِلْمُ بِخَبَرِهِمْ. وَقَالَ الْقَاضِي: تُسْمَعُ مِنْ عَدْلَيْنِ فَصَاعِداً؛ فَإِنْ سَمعَ إِنْسَاناً يُقِرُّ بِنَسَبِ أَبٍ أَوِ ابْنٍ، فَصَدَّقَهُ، شَهِدَ بِهِ، وَإِنْ سَكَتَ، جَازَ أَيْضاً، وَيَحْتَمِلُ ألاَّ يَشْهَدَ بِهِ حَتَّى يَتَكَرَّرَ، وَإِنْ كَذَّبَهُ، لَمْ يَشْهَدْ بِهِ. فَإِنْ رَأَى في يَدِ إِنْسَانٍ بَيْتاً يَتَصَرَّفُ فيهِ تَصَرُّفَ الْمُلاَّكِ مِنَ النَّقْضِ وَالْبِنَاءِ وَنَحْوِهِ، شَهِدَ بِالْمِلْكِ، وَيَحْتَمِلُ ألاَّ يَشْهَدَ إِلَّا بِالْيَدِ وَالتَّصَرُّفِ. وَإذَا شَهِدَا أَنَّ الْعَبْدَ مِنْ ابْنِ (¬1) أَحَدِهِما، لَمْ يَحْكُمْ لَهُ بِهِ حَتَّى يَقُولا: نَشْهَدُ أَنَّهَا وَلَدَتْهُ في مِلْكِهِ. وَإِنْ شَهِدَا أَنَّ الْغَزْلَ مِنْ قُطْنِهِ، أَوْ الدَّقِيقَ مِنْ حِنْطَتِهِ، أَوْ الطَّيْرَ مِنْ بَيْضَتِهِ (¬2)، حَكَمَ لَهُ بِهِ. وَإذَا تَحَمَّلَ الْبَصِيرُ الشَّهَادَةَ عَلَى الْفِعْلِ، ثُمَّ عَمِيَ، شَهِدَ بِهِ إذا عَرَفَ الْفَاعِلَ بِاسْمِهِ وَنَسَبِهِ، أَوْ عَرَفَهُ بِعَيْنِهِ وَوَصْفِهِ بِمَا يَتَمَيَّزُ بِهِ. وَكَذَلِكَ إِنْ شَهِدَ عَلَى الإِقْرَارِ، ثُمَّ طَرِشَ. وَلا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الأَخْرَسِ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ تُقْبَلَ فِيمَا طَرِيقُهُ الرُّؤْيَةُ. * * * ¬
فصل
فَصْلٌ وَإذَا شَهِدَ بِالنِّكَاحِ، فَلا بُدَّ مِنْ ذِكْرِ شُرُوطِهِ، وَإِنْ شَهِدَ بِالرَّضَاعِ، فَلا بدَّ مِنْ عَدَدِ الرَّضَعَاتِ، وأنَّهُ شَرِبَ مِنْ ثدْيِهَا، أَوْ مِنْ لَبَنٍ حُلِبَ مِنْهُ. وَمَنْ شَهِدَ بِالْقَتْلِ، فَلا بُدَّ أَنْ يَقُولَ: ضَرَبَهُ بِكَذَا، أَوْ جَرَحَهُ فَقَتَلَهُ، أَوْ فَمَاتَ مِنْهُ. وَلَوْ قَالَ: جَرَحَهُ فَمَاتَ، لَمْ يَحْكُمْ بِهِ. وَمَنْ شَهِدَ بِالزِّنَا، فَلا بُدَّ أَنْ يَذْكُرَ بِمَنْ (¬1) زَنَى، وَأيْنَ زَنَى، وَكَيْفَ زَنَى، عَلَى الصَّحِيحِ، وَقِيلَ: لا يَحْتَاجُ إِلَى ذِكْرِ الْمَزْنيِّ بِهَا، وَلا ذِكْرِ الْمَكَانِ. وَمَنْ شَهِدَ بِالسَّرِقَةِ، فَلا بُدَّ مِنْ ذِكْرِ الْمَسْرُوقِ مِنْهُ، وَالنِّصَابِ، وَالْحِرْزِ، وَصِفَةِ السَّرِقَةِ. وَمَنْ شَهِدَ بِالْقَذْفِ، ذَكَرَ الْمَقْذُوفَ، وَ (¬2) صِفَةَ القَذْفِ. ¬
وَهَلْ لِلْحَاكِمِ أَنْ يُعَرِّضَ لِلشُّهودِ بِالْوُقُوفِ عَنِ الشَّهَادَةِ في الْحُدودِ الْخَالِصَةِ للهِ (¬1)؟ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ. وَلَوْ شَهِدَ بِدَيْنٍ، فَقَالَ صَاحِبُ الدَّيْنِ: أُرِيدُ أَنْ تَشْهَدَ لِي بِنِصْفِهِ، لَمْ يَجُزْ. وَقَالَ أَبُو الخَطَّابِ: يَجُوزُ. * * * ¬
فصل فيمن تقبل شهادته ومن ترد
فَصْلٌ فِيمَنْ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ وَمَنْ تُرَدُّ وَلا تُقْبَلُ شَهَادَةُ مَنْ لَيْسَ بِعَدْلٍ. وَالْعَدْلُ: مَنْ لا يَرْتَكِبُ كَبِيرَةً، وَلا يُدْمِنُ عَلَى صَغِيرَةِ. وَقِيلَ: أَلَّا يَظْهَرَ مِنْهُ إِلَّا الْخَيْرُ، وَيَسْتَعْمِلُ الْمُرُوءَةَ. فَأَمَّا غَيْرُ ذِي الْمُرُوءَةِ؛ كَالْمُصَاقعِ، وَالْمُتَمَسْخِرِ، وَالْمُغَنِّي، وَالرَّقَّاصِ، وَاللاعِبِ بِالشِّطْرَنْجِ وَالْحَمَامِ، وَالَّذِي يَأْكُلُ في (¬1) السُّوقِ، وَيَمُدُّ رِجْلَيْهِ في مَجْمَعِ النَّاسِ، وَيَتَحَدَّثُ بِمُبَاضَعَتِةِ (¬2) أَهْلَهُ، فَلا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ. فَأَمَّا الشَّيْنُ في الصِّنَاعَةِ؛ كَالْحَجَّامِ، وَالنَّخَّالِ، وَالنَّفَّاطِ، وَالْقَمَّامِ، وَالزَّبَّالِ، وَالْمُشَعْوِذِ، وَالدَّبَّاغِ، وَالْحَارِسِ، وَالْقَرَّادِ، وَالْكَنَّاسِ (¬3)، فَهَلْ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمْ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ. ¬
وَلا تُقْبَلُ شَهَادَةُ صَبِيٍّ. وَعَنْهُ: لا تُقْبَلُ إِلَّا في الْجِرَاحِ إذا شَهِدُوا قَبْلَ الِافْتِرَاقِ عَنِ الْحَالَةِ الَّتِي تَجَارَحُوا عَلَيْهَا. وَمَنْ فَعَلَ شَيْئاً مِنَ الْمُخْتَلَفِ فيهِ في الْفُرُوعِ مُتَأَوِّلاً، لَمْ تُرَدَّ شَهَادَتُهُ، وَإِنْ فَعَلَهُ مُعْتَقِداً تَحْرِيمَهُ، رُدَّتْ، وَيَحْتَمِلُ ألاَّ تُرَدَّ. وَفِي شَهَادَةِ مُتَّهَمٍ؛ كَالْوَارِثِ يَشْهَدُ لِمُوَرثهِ بِالْجُرْحِ قَبْلَ الِانْدِمَالِ، وَالْمَقْذُوفِ عَلَى الْقَاذِفِ. وَتُقْبَلُ شَهَادَةُ الإِنْسانِ عَلَى فِعْلِ نَفْسِهِ. فَأَمَّا شَهَادَةُ الْبَدَوِيِّ عَلَى الْقَرَوِيِّ، فَقَالَ أَحْمَدُ: أَخْشَى أَلَّا تُقْبَلَ، فَيَحْتَمِلُ أَلَّا تُقْبَلَ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ تُقْبَل، اخْتَارَهَا أَبُو الخَطَّابِ. وَإذَا شَهِدَ لِابْنِهِ وَأَجْنَبِيٍّ، رُدَّتْ شَهَادَتُهُ لَهُمَا. وَمَنْ شَهِدَ وَهُوَ كَافِرٌ، أَوْ صَبِيٌّ، أَوْ عَبْدٌ، فَرُدَّتْ شَهَادَتُهُمْ، ثُمَّ زَالَتِ الْمَوَانِعُ مِنْهُمْ، وَأَعَادُوا تِلْكَ الشَّهَادَةَ، قُبِلَتْ. وَلَوْ شَهِدَ السَّيِّدُ لِمُكَاتَبِهِ، فَرُدَّتْ، أَوْ شَهِدَ وَارِثَانِ لِمُوَرثهِمَا بِالْجُرْح قَبْلَ الِانْدِمَالِ، فَرُدَّتْ، ثُمَّ أَعَادُوا الشَّهَادَةَ بَعْدَ عِتْقِ الْمُكَاتَبِ، وَانْدِمَالِ الْجُرْحِ، فَهَلْ تُقْبَلُ؟ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ. وَتُقْبَلُ في الْمالِ وَمَا يُقْصَدُ بِهِ الْمالُ شَهَادَةُ رَجُلَيْنِ، وَشَهَادَةُ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ، وَرَجُلٍ عَدْلٍ مَعَ يَمِينِ الطَّالِبِ، وَلا يُقْبَلُ شَهَادَةُ امْرَأَتَيْنِ وَيَمِينٍ.
وَمَا لا يُقْصَدُ بِهِ الْمالُ مِمَّا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ الرّجَالُ؛ كَالطَّلاقِ وَالنَّسَبِ وَالْوَلاءِ وَالْحُدُودِ وَالْوِكَالَةِ وَالْوَصِيَّةِ، وَلا يُقْبَلُ فيهِ إِلَّا رَجُلانِ؛ فَإِنْ شَهِدَ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ بِالسَّرِقَةِ، ثَبَتَ الْمالُ دُونَ الْقَطْعِ، وَإِنْ شَهِدُوا بِقَتْلِ الْعَمْدِ، لَمْ يَجِبْ قِصَاصٌ وَلا دِيَةٌ. وَإذَا ادَّعَتِ الْمَرْأَةُ الْخُلْعَ، لَمْ يُقْبَلْ فيهِ إِلا شَهَادَةُ رَجُلَيْنِ، وَإِنِ ادَّعَاهُ الزَّوْج، قَبِلَ فيهِ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ. وَهَلْ تُثْبِتُ الرَّجْعَةَ وَالنِّكاحَ شَهَادَةُ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ، وَلا يُقْبَلُ في ذَلِكَ شَاهِدٌ وَيمِينٌ. وَمَا لا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ الرِّجَالُ، تُقْبَلُ فيهِ شَهَادَةُ امْرَأَةٍ. وَعَنْهُ: لا تُقْبَلُ إِلَّا شَهَادَةُ امْرَأَتَيْنِ. فَإِنْ شَهِدَ الرَّجُلُ بِذَلِكَ، كَانَ أَوْلَى. وَإذَا ادَّعَى رَجُلٌ جَارِيَةً أَنَّهَا أُمُّ وَلَدِهِ، وَوَلَدَهَا مِنْهُ، فَشَهِدَ بِذَلِكَ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ، قُضِيَ لَهُ بِالْجَارِيَةِ أُمَّ وَلَدٍ. وَهَلْ يُحْكَمُ لَهُ بِالْوَلَدِ، أَمْ يَبْقَى عَلَى مِلْكِ مَنْ هُوَ في يَدِهِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ. وَإذَا شَهِدَ لَهُ شَاهِدَانِ بِأَلْفٍ عَلَى رَجُلٍ، فَقَالَ أَحَدُهُمَا: إِنَّهُ قَضَاهُ مِنْهَا بَعْضَها، بَطَلَتْ شَهَادَتُهُما. وَإِنْ شَهِدَ أَنَّهُ أَقْرَضَهُ أَلْفاً، ثُمَّ قَالَ أَحَدُهُما: قَضَاهُ بَعْضَهَا، صَحَّتْ شَهَادَتُهُمَا. وَإذَا شَهِدَ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ بَاعَهُ دَارَهُ أَمْسِ، وَشهِدَ الآخَرُ أَنَّهُ أَقرَّ لَهُ بِأَلْفٍ
الْيَوْمَ، قُبِلَتْ شَهَادَتُهُمَا، وَكَذَلِكَ في كُلِّ شَهَادَةٍ تَقَعُ عَلَى الْقَوْلِ، إِلَّا النِّكّاحَ، وَكَذَلِكَ الْفِعْلُ إذا اخْتَلَفَا في الْوَقْتِ؛ مِثْلَ: أَنْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ تَزَوَّجَهَا الْيَوْمَ، وَشَهِدَ آخَرُ (¬1) أَنَّهُ تَزَوَّجَهَا أَمْسِ، وَشَهِدَ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ غَصَبَهُ هذَا الْعَبْدَ الْيَوْمَ، وَشَهِدَ آخَرُ أَنَّهُ غَصَبَهُ إِيَّاهُ أَمْسِ، لَمْ تَكْمُلْ شَهَادَتُهُمَا. وَهَلْ يُؤَثِّرُ الِاخْتِلافُ في الْوَقْتِ في الشَّهَادَةِ بِالْقَذْفِ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ. وَإِنْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ غَصَبَهُ ثَوْباً أَحْمَرَ، وَشَهِدَ آخَرَانِ (¬2) أَنَّهُ غَصَبَهُ ثَوْباً أَبْيَضَ، لَمْ تَكْمُلِ الْبَيِّنَةُ. وَإِنْ شَهِدَ شَاهِدَانِ أَنَّهُ أَتْلَفَ ثَوْباً قِيمَتُهُ عِشْرُونَ، وَشَهِدَ آخَرُ أَنَّ قِيمَتَهُ ثَلاثُونَ، لَزِمَهُ أَقَلُّ الْقِيمَتَيْنِ. وَإذَا شَهِدَ اثْنَانِ عَلَى رَجُل بِالْقَتْلِ، فَشَهِدَ شاهِدَانِ عَلَى الشَّاهِدَيْنِ أَنَّهُمَا هُمَا (¬3) قتلاهُ، فَكَذَّبَ الْوَليُّ الجَمِيعَ، أَوْ صَدَّقَهُمْ، بَطَلَتْ شَهَادَتُهُمْ. وَكَذَلِكَ إِنْ كَذَّبَ الأَوَّلَيْنِ وَصَدَّقَ الآخَرَيْنِ. وَإِنْ صَدَّق الأَوَّلَيْنِ، حُكِمَ بِشَهَادَتِهِمَا. وَلا تُقْبَلُ الشَّهَادَةُ إِلَّا بِلَفْظِ الشَّهَادَةِ، فَإِنْ قَالَ: أَعْلَمُ، أَوْ أُحِقُّ، لَمْ يُحْكَمْ بِهَا. * * * ¬
فصل في الشهادة على الشهادة
فَصْلٌ في الشَّهَادَةِ عَلَى الشَّهَادَةِ وَلا يَجُوزُ لِشَاهِدِ الْفَرْعِ أَنْ يَشْهَدَ إِلَّا أَنْ يَسْتَدْعِيَهُ شَاهِدُ الأَصْلِ، فَيَقُولَ: اشْهَدْ عَلَى شَهَادَتِي أَنِّي أَشْهَدُ أَنَ فُلانَ بْنَ فُلانَ، وَقَدْ عَرَفْتَهُ بِعَيْنِهِ وَاسْمِهِ، أَقَرَّ عِنْدِي وَأَشْهَدَنِي عَلَى نَفْسِهِ طَوْعاً بِكَذَا وَكَذَا. وَلَوْ سَمِعَهُ يَقُولُ: أَشْهَدَنِي فُلانٌ بِكَذَا، أَوْ أَقَرَّ عِنْدِي، لَمْ يَجُز أَنْ يَشْهَدَ. وإن سَمِعَهُ يَشْهَدُ عِنْدَ الْحَاكِمِ بِحَقٍّ، أَوْ يَشْهَدُ عَلَى إِنْسَانٍ بِحَق يُعْزِيهِ إِلَى سَبَبٍ مِنْ بَيْعِ، أوْ إِجَارَةٍ، أَوْ قَرْضٍ، فَهَلْ يَشْهَدُ بِذَلِكَ؟ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ. وَلا مَدْخَلَ لِلنِّسَاءِ في الشَّهادَةِ عَلَى الشَهَادَةِ بِحَالٍ، سَوَاءٌ كُنَّ أُصُولاً أَوْ فُرْوعاً، عَلَى إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ، وَالأُخْرَى: لَهُن مَدْخَلٌ؛ فَيَشْهَدُ رَجُلٌ عَلَى رَجُلٍ وامرَأَتَيْنِ، وَيَشْهَدُ رَجُلانِ علَى رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ. وَتَثْبُتُ شَهَادَةُ شَاهِدَيِ الأَصْلِ بِشَهَادَةِ رَجُلَيْنِ يَشْهَدَانِ عَلَيْهِمَا،
سَوَاءٌ شَهِدَا عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، أَوْ شَهِدَ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَاحِدٌ مِنْ شُهُودِ الْفَرْعِ. وَقَالَ ابْنُ بَطَّةَ: لا يَثْبُتُ حَتَّى يَشْهَدَ أَرْبَعَةٌ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ (¬1) شَاهِدُ أَصْلٍ وَشَاهِدَا فَرْعٍ. وَلا يَجُوزُ شَهَادَةُ الْفَرْعِ إِلَّا مَعَ تَعَذُّرِ شُهُودِ الأَصْلِ بِمَوْتٍ أَوْ مَرَضٍ أَوْ غَيْبَةٍ إِلَى مَسَافَةِ الْقَصْرِ؛ فَإِنْ شَهِدُوا، فَلَمْ يَحْكُمْ بِشَهَادَتِهِمْ حَتَّى حَضَرَ شُهُودُ الأَصْلِ، وَقَفَ الْحُكْمُ عَلَى سَمَاعِ شَهَادَتِهِمْ، وَإِنْ لَمْ يَحْكُمْ حَتَّى فَسَّقَ شُهُودَ الأَصْلِ، أَوْ حَدَثَ مِنْهُمْ مَا يَمْنَعُ الشَّهَادَةَ، لَمْ يَحْكُمْ بِهَا (¬2). فَإِنْ حَكَمَ الْحَاكِمُ، ثُمَّ رَجَعَ شُهُودُ الْفَرْعِ، ضَمِنُوا. وَلَوْ رَجَعَ شُهُودُ الأَصْلِ، قَالَ الْقَاضِي: لا يَضْمَنُونَ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَضْمَنُوا. وَإذَا كَانَ الْحُكْمُ بشَاهِدٍ وَيَمِينٍ؛ فَرَجَعَ الشَّاهِدُ، لَزِمَهُ جَمِيعُ الْمَالِ، وَيَتَخَرَّجُ أَنْ يَلْزَمَهُ الَنِّصْفُ؛ فَإِنْ رَجَعَ شُهُودُ الطَّلاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ، لَزِمَهُمْ نِصْفُ الْمُسَمَّى، وَإِنْ كَانَ بَعْدَ الدُّخُولِ، لَمْ يَضْمَنُوا. وَإذَا رَجَعَ الشُّهُودُ بَعْدَ الْحُكْمِ وَقَبْلَ الِاسْتيفَاءِ، اسْتُوفيَ، إِلَّا أَنْ يَكُونَ حَدًّا أَوْ قِصَاصاً. ¬
وَإذَا مَاتَ الشُّهُودُ بَعْدَ أَدَاءِ الشَّهَادَةِ وَقَبْلَ الْحُكْمِ بِهَا، حَكَمَ بِشَهَادَتِهِمْ. وَإذَا بَانَ لِلْحَاكِمِ بَعْدَ الحُكْمِ وَالِاسْتِيفَاءِ أَنَّ الشَّاهِدَيْنِ كَانَا فَاسِقَيْنِ، نَقَضَ حُكْمَهُ، وَيَأْمُرُ بِرَدِّ الْمالِ إِنْ كَانَ بَاقِياً، وَبِضَمَانِهِ إِنْ كَانَ تَالِفاً. وَإِنْ كَانَ الْمَحْكُومُ بِهِ إِتْلافاً، فَهُوَ مِنْ ضَمَانِ الإمَامِ. وَعَنْهُ: لا يُنْقَضُ الْحُكْمُ إذا كَانَا فَاسِقَيْنِ.
فصل في الإقرار
فَصْلٌ (¬1) في الإِقْرَارِ يَصِحُّ إِقْرَارُ الْمَرِيضِ لِغَيْرِ وَارِثٍ في أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ، وَالأُخْرَى: لا يَصِحُّ إِلَّا في الثُّلُثِ. وَلا يُحَاصُّ الْمُقَرَّ لَهُ غُرَمَاءُ الصِّحَّةِ، وَقَالَ الْقَاضِي: يُحَاصُّهُمْ، فَإِنْ أَقَرَّ لِوَارِثٍ وَأَجْنَبِيٍّ، صَحَّ لِلأَجْنَبِيِّ وَحْدَهُ. وَلَوْ أَقَرَّ لِزَوْجَتِهِ بِمَهْرِ مِثْلِهَا، أَوْ بِدَيْني، ثُمَّ أَبَانَهَا، ثُمَّ تَزَوَّجَهَا، لَمْ يَصِحَّ إِقْرَارُ لَهَا. وَإِنْ قَالَ: هذِهِ الأَلْفُ لُقَطَةٌ، فتصَدَّقُوا بِهَا، وَلا مَالَ لَهُ غَيْرُهَا، لَزِمَ الْوَرَثَةَ الصَّدَقَةُ بِثُلُثِهَا. وَقَالَ الْقَاضِي: يَلْزَمُهُمُ الصَّدَقَةُ بِجَمِيعِهَا. وَإِقْرَارُ الْمَرِيضِ بِوَارِثٍ يَصِحُّ. وَعَنْهُ: لا يَصِحُّ. ¬
فَإِنْ لَمْ يُصَدِّقِ الْمُقَرُّ لَهُ الْمُقِرَّ إِلَّا بَعْدَ مَوْتهِ، صَحَّ، وَوَرِثَهُ. وَمَنْ أَقَرَّ بِنَسَبِ صَغِيرٍ، أَوْ مَجْنُونٍ مَجْهُولِ النَّسَبِ، ثَبَتَ نَسَبُهُ، وَإِنْ كَانَ مَيْتاً، وَرِثَهُ. فَاِنْ أَقَرَّ بِنَسَبِ كَبِيرٍ، لَمْ يَثْبُت حَتَّى يُصَدِّقَهُ. فَإِنْ جَاءَتْ أُمُّهُ، فَادَّعَتِ الزَّوْجِيَّةَ بَعْدَ مَوْتِ الْمُقِرِّ، لَمْ تَثْبُتِ الزَّوْجِيّة. وَإِنْ أَقَرَّتِ امْرَأَةٌ لَهَا زَوْجٌ بِوَلَدٍ، فَهَلْ يُقْبَلُ إِقْرَارُهَا؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ. وَإِنْ أَقَرَّ مَنْ عَلَيْهِ وَلاءٌ بِأَبٍ أَوْ بِأَخٍ، لَمْ يُقْبَلْ إِقْرَارُهُ. وَمَنْ أَقَرَّ بِأخٍ أَوْ عَمٍّ في حَيَاةِ الأَبِ أَوِ الْجَدِّ، لَمْ يَثْبُتْ نَسَبُهُ. وَإِنْ كَانَ بَعْدَ مَوْتهِمَا، وَهُوَ الْوَارِثُ وَحْدَهُ، ثَبَتَ النَّسَبُ، وَإِنْ كَانَ مَعَهُ وَارِثٌ غَيْرُهُ، لَمْ يَثْبُتِ النَّسَبُ عَلَى الأَبِ وَالْجَدِّ، وَأَعْطَاهُ الْفَاضِلَ في يَدِهِ غَيْرَ مِيرَاثِهِ. فَإِنْ خَلَّفَ الْمَيِّتُ خَمْسَةَ بَنِينَ، فَأَقَرَّ اثْنَانِ مِنْهُمْ بِابْنٍ سَادِسٍ، فَشَهِدَا (¬1) بِالنَّسَبِ، وَهُمَا عَدْلانِ، ثَبَتَ نَسَبُهُ، وَلَهُ سُدُسُ التَّرِكَةِ، وَإِلَّا لَمْ يَثْبُتْ نَسَبُهُ، وَدَفَعَا إِلَيْهِ سُدُسَ مَا في أَيْدِيهِمَا. وَهَلْ يَثْبُتُ نَسَبُهُ مِنَ الْمُقِرِّ حَتَّى لَوْ لَمْ يَبْقَ غَيْرُ الْمُقِرِّ، وَمَاتَ وَرَثَةُ الْمُقِرِّ؟ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ. وَلَوْ أَقَرَّ لِوَارِثٍ، فَلَمْ يَمُتْ حَتَّى صَارَ غَيْرَ وَارِثٍ، صَحَّ إقْرَارُهُ. ¬
وَلَوْ أَقَرَّ لَهُ وَهُوَ غَيْرُ وَارِثٍ، فَصَارَ وَارِثاً، بَطَلَ، وَقَالَ الْقَاضِي فيها بِالْعَكْسِ. وَلَوْ مَلَكَ ابْنَ عَمِّهِ، فَأَقَرَّ في مَرَضِهِ أَنَّهُ كَانَ أَعْتَقَهُ في صِحَّتِهِ، وَهُوَ أَقْرَبُ عَصَبَتِهِ، عَتَقَ، وَلَمْ يَرِثْهُ. وَإذَا أَقَرَّ بِوَلَدٍ مِنْ أَمَتِهِ، ثُمَّ مَاتَ، احْتَمَلَ أَنْ تَصِيرَ أُمَّ وَلَدٍ، وَاحْتَمَلَ أَلَّا تَصِيرَ. وَإذَا أَقَرَّ لِحَمْلٍ، صَحَّ، فَإِنْ وَلَدَتْ ذَكَراً وَأُنْثَى، كَانَ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ عِنْدَ ابْنِ حَامِدٍ. وَقَالَ أَبُو الْحَسَنِ التَّمِيمِيُّ: لا يَصِحُّ، إِلَّا أَنْ يُعْزِيَهُ إِلَى إِرْثٍ أَوْ وَصِيَّتِهِ. وَإذَا أَقَرَّ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ أَنَّ الآخَرَ أَخُوهُ مِنَ الرَّضَاعَةِ، قُبِلَ فِيمَا عَلَيْهِ دُونَ مَالِهِ. وَإذَا أَقَرَّ لِرَجُلٍ بِمَالٍ، فَكَذَّبَهُ، بَطَلَ إِقْرَارُهُ، وَيُقَدُّ (¬1) المالُ في يَدِهِ في أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ، وَفِي الآخَرِ: يَأْخُذُهُ الإِمَامُ إِلَى بَيْتِ الْمالِ. وَإذَا أَقَرَّ لِعَبْدٍ بِمَالٍ، صَحَّ، وَيَكُونُ لِلسَّيِّدِ، وَإِنْ أَقَرَّ لِبَهِيمَةٍ، لَمْ يَكُنْ لِمالِكِهَا. وَإذَا أَقَرَّ بِغَيْرِ لِسَانِهِ، وَقَالَ: لَمْ أَعْرِفْ مَعْنَى مَا قُلْتُ، قُبِلَ قَوْلُهُ مَعَ يَمينِهِ. * * * ¬
فصل
فصلٌ وَإذَا ادَّعَى عَلَيْهِ أَلْفاً، فَقَالَ: نَعَمْ، أَوْ: أَجَلْ، أَوْ: صَدَقْتَ، أَوْ: أَنَا مُقِرٌّ بِدَعْوَاكَ، أَوْ قَالَ لَهُ: عَلَيَّ أَلْفٌ في ظَنِّي، أَوْ: فِيمَا أَعْلَمُ، وَإِنْ شَاءَ اللهُ، أَوْ قَالَ: أَقْضِي أَلْفاً دَيْنٌ عَلَيْكَ، أَوْ سلم إِلَى يَوْمِ هذا، فَقَالَ: نَعَمْ، فَقَدْ أَقَرَّ بِهَا. وَإِنْ قَالَ: أَنَا أُقِرُّ وَلا أُنْكِرُ، أَوْ: يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ مُحِقّاً، أَوْ: عَسَى، أَوْ: لَعَلَّ، أَوْ: أَحْسِبُ، أَوْ: أَظُنُّ، أَوْ: أُقَدِّرُ، أَوْ قَالَ: خُذْ، أوِ: اتَّزِنْ، وَاحْرِزْ، أوِ: افْتَحْ كُمَّكَ، لَمْ يَكُنْ مُقِرّاً بِجَمِيعِ ذَلِكَ. وإنْ قَالَ: أَنَا مُقِرٌّ، أَوْ قَالَ: خُذْهَا، أَوِ: اتَّزِنْهَا، أوِ: احْرِزْهَا، أوِ: اقْبِضْهَا، احْتَمَلَ وَجْهَيْنِ. وَإِنْ قَالَ لَهُ: عَلَيَّ أَلْفٌ إِنْ قَدِمَ فُلانٌ، أَوْ: إِنْ شَهِدَ بِهَا فُلان، أَوْ قَالَ: إِنْ شَهِدَ عَلَيَّ فُلانٌ بِكَذَا، صَدَّقْتُهُ، لَمْ يَكُنْ مُقِرّاً. وَإِنْ قَالَ: إِنْ شَهِدَ عَلَيَّ فُلانٌ، فَهُوَ صَادِقٌ، فَهَلْ يَكُونُ مُقِرّاً؟ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ.
فصل
فَصلٌ إذا قَالَ لَهُ: عَلَيَّ أَلْفٌ لا تَلْزَمُنِي، أَوِ اقْبِضْهَا، لَزِمَتْهُ الأَلْفُ. وَإِنْ قَالَ: لَهُ عَلَيَّ أَلْفٌ وَقَبَضَهَا، أَوْ: قَبَضَ مِنْهَا خَمْسِينَ، لَزِمَتْهُ الأَلْفُ، وَلَهُ الْيَمِينُ عَلَى خَصْمِهِ. وَهَلْ يَصِحُّ اسْتِثْنَاءُ النِّصْفِ أوِ اسْتِثْنَاءُ أَحَدِ النَّقْدَيْنِ مِنَ الآخَرِ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ. فَإذَا قَالَ: لَهُ عَلَيَّ عَشَرَةٌ إِلَّا أَرْبَعَةً إِلَّا اثْنَيْنِ، لَزِمَتْهُ ثَمَانِيَةٌ عَلَى أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ، وَسِتَّةٌ عَلَى الثَّانِي. فَإِنْ قَالَ: لَهُ عَلَيَّ عَشَرَةٌ إِلا خَمْسَةً إِلَّا ثَلاثَةً إِلَّا دِرْهَمَيْنِ إِلَّا دِرْهَماً، احْتَمَلَ أَنْ يَلْزَمَهُ سِتَّةٌ، وَاحْتَمَلَ أَنْ يَلْزَمَهُ عَشَرَةٌ، وَاحْتَمَلَ أَنْ يَلْزَمَهُ ثَمَانِيَةٌ. فَإِنْ قَالَ: لَهُ دِرْهَمَانِ وَثَلاثَةٌ إِلَّا دِرْهَمَيْنِ، فَهَلْ يَصِحُّ الِاسْتِثْنَاءُ؟ احْتَمَلَ (¬1) وَجْهَيْنِ. ¬
فَإِنْ قَالَ: لَهُ هَؤُلاءِ الْعَبِيدُ الْعَشَرَةُ إِلَّا وَاحِداً، لَزِمَهُ تَسْلِيمُ تِسْعَةٍ. وَإِنْ قَالَ: لَهُ نِصْف دَارِي هذِهِ، فَهِيَ هِبَةٌ، يَفْتَقِرُ إِلَى شُرُوطِ الْهِبَةِ. فَإِنْ قَالَ: لَهُ في مِيرَاثِ أَبِي أَلْفٌ، فَهُوَ دَيْنٌ عَلَى التَّرِكَةِ؛ وإن قَالَ: لَهُ في مِيرَاثِي مِنْ أَبٍ أَلْفٌ، أَوْ لَهُ (¬1) في مَالِي، أَوْ مِنْ مَالِي (¬2)، ثُمَّ قَالَ: أَرَدْتُ هِبَةً، وَبَدَا لِيَ (¬3) مِنْ تَقْبِيضِهَا، قُبِلَ مِنْهُ. وإن قَالَ: لَهُ عَلَيَّ مِنْ ثَمَنِ مَبِيعٍ لَمْ أَقْبِضْهُ، فَقَالَ: بَلْ أَلْفٌ في ذِمَّتِكَ، فَهَلْ يُقْبَلُ مِنْهُ؟ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ. فَإِنْ أَقَرَّ بِدَرَاهِمَ في بَلَدٍ أَوْزَانُهُمْ نَاقِصَةٌ، فَهَلْ يَلْزَمُهُ دَارِيَّةٌ، أَمْ مِنْ نَقْدِ الْبَلَدِ؟ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ. وَإِنْ قَالَ: لَهُ عَلَيَّ أَلْفٌ مِنْ ثَمَنِ خَمْرٍ، أَوْ تَكَفَّلْتُ (¬4) بِمَا عَلَى فُلانٍ عَلَى أَنِّي بِالخِيَارِ، لَزِمَهُ مَا أَقَرَّ بِهِ، وَلمْ تُقْبَلْ دَعْوَاهُ. فَإِنْ قَالَ: غَصَبْتُ هَذَا الْعَبْدَ مِنْ زَيْدٍ، لا بَلْ مِنْ عَمْرٍو، أَوْ مَلَّكْتُهُ (¬5) لِعَمْرٍو، وَغَصَبْتُهُ مِنْ زَيْدٍ، لَزِمَهُ دَفْعُهُ إِلَى زَيْدٍ، وَيَغْرَمُ قِيمَتَهُ لِعَمْرٍو. وَإِنْ قَالَ: غَصَبْتُهُ مِنْ أَحَدِهِمَا، طُولِبَ بِالتَّعْيِينِ، فَيَدْفَعُهُ إِلَى مَنْ عَيَّنَهُ، وَيَحْلِفُ لِلآخَرِ. ¬
فَإِنْ قَالَ: لا أَعْرِفُ عَيْنَهُ، قُبِلَ قَوْلُهُ مَعَ يمينِهِ، وَيَكُونُ كَمَا لو صَدَّقَاهُ، فَيُنتزَعُ مِنْ يَدِهِ، وَيَكُونَانِ خَصْمَيْنِ فِيهِ (¬1). فَإِنْ قَالَ: لَهُ عِنْدِي تَمْرٌ في جِرَابٍ، وَسِكِّين في قِرَابٍ، أَوْ عَبْدٌ عَلَيْهِ عِمَامَةٌ، أَوْ دَابَّةٌ عَلَيْهَا سَرْجٌ، فَهَلْ يَلْزَمُهُ القِرابُ وَالْعِمَامَةُ وَالسَّرْجُ؟ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ. فَإِنْ قَالَ: لَهُ عَلَيَّ أَلْفٌ إذا جَاءَ رَأسُ الشَّهْرِ، كَانَ إقْرَاراً. وَإِنْ قَالَ: إذا جَاءَ رَأْسُ الشَّهْرِ، فَلَهُ عَلَيَّ أَلْفٌ، لَمْ يَكُنْ إقْرَاراً في أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ. وَإذَا مَاتَ رَجُلٌ وَتَرَكَ ألْفاً، فَادَّعَاهَا رَجُلٌ عَلَى الْوَارِثِ، فَصَدَّقَهُ، ثُمَّ ادَّعَاهَا آخَرُ، فَصَدَّقَهُ، فَهِيَ لِلأَوَّلِ، وَيَغْرَمُها لِلثَّانِي، وَإِنْ ادَّعَيَاهَا مَعاً، فَأَقَرَّ لَهُمَا، فَهِيَ بَيْنَهُمَا. * * * ¬
فصل
فصْلٌ إذا قَالَ: لَهُ عَلَيَّ شَيْءٌ، أَوْ حَقُّ كَذَا، قِيلَ لَهُ: فَسِّرْهُ، فَإِنْ أَبَى، حُبسَ حَتَّى يُفَسِّرَهُ، فَإِنْ مَاتَ، أُخِذَ وَارِثُهُ بِمِثْلِ ذَلِكَ؛ فَإِنْ فَسَّرَهُ بِمَالٍ أَوْ حَقَّ شُفْعَةٍ، قُبِلَ، وَإِنْ قَلَّ. وَإِنْ فَسَّرَهُ بِكَلْبٍ، أَوْ حَدِّ قَذْفٍ، احْتَمَلَ وَجْهَيْنِ. وَإِنْ فَسَّرَهُ بِقِشْرِ جَوْزَة، أَوْ خَمْرٍ وَنَحْوِهِ، لَمْ يُقْبَلْ. وَإِنْ قَالَ: لَهُ عَلَيَّ مَالٌ عَظِيمٌ، أَوْ خَطِيرٌ، أَوْ جَلِيلٌ، أَوْ كَبِيرٌ، قُبِلَ تَفْسِيرُهُ بِالْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ. وَإِنْ أَقَرَّ بِدَراهِمَ كَثِيرَة، قُبِلَ تَفْسِيرُهُ بِثَلاثَةٍ فَمَا زَادَ. فَإِنْ قَالَ: لَهُ عَلَيَّ مَا بَيْنَ الدِّرْهَمِ وَالْعَشَرَةِ، لَزِمَهُ ثَمَانِيَةٌ. وَإِنْ قَالَ: مِنْ دِرْهَمٍ إِلَى عَشَرَة، لَزِمَهُ تِسْعَةٌ. فَإِنْ أَقَرَّ بِألْفٍ (¬1) في وَقْتٍ، وَأَلفٍ وَقْتٍ، لَزِمَهُ أَلْفٌ. ¬
وَإِنْ قَالَ: أَلْفٌ مِنْ ثَمَنِ فَرَسٍ، ثُمَّ قَالَ: أَلْفٌ مِنْ ثَمَنِ عَبْدٍ، لَزِمَتْهُ أَلْفَانِ. فَإِنْ قَالَ: لَهُ عَلَيَّ دِرْهَمٌ فَوْقَ دِرْهَمٍ، أَوْ تَحْتَ دِرْهَمٍ، أَوْ قَبْلَهُ دِرْهَمٌ، أَوْ بَعْدَهُ دِرْهَمٌ، أَوْ مَعَهُ دِرْهَمٌ، أَوْ دِرْهَمٌ بَلْ دِرْهَمانِ، أَوْ دِرْهَمَانِ بَلْ دِرْهَمٌ، أَوْ دِرْهَمٌ وَدِرْهَمٌ، لَزِمَهُ دِرهَمَانِ. فَإِنْ قَالَ: دِرْهَمٌ بَلْ دِرْهَمٌ، أَوْ دِرْهَمٌ لكِنْ دِرْهَمٌ، فَعَلَى وَجْهَيْنِ. وَإِنْ قَالَ: لَهُ عَلَيَّ هذَا الدِّرْهَمُ، بَلْ هذَانِ الدِّرْهَمَانِ، لَزِمَتْهُ الثَّلاثَةُ. وَكذا إِنْ قَالَ: لَهُ قَفِيزُ حِنْطَة، بَلْ قَفِيزَانِ شَعِيراً، أَوْ دِرْهَمٌ بَلْ دِينَارٌ، لَزِمَاهُ مَعاً. وَإِنْ قَالَ: دِرْهَمٌ أَوْ دِينَارٌ، رُجِعَ إِلَى تَعْيِينِهِ. وَإِنْ قَالَ: دِرْهَمٌ في دِينَارٍ لَزِمَهُ دِرْهَمٌ. وَكَذَا إِنْ قَالَ: دِرْهَمٌ في عَشَرَةٍ، إِلَّا أَنْ يُرِيدَ الْحِسَابَ، فَيَلْزَمُهُ الْعَشَرَةُ. فَإِنْ قَالَ: لَهُ عَلَيَّ كَذَا دِرْهَمٌ، أَوْ كَذَا وَكذا دِرْهَمٌ، لَزِمَهُ دِرْهَمٌ. وَإِنْ قَالَ: كَذَا وَكَذَا دِرْهَماً، فَهَلْ يَلْزَمُهُ دِرْهَمٌ أَوْ دِرْهَمَان؟ عَلَى وَجْهَيْنِ. وَإِنْ قَالَ: كَذَا دِرْهَمٍ -بِالْخَفْضِ- لَزِمَهُ بَعْضٌ يُرْجَعُ في تَفْسِيرِهِ إِلَيْهِ. وَإِنْ قَالَ: لَهُ عَلَيَّ أَلْفٌ، رُجِعَ في تَفْسِيرِهَا إِلَيْهِ.
فَإِنْ قَالَ: أَلْفُ دِرْهَم، أَوْ أَلْفٌ وَثَوْبٌ، فَقَالَ الْقَاضِي وَابْنُ حَامِدٍ: يَكُونُ الْمُجْمَلُ مِنْ جِنْسِ الْمُفَسَّرِ. وَقَالَ التَّمِيمِيُّ وَأَبُو الخَطَّابِ: يُرْجَعُ إِلَيْهِ في تَفْسِيرِ الأَلْفِ. وَإِنْ قَالَ: مِئَةٌ وَخَمْسُونَ دِرْهَماً، فَالجَمِيعُ دَرَاهِمُ، وَيَحْتَمِلُ عَلَى قَوْلِ التَّمِيمِيِّ أَنْ يُرْجَعَ في تَفْسِيرِ الْمِئَةِ إِلَيْهِ. فَإِنْ قَالَ: هذا الْعَبْدُ شَرِكَةٌ بَيْنَنَا، رُجِعَ في تَفْسِيرِ الشَّرِكَةِ (¬1) إلَيْهِ. فَإِنِ ادَّعَى رَجُلانِ دَاراً في يَدِ رَجُلٍ أَنَّهَا بَيْنَهُمَا بِالسَّوِيَّةِ، فَأَقَرَّ لأَحَدِهِمَا بِنِصْفِهَا، وَ (¬2) جَحَدَ الآخَرَ، فَالنَّصْفُ بَيْنَ الْمُدَّعِيَيْنِ بِالسَّوِيَّةِ. وَإذَا بَاعَ شَيْئاً وَقَبَضَ ثَمَنَهُ، ثُمَّ أَقَرَّ أَنَّ الْمَبِيعَ لِغَيْرِهِ، لَمْ يَنْفَسِخِ الْبَيْعِ، وَلَزِمَهُ دَفْعُ الْقِيمَةِ إِلَى الآخَرِ. وَمَنْ أَقَرَّ بِتَقبِيضِ هِبَةٍ أَوْ رَهْنٍ، أَوْ قَبْضِ ثَمَنٍ، ثُمَّ أَنْكَرَ، وَسَأَلَ إِحْلافَ خَصْمِهِ، فَهَلْ يَحْلِفُ أَمْ لا؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ. فَإِنْ قَالَ: لَهُ عَلَيَّ أَكْثَرُهُ، وَفَسَّرَهُ بِأَكْثَرَ مِنْهُ في الْقَدْرِ، قُبِلَ، وَإِنْ قَلَّ، وَإِنْ قَالَ: أَرَدْتُ أَكْثَرَ بَقَاءً وَمَنْفَعَةً، لأَنَّ الْحَلالَ أَنْفَعُ مِنَ الْحَرامِ، قُبِلَ قَوْلُهُ مَعَ يمينه، سَوَاءٌ عَلِمَ بِما قَالَ، أَوْ جهِلَهُ، وَاللهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. * * * ¬
كتاب الفرائض
كِتَابُ الْفَرَائِضِ رَوَى الْبُخَارِيُّ بِإِسْنَادِهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: "إِنْ كَانَ الْمالُ لِلْوَلَدِ، وَكَانتِ الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ، فَنَسَخَ اللهُ مِنْ ذَلِكَ مَا أَحَبَّ، فَجَعَلَ لِلذَّكَرِ مِثْلَ حَظِّ الأُنْثَيَيْنِ، وَجَعَلَ لِلْوَالِدَيْنِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ، وَجَعَلَ لِلْمَرْأةِ الثُّمُنَ وَالرُّبُعَ، وَلِلزَّوْجِ الشَّطْرَ وَالرُّبُعَ" (¬1). وَالْمُتَّفَقُ عَلَى تَوْرِيثِهِمْ قِسْمَانِ: ذُو فَرْضٍ، وَعَصَبَةٌ. فَذُو الْفَرْضِ عَشَرَةٌ: الأَبَوانِ، وَالْبِنْتُ (¬2)، وَبِنْتُ الِابْنِ، وَالْجَدُّ، وَالْجَدَّةُ، وَالأُخْتُ مِنْ كُلِّ جِهَةٍ، وَالأَخُ مِنَ الأُمِّ. وَالْفَرْضُ جُزْءٌ مُقَدَّرٌ بِالشَّرْعِ. وَالْفُروضُ سِتَّةٌ: النِّصفُ، وَالرُّبُعُ، وَالثُّمُنُ، وَالثُّلُثَانِ، وَالثُّلُثُ، وَالسُّدُسُ. ¬
فَالنِّصفُ فَرْضُ (¬1) خَمْسَةٍ: الْبِنْتُ (¬2) إذا انْفَرَدَتْ، وَبِنْتُ الابْنِ (¬3) إذا لَمْ يَكُنْ بِنْتٌ، وَلِلأُخْتِ مِنَ الأَبَوَيْنِ إذا انْفَرَدَتْ، وَلِلأُخْتِ لِلأَبِ إذا لَمْ يَكُنْ أُخْتٌ لأَبَوَيْنِ، وَالزَّوْجُ مَعَ عَدَمِ الْوَلَدِ وَوَلَدِ الِابْنِ (¬4). وَالثُّمُنُ لَهُنَّ مَعَ الْوَلَدِ. وَالثُّلُثَانِ لِكُلِّ بِنتيْنِ، وَالثُّلُثُ (¬5) لِكُلِّ اثْنَيْنِ فَصَاعِداً مِنْ وَلَدِ الأُمِّ، ذَكَرُهُمْ وَأُنثاهَمْ فيه سَوَاءٌ، وَللأُمِّ مَعَ عَدَمِ الْوَلَدِ، وَالِاثْنَيْنِ فَصَاعِداً مِنَ الإِخْوَةِ وَ (¬6) الأَخَوَاتِ. وَالسُّدُسُ فَرْضُ سَبْعَةٍ: لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الأَبَوَيْنِ مَعَ الْوَلَدِ، وَهُوَ لِلأُمِّ أَيْضاً مَعَ الِاثْنَيْنِ فَصَاعِداً مِنَ الإِخْوَةِ وَالأَخَوَاتِ، وَلِلْجَدِّ وَالْجَدَّةِ، وَلِلْوَاحِدِ مِنْ وَلَدِ الأُمِّ، وَلِبنْتِ الِابْنِ أَوْ بَنَاتِ الِابْنِ مَعَ الْبِنْتَ، والأُخْتِ وَالأَخَوَاتِ مِنَ الأَبِ مَعَ الأُخْتِ مِنَ الأَبَوَيْنِ. وَالأَخَوَاتُ مَعَ الْبَنَاتِ عَصَبَةٌ، لِمَا رَوَى الْبُخَارِيُّ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ: أَنَّهُ قَالَ في بِنْتٍ وَبِنْتِ ابْنٍ وَأُخْتٍ: لأَقْضِيَنَّ فِيهَا بِقَضَاءِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "الِابْنَةُ النِّصفُ، ولِابْنَةِ الِابْنِ السُّدُسُ، وَمَا بَقِيَ فَلِلأُخْتِ" (¬7). ¬
فصل
فصلٌ وَهذهِ الْفُرُوضُ تَخْرُجُ مِنْ سَبْعَةِ أُصُولٍ، مِنْهَا أَرْبَعَةٌ لا تَعُولُ، فَالنِّصفُ وَحْدَهُ مِنَ اثْنَيْنِ، وَالثُّلُثُ وَالثُّلُثَانِ مِنْ ثَلاثَةٍ، وَالرُّبُعُ وَحْدَهُ أَوْ مَعَ النِّصفِ مِنْ أَرْبَعَةٍ، وَالثُّمُنُ وَحْدَهُ أَوْ مَعَ النِّصفِ مِنْ ثَمَانِيَةٍ.
فصل
فَصْلٌ وَيَسْقُطُ الْجَدُّ بِالأَبِ، وَالْجَدَّاتُ بالأُمِّ (¬1)، وَوَلَدُ الِابْنِ بِالِابْنِ (¬2)، وَالإِخْوَةُ وَالأَخَوَاتُ مِنَ الأَبَوَيْنِ بِالِابْنِ (¬3)، وَابْنِ الِابْنِ وَالأَبِ. (4 وَيَسْقُطَ وُلَدُ الأَبِ بِهَؤُلاءِ الثَّلاثَةِ وبِالأَخِ مِنَ الأَبَوَينِ (¬4). وَيَسْقُطُ وَلَدُ الأُمِّ بِالْوَلَدِ، وَوَلَدِ الِابْنِ وَالأَبِ وَالْجَدِّ. وَإذَا اسْتكْمَلَ الْبَنَاتُ الثُّلُثَيْنِ (¬5)، سَقَطَ بَنَاتُ الِابْنِ، إِلَّا أَنْ يَكُونَ بِإِزَائِهِنَّ، أَوْ أَنْزَلَ (¬6) مِنْهُنَّ ذَكَرٌ، فَيُعَصِّبُهُنَّ، لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثيَيْنِ. وَإذَا اسْتكمَلَ الأَخَوَاتُ مِنَ الأَبَوَيْنِ الثُّلُثَيْنِ، سَقَطَ الأَخَوَاتُ لِلأَبِ، إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَعَهُنَّ أَخٌ لَهُنَّ فَيُعَصِّبُهُنَّ. ¬
باب العصبات
بابُ الْعَصَبَاتِ الْعَصَبَاتُ: الْعَصَبَةُ (¬1) إذا انْفَرَدَ، أَخَذَ الْمالَ كُلَّهُ؛ فَإِنْ كَانَ مَعَهُ ذُو فَرْضٍ، بُدِىَ بِهِ، وَكَانَ الْبَاقِي لِلْعَصَبَةِ؛ فَإِنِ اسْتَغْرَقَتِ الْفُرُوضُ الْمَالَ، سَقَطَ. وَأَوْلَى الْعَصَبَاتِ أَقْرَبُهُمْ، وَيَسْقُطُ بِهِ مَنْ بَعُدَ. وَقَدْ رَوَى الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ عنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عنِ النَّبيِّ - صَلَّى الله عليه وسلم -، قَالَ: "أَلْحِقُوا الْفَرَائضَ بِأَهْلِهَا، فَمَا بَقِيَ، فَهُوَ لأَوْلَى رَجُلٍ ذَكَرٍ" (¬2). فَأَقْرَبُ الْعَصَبَاتِ الِابْنُ، ثُمَّ ابْنُهُ وإنْ نَزَلُوا، ثُمَّ الأَبُ، ثُمَّ الْجَدُّ وإنْ عَلا مَا لَمْ يَكُنْ إِخْوَةٌ، فَإِنِ اجْتَمَعُوا، فَلَهُ بَابٌ يُذْكَرُ فيهِ، ثُمَّ الأَخُ لِلأَبَوَيْنِ، ثُمَّ الأَخُ لِلأَبِ، ثُمَّ ابْنُ الأَخِ لِلأَبَوَيْنِ، ثُمَّ ابنُ الأَخِ لأبٍ (¬3) وإِنْ سَفُلُوا، ثُمَّ العَمُّ لِلأَبِ، ثُمَّ العَمُّ لِلأَبَوْينِ، ثُمَّ ابْنُ الْعَمِّ لِلأَبِ، ثُمَّ ¬
عُمُومَةُ الأَبِ، ثُمَّ عُمُومَةُ الْجَدِّ، وَكَذَلِكَ (1 أَبَداً لا يَرِثُوا بَنَو أَبٍ أَعْلَى مَعَ بَنِي أَبٍ أَقربَ مِنْهُ وإِنْ نَزَلَوْا. وَأَوْلَى وَلَدِ كُلِّ أَبٍ (¬1) أَقْرَبُهُمْ إِلَيْهِ، فَإِنِ اجْتَمَعُوا، فَأَوْلاهُمْ (¬2) مَنْ كَانَ لأَبَوَيْنِ، فَإذَا لَمْ يَبْقَ مِنْ عَصَبَةِ الْمَيِّتِ أَحَدٌ، وَرِثَ الْمَوْلَى الْمُعْتَقُ، ثُمَّ عَصَبَاتُهُ مِنْ بَعْدِهِ. وَالْبُنُوَّةُ وَبَنُوهُمْ، وَالإِخْوَةُ لِلأَبَوَيْنِ أوِ الأَبِ يُعَصِّبُونَ أَخَوَاتِهِمْ، فَيَمْنَعُوهُنَّ الْفَرْضَ، وَيَقْتَسِمُونَ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنْثَيَيْنِ. وَمَنْ عَدَاهُمْ يَنْفَرِدُ الذُّكُورُ بِالْمِيرَاثِ دُونَ الإِنَاثِ؛ كَبَنِي الإِخْوَةِ وَالأَعْمَامِ وَبَنِيهِمْ (¬3). * * * ¬
باب تصحيح المسائل
بَابُ تَصْحِيحِ الْمَسَائِلَ إذَا لَمْ تَنْقَسِمْ سِهَامُ فَرِيقٍ مِنَ الْوَرَثَةِ عَلَيْهِمْ، ضَرَبْتَ عَدَدَهُمْ في أَصْلِ الْمَسْأَلةِ وَعَوْلِها، إِلَّا أَنْ يُوافِقَ سِهَامُهُمْ عَدَدَهُمْ، فَيُجْزِيكَ ضَرْبُ وَفْقِ عَدَدِهِمْ في الْمَسْأَلةِ. فَإذَا أَرَدْتَ الْقِسْمَةَ، فَمَنْ لَهُ شَيْءٌ مِنْ أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ، فَاضْرِبْهُ في الْعَدَدِ الَّذِي ضَرَبْتَهُ في الْمَسْأَلةِ، فَادْفَعْهُ إِلَيْهِ، فَإِنِ انْكَسَرَ عَلَى فَرِيقَيْنِ مُتَمَاثِلَيْنِ؛ كَثَلاثَةٍ وَثَلاثَةٍ، اجْتَزَيْتَ بِأَحَدِهِمَا، وَإِنْ كَانَتْ مُتَنَاسِبَتَيْنِ، كَثَلاثَةٍ وَسِتَّةٍ، اجْتَزَيْتَ بِأَكْثَرِهمَا (¬1). وَإِنْ كَانَتْ مُتَبَايِنتَيْنِ؛ كَثَلاثَةٍ وَأَرْبَعَةٍ، ضَرَبْتَ أَحَدَهُمَا في الآخَرِ إِنْ كَانَتْ مُتَوَافِقَتَيْنِ؛ كَأَرْبَعَةٍ وَستَّةٍ، ضَرَبْتَ وَفْقَ أَحَدِهِمَا في الآخَرِ، فَمَا بَلَغَ ضَرَبْتَهُ في الْمَسْأَلَةِ وَعَوْلِها، فَمَا بَلَغَ، فَمِنْهُ تَصِحُّ. فَإِنْ كَانَ الْكَسْرُ عَلَى ثَلاثَةٍ اخْتَارَ مُمَاثلته، اجْتَزَيْتَ بِأَحَدِهَا (¬2). ¬
وَإِنْ كَانَتْ مُتَنَاسِبَةً، اجْتَزَيْتَ بِأَكْثَرِها. وَإِنْ كَانَتْ مُتَبَايِنَةً، ضَرَبْتَ بَعْضَهَا في بَعْضٍ. وَإِنْ كَانَتْ مُتَوَافِقَةً، وَفَّقْتَ أَحَدَهَا، وَوَافَقْتَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الآخَرَيْنِ، وَرَدَتَهُمَا (¬1) إِلَى وَفْقَيْهِمَا (¬2)، وَعَمِلْتَ في الْوَقْتَيْنِ عَمَلَكَ في الْعَدَدِ بَيْنَ الأَصْلَينِ (¬3)، ثُمَّ تَضْرِبُ ذَلِكَ في الْعَدَدِ الْمَوْقُوفِ، ثُمَّ في أَصْلِ الْمَسْأَلةِ، (4 فَمَا بَلَغَ، فَمِنْهُ تَصِحُّ، وفي جَميعِ ذَلِكَ إِذَا أَرَدتَ القِسْمَةَ، فَكُلُّ مَنْ لَهُ شَيءٌ مِنْ مِنْ أَصْلِ المَسْأَلةِ (¬4) مَضْرُوبٌ في الْعَدَدِ الَّذِي ضَرَبْتَهُ في الْمَسْأَلَةِ. * * * ¬
فصل في الرد
فَصْلٌ في الرَّدِّ إذَا لَمْ يُخَلِّفِ الْمَيِّتُ عَصَبَةً، فَإِنَّ الْبَاقِيَ عَنْ ذَوِي الْفُرُوضِ يُرَدُّ عَلَيْهِمْ عَلَى قَدْرِ مِيرَاثِهِمْ، إِلَّا الزَّوْجَيْنِ؛ لِقَولِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ تَرَكَ مَالًا، فَلِوَرَثَتِهِ" مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ (¬1). وَفُرُوضُ أَهْلِ الرَّدِ أَبَدًا (¬2) يَخْرُجُ مِنْ سِتَّةٍ، فَيُجْعَلُ عَدَدُ سِهَامِهِمْ أَصْلَ مَسْأَلَتِهِمْ، وَيُقْسَمُ بَيْنَهُمْ عَلَى ذَلِكَ، فَإِنِ انْكَسَرَ عَلَى فَرِيقٍ مِنْهُمْ، ضَرَبْتَهُ في عَدَدِ سِهَامِهِمْ؛ لأنَّهُ صَارَ أَصْلَ مَسْأَلَتِهِمْ. فَنَقُولُ في جَدَّةٍ وَأَخٍ مِنْ أُمٍّ: هِيَ مِنِ اثْنَيْنِ، لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ (¬3) سَهْمٌ، فَإِنْ كَانَا (¬4) أَخَوَيْنِ، فَالْمَسْأَلَةُ مِنْ ثَلاثَةٍ، فَإِنْ كَانَ مَكَانَهُمَا أُخْتٌ لأَبٍ، فَهيَ مِنْ (¬5) أَرْبَعَةٍ. ¬
فَإِنْ كانَتَا أُخْتَيْنِ لأَبٍ، فَالْمَسْأَلةُ مِنْ خَمْسَةٍ، وَلا تَزِيدُ مَسَائِلُ الرَّدِّ أَبَدًا عَلَى هذَا. فَإِنْ كَانَ مَعَهُمْ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ، أَعْطَيْتَهُ فَرْضَهُ مِنْ أَصْلِ مَسْأَلتِهِ، ثُمَّ قَسَمْتَ الْبَاقِيَ مِنْ فَرِيضَتِهِ عَلَى فَرِيضَةِ أَهْلِ الرَّدِّ، فَإِنِ انْقَسَمَتْ، صَحَّتْ، وَإِلَّا ضَرَبْتَ فَرِيضَةَ أَهْلِ الرَّدِّ. وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ الرَّدِّ نَصِيبُهُ مِنْ مَسْأَلَتِهِ مَضْرُوبًا في الْفَاضِلِ مِنْ فَرِيضَةِ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ، ثُمَّ تُصَحَّحُ بَعْدَ ذَلِكَ عَلَى مَا ذَكَرْنا. مِثَالُ ذَلِكَ: زَوْجٌ وَبِنْتٌ وَبِنْتُ ابْنٍ: فَرِيضَةُ الزَّوْجِ مِنْ أَرْبَعَةٍ، لَهُ سَهْمٌ، يَبْقَى ثَلاثَةٌ عَلَى فَرِيضَةِ أَهْلِ الرَّدِّ، وَهِيَ أَرْبَعَةٌ، وَلِلْبِنْتِ مِنْ مَسْأَلَةِ أَهْلِ الرَّدِّ ثلاثَةٌ في فَاضِلِ فَرِيضَةِ الزَّوْجِ ثَلاثَة (¬1)، يَصِحُّ لَهَا سَبْعَةٌ، وَلِبِنْتِ الِابْنِ ثَلاثَةٌ. * * * ¬
فصل في الجد مع الإخوة والأخوات
فَصْلٌ في الْجَدِّ مَعَ الإِخْوَةِ وَالأَخَوَاتِ وَلا يُقَاسِمُ الْجَدَّ أَكْثَرُ مِنْ أَخَوَيْنِ أَوْ مَنْ يَقُومُ مَقَامَهُمَا، بَلْ يَصِيرُ إِلَى الْفَرْضِ. وَالإِخْوَةُ مِنَ الأَبِ إذَا انْفَرَدُوا يَقُومُونَ مَقَامَ وَلَدِ الأَبَوَيْنِ في مُقَاسَمَةِ الْجَدِّ، وَإِنِ اجْتَمَعُوا، قُسِّمَ الْمَالُ بَيْنَهُمْ جَمِيعِهِمْ، فَمَا حَصَلَ لَهُمْ، رَدُّوهُ عَلَى وَلَدِ الأَبَوَيْنِ، وَلا شَيْءَ لِوَالِدِ الأَبِ إِلَّا أَنْ يَكُونَ وَلَدُ الأَبَوَيْنِ أُخْتًا وَاحِدَةً، فَيَرُدُّونَ عَلَيْهَا تَمَامَ النِّصفِ، فَإِنْ فَضَلَ شَيْءٌ، فَهُوَ لِوَلَدِ الأَبِ. وَلا يُتَصَّورُ ذَلِكَ إِلَّا أَلَّا يَكُونَ مَعَهُمْ فَرْضٌ غَيْرُ السُّدُسِ؛ فَإِنْ كَانَ معهم فَرْضٌ غَيْرُ السُّدُسِ، فَإِنْ كَانَ مَعَهُمْ فَرْضٌ ولا شَيْءَ لِوَلَدِ الأَبِ.
فصل في الجدات
فَصْلٌ في الْجَدَّاتِ وَلا يَرِثُ عِنْدَ إِمَامِنَا أَكْثَرُ مِنْ ثَلاثِ جَدَّاتٍ: أُمُّ الأَبِ، وَأُمُّ الأُمِّ، وَأُمُّ الْجَدِّ. وَمَنْ كَانَ مِنْ أُمَّهَاتِهِنَّ السُّدُسُ بَيْنَهُنِّ أَثْلاثًا إذَا اسْتَوَتْ دَرَجَتُهُنَّ. وَلا يَرِثُ مَنْ يُدْلِي بِأَبٍ بَيْنَ أُمَّيْنِ، وَلا بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْمَيِّتِ ثَلاثَةُ آبَاءٍ. وَإذَا أَدْلَتِ الْجَدَّةُ بِقَرَابَتَيْنِ، فَإِنَّها تَضْرِبُ في السُّدُسِ بِعَدَدِ قَرَابَاتِهِنَّ عَلَى قِيَاسِ قَوْلهِ.
باب المناسخات
بَابُ الْمُنَاسَخَاتِ إذَا مَاتَ بَعْضُ الْوَرَثَةِ قَبْلَ قِسْمَةِ التَّرِكَةِ، فَتُصَحِّحُ مَسْأَلَةَ الأَوَّلِ، ثُمَّ صَحِّحْ مَسْأَلَةَ الثَّانِي، وَاقْسِمْ مَا وَرِثَهُ مِنْ مَسْأَلةِ الأَوَّلِ عَلَى مَسْأَلَتِةِ، فَإِنِ انْقَسَمَ، صَحَّتِ الْمَسْأَلَتَانِ مِمَّا صَحَّتْ مِنْهُ الأُولَى، وَإِنْ لَمْ يَنْقَسِمْ، واَفَقْتَ بَيْنَ سِهَامِهِ، وَضَرَبْتَهَا أَوْ وَفَّقتْها إِنِ اتَّفَقَتَا في الأُولَى، فَمَا بَلَغَ مِنْهُ تَصِحُّ، فَإذَا أَرَدْتَ الْقِسْمَةَ، فَكُلُّ مَنْ لَهُ شَيْءٌ، مِنَ الأُولَى مَضْرُوبٌ في الثَّانِيَةِ أَوْ في وَفْقِها، وَمَنْ لَهُ شَيْءٌ مِنَ الثَّانِيَةِ مَضْرُوبٌ في السِّهَامِ الَّتِي وَرِثَها الثَّانِي أَوْ في وَفْقِهَا، وَكَذَلِكَ تَصْنَعُ في الثَّالِثِ وَالرَّابِعِ وَمَا بَعْدَه. مِثَالُ ذَلِكَ: زَوْجٌ وَبِنْتٌ مِنْهُ وَأَخٌ (¬1) لَمْ يَقْسِمُوا التَّرِكَةَ حَتَّى مَاتَتِ الْبِنْتُ وَخَلَّفَتْ زَوْجًا، وَمَنْ خَلَّفَتِ الْمَسأَلةُ الأُوْلَى مِنْ أَرْبَعَةِ، وَالثَّانِيَةُ مِنِ اثْنَيْنِ؛ لِلْمَيِّتَةِ سَهْمَانِ مُنْقَسِمَةٌ عَلَى مَسْأَلَتِهَا، فَصَحَّتِ الْمَسْأَلَتَانِ مِنْ أَرْبَعَةٍ. ¬
فَلَوْ كَانَتْ خَلَّفَتْ بِنْتًا أَيْضًا، كَانَتْ مَسْأَلَتُهَا مِنْ أَرْبَعَةٍ، وَلَهُما سَهْمَانِ يُوَافِقَانِ مَسْأَلَتَهَا بِالأَنْصَافِ، تَرْجِعُ مَسْألَتُهَا إِلَى اثْنَيْنِ تَضْرِبُهَا في الأُولى، وَهِيَ أَرْبَعَةٌ تَكُنْ ثَمَانِيَةً، وَمِنْهَا تَصِحُّ. وَلَوْ لَمْ تُخَلِّفْ زَوْجًا، لكِنْ خَلَّفَتْ بِنْتَيْنِ، وَمَنْ خَلَّفَتْ كَانَتْ مَسْألَتُهَا مِنْ ثَلاثَةٍ لا يُوَافِقُ سِهَامَهَا، فَتَضْرِبُ الْمَسْأَلَةَ الثَّانِيةَ، وَهِيَ ثَلاثَةٌ، في الأُولَى تَكُنْ اثْنَيْ عَشَرَ، وَمِنْهَا تَصِحُّ الْمَسْأَلَتَانِ. فَصْلٌ: وَمَتَى كَانَ وَرَثَةُ الثَّانِي يَرِثُونَهُ عَلَى حَسْبِ مَا كَانُوا، فَيَرِثُونَ الأَوَّلَ مِثْلَ أَنْ يَكُونَ عَصَبَةً لَهُمَا، أَوْ يَكُونَ رَجُلٌ خَلَّفَ زَوْجَةً وَثَلاثَةَ بَنِينَ وَبِنْتًا، لَمْ تُقْسَمْ حَتَّى مَاتَ ابْنٌ، فَإِنَّكَ تَقْسِمُ التَّرِكَةَ عَلَى مَنْ بَقِيَ، وَلا تَلْتَفِتُ إِلَى الْمَيِّتِ، وَإِنْ كَانَ مَعَ هؤلاءِ الْعَصَبَةِ مَنْ يَرِثُونَ مِنَ الأوَّلِ دُونَ الثَّانِي، أَعْطَيْتَهُ حَقَّهُ، وَجَعَلْتَ الْبَاقِيَ بَيْنَ الْعَصَبَةِ عَلَى مَا ذَكَرنَا. وَإِنْ كَانَ وَرَثَةُ كُلِّ مَيِّتٍ لا يَرِثُونَ الآخَرَ، تُصَحِّحُ الأُولَى، وَانْظُرْ مَا لِكُلِّ مَيِّتٍ مِنْهَا، فَاقْسِمْه عَلَى مَسْأَلَتِهِ، فَإِنْ لَمْ تَنْقَسِمْ، جَعَلْتَهَا كَأَعْدَادٍ انْكَسَرَتْ عَلَيْهِمْ سِهَامُهُمْ، وَعَمِلْتَ عَمَلَكَ في بَابِ التَّصْحِيحِ.
فصل في قسمة الميراث على الخناثى
فَصْلٌ في قِسْمَةِ الْمِيرَاثِ عَلَى الْخُنَاثَى وَطَرِيقُهُ أَنْ تَقْسِمَ مَا صَحَّتْ مِنْهُ الْمَسْأَلَةُ عَلَى عَدَدِ حَبَّاتِ الدِّينَارِ، فَمَا خَرَجَ مِنَ الْقَسْمِ، فَهُوَ جُزْءُ الْحَبَّةِ، فَإذَا أَضْعَفْتَهُ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ، فَهُوَ جُزْءُ الْقِيرَاطِ، فَإِنْ بَقِيَ مِنَ السِّهَامِ مَا لا يَبْلُغُ حَبَّةً، نَسَبْتَهُ بِالْجُزْءِ مِنْهَا، فَإِنْ كَانَ في سِهَامِ الْحَبَّةِ كَسْرٌ بَسَطْتَهَا مِنْ جِنسِهِ، وَابْسُطِ الْمَنْسُوبَ مِنْ ذَلِكَ الْجِنْسِ، وَعَمِلْتَ عَلَى مَا ذَكَرْنا.
فصل في قسمة التركات
فَصْلٌ في قِسْمَةِ التَّرِكَاتِ تُقْسَمُ التَّرِكَةُ عَلَى مَا صَحَّتْ مِنْهُ الْمَسْأَلَةُ، فَمَا خَرَجَ بِالْقَسْمِ ضَرَبْتَهُ في سِهَامِ كُلِّ وَارِثٍ، فَمَا اجْتَمَعَ فَهُوَ نَصِيبُهُ، وَإِنْ شِئْتَ ضَرَبْتَ سِهَامَ كُلٍّ في التَّرِكَةِ، وَقَسَمْتَهُ عَلَى الْمَسْأَلَةِ، فَمَا خَرَجَ بِالْقَسْمِ، فَهُوَ نَصِيبُهُ، فَإِنْ بَقِيَ مَا لا يَبْلُغُ دِينَارًا، ابْسُطْهُ قَرَارِيطَ، ثُمَّ قَسِّمْهُ لِكُلِّ مَرَّةٍ قِيرَاطٌ، فَإِنْ بَقِيَ مَا لا يَبْلُغُ قِيرَاطًا، ابْسُطْهُ حَبَّاتٍ، ثُمَّ قَسِّمْهُ، فَإِنْ بَقِيَ مَا لا يَبْلُغُ حَبَّةً، فَانْسُبْهُ بِالأَجْزَاءِ مِنْهَا، فَإذَا لَمْ تَكُنِ الْمَسْأَلَةُ عَدَدًا أَصَمَّ (¬1) فَلَكَ أَنْ تَنْسُبَ سِهَامَ كُلِّ وَارِثٍ مِنَ الْمَسْأَلَةِ، وَتُعْطِيَهُ مِثْلَ تِلْكَ النِّسْبَةِ مِنَ التَّرِكَةِ. * * * ¬
فصل في ميراث ذوي الأرحام
فَصْلٌ في مِيرَاثِ ذَوِي الأَرْحَامِ قَالَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "الْخَالُ وَارِثُ مَنْ لا وَارِثَ لَهُ" (¬1) رَوَاهُ ابْنُ مَاجَه (¬2). وَهُمْ عَشَرَةٌ أَجْنَاسٍ: وَلَدُ الْبَنَاتِ، وَوَلَدُ الأَخَواتِ، وَبَنَاتُ الإِخْوَةِ، وَبَنَاتُ الأَعْمَامِ، وَبَنُو الإِخْوَةِ مِنَ الأُمِّ، وَالْعَمُّ مِنَ الأُمِّ، وَالْعَمَّاتُ، وَالأَخْوَالُ، وَالْخَالاتُ، وَالْجَدُّ أَبُو الأُمِّ، وَكُلُّ جَدَّةٍ أَدْلَتْ بِأَبٍ بَيْنَ أُمَّيْنِ، أَوْ بِأَبٍ أَعْلَى مِنَ الْجَدِّ. فَهؤُلاءِ وَمَنْ أَدْلَى بِهِمْ يَرِثُونَ بِالتَّنْزِيلِ إذَا لَمْ يَكُنْ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ مَنْ ¬
يَمُتُّ مِنَ الْوَرَثَةِ، فَإِنْ أَمَتَّ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ بِوَارِثٍ وَاحِدٍ، وَاسْتَوَتْ مَنَازِلُهُمْ مِنْهُ، كَانَ نَصِيبُهُ بَيْنَهُمْ بِالسَّوِيَّةِ. وَعَنْهُ: يُجْعَلُ لِلذَّكَرِ مِنْهُم مَثْلُ حَظِّ الأُنْثيَيْنِ. وَإِنِ اخْتَلَفَتْ مَنَازِلُهُمْ مِنْهُ، جُعِلَ الْوَرَثَةُ كَأَنَّهُ الْمَيِّتُ، فَيُقْسَمُ نَصِيبُهُ بَيْنَ مَنْ أَدْلَى بِهِ كَمَا يُقْسَمُ مِيرَاثُهُ بَيْنَهُمْ، وَيَسْقُطُ الْبَعِيدُ بِالْقَرِيبِ إذَا كَانا مِنْ جِهَةٍ وَاحِدَةٍ، فَإِنْ كَانَا مِنْ جِهَتَيْنِ، نَزَلَ الْبَعِيدُ حَتَّى يَلْحَقَ بِالْوَارِثِ الَّذِي يُدْلِي بِهِ، سَوَاءٌ سَقَطَ بِهِ الْقَرِيبُ أَمْ لا. وَالْجِهَاتُ خَمْسٌ: الأُبُوَّةُ، وَالأُمُومَةُ، وَالْبُنُوَّةُ، وَالأُخُوَّةُ، وَالْعُمُومَةٌ. وَمَنْ أَدْلَى بِقَرَابَتَيْنِ، وَرِثَ (1 بِهِمَا، فَإِنْ كَانَ مَعَهُمْ إِحْدَى الزَّوْجَينِ، فَلَهُ فَرْضُهُ غَيَرَ مَحْجوبٍ وَلا مُعَاوَلٍ (¬1)، وَيُقْسَمُ الْبَاقِي بَيْنَ ذَوِي الأَرْحَامِ كَمَا لوِ انْفَرَدُوا. * * * ¬
فصل في ابن الملاعنة
فَصْلٌ في ابْنِ الْمْلاَعَنَةِ إذَا انْتَفَى مِنْ وَلَدِهَا، انْقَطَعَ تَعْصِيبُهُ مِنْ جِهَةِ أَبِيهِ، وَعَصبَةُ أُمِّهِ عَصَبَتُهُ (¬1) في إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ، وَالأُخْرَى: أُمُّهُ عَصَبَتُهُ. وَكَذَلِكَ الْحُكْمُ في وَلَدِ الزِّنَا. وَلا يَرِثُ أَحَدُ الْمُتَلاعِنَيْنِ صَاحِبَهُ إذَا كَانَ قَذْفُهُ وَلِعَانُهُ في الصِّحَّةِ. وَإِنْ كَانَا (¬2) في مَرَضِ الْمَوْتِ، وَرِثَهُ. وَإِنْ قَذَفَ في الصِّحَّةِ، وَلا عَنَ في الْمَرَضِ، فَهَلْ يَرِثُهُ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ. * * * ¬
فصل في مواريث أهل الملل
فَصْلٌ في مَوَارِيثِ أَهْلِ الْمِلَلِ رَوَى الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ: أَنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "لا يَرِثُ الْمُسْلِمُ الْكَافِرَ، وَلا الْكَافِرُ الْمُسْلِمَ" (¬1). وَلا يَرِثُ ذِمِّيٌّ حَرْبِيًّا، وَلا ذِمِّيًّا. فَأَمَّا أَهْلُ الذِّمَّةِ، فَهُمْ ثَلاثُ مِلَلٍ: الْيَهُودُ مِلَّةٌ، وَالنَّصَارَى مِلَّةٌ، وَجَمِيعُ مَنْ بَقِيَ مِلَّةٌ. فَلا يَرِثُ أَهْلُ مِلَّةٍ مِلَّةً أُخْرَى. وَعَنْهُ: أَنَّهُمْ يَتَوَارَثُونَ وَإِنْ اخْتَلَفَتْ أَدْيَانُهُمْ. قَالَ ابْنُ أَبِي مُوسَى: وَهُوَ أَظْهَرُ عِنْدَهُ وَأَصَحُّ؛ لِقَوْلِهِ - صلى الله عليه وسلم -: "النَّاسُ خَيْرٌ، وَنَحْنُ خَيْرٌ" (¬2). ¬
وَمَالُ الْمُرْتَدِّ فَيْءٌ إذَا هَلَكَ. وَعَنْهُ: لِوَرَثَتِهِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ. وَعَنْهُ: لِأقَارِبِهِ مِنْ دِيِنِهِ الَّذِي اخْتَارَهُ. وَالْمَشْهُورُ أَنَّ الْمَجُوسَ يَرِثُونَ بِقَرَابَاتِهِمْ كُلِّهَا، وَلا يَرِثُونَ بِنِكَاحِ ذَوَاتِ الْمَحَارِمِ.
فصل في الخناثى
فَصْلٌ في الْخُنَاثَى إذَا أَشْكَلَ أَمْرُهُ، أُعْطِيَ هُوَ وَمَنْ مَعَهُ الْيَقِينَ، وَيُوقَفُ الْبَاقِي حَتَّى يَنْكَشِفَ حَالُهُ بِأَنْ يَظْهَرَ فيهِ عَلامَاتُ الرِّجَالِ؛ مِنْ نَبَاتِ لِحْيَتِهِ، وَالْمَنِيِّ مِنْ ذَكَرِهِ، أَوْ عَلامَاتُ النِّسَاءِ؛ مِنَ الْحَيْضِ وَالْحَبَلِ. فَإِنْ أُيِسَ مِنِ انْكِشَافِ حَالِهِ، أُعْطِيَ نِصْفَ مِيراثِ ذَكَرٍ، وَنِصْفَ مِيرَاثِ أُنْثَى، فَتَعْمَلُ الْمَسْأَلَةَ عَلَى أَنَّهُ ذَكَرٌ، ثُمَّ عَلَى أَنَّهُ أُنْثَى، فَإِنْ تَمَاثَلَتَا، ضَرَبْتَ إِحْدَاهُمَا في الْحَالَيْنِ، وَيُجْمَعُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مَا يُصِيبُهُ في الْحَالَيْنِ، فَيُعْطِيهِ إِيَّاهُ، وَإِنْ تَنَاسَبَتَا، يَضْرِبُ (¬1) أَكْثَرَهُما في الْحَالَيْنِ، وَإِنْ تَبَايَنتَا، ضَرَبْتَ إِحْدَاهُمَا في الأُخْرَى، ثُمَّ في الْحَالَيْنِ، وَإِنْ تَوَافَقَتَا، ضَرَبْتَ وَفْقَ أَحَدِهِمَا في الآخَرِ، ثُمَّ في الْحَالَيْنِ. ثُمَّ كُلُّ مَنْ لَهُ شَيْءٌ مِنْ مَسْأَلَةِ الذُّكُورِيَّةِ مَضْرُوبٌ في مَسْألَةِ الأُنُوثِيَّةِ أَوْ في وَفْقِهَا. وَمَنْ لَهُ شَيْءٌ مِنَ الأُنُوثِيَّةِ مَضْرُوبٌ في مَسْأَلَةِ الذُّكُورِيَّةِ أَوْ في وَفْقِهَا. ¬
فَإِنْ كَانُوا خُنْثَيَيْنِ (¬1) أَوْ أَكْثَرَ، نَزَّلْتَهُمْ حَالَيْنِ في أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ، تَجْعَلُهُمْ مَرَّةً ذُكُورًا، وَمَرَّةً إِنَاثًا، وَيُجْعَلُ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ نِصْفُ مَالِهِ في الْحَالَيْنِ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنْ يُنَزِّلَهُمْ بِعَدَدِ أَحْوَالِهِمْ، وَلِلثَّلاثَةِ (¬2) ثَمَانِيَةُ أَحْوَالٍ، وَلِلأَرْبَعَةِ سِتَّةَ عَشَرَ حَالًا. فتقُولُ في وَلَدٍ خُنْثَى، وَوَلَدِ ابْنٍ خُنْثَى، وَعَمٍّ: فَإِنْ كَانَا ذَكَرَيْنِ، أَوْ كَانَ الْوَلَدُ وَحْدَهُ، فَالْمالُ لَهُ، وَلَوْ كَانَ وَلَدُ الِابْنِ وَحْدَه ذَكَرًا، فَلَهُ النِّصفُ. وَلَوْ كَانَا ابْنَيْنِ، فَلَهُ السُّدُسُ، وَلِلْبِنْتِ النِّصفُ، وَالْبَاقِي لِلْعَمِّ، فَتَصِحُّ مِنْ سِتَّةٍ، وَالْمَسَائِلُ الْبَاقِيَةُ تَدْخُلُ فيهَا، فَتَضْرِبُهَا في الأَحْوالِ تَكُنْ أَرْبَعَةً وَعِشْرِينَ، لِلْوَلَدِ الْمالُ في حَالَيْنِ اثْنَيْ عَشَرَ، وَنِصْفُ الْمَالِ في حَالَيْنِ صَارَ لَهُ (3 ثَمَانِيَةَ عَشَرَ، ولِوَلَدِ الابْنِ نِصْفُ المالِ في حَالٍ ثَلاثَةٌ وسُدُسُهُ في حالٍ سَهْمٌ صَارَ لَهُ (¬3) أَرْبَعَةٌ، وَلِلْعَمِّ ثَلاثَةٌ في حَالٍ صارَ لَهُ سَهْمَانِ، وَهذَا الْوَجْهُ أَقْرَبُ إِلَى الْقِيَاسِ. * * * ¬
فصل في ميراث الغرقى ومن عمي موتهم
فَصْلٌ في (¬1) مِيرَاثِ الْغَرْقَى وَمَنْ عُمِّيَ مَوْتُهُمْ إذَا مَاتَ جَمَاعَةٌ يَرِثُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا، وَادَّعَى وَرَثَةُ كُلِّ مَيِّتٍ أَنَّ الآخَرَ السَّابِقُ بِالْمَوْتِ، وَأَشْكَلَ الأَمْرُ (¬2)، وَرِثَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا مِنْ تِلادِ أَمْوَالِهِمْ دُونَ مَا وَرِثَهُ مَيِّتٌ عَنْ مَيِّتٍ، فَيُبْدَأُ بِأَحَدِ الأَمْوَاتِ، فَيُقْسَمُ مَالُهُ بَيْنَ الْمَيِّتِ مَعَهُ وَالأَحْيَاءِ مِنْ وَرَثَتِهِ خَاصَّةً، ثُمَّ يَأْتِي المَيِّت (¬3) الآخَرَ، وَيَجْعَلُ الْبَاقِيَ أَحْيَاءً، وَتَفْعَلُ في مَالِهِ مَا ذَكَرْنَا. وَمِثَالُ ذَلِكَ: أَخَوَانِ غَرِقَا، لِأحَدِهِمَا بِنْتٌ وَسِتَّةُ دَنَانِيرَ، وَلِلآخَرِ بِنْتَانِ وَسِتَّةُ دَرَاهِمَ، وَلَهُمَا عَمٌّ، اجْعَلْ ذا الْبِنْتِ الْمَيِّتَ أَوَّلًا، فَلِبِنْتَيْهِ النِّصفُ، وَمَا بَقِيَ لأَخِيهِ، ثُمَّ مَاتَ أَخُوهُ وَتَرَكَ ابْنَيْنِ وَعَمَّهُ، فَمَسْأَلَتُهُ مِنْ ثَلاثَةٍ، تَضْرِبُهَا في مَسْأَلةِ الأَوَّلِ تَصِيرُ سِتَّةً، وَمِنْهَا تَصِحُّ، ثُمَّ اجْعَلِ الآخَرَ كَأَنَّهُ مَاتَ أَوَّلًا، وَخَلَّفَ بِنْتَيْن وَأَخَاهُ: فَمَسْأَلَتُهُ مِنْ ثَلاثَةٍ؛ ثُمَّ مَاتَ ¬
أَخُوهُ وَخَلَّفَ بِنْتَهُ وَعَمَّهُ، فَمَسْأَلَتُهُ مِنِ اثْنَيْنِ، تَضْرِبُهَا فِي الأُولَى تَكُنْ سِتَّةً. وَيَتَخَرَّجُ أَلَّا يَرِثَ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ. وَيُقْسَمُ مالُ كُلِّ مَيِّتٍ عَلَى الأَحْيَاءِ مِنْ وَرَثَتِهِ دُونَ الْمَيِّتِ مَعَهُ قِياسًا عَلَى مَا إذَا مَاتَتِ امْرَأَةٌ وَابْنُهَا، فَقَالَ أَخُوهَا: مَاتَ ابْنُهَا فَوَرِثَتْهُ، ثُمَّ مَاتَتْ فَوَرِثْنَاهَا، وَقَالَ زَوْجُهَا: مَاتَ ابْنِي فَوَرِثْتُهُ، وَهُوَ أَشْبَهُ، فَإِنْ عُلِمَ خُرُوجُ رُوحَيْهِمَا في حَالَةٍ وَاحِدَةٍ، لَمْ يَرِثْ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ بِحَالٍ.
فصل في المفقود
فَصْلٌ في الْمَفْقُودِ إذَا مَاتَ لَهُ مَنْ يَرِثُهُ، دُفِعَ إِلَى كُلِّ وَارِثٍ أَقَلُّ نَصِيبِهِ، وَوُقِفَ نَصِيبُ الْمَفْقُودِ حَتَّى تُعْلَمَ حَالُهُ، وَلا يُقْسَمُ مَالُهُ إِلَّا في الْوَقْتِ الَّذِي يُبِيحُ لِزَوْجَتِهِ أَنْ تَتَزَوَّجَ فيهِ، وَقَدْ سَبَقَ ذَلِكَ. فَصلٌ: وَكُلُّ قَتِيلٍ يُوجِبُ الضَّمَانَ أوِ الْكَفَّارَةَ يَمْنَعُ الْقَاتِلَ مِيرَاثَ الْمَقْتُولِ، وَمَا لا يُوجِبْ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ (¬1)، كَالْقِصَاصِ، وَقَتْلِ الزَّانِي الْمُحْصَنِ، لا يَمْنَعُ الْمِيرَاثَ في أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ. وَعَنْهُ: لا يَرِثُ الْبَاغِي الْعَادِلَ، وَلا الْعَادِلُ الْبَاغِيَ إذَا قَتَلَهُ، فَيَتَخَرَّجُ مِنْ هذِهِ أَنَّ كُلَّ قَاتِلٍ لا يَرِثُ، وَالصَّحِيحُ الأَوَّلُ. * * * ¬
فصل في الحمل
فَصْلٌ في الْحَمْلِ إذَا خَلَّفَ إِنْسَانٌ حَمْلًا يَرِثُهُ، وَطَالَبَ (¬1) بَقِيَّةُ الْوَرَثَةِ بِالْقِسْمَةِ (¬2)، وَقَفْتَ نَصِيبَهُ، فَإِنْ كَانَ مِيرَاثُ الذُّكُورِ أَكْثَرَ، وُقِفَ نَصِيبُ ذَكَرَيْنِ، وَإِنْ كَانَ مِيرَاثُ الإِنَاثِ أَكْثَرَ، وُقِفَ نَصِيبُ أُنْثَيَيْنِ، وَيُدْفَعُ إِلَى مَنْ يَحْجُبُهُ الْحَمْلُ أَقَلُّ مِيرَاثِهِ، وَإِلَى مَنْ لا يَحْجُبُهُ كَمَالُ مِيرَاثِهِ، وَلا يُدْفَعُ إِلَى مَنْ يُسْقِطُهُ شَيْءٌ. فَإذَا وُضِعَ الْحَمْلُ، دَفَعْنَا إِلَيْهِ مِيرَاثَهُ، وَرُدَّ الْبَاقِي (¬3) إِلَى مَنْ يَسْتَحِقَّهُ. فَصْلٌ: وَإِذَا اسْتَهَلَّ الْمَوْلُودُ صَارِخًا، وَرِثَ، وَوَرَّثَ، وَهُوَ في مَعْنَى الْعُطَاسِ وَالْبُكَاءِ وَالتَّنَفُّسِ وَالِارْتضَاعِ وَمَا يَدُلُّ عَلَى الْحَيَاةِ، فَأَمَّا الْحَرَكَةُ وَالِاخْتِلاجُ، فَلا يَدُلُّ عَلَى الْحَيَاةِ. ¬
فَإِنْ ظَهَرَ بَعْضهُ، فَاسْتَهَلَّ، ثُمَّ انْفَصَلَ بَاقِيهِ مَيْتًا، فَعَلَى رِوَايَتَيْنِ. وَإِنْ وَلَدَتْ تَوْءَمَيْنِ، فَاسْتَهَلَّ أَحَدُهُمَا، وَلَمْ يُعْلَمْ، وَكَانَ مِيرَاثُهُمَا مُخْتَلِفًا، أُقْرِعَ بَيْنَهُمَا، فَمَنْ خَرَجَ سَهْمُهُ، حُكِمَ بِأَنَّهُ الْمُسْتَهِلُّ.
فصل في الطلاق في المرض والصحة
فَصْلٌ في الطَّلاقِ في الْمَرَضِ وَالصِّحَّةِ حُكْمُ التَّزْوِيجِ وَالطَّلاقِ في الصِّحَّةِ وَالْمَرَضِ سَوَاءٌ، إِلَّا أَنَّ الطَّلاقَ في مَرَضِ الْمَوْتِ الْمَخُوفِ لا يَمْنَعُ الْمَرْأةَ الْمِيرَاثَ مَا دَامَتْ في الْعِدَّةِ، وَفِيما بَعْدَ الْعِدَّةِ عَلَى رِوَايَتَيْنِ. فَإِنْ تَزَوَّجَتْ، لَمْ تَرِثْهُ، وَإِنْ سَأَلَتْهُ الطَّلاقَ، أَوْ حَلَفَ عَلَيْهَا أَلَّا تَفْعَلَ شَيئًا لَهَا مِنْ فِعْلِهِ بُدٌّ، فَفَعَلَتْهُ في مَرَضِهِ، لَمْ تَرِثْهُ في أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا بُدٌّ مِنْ فِعْلِهِ؛ كَالصَّلاةِ، وُرِّثَتْ، رِوَايَةً وَاحِدَةً. وَإِنْ عَلَّقَ الطَّلاقَ عَلَى فِعْلٍ مِنْ جِهَتِهِ، فَفَعَلَتْهُ في مَرَضِهِ، وَرِثَتْهُ. وَلَوْ بَرِىَ الْمُطَلِّقُ مِنْ مَرَضهِ ذَلِكَ، ثُمَّ مَاتَ، فَهُوَ كَالطَّلاقِ في الصِّحَّةِ. وَلَوْ طَلَّقَ في مَرَضِهِ مَنْ لا تَرِثُهُ؛ كَالأَمَةِ وَالذِّمِّيَّةِ، فَأُعْتِقَتِ الأَمَةُ، وَأَسْلَمَتِ الذِّمِّيَّةُ، فَهُوَ كَطَلاقِ الصِّحَّةِ. وَإِنْ قَالَ لَهَا وَهُوَ مَرِيضٌ: إذَا عَتَقْتِ فَأَنْتِ طَالِقٌ ثَلاثًا، فَعَتَقَتْ في مَرَضِهِ، وَمَاتَ، وَرِثَتْهُ.
وَلَوْ قَالَ لَهَا وَهُوَ مَرِيضٌ: أَنْتِ طَالِقٌ ثَلاثًا غَدًا، فَعَتَقَتِ الْيَوْمَ، لَمْ تَرِثْهُ. وَإِنْ قَالَ لَهَا سَيِّدُها: أَنْتِ حُرَّةٌ غَدًا، فَقَالَ لَهَا الزَّوْجُ: أَنْتِ طَالِقٌ ثَلاثًا، وَهُوَ يَعْلَمُ بِعِتْقِ السَّيِّدِ، وَرِثَتْهُ، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ، لَمْ تَرِثْهُ. فَإِنْ عَلَّقَ طَلاقَهَا (¬1) في الصَّحَّةِ عَلَى شَرْطٍ، فَوُجِدَ في مَرَضِ مَوْتِهِ، فَهَلْ تَرِثُهُ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ. وَلَوِ اسْتَكْرَهَ رَجُلٌ امْرَأَةَ أَبِيهِ، فَوَطِئَهَا في مَرَضِ الأَبِ، بَانَتْ، وَلَمْ يَسْقُطْ مِيرَاثُهَا، فَإِنْ طَاوَعَتْهُ، خُرِّجَ عَلَى رِوَايَتَيْنِ. وَلَوْ كَانَ لِلأَبِ زَوْجَتانِ، فَوَطِىَ الِابْنُ إحَداهُمَا في مَرَضِ الأَبِ، بَانَتْ، وَلَمْ تَرِثْ. وَلَوْ أَنَّ امْرَأَةً مَرِيضَةً اسْتَدْخَلَتْ ابْنَ (¬2) زَوْجِهَا وَهُوَ نَائِمٌ، بَانَتْ، وَوَرِثَهَا الزَّوْجُ في الْعِدَّةِ وَبَعْدَهَا. * * * ¬
فصل
فَصْلٌ إذَا تَزَوَّجَ نِسَاءً في عُقُودٍ بَعْضُهَا صَحِيحٌ، وَبَعْضُهَا فَاسِدٌ، وَلَمْ يَعْلَمْ صَاحِبُهَا الْعَقْدَ الْفَاسِدَ، أُخْرِجَتْ بِالْقُرْعَةِ. وَلَوْ طَلَّقَ وَاحِدَةً مِنْ أَرْبَعٍ في صِحَّتِهِ، وَتَزَوَّجَ بِخَامِسَةٍ، وَلَمْ يَدْرِ أَيَّتَهُنَّ طَلَّقَ، فَلِلْخَامِسَةِ رُبُعُ الْمِيرَاثِ، وَيُقْرَعُ بَيْنَ الأَرْبَعِ الأُوَلِ. وَإِنْ كَانَ طَلاقُهُ ذَلِكَ في الْمَرَضِ، احْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ الْمِيرَاثُ بَيْنَ النِّسْوَةِ أَخْمَاسًا، وَاحْتَمَلَ ألاَّ تَرِثَ الْخَامِسَةُ. وَكَذَلِكَ إنْ طَلَّقَ أَرْبَعًا في الْمَرَضِ، وَانْقَضَتْ عِدَّتُهُنَّ، وَتَزَوَّجَ أَرْبَعًا سِوَاهُنَّ، فَالْمِيرَاثُ لِلْمُطَلَّقَاتِ في أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ، وَفِي الآخَرِ: بَيْنَ الثَّمَانِ.
فصل في الإقرار بمشارك في الميراث
فَصْلٌ في الإِقْرَارِ بِمُشَارِكٍ في الْمِيرَاثِ إِذَا أَقَرَّ جَمِيعُ الْوَرَثَةِ بِمُشَارِكٍ، ثَبَتَ نَسَبُهُ، وَأَخَذَ مِيرَاثَهُ. وَإِنْ أَقَرَّ بَعْضُهُم دُونَ بَعْضٍ، لَمْ يَثْبُتْ نَسَبُهُ، وَأَخَذَ فَضْلَ مَا في يَدِهِ عَنْ مِيرَاثِهِ، فَإِنْ كَانَ الْفَضْلُ في يَدِ غَيْرِ الْمُقِرِّ، لَمْ يَكُنْ لِلْمُقَرِّ لَهُ شَيْءٌ. فَإِنْ أَقَرَّ الْوَارِثُ بِوَارِثَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ بِكَلامٍ مُفَصَّلٍ، وَلا مُشَارِكَ لَهُ، فَاتَّفَقُوا، ثَبَتَ نَسَبُ الْجَمِيعِ. وَكَذَلِكَ إنِ اخْتَلَفُوا، فَجَحَدَ كُلُّ وَاحِدٍ صَاحِبَهُ، ثَبَتَ نَسَبُهُمْ أَيْضًا، وَلَمْ يُلْتَفَتْ إِلَى تَجَاحُدِهِمْ، وَيَحْتَمِلُ أَلَّا يَثْبُتَ. وَلَوْ خَلَّفَ ابْنَيْنِ، فَأَقَرَّ أَحَدُهُمَا بِأَخَوَيْنِ، فَصَدَّقَهُ أَخُوهُ في أَحَدِهِمَا دُونَ الآخَرِ، ثَبَتَ نَسَبُ مَنِ اتَّفَقَا عَلَيْهِ، وَأَخَذَ ثُلُثَ مَا في أَيْدِيهِمَا، وَيَأْخُذُ الْمُخْتَلَفُ فيهِ مِنَ الْمُقَرِّ لَهُ رُبُعَ مَا في يدِهِ، وَهُوَ نِصْفُ سُدُسٍ، وَتَصِحُّ مِنِ اثْنَي عَشَرَ؛ فَإِنْ كَانَ الْمُقِرُّ بِهِمَا يُصَدِّقُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا صَاحِبَه، أَخَذَ الْمُخْتَلَفُ فيهِ مِنَ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ رُبُعَ مَا في يَدِهِ، وَهُوَ سَهْمٌ، فَيَصِحُّ لَهُ سَهْمَانِ، وَلِمَنْ يُنْكِرُهُ أَرْبَعَةٌ، وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الآخَرَيْنِ ثَلاثَةٌ.
وَقَالَ أبُو الخَطَّابِ: لا يَأْخُذُ مِمَّنْ انْفَرَدَ بِالإِقْرَارِ بِأَحَدِهِمَا أَكْثَرَ مِنْ رُبُعِ مَا في يَدِهِ، وَيَبْقَى في يَدِهِ ثَلاثَةُ أَسْهُمٍ مِنْ ثَمَانِيَةٍ، وَلِلْمُخْتَلَفِ فيه سَهْمٌ، وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنَ الآخَرَيْنِ سَهْمَانِ. فَإِنْ خَلَّفَ ابْنًا (¬1)، فَأَقَرَّ بِأَخٍ، ثَبَتَ نَسَبُهُ، وَأَعْطَاهُ نِصْفَ مَا في يَدِهِ. وَإِنْ أَقَرَّ بَعْدَهُ بِآخَرَ، أَعْطَاهُ ثُلُثَ مَا بَقِيَ في يَدِهِ، وَعَلَى هذَا فَإِنْ كَانُوا يَتَصَادَقُونَ، لَزِمَهُمْ أيضًا (¬2) دَفْعُ مَا في أَيْدِيهِمْ مِنَ الْفَضلِ. فَإِنْ خَلَّفَ أَخًا لأَبٍ، وَأَخًا لأُمٍّ، فَأَقَرَّ بِأَخٍ لأَبَوَيْنِ، ثَبَتَ نَسَبُهُ، وَأَخَذَ مَا في يَدِ الأَخِ مِنَ الأَبِ وَحْدَهُ. وَإذَا قَالَ رَجُلٌ: مَاتَ أَبِي، وَأَنْتَ أَخِي، وَقَالَ الْمُقَرُّ بِهِ: أَنَا ابْنُهُ، وَلَسْتَ بِأَخِي، لَمْ يُقْبَلْ إِنْكَارُهُ. وَلَوْ قَالَ: مَاتَ أَبُوكَ، وَأَنا أَخُوكَ، فَقَالَ: لَسْتَ بِأَخِي، فَالْمالُ كُلُّهُ لِلْمُقَرِّ لَهُ. فَإِنْ قَالَ: مَاتَتْ زَوْجَتِي، وَأَنْتَ أَخُوهَا، فَقَالَ (¬3) الْمُقَرُّ بِهِ: أَنا أَخُوهَا وَلَسْتَ بِزَوْجِهَا، فَالْقَوْلُ قَوْلُ الأَخِ في أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ، وَفِي الآخَرِ: يَقْتَسِمَانِ الْمالَ. * * * ¬
فصل في المعتق بعضه
فَصْلٌ في الْمُعْتَقِ (¬1) بَعْضُهُ وَحُكْمُهُ أَنَّهُ يَرِثُ وَيُوَرِّثُ وَيَحْجُبُ بِقَدْرِ مَا فيهِ مِنَ الْحُرِّيَّةِ. فَنَقُولُ فِي أُمٍّ وَبِنْتٍ نَصْفُهُمَا حُرٌّ، وَعَمٍّ: لِلْبِنْتِ النِّصفُ لَوْ كَانَتْ حُرَّةً، فَلَهَا بِنِصْفِ حُرِّيَّتِهَا نِصفُ ذَلِكَ، وَهُوَ الرُّبُعُ، وَلِلأُمِّ الثُّلُثُ مَعَ حُرِّيَّتِهَا وَرِقِّ الْبِنْتِ، وَالسُّدُسُ مَعَ حُرِّيَّةِ الْبِنْتِ (¬2)، فَقَدْ حَجَبَتْهَا بِحُرِّيَّتِهَا عَنِ السُّدُسِ، فتحْجُبُهَا بِنِصْفِ حِرِّيَّتِهَا عَنْ نِصْفِهِ، يَبْقَى لَهَا الرُّبُعُ لو كَانَتْ حُرَّةً، فَلَهَا بِنِصْفِ حُرِّيَّتِهَا نِصْفُهُ، وَهُوَ الثُّمُنُ. وَلا يَحْجُبُ أَحَدُهُمَا الآخَرَ كالِابْنَيْنِ، فَهَلْ يَجْمَعُ الْحُرِّيَةَ فِيهِمَا؟ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ. وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا يَحْجُبُ الآخَرَ، فَالصحِيحُ أَنَّهُ لا تَكْمُلُ الْحُرِّيَّةُ فِيهِمَا، فَنَقُولُ في ابْنٍ وَابْنِ ابْنٍ نِصْفُهُمَا حُرٌّ، وَعَمٍّ: لِلِابْنِ النِّصفُ، وَلِابْنِ الِابْنِ الرُّبُعُ، وَالْبَاقِي لِلْعَمِّ. ¬
باب الولاء
بَابُ الْوَلاءِ قَالَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "الْوَلاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ" مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ (¬1). وَيَثْبُتُ الْوَلاءُ عَلَى الْمُعْتَقِ وَعَلَى أَوْلادِهِ مِنْ زَوْجَةِ مُعْتَقهِ أَوْ مِنْ أَمَتِهِ، وَعَلَى مُعْتَقِيهِ وَمُعْتَقِي أَوْلادِهِ وَأَوْلادِهِمْ وَمُعْتَقِيهِمْ أَبَدًا مَا تَنَاسَلُوا، ثُمَّ يَنْتَقِلُ وَلاءُ السَّيِّدِ إِلَى عَصَبَتِهِ مِنْ بَعْدِهِ. وَمَنْ أَعْتَقَ سَائِبَةً، أَوْ في كَفَّارَتِهِ، أَوْ نَذْرِهِ وَزَكَاتِهِ، فَهَلْ لَهُ عَلَيْهِمْ وَلاءٌ؟ يُخَرَّج عَلَى رِوَايَتَيْنِ. فَإِذَا قُلْنَا: لا يَثْبُتُ، ردَّ وَلاءَهُمْ في مِثْلِهِ. وَمَنْ أَعْتَقَ عَبْدًا يُبَايِنُهُ في دِينِهِ، فَلَهُ وَلاؤُهُ. وَهَلْ يَرِثُ بِهِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ. وَلا يَنْجَرُّ الْوَلاءُ بِعَتْقٍ في أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ. ¬
تَمَّ آخِرُهُ (¬1)، وَالْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَالصَّلاةُ وَالسَّلامُ عَلَى أَشْرَفِ الْمُرْسَلِينَ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ. * * * ¬
الملاحق
الملاحق الملحق الأول: الغريب الفقهي الملحق الثاني: تراجم الأعلام
الملحق الأول: الغريب الفقهي
الملحق الأول: الغريب الفقهي باب المياه * الطُّحْلُب: يجوز فيه ضمُّ اللام وفتحُها وهو الأخضر الذي يخرجُ من أسفل الماء حتى يعلوه، ويقال له: العَرْمَض -بفتح العين المهملة والميم-، ويقال له أيضًا: نور الماء. انظر: "المطلع" (ص: 6). [ص: 37]. * رِطْل: الرِّطْلُ الذي يوزَن به -بكسر الراء، ويجوز فتحها-، حكاهما يعقوب عن الكسائي. وللعلماء في مقدار الرطل العراقي ثلاثة أقوال: أصحُّها: أنه مئة درهم، وثمانية وعشرون درهمًا، وأربعة أسباع درهم، والثاني: مئة وثمانية وعشرين، والثالث: مئة وثلاثون، فالقُلَّتان إذن بالرطل الدمشقي على القول الأول، وعلى الرواية الأولى التي هي الصحيحة: مئةُ رطل، وسبعة أرطال، وسُبع رطل، وعلى رواية أربع مئة تكون القلتان: خمسة وثمانين رطلًا، وخمسة أسباع رطل. انظر: "المطلع" (ص: 8). [ص: 37]. * المُضَبَّبُ: هو الذي عُمل فيه ضَبَّة. قال الجوهري: هي حديدة عريضةٌ يضُبب بها الباب، يريد -والله أعلم-: أنها في الأصل كذلك، ثم تُستعمل من غير الحديد، وفي غير الباب. انظر: "المطلع" (ص: 9). [ص: 39].
* إنفحتها: قال: فإذا أكل، فهو كرش، عن أبي زيد، وكذلك المنفحة -بكسر الميم وفتحها-؛ أي: هو الإنفح، قال الراجز: كَمْ قَدْ أكلتُ كَبِدًا وإنْفَحَهْ ... ثم ادَّخَرْتُ أَلْيَةً مُشَرَّحَهْ انظر: "المطلع" (ص: 10). [ص: 36] * وارتادَ مكانًا رِخْوًا: أي: طلب مكانًا دَمْثًا لَيِّنًا؛ لئلا يرتدَّ عليه بولُه، ورِخْوًا -بكسر الراء-. انظر: "المطلع" (ص: 12). [ص: 39] * ويَدَّهِنُ غِبًّا: أي: يدَّهن يومًا، ويدع يومًا، مأخوذ من غبِّ الإبل، قال الجوهري: هو أن تردَ الماءَ يومًا، وتدعه يومًا، وأما الغِبُّ في الزيارة، فقال الحسين: في كل أسبوع، يقال: زُرْ غِبًّا تَزْدَدْ حُبًّا. انظر: "المطلع" (ص: 15). [ص: 44] * من غُرْفة: الغَرْفة -بفتح الغين-: الفعلة، و -بضم الغين: المغروف، ويحسُن الأمرانِ هنا. انظر: "المطلع" (ص: 20). [ص: 46] * اللَّحْيَيْن: هما تثنية لَحْي -بفتح اللام وكسرها- عن عياض. قال الجوهري: هو منبتُ اللِّحية من الإنسان وغيره، جمعه في القلة: أَلْحٍ، وفي الكثرة: لُحَى ولِحَى -بضم اللام وكسرها- عن يعقوب، واللحية: الشعرُ النابت على اللَّحْي، وبه سميت، والجمع لُحَى -بالكسر والضم-. والذَّقَن: -بفتح الذال المعجمة، والقاف-. قال الجوهري: هو مجمَعُ اللَّحيين. انظر: "المطلع" (ص: 20). [ص: 46]. * الجُرْموقَيْن: واحدُهما جُرْموق -بضم الجيم والميم-: نوع من الخِفاف. قال الجوهري: الجرموقُ: الذي يُلبس فوقَ الخف، وقال ابن سيدَهُ: هو خفٌّ صغير، وهو معرَّب، وكذا كلُّ كلمة فيها جيمٌ وقاف، قاله
كتاب الصلاة
غير واحد من أهل اللغة. انظر: "المطلع" (ص: 21). [ص: 49] * القَلانِس: واحدة قَلَنْسُوَة، وفيها ستُّ لغات: قَلَنْسُوَة، وقُلَنْسُوَة، وقَلْساة، وقَلَنْسِيَة، وقَلَنْساة، وقَلَنْيسَة، غير أن جمعَ قَلَنْسِيَة وقَلَنْساة: قَلانِس. انظر: "المطلع" (ص: 22). [ص: 49] * خُمُرُ النِّساء: واحدُتها خِمار -بكسر الخاء-، وهو ما تغطي به المرأة رأسها، وكل ما ستر شيئاً فهو خِمار. انظر: "المطلع" (ص: 22). [ص: 49] كتاب الصلاة * تَشَاحَّ: تَفاعَلَ من الشُّحِّ، قال الجوهري: الشُّحّ: البخلُ من حِرْص، تقول: شَحَحْتُ، وشَحِحْتُ -بالكسر والفتح- أَشُحُّ وأَشَحُّ، وتَشاحَّ الرجلان على الأمر: لا يريدان أن يفوتهما، وفلان يشاح على فلان: أن يضنَّ به. انظر: "المطلع" (ص: 48). [ص: 67]. * أَقْرَع بينَهما: قال ابن سيده: القُرْعَةُ: السهمة، والمقارَعَة: المساهمة، وقد أقرعَ القومُ، وتَقَارعوا، وقارع بينهم، وأقرع أعلى، وقارعه فقرَعَه يقرَعُه؛ أي: أصابته القُرْعَة دونَه. وقال الجوهري: القرعة - بالضم- معروفة، ويقال: كانت له القُرعة: إذا عرع أصحابه، وحكى أبو منصور الجواليقي: وقَرَعَ بين نسائه، وأقرعَ، فالظاهر أن اللغتين في كل منهما لعدم الفرق بين النساء وغيرهن. انظر: "المطلع" (ص: 48): [ص: 67]. * يُوميءُ إِيماءً: يقال: وَمَأَ إليه، وأَوْمَأَ إليه، ووَبَأَ، وأَوْبَأَ، ووَمَى، وأَوْمَى، ذكره شيخنا أبو عبد الله بن مالك في فعلَ وأفعلَ، فيجوز على هذه
باب: اجتناب النجاسات
يومئ -بهمز وتركه مع ضم ياء المضارعة-، ويجوز يمأ -بهمز وتركه-. انظر: "المطلع" (ص: 62). [ص: 71]. * شَدَّ الوَسَط: هو -بفتح السين- على ما ذكر في الخطبة. انظر: "المطلع" (ص: 63). [ص: 71]. * شدَّ الزُّنَّار: الزُّنَّار -بضم الزاي وتشديد النون- للنصارى. انظر: "المطلع" (ص: 63). [ص: 72]. * المُمَوَّه به: المُمَوَّه: المَطْلي بذهب، أو فضة عن الجوهري. انظر: "المطلع" (ص: 63). [ص: 73]. * حِكَّة: قال الجوهري: الحِكَّة -بكسر الحاء-: الجرب. انظر: "المطلع" (ص: 63). [ص: 73]. * الحَرْب: الحَرْبُ مؤنثة، قال الله تعالى: {حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا} [محمد: 4]. انظر: "المطلع" (ص: 63). [ص: 73]. * سُجُفُ الفِراء: سُجُف: جمع سجاف -بضم السين مع ضم الجيم وسكونها-. والفِراء -بكسر الفاء ممدودًا- واحدُه فَرْو -بغير هاء- عن الجوهري. وحكى ابن فارس في "المجمل": فروة -بالهاء-، وكذا حكاه الزَّبيدي في "مختصر العين"، والله أعلم. انظر: "المطلع" (ص: 63). [ص: 74]. باب: اجتناب النجاسات * الحُشّ: -بفتح الحاء وضمها-: البستان، والحشُّ أيضًا -بفتح الحاء وضمها-: المخرَج؛ لأنهم كانوا يقضون حوائجَهم في البساتين، وهي الحشوش، فسميت الأَخليةُ في الحضر حشوشًا لذلك. انظر: "المطلع" (ص: 65). [ص: 75].
* نَحْفِدُ: -بفتح النون، ويجوز ضمها-، يقال: حفد بمعنى: أسرع، وأحفدَ لغةٌ فيه، حكاهما الشيخ في فعلَ وأفعلَ، وقال أبو السعادات في "نهايته": نسعى ونَحْفِدُ؛ أي: نسرع في العمل والخدمة، وقال ابن قتيبة: نحفِدُ: نبادر، وأصلُ الحَفْدِ: مُدارَكَةُ الخَطْوِ [في] الإسراع. انظر: "المطلع" (ص: 93). [ص: 85]. * إن عَذابَكَ الجِدَّ: الجِدُّ -بكسر الجيم-: نقيضُ الهزل، فكأنه قال: إن عذابَك الحقَّ. قال أبو عبد الله بنُ مالك في "مثلثه": الجَدُّ -يعني: بالفتح-: من النسب معروف، وهو أيضًا: العظمَةُ، والحظُّ، والقَطْعُ، والوَكْفُ، والرجلُ العظيم، والجِدّ -يعني: بالكسر-: الاجتهاد، ونقيض الهزل، وشاطئ النهر، والجُدّ -يعني: -بالضم-: الرجلُ العظيم، والبئرُ عندَ الكلأ، وجانبُ الشيء، وجمع أجد، وهو الضرع اليابس، وجمع جَدَّاء، وهي الشاة اليابسةُ الضَّرع، والمقطوعةُ، والسنةُ المُجْدِبة، والناقة المقطوعَةُ الأذن، والمرأةُ بلا ثدي، والفلاةُ بلا ماء. انظر: "المطلع" (ص: 93). [ص: 85]. * تَضَيّفَتْ لِلغُروب: قال الجوهري: تَضَيَّفَتِ الشمسُ: إذا مالَتْ للغروب، وكذلك ضافَتْ، وضَيَّفَتْ، والله أعلم. انظر: "المطلع" (ص: 97). [ص: 92]. * مَنْ لا يُفْصِحُ بِبَعْضِ الحُروفِ: يُفْصِحُ -بضم الياء- من يفصح لا غير. انظر: "المطلع" (ص: 100). [ص: 99]. * في طاقُ القِبْلَة: طاقُ القبلة: عبارةٌ عن المحراب. قال الجوهري: والطَّاقُ: ما عطفَ من الأبنية، والجمعُ: طاقات، والطيقان، فارسيٌّ معرَّب، وقال صاحب "المطالع": طاقُ البناء: الفارغُ ما تحته، وهي
باب صلاة أهل الأعذار
الحَنِيَّة، وتسمَّى: الأزج، ونقل صاحب "المستوعب" روايةً في استحبابِ وقوفِ الإمامِ فيه. انظر: "المطلع" (ص 101). [ص: 102]. * الوَحَل: قال الجوهري: الوَحَلُ -بالتحريك-: الطينُ الرقيقُ، و-بالتسكين-: لغةٌ رديئة، والله أعلم. انظر: "المطلع" (ص: 102). [ص: 103]. باب صلاة أهل الأعذار * المُجَلِّلُ: قال الأزهري: هو الذي يَعُمُّ البلادَ والعِبادَ نفعُه، ويتغَشَّاهم خيرُه، وقال -رحمه الله-: السَّحُّ: الكثيرُ المطر، الشديدُ الوَقْع على الأرض، يقال: سَحَّ الماءُ يَسُحُّ: إذا سالَ من فوق إلى أسفل، وساحَ يَسيحُ: إذا جرى على وجهِ الأرض، والعامُّ الشامِلُ. والطَّبَقُ -بفتح الطاء-، والباء قال الأزهري: هو العامُّ الذي طَبَّقَ البلادَ مَطَرُه. انظر: "المطلع" (ص: 112). [ص: 118]. * الضَّنْكُ: الضِّيقُ، قاله الجوهري وغيره، وقال القاضي عياض: الضيقُ، والشَدَّة. قال الجوهري: الضَّرْعُ لكلِّ ذاتِ ظِلْفٍ أو خُفٍّ. قال الأزهريّ: أرادَ بقوله فأرسل السماء السحاب، والمِدْرار: الكثيرُ الدَّرِّ والمَطَر. انظر: "المطلع" (ص: 112). [ص: 119]. " الظِّراب والآكام: قال القاضي عياض: الظِّراب: جمعُ ظَرِب. قال الجوهري: الطرِبُ -بكسر الراء-: واحد الظِّراب، وهي الرَّوابي الصغار، وقال مالك: الظَّرِبُ: الجُبيل المنبسِط. والآكام: -بفتح الهمزة، ويليها مدة، على وزن آصال، وبكسر الهمزة بغير مد؛ على وزن جِبال-، فالأولُ جمعُ أُكُم؛ ككُتُب، وأَكَم جمعُ إِكام؛ كجِبال، وإكام جمعُ أَكَم؛ كجبل، وأُكُم، واحده أكمةٌ، هكذا ذكره
كتاب الجنائز
الجوهري، فالأَكَمة مفردٌ جُمع أربعَ مرات: أكمة، ثم أَكَم -بفتح الهمزة والكاف-، ثم إكام كجِبال، ثم أُكُم؛ كعنق، ثم آكام؛ كآصال. قال القاضي عياض: وهو ما غَلُظ من الأرض، ولم يبلغ أن يكون جبلًا، وكان أكثر ارتفاعًا مما حوله؛ كالتلولِ ونحوها، وقال مالك: هي الجبالُ الصغار، وقال غيره: هو ما اجتمع من التراب أكبرَ من الكذى، ودون الجبال. وقال الخليل: هي حجرٌ واحد، وقيل: هي فوقَ الرابية، ودونَ الجبل. انظر: "المطلع" (ص: 113). [ص: 119]. كتاب الجنائز * الحَنُوط: قال القاضي عياض: والحَنوطُ -بفتح الحاء-: ما يُطَيَّبُ به الميتُ من طيبٍ يُخلط، وهو الحناط، والكسر أكثر. انظر: "المطلع" (ص: 117). [ص: 125]. * تَجْصِيصُهُ: بناؤه بالجِصِّ، وهو ما يُبنى به. "المطلع" (ص: 116). [ص: 128]. كتاب الزكاة * السائمة: أي الراعية. قال الجوهري: سامَتِ الماشيةُ: رَعَتْ، وأَسَمْتُها: أخرجتُها إلى الرعي. انظر: "المطلع" (ص: 122). [ص: 150]. * ملك نِصاب: قال الجوهري: النِّصاب من المال: القَدْرُ الذي تجبُ فيه الزكاة إذا بلغه؛ نحو: مئتي درهم، وخمس من الإبل. انظر: "المطلع" (ص: 122). [ص: 132]. * بِنْتُ مِخَاض: المخَاض -بفتح الميم وكسرها-: قربُ الولادة،
ووجعُ الولادة، وهو صفة لموصوف محذوف؛ أي: بنتُ ناقةٍ مخاضٍ؛ أي: ذاتِ مخاض. قال أبو منصور، والأزهري: إذا وضعت الناقةُ ولدًا في أول النِّتاج، فولدُها رُبَع، والأنثى رُبَعَة، وإن كان في آخره، فهو هُبَع، والأنثى هبعة فإذا فصلَ عن أمه، فهو فَصيل، فإذا استكمل الحولَ، ودخل في الثانية، فهو ابنُ مَخاض، والأنثى بنتُ مَخاض، وواحدة المخاض خَلِفَة من غير جنس اسمها. انظر: "المطلع" (ص: 123). [ص: 135]. * تَبِيعٌ أو تَبِيَعةٌ: قال الأزهري: التَّبِيع: الذي أتى عليه حولٌ من أولاد البقر. قال الجوهري: والأنثى تَبيعةٌ. وقال القاضي: هو المفطوم من أمه، فهو تَبيعُها، ويقوى على ذلك. انظر: "المطلع" (ص: 125). [ص: 135]. * مُسِنَّة: قال الأزهري: المُسِنَّة: التي قد صارت ثَنِيَّة، وتجذع البقرةُ في الثانية، وتثني في الثالثة، ثم هو رباع في الرابعة، وسدس في الخامسة، ثم ضالع في السادسة، وهو أقصى أسنانه، يقال: ضالع سَنَة، وضالعُ سنتين، ما زاد. انظر: "المطلع" (ص: 125). [ص: 135]. * البَخَاتِي والعِراب: قال الجوهري: الواحدُ بُخْتِيٌّ، والأنثى بُخْتِيَّةٌ، والجمعُ بَخَاتي، غير مصروف، ولك أن تخفَّ الياء فتقول: البَخَاتي؛ كالأثافي، والمهاري. قال القاضي عياض: هي إبلٌ غِلاظ ذواتُ سنامين. وقال الأزهري: ومن أنواعها -يعني: البقر-: العرابُ، وهي جُرْدٌ مُلْسٌ حسانُ الألوان كريمةٌ. انظر: "المطلع" (ص: 125). [ص: 136]. * الجَفَاف: -بفتح الجيم-: اليبس. انظر: "المطلع" (ص: 129). [ص: 141]. * الوَسْق: الوِسْق -بفتح الواو وكسرها-، حكاهما يعقوب وغيره،
وفي مقداره لغةً خمسةُ أقوال: أحدها: أنه حِمْل البعير، والثاني: أنه الحمل مطلقًا، والثالث: العدل، والرابع: العدلان، والخامس: ستون صاعًا، وهو الصحيح، وهو الذي قدمه الجوهري، ولا خلاف بين العلماء في كون الوسق ستين صاعًا. انظر: "المطلع" (ص: 129). [ص: 141]. * غلا الأرز والعلس: الأرز: الحبُّ المعروف، وفيه سِتُّ لغات: أَرْز؛ كأمن، وأَرَز؛ كأسد، وأُرُزّ؛ كُعُتلِّ، وأَرُز؛ كعضد، ورُزِّ، كمد، ورُنْز؛ كقفل، وقد جمعها شيخُنا أبو عبد الله محمد بن مالك -رحمه الله- في بيت، وهو: أَرْزٌ وأَرُزُّ أَرُزٍ صَحَّ من أَرُزٍ ... والرُّزُّ والرُّنْزُ قُلْ ما شِئْتَ لا عدلا العَلَس: -بفتح العين واللام-، فقال الأزهري: هو جنس من الحنطة، يكون في الكِمام منها الحبتات والثلاث. قال الجوهري: هو طعامُ أهل صنعاء، وقال أبو الحسن بنُ سيدَهُ: العَلَسُ: حَبٌّ يؤكل، ضربٌ من الحنطة. وقال أبو حنيفة: ضربٌ من البُرِّ جيدٌ، غير أنه عسرُ الاستنقاء. انظر: "المطلع" (ص: 130). [ص: 141]. * القِطْنِيّات: هو -بكسر القاف وفتحها، وتشديد الياء وتخفيفها-، ذكر اللغاتِ الأربعَ أيضًا في "المشارق"، وقال الأزهري: وأما القَطْنِيَّة، فهي حبوبٌ كثيرة تُقتات، وتُختبز، فمنها الحِمِّصُ، والعَدَسُ، والبَلَسُ، يقال له: البلس، وهو التين، والماش، والجلبان، واللوبيا، والدخن، والجاروس، وحَبُّهما صغار، والررُّ، والباقلاء، والقَثُّ: حب يُطبخ ويُدق ويُختبز مثه في المجاعات، سميت هذه الحبوب قطنية؛ لقطونها في بيوت الناس. انظر: "المطلع" (ص: 131). [ص: 142]. * خرصت: قال القاضي عياض: الخَرْصُ للثمار: الحَزْرُ والتقديرُ
لثمرتها، ولا يمكن إلا عند طِيبها، والخِرْص -بالكسر-: الشيء المقدَّر، و -بالفتح-: اسم الفعل. وقال يعقوب: الخَرْص والخِرصُ لغتان في الشيء المخروص، وأما المصدر، فبالفتح، والمستقبل -بالضم والكسر في الراء. انظر: "المطلع" (ص: 132). [ص: 144]. * الجِدَاد: الجِدَاد: القطعُ، حكى ابن سيدَهُ فيه -فتحَ الجيم وكسرها-، وأنه يقال: بالذال والدال، في النخل وغيره. انظر: "المطلع" (ص: 132). [ص: 144]. * أَفْراق: الأَفراق: واحدُها فَرَق -بفتح الفاء والراء- عن ثعلب، وقال ابن فارس، وابن سيده: تُفتح راؤه، وتسكَّن. وحكى القاضي عِياض الوجهين، قال والفتحُ أشهرُ، وقال المصنف -رحمه الله-: والفرقُ ستةَ عشرَ رطلًا بالعراقي، وهو المشهور عند أهل اللغة، قال أبو عُبيد: لا خلاف بين الناس أعلمه أن الفَرَق ثلاثةُ آصُع؛ لحديث كعبِ بنِ عُجْرَة، وقال ابنُ حامد، والقاضي في المجرد. الفرقُ ستون رطلًا، وحكي عن القاضي: أن الفرق ستة وثلاثون رطلًا، ويحتمل أن يكون نصابُ العسلِ ألفَ رطل، لفقته من "المغني"، و"الكافي". انظر: "المطلع" (ص: 132). [ص: 146]. * بَهْرَجا: البَهْرَجُ: الباطل، والبهرج: الرديء، وهو معرَّب. قاله الجوهري. انظر: "المطلع" (ص: 135). [ص: 147]. * الكراء: الكرِاءُ -بكسر الكاف ممدودًا-، نص عليه الجوهري وغيره من أهل اللغة، ولم أر أحدًا ذكر فيه القصر، مع شدة الكشف والبحث، والله أعلم. انظر: "المطلع" (ص: 135). [ص: 149].
كتاب الصيام
* الخاتمُ وقَبيَعةُ السَّيف: الخاتَم: هذا المعروفُ، قرأ عاصمٌ -بفتح التاء-، وقرأ الباقون -بكسرها-، وحكي الجوهري فيه: خاتام؛ بوزن ساباط، وخَيْتام، بوزن بَيْطار، وقال الجوهري: قَبيعَةُ السيف: ما على طرفِ مَقْبَضِة من فضةٍ أو حديد. انظر: "المطلع" (ص: 135). [ص: 149]. * المِنْطَقَة: قال الخليل في "كتاب العين": والمِنْطَق، والمِنْطَقة: ما شددَت به وَسْطَكَ، والنِّطاق: إزار فيه تَكَّةٌ تنتطِق بها المرأة. انظر: "المطلع" (ص: 135). [ص: 149]. * الأَقِط: ذكر ابن سيدَهْ في "محكمه" في الأقط أربعَ لغات: -سكون القاف مع فتح الهمزة، وضمها، وكسرها، وبكسر القاف مع فتح الهمزة-، قال: وهو شيء يُعمل من اللَّبَنِ المَخيض، وقال ابن الأعرابي: يُعمل من ألبان الإبلِ خاصة. انظر: "المطلع" (ص: 139). [ص: 154]. كتاب الصيام * غَيْمٌ: قال ابن سيده: الغَيْم: هو السحاب، وقيل: هو ألا يرى شمسًا من شدة الحر، وجمعه غيوم، وغِيام. انظر: "المطلع" (ص: 146). [ص: 165]. * قَطَرَ في إحْلِيلِه: -مخفَّف الطاء-، قال الجوهري: قطر الماءَ وغيرَه، يقطُر، وقطرتُه أنا، يتعدَّى، ولا يتعدى، والإِحْليل: مخرَجُ البول، ومخرجُ اللَّبَنِ منَ الضَّرْعِ والثَّدْي. انظر: "المطلع" (ص: 148). [ص: 169]. * فَلفَظَه: -بفتح أوله وثانيه-؛ أي: رمى به. انظر: "المطلع" (ص: 148). [ص: 169].
كتاب المناسك
كتاب المناسك * هِمْيانه: قال الجوهري: هِمْيانُ الدراهم -بكسر الهاء-، وهو معرَّب، وهُمِيانُ ابنُ قحافَة السعديُّ -يكسر ويضم-. انظر: "المطلع" (ص: 171). [ص: 186]. * وَحْشيًا: الوَحْشيُّ من دوابِّ البر: ما لا يستأنس غالبًا، والجمعُ: الوحوش، وقال الجوهري: الوحوش: حيوانُ البر، الواحد: وحشي، يقال: حمارُ وَحْش -بالإضافة-، وحمارٌ وحشيٌّ. انظر: "المطلع" (ص: 174). [ص: 191]. * الأَيل والثيتل والوعل: الإيَّل -بكسر الهمزة وتشديد الياء مفتوحة-: الذَّكَر من الأوعال، ذكره صاحب "ديوان الأدب" في باب: فِعَل -بكسر الفاء وفتح العين من المهموز المضاعف-، وذكره الجوهري -بضم الهمزة وكسرها- في: أَوَلَ، لا في أَيَلَ. وأما الثَّيْتَل، فهو الوعلُ المسنُّ -بفتح الثاء المثلثة بعدها ياء مثناة تحتية ساكنة وثالثه تاء مثناة فوقية مفتوحة-، ورأيته في "المحكم" في النسخة المنقولة من خط ابن خلصة، المنقولة من أصل المصنف: تَيْثَل -بتقديم المثناة على المثلثة-، وقال: هو الوعل عامة، وقيل: المسنُّ منها، وقيل: ذكر الأَرْوى، وجنسٌ من بقر الوحش ينزل الجبالَ، واسم جبل، وقال ابن شُميل: الثَّياتِلُ تكونُ صغارَ القرون. وقال أبو خيرة: الثَّيتلُ من الوعول لا يبرحُ الجبل، ولقرنيه شُعَب، حكاه الأزهري، فأما الوَعل، وهو تيسُ الجبل، وجمعه وُعول، ففيه ثلاث لغات: فتح أوله وكسر ثانيه، وإسكانه، والثالثة: ضم أوله وكسرُ ثانيه، ولم يجئ على وزنه إلا رِئْم. انظر: "المطلع" (ص: 179). [ص: 191].
* الضَّبُعِ: الضَّبُعُ -بفتح الضاد وضم الباء، ويجوز إسكانها-، وهي الأنثى، ولا يقال: ضَبْعة، والذكر ضِبْعان -بكسر الضاد وسكون الباء-، وجمع الذكر ضَباعين؛ كسراحين، وجمع الأنثى ضِباع. * الكَبْشُ: فحلُ الضَّأنِ في أيِّ سِنٍّ كان، وقيل: هو كبشٌ إذا أثنى، وقيل: إذا أَرْبَعَ، والجمع أَكْبُش، وكِباش، كله عن ابن سيدَهُ. انظر: "المطلع" (ص: 180). [ص: 191]. * في الغزالِ والثعلب عَنْزٌ: الغزالُ من الظِّباء: الشادِنُ قبل الإثناء من حينِ يتحرك ويمشي، وقيل: هو بعد الطَّلا، وقيل: هو غزال من حين تلدُه أمه إلى أن يبلغ أَشدَّ الإحضار، وذلك حين يقرن قوائمَه فيضعُها معًا، ويرفعُها معًا، والجمعُ، غِزْلَة، وغِزْلان، والأنثى بالهاء، وقد أَغْزَلَتِ الظَّبيةُ، أو ظَبْيَةٌ مُغْزِلٌ: ذاتُ غَزال، نقل ذلك ابن سيده. والعَنْزَةُ: الماعزُ، وهي الأنثى من المعز، وكذا العنزُ من الظباء والأوعال، وإذا كان الغزال الصغير من الظباء، فالعنزُ الواجبةُ فيه صغيرة مثلُه. والثعلب: قال الجوهري: الثعلبُ معروف. وقال الكسائي: الأنثى منه ثعلبة، والذكر ثعلبان. وقال الجوهري وغيره: العنزُ: الأنثى من المعز، والذكرُ تَيْسٌ. الوَبْر: الوَبْرُ -بسكون الباء-، حكى الأزهري عن ابن الأعرابي، قال: الوبر: الذكرُ، والأنثى وَبْرَةٌ، وهي في عِظم الجُرَذِ إلا أنها. انظر: "المطلع" (ص: 180). [ص: 191]. * في اليَرْبوع جَفْرَة: قال: اليربوع: واحدُ اليرابيع، والياء زائدة، وقال ابنُ سيدَهُ: اليربوع: دابة، والأنثى بالهاء، ولم يفسره واحدٌ منهما بصفته.
وقال أبو السعادات: اليربوعُ: هذا الحيوانُ المعروف، وقيل: هو نوع من الفأر، والياء والواو فيه زائدتان، وأما الجَفْرَة، فقال أبو زيد: إذا بلغت أولادُ المعزِ أربعةَ أشهر، وفُصلت عن أمهاتها، فهي الجِفار، والواحدُ جفر، والأنثى جَفْرَة. وقال ابنُ الأعرابي: الجفر: الحَمَلُ الصغير، والجديُ: الصغيرُ بعدما يُفطم ابن ستة أشهر، آخر كلامه. وسمي الجفر بذلك؛ لأنه جَفَرَ جنباه؛ أي: عَظُما. انظر: "المطلع" (ص: 181). [ص: 191]. * في الأرنبِ عَناق، وفي الحَمَام، وهو كُلُّ ما عَبَّ وَهَدَر شاةٌ: قال الكسائي: كُلُّ مُطَوَّقٍ حمامٌ. الأرنبُ: حيوان معروف، شهرتُه تغني عن وصفه، وهو مصروف؛ لأنه ليس بصفة، بل اسم جنس. وأما العَناق، فقال الجوهري: العَناق: الأنثى من ولد المعز، والجمع أَعْنُق، وعُنوق، وقال صاحب "المطالع": هي الجَذَعَةُ من ولد المَعْز التي قاربتِ الحملَ. وقال الجوهري: العَبُّ: شربُ الماء من غير مَصٍّ، والحمامُ يشربُ الماء عَبًّا كما تعبُّ الدوابُّ، وهَدَرَ؛ أي: صَوَّتَ. وقال غيره: هدَر غَرَّدَ ورَجَّعَ صوتَه كأنه يسجَعُ. انظر: "المطلع" (ص: 182). [ص: 191]. * شاذَرْوان الكعبة: هو بفتح الشين والذال المعجمتين، وسكون الراء: القَدْرُ الذي تُرك خارجًا عن عَرْض الجدار مرتفعًا عن وجه الأرض قدرَ ثلثي ذراع. قال الأزرقي: قدرُهُ ستةَ عشرَ أصبعًا، وعرضُه ذراع، والذراعُ أربعٌ وعشرون أصبعًا، وهو جزء من الكعبة، نقضته قريشٌ من عرض جدار أساس الكعبة، وهو ظاهر في جوانب البيت، إلا عند الحجر
باب الهدي
الأسود، وهو في هذا الزمان قد صفح، فصار بحيث يعسُر الدوس عليه، فجزى الله فاعله خيرًا. انظر: "المطلع" (ص: 191). [ص: 199]. * ما بين المَأْزِمَيْن ووادي مُحَسِّر: المَأْزِمان: تثنيةُ مَأْزِم -بفتح أوله وإسكان ثانية وكسر الزاي-، كذا قيده البكري، وقال: هما معروفان بينَ عرفةَ والمزدلفة، وكلُّ طريق بين جبلين فهو مأزمٌ، وموضع الحَرْبِ أيضًا مأزم، قال الجوهري: ومنه سُمِّي الموضع الذي بين المشعر الحرام وعرفة مأزمين. انظر: "المطلع" (ص: 196). [ص: 202]. * يتضَلَّع منه: أي: يملأ أضلاعَه من الماء. قال الجوهري: تضلَّعَ الرجلُ؛ أي: امتلأ شبعًا ورِيًّا. انظر: "المطلع" (ص: 201). [ص: 204]. باب الهدي * مَعْقولة: أي: مشدودة وظيفُه مع ذراعه بالعِقال. انظر: "المطلع" (ص: 205). [ص:2/ 2]. * الوَهْدَة: الوَهْدة -بسكون الهاء-: المكان المُطْمَئِنُّ، والجمع: وَهْد، ووِهاد. انظر: "المطلع" (ص: 205). [ص: 212]. * جُلّها: -بضم الجيم-: ما تُجلل به الدابةُ، وجمعه: جِلال، وجمعُ جِلال: أَجِلَّة. انظر: "المطلع" (ص: 207). [ص: 213]. كتاب الجهاد * الجهاد: مصدرُ جاهدَ جهادًا. انظر: "المطلع" (ص: 209). [ص: 215]. * الرِّباط: الرِّباط: مصدر رابطَ رِباطاً ومُرابطةً: إذا لزمَ الثَّغْرَ مُخيفًا
للعدو، وأصلُه من ربطِ الخيلِ؛ لأن كلاًّ من الفريقين يربطون خيلَهم مستعدِّين لعدوهم. انظر: "المطلع" (ص: 210). [ص: 215]. * الثَّغْر: الثَّغْر: موضعُ المخافة من حِصْن وغيرِه. وقال أبو السعادات: هو موضعُ المخافة من أطراف البلاد. انظر: "المطلع" (ص: 210). [ص: 215]. * المِنْجَنيق: قال أبو منصور موهوب اللغوي: المنجنيقُ اختَلَفَ فيه أهلُ العربية، فقال قوم: ميمُه زائدة، وقيل: بل أصلية، ويقال: مَنْجَنيق ومِنْجَنيق -بفتح الميم وكسرها-، وقيل: الميم والنون في أوله زائدتان، وقيل: أصليتان، وهو أعجميُّ معرَّب، وحكى الفراء: مَنْجَنوق -بالواو-، وحكى غيره: مَنْجَليق، وقد جنق المنجنيق، ويقال: جَنَّق -بالتشديد-. انظر: "المطلع" (ص: 210). [ص: 216]. * الاسْتِرْقَاقُ والمَنَّ والفِداء: الاسترقاق: اتخاذ: الأسيرِ رقيقًا، والمَنُّ عليه: إطلاقه بغير شيء، والفداء: أن يبدله بأسير في أيدي العدو، أو بمال. الفِداء: إذا كُسر أوله، يُمدُّ ويُقصر، وإذا فُتح أوله، قُصر لا غير، حكى ذلك الجوهري. انظر: "المطلع" (ص: 212). [ص: 218 - 219]. * البُثُوق: جمع بثق، وهو المكان في أحد جانبي النهر، يقال: بَثَقَ السيل الموضعَ يَبْثق بَثقًا وبِثقًا -بالفتح والكسر-؛ أي: خرقه. انظر: "المطلع" (ص:219). [ص:224]. * كَرْي الأنهار: كري؛ بوزن رَمْي، وهو حفرُها وتنظيفُها، وكريُ البئر: طَيُّها. عن الشيباني. انظر: "المطلع" (ص: 219). [ص: 224]. * عمل القَناطِر: القَناطر: جمع قَنْطَرَة، وهي الجسر. قاله الجوهري. انظر: "المطلع" (ص: 219). [ص: 224].
كتاب البيع
كتاب البيع * القَزّ: نوعٌ من الإبريسَم، معرَّب، وَبِزْره -بفتح الباء وكسرها-، والكُوارات -بضم الكاف-: جمع كُوارة، وهي ما عَسَل فيها النحلُ، وهي الخلية أيضًا، وقيل: الكوارةُ من الطين، والخليةُ من الخشب، ولا فرق بينهما في جواز البيع. انظر: "المطلع" (ص: 228). [ص: 237]. * السَّرْجين: السَّرْجين: هو الزِّبْل يُقال له: سَرْجين، وسَرْقين -بفتح السين وكسرها فيهما-. عن ابن سيده. انظر: "المطلع" (ص: 229). [ص: 243]. * الصُّبْرَة: الصُّبْرَة: الطعامُ المجتمعُ كالكومة، وجمعها صبر، سميت بذلكَ لإفراغ بعضِها على بعض، يقال لا سحابِ فوقَ السحاب: صبير، ويقال: صبرت المتاعب، وغيره: إذا جمعته، وضممت بعضه على بعض. انظر: "المطلع" (ص: 231). [ص: 240]. * الخَصِيّ: فعيل بمعنى مفعول، وهو من سُلَّتْ بَيْضَتاه. انظر: "المطلع" (ص: 233). [ص: 267]. * الدابة هِمْلاجة: التي تمشي الهَمْلَجَة، وهي مشية معروفة، فارسيٌّ معَّرب. انظر: "المطلع" (ص: 233). [ص: 255]. فَصْلٌ في الخيار * تَصْرِيَةُ اللَّبَنِ في الضَّرْع: التَصْرية: مصدر صَرَّى؛ كعلَّى تَعْلِيَةً، وسَوَّى تسوية ويقال، صَرَى يَصْري؛ كرمى يرمي، كلاهما بمعنى: جمعَ، والأكثرون على أن التصريةَ مصدرُ صَرَّى يُصَرِّي معتل اللام، وذكر الأزهري
عن الشافعي: أن المُصرَّاة: التي تُصَرُّ أَخلافُها، ولا تُحْلَب أيامًا حتى يجتمعَ اللبنُ في ضَرعِها، فإذا حلبها المشتري، استَغْزَرها، فجائز أن يكون من الصَّرِّ، إلا أنه لما اجتمع في الكلمة ثلاث راءات، قلبت الثالثة ياء؛ كما قالوا تَقَضَّى في تَقَضَّضَ، وتَضَنَّى في تَضَنَّن، وتَصَدَّي في تَصَدَّدَ؛ كراهية لاجتماع الأمثال. انظر: "المطلع" (ص: 236). [ص: 268]. * المَشُوب: المَخْلوط. انظر: "المطلع" (ص: 240). [ص: 258]. * المحاقلة: المُحاقَلَةُ: مفاعَلَةٌ من الحقل، وهو الزرعُ إذا تشعَّبَ قبل أن يغلُظَ سوقه، وقيل: الحقل: الأرض التي تُزرع. قال صاحب "المطالع": المحاقلة: كراء الأرض بالحِنطة، أو كراؤها بجزءٍ مما يخرجُ منها، وقيل: بيعُ الزرع قبل طِيبه، أو بيعُه في سنبله بالبُرِّ، وهو من الحقل، وهو الفدان، والمحاقِل: المزارع، وذكر غير ذلك. انظر: "المطلع" (ص: 240). [ص: 238]. * المُزَابَنَة: المُزابَنَةُ: مُفاعلة مَن الزَّبْن، وهو الدفع؛ كأن كلَّ واحد منهما يزبنُ صاحبه عن حقه بما يزداد منه. قال صاحب "المطالع": المزابنة، والزبن: بيعُ معلوم بمجهول من جنسه، أو بيع مجهول من جنسه، مأخوذٌ من الزَّبْن، وهو الدفع. وفسرها ابن الأثير بما فسرها به المصنف -رحمه الله-، وفسرها غيره ببيع الزرع بالحنطة، وبكل ثمر يخرصه. انظر: "المطلع" (ص: 231). [ص: 238]. * مُدّ عَجْوَة: قال الجوهري: العَجْوَة: ضَرْبٌ من أجودِ التمر بالمدينة، ونخلُها يسمى: لِيَنة. انظر: "المطلع" (ص: 241). [ص: 258]. * دينار قُراضة: القُراضَة -بضم القاف-: قطعُ الذهب والفضة، يجوز
باب السلم
نصبُه على التمييز، وَجُّره بالإضافة، أو على الصفة، وتنوين دينار على الأول والثالث. * السَّلاليم: واحدِها سُلَّم -بضم السين وفتح اللام-، وهو المِرْقاة، والدَّرَجَة. عن ابن سيده، قال: ويذكَّر ويؤنَّث، وأنشدَ لابنِ مُقْبِل: لا يُحْرِزُ المرءُ أَحْجار البلادِ وَلا تُبْنى له في السمواتِ السَّلاليمُ انظر: "المطلع" (ص: 242). [ص: 262]. * الجِدَاد: الجِدَاد -بفتح الجيم وكسرها، بالدال والذال المهملة والمعجمة- عن ابن سيده، كلُّه: صِرامُ النَّخْل. انظر: "المطلع" (ص: 243). [ص: 252]. باب السَّلَم * الرّوزَنَة: قال ابنُ السِّكِّيت: الروزنة: الكَوَّةُ، وهي معرَّبة. انظر: "المطلع" (ص: 252). [ص: 301]. * الطاق: الفارغ ما تحتَه، هي الحَنِيَّة، وتسمَّى: الأزج أيضًا، كله عن ابنِ قَرَقول. وقال ابن عباد: الطاقُ: عقد البناء حيثما كان، والجمع: الأطواق الطيقان. والجدار والجدر: الحائط. والآلة: الأداة أيَّ شيء كانت، كذا ذكره صاحب "الوجوه النظائر"، والمراد بها: الأنقاض. والباني بالباء -الموحدة-: اسم فاعل من بنى يبني، وليس بالثاء المثلثة. انظر: "المطلع" (ص: 262). [ص: 301].
كتاب الحجر
كتاب الحجر بُهزال: الهُزال -بضم الهاء-: ضد السِّمَن، يقال: هَزُلَتِ الدابة هُزالًا، وَهَزْلتُها أنا، وأَهْزَلْتُها: أَعْجَفْتُها. انظر: "المطلع" (ص: 255). [ص: 304]. كتاب الشركة * العِنان: -بكسر العين-، وفي تسميتها بذلك ثلاثةُ أوجه: أحدها: أنها من عَنَّ الشيء يَعِنُّ ويَعُنُّ -بكسر العين وضمها-: إذا عرض؛ كأنه عنَّ لهما هذا المال؛ أي: عرض، فاشتركا فيه، قاله الفراء، وابن قتيبة، وغيرهما. والثاني: أن العِنان مصدرُ عانَّه عِنانًا ومُعاننة: إذا عارضه فكل واحد منهما عارض الآخر بمثل ماله وعمله، والثالث: أنها شبهت في تساويهما في المال والبدن بالفارسين إذا سويا بين فرسيهما، وتساويا في السير، فإن عِنانيهما يكونان سواء. ذكر المصنف -رحمه الله - معنى الثلاثة في "المغني"، والعِنان في اللغة: السيرُ الَّذي يُمسَك به اللجام. انظر: "المطلع" (ص: 260). [ص: 319]. * يُحابي: يقال: حباه يحبوه حبوًا، وحِباءً: إذا أعطاه، فليس له أن يعطي؛ لأنه تبرُّع ولا يتبرع بمال غيره، وفي معناه البيعُ بدون القيمة، والشراءُ بأكثر منها؛ لأنه عطية في المعنى، وقد تقدم معناه في الحجر. انظر: "المطلع" (ص: 260). [ص: 320]. * سَفْتَجَة: السَّفْتَجَة -بفتح السين المهملة والتاء المثناة فوق بينهما فاء ساكنة وبالجيم-: كتابٌ لصاحب المال إلى وكيله في بلد آخر؛ ليدفع إليه بدلَه، وفائدتُه السلامةُ من خطر الطريق ومؤنة الحمل. انظر: "المطلع" (ص: 260). [ص: 281].
* يُبْضِع: -بضم الياء-: مضارعُ أبضعَ. قال الجوهري: البضاعة: طائفة من المال تبعث للتجارة، تقول: أَبْضَعْتُ الشيءَ، واستَبْضَعْتُه؛ أي: جعلته بضاعة. انظر: "المطلع" (ص: 261). [ص: 320]. * التَّلَصُّص: هو تَفَعُّلٌ من اللُّصوصية -بفتح اللام وضمها-، واللص -بكسر اللام وفتحها وضمها-، نقلها ابن سيده في كتابه "المخصص". انظر: "المطلع" (ص: 262). [ص: 321]. * شركة المُفاوَضَة: المُفاوضَةَ: مفاعَلَة، يقال فاوَضَه مفُاوضَةً؛ أي: جازاه، وتفاوضوا في الأمر؛ أي: فاوض بعضُهم بعضًا، وشركة المفاوضة ضربان: أحدهما: أن يشتركا في جميع أنواع الشركة؛ كالعنان والأبدان والوجوه، والمضاربة، فهي شركة صحيحة، والثاني: ما فسره به المصنف -رحمه الله-، فهي فاسدة عند إمامنا، والشافعي، وأجازه أبو حنيفة بشروط شَرَطها، وحكيت إجازتها عن الثوري، والأوزاعي، ومالك. انظر: "المطلع" (ص: 262). [ص: 322]. * الكِراء: الكِراء -بكسر الكاف ممدودًا- قال الجوهري: والكراءُ ممدودًا؛ لأنه مصدر كاريت، والدليلُ على ذلك أنك: تقول رجُل مُكارٍ، ومُفاعِلٌ إنما يكون من فاعَلْتُ، آخر كلامه. يقال: أكريتُ الدارَ، والدابةَ، ونحوهما، فهي مُكْراةٌ، وأكريتُ، واستكريت وتكاريت بمعنى، والكراء يُطلقُ على المُكْري، والمكتري. انظر: "المطلع" (ص: 264). [ص: 330]. * خِطَّته روميا: خِطَّته -بكسر الخاء وتشديد الطاء-، وروميا: منسوب إلى الروم، وهم جيل من الناس، وهم من ولد الروم بنِ عيصو، يقال:
روميٌّ، وروم؛ كما يقال: زنجيٌّ وزَنْج. وفارسيًا: منسوب إلى فارس البلادِ المعروفة، ورومي وفارسي إشارة إلى نوعين من الخياطة كانا معروفين. انظر: "المطلع" (ص: 265). [ص: 336]. * دِياس زَرْع: يقال: داسَ الزرعَ دياسًا؛ بمعنى: درسه، وأَداسَه لغةٌ، ومعناها دَقَّه ليتخلص الحبُّ من القشر. * البالوعَة والكُنُف: قال ابن درستويه: وسميت البالوعة على فاعولة، وبَلُّوعة على فَعُّولة، لأنها تبلع المياه، وهي البواليع، والبلاليع. قال المطرز في "شرحه": ويقال لها أيضًا: البلوقة، وجمعها بلاليق، قال: وقد جاءت البَلَّاعَة، والبَلَّاقَة على وزن عَلَّامَة. قال الجوهري: البالوعة: ثقبٌ في وسط الدار، وكذلك البَلُّوعة، فيكون فيها حينئذ خمسُ لغات. والكُنُف -بضم الكاف والنون-: جمعُ كنيف، وهو الموضع المُعَدُّ للتَّخَلِّي من الدار. قال ابن فارس: الكَنيف: الساتر، ويسمى الترس كنيفًا؛ لأنه يستر. انظر: "المطلع" (ص: 266). [ص: 331]. * المُنَاضَلَة: وهي مُفَاعَلة من النَّضْل: السبق، يقال ناضَلَه نِضالًا ومناضلَة، وقد تقدم في أول الباب. انظر: "المطلع" (ص: 270). [ص: 341]. * الرَّشْق: الرَّشْق -بفتح الراء-: الرميُ نفسه، والرِّشْق -بالكسر-: الوجه من السهام ما بين العشرين إلى الثلاثين، يرمي بها رجل واحد، هذا معنى ما ذكره الأزهري. وقال أبو عبد الله السامُرِّي: وليس للرَّشْقِ عددٌ معلوم عند الفقهاء، بل أيُّ عدد اتفقا عليه، وعدد الإصابة أن يقال: الرشق عشرون، والإصابة خمسة، أو نحو ذلك. انظر: "المطلع" (ص: 270). [ص: 341].
كتاب العارية
كتاب العارِيَّة * لُجَّة البَحْر: اللُّجَّة -بضم اللام- من البحر: حيث لا يدرك قعرُه. انظر: "المطلع" (ص: 272). [ص: 349]. * خَمْلُ المِنْشَفَة: الخَمْل -بسكون الميم-: ما يعلو الثوب من الزئبر، شبيه بخمل الطنافس، والمِنشفة -بكسر الميم-. انظر: "المطلع" (ص: 273). [ص: 350]. * إِصْطَبْل المالك: إِصْطَبْل -بكسر الهمزة-، وهي همزة قطع أصلية، وسائر حروفها أصلية، وهو بيتُ الخيلِ ونحوِها. قال أبو عمرو: ليس من كلام العرب. انظر: "المطلع" (ص: 273). [ص: 350]. كتاب الغصب * هَدْر: -بفتح الدال وسكونها-، أي: باطلة. انظر: "المطلع" (ص: 275). [ص: 359]. * زِقّ: الزِّقُّ -بكسر الزاي-: السِّقاءُ ونحوُه من الظروف. انظر: "المطلع" (ص: 277). [ص: 360]. * أَجَّجَ: أي: أضرمَ وأَلْهَبَ. انظر: "المطلع" (ص: 277). [ص: 360]. * فِنائِه: -بكسر الفاء ممدودًا-. قال الجوهري: هو ما امتدَّ من جوانب الدار. انظر: "المطلع" (ص: 277). [ص: 360]. * طُنبورا: والطُّنبور -بضم الطاء- فارسيٌّ معرَّب، والطِّنبار لغةٌ فيه بوزن سِنْجار. انظر: "المطلع" (ص: 277). [ص: 358]. * شِقصًا: الشِّقْص -بكسر الشين-. قال أهل اللغة: هو القطعة من
كتاب الوصايا
الأرض، والطائفة من الشيء، والشَّقيص: الشريك انظر: "المطلع" (ص: 278). [ص: 363]. كتاب الوصايا * المَخوف: المخوف -بالنصب-: صفة لمرض، لا للموت. انظر: "المطلع" (ص: 292). [ص: 386]. كتاب الفرائض * الاختلاج: الاضطراب، يقال: اختلجت عينُه: إذا اضطربت. انظر: "المطلع" (ص: 307). [ص: 721]. * فاستهلَّ أحدُهما، وأشكل، أقرع بينهما: أطلق العبارة ولا يقرع بينهما. انظر: "المطلع" (ص: 307). [ص: 722]. كتاب النِّكَاح * المُستامَةُ: هي المطلوبُ شراؤها، يقال: سامَ الشيءَ، واستامَهُ: طلبَ ابتياعه، فهو مُستام للفاعل والمفعول. انظر: "المطلع" (ص: 319). [ص:410]. * العِنِّين: العِنِّين -بكسر العين والنون المشددة-: العاجز عن الوَطْء، وربما اشتهاه، ولا يمكنه، مشتقٌّ من عَنَّ الشيءُ: إذا اعترضَ. قال الجوهري: رجلٌ عِنِّينٌ: لا يشتهي النساءَ بَيِّنُ العنَّة، وامرأةٌ عِنِّينَةٌ: لا تشتهي الرجال، فَعيلٌ بمعنى مفعول؛ كجريح. وقال صاحب "المطالع": وقيل: هو الَّذي له ذَكَرَ له ينتشر. وقيل: له مثل الزرّ، وهو الحَصور، والله أعلم، وقيل: هو الَّذي لا ماء له، والله أعلم. والعُنَّة -بالضم-: العجزُ عن الجماع، و-بالفتح-: المرة؛ من عَنَّ
كتاب الصداق
الرجلُ: إذا صار عِنِّينًا، أو مجبوبًا، و -بالكسر- الهيئة من ذلك، ومن غيره. انظر: "المطلع" (ص: 319). [ص: 410]. * زُفُّتْ: أي: أُهْدِيَتْ، يقال: زَفَفْتُ العروسَ إلى بيتِ زوجِها زَفّاً، وزِفافًا، وأَزْفَفْتُها: أهديتُها. انظر: "المطلع" (ص: 320). [ص: 413]. * جَبَلتها عليه: أي: خَلْقَتها، وطبيعتها، والله أعلم. انظر: "المطلع" (ص: 320). [ص: 413]. كتاب الصداق * دَعا الجَفَلَى: دعوةُ الجَفَلَى: أن يَدْعو عامّا، لا يخصُّ بعضًا، فإن خَصَّ، فهي دعوةُ النَّقَرَى، قال طَرَفَة: نَحْنُ في المَشْتَاةِ نَدْعُو الجَفَلَى ... لا تَرَى الآدِبَ مِنَّا يَنْتَقِرْ انظر: "المطلع" (ص: 328). [ص: 4430]. * التِّثار: النِّثار -بكسر النون -: اسم مصدر؛ من نثرتُ الشيء، أنثرُه نثرًا، فهو اسمُ مصدر مطلق على المنثور. انظر: "المطلع" (ص: 329). [ص: 444]. كتاب الطلاق قَرْء: القَرْء -بفتح القاف-: الحيض، والطهر، وهو من الأضداد، وحكى ابن سيده ضَمَّها، والجمع أَقْراء، وقرُوء، وأَقْرُؤ. انظر: "المطلع" (ص: 334). [ص: 517]. * أَسْمَجه: أَفْعَلُ تفضيل؛ من سَمُجَ سَمْاجَة، وهو ضدُّ حَسُنَ واعتدلَ، والله أعلم. انظر: "المطلع" (ص: 334). [ص: 517]. باريَّة: الباريَّة -بالتشديد-: هي المنسوجة من القصب، يقال لها:
كتاب القضاء
بارِيّ، وبارِيَّة، وبورِيّ بتشديد الثلاث، وبارِياء، وبُورياء -ممدودين- خمس. قال الأصمعي: البورياء بالفارسية، وهي بالعربية: باريّ، وبوريّ. انظر: "المطلع" (ص: 335). [ص: 459]. كتاب القضاء * صُقْع: الصُّقع -بضم الصاد-: الناحية، وفلان من أهل هذا الصقع؛ أي: هذه الناحية. انظر: "المطلع" (ص: 393). [ص: 640]. * السِّجِلّ: السِّجِلُّ -بكسر السين والجيم-: الكتابُ الكبير، وأسجلَ له كتابًا يسُجِل إسجالًا: إذا كتبه له في المحضر يُسَجَّل به. انظر: "المطلع" (ص:401). [ص:656]. كتاب الشهادات * المُصافِعُ: المصافِعُ: مُفاعِل من صَفَعَ، قال السعدي: وصَفَعَه صَفْعًا: ضربَ قَفاه بجميع كَفِّه. قال ابن فارس: الصَّفْع معروف، وقال الجوهري: الصَّفْع كلمةُ مُوَلَّدة، فالصافِع إذن مَنْ يصفع غيرَه، ويمكِّنُ غيرَه من قفاه فيصفَعُه. انظر: "المطلع" (ص: 409). [ص: 678]. * المُتَمَسْخِر: المُتَمَسْخِرُ: اسم فاعل من تَمَسْخَرَ، وهو تَمَفْعُلٌ من سَخِر، فالمتمسخر يفعلُ ويقول شيئًا يكون سببًا لأن يسخر منه، أي: يهزأ به. انظر: "المطلع" (ص: 409). [ص: 678]. * الرقَّاص: الرَّقَّاص: من أمثلة المبالغة، فهو الكثيرُ الرقص، يقال رَقَصَ يرقُص رَقْصًا، فهو رَقَّاص، ورقص الآل: اضطرب، والشراب: أخذ في الغليان، والرقصُ معروفٌ بالشِّطرنج والنَّرْد. انظر: "المطلع" (ص: 409). [ص: 678].
* مُباضَعَةُ أهلِه: المُبَاضَعَةُ: المُجامَعَةُ، وكذلكَ البِضاع؛ كالنِّخال، والنِّفاط، والقِمام، والزِّبال، والمشعوذِ، والقراد، والكِباش. انظر: "المطلع" (ص: 409). [ص: 678]. * النخال والنفاط والقمام والزبال والمشعوذ والقراد والكباش: النِّخال: مبالغة في ناخل، يقال: نخل الشيء نخلًا، نَقَّى رديئَهُ، ونَخَل الدَّقِيقَ، غَرْبَلَهُ، والمُنخُلُ -بضِم الميم والخاء- ما يُنْخَلُ به، فالنَّخال هو الَّذي يتَّخذُ غِرْبَالًا أو نحوه، يُغرْبِلُ بِهِ ما في مجاري السِّقَاياتِ، وما في الطُرُقَاتِ، مِنْ حَصَى أو تُرابٍ؛ لِيَجِدَ في ذلك شيئًا من الفُلُوسِ والدَّرَاهِمِ، وغيرها. والنَّفاط: اللَعَابِ، مثل: لبَّان وتَّمار والقمَّام: فّعال، من قَمَّ البيتَ، إذا كَنَسهُ، والقُمامة، الكُنَاسةُ، والجمْعُ قِمَام، فالقمَّام الكّناس. والزَّبَّال: معروف، وهو الَّذي صِنَاعتَه الزِّبْل، كَنْسًا، ونَقْلًا، وجمعًا، وغير ذلك. والمُشَعْوذِ: من الشَّعْوَذَةِ، قال ابن فارس: ليستْ مِنْ كَلامِ أَهْلِ الباديةِ، وهِي خِفَّةُ في اليدينِ وأَخْذَة كالسِّحْرِ، وقال السعدي: الشعوذةُ الخِفَّة في كل أمر. والقَرَّاد: الَّذي يلعبُ بالقِرْد، ويطُوفُ به في الأسواقِ، ونحوها، مكتسبًا بذلك. والكبَّاش: الَّذي يلعب بالكَبْش، ويناطحُ به، وذلك من أفعال السُّفهاءِ والسَّفَلَة.
كتاب الإقرار
انظر: "المطلع" (ص: 410). [ص: 678]. كتاب الإقرار * يُحاصّ: مضارعُ حاصَّهُ، وهو مُفاعَلَة من الحِصَّة. قال الجوهري: يَتَحاصُّون: إذا اقتسموا حِصصًا، ويحاصُّ مرفوعٌ على الخبر، ويجوز فتحُه على الجزم محركًا لإلتقاء الساكنين. انظر: "المطلع" (ص: 414). [ص: 685].
الملحق الثاني: تراجم الأعلام
الملحق الثاني: تراجم الأعلام 1 - الخَلَّال هو أحمدُ بنُ محمدِ بنِ هارونَ، المعروفُ بالخَلَّال، له التصانيفُ الدائرة، والكتبُ السائرة، من ذلك: "الجامع"، و"العلل"، و"السنة"، و"العلم"، و"الطبقات"، و"تفسير الغريب"، و"الأدب"، و"أخلاق أحمد"، وغير ذلك، سمع الحسن بن عرفة، وسعدان بن نصر، ومحمد بن عوف الحمصي وطبقته، وصحب أبا بكر المروذي إلى أن مات، وسمع جماعة من أصحاب الإمام أحمد، منهم: صالح، وعبد الله ابناه، وإبراهيم الحربي، والميموني، وبدر المغازلي، وأبو يحيى الناقد، وحنبل، والقاضي البرني، وحرب الكرماني، وأبو زرعة، وخلق سواهم، سمع منهم "مسائل أحمد"، ورحل إلى أقاصي البلاد في جمعها وسماعها ممن سمعَها من الإمام أحمد، وممن سمعها ممن سمعَها منه، وشهد له شيوخ المذهب بالفضل والتقدم. حدَّث عنه جماعة: منهم: أبو بكر عبد العزيز، ومحمد بن المظفر، ومحمد بن يوسف الصيرفي، وكانت له حلقة بجامع المهدي، ومات يوم الجمعة لليلتين خلتا من شهر ربيع الآخر سنة 311 إحدى عشرة وثلاث مئة، ودفن إلى جنب قبر المرُّوذي عند رجلِ الإمام أحمد -رضي الله عنهما-. انظر
2 - الحسن بن حامد
ترجمته في: "طبقات الحنابلة" (2/ 12). [ورد ذكره: ص: 482]. 2 - الحسن بن حامد هو الحسنُ بنُ حامدِ بنِ عليّ بنِ مروانَ، أبو عبد الله، البغداديُّ، إمامُ الحنابلة في زمانه، ومدرّسهم، ومفتيهم، له المصنفات في العلوم المختلفات، له "الجامع في المذهب" نحوًا من أربع مئة جزء، وله "شرح الخرقي"، و"شرح أصول الدين"، و"أصول الفقه". سمع أبا بكر بنَ مالك، وأبا بكر الشافعي، وأبا بكر النجاد، وأبا علي الصواف، وأحمد بن سلم الختلي، ومن أصحابه القاضي أبو يعلى، وأبو إسحاق، وأبو العباس البرمكيان، وأبو طاهر بن العشاوي، وأبو بكر بن الخياط، وله المقام المشهود في الأيام القادرية، ناظر أبا حامد الإسفراييني في وجوب الصيام ليلة الإغمام في دار الإمام القادر بالله؛ بحيث يسمع الخليفة للكلام، فخرجت الجائزة السنية له من أمير المؤمنين، فردَّها مع حاجته إلى بعضها، فضلًا عن جميعها؛ تعففًا، وتنزُّها، روي أنه كان يبتدئ في مجلسه بإقراء القرآن، ثم بالتدريس، ثم ينسخ بيده، ويقتات من أجرته، فسمي الورَّاقَ من أجل ذلك، وأنه كان في كثير من أوقاته إذا اشتهت نفسُه الباقلاء، لم يأكل معه دهنًا، وإذا كان دهنٌ لم يجمعْ بينه وبين الباقِلاء، وكان -رحمه الله- كثير الحج، فعوتب في ذلك لكبر سنه، فقال: لعل الدرهم الزيف يخرج مع الدراهم الجيدة. حُكي أن إنسانًا جاءه بقليل ماء، وهو مستند إلى حجر، وقد أشرف على التلف، فأمومأ إلى الجائي له بالماء من أين هو؟ وإيش وجهه؟ فقال له: هذا وقته؟ فأومأ أن نعم عند لقاء الله -عَزَّ وَجَلَّ- أحتاج أن أدري ما وجهُه، أو كما قال. وتوفي راجعًا من مكة بقرب واقصة سنة 403 ثلاث وأربع مئة -
3 - ابن بطة
رحمه الله-. انظر ترجمته في: "طبقات الحنابلة" (2/ 171). [ورد ذكره: ص: 78]. 3 - ابن بَطَّة هو عُبيد الله بنُ محمدِ بنِ محمدِ بنِ أحمدَ بنِ حمدانَ بنِ عمرَ بنِ عيسى بنِ إبراهيمَ بنِ سعدِ بنِ عُتبةَ بنِ فرقدٍ صاحبِ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، أبو عبد الله، العكبريُّ المعروفُ بابن بطة. سمع أبا القاسم البَغَوي، وأبا محمد بنَ صاعد، وإسماعيل بنَ العباس الورَّاق، وأبا بكر النيسابوريَّ. وأبا طالب أحمدَ بنَ نصر الحافظَ، ومحمدَ بن محمود السراج، ومحمد بن مخلد العطار، ومحمد بن ثابت العكبري، وأبا القاسم الخرقي، وأبا بكر عبد العزيز، وغيرَهم من العلماء، فإنه سافر الكثير إلى مكة، والثغور، والبصرة، وغير ذلك من البلاد. وصحبه جماعةٌ من مشايخ المذهب: أبو حفص العكبري، والرمكي، وأبو عبد الله بن حامد، وابن شهاب، وأبو إسحاق البرمكي، في آخرين، ولما رجع ابنُ بطة من الرحلة، لازم بيتَه أربعين سنة، فلم يُر في سوق، ولا رئي مفطرًا إلا في يوم الفطر والأضحى، وأيام التشريق. قال الحافظ أبو بكر الخطيب: حدثني عبدُ الواحد بنُ عليٍّ العكبريُّ، قال: لم أر في شيوخ أصحاب الحديث، ولا في غيرهم أحسنَ هيئةً من ابنِ بطَّة، وكان آمرًا بالمعروف، ولم يبلغه منكر إلا غَيَّره. وعن أبي عليِّ بنِ شهابٍ، قال: سمعت أبا عبد الله بنَ بطة يقول: أستعملُ عند منامي أربعين حديثًا رُويت عن رسول - صلى الله عليه وسلم -. ورُوي أنه كان وُصف له تركُ العشاء، فكان يجعل عشاءه قبل الفجر
بيسير، ولا ينام حتَّى يصبح، وكان عالمًا بمنازل الفجر والقمر. ومن مصنفاته كتاب "الإبانة الكبير"، و"الإبانة الصغير"، و"السنن"، "والمناسك"، و"الإمام ضامن"، و"الإنكار على من قص بكتب الصحف الأولى"، و"الإنكار على من أخذَ القراءاتِ من المصحف"، و"النهي عن صلاة النافلة بعد العصر وبعد الفجر"، و"تحريم النميمة"، و"صلاة الجماعة"، و"منع الخروج من المسجد بعدَ الأذان والإقامة لغير حاجة"، و"إيجاب الصداق للخلوة"، و"فضل المؤمن"، و"الرد على من قال: الطلاق الثلاث لا يقع"، و"ذم البخل"، و"تحريم الخمر"، و"ذم الغناء والاستماع إليه" وهو "التفرد والعزلة"، وغير ذلك، وقيل: إنها تزيد على مئة مصنف. قال القاضي أبو الحسين بنُ القاضي أبي يعلى: وجدت بخط أبي، قال: اجتاز الشيخ أبو عبد الله بن بطة بالأحنف العكبري، فقام له، فشق ذلك عليه، فأنشأ يقول: لا تلمْني على القيامِ فحَقِّي ... حينَ تبدو أَن لا أَمَلَّ القِياما أنتَ من أكرمِ البريَّةِ عندي ... ومِنَ الحقِّ أَنْ أُجِلَّ الكِراما فقال ابن بطة لابن شهاب: تكلف له جواب هذه، فقال: أنتَ إنْ كنتَ لاعَدِمْتُك تَرْعى ... ليَ حَقًّا وتُظهِر الإعظاما فلكَ الفضلُ في التقدُّم والعلمِ ... ولسنا نحبُّ منكَ احْتِشاما فاعْفِني الآنَ من قيامِك أولا ... فَسَأجزيكَ بالقيام القياما وأنا كارِهٌ لذلكَ جِدًّا ... إنَّ فيه تملقًا وأَثاما ولا تكلف أخاك أن يتلقا ... كَ بما يستحلُّ فيه الحَراما وإن صحت الضمائر منا ... اكتفينا أن نُتعب الأجساما
كلُّنا واثقٌ بِوُدِّ مُصافيهِ ... فيهِ ففيمَ انزعاجُنا وعلامَا توفي أبو عبد الله بن بطة -رحمه الله- يوم عاشوراء سنة 387 سبع وثمانين وثلاث مئة، ورثاه تليمذه أبو الحسن بنُ شهاب بنِ الحسنِ بنُ عليِّ بنِ شهابٍ العكبريُّ، فقال: هيهاتَ ليسَ إلى السلوِّ سبيلُ ... فَلْيَكْتَنِفْكَ تَفَجُّعٌ وعَويل موتُ ابنِ بطة ثلمةٌ لا يرتجى ... لمسدِّها شُكر له وعَديل فمضى فقيدًا ماله خلفٌ ولا ... منه وإن طالَ الزمانُ عديل أما المحاسن بعدَه فدوارسٌ ... والعلمُ ربعٌ مقفرٌ وطلولُ أما القبورُ فهنَّ منه أوانسٌ ... بحلولِه وعلى الديار نُحول من للخُصوم الُلِّد إن هُمْ شَغَّبوا ... وعناهُم التمويهُ والتأويل من للقرانِ وكَشْفِ مُشكلِ آيِهِ ... حتَّى يقومَ عليه منكَ دليلُ من للحديثِ وحفظِه بروايةٍ ... منقولةٍ إسنادُها منقولُ ليت شعري عن لسانٍ كانَ كالسـ ... ـيفِ الصَّقيلِ وليسَ فيه فُلول ماتَ الَّذي آثارُه وعلومُه ... مدروسةٌ مسطورُها منقولُ الشيخ ماتَ أم البسيطةُ زُلزلت ... أم صارَ في البدر المنيرِ أُفول من للفرائض في عَويصِ حسابِها ... في الجَدِّ أو في الرَّدِّ حيثُ تَعولُ من للشروط وحفظِ حكمِ فروعِها ... إن أُحكمَتْ قبلَ الفروعِ أصولُ من فعلُه الثبتُ السديدُ موافقٌ ... للقولِ منه حيثُ صارَ يقول هيهات أن يأتي الزمان بمثله ... إنَّ الزمانَ بمثلِه لَبخيلُ الله حسبي بعدَه وهو الَّذي ... في كل ما أرجوه منهُ وكيلُ وبَطَّة -بفتح الباء والطاء المشددة-، وأما بُطَّة -بضم الباء-، فأبوه عليُّ بنُ الحسن بن بطة بن سعد بن عبد الله الزعفراني، وأبو عبد الله
4 - الخرقي
محمد بن يحيى بن منَدهْ، واسمه إبراهيمُ بنُ الوليد بن سندة بن بطة بن اسبندار، ومن ذريته أحمد بن بطة الأصبهاني، وولده أبو عبد الله محمد بن بطة. انظر ترجمته في: "طبقات الحنابلة" [ص: 683]. 4 - الخِرَقِيُّ هو عمرُ بنُ الحسين بنِ عبدِ الله بنِ أحمدَ، أبو القاسم، الخرقيُّ. قرأ العلم على من قرأه على أبي بكر المرُّوذي، وحرب الكرماني، وصالح وعبد الله ابني الإمام أحمد، له المصنفاتُ الكثيرةُ في المذهب، ولم ينشر منها إلا هذا المختصر في الفقه؛ لأنه خرج عن مدينة السلام لما ظهر بها سبُّ الصحابة -رضوان الله عليهم-، وأودع كتبه في دار سليمان، فاحترفت الدار التي كانت فيها، ولم تكن انتشرت؛ لبعده عن البلد. قرأ عليه جماعةٌ من شيوخ المذهب، منهم: أبو عبد الله بنُ بطة، وأبو الحسن التميمي، وأبو الحسن بن سمعون، وغيرُهم، وانتفع بهذا المختصر خلقٌ كثير، وجعل الله له موقعًا في القلوب حتى شرحه من شيوخ المذهب جماعة من المتقدمين والمتأخرين؛ كالقاضي أبي يعلى، وغيرِه، وآخرُ من شرحَه: الإمامُ موفقُ الدين أبو محمدٍ المقدسيُّ في كتاب "المغني" المشهور، الذي لم يسبق إلى مثله، فكل من انتفع بشيء من شروح الخرقي، فللخرقي من ذلك نصيبٌ من الأجر؛ إذ كان الأصل في ذلك. خالفه أبو بكر عبدُ العزيز في ثمان وتسعين مسألة يطولُ ذكرُها، وتوفي سنة 334 أربع ثلاثين وثلاث مئة، ودفن بدمشق -رحمه الله تعالى-، والخِرَقيُّ -بكسر الخاء المعجمة، وفتح الراء المهملة آخره قاف-: نسبة إلى بيع الخِرَق، كذا ذكره السمعاني، والخَرَقي -بفتح الخاء والراء-: نسبة إلى خرق: قرية كبيرة تقارب مرو: وممن نسب إليها: أبو قابوس محمد بن
5 - محفوظ بن أحمد الكلوذاني
موسى، وعبد الرحمن بن بشير، ومحمد بن عبيد الله أبو مذعور، والله أعلم. انظر ترجمته في: "طبقات الحنابلة" (2/ 75). 5 - محفوظ بن أحمد الكَلْوَذاني هو محفوظُ بنُ أحمد، أبو الخطابِ الكلوذانيُّ، من أهل باب الأزج، وكَلْوَذا: من نواحي بغداد، ويلقب بنجم الهدى، وهو الإمام البارع، ذو التصانيف المفيدة، منها: "الهداية"، وكتاب "الانتصار"، و"رؤوس المسائل"، و"التهذيب" في الفرائض، وغير ذلك، وله الشعر الحسن منه قصيدته في معاتبته نفسَه. قال الحافظ أبو الفضل محمدُ بنُ ناصر السلامي، وبكى حينَ أنشدناها حتى حن، وأولُها يا نفس ليس بليتي إلَّاكِ ... لولاكِ كُنْتُ مهذَّبًا لولاكِ وهي خمس وعشرون بيتًا، وهو منجلة أصحاب القاضي أبي يعلى بن الفراء وأعيانهم، مولوده ثاني شوال سنة اثنتين وثلاثين وأربع مئة، وتوفي في سحر يوم الخميس، ودفن يوم الجمعة في الثالث والعشرين من جمادى الآخرة سنة عشرٍ وخمس مئة، سمع الحديث من أبي محمد الحسنِ بن عليٍّ الجوهري، وأبي طالب محمد بن علي بن الفتح العشاري، والقاضي أبي يعلى -رضي الله عنهم-. انظر ترجمته في: "طبقات الحنابلة" (1/ 116) [ورد ذكره: ص 35]. 6 - محمد بن الحسين الفراء هو محمدُ بنُ الحسينِ بنِ محمدِ بنِ خلفِ بنِ أحمدَ بنِ الفَرَّاء، وهو القاضي السعيد، الإمامُ أبو يعلى. قال ولدُه القاضي أبو الحسين في كتاب
"الطبقات" الذي أخبرنا به الإمامُ الزاهدُ، أبو محمد عبدُ الرحمن بنِ يوسف بنِ محمدٍ قراءة عليه، أخبركم الفقيه أبو محمد عبدُ الرحمن بن إبراهيم بن أحمدَ المقدسيُّ، أخبرنا عبدُ المغيث بنُ زهير الحربي، أخبرنا القاضي أبو الحسين -رحمه الله-، فقال: الوالدُ السعيدُ أبو يعلى كان عالم زمانه، وفريد عصره، ونسيج وحدِه، وقريَع دهره، وكان له في الأصول والفروع القدم العالي، وفي شرف الدين والدنيا المحلُّ السامي والخطرُ الرفيع عندَ الإمامين القادرِ والقائِم وأصحاب أحمدَ -رحمه الله تعالى-، له يتبعون، ولتصانيفه يدرُسون ويدرِّسون، وبقوله يُفتون، والفقهاء على اختلاف مذاهبهم وأصولهم كانوا عنده يجتمعون، ولمقالته يسمعون ويطيعون، وبالائتمام به يقتدون، وقد شوهد له من الحال، ما يُغني عن المقال، لا سيما مذهب إمامنا أبي عبد الله أحمدَ بنِ محمد بن حنبل، واختلاف الروايات عنه، وغير ذلك من العلوم، مع الزهد والورع والعفة والقناعة، وانقطاعه عن الدنيا وأهلها، واشتغاله بسطر العلم وبثه، وإذاعته ونشره، وكان والده أبو عبد الله أحدَ شهود الحضرة بمدينة السلام، صحبَ ابنَ حامد إلى أن توفي ابنُ حامد سنة 403 ثلاث وأربع مئة، وبرع في ذلك ولده -: يعني القاضي أبا يعلى- لتسع وعشرين، أو ثمان وعشرين ليلة خلت من المحرم سنة 380 ثمانين وثلاث مئة، وتوفي ليلة الاثنين بين العشاءين تاسع عشر رمضان سنة 458 ثمان وخمسين وأربع مئة، وصلى عليه أخي أبو القاسم يوم الاثنين بجامع المنصور، ودفن في مقبرة الإمام أحمد -رضي الله عنه-. انظر ترجمته في: "طبقات الحنابلة" (2/ 193). [ورد ذكره: 81].