عمدة الأحكام الكبرى

المقدسي، عبد الغني

عمدة الأحكام الكبرى تأليف الإمام الحافظ عبد الغني بن عبد الواحد المقدسي ت (600) هـ دراسة وتحقيق الدكتور سمير بن أمين الزهيري مكتبة المعارف للنشر والتوزيع لصاحبها سعد بن عبد الرحمن الراشد الرياض

جميع الحقوق محفوظة للناشر، فلا يجوز نشر أي جزء من هذا الكتاب, أو تخزينه أو تسجيله بأيّة وسيلة، أو تصويره أو ترجمته دون موافقة خطية مُسبقة من الناشر. الطبعة الأولى 1430 هـ/ 2009 م ح مكتبة المعارف للنشر والتوزيع، 1430 هـ - ط 1 فهرسة مكتبة الملك فهد الوطنية أثناء النشر المقدسي، عبد الغني عبد الواحد عمدة الأحكام الكبرى./ عبد الغني عبد الواحد المقدسي؛ سمير أمين الزهيرى.- الرياض، 1430 هـ .. ص؛ .. سم ردمك: 4 - 25 - 8028 - 603 - 978 1 - الحديث - أحكام 2 - الحديث - جوامع الفنون أ. الزهيري، سمير أمين (محقق) ب. العنوان ديوي 3, 237 4620/ 1430 رقم الابداع: 4620/ 1430 ردمك: 4 - 25 - 8028 - 603 - 978 مكتبة المعارف للنشر والتوزيع هاتف: 4114535 - 4113350 فاكس 4112932 - ص. ب: 3281 الرياض الرمز البريدي 11471

عمدة الأحكام الكبرى

بسم الله الرحمن الرحيم

بسم الله الرحمن الرحيم مقدمة الطبعة الثانية الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام الأتمان الأكملان على سيد ولد آدم أجمعين. أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله. أما بعد: فهذه الطبعة الثانية من كتاب "عمدة الأحكام الكبرى" للحافظ عبد الغني المقدسيّ رحمه الله، والتي تتميز عن الطبعة الأولى بعدة مزايا أهمها: أولًا: أنها مقابلة على نسخة خطية جديدة فلقد حصلت على نسخة خطية للكتاب غير التي طبع عنها المرة الأولى، ولا شك أن هذا مما يزيد الكتاب جودة ودقة، خاصة إذا كانت النسخ الخطية جيدة كما هو الحال هنا. والنسخة الأولى التي طبع عنها الكتاب قد سَبق وصفُها في مقدمة الطبعة الأولى، وأما عن هذه النسخة فوصفها كما يلي: توجد هذه النسخة في كوبرلي بتركيا تحت رقم (398) حديث، وعدد أوراقها (120) ورقة. وهي نسخة صحيحة متقنة، قوبلت بعد نسخها، واستدرك في حاشيتها ما سقط أثناء النسخ، وقد أتبع كل سقط بعلامة الإلحاق "صح". وتوجد هناك حواشي كثيرة في أثناء كتاب البيوع؛ بعضها تفسير غريب، وبعضها منقول من كتاب "جامع الأصول".

وقد اختلف خط النسخ؛ لأنه تناوب على نسخ هذه النسخة أكثر من ناسخ, ولم يُذكر سوى اسم واحد منهم فقط في حاشية الورقة رقم (22). وجاء في آخرها: "وهذا آخر الكتاب والحمد لله رب العالمين. استنسخه لنفسه أقل عباد الله وأضعفهم: مظفر بن الأمير حاج بن المؤيد في العشر الآخر من صفر لسنة عشرين وسبعمائة بمدينة السلام". ومما يلاحظ على هذه النسخة غير اختلاف خطوط النساخ: أنها خلت من تفسير الغريب سوى موضعين اثنين عند الحديث رقم (722)، وهذا الموطن لم يذكر في النسخة الأخرى! والموطن الآخر عند الحديث رقم (853). وأمر آخر يتعلق برموز أو علامات الكتب الستة، إذ لم تظهر هذه الرموز في بعض المواطن، وإنما يظهر مكانها بياض، ولعل ذلك يرجع إلى نوع الحبر والتصوير. إلا أن هناك مواطن أخرى لم تذكر فيها هذه الرموز أصلًا! ثانيًا: تصحيح بعض الأخطاء العلمية والمطبعية. ومن أبرز ذلك ما كنت ذكرته عند الحديث رقم (848) من أن الصعبي الذي ألف في رجال العمدة هو (عبد الغني بن محمد بن أبي الحسن) بينما الصواب هو أخوه (عبد القادر). وإن كان خطئي في الطبعة السابقة لم أعدم منه فائدة! ومن يرجع إلى حاشية الحديث في هذه الطبعة سيعرف تلك الفائدة. ثالثًا: في هذه الطبعة أيضًا زيادات حديثية وفقهية وغير ذلك. * * *

ولا بد من الإشارة هنا في هذه المقدمة - ولو على عجالة- إلى طبعة أخرى لهذا الكتاب طبعت بعد طبعتي، والذي يتبين لي -ولغيري من طلاب العلم- أن محققها ليست لديه الدراية الكافية بعلم الحديث! ولا بقراءة المخطوط! • فأما قلة درايته بقراءة المخطوط فهذه أمثلة تدل على ما أقول: 1 - قوله (ص 40): "أخرجهما ابن ماجه" صوابه: أخرجها ... "، فهي ثلاثة أحاديث 2 - قوله (ص 116): "أشعث بن الربيع" صوابه: "أشعث بن سعيد أبو الربيع". 3 - قوله (ص 117): "وهو على راحلته فصلى بهم" صوابه: "وهو على راحلته، وأقام فتقدم على راحلته فصلى بهم". 4 - قوله ص (129): "يا رسول الله كدت أصلي العصر" صوابه: "يا رسول الله ما كدت أصلي العصر". 5 - قوله ص (150) "ثم حين يسجد" صوابه: "ثم يكبر حين يسجد". 6 - قوله ص (153): "ووضع إصبعه الوسطى" صوابه: "ووضع إِبهامه على إصبعه الوسطى". 7 - قوله ص (155): "وإذا نهض رفع ركبتيه قبل يديه" صوابه: " ... رفع يديه قبل ركبتيه". 8 - قوله ص (159): "ولأبي العاص بن الربيع" صوابه: "ولأبي العاص بن ربيعة".

9 - قوله ص (163) في نهاية السطر الثاني وأول الثالث: "ويقصر في الثانية وكان يطول" صوابه: "ويقصر في الثانية يسمع الآية أحيانًا، وكان يقرأ في العصر بفاتحة الكتاب وسورتين، يطول في الأولى ويقصر في الثانية، وكان يطول". 10 - قوله ص (172): "ويقال: عَمّار" صوابه: "ويقال: عُمَارة". 11 - قوله ص (217): "قبل زيغ الشمس صلى الظهر" وصوابه: "قبل زيغ الشمس أخر الظهر حتى يجمعها إلى العصر فيصليهما جميعا. وإذا ارتحل بعد زيع الشمس صلى الظهر". 12 - قوله ص (318): "لابتيها يريد الحرمين" صوابه: "لابتيها يريد الحرتين". فهذه نماذج تدل على ما ذكرتُ من قلة الدراية بالمخطوطات وقراءتها، ثم هي تدل من وجه آخر أن فن التخريج فن عزيز، قَلّ مَن كان يحسنه قديمًا، وهم اليوم أقل! • وأما قلة الدراية بهذا العلم الشريف؛ علم الحديث فهي واضحة جدًا في هذه الطبعة سواء كان ذلك في تخريج الحديث، أو في الحكم عليه، أو في استخلاص النتائج من أقوال أئمة الجرح والتعديل في الرواة، ومنشأ ذلك عنده عدم درايته الدراية الكافية بمعاني ألفاظهم، ولا بمنازلهم في هذا العلم. ثم في باب التصحيح والتضعيف اتكأ على كتاب "التعريف"! فنتج من ذلك في تلك الأحكام تخاريف!

ولست بصدد مناقشته في كل هذه الأحكام، وإنما هذا يتبين بأدنى نظرة في كتابه، فهو يكاد يصرح بأن أحاديث الكتاب صحيحة، إذ قال في المقدمة (ص 7): "وأحاديثه في مجملها صحيحة، وكأن مؤلفه أرادها كذلك، وإن لم يصرح بذلك في مقدمته". ومن طالع كتابه يجد ما ضعفه لا يبلغ خمسة أحايث! من مجموع أحاديث الكتاب البالغة (959) حديثًا حسب عَدِّه هو! وسأذكر هنا مثالين اثنين فقط أما الأول فهو: 1 - الحديث رقم (688)، ومقابله في نسختي برقم (620)، وهو قوله - صلى الله عليه وسلم -: "بارك الله لك، وبارك عليك، وجمع بينكما في خير وعافية". عزاه لأبي داود والترمذي وابن ماجة والحاكم وابن حبان في كلام طويل له، كذكر اسم الكتاب والباب ورقم الحديث وغير ذلك! لكن دون أن ينتبه إلى لفظ: "وعافية". هل هو في الحديث أم لا؟ هل رواه أحد من هؤلاء الذين عزا لهم الحديث أم لا؟ بل هل يوجد هذا اللفظ في أي مصدر حديثي أم لا؟ وأما الثاني فهو: 2 - الحديث رقم (713)، ومقابله في نسختي برقم (643)، وهو: حديث عامر بن ربيعة؛ أن امرأة من بني فزارة تزوجت على نعلين، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أرضيت من نفسك ومالك بنعلين؟ ". قالت: نعم. قال: فأجازه. ق ت وقال: حديث حسن صحيح .. أهـ.

وكنت كتبت أنا تعليقًا على هذا الحديث: (منكر, رواه ابن ماجة (1888)، والترمذي (1113) من طريق عاصم بن عبيد الله، عن عبد الله بن عامر بن ربيعة، عن أبيه، به قلت: وعاصم ضعيف؛ سيئ الحفظ، بل تركه بعضهم، ولذلك فقول الترمذي: "حسن صحيح" ليس بحسن ولا بصحيح! وقد قال ابن أبي حاتم في "العلل" (1/ 424/ رقم 1276): "سألت أبي عن عاصم بن عبيد الله؟ فقال: منكر الحديث. يقال: إنه ليس له حديث يعتمد عليه. قلت: مما أنكروا عليه؟ قال: روى عن عبد الله بن عامر بن ربيعة، عن أبيه؛ أن رجلًا تزوج امرأة على نعلين، فأجازه النبي - صلى الله عليه وسلم -، وهو منكر". وأيضًا أورد الذهبي هذا الحديث في "الميزان" (2/ 354) مما أنكر لعاصم هذا). انتهى كلامي بحروفه. فكتب هو: (صحيح بشواهده، ضعيف إسناده. ت: (2/ 405) أبواب النكاح (22) باب ما جاء في مهور النساء. عن محمد بن بشار، عن يحيى بن سعيد، وعبد الرحمن بن مهدي، ومحمد بن جعفر جميعًا عن شعبة، عن عاصم بن عبيد الله قال: سمعت عبد الله بن عامر بن ربيعة عن أبيه به. قال: "وفي الباب عن عمر، وأبي هريرة، وسهل بن سعد، وأبي سعيد، وأنس، وعائشة، وجابر، وأبي حدرد الأسلمي". وقال: "حديث عامر بن ربيعة حديث حسن صحيح".

"واختلف أهل العلم في المهر، فقال بعض أهل العلم: المهر على ما تراضوا عليه، وهو قول سفيان الثوري، والشافعي، وأحمد، وإسحاق". "وقال مالك بن أنس: لا يكون المهر أقل من ربع دينار". "وقال بعض أهل الكوفة: لا يكون المهر أقل من عشرة دراهم". جه: (3/ 333) كتاب النكاح (17) باب صداق النساء. من طريق وكيع، عن سفيان، عن عاصم به. رقم: (1888). حم: (24/ 445) حديث عامر بن ربيعة رضي الله عنه. عن وكيع به. رقم: (15676). وقد ضعف هذا الحديث من قبل عاصم بن عبيد الله وهو العمري، وباقي رجال الإسناد ثقات رجال الشيخين. ولا بأس أن يقال: إن الحديث ضعيف لضعف عاصم، أما أن يتعجب من الترمذي في تصحيحه للحديث فهذا مما فيه بأس. وذلك لأن الترمذي حكم بصحته لشواهده الكثيرة كما بَيَّن ومن البدهي أن حديث الضعيف يرقى بمتابعاته وشواهده. والترمذي نفسه روى في الباب الذي بعده عن عمر قوله: "ألا لا تغالوا في صدقات النساء؛ فإنها لو كانت مكرمة في الدنيا أو تقوى عند الله لكان أولاكم بها نبي الله - صلى الله عليه وسلم -". وقال: هذا حديث صحيح. ورواه الحاكم (2/ 175) وابن حبان: (4620). وعن أبي هريرة عند مسلم أن رجلًا تزوج على أربع أواق، فقال له- صلى الله عليه وسلم - كأنما تنحتون من عرض هذا الجبل. (رقم 75/ 1424).

وعن جابر عند أبي داود: (رقم: 2110) بلفظ: "من أعطى في صداق امرأة ملء كفيه سويقًا أو تمرًا فقد استحل". وسبق حديث سهل قبل هذا الحديث، وهو متفق عليه: "التمس ولو خاتماً من حديد". قال الشافعي في "الأم" بعد روايته: "وخاتم الحديد لا يسوي قريبًا من الدرهم". ويكفي هذا الشاهد الأخير ليصح الحديث، ولا تخيب نظرة الترمذي فيه .. والله تعالى أعلم. وقول أبي حاتم في هذا الحديث إنه ممَّا أنكروا عليه لا يعني ضعفًا. بقدر ما يعني تفردًا من الراوي، كما نبه ابن حجر على ذلك، قال: المنكر أطلقه أحمد بن حنبل وجماعة على الحديث الفرد الذي لا متابع له، فيحمل هذا على ذلك (هدي الساري. ص: 437). وقال البيهقي في عاصم: تكلموا فيه، ومع ضعَّفه روى عنه الأئمة). انتهى كلامه بحروفه. وأقول: • فأما حديث عمر فقد رواه أبو داود (2106)، وتمامه: "ما أصدق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - امرأة من نسائه، ولا أصدقت امرأة من بناته، أكثر من ثنتي عشرة أوقية". وزاد أحمد (1/ 40 - 41)، والنَّسائيّ (6/ 117 - 118): "وإن الرجل ليغلي بصَدُقة امرأته حتى يكون لها عداوة في نفسه! وحتى يقول: كُلِّفتُ لكم علق القربة ... ".

فما هو وجه الاستشهاد بهذا الحديث ليصحح به حديث زواج امرأة بنعلين؟! • وأما حديث أبي هريرة الذي رواه مسلم (1424/ 75)، والذي جعله ذاك المحقق شاهدًا يُصحح به حديث زواج امرأة بنعلين!! فهو بتمامه: عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: جاء رجل إلى النَّبيّ - صلى الله عليه وسلم - فقال:- إنِّي تزوجت امرأة من الأنصار. فقال له النَّبيّ - صلى الله عليه وسلم -:"هل نظرت إليها؟ فإن في عيون الأنصار شيئًا". قال: قد نظرت إليها. قال: "على كم تزوجتها؟ ". قال: على أربع أواق. فقال له النَّبيّ - صلى الله عليه وسلم -:"على أربع أواق؟ كأنما تنحتون الفضة من عرض هذا الجبل. ما عندنا ما نعطيك. ولكن عسى أن نبعثك في بعث تصيب منه". قال: فبعث بعثًا إلى بني عبس، بعث ذلك الرجل فيهم. قلت: فهذا رجل أمهر امرأة مهرًا لا يستطيعه، ثم ذهب يسأل النَّبيّ - صلى الله عليه وسلم -! فكره له النَّبيّ - صلى الله عليه وسلم - ذلك، وليس في هذا- لا من قريب ولا من بعيد- ما يشهد لحديث زواج المرأة بالنعلين! • وأما حديث جابر والذي رواه أبو داود: "من أعطى في صداق امرأة ملء كفيه سويقًا- أو تمرًا- فقد استحل". قلت: مع أن هذا الشاهد كغيره من الشواهد السابقة لا حجة فيه،، فهو ضعيف لا يصح، وله علل: أولها: الاضطراب في الوقف والرفع، وفي المتن. وثانيها: جهالة أحد رواته. وثالثها: عنعنة أبي الزُّبير وهو مدلس. وقدا أشار إلى شيء من هذه العلل أبو داود في "السنن" لكن أغمض ذلك المحتج عينه عن ذلك! وقد قال الذهبي في "الميزان": "الخبر منكر"!

• ولم يبق بيد ذلك المحتج على تصحيح حديث زواج المرأة بالنعلين! سوى حديث سهل بن سعد: "التمس ولو خاتمًا من حديد"، ولذلك نقل عن الشافعي قوله: "خاتم الحديد لا يسوي قريبًا من الدرهم". ثم عقب بقوله: "ويكفي هذا الشاهد ليصح الحديث". قلت: هذه مغالطة، وإنما هذا الحديث - أو الشاهد في زعمك- يكفي للاحتجاج على أن المهر لا حدَّ لأقله، وليس على تصحيح حديث زواج امرأة على نعلين!! وبهذا يتضح المراد من قول التِّرمذيّ: "وفي الكتاب عن عمر، وأبي هريرة، وسهل بن سعد، وأبي سعيد، وأنس، وعائشة، وجابر، وأبي حدرد الأسلمي". وأنه أراد بهذه الأحاديث كما بَوّبَ هو بقوله: "باب ما جاء في مهور النساء"، فهذه الأحاديث التي أشار إليها بقوله: "وفي الباب ... " هي صالحةٌ لأنَّ تكتب في هذا الباب، ومن أجل ذلك نقل أقوال أهل العلم في أقل المهر. ولم يرد بهذه الأحاديث أنها تشهد لذلك الحديث المنكر! فالقول بأن التِّرمذيّ "حكم بصحته لشواهده الكثيرة، كما بَيَّنَ". قول ينم عن عدم فهم لكلام التِّرمذيّ ومراده. ثم وقفت بعد ذلك على كلام الحافظ العراقي في "التقييد والايضاح" ص (102). "هكذا يفعل التِّرمذيّ في الجامع حيث يقول: وفي الباب عن فلان وفلان؛ فإنه لا يريد ذلك الحديث المعين وإنما يريد أحاديث أخر يصح أن تكتبَ في ذلك الباب، وإن كان حديثًا آخر غير الذي يرويه في أول الباب، وهو

عمل صحيح. إلَّا أن كثيرًا من النَّاس يفهمون من ذلك أن من سمى من الصحابة يروون ذلك الحديث بعينه الذي رواه في أول الباب بعينه وليس الأمر على ما فهموه بل قد يكون كذلك، وقد يكون حديثًا آخر يصح إيراده في ذلك الباب". ولكن تصحيح التِّرمذيّ للحديث إنما هو لمنهج للترمذي- يعرفه طلاب هذا العلم؛ العارفون به- وليس لشيء آخر ممَّا قاله هذا القائل. ولقد صدق الذهبي عندما عبر عن موقف العلماء من تصحيح التِّرمذيّ رحمه الله فقال في "الميزان": "لا يعتمد العلماء على تصحيح التِّرمذيّ". انظر "بلوغ المرام" (ص 258 بتحقيقي). ومن التلبيس- أو عدم الفهم- القول بأن "قول أبي حاتم في هذا الحديث إنه ممَّا أنكروا عليه لا يعني ضعفًا بقدر ما يعني تفردًا من الراوي، كما نبه على ذلك ابن حجر، فقال: المنكر أطلقه أحمد بن حنبل وجماعة على الحديث الفرد؛ الذي لا متابع له، فيحمل هذا على ذلك"! فإن أبا حاتم يتكلم عن هذا الحديث بعينه! وقد سئل عنه! فكيف يقال: إنما عنى التفرد! ثم راوي هذا الحديث- وهو عاصم بن عبيد الله- ضعَّفه يحيى بن سعيد وابن معين، ومالك، والدارمي، والدارقطني، وابن خزيمة، وغيرهم. فكيف يقال في راوٍ هذا وصفه إذا قيل فيه: "منكر الحديث" بأن هذا يعني التفرد؟! ثم إذا حُملت كلمة أبي حاتم على ما أراد ذاك المغالط، فكيف يصنع بكلمته في "الجرح والتعديل" (3/ 1/ 348): "منكر الحديث، مضطرب الحديث، ليس له حديث يعتمد عليه"!

وأما الكلمة المنقولة عن ابن حجر من "المقدمة" فهي توجيه منه- حسن- لكلمة أحمد: "يروي أحاديث مناكير"؛ لأنَّ أحمد قال هذه الكلمة في محمد ابن إبراهيم بن الحارث التَّيمي الثقة، والذي احتج به الجماعة، وقد عرف أنه تفرد بأحاديث لا متابع له عليها، ومن أشهر تلك الأحاديث حديث: "إنما الأعمال بالنيات"، وبذلك يعرف صواب قول ابن حجر: "فيحمل هذا على ذلك" أي: فيحمل كلام أحمد "يروي أحاديث مناكير" على الحديث الفرد. ثم كيف يسوي هذا المغالط بين الاصطلاحين: "منكر الحديث" و "يروي أحاديث مناكير" وهما لا يستويان؟! قال الزركشي في "النكت" (3/ 436): "فليتنبه للفرق بين قولهم: منكر الحديث وروى مناكير" ونقل قول ابن دقيق العيد: "من يقال فيه منكر الحديث ليس كمن يقال فيه روى أحاديث منكرة". وقال السخاوي في "فتح المغيث" (1/ 373): "قال ابن دقيق العيد في "شرح الإمام": قولهم: "روى مناكير" لا تقتضي بمجرده ترك روايته حتى تكثر المناكير في روايته وينتهي إلى أن يقال فيه: "منكر الحديث" لأنَّ "منكر الحديث" وصف في الرجل يستحق الترك لحديثه، والعبارة الأخرى لا تقتضي الديمومة. كيف وقد قال أحمد بن حنبل في محمد ابن إبراهيم التَّيمي: "يروي أحاديث منكرة" وهو ممن اتفق عليه الشيخان وإليه المرجع في حديث الأعمال بالنيات". هذا ما سمح به المجال في هذه العجالة. وصلَّى الله وسلم على محمد وآله وصحبه وسلم. وكتب: سمير بن أمين الزهيري الرياض في 11/ 11/ 1427 هـ.

بسم الله الرحمن الرحيم تمهيد إن الحمدَ لله، نحمدُه، ونستعينُه، ونستغفِرُه، ونعوذُ بالله من شُرورِ أنفُسِنا، ومن سيئات أعمالِنا، من يهدِه الله فلا مُضلّ له، ومن يُضلل فلا هادي له، وأشهدُ أن لا إله إلَّا الله وحدَه لا شريك له، وأشهدُ أن محمدًا عبدُه ورسولُه. {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [ال عمران: 102]. {يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} [النساء: 1]. {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا (70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} [الأحزاب: 70 - 71]. أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد - صلى الله عليه وسلم -، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

وبعد: فإن أحاديث الأحكام والحلال والحرام مما اهتم بها علماء الإسلام، ودونوا فيها المصنفات، الجامعة لها، الحاوية لشتاتها، وشرحوها، وأبانوا عن فقهها، كل ذلك ليسهل على النَّاس الأخذ بها، والعمل بما فيها. وفي أول الأمر كان العلماء يروون هذه الأحاديث مع غيرها مسندة ضمن كتب شاملة، كالمسانيد، والموطآت، والمصنفات، والصحاح، والسنن وغير ذلك من دواوين السنة. ثم كانت الرحلة التالية، وهي استخراج هذه الأحاديث الخاصة بالأحكام والحلال والحرام- من تلك الدواوين- وترتيبها، وتبويبها، وتهذيبها مع حذف أسانيدها. ولئن كان الحافظ عبد الغني لم يسبقه- فيما أعلم- سوى عبد الحق الإِشبيلي بأحكامه الثلاثة "الكبرى"، و"الوسطى"، و"الصغرى"، إلا أنه- أعني: الحافظ عبد الغني- يعتبر أول من أرسى معالم التصنيف في هذا الباب؛ إذ عبد الحق لم يقتصر على أحاديث الأحكام، وإنما "جمع مفترفًا من حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في لوازم الشرع، وأحكامه، وحلاله وحرامه، وفي ضروب من الترغيب والترهيب، وذكر الثواب والعقاب ... إلى غير ذلك" (¬1). أما الحافظ فقد قصر كتابيه على أحاديث الأحكاء والحلال والحرام، فله السبق في ذلك، فضلًا عن دقة الانتقاء والاختيار، وحسن السياقة والترتيب. ¬

_ (¬1) الأحكام الصغرى (1/ 71).

وقد سبق لي وقمت بتحقيق كتاب "العمدة في الأحكام"، وهو المعروف بـ: "الأحكام الصغرى" للحافظ عبد الغني، وقد طبع والحمد لله بمكتبة المعارف بالرياض بالمملكة العربية السعودية. وأنا اليوم إذ أقوم بدراسة هذا الكتاب- عمدة الأحكام الكبرى- وتحقيقه لأسأله سبحانه وتعالى أن يتقبل مني عملي، وأن يجزي مؤلفه خير الجزاء، كما أسأله سبحانه وتعالى أن يحل هذا الكتاب محله اللائق به في المكتبة الإسلامية، إنه سميع قريب مجيب الدعاء. وبحثي هذا قد قسمته إلى ثلاثة أقسام، وهي: • • القسم الأول: قسم الدراسة، ويشتمل هذا القسم على أربعة أبواب، وهي: • الباب الأول: دراسة عن المؤلف الحافظ عبد الغني، وفيه فصلان: الفصل الأول: السيرة الذاتية للحافظ عبد الغني، وفيه ثمانية مباحث، وهي: 1 - اسمه ونسبه. 2 - كنيته. 3 - مولده. 4 - صفاته الخلقية. 5 - أسرته. 6 - كرمه وجوده. 7 - وفاته ودفنه. 8 - رثاؤه. الفصل الثاني: السيرة العلمية للحافظ عبد الغني، وفيه ثلاثة عشر مبحثًا: 1 - نشأته وطلبه للعلم. 2 - حفظه. 2 - رحلاته. 4 - أوقاته. 5 - إفادته. 6 - من فتاويه. 7 - أمره بالمعروف ونهيه عن المنكر. 8 - عقيدته. 9 - ما ابتلى به. 10 - شيوخه. 11 - تلاميذه. 12 - ثناء النَّاس عليه، وحبهم له. 13 - مصنفاته.

• الباب الثاني: دراسة عن المؤلَّف، وفيه سبعة مباحث، وهي: 1 - اسم الكتاب. 2 - نسبة الكتاب للمؤلف. 3 - مصادر المؤلف في الكتاب. 4 - موضوع الكتاب. 5 - منهج الحافظ عبد الغني في الكتاب. 6 - ملاحظات لا مؤاخذات. 7 - بين العمدتين. • الباب الثالث: دراسة النسخة الخطية، وفيه سبعة مباحث، وهي: 1 - عنوان الكتاب. 2 - العنوان المختار وسبب ذلك. 3 - الناسخ وترجمته. 4 - وصف النسخة. 5 - تعليقات الحافظ الضياء على النسخة. 6 - تاريخ النسخ. 7 - خاتمة النسخة. • الباب الرابع: خطة العمل في الكتاب. • • القسم الثاني: تحقيق النص، والتَّعليق عليه. • • القسم الثالث: صنع الفهارس، وتشمل: 1 - فهرس الآيات القرآنية. 2 - فهرس أطراف الأحاديث النبوية. 3 - فهرس الرواة وأرقام مروياتهم. 4 - فهرس البلدان. 5 - فهرس الأعلام. 6 - فهرس الغريب. 7 - فهرس المواضيع.

وفي الختام: "جعلنا الله ممن تكلف الجهد في حفظ السنن، ونشرها، وتمييز صحيحها من سقيمها، والتفقه فيها، والذب عنها؛ إنه المانّ علي أوليائه بمنازل المقربين، والمتفضل علي أحبابه درجة الفائزين" (¬1). وسبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين وكتب سمير بن أمين الزهيري ¬

_ (¬1) الثقات (9/ 297).

[مقدمة التحقيق]

القسم الأول قسم الدارسة

• الباب الأول: التعريف بالمؤلف

• الباب الأول: التعريف بالمؤلِّف الفصل الأول: السيرة الذاتية للحافظ عبد الغني. اسمه ونسبه. كنيته. مولده. صفاته الخَلْقية. أسرته. كرمه وجوده. وفاته ودفنه. رثاؤه. الفصل الثاني: السيرة العلمية للحافظ عبد الغني. نشأته وطلبه للعلم. حفظه. رحلاته. أوقاته. إفادته. من فتاويه. أمره بالمعروف ونهيه عن المنكر. عقيدته. ما ابتلي به. شيوخه. تلاميذه. ثناء الناس عليه، وحبهم له. مصنفاته.

• الفصل الأول: السيرة الذاتية للحافظ.

• الفصل الأول: السيرة الذاتية للحافظ. 1 - اسمه ونسبه: هو: الإمام، العالم، الحافظ الكبير، الثقة، العابد، الأثري، التبع، عالم الحفاظ: عبد الغني بن عبد الواحد بن عليّ بن سرور بن رافع بن حسن بن جعفر، المقدسيّ الأصل الجَمَّاعيليّ (¬1) ثم الدمشقيّ المنشأ الصالحيّ (¬2) المصريّ الوفاة (¬3). 2 - كنيته: أبو محمد. 3 - مولده: اختلف في مولد الحافظ عبد الغني - رحمه الله - علي أقوال، نعرض لهذه الأقوال، ثم نختار الراجح منها إن شاء الله تعالى. ¬

_ (¬1) بفتح الجيم بعدها ميم مشددة، قرية في جبل نابلس من أرض فلسطين، وانتسب إلى بيت المقدس لقرب جماعيل منها؛ ولأن نابلس وأعمالها جميعًا من مضافات البيت المقدس، وبينهما مسيرة يوم واحد. انظر "معجم البلدان" (2/ 159 - 160). (¬2) نسبة إلى الصالحية، وهي: "قرية كبيرة ذات أسواق وجامع في لحف جبل قاسيون من غوطة دمشق، وفيها قبور جماعة من الصالحين، ويسكنها أيضًا جماعة من الصالحين، لا تكاد تخلو منهم، وأكثر أهلها ناقلة بيت المقدس علي مذهب أحمد بن حنبل". قاله ياقوت (3/ 390) قلت: وأصل نسبتهم هذه "الصالحي" أن هؤلاء المقادسة لما هاجروا إلى دمشق؛ لاستيلاء الصليبيين علي الأرض المقدسة، نزلوا بمسجد أبي صالح ظاهر باب شرقي، فأقاموا به نحو سنتين، ثم انتقلوا إلى الجبل، فكان الناس إذا رأوهم قالوا: الصالحية. الصالحيه؛ نسبة إلى مسجد أبي صالح. (¬3) انظر وفاته صـ (29).

1 - ذكر ابن النجار في "تاريخه"، أنه سأل الحافظ عبد الغني عن مولده؟ فقال: إما في سنة ثلاث أو في سنة اربع وأربعين وخمسمائة، والأظهر أنه في سنة أربع (¬1). 2 - قال المنذري: ذكر عنه بعض أصحابه ما يدل علي أن مولده سنة أربع وأربعين وخمسمائة (¬2). 3 - قال الحافظ الضياء: ولد سنة إحدى وأربعين وخمس مئة بجمّاعيل أظنه في ربيع الآخر، قالت والدتي: هو أكبر من أخيها الشيخ الموفق ابن قدامة بأربعة أشهر، والموفق ولد في شعبان. قلت: هذا ما قيل في مولده -رحمه الله - والأول والثاني وإن كان مردهما إلى الحافظ نفسه إلا أنه لا يمكن الذهاب إلى أبعد من ترجيح سنة أربع علي سنة ثلاث لا غير. ثم يبقى الترجيح بين هذا المختار - وهو سنة أربع - وبين رواية الضياء، وهو القول الثالث، والأقرب في ذلك رواية الضياء، وذلك لأسباب، منها: 1 - عناية الضياء بأخبار الحافظ، وصلته به. 2 - نقل الحافظ الضياء عن والدته مع ضبطها التام للفارق بين مولد الحافظ ومولد أخيها بأربعة أشهر، وهذا الأمر - تواريخ مواليد الأقران في الأسرة الواحدة - مما تعتني به النساء في البيوت. 3 - اعتماد كثير ممن ترجم للحافظ علي هذا التأريخ الذي نقله الضياء. ¬

_ (¬1) انظر "الذيل" لابن رجب (2/ 5). (¬2) انظر "التكملة" (2/ 18).

4 - صفاته الخلقية

4 - وأخيرًا فإن التأريخين الأوليين نُقِلا علي سبيل التردد والشك. 4 - صفاته الخلقية: قال الضياء المقدسي: "كان الحافظ -رحمه الله - ليس بالأبيض الأمهق، بل يميل إلى السمرة، حسن الشعر، كث اللحية، واسع الجبين عظيم الخلق، تام القامة، كأن النور يخرج من وجهه، وكان قد ضعف بصره؛ من كثرة البكاء، والنسخ، والمطالعة". وقال أيضًا: "وكان - رحمه الله - قويًا في بدنه". وقال أيضًا: "كان يستعمل السواك كثيرًا، حتى كأن أسنانه البرد". 5 - أسرته: قال الضياء: "تزوج الحافظ بخالتي رابعة ابنة خاله الشيخ أحمد بن محمد بن قدامة، فهي أم أولاده: محمد، وعبد الله، وعبد الرحمن، وفاطمة وعاشوا حتى كبروا، ثم تسرّى بجارية في مصر فلم توافقه، ثم بأخرى، فولدت له بنتين ماتتا ولم تكبرا". قال الذهبي في "السير" (21/ 468): "قلت: أولاده علماء: فمحمد هو: المحدث الحافظ الإمام الرحال عز الدين أبو الفتح، مات سنة ثلاث عشرة وست مئة كهلًا، وكان كبير القدر. وعبد الله هو: المحدث الحافظ المصنف جمال الدين أبو موسى، رحل، وسمع من ابن كليب، وخليل الراراني، مات كهلًا في شهر رمضان سنة تسع وعشرين وست مئة. وعبد الرحمن هو: المفتي أبو سليمان ابن الحافظ سمع من البوصيري وابن

6 - كرمه وجوده

الجوزي، عاش بضعًا وخمسين سنة توفي في صفر سنة ثلاث وأربعين وستمئة" 6 - كرمه وجوده: قال الضياء: كان الحافظ عبد الغني سخيًا، جوادًا، كريمًا، لا يدخر دينارًا ولا درهمًا، ومهما حصل له أخرجه. ولقد سمعت عنه أنه كان يخرج في بعض الليالي بقفاف الدقيق إلى بيوت المحتاجين، فيدق عليهم، فإذا علم أنهم يفتحون الباب ترك ما معه ومضى؛ لئلا يعرفه أحد. وقد كان يفتح له بشيء من الثياب والبرد، فيعطي الناس، وربما كان عليه ثوب مرقع، وقد أوفى غير مرة سرًا ما يكون علي بعض أصحابه من الدَّين، ولا يعلمهم بالوفاء. وقال الشيخ الموفق عنه: كان جوادًا؛ يؤثر بما تصل إليه يده سرًا وعلانية. وقال بدر بن محمد الجزري: ما رأيت أحدًا أكرم من الحافظ؛ كنت أستدين - يعني: لأطعم به الفقراء - فبقي لرجل عندي ثمانية وتسعون درهمًا، فلما تهيأ الوفاء أتيت الرجل، فقلت: كم لك؟ قال: مالي عندك شيء. قلت: من أوفاه؟ قال: قد أوفى عنك، فكان وفاه الحافظ وأمره أن يكتم عليه. وذكر غير واحد أنه وقع بمصر غلاء وهو بها، فكان يؤثر بعشائه عدة ليالي، ويطوي. وبعث له الأفضل ابن صلاح الدين بنفقة وقمح كثير، ففرقه كله. وقال الضياء: رأيت يومًا قد أهدي إلى بيتِ الحافظ مشمش، فكانوا يفرقون، فقال من حينه: فَرَّقوا {لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ}

7 - وفاته ودفنه

وقد فتح له بمصر بأشياء كثيرة من الذهب وغيره فما كان يترك شيئًا، حتى قال لي ابنه أبو الفتح: والدي يعطي الناس الكثير، ونحن لا يبعث إلينا شيئًا! وقال عبد الجليل الجيلاني: كنت في مسجد الوزير، فبقيت ثلاثة أيام مالنا شيء، فلما كان العصر يوم الجمعة سلمت على الحافظ، ومشيت معه إلى خارج باب الجامع، فناولني نفقة، فإذا هي نحو خمسين درهمًا. وقال الضياء: سمعت عبد الرحمن بن محمد القدسي يحدث عن رجل - وأثنى عليه خيرًا- قال: كنت مرة قد تخرقت ثيابي، فجئت يومًا بدمشق للحافظ، فقلت: يا سيدي! لك حاجة أحملها إلى الجبل؟ قال: نعم. خذ معك هذا الثوب، فحملته إلى الجبل، فلما صعدت، جئت بالثوب إليه، فقال: اقعد فَصِّلْ لك ثوبين وسراويل، ففصَّلت ثوبين وسراويل، وفضلت فضلة فأخذها. 7 - وفاته ودفنه: نقل الضياء عن الحافظ أبي موسى بن الحافظ عبد الغني قال: مرض والدي- رحمه الله- في ربيع الأول سنة ستمائة مرضًا شديدًا منعه من الكلام والقيام، واشتد به مدة ستة عشر يومًا، وكنت كثيرًا ما أسأله ما تشتهي؟ فيقول: أشتهي الجنة، أشتهي رحمة الله تعالى، لا يزيد على ذلك. فلما كان يوم الاثنين جئت إليه، وكان عادتي أبعث من يأتي كل يوم بُكرةً بماء حارٍّ من الحمام؛ يغسل أطرافه، فلما جئنا بالماء على العادة مَدّ يَدَه، فعرفت أنه يريد الوضوء، فوضأته وقت صلاة الفجر.

ثم قال: يا عبد الله! قم فصل بنا وخفف. فقمت فصليت بالجماعة، وصلى معنا جالسًا، فلما انصرف الناس جئت فجلست عند رأسه وقد استقبل القبلة، فقال لي: اقرأ عند رأسي سورة يس، فقرأتها، فجعل يدعو الله، وأنا أؤمِّن. فقلت: هاهنا دواء قد عملناه تشربه. فقال: يا بني! ما بقي إلا الموت. فقلت: ما تشتهي شيثًا؟ قال: أشتهي النظر إلى وجه الله تعالى. فقلت: ما أنت عني راضٍ؟ قال: بلى. والله أنا عنك راضٍ وعن إخوتك، وقد أجزت لك ولإخوتك ولابن أختك إبراهيم. وأوصاني أبي عند موته، قال: لا تضيعوا هذا العلم الذي تعبنا عليه. يعني: علم الحديث. فقلت: ما توصي بشيء؟ قال: ما لي على أحد شيء، ولا لأحد عليّ شيء. قلت: توصيني بوصية؟ قال: يا بني! أوصيك بتقوى الله، والمحافظة على طاعته. فجاء جماعة يعودونه، فسلموا عليه، فرد عليهم، وجعلوا يتحدثون ففتح عينيه، وقال: ما هذا الحديث؟! اذكروا الله تعالى. قولوا: لا إله إلا الله. فقالوها، ثم قاموا، فجعل يذكر الله، ويحرك شفتيه بذكره، ويشير بعينيه،

8 - رثاؤه

فدخل رجل فسلم عليه. وقال له. ما تعرفني يا سيدي؟! فقال: بلى. فقمت لأناوله كتابًا من جانب المسجد، فرجعت وقد خرجت روحه، وذلك يوم الاثنين الثالث والعشرين من شهر ربيع الأول من سنة ستمائة. وبقي ليلة الثلاثاء في المسجد (¬1)، واجتمع من الغد خلق كثير؛ من الأئمة والأمراء مالا يحصيهم إلا الله عز وجل. ودفناه يوم الثلاثاء بالقرافة (¬2)، مقابل قبر الشيخ أبي عمرو بن مرزوق في مكانٍ ذَكَرَ لي خادمُه عبد المنعم أنه كان يزور ذلك المكان، ويبكي فيه إلي أن يبل الحصي، ويقول: قلبي يرتاح إلي هذا المكان. رحمه الله، ورضي عنه، وألحقه بنبينا محمد - صلى الله عليه وسلم -. 8 - رثاؤه بكي الناس الحافظ، وأسفوا على رحيله، ورثاه غير واحد، منهم الإمام أبو عبد الله؛ محمد بن سعد المقدسي الأديب بقصيدة طويلة، أولها (¬3) هذا الذي كنت يوم البين أحتسب ... فليقضن دمعي عنك بعض ما يجب يا سائرين إلي مصر بربكم ... رفقًا عليّ فإن الأجر مكتسب قولوا لساكنها حييت من سكن ... يا منية النفس ماذا الصد والغضب بالشام قوم وفي بغداد قد أسفوا ... لا البعد أخلق بلواهم ولا الحقب قد كنت بالكتب أحيانًا تعللهم ... فاليوم لارسل تأتي ولا كتب ¬

_ (¬1) قال المنذري في "التكملة" (2/ 18): "بمسجد ابن الفرات بطحاني الموقف". (¬2) شرقي قبر الشافعي- رحمهما الله-، وهذه القرافة بسفح المقطم، وما زالت إلي اليوم تعرف بهذا الاسم، وإن غلب عليها اسم الإمام الشافعي. (¬3) انظر "تاريخ الإسلام" للذهبي، و"الذيل" لابن رجب.

الفصل الثاني: السيرة العلمية.

الفصل الثاني: السيرة العلمية. 1 - نشأته وطلبه ولد الحافظ عبد الغني بجماعيل في ربيع الآخر سنة إحدى وأربعين وخمس مئة، وهو أسن من عميه الإمام موفق الدين عبد الله بن أحمد ابن قدامة المقدس والشيخ أبي عمر بأربعة أشهر، وكان قدومهما مع أهلهما من بيت المقدس إلي مسجد أبي صالح خارج باب شرقي أولًا، ثم انتقلوا إلي السفح، فعرفت محلة الصالحية بهم، فقيل لها: الصالحية فسكنوا الدير، وقرأ الحافظ القرآن، وسمع الحديث، وارتحل (¬1). 2 - حفظه أطبقت كلمة من رأى الحافظ أو ترجم له أنه لم يكن في وقته أحفظ منه، وأنه بلغ الغاية في ذلك، وقد كان - رحمه الله- من الحفاظ المعدودين، وأخباره الدالة علي قوة حفظه، وصفاء ذهنه كثيرة جدًا. قال عنه ابن النجار في "تاريخه" (¬2): "حدث بالكثير، وصنف تصانيف حسنة في الحديث، وكان غزير الحفظ، من أهل الإِتقان والتجويد، قيمًا بجميع فنون الحديث، عارفًا بقوانينه، وأصوله، وعلله وصحيحه، وسقيمه، وناسخه ومنسوخه، وغريبه، وشكله، وفقهه، ومعانيه، وضبط أسماء رواته، ومعرفة أحوالهم". قلت: وقد نقل الضياء كثيرًا من أخباره المبهرة في هذا الباب، ونقلها عنه كثيرٌ ممن ترجموا للحافظ، ومن هذه الأخبار. ¬

_ (¬1) انظر "البداية والنهاية" (13/ 42). (¬2) كما في "الذيل" لابن رجب (2/ 9).

1 - قال الضياء: كان شيخنا الحافظ لا يكاد أحد يسأله عن حديث إلا ذكره له، وبينه، وذكر صحته أو سقمه، ولا يسأل عن رجل إلا قال: هو فلان بن فلان الفلاني، ويذكر نسبه. وأنا أقول: وكان الحافظ عبد الغني أمير المؤمنين في الحديث. سمعت شيخنا الحافظ عبد الغني يقول: كنت يومًا بأصبهان عند الحافظ أبي موسى، فجرى بيني وبين بعض الحاضرين منازعة في حديث، فقال: هو في "صحيح البخاري"، فقلت: ليس هو فيه. قال: فكتب الحديث في رقعة، ورفعها إلي الحافظ أبي موسى يسأله عنه؟ قال: فناولني الحافظ أبو موسى الرقعة، وقال: ما تقول، هل هذا الحديث في البخاري أم لا؟ قلت: لا. فخجل الرجل، وسكت! 2 - سئل الحافظ: لم لا تقرأ من غير كتاب؟ فقال: أخاف العجب. 3 - جاء رجل إليه، فقال: رجل حلف بالطلاق أنك تحفظ مئة ألف حديث؟ فقال: لو قال أكثر لصدق. 4 - قال الضياء: شاهدت الحافظ غير مرة بجامع دمشق يسأله بعض الحاضرين- وهو علي المنبر- اقرأ لنا أحاديث من غير أجزاء، فيقرأ الأحاديث بأسانيدها عن ظهر قلبه. 5 - قال أبو اليمن الكندي: رأيت الحافظ ابن ناصر، والحافظ أبا العلاء الهمداني وغيرهما من الحفاظ، ما رأيت أحفظ من عبد الغني المقدسي. وقال مرةً: لم يكن بعد الدارقطني مثل الحافظ عبد الغني.

وقال أيضًا: لم ير الحافظ عبد الغني مثل نفسه. 6 - قال الإمام ربيعة بن الحسن اليمني: قد حضرت الحافظ أبا موسى وهذا الحافظ عبد الغني، فرأيت عبد الغني أحفظ منه. وأنشد فيه يا أصدق الناس في بدو وفي حضر ... وأحفظ الناس فيما قالت الرسل إن يحسدوك فلا تعبأ بقائلهم هم ... الغثاء وأنت السيل البطل 7 - قال الحافظ عبد الغني: كنت عند ابن الجوزي يومًا، فقال: "وريرة ابن محمد الغساني"، فقلت: إنما هو: "وزيرة"، فقال: أنتم أعرف بأهل بلدكم. 8 - قال له الحافظ عبد القادر الرهاويّ: سمعتَ وسمعنا، وحفظتَ ونسينا. 9 - قال أبو عبد الله محمد بن أميرك الجويني: ما سمعت السِّلفي يقول لأحد: الحافظ. إلا لعبد الغني المقدسي. 10 - ومما يدل علي نباهته وقوة حفظه منذ الصغر أنه كان يحضر مجالس الحديث بدمشق، وكان يحضرها أيضًا الملك نور الدين بن زنكي، وكان إذا أشكل شيء علي القارئ، قاله الحافظ، ثم رحل إلي السِّلَفي، وكان الملك يأتي بعد ذلك ففقده، فقال: أين ذاك الشاب؟ فقالوا: سافر. 11 - وبالجملة فالأمر كما قال الضياء: كل من رأينا في زماننا من المحدثين ممن رأى الحافظ عبد الغني، وجرى ذكر حفظه ومذاكرته، قال: ما رأينا مثله، أو نحو هذا.

3 - رحلاته

3 - رحلاته لقد كان الحافظ عبد الغني- رحمه الله- شأنه شأن الحفاظ الكبار من قبله، فقلما تجد حافظًا من الحفاظ، أو عالِمًا من العلماء، إلا وقد رحل في طلب العلم. والرحلة في طلب العلم أمر معروف في الإِسلام منذ الصدر الأول وقد ألف الخطيب البغدادي كتابه المعروف "الرحلة في طلب الحديث". ومالهم لا يرحلون، وقد أوصئ بهم النبي - صلى الله عليه وسلم -، فقد روى ابن ماجة (247) عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "سيأتيكم أقوام يطلبون العلم، فإذا رأيتموهم، فقولوا لهم: مرحبًا مرحبًا بوصية رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، واقنوهم" قلت للحكم: ما "اقنوهم"؟ قال: علموهم. وفي نسخة: "وأفتوهم". ولقد رحل الحافظ وهو في العشرين من عمره تقريبًا فرحل إلي بغداد مرتين، أولاهما كانت سنة (561 هـ)، فرحل هو وابن خاله الشيخ الموفَّق، فكانا يخرجان معًا، ويذهب أحدهما في صحبة رفيقه إلي درسه وسماعه، كانا شابين مُخْتَطين، وخوفهما الناس من أهل بغداد، وكان الحافظ ميله إلي الحديث، والموفق يريد الفقه، فتفقه الحافظ، وسمع الموفق، فلما رآهما العقلاء علي التصون وقلة المخالطة أحبوهما، وأحسنوا إليهما، وحصَّلا علمًا جمًّا, فأقاما ببغداد نحو أربع سنين، ونزلا أولًا عند الشيخ عبد القادر، فأحسن إليهما، ثم مات بعد قدومهما بخمسين ليلة، ثم اشتغلا بالفقه والخلاف علي ابن الْمَني.

ثم رحل إلي الحافظ أبي طاهر السِّلَفي بالإِسْكَنْدَريِّة مرتين، الأولي سنة (566 هـ). قال الحافظ عبد الغني: لما قدمت علي السلفي سألني عن أشياء، وقال: من هو محمد بن عبد الرحمن الذهبي؟ فقلت: المخلّص (¬1). ومكث عنده في هذه المرة مدة. ثم رحل إليه المرة الثانية سنة (570 هـ)، وسمع منه الكثير، فقد كتب عنه نحوًا من ألف جزء بها. وفي هذه المرة سافر إلي مصر، فسمع من أبي محمد بن بري النحوي، وجماعة. ثم سافر إلي أصبهان بعد السبعين، وكان خرج إليها، ولم يكن معه من المال إلا القليل، فسهل الله أمره، وسخر له من حمله، وأنفق عليه، حتى دخل أصبهان، فنزل عند أبي الثناء؛ محمود بن سلامة الحراني التاجر، فكان يقول: كان الحافظ نازلًا عندي بأصبهان، وما كان ينام من الليل إلا القليل، بل يصلي، ويقرأ، ويبكي، حتي ربما منعنا النوم إلي السحر. ¬

_ (¬1) قلت: له ترجمة في "سير أعلام البلاء" (16/ 478)، وسؤال السلفي لعبد الغني لير سؤال تعلم، وإنما هو سؤال اختبار، ومثل هذا معروف لدى الشيوخ، ومن ذلك ما وقع للذهبي مع شيخه ابن دقيق العيد. قال تاج الدين السبكي في "طبقات الشافعة الكبرى" (9/ 102): "لما دخل- يعني الذهبي- إلى شيخ الإسلام ابن دقيق العيد، وكان المذكور شديد التحري في الإسماع، قال له: من أين جئت؟ قال: من الشام؟ قال: بم تعرف؟ قال: بالذهبي. قال: من أبو طاهر الذهبي؟ فقال له: المُخَلِّص. فقال: أحسنت. فقال: من أبو محمد الهلالي؟ قال: سفيان بن عيينة. قال: أحسنت، اقرأ. ومكنه من القرآءة عليه حينئذ؛ إذ رآه عارفًا بالأسماء".

4 - أوقاته

ومما وقع له في رحلته إلى أصبهان قوله: أضافني رجل بأصبهان، فلما تعشينا كان عنده رجل أكل معنا، فلما قمنا إلى الصلاة لم يصل! فقلت: ماله؟ قالوا: هذا رجل شمسي- يعني: يعبد الشمس- فضاق صدري. وقلت للرجل: ما أضفتني إلا مع كافر؟ قال: إنه كاتب وله عندنا راحة، ثم قمت بالليل أصلي والشمسي يستمع فلما سمع القرآن تزفَّر، فلما كان بعد أيام جاء إليّ الذي أضافني، وقال: إن الشمسي يريد أن يُسْلِم، فمضيت إليه فأسلم، وقال: من تلك الليلة- لما سمعتك تقرأ القرآن- وقع الإسلام في قلبي. وفي هذه الرحلة اجتمع بالحافظ أبي موسى المديني، وسمع منه. ورحل أيضًا إلى الموصل، وحران، وهمدان، وغير ذلك، وهو في كل رحلاته يفيد، ويستفيد، وينشر سنة النبي - صلى الله عليه وسلم -. 4 - أوقاته أما حفاظه على الوقت فلا يعرف له نظير في زمانه في ذلك. قال أخوه العماد: ما رأيت أحدًا أشد محافظة على وقته من أخي. قال الضياء: كان شيخنا الحافظ- رحمه الله- لا يكاد يضيع شيئًا من زمانه بلا فائدة؛ فإنه كان يصلي الفجر، ويلقن الناس القرآن، وربما قرأ شيئًا من الحديث، فقد حفظنا منه أحاديث جمة تلقينًا، ثم يقوم ويتوضأ، فيصلي ما شاء الله له أن يصلي إلى قبل وقت الظهر، ثم ينام نومة يسيرة إلى وقت الظهر، ويشتغل إما للتسميع بالحديث، أو بالنسخ إلى المغرب، فإن كان صائمًا أفطر

بعد المغرب، وإن كان مفطرًا صلى من المغرب إلى عشاء الآخرة، فإذا صلى العشاء الآخرة نام إلى نصف الليل أو بعده، ثم قام كأن إنسانًا يوقظه، فيتوضأ ويصلي إلى قرب الفجر، وربما توضأ في الليل سبع مرات أو أكثر، فقيل له في ذلك؟ فقال: ما تطيب لي الصلاة إلا ما دامت أعضائي رطبة، ثم ينام نومة يسيرة إلى الفجر، وهذا دأبه. وقال الضياء: سألت خالي الإِمام موفق الدين عن الحافظ؟ فكتب بخطه، وقرأته عليه: كان جامعًا للعلم والعمل، وكان رفيقي في الصبا، وفي طلب العلم وما كنا نستبق إلى خير إلا سبقني إليه إلا القليل، وكمل الله فضيلته بابتلائه بأذى أهل البدعة، وعداوتهم إياه، وقيامهم عليه، ورزق العلم، وتحصيل الكتب الكثيرة، إلا أنه لم يعمر حتى يبلغ غرضه في روايتها ونشرها،- رحمه الله-. وقال نصر بن رضوان المقرى: ما رأيت أحدًا على سيرة الحافظ، كان مشتغلًا طول زمانه. وقال الضياء: وكان قد ضعف بصره من البكاء، والنسخ، والمطالعة، وكتب بخطه المتقن مالا يوصف كثرته، ولم يزل ينسخ ويصنف، ويحدث ويفيد المسلمين، ويعبد الله حتى توفاه الله على ذلك. قلت: نسخ الكثير- خاصة مصنفاته- بخطه المليح، الشديد السرعة، الغير منقوط غالبًا، وكثير مما نسخه إلى اليوم في المكتبة الظاهرية بدمشق، والتي نقلت فيما بعد إلى مكتبة الأسد الوطنية.

5 - إفادته

5 - إِفادته قال الضياء: كان الحافظ -رحمه الله- مجتهدًا على طلب الحديث، وسماعه للناس من قريب وغريب، فكان كل غريب يأتي يسمع عليه، أو يعرف أنه يطلب الحديث يكرمه ويبره، ويحسن إليه إحسانًا كثيرًا، وإذا صار عنده طالب يفهم شيئًا أمره بالسفر إلى المشايخ بالبلاد، ويفرح لهم بسماع ما يحصلونه، وأحيى الله به حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فمن سمع حديثًا من أصحابنا كان بسببه، ومن كان من غير أصحابنا كان طلبهم حسدًا له؛ لما يرون من حرصه، وكثرة طلبه. سمعت أبا إسحاق؛ إبراهيم بن محمد الحافظ يقول: ما رأيت الحديث في الشام كلّه إلا ببركة الحافظ؛ فإنني كل من سألته يقول: أول ما سمعت على الحافظ عبد الغني، وهو الذي حرّضني. وسمعت أبا موسى ابن الحافظ يقول: أوصاني أبي عند موته: لا تضيعوا هذا العلم الذي تعبنا عليه. يعني: الحديث. وحرَّضني على السفر إلى مصر، وسافر معنا ولده أبو سليمان وله نحو عشر سنين، وبعث معنا "المعجم الكبير" للطبراني، وكتاب البخاري، و"السيرة"، وكتب إلى زين الدين علي بن نجا يوصيه بنا. وسيَّر قبلنا ولديه محمدًا وعبد الله إلى أصبهان، وكان عبد الله صغيرًا، ثم سفَّر إسماعيل بن ظفر إلى أصبهان، وزوّده، وأعطاه ما احتاج إليه، وقبل ذلك حرَّض أبا الحجاج، يوسف بن خليل على السفر. قال الذهبي: هو رحَّل ابن خليل إلى أصبهان، ورحل ابنيه العز محمدًا

6 - من فتاويه

وعبد الله إلى أصبهان، وسفَّر ابنَ أخته؛ محمد بن عمر بن أبي بكر (¬1)، وابن عمه، علي بن أبي بكر. وكان هو -رحمه الله- يقرأ الحديث ليلة الخميس ويوم الجمعة بجامع دمشق، ويجتمع الخلق، وكان يقرأ ويَبكي ويُبَكّي الناس كثيرًا، حتى إن من حضر مجلسه مرة لا يكاد يتركه؛ لكثرة ما يطيب قلبه، وينشرح صدره فيه، وكان إذا فرغ دعا دعاءًا كثيرًا. وقال الضياء أيضًا: سمعت شيخنا أبا الحسن؛ علي بن نجا الواعظ بالقرافة يقول على المنبر: قد جاء الإمام الحافظ، وهو يريد أن يقرأ الحديث، فأشتهي أن تحضروا مجلسه ثلاث مرات، وبعدها أنتم تعرفونه، وتحصل لكم الرغبة، فجلس أول يوم -وكنت حاضرًا بجامع القرافة- فقرأ أحاديث بأسانيدها عن ظهر قلبه، وقرأ جزءًا، ففرح الناس بمجلسه فرحًا كثيرًا، فقال ابن نجا: قد حصل الذي كنت أريده في أول مجلس. وسمعت بعض من حضر مجلسه بمصر بمسجد المصنع (¬2)، يقول: إن الناس بكوا حتى غشي على بعضهم. قال: وقال بعض المصريين: ما كنا إلا مثل الأموات حتى جاء الحافظ، فأخرجنا من القبور. وكان يجلس بمصر في غير موضع يقرأ الحديث. 6 - من فتاويه نقل ابن رجب في "الذيل على طبقات الحنابلة" شيئًا من فتاويه، وهي: ¬

_ (¬1) قلت: هو راوي هذا الكتاب وناسخه، انظر ترجمته في هذه المقدمة ص (82). (¬2) هو مسجد الوزير ابن الفرات، وهو المسجد الذي توفي به الحافظ، وكان هذا المسجد بطحاني الموقف، بجانب دار الحافظ المنذري، انظر "التكملة" (2/ 66 و 3/ 96 - 97).

• سئل عن حديث: "من قال: لا إله إلا الله دخل الجنة"، هل هو منسوخ؟ فأجاب: بل هو محكم ثابت، لكن زيد فيه وضم إليه شروط أخر، وفرائض فرضها الله على عباده. وذكر قول الزهري في ذلك. • وسئل عمن كان في زيادة من أحواله، فحصل له نقص؟ فأجاب: أما هذا فيريد المجيب عنه أن يكون من أرباب الأحوال وأصحاب المعاملة. وأنا أشكو إلى الله تقصيري وفتوري عن هذا وأمثاله من أبواب الخير، وأقول، وبالله التوفيق: إن من رزقه الله خيرًا من عمل أو نور قلب، أو حالة مرضية في جوارحه وبدنه، فليحمد الله عليها، وليجتهد في تقييدها بكمالها، وشكر الله عليها، والحذر عن زوالها بزلة أو عثرة. ومن فقدها فليكثر من الاسترجاع، ويفزع إلى الاستغفار والاستقالة، والحزن على ما فاته، والتضرع إلى ربه، والرغبة اليه في عودها إليه، فإن عادت، وإلا عاد إليه ثوابها وفضلها إن شاء الله تعالى. • وسئل مرة أخرى في معنى ذلك؟ فأجاب: أما فقدان ما نجده من الحلاوة واللذة، فلا يكون دليلًا على عدم القبول؛ فإن المبتدئ يجد مالا يجد المنتهي، فإنه ربما ملت النفس وسئمت؛ لتطاول الزمان، وكثرة العبادة. وقد روي عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أنه كان ينهى عن كثرة العبادة والإِفراط فيها، ويأمر بالاقتصاد خوفًا من الملل. وقد روي أن أهل اليمن لما قدموا المدينة جعلوا يبكون، فقال أبو بكر رضي الله عنه: هكذا كنا حتى قست القلوب.

7 - أمره بالمعروف، ونهيه عن المنكر

• وسئل عن يزيد بن معاوية؟ فأجاب: خلافته صحيحة. قال: وقال بعض العلماء: بايعه ستون من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، منهم ابن عمر. وأما محبته: فمن أحبه فلا ينكر عليه، ومن لا يحبه فلا يلزمه ذلك؛ لأنه ليس من الصحابة الذين صحبوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فيلتزم محبتهم إكرامًا لصحبتهم، وليس ثم أمر يمتاز به عن غيره من خلفاء التابعين، كعبد الملك وبنيه. وإنما يمنع من التعرض للوقوع فيه؛ خوفًا من التسلق إلى أبيه، وسدًا لباب الفتنة. • وسئل عن دخول النساء الحمام؟ فأجاب: إذا كان للمرأة عذر، فلها أدت تدخل الحمام؛ لأجل الضرورة والأحاديث في هذا أسانيدها متقاربة. قد جاء النهي والتشديد في دخولهن. وجاءت الرخصة للنفساء والسقيمة. والذي يصح عندي: أنها إذا دخلت من عذر فلا بأس إن شاء الله، وإن استغنت عن الدخول وكان له عنها غناء، فلا تدخل. وهذا رأينا في أهلنا ومن يأخذ بقولنا. نسأل الله التوفيق والعفو والعافية. 7 - أمره بالمعروف، ونهيه عن المنكر قال الضياء: كان لا يرى منكرًا إلا غيره بيده، أو بلسانه، وكان لا تأخذه في الله لومة لائم، قد رأيته مرة يهريق خمرًا، فجبذ صاحبه السيف، فلم يخف منه، وأخذه من يده، وكان قويًا في بدنه، وفي أمر الله، وكثيرًا ما كان بدمشق ينكر المنكر، ويكسر الطنابير والشبابات.

قال خالي الوفق: كان الحافظ لا يصبر عن إنكار النكر إذا رآه، وكنا مرة أنكرنا على قوم، وأرقنا خمرهم، وتضاربنا، فسمع خالي؛ أبو عمر، فضاق صدره، وخاصمنا! فلما جئنا إلى الحافظ طيب قلوبنا، وصوَّب فعلنا، وتلا: {وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ. .} [لقمان: 17]. وسمعت أبا بكر بن أحمد الطحان قال: "كان بعض أولاد صلاح الدين قد عُملت لهم طنابير، وحُملت إليهم، وكانوا في بعض البساتين يشربون، فكسرها. قال: فحدثني الحافظ، قال: فلما كنت أنا وعبد الهادي عند حمام كافور إذا قوم كثير معهم عصي، فخففت المشي، وجعلت أقول: حسبي الله ونعم الوكيل، فلما صرت على الجسر لحقوا صاحبي، فقال: أنا ما كسرت لكم شيئًا، هذا هو الذي كسر! قال: فإذا فارس يركض، فترجل، وقبل يدي، وقال: الصبيان ما عرفوك. وكان قد وضع الله له هيبة في النفوس". وقال الضياء: "سمعت بعض أصحابنا يحكي عن الأمير درباس المهراني؛ أنه دخل مع الحافظ إلى الملك العادل، فلما قضى الملك كلامه مع الحافظ، جعل يتكلم مع بعض الحاضرين في أمر ماردين وحصارها وكان حاصرها قبل ذلك، فسمع الحافظ كلامه. فقال: أيش هذا؟! وأنت بعدُ تريد قتال السلمين، ما تشكر الله فيما أعطاك، أما ... أما؟! قال: فما أعاد ولا أبدى! ثم قام الحافظ وقمت معه، فقلت: أيش هذا؟ نحن كنا نخاف عليك من هذا الرجل، ثم تعمل هذا العمل؟! قال: أنا إذا رأيت شيئًا لا أقدر أصبر.

8 - عقيدته

وسمعت أبا بكر بن الطحان قال: "كان في دولة الأفضل جعلوا الملاهي عند درج جيرون (¬1)، فجاء الحافظ فكسر شيئًا كثيرًا، ثم صعد المنبر يقرأ الحديث، فجاء رسول القاضي يأمره بالمشي إليه؛ ليناظره في الدف والشبابة، فقال: ذاك عندي حرام، ولا أمشي إليه، إن كان له حاجة فيجيء هو، ثم قرأ الحديث، فعاد الرسول، فقال: قد قال: لا بد من المشي إليه، أنت قد بطلت هذه الأشياء على السلطان، فقال الحافظ: ضرب الله رقبته ورقبة السلطان، فمضى الرسول وخفنا أن تجري فتنة، فما جاء أحد بعد ذلك". فكان -بحقٍّ- أمَّارًا بالمعروف نهّاءًا عن المنكر. رحمه الله. 8 - عقيدته لا شك أن عقيدة الحافظ عبد الغني عقيدة سلفية أثرية، وإن افترى عليه المبتدعة الأشاعرة، وغيرهم، حتى إنه لم يسلم من بعض الحنابلة!! فقد كان -رحمه الله- "متمسكًا بالسنة على قانون السلف، ولم يزل بدمشق يحدث، وينتفع به الناس إلى أن تكلم في الصفات والقرآن بشيء أنكره عليه أهل التأويل؛ من الفقهاء، وشنعوا به عليه". قلت: ابتلي -رحمه الله-، وأوذي كثيرًا بسبب عقيدته السلفية (¬2)، ولكنه ما دارى ولا لان. ولما طُلب منه أن يكتب عقيدته، كتب: أقول كذا لقول الله كذا، وأقول كذا لقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كذا، حتى أتى على المسائل التي شنعوا بها عليه، فلما رأى الملك الكامل ما كتب الحافظ، قال: أيش أقول في هذا، يقول بقول ¬

_ (¬1) وهذا الدرج باق إلى اليوم، وقد رأيته، وهو بالقرب من الباب الشرقي للجامع الأموي. (¬2) كما سيأتي في المبحث التالي.

9 - ما ابتلي به الحافظ

الله عز وجل، وقول رسوله - صلى الله عليه وسلم -. فخلَّى عنه. قلت: ولا يُتهم من ألف في نصرة العقيدة السلفية -في كل عصر ومصر- إلا من عصبيٍّ، أو مفتر، أو قليل ورع، أو صاحب هوى ومراء، أو من حاسد. نعوذ بالله من الخذلان. وهذا الحافظ -رحمه الله- قد ألف في الحصدة مؤلفات على مذهب السلف الصالح رضي الله عنهم، فله "كتاب التوحيد"، وقد قرأته -مخطوطًا- وما فيه إلا الأثر، وله "كتاب الأربعين من كلام رب العالمين" وكتاب "الصفات" وكتاب "اعتقاد الشافعي". فرحمه الله من سلفي أثري متبع. 9 - ما ابتلي به الحافظ ابتلي الحافظ -رحمه الله- كثيرًا، كغيره من أهل السنة، قال ابن قدامة: "وكمل الله فضيلته بابتلائه بأذى أهل البدعة وعداوتهم". فقد آذوه، وبلغ بهم الحال أن وشوا به إلى الحكام. وبلغ الحال من بعضهم أن أرسل إلى الملك العادل يبذل في قتل الحافظ خمسة آلاف دينار! ولكنه -رحمه الله- لم يكن ممن تأخذه في الله لومة لائم، وأكثر ما جر عليه البلاء قيامه بنشر أحاديث النزول والصفات، وكعادة أهل البدع والضلال في كل عصر ومصر، وموقفهم من الآثار ومتبعيها، فقد قاموا عليه، ورموه بالتجسيم، وأما هو -رحمه الله- فقد كان قويًا في الحق، يجهر به، ولم يكن يداريهم كما فعل غيره من علماء عصره.

قال الضياء: كان الحافظ يقرأ الحديث بدمشق، ويجتمع الخلق عليه، ويبكّي الناس، وينتفعون بمجالسه كثيرًا، فوقع الحسد عند المخالفين بدمشق، فجعلوا لهم وقتًا لقراءة الحديث، وجمعوا الناس (¬1)، فكان هذا ينام، وهذا بلا قلب، فلم تشتف قلوبهم بذلك! فشرعوا في المكيدة؛ بأن أمروا الإِمام الناصح أبا الفرج؛ عبد الرحمن بن نجم بن الحنبلي الواعظ بأن يجلس يعظ في الجامع تحت قبة النسر بعد الجمعة وقت جلوس الحافظ. فلما بلغني ذلك قلت لبعض أصحابنا: هذه مكيدة والله. ما ذلك لحبهم الناصح، وإنما يريدون أن يعملوا شيئًا. فأول ذلك أن الحافظ والناصح أرادا أن يختلفا الوقت، ثم اتفقا على أن يجلس الناصح بعد صلاة الجمعة، ثم يجلس الحافظ بعد صلاة العصر، فلما كان بعض الأيام، والناصح قد فرغ من مجلسه، فدسوا له رجلًا ناقص العقل من بيت ابن عساكر (¬2)، فقال للناصح كلامًا معناه: إنك تقول الكذب على المنبر، فضرب ذلك الرجل وهرب فأتبع وخبّئ في الكَلاسة، فتمت لهم المكيدة بهذه الواقعة. فمشوا إلى الوالي، وقالوا: هؤلاء الحنابلة ما قصدهم إلا الفتنة، واعتقادهم يخالف اعتقادنا. ¬

_ (¬1) يعني: بغير رغبتهم في الحضور. (¬2) قال الذهبي في "السير" (20/ 568): "بلغنا أن الحافظ عبد الغني المقدسي بعد موت ابن عساكر نَفَّذَ من استعار له شيئًا من (تاريخ دمشق) فلما طالعه انبهر لسعة حفظ ابن عساكر، ويقال: ندم على تفويت السماع منه، فقد كان بين ابن عساكر وبين المقادسة واقع، رحم الله الجميع".

ثم إنهم جمعوا كبراءهم ومضوا إلى القلعة إلى الوالي، وقالوا: نشتهي أن يحضر الحافظ عبد الغني، وكان مشايخنا قد سمعوا بذلك، فانحدروا إلى دمشق؛ خالي الإِمام موفق الدين، وأخي الإِمام الشمس البخاري وجماعة الفقهاء، وقالوا: نحن نناظرهم. وقالوا للحافظ: اقعد أنت لا تجئ؛ فإنك حادٌّ، ونحن نكفيك، فاتفق أنهم أرسلوا إلى الحافظ من القلعة وحده فأخذوه، ولم يعلم أصحابنا بذلك، فناظروه، وكان أجهلهم يغرى به، فاحتد. وكانوا قد كتبوا شيئًا من اعتقاداتهم، وكتبوا خطوطهم فيه، وقالوا له: اكتب خطك، فأبى، ولم يفعل. فقالوا للوالي: الفقهاء كلهم قد اتفقوا على شيء وهو يخالفهم، وكان الوالي لا يفهم شيئًا، فاستأذنوه في رفع منبره، فأرسلوا الأسرى، فرفعوا ما في جامع دمشق من منبر وخزانة ودرابزين. وقالوا: نريد أن لا تجعل في الجامع إلا صلاة أصحاب الشافعي، وكسروا منبر الحافظ، ومنعوه من الجلوس، ومنعوا أصحابنا من الصلاة في مقامهم في الجامع (¬1)، ففاتتهم صلاة الظهر! ثم إن الناصح ابن الحنبلي جمع السوقة وغيرهم، وقال: إن لم يخلونا نصلي باختيارهم صلينا بغير اختيارهم، فبلغ ذلك القاضي (¬2) -وهو كان ¬

_ (¬1) وذلك أن أصحاب كل مذهب! كانت لهم جماعتهم، وإمامهم، وكانوا لا يصلون جماعة واحدة، ولا يصلي بعضهم خلف بعض، بل في المسجد الواحد تقام أربع جماعات على عدد المذاهب الفقهية!! نعوذ بالله من الجهل والهوى وفرقة الكلمة، انظر التعليق على الحديث (161). (¬2) هو: محمد بن علي بن محمد بن يحيى بن عبد العزيز القرشي قاضي دمشق، قال الحافظ ابن كثير في حوادث سنة (598 هـ): "ثم إنه خولط في عقله، فكان يعتريه شبه الصرع إلى أن =

صاحب الفتنة -فأذن لهم بالصلاة، وخاف أن يصلَّى بغير إذنه! وكان الحنفية قد حموا مقصورتهم بالجند! ثم إن الحافظ ضاق صدره، ومضى إلى بعلبك، فأقام بها مدة يقرأ الحديث، وكان الملك العادل في بلاد الشرق، فقال أهل بعلبك للحافظ: إن اشتهيت جئنا معك إلى دمشق؛ نؤذي من أذاك، فقال: لا، ثم إنه توجه إلى مصر، ولم يعلم أصحابنا بسفره، فبقي مدة بنابلس، يقرأ الحديث. وجاء شاب من أهل دمشق بفتاوى من أهلها إلى صاحب مصر الملك العزيز، ومعه كتب: أن الحنابلة يقولون كذا وكذا، مما يشنعون به ويفترونه عليهم، وكان ذلك الوقت قد خرج -أي: الملك- نحو الإسكندرية يتفرج، فقال: إذا رجعنا من هذه السفرة أخرجنا من بلادنا من يقول بهذه المقالة، فلم يرجع إلا ميتًا؛ فإنه عدا به الفرس خلف صيد، فشبّ به الفرس وسقط عليه، وخسف صدره، فأقيم ابنه صبي، فجاء الأفضل ابن صلاح الدين من صرخد وأخذ مصر، وعسكر وكرّ إلى دمشق، فلقي الحافظ عبد الغني في الطريق، فأكرمه إكرامًا كثيرًا، وبعث يوصي به بمصر. فلما وصل الحافظ إلى مصر تلقي بالبشر والإكرام، وأقام بها يُسمع الحديث بمواضع منها وبالقاهرة، وقد كان بمصر كثير من المخالفين، لكن كانت رائحة السلطان تمنعهم من أذى الحافظ لو أرادوه. ثم جاء الملك العادل، وأخذ مصر، وأكثر المخالفون عنده على الحافظ، ¬

_ = توفي في شعبان من هذه السنة، ودفن بتربته بسفح قاسيون. ويقال: إن الحافظ عبد الغني دعا عليه، فحصل له هذا الداء العضال، ومات، وكذلك الخطيب الدولعي توفي فيها، وهما اللذان قاما على الحافظ عبد الغني، فماتا في هذه السنة، فكانا عبرة لغيرهما".

وسمعت أن بعضهم بذل في قتل الحافظ خمسة آلاف دينار، فاستدعي وأكرمه العادل، حتى قال الحافظ نفسه: "والملك العادل اجتمعت به، وما رأيت منه إلا الجميل، فأقبل عليّ وقام لي، والتزمني، ودعوت له، ثم قلت: عندنا قصور هو الذي يوجب التقصير فقال: ما عندك لا تقصير ولا قصور، وذُكر أمر السنة، فقال: ما عندك شيء تعاب به، لا في الدين ولا الدنيا، ولا بد للناس من حاسدين". فلما كان اليوم الثاني من دخوله عليه، إذا الأمراء مثل سركس وأزكش قد جاءوا إلى الحافظ، فقالوا: آمنا بكرامتك يا حافظ. وذكروا أن العادل قال: ما خفت من أحد ما خفت من هذا الرجل، فقلنا: أيها الملك! هذا رجل فقيه! أيش خفت منه؟ قال: لما دخل ما خيل إليّ إلا أنه سبع يريد أن يأكلني. فقلنا: هذه كرامة للحافظ. ثم سافر العادل إلى دمشق، وبقي الحافظ بمصر، والمخالفون لا يتركون الكلام فيه، فلما أكثروا عزم الملك الكامل علي إخراجه من مصر. واعتقل في دار سبع ليالى، فكان يقول: ما وجدت راحة بمصر مثل تلك الليالي وقال الشجاع ابن أبي زكريا الأمير: قال لي الملك الكامل يومًا: هاهنا رجل فقيه، قالوا: إنه كافر. قلت: لا أعرفه. قال: بلى. هو محدِّث. قلت: لعله الحافظ عبد الغني؟ قال: هذا هو. فقلت: أيها الملك! العلماء أحدهم يطلب الآخرة، والآخر يطلب الدنيا، وأنت هاهنا باب الدنيا، فهذا الرجل جاء إليك، أو أرسل إليك شفاعة، أو رقعة؛ يطلب منك شيئًا؟ قال: لا. فقلت: أيها الملك! والله هؤلاء القوم يحسدونه، فهل في هذه البلاد أرفع

منك؟ قال: لا. فقلت: هذا الرجل أرفع العلماء كما أنت أرفع الناس هاهنا. فقال: جزاك الله خيرًا كما عرفتني هذا. تم إني أرسلت (¬1) رقعة إلى الملك الكامل أوصيه به، فأرسل إليّ: تجئ. فمضيت إليه، وإذا عنده جماعة، منهم شيخ الشيوخ - يعني: ابن حمويه - وعز الدين الزنجاني الأمير، فقال لي الملك: نحن في أمر الحافظ، فقلت: أيها الملك! القوم يحسدونه، ثم بيننا شيخ الشيوخ - وحلّفته-: هل سمعت من الحافظ كلامًا يخرج عن الإِسلام؟ فقال: لا والله. ما سمعت عنه إلا كل جميل وما رأيته قط. ثم تكلم ابن الزنجاني، فمدح الحافظ مدحًا كثيرًا، ومدح تلامذته، وقال: أنا أعرفهم، فما رأيت مثلهم. فقلت: وأنا أقول شيئًا آخر. فقال: ما هو؟ فقلت: لا يصل إليه شيء يكرهه حتى يقتل من الأكراد ثلاثة آلاف. فقال الملك الكامل: لا يؤذى الحافظ. فقلت: اكتب خطك بذلك، فكتب. تم طلب من الحافظ أن يكتب اعتقاده، فكتب: أقول كذا لقول الله كذا، وأقول كذا لقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كذا، حتى فرغ من المسائل التي يخالفونه فيها، فلما وقف عليها الملك الكامل، قال: أيش أقول في هذا، يقول بقول الله عز وجل وقول رسوله - صلى الله عليه وسلم -؟! ومما ابتلي به ما وقع له في أصبهان فقد كان الحافظ أبو نعيم أخذ علي الحافظ ابن منده أشياء في كتاب "معرفة الصحابة"، وكان الحافظ أبو موسى المديني يشتهي أن يأخذ علي أبي ¬

_ (¬1) الكلام للأمير الشجاع.

10 - شيوخه

نعيم في كتابه "معرفة الصحابة"، فما كان يجسُر، فلما جاء الحافظ عبد الغني إلى أصبهان أشار إليه بذلك، فأخذ علي أبي نعيم في كتابه "معرفة الصحابة" نحوًا من مئتين وتسعين موضعًا، فلما سمع بذلك الصدر عبد اللطيف بن الخُجَنْدي طلب الحافظ عبد الغني، وأراد إهلاكه فاختفى الحافظ، وما أُخرج من أصبهان إلا في إزار؛ وذلك أن بيت الخُجَنْدي أشاعرة، وكانوا يتعصبون لأبي نعيم، وكانوا رؤساء البلد (¬1). ومما ابتلي به ما وقع له بالموصل قال الضياء: سمعت الحافظ يقول: كنا بالموصل نسمع "الجرح والتعديل" للعقيلي، فأخذني أهل الموصل، وحبسوني، وأرادوا قتلي من أجل ذكر أبي حنيفة فيه، قال: فجاءني رجل طويل معه سيف، فقلت: لعل هذا يقتلني وأستريح، قال: فلم يصنع شيئًا، ثم إنهم أطلقوني. وكان يسمع هو وابن البرني، فأخذ ابن البرني الكراس التي فيها ذكر أبي حنيفة، ففتشوا الكتاب، فلم يجدوا شيئًا، فهذا كان سبب خلاصه، والله أعلم. 10 - شيوخه سمع بدمشق من أبي المكارم، عبد الواحد بن محمد بن هلال، وأبي علي؛ الحسن بن مكي بن جعفر الصوفي، وأبي المعالي؛ عبد الله بن عبد الرحمن بن صابر، وأبي عبد الله؛ محمد بن حمزة بن أبي جميل، وغيرهم. وسمع بالموصل من الخطيب أبي الفضل عبد الله بن أحمد الطوسي. وسمع ببغداد من الفقيه أبي محمد؛ عبد القادر بن أبي صالح الجيلي، ¬

_ (¬1) قال ابن رجب في "الذيل" (2/ 20): "هذا في غاية الجهل والهوى، وإلا فما الذي يتعلق بهذا من المذاهب، واختلاف المقالات؟ ".

وأبي طالب؛ المبارك بن علي بن محمد بن خضير الصيرفي، وأبي الفضل؛ المبارك بن المبارك بن صدقة السمسار، وأبي الفتوح؛ عبد القاهر بن محمد بن عبد الله بن الوكيل، وأبي بكر؛ أحمد بن المقرب الكرخي، وأبي المعالي؛ أحمد ابن عبد الغني بن محمد الباجسرائي، وأبي الحسن؛ سعد الله بن نصر بن الدجاجي، والحافظ أبي أحمد؛ معمر بن عبد الواحد بن الفاخر، وأبي الفتح محمد بن عبد الباقي بن سلمان، وأبي المظفر؛ يحيى بن علي بن خطاب الخيمي وأبي بكر، عبد الله بن محمد بن النقور، وأبي القاسم؛ يحيى بن ثابت بن بندار، وأبي زرعة طاهر بن محمد المقدسي، وأبي المكارم المبارك بن محمد بن المعمر البادرائي، وأبي الحسن، علي بن المبارك بن الحسين بن نغوبا الواسطي وأبي محمد؛ عبد الله بن أحمد بن أحمد بن الخشاب، وجماعة كبيرة. وسمع بهمذان من أبي المحاسن؛ عبد الرزاق بن إسماعيل، وأبي سعيد المطهر بن عبد الكريم، وأبي الفرج؛ إسماعيل بن محمد بن إسماعيل القومسانيين، وغيرهم. وسمع بأصبهان من الحافظين: أبي موسى؛ محمد بن أبي بكر المديني، وأبي سعد؛ محمد بن عبد الواحد بن عبد الوهاب الصائغ، وأبي الفتح؛ عبد الله بن أحمد بن أبي الفتح الخرقي، وأبي العباس؛ أحمد بن أبي منصور أحمد. ابن محمد بن ينال، وأبوي رشيد: حبيب بن إبراهيم بن عبد الله المقرئ، وإسماعيل بن غانم بن خالد البيع، وأبي غالب؛ محمد بن محمد بن ناصر، وأبي عبد الله؛ سفيان، وأبي القاسم؛ علي ابني أبي الفضل بن أبي طاهر الخرقي، وأبي بكر بن يمان بن أبي الفوارس ابن أبي الفتح السباك، وجماعة سواهم.

11 - تلاميذه

وسمع بمصر من العلامة أبي محمد؛ عبد الله بن بري، وأبي عبد الله؛ محمد بن علي الرحبي، وأبي الحسن؛ علي بن هبة الله بن عبد الصمد الكاملي وجماعة سواهم. وسمع بالإسكندرية من الحافظ أبي طاهر؛ أحمد بن محمد الأصبهاني السِّلفي، وأبي محمد؛ عبد الله بن عبد الرحمن العثماني، وأبي القاسم؛ عبد الرحمن بن خلف الله المقرئ، وأبي الحسين؛ يحيى ابن أبي عبد الله محمد بن أحمد الرازي، وغيرهم. 11 - تلاميذه قال الذهبي: حدث عنه الشيخ موفق الدين، والحافظ عز الدين محمد، والحافظ أبو موسى عبد الله والفقيه أبو سليمان؛ أولاده، والحافظ الضياء، والخطيب سليمان بن رحمة الأسعردي، والبهاء عبد الرحمن، والشيخ الفقيه محمد اليونيني، والزين ابن عبد الدائم، وأبو الحجاج بن خليل، والتقي اليلداني، والشهاب القوصي، وعبد العزيز بن عبد الجبار القلانسي، والواعظ عثمان بن مكي الشارعي، وأحمد ابن حامد الأرتاحي، وإسماعيل بن عبد القوي بن عزون، وأبو عيسى عبد الله بن علاق الرزاز، وخلق. آخرهم موتًا سعد الدين محمد بن مهلهل الجيتي (¬1). قلت: وتلاميذه كُثر، وفي بلدان متعددة، فقد قال المنذري في "التكملة" (2/ 19): "حدث ببغداد، ودمشق، ومصر، ودمياط، والإسكندرية ... حضرت عنده عدة مرات، وحدث من لفظه بشيء من روايته وأنا حاضر، ولم أجد لي عنه سماعًا، وقد أجاز لي في رجب سنة ست وتسعين وخمس مئة". ¬

_ (¬1) السير (21/ 446).

12 - ثناء الناس عليه وحبهم له

12 - ثناء الناس عليه وحبهم له رغم عداوة أهل البدع للحافظ وكيدهم له، إلا أن مكانته كانت رفيعة، كما يظهر ذلك لمن يقرأ ترجمته، وما قاله فيه معاصروه. قال الضياء: ما أعرف أحدًا من أهل السنة رآه إلا أحبه ومدحه كتيرًا. وقال: سمعت محمود بن سلامة الحراني بأصبهان قال: كان الحافظ بأصبهان، فيصطف الناس في السوق؛ ينظرون إليه، ولو أقام بأصبهان مدة وأراد أن يملكها لملكها، يعني: من حبهم له، ورغبتهم فيه. وقال: ولما وصل إلى مصر أخيرًا كنا بها، فكان إذا خرج يوم الجمعة إلى الجامع لا نقدر نمشي معه؛ من كثرة الخلق، يجتمعون حوله. وهذه أقوال بعض المصنفين فيه: 1 - قال عنه الذهبي في "السير" (21/ 443): "الإِمام، العالم، الحافظ الكبير، الصادق، القدوة، العابد، الأثري، المتبع، عالم الحفاظ ... صاحب الأحكام الكبرى، والصغرى". وقال (21/ 465): "وبكل حال فالحافظ عبد الغني من أهل الدين والعلم، والتأله، والصدع بالحق، ومحاسنه كثيرة". 2 - قال المنذري في "التكملة" (2/ 17): "الفقيه الحافظ ... كتب الكثير، وله تصانيف مفيدة، ولم يزل يجمع، ويَسمع ويُسمع". 3 - وقال ابن رجب في "الذيل" (2/ 5): "الحافظ، الزاهد أبو محمد، ويلقب تقي الدين، حافظ الوقت، ومحدثه". 4 - قال عنه ابن الملقن في خطبة كتابه "الإِعلام" (ج/ ق 2/ ب): "فصل

13 - مصنفاته

في نبذة مختصرة من حال مصنف هذا الكتاب - يعني: العمدة الصغرى- المبارك، الذي عم النفع به، وكم من قاصد تحداه فلم ينل شيئًا من مرتبته، وهذا مما يدل علي صدق نية مؤلفه، وعلو منزلته، هو: الحافظ، الإِمام، محدث الإِسلام ... صاحب التصانيف". 5 - قال عنه ابن كثير في "البداية" (13/ 43): "كان نادرًا في زمانه في أسماء الرجال" حفظًا، وإتقانًا، وسماعًا، وسردًا للمتون". 6 - قال أبو الحاسن بن تغري بردي في "النجوم الزاهرة" (6/ 185): "كان إمامًا حافظًا متقنًا مصنفًا، ثقة عابدًا، زاهدًا، ورعًا سمع الكثير، ورحل إلى البلاد، وكتب الكثير، وهو أحد أكابر أهل الحديث، وأعيان حفاظهم". 7 - قال ابن العماد في "شذرات الذهب" (4/ 345): "وإليه انتهى حفظ الحديث متنًا وإسنادًا، ومعرفة بفنونه مع الورع والعبادة، والتمسك بالأثر والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر". 8 - قال ابن عبد الهادي في "طبقات المحدثين" (4/ 147): "الإِمام، الحافظ الكبير، محدث الإِسلام، وأحد الأئمة الأعلام، صاحب التصانيف النافعة". 13 - مصنفاته صنف الحافظ عبد الغني -رحمه الله- كتبًا كثيرة في السنن، والآثار والعقيدة، والآداب، والرجال، وغير ذلك. قال ياقوت: "صنف كتبًا في علم الحديث حسانًا مفيدة" (¬1). ¬

_ (¬1) معجم البلدان (2/ 160).

وهذه أسماء ما وقفت عليه من تلك المصنفات: 1 - أحاديث الأنبياء. جزء. 2 - أحاديث الشعر. جزء. 3 - أخبار الحسن البصري. جزء. 4 - تحريم القتل وتعظيمه. جزء. 5 - التوحيد. جزء. 6 - حديث الإفك. جزء. 7 - ذكر النار. جزء. 8 - فضائل عمر بن الخطاب. 9 - المصباح في عيون الأحاديث الصحاح. وهو كتاب يشتمل علي أحاديث "الصحيحين"، قال الذهبي: "هو مستخرج عليهما بأسانيده"، ويقع الكتاب في ثمانية وأربعين جزءًا (¬1). 10 - نهاية المراد من كلام خير العباد. وهو كتاب في السن، مات - رحمه الله - ولم يبيضه كله، ويقع في نحو مئتي جزء. 11 - اليواقيت. مجلد. 12 - تحفة الطالبين في الجهاد والمجاهدين مجلد. 13 - الآثار المرضية في فضائل خير البرية. أربعة أجزاء. 14 - الروضة. أربعة أجزاء. 15 - الذكر. جزءان. ¬

_ (¬1) الجزء الحديثي عشرون ورقة، كما قال الذهبي في "السير" (20/ 558 - 559).

16 - الأسرار. جزءان. 17 - التهجد. جزءان. 18 - الفرج. جزءان. 19 - الصلات من الأحياء إلى الأموات. جزءان. 20 - الصفات. جزءان. 21 - محنة الإمام أحمد. ثلاثة أجزاء. 22 - ذم الرياء. جزء كبير. 23 - ذم الغيبة. جزء ضخم. 24 - الترغيب في الدعاء والحث عليه. جزء كبير. 25 - فضائل مكة. أربعة أجزاء. 26 - الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. جزء (¬1). 27 - فضائل رمضان. جزء. 28 - فضائل عشر ذي الحجة. جزء. 29 - فضائل الصدقة. جزء. 30 - فضائل الحج. جزء. 31 - فضائل رجب جزء. 32 - وفاة النبي - صلى الله عليه وسلم -. جزء. 33 - الأقسام التي أقسم بها النبي - صلى الله عليه وسلم -. جزء. 34 - الأربعين. ¬

_ (¬1) وقد حققته، ونشرته مكتبة دار السلف بالرياض. الطبعة الأولى (1416 هـ).

35 - الأربعين. آخر. 36 - الأربعين من كلام رب العالين. 37 - الأربعين. بسند واحد. 38 - اعتقاد الإمام الشافعي. جزء كبير. 39 - الحكايات. سبعة أجزاء. 40 - غنية الحفاظ في تحقيق مشكل الألفاظ. مجلدان. 41 - لجامع الصغير لأحكام البشير النذير. لم يتم. 42 - ذكر القبور. جزء. 43 - الأحاديث والحكايات. مئة جزء، وكان يقرؤها للعامة. 44 - مناقب عمر بن عبد العزيز. جزء. قال الذهبي: "وأشياء كثيرة جدًا ما تمت، والجميع بأسانيده، بخطه المليح الشديد السرعة". • وأما الكتب التي ليست بأسانيد، فهي: 45 - عمدة الأحكام الكبرى. وسماه ابن رجب "الأحكام" علي أبواب الفقه، وقال عنه الذهبي: "أحكامه الكبرى"، وهو كتابنا هذا. 46 - العمدة في الأحكام، وهو "الصغرى" (¬1). 47 - درر الأثر علي حروف المعجم. قال ابن وجب: "تسعة أجزاء"، وقال الذهبي: "مجلد". ¬

_ (¬1) وهو مطبوع متداول له عدة طبعات، وعليه كثير من الشروح. وقد حققته وقامت بنشره مكتة المعارف بالرياض، الطبعة الأولى (1419 هـ)، وانتهيت من إعداده للطبعة الثانية علي تسع نسخ خطية بتاريخ (9/ 4/ 1420 هـ)، وهو لدى الدار نفسها.

48 - سيرة النبي - صلى الله عليه وسلم -. جزء كبير. 49 - النصيحة في الأدعية الصحيحة. جزء. 55 - الاقتصاد في الاعتقاد. جزء كبير. 51 - تبين الإِصابة لأوهام حصلت لأبي نعيم في معرفة الصحابة. جزء كبير. وقال الذهبي: "جزءان، تدل على براعته وحفظه". قال الحافظ الضياء: "وشاهدت بخط الحافظ أبي موسى المديني على كتاب "تبيين الإصابة لأوهام حصلت في معرفة الصحابة" الذي أملاه الحافظ عبد الغنى، وقد سمعه عليه أبو موسى، وأبو سعد الصائغ، وأبو العباس بن ينال الترك، وخلق كثير. قال أبو موسى - عفا الله عنه -: قل من قدم علينا من الأصحاب يفهم هذا الشأن كفهم الشيخ الإِمام ضياء الدين (¬1) أبي محمد عبد الغني ابن عبد الواحد المقدسي - زاده الله توفيقًا - وقد وفق لتبيين هذه الغلطات ولو كان الدارقطني وأمثاله في الأحياء لصوبوا فعله، وقل من يفهم في زماننا ما فهم، زاده الله علمًا وتوفيقًا". قال الذهبي في "تاريخ الإسلام": "وهو مجلد صغير، أبان فيه عن حفظ باهر، ومعرفة تامة". 52 - الكمال في أسماء الرجال. والحافظ عبد الغني أول من ألف في رجال الكتب الستة، ومؤلفه هذا هو أول المؤلفات في هذا الباب، وهو الأصل لما بعده، وأثنى على كتابه هذا العلماء، فقال عنه المزي: "هو كتاب نفيس، كثير الفائدة" (¬2) وقال عنه ياقوت الحموي: "جوّده جدًا" (¬3). ¬

_ (¬1) كذا بخط أبي موسى! (¬2) تهذيب الكمال (1/ 147). (¬3) معجم البلدان (2/ 160).

• الباب الثاني: التعريف بالمؤلف

• الباب الثاني: التعريف بالمؤلَّف 1 - اسم الكتاب. 2 - نسبة الكتاب للمؤلف. 3 - مصادر المؤلف في الكتاب. 4 - موضوع الكتاب. 5 - منهج الحافظ عبد الغني في الكتاب. 6 - ملاحظات لا مؤاخذات. 7 - بين العمدتين.

1 - اسم الكتاب

1 - اسم الكتاب إن اسم الكتاب الذي خلصت إلى إثباته على الغلاف هو: "عمدة الأحكام الكبرى". وقد ذكرت أسباب هذا الاختيار في ص (81 - 82). 2 - نسبة الكتاب إِلى المؤلف أما نسبة هذا الكتاب للحافظ عبد الغني - رحمه الله - فهي يقينية لا ريب في ذلك، بل هذا الكتاب من أبرز ما ينسب إلى الحافظ من مؤلفات، إذ جميع من ترجموا للحافظ نصوا على ذلك، بل إن إمامًا كبيرًا كالذهبي - رحمه الله - صدَّر تعريفه للحافظ عبد الغني في "السير" (21/ 443) بقوله: "صاحب الأحكام الكبرى والصغرى" ثم أعاد ذكرها في مصنفات الحافظ. وأيضًا ابن كثير في "البداية والنهاية" (13/ 42) صدَّر ترجمته بقوله: "صاحب التصانيف المشهورة، من ذلك: الكمال في أسماء الرجال، والأحكام الكبرى، والصغرى، وغير ذلك". ثم الدلائل الموجودة على النسخة الخطية أيضًا لا تدع مجالًا للشك في ذلك، انظر وصف النسخة ص (81) وما بعدها. وأيضًا نقل ابن الملقق في كتابه "الإِعلام" عن "العمدة الكبرى" - هذا الكتاب - كثيرًا، وهذه النقول متطابقة تمامًا مع هذه النسخة، سوى موضعين اثنين، وقد أشرت إليهما في حاشية ص (350 و 450) (¬1). ¬

_ (¬1) وفي هذه الطبعة التي اعتمدت فيها على نسخة لم تكن لدي في الطبعة الأولى وجدت هذين الموطنين في تلك النسخة كما قال ابن الملقن، والحمد لله.

3 - مصادر الكتاب

3 - مصادر الكتاب نص الحافظ عبد الغني رحمه الله في المقدمة على مصادره في هذا الكتاب فقال: ص (3 - 4): "فما كان فيه مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ فهو مما اجتمعَ عليه الإِمامان: محمد بنُ إسماعيل البُخاري، ومسلم بنُ الحجّاج النيسابوري. وعَلاَمةُ البُخاري على انفرادِه: خ. وعَلاَمَةُ مسلم على انفراده: م. وعَلاَمَةُ أبي داود؛ سليمان بنِ الأشعث السجستاني: د. وعَلاَمَةُ أبي عبد الرحمن أحمد بن شُعَيب بن عليّ النَّسائي: س. وعَلاَمَةُ أبي عيسى؛ محمد بن عيسى بن سَوْرة التِّرْمذيّ: ت. وعَلاَمَةُ أبي عبد الله؛ محمد بنِ يزيد بن ماجه القَزْويني: ق. ورُبما أضفنا الشيء إلى غير هؤلاء فَنُسمّيه". أهـ. قلت: فهذه الكتب الستة قد نص الحافظ عليها صراحة، وأما غيرها فلم يسمها في هذه المقدمة، وقد جردتها كاملةً، فكانت كالتالي: 1 - مسند الإمام أحمد، وقد عزا إليه في ستة مواطن، وهى الأحاديث ذوات الأرقام (33 - 70 - 80 - 81 - 86 - 257). 2 - رواية واحدة من "الزهريات" لمحمد بن يحيى الذُّهْلِيّ برقم (95). 3 - رواية واحدة من "الموطأ" للإِمام مالك برقم (212). 4 - رواية واحدة من "كتاب الدعاء" للطبراني برقم (258)، وقد ذكر إسناد الطبراني، وحكم عليه بالضعف.

4 - موضوع الكتاب

5 - ذكر جملة: "ولا يعز من عاديت" في قنوت الوتر، ولم يعزها لمصدر، غير أنه بعد أن ذكر أصل الحديث وعزاه لـ: "د س ق ت"، قال: "وفي غير هذه الرواية ... "، ثم ذكر الجملة الماضية، وهي عند الطبراني في "المعجم الكبير"، وفي "السنن الكبرى" للبيهقي. تلكم هي مصادر الحافظ عبد الغني رحمه الله في هذا الكتاب. 4 - موضوع الكتاب كما هو واضح مما كتب على غلاف النسخة فإن موضوع الكتاب خاص بأحاديث الأحكام والحلال والحرام، وهي الأحاديث التي تعنى بالأحكام الشرعية. وقد كان لعلماء الإِسلام عناية خاصة بأحاديث الأحكام، فهذا الدوري يقول: "سمعت أحمد بن حنبل، وسئل - وهو على باب أبي النضر؛ هاشم بن القاسم - فقيل له: يا أبا عبد الله! ما تقول في موسى ابن عبيدة، وفي محمد بن إسحاق؟ قال: أما موسى بن عبيدة فلم يكن به بأس، ولكنه حدَّث أحاديث مناكير عن عبد الله بن دينار، عن ابن عمر، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -. وأما محمد بن إسحاق، فهو رجل تكتب عنه هذه الأحاديث - كأنه يعني المغازي ونحوها - فأما إِذا جاءك الحلال والحرام أردنا قوما هكذا"، وقبض الدُّوريّ أصابع يده الأربع من كل يدٍ، ولم يضم الأبهام. وعن عبد الرحمن بن مهدي؛ أنه قال: "إذا روينا في الثواب والعقاب

5 - منهج الحافظ عبد الغني في الكتاب

وفضائل الأعمال تساهلنا في الأسانيد، وتسامحنا في الرجال، وإذا روينا في الحلال والحرام والأحكام تشددنا في الأسانيد، وانتقدنا الرجال". وجاء نحو ذلك عن ابن المبارك أيضًا. وهو وإن كان لا يعني قبولهم في فضائل الأعمال بالأحاديث الضعيفة؛ فإنه يبين بوضوح عناية أئمة الإسلام بأحاديث الأحكام. وقد اعتنى بجمع هذه الأحاديث الحفاظ في كتبهم، وإفراد كتب مستقلة بهذا النوع من الأحاديث. وقد كان الحافظ عبد الغني رحمه الله من أوائل مَن وضعوا لبنات هذا البناء وأحكمه، فلم يسبقه. بإفراد هذا النوع من الأحاديث -فيما أعلم- سوى عبد الحق الإِشبيلي رحمه الله (581 هـ) بأحكامه "الكبرى"، و"الوسطى"، و"الصغرى" (¬1). ثم بعد الحافظ عبد الغني -رحمه الله- بكتابيه في الأحكام؛ "الكبرى" و"الصغرى" تتابع الناس. 5 - منهج الحافظ عبد الغني في الكتاب نستطيع أن نقول: إن المؤلف بنى كتابه هذا على ملامح أساسية، وهي: أولًا: افتتح كتابه بمقدمة موجزة جدًا، حدد فيها مصادره في هذا الكتاب، وهي - بصفة أساسية - الكتب الستة، واتخذ لكل مصدر من تلك المصادر رمزًا خاصًا به. ثانيًا: رتب كتابه على أبواب الفقه، فبدأ بكتاب الطهارة ثم كتاب الصلاة ¬

_ (¬1) انظر ص (16).

فكتاب الجنائز ... وهكذا إلى آخر الكتاب، وهو كتاب العتق. ثم قسم الكتاب الواحد أبوابًا, فمثلًا كتاب الطهارة جعله في ثلاثة وعشرين بابًا، مفتتحًا الأبواب بـ: "باب الدليل على وجوب الطهارة"، ثم: "باب وجوب النية في الطهارة، وسائر العبادات"، ثم: "باب من ترك لمعة لم يصبها الماء لم تصح طهارته"، ... وهكذا. ثم يفتح هذه الكتب والأبواب بأصح الأحايث، مبتدءًا بالأحاديث المتفق عليها قبل غيرها. مصدرًا الحديث بذكر راويه من الصحابة رضي الله عنهم، فيقول: عن أبي هريرة وضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .. فيذكر الحديث ثم يقول: وعن ابن عمر رضي الله عنه، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ... فيذكره، وهكذا. وغالبًا يقتصر على اسم الصحابي إلا إذا دعت الحاجة فقد يزيد اذكر التابعي، وقد يذكر أكثر من ذلك من الإِسناد حسب الحاجة. ثالثًا: اختياره للأحاديث بعناية شديدة مما يدل على تبحره في حفظ السنة وبلوغه الغاية في فقهها. رابعًا: لا يغفل الإِشارة إلى بعض الروايات والألفاظ حينما يسوق الأحاديث، وهو في هذه الروايات قد يعزوها مطلقًا دون بيان راويها، والغالب يبين ذلك. خامسًا: تحريره لألفاظ الحديث، وحسن سياقته، وهو في هذا فارس لا يجارى ولا يبارى، وأعرفه في هذا الباب من قديم - عند تحقيقي للصغرى - وخاصةً في أحاديث "الصحيحين" ورواياتهما وألفاظهما، ومن أجل ذلك

كنت أثق ثقة تامة في ألفاظه وعزوه، ورجعت إلى أصول خطية صحيحة من أجل بيان صحة عزو الحافظ، ودقته في رواياته التي يسردها؛ لئلا يهجم جاهل فيخطئه اغترارًا ببعض المطبوعات (¬1). سادسًا: ضم زيادات الحديث الواحد بعضها إلى بعض، وتنسيقها وسياقها مساق الحديث الواحد، وهو آية في ذلك، ومن أوضح الأمثلة على ما أقول في هذا الكتاب الحديث رقم (354) ص (197)، وهو حديث أنس في الصدقات. فقد نظمه على نسقٍ واحدٍ، مع أن البخاري أورده في "صحيحه" في عشرة مواطن. سابعًا: أتبع كل حديث بذكر من أخرجه من الأئمة. ثامنًا: تعرض بعد ذلك لأمور أهمها: 1 - نقل كلام بعض أهل العلم على الأحاديث، وقد أكثر من النقل عن الترمذي خاصة. 2 - تعرض لذكر الشواهد - وإن كان في مواطن قليلة - كما عقب الحديث رقم (134)، وهو حديث النهي عن الصلاة بعد الصبح حتى ترتفع الشمس، وعن الصلاة بعد العصر حتى تغيب الشمس. ومع أن الحديث متفق ¬

_ (¬1) ثم هجم جاهل على تحقيقي للعمدة الصغرى فادعاه لنفسه، وهو الذي كان لا يفرق بين ابن عمر وبين ابن عمرو في كتاب طبعه قبل العمدة! ثم أصبح في العمدة يدرك الفروق بين الروايات والألفاظ!! وعندما كشفته في إحدى مقدماتي قام بإعادة طبع العمدة مستفيدا مما ذكرته له! وأخشى ما أخشاه أن يهجم على الكتاب الآخر فيدعيه لنفسه أيضًا؛ إذ دلت التجربة على أنه صاحب وجه صفيق لا يجري ماء الحياء فيه.

6 - ملاحظات لا مؤاخذات

عليه، إلا أنه قال: "وفي الباب: عن علي بن أبي طالب، وعبد الله بن مسعود، وعبد الله بن عمر، وعبد الله بن عمرو، وأبي هريرة، وسمرة بن جندب وسلمة بن الأكوع وزيد بن ثابت، ومعاذ بن عفراء، وكعب بن مرة، وأبي أمامة، وعمرو بن عبسة، وعائشة رضي الله عنهم، والصنابحي ولم يسمع من النبي -صلى الله عليه وسلم-". 3 - شرحه للغريب، فقد قام -رحمه الله- عقب بعض الأحاديث بضبط الغريب وشرحه، ولكنه لم يشرح كل الغريب، وهو في هذا الشرح لا ينقل عن غيره إلا القليل، كنقله عن الخطابي ص (9)، ونقله عن "سنن أبي داود" كما في ص (205) تحت "باب تفسير أسنان الإِبل". 4 - بيانه لبعض المبهمات -وإن كان نادرًا- كقوله عقب الحديث رقم (707): "الرجل: هو ماعز بن مالك". هذه باختصار أهم ملامح منهج الحافظ عبد الغني رحمه الله في هذا الكتاب النفيس. 6 - ملاحظات لا مؤاخذات 1 - لاحظت أن الصنف -رحمه الله-على غير عادته- أورد عددًا من الأحاديث غفلًا من التخريج، وهذه الأحاديث بأرقام (232 - 233 - 234 - 599 - 627 - 694 - 698 - 746). 2 - لاحظت أنه في الأحاديث المتفق عليها يكثر من عبارة "متفق عليه" وأحيانا يستعمل الرمز "خ م"، وفي حديث واحد (252) قال: "م خ" بتقديم مسلم على البخاري، وكان الحديث لمسلم وحده!

كما لاحظت على هذا النوع من الأحاديث أنه يكتفي غالبًا بالعزو للصحيحين، وقد يضيف لهما غيرهما، كما في الحديث رقم (4) فقد خرجه بقوله: "متفق عليه د ت س ق"، وقد يعبر عن ذلك بتعبير آخر، فقد قال عقب الحديث (91): "رواه الجماعة"، وأيضًا في حديث (377) قال: "أخرجه الجماعة". والمراد بالجماعة هم أصحاب الكتب الستة. 3 - أما إذا كان الحديث في غير "الصحيحين"، فلم أجده اهتم بعزوه إلى أصحاب السنن جميعًا، وإنما يكتفي ببعضهم، كما في الحديث رقم (792) وغيره. 4 - لكني وجدته في بعض الأحاديث قد عزاها لأدنى الأعلى! مثل الأحاديث (43 - 364 - 484 - 485 - 491). فقد عزا الأحاديث الأول والثاني والرابع والخامس للترمذي، وكلها عند مسلم, وعزا الثالث للترمذي أيضًا، وهو في "الصحيحين". والحديث رقم (268) عزاه لأبي داود والنسائي، وهو عند مسلم. والحديث رقم (697) عزاه لأبي داود والنسائي والترمذي، وهو عند البخاري. وقد يهم -أحيانًا- في العزو، فمثلًا: الحديث رقم (21) عزاه للبخاري، وهو لمسلم. والحديث رقم (34) عزاه لابن ماجة في جملة من عزاه لهم، ولم يروه ابن ماجة. والحديث (183) عزاه للبخاري ومسلم، ولم يروه البخاري.

والحديث رقم (513) عزاه للبخاري ومسلم وهو من أفراد مسلم. والحديثان رقم (676 و 834) عزاهما للبخاري ومسلم، وهما من أفراد البخاري. 5 - لاحظت أنه قال في حديث واحد: "صحيح. متفق عليه"، ولم يتكرر هذا منه في هذا الكتاب، وهذا الحديث برقم (9)، وانظر مقدمة "بلوغ المرام"، وما كتبته هناك. 6 - لاحظت أنه -رحمه الله- في بعض الأحاديث المتفق عليها بين "الكبرى" و"الصغرى" يزيد في "الكبرى" روايات لنفس الحديث لا يذكرها في "الصغرى"، انظر مثلًا (369 و 371 و 560). 7 - لاحظت أنه تصرف في بعض الأحاديث -وهذا نادر- فأوردها بالمعنى، انظر رقم (56). 8 - لاحظت أنه أفصح بحكمه على بعض الأحاديث في هذا الكتاب، وإن لم يكن هذا منهجًا له، انظر مثلًا: (9 و 152 و 258 و 275 و 335 و 336 و 359 و 361). 9 - له تنبيهات وترجيحات لبعض الأوهام الواقعة في بعض الأحاديث ومن ذلك: (169 و 197 و 718). 10 - القاعدة الأساسية عند الحافظ عبد الغني أنه إذا أراد نقل كلام أحد المصنفين ممن روى الحديث أَخَّرَ علامته؛ ليتبعه بالقول المنقول عنه. كصنيعه عند الحديث رقم (12)، فإنه قال: "د ت طرفًا منه، وقال: حديث حسن صحيح". فالذي روى الطرف وقال هذا القول هو الترمذي.

وكمثل صنيعه عند الحديث رقم (112)، فإنَّه قال: "د س مختصر"، فيكون الذي روى الحديث مختصرًا هو النسائي. وكقوله في الحديث رقم (37): "د س نحوه"، فتكون الرواية لأبي داود، ونحوها للنسائي. وكقوله في الحديث رقم (188): "خ د وزاد ... "، فقوله: "وزاد" عائد لأبي داود. . . وهكذا. فاعرف هذا؛ فإنه مهم. وأما إن خالف هذه القاعدة أفصح عن مراده. فمثلًا الحديث رقم (562)، قال فيه: "د ت"، ثم ذكر زيادة لأبي داود، فنص على ذلك صراحة، وقال: "زاد أبو داود". ولكني لاحظت أنه خالف هذا المنهج في مواطن - وما كان يحسن ذلك - ليست كثيرة، منها: أ- حديث رقم (151)، قال فيه. "ت ق وقال ... "، والقول للترمذي وليس لابن ماجة. ب- حديث رقم (249)، قال فيه: "م ت ق وقال ... "، والقول أيضًا للترمذي، وليس لابن ماجة. جـ- حديث رقم (811)، قال في تخريجه: "خ ت م" هكذا"، ثم قال: "وزاد ... "، والزيادة للترمذي. هذه بعض الملاحظات على هذا الكتاب النفيس أجملتها هنا، ولم أدّخر جهدًا في التعليق على كل ما عَنّ لي مما يخدم الكتاب ويقربه للقارئ، أسأل الله عَزَّ وَجَلَّ أن أكون قد وفقت في ذلك.

7 - بين العمدتين

7 - بين العمدتين لقد كتب الله عَزَّ وَجَلَّ القبول لأحكام الصنف "الصغرى"، فتداولها الناس، وحفظها الطلاب، وشرحها العلماء، وأفردوا رجالها بالتراجم. وفي هذه العجالة نحاول أن نقارن بين الكتابين "الكبرى"، و"الصغرى" وذلك من عدة أوجه: أولًا: عدد الكتب والأبواب تزيد عدد كتب "الكبرى" عن عدد كتب "الصغرى" بثلاثة كتب من حيث العدّ، فالصغرى تحوي (19) كتابًا، بينما "الكبرى" تحوي (22) كتابًا. فأول ما نجد الخلاف نجده في "كتاب الفرائض" في "الكبرى"، ولكنه خلاف لفظي فقط، إذ هو موجود في "الصغرى"، ولكن ضمن "كتاب البيوع" وتحت "باب الفرائض"، لا "كتاب الفرائض". وأول الخلاف الحقيقي هو ذكر "كتاب الظهار" في الكبرى، ولا وجود له في "الصغرى"، ولا لأحاديثه؛ وذلك لأنها ليست مما اتفق عليها الشيخان، ولا أخرجها أحدهما، وساق الصنف في "الكبرى" في هذا الكتاب ثلاثة أحاديث هي من أحاديث السنن. ثمَّ أفرد المصنف في "الكبرى" ص (477) كتابًا باسم: "كتاب السبق"، ولم يفعل ذلك في "الصغرى"، ولكنه أدرج حديثه ضمن "كتاب الجهاد". هذا من حيث الكتب، أما من حيث الأبواب فلا شك أن الخلاف في ذلك كبير بين "الكبرى"، وبين "الصغرى". فمثلًا عدد أبواب كتاب الطهارة في الصغرى (7) أبواب، بينما في

"الكبرى" (23) بابًا، وكتاب الصيام في "الصغرى" عدد أبوابه (4) أبواب، بينما في "الكبرى" (22) بابًا، ولم يبوب في "الصغرى" أثناء كتاب النكاح إلا لباب واحد، هو: باب الصداق، بينما في بوّب لستة أبواب. فمثل هذه الكتب الفرق بين أبوابها في "الكبرى" و"الصغرى" كبير. ولكن توجد كتب أخرى الفرق فيها ضئيل جدًا كمثل كتاب الصلاة، فأبوابه في "الصغرى" (23) بابًا، وفي "الكبرى" (25) بابًا. بل توجد بعض الكتب في الكتابين بغير تبويب مطلقًا سوى اسم الكتاب، مثال ذلك كتاب الجنائز. ثانيًا: الأحاديث أ- عدد أحاديث "الصغرى" - حسب ترقيمي لها - (423) حديثًا، وأما عدد أحاديث "الكبرى" فهو (860) حديثًا، فالكبرى إذن أكثر من ضعف الصغرى. ب- انفرد كل كتاب من الكتابين بأحاديث لا توجد في الكتاب الآخر. فمثلًا انفردت "الكبرى" بالأحاديث التي من غير "الصحيحين" وهذا أمر طبيعي؛ وذلك للنهج الذي سار عليه المصنف في "الصغرى". وانفردت "الكبرى" أيضًا بأحاديث في "الصحيحين" أو في أحدهما ولا غبار في ذلك أيضًا؛ وذلك لاختلاف حجم الكتابين. وهناك بعض الأحاديث - وهي قليلة جدًا - انفردت "الكبرى" بزيادة روايات فقط في هذه الأحاديث عن "الصغرى"، وكذا عكسه أيضًا، ولا ضير في ذلك أيضًا.

أما أن تنفرد "الصغرى" بأحاديث لا توجد في "الكبرى" فهنا الغرابة تكون؛ وذلك لأهمية الأحاديث التي في "الصغرى"، وللدقة في اختيارها، وكلها أحاديث وثيقة الصلة بموضوع الكتاب، ومع ذلك وجدنا المصنف رحمه الله قد زاد في "الصغرى" أحاديث لم يوردها في "الكبرى"! بل إن زيادات "الصغرى" ليست قليلة، فقد بلغت (89) حديثًا. جـ - ترتيب الأحاديث في الكتابين واحد تقريبًا، وذلك في الأحاديث المتفق عليها بين "الصغرى" و"الكبرى"، فلم يحدث اختلاف في الترتيب سوى بعض التقديم والتأخير داخل أحاديث كتاب الجهاد، وسوى الحديث رقم (91) في "الكبرى" - وهو حديث العرنيين - فقد أورده في كتاب الطهارة تحت "باب البول يصيب الأرض، وغيره"، بينما أورده في "الصغرى" برقم (349) في كتاب الحدود، ولكل وجه، وهو من فقه الحافظ -رحمه الله-. ثالثًا: الغريب لا يكاد الفرق يذكر بين الكتابين في هذا الأمر، وإن كان شرح الغريب في "الصغرى" أكثر منه في "الكبرى"، وكذلك الأمر بالنسبة للمبهمات، وقد نقلت زوائد المصنف من "الصغرى" في حواشي "الكبرى". رابعًا: دقة المصنف في الكتابين هذه بعض النماذج من الكتابين تصلح للمقارنة في هذا الباب أسوقها حسب ترتيبها في "الكبرى": 1 - حديث رقم (9) في غسل المستيقظ من النوم يديه قبل إدخالهما في الإِناء، في هذا الحديث زاد المصنف في "الصغرى" لفظ: "ثلاثًا"، بعد قوله:

"في الإِناء"، ولم يذكر هذا اللفظ في "الكبرى"، وما في "الكبرى" أجود؛ لعدم وجود هذا اللفظ في "صحيح البخاري". 2 - حديث رقم (118) وهو حديث قضاء الحائض للصوم دون الصلاة أورده المصنف في "الصغرى" على أنه متفق عليه، بينما عزاه في "الكبرى" لمسلم وأبي داود، وهو أدق؛ إذ ليس في رواية البخاري تعرض لقضاء الصوم. 3 - حديث رقم (228) أورده الحافظ في "الصغرى"، وعندما أورده في "الكبرى"، لم يعزه لغير أبي داود! 4 - حديث رقم (305)، وهو حديث تكفين النبي - صلى الله عليه وسلم -، قال في "الصغرى": " ... يمانية بيض، ليس فيها قميص ... "، بينما في "الكبرى"، زاد: "سحولية من كرسف" بعد قوله: "بيض"، وما في "الكبرى" أدق؛ لوجود هذه الزيادة في "الصحيحين". 5 - حديث رقم (396)، وهو حديث أبي سعيد الخدري في النهي عن الوصال في الصوم. أورده الحافظ في "الصغرى" إلى قوله: " .... فليواصل إلى السحر"، وعزاه لمسلم! ولكنه في "الكبرى"، زاد فيه: "قالوا: فإنك تواصل يا رسول الله؟ قال: إني لست كهيئتكم؛ إني أبيت لي مطعم يطعمني، وساقٍ يسقيني" وعزاه للبخاري وحده. والذي في "الكبرى" هو الصواب، وما في "الصغرى" وهم. 6 - حديث رقم (401)، وهو في النهي عن صوم يوم الجمعة، أورده في "الصغرى"، وقال: "زاد مسلم: ورب الكعبة"، وأما في "الكبرى"، فنقله بلفظ: "ورب هذا البيت" وما في "الكبرى" هو الموافق لما في "صحيح مسلم".

7 - حديث رقم (496)، وهو قول ابن عمر: جمع النبي -صلى الله عليه وسلم- بين المغرب والعشاء بجمع، لكل واحدة منهما بإقامة، ولم يسبح بينهما، ولا على إثر واحدة منهما. جعله في "الصغرى" متفقًا عليه، بينما لما ساقه في "الكبرى"، قال: "كل"، بدل: "لكل"، وزاد لفظ: "كل"، بعد قوله: "إثر"، ثمَّ قال: "متفق عليه؛ لفظ البخاري. ومسلم نحوه، إلا أنه لم يذكر: ولم يسبح بينهما ... إلى آخره."، وما في "الكبرى" هو غاية الدقة والصواب. 8 - حديث رقم (501)، زاد في "الكبرى": "وإن تفرقا بعد أن تبايعا، ولم يترك واحد منهما البيع، فقد وجب البيع"، وهي زيادة هامة، وهي في "الصحيحين"، وما ذكرها المصنف في "الصغرى". 9 - حديث رقم (546)، أورده الحافظ في "الصغرى" بلفظ مسلم وسكت! بينما في "الكبرى" أورده بلفظ البخاري، وعزاه له وحده. 10 - حديث رقم (554)، وهو حديث جابر بن عبد الله، قال: جعل- وفي لفظ: قضى- النبي -صلى الله عليه وسلم- بالشفعة في كل مال لم يقسم، فإذا وقعت الحدود وصرفت الطرق، فلا شفعة. أورده المصنف في "الصغرى" على أنه متفق عليه، وكان هذا الحديث محل انتقاد على الحافظ في "الصغرى". ولكنه لما ساقه في "الكبرى"، قال: "رواه البخاري وحده". ثمَّ أورده في "الكبرى" (556) أيضًا بلفظ آخر، وعزاه لمسلم وحده، وصنيعه -رحمه الله- في "الكبرى" صواب ودقيق، وسالم من النقد الموجه

إلى صنيعه في "الصغرى". 11 - حديث رقم (730)، أورده في "الصغرى" دون تعقيب، وفي "الكبرى" قال: "مختصر من حديث طويل"، وهو كما قال. 12 - حديث (838) أورده في "الصغرى" على أنه متفق عليه، وقال في "الكبرى": "متفق على معناه ت". وما في "الكبرى" أدق وأصوب. وبعد: فهذه نماذج تبين جهد الحافظ في هذا الكتاب، وشدة تحريه، ودقته في الروايات، والعزو، وغير ذلك، وفي أثناء الكتاب هناك الكثير من هذا الباب، كما يتضح ذلك في تعليقاتي لكل قارئ.

• الباب الثالث: التعريف بالنسخة الخطية

• الباب الثالث: التعريف بالنسخة الخطية عنوان الكتاب. العنوان المختار وسبب ذلك. الناسخ وترجمته. وصف النسخة. تعليقات الحافظ الضياء على النسخة. تاريخ النسخ. خاتمة النسخة.

أولا: عنوان الكتاب

النسخة الخطية من فضل اللَّه عز وجل علي وتوفيقه أن يسر لي الوقوف على نسخة من هذا الكتاب بعد بحث وعناء وسؤال، إذ بحثت عنه فيما طالته يدي من فهارس للمخطوطات فلم أجده، وراجعت بعض المراكز المعروفة والمكتبات فلم أظفر بشيء، وأما الذين سألتهم عن الكتاب فأكثرهم لم يكن يسمع به أصلًا. ثم منّ اللَّه عز وجل عليّ بمجموعة من المخطوطات، وقبل التقليب فيها وقع في نفسي أنني سأجد فيها "العمدة الكبرى" للحافظ الإِمام عبد الغني، وقد كان، فكان سروري بذلك بالغًا، وشكري للمولى عز وجل دائمًا، وسجدت لربي سبحانه وتعالى، فله الحمد والمنة، وأسأله المزيد من فضله وتوفيقه. وهاك وصف هذه الدرة النفيسة (¬1). أولًا: عنوان الكتاب جاء على غلاف الكتاب ما يلي: "عمدة الأحكام من أحاديث الحلال والحرام". وفي آخر الكتاب ذُكر باسم: "كتاب الأحكام". ولم يسمِّه الحافظ في مقدمته، وإنما قال: "فهذه أحاديث في الأحكام من الحلال والحرام". ولذلك نجد الذين ترجموا للحافظ ذكروا هذا الكتاب بعدة أسماء، كمثل ¬

_ (¬1) وكانت في ملك أحد أعيان بلدة "نكلا العنب" من أعمال محافظة البحيرة بمصر.

ثانيا: العنوان المختار

1 - كتاب الأحكام. 2 - عمدة الأحكام الكبرى. 3 - العمدة. 4 - الأحكام الكبرى. وهذه العناوين أيضًا أطلقت على كتاب الحافظ الآخر المتفق على أحاديثه ولذلك ميز أهل العلم بين العمدتين، فقالوا: "الكبرى"، و"الصغرى". ثانيًا: العنوان المختار، وسبب ذلك من أجل ما تقدم فقد رأيت أن أثبت عنوان الكتاب على الغلاف كالتالي: "عمدة الأحكام الكبرى". وذلك للأسباب التالية: 1 - أن جزءًا من هذا العنوان، وهو: "عمدة الأحكام" جاء على غلاف النسخة الخطية. 2 - أن الكتاب ذكره بهذا الاسم غيرُ واحدٍ من أهل العلم، فهو معروف أيضًا بذلك. 3 - أن إضافة هذه الصفة "الكبرى" هي من تمام عنوان الكتاب عند أهل العلم، وهي تنطبق حقيقةً ووصفًا على الكتاب، كما أن في ذلك تمييزًا لهذا الكتاب عن الكتاب الآخر للحافظ. ثالثًا: الناسخ وترجمته أما ناسخ هذه النسخة، فهو: الشيخ، الجليل، الفقيه، الحافظ: محمد بن عمر بن أبي بكر بن عبد الله ابن سعد، المقدسي الأصل، الدمشقي المولد، المعروف بالقاضي.

وهو أحد الذين أخذوا عن الحافظ عبد الغني، وقد كتب على غلاف النسخة ما يلي: "عمدة الأحكام من أحاديث الحلال والحرام للإِمام الحافظ عبد الغني تقي الدين أبي محمد بن عبد الواحد بن علي بن سرور القدسي الجماعيلي رواية محمد بن عمر بن أبي بكر المقدسي عنه وبخطه": قلت: ومحمد هذا - الناسخ - هو ابن أخت الحافظ؛ وكان لخاله عناية به فقد سَفَّره للطلب (¬1). ولكنه رافق العز ابن الحافظ عبد الغني، وسماعه من العز أكثر. أقام ببغداد مدةً مشتغلًا بالحديث، فسمع من أبي الفتح، عبيد اللَّه بن عبد اللَّه بن محمد بن شاتيل، وأبي السعادات؛ نصر اللَّه بن عبد الرحمن بن محمد القزاز، وأبي الفتح، محمد بن يحيى البرداني، وأبي محمد؛ يوسف ابن الحسن العاقولي، وأبي الفضل؛ ذاكر بن كامل بن أبي غالب الخفاف، وأبي الحزم؛ رجب بن مذكور بن أرنب الأكاف وغيرهم. وسمع بواسط من جماعة من أصحاب أبي الكرم؛ خميس بن عليّ الحوزي، والقاضي أبي علي؛ الحسن بن إبراهيم بن برهون الفارقي. وسمع بأصبهان من أصحاب أبي علي؛ الحسن بن أحمد الحداد. ¬

_ (¬1) انظر "السير" (21/ 450).

رابعا: وصف النسخة

وسمع بإربل من أبي المظفر؛ المبارك بن طاهر الخزاعي. وأخذ عنه الحافظ الضياء المقدسي. وولي مشيخة دار الحديث المطلة على الشط بالموصل. وقدم مصر وحدَّث بها. وكان فقيهًا حافظًا واعظًا، حصل من السماع والكتب شيئًا كثيرًا. ولد سنة (566 هـ)، ومات في جمادى الأولى سنة (616 هـ) بمدينة سَرُوج (¬1). رابعًا: وصف النسخة لقد تبين لنا من خلال ترجمة الناسخ نفاسة هذه النسخة، وأنها في غاية الصحة. وتقع هذه النسخة في (193) صحيفة، وكل صحيفة بها (15) سطرًا وهي نسخة مقابلة، ومقروءة، كما يدل على ذلك الدائرة المنقوطة التي عقب كل حديث. ويظهر ذلك أيضًا من بعض الاستدراكات الملحقة بالهامش، والتي يتبعها الناسخ بكلمة: "صح". كما أن ناسخها أثبت في كثير من المواطن قوله: "بلغ مقابلة وتحقيقًا"، وفي بعض المواطن: "بلغ سماعًا ومقابلةً"، كما أن ما سيأتي في "سابعًا" يدل على نفاسة هذه النسخة. وهذه النسخة قد ميزت بها أسماء الكتب والأبواب بخط كبير. ¬

_ (¬1) بفتح أوله وضم ثانيه، وهي من أرض الجزيرة -التي بين دجلة والفرات- قريبة من حران. وانظر لترجمة الحافظ محمد بن عمر المقدسي (الناسخ) كتاب "التكملة لوفيات القلة" (2/ 466/ ترجمة 1671)، وتاريخ ابن الدبيثي ترجمة رقم (159)، و"تاريخ الإسلام" للحافظ الذهبي الطبقة الثانية والستون، ترجمة رقم (412) ص (289).

خامسا: تعليقات الحافظ الضياء على النسخة

خامسًا: تعليقات الحافظ الضياء على النسخة ومما يزيد الثقة في هذه النسخة أن الحافظ ضياء الدين؛ محمد بن عبد الواحد القدسي (¬1) صاحب "المختارة" قد علق على بعض الأحاديث فيها، ومن ذلك: 1 - الحديث رقم (13) جاء في حاشية الأصل "قال ضياء الدين؛ محمد ابن عبد الواحد القدسي: قد رواه أيضًا النسائي، وابن ماجة"، والحديث كان الحافظ عزاه للترمذي فقط. 2 - الحديث رقم (15) جاء في الحاشية: "ت. قاله ضياء الدين محمد" وكان الحافظ عزاه لأبي داود فقط. 3 - الحديث رقم (21) جاء في الحاشية: "صوابه: مسلم. قاله ضياء الدين محمد"، وذلك الحافظ عزاه للبخاري! 4 - الحديث رقم (29) جاء في الحاشية: "وزاد النسائي: وتعدى. قاله ضياء الدين محمد". وزاد تعقيبًا على قوله في المتن: "فقد أساء وظلم". 5 - الحديث رقم (104) جاء في الحاشية: "رواه النسائي والترمذي وابن ماجة. قاله ضياء الدين محمد". وكان الحافظ عزاه -واهمًا- لأبي داود. قلت: وفي عزو الضياء أيضًا وهم انظره صـ (46). وعلى كل فهذه التعليقات -وغيرها- تدل على العناية بهذه النسخة، ومما يزيد النفس اطمئنانًا بها، وإن كانت وحيدة. ¬

_ (¬1) وقد تقدم ص (84) أنه أخذ عن ناسخ النسخة الحافظ محمد بن عمر المقدسي، كما أنه أخذ عن الحافظ الكبير عبد الغني، انظر ص (53).

سادسا: تاريخ النسخ

سادسًا: تاريخ النسخ أما عن تاريخ النسخ، فهو بعد وفاة مصنفها الحافظ عبد الغني بخمس سنوات فقط. أي بتاريخ (605 هـ). وقد أثبت هذا التاريخ في أكثر من مكان من النسخة، فمثلًا جاء على الغلاف ما يلي: "عمدة الأحكام من أحاديث الحلال والحرام للإِمام الحافظ عبد الغني تقي الدين أبي محمد بن عبد الواحد بن علي بن سرور المقدسي الجمّاعيلي رواية محمد بن عمر بن أبي بكر المقدسي عنه وبخطه، دي رابع ربيع الآخر سنة (605)، وسماع تاج الدين شرف الحكام أبي العباس؛ أحمد بن الحسين ابن علي حاكم بلدة سروج وذلك في يوم الثلاثاء خامس عشر ربيع الآخر سنة (605) ". وانظر ما يأتي بعده. سابعًا: خاتمة النسخة جاء في آخر الكتاب ما يلي: "آخر الكتاب، والحمد للَّه كثيرًا، كما هو أهله، وصلى اللَّه على سيدنا محمدٍ النبيّ، وآله وسلم. فرغ من كتابته محمد بن عمر بن أبي بكر المقدسي في يوم الجمعة قبل الصلاة رابع ربيع الآخر سنة خمس وستمائة بمحروسة سروج، حامدًا اللَّه، ومصليًا على نبيه محمدٍ وآله، وحسبنا اللَّه، ونعم الوكيل".

وجاء في آخره أيضًا: "قرأت جميع كتاب الأحكام للحافظ الإِمام عبد الغني المقدسي -رحمه اللَّه- وهو هذا الكتاب- بمجلس القاضي الإِمام العالم الزاهد العابد تاج الدين شرف الحكام أبي العباس؛ أحمد بن الحسين بن عليّ الحاكم يومئذٍ بمدينة سَرُوج، ورويته له نحو سماعي من مصنفه، وقابلت هذه النسخة بأصل نقلت منه، وهذه النسخة له، نفعه اللَّه به، وصح ذلك في مجالس، آخرها يوم الثلاثاء خامس عشر ربيع الآخر، سنة خمس وستمائة، وكتب: محمد بن عمر بن أبي بكر المقدسي .. ". وفي آخر الكتاب جاء تملك هذه صورته: "ملك هذا الكتاب المبارك من فضل اللَّه وإحسانه الراجي عفو ربه المقر بذنبه أبو بكر؛ علي البغدادي الشافعي المقيم يومئذٍ بقرية المزة، غفر اللَّه له ولوالديه، ولجميع المسلمين ... ".

• الباب الرابع: خطة العمل في الكتاب

• الباب الرابع: خطة العمل في الكتاب 1 - إنه لمن نافلة القول التحدث عن نسخ المخطوط، ومقابلته بالمنسوخ. ولكن ليس من ذلك بيان أن المقابلة قد قمت بها أكثر من مرة، إضافة إلى أن المخطوط لم يفارقني لحظة واحدة أثناء عملي، فكان دائمًا أمامي بجانب المنسوخ -ونظرة في هذا وأخرى في ذاك- حتى بعد أن أنهيت العمل قمت بمقابلة المخطوط مع الكتاب بعد تنضيده وتصحيحه. 2 - رقمت الأحاديث ترقيمًا مسلسلًا من أول الكتاب إلى آخره، وبذلك يعرف عدد أحاديث الكتاب. ولكن جعلت للأحاديث المشتركة بين العمدتين "الكبرى"، و"الصغرى" رقمين الأول منهما هو الرقم التسلسلي، وهو عارٍ عن الأقواس، والرقم الثاني هو رقم الحديث في "الصغرى"، وجعلته بين قوسين هكذا (). فمثلًا الحديث الأول رقمه هكذا: 1 (2) - عن أبي هريرة ... فالرقم الأول هو التسلسلي، والثاني هو رقم الحديث في "الصغرى". وأما الأحاديث الزائدة في "الصغرى"، فقد أثبتها في الحاشية. 3 - قمت بضبط النص وشكله، وتفصيله، وتوزيعه توزيعًا فنيًا يقرب فهمه وأخذه لقارئه. فمثلًا راعيت ما يحتاج إلى إبراز، كعناوين الكتب والأبواب، فاخترت لها أحرفًا وخطوطًا تناسب ذلك. وكذلك بدايات الفقرات، والأرقام، ورموز التخريج.

4 - قابلت نصوص الأحاديت النبوية الشريفة مع مصادرها التي عزاها إليها الحافظ عبد الغني مقابلة تامة، فإن كانت مطابقة، وإلا أشرت إلى مواطن الخلاف، ولم أتعجل في ذكر هذا الاختلاف؛ إذ الحافظ عبد الغني آية في الحفظ، وغاية في الدقة، وكثير من الكتب المطبوعة لا يوثق بها في مثل هذه المواطن مما جعلني أكثر من الرجوع إلى كثير من الأصول الخطية الصحيحة، والنظر في أكثر من طبعة للكتاب الواحد، ومراجعة كثير من الشروح، ومراجعة كلام أهل العلم المشهود لهم بالدقة في النقل والعزو مع صحة الأصول التي كانت بين أيديهم. وقد لقيت في سبيل ذلك ما لقيت، وعانيت معاناة شديدة، يعرف مثلها كلُّ باحثٍ متأن، وأما الخابطون خبط عشواء - وإن كانوا كبارًا في السن والرياسة- فما لهم وذاك. ومن الأمثلة على ذلك انظر الحديث رقم (542) ص (302 - 303)، وتعليقي عليه هناك، ثم ارجع إلى الطبعات الحديثة المزخرفة (¬1). 5 - تفسير الغريب. وقد قام الحافظ عبد الغني -رحمه اللَّه- بتفسير بعض الغريب في كتابه هذا، ولكنه قليل جدًا. فقمت أنا باستكمال ذلك، واعتمدت في هذا الباب على أصح الكتب التي اعتنت بذلك، ككتب الغريب، وكتب اللغة، وكتب الحديث، وكتب الشروح. ¬

_ (¬1) وقد طبع في زماننا هذا كثير من كتب الحديث والسنة وعلى أغلفتها أسماء من لا يحسن من هذا العلم شيئا، ولقد صدق -صلى الله عليه وسلم-: "المتشبع بما لم يعط كلابس ثوبي زور".

6 - تراجم الأعلام. ومنهجي في ذلك أنني ألخص ترجمة الراوي -من خلال قراءتي لترجمته في كتب الرجال- بأخصر عبارة, ذاكرًا الحكم الذي ارتضيته في الراوي، وقد أنقله عن بعض كبار الحفاظ -كالذهبي، أو ابن حجر مثلًا- لكني لا أثبته إلا وقد ارتضيته؛ إذ لا فائدة من إثقال الحواشي بتسويد صفحات في ترجمة كل راوٍ، خاصة المختلف فيهم دون ترجيح -كما نرى في كثير من الرسائل- لأنه في هذه الحالة لا يعدو الأمر عن كونه مجرد تقميش!! هذا بالنسبة للأعلام فقد جعلت تراجمهم في الحواشي؛ إذ التكرار فيهم قليل. أما رواة الأحاديث -وهم الصحابة رضي اللَّه عنهم- فقد كانت تراجمهم أيضًا في الحواشي، لكني رأيت أن لا تطبع الرسالة على هذا الشكل، وذلك لما ستكون عليه الحواشي من الإِثقال الذي ليس منه فائدة؛ لأنه قد تتكرر عبارة "تقدمت ترجمته" عشرات المرات للراوي الواحد، فكيف إذا كان ذلك في عشرات التراجم؟! لذلك أجملت هذه التراجم ووضعتها مع فهرس رواة الأحاديث وأرقام مروياتهم في آخر الكتاب. 7 - التعريف بالبقاع والبلدان. قمت بالتعريف بما ورد في هذا الكتاب من البقاع والبلدان والجبال وذلك بالاعتماد على أصح الكتب في هذا الباب، وخاصة "معجم ما استعجم" للبكري، و"معجم البلدان" لياقوت.

وفي الأماكن التي تعرف اليوم من هذه البقاع زدت فيها ما يناسبها من الوصف القائم بها الآن. 8 - بيان المبهمات. وهذا من الفنون المستقلة في علم الحديث، وألَّف في هذا الباب كثيرٌ من أهل العلم، كالحافظ عبد الغني بن سعيد المصري مؤلف كتاب: "الغوامض والمبهمات"، وكالخطيب البغدادي له كتاب: "الأسماء المبهمة في الأنباء المحكمة"، وكابن بشكوال له كتاب: "الغوامض والمبهمات"، وغيرهم كثير. فحرصت على بيان ما وقع في هذا الكتاب من المبهمات قدر الطاقة والوسع. 9 - تخريج الأحاديث والحكم عليها. وهذا من أهم الأمور في العمل العلمي -بصفة عامة-؛ إذ تخريج الأحاديث ينطبق عليه -في الجملة- قول المصنف في مقدمته ص (3): "وأضفتها -يعني: الأحاديث- إلى كتب الأئمة المتفق على كتبهم، المجمع على إتقانهم وضبطهم؛ ليركن القلبُ إليها، ويحصل الاعتماد عليها". ثم كان مني بيان ثمرة هذا التخريج ألا وهو الحكم على الأحاديث بما تستحقه؛ من صحّةٍ، أو حُسنٍ، أو ضَعْفٍ. وبنيت حكمي على دراسة كل حديث دراسة خاصة مستفيضة، مسترشدًا في ذلك بكلام أهل العلم -قديمًا وحديثًا- ولكن دونما تقليدٍ لأحدٍ، ثم سجلت خلاصة هذه الدراسة عند كل حديث - عدا أحاديث الصحيحين (¬1) كل ذلك تمشيًا مع خطة العمل الموافق عليها في هذه الرسالة، والمتلائمة مع طبيعة هذا الكتاب. ¬

_ (¬1) انظر ما كتبته في مقدمة "بلوغ المرام" حول هذه المسألة؛ فإنه هام.

10 - التعليق على بعض المسائل الفقهية. علقت على بعض المسائل الفقهية التي رأيت أن التعليق عليها ضرورة يحتاج إليها قارئ هذا الكتاب، فضمنت الحواشي بعض الأبحاث النافعة إن شاء اللَّه -فيما أرى- سواء كانت هذه الأبحاث من قلمي وإنشائي، أو من كلام علماء أجلاء، ولكن الجامع لهذه الأبحاث متابعة الدليل، وإعلاء أمره، وتقديمه على كل قول ورأي. عملًا بقوله سبحانه وتعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ} [الحجرات: 1]. قال ابن عباس رضي اللَّه عنهما: لا تقولوا خلاف الكتاب والسنة. وقال ابن القيم رحمه اللَّه: والحوف كل الخوف فهو على الذي ... ترك النصوص لأجل قول فلان 11 - وأخيرًا: لم تخل هذه الرسالة من فوائد غير ما ذكر، وذلك مثل العناية التامة بالروايات الحديثية، والألفاظ، والزيادات، وذكر ما هو نافع، وهام، ومفيد من كل ذلك. وكذلك نقل الفوائد الزائدة في "العمدة الصغرى"، كتفسير غريب أو اختلاف في لفظٍ، أو غير ذلك. أيضًا لم تخل هذه الرسالة من فوائد لُغوية، أو تاريخية. 12 - الفهارس. ثم صنعت الفهارس العلمية التي تخدم هذا الكتاب، وتيسر تناوله

والوقوف على المراد منه، وكانت هذه الفهارس كالتالي: أولًا: فهرس الآيات القرآنية الكريمة. ثانيًا: فهرس الأطراف، وهو شامل للأحاديث -قولية وفعلية- والآثار وقد ضممت الآثار لندرتها. ثالثًا: فهرس بأسماء رواة الحديث وأرقام مروياتهم. رابعًا: فهرس البقاع والبلدان. خامسًا: فهرس الأعلام. سادسًا: فهرس الغريب. سابعًا: فهرس الموضوعات (¬1). وفي الختام أسال اللَّه عز وجل أن يتقبل مني هذا العمل وما بذلته فيه من جهد ووقت ومال، وأن يجعل كل ذلك خالصًا لوجهه الكريم، وأن يتغمدني برحمته. اللهم يا كريم يا منان احشرني تحت لواء خليلك محمد - صلى الله عليه وسلم -، وأدخلني الجنة برحمتك يا أرحم الراحمين، ومنّ عليّ بالنظر لوجهك الكريم. وأسالك اللهم أن تبارك لي في أهلي، وذريتي، وأن تجعلهم هداة مهتدين وعلى طريق نبيك ومنهاجه سائرين. آمين. كتبه: سمير بن أمين الزهيري ¬

_ (¬1) وكنت صنعت فهرسًا للمراجع، ولكن لم أر كبير فائدة من طباعته. • وقد كان إجراء التعديلات، والنظرة الأخيرة، وتهيئة الرسالة للطبع: عصر السبت بتاريخ (1/ 5/ 1422 هـ).

مخطوط

مخطوط

القسم الثاني تحقيق النص

عمدة الأحكام الكبرى تأليف الإمام الحافظ عبد الغني بن عبد الواحد المقدسي ت (600) هـ مكتبة المعارف للنشر والتوزيع لصاحبها سعد بن عبد الرحمن الراشد الرياض

بسم اللَّه الرحمن الرحيم

بسم الله الرحمن الرحيم ربِّ يسّر (¬1) قال الشَّيخُ، الإمامُ، العَالمُ، الزَّاهدُ، الحافِظُ، الفقيهُ، تقيُّ الدين أبو محمدٍ عبدُ الغني بنُ عبد الواحد بنِ عليّ بن سُرور المقدسي رضي الله عنه (¬2): الحمد للَّه على السَّراء والضرَّاء، وأشهدُ أن لا إله إلا الله، وحدَه لا شرِيكَ له، شهادةً مُدّخرةً ليوم اللقاء، وأشهدُ أن محمدًا عبدُه ورسولُه أكرمُ الأصفياء، وخاتَمُ الأنبياء، صلى الله عليه، وعلى آله، وصحبه؛ أهل الصِّدقِ والوَفاءِ، صلاةً دائمةً إلى يوم الجزاء. وبعدُ: فهذه أحاديثُ في الأحكام؛ منِ الحلالِ والحرامِ، اختصرتُها، وحذفتُ أسانيدَها؛ ليقرب تناولها علَى من أراد حفظها، وأضفتُها إلى كُتب الأئمة المتفق على كُتُبِهم، المجمع على إتقانهم وضبطهم؛ ليركنَ القلبُ إليها، ويحصلَ الاعتمادُ عليها. فما كان فيه مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ فهو مما (¬3) اجتمعَ عليه الإمامان: محمد بنُ إسماعيل البخاري (¬4)، ومسلم بنُ الحجّاج النِّيسابوري (¬5). ¬

_ (¬1) في "أ": "وبه نستعين". (¬2) سبق ذهن ناسخ "أ"، وشطح قلمه! فكتب: "قال الشيخ، الإمام، العالم، الفاضل، ضياء الدين أبو عبد الله؛ محمد بن عبد الواحد بن أحمد المقدسي رضي الله عنه"! (¬3) في "أ": "ما". (¬4) هو جبل الحفظ، وإمام الدنيا في فقه الحديث، مصنف أصح الكتب بعد كتاب الله عز وجل، ولد في شوال سنة أربع وتسعين ومئة، وتوفي في شوال سنة ست وخمسين ومئتين، وعاش اثنتين وستين سنة إلا ثلاثة عشر يومًا، انظر "سير أعلام النبلاء" (12/ 391). (¬5) هو الإمام الكبير، الحافظ المجود، الثقة الصادق، مصنف "الصحيح" توفي رحمه الله سنة إحدى وستين ومئتين بنيسابور، عن بضع وخمسين سنة. انظر "السير" (12/ 547).

وعَلَامةُ البُخارِي على انفرادِه: خ. وعَلَامَةُ مسلم على انفراده: م. وعَلَامَةُ أبي داود؛ سليمان بنِ الأشعث السجستاني (¬1): د. وعَلَامَةُ أبي عبد الرحمن أحمد بن شُعَيب بن عليّ النَّسائي (¬2): س. وعَلَامَةُ أبي عيسى؛ محمد بن عيسى بن سَوْرة التِّرْمذيّ (¬3): ت. وعَلَامَةُ أبي عبد الله؛ محمد بنِ يزيد بن ماجه القَزْويني (¬4): ق. ورُبما أضفنا الشيء إلى غير هؤلاء فَنُسمّيه (¬5). وأسأل الله أن ينفعنا بذلك، ومَن قرأه، أو حفظه، أو نظر فيه، وأن يجعله خالصًا لوجهِه، موجبًا لرضاه، إنه سميعُ الدُّعاء، وهو حسبُنا ونِعم الوكيل. ¬

_ (¬1) هو الإمام، شيخ السنة، مقدم الحفاظ، مصنف "السنن"، ولد سنة اثنتين ومئتين، وتوفي رحمه الله سنة خمس وسبعين ومئتين. انظر "سير أعلام النبلاء" (13/ 203). (¬2) هو الإمام، الحافظ، الثبت، شيخ الإسلام، ناقد الحديث، صاحب "السنن"، ولد بِنَسَا في سنة خمس عشرة ومئتين، وتوفي رحمه الله سنة ثلاث وثلاث مئة. انظر "سير أعلام النبلاء" (14/ 125). (¬3) هو الحافظ، العلم، الإمام، البارع، مصنف "الجامع"، توفي سنة تسع وسبعين ومئتين بترمذ. انظر "سير أعلام النبلاء" (13/ 270). (¬4) هو الحافظ، الكبير، الحجة، المفسر، مصنف "السنن"، وحافظ قزوين في عصره، ولد سنة تسع ومئتين، وتوفي سنة ثلاث وسبعين ومئتين. انظر "سير أعلام النبلاء" (13/ 277). (¬5) في "أ": "ونسميه". قلت: وقد ذكرت ذلك في المقدمة ص (64 - 65).

1 - كتاب الطهارة

1 - كتاب الطهارة 1 - بابُ الدَّليل على وُجوبِ الطَّهارةِ 1 (2) - عن أبي هُريرة رضي الله عنه قال: قالَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "لا يقبلُ الله صلاةَ أحدِكُم -إذا أحدثَ- حتى يتوضّأَ". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. د (¬1). 2 - وعن عبد الله بنِ عُمر بنِ الخطاب رضي الله عنه، عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا يَقبلُ اللَّهُ صلاةً بغيرِ طُهُورٍ، ولا صَدقةً مِن غُلولٍ". م د ت س (¬2). ¬

_ (¬1) هذا لفظ البخاري برقم (6954)، وأبي داود (60)، وأما مسلم (225) فلفظه: "لا تُقبل صلاةُ أحدِكم .. ". وللبخاري لفظ آخر برقم (135): "لا تقبل صلاةُ مَن أحدث ... ". وزاد: قال رجلٌ من حضرموت: ما الحدث يا أبا هريرة؟ قال: فُساءٌ، أو ضُراطٌ. (¬2) رواه مسلم (224) من حديث مصعب بن سعد قال: دخل عبد الله بن عمر على ابن عامر يعوده -وهو مريض- فقال: ألا تدعو الله لي يا ابن عمر؟ فقال: إني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: .. فذكره. وزاد: وكُنْتَ على البصرة. و"الغلول": الخيانة في المغنم، والسرقة من الغنيمة قبل القسمة. وكل من خان في شيء خُفْيَةً فقد غلَّ. قال العلامة أحمد شاكر رحمه الله: "يعني: أنك كنت واليًّا على البصرة. وخشى ابنُ عمر أن يكون ابن عامر أصاب في ولايته شيئًا من المظالم التي لا يخلو منها الولاة، وأن يكون ما في يده من الأموال دخله شيء مما يدخل على الولاة من المال من غير حله، ولعل ابن عمر أراد بترك الدعاء له، وبهذا التعليل أن يؤدبه، ويبين له ما يخشى عليه من الفتنة، ويحمله على الخروج مما في ماله من الحرام؛ ليلقى الله نقيًا طاهرًا". =

• أبو داود: عن أبي الْمَلِيح، عن أبيه (¬1). 3 - وعن عبد الله بنِ مُحمد بن عَقِيل (¬2)، عن محمد ابنِ الحنفِيّة (¬3) عن عليِّ [ابنِ أبي طالبٍ] (¬4) رضي الله عنه؛ أن النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - قال: "مِفْتاحُ الصَّلاةِ الطَّهورُ، وتحرِيمُها التَّكبِيرُ، وتحلِيلُها التَّسلِيمُ". د ت (¬5). ¬

_ = ورواه ممن علّم له المصنف -رحمه الله- الترمذيُّ (1) وعنده: "لا تقبل صلاة". وفي رواية له: "إلا بطهور" بدل: "بغير طهور". وقال: "هذا الحديث أصح شيء في هذا الباب وأحسنُ". قلت: كيف، وفيه الحديث السابق عن أبي هريرة، وهو متفق عليه؟! وممن روى الحديث أيضًا ابن ماجه (272) ولفظه كلفظ مسلم، سوى قوله: "إلا بطهور". وأما أبو داود (59)، والنسائي (1/ 87 - 88) فمن طريق أبي المليح، عن أبيه، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -. (¬1) وكذلك النسائي أيضًا، انظر التعليق السابق. وأبو المليح، مشهور بكنيته، اختلف في اسمه كما في المؤتلف للدارقطني (4/ 1949 و 2047) وغيره من كتب الرجال، ثقة، من الثالثة، روى له الجماعة، اختلف في سنة وفاته، فقيل: ثمان وتسعين، وقيل: ثمان ومئة، وقيل: اثنتي عشرة ومئة. وأبوه: هو أسامة بن عمير بن عامر بن الأقَيْشَر الهُذَليّ، وترجمته تجدها في فهرس الرواة وأرقام مروياتهم بآخر الكتاب. (¬2) ابن أبي طالب الهاشمي، وما نقله الحافظ عبد الغني عن الترمذي عقب الحديث، هو خلاصة أقوال أهل العلم فيه. وقال ابن حجر في "التقريب": "صدوق في حديثه لين، ويقال: تغير بأخرة". (¬3) هو: محمد بن علي ابن أبي طالب الهاشمي، تابعي، ثقة، عالم، مات بعد الثمانين برضوى، ودفن بالبقيع، وروى له الجماعة، وهو الذي يقول فيه كُثَيِّر: وسبط لا تراه العين حتى ... يقود الخيل يقدمها اللواء تغيب لا يرى عنهم زمانًا ... برضوى عنده عسل وماء (¬4) زيادة من "أ". (¬5) حسن. رواه أبو داود (61)، والترمذي (3)، وابن عقيل حسن الحديث.

عبد الله بنُ محمد بن عقيل صدوق تُكُلِّم فيه من قِبل حفظه. كان أحمد بنُ حنبل (¬1)، وإسحاق بنُ رَاهويه (¬2)، وعبد الله بنُ الزُّبير الحُمَيديّ (¬3) يحتجُّون بحدِيثه. قال البخاريُّ: هو مقارب الحديثِ (¬4). ¬

_ (¬1) هو شيخ الإسلام، إمام أهل السنة والجماعة، الحافظ، الفقيه، الحجة، الزاهد، الورع: أحمد بن محمد بن حنبل بن هلال بن أسد الشيباني، رأس الطبقة العاشرة، مات سنة إحدى وأربعين ومئتين. (¬2) بفتح الراء، وضم الهاء، وقيل: بفتح الهاء أيضًا -ومن دقة الناسخ رحمه الله أنه وضع فوق الهاء الفتحة والضمة، وكتب فوقها: معًا- وهو الإمام الكبير سيد الحفاظ. قال عنه الإمام أحمد: لم يعبر الجسر إلى خراسان مثل إسحاق، وإن كان يخالفنا في أشياء؛ فإن الناس لم يزل يخالف بعضهم بعضًا. قال له الأمير عبد الله بن طاهر: لم قيل لك: ابن راهويه؟ وما معنى هذا؟ وهل تكره أن يقال لك هذا؟ فقال: اعلم أيها الأمير أن أبي ولد في طريقٍ. فقالت المراوزة: راهوي؛ بأنه ولد في الطريق، وكان أبي يكره هذا. وأما أنا فلست أكرهه. ولد سنة إحدى وستين ومئة، ومات رحمه الله بنيسابور ليلة النصف من شعبان سنة ثمان وثلاثين ومائتين. (¬3) هو: عبد الله بن الزبير بن عيسى القرشي، ثفة حافظ فقيه، كان البخاري إذا وجد الحديث عنده لا يعدوه إلى غيره، مات بمكة سنة تسع عشرة ومئة. (¬4) هذا الكلام للترمذي، ساقه الحافظ عبد الغني رحمه الله بتصرف، وقد قال قبله - يعني: الترمذي-: "هذا الحديث أصح شيء في هذا الباب، وأحسنُ". قلت: وقول البخاري: "مقارب": يجوز فيه فتح الراء وكسرها، والمعنى: يقارب الناس في حديثه ويقاربونه، أي: ليس حديثه بشاذ ولا منكر، وهي على الوجهين من مراتب التعديل على الصحيح.

2 - باب وجوب النية في الطهارة، وسائر العبادات

2 - باب وجُوبِ النيّةِ في الطَّهارةِ، وسائرِ العِبَادات 4 (1) - عن عُمر بنِ الخطاب رضي الله عنه قال: سمعتُ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - يقولُ: "إنَّما الأعمالُ بالنِّية -وفي روايةٍ: بالنِّيَّات- وإنما لكُلِّ امرئٍ ما نوى، فمَن كانتْ هِجرتُه إلى الله ورسُولِهِ، فهجرتُه إلى الله ورسُولِهِ، ومَن كانتْ هجرتُه إلى دُنيا يُصِيبُها أو امرأةٍ يَتزوّجُها، فهِجْرته إلى ما هاجرَ إليه". مُتَفَقٌ عَلَيْهِ. د ت س ق (¬1). 3 - بَابٌ فِي مَن تركَ لُمْعةً لم يُصبْها الماءُ لم تصحّ طهارتُه 5 (3) - عن عبد الله بنِ عَمرو بنِ العاص رضي الله عنهما، قال: تخلّفَ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - عنّا في سَفْرةٍ (¬2)، فأدرَكَنَا، وقد أَرْهَقْنَا العَصْرَ (¬3)، فجعلْنا نتوضَّأ، ونمسحُ على أرجُلِنا، فنادى بأعلى صوته: "ويلٌ للأعقابِ من ¬

_ (¬1) رواه البخاري (1)، ومسلم (1907)، وأبو داود (2201)، والترمذي (1647)، والنسائي (1/ 58 - 60)، وابن ماجه (4227). وقال الترمذي: "هذا حديث حسن صحيح ... قال عبد الرحمن بن مهدي: ينبغي أن نضع هذا الحديث في كل باب". (¬2) زاد البخاري: "سافرناها"، وفي لفظٍ له ولمسلم: "سفرٍ سافرناه". وعند مسلم أن ذلك كان في رجوعهم مع النبي - صلى الله عليه وسلم - من مكة إلى المدينة. (¬3) سيذكر المصنف رحمه الله تفسيرها في آخر الباب نقلًا عن الخطابي، وحفاظًا على الأصل أبقيته في موضعه، وإن كان الأليق به أن يكون عقب الحديث.

النَّارِ" مرتين أو ثلاثًا. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ (¬1). 6 (3) - وعن أبي هُريرة رضي الله عنه قالَ: قالَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "ويلٌ للأَعْقَابِ مِن النَّارِ". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ (¬2). 7 - وعن عُمر بنِ الخطَّاب رضي الله عنه؛ أنّ رجُلًا توضَّأ، فتركَ مَوْضعَ ظُفُرٍ من (¬3) قدَمِه، فأبصرَه النبيُّ - صلى الله عليه وسلم -، فقال: "ارجعْ، فأحْسِنْ وُضوءَكَ" فرجع، ثم صلّى. م (¬4). 8 - وروى خَالد بنُ مَعْدان (¬5)، عن بعضِ أصحابِ النبيّ - صلى الله عليه وسلم -؛ أن النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - رأى رجُلًا يُصلِّي، وفي ظَهْرِ قدَمِه لُمْعةً قدرَ الدِّرهم، لم يُصبْها الماءُ، فأمرَه النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - أن يُعِيدَ الوُضوءَ والصَّلاةَ. د (¬6) (¬7). ¬

_ (¬1) رواه البخاري -واللفظ له- (163)، ومسلم (241). وله في روايةٍ: "أسبغوا الوضوء". (¬2) رواه البخاري (165)، ومسلم (242) من طريق محمد بن زياد قال: سمعت أبا هريرة وكان يمر بنا، والناس يتوضئون من المِطهرة، فقال: أسبغوا الوضوء؛ فإن أبا القاسم - صلى الله عليه وسلم - قال: ... فذكره. وفي رواية لمسلم: "للعراقيب" بدل: و"العراقيب": جمع عرقوب. وهو: العصبة التي فوق العقب. و"الأعقاب": جمع عَقِب. وهو آخر كل شيء، وهو عظم مؤخر القدم، وهو أكبر عظامها. (¬3) كذا بالأصلين، وفي "الصحيح" (ورقة 47): "على". (¬4) رواه مسلم (243). (¬5) خاالد بن معدان بن أبي كرب الكلاعي أبو عبد الله الشامي الحمصي، تابعي ثقة عابد، أدرك سبعين من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم -، مات بعد المئة، وروى له الجماعة. (¬6) في "أ": "رواه أبو داود". (¬7) صحيح. رواه أبو داود (175)، وله شواهد منها الحديث السابق. و"اللمعة": هي البقعة اليسيرة من الجسد لم يصبها الماء.

4 - باب في المضمضمة والاستنشاق

قال أبو سُليمان الخطَّابيُّ (¬1): أرهقْنا العصرَ. أي: أخّرناها. يُقال: أرهقتُه. أي: أخرتُه. ويُقال: قد أرهقَتْنا إذا دَنا وقتُها (¬2). 4 - بابٌ في المضمضمة والاستنشاق 9 (4) - عن أبي هُريرة رضي الله عنه؛ أنّ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إذا تَوضَّأ أحدُكم فليجعلْ في أنفِهِ (¬3)، ثم لينتثِر، ومَن استجمرَ فليُوتِرْ، وإذا استيقظَ أحدُكم مِن نَومِهِ، فليغْسِلْ يديه (¬4) قبلَ أن يُدخِلَها في الإناءِ؛ فإنّ أحدَكم لا يدرِي أينَ باتتْ يدُه". صَحِيحٌ. مُتَّفَقٌ عَلَيْه (¬5). ¬

_ (¬1) هو الإمام الحافظ: حَمْد بن محمد بن إبراهيم بن خَطَّاب البُستي الخطابي، صاحب التصانيف البديعة المفيدة، اعتنى بالحديث متنًا وإسنادًا، وتوفي بِبُسْت في شهر ربيع الآخر سنة ثمان وثمانين وثلاث مئة. (¬2) انظر "أعلام الحديث" (1/ 256)، ونص العبارة فيه: "قوله: أرهقنا العصر. أي: أخرناها. يقال: أرهقت الصلاة إذ أخرتها عن وقتها. وقد يقال: أرهقتنا الصلاة إذا دنا وقتها، وأرهق الليل إذا دنا كذلك". (¬3) زاد البخاري ومسلم: "ماء"، وهي مذكورة في بعض نسخ "الصغرى". (¬4) جاء في هامش الأصل: "خ: يده". (¬5) رواه البخاري برقم (162)، وعنده: "فليغسل يده قبل أن يدخلها في وضوئه"، وليس عنده لفظ: "الإناء"، وهذا الحديث في حقيقة الأمر حديثان، ساقهما البخاري رحمه الله مساق الحديث الواحد؛ لاتحاد سندهما. وأما مسلم فأخرج الحديث الأول برقم (237)، وأخرج الحديث الثاني: "إذا استيقظ أحدكم ... " برقم (278).

- وفي لفظٍ لمسلمٍ: "فَلْيَسْتَنْشِقْ بِمنخَرَيه مِن الماءِ، ثم لِيَنْتَثِرْ" (¬1). - وفي لفظٍ: "مَنْ توضَّأَ فليستنشِقْ" (¬2). 10 - ورواه مسلمٌ، عن أبي سعيدٍ الخدري أيضًا (¬3). • وصحّ في حديثِ عثمانَ بنِ عفّان. وعبد الله بنِ زيد بنِ عاصمٍ؛ أنَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - مَضْمَضَ واستنشَقَ ثلاثًا (¬4). 11 - وعن ابنِ عباسٍ قال: قال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "استَنْثِروا مرّتين بَالِغَتَيْن، أو ثَلاثًا". د (¬5). 12 - وعن عاصم بنِ لَقِيط بن صَبِرة (¬6) عن أبيه قال: قلتُ: يا رسولَ الله! أخبِرني عن الوُضوء؟ قال: "أسبغِ الوُضوءَ، وخلّل بين الأصابع، وبالغْ في الاستنشاقِ، إلا أن تكونَ صائمًا". د. ¬

_ (¬1) رواه مسلم (237) (21). (¬2) كذا هو في "الأصل"، وفي جميع النسخ الخطية التي وقفت عليها من "الصغرى" ولم أجده بهذا اللفظ، لا في الصحيح ولا في غيره، وقد وقع في بعض النسخ المطبوعة من "الصغرى" بلفظ: "فليستنثر"، وهو بهذا اللفظ عند البخاري (161)، ومسلم (237) (22). واللَّه أعلم. (¬3) رواه مسلم (237) إلا أنه لم يذكر لفظه، وإنما قال: "بمثله". يعني: بمثل حديث أبي هريرة. (¬4) أما حديث عثمان بن عفان رضي الله عنه فسيأتي برقم (44)، وأما حديث عبد الله بن زيد ابن عاصم رضي الله عنه فسيأتي أيضًا برقم (45). (¬5) حسن .. رواه أبو داود (141). (¬6) عاصم بن لقيط بن صبرة، تابعي ثقة، من الثالثة، روى له البخاري في "الأدب المفرد" وأصحاب السنن.

5 - باب في مسح الرأس والأذنين

ت طرفًا منه، وقال: حدِيثٌ حسنٌ صَحِيحٌ (¬1). 13 - وعن سلمةَ بنِ قيسٍ قال: قالَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "إذا توضَّأْتَ فانْتَثِرْ، وإذا استجْمَرتَ فأوتِرْ". ت وقال: حديثٌ حسنٌ صحيحٌ (¬2). 5 - بَابٌ في مسح الرأس والأذنين 14 - عن ابنِ عباسٍ رضي الله عنه؛ أنَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - مسحَ برأْسِهِ وأُذُنيه ظَاهِرِهِما وباطِنِهما. ت وقال: حديثٌ حسنٌ صحِيحٌ (¬3). 15 - وعن الرُّبّيع بنتِ معوِّذ قالتْ: رأيت رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - توضَّأَ، ¬

_ (¬1) صحيح رواه أبو داود (142)، والترمذي (38). وانظر "البلوغ" (39). والإسباغ: الإتمام، ويكون بإبلاع الوضوء مواضعه، وتوفية كل عضو حقه. وتخليل الأصابع المراد به أصابع اليدين والرجلين، كما جاء ذلك صريحًا في حديث ابن عباس الآتي برقم (23). (¬2) صحيح. رواه الترمذي (27). ورواه أيضًا النسائي (1/ 67)، وابن ماجه (406). الاستجمار: التمسح بالجمار، وهي الأحجار الصغار. "تنبيه": جاء في الحاشية: "قال ضياء الدين محمد بن عبد الواحد المقدسي: قد رواه أيضًا النسائي وابن ماجه". (¬3) صحيح. رواه الترمذي (36) بسند حسن، وله شواهد يصح بها، منها ما رواه أبو داود (135)، والنسائي (1/ 88) بسند حسن أيضًا، وانظر "البلوغ" (36). وقال الترمذي: "وفي الباب عن الربيع، وحديث ابن عباس حديث حسن صحيح، والعمل على هذا عند أكثر أهل العلم: يرون مسح الأذنين؛ ظهورهما وبطونهما". قلت: حديث الربيع هو التالي.

قالتْ: فمسحَ رأْسَه، ومسحَ ما أقبلَ منه، وما أدبرَ، وصُدْغَيْهِ، وأُذنيه مَرَّةً واحدةً. د (¬1). 16 - وعن المقدام بنِ مَعْدِي كرب الكنْدي رضي الله عنه، قال: أُتي رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - بوضُوءٍ، فتوضَّأ، فغسلَ كفَّيه ثلاثًا، وغَسَلَ وجهَه ثلاثًا، ثم ذِرَاعيه ثلاثًا، ثم تمضمضَ واستنشقَ ثلاثًا، ثم مسحَ برأْسِه، وأُذنَيه؛ ظاهِرهِما وبَاطِنِهما. د (¬2). 17 - وروى ليثٌ، عن طلحةَ بنِ مُصرِّف، عن أَبيه، عن جدّه قال: رأيتُ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - يمسحُ رأسَه مرةً واحدةً، حتى بلغَ القَذَالَ، وهو: أوّلُ القَفا د (¬3). ¬

_ (¬1) حسن. رواه أبو داود (129). وفي الحاشية: "ت. قاله ضياء الدين محمد". قلت: رواه الترمذي برقم (34). وقال: حديث حسن صحيح. (¬2) صحيح، رواه أبو داود (121). و"بوضوء": بفتح الواو. يعني: بماء يتوضأ به. "تنبيه": الحديث جاء في النسختين هكذا بذكر المضمضة والاستنشاق بعد غسل الذراعين، وهو كذلك في "سنن أبي داود" انظر (1/ 211 - 212/ عون)، ووقع في بعض نسخ السنن أن المضمضة والاستنشاق بعد غسل الكفين كباقي أحاديث صفة الوضوء، مما يدل على اختلاف نسخ السنن في ذلك، وإن كانت النسخة التي نقل منها الحافظ عبد الغني - عندي وإن اختلفت فيها صفة الوضوء- أرجح من غيرها؛ لأن أبا داود روى الحديث عن الإمام أحمد، والإمام أحمد رواه في "المسند" (4/ 132) بهذه الصفة. يعني: بذكر المضمضة والاستنشاق بعد غسل الوجه والذراعين. ثم هذا الحديث -بهذه الصفة- هو حجة من سوغ عدم وجوب الترتيب في الوضوء!! كما يعرف ذلك من نظر في كتبهم! فليربع على نفسه كل جاهل كذاب أفاك (¬3) ضعيف. رواه أبو داود (132)، وليث هو: ابن أبي سليم -بضم السين المهملة، وفتح اللام- قال عنه الحافظ: "صدوق، اختلط جدًّا، ولم يتميز حديثه فترك"، وقال أبو داود عقب روايته =

18 - وعن ابنِ عباسٍ؛ أنّ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - توضّأَ -فذكرَ الحديثَ كلَّه- ثلاثًا ثلاثًا. [قال فيها] (¬1) ومسحَ برأسِه وأُذُنَيه مسحةً واحِدةً. د (¬2). قال أبو داود: أحاديثُ عثمانَ الصِّحاح كلّها تدلّ على أن [مَسْحَ] (¬3) الرأس مِرةً؛ فإنّهم ذكَروا الوُضوءَ ثلاثًا ثلاثًا، قالوا فيها: ومسحَ رأسَه. [و] (¬4) لم يذكُروا عددًا كما ذكروا في غيرِه (¬5). ¬

_ = للحديث: "قال مسدد: فحدثت به يحيى فأنكره. قال أبو داود: وسمعت أحمد يقول: ابن عيينة -زعموا- كان ينكره، ويقول: أيش هذا؟ طلحة عن أبيه عن جده؟! ". قلت: طلحة بن مصرف ثقة، وأما أبوه، فقد قال عنه ابن حجر في "التقريب": "مصرف بن عمرو ابن كعب، أو ابن كعب بن عمرو، اليامي الكوفي، روى عنه طلحة بن مصرف، مجهول". وأما جده، فهو كعب بن عمرو، ويقال: عمرو بن كعب، اختلف في صحبته، فقال الدوري: قيل لابن معين: طلحة بن مصرف عن أبيه، عن جده، رأى جده النبي - صلى الله عليه وسلم -؟ فقال يحيى: المحدثون يقولون: قد رآه، وأهل بيت طلحة يقولون: ليست له صحبة. قلت: وقد روى غير واحد هذا الحديث عن ليث، عن طلحة، عن أبيه، عن جده، ولم ينسبوا طلحة. فقال ابن حجر في "التهذيب" (8/ 437): "إن كان طلحة المذكور ليس هو ابن مصرف فهو مجهول، وأبوه مجهول، وجده لا يثبت له صحبة؛ لأنه لا يعرف إلا في هذا الحديث". (¬1) زيادة من "أ". (¬2) ضعيف. رواه أبو داود (133). (¬3) زيادة من "أ"، وهي في "السنن". (¬4) زيادة من "أ"، وهي في "السنن". (¬5) انظر "السنن" (1/ 27).

6 - باب في المسح على العمامة

6 - باب في المسح على العمامة 19 - عن جَعفرَ بنِ عمرو بن أُمية الضَّمريِّ (¬1)، عن أبيه قال: رأيتُ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - يمسحُ على عِمَامتِهِ وخُفّيه. خ (¬2). 20 - وعن بلالٍ رضي الله عنه، قال: رأيتُ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - مسحَ على الخُفّينِ والخِمَارِ. م (¬3). 21 - وعن المغِيرة بنِ شُعبة؛ أنّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - توضّأَ، فمسحَ بناصِيَتِهِ، وعلى العِمَامةِ، والخفّين (¬4). خ (¬5). 22 - وعن ثَوْبانَ قالَ: بعثَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - سَرِيّةً، فأصابَهم البردُ، فلمّا قدِمُوا على رسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - (¬6)، أمرَهم أن يمسَحُوا على العَصَائبِ والتَّسَاخِين. د (¬7). العصائبُ: العَمائِمُ. والتَّساخينُ: الخِفَافُ. ¬

_ (¬1) جعفر بن عمرو، ثقة من كبار التابعين، مدني، توفي سنة خمس -وقيل: ست- وتسعين من رجال الشيخين. (¬2) رواه البخاري (1/ 52/ رقم 205). (¬3) رواه مسلم (275). وفي حاشية الأصل: "الخمار: العمامة". (¬4) في "الصحيح": "وعلى الخفين". (¬5) كذا علَّم له الحافظ رحمه الله، وهو سهوٌ، إذ الحديث لمسلم -وليس للبخاري- (274) (83). وجاء في المخطوط فوق رمز (خ): "صوابه: مسلم. قاله ضياء الدين محمد". (¬6) زاد أحمد في "المسند" (5/ 277): "شكوا إليه ما أصابهم من البرد". (¬7) صحيح رواه أبو داود (146). وانظر "البلوغ" (63 بتحقيقي).

7 - باب تخليل الأصابع

7 - باب تخليل الأصابع 23 - عن صالحٍ مولى التَّوْأَمة، عن ابنِ عبَّاسٍ؛ أنَّ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إذا توضَّأتَ فخلِّلْ أصابعَ يديك ورِجْلَيْكَ". ت وقال: حديثٌ حسنٌ غرِيبٌ (¬1). 24 - وعن المسْتَوْرِدِ بنِ شدَّاد قال: رأيتُ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - إذا توضَّأ يدلكُ أصابعَ رجليه بخنصره. د ت (¬2). - وفي لفظٍ لابن ماجة: يخلِّل أصابعَ رِجْليه بخنصرِهِ (¬3). 25 - وعن أنس بنِ مالكٍ؛ أنّ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - كان إذا توضَّأ أخذَ كفًّا ¬

_ (¬1) حسن. رواه الترمذي (39)، وابن ماجه (447)، وأحمد (1/ 287)، والحاكم (1/ 182) من طريق موسى بن عقبة، عن صالح، عن ابن عباس به، ووقع عند الحاكم "صالح" غير منسوب، فقال: "صالح هذا أظنه مولى التوأمة، فإن كان كذلك فليس من شرط هذا الكتاب، وإنما أخرجته شاهدًا". قلت: هو مولى التوأمة كما جاء عند الباقين، وهو كما قال الحافظ: "صدوق، اختلط بأخرة، فقال ابن عدي: لا بأس برواية القدماء عنه". وقال في "التلخيص" (1/ 94): "فيه صالح مولى التوأمة، وهو ضعيف، لكن حسنه البخاري؛ لأنه من رواية موسى بن عقبة عن صالح، وسماع موسى منه قبل أن يختلط". قلت: وهو صحيح بشواهده. كالحديث التالي، وانظر "ناسخ الحديث" ص (128 - 129). (¬2) حسن. رواه أبو داود (148)، والترمذي (40)، وعند الترمذي: "دَلَكَ". وقال: "هذا حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من حديث ابن لهيعة". قلت: لم ينفرد به، بل تابعه الليث بن سعد وعمرو بن الحارث، ثم هو مروي من طريق ابن وهب عنه، وهي رواية صحيحة. وتفصيل ذلك في "ناسخ الحديث" ص (129). (¬3) سنن ابن ماجه (446) والحديث وإن كان حسن الإسناد، فهو صحيح بشواهده كما سبق.

8 - باب الوضوء مرة مرة

مِن مَاءٍ، فأدخَلَه تحتَ حَنكِه، فخلّلَ به لحيتَه. وقال: "هكذا أمرَني ربِّي عزّ وجل". د (¬1). 8 - باب الوُضوء مرّة مرّة 26 - عن ابنِ عبّاس رضي الله عنه قال: توضَّأَ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - مرةً مرةً. خ د ت (¬2). 27 - وعن جَابرٍ؛ أنَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - توضَّأَ مرةً مرةً، ومرّتين مرّتين، وثلاثًا ثلاثًا. ت ق (¬3). 28 - عن عُبيدِ بن عُمَيرٍ (¬4) عن أُبيّ بن كعبٍ؛ أنَّ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - دعا بماءٍ، فتوضّأَ مرةً مرةً، فقال: "هذا وَظِيفَةُ الوُضوءِ" -أو قال:- "وُضُوءُ مَن لم يتوضّأ لم يقبَلِ الله له صَلاةً". ثم توضَّأَ مرَّتين مرَّتين، ثم قال: ¬

_ (¬1) صحيح بشواهده. رواه أبو داود (145)، وانظر "البلوغ" (40 بتحقيقي). (¬2) رواه البخاري (157)، وأبو داود (138)، والترمذي (42). وقال الترمذي: "حديث ابن عباس أحسن شيء في هذا الباب، وأصح". (¬3) ضعيف. رواه الترمذي (45)، وابن ماجه (410) من طريق شريك بن عبد الله النخعي عن ثابت ابن أبي صفية قال: قلت لأبي جعفر: حدثك جابر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - فذكره. وزاد: قال: نعم. قلت: وشريك كثير الغلط كما قال الترمذي، ولذلك خالفه وكيع فرواه عن ثابت، فلم يذكر إلا مرة مرة. رواه الترمذي (46). وثَمَّ علة أخرى، وهي ضعف ثابت بن أبي صفية. (¬4) هو: عبيد بن عمير بن قتابة الليثي أبو عاصم المكي، قال الإمام مسلم: ولد في زمان النبي - صلى الله عليه وسلم -، وعدَّه غيره في كبار التابعين، كان قاص أهل مكة، مجمع على ثقته، له قصة عجيبة من أرادها فعليه بـ "الثقات" للعجلي -أو كتابي "الأتقياء وفتن النساء"- روى له الجماعة.

9 - باب كراهية الزيادة على الثلاث في الوضوء

"هذا وضوءُ مَن توضّأ أعطاهُ الله كِفْلَيْنِ من الأجرِ". ثم توضَّاَ ثلاثًا ثلاثًا، وقال: "هذا وُضُوئي، ووُضُوءُ المرسَلين (¬1) قبلي". ق (¬2). 9 - باب كراهية الزيادة على الثلاث في الوضوء 29 - عن عَمْرو بنِ شُعيبٍ، عن أبيه (¬3) عن جَدّه قال: جاءَ أعرابيٌّ إلى النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فسأَلَهُ عن الوُضوءِ؟ فأراهُ ثلاثًا ثلاثًا. ثم قال: "هذا الوُضُوء فمن زادَ على هذا فقد أساءَ وظَلَمَ". د س ق (¬4). ¬

_ (¬1) في نسخة زيادة: "من"، وهي في "السنن". (¬2) ضعيف رواه ابن ماجه (420)، وفي سنده زيد العمي، وهو ضعيف، بل تركه بعضهم وأيضًا في سنده عبد الله بن عرادة، وهو ضعيف أيضًا. "تنبيه": في "أ" زيادة بعد (ق): "رواه الدارقطني". قلت: هو في "السنن" (1/ 81/ 6). (¬3) عمرو بن شعيب هو: ابن محمد بن عبد الله بن عمرو بن العاص، وهو "صدوق" كما قال ابن حجر، وكذلك أبوه، وأما جده فالمراد به "عبد الله بن عمرو"، وهو جد أبيه. قال البخاري في "التاريخ" (ج 3/ ق 2/ 342 - 343): "رأيت أحمد بن حنبل وعلي بن عبد الله ... وإسحاق بن إبراهيم يحتجون بحديث عمرو بن شعيب عن أبيه". ونقل عنه نحو ذلك الترمذي في "السنن" (2/ 140). (¬4) حسن. رواه أبو داود (135)، والنسائي (1/ 88)، وابن ماجه (422)، وفي سنن النسائي: "أساء وتعدى وظلم". ولذلك قال الحافظ الضياء في حاشية الأصل: "وزاد النسائي: وتعدى". ووقعت هذه الزيادة في "أ" دون نسبتها للضياء! كما يظهر ذلك في المصورة. قلت: وهو بالألفاظ الثلاثة لابن ماجه، إلا أنه بحرف التخيير: "أو"، لا العطف: "و"، وهو في سنن أبي داود كما في الأصل، إلا أنه شك فقال في آخره: "أو: ظلم وأساء". وعند أبي داود زيادة لفظ: "أو نقص"، وهي لفظة حكم عليها شيخنا بالشذوذ. =

10 - باب الوضوء عند كل صلاة

10 - باب الوضوء عند كل صلاة 30 - عن عَمرو بنِ عامرٍ الأنصاري (¬1) عن أنس بنِ مالكٍ قال: كان النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - يتوضَّأ عندَ كُلِّ صلاةٍ. قلتُ: كيفَ كُنتم تصنَعُونَ؟ قال: يُجزِئُ أحدَنا الوُضوءُ ما لم يُحْدِثْ. خ د ت (¬2). 31 - وعن سُليمان بنِ بُريدة (¬3)، عن أَبيه قال: صلَّى رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - يومَ الفتح خِمسَ صلواتٍ بوُضوءٍ واحدٍ ومسحَ على خُفّيه، فقال له عمرُ: إني رأيتُكَ صنعتَ شيئًا لم تكن تَصْنعْهُ؟ قال: "عَمْدًا صَنَعْتُه". م د (¬4). 11 - باب المياه 32 - عن أبي هُريرة رضي الله عنه، قال: سألَ رجلٌ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسولَ الله! إنّا نركبُ البحرَ، ونحمِلُ معنا القليلَ من الماءِ، فإنْ توضَّأنا به عَطِشْنا، أفنتوضّأ بماءِ البحرِ؟ فقالَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "هُو الطَّهورُ ماؤُه، الحِلُّ ميتتُه". د س ت. ¬

_ = وقال السندي في "حاشية النسائي": "جاء في بعض روايات الحديث (أو نقص) والمحققون على أنه وهم؛ لجواز الوضوء مرة مرة، ومرتين مرتين". ثم قال: "أساء: أي في مراعاة آداب الشرع وتعدى: في حدوده. وظلم: نفسه بما نقصها من الثواب". (¬1) هو: الكوفي، وهو ثقة، روى له الجماعة. (¬2) رواه البخاري بلفظه (214)، وأبو داود (171)، والترمذي (60) وقال: "حسن صحيح". (¬3) هو: سليمان بن بريدة بن الحصيب الأسلمي المروزي، قاضيها، تابعي ثقة، مات سنة خمس ومئة، روى له الجماعة سوى البخاري. (¬4) رواه مسلم (277)، وأبو داود (172) والسياق لأبي داود، وزاد مسلم: "يا عمر".

وقال: حدِيثٌ حسنٌ صحِيحٌ (¬1). 33 - عن عبدِ الله بنِ عُمر بن الخطَّاب رضي الله عنهما، قالَ: سُئل رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: عن الماءِ، وما يَنُوبُه من الدَّوابِّ والسِّباع؟ فقال: "إذا كانَ الماءُ قُلَّتين لم يحمِلِ الخَبَثَ". د س ت ق (¬2). - ورواه الإمامُ أحمدُ في "المسند"، ولفظُه: "إذا بلغَ الماءُ قُلَّتينِ لم يُنجِّسْهُ شيءٌ" (¬3). 34 - وعن أبي سعيدٍ الخدريِّ رضي الله عنه قال: قِيل: يا رسولَ الله! أنتوضَّأُ مِن بئرِ بُضَاعة؟ وهي بِئرٌ يُلقى فيها الحِيَضُ، ولحُومُ الكِلابِ، والنَّتْنُ! فقال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "إن الماءَ طَهورٌ لا يُنجِّسُهُ شيءٌ". د س ق ت وقال: حدِيثٌ حسنٌ (¬4). ¬

_ (¬1) صحيح. رواه أبو داود (83)، والنسائي (1/ 50 و 176 و 7/ 207)، والترمذي (69)، وأيضًا ابن ماجه (386). وانظر "بلوغ المرام" (1). (¬2) صحيح. رواه أبو داود (63 و 64 و 65)، والنسائي (1/ 46 و 175)، والترمذي (67)، وابن ماجه (517). (¬3) المسند (2/ 26 - 27)، وهو أيضًا لفظ ابن ماجه، بل العزو إليه أولى من العزو للمسند؛ إذ في "المسند": "كان" بدل: "بلغ". (¬4) صحيح. رواه أبو داود (66)، والنسائي (1/ 174)، والترمذي (66)، والحديث لم يروه ابن ماجه، وانظر "البلوغ" (2). و"بضاعة" بضم الباء -على الأكثر- بئر معروفة كانت في دار بني ساعدة بالمدينة، وقد نقل أبو داود في "السنن" وصفها، فقال: (1/ 18): "سمعت قتيبة بن سعيد قال: سألت قيم بئر بضاعة عن عمقها؟ قال: أكثر ما يكون فيها الماء إلى العانة. قلت: فإذا نقص؟ قال: دون العورة". ثم قال: "وقدرت أنا بئر بضاعة بردائي، مددتها عليها، ثم ذرعته، فإذا عرضها ستة أذرع، وسألت الذي =

35 - [و] (¬1) عن أبي أُمامة البَاهِليّ قال: قالَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "الماءُ لا يُنَجِّسُهُ شيءٌ، إلا ما غلبَ على رِيحه، وطَعْمِه، ولَوْنِهِ". ق (¬2). 36 - عن كَبْشةَ بنتِ كعبِ بنِ مالكٍ (¬3) -وكانتْ تحتَ ابن أبي قتادةَ- ¬

_ = فتح لي باب البستان، فأدخلني إليه: هل غير بناؤها عما كانت عليه؟ قال: لا. ورأيت فيها ماءً متغير اللون". و"الحيض": بكسر الحاء، وفتح الياء، وهو: ما يستعمل في إزالة دم الحيض؛ من خرقة، وكرسف، ونحو ذلك و"النتن": بفتح النون وسكون التاء -وقيل: بكسر التاء، وقيل: بفتحها- وهو الشيء المنتن. فائدة: قوله في الحديث: "وهي بئر يلقى فيها الحيض، ولحوم الكلاب، والنتن". قال الخطابي عن ذلك في "معالم السنن" (1/ 37): "يتوهم كثير من الناس إذا سمع هذا الحديث أن هذا كان منهم عادة، وأنهم كانوا يأتون هذا الفعل قصدًا وعمدًا، وهذا لا يجوز أن يظن بذمي، بل بوثني، فضلًا عن مسلم! ولم يزل من عادة الناس قديمًا وحديثًا؛ مسلمهم وكافرهم: تنزيه المياه، وصونها عن النجاسات، فكيف يظن بأهل ذلك الزمان، وهم أعلى طبقات أهل الدين، وأفضل جماعة المسلمين، والماء في بلادهم أعز، والحاجة إليه أمس، أن يكون هذا صنيعهم بالماء، وامتهانهم له؟!. وقد لعن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من تغوط في موارد الماء ومشارعه، فكيف من اتخذ عيون الماء ومنابعه رصدًا للأنجاس، ومطرحًا للأقذار؟ هذا ما لا يليق بحالهم. وإنما كان هذا من أجل أن هذه البئر في صدور من الأرض، وأن السيول كانت تكسح هذه الأقذار من الطرق والأفنية، وتحملها فتلقيها فيها، وكان الماء لكثرته لا تؤثر فيه وقوع هذه الأشياء ولا يغيره ... ". (¬1) زيادة من "أ". (¬2) ضعيف. رواه ابن ماجه (521)، وفي سنده رشدين بن سعد، وهو ضعيف، وقد ضعفه أبو حاتم في "العلل" (1/ 44). وانظر "البلوغ" (3). (¬3) كبشة بنت كعب بن مالك الأنصارية ذكرها ابن حبان في "الثقات" في الصحابة وفي التابعين! وفي الموطن الأول (3/ 357) قال: "لها صحبة"، وذكرها ابن حجر في "الإصابة" (8/ 175) وقال: "قال ابن حبان لها صحبة، وتبعه المستغفري". =

أن أبا قتادةَ دخلَ، فسكبتْ له وَضُوءًا، فجاءتْ هرّةٌ فشرِبَتْ منه، فأصغى لها الإناءَ حتى شرِبَتْ. قالت كبشة: فرآني أنظر إليه! فقال: أتعجَبِين يا ابنةَ (¬1) أخي؟ فقلت: نعم. فقالَ: إنَّ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إنَّها ليستْ بنَجَسٍ؛ إنّها مِن الطّوّافين عليكم والطَّوَّافات". د س ت وقال: حديثٌ حسنٌ صحِيحٌ (¬2). 37 - وعن الحكمِ بنِ عَمْرو الغِفَاري رضي الله عنه؛ أنّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - نهى أنْ يَتوضّأَ الرجلُ بفضْلِ طَهُورِ المرأةِ. د ت حسن (¬3). 38 (5) - عن أبي هُريرة رضي الله عنه؛ أنّ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا يَبُولَنَّ أحدُكم في الماءِ الدَّائم - الذي لا يَجْرِي - ثُمّ يَغتسِلُ مِنه". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. د س ت (¬4). ¬

_ = قلت: في "الثقات" (3/ 357 و 5/ 344): "كانت تحت أبي قتادة"! والصواب: "ابن أبي قتادة" كما في الحديث هنا، وهو: عبد الله، وهو تابعي ثقة، روى له الجماعة، مات سنة خمس وتسعين. (¬1) في "أ": "يا بنت". (¬2) صحيح. رواه أبو داود (75)، والنسائي (1/ 55 و 178)، والترمذي (92)، وأيضًا ابن ماجه (367). وانظر "البلوغ" (11). "أصغى لها الإناء": أي: قربه وأماله لها؛ ليسهل عليها الشرب منه. (¬3) صحيح. رواه أبو داود (82)، والترمذي (64). (¬4) رواه البخاري (239)، ومسلم (282)، وأبو داود (69)، والنسائي (1/ 49 و 197)، والترمذي (68)، وقال الترمذي: "هذا حديث حسن صحيح". قلت: ولفظ: "الذي لا يجري" للبخاري، وهو من وجه آخر لمسلم والنسائي، وأيضًا عند البخاري لفظ: "فيه" بدل: "منه".

- ولمسلم: "لا يغتَسِلُ أحدُكم في الماءِ الدَّائمِ، وهُو جُنُبٌ" (¬1). - ولأبي داود: "وَلا يَغْتسِلْ فيه" (¬2). 39 (6) - وعَن أبي هريرة؛ أنَّ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إِذا شَرِبَ الكلبُ من (¬3) إناءِ أحدِكم، فَلْيَغْسِلْه سبعًا". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ (¬4). - ولمسلم وأبي دَاود: "أُولاهُنَّ بالتُّرابِ" (¬5). 40 (7) - وفي حديثِ عبد الله بنِ مُغَفَّل: "إذا وَلَغَ الكلبُ في الإناءِ فاغسِلُوه سبعَ مرّاتٍ، وعَفِّرُوه الثامنةَ بالتُّرابِ". م د (¬6). 41 - وعن أنس بنِ مَالكٍ قال: كان النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - يغتسِلُ بالصَّاع إِلى خمسةِ أَمْدادٍ، ويتوضَّأُ بالمدِّ. خ م (¬7) (¬8). 42 - وعن عائشةَ، رضي الله عنها؛ أن رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - كانَ يغتسلُ ¬

_ (¬1) رواه مسلم (283)، وزاد: "فقال: كيف يفعل أبا هريرة؟ قال: يتناوله تناولًا". (¬2) صحيح - رواه أبو داود (70)، وزاد: "من الجنابة". (¬3) في "أ": "في"، وروايات البخاري بعضها بلفظ: "من"، وبعضها بلفظ: "في"، وأما مسلم فلفظه: "في". (¬4) رواه البخاري -واللفظ له- (172)، ومسلم (279). (¬5) رواه مسلم (279) (91)، وأبو داود (71). (¬6) رواه مسلم (280)، وأبو داود (74). (¬7) كذا بالأصل، وفي "أ": "متفق عليه". وهو أليق. (¬8) رواه البخاري (201)، ومسلم (325) (51). و"الصاع": المراد به الصاع النبوي، وهو مكيال لأهل المدينة، ويعادل أربعة أمداد، والمد يقدر الآن بـ (625 جرامًا)، فيكون مقدار الصاع (2500 جرامًا).

12 - صفة وضوء النبي - صلى الله عليه وسلم -

بالصَّاعِ، ويتوضَّأُ بالمُدِّ. د (¬1). 43 - وعن سَفِينةَ؛ أن النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - كان يتوضَّأُ بالمدِّ، ويغتسِلُ بالصَّاع. ت حسنٌ صحِيحٌ (¬2). 12 - صفة وضوء النبي - صلى الله عليه وسلم - 44 (8) - عن حُمْرانَ (¬3) مولى عُثمان بنِ عفَّان؛ أنّه رأى عثمانَ [بنَ عفّانَ] (¬4) رضي الله عنه دعَا بوَضُوءٍ، فأفرَغَ على يديه من إنائِهِ، فغسلَهُما ثلاثَ مرَّاتٍ، ثم أدخلَ يمينَه في الوَضُوءِ، ثُم تمضمضَ، واستنشقَ، واستنثَرَ ثم غسَلَ وجهَه ثلاثًا، ويدَيه إلى الْمِرْفقين ثلاثًا، ثم مسَحَ برأسِه، ثم ¬

_ (¬1) صحيح. رواه أبو داود (92). (¬2) رواه الترمذي (56)، وهو أيضًا عند مسلم (326) بنحوه. و"سفينة": مولى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وقد اختلف في اسمه اختلافًا كثيرًا كما في "الإصابة" (3/ 109) وقد كان مملوكًا لأم سلمة، فقالت له: أعتقك وأشترط عليك أن تخدم النبي - صلى الله عليه وسلم - ما عشتَ؟ فقال: وإن لم تشترطي عليَّ ما فارقت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما عشتُ. كما روى ذلك أبو داود (3932) وغيره بسند حسن. وأما عن سبب تسميته بـ (سفينة)، فقد روى أحمد (5/ 220 - 222) والطبراني في "الكبير" (7/ 82 - 83) وغيرهما بسند حسن أيضًا من طريق سعيد بن جمهان قال: سألت سفينة عن اسمه؟ فقال: سماني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سفينة. قلت: لم سماك سفينة؟ قال: خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ومعه أصحابه، فثقل عليهم متاعهم، فقال لي: "ابسط كساءك" فبسطته، فجعلوا فيه متاعهم، ثم حملوه عليَّ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "احمل. فإنما أنت سفينة"، فلو حملت يومئذٍ وقرَ بعيرٍ، أو بعيرين، أو ثلاثة، أو أربعة، أو خمسة، أو ستة، أو سبعة، ما ثقل عليَّ. (¬3) هو: حمران بن أبان، تابعي، قال ابن حجر في "التقريب": "ثقة"، روى له الجماعة. (¬4) زيادة من "أ".

غسلَ كِلْتَا رِجْلَيه (¬1) ثلاثًا، ثمِ قال: رأيتُ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَتوضَّأُ نحوَ وُضُوئي هذا. وقال: "مَنْ توضَّأَ نحو وُضُوئي هذا، ثم صلَّى ركعتينِ لا يُحدِّثُ فِيهما نفسَه، غُفِرَ له ما تقدَّم مِن ذنبِهِ". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ (¬2). - أخرجه أبو داود، وقال فيه: تمضمض ثلاثًا، واستنشق ثلاثًا (¬3). 45 (9) - عن عَمْرو بنِ يحيى المازني (¬4)، عن أَبيه (¬5) قال: شهِدتُ عَمرَو بنَ أبي حسن (¬6) سألَ عبد الله بنَ زيدٍ: عن وُضُوءِ النبي - صلى الله عليه وسلم -؟ فدعا بتَوْرٍ (¬7) من ماءٍ، فتوضَّأَ لهم وُضوءَ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فأكفأَ على يدِه من التَّوْرِ فغسَلَ يديه ثلاثًا، ثم أدخلَ يدَه في التورِ، فمضمضَ، واستنشقَ، واستنثرَ ثلاثًا بثلاثِ غَرَفاتٍ، ثم أدخلَ يدَه، فغسلَ وجهَه ثلاثًا، ثم أدخل (¬8) يديه مَرَّتين إلى الْمِرفَقَيْنِ، ثم أدخلَ يدَه فمسحَ رأسَه، فأقبلَ بهما ¬

_ (¬1) قال ابن حجر في "الفتح" (1/ 266 - 267): "للأصيلي والكشميهني: كل رجل. ولابن عساكر: كلتا رجليه، وهي التي اعتمدها صاحب العمدة، وللمستملي والحموي: كل رجله. وهي تفيد تعميم كل رجل بالغسل. وفي نسخة: رجليه بالتثنية، وهي بمعنى الأولى". (¬2) رواه البخاري (159)، ومسلم (226). وانظر "البلوغ" (33). (¬3) انظر سنن أبي داود رقم (108 و 109). (¬4) عمرو بن يحيى المازني، ثقة، روى له الجماعة. (¬5) هو: يحيى بن عمارة بن أبي حسن المازني، مدني، تابعي، ثقة، روى له الجماعة. (¬6) ذكره الحافظ أبو موسى المديني في الصحابة، ولكن توقف الحافظ ابن حجر في ذلك في "الإصابة" (4/ 293). (¬7) التور: هو إناء من صُفْر أو حجارة كالإجّانة، وقد يتوضأ منه. "النهاية". وقال المصنف في "الصغرى": "التَّوْرُ: شِبْة الطَّسْتِ". (¬8) كذا في "الأصل"، وفي البخاري: "غسل"، وانظر "الصغرى".

وأدبرَ مرَّةً واحدةً، ثم غسل رِجْلَيْه (¬1). - وفي روايةٍ: بدأَ بمقدَّمِ رأسِه حتى ذهبَ بهما إلى قَفاهُ (¬2)، ثم قال: هكذا وُضوء رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم -. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. - وفي روايةٍ للبُخاريّ: أتانَا (¬3) رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - فأخرَجْنا له ماءً في تَوْرٍ من صُفْرٍ، فتوضّأَ، فغسل وجهه ثلاثًا، ويديه مَرَّتينِ مرَّتينِ، ومسحَ برأسِهِ فأقبلَ به وأدبرَ، وغسَلَ رِجْلَيه (¬4). 46 (10) - عَن عائشةَ [رضي الله عنها] (¬5) قالتْ: كان النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - يُعجِبهُ التَّيَمُّنُ في تَنَعُّلِهِ وترجُّلِهِ وطُهُورِهِ، وفي (¬6) شَأْنِهِ كلِّه. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ (¬7). ¬

_ (¬1) رواه البخاري (186)، ومسلم (235)، وزادا: "إلى الكعبين، ثم قال: هكذا كان وضوء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ". (¬2) رواه البخاري (185)، ومسلم (1/ 211) وزادا: "ثم ردهما إلى المكان الذي بدأ منه". (¬3) هذا اللفظ للكشميهني وابن عساكر وأبي الوقت، ولغيرهم: "أتى". (¬4) رواه البخاري (197). (¬5) زيادة من "أ". (¬6) بإثبات "الواو". وقال الحافظ في "الفتح" (1/ 269): "للأكثر من الرواة بغير واو، وفي رواية أبي الوقت بإثبات الواو، وهي التي اعتمدها صاحب العمدة". وانظر "الصغرى". (¬7) رواه البخاري -واللفظ له- (168)، ومسلم (268). وزاد المصنف -رحمه الله- في "الصغرى" حديثين هما: 11 - "عن نُعَيْم الْمجمِر، عن أبي هُريرة رضي الله عنه، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -؛ أنَّه قال: "إنَّ أُمتي يُدْعَوْنَ يومَ القيامةِ غُرًّا مُحَجَّلين؛ من آثارِ الوُضُوء. فمَن استطاعَ منكم أن يُطِيل غُرَّتَهُ فليفعلْ". (رواه البخاري: 136). - وفي لفظٍ: رأيتُ أَبا هريرة يتوضَّأُ، فغسلَ وجهَه ويديه، حتى كاد يبلُغ المَنكبين، =

13 - باب أدب التخلي

13 - باب أدب التخلي 47 (13) - عن أنس بنِ مَالكٍ [رضي الله عنه] (¬1)؛ أنّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - كانَ إذا دَخَلَ الخَلاءَ قال: "اللهمَّ إنِّي أَعوذُ بكَ مِن الخُبثِ والخبَائث". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ (¬2). 48 - عن عليٍّ رضي الله عنه قال: قالَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "سَتْرُ ما بينَ الجِنِّ وعوراتِ بني آدمَ إذا دَخلَ الكَنِيفَ، أنْ يقولَ: بسمِ الله" (¬3). 49 - وعن أبي أُمامة؛ أنّ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا يعجز أحدُكم إذا دخلَ مِرْفَقَهُ؛ أن يقولَ: اللهمّ إنّي أعوذُ بِكَ من الرِّجْسِ النَّجِسِ، الخَبِيثِ الْمُخْبِثِ، الشَّيطانِ الرجيمِ" (¬4). ¬

_ = ثم غسلَ رجليه حتى رفعَ إلى السَّاقين، ثم قال: سمعتُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقولُ: "إنّ أمَّتي يُدْعَونَ يومَ القيامةِ غُرًّا مُحَجَّلين مِنْ أثرِ الوُضوء. فمَن استطاعَ مِنكم أن يُطيل غُرَّته فليفعلْ". (رواه مسلم: 246). 12 - في لفظ لمسلم: سمعتُ خليلي - صلى الله عليه وسلم - يقول: "تَبلغُ الحِليةُ من المؤمنِ حيثُ يبلغُ الوُضوءُ". (رواه مسلم: 250). (¬1) زيادة من "أ". (¬2) رواه البخاري (142)، ومسلم (375). وقال المصنف في "الصغرى": "الخبث: بضم الخاء والباء وهو جمع خبيث. والخبائث: جمع خبيثة. استعاذ من ذكران الشياطين وإناثهم". (¬3) صحيح بشواهده. رواه ابن ماجه (297)، والترمذي (606). و"الكنيف": المرحاض. (¬4) ضعيف جدًا. رواه ابن ماجه (299). فيه عبيد الله بن زحر وعلي بن يزيد والقاسم، ولا يجتمع هؤلاء في إسناد خبر إلا كان متنه مما عملته أيديهم كما في "المجروحين" (2/ 62).

50 - عن أنس بنِ مَالِكٍ قال: كان النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - إذا خرجَ من الخلاءِ، قال: "الحمدُ للَّه الذي أذهبَ عنِّي الأذى، وعَافَاني" (¬1) أخرجها ابنُ ماجه. 51 - عن عائشةَ رضي الله عنها، قالت: كانَ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - إذا خرجَ مِن الخَلاءِ (¬2) قال: "غُفْرانكَ". د ت حسنٌ غَرِيبٌ (¬3). 52 (14) - وعن أبي أيّوب الأنصاري رضي الله عنه، قالَ: قالَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "إذا أتيتُم الغَائِطَ، فلا تستقْبِلُوا القِبْلةَ بغائطٍ ولا بَوْلٍ، ولا تستدْبرُوها، ولكن شَرِّقُوا، أو غَرِّبُوا". فقال أبو أيوب: فقَدمْنا الشَّامَ، فوجَدْنا مراحِيضَ قد بُنيت نحو الكعبةِ (¬4)، فننحرِفُ عنها، ونستغفرُ الله [عزّ وجلّ] (¬5). مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ د ت (¬6). 53 - وعن أبي هُريرة، عن رسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - قالَ: "إذا جَلَسَ أحدُكم ¬

_ (¬1) ضعيف. رواه ابن ماجه (301)، وفي سنده إسماعيل المكي، وهو ضعيف باتفاق. (¬2) هذا لفظ الترمذي، وعند أبي داود: "الغائط". (¬3) حسن رواه أبو داود (30)، والترمذي (7). وانظر "البلوغ" (99). (¬4) في المصادر: "قبل الكعبة" بدل: "نحو الكعبة". (¬5) زيادة من "أ"، وللبخاري لفظ: "تعالى" بدل: "عز وجل"، ولم يقع شيء من ذلك في باقي المصادر. (¬6) رواه البخاري (394)، ومسلم (264)، وأبو داود (9)، والترمذي (8). وانظر "بلوغ المرام" (97 بتحقيقي). وقال المصنف في "الصغرى": "الغائط: الموضع المطمئن من الأرض، كانوا ينتابونه للحاجة، فكنوا به عن نفس الحدث؛ كراهية لذكره بخاص اسمه. والمراحيض: جمع مرحاض، وهو المغتسل، وهو أيضًا كناية عن موضع التخلي".

على حَاجَتِهِ، فلا يستقْبِل القِبْلةَ، ولا يَسْتَدْبِرْها". م (¬1). 54 (15) - عن ابنِ عُمر قال: رَقِيتُ يومًا على بيتِ حَفْصَةَ (¬2)، فرأيتُ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - على حَاجتِهِ مُستقبِلَ الشَّأمِ، مستدبرَ الكعبةِ. متفق عليه د ت (¬3). 55 - [و] عن مَرْوَانَ الأصْفَر (¬4) قال: رأيتُ ابنَ عُمرَ أناخَ راحِلته مُستقبل القبلةِ، ثم جلسَ يَبولُ إليها! فقلتُ: أبا عبد الرحمن! اليسَ قد نُهي عن هذا؟ قال: بلى. إنما نُهي عن ذلكَ في الفَضَاءِ، فأمّا إذا كان بينكَ وبينَ القبلةِ شيء يسترُكَ فلا بأسَ. د (¬5). 56 - وعن الْمُغيرة بنِ شُعبة قال: كنتُ مع النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - في سَفَرٍ، فأتى ¬

_ (¬1) رواه مسلم (265). (¬2) هي أم المؤمنين؛ حفصة بنت عمر بن الخطاب شقيقة عبد الله بن عمر. وقوله: "رقيت": أى: صعدت. (¬3) رواه البخاري (148)، ومسلم (266)، وأبو داود (12)، والترمذي (11). وعند البخاري ومسلم: "القبلة" بدل: "الكعبة". وهي كما ذكرها المصنف عند الترمذي، ولا ذكر للاستدبار في الحديث عند أبي داود. (¬4) أبو خلف البصري، قيل: اسم أبيه خاقان، تابعي ثقة، روى له الشيخان وأبو داود والترمذي. (¬5) حسن. رواه أبو داود (11). وهذا الرأي هو فهم لابن عمر -رضي الله عنه- خالفه فهم غيره من الصحابة رضي الله عنهم، كما في حديث أبي موسى (51)، وأحاديث النهي عن استقبال القبلة أو استدبارها ببول أو غائط أحاديث مطلقة، لا تفريق فيها بين الفضاء والعمران، والأولى إبقاؤها على ما وردت، خاصة وقد تأيد ذلك بفهم وعمل هؤلاء الصحابة الذين قدموا الشام.

النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - حاجَتَهُ، فأبعدَ في المذهبِ حتَّى توارى عنِّي. م (¬1). 57 (16) - عن أنس بن مالكٍ رضي الله عنه، قالَ: كانَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - يدخلُ الخَلاءَ، فأحمِلُ -أنا وغُلامٌ نحوِي- إِداوةً من ماءٍ، وعَنَزَةً، فيستنجي بالماءِ. متَّفَقٌ عَلَيْهِ (¬2). 58 - وعن سَلْمان رضي الله عنه قالَ: قِيل له: قَدْ علَّمكُم نبيُّكُم كُلَّ شيءٍ حتى الخِرَاءَةَ! قال: فقالَ: أجلْ. لقد (¬3) نَهانا أن نستقْبِلَ القِبْلةَ بغائطٍ أو بَوْلٍ أو أنْ نستنجِي باليَمِينِ، أو أنْ نَستنْجِي بأقلَّ من ثلاثة أحجارٍ، أو أن نستنجِي برَجِيع أو عَظْمٍ. م د ت (¬4). 59 (17) - وعن أبي قَتادة؛ أن النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا يمسِكَنَّ أحدُكم ذكَرَه بيمِينِهِ -وهو يَبولُ- ولا يتمسّحْ من الخَلاء بيمينه، ولا يتنفّسْ في الإِناءِ". مُتَّفَقٌ عَلَيْه. د تْ (¬5). ¬

_ (¬1) رواه مسلم (274) (77)، وقد أورده الحافظ عبد الغني -رحمه الله- بالمعنى، ورواه الترمذي بنفس اللفظ (20) دون قوله: "حتى توارى عني". (¬2) رواه البخاري (152)، ومسلم (271). "الإداوة": إناء صغير من جلد يتخذ للماء. و"العنزة": عصا طويلة في أسفلها زج، ويقال: رمح صغير. وقال المصنف في "الصغرى": "الحربة الصغيرة". و"الغلام ": هو من فطم إلى أن يبلغ سبع سنين. (¬3) في "أ": "إنه قد". (¬4) رواه مسلم (262)، وأبو داود (7)، والترمذي (16)، وقال الترمذي: "حديث سلمان في هذا الباب حديث حسن صحيح". و"الرجيع": العذرة والروث، وسمي بذلك لأنه رجع عن حالته الأولى بعد أن كان طعامًا أو علفًا. (¬5) رواه البخاري (153)، ومسلم (267)، وأبو داود (31)، والترمذي (15) واللفظ لمسلم.

60 - عن عبد الله بنِ مسعودٍ قال: قالَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "لا تَسْتَنْجُوا بالرَّوْثِ، ولا بالعِظَام، فإنّه زادُ إخوانِكُم من الجنّ". ت (¬1). 61 - وعن جابرٍ قال: نهى رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - أنْ يُتَمَسّحَ بعَظْمٍ، أو ببعْرٍ. م د (¬2). 62 - وعن عائشةَ رضي الله عنها؛ أنَّ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إذا ذهبَ أحدُكم إلى الغَائطِ، فَلْيَذْهَبْ معه بثلاثةِ أحجَارٍ، يَستطيب بهنّ؛ فإنها تُجزئُ عنه". د (¬3). 63 - وعن أبي هُريرة؛ أنَّ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "اتَّقُوا اللاعِنَيْنِ". قالوا: وما اللاعِنَان يا رسول الله؟ قال: "الذي يتخلَّى في طريقِ النَّاسِ، أو في ظِلِّهم". م د (¬4). ¬

_ (¬1) صحيح. رواه الترمذي (18). قلت: وفي صحيح مسلم (450) أن الجن سألوا النبي - صلى الله عليه وسلم - الزاد، فقال: "لكم كل عظم ذكر اسم الله عليه يقع في أيديكم أوفر ما يكون لحمًا، وكل بعرة علف لدوابكم". فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "فلا تستنجوا بهما؛ فإنهما طعام إخوانكم". (¬2) رواه مسلم (263)، وأبو داود (38)، واللفظ لمسلم، وأما أبو داود فلفظه: "نهانا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن نتمسح .. " (¬3) صحيح بشواهده. رواه أبو داود (40)، وهو وإن كان في سنده مسلم بن قرط -بضم القاف وسكون الراء، بعدها مهملة- وهو "لا يعرف"، كما قال غير واحد، إلا أنه يصح بما له من شواهد. ومن ذلك حديث سلمان السابق برقم (57). ومنها أيضًا حديث أبي هريرة بسند حسن عند أبي داود (8)، والنسائي (1/ 38)، وابن ماجه (313)، وفيه: "وكان يأمر بثلاثة أحجار". وآخر عن أبي أيوب عند الطبراني في "الكبير" (4/ 174) بلفظ: "إذا تغوط أحدكم، فليتمسح بثلاثة أحجار؛ فإن ذلك كافيه". وهناك شواهد أخرى. (¬4) رواه مسلم (269)، وأبو داود (25). =

64 - وعن مُعاذ بنِ جبلٍ رضي الله عنه، قالَ: قالَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "اتَقُوا الملاعِنَ (¬1) الثَّلاث: البرازَ في الموارِدِ، وقَارِعَةِ الطَريقِ، والظِّلِّ" د (¬2). 65 - وعن عبد الله بنِ سَرْجس؛ أن النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - نهى أن يُبال في الجُحْرِ قالوا لقتادةَ (¬3): ما يُكره من البول في الجُحْرِ؟ قال: يُقال: إنها مساكن الجنّ. د (¬4). 66 (18) - عن ابنِ عبّاس رضي الله عنهما قالَ: مَرّ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - بقبرَينِ فقال: "إنَّهما لَيُعذَّبانِ وما يُعذَّبانِ في كَبِيرٍ؛ أمّا أحدُهُما: فكان لا يَستتِرُ من البولِ. وأمّا الآخرُ: فكان يمشِي بالنَّميمةِ". فأخذَ جرِيدة رَطْبةً، فشقَّها نِصفين، فغرزَ في كلِّ قبر واحدةً. فقالُوا: يا رسولَ الله! لِمَ فعلتَ هذا؟ قال: "لعلّه يُخفّفُ عنهما ما لم يَيْبسَا". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ د س ت ق (¬5). ¬

_ = و"اللاعنين": أي: الأمرين الجالبين للعن، الباعثين للناس عليه؛ فإنه سبب للعن من فعله في هذه المواضع، وليس ذا في كل ظل، وإنما هو الظل الذي يستظل به الناس، ويتخذونه مقيلًا، ومناخًا"، قاله في "النهاية". (¬1) جمع ملعنة، وهي الفعلة التي يلعن بها فاعلها، كأنها مظنة للعن، ومحل له، وهي: أن يتغوط الإنسان على قارعة الطريق، أو ظل الشجرة، أو جانب النهر، فإذا مر بها الناس لعنوا فاعلها. "النهاية". (¬2) ضعيف بهذا اللفظ. أي: بلفظ: "الموارد"، وباقيه صحيح، رواه أبو داود (26). (¬3) قتادة هو: ابن دعامة السدوسي البصري، ثقة ثبت، رأس الطبقة الرابعة، وصف بالتدليس، روى له الجماعة. (¬4) ضعيف. رواه أبو داود (29) من طريق قتادة عن عبد الله بن سرجس، وقتادة لم يسمع من صحابي غير أنس، كما قال الحاكم في "المعرفة" (ص 111)، ثم هو موصوف بالتدليس. (¬5) رواه البخاري (218)، ومسلم (292)، وأبو داود (20)، والنسائي (1/ 28 - 30)، =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = والترمذي (70)، وابن ماجه (347) وفي رواية: "يستنزه" بدل: "يستتر". قلت: وقد اختلف في هذين المقبورين، هل هما من المسلمين أم من الكافرين؟ والراجح أنهما كانا مسلمين، وقد دلل على ذلك الحافظ ابن حجر -رحمه الله- بكلام متين، ونفى أن يكون أحدهما هو: السيد سعد بن معاذ رضي الله عنه، فقال: "لم يعرف اسم القبورين، ولا أحدهما، والظاهر أن ذلك كان على عمد من الرواة؛ لقصد الستر عليهما، وهو عمل مستحسن، وينبغي أن لا يبالغ في الفحص عن تسمية من وقع في حقه ما يذم به، وما حكاه القرطبي في "التذكرة" وضعفه عن بعضهم أن أحدهما: سعد بن معاذ! فهو قول باطل، لا ينبغي ذكره إلا مقرونًا ببيانه، ومما يدل على بطلان الحكاية المذكورة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - حضر دفن سعد بن معاذ، كما ثبت في الحديث الصحيح، وأما قصة المقبورين ففي حديث أبي أمامة عند أحمد؛ أنه - صلى الله عليه وسلم - قال لهم: "من دفنتم اليوم ههنا؟ "، فدل على أنه لم يحضرهما، وإنما ذكرت هذا ذبًا عن هذا السيد، الذي سماه النبي - صلى الله عليه وسلم -: "سيدًا"، وقال لأصحابه: "قوموا إلى سيدكم"، وقال: "إن حكمه قد وافق حكم الله"، وقال: "إن عرش الرحمن اهتز لموته"، إلى غير ذلك من مناقبه الجليلة؛ خشية أن يغتر ناقص العلم بما ذكره القرطبي، فيعتقد صحة ذلك، وهو باطل. وقد اختلف في المقبورين، فقيل: كانا كافرين، وبه جزم أبو موسى المديني، واحتج بما رواه من حديث جابر -بسند فيه ابن لهيعة- أن النبي - صلى الله عليه وسلم - مر على قبرين من بني النجار هلكا في الجاهلية فسمعهما يعذبان في البول والنميمة. قال أبو موسى: هذا وإن كان ليس بقوي، لكن معناه صحيح؛ لأنهما لو كانا مسلمين لما كان لشفاعته إلى أن تيبس الجريدتان معنى، ولكنه لما رآهما يعذبان لم يستجز للطفه وعطفه حرمانهما من إحسانه، فشفع لهما إلى المدة المذكورة، وجزم ابن العطار في "شرح العمدة" بأنهما كانا مسلمين، وقال: لا يجوز أن يقال إنهما كانا كافرين؛ لأنهما لو كانا كافرين لم يدع لهما بتخفيف العذاب، ولا ترجاه لهما، ولو كان ذلك من خصائصه لبينه، يعني: كما في قصة أبي طالب. قلت: وما قاله أخيرًا هو الجواب، وما طالب به من البيان قد حصل، ولا يلزم التنصيص على لفظ الخصوصية، لكن الحديث الذي احتج به أبو موسى ضعيف كما اعترف به، وقد رواه أحمد بإسناد صحيح على شرط مسلم، وليس فيه سبب التعذيب، فهو من تخليط ابن لهيعة، وهو مطابق لحديث جابر الطويل الذي قدمناه أن مسلمًا أخرجه، واحتمال كونهما كافرين فيه ظاهر. =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = وأما حديث الباب فالظاهر من مجموع طرقه أنهما كانا مسلمين، ففي رواية ابن ماجه: "مر بقبرين جديدين"، فانتفى كونهما في الجاهلية، وفي حديث أبي أمامة عند أحمد؛ أنه - صلى الله عليه وسلم - مر بالبقيع، فقال: "من دفنتم اليوم ههنا؟ "، فهذا يدل على أنهما كانا مسلمين؛ لأن البقيع مقبرة المسلمين، والخطاب للمسلمين، مع جريان العادة بأن كل فريقٍ يتولاه من هو منهم. ويقوي كونهما كانا مسلمين رواية أبي بكرة عند أحمد والطبراني بإسنادٍ صحيح: "يعذبان، وما يعذبان في كبير"، و"بلى. وما يعذبان إلا في الغيبة والبول"، فهذا الحصر ينفي كونهما كانا كافرين؛ لأن الكافر وإن عذب على ترك أحكام الإسلام، فإنه يعذب مع ذلك على الكفرِ بلا خلاف". أهـ كلام الحافظ ابن حجر. وقال الخطابي في "معالم السنن" (1/ 18): وقوله: "ولعله يخفف عنهما ما لم ييبسا؛ فإنه من ناحية التبرك بأثر النبي - صلى الله عليه وسلم -، ودعائه بالتخفيف عنهما، وكأنه - صلى الله عليه وسلم - جعل مدة بقاء النداوة فيهما حدًا لما وقعت به المسألة من تخفيف العذاب عنهما، وليس ذلك من أجل أن في الجريد الرطب معنى ليس في اليابس، والعامة في كثير من البلدان تفرش الخوص في قبور موتاهم، وأراهم ذهبوا إلى هذا، وليس لما تعاطوه من ذلك وجه. والله أعلم". ثم عقب على ذلك العلامة أحمد شاكر رحمه الله (1/ 103) قائلًا: "وصدق الخطابي، وقد ازداد العامة إصرارًا على هذا العمل الذي لا أصل له، وغلوا فيه، خصوصًا في بلاد مصر، تقليدًا للنصارى، حتى صاروا يضعون الزهور على القبور، ويتهادونها بينهم، فيضعها الناس على قبور أقاربهم ومعارفهم تحية لهم، ومجاملة للأحياء، وحتى صارت عادة شبيهة بالرسمية في المجاملات الدولية، فتجد الكبراء من المسلمين، إذا نزلوا بلدة من بلاد أوربا ذهبوا إلى قبور عظمائها، أو إلى قبر من يسمونه: الجندي المجهول. ووضعوا عليها الزهور، وبعضهم يضع الزهور الصناعية التي لا نداوة فيها، تقليدًا للإفرنج، واتباعًا لسنن من قبلهم. ولا ينكر ذلك عليهم العلماء أشباه العامة، بل تراهم أنفسهم يصنعون ذلك في قبور موتاهم، ولقد علمت أن أكثر الأوقاف التي تسمى أوقافًا خيرية-: موقوف ريعها على الخوص والريحان الذي يوضع في القبور. وكل هذه بدع ومنكرات لا أصل لها في الدين، ولا مستند لها من الكتاب والسنة ويجب على أهل العلم أن ينكروها، وأن يبطلوا هذه العادات ما استطاعوا". وقال شيخنا العلامة الألباني في "الإرواء" (1/ 313 - 314): "فائدة: قد جاء في حديث جابر الطويل في صحيح مسلم (8/ 235) بيان التخفيف المذكور في الحديث وهو قوله - صلى الله عليه وسلم -: إني =

14 - باب السواك

14 - باب السواك 67 (19) - عن أبي هُريرة رضي الله عنه، عن النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قالَ: "لولا أَنْ أَشُقَّ على أُمَّتي (¬1) لأمرتهُم بالسِّواكِ عندَ كُلِّ صَلاةٍ". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ (¬2). 68 (20) - وعن حُذيفةَ قالَ: كانَ النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا قَامَ مِن الليل يَشُوصُ فَاهُ بالسِّواكِ. مُتَفَقٌ عَلَيْهِ (¬3). ¬

_ = مررت بقبرين يعذبان، فأحببت بشفاعتي أن يرفه عنهما ما دام الغصنان رطبين. فهذا نص على أن التخفيف سببه شفاعته - صلى الله عليه وسلم -، ودعاؤه لهما، وأن رطابة الغصنين إنما هي علامة لمدة الترفيه عنهما، وليست سببًا، وبذلك يظهر بدعية ما يصنعه كثير من الناس في بلادنا الشامية وغيرها من وضع الآس والزهور على القبور عند زيارتها، الأمر الذي لم يكن عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولا أصحابه من بعده، على ما في ذلك من الإسراف، وإضاعة المال. واللَّه المستعان". (¬1) وفي رواية: "المؤمنين". (¬2) رواه البخاري (887)، ومسلم (252). (¬3) رواه البخاري (245)، ومسلم (255) (47)، وقال المصنف في "الصغرى": "يشوص: معناه يغسل. يقال: شاصه يشوصه، وماصه يموصه إذا غسله". وزاد الصنف -رحمه الله- في "الصغرى" حديثين هما: 21 - عن عائشةَ رضي الله عنها قالتْ: دخلَ عبد الرحمن بنُ أبي بكرٍ رضي الله عنه على النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - وأنا مُسْنِدتهُ إلى صدري، ومع عبد الرحمن سواكٌ رَطْبٌ يسنُّ به. فأبَدَّهُ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - بَصَرَهُ. فأخذتُ السواكَ فَقَضِمْتُه وطَيّبتُهُ، ثم دَفَعْتُه إلى النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - فاستنَّ به، فما رأيتُ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - استنَّ استنانًا أحسنَ منه. فما عدا أن فرغَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: رفع يدَه -أو إصبعه- ثم قال: "في الرَّفيق الأعلى" -ثلاثًا- ثم قَضَى. وكانت تقولُ: مات بين حَاقِنتي وذَاقِنتي. (خ: 4438) - وفي لفظٍ: فرأيتُه ينظرُ إليه، وعرفتُ أنه يحبُّ السواكَ. فقلتُ: آخذهُ لك؟ فأشارَ =

15 - باب المسح على الخفين

69 - وعنِ المقدام بنِ شُرَيحٍ، عن أبيه قالَ: سألتُ عائشةَ. قلتُ: بأيّ شيءٍ كان يبدأُ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - إذا دخلَ بيتَه؟ قالتْ: بالسِّواكِ. م (¬1). 70 - عن أبي بكرٍ الصِّديق رضي الله عنه قالَ: قالَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "السِّواك مَطْهَرةٌ للفَمِ، مَرْضَاةٌ للربِّ". أخرجه أحمدُ في "مسنده" (¬2). والبخاريُّ في "صحيحه"، عن عائشة تعليقًا (¬3). 15 - بابُ المسح على الخفين 71 (23) - عن الْمُغيرة بنِ شعبة قال: كنتُ مع النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - في سَفَرٍ، ¬

_ = برأسه: "أن نعم".- لفظ البخاري (برقم: 4449). ولمسلم نحوه (قلت: هذا وهم من الحافظ رحمه الله). 22 - عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قالَ: أتيتُ النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو يستاكُ بسواكٍ. قال: وطَرَفُ السواكِ على لسانِهِ، يقولُ: "أعْ أعْ" والسواكُ في فيه. كأنه يَتَهَوَّع. (خ: 244. م: 254) (¬1) رواه مسلم (253). (¬2) صحيح بشواهده. رواه أحمد (1/ 3 و 10) من طريق حماد بن سلمة، عن ابن أبي عتيق عن أبيه، عن أبي بكر به. قلت: وهذا سند رجاله ثقات، إلا أنه منقطع بين والد ابن أبي عتيق وبين أبي بكر. فضلًا عن خطأ حماد بن سلمة فيه؛ إذ الحديث رواه غيره، فقالوا فيه: عن ابن أبي عتيق، عن أبيه، عن عائشة، وهو الصواب كما في "العلل" (1/ 12) لابن أبى حاتم، و"العلل" (1/ 277) للدارقطنى. وانظر التعليق التالي. (¬3) صحيح. البخاري (4/ 158/ فتح) معلقًا مجزومًا به. ووصله بسند صحيح أحمد (6/ 47 و 62 و 124 و 238) والنسائي (1/ 10)، والدارمى (1/ 174)، وابن خزيمة (135)، وابن حبان (1067) وغيرهم. وانظر التعليق السابق.

فأهويتُ لأنزع خُفّيه، فقال: "دَعْهُما؛ فإنِّي أدْخَلْتُهما طَاهِرتينِ"، فمسح عليهما. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ (¬1). 72 - وعنه؛ أنَّ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - مَسَحَ على الخُفّين. فقلت: يا رسولَ الله! نَسِيتَ؟ قال: "بل أنتَ نَسِيتَ. بهذا أَمَرني ربِّي عز وجل". د (¬2). 73 - وعنه، قال: توضَّأ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - ومسحَ على الجَوْرَبَيْنِ والنَّعْلَيْنِ. د ت حسن صحيح (¬3). 74 - وعن شُريح بنِ هانئ (¬4) قَال: أتيتُ عَائشَةَ رضي الله عنهَا أسأَلُها عن المسحِ على الخفَّين؟ فقالتْ: عليكَ بابنِ أبي طالبٍ فَسَلْهُ؛ فإنّه كان يُسافرُ مع رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم -، فسألناه؟ فقال: جعلَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - ثلاثةَ أيّامٍ وليالِيَهُنَّ للمُسافرِ، ويومًا وليلةً للمُقِيم. م (¬5). ¬

_ (¬1) رواه البخاري (206)، ومسلم (274) (79). وزاد المصنف -رحمه الله- في "الصغرى" حديثًا وهو: 24 - عن حُذيفةَ بنِ اليمان رضي الله عنهما قال: كنتُ مع النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - فبالَ، فتوضّأَ، ومسحَ على خُفّيه. مختصرٌ. (رواه مسلم: 273) (¬2) ضعيف. رواه أبو داود (156)، وفيه بكير بن عامر البجلى، ضعفه غير واحد. (¬3) صحيح. رواه أبو داود (159)، والترمذي (99)، وابن ماجه (559)، وأعل هذا الحديث بعض الأئمة بما لا يقدح، وقد أجاب عن ذلك ابن دقيق العيد في "الإمام" (2/ 203)، وشاكر في تحقيقه للترمذي، والالباني في "الإرواء" (1/ 138). (¬4) هو: ابن يزيد بن نهيك كوفي، أصله من اليمن، مخضرم ثقة، قتل مع عبيد الله بن أبي بكرة بسجستان سنة ثمان وسبعين، روى له مسلم وأصحاب السنن، والبخاري خارج الصحيح. (¬5) رواه مسلم (276).

16 - باب في المذي

75 - وعن عليٍّ رضي الله عنه قالَ: لو كانَ الدِّينُ بالرأي لكانَ أسفلُ الخُفِّ أولى بالمسحِ مِن أعلاه، وقدْ رأيتُ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - يمسحُ ظاهرَ خُفّيه. د (¬1). 16 - باب في المذي 76 (25) - عن محمد بن الحنفية (¬2)، عن أبيه، قال: كنتُ رجلًا مَذَّاءً، فاستحييتُ أن أسألَ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - لمكان ابنَتِه- فأمرتُ المقداد بنَ الأسود الكِنْديّ فسألهُ؟ فقال: "يغسِلُ ذكرَهُ، ويتوضَّأُ". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ (¬3). - وللبخاري: "اغْسِلْ ذكرَكَ، وتوضَّأْ" (¬4). - ولمسلم: "توضَّأْ، وانضَحْ فَرْجَكَ" (¬5). - ولأبي داود: "لِيَغْسِلْ ذكَرَهُ وأُنْثَيَيْهِ" (¬6). ¬

_ (¬1) صحيح. رواه أبو داود (162)، وزاد لفظ: "على" قبل لفظ: "ظاهر". وجاء في رواية (163 و 164): "على ظهر خفيه". (¬2) تقدمت ترجمته في الحديث رقم (3). (¬3) هذا اللفظ لمسلم برقم (303) (17). (¬4) رواه البخاري (269) لكن وقع فيه: "توضأ، واغسل ذكرك". وقال الحافظ في "الفتح" (1/ 380): "هكذا وقع في البخاري تقديم الأمر بالوضوء على غسله، ووقع في العمدة نسبة ذلك إلى البخاري بالعكس، لكن الواو لا ترتب، فالمعنى واحد، وهي رواية الإسماعيلي". (¬5) رواه مسلم (303) (19). (¬6) صحيح. رواه أبو داود (208).

17 - باب الوضوء من لحم الإبل

77 - وعن سهل بنِ حُنَيفٍ قال: كنتُ ألقى من المذي شِدَّةً وعناءً، وكنتُ أُكْثِرُ منه الاغتسالَ، فذكرتُ يعني (¬1) ذلكَ لرسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم -، وسألتُه عنه؟ فقال: "إنَّما يُجْزِيكَ مِن ذلكَ الوُضُوءُ" فقلتُ: يا رسولَ الله! كيفَ بما يُصيبُ ثوبي منه؟ قال: "يكفِيكَ أن تأخذَ كفًا من ماءٍ، فَتَنْضَحَ به ثوبَكَ حيثُ ترى (¬2) أنَّه أصابَ مِنه". د ت حسن صحيح (¬3). 17 - باب الوضوء من لحم (¬4) الإبل 78 - عن جابر بنِ سَمُرَة؛ أن رجُلًا سالَ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم -: أتوضَّأُ مِن لُحومِ الغنم؟ قال: "إنْ شِئْتَ فتوضَّأْ، وإنْ شِئْتَ فلا تتوضَّأْ". قالَ: أتوضَّأُ من لُحومِ الإِبل؟ قال: "نعم. توضَّأ مِن لُحومِ الإبل". قال: أُصلِّي في مَرَابِضِ الغنم؟ قال: "نعم". قال: أُصلِّي في مَبَارِكِ الإِبلِ؟ قال: "لا". م (¬5). 79 - وأخرج أبو داودَ: عن البراء بنِ عَازِبٍ مثلَه (¬6). ¬

_ (¬1) هذه اللفظة "يعني" لم تذكر في "أ"، وليست هي عند الترمذي، وسياق الحديث له، كما أنها ليست لأبي داود أيضًا. (¬2) بفتح التاء: تبصر. وبضم التاء: تظن. (¬3) حسن. رواه أبو داود (210)، والترمذي (115)، وابن ماجة أيضًا (506). (¬4) في "أ": "لحوم". (¬5) رواه مسلم (360). (¬6) صحيح. رواه أبو داود (184)، ولفظه: عن البراء بن عازب قال: سئل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الوضوء من لحوم الإبل؟ فقال: "توضؤا منها". وسئل عن لحوم الغنم؟ فقال: "لا تتوضؤا منها" =

18 - باب إذا شك في الحدث

80 - وعن أُسَيْدِ بن حُضَير؛ أنَّ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "توضَّأُوا مِن لُحومِ الإِبل، ولا تَوضَّأُوا من لُحومِ الغنمِ، وصَلُّوا في مَرَابضِ الغَنمِ، ولا تُصَلُّوا في مَبَارِكِ الإبلِ" (¬1). 81 - وعن أُسَيْدِ بن حُضَير، عن النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -؛ أنَّه سئل عن ألبان الإِبل؟ قال: "تَوضَّأُوا من ألبَانِها" (¬2)، وسُئِلَ عن ألبانِ الغنم؟ فقالَ: "لا تَوَضَّأُوا مِن ألبَانِها" (¬3). أخرجهما الإمام أحمد في "المسند". 18 - باب إذا شك في الحدث 82 (26) - عن عبّاد بنِ تميمٍ، عن عمِّه قال: شُكِي إلى النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -: الرجُلُ يُخيّلُ إليه أنّه يَجِدُ الشَّيءَ في الصَّلاةِ؟ قال: "لا ينصَرِفُ حتَّى يسمَعَ صوتًا، أو يجِدَ ريحًا". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ (¬4). ¬

_ = وسئل عن الصلاة في مبارك الأبل؟ فقال: "لا تصلوا في مبارك الإبل؛ فإنها من الشياطين". وسئل عن الصلاة في مرابض الغنم؟ فقال: "صلوا فيها؛ فإنها بركة". وسيأتي برقم (152). (¬1) صحيح. رواه أحمد (4/ 352) بسند ضعيف، إلا أن الأحاديث السابقة تشهد له. (¬2) ضعيف. رواه أحمد (4/ 352) بسند فيه ضعف وانقطاع، ففي سنده الحجاج بن أرطاة، وهو ضعيف، كما أنه من رواية عبد الرحمن بن أبي ليلى عن أسيد بن حضير، ولم يسمع منه. (¬3) ضعيف. رواه أحمد (4/ 352)، في سنده الحجاج بن أرطاة، وهو ضعيف، كما أنه من رواية عبد الرحمن ابن أبي ليلى عن أسيد بن حضير، ولم يسمع منه. (¬4) رواه البخاري (137)، ومسلم (361)، وعم عباد بن تميم: هو عبد الله بن زيد بن عاصم المازني رضي الله عنه، وهو أخو أبيه لأمه. وأما عباد بن تميم فهو: ابن غزية الأنصاري المازني المدني، ثقة من الثالثة، قيل: له رؤية، روى له الجماعة.

19 - باب في بول الصبي الصغير

83 - وعن أبي هُريرة قالَ: قالَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "إذا وجَدَ أحدُكم في بطنِهِ شيئًا، فأَشْكَلَ عليه، أخرجَ مِنه شيءٌ أم لا؟ فلا يَخْرُجَنّ مِن المسجدِ حتَّى يسمَعَ صوتًا، أو يجِدَ ريحًا". م د ت (¬1). 19 - باب في بول الصبي الصغير 84 (27) - عن أمّ قيس بنتِ مِحصَنٍ الأسدية؛ أنَّها أتتْ بابنٍ لها صغيرٍ -لم يأكلِ الطَّعامَ-[إلى] (¬2) رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم -، فأجلَسه رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - في حَجرِه (¬3)، فبالَ على ثوبِهِ، فدعا بماءٍ، فنضَحَهُ، ولم يغسِلْهُ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ (¬4). 85 (28) - وعن عائشةَ؛ أمّ المؤمنين [رضي الله عنها] (¬5) أنها قالتْ: أُتي رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - بصبيٍّ، فبالَ على ثَوْبِهِ، فدعا بماءٍ، فأتبَعَهُ إيّاهُ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ (¬6). ¬

_ (¬1) رواه مسلم -واللفظ له- (362)، وأبو داود (177)، والترمذى (75). وقال الترمذي: "هذا حديث حسن صحيح. وهو قول العلماء: أن لا يجب عليه الوضوء إلا من حدث: يسمع صوتًا، أو يجد ريحًا. وقال عبد الله بن المبارك: إذا شك في الحدث فإنه لا يجب عليه الوضوء حتى يستيقن استيقانًا يقدر أن يحلف عليه. وقال: إذا خرج من قُبُلِ المرأة الريح وجب عليها الوضوء. وهو قول الشافعي وإسحاق". (¬2) زيادة من "أ". (¬3) بالفتح والكسر: طرف الثوب المقدم، ومن الإنسان: حِضْنه. (¬4) رواه البخاري (223)، ومسلم (287). (¬5) زيادة من "أ". (¬6) هذه رواية البخاري برقم (222).

20 - باب البول يصيب الأرض وغيره

- ولمسلمٍ: فأَتْبَعهُ بولَه، ولم يَغْسِلْهُ (¬1). 86 - وعن عليٍّ رضي الله عنه قالَ: قالَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "بَوْلُ الغُلام يُنْضَحُ عليهِ، وبولُ الجارِيةِ يُغْسَلُ". قال قتادةُ: هذا ما لم يَطْعَما الطَّعامَ، فإذا طَعمَا غُسِلَ بولُهما. أخرجه [الإِمام] (¬2) أحمد (¬3). 20 - باب البول يصيب الأرض وغيره 87 (29) - عن أنس بنِ مالكٍ، قال: جاءَ أعرابيٌّ فبَالَ في طائفةِ المسجدِ، فزَجَرهُ النَّاسُ، فنهاهُم النبىُّ - صلى الله عليه وسلم -، فلمّا قضى بولَه، أمرَ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - بذَنُوبٍ من ماءٍ، فأُهْرِيقَ عليه. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ (¬4). 88 - وأخرجَ البُخاريُّ والترمِذيُّ من حديثِ أبي هُريرة نحوَه (¬5). ¬

_ (¬1) رواه مسلم (286) (101). (¬2) زيادة من "أ". (¬3) صحيح. رواه أحمد (1/ 76) مرفوعًا بسند صحيح. (¬4) رواه البخاري -واللفظ له- (221)، ومسلم (284). "طائفة المسجد": ناحيته. و"الذنوب": الدلو ملأى ماء، ولا يقال لها ذلك وهي فارغة. وزاد المصنف -رحمه الله- في "الصغرى" حديثًا، وهو: 30 - عن أبي هُريرة رضي الله عنه قال: سمعتُ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - يقولُ: "الفِطْرةُ خمسٌ الختانُ والاستحدادُ: وقصُّ الشَّارِبِ، وتقليمُ الأظْفارِ، ونتفُ الإبطِ". (رواه البخاري 5889. ومسلم: 257). (¬5) رواه البخاري (220)، والترمذي (147) من حديث أبي هريرة قال: دخل أعرابي المسجد =

وفي حديثِ أنسٍ: دعاهُ، فقالَ: "إنّ هذه المساجِدَ لا تَصْلُحُ لشيءٍ من هذا البَوْلِ والقَذَرِ؛ إنَّما هي لذكرِ الله عز وجل، والصَّلاةِ، وقراءةِ القُرآن"، أو كما قال (¬1). قال: فأمَرَ رجُلًا من القوم، فجاءَ بدلوٍ من ماءٍ، فشَنَّه عليه. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ (¬2) 89 - وعن مَيْمونةَ؛ أنَّ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - سُئِلَ عن فأرةٍ سقطتْ في سَمْنٍ؟ فقال: "أَلْقُوهَا وما حَوْلَها (¬3)، وكُلُوا سَمْنَكُم". خ (¬4). 90 - وروى عبدُ الرّزّاق، عن مَعْمَرٍ، عن الزُّهري، عن ابنِ المسيّب عن أبي هُريرة قال: سُئِلَ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - عن الفأرةِ تموتُ في السَّمْنِ [فـ] (¬5) قال: "إن كانَ جَامِدًا فأَلْقُوهَا وما حَوْلَها، وإنْ كان مَائِعًا فلا تَقْربُوه". ¬

_ = والنبي - صلى الله عليه وسلم - جالس - فصلى، فلما فرغ قال: اللهم ارحمني ومحمدًا ولا ترحم معنا أحدًا، فالتفت إليه النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: "لقد تحجرت واسعًا" فلم يلبث أن بال في المسجد، فأسرع إليه الناس. فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "أهريقوا عليه سَجْلًا من ماء, أو دلوًا من ماء" ثم قال: "إنما بعثتم ميسرين ولم تبعثوا معسِّرين" والسياق للترمذي. وعند البخاري: "فتناوله الناس". وفي رواية (6128): "فثار إليه الناس؛ ليقعوا به". وليس عنده دعاء الأعرابي ولا صلاته. وزاد في أوله: "دعوه". (¬1) زاد مسلم: "رسول الله - صلى الله عليه وسلم -". (¬2) رواه مسلم (285)، ولم يروه البخاري بهذا اللفظ. وكان في الأصل: "ولمسلم في حديث أنس .. " ثم ضرب الناسخ على لفظ "لمسلم" وقوله: "متفق عليه" في آخر الحديث غالب ظني أنها الحقت بعد الضرب على اللفظ السابق، والنص في صورته الأولى أدق مما هو عليه الآن. وأما "أ" ففيها عقب الحديث قوله: "متفق عليه"، وإن كان الناسخ ضرب على كلمةٍ شرع في كتابتها ولكنه لم يتمها في صدر الحديث بين لفظ "وفي" ولفظ "حديث". (¬3) زاد البخاري: "فاطرحوه". (¬4) رواه البخاري (235). (¬5) زيادة من "أ".

أخرجه محمد بنُ يحيى الذُّهْليّ (¬1). 91 (349) - عن أنس بنِ مَالِكٍ قال: قَدِمَ ناسٌ مِن عُكْلٍ - أو عُرَينةَ - فاجْتَووا المدينةَ، فأمرَ لهم النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - بلقاحٍ، وأمرَهُم أن يشرَبُوا من أبوالِها وأَلْبانِها، فانطلَقُوا، فلما صَحُّوا قتلُوا راعي النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، واستَاقُوا النَّعَمَ، فجاءَ الخبرُ في أوّلِ النهارِ، فبعثَ في آثارِهم، فلمّا ارتفعَ النَّهارُ جِيء بهم، فأمرَ، فَقَطَعَ أَيدِيَهُم وأرجُلَهُم، وسُمِّرَتْ أعيُنُهم، وتُرِكُوا في الحرّة، يستسقُونَ فلا يُسقَون، حتى ماتوا (¬2). قال أبو قِلابة: فهؤلاء سرقُوا، وقَتلُوا، وكفَروا بعد إيمانِهم، وحارَبُوا الله ورسُولَه. رواه (¬3) الجماعة (¬4). ¬

_ (¬1) في "الزهريات" كما في "الفتح" (1/ 344) وقال: "الطريقان عندنا محفوظان، لكن طريق ابن عباس عن ميمونة أشهر". قلت: الطريقان هما: الزهري، عن عبيد الله بن عبد الله، عن ابن عباس، عن ميمونة بلفظ الحديث السابق. والذي رواه البخاري. والثاني: الزهري، عن ابن المسيب، عن أبي هريرة كما في هذا الحديث بهذا التفصيل، وهو شاذ بهذه الرواية، محفوظ بالرواية السابقة. ورواه عبد الرزاق (278)، ومن طريقه أبو داود (3842) وأحمد (2/ 265) بهذا اللفظ. وقال الترمذي في "السنن": "حديث ابن عباس عن ميمونة أصح" وانظر "العلل" (2/ 12) لابن أبي حاتم، و"العلل" للدارقطني (7/ 285). (¬2) هذه الجملة: "حتى ماتوا" ليست في "أ"، وأيضًا لم يذكرها المصنف في "الصغرى" والمصنف ساق الحديث بسياق البخاري وليست هذه الجملة في هذا السياق، وإن وقعت فيه وفي غيره، ولكن في غير هذا السياق. (¬3) في "أ": "أخرجه". (¬4) رواه البخاري (233)، ومسلم (1671)، وأبو د اود (4364)، والنسائي (7/ 94)، والترمذي (72)، وابن ماجه (2578). والحديث في "الصغرى" برقم (349). و"عكل وعرينة": قبيلتان، عكل من عدنان. وعرينة من قحطان. =

21 - باب الجنابة

21 - باب الجنابة 92 (31) - عن أبي هُريرة رضي الله عنه؛ أنَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - لَقِيه في بعضِ طُرُقِ المدينةِ وهو جُنُبٌ - قال: فانخنستُ منه، فذهبتُ فاغتسلتُ ثم جِئتُ فقال: "أينَ كُنتَ يا أبا هُريرة؟ " قال: كنتُ جُنُبًا، فكرِهتُ أن أُجالسكَ وأنا على غيرِ طهارةٍ. قال: "سُبحانَ الله! إنّ المؤمنَ (¬1) لا يَنْجُسُ" مُتَّفَقٌ عَلَيهِ (¬2). 93 (32) - وعن عائشةَ رضي الله عنها قالت: كانَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - إذا اغتسلَ من الجنابةِ غسلَ يديه، وتَوضَّأ وُضوءَهُ للصَّلاةِ، ثم اغتسلَ، ثم يُخلِّلُ بيدِه (¬3) شَعرَهُ حتَّى إذا ظنَّ أنَّه قد أَرْوى بَشَرَتَهُ، أفاضَ عليه الماءَ ثلاثَ مرّاتٍ، ثم غَسَلَ سائِرَ جَسَدِه (¬4). 94 (33) - وقالتْ: كنتُ أغتسلُ أنا ورسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - من إناءٍ واحدٍ ¬

_ = "اجتووا المدينة": من اجتويت البلاد إذا كرهتها وإن كانت موافقة لك، وقيده الخطابي بما إذا تضرر بالإقامة. "اللقاح": بكسر اللام وفتح القاف جمع لِقْحة، وهي النوق ذوات الألبان. "سمرت": في رواية للبخاري: "ثم أمر بمسامير فأحميت فكحلهم بها"، وفي رواية لمسلم: "وسمل"، ولا خلاف بين الروايتين؛ لأن السمل فقأ العين بأي شيء كان. و"الحرة": أرض معروفة بالمدينة ذات حجارة سوداء. (¬1) وفى رواية للبخاري (283): "إن المسلم". (¬2) رواه البخاري (285)، ومسلم (371). "انخنست": يعني: مضيت عنه مستخفيًا، وفي رواية أخرى: "انسللت". (¬3) كذا بالأصل، وهو الموافق لما في "صحيح البخاري"، وفي "أ": "بيديه"، وانظر "الصغرى". (¬4) رواه البخاري (272) - واللفظ له - ومسلم (316).

نغترفُ منه جَمِيعًا. متفق عليه (¬1). 95 (34) - وعن ميمونةَ رضي الله عنها قالتْ: وضعَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - وَضُوءَ الجنابةِ، فأكفأَ بيمِينه على يَسارِه مرتين أو ثلاثًا، ثم غسلَ فَرْجَهُ، ثم ضَرَبَ يدَه بالأرضِ أو الحائِطِ مرتين أو ثلاثًا، ثم تمضمض واستنشَقَ، وغسلَ وجهَهُ وذِرَاعيه، ثم أفاضَ على رأسِهِ الماءَ، ثم غسلَ جسدَه، ثم تنحّى فغسَلَ رِجْلَيه، فأتيتُه بخِرْقَةٍ فلم يُرِدْها، فجعلَ ينفُضُ الماءَ بيده. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ (¬2). 96 - عن أمِّ سلمة أم المؤمنين رضي الله عنها قالت: قلتُ: يا رسولَ الله! إني امرأةٌ أشدُّ ضَفْرَ رأْسِي، أفأنقُضُه لغُسلِ الجنابةِ؟ فقال: "لا. إنما يكفِيكَ أن تَحْثِي على رأسِكِ ثلاثَ حَثَياتٍ، ثم تُفِيضِينَ عليك الماءَ، فتطهُرِين". م (¬3). 97 (35) - عن ابنِ عُمر؛ أن عُمر بنَ الخطَّاب رضي الله عنه، قال: يا رسولَ الله! أيرقُدُ أحدُنا وهو جُنُبٌ؟ قال: "نعم. إذا توضَّأَ أحدُكم فليرقُدْ". متَّفَق عَلَيْهِ (¬4). 98 (36) - وعن أمِّ سلَمة؛ أم المؤمنين رضي الله عنها قالتْ: جاءتْ ¬

_ (¬1) رواه البخاري (273)، ومسلم (321). (¬2) رواه البخاري (274)، ومسلم (317). (¬3) رواه مسلم (330). (¬4) رواه البخاري (287)، ومسلم (306) واللفظ للبخاري. وزاد: "وهو جنب". وقال النووي: "ولا خلاف عندنا أن هذا الوضوء ليس بواجب ... والمراد به وضوء الصلاة الكامل".

أمُّ سُلَيم؛ امرأةُ أبي طلحة إلى رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم -، فقالت: يا رسولَ الله! إن الله لا يستحيي من الحقِّ: هل على المرأةِ من غُسل إذا هي احتلمتْ؟ فقالَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "نعم. إذا رأتِ الماءَ". مُتَّفَقٌ عَلَيهِ (¬1). 99 - وعن عائشةَ [رضي الله عنها] (¬2) قالتْ: سُئِلَ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - عن الرَّجُل يَجِدُ البللَ، ولا يذكرُ احتلامًا؟ قال: "يغتسلُ". وعن الرجُلِ يُرى ¬

_ (¬1) رواه البخاري (282)، ومسلم (313). وزاد مسلم: "فقالت أم سلمة: يا رسول الله! وتحتلم المرأة؟ فقال: تربت يداك! فبم يشبهها ولدها". وزاد في رواية أخرى: "قالت: قلت: فضحتِ النساء". وزاد المصنف - رحمه الله - في "الصغرى" أربعة أحاديث، وهي: 37 - عن عائشةَ رضي الله عنها قالتْ: كنتُ أغسلُ الجنابةَ من ثوبِ رسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم -، فيخرجُ إلى الصَّلاةِ، وإن بُقَعَ الماءِ في ثوبه (خ - واللفظ له -: 229، م: 289). 38 - وفي لفظٍ لمسلمٍ: لقد كنتُ أفْرُكُه من ثوبِ رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - فركًا، فيُصلِّي فيه. (رواه مسلم: 288). 39 - عن أبي هُريرة رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - إذا جلسَ بين شُعَبِهَا الأربعِ، ثم جَهَدَهَا فقد وجبَ الغُسْلُ". (رواه البخاري: 291، ومسلم: 348). - وفي لفظ: "وإن لم يُنْزِلْ". (مسلم ج 1/ ص 271). 40 - عن أبي جعفر؛ محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، أنه كان - هو وأبوه - عند جابر بن عبد الله، وعنده قومه فسألُوه عن الغُسلِ؟ فقال: يكفيك صاعٌ. فقال رجلٌ: ما يكفني. فقال جابر: كان يكفي مَنْ كان هو أوفى منك شَعَرًا، وخيرًا منك - يريدُ: النبيَّ - صلى الله عليه وسلم -- ثم أمَّنا في ثوبٍ. (رواه البخاري: 252). وفي لفظٍ: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يُفرغُ على رأسه ثلاثًا. (رواه البخاري: 255). (¬2) زيادة من "أ".

أن قدِ احتلمَ، ولا يجِدُ البللَ؟ قال: "لا غُسلَ عليه". فقالتْ أمُّ سُلَيم: المرأةُ تَرى ذلك أعليها الغُسلُ؟ قال: "نعم. إنما النساءُ شَقَائِقُ الرِّجالِ". د ت (¬1). 100 - عن أبي هُريرة قالَ: قالَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "إنّ تحتَ كُلِّ شَعَرَةٍ جنابةً، فاغسلُوا الشَّعَرَ، وانقُوا البَشَرَةَ". د ت (¬2). 101 - وعن عليٍّ رضي الله عنه؛ أنَّ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - قالَ: "مَنْ تركَ موضعَ شَعْرةٍ من جَنابةٍ لم يغسِلْها، فُعِلَ به كذا وكذا من النِّارِ". قال عليٌّ: فمِن ثَمَ عاديتُ رأسِي ثلاثًا، وكان يَجُزُّ شعرَه. د (¬3). 102 - وعن عبد الله بنِ سَلِمَة، عن عليٍّ رضي الله عنه أنَّ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - كانَ يخرجُ مِن الخلاءِ، فيُقرئنا القُرآنَ، ويأكلُ معنا اللحمَ، ولم يكن يحجبُه - أو قال: يَحْجُزُه - عن القُراَنِ شيءٌ ليسَ الجنابة. د س ت (¬4). ¬

_ (¬1) ضعيف. رواه أبو داود (236)، والترمذي (113)، وفي سنده عبد الله بن عمر العمري، وهو ضعيف من قبل حفظه. (¬2) منكر. رواه أبو داود (248)، والترمذي (106). (¬3) صحيح. رواه أبو داود (249)، وأخطأ من أعلّه برواية حماد بن سلمة، عن عطاء بن السائب إذ روايته عنه حجة عند العلماء، كما قال الطحاوي في "مشكل الآثار" (1/ 149). وتابعه شعبة كما عند الضياء في "المختارة" (2/ 453/ 75) إلا أن الدارقطنى تكلم على هذه المتابعة في "العلل" (2/ 208) والله أعلم. (¬4) ضعيف. رواه أبو داود (229)، والنسائي (1/ 144)، والترمذي (146) من طريق عمرو ابن مرة، عن عبد الله بن سلمة، عن عليّ به. وعبد الله بن سلمة كبر وتغير حفظه، وسماع عمرو بن مرة منه كان بعد ذلك.

22 - باب التيمم

103 - وعن عائِشةَ رضي الله عنها، قالتْ: قالَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "إني لا أحلّ المسجدَ لحائضٍ ولا جُنُبٍ". د مختصر (¬1). 104 - عن ابن عمر، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا تقرأُ الحائِضُ ولا الجُنبُ شيئًا مِن القُرآنِ". د (¬2). 105 - وعن عائشةَ رضي الله عنها، قالتْ: قالَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "إذَا جَلَسَ بين شُعَبِها الأربعِ، ومسَّ الخِتانُ الخِتَانَ، فقدْ وجبَ الغُسلُ". م (¬3). 22 - باب التيمم 106 (41) - عن عِمْران بنِ حُصَين؛ أنَّ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - رأى رجُلًا مُعْتزِلًا (¬4) - لم يُصَلِّ في القومِ - فقال: "يا فُلانُ! ما منعكَ أن تُصلِّي في القوم؟ "، فقال: يا رسولَ الله! أصابتنِي جَنابةٌ ولا ماءَ. قال: "عليكَ بالصَّعِيدِ؛ فإنَّه يكفِيكَ". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ (¬5). ¬

_ (¬1) ضعيف. رواه أبو داود (232) وفيه جسرة بنت دجاجة، وعندها عجائب كما قال البخاري. (¬2) ضعيف. والحديث لم يروه أبو داود. وجاء في حاشية الأصل: "رواه النسائي والترمذي وابن ماجه. قاله ضياء الدين محمد". قلت: الحديث لم يروه النسائي، وإنما رواه الترمذي (131)، وابن ماجه (596)، وضعفه غير واحد من الأئمة، انظر "التنقيح" (1/ 135 - 136). (¬3) رواه مسلم (349). (¬4) قال ابن الملقن في "الإعلام" (1/ 114/ أ): "هذا الرجل المبهم هو: خلاد بن رافع بن مالك الأنصاري ... وللنظر فيه مجال". وانظر "فتح الباري" (1/ 451). (¬5) رواه البخاري - واللفظ له - (348)، وأما مسلم فرواه (682) مطولًا وباختلاف في لفظه.

107 (42) - عن عمّار بن ياسرٍ قال: بعثَني النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - في حاجةٍ فأجنبتُ، فلم أجدِ الماءَ، فتمرّغْتُ في الصَّعيدِ كما تَمَرَّغُ الدَّابةُ، ثم أتيتُ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم -، فذكرتُ ذلك له؟ فقال: "إنَّما يكفِيكَ أن تقولَ بيدَيكَ هكذا" ثم ضربَ بيديه الأرضَ ضربةً واحدةً، ثم مسحَ الشِّمالَ على اليمينِ، وظَاهِرَ كفّيه، ووجهَهُ. مختصرٌ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ (¬1). 108 - عن عبد الرحمنِ بنِ جُبيرٍ المصري (¬2) عن عمرو بنِ العاص قال: احتلمتُ في ليلةٍ بَارِدةٍ - في غزوةِ ذات السلاسل (¬3) - فأشفَقْتُ إنِ ¬

_ (¬1) رواه البخاري (347)، ومسلم - والسياق له - (368). وزاد المصنف - رحمه الله - في "الصغرى" حديثًا واحدًا، هو: 43 - عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه؛ أنّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - قال: "أُعطيتُ خمسًا، لم يُعْطَهُنَّ أحدٌ من الأنبياءِ قبلي: نُصرتُ بالرُّعبِ مسيرةَ شهرٍ، وجُعِلتْ لي الأرضُ مسجدًا وطَهورًا. فأيُّما رجُلٍ من أمتي أدركته الصَّلاةُ فليصلِّ، وأُحلّتْ لي الغَنَائِمُ. ولم تَحِلّ لأحدٍ قبلي، وأُعطيتُ الشفاعةَ. وكان النبيُّ يُبعث إلى قومِهِ، وبُعثتُ إلى الناسِ عامةً". (خ: 335، م: 521). (¬2) ثقة عارف بالفرائض، تابعي شهد فتح مصر، مات سنة سبع وتسعين. (¬3) اختلف في ضبطها، وسبب تسميتها بذلك، فالأشهر أنها بفتح المهملة الأولى جمع "سلسلة"، قيل سمي المكان بذلك؛ لأنه كان به رمل بعضه على بعض كالسلسلة، وقيل: سميت بذلك لأن المشركين ارتبط بعضهم ببعض مخافة أن يفروا. وقيل: لأن بالمكان ماء يقال له: السَّلْسَل. وقال البخاري في "صحيحه" (8/ 74/ فتح): "باب غزوة ذات السلاسل، وهي غزوة لَخْمٍ وجُذَامَ قاله إسماعيل بن أبي خالد. وقال ابن إسحاق: عن يزيد، عن عروة: هي بلاد بَلِيٍّ وعُذْرةَ وبني القَيْنِ".

اغتسلتُ أنْ أهْلِكَ، فتيممتُ، ثم صلّيتُ بأصحابي الصُّبحَ، فذكرُوا ذلك للنبيِّ - صلى الله عليه وسلم -! فقال: "يا عَمرو! صليتَ بأصحَابِك وأنتَ جُنُبٌ"؟ فأخبرتُه بالذي مَنعني من الاغتسالِ. وقلتُ: إنِّي سمِعتُ الله يقولُ: {وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا} فضَحِكَ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم -، ولم يقُلْ شيئًا (¬1). - وفي روايةٍ أُخرى نحوه. وقال: فغسلَ مَغَابِنَهُ (¬2)، وتوضَّأَ وضوءَهُ للصَّلاةِ، ثم صلَّى بهم. د (¬3). 109 - وعن جابرٍ قال: خرجْنا في سَفَرٍ، فأصابَ رجُلًا منا حَجَرٌ فشجّه في رأسِهِ، ثم احتلمَ، فقال لأصحابه (¬4): هل تجدُون لي رُخْصةً في التيممِ؟ فقالوا: ما نجدُ لكَ رخصةً، وأنتَ تقدِرُ على الماءِ، فاغتسلَ فماتَ، فلما قدِمْنا على النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - أُخبِر بذلك. فقال: "قتَلُوه قتلَهُم اللهُ، إلا سألُوا إذْ لم يعلَمُوا، إنَّما شِفَاءُ العِيِّ السُّؤالُ، إنَّما كانَ يكفِيه أن يتيمّمَ، ويَعْصِرَ - أو يَعْصِبَ: شكّ موسى - ¬

_ (¬1) حسن. علقه البخاري (1/ 454/ فتح)، ووصله أبو داود (334)، وقوى الحافظ إسناده، وانظر "ناسخ الحديث ومنسوخه" (137 بتحقيقي). (¬2) المغابن: الأرفاغ، وهي بواطن الأفخاذ عند الحوالب، جمع مغبن، من غبن الثوب إذا ثناه وعطفه، وهي معاطف الجلد أيضًا. قاله في "النهاية". وفي حاشية الأصل: "المواضع الخفية". (¬3) حسن. رواه أبو داود (335)، وجمع البيهقي بين التيمم في الرواية السابقة وبين الوضوء وغسل المغابن في هذه الرواية. فقال: "يحتمل أن يكون قد فعل ما نقل في الروايتين جميعًا؛ غسل ما قدر على غسله، وتيمم للباقي". (¬4) في "أ": "فسأل أصحابه"، وفي حاشية الأصل: "خ: فسأل أصحابه".

على جُرْحِه، ثم يمسحَ عليها، ويغسلَ سائِرَ جسدِه" (¬1). 110 - وعن ابنِ عباسٍ نحوُه. د (¬2). 111 - وعن عطاء بنِ يَسارٍ (¬3)، عن أبي سعيدٍ الخدري قال: خرجَ رجُلان في سفرٍ، فحضرتِ الصَّلاةُ، وليسَ معهما ماءٌ، فتيمّما صَعِيدًا طيبًا فصَلّيا، ثم وَجَدَا الماءَ في الوقتِ، فأعادَ أحدُهما الوُضوءَ والصَّلاةَ، ولم يُعِدِ الآخرُ، ثم أتيا رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم -، فذكرَا ذلك له، فقالَ للذي لم يُعِدْ: "أصبتَ السُّنَّةَ، وأجزأتكَ صلاتُك"، وقال للذي توضَّأَ وأعادَ: "لكَ الأجرُ مرّتين". د س (¬4). قال أبو داود: وذِكْرُ أبي سعيدٍ في هذا الحديثِ غيرُ محفوظٍ (¬5). ¬

_ (¬1) رواه أبو داود (336) وفي سنده الزبير بن خريق وهو ضعيف، لكن الحديث حسن إلا قوله: "إنما كان يكفيه أن يتيمم .. " إلخ، فليس لهذا الجزء ما يشهد له. وانظر "البلوغ" (136). وقوله: "العي": يعني الجهل. (¬2) حسن. رواه أبو داود (337)، ولفظه: عن ابن عباس قال: أصاب رجلًا جرح في عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ثم احتلم فأمر بالاغتسال، فاغتسل فمات، فبلغ ذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقال: "قتلوه قتلهم الله، ألم يكن شفاء العي السؤال". (¬3) مولى أم المؤمنين ميمونة، تابعي ثقة، قيل: توفي بالإسكندرية سنة ثلاث أو أربع ومئة، وقيل بعد ذلك، وكان كثير الحديث، روى له الجماعة. (¬4) صحيح رواه أبو داود (338)، والنسائي (1/ 213). وانظر "البلوغ" (133). (¬5) في "السنن" قال أبو داود: "وذكر أبي سعيد الخدري في هذا الحديث ليس بمحفوظ، وهو مرسل". ثم رواه هو (339)، والنسائي (1/ 213) عن عطاء مرسلًا. هذا فضلًا عن إعلال الموصول السابق. ولكن الحديث رواه ابن السكن موصولًا بسند صحيح كما في "بيان الوهم والإيهام" (2/ 433).

112 - عن خالد الحذّاء (¬1)، عن أبي قِلابة (¬2)، عن عَمرو بن بُجْدَان (¬3) عن أبي ذَرٍّ قال: اجتمعتْ غُنيمةٌ عندَ رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: "يا أَبا ذرٍّ! ابدُ فِيها"، فبدوتُ إلى الربَّذَةِ، فكانت تُصِيبُني الجنابةُ، فأمكث الخمسَ والسِّتَّ- في روايةٍ: أصلِّي بغيرِ طُهُور (¬4) - فأتيتُ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - فقال: "أَبوذَرٍّ! " فسكتُّ. فقال: "ثَكِلتكَ أمُّك أبا ذرٍّ! لأمِّك الويلُ"، فدعا لي بجاريةٍ سوداءَ، فجاءتْ بِعُسٍّ فيه ماءٌ، فسترتني بثوبٍ واستترتُ بالرَّاحلةِ، فاغتسلتُ، فكأنّني ألقيتُ عني جَبَلًا، فقال: "الصَّعِيدُ الطَّيّبُ وَضوءُ المسلمِ ولو إلى عشرِ سنين، فإذا وجدتَ الماءَ فأمِسّه جِلْدَكَ؛ فإن ذلكَ خيرٌ". د س. مختصرٌ (¬5). ¬

_ (¬1) خالد الحذاء: هو خالد بن مهران، ثقة، توفي سنة إحدى وأربعين ومئة، روى له الجماعة. (¬2) هو: عبد الله بن زيد الجرمي، بصري، تابعي، ثقة، فاضل، من الفقهاء ذوي الألباب، هرب من القضاء، مات بالشام سنة ثلاث ومئة، وقيل بعد ذلك، روى له الجماعة. (¬3) عمرو بن بجدان العامري الفَقْعَسِيّ، لم يرو عنه غير أبي قلابة، ومع ذلك فقد أدخله ابن حبان في "الثقات" (5/ 171 - 172)، وقال عنه العجلي في "الثقات" ص (362): "بصري، تابعي، ثقة"، ولكن الذهبي قال في "الميزان": "قد وثق عمرو مع جهالته"، وقال ابن حجر في "التقريب": "لا يعرف حاله". (¬4) رواها أبو داود (333). (¬5) صحيح. رواه أبو داود- والسياق له- (332)، والنسائي (1/ 171) مختصرًا. والحديث رواه الترمذي أيضًا (124)، وقال: "حسن"، قال الذهبي في "الميزان" (3/ 247): "حسنه الترمذي، ولم يرقه إلى الصحة للجهالة بحال عمرو". قلت: ولكن جاء في بعض النسح: "حسن صحيح". وله شاهد عن أبي هريرة، انظره في "البلوغ" برقم (131). و"غنيمة": تصغير غنم. والمراد: القِلَّة. و "ابد" أي: أخرج إلى البادية. و "فبدوت": فخرجت إلى البادية. و "الربذة": قرية من قرى المدينة علي ثلاثة أميال منها. و "العس": القدح العظيم.

23 - باب الحيض

23 - باب الحيض 113 (44) - عن عائشةَ رضي الله عنها؛ أن فاطمةَ بنتَ أبي حُبيش سألتِ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم -، فقالت: إنِّي أُستحاضُ فلا أَطهرُ، أفأدع الصَّلاةَ؟ فقال: "لا. إنّ ذلكَ عِرْقٌ، ولكن دَعِي الصَّلاةَ قدرَ الأيامِ التي كُنتِ تَحِيضِينَ فيها، ثم اغتَسِلي وصلِّي" (¬1). - وفي روايةٍ: "وليسَ بالحيضَةِ، فإذا أقبلتِ الحيضةُ فاترُكي الصَّلاةَ، فإذا ذهبَ قَدْرُها فاغْسِلي عنكِ الدَّمَ وصلِّي". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ د (¬2). 114 - عن أمِّ سلَمة رضي الله عنها؛ أنّ امرأةً كانتْ تُهَرَاقُ الدِّمَاءَ علي عهدِ رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم -، فاستفتتْ لها أمُّ سلَمة رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم -، فقال: "لِتَنْظُرْ عِدَّةَ الليالي والأيّامِ التي كانت تَحِيضُهُنَّ من الشَّهرِ، قبلَ أن يُصِيبَها الذي أصابَها، فلتترُكِ الصَّلاةَ قدرَ ذلكَ مِن الشهرِ، فإذا خَلَّفَتْ ذلك فلتغْتَسِلْ، ثم لِتَسْتَثْفِرْ بثوبٍ، ثم لِتُصلِّ" د س ق (¬3). 115 - عن عدِي بن ثابتٍ، عن أبيه، عن جَدِّه، عن النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - في الْمُستحاضةِ: "تدعُ الصَّلاةَ أيام أِقرائِها، ثم تغتسِلُ، وتصومُ، وتُصلِّي، ¬

_ (¬1) رواه البخاري (325)، ومسلم (333). (¬2) رواه البخاري (306)، ومسلم (333)، وأبو داود (282 و 283). (¬3) صحيح. رواه أبو داود (274)، والنسائي (1/ 182 - 183)، ونحوه ابن ماجه (623). و "الاستثفار" هو: "أن تشد المرأة فرجها بخرقة عريضة بعد أن تحتشي قطنا، وتوثق طرفيها في شيء تشده علي وسطها فتمنع بذلك سيل الدم، وهو مأخوذ من ثفر الدابة الذي يجعل تحت ذنبها". "النهاية".

وتتوضَّأُ عندَ كلِّ صلاةٍ" د ت (¬1). 116 (45) - وعن عائشةَ رضي الله عنها؛ أنَّ أمَّ حبيبةَ استُحِيضتْ سبعَ سِنينَ، فسألتْ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - عن ذلكَ؟ فأمرَها أن تغتسلَ (¬2) لكُلِّ صلاةٍ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ (¬3). 117 - وعن عائشةَ رضي الله عنها، قالت: قالَ لي رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "نَاوِلِيني الخُمْرَةَ من المسجد"، قالتْ: فقلتُ: إنِّي حائِضٌ. قال: "إنَّ حَيْضَتَكِ ليستْ في يدِكِ". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ (¬4). الخمرة: سجّادةٌ صَغِير من الخُوصِ (¬5). ¬

_ (¬1) ضعيف. رواه أبو داود (297)، والترمذي (126)، وابن ماجه (625) من طريق شريك، عن أبي اليقظان- وهما ضعيفان-، عن عدي به. وقال الذهبي في "الميزان": "والد عدي بن ثابت مجهول الحال؛ لأنه ما روى عنه سوى ولده". والحديث ضعفه أبو داود، وأيضًا الترمذي. (¬2) زاد البخاري"فقال: هذا عرق. فكانت تغتسل". (¬3) رواه البخاري- والسياق له- (327)، ومسلم (334). (¬4) عزوه للمتفق عليه وهم من الحافظ عبد الغني- رحمه الله- فالحديث من أفراد مسلم (298). ثم لما وقفت علي النسخة "أ" وحدت فيها: "م" فقط، وهو الجادة. (¬5) قال في "النهاية": "هي مقدار ما يضع الرجل عليه وجهه في سجوده من حصير، أو نسيجة خوص، ونحوه من النبات، ولا تكون خمرة إلا في هذا المقدار، وسميت خمرة؛ لأن خيوطها مستورة بسعفها، وقد تكررت في الحديث. هكذا فسرت، وقد جاء في "سنن أبي داود" عن ابن عباس قال: جاءت فأرة، فأخذت تجر الفتيلة، فجاءت بها، فألقتها بين يدي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - علي الخمرة التي كان قاعدًا عليها، فأحرقت منها مثل موضع درهم. وهذا صريح في إطلاق الخمرة علي الكبير من نوعها".

118 (50) - وعن مُعاذَة (¬1) قالتْ: سألتُ عائشةَ رضي الله عنها فقلتُ: ما بالُ الحائضِ تقضِي الصَّومَ، ولا تقضِي الصَّلاةَ؟ فقالتْ: أَحَرُورِيّةٌ أنتِ؟ قلتُ: لستُ بحَرُورِيّةٍ! ولكنّي أسألُ. قالتْ: كان يُصِيبُنا ذلكَ فنؤمَرُ بقضاءِ الصَّومِ، ولا نُؤْمَرُ بقضَاءِ الصَّلاةِ. م د (¬2). 119 (46) - وعن عائشةَ رضي الله عنها، قالتْ: كنتُ أغتسِلُ أنا والنبيُّ - صلى الله عليه وسلم - مِن إناءٍ واحدٍ، كِلانا جُنُبٌ (¬3). 120 (47) - وكان يأمُرُني فأتَّزِرُ، فيُباشِرُني وأنا حَائِضٌ (¬4). 121 (48) - وكانَ يُخْرجُ رأسَه إليَّ- وهُو معتكِفٌ - فأغسلُه وأنا ¬

_ (¬1) هي: معاذة بنت عبد الله العدوية؛ أم الصهباء البصرية، كانت من العابدات الثقات، روى لها الجماعة. (¬2) رواه مسلم (335) (69)، وأبو داود (263). وهذا الحديث ضمن "الصغرى" (50)، وهو في البخاري بدون ذكر الصوم، وصنيع الحافظ عبد الغني هنا في "الكبرى" أجود من صنيعه في "الصغرى"، ولذلك تعقبه الحافظ ابن حجر علي صنيعه في "الصغرى" فقال في "التلخيص" (1/ 164): "جعله عبد الغني في العمدة متفقًا عليه، وهو كذلك إلا أنه ليس في رواية البخاري تعرض لقضاء الصوم". ثم وجدت في "أ": "متفق عليه د"! و"أحرورية" نسبة إلى حروراء، وهي بلدة علي ميلين من الكوفة، ويقال لمن يعتقد مذهب الخوارج: حروري؛ لأن أول فرقة منهم خرجوا علي الإمام علي كانوا بهذه البلدة، فاشتهروا بالنسبة إليها، والخوارج علي كثرة فرقهم يتفقون في أصولٍ، منها: الأخذ بما دل عليه القرآن، ورد ما زاد عليه من الحديث مطلقًا. (¬3) رواه البخارى- والسياق له- (299)، ومسلم (321). (¬4) رواه البخاري- والسياق له- (300)، ومسلم (293).

حَائِضٌ. خ م (¬1) (¬2). 122 (49) - وعن عائِشةَ رضي الله عنها، قالتْ: كانَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - يتكىُء في حِجْرِي- وأنا حائِضٌ - فيقرأ القرآنَ. مُتَفَقٌ عَلَيْهِ (¬3). 123 - عن ابنِ عبّاسٍ، عن النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - في الذي يأتِي امرأتَه وهي حَائِضٌ. قال: "يتصدّق بدينارٍ، أو بنصفِ دينارٍ". قال أبو داود: هكذا الروايةُ الصَّحِيحة قال: "دينار أو نصف دينار". وربما لم يرفعه شعبة (¬4). 124 - وعن ابنِ عبّاسٍ، عن النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - في الرجل يقعُ علي امرأتِهِ وهي حائِضٌ، قال: "يتصدَّق بنصفِ دينارٍ". ت (¬5). 125 - وعن ابنَ عبَّاسٍ، عن النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قال: "إذا كانَ دمًا أحمرَ فدينارٌ وإنْ كانَ دمًا أصفرَ فنصفُ دينارٍ". ت (¬6). ¬

_ (¬1) في "أ": "متفق عليه". (¬2) رواه البخاري (301)، ومسلم (297). (¬3) رواه البخاري (297)، ومسلم (301). (¬4) صحيح. رواه أبو داود (264)، وقد اختلف في هذا الحديث اختلافا كثيرًا، والحق أنه صحيح، فقد صححه أحمد بن حنبل، والحاكم، وابن القطان، وابن دقيق العيد، والذهبي، وابن حجر وغيرهم، وللمحدث العلامة أحمد شاكر رحمه الله بحث نفيس في تصحيح الحديث في تحقيقه لسنن الترمذي (1/ 244 - 254). (¬5) رواه الترمذي (136)، وقال شاكر: "الذي أرجحه أن الروايات التي فيها الاقتصار علي الدينار وحده، والتي فيها الاقتصار علي نصف الدينار-: إنما هي اختصار من الرواة أو سهو". (¬6) رواه الترمذي (137)، والصواب أن هذا التفسير من بعض الرواة، وليس مرفوعًا.

126 - وعن أمِّ عطيّةَ- وكانتْ بايعتِ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - قالتْ: كُنّا لا نعدّ الكُدْرَةَ والصُّفرةَ بعدَ الطُّهرِ شيئًا د (¬1). 127 - عن أمِّ سلَمة قالت: كانتِ النُّفساءُ علي عهدِ رسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - تقعدُ بعدَ نفاسِها أربعينَ يومًا، أو أربعينَ ليلةً، وكنا نَطْلِي علي وجُوهِنا الوَرْسَ. يعني: من الكَلَفِ. د ت (¬2). وقال: أجمعَ أهلُ العلمِ من أصحابِ النبيِّ (¬3) - صلى الله عليه وسلم - والتابعين ومَنْ بعدهم علي أن النُّفساءَ تدعُ الصَّلاةَ أربعينَ يومًا، إلا أن ترى الطُّهرَ قبلَ ذلك، فتغتسل وتصلّي (¬4). ¬

_ (¬1) صحيح. رواه أبو داود (307)، وهو في البخاري (326) دون لفظ: "بعد الطهر". (¬2) حسن. رواه أبو داود (311)، والترمذي (139) وفي لفظ لأبي داود: "لا يأمرها النبي - صلى الله عليه وسلم - بقضاء صلاة النفاس". و "الوَرْس": نبت أصفر يصبغ به. "النهاية" (5/ 173). و"الكلف": لون بين السواد والحمرة، وهي حمرة كَدِرَةٌ تعلو الوجه. "تاج العروس". (¬3) في "أ": "رسول الله". (¬4) هذا كلام الترمذي وتمامه: "فإذا رأتِ الدمَ بعدَ الأربعين: فإن أكثرَ أهل العلم قالوا: لا تَدعُ الصلاةَ بعد الأربعين، وهو قولُ أكثرِ الفقهاءِ. وبه يقول سفيانُ الثوريُّ، وابنُ المباركِ، والشافعيُّ، وأحمدُ، وإسحاقُ. ويُرْوى عن الحسنِ البصريِّ أنه قال: إنها تَدَعُ الصلاةَ خمسين يومًا إذا لم تَرَ الطهرَ. ويروَى عن عطاءِ بنِ أبي رَبَاح والشَّعْبِيِّ ستين يومًا".

2 - كتاب الصلاة

2 - كتاب الصلاة 1 - باب المواقيت 128 (52) - عن عَائِشةَ رضي الله عنها، قالتْ: لقد كانَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - يُصلِّي الفجرَ، فيشهَدُ معه نساءٌ مِن المؤمناتِ مُتلفِّعاتٍ بِمُرُوطِهِنَّ، ثم يَرْجِعْنَ إلى بُيوتِهنَّ ما يعرِفُهُنَّ أحدٌ؛ من الغَلَسِ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ (¬1). مُروطهنّ: أكسيةٌ من صوفٍ، أو خَزٍّ، أو غيره (¬2). 129 (53) - عن جَابر بنِ عبد الله قال: كانَ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - يُصلِّي الظُّهْرَ: بالهَاجِرَةِ. والعصرَ: والشَّمسُ نقِيّةٌ. والمغربَ: إذا وجبتْ. والعِشَاءَ: أحيانًا وأحيانًا (¬3)؛ إذا رآهُم اجتمَعُوا عجَّلَ، وإذا رآهم أبطأُوا أخَّر. ¬

_ (¬1) رواه البخاري (372)، ومسلم (645). وزاد المصنف- رحمه الله - في "الصغرى" قبل هذا الحديث حديثًا واحدًا، وهو: 51 - عن أبي عَمرو الشيباني- واسمه: سعد بنُ إياس- قال: حدَّثني صاحبُ هذه الدار- وأشارَ بيدِه إلى دار عبد الله بن مسعودٍ رضي الله عنه- قال: سألتُ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم -: أيُّ العمل أِحبُّ إلى الله؟ قال: "الصَّلاةُ علي وقتِها". قلتُ: ثم أيّ؟ قال: "برُّ الوالدين". قلتُ: ثم أيّ؟ قال: "الجهادُ في سَبِيلِ الله". قال: حدثني بهنّ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -، ولو استزدتُه لزادَني. (رواه البخاري: 527، ومسلم: (85) 139). (¬2) ونص عبارة المصنف في "الصغرى": "المروط: أكسية معلمة تكون من خزٍّ، وتكون من صوف، و"متلفعات": متلحفات. و"الغلس": اختلاط ضياء الصبح بظلمة الليل". أهـ. (¬3) هذا لفظ البخاري، وفي مسلم: "أحيانًا يؤخرها، وأحيانًا يعجل".

والصُّبْحَ كانَ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - يُصلِّيها بغَلَسٍ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ (¬1). 130 (54) - وعن سيّار بنِ سلامة (¬2) قال: دخلتُ أنا وأبي علي أبي بَرْزَةَ الأسلَمِيّ، فقالَ له أبي: كيفَ كانَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - يُصلِّي المكتوبةَ؟ فقالَ: كانَ يصلِّي الهَجِيرَ- التي تدعُونَها: الأولى- حينَ تدْحَضُ الشَّمسُ، ويُصلِّي العصرَ، ثم يرجعُ أحدُنا إلى رَحْلِهِ في أقصى المدينةِ والشَّمْسُ حَيّةٌ ونَسِيتُ ما قالَ في المغربِ، وكان يَسْتَحِبُّ أن يُؤخِّرَ من العِشَاءِ- التي تدعُونها: العَتَمَةَ- وكانَ يكرَهُ النومَ قبلَها، والحدِيثَ بعدَها، وكان يَنْفَتِلُ من صَلاةِ الغَداةِ حين يعرِفُ الرجُلُ جَلِيسَه، ويقرأُ بالستينِ إلى المائةِ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ (¬3). ¬

_ (¬1) رواه البخاري (560)، ومسلم (646). و"الهاجرة": شدة الحر نصف النهار. و"نقية": خالصة صافية لم تدخلها صفرة ولا تغير. و"وجبت": غابت، والمراد سقوط قرص الشمس. (¬2) هو: أبو المنهال البصري، ثقة، روى له الجماعة. (¬3) رواه البخاري (547)، ومسلم (647). وقوله: "المكتوبة": المفروضة. و "تدحض الشمس" تزول، وعند مسلم في رواية: "حين تزول الشمس". و"رحله": منزله. و"حية": بيضاء نقية، وفى "سنن أبي داود" (406) بسند صحيح عن خيثمة- وهو تابعي-: حياتها أن تجد حرها. "ينفتل": ينصرف. وزاد المصنف- رحمه الله- في "الصغرى" ستة أحاديث، وهي: 55 - عن عليّ بن أَبى طالبٍ رضي الله عنه؛ أن النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - قال يومَ الخندق: "ملأ الله قُبورَهم وبُيوتَهم نارًا، كما شغلُونا عن الصَّلاةِ الوُسطى حتَّى غابتِ الشمسُ". (رواه البخاري: 2931. ومسلم: 627). - وفي لفظٍ لمسلم: "شغلُونا عن الصلاةِ الوسطى؛ صلاةِ العصر" ثم صلاها بين المغربِ والعشاءِ. (رواه مسلم: (627) 205). =

131 - وعن سُليمان بنِ بُريدةَ (¬1)، عن أبيه، عن النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - أنَّ رجُلًا سألَه عن وقتِ الصَّلاةِ؟ فقالَ: "صلِّ معنا هذينِ اليومين". فلمّا زالتِ الشمسُ أمرَ بِلالًا فأذّنَ، ثم أمرَهُ فأقامَ الظُّهرَ، ثم أمرَه فأقامَ العصرَ والشَّمسُ مُرتفعَةٌ بيضاءُ نقِيّةٌ، لم يُخالِطْها صُفْرةٌ، ثم أمرَهُ فأقامَ المغرِبَ حينَ غابتِ الشمسُ، ثم أمرَه فأقامَ العِشَاءَ حينَ غابَ الشَّفَقُ ثم أمرَه فأقامَ الفجرَ حِين طلعَ الفجرُ. فلمّا أن كانَ اليومُ الثَّاني أمرَه فأبردَ ¬

_ =56 - وله: عن عبد الله بن مسعودٍ رضي الله عنه قال: حَبَسَ المشركُون رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - عن صلاةِ العصر، حتى احمرَّتِ الشمسُ أو اصفرَّتْ. فقال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "شَغلُونا عن الصَّلاةِ الوسطى؛ صلاةِ العصر، ملأَ الله أجوافَهُم وقُبورَهم نارًا"، أو: "حشا الله أجوافهم وقبورَهم نارًا". (رواه مسلم: 628). 57 - عن عبد الله بنِ عباسٍ رضي الله عنهما قال: أَعْتَمَ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - بالعشاءِ. فخرجَ عمرُ، فقال: الصَّلاة يا رسولَ الله! رقد النساءُ والصِّبيانُ. فخرج- ورأسُه يقطرُ- يقولُ: "لولا أن أشقَّ علي أمتي- أو: علي الناس- لأمرتُهم بهذِه الصَّلاةِ هذه السَّاعةِ". (رواه البخاري: 7239. ومسلم: 642). 58 - عن عائشةَ رضي الله عنها؛ عن النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قال: "إذا أُقيمتِ الصلاةُ، وحضرَ العَشَاءُ، فابْدَأُوا بالعَشَاءِ". (رواه البخاري: 5465. ومسلم: 557). 59 - وعن ابن عمر رضي الله عنهما نحوه. (رواه البخاري: 673. ومسلم: 559). 60 - ولِمسلم: عنها قالتْ: سمعتُ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - يقولُ: "لا صلاةَ بحضرةِ طعامٍ، ولا وهو يُدافِعُه الأخْبثانِ". (رواه مسلم: 560). (¬1) تقدمت ترجمته في الحديث رقم (31).

بالظُّهرِ، فأنعَمَ أن يُبْرِدَ بها (¬1) وصلّى العصرَ والشمسُ مُرتفِعةٌ؛ أخّرها فوقَ الذي كانَ، وصلَّى المغربَ قبلَ أن يغِيبَ الشَّفَقُ، وصلَّى العِشَاءَ بعدمَا ذهبَ ثُلُثُ الليل، وصلَّى الفجرَ فأسفرَ بها، ثم قال: "أين السَّائِلُ عن وقتِ الصَّلاةِ؟ ". فقال الرجُلُ: أنا يا رسول الله. قالَ: "وقتُ صَلاتِكُم مَا بين ما رأيتُم". م ت س (¬2). 132 - ومثلُه عن أبي موسى. م (¬3). 133 (69) - عن عبد الله بنِ عبّاسٍ رضي الله عنه، قال: شَهِدَ عندي رِجالٌ مَرضيُّونَ (¬4) - وأرضَاهُم عِندي عُمرُ- أنّ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم -: نهى عن ¬

_ (¬1) قوله: "فأنعم أن يبرد بها": أي أطال الإبراد وأخر الصلاة، ومنه قولهم: أنعم النظر في الشيء إذا أطال التفكر فيه. "النهاية". (¬2) رواه مسلم (613)، والترمذي (152)، والنسائي (1/ 258 - 259)، وابن ماجه (667). (¬3) رواه مسلم (614) ولفظه: عن أبي موسى، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه أتاه سائل يسأله عن مواقيت الصلاة؟ فلم يرد عليه شيئًا. قال فأقام الفجر حين انشق الفجر. والناس لا يكاد يعرف بعضهم بعضًا، ثم أمره فأقام بالظهر حين زالت الشمس، والقائل يقول: قد انتصف النهار، وهو كان أعلم منهم، ثم أمره فأقام بالعصر والشمس مرتفعة، ثم أمره فأقام بالمغرب حين وقعت الشمس، ثم أمره فأقام العشاء حين غاب الشفق، ثم أخر الفجر من الغد حتى انصرف منها، والقائل يقول: قد طلعت الشمس أو كادت، ثم أخر الظهر حتى كان قريبًا من وقت العصر بالأمس، ثم أخر العصر حتى انصرف منها، والقائل يقول: قد احمرت الشمس، ثم أخر المغرب حتى كان عند سقوط الشفق، ثم أخر العشاء حتى كان ثلث الليل الأول، ثم أصبح فدعا السائل، فقال: "الوقت بين هذين". (¬4) قال الحافظ في "الفتح" (2/ 59): "لم يقع لنا تسمية الرجال المرضيين الذين حدثوا ابن عباس بهذا الحديث، وبلغني أن بعض من تكلم علي "العمدة" تجاسر وزعم أنهم المذكورون فيها عند قول مصنفها: "وفي الباب: عن علي ابن أبي طالب، وعبد الله بن مسعود ... "، ولقد =

الصَّلاةِ بعدَ الصُّبحِ حتى تُشْرِقَ الشمسُ، وبعدَ العصرِ حتى تغرُبَ (¬1). 134 (62) - عن أبي سعيدٍ الخدري، عن رسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - قالَ: "لا صَلاةَ بعدَ الصُّبْحِ حتى ترتفعَ الشمسُ، ولا صَلاةَ بعدَ العصرِ حتى تغِيبَ الشمسُ" (¬2). مُتَفَقٌ عَلَيْهِما. وفي البابِ: عن عليّ بنِ أبي طالبٍ (¬3) . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = أخطأ هذا المتجاسر خطأً بينًا، فلا حول ولا قوة إلا بالله". (¬1) رواه البخارى (581)، ومسلم (826)، وزاد: "الشمس". وفى رواية: "تطلع" بدل: "تشرق". (¬2) رواه البخاري (586)، ومسلم (827). (¬3) حديث علي رضي الله عنه: رواه أبو داود (1274) بسند حسن - وحسنه الحافظ في "الفتح" (2/ 61) - ولفظه: "أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى عن الصلاة بعد العصر، إلا والشمس مرتفعة". قلت: وقوله في الحديث: "إلا والشمس مرتفعة" مخالف لما سبق من الأحاديث، وما يأتي من النهي عن الصلاة بعد العصر مطلقًا. وللحافظ عن ذلك إجابة، فقال في "الفتح": "حكى أبو الفتح اليعمري عن جماعة من السلف أنهم قالوا: إن النهي عن الصلاة بعد الصبح وبعد العصر إنما هو إعلام بأنهما لا يتطوع بعدهما، ولم يقصد الوقت بالنهي كما قصد به وقت الطلوع ووقت الغروب، ويؤيد ذلك ما رواه أبو داود والنسائي بإسناد حسن عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ... فذكر الحديث، ثم قال: فدل علي أن المراد بالبعدية ليس علي عمومه، وإنما المراد وقت الطلوع، ووقت الغروب، وما قاربهما، والله أعلم". ورواه أحمد (1/ 30) بإسنادٍ صحيح، وزاد: "قال سفيان: فما أدري بمكة يعني: أو بغيرها". ووقع في طبعة مؤسسة الرسالة (1076) بلفظ: "لا تصلوا بعد العصر، إلا أن تصلوا العصر والشمس مرتفعة". قلت: ولفظ: "العصر" هنا لا معنى له، ولعله خط في هذه الطبعة، فهو لا يوجد في الطبعة =

وعبد الله بنِ مَسْعُودٍ (¬1). وعبدِ الله بنِ عُمرَ (¬2). وعبد الله بنِ عَمْرو (¬3) وأبي هُريرة (¬4) وسَمُرة بن جُندبٍ (¬5)، وسلَمة بنِ الأكوع (¬6). وزيد بن ثَابتٍ (¬7). . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = الأصلية للمسند، ولا في طبعة العلامة أحمد شاكر - رحمه الله -. (¬1) حديث عبد الله بن مسعود -: رواه أبو يعلى (4977) بسند حسن، ولفظه: "إن الشمس تطلع حين تطلع بين قرني شيطان". قال: فكنا نُنهى عن الصلاة عند طلوع الشمس، وعند غروبها، ونصف النهار. (¬2) حديث ابن عمر: رواه البخاري (3272)، ومسلم (829)، ولفظه: "إذا طلع حاجب الشمس، فدعوا الصلاة حتى تبرز، وإذا غاب حاجب الشمس، فدعوا الصلاة حتى تغيب". وعند مسلم: "بدا" بدل: "طلع". وعنده أيضًا: "فأخروا" بدل: "فدعوا". (¬3) حديث عبد الله بن عمرو: رواه أحمد (2/ 179) بسند حسن، ولفظه: "لا صلاة بعد الغداة حتى تطلع الشمس، ولا صلاة بعد العصر حتى تغرب الشمس". (¬4) حديث أبي هريرة: رواه البخاري (584) - والسياق له - ومسلم (825)، ولفظه: "نهى عن الصلاة بعد الفجر حتى تطلع الشمس، وبعد العصر حتى تغرب الشمس". (¬5) حديث سمرة بن جندب رواه أحمد (5/ 20)، وابن خزيمة (1274) بسند صحيح، ولفظه: "لا تصلوا حين تطلع الشمس؛ فإنها تطلع بين قرني شيطان، ولا حين تغيب؛ فإنها تغيب بين قرني شيطان". (¬6) حديث سلمة بن الأكوع: رواه أحمد (4/ 51) بسند صحيح، ولفظه: عن سلمة بن الأكوع قال: كنت أسافر مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فما رأيته صلى بعد العصر، ولا بعد الصبح قط. (¬7) حديث زيد بن ثابت: رواه أحمد (5/ 185)، والطبراني في "الكبير" (5/ 146) - بسند حسن في الشواهد - ولفظه: نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الصلاة بعد العصر.

ومُعاذ بنِ عَفْرَاء (¬1). وكعب بنِ مُرّة (¬2). وأبي أُمامة (¬3). وعمرو بن عَبَسة (¬4). وعَائِشةَ (¬5) رضي الله عنهم [أجمعين] (¬6). ¬

_ (¬1) حديث معاذ بن عفراء: رواه النسائي (1/ 258)، وأحمد (4/ 219 و 220) بلفظ: "لا صلاة بعد العصر حتى تغيب الشمس، ولا بعد الصبح حتى تطلع الشمس". (¬2) حديث كعب بن مرة - وقيل: مرة بن كعب -: رواه أحمد (4/ 235) مطولًا، وفيه: سألتُ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم -: "أيُّ الليلِ أسمعُ؟ قال: "جَوفُ الليل الآخرِ، ثم قال: الصَّلاةُ مقبولةٌ حتَّى تُصَلِّيَ الصُّبحَ، ثم لا صلاةَ حتى تطلع الشمسُ وتكون قيدَ رمحٍ أو رمحينِ، ثم الصَّلاةُ مقبولةٌ حتى يقومَ الظِّلُّ قيامَ الرُّمح، ثم لا صلاةَ حتّى تَزُولَ الشَّمسُ، ثم الصَّلاةُ مقبولَةٌ حتى تصلِّي العَصرَ، ثمَّ لا صلاةَ حتى تَغيبَ الشَّمْسُ". (¬3) حديث أبي أمامة: رواه أحمد (5/ 260)، وعبد الرزاق (3948) - بسند ضعيف - ولفظ أحمد: "لا تصلوا عند طلوع الشمس؛ فإنها تطلع بين قرني شيطان، ويسجد لها كل كافر، ولا عند غروبها فإنها تغرب بين قرني شيطان، ويسجد لها كل كافر، ولا نصف النهار؛ فإنه عند سجر جهنم". (¬4) حديث عمرو بن عَبَسَة: رواه مسلم (832) مطولًا، وفيه قوله - صلى الله عليه وسلم -: " ... صل صلاة الصبح، ثم أقصر عن الصلاة حتى تطلع الشمس حتى ترتفع؛ فإنها تطلع حين تطلع بين قرني شيطان، وحينئذ يسجد لها الكفار. ثم صلّ؛ فإن الصلاة مشهودةٌ محضورةٌ، حتى يستقل الظِّلُّ بالرُّمْحِ. ثم أقصر عن الصلاة؛ فإن حينئذٍ تسجر جهنم، فإذا أقبل الفيء فصلّ؛ فإن الصلاة مشهودةٌ محضورةٌ، حتى تصلي العصر، ثم أقصر عن الصلاة، حتى تغرُب الشمسُ؛ فإنها تغربُ بين قرني شيطان، وحينئذِ يسجُدُ لهَا الكُفَّار". (¬5) حديث عائشة: رواه أبو داود (1280) - بسند ضعيف -، ولفظه: عن عائشة؛ أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يصلي بعد العصر، وينهى عنها، ويواصل، وينهى عن الوصال. وعنها عند أبي يعلى (4757) بسند حسن في حديث طويل: " ... ، ولا صلاة بعد العصر حتى تغرب الشمس، ... ". (¬6) زيادة من "أ".

والصُّنَابحيّ (¬1)، ولم يسمعْ مِن النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - (¬2). ¬

_ (¬1) حديث الصنابحي: رواه النسائي (1/ 275)، وابن ماجه (1253)، وأحمد (4/ 348)، ولفظه: "إن الشمس تطلع بين قرني الشيطان - أو قال: يطلع معها قرنا الشيطان - فإذا ارتفعت فارقها، فإذا كانت في وسط السماء قارنها، فإذا دلكت - أو قال: زالت - فارقها، فإذا دنت للغروب قارنها، فإذا غربت فارقها، فلا تصلوا هذه الساعات الثلاث". (¬2) وقع خلاف بين أهل العلم في تعيين اسم الصنابحي، وهل هو تابعي أم صحابي؟ ففي الحديث السابق وقع عند أحمد وابن ماجه: "عن أبي عبد الله الصنابحي"، ووقع في "الموطأ" (1/ 219/ رقم 44)، وفي "سنن النسائي": "عن عبد الله الصنابحي". وذهب البخاري إلى أن قوله: "عبد الله الصنابحي" وهم من مالك، فقد نقل عنه الترمذي في "العلل الكبير" (1/ 78 - 79) أنه قال: "مالك بن أنس وهم في هذا الحديث، وقال: "عبد الله الصنابحي" وهو: "أبو عبد الله الصنابحي"، واسمه: "عبد الرحمن بن عسيلة"، ولم يسمع من النبي - صلى الله عليه وسلم - (1). ونقل المزي في "التهذيب" (17/ 284) عن يعقوب بن شيبة؛ أنه قال: "هؤلاء الصنابحيون الذين يروى عنهم في العدد ستة، إنما هم اثنان فقط: الصنابحي الأحمسي، وهو: الصنابح الأحمسي، هذان واحد، فمن قال: الصنابحي الأحمسي فقد أخطأ، ومن قال: الصنابح الأحمسي فقد أصاب، وهو: الصنابح بن الأعسر الأحمسي، أدرك النبي - صلى الله عليه وسلم -، وهو الذي يروي عنه الكوفيون، روى عنه ليس بن أبي حازم، قالوا: وعبد الرحمن بن عُسيلة الصنابحي، كنيته: أبو عبد الله، يروي عنه أهل الحجاز وأهل الشام، ولم يدرك النبي - صلى الله عليه وسلم -، دخل المدينة بعد وفاته - بأبي هو وأمي - بثلاث ليالٍ أو أربع، روى عن أبي بكر الصديق، وعن بلال، وعن عبادة بن الصامت، وعن معاوية، ويروي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أحاديث يرسلها عنه، فمن قال: عن عبد الرحمن الصنابحي فقد أصاب اسمه، ومن قال: عن أبي عبد الله الصنابحي فقد أصاب كنيته، وهو رجل واحد: عبد الرحمن وأبو عبد الله، ومن قال: عن أبي عبد الرحمن الصنابحي فقد أخطأ؛ قلب اسمه فجعل اسمه كنيته، ومن قال: عن عبد الله الصنابحي فقد أخطأ؛ قلب كنيته فجعلها اسمه. هذا قول علي بن المديني ومَن تابعه علي هذا، وهو الصواب عندى، هما اثنان: أحدهما أدرك النبي - صلى الله عليه وسلم -، والآخر لم يدركه، يدل علي ذلك الأحاديث". انتهى قول يعقوب بن شيبة.

2 - باب الأذان

2 - باب الأذان 135 (71) - عن أنسٍ بنِ مالكٍ رضي الله عنه، قال: أُمِرَ بِلالٌ أن يشفَعَ الأذانَ، ويُوتِرَ الإقامةَ. أخرجَه الجماعةُ (¬1). 136 - عن عبد الله بنِ عُمر رضي الله عنه، قال: إنَّما كانَ الأذانُ علي عهدِ رسُول الله - صلى الله عليه وسلم - مرّتينِ مرّتينِ، والإِقامةُ مرّة مرّة. غير أنّه يقولُ: قدْ قامتِ الصَّلاةُ. قدْ قامتِ الصَّلاةُ. فإذا سَمِعْنا الإِقَامةَ توضَّأْنَا، ثمّ خرجْنا إلى الصَّلاةِ. د س (¬2). 137 - عن أبي حذُورة قال: قلت: يا رسولَ الله! علِّمني سُنَّة الأذانِ ... فذكره. وقال: "فإنْ كانَ صلاةُ الصُّبح، قُلتَ: الصَّلاةُ خيرٌ مِن النَّومِ" مرتين. د س نحوه (¬3). ¬

_ (¬1) رواه البخاري (605)، ومسلم (378)، وأبو داود (508)، والنسائي (2/ 3)، والترمذي (193)، وابن ماجه (729 و 730). وزاد البخاري: "إلا الإقامة"، وهي رواية لمسلم وأبي داود. قال البغوي في "شرح السنة" (2/ 55): "قوله: أمر بلال. أي: أمره النبي - صلى الله عليه وسلم -؛ لأن الأذان شريعة، والأمر المضاف إلى الشريعة في زمان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا يضاف إلى غيره. وقوله: ويوتر الإقامة. يعني: ألفاظ الإقامة التي هي شفع في الأذان، لا لفظ الإقامة نفسها". (¬2) حسن. رواه أبو داود - واللفظ له - (510)، والنسائي (2/ 3). (¬3) صحيح. رواه أبو داود (500)، والنسائي (2/ 7)، وهو بتمامه - كما رواه أبو داود - عن أبي محذورة قال: قلت: يا رسول الله! علِّمني سنة الأذان. قال: فمسح مقدَّم رأسى، وقال: "تقولُ: الله أكبرُ الله أكبرُ اللهُ أكبرُ اللهُ أكبرُ، ترفعُ بها صوتَك، ثم تقولُ: أشهدُ أنْ لا إله إلا الله، أشهدُ أنْ لا إله إلا الله، أشهدُ أنَّ محمدًا رسولُ الله، أشهدُ أنّ محمدًا رسولُ الله: تخفضُ بها =

138 (72) - عن أبي جُحيفةَ (¬1) رضي الله عنه، قالَ: أتيتُ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم -، وهو في قُبّةٍ له حمراءَ من أَدَمٍ، قال: فَخَرَجَ (¬2) بلالٌ بوَضُوءٍ (¬3)، فمن نَاضَحٍ ونَائِلٍ، قال: فخرجَ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - عليه حُلَّةٌ حمراءُ، كأنّي أنظرُ إلى بَياضِ ساقيه. قال: فتوضَّأ، وأذَّنَ بِلالٌ. قال: فجعلتُ أتتبّعُ فاهُ هَاهُنا وهَاهُنا - يقول يمينًا وشِمالًا - يقولُ: حيَّ علي الصَّلاةِ. حيَّ عْلى الفَلاحِ قال: ثم رُكِزَت له عَنَزَةٌ (¬4)، فتقدَّم وصلَّى الظُّهرَ ركعتينِ، يمرُّ بين يديهِ ¬

_ = صوتَك، ثم ترفعُ صوتك بالشهادةِ: أشهدُ أنْ لا إله إلا الله، أشهدُ أنْ لا إله إلا الله، أشهدُ أن محمدًا رسول الله، أشهدُ أن محمدًا رسول الله، حيّ علي الصلاةِ، حيّ علي الصَّلاةِ، حَيّ علي الفلاحِ، حيّ علي الفلاح؛ فإنْ كانَ صلاةُ الصبح، قلتَ: الصلاة خيرٌ مِن النوم، الصلاةُ خيرٌ مِن النوم، اللهُ أكبرُ اللهُ أكبرُ لا إله إلا الله". ولى في رواية (501) أن قوله: "الصلاة خير من النوم. الصلاة خير من النوم" في الأولى من الصبح، وهي أيضًا للنسائي، والمراد بذلك الأذان الأول. (¬1) واسمه: "وهب بن عبد الله السُّوائي"، كما أفصح عن ذلك المؤلف في "الصغرى". (¬2) المثبت من "أ"، وهو لفظ مسلم، وفي الأصل: "فجاء". (¬3) في مسلم: "بوضوئه". (¬4) قال الحافظ عبد الغني في "الصغرى" عند الحديث رقم (16): "العنزة: الحربة"، وفي نسخة من نسخ "الصغرى": "الحربة الصغيرة"، وهذا الأخير أيضًا في " الأحكام" (1/ 58). فائدة: روى البخاري في "صحيحه" (3998) من طريق هشام بن عروة، عن أبيه قال: قال الزبير: لقيت يوم بدر عبيدة بن سعيد بن العاص وهو مدجَّجٌ لا يُرى منه إلا عيناهُ وهو يكنى أبا ذات الكرش فقال: أنا أبو ذات الكرش، فحملت عليه بالعنزة فطعنْتهُ في عينه فمات. قال هشامٌ: فأخبرت أن الزبير قال: لقد وضعتُ رجلي عليه ثم تمطأتُ فكان الجْهد أن نزعتُها وقد انثنى طرفاها. قال عروة: فسأله إياها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأعطاه، فلما قبض رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - أخذها، ثم طلبها أبو بكرٍ فأعطاهُ. فلما قبض أبو بكر سألها إياه عمر وأعطاه إياها، فلما قُبض عمرً أخذها، ثم طلبها عثمان منه فأعطاه إياها، فلما قتل عثمان وقعت عند آل عليّ فطلبها عبد الله بن الزُّبير =

الحِمارُ والكَلْبُ، لا يُمْنَعُ، ثم صلَّى العصرَ ركعتينِ، ثم لم يزلْ يُصلِّي ركعتينِ حتى رجعَ إلى المدينةِ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ د ت (¬1). - وفيه: لوى عُنُقَه - يمينًا وشمالًا - ولم يَسْتَدِرْ (¬2). - وللترمذي: وإِصْبعَاهُ في أُذنيه (¬3). 139 - عن عُثمان بنِ أبي العاص رضي الله عنه، قال: إنّ آخِرَ ما عَهِدَ إليَّ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: أنْ أتّخِذَ (¬4) مُؤذنًا لا يأخُذُ علي أذانِهِ أجرًا. ت وقال حدِيثٌ حسنٌ (¬5). ¬

_ = فكانت عنده حتى قُتل". (¬1) رواه البخاري (187)، ومسلم - والسياق له - (503). وقوله: "فمن ناضح ونائل" تفسرها الرواية الأخرى لمسلم وللبخاري (5859) بقوله: "فرأيت الناس يبتدرون الوضوء، فمن أصاب منه شيئًا تمسح به، ومن لم يصب منه شيئًا أخذ من بلل يد صاحبه". وزاد المصنف - رحمه الله - في "الصغرى" حديثين، وهما: 73 - عن عبد الله بن عُمر رضي الله عنهما؛ عن رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إن بلالًا يؤذِّنُ بليلٍ، فكلُوا واشربُوا، حتى تسمعُوا أذانَ ابنِ أم مكتُومٍ". (رواه البخاري: 617. ومسلم: 1092). 74 - عن أبي سعيدٍ الخُدْري رضىِ الله عنه قال: قالَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "إذا سمِعْتُم المؤذن فقولُوا مثلَ ما يقولُ". (رواه البخاري: 611. ومسلم: 383). (¬2) هذه الرواية لأبي داود (520)، وهي منكرة. وانظر "البلوغ" (182). (¬3) صحيح. رواه الترمذي (197) وقال: "هذا حديث حسن صحيح". (¬4) "أتخذ" فعل مضارع منصوب، وهو بهمزة قطع، ويجوز أن يكون فعل أمر مجزوم، وهمزته حينئذٍ همزة وصل. (¬5) صحيح. رواه الترمذي (209) وقال: "والعمل علي هذا عند أهل العلم: كرهوا أن يأخذ =

140 - عن زياد بنِ الحارثِ الصُّدَائيّ قالَ: لَمَّا كانَ أوّل أذانِ الصُّبحِ أمرَني - يعني: النبيّ - صلى الله عليه وسلم - فأذنتُ، فجعلتُ أقولُ: أُقِيمُ يارسولَ الله؟ فجعلَ ينظُرُ في ناحيةِ المشْرِقِ إلى الفجرِ، فيقولُ: "لا". حتى إذا طلَعَ الفجرُ نزلَ فبَرَزَ، ثم انصرفَ إليّ، وقد تلاحقَ أصحابُه - يعني: فتوضَّأ، وأرادَ بِلالٌ أن يُقِيمَ، فقالَ له نبيُّ الله - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّ أخَا صُدَاءٍ هو أذَّنَ، ومَنْ أذَّن فهو يُقيمُ". قال: فأقمتُ. د ت (¬1). 141 - عن جابر بنِ عبد الله؛ أنَّ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - قال لبلال: "يا بِلالُ! إذا أذَّنتَ فترسَّلْ، وإذا أقمتَ فاحْدُرْ، واجعلْ بين أذانِكَ وإقامَتِكَ قدرَ ما يفرغٌ الآكِلُ من أكلِهِ، والشَّارِبُ من شُربِه، والمُعْتَصِرُ إذا دخلَ لقضَاءِ حاجَتِهِ، ولا تقُومُوا حتى تَرَوْنِي". ت (¬2). 142 - وعن جابر بنِ عبد الله قالَ: قالَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ قالَ ¬

_ = المؤذن علي الأذان أجرًا، واستحبوا للمؤذن أن يحتسب في أذانه". (¬1) ضعيف، رواه أبو داود (514)، والترمذي (199) وقال الترمذي: "حديث زياد إنما نعرفه من حديث الإفريقي، والإفريقي ضعيف عند أهل الحديث". قلت: والإفريقي ضعيف الحفظ عند أكثر الأئمة كهشام بن عروة وابن مهدي وأحمد وابن معين وابن المديني وغيرهم. وأما من وثقه فلعل ذلك كان لصلاحه ودينه، قال ابن القطان: "كان من أهل العلم والزهد بلا خلاف بين الناس، ومن الناس من يوثقه، ويربأ به عن حضيض ود الرواية، والحق فيه أنه ضعيف؛ لكثرة روايته المنكرات، وهو أمر يعتري الصالحين". (¬2) منكر. رواه الترمذي (195) وقال: "حديث جابر هذا حديث لا نعرفه إلا من هذا الوجه، من حديث عبد المنعم، وهو إسناد مجهول، وعبد المنعم شيخ بصري". قلت: عبد المنعم هو: ابن نعيم الأسواري، وهو منكر الحديث، كما قال البخاري وأبو حاتم.

3 - باب استقبال القبلة

حِينَ يسمعُ النِّداءَ: اللهمّ ربَّ هذهِ الدَّعوةِ التَّامَّةِ، والصَّلاةِ القَائِمةِ آتِ محمدًا الوَسِيلةَ والفَضِيلَةَ، وابعثهُ مَقَامًا محمُودًا الذي وعدْتَهُ، إلا حلّتْ له الشَّفاعةُ يومَ القيامةِ". خ (¬1). 143 - عن سعد بنِ أبي وقاصٍ رضي الله عنه، عن رسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - قالَ: "مَنْ قَالَ حِينَ يسمَعُ المؤذِّنَ: وأنا أشهَدُ أنْ لا إله إلا الله وحدَه لا شَرِيكَ له، وأنّ محمدًا عبدُه ورسُولُه، رَضِيتُ بالله ربًا، وبالإِسلامِ دِينًا، وبمحمدٍ رسولًا، غَفَرَ الله له ذُنُوبَهُ". م ت (¬2). 3 - باب استقبال القبلة 144 (75) - عن عبد الله بنِ عُمر رضي الله عنه؛ أنَّ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - كانَ يُسَبِّحُ علي ظَهرِ راحِلَتِهِ حيثَ كانَ وجهُه، يُوْمِئُ برأسِهِ، وكانَ ابنُ عُمر يَفْعلُه (¬3). ¬

_ (¬1) رواه البخاري (614) وعنده: "حلت له شفاعتي" بدل: "إلا حلت له الشفاعة"، ولكنه باللفظ الذي ذكره المصنف عند أبي داود (529)، والترمذي (211)، وابن ماجه (680). (¬2) رواه مسلم (386)، والترمذى (210)، وعندهما: "غُفِرَ له ذنبُه"، إلا أنه وقع في بعض نسخ الترمذي: "غفر الله له ذنبه" كما أورده الحافظ هنا، إلا أن العلامة أحمد شاكر رحمه الله قال: "وهو مخالف لسائر الأصول، ولسائر روايات الحديث". (¬3) رواه البخاري - واللفظ له - (1105)، ومسلم (700). قوله: "يسبح": أي يصلي النافلة، والتسبيح حقيقة في قول: سبحان الله. فإذا أطلق علي الصلاة فهو من باب إطلاق اسم البعض علي الكل، أو لأن المصلي منزه لله سبحانه وتعالى بإخلاص العبادة. و- التسبيح: التنزيه. فيكون من باب الملازمة، وأما اختصاص ذلك بالنافلة فهو عرف شرعي. والله أعلم. قاله ابن حجر في "الفتح" (2/ 575). =

- وفي روايةٍ: كان يُوتِرُ علي بعيرِهِ (¬1). مُتَفَقٌ عَلَيْهِ. - ولمسلمٍ: غيرَ أنَّه لا يُصلِّي عليها المكتُوبةَ (¬2). - وللبُخاري: إلا الفرائِضَ (¬3). 145 (76) - عن عبد الله بنِ عُمر رضي الله عنه، قال: بينمَا الناسُ بقُباءَ (¬4) في صَلاةِ الصُّبح، إذ جاءَهم آتٍ، فقال: إِنَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - قد أُنزِل عليه الليلةَ قُرآنٌ، وقد أُمِرَ أنْ يستقبِلَ القِبْلةَ (¬5)، فاستقْبَلُوها (¬6) وكانت وُجوهُهم إلى الشام، فاستدَارُوا إلى الكعبةِ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ (¬7). ¬

_ = وأما قوله: "حيث كان وجهه": فهذا بعد البدء في الصلاة، وإلا فعند تكبيرة الاحرام يستحب له استقبال القبلة؛ لما روى أبو داود (1225) بسند حسن، عن أنس بن مالك، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان إذا سافر فأراد أن يطوع، استقبل بناقته القبلة فكبر، ثم صلى حيث وجهه ركابه. (¬1) رواه البخاري (999)، ومسلم (700) (36)، وعندهما: "البعير" بغير هاء الإضافة. (¬2) مسلم برقم (700) (39)، وهي أيضًا للبخاري (1098). (¬3) البخاري برقم (1000). (¬4) بالمد والقصر، يذكر ويؤنث، يصرف ولا يصرف، هو موضع معروف بقرب المدينة علي ثلاثة أميال. قاله النووي. (¬5) كذا الأصل، وفي "الصحيحين": "الكعبة". (¬6) قال النووي (5/ 13): "روي فاستقبلوها بكسر الباء وفتحها، والكسر أصح وأشهر، وهو الذي يقتضيه تمام الكلام بعده". وانظر "الفتح" (1/ 506). (¬7) رواه البخاري (403)، ومسلم (526). وزاد المصنف - رحمه الله - في "الصغرى" حديثًا واحدًا، وهو: 77 - عن أنس بن سيرين رضي الله عنه قال: استقبلْنَا أنسًا حين قدِمَ من الشام، فلقيناهُ بعين التمرِ، فرأيتهُ يصلِّي علي حمارٍ، ووجهُهُ من ذا الجانب - يعني: عن =

146 - عن أبي هُريرة، عن النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قال: "ما بَيْنَ المشرقِ والمغربِ قِبْلَةٌ". ت وقال: حدِيثٌ حسنٌ صَحِيحٌ (¬1). 147 - عن عبد الله بنِ عامر بن ربيعةَ (¬2)، عن أبيه قال: كُنَّا مع النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - في سَفَرٍ في ليلةٍ مُظْلمةٍ، فلم ندرِ أين القِبْلةُ؟ فصلَّى كُلُّ رجُلٍ منّا على حِيَالِهِ (¬3)، فلما أصْبحنَا ذكَرْنا ذلك للنبيِّ - صلى الله عليه وسلم - فنزلَ: {فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ} [البقرة: 115] ت وقال: حدِيثٌ ليسَ إسنادُه بذاك، لا نعرِفُه إلا مِن حديثِ أشعثَ السَّمَّانِ، وهو أشعثُ بنُ سعيدٍ أبو الربيع، يُضَعَّفُ في الحديثِ، وقد ذهبَ أكثرُ أهلِ العلم إِلى هذا. قالوا: إذا صلَّى في الغَيْمِ لغيرِ القِبْلةِ، ثم استبانَ له بعدَما صلَّى أنه صلّى لغيرِ القِبْلَةِ أنّ صلاتَه جائِزةٌ، وبه يقول سُفيان، وابنُ المبارك، وأحمدُ، وإسحاقُ (¬4). 148 - عن عُمَر بن الرَّمَّاح البَلْخي (¬5)، عن كثير بنِ زيادٍ (¬6) عن عَمرو ¬

_ = يسار القِبْلة - فقلت: رأيتُك تصلِّي لغير القبلة؟ فقال: لولا أني رأيتُ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - يفعله لم أفعله. (رواه البخاري: 1100. ومسلم: 702). (¬1) صحيح. رواه الترمذي (344)، وقوّاه البخاري، كما في "البلوغ" (212). (¬2) هو: "عبد الله بن عامر بن ربيعة العنزي، حليف بني عدي، أبو محمد المدني، ولد على عهد النبي - صلى الله عليه وسلم -، ولأبيه صحبة مشهورة، ووثقه العجلي مات سنة بضع وثمانين. ع". "التقريب". (¬3) أي: في جهته وتلقاء وجهه. (¬4) الحديث ضعيف جدًا. رواه الترمذي (345 و 2957)، وانظر - لزامًا - "البلوغ" (211). (¬5) هو: عمر بن ميمون بن بحر بن سعد الرماح البلخي، ثقة، مات سنة إحدى وسبعين، روى له الترمذى. (¬6) كثير بن زياد، هو: أبو سهل البُرْسَاني، ثقة، روى له أبو داود والترمذي وابن ماجة.

4 - باب مواضع الصلاة

ابنِ عُثمان بنِ يعلى بن مُرّة، عن أبيه، عن جدِّه؛ أنَّهم كانُوا مع النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - فانتهوا إلى مَضِيقٍ، وحضَرَتِ الصَّلاةُ، فمُطِرُوا؛ السماءُ مِن فوقِهم، والبِلّةُ من أسفلَ مِنهم، فأذَّنَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - وهُو على رَاحِلته، وأقامَ، فتقدَّم على رَاحِلته، فصلَّى بهم، يُومِئُ إيماءً, يجعلُ السُّجودَ أخفضَ مِن الرُّكوعِ. ت (¬1). وقال: تفرّد به عمر بن الرَّمَّاح البَلْخي، لا يُعْرَفُ إلا مِن حديثه، وقد روى عنه غيرُ واحدٍ من أهل العلمِ (¬2). 4 - باب مواضع الصلاة 149 - عن أبي هُريرة رضي الله عنه، قال: قالَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "صَلُّوا في مَرَابِضِ الغنمِ، ولا تُصلُّوا في أعطَانِ الإِبلِ". ت، وقال: حدِيثٌ حسنٌ صحيحٌ (¬3). 150 - عن عَمرو بنِ يحيى المازني، عن أبيه، عن أبي سَعيدٍ الخدري رضيَ الله عنه، قال: قالَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "الأرضُ كلُّها مَسْجِدٌ، إلا المقبرة ¬

_ (¬1) ضعيف. رواه الترمذي (411)، وعمرو بن عثمان بن يعلى "مستور"، كما قال الحافظ، وأما أبوه عثمان، فهو "مجهول". (¬2) وفي "السنن" زيادة: "وكذلك روي عن أنس بن مالك: أنه صلى في ماء وطين على دابته، والعمل على هذا عند أهل العلم، وبه يقول أحمد وإسحاق". (¬3) صحيح. رواه الترمذي (348). و"مرابض الغنم": جمع مربض، وهو مأوى الغنم ومكان ربوضها، من ربض في المكان إذا لصق به وأقام ملازمًا له. و"أعطان الإبل": جمع عطن، وهو مناخ الإبل حول البئر، ثم أطلق على أماكن بروكها.

والحمّامَ". ت وقال: رواه عبدُ العزيز بنُ محمدٍ [عَنْ عَمْرو] (¬1) كذلك، وخالفه الثوريُّ، وحمّاد بنُ سلَمة، ومحمد بنُ إسحاق فرووه عن عَمرو بنِ يحيى، عن أبيه، عن النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - مُرسلًا (¬2). 151 - عن عبد الله بنِ عمر رضي الله عنهما؛ أنَّ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم -: نهى أنْ يُصلَّى في سَبْعِ (¬3) مواطنٍ: في المزبَلةِ، والمجزرةِ، والمقبرةِ، وقَارِعةِ الطَّريقِ، وفي الحمّامِ، وفي مَعَاطِنِ الإِبل، وظهرِ بيتِ الله. ت ق وقالَ (¬4): رواه زيد بنُ جبيرة، عن داودَ بنِ حُصينٍ، عن نافعٍ، عن ابنِ عُمر. وقد تُكُلِّم في زيد بنِ جَبِيرةَ من قِبَلِ حفظِه. ورواه عبد الله بنُ عمر العُمَريّ، عن نافعٍ، وقد تَكَلَّم فيه بعضُ أهلِ العلمِ (¬5). ¬

_ (¬1) زيادة من "أ". (¬2) صحيح، رواه الترمذي (317). وإن كان أعلّه هو، فقد أشار البخاري إلى صحته في "القراءة" ص (4)، وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في "المجموع" (27/ 159): "لكن غير الترمذي جزم بصحته". وقال أيضًا (22/ 160): "صححه الحفاظ". وقال أيضًا: "أسانيده جيدة، ومن تكلم فيه فما استوفى طرقه". وللشيخ العلامة أحمد شاكر رحمه الله بحث نفيس في تصحيح الحديث انظره في "سنن الترمذي". (¬3) كذا الأصل، وهو أيضًا كذلك في سنن ابن ماجه وبعض نسخ الترمذي وهو خطأ صوابه: "سبعة". (¬4) أي: الترمذي، وقد درج المصنف رحمه الله في مثل هذا على أن يقول: "ق ت وقال ... " بتأخير رمز "ت" ليتبعه بالمنقول عنه، ولم أره خالف ذلك إلا في النادر. (¬5) ضعيف, رواه الترمذي (346)، وابن ماجه (746) وهو حديث ضعيف كما أشار إلى ذلك الترمذي. بل قال الساجي: "حديث منكر جدًا".

152 - عن البراء بنِ عازِبٍ قال: سُئِلَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - عن الوُضُوءِ من لُحومِ الإِبلِ؟ فقال: "تَوضؤُا منها". وسُئِلَ عن لُحومِ الغنمِ؟ فقالَ: "لا توَضَّؤُا منها". وسُئِلَ عن الصَّلاةِ في مَبارِكِ الإِبلِ؟ فقال: "لا تُصَلُّوا في مَبَارِكِ الإِبلِ؛ فإنّها من الشَّياطِينِ". وسُئِلَ عن الصَّلاةِ في مَرابِضِ الغنم؟ فقال: "صَلُّوا فيها؛ فإنّها بركةٌ". د، وإسناده كلُّهم ثقات (¬1). ¬

_ (¬1) صحيح. رواه أبو داود (184)، وابن ماجه (494)، والترمذي (81)، وتقدم الحديث برقم (79)، وقال ابن خزيمة في "الصحيح" (1/ 22): "لم نر خلافًا بين علماء أهل الحديث أن هذا الخبر صحيح من جهة النقل؛ لعدالة ناقليه". وقوله: "توضؤا منها": هو الوضوء الشرعي لا الوضوء اللغوي من مضمضة وغسل يدين، والأمر كما قال ابن حبان في "الصحيح" (3/ 411): "أراد الوضوء المفروض للصلاة، دون غسل اليدين، ولو كان ذلك غسل اليدين من الغَمْر لاستوى فيه لحوم الإبل والغنم جميعًا". وليس كما قال الخطابي في "المعالم" (1/ 58): "معلوم أن في لحوم الإبل من الحرارة وشدة الزهومة ما ليس في لحوم الغنم، فكان معنى الأمر بالوضوء منه منصرفًا إلى غسل اليد؛ لوجود سببه، دون الوضوء الذي هو من أجل رفع الحدث؛ لعدم سببه، والله أعلم".

5 - باب متى يؤمر الصبي بالصلاة وغير ذلك

5 - باب متى يؤمر الصبي بالصلاة وغير ذلك 153 - عن عبدِ الملك بن الرَّبيع بن سَبْرةَ (¬1) عن أَبِيه (¬2) عن جَدِّه قال: قالَ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "مروا الصَّبِيَّ بالصَّلاةِ إذا بلغَ سبعَ سِنين، فإذا بلَغَ عَشْرَ سِنين فاضرِبُوه عليها". د ت وقال: [هذا] (¬3) حدِيثٌ حسنٌ (¬4). 154 - عن عَمرو بنِ شُعيب، عن أبيه، عن جَدِّه قال: قالَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "مُرُوا أوْلادَكُم بالصَّلاةِ وهُم أبناءُ سبعِ سنين، واضْرِبُوهم [عليها] (¬5) وهُم أبناءُ عشرِ سنين، وفرّقُوا بينَهم في المضَاجعِ". د (¬6). 155 - عن عائِشةَ رضي الله عنها، قالتْ: قالَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "لا يقبلُ الله صَلاةَ حائضٍ إلا بِخِمَارٍ". ت وقالَ: حدِيثٌ حسنٌ (¬7). ¬

_ (¬1) ضعفه ابن معين، وقال ابن القطان: "لم تثبت عدالته، وإن كان مسلم أخرج له فغير محتج به"، وقال الحافظ ابن حجر في "التهذيب" (6/ 393): "وثقه العجلى ... وإنما أخرج له مسلم حديثًا واحدًا في المتعة متابعة". قلت: لم أجد توثيق العجلي، وليس لعبد الملك ذكر في "ثقات" العجلي المطبوع، والله أعلم، ولكن قال الذهبي في "الميزان" (2/ 654): "صدوق إن شاء الله، ضعفه ابن معين فقط"! (¬2) هو: الربيع بن سبرة بن معبد الجهني، تابعي، مدني، ثقة، روى له الجماعة سوى البخاري (¬3) زيادة من "أ". (¬4) حسن - رواه أبو داود - واللفظ له - (494)، والترمذي (407)، وفي بعض نسخ الترمذي: "حسن صحيح"، وله وجه؛ فالحديث وإن كان حسن السند إلا أنه صحيح المتن. والله أعلم. (¬5) زيادة من "أ". (¬6) حسن. رواه أبو داود (495)، وترجم لرجاله عند الحديث رقم (29). وهو شاهد للحديث السابق. (¬7) صحيح. رواه الترمذي (377)، وأيضًا أبو داود (641)، وابن ماجه (655)، وفى بعض =

156 - عن أنس بنِ مَالكٍ رضي الله عنه؛ أنَّ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - قالَ: "والله إنِّي لأسمعُ بُكاء الصَّبيِّ - وأنا في الصَّلاةِ - فأُخفف؛ مخافَةَ أن تُفْتَتَنَ (¬1) أُمُّه"، ت وقال: حدِيثٌ حسنٌ صَحِيحٌ (¬2). 157 - عن أبي هُريرة، عن النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قالَ: "مَنْ أدركَ ركعةً مِن الصَّلاةِ، فقدْ أدركَ الصَّلاةَ" (¬3). - في لفظٍ: "مع الإِمامِ" (¬4). - وفي لفظٍ: "إذا أدركَ أحدُكم سَجْدةً مِن صَلاةِ العَصْرِ، قبلَ أن تَغْرُبَ الشَّمْسُ، فليُتمَّ صَلاتَه، وإذا أدركَ سجدةً من صَلاةِ الصُّبحِ قبلَ أن تطلُعَ الشَّمسُ، فليُتِمّ صَلاتَه" (¬5). مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. ¬

_ = نسخ الترمذي: "لا تقبل صلاة الحائض". ومعنى: "الحائض": المرأة البالغ، يعني: إذا حاضت. (¬1) قال العلامة أحمد شاكر رحمه الله: "تفتتن مبني لما لم يسم فاعله. وتفتتن بالبناء للفاعل، وهو صحيح أيضًا. قال في اللسان: وحكى الأزهري عن ابن شميل: افْتَتَنَ الرجل وافْتُتِنَ، لغتان. قال: وهذا صحيح. وفي رواية البخاري: أن تُفْتَنَ أمه. وفي نسخة أبي ذر من البخاري: أن يَفْتِنَ أمه. وكل ذلك صحيح". (¬2) صحيح. رواه الترمذي (376). قلت: وهو في البخاري (710)، ومسلم (470) من حديث أنس، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إنى لأدخل في الصلاة، فأريد إطالتها، فأسمع بكاء الصبي، فأتجوّز (م: فأخفف)؛ بما أعلم من شدة وجد أمه من بكائه". والسياق للبخاري. (¬3) رواه البخاري (580)، ومسلم (607) (161)، ولمسلم في رواية: "فقد أدرك الصلاة كلها". (¬4) هذا اللفظ لمسلم (607) (162). (¬5) رواه البخاري - واللفظ له - (556)، ومسلم (608). و"سجدة": يعنى: "ركعة"، كما في الرواية السابقة، وهي رواية مسلم.

158 - عن جابر بنِ يزيد بن الأسود (¬1)، عن أبيه؛ أنَّه صلَّى مع النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - وهو- غُلامٌ شابٌّ - فلمّا صلّى، إذا رجُلانِ لم يُصليا في ناحيةِ المسجد! فدعا بهما، فجِيء بهما تُرْعَدُ فَرائِصُهما. فقال: "ما مَنَعَكُيا أن تُصلِّيا مَعنا؟ "، قالا: قد صَلّينا في رِحَالِنا. قالَ: فقال: "فلا تَفْعَلُوا، إذا صلَّى أحدُكم في رَحْلِهِ، ثم أدركَ الإِمامَ، فليُصلِّ معه؛ فإنَّها له نَافِلةٌ". د س ت وقال: حدِيثٌ حسنٌ صَحِيحٌ (¬2). 159 - عن أبي هُريرةَ رضي الله عنه، قال: قالَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "إِذا أُقِيمَتِ الصَّلاةُ، فَلا صَلاةَ إلا المكتُوبَةُ". م (¬3). ¬

_ (¬1) تابعي، ثقة، وثقه النسائي وابن حبان، روى له أصحاب السنن سوى ابن ماجة. (¬2) صحيح. رواه أبو داود (575)، والنسائي (2/ 112)، والترمذي (219). و"الفرائص": جمع فريصة، وهي اللحمة التي بين الجنب والكتف، تهتز عند الخوف. وقوله: "فلا تفعلا": قال ابن حبان: لفظة زجر مرادها ابتداء أمر مستأنف. و"الرحل": المنزل. وقوله: "فإنها له نافلة": أي التي صلى مع الإمام، وتكون الأولى - التي صلى في الرحل - هي الفريضة كما هو ظاهر الحديث، وبهذا قال جماعة. وعكس آخرون، فقالوا بأن الفريضة هي التي مع الإمام، وأن الأولى هي النافلة، واحتجوا في ذلك بحديث لأبي داود (577) وفيه: "فصل معهم، وإن كنت قد صليت، تكن لك نافلة، وهذه مكتوبة"، ولكنه حديث ضعيف السند. وثمة رأي ثالث ذهب إليه ابن عمر وابن المسيب، كما صح ذلك عنهما في "الموطأ" (1/ 133) , وهو أن مرد ذلك إلى الله عز وجل يجعل ما شاء منهما فرضًا، والآخر نفلًا. فائدة: هذه الحادثة وقعت في مسجد الخيف بمنى في حجة الوداع، جاء ذلك في رواية عند أبي داود (576). (¬3) رواه مسلم (710).

160 (63) -[و] (¬1) عن جابر بنِ عبد الله؛ أنَّ عُمرَ جاءَ يومَ الخندقِ (¬2) بعدَ ما غَرَبَتِ الشمسُ، فجعَلَ يَسُبُّ كُفَّار قُريشٍ وقال: يا رسولَ الله! ما كِدْتُ أُصلِّي العصرَ حتَّى كادَتِ الشَّمْسُ تغرُبُ! فقالَ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "والله مَا صَلَّيْتُها". قال: فقُمْنا إلى بُطْحَان (¬3)، فتوضَّأَ للصَّلاةِ، وتوضَّأْنا لها، فصلَّى العصرَ بعدَ ما غَرَبَتِ الشمسُ، ثم صلَّى بعدَها المغرِبَ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ (¬4). ¬

_ (¬1) زيادة من "أ". (¬2) كانت هذه الغزوة - على الصحيح - في شهر شوال سنة خمس من الهجرة، وفي هذه الغزوة خرجت قريش وغطفان في نحو عشرة آلاف رجل، ومالأهم اليهود - بنو النضير وبنو قريظة - فلما سمع بهم - صلى الله عليه وسلم - أمر بحفر الخندق؛ ليحول بين المشركين وبين المدينة، وكان ذلك بإشارة من سلمان الفارسي رضى الله عنه، وفي هذه الغزوة نجم النفاق وكثر، ولكن الله عزّ وجلّ ثبت الإيمان في قلوب أوليائه، وأظهر ما كان يبطنه أهل النفاق، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده، وأعز جنده، ورد الكفرة بغيظهم. انظر "الفصول في سيرة الرسول - صلى الله عليه وسلم -" لابن كثير (ص 136). (¬3) بضم الباء الموحدة، وسكون الطاء المهملة، وبعدها حاء مهملة، هو وادٍ بالمدينة. (¬4) رواه البخاري (596)، ومسلم (631). وجاء في الهامش: "في الحاشية: بطحان: يعني وادي". وزاد المصنف - رحمه الله - في "الصغرى" سبعة أحاديث، وهي: 64 - عن عبد الله بن عُمر رضي الله عنهما؛ أن رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "صلاةُ الجماعةِ أفضلُ من صلاةِ الفذِّ بسبعٍ وعشرين درجةٍ" (رواه البخاري: 645. ومسلم: 650). 65 - عن أبي هُريرة رضي الله عنه قال: قالَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - "صلاةُ الرجلِ في الجماعةِ تُضَعَّفُ على صلاتِهِ في بيته وفي سُوقه خمسًا وعشرين ضعفًا. وذلك: أنه إذا توضَّأ فأحسنَ الوُضوءَ، ثم خرجَ إلى المسجدِ - لا يخرجُه إلا الصلاةُ - لم يخطُ خُطوةً إلا =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = رُفعتْ له بها درجةٌ، وحُطَّ عنه بها خَطِيئةٌ. فإذا صلَّى لم تزلِ الملائكةُ تُصلِّي عليه ما دام في مُصلاهُ: اللهُمَّ صلِّ عليه، اللهمّ ارحمْهُ، ولا يزالُ في صلاةٍ ما انتظرَ الصَّلاة". (رواه البخاري: 647. ومسلم: 649). 66 - وعنه قال: قال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "أثقلُ الصَّلاةِ على الْمُنافِقين: صلاةُ العشاءِ، وصلاةُ الفجرِ، ولو يعلَمُونَ ما فِيهما لأتوهُما ولو حبوًا، ولقد هممتُ أن آمُرَ بالصَّلاةِ فتُقام، ثم آمرَ رجلًا فيُصلِّي بالناس، ثم أنطلقَ معي برجالٍ معهم حِزَمٌ من حطبٍ إلى قومٍ لا يشهدُون الصلاةَ، فأُحرِّق عليهم بيُوتَهم بالنَّارِ". (رواه البخاري: 644. ومسلم. 651). 67 - عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، عن النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قال. "إذا استأذنتْ أحدَكم امرأتُه إلى المسجدِ، فلا يَمْنَعْها". قال: فقال بلالُ بنُ عبد الله: والله لنمنعهُنَّ. قال: فأقبلَ عليه عبدُ الله فسبّه سبًا سيِّئًا، ما سمعتُه سبّه مثلَه قط، وقال: أُخبرُك عن رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم -، وتقولُ: والله لنمنعُهنّ؟!. (رواه البخاري: 5238. ومسلم: 442). - وفي لفظٍ: "لا تمنعُوا إماءَ الله مساجدَ الله" (رواه البخاري: 900. ومسلم: 442). 68 - عن عبد الله بن عُمر رضي الله عنهما قال: صليتُ مع رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - ركعتين قبلَ الظُّهر، وركعتين بعد الظهر، وركعتينِ بعد الجُمُعةِ، وركعتين بعد المغربِ، وركعتين بعدَ العشاءِ. (رواه البخاري: 1165. ومسلم: 729). - وفي لفظٍ: فأما المغربُ والعشاءُ والجمُعةُ: ففي بيته. (رواه البخاري: 1172. ومسلم:729). - وفي لفظٍ: أن ابنَ عُمر قال. حدثتني حفصةُ؛ أن النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - كان يصلِّي سجدتين خَفِيفتين بعدما يطلعُ الفجرُ، وكانت ساعةً لا أدخلُ على النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - فيها، (رواه البخاري: 173). 69 - عن عائشةَ رضي الله عنها قالتْ: لم يكُن - صلى الله عليه وسلم - على شيءٍ من النوافلِ أشدَّ =

161 - عن أبي سعيدٍ الخدري رضي الله عنه؛ أنّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - أبصرَ رجُلًا يصلِّي وحدَه. فقالَ: "ألا رجُلٌ يتصدَّقُ على هذا، فيُصلِّي معه". د ت نحوه، ولفظه: "يَتَّجِر على هذا" (¬1). ¬

_ = تعاهدًا منه على ركعتي الفجرِ. (رواه البخاري: 1169. ومسلم: 724). 70 - وفي لفظٍ لمسلمٍ: "رَكْعتَا الفجرِ خيرٌ مِن الدُّنيا ومَا فِيها". (رواه مسلم: 725). (¬1) صحيح. رواه أبو داود (574)، والترمذي (220) وقال الترمذي: "حديث حسن". قلت: وليس في هذا الحديث دليل على الجماعة الثانية والثالثة ... إلخ، كما هو الحاصل في كثير من مساجد المسلمين اليوم، وللشيخ العلامة أحمد شاكر رحمه الله بحث نفيس في ذلك، ننقله هنا لفائدته، فقد قال في تحقيقه لسنن الترمذي (1/ 430 - 432). "قال الشافعي في الأم (1: 136 - 137): "وإذا كان للمسجد إمام راتب، ففاتت رجلًا أو رجالًا فيه الصلاة صلوا فرادى، ولا أحب أن يصلوا فيه جماعة، فإن فعلوا أجزأتهم الجماعة فيه. وإنما كرهت ذلك لهم؛ لأنه ليس مما فعل السلف قبلنا، بل قد عابه بعضهم. قال الشافعي: وأحسب كراهية من كره ذلك منهم إنما كان لتفرق الكلمة، وأن يرغب الرجل عن الصلاة خلف إمام جماعة، فيتخلف هو ومن أراد عن المسجد في وقت الصلاة، فإذا قضيت دخلوا فجمعوا، فيكون في هذا اختلاف وتفرق كلمة، وفيهما المكروه، وإنما أكره هذا في كل مسجد له إمام ومؤذن، فأما مسجد بني على ظهر الطريق أو ناحية، لا يؤذن فيه مؤذن راتب، ولا يكون له إمام معلوم، ويصلي فيه المارة ويستظلون -: فلا أكره ذلك فيه؛ لأنه ليس فيه المعنى الذي وصفت: من تفرق الكلمة، وأن يرغب رجال عن إمامة رجل، فيتخذون إمامًا غيره. وإن صلى جماعة في مسجد له إمام، ثم صلى فيه آخرون في جماعة بعدهم -: كرهت ذلك لهم، لما وصفت، وأجزأتهم صلاتهم". وفي المدونة (1: 89): "قلت: فلو كان رجل هو إمام مسجد قوم ومؤذنهم أذن وأقام، فلم يأته أحد فصلى وحده، ثم أتى أهل المسجد الذين كانوا يصلون فيه؟ قال: فليصلوا أفذاذًا، ولا يجمعوا؛ لأن إمامهم قد أذن وصلى. قال: وهو قول مالك. قلت: أرأيت إن أتى هذا الرجل الذي أذن في هذا المسجد وصلى وحده أتى مسجدًا فأقيمت الصلاة -: أيعيد أم لا، في جماعة، في قول مالك؟ قال: لا أحفظ من مالك فيه شيئًا، ولكن لا يعيد؛ لأن مالكًا قد جعله وحده جماعة". =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = وقال القاضي ابن العربي في العارضة (2: 21): "هذا معنى محفوظ في الشريعة عن زيغ البتدعة لئلا يتخلف عن الجماعة، ثم يأتي فيصلي بإمام آخر، فتذهب حكمة الجماعة وسنتها، لكن ينبغى إذا أَذِنَ الإمامُ في ذلك أن يجوز، كما في حديث أبي سعيد، وهو قول بعض علمائنا". والذي ذهب إليه الشافعي من المعنى في هذا الباب صحيح جليل، ينبئ عن نظر ثاقب، وفهم دقيق، وعقل درّاك لروح الإسلام ومقاصده، وأول مقصد للإسلام، ثم أجله وأخطره-: توحيد كلمة المسلمين، وجمع قلوبهم على غاية واحدة، هي إعلاء كلمة الله، وتوحيد صفوفهم في العمل لهذه الغاية. والمعنى الروحي في هذا اجتماعهم على الصلاة، وتسوية صفوفهم فيها، أوّلًا كما قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لتسون صفوفكم، أو ليخالفن الله بين وجوهكم" [قال سمير: انظر بحثنا عند الحديث الآتي برقم: 164] وهذا شيء لا يدركه إلا من أنار الله بصيرته للفقه في الدين، والغوص على درره، والسموّ إلى مداركه، كالشافعي وأضرابه. وقد رأى المسلمون بأعينهم آثار تفرق جماعاتهم في الصلاة، واضطراب صفوفهم، ولمسوا ذلك بأيديهم، إلا من بطلت حاسته، وطمس على بصره. وإنك لتدخل كثيرًا من مساجد المسلمين، فترى قومًا يعتزلون الصلاة طلبًا للسنة زعموا! ثم يقيمون جماعات اخرى أانفسهم، ويظنون أنهم يقيمون الصلاة بأضل مما يقيمها غيرهم، ولئن صدقوا لقد حملوا من الوزر ما أضاع أصل صلاتهم، فلا ينفعهم ما ظنوه من الإنكار على غيرهم في ترك بعض السن أو المندوبات. وترى قومًا آخرين يعتزلون مساجد المسلمين، ثم يتخذون لأنفسهم مساجد أخرى، ضررًا وتفريقًا للكلمة، وشقّا لعصا المسلمين. نسأل الله العصمة والتوفيق، وأن يهدينا إلى جمع كلمتنا، إنه سميع الدعاء. وهذا المعنى الذي ذهب إليه الشافعي لا يعارض حديث الباب، فإن الرجل الذى فاتته الجماعة لعذر، ثم تصدق عليه أخوه من نفس الجماعة بالصلاة معه- وقد سبقه بالصلاة فيها- هذا الرجل يشعر في داخلة نفسه كأنه متحد مع الجماعة قلبًا وروحًا، وكأنه لم تفته الصلاة. وأما الناس الذين يجمعون وحدهم بعد صلاة جماعة المسلمين، فإنما يشعرون أنهم فريق آخر، خرجوا وحدهم، وصلوا وحدهم. وقد كان عن تساهل المسلمين في هذا، وظنهم أن إعادة الجماعة في المساجد جائزة مطلقًا-: أن فشت بدعة منكرة في الجوامع العامة، مثل الجامع الأزهر والمسجد المنسوب للحسين عليه السلام وغيرهما بمصر، ومثل غيرهما في بلاد أخرى، فجعلوا في المسجد الواحد إمامين راتبين أو أكثر، ففي الجامع الأزهر- مثلًا- إمام للقبلة القديمة، وآخر =

6 - باب الصفوف

162 (122) - عن أنس بنِ مَالكٍ رضي الله عنه قال: كُنَا نُصلِّي مع رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - في شِدَّةِ الحرِّ، فإذا لم يَسْتَطعْ أحدُنا أن يُمَكِّنَ وجهَهُ مِن الأرضِ بَسَطَ ثوبَه، فسجَدَ عليه. مُتَفَقٌ عَلَيْهِ د (¬1). 6 - باب الصفوف 163 (78) - عن أنس بنِ مالكٍ رضي الله عنه قال: قالَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "سَوُّوا صُفُوفَكم فإنّ تسوِيةَ الصَّفِّ مِن تَمامِ الصَّلاةِ" مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ (¬2). 164 (79) - عن النُعمانِ بنِ بَشيرٍ قال: سمعتُ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - يقولُ "لتُسَوُّنَّ صُفُوفَكم، أو ليخالِفَنَّ الله بينَ وجُوهِكم". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ (¬3). - ولمسلمٍ: كانَ رسولُ الله يُسوِّي صُفُوفَنا حتى كأنّما يُسوِّي بها ¬

_ = للقبلة الجديدة، ونحو ذلك في مسجد الحسين عليه السلام؛ وقد رأينا فيه أن الشافعية لهم إمام يصلي بهم الفجر في الغلس والحنفيون لهم آخر يصلي الفجر بإسفار، ورأينا كثيرًا من الحنفيين من علماء وطلاب وغيرهم ينتظرون إمامهم ليصلي بهم الفجر، ولا يصلون مع إمام الشافعيين، والصلاة قائمة، والجماعة حاضرة، ورأينا فيهما وفي غيرهما جماعات تقام متعددة في وقت واحد، وكلهم اَثمون، وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعًا! بل قد بلغنا أن هذا المنكر كان في الحرم المكيّ، وأنه كان يصلي فيه آئمة أربعة، يزعمونهم للمذاهب الأربعة، ولكنا لم نر ذلك؛ إذ أننا لم ندرك هذا العهد بمكة، وإنما حججنا في عهد الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود حفظه الله، وسمعنا أنه أبطل هذه البدعة، وجمع الناس في الحرم علي إمام واحد راتب، ونرجو أن يوفق الله علماء الإسلام لأبطال هذه البدعة من جميع المساجد في البلدان، بفضل الله وعونه، إنه سميع الدعاء". أهـ. (¬1) رواه البخاري (1208)، ومسلم (620)، وأبو داود (660). (¬2) رواه البخاري (723)، ومسلم (433). (¬3) رواه البخاري (717)، ومسلم (436).

القِدَاحَ، حتى رأى أن قد عَقَلْنَا، ثم خرجَ يومًا، فقام حتى كادَ أن يكبِّر، فرأى رجلًا باديًا صَدْرُه (¬1) فقالَ: "عباد الله! لتُسَوُّن صفوفَكم، أو ليخَالِفنَّ الله بينَ وجوهِكم" (¬2). ¬

_ (¬1) زاد مسلم: "من الصف". (¬2) رواه مسلم (436) (128). و"القداح": "هي خشب السهام حين تنحت وتبرى، واحدها قدح بكسر القاف. معناه: يبالغ في تسويتها حتي تصير كأنما يقوم بها السهام؛ لشدة استوائها واعتدالها". قاله النووي. قلت: ولأهمية إقامة الصفوف وتسويتها أحببت أن أضيف هذه الكلمة هنا، وهي مختصرة من رسالة لي بعنوان: "سنن مهجورة"، فأقول- بعد حمد الله عز وجل-: إن من السنن المهجورة من كثير من المسلمين، وفي كثير من مساجدهم اليوم هي سنة تسوية الصفوف، فإنك اليوم لا تكاد تجد مسجدًا ولا إمامًا يسوي الصفوف- كما أمر الرسول - صلى الله عليه وسلم - أمته، وفعله مع أصحابه رضوان الله عليهم- إلا النادر منهم، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء. بل أكثر الأئمة اليوم إذا أقيمت الصلاة، تقدم وكبر، وكأنه يصلى منفردًا، ولربما انتهي قراءته في الركعة الأولي، ويحسب الداخل أن الإمام ما كبر بعدُ؛ للذي يراه من اعوجاج الصفوف، وعدم تراصها. ومن هؤلاء الأئمة من يكتفي بالنظر إلي المصلين خلفه، ولا ينطق بكلمة واحدة! ويظن أنه بذلك قد قام بما عليه من واجب تسوية الصفوف الذي جاءت به نصوص السنة. وقريب من هؤلاء أئمة آخرون- وإن كانوا يظنون أنهم علي السنة- يقتصرون علي كلمة: "استووا" أو "اعتدلوا"!! وأقول: "لم يكن كل ذلك من هدي نبينا - صلى الله عليه وسلم -، فالواجب علي الإمام أن يأمر الناس قبل الشروع في الصلاة بسد الفرج، وتسوية الصفوف، كما كان يفعل النبي - صلى الله عليه وسلم، ثبت ذلك في أحاديث كثيرة عنه، حتى إذا رأى الإمام أن الصفوف استوت كبّر، فما جاء في الآثار للإمام محمد (ص 13) عن إبراهيم قال: إذا قال المؤذن حي علي الفلاح فإنه ينبغي للقوم أن يقوموا، فيصفوا فإذا قال: قد قامت الصلاة كبر الإمام. قال محمد: وبه نأخذ، وهو قول أبي حنيفة. قلت:- القائل هو شيخنا الألباني-: وعلي هذا كثير من مقلدة الحنفية، وبخاصة في البلاد =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = الأعجمية فإن في ذلك إضاعة للسنة المحمدية كما سبقت الإشارة إلى ذلك آنفًا، وقريب منه اقتصار بعض الأئمة علي قولهم: "استووا. استووا" فقط!! وهذه ذكرى، والذكرى تنفع المؤمنين"، تمام المنة (ص 152). قلت: ولا يتأتى لهؤلاء الأئمة أن يقوموا بواجب تسوية الصفوف، إلا إذا عرفوا كيف كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يسوي الصفوف، واذا كان الأمر كذلك، فلا بد من بيان هذه الكيفية. فكيف كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يسوي الصفوف؟ الجواب: لقد كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يعنى عناية تامة بتسوية الصفوف، ويحث عليها، ويأمر بها، ولعظيم عنايته بذلك، جاءتنا سنته القولية، والعملية. فض السنن القولية: 1 - حديث أنس بن مالك رضي الله عنه قال: أقيمت الصلاة، فأقبل علينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بوجهه، فقال: "أقيموا صفوفكم وتراصوا؛ فإني أراكبم من وراء ظهري". رواه البخاري (719) ومعنى "تراصوا" أي: تلاصقوا بغير خلل. و"أقيموا" أي: سووا. كما في رواية أخرى للبخاري ومسلم، وفي رواية: "رصوا صفوفكم، وقاربوا بينها ... ". رواه أبو داود (667) بسند صحيح. 2 - حديث ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال - صلى الله عليه وسلم -: "أقيموا الصفوف، وحاذوا بين المناكب، وسدوا الخلل". صحيح. رواه أبو داود (666). 3 - حديث النعمان بن بشير قال: قال - صلى الله عليه وسلم -: "أقيموا صفوفكم (ثلاثًا) والله لتقيمن صفوفكم، أو ليخالفن الله بين قلوبكم". صحيح. رواه أبو داود (662). فهذه بعض الأحاديث التي فيها أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - بتسوية الصفوف، والتي يجب على المسلمين كافة- أئمة ومأمومين- العمل بها، لا هجرها كما هو حادث اليوم. والله المستعان. وأما سنته العملية - صلى الله عليه وسلم -. فكثيرة أيضًا، فقد كان - صلى الله عليه وسلم - إذا أقيمت الصلاة أقبل على المسلمين يأمرهم بتسوية الصفوف، ليس هذا فقط، بل كان يقوم بنفسه - صلى الله عليه وسلم - بتسوية الصفوف، فيأمر هذا بالتقدم، ويأمر ذاك بالتأخر، وهكذا حتى تستوي الصفوف، فإذا استوت كبر للصلاة. وهذا من الهدي الذى تركه الأئمة في عصرنا هذا، بل وقبل عصرنا هذا حتى ألف الناس ماهم عليه، بحيث لو قام أحد الائمة بهذا الفعل الآن، لربما قال الناس: غُيرت السنة! =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = ونسوق هنا بعض ما جاءنا في ذلك من هدي النبي - صلى الله عليه وسلم - 1 - عن البراء بن عازب رضي الله عنه قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يتخلل الصف من ناحية إلى ناحية يمسح صدورنا ومناكبنا، ويقول: "لا تختلفوا؛ فتختلف قلوبكم". صحيح. رواه أبو داود (664). 2 - عن النعمان بن بشير قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يسوِّي صفوفنا، حتى كأنما يسوِّي بها القِدَاحَ. وقد تقدم عن النووي تفسير "القداح". 3 - عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يمسح مناكبنا في الصلاة، ويقول: "استووا، ولا تختلفوا ... ". رواه مسلم (432) (122). معناه: أي يسوي مناكبنا في صفوف الصلاة. قلت! وعلى هذه السنة العملية سار السلف الصالح - رضوان الله عليهم- كما جاءت الآثار الصحيحة عنهم بذلك. صفة هذه التسوية: وحتى لا يختلف الناس في المقصود بهذه التسوية، نستعرض هنا النصوص التي جاءت في تلك الصفة عن النبي - صلى الله عليه وسلم -؛ لتكون هي الفيصل والمرجع فيما اختلف فيه. 1 - عن جابر بن سمرة رضي الله عنه قال: خرج علينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: "ألا تصفون كما تصف الملائكة عند ربها؟ "، فقلنا: يا رسول الله! وكيف تصف الملائكة عند ربها؟ قال: "يتمون الصفوف الأول، ويتراصون في الصف". رواه مسلم (430). فالواجب في الصفوف عند الصلاة أن لا يشرع في الصف الثاني قبل إتمام الأول، ولا في الثالث قبل إتمام الثاني، وهكذا. وما كان من نقص فيكون في الصف الأخير، وذلك لما جاء 2 - عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أتموا الصف المقدم، ثم الذي يليه، فما كان من نقص فليكن في الصف المؤخر". صحيح. رواه أبو داود (671)، والنسائي (2/ 93). 3 - وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال - صلى الله عليه وسلم -: "أقيموا الصفوف، وحاذوا بين المناكب، وسدوا الخلل، ولينوا بأيدي إخوانكم، ولا تذروا فرجات للشيطان". صحيح. رواه أبو داود (666). 4 - وعن أنس رضي الله عنه قال: قال - صلى الله عليه وسلم -: "رصوا صفوفكم، وقاربوا بينها، وحاذوا بالأعناق، فوالذي نفسي بيده! إني لأرى الشيطان يدخل من خلل الصف، كأنها الحذف"، صحيح. رواه =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = أبو داود (667)، و"الحذف": بالحاء المهملة والذال المعجمة مفتوحتين، وبعدهما فاء: غنم سود صغار بلا أذناب ولا آذان. وقوله - صلى الله عليه وسلم -: "رصوا" مأخوذ من الرصّ، فيقال: رصّ الباء يرصّه رصًّا، إذا ألصق بعضه ببعض، ومنه قوله تعالى: {كأنهم بنيان مرصوص}. ولا تتأتى هذه الصفة إلا بالالتزام بالتوجيهات النبوية، من المحاذاة بالأعناق، والأكتاف، والأقدام: وسدد الخلل، واللين للآخرين، وعدم ترك فرجات في الصف. وكل هذا فهمه الصحابة رضي الله عنهم من أقواله - صلى الله عليه وسلم -، وننقل هنا عن لعضهم ما يؤيد ذلك فعن أنس قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أقيموا صفوفكم، فإني أراكم من وراء ظهري"، وكان أحدنا يُلْزِقُ مَنْكِبه بمنكب صاحبه، وقدمه بقدمه. رواه البخاري (725). قال الحافظ: أفاد هذا التصريح أن الفعل المذكور كان في زمن النبي - صلى الله عليه وسلم -، وبهذا يتم الاحتجاج به على بيان المراد بإقامة الصف وتسويته". قلت: وفي رواية الإسماعيلي من طريق معمر قال: "ولو فعلت ذلك بأحدهم اليوم لنفر، كأنه بغل شموس". والشموس: هو النَّفُور من الدواب الذي لا يستقر؛ لشغبه وحدَّته. ولم يتفرد أنس بنقل هذه الصفحة عن الصحابة، ولكن نقلها أيضًا النعمان بن بشير فقال: فرأيت الرجل يلصق منكبه بمنكب صاحبه، وركبته بركبة صاحبه، وكعبه بكعبه. رواه أبو داود (662) بسند صحيح، وعلقه البخاري (2/ 211/ فتح). ولا يفوتني هنا أن أنبه أن هذه الصفة التي نقلها لنا صحابة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وعملوا بها قد ظلمت من بعض الناس، وزعموا أن هذه الصفة ليست من السنة! والجواب على هؤلاء من أبسط ما يمكن: لأن هذه الصفة كان عُمل بها على عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - من الصحابة رضوان الله عليهم، كما تقدم النقل عن الحافظ ابن حجر. فإن قال قائل: هذا من فعك الصحابة؟! قلنا: الجواب على ذلك من وجهين أما الأول: فقد رأى ذلك النبي - صلى الله عليه وسلم - وأقرهم عليه، أليس هو القائل في أول حديث أنس: "أقيموا صفوفكم، وتراصوا؛ فإني أراكم من وراء ظهري". رواه البخاري. ففي هذا الحديث أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قد رآهم على ذلك، وأقرهم عليه، إذ لو كان خطأً لنهاهم عن =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = ذلك، وكما هو معلوم أن السنة تكون بالقول، كما تكون بالفعل، أو بالإقرار. وأما الثاني: فهو اتفاف الجميع أن الصحابة رضوان الله عليهم أفهم وأعلم بمراد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، من غيرهم ممن أتى بعدهم، فكيف بمن كان في زماننا هذا؟! أيكون فهمه هو الصواب أم فهمهم رضوان الله عليهم؟! هذا سؤال نترك جوابه للمخالف. هذا وقد ترجم البخاري للباب بقوله: "باب إلزاق المنكب بالمنكب، والقدم بالقدم في الصف". ثم رأيت شيخنا محدث العصر الألباني رحمه الله قد رد على هذا المخالف فقال في "سلسلة الأحاديث الصحيحة" (6/ 77): "وقد أنكر بعض الكاتبين في العصر الحاضر هذا الإلزاق، وزعم أنه هيئة زائدة على الوارد، فيها إيغال في تطبيق السنة! وزعم أن المراد بالإلزاق الحث على سد الخلل لا حقيقة الإلزاق، وهذا تعطيل للأحكام العملية، يشبه تمامًا تعطيل الصفات الإلهية، بل هذا أسوأ منه؛ لأن الراوي يتحدث عن أمر مشهود رآه بعينه وهو. ومع ذلك قال: ليس المراد حقيقة الإلزاق! فالله المستعان" أهـ. تنبيه: من أجل ذلك كانت دعوتنا لا تعتمد على الكتاب والسنة فقط، كما يلهج غيرنا بذلك باختلاف اتجاهاتهم ومناهجهم، وإنما الكتاب والسنة وعلى فهم السلف الصالح. ولا يظن ظان أنه ليس على هذا القيد: "فهم السلف الصالح" دليل، بل عليه أدلة من كتاب الله عز وجل ومن سنة النبي - صلى الله عليه وسلم -. عودٌ على بدء: فالواجب إذن تسوية الصفوف على الصفة التي أمر بها النبي - صلى الله عليه وسلم -، وعلمها أصحابَه، وعملوا بها، ونقلوها إلينا. ولا تكون هذه الصفة إلا بإلزاق القدم بالقدم، كما تكون بإلصاق المنكب بالمنكب، وبهذه الصفة، نعلم الفرق بين صفوف المسلمين اليوم في الصلاة، وبين الصفوف التي قال عنها النعمان بن بشير: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يسوِّي صفوفنا، حتى كأنما يسوِّي بها القِداح. رواه مسلم (436) (128). فوائد تسوية الصفوف: ولتسوية الصفوف فوائد عظيمة وكثيرة، منها: 1 - منع دخول الشياطين بين المصلين. وفي ذلك أحاديث، منها: أ- عن أبي أمامة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " ... سوّوا صفوفكم، وحاذوا بين مناكبكم، ولينوا =

165 (80) -[و] (¬1) عن أنس بنِ مالكٍ رضي الله عنه؛ أنَّ جدَّتهُ مُليكة (¬2) دعتْ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لطَعَامٍ صَنَعَتْهُ (¬3)، فأكلَ مِنه، ثم قال: "قُومُوا ¬

_ = في أيدي إخوانكم، وسدّوا الخلل؛ فإن الشيطان يدخل بينكم بمنزلة الحذف"، يعني: أولاد الضأن الصغار. رواه حمد (5/ 262)، قال المنذري: إسناده لا بأس به. قلت: وهو صحيح لشواهده. ب- عن ابن عمر قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " ... ولا تذروا فرجاتٍ للشيطان ... ". وقد تقدم. جـ- عن أنس قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " ... إني لأرى الشيطان يدخل من خَلَلِ الصف؛ كأنها الحذف". وقد تقدم. 2 - اجتماع القلوب، ومنع اختلافها. وفي ذلك أحاديث، منها: أ- عن البراء بن عازب قال: قال - صلى الله عليه وسلم -: "لا تختلفوا؛ فتختلف قلوبكم ... ". وقد تقدم. ب- عن النعمان بن بشير قال: قال - صلى الله عليه وسلم -: " ... والله لتقيمن صفوفكم أو ليخالفن الله بين قلوبكم". صحيح رواه أبو داود (662) جـ - عن أبي مسعود قال: قال - صلى الله عليه وسلم - "استووا، ولا تختلفوا، فتختلف قلوبكم" (م: 432). 3 - إتمام الصلاة وإقامتها. وفي ذلك جاء حديث أنس بن مالك قال: قال - صلى الله عليه وسلم -: "سوُّوا صفوفكم؛ فإن تسوية الصف من تمام الصلاة". متفق عليه. وفي رواية للبخاري: "فإن تسوية الصفوف من إقامة الصلاة". وفي رواية لابن خزيمة: "إن من حسن الصلاة إقامة الصف". رقم (1543). انتهى ملخصًا. والله أسأل أن ينصر كتابه وسنة نبيه، وأن يوفق الجميع لخير الهدي وأحسنه؛ هدي محمد - صلى الله عليه وسلم -. (¬1) زيادة من "أ". (¬2) اختلف في الضمير الذي في "جدته"، فقيل: "يعود على إسحاق- الراوي عن أنس- جزم به ابن عبد البر، وعبد الحق، وعياض، وصححه النووي. وجزم ابن سعد، وابن منده، وابن الحصار بأنها جدة أنس؛ والدة أمه أم سليم، وهو مقتضى كلام إمام الحرمين في "النهاية" ومن تبعه، وكلام عبد الغني في "العمدة"، وهو ظاهر السياق". انظر "الفتح" (1/ 489). (¬3) زاد البخاري: "له".

فَلأُصَلِّيَ لكم "قال أنسٌ: فقمت إلى حَصِيرٍ لنا قد اسودَّ من طُولِ ما لُبِس (¬1) فنضحتُه بماءٍ، فقامَ عليه رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -، وصَفَفْتُ أنا واليَتِيمُ (¬2) وَراءَهُ والعَجُوز (¬3) مِن وَرائِنا، فصلَّى لنا ركعتين، ثم انصرفَ - صلى الله عليه وسلم -. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ (¬4). - ولمسلمٍ: أنَّ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - صلَّى به، وبأُمِّه (¬5) فأقَامَني عن يمينه، وأقامَ المرأةَ خَلْفنا (¬6). 166 (81) - عن ابن عبَّاس قالَ: بِتُّ عندَ خَالتِي ميمونةَ (¬7)، فقامَ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - يصلِّي من الليل، فقُمْتُ أُصلِّي معَه، فقمتُ عن يَسارِه، فأخذَ برأسِي، فأقَامنِي عن يمينِهِ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ (¬8). ¬

_ (¬1) يعني: استُعمِل. وفيه تسمية الافتراش لبسًا. (¬2) قال المصنف في "الصغرى": "اليتيم. قيل: هو ضميرة جدّ حسين بن عبد الله بن ضميرة". قلت. وقوله: "اليتيم" يجوز فيه الرفع؛ لأنه معطوف على الضمير المرفوع، كما يجوز النصب على أنه مفعول معه، وبالوجهين جاء في صحيح البخاري. (¬3) هي أم سليم أم أنس. (¬4) رواه البخاري (380)، ومسلم (658). (¬5) زاد مسلم: "أو خالته. قال: ". (¬6) رواه مسلم (660) (268). (¬7) وفي رواية لمسلم: "بعثني العباس إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -"، وزاد الطحاوي في "المشكل" (12): "وأمرني أن أبيت بآل رسول الله الليلة، وتقدم إليّ أن لا تنام حتى تحفظ لي صلاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -"، وفي رواية لمسلم: "فقلت لها: إذا قام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأيقظيني". وفي رواية لابن خزيمة- بسند ضعيف- (1093): "وكانت ميمونة حائضًا"، ومع إقرار ابن الملقن بضعفها، فقد قال: "هي حسنة المعنى جدًا؛ إذ لم يكن ابن عباس يطلب المبيت في ليليةٍ للنبي - صلى الله عليه وسلم - فيها حاجة إلى أهله"! (¬8) رواه البخاري (699)، ومسلم (763) ضمن حديث طويل.

7 - باب الإمامة

7 - باب الإمامة 967 - عن أبي مسعودٍ؛ عُقبة بن عَمرو [البدريّ] (¬1) الأنصاريّ رضي الله عنه، قال: قالَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "يَؤُمُّ القومَ أقرؤُهُم لكِتَابِ الله، فإنْ كانُوا في القِرَاءةِ سواءً فأعلَمُهُم بالسُّنَةِ، فإنْ كانُوا في السُّنةِ سواءً فأقدَمُهُم هِجْرةً، فإنْ كانُوا في الهجرةِ سواءً فأقدَمُهُم سِلْمًا، ولا يُؤَمَّنَّ الرجلُ في سُلطانِهِ، ولا يُقْعَدُ على تَكرِمَتِهِ في بَيتِهِ إلا بإذنِهِ". قال جماعةٌ: بدل "سِلمًا" "سِنًا". أخرجه الجماعةُ إلا البخاريّ (¬2). 168 - عن أبي سعيدٍ الخدريِّ رضي الله عنه، قال: قالَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "إذا كانُوا ثَلاثةً، فليؤُمَّهُم أحدُهم، وأحقُّهم بالإِمامةِ أقرؤُهم". م س (¬3). ¬

_ (¬1) زيادة من "أ". (¬2) رواه مسلم (673)، وأبو داود (582)، والنسائي (2/ 76)، والترمذي (235)، وابن ماجه (980). وزاد أبو داود: "قال شعبة- يعني: ابن الحجاج-: قلت لإسماعيل- يعنيْ ابن رجاء- ما تكرمته؟ قال: فراشه". وقال الترمذي: "حديث أبي مسعود حديث حسن صحيح، والعمل على هذا عند أهل العلم. قالوا: أحق الناس بالإمامة أقرؤهم لكتاب الله، وأعلمهم بالسنة. وقالوا: صاحب المنزل أحق بالإمامة. وقال بعضهم: إذا أذن صاحب المنزل لغيره فلا بأس أن يصلى به، وكرهه بعضهم، وقالوا: السنة أن يصلي صاحب البيت. قال أحمد بن حنبل. وقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "ولا يُؤمُ الرجل في سلطانه، ولا يُجلَسُ على تكرمته في بيته إلا بإذنه"، فإذا أذن فأرجو أن الإذن في الكل، ولم ير به بأسًا إذا أذن له أن يصلي به". قلت: و"سلمًا" يعني: إسلامًا. و"تكرمته": "الفراش ونحوه مما يبسط لصاحب المنزل ويخص به". (¬3) رواه مسلم (672)، والنسائي (2/ 77).

169 - عن عبد الله بنِ عُمر رضي الله عنهما قال: لما قَدِمَ المهاجِرُونَ الأوَّلون العصْبَةَ (¬1) - مَوْضعٌ بقباءَ - قبلَ مقدَم رِسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يؤُمُّهم سَالِمٌ مولى أبي حُذَيفة، وكانَ أكثَرَهم قُرآنًا، وكان فِيهم عمر بنُ الخطَّاب، وأبو سلَمة بنُ عبدِ الأسدِ. خ د (¬2). - ورأيتُ عند البُخاري: "وفيهم أَبو بكرٍ وعمرُ". وذكرُ أبي بكرٍ عِندي وَهَمٌ لا أعرِفُ له مخرجًا (¬3). ¬

_ (¬1) قلت. اختلف في ضبطه واسمه، فنقل ياقوت في "معجم البلدان" أنه: "العَصَبة بالتحريك هو موضع بقباء، ويروى المعصَّب، وفي كتاب السيرة لابن هشام: نزل الزبير لما قدم المدينة: علي منذر بن محمد بن عقبة بن أحيحة بن الجلاح بالعُصْبة دار بني جحجبا، هكذا ضبطه بالضم ثم السكون، والله أعلم". أهـ. قلت: و"المعصب" - بوزن محمد - هو الذي اختاره البكري في "معجم ما استعجم"، فقال (3/ 946): "عَصْبَة: بفتح أوله وإسكان ثانيه، بعده باء معجمة بواحدة: موضع مذكور في رسم المعصب". ثم قال (4/ 1244): "العصب": بضمّ أوّله، وفتح ثانيه، وتشديد الصاد المهملة، بعدها باء معجمة بواحدة: موضع بقُباء. روى البُخاريّ من طريق نافع عن ابن عمر، قال: لما قدم المهاجرون الأوَّلون المعصَّب قبل مَقْدَم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، كان يَؤمُّهم سالمٌ مولى أبي حذيفة، وكان أكثرهم قرآنُا. هكذا ثبتَ في متنِ الكتاب. وكتب عبد الله بن إبراهيم الأصيليُّ عليه "العصبة"، مُهملًا غير مضبوط". أهـ. (¬2) رواه البخاري (692)، وأبو داود (588)، والسياق لأبي داود. (¬3) كذا جاء في الأصل علي أول هذه الجملة حرف "لا"، وعلى آخرها حرف "إلى"، وهو اصطلاح عندهم يقصد به: أن ما بين هذين الحرفين ليس في النسخة، وأنه كتب فيها من باب الخطأ، ولكن في هذه الحالة عادتهم أيضًا أنهم - بالإضافة إلى ذلك - يضربون علي المراد حذفه، وهذا غير واقع هنا. أو يقصد به: أن ما بين هذين الحرفين ليس في السماع، وهو الذي أرجحه هنا، ومن وقف علي =

170 (82) - عن أبي هُريرة، عن النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قال: "أَمَا يخشَى الذي يرفَعُ رأسَه قبلَ الإِمامِ أنْ يُحوِّلَ اللهُ رأسَه رأسَ حمَارٍ، أو يجعلَ صُورَتَه صُورةَ حِمَارٍ". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ (¬1). ¬

_ = الأصل الخطي لعله يتفق معي في ذلك. وأزيد في هذه الطبعة فأقول: ليس لهذه الجملة ذكر في "أ"، فلعل المراد الأول هو الآن أرجح؛ وذلك لخلو هذه النسخة من تلك الزيادة أصلًا. والله أعلم. وأما عن هذه الرواية فهي في البخاري برقم (7175) وهي بتمامها عن ابن عمر قال: كان سالم مولى أبي حذيفة يؤم المهاجرين الاولين، وأصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - في مسجد قباء، فيهم أبو بكر، وعمر، وأبو سلمة، وزيد، وعامر بن ربيعة. ووجه الإشكال أن هذا الأمر كان قبل مقدم النبي - صلى الله عليه وسلم - المدينة، وأبو بكر رضي الله عنه كان رفيقه في الهجرة، فكيف يكون فيمن كان يؤمهم سالم رضي الله عنه قبل الهجرة؟! وأجاب البيهقي عن ذلك، فقال في "الكبرى" (3/ 89): "كذا قال: وفيهم أبو بكر وعمر، ولعله في وقت آخر؛ فإنه إنما قدم أبو بكر رضي الله عنه مع النبي - صلى الله عليه وسلم -. ويحتمل أن تكون إمامته إياهم قبل قدومه وبعده، وقول الراوي: وفيهم أبو بكر أراد بعد قدومه. والله أعلم". ونقل القسطلاني في "الإرشاد" (10/ 246): "وأجاب البيهقي باحتمال أن يكون سالم استمر علي الصلاة بعد أن تحول النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى المدينة، ونزل بدار أبي أيوب قبل بناء مسجده بها، فيحتمل أن يقال: كان أبو بكر يصلي خلفه إذا جاء إلى قباء". ولكن الحافظ في "الفتح" (2/ 186) استبعد ذلك قائلًا: "ولا يخفى ما فيه". أما الحافظ ابن رجب رحمه الله فيرى أنه "ليس في هذا الحديث إشكال كما توهمه البعض"! انظر "فتح الباري" له. كتاب الأذان. باب إمامة العبد والمولى. (4/ 175). (¬1) رواه البخاري - والسياق له - (691)، ومسلم (427). وكما ورد الحديث هنا بلفظ: "الصورة"، وبلفظ: "الرأس"، فقد جاء أيضًا بلفظ: "الوجه" كما عند مسلم، ومع أن الحافظ قال: "الظاهر أن ذلك من تصرف الرواة" إلا أنه رجح رواية الرأس، واعتمدها؛ لشمولها، ولكثرة رواتها، أما القاضي عياض، فقال: "هذه الروايات متفقة؛ لأن الوجه في الرأس، ومعظم الصورة فيه". =

171 - عن أنس بنِ مَالكٍ رضي الله عنه قال: صلَّى بنا رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - ذاتَ يومٍ، فلمّا قضى الصَّلاةَ أقبلَ علينا بوجْهِهِ، فقالَ: "أيُّها الناسُ! إنِّي إمَامُكم، فلا تَسْبِقُوني بالرُّكُوعِ، ولا بالسُّجُودِ، ولا بالقِيَامِ، ولا بالانْصِرَافِ؛ فإنِّي أَرَاكُم مِن أمَامِي، ومِن خَلْفي". ثم قالَ: "والذي نفسُ محمدٍ بيدِهِ لو رأيتُم ما رَأَيْتُ لَضَحِكْتُم قَلِيلًا، ولَبَكَيْتُم كَثِيرًا". قالوا: يا رسولَ الله! وما رأيتَ؟ قال: "رأيتُ الجَنَّةَ والنَّارَ". م (¬1). ¬

_ = قلت: اختلفوا في معنى الوعيد المذكور في الحديث. فقيل: هو مجازي؛ إذ الحمار موصوف بالبلادة، فاستعير هذا المعنى للجاهل بما يجب عليه من فرض الصلاة، ومتابعة الإمام، وربما يرجح هذا المجاز بأن التحويل في الصورة الظاهرة لم يقع مع كثرة رفع المأمومين قبل الإمام. ولكن هذا القول مردود من وجوه: أولها: أن الحديث ليس فيه دليل علي وقوعه ولا بد، وإنما يدل علي تعرض فاعله له، وصلاحية فعله لوقوع ذلك الوعيد، ولا يلزم من التعرض للشيء وقوع ذلك الشيء. قاله ابن دقيق العيد في "الإحكام" (1/ 202). ثانيها: قال ابن الجوزي: في الرواية التي عبر فيها بالصورة: هذه اللفظة تمنع تأويل من قال المراد رأس حمار في البلادة. ثالثها: روى ابن حبان هذا الحديث (2283) بسند صحيح، ولكن بلفظ: "الكلب، بدلًا من لفظ: "الحمار". قال ابن حجر في "الفتح" (2/ 184): "هذا يقوي حمله علي ظاهره ... ويبعد المجاز؛ لانتفاء المناسبة التي ذكروها من بلادة الحمار". رابعها: ومما يبعده أيضًا إيراد الوعيد بالأمر المستقبل، وباللفظ الدال علي تغيير الهيئة الحاصلة، ولو أريد تشبيهه بالحمار لأجل البلادة لقال مثلًا: فرأسه رأس حمار. وإنما قلت ذلك لأن الصفة المذكورة وهي البلادة حاصلة في فاعل ذلك عند فعله المذكور، فلا يحسن أن يقال له: يخشى إذا فعلت ذلك أن تصير بليدًا، مع أن فعله المذكور إنما نشأ عن البلادة. قاله ابن حجر. (¬1) رواه مسلم (426).

172 - عن أبي هريرة، عن النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قالَ: "إنَّما جُعِلَ الإِمامُ ليُؤْتمَّ بِهِ، فلا تختَلِفُوا عليه، فإذا كَبَّر فكَبِّروا، وإذا رَكَعَ فاركَعُوا، وإذا قالَ: سَمعَ اللهُ لمن حَمِدَه، فقُولُوا: ربَّنا و (¬1) لكَ الحمدُ، وإِذا سَجَدَ فاسْجُدُوا، وإذا صلَّى جَالِسًا فصَلُّوا جُلُوسًا أجمعُونَ". مُتَّفَقٌ عَلَيهِ (¬2). 173 (84) - وعن عائِشةَ رضي الله عنها قالتْ: صلَّى رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - في بَيتِهِ - وهو شَاكٍ - فصلَّى جَالِسًا، وصلّى وراءَه قومٌ قِيامًا، فأشارَ إليهم: أنِ اجلِسُوا، فلمّا انصرفَ، قال: "إِنَّما جُعِلَ الإِمامُ ليؤتمَّ به، فإذا رَكَعَ فارْكَعُوا، وإذا رَفَعَ فارْفَعُوا، وإذا قالَ: سَمِعَ الله لِمَنْ حَمِدَه، فقولُوا: ربَّنا ولكَ الحمْدُ، وإذا صلَّى جَالِسًا فصلُّوا جُلُوسًا أجمَعُون". مُتَفَقٌ عَلَيهِ د (¬3). 174 (85) - عن عبد الله بنِ يزيدَ (¬4) قال: حدَّثني البراءُ - وهو غيرُ ¬

_ (¬1) كذا الأصل بإثبات "الواو"، وهي رواية أبي ذر والأصيلي، وباقي روايات البخاري - وكذلك مسلم - بدون "الواو". إلا أنه عند مسلم: "اللهم ربنا لك الحمد". ولم تذكر "الواو" في "أ". (¬2) رواه البخاري (734)، ومسلم (414)، وزاد البخاري في رواية (722): "وأقيموا الصف في الصلاة؛ فإن إقامة الصف من حسن الصلاة". (¬3) رواه البخاري - والسياق له - (688)، ومسلم (412)، وأبو داود (605)، إلا أن لفظة: "أجمعون" ليست عندهم. تنبيه: جملة: "وإذا قال: سمع الله لمن حمده، فقولوا: ربنا ولك الحمد" من زيادات أبي ذر وابن عساكر كما قال القسطلاني في "الإرشاد" (2/ 50) قلت: ولديّ نسخة نفيسة من رواية أبي الوقت، وفيها هذه الجملة (ج 1/ ق 49/ ب)، وانظر الحديث في "النسخة اليونينية"، وأيضًا في شرح ابن حجر. (¬4) هو: عبد الله بن يزيد الخطمي الأنصاري -كما ذكره المصنف في "الصغرى" - وهو صحابي =

كَذُوبٍ (¬1) - قالَ: كانَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - إذا قالَ: "سَمعَ الله لمن حَمِدَهُ" لم يَحْنِ أحدٌ منَّا ظهرَه، حتَّى يقعَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - سَاجِدًا، ثم نقَعُ سُجُودًا بعدَه. مُتَّفَقٌ عَلَيْه (¬2). 175 (86) - عن أبي هُريرة؛ أنَّ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إذا أَمَّنَ الإِمامُ فأمِّنُوا؛ فإنَّه مَن وافَقَ تأمِينُه تأمِينَ الملائكَةِ، غُفِرَ له ما تقدَّمَ مِن ذَنْبِهِ". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ (¬3). 176 - عن أبي هُريرة، قال: كانَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - إذا تلا: {غَيْرِ ¬

_ = ابن صحابي، شهد الحديبية وهو ابن سبع عشرة سنة، وشهد مع علي حروبه، وفي الكوفة لابن الزبير، ومات في زمانه، روى له الجماعة. (¬1) قوله: "وهو غير كذوب" قال ابن حجر (2/ 181): "الظاهر أنه من كلام عبد الله بن يزيد، وعلى ذلك جرى الحميدي في جمعه وصاحب العمدة" وانظر "الفتح" (4/ 159) لابن رجب. (¬2) رواه البخاري (690)، ومسلم (474) (198). (¬3) رواه البخاري (780)، ومسلم (410). وزاد الصنف -رحمه الله- في "الصغرى" حديثين، وهما: 87 - عن أبي هُريرة رضي الله عنه؛ أن رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إذا صلَّى أحدُكم للناس فليُخفِّف؛ فإن فيهم الضَّعيفَ والسَّقِيمَ وذا الحاجةِ. وإذا صلَّى أحدُكم لنفسه فليُطَوِّلْ ما شاء". (رواه البخاري: 703. ومسلم: 467). 88 - عن أبي مسعودٍ الأنصاريّ رضي الله عنه قال: جاء رجلٌ إلى رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم -، فقال: إني لأتأخَّرُ عن صلاةِ الصُّبح من أجل فُلانٍ؛ مما يُطيل بنا. قال: فما رأيتُ النبي - صلى الله عليه وسلم - غَضِبَ في موعظةٍ قط أشد مما غضبَ يومئذٍ. فقال: "يا أيها الناس! إن منكم مُنَفِّرين، فأيكُم أمَّ الناسَ فليوجِز؛ فإن مِن ورائه الكبيرَ، والصَّغير، وذا الحاجة" (رواه البخاري: 7159. ومسلم: 466).

الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ}. قال: "آمين"، حتى يَسمَعَ مَن يليهِ من الصَّفِّ الأولِ. د (¬1). 177 - عن وائل بنِ حُجْر رضي الله عنه قال: كانَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - إذا قرأَ: {وَلَا الضَّالِّينَ} قال: "آمين"، ورفعَ بها صوتَه. د (¬2). 178 - عن أبي هُريرة رضي الله عنه، قال: قالَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "وَسِّطُوا الإِمامَ، وسُدُّوا الخللَ". د (¬3). 179 - عن عبد الله بنِ عَمْرو (¬4) رضي الله عنهما قال: قالَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "ثَلاثةٌ لا تُقبلُ لهم صَلاةٌ (¬5): الرَّجُلُ يَؤمُّ القومَ وهُم له كَارِهُونَ، والرجلُ لا يأتي الصَّلاةَ إلا دِبَارًا - يعني: بعد أن (¬6) يفُوتَه الوقت - ورجُلٌ اعتبَدَ مُحرّرًا". د ق (¬7). ¬

_ (¬1) ضعيف. رواه أبو داود (934) من طريق بشر بن رافع، عن أبي عبد الله ابن عم أبي هريرة، وهذا سند قال عنه البوصيري في "مصباح الزجاجة" (ق 56/ أ): "إسناد ضعيف، أبو عبد الله لا يعرف حاله، وبشر ضعفه أحمد، وقال ابن حبان: يروي الموضوعات [كأنه كان المتعمد لها] ". (¬2) صحيح. رواه أبو داود (932). (¬3) ضعيف، رواه أبو داود (681)، في سنده يحيى بن بشير بن خلاد، وهو: "مجهول"، عن أمه وهي "مجهولة" أيضًا. (¬4) تحرف في الأصل إلى: "عُمر"، والتصحيح من "أ". (¬5) كذا في الأصل، وهي رواية ابن ماجة، وفي "أ": "ثلاثة لا يقبل الله لهم صلاة"، وهي رواية أبي داود. (¬6) في "أ": "ما"، وهي رواية ابن ماجة. (¬7) ضعيف. رواه أبو داود (593) وابن ماجه (970)، وفي سنده عبد الرحمن بن زياد الإفريقي وعمران المعافري، وكلاهما "ضعيف". والجملة الأولى صحت في أحاديث أخرى.

8 - باب صفة صلاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -

180 - عن ثوبان رضي الله عنه، عن رسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا يَحِلُّ لامرئٍ أنْ يَنْظُرَ في جوفِ بيتِ امرئٍ حتى يستأذِنَ، فإنْ نظرَ فقد دَخَلَ، ولا يَؤُمُّ قومًا فيَخُصَّ نفسَه بدعوةٍ دُونَهم، فإنْ فعلَ فقدْ خَانَهم، ولا يَقومُ إلى الصَّلاةِ وهو حَقِنٌ (¬1) ". ق ت وقال: حدِيثٌ حسنٌ (¬2). 8 - باب صفة صلاة رسول الله (¬3) - صلى الله عليه وسلم - 181 - عن عائِشَةَ رضي الله عنها، قالتْ: كانَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - إذا استفتَحَ الصَّلاةَ قال: "سُبحانك اللهمّ وبحمْدِكَ، وتبارَكَ اسمُك، وتعالى جَدُّك، ولا إله غيرُك". د ت ق (¬4). ¬

_ (¬1) الْحَقِنُ والحاقن سواء، وهو الذي حُبِس بولُه. "النهاية". (¬2) صحيح. رواه الترمذي (357)، وأبو داود (90)، والبخاري في "الأدب المفرد" (1093) بتحقيقي، وقال البخاري: "أصح ما يروى في هذا الباب هذا الحديث". وأما ابن ماجه فلم يرو منه القسم الأول الخاص بالاستئذان، وإنما روى القسم الخاص بالإمامة برقم (923)، والقسم الأخير برقم (617). تنبيه: قوله في هذا الحديث: "ولا يؤم قومًا فيخص نفسه بدعوة دونهم، فإن فعل فقد خانهم" لا يصح، بل قال بوضع هذه الجملة شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم رحمهما الله تعالى، انظر "الأدب المفرد" (2/ 613 بتحقيقي) طبع مكتبة المعارف بالرياض. (¬3) في "أ": "النبي". (¬4) ضعيف. رواه أبو داود (776) من طريق عبد السلام بن حرب الملائي، عن بديل بن ميسرة، عن أبي الجوزاء، عن عائشة ... به. وقال أبو داود: "وهذا الحديث ليس بالمشهور عن عبد السلام بن حرب، لم يروه إلا طلق بن غنام، وقد روى قصةَ الصلاة عن بديل جماعةٌ لم يذكروا فيه شيئًا من هذا". وقد حاول الشيخ أحمد شاكر -رحمه الله- تصحيح الحديث في تعليقه علي "سنن الترمذي"، =

182 - وأخرجه س من حدِيثِ أبي سعيدٍ الخدري (¬1). 183 (90) - عن عائِشةَ رضي الله عنها، قالتْ: كانَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - يستفْتِحُ الصَّلاةَ بالتَّكبِيرِ، والقراءَةَ بـ: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} وكانَ إذا ¬

_ = وأيد ذلك بحديث أبي سعيد الآتي بعده، وحاول ذلك شيخنا أيضًا في "الإرواء" (2/ 50) بعد أن بسط كلام أحمد شاكر، وزاد فيه. ولكن الحق - فيما أرى - مع أبي داود رحمه الله، فبالإضافة إلى العلة التي ذكرها أبو داود - وهي إشارة إلى المخالفة لحديث عائشة الآتي (183) - هناك علة أخرى، وهي الانقطاع بين أبي الجوزاء وعائشة! إذ لم يسمع منها شيئًا. ثم هو مروي من طريق حارثة بن أبي الرجال، عن عمرة، عن عائشة، رواه الترمذي (243)، وابن ماجه (805)، وقال الترمذي: "وحارثة قد تكلم فيه من قبل حفظه". قلت: قال عنه البخاري وأبو حاتم: "منكر الحديث". وقال أو زرعة: "واهي الحديث". وقال النسائي وابن معين: "ليس بثقة"، وعليه فلا يفرح بهذا الطريق. وهذا الحديث أيضًا ضعفه الدارقطني والبيهقي. وزاد المصنف -رحمه الله- في "الصغرى" قبل هذا الحديث (183) (90) حديثا - هو أصح أدعية الاستفتاح - وهو: 89 - عن أبي هُريرة رضي الله عنه قال: كان رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - إذا كَبَّرَ في الصَّلاة سكت هُنَيَّةً قبل أن يقرأَ. فقلتُ: يا رسول الله! بأبي أنت وأمّي، رأيتَ سُكوتَك بين التكبير والقراءة؛ ما تقول؟ قال: أقول: "الَّلهمّ باعِدْ بيني وبين خَطَاياي كما باعدتَ بين المشرِقِ والمغربِ. اللهم نقِّني مِن خَطَاياي كما يُنقَّى الثوبُ الأبيضُ من الدَّنسِ. اللهم اغسِلْني مِن خطاياي بالثَّلج، والماءِ، والبَرَدِ" (رواه البخاري: 744. ومسلم: 598). (¬1) ضعيف. رواه النسائي (2/ 132) وأعل بالإرسال، وقال أحمد: "لا يصح هذا الحديث". ورواه أبو داود (775)، والترمذي (242) وغيرهما، وعندهما زيادة صحيحة، انظر "بلوغ المرام" (273) بتحقيقي.

رَكَعَ لم يُشخِصْ رأسَه، ولم يُصوِّبُهُ، ولكن بينَ ذلك، وكانَ إذا رفعَ رأسَه مِن الرُّكُوعِ لم يسجُد حتى يستوِي قائمًا، وكانَ إذا رَفَعَ رأسَه من السَّجْدةِ لم يسجدْ حتى يستوِي قاعِدًا، وكانَ يقولُ في كلِّ ركعتينِ: التَّحِيّةَ. وكانَ يفرِشُ رِجْلَهُ اليُسرى، ويَنْصِبُ رِجْلَهُ اليُمنى. وكانَ ينهى عن عُقْبَةِ الشَّيطانِ، وينهى أنْ يفرِشَ الرَّجل ذِراعَيْهِ افتراشَ السَّبُعِ. وكانَ يختمُ الصَّلاةَ بالتَّسلِيمِ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. د (¬1). 184 (91) - عن ابنِ عُمر رضي الله عنه؛ أنّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - كانَ يرفَعُ يدَيه حَذْو مَنْكِبَيه إذا افتتحَ الصَّلاةَ، وإذا كَبَّرَ للرُّكُوعِ، وإذا رفَعَ رأسَه مِن الرُّكُوع رِفعَهُما كذلك، وقال: "سَمعَ الله لمن حَمِدَه. ربَّنا ولكَ الحمْدُ". وكانَ لا يفعلُ ذلكَ في السُّجودِ. مُتَفَقٌّ عَلَيْهِ (¬2). ¬

_ (¬1) ضعيف. رواه مسلم (498)، وأبو داود (783) - وعزوه للبخاري وهم من الحافظ عبد الغني - رحمه الله - من طريق أبي الجوزاء، عن عائشة، ولم يسمع منها. وقال الحافظ في "البلوغ" (274): "أخرجه مسلم، وله علة". وقال ابن الملقن في "الإعلام" (1/ 77/ ب): "هذا الحديث سهى المصنف في إيراده في كتابه؛ فإنه من أفراد مسلم، وشرطه - يعني: في الصغرى- إخراج ما اتفقا عليه، وفي إسناده علة ذكرتها في تخريج أحاديث الرافعي، فسارع إليه ... ". وجاء في هامش الأصل: "أخرجه مسلم وحده. قاله ضياء الدين؛ محمد بن عبد الواحد". "تنبيه": بلغني أن أعرابيا - بوالا على عقبيه - وشيخا له عسر عليهما فهم كلامي حول هذا الحديث! فإن صح ذلك فلا أدري ما الذي أدخلهما أصلًا في هذا العلم. (¬2) رواه البخاري - والسياق له - (735)، ومسلم (390). قال الربيع: قلت للشافعي: ما معنى رفع اليدين؟ قال: تعظيم الله، واتباع سنة نبيه - صلى الله عليه وسلم -. "تنبيه": وقعت رواية غريبة لهذا الحديث في "مسند الحميدي" المطبوع رقم (614): " ... وإذا =

185 (92) - عن ابنَ عباسٍ قال: قالَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "أُمِرتُ أنْ أسجُدَ علي سبعةِ أَعْظُمٍ: علي الجبهةِ - وأشارَ بيدِه إلى (¬1) أنفِهِ - واليدينِ، والرُّكبتينِ، وأطراف القدمين". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ (¬2). 186 (93) - عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: كانَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - إذا قامَ إلى الصَّلاةِ، يُكبِّر حِين يقومُ، ثم يُكبِّرُ حِين يركَعُ، ثم يقول: "سَمِعَ الله لمن حَمِدَه" حِين يرفَعُ صُلْبَه مِن الرَّكْعةِ ثم يقولُ - وهو قائم -: "ربَّنا ولكَ الحمدُ". ثم يُكَبِّرُ حين يهوي، ثم يُكَبِّرُ حِين يرفَعُ رأسَه، ثُمَّ يُكَبِّرُ حينَ يسجُدُ ثم يُكَبِّرُ حِين يرفعُ رأسه، ثم يفعلُ ذلكَ في صَلاتِهِ كلِّها حتَى يَقْضِيها، ويُكبِّرُ حِين يقومُ مِن الثِّنتينِ بعدَ الجُلوسِ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ (¬3). ¬

_ = أراد أن يركع، وبعدما يرفع رأسه من الركوع فلا يرفع، ولا بين السجدتين"، ثم علق علي ذلك محققه حبيب الرحمن الحنفي، وختم تعليقه بقوله: "ولم يتعرض أحد من المحدثين لرواية الحميدي هذه"! قلت: كيف يتعرضون لشيء لا وجود له؛ إذ الموجود في المخطوط (مسند الحميدي): " ... وإذا أراد أن يركع، وبعدما يرفع رأسه من الركوع، ولا يرفع بين السجدتين". ثم طبع "المسند" بتحقيق حسين أسد، والحديث فيه علي الصواب برقم (626). (¬1) كذا في الأصل، وفي "الصحيحين" بلفظ: "علي". وقال الحافظ في "الفتح" (2/ 296): "وقع في العمدة بلفظ: "إلى" وهي في بعض النسخ من رواية كريمة". (¬2) رواه البخاري - والسياق له - (812)، ومسلم (490) (230)، وزادا: "ولا نكفت الثياب، ولا الشعر". (¬3) رواه البخاري (789)، ومسلم (392). وزاد المصنف -رحمه الله- في "الصغرى" حديثًا واحدًا، وهو: =

187 (95) - عن البراءِ قال: رَمقتُ (¬1) الصَّلاةَ مع محمدٍ - صلى الله عليه وسلم -، فوجدتُ قِيامَه، فَرَكْعَتَهُ، فاعتِدالَهُ بعدَ رُكُوعِهِ، فسَجْدَتَهُ، فجَلْسَتَهُ بينَ السَّجْدَتَينِ، فسَجْدَتَهُ، فجَلْسَتَهُ ما بينَ التسليمِ والانصرافِ. قريبًا مِن السَّواءِ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. إلا أنّ في روايةِ البُخاري: ما خَلا القِيامَ والقعودَ قرِيبًا مِن السَّواءِ (¬2). 188 - عن محمد بنِ عَمرو بن عطاء (¬3)؛ أنَّه كانَ جالسًا مع نفرٍ من ¬

_ = 94 - عن مُطَرِّف بن عبد الله قال: صلّيتُ خلفَ عليّ بن أبي طالبٍ- أنا، وعمران ابن حُصين- فكان إذا سجدَ كَبَّر، وإذا رفعَ رأسَه كبَّر، وإذا نهضَ من الركعتينِ كَبَّر، فلما قضى الصَّلاةَ أخذ بيدي عمرانُ بنُ حُصين، فقال: قد ذكَّرني هذا صلاةَ محمدٍ - صلى الله عليه وسلم -، أو قال: صلَّى بنا صلاةَ محمدٍ - صلى الله عليه وسلم -. (رواه البخاري: 787. ومسلم: 393). (¬1) رمقت: نظرت. (¬2) رواه البخاري (792)، ومسلم- والسياق له- (471). وزاد المصنف- رحمه الله- في "الصغرى" حديثين، وهما: 96 - عن ثابت البُناني، عن أنس بن مالكٍ رضي الله عنه قال: إنِّي لا آلُو أن أُصلِّي بكم كما رأيتُ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - يُصلِّي بنا. قال ثابت: فكان أنسٌ يصنعُ شيئًا لا أرَاكُمْ تصنعُونه. كان إذا رفعَ رأسَه من الرُّكوع انتصبَ قائمًا، حتى يقولَ القائلُ: قد نَسِي. وإذا رفعَ رأسَه من السَّجدةِ مكث، حتى يقول القائلُ: قد نسِي. (رواه البخاري: 821. ومسلم: 472). 97 - عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: ما صلَّيتُ وراءَ إمامٍ قط أخفَّ صلاة، ولا أتمَّ صلاةً من النبي - صلى الله عليه وسلم -. (رواه البخاري: 708. ومسلم: 469). (¬3) هو القرشى العامري، تابعي، مدني، ثقة، روى له الجماعة.

أصحابِ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، قال: فذكرنَا صلاةَ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -. قال أبو حُميدٍ: أنا كنتُ أحفَظَكُم لِصَلاةِ رسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم -، رأيتُه إذا كبَّرَ جعلَ يديه حِذَاءَ مَنْكِبَيْهِ، وإذا رَكَعَ أمكنَ يَديهِ من رُكْبتَيهِ، ثم هَصَرَ ظهرَه، فإذا رفعَ رأسَه استوى، حتّى يَعُودَ كُلُّ فَقَارٍ مَكَانَه، فإذا سَجَدَ وضعَ يدَيهِ غيرَ مُفْتَرشٍ ولا قَابِضِهِما، واستقبلَ بأطرافِ أصابعِ رجْلَيْهِ القِبْلَةَ، فإذا جلس في الرَّكعَتَينِ جَلَسَ على رِجْلِهِ اليُسرى، ونَصَبَ اليُمنى، فإذا جلسَ في الرَّكْعةِ الآخِرةِ قدَّمَ رِجلَه اليُسرى، ونصبَ الأُخْرى، وقعَدَ على مقعدته. خ (¬1). - د وزاد: فإذا كانتِ السَّجدةُ التي فيها التَّسلِيمُ أخَّر رِجْلَه اليُسرى، وجلسَ مُتورِّكًا على شِقِّه الأيسرِ. قالوا: صدقت (¬2). 189 - عن عامر بنِ عبد الله بن الزُّبير (¬3) عن أبيه قال: كانَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - إذا قَعَدَ يدعُو وضَعَ يدَه اليُمنى على فَخِذِه اليُمنى، ويدَه اليُسرى على فخِذِه اليُسرى، وأشارَ بإِصْبَعه السَّبَّابة، ووضَعَ إِبْهامَه على إِصْبَعِهِ الوُسْطى ويُلْقِمُ كفَّه اليُسرى رُكْبَتَهُ. م (¬4). ¬

_ (¬1) رواه البخاري (828)، و"هصر ظهره": أي ثناه في استواء من غير تقويس. و"فقار الظهر": جمع فقارة، وهي عظام الظهر، وهي التي يقال لها: خرز الظهر, وهي من الكاهل إلى العجب، والمراد بذلك كمال الاعتدال. وفي هامش الأصل: "فقار. يعني: خرز الظهر. حاشية". (¬2) سنن أبي داود (730) وزاد: "هكذا كان يصلي - صلى الله عليه وسلم -". (¬3) هو: ابن العوام، مدني تابعي ثقة عابد، مات سنة إحدى وعشرين ومئة، روى له الجماعة. (¬4) رواه مسلم (579) (113).

190 (98) - عن أبي قِلابة (¬1) قال: جَاءَنا مالكُ بنُ الحُويرث في مسجِدِنا هذا، قال: إنِّي لأُصَلِّي بكم، ومَا أُريدُ الصَّلاةَ، أُصلِّي كيفَ رأيتُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يُصلِّي. فقُلتُ لأبي قِلابةَ: كيفَ كانَ يُصلِّي؟ قال: مِثلَ صَلاة شَيْخِنا هذا. وكانَ (¬2) يجلسُ إذا رفعَ رأْسَه مِن السُّجود قبلَ أنْ ينهضَ. مَتَّفَقٌ عَلَيْه (¬3). 191 (99) - عن عبد الله بنِ مالك ابن بُحَينة؛ أنّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - كانَ إذا صلَّى (¬4) فرّجَ بينَ يديْهِ حتَّى يبدُو بَياضُ إبطَيهِ. متَّفَقٌ عَلَيْهِ (¬5). 192 (100) - وعن أبي مَسْلَمة سعيد بنِ يزيد (¬6) قال: سألتُ أنس ابنَ مالكٍ: أكانَ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - يُصلِّي في نَعْلَيْهِ؟ قال: نعم. مُتَّفَقٌ علَيهِ (¬7). ¬

_ (¬1) هو: عبد الله بن زيد الجرمي، تقدمت ترجمته عند الحديث رقم (112). (¬2) زاد البخاري: "شيخًا". (¬3) رواه البخاري (677) وحده. وفي هامش الأصل: "صوابه: خ. قاله ضياء الدين؛ محمد ابن عبد الواحد". وقال ابن الملقن في "الإعلام" (1/ 188/ ب): "هذا الحديث من أفراد البخارى". وقال الحافظ في "الفتح" (2/ 164): "أخرج صاحب "العمدة" هذا الحديث، وليس هو عند مسلم من حديث مالك بن الحويرث". قلت: وأراد بشيخهم عمرو بن سلمة الجرمي، وهو مصرح به عند البخاري (802 و 818). (¬4) قلت: يعني إذا سجد - كما في رواية لهما - وهو من باب إطلاق الكل وإرادة الجزء. (¬5) رواه البخاري (390)، ومسلم (495). (¬6) عداده في أهل البصرة، وهو ثقة، مات سنة اثنتين وثلاثين ومئة، روى له الجماعة. قلت: ذكره ابن حبان في "ثقات التابعين" (4/ 279 - 280) وقال: "كنيته أبو مسلمة الطحان"، وهو خطأ صوابه: "الطاحي". ثم ترجم له أيضًا في "أتباع التابعين" (6/ 353)! (¬7) رواه البخاري (386)، ومسلم (555).

193 - وعن وائل بنِ حُجْر، قال: رأيتُ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - إذا سَجَدَ وضعَ رُكبتيه قبلَ يديهِ، وإذا نهَضَ رفعَ يديه قبلَ رُكبتيه. د ت س (¬1). 194 - عن عبد الله بنِ أبي أَوْفى رضي الله عنه، قال: كانَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - إذا رَفَعَ ظهرَه مِن الرُّكُوع، قال: "سَمعَ الله لمن حَمِدَه، اللهم ربَّنا لكَ الحمدُ، مِلْءُ السّماواتِ، ومِلْءُ الأرضِ، ومِلْءُ ما شئت من شيءٍ بعدُ. اللهمَّ طَهِّرْني بالثَّلْجِ، والبَرَدِ، والماءِ البَارِدِ. اللهمّ طَهِّرْني مِن الذُّنوبِ والخَطَايا، كمَا يُنقَى الثَوبُ الأبيضُ مِن الدَّنس". م د (¬2). 195 - عن أبي سعيدٍ الخَدري رضي الله عنه قال: كانتْ صَلاةُ الظُّهْرِ تُقامُ، فينطَلِقُ أحدُنا إلى البَقِيع (¬3)، فيقضِي حاجَته، ثم يأتي أهلَه فيتوضَّأ ثم يرْجعُ إلى المسجدِ، ورسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - في الركعةِ الأُولى. م (¬4). ¬

_ (¬1) ضعيف. رواه أبو داود (838)، والترمذي (268)، والنسائي (2/ 206 - 207)، وقال الترمذي: "هذا حديث حسن غريب، لا نعرف أحدًا رواه مثل هذا غير شريك". قلت: وهو سيئ الحفظ، وانظر "البلوغ" (311). (¬2) رواه مسلم (476)، وأبو داود (846)، وقوله: "اللهم طهرني ... " ليس عند أبي داود. وعند مسلم في رواية: "الوسخ"، وفي أخرى: "الدرن" مكان: "الدنس". (¬3) البقيع من الأرض: المكان المتسع الذي به شجر أو أصولها، وفي المدينة عدة مواضع بهذا الاسم. الأول: بقيع الغرقد، وإذا أطلق فهو المراد، وهو موضع بظاهر المدينة، وهو مقبرة أهلها، سمي بذلك لأنه كان به شجر الغرقد. الثاني: بقيع الخيل وكان عند دار زيد بن ثابت. الثالث: بقيع الزبير: وهو أيضًا بالمدينة كان فيه دور ومنازل. الرابع: بقيع الخبخبة، موضع بنواحي المدينة, له ذكر في "سن أبي داود" (3087). (¬4) رواه مسلم (454).

9 - باب وجوب الطمأنينة في الركوع والسجود

196 - عن سعيد بنِ جُبير، عن أنس بنِ مالكٍ، قال: ما صلَّيتُ وراءَ أحدٍ بعدَ رسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - أشبَهَ صَلاةً برسُولِ الله [- صلى الله عليه وسلم -] (¬1) مِن هذا الفتى - يعني: عمر بنَ عبد العزيز- قال: فحزَرْنا في رُكُوعِهِ عشرَ تسبيحاتٍ، وفي سُجُودِه عشرَ تسبيحاتٍ. د س (¬2). 197 (101) - عن أبي قَتادة الأنصاريّ؛ أنَّ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - كان يُصَلِّي، وهو حَامِلٌ أُمامةَ بنتَ زينبَ بنتِ رسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - ولأبي العاصِ ابنِ رَبِيعةَ بنِ عبد شمسٍ- فإذا سَجَدَ وضَعَها، وإذا قامَ حمَلَها. مُتَفَقٌ عَلَيْهِ. س (¬3). هكذا في الروايةِ: "ربيعة". والصواب: "الربيع" (¬4). 9 - باب وجوب الطمأنينة في الركوع والسجود 198 (103) - عن أبي هُريرة [رضي الله عنه] (¬5)؛ أنَّ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - ¬

_ (¬1) زيادة من "أ". (¬2) ضعيف. رواه أبو داود (888)، والنسائي (981)، فيه وهب بن مانوس، وهو "مجهول". (¬3) رواه البخاري (516)، ومسلم (543). والنسائي (3/ 10). (¬4) هذه الرواية هي التي وقعت في البخاري، وهو على الصواب في مسلم، وذهب الحافظ ابن حجر إلى أن الخلاف في ذلك من مالك، انظر "الفتح" (1/ 591). وزاد المصنف- رحمه الله- في "الصغرى" حديثًا واحدًا، وهو: 102 - عن أنس بن مالك رضي الله عنه، عن النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قال: "اعتدِلُوا في السُّجودِ، ولا يَبسُطْ أحدُكم ذِراعيه انبساط الكلبِ". (رواه البخاري: 722. ومسلم: 493). (¬5) زيادة من "أ".

دخل المسجدَ، فدخلَ رجلٌ فصلَّى، ثم جاءَ فسلَّم على النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - (¬1) فقال: "ارجعْ فصلِّ؛ فإنَك لم تُصلِّ". فرجعَ، فصلَّى كما صلَّى! ثم جاءَ فسلَّم على النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -. فقال: "ارجعْ فصلِّ؛ فإنَكَ لم تُصلِّ" ثلاثًا. فقال: والذي بعثَكَ بالحقِّ ما أُحسِنُ غيرَه، فعَلِّمْني. قال: "إذا قُمتَ إلى الصَّلاةِ فكبَّر، ثم اقرأْ ما تيسّرَ معك مِن القُرآنِ ثم اركَعْ حتَى تطمئِنَّ راكِعًا، ثم ارفَعْ حتى تَعْتَدِلَ قَائِمًا، ثم اسجُدْ حتَّى تطمَئِنّ سَاجِدًا، ثم ارفَعْ حتَّى تطمئِنَّ جَالِسًا، وافعل ذلك في صَلاتك كُلِّها". مُتَفَقٌ عَلَيْهِ. د ت س (¬2). 199 - عن رِفَاعة بنِ رافع الزُّرَقي قال: قالَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "إنَّها لا ¬

_ (¬1) زاد البخاري: "فرد النبي - صلى الله عليه وسلم - السلام". ولمسلم: "فرد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - السلام"، وله أيضًا: "فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: وعليك السلام". وفي كل ذلك رد على قول ابن المنير: "أن الموعظة في وقت الحاجة أهم من رد السلام؛ ولأنه لعله لم يرد عليه السلام تأديبًا على جهله، فيؤخذ منه التأديب بالهجر، وترك السلام". وأراد الحافظ أن يلتمس له العذر، فقال في "الفتح" (2/ 278): "والذي وقفنا عليه من نسخ "الصحيحين" ثبوت الرد في هذا الموضع وغيره، إلا الذي في الإيمان والنذور، وقد ساق الحديث صاحب "العمدة" ... إلا أنه حذف مه "فرد النبي - صلى الله عليه وسلم -"، فلعل ابن المنير اعتمد على النسخة التي اعتمد عليها صاحب العمدة". قلت: لا أدري ما هي هذه النسخة التي يشير إليها الحافظ ابن حجر- رحمه الله-! حتى الحميدي- رحمه الله- قد ذكر في "الجمع" (3/ 114 - / 115/ رقم 2321) رد النبي - صلى الله عليه وسلم - السلام. (¬2) رواه البخاري (793)، ومسلم (397)، وأبو داود (856)، والترمذى (303)، والنسائي (2/ 124).

10 - باب القراءة في الصلاة

تَتِمُّ صَلاةُ أحدِكُم حتَى يُسْبغَ الوُضُوءَ كمَا أمرَه الله عز وجل، فيغسِلَ وَجهَهُ، ويدَيه إلى الْمِرْفقينِ، ويمسحَ برأسِهِ ورِجْليهِ إلى الكَعْبينِ، ثم يُكبِّرَ الله، ويَحمَدَهُ، ثم يقرأَ مِن القُرآنِ ما أُذِنَ له فيه وتيسّر، ثم يقولَ: اللهُ أكبرُ، ثم يركعَ حتى تطمئِنّ مَفاصِلُه، ثم يرفعَ رأسَه فيُكبِّرَ، فإذا فَعَلَ ذلكَ فقد تَمَّتْ صلاتُه، لا تَتِمُّ صَلاةُ أحدِكم حتى يفعلَ ذلكَ". د (¬1). 200 - عن زيد بنِ وهبٍ (¬2)؛ أنَّ حُذيفةَ رأى رجُلًا لا يُتِمُ رُكُوعَه ولا سُجُودَه، فلمّا قضى صَلاتَه، دعاه حُذيفةُ، فقال له: ما صلَّيتَ! ولو مُتَّ مُتَّ على غيرِ الفِطْرةِ التي فطرَ الله عليها محمدًا - صلى الله عليه وسلم -.خ (¬3). 10 - باب القراءة في الصلاة 201 (104) - عن عُبَادَةَ بنِ الصَّامتِ رضي الله عنه؛ أنَّ النبيَّ (¬4) - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا صَلاةَ لمن لم (¬5) يَقرأ بفاتِحَةِ الكِتَابِ". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ (¬6). ¬

_ (¬1) صحيح. رواه أبو داود (857 و 858)، وقد جمع الحافظ عبد الغني هنا بين الروايتين. (¬2) هو: الجهني، أبو سليمان الكوفى، رحل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -، فقبض وهو في الطريق، ثقة، مخضرم، مات سنة ست وتسعين، روى له الجماعة. (¬3) رواه البخاري (791). (¬4) وفي نسخة: "رسول الله"، كما في هامش الأصل, وهو الذي في "أ" أيضًا. (¬5) المثبت من "أ"، وهو الذي في "الصحيحين"، وفي "الصغرى" للمصنف أيضًا، وهو الصواب. وأما الأصل ففيه: "لا"، ولم أجد ذلك في أي رواية من روايات البخاري. (¬6) رواه البخاري (756)، ومسلم (394) (34).

202 (105) - عن أبي قَتادة قال: كان النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - يقرأُ في الرَّكْعتينِ الأُولَيَيْنِ من صَلاةِ الظُّهْرِ بِفَاتِحَةِ الكِتَابِ وَسُورَتَينِ؛ يُطَوِّلُ في الأُولى, ويُقَصِّرُ في الثانيةِ، يُسمعُ الآيةَ أحيانًا، وكان يقرأُ في العصرِ بفاتحةِ الكِتَاب وسُورَتَيْنِ؛ يُطوِّلُ في الأولى، ويُقَصِّر في الثانيةِ، وكانَ يُطَوِّلُ في الركعةِ الأُولى من صَلاةِ الصُّبحِ، ويُقصِّرُ في الثانيةِ (¬1). [وفي لَفْظٍ: في صَلاةِ الظُّهْرِ] (¬2) وفي الرَّكْعَتَيْنِ الأُخْرَيَيْن (¬3) بأمِّ الكتابِ (¬4). مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ (¬5). 203 - عن زياد بنِ عِلاقَة (¬6) عن عمه؛ قُطبة بن مالكٍ قال: صلَّى بنا رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - الصُّبحَ، فقرأَ: {قَ. والقُرآنِ المجيدِ} حتَّى قرأ: {والنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ}، قال: فجعلتُ أُردِّدُها، ولا أدرِي ما قال. م (¬7). 204 - ونحوُه عن جابر بنِ سَمُرة (¬8). ¬

_ (¬1) إلى هنا هذه رواية البخاري برقم (759). (¬2) زيادة من "أ"، وهذا اللفظ للبخاري برقم (779)، ونصه كما في "الصحيح": "كان يطول في الركعة الأولى من صلاة الظهر، ويقصر في الثانية". (¬3) المثبت من "أ"، وهو الموافق لما عند البخاري (776)، وعند المصنف في "الصغرى" أيضًا، وأما الأصل فكان فيه: "الأَخِيرتَيْن"! (¬4) هذه الرواية للبخاري برقم (776). (¬5) انظر "صحيح البخاري" (759 و 762 و 776 و 778 و 779)، و"صحيح مسلم" (451). (¬6) هو: أبو مالك الكوفي، تابعي، ثقة، جاوز المئة، مات سنة خمس وثلاثين ومئة، روى له الجماعة. (¬7) رواه مسلم (457). (¬8) رواه مسلم (458) ولفظه: عن جابر بن سمرة قال: إن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يقرأ في الفجر بـ: {ق. والقرآن المجيد}، وكان صلاته بعدُ تخفيفًا. =

205 - وعن أبي سعيدٍ الخُدري؛ أن النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - كانَ يقرأُ في صَلاةِ الظُّهرِ في الرَّكْعَتَيْنِ الأُوْلَيَيْنِ؛ في كل رَكْعَةٍ قدرَ ثَلاثِينَ آيةً، وفي الأُخْرَيَيْن (¬1) قدرَ خمسَ عشرةَ آيةً- أو قال: نِصْفَ ذلك- وفي العصر في الرَّكْعَتَيْنِ الأُولَيَيْنِ في كل ركعةٍ قدرَ خمسَ عشرَة آيةً، وفي الآخرة (¬2) قدرَ نصفِ ذلكَ. م (¬3). 206 - وعن جابر بنِ سَمُرة قال: كانَ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - يقرأُ في الظُّهرِ بـ: {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى}، وفي الصُّبحِ بأطولَ مِن ذلك (¬4). - وفي لفظٍ: كانَ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - يقرأُ في الظُّهرِ باللَّيل إذا يغشَى، وفي العصرِ نحوَ ذلك، وفي الصُّبح أِطولَ مِن ذلك. م (¬5). 207 (106) - عن جُبَير بنِ مُطْعِمٍ قال: سمعتُ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - يقرأُ في المغربِ بالطُّورِ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ (¬6). ¬

_ = - وفي رواية: أنّ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - كان يقرأ في الفجر بـ: {ق. وَالقُرْآن} , ونحوها. (¬1) المثبت من "أ"، وهو الذي في "صحيح مسلم". وأما الأصل ففيه: "الأخيرتين". (¬2) كذا بالأصلين، وفي المطبوع من "صحيح مسلم": "الأخريين". (¬3) رواه مسلم (452) (157). (¬4) رواه مسلم (460). (¬5) رواه مسلم (459). (¬6) رواه البخاري (765)، ومسلم (463). وزاد المصنف- رحمه الله- في "الصغرى" ثلاثة أحاديث، وهي: 107 - عن البراء بن عازب؛ أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان في سفرٍ، فصلَّى العشاءَ الآخرةَ، فقرأَ في إحدى الركعتين بـ: {التِّينِ والزَّيتُونِ}. فما سمعتُ أحدًا أحسنَ صوتًا - أو=

208 - عن جابر بن سمرة؛ أنّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - كانَ يقرأُ في الظُّهْرِ والعَصْرِ بالسّمَاءِ والطَارِقِ، {والسَّمَاءِ ذاتِ البُروجِ}. د ت س (¬1). 209 - عن مُعاويةَ بنِ الحكم السُّلَمي رضي الله عنه، قال: بينَا أنا أُصلِّي مع رسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم -، إذ عطسَ رجُلٌ مِن القَوْمِ. فقلتُ: يرحَمُكَ الله! فرمَاني القومُ بأبْصَارِهم. فقلتُ: وَاثُكْلَ أُمّياهْ! ما شَأْنُكم تَنْظُرُونَ إليَّ؟ فجَعلُوا يضرِبُونَ بأيدِيهم على أَفْخَاذِهم، فلمّا رأيتُهُم يُصَمِّتُوني (¬2) لكنِّي سكتُّ، فلمّا صلَّى رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - فبأبي هو وأمي- ما رأيتُ معَلِّمًا قبلَه ولا بعدَه أحسنَ تعلِيمًا منه، فوالله ما كَهَرَني، ولا ضَرَبَنِي، ولا شَتَمَنِي. ¬

_ = قراءةً- منه. (رواه البخاري: 769. ومسلم: 464). 108 - عن عائشةَ رضي الله عنها؛ أن رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - بعثَ رجلاً على سريّة. فكان يقرأُ لأصحابه في صلاتِهم، فيختم بـ: {قُلْ هُوَ الله أَحَدٌ}، فلما رجعوا ذكرُوا ذلك لرسولِ الله - صلى الله عليه وسلم -. فقال: "سَلُوهُ، لأي شيء يصنعُ ذلك"؟ فسألوه؟ فقال: لأنها صفةُ الرحمن عز وجل، فأنا أحبُّ أن أقرأَ بها. فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. "أخبِرُوه أن الله تعالى يُحبُّه". (رواه البخاري: 7375. ومسلم: 813). 109 - عن جابر؛ أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لِمُعاذٍ: "فلولا صلَّيتَ بـ: {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى}، {وَالشَّمْس وَضُحَاهَا}، {والليل إذَا يَغْشَى}؛ فإنه يصلي وراءَك الكبيرُ والضَّعِيفُ، وذو الحاجةِ". (رواه البخاري: 705). (¬1) حسن. رواه أبو داود (805)، والترمذي (307)، والنسائي (979)، وزاد أبو داود والنسائي: "ونحوهما"، وزاد أبو داود: "من السور"، وللترمذي: "وشبههما"، وقال: "حسن". (¬2) كذا الأصل، وفي "الصحيح": "يصمتونني". وكلاهما صواب وصحيح. وهو عند أبي داود كما ذكر المصنف، وفي النسائي: "يسكتونني".

11 - باب قراءة المأموم

قال: "إنّ هذه الصَّلاةَ لا يَصْلُحُ فيها شيءٌ مِن كَلامَ النَاسِ، إنَّما هي التَّسْبِيحُ، والتَكبِيرُ، وقراءةُ القُراَنِ". أو كما قالَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -. وذكر الحديث. د م س (¬1). 210 - عن سَمُرة بنِ جُنْدَب، عن النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -؛ أنَّه كانَ يَسْكُتُ سَكْتَتين: إذا استفْتَحَ، وإذا فَرَغَ مِن القِراءةِ كُلِّها. د ت ق (¬2). 11 - باب قراءة المأموم 211 - عن أبي موسى الأَشْعرِيّ رضي الله عنه، قال: إنَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خَطَبَنَا، فبيّن لنا سُنتنا، وعَلَّمنا صَلاتَنا، فقال: "إذا صَلَّيتُم فأقِيمُوا صُفُوفَكُم، وليَؤُمَّكم أحدُكم، فإذا كبَّرَ فكبِّروا، وإذا قرأَ فأنْصِتُوا، وإذا قال: {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ} فقُولُواْ آمين. يُجِبْكم الله. وإذا كبَّر وركَعَ فكبِّروا واركَعُوا؛ فإنَّ الإِمامَ ¬

_ (¬1) رواه أو داود (930)، ورواه مسلم (537) في كتاب الساجد ومواضع الصلاة، وفى كتاب السلام أيضًا. ورواه النسائي (1218). وقوله: "كهرني". يعني: نهرني، والكهر: الانتهار، وقد كهره يكهره إذا زبره، واستقبله بوجه عبوس. انظر "النهاية". (¬2) ضعيف. رواه أبو داود- والسياق له- (778)، والترمذي (251)، وابن ماجه (844) بمعناه وهو من طريق احسن بن أبي الحسن البصري، عن سمرة. والحسن لم يسمع من سمرة إلا حديث العقيقة كما رجح ذلك جمع من الحفاظ. ثم لو سُلِّم بسماعه مطلقًا من سمرة، فهو معدود في المدلسين: "فلا يحمل روايته لهذا الحديث أو غيره على الاتصال إلا إذا صرح بالسماع، وهذا مفقود في هذا الحديث، بل في بعض الروايات ما يشير إلى الانقطاع ... ولذلك فالحديث لا يحتج به"، قاله شيخنا في "الإرواء" (2/ 288).

يركَعُ قَبْلَكُم، ويرفَعُ قبلَكم". فقال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "فتلكَ بتلكَ. وإذا قال: سَمعَ الله لمن حَمِدَه. فقولُوا: اللهمَّ ربَّنا لكَ الحمدُ. يَسْمَعُ الله لكم. قال الله تبارك وتعالى على لِسَانِ نبيّه (¬1): سَمعَ الله لمن حَمِدَه، وإذا كبَّر وسَجَدَ فكبِّروا واسجُدُوا؛ فإنّ الإِمامَ يسجُدُ قبلَكم، ويرفَعُ قبلَكم". قال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "فتلكَ بتلكَ. وإذا كانَ عند القعدَةِ، فليكن من (¬2) قولِ أحدِكم: التَّحِيَّاتُ الطيَباتُ الصَّلَواتُ للهِ. السَّلامُ عليكَ أيُّها النَّبِيّ ورحمةُ الله وبركاتُه. السَّلامُ علينا وعلي عبادِ الله الصَّالحين. أشهَدُ أنْ لا إله إلَّا الله، وأشهَدُ أن محمدًا عبدُه ورسُولُه". م ن (¬3) (¬4). ¬

_ (¬1) في "الصحيح": "فإن الله تبارك وتعالى قال على لسان نبيه - صلى الله عليه وسلم -". وفي رواية: " ... قضى على لسان نبيه". (¬2) زاد مسلم والنسائيّ وأبو داود: "أول". وزاد النسائيّ وأبو داود: "أن يقول" بعد لفظ: "أحدكم". (¬3) كذا بالأصل "ن"، والصواب "س"؛ فإن المصنف جعل علامة النسائيّ "س"، ولعل هذا سبق قلم أو ذهن. والله أعلم. وفي النسخة "أ" بياض إذ بعض هذه الرموز لم تظهر بالمصورة. (¬4) رواه مسلم (404)، والنسائيّ (2/ 242)، وأبو داود (972) من حديث حطان بن عبد الله الرقاشي قال: صليت مع أبي موسى الأَشعريّ صلاة، فلما كان عند القعدة، قال رجل عن القوم: أُقِرّت الصلاةُ بالبر والزكاة. قال: فلما قضى أبو موسى الصلاة وسلم انصرف، فقال: أيكم القائل كلمة كذا وكذا؟ قال: فأرَمَّ القوم. ثم قال: أيكم القائل كلمة كذا وكذا؟ فأرَمّ القوم. فقال: لعلك يَا حطان قلتها؟ قال: ما قلتُها. ولقد رَهِبْتُ أن تبكعني بها. فقال رجل من القوم: أنا قلتها، ولم أرد بها إلَّا الخير. فقال أبو موسى: أما تعلمون كيف تقولون في صلاتكم؟ إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خطبنا ... الحديث.

212 - عن الزُّهريّ (¬1)، عن ابن أُكَيْمةَ الليثيّ، عن أبي هريرة؛ أنَّ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - انصرفَ من صَلاةٍ جَهَرَ فيها بالقِرَاءةِ، فقال: "هلْ قرأَ معي أحدٌ مِنكم آنفًا؟ ". فقالَ رجلٌ: نعم. يَا رسولَ الله. قال: "مالي أُنازعُ القُرآنَ". فقال: فانتهى النَّاسُ عن القِراءَةِ مع رسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - فِيما جَهَرَ فيه مِن الصَّلواتِ بالقِراءَةِ، حين سمِعُوا ذلكَ مِن رسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم -. د ت وقال: حدِيثٌ حسنٌ (¬2). - وأخرجه مالكٌ في "الموطأ" (¬3). وابن أكيمة اسمه: عَمرو. ويقال: عُمَارة (¬4). ¬

_ (¬1) هو الإمام الفقيه الحافظ: محمَّد بن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله بن شهاب القُرشيّ، حافظ ثِقَة، متفق على جلالته وإتقانه، أحد الأئمة الذين عليهم مدار الحديث والعلم، مات سنة خمس وعشرين ومئة، وقيل: قبل ذلك، روى له الجماعة. (¬2) صحيح. رواه أبو داود (826)، والترمذيّ (312). والحديث صححه أبو حاتم، وابن حبان وغيرهما. وقوله: "فانتهى النَّاس ... مدرج في الخبر من كلام الزُّهْرِيّ بينه الخَطيب، واتفق عليه البُخَارِيّ في التاريخ" وأبو داود، ويعقوب بن سفيان، والذهلي، والخطابي وغيرهم"، قاله ابن حجر في "التلخيص". (¬3) انظر "الموطأ" (1/ 86 - 87/ 44)، وأيضًا رواه البُخَارِيّ في "القراءة" (24)، والنسائي (2/ 140)، وابن ماجه (848 و 849). (¬4) وبهذا الاسم أورده المزي في "تهذيب الكمال" (21/ 228) قال عنه ابن حجر في "التقريب" "ثقة".

12 - باب ترك الجهر بـ: {بسم الله الرحمن الرحيم}

12 - باب ترك الجهر بـ: {بسم الله الرحمن الرحيم} 213 (110) - عن أنس بنِ مالك؛ أنَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - وأبا بكرٍ وعُمَرَ كانُوا يفتَتِحُونَ الصَّلاةَ بـ: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (2)} (¬1). - وفي روايةٍ: صلَّيتُ مع (¬2) أبي بكرٍ (¬3) وعُمَرَ وعُثمانَ، فلم أسمع أحدًا منهم يقرأ: {بسم الله الرحمن الرحيم} (¬4). متفَقٌ عَلَيْهِ (¬5). - ولمسلمٍ: صلَّيتُ خلفَ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - وأبي بكر وعمرَ وعثمانَ، فكانُوا يستفتِحُونَ بـ: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}، ولا يذكُرونَ: {بسم الله الرحمن الرحيم} في أولِ قراءةٍ، ولا [في] (¬6) آخرِها (¬7). 214 - [و] (¬8) عن سَعيدٍ الْجُريريّ عن قيس بنِ عَباية، عن [ابن] (¬9) ¬

_ (¬1) رواه البخاري (743). (¬2) زاد مسلم: "رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، و" (¬3) ألحق في الأصل بين السطرين لفظ: "الصديق"، وليس هذا اللفظ في "الصحيح"، ولا في "أ". (¬4) رواه مسلم (399) (50). (¬5) قال الحافظ الضياء: "صوابه مسلم". قلت: إن كان المقصود الرواية فهو صحيح، وإلا فالحديث متفق عليه. (¬6) زيادة من "أ"، وهي في "الصحيح". (¬7) رواه مسلم (399) (52). (¬8) زيادة من "أ". (¬9) لفظ: "ابن" سقط من الأصل، واستدركته من المصادر، ثم وجدته في "أ".

عبد الله بنِ مُغَفّلٍ قال: سَمِعَني أبي وأنا أقولُ {بسم الله الرحمن الرحيم} فقالَ: أيْ بُنيّ! مُحْدَثٌ. إيَّاكَ والحدث! قال: ولمْ أرَ أحدًا مِن أصحَابِ رسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - كانَ أبغض إليه الحدَثُ في الإِسلام- يعني: منه- قال: وصلَّيتُ مع النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، ومع أبي بكر، ومع عمرَ، ومع عُثمانَ، فَلم أسمعْ أحدًا منهم يقولها. فلا تَقُلْها، إذا أنتَ صلَّيتَ فقُل: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}. ق ت وقال: حدِيثٌ حسنٌ (¬1). 215 - عن أبي السَّائب (¬2)؛ مولى هشام بنِ زُهرة قالَ: سَمِعتُ أبا هُريرةَ يقولُ: قالَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَن صلَّى صلاةً لم يقرأْ فِيها بأُمِّ القُرآنِ، فهي خِدَاجٌ، فهِي خِدَاجٌ، فهي خِدَاجٌ؛ غيرُ تَمامٍ". قال: فقلتُ: يا أبا هُريرة! إنِّي أكونُ أحيانًا وراءَ الإِمام؟ قال: فغمَزَ ذِراعي. وقال: اقرأْ بِها في نَفْسِكَ يا فارسيّ! فإنِّي سَمِعتُ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - يقولُ: "قالَ الله عز وجل: قَسَمْتُ الصَّلاةَ بيني وبينَ عبدِي نِصْفَيْنِ، فنِصْفُها لي ونِصْفُها لعبدِي، ولعَبْدِي ما سألَ". قال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "اقرؤا يقولُ ¬

_ (¬1) ضعيف. رواه الترمذي- والسياق له- (244)، وابن ماجه (815)، وتحسين الترمذي له ليس بحسن؛ لجهالة ابن عبد الله بن مغفل، ولذلك تعقبه النووي فى "الخلاصة" (1/ 369) فقال: "قال الترمذى: حديث حسن. لكن أنكره عليه الحفاظ، وقالوا: هو حديث ضعيف؛ لأن مداره على ابن عبد الله بن مغفل، وهو مجهول، وممن صرح بهذا ابن خزيمة، وابن عبد البر، والخطيب البغدادي وآخرون، ونسب الترمذي فيه إلى التساهل". (¬2) يقال: اسمه عبد الله بن السائب، تابعي، ثقة، روى له مسلم وأصحاب السنن، والبخاري في "القراءة".

13 - باب سجود السهو

العبدُ: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} يقولُ الله [عزّ وجلّ] (¬1): حَمِدَني عبدِي. يقول: {الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ}، يقول الله: أثنى عليّ عبدي. يقولُ العبدُ: {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ}، يقولُ الله [عزّ وجلّ] (¬2): مجَّدَني عبدِي- وقال مرّةً: فوّضَ إليّ عبدِي- وإذا قال: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ}، قال: هذه الآية بيني وبينَ عبدِي، ولعبدِي ما سأل. يقول العبدُ: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ}، فهؤلاء لعبدِي، ولعبدي ما سأل". م د (¬3). 13 - باب سجود السهو 216 (111) - عن محمد بنِ سِيرين (¬4)، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: صلَّى بنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إحدى صَلاتي العَشِيّ- قال ابنُ سيرين: وسمَّاها أبو هريرة، ولكن نَسِيتُ أنا (¬5) - قال: فصلَّى بنا رَكْعتينِ ثم سلَّم، ¬

_ (¬1) زيادة من "أ". (¬2) زيادة من "أ". (¬3) رواه مسلم (395)، ولم يسق لفظه من طريق أبي السائب، وإنما من طريق العلاء بن عبد الرحمن، عن أبيه، عن أبي هريرة. وأبوداود- والسياق له- (821). (¬4) قال ابن حجر عنه: "ثقة، ثبت، عابد، كبير القدر، كان لا يرى الرواية بالمعنى"، وهو تابعي، بصري، مات سنة عثر ومئة، روى له الجماعة. (¬5) قلت: وقد اختلف فى تعيين هذه الصلاة، ففي رواية للبخاري (1229): "قال محمد بن سيرين: وأكثر ظني العصر". وفي "صحيح مسلم" (573): " ... إما الظهر وإما العصر"، وللبخاري (1227): "الظهر أو العصر"، لكنها من طريق أبي سلمة عن أبي هريرة. وفي رواية له (715)، وهي لمسلم أيضًا من نفس الطريق: "صلاة الظهر" بغير شك. =

فقامَ إلى خَشَبةٍ - مَعْرُوضَةٍ في المسجدِ (¬1) - فاتَّكَأَ عليها، كأنّه غَضْبَانُ، ووضَع يدَه اليُمنى على اليُسرى، وشَبَّكَ بينَ أصابِعِهِ، ووضعَ يدَه اليُمنى (¬2) علئ ظَهْرِ كفِّه اليُسرى، وخَرَجَتِ السَّرَعَانُ (¬3) من أبوابِ المسجد. فقالوا: قُصِرتِ الصَّلاةُ. وفي القوم أبو بكرٍ وعمرُ. فهابا أن يُكَلِّماه. وفي القومِ رجلٌ في يديهِ طُولٌ- يقال له: ذو اليدينِ- قال: يا رسول الله! أَنَسِيتَ أم قُصِرَتِ الصَّلاةُ؟ قال: "لم أنسَ، ولم تُقْصَرْ". فقال: "أكَمَا يقولُ ذو اليدينِ؟ "، فقالوا: نعم. فتقدَّم، فصلَّى ما تركَ، ثم سلَّم، ثم كبَّر، وسجدَ مثلَ سُجودِه أو أطولَ، ثم رفعَ رأسَهُ، فكبَّر، ثم كبَّر، وسجَدَ مثل سُجُودِه أو أطولَ، ثم رفعَ رأسَه وكبَّر. ¬

_ = ولمسلم من طريق أبي سفيان مولى ابن أبي أحمد "صلاة العصر" بغير شك. ومنشأ الاختلاف في ذلك من الرواة، ووقع في رواية للنسائي (3/ 20) أن نسيان تلك الصلاة كان من أبي هريرة، فالظاهر أن هذا النسيان والشك وقع في هذا الحديث من أبي هريرة، كما وقع من ابن سيرين، ومن غيرهما أيضًا. وأما حديث عمران بن حصين- في ذات القصة- فلم يختلف فيه الرواة أن تلك الصلاة كانت صلاة العصر. رواه مسلم (574)، وأبو داود (1018)، والنسائي (3/ 26). (¬1) وفي "صحيح مسلم": "ثم أتى جذعًا في قبلة المسجد". وهو بيان للخشبة المعروضة، وقال الفاكهي في "شرح العمدة": "الظاهر أن هذه الخشبة هي الجذع الذي كان يخطب عليه - صلى الله عليه وسلم - أولًا". (¬2) في رواية الكشميهني: "ووضع خده الأيمن" (1/ 103/ اليونينية)، وهي أيضًا كذلك في رواية أبي الوقت (ج 1/ ق 39/ ب)،. وقال الحافظ في "الفتح" (1/ 567): "هو أشبه لئلا يلزم التكرار". (¬3) بفتح السين والراء- ويجوز إسكان الراء- كما في "مشارق الانوار" (2/ 213). وجاء في هامش الأصل: "السرعان: الذين يخرجون عاجلًا من المسجد". وقد ضبطه الأصيلي فى "الصحيح" بضم السين وإسكان الراء، ومفرده: سريع، ككثيب وكثبان.

فربما سأَلُوه: ثم سلَّم؟ فيقول: نُبِّئْتُ أن عمرانَ بنَ حُصينٍ قال: ثم سلم. مُتَّفَق عَلَيْهِ (¬1). 217 - عن أبي سعيدٍ الخدريّ رضي الله عنه، قالَ: قالَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "إذا شَكّ أحدُكم في صَلاتِهِ، فلم يَدْرِ كمْ صلَّى ثلاثًا أم أربعًا، فَلْيَطْرَحِ الشَّكَّ، وليَبْنِ على ما اسْتَيْقَنَ، ثم يَسْجدُ سَجْدتينِ قبلَ أنْ يُسلِّمَ؛ فإنْ كانَ صلَّى خَمْسًا شَفَعْنَ له صَلاتَه، وإن كانَ صلَّى تمامَ الأربعِ كانَتا ترغِيمًا للشَّيطانِ". م (¬2). 218 (112) - عن عبد الله ابنِ بُحَينةَ (¬3) - وهو من أزدِ شَنُوءةَ، وهو حَلِيفٌ لبني عبدِ منافٍ، وكانَ من أصحابِ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - أنّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - صلَّى بهم الظُّهرَ، فقامَ في الرَّكعتينِ الأُوْلَيينِ، ولم يجلِسْ، فقامَ الناسُ معه، حتَّى إذا قضَى الصَّلاةَ، وانتظرَ النَّاسُ تَسْلِيمَه كبَّرَ- وهو جَالِسٌ - فسجدَ ¬

_ (¬1) رواه البخاري- والسياق له- (482)، ومسلم (573). وقوله في الحديث: "فربما سألوه ... " إلخ يريد: ربما سأل الرواهُ ابنَ سيرين: هل في الحديث: "ثم سلم"؟ فيجيب ابن سيرين عن ذلك السؤال بقوله: "نبئت ... " وبين ابن سيرين وعمران ثلاثة كما يخضح ذلك من رواية أبي داود (1039) والنسائي (3/ 26) من طريق محمد بن سيرين، عن خالد الحذاء، عن أبي قلابة، عن أبي المهلب، عن عمران. (¬2) رواه مسلم (571)، و"ترغيمًا": إذلالًا وإغاظةً. (¬3) هو: عبد الله بن مالك بن القشب، وهو صحابي ابن صحابي، وبحينة أمه، وقيل: أم أبيه، واسمها: عبدة بنت الحارث، وهي صحابية، وعبد الله هو أحد الذين غلبت عليهم النسبة إلى أمهاتهم. رضي الله عنهم جميعًا. مات في خلافة معاوية ما بين سنة أربع وخمسين وثمان وخمسين.

سَجْدتينِ قبلَ أن يُسَلِّمَ، ثم سلَّمَ. مُتَّفَق عَلَيهِ (¬1). 219 - عن عبد الله بنِ مسعُودٍ [رضي الله عنه]، (¬2)، عن رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إذا كُنتَ في صَلاةٍ، فشككتَ في ثلاثٍ وأربعٍ، وأكثرُ ظنِّك على أربعٍ، تشهدتَ، ثم سجدتَ سَجْدَتَيْنِ- وأنتَ جالِسٌ- قبلَ أن تُسلِّم، ثم تشهدتَ أيضًا ثم تُسلِّم". د س (¬3). 220 - عن المغيرة بن شُعبة قال: قال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "إذا قامَ الإِمامُ في الرَّكْعتينِ، فإنْ ذكرَ قبلَ أن يستوي قائِمًا فليجْلِسْ، وإن استوى قائمًا فلا يجلس، ويسجد سجدَتي السَّهوِ". د (¬4). ¬

_ (¬1) رواه البخاري (829)، ومسلم (570). (¬2) زيادة من "أ". (¬3) ضعيف. رواه أبو داود (1028)، والنسائي في "الكبرى" (605)، وأحمد (1/ 429)، والدارقطني (1/ 378) من طريق خصيف بن عبد الرحمن، عن أبي عبيدة، عن أبيه؛ عبد الله بن مسعود، به. وهذا إسناد ضعيف؛ خصيف سيئ الحفظ، وأبو عبيدة لم يسمع من أبيه، وأعله بعض الحفاظ أيضًا بالوقف. قلت: والموقوف عند أحمد أيضًا من نفس الطريق. (¬4) ضعيف جدًّا. رواه أبو داود (1036)، وابن ماجه (1208)، والدارقطني (1/ 378 - 379/ (2) من طريق جابر الجعفي قال: حدثنا المغيرة بن شبيل، عن قيس بن أبي حازم، عن المغيرة به. قلت: وجابر الجعفي متروك، وقال أبو داود في "السنن": "وليس في كتابى عن جابر الجعفي إلا هذا الحديث". "تنبيه": وقف شيخنا الألباني على متابع لجابر الجعفي عند الطحاوي في "شرح معاني الآثار" وصححه من هذا الطريق، ثم قال في "الإرواء": "وتلك فائدة عزيزة لا تكاد تجدها في كتب التخريجات، ككتاب الزيلعي والعسقلاني، فضلًا =

14 - باب في المرور بين يدي المصلي

14 - بَابٌ في المرور بين يدي المصلِّي 221 (113) - عن أبي جُهَيم بنِ الحارث بن الصِّمَّة الأنصاري قال: قالَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "لو يَعلمُ المارُّ بينَ يدَى المصَلِّى ماذا (¬1) عليه مِن الإِثْمِ، لكانَ أنْ يَقِفَ أربعِينَ خيرٌ (¬2) له مِن أنْ يمرَّ بينَ يديْهِ". ¬

_ = عن غيرها". قلت: الحديث رواه الطحاوي (1/ 440) فقال: حدثنا ابن مرزوق، قال: حدثنا أبو عامر، عن إبراهيم بن طهمان، عن المغيرة بن شبيل، عن قيس بن أبي حازم، قال: صلى بنا المغيرة بن شعبة، فقام من الركعتين قائمًا، فقلنا: سبحان الله. فأومى، وقال: "سبحان الله"، فمضى في صلاته، فلما قضى صلاته وسلم سجد سجدتين- وهو جالس- ثم قال: صلى بنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فاستوى قائمًا من جلوسه، فمضى في صلاته، فلما قضى صلاته سجد سجدتين- وهو جالس- ثم قال: "إذا صلى أحدكم فقام من الجلوس، فإن لم يستتم قائمًا، فليجلس، وليس عليه سجدتان، فإن استوى قائمًا، فليمض في صلاته، وليسجد سجدتين وهو جالس". وهذا سند صحيح- كما جزم بذلك شيخنا- أقول: ولكنه في الظاهر فقط، وإلا فإنني في شك كبير من ذلك؛ لأن إبراهيم بن طهمان لا تعرف له رواية عن مغيرة بن شبيل، ومن كتب التراجم يلاحظ أنهم يذكرون جابر بن يزيد الجعفي من شيوخ ابن طهمان، وفي تلاميذ المغيرة، بينما لا نجد في شيوخ ابن طهمان ذكرًا للمغيرة بن شبيل، ولا نجد في تلاميذ المغيرة ذكرًا لابن طهمان. فإذا أضفنا إلى ذلك أن الحديث مداره على جابر الجعفي، علمنا أن خطا وقع في هذا السند، إما من الناسخ أو من الطابع، وذلك بسقوط "الجعفي"، وإما من شيخ الطحاوي فإنه مع ثقته كان يخطئ ولا يرجع. والله أعلم. (¬1) المثبت من "أ" وهو الذي في "الصغرى"، وفي "الصحيحين"، وتحرف في الأصل إلى: "ما". (¬2) كذا بالأصلين على الرفع، وهي في "الصحيحين" بالنصب على أنها خبر كان، وأما رواية الرفع فأعربها ابن العربي على أنها اسم كان، وسوغ الابتداء بالنكرة؛ لكونها موصوفة.

قال أبو النَّضرِ (¬1): لا أدرِي قال: أربعينَ يومًا، أو شهرًا، أو سنةً؟ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ (¬2). 222 (114) - عن أبي سعيدٍ الخُدريّ رضي الله عنه قالَ: سمعتُ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - يقول: "إذا صلَّى أحدُكم إلى شيء يَستُرُه مِن النَّاسِ، فأرادَ أحدٌ أنْ يجتَازَ بين يدَيْهِ، فَلْيَدْفَعْهُ، فإنْ أبى فَلْيُقَاتِلْهُ؛ فإنّما هو شَيطانٌ". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ (¬3). ¬

_ (¬1) هو: سالم بن أبي أمية القرشي، تابعي، صالح، ثقة، كثير الحديث، مات سنة تسع وعشرين ومئة، روى له الجماعة. (¬2) رواه البخاري (510)، ومسلم (507). إلا أنه ليس عندهما قوله: "من الإثم"، إذ هذا اللفظ ليس من الحديث، وإنما هذه اللفظة من زيادات الكشميهني، ولكن: "ليست هذه الزيادة في شيء من الروايات عند غيره، والحديث في "الموطأ" بدونها، وقال ابن عبد البر: لم يختلف على مالك في شيء منه، وكذا رواه باقي الستة وأصحاب المسانيد والمستخرجات بدونها، ولم أرها في شيء من الروايات مطلقًا. لكن في "مصنف ابن أبي شيبة": "يعني: من الإثم". فيحتمل أن تكون ذكرت في أصل البخاري حاشية، فظنها الكشميهني أصلًا؛ لأنه لم يكن من أهل العلم، ولا من الحفاظ، بل كان راوية، وقد عزاها المحب الطبري في "الأحكام" للبخاري وأطلق، فعيب ذلك عليه، وعلى صاحب "العمدة" في إيهامه أنها في الصحيحين، وأنكر ابن الصلاح في "مشكل الوسيط" على من اثبتها فى الخبر، فقال: لفظ "الإثم" ليس في الحديث صريحًا". قاله الحافظ في "الفتح" (1/ 585). قلت: وسبحان من لا ينسى! فبعد هذا التحقيق البديع من الحافظ ينسى، ويقع فيما عيب على غيره- كما نقل هو- فقد أورد الحديث بهذا اللفظ في "البلوغ" (228) منسوبًا للبخاري. (¬3) رواه البخاري (509)، ومسلم (505) من طريق أبي صالح السمان قال: رأيت أبا سعيد الخدري في يوم جمعة، يصلى إلى شيء يستره من الناس، فأراد شاب من بني أبي معيط أن يجتاز بين يديه، فدفع أبو سعيد في صدره، فنظر الشاب فلم يجد مساعًا إلا بين يديه، فعاد لحجتاز، فدفعه أبو سعيد أشد من الأولى، فنال من أبي سعيد، ثم دخل على مروان، فشكا إليه ما لقي من=

223 - عن موسى بنِ طلحة بنِ عُبيد الله (¬1)، عن أبيه قال: قالَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "إذا وَضَعَ أحدُكم بينَ يديهِ مِثْلَ مُؤْخِرَةِ الرَّحْلِ فَلْيُصَلِّ، ولا يُبالِ ما مَرّ وراءَ ذلكَ" م د (¬2). 224 - عن أبي هُريرة [رضي الله عنه] (¬3)؛ أنَّ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إذا صلَّى أحدُكم فَلْيَجْعَلْ تِلْقَاءَ وَجْهِهِ شيئًا، فإنْ لم يَجِدْ فَلْيَنْصِبْ عَصًا، فإِنْ لم يكُنْ معَهُ عصًا، فَلْيَخْطُطْ خَطّا، ثم لا يَضُرُّه مَا مَر أَمامَهُ". د (¬4). وقالَ: سَمِعْتُ أحمد بنَ حَنبل: سُئِلَ عن الخَطِّ (¬5) غير مرّةٍ؟ فقال: هكذا عرضًا مثل الهلالِ. قال: وسمعتُ مسددًا يقوله: قال ابن داود: الخطُّ بالطُّولِ (¬6). ¬

_ = أبي سعيد، ودخل أبو سعيد خلفه على مروان. فقال: مالك ولابن أخيك يا أبا سعيد؟ قال سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: ... الحديث. (¬1) يقال: ولد في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم -، مدني نزل الكوفة، ثقة جليل، مات سنة ثلاث ومئة، روى له الجماعة. (¬2) رواه مسلم- واللفظ له- (499)، وأبو داود (685). و"مؤخرة الرحل": هي الخشبة التي يستند إليها الراكب. (¬3) زيادة من "أ". (¬4) ضعيف؛ لاضطرابه، وجهالة بعض رواته. وضعفه سفيان بن عيينة والشافعي والبغوي وابن الصلاح والعراقي وغيرهم. وهو في "سنن أبي داود" (689)، وانظر "بلوغ المرام" (236). (¬5) في "السنن": "وصف الخط". (¬6) انظر "السنن" (1/ 184/ ح 690). وجاء في هامش الأصل ما يلي: "مسدد: هو ابن مسرهد بن مسربل بن مغربل بن أرندل بن سرندل ابن ماسك بن مستورد الأسدي البصري أحد شيوخ الإمام أحمد والبخاري رضي الله عنهم". =

225 - عن عبد الله (¬1) بن الصَّامت، عن أبي ذرًّ قال: قالَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "إذا قامَ أحدُكم يُصلِّي، فإنّه يَستُرُه إذا كانَ بين يديهِ مِثْلُ آخِرَةِ الرَّحْلِ فإذا لَمْ يكُن بينَ يدَيْهِ مِثْلُ آخِرَةِ الرَّحْل، فإنَّه يَقْطَعُ صَلاتَهُ الحِمَارُ، والمرْأَةُ، والكَلْبُ الأسْوَدُ". فقلتُ: يا أبا ذرٍّ! ما بالُ الكلبِ الأسودِ من الكلبِ الأحمرِ من الكلبِ الأصفرِ؟ قالَ: يا ابنَ أخي! سألتُ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - كما سَأَلْتَنِي. فقال: "الكلبُ الأسودُ شَيْطَانٌ". م د س (¬2). 226 (115) - عَنْ عبدِ اللهِ بنِ عَبّاس-؛ أنّهُ قَالَ: أقْبَلْتُ رَاكِبًا عَلَى حِمَارٍ أَتَانٍ (¬3) - وَأَنا يومئذٍ قدْ ناهزتُ الاحتِلامَ - ورسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - يُصلِّي بالنَاسِ بمنًى (¬4) إلى غيرِ جِدَارٍ (¬5)، فمررتُ بينَ يدي بعضِ الصَّفِّ، فنزَلْتُ، ¬

_ = قلت: هو "ثقة حافظ"، ولكن ذكر اسمه بهذا السياق فيه غرابة، وكان أبو نعيم إذا ذكر له شيء من ذلك قال: هذه رقية العقرب! ويبدو لى أن كاتب هذه الحاشية ليس من أهل العلم، فمسدد ليس من شيوخ الإمام أحمد، بل أكثر من ذلك ليس له ذكر في مسند الإمام أحمد بن حنبل! (¬1) تحرف في الأصل إلى: "عبيد الله" وهو على الصواب في "أ"، وهو تابعي، ثقة، روى له مسلم وأصحاب "السنن"، والبخاري تعليقًا. (¬2) رواه مسلم (510)، وأبو داود (702)، والنسائي (2/ 63 - 64). (¬3) الحمار: اسم جنس يشمل الذكر والأنثى. والأتان: الأنثى. وهو بتنوين اللفظين على البدل. وهي رواية البخاري، أما مسلم ففي رواية: "على أتانٍ". وفي أخرى: "على حمارٍ". (¬4) "مِنًى": بالكسر والتنوين، وهو مذكر- على الأغلب- ويؤنث، وهو واد بين جبلين، وبه مسجد الخيف والجمار التي يرميها الحاج، ويحده من جهة مكة جمرة العقبة، ويمتد جنوبًا إلى محسِّر، وعليه الآن أعلام بارزة تبين حدوده من كل جهة، قيل سمي بذلك لكثرة ما يمنى به من الدماء، أي: يراق، وقيل: لأن الكبش مني به، أي: ذبح. قلت: ومنطقة الكبش بالقرب من جمرة العقبة. ويسميها الناس اليوم "مجر الكبش". (¬5) قوله: "إلى غير جدار" انفرد به البخاري دون مسلم، وانظر "سلسلة الأحاديث الضعيفة" =

15 - باب ما يكره فعله في الصلاة وما يبطلها

فأرسلتُ الأتانَ تَرْتَعُ، ودخلتُ في الصفِّ، فلم يُنْكِرْ ذلكَ عليَّ أحدٌ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ (¬1). 227 (116) - عن عائشةَ رضي الله عنها، قالتْ: كنتُ أنامُ بينَ يديْ رسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم -، ورِجْلايَ في قِبْلَتِهِ، فإذا سَجَدَ غَمَزَنِي، فقبضْتُ رِجْلَيَّ، وإذا قامَ بسطْتُهُما، والبيوتُ يومئذٍ ليسَ فِيها مَصَابِيحُ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ (¬2). 15 - باب ما يكره فعله في الصلاة وما يبطلها 228 (123) - عن أبي هُريرة قالَ: قالَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "لا يُصَلِّي (¬3) أحدُكم في الثَّوبِ الواحدِ، ليسَ على منكبِهِ (¬4) منه شيءٌ" [مُتَفَقٌ عَلَيْهِ] (¬5) د (¬6). ¬

_ = فإن فيها بحثًا ماتعًا حول هذه الجملة (ج 12/ ق 2/ ص 685 - 691). (¬1) رواه البخاري (76)، ومسلم (504). (¬2) رواه البخاري (382)، ومسلم (512) (272). والغمز: الكبس باليد. والمراد: طعن بإصبعه في لأقبض رجلي من قبلته. وأما قولها رضي الله عنها: "والبيوت يومئذ ليس فيها مصابيح" فقد قال بعض العلماء: "كأنها- رضي الله عنها- أرادت الاعتذار عن النوم على تلك الصفة. وفيه إشعار بأنهم صاروا بعد ذلك يستصبحون". (¬3) كذا هو في الأصلين بإثبات الياء، وهو كذلك في "الصحيحين" أيضًا. وعلى هذا فـ: (لا) حرف نفي، وهو خبر بمعنى النهي. وهو في "السنن" بحذف الياء. (¬4) كذا بالأصل، وفي "أ"، و"السنن": "منكبيه". (¬5) زيادة من "أ". وهي هامة، وانظر التعليق التالي. (¬6) صحيح. رواه أبو داود (626). =

229 - عن وَابصَة بنِ مَعْبدٍ الأسديّ رضي الله عنه؛ أنَّ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - رأى رجُلًا يُصلِّي خلفَ الصفِّ وحدَه، فأمرَهُ أنْ يُعِيدَ. د (¬1). ¬

_ = تنبيه: الحديث أورده المصنف رحمه الله في "الصغرى" (123)، والخلاف الوحيد هو لفظ: "عاتقه" بدل لفظ: "منكبه". وهو في البخاري (359)، ومسلم (516)، وعندهما: "عاتقيه" بدل: "عاتقه". وليس عند البخاري لفظة: "منه". ثم وجدت المصنف قد عزاه للبخاري ومسلم كما في النسخة "أ"، كما في التعليق السابق وأما المراد بـ: "الثوب" في الحديث، فكما قال ابن الملقن في "الإعلام" (2/ 30/ ب): "الإزار فقط، وقد ألحق به في المعنى السراويل، وكل ما يستر به العورة بحيث يكون أعالي البدن مكشوفًا، فورد النهي على مخالفة ذلك ... ". وزاد المصنف- رحمه الله- في "الصغرى" حديثًا واحدًا، وهو: 124 - عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "من أكلَ ثُومًا أو بَصلًا، فليعتزِلْنا، أو ليعتزلْ مسجدَنا, وليقعُدْ في بيتِهِ". وأُتيَ بِقِدْرٍ فيه خَضِراتٌ من بُقولٍ، فوجد لها ريحًا. فسأل؟ فأُخبر بما فيها من البقول. فقال: "قرِّبُوها" إلى بعضِ أصحابه، فلما رآه كَرِهَ أكلَها، قال: "كُلْ؛ فإني أُناجي مَنْ لا تُناجي". (رواه البخاري: 855. ومسلم: 564). - عن جابر، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "مَن أكلَ البَصَلَ والثُّومَ والكرّاثَ فلا يَقْربنَّ مسجِدَنا؛ فإن الملائكةَ تتأذّى مما يتأذّى مِنه بَنُو آدمَ" (رواه مسلم: (465) 74). (¬1) صحيح. رواه أبو داود (68 (2)، وعنده زيادة: "الصلاة". هذا وقد روي الحديث بأسانيد مختلفة، ومن أجل ذلك طعن بعض العلماء في الحديث، ورد عليهم في بحث ماتع الشيخ أحمد شاكر رحمه الله، فانظره في "سنن الترمذي" (1/ 448). وأما عن فقه الحديث، فقال الترمذي: "سمعت الجارود يقول: سمعت وكيعًا يقول: إذا صلى الرجل خلف الصف وحده، فإنه يعيد". واختار شيخ الإسلام التفصيل، فإذا وجد فرجة وصلى وحده خلف الصف أعاد، وإن لم يجد فصلاته صحيحة. انظر "الاختيارات" (ص 71)، وانظر أيضًا "الضعيفة" (2/ 322 - 323).

230 - عن الحسن البصريّ (¬1) أن أبا بَكَرةَ جاءَ ورسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - رَاكعٌ فركعَ دُونَ الصفِّ ثم مشى إلى الصفِّ، فلمّا قضى النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - صَلاتَه، قال: "أيكُم الذي ركعَ دُون الصَّفِّ، ثم مشى إلى الصفِّ؟ " فقال أبو بَكْرَةَ: أنا. فقال النبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "زادكَ اللهُ حِرْصًا، ولا تَعُدْ". خ د (¬2). ¬

_ (¬1) هو: "الحسن بن أبي الحسن البصري- واسم أبيه: يسار- الأنصاري مولاهم، ثقة، فقيه، فاضل، مشهور، وكان يرسل كثيرًا ويدلس، قال البزار: وإن يروي عن جماعة لم يسمع منهم، فيتجوز ويقول: حدثنا وخطبنا، يعني: قومه الذين حُدِّثوا وخُطبوا بالبصرة، هو رأس أهل الطبقة الثالثة، مات سنة عشر ومئة، وقد قارب التسعين ع". "التقريب". (¬2) رواه البخاري (783)، وأبو داود- واللفظ له- (684). وقوله: "لا تعد"، قال عنه الحافظ في "الفتح" (2/ 269): "ضبطناه في جميع الروايات بفتح أوله وضم العين من العود ... واستدل بهذا الحديث على استحباب موافقة الداخل للإمام على أي حال وجده عليها، وقد ورد الأمر بذلك صريحًا في "سنن سعيد بن منصور" من رواية عبد العزيز بن رفيع، عن أناس من أهل المدينة؛ أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "من وجدني قائمًا أو راكعًا أو ساجدًا فليكن معي على الحال التي أنا عليها". وفى الترمذي نحوه عن علي ومعاذ بن جبل مرفوعًا، وفي إسناده ضعف، لكنه ينجبر بطريق سعيد بن منصور المذكورة". أهـ. وأما قول ابن حجر في "الفتح": بأن قوله: (ولا تعد) أي: "إلى ما صنعت من السعى الشديد، ثم الركوع دون الصف، ثم من المشي إلى الصف". فلا أراه صوابًا مطلقًا، خاصة وقد صح عن عبد الله بن الزبير، أنه قال على المنبر: "إذا دخل أحدكم المسجد والناس ركوع، فليركع حين يدخل، ثم ليدب راكعًا حتى يدخل في الصف، فإن ذلك السنة". رواه ابن خزيمة بسند صحيح (1571) وله شواهد. وبهذا يخرج من النهي الركوع دون الصف ثم المشي إلى الصف، ويبقى السعي الشديد، ومن روايات الحديث يتضح أن النهي يتو جه إلى ذلك، ففي رواية الطحاوي في "شرح معاني الآثار" (1/ 395): "جئت ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - راكع، وقد حفزني النفس ... ". وفي رواية في "المسند" (5/ 42): "وهو يحضر؛ يريد أن يدرك الركعة". =

231 - عن أنس بنِ مَالك رضي الله عنه قال: قالَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "ما بَالُ أقوامٍ يرفَعُونَ أبصارَهُم في صَلاتِهم؟ ". فاشتدّ قولُه في ذلكَ، حتى قال: "لَيَنْتَهُنَّ عن ذلكَ، أو لتُخْطَفَنَّ أبصارُهم". خ (¬1). 232 - عن همّام (¬2)؛ أنّ حُذيفةَ أمَّ النّاسَ بالمدائن على دُكّانٍ، فأخذَ أبو مسعودٍ بقمِيصه فجَبَذَهُ، فلمّا فرغَ من صلاتِه، قال: ألم تَعْلَم أنهم كانوا يُنْهونَ عن ذلك؟ قال: بلى. قد ذكرتُ حِين مَدَدْتَني [د] (¬3) (¬4). ¬

_ = وهذا هو أحد احتمالين ذكرهما الطحاوي في قوله: "ولا تعد"، فقال: "أي: ولا تعد أن تسعى إلى الصلاة سعيًا يحفزك فيه النفس". وهذا يتفق مع النصوص الأخرى في الحض على الإتيان إلى الصلاة بسكينة ووقار. وأما الركوع دون الصف والمشي إليه والاعتداد بالركعة فلا يشمله النهي، خاصة وقد جاء عن أبي بكرة نفسه؛ أنه كان يخرج من بيته، فيجد الناس قد ركعوا، فيركع معهم، ثم يدرج راكعًا حتى يدخل في الصف، ثم يعتد بها. رواه علي بن حجر في "حديثه" (1/ 17/ أ) بسند صحيح كما أفاده شيخنا الألباني. هذا وقد سئل الإمام أحمد: عن رجل ركع دون الصف، ثم مشى حتى دخل الصف، وقد رفع الإمام قبل أن ينتهي إلى الصف؟ فقال: تجزئه ركعة، وإن صلى خلف الصف وحده أعاد الصلاة. انظر "المسائل" لأبي داود (ص 35). (¬1) رواه البخاري (750). (¬2) همام هو: ابن الحارث النخعي الكوفي، تابعي، ثقة، عابد، مات سنة خمس وستين، روى له الجماعة. (¬3) زيادة من "أ". (¬4) صحيح. رواه أبو داود (597)، وابن الجارود (313) "وابن خزيمة (1523)، والحاكم (1/ 210)، والبيهقي (3/ 108)، والبغوي في "شرح السنة" (831) من طرق عن الأعمش، عن إبراهيم، عن همام به، وإسناده صحيح. و"الدكان": المكان المرتفع المعد للجلوس عليه. =

233 - وعن عديّ بن ثابتٍ الأنصاريّ؛ أنه كان مع عمّار بنِ ياسرٍ بالمدائن (¬1)، فأُقِيمتِ الصَّلاةُ، فتقدَّم عمار بنُ ياسر، وقامَ على دُكّانٍ يُصَلِّي والناسُ أسفلَ منه، فتقدَّم حذيفةُ فأخذَ على يديهِ، فاتّبَعَه عمارٌ، حتى أنزلَه حذيفةُ، فلمّا فرغَ عمارٌ مِن صلاتِه، قال له حُذيفةُ: ألمْ تَسْمَعْ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - يقولُ: "إذا أمّ الرجلُ القومَ، فلا يَقُمْ في مكانٍ أرفعَ مِن مَقَامهم". أو نحو ذلك. قال عمارٌ: لِذلك اتَّبعْتُك حين أخذتَ على يديَّ (¬2). 234 - عن أبي هُريرة [رضي الله عنه] (¬3) عن النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قال: "أَيَعْجِزُ ¬

_ = وللتوفيق بين هذا الحديث وبين حديث سهل بن سعد الذي رواه البخاري (917)، ومسلم (544) وفيه صلاة النبي - صلى الله عليه وسلم - على المنبر، قال ابن حبان في "الصحيح" (5/ 516): "إذا كان المرء إمامًا، وأراد أن يصلي بقومٍ حديثٍ عهدُهم بالإسلام، ثم قام على موضع مرتفع من المأمومين ليعلمهم أحكام الصلاة عيانًا، كان ذلك جائزًا على ما في خبر سهل بن سعد، وإذا كانت هذه العلة معدومة لم يصل على مقام أرفع من مقام المأموميين على ما في خبر أبي مسعود، حتى لا يكون بين الخبرين تضاد ولا تهاتر". (¬1) كذا بالأصلين، وفيه سقط، والصواب: "عن عدي بن ثابت الأنصاري، حدثني رجل؛ أنه كان مع عمار بن ياسر بالمدائن"، وهو على الصواب في "السنن"، وأيضًا المصادر الأخرى. و"المدائن": جمع "مدينة" سميت بذلك لأنها عدة مدن- قيل: سبع- كل واحدة منها جنب الأخرى، فتحها سعد ابن أبي وقاص رضي الله عنه سنة (17 هـ) في زمن الخليفة الراشد عمر بن الخطاب رضي الله عنه. (¬2) إِسناده ضعيف. رواه أبو داود (598)، والبيهقي (3/ 109)، والبغوي (830) من طريق حجاج، عن ابن جريج قال: أخبرني أبو خالد، عن عدي بن ثابت الأنصاري، حدثني رجل؛ أنه كان مع عمار بن ياسر ... به. وأعله ابن عبد الهادي في "التنقيح" (2/ 33)، فقال: "في إسناد هذا الحديث رجل مبهم، وأبو خالد ليس بمعروف، ويحتمل أن يكون الدالاني، وفيه كلام". (¬3) زيادة من "أ".

16 - باب جامع

أحدُكم إذا صَلَّى أن يتقدَّمَ أو يتأخَّر، أو عن يَمِينِه أو عن شِمَالِهِ". يعني: في السُّبْحَةِ (¬1). 235 - عن عطاءٍ الخراسانيّ (¬2)، عن المغيرة بنِ شُعبة قال: قالَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "لا يُصلِّي الإمامُ في الوضعِ الذي صَلَّى فيه حتَّى يتحوَّلَ". د (¬3). 16 - بَابٌ جَامِعٌ 236 (119) - عن أبي هريرة. وعبدِ الله بنِ عمر، عن النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -؛ أنه قال: "إذا اشتدَّ الحرُّ فأبرِدُوا عن الصَّلاةِ؛ فإنّ شِدَّةَ الحرِّ مِن فَيْحِ ¬

_ (¬1) ضعيف. رواه أبو داود (1006)، وابن ماجه (1427)، وابن أبي شيبة (2/ 208)، وأحمد (2/ 425)، والبخاري في "التاريخ الكبير" (1/ 340)، والبيهقي (2/ 190)، من طريق ليث ابن أبي سليم، عن الحجاج بن عبيد، عن إبراهيم بن إسماعيل، عن أبي هريرة به. وهذا أحد أوجه الحديث! ووجه آخر، وقع فيه: "عن ليث، عن حجاج بن أبي عبد الله". وثالث، وفيه: "عن حجاج بن يسار". ورابع، وفيه: "عن ليث، عن أبي حمزة قال: حدثت به، عن أبي هريرة". وهذا الحديث كان يضطرب فيه ليث بن أبي سليم، وهو كان: "اختلط جدًا، ولم يتميز حديثه، فترك"، كما قال الحافظ ابن حجر. وحجاج "مجهول". ولذلك قال الإمام البخاري في "التاريخ" بعد أن ذكر أسانيد الحديث: "لم يثبت هذا الحديث". وقال (2/ 334/ فتح): "ويذكر عن أبى هريرة رفعه: لا يتطوع الإمام في مكانه. ولم يصح". (¬2) هو: عطاء ابن أبي مسلم، وهو "صدوق، يهم كثيرًا، ويرسل ويدلس، مات سنة خمس وثلاثين ومئة، روى له مسلم وأصحاب السنن". (¬3) ضعيف. رواه أبو داود (616)، وابن ماجه (1428)، وفيه انقطاع، قال أبو داود: "عطاء الخراساني لم يدرك المغيرة بن شعبة".

جَهَنَّمَ". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ (¬1). 237 (117) - وعن أَبِي قَتادة بن رِبْعي الأنصاريّ قال: قالَ النبيُّ (¬2) - صلى الله عليه وسلم -: "إذا دَخَلَ أحدُكم المسجدَ، فلا يَجْلسْ حتَّى يُصلِّي ركعتينِ". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ (¬3). 238 (120) - عن أنس بن مالكٍ، عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - قال: "مَنْ نَسِيَ صَلاةً، فَلْيُصَلِّها (¬4) إذا ذَكَرَها، لا كفَّارةَ لها إلا ذلك. أَقِم الصَّلاةَ لذِكْرِي". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ (¬5). - ولمسلم: "من نَسيَ صَلاةً أو نامَ عنها، فكفَّارتُها أنْ يُصلِّيها إذا ذكرَها" (¬6). 239 - عن عُقبةَ بنِ عامرٍ- رضي الله عنه قالَ: لما نزلتْ: {فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ}، قالَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "اجعَلُوها في رُكُوعِكم". فلما ¬

_ (¬1) رواه البخاري (2/ 15/ فتح/ رقم 533 و 534)، ومسلم (615). (¬2) في "أ": "رسول الله". (¬3) رواه البخاري- واللفظ له- (1163)، ومسلم (714). وزاد المصنف- رحمه الله- في "الصغرى" حديثًا واحدًا، وهو: 118 - عن زيد بن أرقمَ قال: كنَّا نتكلَّمُ في الصَّلاةِ، يُكَلِّمُ الرجلُ صاحِبَه، وهو إلى جنبِه في الصَّلاةِ، حتى نزلت: {وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} [البقرة: 238] فأُمرْنا بالسكُوتِ ونُهِينا عن الكلامِ. (رواه البخاري: 1200. ومسلم: 539). (¬4) هذا لفظ مسلم، وهو أبين للمراد، كما قال ابن حجر. وكما البخاري فلفظه: "فليصلِّ". (¬5) رواه البخاري (597)، ومسلم (684) (314). (¬6) رواه مسلم (684) (315).

نزلَتْ: {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} قال: "اجعَلُوها في سُجُودِكم" د ق (¬1). 240 - عَن حُذَيفة؛ أنَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - كانَ يقولُ بينَ السَّجْدتينِ: "رَبِّ اغفِرْ لِي". ق (¬2). 241 - وعن [عون بن] (¬3) عبدِ الله، عن ابن مسعودٍ قال: قالَ رسولُ ¬

_ (¬1) حسن. رواه أبو داود (869)، وابن ماجه (887)، والدارمى (1305)، والطيالسي (1000) وابن خزيمة (600)، وأحمد (4/ 155) من طريق موسى بن أيوب قال: حدثني عمي؛ إياس بن عامر قال: سمعت عقبة بن عامر، به. قلت: موسى بن أيوب وثقه ابن معين وأبو داود، ولذلك لا يقبل قول الحافظ فيه: "مقبول". وأما إياس بن عامر، فوثقه ابن حبان في "الصحيح" (5/ 226)، وأيضًا ذكره الفسوي في "ثقات المصريين"، وقال العجلي: "لا بأس به". والحديث صححه ابن خزيمة، وابن حبان (1898)، والحاكم (1/ 225 و 2/ 477)، وحسَّن إسناده النووي في "الخلاصة" (1254). (¬2) صحيح. رواه ابن ماجه (897)، وعنده: "رب اغفر لي. رب اغفر لي". قلت: ومن فضائل أصحاب الحديث عملهم بهذا الحديث، فقد قال الطحاوي في "مشكل الآثار" (2/ 190 - 191): "في هذا الحديث أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يقول فيما بين سجدتيه في كل ركعة من ركعات صلاته تلك: "رب اغفر لي. رب اغفر لي"، ولا نعلم عن أحد من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه كان يفعل ذلك في صلاته غير علي بن أبي طالب رضي الله عنه ... ولا نعلم أحدًا من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سواه، ولا من تابعيهم، ولا ممن بعد تابعيهم إلى يومنا هذا ذهب إلى ذلك غير بعض من كان ينتحل الحديت، فإنه ذهب إلى ذلك، وقال به، وهذا عندنا من قوله حسن، واستعماله إحياء لسنةٍ من سنن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وإليه نذهب، وإياه نستعمل". وأما في هذا العصر، فقد انتصر لهذه السنة شيخنا العلامة المحدث الجليل محمَّد ناصر الدين الألباني في كتابه القيم "صفة صلاة النبي - صلى الله عليه وسلم -"، ص (153). (¬3) زيادة من "أ".

الله - صلى الله عليه وسلم -: "إذا رَكَعَ أحدُكم فليَقُلْ ثلاث مرات: سُبحان ربِّي العظيم، وذلكَ أدناهُ، فإذَا سَجَدَ فليقُلْ: سُبحان ربِّي الأَعْلى ثلاثًا، وذلِكَ أدناهُ" د ت (¬1). 242 - عن أبي هُريرةُ قالَ: قالَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "إذا جِئْتُم الصَّلاةَ -ونحنُ سُجُودٌ - فاسجُدُوا, ولا تَعدُّوها شيئًا، ومَنْ أدركَ الركعةَ فقد أدركَ الصَّلاةَ". د (¬2). 243 - عن عِمْران بنِ حُصَين قال: سألتُ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - عن صَلاةِ ¬

_ (¬1) ضعيف. رواه أبو داود (886)، والترمذي (261)، وابن ماجه (890) من طريق إسحاق بن يزيد الهذلي، عن عون بن عبد الله، عن ابن مسعود، به. وقال أبو داود: "هذا مرسل، عون لم يدرك عبد الله". وقال الترمذي: "ليس إسناده بمتصل؛ عون بن عبد الله بن عتبة لم يلق ابن مسعود". قلت: وبالإرسال أعله البخاري أيضًا في "التاريخ الكبير" (1/ 1/ 405)، وفيه علة أخرى، وهي جهالة إسحاق الهذلي. (¬2) حسن. رواه أبو داود (893)، وابن خزيمة (1622)، والحاكم (1/ 216 و 273) من طريق يحيى بن أبي سليمان، عن زيد ابن أبي العتاب وابن المقبري، عن أبي هريرة به. وقال الحاكم: "هذا حديث صحيح الإسناد، ولم يخرجاه، ويحيى ابن أبي سليمان من ثقات المصريين"، وقال في الموطن الثاني: "شيخ من أهل المدينة، سكن مصر، ولم يذكر بجرح"، وقال الذهبي: "صحيح، ويحيى مصري ثقة". قلت: وهي مغالاة في التصحيح والتوثيق منهما -رحمهما الله- لا تتفق مع قول البخاري -رحمه الله- في يحيى هذا: "منكر الحديث"، ولا مع قول أبي حاتم -رحمه الله-: "مضطرب الحديث، ليس بالقوي، يكتب حديثه". ولكن الحديث له شاهد - مرسل على الراجح - رواه البيهقي (2/ 89) من حديث رجل عن النبي - صلى الله عليه وسلم - بلفظ: "إذا جئتم والإمام راكع فاركعوا، وإن كان ساجدًا فاسجدوا، ولا تعتدوا بالسجود إذا لم يكن معه الركوع". وانظر "الإرواء" رقم (496).

17 - باب التشهد

الرَّجُلِ قاعدًا؟ فقال: "إنْ صلَّى قائمًا فهو أَفْضَلُ، ومَن صلَّى قاعِدًا فله نصفُ أجرِ القائمِ، ومَنْ صلَّى نائِمًا فله نصفُ أجرِ القَاعِدِ" (¬1). - وفي لفظٍ عنه، قال: "صلِّ قائمًا، فإنْ لم تَسْتَطعْ فقَاعِدًا، فإنْ لم تستطعْ فعلى جنبٍ". خ (¬2). 244 (121) - عن جابر بنِ عبد الله؛ أنّ معاذ بنَ جبلٍ كان يُصلِّي مع رسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - عشاء الآخرةِ، ثم يرجعُ إلى قومِهِ، فيُصلِّي بهم تلكَ الصَّلاةَ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ (¬3). 17 - باب التشهد 245 (125) - عن عبد الله بنِ مسعودٍ رضي الله عنه، قال: علَّمني رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - التَّشهُدَ -كَفّي بين كفَّيهِ- كما يُعلّمني السُّورةَ مِن القُرآنِ: "التَّحِيَّاتُ لله، والصَّلواتُ، والطَّيَباتُ، السَّلامُ عليكَ أيُّها النبيُّ ورحمةُ الله وبركاتُه، السَّلامُ علينا وعلى عبادِ الله الصَّالحينَ، أشهَدُ أنْ لا إِله إلا الله، وأشهدُ أنَّ محمدَّا عبدُه ورسولُه" (¬4). ¬

_ (¬1) رواه البخاري (1115 و 1116)، وقال: "نائمًا" عندي مضطجعًا ها هنا. (¬2) رواه البخاري (1117). (¬3) رواه البخاري (711)، ومسلم -واللفظ له- (465) (180). (¬4) رواه البخاري (6265)، ومسلم (402) (59)، وأبو داود (968)، والنسائي (2/ 238)، والترمذي (289)، وابن ماجة (899)، وزاد البخاري: "وهو بين ظهرانينا، فلما قبض قلنا: السلام. يعني: على النبي - صلى الله عليه وسلم -. وانظر لزامًا "صفة الصلاة" لشيخنا العلامة الألباني ص (18 و 161).

- وفي لفظٍ. "إذا قَعَدَ أحدُكم في الصَّلاةِ، فليَقُلْ: التَّحِيَّاتُ لله ... " وذَكَرَه (¬1). وفيه: "فإنِّكم إذا فَعَلْتُم ذلكَ فقدْ سلَّمْتُم على كلِّ عبدٍ [لله] (¬2) صَالحٍ في السَّمَاءِ والأرض" (¬3). وفيه: "فليتخَيّر مِن المسألةِ ما شاءَ" (¬4). 246 (126) - عن عبد الرحمن ابنِ أبي ليلى قالَ: لَقِيَني كعب بنُ عُجْرَةَ، فقالَ: ألا أُهْدِي لكَ هديّةً (¬5)؟ إنّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - خرجَ علينا، فقُلنا: يا رسولَ الله! قد عَلِمْنا كيفَ نُسَلِّمُ عليكَ، فكيفَ نُصلِّي عليكَ؟ قال: "قُولُوا: اللهمّ صَلِّ على مُحمدٍ، وعلى آلِ مُحمدٍ، كمَا صلَّيتَ ¬

_ = وعن تشهد ابن مسعود هذا قال الترمذي (2/ 82): "هو أصح حديث روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في التشهد، والعمل عليه عند أكثر أهل العلم من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم -، ومن بعدهم من التابعين، وهو قول سفيان الثوري وابن المبارك وأحمد وإسحاق". (¬1) رواه البخاري (6328). (¬2) زيادة من "أ". وهي في "الصحيح". (¬3) رواه البخاري (1202). (¬4) رواه مسلم (402) (55). (¬5) قال الفاكهي في "شرح العمدة": "في هذا السياق إضمار، تقديره: (فقال عبد الرحمن: نعم. فقال كعب: إن النبي) ... ". قال ابن حجر في "الفتح" (11/ 153): "قلت: وقع ذلك صريحًا في رواية شبابة وعفان عن شعبة بلفظ: "قلت: بلى. قال: ... " أخرجه الخلعي في "فوائده". أهـ. قلت. في "صحيح البخاري" (3370): "ألا أهدي لك هدية سمعتها من النبي - صلى الله عليه وسلم -؟ فقلت: بلى فَأَهْدِهَا لي، فقال: ".

علئ آلِ إبراهيمَ، إنَّك حَمِيدٌ مَجِيدٌ. اللهمَّ بَارِكْ على محمدٍ، وعلى آلِ مُحمدٍ، كما بَاركتَ على آلِ إبراهيمَ، إنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ" (¬1). أخرجهما الجماعة. 247 (127) - عن أبي هُريرة قال: كانَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - يدعُو: "اللهمَّ إنِّي أعوذُ بكَ مِن عَذابِ القبرِ، ومِن عَذابِ النَّارِ، ومِن فِتْنَةِ المحيَا والممَاتِ، ومِن فِتْنَةِ المسيحِ الدَّجَّالِ". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ (¬2). ¬

_ (¬1) رواه البخاري (6357)، ومسلم (406)، وأبو داود (978)، والنسائي (3/ 48)، والترمذي (483)، وابن ماجه (904)، وقال الترمذي: "حديث كعب بن عجرة حديث حسن صحيح، وعبد الرحمن بن أبي ليلى كنيته: أبو عيسى، وأبو ليلى اسمه: يسار". قلت: وعند الترمذي زيادة عن عبد الرحمن بن أبي ليلى؛ أنه كان يقول: "ونحن معهم"، فعلق عليها الشيخ أحمد شاكر رحمه الله تعليقًا نفيسًا؛ لذلك أنقله هنا، قال (2/ 353): "أي أن عبد الرحمن بن أبي ليلى يزيد في الصلاة بعد قوله: "وعلى آل محمَّد" يقول: "وعلينا معهم". وهذه الزيادة من باب الدعاء، ولكنا نراها غير جائزة في صيغة الصلاة المروية؛ لأنها صيغة جاءت بالنص على سبيل التعبد، فلا يجوز الزيادة فيها, وليدع المصلي لنفسه بعد أدائها بما يشاء، أما أن يزيد فلا. وقد أنكر القاضي أبو بكر بن العربي في العارضة هذه الزيادة من وجه آخر فقال (2: 271): "إنا لا نرى أن نشرك في هذه الخصيصة أحدًا منا مع محمَّد - صلى الله عليه وسلم -، بل نقف بالخبر حيث وقف، ونقول منه ما عرف، ونرتبط بما اتفق عليه دون ما اختلف". وقال أيضًا: "مسألة: حذار حذار من أن يلتفت أحد إلى ما ذكره ابن أبي زيد فيزيد في الصلاة على النبي عليه السلام: وارحم محمدًا، فإنها قريب من بدعة؛ لأن النبي عليه السلام علم الصلاة بالوحي، فالزيادة فيها استقصار له، واستدراك عليه، ولا يجوز أن يزاد على النبي عليه السلام حرف، بل إنه يجوز أن يترحم على النبي - صلى الله عليه وسلم - في كل وقت". أهـ. (¬2) رواه البخاري (1377)، ومسلم (588).

- وفي لفظٍ لمسلمٍ: "إذا تشهّدَ أحدُكم فَلْيَسْتَعِذْ باللهِ من أربعٍ، يقولُ: اللهمّ إنّي أعوذُ بكَ من عذابِ جَهَنَّمَ ... ". ثم ذكر (¬1) نحوه (¬2). 248 (128) - عن عبد الله بنِ عَمرو بنِ العاص، عن أبي بكرٍ الصدّيق رضي الله عنه؛ أنّه قالَ لرسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم -: عَلِّمْنِي دُعاءً أدعُو به في صَلاتِي. قال: "قُلْ: اللهمّ إنِّي ظَلَمْتُ نفسِي ظُلمًا كَثِيرًا, ولا يغفر الذُّنُوبَ إلا أنتَ فاغْفِرْ لي مَغْفِرةً مِن عِنْدِكَ، وارْحَمْني إنَّك أنتَ الغفورُ الرَّحيمُ". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ (¬3). ¬

_ (¬1) في "أ": "ذكره". (¬2) رواه مسلم (588) (128). (¬3) رواه البخاري (834)، ومسلم (2705). فائدة: قال ابن الملقن في "الإعلام" (2/ 45/ ب)، "ما أحسن هذا الترتيب، فإنه قدم أولًا اعترافه بالذنب، ثم بالوحدانية، ثم سأل المغفرة بعد ذلك؛ لأن الاعتراف أقرب إلى العفو، والثناء على السيد بما هو أهله أرجى لقبول مسألته، وقد جعل تقديم الثناء بين يدي الدعاء كتقديم هدية الشفيع بين يدي مسألته، فإنه أقرب إلى القبول". قلت: وليس في الحديث تعيين محل هذا الدعاء، فاختار البخاري أنه بعد التشهد وقبل السلام، كما تدل عليه ترجمته للباب الذي أورد فيه الحديث بقوله: "باب الدعاء قبل السلام". وقال ابن دقيق العيد في "الإحكام" (2/ 77 - 78): "هذا الحديث يقتضي الأمر بهذا الدعاء في الصلاة من غير تعيين لمحله، ولو فعل فيها حيث لا يكره الدعاء في أي الأماكن كان لجاز، ولعل الأولى أن يكون في أحد موطنين: إما السجود، واما بعد التشهد؛ فإنهما الموضعان اللذان أمرنا فيهما بالدعاء، قال عليه الصلاة والسلام: "وأما السجود فاجتهدوا فيه في الدعاء". وقال في التشهد: "وليتخير بعد ذلك من المسألة ما شاء"، ولعله يترجح كونه فيما بعد التشهد؛ لظهور الغاية بتعليم دعاء مخصوص في هذا المحل". وزاد المصنف -رحمه الله- في "الصغرى" حديثًا واحدًا، وهو: =

18 - باب السلام

18 - باب السلام 249 - عن عبدِ الله بنِ مسعودٍ رضي الله عنه، عن النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -؛ أنَّه كانَ يُسَلِّمُ عن يَمِينِه، وعن يَسارِه: "السَّلامُ عليكُم ورحمةُ الله. السَّلامُ عليكُم ورحمةُ الله". م ت ق (¬1) وقال: حَدِيثٌ حسنٌ صَحِيحٌ (¬2). 250 - وعن أبي هُريرة رضي الله عنه، قالَ: قالَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "حَذْفُ السَّلامِ سُنَّةٌ". د ت وقالَ: حدِيثٌ حسنٌ صَحِيحٌ (¬3). ¬

_ = 129 - عن عائشةَ رضي الله عنها قالتْ: ما صلَّى رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - صلاةً - بعد أن أنزلت عليه: {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ} - إلا يقولُ فيها: "سُبحانك اللهمّ ربَّنا وبحمدِكَ، اللهم اغفِرْ لي". - وفي لفظٍ: كان رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - يكثرُ أن يقولَ في ركُوعِهِ وسجُودِه: "سُبحانك اللهمّ ربنا وبحمدِكَ. اللهمّ اغفِر لي". (رواه البخاري: 817 و 4968. ومسلم: 484). (¬1) كذا بالأصل، وفي "أ": "أخرجه ق ت"، وهو أدق وأنسب مما في الأصل، وانظر التعليق التالي. (¬2) صحيح. رواه الترمذي (295)، وابن ماجه (914)، ورواه أيضًا أبو داود (696)، وزاد أبو داود وابن ماجه: "حتى يُرى بياض خدِّه" قبل قوله: "السلام ... " إلا أن ابن ماجه لم يكرر جملة "السلام ... ". وزاد الترمذي بعد قوله: "صحيح": "والعمل عليه عند أكثر أهل العلم من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم -، ومَن بعدهم، وهو قول سفيان الثوري، وابن المبارك، وأحمد، وإسحاق". تنبيه: عزو الحديث بهذا اللفظ لمسلم غير دقيق، إذ لم يروه مسلم بهذا التمام، وإنما روى أصله (581) من طريق أبي معمر، أن أميرًا كان بمكة يسلم تسليمتين، فقال عبد الله: أنّى عَلِقَها؟ إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يفعله. وانظر التعليق السابق. (¬3) ضعيف، في سنده قرة بن عبد الرحمن، وهو "ضعيف الحديث"، كما قال ابن معين =

قال عبدُ الله بنُ المبارك: يعني أنْ لا يَمُدَّهُ مدّا (¬1). • ورُوي عن إبراهيمَ النَّخَعِيّ، قال: التكبِيرُ جَزْمٌ، والسلامُ جَزْمٌ. ت (¬2). ¬

_ = وغيره من أئمة الشأن. رواه أبو داود (1004)، وابن خزيمة (734 و 735)، وأحمد (2/ 532)، والحاكم (1/ 231)، والبيهقي (2/ 180) مرفوعًا به. ورواه الترمذي (297)، وابن خزيمة، والحاكم، والبيهقي موقوفًا على أبي هريرة. وهذه علة أخرى. ومن ثم قال الدارقطني في "العلل" (9/ 247): "الصحيح أنه موقوف على أبي هريرة". ومن قبله قال أبو داود في "السنن" عقب الحديث: "قال عيسى: نهاني ابن المبارك عن رفع هذا الحديث. قال أبو داود: سمعت أبا عمير عيسى بن يونس الفاخوري الرملي قال: لما رجع الفريابي من مكة ترك رفع هذا الحديث، وقال: نهاه أحمد ابن حنبل عن رفعه". وقال ابن القطان: "لا يصح مرفوعًا, ولا موقوفًا". (¬1) هذا التفسير من ابن المبارك رواه الترمذي عن علي بن حجر، عنه عقيب الحديث السابق. وقال ابن الأثير في "النهاية" (1/ 356): "هو تخفيفه، وترك الإطالة فيه، ويدل عليه حديث النخعي: التكبير جزم، والسلام جزم. فإنه إذا جزم السلام وقطعه فقد خففه وحذفه". (¬2) أورده الترمذي (2/ 95/ شاكر) دون سند، وأسنده عبد الرزاق في المصنف (2/ 74 - 75) ولكن ليس عنده جملة: "والسلام جزم". وقد ورد مرفوعًا ولا يصح.

19 - باب الوتر

19 - باب الوتر 251 (130) - عن عبدِ الله با عُمر رضي الله عنه، قالَ: سألَ رجلٌ النبيَّ (¬1) - صلى الله عليه وسلم -وهو على الْمِنْبر (¬2) - ما ترى في صَلاةِ الليل؟ قال: "مثْنَى مَثْنى، فإذا خَشِي الصُّبْحَ صلَّى واحدةً، فأوترتْ له ما صلَّى"، وإنه كان يقولُ (¬3): اجعَلُوا آخرَ صَلاتِكم بالليلِ وترًا. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ (¬4). 252 (132) - عن عَائِشةَ رضي الله عنها قالتْ: كانَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - يُصلِّي مِن الليلِ ثَلاثَ عشرةَ (¬5) يُوتِرُ مِن ذلكَ بخمسٍ، لا يجلسُ في شيءٍ إلا في آخِرهِا. م (¬6) (¬7). ¬

_ (¬1) في "أ": "رسول الله". (¬2) قال ابن الملقن في "الإعلام" (2/ 48/ ب): قوله: "وهو على المنبر"، "مقتضاه جواز كلام الإمام وهو على المنبر شرع في الخطبة أو لم يشرع، وأن السائل عن العلم والحالة هذه غير لاغٍ". (¬3) قال الحافظ ابن حجر في "الفتح" (1/ 562): "قوله: وإنه كان يقول: بكسر الهمزة على الاستئناف، وقائل ذلك هو نافع، والضمير لابن عمر". ومن قبله قال ذلك أيضًا ابن رجب في "فتح الباري" (2/ 571). قلت: ويؤيد ذلك ويوضحه ما عند البخاري من زيادة، ألا وهي قوله: "فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر به". (¬4) رواه البخاري -واللفظ له- (472)، ومسلم (749). وزإد الصنف - رحمه الله - في "الصغرى" حديثًا واحدًا, وهو: 131 - عن عائشةَ رضي الله عنها قالتْ: من كلِّ الليلِ قد أوترَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؛ من أولِ الليلِ وأوسطِهِ وآخرِه، فانتهى وترُه إلى السَّحَرِ. (البخاري: 996. ومسلم: 745). (¬5) زاد مسلم: "ركعة"، وقد ذكر المصنف هذا اللفظ في "الصغرى". (¬6) المثبت من "أ"، وأما الأصل ففيه: "م خ" هكذا على الترتيب، والحديث لم يروه البخاري، ولذلك كان ما في "أ" أولى مما في الأصل. (¬7) رواه مسلم (737). =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = وزاد المصنف -رحمه الله- في "الصغرى" أربعة أحاديث تحت باب الذكر عقيب الصلاة، وهي: 133 - عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما أن رفعَ الصوتِ بالذِّكرِ حين ينصرفُ الناسُ من المكتوبةِ كان على عهدِ رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم -. قال ابنُ عباسٍ: كنت أعلمُ إذا انصرفُوا بذلك، إذا سمعتُه. (خ: 841. م: 583). - وفي لفظٍ: ما كنا نعرفُ انقضاءَ صلاةِ رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - إلا بالتكبير. (م: 583). 134 - عن وَرَّاد مولى المغيرة بن شُعبة قال: أملى عليَّ المغيرةُ بن شعبة في كتاب إلى مُعاوية؛ أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يقولُ في دُبرِ كل صلاةٍ مكتوبةٍ: "لا إله إلا الله وحدَه لا شرِيكَ له، له الملكُ وله الحمدُ، وهو على كل شيء قديرٌ. اللهم لا مانعَ لما أعطيتَ، ولا مُعطي لما منعتَ، ولا ينفعُ ذا الجَدّ منك الجَدُّ". ثم وفدتُ بعدُ على مُعاويةَ، فسمعتُه يأمر الناسَ بذلك. (خ: 844. م: 593). - وفي لفطٍ: وكان ينهى عن قِيلٍ وقَالٍ، وإضاعةِ المالِ، وكثرةِ السؤال. وكان ينهى عن عُقوقِ الأمَّهاتِ، ووأدِ البناتِ، ومنعِ وهاتِ. (رواه البخاري: 6473. ومسلم: 3/ 1341 رقم 593). 135 - وعن سُمَيٍّ -مولى أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام- عن أبي صالح السمَّان، عن أبي هُريرة رضي الله عنه؛ أن فُقراء المهاجرين أتوا رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم -. فقالُوا: قد ذهبَ أهلُ الدُّثورِ بالدرجَاتِ العُلى والنَّعِيم الْمُقيم. فقال: "وما ذاك؟ "، قالوا: يُصَلُّون كما نُصلي، ويصُومون كما نصومُ. ويتصدَّقُون ولا نتصدّقُ. ويُعتقون ولا نُعتق. فقال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "أفلا أُعلِّمُكم شيئًا تُدركُون به مَن سبقَكم، وتسبِقُون به مَن بعدَكم، ولا يكون أحدٌ أفضلَ منكم، إلا من صنعَ =

253 - عن أبي أيُّوب الأنْصَاريّ رضي الله عنه، قالَ: قالَ رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم-: "الوِتْرُ حَقٌّ على كُلِّ مُسلم، فمَن أحبَّ أنْ يُوتِرَ بخمسٍ فَلْيَفْعَلْ، ومَن أحبَّ أنْ يُوتِرَ بثلاثٍ فليفعلْ، ومَن أَحبَّ أن يُوتِرَ بواحدةٍ فليفعلْ". د (¬1). 254 - عن ابنِ عبّاسٍ [رضي الله عنه] (¬2) قال: بِتُّ عند خَالتي ميمونةَ فجاءَ رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- بعدمَا أمسى، فقال: "أصلَّى الغُلامُ؟ ". فقالوا: نعم. فاضطجعَ حتَّى إذا مَضى مِن الَّليلِ ما شاءَ الله قامَ فتوضَّأَ، ثمَّ صلَّى سَبْعًا أو خَمْسًا أوترَ بِهِنَّ، لم يُسلِّم إلَّا في آخِرهِنَّ. م (¬3). ¬

_ = مثلَ ما صنعتُم؟ "، قالوا: بلى، يَا رسول الله! قال: "تُسبِّحُون وتُكبِّرونَ وتحمَدُون دبرَ كلِّ صلاة ثلاثًا وثلاثين مرة". قال أبو صالح: فرجع فقراءُ المهاجرين إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقالُوا: سمعَ إخوانُنا أهلُ الأموالِ بما فعلْنا، ففعَلُوا مثلَه، فقال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "ذلكَ فضلُ الله يُؤتيه مَن يشاءُ". قال سُمَيٌّ: فحدثتُ بعضَ أهلي هذا الحديث. فقال: وَهِمْتَ، إنما قال لك: "تسبَحُ الله ثلاثًا وثلاثينَ، وتحمدُ الله ثلاثًا وثلاثين، وتكبِّرُ الله ثلاثًا وثلاثين". فرجعتُ إلى أبي صالح، فقلتُ له ذلك، فقال: الله أكبر وسُبحان الله والحمد لله، حتَّى تبلغَ من جميعهن ثلاثًا وثلاثين. (رواه البُخَارِيّ: 843. ومسلم: 595). 136 - عن عائشةَ رضي الله عنها؛ أن النَّبِيّ -صلى الله عليه وسلم- صلَّى في خميصةِ لها أعلامٌ. فنظرَ إلى أعلامِها نظرةً، فلما انصرفَ قال: "اذهبُوا بخمِيصتي هذه إلى أبي جَهمٍ، وائتوني بأنْبجَانيّةِ أبي جهمٍ؛ فإنَّها ألهتني آنفًا عن صلاتي". (خ: 373. م: 556). (¬1) صحيح. رواه أبو داود (1422). (¬2) زيادة من "أ". (¬3) كذا عزاه الحافظ عبد الغني -رحمه الله- لمسلم، وهو وهم, لأنه ليس عند مسلم بهذا =

255 - عن أبيّ بنِ كَعْبٍ رضي الله عنه، قالَ: كانَ رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- يُوترُ بـ: {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} و: {قُلْ يَاأَيُّهَا الْكَافِرُونَ} و: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1)}. د ت (¬1). 256 - عن الحسن بنِ عليِّ [ابنِ أبي طَالبٍ] رضي الله عنهما، قال: علَّمَنِي رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - كَلِماتٍ أقولُهُن في الوِتْر- وفي روايةٍ: في قُنوتِ الوتر-: "اللهمَّ اهْدِني فيمَن هديتَ، وعَافِني فِيمن عَافيت، وتولَّنِي فيمن تولَّيْتَ، وبارِكْ لي فِيما أعطَيْتَ، وقِنِي شرَّ ما قَضَيْتَ، إنَّك تقضِي، ولا يُقْضَى عليك، [و] (¬2) إنَّه لا يَذِلُّ مَنْ وَالَيْتَ، تبارَكْتَ ربَّنا وتعاليتَ". د س ق ت. (¬3). وقال: حديثٌ حسنٌ، ولا نعرِفُ عن النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - في القُنُوت شيئًا أحسنَ مِن هذا. - وفي غيرِ هذه الرواية: "ولا يَعِزُّ مَن عَادَيْتَ" (¬4). 257 - وعن عليّ بنِ أبي طالبٍ رضي الله عنه؛ أنَّ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - كانَ يقولُ في آخر وِتْرِه: "اللهمَّ إنِّي أعوذُ برضَاك مِن سَخَطِكَ، وبِمُعَافاتِكَ ¬

_ = اللفظ، وإنما رواه أبو داود (1356) وهو صحيح. وانظر ما تقدم برقم (166). (¬1) صحيح. رواه أبو داود (1423)، وأشار إليه التِّرْمِذِيّ فقط. (¬2) زيادة من "أ"، وهي ثابتة عند أصحاب السنن خلا ابن ماجه. (¬3) صحيح. رواه أبو داود (1425)، والنسائي (3/ 248)، وابن ماجه (1178)، والتِّرمذيّ (464). (¬4) وهذه الجملة زادها الطَّبْرَانِيّ في "المعجبم الكبير" (3/ 73/ 2701)، والبيهقي في "الكبرى" (2/ 209)، وهي صحيحة.

من عُقُوبَتِكَ، وأعوذُ بِكَ منك، لا أُحصِي ثناءً عليكَ، أنتَ كما أثنيتَ على نَفْسِكَ". أخرجَهُ الإِمامُ أحمدُ، وأبو داودَ، والنسائيُّ، وابنُ ماجَه (¬1). 258 - عن عبد الله بنِ زُرَيرٍ الغَافِقيّ (¬2) قال: علَّمَني -يعني: عليّا رضي الله عنه - سُورتين علَّمَهُما إيّاه رسولُ الله في - صلى الله عليه وسلم -: "اللهمَّ إنَّا نستَعِينُكَ، ونستَغْفِرُكَ، ونُثني عليكَ الخيرَ، ولا نكفُركَ، ونخلَعُ ونتركُ مَن يفجُرُكَ، اللهمّ إياكَ نعبُدُ، ولك نُصلِّي ونسجد، وإليك نسعى ونَحْفِدُ، نرجُو رحمتَك، ونخشى عذابَك الجدّ، إنّ عذابَك بالكفّار مُلْحِقٌ، اللهمّ عَذِّبْ كفرةَ أهلِ الكتابِ والمشركِين؛ الذين يَصدّونَ عن سَبِيلكَ، ويجحَدُونَ آياتِكَ، ويُكَذِّبونَ رُسلَكَ، ويتعدّونَ حُدودَك، ويدعُون معك إلهًا، لا إله إلَّا أنتَ، تبارَكْتَ وتعاليتَ عمّا يقولُ الظَّالمون علوًا كبيرًا". أخرجَه أبو القاسم؛ سُليمان بنُ أَحْمد بن أيُّوب الطَّبرانيّ في "كتاب الدعاء" عن محمَّد بنِ عُثْمان بن أبي شيبة، عن عبّاد بنِ يعقوب الأسَديّ عن يحيى بن يعلى الأسلميّ، عن عبد الله بنِ لَهِيعةَ، عن ابن زرير. وهو إسنادٌ ضَعِيفٌ (¬3). ¬

_ (¬1) صحيح. رواه أَحمد (1/ 96 و 18 أو 150)، وأبو داود (1427)، والنسائي (3/ 248 - 249)، وابن ماجه (1179). (¬2) مصري، تابعي، ثِقَة، روى له أصحاب السنن سوى التِّرْمِذِيّ. (¬3) ورواه الطَّبْرَانِيّ في الدعاء" (750)، وهو كما قال المصنف رحمه الله.

20 - باب الجمع بين الصلاتين في السفر

20 - باب الجمع بين الصلاتين في السفر 259 - عن عبد الله بنِ عُمر [قال] (¬1): كانَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - يَجْمَعُ بينَ المغربِ والعِشَاءِ إذا جَذَبِهِ السَّيْرُ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ (¬2). 260 - وعن أنس بنِ مَالكٍ [رضي الله عنه] (¬3)؛ أنَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - كانَ يَجْمَعُ بينَ هاتينِ الصَّلاتَيْن، المغربِ والعشاءِ في السَّفرِ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ (¬4). 261 (137) - عن ابنِ عبّاسِ [رضي الله عنه] (¬5) قالَ: كانَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - يَجْمَعُ بينَ صَلاة الظُّهْرِ والعَصرِ- إذا كانَ على ظهرِ سَيْر- ويجمعُ بينَ المغربِ والعِشَاءِ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ (¬6). ¬

_ (¬1) زيادة من "أ". (¬2) رواه البُخَارِيّ (1106)، ومسلم (703). و"جذّبه السير": اشتد وأسرع. (¬3) زيادة من "أ". (¬4) رواه البُخَارِيّ (1110)، وأما عزوه لمسلم فهو وهم. فائدة: أورد البُخَارِيّ حديث ابن عمر السابق، ثم حديث ابن عباس التالي، ثم حديث أنس هذا تحت ترجمة: "باب الجمع في السفر بين المغرب والعشاء"، فقال الحافظ في "الفتح" (2/ 580): "استعمل المصنف الترجمة مطلقة إشارة إلى العمل بالمطلق؛ لأن المقيد فرد من أفراده، وكأنه رأى جواز الجمع بالسفر سواء كان سائرًا أم لا، وسواء كان سيره مجدًا أم لا، وهذا مما وقع فيه الاختلاف بين أهل العلم، فقال بالإطلاق كثير من الصَّحَابَة والتابعين، ومن الفقهاء الثَّوريّ والشافعي وأَحمد وإسحاق وأشهب". (¬5) زيادة من "أ". (¬6) رواه البُخَارِيّ (1107) معلقًا، ووصله البيهقي في "الكبرى" (3/ 164). وليس الحديث عند مسلم بهذا اللفظ، ولذا قال ابن دقيق العيد في "الإحكام" (2/ 98): "هذا اللفظ في الحديث ليس في كتاب مسلم، وإنما هو في كتاب البُخَارِيّ، وأما رواية ابن عباس في الجمع بين الصلاتين في الجملة من غير اعتبار لفظ بعينه فمتفق عليه". =

262 - عن مُعاذ بنِ جبلٍ رضي الله عنه قال: خرَجْنا مع رسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - في غَزْوَة تبوكٍ، فكانَ يُصلِّي الظُّهرَ والعَصْرَ جَمِيعًا، والمغرِبَ والعِشَاءَ جَمِيعًا. قلتُ (¬1): ما حَمَلَهُ على ذلكَ؟ قال: أَرادَ أنْ لا يُحْرجَ أُمّتَه. م (¬2). - د، ولفظه: أنَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - كانَ- في غزوةِ تبوكَ- إذا ارتحلَ قبلَ زَيْغ الشَّمْس أِخَّرَ الظُّهْرَ حتَّى يَجْمَعَهَا إلى العَصْرِ، فيُصَلَيهُمَا جَمِيعًا، وإذا ارتحلَ بعدَ زَيْغِ الشَّمْسِ صلَّى الطهْرَ والعَصْرَ جَمِيعًا، ثم سَارَ، وكانَ إذا ارْتَحلَ قبلَ المغرِبِ أخَّرَ المغرِبَ حتَّى يُصَلَيها معَ العِشَاءِ، وإِذا ارتحلَ بعدَ المغرِبِ عَجَّلَ العِشَاءَ، فَصَلاهَا معَ المغرب (¬3). ¬

_ = وقال ابن الملقن في "الإعلام" (ج 2/ ق 62/ أ): "وهذا اللفظ المذكور هو لفظ البُخَارِيّ دون مسلم، كما نبه عليه الشيخ تقي الدين- ابن دقيق العيد -أَيضًا، وأطلق المصنف إخراجه عنهما، نظرًا إلى أصل الحديث على عادة المحدثين! فإن مسلمًا أخرجه بألفاظ نحو رواية البُخَارِيّ، فإذا أرادوا التحقيق فيه، قالوا: أخرجاه بلفظه إن كان، أو: بمعناه إن كان". (¬1) القائل هو: عامر بن واثلة أبو الطفيل، "وربما سمي: عمرًا، ولد عام أحد، ورأى النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - وروى عن أبي بكر فمن بعده، وعُمِّر إلى أن مات سنة عشر ومائة على الصحيح، وهو آخر من مات من الصَّحَابَة، قاله مسلم وغيره. ع". أهـ. "التقريب". (¬2) رواه مسلم (706). (¬3) صحيح. رواه أبو داود (1220)، ثم قال: "ولم يرو هذا الحديث إلَّا قتيبة وحده"، يشير بذلك إلى إعلال الحديث، كما صنع غيره، وأشدهم في ذلك الحاكم إذ حكم عليه بالوضع! في "معرفة علوم الحديث" (ص 120). ولكن أحسن ابن القيم في الرد عليه في "الزاد" (1/ 477). وعلي أية حال لم يتفرد قتيبة به، فضلًا عن وجود شواهد للحديث، انظر "الفتح" (2/ 583).

21 - باب قصر الصلاة

21 - باب قصر الصلاة (¬1) 263 (138) - عن عبد الله بن عُمرَ رضي الله عنهما قالَ: صَحِبْتُ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - فكانَ لا يَزِيدُ في السَّفَرِ على رَكْعتينِ، وأبا بكرٍ وعُمَرَ وعُثمانَ كذلكَ. مُتَّفَقٌ عَلَيهِ (¬2). 264 - وعن يَعْلى بنِ أُميّة قال: قُلتُ لعمرَ بنِ الخَطَّاب [رضي الله عنه] (¬3) {فَلَيْسَ (¬4) عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا} [النساء: 101] , فقد أَمِنَ النَّاسُ؟ فقالَ: عَجِبْتُ ممَّا عَجِبْتَ مِنْهُ! فسألتُ رسولَ الله -صلى الله عليه وسلم- (¬5)، فقالَ: "صَدَقَةٌ تَصَدَّقَ اللهُ بِها عليكُم، فَاقْبَلُوا صَدَقَتَهُ". م د (¬6). 22 - باب الجمعة 265 - عن أنس بن مَالكٍ؛ أنَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - كانَ يُصلِّي الْجُمُعَةَ حِينَ تَمِيلُ الشَّمْسُ. خ د ت (¬7). ¬

_ (¬1) كذا العنوان في "الأصلين"، وفي "الصغرى" زاد المصنف -رحمه الله-: "في السفر". (¬2) رواه البُخَارِيّ -والسياق له- (1102)، ورواه مسلم (689) بأطول مما هنا. (¬3) زيادة من "أ". (¬4) في الأصلين: "ليس"، وهي كذلك في "صحيح مسلم". (¬5) زاد مسلم: "عن ذلك". (¬6) رواه مسلم -واللفظ له- (686)، وأبو داود (1199). ويعلى بن أمية صحابي مشهور. (¬7) رواه البُخَارِيّ (904)، وأبو داود (1084)، والتِّرمذيّ (503)، ولفظ أبي داود: "إذا مالت". وقال التِّرْمِذِيّ: "حديث حسن صحيح".

266 - عن سَهْل بن سَعد قال: ما كُنَّا نَقِيلُ ولا نَتَغَدَّى إلا بعدَ الْجُمُعَةِ. خ م (¬1) (¬2). 67 - عن جابر بنِ سَمُرَةَ قال: كانتْ صلاةُ رسُولِ الله -صلى الله عليه وسلم- قَصْدًا، وخُطبتُه قَصْدًا، يقرأُ آياتٍ مِن القُرآنِ، ويُذكِّرُ النَاسَ. د ت س (¬3). 268 - وعنه؛ أن رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - كانَ يخطبُ قائمًا، ثم يجْلِسُ، ثم يقومُ فيَخْطُبُ قَائِمًا، فمَن حدَّثكَ أنَّه كانَ يخطُبُ جَالسًا فقدْ كَذَبَ، فقدْ واللهِ صلّيتُ معَهُ أكثرَ مِن أَلْفي صَلاةٍ. د س (¬4). 269 - عن الحكم بنِ حَزْنٍ الكُلَفِيّ قالَ: وَفَدْتُ إلى رسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - سَابعَ سَبْعَةٍ، أو تَاسعَ تِسْعَةٍ، فدخَلْنا عليهِ، فقلنا: يَا رسُولَ الله! زرْنَاكَ فادْعُ الله لنا بخير، فأمرَ بِنا، أو أمرَ لنا بشيءٍ مِن التَّمرِ، والشأْنُ إذْ ذَاكَ دُونٌ، فأقَمْنا بها (¬5) أيامًا، شَهِدْنا فِيها الجُمُعَةَ مع رسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم -، فقامَ ¬

_ (¬1) وفي "أ": "متفق عليه". (¬2) رواه البخَارِيّ (939)، ومسلم (859)، وزاد مسلم: "في عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ". (¬3) حسن. رواه أبو داود (1101)، والتِّرمذيّ (507)، والنسائي (3/ 110)، وقال التِّرْمِذِيّ: "حديث حسن صحيح". وقوله: "قصدًا" أي: وسطًا بين القصر والطول. "تنبيه" الحديث رواه مسلم (866) من نفس الطريق بلفظ: كنت أصلي مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فكانت صلاته قصدًا، وخطبته قصدًا. وله في رواية أخرى (862): "كانت للنبي - صلى الله عليه وسلم - خطبتان يجلس بينهما، يقرأ القرآن، ويذكر الناس". (¬4) حسن. رواه أبو داود بتمامه (1093)، ورواه النسائي (3/ 110) إلى قوله: "فقد كذب". "تنبيه" الحديث رواه مسلم من نفس الطريق، وبنفس اللفظ الذي ذكره الحافظ عبد الغني، انظره في "الصحيح" برقم (862) (35). (¬5) أي: بالمدينة.

مُتوكِّئًا على عَصًا، أو قوس، فحَمِدَ الله، وأثْنى عليه؛ كَلِمَاتٍ خَفِيفَاتٍ طَيِّباتٍ مُبارَكَاتٍ، ثم قالَ: "أيُّها (¬1) النَّاسُ! إِنكم لنْ تُطِيقُوا - أوْ لن تَفْعلُوا - كل ما أُمِرْتُم به، ولكِنْ سَدِّدوا، وأَبْشِرُوا". د (¬2). 270 (141) - عن جابر بن عبد الله قال: جاءَ رجُلٌ، والنبيُّ - صلى الله عليه وسلم - يخطبُ النَّاسَ يومَ الْجُمعةِ، فقالَ: "صَلّيتَ يَا فُلانُ؟ " (¬3). قال: لا. قال: "قُمْ فارْكَعْ" (¬4). - وفي روايةٍ: "فَصَلِّ رَكْعتين" (¬5). مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. ¬

_ (¬1) في "أ": "يَا أيها". (¬2) حسن. رواه أبو داود (1096). (¬3) هو: سُليك الغطفاني، جاء ذلك صريحًا في "صحيح مسلم" في بعض روايات الحديث. (¬4) هذه الرواية للبخاري (930)، ومسلم (875) (54)، وهذه الرواية هكذا في "الصحيحين" إلَّا أن المستملي والأصيلي زادا في روايتهما لصحيح البُخَارِيّ لفظ: "ركعتين". وكان ذلك اختيار المصنف في "الصغرى". (¬5) هذه الرواية للبخاري (931)، ولمسلم (875) (55). وزاد الصنف -رحمه الله- في "الصغرى" قبل هذا الحديث حديثين، وزاد بعده خمسة أحاديث، فأما التي قبله فهي: 139 - عن عبد الله بنِ عُمر رضي الله عنهما؛ أن رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "مَنْ جاءَ مِنْكُم الجُمعةَ فليغتسِلْ". (رواه البُخَارِيّ: 894. ومسلم: 844). 140 - وعنه قال: كان النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - يخطبُ خُطبتينِ -وهو قائمٌ - يفصلُ بينهما بجلوسٍ. (قلت: وهم الحافظ عبد الغني رحمه الله في عزو هذا اللفظ للصحيحين). =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = وأما التي بعده فهي: 142 - عن أبي هُريرة رضي الله عنه؛ أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إذا قُلتَ لصاحِبكَ: أنصتْ- يومَ الجُمعةِ، والإمامُ يخطبُ- فقد لَغوتَ". (خ: 934. م: 851). 143 - وعنه؛ أن رسولَ الله-صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قالَ: "مَن اغتسلَ يومَ الْجُمعةِ، ثم راحَ، فكأنما قرَّب بدنةً. ومَن راحَ في الساعةِ الثانيةِ، فكأنما قَرَّب بقرة، ومن راحَ في الساعة الثالثة، فكأنَّما قرَّب كبشًا أقرنَ، ومن راحَ في الساعةِ الرابعةِ، فكأنّما قرَبَ دَجاجةً. ومَن راحَ في الساعةِ الخامِسة فكأنَّما قرَّب بيضةً، فإذا خرجَ الإمامُ حضرتِ الملائكةُ يستمعون الذكر". (رواه البُخَارِيّ: 881. ومسلم: 850). 144 - عن سلَمة بن الأكوع- وكان من أصحابِ الشجرةِ- قال: كنَّا نُصلي مع النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - الجُمعةَ، ثم ننصرفُ، وليس للحيطانِ ظلٌّ نستظل به. (خ: 4168. م: 860). - وفي لفظٍ: كنا نُجمِّعُ مع رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - إذا زالتِ الشمسُ، ثم نرجعُ، فنتتبعُ الفيءَ (رواه مسلم: 860). 145 - عن أبي هُريرة رضي الله عنه قال: كان النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - يقرأ في صلاةِ الفجر يومَ الجُمعةِ: {الم. تَنْزِيلُ} السجدة، و: {هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ}. (رواه البُخَارِيّ: 891. ومسلم: 880). 146 - عن سهل بن سعدٍ الساعدي رضي الله عنهما؛ أن نفرًا تمارَوْا في الْمِنبر من أيّ عودٍ هو؟ فقال سهلُ بن سعد: من طَرْفاء الغابةِ، ولقد رأيتُ رسولَ الله -صلى الله عليه وسلم- قامَ عليه، فكبَّر، وكبَّر النَّاسُ وراءَه، وهو على الْمِنبر. ثم رفعَ، فنزلَ القَهْقَرى، حتَّى سجدَ في أصلِ الْمِنبر، ثم عادَ حتَّى فرغَ من آخرِ صلاتِهِ، ثم أقبلَ على النَّاس، فقال: "أيها النَّاسُ! إنما صنعتُ هذا لتأتَمُّوا بي، ولتعَلَّموا صَلاتي". - وفي لفطٍ: صلى عليها، ثم كبَّر عليها. ثم ركع وهو عليها. ثم نزل القَهْقَرى. (رواه البُخَارِيّ: 917. ومسلم: 544).

- د، وفيه: ثُم أقبلَ على النَّاس، قال: "إذا جَاءَ أَحدُكم- والإمامُ يخطُبُ- فَلْيُصَلِّ ركعتين، يتجَوزْ فِيهما" (¬1). 271 - [و] (¬2) عن عُبَيد الله بن أِبي رَافع قالَ: صلَّى بنا أبو هريرة رضي الله عنه الجُمُعةَ فقرأَ بسورةِ الجمُعةِ، وفي الرَّكعةِ الآخِرَةِ: {إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ}. قالَ: فأدركتُ أبَا هُريرة حِين انصرَفَ، فقلتُ له: إنَّكَ قرأتَ بسُورَتَيْن كِانَ على يقرأُ بِهما بالكُوفةِ (¬3)؛ قالَ أبو هُريرة: فإنِّي سَمِعْتُ رسولَ الله -صلى الله عليه وسلم- يقرأُ بِهما يومَ الْجُمُعَةِ. م ت (¬4) (¬5). 272 - عن ابنِ عبَّاس، أن النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - كانَ يقرأُ في صَلاةِ الفَجْرِ، يومَ الْجُمُعَةِ {الم تَنْزِيلُ} السَّجدة، و {هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئًا مَذْكُورً} وأن النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - كانَ يَقْرأُ في صلاةِ الجمُعةِ سُورةَ الجُمُعَةِ والْمُنَافِقِينَ. م (¬6). 273 - [و] (¬7) عن سَمُرَةَ. بنِ جُندُبٍ؛ أنَّ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - كان يقرأُ في ¬

_ (¬1) رواه أبو داود (1117)، وهذه الزيادة عند مسلم أَيضًا (875) (59). (¬2) زيادة من "أ". (¬3) في "أ": "في الكوفة". (¬4) في "أ": "ت م". (¬5) رواه مسلم (877)، والتِّرمذيّ (519)، ورواه أبو داود (1124)، وابن ماجه (1118). وقال التِّرْمِذِيّ: "حديث حسن صحيح ... عبيد الله ابن أبي رافع كاتبُ علي ابن أبي طالب رضي الله عنه". قلت: وهو - أي: عبيد الله- ثِقَة، روى له الجماعة. (¬6) رواه مسلم (879). (¬7) زيادة من "أ".

صَلاةِ الْجُمُعَةِ بـ: {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} و: {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ (1)}. د س (¬1). 274 - وعن عُبيدِ الله بنِ عَبد الله بنِ عُتبة (¬2) أنّ الضَّحَاك بنَ قيسٍ (¬3) سألَ النُّعمان بن بَشير: مَاذا كانَ يقرأُ بِهِ رسُول الله - صلى الله عليه وسلم - يومَ الْجُمُعَةِ على إِثْرِ سُورةِ الْجُمُعَةِ؟ فقال: كانَ يقرأُ بـ: {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ}. م (¬4). 275 - عن عبد الله بنِ عَمرو، عن النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قالَ: "الجُمُعَةُ علي مَنْ سَمعَ النِّداءَ". رواه جماعةٌ عن سُفيانَ مقصورًا علي عبد الله بنِ عمرو، وأسنَدَه عنه قَبِيصةُ (¬5). ¬

_ (¬1) صحيح. رواه أبو داود (1125)، والنسائي (3/ 111 - 112). (¬2) مدني، تابعي، ثقة، ثبت، فقيه، روى له الجماعة. (¬3) هو: ابن خالد بن وهب الفهري، اختلف في صحبته، وهو الأمير المشهور، قتل سنة أربع وستين، في موقعة مرج راهط. (¬4) رواه مسلم (878)، ولكن بلفظ: كتب الضحاك بن قيس إلى النعمان بن بشير يسأله: أي شيء قرأ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم الجمعة سوى سورة الجمعة؟ فقال: كان يقرأ: {هَلْ أَتَاكَ}. وأما الرواية التي ذكرها الحافظ عبد الغني -رحمه الله- فرواها أبو داود (1123)، والنسائي (1423)، والدارمي (1520)، ومالك في "الموطأ" (1/ 19/ 111). (¬5) ضعيف. رواه أبو داود (1056)، وأبو بكر المروزي في "الجمعة" (69 بتحقيقي)، والدارقطني (2/ 6/ 3 و 4)، والبيهقي في "الكبرى" (3/ 173)، وأبو نعيم في "الحلية" (7/ 104) من طريق قبيصة، عن سفيان، عن محمد بن سعيد، عن أبي سلمة بن نُبيه، عن عبد الله ابن هارون، عن عبد الله بن عمرو، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، به. قال أبو داود: روى هذا الحديث جماعة عن سفيان مقصورًا علي عبد الله بن عمرو، لم يرفعوه، وإنما أسنده قبيصة. وقال الدارقطني: قال لنا ابن أبي داود: محمد بن سعيد هو الطائفي "ثقة"، وهذه سنة تفرد بها =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = أهل الطائف. وقال البيهقي: قبيصة بن عقبة من الثقات، ومحمد بن سعيد هذا هو الطائفي "ثقة". قلت: محمد بن سعيد ترجم له ابن أبي حاتم (2/ 3/ 264) ولم يذكر فيه جرحًا ولا تعديلًا. وفي "التهذيب" أضاف الحافظ إلى توثيق البيهقي توثيق ابن أبي واره، وقال في: "التقريب" "صدوق"، وقال عن أبي سلمة بن نبيه، وعبد الله بن هارون: "مجهول". وروى الدارقطني (2/ 3/ 2)، ومن طريقه البيهقي (3/ 173) من طريق الوليد بن مسلم، عن زهير بن محمد، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده مرفوعًا به. قلت: وهذا إسناد ضعيف؛ لأنه من رواية الوليد بن مسلم - وهو شامي - عن زهير، وهي رواية غير مستقيمة. وأشعر البيهقي بضعفها فقال: هكذا ذكره الدارقطني رحمه الله في كتابه بهذا الإسناد مرفوعًا! ثم رواه (3/ 173 - 174) من طريق الوليد أيضًا، ولكنه موقوف علي عبد الله بن عمرو، ولفظه: "إنما تجب الجمعة علي من سمع النداء، فمن سمعه فلم يأته فقد عصى ربه". ورواه الدارقطني (2/ 6/ 1) من طريق محمد بن الفضل بن عطية، عن حجاج، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: "الجمعة علي من بمدى الصوت"، قال داود (أحد رواته): يعني: حيث يسمع الصوت. قلت: وهذا إسناد موضوع، محمد بن الفضل بن عطية اتهم بالكذب، وحجاج مدلس وقد عنعنه. والعجب من قول الحافظ في "الفتح" (2/ 385) عندما أورد هذا الحديث، وقال: "ويؤيده قوله - صلى الله عليه وسلم - لابن أم مكتوم: "أتسمع النداء؟ "، قال: نعم. قال: "فأجب". وذلك من وجهين: الأول: أن حديث عبد الله بن عمرو مما لا يتقوى بغيره، إذ هو شديد الضعف كما رأيت، واختلف في رفعه ووقفه. الثانى: أن حديث ابن أم مكتوم في جميع الصلوات، وهذا في الجمعة فقط! فلا ضير من تضعيف هذا الحديث، والتحول إلى حديث ابن أم مكتوم، والجمعة صلاة من الصلوات المكتوبات، فالحديث يشملها ويشمل غيرها. والله أعلم.

276 - عن طارقِ بنَ شِهَابٍ، عن النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قالَ: "الجُمُعَةُ حَقٌّ وَاجِبٌ علي كُلِّ مُسْلِمٍ في جَمَاعةٍ، إلا أربعةً: عبدٌ مملُوكٌ، أو امرَأةٌ، أوْ صَبِيٌّ، أو مَرِيضٌ". وقال: طارِقٌ رأى النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - ولم يسمَعْ منه شيئًا (¬1). 277 - عن إياس بنِ أبي رَمْلَةَ الشَّاميّ قال: شَهِدْتُ مُعاويةَ بنَ أبي سُفيان، وهو يسألُ زيد بنَ أرقم، فقالَ: هلْ شَهِدْتَ مع رسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - عِيْدَيْنِ اجتمعَا في يومٍ واحدٍ (¬2)؟ قال: نعم. قالَ: فكيفَ صَنَعَ؟ قالَ: صلَّى العِيْدَ، ثمَّ رخَّصَ في الجمع، فقالَ: "مَن شَاءَ أن يُصلِّي فَلْيُصَل". د س (¬3). ¬

_ (¬1) صحيح. رواه أبو داود (1067). والحديث وإن أعل بمثل قول أبي داود، فقد أجيب بمثل قول النووي في "المجموع" (4/ 483): "وهذا الذي قاله أبو داود لا يقدح في صحة الحديث؛ لأنه إن ثبت عدم سماعه يكون مرسل صحابي، ومرسل الصحابي حجة عند أصحابنا وجميع العلماء، إلا أبو إسحاق الاسفرايني". ورواه الحاكم (1/ 288) من طريق طارق عن أبي موسى، ولكنه غير محفوظ بذكر أبي موسى فيه ولكن للحديث شواهد كثيرة يصح بها، وهي مخرجة في "بلوغ المرام" تحت الحديث رقم (470). وفي هذا الحديث جاء قوله: "عبدٌ ... " وما بعده مرفوعًا، وأشار ناسخ الأصل إلى أنه جاء في نسخة منصوبًا. قلت: لأهل العلم في ذلك أقوال وتوجيهات، فعلى تقدير الرفع تعرب خبر لمبتدأ محذوف. وعلى النصب - وهو الأحسن - فتكون عطف بيان لـ: "أربعة" وهو منصوب؛ لأنه استثناء من موجب، وقيل: هذا هو الأصل، وأنها كتبت بغير الألف علي عادة المتقدمين بكتابة المنصوب بغير ألف، اكتفاءً بكتابة تنوين النصب. وفيه وجه ثالث وهو الخفض علي أنه صفة لـ: "مسلم"، وتكون "إلا" هنا بمعنى: "غير". (¬2) لفظ: "واحد" ليس في "أ"، وكذلك ليس في السنن. (¬3) صحيح بشواهده. رواه أبو داود (1070)، والنسائي (3/ 194)، وإياس بن أبي رملة =

23 - باب العيدين

278 - عن أبي هَريرة قالَ: قالَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَن كَانَ مُصليًا بَعْدَ الجُمُعَةِ، فلْيُصَلّ بعدَها أربعًا". - وفي لفظٍ: "إذا صلَّيتُم الجمعةَ، فصَلُّوا بعدَها أربعا (¬1) ". م د س (¬2). 23 - باب العيدين 279 - عن ابنِ عبَّاس قال: شَهِدْتُ العِيدَ مع رسُول الله - صلى الله عليه وسلم - وأَبي بكرٍ وعُمرَ وعُثمانَ، فكلُّهم كانُوا يُصلُّونَ قبلَ الخطبةِ. خ م (¬3) (¬4). 280 - عن جابر بنِ سَمُرة قالَ: صلَّيتُ مع النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - العِيْدَيْنِ غيرَ مرّةٍ ولا مرّتين بلا أذانٍ، ولا إِقامةٍ. د س (¬5). ¬

_ = مجهول، وإن ذكره ابن حبان في "الثقات" (4/ 36) وله شاهد عند أبي داود (1073) من حديث أبي هريرة بسند حسن. وآخر من حديث ابن عمر عند ابن ماجه (1312) وسنده ضعيف. (¬1) المثبت من "أ", وهو الموافق للمصادر، وفي الأصل: "أربعة". (¬2) رواه مسلم (881)، وأبو داود (1131)، والنسائي (1426)، والترمذي (523). وقال الترمذي: "حسن صحيح". تنبيه وقع في "أ": "م د ت"، بدل: "م د س". (¬3) كذا بالأصل، وفي "أ": "م متفق عليه"، وكأن الناسخ نسي أن يضرب علي "م". (¬4) رواه البخاري (962)، ومسلم (884). (¬5) صحيح. رواه أبو داود (1148)، والترمذى (532) وقال الترمذي: "حديث حسن صحيح والعمل عليه عند أهل العلم من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - وغيرهم: أنه لا يؤذّن لصلاة العيدين، ولا لشيء من النوافل". تنبيه: هذا الحديث لم يروه النسائي، ورواه من نفس الطريق من هو أعلى من المذكورين، فهو في "صحيح مسلم" برقم (887)، وقد نبه إلى رواية مسلم الحافظ الضياء في هامش الأصل.

281 - عن عائِشةَ؛ أنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كانَ يُكبِّرُ في الفِطْرِ والأَضْحى في الأُولى سَبْعَ تكبِيراتٍ، وفي الثَّانية خمسَ تكبيرات (¬1). - وفي روايةٍ: سوى تكبِيرتيّ الرُّكوعِ. د (¬2). 282 - عن عبد الله بنِ عَمرو بن العاصِ قالَ: قال نبيُّ الله - صلى الله عليه وسلم -: "التَكبِيرُ في الفِطْرِ: سَبْعٌ في الأُولى، وخمسٌ في الآخرةِ، والقراءةُ بَعْدَهُمَا كِلْتَيْهِمَا". د (¬3). 283 - عن عُبيدِ الله بنِ عبد الله بن عُتبة؛ أن عمرَ بنَ الخطَّابِ سألَ أبا وَاقد الليثىّ: ماذا كانَ يقرأُ بِهِ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - في الأَضْحى والفِطْرِ؟ قالَ: كانَ يقرأُ فِيهما بـ {ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ} و {اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ} (¬4) - وفي روايةٍ: عن عُبيد الله بن عبد الله بنِ عُتبة، عن أبي واقدٍ: سَأَلَنِي عمرُ. م د (¬5). 284 - عن أنس بنِ مَالك قال: كانَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - لا يخرُجُ (¬6) يومَ ¬

_ (¬1) صحيح. رواه أبو داود (1149)، وله شواهد أحدها التالي. (¬2) صحيح. رواه أبو داود (1150). (¬3) صحيح. رواه أبو داود (1151)، وصححه البخاري كما في "العلل الكبير" (1/ 288). (¬4) رواه مسلم (891) (14)، وأبو داود (1154)، والنسائي (1567)، والترمذي (534)، وابن ماجه (1282). وقال الترمذي: "حديث حسن صحيح". (¬5) هذه الرواية لمسلم (891) (15) وهي لأحمد أيضًا (5/ 219) ولم أجدها في "سنن أبي داود" والله أعلم. (¬6) هذا اللفظ: "يخرج" لابن خزيمة (1429)، والإسماعيلي كما في "الفتح" (2/ 447)، وأما البخاري فلفظه: "يغدو".

الفِطْرِ حتَّى يأكلَ تَمَراتٍ، ويأكُلُهنّ وِتْرًا. خ (¬1). 285 - عن جَابر بنِ عبد الله قالَ: كانَ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - إذا كانَ يومُ عيدٍ خَالَفَ الطَّرِيقَ. خ (¬2). ¬

_ (¬1) رواه البخاري (953). تنبيه: قول: "ويأكلهن وترًا" ألحقها ناسخ الأصل بين السطرين وأتبعها بكلمة. "صح"، وهي ثابتة في "أ"، وهي في "صحيح البخاري" معلقة غير موصولة عنده، وهي صحيحة، وصلها غيره كابن خزيمة والإسماعيلي في الموطن المشار إليه آنفا. ووصلها أيضًا أحمد (3/ 126) ولكن بلفظ: "إفرادًا". وفي رواية لابن حبان (2814) بسند لا بأس به عن أنس قال: ما خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم فطر حتى يأكل تمرات؛ ثلاثًا، أو خمسًا، أو سبعًا. وهي للحاكم أيضًا (1/ 294) وزاد: "أو أقل من ذلك، أو أكثر من ذلك؛ وترًا". وهذه الرواية صريحة في مداومته - صلى الله عليه وسلم - علي ذلك. وروى مالك في "الموطأ" (1/ 7/ 179) عن ابن شهاب، عن سعيد بن المسيب: أنه أخبره أن الناس كانوا يؤمرون بالأكل يوم الفطر قبل الغدوّ. وقال ابن المنذر في "الأوسط" (4/ 254): "والذي عليه الأكثر من أهل العلم استحباب الأكل قبل الغدو إلى المصلى في يوم الفطر". ونحوه قال ابن رجب في "فتح الباري" (7/ 88). وأما جعلهن وترًا، فقال المهلب: "فللإشارة إلى وحدانية الله تعالى، وكذلك كان - صلى الله عليه وسلم - يفعله في جميع أموره تبركًا بذلك". (¬2) رواه البخاري (986) وهو صحيح بشواهده، وأحدها في "البلوغ" (498) عن ابن عمر وأما عن العلة في مخالفة الطريق، فقد قال الترمذي في "السنن" (2/ 425 - 426) عقب حديث أبي هريرة في مخالفة النبي - صلى الله عليه وسلم - الطريق يوم العيد: "وقد استحب بعض أهل العلم للإمام إذا خرج في طريق أن يرجع في غيره؛ اتباعًا لهذا الحديث، وهو قول الشافعي". قلت: وفي "الأم" (1/ 233): "قال الشافعي: وبلغنا أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يغدو من طريق، ويرجع من أخرى، فأحب ذلك للإمام والعامة، وإن غدوا ورجعوا من طريق واحدة فلا شيء =

286 - عن أَبي هُريرة؛ أنَّهم أَصَابَهم مطَر في يوم عيدٍ، فصلَّى بهم النبي - صلى الله عليه وسلم - صَلاةَ العِيْدِ في المسجدِ. د (¬1). 287) (148) - عن البراءِ بنِ عَازِبٍ قال: خَطَبنا النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - يومَ الأَضْحى بعدَ الصَّلاةِ، فقالَ: "مَنْ صَلَّى صَلاتَنا، ونَسَكَ نُسُكَنا فقدْ أصَابَ النُّسُكَ، ومَنْ نَسكَ قبلَ الصَّلاةِ فلا نُسُكَ له" (¬2). فقالَ أبو بُردة بنُ نِيَار- خالُ البراءِ-: يا رسولَ الله! إني نَسَكْتُ شَاتِي قبلَ الصَّلاةِ، وعرفتُ أن اليومَ يومُ أكلٍ وشُربٍ، وأحببتُ أنْ تكونَ "شَاتُك أوّلَ ما يُذبحُ في بَيْتِي، فذبحتُ شَاتي، وتغدّيتُ قبلَ أنْ آتي الصَّلاة؟ قال: "شاتُكَ شَاةُ لحم". قال: يا رسولَ الله! فإنّ عِنْدنا عَنَاقًا (¬3) هي أحبُّ إليَّ من شَاتَيْن، أفتَجْزيِ ¬

_ = عليهم، إن شاء الله تعالى" .. قلت: وهذا الذي نقله الترمذي من الاتباع هو الذي أقول به، وأعمل به، وإلا فقد "تكلم الناس في المعنى الذي لأجله يستحب مخالفة الطريق، وكثر قولهم في ذلك، وأكثره ليس بقوي"، كما قاله ابن رجب (7/ 166)، بل "أكثرها دعاوى فارغة"، كما نقل الحافظ في "الفتح" (2/ 473) عن القاضي عبد الوهاب المالكي. (¬1) منكر. رواه أبو داود (1160)، وضعفه الحافظ ابن حجر في "بلوغ المرام" (501)، وفي "التلخيص" (2/ 83). (¬2) في "صحيح البخاري": "ومن نسك قبل الصلاة، فإنه قبل الصلاة، ولا نسك له"، وقال الحافظ في "الفتح" (2/ 448): "كذا في الأصول بإثبات الواو، وحذفها النسائي، وهو أوجه، ويمكن توجيه إثباتها بتقدير: لا يجزئ، ولا نسك له". قلت: لم أجد هذا الذي أشار إليه الحافظ في سنن النسائي لا "الصغرى"، ولا "الكبرى"، بل لم أجده فيما لدي من مراجع الحديث، والله أعلم. (¬3) زاد البخاري: "لنا جَذَعَةً". و"العناق": هي الأنثى من أولاد المعز ما لم يتم له سنة، وقيل: الصغير من أولاد المعز مادامت ترضع، وفي، صحيح مسلم": "عندي عناق لبن".

عنّي؟ قال: "نعم. ولَنْ تَجْزيِ عن أحدٍ بعدَكَ". متَّفَقٌ عَلَيْهِ (¬1). 288) (149) - عن جُنْدبِ بنِ عبد الله البَجَلِي رضي الله عنه (¬2)، قال: صلَّى النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - يومَ النَّحْر، ثم خَطَبَ، ثم ذَبَحَ، وقال: "مَنْ ذَبَحَ قبلَ أنْ يُصَلِّي، فَلْيَذْبَحْ أُخرى مَكانَها، ومن لم يذبحْ، فَلْيَذْبَحْ: باسمِ الله". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ (¬3). ¬

_ (¬1) رواه البخاري- واللفظ له- (955)، ومسلم (1961). وقوله - صلى الله عليه وسلم -: "شاتك شاة لحم"، قال عنه ابن الملقن في "الإعلام" (2/ 81/ ب): "أي ليست أضحية، ولا ثواب فيها، بل هو لحم ينتفع به، كما جاء في رواية أخرى: "إنما هو لحم قدمته لأهلك". فيستنبط من هذا أن من ذبح قبل الصلاة لم يكن ناسكًا، وأن المأمورات إذا وقعت علي خلاف مقتضى الأمر لم يكن الجهل عذرًا فيها". وزاد المصنف -رحمه الله- في "الصغرى" قبل هذا الحديث حديثًا واحدًا، وهو: 147 - عن عبد الله بن عُمر رضي الله عنهما، قال: كانَ النبي - صلى الله عليه وسلم - وأبو بكر وعمرُ يصلّون العِيدين قبلَ الْخُطبةِ. (رواه البخاري: 963. ومسلم: 888). (¬2) جندب بضم أوله وثالثه بينهما نون ساكنة. وقيل: بفتح ثالثه، وضبطها في الأصل علي الوجهين ثم كتب فوقها: "معًا". (¬3) رواه البخاري (985)، ومسلم (1960). قلت: وسياق الحديث للبخاري، وأما قول ابن حجر في "الفتح" بأن عبد الغني ساقه علي لفظ مسلم، فهو وهم منه رحمه الله. وقوله: "فليذبح باسم الله"، قال ابن حجر في "الفتح" (10/ 20): أي: فليذبح قائلًا: بسم الله، أو مسميًا، والمجرور متعلق بمحذوف، وهو حال من الضمير في قوله: فليذبح. وهذا أولى ما حمل عليه الحديث، وصححه النووي"، وهناك أقوال أخرى انظرها في "الفتح". وزاد المصنف -رحمه الله- في "الصغرى" حديثين، وهما: 150 - عن جابرٍ قال: شهدتُ مع النبي - صلى الله عليه وسلم - يومَ العيدِ، فبدأَ بالصلاةِ قبلَ الخُطبةِ =

23 - باب صلاة الكسوف

23 (*) - باب صلاة الكسوف 289 (152) - عن عائِشةَ (¬1): أنّ الشَّمْسَ خَسَفَتْ (¬2) علي عَهْدِ رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم -، فبعثَ منادِيًا يُنادي: الصَّلاةَ جَامِعة (¬3) فاجْتَمَعُوا، وتَقَدَّمَ ¬

_ = بلا أذانٍ ولا إقامةٍ، ثم قامَ متوكئًا علي بلالٍ، فأمرَ بتقوى الله، وحثَّ علي طاعتِه، ووعظَ الناسَ وذكَّرهم، ثم مضى حتَى أتى النِّساءَ فوعظهنّ وذكَّرهنّ، وقال: "تصدقنَ؛ فإنكُنّ أكثرُ حطبِ جَهنم"، فقامتِ امرأةٌ من سِطَةِ النساء، سفعاءُ الخدّين. فقالت: لِمَ يا رسول الله؟ فقال: "لأنكن تُكْثِرْنَ الشَكَّاةَ، وتَكْفُرنَ العَشِيرَ". قال: فجعلنَ يتصدَّقنَ من حُليِّهن؛ يُلْقِينَ في ثوبِ بلالٍ من أقْرِطَتِهِن وخَواتِيمهِن. (رواه البخاري: 958. ومسلم: 885). 151 - عن أم عطيّة - نُسَيبةَ الأنصارية - قالت: أَمَرَنا- تعني: النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - أن نُخْرج في العِيدين العواتقَ، وذواتِ الخُدُورِ، وأمرَ الحُيض أن يعتزلن مُصلّى المسلمين. (رواه البخاري: 324. ومسلم: 890). - وفي لفط: كُنَّا نُؤمرُ أن نخرُجَ يومَ العيدِ، حتى نُخْرجَ البِكْرَ من خِدْرِها، وحتى نُخْرج الحيَّض، فيُكَبِّرن بتكبيرهم، ويدعُون بدعائهم، يرجُون بركةَ ذلكَ اليوم، وطُهرتَه. (رواه البخاري: 971. ومسلم: 890). (¬1) زاد في "أ": "رضي الله عنها". (¬2) الخسوف: النقصان. والكسوف: التغير إلى سواد، والأشهر من ألسنة الفقهاء تخصيص الكسوف بالشمس، والخسوت بالقمر، وهو اختيار ثعلب، وهو الأفصح عند الجوهري. وقيل: يقال بهما في كل منهما، ويشهد لذلك اختلاف الألفاظ في الأحاديث حيث أطلق الكسوف والخسوف معًا في محل واحدٍ. (¬3) بالنصب، "الصلاة" علي الإغراء، و"جامعة" علي الحال، وذلك علي الحكاية، والمعنى: احضروا الصلاة حال كونها جامعة. ويجوز فيها الرفع علي أن "الصلاة" مبتدأ، و"جامعة" خبر = (*) قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة: كذا بالمطبوع بتكرار رقم الباب (23) لهذا الباب والذي قبله

فكبّر، وصلَّى أربعَ رَكَعَاتٍ في رَكْعَتَيْن، وأربعَ سَجَدَاتٍ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ (¬1). 290 - عن عَائِشةَ-[رضي الله عنها] (¬2)؛ أنَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - جَهَرَ في صلاةِ الْخُسوفِ بقراءَتِهِ. م د ت (¬3). 291 (153) - عن أبي مسعودٍ الأنصاريّ قالَ: قالَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "إنَّ الشَّمسَ والقمرَ آيتانِ من آياتِ الله (¬4)، يُخوِّفُ الله بِهما عِبَادَه، وإنَّهما لا يَنْكَسِفَانِ لموتِ أحدٍ من النَّاس، فإذا رأَيْتُم مِنها شيئًا، فَصَلُّوا، وادعُوا حتَّى يُكْشَفَ ما بكم". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ (¬5). 292 (154) - عن عَائِشَةَ؛ "أنَّها قالتْ: خَسَفَتِ الشَّمْسُ في عهدِ رسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم -، فصلَّى رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - بالنَّاس، فقام فأطَالَ القِيامَ، ثم ركعَ ¬

_ = والمراد: ذات جماعة، أو "جامعة" صفة، والخبر تقديره "فاحضروها". (¬1) رواه البخاري (1066)، ومسلم (901) (4)، وفيه إطلاق لفظ الركعات علي الركوع. (¬2) زيادة من "أ". (¬3) رواه مسلم (901) (5)، وأبو داود (1188)، والترمذي (563). تنبيه: روى الحديث البخاري (1065) ولفظه كلفظ مسلم، وهو ما ذكره الحافظ المقدسي هنا. (¬4) قال ابن الملقن في "الإعلام" (2/ 92/ ب): "معناه أنهما علامتان دالتان علي عظم قدرة الله وقهره، وكمال إلهيته، وانما خصهما بالذكر لما وقع للجاهلية من أنهما لا يخسفان إلا لموت عظيم، أو ضرر أو نقص ونحوها؛ لأن بعضهم كان يعظمها، وهذا لا يصدر إلا ممن لا علم له، ضعيف العقل، مختل الفهم، فردَّ - صلى الله عليه وسلم - جهالتهم، وبين أنهما مخلوقان لا صنع لهما كسائر المخلوقات، يطرأ عليهما النقص والتغيير كغيرهما، وتضمن ذلك الرد على من قال بتأثيرات النجوم، ثم أخبر بالمعنى الذي لأجله يكسفان، فقال: "يخوف الله بهما عباده" أي: أنه ينبغي للعباد الخوف عند وقوع التغيرات العلوية، قال تعالى: {وَمَا نُرْسِلُ بِالْآيَاتِ إِلَّا تَخْوِيفًا}. أهـ. (¬5) رواه البخاري (1041)، ومسلم - واللفظ له- (911).

فأطالَ الرُّكوعَ، ثم قامَ فأطالَ القِيامَ - وهو دُونَ القيامِ الأوّلِ- ثم ركعَ فأطالَ الرُّكوعَ- وهُو دُونَ الرُّكُوع الأوّلِ- ثم سَجَدَ فأطالَ السُّجودَ، ثم فعلَ في الرَّكْعَةِ الأُخرى مثلَ ما فعلَ في الأُولى، ثم انصرَفَ وقد تجلّتِ الشَّمسُ، فخطبَ النَّاسَ (¬1)، فحَمِدَ الله، وأثنى عليه، ثم قال: "إنَّ الشّمْسَ والقمرَ آيتانِ من آياتِ الله، لا يَخْسِفَانِ (¬2) لموتِ أَحَدٍ، ولا لحياتِهِ، فإذا رأيتُم ذلكَ فادعُوا الله، وكَبِّروا، وصلُّوا، وتصَدَّقوا". ثم قال: "يا أمّة محمدٍ! واللهِ (¬3) ما مِن أحدٍ أَغْيَرُ (¬4) مِن الله، أنْ يزني عبدُه، أو تزني أَمتُه، يا أمة محمدٍ! والله لو تعلَمُونَ ما أعلمُ لضَحكْتُم قَلِيلًا، ولبكَيْتُم كَثِيرًا" (¬5). - وفي لفظٍ: فاستكمَلَ أربعَ ركعاتٍ في أربعِ سَجَدَات (¬6). مُتَّفَقٌ عَلَيهِ ¬

_ (¬1) فيه دليل أن لصلاة الكسوف خطبة. (¬2) بفتح الياء، وجوز بعضهم الضم، إلا أن ابن الصلاح قال في "مشكل الوسيط": "وقد منعوا من أن يقال بالضم". (¬3) ألحق الناسخ بالهامش زيادة: "يا أمة محمد" وأتبعها بكلمة "صح"، وهذا- عندي- وهم أو سهو؛ إذ لا يوجد ذلك في روايات الحديث، لا في "الصحيحين"، ولا في غيرهما. (¬4) يجوز فيها الرفع على أنها خبر، والمبتدأ "أحد"، وهذا على لغة تميم، وذلك أن "ما" لا تفيد عندهم إلا النفي فقط، ويجوز فيها النصب على أنها خبر "ما" الحجازية، ووجه ثالث- وإن كان ضعيفًا- وهو جواز الخفض على أنها صفة لـ: "أحد"، والخبر حينئذٍ يكون محذوفًا. (¬5) رواه البخاري (1044)، ومسلم (901) (1). (¬6) هذا اللفظ للبخاري برقم (1046)، ولمسلم برقم (901) (3). وزاد المصنف- رحمه الله- في "الصغرى" حديثًا واحدًا، وهو: 155 - عن أبي مُوسى قال: خسفتِ الشمسُ في زمان رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم -، فقامَ فزِعًا؛ =

24 - باب صلاة الاستسقاء

24 - باب صلاة الاستسقاء 293 (156) - عن عبّاد بنِ تميمٍ، عن عَمِّه (¬1) قالَ: خرجَ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَسْتَسْقِي، فتوجه إلى القِبْلَةِ يدعُو، وحوّلَ رِداءَه، ثمَّ صلَّى ركعتينِ جَهرَ فِيهما بالقِرَاءَةِ (¬2). - وفي لفظٍ: إلى الْمُصَلَّى (¬3). مُتَفَقٌ عَلَيْهِ ¬

_ = يخشى أن تكون الساعةُ حتى أتى المسجدَ. فقام فصلَّى بأطولِ قيام ورُكوع وسُجودٍ ما رأيتُه يفعلُه في صلاةٍ قطُّ، ثم قال: "إنّ هذه الآياتِ التي يُرسلُها الله لا تكونُ لموتِ أحدٍ ولا لِحياته. ولكن الله عز وجل يرسلُها يُخوف بها عبادَه. فإذا رأيتُم منها شيئًا، فافزَعُوا إلى ذكرِ الله، ودُعائه، واستغفَارِه" (خ: 1059. م: 912). (¬1) هو: عبد الله بن زيد بن عاصم المازني رضي الله عنه، وعباد بن تميم تقدمت ترجمته عند الحديث رقم (82). (¬2) رواه البخاري- واللفظ له- (1024)، ومسلم (894) وليس عند مسلم الجهر بالقراءة. وفي سبب تحويله - صلى الله عليه وسلم - الرداء أقوال، أرجحها: ما رواه الدارقطني مرسلًا (2/ 66/ 2) عن أبي جعفر الباقر، قال: "وحول رداءه؛ ليتحول القحط"، ورواه الحاكم (1/ 326) موصولًا عن جابر رضي الله عنه، وقال: "صحيح الإسناد". وقال الذهبي. "غريب عجيب صحيح"، وانظر "بلوغ المرام" (516) بتحقيقي. (¬3) رواه البخاري (1012)، ومسلم (894). وزاد المصنف- رحمه الله- في "الصغرى" حديثًا واحدًا، وهو: 157 - عن أنس بنِ مالكٍ رضي الله عنه؛ أن رجلًا دخلَ المسجدَ يومَ جُمُعَةٍ من بابٍ كان نحو دارِ القضاء، ورسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - قائمٌ يخطبُ. فاستقبلَ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - قائمًا، ثم قال: يا رسول الله! هلَكَتِ الأموالُ، وانقطعتِ السُّبُلُ. فادعُ الله يُغِثْنَا. قال: فرفعَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - يديه، ثم قال: =

294 - عن ابنِ عبَّاس قال: خرجَ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - يعني: في الاستسقَاءِ- مُتبذّلًا، مُتواضِعًا، مُتضرِّعًا، فجلسَ على المنبرِ، فلم يخطُبْ خُطبتَكم هذه، ولكن لم يزَلْ في الدُّعاءِ، والتَّضَرع، والتَكبِيرِ، وصلَّى ركعتين كمَا كانَ يُصلِّي في العِيْدَينِ. د س ق ت وقال: حدِيثٌ حسنٌ صَحِيحٌ (¬1). 295 - عن جابر بنِ عبد الله قالَ: أَتَتْ رسولَ الله (¬2) - صلى الله عليه وسلم - بَواكي (¬3)، ¬

_ = "اللهمّ أغِثْنا، اللهمّ أغِثْنا، اللهمّ أغِثْنا". قال أنسٌ: ولا والله، ما نرى في السَّماء من سَحابٍ ولا قزعَةٍ. وما بيننا وبين سَلْعٍ من بيتٍ ولا دارٍ. قال: فطلعتْ من ورائه سَحابة مثل التُّرس، فلما توسطتِ السماءَ انتشرتْ، ثم أمطرتْ. قال: فلا والله، ما رأينا الشمسَ سبتًا. قال: ثم دخلَ رجل من ذلك البابِ في الجُمعةِ الْمُقبلة، ورسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - قائمٌ يخطبُ، فاستقبلَه قائمًا. فقال: يا رسول الله! هلكتِ الأموالُ، وانقطعتِ السُّبلُ. فادعُ الله يُمسِكْها عنَّا. قال: فرفعَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - يديه. ثم قال: "اللهمّ حَوَالينا ولا عَلينا، اللهمّ على الآكام، والظِّرَابِ، وبُطونِ الأوديةِ، ومَنَابِتِ الشجرِ". قال: فأقلعتْ، وخرجنا نَمشِي في الشَّمسِ. قال شريكٌ: فسألتُ أنس بنَ مالكٍ: أهو الرجل الأول؟ قال: لا أدري. (خ: 1014. م: 897). (¬1) حسن. رواه أبو داود (1165)، والنسائي (3/ 163)، وابن ماجه (1266)، والترمذي (558 و 559). و"التبذل": ترك التزين والتهيؤ بالهيئة الحسنة الجميلة على جهة التواضع. (¬2) في "أ":"النبي". (¬3) بواكي: جمع باكية، أي: نفوس باكية، أو نساء باكيات؛ من القحط وقلة المطر، وفي رواية الخطابي "للسنن" (1/ 220/ رقم 326): "رأيتُ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - يُواكى"، وفسرها بقوله: "معناه التحامل على يديه، إذا رفعهما ومدهما في الدعاء، ومن هذا التوكؤ على العصا، وهو التحامل عليها".

25 - باب صلاة الخوف

فقالَ: "اللهمَّ اسْقِنَا غَيْثًا مُغِيثًا، مَرِيّا مَرِيعًا، نافِعًا غيرَ ضَارٍّ، عاجِلًا غيرَ آجلٍ". قال: فأطبقتْ عليهم السماء. د (¬1). 296 - عن عمرو بنِ شُعَيبٍ، عن أبيه، عن جَدِّه قال: كانَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - إذا استسْقَى قال: "اللهمَّ اسْقِ عِبَادَكَ، وبَهائمَكَ، وانشُر رحمَتكَ وأحيِ بلدَكَ الميِّتَ". د (¬2). 25 - باب صلاة الخوف 297 (158) - عن عبد الله بنِ عُمر قال: صلَّى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صَلاةَ الخوفِ في بعض أِيَّامِهِ، فقامتْ طائِفةٌ معَهُ، وطائِفةٌ بإزَاءِ العَدوِّ، فصلَّى بالذينَ معه ركعةً، ثمّ ذَهبُوا، وجاءَ الآخَرُونَ، فصلَّى بهم ركعةً، ثم قَضَتِ الطَّائِفَتَانِ ركعةً ركعةً. مُتَفَق عَلَيْهِ (¬3). - قال البخاريُّ: وقال ابنُ عمر، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: "فإِذا كانَ خوفٌ أكثرَ مِن ذلكَ، فصلِّ راكِبًا أو قائِمًا، تُومئُ إيماءً" (¬4). ¬

_ (¬1) صحيح. رواه أبو داود (1169). وقوله: "غيثًا": أي مطرًا، و"مغيثًا": أي معينًا من الإغاثة بمعنى الإعانة، و"مريًا" أو مريئًا: المراد به: هنيئًا محمود العاقبة لا ضرر فيه من الغرق والهدم. "مريعًا": روي هذا اللفظ بالياء والباء، وبالاول من المراعة، وهي: الخصب، وبالثاني معناه: منبتًا للربيع. (¬2) حسن. رواه أبو داود (1176). (¬3) رواه البخاري (942)، ومسلم- واللفظ له- (839) (306). "تنبيه": الروايات التالية لهذا الحديث لم يذكرها المصنف- رحمه الله- فى "الصغرى". (¬4) كذا عزاه الحافظ عبد الغني- رحمه الله- للبخاري مرفوعًا، وهذا ليس للبخاري، وإنما هو=

- وفي لفظٍ له: "مُسْتَقْبِلي القِبْلةَ، و (¬1) غيرَ مُسْتَقْبِليها" (¬2). - وفي لفظٍ له: غزوتُ مع النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قِبَلَ نجدٍ (¬3). - وأخرجه النسائيُّ، وفيه: ثم سلَّم النبيُّ - صلى الله عليه وسلم -، وقد أتَمَّ ركعتينِ في أربعِ سَجَداتٍ، ثم قامتِ الطَائفتَانِ، فصلَّى كلُّ إنسانٍ منهم لِنَفْسِهِ ركعةً وسجدتينَ (¬4). ¬

_ = لمسلم (839) (306)، ثم هو عنده موقوف على ابن عمر. ولكن للبخاري (4535) عن ابن عمر قال: "فإن كان خوف هو أشد من ذلك صَلَّوْا رجالًا قيامًا على أقدامهم، أو ركبانًا"، وفي آخره قال مالك: قال نافع: لا أرى عبد الله بن عمر ذكر ذلك إلا عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. وهو في "الموطأ" (1/ 3/ 184). ولابن المنذر في "الأوسط" (4/ 38 - 39) نحو ذلك، وفي آخره: كان ابن عمر يخبر بذلك عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. ولابن ماجه (1258) بسند صحيح مرفوعًا: "فإن كان خوف أشد من ذلك، فرجالًا، أو ركبانًا" قلت: وهذا كله مما يرجح رفعه، ويصوب جزم الحافظ عبد الغني بذلك وإن كان وهم- رحمه الله- في العزو، أو في اللفظ. والله أعلم. (¬1) كذا في الأصلين، وفي "الصحيح": "أو"، وهو كذلك في "الموطأ"، إذ هو في البخاري من طريق مالك. (¬2) هذا اللفظ للبخاري برقم (4535). (¬3) هذا اللفظ للبخاري برقم (942). وقوله: "قبل نجد"، أي: جهة نجد، و "نجد": كل ما ارتفع من بلاد العرب، وهذه الغزوة هي "غزوة ذات الرقاع"، انظرها في كتاب "الفصول في سيرة الرسول - صلى الله عليه وسلم -" ص (129) طبع مكتبة المعارف بالرياض. (¬4) صحيح. رواه النسائي (3/ 172 - 173) من طريق الزهرى، عن عبد الله بن عمر به. وأعله ابن السني بقوله: "الزهري سمع من ابن عمر حديثين، ولم يسمع هذا منه". قلت: والأئمة الكبار كأحمد وابن معين وأبي حاتم لا يصححون سماع الزهري من ابن عمر.=

298 - عن ابنِ عباسٍ قالَ: قامَ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم -، وقامَ النَّاسُ معهُ، وكبَّر وكَبَّروا معه، ورَكَعَ وركَعَ ناسٌ منهم، ثمّ سَجَدَ وسجَدُوا [مَعَهُ] (¬1). ثمَّ قامَ الثَّانِيةَ، فقامَ الذِين سجَدُوا، وحَرَسُوا إِخْوانَهم، وأتتِ الطَائِفةُ الأخْرى، فرَكَعُوا وسَجَدُوا مَعَهُ، والنَّاسُ كلُّهم في صَلاةٍ، ولكن يَخرُسُ بعضُهم بعضًا. خ (¬2). 299 (159) - عن يزيد بنِ رُومان [عن صَالح بن خَوَّات بن جُبَير] (¬3) عمَّن صلَّى رسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - (¬4) يومَ ذاتِ الرّقَاع (¬5) صلاة الخوفِ، أنّ طائفةً صَفَّتْ (¬6) معهُ، وطائفةٌ وِجَاهَ (¬7) العدوِّ، فصلَّى بالذينَ معه ركعةً، ثمّ ثبتَ ¬

_ = ولكن يشبه أن يكون الزهريّ تلقى هذه الرواية من أحد أصحاب ابن عمر، أو أداها بالمعنى، فأصلها في "صحيح البخاري" من طريقه عن سالم، عن ابن عمر (942)، وفيها صلاة النبي - صلى الله عليه وسلم - بكل طائفة ركعة وسجدتين، وفي آخرها قول ابن عمر: "ثم سلم، فقام كل واحد منهم، فركع لنفسه ركعة، وسجد سجدتين". (¬1) زيادة من "أ"، وهي في "الصحيح". (¬2) رواه البخاري (944). (¬3) زيادة من "الصغرى" لا بد منها. (¬4) هذا المبهم في هذه الرواية جزم الحافظ عبد الغنى- رحمه الله- في "الصغرى" بأنه: "سهل ابن أبي حثمة"، وهو منازع فيه، بل الراجح أنه: "خوات والد صالح"، وهو الذي اختاره الحافظ ابن حجر في "البلوغ" (475)، وذكر مرجحات ذلك في "الفتح" (7/ 422 - 423). (¬5) سميت هذه الغزوة بذلك؛ لأن الصحابة رضي الله عنهم كانوا يلفون على أرجلهم الخرق لَمَّا نَقِبت. انظر "الفصول في سيرة الرسول" ص (131) طبعة مكتبة المعارف بالرياض. (¬6) هذا اللفظ للبخاري ومسلم، وفي بعض نسخ مسلم: "صلت"، واختارها الحافظ في "البلوغ" (475)، و"هما صحيحان" كما قال ابن الملقن (2/ 106/ ب). (¬7) الطائفة: لفرقة، وتقع على القليل والكثير. و "وجاه" بضم الواو وبكسرها، يعني:=

قَائِمًا، وأتَمُّوا لأنفُسِهم، ثم انصَرَفُوا، فَصَفُّوا وجَاه العدوِّ، وجاءتِ الطَائِفةُ الأُخرى، فصلَّى بهم الرَّكْعَةَ التي بَقِيتْ، ثم ثبتَ جَالِسًا، وأتَمُّوا لأنفُسِهم، ثم سلَّم بِهم. مُتَّفَق عَلَيْهِ د س (¬1). ¬

_ = مقابل وحذاء. (¬1) رواه البخاري (4129)، ومسلم (842)، وأبو داود (1238)، والنسائي (3/ 171). وقال عنه الترمذي (2/ 457): "حديث حسن صحيح". وزاد المصنف- رحمه الله- في "الصغرى" حديثًا واحدًا، وهو: 160 - عن جابر بنِ عبد الله الأنصاري رضي الله عنه قال: شهدتُ مع رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - صلاةَ الخوفِ. فصفَفْنا صفين خلفَ رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - والعدُوُّ بيننا وبين القِبلة، فكبَّر النبىُّ - صلى الله عليه وسلم -، وكبّرنا جميعًا، ثم ركعَ وركعنا جميعًا. ثم رفعَ رأسَه من الركُوع، ورفعنا جميعًا، ثم انحدرَ بالسُّجودِ والصفُّ الذي يليه. وقام الصف المؤخَّرُ في نحرِ العدو. فلما قضى النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - السجودَ، وقام الصفُّ الذي يليه، انحدرَ الصف المؤخرُ بالسجودِ وقامُوا، ثم تقدَّم الصفُّ المؤخّرُ، وتأخّرَ الصف المقدَّمُ، ثم ركعَ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - وركَعنا جَمِيعًا، ثم رفعَ رأسَه من الركُوع، ورفعنا جميعًا. ثم انحدرَ بالسجودِ والصف الذي يليه- الذي كان مؤخرًا في الركعةِ الأولى- وقام الصفُّ المؤخرُ في نُحورِ العدوَّ، فلما قضى النبي - صلى الله عليه وسلم - السجودَ والصف الذي يليه، انحدر الصف المؤخّرُ بالسجودِ، فسجَدُوا، ثم سلَم النبي - صلى الله عليه وسلم -، وسلمنا جميعًا. قال جابر: كما يصنعُ حَرسُكم هؤلاء بأُمرائهم. ذكره مسلم بتمامه. (840). وذكره البُخاري طرفًا منه، وأنه صلَّى صلاةَ الخوفِ مع النبي - صلى الله عليه وسلم - في الغزوةِ السابعة؛ غزوة ذات الرِّقاع. (4125).

3 - كتاب الجنائز

3 - كتاب الجنائز 300 (161) - عن أبي هُريرة رضي الله عنه، قالَ: نعى النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - النَّجاشِيَّ (¬1) في اليومِ الذي ماتَ فيه، وخرجَ إلى المصلَّى، فصفَّ بهم، وكبّر أربعًا. متَّفَقٌ عَلَيْه (¬2). ¬

_ (¬1) بفتح النون والجيم، وآخره ياء مشددة، وقيل مخففة، وهو لقب لكل من ملك الحبشة، قيل: كان اسمه "أصحمة"- على الصحيح- وقيل غير ذلك، ومعناه بالعربية "عطية". وكان ملكًا عادلًا قبل إسلامه، أحسن إلى المسلمين الذين هاجروا إلى أرضه، ثم أسلم وآمن برسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ذكره البعض في الصحابة كابن منده، وذكره آخرون في التابعين؛ لأنه لم ير النبي - صلى الله عليه وسلم -، وصلاة النبي - صلى الله عليه وسلم - عليه كانت بالمدينة رضي الله عنه. (¬2) رواه البخاري (1245)، ومسلم (951). والنعي: خبر الموت والإعلام به. قلت: وفي هذا الحديث أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نعى لهم النجاشي، وفي حديث آخر؛ أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان ينهى عن النعي، وهو مخرج في "البلوغ" (557) فيعلم من ذلك أن: "النعي على ضربين: أحدهما: مجرد إعلام؛ لقصد ديني، كطلب كثرة الجماعة؛ تحصيلًا للدعاء للميت، وتتميمًا للعدد الذي وعد بقبول شفاعتهم له، كالأربعين والمئة مثلًا، أو لتشييعه وقضاء حقه في ذلك، وقد ثبت في معنى ذلك قوله - صلى الله عليه وسلم -:"هلا آذنتموني به"، ونعيه عن أهل مؤتة؛ جعفرًا، وزيد بن حارثة، وعبد الله بن رواحة. الثاني: فيه أمر محرم مثل نعي الجاهلية؛ المشتمل على ذكر مفاخر الميت، ومآثره، وإظهار التفجع عليه، وإعظام حال موته. فالأول مستحب، والثاني محرم، وعليه يحمل نهيه - صلى الله عليه وسلم - عن النعي ... وهذا التفصيل هو الذي تقتضيه الأحاديث الصحيحة"، قاله ابن الملقن في "الإعلام" (2/ 109 - ب/110 - أ). وزاد المصنف- رحمه الله- في "الصغرى" حديثًا واحدًا، وهو: 162 - وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنه؛ أن النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - صلى على النجاشي. فكُنت في الصف الثاني، أو الثالث. (رواه البخاري: 1317).

301 - عن عبد الرحمن بنِ أبي ليلى (¬1)، قال: كان زيدُ بنُ أرقم يُكبِّرُ على جَنائزِنا أربعًا، وإنّه كبّر على جَنازةٍ خمسًا، فسألتُه؟ فقال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يُكبّرُها. م د (¬2). 302 (163) - وعن أبي إسْحاق الشَّيبَاني (¬3)، عن الشَّعْبي (¬4)؛ أنّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلَّى على قبر بعدَ مَا دُفِنَ، فكبّر عليه أربعًا. قال الشَّيبانيُّ: قلتُ للشَّعبي: مَن حدَّثكَ بهذا؟ قال: الثقةُ؛ عبدُ الله ابنُ عباس. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. د ت س (¬5) (¬6). 303 - عن أبي هُريرة؛ أن أسودَ- رجلٌ أو امرأةٌ (¬7) - كانَ يكونُ في المسجدِ؛ يَقُمّ المسجد (¬8)، فماتَ، ولم (¬9) يَعلمِ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - بموتِهِ، فذكره ¬

_ (¬1) أنصاري، مدني، تابعي، ثقة، مات سنة ثلاث وثمانين بوقعة الجماجم، روى له الجماعة. (¬2) رواه مسلم (957)، وأبو داود (3197). (¬3) هو: سليمان ابن أبي سليمان، كوفي، ثقة، حجة، اختلف في تاريخ وفاته، فقال ابن حجر: "مات في حدود الأربعين ومئة"، روى له الجماعة. (¬4) هو: عامر بن شراحيل الشعبي، تابعي، إمام، ثقة، فقيه، رووى له الجماعة. (¬5) كذا بالأصل: " ... ت س"، وفي "أ": " ... س ت". (¬6) رواه البخاري (1319) بنحوه، وانظر أطرافه، ومسلم (954)، وأبو داود (3196)، والترمذي (1037)، والنسائي (4/ 85) وقال الترمذي: "حديث حسن صحيح". (¬7) كذا في الأصلين: "رجلٌ أو امرأةٌ" بالرفع، وهو جائز على أنه خبر لمبتدأ محذوف، ووقع في "الصحيح":"رجلًا أو امرأةً" بالنصب على أنه بدل من "أسود". (¬8) يقم: بضم القاف وتشديد الميم، جمع القمامة، وهي: الكناسة، وبوب البخاري على هذا الحديث بقوله: "باب كنس المسجد، والتقاط الخرق، والقذى، والعيدان". (¬9) في "أ": "فلم".

ذاتَ يومٍ، فقال: "ما فعلَ ذلكَ (¬1) الإنسانُ". قالُوا: يا رسولَ الله! ماتَ. قال: "أفلا آذَنْتمُونِي". قالوا: إنه كذا وكذا؛ قصّتَه- قال: فحقَّروا شأنَهُ- قال: "فدُلُّوني علي قبرِه"، فأتى قبرَه، فصلي عليه. خ (¬2). 304 - عن جابر بنِ عبد الله قال: كان النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - يجمعُ بينَ الرَّجُلَين مِن قتلي أُحدٍ في ثوبٍ واحدٍ، ثم يقولُ: "أيُّهم أكثرُ أخذًا للقُرآن"؟ فإذا أُشِير له إلي أحدِهما، قدَّمه في اللّحدِ وقال: "أنا شَهِيدٌ علي هؤلاءِ يومَ القيامةِ". وأمرَ بدفْنِهم في دِمَائِهم، ولم يُغَسِّلْهم، ولم يُصلِّ عليهم. خ (¬3). 305 (164) - عن عائشةَ رضي الله عنها؛ أنّ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - كُفِّنَ في ثلاثةِ أثوابٍ يَمانيّةٍ بيضٍ سَحُولِيّةٍ من كُرْسُفٍ، ليسَ فيها قَمِيصٌ، ولا عِمَامةٌ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ (¬4). ¬

_ (¬1) في "أ": "ذاك". (¬2) رواه البخاري (1337)، ورواه مسلم- أيضًا- (956) ولكن مطولًا، وفيه عنده: ثم قال - صلى الله عليه وسلم -: "إن هذه القبور مملوء: ظلمة علي أهلها. وإن الله عز وجل ينورها لهم بصلاتي عليهم". وفي هذا الحديث والذى قبله بيان ما كان عليه النبى - صلى الله عليه وسلم - من التواضع، والرفق بأمته، وشفقته عليها، وتفقد أحوال المسلمين- قويهم وضعيفهم- والقيام بحقوقهم، وبما ينفعهم في الحياة والموت، والاهتمام بمصالح آخرتهم ودنياهم. - صلى الله عليه وسلم -. (¬3) رواه البخارى (1347). وفي الحديث فضيلة ظاهرة لقارئ القرآن. (¬4) رواه البخاري (1264)، ومسلم (941). "سحولية": بضم السين المهملة ويروى بالفتح، نسبة إلي سحول، قرية باليمن. وقال الأزهري:=

306 - عن طلحةَ بنِ عبد الله بن عَوْفٍ (¬1)، قالَ: صلّيت خلفَ ابنِ عبَّاس علي جنازةٍ، فقرأ بفاتحةِ الكتابِ، فقال: لِتَعَلَّموا (¬2) أنّها سُنّةٌ. خ (¬3). 307 - عن عوف بنِ مالكٍ رضي الله عنه قالَ: صلَّي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - علي جَنازةٍ، فحفِظْتُ من دُعائه، وهو يقول: "اللهمّ اغفرْ له، وارحمْه، وعافِه واعف عنه، وأكرِمْ نُزُلَه، ووسِّع مُدْخلَه، واغْسِلْه بالماءِ والثلجِ والبَرَدِ، ونقِّه من الخطايا كما نقيتَ الثوبَ الأبيضَ من الدَّنس، وأبدِله دارًا خيرًا من دارِه، وأهلًا خيرًا من أهلِهِ، وزوجًا خيرًا من زوجِه، وأدخِلْه الجنَّة، وأعِذْه من عذابِ النَّارِ، وأعِذْه من عذابِ القبرِ". قَال: حَتَّى تمنيتُ أن أكونَ أنا ذلك الميتَ. م س ق ت مختصر (¬4). ¬

_ = بالفتح: المدينة. وبالضم: الثياب. وقيل: النسب إلى القرية بالضم، وأما بالفتح فنسبة إلي القصار؛ لأنه يسحل الثياب؛ أي: ينقيها. "الكرسف": بضم الكاف والسين بينهما راء ساكنة: القطن. (¬1) تابعي، مدني، ثقة، فقيه، مات سنة سبع وتسعين، روى له البخاري وأصحاب السنن. (¬2) كذا بالأصل مجودة، وفي رواية أبي الوقت (ج 1/ ق 97/ ب): "لِتَعْلَمُوا" مجودة أيضًا، والذي في اليونينية (2/ 89): "لِيَعْلَمُوا"، وقال القسطلاني (2/ 432): "بالمثناة التحتية علي الغيبة". وأما النسخة الخطية "أ" ففيها: "تعلموا"! بلا تجويد. (¬3) رواه البخاري (1335). (¬4) رواه مسلم (963)، والنسائي (4/ 73 - 74)، وابن ماجه (1500)، والترمذي (1025). وقوله: "مختصر" يعني به الحافظ رواية الترمذي، وهي كذلك، إذ لم يرو منه الترمذي إلا قوله: "اللهم اغفر له، وارحمه، واغسله بالبرد، واغسله كما يغسل الثوب".=

308 - عن يحيى بن أبي كثيرٍ (¬1) قال: حدَّثني أبو إبراهيم الأَشْهليّ (¬2)، عن أبيه قالَ: كانَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - إذا صلّي علي جَنازةٍ (¬3)، قال: "اللهمّ اغفِرْ لحيّنا ومَيّتنا، وشَاهِدنا وغَائِبنا، وصَغِيرنا وكَبِيرنا، وذَكَرِنا وأُنْثَانا". قال يحيى: وحدَّثني أبو سلَمة بنُ عبد الرحمن (¬4)، عن أبي هُريرة، عن النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - مثلَ ذلك، وزاد فيه: "اللهمّ مَن أَحْيَيْتَهُ مِنّا فأحيهِ علي الإسلام، ومَن توفَّيتهُ منّا فتوفّهُ علي الإيمانِ". د ت (¬5). ¬

_ = وقال الترمذي: "هذا حديث حسن صحيح. قال محمد (البخاري): أصح شيء في هذا الباب هذا الحديث". (¬1) ثقة، ثبت، يدلس ويرسل، روى له الجماعة. (¬2) أبو إبراهيم الأشهلي هذا قال عنه أبو حاتم: "لا ندري من هو، ولا أبوه"، وقال عنه الذهبي: "مجهول". وقال ابن حجر: "مقبول". قلت: وقد ذكر يحيى إسناده الثاني لهذا الحديث، وهو إسناد صحيح. (¬3) في (أ): "الجنازة". (¬4) مشهور بكنيته، تابعي، مدني، ثقة، روى له الجماعة. (¬5) صحيح. رواه أبو داود (3201)، والترمذي (1024) وقال الترمذي: "حديث والد أبي إبراهيم حديث حسن صحيح ... وسمعت محمدًا (البخاري) يقول: أصح الروايات في هذا، حديث يحيى بن أبي كثير، عن أبي إبراهيم الأشهلي، عن أبيه، وسألته: عن اسم أبي إبراهيم؟ فلم يعرفه".

309 (165) - عن أم عطية قالتْ: دخلَ علينا رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - حِينَ تُوفّيت ابنتُه (¬1) فقال: "اغْسِلْنَها ثلاثًا أو خمسًا، أو أكثرَ من ذلك- إن رأيتُنَّ ذلك- بماءٍ وسِدْرٍ، واجعلنَ في الآخرةِ كافُورًا- أو شيئًا من كافورٍ- فإذا فرغْتُنّ فآذِنَّني". فلما فرغنا آذناهُ، فأعطَانا حَقْوهُ، فقال: "أشْعِرْنها به". يعني: زارَه (¬2). - وفي روايةٍ: "أو سبعًا" (¬3). - وقال: "ابدأنَ (¬4) بميَامِنها، ومَواضعِ الوُضُوءِ" (¬5). - وأَن أمّ عطية قالتْ: وجعَلْنا رأسَها ثلاثَةَ قُرونٍ (¬6). مُتَفَقٌ عَلَيهِ الحقوُ: الإزارُ الذي يُشدّ في الوسطِ. 310 (166) - عن ابنِ عباسٍ قال: بينمَا رجلٌ واقفٌ بعرفَةَ (¬7) , إذْ ¬

_ (¬1) هي زينب رضي الله عنها، وهي والدة أمامة، جاء ذلك صريحًا عند مسلم (939) (40). (¬2) رواه البخاري (1253)، ومسلم (939) (36). وزادا: "أو أكثر من ذلك"، وفي هذه الزيادة رد علي من قال بانتهاء الغسل عند السبع، وتكون هذه الزيادة وترًا، وحسب الحاجة الشرعية. والله أعلم. (¬3) رواه البخاري (1259)، ومسلم (939) (39). (¬4) وفي "أ": "ابدؤا". (¬5) رواه البخاري (1255)، ومسلم (939) (42 و 43)، وزادا: "منها". (¬6) رواه البخاري (1259)، ومسلم (939) (39). والقرون: الضفائر. (¬7) عرفة وعرفات: اسم لموضع الوقوف، وهو خارج الحرم، وهو الآن بقعة خضراء من كثرة ما زرع به من الأشجار، وعليه أعلام بارزة تبين حدوده من كل جهة، وقيل في سبب تسميته بذلك أن الناس يتعارفون به، وقيل: لانهم يعترفون بذنوبهم، وقيل: لأن آدم بعد أن أهبط من الجنة=

وقعَ عن رَاحِلتِهِ، فَوَقَصَتْهُ- أو قالَ: فأوقصتْهُ- فقالَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "اغسُلُوه بماء وسِدْرٍ، وكفِّنُوه في ثَوْبَينِ، ولا تُحنِّطُوه، ولا تُخمِّروا رأسَه؛ فإنَّه يُبعثُ يومَ القيامةِ ملبيًا". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ (¬1). - وفي روايةٍ: "ولا تُخَمِّروا وجهَه، ولا رَأْسَه" (¬2). 311 (167) - وعن أمّ عطية، قالتْ: نُهِينا عن اتّباعِ الجنائز، ولم يُعزَمْ علينا. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ (¬3). 312 (168) - عن أبي هريرة، عن النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قال: "أسْرِعُوا بالجنازةِ فإن تكُ صَالحةً فخيرٌ تقدِّمُونَها إليه، وإن تكُ سوى ذلك فشرٌّ تضَعُونه عن رِقَابِكم". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ (¬4). ¬

_ = التقي حواء في هذا الوضع فعرفها وعرفته، وفيل: لأن جبريل عليه السلام عرف إبراهيم - صلى الله عليه وسلم - المناسك هناك، والله أعلم. (¬1) رواه البخاري (1265)، ومسلم (1206). وفي رواية: "فإن الله يبعثه يوم القيامة يلبي". وقال المصنف في "الصغرى": الوقص: كسر العنق. قلت والحنوط هو: أخلاط الطيب الخاصة بأكفان الموتى وأجسادهم. (¬2) هذه الرواية لمسلم برقم (1206) (98). و"التخمير": التغطية. (¬3) رواه البخاري (1278)، ومسلم (938) (35). قلت؛ والحديث وقع هكذا فى "الصحيحين" دون التصريح بالناهي من هو؟ ولكن وقع في "ناسخ الحديث" لابن شاهين (314 بتحقيقى) التصريح بالناهي، وهو النبى - صلى الله عليه وسلم -. والحديث عند ابن شاهين من نفس طريق البخاري، ولفظه: "نهانا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن اتباع الجنائز، ولم يعزم علينا"، والتصريح أيضًا وقع عند الإسماعيلي، كما قال الحافظ في "الفتح" (3/ 145). (¬4) رواه البخاري- واللفظ له- (1315)، ومسلم (944).

313 - عن أبي سعيدٍ المقْبُرِي قال: كُنَّا في جَنازةٍ، فأخذ أبو هُريرة بيدِ مروانَ، فجلسَا قبلَ أنْ تُوضع، فجاء أبو سعيدٍ، فأخذَ بيدِ مروان، فقال: قُمْ! فواللهِ لقد عَلِمَ هذا! أنّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - نهي عن ذلكَ. قال أبو هُريرة: صَدَقَ. خ (¬1). 314 - عن سالم بنِ عبد الله بنِ عُمر، عن أبيه قال: رأيتُ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - وأبَا بكرٍ وعُمرَ يمشُونَ أمامَ الجنازةِ. (¬2). ¬

_ (¬1) رواه البخاري (1309)، وعنده: "نهانا" بدل: "نهي". قلت: والنهي قد رواه البخاري (1310)، ومسلم (959) من حديث أبي سعيد رضي الله عنه، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إذا رأيتم الجنازة فقوموا، فمن تبعها فلا يقعد حتى توضع". وروى الحاكم (1/ 356 - 357)، وأبو يعلي (6455) - بسند حسن- من طريق العلاء بن عبد الرحمن، عن أبيه؛ أنه شهد جنازة فصلي عليها مروان بن الحكم، فذهب أبو هريرة مع مروان حتى جلسا في المقبرة، فجاء أبو سعيد الخدري، فقال لمروان: أرني يدك، فأعطاه يده. فقال: قم. فقام. ثم قال مروان: لم أقمتني؟ فقال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا رأى جنازة قام حتى يمر بها، ويقول: "إن الموت فزع". فقال مروان: أصدق يا أبا هريرة؟ قال: نعم. قال: فما== منعك أن تخبرني؟ قال: كنت إمامًا فجلستَ، فجلستُ. وقال الحاكم: "صحيح علي شرط مسلم، ولم يخرجاه بهذه السياقة". (¬2) صحيح. رواه الترمذي (1007 و 1008). ورواه أبو داود (3179)، والنسائي (4/ 56)، وابن ماجه (1482)، والحميدي (607)، وأحمد (4539)، وابن أبي شيبة (3/ 277) والطيالسي (1817)، والطحاوي في "المعاني"، وابن عبد البر في "التمهيد" (12/ 85 و 85 - 86 و 86 و 87)، وابن حبان (766 و 767 و 768)، والدارقطني (2/ 70/ 1 و 2)، والبيهقي (4/ 23) من طرق عن سفيان بن عيبنة، عن الزهري، عن سالم، عن أبيه به. وقال الترمذي: "حديث ابن عمر هكذا رواه ابن جريج وزياد بن سعد وغير واحد عن الزهري، عن سالم، عن أبيه نحو حديث ابن عيينة، وروى معمر ويونس بن يزيد ومالك وغير واحد من=

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = الحفاظ عن الزهري؛ أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يمشي أمام الجنازة. قال الزهري: وأخبرني سالم أن أباه كان يمشي أمام الجنازة، وأهل الحديث كلهم يرون أن الحديث المرسل في ذلك أصح. قال أبو عيسي: سمعت يحيى بن موسى يقول: قال عبد الرزاق: قال ابن المبارك: حديث الزهري في هذا مرسل أصح من حديث ابن عيينة. قال ابن المبارك: وأرى أبنه أخذه عن ابن عيينة. قال أبو عيسي: وروى همام بن يحيى هذا الحديث، عن زياد- وهو: ابن سعد- ومنصور وبكر وسفيان عن الزهري، عن سالم، عن أبيه، وإنما هو سفيان بن عيينة، روى عنه همام". قلت: وهكذا أعل الحديث! والامر علي غير ذلك، وإليك البرهان والدليل. أولًا: إعلال الحديث الموصول بالمرسل لا يسلم به هنا؛ إذ الرفع من الثقة مقبول عند جمهور أهل العلم كما نص علي ذلك الخطيب في "الكفاية" ص (411) فبعد أن حكي أقوال الناس في المسألة قال: "ومنهم من قال: الحكم للمسند إذا كان ثابت العدالة، ضابطًا للرواية، فيجب قبول خبره ويلزم العمل به، وإن خالفه غيوه، وسواء كان المخالف له واحدًا أو جماعة، وهذا القول هو الصحيح عندنا؛ لأن إرسال الراوي للحديث ليس بجرح لمن وصله، ولا تكذيب له، ولعله أيضًا مسند عند الذين رووه مرسلًا، أو عند بعضهم إلا أنهم أرسلوه لغرض أو نسيان، والناسي لا يقضي له علي الذاكر". قلت: وعدالة سفيان وضبطه أشهر من أن ندلل عليها، ويكفي أن نسوق فيه قول الحافظ في "التقريب": "ثقة، حافظ، فقيه، إمام، حجة". ثم هو عندما وصل الحديث كان مثبتًا فيه، عارفًا لما يرويه، والدليل علي ذلك ما جاء في: رواية الحميدي قال: حدثنا سفيان قال: حدثنا الزهري- غير مرة، أشهد لك عليه- قال: أخبرني سالم. وما رواه البيهقي عن ابن المديني؛ أنه قال لسفيان: "يا أبا محمد! إن معمر، وابن جريج يخالفانك في هذا- يعني: أنهما يرسلان- الحديث عن النبي - صلى الله عليه وسلم -؟ فقال: استقر- وفي "التلخيص": استيقن، ونقله شاكر في "المسند"- الزهري حدثنيه، سمعته من فيه، يعيده، ويبديه، عن سالم عن أبيه، فقلت له: يا أبا محمد! إن معمرًا وابن جريج يقولان فيه: "وعثمان"؟ قالا: فصدقهما، فقال: لعله قد قاله، ولم أكتبه لذلك إني كنت أميل إذ ذاك إلي الشيعة". وجاء في رواية ابن عبد البر في "التمهيد": "الزهري، حدثنيه، وسمعته من فيه، يعيده ويبديه، سمعته مالا أحصيه". أفلا يدل ذلك علي صحة رواية ابن عيينة؟!. الجواب: بالإيجاب دون تردد أو شك.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = ثانيًا: لم ينفرد سفيان بوصله، بل تابعه غير واحد. 1 - شعيب بن أبي حمزة: رواه ابن حبان (765) من طريق شعيب، عن الزهري، عن سالم بن عبد الله، أن عبد الله بن عمر كان يمشي بين يدي الجنازة، قال: وإن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يمشي بين يديها وأبو بكر وعمر وعثمان. قال الزهري: وكذلك السنة. قلت: ووقع للحافظ في "التلخيص" (2/ 111) وهم عجيب إذ نقل الحديث من صحيح ابن خزيمة، ولم يذكر فيه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وأعل بذلك رواية ابن عيينة، فقال: "فهذا أصح من حديث ابن عيينة". 2 و 3 - محمد بن أبي عتيق وموسى بن عقبة: رواه الطبراني في "الكبير" (12/ 286/ 13136) حدثنا عبيد الله بن محمد العمري، حدثنا إسماعيل بن أبي أويس، حدثني أخي، عن سليمان بن بلال، عن ابن أبي عتيق، وموسى بن عقبة، عن ابن شهاب به. قلت: وهذا إسناد ضعيف جدًا، عبيد الله العمري شيخ الطبراني رماه النسائي بالكذب، وضعفه الدارقطني، وله ترجمة في "الميزان"، و"اللسان". غير أنه قد توبع، تابعه إسماعيل بن إسحاق القاضي، وهو ثقة، له ترجمة في "الجرح والتعديل" (1/ 1/ 158)، ومن الوجهين أخرجه ابن عبد البر في "التمهيد" (12/ 88). 4 - يحيى بن سعيد: رواه ابن عبد البر (12/ 87 - 88) ورجاله ثقات، غير شيخه فلم أعرفه. وقال: "حديث يحيي بن سعيد وموسى بن عقبة ومحمد بن أبي عتيق عن ابن شهاب في هذا الحديث ظاهره مرسل عن سالم أو عن ابن شهاب، إلا أنه يقول: عن سالم؛ أن عبد الله بن عمر كان يمشي أمام الجنازة، قال: وقد كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأبو بكر، وعمر، وعثمان يمشون أمامها. فالأغلب الظاهر- عندى- أن سالمًا يقول ذلك، وابن شهاب كما قال مالك في حديثه عن ابن شهاب، وقد يحتمل أن يكون قوله: "قال" يعني ابن عمر فيكون مسندًا. والله أعلم". وسيأتي كلام له صريح في أن هذه الروايات متصلة بعد قليل. 5 - محمد بن عبد الله بن مسلم ابن أخي ابن شهاب: رواه أحمد (6042) حدثنا سليمان بن داود الهاشمي، أخبرنا إبراهيم بن سعد، حدثني ابن=

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = أخي ابن شهاب، عن ابن شهاب. وهذا إسناد صحيح علي شرط مسلم، ومن هذا الوجه رواه ابن عبد البر (12/ 91) وقال: "رواية ابن أخي ابن شهاب لهذا الحديث كرواية ابن عيينة سواء". قلت: يقصد أنها صريحة في الرفع، لا يتطرق لها احتمال الإرسال، وهو كما قال. 6 - هشام الدستوائي: رواه ابن عبد البر (12/ 92) من طريق هشام، عن الزهري، عن سالم، عن ابن عمر؛ أنه كان يمشي أمام الجنازة ويقول: مشى أمامها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأبو بكر، وعمر، وعثمان. قلت: وهذا إسناد لم أتبين حاله، لكن ذهب إلي تصحيحه ابن عبد البر فقال: "وقد رواه هشام الدستوائي، عن الزهري، فبان بروايته أن رواية يحيى بن سعد، وموسى بن عقبة ومحمد بن أبي عتيق وزياد بن سعد لهذا الحديث عن ابن شهاب كلها مسندة متصلة". 7 - عقيل بن خالد: رواه الطبراني في "الكبير" (13135) بلفظ: "رأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - ... "، وهو صريح في الرفع، لكن فيه ابن لهيعة، وعلي أية حال فلا بأس به في الشواهد، كما هو الحال هنا. فقد تابعه يحيى بن أيوب، وهو "ثقة" عند الطحاوي في "شرح معاني الآثار". ورواه أحمد (6253)، والطحاوي في "شرح معاني الآثار" بلفظ: "أن عبد الله بن عمر كان يمشي بين يدي الجنازة، وأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يمشي بين يديها، وأبو بكر، وعمر وعثمان". وهذه صيغة تحتمل الوصل والإرسال، غير أن الشيخ أحمد شاكر- رحمه الله- جزم بأنها موصولة! فقال: "وهذه رواية عقيل، عن الزهري موصولة أيضًا، توكيدًا إلي توكيد، ورفعًا لكل شبهة في صحة وصله". 8 - يونس بن يزيد: رواه الطحاوي بلفظ: "وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .. " وهي صيغة محتملة كما تقدم، غير أنها جاءت موصولة عند الطبراني (13135)، وإن كان في إسنادها ابن لهيعة. 9 - العباس بن الحسن: رواه الطبراني (13134)، وابن عبد البر (12/ 94): "كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأبو بكر وعمر يمشون أمام الجنازة" والعباس هذا "ضعيف"، وجهله أبو حاتم. =

315 - عن المغيرة بنِ شُعبة؛ أنّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - قال: "الرَّاكبُ خلفَ الجنازةِ، والماشِي حيثُ شاءَ منها، والطِّفلُ يُصلَّي عليه". س ت وقال: حديثٌ حسنٌ صحِيحٌ (¬1). 316 - عن عامِر بن سعد بن أبي وقّاصٍ؛ أن سعد بنَ أبي وقّاصٍ قال في مرضِه الذي هَلَكَ فيه: الحدُوا لي لحدًا، وانصبُوا عليّ اللَّبِن نَصبًا كما صُنعَ برسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم -. م س (¬2). ¬

_ =10 - معمر: رواه ابن عبد البر (12/ 93) وفي "المصنف" (3/ 444/ 6259)، وحسنه الترمذي (1009) ما يخالفه، وهو الصواب كما نقل الترمذي. والله أعلم. 11 و 12 و 13 - منصور بن المعتمر، وبكر بن وائل الكوفي، وزياد بن سعد: رواه النسائي (4/ 56)، والترمذي (1008)، والبيهقي (4/ 24) من طريق همام قال: حدثنا سفيان ومنصور وزياد وبكر بن وائل، كلهم ذكروا أنهم سمعوا من الزهري يحدث أن سالمًا أخبره، أن أباه أخبره؛ أنه رأى النبي - صلى الله عليه وسلم - وأبا بكر وعمر وعثمان يمشون بين يدي الجنازة. بكر وحده لم يذكر عثمان. قال النسائي: "هذا خطأ، والصواب مرسل". وقال البيهقي: "تفرد به همام، وهو ثقة". قلت: وقول النسائي: "هذا خطأ" يحتمل أن يقصد بذلك أن الخطأ من سفيان كما تقدم عن غيره، ولكن هذا مردود بأنه توبع عليه كما في هذه الرواية، وكما تقدم. وإن قصد بذلك أن الخطأ من همام، فهو مردود أيضًا بقول البيهقي، ثم هو أيضًا متابع كما عند ابن شاهين، ولتمام البحث انظره هناك. (¬1) صحيح. رواه النسائي (4/ 55 - 56 و 58)، والترمذي (1031)، وانظر "ناسخ الحديث" (333 بتحقيقي). (¬2) رواه مسلم- واللفظ له- (966)، والنسائي (4/ 80). قال النووي: "اللحد: هو الشق تحت الجانب القبلي من القبر، وفيه دليل لمذهب الشافعي والأكثرين في أن الدفن في اللحد أفضل من الشق، إذا أمكن اللحد، وأجمعوا علي جواز اللحد=

317 - عن ابنِ عباس قال: قال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "اللّحدُ لنا، والشَقُّ لغيرِنا". د س ت (¬1). 318 - عن أبي الهيّاج الأَسَدِيّ قال: قال لي عليٌّ: ألا أبعثكَ على ما بعثَني عليه رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -؛ أنْ لا تدعَ تمثالًا إلا طمَسْتَه، ولا قبرًا مُشرِفًا إلا سوّيتَهُ. م د ت س (¬2). 319 - وعن جابرٍ قال: نهى رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - أنْ يُجَصَّصَ القبرُ، وأنْ يُبنى عليه، وأن يُقْعَدَ عليه. م. ت وزاد: أن يُكتبَ عليها. وقال: حديثٌ حسنٌ صحِيحٌ (¬3). ¬

_ = والشق ... وفي الحديث استحباب اللحد، ونصب اللبن، وأنه فعل ذلك برسول الله - صلى الله عليه وسلم - باتفاق الصحابة رضي الله عنهم، وقد نقلوا أن عدد لبناته - صلى الله عليه وسلم - تسع". (¬1) رواه أبو داود (3208)، والنسائي (2009)، والترمذي (1045)، وابن ما جه (1554) "بإسناد ضعيف؛ مداره على عبد الأعلى بن عامر، وهو ضعيف"، كما قال النووي في "الخلاصة" وأما من صححه كابن السكن "فلعله لشواهده وطرقه"، كما قال شخنا في "الجنائز" (ص 184). (¬2) رواه مسلم (969)، وأبو داود (3218)، والترمذي (1049)، والنسائي (4/ 88 - 89). وقال الترمذي: "حديث علي حديث حسن، والعمل على هذا عند بعض أهل العلم، يكرهون أن يرفع القبر فوق الأرض. قال الشافعي: أكره أن يرفع القبر إلا بقدر ما يعرف أنه قبر؛ لكيلا يوطأ، ولا يجلس عليه". قلت: والحديث عندهم من طريق أبي وائل، عن أبي الهياج كما ذكره المصنف، إلا الترمذي فعنده من طريق أبي وائل؛ أن عليًّا قال لأبي الهياج ... ولذا لا قال المزي في "تهذيب الكمال" (7/ 472): "روى له الترمذي" تعقبه الحافظ في "التهذيب" (3/ 67) بقوله: "لم يخرج له الترمذي، إنما له مجرد ذكر"، ولم يعلم له بعلامة الترمذي في "التقريب". قلت: وأبو الهياج: هو حيان بن حصين، وهو ثقة. (¬3) رواه مسلم (970)، والترمذي (1052)، والزيادة للترمذي، كما أشار لذلك الحافظ عبد=

320 - عن واثِلةَ بنِ الأَسْقع [عن أبي مَرْثد الغنوي] (¬1) قال: قالَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "لا تجلِسُوا على القُبُورِ، ولا تُصلُّوا إليها". م (¬2). 321 - عن عُقْبة بنِ عامرٍ قال: ثَلاثُ سَاعاتٍ كان رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - يَنهانا أن نُصلَّي فيهن، وأن (¬3) نقبُرَ فيهن مَوتانا؛ حينَ تطلُعُ الشمسُ بازغةً حتى ترتفعَ. وحِينَ يقومُ قائِمُ الظَّهِيرةِ (¬4)، وحين تضيّفُ للغُروبِ (¬5). م ت س (¬6). 322 (169) - عن سَمُرة بنَ جُندبٍ قال: صلّيتُ وراءَ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - ¬

_ = الغني، وعنده أيضًا: "وأن توطأ" بدل: "وأن يقعد عليه". وقال: "حديث حسن صحيح". (¬1) زيادة لابد منها، إذ الحديث ليس من رواية واثلة رضي الله عنه، ولكنه من روايته عن أبي مرثد الغنوي (كناز بن الحصين) عن النبي - صلى الله عليه وسلم -. كما في "الصحيح". وانظر "تحفة الأشراف" (8/ 329). (¬2) رواه مسلم (972). (¬3) في "صحيح مسلم": "أو أن"، وفي "سنن النسائي"، و "سنن الترمذي": "أولا" وسقط من عندهما لفظ: "أن". (¬4) زاد مسلم: "حتى تميل الشمس"، وهي للترمذي والنسائي، ولكن دون لفظ: "الشمس". وفي رواية للنسائي (4/ 82): "حتى تزول الشمس". (¬5) زاد الثلاثة (م ت س): "حتى تغرب". (¬6) رواه مسلم (831)، والترمذي (1030)، والنسائي (1/ 275 - 276) ومعنى "تضيف": تميل. يقال: ضافت تضيف إذا مالت. و"قائم الظهيرة": أي قيام الشمس وقت الزوال، وذلك عند بلوغها وسط السماء؛ فإنها عند ذلك تبطئ حركتها، فيحسب الناظر أنها قد وقفت وهي سائرة، لكن سيرًا لا يظهر له أثر سريع، كما يظهر قبل الزوال وبعده، فيقال لذلك الوقوف: قام قائم الظهيرة. انظر "النهاية" (4/ 125).

على امرأةٍ ماتتْ في نِفَاسِها، وقام (¬1) وَسْطَها. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ (¬2). 323 (170) - عن أبي بُردة (¬3)، عن أبي مُوسى؛ أنّ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - بَرِئَ من الصَّالِقَةِ، والحَالِقَةِ، والشَّاقّةِ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ (¬4). الصَّالِقةُ: التي ترفعُ صوتَها عند المصيبة. والحالقةُ: تحلقُ رأسَها عند المصيبةِ. والشَّاقَّةُ: تشقّ ثيابَها. 324 (173) - عن عبد الله بنِ مسعودٍ، عن النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قال: "ليس مِنَّا ¬

_ (¬1) في "أ": "فقام". (¬2) رواه البخاري (1331)، ومسلم (964)، والمرأة هي أم كعب كما وقع عند مسلم. (¬3) مشهور بكنيته، وهو ابن أبي موسى الأشعري، تابعي، ثقة، روى له الجماعة. (¬4) رواه البخاري (1296)، ومسلم (104) من طريق أبي بردة قال: وجع أبو موسى وجعًا، فغشي عليه- ورأسه في حجر امرأة من أهله- فصاحت امرأة من أهله، فلم يستطع أن يرد عليها شيئًا، فلما أفاق قال: أنا برئ مما برئ منه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؛ فإن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ... الحديث. وزاد المصنف- رحمه الله- في "الصغرى" حديثين، وهما: 171 - عن عائشةَ رضي الله عنها قالت: لما اشتكى النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - ذكر بعضُ نسائه كنيسة رأينها بأرض الحبشة، يُقال لها: مارية- وكانت أمُّ سلَمة وأمُّ حبيبة أتتا أرضَ الحبشة - فذكرتا من حُسنها وتَصاوير فيها، فرفعَ رأسَه فقال: "أولئك إذا ماتَ فيهم الرجلُ الصَّالحُ بَنَوْا على قبرهِ مسجدًا، ثم صَوَّرُوا فيه تلك الصُّورَة، أولئك شرارُ الخلقِ عند الله". (رواه البخاري: 1341. ومسلم: 528). 172 - وعنها قالتْ: قالَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - في مرضِه الذي لم يقُم منه-: "لَعَنَ الله اليهودَ والنَصارى؛ اتخذُوا قُبورَ أنبيائهم مساجدَ"، قالت: ولولا ذلك لأُبرزَ قبرُه، غيرَ أنه خُشِيَ أن يُتَخَذَ مسجدًا. (رواه البخاري: 1330. ومسلم: 529).

مَن ضَرَبَ الخُدُودَ، وشقَّ الجُيوبَ، ودعا بدَعْوى الجاهليّة". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ (¬1). 325 - عن جابر بنِ سَمُرةَ قال: أُتي النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - برجُلٍ قد قتلَ نفسَه بمشَاقِصَ، فلم يُصَلِّ عليه. م (¬2). مشاقص: نصل عريض. 326 - عن سُلَيمان بن بُريدة، عن أبيه. قال: قالَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "نهيتُكم عن زِيارَةِ القُبورِ فزُورُوها، ونهيتُكم عن لحُومِ الأضَاحي فوقَ ثلاثٍ، فأمسِكُوا ما بدالكم، ونهيتُكم عن النَّبِيذِ إلا في سِقَاءٍ، فاشربُوا في الأسقِيَةِ كلِّها، ولا تشربوا مُسْكِرًا. م (¬3). قال ابنُ نُمير في روايته: عن عبد الله بن بُريدة، عن أبيه (¬4). ¬

_ (¬1) رواه البخاري (1294)، ومسلم (103). وزاد المصنف- رحمه الله- في "الصغرى" حديثًا واحدًا، وهو: 174 - عن أبي هُريرة رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ شَهِدَ الجنازةَ حتى يُصلَّى عليها، فله قِيراطٌ، ومن شَهِدَها حتى تُدفن، فله قيراطان"، قيل: وما القيراطان؟ قال: "مثلُ الجبلين العظِيمين". (خ: 1325. م: 945). - ولمسلمِ: "أصغرهما مثلُ جبل أُحدٍ". (رواه مسلم: (945/ 53). (¬2) رواه مسلم (978). (¬3) رواه مسلم (977). (¬4) هذا تمام كلام الإمام مسلم في "صحيحه"، وهذا الحديث قد ورد من طريق سليمان بن بريدة عن أبيه، كما ورد أيضًا من طريق عبد الله بن بريدة عن أبيه، وفي روايات أخرى من طريق ابن بريدة- كذا دون تعيين اسمه- عن أبيه. انظر "تحفة الأشراف" الأحاديث رقم (1932 و 1973 و 1976 و 1989 و 2001 و 2002) =

327 - عن عطاء (¬1)، عن عمّار مولى الحارث بنِ نوفل (¬2)، قالَ: شهدْتُ جنازةَ امرأة وصبيٍّ، فقُدِّم الصبيُّ مما يلي القومَ، ووُضِعَتِ المرأةُ وراءَه، فَصلِّي عليهما. وفي القوم أبو سعيدٍ الخدريُّ. وابنُ عباسٍ. وأبو قَتادة. وأبو هُريرة فسألتهم عن ذلك؟ فقالوا: السُّنَّةُ. د س (¬3) ¬

_ = قلت: وسليمان بن بريدة ثقة كما تقدم في الحديث (31)، وأخوه عبد الله ثقة أيضًا، قد وثقه ابن معين، وأبو حاتم، والعجلي، وكان على القضاء بمرو، مات سنة خمس عشرة ومئة، روى له الجماعة. (¬1) عطاء: هو ابن أبي رباح المكي، ثقة، فقيه، فاضل، مات سنة أربع عشرة ومئة، ولم يخلف مثله، روى له الجماعة. (¬2) عمار: هو ابن أبي عمار، تابعي، ثقة، وهو من أقران عطاء بن أبى رباح، مات بعد سنة عشرين ومئة، روى له الجماعة سوى البخاري. (¬3) صحيح. رواه النسائي- والسياق له- (4/ 71)، وأبو داود (3193) , وعند أبي داود أن الجنازة كانت جنازة أم كلثوم وابنها. قلت: هي أم كلثوم بنت على بن أبي طالب زوجة عمر بن الخطاب رضي الله عهم، وابنها: زيد ابن عمر، كما جاء ذلك موضحًا في رواية أخرى عند النسائي والبيهقي وغيرهما. قال البيهقي في "الكبرى" (4/ 33): "رواه حماد بن سلمة عن عمار دون كيفية الوضع بنحوه، وذكر أن الإمام كان ابن عمر. قال: وكان في القوم الحسن والحسين وأبو هريرة وابن عمر ونحو من ثمانين من أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم -. ورواه الشعبي فذكر كيفية الوضع بنحوه، وذكر أن الإمام كان ابن عمر، ولم يذكر السؤال. قال: وخلفه ابن الحنفية والحسين وابن عباس. وفي رواية: وعبد الله بن جعفر". والحديث صححه النووي في "الخلاصة" (3459).

4 - كتاب الزكاة

4 - كتاب الزكاة 1 - في وجُوب الزَكاة 328 (175) - عن ابنِ عباسٍ قال: قالَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لمعاذِ بنِ جَبل حينَ بعثَه إلى اليمن: "إنَّك ستأتي قومًا أهلَ كتابٍ، فإذا جِئْتَهم: فادعُهم إلى أن يشهَدُوا أنْ لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - (¬1)، فإن هُم أطاعُوا لك (¬2) بذلكَ، فأخبِرْهم أنّ الله قد فرضَ عليهم خمسَ صلواتٍ في كلِّ يوم وليلةٍ فإن هُم أطاعُوا لكَ بذلك، فأخبِرْهم أن الله قد فرضَ عليهم صدقةً، تُؤخذُ مِن أغنيائِهم، فتردُّ على فُقرائِهم، فإنْ هُم أطاعُوا لكَ بذلك، فإيَّاك وكرائمَ أموالِهم (¬3) واتَّقِ دعوةَ المظلوم (¬4) فإنّه ليسَ بينها وبينَ اللهِ حجابٌ". ¬

_ (¬1) قوله: - صلى الله عليه وسلم - من ناسخ الأصل. (¬2) في "أ": "أطاعوك"، وكذلك في الموطنين الآتيين في الحديث، وهي كذلك في بعض مصادر الحديث كسنن أبي داود. (¬3) الكرائم: جمع كريمة. أي: نفيسة، كأن تكون كثيرة الصوف أو اللحم، أو غزيرة اللبن، ونحو ذلك، وكما حرم الشرع على رب المال إخراج أردأ المال وشره، نهى المصدق أن يأخذ الكرائم، ولعل السر في ذلك أن الزكاة فرضت في مال الأغنياء لمواساة الفقراء، فلا يناسب ذلك الإجحاف بمال الأغنياء، لكن لو رضي المالك بإخراج الكريمة قبلت منه. مستفاد من ابن الملقن. (¬4) أي: وإن كان عاصيًا؛ فإن دعوة المظلوم مستجابة لا ترد بسبب عصيانه، ويؤيد ذلك قوله - صلى الله عليه وسلم -: "دعوة المظلوم مستجابة، وإن كان فاجرًا؛ ففجوره على نفسه". رواه أحمد (2/ 367)، والطيالسي (1266) من حديث أبي هريرة، وحسنه الحافظ ابن حجر=

2 - باب حد النصاب

مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ د ت س ق (¬1). 2 - باب حدّ النصاب 329 (176) - عن أبي سعيدٍ الخُدْريّ رضي الله عنه، قال: قالَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "ليسَ فيما دُون خمسِ أواقٍ صدقةٌ، ولا فِيما دُونِ خمسِ ذَوْدٍ صدقةٌ، ولا فيما دُونِ خمسةِ (¬2) أَوْسُقٍ صدقةٌ". مُتَّفَقٌ عَلَيْه د ت س ق (¬3). ذود. يعني: الإبل. ¬

_ = في "الفتح" (3/ 60). وهو كما قال، ولكن بشواهده، وفي أحد شواهده: "وإن كان كافرًا"، بدل: "وإن كان فاجرًا"، وهو من حديث أنس عند أحمد (3/ 153). وهذه الإجابة إما أن تكون بتعجيل ما طلب الداعي، وإما بادخار له ما هو أفضل من مطلبه، وإما بصرف عنه من السوء بمثل ما طلب. (¬1) رواه البخاري (1496)، ومسلم (19)، وأبو داود (1584)، والترمذي (625)، والنسائي (5/ 2 - 4)، وابن ماجة (1783)، وقال الترمذي: "حسن صحيح". (¬2) في "أ": "خمس"، وهي رواية. (¬3) رواه البخاري (1405)، ومسلم (979)، وأبو داود (1558)، والترمذي (626)، والنسائي (5/ 17 - 18)، وابن ماجة (1793)، وقال الترمذي: "حديث أبي سعيد حديث حسن صحيح. وقد رُوِيَ من غير وجه عنه. والعمل على هذا عند أهل العلم: أن ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة. والوسق ستون صاعًا. وخمسة أوسق ثلاثمائة صاعٍ. وصاعُ النبىَّ - صلى الله عليه وسلم - خمسةُ أرطالٍ وثُلُثٌ. وصَاعُ أهل الكُوفةِ ثمانيةُ أرطالٍ، وليس فيما دون خمسِ أواقٍ صدقةٌ. والأوقية: أربعون درهمًا. وخَمسُ أواق مائتا درهمٍ. وليس فيما دُونَ خمسِ ذودِ صدقةٌ. يعني: ليس فيما دون خمس من الإبل. فإذا بلغت خمسًا وعشرينَ من الإبِل ففيها بنت مخاضٍ. وفيما دون خمس وعشرينَ من الإبل، في كل خمسٍ مِن الإبل شاةٌ".

3 - باب اعتبار الحول

3 - باب اعتبار الحوْل 330 - عن ابنِ عُمر قال: قال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَنِ استفادَ مالًا فلا زكاةَ عليه حتى يحولَ الحولُ". والصحيحُ أنَّ هذا من كلامِ ابنِ عُمر (¬1). 331 - وعن عائشةَ، عن النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - مثلُه. أخرجه ابنُ ماجه (¬2). 4 - باب وجوب العشر فيما يسقى من السماء والماء الجاري 332 - عن عبد الله بنِ عُمر، عن النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -: "فِيما سَقَتِ السَّماءُ والعُيونُ، أو كان عَثَرِيًا العُشْرُ، وما سُقِي بالنَّضْحِ نصفُ العُشْرِ". خ د ت (¬3). العَثَرِيُّ: الذي يُسقى بماءِ السَّماءِ. ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (3/ 25 - 26) مرفوعًا وموقوفًا، وصحح الموقوف. قلت: لكن المرفوع صحيح بشواهده، ومنها حديث عليّ رضي الله عنه بلفظ: "ليس في مالٍ زكاة حتى يحول عليه الحول" عند أبي داود (1573)، وصححه البخاري، وحسنه الحافظ في "البلوغ" (606). وحديث عائشة التالي. (¬2) رواه ابن ماجة (1793) ولفظه: "لا زكاة في مالٍ حتى يحول عليه الحول"، وهو من شواهد الحديث السابق. (¬3) رواه البخاري (1483)، وأبو داود (1596)، والترمذي (640)، وقال: "حسن صحيح". ولفظ أبي داود: " ... أو كان بعلًا العشر، وفيما سقي بالسواني أو النضح نصف العشر"، وفي أوله زيادة: "والأنهار". قلت: والبعل: ماء المطر.

5 - باب في الخيل

333 - وعن جابر بنَ عبد الله؛ أنَّه سمعَ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - قالَ: "فيما سَقَتِ الأنهارُ والغَيْمُ العُشُورُ، وفِيما سُقِي بالسَّانيةِ نصفُ العُشْر". م د (¬1). السَّانِيةُ. يعني: الدُّولاب (¬2). وفي البابِ عن أنسٍ (¬3)، وأبي هُريرة (¬4). 5 - باب في الخيل 334 (177) - عن أبي هُريرة رضي الله عنه؛ أنَّ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "ليسَ على الْمُسلم في عَبْدِهِ ولا فَرَسِهِ صَدَقةٌ". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ (¬5). - وفي لفظٍ: "إلا زكاةَ الفطرِ في الرَّقيقِ" (¬6). ¬

_ (¬1) رواه مسلم- واللفظ له- (981)، وأبو داود (1597). والغيم: المطر. (¬2) أي: الآلة التي تديرها الدابة؛ ليستقى بها- كذا في "المعجم الوسيط"-، وفي "المحكم": "على شكل الناعورة، يستقى به الماء، فارسي معرب". قلت: وهي مشهورة في بلاد مصر والشام، وتعرف الآن باسم: "الساقية". قلت: "والسانية"- أيضًا-: البعير الذي يسقى به الماء من البئر، ومثله في الحكم البقر وغيرها من الدواب. والمراد من كل ذلك أن ما سقي بكلفة ومؤنة فيه نصف العشر. (¬3) رواه يحيى بن آدم في "الخراج" (371) ولفظه: فرض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيما سقت السماء العشر، وفيما سقي بالدوالي، والسواني، والغرب، والناضح، نصف العشر. (¬4) حديث أبي هريرة رواه الترمذي (639)، وابن ماجة (1816)، ولفظه: "فيما سقت السماء والعيون العشر. وفيما سقي بالنضح نصف العشر". (¬5) رواه البخاري (1464)، ومسلم (982). (¬6) قال ابن الملقن في "الإعلام": "هذه الرواية من أفراد مسلم، فكان ينبغي للمصنف أن ينبه عليها". قلت: تبع ابنُ الملقن في ذلك ابنَ دقيق العيد؛ إذ سبقه بالقول في "الإحكام" (2/ 189): "هذه=

6 - باب وجوب الزكاة في العروض إذا كانت للتجارة

6 - باب وجوب الزكاة في العروض إِذا كانت للتجارة 335 - عن سَمُرةَ بنِ جُندب قال: أمّا بعدُ. فإنّ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - كانَ يأمُرُنا أنْ نُخْرِجَ الصَّدقةَ مما نُعدُّ للبيعِ. د إسناده مقارَبٌ (¬1). 7 - باب وجوب الزكاة في عين المال 336 - عن مُعاذ بنِ جَبَلٍ؛ أن رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - بعثَه إلى اليَمنِ، فقال: "خُذِ الحَبَّ من الحَبِّ، والشَّاةَ من الغنمِ، والبَعِيرَ من الإبلِ، والبقرةَ مِن البَقرِ". د. وإسنادُه حسنٌ (¬2). ¬

_ = الزيادة ... ليست متفقًا عليها، وإنما هي عند مسلم- فيما أعلم- والله أعلم". قلت: هذا اللفظ لابي داود (1594) بسند ضعيف، ولكن روى مسلم (982) (10): "ليس في العبد صدقة إلا صدقة الفطر". (¬1) ضعيف. رواه أبو داود (1562) بسند فيه ثلاثة مجاهيل. وقال الذهبي في "الميزان" (1/ 408): "هذا إسناد مظلم لا ينهض بحكم". وقال الحافظ في "التلخيص" (2/ 179): "في إسناده جهالة". (¬2) ضعيف. رواه أبو داود (1599) وابن ماجه (1814)، والدارقطني (2/ 99 - 100/ 23)، والحاكم (1/ 388) من طريق شريك بن عبد الله بن أبي نمر، عن عطاء بن يسار، عن معاذ، به. وقال الحاكم: "هذا إسناد صحيح على شرط الشيخين إن صح سماع عطاء بن يسار عن معاذ بن جبل؛ فإني لا أتقنه". قلت: في سنده شريك بن عبد الله بن أبي نمر، وهو مختلف فيه كما هو معروف، وأما عن سماع عطاء من معاذ فإنه لا يصح، كما قال غير واحد من الحفاظ، منهم الترمذي في "السنن" (4/ 582 - 583): "عطاء لم يدرك معاذ بن جبل، ومعاذ قديم الموت، مات في خلافة عمر". وقال الذهبي في "التلخيص": "لم يلقه".

8 - باب ترك الثلث أو الربع في الخرص

8 - باب ترك الثلث أو الربع في الخرص 337 - عن سهل بنِ أبي حَثْمَةَ؛ أنَّ رسولَ الله [- صلى الله عليه وسلم -] (¬1) كانَ يقولُ: "إذا خَرَصْتُم فخُذُوا، ودَعُوا الثُّلثَ، فَإِنْ لم تدعُوا الثُّلثَ فدعُوا الرُّبُعَ". د ت س (¬2). 9 - باب الخرص 338 - عَن عائشةَ رضي الله عنها أنَّها قالت- وهي تذكرُ شأنَ خيبرَ-: كانَ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - يبعثُ عبدَ الله بنَ رَوَاحةَ إلى يهودَ، فيَخرُصُ النخلَ حين يَطِيبُ، قبلَ أن يُؤكلَ منه. د (¬3). ¬

_ (¬1) زيادة من "أ". (¬2) ضعيف. رواه أبو داود (1605)، والترمذي (643)، والنسائي (5/ 42)، وفي سنده عبد الرحمن بن نيار، وهو "لا يعرف"، كما قال ابن القطان والذهبي. و"الخرص" معناه- كما قال الترمذي-: "والخرصُ إذا أدْرَكَتِ الثمارُ من الرُّطبِ والعنب مما فيه الزكاةُ، بعثَ السُّلطان خارصًا يخرصُ عليهمْ. والخرصُ أن ينظرَ من يبصرُ ذلكَ فيقولُ: يخرجُ من هذا الزبيبِ كذا وكذا، ومن التَّمرِ كذا وكذا، فيُحصَى عليهم وينظُرُ مبلغَ العُشْرِ من ذلك فيثبتُ عليهمْ. ثم يخلّي بينهم وبين الثمارِ. فيصنعون ما أحبُّوا. فإذا أدركتِ الثِّمارُ أخذَ منهمُ العُشْرُ. هكذا فسَّره بعضُ أهل العلمِ: وبهذا يقولُ مالكٌ والشافعيُّ وأحمد وإسحاق". (¬3) ضعيف. رواه أبو داود (1606) حدثنا يحيى بن معين، حدثنا حجاج، عن ابن جريج قال: أخبرت عن ابن شهاب، عن عروة، عن عائشة به. قلت: حجاج هو: ابن محمد المصيصي الأعور، وهو ثقة، وكذلك باقي رجاله كلهم ثقات- ابن جريج هو: عبد الملك، وابن شهاب هو: محمد بن مسلم، وعروة هو: ابن الزبير- ولكن هذا السند ضعيف، وعلته الانقطاع بين ابن جريج وبين الزهري.

10 - باب الركاز

339 - عن عتَّابِ بن أِسِيدٍ قال: أمرَ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - أنْ يُخرَص العِنَبُ- كما يُخرصَ النَّخلُ- وتُؤخذُ زكاتُه زبيبًا، كما تُؤخذُ صدقةُ النخلِ تمرًا. د س ت ق نحوه (¬1). 10 - باب الركاز 340 (178) - عن أبي هُريرة؛ أنَّ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "العَجْماءُ جُبارٌ، والبِئرُ جُبَارٌ، والْمَعْدِنُ جُبَارٌ، وفي الرِّكازِ الخُمسُ". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. [د] (¬2) ت س (¬3). ¬

_ (¬1) ضعيف. رواه أبو داود (1603)، والنسائي (5/ 109)، والترمذي (644)، وابن ماجة (1819) - ولفظ ابن ماجة: "كان يبعث على الناس من يخرص عليهم كرومهم، وثمارهم"- كلهم من طريق سعيد بن المسيب، عن عتاب، ولم يسمع منه. ولذا قال الحافظ في "البلوغ" (619): "فيه انقطاع". (¬2) زيادة من "أ". (¬3) رواه البخاري (1499)، ومسلم (1710)، وأبو داود (4593)، والترمذي (1377)، والنسائي (5/ 45)، وقال الترمذي: "حسن صحيح". وقال أبو داود: "العجماء التي تكون منفلتة، ولا يكون معها أحد، وتكون بالنهار، ولا تكون بالليل". وقال الترمذي (3/ 662): "ومعنى قوله: (العَجْمَاءُ جُرْحُهَا جبُاَرٌ) فسر ذلك بعض أهل العلم قالوا: العجماء الدابة المنفلتة من صاحبها. فما أصابت في انفلاتها فلا غرم على صاحبها. (والْمَعْدِنُ جُبارٌ) يقول: إذا احتفر الرجل معدنًا فوقع فيها إنسان فلا غرم عليه. وكذلك البئر إذا احتفرها الرجل للسبيل، فوقع فيها إنسان فلا غرم على صاحبها. (وَفي الرِّكَازِ الْخُمُسُ) والرِّكاز: ما وُجد في دفن أهل الجاهلية. فمن وجد ركازًا أدى منه الخمسَ إلى السلطانِ. وما بقي فهو له".

11 - باب من لا تحل له الزكاة

العجماءُ: الدَّابةُ. الجبارُ: لاشيءَ فيه (¬1). 11 - باب من لا تحل له الزكاة 341 - عن أبي هُريرة قال: أخذَ الحسنُ (¬2) تمرةً من تمرِ الصَّدقةِ، فجعلَها في فِيه، فقال النبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "كِخْ كِخْ" (¬3)؛ ليطرَحَها، وقال: "أمَا شعرتَ أنَّا لا نأكلُ صدقةً". مُتَفَقٌ عَلَيْهِ (¬4) (¬5). ¬

_ (¬1) كذا جاء هنا تفسير المصنف للجبار، وفي "الصغرى" قال: "الهدر الذي لا شيء فيه". وقال الترمذي في "السنن": "وتفسير حديث النبي - صلى الله عليه وسلم -: "العجماء جرحها جبار" يقول: هدر لا دية فيه". وأما الركاز. فقال ابن الأثير في "النهاية" (2/ 258): "الركاز؛ عند أهل الحجاز: كنوز الجاهلية المدفونة في الأرض. وعند أهل العراق: المعادن. والقولان تحتملهما اللغة؛ لأن كلًا منهما مركوز في الأرض. أي: ثابت. يقال: ركزه يركزه ركزًا إذا دفنه، وأركز الرجل إذا وجد الركاز. والحديث إنما جاء في التفسير الأول، وهو الكنز الجاهلي وإنما كان فيه الخمس؛ لكثرة نفعه، وسهولة أخذه. وقد جاء في "مسند أحمد" في بعض طرق هذا الحديث: "وفي الركائز الخمس" كأنها جمع ركيزة أو ركازة، والركيزة والركزة: القطعة من جواهر الأرض المركوزة فيها. وجمع الركزة ركاز". وأما قوله: "المعدن جبار": أي: هدر، وليس المراد أنه لا زكاة فيه، وإنما المعنى: أن من استأجر رجلًا للعمل في معدن- مثلًا- فهلك، فهو هدر، ولا شيء على من استأجره. قاله ابن حجر. (¬2) زاد البخاري ومسلم: "ابن عليّ رضي الله عنهما". (¬3) زاد مسلم: "ارم بها". (¬4) في "أ": "خ". (¬5) رواه البخاري- والسياق له- (1491)، ومسلم (1069). وقولى: "كخ"، أي: "ارم بها" كما في رواية مسلم، وأما عن ضبطها ومعناها، فقال الحافظ ابن حجر: "بفتح الكاف وكسرها وسكون المعجمة مثقلًا ومخففًا، وبكسر الخاء منونة وغير منونة،=

342 - عن أبي رافعٍ؛ أنَّ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - بعثَ رجُلًا من بَني مَخْزومٍ على الصَّدقةِ، فقال لأبي رافع: اصْحَبْني كيما تُصِيب منها. فقال: لا. حتى آتي رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - فأسأله؟ فانطلقَ إلى النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - فسأله؟ فقال: "إنَّ الصَّدقةَ لا تحلُّ لنا، وإنَّ مَوالي القوم منهم". د ت وقال: حَدِيثٌ حسنٌ صَحِيحٌ (¬1). 343 - عن عبدِ الله بنِ عَمرو، عن النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا تَحلُّ الصَّدقةُ لغَنِيٍّ، ولا لذِي مِرَّةٍ سَوِيٍّ". د ت وقال: حديثٌ حسنٌ (¬2). ¬

_ = فيخرج من ذلك ست لغات ... وهي كلمة تقال لردع الصبي عند تناوله ما يستقذر. قيل: عربية وقيل: أعجمية". قلتا: وأورد البخاري الحديث في كتاب الجهاد. باب من تكلم بالفارسية والرطانة (3072) وفيه: "فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم - بالفارسية-: كخ كخ". وأما قوله - صلى الله عليه وسلم -: "أما شعرت"، ففي الرواية الثانية للبخاري: "أما تعرف". وفي رواية مسلم: "أما علمت"، وكلها صيغ تدل على وضوح الأمر وظهوره، وإن لم يعرف المخاطب ذلك؛ لأن الحسن وقت ذاك كان طفلًا. وقوله - صلى الله عليه وسلم -: "لا نأكل"، في رواية مسلم: "لا تحل لنا". وفي الحديث- كما قال النووي-: "أن الصبيان يوقون ما يوقاه الكبار، وتمغ من تعاطيه، وهذا واجب على الولي". (¬1) صحيح. رواه أبو داود (1650)، والترمذى (657)، وانظر "بلوغ المرام" (648)، وانظر أيضًا "كتاب الورع" لأبي بكر المروذي (ص 72 بتحقيقي). (¬2) صحيح. رواه أبو داود (1634)، والترمذي (652). و"مرة": بكسر الميم وتشديد الراء: القوة، والمعنى: قوي على الكسب. و"سوي": صحيح البدن تام الخلقة.

344 - عن عُروة (¬1) قال: حدَّثني عُبيدُ الله بن عديّ بن الخِيارِ (¬2) أنّ رجُلَين حدَّثاه، أنَّهما أتَيَا رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - يَسْأَلانِهِ من الصَّدقةِ، فقلَّبَ فيهما البصرَ، فرآهما جَلْدَيْنِ! فقال: "إن شِئْتما، ولا حَظَّ فيها لغنيٍّ، ولا لقويًّ مُكتَسِبٍ". س (¬3). 345 - عن عبد الله بنِ مسعودٍ قال: قالَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ سألَ النَّاسَ، وله مَا يُغنِيه، جاءَ يومَ القيامةِ ومسألتُه في وجهِهِ خُمُوشٌ، أو خُدُوشٌ، أو كُدُوحٌ". قيل: يا رسولَ الله! وما يُغنِيه؟ قال: "خَمْسُون دِرْهَمًا، أو قِيمَتُها مِن الذَّهَبِ". د ت وقال: حديثٌ حسنٌ (¬4). الخموشُ: أن يُقشرَ الجلدُ. والخدوشُ: أكثرُ مِن ذلك. والكُدوحُ: أن يصلَ إلى العظمِ. ¬

_ (¬1) هو: "عروة بن الزبير بن العوام بن خويلد الأسدي، أبو عبد الله المدني، ثقة، فقيه، مشهور من الثالثة، مات سنة أربع وتسعين على الصحيح، ومولده في أوائل خلافة عثمان". أهـ. "التقريب". (¬2) كان في الفتح مميزًا، فعد في الصحابة لذلك، وعده العجلي وغيره فى ثقات كبار التابعين. (¬3) صحيح. رواه النسائي (5/ 99 - 100)، ونقل الحافظ في "التلخيص" (3/ 108) عن الإمام أحمد قوله: "ما أجوده من حديث". وانظر "البلوغ" (644). (¬4) صحيح. رواه أبو داود (1626)، والترمذي (650)، وابن ماجه (1840).

12 - باب تعجيل الزكاة

12 - باب تعجيل الزكاة 346 (179) - عن أبي هُريرة رضي الله عنه قالَ: بعثَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - عُمرَ على الصَّدقةِ. فقِيل: منعَ ابنُ جَميلٍ (¬1)، وخالد بنُ الوليد، والعبَّاسُ؛ عمُّ رسولِ الله (¬2) - صلى الله عليه وسلم - فقالَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "ما يَنْقِمُ ابنُ جَمِيلٍ إلا أنْ كانَ فَقِيرًا، فأغنَاهُ الله [عَزَّ وجَلَّ] (¬3). وأمَّا خالدٌ: فإنَّكم تظلِمُون خالدًا، وقدِ احتبسَ أدْرَاعَهُ وأعتادَه فى سبيلِ الله [عَزَّوجَلَّ] (¬4). وأما العبّاسُ: فهي عليَّ ومثلُها مَعها" ثم قال: "يا عمرُ! أمَا شعرتَ أن عمّ الرجُلِ صِنْوُ أبيه". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ د (¬5). ¬

_ (¬1) لا يعرف اسمه، وهو ممن عرف بالنسبة إلى أبيه، قال الحافظ في "الفتح" (3/ 333): "لم أقف على اسمه في كتب الحديث، لكن وقع في تعليق القاضي الحسين المروزي الشافعي، وتبعه الروياني أن اسمه (عبد الله)، ووقع في شرح الشيخ سراج الدين ابن الملقن أن ابن بزيزة سماه (حميدًا)، ولم أر ذلك في كتاب ابن بزيزة، ووقع في رواية ابن جريج (أبو جهم ابن حذيفة) بدل (ابن جميل)، وهو خطأ لإطباق الجميع على (ابن جميل)، وقول الأكثر أنه كان أنصاريًا، وأما أبو جهم بن حذيفة فهو قرشي فافترقا، وذكر بعض المتأخرين أن أبا عبيد البكري ذكر في شرح الأمثال له أنه أبو جهم بن جميل". أهـ. (¬2) في "أ": "النبي". (¬3) زيادة من "أ". (¬4) زيادة من "أ". (¬5) رواه البخاري (1468)، ومسلم- والسياق له- (983)، وأبو داود (1623). وقوله: "يا عمر ... " ليس في البخاري، وفيه أيضًا: "فهي عليه صدقة، ومثلها معها". وانظر" بلوغ المرام بتحقيقي (885). ومما ذكره الحافظ في "الفتح" حول قوله - صلى الله عليه وسلم -: "فهي عليه صدقة، ومثلها معها" بأن النبي - صلى الله عليه وسلم - ألزم العباس بتضعيف صدقته؛ ليكون أرفع=

صِنْو. يعني: مثل أبيه (¬1). 347 - وعن عليّ رضي الله عنه، عن النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -؛ أنه قال لعُمرَ: "إنَّا قد أخذْنَا زكاةَ العبّاسِ عامَ الأوّلِ للعام". ت وقال: غَرِيبٌ (¬2). 348 - وعنه؛ أنَّ العباسَ سألَ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - في تعجيلِ صدقَتِهِ قبلَ أن تحلَّ، فرخَّصَ له في ذَلك. د ت (¬3). ¬

_ =لقدره، وأنبه لذكره، وأنفى للذم عنه، فالمعنى: فهي صدقة ثابتة عليه سيصدق بها، ويضيف إليها مثلها كرمًا". فعقب على ذلك الشيخ ابن باز- رحمه الله- (3/ 333) بقوله: "هذا فيه نظر، وظاهر الحديث يدل على أنه - صلى الله عليه وسلم - تركها له، وتحملها عنه، وسمى ذلك صدقة؛ تجوزًا وتسامحًا في اللفظ، ويدل على ذلك رواية مسلم؛ (فهي عليَّ ومثلها). فتأمل". (¬1) وقال أبو عبيد في "غريب الحديث" (2/ 15): "في حديث النبي - صلى الله عليه وسلم -: "إن عم الرجل صنو أبيه"، يعني: أصلهما واحد، فأصل الصنو إنما هو النخل في قوله تعالى: {صِنْوَانٌ وَغَيْرُ صِنْوَانٍ} [الرعد: 4]، الصنوان: المجتمع. وغير الصنوان: المفترق، وفي غير هذا الحديث: هما النخلتان تخرجان من أصل واحد، فشبه الإخوان بهما". (¬2) حسن. رواه الترمذي (679). وقال: "وقد اختلف أهل العلم في تعجيل الزكاة قبل محلها، فرأى طائفة من أهل العلم أن لا يعجلها. وبه يقول سفيان الثوري؛ قال: أحبُّ إليّ أن لا يعجلها. وقال أكثر أهل العلم: إن عجلها قبل محلها أجزأت عنه. وبه يقول الشافعي وأحمد وإسحاق". (¬3) حسن. رواه أبو داود (1624)، والترمذي (678)، وابن ماجة (1795). وقال الحافظ في "الفتح" (3/ 334) بعد أن ذكر طرق الحديث وشواهده: "وليس ثبوت هذه القصة في تعجيل صدقة العباس ببعيد في النظر بمجموع هذه الطرق، والله أعلم".

13 - باب إخراج الزكاة في بلدها

13 - باب إِخراج الزكاة في بلدها 349 - عن إبراهيم بن عِطاء؛ مولى عمران بن حُصين (¬1) عن أبيه (¬2) أن زيادًا- أو بعض الأمراء- بعثَ عمْران بنَ حُصين على الصَّدقةِ، فلما رجعَ، قال لعمران بنِ حُصين: أينَ المالُ؟ قال: وللمَالِ أرسلْتَنِي؟! أخذنَاها مِن حيثُ كنَّا نأخذُهُا على عهدِ رسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم -، ووضَعْناها حيثُ كنا نَضَعُها عل عهدِ رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم -. د (¬3). 14 - باب الغارم يُعطَى من الصدقة 350 - عن أبي سعيدٍ الخدري رضي الله عنه، قال: أُصِيبَ رجلٌ في عهدِ رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - في ثمارٍ ابتاعَها، فكثُر دينُه، فقال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "تصدَّقُوا عليه"، فتصَدَّقَ الناسُ عليه، فلم يَبْلُغْ ذلك وفاءَ دينِهِ. قالَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "خُذُوا ما وجدتُم، وليسَ لكم إلا ذلك". م ت وقال: حديثٌ حسنٌ صَحِيحٌ (¬4). 351 - وعن عطاء بنِ يَسار (¬5)؛ أنَّ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا تحلُّ ¬

_ (¬1) ويقال: مولى أنس بن مالك، قال عنه ابن معين: "صالح"، وذكره ابن حبان في "الثقات" (6/ 22)، وقال ابن حجر في "التقريب": "صدوق". (¬2) هو: عطاء بن أبي ميمونة أبو معاذ البصرى، وهو ثقة من رجال الشيخين، وروى له أيضًا أصحاب السنن سوى الترمذي. (¬3) حسن. رواه أبو داود (1625)، وأيضًا رواه ابن ما جة (1838). (¬4) رواه مسلم (1556)، والترمذي (655). (¬5) تقدمت ترجمته عند الحديث رقم (111).

15 - باب المسألة

الصَّدقةُ لغنيٍّ؛ إلا لخمسة: لغَازٍ في سَبِيل الله، أو لعَاملٍ عليها، أو لغَارِمٍ أو لرجُلٍ اشتراها بمالِهِ، أو لرجُلٍ كان له جارٌ مِسْكِينٌ، فتُصُدِّق على المسكينِ، فأهدى المسكينُ إلى الغنىِّ". د هكذا رواه. وأيضًا (¬1) مسندًا عن عطاء بنِ يَسارٍ، عن أبي سعيدٍ الخدريّ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - بمعناه (¬2). 15 - باب المسألة 352 - عن عبد الله بنِ عُمر قال: قال النبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "ما يَزالُ الرجُلُ يسألُ النَّاسَ (¬3)، حتى يأتِي يومَ القيامةِ [و] (¬4) ليسَ في وَجْهِهِ مُزعةُ لَحْمٍ". مُتَّفَقٌ عَلَيْه (¬5). - وزَاد البخاريُّ، وقال: " إنَّ الشمسَ تدنُو يومَ القيامةِ، حتى يبلُغَ العرقُ نِصْفَ الأُذُنِ، فبينَا هُم كذلك استغَاثُوا بآدمَ، ثم بموسى، ثم بمحمدٍ - صلى الله عليه وسلم - " (¬6). مُزْعَةٌ. يعني: ليسَ عليه لَحْمٌ (¬7). ¬

_ (¬1) جاءت العبارة في "أ" هكذا: "د هكذا. ورواه أيضًا ... " والمعنى واحد. (¬2) صحيح. رواه أبو داود (1636) موصولًا. ورواه أيضًا (1635) مرسلًا، وأعله أبو داود بالإرسال، لكن صححه جماعة من الحفاظ، انظر "بلوغ المرام" (643). (¬3) أي: تكثرًا، وهو غني لا تحل له المسألة. (¬4) زيادة من "أ"، وهي رواية مسلم. (¬5) رواه البخاري (1474)، ومسلم (1040) (104). (¬6) هذه الزيادة للبخاري برقم (1475). (¬7) وهذا من الحافظ عبد الغني- رحمه الله- يدل على أنه حمل الحديث على ظاهره، وهو=

353 - عن قَبِيصَة بنِ المخَارِق الهلالي قال: تحمّلتُ حَمَالةً (¬1)، فأتيتُ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم -، فقال: "أقِمْ يا قَبِيصةُ! حتى تأتيَنَا الصَّدقةُ، فنأمرُ لكَ بها". ثم قال: "يا قَبِيصةُ! إن المسألةَ لا تحلُّ إلا لأحدِ ثَلاثةٍ: رجل تحمّلَ حَمَالةً فحلَّتْ له المسألةُ فسَألَ حتى يُصِيبَها، ثم يُمسِكُ. ورجلٌ أصابَتْه جَائِحةٌ، فاجتَاحتْ مالَه، فحلَّتْ له المسألةُ، حتى يُصِيبَ قِوامًا من عيش- أو قال. سِدادًا من عيش (¬2) -. ¬

_ = اللائق به وبكل أثري سلفي، إذ صرفه عن ظاهره تحكم بلا دليل. وقال القاضي عياض كما في "شرح النووي" (7/ 136): "قيل: هو على ظاهره، فيحشر ووجهه عظم لا لحم عليه؛ عقوبة له، وعلامة له بذنبه حين طلب وسأل بوجهه، كما جاءت الأحاديث الأخر بالعقوبات في الأعضاء التي كانت بها المعاصي". وقال ابن حجر في "الفتح" (3/ 339): "مال المهلب إلى حمله على ظاهره، وإلى أن السر فيه أن الشمس تدنو يوم القيامة، فإذا جاء لا لحم بوجهه كانت أذية الشمس له أكثر من غيره". (¬1) قوله: "تحملت حمالة" الحمالة- بفتح الحاء وتخفيف الميم- هي: المال الذي يتحمله الإنسان - أي: يستدينه ويدفعه في إصلاح ذات البين، وشرط بعضهم في الحمالة أن تكون لتسكين فتنة، وكانت العرب إذا وقعت بينهم فتنة اقتضت غرامة في دية أو غيرها، قام أحدهم فتبرع بالتزام ذلك والقيام به، حتى ترتفع تلك الفتنة الثائرة، وهذا من مكارم الأخلاق، وكانوا إذا علموا أن أحدهم تحمل حمالة بادروا إلى معونته، وأعطوه ما تبرأ به ذمته. وإذا سأل لذلك لم يعد نقصًا في قدره. بل فخرًا. (¬2) قوله: "قوامًا، أو سدادًا" بكسر القات والسين، معناهما واحد، وهو: ما يغني من الشيء، وما تسد به الحاجة.

ورجلٌ أصابتْهُ فَاقةٌ، حتَّى يقولَ ثلاثةٌ من ذَوي الحِجَا مِن قومِه: قد أصابتْ فلانًا الفَاقةُ، فحلّتْ له المسألةُ، حتى يُصِيب قِوَامًا من عيش- أو سدادًا من عيش- ثم يُمسِكُ. ومَا سِوَاهُنّ يا قَبِيصةُ! سحتٌ (¬1)؛ يأكُلُها صاحِبُها سحتًا". م د [س] (¬2) (¬3). فاقة: شدّة الحاجة. والحِجَا. يعني: من ذوي العقل. ¬

_ (¬1) هذا لفظ أبي داود، وأما مسلم فلفظه: "سحتًا". قال النووي (7/ 140): "هكذا هو في جميع النسخ "سحتًا" .. وفيه إضمار. أي: اعتقده سحتًا أو يؤكل سحتًا". (¬2) زيادة من "أ". (¬3) رواه مسلم (1044)، وأبو داود (1640)، والنسائي (5/ 89 - 90).

16 - حديث الصدقات

16 - حديث الصدقات 354 - عن ثمامةَ بِن عبد الله بن أنس (¬1) عن أنسٍ؛ أنّ أبا بكرٍ الصدِّيق رضي الله عنه، لا استخْلِفَ كتبَ له- حِين وجّهه إلى البحرين (¬2) - هذا الكتاب (¬3) - وكان نقشُ الخَاتم ثلاثة أسطرٍ: محمدٌ (سطر). رسولُ (سطر) و (اللهِ) سطرٌ (¬4) -: بسم الله الرحمن الرحيم: هذه فريضة الصَّدقة التي فرضَها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على المسلمينِ، والتي أمرَ الله بها رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم -، فمَن سئِلَهَا من المسلمينِ على وَجْهِها فليُعْطِها، ومَن سئِلَ فوقَها فلا يُعطِ: ¬

_ (¬1) هو حفيد أنس بن مالك رضي الله عنه، وثقه أحمد والعجلي وابن شاهين وابن حبان، تولى قضاء البصرة سنة ست ومئة، وعزل سنة عشر، ومات بعد ذلك بمدة، روى له الجماعة. (¬2) هو على هذا الرسم مرفوعًا ومنصوبًا ومجرورًا، غير أن البكري أورده في "المعجم" مرفوعًا تثنية بحر، وعن الزمخشري مثل ذلك. وهو الإقليم المشهور بين البصرة وعُمَان، قال أبو عبيدة: "البحرين هي: الخط، والقطيف، والآرة،، وهجر، وبينونة، والزارة، وجواثا، والسابور، ودارين، والغابة". قلت: وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - بعث أبا عبيدة بن الجراح إلى البحرين يأتي بجزيتها، وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صالح أهل البحرين، وأمَّر عليهم العلاء بن الحضرمي، فقدم أبو عبيدة بمالٍ من البحرين، فسمعت الأنصار بقدوم أبي عبيدة، فوافت صلاة الصبح مع النبي - صلى الله عليه وسلم -، فلما صلى بهم الفجر انصرف، فتعرضوا له، فتبسم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين رآهم، وقال: "أظنكم قد سمعتم أن أبا عبيدة قد جاء بشيء"، قالوا: أجل يا رسول الله. قال: "فأبشروا وأمِّلوا ما يسركم، فوالله لا الفقر أخشى عليكم، ولكن أخشى عليكم أن تبسط عليكم الدنيا، كما بسطت على من كان قبلكم، فتنافسوها كما تنافسوها، وتهلككم كما أهلكتهم". رواه البخاري (3158)، ومسلم (2961). (¬3) زاد البخاري في رواية (3106): "وختمه بخاتم النبي - صلى الله عليه وسلم -". (¬4) رواه البخاري (3106 و 5879).

في أربعٍ وعشرين من الإِبل فمَا دُونها، من الغنم (¬1)؛ في كلِّ خمسٍ شاةٌ، فإذا بلغتْ خمسًا وعشرين إلى خَمْس وثلاثين ففِيها بنتُ مخاض أنثى، فإن لم يكن ابنةُ مَخَاضٍ فابنُ لبونٍ ذَكَرٌ (¬2)، فإذا بلغتْ ستًا وثلاثين إلى خمسٍ وأربعين ففيها بنتُ لبونٍ أنثى، فإذا بلغتْ ستًا وأربعينَ (¬3) ففيها حِقَّةٌ طَرُوقةُ الجملِ (¬4)، فإذا بلغتْ واحدةً وستينَ إلى خمسٍ وسَبعين ففيها جَذَعَةٌ (¬5)، فإذا بلغتْ ستًا وسَبعين إلى تِسْعين ففيها بِنتا لبُونٍ، فإذا بلغتْ إحدى وتسعين إلى عِشرين ومائة ففِيها حِقّتانِ طَرُوقَتا الجمل، فإذا زادتْ على عِشْرين ومائة ففي كل أربعينَ ابنةُ لَبُونٍ، وفي كل خمسينَ حِقةٌ، ¬

_ (¬1) قال الحافظ في "الفتح" (3/ 319): "قوله: (من الغنم) كذا للأكثر، وفي رواية ابن السكن بإسقاط (من) وصوبها بعضهم. وقال عياض: من أثبتها فمعناه: زكاتها- أي: الإبل- من الغنم و (من) للبيان لا للتبعيض. ومن حذفها فالغنم مبتدأ والخبر مضمر في قوله (في كل أربع وعشرين) وما بعده، وإنما قدم الخبر؛ لان الغرض بيان المقادير التي تجب فيها الزكاة، والزكاة إنما تجب بعد وجود النصاب، فحسن التقديم". (¬2) هذه الجملة: (فإن لم يكن ابنة مخاض، فابن لبون ذكر) ليست في البخاري، وإنما رواها أبو داود (1567)، وأحمد (1/ 11)، وهي في الكتاب، كما بين ذلك حماد بن سلمة. و"بنت المخاض": هي التي أتى عليها حول، ودخلت في الثاني. والماخض: الحامل. أي: دخل وقت حملها، وإن لم تحمل، وابن اللبون: الذي استكمل السنة الثانية، ودخل في الثالثة، فصارت أمه لبونًا بوضع الحمل. (¬3) زاد البخاري (1454): "إلى ستين". (¬4) "حقة" بكسر المهملة وتشديد القاف، جمع حِقَاق، وهي التي أتت عليها ثلاث سنين، ودخلت في الرابعة، و"طروقة" على وزن "فعولة" بمعنى مفعولة، مثل حلوبة بمعنى محلوبة. والمراد: أنها بلغت أن يطرقها الفحل. (¬5) هي التي أتى عليها أربع سنين، ودخلت في الخامسة.

ومَن لم يكنْ معه إلا أربعٌ من الإِبل فليستْ فيها صَدَقة إلا أن يَشاءَ ربُّها، فإذا بلغتْ خمسًا من الإبل ففيها شاةٌ. وصدقةُ الغنم (¬1) في سَائِمتها (¬2) إذا كانتْ أربعينَ إلى عِشرينَ ومائة شَاة شاةٌ (¬3)، فإذا زادتْ على عشرينَ ومائة إلى مائتين ففِيها شَاتان، فإذا زادتْ على مائتين إلى ثلاثمائة ففيها ثلاثُ شِيَاهٍ، فإذا زادت على ثلاثمائة ففي كلِّ مائةٍ شاةٌ، فإذا كانت سائمةُ الرجُلِ ناقصة من أربعينَ شاةً شاةً واحدةً (¬4) فليسَ فيها صدقة إلا أن يشاءَ ربُّها (¬5). ولا يُجمع بين مُتفرِّقٍ، ولا يُفرق بين مُجْتَمع؛ خشيةَ الصَّدقةِ (¬6). ¬

_ (¬1) في البخاري: "وفي صدقة الغنم". (¬2) السائمة: الراعية. (¬3) لفظ "شاة" الأولى ليست في مصادر الحديث. (¬4) لفظ: "شاة" الأولى ليست في مصادر الحديث، وهي منصوبة على التمييز. و"شاة" الثانية منصوبة أيضًا على التمييز، وتقدير الجملة: "فإذا كانت سائمة الرجل ناقصة شاة واحدة من أربعين شاة". (¬5) أي: مالكها. وإلى هنا هذه رواية البخاري (1454). (¬6) هذه الفقرة رواها البخاري (1450 و 6955). وقال الإمام مالك في "الموطأ" (1/ 264): "وتفسيرُ قوله: "لا يُجمعُ بينَ مفترقٍ"، أن يكون النفر الثلاثة الذين يكون لكل واحد منهم أربعون شاة، قد وجبت على كل واحد منهم في غنمه الصدقةُ فإذا أظلهم المصدق جمعوها؛ لئلا يكون عليهم فيها إلا شاة واحدة. فنهُوا عن ذلكَ. وتفسير قوله: "ولا يفرق بين مجتمع"، أن الخليطين يكون لكل واحد منهما مائة شاة وشاة، فيكون عليهما فيها ثلاث شياه، فإذا أظلهما المصدق، فرقا غنمهما. فلم يكن على كل واحد منهما إلا شاةٌ واحدة، فنهي عن ذلك. فقيل: لا يجمع بين مفترق، ولا يفرق بين مجتمع. خشيةَ الصدقةِ". =

وما كان من خَلِيطينِ فإنهما يتراجَعان بينهُما بالسَّوِيَّة (¬1). ولا يُخرَجُ في الصدقة هَرِمَةٌ (¬2)، ولا ذاتُ عَوَارٍ (¬3)، ولا تيسٌ إلا أن يَشاء المصَّدِّقُ (¬4). ¬

_ = وأما الشافعي فحمله في "الأم" (2/ 14) على رب المال يخشى أن تكثر الصدقة، فيجمع أو يفرق؛ لتقل، وحمله أيضًا على الساعي يخشى أن تقل الصدقة، فيجمع أو يفرق؛ لتكثر، ثم قال: "وليس واحد منهما- يعني: الساعي ورب المال- أولى باسم الخشية من الآخر". لكن كما قال ابن حجر في "الفتح" (3/ 314): "حمله على المالك أظهر. والله أعلم!. (¬1) هذه الفقرة للبخاري برقم (1451 و 2487). وقال الإمام مالك في "الموطأ" (1/ 263): "إذا كان الراعي واحدًا، والفحل واحدًا، والمراح واحدًا، والدلو واحدًا، فالرجلان خليطان، وان عرف كل واحد منهما ماله من مال صاحبه". ثم قال: "وتفسيرُ ذلك؛ أنه إذا كان لأحد الخليطينِ أربعونَ شاة فصاعِدًا وللآخرِ أقلُّ مِنْ أربعينَ شاة، كانتِ الصدقةُ على الذي له الأربعون شاة. ولم تكن على الذي له أقل من ذلك، صدقة. فإن كان لكلِّ واحدٍ منهُما ما تجبُ فيه الصدقةُ جُمِعا في الصدقةِ. ووجبت الصَّدقةُ عليهما جميعًا، فإن كان لأحدهما ألفُ شاةٍ، أو أقل من ذلكَ، مما تجبُ فيه الصَّدقةُ. وللآخِرِ أربعونَ شاة أو أكثرُ، فهُما خليطانِ. يترادَّان الفضلَ بينهما بالسَّويَّةِ. على قدر عدد أموالِهِما، على الألف بحصَّتها. وعلى الأربعينَ بحصّتها". وقال ابن الأثير في "النهاية" (1/ 63): "والتراجع بينهما هو أن يكون لأحدهما مثلًا أربعون بقرة وللآخر ثلاثون بقرة، ومالهما مختلط، فيأخذ الساعي عن الأربعين مُسِنَّةً، وعن الثلاثين تبيعًا، فيرجع باذل المسنة بثلاثة أسباعها على شريكه، وباذل التبيع بأربعة أسباعه على شريكه؛ لأن كل واحد من السِّنين واجب على الشيوع، كأن المال ملك واحد". (¬2) أي: الكبيرة التي سقطت أسنانها. (¬3) ضبطها الناسخ بفتح العين المهملة وبضمها، وكتب فوقها (معًا) إشارة إلى قراءتها بالوجهين. وقيل: بالفتح: العيب. وبالضم: العور. (¬4) وهذه الفقرة للبخاري برقم (1455)، ولكن عنده: "ما شاء" بدل: "أن يشاء". وهي =

وفي الرِّقَةِ (¬1) رُبْعُ العُشْرِ، فإنْ لم يكن إلا تِسعين ومائة فليسَ فيها صدقةٌ (¬2) إلا أنْ يَشَاءَ ربُّها (¬3). ومَن بلغتْ عِنده من الإِبل صَدَقةُ الجَذَعَةِ، وليستْ عنده جَذَعةٌ، وعِنده حِقَّة، فإنّها تُقبل مِنه الحِقّةُ، ويَجعلُ معها (¬4) شَاتين إن اسْتَيْسَرَتا له أو عشرينَ درهمًا، ومَن بلغتْ عِنده صَدَقةُ الحِقَّةِ، وليستْ عِنده الحقّةُ وعِنده الجَذَعةُ، فإنها تُقبَلُ مِنه الجذعةُ، ويُعطِيه المصَدِّقُ عِشرين درهمًا أو شَاتين، ومَنْ بلغتْ عِنده صَدَقَةُ الحِقَّةِ وليستْ عنده إلا ابنةُ لبونٍ، فإنها تُقبلُ منه بنتُ لبُونٍ، ويُعطِي شَاتين أو عِشرين درهمًا، ومَن بلغتْ صَدَقتُهُ بنتَ لبونٍ وعِنده حِقَّةٌ، فإنها تُقبلُ منه الحِقَّةُ، ويُعطيه المصَدِّقُ عشرين درهمًا أو شاتين (¬5). ¬

_ = في "سنن أبي داود" كما أوردها الحافظ عبد الغني رحمه الله. وقوله: "المصدق"، اختلف في ضبطه، فمنهم من قال بتشديد الصاد، والمراد به حينئذٍ رب المال، وعلى هذا فالاستثناء مختص بالتيس فقط، وهو فحل الغنم، إذ في أخذه بغير موافقته ورضاه إضرار به. ومنهم من ضبطه بتخفيف الصاد، والمراد به حينئذٍ الساعي، وعلى هذا فالاستثناء يشمل جميع ما ذكر. (¬1) هي الفضة الخالصة سواء كانت مضروبة أو غير مضروبة. (¬2) كذا في "الأصل" وهي ليست رواية البخاري، وإنما روايته هو، ورواية أبي داود، وأحمد كذلك بلفظ: "شيء"، وهذا اللفظ المذكور هنا هو لفظ ابن خزيمة (2296)، وابن حبان (3266)، والدارقطني (2/ 113 - 114). (¬3) وهذه الفقرة رواها البخاري (1454). (¬4) في الأصل: "معه"، والتصويب من "الصحيح"، و"السنن". (¬5) زاد البخاري (1453): "ومن بلغت صدقته بنت لبون، وليست عنده، وعنده بنت =

ومَنْ لم يكن عِنْده بنتُ مخاض على وَجْهها وعنده ابن لبونٍ، فإنه يُقبلُ منه، وليسَ معه شيءٌ" (¬1). - قال البُخاري (¬2): وزاد (¬3) أحمدُ- يعني: ابنَ حنبلٍ (¬4) - عن الأنصاريّ، وذكر الإسناد. - وعن أنس بنِ مَالكٍ قال: كان خاتَمُ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - في يدِه، وفي يدِ أبي ¬

_ = مخاض فإنها تقبل منه بنت مخاض، ويعطي معها عشرين درهمًا أو شاتين". (¬1) هذه القطعة رواية للبخاري برقم (1448)، وأولها عنده: "ومن بلغت صدقته بنت مخاض وليست عنده، وعنده بنت لبون، فإنها تقبل منه، ويعطيه المصَدِّق عشرين درهمًا أو شاتين، فإن لم يكن عنده بنت مخاض ... " به. (¬2) قوله: "قال البخاري" ليس في "أ". (¬3) كذا الأصل، وفي "الصحيح": "وزادني". (¬4) هذا البيان من الحافظ عبد الغني، وإلا فهو في "الصحيح" بدون نسبة، وممن جزم بذلك أيضًا المزي في "تحفة الاشراف" (5/ 285)، وتعقبه الحافظ في "النكت الظراف" فقال: "والذي جزم به المزي هنا أن أحمد المذكور هو أحمد بن حنبل فيه نظر. قلت: الذي في معظم النسخ: وزادنا أحمد (لم ينسبه)، ووقع في "الجمع)، للحميدي. وزادنا أحمد- يعني: ابن حنبل- فلعله سلف من جزم بأنه ابن حنبل". قلت: وليس ذلك ببعيد، فسياق الحافظ عبد الغني للحديث منطبق مع سياق الحميدي له، وفعلًا صرح الحميدي بأن أحمد- هو: ابن حنبل-، فقال (ج 1/ ق 7/ أ): "فال البخاري: وزادنا أحمد ابن حنبل، عن الأنصاري، وذكر الإسناد". وقال الحافظ في "مقدمة الفتح" (ص 224): "لم يذكر أبو علي الجياني أحمد هذا من هو، وجزم المزي في "الأطراف" بأنه أحمد بن حنبل، وتبع في ذلك الحميدي، ولكن لم أر هذا الحديث من هذه الطريق في مسند أحمد، فينظر فيه". ثم جزم في "الفتح" (10/ 329) فقال: "لم أر هذا الحديث في مسند أحمد من هذا الوجه أصلًا". قلت: وقد بحثت عنه في "المسند" أيضًا فلم أجده.

بكرٍ، وفي يدِ عُمرَ بعد أبي بكرٍ، فلما كان عثمانُ جلسَ على بئرِ أريسَ (¬1) وأخرجَ الخاتمَ، فجعلَ يعبَثُ به، فسقطَ، فاختلَفْنَا ثلاثةَ أيامٍ مع عثمانَ ننزَحُ البئرَ، فلم نجدْه (¬2). أخرجه البُخاري في عشرةِ مواضع من كتابِهِ مقطعًا بإسنادٍ واحدٍ (¬3) وأبو داودَ بتمامِه، إلا أنه [لم] (¬4) يذكرُ الزيادةَ عن أحمدَ (¬5). 355 - وروى الزُّهريُّ (¬6)، عن سَالِمٍ (¬7)، عن أبيه قال: كتبَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - كتابَ الصَّدقةِ، فلم يُخرجْه إلى عُمّاله حتى قُبِضَ، فقرَنَه بسيفِهِ، ¬

_ (¬1) هي بئر بالمدينة كانت معروفة، مقابل مسجد قباء، كان عليها مال لعثمان رضى الله عنه، ونسبت إلى أريس؛ رجل كان من يهود المدينة. (¬2) رواه البخاري (5879) وقوله: "ننزح البئر، فلم نجده" هو هكذا بالأصل، وهو أيضًا كذلك في "الجمع" للحميدي (ج 1/ ق 7/ أ)، ولكن الذي رأيته من روايات البخاري "فننزح" بزيادة الفاء في أوله. ورواية أخرى لأبي ذر: "فنزح البئر، فلم يجده". (¬3) وقد فرقناها لك حسب أماكنها، وها هي مجتمعة مرة أخرى (1448 و 1450 و 1451 و 1453 و 1454 و 1455 و 2487 و 3106 و 5879 و 6955). والإسناد الواحد هو: "حدثنا محمد بن عبد الله الأنصاري قال: حدثني أبي قال: حدثني ثمامة ابن عبد الله بن أنس؛ أن أنسًا حدثه؛ أن أبا بكر ... ". (¬4) ساقط من المخطوط، ولا يستقيم الكلام بدونها، إذ مراد الحافظ بالزيادة التي عن أحمد حديث سقوط الخاتم في البئر، وفعلًا لم يروه أبو داود. (¬5) رواه أبو داود (1567). (¬6) هو: محمد بن مسلم بن شهاب، تقدمت ترجمته عند الحديث رقم (212) ص (111). (¬7) هو: "سالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب القرشي العدوي، أبو عمر، أو أبو عبد الله المدني، أحد الفقهاء السبعة، وكان ثبتًا عابدًا فاضلًا، كان يشبه بأبيه في الهدي والسمت، من كبار الثالثة، مات في آخر سنة ست ومئة على الصحيح. ع " أهـ. "التقريب".

فعمِلَ به أبو بكرٍ حتى قُبِض، ثم عَمِلَ به عمرُ حتى قُبِضَ، فكان فيه: "في كلّ خمس من الإبل شاةٌ ... " وذكر نحو ما تقدَّم إلى قوله: "ومَا كانَ من خَلِيطين، فإنَّهما يتراجَعَانِ بالسَّوِيَّةِ". د ت (¬1). 356 - وعن مُعاذ بن جَبَلٍ؛ أنّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - لما وجَّههُ إلى اليمنِ أمرَه أن يأخذَ مِن البقرِ من كل ثلاثين تَبِيعًا أو تبيعة، ومن كلِّ أربعين مُسِنّةً، ومن كلِّ حالمٍ- يعني: محتلمًا- دينارًا أو عدْلَه من المعافرِ؛ ثيابٌ تكونُ باليمنَ. د ت (¬2). ¬

_ (¬1) صحيح. رواه أبو داود (1568)، والترمذي (621). (¬2) صحيح. رواه أبو داود- واللفظ له- (1576)، والترمذي (623). وقال الترمذي: "هذا حديث حسن". و"التبيع": "ولد البقرة أول سنة، وبقرة متبع: معها ولدها". "نهاية". و"المسن: هو ذو الحولين و"عدله": بفتح العين المهملة وكسرها. أي: المثل. وقيل: بالفتح ما عادله من جنسه. وبالكسر ما ليس من جنسه. وقيل بالعكس. و"معافر": على وزن "مساجد" حيّ باليمن تنسب هذه الثياب إليهم.

17 - باب تفسير أسنان الإبل

17 - باب تفسير أسنان الإبل قال أبو داود: سمعتُه من الرِّياشِيّ (¬1) وأبي حاتم (¬2) وغيرهما، ومن كتاب النَّضر بن شُمَيل (¬3)، ومن كتابِ أبي عُبيدٍ (¬4)، وربما ذكرَ أحدُهم الكلمةَ، قالوا: يسمى: الحُوارُ، ثم الفَصِيلُ إذا فَصَل، ثم تكونُ بنتُ مَخَاض لسنةٍ إلى تمام سنتين. فإذَا دخلتْ في الثالِثةِ (¬5)، فهي بنتُ لَبونٍ. فإذا تمتْ له ثلاث سِنين، فهو: حِقٌّ أو حِقَةٌ، إلى تمام أِربعِ سنينَ؛ لأنَها استحقتْ أن تُركبَ، ويَحمِلُ عليها الفحلُ، وهي تُلْقحُ، ولا يَلْقحُ الذكر حتى يُثَنِّي. ويُقال للحِقةِ: طَرَوقَةُ الفعل لِأن الفحلَ يطرُقها إلى تمام أِربع سنين. ¬

_ (¬1) الرياشي هو: عباس بن الفرج؛ أبو الفضل البصري النحوي، ثقة حافظ، شيخ الأدب والنحو في زمانه، ولد بعد الثمانين ومئة، قتلته الزنج بالبصرة سنة سبع وخمسين ومئتين. (¬2) أبو حاتم هو: سهل بن محمَّد بن عثمان السجستاني صاحب التصانيف، كان له باع طويل في اللغات والشعر والعروض، صدوق فيه دعابة، مات سنة خمس وخمسين ومئتين. (¬3) النضر بن شميل هو: أحد الأئمة الحفاظ الثقات، كان إمامًا في العربية والحديث، وكان ابن المبارك يصفه بالدُّرَّة، مات سنة أربع ومئتين. (¬4) أبو عبيد: هو القاسم بن سلام الهروي، الإمام المشهور، ثقة فاضل، صاحب التصانيف، والمراد بكتابه هو: "غريب الحديث"، الذي قال عنه الخطابي: "صار كتابه إمامًا لأهل الحديث، به يتذاكرون، وإليه يتحاكمون". وانظر "الغريب" (3/ 70). (¬5) تحرف في الأصل إلى: "الثانية"، والتصحيح من "أ".

فإذا طعنتْ في الخامسةِ، فهي: جَذَعَة، حتى تتم لها خمسُ سنين. فإذا دخلَ في السادسَةِ، وألقى ثنيتَه، فهو حينئذٍ: ثني، حتى يستكمل ستًا. فإذا طعنَ في السَّابعةِ سُمّي الذكرُ: رَبَاعًا. والأنثى: رَبَاعيّةً. إلى تمام السابعة. فإذا دخَلَ في الثامنةِ ألقى السنَّ السَّدِيس الذي بعدَ الرَّباعية، فهو: سَدِيس وسَدَسٌ. إلى تمامِ الثامنة. فإذا دخلَ في التسع طِلعَ (¬1) نابُه، فهو بَازِلٌ. أي: بزلَ نابُه. يعني: طلع. حتى يدخلَ في العاشرةِ، فهو حينئذٍ: مُخْلِفٌ. ثم ليس له اسمٌ. ولكن يُقال: بازلُ عامٍ، وبازلُ عامين. ومخْلِفُ عامٍ، ومُخْلِفُ عامين، ومُخْلِفُ ثلاثة أعوام إلى خمس سنين. والخَلِفَةُ: الحامِلُ. قال أبو حاتم: والجذُوعةُ: وقت من الزمنِ ليس بسنٍّ، وفصولُ الأسنانِ عند [طلوع] (¬2) سهَيلٍ. ¬

_ (¬1) في بعض نسخ "السنن"، و"الغريب": "وطلع" بزيادة واو. (¬2) زيادة من "السنن".

18 - باب صدقة الفطر

قال أبو داود: أنشدنا الرِّياشِيُّ: إذا سُهَيلٌ أوّلَ (¬1) اللَّيلِ طَلَعْ ... فابنُ اللّبونِ الحِقُّ والحِقُّ جَذَعْ لم يَبْقَ مِن أسنَانِها (¬2) غيرُ الهُبَعْ والهبعُ: الذي يُولَدُ في غيرِ حِينه (¬3). 18 - باب صدقة الفطر 357 (181) - عن عبد الله بنِ عُمر رضي الله عنهما، قال: فرضَ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - صدقةَ الفِطْرِ - أو قال: رمضانَ- على الذَّكرِ والأنثى والحُر والمملُوكِ صاعًا من تمرٍ، أو صاعًا من شَعِيرٍ. قال: فعَدلَ الناسُ به نِصْفَ صاعٍ من بُرٍّ على الصَّغِيرِ والكَبِير (¬4). - وفي لفظٍ: أنْ تؤدَّى قبلَ خُروجِ الناس إِلى الصَّلاةِ (¬5). مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. 358 (182) - وعن أبي سعيدٍ الخدري رضي الله عنه، قال: كنَّا نُعطِيها في زمانِ النبي (¬6) - صلى الله عليه وسلم - صاعًا من طعام، أو صاعًا من تمر، أو صاعًا ¬

_ (¬1) كذا بالأصلين، وفي "السنن": "آخر". (¬2) في "أ": "أسنانه". (¬3) انظر "سنن أبي داود" (2/ 106 - 107). (¬4) رواه البخاري (1511)، ومسلم (984) (14)، وقوله: "على الصغير والكبير" ليس في الرواية نفسها، وإنما في موطن آخر من البخاري (1512) وغيره، ومسلم (984) (13). (¬5) هذا اللفظ للبخاري برقم (1503). (¬6) في "أ": "رسول الله".

من شَعِير، أو صاعًا من أَقِطٍ، أو صاعًا من زَبِيبٍ. فلما جاءَ معاويةُ - وجاءتِ السَّمراءُ- قال (¬1): أُرى مدًا من هذا يَعْدِلُ مُدَّين (¬2). قال أبوسعيدٍ: أمَّا أنا فلا أزالُ أُخرِجُه كما كُنتُ أخرِجُه (¬3). مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. 359 - وعن ابنِ عُمر قالَ: أمرَنَا رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - بزكَاةِ الفِطْرِ أن تُؤدَّى قبلَ خُروجِ الناسِ إلى الصَّلاةِ (¬4). قال (¬5): وكانَ ابنُ عمرَ يؤدّيها قبلَ ذلكَ باليومِ واليومينِ. د، وهو حسنٌ (¬6). ¬

_ (¬1) في رواية لمسلم (985) (18) زيادة: "فلم نزل نخرجه حتى قدم علينا معاوية ابن أبي سفيان [زاد ابن خزيمة (2418): من الشام إن المدينة قدمة] حاجًّا أو معتمرًا [زاد ابن خزيمة (2408): وهو يومئذٍ خليفة] , فكلم الناس على المنبر، فكان فيما كلم به الناس أن قال: ... ". (¬2) رواه البخاري (1508)، ومسلم (985). و"السمراء": الحنطة الشامية. (¬3) قول أبي سعيد رواه مسلم (985) (18)، وزاد: "أبدًا ما عشت" وفي رواية: "كذلك". وعنده أيضًا: "أنكر ذلك أبو سعيد. وقال: لا أخرج فيها إلا الذي كنت أخرج في عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -". (¬4) يعني: صلاة العيد. (¬5) القائل هو: نافع مولى ابن عمر راوي الحديث عنه. (¬6) صحيح. رواه أبو داود (1610). ورواه البخاري (1509)، ومسلم (986) دون فعل ابن عمر. وعند البخاري (1511) فعل ابن عمر بلفظ: هوكان ابن عمر رضي الله عنهما يعطيها الذين يقبلونها، وكانوا يُعطون قبل الفطر بيوم أو يومين". قلت: والمراد بـ: "الذين يقبلونها" العمال الذين يوكلهم الإمام بقبض الزكاة، لا الفقراء. ففي "صحيح ابن خزيمة" (2397) بإسناد صحيح من طريق أيوب عن نافع قال: وكان ابن عمر إذا أعطى أعطى التمر إلا عامًا واحدًا أعوز من التمر فأعطى شعيرًا. قال: قلت: متى كان ابن عمر =

360 - وعن عبد الله بن ثَعْلبةَ أو ثَعْلبةَ بنِ عبد الله بن أبي صُعَيْرٍ (¬1)، عن أبيهِ، قال: قالَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "صَاعٌ مِن بُر أو قَمْح عن كُلِّ اثنين، صَغِيرٍ أو كَبِيرٍ، حُرٍّ أو عبدٍ، ذكر أو أُنثى؛ أما غنيّكم فيُزكّيه الله، وأما فقيرُكم فيردّ الله عليه أكثرَ مما أعطى". د (¬2). 361 - عن ابن عباسٍ قال: فرضَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - زكاةَ الفِطْرِ طُهْرةً للصَّائمِ من اللَّغْو والرَّفَثِ، وطُعمةً للمَسَاكِين، من أَدّاها قبلَ الصَّلاةِ فهِي زكاةٌ مقبُولةٌ، ومَن أدّاها بعدَ الصَّلاةِ فهي صدقةٌ من الصَّدَقاتِ. [د] (¬3) إسنادٌ حسنٌ (¬4). أخرج هذه الأحاديث الثلاثة أبو داود. ¬

_ = يعطي الصاع؟ قال: إذا قعد العامل. قلت: متى كان العامل يقعد؟ قال: قبل الفطر بيوم أو يومين. وفي بعض نسخ "الصحيح": "قال أبو عبد الله -يعني: البخاري-: كانوا يعطون للجمع لا للفقراء". (¬1) مسح رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وجهه ورأسه زمن الفتح ودعا له، وقال البخاري: "عبد الله بن ثعلبة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مرسل إلا أن يكون عن أبيه، وهو أشبه" وقال الحافظ في "التقريب": "له رؤية، ولم يثبت له سماع". (¬2) ضعيف. رواه أبو داود (1619)، وفي سنده النعمان بن راشد ضعفه غير واحدِ كابن معين وأبي داود والنسائي، وقال البخاري: في حديثه وهم كثير، وقال ابن حجر في "التقريب": "سيئ الحفظ". (¬3) زيادة من "أ". (¬4) حسن. رواه أبو داود (1609)، وانظر "البلوغ" (630).

362 - عن عَمرو بنِ شُعَيْبٍ، عن أبيه (¬1)، عن جَدّه؛ أَنَّ (¬2) النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - بعثَ مُنادِيًا في فِجَاجِ مكة (¬3): "ألا إِن صدقةَ الفِطْرِ واجبةٌ على كل مُسلم ذكر أو أُنثى، حرٍّ أو عبدٍ، صغير أو كبيرٍ: مُدَّانِ من قمحٍ، أو سواهُ صاعًا من طعامٍ". ت حسنٌ غرِيبٌ (¬4). ¬

_ (¬1) تقدمت ترجمة عمرو بن شعيب وكذلك ترجمة أبيه عند الحديث رقم (29). (¬2) في "الأصل": "عن"، والمثبت من "أ". (¬3) الفجاج جمع فج، وهو: الطريق. (¬4) ضعيف. رواه الترمذي (674)، والدارقطني (2/ 141) من طريق ابن جريج، عن عمرو ابن شعيب به. وقال الترمذي في "العلل الكبير" (1/ 325): "سألت محمدًا -يعني: البخاري- عن حديث ابن جريج عن عمرو بن شعيب ... ؟ فقال: ابن جريج لم يسمع من عمرو بن شعيب". قلت: فهذه علة، وله علة أخرى أيضًا فقد رواه عبد الرزاق (3/ 321 - 322)، ومن طريقه الدارقطني (2/ 141) عن ابن جريج، عن عمرو بن شعيب؛ أن النبي - صلى الله عليه وسلم - بعث صارخًا ... وفي رواية أخرى للدارقطني من طريق ابن جريج -أيضًا- قال: قال عمرو: بلغني أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر صارخًا ...

18 - باب في المؤلفة قلوبهم

18 - (*) باب في المؤلفة قلوبهم 363 (180) - عن عبد الله بنِ زيد بنِ عاصم؛ أنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما فتحَ حُنَيْنًا (¬1) قسَمَ الغَنَائِمَ، فأعطى المؤلَّفةَ قُلُوبُهم ... وذكر الحديث. متفق عليه (¬2) (¬3). 364 - وعن صَفوان بن أُمية (¬4) قال: أعطاني رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - يومَ ¬

_ (¬1) حنين: هو واد قريب من الطائف بينه وبين مكة بضعة عشر ميلًا، والأغلب عليه التذكير؛ لأنه اسم ماء، وقد يؤنث على أنه اسم للبقعة. وهو الموضع الذي هزم فيه رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - هوازنَ، وسميت تلك الغزوة باسمه "غزوة حنين". انظر "المعجم" للبكري. وأخبار غزوة حنين انظرها في كتاب "الفصول في سيرة الرسول" (ص 182) للحافظ ابن كثير، طبع مكتبة المعارف بالرياض. (¬2) ووقع في "أ": بدل: "متفق عليه"! (¬3) رواه البخاري (4330)، ومسلم (1061)، وتمامه كما ساقه الحافظ في "الصغرى": (ولم يعط الأنصار شيئًا، فكأنهم وجدوا؛ إذ لم يصبهم ما أصاب الناس، فخطبهم، فقال: "يامعشر الأنصار! ألم أجدكم ضلالًا فهداكم الله بي؟ وكنتم متفرقين فألفكم الله بي؟ وعالة فأغناكم الله بي؟ "، كما قال شيئًا. قالوا: الله ورسوله أمَنُّ. قال: "ما يمنعكم أن تجيبوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ "، قالوا: الله ورسوله أمَنّ. قال: "لو شئتم لقلتم: جئتنا كذا وكذا. ألا ترضون أن يذهب الناس بالشاة والبعير، وتذهبون بالنبي - صلى الله عليه وسلم - إلى رحالكم؟ لولا الهجرةُ لكنتُ امرءًا من الأنصار، ولو سلك الناس واديًا وشعبًا، لسلكت وادي الأنصار وشعبها. الأنصار شعارٌ، والناسُ دثار. إنكم ستلقون بعدي أثرة، فاصبروا حتى تلقوني على الحوض". أهـ. قال ابن دقيق العيد في "الإحكام" (2/ 195): "في الحديث دليل على إعطاء المؤلفة قلوبهم، إلا أن هذا ليس من الزكاة، فلا يدخل في بابها إلا بطريق أن يقاس إعطاؤهم من الزكاة على إعطائهم من الفيء والخمس". (¬4) هو: صفوان بن أمية بن خلف بن وهب بن حذافة بن جمح القرشي، قتل أبوه يوم بدر = (*) قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة: كذا بالمطبوع بتكرار رقم الباب (18) لهذا الباب والذي قبله

حُنين، وإنَه لأبغض الخلقِ إليّ! فما زالَ يُعطِيني حتى إنه لأحبّ الخلقِ إليّ. ت (¬1). ¬

_ = كافرًا وأسلم هو بعد فتح مكة، قيل: شهد اليرموك، وكان أميرًا على بعض الكراديس يومئذ، وكان من المؤلفة. وشهد حنينًا - مع رسول الله جم - صلى الله عليه وسلم -وهو مشرك، واستعار منه رسول الله- صلى الله عليه وسلم - ذاك اليوم أدراعًا، فقال: أغصبًا يا محمَّد؟ فقال - صلى الله عليه وسلم -: "بل عارية مضمونة"، فضاع بعضها، فعرض عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يضمنها له، فقال: أنا اليوم يا رسول الله في الإِسلام أرغبُ. انظر "الطبقات الكبرى" (5/ 449)، و"المعجم الكبير" (8/ 54)، و "الإصابة" (3/ 246)، و"تهذيب الكمال" (13/ 180). (¬1) رواه الترمذي (666). قال الترمذي: "وقد اختلف أهل العلم في إعطاء المؤلفة قلوبهم، فرأى أكثر أهل العلم أن لا يعطو. وقالوا: إنما كانوا قومًا على عهد النبي - صلى الله عليه وسلم -، كان يتألفهم على الإِسلام حتى أسلموا, ولم يروا أن يعطوا اليوم من الزكاة على مثل هذا المعنى، وهو قول سفيان الثوري وأهل الكوفة وغيرهم، وبه يقول أحمد وإسحاق. وقال بعضهم: من كان اليوم على مثل حال هؤلاء، ورأى الإمام أن يتألفهم على الإِسلام فأعطاهم، جاز ذلك. وهو قول الشافعي". تنبيه: الحديث أيضًا رواه مسلم (2313) وهو بتمامه من طريق ابن شهاب قالت غزا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - غزوة الفتح؛ فتح مكة، ثم خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بمن معه من المسلمين، فاقتتلوا بحنين، فنصر الله دينه والمسلمين، وأعطى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يومئذٍ صفوان بن أمية مئة من النعم، ثم مئة، ثم مئة. قال ابن شهاب: حدثني سعيد بن المسيب؛ أن صفوان قال: والله! لقد أعصاني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما أعطاني، وإنه لأبغض الناس إليّ، فما برح يعطيني حتى إنه لأحبُّ الناس إليّ.

5 - كتاب الصيام

5 - كتاب الصيام 365 (183) - عن أبي هُريرة رضي الله عنه قالَ: قالَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "لا تَقَدَّمُوا رمضانَ بصوم يِومٍ ولا يومينِ، إلا رجُلًا كان يصومُ صومًا فلْيَصُمه". متَّفَقٌ عَلَيهِ (¬1). 1 - باب إِذا غُمَّ الهلالُ 366 (184) - عن ابنِ عمر قال: سمعتُ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - يقولُ: "إذا رأيتُمُوه فصُومُوا، وإذا رأيتُمُوه فأفْطِرُوا، فإنْ غُمّ عليكم فاقدُرُوا له". متَّفَق عَلَيْهِ (¬2). 367 - وعن ابنِ عُمَر قال: قالَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "الشَّهرُ تِسْع وعِشرُون، فلا تصُومُوا حتى تَرَوْهُ، ولا تُفْطِرُوا حتَّى تَروه، فإنْ غُمَّ عليكُم فاقْدِرُوا له". فكانَ ابنُ عمر إذا كان شَعبانُ تسعًا وعشرين نَظَرَ، فإنْ رأى (¬3) ¬

_ (¬1) رواه البخاري (1914)، ومسلم -واللفظ له- (1082). (¬2) رواه البخاري (1900)، ومسلم (1080) (8). وقوله: "فإن غم عليكم"، يعني: حال بينكم وبين رؤية الهلال غيم. وقوله: "فاقدروا له" من التقدير، ولأهل العلم في معنى الحديث أقوال أصحها قولهم: "معناه قدروا له تمام العدد ثلاثين يومًا، ويؤيده روايات مسلم: (فعدوا ثلاثين)، (فاقدروا ثلاثين) (فصوموا ثلاثين)، (فأكملوا العدد)، ورواية البخاري: (فأكملوا عدة شعبان ثلاثين) ". قاله ابن الملقن في "الإعلام" ونحوه للحافظ في "الفتح" (4/ 121). (¬3) كذا بالأصلين، وفي، "السنن": "رُؤي"، ولعله أصوب. والمراد الهلال.

فذاك، وإن لم يُرَ، ولم يحُلْ دُونَ منظرِه سَحابٌ أو قَتَرٌ أصبحَ مُفْطِرًا، وإن حالَ دُون منظرِه سَحابٌ أو قَتَر أصبحَ صَائِمًا. قال (¬1): فكان (¬2) ابنُ عمر يُفْطِرُ مع الناسِ، ولا يأخُذُ بهذا الحِسَابِ. د (¬3). 368 - عن كُرَيْبٍ (¬4) أن أمّ الفضل بنتَ الحارث (¬5) بعثتْهُ إلى معاويةَ بالشَّامِ. قالَ: فقدِمْتُ الشَّامَ، فقضَيْتُ حَاجَتَها، واستُهِلَّ عليّ هلالُ رمضانَ -وأنا بالشَّامِ - فرأينَا الهِلالَ ليلةَ الْجُمُعةِ، ثم قدِمْتُ المدينةَ في آخرِ الشَّهرِ، فسألني ابنُ عباسٍ -ثم ذكرَ الهلالَ، فقال-: متى رأيتُم الهِلالَ؟ فقلتُ: رأينَاهُ ليلةَ الجُمُعَةِ. فقال: أنتَ رأيْتَهُ ليلةَ الجمعةِ؟ فقلتُ: نعم. ورآهُ الناسُ، وصَامُوا، وصامَ معاويةُ. ¬

_ (¬1) القائل هو: نافع - الثقة المثبت - مولى ابن عمر رحمه الله. (¬2) في "أ": "وكان". (¬3) صحيح. رواه أبو داود (2320). قلت: والمرفوع منه متفق عليه كما في الحديث السابق. (¬4) هو: كريب ابن أبي مسلم القرشي الهاشمي، مولى عبد الله بن عباس، تابعي، ثقة، مات سنة ثمان وتسعين بالمدينة، روى له الجماعة. (¬5) هي: لبابة بنت الحارث الهلالية زوجة العباس بن عبد المطلب، وهي أخت أم المؤمنين ميمونة، وصح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قوله: "الأخوات الأربع: ميمونة، وأم الفضل، وسلمى، وأسماء بنت عميس - أختهن لأمهن - مؤمنات"، انظر "سلسلة الأحاديث الصحيحة" (1764).

2 - باب النية في الصيام

فقال: لكنْ رأينَاهُ ليلةَ السبتِ، فلا (¬1) نزالُ نصومُ حتى نُكْمِلَ ثلاثين يومًا، أو نَرَاهُ. فقلتُ: ألا تكتَفِي برُؤيةِ مُعاويةَ وصِيَامِهِ؟ قال: لا. هكذا أمرَنَا رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -. م د س ت حَسَنٌ صَحِيحٌ (¬2) 2 - باب النية في الصيام 369 - عن عائشةَ؛ أمَ المؤمنين رضي الله عنها، قال: دخلَ عليَّ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - ذاتَ يوم، فقالَ: "هل عِنْدكُم شيء"؟ قلنا: لا. قال: "فإنِّي إذًا صَائم". ثُم أتى يومًا آخرَ. فقُلنا: يا رسولَ الله! أُهدِي لنا حَيْسٌ (¬3). فقال: "أَريِنِيهِ، فلقدْ أصبَحْتُ صَائمًا"، فأكلَ. م د س ت ق (¬4). - وزاد: "إِنّما مَثَلُ صومِ التَّطوع، مَثَلُ الذي يُخْرجُ مِن مالِهِ الصَّدَقةَ فإن شاءَ أمْضَاها، وإن شاءَ حَبَسَها" (¬5). ¬

_ (¬1) في "أ": "ولا". (¬2) رواه مسلم (1087)، وأبو داود (2332)، والنسائي (4/ 131)، والترمذي (693)، وفي "سنن الترمذي": "حسن صحيح غريب". (¬3) الحيس: "هو الطعام المتخذ من التمر والأقط والسمن، وقد يجعل عوض الأقط الدقيق أو الفتيت". "النهاية". (¬4) رواه مسلم (1154) (170)، وأبو داود (2455)، والنسائي (4/ 193)، والترمذي (734) وعند أبي داود والنسائي: "أدنيه" بدل: "أرنيه". وهذا اللفظ- بروايتيه- ليس عند التِّرمذيّ. (¬5) هذه الزيادة للنسائي، وسندها صحيح. وهي في "صحيح مسلم" موقوفة على مجاهد. ولابن ماجه زيادة موقوفة على عائشة رضي الله عنها قالت: "إنما مثل هذا مثل الذي يخرج بصدقة فيعطي بعضًا، ويمسك بعضًا".

3 - باب شهادة الرجل الواحد على رؤية الهلال

370 - عن ابنِ عُمر، عن حفصةَ زوجِ النبيِّ - صَلَّى الله عليه وسلم -؛ أن (¬1) النَّبيُّ - صَلَّى الله عليه وسلم - قال: "مَنْ لم يُجَمِّعِ الصِّيامَ قبلَ الفجرِ، فلا صِيامَ له". د س ق ت وقال: الصَّحِيحُ من قولِ ابن عمر (¬2). 3 - باب شهادة الرجل الواحد على رؤية الهلال 371 - عن ابن عبّاسٍ [رضي الله عنه] (¬3) قال: جاءَ أعْرابيٌّ إلى النبيِّ - صَلَّى الله عليه وسلم -، فقال: أبصرتُ الهلالَ الليلةَ. قال: "أتشهد أن لا إله إلَّا الله، وأن محمدًا عبدُه ورسُولُه؟ ". قال: نعم. قال: "يا بلالُ! أذِّن في النَّاسِ؛ فليصُومُوا غدًا". د ت س ق (¬4). ¬

_ (¬1) في "أ": "عن". (¬2) صحيح مرفوعًا. رواه أبو داود (2454)، والنسائي (4/ 196)، وابن ماجه (1700)، والترمذي (730)، وصححه مرفوعًا ابن خزيمة وابن حبان وغيرهما، وانظر"البلوغ" (656). (¬3) زيادة من "أ". (¬4) ضعيف. رواه أبو داود (2340)، والترمذي (691)، والنسائي (4/ 132)، وابن ماجه (1652) من طريق سماك بن حرب عن عكرمة، عن ابن عباس به. وسماك مضطرب في روايته عن عكرمة، وقد اختلف عليه فيه، فمرة موصولًا، ومرة مرسلًا. ورجح النسائي والترمذي الإرسال. انظر "نصب الراية" (2/ 443). قلت: ليس في هذا الحديث حجة لمن أثبت دخول الشهر بشهادة شاهد واحد؛ وذلك لضعفه. ولمن ذهب إلى هذا الرأي دليل آخر، وهو الحديث الصحيح الذي رواه أبو داود (2342) عن ابن عمر قال: تراءى النَّاس الهلال، فأخبرت النَّبيّ - صلى الله عليه وسلم - أني رأيته، فصامه، وأمر النَّاس بصيامه. قلت: وهو مع صحته ليس فيه حجة لأصحاب هذا الرأي، إذ غاية ما فيه النقل عن ابن عمر، وليس فيه الاشتراط من النَّبي - صلى الله عليه وسلم -، ثم ليس فيه أنه لم يأت غير ابن عمر ليشهد بمثل ما شهد به، كما أنه من المستبعد جدًا أن يتراءى النَّاس الهلال، ثم لا يراه غير واحد فقط! نعم قد يكون له فضل =

4 - باب السحور

4 - باب السّحور 372 (185) - عن أنس بن مالكٍ قال: قال رسولُ الله - صَلَّى الله عليه وسلم -: "تَسَحَّرُوا؛ فإنَّ في السَّحُورِ (¬1) بركةً". متَّفَقٌ عَلَيهِ (¬2). 373 - وعن عَمرو بن العاص؛ أن رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "فَصْلٌ بينَ ¬

_ = السبق. والصواب في هذه المسألة- والله أعلم- هو اشتراط الشاهدين، كما في حديث عبد الرحمن بن زيد ابن الخطاب؛ أنه خطب النَّاس في اليوم الذي يُشك فيه، فقال: ألا إنِّي جالست أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وساءلتهم، وأنهم حدثوني أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "صوموا لرؤيته، وأفطروا لرؤيته، وانسكوا لها، فإن غم عليكم فأكملوا ثلاثين، فإن شهد شاهدان، فصوموا وأفطروا"، رواه النسائي (4/ 132 - 133). وزاد أحمد في "المسند" (4/ 321) "مسلمان". وفي رواية الدارقطني (2/ 167 - 168/ 3): "فإن شهد ذوا عدل". وانظركتابي "الإلمام بأحكام وآداب الصيام" ص (16 - 18) الطبعة الرابعة. (¬1) بفتح السين: ما يتسحر به، وبالضم: الفعل، وقيل غير ذلك، ولكن هذا هو الأشهر كما قال ابن دقيق العيد (2/ 208). (¬2) رواه البخاري (1923)، ومسلم (1095). وقوله: "بركة"، قال ابن دقيق العيد: "هذه البركة يجوز أن تعود إلى الأمور الأخروية؛ فإن إقامة السنَّة توجب الأجر وزيادته، ويحتمل أن تعود إلى الأمور الدنيوية؛ لقوة البدن على الصوم وتيسره من غير إجحاف به". قلت: ويستفاد من كلام ابن الملقن في "الإعلام" أن هذه البركة تكون بأمور أولها: اتباع السنة. ثانيها: مخالفة أهل الكتاب. ثالثها: التقوي والنشاط للصوم. رابعها: التسبب للصدقة. خامسها: التسبب للذكر والدعاء وللرحمة في وقت الإجابة. سادسها: التسبب في حسن الخلق؛ فإنّه إذا جاع ربما ساء خلقه. وانظر "فتح الباري" (4/ 140).

5 - باب الرجل يصبح جنبا وهو يريد الصوم

صِيَامِنا وصِيَام أِهل الكِتَابِ أَكْلَةُ (¬1) السَّحَرِ". م د ت س (¬2). 374 (186) - وعن زيد بنِ ثابت قال: تَسَحّرْنا مع رسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - ثم قامَ إلى الصَّلاةِ. قلتُ: كم كانَ بين الأذانِ والسَّحُورِ؟ قال: قدرُ (¬3) خَمْسين آيةً. مُتَفَقٌ عَلَيْهِ (¬4). 5 - باب الرجل يصبح جنبًا وهو يريد الصوم 375 (187) - عن عائشةَ وأمِّ سلَمة رضي الله عنهما؛ أن رسولَ الله - صَلَّى الله عليه وسلم - كانَ يُدْرِكُهُ الفجرُ، وهو جُنُبٌ مِن أهلِه، ثم يَغْتَسِلُ، ويَصُومُ. ¬

_ (¬1) قال النووي في "شرح مسلم" (7/ 215): "هي بفتح الهمزة هكذا ضبطناه، وهكذا ضبطه الجمهور، وهو المشور في روايات بلادنا، وهو عبارة عن المرة الواحدة من الأكل كالغدوة والعشوة وإن أكثر المأكول فيها، وأما الأكلة بالضم فهي اللقمة. وادعى القاضي عياض أن الرواية فيه بالضم - ولعله أراد رواية أهل بلادهم فيها بالضم- قال: والصواب الفتح؛ لأنه المقصود هنا". (¬2) رواه مسلم (1096)، وأبو داود (2343)، والترمذي (709)، والنسائي (4/ 146)، وعند مسلم والترمذي: "فصل ما بين"، وأيضًا هي لأبي داود والنسائي، إلَّا أن عندهما زيادة: "إن" في أوله. وعند النسائي: "السحور"، بدل: "السحر". (¬3) قال ابن حجر في "الفتح" (4/ 138): "أي: متوسطة، لا طويلة ولا قصيرة، لا سريعة ولا بطيئة. و (قدر) بالرفع على أنه خبر المبتدأ، ويجوز النصب على أنه خبر (كان) القدرة في جواب زيد، لا في سؤال أنس؛ لئلا تفسير كان واسمها من قائل، والخبر من آخر". (¬4) رواه البخاري (1921)، ومسلم (1097). ذكر أهل العلم من فوائد هذا الحديث أن أوقات الصحابة رضي الله عنهم كانت مستغرقة بالعبادة وفيه تأخير السحور؛ لكونه أبلغ في المقصود، وفيه الحرص على طلب العلم، وتحرير المسائل، وتتبع السنن، ومعرفة أوقاتها، والمحافظة عليها.

6 - باب الصائم إذا نسي فأكل أو شرب

مُتَفَقٌ عَلَيْهِ (¬1). 6 - باب الصائم إِذا نسي فأكل أو (¬2) شرب 376 (188) - عن أبي هُريرة، عن النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قال: "مَن نَسِي- وهو صَائِمٌ- فأكلَ أو شَرِبَ، فليُتِمّ صومَه؛ فإنّما أطعمَه اللهُ وسَقاهُ". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ (¬3). 7 - باب الجماع في شهر رمضان 377 (189) - عن أبي هُريرة قال: بينمَا نحنُ جُلوسٌ عند النبي - صلى الله عليه وسلم - إذ جاءَه رجُل، فقال: يا رسولَ الله! هلكتُ. قال: "مَالَكَ؟ ". قال: وقعتُ على امرأَتِي، وأنا صَائِمٌ - وفي روايةٍ: أصبتُ أهْلِي في رمضانَ- فقالَ رسولُ الله - صَلَّى الله عليه وسلم -: "هلْ تجدُ رقبةً تُعْتِقُها؟ ". قال: لا. قال: "فهل تستطِيعُ أن تصومَ شَهْرينِ مُتتابِعين؟ ". قال: لا. ¬

_ (¬1) رواه البخاري- واللفظ له- (4/ 143/ فتح)، ومسلم (1109). (¬2) في "أ": "و". (¬3) رواه البخاري (1933)، ومسلم (1155).

قال: "فهلْ تجدُ إطعامَ ستينَ مِسكِينًا؟ ". قال: لا. قال: فمكثَ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم -، فبينَا نحنُ على ذلك، [إِذْ] (¬1) أُتِي النبي - صلى الله عليه وسلم - بعَرَقٍ فيه تمرٌ - والعَرَقُ: الْمِكْتَلُ-. قال: "أينَ السَّائلُ؟ ". قال: أنا. قال: "خُذْ هذا، فتصدَّقْ بِهِ". فقال الرجُلُ: على أفقرَ مني يا رسولَ الله؟ فواللهِ ما بينَ لابتيها- يُريدُ: الحرَّتين (¬2) - أهلُ بيتٍ أفقرُ من أهل بيتي. فضَحِكَ النبيُّ - صَلَّى الله عليه وسلم - حتَّى بدتْ أنيابُه، ثم قال: "أطْعِمْهُ أهلَكَ". أخرجه الجماعةُ (¬3). ¬

_ (¬1) زيادة من "أ". (¬2) قال المصنف في "الصغرى": "الحرة أرض تركبها حجارة سود". وفي حاشية الأصل: "لابتيها: موضع فيه حجارة سود بالمدينة معروف". قلت: وقال ابن الملقن في "الإعلام" (ج 1/ ق 162/ ب): "اللابتان: الحرتان، والمدينة بين حرتين؛ شرقية وغربية". (¬3) رواه البخاري (1936)، ومسلم (1111)، وأبو داود (2390)، والنسائي في "الكبرى" (2/ 212 - 213)، والترمذي (724)، وابن ماجه (1671). قلت: وهؤلاء الستة هم مراد المصنف بالجماعة؛ فهم الذين سماهم ورمز لهم في مقدمة كتابه هذا، ووقع حديث واحد في "الصغرى" له برقم (349 بتحقيقي) قال فيه: "أخرجه الجماعة"، ونقلت هناك عن "الإعلام" لابن الملقن (ج 4/ ق 28 - 29/ ب- أ): بأن "مراد المصنف بالجماعة أصحاب الكتب الستة". وأما هنا في "الكبرى" فقد تكرر منه هذا العزو بهذا اللفظ في أكثر من حديث، كما هو مبين في المقدمة ص (67).

8 - باب الصوم في السفر

8 - باب الصوم في السفر 378 (190) - عن عائشةَ؛ أنَّ حمزةَ بنَ عمرو الأسلَمِيّ قال للنبيِّ - صلى الله عليه وسلم -: أَصُومُ في السَّفرِ؟ - وكانَ كثيرَ الصيامِ- قال: "إنْ شِئْتَ فَصُمْ، وإنْ شِئْتَ فأَفْطِرْ". مُتَّفَق عَلَيْهِ (¬1). 379 (191) - وعن أنس بنِ مَالكِ رضي الله عنه قال: كُنَّا نُسَافِرُ مع النبي - صلى الله عليه وسلم - (¬2)، فلم يَعِبِ الصَّائمُ على الْمُفطِرِ، ولا الْمُفطرُ على الصَّائم. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ (¬3). 380 (193) - وعن جابر بنِ عبد الله قال: كانَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - في سَفَرٍ، فرأى زِحَامًا، ورأى رجُلًا قد ظُلِّلَ عليه! فقال: "ما هذا؟ ". قالُوا: ¬

_ (¬1) رواه البخاري (1943)، ومسلم (1121). (¬2) زاد مسلم: "في رمضان". (¬3) رواه البخاري (1947)، ومسلم (1118). فائدة: روى مسلم (1116) (96) عن أبي سعيد الخدري قال: كنا نغزو مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في رمضان، فمنا الصائم ومنا المفطر، فلا يجد الصائم على المفطر، ولا المفطر على الصائم، يرون أن من وجد قوة فصام فإن ذلك حسن، ويرون أن من وجد ضعفًا فأفطر فإن ذلك حسن. قال الحافظ في "الفتح" (4/ 186): "وهذا التفصيل هو المعتمد، وهو نص رافع للنزاع". وزاد المصنف- رحمه الله- في "الصغرى" حديثًا واحدًا، وهو: 192 - عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: خرجنا مع رسول الله - صَلَّى الله عليه وسلم - في شهر رمضانَ، في حرٍّ شديدٍ، حتَّى إن كان أحدُنا ليضعُ يدَه على رأسِه من شدّة الحرِّ، وما فينا صائمٌ إلَّا رسولُ الله - صَلَّى الله عليه وسلم -، وعبد الله بنُ رواحة. (رواه البخاري: 1945. ومسلم: 1122، وانظر- لزامًا- الصغرى).

صَائِمٌ. فقال: "ليسَ مِن البرِّ الصومُ في السَّفرِ". مُتَّفَق عَلَيْه (¬1). - ولِمُسلم: "عليكُم برُخْصةِ الله التي رخَّص لكُم" (¬2). 381 - وعنه؛ أنَّ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - خرجَ عامَ الفتح إِلى مكَّةَ- في رمضانَ- فصامَ حتَّى بلغَ كُرَاعَ الغَمِيم (¬3)، فصامَ النَّاس، ثم دَعَا بقَدَح من ماء، فرفَعَهُ حتى نظرَ النَّاسُ إليه، ثم شَرِبَ، فقِيل له بعدَ ذلك: إنّ بعضَ النَّاسِ قد صَامَ. فقال: "أُولئك العُصَاةُ. أولئكَ العُصَاةُ". - وفي لفظٍ: فقِيل له: إنَّ النَّاسَ قد شَقَّ عليهم الصِّيامُ، وإنما ينظُرُونَ فِيما فعلتَ. فدعا بقَدَح من ماء بعدَ العصرِ. م (¬4). 382 (194) - وعن أنس قال: كُنَّا مع النبيِّ - صَلَّى الله عليه وسلم - في السَّفرِ، فمنا الصَّائِمُ، ومنَّا الْمُفْطِرُ. قال: فنزلْنا منزِلًا في يومٍ حارٍّ، وأكثرُنا ظِلًا صَاحِبُ الكِسَاءِ، فمنا من يتَّقِي الشَّمسَ بيدِه. قال: فسقطَ الصُّوَّامُ (¬5)، ¬

_ (¬1) رواه البخاري- واللفظ له- (1946)، ومسلم (1115). (¬2) رواه مسلم (2/ 786) وعنده: "الذي" بدل: "التى". وقال الحافظ في "الفتح" (4/ 186): "أوهم كلام صاحب العمدة أن قوله - صلى الله عليه وسلم -: "عليكم برخصة الله التي رخص لكم" ممَّا أخرجه مسلم بشرطه، وليس كذلك، وإنما هي بقية في الحديث لم يوصل إسنادها ... ، نعم. وقعت عند النسائي موصولة في حديث يَحْيَى بن أبي كثير بسنده، وعند الطبراني من حديث كعب بن عاصم الأشعري". وانظر "الإرواء" (4/ 56 - 57) فإنّه هام. (¬3) موضع بناحية الحجاز بين مكة والمدينة، وهو وادٍ أمام عسفان بثمانية أميال. (¬4) رواه مسلم (1114). (¬5) يعني: عجزوا عن العمل، وفي رواية البخاري: "فلم يعملوا شيئًا" وفي رواية لمسلم: "وضعف الصوام عن بعض العمل".

9 - باب تأخير قضاء رمضان

وقامَ المفطرُونَ فضربُوا الأبنيةَ (¬1)، وَسَقَوُا الرِّكابَ (¬2)، فقال رسولُ الله - صَلَّى الله عليه وسلم -: "ذهبَ المفطرُونَ اليومَ بالأجرِ". مُتَّفَقٌ عَلَيهِ (¬3). 9 - باب تأخير قضاء رمضان 383 (195) - عن عائشةَ رضي الله عنها قالتْ: كانَ يكُونُ عليَّ الصَّومُ مِن رمضانَ، فما أستطِيعُ أن أقضِي إلَّا في شعبانَ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ (¬4). 10 - باب من مات وعليه صوم 384 (196) - عن عائشةَ رضي الله عنها؛ أن رسولَ الله - صَلَّى الله عليه وسلم - قال: "مَنْ مَاتَ وعليه صِيامٌ، صامَ عنه وَلِيُّه". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ (¬5). - د وقال: هذا في النذرِ، وهو قولُ أحمد بنِ حنبل رضي الله عنه (¬6). ¬

_ (¬1) جمع بناء، وهي البيوت التي تعمل بالصحراء؛ كالخباء، والقبة. (¬2) الركاب: الإبل. (¬3) رواه البخاري (2890)، ومسلم- واللفظ له- (1119). (¬4) رواه البخاري (1950)، ومسلم (1146). (¬5) رواه البخاري (1952)، ومسلم (1147). تنبيه: قال ابن دقيق العيد في "الإحكام" (3/ 228): "ليس هذا الحديث ممَّا اتفق الشيخان على إخراجه". وهو وهم عجيب منه- رحمه الله-، ولكنه جرى على الجادة في "الإلمام" (1/ 352/ رقم 672)، فقال: "متفق عليه". (¬6) رواه أبو داود (2400)، وانظر كتابي "الإلمام بأحكام وآداب الصيام" ص (68 - 69) الطبعة الرابعة.

11 - باب في القيء

385 (197) - وعن ابن عباسٍ قالَ: جاءَ رجلٌ إلى النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فقالَ: يا رسولَ الله! إن أُمّي ماتتْ وعليها صومُ شهر أفأقضِيه عنها؟ فقالَ: "لو كان على أُمِّكَ دين أكنتَ قَاضِيَهُ عنها؟ ". قال: نعم. قال: "فدَيْنُ اللهِ أحقُّ أنْ يُقضى". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ (¬1). - وفي رِوايةٍ: جاءتِ امرأةٌ إلى رسُولِ الله - صَلَّى الله عليه وسلم -، فقالتْ: يا رسولَ الله! إن أُمِّي ماتتْ، وعليها صومُ نذرٍ أَفأَصُومُ عنها؟ فقال: "أرأيتِ لو كانَ على أُمّكِ دينٌ فَقَضَيْتِهِ، أكان يُؤدِّي ذلك عنها؟ ". قالتْ: نعم. قال: "فصُومي عن أُمّكِ". مُتَفَق عَلَيْهِ (¬2). 11 - باب في القيء 386 - عن أبي هُريرة رضي الله عنه؛ أنّ النبيَّ - صَلَّى الله عليه وسلم - قال: "مَنْ ذَرَعَهُ (¬3) القيءُ، فليسَ عليه قَضَاءٌ، ومَن استقاءَ عمدًا، فعليه القَضاءُ". د ت حسنٌ غرِيبٌ (¬4). 12 - باب الحجامة 387 - عن رَافعَ بنِ خَدِيج، عن النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قال: "أَفْطَرَ الحَاجِمُ والْمَحْجُومُ". د ت (¬5). ¬

_ (¬1) رواه البخاري (1953)، ومسلم (1148) (155). (¬2) رواه مسلم (1148) (156) بتمامه، وانظر البخاري (4/ 193/ فتح). (¬3) أي: سبقه وخرج منه بغير اختياره. (¬4) صحيح. رواه أبو داود (2380)، والترمذي (720) بسند صحيح. (¬5) صحيح. رواه الترمذي (774)، ووهم الحافظ عبد الغني رحمه الله في عزوه لأبي داود. =

وفي البابِ: عن سعد، (¬1). وعلي (¬2)، وبلال (¬3)، وأسامة (¬4)، وابن عباس (¬5)، وأبي هُريرة (¬6)، وأبي مُوسى (¬7)، وثَوبان (¬8)، وشدَّاد بن أوس (¬9)، ومعقل بن يسارٍ. ويُقال: ابن سِنَانٍ (¬10). حدِيثُ رافع بنِ خديجٍ حديثٌ حسنٌ. ¬

_ = قلت: وللحديث شواهد كثيرة منها ما هو مذكور هنا نقلًا عن الترمذي، ومنها ما هو غير مذكور هنا، ولقد توسع في تخريج هذا الحديث والكلام عليه الحافظ الزيلعي في كتابه النافع "نصب الراية" (2/ 472). (¬1) حديث سعد -وهو: ابن مالك- رواه ابن عدي في "الكامل" (3/ 963). (¬2) حديث علي: رواه النسائي في "الكبرى" (2/ 222 - 223)، والطحاوي (2/ 98)، والبزار (1/ 472). (¬3) حديث بلال: رواه النسائي في "الكبرى" (2/ 221)، وأحمد (6/ 12)، والبزار (1/ 476). (¬4) حديث أسامة: رواه أحمد (5/ 210)، والبزار (1/ 472). (¬5) حديث ابن عباس: رواه النسائي في "الكبرى" (2/ 229)، والطبراني في "الكبير" (11/ 138)، والبزار (1/ 472). (¬6) حديث أبي هريرة: رواه النسائي في "الكبري" (2/ 225)، وابن ماجة (1679). (¬7) حديث أبي موسى: رواه النسائي في "الكبرى" (2/ 232)، والبزار (1/ 475)، والطحاوي (2/ 98)، وابن الجارود في "المنتقى" (387). (¬8) حديث ثوبان: رواه أبو داود (2367)، وابن ماجة (1680). (¬9) حديث شداد بن أوس: رواه أبو داود (2369)، وأحمد (4/ 124). (¬10) حديث معقل بن يسار: رواه النسائي في "الكبرى" (2/ 223)، وأحمد (3/ 474)، والبزار (1/ 474). ورواه النسائي في "الكبرى" (2/ 224)، وأحمد (3/ 480)، والطحاوي (2/ 98) وعندهم: "معقل بن سنان"، بدل: "معقل بن يسار".

13 - باب تعجيل الإفطار

قال أحمد بنُ حنبلٍ: أصحُّ شيءٍ في هذا الباب حديثُ رافع بن خديجٍ. وقال عليُّ بنُ الْمَدِيني: أصحُّ شيء في هذا البابِ حديثُ ثوبانَ، وشدادِ بن أوسٍ (¬1). 13 - باب تعجيل الإِفطار 388 (198) - عن سهل بنِ سَعْدٍ؛ أنّ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا يزالُ الناسُ بخير ما عجّلوا الفِطْرَ". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ (¬2). ¬

_ (¬1) ومن قوله: "وفي الباب ... " إلى هنا هذا كله كلام الترمذي في "السنن" (3/ 145) وتمامه: "وقد كره قوم من أهل العلم من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - وغيرهم، الحجامة للصائم. حتى أن بعض أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - احتجم بالليل، منهم أبو موسى الأشعري، وابن عمر. وبهذا يقول ابن المبارك". قلت: نعم. صح حديث: "أفطر الحاجم والمحجوم"، ولكنه منسوخ، فقد صح عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه احتجم وهو صائم، كما روى ذلك البخاري في "الصحيح " (4/ 174/ فتح). وصح -أيضًا- عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه أرخص في الحجامة للصائم، فدل على أن الحجامة كانت تفطر في أول الأمر، ثم نسخ ذلك، إذ الرخصة لا تكون إلا بعد العزيمة، كما قال ابن حزم رحمه الله: "صح حديث أفطر الحاجم والمحجوم بلا ريب، لكن وجدنا من حديث أبي سعيد: أرخص النبي - صلى الله عليه وسلم - في الحجامة للصائم، وإسناده صحيح، فوجب الأخذ به؛ لأن الرخصة إنما تكون بعد العزيمة، فدل على نسخ الفطر بالحجامة، سواء كان حاجمًا أو محجومًا". (¬2) رواه البخاري (1957)، ومسلم (1098). وقال ابن دقيق العيد (2/ 232): "تعجيل الفطر بعد تيقن الغروب مستحب باتفاق العلماء، ودليله هذا الحديث، وفيه دليل على الرد على المتشيعة الذين يؤخرون إلى ظهور النجم، ولعل هذا هو السبب في كون الناس لا يزالون بخير ما عجلوا الفطر؛ لأنهم إذا أخروه كانوا داخلين في فعل خلاف السنة، ولا يزالون بخير ما فعلوا السنة". =

389 - وعن أبي عَطِيّة (¬1) قال: دخلتُ أنا ومَسْرُوقٌ (¬2) على عائشةَ فقال لها مسروقٌ: رجُلان من أصحابِ محمدٍ - صلى الله عليه وسلم -، كلاهُما لا يألُو عنِ ¬

_ = قلت: لعل العلة في ذلك هو ما صح عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، وهو ما رواه أبو داود (2353) عن أبي هريرة مرفوعًا: "لا يزال الدين ظاهرًا ما عجل الناس الفطر؛ لأن اليهود والنصارى يؤخرون". •• قال ابن حجر في "الفتح" (4/ 199): "من البدع المنكرة ما أحدث في هذا الزمان من إيقاع الأذان الثاني قبل الفجر بنحو ثلث ساعة في رمضان، وإطفاء المصابيح التي جعلت علامة لتحريم الأكل والشرب على من يريد الصيام زعمًا ممن أحدثه أنه للاحتياط في العبادة! ولا يعلم بذلك إلا آحاد الناس، وقد جرهم ذلك إلى أن صاروا لا يؤذنون إلا بعد الغروب بدرجة؛ لتمكين الوقت زعموا! فأخروا الفطر، وعجلوا السحور، وخالفوا السنة، فلذلك قل عنهم الخير، وكثر فيهم الشر، والله المستعان". قلت: أما فى زماننا هذا ففد زادت هذه البدع المنكرة زيادة فاحشة -ولا حول ولا قوة إلا بالله- وإذا أراد الناس أن يعود لهم الخير، فليعودوا هم إلى سنة نبيهم - صلى الله عليه وسلم -، كما كان سلفهم الصالح، فقد: "كانت الصحابة -رضي الله عنهم- إذا خذلوا في أمر فتشوا على ما تركوا من السنة، فإذا وجدوه علموا أن الخذلان إنما وقع بترك تلك السنة" انظر "الإعلام" لابن الملقن (2/ 172/ ب). وانظر تعليقي على الحديث رقم (658) في "بلوغ المرام". (¬1) هو: الوادعي الهَمْداني -اختلف في اسمه- تابعي، كوفي، ثقة، كان من أصحاب ابن مسعود وشهد مشاهد عليّ رضي الله عنه، مات بالكوفة في ولاية مصعب بن الزبير، روى له الجماعة سوى ابن ماجة. وحديثه المذكور هنا عندهم [رواه مسلم كما في التخريج، وأبو داود (2354)، والترمذي (702) والنسائي (4/ 114)]. (¬2) هو: ابن الأجدع الهَمْداني؛ أبو عائشة الكوفي، يقال: إنه سرق وهو صغير، ثم وجد، فسمي مسروقًا، قال عنه العجلي في "الثقات" (1561): "تابعي، ثقة، وكان أحد أصحاب عبد الله الذين يقرئون ويفتون، وكان يصلي حتى ترم قدماه". وقال ابن حجر في "التقريب": "ثقة، فقيه، عابد، مخضرم". مات سنة اثنتين -وقيل: ثلاث- وستين، وروى له الجماعة.

الخيرِ (¬1). أحدُهما: يُعجِّلُ المغربَ والإفطارَ. والآخرُ: يُؤخِّرُ المغربَ والإفطارَ؟ فقالت: مَن يُعجِّلُ المغربَ والإفطارَ؟ قال: عبدُ الله. قالتْ: هكذا كانَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - يصنعُ. م (¬2). 390 - عن أبي هريرة [رضي الله عنه] (¬3) قال: قالَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "قالَ الله عزّ وجل: أحبُّ عبادِي إليّ أَعْجَلُهم فِطْرًا". ت حَسنٌ غَرِيبٌ (¬4). 391 (199) - عن عُمر بن الخطَّاب رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "إذَا أقبلَ الليلُ مِن هَاهُنا، وأدبرَ النَّهارُ مِن هَاهُنا (¬5)، فقدْ أفطرَ الصَّائِمُ". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ (¬6). ¬

_ (¬1) أي: لا يقصر عنه. (¬2) رواه مسلم (1099). وعبد الله: هو ابن مسعود رضي الله عنه كما في رواية لمسلم، وزاد في أخرى: "والآخر أبو موسى". (¬3) زيادة من "أ". (¬4) ضعيف رواه الترمذي (700)، في سنده قرة بن عبد الرحمن، وقد ضعفه ابن معين وغيره. (¬5) زاد البخاري ومسلم: "وغربت (م: غابت) الشمس". (¬6) رواه البخاري -واللفظ له- (1954)، ومسلم (1100). وقوله - صلى الله عليه وسلم -: "قد أفطر الصائم" للعلماء فيه تفسيران مشهوران، أرجحهما هو ما رجحه إمام الأئمة ابن خزيمة في "صحيحه" (3/ 274)، إذ قال: "هذه اللفظة: "فقد أفطر الصائم"، لفظ خبر ومعناه معنى الأمر، أي: فليفطر الصائم إذ قد حل له الإفطار. ولو كان معنى هذه اللفظة معنى لفظه، كان جميع الصوام فطرهم وقتًا واحدًا، ولم يكن لقوله - صلى الله عليه وسلم -: "لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر"، ولقوله: "لا يزال الدين ظاهرًا ما عجل الناس الفطر"، معنى، ولا كان لقوله - صلى الله عليه وسلم -: "يقول الله تبارك وتعالى: أحب عبادي إليّ أعجلهم فطرًا" معنى لو كان الليل إذا أقبل وأدبر النهار، وغابت الشمس كان الصوام جميعًا يفطرون، ولو كان=

14 - باب في كراهية الوصال

14 - باب في (¬1) كراهية الوصال 392 - عن أنسٍ، عن النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا تُواصِلُوا". قالُوا: إنَّك تُواصِلُ (¬2). قال: "لستُ كأحدٍ منكم (¬3)؛ إِنّي أُطْعَمُ، وأُسْقى" (¬4). 393 (200) - وعن عبد الله بنِ عُمر قال: نهى رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - عن الوِصَالِ؟ قالوا: إنَّكَ تُواصِلُ. قال: "إنِّي لستُ مِثْلَكُم؛ إنّي أُطْعَمُ، وأُسْقَى" (¬5). 394 - وعن عَائِشةَ [رضي الله عنها] (¬6) قالتْ: نهى رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - عن الوصالِ؛ رحمةً لهم. فقالُوا: إنَّك تُواصِلُ! ¬

_ = فطر جميعهم في وقت واحد لا يتقدم فطر أحدهم غيره لما كان لقوله - صلى الله عليه وسلم -: "من وجد تمرًا، فليفطر عليه، ومن لم يجد، فليفطر على الماء" معنى، ولكن معنى قوله: "فقد أفطر"، أي: فقد حل له الفطر. والله أعلم". أهـ. (¬1) سقط حرف "في" من "أ". (¬2) المثبت من "أ"، وهي رواية البخاري، وفي "الأصل": "لتواصل". (¬3) في "أ": "كأحدكم"، وهي في بعض روايات البخاري. (¬4) رواه البخاري -واللفظ له- (1961)، ومسلم (1104). وزاد البخاري:، أو: إني أبيت أطعم وأسقى". قلت: وهذا الشك هو من شعبة بن الحجاج -رحمه الله- كما قال الحافظ في "الفتح". (¬5) رواه البخاري (1962)، ومسلم (1102). وقال المصنف في "الصغرى" عقب هذا الحديث: "رواه أبو هريرة، وعائشة، وأنس". قلت: وأحاديثهم متفق عليها، فأما حديث أنس فهو السابق، وأما الآخران فهما التاليان. (¬6) زيادة من "أ".

قال: "إنِّي لستُ كَهَيْئَتِكُم؛ إنِّي يُطْعِمُنِي ربِّي ويَسْقِيني" (¬1). 395 - وعن أبي هُريرة قال: نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الوِصَالِ في الصَّومَ. فقال له رجلٌ مِن المسلِمين: إنَّك تُواصِلُ يا رسولَ الله؟ قال: "وأيكُم مِثْلي؟ ". قال: "إنّي أَبِيتُ يُطْعِمُني ربِّي، ويَسْقِيني"، فلمّا أَبَوْا أنْ ينتهُوا عن الوِصَالِ، واصَلَ بهم يومًا، ثم يومًا، ثم يومًا (¬2)، ثم رأَوُا الهِلالَ. فقال: "لو تأخَّرَ لزِدْتُكم"، كالتنكيل لهم، حين أَبَوْا أن يَنْتَهُوا (¬3). متفقٌ على هذه الأحاديث الأربعة. 396 (201) - عن أبي سعيدٍ الخُدْريّ رضي الله عنه؛ أنَّه سَمعَ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - يقولُ: "لا تُواصِلُوا، فأيكُم أرادَ أنْ يُواصِلَ فليواصِلْ إلى (¬4) السَّحَرِ" قالوا: فإنَّك تُواصِلُ يا رسولَ الله. قال: "إني لستُ كَهَيْئَتِكُم؛ إنّي أَبِيتُ لي مُطْعِمٌ يُطْعِمُنِي، وسَاقٍ يَسْقِيني". خ (¬5). ¬

_ (¬1) رواه البخاري (1964)، ومسلم (1105). (¬2) كذا بالأصلين، وهذه اللفظة: "ثم يومًا" (الثالثة) زائدة على ما في "الصحيحين"، إذ فيهما: "واصل بهم يومًا، ثم يومًا، ثم رأو الهلال". (¬3) رواه البخاري (1965)، ومسلم (1103). (¬4) في الصحيح: "حتى" بدل: "إلى". (¬5) رواه البخاري (1963 و 1967). فائدة: هذا الحديث أورده المصنف -رحمه الله- في "الصغرى" (201) إلى قوله: "السحر"،=

15 - باب أفضل الصيام

15 - باب أفضل الصيام 397 (202) - عن عبد الله بنِ عَمرو رضي الله عنهما؛ قال: أُخْبِرَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - أني أقولُ: واللهِ لأصُومَنَّ النهارَ، ولأَقُومنَّ الليلَ ما عِشْتُ فقلتُ له: قد قُلْتُه بأبي أنتَ وأمّي. قال: "فإنَّك لا تَستطِيعُ ذلك، فصُم وأَفْطِرْ. ونَمْ وقُمْ. وصُمْ مِن الشَّهرِ ثلاثَة أيامٍ؛ فإن الحسنةَ بعَشْرِ أمثالِها، وذلِكَ مِثْلُ صِيَامِ الدَّهْرِ". قلتُ: إني أُطِيقُ أفضلَ من ذلك؟ قال: "فصُمْ يومًا، وأفْطِرْ يومين". قلتُ: إني أُطِيقُ أفضلَ من ذلك؟ قال: "فصُمْ يومًا، وأفطِرْ يومًا، فذلك صيامُ داودَ، وهو أفضلُ الصِّيام". فقلتُ: إني أُطِيقُ أفضلَ من ذلك (¬1). - وفي روايةٍ: "لا صَوْمَ فوقَ صوم دِاودَ؛ شَطْرُ الدَّهْرِ، صُمْ يومًا، وأَفْطِرْ يومًا" (¬2). مُتَفَقٌ عَلَيْهِ. ¬

_ = دون الزيادة الذكورة هنا، وعزاه لمسلم وحده. وكنت تعقبته هناك بأن الحديث للبخاري وليس لمسلم، ثم ها هو هنا -رحمه الله- يسوق الحديث بتمامه ويعزوه للبخاري وحده على الصواب. ثم رأيت ابن الملقن قال في "الإعلام" (ج 2/ ق 174/ أ) عن عزو المصنف الذي في "الصغرى" لصحيح مسلم إنه: "سبق قلم، فإني لم أرها فيه، وعبد الحق عزاها إلى أفراد البخاري، وكذا صاحب المنتقى في أحكامه، وكذا المصنف في عمدته الكبرى عزاها إِلى البخاري فقط". (¬1) زاد المصنف في "الصغرى": "فقال: لا أفضل من ذلك"، وهي في "الصحيحين". والحديث رواه البخاري (1976)، ومسلم (1159) (181). (¬2) هذه الرواية للبخاري (1980)، وهي لمسلم أيضًا (1159) (191) إلا أن عنده: "صيام يوم، وإفطار يوم".

16 - باب النهي عن صيام يوم الجمعة

398 (203) - عن أبي هُريرة قال: أَوْصَاني خَلِيلي - صلى الله عليه وسلم - بثلاثٍ: صيامِ ثلاثةِ أيام من كلِّ شهرٍ، وركعتي الضُّحى، وأنْ أُوتِرَ قبلَ أن أنامَ. مُتَّفَق عَلَيْهِ (¬1). 399 (202) - عن عبد الله بنِ عَمرو قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إنَّ أحبَّ الصيام إلى الله صِيامُ داودَ، وأحبَّ الصَّلاةِ إلى الله صَلاةُ داودَ؛ كانَ ينامُ نِصْفَ الليل، ويقومُ ثُلُثَه، وينامُ سُدُسَه، وكان يصومُ يومًا، ويُفْطِرُ يومًا". مُتَفَقٌ عَلَيهِ (¬2). 400 - عن معاذةَ العَدويّة (¬3)؛ أنَها سألتْ عائشةَ: أكانَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - يصوم مِن كل شهر ثلاثةَ أيامٍ؟ قالتْ: نعم. فقلتُ لها: مِن أيّ أيام الشَّهرِ كانَ يصومُ؟ قالتْ: لم يكن يُبالي من أيِّ الشهرِ يصُوم. م (¬4). 16 - باب النهي عن صيام يوم الجمعة 401 (204) - عن محمد بنِ عبّاد (¬5) قال: سألتُ جابرًا: أنهى ¬

_ (¬1) رواه البخاري (1981)، ومسلم (721). (¬2) رواه البخاري (1131)، ومسلم (1159) (189)، ووضع الحافظ عبد الغني هذا الحديث في الصغرى كرواية للحديث (202)، أي الحديث قبل السابق. (¬3) تقدمت ترجمتها عند الحديث رقم (118). (¬4) رواه مسلم (1160). (¬5) هو: محمد بن عباد بن جعفر بن رفاعة القرشي المخزومي المكي، تابعي، ثقة، قليل الحديث، روى له الجماعة.

النبي (¬1) - صلى الله عليه وسلم - عن صوم يِومِ الجُمُعَةِ؟ قال: نعم. مُتَّفَقٌ عَلَيهِ (¬2). - زادَ مُسْلِم (¬3): وربِّ هذا البيتِ (¬4). 402 (205) - عن أبي هريرة قال: سمعتُ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - يقولُ: "لا يَصُومَنّ أحدُكم يومَ الجُمُعةِ، إلا أنْ يصومَ يومًا قبلَه، أو يومًا بعدَه". مُتَّفَقٌ عَلَيْهْ (¬5). 403 - وعن جُوَيْرِيةَ بنت الحارث؛ أنّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - دخلَ عليها يومَ الجُمُعةِ -وهي صائِمةٌ- فقال: "أصُمْتِ أمسِ؟ ". قالتْ: لا. قال: "أَتُريِدينَ أن تصُومي غدًا؟ ". قالت: لا. قال: "فأَفطِري". خ (¬6). ¬

_ (¬1) في "أ": "رسول الله". (¬2) رواه البخاري (1984)، ومسلم (1143). (¬3) وفي "أ": "وزاد م". (¬4) نعم. هذه الزيادة لمسلم، وكان المصنف رحمه الله عزاها في "الصغرى" لمسلم، لكن بلفظ: "ورب الكعبة"، وكنت تعقبته هناك، ونقلت توهيم الحافظ ابن حجر له أيضًا من "الفتح" (4/ 233). واعتذر ابن الملقن للحافظ عبد الغني، فقال: "كأنه نقله بالمعنى"، ولم يشر ابن الملقن إلى ما وقع في "الكبرى" هنا على الصواب. (¬5) رواه البخاري (1985)، ومسلم (1144) بنحوه. إذ رواية البخاري بلفظ: "لا يصوم [رواية: يصومن] أحدكم يوم الجمعة، إلا يومًا قبله أو بعده" وأما مسلم فروايته: "لا يصم أحدكم يوم الجمعة، إلا أن يصوم قبله، أو يصوم بعده". وعنده رواية أخرى بلفظ: " ... لا تخصوا يوم الجمعة بصيام من بين الأيام، إلا أن يكون في صوم يصومه أحدكم". (¬6) رواه البخاري (1986).

17 - باب لا يصام يوم عرفه بعرفة

17 - باب لا يصام (¬1) يوم عرفه بعرفة 404 - عن أمِّ الفضلِ بنتِ الحارث؛ أن ناسًا تمارَوْا (¬2) -عندَها يومَ عرفةَ- في صَوْمِ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فقال بعضُهم: هو صَائِمٌ. وقال بعضُهم: ليسَ بصائمٍ. فأرسلتْ (¬3) إليه بِقَدَحِ لَبَنٍ - وهُو واقِفٌ على بَعِير (¬4) - فَشَرِبَهُ (¬5). 405 - وعن ميمونةَ نحوُه. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ (¬6). 406 - [و] (¬7) عن عكرمةَ قال: كُنَّا عندَ أبي هُريرة في بيتِهِ، فحدَّثنا أنَّ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - نهى عن صومِ يومِ عرفةَ بعرفةَ. د (¬8). ¬

_ (¬1) في "أ": "لا صيام"! (¬2) تماروا: اختلفوا وتجادلوا. (¬3) في هذا الحديث أن التي أرسلت هي أم الفضل، وفي الحديث التالي أن ميمونة هي التي أرسلت، "فيحتمل التعدد، ويحتمل أنهما معًا أرسلتا، فنسب ذلك إلى كل منهما؛ لأنهما كانتا أختين ... "، قاله الحافظ ابن حجر في "الفتح". (¬4) كذا بالأصلين، وفي "الصحيحين": "بعيره". (¬5) رواه البخاري (1988)، ومسلم (1123). (¬6) رواه البخاري (1989)، ومسلم (1124) عن ميمونة رضي الله عنها: أن الناس شَكُّوا في صيام النبي - صلى الله عليه وسلم - يوم عرفة، فأرسلتْ إليه بحلابٍ -وهو واقفّ في الموقفِ- فشرب منه، والناس ينظرون. (¬7) زيادة من "أ". (¬8) ضعيف. رواه أبو داود (2440)، في سنده مهدي الهجري، وهو: "مجهول".

18 - باب كراهية الصوم يومي العيدين

18 - باب كراهية الصوم (¬1) يومي العيدين 407 (206) - عن أبي عُبَيْدٍ؛ مولي ابن أزهر- واسمُه: سعد بن عُبَيْدٍ (¬2) - قال: شَهِدْتُ العِيدَ مع عمرَ بنِ الخطاب [رضي الله عنه] (¬3)، فقال: هذانِ يومَانِ نهى رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - عن صِيامِهما؛ يومُ فِطْرِكم من صِيامِكم، واليومُ الآخرُ تأكُلُون فيه من نُسُكِكم (¬4). مُتَفَقٌ عَلَيْهِ (¬5). 408 (207) - وعن أبي سَعِيدٍ [قال] (¬6): نهى رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - عن صَوْم يِومينِ؛ الفطرِ والنَّحرِ، وعن الصَّمَاء (¬7)، وأن يحتبي الرجلُ في ثوبٍ ¬

_ (¬1) في "أ": "صوم". (¬2) هو سعد بن عبيد الزهري أبو عبيد المدني، تابعي، مجمع علي توثيقه، روى له الجماعة، كان من القراء القدماء، وأهل الفقه، مات بالمدينة سنة ثمان وتسيعين. انظر "تهذيب الكمال" (10/ 288). (¬3) زيادة من "أ". (¬4) النسك: الذبيحة المتقرب بها إلي الله تعالي. (¬5) رواه البخاري (1990)، ومسلم (1137). (¬6) زيادة من "أ". (¬7) هذه اللبسة (اشتمال الصماء) المنهي عنها لأهل اللغة فيها تفسير، وللفقهاء فيها تفسير، جمع بينهما ابن الأثير في كتابه "النهاية" (3/ 54) فقال: "هو أن يتجلل الرجل بثوبه، ولا يرفع منه جانبًا، وإنما قيل لها صماء؛ لأنه يسد علي يديه ورجليه المنافذ كلها، كالصخرة الصماء التي ليس فيها خرق ولا صدع. والفقهاء يقولون: هو أن يتغطي بثوب واحد ليس عليه غيره، ثم يرفعه من أحد جانبيه، فيضعه علي منكبه، فتنكشف عورته". وانظر أيضًا "الإحكام" لابن دقيق العيد (2/ 246). قلت: وفي بعض روايات الحديث عند البخاري (5820): "والصماء: أن يجعل ثوبه علي أحد عاتقيه، فيبدو أحد شقيه ليس عليه ثوب"، ورجح ابن حجر في "الفتح" (1/ 477) أن هذا =

19 - باب صوم أيام التشريق

واحدٍ (¬1)، وعن الصَّلاةِ بعدَ الصُّبحِ والعَصْرِ. متفقٌ عليه؛ الصوم فقط، وأخرجه مسلم بتمامه (¬2). 19 - باب صوم أيام التشريق 409 - عن ابنِ عُمر. وعائشةَ، قالا: لم يُرَخَّصْ في أيامِ التَّشْرِيق أنْ يُصَمْنَ إلا لِمَنْ لَم يجدِ الهَدْي. خ (¬3). ¬

_ = التفسير مرفوع: "وهو موافق لما قال الفقهاء ... وعلي تقدير أن يكون موقوفًا فهو حجة على الصحيح؛ لأنه تفسير من الراوي لا يخالف ظاهر الخبر". (¬1) هو "احتباؤه بثوبه، وهو جالس، ليس على فرجه منه شيء"، كما عند البخاري (5820). (¬2) كذا عبارة المصنف هنا، وفي"الصغرىَ": "أخرجه مسلم بتمامه، وأخرج البخاري الصوم فقط"، والمعني واحد. وأقول: بل رواه البخاري بتمامه (4/ 239/ فتح)، ومسلم- مقتصرًا على الصوم- (2/ 799 - 800). تنبيه: قال ابن الملقن في "الإعلام" (2/ 183/ ب): "قول المصنف: وأخرج البخاري الصوم فقط غريب منه، فقد أخرجه البخاري بهذه السياقة كلها"، وبعد عزوه إلى مواضعه من الصحيح، قال: "فاستفد ذلك، ومن العجائب أن الشيخ تقي الدين فمن بعده من الشراح لم ينبهوا على ذلك". قلت: وقد مر بك ما في رواية مسلم، ومن العجائب أن ابن الملقن لم ينبه على ذلك. وزاد المصنف- رحمه الله- في "الصغرى" حديثًا واحدًا، وهو: 208 - عن أبي سعيدٍ الخُدري رضي الله عنه قال: قال رسولُ - صلى الله عليه وسلم -: "مَن صَام يومًا في سبيلِ اللهِ بَعَّدَ الله وجهَهُ عن النارِ سبعينَ خريفًا". (خ: 2840. م: 1153). (¬3) رواه البخاري (1997 و 1998).

20 - باب ليلة القدر

410 - عن نُبَيْشَةَ الهُذَلي قال: قالَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "أيَّامُ التشريقِ أيامُ أَكْل، وشُرْبٍ، وذكرِ الله عزوجل". م (¬1). 411 - عن أبي مرَّة (¬2)؛ مولي أم هانئ؛ أنه دخل مع عبد الله بنِ عَمرو على أبيه؛ عمرو بن العاصم، فَقَرَّبَ إليهما طَعامًا (¬3)، فقال: كُلْ. فقال: إنّي صَائِمٌ. فقال عمرو: كُلْ. فهذه الأيامُ التي كانَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - يأْمُر (¬4) بإفطارهِا، وينهى (¬5) عن صِيَامِها. قال مالك: وهي أيامُ التشريقِ. د (¬6) 20 - باب ليلة القدر 412 (209) - عن عبد الله بن عُمر؛ أن رِجَالًا من أصحابِ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -أُرُوا ليلةَ القدرَ في المنام؛ في السَّبْعَ الأواخرِ. فقالَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "أرى (¬7) رؤياكم قَدْ تواطَئَتْ (¬8) في السبع الأواخر، فمَن كان مُتحرِّيها، فَلْيَتَحَرَّها في السبعِ الأواخرِ" (¬9). ¬

(¬1) رواه مسلم (1141)، وعنده: "وذكر لله". (¬2) اسمه: يزيد، وهو حجازي مشهور بكنيته، ثقة، روى له الجماعة. (¬3) وفي "أ": "فَقُرب إليهما طَعَامٌ"، وما في الأصل هو الموافق لما في "السن". (¬4) كذا بالأصل، وفي "أ":"وينهانا" وهو الذي في "السنن". (¬5) كذا بالأصلين، وفي "السنن": "وينهانا". (¬6) صحيح. رواه أبو داود (2418). (¬7) بفتح الهمزة والراء، أي: أعلم. والمراد: أبصر مجازًا. (¬8) أي: توافقت. وزنًا ومعنًى. (¬9) رواه البخاري (2015)، ومسلم (1165).

413 (210) - وعن عائشةَ [رضي الله عنها] (¬1)؛ أنّ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "تحرّوا ليلةَ القدرِ في الوِتْرِ؛ من العَشْرِ الأوَاخِرِ من رمضانَ" (¬2). مُتَّفَقٌ عَلَيْهِمَا. 414 - وعن ابنِ عبَّاسٍ؛ أنَّ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - قالَ: "التَمِسُوها في العَشْرِ الأواخِرِ مِن رمضانَ، ليلةَ (¬3) القَدْرِ في تاسعةٍ تبقي، في سابعةٍ تبقي، في خَامسةٍ تبقي". خ (¬4). 415 - وعن عُبادةَ بنِ الصَّامِتِ قال: خرجَ النبي - صلى الله عليه وسلم - "لِيخْبِرَنَا بليلةِ القَدْرِ، فَتَلاحى رجُلانِ من الْمُسلِمين، فقال: "خرجتُ لأُخبركم بليلةِ القدرِ، فَتَلاحَى (¬5) فُلانٌ وفُلان، فَرُفِعَتْ، وعسي أن يكونَ خيرًا لكُم، فالتَمِسُوها في التَّاسعةِ، والسابعةِ، والخامِسَةِ". خ (¬6). 416 (211) - عن أبي سعيدٍ الخُدري؛ أنَّ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - كانَ ¬

_ (¬1) زيادة من "أ". (¬2) رواه البخاري (2017)، ومسلم (1169)، وعند مسلم: "في العشر" دون لفظ: "الوتر". وفي رواية أخرى له: "التمسوا"، بدل:"تحروا"، وهي أيضًا رواية للبخاري (2019). وزاد البخاري في رواية له (2020) عن عائشة قالت: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يجاور في العشر الأواخر من رمضان، ويقول ........... الحديث. (¬3) بالنصب؛ لأنه بدل من الضمير في قوله: "التمسوها" ويجوز الرفع على أنه خبر لمبتدأ محذوف. (¬4) رواه البخاري (2021). (¬5) الملاحاة: المخاصمة والمنازعة. (¬6) رواه البخاري (2023).

يعتكفُ في العشرِ الأوسطِ (¬1) من رمضانَ، فاعتكفَ عامًا، حتى إذا كانتْ ليلةُ إحْدى وعِشرين، وهي الليلةُ التي يَخرُجُ من صبِيحَتِها من اعتكَافِهِ، قال: "مَنِ اعتكفَ معِي، فَلْيَعْتَكِفِ العشرَ الأواخرَ؛ فقد أُرِيتُ هذه الليلةَ ثم أُنْسِيتُها، وقد رَأيتُنِي أسجدُ في ماءٍ وطين من صَبِيحَتِها، فالتمِسُوها في العشرِ الأواخرِ، والتَمِسُوها في كلِّ وِتْرٍ". فَمَطَرَتِ السَّمَاءُ تلكَ الليلةَ، وكانَ المسجدُ على عريش (¬2)، فَوَكَفَ المسجدُ (¬3)، فأبصرتْ عَيناي رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم -، وعلي جَبْهَتِهِ أثرُ الماءِ والطِّينِ من صُبْح إِحدى وعشرينَ. مُتَّفقٌ عَلَيْه (¬4). 417 - عن بُسْرِ بنِ سعيدٍ (¬5) عن عبد الله بن أُنيس؛ أنَّ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - قالَ: "أُرِيتُ ليلةَ القدرِ، ثم أُنسِيتُها، وأَرَاني صُبْحَهَا أسجدُ في ماءٍ ¬

_ (¬1) قال ابن دقيق العيد في "الإحكام": "الأقوى فيه أن يقال: الوُسُط. بضم السين أو فتحها. وأما (الأوسط) فكأنه تسمية لمجموع تلك الليالي والأيام، وإنما رجح الأول؛ لأن العشر اسم لليالي، فيكون وصفها الصحيح جمعًا لائقًا بها". وقال النووي في "الشرح" (8/ 311): "هكذا هو في جميع النسخ، والمشهور في الاستعمال تأنيث العشركما قال في أكثر الأحاديث (العشر الأواخر) وتذكيره أيضًا لغة صحيحة باعتبار الأيام أو باعتبار الوقت والزمان، ويكفي في صحتها ثبوت استعمالها في هذا الحديث من النبي - صلى الله عليه وسلم -". (¬2) العريش والعرش: السقف، وكل ما يستظل به. (¬3) أي: قطرَ ماءُ المطر من سقفه، يُقال: وَكَفَ البيتُ يَكِفُ وَكْفًا ووكُوفا إذا قَطَرَ، ووَكَفَ الدمع وكِيفًا ووَكَفَانا، بمعنى: قطرَ". قاله ابن الملقن في "الإعلام " (2/ 189/ أ- ب). (¬4) رواه البخاري- والسياق له- (2027)، ومسلم (1167). (¬5) مدني، تابعي، عابد، صالح، فاضل، ثقة، متقن، مات بالمدينة سنة مئة وهو ابن ثمان وسبعين في خلافة عمر بن عبد العزيز، روى له الجماعة.

وطينٍ". قال: فمُطِرْنا ليلةَ ثلاثٍ وعشرينَ، فصلَّى بنا رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -، فانصرفَ، وإنَّ أثرَ الماءِ والطِّينِ على جَبْهَتِهِ وأنفِهِ. قال: وكان عبدُ الله بنُ أنيس يقولُ: ثلاثٍ وعِشْرينَ (¬1). م (¬2). 418 - عن زِرِّ بن حُبَيْش (¬3) قال: سألتُ أبيَ بنَ كعب، فقلتُ: إنَّ أخَاك ابنَ مسعودٍ يقول: مَن يَقُمِ الحولَ يُصِبْ ليلةَ القدرِ. فقال: رحِمهُ الله! أرادَ أنْ لا يتَّكِلَ الناسُ. أَمَا إنَّه قد عَلِمَ أنَّها في رمضانَ، وأنّها في العشرِ الأواخر، وأنَّها ليلةُ سبعٍ وعشرينَ، ثم حلَفَ لا يستثنِي: أنَّها ليلةُ سبعٍ وعشرينَ. قلتُ: بأيّ شيءٍ تقولُ ذلكَ يا أبا الْمُنذر؟ قال: بالعَلامةِ- أو بالآيةِ- التي أخبرَنا رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -؛ أنَّها تَطْلُعُ يومَئذٍ لا شُعَاعَ لها. م (¬4). 419 - عن أبي هُريرة قال: تَذَاكَرْنا ليلةَ القدرِ عندَ رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم -، فقال: "أيكُم يَذْكُرُ حِينَ طَلَعَ القمرُ، وهو مِثْلُ شِقِّ جَفْنَةٍ". م (¬5). ¬

_ (¬1) قال النووي (8/ 312 - 313): "هكذا هو في معظم النسخ، وفي بعضها: (ثلاث وعشرون) وهذا ظاهر، والأول جارٍ على لغة شاذة، أنه يجوز حذف المضاف، ويبقى المضاف إليه مجرورًا، أي ليلة ثلاث وعشرين". (¬2) رواه مسلم (1168). (¬3) كوفي، ثقة، جليل، مخضرم، روى له الجماعة. (¬4) رواه مسلم. كتاب الصيام. باب فضل ليلة القدر، رقم (220)، وانظر رقم (762). (¬5) رواه مسلم (1170). قال القاضي عياض: "فيه إشارة إلى أنها إنما تكون في أواخر الشهر؛ لان القمر لا يكون كذلك عند طلوعه إلا في أواخر الشهر، والله أعلم".

420 - عن أبي سعيدٍ الخدري قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "التمسوهَا في العشرِ الأوَاخِرِ من رمضانَ، والتمِسُوها في التَاسعةِ، والسابعةِ، والخَامِسَةِ". فقلتُ (¬1): يا أبا سعيدٍ! إنكم أعلمُ بالعددِ منّا. قال: أجل (¬2). قلتُ: ما التَّاسِعةُ، والسَّابِعةُ، والخامِسَةُ؟ قال: إذا مَضَتْ واحدةٌ وعشرون فالتي تلِيها (¬3) التَّاسعةُ، وإذا مضى ثلاث وعشرونَ فالتي تليها السَّابِعةُ، فإذا مضى خَمْسُ وعشرونَ فالتي تليها الخامسةُ. م (¬4). ¬

_ (¬1) القائل هو: أبو نضرة؛ المنذر بن مالك بن قطعة العبدي، راوي الحديث عن أبي سعيد الخدري، وهو ثقة من الثالثة، مات سنة ثمان- أو تسع- ومائة، روى له البخاري تعليقًا، ومسلم، وأصحاب السنن. (¬2) زاد مسلم: "نحن أحق بذلك منكم". وقوله: "إنكم أعلم بالعدد منا" معناه: لأبهذا العدد الذي ذكر، وذلك لأنه محتمل لأن يعتبر بكمال الشهر أو بنقصه، وقد اعتبره أبو سعيد هنا بالباقي على كمال الشهر". قاله القرطبي في "المفهم" (3/ 243). (¬3) زاد مسلم: "ثنتين وعشرين، وهي". (¬4) رواه مسلم (1167) (217) وأوله: قال: اعتكف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - العشر الأوسط من رمضان يلتمس ليلة القدر قبل أن تبان له، فلما انقضين أمر بالبناء فقوض، ثم أبينت له أنها في العشر الأواخر، فأمر بالبناء فأعيد، ثم خرج على الناس، فقال: "يا أيها الناس! إنها كانت أبينت لي ليلة القدر، وإني خرجت لأخبركم بها، فجاء رجلان يحتقان - معهما الشيطان- فنُسِّيتُها، فالتمسوها ... " الحديث.

21 - باب ما يفطر عليه وما يقال عند الفطر

21 - باب ما يفطر عليه وما يقال عند الفطر 421 - عن سَلْمان بنِ عَامرٍ قال: قالَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "إذا كانَ أحدُكم صَائِمًا، فليُفْطِرْ على التَّمْرِ، فإنْ لم يجِدِ التَّمْرَ فعلى الماءِ؛ فإنَّ الماءَ طَهُورٌ". [د] (¬1) ق ت وقال: حدِيثٌ حسنٌ صحِيحٌ (¬2). 422 - عن أنس بنِ مَالكٍ رضي الله عنه قال: كان رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - يُفطِرُ على رطباتٍ قبل أن يُصلِّي، فإنْ لم يكُنْ فعَلَى تمراتٍ، فإنْ لم يكنْ حَسَا حَسَواتٍ مِن ماءٍ. د ت وقال: [حَدِيثٌ] (¬3) غرِيبٌ حسنٌ (¬4). 423 - وعن ابنِ عُمر رضي الله عنهما قال: كانَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - إذا أَفْطَرَ قالَ: "ذَهَبَ الظَّمأُ، وابتَلَّتِ العُرُوقُ، وثَبَتَ الأجرُ إنْ شاءَ الله". د (¬5). 424 - عن عبد الله بنِ أبي مُلَيْكةَ (¬6) قال: سمعتُ عبد الله بنَ عَمرو ¬

_ (¬1) زيادة من "أ". (¬2) ضعيف. رواه أبو داود (2355)، والترمذي (695)، وابن ماجه (1699)، وفي الحديث التالي غنية عنه، وانظر "البلوغ" (661). (¬3) زيادة من "أ". (¬4) حسن. رواه أبو داود (2356)، والترمذي (696). وقال الدارقطني في "السنن" (2/ 185): "إسناده صحيح". (¬5) حسن. رواه أبو داود (2357). وقال الدارقطني في "السنن" (2/ 185): "إسناده حسن". (¬6) هو: عبد الله بن عبيد الله بن عبد الله بن أبي مليكة، مدني، تابعي، ثقة، فقيه، مات سنة سبع عشرة ومئة، روى له الجماعة.

22 - باب الاعتكاف

ابن العاص يقولُ: قال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -:"إن للصَّائِمِ عِندَ فِطْرِهِ لَدَعْوَةً مَا تُرَدُ". قال عبد الله بنُ أبي مُلَيْكَةَ: سمعتُ عبد الله بنَ عَمْرو يقولُ- إذا أفطرَ-: اللهمَّ إنِّي أسأَلُكَ برحمَتِكَ التي وَسِعَتْ كلَّ شيءٍ أن تغفِرَ لي. ق (¬1) 22 - باب الاعتكاف 425 (212) - عن عائشةَ رضي الله عنها؛ أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يعتَكِفُ العَشْرَ الأواخرَ مِن رمضانَ، حتى توفّاه الله عز وجل، ثم اعتكفَ أزواجُه بعدَه (¬2). - وفي لفظٍ: كان رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - يعتَكِفُ في كلِّ رمضانَ، فإذا صلَّى الغَداةَ جاءَ (¬3) مكانَه الذي اعتكفَ فِيه (¬4). 426 (213) - وعن عائشةَ رضي الله عنها؛ أنَها كانتْ تُرَجّلُ (¬5) النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - وهي حَائِضٌ، وهو مُعْتَكِفٌ في المسجدِ، وهي في حُجْرَتِها، ¬

_ (¬1) ضعيف. رواه ابن ماجه (1753)، وانظر "الإلمام بأحكام وآداب الصيام" ص (73) الطبعة الرابعة. (¬2) رواه البخاري (2026)، ومسلم (1172) (5). (¬3) وللكشميهني وأبي ذر وأبي الوقت: "حَلَّ". ولغيرهم: "دخل". (¬4) هذا اللفظ رواه البخاري (2041). (¬5) الترجيل: تسريح الشعر، وجاء هذا التفسير في "الإحكام" لابن دقيق العيد- منسوبًا للمصنف- دون بقية نسخ الكتاب!

يُناوِلُها رأسَهُ (¬1). - وفي روايةٍ: وكانَ لا يدخلُ البيتَ إلا لحاجةِ الإِنسانِ (¬2). - وفي روايةٍ: أنَّ عائشةَ قالتْ: إنْ كنتُ لأدخُلُ البيتَ للحاجَةِ والمريضُ فِيه، فما أسألُ عنه إلا وأنا مارّةٌ (¬3). 427 (214) - وعن عمر بن الخطّابِ رضي الله عنه قال: قلتُ: يا رسولَ الله! إني كُنتُ نذَرْتُ في الجاهليةِ أن أعتكِفَ ليلةً- وفي روايةِ: يومًا- في المسجدِ الحَرَام؟ قال: "فأَوْفِ بنذْرِكَ" (¬4). ولم يذكر بعضُ الرواةِ: يومًا ولا ليلةً (¬5). 428 (215) - عن صَفيّه بنت حيَي [رضي الله عنها] (¬6) قالت: كان النبي (¬7) - صلى الله عليه وسلم - مُعْتَكِفًا، فأتيتُه أزُورُه ليلًا، فحدَّثتُه، ثم قمتُ لأنقلِبَ، فقامَ معي؛ ليقلِبَني (¬8) - وكان مَسْكَنُها في دارِ أسامةَ بنِ زيدٍ - فمرّ رجُلانِ من ¬

_ (¬1) رواه البخاري- واللفظ له- (2046)، ومسلم (297) (9). (¬2) رواه البخاري (2029)، ومسلم (297) (6)، وليس عند البخاري لفظ: "الإنسان". وزاد: "إذا كان معتكفا"، وهي أيضًا رواية لمسلم. (¬3) هذه الرواية لمسلم (297) (7)، وزاد عن عائشة قولها: "وإن كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليدخل عليّ رأسه- وهو في المسجد- فأرجله، وكان لا يدخل البيت إلا لحاجة إذا كان معتكفًا". (¬4) رواه البخاري (2032)، ومسلم (1656)، وسيأتي بر قم (737). (¬5) كما نص على ذلك في "صحيح مسلم" في إحدى الروايات. (¬6) زيادة من "أ". (¬7) في "أ": "رسول الله". (¬8) أي: يرجعني إلى منزلي.

الأنصار (¬1)، فلمّا رأَيَا رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - أَسْرَعَا، فقال النبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "علي رِسْلِكُمَا؛ إنّها صفيّة بنتُ حُيَيّ! ". فقالا: سُبْحانَ اللهِ! يا رسول الله! فقالَ: "إنّ الشيطانَ يجرِي من ابنِ آدمَ (¬2) مجرى الدَّم، وإنِّي خَشِيتُ أن يَقْذِفَ في قُلُوبِكما شرًّا" (¬3). أو قال: "شيئًا" (¬4). - وفي روايةِ: أنّها جاءتْ تزُورُه في اعتكَافِهِ في المسجدِ في العَشْرِ الأواخِرِ من رمضانَ، فتحدَّثتْ عنده ساعةً، ثم قامتْ تنقلِبُ (¬5)، فقامَ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - معَها يَقلِبُها، حتى إذا بلغتْ بابَ السجدِ عند بابِ أُمِّ سلَمة ... ثم ذكره بمعناه (¬6). ¬

_ (¬1) قال الحافظ في "الفتح" (4/ 279): "لم أقف علي تسميتهما في شيء من كتب الحديث، إلا أن ابن العطار في "شرح العمدة" زعم أنهما أسيد بن حضير وعباد بن بشر، ولم يذكر لذلك مستندًا". قلت: لم يجزم بذلك، وإنما قال: "قيل: إنهما أسيد بن حضير وعباد بن بشر؛ صاحبا المصباحين"، كما في "الإعلام" (ج 2/ ق 224/ أ). (¬2) في هذا الموطن من "الصحيحين": "من الإنسان"، وإن كان في رواية للبخاري (2039) بلفظ: "ابن آدم". (¬3) في البخاري: "سوءًا"، بدل: "شرًا". (¬4) رواه البخاري (3281)، ومسلم (2175) (24). (¬5) أي: تنصرف إلى منزلها. (¬6) رواه البخاري (2035)، ومسلم (2175) (25) وعندهما في هذه الرواية: "إن الشيطان يبلغ من الإنسان مبلغ الدم".

429 - عن عائشةَ رضي الله عنها؛ أنها قالتْ: السُّنَّةُ علي الْمُعتَكِفِ ألا يعودَ مرِيضًا، ولا يشهدَ جَنازةً، ولا يَمسَّ امرأةً، ولا يُباشِرهَا، ولا يَخْرُج لحاجة إلا لما لا بُدَّ منه، ولا اعتكافَ إلا بصومٍ، ولا اعتكافَ إلا في مسجدٍ جامعٍ (¬1). مُتَّفَقٌ علي جميعِ البابِ إلا كلام عائشةَ، فإنه انفردَ به أَبو داود ¬

_ (¬1) حسن. رواه أبو داود (2473).

6 - كتاب الحج

6 - كتاب الحج 1 - باب وجوب الحج 430 - عن عبدِ الله بنِ عُمر رضي الله عنه، قال: جاءَ رجلٌ إلى النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - فقالَ: يا رسولَ الله! ما يُوجبُ الحجّ؟ قال: "الزَّادُ والرَّاحِلةُ". ت. وقال: حدِيثٌ حسنٌ (¬1). 431 - عن عليٍّ رضي الله عنه قال: قالَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ مَلَكَ زادًا، ورَاحِلةً تُبلِّغُهُ إلى بيتِ الله، ولمْ يحجّ، فلا عليه أن يموتَ يهوديًّا أو نَصْرانيًّا؛ وذلك أنَّ الله عز وجل يقولُ في كتابه: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا} [آل عمران: 97] ". ت. وقال: حدِيثٌ غرِيبٌ، لا نعرِفُه إلا من هذا الوجهِ، رواه هلال بنُ عبد الله مولى رَبِيعة بن عَمرو بن مُسلم البَاهليّ، عن أبي إسحاقَ الهَمْدَانيّ، عن الحارثِ، عن عليٍّ. وهلالٌ مجهولٌ (¬2). ¬

_ (¬1) ضعيف جدًّا. رواه الترمذي (813) من طريق إبراهيم بن يزيد، عن محمد بن عباد بن جعفر عن ابن عمر به. وفي "السنن" بعد قوله: "حسن": "والعمل عليه عند أهل العلم؛ أن الرجل إذا ملك زادًا وراحلة وجب عليه الحج. وإبراهيم: هو ابن يزيد الخوزي المكي، وقد تكلم فيه بعض أهل العلم من قبل حفظه". قلت: بل هو متروك، كما قال أحمد والنسائي. (¬2) ضعيف جدًّا. رواه الترمذي (812). وهكذا نقل الحافظ عبد الغني عن الترمذي، والذي في "السنن" قوله: "هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه، وفي إسناده مقال، وهلال بن =

2 - باب المواقيت

2 - باب المواقيت 432 (216) عن ابنِ عبَّاسٍ؛ أنَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - وقَّتَ لأهل المدينةِ: ذا الحُلَيْفَةَ. ولأهل الشَّامِ: الجُحْفَةَ. ولأهل نجدٍ: قَرْنَ المنازِلِ. ولأهلٍ اليمن: يَلَمْلَمَ. "هُنّ لهنّ، ولمن أتى عليهنّ مِن غيرِهن، ممنْ أرادَ الحجَّ والعُمرةَ، ومَنْ كان دُون ذلك فمِن حيثُ أنشأَ، حتى أهلُ مكَّةَ مِن مكةَ". مُتَّفَقٌ عَلَيْه (¬1). ¬

_ = عبد الله مجهول، والحارث يضعف في الحديث". قلت: الحارث هو الاعور، وهو متهم، وهلال بن عبد الله: "منكر الحديث"، كما قال البخاري، وأورد له ابن عدي هذا الحديث في "الكامل" (7/ 2580)، ثم قال: "يعرف بهذا الحديث، يرويه عن أبي إسحاق بهذا الإسناد، وليس الحديث بمحفوظ". (¬1) رواه البخاري (1524)، ومسلم (1181). و"المدينة": هي طابة الطيبة مدينة النبي - صلى الله عليه وسلم -. و"ذو الحليفة": مكان معروف بينه وبين المدينة ستة أميال، قال ابن حجر: "بها مسجد يعرف بمسجد الشجرة خراب، وبها بئر يقال لها: بئر علي". قلت: هذا المكان يغلب عليه اليوم اسم أبيار عليّ، وبه مسجد كبير عامر، وبينه وبين مكة (420) كيلًا، وبينه وبين المدينة (13) كيلًا. "الجحفة": قرية خربة، ومن أراد الحج أو العمرة من تلك الجهة يحرم الآن من مكان يسمى "رابغ"، وهي قرية عامرة قريبة من الجحفة، بينها وبين مكة (186) كيلًا. و"نجد": "هو كل مكان مرتفع، وهو اسم لعشرة مواضع، والمراد منها هنا التي أعلاها تهامة واليمن، وأسفلها الشام والعراق". قاله ابن حجر. و"قرن المنازل": هو المكان المعروف اليوم باسم "السيل الكبير"، وبه مسجد كبير، وبينه وبين مكة (78) كيلًا. و"يلملم": هو وادٍ كبير علي ساحل البحر الأحمر جنوب مكة به مسجد كبير، وبينه وبين مكة (120) كيلًا.

433 (217) - عن عبد الله بنِ عمر؛ أنَّ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - قالَ: "يُهِلُّ أهلُ المدينةِ من ذِي الحُلَيْفَة، وأهلُ الشَّامِ من الجُحْفَةَ، وأهلُ نجدٍ من قرنٍ". قال عبدُ الله: وبلغَنى أنّ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - قالَ: "ومُهَلُّ أهلِ اليمنِ مِن يلملمَ". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ (¬1). 434 - عن عائشةَ رضي الله عنها قالتْ: وقَّتَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - لأهلِ المدينةِ: ذا الحُلَيفة. ولأهل الشَّامِ ومِصْرَ: الجُحفةَ. ولأهلِ العِرَاقِ: ذاتَ عِرْقٍ (¬2). ولأهل اليمن: يَلَمْلَمَ". س (¬3). 435 - عن عبد الله بن عُمر رضي الله عنهما قال: لَمَّا فُتحَ هذانِ الْمِصْرَانِ (¬4) أتوا عمرَ رضي الله عنه، فقالُوا: يا أمير المؤمنينَ! إنَّ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - حَدَّ لأهلِ نجدٍ قَرْنًا (¬5) وهو جَوْرٌ عن طَرِيقنا، وإنا إن أردْنا قَرْنًا (5) شَقّ علينا؟ قال: فانظُرُوا حَذْوَها مِن طَريقِكم، فحَدّ لهم ذاتَ عِرْقٍ. خ (¬6). ¬

_ (¬1) رواه البخاري (1525)، ومسلم (1182)، وقوله: "ومهل"، هو هكذا في "الأصل"، وهي رواية في البخاري ومسلم، وإن جاء في بعض روايات "الصحيحين" أيضًا بلفظ: "ويهل". (¬2) تقدم بيان هذه المواقيت في الحديث رقم (432). وأما "ذات عرق"، بكسر العين المهملة، بعدها راء ساكنة، سمي بذلك لأن فيه عرقًا، وهو الجبل الصغير، وهو مكان شرق مكة بينه وبينها (100) كيلًا، وهو مهجور الآن لعدم مرور الطرق به. (¬3) صحيح. رواه النسائي (5/ 123 و 125). (¬4) مثنى: "مصر"، وهما: الكوفة والبصرة، والمراد بفتحهما غلبة المسلمين علي مكان أرضهما لأنهما من تمصير المسلمين. (¬5) في الأصلين: "قرن"، والجادة ما أثبت. (¬6) رواه البخاري (1531).

3 - باب ما يلبس المحرم من الثياب وغيرها

3 - باب ما يلبس المحرم من الثياب وغيرها 436 (218) - عن نافعٍ (¬1)، عن عبد الله بنِ عُمر؛ أنَّ رجلًا قال: يا رسولَ الله! ما يَلْبَسُ المحرِمُ من الثيابِ؟ قالَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "لا يلبس القُمُصَ (¬2)، ولا العَمَائِمَ، ولا السَّراوِيلاتِ، ولا البَرَانِسَ (¬3)، ولا الخِفَافَ إلا أحدٌ لا يجد نعلين، فليلبسِ الخُفّين، وليقْطَعْهما أسفلَ من الكعبينِ، ولا يلبس من الثِّيابِ شيئًا مسّه زَعْفرانُ أو وَرْسٌ". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ (¬4). - وللبخاري: "ولا تنتقبُ المرأةُ (¬5)، ولا تلبسُ القُفَّازَيْنِ" (¬6). 437 (219) - عن عبد الله بنِ عبّاس رضي الله عنه، قال: سمعتُ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - يخطُبُ بعرفاتٍ (¬7): "مَن لم يجدْ نَعْلين فليلبَسِ الخُفَّينِ، ومن لمْ يجدْ إزارًا فليلبسْ سراوِيلَ"، للمُحرِم (¬8). مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ (¬9). 438 - عن عبد الله بنِ عباسٍ [رضي الله عنه] (¬10) قال: انطلقَ النبيُّ ¬

_ (¬1) هو: أبو عبد الله المدني مولى ابن عمر، إمام، ثقة، ثبت، فقيه، روى له الجماعة. (¬2) في "أ": "القميص"، وهي في بعض روايات البخاري. (¬3) "البرانس": جمع بُرنس، وهو كل ثوب رأسه ملتصق به. (¬4) رواه البخاري (1542)، ومسلم (1177). و"الورس": نبت أصفر، يصبغ به الثياب. (¬5) في البخاري زيادة: "المحرمة". (¬6) رواه البخاري (1838). (¬7) تقدم بيان هذا الموطن وحدّه في الحديث رقم (310)، ص (176 - 177). (¬8) في بعض روايات البخاري: "المحرم". ولمسلم: "يعني: المحرم". (¬9) رواه البخاري (1841)، ومسلم (1178). (¬10) زيادة من "أ".

- صلى الله عليه وسلم - من المدينةِ بعدَ مَا ترجَّل وادَّهنَ (¬1) ولَبِسَ إزارَهُ ورِدَاءَه - هو وأَصْحابُه - فلم يَنْهَ عن شيءٍ من الأَرْديةِ والأُزُرِ - تُلبس - إلا المزَعْفَرةَ التي تَرْدعُ (¬2) علي الجلدِ، فأصبحَ بذي الحُلَيْفَة، ركِبَ راحِلتَه حتى استوى علي البَيْداء (¬3) . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ (¬1) المراد: سرح شعره، واستعمل الدهن. (¬2) براء ودال وعين مهملات، أي: تلطخ. والردع: أثر الطيب. (¬3) البيداء: هي المفازة لا شيء بها، والمراد هنا هو الشرف الذي قدام ذي الحليفة في طريق مكة، وفي "سن النسائي" - وغيره - من حديث أنس (5/ 127): "أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلى الظهر بالبيداء ثم ركب وصعد جبل البيداء فأهل بالحج ... "، ومثله (5/ 162) عن ابن عباس أيضًا. قلت: وقد كان ابن عمر ينكر أن يكون إهلال النبي - صلى الله عليه وسلم - في هذا الموضع، فقد روى مسلم (1186) عن ابن عمر قال: بيداؤكم هذه التي تكذبون علي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيها، ما أهل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلا من عند المسجد. يعني: ذا الحليفة. وفي رواية: كان ابن عمر إذا قيل له: الإحرام من البيداء. قال: البيداء التي تكذبون فيها علي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما أهل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلا من عند الشجرة، حين قام به بعيره. قلت: والشجرة كانت عند المسجد. فائدة: روى أبو داود (1770) - بسند فيه ضعف - من طريق سعيد بن جبير قال: قلت لعبد الله ابن عباس: يا أبا العباس! عجبت لاختلاف أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في إهلال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين أوجب، فقال: إني لأعلم الناس بذلك، أنها إنما كانت من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حجة واحدة، فمن هناك اختلفوا، خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حاجًا فلما صلى في مسجده بذي الحليفة ركعتيه أوجب في مجلسه، فأهلَّ بالحج حين فرغ من ركعتيه، فسمع ذلك منه أقوام فحفظته عنه، ثم ركب فلما اسْتَقَلَّتْ به ناقته أهل، وأدرك ذلك منه أقوام، وذلك أن الناس إنما كانوا يأتون أرسالًا فسمعوه حين استقلت به ناقته يُهِلُّ فقالوا: إنما أهل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين استقلت به ناقته، ثم مضى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فلما علا علي شرف البيداء أهلَّ، وأدرك ذلك منه أقوام فقالوا: إنما أهل حين علا علي شرف البيداء، وأيم الله لقد أوجب في مصلاه، وأهل حين استقلَّتْ به ناقته، وأهلَّ حين علا علي شرف البيداء.

4 - باب التلبية

[أَهَلَّ] (¬1) - هو وأصحابُه - وقلَّد بُدْنَه (¬2)، وذلك لخمسٍ بقين من ذي القَعْدة فقدِمَ مكّةَ لأربعِ ليالٍ خلونَ من ذي الحجّة، فطافَ بالبيتِ، وسعى بين الصَّفا والمروَة، ولم يَحلّ من أجل بُدْنِهِ؛ لأنَّه قلَّدها، ثم نزلَ بأعلى مكّة عند الحَجُون (¬3)، وهو مُهِلٌّ بالحجِّ، ولم يَقْرَبِ الكعبةَ بعد طَوافِهِ بها، حتى رجع من عرفةَ، وأمرَ أَصْحابَه أن يطُوفُوا بالبيتِ، وبين الصَّفا والمروةَ ثم يُقَصِّرُوا من رُؤسِهم، ثم يُحِلُّوا، وذلك لمن لَمْ يكن معَه بَدَنَةٌ قلَّدها، ومَنْ كانتْ معه امرأتُه فهي له حَلالٌ، والطِّيبُ، والثيابُ (¬4). م (¬5). 4 - باب التلبية 439 - عن عائشةَ رضي الله عنها قالت: إنِّي لأعلمُ كيفَ كانَ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - يُلبِّي: "لبيكَ اللهمَّ لبيكَ، لبيكَ لا شَرِيكَ لكَ لبيكَ، إنّ الحمدَ والنِّعْمَةَ لكَ". خ (¬6). 440 (220) - عن عبد الله بنِ عُمر؛ أنّ تلبيةَ رسُولِ الله: - صلى الله عليه وسلم - "لبيكَ اللهمَّ لبيكَ، لبيكَ لا شَرِيكَ لكَ لبيكَ، إنَّ الحمدَ والنِّعمةَ لكَ ¬

_ (¬1) ساقطة من الأصلين، واستدركتها من "الصحيح"، ولابد منها. (¬2) كذا في الأصلين "بدنه" بالجمع، وهي رواية الكشميهني، ولغيره "بدنته" بالإفراد. (¬3) الحجون: جبل بأعلى مكة عنده مدافن أهلها، وانظر ما سيأتي ص (267). (¬4) أي: وكذلك الطيب والثياب له حلال. (¬5) هكذا رمز له المصنف بعلامة مسلم، وهو وهم منه - رحمه الله - إذ لم يروه مسلم، وإنما رواه البخاري برقم (1545). (¬6) رواه البخاري (1550).

والملكَ، لا شَرِيكَ لك". قال (¬1): وكانَ عبد الله بنُ عمر يَزِيدُ فيها: لبيكَ لبيكَ وسَعْديكَ، والخيرُ بيديك (¬2)، والرَّغْباءُ إليكَ والعملُ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ (¬3). 441 - عن ابنِ عبّاسٍ؛ أنَّ أسامةَ كان رِدْفَ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - من عَرَفَةَ إلى المزدَلِفةَ، ثم أردفَ الفضلَ من المزدلفةَ إلى مِنًى. قال: وكلاهُما قال: ولم يزلْ يُلبِّي حتى رَمى جمرةَ العقبة. خ م (¬4) (¬5). ¬

_ (¬1) القائل هو: نافع مولى ابن عمر. (¬2) زاد مسلم: "لبيك". (¬3) رواه بهذا التمام مسلم (1184)، وهو للبخاري (1549)، دون الزيادة التي عن ابن عمر. وزاد المصنف - رحمه الله - في "الصغرى" حديثًا واحدًا، وهو. 221 - عن أبي هُريرة رضي الله عنه قال: قالَ النبي - صلى الله عليه وسلم -: "لا يَحِل لامرأة تؤمنُ بالله واليومِ الآخر، أن تُسافرَ مسيرةَ يوم وليلةٍ، إلا ومعها حُرْمةٌ". (رواه البخاري: 1088. ومسلم: 1339). - وفي لفظٍ للبخاري: "تُسافِرْ مسيرةَ يوم إلا مع ذِي محرمٍ". (بل هو لمسلم: (1339) [420]). (¬4) كذا بالأصل، وفي "أ": "خ متفق عليه"!! قلت الحديث بهذا السياق للبخاري وحده. (¬5) رواه البخاري - والسياق له - (1543 و 1544)، ومسلم (1281). و"المزدلفة": هي "جمع"، وهو المكان المعروف الَّذي يصلي فيه الحاج المغرب والعشاء جمعًا ثم يبيت به ويصلي فيه الفجر ثم يقف به، وذلك بعد صدوره من عرفات، وهو ما بين محسّر والمأزمين، وهي - الآن - محاطة بأعلام بارزة من جميع الجهات. و"منى" تقدم بيانه ص (125)، وكذلك عرفات ص (176 - 177).

5 - باب في الفدية

442 - عن خلاد بنِ السَّائب (¬1)، عن أببه قال: قالَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "أَتَانِي جبريلُ، فأمَرَني أن آمرَ أَصْحابي؛ أنْ يرفَعُوا أصواتَهم بالإِهلالِ والتَّلْبيةِ". ت (¬2). وقال: حدِيثٌ حسنٌ صَحِيحٌ. وهو خلاد بنُ السائب بنِ خلاد بنِ سُويدٍ الأنصاريّ، وروى بعضُهم عن السائب بنِ خلادٍ هذا الحديثَ عن زيدِ بن خالدٍ، والصحيحُ: هذا عنه، عن أَبِيه (¬3). 5 - بابٌ في الفِدْيَة 443 (222) - عن عبد الله بنِ معقلٍ (¬4) قال: جلستُ إلى كعب بن عُجْرةْ (¬5)، فسألتُه عن الفدية؟ فقالَ: نزلتْ فيّ خاصةً - وهي لكم عامةً - ¬

_ (¬1) مدني، خزرجي، تابعي، ثقة، روى له أصحاب السنن. (¬2) صحيح، رواه الترمذي (829)، وأيضًا رواه أبو داود (1814)، والنسائي (5/ 162)، وابن ماجة (2922). وليس عند ابن ماجة لفظ: "والتلبية"، وعند أبي داود: "بالإهلال. أو قال: بالتلبية. يريد أحدهما"، وأما لفظه عند النسائي فهو: "جاءني جبريل، فقال لي: يا محمد! مر أصحابك أن يرفعوا أصواتهم بالتلبية". (¬3) في "أ": "والصحيح هذا عن أبيه". ونص عبارة الترمذي في "السنن": "حديث خلاد عن أبيه حديث حسن صحيح. وروى بعضهم هذا الحديث عن خلاد بن السائب عن زيد بن خالد، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ولا يصح. والصحيح هو عن خلاد ابن السائب عن أبيه، وهو خلاد بن السائب بن خلاد بن سويد الأنصاري". (¬4) هو: عبد الله بن مَعْقِل بن مُقَرِّن المزني، قال عنه العجلي في "الثقات" (891): "كوفي، تابعي، ثقة، من أصحاب عبد الله - يعني: ابن مسعود - من خيار التابعين". (¬5) زاد مسلم: "وهو في المسجد". قلت: وهو مسجد الكوفة، كما في رواية لأحمد في "المسند" (4/ 243).

6 - باب حرمة مكة

حُمِلْتُ إلى رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - والقملُ يتناثرُ على وجهي، فقال: "ما كُنت أُرَى الوجعَ بلغَ بك ما أَرى"، أو: "ما كنتُ أُرى الْجَهدَ (¬1) بلغَ بك ما أَرى (¬2)، أتجدُ شاةً؟ "، فقلتُ: لا. قال: "فصُمْ ثلاثَة أيَّامٍ، أو أطعِمْ ستةَ مَسَاكِينَ؛ لكل مِسْكِين نِصْفُ صاعٍ" (¬3). - وفي روايةٍ: فأمرَه رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - أن يُطعِمَ فَرَقًا (¬4) بين ستةٍ، أو يُهدِي شاةً، أو يصومَ ثلاثةَ أيامٍ (¬5). مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. 6 - باب حرمة مكة 444 (223) - عن أبي شُريْحٍ؛ خُويلد بن عَمرو الْخُزاعي العَدَويّ رضي الله عنه؛ أنَّه قالَ لعمرو بنِ سعيد بنِ العاص (¬6) - وهُو يبعثُ البُعوثَ يعني: إلى مكَّة -: ائذنْ لي أيُّها الأميرُ! أحدّثك قولًا قامَ به رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - الغدَ من يومِ الفتح، فسمِعَتْه أُذناي، ووعاهُ قَلْبي، وأبصرَتْه عَيناي حِين ¬

_ (¬1) الجهد بفتح الجيم المشقة، وحكى بعضهم جواز الضم. (¬2) هذه اللفظة "أرى" تكررت في هذا الحديث أربع مرات، فأما الأولى والثالثة فهما بضم الهمزة، والمعنى: أظن. وأما الثانية والرابعة فهما بفتح الهمزة من الرؤية البصرية. (¬3) رواه البخاري - والسياق له - (1816)، ومسلم (1201) (85). (¬4) الفرق: بفتح الراء، وهو مكيال مقداره ستة عشر رطلًا، أو ثلاثة آصع، أو اثنا عشر مدًا. انظر "الغريبين" لأبي عبيد الهروي (5/ 1441). (¬5) هذا لفظ البخاري (1817)، ولمسلم نحوه. (¬6) هو: عمرو بن سعيد بن العاص؛ أبو أمة الأموي الملقب بالأشدق، لم يصح سماعه من النبي - صلى الله عليه وسلم -، ولي المدينة لمعاوية، ثم ليزيد بن معاوية، غزا ابن الزبير، ثم طلب الخلافة، وغلب على دمشق، فلاطفه عبد الملك بن مروان، ثم قتله، قيل: ذبحه بيده سنة سبعين.

تكلَّم به؛ أنَّه حَمِدَ الله، وأثنى عليه، ثم قال: "إنَّ مكَّةَ حرَّمَها الله، ولم يحرِّمْها الناسُ (¬1)، فلا يَحِلُّ لامرئٍ يُؤمنُ باللهِ واليومِ الآخرِ أن يسفِكَ بها دمًا، ولا يَعْضِدَ (¬2) بها شجرةً، فإنْ أحدٌ ترخَّص لقتالِ (¬3) رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم -، فقولوا: إنّ الله أَذِنَ لرسُولِهِ، ولم يأذنْ لكم، وإنَّما أَذِنَ لي ساعةً من نَهارٍ، وقد عَادتْ حُرْمَتُها اليوم كحُرْمَتِها بالأمس، وَلْيُبَلِّغ (¬4) الشَّاهدُ الغَائِبَ". فقِيل لأبي شُريحٍ: ما قالَ لكَ؟ قال: أنا أعلمُ بذلكَ مِنك يا أبا شُريحٍ (¬5)! إنَّ الحرمَ لا يُعيذُ عَاصيًا ولا فارًا بدمٍ، ولا فارًّا بخَرْبَةٍ (¬6). ¬

_ (¬1) قال القرطبي في "المفهم" (3/ 474): "يعني: أن الله حرمها ابتداءً من غير سبب يُعزى إلى أحدٍ ولا مقدمةٍ، ولا لأحدٍ فيه مدخلٌ؛ لا نبيٌ ولا عالمٌ، ولا مجتهدٌ. وأكَّد ذلك المعنى بقوله: "ولم يحرمها النَّاس" لا يقال: فهذا يعارضه قولُه في الحديث الآخر: "اللهم إن إبراهيم حرَّم مكة، وإنِّي أحرِّم المدينة"؛ لأنا نقول: إنما نسب الحكم هنا لإبراهيم لأنه مبلغه، وكذلك نسبته لنبيِّنا - صلى الله عليه وسلم -، كما قد ينسب الحكم للقاضي لأنه مُنَفّذُه، والحكم لله العليِّ الكبير بحكم الأصالة والحقيقة". وكلام القرطبي هذا "ما أحسنه وأعلاه، وبه يزول التعارض، ولله الحمد"، كما قال ابن الملقن. (¬2) أي: لا يقطع. (¬3) في "أ": "بقتال"، وهي رواية مسلم، والمثبت من الأصل وهي رواية البخاري. (¬4) المثبت من "أ"، وهو الموافق لما في الصحيحين، وأما الأصل ففيه: "فليبلغ". (¬5) عقب على هذا القول ابن حزم بأسلوبه المعروف، ولسانه المعهود، فقال في "المحلى" (10/ 498): "لا كرامة للطيم الشيطان الشرطي الفاسق، يريد أن يكون أعلم من صاحب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بما سمعه ذلك الصاحب رضي الله عنه من فم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وإنا لله وإنا إليه راجعون على عظيم المصاب في الإسلام ... وما العاصي لله تعالى ولرسوله - صلى الله عليه وسلم - إلا الفاسق عمرو بن سعيد، ومن ولّاه وقلَّده، وما حامل الخربة في الدنيا والآخرة إلا هو، ومن أمّره، وأيّده، وصوّب قوله". (¬6) رواه البخاري (104)، ومسلم (1354). وقال المصنف في "الصغرى": "الخربة: بالخاء المعجمة والراء المهملة. قيل: الجناية. وقيل: =

7 - باب ما يجوز قتله

445 (224) - عن عبد الله بنِ عباسٍ رضي الله عنهما، قال: قالَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - يومَ فتحِ مكّة: "لا هجرة (¬1)، ولكن جِهَادٌ ونيّةٌ، وإذا استُنْفِرْتُم فانفِرُوا". وقالَ يومَ فتحِ مكّة: "إن هذا البلدَ حرَّمه الله يومَ خلقَ السماواتِ والأرضَ، فهو حرامٌ بحُرْمةِ الله إلى يومِ القيامةِ، وإنّه لم يَحِلَّ القتالُ فيه لأحدٍ قَبْلي، ولم يَحِلَّ لي إلا ساعةً من نَهارٍ، فهو حرامٌ بحُرمةِ الله إلى يومِ القيامة، لا يُعضَدُ شوكُه، ولا يُنفّرُ صَيدُه، ولا يَلْتَقِطُ لُقَطتَه إلا مَن عرَّفها، ولا يُختلى خَلاهُ". فقال العبَّاسُ: يا رسولَ الله! إلا الإِذْخِرَ؛ فإنَّه لقَيْنِهم (¬2) وبُيوتِهم. فقال: "إلا الإِذْخِرَ" (¬3). مُتَفَقٌ عَلَيْهِما. 7 - باب ما يجوز قتله 446 (225) - عن عائشةَ رضي الله عنها؛ أنَّ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "خَمْسٌ من الدَّوابِ كلُّهنَّ فاسِقٌ، يُقتلنَ في الحرمِ: الغُرَابُ، والْحِدَأةُ، ¬

_ = البلية. وقيل: التهمة، وأصلها في سرقة الإبل. قال الشاعر: والخَاربُ اللصُّ يُحبُّ الخَاربَا". (¬1) يعني: "بعد الفتح"، كما في رواية عند البخاري (2825). (¬2) قال المصنف في "الصغرى": "القين: الحداد". قلت: ثم أطلق على كل صانع. كما في "المعجم الوسيط". (¬3) رواه البخاري (1834)، ومسلم (1353).

8 - باب دخول مكة وغيره

والعَقْرَبُ، والفأْرةُ، والكلبُ العَقُورُ". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ (¬1). - ولمسلمٍ: "يُقتلُ خمسٌ فواسِقُ في الحل والحرم" (¬2) 8 - باب دخول مكة وغيره 447 (226) - عن أنس بنِ مالكٍ؛ أن رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - دخلَ مكّةَ عامَ الفتح، وعلى رأسِه الْمِغْفَرُ (¬3)، فلمّا نزعَهُ جاءَ رجلٌ، فقال: ابنُ خَطَلٍ متعلِّقٌ بأستارِ الكعبةِ؟ فقال: "اقتُلُوه" (¬4). ¬

_ (¬1) رواه البخاري (1829)، ومسلم (1198). قال الممف في "الصغرى": "الحدأة: بكسر الحاء، وفتح الدال". (¬2) رواه مسلم (1198) (67) بنحوه. (¬3) المغفر: أصله من الغَفْر، سمي بذلك لأنه يغفر الرأس، أي: يلبسه ويغطيه، كما في "الغريب" لأبي عبيد (3/ 348). وقال ابن عبد البر في "التمهيد" (9/ 306): "المغفر: ما غطى الرأس من السلاح، كالبيضة وشبهها، من حديد كان، أو من غيره". (¬4) رواه البخاري (1846)، ومسلم (1357) قلت: وابن خطل المذكور قد اختلف في اسمه على أقوال، فقيل: عبد العزى، وقيل. عبد الله، وقيل: هلال، وقيل غير ذلك، وبالأول جزم ابن دقيق العيد في "الإحكام" (3/ 522) واختلف أيضًا في اسم قاتله، فقيل: قتله سعيد بن حريث، وقيل: الزبير بن العوام، وقيل: أبو برزة الأسلمي. وعن الأخير قال ابن حجر في "الفتح" (4/ 61): "وهو أصح ما ورد في تعيين قاتله، وبه جزم البلاذري وغيره من أهل العلم بالأخبار". وفي قتله قال ابن إسحاق كما في "السيرة" (4/ 58): "إنما أمر بقتله أنه كان مسلمًا، فبعثه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مُصَدِّقًا، وبعث معه رجلًا من الأنصار، وكان معه مولى له يخدمه، وكان مسلمًا، فنزل منزلًا، وأمر المولى أن يذبح له تيسًا، فيصنع له طعامًا، فنام، فاستيقظ ولم يصنع له شيئًا، فعدا =

448 (227) - عن عبد الله بنِ عُمر؛ أنَّ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - دخلَ مكَّةَ من كَدَاء، من الثَّنِيَّةِ العُليا التي بالبَطْحاء، وخرجَ من الثنيةِ السُّفلى (¬1). 449 (228) - وعن عبد الله بنِ عمر قال: دخلَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - البيتَ وأسامةُ بنُ زيدٍ وبلالٌ وعثمان بنُ طلحة، فأغلَقُوا عليهم البابَ، فلمّا فتحُوا كنتُ أوّلَ مَنْ وَلَجَ (¬2)، فلقيتُ بلالًا، فسألتُه: هل صلَّى فيه رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -؟ قال: نعم. بين العَمُودين اليَمانيّين (¬3). 450 (229) - عن عُمر رضي الله عنه؛ أنَّه جاءَ إلى الحَجَرِ الأسودِ فقبَّله، وقال: إني لأعلمُ أنَّكَ حجرٌ لا تضرُّ ولا تنفعُ، ولولا أنّي رأيتُ النبيَّ (¬4) - صلى الله عليه وسلم - يُقَبّلُكَ ما قبلتُكَ (¬5). ¬

_ = عليه فقتله، ثم ارتد مشركًا". (¬1) رواه البخاري (1576)، ومسلم (1257). و"كداء": بفتح الكاف والمد مصروفًا - عند البعض - وغير مصروف عند آخرين، و"هذه الثنية هي التي ينزل منها إلى المعلا مقبرة أهل مكة، وهي التي يقال لها الحجون - بفتح المهملة وضم الجيم - وكانت صعبة المرتقى فسهلها معاوية، ثم عبد الملك، ثم المهدي على ما ذكره الأزرقي، ثم سهل في عصرنا هذا منها سنة إحدى عشرة وثمانمائة موضع، ثم سهلت كلها في زمن سلطان مصر الملك المؤيد في حدود العشرين وثمانمائة"، قاله الحافظ في "الفتح" (3/ 437). قلت: فهذه هي الثنية العليا، وأما الثنية السفلى، وتسمى "كُدًا"، ومكانها الآن منطقة الشبيكة. (¬2) أي: دخل. (¬3) رواه البخاري (1598)، ومسلم (1329) (393). (¬4) في "أ": "رسول الله". (¬5) رواه البخاري (1597)، ومسلم (1270). قال الطبري كما في "القرى" (ص 281): "إنما قال ذلك عمر، والله أعلم، لأن الناس كانوا =

451 (230) - عن ابن عباسٍ قال: قَدِمَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابُه، فقال المشرِكُون: إنه يقدمُ عليكم وَفْدٌ وهنهُم حُمّى يثربَ، فأمرَهم النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - أن يرمُلُوا الأشواطَ الثلاثَة، وأن يمشُوا ما بينَ الرُّكنينِ، ولم يمنَعْهم أن يرمُلُوا الأشواطَ كلَّها، إلّا الإِبقاءُ عليهم (¬1). 452 (231) - عن ابنِ عُمر قال: رأيتُ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - حين يَقْدَمُ مكَّة - إذا استلمَ الركنَ الأسودَ، أوّلَ ما يطوفُ يخُبُّ ثلاثةَ أشواطٍ (¬2). 453 (232) - عن ابنِ عباسٍ قال: طافَ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - في حجَّةِ الودَاعِ - على بعيرٍ، يستلمُ الرُّكنَ بمحْجَنٍ (¬3). 454 (233) - وعن ابنِ عُمر قال: لم أرَ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - يستلمُ مِن البَيتِ ¬

_ = حديثي عهد بعبادة الأصنام، فخشي عمر أن يظُنّ الجهالُ أن استلام الحجر هو مثل ما كانت العرب تفعله، فأراد عمر أن يُعْلِم أن استلامه لا يقصَدُ به إلا تعظيم الله عز وجلّ، والوقوف عند أمر نبيه - صلى الله عليه وسلم -، وأن ذلك من شعائر الحج التي أمر بتعظيمها، وأن استلامه مخالف لفعل الجاهلية في عبادتهم الأصنام، لأنهم كانوا يعتقدون أنها تقربهم إلى الله عز وجل زلفى، فنبَّه عمر على مخالفة هذا الاعتقاد، وأنه لا ينبغي أن يُعْبد إلا من يملك الضرر والنفع، وهو الله جلَّ وعلا". (¬1) رواه البخاري واللفظ له (1602) ومسلم (1266) والرمل: إسراع المشي مع تقارب الخطى (¬2) رواه البخاري (1603)، ومسلم (1261)، وعندهما: "أطواف"، بدل: "أشواط" وزادا: "من السبع". ويجب: يسرع في مشيه، وهو بمعنى الرمل. (¬3) رواه البخاري (1607)، ومسلم (1272). وقال المصنف في "الصغرى": "المحجن: عصا محنية الرأس". وقال أبو عبيد في "الغريب" (4/ 298): "العصا المعوجة التي يجتذب بها الإنسان الشيء إلى نفسه".

9 - باب التمتع

إلا الرُّكْنينِ اليَمانِيَيْنِ (¬1). مُتَّفَقَّ على جَمِيَعِ البَابِ. 9 - باب التمتع 455 - عن عبد الله بنِ عباسٍ رضي الله عنه، قال: تمتَّعَ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - وأبو بكر وعُمرُ وعثمانُ، وأوّل مَنْ نَهى عنها معاويةُ. ت. وقال: حدِيثٌ حسنٌ (¬2). 456 (234) - عن أبي جَمْرة؛ نصر بنِ عمران الضُّبعِي (¬3) قال: سألتُ ابنَ عباسٍ عن المتعةِ؟ فأمرَني بها، وسألتُه عن الهدي؟ فقال: فيها جَزُورٌ، أو بَقرةٌ، أو شَاةٌ، أو شِرْكٌ في دمٍ - قالَ: وكانَ ناسٌ كرِهُوها (¬4) - فنِمْتُ، فرأيتُ في المنام كِأن إنسانًا يُنادِي: حَجٌّ مَبرورٌ، ومتعةٌ مُتقبَّلهٌ (¬5) ¬

_ (¬1) رواه البخاري (1609)، ومسلم (1267). وعند مسلم: "يمسح"، وأما: "يستلم" ففي رواية أخرى. (¬2) ضعيف. رواه الترمذي (822)، وفي سنده ليث ابن أبي سليم، وهو: "صدوق، اختلط جدًا، ولم يتميز حديثه، فترك"، كما قال الحافظ في "التقريب". (¬3) "جمرة": بالجيم والراء، و"الضبعي" بضاد معجمة مضمومة، فباء موحدة مفتوحة، فعين مهملة، آخره ياء النسب. وهو - نصر بن عمران - تابعي، ثقة ثبت، مشهور بكنيته، بصري، نزل خراسان، ومات بسرخس سنة ثمان وعشرين ومئة، وحديثه في الكتب الستة. (¬4) كذا بالأصل، وهو كذلك أيضًا في أكثر نسخ "الصغرى" التي وقفت عليها، وفي بعضها: "وكأن ناس"، وفي نسخة: "وكأن ناسًا"، وهذا الأخير هو الذي في "صحيح البخاري"، وهذا اللفظ ليس عند مسلم، وإنما عنده: "تمتعت، فنهاني ناسٌ عن ذلك". (¬5) قوله: "ومتعة متقبلة" هي رواية البخاري التي ساقها المصنف - رحمه الله - هنا، وباقي روايات البخاري ورواية مسلم بلفظ: "عمرة متقبلة".

فأتيتُ ابنَ عباسٍ فحدَّثتُه. فقال: الله أكبرُ! سنةُ أبي القاسمِ - صلى الله عليه وسلم - (¬1). 457 (235) - عن عبد الله بنِ عُمر قال: تمتَّع رَسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - في - حَجَّةِ الودَاعِ - بالعُمْرةِ إلى الحجّ، وأهدى، فساقَ معه الهَدْيَ من ذِي الحُليفةَ، وبدأ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - فأهلّ بالعُمْرَةِ، ثم أهلَّ بالحجِّ، فتمتَّعَ الناسُ مع رسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - بالعُمْرةِ إلى الحجّ، فكانَ مِن النَّاسِ مَن أهدى، فساقَ الهديَ مِن ذِي الْحُليفة، ومِنهم مَن لم يُهْدِ، فلمَّا قَدِمَ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - مكّةَ. قال للنَّاسِ: "مَن كانَ منكم أهدى، فإنّه لا يَحِلُّ مِن شيءٍ حَرُمَ منه حتى يقْضِي حَجَّه، ومَن لم يكنْ أهدى، فليطُفْ بالبَيتِ، وبالصَّفا والمروة، وَلْيُقَصِّرْ وليُحْلِلْ، ثم لِيُهِلَّ بالحجِّ. وَلْيُهْدِ (¬2). فمَن لم يجدْ هديًا، فليصُمْ ثلاثةَ أيَّامٍ في الحجِّ، وسبعةً إذا رجعَ إلى أهلِه". فطافَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - حين قَدِمَ مكَّة، واستلمَ الرُّكنَ أوّلَ شيءٍ، ثم خَبَّ ثلاثةَ أطوافٍ من السبعِ، ومَشَى أَرْبعةً، وركعَ حين قضى طوافَه بالبَيتِ عند المقَامِ رَكْعتينِ، ثم سلَّم، فانصرفَ، فأتى الصَّفا، فطافَ ¬

_ (¬1) رواه البخاري - والسياق له - (1688)، ومسلم (1242). وزاد البخاري (1567): "فقال لي: أقم عندي، فأجعل لك سهمًا من مالي. قال شعبة. فقلت: لِمَ؟ فقال: للرؤيا التي رأيتُ". (¬2) هذه اللفظة: "وليهد" ثابتة هنا، وفي نسخ "الصغرى" أيضًا، وهي في "صحيح مسلم"، ولكنها غير موجودة في "صحيح البخاري"، كما يعلم ذلك من اليونينية (2/ 206)، وإن كانت ثابتة في نسخة الصحيح التي شرحها الحافظ ابن حجر، انظر "الفتح" (3/ 540). قلت: والمراد بهذا الهدي، هو الهدي الواجب - بشروطه - على المتمتع.

بالصفا والمروة سَبْعةَ أطوافٍ، ثم لم يَحْلِلْ مِن شيءٍ حَرُمَ منه حتَّى قَضَى حَجَّه، ونحرَ هديَه يومَ النَّحرِ، وأفاضَ فطافَ بالبيتِ، ثم حَلَّ مِن كلِّ شيءٍ حَرُمَ منه، وفعلَ مثلَ ما فعلَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - مَن أهدى فساقَ (¬1) الهَدْي مِن الناسِ (¬2). 458 (236) - عن حفصةَ؛ زوجِ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - أنها قالت: يا رسولَ الله! ما شأنُ الناسِ حَلُّوا من العُمْرةِ، ولم تحلّ أنتَ من عُمرَتِكَ؟ فقال: "إنِّي لَبَّدْتُ رأسِي، وقَلَّدْتُ هَدْيِي، فلا أَحِلُّ حتى أنحرَ" (¬3). مُتَّفَقٌ على هذه الأحاديث الثَّلاثة (¬4). ¬

_ (¬1) كذا بالأصلين، وأيضًا هو كذلك في نسخ "الصغرى"، وفي "الصحيحين": "وساق". (¬2) رواه البخاري (1691)، ومسلم (1227). (¬3) رواه البخاري (1566)، ومسلم (1229). و"التلبيد": "أن يجعل في رأسه شيئًا من صمغ وعسل أو أحدهما ليتلبد، فلا يَقْمَل، هكذا قال يحيى بن سعيد، وسألته عنه. وقال غيره: إنما التلبيدُ بقيا على الشعر؛ لئلا يشعث في الإحرام، فلذلك وجب عليه الحلق، شبيه بالعقوبة له، وكان سفيان بن عيينة يقول بعض هذا". قاله أبو عبيد في "الغريب" (3/ 386). وأما "التقليد": فهو: "أن تقلد الهدي قلادة في عُنقه من خيوط ونحوها، وتعلّق فيه نعل أو قرن أو جلد؛ ليكون ذلك علامة على أنه هدي لله تعالى، فيجتنب عما لا يجتنب غيره من الأذى وغيره، وإن ضل ردّ، وإن اختلط بغيره تميز، ولما فيه من إظهار الشعار، وتنبيه الغير على فعل مثل هذا جميعه، ولا يرجع فيها مُهديها، وتُجتنب سرقتها، ويتبعها المساكين عند مشاهدتها". قاله ابن الملقن في "الإعلام". (¬4) وزاد المصنف - رحمه الله - في "الصغرى" حديثًا واحدًا، وهو: 237 - عن عِمْران بن حُصين رضي الله عنه قال: نزلتْ آيةُ المتعةِ في كتابِ الله، =

10 - باب في الهدي

459 - عن غُنَيْم بن قَيْس المازني (¬1) قالَ: سألتُ سعد بنَ أبي وقَّاص عن الْمُتعةِ في الحجِّ؟ فقالَ: فَعَلْناهَا. وهذا يومئذٍ كافرٌ بالعُرُشِ. يعني: بُيوتَ مكّة. م (¬2). 10 - باب في الهدي 460 (238) - عن عائشةَ رضي الله عنها قالتْ: فَتَلْتُ قلائِدَ هدي رسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - (¬3)، ثم أَشْعَرَها (¬4) وقلَّدَها - أو قلَّدْتُها- ثم بعثَ بها إلى ¬

_ - ففعلنَاها مع رسولِ الله -. ولم يَنْزِلْ قرآنٌ يحرِّمُه، ولم يَنْهَ عنها حتى ماتَ. قال رجلٌ برأيه ما شاءَ. (رواه البخاري: 4518). قال البخاري: يقال إنه عُمر. (انظر- لزامًا- الصغرى). - ولمسلم: نزلت آية المتعة - يعني: مُتعة الحج - وأَمَرَنا بها رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - ثم لم تنزل آيةٌ تنسخ آيةَ متعة الحجّ، ولم ينه عنها حتى ماتَ. (رواه مسلم: 1226). - ولهما بمعناه. (رواه البخاري: 1571. ومسلم: 1226). (¬1) أدرك النبي - صلى الله عليه وسلم - ولم يره، ووفد على عمر بن الخطاب، وغزا مع عتبة بن غزوان، كان ثقة قليل الحديث، روى له الجماعة سوى البخاري، مات سنة تسعين. (¬2) رواه مسلم (1225)، وله في رواية أخرى: "يعني: معاوية". وقال النووي: "المراد أنا تمتعنا ومعاوية يومئذ كافر على دين الجاهلية، مقيم بمكة - وهذا اختيار القاضي عياض وغيره، وهو الصحيح المختار - والمراد بالمتعة: العمرة التي كانت سنة سبع من الهجرة، وهي عمرة القضاء، وكان معاوية يومئذ كافرًا، وإنما أسلم بعد ذلك عام الفتح سنة ثمان. وقيل: أنه أسلم بعد عمرة القضاء سنة سبع، والصحيح الأول، وأما غير هذه العمرة من عمر النبي - صلى الله عليه وسلم - فلم يكن معاوية فيها كافرًا، ولا مقيمًا بمكة؛ بل كان معه - صلى الله عليه وسلم -". (¬3) زاد مسلم: "بيدي"، وهي رواية للبخاري أيضًا. (¬4) الإشعار هو: شق صفحة السنام حتى يسيل الدم، ثم يسلته، فيكون علامة على كونه هديًا =

البَيتِ، وأقامَ بالمدينةِ، فما حَرُمَ عليه شيءٌ كانَ له حِلًّا (¬1) 461 (239) - وعن عائِشةَ قالتْ: أهدى النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - مرّةً غنمًا (¬2). 462 (240) - وعن أبي هُريرة [رضي الله عنه] (¬3)؛ أنّ نبيّ الله - صلى الله عليه وسلم - رأى رجُلًا يسوقُ بَدَنةً (¬4). قال: "ارْكَبْها". قال: إنها بدنةٌ. قال: "ارْكَبْها". فرأيتُه راكبَها يُساير النبيّ - صلى الله عليه وسلم - (¬5). - وفي لفظٍ: قال في الثَّانيةِ أو الثَّالثةِ: "ارْكَبْها ويلكَ أو ويحك" (¬6). 463 (241) - وعن عليّ بن أبي طالبٍ رضي الله عنه، قال: أمرَني النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - أنْ أقومَ على بُدْنِهِ، وأن أتصدَّق بلَحْمِها وجُلُودِها وأجِلَّتِها (¬7)، وأنْ لا أُعْطِي الجزَّارَ مِنها شيئًا (¬8)، وقال: "نحنُ نُعطِيه من عندِنا" (¬9). ¬

_ = واتفق من قال بالإشعار بإلحاق البقر في ذلك بالإبل إلا سعيد بن جبير، واتفقوا على أن الغنم لا تشعر لضعفها، ولكون صوفها أو شعرها يستر موضع الإشعار. انظر"الفتح" (3/ 544). (¬1) رواه البخاري (1699)، ومسلم (1321) (362). (¬2) رواه البخاري (1701)، ومسلم (1321) (367). (¬3) زيادة من "أ". (¬4) البدنة- مفرد بُدْن- هنا المراد بها: "الإِبل"، لا البقر ولا الغنم؛ إذ هي التي تركب. (¬5) رواه البخاري (1706)، وزاد: "والنعل في عنقها". (¬6) رواه البخاري (1689)، ومسلم (1322)، وليس عندهما: "أو ويحك". وإنما الحديث بهذه اللفظة عند البخاري (2754) من حديث أنس رضي الله عنه. (¬7) هو ما يطرح على ظهر الدابة لتصان به. (¬8) لفظ: "شيئًا" ليس في "أ"، وهو ليس عند مسلم في نفس الرواية، وإنما في رواية أخرى. (¬9) رواه البخاري (1707)، ومسلم- واللفظ له- (1317).

متَّفَقٌ على هذِه الأحاديث (¬1). 464 - عن عبد الله بنِ عبّاسٍ؛ أن ذُؤيبًا أبا قَبِيصةَ حدَّثه أنّ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - كان يبعثُ معه بالبُدْنِ، ثم يقولُ: "إن عَطِبَ شيءٌ منها، فخَشِيتَ عليه موتًا، فانحَرْها، ثم اغمسْ نعلَها (¬2) في دَمِها، ثم اضربْ به صَفْحَتَها، ولا تَطْعَمْها أنتَ، ولا أحدٌ مِن أهل رُفْقتِكَ" (¬3). ¬

_ (¬1) وزاد المصنف- رحمه الله- في "الصغرى" حديثين، وهما: 242 - عن زياد بن جُبير قال: رأيتُ ابنَ عمر قد أتى على رجل قد أناخَ بدنتَهُ فنحرَها فقال. ابعثْها قِيامًا مقيَّدةً، سُنّةَ محمدٍ - صلى الله عليه وسلم -. (خ: 1713 م: 1320). 243 - عن عبد الله بن حُنين؛ أن عبد الله بنَ عبَّاسٍ رضي الله عنهما والْمِسْورَ بن مَخْرَمةَ اختلفا بالأبواءِ. فقال ابنُ عباسٍ: يغسِلُ المحرمُ رأسَه. وقال المسورُ: لا يغسِلُ الْمُحرمُ رأسَه. قال: فأرسَلني ابنُ عباس إلى أبي أيوب الأنصاريّ، فوجدتُه يغتسِلُ بين القَرْنين، وهو يُسترُ بثوبٍ، فسلّمتُ عليه. فقال: مَن هذا؟ قلتُ: أنا عبد الله بن حُنين، أرسلَني إليك ابنُ عباس يسألُك: كيف كان رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - يغسِلُ رأسَه، وهو مُحْرمٌ؟ فوضعَ أبو أيُوب يدَهُ على الثوبِ، فطأطأه حتى بدا لي رأسُه، ثم قال لإنسانٍ يصبُّ عليه الماءَ: اصبُبْ. فصبَّ على رأسِه، ثم حرَّك رأسَه بيديه، فأقبلَ بهما وأدبرَ. ثم قال: هكذا رأيتُه - صلى الله عليه وسلم - يفعلُ. - وفي روايةٍ: فقال الْمِسْورُ لابن عباس: لا أُماريك أبدًا. (رواه مسلم: (1205) [92]). القرنان. العمودان اللذان تُشد فيهما الخشبة التي تُعلق عليها البَكَرةُ. (¬2) هي النعل التي كانت معلقة بعنقها عند تقليدها. (¬3) رواه مسلم (1326).

11 - باب الحج عمن لا يستطيع

465 - وعنه (¬1) قالَ: صلَّى النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - الظُّهرَ بذِي الحُليفة، ثم دَعَا بناقةٍ، فأشعَرَها في صفحةِ سَنامِها الأيمن، وسَلَتَ الدَّمَ عنها، وقلَّدها بنعلينِ، ثم رَكِبَ راحِلَته، فلمّا استوتْ به على البيداءِ أهلّ بالحجِّ (¬2). 466 - عن جابر بنِ عبد الله قال: حَجَجْنا مع رسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - فنحرْنا البَعِيرَ عن سَبْعةٍ، والبقرةَ عن سَبْعةٍ (¬3). أخرجَ مسلِمٌ هذه الأحاديث الثلاثة (¬4). 11 - باب الحج عمّن لا يستطيع 467 - عن سُليمان بن يِسارٍ (¬5)، عن عبد الله بن عباسٍ؛ أنّه قال: كانَ الفضلُ بنُ عباس رَدِيفَ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فجاءَتْه امرأةٌ من خَثْعم تَستفتِيه، فجعلَ الفضلُ ينظرُ إليها، وتنظرُ إِليه. فجعلَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - يَصْرفُ وجهَ الفضل إلى الشِّقِّ الآخرِ! قالت: يا رسولَ الله! إنّ فَرِيضةَ الله على عِبَادِهِ في الحجّ أدركتْ أبي شَيْخًا كَبِيرًا؛ لا يستطيعُ أن يثبتَ على الرَّاحلةِ، أفأحُجُّ عنه؟ قال: "نعم"، وذلكَ في حجّةِ الوَدَاعِ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ (¬6). ¬

_ (¬1) يعني: عن ابن عباس رضي الله عنهما. (¬2) رواه مسلم (1243). (¬3) رواه مسلم (1318) (352). (¬4) وفي "أ": "أخرج هذه الأحاديث الثلاثة مسلم". (¬5) تابعي، ثقة، فاضل، أحد الفقهاء السبعة، روى له الجماعة. (¬6) رواه البخاري (1513)، ومسلم (1334).

12 - باب فسخ الحج إلى العمرة، وغيره

468 - عن سعيد بنِ جُبيرٍ (¬1)، عن أبنِ عبَّاسٍ؛ أنّ امرأةً من جُهينةَ جاءتْ إلى النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فقالتْ: إنّ أمي نذرتْ أن تحجَّ، فلم تحجَّ حتى ماتتْ، أفأحجُّ عنها؟ فقال: "حُجّي عنها. أرأيتِ لو كانَ على أُمِّك دينٌ أكُنتِ قاضيةً (¬2)؟ اقضُوا اللهَ، فاللهُ أحقُّ بالوفاءِ". خ (¬3). 12 - باب فسخ الحج إلى العمرة، وغيره 469 (244) - عن جابرِ بنِ عبد الله رضي الله عنه، قال: أهلّ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - وأصحابُه بالحجِّ، وليس مع أحدٍ منهم هديٌ غيرَ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - وطلحةَ، وقَدِمَ عليٌّ من اليمنِ، فقال: أهللتُ بما أهلّ به النبيُّ - صلى الله عليه وسلم -، فأمرَ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - أصحابَه أن يجعَلُوها عُمرةً، فيطُوفُوا، ثم يُقصِّروا، ويَحِلُّوا، إلا مَن كان مَعه الهديُ. فقالوا: نَنطلِقُ إلى مِنًى وذَكَرُ أحدِنا يقطُرُ! فبلغَ ذلك النبيَّ - صلى الله عليه وسلم -، فقال: "لو استقبلتُ مِن أمرِي ما استدبرتُ ما أَهْديتُ، ولولا أنّ معي الهديَ لأحللتُ". ¬

_ (¬1) هو: "سعيد بن جبير الأسدي مولاهم، الكوفي، ثقة، ثبت، فقيه، من الثالثة، وروايته عن عائشة وأبي موسى ونحوهما مرسلة، قل بين يدي الحجاج سنة خمس وتسعين، ولم يكمل الخمسين. ع". أهـ. "التقريب". (¬2) كذا بالأصل، وهي رواية الكشميهني. وفي أكثر روايات البخاري: "قاضيته" بزيادة ضمير المفعول. ثم وجدته في "أ" كما هو في أكثر روايات البخاري. (¬3) رواه البخاري (1852).

وحَاضَتْ عائشةُ، فنسكتِ المناسكَ كلَّها، غيرَ أنها لم تطُفْ بالبيتِ فلما طَهُرتْ، طافتْ بالبيتِ. قالت: يا رسولَ الله! تنطلِقُونَ (¬1) بحجّةٍ وعُمرةٍ وأنطلِقُ بحجٍّ؟ فأمرَ عبدَ الرحمن بنَ أبي بكر (¬2) أن يخرُجَ معها إلى التنعيم (¬3)، فاعتمرتْ بعد الحجِّ (¬4). 470 (245) - وعن جابرٍ قال: قدِمْنا مع رسُول الله - صلى الله عليه وسلم - ونحنُ نقولُ: لبيكَ بالحجِّ. فأمرَنا رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - فجعلناها عُمرةً (¬5). 471 (246) - عن ابنِ عبّاسٍ قال: قدِمَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابُه صَبِيحةَ رابعةٍ، فأمرَهُم أن يَجْعلُوها عُمرةً. فقالوا: يا رسول الله! أيُّ الحلِّ؟ قال: "الحلُّ كلُّه" (¬6). متَّفَق على هذِه الأحاديث الثلاثة. ¬

_ (¬1) المثبت من "أ"، وهو الموافق لما في البخاري، وفي الاصل: "ينطلقون". (¬2) هو: "عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق، شقيق عائشة، تأخر إسلامه إلى قبيل الفتح، وشهد اليمامة والفتوح، ومات سنة ثلاث وخمسين في طريق مكة فجأة، وقيل بعد ذلك. ع". أهـ. "التقريب". (¬3) التنعيم: قيل: سمي بذلك لأن جبلًا عن يمينه يقال له: نعيم، وآخر عن شماله يقال له: ناعم، والوادي يقال له: نعمان. قلت: هو أدنى الحل إلى مكة من جهة المدينة، وبه مسجد- الآن- كبير (مسجد عائشة)، وقد امتد بنيان مكة إلى أبعد من ذلك الموضع. (¬4) رواه البخاري- واللفظ له- (1651)، ومسلم بنحوه. (¬5) رواه البخاري (1570)، ومسلم- والسياق له- (1216) إلا أن عنده: "أن نجعلها" بدل: "فجعلناها"، ولكن هذا اللفظ للبخاري، إلا أن عنده: "لبيك اللهم لبيك بالحج". (¬6) رواه البخاري (1564 و 3832)، ومسلم (1240).

472 - عن أبي سعيدٍ الْخُدْري رضي الله عنه، قال: خرجْنَا مع رسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - صلى الله عليه وسلم - نَصْرُخُ بالحجِّ صُراخًا، فلمّا قدِمْنا مكّةَ أَمَرَنا أن نَجْعَلَها عُمرةً، إلا مَن ساقَ الهديَ (¬1)، ورُحْنا إلى مِنى، أَهْلَلْنا بالحجِّ. م (¬2). 473 - عن عُثمانَ بنِ عفّان رضي الله عنه، عن رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - في الرَّجُلِ إذا اشْتَكى عَيْنَه- وهو مُحْرِمٌ - ضَمّدَها بالصَبِرِ. م (¬3). 474 - عن جابر بنِ عبد الله؛ أنّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - طافَ بالبَيْتِ سَبْعًا، فقرأَ: {وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى} [البقرة: 125] وصلَّى خلفَ المقام- في لفظٍ: ركعتينِ- ثم أتى الحَجَرَ فاستلَمه. فقال: "نبدأُ بما بَدَأَ الله به"، فبدأَ بالصفَّا، وقال: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ} [البقرة: 158]. م د ت (¬4). 475 - عن عائشةَ رضي الله عنها، قالت: كانتْ قريشٌ ومَن دانَ دِينَها يَقِفُونَ بالمزدلفَةِ، وكانوا يُسَمَّوْنَ الحُمْسَ، وكانَ سائِرُ العَربِ يَقِفُون ¬

_ (¬1) في صحيح مسلم زيادة: "فلما كان يوم التروية"، ولعلها سقطت سهوًا من الناسخ. (¬2) رواه مسلم (1247). (¬3) رواه مسلم (1204) من طريق نُبيه بن وهب قال: خرجنا مع أبان بن عثمان، حتى إذا كنا بملل اشتكى عمر بن عبيد الله عينيه، فلما كنا بالروحاء اشتد وجعه، فأرسل إلى أبان بن عثمان يسأله؟ فأرسل إليه أن اضمدهما بالصَّبِرِ؛ فإن عثمان رضي الله عنه حدث عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الرجل إذا اشتكى عينيه- وهو محرِمٌ- ضمدَهما بالصَّبِرِ. قلت: و"الصبر": العصارة المرّة المستخرجة من النبات الصحراوي المعروف باسم: "الصبار". (¬4) قطعة من حديث جابر الطويل. رواه مسلم (1218)، وأبو داود (1905)، والترمذي (862)، والسياق للترمذي، وقال: "هذا حديث حسن صحيح".

بعرَفةَ، فلمّا جاءَ الإِسلامُ أمرَ الله نَبِيَّه أن يأتي عَرَفاتٍ، فيَقِفَ بها، ثم يُفِيضَ منها، فذلكَ قولُه عز وجل: {ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ} [البقرة: 199]. مُتَفَقٌ عَلَيْهِ. ت وقال: حدِيثٌ حسنٌ صَحِيحٌ (¬1). 476 - عن عبد الرحمن بنِ يَعْمُر؛ أن ناسًا من أهل نجدٍ أتوْا رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - وهُو بعرفةَ- فسَألوه؟ فأمرَ مُناديًا فنادى: "الحجُّ عرفةُ، مَن جاءَ ليلةَ جَمْعٍ- قبلَ طُلوعِ الفَجْرِ- فقد أدركَ الحجَّ أيّامُ مِنى ثلاثةُ أيامٍ، فمَن تعجّلَ في يَوْمينِ فلا إِثْمَ عليه، ومَن تأخَّر فلا إثمَ عليه". ت (¬2). 477 - عن عليّ بنِ أبي طالبٍ رضي الله عنه، قال: وقفَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - بعرفةَ، فقال: "هذه عرفةُ، وهو الموقِفُ، وعرفةُ كلُّها مَوقِف". ثم أفاضَ حِين غَربتِ الشَّمْسُ، وأردفَ أسامةَ بنَ زيدٍ، وجعلَ يُشِيرُ بيدِه على هِينَتِهِ، والناسُ يضرِبُون يمينًا وشِمالًا، يلتفِتُ إليهم، ويقولُ: ¬

_ (¬1) رواه البخاري (4520)، ومسلم (1219)، والترمذي (884)، وقال الترمذي أيضًا: "ومَعنى هذا الحديث أن أهل مكَّة كانوا لا يخرجُونَ من الحرمِ. وعرفةُ خارجٌ من الحرمِ. وأهلُ مكَّةَ كانُوا يقفونَ بالمزدلفةِ ويقولونَ: نحن قطينُ اللهِ، يعني. سكان الله، ومن سوى أهل مكةَ كانوا يقفونَ بعرفاتٍ. فأنزل الله تعالى: ثم أفيضوا من حيثُ أفاضَ النَّاسُ. والحمسُ: هم أهل الحرم". (¬2) صحيح. رواه الترمذي (889)، ورواه أيضًا أبو داود (1949)، والنسائي (5/ 264 - 265)، وابن ماجه (3015).

"يا أيُّها الناسُ! عَليكُم السَّكيِنةَ (¬1) ". ثم أتى جَمْعًا، فصلَّى بهم الصَّلاتين جَمِيعًا، فلمّا أصبحَ أتى قُزَحَ، ووقفَ عليه، وقال: "هذا قُزَحُ (¬2)، وهو الموقِفُ، وجَمْعٌ كلُّها موقِفٌ". ثم أفاضَ حتى انتهى إلى وادي مُحَسِّر، فَقَرعَ ناقتَه فخبّتْ حتى جازَ الواديَ (¬3)، فوقفَ وأردفَ الفضلَ، ثم أتى الْجَمْرةَ فرمَاها، ثم أتى المنحرَ فقال: "هذا المنحرُ، ومِنًى كلُّها مَنْحرٌ". واستفتته جاريةٌ شابَّةٌ من خَثْعَمٍ، فقالت: إن أبي شيخٌ كَبِيرٌ، قد أدركته فريضةُ الله في الحجِّ، أفيُجْزِئُ أن أحجَّ عنه؟ قال: "حُجِّي عن أبيكِ". قال: فلوى عُنُقَ الفَضْلِ، فقال العباسُ: يا رسولَ الله! لويتَ (¬4) عُنقَ ابنِ عمِّكَ؟ ¬

_ (¬1) في "أ": "بالسكينة". (¬2) بضم القاف، بعدها زاي مفتوحة، ومكانه اليوم هو ما يعرف عند الناس بالمشعر الحرام، وهو بجانب المسجد. (¬3) أي: وادي محسر، "ومحسر بين يدى موقف المزدلفة مما يلي منى، وهو مسيل قدر رمية بحجر بين المزدلفة ومنى، فإذا انصببت من المزدلفة، فإنما تنصب فيه"، قاله البكري. قلت: وهو الوادي الواقع الآن بين أعلام منى وأعلام مزدلفة (¬4) كذا بالأصلين، وفي "السنن": "لم لويت".

قال: "رأيتُ شَابّا وشابَّةً، فلم آمَنِ الشَّيطانَ عليهما". ثم أتاهُ رجلٌ، فقال: يا رسولَ الله! إني أَفَضْتُ قبلَ أن أحْلِقَ؟ قال: "احلِقْ- أو قَصِّرْ- ولا حَرَجَ". وجاءَ آخرٌ، فقال: يا رسولَ الله! إني ذبحتُ قبلَ أن أرمِي؟ قال: "ارْمَ، ولا حَرَجَ". قال: ثم أتى البيتَ، فطافَ به، ثم أتى زمزمَ، فقال: "يا بَني عبد المطلب! لولا أن يَغْلِبَكُم عليه الناسُ لنزعتُ". ت وقال: حدِيثٌ حسنٌ صَحيِحٌ (¬1). 478 - عن عُروة بنِ مُضَرِّسِ بنِ أوسِ بنِ حارثِة بن لام الطَّائي قالَ: أتيتُ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - بجَمْعٍ، فقلتُ: يا رسولَ الله! إنِّي أقبلَتُ من جَبَلَيْ طَيِّئٍ، لم أَدَعْ حَبْلًا إلا وقفتُ عليه، فهل لي من حجٍّ؟ فقالَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ صلَّى هذه الصَّلاةَ معنا، وقَد وقفَ قبلَ ذلك بعرفةَ ليلًا أو نهارًا، فقد تمَ حجُّه، وقَضى تَفَثَه". س (¬2). ¬

_ (¬1) حسن. رواه الترمذي (885) وهو حسن السند، صحيح المتن. (¬2) صحيح. رواه النسائي (5/ 263 - 264)، ورواه أبو داود (1950)، والترمذي (891)، وابن ماجه (3016). وقال الترمذي: "هذا حديث حسن صحيح. وقوله: تفثه: يعني نُسُكَه. وقوله: ما تركت من حبل إلا وقفت عليه: إذا كان من رمل يقال له: حبل. وإذا كان من حجارة يقال له: جبل". أهـ.

479 (247) - عن هشام بنِ عُروة (¬1)، عن أبيه (¬2) قال: سُئل أسامةُ ابنُ زيدٍ - وأنا جَالِسٌ - كيف كانَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - حِين دفعَ (¬3)؟ قال: كان يَسِيرُ العَنَقَ، فإذا وجدَ فجوةً نَصَّ. مُتَفَقٌ عَلَيْهِ (¬4). 480 - عن إسماعيل بنِ مُسلم، عن عَطَاءٍ، عن ابن عباس قال: صلَّى بنا رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - بمنى الظُّهرَ والعصرَ والمغرب والعشاء والفجر، ثم غَدَا إلى عَرَفَاتٍ. ت وقال: إسماعيل بنُ مُسلم قد تُكلِّم فيه (¬5). 481 - عن عائشةَ رضي الله عنها قالتْ: خرجَ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - مِن عندي وهو قَرِيرُ العينِ، طيّبُ النَّفْسِ، فرجعَ إليّ وهو حَزِينٌ. فقلتُ له. فقالَ: ¬

_ (¬1) "ثقة، فقيه، ربما دلس، من الخامسة، مات سنة خمس- أو ست- وأربعين، وله سبع وثمانون سنة. ع". أهـ. "التقريب". (¬2) هو: "عروة بن الزبير بن العوام بن خويلد الأسدي، أبو عبد الله المدني، ثقة فقيه، مشهور من الثالثة، مات سنة أربع وتسعين على الصحيح، ومولده في أوائل خلافة عثمان". أهـ. "التقريب". (¬3) كذا بالأصلين، وفي البخاري: "كيف كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يسير في حجة الوداع حين دفع؟ " وهي لمسلم، إلا أن عنده: "حين أفاض من عرفة". (¬4) رواه البخاري (1666)، ومسلم (1286) (283). وقال المصنف في "الصغرى": "العنق: انبساط السير. والنص: فوق ذلك". (¬5) رواه الترمذي (879) وقال: "إسماعيل بن مسلم قد تكلموا فيه من قبل حفظه". قلت: وله طريق آخر عند الترمذي (880) وفيه ضعف أيضًا، ولكن الحديت صحيح بشواهده؛ إذ قال الترمذي: "وفي الباب عن عبد الله بن الزبير، وأنس". قلت: وأيضًا يشهد له ما جاء في حديث جابر عند مسلم (1218) وفيه: "فصلى بها- أي: بمنى- الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر ... ".

"إني دخلتُ الكعبةَ، وَوَدِدْتُّ أنّي لم أكنْ فعلتُ؛ إني أخافُ أنْ أكونَ أتعبتُ أمَتي مِن بعدي". ت وقال: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ (¬1). 482 - عن عكرمةَ (¬2) قال: حدَّثني الحجّاج بنُ عَمرو قال: قالَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - "مَنْ كُسِرَ- أو عَرجَ- فقد حَل، وعليه حجّةٌ أُخرى"، فذكرتُ ذلك لأبي هُريرة وابن عباسٍ؟ فقالا: صَدَقَ. س ت وقال: حدِيثٌ حسنٌ غرِيبٌ (¬3). 483 - عن عائشةَ رضي الله عنها، قالتْ: دخلَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - على ضُباعةَ بنتِ الزُّبير، فقال لها: "أردتِ الحجَّ؟ " (¬4)، قالت: والله ما أجدُنِي إلا وجعةً، فقال لها: "حُجِّي واشتَرِطي، وقُولي: اللهم مَحِلِّي حيثُ ¬

_ (¬1) ضعيف. رواه الترمذي (873)، ورواه أيضًا أبو داود (2029)، وابن ماجه (3064) من طريق إسماعيل بن عبد الملك، عن ابن أبي مليكة، عن عائشة به. وإسماعيل فيه ضعيف، قال ابن أبي حاتم في "الجرح والتعديل" (1/ 1/ 186): "سمعت أبي يقول: ليس بقوي الحديث، وليس حده الترك، قلت: يكون مثل أشعث بن سَوَّار في الضعف؟ قال: نعم". (¬2) هو: "عكرمة أبو عبد الله، مولى ابن عباس، أصله بربري، ثقة، ثبت، عالم بالتفسير، لم يثبت تكذيبه عن ابن عمر، ولا تثبت عنه بدعة، من الثالثة، مات سنة أربع ومئة، وقيل: بعد ذلك. ع". أهـ. "التقريب". (¬3) صحيح. رواه النسائي (5/ 198 - 199)، والترمذي (940)، وأيضًا رواه أبو داود (1862)، وابن ماجه (3077)، وانظر "البلوغ" (781). وقال البغوي في "شرح السنة" (7/ 288): "وتأوله بعضهم على إنه إنما يحل بالكسر والعرج، إذا كان قد شرط ذلك في عقد الإحرام على معنى حديث ضباعة بنت الزبير". (¬4) هذا لفظ مسلم، وللبخاري: "لعلكِ أردتِ الحج".

حَبَسْتَنِي". وكَانتْ تحتَ الْمِقْدادِ. متّفَقٌ عَلَيْهِ" (¬1) (¬2) 484 - عن ابن عباسٍ؛ أنّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - احتجَمَ وهُو مُحْرِم. [مُتَفَقٌ عليه] (¬3) ت وقال: حدِيثٌ حسنٌ صحِيح (¬4). 485 - عن ابنِ عباسٍ؛ أنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "دَخَلَتِ العُمْرةُ في الحجِّ إلى يومِ القِيامَةِ". ت (¬5). وقال: حَدِيثٌ حَسَنٌ، ومعنى هذا الحديث: أن أهلَ الجاهليةِ كانوا لا يَعتمِرُون في أشهرِ الحجِّ، فلمّا جاءَ الإِسلامُ رخَّص لهم النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - في ذلكَ، فقال: "دخلتِ العُمرةُ في الحجِّ إلى يوم القيامَةِ". يعني: لا بأسَ بالعُمرةِ في أشهُرِ الحج (¬6). وأشهرُ الحجِّ: شَوَّالٌ، وذُو القَعْدَةِ، وعَشْرٌ من ذِي الْحِجةِ. ¬

_ (¬1) في "أ": "م" بدل: "متفق عليه"، والذي في الأصل أصح. (¬2) رواه البخاري (5089)، ومسلم (1207). (¬3) زيادة من "أ"، وهي زيادة هامة. (¬4) صحيح. رواه الترمذي (839)! وغفل الحافظ عبد الغني- رحمه الله- عن وجود الحديث فى البخاري (1835)، ومسلم (1202) بإسناده ومتنه. قلت. هذا ما كنت كتبته في الطبعة الأولى قبل الوقوف على النسخة الخطية الثانية، والتي ثبت فيها عزو الحافظ الحديث للصحيحين. (¬5) صحيح. رواه الترمذي (932)! قلت وهو في مسلم (1241) عن ابن عباس أيضًا بأطول مما هاهنا، ولفظه: قال - صلى الله عليه وسلم - "هذه عمرة استمتعنا بها، فمن لم يكن عنده الهدي، فليحل الحل كله؛ فإن العمرة قد دخلت في الحج إلى يوم القيامة". (¬6) زاد الترمذي: "وهكذا فسره الشافعي وأحمد وإسحاق". وعبارة الترمذي هنا ساقها الحافظ عبد الغني بتقديم وتأخير.

13 - باب الرمي والحلق

13 - باب الرمي والحلق 486 (248) - عن عبد الله بنِ عَمرو رضي الله عنهما (¬1) أن رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - وقفَ في حَجّةِ الودَاع (¬2)، فجعَلُوا يسألُونَه. فقالَ رجلٌ: لم أَشْعُرْ فحلَقتُ قبلَ أن أذبح؟ قال: "اذبَح، ولا حَرَج". وجاءَ آخرٌ، فقال: لم أشعُرْ! فنحرتُ قبلَ أن أرمي؟ فقال: "ارمِ، ولا حَرَجَ"، فما سُئِلَ يومئذٍ عن شيءٍ قُدِّمَ ولا أُخِّرَ، إلا قال: "افْعَلْ، ولا حَرَجَ" (¬3). 487 (249) - عن عبد الرحمن بنِ يزيد النَّخَعِي (¬4) أنَّه حجَّ مع ابنٍ مسعودٍ، فرآه يرمي الجمرةَ الكُبرى بسبعِ حَصَياتٍ، فجعلَ البيتَ عن يَسَارِهِ، ومِنى عن يمينِه، ثم قالَ: هذا مَقامُ الذي أُنزِلتْ عليه سُورةُ البقرة - صلى الله عليه وسلم - (¬5). مُتَّفَقٌ عَليهِما. ¬

_ (¬1) هو: عبد الله بن عمرو بن العاصي رضي الله عنهما، وكان وقع في بعض نسخ "الصغرى" على الصواب، وفي البعض الآخر: "عبد الله بن عُمر" لا ابن عَمرو على سبيل الغلط، انظر "الصغرى" حديث رقم (248). (¬2) كان هذا في منى عند الجمرة يوم النحر، كما في "الصحيحين". (¬3) رواه البخاري (83)، ومسلم (1306). تنبيه: ش جاء فى "أ": "متفق عليه" عقب الحديث، ولا محل لها هنا؛ إذ بعد الحديث التالي قال: "متفق عليهما". (¬4) هو: عبد الرحمن بن يزيد بن قيس النخعي، أبو بكر الكوفي، تابعي، ثقة، روى له الجماعة مات سنة ثلاث وثمانين. (¬5) رواه البخاري (1749)، ومسلم (1296) (307). وتخصيص عبد الله سورة البقرة بالذكر؛ لأن معظم أحكام الحج فيها مذكورة، والله أعلم. قاله القرطبى في "المفهم" (3/ 388).

488 - عن الزُّهريّ (¬1)؛ أنّ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - كانَ إذا رمى الجَمْرَةَ التي تلِي مسجدَ مِنى (¬2)، يرمِيها بسبعِ حَصَياتٍ، يُكبِّر كُلَّما رمى بحَصَاةٍ، ثم تقدَّم أمَامَها فوقفَ مُستقبلَ القبلةِ، رافعًا يديه يدعُو، وكان يُطِيلُ الوقوفَ. ثم يأتي الجمرةَ الثَّانية (¬3)، فيرْمِيها بسبعِ حَصَياتٍ، يكبِّرُ كُلَّما رمى بحَصَاةٍ، ثم ينحدرُ ذاتَ اليَسارِ؛ مما يلي الوادي، فيقِفُ مُستقبلَ القبلةِ، رافعًا يديه يدعُو. ثم يأتي الجمرةَ التي عند العَقبةِ، فيرمِيها بسبعِ حَصَياتٍ، يُكبِّر عند (¬4) كُلِّ حَصَاةٍ، ثم يَنْصرِفُ ولا يقِفُ (¬5). قال الزُّهريُّ: سمعتُ سالم بنَ عبد الله يُحدِّث بمثلِ هذا، عَن أَبيه، عن النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -. أخرجه البخاري (¬6). ¬

_ - وزاد عليه ابن الملقن في "الإعلام" (ج 3/ ق 11 - 12/ ب- أ): "فكأنه قال: هذا مقام الذي أنزلت عليه المناسك، وأخذت عنه الأحكام، فاعتمدوه، وأراد بذلك التنبيه على أن أفعال الحج توقيفية، ليس للاجتهاد فيها مدخل، فلا يفعل أحد شيئًا من المناسك برأيه". (¬1) هو: محمد بن مسلم بن شهاب، تقدمت ترجمته عند الحديث رقم (212). (¬2) يعني: مسجد الخيف، وهذه الجمرة هي الصغرى أو الاولى. (¬3) وهي الوسطى. (¬4) في "أ": "مع"، والمثبت من الأصل، وهو الموافق لما في "الصحيح". (¬5) زاد ناسخ "أ" هنا رمز: "خ" ولا محل له هنا. والله أعلم. (¬6) رواه البخاري (1753) وزاد: "وكان ابن عمر يفعله". وفي "أ": "خ" بدل: "أخرجه البخاري".

489 - عن وَبَرَةَ (¬1) قال: سألتُ ابنَ عُمر: متى أرمي الجِمَارَ؟ قال: إذا رمَى إمَامُكَ فارْمِهْ (¬2). فأعدتُ عليه المسألةَ. فقال: كُنَّا نتحيّن (¬3)، فإذا زالت الشمسُ رَمينا. خ (¬4). 490 - عن ابنِ عباس قال: كانَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - يرمِي الجِمَارَ (¬5) إذا زَالَتِ الشَّمْسُ. ت وقال: حدِيث حسن صحِيحٌ (¬6). 491 - عن جابر بنِ عبد الله قال: رأيتُ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - يرمِي الجِمَارَ بمثل حَصَى الخَذْفِ. [أخرجه] (¬7) ت وقال: حدِيثٌ حسنٌ صحِيحٌ (¬8). ¬

_ (¬1) هو: وَبَرَة بن عبد الرحمن المسْلِي، كوفي، ثقة، مات في ولاية خالد بن عبد الله القسري على الكوفة، روى له البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي. (¬2) قال ابن حجر في "الفتح" (3/ 580): "يعني: الأمير الذي على الحج، وكأن ابن عمر خاف عليه أن يخالف الأمير، فيحصل له منه ضرر، فلما أعاد عليه المسألة، لم يسعه الكتمان، فاعلمه بما كانوا يفعلونه في زمن النبي - صلى الله عليه وسلم -". (¬3) أي: نترقب الحين ونطلبه، والحين: الوقت. (¬4) رواه البخاري (1746). (¬5) يعني: في غير يوم الأضحى. (¬6) صحيح بشواهده. رواه الترمذي (898)، وكذا نقل الحافظ عبد الغني هنا عن الترمذي قوله: "حسن صحيح"، والذي في "السنن"، و"التحفة" (5/ 241): "حسن" فقط، فالله أعلم. وأما الشواهد فمنها: حديث جابر عند مسلم (1299) (314)، قال: رمى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الجمرة يوم النحر ضحى. وأما بعد، فإذا زالت الشمس. وعلقه البخاري مجزومًا به (3/ 579/ فتح). ومنها: حديث عائشة عند أبي داود (1973)؛ أن النبي - صلى الله عليه وسلم - مكث بمنى ليالي أيام التشريق، يرمي الجمرة إذا زالت الشمس، كل جمرة بسبع حصيات. (¬7) زيادة من "أ". (¬8) صحيح. رواه الترمذي (897). =

492 (250) - عن عبد الله بن عمر؛ أنَّ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "اللهُمّ ارحَمْ الْمُحلِّقينَ"، قالوا: والمقصِّرِينَ يا رسولَ الله؛ قال: "اللهُمّ ارْحَمِ المحلِّقِينَ"، قالوا: يا رسولَ الله والمقصرين؟ قال: "والمقصِّرين". متَفَقٌ عَلَيْهِ (¬1). 493 (259) - عن عَائشةَ قالتْ: حَجَجْنا مع النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فأفَضْنَا يومَ النَّحرِ، فحاضَتْ صفيّةُ، فأرادَ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - منها ما يُرِيدُ الرَّجُلُ مِن أَهْلِه (¬2). فقلتُ: يا رسولَ الله! إنها حَائِضٌ. قال: "أحَابِستنا هي؟ "، قالوا: يا رسولَ الله! أفاضَتْ يومَ النَّحرِ. قال: "اخرُجُوا". مُتَفَقٌ عَلَيهِ (¬3). - وفي لفظٍ: قال النبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "عَقْرَى، حَلْقَى (¬4)، أطافَتْ يومَ ¬

_ = قلت: وهو عند مسلم أيضًا (1299) من نفس الطريق، وبنفس اللفظ، إلا قوله: "رمى الجمرة" بدل: "يرمي الجمار". و"حصى الخذف": هي صغار الحصى. (¬1) رواه البخاري (1727)، ومسلم (1301) (317). (¬2) قال العراقي في "طرح التثريب" (5/ 129): "لعل الرواية التي فيها إرادة الوقاع وهم. ولم أقف عليها في "صحيح البخاري"، ففي ذكر عبد الغني لها في "العمدة" نظر. والله أعلم". قلت: هي في "الصحيح"، وصنيع الحافظ عبد الغني لا غبار عليه. رحم الله الجميع. (¬3) رواه البخاري (1733)، ومسلم (1211). (¬4) قوله: "عقرى حلقى": هو بفتح أولهما وثالثهما، وسكون ثانيهما، وآخرهما ألف مقصورة بغير تنوين، هكذا الرواية عند المحدثين، وهي صحيحة فصيحة، وذهب أبو عبيد في "الغريب" (2/ 94)، والخطابي إلى أن صوابه: "عقرًا حلقًا"؛ لأن الموضع موضع دعاء؛ كقولهم: تعسًا وجدعًا. وقيل في معنى "عقرى": عقرها الله، يعني: جرحها، وقيل: جعلها الله عاقرًا لا تلد. وقيل في معنى "حلقى": أصابها وجع في حلقها. =

النَّحرِ؟ ". قِيل: نعم. قال: "فَانْفِرِي" (¬1). 494 (252) - عن ابنِ عبّاسٍ. قال: أُمِرَ النَّاسُ أن يكونَ آخرُ عهدِهم بالبَيْتِ، إلا أنّه خُفِّفَ عن المرأةِ الحائضِ. مُتَفَق عَلَيْهِ (¬2). 495 (253) - عن عبد الله بن عمر قال: استأذنَ العبَّاس بنُ عبد المطلب رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - أن يَبِيتَ بمكّة لَيالي مِنى؛ من أجل سِقَايَتِهِ، فأذِنَ له. متَّفق عَلَيهِ (¬3). 496 (254) - وعن ابنِ عمر قالَ: جَمَعَ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - بينَ المغربِ والعِشَاءِ بجَمْعٍ، كلُّ واحدةٍ منهما بإقَامةٍ، ولم يُسبِّحْ بينهما (¬4)، ولا على إِثْرِ كلِّ واحدةٍ منهما. متّفق عَلَيهِ. • لفظُ البخاري (¬5). • ومسلمٌ نحوَه، إلا أنه لم يذكر: ولم يُسَبَحْ بينهما ....... إلى آخره (¬6). ¬

_ = وعلى الوجوه كلها، فإنه دعاء لا يراد به وقوعه، إنما هو عادة بينهم، كقولهم: لا أبالك، وتربت يمينك، ونحوها". قاله البغوى في "شرح السنة" (7/ 235). (¬1) رواه البخاري- والسياق له- (1771)، ومسلم (1211) (387). (¬2) رواه البخاري (1755)، ومسلم (1328)، وليس عند البخاري لفظ: "المرأة". (¬3) رواه البخاري (1634)، ومسلم (1315). (¬4) أي: لم يصل بينهما نافلة، وفي رواية لمسلم: "ليس بينهما سجدة". (¬5) رواه البخاري (1673). (¬6) انظر "صحيح مسلم". كتاب الحج. باب: الإفاضة من عرفات إلى المزدلفة (2/ 937).

14 - باب المحرم يأكل من صيد الحلال

497 - عن عَمرو بنِ مَيمون (¬1) قال: شهِدْتُ عمر بنَ الخطاب رضي الله عنه صلى بجَمْع الصُّبحَ، ثم وقفَ. فقال: إنّ المشرِكين كانوا لا يُفِيضونَ مِن جَمْعٍ حتى تطلعَ الشَّمس، ويقولون: أشْرِقْ ثَبِير (¬2)، وأنّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - خَالَفهم، وأفاض (¬3) قبلَ أن تَطْلعَ الشَّمس. خ (¬4). 14 - باب المحرم يأكل من صيد الحلال 498 - عن جابر؛ أنّ النبىَّ - صلى الله عليه وسلم - قال: "صُيْدُ البَر لكم حَلالٌ ما لم تَصِيدُوه، أو يصادَ (¬5) لكم". ت وقال: قال الشافعيّ: هذا أحسنُ ¬

_ (¬1) هو: الأودي، أدرك الجاهلية، ولم ير النبي - صلى الله عليه وسلم -، ثقة عابد، كان أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - يرضونه، حج ستين- وقيل: مئة- من بين حجة وعمرة، رأى رجم زناة القرود في الجاهلية، مات سنة أربع- أو خمس، أو ست، أو سبع- وسبعين، روى له الجماعة. (¬2) بفتح الثاء المثلثة، وكسر الباء الموحدة، وهو جبل من أعظم جبال مكة على يسار الذاهب إلى منى. (¬3) كذا الأصل: "وأفاض"، وفي "الصحيح": "ثم أفاض"، وفي رواية: "فأفاض"، وفاعل "أفاض" النبي - صلى الله عليه وسلم -، والإفاضة، الدفع في السير. (¬4) رواه البخاري (1684 و 3838). (¬5) كذا الأصل: "يصاد"، وكتب الناسخ في الهامش: "صوابه: يُصَدْ". قلت: رواية أبي داود والترمذي: "يصد"، وهي لا إشكال فيها من حيث قواعد اللغة؛ لأنها معطوفة على مجزوم. وفي رواية النسائي وغيره: "يصاد"، وهي جائزة على لغةٍ- في قول بعضهم- واحتجوا بقول الشاعر: إذا العجوز غضبت فطلق ... ولا ترضاها ولا تملق =

حديثٍ في هذا البابِ وأقيسُ (¬1). 499 (255) - عن أبي قتادة الأنصاري رضي الله عنه؛ أنَّ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - خرجَ حاجّا (¬2)، فخَرجُوا معه، فصَرفَ طائفةً منهم- فيهم أبو قَتادة- وقال: "خُذُوا سَاحِلَ البحرِ حتَّى نلتقِي". فأخَذُوا ساحِلَ البحرِ، فلمّا انصرَفُوا أحرَمُوا كلُّهم إلا أبا قتادةَ لم يُحرِمْ، فبينما هُم يَسِيرُونَ إذا رَأوا حُمُرَ (¬3) وَحْش، فحملَ أبو قتادةَ على الحُمُرِ، فعقرَ منها أتانًا (¬4)، فنزلنا، فأكَلْنا من لحمِها، ثم قُلنا: أنأكلُ لحمَ صيدٍ ونحنُ مُحْرمُون؟ فحمَلْنا ما بقي مِن لحمِها، فأَدْرَكْنا رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - فسألناهُ عن ذلكَ؟ ¬

_ = وأما السندي، فقال في "حاشية النسائي": الوجه نصب "يصاد"، على أن: "أو" بمعنى: إلا أن، فلا إشكال. (¬1) ضعيف. رواه الترمذي (846)، وأيضًا رواه أبو داود (1851)، والنسائي (5/ 187) من طريق عمرو بن أبي عمرو، عن المطلب، عن جابر به. وقال الترمذي: "المطلب لا نعرف له سماعًا من جابرٍ". قلت: وعمرو بن أبي عمرو- وإن كان من رجال الشيخين- متكلم فيه، يعرف ذلك من ترجمته وقد أورد له الذهبي في "الميزان" (3/ 282) هذا الحديث من غرائبه. (¬2) أي: قاصدًا البيت، إذ هذا كان في العمرة ولم يكن في الحج، ففي رواية لمسلم (1196) (62) قول أبي قتادة: "أنه غزا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - غزوة الحديبية. قال: فأهلوا بعمرة غيري". (¬3) في "أ": "حمار"، وقال مصحح البخاري عن هذا اللفظ (3/ 13): "كذا في اليونينية من غير علامة أحد عليه". (¬4) الأتان: الأنثى من الحمر

فقال: "منكم أحدٌ أمرَه أن يحملَ عليها، أو أشارَ إليها"؟ قالوا: لا. فقال: "فكُلُوا ما بَقِي من لحمِها" (¬1). - وفي روايةٍ: فقال: "هل مَعكُم منه شيءٌ"؟ فقلتُ: نعم. فناولتُه العَضُدَ (¬2)، فأكَلَها (¬3). مُتَّفَقٌ عَلَيهِ 500 (256) - عن الصَّعبِ بن جَثامة؛ أنّه أهدى إلى رسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - حمارًا وحشِيًّا- وهو بالأبواءِ، أو بوَدَّان- فردّه عليه، فلما رأى ما في وجهِهِ. قال: "إنّا لم نردَّهُ عليكَ إلا أَنَا حُرُمٌ". مُتَفَقٌ عَلَيْهِ (¬4) - وفي لفط لمسلمٍ. رِجْلَ حِمَار. - وفي روايةٍ: شِقَّ حِمَارٍ. ¬

_ (¬1) رواه البخاري (1824)، ومسلم (1196) (60). (¬2) وهو من المرفق إلى الكتف، وهو الساعد. قلت: وفي رواية لهما: "معنا رجلُهُ"، وفي أخرى لهما أيضًا: "فاضلة". (¬3) رواه البخاري (2570). (¬4) رواه البخاري (1825)، ومسلم (1193) (50). و"الأبواء": قرية جامعة من عمل الفُرْع من المدينة، بينها وبين الجحفة مما يلي المدينة ثلاثة وعشرون ميلًا، وبها قبر آمنة بنت وهب أمّ النبي - صلى الله عليه وسلم -، قيل: سُمَيت بذلك لتبوأ السيول بها. و"ودّان": قرية جامعة من عمل الفرع بينها وبين الجحفة مرحلة. وهما "الأبواء" و"ودان" مكانان متقاربان، بينهما ستة أميال أو ثمانية، وهما بين مكة والمدينة. انظر "الفصول في سيرة الرسول" (ص 85).

- وفي روايةٍ: عَجُزَ حِمَارٍ (¬1). - وفي روايةٍ: لحمَ صَيْدٍ (¬2). قالى الترمذيُّ: قال الشافعيُّ: إنما وجهُ هذا الحديثِ عندنا أنّه ردَّهُ عليه لما ظنّ أنه صِيدَ من أجلِه (¬3). ¬

_ (¬1) هذه الروايات الثلاث عند مسلم برقم (1194) (54) من حديث ابن عباس، قال: أهدى الصعب بن جثامة إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - ... (¬2) هذه الرواية لمسلم (1195) من حديث زيد بن أرقم. (¬3) انظر "السن" (3/ 206)، وكان المصنف- رحمه الله- نقل هذا التوجيه للحديث في "الصغرى" دون نسبته للإمام الشافعي، بل وقع في النسخة التي شرحها ابن الملقن نسبته للحافظ عبد الغني.

7 - كتاب البيوع

7 - كتاب البيوع 501 (257) - عن عبد الله بنِ عُمر، عن رسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم -؛ أنَه قالَ: "إذا تَبَايَعَ الرَّجُلانِ، فكلّ واحدٍ منهما بالخيارِ، مالم يتفرّقا، وكَانَا جَمِيعًا، أو يُخيِّر (¬1) أحدُهما الآخرَ (¬2) فتبايَعَا علي ذلكَ فقد وجبَ البيعُ (¬3)، وإن تفرَقَا بعدَ أن تَبايَعَا، ولم يتركْ واحدٌ مِنهما البيعَ، فقد وجبَ البيعُ". مُتَفقٌ عَلَيْه (¬4). 502 (258) - عن حَكِيم بن حِزَامٍ قال: قالَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "البيّعانِ بالخيارِ مالم يتفرَّقا"- أو قال: "حتَى يتفرَّقا- فإنْ صَدَقَا وبَيَّنا بُورِكَ لهما في بَيْعِهما، وإنْ كَتَمَا وَكَذَبَا مُحِقَتْ بركةُ بيعِهما". مُتَّفَقٌ عَلَيْه (¬5). ¬

_ (¬1) قال الحافظ في "الفتح" (4/ 333): "قوله: (أو يخير) بإسكان الراء، عطفًا علي قوله: (مالم يتفرقا)، ويحتمل نصب الراء علي أن (أو) بمعنى: (إلا أن) ". (¬2) زاد مسلم: "فإن خير أحدهما الآخر". (¬3) إلى هنا هذا ما كان المصنف أورده في "الصغرى"، وكنت أشرت إلى زيادته عند الشيخين والتي ذكرها المصنف هنا. ثم رجعت إلى "الإعلام" لابن الملقن (ج 3/ ق 22/ أ)، فوجدته أشار إلى هذه الزيادة وعزاها للبخاري ومسلم أيضًا، ثم قال عن الحديث: "وقد ذكره بهذه الزيادة المصنف في عمدته الكبرى". (¬4) رواه البخاري (2112)، ومسلم (1531) (44). (¬5) رواه البخاري- والسياق له- (2079)، ومسلم (1532)، وقال مسلم: "ولد حكيم بن حزام في جوف الكعبة، وعاش مائة وعشرين سنة". وقوله: "بينا"، يعني: بين كل واحد منهما لصاحبه ما يحتاج إلى بيانه من عيب ونحوه في=

503 - عن عَمرو بنِ شُعيبٍ، عن أبيه (¬1)، عن جَدّه؛ أنَّ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "البَيعان بالخِيَارِ مالم يَتَفَرَّقَا (¬2)، إلا أنْ تكون صَفْقَةَ خِيَارٍ، فلا يَحِلُّ له أن يُفَاِرقَ صَاحِبَه؛ خشيةَ أن يَسْتَقِيلَهُ". د ت. وقال: حدِيثٌ حسنٌ. (¬3) ولو كانتِ الفرقةُ بالكلام، ولم يكن خِيارٌ بعدَ البيعِ لم يكن لهذا الحديثِ معنًى [حَيْثُ] (¬4) قال: "ولا يَحِل له أن يُفارِقَه؛ خشيةَ أن يستقِيلَه" (¬5). ¬

_ = السلعة والثمن. و"محقت بركته": ذهبت بركته، وهي: زيادته ونماؤه. (¬1) تقدمت ترجمة عمرو بن شعيب، وترجمة أبيه عند الحديث رقم (29). (¬2) وفي رواية الدارقطني (3/ 50/ 207)، والبيهقي (5/ 271) من نفس الطريق بلفظ: "حتى يتفرقا من مكانهما". (¬3) حسن. رواه أبو داود (3456)، والترمذي (1247)، والنسائي أيضًا (7/ 251 - 252). (¬4) زيادة من "أ". (¬5) هذا الكلام للترمذي في "السنن" (3/ 550) مع اختلاف يسير، ولكن يحسن أن نسوقه بلفظه، فقال: "هذا حديث حسن. ومعنى هذا، أن يفارقه بعد البيع خشية أن يستقيله، وكانت الفرقة بالكلام، ولم يكن له خيار بعد البيع، لم يكن لهذا الحديث معنى؛ حيث قال - صلى الله عليه وسلم -: "ولا يحل له أن يفارقه؛ خشية أن يستقيله". ولكن قال ابن الملقن في "الإعلام" (3/ 22/ ب): "قال المصنف في عمدته الكبرى: فلو كانت الفرقة بالكلام ... " فساقه، ثم قال: "وكذا جعل الترمذي في جامعه هذا الحديث دليلًا لإثبات خيار المجلس، واحتج به علي المخالف؛ لأن معناه أن يختار الفسخ، فعبر بالإقالة عن الفسخ؛ لأنها فسخ".

1 - باب ما نهي عنه من البيوع

1 - باب ما نهي عنه من البيوع 504 (259) - عن أبي سعيدٍ الخدري؛ أنّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نَهى عن المُنابذَةِ. وهي: طرحُ الرَّجُلِ ثوبَه بالبيع إِلى الرجُلِ قبلَ أن يُقَلِّبه، أو يَنْظُرَ إليه. ونهى عن الْمُلامَسَةِ. والملامسةُ: لمسُ الثوبِ لا ينظرُ إليه (¬1). 505 (260) - عن أبي هُريرة؛ أنَّ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا تَلَقَّوا الرُّكْبَانَ، ولا يَبعْ (¬2) بعضُكم علي بيعِ بعض، ولا تناجَشُوا (¬3)، ولا يَبعْ (¬4) حَاضِرٌ لبادٍ، ولا تُصَرُّوا الغنمَ (¬5)، ومَن ابتاعَها فهو بخَيرِ النَّظَرَينِ، بعد أن ¬

_ (¬1) رواه البخاري- والسياق له- (2144)، ومسلم (1512). اتفق الناس علي منع هذين البيعين، واختلفوا في تفسير "الملامسة"، و"المنابذة"، وقد ذكر تفسيرهما في الحديث، واختلف أيضًا فيمن ينسب له هذا التفسير، فقيل برفعه، وقيل بوقفه- وهو الذي رجحه ابن حجر- وقيل إنه من قول ابن عيينة، وهو غلط، ومن الأعاجيب -كما قال ابن الملقن- أنه وقع في شرح الفاكهي للعمدة علي أنه من كلام عبد الغني. وقال ابن الملقن: "إن كان هذا التفسير من جهة النبي - صلى الله عليه وسلم - فيتعين المصير إليه دون غيره، وكذا إن كان من الصحابي فإنه يترجح علي غيره من تفسير التابعي وغيره". وقال ابن دقيق العيد: "اللفظ الذي ذكره المصنف يقتضي أن جهة الفساد عدم النظر والتقليب، وقد يستدل به من يمنع بيع الأعيان الغائبة عملًا بالعلة، ومن يشترط الصفة في بيع الأعيان الغائبة لا يكون الحديث دليلًا عليه؛ لأنه هنا لم يذكر وصفًا". (¬2) في "أ": "ولا يبيع" وهو كذلك في بعض روايات البخاري. (¬3) التناجش: هو أن يزيد في ثمن سلعة تباع؛ ليغر غيره، وهو غير راغب فيها. (¬4) في "أ": "ولا يبيع" وهو كذلك في بعض روايات البخاري. (¬5) في البخاري ومسلم بزيادة: "الإبل". وقوله: "لا تصروا": قال ابن دقيق العيد: "الصحيح في ضبط هذه اللفظة: ضم التاء وفتح =

يَحْلُبَها، إنْ رضِيها أَمْسكَها، وإنْ سَخِطَها ردَّها وصاعًا من تمرٍ" (¬1). - وفي لفظٍ: "وهو بالخِيَارِ ثلاثًا" (¬2) 506 (261) - عن عبد الله بنِ عُمر؛ أنَّ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - نهى عن بيعِ حَبَل الحَبَلَةِ - وكانَ بَيعًا يَتبايَعُهُ أهلُ الجاهِليّة - كانَ الرجلُ يبتاعُ الجَزُورَ إلى أن تُنْتَجَ الناقةُ، ثم تُنتَجُ التي في بطنِها (¬3). ¬

_ = الصاد، وتشديد الراء المهملة المضمومة، علي وزن: لا تزكوا". وهو نهي عن ترك الشاة والناقة دون حلب، حتى يجتمع لبنها ويكثر، فيظن المشتري أن ذلك عادتها. (¬1) رواه البخاري (2150)، ومسلم (1515) (11). (¬2) رواه البخاري (2148). ورواه مسلم (1524) بلفظ: "ثلاثة أيام". موعظة: قال القاضي أبو الطيب الطبري: كنا في حلقة الذكر بجامع المنصور ببغداد، فجاء شاب خراساني، فسأل عن مسألة المصراة؟ فطالب بالدليل، فاحتج المستدل بحديث أبي هريرة الوارد فيها، فقال الشاب - وكان حنفيًا -: أبو هريرة غير مقبول الحديث، قال القاضي: فما استتم كلامه حتى سقطت عليه حية عظيمة من سقف الجامع، فوثب الناس من أجلها، وهرب الشاب من يديها، وهي تتبعه، فقيل له: تُبْ تُبْ. فقال: تبت، فغابت الحية، فلم نر لها أثرًا. هذه القصة أسندها ابن الملقن في "الإعلام" (ج 3/ ق 32/ أ - ب)، ثم قال: "هذا إسناد جليل صحيح رواته ثقات". قلت: وهو كما قال، وانظر "القبس شرح موطأ مالك بن أنس" (2/ 852). (¬3) رواه البخاري- والسياق له- (2143)، ورواه مسلم (1514) بدون التفسير. وفي رواية لهما [البخاري برقم (3843)، ومسلم برقم (1514) (6)] عن ابن عمر قال: كان أهل الجاهلية يتبايعون لحوم الجزور إلى حبل الحبلة، وحبل الحبلة أن تنتج الناقة ما في بطنها، ثم تحمل التي نتجت، فنهاهم النبي - صلى الله عليه وسلم - عن ذلك. فثبت بهذا أن التفسير عن ابن عمر رضي الله عنهما، ولا ينافي ذلك ما جاء عند البخاري في =

507 (262) - عن ابنِ عُمر؛ أنَّ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - نهى عن بيعِ الثَّمرةِ حتى يبدُو صلاحُها، نهى البائع والْمُشترِي (¬1) (¬2). 508 (263) - عن أنس بنِ مالكٍ؛ أنّ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - نهى عن بَيْع الثِّمارِ حتى تُزْهِي. قِيل: وما تُزْهِي؟ قال: "حتَّى تَحْمَرَّ"، قال: "أرأيتَ إذا مَنَعَ اللهُ الثَّمَرةَ، بِمَ يستحِلُّ أحدُكم مالَ أخِيه" (¬3). 509 (264) - عن ابنِ عبَّاس قال: نهى رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - أن يُتلَقَّى الرُّكبانُ، وأن يَبِيعَ حَاضِرٌ لبَادٍ. قال: فقلتُ لابنِ عباسٍ: ما قولُه: "حاضِرٌ لبادٍ؟ " قال: لا يكون له سِمْسَارًا (¬4). ¬

_ = رواية له (2256) قول جويرية: فسَّره نافع: أن تنتج الناقة ما في بطنها. وذلك لأن نافعًا هو راوي الحديث عن ابن عمر، وقد عرفت أن هذا التفسير مرده إلى ابن عمر. والله أعلم. وقال المصنف في "الصغرى": "قيل: إنه كان يبيع الشارف - وهي: الكبيرة المسنة - بنتاج الجنين الذي في بطن أمه". (¬1) كذا في الأصلين: "والمشتري"، وهو الذي في جميع أصول "الصغرى" أيضًا، ووقع ذلك لابن حجر في نسخته من "الصحيح" كما في "الفتح" (4/ 396). ولكن الذي في "الصحيحين": "والمبتاع" وهما بمعنى. ولم أجد اللفظ الذي ذكره المصنف في أي رواية من روايات البخاري -والله أعلم- وإنما هذه الرواية لأبي داود (3367) وغيره، وهي عند مسلم أيضًا من حديث ابن عمر (1535)، ولكن لفظ الحديث غير اللفظ المذكور هنا. (¬2) رواه البخاري (2194)، ومسلم (1534). (¬3) رواه البخاري (2198)، ومسلم (1555)، وعند البخاري: "يأخذ"، بدل: "يستحل". (¬4) رواه البخاري (2274)، ومسلم (1521). و"السمسار": قال ابن الملقن في "الإعلام" (3/ 36/ ب): "الدلال، وأصله القيم بالأمر، الحافظ له، ثم استعمل في متولي البيوع والثراء لغيره".

510 (265) - عن عبد الله بنِ عُمر قال: نهى رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - عن الْمُزابَنةِ (¬1)؛ أن يبيعَ ثَمَرَ حائِطه إن كان نخْلًا بتمر كيلًا، وإنْ كانَ كَرْمًا أن يَبِيعَهُ بزبيبٍ كيلًا، أوْ (¬2) كان زرعًا أن يَبيعَهُ بكيلِ طَعامٍ. نهى عن ذَلك كلِّه (¬3). 511 (266) - وعن جَابر بن عبد الله قال: نهى النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - عن الْمُخَابَرةِ، والْمُحاقلَةِ (¬4)، وعن الْمُزَابنةِ، وعن بيعِ الثَمَرةِ حتى يبدُو ¬

_ (¬1) زاد مسلم في رواية: "والمزابنة". (¬2) كذا الأصل: "أو"، وهي رواية قتيبة بن سعيد، كما قال مسلم في "صحيحه": "وفي رواية قتيبة: أو كان زرعًا". والذي في "الصحيحين": "وإن"، وهو كذلك في بعض أصول "الصغرى". ثم وجدت في النسخة "أ": "وإن". (¬3) رواه البخاري (2205)، ومسلم (1542) (76). قال ابن دقيق العيد في "الإحكام" (3/ 130): "المزابنة مأخوذة من الزبن، وهو: الدفع، وحقيقتها: بيع معلوم بمجهول من جنسه، وقد ذكر في الحديث لها أمثلة ... وإنما سميت مزابنة من معنى الزبن؛ لما يقع فيه من الاختلاف بين المتبايعين، فكل واحد يدفع صاحبه عما يرومه منه". (¬4) قال المصنف في "الصغرى": "المحاقلة: بيع الحنطة في سنبلها بحنطة"، وفي بعض نسخ "الصغرى": "بصافية"، بدل: "بحنطة". قلت،. أي بحنطة صافية من غير تبن. وقال الشافعي: "إذا دفع رجل إلى رجل أرضًا بيضاء علي أن يزرعها المدفوع إليه، فما خرج منها من شيء فله منه جزء من الأجزاء، فهذه المحاقلة والمخابرة والمزارعة التي نهى عنها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -" وقال ابن دقيق العيد في "الإحكام" (3/ 131): "المخابرة والمزارعة متقاربتان في المعنى، وهما: المعاملة علي الأرض ببعض ما يخرج منها من الزرع، كالثلث والربع، وغير ذلك من الأجزاء المعلومة ... أما حكم المخابرة، وهو: كراء الأرض بجزء منها كالثلث والربع فقد اختلف العلماء فيه". =

صلاحُها، وأن لا تُباعَ إلا بالدِّينارِ والدِّرهم، إلا العَرَايا (¬1). 512 (267) - عن أبي مَسعُودٍ الأنصاري؛ أنَّ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - نهى عن ثَمَنِ الكلبِ، ومَهْرِ البغيّ، وحُلْوانِ الكَاهنِ (¬2). 513 (268) - عن رافعِ بن خَديجٍ؛ أنَّ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - قالَ: "ثمنُ ¬

_ = قلت: المنهي عنه هو أن يختص واحد منهما- رب الأرض أو المزارع- بجزء معين من الزرع، كالذي ينبت علي مسايل المياة ورؤوس الجداول، ويكون الباقي للآخر، أو يختص واحد منهما بقطعة من الأرض والباقي للآخر؛ وذلك لما فيه من الغرر، فربما هلك ذا دون ذاك، أما إذا كانت المخابرة علي ما يخرج من جميع الأرض فلا حرج إن شاء الله، وحديث عبد الله بن عمر الآتي (567) يدل علي ذلك، والله أعلم. (¬1) رواه البخاري (2381)، ومسلم (1536) (81). تنبيه: قال ابن الملقن في "الإعلام" (ج 3/ ق 37/ ب): "ينبغي أن يعلم أن هذا الحديث ليس في نسخ شرح الشيخ تقي الدين رأسًا". قلت: نعم هذا الحديث لم يذكر في شرح ابن دقيق العيد كما يظهر من النسخة الخطية (ج 2/ ق 49/ ب)، وهو في "المطبوع (3/ 131)، ولكنه من شرح علاء الدين العطار كما نص علي ذلك في حاشية المطبوع. وقال الصنعاني عن هذا الحديث: "لم يثبت في بعض نسخ العمدة". قلت: لقد وقفت علي تسع نسخ خطية للعمدة "الصغرى"، وجميعها ثابت فيها الحديث. (¬2) رواه البخاري (2237)، ومسلم (1567). قلت. وفي الحديث تحريم ثلاثة أشياء: الأول. تحريم ثمن الكلب وهو عام يشمل كل كلب معلَّم أو غير معلَّم كما هو قول مالك والشافعي الثاني: تحريم مهر البغي، وهو ما يعطى علي الزنا. الثالث. تحريم حلوان الكاهن، وهو ما يأخذه التكهن علي كهانته، وفي معناه التنجيم، والضرب بالحصى، وكل ما يمنع منه الشرع من الرجم بالغيب. والثاني والثالث تحريمهما بالإجماع لما في ذلك من بذل الأعواض فيما لا يجوز مقابلته بالعوض.

2 - باب العرايا وغير ذلك

الكلبِ خَبِيثٌ، ومَهْرُ البغيِّ خَبِيثٌ، وكَسْبُ الحجّامِ خَبِيثٌ" (¬1). متَّفَقٌ عَلَى هذهِ الأحاديث كلَّها. 514 - عن ابنِ عُمر قال: نهى النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - عن عَسْبِ الفَحْل. خ (¬2). 515 - عن أبي الزُّبير (¬3) قال: سألتُ جابرًا: عن ثمنِ الكلبِ والسِّنَّوْرِ؟ فقال: زَجَرَ رسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عن ذلكَ. م (¬4). 2 - باب العرايا وغير ذلك 516 (269) - عن زيد بنِ ثابتٍ [- رضي الله عنه -] (¬5)؛ أنَّ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - رخَّصَ لصَاحِبِ العَرِيّةِ (¬6) أن يَبِيعَها بخَرْصِها ............ ¬

_ (¬1) هذا الحديث من أفراد مسلم (1568). (¬2) رواه البخاري (2284). و"عسب": بفتح فسكون، ثمن ماء الفحل، وقيل: أجرة الجماع. (¬3) هو: محمد بن مسلم بن تدرس القرشي؛ أبو الزبير المكي، وهو ثقة في نفسه، إلا أنه يروي عن الضعفاء، وكان يدلس، مات سنة ست وعشرين ومئة، روى له الجماعة إلا أن البخاري روى له مقرونًا بغيره. (¬4) رواه مسلم (1569). و"السَنَّوْر": هو الحيوان المعروف، وفي "المعجم الوسيط": "حيوان أليف من الفصيلة السنورية ورتبة اللواحم، من خير مآكله الفأر، ومنه أهلي وبري". (¬5) زيادة من "أ". (¬6) قال البخاري في، "صحيحه" (4/ 390/ فتح): "باب تفسير العرايا. وقال مالكٌ: العريةُ أن يُعرِيَ الرجلُ الرجلَ النخلة، ثم يتأذَّى بدخوله عليه، فرخص له أن يشتريها منه بتمرٍ. وقال ابنُ إدريس: العرية لا تكون إلا بالكيل من التمر يدًا بيدٍ، ولا تكونُ بالجزاف. ومما يُقويه قولُ سهل بن أبي حثمةَ: بالأوسُقِ الموسَّقةِ. وقال ابنُ إسحاقَ في حديثه عن نافع عن ابن عمرَ رضي الله عنهما: كانت العرايا أن يُعْريِ الرجلُ الرجلَ في ماله النَّخلةَ والنخلتين. وقال يزيدُ: عن سُفيان ابنِ حُسين: العرايا نخلٌ كانت توهَب للمساكين، فلا يستطيعونَ أن ينتظروا بها، فرخصَ لهم أن =

مُتَّفَقٌ عَلَيْه (¬1). - ولمسلم: بخرصِها تمرًا (¬2)؛ يأكُلُونها رُطَبًا (¬3). 517 (270) - عن أبي هُريرة؛ أنَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - رخَّصَ في بيعِ العَرَايَا (¬4) في خمسةِ أوسُقٍ، أو دُونَ خمسةِ أوسُقٍ. مُتَّفَقٌ عَلَيْه (¬5). 518 (271) - عن عبد الله بنِ عُمر؛ أنّ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "مَنْ ¬

_ = يَبيعوها بما شاءوا من التَّمرِ". واختار ابن الأثير في "النهاية" (3/ 224) تفسير الشافعي، فقال: "إنه لما نهى عن المزابنة وهو بيع الثمر في رؤوس النخل بالتمر رخص في جملة المزابنة في العرايا، وهو أن من لا نخل له من ذوي الحاجة يدرك الرطب ولا نقد بيده يشتري به الرطب لعياله، ولا نخل له يطعمهم منه ويكون قد فضل له من قوته تمر، فيجيء إلى صاحب النخل، فيقول له: بعني ثمر نخلة أو نخلتين بخرصها من التمر، فيعطيه ذلك الفاضل من التمر بثمر تلك النخلات؛ ليصيب من رطبها مع الناس، فرخص فيه إذا كان دُون خمسة أوسقٍ". وأما ابن دقيق العيد فاختار تفسير مالك، وقال: "ويشهد له أمران: أحدهما: أن العرية مشهورة بين أهل المدينة متداولة فيما بينهم، وقد نقلها مالك هكذا. والثاني: قوله: "لصاحب العرية" فإنه يشعر باختصاصه بصفة يتميز بها عن غيره، وهي الهبة الواقعة". قلت: وهي - أي: العرية - بما دون "خمسة أوسق" كما في الحديث التالي. و"الخرص": هو التقدير بالظن والتخمين. (¬1) رواه البخاري (2188)، ومسلم (1539) (60)، وزاد مسلم: "من التمر". (¬2) أي: بقدر ما فيها إذا صار تمرًا. (¬3) رواه مسلم (1539) (61). (¬4) زاد مسلم: "بخرصها". وللبخاري: "بخرصها من التمر". (¬5) رواه البخاري (2190)، ومسلم (1541).

باعَ نَخْلًا قد أُبِّرَتْ (¬1) فثمرُها للبائعِ، إلا أن يشترطَ الْمُبتاعُ". مُتَّفَقٌ عَلَيْه (¬2). - ولمسلمٍ: "ومَن ابتاعَ عبدًا، فمَالُه للذي باعَهُ، إلا أن يشترِطَ الْمُبتَاعُ" (¬3). 519 (272) - عن عبد الله بنِ عُمر رضي الله عنه؛ أنَّ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "مَن ابتاعَ طَعامًا، فلا يَبِعْهُ حتى يَسْتَوْفِيهُ" (¬4). - وفي لفظٍ: "حتى يقبضَهُ" (¬5). ¬

_ (¬1) "التأبير": "هو التلقيح، وهو أن يشقق أكمة إناث النخل، ويذر طلع الذكر فيها، ولا يلقح جميع النخل، بل يؤبر البعض، ويشقق الباقي بانبثاث ريح الفحول إليه الذي يحصل منه تشقيق الطلع". قاله ابن دقيق العيد في "الإحكام" (3/ 146). (¬2) رواه البخاري (2204)، ومسلم (1543) (77). (¬3) هذا ليس من أفراد مسلم، بل رواه البخاري (2379)، ومسلم (1543) (80)، ولذلك عُدَّ هذا من أوهام الحافظ عبد الغني رحمه الله. فقد قال الحافظ في "الفتح" (5/ 51): "هكذا ثبتت قصة العبد في هذا الحديث في جميع نسخ البخاري، وصنيع صاحب "العمدة" يقتضي أنها من أفراد مسلم ... وكأنه لما نظر كتاب البيوع من البخاري، فلم يجده فيه، توهم أنها من أفراد مسلم". فلت: ومن قبله قال ابن الملقن في "الإعلام" (ج 3/ ق 45/ أ - ب): "قوله: "ولمسلم: ... " إلى آخره. ظاهر إيراده أنها من أفراده، وليس كذلك، فقد أخرجها البخاري أيضًا ... وكأن المصنف اغتر بكون البخاري لم يذكره في صحيحه في باب من باع نخلًا قد أبرت، وفي باب بيع النخل بأصله، بهذه الزيادة، وإنما اقتصر على القطعة الأولى، فظن أن الثانية من أفراد مسلم، فَاجْتَنِبْ ذلك، وهذا الموضع الذي أخرجنا هذه الزيادة منه هو بعد هذا بكراريس، فاستفد ذلك وقد وقع للمصنف أيضا مثل ذلك في "عمدته الكبرى"، وكأنه أخذه منها". أهـ. (¬4) رواه البخاري (2126)، ومسلم (1526). (¬5) رواه البخاري (2133)، ومسلم (1526) (36).

520 (272/ 1) - وعن ابن عباسٍ مثلُه (¬1). مُتَّفَقٌ عَلَيْه 521 - عن عثمان بنِ عفَّان رضي الله عنه؛ أنَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - قال: "إِذا بِعْتَ فَكِلْ، وإذَا ابْتَعْتَ فاكْتَلْ". خ (¬2) [تَعْلِيقًا] (¬3). 522 (273) - عن جَابر بن عبد الله؛ أنّه سمعَ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - يقولُ (¬4) عامَ الفتحِ: "إنّ الله ورسُولَه حرَّمَ بيعَ الخمرِ، والميتةِ، والخِنْزِيرِ، والأصْنَامِ". فقيل: يا رسولَ الله! أرأيتَ شُحومَ الميتةِ؛ فإنّه يُطْلَى بها السُّفُنُ، وتُدْهَنُ بها الجلودُ، ويَسْتَصْبِحُ (¬5) بها النَّاسُ؟ قال (¬6): "لا. هُو حرَامٌ ". ثم قالَ رسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عند ذلكَ: "قاتَلَ اللهُ اليهودَ؛ إِنّ الله لما حرّمَ (¬7) شُحومَها جَمَلُوه (¬8)، ثم بَاعُوه، فأكلُوا ثمنَه". مُتَّفَقٌ عَلَيْه (¬9). ¬

_ (¬1) رواه البخاري (2132)، ومسلم (1525) ولفظه - كما عند مسلم - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "من ابتاع طعامًا فلا يبعه حتى يستوفيه" وهو للبخاري، لكن بلفظ: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى أن يبيع الرجل طعامًا حتى يستوفيه. وفي لفظٍ لمسلم: "حتى يقبضه". وفي آخرٍ: "حتى يكتاله". (¬2) انظر صحيح البخاري. 34 - كتاب البيوع. 51 - باب الكيل على البائع والمعطي. فقد أورده البخاري معلقًا، فقال: ويذكر عن عثمان ... وبعد أن أسنده الحافظ في "التغليق" (3/ 238) أورد طرقه وشواهده، ثم قال: "وبمجموع هذه الطرق يعرف أن للحديث أصلًا، والله أعلم". (¬3) زيادة من "أ"، وهي زيادة هامة. (¬4) زاد البخارى ومسلم: "وهو بمكة". (¬5) الاستصباح: الإضاءة. (¬6) في "أ": "فقال". (¬7) زاد مسلم: "عليهم". (¬8) جملوه: أذابوه. قاله المصنف في "الصغرى". (¬9) رواه البخاري (2236)، ومسلم (1581).

3 - باب السلم

523 - عن جابرٍ قال: نهى رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - عن بيعِ الثَّمَرِ سِنينَ. م (¬1). 3 - باب السلم (¬2) 524 (274) - عن عبد الله بنِ عبّاسٍ رضي الله عنه قال: قَدِمَ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - المدينةَ وهُم يُسْلِفُونَ في الثِّمارِ: السنتينِ والثَّلاثَ (¬3) فقال: "مَنْ أسلَفَ في شيءٍ، فليُسْلِفْ في كَيْلٍ مَعْلُومٍ، ووزنٍ معلُومٍ إلى أجلٍ مَعْلُومٍ". مُتَّفَقٌ عَلَيْه (¬4). 525 - عن محمد بنِ أبي المجالد (¬5) قال: أرسلَني أبو بُردة (¬6)، ¬

_ (¬1) رواه مسلم (1536) (101). و"بيع الثمر سنين": هو أن يبيع ثمرة نخلة أو نخلات بأعيانها سنتين أو ثلاثا مثلًا؛ فإنه بيع شيء لا وجود له حال العقد. قاله السندي في "حاشية النسائي". (¬2) السلم: هو السلف وزنًا ومعنًى، وهو بيع موصوف في الذمة، قال ابن الأثير: "هو: أن تعطي ذهبًا أو فضة في سلعة معلومة إلى أمد معلوم، فكأنك قد أسلمت الثمن إلى صاحب السلعة، وسلمته إياه". (¬3) وعند مسلم: "السنة والسنتين". وللبخاري في روايةٍ: "العام والعامين - أو قال -: عامين أو ثلاثة". (¬4) رواه البخاري (2240)، ومسلم (1604). (¬5) قال أبو داود: شعبة يحدث عن محمد بن أبي المجالد، والصواب: عبد الله بن أبي المجالد، شعبة يخطئ فيه. قلت: هو في "التهذيب" وفروعه في ترجمة "عبد الله"، وهو ثقة، روى له البخاري، وأبو داود والنسائي، وابن ماجة. (¬6) هو: أبو بردة بن أبي موسى الأشعري، مشهور بكنيته، ثقة، روى له الجماعة.

وعبدُ الله بنُ شَدَّاد (¬1) إلى عبد الرحمن بنِ أَبْزى وعبد الله بنِ أبي أوفى، فسألْتُهما عن السَّلَفِ؟ فقالا: كُنَّا نُصِيبُ المغانِمَ مَع رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم -، فكان يأتِينا أَنْباطٌ مِن أنباطِ الشَّامِ (¬2)، فنُسْلِفُهُم في الحِنْطةِ والشَّعِيرِ والزَّبِيبِ والزَّيتِ إلى أجلٍ مُسمى. قال: قلتُ: أكانَ لهم زَرْعٌ، أو لم يكن (¬3)؟ قالا: ما كُنّا نسألُهم عن ذلِكَ. خ د ق (¬4). 526 - عن أبي سَعيدٍ الخُدريّ رضي الله عنه قال: قالَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ أسلَمَ في شيءٍ، فلا يَصْرِفْه إلى غيرِه". د ق (¬5). ¬

_ (¬1) هو: عبد الله بن شداد بن الهاد الليثي، وهو ثقة من كبار التابعين كما قال العجلي والخطيب وقال ابن حجر في "التقريب": "ولد على عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - ". روى له الجماعة. (¬2) قال ابن الأثير في "النهاية" (5/ 9): "جيل معروف، كانوا ينزلون بالبطائح بين العراقين". وزاد الحافظ ذلك وضوحًا، فقال في "الفتح" (4/ 431): "هم قوم من العرب دخلوا في العجم والروم، واختلطت أنسابهم، وفسدت ألسنتهم، وكان الذين اختلطوا بالعجم منهم ينزلون البطائح بين العراقين، والذين اختلطوا بالروم ينزلون في بوادي الشام، ويقال لهم: النبط - بفتحتين، والنبيط: بفتح أوله وكسر ثانيه، وزيادة تحتانية، وأنباط - قيل: سموا بذلك لمعرفتهم أنباط الماء، أي: استخراجه؛ لكثرة معالجتهم الفلاحة". (¬3) زاد البخاري: "لهم زرع". (¬4) رواه البخاري (2254 و 2255) - والسياق له إلا أنه لم يجمع بين "الزبيب والزيت" في رواية واحدة، وعنده زيادة: "والتمر" في رواية، - وأبو داود (3464)، وابن ماجه (2282). (¬5) ضعيف. رواه أبو داود (3468)، وابن ماجه (2283)، وفي سنده عطية العوفي، وهو ضعيف. والحديث أعله أبو حاتم في "العلل" (1/ 287/ 1158) بالوقف. وقال الحافظ في "التلخيص": "هو ضعيف، وأعله أبو حاتم، والبيهقي، وعبد الحق، وابن القطان بالضعف والاضطراب".

4 - باب الشروط في البيع

527 - عن عبد الله بن سَلامٍ قال: جاءَ رجلٌ إلى النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فقالَ: إن بَني فُلانٍ أسلَمُوا - لقومٍ من اليهودِ - وإنّهم قد جَاعُوا، فأخافُ أن يرتدُّوا! فقالَ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ عِندَه؟ "، فقال رجلٌ من اليهودِ: عندي كذا وكذا؛ لشيءٍ سمّاه - أُراه قالَ: ثلثمائة دينارٍ - بسعرِ كذا وكذا من حائطِ بني فُلانٍ. فقال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "بسعرِ كذا وكذا إلى أجلِ كذا وكذا، ليس (¬1) مِن حائطِ بني فُلانٍ". ق (¬2). 4 - باب الشروط في البيع 528 (275) - عن عائشةَ رضي الله عنها، قالتْ: جاءَتْني بَرِيرَةُ، فقالتْ: كَاتبتُ أهلِي على تسعِ أواقٍ، في كلِّ عامٍ أُوقيّةٌ، فأَعِينيني. فقلتُ: إنْ أحبَّ أهلُكِ أن أَعُدَّها لهم، ويكونُ ولاؤُكِ لي فَعَلْتُ. فذهبتْ بَرِيرَةُ إلى أهلِها، فقالت لهم. فأبَوْا عليها، فجاءَتْ مِن عندهم - ورسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - جَالِسٌ - فقالت: إنِّي قد عرضتُ ذلكَ عليهم، فأبَوْا إلا أنْ يكونَ لهم الولاءُ، فسمِعَ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم -، فأخبرتْ عائشة النبيَّ - صلى الله عليه وسلم -، فقال: "خُذِيها، واشترِطي لهم الولاءَ؛ فإنَّما (¬3) الولاءُ لِمَن أعتقَ". ¬

_ (¬1) كذا الأصل، وفي "السنن": "وليس". (¬2) ضعيف. رواه ابن ماجه (2281)، وفي سنده حمزة بن يوسف بن عبد الله بن سلام، وهو "مجهول"، والوليد بن مسلم وهو يدلس تدليس التسوية، وقد عنعنه. (¬3) في "أ": "فإن"، وهي لمسلم في بعض الروايات.

ففعلتْ عَائِشةُ، ثم قامَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - في النَّاسِ، فحَمِدَ الله، وأثنى عليه، ثم قال: "أما بعدُ: مَا بالُ رِجَالٍ يشتَرِطُونَ شُروطًا ليستْ في كتابِ الله [عز وجل] (¬1)؟ ما كانَ من شرطٍ ليسَ في كتابِ الله فهو بَاطِلٌ. وإنْ كانَ مائةَ شرطٍ. قضاءُ الله أحقُّ، وشرطُ الله أوثقُ، وإنَّما الولاءُ لمن أعتقَ" (¬2). 529 (276) - عن جابر بنِ عبد الله؛ أنَّه كانَ يَسِيرُ على جَمَلٍ له، فأَعْيَا (¬3)، فأرادَ أن يُسيِّبَه (¬4) [قال] (¬5) فلَحِقَني النبيُّ - صلى الله عليه وسلم -، فدعا لي، وضربَه، فسارَ سيرًا لم يَسِرْ مثلَه. قال: "بِعْنِيه بِوَقِيَّةٍ" (¬6). قلت: لا. ¬

_ (¬1) زيادة من "أ". (¬2) رواه البخاري - والسياق له - (2168)، ومسلم (1504). (¬3) يعني: تَعِبَ. (¬4) أي: يطلقه، وليس المراد أن يجعله سائبة لا يركبه أحد، كما كانوا يفعلون في الجاهلية؛ لأنه لا يجوز في الإسلام. (¬5) زيادة من "أ"، وهي في مسلم. (¬6) الوقية: كانت في عرف ذلك الزمان أربعين درهمًا - وقيل غير ذلك -، وفي عرف الناس بعد ذلك عشرة دراهم، وفي عرف أهل مصر - زمن ابن حجر - اثنا عشر درهمًا. وبالأوزان المعاصرة تقدر بـ: (120) غرامًا). هذا: وقد وقع في "الصحيحين" روايات كثيرة في الثمن، فقيل: أوقية، وقيل: أوقية من ذهب وقيل: أربعة دنانير، وقيل غير ذلك، وأطال ابن الملقن في "الإعلام" (ج 3/ ق 59/ ب) في سرد هذه الروايات والجمع بينها.

ثم قال: "بعنِيه". فبعتُه بأُوقيّةٍ، وَاسْتَثْنَيتُ (¬1) حُمْلانه إلى أهلِي، فلما بلغتُ أتيتُه بالجملِ، فنقدَني ثمنَه (¬2)، ثم رجعتُ، فأرسلَ في أثرِي. فقال: "أَتُرانِي مَا كَسْتُكَ (¬3) لآخُذَ جَمَلَكَ؟ خُذْ جمَلَكَ - ودراهِمَك - فهو لكَ" (¬4). مُتَّفَقٌ عَلَيْهما 530 - عن جابر بنِ عبد الله؛ أنّ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - نهى عن الْمُحَاقَلةِ، والْمُزَابنةِ، والْمُخَابَرَةِ، والثُّنْيَا إلا أنْ تُعلمَ. ت وقال: حَدِيثٌ حَسَنٌ وصَحِيحٌ (¬5). ¬

_ (¬1) في الأصل: "واشترطت"، والمثبت من "أ". (¬2) أي: أعطاني الثمن نقدًا. وفي رواية لمسلم: "وزادني قيراطًا. قال: فقلت: لا تفارقني زيادة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. قال: فكان في كيس لي، فأخذه أهل الشام يوم الحرة"، وهي عند البخاري في بعض رواياته، انظر (2309 و 2604). (¬3) المماكسة: المناقصة في الثمن، والمراد به: المساومة. (¬4) رواه البخاري (2718)، ومسلم - والسياق له - (715) (109) (ج 3/ ص 1221) فائدة: قد تقدم معرفة الزيادة، وما كان من أمرها، وأما الجمل، فقد روى ابن عساكر في "تاريخ دمشق" (11/ 225) بسنده إلى أبي الزبير قال: قال جابر: فأقام الجمل عندي زمان النبي - صلى الله عليه وسلم -، وأبي بكر، وعمر، وأتيت به عمر بن الخطاب، فقلت: يا أمير المؤمنين! هل لك بشيخ قد شهد بدرًا والحديبية؟! قال: جئ به، فبعث به إلى إبل الصدقة، فقال: ارعاه في أطيب المراعي، واسقه من أعذب الماء، فإن توفي فاحفر له حفرةً، فادفنه فيها. (¬5) صحيح. رواه الترمذي (1290) من حديث يونس بن عبيد، عن عطاء، عنه به. وتمام كلام الترمذي - كما في السنن -: "غريب من هذا الوجه، من حديث يونس بن عبيد، عن عطاء، عن جابر".

5 - باب النجش وغير ذلك

531 - عن عبد الله بنِ عَمرو رضي الله عنهما؛ أنَّ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا يَحِلُّ سَلَفٌ وبيعٌ، ولا شَرْطانِ في بيعٍ، ولا رِبْحُ ما لم يُضْمَنْ، ولا تَبعْ ما ليس عِندك". د ت وقال: حدِيثٌ حسنٌ صَحِيحٌ (¬1). 5 - باب النجش وغير ذلك 532 (277) - عن أبي هُريرة قال: نهى رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -؛ أنْ يَبِيعَ حَاضِرٌ لبَادٍ: "ولا تَناجَشُوا، ولا يبيعُ الرَّجلُ على بيعِ أخِيه، ولا يخطُبُ على خِطْبَةِ أخِيه، ولا تسألُ المرأةُ طلاقَ أُختِها؛ لِتكْفَأَ ما فِي إنائِها" (¬2). ¬

_ (¬1) حسن. رواه أبو داود (3504)، والترمذي (1234) من طريق عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده. وعندهما: "ولا يبع"، بدل: "ولا تبع". قوله: "سلف وبيع"، قال ابن الأثر في "النهاية" (2/ 390): "هو مثل أن يقول: بعتك هذا العبد بألفٍ على أن تسلفني ألفًا في متاعٍ، أو على أن تقرضني ألفًا؛ لأنه إنما يقرضه ليحابيه في الثمن فيدخل في حد الجهالة؛ ولأن كل قرض جرّ منفعة فهو ربا؛ ولأن في العقد شرطًا ولا يصح". قوله: "ولا شرطان في بيع"، قال ابن الأثير (2/ 459): "هو كقولك: بعتك هذا الثوب نقدًا بدينار، ونسيئةً بدينارين، وهو كالبيعتين في بيعة". قوله: "ولا ربح ما لم يضمن"، قال ابن الأثير (2/ 182): "هو أن يبيعه سلعةً قد اشتراها ولم يكن قبضها بربحٍ، فلا يصح البيع، ولا يحل الربح؛ لأنها في ضَمان البائع الأول، وليست من ضمان الثاني، فربحها وخسارتها للأول". قوله: "وبيع ما ليس عندك"، قال الخطابي في "المعالم" (3/ 120): "يريد بيع العين دون بيع الصِّفة، ألا ترى أنه أجاز السَّلَم إلى الآجال، وهو بيع ما ليس عند البائع في الحال، وإنما نهى عن بيع ما ليس عند البائع من قبل الغرر، وذلك مثل أن يبيع عبده الآبق، أو جمله الشارد". (¬2) هذا الحديث في "الصغرى" تحت: باب الشروط في البيع، ومن ثم قال ابن الملقن في "الإعلام" (ج 3/ ق 61/ ب): "هذا الحديث لم يظهر لي وجه مناسبة إيراده في هذا الباب؛ فإنه معقود للشروط في البيع.

مُتَّفَقٌ عَلَيْه (¬1) 533 - عن أبي هُريرة، عن النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قال: "قال الله عزّ وجل: ثلاثةٌ أنا خَصْمُهم يومَ القيامةِ؛ رجلٌ أَعْطَى بي ثم غَدَرَ. ورجُلٌ باعَ حُرًا، وأكلَ ثمنَه. ورجلٌ استأجرَ أجِيرًا فاستوفى مِنه، ولم يُعطِه أجرَه". خ (¬2). 534 - عن: أبي هُريرة قال: نهى رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - عن بَيْعتينِ في بيعةٍ. ت وقال: حدِيثٌ حسنٌ صَحِيحٌ (¬3). ومعناهُ: أنْ يقولَ: أبِيعُكَ هذا الثوبَ بنقدٍ بعشرةٍ، وبنسيئةٍ بعشرِينَ ولا يُفارِقُه على أحدِ البيعينِ (¬4). ¬

_ = ولم يذكره المصنف في "عمدته الكبرى" في هذا الباب، وإنما ذكره في: باب النجش وغير ذلك. ثم رأيت بعد ذلك البخاري ترجم على القطعة الأخيرة بباب الشروط التي لا تحل في النكاح، وذكرها بلفظ (5152): "لا يحل لامرأة تسأل طلاق أختها لتستفرغ صحفتها، فإنما لها ما قدر لها"، ونقل عن ابن مسعود أول الباب أنه قال: لا تشترط المرأة طلاق أختها. ثم اعلم أن اللفظ الذي أورده المصنف هو لفظ رواية البخاري، وترجم عليه بباب لا يبيع على بيع أخيه ولا يسوم على سوم أخيه حتى يأذن أو يترك، ولم يذكر في هذا الباب غير هذا الحديث، وحديث ابن عمر: "لا يبيع بعضكم على بيع بعض"، وأما مسلم فرواه بألفاظ نحو رواية البخاري". أهـ. (¬1) رواه البخاري (2140)، ومسلم (1413)، وانظر التعليق السابق. (¬2) رواه البخاري (2227). وكان الحافظ ابن حجر وهم في عزوه لهذا الحديث، فقال في "البلوغ" (911 بتحقيقي): "رواه مسلم"! (¬3) حسن. رواه الترمذي (1231)، وفي رواية أبي داود (3460) من نفس الطريق مرفوعًا: "من باع بيعتين في بيعة، فله أوكسهما، أو الربا". وانظر "البلوغ" (799). (¬4) في "أ": "البيعتين".

535 - عن أبي رافعٍ رضي الله عنه؛ أنّ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - اسْتَسْلَفَ من رجُل بَكْرًا، فقدِمتْ عليه إبلٌ من إبل الصَّدقةِ، فأمرَ أبا رافع أن يقضِي الرَّجُلَ بَكْرَهُ، فرجعَ إليه أبو رافعٍ، فقال: لم أجِدْ فيها إلا خِيَارًا رَبَاعِيًا. فقال: "أَعْطِه إيّاه؛ إنّ خِيَارَ النَّاسِ أحسنُهم قَضاءً". م (¬1). 536 - عن حَكِيم بن حِزَامٍ قال: سألتُ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم -، فقلتُ: يأتيني الرَّجُلُ يسألُني مِن البيعِ ما ليسَ عِندي، أبتاعُ له مِن السُّوقِ، ثم أبيعه مِنه؟ قال: "لا تَبع ما ليسَ عِندك". ق ت وقال: حدِيثٌ حسنٌ (¬2). 537 - عن أبي هُريرة قال نهى رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - عن بَيْعِ الحَصَاةِ، وعَن بيعَ الغَرَرِ. م ت (¬3). ¬

_ (¬1) رواه مسلم (1600)، وفي رواية له: "فإن خير عباد الله ... ". و"البكر": الفتيّ من الإبل. و"خيارًا رباعيًا": الرباعي من الإبل ما أتى عليه ست سنين، ودخل في السابعة حين طلعت رباعيته. والخيار: الناقة المختارة. (¬2) صحيح. رواه الترمذي (1232)، وأيضًا أبو داود (3503)، والنسائي (2/ 225)، وابن ماجه (2187). (¬3) رواه مسلم (1513)، والترمذي (1230). وقال الترمذي: "حديث أبي هريرة حديث حسن صحيح، والعمل على هذا الحديث عند أهل العلم؛ كرهوا بيع الغرر. قال الشافعي: ومن بيوع الغرر بيع السمك في الماء، وبيع العبد الآبق، وبيع الطير في السماء، ونحو ذلك من البيوع. ومعنى "بيع الحصاة": أن يقول البائع للمشتري: إذا نبذت إليك بالحصاة، فقد وجب البيع فيما بيني وبينك -وهذا شبيه ببيع المنابذة- وكان هذا من بيوع أهل الجاهلية". أهـ. قلت: وقيل: هو أن يبيعه من أرضه قدر ما انتهت إليه رمية الحصاة، وله صور غير ذلك كثيرة والكل فاسد؛ لأنها من بيوع الجاهلية، وكلها غرر، لما فيها من الجهالة والغبن للبائع، أو للمشتري.

538 - عن عائشةَ رضي الله عنها؛ أن رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - قَضَى أنّ الخَراجَ بالضَّمانِ. ق ت (¬1). وقال: حديثٌ حسنٌ صَحِيحٌ. وتفسِيرُ "الخراجُ بالضمانِ"، هو: أنَّ الرجلَ يشترِي العبدَ فَيَسْتَغِلُّه، ثمَّ يجدُ به عيبًا، فيرُدُّه على البائع، فالغَلَّةُ للمُشترِي؛ لأنَّ العبدَ لو هلكَ، هلكَ من مالِ المشتري، ونحوُ هذا مِن المسائل، يكونُ الخراجُ فيها بالضَّمانِ (¬2). 539 - عن جابر بنِ عبد الله قال: قَالَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "لو بِعْتَ مِن أخِيكَ ثَمَرًا، فأصابَتْهُ جائِحَةٌ، فلا يَحِلُّ لكَ أن تأخُذَ مِنه شيئًا؛ بِمَ تأخُذُ مالَ أخِيكَ بغيرِ حقٍّ". م (¬3). 540 - عن جابر [بن عَبْد الله] (¬4)؛ أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أمرَ بوضْع الجَوائح. م (¬5). ¬

_ (¬1) حسن. رواه ابن ماجة (2442)، والترمذي (1285 و 1286)، وأيضًا رواه أبو داود (3508)، والنسائي (7/ 254)، وانظر "البلوغ" (818). (¬2) هذا كله كلام الترمذي، وعنده زيادة لفظ: "غريب"، بعد قوله: "صحيح". وقال الصنعاني في "سبل السلام". الخراج هو الغلة والكراء، ومعناه: أن المبيع إذا كان له دخل وغلة، فإن مالك الرقبة الذي هو ضامن لها يملك خراجها؛ لضمان أصلها، فإذا ابتاع رجل أرضًا فاستعملها، أو ماشية فنتجها، أو دابة فركبها، أو عبدًا فاستخدمه، ثم وجد به عيبًا فله أن يرد الرقبة، ولا شيء عليه فيما انتفع به؛ لأنها لو تلفت ما بين مدة الفسخ والعقد لكانت في ضمان المشتري، فوجب أن يكون الخراج له". (¬3) رواه مسلم (1554) (14). (¬4) زيادة من "أ". (¬5) رواه مسلم (3/ 1191). والجائحة: الآفة تصيب الثمار فتتلفها.

6 - باب الربا والصرف

6 - باب الربا والصرف 541 (279) - عن أبي سعيدٍ الخدريّ؛ أنَّ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا تَبِيعُوا الذَّهبَ بالذَّهَبِ، إلا مثلًا بمثلٍ، ولا تُشِفُّوا (¬1) بعضَها على بعض، ولا تَبِيعُوا الوَرِقَ بالوَرِقِ، إلا مِثْلًا بمثلٍ، ولا تُشِفُّوا بعضَها على بعضٍ، ولا تَبِيعُوا منها غائِبًا بناجِزٍ" (¬2). [إِلى هُنا مُتَفَقٌ عَلَيْهِ] (¬3) - وفي لفظٍ: "إلا يدًا بيدٍ" (¬4). - وفي لفظٍ: "إلا وزنًا بوزنٍ، مِثْلًا بمثل، سواءً بسواءٍ" (¬5). 542 (278) - عن مالك بنِ أوس بن الحَدَثان؛ أنَّه التمسَ صرفًا بمائة دينارٍ، فدعاني طلحةُ بنُ عُبيدِ الله، فتراوَضْنا (¬6)، حتى اصطَرَفَ مِنّي فأخذَ الذَّهبَ يُقلَبها في يَدَيْهِ، ثمَّ قَالَ: حتى يأتِي خازِني من الغابةِ، ¬

_ (¬1) بضم المثناة الفوقية، فشين معجمة مكسورة، ففاء مشددة. أي: لا تفضلوا. (¬2) رواه البخاري (2177)، ومسلم (1584) (75). وقوله: "الذهب" لفظ عام يشمل جميع الذهب مضروبًا كان أو غير مضروب، وكذلك "الورق" وهي الفضة. و"مثلًا بمثل" يعني: متساويين. و"غائبًا بناجز"، يعني: غائبا عن مجلس البيع، أو مؤجلًا بناجز. قال ابن دقيق العيد: "يدل الحديث على اعتبار أمرين عند اتحاد الجنس في الأموال الربوية ... أحدهما: تحريم التفاضل من قوله: "إلا مثلًا بمثل، ولا تشفوا بعضها على بعض"، والثاني: تحريم النَّساء من قوله: "ولا تبيعوا منها غائبًا بناجز". أهـ. (¬3) زيادة من "أ". (¬4) رواه مسلم (1584) (76). (¬5) رواه مسلم (1584) (77). (¬6) أي: تجاذبنا في البيع والشراء، وهو ما يجري بين المتبايعين من الزيادة والنقصان. "نهاية".

وعمرُ يسمَعُ ذلك، فقال: واللهِ لا تُفارِقُهُ حتى تأخذَ منه؛ قَالَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "الذهبُ بالوَرِقِ (¬1) ربًا إلا هاءَ وهاءَ، والبُرُّ بالبُرًّ ربًا إلا هاءَ وهاءَ، والشَّعِيرُ بالشَّعِيرِ ربًا إلا هاءَ وهاءَ" (¬2). ¬

_ (¬1) كذا الأصل، وهذا من دقة الحافط عبد الغني رحمه الله فالحديث في البخاري من طريق مالك ابن أنس، عن ابن شهاب عن مالك بن أوس به، والحديث في "الموطأ" بلفظ: "الذهب بالورق" قال ابن عبد البر في "التمهيد" (12/ 143 - 144): "لم يختلف على مالك في هذا الحديث ... "الذهب بالورق ربًا إلا هاء وهاء ... " الحديث. هكذا قال مالك، ومعمر، والليث، وابن عيينة في هذا الحديث عن الزهري: "الذهب بالورق"، ولم يقولوا: "الذهب بالذهب، والورق بالورق" وهؤلاء هم الحجة الثابتة في ابن شهاب على كل من خالفهم". ثمَّ بين ابن عبد البر -رحمه الله- أن الحفاظ رووه عن ابن عيينة باللفظ المذكور، ولم يخالف في ذلك غير أبي نعيم؛ فإنه رواه عن ابن عيينة، بلفظ: "الذهب بالذهب". وأيضًا رواه ابن إسحاق عن ابن شهاب بهذا اللفظ مخالفًا جميع الحفاظ في روايتهم عن ابن شهاب. قلت: وهو باللفظ الذي ذكره الحافظ عبد الغني في نسخة الحافظ ابن حجر، كما في "الفتح" (4/ 378)، وانظر أيضًا ما قاله القسطلاني في "إرشاد الساري" (4/ 79). ثم رأيته كذلك في نسخة صحيحة من صحيح البخاري (رواية أبي الوقت) (ج 1/ ق 183/ ب) وأما "صحيح مسلم"، ففيه من طريق الليث: "الورق بالذهب ... ". (¬2) رواه البخاري (2174)، ومسلم (1586)، وزادا: "والتمر بالتمر ربًا إلا هاءَ وهاءَ". وقوله: "إلا هاءَ وهاء"، قال ابن دقيق العيد في "الإحكام" (3/ 180 - 181): "اللفظة موضوعة للتقابض، وهي ممدودة مفتوحة، وقد أنشد بعض أهل اللغة في ذلك: لَما رأتْ في قامتي انحناءَ ... والمشْي بعد قَعَس إِجناءَ أجْلَتْ وكان حبُّها أجلاءَ ... وجعلتْ نِصفَ غَبُوقي ماءَ تمزجُ لي مِن بُغضها السقاءَ ... ثمَّ تقولُ من بعيدٍ هاءَ دحرجة إن شئتَ أو إِلقاءَ ... ثمَّ تمنَّى أن يكونَ داءَ لا يجعل الله له شفاءَ". أهـ.

543 (281) - عن أبي الْمِنْهالِ (¬1) قال: سألتُ البراءَ بنَ عازبٍ وزيد بنَ أرقم: عن الصَرفِ؟ فكُلُّ واحد منهما -يقولُ: هذا خيرٌ مِنّي، وكلاهُما -يقولُ: نهى رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - عن بيعِ الذهبِ بالوَرِقِ دَيْنًا (¬2). 544 (280) -عن أبي سعيد الخدريّ قال: جاءَ بلالٌ إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- بتمرٍ بَرنِيٍّ. فقال له النبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "مِن أينَ هذا؟ " قال بلالٌ: كانَ عِندنا تمرٌ رديءٌ، فبعتُ منه صاعين بصاعٍ؛ لِيَطْعَمَ (¬3) النبيُّ - صلى الله عليه وسلم -. فقالَ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - عند ذلك: "أَوَهْ (¬4). عينُ الرِّبا. عينُ الربِّا. لا تفعَلْ، ولكِنْ إذا أردتَ أن تشتَرِي، فبعْ التَّمْرَ ببيعٍ آخر، ثمَّ اشْتَرِيِهِ" (¬5). مُتَفقٌ على هذه الأحاديث. ¬

_ (¬1) هو: سيار بن سلامة، تقدّمت ترجمته عند الحديث رقم (130). (¬2) رواه البخاري -واللفظ له- (2180 و 2181)، ومسلم (1589) (87). وفي رواية لمسلم قصة، وهي: عن أبي المنهال قال: باع شريك لي ورقًا بنسيئة إلى الموسم- أو إلى الحج- فجاء إليّ فأخبرني. فقلت: هذا أمر لا يصلح. قال: قد بعته في السوق، فلم ينكر ذلك عليّ أحد، فأتيت البراء بن عازب، فسألته؟ فقال: قدم النبي -صلى الله عليه وسلم-، ونحن نبيع هذا البيع، فقال: "ما كان يدًا بيدٍ، فلا بأس به، وما كان نسيئة فهو ربا"، وائت زيد بن أرقم؛ فإنه أعظم تجارة مني، فأتيته، فسألته؟ فقال مثل ذلك. (¬3) وفي "أ": "لمطعم"، وهي رواية مسلم، وهذا اللفظ ورد بروايات، انظرها في "الصغرى" (280). (¬4) رواية مسلم، وفي البخاري بالتكرار مرتين، كما أنه لم يكرر في مسلم قوله: "عين الربا". قلت: وهو في "الصغرى" للمصنف مثل ما هنا: "أوه. عين الربا. عين الربا"، وقد أشار ابن الملقن إلى ذلك أيضًا في "شرحه" (ج 3/ ق 66/ ب). (¬5) رواه البخاري (2312)، ومسلم (1594). والبرني: بفتح الباء الموحدة، وسكون الراء، بعدها نون، ثمَّ تحتانية مشددة؛ نوع من أنواع التمر الجيد، وفيه قال - صلى الله عليه وسلم -: "خير تمراتكم البرني؛ يذهب بالداء، ولا داء فيه". "الصحيحة" (1844).

545 - عن عُبادة بنِ الصامِت رضي الله عنه، قال: قَالَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "الذَّهَبُ بالذَّهَبِ، والفِضَّةُ بالفِضَّةِ، والبُرُّ بالبُرِّ، والشَّعِيرُ بالشَّعِيرِ والتَمْرُ بالتَّمْرِ، والْمِلْحُ بالْمِلْح، مِثْلًا بمثلٍ، سواءً بسواءٍ، يدًا بيدٍ، فإذا اختَلَفَتْ هذه الأصنافُ، فبِيعُوا كيفَ شِئْتُم [إِذا كانَ] (¬1) يدًا بيدٍ" (¬2). - وفي لفظٍ: "عينًا بعينٍ، فمَن زادَ أو ازدادَ فقد أَربا". م (¬3). 546 (282) - عن أبي بَكَرَةَ قال: نهى رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - عن الفِضَّةِ بالفِضَّةِ، والذَّهبِ بالذهَبِ، إلا سواءً بسواءٍ، وأمرَنا أن نَبْتاعَ الذهبَ بالفِضَّةِ كيفَ شِئْنا، والفِضَّةَ بالذهبِ كيفَ شِئْنا. خ (¬4). 547 - عن فَضالة بن عُبيدٍ رضي الله عنه، قَالَ: اشتريتُ يومَ خيبرَ قِلادةً باثني عشر دينارًا، وفيها ذَهَبٌ وخَرَزٌ، فَفَصَّلْتُها (¬5)، فوجدتُ فيها أكثرَ مِن اثني عشرَ دينارًا، فذكرتُ ذلكَ للنبي-صلى الله عليه وسلم-؟ فقال: "لا تُباعُ حتى ¬

_ (¬1) زيادة من "أ"، وهي في "صحيح مسلم". (¬2) رواه مسلم (1587) (81). (¬3) رواه مسلم (1587) (80). (¬4) رواه البخاري (2182)، وهو لمسلم أيضًا (1590)، إلا أنه زاد: "فسأله رجل فقال: يدًا بيدٍ؟ فقال: هكذا سمعت". "تنبيه": أورد المصنف -رحمه الله- هذا الحديث في "الصغرى"، وساقه هناك بلفظ مسلم. قلت: واشتراط القبض في الصرف متفق عليه، وهذا الحديث يستدل به على بيع الربويات بعضها ببعض! إذا كان يدًا بيد، كما يستفاد ذلك أيضًا من حديث عبادة بن الصامت السابق، وفيه: "فإذا اختلفت هذه الأصناف، فبيعوا كيف شئتم، يدًا بيدٍ". وانظر "الفتح" (4/ 383). (¬5) أي: جعلت الذهب وحده، والخرز وحده.

تُفَصَّلَ" (¬1). - وفي لفظٍ: قال فَضالةُ: سمعتُ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - يقولُ: "مَن كانَ يؤمنُ بالله واليومِ الآخرِ، فلا يأخُذَنَّ إلا مثلًا بمثلٍ". م (¬2). 548 - عن زيدٍ أبي (¬3) عيّاش مولى لبني زُهرة (¬4)؛ أنَّه سألَ سعد بن أبي وقّاص: عن البيضاء بالسُّلْتِ؟ فقالَ له سعدٌ: أيهما أفضلُ؟ قال: البيضاءُ. [قال:] (¬5) فنَهاهُ عن ذلِكَ، وقال: سمعتُ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - سُئِلَ عن شراءِ التَّمْرِ بالرُّطَبِ؟ فقالَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "أينقُصُ الرُّطَبُ إذا يَبِسَ؟ "، قالُوا: نعم. فنهاهُ عن ذلك. د ق (¬6). 549 - عن عبد الله بنِ عُمر قال: كنتُ أبيعُ الإِبلَ، فأبيعُ بالدنانِيرِ وآخذُ الدَّراهِمَ، وأبيعُ بالدَّراهِمِ وآخذُ الدَّنانِيرَ، آخذ هذه من هذه، وهذه من هذه، فأتيتُ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم -وهو في بيتِ حفصةَ- فقلتُ: يا رسولَ الله! رُويْدَك أسألك: إنِّي أبِيعُ الإبلَ بالبَقِيعِ، وأبيعُ بالدَّنانِيرِ وآخذُ ¬

_ (¬1) رواه مسلم (1591) (90). والحديث دليل على أنه لا يجوز بيع ذهب مع غيره بذهب حتى يفصل، فيباع الذهب بوزنه ذهبًا، ويباع الآخر بما شاء. (¬2) رواه مسلم (1591) (92). (¬3) كذا الأصل: "أبي"، وفي "أ": "ابن"، وانظر التعليق التالي. (¬4) هو: زيد بن عياش؛ أبو عياش الزرقي، ويقال: المخزومي. ويقال: مولى بني زهرة المدني وثقه الدارقطني، وابن حبان، وليس له عند أصحاب السنن إلا هذا الحديث الواحد. (¬5) زيادة من "أ". (¬6) صحيح. رواه أبو داود (3359)، وابن ماجه (2264)، وأيضًا النسائي، والترمذي، كما في "البلوغ" (845). و"البيضاء": الحنطة. و"السُّلْت": ضرب من الشعير أبيض لا قشر له.

7 - باب الرهن وغيره

الدراهِمَ، وأبيع بالدراهمِ وآخذُ الدنانيرَ؛ آخذُ هذه من هذه، وأُعطِي هذه من هذه؟ فقالَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "لا بأسَ أن تأخُذَها بسعرِ يومِها، ما لم تفْتَرِقا، وليسَ بينكُما شيءٌ". د ت نحوه ق (¬1). 7 - باب الرهن وغيره 550 (283) - عن عائِشَةَ [رضي الله عنها]؛ أنَّ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - اشترى من يهودِي (¬2) طَعامًا (¬3)، ورهنَهُ دِرعًا كان حديدٍ. مُتَّفَق عَلَيْهِ (¬4). ¬

_ (¬1) ضعيف مرفوعا. رواه أبو داود -واللفظ له- (3354)، ونحوه الترمذي (1242)، وابن ماجة (2262)، ورواه أيضًا النسائي (7/ 81 - 83) كلهم من طريق سماك بن حرب، عن سعيد ابن جبير، عن ابن عمر به. قلت وعلته سماك بن حرب، فهو كما قال الحافظ في "التقريب": "صدوق، وروايته عن عكرمة خاصة مضطربة، وقد تغير بأخرة، فكان ربما يلقن". ولذلك قال الترمذي: "هذا حديث لا نعرفه مرفوعًا إلا من حديث سماك بن حرب عن سعيد بن جبير عن ابن عمر. وروى داود بن أبي هند هذا الحديث عن سعيد بن جبير عن ابن عمر موقوفًا". وقال الحافظ في "التلخيص" (3/ 26): "روى البيهقي من طريق أبي داود الطيالسي قال: سئل شعبة عن حديث سماك هذا؟ فقال شعبة: سمعت، عن نافع، عن ابن عمر- ولم يرفعه- وحدثنا قتادة عن سعيد بن المسيب عن ابن عمر، ولم يرفعه. وحدثنا يحيى بن أبي إسحاق عن سالم عن ابن عمر ولم يرفعه. ورفعه لنا سماك، وأنا أفرقه". (¬2) روى الشافعي في "المسند" (2/ 163 و 164)، والبيهقي في "الكبرى" (6/ 37) من طريق جعفر بن محمد، عن أبيه؛ أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- رهن درعًا له عند أبى الشحم اليهودي؛ رجل من بني ظَفَر، في شعير. ثم قال البيهقي: "هذا منقطع". قلت: لا بأس من أخذ اسم اليهودي من مثل هذا. والله أعلم. (¬3) وقد بُيِّن هذا الطعام "بثلاثين صاعًا من شعير"، كما عند البخاري (2916 و 4467). (¬4) رواه البخاري (2068)، ومسلم (1603) (125).

551 - عن أبي هُريرة قال: قَالَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "الظَهْرُ يُركبُ إذا كانَ مَرهُونًا، ولَبَنُ الدَّرِّ يُشرَبُ إذا كانَ مَرهُونًا، وعلى الذي يشرَبُ ويركَبُ نفقتُه". خ د ت وقال: حدِيثٌ حسنٌ صَحِيحٌ (¬1). 552 (284) - عن أبي هُريرة؛ أنَّ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "مَطْلُ الغَنِيِّ ظُلْمٌ، فإذا أُتْبعَ (¬2) أحدُكم على مَلِيءٍ فَلْيَتْبَعْ". مُتَفَقٌ عَلَيْه (¬3). ¬

_ (¬1) رواه البخاري (2512)، وأبو داود (3526)، والترمذي (1254). وقال أبو داود: "وهو عندنا صحيح". وقال ابن القيم -رحمه الله- في "إعلام الموقعين" (2/ 411): "هذا الحكم من أحسن الأحكام وأعدلها، ولا أصلح للراهن منه، وما عداه ففساده ظاهر؛ فإن الراهن قد يغيب، ويتعذر على المرتهن مطالبته بالنفقة التي تحفظ الرهن، ويشق عليه أو يتعذر رفعه إلى الحاكم وإثبات الرهن، وإثبات غيبة الراهن، وإثبات أن قدر نفقته عليه هي قدر حلبه وركوبه وطلبه منه الحكم له بذلك، وفي هذا من العسر والحرج والمشقة ما ينافي الحنيفية السمحة، فشرع الشارع الحكيم القيم بمصالح العباد للمرتهن أن يشرب لبن الرهن، ويركب ظهره، وعليه نفقته، وهذا محض القياس لو لم تأت به السنة الصحيحة". أهـ. وانظر "بلوغ المرام" (858 بتحقيقي). (¬2) هو بإسكان التاء في "أتبع" وفي: "فليتبع" كما هو المشهور في الروايات، والمعروف في كتب اللغة وغريب الحديث. كما قال النووي. (¬3) رواه البخاري (2287)، ومسلم (1564). "المطل": المد والمدافعة، والمعنى: يحرم على الغني القادر أن يمطل بالدين بعد استحقاقه بخلاف العاجز. و"المليء": هو الغني القادر على الوفاء، و"المليء" بالهمز كما قال الخطابي وغيره، وكذلك ضبط في "الأصل"، وفي "أ" رسمه مجودًا: "مَلِيّ"، ولا يراه الكرماني إلا هكذا، إذ قال: "الملي كالغني لفظًا ومعنى، فاقتضى أنه بغير همز". وهو مردود بكلام الخطابي وغيره. انظر "الفتح" (4/ 465). =

553 (285) - عن أبي هُريرة قال: قَالَ رسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -أو قَالَ: سمِعتُ النبي -صلى الله عليه وسلم- (¬1) يقولُ: "مَن أَدرَكَ مالَه بعينِهِ عند رَجُلٍ- أو: إنسانٍ - قد أفلَسَ (¬2)، فهو أحقّ بِهِ مِن غيرِه". مُتَّفَقٌ عَلَيْه ت د (¬3). - وفي لفظٍ له: "وإنْ ماتَ الْمُشترِي، فصاحِبُ المتاع أُسْوَةُ الغُرماءِ" (¬4). - وفي لفظٍ: "فإنْ كانَ قَضاهُ مِن ثمَنِها شيئًا، فما بقِي فهُو أُسوةُ الغُرماء" (¬5). 554 (286) - عن جابر رضي الله عنه قال: جعلَ- وفي لفظٍ: قضى- النبي -صلى الله عليه وسلم- بالشُّفْعَةِ في كلِّ مالٍ لم يُقْسَمْ، فإذا وقعَتِ الحدودُ، وصُرِّفَتِ الطُّرقُ، فلا شُفْعَةَ. رواه البخاري وحده (¬6). ¬

_ = وقوله: "فليتبع" دليل على وجوب الإحالة، لا كما ذهب الجمهور باستحبابها. وقد قال الخرقي "المغني مع الشرح الكبير" (5/ 60): "ومن أحيل بحقه على مليء فواجب عليه أن يحتال". (¬1) في "أ"، وفي "الصحيحين": "رسول الله". وجاء بالوجهين في نسخ "الصغرى". (¬2) أفلس: أي: صار ذا فلوس بعد أن كان ذا دراهم، والمراد: من كان دينه أكثر من ماله. (¬3) رواه البخاري (2402)، ومسلم (1559)، والترمذي (1262)، وأبو داود (3519). (¬4) رواه أبو داود (3520). (¬5) رواه أبو داود (3522)، وانظر "البلوغ" (864). (¬6) في الأصل كتب الناسخ: "متفق عليه"، ثم ضبب عليها، وكتب: "رواه البخاري وحده"، وأتبع ذلك بقوله: "صح"؛ ليبين أن ذلك الخطأ كان منه، وأن التعديل مرده إلى المصنف، ومما يدل على ذلك أنه ساق حديث جابر هذا بعد حديث واحد بلفظ مسلم ومعزوًا له، وهذه دلالة =

555 - عن أبي رَافعٍ قال: سمعتُ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - يقولُ: "الجارُ أحق بِصقبِهِ (¬1) ". خ (¬2). 556 - وعن جابرٍ قال: قضى رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - بالشُّفْعَةِ في كُلِّ شِرْكٍ لم يُقْسَمْ؛ رَبْعَةٍ، أو حَائطٍ، لا يَحِلُّ له أن يَبِيعَ حتى يُؤْذِنَ شَرِيكَهُ، فإن ¬

_ = أخرى على دقة المصنف رحمه الله في "العمدة الكبرى"، إذ كان أورد هذا الحديث في "الصغرى" (286) على أنه "متفق عليه"، وكنت بينت هناك ما في هذا العزو، ونقلت في ذلك كلام ابن الملقن في "الإعلام" (ج 3/ ق 66/ أ). "واعلم أن ابن الجوزي لما أخرج الحديث في "تحقيقه" من طريق أبي سلمة عن جابر. قال: انفرد بإخراجه البخاري. ولما أخرجه من طريق أبي الزبير عن جابر قال: انفرد به مسلم، وهذا هو التحقيق في العزو، وكأن المصنف أراد أن أصله في "الصحيحين" من حديث جابر وإن اختلفت الطريق إليه، فيتنبه لذلك". ثم وجدت في النسخة "أ" قال: "خ". والخلاصة أن صنيع المصنف هنا أدق وأصوب من صنيعه في "الصغرى" فهذا الحديث بهذا اللفظ رواه البخاري (2213). و"صرفت": بينت. وأما لفظه الآخر، فهو الآتي بعد حديث. (¬1) "السقب": بالسين المهملة، وأيضًا الصاد المهملة: القرب والملاصقة. (¬2) رواه البخاري (2258) من طريق عمرو بن الشريد، قال: "وقفت على سعد بن أبي وقاص فجاء المسور بن مخرمة، فوضع يده على إحدى منكبي، إذ جاء أبو رافع مولى النبي - صلى الله عليه وسلم -، فقال: يا سعد! ابتع مني بيتي في دارك. فقال سعد: والله ما أبتاعهما. فقال السور: والله لتبتاعنهما. فقال سعد: والله لا أزيدك على أربعة آلاف منجمة أو مقطعة. قال أبو رافع: لقد أعطيت بها خمسمائة دينار، ولولا أني سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: الجار أحق بسقبه ما أعطيتكها بأربعة آلاف وأنا أعطي بها خمسمائة دينار، فأعطاها إياه". ومنجمة أو مقطعة: المراد مؤجلة على أقساط معلومة.

8 - باب الوقف وغيره

شاءَ أخذَ، وإنْ شاءَ تَركَ، فإذا باعَ، ولم يُؤْذِنْهُ، فهو أحقُّ به. م (¬1). 557 - وعنه قالَ: قالَ رسولُ الله - صَلَّى الله عليه وسلم -: "الجَارُ أحقُّ بشُفْعَتِهِ، يُنْتَظَرُ به- وإنْ كان غَائِبًا- إذا كانَ طَرِيقُهُما واحدًا". ت وقال: حديث حسن صحيح (¬2). 8 - باب الوقف وغيره 558 (287) - عن عبد الله بنِ عُمر قال: أصابَ عُمرُ أرضًا بخيبرَ، فأتى النبيَّ - صَلَّى الله عليه وسلم - يَسْتَأْمِرُه فيها، فقال: يا رسولَ الله! إنَي أصبتُ أرضًا بخَيْبَرَ لم أُصِبْ مالًا قط هو أنفسُ (¬3) عِندي منه، فما تأمُرُني به؟ قال: "إنْ شِئْتَ حَبسْتَ أَصْلَها، وتصدَّقْتَ بها"، قال: فتصدقَ بها عمرُ (¬4): أنَّه لا يُباعُ أصْلُها، ولا يُبْتَاع (¬5)، ولا يُورَثُ، ولا يُوهَبُ (¬6). قال: فتصدَّقَ عمرُ في ¬

_ (¬1) رواه مسلم (1608) (134). (¬2) صحيح. رواه الترمذي (1369) وغيره، انظر "البلوغ" (903)، وكذا نقل الحافظ عبد الغني هنا عن الترمذي قوله: "حسن صحيح"، وفي "المطبوع": "غريب". وفي نسخة: "حسن غريب"، وهذا الأخير في "التحفة" (2/ 229)، وفي "التنقيح"، وقد أعل هذا الحديث بما لا يقدح، ولذلك صححه ابن عبد الهادي في "التنقيح" (3/ 58). (¬3) يعني: أجود. (¬4) هذه الجملة وقعت في الأصل: "فتصدق بها غيره، ولفظ: "بها" ألحق فيما بعد بين السطرين مع الإشارة إلى موضعه بين قوله: "فتصدق" وقوله: "غير" وأتبع بكلمة "صح". وأمَّا النسخة "أ" ففيها: "فتصدق غير" بدون لفظ: "بها". وفي "العمدة الصغرى" للمصنف: "فتصدق بها عمر غير". وما أثبته من "صحيح مسلم"؛ إذ السياق له. (¬5) في الأصل: "ولا تباع" والمثبت من "صحيح مسلم"، وهي ساقطة من "أ". (¬6) في الأصل: "ولا تورث، ولا توهب" بالتاء، والمثبت- بالياء- من "أ"، وهو الموافق لما في =

الفُقراءِ، وفي القُربى (¬1)، وفي الرِّقَابِ، وفي سَبِيلِ الله، وابنِ السَّبِيل، والضيْفِ، لا جُناحَ على مَنْ وَلِيها أن يأكُلَ منها بالمعرُوفِ، أو يُطْعِمَ صَدِيقًا غيرَ مُتَمَوِّلٍ فيه. - وفي لفظٍ: غيرَ مُتأثِّلٍ (¬2). 559 (288) - وعن عُمرَ رضي الله عنه، قال: حَمَلْتُ على فَرَس في سَبِيلِ الله، فأضَاعَهُ الذي كانَ عِنده، فأردتُ أن أشترِيَه، وظننتُ أنَّه يَبِيعَهُ بِرُخْصٍ، فسألتُ النبيَّ - صَلَّى الله عليه وسلم -؟ فقال: "لا تَشْتَرِه، ولا تَعُدْ في صَدَقَتِكَ وإنْ أعطَاكَهُ بدرهمٍ؛ فإنّ العَائِدَ في صَدَقتِهِ (¬3) كالعَائِدِ في قَيْئِهِ" (¬4). - وفي لفظٍ: "فإنّ الذي يَعُودُ في صَدَقَتِهِ، كالكلْبِ يعودُ في قَيْئِهِ" (¬5). 560 (289) - عن ابنِ عبّاسٍ؛ أن النبيَّ - صَلَّى الله عليه وسلم - قال: "العَائِدُ في هِبَتِهِ كالعَائِدِ في قَيْئِهِ" (¬6). - وفي لفظٍ: "ليسَ لنا مَثَلُ السَّوْءِ ... " (¬7). ¬

_ = "الصحيحين". (¬1) أي: قرابة عمر رضي الله عنه. (¬2) رواه البخاري (2737)، ومسلم (1632). و"غير متأثل": أي غير جامعٍ. (¬3) في "أ": "هبته" بدل: "صدقته"، وهي للبخاري في رواية (3003). (¬4) رواه البخاري (1490)، ومسلم (1620). (¬5) رواه البخاري (2623)، ومسلم (1620) بنحوه. (¬6) رواه البخاري (2621)، ومسلم (1622). (¬7) هذه الرواية في البخاري برقم (2622)، وهذه الرواية لم يشر لها الحافظ في "الصغرى".

561 (290) - عن النُّعمان بنِ بَشِير قال: تصدَّقَ عليَّ أبي ببعضِ مَالِهِ، فقالتْ أُمي؛ عَمْرةُ بنتُ رَواحة: لا أرضى حتى تُشْهِدَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فانطلَقَ أبي إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؛ لِيُشْهِدَهُ على صَدَقتِي. فقالَ له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أفعلتَ هذا بولَدِكَ كلهم؟ ". قال: لا. قال: "اتَّقُوا الله، واعدِلُوا في أولادِكم". فرجعَ أبي، فرَد تلك الصَّدقةَ (¬1). - وفي لفظٍ قال: "فلا تُشْهِدنِي إذًا؛ فإنَي لا أَشهدُ على جَوْرٍ" (¬2). - وفي لفظٍ: "فأشهِدْ على هذا غيرِي" (¬3). مُتَّفَقٌ على هذه الأحاديث 562 - عن عبد الله بنِ عُمر. وعبد الله بنِ عبّاسٍ رضي الله عنهما، يرفعانِ الحديثَ إلى النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا يَحِل لأحدٍ يُعطِي عَطِيّةً، فيرجعَ فيها، إلا الوَالِدُ فِيما يُعطِي وَلَدَهُ". د ت (¬4). زاد أبو داود: "ومَثَلُ الذي يُعطِي العَطِيةَ ثم يرجعُ فيهَا كمَثَلِ الكَلْبِ يأكلُ، فإذا شَبعَ قَاءَ، ثُمَّ عادَ في قَيْئِهِ" (¬5). ¬

_ (¬1) رواه البخاري (2587)، ومسلم - والسياق له- (1623) (13). (¬2) هذا اللفظ لمسلم (1623) (14)، وللبخاري (2650) نحوه. (¬3) هذا اللفظ لمسلم (1623) (17). (¬4) صحيح. رواه أبو داود (3539)، والترمذي (2132). (¬5) وهذه الزيادة أيضًا للترمذي، وقال: "هذا حديث حسن صحيح. قال الشافعي: لا يحل لمن وهب هبة أن يرجع فيها إلا الوالد، فله أن يرجع فيما أعطى ولده، واحتج بهذا الحديث".

9 - باب في الصلح وغيره

9 - باب في الصلح وغيره 563 - عن كثير بنِ عبد الله بن عَمرو بن عَوْفٍ، عن أبيه، عن جَدَهِ أنّ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "الصُّلْحُ جَائِزٌ بينَ الْمُسلِمين، إلَّا صُلحًا حرَمَ حلالًا، أو (¬1) أحَلَّ حرامًا، والمسلِمُونَ على شُرُوطِهم، إلَّا شَرْطًا حرَّم حلالًا، أو أحلَّ حرامًا". ق ت وقال: هذا حدِيثٌ حسنٌ صَحِيحٌ (¬2). 564 - عن جابر بنِ عبد الله، عن النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قال: "مَنْ أحيا أرضًا مَيْتَةً، فهي له". ت وقال: حدِيث حسنٌ صَحِيحٌ (¬3). 565 - عن سعيد بنِ زيدٍ، عن النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قال: "مَنْ أحيَا أرضًا مَيْتةً فهي له، وليسَ لعرقٍ (¬4) ظالم حقٌّ" ت وقال: هذا حدِيثٌ حسنٌ غرِيبٌ (¬5). 566 - عن رافع بنِ خَدِيجٍ؛ أنّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - قال: "مَنْ زَرعَ في أرضِ ¬

_ (¬1) في "أ": "و"، والمثبت من الأصل، وهو الموافق لما في "السنن". (¬2) صحيح بشواهده. رواه ابن ماجه (2353) - مختصرًا- والترمذي (1352) بتمامه، وانظر "بلوغ المرام" (876) بتحقيقي. (¬3) صحيح بشواهده. رواه الترمذي (1379). (¬4) "عرق" روي بالتنوين وبالإضافة. (¬5) صحيح بشواهده. رواه الترمذي (1378). وذكر الحافظ في "الفتح" (5/ 19) له شواهد، ثم قال: "وفي أسانيدها مقال، ولكن يتقوى بعضها ببعض". وقوله: "ليس لعرق ظالم حق": "هو أن يجيء الرجل إلى أرض قد أحياها رجل قبله، فيغرس فيها غرسًا غصبًا؛ ليستوجب به الأرض"، فسره ذلك هشام بن عروة، كما رواه الغوي في "شرح السنة" (8/ 230)، وهو الذي قاله ابن الأثير أيضًا في "النهاية" (3/ 219).

10 - باب المزارعة

قومٍ بغيرِ إذنِهم، فليسَ له مِن الزَّرْعِ شيءٌ، وله نفقتُه". ت وقال: حدِيثٌ حسنٌ غرِيبٌ (¬1). 10 - باب المزارعة 567 (291) - عن عبد الله بنِ عُمر رضي الله عنه؛ أنَّ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - عَامَلَ أهلَ خيبرَ (¬2) بشطرِ ما يخرجُ منها؛ من ثَمَرٍ، أو زَرْعٍ. مُتَفَقٌ عَلَيْه (¬3). ¬

_ (¬1) صحيح بطرقه. رواه الترمذي (1366)، وأبو داود (3403). وقال الحافظ في "البلوغ" (896): "حسنه الترمذي، ويقال: إن البخاري ضعَّفه". قلت: قال الخطابي في "المعالم" (3/ 82): "ضعفه البخاري أيضًا. وقال: تفرد بذلك شريك، عن أبي إسحاق". قلت: وكلام البخاري هذا لا يفهم منه تضعيف الحديث، وإنَّما هو صريح في تضعيف طريق من طرق الحديث، ولا أدل على ذلك ممَّا نقله الترمذي؛ إذ قال في "سننه" (3/ 648): "سألت محمد ابن إسماعيل عن هذا الحديث؟ فقال: هو حديث حسن. وقال: لا أعرفه من حديث أبي إسحاق إلَّا من رواية شريك". وقوى هذا الحديث بطرقه أبو حاتم، كما في "العلل" (1/ 475 - 476/ رقم 1427). (¬2) قال ياقوت: "خيبر: الموضع المذكور في غزاه النبي - صلى الله عليه وسلم -، وهي ناحية على ثمانية برد من المدينة لمن يريد الشام، يطلق هذا الاسم على الولاية، وتشتمل هذه الولاية على سبعة حصون، ومزارع، ونخل كثير، وأسماء حصونها: حصن ناعم، وعنده قتل مسعود بن مسلمة ألقيت عليه رحًى. والقموص حصن أبي الْحُقَيق. وحصن الشق. وحصن النطاة. وحصن السُّلالم، وحصن الوطيح، وحصن الكتيبة، وأمَّا لفظ (خيبر) فهو بلسان اليهود: الحصن". قلت: وقد أطال البكري في "المعجم" في وصف الطريق إليها من المدينة، ووصفها ووصف حصونها (1/ 521 - 524). وهي الآن مدينة كبيرة عامرة، وتبعد عن المدينة النبوية نحو (140) كيلًا. (¬3) رواه البخاري (2329)، ومسلم (1551). =

568 (292) - عن رافع بنِ خَدِيجٍ قال: كُنَّا أكثرَ الأنصارِ حَقْلًا، فكنا نُكْرِي الأرضَ على أنّ لنا هذه، ولهم هذه، فربما أخرجتْ هذه، ولم تُخْرجْ هذه، فنهانا عن ذلك، فأمّا بالوَرِقِ فلم يَنْهَنا. مُتَّفَقٌ عَلَيْه (¬1). - ولمسلمٍ. عن حنظلةَ بنِ قيس قال: سألتُ رافعَ بنَ خَدِيج عن كراءِ الأرضِ بالذَّهب والوَرِقِ؟ فقال: لا بأسَ به، إنَّما كانَ النَّاسُ يُؤاجِرُون على عهدِ النبيِّ - صَلَّى الله عليه وسلم -: بما على الْمَاذِيَانَاتِ، وأَقْبَالِ الجدَاوِلِ، وأشياءَ مِن الزَّرْعِ، فيَهْلِكُ هذا، ويسلَمُ هذا، ويسلَمُ هذا، ويَهْلِكُ هذا، ولم يكنْ للنَّاسِ كِرَاءٌ إلَّا هذا؛ فلِذَلِكَ زَجَرَ عنه، فأمّا شيءٌ معْلومٌ مَضْمونٌ فلا بأس به (¬2). ¬

_ = وفي هذا الحديث كما قال ابن القيِّم في "الزاد" (3/ 345 - 346): "جواز المساقاة والمزارعة بجزء ممَّا يخرج من الأرض من ثمر أو زرع، كما عامل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أهل خيبر على ذلك، واستمر ذلك إلى حين وفاته لم ينسخ البتة، واستمر عمل خلفائه الراشدين عليه، وليس هذا من باب المؤاجرة في شيء؛ بل من باب المشاركة، وهو نظير المضاربة سواء، فمن أباح المضاربة وحرم ذلك، فقد فرق بين متماثلين- وفي الحديث أيضًا- أنه دفع إليهم الأرض على أن يعملوها من أموالهم، ولم يدفع إليهم البذر، ولا كان يحمل إليهم البذر من المدينة قطعًا، فدل على أن هديه عدم اشتراط كون البذر من رب الأرض، وأنه يجوز أن يكون من العامل، وهذا كان هدى خلفائه الراشدين من بعده، وكما أنه هو المنقول فهو الموافق للقياس، فإن الأرض بمنزلة رأس المال في القراض، والبذر يجري مجرى سقي الماء، ولهذا يموت في الأرض، ولا يرجع إلى صاحبه، ولو كان بمنزلة رأس مال المضاربة لاشتُرطِ عودُه إلى صاحبه، وهذا يفسد المزارعة، فعلم أن القياس الصحيح هو الموافق لهدي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وخلفائه الراشدين في ذلك". (¬1) رواه البخاري (2327)، ومسلم- واللفظ له- (1547) (117). (¬2) رواه مسلم (1547) (116). وقال ابن حجر عقب هذا الحديث في "البلوغ" (907 بتحقيقي): "وفيه بيان لما أجمل في المتفق =

11 - باب العمرى والرقبى

حاشيةٌ (¬1): الماذيانات: الأنهار الكِبار. والجداولُ: الأنهارُ الصِّغَارُ. 11 - باب العُمْرى والرّقْبى (¬2) 569 (293) - عن جابر بنِ عبد الله، قال: قضَى النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - بالعُمْرى (¬3) لِمَنْ وُهِبَتْ له (¬4). - وفي لفظٍ: "مَنْ أُعْمِرَ عُمْرى له ولعقِبه، فإنّها للذي أُعْطِيَها، لا ترْجعُ إلى الذي أعطَاهَا؛ لأنَّه أعطى عطاءَ وقعتْ فِيه الموارِيثُ" (¬5). ¬

_ = عليه من إطلاق النَّهي عن كراء الأرض". (¬1) كذا بالأصل في صلب الكتاب، وبنفس خط الناسخ، ولا خلاف أن هذا التفسير من المصنف نفسه رحمه الله؛ لأنَّه أورده كذلك في "الصغرى"، ولكن دون لفظ: "حاشية". (¬2) "العمرى": بضم العين المهملة وسكون الميم مع القصر، وهو لفظ مشتق من العمر، وهو تمليك المنافع وإباحتها مدة العمر، وكانوا يفعلون ذلك في الجاهلية، فيعطي الرجل الرجل الدار، ويقول له: أعمرتك إياها، أي: أبحتها لك مدة عمرك، فمن أجل ذلك، قيل لها: عمرى. و"الرقبى": على وزن "عمرى"، وهي "فعلى" من المراقبة؛ لأنَّه كان يقول له: وهبت لك هذه الدار، فإن مت قبلي رجعت إليّ، وإن مت قبلك فهي لك، فكل واحد منهما يرقب موت صاحبه. • وروى أبو داود (3560) بسند صحيح عن مجاهد قال: العمرى أن يقول الرجل للرجل: هو لك ما عشت، فإذا قال ذلك فهو له ولورثته. والرقبى هو أن يقول الإنسان: هو للآخر؛ مني ومنك. (¬3) زاد البخاري: "أنها". (¬4) رواه البخاري- واللفظ له- (2625)، ومسلم (1625) (25)، ولفظه: "العمرى لمن وهبت له". (¬5) هذا اللفظ لمسلم (1625) (20).

- وقال جَابِرٌ: إنَّما العُمْرى التي أجازَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - أن يقولَ: هي لكَ ولعَقِبِكِ. فأمّا إذا قالَ: هي لكَ ما عِشْتَ، فإنَّها ترجعُ إلى صَاحِبِها (¬1) فتَفَق عَلَيْه. ¬

_ (¬1) وهذا لفظ مسلم أيضًا (1625) (23). قلت: هذا الحديث برواياته الأربع - الثلاثة الماضية والرابعة الآتية- ليس منها ما هو متفق عليه إلَّا الرواية الأولى فقط، والرابعة قد بين المصنف أنها لمسلم، وأمَّا الثَّانية والثالثة، فقد وهم رحمه الله في قوله عنهما: "متفق عليه". ثم رأيت ابن الملقن قال في "الإعلام" (ج 3/ ق 86/ ب) عن الرواية الأولى للحديث: "قال عبد الحق في جمعه بين الصحيحين: ولم يخرج البخاري عن جابر في العمرى غيره .. "، ثم قال: "وعجيب منه- يعني: عبد الغني- كونه عزا الأخير لمسلم؛ فإن ظاهره أن ماعداه في البخاري أيضًا، وقد علمت كلام عبد الحق فيه". قلت؛ قد تقدم تنبيهي على ذلك، ولكن في كلام عبد الحق الذي نقله ابن الملقن عنه ما يحتاج إلى التنبيه؛ إذ روى البخاري حديثًا آخر لجابر في العمرى، ففي "الصحيح": 2626 - حدثنا حفص بن عمر، حدّثنا همام، حدّثنا قتادة قال: حدثني النضر بن أنس، عن بشير ابن نهيك، عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "العمرى جائزة". وقال عطاء: حدثني جابر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مثله". أهـ. قلت: فهذا حديث آخر لجابر عند البخاري في العمرى، وفى بعض روايات البخاري: "نحوه"، بدل: "مثله". أي مثل حديث أبي هريرة. وقد رواه مسلم (1625) بلفظ: "العمرى جائزة"، وفي رواية من نفس الطريق: "العمرى ميراث لأهلها". فسألته أعلم بقتل ابن اللقن عن عبد الحق! ثم رأيت بعد ذلك عبد الحق قال في "الجمع بين الصحيحين" - وقد طبع- (2/ 567): "لم يخرج البخاري عن جابر في العمرى غير هذا الحديث، والحديث المقطوع الذي يأتي بعد هذا إن شاء الله". ثم ساق الحديث فقال: "البخاري. قال: قال عطاء: حدثني جابر، عن النبي - صَلَّى الله عليه وسلم - مثله، يعني مثل قوله: العمرى جائزة". قلت: وعذر ابن الملقن أن هذا الكلام غير موجود في بعض نسخ "الجمع"، ولكن في قول عبد =

12 - باب العارية وغيرها

- وفي لفظٍ لمسلمٍ: "امْسِكُوا عليكُم أموالَكُم، ولا تُفْسِدُوها؛ فإنَّه مَنْ أَعْمَرَ عُمْرى، فهي للذي أُعْمِرَها- حيًّا وميتًا- ولعقِبِهِ" (¬1). 570 - وعن جابرٍ قال: قالَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "العُمْرى جَائِزةٌ لأهلِها والرُّقْبى جائزة لأهلها". د ت وقال: حدِيثٌ حسنٌ (¬2). 571 - عن زيد بنِ ثَابِتٍ قال: قالَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ أَعْمَرَ شيئًا فهو لِمُعْمَرِهِ مَحْيَاهُ ومماتَهُ، ولا تُرْقِبوا، فمَنْ أَرْقَبَ شيئًا فهو سَبِيلُه". د (¬3). 12 - باب العارية (¬4) وغيرها 572 - عن أبي أُمامةَ قال: سمِعتُ رسولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يقولُ في خُطبتِه؛ عام حجّة الوَدَاع: "العَارِيَةُ مُؤدَّاةٌ، والزَّعِيمُ غَارِمٌ، والدَّينُ مَقْضِيٌّ". د ت ق (¬5). ¬

_ = الحق: "الحديث المقطوع" - إن صحت هذه النسخة المطبوعة- يريد المعلِّق وهمٌ، إذ هو متصل كما قال الحافظ في "الفتح" (5/ 240)، وقائل: (قال عطاء) هو قتادة. (¬1) رواه مسلم (1625) (26). (¬2) رواه أبو داود (3558)، والترمذي (1351) من طريق أبي الزبير عن جابر، وقد عنعنه. (¬3) حسن. رواه أبو داود (3559). (¬4) العارية: بتشديد الياء وتخفيفها، وهي إباحة المنافع من دون ملك العين. (¬5) صحيح بشواهده. رواه أبو داود (3565) وزاد: "والمنحة مردودة"، ورواه ابن ماجه (2405) دون العارية، وهي عنده- مع زيادة أبي داود- (2398) دون باقيه. ورواه الترمذي (1265) باللفظ الذي ذكره الحافظ عبد الغني. وله شاهد محمد أحمد (5/ 293) بد صحيح عمّن سمع النبي - صَلَّى الله عليه وسلم - يقول: "ألا إن العارية مؤداة، والمنحة مردودة، والدين مقضي، والزعيم غارم". وشاهد آخر يأتي بعد حديثين، وانظر (586).

573 - وعن الحسنِ، عن سَمُرة، عن النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قال: "علي اليدِ ما أخذَتْ حَتَّى تُؤدِّي". قالَ قتادةُ: ثم نسِي الحسنُ، فقال: هو أَمِينُك لا ضَمَانَ عليه. يعني: العارِيَة. د ق ت (¬1) وقال فيهما: حدِيثٌ حَسَنٌ. 574 - وعن صَفْوانَ بنِ أميّة؛ أنّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - استَعَارَ مِنه أَدْراعًا يومَ حُنينٍ، فقال: أَغَصْبٌ يا محمدُ؟ قال: "بل عَارِيةٌ مَضْمُونةٌ". د (¬2). 575 - وعن أنس بنِ مالكٍ قال: سمعتُ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - يقولُ: "العَارِيَةُ مُؤْدَّاةٌ، والْمِنْحةُ مردُودةٌ". ق (¬3). 576 - عن عائشةَ رضي الله عنها قالت: قالَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "إنَّ أطيبَ ما أكلْتُم مِن كَسْبِكم، وإنّ أولادَكُم مِن كَسْبِكم". ت وقال: هذا ¬

_ (¬1) ضعيف. رواه أبو داود (3561)، وابن ماجة (2400)، والترمذي (1266)؛ والحسن - وهو البصري - مدلس، وقد عنعنه. وحاول بعضهم إثبات سماع الحسن من سمرة، وليس هذا محل البحث، وإنما البحث بحث التدليس، وهو هنا لم يصرح بالسماع من سمرة. وقد قال الذهبي في "السير" (4/ 588): "قال قائل: إنما أعرض أهل الصحيح عن كثير مما يقول فيه الحسن: عن فلان. وإن كان مما قد ثبت لقيه فيه لفلان المعين؛ لان الحسن معروف بالتدليس، ويدلس عن الضعفاء، فيبقي في النفس من ذلك، فإننا وإن ثبتنا سماعه من سمرة، يجوز أن يكون لم يسمع فيه غالب النسخة التي عن سمرة. والله أعلم". (¬2) صحيح. رواه أبو داود (3562)، وانظر ص (220). و"العارية المضمونة": هي التي تضمن إن تلفت بالقيمة. وقد تقدم بيان موضع "حنين" ص (219). (¬3) صحيح رواه ابن ماجة (2406)، وهو أحد شواهد الحديث السابق قبل حديثين. و"العارية المؤداة": هي التي يجب تأديتها مع بقاء عينها، فإن تلفت لم تضمن بالقيمة.

13 - باب اللقطة

حديِثٌ حسنٌ (¬1). 577 (294) - عن أبي هُريرة رضي الله عنه؛ أنَّ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - قال "لا يمنعنَّ جَارٌ جَارَه أن يَغْرِزَ خَشَبَهُ (¬2) في جدارِه"، ثم يقولُ أبو هُريرة: ما لي أراكُم عنها مُعْرِضين، والله لأرْمِينَّ بها بين أكتافِكم. مُتَّفَقٌ عَلَيْه (¬3). 578 - عن عَمرو بنِ شُعيب، عن أبيه، عن جَدِّه قال: جاءَ رجلٌ إلى النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - فقال: إنّ أبي اجتَاحَ مالي. فقال: "أنتَ ومَالُكَ لأبِيك؛ إنّ أولادَكُم من أَطْيبِ كَسْبِكُم، فكُلُوا مِن أَمْوالِهم". ق د نحوه (¬4). 579 - عنْ جابر بنِ عبد الله؛ أن رجُلًا قال يا رسولَ الله! إن لي مالًا وولَدًا، وَإِن أبي يُرِيدُ أن يَجْتَاحَ مالي. فقال: "أنتَ ومَالُكَ لأَبِيكَ". ق (¬5). 13 - باب اللقطة 580 (296) - عن زيد بنِ خَالدٍ الجُهنيّ قال: سُئِلَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - ¬

_ (¬1) صحيح. رواه الترمذي (1358)، وفي "السنن": "حسن صحيح". وللحديث شواهد. (¬2) كذا الأصل بالجمع، وقد رويت هذه اللفظة بالجمع والإفراد، وهي في "أ" بالإفراد. (¬3) رواه البخاري (2463)، ومسلم (1609). وزاد المصنف - رحمه الله - في "الصغرى" حديثًا واحدًا، وهو: 295 - عن عائشةَ رضي الله عنها؛ أن رسولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قال: "مَنْ ظَلَمَ قِيدَ شبرٍ من الأرضِ طُوِّقه من سبعِ أرَضِينَ". (رواه البخاري: 2453. ومسلم: 1612). (¬4) حسن صحيح. رواه ابن ماجه (2292)، وأبو داود (3530)، وانظر ما تقدم قبل حديث. (¬5) صحيح. رواه ابن ماجة (2291)، وانظر ما قبله.

عن اللُّقَطَةِ (¬1)؛ الذَّهَبِ أو الوَرِقِ؟ فقال: "أَعْرِفْ وِكَاءَها وعِفَاصَها، ثم عَرِّفْها سنةً، فإنْ لم تُعْرَفْ فاستَنْفِقْها، ولتكُن وديعةً عِندك، فإنْ جاءَ طَالِبُها يومًا مِن الدَّهرِ، فَأدِّها إليه". وسألَه عن ضَالةِ الإِبل؟ فقال: "مالكَ ولها؟ دَعْها؛ فإنّ معها حِذاءَها وسِقَاءَها، ترِدُ الماءَ، وتأكلُ الشَّجَرَ حتى يجدَها ربُّها". وسألَه عن الشَّاةِ؟ فقال: "خُذْها؛ فإنَّما هي لكَ، أو لأَخِيكَ، أو للذئبِ". مُتَّفَقٌ عَلَيْه (¬2). 581 - عن عمرو بنِ شُعيبٍ، عن أبيه، عن جَدِّه قال: سُئِلَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - عن اللُّقَطَةِ؟ فقال: "ما كان مِنها في طريقِ الْمِيتَاءِ (¬3) والقَريةِ الجامعةِ فعرِّفُوها (¬4) سنةً، فإدن جاءَ طالِبُها فادفَعْها إليه، وإنْ لم يأتِ فهي لكَ، وما ¬

_ (¬1) "بضم اللام وفتح القاف: اسم المال الملقوط، أي: الموجود. والالتقاط: أن يعثر علي الشيء من غير قصد ولا طلب". "النهاية". (¬2) رواه البخاري (91)، ومسلم - والسياق له - (1722) (5). و"وكاءها": الخيط يشد به العفاص. و"العفاص": الوعاء تكون فيه النفقة. و"حذاءها": خفها. و"سقاءها": جوفها. وفي هذا تنبيه من النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى أن الإبل غير محتاجة إلى الحفظ بما ركب الله في طباعها من الجلادة علي العطش، وتناول الماء بغير تعب؛ لطول عنقها، وقوتها علي المشي. (¬3) أي: الطريق المسلوك، وفي رواية النسائي: "طريق مأتيّ". (¬4) في "أ": "فعرفها".

14 - باب الوصايا

كانَ في الخَرَابِ، ففيها وفي الرِّكازِ: الخُمُسُ". د س (¬1). 582 - عن جابر بنِ عبد الله قال: رخَّصَ لنا رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - في العَصَا، والسَّوْطِ، والحبل، وأشباهِهِ؛ يلتقطُه الرجل ينتفعُ به. د (¬2). 583 - عن عبد الرحمن بنِ عُثمان التَّيميّ؛ أنَّ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - نهى عن لُقَطَةِ الحاج. قال ابنُ وهبٍ (¬3): يعني: يتركها حتَّى يجدها صاحبُها. د (¬4). 14 - باب الوصايا 584 (297) - عن عبد الله بنِ عمر رضي الله عنهما؛ أنَّ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "ما حقُّ امرئٍ مُسلِمٍ - له شيءٌ يُوصِي فيه (¬5) - يَبيتُ ليلتينِ، إلا ووصيتُه مكتوبةٌ عِنده". مُتَّفَقٌ عَلَيْه (¬6). ¬

_ (¬1) حسن. رواه أبو داود (1710)، والنسائي (5/ 44). (¬2) ضعيف. رواه أبو داود (1717) من طريق المغيرة بن زياد، عن أبي الزبير، عن جابر به. وأشار أبو داود إلى إعلاله لرواية المغيرة بن مسلم، عن أبي الزبير، عن جابر موقوفًا. وأفصح عن ذلك البيهقي، فقال في "الكبرى" (6/ 195): "في رفع هذا الحديث شك". قلت هو ضعيف مرفوعًا وموقوفًا؛ لانه من رواية أبي الزبير - وهو مدلس - عن جابر. (¬3) هو: "عبد الله بن وهب بن مسلم القرشي مولاهم، أبو محمد المصري، الفقيه، ثقة، حافظ عابد، من التاسعة، مات سنة سبع وتسعين، وله اثنتان وسبعون سنة. ع". أهـ. "التقريب". (¬4) صحيح. رواه أبو داود (1719). قلت: والحديث عند مسلم (1724) بنفس السند والمتن، دون قول ابن وهب. (¬5) في "أ": "به". (¬6) رواه البخاري (2738)، ومسلم (1627).

- زاد مُسْلمٌ: قال ابنُ عُمر؛ ما مرّتْ عليّ ليلةٌ منذُ سمعتُ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - يقول ذلك إلا وعِندي وصِيّتي (¬1). 585 (298) - عن سعد بنِ أبي وقّاص رضي الله عنه قال: جاءَني رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - يعودُني - عام حجّة الوداع - من وجعٍ اشتدّ بي. فقلتُ: يا رسولَ الله! قد بلغَ بي من الوجعِ ما تَرى، وأنا ذُو مالٍ، ولا يرِثُني إلا ابنةٌ، أفأتصدَّقُ بثُلثي مَالي؟ قال: "لا". قلتُ: فالشطرُ يا رسولَ الله؟ قال: "لا". قلتُ: فالثُّلثُ؟ قال: "الثُّلثُ. والثُّلثُ كَثِيرٌ - أو كَبِيرٌ - إنّكَ إِنْ تذَرْ ورثَتَكَ أغنياءَ خيرٌ مِن أنْ تذرَهُم عالةً يتكفَّفُونَ الناسَ، وإِنَّك لن تُنْفِقَ نفقةً تبتغِي بها وجهَ الله إلا أُجِرْتَ بها، حتى ما تجعلُ في فِيّ امرأتِكَ". قال: فقلتُ: يا رسولَ الله أُخَلّفُ بعدَ أصحَابي؟ قال: "إنّكَ لن تُخلَّفَ، فتعملَ عملًا تبتغِي به وجْهَ الله إلا ازددتَ به درجةً ورِفْعَةً، ولَعَلّكَ أن تُخَلَّفَ حتى ينتفعَ بك أقوامٌ، ويُضَرَّ بك آخرُونَ. اللهمّ! امضِ لأصحَابِي هِجْرتَهم، ولا تردَّهم علي أعقَابِهم. لكنِ ¬

_ (¬1) رواه مسلم (1627) (4).

البائسُ (¬1) سعدُ بنُ خولة! " يرثي له رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - أنْ ماتَ بمكّة. مُتَّفَقٌ عَلَيْه (¬2). 586 - عن أبي أُمامة قال: سمعتُ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - يقولُ: "إنّ الله قد أعطَى كُلَّ ذِي حَقِّ حقَّه، فلا وصيّةَ لوارِثٍ". د (¬3). ¬

_ (¬1) سها ناسخ "أ" فأضاف "الفقير"! (¬2) رواه البخاري (1295)، ومسلم (1628). وزاد المصنف - رحمه الله - في "الصغرى" حديثًا واحدًا، وهو: 299 - عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: لو أنَّ الناسَ غَضُّوا من الثلث إلى الرُّبعِ؛ فإنّ رسولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قال: "الثلثُ، والثلثُ كثيرٌ". (رواه البخاري: 2743. ومسلم: 1629). (¬3) صحيح بشواهده. رواه أبو داود (2870)، ورواه - أيضًا - الترمذي (2120)، وابن ماجة (2713)، وقال الترمذي: "حديث حسن صحيح". ورواه أبو داود برقم (3565) بإسناده ومتنه سواء، إلا أنه زاد: "ولا تنفق المرأة شيئًا من بيتها إلا بإذن زوجها. فقيل: يا رسول الله! ولا الطعام؟ قال: ذاك أفضل أموالنا، ثم قال: العارية مؤداة، والمنحة مردودة، والدين مقضي، والزعيم غارم"، وانظر (572). وهذه الزيادة للترمذي - أيضًا - وعنده قبلها: "الولد للفراش، وللعاهر الحجر، وحسابهم علي الله ومن ادعى إلى غير أبيه، أو انتمى إلى غير مواليه، فعليه لعنة الله التابعة إلى يوم القيامة".

8 - كتاب الفرائض

8 - كتاب الفرائض 587 (300) - عن ابنِ عبّاس رضي الله عنه؛ أنّ (¬1) النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - قال: "أَلْحِقُوا الفَرائِضَ (¬2) بأهلِها، فمَا بقِي فهُو لأَوْلَى (¬3) رجُلٍ ذَكَرٍ" (¬4). - وفي لفظٍ: "أَقْسِمُوا المالَ بينَ أهلِ الفَرائِضِ علي كتابِ الله [عز وجل] (¬5)، فما تركَتِ الفَرَائِضُ فلأَوْلَى رجُلٍ ذَكَرٍ" (¬6). مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. 588 (301) - عن أُسامةَ بنِ زيدٍ قال: قلتُ: يا رسولَ الله! أتنزِلُ غدًا في دارِكَ بمكّةَ؟ قال: "وهلْ تركَ لنا عَقِيلٌ (¬7) مِن رِبَاعٍ؟ "، ثم قال: "لا يَرِثُ الكَافِرُ المسلِمَ، ولا المسلِمُ الكَافِرَ". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ (¬8). ¬

_ (¬1) في "أ": "عن". (¬2) الفرائض: جمع فريضة، وهي الأنصاب المنصوص عليها في كتاب الله عز وجل، وهي ستة، وهي: النصف، والربع، والثمن، والثلثان، والثلث، والسدس. (¬3) قوله: "لأولى"، المراد به الأقرب لا الأحق، وفي رواية لمسلم: "لأدنى" علي ما قال القاضي عياض. (¬4) رواه البخاري (6732)، ومسلم (1615) (2). (¬5) زيادة من "أ". (¬6) هذا اللفظ رواه مسلم (1615) (4). (¬7) هو: عقيل ابن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم القرشي الهاشمي، شهد بدرًا مع المشركين مكرهًا، ثم أسلم قبل الحديبية، وشهد غزوة مؤتة، وكان من أنسب قريش، وأعلمهم بآبائها. قيل: مات في خلافة معاوية بعدما عمي. (¬8) رواه البخاري، وانظر رقم (1588) وأطرافه، ومسلم (1351)، وانظر مسلم (1614) أيضًا. ولكن ليعلم أن الحديث ليس عندهما بنفس السياق الَّذي أورده الحافظ عبد الغني رحمه الله. =

589 - عن هُزَيلِ بنِ شُرَحْبِيل الأَوْديّ (¬1) قال: جاءَ رجلٌ إلى أبي مُوسى الأَشْعريّ (¬2) وسَلْمان بنِ ربيعة (¬3)، فسألَهُما عن ابنةٍ، وابنة ابنٍ، وأختٍ لأبٍ وأمٍ؟ فقالا: للابنةِ النِّصْفُ، وللأُختِ للأبِ والأم النِّصفُ، ولم يورِّثا ابنةَ الابنِ شيئًا، وائتِ ابن مسعودٍ؛ فإنّه سيُتَابِعُنا، فأتاهُ الرجلُ، فسألَهُ وأخبرَه بقولِهما؟ فقال: لقد ضللتُ إذًا ومَا أنا من الْمُهتدِين (¬4)، ولكن أقضِي فيها بقضاء النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -: لابنَته (¬5) النِّصفُ، ولابنَة الابن سَهْمٌ (¬6)؛ تكمِلة الثُّلثَينِ، وما بقِي فللأُختِ من الأبِ والأمِّ. خ د ت وقال: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ (¬7). ¬

_ = وقوله: "وهل ترك لنا عقيل من رباع" سببه أن أبا طالب لما مات لم يرثه عليّ ولا جعفر، وورثه عقيل وطالب؛ لان عليًّا وجعفرًا كانا مسلمين حينئذٍ، فلم يرثا أبا طالب". قاله ابن دقيق العيد "الإحكام" (4/ 17 - 18). و"الرباع": جمع "ربع"، وهو المنزل. (¬1) كوفي، ثقة، مخضرم، روى له الجماعة سوى مسلم. (¬2) زاد النسائي في "الكبرى" (4/ 70): "وهو الأمير". قلت. كان أبو موسى أميرًا علي الكوفة من قبل عثمان بن عفان رضي الله عنهما. (¬3) ليس في رواية البخاري ذكر "سلمان"، وهو: سلمان بن ربيعة الباهلي، يقال: له صحبة، ولاه عمر بن الخطاب رضي الله عنه قضاء الكوفة، ثم ولي غزو أرمينية في خلافة عثمان، فقتل بِبَلَنْجَر. (¬4) يعني بذلك ابن مسعود رضي الله عنه فيما إذا ترك سنة النبي - صلى الله عليه وسلم -، وأخذ باجتهاد أبي موسى - رضي الله عنه - المخالف لهذه السنة، فليفق المقلدة؛ أتباع المذاهب الفقهية!! (¬5) هذا لفظ أبي داود، ولفظ البخاري والترمذي: "للابنة". (¬6) هذا اللفظ لأبي داود فقط، وأما البخاري والترمذي والنسائي وابن ماجه، فلفظهم: "السدس"، وهما واحد. (¬7) رواه البخاري (6736)، وأبو داود - والسياق له - (2890)، والترمذي (2093). =

590 - عن قَبِيصه بنِ ذُؤيبٍ (¬1)؛ أنّه قال: جاءتِ الجدّة إلى أبي بكرٍ الصِّديق تسأله ميراثَها؟ فقال: مالَكِ في كتابِ الله شيءٌ، وما علِمْتُ لكِ في سُنّةِ نبيِّ الله - صلى الله عليه وسلم - شيء، فارجِعي حتَّى أسألَ النَّاسَ، فسألَ النَّاسَ؟ فقال المغيرة بن شُعبة: حضرت رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - أعطَاها السُّدسَ. فقال أبو بكرٍ: هل معكَ غيرُك؟ فقام محمد بن مَسْلَمةَ، فقالَ مِثْلَ ما قالَ المغيرة بنُ شعبة، فأنفذَه لها أبو بكرٍ. ثمّ جاءتِ الجدّةُ الأخرى إلى عمرَ بنِ الخطَاب رضي الله عنه تسألُه ميراثَها؟ فقال: مَالَكِ في كتابِ الله [عز وجل] (¬2) شيءٌ، وما كانَ القضاءُ الَّذي قضِي به إلا لغيرِكِ، وما أنا بزائدٍ في الفرائضِ، ولكن هُو ذاكَ السُّدسُ، فإنِ اجتمعْتُما فِيه فهو بينكما، وأَيَّتُكُمَا (¬3) خَلَتْ به، فهُو لها. د ت. وقال: حدِيثٌ حسنٌ صَحِيحٌ (¬4). ¬

_ = وزاد البخاري: "فأتينا أبا موسى، فأخبرناه بقول ابن مسعود، ففال: لا تسألوني ما دام هذا الحبر فيكم". وفي الحديث: أن الحجة عند التنازع سنة النبي - صلى الله عليه وسلم -، فيجب الرجوع إليها، وفيه ما كان عليه السلف الصالح من الإنصاف والاعتراف بالحق والرجوع إليه، وشهادة بعضهم لبعض بالعلم والفضل، وكثرة اطلاع ابن مسعود علي السنة، وتثبت أبي موسى في الفتيا حيث دل علي من ظن أنه أعلم منه. انظر "الفتح" (12/ 17 - 18). (¬1) قال عنه ابن حجر في "التقريب": "مدني، نزيل دمشق، من أولاد الصحابة، وله رؤية، مات سنة بضع وثمانين. ع". (¬2) زيادة من "أ". (¬3) تحرف في الأصل إلى: "أيكما". (¬4) ضعيف. رواه أبو داود (2894)، والترمذي (2101)، في سنده انقطاع؛ إذ لا يصح =

599 - وعن عبد الله بنِ مَسْعُودٍ، قالَ في الجدَّةِ مع ابنِها: إنَّها أوَّلُ جَدَّةٍ أطعَمَها رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - سُدُسًا مع ابنِها، وابنُها حَيُّ. ت (¬1) (¬2). 592 - عن جابر بنِ عبد الله قال: جاءتِ امرأةُ سعد بنِ الرَّبيع بابنتَيها مِن سعدٍ إلى رسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم -، فقالتْ: يا رسولَ الله! هاتانِ ابنتا سعدِ بنِ الرَّبيع، قُتِلَ أبُوهُما معكَ يومَ أحُدٍ شَهِيدًا، وإنّ عمّهُمَا أخذَ مالَهما، فلم يدعْ لهمَا مالًا، ولا يُنْكَحَانِ (¬3) إلا ولهُما مالٌ! قال: "يقْضِي الله في ذلكَ". فنزلتْ آيةُ الميراثِ، فبعثَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - إلى عمِّهما، فقال: "أعطِ ابنتَي سعدٍ الثُّلثَيْنِ، وأعطِ أمَّهما الثُمُنَ، وما بقِي فهو لكَ". ¬

_ = سماع لقبيصة من أبي بكر رضي الله عنه، وأيضًا قد اختلف في إسناده، وأعله ابن حزم وعبد الحق والدارقطني. قال ابن حجر في "التلخيص" (3/ 82): "صورته مرسل؛ فإن قبيصة لا يصح له سماع الصديق، ولا يمكن شهوده للقصة - قاله ابن عبد البر بمعناه - وقد اختلف في مولده، والصحيح أنه ولد عام الفتح، فيبعد شهوده القصة، وقد أعله عبد الحق - تبعًا لابن حزم - بالانقطاع، وقال الدارقطني في "العلل" بعد أن ذكر الاختلاف فيه عن الزهري: يشبه أن يكون الصواب قول مالك ومن تابعه". قلتُ: ونقل المصنف عن الترمذي قوله: "حسن صحيح"، نقله أيضًا المزي في "التحفة" (8/ 361)، وإن خلت منه السنن المطبوعة، أو تحرف في بعض النسخ. (¬1) في "أ": "د" بدل: "ت"، وهو غلط. والله أعلم. (¬2) ضعيف. رواه الترمذي (2102)، وفي سنده محمد بن سالم، وهو "ضعيف"، كما في "التقريب"، وقال الترمذي: "هذا حديث غريب لا نعرفه مرفوعًا إلا من هذا الوجه، وقد ورَّث بعض أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - الجدة مع ابنها، ولم يورثها بعضهم". وأعله البيهقي في "الكبرى" (6/ 226)، فقال: "تفرد به محمد بن سالم، وهو غير محتج به". (¬3) كذا في الأصل بالياء، وفي "أ" بغير إعجام، وفي "السنن": "تنكحان" بالتاء.

د ت (¬1). 593 - عن عليًّ رضي الله عنه، قال: إنَّكم تقرءون هذه الآية: {مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ} [النساء: 12]، وإِنّ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - قضى بالدَّينِ قبلَ الوصيّةِ، وإن أعيانَ بني الأمِّ (¬2) يتوارَثُون دُون بني العَلَّاتِ (¬3)، الرجلُ يرِثُ أخاه لأبِيه وأمِّه دون أخِيه لأبِيه. (¬4). 594 - عن عِمْران بنِ حُصَين قال: جاءَ رجُلٌ إلى النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فقال: ¬

_ (¬1) حسن. رواه أبو داود (2892)، والترمذي (2099)، من طريق عبد الله بن محمد بن عقيل، عن جابر به. وقال الترمذي: "حديث صحيح لا نعرفه إلا من حديث عبد الله بن محمد بن عقيل". قلت: وهو حسن الحديث للخلاف المعروف فيه، وقد سبقت ترجمته عند الحديث رقم (3). تنبيه: وقع في رواية لأبي داود (2891): "بنتا ثابت بن قيس"، وهي خطأ كما قال أبو داود. (¬2) "أعيان بني الأم": هم الأخوة الأشقاء. (¬3) و"بنو العلات": هم الأخوة لأب. (¬4) إِسناده ضعيف. رواه الترمذي (2094) من طريق الحارث الأعور، عن عليٍّ به، وقال: "هذا حديث لا نعرفه إلا من حديث أبي إسحاق، عن الحارث، عن عليًّ، وقد تكلم بعض أهل العلم في الحارث، والعمل على هذا الحديث عند عامة أهل العلم". قلت: بل كذبه الشعبي وغيره، ولذا فلا ينفعه قول ابن كثير في "التفسير": "لكن كان حافظًا للفرائض، معتنيًا بها، وبالحساب". وقال البخاري في "الصحيح" (5/ 377/ فتح): "ويذكر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قضى بالدين قبل الوصية". وسلم الحافظ بضعف إسناده، ثم قال: "كأن البخاري اعتمد عليه لاعتضاده بالاتفاق على مقتضاه وإلا فلم تجر عادته أن يورد الضعيف في مقام الاحتجاج به". وقال ابن كثير: "أجمع العلماء من السلف والخلف على أن الدين مقدم على الوصية، وذلك عند إمعان النظر يفهم من فحوى الآية الكريمة".

إنّ ابنَ ابني ماتَ، فَمَا لِي مِن مِيراثِهِ؟ فقال: "لكَ السُّدُسُ". فلمَّا ولَّى دعَاهُ. قال: "لكَ سُدُسٌ آخر". فلمّا ولّى دعاه. قال: "إنّ السُّدُسَ الآخرَ طُعْمَةٌ". وقالَ: حديثٌ حسنٌ صَحِيحٌ (¬1). - زاد أبو داود: قالَ قتادةُ: فلا يَدْرُونَ مع أيِّ شيءٍ ورثَّهُ (¬2). 595 - عن أبي أُمامة بنِ سَهْل بنِ حُنَيْفٍ، قال: كَتَبَ معي عمر بنُ الخطَاب إلى أبي عُبيدة؛ أنَّ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "الله ورسُولُه مَوْلى مَنْ لا مَوْلى له، والخالُ وارِثُ مَنْ لا وَارِثَ له". وقال: حدِيثٌ حسنٌ (¬3). 596 - وعن اِلْمِقْدامِ الكِنْدي قالَ: قالَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ تركَ كَلّا (¬4) فإليّ - وربما قال: إلى اللهِ وإلى رسُولِهِ- ومَن تركَ مالًا فلورَثَتِهِ، ¬

_ (¬1) ضعيف. رواه أبو داود (2896)، والترمذي (2099) من طريق قتادة، عن الحسن، عن عمران به. وأعله الحافظ في "البلوغ" (949 بتحقيقي)، فقال: "وهو من رواية الحسن البصري، عن عمران، وقيل: إنه لم يسمع منه". قلت: جزم بذلك أبو حاتم في "الجرح والتعديل" (1/ 2/ 41). (¬2) وزاد أيضًا: "قال قتادة: أقل شيء ورث الجد السدس". (¬3) صحيح. رواه التر مذي (2103)، وفي "السنن": "حسن صحيح". قلت: حسن باعتبار سنده، صحيح بشاهده التالي. (¬4) بفتح الكاف وتشديد اللام، أي: ثقلًا. وهو يشمل الدَّيْن والعيال، والمعنى: إن ترك الأولاد فإليّ ملجأهم، وأنا كافلهم، وإن ترك الدين فعليّ قضاؤه. قاله في "عون المعبود".

وأنا وارِثُ مَنْ لا وَارِثَ له، أعقِلُ عنه وأَرِثُهُ، والخَالُ وَارِثُ مَنْ لا وَارِثَ له [يَعْقِلُ عَنْه، وَيَرثُه] (¬1) ". (¬2). 597 - عن وَاثِلةَ بنِ الأَسْقَع قال: قالَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "المرأة تحوزُ (¬3) ثَلاثَ مَوارِيثَ: عتِيقَها، ولَقِيطَها، وولدَها الذي لاعَنَتْ عليه". د ت. وقال: حدِيثٌ حسنٌ غرِيبٌ (¬4). 598 - عن عبد الله بنِ عَمْرو قال: جَعَلَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - مِيْراثَ ابنِ الملاعنةِ لأُمِّه، ولورَثتِها مِن بعدِها. (¬5). 599 - عن عبد الله بنِ عَمْروٍ قال: قالَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "لا يَتَوَارَثُ ¬

_ (¬1) زيادة من "أ"، وهي في "السنن". (¬2) صحيح. رواه أبو داود (2899 و 2900)، وانظر "البلوغ" (951). (¬3) هذا لفظ الترمذي، وعند أبي داود: "تحرز"، وهما بمعنى. (¬4) ضعيف. رواه أبو داود (2906)، والترمذي (2115) - وأيضًا النسائي في "الكبرى" (6326 و 6327 و 6387)، وابن ماجه (2742) - من طريق محمد بن حرب، حدثنا عمر بن رؤبة التغلبي، عن عبد الواحد بن عبد الله النصري، عن واثلة، به. وقال الترمذي: "حديث حسن غريب، لا يعرف إلا من هذا الوجه من حديث محمد بن حرب". قلت: عمر بن رؤبة قال عنه البخاري: "فيه نظر"، وقال أبو حاتم: "صالح الحديث" ولا تقوم به حجة"، وقال ابن عدي (5/ 1707): "أنكروا عليه أحاديثه عن عبد الواحد النصري". وقال البيهقي في "السنن" (6/ 240) عن هذا الحديث: "هذا غير ثابت". (¬5) صحيح. رواه أبو داود (2908) من طريق عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، وهو سند حسن. ولكن جاء في البخاري (4746)، ومسلم (1492) عن سهل بن سعد الأنصاري رضي الله عنه؛ أنه قال: "جرت السنة أنه يرثها، وترث منه ما فرض الله لها".

باب الولاء

أهلُ مِلّتَيْنِ شَتَّى" [د] (¬1) (¬2). 600 - عن أبي هُريرة رضي الله عنه، عن النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قال: "إذَا اسْتَهَلَّ المولُودُ وُرِّثَ". د (¬3). باب الولاء 601 (302) - عن عبدِ الله بنِ عُمر؛ أنّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - نهى عن بيعِ الوَلاءِ وَهِبَتِهِ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ (¬4). 602 (303) - عن عَائِشةَ رضي الله عنها؛ أنها قالتْ: كانَ في بَرِيرةَ (¬5) ثلاثُ سُننٍ: خُيِّرتْ على زَوْجِها (¬6) حِين عَتَقَتْ، وأُهدِيَ لها لَحْمٌ فدخلَ عليَّ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - والبُرْمَةُ (¬7) على النَّارِ، فدعَا بطَعَامٍ، فأُتي بخبزٍ ¬

_ (¬1) زيادة من "أ". (¬2) حسن. رواه أبو داود (2911)، والنسائي في "الكبرى" (4/ 82)، وابن ماجه (2731)، من طريق عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده. (¬3) صحيح لغيره. رواه أبو داود (2920) من طريق محمد بن إسحاق، عن يزيد بن عبد الله بن قسيط، عن أبي هريرة، به. وابن إسحاق مدلس، وقد عنعن. ولكن له شاهد من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما. رواه الترمذي (1032)، وابن ماجه (2750 و 2751). (¬4) رواه البخاري (2535)، ومسلم (1506). (¬5) هي مولاة أم المؤمنين عائشة، اشترتها عائشة وأعتقتها، وكانت تخدم عائشة قبل أن تشتريها كما في "الصحيحين". (¬6) واسمه: "مغيث". (¬7) يعني: القِدْر.

وأُدْمٍ من أُدْمِ البيتِ. فقال: "أَلَمْ أَرَ البُرْمَةَ على النَّارِ فيها لَحْمٌ؟ ". فقالوا: بلى. يا رسولَ الله! ذلكَ لحمٌ تُصُدِّقَ به على بَرِيرةَ، فكرِهْنا أن نُطْعِمَكَ منه (¬1). فقال: "هُو عليها صَدَقَهٌ، وهو مِنها لنا هَدِيّةٌ". وقال النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - فيها: "إنَّما الوَلاءُ لمن أعتقَ" (¬2). مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ (¬3). ¬

_ (¬1) لأنه - صلى الله عليه وسلم - لا تحل له الصدقة. (¬2) و"الولاء" حق يثبت بوصف، وهو الإعتاق، فلا يقبل النقل إلى الغير بوجه من الوجوه؛ لأن ما ثبت بوصف يدوم بدوامه، ولا يستحقه إلا من قام به ذلك الوصف. وفي الحديث دليل على حصر الولاء للمعتق. انظر "الإحكام" لابن دقيق العيد. (¬3) رواه البخاري (5097)، ومسلم- والسياق له- (1504) (14).

9 - كتاب النكاح

9 - كتاب النكاح 603 (304) - عن عبد الله بنِ مَسعودٍ قال: قالَ لنا رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "يا معشرَ الشَّبابِ! مَنِ استطاعَ مِنكم الباءَةَ (¬1) فليتزوّجْ؛ فإنّه أغضُّ للبَصَرِ، وأحصَنُ للفرج، ومَن لم يستطعْ فعليه بالصَّوم؛ فإنّه له وِجَاءٌ" (¬2). مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ (¬3). 604 (305) - عن أنسٍ؛ أن نفرًا من أصحابِ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - سأَلُوا أزواجَ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -: عن عمَلِهِ في السِّرِّ؟ فقال بعضُهم: لا أتزوَّجُ النِّساءَ. وقال بعضُهم: لا آكلُ اللحمَ. وقال بعضُهم: لا أنامُ على فِرَاشٍ (¬4). ¬

_ (¬1) حاصل كلام أهل العلم في معنى "الباءة": القدرة على الوطء، ومؤن النكاح؛ من مهر، ونفقة. (¬2) الوجاء: أن ترض أنثيا الفحل رضًا شديدًا، يذهب شهوة الجماع، فالمراد أن الصوم يقطع النكاح كما يقطعه الوجاء. (¬3) رواه البخاري (1905)، ومسلم- والسياق له- (1400) من طريق علقمة قال: كنت أمشي مع عبد الله بمنى، فلقيه عثمان، فقام معه يحدثه، فقال له عثمان: يا أبا عبد الرحمن! ألا نزوجك جارية شابة؛ لعلها تذكرك بعض ما مضى من زمانك. قال: فقال عبد الله: لئن قلت ذلك، لقد قال لنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ... فذكره. (¬4) زاد أحمد في "المسند" (3/ 241): "فبلغ ذلك النبي - صلى الله عليه وسلم -"، وصرح ابن الملقن في "الإعلام" (ج 3/ ق 107/ أ) بوجودها في بعض نسخ "العمدة الصغرى"، وقال أيضًا: "وهي ثابتة في شرح الشيخ تقي الدين دون غيره من الشروح". قلت: هذه الجملة قد وجدتها فى أكثر نسخ "الصغرى"، كما هو مبين في الطبعة الثانية، ولكني لم أجدها في "الصحيحين"، ولكن ابن حجر قال في "الفتح" (9/ 105) بأنها في رواية مسلم، فالله أعلم.=

فحمِدَ الله، وأثنى عليه، وقال: "ما بالُ أقوامٍ قالُوا كذا (¬1)؟ لكنِّي أُصلِّي وأنامُ، وأصومُ وأُفْطِرُ، وأتزوَّجُ النِّساءَ، فمَن رَغِبَ عن سُنَّتي فليسَ مِنِّي"، مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ (¬2) [لفظُ مُسلمٍ، والبخاريُّ بمعناه] (¬3). ¬

_ = قلت: ثم ترجح لدي أن الحافظ ابن حجر وهم في ذلك؛ إذ لم أجد ما أشار إليه في أي مطبوعة من مطبوعات "صحيح مسلم" وشروحه التي وقفت عليها. بل لم أجد ذلك في أنفس أصل خطي لـ "صحيح مسلم"- معروف اليوم-، والحديث في ذلك الأصل (ورقة 201)، بدون هذه الزيادة. والله أعلم. (¬1) زاد مسلم: "وكذا". (¬2) كذا في الاصل: "متفق عليه". واللفظ الذي ساقه المصنف- رحمه الله- هو لفظ مسلم (1401)، وأما البخاري فرواه مطولًا بمعناه (5063). والأصل الخطي ممتاز ودقيق، والحافظ عبد الغني أيضًا دقيق غاية، ولكني رأيت ابن الملقن قال في "الإعلام" (3/ 108/ أ) بعد أن بَين أن هذه الرواية لمسلم خاصة، قال: "ثم رأيت بعد ذلك المصنف- يعني: عبد الغني- نبه على ذلك في "عمدته الكبرى"، فقال بعد أن ساقه: متفق عليه، واللفظ لمسلم، وللبخاري معناه"! قلت: وهذا هو اللائق بالتخريج فى مثل هذا الحديث، وإن لم يقع فى نسختي ما أشار إليه ابن الملقن. والله أعلم. وانظر التعليق التالي. وقوله: "فمن رغب عن سنتي فليس مني"، قال الحافظ في "الفتح" (9/ 105 - 106): "المراد بالسنة الطريقة لا التي تقابل الفرض، والرغبة عن الشيء الإعراض عنه إلى غيره، والمراد من ترك طريقتي وأخذ بطريقة غيري فليس مني، ولمح بذلك إلى طريق الرهبانية، فإنهم الذين ابتدعوا التشديد، كما وصفهم الله تعالى، وقد عابهم بأنهم ما وفوه بما التزموه، وطريقة النبي - صلى الله عليه وسلم - الحنيفية السمحة، فيفطر ليتقوى على الصوم، وينام ليتقوى على القيام، ويتزوج لكسر الشهوة وإعفاف النفس وتكثير النسل. وقوله: "فليس مني"، إن كانت الرغبة بضرب من التأويل يعذر صاحبه فيه، فمعنى: "فليس مني"، أي: على طريقتي، ولا يلزم أن يخرج عن= الملة، وإن كان إعراضًا وتنطعًا يفضي إلى اعتقاد أرجحية عمله، فمعنى: "فليس مني"، ليس على ملتي؛ لان اعتقاد ذلك نوع من الكفر". اهـ. (¬3) زيادة من "أ"، وانظر التعليق السابق.

605 (306) - عن سعد بنِ أبي وقّاصٍ رضي الله عنه، قال: ردَّ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - على عُثمانَ بنِ مظعون التّبَتُّلَ، ولو أَذِنَ (¬1) له لاخْتَصَيْنا (¬2). مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ (¬3). 606 (308) - عن أبي هُريرة رضي الله عنه، قال: قالَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "لا يُجْمَعُ بينَ المرأةِ وعْمَّتِها، ولا بينَ المرأةِ وخَالَتِها". مُتَفَقٌ عَلَيهِ (¬4) ¬

_ (¬1) وفي "الصحيحين" في رواية: "أجاز"، بدل: "أذن". (¬2) في الأصل "اختصينا"، وهي في "الصغرى"، و"الصحيحين" كما أثبتها. (¬3) رواه البخاري (5073)، ومسلم (1402). و"التبتل": هو ترك النكاح والانقطاع للعبادة. وزاد المصنف- رحمه الله- في "الصغرى" حديثًا واحدًا، وهو: 307 - عن أمّ حَبِيبة بنتِ أبي سُفيان؛ أنها قالت: يا رسول الله! انكح أختي ابنة أبي سفيان. فقال: "أو تحبِّين ذلك؟ "، فقلت: نعم. لستُ لك بِمُخْلِيَةٍ. وأحبُّ مَن شارَكني في خيرٍ أختي. فقال النبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "إن ذلكَ لا يحلُّ لي". قالت: فإنا نُحدَّثُ أنك تريدُ أن تنكحَ بنتَ أبي سلَمة. قال: "بنتُ أمِّ سلَمة؟! "، قلتُ: نعم. قال: "إنَّها لو لم تكُن رَبِيبتي في حِجْرىِ ما حلَّتْ لي؛ إنها لابنةُ أخي من الرَّضاعةِ، أرضعتني وأَبا سلَمة ثُوَيبةُ. فلا تعرِضْنَ عليّ بناتكنَّ، ولا أخَوَاتِكُنَّ". قال عروة: وثويبةُ مولاةٌ لأبي لهبٍ، كان أبو لهب أعتقها، فأرضعتِ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم -. فلما ماتَ أبي لهب أُريه بعضُ أهلِه بشرِّ حِيبَةٍ. قال له: ماذا لقيتَ؟ قال له أبو لهب: لم ألقَ بعدَكم خيرًا، غيرَ أني سُقِيتُ في هذه بعتاقَتِي ثُويبةَ. (ح: 5101. م: 1449). الحيبة: الحالة بكسر الحاء. (¬4) رواه البخاري (5109)، ومسلم (1408). فائدة: قال ابن حبان في "صحيحه" (9/ 426): "ذكر العلة التي من أجلها زجر عن هذا الفعل"=

607 (309) - عن عُقبة بنِ عامر قال: قالَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "إنّ أحقَّ الشُّرُوطِ أن تُوفُوا به ما استَحْللتُم بِه الفُروجَ". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ (¬1). 608 (310) - عن ابنِ عُمر؛ أنَّ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم -: نهى عن الشِّغَار. والشِّغَارُ: أن يُزوِّج الرجلُ ابنتَه على أن يُزوِّجَه (¬2) ابنتَه، وليسَ بينهما صَدَاقٌ (¬3). - وفي حديثِ عُبيد الله: قلتُ لنافع: ما الشِّغارُ (¬4)؟. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. ¬

_ = ثم أسند من طريق أبي حريز؛ أن عكرمة حدثه، عن ابن عباس قال: نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن تُزوَّج المرأة على العمة والخالة، قال: "إنكن إذا فعلتن ذلك قطعتن أرحامكن". قلت: أبو حريز هو: عبد الله بن الحسين مختلف فيه، وثقه ابن معين وأبو زرعة وابن حبان، وضعفه أحمد والنسائي، وابن معين في رواية. وتوسط فيه أبو حاتم، فقال في "الجرح والتعديل" (2/ 2/ 35): "هو حسن الحديث، ليس بمنكر الحديث، يكتب حديثه". (¬1) رواه البخاري- والسياق له، سوى لفظ: "إن"- (2721)، ومسلم (1418). ثم رأيت ابن الملقن قال في "الإعلام" (ج 3/ ق 116/ أ): "لفظ البخاري: "أحق ما أوفيتم من الشروط أن توفوا به ما استحللتم به الفروج". كذا ذكره هنا وترجم عليه: الشروط في النكاح. ولفظ مسلم: "إن أحق الشرط- وفي رواية: الشروط- أن يوفى به ما استحللتم به الفروج". أهـ. قلت. ما ذكره ابن الملقن عن صحيح مسلم فهو صحيح، وأما ما ذكره عن صحيح البخاري- مع صحته- فهو عدم استحضار منه للرواية المطابقة لما ذكره الحافظ عبد الغني، فهذا الذي ذكره ابن الملقن هو في كتاب النكاح، أما رواية الحافظ فهي في كتاب الشروط. باب الشروط في المهر عند عقدة النكاح. (¬2) زاد البخاري: "الآخرُ". (¬3) رواه البخاري (5112)، ومسلم (1415). (¬4) رواه البخاري (6960)، ومسلم (1415) (58) وزاد البخاري: "قال: ينكح ابنة الرجل،=

609 - عن عبد الرحمن بنِ هُرمز الأعرج (¬1) أنّ العبَّاسَ بنَ عبد الله ابنِ العبّاس أِنكحَ عبدَ الرحمن بنَ الحكم (¬2) ابنتَه، فأنكَحَه عبدُ الرحمن ابنتَه، فكَانَا جَعَلا صَدَاقًا (¬3)، فكتبَ معاويةُ إلى مَرْوانَ (¬4) يأمُرُه بالتفرِيقِ بينهما. وقالَ في كتابه: هذا الشِّغارُ الذي نهى عنه رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -.د (¬5). 610 - عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: نهى رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - عن الشِّغَارِ. والشِّغَارُ: أنْ يقولَ الرجلُ للرجُلِ: زوِّجْني ابنتَك وأُزوّجُكَ ابنتي، و (¬6) زوِّجْني أُختك وأُزوجُكَ أختي. م (¬7). ¬

_ = وينكحه ابنته بغير صداق، وينكح أخت الرجل، وينكحه أخته بغير صداق". قلت: وقد اختلف في جملة تفسير الشغار: هل هي من كلام النبي - صلى الله عليه وسلم -، أم من كلام غيره؛ كابن عمر، أو نافع، أو مالك؟ انظر "الفتح" (9/ 162). وانظر حديث أبي هريرة الآتي بعد حديث. (¬1) هو: عبد الرحمن بن هرمز الأعرج، أبو داود المدني، مولى ربيعة بن الحارث، ثقة، ثبت، عالم، مات سنة سبع عشرة ومئة، روى له الجماعة. "التقريب". (¬2) هو: عبد الرحمن بن الحكم بن أبي العاص بن أمية أخو مروان. (¬3) في الجملة حذف، والمحذوف هو المفعول الأول لـ: "جعلا"، أي: كانا جعلا إنكاح كل واحد منهما الآخر بنته صداقًا. (¬4) هو: ابن الحكم، وكان والي المدينة لمعاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه. (¬5) حسن. رواه أبو داود (2075) من طريق ابن إسحاق، حدثني عبد الرحمن بن هرمز، به. وسنده حسن من أجل ابن إسحاق. (¬6) في "الصحيح ": "أو". (¬7) رواه مسلم (1416). وقال القرطبي في "المفهم" (4/ 112): "جاء تفسيرُ الشِّغار في حديث ابن عمر من قول نافع، وجاءَ في حديث أبي هريرة من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وفي مساقه وظاهره الرَّفع إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -،=

611 (311) - عن عليِّ [ابن أِبي طَالبٍ] (¬1) رضي الله عنه؛ أنّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم -: نهى عن نِكَاحِ الْمُتعَةِ يومَ خيبرَ، وعن لُحومِ الحُمُرِ الأهليّة. مُتَّفَقٌ عَلَيْه (¬2). 612 - عن الرَّبيعِ بن سَبْرةَ الجُهنيّ (¬3)؛ أنَّ أباه حَدَّثه؛ أنّه كانَ مع رسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - (¬4)، فقال: "يا أيُّها الناس! إنِّي قد كُنتُ أذنتُ لكُم في الاستمْتَاعِ من النِّساءِ، وإنّ الله [عز وجل] قد حرَّم ذَلك إلى يوم القيامةِ فمَنْ كان عِندَه منهنّ شيءٌ فليُخَلِّ سبِيلَها، ولا تأخُذُوا مما آتيتمُوهنَّ شيئًا". م (¬5). 613 (312) - عن أبي هُريرة؛ أنَّ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا تُنْكَحُ ¬

_ = ويحتملُ أن يكونَ من تفسير أبي هريرة، أو غيره من الرواة- أعني: في حديث أبي هريرة - وكيفما كان فهو تفسيرٌ صحيحٌ، موافق لما حكاه أهلُ اللسان، فإن كان من قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فهو المقصود، وإن كان من قول صحابي فمقبول؛ لأنهم أعلم بالمقال، وأقعد بالحال". (¬1) زيادة من "أ". (¬2) رواه البخاري (5115)، ومسلم- واللفظ له- (1407) (30). نكاح المتعة: هو تزوج المرأة إلى أجل، وقد كان ذلك مباحًا، ثم نسخ، والروايات تدل على أنه أبيح بعد النهي، ثم نسخت الإباحة؛ فإن هذا الحديث عن علي رضي الله عنه يدل على النهي عنها يوم خيبر، وقد وردت إباحتها عام الفتح، ثم نهى عنها، وذلك بعد يوم خيبر. وأما لحوم الحمر الأهلية، فإن ظاهر النهي التحريم، وهو قول الجمهور، والتقييد بالأهلية يخرج الحمر الوحشية، ولا خلاف في إباحتها. انظر "الإحكام" (4/ 36). (¬3) تقدمت ترجمته عند الحديث رقم (153). (¬4) عام الفتح، كما في الروايات الأخرى. (¬5) رواه مسلم (1406) (21).

الأيِّمُ (¬1) حتى تستأمَر، ولا تُنكحُ البِكْرُ حتى تُستأذنُ. قالوا: يا رسولَ الله! وكيفَ إِذنُها؟ قال: "أنْ تَسْكُتَ". مُتَّفَقٌ عَليْهِ (¬2). 614 - وعن عائِشةَ [رضي الله عنها] (¬3)، قالت: سألتُ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم -: عن الجَارِيةِ (¬4) يُنْكِحُها أهلُها، أَتُستأْمرُ أم لا؟ فقال لها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (¬5): "فذلِكَ إذنُها، إذا هي سَكتتْ". متَّفَقٌ عَلَيْهِ (¬6). 615 (313) - عن عائِشةَ قالتْ: جاءتِ امرأةُ رِفاعَةَ القُرَظي إلى النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فقالتْ: كُنتُ عِند رفاعةَ القُرظي، فطلَّقنِي، فبتَّ طَلاقي (¬7)، فتزَّوجْتُ بعدَه عبدَ الرحمن بنَ الزَّبير (¬8) وإنَّما معَه مثلُ فدْبَةِ الثَّوبِ (¬9) - فتبسَّم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقال: "أتُرِيدينَ أن ترجِعي إلى رِفَاعةَ؟ لا. حتَّى تذُوقِي عُسَيْلَتَهُ، ويذوقَ عُسَيْلَتَكِ" (¬10). قالت: وأبو بكرٍ عنده، وخالد ¬

_ (¬1) المراد بالأيم هنا: الثيب. (¬2) رواه البخاري (5136)، ومسلم (1419). (¬3) زيادة من "أ". (¬4) أي: البِكر. (¬5) زاد مسلم: "نعم تستأمر. فقالت عائشة: فقلت له: فإنها تستحيي؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -". (¬6) رواه البخاري (6946) بلفظٍ آخر، وأما هذا اللفظ فهو لمسلم برقم (1420). (¬7) أي: طلقني ثلاثًا. (¬8) الزبير: بفتح الزاي وكسر الباء، وهو الزبير بن باطاء- ويقال: باطياء- القرظي قتل يهوديًا في غزوة بني قريظة، وأما ابنه عبد الرحمن فكان صحابيًا. (¬9) "هدبة": بضم الهاء وسكون الدال المهملة، يعني: طرف الثوب الذي لم ينسج، وهو من هدب العين وهو شعر الجفن، وأرادت أن ذكره يشبه الهدبة في الاسترخاء، وعدم الانتشار. (¬10) العسيلة: بضم العين وفتح السين - تصغير العسل- حلاوة الجماع الذي يحصل بتغييب=

ابنُ سعيدٍ بالبابِ؛ ينتظرُ أنْ يُؤْذَنَ له، فنادى: يا أبا بكرٍ! ألا تسمعُ هذه ما تجهرُ به عندَ رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم -. متَّفَق عَلَيهِ (¬1). 616 - عن عثمانَ بنِ عفّان رضي الله عنه؛ أنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا يَنْكِحُ الْمُحرِمُ، ولا يُنْكحُ، ولا يَخْطُبُ". م (¬2). 617 - عن يزيد بنِ الأصمّ (¬3) قال: حدَّثتني مَيمونةُ بنتُ الحارثِ؛ أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تزوجَها وهو حَلالٌ. قال: وكانتْ خَالَتي وخالةَ ابنِ عباسٍ. م (¬4). 618 - عن جابر بنِ عبد الله قال: قالَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "إذا خَطَبَ أحدُكم المرأةَ، فإنِ استطاعَ أن ينظُرَ إلى ما يدعُوه إلى نِكَاحِها فليفْعَل". فخطبتُ جاريةً، فكنتُ أتخبّأُ لها، حتى رأيتُ منها ما دعَانِي إلى نكَاحِها فتزوجتها. د (¬5). ¬

_ = حشفة الرجل في فرج المرأة، كناية عن لذة الجماع، والعرب تسمي كل شيء تستلذه عسلًا. (¬1) رواه البخاري (2639)، ومسلم (1433). (¬2) رواه مسلم (1409). وزاد ابن حبان في روايته (1274): "ولا يخطب عليه"، وهي زيادة منكره. انظر "بلوغ المرام" رقم (999). (¬3) قال ابن حجر: "يزيد بن الأصم، واسمه: عمرو بن عبيد بن معاوية البكّائي، بفتح الموحدة والتشديد، أبو عوف، كوفي، نزل الرقة، وهو ابن أخت ميمونة أم المؤمنين، يقال: له رؤية، ولا يثبت، وهو ثقة، من الثالثة، مات سنة ثلاث ومئة. بخ م 4". (¬4) رواه مسلم (1411)، وانظر "بلوغ المرام" (993)، فإنه هام. (¬5) صحيح. رواه أبو داود (2082)، وانظر "البلوغ" (974)، ورسالتي: "الأحكام المطلوبة في رؤية المخطوبة".

1 - باب خطبة النكاح، وما يقال للمتزوج

1 - باب خطبة النكاح، وما يقال للمتزوج 619 - عن عبد الله بنِ مسعودٍ رضي الله عنه قال: علَّمَنَا رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - التشهد في الصَّلاةِ، والتشهدَ في الحاجةِ. قال: التشهد في الصَّلاةِ: "التَحِيَّاتُ لله، والصَّلواتُ، والطيباتُ، السَّلامُ عليكَ أيُّها النبيّ ورحمةُ الله وبركاتُه، السَّلامُ علينا، وعلى عِبَادِ الله الصَّالِحين، أشهدُ أنْ لا إله إلا الله، وأشهدُ أنَّ محمدًا عبدُه ورسولُه". والتشهد في الحاجةِ (¬1): " إِن الحمدَ لله، نستعِينُه، ونستغفرُه، ونعوذُ بالله مِن شُرورِ أنفُسِنا، مَن يهدِه (¬2) الله فلا مُضِلَّ له، ومَن يُضللْ فلا هادِي له، أشهدُ أنْ لا إله إلا الله، وأشهدُ أنّ محمدًا عبدُه ورسُولُه"، ويقرأُ ثلاثَ آياتٍ: {اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ}. {وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا}. {اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا} الآية. ت وقال: حدِيثٌ حسنٌ (¬3). ¬

_ (¬1) قوله: "في الحاجة" عام يشمل كل حاجة، ومنها النكاح، قال الصنعاني: "في الحديث دلالة على سنية ذلك في النكاح وغيره، ويخطب بها العاقد بنفسه حال العقد، وهي من السن المهجورة". قلت: ولشيخنا الألباني رسالة في هذه الخطبة باسم: "خطبة الحاجة التي كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعلمها أصحابه"، وهي مطبوعة متداولة، وقد كان لهذه الرسالة الأثر الطيب في نشر هذه السنة بين الناس، أسأل الله عز وجل أن يثيب مؤلفها خيرًا. (¬2) في "أ": "يهد". (¬3) حديث صحيح. رواه الترمذي (1105)، وانظر التعليق التالي.

- ق وفي روايته: "ومِنْ سيئاتِ أَعْمَالِنا" (¬1). 620 - عن أبي هُريرة؛ أنّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - كانَ إذا رفَّأ (¬2) الإِنسانَ- إذا تزوَّجَ- قالَ: "باركَ الله لكَ، وباركَ عليك، وجمعَ بينكُما في (¬3) خيرٍ وعَافِيةٍ". د ق (¬4). 621 - وعن عَتِيل بنِ أبي طالبٍ؛ أنَّه تزوَّجَ امرأةً مِن بني جُشَمٍ, فقالوا له: بالرِّفاءِ والبنين. فقال: لا تقُولُوا هكذا، ولكن قُولُوا كما قالَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "بارَكَ الله لهم، وبارَك عَليهم" [ق] (¬5) (¬6). ¬

_ (¬1) سنن ابن ماجة (1892)، وهذه الجملة أيضًا في رواية الترمذي السابقة. قلت: وحديث ابن مسعود في التشهد في الصلاة تقدم برقم (245). وأما حديثه في التشهد في الحاجة فله طرق وشواهد، وقد جمعها وخرجها شيخنا العلامة الألباني في رسالته المشار إليها آنفًا، ثم طبعت أخيرًا وبعد وفاة شيخنا- رحمه الله- طبعة شرعية لدى مكتبة المعارف بالرياض. ومن ميزات هذه الطبعة أن ألحق بها تعقيب للشيخ على بعض من كان وقف في طريق هذه الخطبة، وهو تعقيب علمي نفيس تقر به أعين أهل السنة. (¬2) الرفاء: الموافقة وحسن المعاشرة، والالتئام والاتفاق، والبركة والنماء، وكانوا في الجاهلية يقولون للمتزوج: بالرفاء والبنين، فنهاهم - صلى الله عليه وسلم - عن ذلك، وأرشدهم إلى خير الهدي وأحسنه. (¬3) في "أ": "على"، وهي رواية لأحمد في "المسند" (2/ 381). (¬4) صحيح. رواه أبو داود (2130)، وابن ماجة (1905)، إلا إنه ليس عندهما لفظ: "وعافية"، بل لم أجدها في أي مصدر من مصادر الحديث، فلعل هذا من الوهم. وتقع هذه اللفظة في كتب الحنابلة، وبعضهم يعتبرها سنة كصاحب "المغني"!، وصاحب "الروض المربع"! وبعضهم يصرح بأنها عند الخمسة إلا النسائي كصاحب "شرح منتهى الإرادات"! (¬5) زيادة من "أ". (¬6) رواه ابن ماجة (1906)، وقواه شيخنا في "آداب الزفاف" ص (176).

2 - باب الرجل يسلم وتحته أكثر من أربع نسوة

2 - باب الرجل يسلم وتحته أكثر من أربع نسوة 622 - عن محمد بنِ سُوَيدٍ الثقفي؛ أنّ غَيْلانَ بنَ سلَمة أسلمَ وعِندَه عشرُ نِسْوةٌ، فأسلَمْنَ معه، فأمرَه النبىُّ - صلى الله عليه وسلم - أن يتخيَّر أربعًا مِنهنّ. ت ق ورواه الزُّهريُّ، عن سالمٍ، عن أبيه، وهو غير محفوظٍ، والصَّحِيح الأوَّلُ (¬1). 623 - وعن قيس بنِ الحارث قال: أسلمتُ وتحتي ثمانِ نِسْوَةٍ، فأتيت النبي - صلى الله عليه وسلم -، فقلتُ ذلك له؟ فقال: "اختر مِنهنّ أربعًا". ق (¬2). 624 - وعن أبي وهبٍ الجَيْشاني؛ أنَّه سمعَ ابنَ فيروز الدَّيلَمِي يُحدّث، عن أبيه قال: أتيتُ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - فقلت: يا رسولَ الله! إني أسلَمتُ وتحتِي أُختانِ؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "اختَرْ أَيتَهُما شِئْتَ". ق (¬3). 625 - عن عَمرو بنِ شعيب، عن أبيه، عن جدّه؛ أنَّ رسولَ الله ¬

_ (¬1) ضعيف. رواه الترمذي (1128)، وابن ماجة (1953)، وهو حديث معلول، وقد أبان الحافظ عن علله في "التلخيص" (3/ 168 - 169). (¬2) حسن. رواه ابن ماجة (1952)، وأيضًا أبو داود (2241). (¬3) ضعيف. رواه ابن ماجة (1951)، ورواه أيضًا أبو داود (2243)، والترمذي (1129 و 1130). وقال الترمذي: "هذا حديث حسن". قلت: أبو وهب الجيشاني والضحاك بن فيروز ترجمهما الحافظ في "التقريب" بقوله: "مقبول" فهذه علة، ولذلك فقول الترمذي: "حسن" فيه تساهل. وله علة أخرى قالها البخاري في "التاريخ الكبير" (2/ 2/ 333): "الضحاك بن فيروز الديلمى، عن أبيه، روى عنه أبو وهب الجيشاني، لا يعرف سماع بعضهم من بعض".

3 - باب في المحلل والمحلل له

- صلى الله عليه وسلم - قال: "أيما رجُل نكَحَ امرأةً، فدخَلَ بها أو لم يدخلْ بِها، فلا يَحِلّ له نكاحُ أمِّها". ق (¬1). 3 - باب في المحلل والمحلل له 626 - عن عبد الله بنِ مَسْعُودٍ قال: لعنَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - الْمُحَلِّلَ والْمحَلَّلَ له. ت. وقال: حدِيثٌ حسنٌ صَحِيحٌ (¬2). 627 - وعن عليّ بن أبي طالب. وجابر بنِ عبد الله قالا: قالَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "لعنَ الله الْمُحَلِّلَ والْمُحَلَّلَ له" (¬3). ¬

_ (¬1) ضعيف. انفرد به الترمذي (1117)، وقال: "هذا حديث لا يصح من قبل إسناده، وإنما رواه ابن لهيعة والمثنى بن الصباح عن عمرو بن شعيب، والمثنى بن الصباح وابن لهيعة يضعفان في الحديث". قلت: وعزوه لابن ماجة وهم من المصنف رحمه الله تعالى، والله أعلم. (¬2) صحيح. رواه الترمذي (1120). وقال شيخ الإسلام في "الفتاوى" (32/ 151 وما بعدها): "التحليل الذي يتواطؤون فيه مع الزوج - لفظًا أو عرفًا - على أن يطلق المرأة، أو ينوي الزوج ذلك محرمٌ، لعن النبي - صلى الله عليه وسلم - فاعله في أحاديث متعددة، وسماه: (التيس المستعار)، وقال: "لعن الله المحلل والمحلل له"، وكذلك مثل عمر وعثمان وعلي وابن عمر وغيرهم لهم بذلك آثار مشهورة يصرحون فيها بأن من قصد التحليل بقلبه فهو محلل، وإن لم يشترطه في العقد، وسموه سفاحًا، ولا تحل لمطلقها الأول بمثل هذا العقد، ولا يحل للزوج المحلل إمساكها بهذا التحليل، بل يجب عليه فراقها ... ونكاح المحلل مما يعير به النصارى المسلمين، حتى يقولون: إن المسلمين قال لهم نبيهم: إذا طلق أحدكم امرأته لم تحل له حتى تزني! ونبينا - صلى الله عليه وسلم - بريء من ذلك، هو وأصحابه، والتابعون لهم بإحسان، وجمهور أئمة المسلمين. والله أعلم". أهـ. (¬3) رواه الترمذي (1119)، وابن عدي في "الكامل" (1/ 370) حدثنا أبو سعيد الأشج،=

4 - باب القسم

628 - وعن عُقبة بنِ عَامرِ رضي الله عنه قالَ: قالَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "ألا أُخبركُم بالتَّيسِ الْمُسْتَعارِ؟ ". قالوا: بلى يا رسُولَ الله. قال: "هو المحِلّ، لعنَ الله الْمُحِل (¬1) والمُحلَّلَ له". ق (¬2). 4 - باب القسم 629 (314) - عن أبي قِلابة، عن أنس بنِ مالكٍ رضي الله عنه، قال: من السُّنَّةِ إذا تزَّوج (¬3) البِكْرَ على الثيّبِ أقامَ عِندها سَبْعًا وقَسَمَ، وإذا ¬

_ = حدثنا أشعث بن عبد الرحمن بن زبيد، حدثنا مجالد، عن عامر الشعبي، عن جابر بن عبد الله، وعن الحارث عن علي قالا: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لعن المحلل، والمحلل له. قلت؛ وقد تركه الحافظ عبد الغني غفلًا دون تخريج، كما أن اللفظ الذي ساقه لم أجده من روايتهما، وإنما وجدته من رواية علي بن أبي طالب رضي الله عنه، رواه أبو داود (2076) وغيره انظره في "البلوغ" (999 بتحقيقي)، وهو صحيح لغيره. ولكنه من الطريق الذي ساقه الحافظ عبد الغني هنا معلول، وقد بين ذلك الترمذي في "السنن" (3/ 428)، فقال: "حديث علي وجابر حديث معلول. وهكذا روى أشعث بن عبد الرحمن، عن مجالد، عن عامر - هو: الشعبي- عن الحارث، عن علي. وعامر: عن جابر بن عبد الله، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -. وهذا حديث ليس إسناده بالقائم؛ لأن مجالد بن سعيد قد ضعفه بعض أهل العلم. منهم أحمد ابن حنبل. وروى عبد الله بن نمير هذا الحديث عن مجالد، عن عامر، عن جابر بن عبد الله، عن عليّ. وهذا قد وهم فيه ابن نمير. والحديث الأول أصح. وقد رواه مغيرة وابن أبي خالد وغير واحد، عن الشعبي، عن الحارث، عن علي ". أهـ. (¬1) في "أ": "المحلل". (¬2) حسن. رواه ابن ماجة (1936)، وحسنه شيخ الإسلام في "الفتاوى"، وعبد الحق في "الإحكام"، والألباني في "الإرواء" (6/ 310)، وفي "صحيح سنن ابن ماجة". (¬3) زاد البخاري: "الرجل".

تزوَّج الثيّبَ أقامَ عندها ثلاثًا ثم قَسَمَ. قال أبو قلابة: ولو شئْتُ لقلتُ: إن أنسًا رفعَه إلى النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ (¬1). 630 - عن أمِّ سلَمة؛ أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فهاِ لما تزوجَ أُمَّ سلَمة أقامَ عِنْدَها ثلاثًا، وقال: "إنّه ليسَ بكِ على أهلِكِ هَوَانٌ (¬2)؛ إنْ شِئتِ سَبَّعْتُ لَكِ، وإنْ سَبَّعْتُ لَكِ سَبَّعْتُ لِنسائي". - وفي لفظٍ: " [و] (¬3) إن شِئْتِ ثَلَّثتُ، ثم دُرْتُ". قالت: ثَلِّثْ. - وفي لفظٍ: "إِنْ شِئْتِ زِدْتُكِ وحاسَبْتُكِ به؛ للبِكْرِ سَبْعٌ، وللثيّبِ ¬

_ (¬1) رواه البخاري- واللفظ له- (5214)، ومسلم (1461). وزاد الصنف- رحمه الله- في "الصغرى" حديثين، وهما: 315 - عن ابن عباسٍ رضي الله عنهما قال: قال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "لو أن أحدَهم- إذا أراد أن يأتي أهله- قال: بسم الله، اللهمّ جنّبنا الشَّيطانَ، وجنِّب الشيطانَ ما رزقتَنا، فإنه إن يُقَدَّرْ بينهما ولد في ذلك لم يَضُره الشيطانُ أبدًا" (خ: 6388، م: 1434). 316 - عن عقبة بن عامر رضي الله عنه؛ أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إياكم والدخولَ على النساءِ". فقال رجلٌ من الأنصار: يا رسولَ الله! أفرأيتَ الْحَمْوَ؟ قال: "الْحَمْوُ: الموتُ". (خ: 5232. م: 2172). - ولمسلم: عن أبي الطاهر، عن ابن وهبٍ قال: سمعت الليثَ يقول: الحمو: أخو الزوج، وما أشبَهه من أقارب الزوج؛ ابنِ العمِّ، ونحوه. (م: 2172 [21]). (¬2) قوله: "أهلك": يعني النبي - صلى الله عليه وسلم - نفسه. و"هوان": هو الذل والحقارة، والمعنى: ليس بك شيء من هذا عندي، فلا يلحقك منا هوان، ولا نضيع مما تستحقينه شيئًا، بل تأخذينه كاملًا. (¬3) زيادة من "أ".

5 - باب الولاية

ثلاثٌ" (¬1). م (¬2). 631 - عن أبي قِلابةَ، عن عائِشةَ؛ أنَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - كانَ يَقْسِمُ بينَ نسائِهِ فيَعْدِلُ، ويقول: "اللهمّ هذه قِسْمَتِي فِيما أَمْلِكُ، فلا تَلُمْنِي فيما تَمْلِكُ ولا أَمْلِكُ". ق ت. وقال: الصَّحِيحُ عن أبي قِلابة مرسلٌ (¬3). 5 - باب الولاية 632 - عن أبي مُوسى قال: قال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "لا نِكَاحَ إلا بوَلِيّ". د ت (¬4). • وفي البابِ: عن عَائِشَةَ، وابن عباسٍ، وأبي هُريرةَ، وعِمْران بنِ حُصَينٍ، وأنسٍ. وحديثُ عائشةَ في هذا البابِ حَدِيثٌ حَسَنٌ (¬5). ¬

_ (¬1) وسبب هذا اللفظ- كما عند مسلم- أن النبي - صلى الله عليه وسلم - حين تزوج أم سلمة، فدخل عليها، فأراد أن يخرج أخذت بثوبه. (¬2) رواه مسلم (1460). (¬3) ضعيف. رواه ابن ماجة (1971)، والترمذي (1140)، وأيضًا رواه أبو داود (2134)، والنسائي (7/ 64) كلهم من طريق حماد بن سلمة، عن أيوب، عن أبي قلابة به. وقال الترمذي: "حديث عائشة هكذا رواه غير واحد، عن حماد بن سلمة، عن أيوب، عن أبي قلابة، عن عبد الله بن يزيد، عن عائثة؛ أن النبي- صلى الله عليه وسلم -. ورواه حماد بن زيد- وغير واحد- عن أيوب، عن أبي قلابة مرسلًا؛ أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يقسم. وهذا أصح من حديث حماد بن سلمة". قطت: وبمثل ما أعله الترمذي أعله غيرُ واحدٍ من جهابذة الحفاظ، كأبي زرعة وابن أبي حاتم، كما تجده في "العلل" (1/ 425/ 1279). (¬4) حديث صحيح بطرقه وشواهده. رواه أبو داود (2085)، والترمذي (1101)، وابن ماجة (1881). (¬5) هذه الشواهد تدل على صحة الحديث. =

633 - وعن عَائِشةَ؛ أنَّ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - قالَ: "أيُّما امرأةٍ نَكَحَتْ نَفْسَها بغيرِ إذنِ وَليِّها، فنِكَاحُها بَاطِلٌ، فنِكَاحُها بَاطِلٌ، فنِكَاحُهَا بَاطِل، فإنْ فى خلَ بها، فلَها المهرُ بما اسْتَحَلَّ مِن فَرْجِها، فَإنِ اشْتَجَرُوا فالسُّلْطانُ وليُّ مَنْ لا وَلِيَّ له". د ق ت. وقال: هذا حَدِيث حَسَنٌ (¬1). 634 - عن أبي هُريرة رضي الله عنه قال: قالَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "لا تُزَوِّجُ المرأةُ المرأةَ، ولا تُزَوِّجُ المرأةُ نفسَها؛ فإنَّ الزَّانِيةَ هي الّتي تُزَوِّجُ ¬

_ = • أما حديث عائشة فهو التالي. • وأما حديث ابن عباس: فرواه الثوري في "الجامع" كما في "الفتح" (9/ 191)، والطبراني فى "الأوسط" (6165)، وقال ابن حجر: "إسناده حسن". ورواه أيضًا أحمد (1/ 250)، وابن ماجة (1880)، والدارقطنى (3/ 221 - 222). • وأما حديث أبي هريرة: فرواه ابن حبان (4076)، والبيهقي في "الكبرى" (7/ 125 و 143)، وابن عدي في "الكامل" (6/ 2356 و 2357)، والخطيب في "التاريخ" (3/ 244). • وأما حديث عمران بن حصين: فرواه عبد الرزاق في "المصنف" (6/ 196)، والطبراني في "الكبير" (18/ 142)، والبيهقي في "الكبرى" (7/ 125). • وأما حديث أنس: فرواه ابن عدي في الكامل" (1/ 318). (¬1) حسن. رواه أبو داود (2083)، وابن ماجة (1879)، والترمذي (1102). قلت: وهو حديث صحيح بشواهده. وقد صحح حديث عائشة هذا غير واحد من العلماء، وقال ابن عبد الهادي في "التنقيح" (3/ 144): "الحديث من أجود ما روى الحاكم في "مستدركه" (3/ 256)، وإن كان عنده تساهل".

نفسَها". ق (¬1). 635 - عن ابنِ عبَّاسٍ؛ أنَّ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - قالَ: "الأَيِّمُ أحقُّ بنفْسِها مِنْ وَلِيِّها، والبِكْرُ تُستأذنُ في نَفْسِها، وإِذْنُها صُمَاتُها". م دت (¬2). 636 - عن سَمُرةَ بنِ جُنْدَبِ؛ أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "أيُّما امرأةٍ زَوَّجَها وَلِيَّانِ، فهِي للأوّلِ منهما، ومَن بَاعَ بَيْعًا مِن رَجُلَين، فهو للأوَّل مِنْهُما". د ت وقال: حدِيث حسنٌ (¬3). ¬

_ (¬1) صحيح. رواه ابن ماجة (1882)؛ إلا أن الجملة الأخيرة: "فإن الزانية ... " لا يصح رفعها فقد روى الدارقطني الحديث في "السنن" (3/ 227) بسند صحيح دون هذه الجملة، وإنما قال: قال أبو هريرة: كنا نعد التي تنكح نفسها هي الزانية. (¬2) رواه مسلم (1421)، وأبو داود (2098)، والترمذي (1108) وقال الترمذي: "هذا حديث حسن صحيح". و"الأيم": الثيب. و"صماتها": بضم الصاد: سكوتها. (¬3) ضعيف. رواه أبو داود (2088)، والترمذي (1110)، وأيضًا النسائي (7/ 314) من طريق قتادة، عن الحسن، عن سمرة، به. وقال الترمذي: "هذا حديث حسن، والعمل على هذا عند أهل العلم، لا نعلم بينهم في ذلك اختلافًا: إذا زوج أحد الوليين قبل الآخر، فنكاح الأول جائز، ونكاح الآخر مفسوخ، وإذا زوّجا جميعًا فنكاحهما جميعًا مفسوخ، وهو قول الثوري وأحمد وإسحاق". قلت: ولكن الحديث ضعيف السند، وعلته عنعنة الحسن البصري؛ فإنه على جلالته كان مدلسًا فلا بد من تصريحه بالتحديث. ونقل الحافظ ابن حجر تصحيح الحديث عن أبي زرعة وأبي حاتم والحاكم!! ولعله من أجل ذلك تلطف في رده، فقال في "التلخيص" (3/ 165): "وصحته متوقفة على ثبوت سماع الحسن من سمرة، فإن رجاله ثقات، لكن قد اختلف فيه على الحسن". قلت: بل صحته متوقفة على تصريح الحسن بسماعه من سمرة، لا على ثبوت سماعه، فهو قد=

637 - عن جابر بنِ عبد الله، عن النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -: "أَيُّما عَبْدٍ تَزَوَّجَ بغيرِ إذْنِ سَيِّدهِ، فهُو عَاهِرٌ (¬1) ". د ت. وقال: حَدِيثٌ حَسَنٌ (¬2). 638 - [و] (¬3) عن ابنِ عُمر، عن النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قال: "إِذا نَكَحَ العَبْدُ بغيرِ إذْنِ مولاه، فنِكَاحُه بَاطِلٌ". د وقال: ضَعِيفٌ، وهو قولُ ابنِ عُمر (¬4). ت وقال: حدِيثٌ حسنٌ (¬5). ¬

_ = سمع منه، لكنه مدلس كما سبق. وأما الاختلاف: فلأنه رواه عن سمرة - كما هو الحال هنا، وهو الصحيح كما قاله غير واحد منهم البيهقي في "الكبرى" (7/ 139) - ورواه أيضًا عن عقبة بن عامر، وفي رواية: عن عقبة أو سمرة وعلى كلّ فلم يسمع الحسن من عقبة شيئًا، كما قال ابن المديني. (¬1) "عاهر": فاجر زان، والمعنى: أن العبد الذي ينكح بغير إذن مالكه يكون نكاحه باطلًا، وحكمه حكم الزنا. (¬2) حسن. رواه أبو داود (2078)، والترمذي (1111 و 1112) من طريق عبد الله بن محمد ابن عقيل، عن جابر به. وعند أبي داود: "بغير إذن مواليه". وفي المطبوع من "سنن الترمذي": "هذا حديث حسن صحيح". قلت: بل هو حسن فقط؛ من أجل ابن عقيل. (¬3) زيادة من "أ". (¬4) ضعيف. رواه أبو داود (2079) من طريق عبد الله بن عمر، عن نافع، عن ابن عمر، به. وهو ضعيف كما نقل المصنف عن أبي داود؛ إذ في سنده عبد الله بن عمر، وهو العمري المكبر، وهو: "ضعيف"، كما في "التقريب". وللحديث طريق آخر عن ابن عمر. رواه ابن ماجة (1960) من طريق مِنْدَل بن عليّ، عن ابن جريج، عن موسى بن عقبة، عن نافع، عن ابن عمر. وهو ضعيف أيضًا؛ ابن جريج مدلس، ومندل: "ضعيف". (¬5) هذا النقل الذي نقله المصنف عن الترمذي لم أجده، ولا رأيت المزي عزاه إليه، والذي في "السنن" تحسين حديث جابر السابق، ثم أتبعه بقوله: =

639 - عن أبي هُريرة قالَ: قالَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "تُسْتَأْمَرُ اليَتِيمَةُ في نَفْسِها، فإِنْ صَمَتَتْ فهو إِذنها، وإنْ أَبَتْ فلا جَوَازَ عَليها". ت [وقال] (¬1) حديثٌ حَسَنٌ (¬2). 640 - عن عَدِيّ بن عَدِيّ الكِنْديّ، عن أبيه قال: قالَ رسولُ الله ¬

_ = "وروى بعضهم هذا الحديث عن عبد الله بن محمد بن عقيل، عن ابن عمر، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، ولا يصح، والصحيح: عن عبد الله بن محمد بن عقيل، عن جابر". قلت: هذه الرواية الخطأ التى أشار إليها الترمذي وقعت عند ابن ماجة برقم (1959). تنبيه: قوله: "ت وقال: حديث حسن" لم يرد فى "أ". وأخشى أنها وقعت فى "الأصل" على سبيل الوهم أو سبق الذهن؛ لأنها وقعت في الحديث السابق واللاحق. والله أعلم. (¬1) زيادة من "أ". (¬2) حسن. رواه الترمذي (1109)، وأبو داود أيضًا (2093) من طرق عن محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، به. ورواه أيضًا أبو داود (2094)، فقال: "حدثنا محمد بن العلاء، حدثنا ابن إدريس، عن محمد ابن عمرو ... بهذا الحديث بإسناده، زاد فيه، قال: "فإن بكت، أو سكتت"، زاد: "بكت"، وليس "بكت" بمحفوظ، وهو وهم في الحديث، الوهم من ابن إدريس أو من محمد بن العلاء". قلت: ولعله من أجل ذلك كله عدل المصنف عن رواية أبي داود إلى رواية الترمذي، والله أعلم. وقوله: "أبت": جاء في "سنن الترمذي": يعني: إذا أدركت فردت. وقال الترمذي: "اختلف أهل العلم في تزويج اليتيمة. فرأى بعض أهل العلم؛ أن اليتيمة إذا زوجت، فالنكاح موقوف حتى تبلغ. فإذا بلغت فلها الخيار في إجازة النكاح أو فسخه. وهو قول بعض التابعين وغيرهم. وقال بعضهُم: لا يجوزُ نكاحُ اليتيمةِ حتى تبلغَ. ولا يجوزُ الخيارُ في النكاحِ. وهو قول سفيان الثورى والشافعي وغيرهما من أهلِ العلمِ. وقال أحمدُ وإسحاق: إذا بلغتِ اليتيمة تسعَ سنينَ فزوِّجت، فرضيتْ، فالنكاح جائرٌ. ولا خيارَ لها إذا أدركت. واحتجا بحديث عائشةَ؛ أن النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - بنى بها وهي بنتُ تسعِ سنينَ. وقد قالت عائشة: إذا بلغتِ الجاريةُ تسعَ سنينَ، فهي امرأة".

6 - باب الصداق

- صلى الله عليه وسلم -: "الثيِّبُ تُعْربُ عن نَفْسِها، والبِكْرُ رضِاها صَمْتُها". ق (¬1). 6 - باب الصداق 641 (317) - عن أنس بنِ مالكٍ؛ أن رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - أعتق صَفِيّةَ، وجَعَلَ عِتْقَها صَدَاقَها (¬2). 642 (318) - عن سَهْل بنِ سعدٍ السَّاعِدي؛ أن رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - جَاءته امرأة فقالتْ: إنَي وَهَبْتُ نفسِي لكَ! فقامَتْ طويلًا، فقالَ رجلٌ: يا رسولَ الله! زَوِّجْنِيها إنْ لم يَكُنْ لكَ بها حَاجَةٌ، فقال: "هلْ عِنْدكَ مِن شيءٍ تُصْدِقُهَا؟ "، فقال: ما عِنْدي إِلا إِزَاريِ هذا! فقالَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: ¬

_ (¬1) صحيح لغيره. رواه ابن ماجة (1872) من طريق الليث بن سعد قال: حدثني عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي حسين المكي، عن عدي بن عدي، به. قلت: وهذا سند رجاله ثقات، لكنه منقطع؛ إذ لم يسمع عدي بن عدي من أبيه. قال أبو حاتم كما في "الجرح والتعديل" (3/ 2/ 3): "عدي بن عدي بن عميرة الكندي أبو فروة، ولأبيه صحبة، روى عن أبيه مرسل؛ لم يسمع من أبيه، يدخل بينهما العرس بن عميرة". قلت: رواه الطبراني في "الكبير" (17/ 138)، والحربي في "غريب الحديث" (1/ 80)، والبيهقي في "الكبرى" (7/ 123) بذكر العرس، لكن ليس بين عدي وأبيه، وإنما من طريق عدي، عن أبيه، عن العرس، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -! وتوقف المزي في "التهذيب" (19/ 552) في رواية عدي بن عميرة عن أخيه العرس، فقال: "إن كان محفوظًا". بينما جزم برواية العرس عن أخيه عدي، وهذا الذي يؤيده كلام أبي حاتم السابق. ولكن على فرض صحة هذه الرواية، فلا يزال الانقطاع قائمًا. ولكن يشهد له ما تقدم من أحاديث، كحديث أبي هريرة، وحديث ابن عباس. (¬2) رواه البخاري (5086)، ومسلم في "النكاح" (1365) (85).

"إِزَارُكَ إنْ أَعْطَيتَها جلستَ ولا إِزارَ لكَ، فالْتَمِسْ شيئًا"، قال: ما أجِدُ، قال: "فالتَمِسْ ولو خَاتَمًا مِن حَديدٍ"، فالتمسَ فلم يجدْ شيئًا، فقال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "زَوَّجْتُكَهَا بما مَعَكَ مِن القُرآنِ" (¬1). مُتَّفَقٌ عَلَيْهِما. 643 - وعن عَامر بنِ رَبِيعةَ؛ أنَّ امرأةً- مِن بَني فَزَارةَ- تَزَوَّجَتْ على نَعْلين، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أَرَضِيتِ من نَفْسِك ومَالكِ بِنَعْلَيْن؟ ". قالت: نعم. قال: فأَجَازَهُ. ق ت. وقال: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ (¬2). 644 - عن عبد الله بنِ مسعودٍ رضي الله عنه؛ أنه سُئِلَ عن رجُلٍ تَزوَجَ امرأةً، ولَم يَفْرض لها صَدَاقًا، ولم يَدْخُلْ بِها حَتَّى مَاتَ، فقال ابنُ مَسْعودٍ: لَها مِثلُ صَدَاقِ نسَائِهَا، لا وَكْسَ، ولا شَطَطَ، وعليها العِدَّةُ، ولها الْمِيراثُ، فقام مَعْقِلُ بنُ سِنَانِ الأشجعيّ، فقال: قضى رسول الله ¬

_ (¬1) رواه البخاري (2310)، ومسلم (1425)، ولكن ليس اللفظ الذي ساقه الحافظ عبد الغني هنا لأحد منهما، وانظر "بلوغ المرام"، رقم (979) بتحقيقي. (¬2) منكر. رواه ابن ماجة (1888)، والترمذي (1113) من طريق عاصم بن عبيد الله، عن عبد الله بن عامر بن ربيعة، عن أبيه، به. قلت: وعاصم ضعيف؛ سيئ الحفظ، بل تركه بعضهم، ولذلك فقول الترمذي: "حسن صحيح" ليس بحسن ولا بصحيح! وقد قال ابن أبي حاتم في "العلل" (1/ 424/ رقم 1276): "سألت أبي عن عاصم بن عبيد الله؟ فقال: منكر الحديث. يقال: إنه ليس له حديث يعتمد عليه. قلت: ما أنكروا عليه؟ قال: روى عن عبد الله بن عامر بن ربيعة، عن أبيه؛ أن رجلًا تزوج امرأة على نعلين، فأجازه النبي - صلى الله عليه وسلم -، وهو منكر". وأيضًا أورد الذهبي هذا الحديث في "الميزان" (2/ 354) مما أنكر لعاصم هذا. تنبيه: انظر المقدمة ص (7 - 13).

- صلى الله عليه وسلم - في بَرْوع (¬1) بنتِ وَاشِقٍ - امرأةٍ مِنَّا- مثلَ ما قَضَيْتَ، ففَرحَ بها (¬2) ابنُ مسعودٍ. د ت. وقال: حدِيثٌ حسنٌ صَحِيحٌ (¬3). 645 (319) - عن أنس بنِ مالكٍ؛ أنَّ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - رأى عبدَ الرحمن بنَ عوفٍ، وعليه رَدْعُ زَعْفَرانٍ (¬4)، فقال النبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "مَهْيَم؟ "، فقالَ: يا رسولَ الله! تَزَوَّجْتُ امرأةً، قال: "مَا أَصْدَقْتَها؟ "، قال: وزنَ نواةٍ من ذَهَبٍ، قال: "فبَارَكَ اللهُ لكَ، أَوْلِمْ، ولو بِشَاةٍ". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ (¬5). ¬

_ (¬1) في حاشية الأصل: "أصحاب الحديث يقولون: بِروع، بكسر الباء، وأصحاب اللغة يقولون: يَروع، بفتح الباء ... ". (¬2) قال في حاشية "أ": "أي: بالقضاء أو الفتيا". (¬3) صحيح. رواه أبو داود (2115)، والترمذي (1145)، وأيضًا رواه النسائي (6/ 121)، وابن ماجة (1891). و"الوكس": النقص، أي: لا ينقص عن مهر نسائها. و"الشطط": الجور، أي: لا يجار على زوجها بزيادة مهرها على نسائها. (¬4) "قوله: "ردع زعفران" هو رواية أبي داود، وسيأتي نقل تفسيره عن المصنف من "العمدة الصغرى"، وهذا اللفظ ليس في "الصحيحين"، وإنما عندهما ألفاظ أخر، ففي رواية لهما: "أثر صفرة"، وفي رواية للبخاري: "وضر من صفرة". (¬5) رواه البخاري (2049)، ومسلم (1427) بنحوه، وأقرب الروايات لما ساقه الحافظ عبد الغني هنا رواية أبي داود (2109) إذ الخلاف الوحيد بينهما أن رواية أبي داود ليس فيها قوله: "فبارك الله لك". وقال المصنف في "الصغرى": "الردع: براء ودال وعين مهملات؛ أثر الزعفران ولونه. والنواة: وزن خمسة دراهم. ومهيم، تفسيره: ما أمرك". أهـ.

10 - كتاب الطلاق

10 - كتاب الطلاق 646 (320) - عن عبد الله بنِ عمر رضي الله عنهما أنَّه طَلَّقَ امرأةً له (¬1) - وهي حائِضٌ- فذَكَر ذلك عمرُ لرسولِ الله - صلى الله عليه وسلم -، فَتَغَيَّظَ فِيه رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - (¬2). ثم قَال: "لِيُراجِعْهَا، ثُم يُمْسِكْها حتَّى تطهُرَ، ثم تَحِيضَ فتطهرَ، فإنْ بدَا له أنْ يُطلّقها فلْيُطلِّقْها (¬3) قبلَ أن يمسَّها، فتِلكَ العِدَّةُ، كمَا أمر الله عز وجل (¬4) " (¬5). ¬

_ (¬1) وفي رواية في "الصحيحين": "امرأته"، وكل لفظ من اللفظين: "امرأة له"، و"امرأته" وقع في بعض نسخ "الصغرى"، وفي رواية لمسلم؛ أن عبد الله بن عمر قال: "طلقت امرأتي". وهذه المرأة نقل ابن الملقن عن ابن باطيش أن اسمها: "آمنة بنت غفار"، "الإعلام" (ج 3/ ق 135/أ). وقال الحافظ في "الفتح" (9/ 347): "رأيت في "مسند أحمد" قال: حدثنا يونس، حدثنا الليث عن نافع؛ أن عبد الله بن عمر طلق امرأته- وهي حائض- فقال عمر: يا رسول الله! إن عبد الله طلق امرأته؛ النوار، فأمره أن يراجعها ... الحديث. وهذا الإسناد على شرط الشيخين ... وقد أخرجه الشيخان عن قتيبة عن الليث، ولكن لم تسم عندهما، ويمكن الجمع: بأن يكون اسمها: آمنة، ولقبها: النوار". أهـ. قلت: الرواية في "مسند أحمد" (2/ 124)، ولكن المرأة لم تسم فيها أيضًا، والله أعلم. (¬2) قال ابن دقيق العيد في "الإحكام" (4/ 52): "وتغيظ النبي - صلى الله عليه وسلم - إما لأن المعنى الذي يقتضى المنع كان ظاهرًا، فكان مقتضى الحال التثبت في الامر، أو لأنه كان يقتضي الأمر المشاورة للرسول - صلى الله عليه وسلم - في مثل ذلك إذا عزم عليه". (¬3) زاد البخاري ومسلم: "طاهرًا". (¬4) زاد البخاري (5251)، ومسلم: "أن تطلق لها النساء". (¬5) رواه البخاري- واللفظ له- (4908)، ومسلم (1471).

- وفي لفظٍ: "حتَّى تَحِيضَ حَيْضةً (¬1) مُستقبَلَةً، سوى حَيْضَتِها التي طلَّقها فيها" (¬2). - وفي لفظٍ: فحُسِبَتْ مِن طَلاقِها، وراجَعها عبدُ الله كما أمرَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - (¬3). مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. - وفي لفظٍ لمسلمٍ: "ثم لِيُطلِّقْها طاهِرًا، أو حَامِلًا" (¬4). 647 - عن عمرو بنِ شُعيب، عن أبيه (¬5)، عن جدِّه، عن النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا طَلاق إلا فِيما تَمْلِكُ (¬6)، ولا عِتْقَ إلا فيِما تَمْلِكُ، ولا بَيْعَ إلا فِيما تَمْلِكُ، ولاوفاءَ نَذْرٍ إلا فِيما تملِكُ". د (¬7). ت ليس في روايته ذِكْرُ البيع (¬8). ¬

_ (¬1) زاد مسلم: "أخرى". (¬2) رواه مسلم (1471) (4). (¬3) رواه مسلم (1471) (4)، وفيه قبل ذلك: "وكان عبد الله طلقها تطليقة واحدة". (¬4) رواه مسلم (1471) (5). (¬5) تقدمت ترجمة عمرو وترجمة أبيه ص (17). (¬6) هذه الجملة: "إلا فيما تملك" وقعت في "أ": "فيما لا تملك لا في جميع المواطن. (¬7) وإن صحيح. رواه أبو داود (2190)، وإسناده حسن للكلام المعروف في عمرو بن شعيب وإن كان الحديث عند أبي داود من طريق مطر الوراق، وهو متكلم في حفظه، فهو متابع من عامر الأحول عند الترمذي، كما أن للحديث شواهد أيضًا، ولهذا فالمتن صحيح. وانظر التعليق التالي. (¬8) حسن صحيح. رواه الترمذي (1181)، ولفظه "لا نذر لابن آدم فيما لا يملك، ولا عتق له فيما لا يملك، ولا طلاق له فيما لا يملك". وقال: "وفي الباب عن علي، ومعاذ بن جبل، وجابر، وابن عباس، وعائشة. =

648 - عن عائِشةَ؛ أن رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "طلاقُ الأمَةِ تطلِيقَتانِ، وعدَّتُها حَيْضَتانِ". (¬1). 649 - عن أبي هُريرة قال: قالَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "ثلاثٌ جِدُّهُنَّ جِدُّ، وهزلهنّ جِدُّ: النكاحُ، والطَّلاقُ، والرَّجْعةُ". د ق ت وقال: حدِيثٌ حسنٌ غرِيبٌ (¬2) 650 - عن عبد الله بنِ عليّ بن يزيد بن رُكانة، عن أبيه، عن جدّه؛ ¬

_ = وحديث عبد الله بن عمرو حديث حسن صحيح". (¬1) ضعيف. رواه أبو داود (2189)، والترمذي (1182)، وابن ماجه (2080)، من طريق أبي عاصم، عن ابن جريج، عن مظاهر، عن القاسم بن محمد، عن عائشة به. قلت: وآفته مظاهر، وهو: ابن أسلم القرشي المخزومي المدني. فقال أبو داود في "السنن": "وهو حديث مجهول"، وفي "التهذيب" عنه: "رجل مجهول، وحديثه في طلاق الأمة منكر". وقال الترمذي: "حديث عائشة حديث غريب، لا نعرفه مرفوعًا إلا من حديث مظاهر بن أسلم، ومظاهر لا نعرف له في العلم غير هذا الحديث". وروى الدارقطني في "السنن" (4/ 40) بالسند الصحيح عن أبي عاصم؛ الضحاك بن مخلد قال: "ليس بالبصرة حديث أنكر من حديث مظاهر هذا". (¬2) حسن. رواه أبو داود (2194)، وابن ماجه (2039)، والترمذي (1184)، من طريق عبد الرحمن بن حبيب، عن عطاء بن أبي رباح، عن يوسف بن ماهك، عن أبي هريرة، به. وعبد الرحمن بن حبيب هذا هو: ابن أردك، وهو مختلف فيه، ولذلك قال عنه الذهبي في "الميزان" (3/ 555): "صدوق، وله ما ينكر". وأما ابن حجر فحسّن حديثه هذا في "التلخيص" (3/ 210). وصححه الحاكم (2/ 198)، وارتضى هذا التصحيح ابن دقيق العيد في "الإلمام" (2/ 678). قلت: ولعل ذلك لما له من شواهد.

أنَّه طلَّق امرأتَه (¬1) البتة، وأنه أتى رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم -؟ فقال: "مَا أردتَ؟ "، فقال: واحدةً. قال: "آلله؟ "، قال: آلله. قال: "هو على ما أردتَ". د ت (¬2). 651 - عن ثَوْبَانَ قال: قالَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "أيُّمَا امرأةٍ سَأَلتْ زوْجَها الطَّلاقَ في غيرِ مَا بأس، فحرَامٌ عليها رائِحةُ الجنّة". د ت وقال: حدِيثٌ حسنٌ (¬3). 652 (321) - عن فاطمةَ بنتِ قيسٍ؛ أنّ أبا عمرو بنِ حفص (¬4) طلَّقها البتّة، وهو غَائِبٌ - وفي روايةٍ: طلَّقها ثلاثًا (¬5) - فأرسلَ إليها ¬

_ (¬1) واسمها: "سهيمة" كما في رواية لأبي داود (2206) وغيره. (¬2) ضعيف. رواه أبو داود (2208)، والترمذي (1177) من طريق جرير بن حازم، عن الزبير ابن سعيد، عن عبد الله بن عليّ به. قلت: وهذا سند ضعيف، وله علل. الأولى: الزبير بن سعيد ضعفه ابن معين، ولين أمره أحمد. الثانية: عبد الله بن علي بن يزيد بن ركانة "لين الحديث"، كما في "التقريب". الثالثة: علي بن يزيد بن ركانة، وهو "مستور"، كما في "التقريب". الرابعة: وهي علة أعله بها الذهبي في "الميزان" (3/ 161)، فقال: "تفرد بهذا جرير". قلت: وهذا الحديث روي من غير وجه، وهو معلول أيضًا، ولهذا قال الترمذي: "هذا حديث لا نعرفه إلا من هذا الوجه، وسألت محمدًا عن هذا الحديث؟ فقال: فيه اضطراب". (¬3) صحيح. رواه أبو داود (2226)، والترمذي (1187). (¬4) وقيل-: أبو حفص بن عمرو- ابن المغيرة المخزومي، وهو: ابن عم خالد بن الوليد، وكان من خيار شباب قريش. (¬5) هذه الرواية لمسلم (1480) (38).

وَكِيلُه (¬1) بشعيرٍ، فسَخِطَته (¬2). فقال. والله مَالَكِ علينا من شيءٍ، فجاءتْ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم -، فذكرتْ ذلكَ له. فقال: "ليسَ لَكِ عليه نفقةٌ". - وفي لفظٍ: "ولا سُكنى" (¬3). فأمرَها أن تعتدَّ في بيت أمّ شَرِيك (¬4). ثم قال: "تلكَ امرأةٌ يغشَاها أَصْحَابي، اعتدِّي عندَ ابنِ أُمِّ مكتومٍ، فإنَّه رجلٌ أعمى، تضَعِينَ ثيابَكِ، فإذا حَلَلْتِ فآذِنيني". قالتْ: فلمّا حللتُ ذكرتُ له أنَّ معاوية بنَ أبي سُفيان وأبا جَهمٍ خَطَباني. فقال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "أمّا أبو الجهمِ فلا يضعُ عَصاهُ عن عاتِقِهِ (¬5)، ¬

_ (¬1) الضمير يعود إلى "أبي عمرو بن حفص"، و"وكيله": "يحتمل أن يكون مرفوعًا، ويكون الوكيل هو المرسِل، ويحتمل أن يكون منصوبًا، ويكون الوكيل هو المرسَل، وقد عين بعضهم للرواية الاحتمال الأول". قاله ابن دقيق العيد. وقلت: وفي "صحيح مسلم" تسمية وكيله، وهما: الحارث بن هشام وعياش بن أبي ربيعة، ومن أجل ذلك قال الفرطبي في "المفهم" (4/ 267): "كان صوابه أن يقول: وكيليه". (¬2) أي: كرهته ولم ترض به. (¬3) هذه الرواية لمسلم (1480) (37). (¬4) معروفة بكنيتها، مختلف في اسمها، وهي قرشية عامرية، وقيل: أنصارية، ويقال: هي التي وهبت نفسها للنبي - صلى الله عليه وسلم -، وكانت كثيرة المعروف، والنفقة في سبيل الله، والتضييف للغرباء من المهاجرين وغيرهم. رضي الله عنها. (¬5) أبو جهم هذا هو المذكور في "الصحيحين" في حديث عائشة أنها قالت: قال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "اذهبوا بخميصتي هذه إلى أبي جهم، وائتوني بأنبجانية أبي جهم ... "، وهو في "الصغرى" للمصنف برقم (136)، وتقدم في هامش ص (143). =

وأما مُعاويةُ فَصُعْلُوكٌ؛ لا مالَ له (¬1) انْكِحي أُسامة بنَ زيدٍ". فكرهتُه (¬2). ثم قال: "انْكِحي أُسامةَ (¬3) ". فنكحتُه، فجَعل الله فيه خيرًا، واغتبطتُ (¬4). مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ (¬5). ¬

_ =ومعنى: "لا يضع عصاه عن عاتقه"، قيل: إنه كثير الأسفار، وقيل- وهو الراجح- أنه ضراب للنساء، ويؤيد ذلك بعض روايات مسلم: "وأما أبو جهم فرجل ضراب للنساء"، وفي أخرى: "وأبو الجهم منه شدة على النساء (أو يضرب النساء، أو نحو هذا) ". (¬1) أي: "فقير يعجز عن القيام بحقوق الزوجية، وفي رواية لمسلم: "أنه ترب لا مال له". والترب: بفتح التاء وكسر الراء "الفقير"، وأكده بأنه "لا مال له"؛ لأن الفقير قد يطلق على من له شيء يسير لا يقع موقعًا من كفايته، ثم صار بعدُ معاويةُ إلى ما صار! فسبحان من بيده الغنى والفقر". قاله ابن الملقن في "الإعلام" (ج 3/ ق 139/ أ) (¬2) وفي رواية لمسلم: "فقالت بيدها هكذا: أسامة! أسامة! فقال لها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: طاعة الله وطاعة رسوله خير لك". (¬3) زاد في "أ": "ابن زيد"! (¬4) في بعض نسخ صحيح مسلم: "واغتبطت به" بزيادة لفظ: "به"، قاله النووي وابن الملقن. قلت: هذه اللفظة: "به" اختلفت نسخ "العمدة الصغرى" حيالها، فوقعت في بعضها دون البعض. تذييل: ثم رجعت إلى أنفس أصل لـ "صحيح مسلم"، فلم أجد فيه هذه اللفظة، والحديث في ذلك الأصل (ورقة 219). (¬5) هكذا قال المصنف رحمه الله، وهذا الحديث بهذا السياق ليس متفقًا عليه، وإنما هو لمسلم (1480) فقط. ثم رأيت الحافظ قال في "الفتح" (9/ 478): "أخرج مسلم قصتها - يعني: قصة فاطمة بنت قيس - من طرق متعددة عنها، ولم أرها في البخاري، وإنما ترجم لها ... وأورد أشياء من قصتها بطريق الإشارة إليها، ووهم صاحب "العمدة"، فأورد حديثها بطوله في المتفق". ومن قبله قال ابن الملقن في "الإعلام" (ج 3/ ق 137/ أ): "هذا الحديث بهذه السياقة من أفراد مسلم، والبخاري ذكر منه قصة انتقالها فقط".

653 - عن عطاء بنِ عَجْلان، عن عكرمةَ بنِ خالدٍ المخزوميّ (¬1)، عن أبي هُريرة رضي الله عنه قال: قالَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "كلُّ طَلاقٍ جائِزٌ، إلا طلاقَ المعتُوهِ؛ المغْلُوبِ على عَقْلِهِ". ت لا نعرِفُه إلا من حديثِ عطاء بن عجلان، وهو ذَاهِبُ الحديثِ (¬2). 654 - عن ابنِ عبّاس قالَ: أتى النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - رجُلٌ فقال: يا رسولَ الله! سيّدي زوّجني، وهو يريدُ أن يُفرّق بيني وبينها؟ قال: فصعَدَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - المنبرَ، فقال: "يا أيُّها الناسُ! ما بالُ أحدكم يزوّجَ عبدَه أمتَه، ثم يُرِيدُ أن يُفرّقَ بينهما؛ إنما الطَّلاق لِمَنْ أخذَ بالسَّاقِ". ق. ابنُ لَهِيعة، عن موسى بنِ أيُّوب الغَافِقي، عن عكرمةَ عنه (¬3). ¬

_ (¬1) هو: عكرمة بن خالد بن العاص بن هشام أبو الحارث القرشي، ثقة، مكي، تابعي، روى له الجماعة سوى ابن ماجة. (¬2) ضعيف جدًا. رواه الترمذي (1191) وقال: "هذا حديث لا نعرفه مرفوعًا إلا من حديث عطاء ابن عجلان، وعطاء بن عجلان ضعيف؛ ذاهب الحديث، والعمل على هذا عند أهل العلم من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - وغيرهم أن طلاق المعتوه المغلوب على عقله لا يجوز، إلا أن يكون معتوهًا يفيق الأحيان، فيطلق في حال إفاقته". والصواب ما رواه البخاري (9/ 388/ فتح) معلقًا عن علي رضي الله عنه قال: "وكل الطلاق جائز إلا طلاق المعتوه". ووصله ابن الجعد في "المسند" (764 و 765 و 766 و 2549)، وعبد الرزاق (7/ 78) والبيهقي (7/ 359) بسند صحيح. وانظر "فتح الباري" (9/ 393). (¬3) رواه ابن ماجه (2081) من طريق يحيى بن عبد الله بن بكير، عن ابن لهيعة به، وسنده=

باب العده

باب العِدّهَ 655 (322) - عن سُبَيعةَ الأسلَمِيّة؛ أنَّها كانت تحت سعدِ بن خَوْلةَ (¬1) - وهو في بني عامر بنِ لُؤي (¬2)، وكان ممن شَهِدَ بدرًا- فتوفي عنها في حجّة الوداع، وهي حامِلٌ، فلم تنشَبْ أن وضعتْ حَمْلَها بعد وفاتِهِ (¬3)، فلما تعلّتْ مِن نِفَاسِها (¬4) تجمّلتْ للخُطَّابِ! فدخلَ عليها أبو ¬

_ = ضعيف من أجل ابن لهيعة، وبه أعله البوصيري فى "الزوائد" (ق 130/ أ)، وخالف فيه موسى ابنُ داود يحيى بنَ عبد الله بن بكير. فرواه الدارقطني (4/ 37)، والبيهقي (7/ 360) من طريق موسى بن داود، عن ابن لهيعة، عن موسى بن أيوب، عن عكرمة مرسلًا، لم يذكر فيه ابن عباس. ولعل هذا من تخليطات ابن لهيعة نفسه. وقد تابع ابن لهيعة على الرواية المرفوعة رشدين بن سعد أبو الحجاج المهري. رواه الدارقطني (4/ 37)، والبيهقي (7/ 360) من طريق بقية بن الوليد، حدثنا رشدين بن سعد، عن موسى بن أيوب، عن عكرمة، عن ابن عباس مرفوعًا به. ورشدين ضعيف. وله طريق آخر عند الطبرانى في "الكبير" (11800) عن موسى بن أيوب به وسنده ضعيف أيضًا. وله شاهد عن عصمة بن مالك عند الدارقطني (4/ 37 - 38)، وابن عدي في "الكامل" (6/ 2040). وسنده تالف. ومع هذا قال ابن القيم- رحمه الله- في "الزاد" (5/ 279): "حديث ابن عباس وإن كان في إسناده ما فيه، فالقرآن يعضده، وعليه عمل الناس"! وحسنه شيخنا في "الإرواء" (2041)! (¬1) هو: سعد بن خولة القرشي العامري من بني مالك بن حسل بن عامر بن لؤي. وقيل: من حلفائهم. وقيل: مواليهم، هاجر، وشهد بدرًا. (¬2) ومعناه: ونسبه في بني عامر. أي: هو منهم. وفي البخاري: "وهو من بني عامر". (¬3) في رواية للبخاري (4909) أنها "وضعت بعد موته بأربعين ليلة". (¬4) أي: طهرت، أو: سلمت وصحت.

السَّنابِل بنُ بَعْكَكٍ (¬1) - رجلٌ مِن بني عبد الدَّار- فقال لها: مالي أراكِ مُتجمِّلةً (¬2)؟ لعلّكِ تَرْجِينَ النِّكاح (¬3) والله ما أنتِ بناكحٍ حتى تَمُرَّ عليكِ أربعةُ أشهرٍ وعشرٌ. قالتْ سُبَيعةُ: فلمّا قالَ لي ذلك جمعتُ عليَّ ثيابِي حِين أمسيتُ، فأتيتُ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم -، فسألتُه عن ذلِكَ؟ فأفتَانِي بأنّي قد حللتُ حِين وضعتُ حَمْلِي، وأمرَني بالتزويج إِن بدا لي. قال ابنُ شهابٍ (¬4): ولا أرى بأسًا أن تتزوّج حِين وضعت- وإنْ كانت في دَمِها- غير أنه لا يقربُها زوجُها حتى تطهرَ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ (¬5). 656 (323) - عن زَينب بنتِ أُمِّ سلَمة (¬6) قالتْ: تُوفي حَمِيمٌ (¬7) ¬

_ (¬1) مشهور بكنيته، واختلف في اسمه كثيرًا، وهو قرشي عبدري من مسلمة الفتح، عدَّه بعضهم في الكوفيين، إلا أن خليفة بن خياط ذهب إلى أنه أقام بمكة حتى مات بها، وهو رأي ابن عبد البر أيضًا، ورجح ذلك ابن حجر. (¬2) للبخاري: "تجملت للخطاب". وتحملت: يعني: تزينت. (¬3) زاد البخاري: "فإنك"، ولمسلم: "إنَّكِ". (¬4) هو: محمد بن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله بن شهاب، تقدمت ترجمته ص (115). (¬5) رواه البخاري (3991)، ومسلم- والسياق له- (1484). (¬6) هي: زينب بنت أبي سلمة المخزومية، ربيبة النبي - صلى الله عليه وسلم -، وأخت عمر بن أبي سلمة، أمها أم سلمة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم -، وكان اسمها برة، فسماها النبي - صلى الله عليه وسلم - زينب، وكانت من أفقه نساء زمانها. قيل: نضح النبي - صلى الله عليه وسلم - في وجهها الماء، فلم يزل يحيى أثر الشباب به حتى بعد أن عجزت وكبرت. (¬7) قال المصنف في "الصغرى": "الحميم: القرابة". قلت: وجاء في رواية في البخاري (5334) ومسلم (1486) (58)، قالت زينب: دخلت على أم حبيبة؛ زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - حين توفي أبوها؛ أبو سفيان، فدعت أم حبيبة بطيب ... الحديث.

لأمِّ حَبيبةَ، فدعتْ بِصُفرَةٍ، فمسحتْه بذرَاعيها، وقالتْ: إنَّما أصنَعُ هذا؛ لأني سمعتُ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - يقولُ: "لا يَحِلُّ لامرأةٍ تُؤمِنُ باللهِ واليومِ الآخرِ أنْ تُحِدَّ (¬1) فوقَ ثَلاثٍ إلا على زوجٍ؛ أربعةَ أشهُرٍ وعشرًا". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ (¬2). 657 (324) - عن أمِّ عطيةَ؛ أنَّ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا تُحِدُّ امرأةٌ على ميِّتٍ فوقَ ثلاثٍ، إلا على زوجٍ؛ أربعةَ أشهُرٍ وعشرًا، ولا تَلْبَسُ ثوبًا مصبُوغًا إلا ثوبَ عَصْبٍ (¬3)، ولا تكتحِلُ، ولا تمسُّ طِيبًا إلا إذا طهرتْ (¬4)؛ نُبدةً من قُسْطٍ، أو أَظْفَارٍ". متَّفَقٌ عَلَيْهِ (¬5). 658 - عن اَلفُرَيعةَ بنتِ مالكِ بنِ سنان- وَهي أُخت أبي سعيدٍ الخدري- أنّها جاءتْ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - تسألُه أن ترجعَ إلى أهلِها في بني ¬

_ (¬1) الإحداد لغةً: المنع. وشرعًا: ترك الطيب والزينة. (¬2) رواه البخاري (1280)، ومسلم- والسياق له- (1486) (59). (¬3) قال المصنف في "الصغرى": "العصب: ثياب من اليمن فيها بياض وسواد". وقال ابن الأثير في "النهاية" (3/ 245): "العَصْبُ: بُرود يمنيةٌ يعصب غزلها، أي: يُجمع ويُشدّ، ثم يُصبغ ويُنسج، فيأتي مَوْشِيًّا؛ لبقاء ما عصب منه أبيضَ لم يأخذه صبغ، يقال: برد عَصْبٍ، وبرود عصبٍ بالتنوين والإضافة. وقيل. هي برود مخططة. والعَصْبُ: الفَتْلُ. والعصَّاب: الغزَّال، فيكون النهي للمعتدة عما صبغ بعد النسج". (¬4) يعني: من الحيض، و"النبذة": الشيء اليسير، و"القُسطَ"، ويقال: "كُسْت" كما في رواية (313) للبخاري، و"الأظفار" نوعان معروفان من البخور، قيل: هما من طيب الأعراب، وليسا من مقصود الطيب، رخص فيه للمغتسلة من الحيض؛ لإزالة الرائحة الكريهة. (¬5) رواه البخاري (5342 و 5343)، ومسلم- واللفظ له- (938) (66) في كتاب الطلاق.

خُدرة، وأنَّ زوجَها خرجَ في طلبِ أَعْبُدٍ له أَبَقُوا (¬1) حتَّى إذا كان بطرفِ القَدُوم (¬2) لحقَهم، فقتَلُوه. قالت (¬3): فسألتُ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - أنْ أرجعَ إلى أهلِي؛ فإنّ زوجِي لم يترُكْ لي مسكنًا يَمْلِكُهُ، ولا نفقةً. قالتْ: فقالَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "نعم". قالتْ: فانصرفتُ، حتَّى إذا كنتُ في الحُجرةِ- أو في المسجدِ- نادانِي رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - أو أمرَ بي، فنُودِيتُ له-. فقال: "كيفَ قُلْتِ؟ " قالتْ: فرددتُ عليه القِصَّةَ التي ذكرتُ له مِن شأنِ زوجِي. قال: "امْكُثِي في بيتِكِ حتَّى يبلغَ الكِتابُ أجلَه". قالتْ: فاعتددتُ فيه أربعةَ أشهُر وعشرًا. قالتْ: فلمّا كان عثمانُ أرسلَ إليَّ، فسألَنِي عن ذلك؟ فأخبرتُه. فاتَّبَعَهُ، وقضَى به. ق د ت. وقال: حدِيثٌ حسنٌ صَحِيحٌ (¬4). 659 (325) عن أمِّ سلَمة قالتْ: جاءتِ امرأةٌ إلى رسُولِ الله ¬

_ (¬1) أعبد: جمع "عبد"، وأبقوا: هربوا. (¬2) اسم جبل بالحجاز، قرب المدينة، قيل: على ستة أميال منها. (¬3) في الأصل: "قال"، والصواب ما أثبته. وهو على الصواب في "أ". (¬4) حسن. رواه ابن ماجه (2031)، وأبو داود (2300)، والترمذي (1204)، وانظر "بلوغ المرام" (1110 بتحقيقي).

- صلى الله عليه وسلم -، فقالتْ: يا رسول الله! إن ابنتي تُوفِّي عنها زوجُها (¬1)، وقد اشتكَتْ عينها (¬2) أفنَكْحُلُها؟ فقال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "لا"، مرتين أو ثلاثًا. كلُّ ذلك يقولُ: "لا". ثم قالَ: "إنَّما هي أربعةُ أشهرٍ وعشرٌ، وقد كانتْ إحداكُنَّ في الجَاهِليّةِ ترمي بالبعرةِ على رأسِ الحولِ". قال حُميدٌ (¬3): فقلتُ لزينبَ: وما "ترمي بالبعرةِ على رأسِ الحولِ"؟ فقالت (¬4) زينبُ. كانتِ المرأة إذا تُوفِّي عنها زوجُها دخلتْ حِفشًا، ولَبِسَتْ شرَّ ثيابِها، ولم تمسَّ طيبًا، ولا شيئًا، حتَّى تَمُرَّ بها سنةٌ، ثم تُؤتى بِدَابَّةٍ؛ حمارٍ، أو شَاةٍ، أو طيرٍ، فتفتضُّ به، فقلَّ ما تفتَضُّ بشيءٍ إلا ماتَ، ثم تخرجُ، فتُعطى بعرةً، فترمِي بها، ثم تُراجعُ بعدُ ما شاءَتْ مِن ¬

_ (¬1) المرأة السائلة اسمها: عاتكة بنت نعيم، وزوج البنت هو: المغيرة المخزومي، قاله ابن الملقن في "الإعلام" (ج 3/ ق 148/ أ)، وابن حجر في "الفتح" (9/ 488)، وأما اسم البنت فلم أقف على من عرفها. (¬2) فيه وجهان، أحدهما: بضم النون على الفاعلية، على أن تكون العين هي المشتكية، والثاني: فتحها، ويكون المستتر في "اشتكت" ضمير الفاعل، وهي المرأة. قاله ابن دقيق العيد في "الإحكام" (4/ 63). قلت: ورجح جمع من أهل العلم رواية الرفع؛ وذلك لما وقع في بعض أصول "صحيح مسلم" بلفظ: "عيناها". ولكني رجعت إلى نسختي الخطية من "صحيح مسلم"، ولفظها: "عينها" وهذه النسخة لا يعرف اليوم أنفس منها. (¬3) هو: حميد بن نافع الأنصاري، تابعي، ثقة، روى له الجماعة. (¬4) في الأصل: "فقال"، والصواب ما أثبته.

طيبٍ، أو غيره. مُتَفَقٌ عَلَيْهِ (¬1) ¬

_ (¬1) رواه البخاري (5336 و 5337)، ومسلم (1488 و 1489)، وليس عند البخاري: "ولا شيئًا". وعنده: "أو طائرٍ" بدل: "أو طير". وزاد: "وسئل مالك رحمه الله: ما تفتض به؟ قال: تمسح به جلدها". قلت: وهذا التفسير للإمام مالك في "الموطأ" (2/ 598). وجاء في هامش الأصل ما يلي: "حاشية: الحفش: البيت الصغير. تفتض: تدلك به بدنها". قلت: وهذه الحاشية جاءت في أصل "الصغرى" للمصنف رحمه الله، غير أن فيها: "جسدها"، بدل: "بدنها". قلت: ونقل النووي - وغيره - عن ابن قتيبة أنه قال: "سألت الحجازيين عن معنى الافتضاض؟ فذكروا أن المعتدة كانت لا تغتسل، ولا تمس ماءً، ولا تقلم ظفرًا، ثم تخرج بعد الحول بأقبح منظر، ثم تفتض - أي: تكسر ما هي فيه من العدة - بطائر، تمسح به قبلها، وتنبذه، فلا يكاد يعيش ما تفتض به". قال ابن الملقن في "الإعلام": "وقال غيره: فتموت؛ لقبح ريحها، وقذراتها".

11 - كتاب الظهار

11 - كتاب الظهار 665 - عن سلَمة بنِ صَخْرٍ البَيَاضِي (¬1) قال: كُنت امرءًا أُصيبُ مِن النِّساءِ ما لا يُصِيبُ غيرِي، فلمّا دخلَ شهرُ رمضانَ خِفتُ أن أُصِيبَ من امرأتِي شيئًا يتتابعُ بي حتى أصبحَ، فظاهرتُ منها حتى ينسلخ شهرُ رمضان، فبينَا هي تخدمُني ذات ليلةٍ، إذ تكشَّفَ لي منها شيء، فلم ألبثْ أنْ نَزَوْتُ (¬2) عليها، فلما أصبحتُ خرجتُ إلى قومِي، فأخبرتُهم الخبرَ! قال: فقلتُ: امشُوا معِي إلى عند (¬3) رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم -. قالوا: لا والله. فانطلقتُ إلى النبيِّ (¬4) - صلى الله عليه وسلم -، فأخبرتُه. فقال: "أنتَ بذاكَ يا سلمة؟ ". قلتُ: أنا بذاكَ يا رسولَ الله! - مرتين - وأنا صَابرٌ لأمرِ الله [عزَّ وجلّ] (¬5)، فاحكُم فيّ ما أراكَ الله. قال: " حَرِّرْ رَقبةً". قلتُ: والذي بعثكَ بالحق ما أملكُ رقبةً غيرها، وضربتُ صفحةَ ¬

_ (¬1) وهو صحابي، أنصاري، خزرجي، مدني، ودعوتهم في بني بياضة، ولذلك يقال له: البياضي، وبياضة بطن من بني زريق. وقال أبو القاسم البغوي: "لا أعلم لسلمة بن صخر غير هذا الحديث". (¬2) أي: وقعت. (¬3) كذا في "الأصل"، والذي في "أ"، و "السنن": "إلى رسول الله". (¬4) في "أ": "رسول الله". (¬5) زيادة من "أ".

رقبتي! قال: "فصُم شهرين مُتتابِعين". قال: وهل أصبتُ الَّذي أصبتُ إلا مِنَ الصِّيام! قال: "فأطْعِمْ وَسْقًا من تمرٍ بين ستين مسكينًا". قال: والذي بعثَكَ بالحقِّ لقد بِتْنا وَحْشَيْنِ (¬1)؛ مالنا طعامٌ. قال: "فانطلِقْ إلى صاحبِ صدقةِ بني زُريْقٍ، فلْيدفَعْها إليك، فأَطْعِم ستينَ مِسْكِينًا وَسْقًا من تمرٍ، وكُلْ أنتَ وعيالك بقيّتها". فرجعت إلى قومي، فقلتُ: وجدتُ عندكم الضِّيقَ، وسُوءَ الرأي ووجدتُ عند النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - يعني: الرحبَ والسَّعة - وقد أمرَني، أو أمر لي بصدَقتِكم. نحوه، وقال: هذا حدِيثٌ حسنٌ (¬2). 661 - عن ابنِ عبّاسٍ؛ أنّ رجلًا أتى النبيَّ - صلى الله عليه وسلم -، قد ظَاهَرَ مِن امرأتِهِ فوقَعَ عليها، فقال: يا رسولَ الله! إنِّي [قد] (¬3) ظاهرتُ مِن امرأتِي، فوقعت عليها قبلَ أنْ أكفِّر؟ فقال: "ما حَمَلَكَ علي ذلك يرحمُكَ الله؟ "، قال: رأيتُ خَلْخَالَها في ضَوْءِ القمرِ. قال: "فلا تَقْرَبْها حتى تفعلَ ما أَمَرَكَ الله ¬

_ (¬1) أي: جائعين. قال ابن الأثير في "النهاية" (5/ 161): "يقال: رجل وحش - بالسكون - من قوم أوحاش، إذا كان جائعًا لا طعام له، وقد أوحش إذا جاع". (¬2) صحيح لغيره. رواه أبو داود - والسياق له - (2213)، والترمذي (1200 و 3299)، وانظر "البلوغ" (1093). (¬3) زيادة من "أ".

[عزّ وجلّ] (¬1) ". وقال: هذا حدِيثٌ حسنٌ صَحِيحٌ (¬2). 662 - عن خُوَيْلَةَ بنت مالكِ بن ثعلبة قالمت: ظَاهَرَ مني زوجي أوس بنُ الصَّامت، فجِئتُ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - أشكُوا إليه، ورسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - يُجادِلُني فيه، ويقول: "اتَّقِ الله فيه؛ فإنّه ابنُ عمِّك". فما بَرحتُ حتى نزلَ القرْآنُ: {قَدْ سَمِعَ اللهُ قَوْلَ الّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا ..} إلى الفَرْضِ (¬3). فقال: "يعتقُ رقبةً". قلتُ (¬4): لا يجدُ. قال: "فيصُوم شهرين مُتتابعين". قالت: يا رسولَ الله! إنّه شيخٌ كبيرٌ ما به صِيامٌ. ¬

_ (¬1) زيادة من "أ". (¬2) حسن. رواه أبو داود (2221)، والترمذي - والسياق له - (1199) وفي المطبوع: "حسن غريب صحيح"، وقد صححه ابن حزم في "المحلى" (10/ 55)، وحسنه الحافظ في "الفتح" (9/ 433)، وانظر "البلوغ" (1092). (¬3) أي: إلى ما فرض الله تعالى من الكفارة، وفي "المسند" (6/ 410): "إلى قوله: {وَلِلْكَافِريِنَ عَذَابٌ أَلِيمٌ} ". قلت: والآيات المشار إليها هي قوله سبحانه وتعالى: {قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ (1) الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسَائِهِمْ مَا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلَّا اللَّائِي وَلَدْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَرًا مِنَ الْقَوْلِ وَزُورًا وَإِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ (2) وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا ذَلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (3) فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا ذَلِكَ لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [المجادلة 1 - 4] (¬4) في "أ": "قالت".

قال: "فليُطْعِم ستِّينَ مسكينًا". قلتُ: ما عِندهم (¬1) مِن شيءٍ يتصدق به. قال: "فإني سأُعِينه (¬2) بعَرَقٍ (¬3) من تمرٍ" قلت: يا رسولَ الله! وأنا (¬4) أُعِينُه بعَرَقٍ آخرَ. قال: "قد أحسنتِ، اذهَبِي فأَطْعمي بها [عنه] (¬5) ستينَ مِسْكِينًا، وارجِعي إلى ابنِ عمِّك" (¬6). قال: "والعَرَقُ: ستُّون صَاعًا" (¬7). د. وقال في هذا: إنما كَفَّرتْ عنه من غيرِ أن تستأمره (¬8) ¬

_ (¬1) كذا في "الأصل"، وفي "أ"، و"السنن": "ما عنده"، وهو أصوب. (¬2) كذا في "الأصلين"، وفي "المسند": "فإِنّا سَنُعِينُه"، وأما "سنن أبي داود" ففيها: "فأُتي سَاعتئذٍ"! (¬3) العرق: بمهملتين مفتوحتين، وهو زبيل (إناء) كبير تُكال به الأشياء، وينسج من نسائج الخوص. (¬4) في "أ": "وإني". (¬5) زيادة من "أ"، وهي في "السنن". (¬6) صحيح بشواهده. رواه أبو داود (2214). (¬7) قال الشوكاني في "نيل الأوطار" (4/ 263): "هذه الرواية تفرد بها معمر بن عبد الله بن حنظلة، قال الذهبي: لا يعرف، ووثقه ابن حبان، وفيها أيضًا محمد بن إسحاق، وقد عنعن، والمشهور عرفًا أن العرف يسع خمسة عشر صاعًا، كما روى ذلك الترمذي بإسناد صحيح من حديث سلمة نفسه". (¬8) هذا القول لأبي داود، كما هو صريح ذلك في "السنن".

12 - كتاب اللعان

12 - كتاب اللعان 663 (326) - عن عبد الله بنِ عُمر؛ أنّ فُلان بنَ فُلانٍ (¬1) قال: يا رسولَ الله! أرأيتَ لو وجدَ أحدُنا امرأتَه علي فَاحِشَةٍ! فكيفَ يصنَعُ؛ إنْ تكلَّمَ تكلَّمَ بأمرٍ عَظِيم، وإنْ سكتَ سكتَ علي مثلِ ذلك؟ قال: فسكت النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - فلم يُجِبْه. فلمّا كان بعد ذلك أتاهُ. فقالَ: إنَّ الَّذي سألتُكَ عنه قد ابتُلِيتُ به؟ فأنزلَ الله عز وجل هؤلاء الآيات في سُورةِ النُّورِ: {وَالَّذينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ ..} [النور: 6 - 9]، فتلاهُنّ عليه، ووعَظَه، وذَكّره، وأخبرَه أنّ عذابَ الدُّنيا أهونُ من عذابِ الآخرةِ. قال: لا والذي بعثَكَ بالحقِّ، ما كذبتُ عليها. ثم دَعَاها، فوعَظَها، وأخبرَها أنَّ عذابَ الدُّنيا أهونُ مِن عذابِ الآخرةِ. قالتْ: لا والذي بعثَكَ بالحقِّ، إنّه لكَاذِبٌ. فبدأَ بالرجُل، فشَهِدَ أربعَ شهاداتٍ بالله: إنّه لمن الصَّادِقين {وَالْخَامِسَةُ أنَّ لَعْنَةَ اللهِ عَلَيهِ إِنْ كَانَ مِنَ الكَاذِبِينَ} [النور: 7]. ثم ثنَّى بالمرأةِ، فشهِدَتْ: {أَرْبَعَ شَهَاداتٍ باللهِ إنَّه لمن الكَاذِبينَ ¬

_ (¬1) هو: هلال بن أمية بن عامر بن قيس، والمرأة هي: خولة بنت قيس، والرجل الَّذي رميت به هو: شريك بن سحماء.

والْخَامِسةَ أنَّ غَضَبَ اللهِ عَلَيِهَا إِنْ كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ} [النور: 8 - 9]. ثم فرَّقَ بينهما (¬1). - وفي لفظٍ: قال: "اللهُ يعلمُ أنّ أحدَكُما كاذِبٌ، فهلْ منْكُما تائِبٌ". ثلاثًا (¬2). - وفي لفظٍ: قال: "لا سَبِيلَ لك عليها". قال: يا رسولَ الله! مَالِي؟ قال: "لا مَالَ لكَ؛ إنْ كُنتَ صَدَقْتَ عليها، فهو بما استحللتَ مِن فَرْجِها، وإنْ كُنتَ كذبتَ عليها، فهو أبعدُ لكَ مِنها" (¬3). مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. 664 (327) - وعن ابنِ عُمر؛ أن رجلًا رمى امرأتَه، وانتَفَى مِن وَلدِها في زمانِ (¬4) رسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم -، فأمرَهُما رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -، فتَلاعَنا كما قالَ الله عز وجل، ثم قضَى بالولد للمَرأة، وفرّقَ بين الْمُتلاعنَيْن. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ (¬5). 665 (328) - عن أبي هُريرة رضي الله عنه قال: جاءَ رجُلٌ من بني فَزَارةَ إلى النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فقال: إنّ امرأتِي ولدتْ غُلامًا أسودَ؟ فقال النبيُّ ¬

_ (¬1) هذا السياق لمسلم (1493) (4)، والحديث رواه أيضًا البخاري. (¬2) هذه الجملة للبخاري (5312)، وهي لمسلم أيضًا (1493) (6) دون قوله: "ثلاثا". (¬3) رواه البخاري (5350)، ومسلم (1493) (5). (¬4) في "أ": "زمن". (¬5) رواه البخاري - والسياق له - (4748)، ومسلم (1494) بمعناه. تنبيه: قال ابن الملقن في "الإعلام" (ج 3/ ق 153/ ب): "هذا الحديث أخرجه الشيخان بمعناه، ولم أره هنا بلفظه". أهـ. قلت: هو في كتاب التفسير عند البخاري بلفظه، غير أن عنده: "فأمر بهما"، بدل: "فأمرهما".

- صلى الله عليه وسلم -: "هل لكَ مِن إبلٍ؟ "، قال: نعم. قال: "فَمَا ألوانُها؟ "، قال: حُمْرٌ. قال: "هل فِيها مِن أَوْرَقَ؟ "، قال: إنّ فيها لوُرْقًا (¬1). قال: "فأنّى أتاها ذاك؟ "، قال: عسى أن يكونَ نَزَعَهُ عِرْقٌ. قال: "وهذا عسى أنْ يكونَ نَزَعَهُ عِرْقٌ". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ (¬2). 666 (329) - عن عائِشةَ رضي الله عنها قالتْ: اختصَم سعد ابن أبي وقّاص وعبدُ بن زَمْعة في غُلامٍ. فقال سعدٌ: يا رسولَ الله! هذا ابنُ أخي؛ عتبة بن أِبي وقّاص، عَهِدَ إليَّ أنه ابنَه. انظُرْ إلى شَبههِ. وقال عبد ابنُ زَمْعةَ: هذا أخِي يا رسولَ الله! وُلِدَ علي فراشِ أبي مِن وَلِيدته (¬3) فنظرَ ¬

_ (¬1) "الأورق: الَّذي فيه سواد ليس بحالك، بل يميل إلى الغبرة، ومنه قيل للحمامة: ورقاء". قاله الحافظ في "الفتح" (9/ 443). (¬2) رواه البخاري (5305)، ومسلم (1500). (¬3) قال البغوي في "شرح السنة" (9/ 278): "ومن عاداتهم في الإماء أنهم كانوا يقتنون الولائد، ويضربون عليهم الضرائب، فيكتسبن بالفجور، وهنَّ البغايا اللاتي ذكرهن الله عز وجل في قوله: {وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى البِغَاءِ} [النور: 33]، وكانت سادتهم يُلمُّون بهن، ولا يجتنبونهن، وكان من سيرتهم إلحاقُ الولد بالزنا، فإذا جاءت الواحدة منهن بولد، وكان سيِّدها يطؤها وقد وطئها غيره بالزنا، فربما ادَّعاه الزانى وادَّعاه السَّيد، فدعوا له القافة، فحكم رسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بالولد لسِّيدها لأقراره بوطئها، ومصيرها فراشًا له بالوطء، وأبطل ما كان عليه أهلُ الجاهلية من إثبات النسب بالزنى، كما رُوي عن سعيد بن جُبير، عن ابن عباسٍ قال: قال رسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "لا مُساعاة في الإسلام من ساعى في الجاهلية، فقد لحقَ بِعَصَبَتِهِ، ومن ادَّعى ولدًا من غير رشدةٍ، فلا يَرثُ ولا يُورَثُ"، والمراد بالمساعاة: الزنا، وكان الأصمعي يجعل المساعاة في الأماء دون الحرائر، لأنهن يسعين لمواليهن، فيكتسبن لهم بضرائب كان عليهن، فأبطل النبي - صلى الله عليه وسلم - المساعاة في الإسلام، ولم يُلحق بها النسب، وعفا عما كان منها في الجاهلية، وأثبت به النسب، وفى هذا كانت منازعةُ عبد بن =

رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - إلى شَبَهِهِ، فرأى شَبَهًا بيّنًا بعُتبة. فقال: "هو لكَ يا عبدُ بن زَمْعة؛ الولدُ للفِرَاشِ، وللعَاهِرِ الحَجَرُ، واحتَجبِي منه يا سَودةُ" فلم تره سودةُ قط. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ (¬1) 667 (330) - عن عائِشةَ رضي الله عنها؛ أنَها قالتْ: إِنَّ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - دَخَلَ عليَّ مَسرُورًا تَبْرُقُ أسارِيرُ وجهِهِ (¬2)، فقال: "أَلَمْ تَرَيْ أنّ مُجزِّزًا نظرَ آنفًا إلى زيد بنِ حارثةَ وأسامةَ بن زيدٍ (¬3)، فقال: إنّ بعضَ هذه الأقدام لِمِنْ بعضٍ" (¬4). ¬

_ = زمعة، وسعدِ بن أبي وقاص، كانت لزمعة أمةٌ يُلمُّ بها، وكانت له عليها ضريبة، وكان قد أصابها عتبةُ بن أبي وقاص، وظهر بها حمل، وهلك عتبة كافرًا، فعهد إلى أخيه سعد أن يستلحق ولد أمةِ زمعة، وادعى عبد بن زمعة أنه أخي ولد علي فراش أبي، فقضى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لعبد بن زمعة بما يدعيه، وأبطل دعوة الجاهلية". أهـ. (¬1) رواه البخاري (2218)، ومسلم (1457)، وعند مسلم: "فلم ير سودة قط". وهي رواية للبخاري أيضًا. (¬2) "تبرق": بضم الراء، أي: تلمع وتضيء وتستنير كالبرق من الفرح والسرور. و"الأسارير": هي الخطوط التي في الجبهة. (¬3) زاد البخاري (6771)، ومسلم (1459) (39): "وعليهما قطيفة، قد غطيا رؤوسَهما، وبدت أقدامهما". وهي زيادة مفيدة؛ لما فيها من الدلالة علي صدق القيافة، كما قال ابن الملقن في "الإعلام" (ج 3/ ق 159/ أ). (¬4) رواه البخاري (6770)، ومسلم (1459). وقال أبو داود في "السنن" (2/ 280): "كان أسامة أسود، وكان زيد أبيض"، ثم نقل عن أحمد ابن صالح قال: "كان أسامة أسود شديد السواد مثل القار، وكان زيد أبيض مثل القطن" قلت: وكان أهل الجاهلية يطعنون في نسب أسامة بسبب ذلك.

- وفي لفظٍ: وكانَ مُجزِّزٌ (¬1) قائِفًا (¬2). مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. 668 - عن أبي الدَّرداء، عن النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -؛ أنَّه مرَّ بامرأةٍ مُجِحٍّ (¬3) علي بابِ فُسطَاطٍ (¬4)، فقالَ: "لعلّه يُرِيدُ أنْ يُلِمّ بها (¬5)؟ "، قالوا: نعم. فقالَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "لقد هَمَمْتُ أنْ ألْعَنَه لَعْنًا يدخلُ معه قبرَهُ؛ كيف يُوَرّثُهُ وهو لا يَحِلُّ له؟ كيف يَسْتَخدِمُهُ وهُو لا يَحِل له". م (¬6). 669 (331) - عن أبي سَعِيدٍ الخدري قال: ذُكِرَ العزلُ لرسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم -، فقال: "ولِمَ يفعلُ ذلكَ أحدُكم - ولم يقل: فلا يفعلْ ذلك أحدُكم - فإنّه ليستْ نفسٌ مخلُوقةٌ إلا اللهُ خالِقُها". مُتَفَقٌ عَلَيْهِ (¬7). 670 (332) - عن جابر بن عبد الله قال: كُنَّا نَعْزلُ، والقُرآنُ ينزِلُ (¬8). ¬

_ (¬1) مجزز: بضم الميم، ثم جيم مفتوحة، بعدها زاي مشددة مكسورة - وقيل مفتوحة - وآخره زاي، وهو: ابن الأعور بن جعدة المدلجي، وكانت العرب تعترف لهم ولبنى أسد بالقيافة. (¬2) رواه مسلم (1459) (40). قلت: ولهما في رواية: "دخل قائف والنبي - صلى الله عليه وسلم - شاهد". (¬3) "مجح": الحامل التي قربت ولادتها. (¬4) "الفسطاط": هو بيت الشَّعر. (¬5) أي: يريد أن يطأها. (¬6) رواه مسلم (1441). (¬7) رواه البخاري (2229)، ومسلم - واللفظ له - (1438) (132). تنبيه: قوله: "ليست نفس ... " رواه البخاري عقب الحديث (7409) مُعَلَّقًا غير موصول، وهو من نفس الطريق التي وصلها مسلم وغيره، وأيضًا وصلها الحافظ في "التغليق" (5/ 341). (¬8) رواه البخاري (5208)، ومسلم (1440). و"العزل: هو أن يجامع، فإذا قارب الإنزال نزع، وأنزل خارج الفرج". قاله النووي.

لو كان شيئًا يُنهى عنه لنَهانا عنه القرآنُ (¬1). مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. - وعنه، قال: كُنَّا نَعْزِلُ علي عهدِ نبيِّ الله - صلى الله عليه وسلم -، فبلغَ ذلك نبيَّ الله - صلى الله عليه وسلم - فَلَمْ يَنْهَنَا. م (¬2). 671 - وعن جُدَامَةَ بنتِ وَهْبٍ الأسدية (¬3)؛ أنَها سَمِعَتْ رسولَ الله ¬

_ (¬1) هذه الجملة لمسلم فقط؛ إذ فيه بعد نهاية كلام جابر السابق: "زاد إسحاق: قال سفيان: لو كان شيئًا ينهى عنه، لنهانا عنه القرآن". وقال الحافظ في "الفتح" (9/ 305) تعليقًا علي هذه الزيادة التي عند مسلم: "هذا ظاهر في أن سفيان قاله استنباطًا، وأوهم كلام صاحب العمدة، ومن تبعه أن هذه الزيادة من نفس الحديث فأدرجها، وليس الأمر كذلك؛ فإني تتبعته من المسانيد فوجدت أكثر رواته عن سفيان لا يذكرون هذه الزيادة، وشرحه ابن دقيق العيد علي ما وقع لي العمدة". وزاد المصنف - رحمه الله - في "الصغرى" حديثًا واحدًا، وهو: 333 - عن أبي ذرٍّ رضي الله عنه؛ أنه سَمع رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - يقولُ: "ليسَ من رجُلٍ ادّعى لغيرِ أبيه - وهو يعلمُه - إلا كَفَرَ، ومن ادّعى ما ليسَ له فليس مِنّا، وليتبوّأ مقعدَه من النار، ومَن دعا رجُلًا بالكُفْرِ - أو قال: عدوّ الله - وليس كذلك، إلا حارَ عليه". كذا عند مسلمٍ (61). وللبخاري نحوُه (3508). (¬2) رواه مسلم (1440) (138). (¬3) ويقال: بنت جُندب، ويقال: بنت جندل، لها صحبة، أسلمت قديمًا بمكة، وبايعت النبي - صلى الله عليه وسلم -، وهاجرت مع قومها إلى المدينة، وهي أخت عكاشة بن مِحْصَن لأمه. و"جدامة" اختلف الرواة في اسمها، هل هو بالدال المهملة أو بالذال المعجمة، وكلاهما وقع في "صحيح مسلم"، ولكن الإمام مسلمًا صحح قول من رواه بالدال المهملة، وأيضًا قطع بذلك الدارقطني، فقال في "المؤتلف والمختلف" (2/ 899). "هي بالجيم والدال غير معجمة، ومن ذكرها بالذال فقد صحّف".

- صلى الله عليه وسلم - يقول: "لقد هَمَمْتُ أن أنهى عن الغِيلَةِ (¬1)، حتَى ذكرتُ أنّ الرُّومَ وفارِسَ يصنعُونَ ذلك، فلا يضُرّ أولادَهم". م (¬2). ¬

_ (¬1) "الغيلة: هو الغيل، وذلك أن يجامع الرجل المرأة وهي مرضع". "الغريب" (2/ 100). (¬2) رواه مسلم (1442).

13 - كتاب الرضاع

13 - كتاب الرضاع 672 (334) - عن ابنِ عبّاسٍ رضي الله عنه قال: قالَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - في بنتِ حمزةَ (¬1) -: "لا تَحِلُّ لي؛ يَحْرُمُ مِن الرضَاعِ ما يَحْرُمُ من النَّسَبِ؛ وهي ابنةُ أخِي مِن الرَّضَاعةِ" (¬2). 673 (335) - وعن عائشةَ رضي الله عنها قالتْ: قالَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "إنّ الرَّضَاعةَ تُحَرِّمُ ما يَحرُمُ مِن الوِلادَةِ" (¬3). ¬

_ (¬1) أي: لما قيل له - صلى الله عليه وسلم -: "ألا تتزوج ابنة حمزة؟ "، كما عند البخاري (5100)، وفي رواية مسلم: "أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أريد علي ابنة حمزة". ولأهل العلم في اسم ابنة حمزة هذه أقوال، فقيل: فاطمة. وقيل: أمامة. وقيل: سلمى. وقيل: عمارة. وقيل: أمة الله. وتكنى أم الفضل. (¬2) رواه البخاري (2645)، ومسلم (1447). ولمسلم في رواية: "من الرحم"، بدل: "من النسب". وانظر "البلوغ" (1132). (¬3) رواه البخاري (2646)، ومسلم (1444) من طريق عمرة بنت عبد الرحمن؛ أن عائشة رضي الله عنها - زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - أخبرتها؛ أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان عندها، وأنها سمعت صوت رجل يستأذن في بيت حفصة، قالت عائشة: فقلت: يا رسول الله! هذا رجل يستأذن في بيتك. قالت: فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أُراه فلانًا" لعم حفصة من الرضاعة، فقالت عائشة: لو كان فلان حيًا - لعمها من الرضاعة - دخل عليَّ؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "نعم ... " فذكره. تنبيه: في هذا الحديث سؤال عائشة رضي الله عنها عن عمها من الرضاعة وهو ميت، وفي الحديث التالي سؤالها عن عمها من الرضاعة وهو حي، فوفق العلماء بين ذلك بأقوال منها: أنهما عمّان: أحدهما: أخو أبيها أبي بكر من الرضاع أرضعتهم امرأة واحدة. والثاني: أخو أبيها أبي القعيس من الرضاعة.

674 (336) - وعن عَائِشةَ رضي الله عنها قالتْ: إن أفلحَ - أخا أبي القُعَيس (¬1) - استأذَنَ عليّ بعدما أُنزِل الحجابُ. فقلتُ: والله لا آذنُ له حتَّى أستأذِنَ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم -؛ فإنّ أخا أبي القُعَيس ليس هو أَرْضَعني، ولكن أَرْضعتني امرأةُ أبي القعَيس، فدخلَ عليّ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -. فقلت: يا رسولَ الله! إنّ الرجُلَ ليس هُو أرْضَعَنِي، ولكن أرضعَتْنِي امرأتُه؟ قال: "ائذَنِي له؛ فإنّه عمُّكِ، تَرِبَتْ يمينُكِ" (¬2) ¬

_ (¬1) وفي بعض الروايات لمسلم: "أفلح بن أبي قعيس"، و"أفلح بن قعيس"، و"أبو القعيس". وقال القرطبي عن هذه الروايات: (4/ 178): "كل ذلك وهم من بعض الرواة". وقال عن الرواية الواقعة هنا - وهي إحدى روايات مسلم، ولم يقع في البخاري غيرها - قال عنها: "هكذا هو الصحيح. وأفلح: هو الذي كني عنه في رواية أخرى بأبي الجعيد، وهو عم عائشة من الرضاعة؛ لأنه أخو أبي القعيس نسبًا. وأبو القعيس أبو عائشة رضاعة، وما سوى ما ذكرناه من الروايات وهم". أما ابن حجر في "الإصابة" (1/ 57) فقال عن رواية: "إن أفلح أخا أبا القعيس": هكذا يجيء في أكثر الروايات، وقال عن رواية: "أفلح بن قعيس": هي أشبه! أما رواية "أبو القعيس" فجزم بوهم أبي معاوية فيها. (¬2) قال المصنف في "الصغرى": "تربت يمينك, أي: افتقرت، والعرب تدعو علي الرجل بمثل هذا، ولا تريد وقوع الأمر به". وقال الحافظ في "الفتح" (9/ 135): "قوله: تربت يداك. أي: لصقتا بالتراب، وهي كناية عن الفقر، وهو خبر بمعنى الدعاء، لكن لا يراد به حقيقته، وبهذا جزم صاحب العمدة". وانظر تعليقنا علي الحديث في "الصغرى".

قال عروةُ: فبذلكَ كانت عائشةُ تقولُ: حَرِّمُوا مِن الرَّضَاعةِ ما يَحرُمُ مِن النَّسبِ (¬1). - وفي لفظٍ: استأذنَ عليَّ أفلحُ، فلم آذنْ له. فقالَ: أتحتجِبينَ منِّي، وأنا عمُّكِ؟ فقلتُ: كيفَ ذلك؟ قال: أرضعَتْكِ امرأةُ أخي بلبنِ أخي. قالتْ: فسألتُ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم -؟ فقال: "صَدَقَ أفلحُ، ائذني له" (¬2). 675 (337) - وعن عائِشةَ رضي الله عنها قالتْ: دخلَ عليَّ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - وعِندي رجلٌ (¬3) - فقال: "يا عائشةُ! مَن هذا؟ "، فقلتُ: أخي مِن الرَّضاعةِ. فقال: "يا عائشةُ! انظُرْنَ مَن إِخْوانُكنّ؛ فإنما الرَّضاعةُ مِن المجاعةِ" (¬4). 676 (338) - عن عُقبةَ بنِ الحارثِ؛ أنَّه تزوّجَ أمَّ يحيى بنتَ أبي إهابٍ (¬5)، فجاءتْ أَمَةٌ سَوداءُ، فقالت: قد أَرْضَعْتُكما! فذكرتُ ذلك ¬

_ (¬1) رواه البخاري (4796)، ومسلم (1445). (¬2) هذا اللفظ للبخاري برقم (2644)، ولمسلم (1445) (5) نحوه. (¬3) زاد مسلم: "قاعد، فاشتد ذلك عليه، ورأيت الغضب في وجهه"، ومعناها للبخاري في رواية (5102). (¬4) رواه البخاري (2647)، ومسلم (1455). "ومعنى الحديث: أن الرضاعة التي تقع بها الحرمة هي ما كان في زمن الصغر، والرضيع طفل، وقوته اللبن ويسد جوعه، أما ما كان منه بعد ذلك في الحال التي لا يحصل له فيها ذلك، ولا يشبعه إلا الخبز واللحم وما في معناهما، فلا حرمة له". قاله في "الإعلام" (ج 4/ ق 4/ أ). (¬5) قال الكرماني: "لا يعرف اسمها"، فقال الحافظ في "الفتح" في كتاب العلم (1/ 184): "اسمها: غنيّة. بفتح المعجمة وكسر النون بعدها ياء تحتانية مشددة، ... وهجم الكرماني! =

للنبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فأعرضَ عني. قال: فتنحّيتُ، فذكرتُ ذلك له. وقال: "وكيفَ؟ وقد زَعَمَتْ أنْ قد أرضعَتْكُما" (¬1). ¬

_ فقال: لا يعرف اسمها". ثم قال في كتاب الشهادات (5/ 268): "وقد تقدم في العلم تسمية أم يحيى بنت أبي إهاب، وأنها: غنية ... ثم وجدت في النسائي أن اسمها: زينب، فلعل غنية لقبها، أو كان اسمها فغير بزينب، كما غير اسم غيرها". قلت: لم أقف علي ذلك في النسائي، ولا في غيره. وأما كون اسمها: "غنية"، فقد جزم بذلك ابن بشكوال، فقال في "غوامض الأسماء" ص (454): "المرأة المنزوجة هي أم يحيى بت أبي إهاب، واسمها: غنية بنت أبي إهاب بن عزيز ابن قيس بن سويد بن ربيعة بن زيد بن عبد الله بن دارم، حكى ذلك الدارقطني عن الزبير بن بكار". (¬1) انفرد به البخاري (2659)؛ إذ لم يرو مسلم شيئًا لعقبة بن الحارث رضي الله عنه. قلت: وهذا الحديث أخرجه البخاري في ستة مواطن، هذه أرقامها: (88 و 2052 و 2640 و 2659 و 2660 و 5104)، فخرجه ابن الملقن من الموطن الأخير (5104)، والثاني (2052)، والثالث (2640) كل ذلك يسوق الروايات. ثم قال (ج 4/ ق 5/ أ): "هذا ما حضرنا من المواضع التي خرج البخاري هذا الحديث في صحيحه، وفي سياقة المصنف له زيادة عليه، ولم ينبه على ذلك أحد من الشراح، وهو مما تتعين معرفته علي طالب الكتاب". أهـ. قلت: والموضع الَّذي خرجته منه (2659) في كتاب الشهادات: باب شهادة الإماء والعبيد - وهو مما لم يذكره ابن الملقن - مطابق لرواية الحافظ عبد الغني رحمه الله، وعند البخاري زيادة في آخره: "فنهاه عنها". فمؤاخذته رحمه الله علي الشراح لا تلزمهم، والله أعلم. وزاد المصنف - رحمه الله - في "الصغرى" حديثًا واحدًا، وهو: 339 - عن البراء بن عازب رضي الله عنه قال: خرجَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - يعني: من مكةَ - فتبعتهم ابنةُ حمزةَ، تُنادي: يا عمِّ! فتناوَلها عليٌّ، فأخذَ بيدِها. وقال لفاطمةَ: دونَكِ ابنةَ عمِّكِ. فاحتمَلَها. فاختصمَ فيها عليٌّ وزيدٌ وجعفرٌ. فقال عليّ: أنا أحقُّ بها، وهي ابنةُ عمي. وقال جعفر: ابنةُ عمِّي، وخالتُها تحتي. وقال

متَّفَقٌ عَلَى هذه الأحاديث. 677 - عن عائِشةَ؛ أنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا تُحرِّمُ الْمَصَّةُ، والْمَصَّتانِ (¬1) ". م (¬2). 678 - عن أُمِّ الفضلِ بنتِ الحارث قالتْ: دخلَ أعرابيُّ علي نبيِّ الله - صلى الله عليه وسلم - وهو في بيتِي - فقال: يا نبيّ الله (¬3)! إنِّي كانتْ لِي امرأةٌ، فتزوّجتُ عليها أُخرى، فزعمتْ امرأَتِي الأُولى أنَّها أرضعتِ امرأتي الحُدْثَى (¬4) رَضْعةً، أو رَضْعَتين؟ فقال نبيُّ الله - صلى الله عليه وسلم -: "لا تُحَرِّمُ الإِمْلاجَةُ والإِمْلاجَتَانِ". م (¬5). 679 - عن عَائِشةَ رضي الله عنها قالت: أُنْزِلَ في القُرآنِ: عشرُ رَضَعَاتٍ مَعْلُوماتٍ، فنُسِخَ مِن ذلك خَمسٌ، وصَارَ إلى: خمسِ ¬

_ = زيد: ابنةُ أخي، فقضى بها النبيّ - صلى الله عليه وسلم - لخَالتها. وقال: "الخالةُ بمنزلةِ الأم". وقال لعليّ: "أنت مني، وأنا منك". وقال لجعفر: "أشبهتَ خَلْقي وخُلُقي". وقال لزيد: "أنت أخُونا ومولانا". (خ: 2699). (¬1) في الأصل: "ولا المصتان" بزيادة حرف "لا"، والمثبت من "أ"، وهو موافق لما في "الصحيح". (¬2) رواه مسلم (1450). وانظر "بلوغ المرام" (1127 بتحقيقي). (¬3) في "أ": "يا رسول الله". (¬4) أي: الجديدة، وهي المرأة الأخرى. (¬5) رواه مسلم (1451). و"الإملاجة": بكسر الهمزة والجيم المخففة هي: المصّة.

رَضَعَاتٍ معلُوماتٍ. فتُوفي رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - والأمرُ علي ذلكَ. م ت (¬1). 680 - عن أُمِّ سلَمة قالت: قالَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "لا يُحرِّمُ مِن الرَّضَاع إِلا ما فَتَقَ الأمعاءَ في الثَّدي، وكانَ قبلَ الفِطَام". ت وقال: حدِيثُ حسنٌ صَحِيحٌ (¬2). ¬

_ (¬1) رواه مسلم (1452)، والترمذي - والسياق له - (3/ 456). قال القرطبي في "المفهم" (4/ 185): "غاية ما يحمل عليه حديث عائشة؛ أن ذلك كان كذلك، ثم نسخ كل ذلك تلاوةً وحكمًا، والله تعالى أعلم". وقال النووي (10/ 281 - 282): "معناه: أن النسخ بخمس رضعات تأخر إنزاله جدًّا، حتى إنه - صلى الله عليه وسلم - توفي وبعض، الناس يقرأ: خمس رضعات. ويجعلها قرآنا متلوًّا؛ لكونه لم يبلغه النسخ؛ لقرب عهده، فلما بلغهم النسخ بعد ذلك رجعوا عن ذلك، وأجمعوا علي أن هذا لا يتلى". (¬2) صحيح. رواه الترمذي (1152) وتمام قوله: "والعمل علي هذا عند أكثر أهل العلم من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - وغيرهم؛ أن الرضاعة لا تحرم إلا ما كان دون الحولين. وما كان بعد الحولين الكاملين فإنه لا يحرم شيئًا".

14 - كتاب القصاص

14 - كتاب القِصاص (¬1) 681 (340) - عن عبد الله بنِ مَسعُودٍ رضي الله عنه قال: قال النبيُّ (¬2) - صلى الله عليه وسلم -: "لا يَحِلُّ دمُ امريءٍ مُسلمٍ - يشهدُ أن لا إله إلا الله، وأنّي رسولُ الله - إلا بإحدى ثلاثٍ (¬3): الثَّيِّب الزَّاني (¬4)، والنفسُ بالنَّفسِ، والتارِكُ لدِينِهِ؛ المفارِقُ للجَماعةِ" (¬5). 682 (342) - عن سهل بنِ أبي حَثْمة قال: انطلقَ عبدُ الله بنُ ¬

_ (¬1) القصاص: بكسر القاف "القود، وهو: القتل بالقتل، أو الجرح بالجرح". انظر "تاج العروس". (¬2) في "أ": "رسول الله". (¬3) وفي رواية لمسلم: قام فينا رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: "والذي لا إله غيره! لا يحل دم رجل مسلم يشهد أن لا إله إلا الله، وأني رسول الله، إلا ثلاثة نفر: التارك الإسلام ... " والباقي مثله. (¬4) قوله: "الثيب": "اسم جنس يدخل فيه الذكر والأنثى، قاله أهل اللغة. قال ابن السكيت: وذلك إذا كانت المرأة قد دخل بها، أو كان الرجل قد دخل بامرأته". "الإعلام" (ج 4/ ق 7/ ب). وقوله: "الزاني" في مسلم: "الزان" بغير ياء، وهي لغة صحيحة، والأشهر إثباتها. (¬5) رواه البخاري (6878)، ومسلم (1676). وزاد المصنف - رحمه الله - في "الصغرى" حديثًا واحدًا، وهو: 341 - عن عبد الله بن مَسْعُودٍ رضي الله عنه قال: قال رسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "أول ما يُقضى بين الناس يِومَ القيامةِ في الدِّمَاءِ". (رواه البخاري -: 6533، ومسلم: 1678).

سهل (¬1) ومُحَيِّصةُ بنُ مسعودٍ (¬2) إلى خيبرَ (¬3) - وهي يومئذٍ صُلْحٌ - فتفرّقا، فأتى مُحَيِّصةُ إلى عبد الله بنِ سهلٍ، وهو يتشحّطُ (¬4) في دَمِهِ قتيلًا، فدفَنه، ثم قدِمَ المدينةَ، فانطلق عبد الرحمن بنُ سهلٍ (¬5)، ومُحيِّصةُ وحُوَيِّصهُ (¬6)؛ ابنا مسعودٍ إلى النبيِّ (¬7) - صلى الله عليه وسلم -، فذهبَ عبدُ الرَّحمن يتكلّمُ. فقال: "كَبِّر كَبِّر" - وهو أحدثُ القومِ (¬8) - فسكتَ. فتكَلَّما. فقال: "أتحلِفُونَ، وتَستحِقُّون قَاتِلَكم أو صَاحِبَكم؟ ". قالوا: وكيفَ نَحلِفُ، ولم نشهدْ، ولم نرَ؟ فقال: "فتبْرِئُكُم يهودُ بخمسين يمينًا". فقالوا: كيف نأخذ بأيمانِ قومٍ كفَّارٍ؟ فعقَلَه النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - من عِنده (¬9). ¬

_ (¬1) هو: عبد الله بن سهل بن زيد الأنصاري الحارثي، كان خرج مع أصحابه إلى خيبر يمتارون تمرًا، فتفرقوا لحاجتهم، فوجد رضي الله عنه في عين قد كسرت عنقه. (¬2) هو: محيصة - بضم الميم، وفتح الحاء المهملة، وتشديد الياء التحتانية وقد تسكن - بن مسعود بن كعب الخزرجي، شهد أحدًا والخندق وما بعد ذلك من المشاهد مع النبي - صلى الله عليه وسلم -، وبعثه النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى فدك يدعوهم للإسلام. (¬3) تقدم بيانها ص (328). (¬4) "أي: يتخبط فيه، ويضطرب، ويتمرغ"، كما في "النهاية". (¬5) هو: عبد الرحمن بن سهل الأنصاري الحارثي أخو عبد الله المتقدم، شهد أحدًا وما بعدها. (¬6) هو: حويصة - بضم الحاء المهملة، وفتح الواو، وتشديد الياء التحتانية وقد تسكن - أخو محيصة، كان أسن من محيصة، شهد أحدًا والخندق وما بعد ذلك من المشاهد مع النبي - صلى الله عليه وسلم -. (¬7) في "أ": "رسول الله". (¬8) زاد في "أ": "ستًا". (¬9) رواه البخاري (3173)، ومسلم (1669).

- وفي حديثِ حمّاد بنِ زيدٍ (¬1): فقالَ وسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "يُقْسِمُ خمسُون مِنكم علي رجُلِ منهم، فيُدْفَعُ برُمَّتِهِ" (¬2). قالوا: أمرٌ لم نشهدْهُ، كيفَ نحلِفُ؟ قال: "فتُبرِئُكم يهود بأيمانِ خمسين منهم؟ "، قالوا: يا رسولَ الله! قومٌ كفَّارُ (¬3). - وفي حديث سعيدِ بنِ عُبيدٍ (¬4): فكَرِهَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - أنْ يُبْطِلَ دَمَهُ، فودَاهُ بمائةٍ (¬5) من إبلِ الصَّدَقةِ (¬6). 683 (343) - عن أنس بنِ مَالكٍ رضي الله عنه؛ أنَّ جاريةً وُجِدَ ¬

_ (¬1) هو: حماد بن زيد بن درهم الأزدي، أبو إسماعيل البصري، ثقة، ثبت، فقيه، أحد أئمة زمانه، ولد سنة ثمان وتسعين، ومات سنة تسع وسبعين ومئة، روى له الجماعة. (¬2) الرمة: بضم الراء المشددة، وتشديد الميم المفتوحة، مفرد: رمم ورمام، وهي الحبل الَّذي يشد به الأسير أو القاتل إذا قيد إلى القصاص. والمعنى: يسلم إليكم بالحبل الَّذي شُدّ به، تمكينًا لهم منه؛ لئلا يهرب. ثم اتسعوا فيه حتى قالوا: أخذت الشيء برمته: أي كلّه. انظر "النهاية". (¬3) رواه البخاري (6143)، ومسلم (1669) (2). (¬4) هو: سعيد بن عبيد الطائي أبو الهذيل الكوفي، ثقة، صالح الحديث، روى له الجماعة سوى ابن ماجة. (¬5) هذه رواية الكشميهني، وباقي روايات البخاري "مِائَةً"، وهو الَّذي في مسلم أيضًا و"وداه": يعني: دفع ديته. (¬6) رواه البخاري (6898)، ومسلم (1669) (5). وقوله: "من إبل الصدقة"، علق عليه الحافظ في "الفتح" (12/ 235) قائلًا: "زعم بعضهم أنه غلط سعيد بن عبيد! لتصريح يحيى بن سعيد بقوله: "من عنده"، وجمع بعضهم بين الروايتين باحتمال أن يكون اشتراها من إبل الصدقة بمال دفعه من عنده، أو المراد بقوله: "من عنده"، أي: بيت المال المرصد للمصالح، وأطلق عليه "صدقة" باعتبار الانتفاع به مجانًا؛ لما في ذلك من قطع المنازعة، وإصلاح ذات البين .. ".

رأسُها مرضُوخًا (¬1) بين حجَرينِ. فقِيل: مَنْ فَعلَ هذا بكِ: فُلانٌ، فُلانٌ؟ حتَّى ذُكِرَ يهوديٌّ، فأومأتْ برأسِها، فأُخِذَ اليهوديّ، فاعترفَ، فأمرَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - أنْ يُرَضَّ رأسُه بين حجرينِ (¬2). - وعن أنس؛ أنّ يهوديًا قتلَ جاريةً علي أوضاحٍ، فأقادَهُ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - بها. م س (¬3) (¬4). 684 (344) - عن أبي هُريرة رضي الله عنه، قال: لَمَّا فتحَ الله [عزّ وجلّ] (¬5) علي رسُولِهِ مكَّةَ، قتلتْ هُذَيلٌ (¬6) رجلًا من بني ليثٍ بقَتِيلٍ كانَ لهم في الجاهليّةِ، فقامَ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - فقال: "إنَّ الله عز وجل قد حَبَسَ عن ¬

_ (¬1) هكذا الأصل: "مرضوخًا"، وفي "الصغرى": "مرضوضًا". وكلاهما من تعبير الحافظ عبد الغني رحمه الله، والرضخ: الدق والكسر، وهو أيضًا: الشدخ. (¬2) رواه البخاري (2413)، ومسلم (1672) (17) بنحوه. تنبيه: زاد في "أ": "متفق عليه". (¬3) كذا بالأصل، وفي "أ": "أخرجه النسائي م". (¬4) قلت: هذا اللفظ ليس لمسلم، وإنما هو للنسائي (8/ 22)، وزاد بعد قوله: "أوضاح"، لفظ: "لها". وللبخاري (6885) عن أنس بن مالك أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قتل يهوديًا بجارية قتلها علي أوضاحٍ لها. وعند البخاري (6879)، ومسلم (1672): أن يهوديًا قتل جارية علي أوضاح لها، فقتلها بحجر. فجيء بها إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - وبها رمق - فقال لها: "أقتلك فلان؟ " فأشارت برأسها؛ أن لا. ثم قال لها الثانية. فأشارت برأسها؛ أن لا. ثم سألها الثالثة. فقالت: نعم. وأشارت برأسها. فقتله رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بين حجرين. و"الأوضاح": الحلي. (¬5) زيادة من "أ". (¬6) الَّذي في "الصحيحين": "خزاعة"، والحديث مذكور بلفظ: "هذيل" عند ابن الجارود (508)، والنسائي في "الكبرى" (3/ 434)، وغيرهما.

مكّةَ الفِيلَ، وسلَّطَ عليها رسُولَه والمؤمنين، وإنّها لم تحلّ لأحدٍ كانَ قبلِي ولا تحلّ لأحدٍ بعدِي، وإنما أُحِلّتْ لي ساعةً مِن نَهارٍ، وإنّها سَاعتي هذه، حَرَامٌ لا يُعْضَدُ شجرُها، ولا يُخْتَلَى شوكُها، ولا تُلْتَقَطُ سَاقِطَتُها إلا لِمُنْشِدٍ ومَن قُتِلَ له قَتِيلٌ فهو بخيرِ النَّظَرينِ: إمّا أنْ يَقْتُل، وإمّا أنْ يُفْدَى". فقامَ رجلٌ مِن أهل اليمنِ - يُقال له: أبو شاهٍ - فقالَ: يا رسولَ الله! اكتُبُوا لي. فقالَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "اكتُبُوا لأبي شاهٍ" (¬1). ثم قامَ العبَّاسُ، فقال: يا رسولَ الله! إلا الإذْخرَ؛ فإنّا نجعلُه في بُيوتِنا وقُبورِنا. فقالَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "إلا الإذخرَ" (¬2). 685 (345) - عن عُمر بنِ الخطَاب رضي الله عنه؛ أنَّه استشارَ النَّاسَ في إمْلاصِ المرأةِ (¬3). ¬

_ (¬1) معروف بكنيته، ولا يعرف اسمه، قال ابن حجر في "الإصابة" (4/ 97): "يماني، يقال إنه كلبي، ويقال: إنه فارسي من الأبناء، قدموا اليمن في نصرة سيف ابن ذي يزن - كذا رأيت بخط السلفي - وقيل: إن هاءه أصلية، وهو بالفارسي معناه: الملك. قال: ومن ظن أنه اسم أحد الشياه فقد وهم. انتهى". (¬2) رواه البخاري (112)، ومسلم - والسياق له - (1355). (¬3) الإملاص: الإسقاط، وفي رواية للبخاري (7317): "هي التي يضرب بطنها، فتلقي جنينها". وقال ابن الملقن في "الإعلام" (ج 4/ ق 20/ أ): "وفي بعض نسخ هذا الكتاب - يعني: عمدة الأحكام الصغرى - تفسير الإملاص من كلام المصنف. قال: إملاص المرأة: مصدر أملصت، وهو: أن تلقي جنينها ميتًا، وإنما سمي بذلك لأنها تزلقه". قلت: كذا قال ابن الملقن، وقد وقفت علي كثير من نسخ "العمدة الصغرى"، فلم أر ذلك في شيء منها، والله أعلم.

فقالَ المغيرةُ (¬1): شهِدْتُ النبيَّ (¬2) - صلى الله عليه وسلم - قضَى فيهِ بغُرّةٍ؛ عبدٍ، أو أمَةٍ. قال: لتأتينَّ بمن يشهدُ معكَ، فشَهِدَ له محمد بنُ مَسْلَمة (¬3). 686 (346) - عن أبي هُريرة رضي الله عنه قال: اقْتَتَلَتِ امرأتانِ من هُذَيلٍ، فرمتْ إحداهُما الأُخرى بحَجَر (¬4)، فقتلَتْها وما في بَطْنِها، فاختَصَمُوا إلى رسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم -، فقضَى رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: أنّ ديةَ جَنِينِها غُرَّةٌ؛ عبدٌ أو وَلِيدةٌ. وقضَى بديةِ المرأةِ علي عَاقِلَتِها، وورَّثها ولدَها ومَنْ معهم. فقالَ حَمَلُ بنُ النَّابغةِ الهُذليّ: يا رسولَ الله! كيفَ أغرمُ مَنْ لا شَرِبَ، ولا أكلَ، ولا نطقَ، ولا استهلَّ، فمثلُ ذلك يطلُّ (¬5)! فقالَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "إنما هُو من إخوانِ الكُهّانِ"؛ من أجل سَجْعِهِ الَّذي سَجَع (¬6). ¬

_ (¬1) هو: المغيرة بن شعبة الثقفي الصحابي الجليل المشهور رضي الله عنه. (¬2) في "أ": "رسول الله". (¬3) رواه البخاري (6905)، ومسلم (1689) (39) في كتاب القسامة. ومحمد بن مسلمة هو: ابن سلمة الأنصاري، كان من فضلاء الصحابة، وأحد الذين قتلوا كعب ابن الأشرف، شهد بدرًا والمشاهد كلها مع النبي - صلى الله عليه وسلم -. (¬4) هاتان المرأتان ضرتان، وكانتا تحت حمل بن النابغة الهذلي، والقاتلة منهما أم عفيف، والمقتولة مليكة، وقيل في اسميهما غير ذلك. (¬5) قال النووي في "شرح مسلم" (11/ 191): "قوله: "فمثل ذلك يطل" روي في "الصحيحين" وغيرهما بوجهين، أحدهما: "يطل" بضم الياء المثناة وتشديد اللام، ومعناه: يهدر، ويلغى، ولا يضمن. والثاني: "بطل" بفتح الباء الوحدة وتخفيف اللام، علي أنه فعل ماض من البطلان، وهو بمعنى الملغي أيضًا، وأكثر نسخ بلادنا بالمثناة، ونقل القاضي أن جمهور الرواة في "صحيح مسلم لما ضبطوه بالوحدة". (¬6) رواه البخاري (5758)، ومسلم - واللفظ له - (1681) (36).

687 (347) - عن عِمْران بنِ حُصين؛ أن رجُلًا عضَّ يدَ رجُلٍ، فنزَعَ يدَه من فَمِهِ، فوقعتْ ثَنِيّتاهُ، فاختصَموا إلى النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فقال: "يَعضُّ أحدُكم أخاهُ كمَا يعضُّ الفحلُ؟! لا دِيةَ لكَ" (¬1). مُتَّفقٌ عَلَى هذهِ الأحادِيث. 688 - عن صَفْوان بنِ يعلى بن مُنْيَة (¬2)؛ أنَّ أجيرًا ليَعْلى بن مُنْيَةَ عضَّ رجُلٌ ذِرَاعَه، فجذَبَها، فسقطتْ ثنيّته، فرُفعَ إلى النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فأبطَلَها، وقال: "أردت أنْ تَقْضَمَها كما يَقْضَمُ الفحلُ". خ م (¬3) (¬4). 689 - عن أنس بنِ مالكٍ قال: كَسَرَتِ الرُّبيعُ أختُ أنس بنِ النضر ثَنِيّةَ امرأةٍ، فأتَوْا النبيَّ - صلى الله عليه وسلم -، فقضَى بكتابِ الله عز وجل القصَاصِ. فقال أنس بنُ النَّضْر: والذي بعثَكَ بالحقِّ لا تُكسرُ ثنِيّتُها اليومَ. فقال: "يا أنسُ! ¬

_ (¬1) رواه البخاري - واللفظ له - (6892)، ومسلم (1673). وزاد المصنف - رحمه الله - في "الصغرى" حديثًا واحدًا، وهو: 348 - عن الْحَسن بن أبي الحسن البصري قال: حدثنا جنْدُب - في هذا المسجد، وما نسينا منه حديثًا، وما نخشى أن يكون جندب كذَبَ علي رسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - قال: قال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "كانَ فيمن كان قبلَكم رجلٌ به جُرحٌ فجزعَ، فأخذ سكِّينًا، فحزَّ بها يدَه، فما رقأَ الدمُ حتى ماتَ. قال الله عزّ وجلّ: عبدي بادَرَنِي بنفسِه، فحرَّمتُ عليه الجنةَ". (رواه البخاري - واللفظ له -: 3463، ومسلم: 113). (¬2) مكي، ثقة، مشهور، روى له الجماعة سوى ابن ماجة. (¬3) في "أ": "متفق عليه". (¬4) رواه البخاري (2973)، ومسلم - واللفظ له - (1674) (20) في كتاب القسامة.

كِتَابُ الله عز وجل: القِصَاصُ". فرضوا بأَرْش أخذُوه (¬1)، فعجِبَ نبيُّ الله - صلى الله عليه وسلم -! وقال: "إنّ مِن عِبَادِ الله - عزّ وجلّ - مَنْ لو أَقْسَمَ علي الله لأبرّه". مُتَفَقٌ عَلَيْه (¬2). 690 - عن أبي جُحيفةَ (¬3) قال: قلت لعلى: هل عِندَكُم شيءٌ مِن الوحي مما ليسَ في القُرآن؟ فقال: لا والذي فلقَ الحبَّةَ، وبَرَأَ النَّسْمَةَ، إلا فهمٌ يُعطِيه اللهُ رجُلًا في القُرآنِ، وما في هذه الصَّحِيفةِ. قلتُ: وما في هذه الصحيفة؟ قال: العَقْلُ، وفَكَاكَ الأسِيرِ، وأنْ لا يُقتل مُسلِمٌ بكافِرِ. خ د س (¬4). وزاد: "المؤمنُونَ تتكَافأُ دِماؤُهم، ويَسْعى بذمَّتِهم أدناهُم، وهم يدٌ علي مَن سِواهم، لا يُقتل مؤمنٌ بكافرٍ، ولا ذُو عهدٍ في عهدِه" (¬5). ¬

_ (¬1) الأرش: دية الجراح، وفي "الغريبين" (1/ 66): "الأرش: هو الَّذي يأخذه الرجل من البائع إذا وقف علي العيب لم يكن البائع وقفه عليه وقت البيع، ومن ذلك أروش الجراحات، وسمي أرشًا؛ لأنه سبب من أسباب الخصومة. يقال: هو يؤرش بين القوم؛ أي: يوقع بينهم الخصومات. يقال: لا تؤرش بين صديقيك. وأرّش الحرب: إذا أثارها). (¬2) رواه البخاري (2703)، ومسلم (1675) بنحوه. (¬3) هو: صحابي معروف، مشهور بكنيته، واسمه: وهب بن عبد الله السوائي. (¬4) رواه البخاري (3047)، والنسائي (8/ 23 - 24). (¬5) هذه الزيادة لأبي داود (4530)، وهي من غير طريق أبي جحيفة، وهي للنسائي (8/ 24) أيضًا. وزاد أبو داود بعد ذلك: "من أحدث حدثًا فعلى نفسه، ومن أحدث حدثًا، أو آوى محدثًا، فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين".

باب الدية

باب الدية 691 - عن عبد الله بنِ عَمرو؛ أنَّ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - خطبَ يومَ الفتحِ بمكّةَ، فكبَّر ثلاثًا، ثم قال: "لا إله إلا الله وحدَه، صَدَقَ وعدَه، ونصرَ عبدَه، وهزمَ الأحزابَ وحدَه، ألا إنّ كلّ مَأْثُرَةٍ (¬1) كانتْ في الجاهليّةِ تُذكر وتُدعى - من دمٍ ومَالٍ - تحتَ قدَمَيَّ، إلا ما كانَ مِن سِقايةِ الحاجّ، وسِدَانة البيتِ". ثم قال: "ألا إنّ دية الخطأ شِبه العَمْدِ ما كانَ بالسَّوْطِ والعصا: مِائةٌ من الإبل؛ منها أربعُونَ في بُطونِها أولادُها". د (¬2). 692 - عن أبي مُوسى، عن النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قال: "الأصَابعُ عشرٌ عشرٌ مِن الإبل". د س (¬3). 693 - عن ابن عبَّاس قال: قالَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "دِيةُ الأصابع - اليدينِ والرِّجْلين - سواءٌ؛ عَشْرٌ مِن الإبلِ لكُلّ إِصْبَع". ت وقال: حديثٌ حسنٌ صحِيحٌ (¬4). ¬

_ (¬1) مأثرة: مفرد مآثر، "ومآثر العرب: مكارمها ومفاخرها التي تؤثر عنها، أي: تروى وتذكر". "نهاية". (¬2) صحيح. رواه أبو داود (4547)، وانظر "البلوغ" (1182). (¬3) صحيح بشواهده. رواه أبو داود (4556)، والنسائي (8/ 56)، وهو وإن كان في سنده مسروق بن أوس، ولم يوثقه سوى ابن حبان، فإنه يصح بما له من شواهد، منها حديث ابن عباس التالي. (¬4) صحيح. رواه الترمذي (1391)، وزاد: "غريب"، وانظر "البلوغ" (1194).

694 - عن عمرو بنِ شُعيبٍ، عن أبيه (¬1)، عن جدّه، عن النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قال: "ديةُ المعاهِدِ نِصْفُ ديةِ الحُرِّ" (¬2). 695 - عن عبد الله بن مسعودٍ [رضي الله عنه] (¬3) قال: قالَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "في ديةِ الخطأ عِشْرُونَ حِقَّةً، وعِشْرونَ جَذَعَةً، وعِشْرُونَ بنتَ مَخَاضٍ، وعشْرُونَ بنتَ لَبُونٍ، وعِشْرُونَ بَني مَخَاضٍ ذَكَرٍ". د س (¬4). 696 - عن عمرو بنِ شُعيب، عن أبيه، عن جده قال: قضَى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في العينِ القَائِمةِ السَّادّهِ لمكانِها بثُلثِ الدِّيةِ. د (¬5). س وزاد: وفي اليدِ الشَّلاءِ إذا قطِعتْ بثُلثِ دِيَتِها، وفي السِّنِّ السَّوْداءِ إذا نُزِعَتْ بثُلثِ ديَتِها (¬6). 697 - عن ابنِ عبَّاسٍ قال: قال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "هذه وهذه سَواءٌ". ¬

_ (¬1) تقدمت ترجمة عمرو، وترجمة أبيه ص (18). (¬2) حسن. رواه أبو داود (4583)، وانظر "البلوغ" (1197). (¬3) زيادة من "أ". (¬4) ضعيف مرفوعًا. رواه أبو داود (4545)، والنسائي (8/ 43)، وقال أبو داود: "وهو قول عبد الله"، وهذا إعلال منه للمرفوع بالموقوف، وقال الحافظ في "البلوغ" (1178): "الموقوف أصح من المرفوع". ولتفسير ألفاظه انظر حديث الصدقات رقم (354)، وانظر - أيضًا- "باب تفسير أسنان الإبل" ص (213). (¬5) رواه أبو داود (4567)، وفي سنده الحارث بن العلاء، وهو صدوق إلا أنه كان اختلط، ولم أجد ما يدل علي حاله وقت تحديثه بهذا الحديث. فالله أعلم. (¬6) رواه النسائي (8/ 55)، وانظر التعليق السابق؛ إذ الحديث من نفس الطريق.

يعني: الإِبهامَ والخِنْصَر. د س ت وقال: حدِيثٌ حسنٌ صَحِيحٌ (¬1). 698 - عن ابنِ عبّاسٍ قال: قالَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "الأَسْنانُ سواءٌ، والأصَابعُ سواءٌ" (¬2). 699 - وعنه، قال: جعلَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - أصابعَ اليدينِ والرِّجْلَيْنِ سَواءٌ. د (¬3). 700 - عن عمرو بنِ شُعيبٍ، عن أبيه، عن جدِّه؛ أنَّ رسولَ الله (¬4) - صلى الله عليه وسلم - قال: "في الْمَوَاضِحِ خَمْسٌ خَمْسٌ". د س ت وقال: حدِيثٌ حَسَنٌ (¬5). 701 - عن عمرو بنِ شُعيب، عن أبيه، عن جدِّه، عن النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قال: "في الأَسْنانِ خَمْسٌ خَمْسٌ". د س (¬6). 702 - عن ابنِ عبّاسٍ؛ أنّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - قضَى في الْمُكَاتَبِ أن يُودَى ¬

_ (¬1) صحيح. رواه أبو داود (4558)، والنسائي (8/ 56)، والترمذي (1392). تنبيه: هذا الحديث رواه البخاري (6895). وانظر "البلوغ" (1183). (¬2) صحيح. رواه أبو داود (4560)، وزاد في روايةٍ (4559): " ... ، الثنية والضرس سواء، هذه وهذه سواء". (¬3) صحيح. رواه أبو داود (4561). (¬4) في "أ": "النبي". (¬5) حسن. رواه أبو داود (4566)، والنسائي (8/ 57)، والترمذي (1390)، وأيضًا ابن ماجه (2655)، وانظر "البلوغ" (1185). و"المواضح": جمع موضحة، وهي الشجة التي توضح العظم، أي: تظهره. (¬6) حسن. رواه أبو داود (4563)، والنسائي (8/ 55).

بقدرِ ما عَتَقَ مِنه (¬1) دِيةَ الحرِّ، وما بقي مِنه دِيةَ العبدِ. س (¬2). 703 - وعن عمرو بنِ شُعيب، عن أبيه، عن جدِّه قال: قالَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "عَقْلُ المرأةِ مثلُ عَقْلِ الرَّجُلِ، حتى يبلُغَ الثُّلُثَ من دِيَتِها". س (¬3). 704 - عن أبي بكر بنِ محمد بنِ عَمرو بن حزمٍ، عن أبيه، عن جدّه؛ أنَّ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - كتبَ إلى أهل اليمنِ كتَابًا- فِيه الفرائضُ والسُّننُ والدِّياتُ- وبعثَ به مع عمرو بنِ حزمٍ، فقُرِئتْ علي أهلِ اليمنِ، هذه نُسخَتُها: ¬

_ (¬1) لفظ: "منه" ليس في "أ". (¬2) صحيح. رواه النسائي (8/ 46) بنحوه. (¬3) ضعيف. رواه النسائي (8/ 44 - 45)، وفي الطريق إن عمرو بن شعيب ابنُ جريج، وهو مدلس، ولم يصرح بالتحديث، ورواه عنه إسماعيل بن عياش، وهي رواية ضعيفة. فائدة: قال الحافظ في "التلخيص" (4/ 25): "قال الشافعي: وكان مالك يذكر أنه السنة، وكنت أتابعه عليه، وفي نفسي منه شيء، ثم علمت أنه يريد سنة أهل المدينة، فرجعت عنه". قلت: وقد سبق مالكًا بذلك سعيد بن المسيب، فقد روى مالك في "الموطأ" (2/ 860) عن ربيعة ابن أبي عبد الرحمن؛ أنه قال: سألت سعيد بن المسيب: كم في أصبع المرأة؟ فقال: عشر من الإبل. فقلت: كم في إصبعين؟ قال: عشرون من الإبل. فقلت: كم في ثلاث؟ فقال: ثلاثون من الإبل. فقلت: كم في أربع؟ قال: عشرون من الإبل. فقلت: حين عظم جرحها، واشتدت مصيبتها، نقص عقلها؟! فقال سعيد: أعراقيٌّ أنت؟ فقلت: بل عالم متثبت، أو جاهل متعلم. فقال سعيد: هي السنة يا ابن أخي. قلت: ومن المعلوم أن قول سعيد: "هي السنة" ليس من المرفوع.

"مِن محمدٍ النبيِّ إلى شُرَحبِيلَ بنِ عبدِ كُلالٍ، ونُعيم بنِ عبد كُلالٍ، والحارِث بنِ عَبْدِ كُلالٍ - قَيْلِ ذِي رُعَيْنِ- أما بعدُ ... "، وكانَ في كتابِه: "مَنِ اعتبطَ مُؤمِنًا قتلًا عن بيّنةٍ، فإنّه قَوَدٌ؛ إلا أنْ يرضَى أولياءُ المقتُولِ، وأنَّ في النَّفْسِ الدِّيةَ؛ مِائةً مِن الإبل، وفي الأنفِ إذا أُوعِبَ جَدْعُه الدِّيَةُ، وفي اللِّسانِ الدِّيَةُ، وفي الشَّفَتينِ الديةُ، وفي البَيْضَتينِ الدِّيةُ، وفي الذَّكَرِ الديةُ، وفي الصُّلْبِ الدِّيةُ، وفي العَيْنينِ الدِّيةُ، وفي الرِّجْلِ الواحِدةِ نصفُ الدِّيةِ، وفي المأمُومةِ ثُلُثُ الديةِ، وفي الجائِفَةِ ثُلُثُ الدِّيَةِ، وفي الْمُنَقِّلَةِ خَمْسَ عَشْرَةَ مِن الإِبلِ، وفي كُلِّ أُصْبُعٍ من أصَابعِ اليدِ والرِّجْلِ عَشْرٌ من الإِبلِ، وفي السِّنِّ خَمْسٌ من الإِبل، وفي الْمُوضِحَةِ خَمْسٌ مِن الإِبلِ، وأنَّ الرجُلَ يُقْتَلُ بالمرأةِ، وعلى أهلِ الذَّهبِ ألفُ دينارٍ". س (¬1). ¬

_ (¬1) ضعيف؛ لأرساله، ولأَنه من رواية سليمان بن أرقم وهو متروك، ورواه النسائي (8/ 57 - 58)، وانظر "البلوغ" (1188).

15 - كتاب الحدود

15 - كتاب الحدود 705 (350) - عن عُبيدِ الله بنِ عبد الله بن عُتبة بن مسعودٍ (¬1)، عن أبي هُريرة وزيد بنِ خالدٍ الْجُهني، أنَّهما قالا: إنَّ رجُلًا من الأعرابِ (¬2) أتى رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم -، فقال: يا رسولَ الله! أَنْشُدُكَ الله إلا قضيتَ لي بكتابِ الله (¬3) [عز وجل] (¬4). فقالَ الخصمُ الآخرُ- وهو أفقه منه-: نعم. فاقضِ بيننا بكتابِ ¬

_ (¬1) تقدمت ترجمته ص (148). (¬2) مبهمات هذا الحديث لم أر من عرفهم من أهل العلم، فقد قال ابن الملقن في "الإعلام" (ج 4/ ق 31/ ب): "المرأة أسلمية، ولكن لا يحضرني اسمها، وكذا اسم الأعرابي، وابنه، والخصم بعد البحث". وقال الحافظ في "الفتح" (12/ 139): "لم أقف علي أسمائهم- يعني: أهل العلم- ولا علي عددهم، ولا علي اسم الخصمين، ولا الابن، ولا المرأة". قلت: وجزم الإمام الشافعي- رحمه الله- في "الرسالة" (382) بأن الأعرابي زوج المرأة كان أسلميًا. والله أعلم. (¬3) قوله: "أنشدك الله"، أي: أسألك بالله، والمراد بـ "كتاب الله": "حكم الله مطلقًا، لا القرآن؛ لأنه ذكر فيه التغريب، وليس ذلك منصوصًا في كتاب الله، إلا أن يؤخذ ذلك بواسطة أمر الله تعالى بطاعة الرسول واتباعه". قاله ابن دقيق العيد في "الإحكام" (4/ 111). وقال القرطبي: "إن كانت هذه القضية وقعت بعد نسخ آية الرجم، فالمراد به حكم الله، وإن كانت قبله، فالمراد حقيقة كتاب الله". وجمع الحافظ ابن حجر بين الاقوال في ذلك، فقال في "الفتح" (12/ 138): "والذي يترجح أن المراد بكتاب الله ما يتعلق بجميع أفراد القصة مما وقع به الجواب الآتى ذكره". (¬4) زيادة من "أ".

الله [عز وجل] (¬1) وائذنْ لي (¬2). فقالَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "قُلْ". قال: إنّ ابني كانَ عَسِيفًا (¬3) علي هذا، فزنا بامرأتِهِ، وإني أُخبِرتُ أنّ علي ابني الرجمَ، فافتدَيْتُ مِنه بمائةِ شاةٍ وولِيدَةٍ. فسألتُ أهلَ العلمِ؟ فأخبَرُوني: أَنَّما (¬4) علي ابني جلدُ مائةٍ، وتغريِبُ عامٍ، وأَنّ علي امرأةٍ هذا الرجمَ؟ فقالَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "والذي نفسِي بيدِه لأقضِينَّ بينكُما بكتَابِ الله [عز وجل] (¬5) (¬6): الولِيدَةُ والغنمُ ردٌّ (¬7)، وعلى ابنِكَ جلدُ مائةٍ، وتغرِيبُ عامٍ. اغدُ يا أُنيس- لرجُلٍ من أسلمَ (¬8) - إلى امرأةِ هذا، فإنِ اعترفَتْ ¬

_ (¬1) زيادة من "أ". (¬2) وفي هذا حسن الأدب في مخاطبة الأكابر، وفيه دلالة علي فقهه. (¬3) العسيف: الأجير، وهذا التفسير ذكره المصنف في "الصغرى". (¬4) في "أ": "أن". (¬5) زيادة من "أ". (¬6) وفي "الكبرى" للنسائي (4/ 286): "لأقضين بينكما بالحق"، وانظر التعليق الثالث من الصفحة السابقة. (¬7) رد: أي: مردودة، وهو من إطلاق المصدر علي اسم المفعول. (¬8) في بعض روايات البخاري: "لرجل"، وفي أخرى: "وأمر أنيسًا الأسلمي". وأنيس هذا هو: ابن الضحاك الأسلمي يعد في الشاميين، والنكتة في إرساله بهذا الأمر "أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يقصد أن لا يأمر في قبيلة بأمر إلا لرجل منها؛ لنفور طباع العرب من أن يحكم في القبيلة أحد من غيرها، فكان - صلى الله عليه وسلم - يتألفهم بذلك". انظر"أسد الغابة" (1/ 160).

فارجُمْها" قال: فغدا عليها فاعترفَتْ، فأمرَ بها رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - فرُجِمَتْ (¬1). 706 (351) - وعنه، عنهما (¬2) قالا: سُئِلَ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: عن الأَمَةِ إذا زنتْ، ولم تُحْصَنْ؟ قال: "إنْ زنتْ فاجلِدُوها، تم إنْ زَنتْ فاجلِدُوها (¬3)، ثم بِيعُوها ولو بِضَفِيرٍ". قال ابنُ شهابٍ: لا أدري أبعد الثَّالثةِ أو الرَّابعةِ (¬4). والضَّفِيرُ: الحبلُ (¬5). 707 (352) - عن أبي هُريرة رضي الله عنه؛ أنَّه قالَ: أتى رجلٌ من المسلِمين (¬6) رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - وهو في المسجدِ- فنادَاهُ. فقالَ: ¬

_ (¬1) رواه البخاري (2695 و 2696)، ومسلم (1697 و 1698). (¬2) يعني: وعن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود، عن أَبى هريرة وزيد بن خالد الجهنى رضي الله عنهم. (¬3) زاد البخاري: "ثم إن زنت فاجلدوها"، وأظنها سقطت سهوًا من الأصل؛ لوجودها في نُسخ "الصغرى". وزادها في "أ"، ولكن بلفظ: "ثم إن زنت فبيعوها"! (¬4) رواه البخاري- والسياق له- (6837 و 6838)، ومسلم (1704)، وأحال في لفظه علي حديث آخر لأبي هريرة. (¬5) الضفير بمعنى المضفور (فعيل بمعنى مفعول)، وهذه الجملة جاءت مدرجة من قول الزهري، كما بينت ذلك رواية لمسلم - وغيره- (1703) (32). وجاء في البخاري (6839)، ومسلم (1703) (30) من حديث أبي هريرة مرفوعًا- بلفظ-: " ... ، فليبعها، ولو بحبلٍ من شَعَرٍ". وعند أبي داود (4470) - بسند صحيح -: " ... ، وليبعها بضفير، أو بحبل من شعر". (¬6) هذا لفظ مسلم، وأما البخاري فلفظه: "رجل"، وفي رواية (5271): "رجل من أسلم"، =

يا رسولَ الله! إنِّي زَنَيْتُ (¬1). فأعرَضَ عنه. فتنحّى تلقاءَ وجهِهِ، فقال له: يا رسولَ الله! إنِّي زَنَيْتُ. فأعرَضَ عنه. حتَّى ثنَّى ذلك عليه أربعَ مرَّاتٍ، فلمَّا شهِدَ علي نَفسِهِ أربعَ شهاداتٍ، دعاهُ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -، فقال: "أَبِكَ جُنونٌ؟ "، قال: لا. قال: "فهلْ أحصنتَ؟ "، قال: نعم. فقالَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "اذهبُوا به، فارجُمُوه". قال ابنُ شِهَابٍ (¬2): فأخبرَني أبو سلَمة بنُ عبد الرحمن (¬3)؛ أنه سمعَ جابر بنَ عبد الله يقولُ: كنتُ فيمَن رجمَه، فرجمْناه بالمصلَّى، فلمّا أَذْلَقَتْهُ (¬4) الحِجارةُ هربَ، فأدْركنَاهُ بالحرّةِ، فرجمناه (¬5). ¬

_ = قلت: والرجل: هو ماعز بن مالك الأسلمى المدني رضي الله عنه، كما قال ذلك المصنف - رحمه الله -. (¬1) قال ابن الملقن في "الإعلام" (ج 4/ ق 36/ ب): "اسم المرأة التي زنا بها ماعز: فاطمة، وقيل: مسرة، وهي أمة لهزال، وكان هزال وصيًا علي ماعز". انظر الحديث الآتي (711). (¬2) تقدمت ترجمته عند الحديث رقم (212). (¬3) كذا قال الحافظ عبد الغني هنا، والذي في "أ"، وفي "الصحيحين": "قال ابن شهاب: أخبرني من سمع جابر بن عبد الله". وانظر "صحيح البخاري" (5270). وزاد في "أ" بعد قوله: "فرجمناه" وقيل قوله: "الرجل ... " زاد: "هو [أبو] سلمة بن عبد الرحمن". قلت: وترجمة أبي سلمة تقدمت عند الحديث (308). (¬4) أي: بلغت منه الجهد حتى قلق. قاله في "النهاية". وقال ابن دقيق العيد في "الإحكام" (4/ 118): "أي: بلغت منه الجهد. وقيل: عضته، وأوجعته، وأوهنته". (¬5) رواه البخارى (6815 و 6816)، ومسلم- والسياق له- (1691) (16)، وزاد البخاري في رواية: "حتى مات".

الرجل: هو مَاعِزُ بنُ مالكٍ. • وروى قصّتَهُ جابر بنُ سَمُرة (¬1)، وعبد الله بنُ عباسٍ (¬2)، وأبو سعيدٍ الخُدْريِّ (¬3)، وبُريدة بنُ الحُصَيب الأسلمي (¬4). 708 (353) - عن عبد الله بن عُمر رضي الله عنهما؛ أنَّه قالَ: إنّ اليهودَ جاءُوا إلى رسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم -، فذكَرُوا له أنَّ امرأةً- مِنْهم- ورجُلًا زَنَيا (¬5). فقال لهم رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "ما تَجِدُونَ في التَّوراةِ في شأنِ الرَّجم؟ "، فقالُوا: نَفْضَحُهم (¬6)، ويُجْلَدونَ. قال عبد الله بنُ سلام (¬7): كذبتُم؛ إنّ فيها الرجمَ. فأَتَوْا بالتَّوراةِ، ¬

_ (¬1) حديث جابر: رواه مسلم (1692). (¬2) وحديث ابن عباس: رواه البخاري (6824)، ومسلم (1693). (¬3) وحديث أبي سعيد: رواه مسلم (1694). (¬4) وحديث بريدة: رواه مسلم (1695). (¬5) الرجل (الزاني) لم أجد من عرفه من أهل العلم، وأما المرأة، فذكر السهيلي في "الروض" (2/ 423) أن اسمها "بُسرة"، نقلًا عن بعض أهل العلم. (¬6) من الفضيحة، وهذه الفضيحة جاء بيانها في الروايات، فعند البخاري (7543): "قالوا: نُسخِّم وجوههما ونخزيهما". وفي أخرى (6819): "قالوا: إن أحبارنا أحدثوا تحميم الوجه والتجبية". وفي رواية (4556): "نحممهما ونضربهما". وأما مسلم ففي روايته: "نسوّد وجوههما، ونُحمّلُهما، ونخالف بين وجوههما، ويطاف بهما". (¬7) هو: عبد الله بن سلام بن الحارث الإسرائيلي؛ أبو يوسف، حليف الخزرج، أسلم عند قدوم النبي - صلى الله عليه وسلم - المدينة، وشهد له النبي - صلى الله عليه وسلم - بالجنة، له علم وفضل، شهد مع عمر بن الخطاب فتح بيت المقدس والجابية.

فَنَشَرُوها، فوضَع أحدُهم (¬1) يدَه علي آيةِ الرَّجْم، فقرأَ ما قَبْلها وما بعْدَها. فقال له عبد الله بنُ سَلام: ارفَع يدَك. فرفعَ يدَه، فإذا فيها آيةُ الرَّجْمِ. فقالُوا: صدقَ يا محمد! فأمر بهما النبيُّ - صلى الله عليه وسلم -، فرُجِمَا. قال: فرأيتُ الرجلَ يجنأُ (¬2) علي المرأةِ؛ يقِيها الحجارةَ (¬3). متفق علي هذه الأحاديث. ¬

_ (¬1) قال المصنف- رحمه الله- فى "الصغرى": "الرجل الذي وضع يده علي آية الرجم: عبد الله ابن صُوريا". قلت: وروى الطبري في "التفسير" (6/ 232) بسند فيه ضعف؛ أن اليهود قالوا لابن صوريا: هذا أعلم من بقي بالتوراة، فخلا به رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وكان غلامًا شابًا، من أحدثهم سنًا، فألظّ به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المسألة، يقول: يا ابن صوريا أنشدك الله، وأذكرك أياديه عند بني إسرائيل، هل تعلم أن الله حكم فيمن زنى بعد إحصانه بالرجم في التوراة؟ فقال: اللهمّ نعم، أما والله يا أبا القاسم إنهم ليعلمون أنك نبي مرسل، ولكنهم يحسدونك، فخرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فأمر بهما فرُجما عند باب مسجده في بني عثمان بن غالب بن النجار، ثم كفر بعد ذلك ابن صُوريا، فأنزل الله: {يَاأَيُّهَا الرَّسُولُ لَا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ مِنَ الَّذِينَ قَالُوا آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ} [المائدة: 41]. (¬2) بياء، ثم جيم، فنون مفتوحة، ثم همزة، وهو الذي رجحه ابن دقيق العيد، وفي بعض روايات البخاري: "يحني"، والأول معناه: يميل، والثاني: أكب علي الشيء، وفى هذه اللفظة أوجه غير ذلك، أوصلها الحافظ في "الفتح" (12/ 169) إلى عشرة. (¬3) رواه البخاري- والسياق له- (3635 و 6841)، ورواه مسلم (1699) بمعناه. وزاد المصنف- رحمه الله- في "الصغرى" حديثًا واحدًا، وهو: 354 - عن أبي هُريرة رضي الله عنه؛ أنَّ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "لو أن امرءًا اطَّلعَ عليك بغير إِذنٍ، فحذفتَهُ بحصَاةٍ، ففقأتَ عينَه، ما كان عليكَ جُناحٌ". (رواه البخاري: 6902، ومسلم: 2158).

709 - عن أبي عبد الرحمن السُّلمِيّ (¬1) قال: خطبَ عليٌّ رضي الله عنه، فقال: يا أيها الناسُ! أقِيمُوا على أرقّائِكم الحدَّ؛ مَنْ أحصَنَ منهم، ومَنْ لم يُحصَنْ، فإنَّ أَمَة لِرسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - زنتْ، فأمرَني أن أجلدَها، فإذا هي حَدِيثُ عهدٍ بنفاس، فخشِيتُ إنْ أنا جلدتُها أن أقتُلَها، فذكرتُ ذلكَ للنبي (¬2) - صلى الله عليه وسلم - فقال: "أحسنتَ". م (¬3). 710 - عن عُبادة بنِ الصامتِ قال: قال النبيُّ (¬4) - صلى الله عليه وسلم -: "خُذُوا عنَي. خُذُوا عنِّي، فقد جعلَ الله لهنّ سَبِيلًا (¬5): البِكْرُ بالبِكْرِ جلدُ مائةٍ، ونفيُ سَنَةٍ. والثَّيِّبُ بالثيبِ جلدُ مائةٍ، والرجمُ". م د (¬6). 711 - عن نُعيم بنِ هزَّال قال: كان ماعز بنُ مالك يتيمًا في حجري ... وذكرَ قصّته. فقال: "هلا تركتمُوه؛ لعلّه يتوبُ، فيتوبُ الله عليه؟ " (¬7). ¬

_ (¬1) هو: عبد الله بن حبيب أبو رُبَيِّعة، مشهور بكنيته، وهو تابعي، كوفي، ثقة، ثبت، مقرئ، عابد، روى له الجماعة. (¬2) في "أ": "رسول الله". (¬3) رواه مسلم (1705) وانظر "البلوغ " (1211). (¬4) في "أ": "رسول الله". (¬5) إشارة إلى قوله تعالى: {وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ فَإِنْ شَهِدُوا فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا}. (¬6) رواه مسلم (1690)، وأبو داود (4415). (¬7) ضعيف. في سنده يزيد بن نعيم وهو "مقبول"، ولكن قوله: "هلا تركتموه" جاء من الطرق الصحيحة، وأما التعليل فتفرد به يزيد. رواه أبو داود (4419).

712 - وقال جابر: فلمّا رجعنا إلى رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - وأخبرنَاه. قال: "فهلا تركتمُوه، وجئتمُوني به"؛ ليستثبتهُ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -، فأمّا لتركِ حدًّ فلا. د (¬1). 713 - عن ابنِ عبّاسٍ قال: قالَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ وجَدتمُوه يعمل عملَ قوم لوطٍ، اقتُلُوا الفاعِلَ والمفعولَ به". د ت (¬2). 714 - عن عِكْرمة (¬3) قال: أُتي عليٌّ بزنادقةٍ (¬4)، فأحرقَهم، فبلغَ ¬

_ (¬1) حسن. رواه أبو داود (4420). (¬2) حسن. رواه أبو داود (4462)، والترمذي (1456)، وانظر "البلوغ" (1216). (¬3) هو: مولى ابن عباس، وقد تقدمت ترجمته عند الحديث رقم (482). (¬4) جمع زنديق، وهو فارسي معرب، وفي معناه أقوال كثيرة، كما في "الفتح" (12/ 270 - 271)، وفي "المعجم الوسيط": "الزندقة: القول بأزلية العالم، وأطلق على الزردشتية، والمانوية، وغيرهم من الثنوية، وتُوسع فيه فأطلق على كل شاكٍّ، أو ضالٍّ، أو ملحدٍ". قلت: واختلف في هؤلاء الذين حرقهم علي رضي الله عنه على أقوال ذكرها ابن حجر، ثم نقل ما رواه من "حديث أبي طاهر المخلص"- وحسن سنده- من طريق عبد الله بن شريك العامري عن أبيه قال: قيل لعلي: إن هنا قومًا على باب المسجد يدعون أنك ربهم، فدعاهم فقال لهم ويلكم ما تقولون؟ قالوا: أنت ربنا وخالقنا ورازقنا فقال: ويلكم إنما أنا عبد مثلكم آكل الطعام كما تأكلون وأشرب كما تشربون، إن أطعت الله أثابني إن شاء وإن عصيته خشيت أن يعذبني، فاتقوا الله وارجعوا، فأبوا. فلما كان الغد غدوا عليه فجاء قنبر فقال: قد والله رجعوا يقولون ذلك الكلام، فقال أدخلهم فقالوا كذلك، فلما كان الثالث قال لئن قلتم ذلك لأقتلنكم بأخبث قتلة، فأبوا إلا ذلك، فقال يا قنبر ائتني بفعلة معهم مرورهم فخدَّ لهم أخدودًا بين باب المسجد والقصر وقال: احفروا فابعدوا في الأرض، وجاء بالحطب فطرحه بالنار في الأخدود وقال: إني طارحكم فيها أو ترجعوا، فأبوا أن يرجعوا فقذف بهم فيها حتى إذا احترقوا قال: إني إذا رأيت أمرًا منكرًا ... أوقدت نارًا ودعوت قنبرًا

ذلك ابن عباس، فقال: لو كُنتُ أنا لم أُحْرِقْهُم؛ لنهي رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - قالى: "لا تُعَذَبوا بعذابِ الله"، وَلَقَتَلتُهم؛ لقولِ رسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ بدّل دِينَه فاقتلُوه". خ س (¬1). 715 - عن عليّ بنَ أبي طالبٍ رضي الله عنه؛ أنَّ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "رُفع القلمُ عن ثلاثةٍ: عن النَّائمَ حتى يستيقِظَ، وعن الصَّبيّ حتى يَشِبَّ (¬2)، وعن المعتُوهِ (¬3) حتَى يعْقِلَ". د ق ت وقال: حدِيثٌ حسنٌ (¬4). 716 - عن عُروةَ (¬5) عن عائشة قالتْ: قالَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "ادرأُوا الْحُدودَ (¬6) عن المسلِمينَ ما استطعتُم، فإن كانَ له مَخْرجٌ فخلُّوا سَبِيلَه، فإنّ الإمامَ أَنْ يُخطئ في العفوِ خيرٌ مِن أنْ يُخطئ في العُقوبة". ت (¬7). [وقال] (¬8) رواه محمد بنُ رَبيعة، عن يزيد بن زياد الدِّمشقي- وهو ضعِيف- عن الزُّهريّ عن عروة (¬9)، هكذا مرفوعًا. ورواه وكيعٌ، عن ¬

_ (¬1) رواه البخارى (6922)، والنسائي (7/ 104). (¬2) وفي رواية: "حتى يكبر"، وفي رواية: "حتى يحتلم"، وفي أخرى: "حتى يبلغ". (¬3) هو المجنون المصاب بعقله. (¬4) صحيح بشواهده. رواه أبو داود (4403)، وابن ماجه (2042) بنحوه، والترمذي- واللفظ له- (1423) وانظر "بلوغ المرام" (1085 بتحقيقي). (¬5) هو: ابن الزبير وقد تقدمت ترجمته عند الحديث رقم (344). (¬6) سها ناسخ "أ" فزاد: "بالشبهات". (¬7) ضعيف جدًا. رواه الترمذي (1424)، ويزيد "متروك". وانظر "البلوغ" (1232). (¬8) زيادة من "أ". (¬9) تحرف في "أ" إلى: "عكرمة"!

يزيد بنِ زيادٍ هذا، فوقَفَهُ، وهو أصحُّ، ورُوي نحوُ هذا عن غيرِ واحدٍ من الصَّحابةِ قالُوا مثلَ ذلك (¬1). 717 - عن ابنِ عبّاس؛ أنّ رجلًا من بكر بنِ ليثٍ أتى النبيَّ - صلى الله عليه وسلم -، فأقر أنَّه زَنَا بامرأة أربعَ مراتٍ، فجلَدَهُ مائة وكان بِكْرًا. ثم سألَهُ البينةَ على المرأةِ؟ فقالتْ: كذبَ واللهِ يا رسولَ الله. فجلَدَهُ حدَّ الفريةِ ثمانين. د (¬2). 718 - عن البراء بنِ عَازِبٍ رضي الله عنه قال: لَقِيتُ خالي- ومعه الراية- فقلتُ: أين تُرِيد؟ قال: بعثنِي رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - إلى رجُلٍ تزّوجَ امرأةَ أَبِيه مِن بعدِه، أن أضرِبَ عُنُقَهُ- أو أقتله- وآخذَ مالَه. أخرجه الإمامُ أحمد، وأبو داود (¬3)، وقال: "لقيتُ عمِّي" (¬4). والصحيحُ فيه: "خالي". ت، وقال: حدِيثٌ حسنٌ. وقال فيه: "لقيتُ خالي" (¬5). ¬

_ (¬1) وهذا أيضًا من كلام الترمذي في "السنن". (¬2) منكر. رواه أبو داود (4467)، والنسائي في "الكبرى" (7348)، وفي سنده القاسم بن فياض، وهو"مجهول"، كما قال الحافظ في "التقريب". وقال النسائي: "هذا حديث منكر". (¬3) صحيح. رواه أحمد (4/ 290 و 295)، وأبو داود (4457). (¬4) نعم هذا اللفظ وقع في رواية أبي داود، وهو أيضًا في بعض روايات الإمام أحمد في "المسند" (4/ 292 و 297). (¬5) رواه الترمذي (1362)، وقال: "حديث حسن غريب"، هكذا في المطبوع من "السنن".

1 - باب حد السرقة

1 - باب حد السرقة 719 (355) - عن عبد الله بنِ عُمر رضي الله عنهما؛ أن النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - قطع في مِجَنٍّ (¬1) قيمتُه- وفي لفظٍ: ثمنُه- ثلاثةُ دراهم (¬2). 720 (356) - وعن عائشةَ؛ أنَّها سَمِعتْ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - يقولُ: "تُقطَعُ اليَدُ في رُبع دِينارٍ فصَاعِدًا" (¬3). 721 (357) - وعن عائِشةَ؛ أن قُريشًا أهمَّهم شأنُ المخزُوميّةِ (¬4) التي سرقَتْ. فقالُوا: مَنْ يُكلّم فيها رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم -؟ فقالوا: ومَنْ يجتَرئُ عليه إلا أسامةُ بنُ زيدٍ؛ حِبُّ رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم -، فكلَّمه أسامةُ. فقال: "أتشفَعُ في حَدٍّ من حُدودِ الله؟ "، ثم قامَ فاختطب، فقال: "إنَّما أهلكَ الذينَ مِن قبلِكم، أنَّهم كانُوا إذا سَرَقَ فِيهم الشَّرِيفُ تركُوه، وإذا سَرَقَ فيهم الضعِيفُ أقامُوا عليه الحدَّ (¬5)، وأيمُ اللهِ لو أنَّ فاطمةَ ¬

_ (¬1) "المجن": بكسر الميم وفتح الجيم، وهو اسم لكل ما يستجن به من الاجتنان، وهو الاستتار. (¬2) رواه البخاري (6795)، ومسلم (1686). (¬3) رواه البخاري- واللفظ له- (6789)، ومسلم (1684). (¬4) في "الصحيحين": "المرأة المخزومية"، بزيادة لفظ: "المرأة"، واختلف في اسمها، لكن قال الحافظ في "الفتح" (12/ 88): "اسم المرأة- على الصحيح- فاطمة بنت الأسود بن عبد الأسد بن عبد الله بن عمرو بن مخزوم، وهي بنت أخي أبي سلمة بن عبد الأسد الصحابي الجليل؛ الذي كان زوج أم سلمة قبل النبي - صلى الله عليه وسلم -، قتل أبوها كافرًا يوم بدر، قتله حمزة بن عبد المطلب". (¬5) وفي رواية للبخاري (3733): "إن بني إسرائيل كان إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف قطعوه، ... ".

بنتَ محمدٍ سرقَتْ، لقطعتُ يدَها" (¬1). - وفي لفظٍ: قالتْ: كانتِ امرأةٌ تستعِيرُ المتاعَ وتجحدُه، فأمرَ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - بقطْع يِدِها (¬2). مُتَّفَقٌ عَلَى هذه الأحاديث ¬

_ (¬1) رواه البخاري (3475)، ومسلم (1688). وزاد البخاري في رواية (4304): "ثم أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بتلك المرأة فقطعت يدها، فحسنت توبتها بعد ذلك، وتزوجت. قالت عائشة: فكانت تأتي بعد ذلك، فأرفع حاجتها إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. ونحوها لمسلم أيضًا. (¬2) رواه مسلم (1688) (10)، وزاد: "مخزومية" بعد: "امرأة". وفي المطبوع: "أن تقطع يدها" بدل: "بقطعْ يدها"، ولكن الذي في شرح النووي كما ذكر الحافظ عبد الغني هنا. بل هو الموجود في الأصل الخطي لصحيح مسلم أيضًا (ورقة 255). وأورد ابن دقيق العيد في "الإحكام" (4/ 132) إشكالًا، فقال: "قد أطلق في هذا الحديث على هذه المرأة لفظ السرقة، ولا إشكال فيه، وإنما الإشكال في الواية الثانية، وهو إطلاق جحد العارية على المرأة، وليس في لفظ هذا الحديث ما يدل على أن المعبر عنه امرأة واحدة، ولكن في عبارة الصنف ما يشعر بذلك، فإنه جعل الذي ذكره ثانيًا رواية، وهو يقتضي من حيث الإشعار العادي أنهما حديث واحد اختلف فيه هل كانت المرأة المذكورة سارقة أو جاحدة. وعن أحمد أنه أوجب القطع في صورة جحود العارية عملًا بتلك الرواية، وإذا أخذ بطريق صناعي- أعنى: في صنعة الحديث- ضعفت الدلالة على مسألة الجحود قليلًا، فإنه يكون اختلافًا في واقعة واحدة فلا يثبت الحكم المرتب على الجحود حتى يتبين ترجيح رواية من روي في الحديث أنها كانت تجاحدة على رواية من روي أنها كانت سارقة". وقد عقب الحافظ على كلام ابن دقيق العيد في "الفتح" (12/ 92)، فقال: "يعني: وكذا عكسه، فيصح أنها قطعت بسبب الأمرين، والقطع في السرقة متفق عليه, فيترجح على القطع في الجحد المختلف فيه. قلت: وهذه أقوى الطرق في نظري، وقد تقديم الرد على من زعم أن القصة وقعت لامرأتين فقطعتا". وانظر "المفهم" للقرطبي (5/ 77 - 78).

722 - عن رافع بنِ خَدِيجٍ؛ أنَّه سَمعَ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - يقولُ: "لا قَطْعَ في ثَمَرٍ، ولا كَثَرٍ". د س ت (¬1). [الكثر: الجمار] (¬2) 723 - [و] (¬3) عن بسر بن أبي أرطاة قال: سَمِعتُ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - يقولُ: "لا تُقطَعُ الأيدِي في السفَر". د س (¬4). ت ولفظُه: "في الغزو" (¬5). ¬

_ (¬1) صحيح. رواه أبو داود (4388)، والنسائي (8/ 88)، والترمذي (1449)، وأيضًا ابن ماجه (2593)، وانظر "البلوغ" (1233). وقوله: "في ثمر": "يعني به التمر المعلق في النخل؛ الذي لم يجذذ، ولم يحرز في الجرين .. والجرين: هو الذي يسميه أهل العراق: البيدر. ويسميه أهل الشام: الأندر. ويسمى بالبصرة: الجوخان. ويقال أيضًا بالحجاز: المِربد"، قاله أبو عبيد في "الغريب" (1/ 287). قلت: وهو معروف عند أهل مصر باسم: "الجرين"، وأكثرهم يقول: "الجُرْن"، وهي لغة صحيحة. وقوله: "كَثَرَ": "بفتحتين: جُمّار النخل، وهو شحمه الذي وسط النخلة"، قاله ابن الأثير في "النهاية" (4/ 152). (¬2) زيادة من "أ". (¬3) زيادة من "أ". (¬4) صحيح. وواه أبو داود (4408)، والنسائي (8/ 91). (¬5) رواه الترمذي (1450)، وقال: "والعمل على هذا عند بعض أهل العلم؛ منهم الأوزاعي لا يرون أن يقام الحد في الغزو بحضرة العدو؛ مخافة أن يلحق من يقام عليه الحد بالعدو، فإذا خرج الإمام من أرض الحرب، ورجع إلى دار الإسلام أقام الحد على من أصابه، كذلك قال الأوزاعي".

724 - عن صفوان بنِ أُميّة قال: كُنتُ نائمًّا في المسجدِ على خَمِيصةٍ (¬1) لي ثمنُ ثلاثين دِرهمًا، فجاءَ رجلٌ فاخْتَلَسَها مِنِّي، فأُخِدَ الرجلُ، فأُتي به النبيُّ - صلى الله عليه وسلم -، فأمرَ بهِ ليُقطعَ، فأتيتُه، فقلتُ: أتقطعُهُ من أجل ثلاثين درهمًا! أنا أبيعُه، وأُنْسِئُه ثمنَها- وفي لفط: قد تجاوزتُ عنه- (¬2) قال: "فهلا كان هذا قبل أن تأتِيني به". د س (¬3). 725 - عن عبد الرحمن بنِ مُحَيْرِيز (¬4) قال: سألنا فَضَالة بنَ عُبيدٍ عن تعليقِ اليدِ مِن العُنقِ للسارق، أَمِنَ السُّنَةِ هو؟ قال: أُتيْ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - بسارقٍ، فقُطِعتْ يدهُ، ثم أمرَ بها، فعُلِّقتْ في عُنُقه. دت وقال: هذا حدِيثٌ حسنٌ غرِيبٌ (¬5). ¬

_ (¬1) الخميصة: "ثوب خز، أو صوف معلم، وقيل: لا تسمى خميصة إلا أن تكون سوداء معلمة، وكانت من لباس الناس قديمًا، وجمعها الخمائص". أهـ. "النهاية". (¬2) هو للنسائي (8/ 68). (¬3) صحيح بطرقه. رواه أبو داود (4394)، والنساني (8/ 69 - 70). (¬4) هو: عبد الله بن محيريز القرشي الجمحي، كان فاضلًا، ذكره ابن حبان في "ثقات التابعين" (5/ 104). وقال ابن عبد البر (2/ 852): "لا وجه لذكره في الصحابة إلا على ما شرطنا فيمن ولد على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وقد ذكره فيهم العقيلي، وما أتى له بشاهد فيما ذكر". (¬5) ضعيف رواه أبو داود (4411)، والترمذي (1447)، وأيضًا النسائي (8/ 92)، وابن ماجه (2587). قلت: وفي سنده الحجاج بن أرطاة، وهو كما قال النسائى عقب روايته: "ضعيف، ولا يحتج بحديثه".

2 - باب حد الخمر

2 - باب حد الخمر 726 (358) - عن أنس؛ أن النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - أُتي برجُلٍ (¬1) قد شربَ الخمرَ، فجلَدَهُ بجَرِيدٍ نحو أربعين. قال: وفعلَه أبو بكر. فلمّا كانَ عمرُ استشارَ النَّاسَ؟ فقال عبدُ الرحمن: أخفّ الحدودِ ثمانين، فأمر به عمرُ. مُتَّفَقٌ عَلَيْه (¬2) ¬

_ (¬1) قال ابن الملقن في "الإعلام" (ج 4/ ق 45/أ): "هذا الشارب لا يحضرني اسمه بعد التتبع الشديد، والفحص عنه". قلت: مال الحافظ في "الفتح" (12/ 64 و 77) أنه النعيمان. والله أعلم. (¬2) هذا اللفظ لمسلم (1706) (35)، غير أن عنده "بجريدتين"، بدل: "بجريد". وأما البخاري فلفظه (6773): "أن النبي - صلى الله عليه وسلم - ضرب في الخمر بالجريد والنعال، وجلد أبو بكر أربعين". وفي أخرى له (6776) بلفظ: "جلد"، بدل: "ضرب". وهي لمسلم أيضًا، وزاد: "فلما كان عمر، ودنا الناس من الريف والقرى، قال: ما ترون في جلد الخمر؟ فقال عبد الرحمن بن عوف: أرى أن تجعلها كأخف الحدود. قال: فجلد عمر ثمانين". وبذلك يتضح صواب ما قاله عبد الحق في "الجمع بين الصحيحين" (2/ 640): "لم يذكر البخاري مشورة عمر، ولا فتوى عبد الرحمن بن عوف". قال الحافظ في "الفتح" (12/ 64): "وقد نسب صاحب "العمدة" قصة عبد الرحمن هذه إلى تخريج الصحيحين، ولم يخرج البخاري منها شيئًا". قلت: وكان الحافظ ابن حجر نفسه قد صغ في "البلوغ" (1241) كصنيع صاحب "العمدة" هنا. وأما قوله: "أخف الحدود ثمانين"، فنقول كثير من أهل العلم عن صحيح مسلم "ثمانون" بالرفع لا النصب، ورواية الرفع هذه أعربها ابن العطار مبتدأ وخبرًا، وقال: لا أعلمه منقولًا رواية، وتعقبه الحافظ في "الفتح" فقال: "كذا قال! والرواية بذلك ثابتة". قلت: وقد تقدم أن بعض أهل العلم نقله من "صحيح مسلم" بالرفع، والله أعلم. ثم رأيته في أصح أصل خطي- معروف اليوم- لصحيح مسلم بالرفع "ثمانون". (ورقة 257). =

727 - عن حُضَين بنِ المنذر (¬1) قال: شهدتُ عثمان بنَ عفّان [رضي الله عنه] (¬2) أُتي بالوليدِ (¬3)، قد صلَّى الصُّبحَ أربعًا، ثم قال: أزِيدُكم؟ فشهِدَ عليه رجُلانِ؛ أحدُهما: حُمران (¬4)؛ أنّه شرِبَ الخمرَ، وشهِدَ آخر (¬5) أنَّه رآه يتقيّأ. فقال عثمانُ: إِنَه لم يتقيّأ حتى شَرِبها. فقال: يا عليّ! قم فاجلِدْه فقال عليٌّ: يا حسنُ! قُم فاجْلِدْهُ. ¬

_ = ولله الحمد والشكر من قبل ومن بعد أولًا وآخرًا. وأما رواية النصب، وهي التي في المطبوع من "صحيح مسلم" الذي بين أيدينا، ففيها حذف تقديره: "أخف الحدود أجده ثمانين"، أو: "أرى أن تجعلها كأخف الحدود ثمانين"، وانظر "الفتح" (12/ 64). (¬1) هو: حضين- بضاد معجمة- بن المنذر بن الحارث الرقاشي البصري، من سادات ربيعة، وكان صاحب راية أمير المؤمنين يوم صفين، تابعي، ثقة، مات سنة سبع وتسعين، روى له مسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجة. (¬2) زيادة من "أ". (¬3) هو: الوليد بن عقبة بن أبي مُعَيْط، أخو أمير المؤمنين عثمان لأمه، له صحبة، وبعثه النبي - صلى الله عليه وسلم - مصدقًا، مات في خلافة معاوية. (¬4) هو: حمران بن أبان مولى عثمان بن عفان، تقدمت ترجمته ص (23). (¬5) قال الحافظ في "الفتح" (7/ 57): "قيل: هو الصعب بن جثامة الصحابي المشهور. رواه يعقوب بن سفيان في "تاريخه"، وعند الطبري من طريق سيف في "الفتوح" أن الذي شهد عليه ولد الصعب، واسمه: جثامة كاسم جده، وفي رواية أخرى أن ممن شهد عليه أبا زينب بن عوف الأسدي وأبا مورع الأسدي، وكذلك روى عمر بن شبة في "أخبار المدينة" بإسناد حسن إلى أبي الضحى، وقال: لما بلغ عثمان قصة الوليد استشار عليًا، فقال: أرى أن تستحضره، فإن شهدوا عليه بمحضر منه حددته، ففعل، فشهد عليه أبو زينب وأبو مورع وجندب بن زهير الأزدي وسعد ابن مالك الأشعري". أهـ.

فقال الحسنُ: وَلِّ حارَّها مَن تولّى قارَّها (¬1) - فكأّنه وجدَ عليه- فقال: يا عبد الله بنَ جعفر! قُمْ فاجْلِدْهُ، فجلَدَهُ، وعليٌّ يَعُدُّ، حتى بلغَ أربعينَ. فقال: أَمسِكْ. ثم قالَ: جلدَ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - أربعين، وأبو بكرٍ أربعينَ وعمرُ ثمانين، وكلٌّ سنةٌ. وهذا أحبّ إليّ. م (¬2). 728 (359) - عن أبي بُردة البلويّ؛ أنَّه سَمعَ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - يقولُ: "لا يُجْلَد (¬3) فوقَ عشرةِ أسواطٍ، إلا في حدٍّ مِن حُدودِ الله". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ (¬4). ¬

_ (¬1) "هذا مثل من أمثال العرب. قال الأصمعي: معناه: ولِّ شدتها من تولى هنيئها. والقارّ: البارد. ويعني الحسن بهذا: ولِّ شدة إقامة الحد من تولى إمرة المسلمين، وتناول حلاوة ذلك". قاله القرطبي في "المفهم" (5/ 135). (¬2) رواه مسلم (1707). (¬3) زاد مسلم: "أحد"، ولفظ البخاري: "لا تجلدوا فوق ... ". (¬4) رواه البخاري (6850)، ومسلم (1708).

16 - كتاب الأيمان والنذور

16 - كتاب الأيمان والنذور 729 (360) - عن عبد الرحمن بنِ سَمُرة قال: قالَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "يا عبدَ الرحمن بنَ سَمُرة! لا تسألِ الإِمارةَ؛ فإنّكَ إنْ أُعطِيتَها عن مَسألةٍ وُكِلْتَ إليها، وإنْ أُعطِيتَها عن غيرِ مسألةٍ أُعِنْتَ عليها، وإذا حلفتَ على يمينٍ، فرأيتَ غيرَها خيرًا منها، فكفِّر عن يَمِينكَ، وائتِ الذي هُو خيرٌ". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ د س ت ق (¬1). 730 (361) - عن أبي مُوسى رضي الله عنه قال: قالَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "إنِّي والله- إن شاء الله- لا أَحْلِفُ على يمينٍ، فأرى غيرَها خيرًا منها، إلا أتيتُ الذي هو خَيرٌ، وتحلَّلتُها". مختصرٌ من حديثٍ طويلٍ. مُتَّفَقٌ عَلَيْه (¬2). ¬

_ (¬1) رواه البخاري (6622)، ومسلم (1652)، وأبو داود (3278)، والنسائي في "الكبرى" سؤال الإمارة في (5/ 226)، واليمين في (3/ 127)، والترمذي (1529) وقال الترمذي: "حديث حسن صحيح". قلت: وعزو الحديث لابن ماجه وهم من الحافظ رحمه الله. (¬2) رواه البخاري (3133)، ومسلم (1649) (9)، وسيأتي طرف آخر منه بر قم (769). ومناسبة الحديث هو قول أبي موسى رضي الله عنه: أتيت النبي - صلى الله عليه وسلم - في نفر من الأشعريين نستحمله، فقال: "والله لا أحملكم، وما عندي ما أحملكم"، وأتي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بنهب إبل، فسأل عنا، فقال: "أين النفر الأشعريون"؟ فأمر لنا بخمس ذود غُرّ الذُّرى، فلما انطلقنا، قلنا: ما صنعنا؟ لا يبارك لنا، فرجعنا إليه، فقلنا: إنا سألناك أن تحملنا، فحلفت أن لا تحملنا، أفنسيت؟ قال: "لست أنا حملتكم، ولكن الله حملكم، وإني والله ... " الحديث. وفي رواية للبخاري (4415)، ومسلم (1649) (8) أن ذلك كان فى جيش العسرة، وهى غزوة تبوك، وأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لأبي موسى: "خذ هذين القرنين، وهذين القرنين، وهذين القرنين" لستة أبعرة ابتاعهن حينئذٍ من سعد.

731 (362) - عن عمر بنِ الخطَّاب رضي الله عنه قال: قالَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "إنَّ الله [عز وجل] (¬1) ينهَاكُم أن تحلِفُوا بآبائِكم". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ (¬2). - ولِمُسلمٍ: "فمَن (¬3) كانَ حَالِفًا فليحلِفْ بالله، أو لِيَصْمُتْ" (¬4). - وفي روايةٍ: قال عمرُ: والله (¬5) ما حلفتُ بها منذُ سمِعتُ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - ينهى عنها (¬6) ذاكرًا ولا آثرًا (¬7). ¬

_ (¬1) زيادة من "أ". (¬2) رواه البخاري (6647)، ومسلم (1646) (1). (¬3) في "أ": "من". (¬4) رواه مسلم (1646) (3)، وهي للبخاري أيضًا (6646)، وهي في هذه الرواية عندهما عن ابن عمر، وليس عن عمر، ولفظه: عن ابن عمر رضي الله عنهما؛ أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أدرك عمر ابن الخطاب، وهو يسير في ركب - يحلف بأبيه- فقال: "ألا إن الله ينهاكم أن تحلفوا بأبائكم، فمن ... ". ثم رأيت ابن الملقن قال (ج 4/ ق 51/ أ): "أما الزيادة التي عزاها المصنف إلى مسلم وحده فليست فيه من هذا الوجه ... وإنما هي فيه من رواية ابن عمر ... وهذه الزيادة ثابتة في صحيح البخاري أيضًا ... فظهر أن هذه - يعني: الزيادة- ليست في هذا الحديث من هذا الطريق، وإنها ليست من أفراد مسلم، فتنبه لذلك؛ فإنه يساوي رحلة، وقد وقع للمصنف هذا الوفع في "عمدته الكبرى" أيضًا". أهـ. (¬5) في "أ": "فوالله". (¬6) وفي "صحيح مسلم" في رواية: "نهى عنها"، وهذه الجملة ليست في البخاري أصلًا. (¬7) رواه البخاري (6647)، ومسلم (1646) (1). و"آثرا": يعني: حاكيًا عن غيري أنه حلف بها. قاله المؤلف في "الصغرى". قال ابن الملقن في "الإعلام" (ج 4/ ق 52/ ب): "فيه المبالغة في الاحتياط في الكلام بأن لا يحكي=

732 - عن أبي هُريرة قال: قالَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "يَمِينُكَ على ما يُصَدِّقُكَ به صَاحِبُكَ". - وفي روايةٍ: "اليَمِينُ على نيّةِ الْمُسْحلِفِ" (¬1). 733 (363) - عن أبي هُريرة، عن النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قال: "قال سُليمانُ ابنُ داود [عليه السلام] (¬2): لأطُوفَنَّ (¬3) الليلةَ على سَبعِينَ امرأةً (¬4)، تلِدُ ¬

_ = قول الغير الذي منع الشرع منه؛ لئلا يجري على اللسان ما صورته صورة الممنوع شرعًا، وهذا معنى قول عمر رضي الله عنه: ولا آثرًا". قلت: وقوله: "ذاكرًا": أي حاكيًا وقائلًا لها من قبل نفسى. (¬1) رواهما مسلم (1653)، وانظر "البلوغ" (1362). (¬2) زيادة من "أ". (¬3) قال ابن الملقن في "الإِعلام" (ج 4/ ق 53/ أ): "كذا هو في الروايات كلها، وفي بعض نسخ صحيح مسلم والبخاري: "لأطيفن"، وهما لغتان فصيحتان، يقال: طاف بالشيء، وأطاف به، إذا دار حوله وتكرر عليه، فهو طائف ومطيف، وهو هنا كناية عن الجماع، واللام في قوله: "لأطوفن" الظاهر أنها لام جواب القسم، أي: "والله لأطوفن"، ويؤيده قوله - صلى الله عليه وسلم -: "لو قال: إن شاء الله لم يحنث"؛ لأن عدم الحنث ووجوده لا يكون إلا عن قسم". (¬4) وفي رواية للبخاري (7469)، ولمسلم: "ستون امرأة"، وفي أخرى للبخاري (6639 و 6720)، ولمسلم: "تسعين امرأة"، وفي رواية للبخاري (5242): "مئة امرأة". وللجمع بين هذه الروايات قال النووي (11/ 131): "هذا كله ليس بمتعارض؛ لأنه ليس في ذكر القليل نفي الكثير، وهو من مفهوم العدد، ولا يعمل به عند جماهير الأصوليين"، وهو نفس جواب ابن الملقن في "الإعلام" (ج 4/ ق 53/ أ). وأما الحافظ ابن حجر فله جواب آخر، إذ قال في "الفتح" (6/ 460): "الجمع بينها أن الستين كن حرائر، وما زاد عليهن كن سراري أو بالعكس، وأما السبعون فللمبالغة، وأما التسعون والمائة فكن دون المائة وفوق التسعين، فمن قال تسعون ألغى الكسر، ومن قال مئة جبر. وأما قول بعض الشراح: ليس في ذكر القليل نفي الكثير وهو من مفهوم العدد، وليس بحجة عند الجمهور،=

كُلُّ امرأةٍ منهنّ غُلامًا يُقاتِلُ في سَبِيلِ الله. فقالَ له (¬1): قُلْ: إنْ شَاءَ الله. فلم يقُل (¬2) فأطَافَ بهنّ، فلم تَلِدْ منهنّ إلا امرأةٌ واحِدةٌ نصفَ إنسانٍ". قال: فقالَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "لو قالَ: إنْ شاءَ الله لم يَحْنَثْ، وكان دَرَكًا (¬3) لحاجَتِهِ". مُتَّفَقٌ عَلَيْه (¬4). 734 - عن ابنِ عُمر قال: قالَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ حَلَفَ فاستثنى، فإنْ شاءَ رجعَ، وإن شاءَ تركَ غير حَنِثٍ". أخرجه الإمام أحمد د س (¬5). ت ولفظُه: "مَنْ حلَفَ على يمينٍ، فقال: إنْ شاءَ الله، فلا حِنْثَ عليه". وقال: حدِيثٌ حسنٌ غرِيبٌ (¬6). ¬

_ = فليس بكاف في هذا المقام، وذلك أن مفهوم العدد معتبر عند كثيرين، والله أعلم". أهـ. (¬1) زاد البخاري: "الملك"، وله في رواية: "فقال له صاحبه" وهي لمسلم أيضًا. وعند مسلم في رواية: "فقال له صاحبه أو الملك". وفي "أ": "فقيل له". (¬2) زاد مسلم: "ونسي"، وهي للبخاري أيضًا. قال النووي: "ضبطه بعض الأئمة بضم النون، وتشديد السين، وهو ظاهر حسن. والله أعلم". (¬3) دركًا: أي لحاقًا، والمراد أنه كان يحصل له ما طلب، وجاء في رواية للبخاري (6639)، ومسلم (1654) (25): "وأيم الذي نفس محمد بيده، لو قال: إن شاء الله، لجاهدوا في سبيل الله فرسانًا أجمعون". (¬4) رواه البخاري (5242)، ومسلم- والسياق له- (1654). (¬5) صحيح. رواه أحمد في مواطن كثيرة، منها: (2/ 153)، وأبو داود (3261)، والنسائي (7/ 25)، وانظر "البلوغ" (1364). (¬6) رواه الترمذي (1531)، وانظر ما قبله.

735 (364) - عن عبد الله بنِ مسعودٍ [رضي الله عنه] (¬1) قال: قالَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ حَلَفَ على يمين صَبْرٍ (¬2)، يقتطعُ بها مالَ امرئٍ مُسلِمٍ - هو فيها فَاجِرٌ- لقِي الله [عز وجل] (¬3) وهو عليه غَضْبَانُ". ونزلتْ: {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا ...}، إلى آخر الآية [آل عمران: 77]. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ (¬4). 736 (366) - عن ثابت بن الضَّحَّاك الأنصاري؛ أنّه بايعَ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - تحتَ الشَّجرةِ، وأنّ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "مَنْ حَلَفَ على يمينٍ بملّةٍ غيرِ الإِسلامِ كَاذِبًا مُتعمَّدًا، فهو كَما قال. ومَنْ قتلَ نفسَه بشيءٍ، عُذِّبَ به يومَ القيامةِ، وليسَ على رجُلٍ نذرٌ فِيما لا يَمْلِكُ" (¬5). ¬

_ (¬1) زيادة من "أ". (¬2) على الإضافة، وأصل الصبر الحبس، والمراد: ألزم بها وحبس عليها، وكانت لازمة لصاحبها من جهة الحكم، وقوله: "هو فيها فاجر" أي: متعمد الكذب، وهي تسمى اليمين الغموس؛ لأنها تغمس صاحبها في الإثم أو في النار، وهي من الكبائر. انظر "كتاب الكبائر" للذهبي بتحقيقي. (¬3) زيادة من "أ". (¬4) رواه البخاري (2356)، ومسلم (138). وزاد المصنف- رحمه الله- في "الصغرى" حديثًا واحدًا، وهو: 365 - عن الأشعث بنِ قيسٍ قال: كان بيني وبين رجُلٍ خُصومةٌ في بئرٍ. فاختصمنا إلى رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم -. فقال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "شاهداك، أو يمينهُ". قلتُ: إذًا يحلِف ولا يُبالي! فقال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَن حَلف على يمينِ صبرٍ، يقتطعُ بها مالَ امريءٍ مُسْلمٍ، هو فيها فاجِرٌ، لقي الله وهو عليه غضبانُ". (خ: 2356. م: 138). (¬5) رواه البخاري (6047)، ومسلم (110)، وانظر "صحيح البخاري" (1363) وأطرافه.

1 - باب النذر

- وفي روايةٍ: "ولعنُ المؤمن كِقتلِهِ" (¬1). - وفي روايةٍ: "ومَنِ ادّعى دَعوى كاذِبةً؛ ليتكَثَّر بها، لم يَزِدهُ الله إلا قِلّةً" (¬2). مُتَفَقٌ عَلَيْهِ (¬3). 1 - باب النذر 737 (367) - عن عُمرَ قال: قلتُ: يا رسولَ الله! إنِّي كُنت نذرتُ في الجَاهِليّة أنْ أعتكفَ ليلةً- وفي روايةٍ: يومًا - في المسجدِ الحرَامِ؟ قال: "فأوفِ بنذْرِكَ". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ (¬4). ¬

_ (¬1) رواه البخاري (6105)، وهي لمسلم أيضًا. وزاد البخاري: "ومن قذف مؤمنًا بكفرٍ فهو كقتله". (¬2) هذه الرواية لمسلم وحده. (¬3) ولأهمية هذا الحديث، وما فيه من الخصال الواجب اجتنابها أسوقه هنا من كتاب "الجمع بين الصحيحين" للحافظ عبد الحق الإشبيلي (1/ 74) قال رحمه الله: "مسلم. عن ثابت بن الضحَّاك أنهُ بايعَ رسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - تحتَ الشَّجرةِ، وأنَّ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم -قالَ: "من حلفَ على يمينٍ يملةٍ غيرِ الإسلام كِاذبًا فهو كما قال، ومن قتل نفسه بشيء عُذِّبَ به يومَ القيامةِ، وليسَ على رجلِ نذرٌ في شيءٍ لا يَمْلِكُهُ". وفي لفظ آخر: "ليس على رجل نذرٌ فيما لا يملكُ، ولعن المؤمن كقتله، ومنْ قتلَ نفسَهُ بشيءٍ في الدُّنيا عذِّبَ به يومَ القيامةِ، ومن ادَّعى دعْوَى كاذبةً ليتكثَّرَ بها لمْ يزدْةَ الله تعالى إلا قلةً، ومن حلف على يمينِ صبرٍ فاجرةٍ". وفي آخر: "من حلف بملةٍ سوى الإسلام كِاذبًا مُتعمِّدًا، فهُو كما قالَ، ومن قتل نفسهُ بشيءٍ عذَّبه اللهُ بهِ في نارِ جهنَّم". وفي آخر: "ومن ذبحَ نفسَهُ بشيءٍ ذُبحَ به يومَ القيامةِ". لم يذكر البخاري: "ومن ادَّعى دعْوى" إلى قوله: "فاجرة". وزاد: "ومن قذف مؤمنًا بكفر فهو كقتله". وفي بعض طرقه: "من حلفَ بغيرِ ملَّةِ الإسلامِ فهو كما قالَ". (¬4) رواه البخاري (2032)، ومسلم (1656)، وتقدم برقم (427).

738 (368) - عن عبد الله بن عُمر، عن النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -؛ أنّه نهى عن النَّذْرِ، وقال: "إنّه لا يأتِي بخيرٍ، وإنَّمَا يُستخرَجُ به مِن البَخِيلِ". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ (¬1). 739 (369) - عن عُقبة بن عامر قال: نَذَرَتْ أختي (¬2) أن تمشِي إلى بيت الله الحرامِ حَافِيةً! فأمرَتْني أن أستفتِي لها رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم -. فاستفتيتُه؟ فقال: "لتمشِ (¬3)، ولتركَبْ". متَّفَقٌ عَلَيْهِ (¬4). د وزاد: "وتُكفِّر عن يمينها" (¬5). ت وزاد: "ولتَصُمْ ثلاثةَ أيامٍ" (¬6). 740 (375) - عن ابنِ عبّاس؛ أنه قالَ: استفتَى سعد بنُ عُبادة رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - في نذرٍ كان على أُمِّه (¬7)، تُوفِّيتْ قبلَ أن تَقْضِيَه؟ قال رسولُ ¬

_ (¬1) رواه البخاري (6608)، ومسلم- واللفظ له- (1639) (4)، وفي لفظ لهما: "إنه لا يرد شيئًا، وإنما ... "، وفي آخر أيضًا. "إن النذر لا يقدم شيئًا ولا يؤخر، وإنما ... ". وفي رواية عند مسلم لفظ: "الشحيح"، بدل: "البخيل". (¬2) هي: أم حبان بنت عامر أسلمت وبايعت. انظر "غوامض الاسماء" لابن بشكوال ص (837)، و"الإصابة" (8/ 221). (¬3) وفي "أ": "لتمشي"، وهي في بعض روايات البخاري. (¬4) رواه البخاري (1866)، ومسلم (1644)، وليس عند البخاري قوله: "حافية". (¬5) ضعيف. رواه أبو داود (3295)، وفي سنده شريك بن عبد الله، وهو سيئ الحفظ. (¬6) منكر. رواه الترمذي (1544)، وفي سنده عبيد الله بن زحر، وهو: "ضعيف، منكر الحديث"، وذكر الذهبي في "الميزان" هذا الحديث من منكراته. (¬7) هي: عمرة بنت مسعود بن قيس، أسلمت وبايعت، ماتت سنة خمس والنبي - صلى الله عليه وسلم - في غزوة دومة الجندل، فلما رجع المدينة أتى قبرها فصلى عليه.

الله - صلى الله عليه وسلم -: "فاقْضِهِ عنها". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ (¬1) 741 - عن عائشةَ رضي الله عنها قالتْ: قالَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ نَذَرَ أن يُطِيعَ الله [عز وجل] فَلْيُطِعْهُ، ومَنْ نَذَرَ أنْ يعصِي الله فلا يَعْصِه". خ د (¬2). 742 - عن عِمْران بنِ حُصين رضي الله عنه قال: قالَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "لا وَفَاءَ لنذرٍ في مَعْصِيةٍ، ولا فِيما لا يملِكُ العبدُ". مختصرٌ من حديثٍ طَويلٍ. م د (¬3). ¬

_ (¬1) رواه البخاري (6959)، ومسلم (1638). (¬2) رواه البخاري (6696 و 6700)، وأبو داود (3289). (¬3) رواه مسلم (1641)، وأبو داود (3316)، وهو بتمامه: عن عمران بن حصين. قال: كانتْ ثقيفُ حلفاءَ لبني عُقَيْلٍ. فأسرتْ ثقيفُ رجلينِ من أصحابِ رسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم -. وأسرَ أصحابُ رسولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - رجُلا منْ بني عُقَيْلٍ. وأصابُوا معه العضْباءَ. فأتَى عليهِ رسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وهُو في الوثاقِ. قالَ: يا محمدُ! فأتاهُ. فقال: "ما شأنك؟ " فقال: بِمَ أخذتني؟ وبم أخذتَ سابقةَ الحاجِّ؟ فقال (إعظامًا لذلك): "أخذتك بجريرة حلفائك ثقيف" ثم انصرف عنه فناداه. فقال: يا مُحمَّدُ! يا مُحَمَّدُ! وكان رسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - رحيمًا رقيقًا. فرجعَ إليهِ فقالَ: "ما شانكَ؟ " قالَ: إنِّي مُسْلِم. قال: "لو قُلْتها وأنتَ تملكُ أمركَ، أفلحْتَ كلَّ الفلاح" ثُمَّ انصرفَ. فناداهُ. فقالَ: يا مُحمَّدُ! يا مُحَمَّدُ! فأتاهُ فقال: "ما شأنك؟ " قال: إني جائع فأطعمني. وظمآنُ فأسقِني. قال: "هذه حاجتُكَ" ففُدي بالرَّجُلَين. قال: وأُسرتِ امرأةٌ من الأنصارِ. وأصيبتِ العضباءُ. فكانتِ المرأةُ في الوثاقِ. وكانَ القومُ يُريحونَ نعمهُم بين يدي بيوتهمْ. فانفلتتْ ذاتَ ليلةٍ من الوثاقِ فأتتِ الإبلَ. فجعلتْ إذا دنت من البعيرِ رغا فتتركُهُ. حتى تنتهي إلى العضباءِ. فلم تَرْغُ. قال: وناقةٌ منوقةٌ. فَقَعَدَتْ في عَجُزهِا ثم زجرتها فانطلقتْ. ونذروا بها فطلبوها فأعجزتهم. قال: ونذرتْ لله؛ إن نجاها الله عليها لتنحرنَّها. فأتَوا رسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فذكرُوا ذلِكَ لهُ. فقالَ: "سُبْحانَ الله! بئسما جَزَتْهَا. نذرت لله إن=

743 - عن عقبة بنِ عامر رضي الله عنه قال: قالَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "كَفَّارة النذرِ كفَّارةُ اليمينِ". م (¬1). 744) (371) - عن كعب بنِ مَالكٍ قال: قلتُ: يا رسولَ الله! إنَّ مِن توبتي أنْ أنخَلعَ مِن مالي (¬2)؛ صدقةً إلى الله وإلى رسولِهِ. فقالَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "أَمسِكْ عليكَ بعضَ مالِكَ؛ فهو خير لكَ". مختصرٌ من حديثِ توبته. متَّفَق عَلَيْهِ [د] (¬3) (¬4). - وفي لفظٍ له قال (¬5): "يجزِئ عنك الثُّلثُ" (¬6). ¬

_ = نَجَّاها اللهُ عليها لتنحرنَّها. لا وفاءَ لنذْرٍ في معصيةً. ولا فيما لا يملِكُ العَبْدُ". وفي روايةِ ابن حُجْر: "لا نَذْرَ في مَعْصِيةِ اللهِ". (¬1) رواه مسلم (1645). قال النووي رحمه الله (11/ 113): "اختلف العلماء في المراد به فحمله جمهور أصحابنا علي نذر اللجاج وهو أن يقول انسان يريد الامتناع من كلام زيد مثلًا إن كلمت زيدا مثلا فلله علي حجة أو غيرها فيكلمه فهو بالخيار بين كفارة يمين وبين ما التزمه هذا هو الصحيح في مذهبنا وحمله مالك وكثيرون أو الأكثرون علي النذر المطلق كقوله علي نذر وحمله أحمد وبعض أصحابنا علي نذر المعصية كمن نذر أن يشرب الخمر وحمله جماعة من فقهاء أصحاب الحديث علي جميع أنواع النذر وقالوا هو مخير في جميع النذورات بين الوفاء بما التزم وبين كفارة يمين والله أعلم". (¬2) أنخلع من مالي: أخرج منه، كما في رواية أبي داود (3321)، وفي هذه الرواية - وسندها حسن- قال له - صلى الله عليه وسلم -: "لا"، قال: فنصفه؟ قال: "لا"، قال: فثلثه؟ قال: "نعم"، قال: فإني سأمسك سهمي من خيبر. (¬3) زيادة من "أ"، وهي هامة، وبها حل الإشكال الذي في التعليق الآتي. (¬4) رواه البخاري (6690)، ومسلم (2769)، وأبو داود (3317). (¬5) وفي "أ": "وفي لفظ: قال له". (¬6) هذا اللفظ لأبي داود (3319)، وسنده صحيح. =

745 - عن ابنِ عبّاسٍ رضي الله عنه، قال: بينا النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - يخطبُ إذا هو برجُل قائم، فسألَ عنه؟ فقالوا: أبو إسرائيل؛ نذرَ أن يقُومَ في الشَّمسِ، ولا يَقعدَ، ولا يستظلَّ، ولا يتكلمَ، ويصومَ! فقال النبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "مُرْه فليتكلَّم، وليستظِلَّ، وليقعُدْ، وليُتِمَّ صومَه".خ (¬1). 746 - عن جابر بنِ عبد الله رضي الله عنهما؛ أنّ رجُلًا قامَ يومَ الفتحِ فقال: يا رسولَ الله! إنِّي نذرتُ إن فتحَ الله عليكَ مكَةَ أنْ أُصلِّي في بيتِ المقدسِ ركعتين؟ قال: "صَل هاهنا". ثم أعادَ عليه. قال: "صلِّ هاهنا". [قال] (¬2) ثم أعادَ عليه. قال: "فشأنُكَ" [د] (¬3) (¬4). ¬

_ = قلت: قول الحافظ عبد الغني: "وفي لفظ له ... "، هذه الرواية ليست في "الصغرى"، وليس هذا اللفظ في "الصحيحين"، كما أنه غير ظاهر إلى من يعود الضمير في لفظ "له"، والله أعلم. قلت: ومن الزيادة التي في "أ" علم أن المراد رواية أبي داود. والحمد لله علي توفيقه. (¬1) رواه البخاري (6704). قال الحافظ في "الفتح" (11/ 590): "في الحديث أن كل شيء يتأذى به الإنسان- ولو مآلا- مما لم يرد بمشروعيته كتاب أو سنة كالمشي حافيًا، والجلوس في الشمس، ليس هو من طاعة الله، فلا ينعقد به النذر؛ فإنه - صلى الله عليه وسلم - أمر أبا إسرائيل بإتمام الصوم دون غيره، وهو محمول علي أنه علم أنه لا يشق عليه، وأمره أن يقعد، ويتكلم، ويستظل". قال القرطبي في "المفهم" (4/ 615): "ومن أوضح الحجج في عدم وجوب الكفارة علي أن من نذر معصية، أو مالا طاعة فيه أنه لا تلزمه كفارة حديث أبي إسرائيل ... قال مالك: ولم أسمع أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمره بكفارة". (¬2) زيادة من "أ". (¬3) زيادة من "أ". (¬4) صحيح. رواه أبو داود (3305)، وانظر "البلوغ" (1394).

2 - باب القضاء

747 - عن عَمرو بنِ شُعيبٍ، عن أبيه (¬1)، عن جَدِّه؛ أنَّ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا نذرَ إلا فِيما يُبتغى به وجهُ الله، ولا يمينَ في قطيعةِ رحمٍ". د (¬2). 2 - باب القضاء 748) (372) - عن عائشةَ رضي الله عنها، قالت: قال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَن أحدَثَ في أمرنا هذا مَا ليسَ منه (¬3)، فهو رَدٌّ" (¬4). - وفي لفظٍ: "مَنْ عَمِلَ عَملًا ليس عليه أمرُنا، فهو ردٌّ" (¬5). ¬

_ (¬1) تقدمت ترجمة عمرو، وترجمة أبيه عند الحديث رقم (29). (¬2) حسن. رواه أبو داود (3273). (¬3) في "أ": "فيه"، وهي في بعض روايات البخاري. كما زاد ناسخ "أ" عقب هذه الرواية رمز "د"، والحديث وإن كان رواه أبو داود (4606) إلا أن ذكر علامة أبي داود هنا تنافي ما جاء عقب الحديث (751) من قول الحافظ عبد الغني رحمه الله: "متفق علي هذه الأحاديث". والله أعلم. (¬4) رواه البخاري (2697)، ومسلم (1718) (17). وقوله: "رد" معناه: مردود، وهو من إطلاق المصدر علي اسم المفعول، والمراد أنه باطل غير معتد به. وانظر التعليق التالي. (¬5) هذا اللفظ لمسلم (1718) (18). وعلقه البخاري في "صحيحه" بصيغة الجزم، فقال في كتاب الاعتصام: "باب إذا اجتهد العامل أو الحاكم، فأخطأ خلافَ الرسولِ من غير علم، فحكمه مردود؛ لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: من عمل عملًا ليس عليه أمرنا، فهو رد". هذا وقد أجاد النووي رحمه الله في كلامه- علي قلته- علي هذا الحديث، فقال: "هذا الحديث قاعدة عظيمة من قواعد الإسلام، وهو من جوامع كلمه - صلى الله عليه وسلم -؛ فإنه صريح في رد كل البدع والمخترعات، وفي الرواية الثانية، وهي أنه قد يعاند بعض الفاعلين في بدعة سبق إليها، فإذا احتج عليه بالرواية الأولى. يقول: أنا ما أحدثت شيئًا، فيُحتج عليه بالثانية التي فيها التصريح برد كل المحدثات، سواء أحدثها الفاعل، أو سبق بإحداثها. =

749 (373) - وعن عائشةَ رضي الله عنها قالتْ: دخلتْ هِنْدُ بنتُ عُتبه (¬1)؛ امرأةُ أبي سُفيان (¬2) علي رسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم -، فقالتْ: يا رسولَ الله! إنّ أبا سُفيان رجلٌ شَحِيحٌ (¬3) لا يُعطِيني مِن النَّفقةِ ما يكفِيني ويكْفِي بَنيَّ، إلا ما أخذتُ مِن مالِهِ بغيرِ علمِه، فهل عليَّ في ذلكَ من جُناحٍ؟ فقالَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "خُذي من مَالِهِ بالمعرُوفِ ما يكفِيكِ، ويكفِي بَنِيكِ" (¬4). 750) (374) - عن أمِّ سلَمة؛ أن رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - سمِعَ جلبةَ خصم (¬5) ببابِ حُجرتِهِ، فخرجَ إليهم، فقال: "ألا إنَّما أنا بشرٌ، وإنما ¬

_ = وفي هذا الحديث دليل لمن يقول من الأصوليين: أن النهي يقتضي الفساد، ومن قال: لا يقتضي الفساد، يقول: هذا خبر واحد، ولا يكفى في إثبات هذه القاعدة! وهذا جواب فاسد. وهذا الحديث مما ينبغي حفظه واستعماله في إبطال المنكرات، وإشاعة الاستدلال به". (¬1) هي: هند بنت عتبة بن ربيعة القرشية؛ والدة مُعاوية بن أبي سفيان، شهدت أحدًا- وهي كافرة- وفعلت بحمزة رضي الله عنه ما فعلت، ثم أسلمت يوم الفتح وبايعت، وماتت في خلافة عثمان رضي الله عنه. (¬2) هو: صخر بن حرب الأموي من أشراف قريش في الجاهلية، أسلم يوم الفتح، وقال - صلى الله عليه وسلم - ذاك اليوم: "من دخل دار أبي سفيان فهو آمن". مات في خلافة عثمان، ودفن بالبقيع. (¬3) أي: بخيل مع حرص. وفي رواية للبخاري (2460)، وهي لمسلم أيضًا: "مسِّيك"، وفي رواية لمسلم: "مُمْسك". (¬4) رواه البخاري (2211)، ومسلم- والسياق له- (1714) (7). (¬5) في رواية البخاري (7185): "جلبة خصام"، وفي بعض الروايات عنده بدل ذلك: "خصومة"، وفي رواية لمسلم: "لجبة"، بدل: "جلبة". و"الجلبة واللجبة": اختلاط الأصوات، و"الخصم": من الألفاظ التي تقع علي المفرد والجمع والمذكر والمؤنث، والمراد هنا: الجماعة. وهذه الحجرة كانت حجرة أم سلمة رضي الله عنها، =

يأتِيني الخصمُ، فلعلّ بعضَكم أن يكون أبلغَ من بعض، فأحسِبُ أنّه صَادِقٌ، فأقضِي له، فمَن قضيتُ له بحقِّ مُسلم، فإنَّما هي قِطْعةٌ مِن النَّارِ، فليحْمِلْها، أو يذَرْها" (¬1). 751 (375) - عن عبد الرحمن بنِ أبي بكرة (¬2) قال: كتبَ أبي- وكتبتُ له إلى ابنِهِ عُبيدِ الله بن أبي بكرة (¬3)، وهو قاضٍ بسِجِسْتان (¬4) -: أنْ لا تحكمَ بين اثنين وأنتَ غَضْبَانُ؛ فإنِّي سمعتُ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - يقولُ: "لا يَحكُمْ أحدٌ بينَ اثنينِ وهو غَضْبانُ" (¬5). - وفي روايةٍ: "لا يقضِينَّ حَكَمٌ بينَ اثنينِ وهو غَضْبانُ" (¬6). مُتَّفَقٌ عَلَى هذِه الأحاديث. 752 - عن عَمرو بنِ العاص رضي الله عنه؛ أنّه سمعَ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - ¬

_ = كما في إحدى روايات مسلم. (¬1) رواه البخاري (2458)، ومسلم- واللفظ له- (1713) (5). (¬2) وهو: بصري، تابعي، ثقة، مات سنة ست وتسعين، روى له الجماعة. (¬3) وهو: بصري، تابعي، ثقة، ولي قضاء البصرة، وأمرة سجستان، وكان أصغر من عبد الرحمن، مات سنة سبع وتسعين. وتحرف في "أ" إلى: "عبد الله .. ". (¬4) هي ناحية كبيرة، وولاية واسعة، وهي بلاد معروفة لكابل، جنوبي هراة، أرضها رملة سبخة، بها نخل كثير وتمر. (¬5) رواه مسلم (1717)، وليس عنده لفظ: "ابنه". وقال الحافظ في "الفتح" (13/ 137): "وقع في العمدة: كتب أبي وكتبت له إلى ابنه عبيد الله ... وهو موافق لسياق مسلم، إلا أنه زاد لفظ: ابنه". (¬6) رواه البخاري (7158).

يقولُ: "إذا حَكَمَ الحاكِمُ فاجتهدَ، ثم أصابَ فله أجرانِ، وإذا حكمَ فاجتهدَ، ثم أخطأَ فله أجرٌ". حْ م (¬1). 753 - عن عليٍّ رضي الله عنه، قال: قال لي رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "إذا تقَاضَى إليك رجُلانِ، فلا تقضِي للأوّلِ حتى تسمَعَ كلامَ الآخر، فسوفَ تَدرِي كيفَ تقضِي". قال عليٌّ: فما زِلتُ قاضيًا بعدُ. ت وقال: هذا حديِثٌ حسنٌ (¬2). 754 - عن مُعاذ بنِ جَبَلٍ رضي الله عنه؛ أنَّ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - بعثَه إلى اليمنِ، فقالَ: "كيفَ تقضِي؟ ". قال: أقضِي بما في كتابِ الله. قال: "فإنْ لم يكُن في كتابِ الله؟ ". قال: فَبِسنّة رسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم -. قال: "فإنْ لم يكُنْ في سنُّةِ رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم -؟ ". قال: اجتهدُ رأيي. قال: "الحمد لله الذي وفّقَ ¬

_ (¬1) رواه البخاري (7352)، ومسلم (1716). قال النووي: "قال العلماء: أجمع المسلمون علي أن هذا الحديث في حاكم عالم أهل للحكم، فإن أصاب فله أجران؛ أجر باجتهاده، وأجر بإصابته، وإن أخطأ فله أجر باجتهاده ... قالوا: فأما من ليس بأهل للحكم، فلا يحل له الحكم، فإن حكم فلا أجر له، بل هو آثم، ولا ينفذ حكمه، سواء وافق الحق أم لا؛ لأن إصابته اتفاقية، ليست صادرة عن أصل شرعي، فهو عاصٍ في جميع أحكامه، سواء وافق الصواب أم لا، وهي مردودة كلها، ولا يعذر في شيء من ذلك". أهـ. وقال الإمام الذهبي في "الكبائر" ص (54 بتحقيقي): "فرتب النبي - صلى الله عليه وسلم -له الأجر إذا اجتهد في الحكم، فأما إذا كان مقلدًا فيما يقضي به، فلا يدخل في الخبر. ويحرم علي القاضي أن يحكم، وهو غضبان، لا سيما من الخصم. وإذا اجتمع في القاضي قلة علم، وسوء قصد، وأخلاق زَعِرَةٌ، وقلة ورع، فقد تمت خسارته، ووجب عليه أن يعزل نفسه، ويبادر بالخلاص من النار".أهـ. (¬2) حسن. رواه الترمذي (1331)، وانظر "بلوغ المرام" (1402 بتحقيقي).

رسولَ رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم -". د ت (¬1). رواه شُعبةُ، عن أبي عون الثقفيّ؛ محمد بنِ عُبيد الله، عن الحارث ابنِ عمرو ابنِ أخي المغيرة بن شُعبة، عن رجالٍ من أهل حِمصَ عن مُعاذٍ. قال الترمذيُّ: لا نعرِفُه إلا مِن هذا الوجهِ (¬2)، والحارثُ مجهولٌ، والرجالُ مجهولُون (¬3). 755 - عن أبي هُريرة قال: قالَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ وَلِي القَضَاءَ أو جُعِلَ قَاضِيًا بين الناسِ، فقد ذُبِحَ بغيرِ سِكّينٍ". ت وقال: حديثٌ حسنٌ غرِيبٌ (¬4). 756 - وعن أنسٍ، عن النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قال: "مَن ابتغى القَضَاءَ، وسَألَ فيه شُفعاء، وُكِلَ إلى نفسِه، ومن أُكرِه عليه، أَنزَل الله [عز وجل] (¬5) عليه مَلَكًا يُسدّدُهُ". ت وقال: حدِيثٌ حسنٌ عرِيبٌ (¬6). 757 - عن عبد الله بنِ عَمرو بن العاص قال: لَعَنَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - الرَّاشِي والْمُرتشي. ت وقال: حدِيثٌ حسنُ صَحِيحٌ (¬7). ¬

_ (¬1) ضعيف. رواه أبو داود (3592 و 3593)، والترمذي (1327 و 1328). (¬2) زاد في "السنن": "وليس إسناده عندي بمتصل". (¬3) وانظر "الضعيفة" (881)، فإن فيها بحثًا نفيسًا حول هذا الحديث، والحكم بنكارته. (¬4) صحيح. رواه الترمذي (1325)، وانظر "البلوغ" (1384). (¬5) زيادة من "أ". (¬6) ضعيف. رواه الترمذي (1324)، وفي سنده عبد الأعلى الثعلبيّ، ضعّفه أحمدُ وأبو زرعة. (¬7) صحيح. رواه الترمذي (1337)، وانظر "البلوغ" (843 و 1397).

3 - باب الدعوى والبينة

3 - باب الدعوى والبينة 758 (376) - عن أبي بَكْرةَ رضي الله عنه، قال: قالَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "ألا أُنبِّئكم بأكبرِ الكَبَائِرِ؟ " ثلاثًا. قُلنا: بلى يا رسولَ الله! قالَ: "الإشْراكُ بالله، وعُقوقُ الوالدين". وكان مُتكئًا فجلسَ، فقال: "ألا وقولُ الزُّورِ، وشهادةُ الزُّورِ" (¬1)، فما زالَ يُكرِّرُها حتَّى قُلنا ليتَه سكتَ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ (¬2). 759 (377) - عن ابنِ عبَّاسٍ؛ أنَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - قال: "لو يُعطى النَّاسُ بدعوَاهُم، لادّعى ناسٌ دماءَ رجالٍ واموالَهم، ولكن اليمينُ علي المدَّعى عليه". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ (¬3). ¬

_ (¬1) انظر "الإحكام" (4/ 173)، و"الفتح" (5/ 263). (¬2) رواه البخاري (2654)، ومسلم (87). (¬3) هذا اللفظ لمسلم (1711)، ولفظ البخاري (4552) عن ابن أبي مليكة، أن امرأتين كانتا تخرزان في بيتٍ، أو في الحجرة، فخرجت إحداهما، وقد أنفذ بإشفى في كفِّها، فادعت علي الأخري، فرفع إلى ابن عباس، فقال ابن عباس: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لو يعطى الناس بدعواهم، لذهب دماء قوم وأموالهم"، ذكِّروها بالله، واقرؤوا عليها: {إن الذين يشترون بعهد الله ...}، فذكَّروها فاعترفت، فقال ابن عباس: قال النبي - صلى الله عليه وسلم - ـ: "اليمين علي المدعى عليه". قلت: وهذا الحديث في "الصغرى"، كما هو هنا في "الكبرى"، وكنت نقلت كلام ابن الملقن من "الإعلام" (ج 4/ ق 77/ أ) الذي قال فيه: "اللفظ الذي ساقه المصنف هو لفظ مسلم ... ولهذا لما ساقه المصنف في "عمدته الكبرى" باللفظ المذكور- أي: الذي في الصغرى- قال: رواه مسلم، والبخاري نحوه". وأقول الآن: هذه "الكبرى"- ولله الحمد والمنة- ولكن فيها: "متفق عليه"! فالله أعلم. وأزيد الآن فأقول: وجدت في النسخة "أ" ما ذكره ابن الملقن، ففيها: "م خ نحوه". فلله الحمد علي توفيقه، وأسأله المزيد من فضله.

760 - عن زيد بنِ خالد الجُهنيّ رضي الله عنه؛ أنَّ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "ألا أُخبركُم بخيرِ الشُّهداءِ؛ الذي يأتِي بشهادَتِهِ قبلَ أنْ يُسْأَلَها". م (¬1). 761 - عن ابنِ عباسٍ؛ أنَّ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم -؛ قضى بيمينٍ وشَاهِدٍ. م ت (¬2). 762 - عن عمرو بنِ شُعيبٍ، عن أبيه (¬3)، عن جَدِّه؛ أنَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - قال في خُطبته: "البيّنةُ علي المدَّعِي، واليمينُ علي المدَّعَى عليه". ت (¬4). ¬

_ (¬1) رواه مسلم (1719). (¬2) رواه مسلم (1712)، ولم يروه الترمذي من حديث ابن عباس، وإنما رواه أبو داود (3608)، وابن ماجه (2370)، والنسائي في "الكبرى" (3/ 490)، انظر "بلوغ المرام" للحافظ ابن حجر (1406 و 1407 بتحقيقي). (¬3) انظر ص (17). (¬4) ضعيف. رواه الترمذي (1341) وقال: "هذا حديث في إسناده مقال، ومحمد بن عبيد الله العرزمي يضعف في الحديث من قبل حفظه، ضعفه ابن المبارك وغيره". وضعفه أيضًا الحافظ ابن حجر في "التلخيص" (4/ 208). تنبيه: لكن صحّ من حديث ابن عباس مرفوعًا: "البينة علي المدَّعي، واليمين علي من أنكر"، رواه البيهقي (10/ 252) بإسناد صحيح، كما قال ابن حجر في "البلوغ" (1423) بتحقيقي.

17 - كتاب الأطعمة

17 - كتاب الأطعمة 763 (379) - عن أنسِ رضي الله عنه قال: أَنْفَجْنَا (¬1) أرنبًا بمرِّ الظَّهران (¬2)، فسعى القومُ، فَلَغبوا (¬3)، وأدركتُها فأخذْتُها، فأتيتُ بها أبا طلحةَ، فذبَحَها (¬4)، وبعثَ إلى رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - بوَرِكِها وفَخِذَيها، فقَبِلَه (¬5). ¬

_ (¬1) يعني: أثرنا. (¬2) هو موضع على بريد من مكة، وقيل: على أحد عشر ميلًا. وقيل: على ستة عشر ميلًا، وقال الحافظ في "الفتح" (9/ 662): "وهو المكان الذي تسميه عوام المصريين: "بطن مرو"، والصواب: "مرّ" بتشديد الراء". (¬3) فسرها المصنف في "الصغرى" بـ: "أعيوا". (¬4) وفي "مسند الطيالسي": (2066): "فذبحتها بمروة"، وزاد أبو داود في "سننه" (3791): "فشويتها". قلت: و"مروة" مفرد "مرو"، وهو الحجر الأبيض الرقيق يذبح به. (¬5) رواه البخاري (5535، وانظر رقم 2572)، ومسلم (1953)، وقوله: "فأخذتها" هو للبخاري. وقوله: "بوركها وفخذيها" هو لفظ مسلم، وأما البخاري فعنده: "بوركها- رواية: بوركيها- أو فخذيها"، وزاد البخاري في رواية: "قلت: وأكل منه؟ قال: وأكل منه. ثم قال بعدُ: قَبلَهُ". وزاد المصنف- رحمه الله- في "الصغرى" قبل هذا الحديث حديثًا واحدًا، وهو: 378 - عن النُعمان بن بَشير رضي الله عنه قال: سمعتُ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - يقولُ- وأهوى النعمانُ بإصبعيه إلى أُذنيه-: "إن الحلالَ بيِّن، وإن الحرامَ بيِّنٌ، وبينهما مُشتبِهاتٌ، لا يعلمُهن كثيرٌ من الناس، فمن اتقى الشتبهاتِ استبرأ لدِينه وعِرضِه، ومَن وقعَ في الشُّبهاتِ وقعَ في الحرام، كالرَّاعي يرعى حولَ الحمى يُوشك أن يرتعَ فيه، ألا إن لكلِّ ملك حمى، ألا إن حمَى الله محارمُه، ألا وإن في الجسدِ مُضغةً إذا صلَحتْ صلَح الجسدُ كلُّه، وإذا فسدتْ فسدَ الجسدُ كلُّه، ألا وهي القلبُ".=

764 (385) - عن أسماءَ بنتِ أبي بكرٍ قالتْ: نحرْنَا (¬1) على عهدِ رسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - فرسًا، فأكَلْناه (¬2). - وفي ووايةٍ: ونحنُ بالمدينةِ (¬3). 765 (381) - وعن جابر بنِ عبد الله رضي الله عنهما؛ أنَّ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - نهى عن لُحُومِ الحُمُرِ الأهليّة، وأَذِنَ في لُحُومِ الخيل (¬4). ¬

_ = (رواه البخاري: 52. ومسلم: 1599). (¬1) وفي رواية أخرى للبخاري: "ذبحنا"، وجمع بينهما بعض أهل العلم كالنووي وابن الملقن وغيرهما على واقعتين مختلفتين. وأما ابن حجر فرد الاختلاف إلى هشام بن عروة - أحد رواة الحديث- فقال (9/ 642): "هذا الاختلاف عن هشام، وفيه إشعار بأنه كان تارة يرويه بلفظ: "ذبحنا"، وتارة بلفظ: "نحرنا"، وهو مصير منه إلى استواء اللفظين في المعنى، وأن النحر يطلق عليه ذبح، والذبح يطلق عليه نحر، ولا يتعين مع هذا الاختلاف ما هو الحقيقة في ذلك من المجاز، إلا إن رجح أحد الطريقين، وأما أنه يستفاد من هذا الاختلاف جواز نحر المذبوح وذبح المنحور- وكما قاله بعض الشراح- فبعيد؛ لأنه يستلزم أن يكون الأمر في ذلك وقع مرتين، والأصل عدم التعدد مع اتحاد المخرج". وقال أيضًا (9/ 649): "والمستفاد من ذلك جواز الأمرين عندهم، وقيام أحدهما في التذكية مقام الآخر، وإلا لما ساغ لهم الإتيان بهذا موضع هذا، وأما الذي وقع بعينه فلا يتحرر؛ لوقوع التساوي بين الرواة المختلفين في ذلك". (¬2) رواه البخاري (5519)، ومسلم (1942). (¬3) رواه البخاري (5511)، وفي روايته هذه: "ذبحنا لا، بدل: "نحرنا". (¬4) رواه البخاري (5524)، ومسلم (1941)، ولفظ: "الأهلية" من زيادات مسلم، وعندهما أن النهي كان يوم خيبر. وعند البخاري: "رخص"، بدل: "أذن".

- ولمسلمٍ وحدَه، قالَ: أكَلْنا زمنَ خيبرَ (¬1) الخيلَ، وحُمُرَ الوحشِ، ونهى النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - عن الحمارِ الأهلي (¬2). 766 (382) - عن عبد الله بنِ أبي أَوْفى قال: أصابتنا مَجاعةٌ ليالي خيبرَ، فلمّا كانَ يومُ خيبرَ وقَعْنَا في الحُمُرِ الأهليّة، فانتحرْنَاها، فلمّا غَلَتْ بها القدورُ، نادى مُنادِي رسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم -: أن أَكْفِئُوا (¬3) القُدورَ، ولا تأكُلُوا مِن لُحومِ الحُمُرِ شيئًا (¬4). 767 (384) - عن ابنِ عبّاسٍ رضي الله عنه قال: دخلتُ أنا وخالد بنُ الوليد مع رسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - بيتَ ميمونةَ (¬5) فأُتِي بضَبٍّ مَحْنُوذ (¬6) فأهوى إليه رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - بيدِه. فقال بعضُ النِّسوةِ اللاتي في بيتِ ميمونةَ: أخبِرُوا رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - بما يريدُ أنْ يأكلَ (¬7)، فرفعَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - ¬

_ (¬1) تقدم بيانها عند الحديث رقم (567). (¬2) رواه مسلم (1941) (37)، وعنده: "ونهانا لا، بدل: "ونهى". (¬3) يجوز في هذه الكلمة تسهيل الهمزة وفتح الفاء: "اكْفَؤُا"، كما يجوز بهمزة قطع وفاء مكسورة. (¬4) رواه البخارى (3155)، ومسلم (1937). (¬5) زاد البخاري (5391)، ومسلم: "وهي خالته، وخالة ابن عباس". (¬6) زاد البخاري ومسلم- في رواية لهما-: "قد قدمت به أختها حُفَيْدة بنت الحارث من نجدٍ، فقدَّمتِ الضبَّ لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وكان قلما يقدم يده لطعام حتى يحدثَ به، ويُسمى له". وقال المصنف في "الصغرى": "المحنوذ: المشوى بالرضف، وهي الحجارة المحماة". (¬7) زاد البخاري: "فقالوا: هو ضب يا رسول الله". ولمسلم نحوه، وفي رواية للبخاري: "فقالت امرأة من النسوة الحضور: أخبرن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما قدمتن له، هو الضب يا رسول الله" وهي أيضًا لمسلم. =

يدَه. فقلتُ: أحرامٌ هو يا رسولَ الله؟ فقال: "لا. ولكنَّه لم يكُن بأرضِ قومي، فأجدُني أعافُه". قال خالدٌ: فاجتررتُه فأكلتُه، ورسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - ينظرُ (¬1). مُتَّفَقٌ عَلَى هذه الأحاديث. 768 (385) - عن عبد الله بن أبي أوفى قال: غَزَوْنا مع رسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم- سبع غزواتٍ، نأكلُ الجراد (¬2). وفي روايةٍ: ستّ. مُتَّفَقٌ عَلَيه (¬3). 769 (386) - عن زَهْدَم بنِ مُضرِّب الجرمي (¬4) قال: كنا عند أبي ¬

_ = وذهب الحافظ ابن حجر- رحمه الله- إلى أن المرأة هي أم المؤمنين ميمونة رضي الله عنها؛ بدليل ما عند مسلم (1948) قال ابن عباس: "بينما رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عند ميمونة وعنده الفضل بن عباس وخالد بن الوليد وامرأة أخرى، إذ قرب إليهم خوان عليه لحم، فلما أراد النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يأكل، قالت له ميمونة: إنه لحم ضب، فكف يده". (¬1) رواه البخاري (5537)، ومسلم- واللفظ له- (1945). (¬2) "الجراد" معروف، والمفرد: "جرادة"، الذكر والأنثى في ذلك سواء، وهو أصناف مختلفة؛ منه الكبير والصغير، ومنه الأحمر، والأصفر، والأبيض، ومنه الطيار والوثاب، ومنه البري والبحري، وهو إذا خرج من البيض قيل له: الدبي، فإذا طلعت أجنحته وكبر فهو الغوغاء، فإذا بدت فيه الألوان واصفرت الذكور واسودت الإناث فهو الجراد. وقال القاضي الشهرزورى في وصفه: لها فخذا بكر وساقا نعامة ... وقادمتا نسر وجؤجؤ ضيغم حبتها أفاعي الأرض بطنًا وأنعمت ... عليها جياد الخيل بالرأس والفم (¬3) رواه البخاري (5495)، ومسلم- واللفظ له- (1952). وفي رواية لمسلم: "ست أو سبع" على الشك، ورواية البخاري: " ... سبع غزوات أو ستًا، كنا نأكل معه الجراد". (¬4) تابعي، بصري، ثقة، روى له الشيخان، والترمذي، والنسائي.

مُوسى، فدعى بِمَائدتِهِ وعليها لحمُ دَجَاجٍ (¬1)، فدخل رجلٌ مِن بني تيم الله أحمرُ شَبِيهٌ بالموالي. فقال له: هلمّ. فتلكّأ. فقال له: هلُمّ؛ فإنِّي قد رأيتُ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - يأكلُ منه ... وذكرَ الحدِيثَ. مُتَفَقٌ عَلَيْهِ (¬2). 770 - عن عبد الرحمن بنِ أبي عمّار (¬3) قال: قلتُ لجابرٍ: الضّبعُ أصيدٌ هي؟ قال: نعم. قلتُ: آكلُها. قال: نعم. قال: قلتُ: أقالَهُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ قال: نعم (¬4). د ولفظه: سألتُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: عن الضَّبع؟ فقال: "صَيْدٌ هُو، ويُجعلُ فيه كبشٌ إذا صادَه المحرِمُ" (¬5). د س ت حسنٌ صحِيحٌ. ¬

_ (¬1) الدجاج: بتثليث الدال، واحدته: "دجاجة"، الذكر والأنثى فيه سواء. (¬2) رواه البخاري (6721)، ومسلم (1649) (9)، وتقدم طرف منه برقم (730). وزاد المصنف- رحمه الله- في "الصغرى" حديثًا واحدًا، وهو: 387 - عن ابن عباس رضي الله عنهما، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إذا أكلَ أحدُكم طَعامًا، فلا يمسحْ يدَه حتى يَلْعَقَهَا، أو يُلْعِقَهَا". (رواه البخاري: 5456، ومسلم: 2531). (¬3) هو: عبد الرحمن بن عبد الله بن أبي عمار، مكي، ثقة، عابد كان يلقب بالقس لعبادته، روى له الجماعة سوى البخاري. (¬4) صحيح. وهذا اللفظ للترمذى (851)، وابن ماجه (3236)، وللنسائي (5/ 191) نحوه وانظر "بلوغ المرام" (1325 بتحقيقي). وقال الشافعي- رحمه الله- في "الأم" (2/ 249): "ولحوم الضباع تباع عندنا بمكة بن الصفا والمروة، لا أحفظ عن أحد من أصحابنا خلافًا في إحلالها، وفي مسألة ابن أبي عمار جابرًا- ثم ذكر الحديث- دليل على أن الصيد الذي نهى الله تعالى المحرم عن قتله ما كان يحل أكله من الصيد وأنهم إنما يقتلون الصيد ليأكلوه، لا عبثًا بقتله". (¬5) هذا لفظ أبى داود (3801).

771 - عن ابنِ عُمر قال: نهى رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - عن أكل الجلالةِ، وألْبَانِها. د ت حسنٌ غرِيبٌ (¬1). 772 - عن أبي هُريرة رضي الله عنه؛ أنَّ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - حَرَّمَ يومَ خيبرَ كُلَّ ذي نابٍ من السِّباعِ، والْمُجَثَّمة، والحِمَار الإنسيّ. ت وقال: حدِيثٌ حسنٌ صَحِيح (¬2). ¬

_ (¬1) صحيح بشواهده. رواه أبو داود (3785)، والترمذى (1824). والجلالة من الحيوان: هي التي تأكل العذرة. والجلة: البعر، فوضع موضع العذرة، يقال: جلت الدابة الجلة، واجتلتها، فهي جالة وجلالة إذا التقطتها. قاله في "النهاية" (1/ 288). (¬2) صحيح بشواهده. وهذا رواه الترمذي (1795) من طريق محمد بن عمرو، عن أبي سلمة عن أبي هريرة به. وهذا إسناد حسن. وسيأتي له شاهد برقم (774). و"المجثمة": هي كل حيوان ينصب ويرمى ليقتل، إلا أنها تكثر في الطير والأرانب وأشباه ذلك مما يجثم في الارض. أي: يلزمها ويلتصق بها، وجثم الطائر جثومًا، وهو بمنزلة البروك للإبل". قاله ابن الأثير. وقال ابن حجر: "فإذا ماتت من ذلك لم يحل أكلها، فلو جثمت بنفسها فهي جاثمة ومجثمة- بكسر المثلثة- وتلك إذا صيدت على تلك الحالة فذبحت جاز أكلها، وإن رميت فماتت لم يجز؛ لأنها تصير موقوذة". ومن الغرائب ما جاء في "معجم الادباء" (1/ 260): "زعموا أن أبا العباس المبرد ورد الدينور؛ زائرًا لعيسى بن ماهان، فأول ما دخل عليه، وقضى سلامه، قال له عيسى: أيها الشيخ! ما الشاة المجثمة التي نهى النبي - صلى الله عليه وسلم - عن أكل لحمها؟ فقال: هي الشاة القليلة اللبن مثل اللجبة، فقال: هل من شاهد؟ قال: نعم. قول الراجز لم يبق من آل الحميد نسمهْ ... إلا عنيز لجبة مجثمهْ فإذا بالحاجب يستأذن لأبي حنيفة الدينوري، فلما دخل قال له: أيها الشيخ! ما الشاة المجثمة التي نهينا عن أكل لحمها؟ فقال: هي التي جثمت على ركبها، وذبحت من خلف قفاها. فقال: كيف تقول؟ وهذا شيخ أهل العراق - يعني: أبا العباس المبرد - يقول: هي مثل اللجبة، وهي القليلة =

773 - عن سَفِينةَ (¬1) قال: أكلتُ مع رسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - لحمَ حُبَارى. د ت وقال: حدِيثٌ غرِيب (¬2). 774 - عن عمرو بنِ شُعيب، عن أبيه (¬3)، عن جدّد قال: نهى رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - يومَ خيبرَ عن لُحومِ الحمُرِ الأهليّة، وعن الجلالةِ؛ عن رُكُوبِها، وأكل لَحْمِهَا. د (¬4). ¬

_ = اللبن، وأنشده البيتين؟ فقال أبو حنيفة: أيمان البيعة تلزم أبا حنيفة! إن كان هذا التفسير سمعه هذا الشيخ أو قرأه، وإن كان البيتان إلا لساعتهما هذه. فقال أبو العباس: صدق الشيخ أبو حنيفة؛ فإنني أنِفت أن أردَ عليك من العراق، وذكري ما قد شاع فأول ما تسألني عنه لا أعرفه، فاستحسن منه هذا الإقرار، وتَرْكَ البَهْتِ". (¬1) انظر ترجمته- رضي الله عنه- عند الحديث رقم (43). (¬2) ضعيف. رواه أبو داود (3797)، والترمذي (1828)، قال الحافظ ابن حجر في "التلخيص" (4/ 154): "إسناده ضعيف" ضعفه العقيلي وابن حبان". قلت: رواه ابن حبان في "المجروحين" (1/ 111)، والعقيلي في "الضعفاء الكبير" (1/ 167 - 168)، وفي سنده بريه- تصغير إبراهيم- بن عمر بن سفينة، قال عنه ابن حبان: "يخالف الثقات في الروايات، ويروي عن أبيه مالا يتابع عليه من رواية الأثبات، فلا يحل الاحتجاج بخبره بحال". وأما العقيلي فقال: "لا يتابع على حديثه، ولا يعرف إلا به". قلت: "والحبارى": بضم الحاء المهملة وفتح الباء الموحدة، اسم جنس يقع على الذكر والأنثى والمفرد والجمع، وهو طائر معروف. (¬3) انظر الحديث رقم (29). (¬4) صحيح بشواهده. وهذا رواه أبو داود (3811) بسند حسن، وهو أحد شواهد الحديث السابق (771).

775 - عن ابنِ عبّاس قال: نهى النبيُّ (¬1) - صلى الله عليه وسلم - عن كُلِّ ذِي نابٍ من السِّباع، وعن كُلِّ ذِي مِخْلَبٍ من الطيرِ. م د (¬2). 776 - وعن أبي ثَعلبة الخُشَني قال: نهى رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - عن أَكْل كُلِّ ذي نابٍ من السِّباعِ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ (¬3). 777) (383) - وعنه، قال: حَرَّم رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - لُحومَ الحمُر الأهليّة. مُتَّفَقٌ عَليهِ (¬4). د (¬5). 778 - عن المقدام بنِ معدي كرِب، عن رسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم -[قال] (¬6): "ألا لا يَحِلُّ ذُو نابٍ من اَلسِّباع، ولا الحِمَارُ الأهليُّ، ولا اللُّقَطةُ من مالِ مُعاهد إلا أن يستغنِي عنها، وأيما رجُلٍ أضافَ قومًا، فلم يَقْرُوه، فإنّ له أنْ يُعْقِبَهم بمثلِ قِرَاه". د (¬7). 779 - عن أبي واقدٍ الليثيّ قال: قدِمَ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - المدينةَ، وهم يَجُبُّونَ أسنمةَ الإبل، ويقطعُون أَلْيَاتِ الغنمِ. فقال: "ما قُطعَ من ¬

_ (¬1) في "أ": "رسول الله". (¬2) رواه مسلم- واللفظ له- (1934)، وأبو داود (3803 و 3805) وله: "أكل كل ذي ... ". وفي الرواية الثانية: "يوم خيبر". (¬3) رواه البخاري (5530)، ومسلم (1932). (¬4) رواه البخاري (5527)، ومسلم (1936). (¬5) كذا الأصل، والحديث ليس في سنن أبي داود. والله أعلم. ولعل حذفه هو الصواب؛ لأنه لم يذكر في "أ". (¬6) زيادة من "أ". (¬7) صحيح. رواه أبو داود (3804).

1 - باب الصيد

البَهِيمَةِ- وهي حيَّة- فهو مَيْتةٌ" [د مختصر] (¬1) ت حدِيثٌ حسنٌ غريبٌ (¬2). 1 - باب الصيد 780 (388) - عن أبي ثعلبةَ الخُشَني [رضي الله عنه] (¬3) قال: أتيتُ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - فقلتُ: يا رسولَ الله! إنّا بأرضِ قومٍ؛ أهل كتابٍ، أفنأكُلُ في آنيتِهم؟ وبأرض أَصِيدُ بقوسِي، وبكلْبِي الذي ليسَ بمعلَّم، وبكلْبِي المُعلَّم، فما يصلحُ لي؟ قال: "أمّا ما ذكرتَ- يعني: من آنيةِ أهل الكِتابِ- فإن وجدتُم غيرَها فلا تأكُلُوا فِيها، وإنْ لم تَجِدُوا فاغسِلُوها، وكُلُوا فِيها، وما صِدْتَ بقَوْسِكَ، فذكرتَ اسمَ الله عليه فكُل، وما صِدْتَ بكلْبِكَ غيرِ مُعلَّمٍ فأدركتَ ذَكَاتَه فكُلْ" (¬4). 781 (389) - عن همّام بنِ الحارثِ (¬5)، عن عَدِيّ بن حاتمٍ رضي الله عنه قال: قلتُ: يا رسولَ الله! إنِّي أُرسِلُ الكلابَ المعلَّمَةَ، فيُمْسِكنَ عليَّ، وأذكرُ اسمَ الله؟ فقال: "إذا أرسلتَ كَلبَكَ المعلَّم، وذكرتَ اسمَ الله ¬

_ (¬1) زيادة من "أ". (¬2) حسن. رواه أبو داود (2858) مقتصرًا على المرفوع، ورواه الترمذي (1480) بتمامه، وانظر "بلوغ المرام " (15 بتحقيقي). (¬3) زيادة من "أ". (¬4) رواه البخاري (5496)، ومسلم (1930). (¬5) تقدمت ترجمته عند الحديث رقم (232).

فكُلْ ما أمسكَ عليك". قلتُ: وإن قَتَلْنَ؟ قال: "وإنْ قَتَلْنَ، ما لم يَشرَكْها كَلْبٌ ليسَ معها". قلتُ له: فإنِّي أرمي بالْمِغراضِ (¬1) الصيدَ، فأَصِيدُ (¬2)؟. فقال: "إذا رَمَيْتَ بالْمِعْرَاضِ فَخَزَقَ فكُلهُ، وإنْ أصابَهُ بعَرْضٍ فلا تأكُلْهُ" (¬3) - وحديثُ الشَّعْبِي (¬4)، عن عَدِي نحوُه، وفيه: "إلا أنْ يأكُلَ الكلبُ، فإنْ أكلَ فلا تأكُلْ؛ فإنِّى أخافُ أنْ يكونَ إنَّما أمسكَ على نَفْسِهِ، وإنْ خَالَطَها كِلابٌ مِن عْيرِها فلا تأكُلْ" (¬5). "فإنَّما سَمَّيتَ على كَلْبِكَ، ولم تُسمَ على غيرِه" (¬6). وفيه: "إذا أَرْسَلتَ كلبَكَ الْمُكَلّبَ، فاذكُرِ اسمَ الله، فإنْ أمسكَ عليكَ، فأدركْتَه حيًّا، فاذْبَحْهُ، وإنْ أدرَكْتَه قد قَتلَ، ولم يأكُل منه فكُلْه (¬7)؛ فإنّ أَخْذَ الكلبِ ذَكَاة" (¬8). ¬

_ (¬1) اختلف في تعريفه، وإن اتفقوا على أنه يصيب بعرضه لا بحده، وقول الخليل بن أحمد: "هو سهم لا ريش له، ولا نصل". انظر "الفتح" (9/ 600). (¬2) كذا الأصل، وفي "أ"، وصحيح مسلم: "فأصيب". (¬3) رواه البخاري (5477)، ومسلم- واللفظ له - (1929) (1). (¬4) هو: عامر بن شراحيل، تقدمت ترجمته عند الحديث رقم (302). (¬5) رواه البخاري (5483)، ومسلم (1929) (2). (¬6) هذه الجملة للبخاري (5486)، ولمسلم (1929) (3). (¬7) هذه الرواية لمسلم (1929) (6)، ولكن ليس عنده لفظ: "المكلّب"، وإنما هذه اللفظة لأحمد في "المسند" (4/ 195)، والترمذي (1797) ومن حديث أبي ثعلبة الخشني، وليست من حديث عدي بن حاتم. و"المكلب": المعلم الصيد. (¬8) وهذه الجملة للبخاري (5475)، ولمسلم (1929) (4) بلفظ: "فإن ذكاته أخذه".

وفيه أيضًا: "إذا رَمَيْتَ بسهمِكَ، فاذكُرِ اسمَ الله" (¬1). وفيه: "فإن غابَ عنك يومًا أو يومي- وفي روايةٍ: اليومين والثلاثة- فلم تجدْ فيه إلا أثر سهمِكَ، فكُلْ إنْ شِئْتَ، وإنْ وجدتَه غَرِيقًا في الماءِ، فلا تأكُل؛ فإنَّك لا تدرِي الماءُ قتلَه أو سهمُك" (¬2). 782 (390) - عن سالم (¬3)، عن عبد الله بن عمر- رضي الله عنهما (¬4) - قال: سمِعتُ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - يقولُ: "مَنِ اقتنى كلبًا- إلا كَلْبَ صيدٍ، أو مَاشِيَةٍ - فإنّه يَنْقُصُ مِن أجرِه كلَّ يومٍ قِيراطان" (¬5). قال سالِمٌ: وكان أبو هريرة يقولُ: "أو كلب حرثٍ"، وكانَ صاحِب حرثٍ (¬6). هذه الأحاديث مُتَّفَقٌ عَلَيْها (¬7). ¬

_ (¬1) بهذا اللفظ رواه الترمذي (1469)، وهو لمسلم (1929) (6) بلفظ: "إن رميت سهمك". (¬2) هذه الرواية ملفقة من روايتين في مسلم (1929) (6 و 7) بلفظ: "فإن غاب عنك يومًا، فلم تجد فيه ... ". وأما قوله "يومًا أو يومين"، فليست في مسلم، ولكنها إحدى روايات البخاري (5484). وقوله: "وفى رواية: اليومين والثلاثة"، فهي أيضًا رواية للبخاري (5485) معلقة بصيغة الجزم. (¬3) تقدمت ترجمته عند الحديث رقم (355). (¬4) تحرف في الأصل إلى: "عن سالم، عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، عن أبيه"، والمثبت من "أ"، وهو- كذلك- على الصواب في "الصغرى". (¬5) رواه البخاري (5481)، ومسلم (1574) (51). (¬6) رواه مسلم (1574) (54). وروى مسلم أيضًا، قال عبد الله: وقال أبو هريرة: "أو كلبَ حرثٍ". (¬7) في "أ": "متفق على جميع الباب".

2 - باب الذكاة

2 - باب الذكاة 783 (391) - عن رافع بنِ خَدِيجٍ رضي الله عنه قال: كُنَّا مع النبيِّ - صَلَّى الله عليه وسلم - بذِي الْحُليفَةَ من تِهامةَ (¬1)، فأصابَ النَّاسَ جوعٌ، فأصَابُوا إِبلًا وغنمًا، وكان النبيُّ - صَلَّى الله عليه وسلم - في أُخريات القوم، فَعَجِلُوا، وذبَحُوا، ونصَبُوا القُدورَ، فأمرَ النبيُّ - صَلَّى الله عليه وسلم - بالقُدُورِ فأُكْفِئَتْ (¬2)، ثم قَسَمَ، فعدلَ عشرةً من الغنمِ ببعيرٍ، فندَّ (¬3) مِنها بعِيرٌ، فطلبُوه، فأعياهُم- فكانَ (¬4) في القومِ خيلٌ يسيرةٌ - فأهوى رجلٌ منهم بسهمٍ، فحبسه الله. ¬

_ (¬1) "ذو الحليفة" قال النووى (13/ 135): "مكان من تهامة بين حاذة وذات عرق، وليست بذي الحليفة؛ التي هي ميقات أهل المدينة، هكذا ذكره الحازمي في كتاب: "المؤتلف في أسماء الأماكن"، لكنه قال: "الحليفة" من غير لفظ: "ذي"، والذي في "الصحيحين": "بذي الحليفة"، فكأنه يقال لوجهين". و"تهامة" قال ابن الملقن في الإعلام" (ج 4/ ق 96/ ب): "بكسر التاء اسم لكل ما نزل عن نجد من بلاد الحجاز، سميت بذلك من التَّهَم، وهو شدة الحر وركود الريح. قاله ابن فارس، وقال صاحب "المطالع": لتغير هوائها". (¬2) واختلف في السبب، ولعل أرجحها أنهم كانوا قد انتهبوها من المغانم قبل أن تقسم، وهو اختيار البخاري في "صحيحه" (9/ 672/ فتح) إذ قال: "باب إذا أصاب قوم غنيمة، فذبح بعضهم غنمًا وإبلًا بغير أمر أصحابهم، لم تؤكل؛ لحديث رافع عن النبي - صَلَّى الله عليه وسلم -". وأيضًا يدل عليه ما رواه أبو داود (2705) بسند صحيح عن رجل من الأنصار قال: خرجنا مع رسول الله - صَلَّى الله عليه وسلم - في سفر، فأصاب النَّاس حاجة شديدة وجهد، وأصابوا غنمًا فانتهبوها، فإن قدورنا لتغلي، إذ جاء رسول الله - صَلَّى الله عليه وسلم - يمشي على قوسه، فأكفأ قدورنا بقوسه، ثم جعل يُرَمل اللحم بالتراب، ثم قال: "إن النهبة ليست بأحل من الميتة- أو-: إن الميتة ليست بأحل من النهبة". (¬3) يعني: هرب وشرد. (¬4) في "أ": "وكان".

فقال: "إنَّ لهذِه البهائم أِوابدَ كأوابدِ (¬1) الوحش، فما غلبَكُم منها فاصْنعُوا به هكذا". قال قلتُ: يا رسول الله! إن لاقُو العدوَّ غدًا، وليست معنا مُدًى (¬2) أفنذبَحُ بالقَصَبِ (¬3)؟ قال: "ما أنهرَ الدَّمَ، وذُكِر اسمُ الله عليه، فكُلُوه؛ ليسَ السِّنَّ والظُّفْرَ، وسأحدّثكم عن ذلِكَ؛ أما السِّنُّ: فعَظْمٌ. وأمَّا الظُّفْرُ: فمُدى الحبشةِ". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ (¬4). 784 - عن كعب بنِ مَالكٍ؛ أنَّه كانتْ لهم غنمٌ ترعى بسَلْع (¬5)، فأبصرتْ جارِية لنا بشاةٍ من غَنَمِنا مَوْتًا، فكسرتْ حجرًا، فذَبَحَتْهاَ به، فقال لهم: لا تأكُلُوا حتَّى أسأل النبيَّ - صَلَّى الله عليه وسلم -، أو أُرسِلَ إليه مَنْ يسأَلُه، وأنَّه سأل النبيَّ - صَلَّى الله عليه وسلم - عن ذلك، أو أرسلَ. فأمرَه بأكلِهَا. خ (¬6). ¬

_ (¬1) قال المصنف في "الصغرى": "الأوابد: التي قد توحشت، ونفرت من الإنس. يقال: أبدت تأبد أبودًا". (¬2) جمع مدية: وهي السكين. (¬3) هو كل نبات كانت ساقه أنابيب وكعوبًا. (¬4) رواه البخاري (2488) مع تفاوت يسير في بعض الألفاظ، ورواه مسلم- بنحوه- (1968). (¬5) بفتح أوله وسكون ثانيه: جبل بالمدينة. (¬6) رواه البخاري (2304)، وزاد: "قال عبيد الله: فيعجبني أنها أمة، وأنها ذبحت". قال الحافظ في "الفتح" (9/ 633): "فيه جواز أكل ما ذبحته المرأة، سواء كانت حرة أو أمة، كبيرة أو صغيرة، مسلمة أو كتابية، طاهرًا أو غير طاهر؛ لأنَّه - صلَّى الله عليه وسلم - مر بأكل ما ذبحته ولم يستفصل، نص على ذلك الشَّافعي، وهو قول الجمهور".

785 - عن أبي سعيدٍ، عن النبي - صَلَّى الله عليه وسلم - قال: "ذكاةُ الجَنينِ ذكاةُ أُمِّه" (¬1). ت وقال: حدِيثٌ حسنٌ (¬2). ¬

_ (¬1) قال ابن الأثير في "النهاية" (2/ 164): "يروى هذا الحديث بالرفع والنصب، فمن رَفَعَه جعله خبر المبتدأ الذي هو ذكاة الجنين، فتكون ذكاة الأم هي ذكاة الجنين، فلا يحتاجُ إلى ذبح مستأنفٍ، ومن نصب كان التقدير ذكاة الجنين كذكاة أمه، فلما حذف الجار نصب، أو على تقدير يذكي تذكية مثل ذكاة أمه، فحذف المصدر وصفته وأقام المضاف إليه مقامه، فلا بد عنده من ذبح الجنين إذا خرج حيًا. ومنهم من يرويه بنصب الذكاتين: أي ذكُّوا الجنين ذكاة أمه". وقال ابن القيِّم في "تهذيب السنن" (4/ 119 - 121): "وقوله في بعض ألفاظه: "فإن ذكاته ذكاة أمه"، ممَّا يبطل تأويل من رواه بالنصب، وقال ذكاة الجنين كذكاة أمه. وهذا باطل من وجوه: أحدها: أن سياق الحديث يبطله، فإنهم سألوا النبي - صَلَّى الله عليه وسلم - عن الجنين الذي يوجد في بطن الشَّاة: أيأكلونه أم يلقونه؟ فأفتاهم بأكله، ورفع عنهم ما توهموه من كونه ميتة: بأنَّ ذكاة أمه ذكاة له، لأنَّه جزء من أجزائها، كيدها وكبدها ورأسها، وأجزاء المذبوح لا تفتقر إلى ذكاة مستقلة. والحمل ما دام جنينًا فهو كالجزء منها، لا ينفرد بحكم، فإذا ذكيت الأم أتت الذكاة على جميع أجزائها التي من جملتها الجنين، فهذا هو القياس الجلي، لو لم يكن في المسألة نص. الثاني: أن الجواب لا بد وأن يقع عن السؤال، والصحابة لم يسألوا عن كيفية ذكاته، ليكون قوله "ذكاته كذكاة أمه" جوابًا لهم، وإنَّما سألوا عن أكل الجنين الذي يجدونه بعد الذبح، فأفتاهم بأكله حلالًا بجريان ذكاة أمه عليه، وأنه لا يحتاج إلى أن ينفرد بالذكاة. الثالث: أن أصحاب رسول الله - صَلَّى الله عليه وسلم - أعظم الخلق فهمًا لمراده بكلامه، وقد فهموا من هذا الحديث اكتفاءهم بذكاة الأم عن ذكاة الجنين، وأنه لا يحتاج أن ينفرد بذكاة بل يؤكل. قال عبد الله بن كعب ابن مالك "كان أصحاب رسول الله - صَلَّى الله عليه وسلم - يقولون: إذا أشعر الجنين فذكاته ذكاة أمه" وهذا إشارة إلى جميعهم. قال ابن المنذر: كان النَّاس على إباحته، لا نعلم أحدًا منهم خالف ما قالوه، إلى أن جاء النعمان، فقال: لا يحل، لأنَّ ذكاة نفس لا تكون ذكاة نفسين. الرابع: أن الشريعة قد استقرت على أن الذكاة تختلف بالقدرة والعجز، فذكاة الصيد الممتنع: = (¬2) صحيح بشواهده. وإن كان عند الترمذي (1476) بسند ضعيف. -[468]- = لكن رواه أحمد (3/ 39)، وابن حبان (1077) بسند حسن، وانظر "البلوغ" (1343). قال الترمذي: "وفي الباب عن جابر، وأبي أمامة، وأبي الدرداء، وأبي هريرة، وهذا حديث حسن صحيح، وقد روي من غير وجه عن أبي سعيد، والعمل على هذا عند أهل العلم من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - وغيرهم، وهو قول سفيان الثوري، وابن المبارك، والشافعي، وأحمد، وإسحاق".

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

= بجرحه في أي موضع كان، بخلاف المقدور عليه، وذكاة المتردية لا يمكن إلَّا بطعنها في أي موضع كان، ومعلوم أن الجنين لا يتوصل إلى ذبحه بأكثر من ذبح أمه، فتكون ذكاة أمه ذكاة له: هو محض القياس. الخامس: أن قوله "ذكاة الجنين ذكاة أمه" جملة خبرية، جعل الخبر فيها نفس المبتدأ. فهي كقولك: غذاء الجنين غذاء أمه، ولهذا جعلت الجملة لتتميم "إن" وخبرها في قوله "فإن ذكاته ذكاة أمه" وإذا كان هكذا لم يجز في "ذكاة أمه" إلَّا الرفع، ولا يجوز نصبه لبقاء المبتدأ بغير خبر، فيخرج الكلام عن الإفادة والتمام، إذ الخبر محل الفائدة، وهو غير معلوم. السادس: أنه إذا نصب "ذكاة أمه" فلا بد وأن يجعل الأول في تقدير فعل لينتصب عنه المصدر، ويكون تقديره: يذكى الجنين ذكاة أمه، ونحوه. ولو أريد هذا المعنى لقيل: ذكوا الجنين ذكاة أمه، أو يذكى، كما يقال: اضرب زيدًا ضرب عمرو، وينتصب الثاني على معنى: اضرب زيدًا ضرب عمرو، فهذا لا يجوز، وليس هو كلامًا عربيًا، إلَّا إذا نصب الجزءان معًا، وتقول: ذكاة الجنين ذكاة أمه، وهذا- مع أنه خلاف رواية النَّاس وأهل الحديث قاطبة- فهو أيضًا ممتنع، فإن المصدر لا بد له من فعل يعمل فيه، فيؤول التقدير إلى: ذكوا ذكاة الجنين ذكاة أمه، ويصير نظير قولك ضَربَ زَيْدٍ ضَرْبَ عَمْرو تنصبهما. وتقديره: اضرب ضرب زيد ضرب عمرو، وهذا إنَّما يكون في المصدر بدلًا من اللفظ بالفعل، إذا كان منكرًا، نحو ضربًا زيد, أي ضرب زيد. ولهذا كان قولك: ضربًا زيدًا: كلامًا تامًا، وقولك: ضرب زيد: ليس بكلامٍ تامٍ، فإن الأول يتضمن: اضرب زيدًا، بخلاف الثاني، فإنّه مفرد فقط فيعطي ذلك معنى الجملة، فأمَّا إذا أضفته، وقلت: ضرب زيد، فإنّه يصير مفردًا، ولا يجوز تقديره باضرب زيدًا، ويدل على بطلانه:- الوجه السابع: هو أن الجنين إنَّما يذكى مثل ذكاة أمه إذا خرج حيًا، وحينئذٍ فلا يؤكل حتَّى يذكى ذكاة مستقلة، لأنَّه حينئذٍ له حكم نفسه، وهم لم يسألوا عن هذا، ولا أجيبوا به فلا السؤال دل عليه، ولا هو جواب مطابق لسؤالهم، فإنهم قالوا: "نذبح البقرة، أو الشَّاةِ في بطنها الجنين، أنلقيه أم نأكله؟ فقال: كلوه إن شئتم، فإن ذكاته ذكاة أمه" فهم إنَّما سألوه عن أكله: أيحل لهم، أم لا؟ فأفتاهم بأكله، وأزال عنهم ما علم أنه يقع في أوهامهم، من كونه ميتة بأنه ذكي بذكاة الأم. ومعلوم أن هذا الجواب والسؤال لا يطابق: ذكوا الجنين مثل ذكاة أمه. بل كان الجواب حينئذٍ: لا تأكلوه إلَّا أن يخرج حيًا، فذكاته مثل ذكاة أمه، وهذا ضد مدلول الحديث، والله أعلم. وبهذا يعلم فساد ما سلكه أبو الفتح ابن جني وغيره في إعراب هذا الحديث، حيث قالوا: ذكاة أمه، على تقدير مضاف محذوف؛ أي ذكاة الجنين مثل ذكاة أمه. وحذف المضاف وإقامة المضاف إليه مقامه كثير، وهذا إنَّما يكون حيث لا لبس، وأمَّا إذا أوقع في اللبس فإنّه تمتنع، وما تقدم كافٍ في فساده، وبالله التوفيق". أهـ.

786 - عن عَديّ بنِ حاتم قال: قلتُ: يا رسول الله! إنِّي أُرسِلُ كلبِي، فآخذ الصيدَ، فلا أجِدُ ما أذكّيه، أفأَذْبَحْه بالمروة وبالعَصَا؟ قال: "أمْرِرِ الدَّمَ بم شِئْتَ، واذكرِ اسمَ الله عز وجل". س (¬1). 787 - وعن شدّاد بن أِوسٍ قال: سمعتُ رسولَ الله - صَلَّى الله عليه وسلم - يقولُ: "إن الله عز وجل كَتَبَ الإحسانَ على كلِّ شيءٍ، فإذا قَتَلْتُم فأَحْسِنُوا القِتْلَةَ، وإذا ذَبَحْتُم فَأَحْسِنُوا الذِّبحَةَ؛ ليُحِدَّ أحدُكم- إذا ذبحَ- شَفْرَتَهُ، وليُرحْ ذَبِيحَته". م د س ت (¬2). ¬

_ (¬1) صحيح بشواهده. وهذا رواه النسائي (7/ 194)، وأبو داود (2824)، وابن ماجه (3177) من طريق مرِّيِّ بن قطري- وهو لا يعرف- عن عدي به. ولكن في حديث رافع السابق (783) ما يشهد له، وأيضًا انظر حديث أنس المتقدم في أول "الأطعمة" برقم (763). و"المروة": هي حجر أبيض برّاق، قيل: هي التي يقدح منها النار، قال ابن حجر (9/ 631): "المراد بالسؤال عن الذبح بالمروة جنس الأحجار، لا خصوص المروة". (¬2) رواه مسلم (1955)، وأبو داود (2815)، والنسائي (7/ 229 و 230)، والترمذي (1409)، وقال الترمذي: "هذا حديث حسن صحيح". =

3 - باب الأضاحي

788 - عن جابر بنِ عبد الله؛ أنَّ رجُلًا من قومِهِ صَاد أرنبًا أو ثنتين فذبَحهُما بمروةٍ، فتعلَّقهُما حتَّى لَقِي النبيَّ - صلى الله عليه وسلم -، فسألَه؟ فأمره بأكْلِها. ت (¬1). 3 - باب الأضاحي 789 (392) - عن أنس بنِ مَالكٍ رضي الله عنه قال: ضَحَّى النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - بِكَبْشَيْنِ أملَحَيْن أَقْرَنَيْن، ذبحَهُما بيدِه، وسَمَّى، وكَبَّر، ووضعَ رِجْلَه على صِفَاحِهما، مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ (¬2). 790 - [و] (¬3) عن عائِشةَ رضي الله عنها؛ أنَّ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - أمرَ بكبشٍ أَقْرنَ، يَطَأُ في سَوَادٍ، ويَبرُكُ في سوادٍ، وينظرُ في سوادٍ، فأُتِي به؛ ليُضحِّى به. فقال: "يا عائِشةُ! هَلُمّي الْمُدْيةَ" (¬4). ¬

_ = وعند مسلم وأبي داود ورواية للنسائي: "فأحسنوا الذبح". وأمَّا الترمذي والرواية الأخرى للنسائي فكما ذكر المصنف: "الذبحة". و"القتلة" و "الذبحة": اسم للهيئة والحالة. (¬1) رواه الترمذي (1472). وهو غير محفوظ كما قال البخاري فيما نقله عنه الترمذي في "السنن" و "العلل". قلت: ولكنه صحيح من حديث محمد بن صفوان الذي رواه أبو داود (2822)، والنسائي (7/ 197)، وابن ماجة (3175)، وأحمد (3/ 471). (¬2) رواه البخاري (5564)، ومسلم (1966)، وانظر "بلوغ المرام" (1360 بتحقيقي). وقال المصنف في "الصغرى": "الأملح: الأغبر، وهو الذي فيه سواد وبياض". (¬3) زيادة من "أ". (¬4) المدية بتثليث الميم: السكين.

ثم قال: "اشحَذِيها بحجرٍ" (¬1). قالت: ثمّ أخذَها، وأخذَ الكبشَ، فأضْجَعه، ثم ذبحَه. ثم قال: "بسمِ الله. اللَّهمَّ تقبَّلْ من محمدٍ وآلِ مُحمدٍ، ومِن أُمّةِ مُحمدٍ". ثم ضحّى (¬2). م (¬3). 791 - عن جابر بنِ عبد الله رضي الله عنهما، قال: ذَبَحَ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - يومَ النَّحْرٍ (¬4) كَبْشينِ أقرنَيْنِ أَمْلَحينِ مُوْجَئين، فلمّا وجَّههُما، قال: "اللهمّ إنِّي وجهتُ وجْهِي للذي فطرَ السَّماواتِ والأرضَ، على ملّةِ إبراهيمَ حنيفًا، وما أنا مِن الْمُشرِكين، إنّ صلاتِي ونُسُكِي ومَحْياي ومماتي لله ربِّ العالمين، لا شَرِيكَ له، وبذلك أُمِرْتُ، وأنا مِن الْمُسلِمين، اللهمّ ¬

_ (¬1) يقال: "شحذت السيف والسكين إذا حددته بالمِسنّ وغيره ممَّا يخرج حدّه". قاله ابن الأثير. (¬2) زاد مسلم: "به". (¬3) رواه مسلم (1967). قلت: وفي هذا الحديث والذي بعده تضحية النبي - صلى الله عليه وسلم - عن أمته، فقال شيخنا في "الإرواء" (4/ 354): "ما جاء في هذه الأحاديث من تضحيته - صلى الله عليه وسلم - عمن لم يضح من أمته، هو من خصائصه - صلى الله عليه وسلم - كما ذكره الحافظ في "الفتح" (9/ 514) عن أهل العلم. وعليه فلا يجوز لأحد أن يقتدي به - صلى الله عليه وسلم - في التضحية عن الأمة، وبالأحرى أن لا يجوز له القياس عليها غيرها من العبادات، كالصلاة والصيام والقراءة ونحوها من الطاعات؛ لعدم ورود ذلك عنه - صلى الله عليه وسلم -، فلا يصلِّي أحد عن أحد، ولا يصوم أحد عن أحد، ولا يقرأ أحد عن أحد، وأصل ذلك كله قوله تعالى: {وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى} نعم هناك أمور استثنيت من هذا الأصل بنصوص وردت". (¬4) كذا الأصل، وأشار الناسخ في الهامش إلى نسخة أخرى بلفظ: "الذبح"، وهو الذي في "أ"، و "السنن".

منك ولك (¬1)، عن محمدٍ وأمّتِه، بسمِ الله، والله أكبر"، ثم ذبح. د (¬2). 792 - عن أبي سعيدٍ قال: ضَحَّى رسولُ الله - صَلَّى الله عليه وسلم - بكبشٍ أقرنَ فَحِيلٍ، يمشِي في سوادٍ، ويأكلُ في سَوادٍ، وينظرُ في سوادٍ. س (¬3). 793 - عن أُمِّ سلَمة رضي الله عنها قالت: قالَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ كانَ له ذِبْحٌ (¬4)، فإذا أُهلّ هِلالُ ذي الحجّة، فلا يأخُذنَّ (¬5) من شَعْرِهِ، ولا من أَظْفارِه شيئًا، حتَّى يُضَحّي". م س (¬6). 794 - عن بُريدةَ بنِ الحُصَيب الأسلمي قال: قالَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "نهيتُكم عن زِيارَةِ القبورِ، فزُوروها، ونهيتكم عن لُحومِ الأضاحي فوقَ ثلاثٍ، فأمسِكُوا ما بدَا لكم، ونهيتُكم عن النَّبِيذِ إلَّا في سِقَاءٍ، فاشربُوا في الأسقيةِ كُلِّها، ولا تشربوا مُسْكِرًا". م س (¬7). ¬

_ (¬1) في الأصل: "وإليك"، والمثبت من "أ"، وهو الذي في "السنن". (¬2) ضعيف، رواه أبو داود (2795) بسند ضعيف؛ فيه عنعنة ابن إسحاق، وهو مدلس. (¬3) صحيح. رواه النسائي (7/ 220 - 221)، وأبو داود (2796)، والترمذي (1496)، وابن ماجه (3128). وقوله: "أقرن": له قرنان معتدلان. و"فحيل": كامل الخلقة لم تقطع أنثياه. و"يمشي في سواء ... " إلخ. قوائمه، وفيه، وما حول عينيه أسود، وباقيه أبيض. (¬4) زاد مسلم: "يذبحه"، و"ذبح" بكسر الذال, أي: حيوان يريد ذبحه. (¬5) في "أ": "فلا يأخذ". (¬6) رواه مسلم- والسياق له- (1977) (42)، والنسائي (7/ 211 - 212). (¬7) رواه مسلم (977)، والنسائي (7/ 234) وانظر رقم (803) الآتي.

795 - عن عُبيد بن فَيْروز (¬1) قال: سَأَلْنا البراءَ ينَ عازبٍ رضي الله عنهما: ما لا يَجُوز في الأضَاحِي؟ قال: قامَ فِينا رسولُ الله - صَلَّى الله عليه وسلم - وأصابِعي أقصرُ من أصابِعِه، وأنامِلي أقصرُ مِن أنامِلِه- فقال: "أربعٌ لا يجُوزُ في الأضاحي: العَوْرَاءُ البيِّنُ عَوَرُها، والمرِيضَةُ البيِّنُ مرَضُها، والعَرْجَاءُ البيِّنُ ظَلْعُها (¬2)، والكَسِيرةُ التي لا تُنْقِي" (¬3). قال: قلتُ: فإنِّي أكرهُ أن يكون في السِّنِّ نقصٌ؟ قال: ما كرِهْتَ فدَعْه، ولا تُحَرِّمْه على أحدٍ. د س (¬4). 796 - عن عليٍّ رضي الله عنه قالَ: أمرَنا رسولُ الله - صَلَّى الله عليه وسلم -؛ أن نستَشْرِفَ العَين، والأُذن، ولا نُضَحِّي بعَوْراءَ، ولا مُقَابَلَةٍ، ولا مُدَابَرَةٍ، ولا خَرْقاءَ، ولا شَرقاءَ. قال زُهيرٌ: فقلتُ لأبي إسحاق: أذكر عَضَبًا (¬5)؟ فقال: لا. قلتُ: فما الْمُقَابَلةُ؟ قال: يُقطعُ طرف الأُذُنِ. قلتُ: فما الْمُدابَرةُ؟ قال: يُقطعُ مِن مؤخَّرِ الأُذنِ. قلتُ: فما الشَّرْقَاءُ؟ قال: تُشقّ الأُذُنُ. ¬

_ (¬1) هو: الشيباني، مولاهم، أبو الضَّحَّاك الكوفيِّ، ثقة، روي له أصحاب السنن. (¬2) "الظلع": العرج. (¬3) "التي لا تنقي": النِقْي: المخ، أي: هي التي لا نِقْيَ لعظامها، ويكون ذلك من ضعفها وهزالها. (¬4) صحيح رواه أبو داود (2802)، والنسائي (7/ 214 - 215)، وانظر "البلوغ" (1350). (¬5) كذا بالأصل، وفي "السنن": "عضباء".

قلت (¬1): فما الْخَرْقاءُ؟ قال: تَشقّ أذنُها السِّمَةُ (¬2). د س (¬3). 797 - وعن عليٍّ رضي الله عنه قال: نهى رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - أن يُضَحَّى بأعضَبِ القرنِ. فذكرتُ ذلك لسعيدِ بنِ المسيّب رضي الله عنه (¬4). قال: نعم. الأعضبُ: النِّصفُ فأكثرُ مِن ذلك. س (¬5). 798 - عن عبد الله بن عُمر رضي الله عنه؛ أنَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - كانَ يَذْبَحُ أُضْحِيَّتَهُ بالمصلَّى، وكان ابنُ عُمرَ يَفْعَلُهُ. د (¬6). 799 - عن حنشٍ قال: رأيتُ عليَّا رضي الله عنه يُضَحِّي بكبشينِ! ¬

_ (¬1) في الأصلين: "قال"، وفي "السنن" كما أثبت. (¬2) وفي "السنن": "تخرق أذنها للسِّمَةِ". (¬3) ضعيف. رواه أبو داود - والسياق له - (2804)، والنسائي (7/ 216 - 217) من طريق زهير ابن معاوية، حدثنا أبو إسحاق السبيعي، عن شريح بن النعمان، عن علي، به. وهذا سند ضعيف، أبو إسحاق مدلس ومختلط، ورواية زهير عنه بعد الاختلاط. (¬4) ليس في "أ": "رضي الله عنه". (¬5) ضعيف. رواه النسائي (7/ 217 - 218)، وفي سنده "جري السدوسي"، قال عنه ابن حجر في "التقريب": "مقبول". (¬6) صحيح. رواه أبو داود (2811). قلت: في "صحيح البخاري" (5552) من حديث ابن عمر قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يذبح وينحر بالمصلى. وفيه أيضًا (5551) من طريق عبيد الله، عن نافع قال: كان عبد الله - يعني: ابن عمر - ينحر في المنحر. قال عبيد الله: يعني: منحر النبي - صلى الله عليه وسلم -.

فقلتُ: ما هذا؟ فقالَ: إنَّ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - أَوْصَانِي أن أُضَحِّي عنه، فأنا أُضَحّي عنه. د (¬1). ¬

_ (¬1) ضعيف. رواه أبو داود (2790) حدثنا عثمان ابن أبي شيبة، حدثنا شريك، عن أبى الحسناء، عن الحكم بن عتيبة، عن حنش به. قلت: وهذا سند ضعيف وله علل: الأولى: شريك هو ابن عبد الله النخعي، وهو سيئ الحفظ. الثانية: أبو الحسناء، قال عنه الذهبي في "الميزان": "لا يعرف". وقال ابن حجر في "التقريب": "مجهول". الثالثة: حنش هو: ابن المعتمر، قال عنه ابن حبان في "المجروحين" (1/ 269): "كان كثير الوهم في الأخبار، ينفرد عن عليٍّ بأشياء لا تشبه حديث الثقات، حتى صار ممن لا يحتج بحديثه".

18 - كتاب الأشربة

18 - كتاب الأشربة 800 (393) - عن عبد الله بنِ عُمر بنِ الخطَّاب رضي الله عنه؛ أن عُمرَ رضي الله عنه قال - على مِنْبَرِ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -: أمَّا بعدُ: أيُّها الناسُ! إنَّه نزلَ تَحرِيمُ الخمرِ، وهي من خمسةٍ: من العنبِ، والتَّمْرِ، والعَسلِ، والحِنْطةِ، والشَّعِير - والخمرُ: ما خَامَرَ العقلَ - ثلاثٌ وَدِدْتُ أنّ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - كان عَهِدَ إلينا فِيهنَّ عهدًا ننتهى إليه: الجَدُّ، والكَلالَةُ، وأبوابٌ مِن أبوابِ الرِّبا (¬1). 801 (394) - عن عائِشةَ رضي الله عنها، عن النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -؛ أنَّه سُئِلَ عن البِتْعِ (¬2)؟ فقال: "كُلُّ شَرَابٍ أسكرَ فهُو حَرَامٌ" (¬3). مُتَّفَقٌ عَلَيْهِمَا ¬

_ (¬1) رواه البخاري (5588)، ومسلم (3032). وقال ابن دقيق العيد في "الإحكام" (4/ 210) عن هذا الحديث: "فيه دليل على أن اسم الخمر لا يقتصر على ما اعتصر من العنب كما قال أهل الحجاز خلافًا لأهل الكوفة، وقوله: "وهي من كذا وكذا" جملة في موضع الحال، وقوله: "خامر العقل" مجاز تشبيه، وهو من باب تشبيه المعنى بالمحسوس. والجد يريد به ميراثه، وقد كان للمتقدمين فيه خلاف كثير، ومذهب أبى بكر رضي الله عنه أنه بمنزلة الأب عند عدم الأب. والكلالة: من لا أب له ولا ولد عند الجمهور". (¬2) قال المصنف في "الصغرى" عقب الحديث: "البتع: نبيذ العسل". قلت: وفي رواية للبخاري (5586): "سئل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن البتع، وهو نبيذ العسل، وكان أهل اليمن يشربونه ... ". قال الحافظ: "ظاهره أن التفسير من كلام عائشة، ويحتمل أن يكون من كلام من دونها". (¬3) رواه البخاري (242)، ومسلم (2001). قال النووي (13/ 181): "هذا من جوامع كلمه - صلى الله عليه وسلم -، وفيه أنه يستحب للمفتي إذا رأى بالسائل =

802 - عن عبد الله بنِ عُمر، عن النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قال: "كُلُّ مُسْكِرٍ خَمْرٌ، وكلُّ مُسكرٍ حَرَامٌ، ومَنْ شَرِبَ الخمرَ في الدُّنيا - وماتَ وهو يُدْمنها لم يتبْ منها - لم يشرَبْها في الآخرة". م ت (¬1). 803 - عن بُريدةَ بنِ الحُصَيب قال: قالَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "نهيتُكم عن زِيَارةِ القُبُورِ فزُورُوها، ونهيتُكم عن لُحومِ الأضَاحِي فوقَ ثلاثٍ، فأَمْسِكُوا ما بَدا لكُم، ونهيتُكم عن النَّبِيذِ إلا في سِقَاءٍ، فاشرَبُوا في الأسقيةِ كُلِّها، ولا تشرَبُوا مُسْكِرًا". س (¬2). ¬

_ = حاجة إلى غير ما سأل أن يضمه في الجواب إلى المسئول عنه، ونظير هذا الحديث حديث: هو الطهور ماؤه الحل ميتته". وزاد على ذلك ابن الملقن في "الإعلام" (ج 4/ ق 102/ أ - ب) فقال: "فيه دلالة على تحريمه - أي: البتع - وتحريم كل مسكر، وتحريم الجنس لا القدر؛ لأنهم إنما سألوا عن جنس البتع، لا عن القدر المسكر منه، وإلا لقالوا: ما يحل منه وما يحرم؟ فوجب أن يكون الجواب عن الجنس المسئول عنه؛ لأنه لو كان جوابًا للقدر المسكر لكان عدولًا عما سئل عنه، وذلك لا يجوز، وهذا هو المعروف المعتاد من كلام العرب أنهم إذا سألوا عن الجنس، قالوا: هل هذا الشراب نافع أو ضار؟ فإن سألوا عن القدر، قالوا: كم مقدار ما يشرب منه، والمراد بقوله: "أسكر"، أي: فيه صلاحية ذلك". وزاد المصنف - رحمه الله - في "الصغرى" حديثًا واحدًا، وهو: 395 - عن عبد الله بن عباسٍ رضي الله عنهما قال: بلغَ عمرَ رضي الله عنه أن فلانًا باع خمرًا. فقال: قاتلَ الله فلانًا! ألم يعلم أن رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "قاتلَ الله اليهودَ، حرِّمتْ عليهم الشُّحومُ، فجمَلُوها فباعُوها". (رواه البخاري: 2223، ومسلم: 1582). جملوها: أذابوها. (¬1) رواه مسلم (2003)، والترمذي (1862)، وقال: "حسن صحيح". (¬2) علم له المصنف هنا بـ: (س)، وقد مر برقم (794)، وهناك علم له بـ: (م س).

408 - عن جابر بنِ عبد الله؛ أنَّ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "مَا أسكَرَ كَثِيرُه، فقَلِيلُهُ حَرَامٌ" ت وقال: [حديث] (¬1) حسنٌ غريبٌ (¬2). 805 - عن عائشةَ قالتْ: قالَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "كُلُّ مُسكرٍ حَرَامٌ، وما أسْكَرَ الفَرقُ (¬3) فمِلْءُ الكَفِّ مِنه حَرَامٌ". وفي لفظٍ: "الحَسْوَةُ" (¬4). ت وقال: حدِيثٌ حسنٌ (¬5). ¬

_ (¬1) زيادة من "أ". (¬2) صحيح بشواهده. رواه الترمذي (1865)، وأيضًا أبو داود (3681)، وابن ماجة (3393)، وأحمد (3/ 343)، وابن حبان (5358) من طريق داود بن بكر، عن محمد بن المنكدر، عن جابر، به. وداود حسن الحديث. ولكن الحديث له شواهد يصح بها، فقد قال الترمذي "في الباب عن سعد، وعائشة، وعبد الله ابن عمر، وخوات بن جبير". قلت: حديث سعد رواه النسائي (8/ 301)، وابن الجارود (862) بسند حسن، ولفظه: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى عن قليل ما أسكر كثيره. وأما حديت عائشة، فهو الحديث التالي عند المصنف. وأما حديث ابن عمر: فرواه أحمد (2/ 91)، وفي "الأشربة" (74 و 75)، وابن ماجة (3392)، ولفظه: "كل مسكر حرام، ما أسكر كثيره فقليله حرام" وفي سنده ضعف. وأما حديث خوات بن جبير: فرواه الدارقطني (4/ 254)، والحاكم (3/ 413)، والطبراني في "الكبير" (4149)، ولفظه كلفظ حديث جابر، وفي سنده ضعف أيضًا. وشاهد آخر من حديث عبد الله بن عمر: رواه ابن ماجة (3394)، والنسائي، وأحمد (2/ 167 و 179) من طريق عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، وسنده حسن. (¬3) "الفرق": بفتح الراء: مكيال يسع ستة عشر رطلًا، وبالسكون: مئة وعشرون رطلًا. (¬4) "الحسوة": بضم الحاء الجرعة من الشراب بقدر ما يحسى مرة واحدة، وبفتح الحاء: المرة. (¬5) صحيح. رواه الترمذي (1867)، وهو لأبي داود أيضًا (3687) بالرواية الأولى فقط.

19 - كتاب اللباس

19 - كتاب اللباس 806 (396) - عن عُمر بنِ الخطَّاب رضي الله عنه، قال: قالَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "لا تَلْبَسُوا الحرِيرَ؛ فإنَّه من لَبِسَه في الدُّنيا لم يَلْبَسْهُ في الآخرةِ" (¬1). 807 (397) - وعن حُذيفة قال: سمعتُ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - يقولُ: "لا تَلْبَسُوا الحرِيرَ، ولا الدِّيباجَ (¬2)، ولا تشربوا في آنيةِ الذَّهبِ والفِضَّةِ، ولا تأكُلُوا في صِحَافِها؛ فإنَّها لهم في الدُّنيا" (¬3). - في روايةٍ: "ولكُم في الآخرةِ" (¬4). مُتَّفَقٌ عَلَيْهِما. 808 - عن أبي مُوسى الأشْعريّ رضي الله عنه؛ أنَّ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - قالَ: "حُرِّمَ لِباسُ الحريرِ والذَّهبِ على ذُكُورِ أمّتي، وأُحِلَّ لإِناثِهم". ¬

_ (¬1) رواه البخاري (5834)، ومسلم (2069) (11)، واللفظ لمسلم، وأما لفظ البخاري، فهو: "من لبس الحرير في الدنيا لم يلبسه في الآخرة". (¬2) الديباج: ضرب من الثياب سداه ولُحمته حرير (فارسي معرب). "المعجم الوسيط". (¬3) رواه البخاري (5426)، ومسلم (2067) (5)، من طريق عبد الرحمن بن أبي ليلى قال: إنهم كانوا عند حذيفة (رواية: بالمدائن)، فاستسقى، فسقاه مجوسي [في إناء من فضة] (رواية: فأتاه دهقان بماء في إناء من فضة)، فلما وضع القدح في يده رماه به، وقال: لولا أني نهيته غير مرة ولا مرتين، كأنه يقول: لم أفعل هذا، ولكني سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: "لا تلبسوا ... " الحديث. والروايات لهما، والزيادة لمسلم، والسياق للبخاري، وزاد في آخره: "ولنا فى الآخرة". (¬4) هذه الرواية للبخاري (5633 و 5831)، وهي أيضًا لمسلم، وعنده زيادة أخرى: "يوم القيامة".

ت حدِيثٌ حسنٌ صَحِيحٌ (¬1). 809 (401) - عن عُمر؛ أنَّه خَطَبَ الناسَ بالجابِيةِ (¬2) فقال: نهى النبيُّ (¬3) - صلى الله عليه وسلم - عن (¬4) الحَريرِ إلا مَوْضعَ إِصْبَعَيْنِ، أو ثلاثٍ، أو أربعٍ. م ت حديث حسن صحيح (¬5). ¬

_ (¬1) صحيح بشواهده. رواه الترمذي (1720)، وقال: "وفي الباب عن عُمَر، وعليٍّ، وعقبةَ بنِ عامرٍ، وأنسِ، وحُذَيفةَ، وأمِّ هانئٍ، وعبد الله بن عمرو، وعمرانَ بن حُصين وعبد الله بن الزُّبير، وجابرٍ، وأبي ريْحان، وابن عُمر، وواثلةَ بن الأسقعِ. وحديثُ أبي مُوسَى حَدِيثٌ حَسَنٌ صحيحٌ". (¬2) "الجابية": "بكسر الباء، وياء مخففة؛ وأصله في اللغة: الحوض الذي يجبى فيه الماء للإبل قال الأعشى: كجابية الشيخ العراقي تُفْهَقُ فهو على ذا منقول، وهي قرية من أعمال دمشق، ثم من عمل الجيدور من ناحية الجولان قرب مرج الصفر في شمالي حوران، إذا وقف الإنسان في الصنمين واستقبل الشمال ظهرت له، وتظهر من نوى أيضًا، وبالقرب منها تل يسمى تل الجابية، فيه حيات صغار نحو الشبر، عظيمة النكاية، يسمونها: أم الصُّوَيْت يعنون أنها إذا نهشت إنسانًا صوت صوتًا صغيرًا ثم يموت لوقته، وفي هذا الموضوع خطب عمر بن الخطاب رضي الله عنه خطبته المشهورة". أهـ. "معجم البلدان". (¬3) في "أ": "رسول الله". (¬4) زاد مسلم: "لُبْس"، وقد ذكر المصنف هذه الزيادة في "الصغرى". (¬5) رواه مسلم (2069) (15)، والترمذي (1721). وزاد المصنف - رحمه الله - في "الصغرى" رواية أخرى لهذا الحديث، وهي: 401 - عن عمر بن الخطَّاب رضي الله عنه؛ أن رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم -: نهى عن لَبُوس الحرير، إلا هكذا، ورفعَ لنا رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - إصبعيه: السبابةَ، والوُسطى. (رواه البخاري: 5828، ومسلم: 2069).

810 - عن عليّ بنِ أبي طالبٍ رضي الله عنه قال: نَهَانِي النبىُّ (¬1) - صلى الله عليه وسلم - عن التَّخَتُّمِ بالذَّهبِ، وعن لباسِ القَسّيّ (¬2)، وعن القراءةِ في الرُّكُوعِ (¬3) وعن لباسِ (¬4) الْمُعَصْفَرِ (¬5). م (¬6). - عن عبد الله بنِ عُمر؛ أن رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا يَنْظُرُ الله (¬7) إلى مَنْ جَرّ ثوبَه خُيلاء". خ ت م (¬8). - وزاد (¬9): فقالتْ أمُّ سلَمة: فكيفَ تصنعُ النساءُ بذُيُولِهنّ؟ قال: "يرخِينَ شِبْرًا"، قالت: إذًا تنكَشِفُ أقدامُهُنّ. قال: "فيرخينَهُ ذِراعًا، لا ¬

_ (¬1) في "أ": "رسول الله". (¬2) القسي: هي ثياب مضلعة بالحرير، تجلب من مصر، وتعمل بالقس، وهي قرية على ساحل البحر قريبة من تنيس. (¬3) زاد مسلم: "والسجود". (¬4) في "أ": "لبس". (¬5) "المعصفر": المصبوغ بالعصفر، وهو صبغ أصفر اللون. (¬6) رواه مسلم (2078) (31). (¬7) وعند الترمذي زيادة: "يوم القيامة"، وهي رواية للبخاري ومسلم. (¬8) رواه البخاري (5783)، ومسلم (2085)، والترمذي (1730)، وهكذا جاءت الرموز في الأصل بهذا الترتيب، بتقديم "ت" على "م"، وأما "أ" ففي موضع الرموز بياض فلم تظهر بالمصورة، وانظر التعليق التالي. (¬9) أي: الترمذي، ولذلك كان من الأليق جعل رمز الترمذي هو الأخير؛ لأنه فاعل "زاد"، والحافظ عبد الغني - رحمه الله - على ذكر من ذلك، بدليل أنه ختم هذه الزيادة بالعزو إلى الترمذي، ونقل التصحيح عنه، هذا أولًا، وثانيًا: لأنه اعتاد في هذا الكتاب أن يؤخر من يتبعه بكلام لاحق كما هو الحال هنا. وثالثًا: لجريان أهل العلم - ومنهم الحافظ عبد الغني - على تقديم مسلم على الترمذي.

يَزِدْنَ عليه". ت حدِيثٌ حسنٌ صَحيحٌ (¬1). 812 - عن ابنِ عُمر، عن النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قال: "بينَما رجُلُ يَجُرُّ إزارَه من الخُيلاءِ، خُسِفَ به، فهو يتجَلْجَلُ (¬2) في الأرضِ إلى يومِ القيامَةِ". خ (¬3). 813 - عن عبد الله بنِ عَمرو بنِ العاص رضي الله عنهما قال: رأى رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - عليّ ثَوْبَيْنِ مُعَصْفَرَيْنِ، فقال: "إن هذه من ثيَاب الكُفَّارِ، فلا تَلْبَسْهَا". م (¬4). 814 (398) - عن البراء بنِ عازبٍ قال: ما رأيتُ مِن ذِي لِمَّةٍ (¬5) ¬

_ (¬1) صحيح. رواه الترمذي (1731) بتمامه. وقال الحافظ في "الفتح" (10/ 259): "أخرج النسائي، والترمذي وصححه من طريق أيوب عن نافع عن ابن عمر متصلًا بحديثه المذكور، فقالت أم سلمة: فكيف تصنع النساء بذيولهن؟ فقال: يرخين شبرًا، فقالت: إذًا تنكشف أقدامهن، قال: فيرخينه ذراعًا، لا يزدن عليه. لفظ الترمذي، وقد عزا بعضهم هذه الزيادة لمسلم فوهم؛ فإنها ليست عنده". (¬2) قال ابن حجر في "الفتح" (10/ 261): "التجلجل: التحرك، وقيل: الجلجلة: الحركة مع الصوت، وقال ابن دريد: كل شيء خلطت بعضه ببعض فقد جلجلته، وقال ابن فارس: التجلجل أن يسوخ في الأرض مع اضطراب شديد، ويندفع من شق إلى شق، فالمعنى: يتجلجل في الأرض، أي: ينزل فيها مضطربًا متدافعًا". (¬3) رواه البخاري (3485). (¬4) رواه مسلم (2077)، وللحديث عند مسلم رواية أخرى انظرها في "البلوغ" (532). (¬5) قال ابن الأثير في "النهاية" (4/ 273): "اللمة من شعر الرأس دون الجمة، سميت بذلك؛ لأنها ألَمّت بالمنكبين، فإذا زادت فهي الجمة".

في حُلَّةٍ حمراء (¬1) أحسنَ مِن رسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم -، له شَعَرٌ يضرِبُ مَنْكِبيه، بَعِيدَ ما بينَ المنكِبين، ليسَ بالقَصِيرِ ولا بالطَويلِ. مُتَفَقٌ عَلَيْهِ ت حدِيثٌ حسنٌ صحِيحٌ (¬2). 815 (400) - عن عبد الله بنِ عُمر؛ أنَّ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - اصطَنَعَ خَاتمًا من ذَهب، فكانَ يجعلُ فَصَّه في باطِنِ كَفِّه إذا لَبِسَهُ، فصَنَعَ ¬

_ (¬1) قال ابن القيم في "زاد المعاد" (1/ 137): "الحلة: إزار ورداء، ولا تكون الحلة إلا اسمًا للثوبين معًا، وغلط من ظن أنها كانت حمراء بحتًا لا يخالطها غيره. وإنما الحلة الحمراء: بردان يمانيان منسوجان بخطوط حمر مع الأسود، كسائر البرود اليمنية، وهي معروفة بهذا الاسم باعتبار ما فيها من المخطوط الحمر، وإلا فالأحمر البحت منهي عنه أشد النهي- ثم ذكر بعض الأحاديث التي فيها النهي عن لبس الأحمر، والمعصفر، وقال-: وفي جواز لبس الأحمر من الثياب والجوخ وغيرها نظر، وأما كراهته فشديدة جدًا، فكيف يظن بالنبي - صلى الله عليه وسلم - أنه لبس الأحمر القاني؟! كلا. لقد أعاذه الله منه، وإنما وقعت الشبهة من لفظ (الحلة الحمراء)، والله أعلم". (¬2) رواه البخاري (3551)، ومسلم (2337) (93)، والترمذي (1724)، واللفظ لمسلم والترمذي. وزاد المصنف- رحمه الله- في "الصغرى" حديثًا واحدًا، وهو: 399 - وعن البراء بن عازب -أيضًا -رضي الله عنه- قال: أمرَنا رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - بسبع، ونهانا عن سبعٍ. أمرنا: بعيادةِ المريض، واتّباع الْجَنازةِ، وتشمِيتِ العاطِس، وإبرارِ القَسَم- أو المقسِم- ونصرِ المظلوم، وإجابةِ الدَّاعي، وإفشاءِ السَّلامِ. ونهانا: عن خَوَاتِيم- أو تختُّم- الذهبِ، وعن شربٍ بالفضةِ، وعن الميَاثِر، وعن القَسِّيِّ، وعن لُبْسِ الحرير، والإستبرق والدِّيباج. (رواه البخاري: 1239، ومسلم- واللفظ له-: 2066).

النَّاسُ (¬1)، ثم إنَّه جَلَسَ على المنبرِ، فنزَعَه وقال: "إنِّي كُنتُ أَلْبَسُ هذا الخاتمَ، وأجعلُ فصَّه من داخِلٍ"، فرمى به، ثم قال: "والله لا أَلْبَسُهُ أبدًا"، فنبَذَ النَّاسُ خَواتِيمَهم (¬2). - وفي روايهٍ (¬3): جعَلَهُ يزيدِه اليُمنى (¬4). مُتَفَقٌ عَلَيْهِ. 816 - عن عبد الله بن عباسٍ رضي الله عنهما؛ أنَّ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - رأى خَاتَمًا مِن ذهبٍ في يد رجُلٍ، فنزَعَه، فطرَحَه، وقال: "يَعْمِدُ أحدُكم إلى جمرةٍ من نارٍ، فيجعلُها يدِه". فقِيل للرجُل- بعدما ذهبَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: خُذْ خَّاَتمك؛ انتفعْ به. قال: لا والله لا آخُذُه أبدًا، فقد طرحَه رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -. م (¬5). 817 - عن بُريدةَ قال: جاءَ رجُلٌ إلى النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، وعليه خاتمٌ مِن حديدٍ، فقال: "مالي أرى عليكَ حِلْيةَ أهل النَّارِ؟ "، ثم جاءهُ وعليه خاتمٌ من صُفْرٍ. فقال: "مالي أجدُ مِنك ريحَ الأصنام؟ "، ثم أتاهُ وعليه خَاتمٌ من ذَهبٍ. فقال: "مالي أرى عليكَ حِلْيةَ أهل الجنّةِ؟ "، قال: من أيّ شيءٍ اتخذه؟ قال: "مِن وَرِقٍ، ولا تُتْمِمْهُ (¬6) مِثْقالًا". ت وقال: حدِيثٌ ¬

_ (¬1) زاد البخاري: "خواتيم"، وله في رواية: "خواتيم من ذهب". (¬2) رواه البخاري (6651)، ومسلم (2091). (¬3) في "أ": "وفي لفظ". (¬4) هذا لفظ البخاري برقم (5876)، وهو لمسلم أيضًا. (¬5) رواه مسلم (2090). (¬6) كذا بالأصل، وأعادها بالهامش، وكتب فوقها لفظ: "بيان"، والذي في "أ"، و"سنن=

غرِيبٌ (¬1). د وليسَ في روايته ذِكْرُ خاتم الذهبِ (¬2). 818 - عن أنسٍ قال: كانَ خاتمُ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - مِن فِضَّةٍ (¬3)، فَصُّه منه. خ (¬4). 819 - عن أبي هُريرة؛ أنَّ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إذا انتعلَ أحدُكم فَلْيَبْدَأْ باليَمِينِ (¬5)، وإذا نَزعَ فليبدأْ بالشِّمالِ، فلتكُنِ اليُمْنَى (¬6) أوّلَهُما تُنْعَلُ، وأخِرَهُما تُنْزَعُ". خ ت (¬7). ¬

_ = الترمذي" وأيضَا "سنن أبي داود": "تُتمّه". (¬1) ضعيف. رواه الترمذي (1785)، وفي سنده عبد الله بن مسلم السلمي: "يخطئ، يخالف"، كما قال ابن حبان في "الثقات" (7/ 49). (¬2) ضعيف. رواه أبو داود (4223)، وعلته علة سابقة. (¬3) زاد البخاري: "وكان". (¬4) رواه البخاري (5870). (¬5) في "أ": "باليمنى"، وهي رواية البخاري. (¬6) في الأصل: "اليمين"، والمثبت من "أ"، وهو الذي في البخاري والترمذي. (¬7) رواه البخاري (5855)، والترمذي (1779)، وقال: "هذا حديث حسن صحيح".

20 - كتاب الجهاد

20 - كتاب الجهاد 820 (404) - عن أبي هُريرة رضي الله عنه، عن النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قال: "انتدبَ الله [عز وجل] (¬1) - ولمسلمٍ: تضَمَّنَ الله (¬2) [عز وجل] (¬3) - لمنْ خَرَجَ في سَبِيلِهِ، لا يُخْرِجُه إلا جِهادٌ (¬4) في سَبِيلي، وإيمانٌ بي، وتصدِيقُ رسُولي (¬5)، فهو علي ضَامِنٌ أن أدخِلَه الجنّة، أو أَرْجِعَه إلى مسكَنِهِ الذي خرجَ منه، نائلًا ما نالَ من أجرٍ، أو (¬6) غَنِيمةٍ" (¬7). - ولمسلم: "مَثَلُ الْمُجاهدِ في سَبِيل الله [عز وجل] (¬8) - والله أعلمُ ¬

_ (¬1) زيادة من "أ". (¬2) وللبخاري في أكثر من رواية: "تكفّل الله"، وهي رواية لمسلم أيضًا. (¬3) زيادة من "أ". (¬4) كذا في الأصل بالرفع، وما بعده، وهو كذلك في "صحيح البخاري"، قال ابن حجر في "الفتح" (1/ 93): "بالرفع على أنه فاعل يخرج، والاستثناء مفرغ". وأما صحيح مسلم فوقع فيه "جهادًا" بالنصب؛ وقال النووي (13/ 23): "هكذا هو في جميع النسخ "جهادًا" بالنصب، وكذا قال بعده: "وإيمانًا بي، وتصديقًا"، وهو منصوب على أنه مفعول له، وتقديره: لا يخرجه المخرج، ويحركه المحرك إلا الجهاد والإيمان والتصديق". (¬5) في "الصحيحين": "تصديق برسُلي". (¬6) قوله: "أو" هنا قيل: هي بمعنى "الواو"، وقد جاءت كذلك في رواية في "صحيح مسلم" والمعنى على هذا: أي يرجع مع أجر وغنيمة. وعلى المعنى الأول "أو"، يعني: يرجع إلى مسكنه بأجر إن لم يغنموا، أو بأجر وغنيمة، إن غنموا. (¬7) رواه البخارى (36)، ومسلم (1876). (¬8) زيادة من "أ".

بمن يُجاهِدُ في سَبِيل الله- كمَثَل الصَّائمِ القَائم، وتوكَّلَ اللهُ [عز وجل] (¬1) للمُجاهِدِ في سَبِيلِهِ بأَنْ (¬2) توفّاهُ: أَنْ يُدْخِلَهُ الجنَّةَ، أو يَرْجِعَهُ سَالِمًا مع أجرٍ أو (¬3) غنيمةٍ" (¬4). ¬

_ (¬1) زيادة من "أ". (¬2) في "أ": "أن"، والذي في الأصل هو الموافق لما في "الصحيح". (¬3) في الأصل "و"، والمثبت من "أ"، وهو الموافق لما في "الصحيح". (¬4) هذا اللفظ ليس لمسلم، وإنما هو للبخاري (2787). وإنما روى مسلم (1878) من طريق آخر عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال - صلى الله عليه وسلم -: "مثل المجاهد في سبيل الله، كمثل الصائم القائم القانت بآيات الله، لا يفتر من صيام ولا صلاة، حتى يرجع المجاهد في سبيل الله تعالى". ثم رأيت ابن الملقن قال في "الإعلام" (ج 4/ ق 116/ ب): "هذه الزيادة التي عزاها المصنف إلى مسلم ليست فيه، وإنما هي في البخاري بطولها في باب أفضل الناس مؤمن يجاهد بنفسه وماله في سبيل الله، وقال: "بأن يتوفاه"، بدل: "أن توفاه"، فكان ينبغي أن يقول: "وللبخاري"، بدل: "ولمسلم"، وقد وقع له ذلك في "العمدة الكبرى" أيضًا. وزاد المصنف- رحمه الله- في "الصغرى" قبل هذا الحديث حديثين، وهما: 402 - عن عبد الله بن أبي أوفى رضي الله عنهما؛ أنّ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - في بعضِ أيامه التي لقي فيها العدوّ- انتظرَ، حتى إذا مَالتِ الشمْسُ، قام فيهم. فقال: "يا أيُّها الناسُ! لا تتمنَوا لقاءَ العدوَ، وسلُوا الله العافيةَ، فإذا لَقِيتمُوهم فاصبِرُوا، واعلَموا أن الجنَّةَ تحتَ ظلالِ السُّيوفِ". ثم قال النبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "اللهم مُنْزلِ الكتابِ، ومُجْريِ السَّحابِ، وهازمِ الأحزاب. اهزمْهُم، وانصُرنا عليهم". (رواه البخاري: 2965 - 2966، ومسلم: 1742). 403 - عن سهل بنِ سعدٍ السَّاعدي رضي الله عنه؛ أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "رباطُ يوم في سبيلِ الله خيرٌ من الدُّنيا ومَا عليها، وموضعُ سوطِ أحدِكم من الجنَّةِ خيرٌ =

821 (405) - وعنه، قال: قالَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "ما مِن مَكْلُومٍ يُكْلَم (¬1) في سَبِيل الله -عز وجل-، إلا جَاءَ يومَ القِيَامَةِ وكَلْمُه يَدْمَى. اللونُ لَونُ الدم، والرِّيحُ رِيحُ مِسكٍ" (¬2). مُتَفَقٌ عَلَيهِما. 822 (406) - وعن أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه قال: قالَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "غَدْوَةٌ في سَبِيل الله [عز وجل] (¬3) - أو رَوْحَةٌ - خيرٌ مما طلعتْ عليه الشَّمْسُ وغَرَبَتْ". م (¬4). 823 (407) - وعن أنسٍ قال: قالَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "غَدْوَةٌ في ¬

_ = من الدُّنيا وما عليها، والرَّوحةُ يروحُها العبدُ في سبيلِ الله- أو الغَدْوَةُ- خيرٌ من الدنيا وما فيها". (رواه البخاري- واللفظ له-: 2892، ومسلم: 1881). (¬1) "المكلوم": المجروح. و"الكَلْم": الجرح. (¬2) هذا اللفظ للبخاري برقم (5533). ورواه البخاري (2803)، ومسلم (1876) (105) بلفظ: " [والذي نفسي بيده] لا يكلم أحد في سبيل الله- والله أعلم بمن يكلم في سبيله - إلا جاء يوم القيامة [وجرحه يثعب]، اللون لون الدم، والريح ريح مسك". والزيادة الأولى للبخاري، والثانية لمسلم. ولهما رواية أخرى بلفظ: "كل كَلْم يُكْلَمه المسلم في سبيل الله، تكون يوم القيامة كهيئتها، إذا طُعنت تفجَّرُ دمًا، اللون لون الدم، والعَرْفُ عرف المسك". (¬3) زيادة من "أ". (¬4) رواه مسلم (1883). و"الغدوة": بفتح الغين. واحدة المشي في الغدوِّ، وهو من أول النهار إلى الزوال، وبضم الغين: البكور، وهو من صلاة الغداة إلى طلوع الشمس. و"الروحة": بفتح الراء. المشية في الرواح، وهو الرجوع بالعشي، وأول العشي: الزوال.

سَبِيل الله- أو رَوحَةٌ- خير مِن الدُّنيا وما فيها". خ (¬1). 824 - عن أبي هريرة قال: قالَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَن مَاتَ ولم يَغزُ، ولم يحَدِّثْ نفسَه بالغَزوِ، ماتَ على شُعبةٍ من النِّفاقِ". م (¬2). 825 (417) - عن عبد الله بنِ عمر رضي الله عنهما؛ أنَّ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - قَسَمَ في النَّفل للفرسِ سهمين، وللرَّجُلِ سَهْمًا (¬3). ¬

_ (¬1) هذا الحديث رواه البخاري (6568)، ومسلم (1880). والمصنف - رحمه الله- علَّم له هنا بعلامة البخاري فقط، وفي "الصغرى" قال: "أخرجه البخاري"، كذا في جميع النسخ الخطية التي وقفت عليها "للصغرى"، إلا نسخة ابن الملقن، فقد جاء فيها: "وأخرجه البخاري"، بإثبات حرف العطف (الواو)، ولذلك قال ابن الملقن في "الإعلام" (خ 4/ ق 118/ ب): "هذا الحديث متفق عليه في الصحيحين، فقوله: وأخرجه البخاري. يعني: مع مسلم. ويقع في بعض الشروح: أخرجه البخاري. بحذف الواو. فيوهم أنه من أفراده، فأحببت [أن أنبه على] ذلك، وقد علم هو له في "عمدته الكبرى" بعلامة البخاري فقط، فأوهم أنه من أفراده، وليس كذلك". قلت: وأما النسخة "أ" فجاء فيها: "عن أنس قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: من مات" إلى قوله: "النفاق". فجعل الحديث التالي حديث أنس وأسقط منه: "عن أبي هريرة"، كما أسقط متن حديث أنس!! (¬2) رواه مسلم (1910)، وزاد: "قال ابن سهم: قال عبد الله بن المبارك: فنُرى أن ذلك كان على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. قال النووي: "قوله: نرى. بضم النون، أي: نظن. وهذا الذي قاله ابن المبارك محتمل، وقد قال غيره: إنه عام، والمراد أن من فعل هذا فقد أشبه المنافقين المتخلفين عن الجهاد في هذا الوصف فإن ترك الجهاد أحد شعب النفاق". (¬3) رواه البخاري (4228)، ومسلم- واللفظ له- (1762). وزاد البخاري: "قال: فسّره نافع فقال: إذا كان مع الرجل فرس فله ثلاثة أسهم، فإن لم يكن له فرس فله سهم".=

826 (498) - وعنه، أن رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - كانَ يُنفِّلُ بعضَ مَن يبعَثُ من السرايا (¬1) لأنفُسِهم خاصَّةً، سوى قَسْمِ عامَّةِ الجيشِ (¬2). 827 (490) - وعنه قال: بعثَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - سَرِيّةً إلى نجدٍ (¬3)، ¬

_ = قلت: قوله: "في النفل" لمسلم، وليست للبخاري، وفي رواية البخاري "الراجل"، بدل: "الرجل"، وفي رواية أخرى للبخاري (2862): "ولصاحبه"، يعني: صاحب الفرس، وفي رواية له أيضًا أن هذا كان "يوم خيبر". والمراد بالنفل هنا: الغنيمة. (¬1) السرايا: جمع "سرية"، والسرية: الطائفة من الجيش يبلغ أقصاها أربعمائة تبعث إلى العدو، سموا بذلك لأنهم يكونون خلاصة العسكر وخيارهم من الشيء السري وهو النفيس، وقيل: لأنها تسري في الليل ويخفى ذهابها. (¬2) رواه البخاري (3135)، ومسلم (1750) (40)، وزاد مسلم: "والخمس في ذلك واجب، كلِّه". قال النووي: "قوله: كلِّه. مجرور تأكيد لقوله: "في ذلك"، وهذا تصريح بوجوب الخمس في كل الغنائم، ورد على من جهل فزعم أنه لا يجب، فاغتر به بعض الناس، وهذ امخالف للإجماع، وقد أوضحت هذا في جزء جمعته في قسمة الغنائم، حين دعت الضرورة إليه في أول سنة أربع وسبعين وستمائة، والله أعلم". وزاد المصنف- رحمه الله- في "الصغرى" حديثين، وهما: 419 - عن أبي مُوسى؛ عبد الله بن قيس رضي الله عنه، عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - قال: "مَن حملَ علينا السِّلاح فليسَ مِنَّا". (رواه البخاري: 7071، ومسلم: 100). 420 - عن أبي مُوسى رضي الله عنه قال: سُئل رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - عن الرجلِ: يُقَاتِلُ شجاعة، ويُقاتل حَمِيّةً، ويُقَاتل ريِاءً، أيُّ ذلك في سبيل الله؟ فقال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ قاتلَ لتكون كلمةُ اللهِ هي العُليا، فهو في سَبِيلِ الله". (رواه البخاري: 7458، ومسلم:1904 [150]). (¬3) قال أبو عبيد البكري في "المعجم" (1/ 13): "أما نجد: فما بين جرش إلى سواد الكوفة،=

فخرجْتُ فيها، فأصَبْنا إبلًا وغَنَمًا، فبلغَتْ سُهمَانُنا اثني عشرَ بعيرًا، ونفلَنا رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - بَعِيرًا بَعِيرًا. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ (¬1). 828 (408) - عن أبي قَتادةَ الأنصاري -رضي الله عنه- قال: خَرَجْنَا مع رسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - عامَ حُنينٍ (¬2) - وذكرَ قِصّةً (¬3) - فقالَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ ¬

_ = وآخر حدوده مما يلي المغرب الحجازان: حجاز الأسود، وحجاز المدينة؛ والحجاز الأسود سراة شنوءة. ومن قبل المشرق بحر فارس؛ ما بين عُمان إلى بطيحة البصرة، ومن قبل يمين القبلة الشامي: الحزن حزن الكوفة، ومن العذيب إلى الثعلبية إلى قلة بني يربوع بن مالك عن يسار طريق المصعد إلى مكة، ومن يسار القبلة اليمني ما بين عمل اليمن إلى بطيحة البصرة. ونجد كلها من عمل اليمامة". (¬1) رواه البخاري (4338)، ومسلم- واللفظ له- (1947) (37)، إلا أن عنده: "اثني عشر بعيرًا. اثني عشر بعيرًا"، وفي رواية للبخاري (3134) وأخرى لمسلم: "اثني عشر بعيرًا، أو أحد عشر بعيرًا". وقوله: "إلى نجد"، وقع في رواية للبخاري ومسلم: "قبل نجد". وذكر الغنم في الحديث هو من زيادات مسلم دون البخاري، وزاد البخاري: "فرجعنا بثلاثة عشر بعيرًا". (¬2) تقدم بيانها عند الحديث رقم (363). (¬3) والحديث بتمامه كما في "الصحيحين": عن أبي قتادة رضي الله عنه قال "خرجنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يومَ حُنين، فلمْا التقينا كانت للمسلمينَ جولةٌ، فرأيتُ رجلًا من المشركين علا رجُلًا من المسلمين؛ فاستدبرتُ حتى أتيتهُ من ورائهِ، حتى ضربتُه بالسيف على حبلِ عاتقه، فأقبلَ عليَّ، فضمني ضمةً وجدتُ منها ريحَ الموتِ؛ ثم أدركهُ الموتُ، فأرسلني، فلحِقتُ عمرَ ابنَ الخطابِ، فقلتُ: ما بالُ الناس؟ قال: أمر اللهِ. ثمَ إن الناس رجعوا، وجلسَ النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: مَن قتلَ قتيلًا لهُ عليه بيِّنة فله سلبُه. فقمت فقلت: مَن يشهد لي؟ ثمَّ جلست. ثمَّ قال: من قتلَ قتيلًا لهُ عليه بينة فلهُ سلبُه. فقمت فقلتُ: من يشهدُ لي؟ ثم جَلَست. ثمَّ قال الثالثة مثله، فقمت، فقال رسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: مالكَ يا أبا قتادةَ؟ فاقتصَصْتُ عليهِ القصة، فقال رجلٌ: صدقَ يا رسولَ الله، وسلبه عندي، فأرضه عني. فقال أبو بكر الصِّديق -رضي الله عنه-: لا هَا اللهِ إذًا =

قَتَلَ قَتِيلًا له عليه بَيَنَةٌ، فله سَلَبُه" (¬1)، قالها ثلاثًا. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ ت (¬2). 829 (409) - وعن سلَمة بنِ الأكوع رضي الله عنه، قال: أتى النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - عَيْنٌ (¬3) مِن الْمُشرِكين- وهو فِي سَفَر- فجلسَ عند أَصْحابِهِ يتحدَّثُ، ثم انْفَتَلَ. فقالَ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "اطلُبُوه، واقْتُلُوه". فقتلتُه، فنفَّلَني (¬4) سَلَبَه (¬5). - وفي رِوايةٍ: فقالَ: "مَنْ قَتَلَ الرجُلَ؟ "، فقالوا: ابنُ الأكوع. فقالَ: "له سَلَبُه أجمعُ" (¬6). مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. (413) -[و] (¬7) عن أنس بنِ مَالكٍ، أن عبد الرحمن بنَ عَوْفٍ والزُّبير بنَ العوّام شَكَيَا القَمْلَ (¬8) إلى رسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - في غزَاةٍ لهما، ¬

_ = لا يَعْمِدُ إلى أسَدٍ من أسْدِ الله يقاتلُ عنِ اللهِ ورسولِه - صلى الله عليه وسلم - يُعطيكَ سَلَبَهُ. فقال النبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: صدق. فأعطاهُ، فابتعتُ مخرِفًا في بني سلمةَ، فإنه لأوَّل مال تأثَّلتُه في الإسلام". لفظ البخاري. (¬1) السلب: هو المسلوب، وهو ما على القتيل ومعه؛ من ثياب وسلاح، وغير ذلك. (¬2) رواه البخاري (3142)، ومسلم (1751)، والترمذى (1562)، وقال: "حسن صحيح". (¬3) أي: جاسوس، وهذه الحادثة كانت في غزوة هوازن، كما في "صحيح مسلم". (¬4) هذه اللفظة رواية أبي داود (2653)، وأما رواية البخاري: "فنفله"، وفيه التفات من ضمير المتكلم إلى ضمير الغيبة، كما قال الحافظ في "الفتح" (6/ 169). (¬5) رواه البخاري (3051). (¬6) هذه الرواية لمسلم (1754)، وهي ضمن قصة، انظر كتابي: "صور من حياة الأبطال". قلت: و"سلبه أجمع" هو جمل أحمر لذلك الجاسوس عليه رحله وسلاحه. (¬7) زيادة من "أ". (¬8) وفي رواية: "أن حِكّة كانت بهما".

فرخَّصَ لهما في قَميصِ الحرِيرِ، ورأيتُه عليهما. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ (¬1). 831 (411) - وعن عبد الله بنِ عمر، عن النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قالَ: "إذا جَمَعَ الله الأوّلين والآخِرينَ، يُرْفَعُ لكُلِّ غادرٍ لواءٌ (¬2). فيُقال: هذه غَدْرَةُ فُلانِ بنِ فُلانٍ" (¬3). مُتَفَقٌ عَلَيْه (¬4). ¬

_ (¬1) رواه البخاري (2920)، ومسلم (2076) بنحوه. فائدة: قال ابن الملقن في "الإعلام" (ج 4/ ق 125/ ب): "لو ذكر المصنف هذا الحديث في كتاب اللباس. لكان أنسب من ذكره هنا؛ لأنه من المخصص لعموم النهي عن لبس الحرير، ومناسبته هنا عموم حاجة الغازي إلى ذلك". (¬2) وفي "الصحيحين" زيادة: "يوم القيامة". (¬3) رواه البخاري (6177) مختصرًا، وانظر أطرافه، ورواه مسلم- واللفظ له- (1735) (9). وفي الحديث: "بيان غلظ تحريم الغدر، لا سيما من صاحب الولاية العامة؛ لأن غدره يتعدى ضرره إلى خلق كثيرين، وقيل: لأنه غير مضطر إلى الغدر؛ لقدرته على الوفاء- كما جاء في الحديث الصحيح في تعظيم كذب الملك- والمشهور أن هذا الحديث وارد في ذم الإمام الغادر. وذكر القاضي عياض احتمالين: أحدهما هذا، وهو: نهي الإمام أن يغدر في عهوده لرعيته، وللكفار وغيرهم، أو غدره للأمانة التى قلدها لرعيته، والتزم القيام بها، والمحافظة عليها، ومتى خانهم، أو ترك الشفقة عليهم، أو الرفق بهم فقد غدر بعهده. والاحتمال الثاني: أن يكون المراد نهي الرعية عن الغدر بالإمام، فلا يشقوا عليه العصا، ولا يتعرضوا لما يخاف حصول فتنة بسببه، والصحيح الأول، والله أعلم"، قاله النووي (12/ 287). قلت: هو يشمل "كل غادر" كما قال - صلى الله عليه وسلم -، وإن كانت تختلف الغدرات من غادر إلى آخر، ولذلك يرفع هذا اللواء لكل غادر "بقدر غدرته" كما في رواية لمسلم من حديث أبي سعيد، وهذا اللواء يرفع عند است الغادر. نعوذ بالله من الخذلان. (¬4) وفي "الأصل": "متفق على هذه الأحاديث"، والمثبت من "أ" وهو أوجه. والله أعلم.

832 - وعن عبد الله بنِ عُمر رضي الله عنهما، قال: كُنّا نُصِيبُ في مَغَازِينا العَسَلَ والعِنَبَ، فنأْكُلُه، ولا نَرفَعُهُ. خ (¬1). 833 (412) - عن عبد الله بنِ عُمر؛ أنَّ امرأةً وُجِدَت في بعض مَغَازِي النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - مَقْتُولةً، فأنكرَ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - قتلَ النِّساءِ والصِّبيان. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ (¬2). 834 - وعن أبي هُريرة قال: بَعَثَنَا رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - في بَعْثٍ، فقال: "إن وجدْتُم فُلانًا وفُلانًا (¬3) فأَحرِقُوهما بالنَّارِ". ثم قالَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - حِين أردْنَا الخُروجَ: "إِنِّي أمرتُكم أن تُحَرِّقُوا فُلانًا وفُلانًا، وإِنّ النارَ لا يُعذِّبُ بها إلا الله [عز وجل] (¬4)، فإنْ وجَدْتُمُوهُمَا (¬5) فاقْتلُوهُما". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ (¬6). 835 - عن الصَّعْبِ بنِ جَثَّامَةَ قال: مرّ بي النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - بالأَبْواءِ، أو: بوَدّانَ (¬7)، وسُئِلَ عن أهل الدَّارِ؛ من المشركين، يُبَيَّتُونَ (¬8)، فيُصابُ من ¬

_ (¬1) رواه البخاري (3154)، ومعنى. "لا نرفعه": "أي: لا نحمله على سبيل الادخار، ويحتمل أن يريد: ولا نرفعه إلى متولي أمر الغنيمة، أو إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -، ولا نستأذنه في أكله اكتفاءً بما سبق منه من الإذن". قاله ابن حجر (6/ 256). (¬2) رواه البخاري (3014)، ومسلم (1744) (24) وفي رواية لهما: "فنهى عن" بدل: "فأنكر". (¬3) زاد البخاري في رواية: "لرجلين من قريشٍ سمّاهما". (¬4) زيادة من "أ". (¬5) وفي الرواية الأخرى: "أخذتموهما". (¬6) رواه البخاري (3016)، وهو من أفراده. (¬7) "الأبواء" و"ودان": موضعان بين مكة والمدينة، تقدم بيانهما عند الحديث رقم (500). (¬8) "يبيتون": يغار عليهم بالليل.

نِسَائِهم وَذَرارِيِّهم؟ قال: "هم مِنْهم". وسمعته يقولُ: "لا حمى إلا لله ولرسُولِهِ". متَّفَقٌ عَلَيْهِ (¬1). 836 - عن أمّ عطيّة قالتْ: غزوتُ مع رسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - سبعَ غزواتٍ أَخْلُفُهُم في رِحَالِهم، وأصنعُ لهم الطَّعامَ، وأُداوِي الجرحى، وأقومُ على المرضى. م (¬2). 837 - عن يزيد بنِ هُرْمُزَ؛ أن نجدةَ - هو: ابنُ عامر الحروريّ (¬3) - كتبَ إلى ابنِ عبّاس يِسألُهُ عن خَمْسِ خِصَالٍ. فقال ابنُ عباسٍ: لولا أنْ أكتُمَ علمًا ما كتبتُ إليه (¬4). ¬

_ (¬1) رواه البخاري- واللفظ له - (3012)، ومسلم (1745). قال النووي (12/ 294): "في هذا الحديث دليل لجواز البيات، وجواز الإغارة على من بلغتهم الدعوة من غير إعلامهم بذلك، وفيه أن أولاد الكفار حكمهم في الدنيا حكم آبائهم، وأما في الآخرة ففيهم - إذا ماتوا قبل البلوغ- ثلاثة مذاهب: الصحيح أنهم في الجنة، والثاني في النار، والثالث لا يجزم فيهم بشيء، والله أعلم". (¬2) رواه مسلم (1812) (142). وقال القرطبي في "المفهم" (3/ 684 - 685) عن صنيع أم عطية وغيرها من الصحابيات رضي الله عنهن أنهن "يحملن الماء على ظهورهن، فيضعنه بقرب الرجال، فيتناوله الرجال بأيديهم فيشربوه، ويهيئن الأدوية للجراح ويصلحنها، ولا يلمسن من الرجال مالا يحل، ثم أولئك النساء إما متجالات، فيجوز لهن كشف وجوههن، وإما شواب فيحتجبن، وهذا كله على عادة نساء العرب في الانتهاض، والنجدة، والجرأة، والعفة، وخصوصًا نساء الصحابة". (¬3) من رؤوس الخوارج، زائغ عن الحق، قتل سنة تسع وستين، قتله أصحابه، وقيل: بل ظفر به أصحاب ابن الزبير، و"الحروري": نسبة إلى حروراء. انظر الحديث رقم (118). (¬4) أضف إلى ذلك قول ابن عباس: "إني لأرى لجواب الكتاب حقًا كرد السلام"، رواه البخاري بسند حسن في "الأدب المفرد" (1117 بتحقيقي). =

كتبَ إليه نجدةُ: أمّا بعدُ: فأخبرْنِي هل كانَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - يغزُو بالنِّساءِ؟ وهل كان يضرِبُ لهنّ بسهمٍ؟ وهل كانَ يقتِلُ الصِّبيانَ؟ ومتى ينقَضِي يُتْمُ اليتيم؟ وعن الخُمْسِ: لِمَنْ هو؟ فكتبَ إليه ابنُ عباس: كتبتَ تسألُنِي: هل كانَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - يغزُو بالنساءِ؟ وقد كان يغزُو بهنّ، فيُداوِين الجرحى، ويُحْذَيْنَ (¬1) من الغَنِيمَةِ، وأمّا سهمٌ فلم يضرِبْ لهنَّ. وأنَّ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - لم يكُنْ يقتُلُ الصِّبيانَ، فلا تَقْتُل الصِّبيانَ- وفي روايةٍ: إلا أنْ تكونَ تعلمَ ما عَلِمَ الخَضِرُ من الصَّبي الذي قتل (¬2) - وكتبتَ تسألُنِي: متى ينقَضِي يُتْمُ اليتيمِ؟ فلَعَمْرِي إنَّ الرجلَ لتنبتُ لِحيتُه، وإنّه لَضَعِيفُ الأخذِ لنفسِهِ، ضَعِيفُ العطاءِ منها، وإذا أخذَ لنفسِهِ من صَالِحِ ما أخذَ الناسُ فقد ذهبَ عنه اليُتْمُ (¬3). ¬

_ = وفي رواية: "قال ابن عباس ليزيد: اكتب إليه، فلولا أن يقع في أحموقة ما كتبت إليه". وفي أخرى: "والله لولا أن أرده عن نتنٍ يقع فيه ما كتبت إليه، ولا نعمة عين". (¬1) وقوله: "يحذين": "هو بضم الحاء وإسكان الحاء المهملة، وفتح الذال المعجمة. أي: يعطين تلك العطية، وتسمى: الرضخ". قاله النووي. (¬2) وزاد: "وتميز المؤمن، فتقتل الكافر، وتدع المؤمن"، وفي أخرى: "إلا أن تعلم منهم ما علم صاحب موسى من الغلام الذي قتله". (¬3) وفي رواية: "إنه إذا بلغ النكاح، وأُونس منه رشد، ودُفع إليه ماله، فقد انقضى يتمه".

وكتبتَ تسألُني: عن الْخُمُسِ؟ وإنا نقولُ: هُو لَنَا، فأبى علينا قومُنا ذلك (¬1). م (¬2). 838 (414) - عن عمر بنِ الخطَّاب رضي الله عنه، قال: كانتْ أموالُ بني النَّضِير (¬3) مما أفاءَ الله على رسُولِهِ، مما لم يُوجِفِ (¬4) المسلِمُونَ عليه بخيل ولا رِكَابٍ، وكانتْ لرسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - خَالِصًا (¬5)، فكانَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعزِلُ نفقةَ أهلِهِ سنةً (¬6)، ثم يجعلُ ما بقِي في الكُرَاع (¬7) والسِّلاحِ عُدّةً في سَبِيل الله عز وجل. ت مُتَّفَقٌ على مَعْناه (¬8). ¬

_ (¬1) في "أ": "ذاك". (¬2) رواه مسلم (1812). (¬3) النضير: قبيلة من اليهود كانت تسكن المدينة، وكانت غزوة بني النضير في ربيع الأول سنة أربع من الهجرة، وفي هذه الغزوة حاصرهم - صلى الله عليه وسلم - ست ليال، وأمر بقطع نخيلهم وإحراقه، فسألوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يجليهم ويحقن دماءهم، على أن لهم ما حملت إبلهم غير السلاح، فأجابهم - صلى الله عليه وسلم - إلى ذلك، فلحق بعضهم بخيبر، وبعضهم بالشام. انظر "الفصول" ص (126) طبع مكتبة المعارف بالرياض. (¬4) "يوجف": الإيجاف هو الإسراع، والمراد أنه حصل بلا قتال. (¬5) هذا لفظ الترمذي (1719)، وفي "الصحيحين": "خاصة". (¬6) هذا لفظ الترمذي، وفي "الصحيحين": "ينفق على أهله نفقة سنة". (¬7) "الكراع": الدواب التي تصلح للحرب. (¬8) هو في "سنن الترمذي" (1719) بلفظه، ورواه البخاري (2904)، ومسلم (1757) (48) مع الاختلافات السابق ذكرها، ورواه البخاري ومسلم مطولًا، وفيه قصة. وقال ابن الملقن في "الإعلام" (ج 4/ ق 126/ ب): "هذا الحديث لما ذكره المصنف في "عمدته الكبرى" عزاه إلى الترمذي، ثم قال:: "ومتفق على معناه"، هذا لفظه. وقد أخرجه مسلم في الجهاد بلفظ - فذكره بنحو اللفظ المذكور هنا- ثم قال=

839 - عن عُبادة بن الصَّامت وضي الله عنه؛ أنَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - كان يُنَفِّلُ في البَدْأَةِ: الرُّبُعَ، وفي القُفُولِ: الثُّلُث. ت حدِيثٌ حسنٌ (¬1). 840 - عن ابنِ عبّاسٍ؛ أنَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - تَنَفَّلَ سيفَه ذا الفَقَارِ (¬2) يومَ بدرٍ، ¬

_ = يعني: ابن الملقن-: ثم ساقه بنحوه مطولًا بقصة، وأخرجه بها البخاري في خمسة مواضع من صحيحه". قلت: الحديث- بالقصة- عند البخاري (3094 و 4033 و 5358 و 6728 و 7305)، وعند مسلم (1757) (49). تنبيه: قوله: "ت متفق على معناه" أثبته من "أ"، وأما الأصل ففيه: "متفق عليه. متفق على معناه ت"!! وكنت في الطبعة الأولى حذفت "متفق عليه" لأن مثل هذا من سهو النساخ، والآن أرجح الذي في "أ" لموافقته لنقل ابن الملقن. وزاد المصنف- رحمه الله- في "الصغرى" حديثًا واحدًا، وهو: 416 - وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: عُرضتُ على النبيّ - صلى الله عليه وسلم - يومَ أُحدٍ - وأنا ابنُ أربع عشرةَ - فلم يُجزني، وعرضتُ عليه يومَ الخندقِ- وأنا ابنُ خمسَ عشرةَ - فأجازني. (رواه البخاري: 4097، ومسلم: 1868). تنبيه: هذا الحديث كان حقه أن يوضع في الهامش عقب الحديث رقم (848) (415) الآتي في كتاب السبق ص (477)، وذلك حسب الترقيم، ولكن المصنف لم يفرد في "الصغرى" كتابًا للسبق وإنما جعل هذا الحديث ضمن كتاب الجهاد؛ ولأن هذا الحديث (416) الزائد له تعلق بكتاب الجهاد آثرت وضعه هنا. (¬1) صحيح بشواهده. رواه الترمذي (1561)، وله شاهد صحيح في "سنن أبي داود" (2750) عن حبيب بن مسلمة، انظره في "بلوغ المرام" (1292 بتحقيقي). (¬2) بفتح الفاء وكسرها، قيده بذلك غير واحد من أهل العلم، وفي صفته قال الذهبي في "السيرة" ص (511 - 512): "وكان له- صلى الله عليه وسلم - ذو الفقار؛ لأنه كان في وسطه مثل فقرات الظهر صار إليه يوم بدر ... ، وكانت قبيعته، وقائمته، وحلقته، وذؤابته، وبكراته، ونصله من فضة، والقائمة هي الخشبة التي يمسك بها، وهي القبضة ... وهو ذو الفقار، بالكسر جمع =

وهُو الذي رأى فيه الرُّؤيا يومَ أُحدٍ. ت [حَدِيثٌ] (¬1) حسنٌ غرِيبٌ (¬2). 841 - عن أبي سعيدٍ الخدري رضي الله عنه، قال: نهى رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - عن شِرَاء الغنائمِ حتى تُقْسَم. ت (¬3). 842 - عن عبد الله بنِ عُمر رضي الله عنهما، قال: بَعَثَنَا رسولُ الله ¬

_ = فقرة، وبالفتح جمع فقارة، سمي بذلك لفقرات كانت فيه، وهي حفر كانت في متنه حسنة. ويقال: كان أصله من حديدةٍ وجدت مدفونة عند الكعبة من دفن جرهم، فصنع منها ذو الفقار". (¬1) زيادة من "أ". (¬2) حسن. رواه الترمذي (4/ 110 - 111) عقب الحديث رقم (1561)، وابن ماجة (2808) والبيهقي في "السنن" (6/ 304)، وفي "الدلائل" (3/ 136 - 137)، والحاكم (3/ 39) من طرق عن عبد الرحمن بن أبي الزناد، عن أبيه، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة، عن ابن عباس، به، وهذا سند حسن من أجل عبد الرحمن. قلت: والمراد بالرؤيا، هو قوله - صلى الله عليه وسلم -: "رأيت في سيفي ذي الفقار فلا، فأولته: فلا يكون فيكم ورأيت إني مردف كبشًا، فأولته: كبش الكتيبة، ورأيت أني في درع حصينة، فأولتها: المدينة، ورأيت بقرًا تذبح، فبقر والله خير، فبقر والله خير"، فكان الذي قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. رواه أحمد (1/ 271)، والحاكم (2/ 129) بنفى السند السابق، وهو حسن. (¬3) صحيح لشواهده. وهذا الحديث رواه الترمذي (1563)، وابن ماجة (2196)، وأحمد (3/ 42) من طريق محمد بن إبراهيم الباهلي، عن محمد بن زيد العبدي، عن شهر بن حوشب، عن أبي سعيد، به. وقال الترمذي: "في الباب عن أبي هريرة. وهذا حديث غريب". قلت: حديث أبي هريرة رواه أحمد (2/ 472) مطولًا، وفيه: "نهى رسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عن بيع المغانم حتى تقسم"، وفى سنده راوٍ مجهول. وله شاهد آخر عن أبي أمامة، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه نهى أن تباع السهام حتى تقسم. رواه الدارمى (2/ 226)، والطبراني في "الكبير" (7594 و 7774)، وسنده صحيح. وله شواهد أخرى ذكرها الهيثمي في "المجمع" (4/ 101).

- صلى الله عليه وسلم - في سَرِيَّة، فحاصَ المسلِمُونَ حَيْصةً، فقدِمنا المدينةَ فَاخْتبَيْنَا بها، وقُلنا: هلكنا. ثم أتينا رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم -. فقُلنا: يا رسولَ الله! نحن الفرَّارُون. قال: "بل أنتُم العكَّارُونَ، وأنا فِئتُكُم". ت حَسَنٌ (¬1). وقالَ: قولُه: حاص المسلِمُون: يعني: أنَّهم فرُّوا من القِتَالِ. والعكَّارُ: الذي يفِرّ إلى إِمَامِهِ؛ لينصُرَه، وليس يريدُ به الفرارَ من الزَّحْفِ. 843 - عن عائشةَ رضي الله عنها؛ أنَّ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - خَرَجَ إلى بدر (¬2) حتَى إذا كانَ بحرَّةِ الوبرِ (¬3)، لَحِقَه رجلٌ من المشركين - يُذكرُ منه جُرْأةٌ ونجدَةٌ (¬4) - فقال النبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "تُؤمِنُ بالله ورسُوَلِهِ؟ "، قال: لا. قال: ¬

_ (¬1) ضعيف. رواه الترمذي (1716)، والبخاري في "الأدب المفرد" (972 بتحقيقي). وفيه يزيد بن أبي زياد، قال عنه الحافظ: "ضعيف، كبر فتغير، وصار يتلقن". (¬2) بدر: ماء مشهور بين مكة والمدينة، عن يمين الذاهب إلى مكة، وهو أسفل وادي الصفراء بينه وبين ساحل البحر ليلة، وهو على ثمانية وعشرين فرسخًا من المدينة (نحو 120 كيلًا). وبه سميت الوقعة المباركة العظيمة التي فرق الله بها بين الحق والباطل، وأعز الإسلام وأهله، ودمغ الكفر وأهله، وكانت في رمضان سنة اثنتين من الهجرة. (¬3) كذا بالأصلين "حرة الوبر"، وهي أيضًا في "السنن" كذلك. وأما "صحيح مسلم" ففيه: "حرة الوبرة". والوبرة: بثلاث فتحات، وهذه الحرة على ثلاثة أميال من المدينة. (¬4) زاد مسلم: "ففرح أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين رأوه، فلما أدركه، قال لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -: جئت لأتبعك، وأصيب معك".

"فارْجعْ، فلن أستعِينَ بِمُشْرِكٍ" (¬1). ت حسنٌ غريبٌ (¬2). 844 - عن أبي أيُّوب الأنصاريّ قال: سمِعتُ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - يقولُ: "مَنْ فَرَّقَ بينَ وَالِدَةِ ووَلَدها، فرَّق اللهُ بينه وبين أحِبّتِه يومَ القيامة". ت [حديث] (¬3) حسنٌ غرِيبٌ (¬4). 845 - عن أنس بنِ مالكٍ رضي الله عنه قال: قالَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "ثَلاثٌ مِن أصل الإِيمانِ: الكَفُّ عمّن قال: لا إله إلا الله، لا نُكفّرُه بذنبٍ، ¬

_ (¬1) زاد مسلم: قالت: ثم مضى، حتى إذا كنا بالشجرة أدركه الرجل، فقال له كما قال أول مرة، فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم - كما قال أول مرة. قال: "فارجع، فلن أستعين بمشرك"، قال: ثم رجع فأدركه بالبيداء، فقال له كما قال أول مرة: "تؤمن بالله ورسوله"؟ قال: نعم. فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "فانطلق". (¬2) صحيح. رواه الترمذي (1558)، وهو في صحيح مسلم (1817)!! (¬3) زيادة من "أ". (¬4) حسن. رواه الترمذي (1283)، وأحمد (5/ 412 - 413)، والحاكم (2/ 55) من طريق حيي بن عبد الله المعافري، عن أبي عبد الرحمن الحبلي قال: كنا في البحر، وعلينا عبد الله بن قيس الفزاري، ومعنا أبو أيوب الأنصاري، فمر بصاحب المقاسم، وقد أقام السبي، فإذا امرأة تبكي، فقال: ما شأن هذه؟ قالوا: فرقوا بينها وبين ولدها، قال: فأخذ بيد ولدها حتى وضعه في يدها، فانطلق صاحب المقاسم إلى عبد الله بن قيس فأخبره، فأرسل إلى أبي أيوب، فقال: ما حملك على ما صنعت؟ قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ... فذكره، وهذه القصة لأحمد دونهم. وقال الحافظ في "البلوغ" (810 بتحقيقي): "صححه الترمذي والحاكم، ولكن في إسناده مقال". قلت: المقال من أجل حيي بن عبد الله، ولكن قال ابن معين: "ليس به بأس"، وقال عنه الحافظ في "التقريب": "صدوق يهم". وقال الذهبي في "الميزان" (1/ 623): "حسن له الترمذي عن أبي عبد الرحمن الحبلي، عن أبي أيوب فيمن فرق بين والدة وولدها".

ولا نُخرجُه من الإِسلامِ بعملٍ. والجِهادُ ماضٍ منذُ بعثني اللهُ [عَزَّ وَجَلَّ] (¬1) إلى أن يُقاتِلَ آخرُ أمتي الدّجّالَ، لا يُبطِلُه جورُ جائرٍ، ولا عدلُ عادِلٍ. والإِيمانُ بالأقدارِ". د (¬2). 846 - عن أنس بنِ مَالكٍ؛ أنَّ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "انْطَلِقُوا بسم الله وبالله، وعلى ملّة رسُولِ الله: لا تَقتلُوا شيخًا فانِيًا, ولا طِفْلًا صَغِيرًا، ولا امرأة، ولا تغلُّوا، ضُمُّوا غَنائِمكم، وأَصْلِحُوا، وأحسِنُوا؛ إن الله يُحِب المحسنين". د (¬3). 847 - عن عم صالح بنِ مُحمد بنِ زائدة، عن سالم بنِ عبد الله بن عُمر، عن أبيه (¬4)؛ أن رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "مَنْ وجدتُمُوه غَلّ في سَبِيل الله [عَزَّ وَجَلَّ] (¬5)، فأَحْرِقُوا مَتاعَهُ". قال صالحٌ: فدخلتُ على مَسْلَمَةَ، ومعه سالمُ بنُ عبد الله، فوجدَ ¬

_ (¬1) زيادة من "أ". (¬2) ضعيف. رواه أبو داود (2532)، وأبو عيد في "الإيمان" (27)، والمزي في "التهذيب" (32/ 254) من طريق جعفر بن برقان، عن ابن أبي نشبة، عن أنس به، وابن أبي نشبة، هو: يزيد بن أبي نُشْبَةَ، وهو "مجهول"، كما قال الذهبي وابن حجر. (¬3) ضعيف. رواه أبو داود (2614)، والمزي في "التهذيب" (8/ 151)، وفي سنده خالد بن الفرز، قال أبو حاتم: "شيخ"، وقال ابن معين: "ليس بذاك"، كما أنه ليس له راو سوى الحسن ابن صالح بن حي، ولذلك قال الحافظ في "التقريب": "مقبول". (¬4) هكذا بالأصلين: "سالم بن عبد الله بن عمر، عن أبيه"، والصواب: "سالم بن عبد الله، عن عبد الله بن عمر، عن عمر ... "، كما في "السنن". (¬5) زيادة من "أ".

رجُلًا قد غَلَّ، فحدَّث سالِمٌ بهذا الحديثِ، فأمَرَ به، فأُحرِقَ متاعُه، فوُجِدَ في مَتاعِهِ مُصحَفٌ. فقال: بعْ (¬1)، وتصدَّق بثمنِهِ. ت حسنٌ غريبٌ (¬2). د نحوه (¬3). ¬

_ (¬1) في "سنن الترمذي": "فقال سالم: بع هذا". (¬2) ضعيف. رواه الترمذي (1461)، وعلته صالح بن محمَّد بن زائدة، فقد ضعفه غير واحد من أئمة "الجرح والتعديل" وأنكروا عليه هذا الحديث، منهم البخاري رحمه الله، إذ قال في "التاريخ الأوسط" (2/ 96): "صالح بن محمَّد بن زائدة أبو واقد الليثي، تركه سليمان بن حرب، منكر الحديث، روى عن سالم عن أبيه عن عمر رفعه: "من غل فأحرقوا متاعه"، لا يتابع عليه، وقال النبي - صلى الله عليه وسلم - في الغال: "صلوا على صاحبكم"، لم يحرق متاعه". وقال في "الكبير" (2/ 2/ 91) نحو ذلك. والحديث أورده الذهبي في "الميزان" (2/ 300) مما استنكر لصالح هذا. (¬3) ضعيف. رواه أبو داود (2713) بنحو رواية الترمذي، ومن نفس الطريق، وعلته كعلته.

21 - كتاب السبق

21 - كتاب السبق 848 (415) - عن عبد الله بنِ عُمر رضي الله عنهما، قال: أجرى (¬1) النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - ما ضُمِّرَ مِن الخيل (¬2): مِن الحَفْياء إلى ثنيّةِ الوَدَاعِ، وأجرى ما لم يُضَمَّر من الثنيةِ إلى مسجدِ بني زُرَيق. قال ابنُ عمر: وكنتُ فِيمن أجرى (¬3). قال سُفيان: مِن الحَفْياء إلى ثنيةِ الوداعِ خمسةُ أميالٍ، أو سِتّةٌ. ومِن ثنيةِ الوَدَاع إِلى مسجدِ بني زُرَيق مِيلٌ (¬4). ¬

_ (¬1) قوله: "أجرى"، أي: سابق، كما جاء في رواية مسلم، وأيضا عند البخاري (420). (¬2) وفي تضمير الخيل أقوال، منها ما قاله ابن الأثير في "النهاية" (3/ 99): "تضمير الخيل: هو أن يظاهر عليها بالعلف حتى تسمن، ثم لا تعلف إلا قوتًا؛ لتخف. وقيل: تشد عليها سروجها، وتجلل بالأجلة حتى تعرق تحتها؛ فيذهب رهلُها، ويشتد لحمها". وقال ابن الملقن في "الإعلام" (ج 4/ ق 127/ ب): "نقل الفاكهي عن أهل اللغة أن التضمير: أن تعلف حتى تسمن، ثم يرده إلى القوت - أي: فلا يعلف غيره - وذلك في أربعين يومًا، وهذه المدة تسمى المضمار، والموضع الذي يضمر فيه يسمى أيضًا مضمارًا، وهو بيت كنين، يجلل فيه؛ لتعرق ويجف عرقها، فيخف لحمها، وتقوى على الجري". (¬3) وفي رواية لمسلم قال ابن عمر: "فجئت سابقًا، فطفف بي الفرسُ المسجدَ". أي: جاوز بي المسجد؛ الذي كان هو الغاية، كما قال ابن حجر في "الفتح" (6/ 72). وأما النووي فقال (13/ 19): "أي: علا ووثب إلى المسجد، وكان جداره قصيرًا، وهذا بعد مجاوزته الغاية؛ لأن الغاية هي هذا المسجد، وهو مسجد بني زريق، والله أعلم". (¬4) كذا قال سفيان، وأما موسى بن عقبة، فقال: بين الحفياء والثنية ستة أميال أو سبعة، وبين الثنية والمسجد ميل أو نحوه. رواه عنه البخاري (2870). قلت: وقوله: "قال سفيان"، قال ابن الملقن في "الإعلام" (ج 4/ ق 126/ ب): "سفيان هذا هو: ابن عيينة بن ميمون العلامة الحافظ، شيخ الإِسلام، ومحدث الحرم، وترجمته موضحة فيما =

مُتَّفَقٌ عَلَيْه (¬1). ¬

_ = أفردته في الكلام على رجال هذا الكتاب، فليراجع منه، وترجم الصعبي في رجال هذا الكتاب لسفيان هذا ولسفيان الثوري، فكأنه توقف في المراد، وليس كما توهم، فإنه ابن عيينة لا الثوري، كما قررناه، فتنبه لذلك". أهـ. قلت: وهو وهم عن بن الملقن رحمه الله؛ فإنه الثوري لا ابن عيينة؛ فإن البخاري قال: "حدثنا قبيصة، حدثنا سفيان، عن عبيد الله ... "، وليست لابن عيينة رواية عن عبيد الله في "الصحيح"، كما أن قبيصة - وهو: ابن عقبة- لا يروي عن ابن عيينة، ولكن يروي عن الثوري، وقد جزم المزي في "التحفة" (6/ 136) بأنه سفيان الثوري، وأيضًا الحافظ في "الفتح" (6/ 72)، وعزا الحديث لـ: "جامع الثوري". تذييل: الصعبي هذا هو: عبد الغني بن محمَّد بن أبي الحسن؛ أبو محمَّد الصعبي المصري، كان رجلًا صالحًا, ولد يوم الخميس ثاني عشر من شهر صفر سنة (619 هـ)، وتوفي في جمادى الآخرة سنة (686 هـ)، له شرح لكتاب "عمدة الأحكام الصغرى"، وحدث عن ابن باقا، والعلم ابن الصابوني. وروى عنه البرزالي وابن سيد الناس. استدراك: هذا ما كنت كتبته في الطبعة السابقة! والآن أقول: بل هو: أمين الدين أبو محمَّد؛ عبد القادر بن محمَّد بن أبي الحسن بن علي بن عثمان، الصعبي نسبًا، المصري مولدًا، الشافعي مذهبًا. كما جاء في مقدمة كتابه "أسماء رجال العمدة" (ق 1/ أ) وله ترجمة أيضًا في "الوفيات" للبرزالي ص (234 - 235)، وقال عنه: "كان رجلًا فاضلًا من أهل الحديث والديانة"، وورّخ وفاته في ليلة الأحد العشرين من ذي الحجة سنة ثلاث عشر وسبعمئة. قلت: وكتابه يقع في (117 ورقة)، وتاريخ نسخه في يوم الخميس 12 من المحرم سنة (767 هـ) وترجمته للسفيانين في ذلك الكتاب (ق 110/ ب: ق 111/ ب). وأخيرًا: أقول لذلك الحرامي الذي سرق كتابي "العمدة في الأحكام" أن يصحح هذه المعلومة! فإنه كان سرقها من هنا- على ما كان فيها من خطإ - ووضعها في مقدمة طبعته المسروقة!! ص (23). (¬1) رواه البخاري -واللفظ له- (2868)، ورواه مسلم (1870) بنحوه، ولم يرو قول سفيان أصلًا. وانظر "البلوغ" (1314). تنيه: زاد المصنف -رحمه الله- في "الصغرى" حديثًا واحدًا، انظره في هامش ص (499).

849 - عن أبي هريرة قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم -: "لا سَبَقَ إلا في خفٍّ، أو حَافِرٍ، أو نَصلٍ". د (¬1). 850 - عن عِمْران بنِ حصين رضي الله عنه، عن النبىِّ - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا جَلَبَ، ولا جَنَبَ". وفي لفظٍ: "في الرِّهانِ". د (¬2). ¬

_ (¬1) صحيح. رواه أبو داود (2574)، وانظر "بلوغ المرام" (1316 بتحقيقي). قال الخطابي في "معالم السنن" (2/ 220 - 221): "السبق: بفتح الباء، هو ما يجعل للسابق على سبقه من جعل أو نوال. فأما السبق: بسكون الباء، فهو مصدر سبقت الرجل أسبقه سبقًا، والرواية الصحيحة في هذا الحديث السبق مفتوحة الباء، يريد أن الجعل والعطاء لا يستحق إلا في سباق الخيل والإبل وما في معناهما، وفي النصل وهو الرمي؛ وذلك لأن هذه الأمور عدة في قتال العدو، وفي بذل الجعل عليها ترغيب في اجهاد وتحريض عليه. ويدخل في معنى الخيل البغال والحمير؛ لأنها كلها ذوات حوافر، وقد يحتاج إلى سرعة سيرها ونجائها؛ لأنها تحمل أثقال العساكر، وتكون معها في المغازي. وأما السباق بالطير، والزجل بالحمام، وما يدخل في معناه مما ليس من عدة الحرب، ولا من باب القوة على الجهاد، فأخذ السبق عليه قمار محظور لا يجوز". أهـ. (¬2) حديث صحيح بشواهده. فحديث عمران: رواه أبو داود (2581)، والترمذي (1123)، والنسائي (6/ 111 و 228)، وأحمد (4/ 429) من طريق الحسن البصري، عن عمران، ولا علة له إلا عنعنة الحسن. ورواه الطبراني في "الكبير" (18/ 547/ 219) ضمن حديث طويل من طريق حبيب بن أبي فضالة المكي، عن عمران. ورواه أيضًا (18/ 606/ 242) من طريق ورجاء بن حيوة، عن عمران بن حصين، قال: نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الجلب والجنب ... وله لشاهد من حديث عبد الله بن عمرو:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = رواه أحمد (2/ 180 و 216)، وابن الجارود (1052) من طريق محمَّد بن إسحاق، حدثني عمرو ابن شعيب، عن أبيه، عن جده، وهذا سند حسن. وآخر من حديث أنس. رواه عبد الرزاق (6690)، وعنه أحمد (3/ 197) عن معمر، عن ثابت، عنه به. وهذا سند صحيح على شرط الشيخين. قلت: والجلب والجنب يكون في الزكاة، وفي السباق، فالجلب في السباق، قال عنه ابن الأثير (1/ 281): "هو أن يتبع الرجل فرسه، فيزجره، ويجلب عليه، ويصيح؛ حثًا له على الجري، فنهي عن ذلك". وقال عن "الجنب" (1/ 303): "أن يجنب فرسًا إلى فرسه الذي يسابق عليه، فإذا فتر المركوب تحول إلى المجنوب". وقد أسند أبو جعفر الطحاوي تفسير هذا الحديث عن إمامين كبيرين هما. مالك بن أنس، والليث ابن سعد، فقال في "مشكل الآثار" (5/ 153 - 154). "ولا اختلاف بين أهل العلم أن المراد بذلك هو النهي عن هذين المعنيين المذكورين في هذه الآثار في السَّبق بما يجوز السبقُ بمثله. وقد رُويَ في ذلك عن مالك، وعن الليث بن سعد: ما قد حدثنا يونس بن عبد الأعلى قال: أخبرنا عبد الله بن وَهْب، قال: سُئِلَ مالك بن أنس: هل سمعتَ أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا جَلَبَ ولا جَنَبَ؟ "، وما تفسيرُ ذلك؟ قال: لم يبلُغْني ذلك عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، وتفسيرُ ذلك: أن يُجْلَبَ وراءَ الفرس حين يُدْبِر ويحرَّك وراءهُ الشيءُ يستحثُّ به، فيَسبِق، فذلك الجَلَبُ. والْجَنَب: أن يُجْنَبَ مع الفرس الذي يُسابق به فرسٌ آخر حتى إذا دنا من الغاية تحوَّل صاحبه على الفرس الْمجْنُوب. وما ذكره يونس، عن ابن وهب قال: قال الليث في تفسير: "لا جَلَبَ"، قال: أن يجلب وراء الفرس في السباق. و"الجنب": أن يكون إلى جنبه يهتفُ به للسباق. ولا نعلم في ذلك قولًا غير هذين القولين اللذَيْن ذكرناهما في هاتين الروايتين. فأمّا الجلبُ: فقد اتفق مالك والليثُ على المراد به ما هو؟ فقال فيه كلُّ واحدٍ منهما في هاتين الروايتين ما ذكرناه عنه فيهما. =

851 - عن أبي هُريرة، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "مَنْ أدخَلَ فرسًا بين فرسينِ -يعني: وهو لا يُؤْمَنُ أن يُسْبَقَ- فليسَ بقِمَارٍ، ومَنْ أدخلَ فرسًا بين فرسَيْن، وقد أَمِنَ أنْ يُسبَق، فهو قِمَارٌ". في (¬1). ¬

_ = والواجب في ذلك استعمالُ التأويلين جميعْا ليُحيط مستعمِلُهما علمًا أنه لم يدخل فيما قد نهاه عنه رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -، والله تعالى نسألُه التوفيق". (¬1) ضعيف. رواه أبو داود (2579) من طريق سفيان بن حسين، عن الزهريّ، عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة، به. قلت: سفيان بن حسين ضعيف في الزهريّ، كما هو معروف، وأغلب ظني أن هذا من كلام سعيد ابن المسيب. فقد رواه مالك في "الموطأ" (2/ 468/ 46) عن يحيى بن سعيد؛ أنه سمع سعيد بن المسيب يقول: ليس برهان الخيل بأس إذا دخل فيها محلل، فإن سَبق أخذ السبق، وإن سُبق لم يكن عليه شيء. فلعل هذا هو أصل الحديث، والله أعلم. ثم رأيت أبا حاتم قال في "العلل" (2/ 252/ رقم 2249): "هذا خطأ. لم يعمل سفيان بن حسين بشيء! لا يشبه أن يكون عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، وأحسن أحواله أن يكون عن سعيد بن المسيب قوله. وقد رواه يحيى بن سعيد، عن سعيد قوله". وقال الحافظ في "التلخيص" (4/ 163): "قال ابن أبي خيثمة. سألت ابن معين عنه؟ فقال: هذا باطل، وضرب على أبي هريرة. وقد غلَّط الشافعيُّ سفيان بنَ حسين في رواية عن الزهريّ عن سعيد عن أبي هريرة حديث: "الرجل جبار"، وهو بهذا الإسناد أيضًا".

22 - كتاب العتق

22 - كتابُ العتق 852 (42) - عن عبد الله بنِ عُمر رضي الله عنهما؛ أنَّ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "مَنْ أعتقَ شِرْكًا (¬1) له في عَبْدٍ، فكانَ له مالٌ يبلغُ ثمنَ العبدِ، قُوّم العبدُ عليه قِيمةَ عَدْل، فأُعْطِي شُرَكاؤه (¬2) حِصَصَهُم، وعَتَقَ عليه العبدُ، وإلا فقد عَتَقَ مِنه ما عَتَقَ" (¬3). 853 (422) - عن أبي هُريرة، عن النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قال: "مَنْ أعتقَ شَقِيصًا من مملوكٍ، فعليه خَلاصُهُ في مَالِهِ، فإن لم يكُن له مَالٌ، قُوَمَ المملوكُ قِيمةَ عَدْلٍ، ثم اسْتُسْعِي العبدُ (¬4) غيرَ مَشْقُوقٍ عليه" (¬5). مُتَّفَقٌ عَلَيْهِما. ¬

_ (¬1) الشرك: النصيب. (¬2) كذا الجملة في الأصلين، وفي "الصغرى": "فأعطى شركاءه"، قال الحافظ في "الفتح" (5/ 153): "قوله: "فأعطى شركاءه" كذا للأكثر على البناء للفاعل، و"شركاءه" بالنصب، ولبعضهم "فأعطي" على البناء للمفعول، و"شركاؤه" بالضم". (¬3) رواه البخاري -واللفظ له- (2522)، ومسلم (1501). (¬4) لفظ: "العبد" لم يذكر في "أ"، ولا ذكره الحافظ عبد الغني في "الصغرى، وهو أيضًا ليس في "صحيح البخاري"، وإنما هو لمسلم. (¬5) رواه البخاري (2492)، ومسلم (1503). وزاد المصنف -رحمه الله- في "الصغرى" حديثًا واحدًا، وهو: 423 - عن جابر بنِ عبد الله رضي الله عنهما قال دبَّر رجلٌ مِن الأنصارِ غُلامًا له. (لفظ مسلم: ج 3/ ص 1289). - وفي لفظٍ: بلغَ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم -: أنّ رجُلًا من أصحابِهِ أعتقَ غُلامًا له عن دُبُرٍ، لم يكن له مالٌ غيرُه، فباعه بثمانمائة درهم، ثم أرسلَ ثمنه إليه. (لفظ البخاري: 7186).

الشَّقِيصُ والشِّقْصُ واحدٌ، وهو: النَّصِيبُ، مثل النَّصِيفُ والنِّصْف. 854 - عن عِمْران بنِ حُصين [رضي الله عنه] (¬1)؛ أنَّ رجُلًا أعتقَ ستَّةَ مملُوكِين [له] (¬2) عندَ موتِهِ - لم يكُن له مالٌ غيرُهم - فدعا بِهم رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -، فجزأَهُم أثلاثًا ثم أقرعَ بينهم، وأعتقَ اثنينِ، وأَرَقَّ أربعةً, وقالَ له قولًا شدِيدًا. م د (¬3). - وفي لفظٍ له (¬4): "لو شَهِدْتُه قبلَ أن يُدفَنَ، لم يُدْفَنْ في مقابر الْمُسلِمين" (¬5). 855 - عن سَمُرة بن جُندب رضي الله عنه؛ أنَّ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - قالَ: "مَنْ مَلَكَ ذا رَحِمٍ مَحْرَمٍ فهو حُرٌّ". د ت ق (¬6). ¬

_ (¬1) زيادة من "أ". (¬2) زيادة من "أ"، وهي في "صحيح مسلم". (¬3) رواه مسلم (1668)، وأبو داود (3958). (¬4) يعني: لأبي داود. (¬5) رواه أبو داود (3960) بإسناد رجاله ثقات، لكنه منقطع، وعند النسائي في "الكبرى" (3/ 187): "قد هممت أن لا أصلي عليه". وقال النووي في "شرح مسلم" (11/ 150): "وهذا محمول على أن النبي - صلى الله عليه وسلم - وحده كان يترك الصلاة عليه؛ تغليظًا وزجرًا لغيره على مثل فعله، وأما أصل الصلاة عليه فلا بد من وجودها من بعض الصحابة". (¬6) صحيح. رواه أبو داود (3949)، والترمذي (1365)، وابن ماجة (2524) من طريق الحسن، عن سمرة، وقد اختلف في رفعه ووقفه. فقد رواه أبو داود (3951 و 3952)، والنسائي في "الكبرى" (4904 و 4905) عن الحسن قوله. ومن هنا رجح بعض الحفاظ الموقوف. =

باب أمهات الأولاد

856 - عن عمرو بنِ شُعيبٍ، عن أبيه، عن جدِّه؛ أنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "الْمُكَاتَبُ عَبْدٌ مَا بقِي عليه (¬1) دِرْهَمٌ". د (¬2). 857 - عن أمِّ سلَمة قالتْ: قال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "إذا كانَ لإِحدَاكُنَّ مُكَاتَبٌ، وكانَ عِندَه ما يُؤدِّي، فلتَحْتَجِبْ مِنه". د ق (¬3). باب أمهات الأولاد 858 - عن جابر بنِ عبد الله رضي الله عنهما، قال: بِعْنا أُمّهات الأولادِ على عهدِ رسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم -، وأبي بكرٍ، فلمّا كانَ عمرُ نَهَانَا، فانْتَهَينَا. د (¬4). ¬

_ = وذهب أيضًا آخرون منهم ابن الجارود، والحاكم، وابن حزم، وابن القطان إلى ترجيح المرفوع وقال عبد الحق في "الإحكام"، كما في "نصب الراية" (3/ 279): "الحديث صحيح ... ولا يضره إرسال من أرسله، ولا وقف من وقفه". قلت: وله شاهد من حديث ابن عمر بإسناد صحيح: رواه ابن ماجة (2525)، وابن الجارود في "المنتقى" (972). (¬1) في "السنن" زيادة: "من مكاتبته". (¬2) حسن. رواه أبو داود (3926). (¬3) ضعيف. رواه أبو داود (3928)، وابن ماجة (2520)، وأيضًا النسائي في "الكبرى" (3/ 198)، والترمذي (1261) من طريق نبهان مولى أم سلمة، عنها به. ونبهان مجهول، وإن أدخله ابن حبان في "الثقات" (5/ 486)، فقد قال الإمام الشافعي: "لم أر من رضيت من أهل العلم يثبت حديث نبهان هذا". (¬4) صحيح. رواه أبو داود (3954)، وانظر "البلوغ" (792). "تنبيه": هذا الحديث في النسخة "أ" قبل باب أمهات الأولاد!

859 - عن عكرمةَ، عن ابنِ عبّاسٍ قالَ: قالَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - لرجُلٍ ولدتْ منه أَمَتُهُ: "فهي مُعْتَقَةٌ عن دُبُرٍ منه" (¬1). 860 - عن ابنِ عبّاسٍ قال: ذُكِرَتْ أمُّ إبراهيم عِندَ رسُولِ الله- صلى الله عليه وسلم -، فقال: "أعتقَها ولدُها" (¬2). أخرجَهما ابنُ ماجة (¬3). ¬

_ (¬1) ضعيف جدًّا. رواه ابن ماجه (2515)، من طريق الحسين بن عبد الله بن عبيد الله بن عباس، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أيما رجل ولدت أمته منه، فهي معتقة عن دبر منه". وهذا كما قال البوصيري في "الزوائد" (ق 156/ ب): "إسناد ضعيف، حسين بن عبد الله بن عبيد الله الهاشمي تركه علي بن المديني، وأحمد بن حنبل، والنسائي، وضعفه أبو حاتم وأبو زرعة، وقال البخاري: يقال: إنه كان يتهم بالزندقة". والحديث ضعفه البيهقي في "الكبرى" (10/ 346)، وأعله بحسين هذا، قائلًا: "ضعفه أكثر أصحاب الحديث". وكذلك ضعفه الذهبي في "التلخيص" (2/ 19) بقوله: "حسين متروك". (¬2) ضعيف جدًا. رواه ابن ماجه (2516)، وعلته علة سابقة. (¬3) جاء في حاشية الأصل ما يلي: "بلغ مقابلة وتحقيقًا بحسب الطاقة، والحمد لله، نفع الله به".

آخر الكتاب والحمد لله كثيرًا كما هو أهله وصلى الله على سيدنا محمَّد النبي وآله وسلم وفرغ من كتابته محمَّد بن عمر ابن أبي بكر المقدسي في يوم الجمعة قبل الصلاة رابع ربيع الآخر سنة خمس وستمائة بمحروسة سروج حامدًا لله ومصليًا على نبيه محمَّد وآله وحسبنا الله ونعم الوكيل (¬1) ¬

_ (¬1) أما خاتمة النسخة "أ" فكانت كما يلي: "وهذا آخر الكتاب. والحمد لله رب العالمين استنسخه لنفسه أقل عباد الله وأضعفهم مظفر بن الأمير حاج بن المؤيد في العشر الآخر من صفر لسنة عشرين وسبعمائة بمدينة السلام".

§1/1