علوم البلاغة البيان، المعاني، البديع

المراغي، أحمد بن مصطفى

مقدمات

مقدمات مقدمة الكتاب ... مقدمة الكتاب: حمدا لك اللهم، بك المعونة والتوفيق، ومنك الهداية لأقوم طريق، إذا أظلمت الشبهات، في دجنة الخطوب المدلهمات، وبفضلك نطلب يقينا يملأ الصدر، ويستولي على زمام القلب، ويكبت ثورة النفس، فيردها عن غيها، ويكبح جماح شهواتها، فإنك الملجأ والنصير والمعين, وصلاة وسلاما على محمد عبدك ورسولك الذي آتيته الحكمة وفصل الخطاب، وعصمته من الخطأ وألهمته الصواب، ومننت عليه بفضيلة البيان، ففند بقاطع حجته قول من عارضه من أهل الزور والبهتان. وبعد فإن موضع علوم البيان من علوم العربية، موضع الرأس من الإنسان، أو اليتيمة من قلائد العقيان، فهي مستودع سرها، ومظهر جلالها، فلا فضيلة لكلام على كلام، إلا بما يحويه من لطائفها، ويودع فيه من مزاياها وخصائصها، ولا تبريز لمتكلم على آخر، إلا بما يحوكه من وشيها، ويلفظه من درها، وينفثه من سحرها، ويجنيه من يانع ثمرها. إلى أن بها نعرف وجه إعجاز القرآن، وندرك ما فيه من خصائص البيان، ونفهم براعة أسلوبه، وانسجام تأليفه، وسهولة نظمه وسلامته، وعذوبته وجزالته، إلى أمثال تلك المحاسن التي أسالت على العرب الوادي عجزا، حتى حارت عقولهم، وقصرت عن بلوغ شأوه جهابذتهم وفحولهم، حتى اضطر ذلكم المتكبر الجاحد، والصلف المعاند، الوليد بن المغيرة، أن يقول فيه مقالته المأثورة: "والله إن لكلامه لحلاوة، وإن عليه لطلاوة، وإن أسفله لمغدق، وإن أعلاه لمورق، وإن ليعلو ولا يعلى عليه، وما هو بقول البشر" فالجاهل بأسرارها،

والمحروم من اقتطاف جني ثمارها، لا يعرف وجه الإعجاز إلا بالتقليد ولا يعلم ذلك إلا بالسماع، فسواه في قضية النظر، هو والزنجي والبربري، والفارسي والنبطي، إذ كل أولئك يتلقونه سماعا، ويصل إليه علمه مشافهة. مما تقدم تعلم جليل خطرها، وعظيم منزلتها، وأنها لا تدانيها منزلة علم آخر من علوم العربية، فلا غرو إذا اتجهت همم العلماء والباحثين في مختلف العصور إلى التأليف فيها، وبسط القول في بيان مغازيها ومراميها، وقد رأينا أن ندلي دلونا بين الدلاء، ونضرب بسهم في هذا الميدان، والله ولي التوفيق، والهادي لأقوم طريق. أحمد مصطفى المراغي.

نبذة في تاريخ علوم البيان

نبذة في تاريخ علوم البيان: 1- الحاجة إلى وضع قواعدها: أ- اشتعلت نار الجدل صدر الدولة العباسية حتى اندلع لهيبها وتطاير شررها إلى جميع أنحاء البلاد الإسلامية, ردحا من الزمن غير قليل بين أئمة الأدب وأرباب المقالات من علماء الكلام في بيان وجه إعجاز القرآن، واختلفوا في ذلك طرائق قددا، وتفرقوا أيدي سبا، وتعددت نزعاتهم، وتضاربت مذاهبهم وآراؤهم كما هو مسطور في زبر المتكلمين كالمواقف لعضد الدولة، والمقاصد لسعد الدين التفتازاني. وكان الرأي الآفن من بين هذه الآراء وأبعدها عن الصواب، رأي إبراهيم النظام صاحب المذهب الذي ينسب إليه "مذهب الصرفة" إذ قال: إن القرآن ليس معجزا بفصاحته وبلاغته، وإن العرب كانوا قادرين على أن يأتوا بمثله، لكن الله صرفهم عن ذلك تصديقا لنبيه، وتأييدا لرسوله حتى يؤدي رسالات ربه، فانبرى المبرد عليه جم غفير من العلماء من بينهم الجاحظ والباقلاني، وإمام الحرمين، والفخر الرازي، وناضلوا نضالهم المحمود الذي خلد لهم في بطون الأسفار فكتبوا الفصول الممتعة مبينين خطل رأيه وفساد مذهبه، بما أملته عليهم قرائحهم الوقادة، وأفكارهم النقادة، حتى لم يبق في القوس منزع، ولا زيادة لمستزيد. ب- كذلك قامت سوق نافقة للحجاج والمناظرة، بين أئمة اللغة والنحو أنصار الشعر الجاهلي، الذين رأوا أن الخير كل الخير في المحافظة على أساليب العرب وأوضاعها، والأباء والشعراء أنصار الشعر المحدث الذين لم يحفلوا بما درج عليه أسلافهم من العرب، ورأوا أنهم في حل من كل قديم، لا يشاكل بيئة

الحضارة التي غذوا بلبانها، وربوا في أحضانها، ولم يكن الغرب ليحلموا بها من قبل، ولو أن القدر أتاح لهم أن يروا زخارف تلك المدنية، وطرائف لطائفها، لكان لهم شأن في آدابهم، ومهيع في أساليبهم غير شأنهم هذا. جـ- أضف إلى تلك الضوضاء وذلك اللجب، ما شجر من الخلاف بين أئمة الأدب وأساطينه، في بيان وجوه تحسين الكلام حتى يرقى في سلم البلاغة، وينال قسطه من الفصاحة، وتناقضت آراؤهم في ذلك أيما تناقض، ففريق مال إلى رصين الكلام الجامع بين العذوبة والجزالة، وفريق أولع بالمنطق الموشى المشتمل على صنعة البديع، يرشد إلى ذلك ما تراه في كتاب "الشعر والشعراء" لابن قتيبة الدينوري المتوفى سنة 276هـ حين حكم على تلك الأبيات المشهورة لكثير عزة بأنها مونقة خلابة في لفظها, لكنك إذا فتشتها وبحثت عن ذات نفسها لم تحل منه بطائل، وهي: ولما قضينا من منى كل حاجة ... ومسح بالأركان من هو ماسح وشدت على حدب المهارى رحالنا ... ولم ينظر الغادي الذي هو رائح أخذنا بأطراف الأحاديث بيننا ... وسالت بأعناق المطي الأباطح ثم ما تجده في كتاب "الصناعتين" لأبي هلال العسكري من استحسان هذه الأبيات, ونقد حكم ابن قتيبة واتهام ذوقه، ووافقه على نقده أبو الفتح بن جني المتوفى سنة 392هـ في كتاب "الخصائص"، والإمام عبد القاهر في "أسرار البلاغة" وأطال الإطراء لثالثها إلى غير ذلك من مختلف الآراء مما لسنا بصدد سرده الآن. كل أولئك لفت أنظار أئمة البلاغة إلى أن يصنعوا قوانين وضوابط يتحاكمون إليها عند الاختلاف، وتكون دستورا للناظرين في آداب العرب، منثورها ومنظومها، ونشأ من ذلك البحث في علوم البيان، أو علوم البلاغة. 2- أول من دونها: لا نعلم أحد سبق أبا عبيدة معمر بن المثنى الراوية تلميذ الخليل بن أحمد المتوفى سنة 211هـ. فقد وضع كتابا في علم البيان سماه "مجاز القرآن" لكنه لم يرد بالمجاز الوصف الذي ينطبق على ما وضع من القواعد بعد، بل هو أشبه بكتاب

في اللغة توخي فيه جمع الألفاظ التي أريد بها غير معانيها الوضعية، ألا تراه وقد سئل مرة عن قوله الله عز وعلا: {طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُءُوسُ الشَّيَاطِينِ} 1، فقال: هو مجاز كقول امرئ القيس: ومسنونة زرق كأنياب أغوال كما لا نعرف بالضبط أول من ألف في علم المعاني، وإنما أثر فيه نبذ عن بعض البلغاء كأبي عثمان عمرو بن بحر الجاحظ الكناني المتوفى سنة 255هـ إمام الأدباء وسلطان المنشئين في عصره، والقدوة في أساليبه التي اختص بها، وتحداه فيها الأئمة من بعده. فقد أشار إلى مسائل منه في كتابه "إعجاز القرآن" وعني في كتابه "البيان والتبيين" بدرس بعض القواعد التي كثر ولوع القوم بها في عصره، كبيان معنى الفصاحة والبلاغة، وحسن البيان والتخلص من الخصم، وحسن الإسجاع، ثم قفّاه ابن قتيبة في كتابه "الشعر والشعراء"، والمبرد في كتابه "الكامل" فتعرضا لبعض نتف من هذه العلوم. وغني عن البيان أن المتكلمين بداءة ذي بدء في أي فن من الفنون لا يحيطون بأطرافه، ولا يتغلغلون في استقصاء مباحثه. لكنا نعلم أن أول من دون البديع الخليفة عبد الله بن المعتز بن المتوكل العباسي المتوفى سنة 296هـ فقد استقصى ما في الشعر من المحسنات، وألف كتابا سماه "البديع" ذكر فيه سبعة عشر نوعا منها الاستعارة والكناية والتورية والتجنيس والسجع، إلى غير ذلك، وقال: "ما جمع قبلي فنون البديع أحد، ولا سبقني إلى تأليفه مؤلف، ومن رأى أن يقتصر عل ما اخترنا فليفعل، ومن رأى إضافة شيء من المحاسن إليه فله اختباره". ومن البين أن اسم البديع بهذا الإطلاق يتناول ما سماه المتأخرون بعلم البيان، ثم ألف معاصره قدامة بن جعفر الكاتب البغدادي المتوفى سنة 310هـ كتابا في نقد الشعر سماه "نقد قدامة" ذكر فيه ثلاثة عشر نوعا من البديع زيادة على ما أملاه ابن المعتز فتممها ثلاثين نوعا.

_ 1 سورة الصافات الآية: 65.

تلا هذين العالمين أبو هلال الحسن بن عبد الله العسكري المتوفى سنة 395هـ وألف كتابه "الصناعتين" صناعتي النثر والنظم، جمع فيه خمسة وثلاثين نوعا من البديع، وبحث فيه عن عدة مسائل أخرى كالفصاحة والبلاغة والايجاز والإطناب والحشو والتطويل وعدة أبواب في نقد الشعر، إلى غير ذلك من جليل المباحث. وكتابه يعتبر أول مصنف أشير فيه إلى مسائل علوم البيان الثلاثة: "المعاني والبيان والبديع". 3- رقي هذه العلوم بتأليف الإمام عبد القاهر: تمخض القرن الخامس فولد نادرة البطن، ونابغة البلغاء، وإمام حلبة الفصحاء أبا بكر عبد القاهر بن عبد الرحمن الجرجاني المتوفى سنة 471هـ الذي نظر يمنة ويسرة فلم يجد من مسائل هذه الفنون إلا نتفا مبعثرة لا تسمن ولا تغني من جوع فشمر عن ساعد الجد، وجمع متفرقاتها، وأقام بناءها على أسس متينة، وركز دعائمها على أرض جدد لا تنهار، وأملى من القواعد ما شاء الله أن يملي في كتابيه "أسرار البلاغة"، و"دلائل الإعجاز" وأحكم بنيانها بضرب الأمثلة والشواهد، حتى أناف بها على اليفاع، وقرن فيهما بين العلم والعمل، إذ رأى أن مسائل الفنون لا يستقر لها قرار إلا بكثرة الأمثلة والنماذج، فالصور الإجمالية التي تؤخذ من القواعد، إن لم تؤيدها الصور التفصيلية التي تستفاد من النماذج، لا تتمثل في الأذهان حق التمثل، ولا تنجلي حقيقتها تمام الانجلاء. وقد ساعده على ذلك ما آتاه الله من عذوبة البيان، وما تجلى به فعله من الطلاوة الخلابة، والبلاغة الساحرة للألباب. 4- الإمام جار الله الزمخشري: نبغ إثر عبد القاهر أستاذ المفسرين، جار الله الزمخشري المتوفى سنة 538هـ, وألف تفسيره "الكشاف" نحا فيه نحو الغرض المقصود من تفسير التنزيل، وهو إظهار أسراره، وشرح وجه إعجازه، ببيان وفاء دلالته على المراد، وكشف خصائصه ومزاياه التي استأثر بها، حتى بلغ هذه المرتبة، وحتى تحدى البشر بأنهم لن يأتوا بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا.

وغني عن البيان أنه لن يصل إلى تلك المنزلة إلا من أتاه الله فطرة سليمة، ورأيا حصيفا، وفكرا ثاقبا، وبرهانا ساطعا، وقلما أطوع له من بنانه حتى يتاح له بواضح البرهان، وبديع البيان، أن يوضح خصائص التراكيب ولطائف الأساليب التي هي من أسرار التنزيل، وبذا أبان في عرض كلامه كثيرا من قواعد هذه الفنون التي اتخذها من جاء بعد، دستورا للكلام في كثير من مسائلها. 5- أبو يعقوب يوسف السكاكي: جاء بعد من تقدم ذكرهم العلامة أبو يعقوب، يوسف السكاكي، المتوفى سنة 626هـ، وألف كتابه "مفتاح العلوم" وجمع في القسم الثالث منه زبدة ما كتبه الأئمة قبله في هذ الفنون، ونظم لآلئها المتفرقة في تضاعيف كتبهم، وأحاط بكثير من قواعدها المبعثرة في الأمهات، ورتبها أحسن ترتيب، وبوبها خير تبويب، وفصل فنون البيان الثلاثة بعضها من بعض، لما كان له من واسع الاطلاع على علوم المنطق والفلسفة. ولولا أن المؤلف أولع بتطبيق أساليب العرب على علوم اليونان واصطلاحاتهم مع ما بينهما من بعد الدار، وشط المزار واختلاف البيئات وتباين المعتقدات، لكان خير كتاب أخرج للناس في هذه الفنون، لجمعه شتاتها، وضمه ما تفرق من قواعدها. وقد اختصر مؤلفه في كتاب آخر سماه "التبيان"، ولخصه بعض المتأخرين في أمهات مشهورة، كما فعل ابن مالك في كتابه "المصباح" والخطيب جلال الدين محمد بن عبد الرحمن القزويني المتوفى سنة 739هـ في كتابيه "تلخيص المفتاح" و"شرح الإيضاح" والأخير مؤلف جليل، جمع فيه مؤلفه خلاصة "المفتاح" و"دلائل الإعجاز" و"أسرار البلاغة" و"سر الفصاحة" لابن سنان الخفاجي. 6- الوزير ضياء الدين بن الأثير: بينما السكاكي يؤلف كتابه "مفتاح العلوم" إذا بالوزير ضياء الدين أبي الفتح نصر بن محمد الموصلي الشيباني المعروف بابن الأثير الجزري المتوفى سنة 637هـ

وزير الملك الأفضل بن صلاح الدين الأيوبي، يصنف كتابه "المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر" وهو كتاب فريد في بابه يفوق أنداده وأترابه، جمع فيه فأوعى, ولم يترك شاردة ولا واردة، لهما مساس بالكتابة والقريض إلا ذكرهما بشرح واف، يدل على طول باع، وسعة اطلاع، مع قدرة على النقد، وبديهة حاضرة في إدراك خصائص البلاغة، ومن ثمة اشتمل كتابه على كثير من أبواب تلك الفنون، وطبق عليهما كثيرا من آي الكتاب والسنة النبوية، وتلك منقبة امتاز بها من بين هاتيك المؤلفات في تلك العلوم. وكان يحاكي في أسلوبه أسلوب القاضي الفاضل المتوفى سنة 596هـ وزير صلاح الدين الأيوبي "على ما بينهما من شاسع البون" وطريقة القاضي معروفة بين المتأدبين, وهي من النوع الذي يغلب عليه السجع والجناس وغيرهما من المحسنات اللفظية، وكانت براعة الكتاب في هذا العصر وما بعده تظهر في استعمال تلك الطلاوة اللفظية، وبها يفوق كاتب كاتبا، ويبز الأقران في هذا الميدان. 7- عصور الاختصار ووضع الشروح والحواشي: طفق المؤلفون من القرن الثامن وما بعده يوسعون الشروح والحواشي على المفتاح وتلخيصه للقزويني، وصرفوا جل همتهم في تفسير ما أشكل من عبارات المؤلفين، والجمع بين ما تناقض من آرائهما. ومن أجل تلك الشروح شروح مسعود سعد الدين التفتازاني المتوفى سنة 791هـ وشروح السيد الجرجاني المتوفى سنة 816هـ، ثم تتابعت التقارير والحواشي توضح ما انبهم من تلك التراكيب المجملة، والعبارات الغامضة، وليس علينا من غضاضة في التصريح بأن أساليب التأليف في تلك العصور قد ملكت عليها العجمة أمرها، وجلبت عليها أنواع التعقيد بخيلها ورجلها، فلم تكن هي الأساليب التي يجدر أن تكتب بها علوم البلاغة، أو بالأحرى علوم خصائص اللسان العربي في المبين. ومن ثمة لم يكن القارئ ليجعلها قدوة في أساليبها، أو نماذج في تراكيبها، فهي أحرى أن تكون أساليب اصطلاحية علمية، لا لغوية أدبية، تشرح خصائص كلام العرب وتبين مزايا أساليبه، وما زالت تندلي وتتدهور حتى وصلت إلى ما تراه اليوم، تتضاءل في أطمارها البالية, وتنزوي أمام أهل الجيل الحاضر.

8- تأليف معاصرينا في هذه الفنون: أنشئت المدارس العالية والثانوية بمصر في نهاية القرن الغابر، وسلكت في التربية والتعليم طريقا سويا، لا مشاكلة بينه وبين ما تقدمه في معهد العرفان، وكان في مقدمة تلك المدارس التي شيدت، مدرسة دار العلوم من نحو أربعين سنة ونيف، فألف أساتذتها مختصرات تناسب تلك البرامج المدرسية، ويسهل على الطلبة أن يحصلوا على بغيتهم منها، فحمد لهم الناس جميل صنعهم وأوفوهم حقهم في الثناء والتقريظ مقدار ما كان لمؤلفاتهم من الميزة إبان ظهورها. وفي الحق أن تلك الرسائل وإن اختلف ترتيبها، وتنوع تبويبها، تنحو على الجملة في أسلوبها، منحى ما كتبه صاحب التلخيص وشراحه، وتسير على خطتهم وتحذو حذوهم "وقد عرفت حال هذه التآليف" فضلا عن خلوها من الأمثلة المنوعة التي تتضح بها مجملات تلك القواعد. وأفضل تلك المختصرات كتاب "دروس البلاغة" فهو على إيجازه الذي لوحظ فيه حال النشء، وهم في بدء تحصيل مختلف العلوم، كفيل بتصوير القواعد في أذهانهم جهد المستطاع. 9- طريقنا في التأليف: رأينا أن نضع كتابا يجمع بين طريق المتقدمين، من سعة الشرح والبيان، والاعتماد على الأمثلة والشواهد، حتى تستبين للقارئ خصائص البلاغة مرموقة محسوسة، ولطائف الكلام مجسمة ملموسة، ويسهل تطبيق العلم على العمل، والإجمال على التفصيل، وذلك أمثل الطرق، لبنائه على قواعد علم النفس، من تعويد الناظر الركون إلى الوجدان والحس، وطريق المتأخرين من حسن الترتيب والتبويب، وجمع ما تفرق من قواعد هذه الفنون، ليكون أنجع في الدرس، وأقرب إلى التناول. فإذا كنا قد وفقنا إلى ما قصدنا وهدينا إلى الغرض الذي توخينا، فذلك من فضل الله علينا، وإن كنا تنكبنا عن جادة الحق وأخطأنا شاكلة الصواب، فليغض القارئ عما يراه من الهفوات، ويعثر عليه من الزلات،

فإن الطريق وعر، والمركب غير ذلول، وقديما قال الأول: "كفى المرء نبلا أن تعد معايبه". وليعلم أنا لم ندخر وسعا في تمحيص ما كتبنا وتهذيبه، وتنقيح ما رتبنا وتجويده، بعد أن قضينا زمنا طويلا في البحث والتنقيب، في الأمهات المؤلفة في هذه الفنون وغيرها للمتقدمين والمتأخرين، واطلعنا على الرسائل التي صنفها معاصرونا، ومن تقدمهم، جزى الله الجميع خيرا، وعليه التكلان، وبه المستعان. أحمد مصطفى المراغي

المقدمة

المقدمة في حقيقة الفصاحة والبلاغة لغة واسطلاحا ... المقدمة: في حقيقة الفصاحة والبلاغة لغة واصطلاحا: الفصاحة لغة ومعان متعددة كلها تشف عن الظهور والإبانة، فيقال: 1- فصح اللبن وأفصح إذا أخذت عنه الرغوة، قال نضلة السلمي: وتحت الرغوة اللبن الفصيح1. 2- أفصح الصبح: بدا ضوؤه، ومنه المثل: "أفصح الصبح لذي عينين"2. 3- يوم مفصح وفصح لا غيم فيه ولا قر. 4- أفصح الأعجمي بالعربية، وفصح لسانه بها إذا خلصت لغته من اللكنة وفي التنزيل: {وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَانًا} 3. أي: أبين مني قولا. والبلاغة لغة: تنبئ عن الوصول والانتهاء. يقال: بلغت الغاية إذا انتهيت إليها، ومبلغ الشيء منتهاه، ورجل بليغ وبلْغ وبلَغ، حسن الكلام فصيحه يبلغ بعبارة لسانه كنه ما في قلبه، وبلغ بالضم بلاغة: صار بليغا، وتبالغ في كلامه تعاطى البلاغة وما هو ببليغ، وتبالغ به الفرح والحزن: تناهي. أما البلاغة اصطلاحا فالبلغاء في ذلك فريقان: 1- المتقدمون كالإمام عبد القاهر الجرجاني ومن لف لفه، وهؤلاء يرون

_ 1 يضرب مثلا للأمر ظاهره غير باطنه. 2 يقال للشيء ينكشف بعد استتاره. 3 سورة القصص الآية: 34.

أن الفصاحة والبلاغة والبيان والبراعة ألفاظ مترادفة لا تتصف بها المفردات، وإنما يوصف بها الكلام بعد توخي1 معاني النحو فيما بين الكلم بحسب الأغراض التي يصاغ لها، وإلى ذلك أشار في دلائل الإعجاز في مواضع عدة منها قوله: "فصل في تحقيق القول على البلاغة والفصاحة والبيان والبراعة, وكل ما شاكل ذلك مما يعبر عن فضل بعض القائلين على بعض, من حيث نطقوا وتكلموا وأخبروا السامعين عن الأغراض والمقاصد، ومن المعلوم أنه لا معنى لهذه العبارات, وسائر ما يجري مجراها, مما يفرد فيه اللفظ بالنعت والصفة وينسب فيه الفضل والمزية إليه، غير وصف الكلام بحسن الدلالة وتمامها فيما له كانت دلالة" ثم قال: "ولا جهة لاستعمال هذه الخصال غير أن يؤتى المعنى من الجهة التي هي أصح لتأديته, ويختار له اللفظ الذي هو أخص به وأكشف عنه وأتم له, وأحرى بأن يكسبه نبلا ويظهر فيه مزية". وقال قبله أبو هلال العسكري في الصناعتين: "الفصاحة والبلاغة ترجعان إلى معنى واحد, وإن اختلف أصلاهما؛ لأن كل واحد منهما إنما هو الإبانة على المعنى والإظهار له". وقال الفخر الرازي في نهاية الإيجاز: وأكثر البلغاء لا يكادون يفرقون بين البلاغة والفصاحة بل يستعملونها استعمال الشيئين المترادفين على معنى واحد في تسوية الحكم بينهما. ويشهد لذلك قول الجوهري في الصحاح: الفصاحة: البلاغة. وعلى هذا الرأي فمرجعهما وما شاكلهما النظم والكلام دون الألفاظ المجردة والكلمات المفردة. 2- المتأخرون كأبي يعقوب يوسف السكاكي وابن الأثير، ومن شايعهما، وأولئك يرون إخراج الفصاحة من كَنَفَ2 البلاغة، ويجعلونها اسما لما كان بنجوة3 من تنافر الحروف وغرابة الألفاظ ومخالفة القياس، إلى آخر ما سيذكر

_ 1 الطلب والتحري. 2 الناحية والجانب. 3 يقال: هو بنجوة من كذا إذا كان بعيدا.

بعد، ويجعلون البلاغة اسما لما طابق مقتضى الحال مع الفصاحة، وعلى هذا الرأي فالبلاغة كل والفصاحة جزؤه، وعليه أيضا فالفصاحة من صفات المفرد كما هي من صفات المركب بحسب الاعتبارات الآتية: وإلى هذا أشار صاحب الصناعتين حيث قال: وقيل: الفصاحة تمام آلة البيان فهي مقصورة على اللفظ؛ لأن الآلة تتعلق باللفظ، والبلاغة إنما هي إنهاء المعنى إلى القلب، فكأنها مقصورة على المعنى. ا. هـ. وها نحن أولاء نشرحهما لك على الرأي الأخير فقد استقر عليه البحث، وبالله التوفيق، ومنه الهداية لأقوم طريق.

الفصاحة

الفصاحة مدخل ... الفصاحة: تقع الفصاحة وصفا للمفرد والكلام والمتكلم. فصاحة المفرد: فصاحة المفرد تتحقق بسلامته من أربعة عيوب1: 1- تنافر الحروف. 2- غرابة اللفظ. 3- مخالفة القياس. 4- الكراهة في السمع. تنافر الحروف: صفة في الكلمة ينجم عنها ثقلها على اللسان وصعوبة النطق بها، ولا ضابط لذلك غير الذوق السليم والشعور الذي ينشأ من مزاولة أساليب البلغاء، وليس منشؤه قرب مخارج الحروف كما قيل ألا ترى أنك تجد الحسن في لفظ الجيش مع تقارب مخارج حروفه، ونحوه، الفم والشجر، وتجد لفظ ملع بمعنى أسرع متباعد المخارج وهو متنافر، ولا طول الكلمات؛ لأنه إن صح ذلك في نحو

_ 1 لتسلم من الخلل مادته وصيغته ومعناه.

صَهْصَلق1، وخنشليل2 وما جرى مجراهما، فليس يصح في نحو: ليستخلفنهم في الأرض فسيكفيكهم الله. ولكن يمكن وضع ضابط إجمالي أساسه المشاهدة، وهو أن أصول الأبنية لا تحسن إلا في الثلاثي وفي بعض الرباعي نحو: عذب وعسجد. أما الخماسي الأصول نحو: صهصلق وجحمرش، وما جرى مجراهما، فإنه قبيح، ومن ثمة لم يوجد شيء من هذا الضرب في القرآن الكريم إلا ما كان معربا من أسماء الأنبياء كإبراهيم وإسماعيل. والتنافر ضربان: 1- شديد متناه في الثقل كالصمعمع3 والطساسيج4 والظش5. 2- خفيف كالنقاخ6 والنقنقة7 والمثغنجر8 ومستشزرات في قول امرئ القيس: غدائره مستئزرات إلى العلا ... تضل المداري في مثني ومرسل9 والضمير في غدائره يرجع إلى فرع في قوله قبله: وفرع يزين المتن أسود فاحم ... أثيث كقنو النخلة المتعثكل10

_ 1 الشديد من الأصوات. 2 السيف. 3 الصغير الرأس. 4 جمع طسوج القرية ونحوها. 5 الموضع الخشن. 6 الماء العذب. 7 صوت الضفادع. 8 السائل من ماء أو دمع. 9 غدائره أي: ذوائبه جمع غديرة وهي الشعر المشدود بخيوط على الرأس, ومستشزرات أي: مرتفعات, وتضل تغيب والمداري جمع مدارة آلة تعمل من حديد أو خشب على شكل سن من أسنان المشط أو أطول منه يسرح بها الشعر المتلبد، والمثنى المفتول وضده المرسل. 10 الفرع الشعر والأثيث الكثير والقنو الكباسة، والمتعثكل كثير العثاكيل أي: العيدان التي عليها البسر ومراده من كل ذلك الدلالة على وفرة شعرها, وكان من عادة نساء العرب أن تشد قسما من الشعر كالرمانة، ثم ترسل فوقه المثنى والمرسل.

الغرابة: هي كون الكلمة غير ظاهرة المعنى، ولا مألوفة الاستعمال عند خُلّص العرب "لا عند المولدين؛ لأن كثيرا مما في المعاجم غريب عندهم". ولذلك سببان1: 1- احتياجها إلى بحث وتفتيش في كتب اللغة، ثم يعثر على معناها بعد كمسحنفرة2 وبعاق3 وجردحل4 وجحيش بمعنى فريد مستبد برأيه في قول تأبط شرا يصف ابن عم له بكثرة الترحال: يظل بموماة ويمسي بغيرها ... جحيشا ويعروري ظهور المسالك5 وهمرجلة وزيزم في قول ابن جحدر: حلفت بما أرقلت حوله ... همرجلة خلقها شيظم وما شبرقت من تنوفية ... بها من وحي الجن زيزم6 وربما لا يعثر على معناها كجحلنجع، قال في اللسان: قال أبو تراب: كنت سمعت من أبي الهيسع حرفا وهو جحلنجع فذكرته لشمر بن حمدويه وتبرأت إليه من معرفته، وكان أبو الهميسع من أعراب مدين لا نفهم كلامه، وأنشدته ما كان أنشدني:

_ 1 لأن الغرابة إما في الجوامد والمصادر والمشتقات باعتبار مبادئها أي: أصولها وهو القسم الأول، وإما في المشتقات باعتبار هيئاتها، وهو القسم الثاني. 2 أي: متسعة. 3 المطر. 4 الوادي. 5 الموماة المفازة ويقال: للمستبد برأيه جحيش وحده بالتصغير عند إرادة الذم واعرورى الفرس ركبه عريانا. 6 الأرقال ضرب من السير, والهمرجلة الناقة السريعة والشيظم الشديد الطويل من الإبل، والخيل وشبرقت قطعت، والتنوفية المفازة والوحي الصوت الخفي وزيزم حكاية صوت الجن إذا قالت زي زي على زعمهم. يريد أنه حلف بما سارت حوله الناقة الشديدة السير العظيمة الخلق, وبما قطعت من مفازة لا يسمع فيها إلا صوت الجن.

إن تمنعي صوبك صوب المدمع ... يجري على الخد كضئب الثعثع وطمحة صيرها جحلنجع ... لم يحضها الجدول بالتنوع1 قال في المثل السائر: ومن الغريب من يعاب استعماله في النثر دون النظم كلفظ مشمخر في أبيات بشر في وصف الأسد: وأطلقت المهند من يميني ... فقد له من الأضلاع عشرا فخر مضرحا بدم كأني ... هدمت به بناء مشمخرا2 ولفظ الشدنية، وهي ضرب من النوق في قول أبي تمام: يا موضع الشدنية الوجناء ... ومصارع الأدلاج والإسراء3 ثم قال: واعلم أن كل يسوغ استعماله في الكلام المنثور يسوغ استعماله في المنظوم دون العكس، وذلك شيء استنبطته ودلني عليه الذوق. وقال الجاحظ في البيان والتبيين: ورأيت الناس يديرون في كتبهم، أن امرأة خاصمت زوجها إلى يحيى بن يعمر، فانتهرها مرارا فقال له يحيى: أن سألتك ثمن شكرها وشبرك أنشأت تطلبها وتضهلها4 فإن كانوا قد رووا هذا الكلام لكي يدل على فصاحة وبلاغة فقد باعده الله من صفة البلاغة, وإن كانوا فعلوا ذلك؛ لأنه غريب فأبيات من الشعر العجاج والطرماح تأتي لهم مع الوصف الحسن على أكثر من ذلك. 2- احتياجها إلى التخريج على وجه بعيد حتى يفهم منها المعنى المقصود نحو مسرجا وصفا للأنف في قول رؤبة بن الحجاج "شاعر إسلامي":

_ 1 الصوب المطر المنصب والضئب حب اللؤلؤ, والطمحة النظرة والصبير السحابة البيضاء, وحضا النار حركها, والجدول النهر والتنوع تحريك الريح الغصن والتذبذب وصيرورة الشيء أنواعا. 2 قد قطع والمضرج الملطخ بالدم والمشمخر العالي. 3 الإيضاح نوع من السير، والوجناء عظيمة الوجنتين، والإدلاج والإسراء من سوى الليل. 4 الشكر بفتح الشين وكسرها عضو التناسل، والشبر النكاح، وضهل فلان حقه نقصه وطله مطله.

أيام أبدت واضحا مفلجا ... أغر براقا وطرقا أبرجا ومقلة وحاجبا مرجحا ... وفاحما ومرسنا مسرجا1 فالمرسن الأنف ولا يدري ماذ أراد بوصفه بمسرج، ومن ثم اختلف أئمة اللغة في تفسيره، فابن دريد قال: هو من قولهم للسيوف سريجية أي: منسوبة إلى حداد يسمى سريجا، فهو يريد تشبيهه بالسيف السريجي في الدقة والاستواء, وابن سيده صاحب "المحكم" قال: هو من السراج فهو يقصد أنه شبيه به في البريق واللمعان، وهذا قريب من قولهم: سرج وجهه بالكسر، أي: حسن, وسرج الله وجهه، بهجه وحسنه. وعلى كلا الحالين فهوغير ظاهر الدلالة على ذلك المعنى؛ لأن مادة فعل بالتشديد إنما تدل على مجرد نسبة شيء إلى آخره لا على التشبيه، فدلالتها عليه بعيدة، وقريب من هذا امتناع استعمال اللفظ المشترك بين معنيين فأكثر بدون قرينة لما فيه من دخول الحيرة على السامع كاستعمال اللفظ المشترك بين المعنى وضده، إلا إذا وجدت قرينة تخصصه بالمراد، نحو: عزر، فإنه لفظ مشترك بين التعظيم والإهانة فلا تقول لقيت فلانا فعزرته إلا بقرينة، ومن ثم لم يستعمله القرآن الكريم إلا مع القرينة فقال: {فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ} 2. فذكر النصر قرينة على إرادة التعظيم. مخالفة القياس: كون الكلمة غير جارية على القانون الصرفي المستنبط من كلام العرب جمع ناكس على نواكس، بمعنى مطأطئي الرءوس في قول الفرزدق: وإذا الرجل رأوا يزيد رأيتهم ... خضع الرقاب نواكس الأبصار "مع أن فواعل إنما تنقاس في وصف لمؤنث عاقل، لا لمذكر كما هنا"، وكفك الإدغام في أجلل من قول أبي النجم بن قدامة من رجاز الإسلام:

_ 1 الضمير في أبدت يعود إلى محبوبته ليلى في الأبيات قبله وواضحا، أي: فما فيه أسنان واضحة والفلج تباعد ما بين الأسنان والأغر الأبيض والبريق اللمعان والبرج بالتحريك عظم العين وحسنها والترجيح التدقيق مع تقويس، وفاحما أي: شعر أسود كالفحم. 2 سورة الأعراف الآية: 157.

الحمد لله العلي الأجلل ... أنت مليك الناس ربا فأقبل واستعمال همزة القطع بدل همزة الوصل في قول جميل: ألا لا أرى اثنين أحسن شيمة ... على حدثان الدهر مني ومن جمل1 وعكسه في قوله: إن لم أقاتل فألبسوني برقعا. فهذا وأمثاله قبيح يشين الكلام ويذهب بمائه2. قال في الصناعتين: وإنما استعمل ذلك القدماء؛ لأنهم كانوا أصحاب بداية، والبداية مزلة، مع أن أشعارهم لم تكن تنقد عليهم، ولو نقدت كما تنقد على شعراء هذه الأزمنة ويبهرج3 من كلامهم ما كان فيه أدنى عيب لتجنبوه. وقال القاضي عبد العزيز الجرجاني صاحب الوساطة بين المتنبي وخصومه: ولولا أن أهل الجاهلية جدوا بالتقدم, واعتقد الناس فيهم أنهم القدوة والأعلام الحجة لوجدت كثيرا من أشعارهم معيبا مترذلا ومردودا منفيا، لكن هذا الظن الجليل ستر عليهم ونفي الظنة عنهم فذهبت الخواطر في الذب عنهم كل مذهب وقامت في الاحتجاج لهم كل مقام. ا. هـ. ويستثنى من ذلك ما ثبت عن العرب من الشواذ نحو: أبي، يأبى4، وعور5، واستحوذ6، وقطط7 شعره. الكراهة في السمع: هي أن تمج الكلمة الأسماع وتأنف منها الطباع لوحشيتها وغلظتها كالجرشي، بمعنى النفس في قول أبي الطيب يمدح سيف الدولة:

_ 1 الشيمة الخلق والحدثان نوائب الدهر وجمل فرسه أو جمله. 2 حسنه ورونقه. 3 البهرج الرديء. 4 قياس مضارعه الكسر؛ لأن المفتوح العين لا يكون إلا إذا كانت عين ماضية أو لامه حرف حلق كسأل ونفع. 5 القياس فيه عار لتحرك الواو وانفتاح ما قبلها. 6 القياس استحاذ. 7 تجعد.

مبارك الاسم أغر اللقب ... كريم الحرشي شريف النسب1 وكالنقاخ فيما أنشده شمر: وأحمق ممن يلعق الماء قال لي ... دع الخمر واشرب من نقاخ مبرد2 لكن البصير بصنعة الكلام يعلم أن استثقال الطبع لما يسمع، إنما يتصور من جهة غرابة الكلمة ووحشيتها، ففي ذكر الغرابة غنية عن ذكرها. تدريب أول: بين ما أخل بفصاحة الكلمات التي وضعت بين قوسين: قال المتنبي يمدح سيف الدولة: 1- وما أرضى لمقلته بحلم ... إذا انتبهت توهمه "ابتشاكا"3 2- لم يلقها إلا بشكة باسل ... يخشى الحوادث حازم "مستعدد"4 3- يا نفس صبرا كل حي لاق ... وكل "اثنين" إلى افتراق 4- فلا يبرم الأمر الذي هو "حالل" ... ولا "يحلل" الأمر الذي هو يبرم 5- أن بني للئام زهده ... ما لي في صدورهم من "مودده" 6- كتب بعض أمراء بغداد رقعة طرحها في المسجد الجامع حين مرضت أمه فقال: صين امرؤ ورعى دعا لامرأة "إنقحلة"، "مقسئنة" فقد منيت بأكل الطرموق فأصابها من أجله "الاستمصال" أن يمن الله عليها "بالإطرغشاش"، و"الإبرغشاش"5.

_ 1 مبارك الاسم؛ لأنه اسمه علي من العلو، وأغر اللقب أي: مشهوره؛ لأنه سيف الدولة. 2 يلعق يلحس، والنقاخ العذب من الماء. 3 الابتشاك الكذب والحلم والرؤيا التي يراها النائم. 4 الضمير يعود إلى الحرب، والشكة الخصلة، والباسل الشجاع. 5 أنقحلة يابسة ومقسئنة منسة عجوز, ومنيت ابتليت والطرموق الخفاص, والاستمصال الإسهال, والإطرغشاش والإبرغشاش من المرض.

تدريب ثان: بين ما أخل بفصاحة الكلمات التي وضعت بين قوسين: 1- قال ابن نباتة في خطبة له يذكر أهوال يوم القيامة: "أقمرط" وبالها، و"اشمخر" نكالها، فما ساغت ولا طابت1. 2- يوم "عصبصب" و"هلوف" ملا السجسج طلا2. 3- قد قلت لما "اطلخم" الأمر وانبعثت ... عشواء تالية غبسا "دهاريسا"3 4- نعم متاع الدنيا حباك به ... أروع لا "جيدر" ولا جبس4

_ 1 اقمطر اشتد والوبال الثقل والوخامة واشمخر طال. 2 والعصبصب الشديد الحر والهلوف الذي يستر غمامه شمسه والسجع الأرض السهلة, والطل المطر الندى أو المطر القليل. 3 اطلخم اشتد وعظم والدهاريس الدواهي والعشواء الناقة الضعيفة البصر والغبس جمع أغبس وغبساء وهي الشديدة الظلمة, وهو لأبي تمام وبعده: لي حرمة بك أضحى حق نازلها ... وقفا عليك فدتك النفس محبوبا 4 حباك أعطاك والأروع المعجب والجيدر القصير والجبس الثقيل.

5- تقي نقي لم يكثر غنيمة ... بنهكة ذي قربى ولا "بحقلد"1 6- قال امرؤ القيس حين أدركته المنية وكان قد ذهب إلى ملك الروم يستنجده على قتلة أبيه: رب جفنة "مثعنجره" وطعنة "مسحنفره"، وخطبة مستحضره، وقصيدة محبره، تبقى غدا بأنقره2. تمرين 1: بين ما أخل بفصاحة الكلمات التي وضعت بين قوسين: 1- تشكو الوجى من "أظلل وأظلل" ... من طول إملال وظهر مملل3 2- فأرحام شعر تتصلن "لدنه" ... وأرحام مال ما تني تقطع4 3- رواق العز حولك "مسبطر" ... وملك علي ابنك في كمال5

_ 1 النهكة الغلب والحقلد الإثم. 2 المثعنجرة الملأى والمسحنفرة المتسعة. وأنقره بلد بآسيا الصغرى. 3 الوجى الحفي والأظل باطن خف البعير وبعير ممل أكثر ركوبه حتى دبر ظهره. 4 تنا تتأخر، وتنقطع تتمزق. 5 مسبطر ممتد.

4- لا نسب اليوم ولا خلة ... "إتسع" الفتق على الراقع1 5- فأيقنت أني عند ذلك ثائر ... غداتئذ أو هالك في "الهوالك"2 6- قال أبو علقمة يوما لحاجمه: أرهف، ظبات المشارط، وأمر المسح، واستنجل الرشح، وخفف الوطء، وعجل النزع، ولا تكرهن أبيا، ولا تردن أتيا، فقال له الحجام: ليس لي علم بالحروف3. تمرين2: بين ما أخل بفصاحة الكلمات التي وضعت بين قوسين: 1- جرت سحا فقلت له "أخبريني" ... نوى مشمولة فمتى اللقاء4 2- أعاذل قد جربت من خلقي ... أني أجود لأقوام وإن "ضننوا" 3- من كلام أم الهيثم الأعرابية لأبي عبيدة الراوية، وقد عادها في علة أصابتها، كنت وحمى "سدكة", وشهدت مآدبة، فأكلت "جبجبة"، من صفيف "هلعة" فاعترتني "زلخة" فقيل لها أي شيء تقولين، فقالت أو للناس كلامان، والله ما كلمتكم إلا بالعربي الفصيح5. 4- يا نرجس الدنيا أقم أبدا ... "للاقتراح" ودائم النخب6 5- قال بعض الأدباء لكاتبه يوصيه بحسن الجلسة للكتابة والاستماع لما يملي عليه، ألصق روانفك "بالجبوب"، وخذ المسطر "بشناترك"، وأجل "حندورتيك" إلى "قيهلى" حتى لا أنغي نفية، إلا أودعتها "حماطة جلجلانك"7.

_ 1 الخلة الصداقة والفتق الشق والراقع مصلح الفتق. 2 الثائر الذي لا يبقى على شيء حتى يدرك ثأره. 3 أرهف رقق، والظبات جمع ظبة وهي السيف والموسى، والمشارط جمع مشرط وهو مبضع الحجام الذي يشرط به الجلد, واستنجل استخرج والرشح النز, والأبي الممتنع والأتي الجاثي والحروف هنا اللغات. 4 السح الشديدة والنوى البعد وهو خبر لمبتدأ محزوف أي: هذه والمشمولة العامة. 5 سدكة مشتهية للطعام والجبجبة كرش يحشى باللحم المقطع، والصفيف الشواء، والهلعي أنثى المعز، والزلخة وجع في الظهر. 6 الاقتراح الابتداع والاختيار، والنخب الشربة العظيمة من الخمر وغيرها. 7 الروانف جمع رانفة الإلية, والجبوب الأرض, والقلم والشناتر الأصابع. والحندورتان حدقتا العين، والقيهل الوجه. والحماطة حبة القلب، والجلجلان الصدر.

فصاحة الكلام

فصاحة الكلام: يراد بالكلام هنا ما يشمل المركب التام والناقص1. وفصاحته تكون بسلامته من كل ما ينغلق به معناه وينبهم مغزاه، وإلا كان مردودا خارجا عن حدود البلاغة، ورسوم الفصاحة، ولو احتوى على أجل المعاني وأشرفها، وإنما يتم له ذلك إذا عرى عن الأشياء الآتية: 1- تنافر الكلمات مجتمعة، ويدخل فيه كثرة التكرار وتتابع الإضافات. 2- ضعف التأليف. 3- التعقيد اللفظي. 4- التعقيد المعنوي. تنافر الكلمات - المعاظلة 2 اللفظية: هو وصف يعرض للكمات مجتمعة فيوجب ثقلها واضطراب اللسان عند النطق بها، وقد علم بالاستقراء أن منشأه إما: 1- تكرير حرف أو حرفين من كلمة في المنثور أو المنظوم، وهو قسمان: أ- ما اشتد ثقله وتناهي كالذي أنشده الجاحظ: وقبر حرب بمكان قفر ... وليس قرب قبر حرب قبر3 فأنت ترى أن قافاته وراءاته قلقة نابية، وكأنها سلسلة تتبرأ بعض حلقاتها من بعض.

_ 1 كالمركب الإضافي، والمركب التقييدي, وهو مجاز من إطلاق الخاص على العام. 2 عاظل الكلام عقده ووالى بعضه فوق بعض. 3 حرب هو حرب بن أمية بن عبد شمس ولشدة الثقل فيه زعموا أنه من شعر الجن قالواه لما قتلوه بثأر حية ودفنوه بناحية بعيدة وقفر، نعت مقطوع للضرورة أو هو خبر، والباء بمعنى في أي مكان.

ب- ما كان فيه بعض الثقل كقول أبي تمام: كريم متى أمدحه أمدحه والورى ... معى وإذا ما لمته لمته وحدي1 وقول المتنبي: كيف ترثي التي ترى كل جفن ... راءها غير جفنها غير راقي2 فتكرار الحاء والهاء المتقاربتي المخرج في بيت أبي تمام، والجيم والراء في أكثر كلمات بيت المتنبي، أوجب الثقل فيهما. وقال بعض الوعاظ في كلام أورده: "حتى جنأت وجنات جنات الحبيب" فلما سمعه بعض الحاضرين صاح وقال: "سمعت جيما في جيم فصحت. 2- إيراد أفعال يتبع بعضها بعضا بدون عطف، سواء اختلفت بين المضي والاستقبال نحو قول القاضي الأرجاني يحدث عن الشمع: بالنار فرقت الحوادث بيننا ... وبها نذرت أعود أقتل روحي3 أم لم تختلف كقول المتنبي يمدح سيف الدولة: أقل أنل أقطع أحمل على سل أعد ... زدهش بشن تفضل أدن سر صل4 فورود نذرت أعود أقتل متتابعة على تلك الشاكلة في البيت الأول جاء ثقيلا متعاظلا، كما أن مجيء أفعال الأمر متكررة في البيت الثاني جعل للثقل فيها حظا عظيما، فإن جاءت الأفعال مع حرف العطف لم تكن في الثقل كالأول نحو قول عبد السلام بن رغبان المعروف بديك الجن: أحل وأمرر وضر وانفع ولن واخشن وأبرر ثم انتدت للمعالي5.

_ 1 وفيه عيب آخر وهو مقابلة المدح باللوم وإنما يقابل بالذم، وكأنه أراد أن ينفي الذم عنه بنفيه اللوم بالطريق الأولى. 2 وراءها رآها فحصل فيه إعلال بالقلب بتقديم الألف وتأخير الهمزة ورقا الدمع والدم انقطع، يريد أنها لا ترحم باكيا؛ لأنها تحسب الدمع في أجفان العشاق خلقيا. 3 يقول بلسان الشمع أنه ألف العسل وهو أخوه الذي ربي معه لكن النار فرقت بينه، وأنه نذر أن يقتل نفسه بها أيضا من ألم الفراق. 4 أقل من الإقالة وأقطع من الإقطاع لأرض ونحوها وعلى من العلو وصل، أي: بالعطية. 5 أبرر من قولهم أبر اليمين أمضاها على الصدق وانتدب لكذا ساسها.

3- إيراد صفات متعددة على طريق واحدة كقول المتنبي في المديح، وقد أولع كثيرا بهذا النوع: دان بعيد محب مبغض بهج ... أغر حلو ممر لين شرس ند أبي غر واف أخي ثقة ... جعد سرته ندب رضى ندس1 ولا يخفى ما فيه من الثقل فما أشبه بسلسلة طويلة متصلة الحلقات. 4- تعاقب الأدوات ومجيء بعضها إثر بعض كمن وإلى، وفي وعن وعلى كقول أبي تمام: كأنه في اجتماع الروح فيه له ... في كل جارحة من جسمه روح2 وقول المتنبي يصف فرسا: وتسعدني في عمرة بعد غمرة ... سبوح لها منها عليها شواهد3 فمجيء في بعد له في البيت الأول، ولها منها عليها في البيت الثاني، أورث فيهما ثقلا جعل اللسان يتعثر عند النطق بهما، قال صاحب الصناعتين: وسبيل تلافي ذلك أن تفصل بين الحرفين كأن تقول: أقمت به شهيدا عليه. 5- تتابع الإضافات كما تقول: سرج فرس تابع الأمير، وعليه ورد قول ابن بابك: حمامة جرعي حومة الجندل اسجعي ... فأنت بمرأى من سعاد ومسمع4 قال في دلائل الإعجاز: ومن شأن هذا الضرب أن يدخله الاستكراه، قال الصاحب بن عبادة: إياك والإضافات المتداخلة، وذكر أنه يستعمل في الهجاء كقوله:

_ 1 الشرس الصلب هنا والقرى المغرى بفعل الجميل وجعد الماضي في الأمور والسري الشريف والنهي العاقل والندب السريع في أموره. والندس العارف البحاثة، يريد أنه محب لأهل الفضل مبغض لأهل النقص يبهج بالقصاد ويحلو لأوليائه ويمر على أعدائه. 2 الجارحة العصو يريد أنه يقظ نشيط. 3 الغمرة الشدة، والسبوح الفرس الحسن العدو الذي لا يتعب راكبه كأنه يسبح في الماء يريد أنه يعينه على الشدائد، وله شواهد دالة على كرم خصاله. 4 الجرعي تأنيث الأجرع وهي الرملة لا تنبت شيئا، والحومة معظم الشيء، والجندل الحجارة، والسجع هديل الحمام, المعنى: اطربي؛ لأن الحبيبة تراك وتسمعك.

يا علي بن حمزة بن عمارة ... أنت والله ثلجة في خيارة1 "تنبيه" لا يقبح القسمان الأخيران إلا إذا أوجبا ثقلا على اللسان, وإلا فلا يخلان بالفصاحة، فقد تكررت الأدوات وكانت حسنة مليحة في قول قطري بن الفجاءة: ولقد أراني للرماح دريئة ... من عن يميني مرة وأمامي2 كما تكررت الإضافة ولطفت في قوله تعالى: {ذِكْرُ رَحْمَتِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا} 3. وقول ابن المعتر: وطلت تدير الراح أيدي جآذر ... عتاق دنانير الوجوه ملاح4 ومن ذلك تعلم أنه لا وجه لعد هذين القسمين بعيدين عن التنافر. ضعف التأليف: هو أن يكون تأليف الكلام مخالفا لما اشتهر من قوانين النحو المشهورة، كوصل الضميرين، وتقديم غير الأعراف "مع وجوب الفصل في نحو هذا"، كقول المتنبي: خلت البلاد من الغزالة ليلها ... فأعاضهاك الله كي لا تحزنا5 وكنصب المضارع بلا ناصب نحو: انظرا قبل تلوماني إلى ... طلل بين النقا والمنحنى6 وكحذف نون يكن في الجزم حين يليها ساكن نحو:

_ 1 قوله ثلجة في خيارة في أي خيارة ثلجة، وفي هذا اشتباه من عبد القاهر؛ لأنه ليس فيه تتابع إضافات. 2 الدريئة الحلقة التي يتعلم عليها الطعن والرمي "النشان". 3 سورة مريم. 4 الراح الخمر، والجاذر جمع جؤذر، ولد البقر الوحشية تشبه به الحسان لجمال عينيه، والعتاق النجائب ودنانير الوجوه أي: وجوههم متلألئة كالدنانير. 5 الغزالة الشمس، يريد أن البلاد إذا خلت من الشمس ليلا جعلك الله عوضا عنها. 6 الطلل ما بقي من آثار الديار، والنقاء والمنحنى موضعان.

لم يك الحق سوى أن هاجه ... رسم دار قد تعفت بالمرر1 وكالإضمار قبل الذكر لفظا ومعنى وحكما2 في قول حسان بن ثابت: ولو أن مجدا أخلد الدهر واحدا ... من الناس أبقى مجده الدهر مطعما3 التعقيد: هو ألا يكون الكلام ظاهر الدلالة عل المعنى المراد, ولذلك سببان: أحدهما يرجع إلى خلل في النظم والتركيب وهو التعقيد اللفظي، وثانيهما يرجع إلى المعنى وهو التعقيد المعنوي. التعقيد اللفظي 4: حقيقته أن تكون الألفاظ مرتبة لا على وفق ترتيب المعاني، فيفسد نظام الكلام وتأليفه بسبب ما يحصل فيه من تقديم وتأخير ونحو ذلك، كتقديم الصفة على الموصوف، والصلة على الموصول. وهو مذموم مرفوض عند أهل البيان؛ لأنه يوجب اختلال المعنى واضطرابه، وذلك ضد الفصاحة التي هي ظهور وإبانة، ومن ثم قال العتابي: الألفاظ أجساد والمعاني أرواح، وإنما تراها بعين القلوب، فإذا قدمت منها مؤخرا أو أخرت منها مقدما، أفسدت الصورة وغيرت المعنى، كما لو حول رأس إلى موضع يد أو يد إلى موضع رجل، فإن الخلقة تتحول والحلية تتغير. وأكثر من استعمله الفرزدق وكأنه كان يقصده؛ لأن مثله لا يجيء إلا متكلفا، إذ لو خلى الإنسان ونفسه تجري على سجيتها في الاسترسال لم يعرض لها شيء من هذا النوع، فمن ذلك قوله يمدح الوليد بن عبد الملك:

_ 1 هاج ثار ورسم الدار أثرها وتعفت درست واضمحلت والمرر موضع. 2 فإن تقدم الضمير لفظا وتأخر معنى جاز نحو: ضرب غلامه محمد، وكذا إن تقدم لفظا وتأخر حكما نحو: نعم رجلا علي. 3 يرثي مطعم بن عدي أحد رؤساء المشركين, وكان يدافع عن النبي عليه الصلاة والسلام. 4 قد يحصل التعقيد باجتماع عدة أمور موجبة لصعوبة فهم المعنى, وإن كان كل منها جاريا على قانون النحو، فلا يغني ذكر ضعف التأليف عنه.

إلى ملك ما أمه من محارب ... أبوه ولا كانت كليب تصاهره1 يريده إلى ملك أبوه ليست أمه من محارب، فقدم وأخر حتى أبهم المعنى. وقوله في البيت المشهور الذي جرى مجرى المثل في التعقيد يمدح به إبراهيم بن هشام بن إسماعيل المخزومي خال هشام بن عبد الملك: وما مثله في الناس إلا مملكا ... أبو أمه حمي أبوه يقاربه2 مراده: وما مثل هذا الممدوح في الناس حي يقاربه ويشبهه في الفضائل إلا مملكا أبو أم ذلك الملك أبو الممدوح، فيكون الممدوح خال الملك، وخلاصة ذلك أنه لا يماثله إلا ابن أخته. فانظر رعاك الله كيف عقد المعنى، وصار به إلى التعمية دون الإفصاح، ولهذا قال الرماني: قد اجتمع في البيت أسباب الإشكال الثلاثة: سوء الترتيب وبه تغير نظام الكلام، وسلوك الطريق الأبعد في قوله: أبوه أمه أبوه، وكان يجزئه أن يقول: خاله، وإيقاع مشترك الألفاظ في قوله: حي يقاربه؛ لأنها لفظة تشترك فيها القبيلة، والحي من سائر الحيوان بالحياة. قال في المثل السائر ومن أقبح هذا النوع قول الآخر: فأصبحت بعد خط بهجتها ... كأن قفرا رسومها قلما3 يريد فأصبحت بعد بهجتها قفرا كأن قلما خط رسومها، ففصل بين الفعل الناقص وخبره، وبين كأن واسمها، وبين المضاف والمضاف إليه، وقدم خبر كأن عليها، وعلى اسمها. التعقيد المعنوي: هو خفاء دلالة الكلام على المعنى المراد من أجل ما عاقها من اللوازم البعيدة والكنايات المفتقرة إلى وسائط، أو اللوازم القريبة الخفية العلاقة، مع عدم

_ 1 محارب وكليب قبيلتان. 2 فصل فيه بين المبتدأ والخبر وهو أبو أمه أبوه بالأجنبي الذي هو حمي، وبين الموصول الصفة، أعني حمي يقاربه بالأجنبي الذي هو أبوه، وتقديم المستثنى أعني مملكا على المستثنى منه وهو حمي، وفصل كثير بين البدل وهو حمي، والمبدل منه وهو مثله. 3 الظاهر أنه يصف ديارا درست وعفت آثارها.

ظهور القرائن الدالة على المقصود، فمعجز الكلام عن أداء المعنى، كقول العباس ابن الأحنف: سأطلب بعد الدار عنكم لتقربوا ... وتسكب عيناي الدموع لتجمدا يريد أنه يتحمل الفراق وآلامه، ويوطن النفس على الحزن والأسى، عله يحظى بوصل يدوم، وسرور لا ينقطع، فطالما نال الصابرون أمانيهم، وفرجت كروبهم. وهذا المعنى مطروق لهجت به ألسن الشعراء والكتاب، قال عروة ابن الورد: تقول سليمى لو أقمت بأرضنا ... ولم تدر أني للمقام أطوف وقال أبو تمام: أآلفة النحيب كم افتراق ... ألم فكان داعية اجتماع1 وقيل للربيع بن خيثم، وقد صلى ليلة حتى أصبح: أتعبت نفسك، فقال: راحتها أطلب. إلا أن ابن الأحنف لم يتم له ما أراد على سنن قويم، فإنه كنى عما قصد بكنايتين أصاب في أولاهما، المحز وطبق المفصل، وأخطأ في أخراهما وجه الحقيقة، ولم يسلك المهيع الواضح في الرمز والإيماء إلى ما أراد، بيان هذا أنه دل بديئا بسكب الدمع على ما يلزم فرقة الأحباب من الحزن والكمد والتعب والنصب، فأصاب شاكلة الصواب، فإن البكاء عنوان الحزن والأمارة الدالة عليه، فيرمز به إليه حتى قالوا: "أبكاني وأضحكني" على معنى ساءني وسرني، كما قال الحماسي: أبكاني الدهر ويا ربما ... أضحكني الدهر بما يرضى2 ثم تلا ذلك فدل بجمود العين على ما يوجبه دوام التلاقي، من الفرح والسرور، لكن التوفيق لم يكن حليفه في هذا، إذ الجمود إنما هو خلو العين من البكاء عند الداعية إليه، فهو كناية عن البخل بالدموع حين الحاجة إليها، كما قال أبو عطاء يرثي أبا هبيرة:

_ 1 ألم نزل، والنحيب البكا. 2 قبله: أنزلني الدهر على حكمه ... من شامخ عال إلى خفض

ألا إن عينا لم تجد يوم واسط ... عليك مجاري دمعها لجمود لا كناية عن السرور؛ لأنه لو صح ذلك لحار أن يدعي به فيقال: لا زالت عينك جامدة، كما يقال لا أبكى الله عينك، ولا خفاء في بطلان ذلك، كما يرشد إليه قول أهل اللغة: سنة جماد لا مطر فيها وناقة جماد لا لبن فيها، على معنى أن السنة بخيلة بالقطر، والناقة لا تسخو بالدر. وهكذا حال الكنايات التي استعملها العرب، لأغراض إذا غيرها المتكلم وأراد بها أغراضا أخرى، كما إذا استعمل قولهم: بيته كثير الجرذان، كناية عن وسخ المنزل وسوء نظامه، وقولهم: أبيض سربال الطباخ، كناية عن نظافة الطاهي وحسن هندامه، كان ذلك خروجا من سنن العرب واستعمالاتهم، وعد ذلك تعقيدا، إذ هذا غير ما يتبادر إلى الفهم؛ لأن العرب كنت بالأولى عن كثرة الطعام، وبالثانية عن البخل. تدريب أول: أذكر ما أخل بفصاحة الكلام فيما يلي: 1- تعال فإن عاهدتني لا تخونني ... نكن مثل من يا ذئب يصطحبان 2- لما رأى طالبوه مصعبا ذعروا ... وكاد لو ساعد المقدور ينتصر 3- لو كنت كنت كتمت السر كنت كما ... كنا وكنت ولكن ذاك لم يكن 4- لما عصى أصحابه مصعبا ... أدوا إليه الكيل كيلا بصاع 5- ولم أر مثل جيراني ومثلي ... لمثلي عند مثلهم مقام الإجابة: 1- في البيت تعقيد لفظي، إذ تقديره: نكن يا ذئب مثل من يصطحبان. 2- فيه ضعف التأليف؛ لأن الضمير في طالبوه يعود إلى مصعب وهو متأخر لفظا ومرتبة. 3- فيه تنافر في الكلمات، أوجبه تكرار لفظ كنت عدة مرات. 4- فيه ضعف التأيف؛ لأن الضمير في أصحابه يعود إلى مصعب المتأخر لفظا ومرتبة. 5- فيه تنافر في الكلمات، سببه تكرار لفظ: مثل.

تدريب ثان: اذكر ما أخل بفصاحة الكلام فيما يلي: 1- ولدا اسم أغطية العيون جفونها ... من أنها عمل السيوف عوامل 2- تجمعت في فؤادهم همم ... ملء فؤاد الزمان إحداها 3- ألا ليت شعري هل يلومن قومه ... زهيرا على ما جر من كل جانب 4- لو لم تكن من ذا الورى اللذ منك هو ... عقمت بمولد نسلها حواء 5- قبيل أنت أنت أو كنت منهم ... وجدك بشر الملك الهمام 6- جواب مسائلي أله نظير ... ولا لك في سؤالك لا ألا لا الإجابة: 1- فيه تعقيد لفظي؛ لأن تقديره من أجل أن العيون عوامل عمل السيوف سميت أغطيتها جفونا. 2- فيه تنافر, أوجبه ثقل النطق بالهاء والميم مجتمعتين في كلمتين. 3- فيه ضعف التأليف؛ لأن الضمير في قومه يعود إلى متأخر لفظا ورتبة. 4- فيه تنافر، لثقل تأليف البيت وركة صوغه. 5- فيه تعقيد وتنافر؛ لأن تقديره قبيل أنت على شرف قدرك، أنت منهم، وأنت أنت، وإذا كنت أنت منهم وجدك بشر فكفاهم بذلك فخرا. 6- فيه تنافر، أوجبه تكرار لا عدة مرات، حتى قال الصاحب بن عباد: ما قدرت أن مثل هذا البيت يلج سمعا، وقد سمعت الفأفاء ولم أسمع باللألاء حتى رأيت هذا المتكلف المتعسف الذي لا يقف حيث يعرف. تمرين1: اذكر سبب خروج ما يأتي من الأساليب الفصيحة: 1- وأزور من كان له زائرا ... وعاف عافي العرف عرفانه1 2- لم تر من نادمت إلا كا ... لا لسوى ودك لي ذا كا

_ 1 أزور عدل وعاف كره والعافي طالب المعروف والعرف النوال والعطاء.

3- وبه يضن على البرية لا بها ... وعليه منها لا عليها يوسى1 4- هو السيف الذي نصر من أروى ... به عمان مروان المصابا 5- ونهنهت نفسي بعدما كدت أفعله2 6- الطيب أنت إذا أصابك طيبه ... والماء أنت إذا اغتسلت الغاسل3 تمرين2: 1- وقلقلت بالهم الذي قلقل الحشا ... قلاقل عيسى كلهن قلاقل4 2- ليس إلاك يا علي همام ... سيفه دون عرضه مسلول 3- ومن جاهل بي وهو يجهل جهله ... ويجهل علمي أنه بي جاهل 4- صان اللئمي وصنت وجهي ماله ... ووني فلم يبذل ولم أتبذل5 5- فما من فتى كنا من الناس واحدا ... به نبتغي منهم عديلا نبادله6 6- فتنتي فجنتني تجني ... بتجن يفتن غب تجني7 7- زار داود أروى وأروى ... ذات دل إذا رأت داودا8

_ 1 الضن البخل والبرية الخلق، يوسي يحزن، يريد أنه يبخل بالممدوح على الناس كلهم لا يهم يبخل عليه. 2 نهنه كف وزجر. 3- يريد أنك أطيب من الطيب وأطهر من الماء إذا اغتسلت به. 4- قلقل حرك والحشا داخل الجوف, وقلاقل الأولى جع قلقلة وهي الناقة السريعة, والثانية جمع قلقلة وهي الحركة، وضمير كلهن للعيس لا للقلاقل، والمعنى: حركت بسبب الهم الذي حرك نفسي نوقا خفافا في السير سريعات الحركة. 5 الأصل صان اللئيم ماله وونى، فلم يبذل وصنت وجهي ولم أتبذل. 6 تقديره فما فتى واحدا من الناس كنا نبتغي به عديلا نبادله منهم، أي: إنه لا نظير له يكون عوضا منه. 7 تجبني آخر الصراع الأول اسم امرأة وبتجن، أي: بدعوى ذنب، ويفتن بتنوع، وغب عقب. 8 أروى اسم امرأة، والدل الدلال.

فصاحة المتكلم

فصاحة المتكلم: هي صفة راسخة في نفس المتكلم يقتدر بها على التعبير عما يجول في خاطره من الأغراض والمقاصد. وبتلك الصفة يتمكن من صياغة ضروب الكلام، من مديح وهجاء وتهان ومراث، وخطب محبرة، ورسائل منمقة في الوعظ والإرشاد، والمفاخرات والمنافرات. ولن يبلغ شاعر أو ناثر هذه المنزلة إلا إذا كان ملما باللغة كثير الاطلاع على كتب الأدب، محيطا بأسرار أساليب العرب، حافظا لعيون كلامهم من شعر جيد ونثر مختار، عالما بأحوال الشعراء والخطباء، ومجالس الملوك والأمراء، محيطا بعدات العرب وأخبار أيامهم.

البلاغة

البلاغة بلاغة الكلام ... البلاغة: تقع البلاغة وصفا للكلام، والمتكلم، ولم يسمع وصف الكلمة بها. بلاغة الكلام: بلاغة الكلام مطابقته لمقتضى الحال التي يورد فيها مع فصاحته1. ولن يطابق الحال إلا إذا كان وفق عقول المخاطبين واعتبار طبقاتهم في البيان وقوة المنطق، فللسوقة كلام لا يصح غيره في موضعه والغرض الذي يبنى له، ولسراة القوم والأمراء فن آخر لا يسد مسداه سواه، ولقد أفصح عن ذلك الحطيئة حين خاطب عمر بن الخطاب فقال: تحنن على هداك المليك ... فإن لكل مقام مقالا قال صاحب الصناعتين: وربما غلب سوء الرأي وقلة العقل على بعض علماء العربية، فيخاطبون السوقي والمملوك والأعجمي بألفاظ أهل نجد، والسراة كأبي علقمة إذ قال لطبيب: "أجد رسيسا في أسناخي وأرى رجعا فيما بين الوابلة إلى الأطرة من دأيات العنق"2 فقال له الطبيب: "متهكما": هل من وجع القرشي؟ قال له: وما يبعدنا منهم يا عدي نفسه، نحن من أرومة واحدة ونجل واحد. قال الطبيب: كذبت، وكلما خرج هذا الكلام من جوفك كان أهون لك. قال: بل لك الهوان والخسارة والسباب.

_ 1 فإذا قلت: فلان مستعدد للأمر، لم يكن بليغا. 2 الرسيس ابتداء الحمى إذا فتر الجسم، والأسناخ منابت الأسنان، والوابلة طرف الكتف والأطرة كل ما أحاط بشيء، ودأيات العنق فقارها.

ومما سبق تعلم أن: 1- الحال "المقام" هو الأمر الذي يدعو المتكلم إلى إيراد خصوصية في التركيب. 2- المقتضى "الاعتبار المناسب" هو الصورة المخصوصة التي تورد عليها العبارة. 3- مقتضى الحال هو إيراد الكلام على تلك الصورة. فمثلا الوعظ حال ومقام يقتضي البسط والإطناب، وذلك البسط مقتضى، وإيراد الكلام في صورة الإطناب مطابقة للمقتضى. وكذا كون المخاطب منكرا يوم البعث حال يقتضي التأكيد، والتأكيد مقتضى، وكونك تخاطبه بقولك: "إن يوم الساعة لا شك فيه" مطابقة لمقتضى الحال، وهكذا مقام الذكي يخالف في الخطاب مقام الغبي، ومقام الذكر يباين مقام الحذف؛ لأن لكل منهما من الاعتبارات واللطائف وما يخالف ضده. مراتب البلاغة: بلاغة الكلام متفاوتة؛ لأن الألفاظ إذا ركبت لإفادة المعاني المرادة منها حصل لها بالتركيب صور مختلفة لا يحصرها العد، ألا ترى أن طلبة الفرقة إذا كتبوا في موضوع واحد في منشئاتهم تناولوا معاني متقاربة، أو متشابهة، لكنهم يتفاوتون في الأشياء الآتية: 1- العبارة التي ينشئونها. 2- ترتيب المعاني. 3- بسط الألفاظ أو إيجازها. وكلما كان المتكلم أكثر مراعاة للمقتضيات والاعتبارات ازداد الكلام حسنا, وكلما كان أوفى بها كان أبلغ، وبالعكس إذا قل وفاؤه بتلك الخصوصيات المعتبرة عند البلغاء كان أقل مرتبة في البلاغة، ولا يزال ينزل حتى يصل إلى المرتبة السفلى، فيلتحق عند البلغاء بأصوات الحيوان، وإن كان صحيح الإعراب. والمرتبة العليا وما يقرب منها هي مرتبة المعجز، وهو كلام الله تعالى الذي عجز البشر قاطبة أن يأتوا بأقصر سورة من مثله، وقد نزل في أرقى العصور

فصاحة وأكملها بلاغة، ومع ذلك وجم العرب، وخرست شقاشقهم مع طول التحدي وشد النكير عليهم، وحقت له الكلمة العليا. ثم يليه في الرتبة كلام رسوله عليه السلام، فقد أوتي من جوامع الكلم ما حارت في أمره جهابذة الفصاحة وأساطين البلاة، ثم كلام البلغاء من العرب جاهليين وإسلاميين. شواهد: من فصيح الكلام تشرح أسرار الفصاحة وتبين مراتب البلاغة. القرآن الكريم هو الينبوع الذي لا يغيض ماؤه والشجرة التي لا ينقطع ثمرها والجديد الذي لا تبلى جدته، فقد ضرب الأمثال، وتفجرت منه ضروب الحكمة وقص علينا من أخبار الماضين وسير الغابرين ما فيه العبرة لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد. وبسط ذلك برائع الأساليب، وبديع التراكيب، انظر إلى ما جاء فيه عند ذكر الحساب والصراط والميزان، تجد اللفظ الجزل، والقول الفصل، نحو: {وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ، وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا وَوُضِعَ الْكِتَابُ وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاءِ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ} 1. كما تجد السهل المهلهل خطابا لنبيه عليه السلام نحو: {وَالضُّحَى، وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى، مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى} 2 إلى آخرها. وقد اغترفت السنة النبوية من ذلك البحر, وقطفت من تلك الرياض فأوتيت من موجز الحكم وجامع الكلم ما لا يزال نجعة الرائد وكعبة القاصد، فمن جزلها قوله عليه السلام: "يابن آدم تؤتى كل يوم برزقك وأنت تحزن وينقص كل يوم من عمرك وأنت تفرح، أنت فيما يكفيك، وتطلب ما يطغيك، لا بقليل تقنع ولا بكثير تشبع".

_ 1 سورة الزمر. 2 سورة الضحى.

ومن مهلهلها وسهلها قوله عليه السلام: "كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل واعدد نفسك في الموتى، فإذا أمسيت فلا تحدثها بالصباح، وإذا أصبحت فلا تحدثها بالمساء، وخذ من صحتك لسقمك، ومن شبابك لهرمك، ومن فراغك لشغلك". وإن شئت إيضاحا وبيانا، وعلما وعرفانا، فوازن بين قول النمر بن تولب يذم الحياة: يود الفتى طول السلامة والغنى ... فكيف ترى طول السلامة يفعل يكاد الفتى بعد اعتدال وصحة ... ينوء إذا رام القيام ويحمل وقول الفند الزماني: أيا تملك يا تمل ... وذات الطوق والحجل ذريني وذري عذلي ... فإن العذل كالقتل تجد المدى واسعا والهوة بينهما سحيقة والتفاوت لا حد لغايته، أو اقرن بين قول معن بن أوس في الفخر: لعمرك ما أهويت كفي لريبة ... ولا حملتني نحو فاحشة رجلي ولا قادني سمعي ولا بصري لها ... ولا دلني رأيي عليها ولا عقلي وأعلم أني لم تصبني مصيبة ... من الدهر إلا قد أصابت فتى قبلي وقول بشار بن برد: ربابة ربة البيت ... تصب الخل في الزيت لها عشر دجاجات ... وديك حسن الصوت ترى عجبا عاجبا وتفاوتا في الصنعة لا يحتاج إلى مراء أو جدل. وإن شاقك أن تعرف فاخر الكلام ورصينه، وما يسابق معناه ولفظه، ولفظه معناه، وما لا يكون لفظه أسبق إلى سمعك من معناه إلى قلبك، وما قالوا في مثله إنه يدخل في الآذان بلا استئذان فانظر قول الرقاشي في العظة والاعتبار: "سل الأرض من شق أنهارك وغرس أشجارك وجني ثمارك, فإن لم تجبك حوارا أجابتك اعتبار". وقول بعض الكتاب: مثلك أوجب حقا لا يجب عليه, وسمح بحق وجب له، وقبل واضح العذر، واستكثر قليل الشكر، لا زالت أياديك فوق شكر أوليائك، ونعمة الله عليك فوق آمالهم فيك.

بلاغة المتكلم

بلاغة 1 المتكلم: هي ملكة يقتدر بها على التصرف في فنون الكلام وأغراضه المختلفة، ببديع القول وساحر البيان، ليبلغ من المخاطب غاية ما يريد، ويقع لديه الكلام موقع الماء من ذي الغلة الصادي، وتلك الملكة لا يصل إليها إلا من أحاط بأساليب العرب خبرا، وعرف سنن تخاطبهم في منافراتهم ومفاخراتهم ومديحهم وهجوهم واعتذارهم وشكرهم، ليلبس لكل حال لبوسها، ويراعي الخصائص والمقتضيات التي تناسبها. انظر إلى النبي عليه السلام تجده راعى حال من يخاطبه، فكتب إلى أهل فارس بما يسهل ترجمته، فقال: "من محمد رسول الله إلى كسرى أبرويز عظيم فارس، سلام على من اتبع الهدى وآمن بالله ورسوله، فأدعوك بداعية الإسلام فإني أنا رسول الله إلى الخلق كافة، لينذر من كان حيا ويحق القول على الكافرين, فأسلم تسلم، فإن أبيت فإثم المجوس عليك". وكتب بضدها إلى وائل بن حجر الحضرمي وقومه ففخم لهم اللفظ لما عرف من فضل قوتهم على فهمه، وعادتهم سماع مثله فقال: "من محمد رسول الله إلى الأقيال العباهلة من أهل حضرموت بإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة، على النيعة الشاة، والتيمة لصاحبها، وفي السيوب الخمس، لا خلاط ولا وراط، لا شناق ولا شغار، ومن أجبى فقد أربى، وكل مسكر حرام"2.

_ 1 قال صاحب الصناعتين: وصف المتكلم بالبلاغة من قبل التوسع، والمجاز، وحقيقته بليغ الكلام كما تقول رجل محكم وتعني إحكام أفعاله كما قال تعالى: "حكمة بالغة" فوصف الحكمة بالبلاغة ولم يصف بها الحكيم. 2 الأقيال واحدة قيل بفتح القاف وهو الملك، والعباهلة الذين أقروا على ملكهم، والنيعة الأربعون من الغنم، والتيمة الزائدة على الأربعين حتى تبلغ الفريضة الأخرى، والسيوب المعادن، ولا خلاط أي: لا يخلط رجل إبله بإبل غيره أو بقره ليمنع الصدقة، والوراط الخديعة والغش، والشباق ما بين الفريضتين حتى تتم، والشغار أن يزوج كل واحد صاحبه امرأة على أن يزوجه أخرى بلا مهر، والإجباء بيع الزرع قبل أن يعدو صلاحه.

تداريب وتمارين

تداريب وتمارين: متممات: أولا: علمت مما سبق في بيان تعريف الفصاحة والبلاغة، ما يعتور الكلام من العيوب، ويزري بقيمته ويحط من قدره، فوجب أن تعرف بم تداوي هذه العيوب, فتقول: أ- مخالفة القياس يمكن تجنبها بالاطلاع علم التصريف، فهو الكفيل بمعرفة سنن المفردات العربية ونهج استعمالها، ألا ترى أن نافع بن أبي نعيم، وهو من أكابر القراء السبعة قدرا وأفخمهم شأنا، قال في معايش، معائش بالهمز، مع أن الياء1 فيها ليست زائدة؛ لأنها من العيش، فعيب عليه ذلك، حتى إن أبا عثمان المازني قال: إن نافعا لم يدر ما العربية. ب- ضعف التأليف والتعقيد اللفظي, يتباعد عنهما بملاحظة قواعد النحو، إذ هو الباحث عن كيفية استعمال المركبات على وجه الصواب. وقد يشذ عن قانونه الخاصة بلغة العامة فينزل كلامهم إلى الدرك الأسفل ويكون عرضة للقادح، انظر ما وقع فيه أبو نواس حيث يقول في مدح الأمين: يا خير من كان ومن يكون ... إلا النبي الطاهر الميمون فرفع المستثنى في موجب الكلام، ومعرفة هذا من ظواهر النحو لا من خوافيه. جـ- الغرابة, يسهل التباعد عنها بالاطلاع على متن اللغة، فإذا تتبع المتكلم مشهور الكتب وأحاط بمعاني المفردات المأنوسة، عرف أن ما سواه مما يفتقر إلى بحث وتنقير، أو تخريج على وجه بعيد فغريب. د- الأحوال ومقتضياتها, تعلم من دراسة علم المعاني. هـ- التعقيد المعنوي, يمكن التجافي عند بدراسة علم البيان. و وجوه تحسين الكلام التي تكسوه طلاوة وتكسبه رقة، بعد رعاية المطابقة لمقتضى الحال ووضوح الدلالة, تعرف من علم البديع. ز- التنافر, وملاك معرفته الذوق السليم والشعور النفسي.

_ 1 ظن أن مفردها فعليه فجمعها على فعائل، وليس كذلك، بل هي مفعلة بكسر العين، فأصلها معيشة بكسر الياء، فياؤها ليست كياء صحيفة فلا تنقلب في الجمع همزة.

ثانيا: علم البيان في اصطلاح المتقدمين اسم جامع للعلوم الثلاثة "المعاني والبيان والبديع" وعليه قول الجاحظ: البيان اسم جامع لكل ما كشف لك المعنى, وقول ابن المعتز: البيان ترجمان القلوب وصيقل العقول. بعض الأئمة يسمي الثلاثة علم البديع لما فيها من بديع الصنعة، كما يسمي بعضهم الأول علم المعاني، والأخيرين علم البيان. ثالثا: للمتقدمين في حدود البلاغة ورسومها، كلمات مجملة تقرب لك بعضا مما فصلناه، منها قول محمد بن الحنفية، البلاغة قول تضطر العقول إلى فهمه بأيسر العبارة. وقول ابن المعتز: البلاغة البلوغ إلى المعنى ولما يطل سفر الكلام, وقول ابن الأعرابي: البلاغة التقرب من البغية ودلالة قليل على كثير. وقول بعضهم: هي قلة اللفظ، وسهولة المعنى، وحسن البديهة.

علم المعاني

علم المعاني مدخل ... علم المعاني: هو قواعد يعرف بها كيفية مطابقة الكلام مقتضى الحال حتى يكون وفق الغرض الذي سيق له، فبه نحترز عن الخطأ في تأدية المعنى المراد، فنعرف السبب الذي يدعو إلى التقديم والتأخير، والحذف والذكر، والإيجاز حينا والإطناب آخر، والفصل والوصل، إلى غير ذلك مما سنذكر بعد. فمنه نعرف مثلا: 1- أن العرب توجز إذ شكرت أو اعتذرت. 2- أن العرب تطنب إذا مدحت. 3- أن الجملة الاسمية تأتي لإفادة الثبات بمقتضى المقام. فمتى وضع المتكلم تلك القواعد نصب عينيه لم يزغ عن أساليبهم ونهج تراكيبهم وجاء كلامه مطابقا لمقتضى الحال التي يورد فيها، فالشكر حال يقتضي الإيجاز وإيراد الكلام على هذه الصورة مطابقة لمقتضى الحال. واضعه: أول من بسط قواعده الإمام عبد القاهرة الجرجني المتوفى سنة 471هـ فهو الذي هذب مسائله وأوضح قواعده، وقد وضع فيه الأئمة قبله نتفا كالجاحظ وأبي هلال العسكري، إلا أنهم لم يوفقوا إلى مثل ما وفق إليه ذلكم الحبر الجليل.

فائدته: 1- الوقوف على أسرار البلاغة في منثور الكلام ومنظومه، فنحتذي حذوهما، وننسج عل منوالهما، ونعرف السر في افتخار النبي عليه السلام بقوله: $"أنا أفصح من نطق بالضاد". وقوله: "أوتيت جوامع الكلم واختصر لي الكلام اختصارا". ونفهم وجه تعجب الصحابة من فصاحته عليه السلام، فقد روي أن أبا بكر رضي الله عنه قال له: ما بالك يا رسول الله أفصحنا ولم تخرج من بين أظهرنا؟. 2- معرفة وجه إعجاز القرآن من وجهة ما خصه الله به من حسن التأليف وبراعة التركيب، وما اشتمل عليه من عذوبة وجزالة وسهولة وسلاسة، فنقتنع ببلاغته وندرك السر في فصاحته، وكيف كان معجزة خالدة على وجه الدهر لا يبليها كر الجديدين ولا مرور الملوين. وقد رتبنا الكلام في هذا الفن على اثني عشر بابا.

الباب الأول: الخبر

الباب الأول: الخبر المبحث الأول في تعريف الخبر ... الباب الأول: في الخبر وفيه خمسة مباحث. المبحث الأول: في تعريف الخبر الخبر ما احتمل الصدق والكذب لذاته، قولنا ليدخل فيه الأخبار الواجبة الصدق، كأخبار الله وأخبار رسله، والواجبة الكذب كأخبار المتنبئين في دعوى النبوة، والبديهيات المقطوع بصدقها أو كذبها، فكل هذه إذا نظر إليها لذاتها دون اعتبارات أخرى احتملت أحد الأمرين، أما إذا نظر فيها إلى خصوصية في المخبر، أو في الخبر تكون متعينة لأحدهما، وإن شئت قلت الخبر ما لا تتوقف تحقق مدلوله على النطق به نحو: الصدق فضيلة، وإنفاق المال في سبيل الخير محمود. وبضد هذين التعريفين الإنشاء. صدق الخبر: لكل خبر تتلفظ به نسبتان: 1- نسبة تفهم من الخبر، ويدل عليها الكلام، وتسمى النسبة الكلامية. 2- نسبة أخرى تعرف من الخارج والواقع بقطع النظر عن الخبر, وتسمى بالنسبة الخارجية، فإن طابقت النسبة الكلامية النسبة الخارجية في الإيجاب أو في النفي كان الكلام صدقا، وإلا كان كذبا. مثلا إذا قلنا: "الشمس طالعة" وكانت هي في الواقع والخارج كذلك سمي الكلام صدقا، وإن لم تكن طالعة سمي الكلام كذبا، فصدق الخبر إذًا مطابقته الواقع والخارج، وكذبه عدمها. تنبيه: ما تقدم من انحصار الخبر في الصادق والكاذب، ومن تعريف الصدق والكذب بما ذكر هو مذهب الجمهور الذي عليه المعول.

ويرى إبراهيم النظام ومن تابعه أن صدق الخبر مطابقته لاعتقاد المخبر به، ولو كان خطأ غير مطابق للواقع، وكذبه عدمها، فإذا قال قائل: الشمس أصغر حجما من الأرض، معتقدا ذلك، كاد صدقا، وإذا قال: الشمس أكبر من الأرض، وكان غير معتقد ذلك، كان كذبا. واحتج لذلك بوجهين: 1- أن من اعتقد أمرا فأخبر به، ثم ظهر خبره مخالفا للواقع فإنه يقال: ما كذب ولكنه أخطأ، كما روي أن عائشة قالت فيمن شأنه كذلك: ما كذب ولكنه وهم، ورد بأن المنفي تعمد الكذب لا الكذب، بدليل تكذيبنا اليهودي إذا قال: الإسلام باطل، وتصديقنا إياه إذا قال: الإسلام حق. 2- قوله تعالى: {وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ} 1، فقد كذبهم في قولهم: إنك لرسول الله، وإن كان مطابقا للواقع؛ لأنهم لم يعتقدوه. وأجيب عن ذلك بوجوه. أ- أن المعنى نشهد شهادة وافقت فيها قلوبنا ألسنتنا كما يرشد إلى ذلك التأكيد بأن واللام والجملة الاسمية في قولهم: إنك لرسول الله، فالتكذيب راجع إلى الشهادة باعتبار تضمنها خبرا كاذبا، وهو أنها من صميم القلب، وخلوص الاعتقاد. ب- أن التكذيب متجه إلى تسمية إخبارهم شهادة؛ لأن الإخبار إذا خلا عن المواطأة للاعتقاد لم يكن شهادة في الحقيقة. جـ- أن المراد لكاذبون في قولهم: إنك لرسول الله، لا في الواقع، بل في زعمهم واعتقادهم؛ لأنهم يعتقدون أنه غير مطابق للواقع، فيكون كذبا باعتبار اعتقادهم، وإن كان صادقا في الواقع والحقيقة، فكأنه قيل إنهم يزعمون أنهم كاذبون في هذا الخبر الصادق. ويرى تلميذه الجاحظ أن الخبر غير منحصر في القسمين الصادق والكاذب، بل الأقسام الثلاثة: صادق وكاذب وواسطة بينهما؛ لأن الحكم إن طابق الواقع مع اعتقاد المخبر أنه مطابق فهو صدق، وإن لم يطابق الواقع مع اعتقاده أنه

_ 1 سورة المنافقون.

غير مطابق، فهو كذب، وغير هذين1 ليس بصدق ولا كذب. واحتج لذلك بقوله تعالى: {أَفْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَمْ بِهِ جِنَّةٌ} 2، فقد حصر المشركون إخبار النبي بالحشر والنشر في الافتراء، والإخبار حال الجنون على طريق منع الخلو والاجتماع معا. ولا شك أن إخباره حال الجنون ليس كذبا لجعلهم الافتراء3 في مقابلته, ولا صدقا؛ لأنهم اعتقدوا عدم صدقه. وقد رد هذا المعنى قولهم: "أم به جنة" أم لم يفتر فيكون مرادهم أن إخباره عليه السلام إما مخلفة قصدا أو مختلقة بلا قصد, فعبروا عن الأول بالافتراء وعن الثاني بوجود الجنة لاستلزامه4 عدم الافتراء، وعلى هذا يكون حصر الإخبار في الافتراء وعدمه من قبيل حصر الكذب في نوعية العمد وغيره لا حصر الخبر مطلقا.

_ 1 وهو أربعة أقسام: المطابقة مع اعتقاد عدم المطابقة، أو بدون الاعتقاد أصلا، وعدم المطابقة مع اعتقاد المطابقة، أو بدون الاعتقاد أصلا. 2 سورة سبأ الآية: 8. 3 وهو الكذب. 4 على طريق المجاز المرسل فقد أطلق اسم الملزوم وأراد اللازم.

المبحث الثاني: في تأليف الجمل

المبحث الثاني: في تأليف الجمل لكل جملة ركنان أساسيان لا بد منهما في تكوينهما "وهما المسند إليه" وهو المبتدأ ونحوه "والمسند" الخبر ونحوه، وما زاد عليهما من مفعول وحال وتمييز فهو قيد زائد إلا صلة الموصول والمضاف إليه:

المبحث الثالث: في الغرض من إلقاء الخبر

المبحث الثالث: في الغرض من إلقاء الخبر الأصل في الخبر أن يلقى لأحد غرضين: 1- إفادة المخاطب الحكم الذي تضمنته الجملة، ويسمى ذلك فائدة الخبر، نحو: حروب المستقبل جوية. 2- إفادة المخاطب أن المتكلم عالم بهذا الحكم، ويسمى ذلك لازم الفائدة، كما تقول لشخص أخفى عليك سفره فعلمته من طريق آخر: أنت سافرت أمس. وربما لا يقصد من إلقاء الخبر أحد ذينك الغرضين، بل يلقى لأغراض أخرى تستفاد من سياق الكلام، أهمها: أ- إظهار الأسف والحسرة على فائت نحو: ذهب الذين يعاش في أكنافهم ... وبقيت في خلف كجلد الأجرب ب- إظهار الضعف نحو: فقد كنت عدتي التي أسطو بها ... ويدي إذا اشتد الزمان وساعدي جـ- الاسترحام والاستعطاف نحو: رب إني لا أستطيع اصطبارا ... فاعف عني يا من يقيل العثارا د- التوبيخ كما تقول للطالب المهمل الذي رسب في الامتحان: "أنت رسبت في الامتحان". هـ- إظهار الفرح، كما يقول من نجح في الامتحان لمن يعرف ذلك: "فزت في الامتحان". و التنشيط وتحريك الهمة لنيل ما يلزم تحصيله نحو: الناس يشكرون المحسن. ز- التذكير بما بين المراتب من التفاوت نحو: لا يستوي كسلان ونشيط. ح- الوعظ والإرشاد نحو: {كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ} 1.

_ 1 سورة الرحمن الآية: 26.

نموذج أول: اذكر ما يستفاد من هذه الأخبار: 1- هناء مح ذاك العزاء المقدما ... فما عبس المحزون حتى تبسما 2- أصبت بسادة كانوا عيونا ... بهم نسقي إذا انقطع الغمام1 3- إلهي عبدك العاصي أتاكا ... مقرا بالذنوب وقد دعاكا 4- أنا القائد الحامي الذمار وإنما ... يدافع عن أحسابهم أنا أو مثلي 5- تقلو للعاثر: المصباح في يدك. 6- الحياة كطيف الخيال الإجابة: 1- الفرح بالمقبل ونسيان الأحزان المدبرة. 2- الأسف والحزن على فقدان أولئك السادة الأمجاد. 3- الخشوع والضعف. 4- الفخر والشجاعة والحمية. 5- التوبيخ والتأنيب لوجود حال تقتضي ضد ما حصل. 6- العظة والاعتبار. نموذج ثان: 1- أهبت بالحظ لو ناديت مستمعا ... والحظ عني بالجهال في شغل 2- ذهب الشباب فما له من عودة ... وأتى المشيب فأين منه المهرب 3- ما أنت بالذي يعول عليه 4- قيمة كل امرئ ما يحسنه 5- {كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِين} . 6- تقول لضيف زارنا الغيث.

_ 1 كانوا يطلبون الماء إذا انقطع الغيث بالإشادة بذكر العظماء والأشراف.

الإجابة: 1- الأسف والحسرة على فوات ما كان مرجوا. 2- الأسف والحسرة على ما فات. 3- التوبيخ وإغاظة المخاطب. 4- تنشيط السامع، وحثه على صالح العمل. 5- الحث والتنشيط على العمل. 6- الفرح والسرور بمقدمه. تمرين1: ماذا يراد من هذه الأخبار: 1- {وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ} 1. 2- وأنت الذي ربيت ذا الملك مرضعا ... وليس له أم سواك ولا أب 3- ذل من يغبط الذليل يعيش ... رب عيش أخف منه الحمام 4- تقول لمن يحث على الحرب: الحرب متلفلة للعباد. ذهابة بالطارف والنلاد. 5- يقول الطالب لأهله: نلت الجائزة الأولى. 6- يقول التاجر الذي خسر: ضاعت أتعابي سدى. 7- أودى الشباب فما له منقفر وفقدت أترابي فأين المغبر2 تمرين2: 1- {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ} . 2- {وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا} . 3- "الظلم ظلمات يوم القيامة". 4- من حفر حفرة لأخيه المؤمن وقع فيها. 5- مررت على أبيات آل محمد ... فلم أرها أمثالها يوم حلت 6- رزئنا أبا عمرو ولا حي مثله ... فلله ريب الحادثات بمن وقع 7- دفعنا بك الأيام حتى إذ أتت ... تريدك لم نسطع لها عنك مدفعا3

_ 1 سورة فصلت الآية: 46. 2 المنقفر المنتبع، والأتراب جمع ترب، وهو من في سنك، والمغبر المهرب. 3 مدفعا أي: دفعا.

المبحث الرابع: في طريق إلقاء الخبر

المبحث الرابع: في طريق إلقاء الخبر من مزايا اللغة العربية دقة التعبير واختلاف الأساليب، بتنوع الأغراض والمقاصد، فمن الخطل عند ذوي المعرفة البسط والإطناب، إذا لم تكن الحاجة ماسة إليه، والإيجاز حيث تطلب الزيادة، وقد خفيت هذه الدقائق عل الخاصة بلغة العامة, ويرشد إلى ذلك ما رواه الثقات من أن المتفلسف الكندي ركب إلى أبي العباس المبرد، وقال له: إني لأجد في كلام العرب حشوا، فقال أبو العباس: في أي موضع وجدت ذلك؟ فقال: أجد العرب يقولون: عبد الله قائم، ويقولون إأن عبد الله قائم، ثم يقولون إن عبد الله لقائم، فالألفاظ متكررة والمعنى واحد. فقال أبو العباس: بل المعاني مختلفة لاختلاف الألفاظ، فالأول إخباره عن قيامه, والثاني جواب عن سؤال سائل, والثالث جواب عن إنكار منكر قيامه، فقد تكررت الألفاظ لتكرر المعاني، فما أحار المتفلسف جوابا. ومن هذا تعلم أن العرب لاحظت أن يكون الكلام بمقدار الحاجة لا زائدا عليها، وإلا كان عبثا, ولا ناقصا وإلا أخل بالغرض، وهو الإفصاح والبيان، وتعلم أيضا أن المخاطب لا يخلو من أن يكون واحدا من ثلاثة: 1- خالي الذهن من الحكم، ومن التردد فيه فيلقى إليه الكلام ساذجا غفلا من أدوات التوكيد التي سترد عليك، ويسمى هذا الضرب ابتدائيا، نحو: محمد سافر. 2- المتردد في ثبوت الحكم وعدمه بألا يترجح عنده هذا على ذلك، وحينئذ يحسن تقوية الحكم بمؤكد ليزيل ذلك التردد، ويسمى هذا الضرب طلبيا. ويرى عبد القاهر أنه إنما يحسن التوكيد إذا كان الملخاطب ظن على خلاف حكمك، وله تشوف إلى الوقوف على الحقيقة, فيحسن تقوية الحكم له بأن ونحوها ليتمكن المعنى المراد في نفسه ويطرح الخلاف وراء ظهره. ثم قال: ومن ثم يحسن موقع إن إذا كان الخبر بأمر يبعد في الظن مثله؛ لأن العادة جرت بخلافه كقول أبي نواس: عليك باليأس من الناس ... إن غنى نفسك في اليأس لما كان في مجرى العرف والعادة ألا يدع الناس الطمع والرجاء ويحملوا أنفسهم على اليأس ويجعلوا فيه الغنى كما ادعى، أكده بأن.

3- المنكر للحكم, وهذا يجب أن يؤكد له الكلام بقدر إنكاره، قوة وضعفا، ذاك أن المتكلم أحوج ما يكون إلى الزيادة في تثبيت خبره إذا كان هناك من ينكره ويدفع صحته، فهو حينئذ يبالغ في تأكيده حتى يزيل إنكاره، يدل على ذلك ما قصه الله تعالى علينا حكاية عن رسل عيسى عليه السلام حين بعثهم إلى أهل أنطاكية فكذبوهم فقالوا لهم في المرة الأولى: {إِنَّا إِلَيْكُمْ مُرْسَلُونَ} 1 وفي الثانية: {رَبُّنَا يَعْلَمُ إِنَّا إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ} 2 فأكدوا لهم أولا بأن واسمية الجملة، وثانيا بالقسم "إذ ربنا يعلم في حكم، علم الله وشهد الله" وأن اللام والجملة الاسمية لما رأوا من شديد إنكارهم، ويسمى هذا الضرب إنكاريا3. والجري على هذا المنهج والسير على تلك الطريق في الأضرب الثلاثة يسمى: إخراج الكلام على مقتضى الظاهر. وقد يلاحظ المتكلم اعتبارات أخرى خفية، فيخرج كلامه على اعتبارها، ويسمى ذلك إخراج الكلام على خلاف مقتضى الظاهر، ولذلك صور كثيرة، منها: 1- أن ينزل غير السائل منزلة السائل، فيؤكد له الكلام إذا تقدم ما يشير إلى حكم الخبر فتستشرف نفسه وتتطلع إليه استشراف الطالب المتردد، وذلك كثير في القرآن الكريم وكلام العرب، نحو قوله تعالى: {وَلَا تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ} 4 فحين تقدم قوله: واصنع الفلك بأعيننا، وقوله: ولا تخاطبني، صار المقام مقام تردد بأن القوم هل حكم عليهم بالإغراق؟ فقيل: إنهم مغرقون، وقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ} 5 وقوله: {وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ} 6.

_ 1و 2 سورة يس الآية: 14 و16. 3 واعتبارات النفي كاعتبارات الإثبات فيجرد عن المؤكدات في الابتدائي ويقوى بموكد استحسانا في الطلبي, ويجب التوكيد في الإنكاري. 4 سورة المؤمنون الآية: 27. 5 سورة الحج الآية: 1، فإن أمرهم بالتقوى يشير إلى جنس الخبر الآتي بعده وأن هناك أهوالا تؤمن التقوى من فزعها في ذلك اليوم، فكان المقام مقام تردد في أنه هل هناك أمامهم أمر مهم يقع لهم إن لم يتقوا، فقيل إن زلزلة إلخ، وهكذا يقال فيما بعده. 6 سورة التوبة الآية: 103.

وقول بعض العرب: فغنها وهي لك الفداء ... إن غناء الإبل الحداء وقول بشار: بكرا صاحبي قبل الهجير ... إن ذاك النجاح في التكبير 2- أن ينزل من لا ينكر الخبر منزلة من ينكره تهكما به إذا لاح عليه شيء من أمارات الإنكار كقول حجل بن نضلة القيسي، وهو من أولاد عم شقيق: جاء شقيق عارضا رمحه ... إن بني عمك فيهم رماح فمجيء شقيق هكذا مدلا بنفسه معجبا بشجاعته, واضعا رمحه عرضا1، دليل على صلفه وزهوه ببسالته، واعتقاده أنه لن يجد مقاوما من بني عمه، حتى كأنهم عزل ليس معهم ما يدافعون به، ومن ثم نزله منزلة المنكر، وخاطبه بالشطر الثاني خطاب التفات بعد غيبة، تهكما به، ورميا له بالنزق، وخرق الرأي. 3- أن يجعل المنكر كأنهم غير منكر، فلا يعتد بإنكاره؛ لأن أمامه من الدلائل الساطعة والبراهين القاطعة، ما فيه مقنع له لو أزال تلك الغشاوة عن عينيه والتفت إلى ما يحيط به، وعليه قوله تعالى خطابا لمنكري الوحدانية: {وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ} 2 إذ العقل قاض بأن تعدد الآلهة يقتضي تخالف أفعالهم لاختلاف علومهم وإرادتهم، وكل منهم له التصرف في السموات والأرض، والقدرة على إيجاد الممكنات فتتضارت أفعالهم ويفسد نظام الكون، والمشاهد أنه على أتم نظام، فهو الواحد لا شريك له. 4- أن ينزل العالم بالفائدة ولازمها منزلة الجاهل لعدم جريه على موجب العلم "وهل العمل به" كما تقول لمن يسيء إلى أبيه ويقسو عليه: هذا أبوك فأحسن إليه. فكأنك تقول له: إن هذه المعاملة لتدل على أنك تجهل أبوته لك. وهذا كله اعتبارات الإثبات، وقس عليه اعتبارات النفي كقولك: ليس زيد منطلقا وبمنطلق، ووالله ليس على المنطلق، وهكذا.

_ 1 يأن يجعل الرمح على فخذيه وهو راكب بحيث يكون عرضه جهة العدو. 2 سورة البقرة الآية: 163.

تنبيهات: 1- التوكيد تمكين الشيء في النفس وتقويته، لإزالة الشكوك وإماطة الشبهات عما أنت بصدد الإخبار عنه, والمراد به في هذا الباب تأكيد الحكم، لا تأكيد المسند إليه، ولا تأكيد المسند، فلو قلت: علي نفسه قائم، أو جاء علي، لا يكون مما نحن فيه. 2- التوكيد في الجمل الاسمية يكون بأن، أو بأن واللام، أو بأن واللام والقسم كما عرفت، وفي الجمل الفعلية يكون بقد، أو بقد والقسم، كقول العباس بن مرداس: لقد عظم البعير بغير لب ... فلن يستغن بالعظم البعير 3- المؤكدات المشهورة هي: إن، أن، لام الابتداء، نونا التوكيد، القسم، أما الشرطية، أحرف التنبيه، أحرف الزيادة، ضمير الفصل، تقديم الفاعل في المعنى، نحو: محمد يقوم، السين وسوف الداخلتان على فعل دال على وعد، أو وعيد، نحو: سأمنح المجتهد جائزة، وسأعاقب المسيء، قد التي للتحقيق، تكرير النفي، إنما. 4- الخطاب بالجملة الاسمية وحدها آكد من الخطاب بالجلمة الفعلية، فإذا أريد مجرد الإخبار فقط أتى بالفعلية، وإن أريد التأكيد فبالاسمية وحدها، أو بها مع إن أو بهما وباللام ثم بالثلاثة والقسم. هذا والتأكيد كما يأتي في الخبر يأتي في الإنشاء كقول الشاعر: هلا تمنن بوعد غير مخلفة ... كما عهدتك في أيام ذي سلم ولكنه لا يكون فيه لدفع التردد، أو الإنكار، لكن لدلالته على استبعاد الحكم من المخبر، كما في قوله تعالى: {رَبِّ إِنَّ قَوْمِي كَذَّبُونِ} 1. 5- من فوائد إن غير التوكيد: أ- ربط الجملة بما قبلها، كما تقدم في قوله: إن غناء الإبل الحداء، فلو أسقطت إن، لم يقل إلا بالفاء، فيقال: فغناء الإبل الحداء.

_ 1 سورة الشعراء الآية: 117.

ب- تهيئة النكرة وصلاحيتها؛ لأن تكون مسندا إليه كقوله: إن دهرا يلف شملي بسعدي ... لزمان يهم بالإحسان جـ- غناؤها عن الخبر في بعض المواضع كقولهم: إن مالا، وإن ولدا، وإن عددا يريدون إن لهم مالا، وإن لهم عددا، وعليه قول الأعشى: إن محلا وإن مرتحلا ... وإن في السفر إذ مضوا مهلا1 د- الدلالة على أن الظن كان من المتكلم في الذي كان أنه لا يكون كقولك للشيء هو بمرأى ومسمع من المخاطب: إنه كان من الأمر ما ترى، وأحسنت إلى فلان ثم إنه جعل جزائي ما ترى، وعليه قوله تعالى: {رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنْثَى} 2. {رَبِّ إِنَّ قَوْمِي كَذَّبُونِ} 3. قاله عبد القاهر في "دلائل الإعجاز". هـ- أن لضمير الشأن معها حسنا لا يكون بدونها، نحو: أنه من يتق ويصبر. أنه من يعمل سوءا يجز به. أنه لا يفلح الكافرون. تدريب أول: اذكر أضرب الخبر فيما يلي, وبين المؤكدات التي في كل جملة: 1- ما أن ندمت على سكوتي مرة ... ولقد ندمت على الكلام مرارا 2- وإني لصبار على ما ينوبني ... وحسبك أن الله أثنى على الصبر 3- فما الحداثة عن حلم بمانعة ... قد يوجد الحلم في الشبان والشيب 4- ولقد نصحتك إن قبلت نصيحتي ... والنصح أغلى ما يباع ويوهب 5- فيوم علينا ويوم لنا ... ويوم نساء ويوم نسر 6- وإني لحلو تعتريني مرارة ... وإني لتراك لما لم أعود

_ 1 تقدير المحذوف إن لنا في الدنيا محلا، ولنا عنها إلى الآخرة مرتحلا. 2 سورة آل عمران الآية: 36. 3 سورة الشعراء الآية: 117.

تدريب ثان: 1- إن الحياة لثوب سوف نخلعه ... وكل ثوب إذا ما رث ينخلع 2- أتتك الخلافة منقادة ... إليك تجرر أذيالها 3- "إن من البيان لسحرا، وإن من الشعر لحكمة". 4- قد يدرك الشرف الفتى ورداؤه خلق. 5- ألا إن أخلاق الفتى كزمانه ... منهن بيض في العيون وسود الإجابة:

تمرين1: من أي الأضرب الجمل الآتية، وأيها جرى على خلاف مقتضى الظاهر؟ 1- {إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِنْ قَوْمِ مُوسَى فَبَغَى عَلَيْهِمْ} 1. 2- {أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} 2. 3- قال أبو بكر رضي الله عنه: إن البلاء موكل بالمنطق. 3- {الم، ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ} 3. 5- الإسلام حق. 6- {ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذَلِكَ لَمَيِّتُونَ، ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تُبْعَثُونَ} 4. تمرين2: 1 ترجو النجاة ولم تسلك مسالكها ... إن السفينة لا تجري على اليبس 2- {وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} 5. 3- إن على سائلنا أن نسأله ... والعبء لا تعرفه أو تحمله 4- ولقد علمت لتأتين منيتي ... إن المنايا لا تطيش سهامها 5- إن السلاح جميع الناس تحمله ... وليس كل ذوات المخلب السبع 6- هي الأمور كما شاهدتها دول ... من سره زمن ساءته أزمان

_ 1 سورة القصص الآية: 76. 2 سورة يونس الآية: 62. 3 سورة البقرة الآيتان: 1 و2. 4 سورة المؤمنون الآية: 16. 5 سورة آل عمران الآية: 101.

المبحث الخامس: في الجملة الأسمية والفعلية

المبحث الخامس: في الجملة الاسمية والفعلية مما تمس الحاجة إلى معرفته، الفرق بين الجملة الاسمية والفعلية في الاستعمال، لوعورة المسلك ودقة الصنع، إذ قلما يفطن له الفصحاء ذوو الدراية في المنطق، وبيان ذلك أن الجملة قسمان: 1- اسمية وتفيد بأصل وضعها ثبوت الحكم فحسب، بلا نظر إلى تجدد ولا استمرار، فلا يستفاد من قولنا: علي مسافر، سوى ثبوت السفر فعلا لعلي دون نظر إلى تجدد ولا حدوث، فالمعنى فيه شبيه بالمعنى في قولنا: محمد طويل ومحمود قصير، فكما لا يقصدها هنا إلى أن يجعل الطول والقصر يتجدد ويحدث، بل يقصد إيجابهما وثبوتهما فقط، كذلك لا يتعرض في قولنا: علي مسافر لأكثر من إثبات السفر فعلا لعلي. ولكن قد تحف بها قرائن أخرى تستفاد من سياق الكلام، كأن يكون في معرض مدح أو ذم أو حكمة، أو نحو ذلك، فتفيد لدوام والاستمرار حينئذ، وعليه قول النضر بن جويرية يتمدح بالغنى والكرم: لا يألف الدرهم المضروب صرتنا ... لكن يمر عليها وهو منطلق1 فهو يريد أن دراهمهم دائمة الانطلاق تمرق من الكيس مروق السهام من قسيها لتوزع على المعوزين وأرباب الحاجات، كما يرشد إلى ذلك ما قبله: إنا إذا اجتمعت يوما دراهمنا ... ظلت إلى طرق المعروف تستبق ونظيره قوله تعالى: {وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ} 2، فسياق الحديث في معرض المدح دال على إفادة الاستمرار والدوام. 2- فعلية، وتدل بأصل وضعها على التجدد في زمن معين مع الاختصار، فلا يستفاد من نحو: طلعت الشمس، إلا إثبات الطلوع فعلا للشمس في زمن مضى. تفسير هذا أن الفعل يدل على أحد الأزمنة الثلاثة بذاته لا بقرينة3 خارجة عنه، وهذا الزمن الذي هو أحد مدلوليه "مدلوله الثاني الحدث" لا تجتمع أجزاؤه في الخارج، بل تتصرم وتنقضي شيئا فشيئا، ومن ثم كان الفعل مع إفادته الزمن يفيد أيضا تجدد الحدث وحصوله بعد أن لم يكن، بخلاف الاسم، فإنه إنما يدل على الزمن المعين بقرينة أخرى، كأن يقال: أمس أو الآن أو غدا.

_ 1 الصرة كيس الدراهم. 2 سورة القلم. 3 أما احتياج الفعل المضارع إلى قرينة في تعيين الحال أو الاستقبال فهو تعيين للمراد لا تعيين للزمن؛ لأنه دال عليه بالوضع.

وقد تفيد الاستمرار التجددي شيئا فشيئا بمعونة القرائن إذا كان الفعل مضارعا، ومن البين في ذلك قوله تعالى: {إِنَّا سَخَّرْنَا الْجِبَالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِشْرَاقِ} 1، فالقصد الدلالة على حدوث التسبيح من الجبال آنا إثر آن، وحالا بعد حال. ونحوه قول طريف بن تميم العنبري يتمدح بجرأته وشجاعته: أوكلما وردت عكاظ قبيلة ... بعثوا إلى عريفهم يتوسم2 إذ يريد أن كل قبيلة ترد سوق عكاظ تبعث عريفها ليتفرس في وجوه القوم مرة بعد أخرى، ويتوسمها وقتا بعد وقت، لعله يهتدي إلى معرفتي. وقول المتنبي: تدبر شرق الأرض والغرب كفه ... وليس لها يوما عن الجود شاغل فقرينة المدح تدل على أن تدبير الملك ديدنه وحاله المستمرة التي لا يحيد عنها. تنبيهات: 1- الجملة الاسمية إنما تفيد الدوام والثبات بقرينة المقام إذا كان خبرها مفردا أو جملة اسمية، نحو: محمد كريم، علي أبوه جواد. أما إذا كان خبرها فعلية فإنها تفيد التجدد. 2- المسند تارة يكون مفردا فعلا كان أو اسما، وطورا يكون ظرفا للاختصار، نحو: البركة في البكور. وحينا يكون جملة للأسباب الآتية: أ- إذا قصد تقوية الحكم بتكرير الإسناد، نحو قول المتنبي: والله يسعد كل يوم جده ... ويزيد من أعدائه في آله ب- إذا قصد قصر الحكم وتخصصه بالمسند، نحو: أنا سعيت في حاجتك، أي: لا غيري. جـ- إذا كان سببيا أي: جملة معلقة على مبتدأ بعائد لا يكون مسندا إليه في تلك الجملة، نحو: محمد أخوه نبيه, إبراهيم نجح ابنه.

_ 1 سورة ص الآية: 18. 2 عكاظ أكبر الأسواق العربية التي كانت من أسباب تهذيب اللغة، وفيها كانوا يجتمعون للتفاخر وللتنافر ليلا ولتصريف المتاجر نهارا.

نماذج وتمارين

نماذج وتمارين: تدريب أول: بين فائدة التعبير بالجملة الاسمية أو الفعلية في التراكيب الآتية: 1- قال تعالى: {يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ} 1. 2- نروح ونغدو لحاجاتنا ... وحاجة من عاش لا تنقضي 3- وعلى إثرهم تساقط نفسي ... حسرات وذكرهم لي سقام 4- الحلف منفعة للسلعة ممحقة للبركة2. 5- يأتي على الناس زمان لا يبالي المرء ما أخذ منه، أمن الحلال أم من الحرام 6- وتحيي له المال الصوارم والقنا ... ويقتل ما تحيي التبسم والجدا3

_ 1 سورة الرعد الآية: 39. 2 نفقت السلعة راجت في السوق، والمحق الزوال. 3 الصوارم السيوف والقنا الرماح والجدا العطاء.

تدريب ثان: 1- سلام على القبر الذي لا يجيبنا ... ونحن نحيي تربه ونخاطبه 2- لا خير في ود امرئ متملق ... حلو اللسان وقلبه يتلهب 3- {إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ} 1. 4- ثمرة القناعة الراحة، وثمرة التواضع المحبة. 5- لعمري لقد لاحت عيون كثيرة ... إلى ضوء نار باليفاع تحرق 6- الأرض مظلمة والنار مشرقة ... والنار معبودة مذ كانت النار تمرين1: بين ما يستفاد من الجمل فيما يلي واذكر أضرب الخبر: 1- فدعوت ربي بالسلامة جاهدا ... ليصحني فإذا السلامة داء 2- {وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّمَاءُ بِالْغَمَامِ وَنُزِّلَ الْمَلَائِكَةُ تَنْزِيلًا، الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ لِلرَّحْمَنِ} 2. 3- يهوى الثناء مبرز ومقصر ... حب الثناء طبيعة الإنسان

_ 1 سورة الفجر الآية: 14. 2 سورة الفرقان الآيتان: 25 و26.

4- بك اجتمع الملك المبدد شمله ... وضمت قواص منه بعد قواصي 5- {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} 1. 6- العين ترى كل شيء، ولا ترى نفسها إلا بمرآة. تمرين2: 1- يكفكف غيلة إحدى يديه ... ويبسط للوثوب على أخرى 2- المجد عوفي إذ عوفيت والكرم ... وزال عنك إلى أعدائك السقم 3- السيف أصدق أنباء من الكتب ... في حده الحد بين الجد واللعب 4- ليس الزمان وإن حرصت مسالما ... خلق الزمان عداوة الأحرار 5- والشيخ لا يترك أخلاقه ... حتى يواري في ثرى رمسه 6- هناء محا ذاك العزاء المقدما ... فما عبس المحزون حتى تبسما

_ 1 سورة الحجر الآية: 9.

الباب الثاني: في الإنشاء

الباب الثاني: في الإنشاء المبحث الأول: في تعريف الإنشاء ... الباب الثاني: في الإنشاء وفيه ستة مباحث المبحث الأول: في تعريف الإنشاء الإنشاء في اللغة الإيجاد والاختراع في الاصطلاح يطلق بأحد إطلاقين: 1- المعنى المصدري وهو إلقاء الكلام الذي ليس لنسبته خارج تطابقه أو لا تطابقه. 2- المعنى الاسمي وهو نفس الكلام الملقى الذي له الصفة المتقدمة. وينقسم بالاعتبار الأول إلى: 1- طلبي وهو خمسة1 أنواع: الأمر والنهي والتمني والاستفهام والنداء، ويعرف بأنه ما يستدعي مطلوبا غير حاصل في اعتقاد المتكلم وقت الطلب. 2- غير طلبي وهو ما يستدعي مطلوبا حاصلا. وأنواعه كثيرة، منها صيغ المدح والذم، نحو: نعم الخليقة عمر، وبئس الظالم الحجاج، والعقود كبعت واشتريت ووهبت، والقسم نحو: تالله لأصدقنك، والتعجب نحو: ما أجمل الصدق، والرجاء بعسى ولعل ونحوهما, نحو: لعل الله يأتي بالفرج، ورب وكم الخبرية. والذي يهتم البليغ بالبحث عنه هو القسم الأول2؛ لأن فيه من المزايا واللطائف ما ليس في القسم الثاني.

_ 1 لأن المطلوب إن كان غير متوقع الحصول فهو التمني وإن كان متوقعا، فأما حصول صورة شيء في الذهن فهو الاستفهام, وأما حصول صورة شيء في الخارج فإن كان انتفاء فهو النهي، وإن كن ثبوتا فإما بأحرف النداء فهو المنادى، وإما بغيرها فهو الأمر. 2 ولأن كثيرا من الإنشاءات غير الطلبية إخبار في الأصل نقلت إلى الإنشاء.

المبحث الثاني: في التمني

المبحث الثاني في التمني: هو طلب حصول شيء محبوب لا يرجى حصوله، إما لكونه مستحيلا، كقول المتنبي: فليت وقارك فرقته ... وحملت أرضك ما تحمل وإما لكونه بعيد التحقق والحصول نحو: {يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ} 1، فإن كان منتظر الحصول قريب الوجود كان ترجيا ويعبر فيه بعسى ولعل. كقوله: عسى الله أن يجري المودة بيننا ... ويوصل حبلا منكمو بحباليا وقوله: تأن ولا تعجل بلومك صاحبا ... لعل له عذار وأنت تلوم وقد يعبر فيه بليت كقول قريط من بَلْعنبر يهجو قومه: فليت لي بهم قوما إذا ركبوا ... شدو الإغارة فرسانا وركبانا وألفاظ التمني أربعة: واحدة أصلية، وهي ليت، وثلاثة نائبة عنها، وهي: 1- "هل" نحو: {فَهَلْ 2 لَنَا مِنْ شُفَعَاءَ فَيَشْفَعُوا لَنَا} 3 ويبرز بها التمني في شكل المستفهم عنه الذي لا يجزم بانتفائه، إظهارا لكمال العناية به حتى لا يستطاع الإتيان به إلا في صورة الممكن المطموع في وقوعه. 2- "لو" نحو: {لَوْ 4 أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} 5، ويتمنى بها إشعارا يعزه التمني حيث أبرز في صورة ما لا يوجد6. 3- "لعل" ويتمنى بها إذا كان المرجو بعيدا ميئوسا من حصوله، فصار شبيها بالمحالات والممكنات التي لا طماعية في حصولها، نحو: أسرب القطا هل من يعير جناحه ... لعلي إلى من قد هويت أطير

_ 1 سورة القصص الآية: 79. 2 دليل أنها للتمني أنهم يعلمون عدم الشفيع. 3 سورة الشعراء الآية: 102. 4 دليل أنها للتمني نصب الجواب والكرة والرجعة. 5 سورة الأعراف الآية: 53. 6 لأن لو بحسب أصلها حرف امتناع.

"تنبيه" يتمنى بهلا وألا ولولا ولو ما، وهي ألفاظ مركبة من هل ولو مع لا وما، والشرط ألا هلا، قلبت الهاء همزة، لتتبين دلالتها على التمني، ويزول احتمال الاستفهام والشرط، ويتولد من التمني معنى التنديم في الماضي، نحو: هلا1 سافرت، ومعنى التحضيض في المستقبل، نحو: هلا تخلص في عملك2. ولاستعمال هذه الأدوات في التمني ينصب المضارع في جوابها. تمرين: بين الأدوات التي تفيد التمني والتي تفيد الترجي في التراكيب الآتية: 1- ليت المدائح تستوفي مناقبه ... فما كليب وأهل الأعصر الأول 2- لعل رحمة ربي حين يقسمها ... تأتي على حسب العصيان في القسم 3- فيا ليت ما بيني وبين أحبتي ... من البعد ما بيني وبين المصائب 4- فليتك إذ لم ترع حق أبوتي ... فعلت كما الجار المجاور يفعل 5- لعل عتبك محمود عواقبه ... وربما صحت الأجسام بالعلل 6- فيا ليتني من بعد موتي ومبعثي ... أكون رفاقا لا علي ولا ليا 7- فلو نشر المقابر عن كليب ... فيخبر بالذنائب أي زير3 8- {هَلْ إِلَى مَرَدٍّ مِنْ سَبِيلٍ} 4.

_ 1 فالمعنى ليتك سافرت. 2 تقصد حثه على الإخلاص. 3 قاله مهلهل في رثاء أخيه كليب وذلك أن مهلهلا زير نساء ولا يأخذ بثأر، فلما أدرك ثأر أخيه قال ذلك، والذنائب موضع، وأي رفع على الابتداء، والخبر محذوف، فكأنه: أي زير أنا. 4 إذ أهل النار يعلمون أنه لا مرد لهم، الآية: 44 من سورة الشورى.

المبحث الثالث: في الاستفهام

المبحث الثالث: في الاستفهام الاستفهام هو طلب فهم شيء لم يتقدم لك علم به، بأداة من إحدى أدواته وهي: الهمزة وهل ومن ومتى وأيان وأين وأني وكيف وكم وأي. وتنقسم بحسب الطلب ثلاثة أقسام: 1- ما يطلب به التصور تارة، والتصديق أخرى، وهو الهمزة. 2- ما يطلب به التصديق فحسب وهو هل. 3- ما يطلب به التصور فحسب، وهو الباقي. الكلام على الهمزة: للهمزة حالتان: 1- أن تكون لطلب تصور المفرد ومعرفته، كطلب معرفة المسند إليه، أو المسند أو غيرهما فتقول: أمحمد مسافر أم محمود، إذا كنت تعتقد أن أحدهما مسافر، ولا تعلم عينه فتطلب تعيينه فتجاب بأنه محمود مثلا، وتقول: أمسافر محمود، أم مقيم؟ فتجاب بأنه مقيم مثلا. وهذه الهمزة لا يليها إلا المسئول سواء أكان: أ- مسندا كما تقول: أبنيت الدار التي كنت أزمعت أن تبنيها؟ أفرغت من الكتاب الذي كنت تكتبه؟ تبدأ في مثل هذا بالفعل؛ لأنك متردد بين وجوده وانتفائه. ب- أم مسند إليه نحو: أأنت ابتكرت هذه الخطبة؟ أأنت بنيت هذه الدار؟ تبدأ في هذا بالفاعل؛ لأنك لم تشك في الفعل أنه كان، وكيف يجول الشك بخاطرك وأنت ترى دارا مبنية، وتشير إلى خطبة مكتوبة، وإنما أنت تشك في الفاعل من هو، فلو قلت: أأنت أنشأت الخطبة التي كان في نفسك أن تكتمها، خرجت عن سنن التخاطب، وكذا لو قلت: أبنيت هذه الدار، أقلت هذا الشعر، تكون قد قلت ما لا يصح أن يقال لفساد أن تقول في شيء مشاهد نصب عينيك أموجود أم لا. جـ- أم مفعولا نحو: أإياي تريد؟ د- أم حالا نحو: أمستبشرا جاء علي. هـ- أم ظرفا نحو: أبعد بني عمرو أسرّ بمقبل ... من العيش أو آسي على إثر مدبر وهكذا قياس سائر المتعلقات.

"تنبيه" يجوز أن يذكر مع همزة التصور معادل بعد لفظ أم كما تقدم، ويجوز حذفه، نحو: أراغب أنت في إنجاز حاجتي، إذ تقديره: أم راغب عنها وكاره إنجازها. 2- أن يطلب بها التصديق أي: إدراك نسبة يتردد العقل بين ثبوتها ونفيها، والكثير أن يكون ذلك بجملة فعلية نحو: أقدم صديقك؟ 1 ويقل أن يكون بجملة اسمية نحو: أقادم صديقك؟ ويجاب في هذين بلا أو بنعم. ويمتنع أن يذكر مع هذه معادل، فإن جاءت أم بعدها قدرت منقطعة بمعنى بل2. اللام في هل: هل حرف لطلب التصديق فحسب أي: معرفة وقوع النسبة أم عدم وقوعها فتقول: هل قدم أخوك من السفر؟ فتجاب بنعم أو بلا. ولأجل اختصاصها بالتصديق لأصل الوضع: 1- امتنع أن يذكر معها معادل بعد أم؛ لأن ذلك يؤدي إلى التناقض، فإن هل تفيد أن المسائل جاهل بالحكم؛ لأنها لطلبه، وأم المتصلة تفيد أن السامع عالم به، وإنما يطلب تعيين أحد الأمرين، فإن جاءت بعدها أم كانت منقطعة بمعنى بل التي تفيد الإضراب كقول قتيلة ترثي أباها النضر: هل يسمن النضر إن ناديته ... أم كيف يسمع ميت لا ينطق 2- وقبح استعمالها في التراكيب التي هي مظنة العالم بمضمون الحكم، نحو: هل محمدًا كلمت؟ إذ تقديم المعمول على الفعل يكون للتخصيص غالبا3، وهذا يفيد علم المتكلم بالحكم، وإنما يطلب المخصص فحسب، وحينئذ تكون هل لطلب تحصيل ما هو حاصل وهو عبث.

_ 1 فقد تصورت القدوم والصديق والنسبة بينهما, وسألت عن وقوع النسبة بينهما هل هو محقق خارجا، فإذا قيل: قدم، حصل التصديق، فالسائل في مثل هذا يطلب تعيين النسبة. 2 لم نر شاهدًا عربيا يؤيد استعمال أم بعد همزة التصديق، بل سمع ذلك بعد هل فقط. 3 ومن غير الغالب يكون التقديم للاهتمام بالمقدم وحينئذ فلا يفيد التقديم العلم بالحكم.

تنبيهات: 1- هل كالسين وسوف تخلص المضارع للاستقبال، فلا تستعمل فيما هو للحال فلا يقال: هل تنهر هذا وهو أبوك، بل يقال: أتنهر هذا وهو أبوك. 2- الراجح أن توصل هل بفعل لفظا أو تقديرا نحو: هل يقدم هاشم من السفر؟ وهل هاشم يقدم من السفر؟ وذلك لاختصاصها بالتصديق وتخليصها المضارع للاستقبال، فإن عدل عنها إلى الاسمية كان ذلك لنكتة تلاحظ لدى البلغاء "وهي جعل ما سيحصل كأنه حاصل موجود اهتماما بشأنه" ومن ثم كان قوله تعالى: {فَهَلْ أَنْتُمْ شَاكِرُونَ} 1 أدل على طلب شكر العباد من: "أفأنتم شاكرون2 فهل تشكرون، فهل أنتم تشكرون3". 3- هل نوعان: أ- بسيطة4 وهي ما يستفهم بها عن وجود الشيء أو عدم وجوده نحو: هل الخلق الوفي موجود؟ ب- مركبة، وهي ما يستفهم بها عن وجود شيء لشيء، نحو: هل المريخ مسكون؟ 4- علم مما سبق أن همزة التصور يليها المسئول عنه، وليس كذلك همزة التصديق وهل؛ لأن السؤال بهما إنما يكون عن النسبة. 5- بين الهمزة وهل الفروق الآتية: لا تدخل هل على: أ- النفي فيمتنع هل لم يسافر علي. ب- المضارع الذي للحال فيمتنع هل تحتقر عليا وهو مؤدب؟ جـ- الشرط فيمتنع هل إن نجحت أكافأ.

_ 1 سورة الأنبياء الآية: 80. 2 لأن الجملة وإن كانت اسمية تفيد الثبوت لكن هل أدعى للفعل من الهمزة فتركه معها أدل على كمال العناية بحصول ما سيتجدد. 3 إذ هي داخلة على الفعل تقديرا؛ لأن أنتم فاعل فعل محذوف يفسره المذكور. 4 إذا اعتبر في هذا وجود الحل فقط، بخلاف الذي بعده، فإنه يلاحظ فيه وجود المريخ وسكناه، ولهذا ساغ أن تسمى الأولى بسيطة والثانية مركبة.

د- إن فيمتنع هل إنك مسافر. هـ- حرف العطف فيمتنع هل فيتقدم بعد ذلك وتدخل الهمزة على جميع ما ذكر. من وما: "من" يطلب بها تعيين أحد العقلاء، نحو: من شيد الهرم الأكبر. "ما" للاستفهام عن غير العقلاء، وهي أقسام: أ- ما يطلب بها إيضاح الاسم وشرحه، نحو: ما اللجين؟ فيجاب بأنه الفضة. ب- ما يطلب بها بيان حقيقة1 المسمى نحو: ما الحسد؟ فيجاب: بأنه تمني زوال نعمة المحسود. جـ- ما يطلب بها بيان حال الشيء نحو قولك لقادم عليك وأنت لا تعرفه: ما أنت؟ وقول المتنبي: ليت المدائح تستوفي مناقبه ... فما كليب وأهل الأعصر الأول متى وأيان وأين وأنى: "متى" يطلب بها تعيين الزمان ماضيا كان أو مستقبلا، نحو: متى قدمت؟ ومتى تسافر؟ "أيان" يطلب بها تعيين الزمان المستقبل خاصة، وتكون في مقام التفخيم والتهويل، نحو: {يَسْأَلُ أَيَّانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ} 2. "أين" يطلب بها تعيين المكان نحو: أين تسافر؟ "أنى" تكون: أ- بمعنى كيف، نحو: أنى تتقدم الصناعة، ولم تعرها الأمة عناية؟ ب- بمعنى من أين نحو: أنى لك هذا المال، وقد عهدتك معدما؟ جـ- بمعنى متى، نحو: أنى يفيض نهر النيل؟

_ 1 تقع هل البسيطة في الترتيب بين الأول والثانية؛ لأن الترتيب الطبيعي يقتضي أن يطلب أولا شرح الاسم ثم وجود الشيء معرفة ماهيته وحقيقته. 2 سورة القيامة الآية: 6.

كيف كم وأي: "كيف" يطلب بها تعيين الحال، نحو: كيف التعليم بمصر؟ "كم" يطلب بها تعيين عدد منهم، نحو: كم مملكة اشتركت في الحرب العظمى؟ "أي" يطلب بها تعيين أحد المشاركين في شيء يعمهما نحو: أي البلدين أدفأ جو القاهرة أم الإسكندرية؟ وهي بحسب ما تضاف إليه فيسأل بها عن الزمان والمكان والحال والعدد، إلى غير ذلك، في أي يوم تسافر؟ في أي مكان تقيم؟ أي صاحبيك أحسن خلقا أمحمد أم علي؟ بأي ذنب قتلت؟ "تنبيه" قد تخرج ألفاظ الاستفهام عن أصل وضعها فيستفهم بها عن الشيء مع العلم به لأغراض تستفاد من سياق الحديث ودلالة الكلام، أهمها: 1- الاستبطاء، نحو قوله تعالى: {وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ} 1. وقول أبي العلاء: إلام وفيم تنقلنا ركاب ... وتأمل أن يكون لا أوان2 2- التعجب، نحو: {وَمَا لَنَا لَا نُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَمَا جَاءَنَا مِنَ الْحَقِّ} 3، وقول الآخر: أنشأ يمزق أثوابي يؤدبني ... أبعد شيبي عندي الأدباء 3- التنبيه على ضلال المخاطب، نحو: فأين تذهبون4؟ 4- الوعيد والتخويف، نحو قوله تعالى: {أَلَمْ نُهْلِكِ الْأَوَّلِينَ} 5. 5- الأمر، نحو: {فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرْ} ، ونحو: أتصون يديك عن الأذى؟

_ 1 سورة البقرة الآية: 214. 2 إلى متى تسير هذه المطايا ونجرو أن يكون لنا وقت نجزيها فيه على إحسانها بنا. 3 سورة المائدة الآية: 84. 4 فليس المقصد الاستفهام عن مذهبهم بل التنبيه عن ضلالهم, وأنه لا مذهب لهم ينجون به. 5 سورة المرسلات الآية: 16.

6- النهي، نحو: {أَتَخْشَوْنَهُمْ فَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَوْهُ} 1. 7- التقرير يحمل المخاطب على الإقرار بما يعرفه وإلجائه إليه. وحكم الهمزة فيه حكمها في همزة الاستفهام من إيلاء المقربة الهمزة، فإذا قلت: أفعلت هذا؟ كان غرضك أن تقرره بأن الفعل كان منه، وإذا قلت: أأنت فعلت هذا؟ كان غرضك أن تقرره بأنه هو الفاعل، وعليه قوله تعالى حكاية عن قوم نمرود: {أَأَنْتَ فَعَلْتَ هَذَا بِآلِهَتِنَا يَا إِبْرَاهِيمُ} 2، إذ غرضهم أن يقر لهم بأنه قد كسر أصنامهم لا أن يقر لهم بأنه هل حصل كسر، يدل على ذلك جواب إبراهيم بقوله: {بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا} 3، ولو كان التقرير بالفعل لكان الجواب فعلت أم لم أفعل. 8- الإنكار، ويشترط فيه أن يلي المنكر الهمزة، ويكون: أ- إما للتوبيخ على الفعل بمعنى ما كان ينبغي أن يكون كقوله تعالى: {أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ} 4، وأما بمعنى لا ينبغي أن يكون كقولك للرجل يضيع الحق: أتنسى قديم إحسان فلان إليك؟ وقولك للرجل يركب الخطر: أتخرج في هذا الوقت؟ والغرض في مثل هذا تنبيه السامع حتى يرجع إلى نفسه فيخجل ويرتدع عن فعل ما هم به. ب- وإما للتكذيب في الماضي بمعنى لم يكن، نحو: {أَفَأَصْفَاكُمْ رَبُّكُمْ بِالْبَنِينَ وَاتَّخَذَ مِنَ الْمَلَائِكَةِ إِنَاثًا} 5: {أَصْطَفَى الْبَنَاتِ عَلَى الْبَنِينَ} 6 أو في المستقبل بمعنى لا يكون نحو: {أَنُلْزِمُكُمُوهَا وَأَنْتُمْ لَهَا كَارِهُونَ} 7. وقول امرئ القيس:

_ 1 سورة التوبة الآية: 13. 2 و3 سورة الأنبياء الآيتان: 62 و63. 4 سورة البقرة الآية: 44. 5 سورة الإسراء الآية: 40. 6 سورة الصافات الآية: 153. 7 أي: أنلزمكم تلك الحجة وعلى قبولها وأنتم كارهون لها.

أيقتلني والمشرفي مضاجعي ... ومسنونة زرق كأنياب أغوال1 وقول الآخر: أأترك أن قلت درهم خالد ... زيارته إني إذا للئيم ومن مجيء الهمزة للإنكار قوله تعالى: {أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ} 2. وقول جرير: ألستم خير من ركب المطايا ... وأندى العالمين بطون راح3 إذ المعنى: الله بكاف عبده، وأنتم خير من ركب المطايا؛ لأن نفي النفي إثبات، وهذا مراد من قال: إن الهمزة فيه للتقرير، أي: للتقرير بما دخله النفي، لا للتقرير بالانتفاء. 9- التهكم، نحو: أرأيك يرشدك إلى ما تقول؟ وعليه قوله تعالى: {أَصَلَاتُكَ تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا} 4. وقوله: وما أدري ولست إخال أدري ... أقوم آل حصن أم نساء 10- الاستبعاد، نحو: أنى يرى ذلك وهو أكمه، وعليه قوله تعالى: {أَنَّى لَهُمُ الذِّكْرَى وَقَدْ جَاءَهُمْ رَسُولٌ مُبِينٌ، ثُمَّ تَوَلَّوْا عَنْهُ وَقَالُوا مُعَلَّمٌ مَجْنُونٌ} 5. 11- التهويل، نحو: {الْقَارِعَةُ، مَا الْقَارِعَةُ، وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْقَارِعَةُ} 6. 12- التحقير، نحو: أهذا الذي كنت تطنب في مدحه، أهذا الذي كنت تركن إليه. 13- التعظيم، نحو قول أبي نواس:

_ 1 المشرفي منسوب إلى مشارف اليمن، وهي بلاد تعمل فيها السيوف وسهام مسنونة حادة النصال، وزرق صافية مجلوة كأنياب الأغوال في الحدة. 2 سورة الزمر الآية: 36. 3 المطايا جمع مطلية، وأندى من الندى وهو الكرم، والراح جمع راحة باطن الكف. 4 كان شعيب كثير الصلوات إذا رآه قومه تضاحكوا واستهزءوا به "سورة هود الآية: 87". 5 سورة الدخان الآية: 13. 6 القارعة النازلة الشديدة تنزل عليهم بأمر عظيم وبه سمي يوم القيامة "سورة القارعة".

إذا لم تطأ أرض الخصيب ركابنا ... فأي فتى بعد الخصيب تزور1 14- النفي: هل الدهر إلا ساعة ثم تنقضي ... بما كان فيها من بلاء ومن خفض 15- التمني، نحو: هل بالطول لسائل رد ... أم هل لها بتكلم عهد 16- التشويق، نحو: {أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ} 2. 17- التكثير، نحو قول أبي العلاء المعري: صاح هذي قبورنا تملأ الرحـ ... ـب فأين القبور من عهد عاد 18- التسوية، نحو: {سَوَاءٌ عَلَيْنَا أَوَعَظْتَ أَمْ لَمْ تَكُنْ مِنَ الْوَاعِظِينَ} 3. تدريب أول: 1- أتلهو وأيامنا تذهب ... ونلعب والموت لا يعلب 2- متى يبلغ البنيان يوما تمامه ... إذا كنت تبنيه وغيرك يهدم 3- فعلام يلتمس العدو مساءتي ... من بعد ما عرف الخلائق شأني 4- وكيف أخاف الفقر أو أحرم الغنى ... ورأي أمير المؤمنين جميل 5- وهل نافعي أن ترفع الحجب بيننا ... ودون الذي أملت منك حجاب 6- أضاعوني وأي فتى أضاعوا ... ليوم كريهة وسداد ثغر 7- ومن مثل كافور إذ الخيل أحجمت ... وكان قليلا من يقول لها اقدمي 8- متى يستقيم الظل والمود أعوج ... وهل ذهب الإبريز يحكيه بهرج

_ 1 الخصيب من ولاة مصر. 2 سورة الصف الآية: 10. 3 سورة الشعراء الآية: 136.

الإجابة: 1- التوبيخ بمعنى لا ينبغي أن يكون. 2- النفي أي: لا يبلغ التمام مطلقا. 3- الاستبعاد. 4- النفي أي: لا أخاف الفقر. 5- النفي. 6- التعظيم لشأنه. 7- التعظيم لشأن الممدوح. 8- النفي. تدريب ثان: 1- أفي الحق أن يعطى ثلاثون شاعرا ... ويحرم ما دون الرضا شاعر مثلي 2- أعندي وقد مارست كل خفية ... يصدق واش أو يخيب سائل 3- فدع الوعيد فما وعيدك ضائري ... أطنين أجنحة الذباب يضير1 4- ومن ذا الذي يدلي بعذر وحجة ... وسيف المنايا بين عينيه مصلت2 5- ومن ذا الذي ترضي سجاياه كلها ... كفى المرء نبلا أن تعد معايبه 6- ألم تر أن الله أعطاك سورة ... ترى كل ملك دونها يتذبذب الإجابة: 1- الإنكار وبيان أن ذلك ما كان ينبغي أن يكون. 2- التهكم أو الإنكار لا ينبغي أن يكون. 3- التحقير لشأن المخاطب بضرب المثل. 4- التعظيم لشأن ذلك الموقف. 5- التعظيم لشأن ذلك الجامع الجميل الخصال. 6- التقرير وبيان أنه قد أعطى البطش والقوة.

_ 1 الطنين صوت أجنحة الذباب، ويضير يضر. 2 مصلت مسلول.

تدريب ثالث: سل عما يأتي: 1- حال الزراعة بالسودان. 2- مكان اصطياد الحيوانات المفترسة. 3- معنى القند. 4- مخترع البرق الأثيري "التلغراف اللاسلكي". 5- مدخل زراعة القطن بمصر. 6- موسم الحج وإقامة شعائره. 7- عدد الناجحين في الامتحان. 8- ترددت في مجيء علي في عربة أو سيارة. 9- ترددت في زرع القطن في يناير أو فبراير. 10- الفائز في لعب الكرة الخديوية، أو التوفيقية. الإجابة: 1- كيف الزراعة بالسودان؟ 2- أين تصطاد الحيوانات المفترسة بالسودان؟ 3- ما القند "عسل السكر"؟ 4- من اخترع البرق الأثيري؟ 5- من أدخل زراعة القطن بمصر؟ 6- متى موسم الحج؟ 7- كم الناجحون في الامتحان؟ 8- أفي عربة جاء علي أم في سيارة؟ 9- أفي يناير أم فبراير يزرع القطن؟ 10- الخديوية فازت أم التوفيقية؟ تمرين أول: بين المعاني التي تستفاد من الاستفهام في الجمل الآتية: 1 قال تعالى: {أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينَا وَلِيدًا} 1.

_ 1 سورة الشعراء الآية: 18.

2- {أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى} 1. 3- {أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ} 2. 4- {أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي} . 5- {هَلْ عَلِمْتُمْ مَا فَعَلْتُمْ بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ} . 6- {أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ} . 7- {أَكَذَّبْتُمْ بِآَيَاتِي وَلَمْ تُحِيطُوا بِهَا عِلْمًا} . 8- {أَهَذَا الَّذِي بَعَثَ اللَّهُ رَسُولًا} . تمرين ثان: 1- أتراني وقد طويت حياتي ... في مراس لم أبلغ اليوم رشدي 2- من ذا يعيرك عينه تبكي بها ... أرأيت عينا للبكاء تعار 3- كيف ترقى رقيك الأنبياء ... يا سماء ما طاولتها سماء 4- شرف العصامين صنع نفوسهم ... من ذا يقيس بهم بني الأشراف 5- ما لي أراكم تنكرون مكانتي ... الشمس لا تخفى مع الإشراق 6- أين الذي الهرمان من بنيانه ... ما قومه ما يومه ما المصرع 7- أعندكم نبأ عن أهل أندلس ... فقد سرى بحديث القوم ركبان 8- ما أنت يا دنيا أرؤيا نائم ... أم ليل عرس أم بساط سلاف تمرين ثالث: سل عما يأتي: 1- إقامة مهرجان المولد النبوي. 2- شككت في اسم المأمون. 3- حال المعادن بمصر. 4- فاكهة على المائدة لا تعرف اسمها. 5- عن الوقت لتضبط ساعتك. 6- نزل مطر لا تعلم زمن نزوله. 7- بدء نزول الأمطار بالسودان. 8- قدم أحد أخويك ولا تدري من هو. 9- عدد صفحات الكتاب. 10- وقت دخول المجلس النيابي بمصر. 11- مكان المدرسة. 12- مستقبل مصر.

_ 1 سورة القيامة الآية: 36. 2 سورة مريم الآية: 30.

المبحث الرابع: في الأمر

المبحث الرابع: في الأمر هو طلب حصول الفعل على جهة الاستعلاء1 وله صيغ أربع: 1- فعل الأمر كقوله تعالى: {وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا} 2. 2- المضارع المقترن بلام الأمر نحو: {لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ} 3. 3- اسم فعلي الأمر، نحو: وحذار أن ترضى مودة من ... يقلي المقل ويعشق المثري 4- المصدر النائب عن فعله، نحو: فصبرا معين الملك إن عن حادث ... فعاقبة الصبر الجميل جميل والأصل في صيغة الأمر أن تفيد الإيجاب أي: طلب4 الفعل على وجه اللزوم, وهذا هو المفهوم منها عند الإطلاق، نحو: قم وسافر. وما عداه يحتاج إلى قرائن أخرى تستفاد من سياق الحديث، وأهمها ما يأتي: 1- الدعاء، نحو: فأسلم أمير المؤمنين ولا تزل ... مستعليا بالنصر والتأييد

_ 1 وهو عد الآمر نفسه عاليا سواء كان عاليا في الواقع أم لا. 2 سورة هود الآية: 37. 3 سورة الطلاق الآية: 7. 4 ويستفاد الفور أو التراخي من القرائن.

2- الالتماس: كما تقول لمن هو في منزلتك: أعطني كتابك. 3- الإرشاد، نحو: {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ} 1. 4- التعجيز كقول الفرزدق يخاطب جريرا: أولئك آبائي فجئني بمثلهم ... إذا جمعتنا يا جرير المجامع 5- الإهانة والتحقير، كقول أبي العلاء المعري في الفخر: أرى النقاء تكبر أن تصطادا ... فعائد من تطيق له عنادا2 6- التهديد، نحو: إذا لم تخش عاقبة الليالي ... ولم تستحي فاصنع ما تشاء 7- الاعتبار، نحو: {انْظُرُوا إِلَى ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ} 3. 8- التمني، نحو: يا دار عبلة بالجواء تكلمي ... وعمي صباحا دار عبلة واسلمي4 9- التخيير، نحو: عش عزيزا أو مت وأنت كريم ... بين طعن القنا وخفق البنود5 10- الإباحة، نحو: اختر ما تشاء. 11- الدوام، نحو: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} 6. 12- التأديب، وهو ما يكون لتهذيب الأخلاق والعادات نحو: كل مما يليك. 13- التعجب، نحو: {انْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثَالَ} 7.

_ 1 العفو نقيض الجهد أي: خذ ما عفا لك من أفعال الناس, ولا تكلفهم ما يشق عليهم العرف الجميل من الأفعال، والإعراض عن الجاهلين يكون بالحلم عنهم "سورة الأعراف الآية: 199". 2 العنقاء طائر معروف الاسم مجهول الجسم. 3 سورة الأنعام الآية: 99. 4 عبلة بنت عمه، والجواء واد بديار بني عبس، وعمي صباحا كلمة تحية. 5 البنود جمع بند العلم الكبير، وخفقها اضطرابها. 6 سورة الفاتحة الآية: 5. 7 سورة الإسراء الآية: 48.

نموذج أول: بين ما يراد بصيغ الأمر في التراكيب الآتية: 1- قال عليه السلام: "أفشوا السلام، وأطعموا الطعام، وصلوا الأرحام، وصلوا بالليل والناس نيام، تدخلوا الجنة بسلام". 2- أسيئي بنا أو أحسني لا ملومة ... لدينا ولا مقلية إن تفلت 3- عش ما بدا لك سالما ... في ظل شاهقة لقصور 4- {وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ} 1. 5- قف بتلك القصور في اليم غرقى ... ممسكا بعضها من الذعر بعضا 6- انظر إلى القبة الغراء مذهبة ... كأنما الشمس أعطتها محياها الإجابة: نموذج ثان: 1- أريني جوادا مات هزلا لعلني ... أرى ما ترين أو بخيلا مخلدا 2- قال تعالى: {هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} 2. 3- قد رشحوك لأمر إن فطنت له ... فاربأ بنفسك أن ترعى مع الهمل 4- {رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي، وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي} 3. 5- ليس هذا بعثك فادرجي. 6- اعمل لدنياك كأنك تعيش أبدا، واعمل لآخرتك كأنك تموت غدا.

_ 1 سورة الملك الآية: 13. 2 سورة البقرة الآية: 111. 3 سورة طه الآية: 25.

تمرين 1: بين ما يستفاد من صيغ الأمر فيما يلي: 1- {غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ} . 2- {فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ} . 3- {ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ آَمِنِينَ} . 4- {تَمَتَّعُوا فَإِنَّ مَصِيرَكُمْ إِلَى النَّارِ} . 5- {فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ} . 6- {رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقّ} . تمرين 2: 1- فانهض إلى صهوات المجد معتليا ... فالباز لم يأو إلا عالي القلل 2- الما على معن وقولا لقبره ... سقتك الغوادي مربعا ثم مربعا 3- حاول جسيمات الأمور ولا تقل ... إن المحامد والعلا أرزاق 4- فيا موت زر إن الحياة كريهة ... ويا نفس جدي إن دهرك هازل 5- ليدع المدعون العلم والأدبا ... فقد تغيب عبد الله واحتجبا 6- أيتها النفس أجملي جزعا ... إن الذي تحذرين قد وقعا

المبحث الخامس: في النهي

المبحث الخامس: في النهي هو طلب الكف عن الفعل على وجه الاستعلاء، وليس له إلا صيغة واحدة، هي: المضارع، مع لا الناهية، نحو: {وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا} 1. ومدلوله طلب الكف عن الفعل فورا كما يستفاد من تتبع فصيح التراكيب، وقد يستعمل منه معان أخرى تفهم بالقرائن من سياق الحديث تجوزا واتساعا في الاستعمال، وأهمها: 1- الدعاء، نحو: {رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ} 2. 2- الإرشاد، نحو: إذا نطق السفيه فلا تجبه ... فخير من إجابته السكوت 3- التهديد، نحو: لا تنته عن غيك. 4- التيئيس، نحو: فلا يخدعنك لموع السراب ... ولا تأت أمرا إذا ما اشتبه 5- الالتماس، نحو: لا تطويا السر عني يوم ... نائبة فإن ذلك ذنب غير مغتفر 6- التمني، نحو: أعيني جودا ولا تجمدا ... ألا تبكيان لصخر الندى 7- التوبيخ، نحو: لا تنه عن خلق وتأتي مثله ... عار عليك إذا فعلت عظيم 8- التسلية والصبر، نحو: ولا تجزع فإن الله رحيم بعباده. نموذج: اذكر ما يراد بصيغ النهي الآتية: 1- {وَلَا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} 3.

_ 1 سورة الأعراف الآية: 85. 2 سورة البقرة الآية: 286. 3 سورة البقرة الآية: 42.

2- لا تكن رطبا فتعصر، ولا يابسا فتكسر. 3- {لَا تَعْتَذِرُوا الْيَوْمَ} . 4- لا تحسب المجد تمرا أنت آكله ... لن تبلغ المجد حتى تلعق الصبرا 5- لا تحتجب عن العيون أيها القمر. 6- لا تعرضن لجعفر متشبها ... بندى يديه فلست من أنداده الإجابة: 1- التوبيخ لهم على خلطهم الحق بالباطل 2- الإرشاد إلى حسن الخلق. 3 التيئيس. 4- التوبيخ والتقريع. 5- التمني. 6- التوبيخ والتأنيب. تمرين "1": ماذا يراد بصيغ النهي الآتية: 1- {وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا} . 2- {وَلَا يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلَا شَهِيدٌ} . 3- {وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ} . 4- {رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا} . 5- {لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ} . 6- {رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا} . تمرين "2": 1- ولا يغرنك بشر من أخي ملق ... فرونق الآل لا يشفي من الغلل 2- لا تلهينك عن معادك لذة ... تفني وتورث دائم الحسرات 3- لا تودع السر مشاء به مذلا ... فما رعى غنما في الدو سرحان1 4- لا تلتمس من عيوب الناس ما ستروا. 5- لا تحسبن سرورا دائما أبدا. 6- لا تعاد الناس في أوطانهم.

_ 1 المشاء كثير الوشاية، والمذل المفسد، والدو الفلاة، والسرحان الذئب.

المبحث السادس: في النداء

المبحث السادس: في النداء هو دعوة المخاطب بحرف نائب مناب فعل كأدعو ونحوه، وأدواته ثمان: يا والهمزة وأي وآي وآ وأيا وهيا ووا. وهي في الاستعمال قسمان: 1- الهمزة وأي للقريب. 2- باقي الأدوات للبعيد. وقد ينزل البعيد منزلة القريب فينادى بالهمزة أو أي تنبيها على أنه لا يغيب عن القلب، بل هو مالك الفؤاد واللب، فكأنه حاضر الجثمان، ليس بناء عن العميان، كقول الضبي في رثاء ابنه: أأبي لا تبعد وليس بخالد ... حي ومن تصب المنون بعيد كما قد يعكس فينزل القريب منزلة البعيد فينادى بإحدى أدواته إما: أ- للدلالة على أن المنادى رفيع القدر عظيم الشأن فيجعل بعد المنزلة كأنه بعد في المكان كقول أبي بكر بن النطاح في مدح أبي دلف العجلي: أبا دلف بوركت في كل بلدة ... كما بوركت في شهرها ليلة القدر1 ب- للإشارة إلى أنه وضيع، منحط الدرجة، وعليه قول الفرزدق يهجو جريرا: أولئك آبائي فجئني بمثلهم ... إذا جمعتنا يا جرير المجامع جـ- للإشعار بأن السامع غافل لاه، فتعتبره كأنه غير حاضر في مجلسك، وعليه قول البارودي: يأيها السادر المزور من صلف ... مهلا فإنك بالأيام منخدع2

_ 1 أبو دلف العجلي أحد القواد الشجعان في عهد المأمون والمعتصم، توفي سنة 262هـ. 2 السادر الذاهب عن الشيء ترفعا، والمزور المنحرف، والصلف الكبر.

وقد تخرج ألفاظ النداء إلى معان أخرى تستفاد من القرائن، ومن ذلك: 1- التحسر والتوجع، كقول حافظ في الرثاء: يا درة نزعت من تاج والدها ... فأصبحت حلية في تاج رضوان وقول من رثى معن بن زائدة: فيا قبر معن كيف واريت جوده ... وقد كان منه البر والبحر مترعا1 2- التعجب، كقول طرفة: يا لك من قبرة بمعمر ... خلا لك الجو فبيضي واصفري2 3- الاختصاص، كقوله: إنا بني نهشل لا ندعي لأب ... عنه ولا هو بالأبناء يشربنا 4- الندبة، كقول أبي العلاء: فواعجبا كم يدعى الفضل ناقص ... وواأسفا كم يظهر النقص فاضل 5- الإغراء، كقولك للجندي المتردد في الدفاع: يا شجاع تقدم. 6- الزجر والملامة، نحو: أفؤادي متى المتاب ألما ... تصح والشيب فوق رأسي ألما3 7 الاستغاثة، نحو: يا للرجال ذوي الألباب من نفر ... لا يبرح السفيه المردي لهم دينا4 8- التحير والتذكر، وقد كثر ذلك في نداء الأطلال والمنازل والمطايا، كقوله: أيا منازل سلمى أين سلماك ... من أجل هذا بكيناها بكيناك5

_ 1 المنزع المملوء. 2 الشطر الثاني يضرب مثلا للحاجة يتمكن منها صاحبها. 3 ألم الثانية بمعنى نزل. 4 المردي المهلك، والدين العادة. 5 فيه حذف حرف العطف، أي: وبكيناك، يريد أنه بكى على سلمى، وبكى على المنازل لعدم وجود سلمى بها.

وقول أبي العلاء: يا ناق جدي فقد أفنت أناتك بي ... صبري وعمري وأحلاسي وأنساعي1 تنبيه: الأكثر أن يصحب النداء أمر أو نهي، نحو: يأيها الناس اعبدوا ربكم. يأيها الذين آمنوا لا تقدموا بين يدي الله ورسوله2. ويقل أن تصحبه الجملة الخبرية، نحو: يا عباد لا خوف عليكم اليوم. أو الاستفهامية، نحو: يا أبت لم تعبد ما لا يسمع ولا يبصر. نموذج: بيّن المعاني التي تستفاد من النداء: 1- يا ليل قد طلت فهل مات السحر ... أم استحالت شمسه إلى القمر 2- يا راحلا أخلي الديا ... ر وفضله أم يرحل 3- صادح الشرق قد سكت طويلا ... وعزيز عليه ألا تقولا 4- أبا الهول طال عليك العصر ... وبلغت في الأرض أقصى العمر 5- يابن أمي ويا حبيب نفسي ... أنت خلفتني لدهر شديد 6- يا أيها القمر المباهي وجهه ... لا تكذبن فلست من أشكاله الإجابة: 1- المراد بالنداء التحير والتضجر. 2- يراد به التحسر. 3- التذكر والتضجر. 4- التعجب. 5- التحسر والتأسف. 6- الزجر والملامة.

_ 1 الآناة التأني والتأخر، والأحلاس جميع حلس وهو كساء يطرح على ظهر البعير، والأنساء جمع نسع وهو سير عريض يوضع في صدر البعير. 2 أي: لا تقطعوا أمرا إلا بعدما يحكمان به ويأذنان فيه، فتكونوا إما عاملين بالوحي المنزل, وإما مقتدين برسول الله صلى الله عليه وسلم.

تمرين: بين المعاني المستفادة من النداء فيما يلي: 1- ويك يا قبر صرت للفضل مثوى ... لا يسامى وللنبوغ مقيلا 2- أحجاج لا يقلل سلاحك إنما ... المنايا بكف الله حيث يراها 3- أمحمد والجود فيك سجية ... يهنيك طيب ذكرها يهنيكا 4- فيصاحبي رحلي دنا الموت فانزلا ... برابية إني مقيم لياليا 5- ألا أيها الليل الطويل ألا انجلي ... بصبح وما الإصباح منك بأمثل 6- يا موته لو أقلت عثرته ... يا يومه لو تركه لغد

الباب الثالث: في الذكر

الباب الثالث: في الذكر لم يتعرض لهذا الباب كثير من أئمة هذا الفن كأبي هلال العسكري والإمام عبد القاهر، وكأنهم لم يروا فيه من اللطائف والمزايا ما يسيغ البحث عنه في علوم الفصاحة إذ هو بمباحث علم النحو أشبه. ولكن المتأخرين كالسكاكي وشيعته ذكروا فيه نكات ومزايا لم يستطيعوا أن يردفوها بآي من التنزيل، أو بشواهد من كلام ذوي اللسن والفصاحة، وقصارى ما قالوه إن المسند إليه يذكر وجوبا إذا لم تقم قرينة تدل عليه كان الكلام معمى لا يستبين المراد منه، ويترجح إذا وجدت القرينة لمزية من المزايا الآتية: 1- أنه الأصل وليس هناك ما يقتضي العدول عنه، كما تقول: هذا أخي وذلك صديقي. 2- زيادة الكشف والإيضاح، كما تقول: اللبيب من فكر في العواقب، اللبيب من خالف نفسه الأمارة بالسوء. وعليه قوله تعالى: {أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} 1. ففي تكرير اسم الإشارة تنبيه إلى أنهم كما ثبت لهم الأثرة بالهدى فهي ثابتة لهم بالفلاح أيضا، فجعلت كل واحدة منهما في تمييزهم بها عن غيرهم بالمثابة التي لو انفردت كفت مميزة على حيالها، قاله في "الكشاف". بسط الكلام في مقام الافتخار، كقول سامي البارودي: أنا مصدر الكلم البوادي ... بين المحاضر والنوادي أنا فارس أنا شاعر ... في كل ملحمة ونادي

_ 1 سورة البقرة الآية: 5.

4- التسجيل على السامع حتى لا يتأتى له الإنكار، كقول الفرزدق يمدح زين العابدين: هذا ابن خير عباد الله كلهم ... هذا التقي النقي الطاهر العلم 5- الاستلذاذ بذكر الاسم المحبوب، كما يكرر المادحون ذكر ممدوحيهم، كقوله: فعباس يصد الخطب عنا ... وعباس يجير من استجارا 6- التهويل، كما تقول: ملك البلاد يأمرك بكذا. 7- التعظيم، إذا كان اللفظ يفيد ذلك، كما يقال في جواب أحضر الملك؟ حضر سيف الدولة. 8- التحقير، إذا كان اللفظ يشعر بالإهانة، نحو: حضر المجرم في جواب: هل حضر فلان؟ 9- التعجب، إذا كان الحكم غريبا في مجرى الإلف والعادة، نحو: علي يصرع الأسد في جواب: هل يصرع علي الأسد؟ 10- ضعف القرينة، فتقل الثقة بها فلا يعتمد عليها، نحو: أول الإنسان نطفة مذرة، وآخره جيفة قذرة. ويذكر المسند اللطائف ومزايا تشبه ما ذكر في المسند إليه، أهمها: 1- كون الذكر هو الأصل ولا داعي للعدول عنه، نحو: الأدب خير من العلم. 2 الرد على المخاطب، إذا كان ينكر صحة ما يقال له كقوله تعالى: {يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ} بعد قوله: {مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ} 1. 3- الاحتياط لضعف التعويل على القرينة نحو: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ} 2. 4- التعريض بغباوة المخاطب، نحو: {بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا} بعد قوله: {أَأَنْتَ فَعَلْتَ هَذَا بِآلِهَتِنَا يَا إِبْرَاهِيمُ} 3.

_ 1 سورة ياسين الآية: 79. 2 سورة الزخرف الآية: 9. 3 سورة الأنبياء الآية: 62.

5- إفادة أنه فعل فيفيد التجدد والحدوث مقيدا بأحد الأزمنة على أخصر طريق أو اسم فيفيد الثبوت مطلقا مثل: {يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ} 1، فإن يخادعون يفيد التجدد حينا بعد آخر مقيدا بالزمان بدون حاجة إلى قرينة تدل عليه، وقوله: وهو خادعهم، يفيد الثبوت مطلقا من غير نظير إلى زمان مخصوص. نموذج: بين السر في ذكر المسند إليه أو المسند، فيم يلي: 1- وقد علم القبائل من معد ... إذا قبب بأبطحها بنينا بأنا المطعمون إذا قدرنا ... وأنا المهلكون إذا ابتلينا 2- اعمل لدنياك كأنك تعيش أبدا، واعمل لآخرتك كأنك تموت غدا. 3- أعيني جودا ولا تجمدا ... ألا تبكيان لصخر الندى ألا تبكيان الجواد الجميل ... ألا تبكيان الفتى السيدا 4- قال الحافظ في وصف الشمس: هي أم الأرض في نسبتها ... هي أم الكون والكون جنين هي أم النار والنور معا ... هي أم الريح والماء المعين 5- "أنا النبي لا كذب، أنا ابن عبد المطلب". 6- الرجال المخلصون هم الذين يذودون عن الوطن، الرجال المخلصون هم الذين يظهرون عند الشدائد. 7- مليك البلاد يأمر بالعدل والإنصاف. الإجابة: 1- ذكر المسند إليه لبسط الكلام في معرض الفخر. 2- ذكر المسند إليه لزيادة التقرير والإيضاح.

_ 1 سورة النساء الآية: 142.

3- ذكر المسند لإفادة التجدد بالجملة الفعلية. 4- ذكر المسند إليه؛ لأن المقام مقام تعظيم وتفخيم. 5- ذكر المسند إليه؛ لأن المقام للافتخار. 6- ذكر المسند إليه لتعظيم شأن الرجال العاملين. 7- ذكر المسند إليه للتهويل. تمرين: بين أسباب ذكر المسند إليه أو المسند، فيما يلي: 1- إن حل في روم ففيها قيصر ... أو حل في عرب ففيها تبع 2- ونحن النار كون لما سخطنا ... ونحن الآخذون لما رضينا 3- وإني لحلو تعتريني مرارة ... وإني لتراك لما لم أعود 4- إلهي نصيري، يحفظني شر الهمازين المشائين بنميم. 5- أجئتنا بالحق أم أنت من اللاعبين. 6- {فَمَهِّلِ الْكَافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْدًا} 1. 7- إذا نزل الحجاج أرضا مريضة ... تتبع أقصى دائها فشفاها شفاها من الداء العضال الذي بها ... غلام إذا هز القناة سقاها

_ 1 سورة الطارق الآية: 17.

الباب الرابع: في الحذف

الباب الرابع: في الحذف المبحث الأول: في مزايا الحذف وشروطه ... الباب الرابع: في الحذف وفيه أربعة مباحث المبحث الأول: في مزايا الحذف وشروطه من دقائق اللغة، وعجيب سرها، وبديع أساليبها، أنك قد ترى الجمال والروعة تتجلى في الكلام إذا أنت حذفت أحد ركني الجملة أو شيئا من متعلقاتها، فإن أنت قدرت ذلك المحذوف وأبرزته صار الكلام إلى غث سفساف ونازل ركيك لا صلة بينه وبين ما كان عليه أولا. ومن ثم قال في "دلائل الإعجاز": هذا باب دقيق المسلك، لطيف المأخذ، عجيب الأمر، شبيه بالسحر، فإنك ترى به ترك الذكر، والصمت عن الإفادة، أزيد للإفادة، وتجدك أنطق ما تكون إذا لم تنطق، وأتم ما تكون بيانا إذا لم تبين، وهذه جملة قد تنكرها حتى تخبر، وتدفعها حتى تنظر ا. هـ. ومن شرط الحذف أن يكون في الكلام ما يدل على المحذوف، وإلا كان تعمية وإلغازا، ومن شرط حسنه أنه متى أظهر المحذوف زال ما كان في الكلام من البهجة والطلاوة، وهو على ضربين: 1- ضرب يظهر فيه المحذوف عند الإعراب كقولهم: أهلا وسهلا, فإن نصب الأهل والسهل يدل على ناصب محذوف يقدر بنحو: جئت أهلا ونزلت مكانا سهلا، وليس لهذا الحذف من الحسن والأريحية ما تجده في قسميه الثاني. 2- ضرب لا يظهر بالإعراب، وإنما تعلم مكانه إذا أنت تصفحت المعنى ووجدته لايتم إذا لم يراع ذلك المحذوف كما يقال: فلان يحل ويعقد، ويعطي ويمنع، إذ من البين أن المعنى يحل الأمور ويعقدها، ويعطي ما يشاء ويمنع ما يشاء، ولكن لا سبيل إلى إظهار ذلك المحذوف، ولو أظهرته زالت تلك البهجة وضاع ما تشعر به من رواء وجمال.

المبحث الثاني: في حذف المسند إليه

المبحث الثاني: في حذف المسند إليه يحذف المسند إليه لأغراض، أهمها: 1- ظهوره بدلالة القرائن عليه، فذكره يعد حينئذ عبثا في الظاهر1 كقوله تعالى: {فَصَكَّتْ وَجْهَهَا وَقَالَتْ عَجُوزٌ عَقِيمٌ} 2 أي: أنا. 2- ضيق المقام عن إطالة الكلام بسبب التوجع والتضجر، نحو: قال لي كيف أنت قلت عليل ... سهر دائم وحزن طويل 3- إخفاء الأمر عن غير المخاطب، كما تقول: "انتهت"، أي: المسألة المعهودة بينكما. 4- خوف فوات فرصة سانحة، كقول من رأى طيارا مقبلا: طيار. 5- المحافظة على سجع أو قافية، فالأول نحو: من طابت سريرته حمدت سيرته، أي: حمد الناس سيرته. والثاني نحو: وما المال والأهلون إلا ودائع ... ولا بد يوما أن ترد الودائع3 6- اتباع الاستعمال الوارد بالحذف كقولهم في المثل: رمية من غير رام4، أي: هذه رمية، أو الوارد على ترك نظائره، كما في الرفع على المدح، أو الذم أو الترحم، فإن المسند إليه لا يكاد يذكر في هذه المواضع، فيقولون بعد أن يذكروا5 الممدوح: غلام من شأنه كذا وكذا، وفتى من شأنه كيت وكيت، كما قال ابن عنقاء الفزاري يمدح عميلة، وقد شاطره ماله لما رآه معوزا: رآني على ما بي عميلة فاشتكى ... إلى ماله حالي أسر كما جهر غلام رماه الله بالخير يافعا ... له سيمياء لا تشق على البصر6

_ 1 وإلا فلا عبث في ذكره على الحقيقة أحد ركني الإسناد. 2 سورة الذاريات الآية: 29. 3 إذ لو قيل أن يرد الناس الودائع لاختلفت القافية. 4- يريد رمية مصيبة من رام غير محسن، يضرب مثلا لمن صدر منه فعل حسن ليس أهلا لأن يصدر منه. قاله الحكم بن عبد يغوث المضري. 5 قال الرازي: يشبه أن يكون السبب في ذلك أنه بلغ في استحقاق الوصف إلى حيث إنه لا يكون إلا للموصوف، سواء أكان في نفسه كذلك، أم بحسب دعوى الشاعر على طريق المبالغة. 6 رماه الله وضع فيه، واليافع الشاب، والسيمياء العلامة والهيئة، ولا تشق على البصر أي: تفرح به من ينظر إليه.

وكما قال عبد الله الأسدي يمدح عمرو بن عثمان بن عفان: سأشكر عمرا إن تراخت منيتي ... أيادي لم تمنن وإن هي جلت فتى غير محجوب الغنى عن صديقه ... ولا مظهر الشكوى إذا النعل زلت رأى خلي من حيث يخفى مكانها ... فكانت قذى عينيه حتى تجلت1 وبعد أن يذكروا الديار والمنازل ربع كذا وكذا كما قال: اعتاد قلبك من ليلى عوائده ... وهاج أهواءك المكنونة الطلل ربع قراء أذاع المعصرات به ... وكل حيران سار ماؤه خضل2 7- تعيينه وعدم احتمال غيره، إما بحسب الحقيقة والواقع، كما تقول: خلاق لما يشاء، أي: الله تعالى، وإما بحسب المبالغة والادعاء، كما يقول المادح وهاب الألوف أي: الممدوح. 8- تكثير الفائدة باحتمال أمرين عند الحذف، نحو قوله تعالى: {فَصَبْرٌ جَمِيل} 3، أي: فأمري صبر جميل، أو فصبر جميل أجمل بي وأولى. 9- تأتي الإنكار عند الحاجة إلى ذلك، كما يقال: {هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ} 4 إذا قامت القرينة على أن المراد خالد مثلا. 10- إيهام العدول إلى أقوى الدليلين، وهو الدليل العقلي دون اللفظي، فإن الاعتماد عند الذكر على دلالة اللفظ وعند الحذف على دلالة العقل, وهي أقوى وإنما قيل لإيهام؛ لأن الدال في الحقيقة عند الحذف هو اللفظ المدلول عليه بالقرينة ويحتمله "قال لي: كيف أنت؟ قلت: عليل". ومن حذف المسند إليه ما إذا أسند الفعل إلى نائب الفاعل لاعتبارات، منها: 1- جهل الفاعل، كقول المرقش الأكبر: إن تبتدر غاية يوما لمكرمة ... تلق السوابق منا والمصلينا

_ 1 زلت النعل كناية عن الخصاصة والفاقة. 2 أذاع المعصرات أنزلت ماءها بكثرة، والحيران الساري هو المزن يجري ليلا، والخضل الصافي، وربع قواء لا أنيس به. 3 سورة يوسف الآية: 18. 4 سورة القلم الآية: 11.

2- الخوف عليه، كقول النابغة يعتذر إلى النعمان: نبئت أن أبا قابوس أوعدني ... ولا قرار على زأر من الأسد1 3- العلم به، كقول ليلى الأخيلية تمدح الحجاج: أحجاج لا يقلل سلاحك إنما الـ ... منايا بكف الله حيث يراها 4- احتقاره، كقول النابغة: لئن كنت قد بلغت عني وشاية ... لمبلغك الواشي أغش وأكذب 5- الخوف منه، كما تقول: صودرت أموال فلان، إذا كان ظالم ذو سطوة. قد أخذها.

_ 1 أبو قابوس كنية النعمان بن المنذر والمنيئ له عصام حاجب النعمان، وقد أسر له بذلك.

المبحث الثالث: في حذف المسند

المبحث الثالث: في حذف المسند يحذف المسند لأغراض منها: 1- قصد الاختصار والاحتراز عن العبث بناء على الظاهر مع ضيق المقام بسبب التحسر والتوجع كقول ضابئ البرجمي من أبيات قالها في الحبس: ومن يك أمسى بالمدينة رحله ... فإني وقيار بها لغريب1 تقديره فإني لغريب وقيار كذلك، والباعث على تقديم قيار على خبر إن قصد التسوية بينهما في التحسر على الاغتراب, حتى كأن قيار تأثر بما تأثر هو به أيضا، وعليه قوله تعالى: {وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ} 2 تقديره والله أحق أن يرضوه ورسوله كذلك. 2- الثقة بشهادة العقل دون الاعتماد على اللفظ كما تجيب من قال: هل لك أحد؟ إن الناس إلب4 عليك "إن محمدًا وإن عليا" أي: إن لي محمدا، وإن لي عليا، وعليه قول الأعشى: إن محلا وإن مرتحلا ... وإن في السفر إذ مضوا مهلا يريد أن لنا محلا في الدنيا، وإن لنا مرتحلا عنها إلى الآخرة.

_ 1 في الأساس الماء في رحله أي: منزله ومأواه، وقيار اسم جمل، والبيت خبر أريد به إنشاء التحسر والتوجع من الغربة. 2 سورة التوبة الآية: 66. 3 مجتمعون على عداوتك.

3- الدلالة على الاختصاص، نحو: {قُلْ لَوْ أَنْتُمْ تَمْلِكُونَ خَزَائِنَ رَحْمَةِ رَبِّي} . تقديره لو تملكون تملكون بالتكرار للتوكيد، ثم حذف الفعل فانفصل الضمير وأفاد الاختصاص، وأن الناس هم المختصون بالشح المتناهي، ونظيره قول حاتم: لو ذات سوار لطمتني1. ولا بد للحذف من قرينة دالة على المحذوف ليفهم المعنى كوقوع الكلام جوابا عن سؤال محقق نحو: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ} 2. أو مقدر، نحو: يسبح له فيها بالغدو والآصال رجال، في قراءة من بنى الفعل للمجهول، كأنه قيل: من يسبح؟ فقيل: يسبحه رجال، ونحو قول ضرار بن نهشل يرثي يزيد أخاه: لبيك يزيد ضارع لخصومة ... ومختبط مما تطبح الطوائح3 كأنه قيل: من يبكيه؟ فقال: ضارع ذليل لخصومة إذ هو ملجأ الأذلاء وعون الضعفاء.

_ 1 يضرب مثلا للشريف يهينه الوضيع، والعرب تكني بذات السوار عن الحرة. 2 سورة الزمر الآية: 38. 3 الضارع الذليل، والمختبط هو الذي يطلب منك المعروف من غير وسيلة، والإحاطة الإذهاب، والطوائح جمع مطيحة على غير قياس، ومما متعلق بمختبط وما مصدرية أي: يبكي ضارع لا ذهاب المنايا يزيد.

المبحث الرابع: في حذف المفعول

المبحث الرابع: في حذف المفعول للفعل رابطة بكل من الفاعل والمفعول، وإن تنوعت جهتها، فارتباطه بالفاعل لإفادة وقوعه منه لا إفادة وجوده في نفسه فحسب، وارتباطه بالمفعول لبيان وقوعه عليه. ولاختلاف نوع الارتباط اختلف العمل، فعمل الفعل في الفاعل الرفع، وفي المفعول النصب، أما إذا أريد الإخبار بوقوع الفعل في ذاته من غير إرادة أن يعمل ممن وقع، أو على من وقع، فالعبارة التي تدل على ذلك أن يقال: كان ضرب، أو وقع أو وجد أو نحو ذلك من الألفاظ التي تدل على الوجود المجرد. إذا علمت ذلك نقول: الفعل المتعدي إذا أسند إلى فاعله ولم يذكر له مفعول فهو على ضربين:

1- أن يكون الغرض إثبات المعنى في نفسه للفاعل من غير اعتبار عمومه وخصوصه ولا اعتبار تعلقه بمن وقع عليه، وحينئذ يكون المتعدي بمنزلة اللازم فلا يذكر له مفعول لئلا يتوهم السامع أن الغرض الإخبار به، باعتبار تعلقه بالمفعول، ألا ترى أنك إذا قلت: فلان يعطي الدنانير, كان المقصد بيان جنس المعطي لا بيان كونه معطيا، ويكون كلاما مع من أثبت له إعطاء، ولا يدري ما معطاه، كما لا يقدر له مفعول أيضا؛ لأن المقدر في حكم المذكور، وهذا الضرب نوعان: أ- أن يجعل الفعل حال كونه مطلقا عن اعتبار العموم والخصوص كناية1 عنه متعلقا بمفعول مخصوص, بدلالة سبق ذكرا أو دليل حال إلا أنك تنسيه نفسك, وتوهم أنك لم تذكر الفعل إلا لأن تثبت معناه من غير أن تقصد تعديته إلى مفعول مخصوص، وعليه قول البحتري يمدح المعتز بالله ويعرض بالمستعين بالله: شجو حساده وغيظ عداه ... أن يرى مبصر ويسمع واع2 فالمعنى المراد أن يرى مبصر آثاره ويسمع واع أخباره، ولكنه أغفل هذين المفعولين وأبعدهما عن وهمه3 ليتسنى له أن يبين أن محاسن الممدوح قد ذاع صيتها واشتهر أمرها فلا تخفى على ذي بصر وسمع، فيكفي في معرفة أنها سبب في استحقاقه الإمامة دون غيره أن يقع عليها بصر ويعيها سمع حتى يعلم الرائي والسامع أنه لا يليق لمقام الخلافة غيره، ومن ثم ترى الحساد والعدا يتمنون ألا توجد عين تبصر ولا أذن تسمع لنخفي هذه الفضائل فيجدوا إلى منازعته فيها سبيلا.

_ 1 فالمطلق يجعل كناية عن المقيد, فالفعل عند تنزيله منزلة اللازم يكون مدلوله الماهية الكلية، ثم بعد ذلك يكون كناية عن شيء مخصوص، فيكون مدلوله جزئيا, والمقيد وإن لم يكن لازما للمطلق يدعى فيه اللزوم بالقرينة. 2 شجاه الأمر أحزنه. 3 ونزلهما منزل اللازمين أي: تصدر منه الرؤية والسماع من غير تعلق بمفعول مخصوص, ثم جعلهما كنايتين عن الرؤية والسماع المتعلقين بمفعول مخصوص هو محاسنه وأخباره بادعاء الملازمة بين مطلق الرؤية ورؤية محاسنه وبين مطلق السماع وسماع أخباره للدلالة على أن آثاره وأخباره بلغت من الشهرة مبلغا لا يستطيع خفاؤها معه, فلا يرى الرائي إلا آثاره ولا يسمع إلا أخباره، فذكر الملزوم وأراد اللازم على ما هو طريق الكناية.

ب- ألا يجعل كناية عن مفعول مخصوص، بل يقصد إثبات المعنى في نفسه من غير تعرض لمفعول كقولهم: فلان يحل ويعقد ويأمر وينهى ويضر وينفع، فالمقصود أن له حلا وعقدا وأمرا ونهيا وضرا ونفعا، وعليه قوله تعالى: {هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ} 1 فالمعنى: هل يستوي من له علم ومن لا علم له، وقوله عز اسمه: {وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكَى، وَأَنَّهُ هُوَ أَمَاتَ وَأَحْيَا} 2. 2- أن يكون الغرض إفادة تعلقه بمفعول، ويجب تقديره بحسب القرائن، ويحذف حينئذ لداع من الدواعي الآتية، وهي: 1- البيان بعد الإبهام ليكون أوقع في النفس كما فعل في المشيئة إذا لم يكن في تعلقه بمفعوله غرابة، فتقول: لو شئت جئت ولو شئت لم أجئ، علم السامع أن ههنا شيئا تعلقت المشيئة بوجوده أو عدمه، فإذا قلت: جئت أو لم أجئ عرف ذلك الشيء، ومن هذا الباب قوله تعالى: {فَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ} 3، وقول البحتري: لو شئت لم تفسد سماحة حاتم ... كرما ولم تهدم مآثر خالد فإن كان تعلق الفعل به غرابة ذكر المفعول ليتقرر في نفس السامع ويأنس به كما يقول الرجل مخبرا عن عزه: لو شئت أن ألقى الخليفة كل يوم لقيته، وعليه قوله تعالى: {لَوْ أَرَادَ اللَّهُ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا لَاصْطَفَى مِمَّا يَخْلُقُ} 4، وقول إسحاق الخزيمي يرثي حفيده: ولو شئت أن أبكي دما لبكيته ... عليه ولكن ساحة الصبر أوسع لأنه لما كان من البدع العجيب أن يقابل أحد الخليفة كل يوم، وأن يريد رب العالمين ولدا، وأن يشاء الإنسان بكاء الدم صرح فيها بذكر المفعول. 2- دفع توهم السامع من أول وهلة إرادة شيء غير ما هو مراد، كقول البحتري يذكر ذود الممدوح ومساعدته إياه:

_ 1 سورة الزمر الآية: 9. 2 سورة النجم الآية: 43. 3 سورة الأنعام الآية: 149. 4 سورة الزمر الآية: 4.

وكم ذدت عني من تحامل حادث ... وسورة أيام حززن إلى العظم إذ لو قال: حززن اللحم، لجاز أن يدور في خلد السامع قبل ذكر ما بعده أن الحز كان في بعض اللحم ولم يصل إلى العظام، فترك ذكر اللحم لينفي عن فكره ما ربما يختلج في خاطره بادئ ذي بداءة. 3- إرادة ذكره ثانيا على وجه يتضمن إيقاع الفعل على صريح لفظه لكمال البناية به والاهتمام بوقوعه, كقول البحتري: قد طلبنا فلم نجد لك في السؤ ... دد والمجد والمكارم مثلا إذ تقديره طلبنا لك مثلا فلم نجده، لكن حذف المثل ليوقع نفي الوجود على لفظ المثل صراحة. "الملاحظة" مثل هذا الغرض عكس ذو الرمة في قوله: ولم أمدح لأرضيه بشعري ... لئيما أن يكون أصاب مالا فأعمل الفعل الأول وهو أمدح في لفظ اللئيم, وأعمل أرض في ضميره، لما كان غرضه إيقاع نفي المدح على اللئيم صريحا دون الإرضاء، ولو عكس لأبهم الأمر فيما هو الأصل وأبانه فيما ليس بأصل. 4- قصد التعميم مع الاختصار1، كما تقول: قد كان منك ما يؤلم، أي: ما الشأن في مثله أن يؤلم كل أحد، وعليه قوله تعالى: {وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلامِ} 2، أي: جميع عباده. 5- رعاية السجع وروي الفاصلة كقوله تعالى: {وَالضُّحَى، وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى، مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى} 3، أي: ما قلاك وأبغضك. ويرى صاحب "الكشاف" أن حذف المفعول في مثل هذا الاختصار اللفظي لعلم به. 6- استهجان ذكره، كقول عائشة رضي الله عنها: ما رأيت منه ولا رأى مني "تعني العورة".

_ 1 أي: إن هذا التعميم، وإن استفيد من ذكر المفعول بصيغة المفعول، يفوت الاختصار. 2 سورة يونس الآية: 25. 3 سورة الضحى الآية: 1.

7- مجرد الاختصار كقولك: أصغيت إليه أذني وأغضيت عليه أي: بصري ومنه قوله تعالى: {أَهَذَا الَّذِي بَعَثَ اللَّهُ رَسُولًا} 1، أي: بعثه الله. 8- تعينه، كقوله تعالى: {لِيُنْذِرَ بَأْسًا شَدِيدًا} 2، أي: لينذر الذين كفروا. وكثير من الأغراض السابقة تجري هنا كإخفائه على غير السامع أو التمكن من إنكاره عند الحاجة أو ادعاء تعينه أو نحو ذلك. تدريب: بين أسباب حذف المسند إليه أو المسند أو المفعول، فيما يلي: 1- برد حشاي إن استطعت بلفظة ... فلقد تضر إذا تشاء وتنفع 2- قال تعالى: {أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَى، وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَى} 3. 3- لسن إذا صعد المنابر أو نضا ... قلما شأي الخطباء والكتابا4 4- {وَقِيلَ يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءَكِ وَيَا سَمَاءُ أَقْلِعِي وَغِيضَ الْمَاءُ} 5. 5- حريص على الدنيا مضيع لدينه ... وليس لما في بيته بمضيع 6- {وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلًا إِذَا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ} 6. 7- خليل لا يغيره صباح ... عن الخلق الجميل ولا مساء 8- وإني رأيت البخل يزري بأهله ... فأكرمت نفسي أن يقال بخيل الإجابة: 1- حذف المفعول، أي: تضرني وتنفعني لتنزيل الفعل منزلة اللام، إذ المراد أنه يحصل منك نفع وضرر. 2 حذف المفعول رعاية لحسن الكلام، وتجانس الفواصل، وتقديره: آواك وهداك.

_ 1 سورة الفرقان الآية: 41. 2 سورة الكهف الآية: 2. 3 الضلال هنا الجهل بالشرائع وما طريقه السمع ... الآيتان: 6 و7 من سورة الضحى. 4 نضا أمسك، وشأي سبق. 5 سورة هود الآية: 44. 6 سورة الزخرف لآية: 57.

3- حذف المسند إليه أي: هو لسن لا دعاء العلم به. 4- حذف المسند إليه وهو الله تعالى للعلم به في باب المدح. 5- حذف المسند إليه لا دعاء العلم به في باب الذم. 6- حذف المسند إليه للعلم به وهو الله تعالى. 7- حذف المسند إليه للعلم به ادعاء في باب المدح. 8- حذف المسند إليه للجهل به. تدريب ثان: 1- على أنني راض بأن أحمل الهوى ... وأخرج منه لا علي ولا ليا 2- وعد بالحضور ليلا "تقصد شخصا معهودا". 3- يقول مبصر اللص: لص. 4- شرير غبي مشاء بنميم. 5- أرني أنظر إليك. 6- {وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ امْرَأتَيْنِ تَذُودَانِ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا قَالَتَا لَا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ} 1. 7- {فَإِنْ يَشَأِ اللَّهُ يَخْتِمْ عَلَى قَلْبِكَ} 2. 8- فلو أن قومي أنطقتني رماحهم ... نطقت ولكن الرماح أجرت الإجابة: 1- حذف المسند للمحافظة على الوزن والأصل: لا علي شي ولا لي شيء. 2- حذف المسند إليه لإخفاء الأمر على غير المخاطب. 3- حذف المسند إليه لانتهاز الفرصة والأصل: هذا لص. 4- حذف المسند إليه لتأتي الإنكار عند الحاجة. 5- حذف المفعول للاختصار والأصل: أرني ذاتك.

_ 1 سورة القصص الآيتان: 22 و23. 2 سورة الشورى الآية: 24.

6- حذف المفعول هنا في مواضع، فحذف مفاعيل: يسقون وتذودان ونسقي، لتنزيل الفعلة منزلة اللازم؛ لأنه إنما رحمهما؛ لأنهما كانتا على الزياد وهم على السقي ولم يرحمهما؛ لأن مذودهما غنم ومستقيمهم إبل مثلا، وكذلك قولهما: لا نسقي، المقصود منه السقي لا المسقي. 7- حذف المفعول في باب المشيئة للبيان بعد الإبهام. 8- حذف المفعول هنا لجعل الفعل المطلق كناية عن الفعل متعلقا بمفعول معين؛ لأن غرضه أن يثبت أنه كان من الرماح إجرار وحبس للألسن عن مدحهم والافتخار بهم ليتوصل إلى مطلوبه وهو أنها أجرته. تمرين: بين أسباب الحذف فيما يلي: 1- جزى الله عنا جعفرا حين أزلقت ... بنا نعلنا في الواطئين فزلت1 أبوا أن يملونا ولو أن أمنا ... تلاقي الذي لاقوه منا لملت خم خلطونا بالنفوس وألجئوا ... إلى حجرات أدفأت وأظلت 2- فإن شئت لم ترقل وإن شئت أرقلت ... مخافة ملوى من القد مخصد2 3- قوم إذا أكلوا أخفوا حديثهم ... واستوثقوا من رتاج الباب والدار 4- وما أدراك ما هي نار حامية. 5- {وَأَنَّا لا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الأَرْضِ أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَدًا} 3. 6- كل عذر من كل ذنب ولكن ... أعوز العذر من بياض العذار4 7- رماني بأمر كنت منه ووالدي ... بريئا ومن أجل الطوي رماني5 8- قد قال عزولي مناك أتى ... فأجبت وقلت كذبت متى فقال حبيبك ذو خفر ... وكبير السن قلت فتى

_ 1 زلت النعل كناية عن الفقر. 2 الأرقال سرعة السير، والقد جلد غير مدبوغ، والملوى المفتول، والمخصد المحكم القتل. 3 سورة الجن الآية: 10. 4 أعوز ضاق. 5 الطوي البئر المبنية، وقد كان خصمه رماه باللصوصية.

الباب الخامس: في التقديم

الباب الخامس: في التقديم المبحث الأول: في مزايا التقديم وأقسامه ... الباب الخامس: في التقديم وفيه أربعة مباحث المبحث الأول: في مزايا التقديم وأقسامه الألفاظ قوالب المعاني، فيجب أن يكون ترتيبها الوضعي بحسب ترتيبها الطبيعي، ومن البين أن رتبة المسند إليه التقديم؛ لأنه المحكوم عليه، ورتبة المسند التأخير، إذ هو المحكوم به، وما عداهما فتوابع ومتعلقات تأتي تالية لهما في الرتبة. ولكن قد يعرض لبعض الكلم من المزايا ما يدعو إلى تقديمه، وإن كان حقه التأخير، فيكون من الحسن تغيير هذا النظام ليكون المقدم مشيرا إلى الغرض الذي يراد، ومترجما عما يقصد به. ومن ثم قال في "دلائل الإعجاز": إن هذا التقديم كثير الفوائد، جم المحاسن، لا يزال يفتر لك عن بديعة، ويفضي بك إلى لطيفة، ولا تزال ترى شعرا يروقك سجعه، ويلطف لديك موقعه، ثم تنظر فتجد سبب أن راقك ولطف عندك، إن قدم فيه شيء وحول اللفظ من مكان إلى مكان. ا. هـ. وللتقدم أحوال أربع: 1- ما يفيد زيادة في المعنى مع تحسين في اللفظ، وذلك هو الغاية القصوى، وإليه المرجع في فنون البلاغة، والعمدة في هذا هو الكتاب الكريم انظر قوله تعالى: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ، إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} 1 تجد أن تقديم الجار والمجرور في هذا قد أفاد التخصيص، وأن النظر لا يكون إلا لله، مع جودة الصياغة وتناسق السجع.

_ 1 سورة القيامة الآية: 22.

2- ما يفيد زيادة في المعنى فحسب نحو: بل الله فاعبد وكن من الشاكرين، فتقديم المفعول في هذا لتخصيصه بالعبادة دون سواه، ولو أخر لم يفد الكلام ذلك. 3- ما يتكافأ فيه التقديم والتأخير، وليس لهذا الضرب شيء من الملاحة، نحو: وكانت يدي ملأى به ثم أصبحت ... "بحمد إلهي" وهي منه سليب1 فتقديره: ثم أصبحت وهي منه سليب بحمد الله. 4- ما يختل به المعنى ويضطرب، وذلك هو التعقيد اللفظي، أو المعاظلة التي تقدمت كتقديم الصفة على الموصوف، والصلة على الموصول، ونحو ذلك، كقول الفرزدق: إلى ملك ما أمه من محارب ... أبوه ولا كانت كليب تصاهره إذ تقديره إلى ملك أبوه ما أمه من محارب، أي: ما أم أبيه منهم، ولا شك أن هذا لا يفهم من كلامه للنظرة الأولى، بل يحتاج إلى تأمل ورفق حتى يفهم المراد منه.

_ 1 سليب بمعنى مسلوب، أي: منتزع مأخوذ.

المبحث الثاني: في تقديم المسند إليه

المبحث الثاني: في تقديم المسند إليه يقدم المسند إليه لأغراض، منها: 1- أنه الأصل إذ هو المحكوم عليه ولا مقتضى للعدول عنه، نحو: العدل أساس الملك. 2- ليتمكن الخبر في ذهن السامع؛ لأن في المبتدأ تشويقا إليه كقوله تعالى: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} 1 وقول أبي العلاء: والذي حارت البرية فيه ... حيوان مستحدث من جماد يريد أن الخلائق تحيرت في المعاد الجسماني، كما يرشد إلى ذلك ما قبله: بأن أمر الإله واختلف الناس ... فداع إلى ضلال وهادي فإتيانه بالمسند إليه على تلك الشاكلة موصوفا بحيرة البرية فيه، يستدعي تشوق السامع إلى أن يعرف ما حكم به عليه، فإذا جاء الخبر تمكن في النفس لما تقدمه من التوطئة له.

_ 1 سورة الحجرات الآية: 13.

3- تعجيل المسرة للتفاؤل؛ لأن السامع إذا قرع سمعه في ابتداء الكلام ما يشعر بالسرور هش وفرح به، نحو: الهدى في قلوب المخلصين. 4- تعجيل المساءة ليتطير السامع ويتبادر إلى ذهنه حصول الشر بادئ ذي بدء، نحو: السجن على جهة التأييد حكم به عليك اليوم. 5- التبرك به نحو: اسم الله اهتديت به. 6- إيهام أنه لا يزول عن البال لكونه مطلوبا، نحو: رحمة الله ترجى، نصر الله قريب. 7- إفادة التخصيص إذا كان الخبر فعلا وولي المسند إليه حرف النفي، نحو: ما أنا قلت هذا، أي: لم أقله وهو مقول لغيري. لا تقول ذلك إلا في شيء ثبت أنه مقول، لكن تريد أن تنفي كونك قائلا له. ومنه قول المتنبي: وما أنا أسقمت جسمي به ... ولا أنا أضرمت في القلب نارا إذ المعنى: ما أنا الجالب لهذا السقم الموجود والضرم الثابت، ولأجل هذا لا تقول: ما أنا قلت هذا ولا أحد غيري للتناقض بين أول الكلام وآخره، ولا ما أنا رأيت كل أحد؛ لأنه يفيد أن غيرك رأى كل أحد، ولا ما أنا كلمت إلا محمدا؛ لأنه يقتضي أن يكون إنسان غيرك قد كلم كل أحد سوى محمد1. فإن لم يل المسند إليه حرف النفي2، فإم أن يكون معرفة أو نكرة، فإن كان كان معرفة أفاد تقديمه أحد أمرين: أ- تخصيصه بالمسند ردا على من زعم انفراد غيره به أو مشاركته فيه، كما تقول: أنا سعيت في حاجة فلان، وعلى الأول يؤكد بنحو: لا غيري، وعلى الثاني بنحو: وحدي. ومن الواضح في ذلك قولهم في المثل: أتعلمني بضب أنا حرشته3.

_ 1 لأن المستثنى منه مقدر عام وكل ما نفيته عن المذكور على وجه الحصر يجب ثبوته لغيره تحقيقا لمعنى الحصر, سواء كان على وجه الخصوص أو على وجه العموم. 2 بألا يكون في الكلام حرف نفي، أو يكون حرف النفي متأخرا عن المسند إليه. 3 حرش الضب صاده، فهو حارش، وهو أن يحرك يده على باب جحره ليظنه حية فيخرج ذنبه ليضربها، وبذلك يأخذه، يضرب مثلا لمن يريد أن يعلم المتعلم.

وقوله تعالى: {وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا 1 عَلَى النِّفَاقِ لا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ} 2، أي: لا يعلم أسرارهم ولا يطلع على دخائل ما أبطنوا من الكفر إلا نحن. ب- تقوية3 الحكم وتقريره لدى السامع بدون تخصيص، كقولك: هو يعطي الجزيل، وهو يحب الثناء. ألا ترى أنك لا تريد أن غيره لا يعطي الجزيل ولا يحب الثناء. يرشد إلى ذلك أن هذا الضرب يجيء فيما سبق فيه إنكار منكر، نحو أن يقول الرجل: ليس لي علم بالذي تقول، فتقول له: أنت تعلم أن الأمر على ما أقول ولكنك تميل إلى خصمي، وعليه قوله تعالى: {وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} 4، والفعل المنفي كالمثبت في ذلك، فتارة يفيد التخصيص، كما تقول: أنت ما سعيت في حاجتي، وتارة يفيد التقوية نحو: أنت لا تكذب، وعليه قوله تعالى: {وَالَّذِينَ هُمْ بِرَبِّهِمْ لَا يُشْرِكُونَ} 5. وإن كان نكرة أخبر عنه بفعل أفاد تخصيص الجنس أو الواحد به، نحو: رجل جاءني أي: لا امرأة ولا رجلان، ذاك أن أصل النكرة أن تكون لواحد من الجنس فيقع القصد بها تارة إلى الجنس فحسب، كما إذا كان المخاطب بهذا الكلام قد عرف أن قد أتاك آت من هو جنس الرجال ولم يدر أرجل هو أم رجلان أو اعتقد أنه رجلان. "تنبيه": مما رأت العرب تقديمه كاللازم لفظ "مثل": إذا استعمل كناية من غير تعريض، نحو: مثلك لا يبخل، ومثلك رعى الحق والحرمة، ونحو قول ابن القبعثري6، مجيبا الحجاج، على سبيل المغالطة، حينما توعده، بقوله:

_ 1 مرنوا واستمروا. 2 سورة التوبة الآية: 101. 3 علة التقوية ما ذكره عبد القاهر من أن الاسم لا يؤتى به معرى عن العوامل إلا الحديث قد نوى إسناده إليه، فإذا جئت بالحديث دخل على القلب دخل المأنوس. 4 سورة آل عمران الآية: 75. 5 سورة المؤمنون الآية: 59. 6 هو الغضبان بن القبعثري الشيباني، وكان ممن خرج على الحجاج بن يوسف الثقفي، وأراد بالأدهم الأول القيد، وبالثاني الفرس الأدهم.

لأحملنك على الأدهم، مثل الأمير يحمل على الأدهم والأشهب. ونحو قول المتنبي يعزي عضد الدولة بعمته: مثلك يثني المزن عن صوبه ... ويسترد الدمع عن غربه1 فلا يقصد في كل هذا وأشباهه بمثل إلى إنسان سوى الذي أضيف إليه، بل يريدون أن كل من كان هذا شأنه وتلك حاله كان من موجب العرف والعادة أن يفعل أو لا يفعل، ولأجل إفادتها ذلك المعنى قال المتنبي في تلك القصيدة: ولم أقل مثلك أعني به ... سواك يا فردا بلا مشبه وكمثل "غير" إذا سلك بها هذا المسلك تقول: غيري يفعل كذا، على معنى أنك لا تفعله، لا أن تعرض بإنسان آخر، وعليه قول أبي تمام: وغيري يأكل المعروف سحتا ... وتشحب عنده بيض الأيادي2 فهو لم يرد أن يعرض بشاعر سواه فيزعم أن الذي اتهم به من هجو الممدوح كان من ذلك الشاعر، لا منه، بل أراد أن ينفي عن نفسه كفران النعمة وجحدها، لا غير. واستعمال "مثل وغير" على تلك الشاكلة مما ركز في الطباع وجرى على جميع الألسن، فمن نحا بهما غير هذا النحو، فقد قلب الكلام عن جهته، وغيره عن صورته، وما ذاك إلا لأنه قد غفل عن سر تقدمهما، وهو إفادة تقوية الحكم وتأكيده. 8- إفادة التعميم والنص على شمول النفي "عموم السلب" وذلك حين تتقدم أداة العموم ككل وجميع ونحوهما على أداة النفي، وهي غير معمولة للفعل المنفي فيتوجه النفي إذ ذاك إلى أصل الفعل، ويعم كل فرد من أفراد ما أضيف إليه كل، نحو: كل ظالم لا يفلح، فالمعنى: لا يفلح أحد من الظلمة. وعليه قول أبي النجم: قد أصبحت أم الخيار تدعي ... علي ذنبا كله أصنع

_ 1 الغروب مجاري الدموع، والصوب القصد، ويثني يدفع، يريد أنك قدير على دفع الحزن ورد الدموع إلى مجاريها إذ لا مشبه لك. 2 السحت المال الحرام، وتشحب تتغير.

وعلة ذلك أنك إذا بدأت بكل كنت قد بنيت النفي عليه، وسلطت الكلية على النفي وأعملتها فيه, وذلك يقتضي ألا يشذ عنه شيء. أما إن قدم النفي على أداة العموم لفظا، كقول أبي الطيب: ما كل ما يتمنى المرء يدركه ... تجري الرياح بما لا تشتهي السفن1 أو تقديرا بأن قدمت أداة العموم على الفعل المنفي وأعمل فيها، كقولك: كل الدراهم لم آخذ، توجه النفي إلى الشمول خاصة دون أصل الفعل، وأفاد الكلام نفي المجموع "سلب العموم" فيحتمل ثبوت البعض، كما يحتمل نفي كل فرد، يدل على ذلك الذوق والاستعمال، وهذا الحكم أكثري، وليس بكلي، بدليل قوله تعالى: {وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ} 2، {وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ 3 فَخُورٍ} 4، {وَلَا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَهِينٍ} 5. إلى غير ذلك.

_ 1 وفي رواية يشتهي بالياء، والسفن بفتح فكسر، أي: ربان السفينة. 2 سورة البقرة الآية: 276. 3 يرى أستاذنا الإمام الشيخ محمد عبده أن مثل هذا من عموم السلب لا من سلب العموم حيث قال: قد يعدل بحسب الظاهر عما يدل على عموم السلب إلى ما يفيد سلب العموم والسلب عام بحسب الحقيقة, تعريضا بأن المخاطب شر هذا النوع فالمعنى في هذه الآية أن محبة الله لا تعم المختالين الفخورين حتى تشمل هؤلاء, فلو تعقلت محبته بمختال فخور لم تتعلق بأولئك؛ لأن مختالهم وفخورهم شر مختال وفخور، وهكذا باقي الآي التي جاءت على النمط. 4 سورة لقمان الآية: 18. 5 سورة القلم الآية: 10.

المبحث الثالث: في تقديم المسند

المبحث الثالث: في تقديم المسند يقدم المسند لأغراض، منها: 1- تخصيصه بالمسند إليه، نحو: {لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينٌ} 1، {لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} 2، {لَا فِيهَا غَوْلٌ} 3،

_ 1 دينكم مقصور على الاتصاف بلكم لا يتصف بلي وديني مقصور على الاتصاف بلي، فهو من قصر الصفة على الموصوف "سورة الكافرون". 2 ملك السموات مقصور على الاتصاف بالله "سورة المائدة". 3 أي: إن عدم الغول مقصور على الاتصاف بفي خمور الجنة لا يتجاوزه إلى الاتصاف بفي خمور الدنيا، وإن اعتبر النفي في جانب المسند، فالمعنى أن الغول مقصور على عدم الحصول في خمور الجنة لا يتجاوزه إلى عدم الحصول في خمور الدنيا فهو قصر غير حقيقي.

أي: بخلاف خمور الدنيا فإنها تغتال العقول وتوجب دوار الرأس وثقل الأعضاء، ومن ثم لم يقدم الظرف في قوله تعالى: {لَا رَيْبَ فِيهِ} 1 لأنه لو قدم لاقتضى ثبوت الريب في سائر كتب الله تعالى ما عدا القرآن. 2- التنبيه ابتداء دون حاجة إلى تأمل في الكلام على أنه خبر لا نعت، كقوله تعالى: {وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ} 2، وقول أبي بكر بن النطاح في وصف أبي دلف العجلي: له همم لا منتهى لكبارها ... وهمته الصغرى أجل من الدهر له راحة لو أن معشار جودها ... على البر كان البر أندى من البحر 3- التفاؤل بسماع ما يسر المخاطب، نحو: سعدت بغرة وجهك الأيام ... وتزينت بلقائك الأعوام 4- التشويق3 إلى ذكر المسند إليه، ويكثر ذلك في باب المدح، كقول محمد بن وهيب يمدح المعتصم: ثلاثة تشرق الدنيا ببهجتها ... شمس الضحى وأبو إسحاق والقمر وفي باب الوعظ كقول أبي العلاء المعري: وكالنار الحياة فمن رماد ... أواخرها وأولها دخان

المبحث الرابع: في تقديم متعلقات الفعل

المبحث الرابع: في تقديم متعلقات الفعل الأصل في العامل أن يقدم على المعمول، وقد يعكس ذلك فيقدم المفعول ونحوه من الجار والمجرور والظرف والحال لأغراض أهمها: 1- رد الخطأ في التعيين كقولك: محمدًا كلمت، ردا على من اعتقد أنك كلمت إنسانا غير محمد، وتقول لتأكيده: محمد كلمت، لا غيره. أو في ظن الاشتراك، نحو: عليا رأيت، أي: وحده، ردا على من اعتقد أنك رأيت عليا ومحمدا. ومن ثم لا يقال: ما محمدا كلمت ولا غيره، لتناقض دلالتي الأول والثاني،

ولا أن تعقب الفعل المنفي بإثبات ضده، كقولك: ما محمدًا ضربت، ولكن أكرمته1، وقولك: بمحمد مررت، لمن اعتقد أنك مررت بإنسان وأنه غير محمد، وكذا سائر المعمولات، نحو: يوم الجمعة سرت، وفي المسجد صليت، وماشيا جئت. 2- التخصيص، وهو لازم للتقديم غالبا بشهادة الاستقراء، وحكم الذوق، ومن ثم قال المفسرون في قوله تعالى: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} 2، إن المعنى نخصك بالعبادة والاستعانة ولا نعبد غيرك ولا نستعين به، وفي قوله: {لَإِلَى اللَّهِ تُحْشَرُونَ} ، أي: لا إلى غيره. وفي التقديم فائدة أخرى، وهي الاهتمام بشأن المقدم، ومن ثم قدر المحذوف في: باسم الله مؤخرا، أي: باسم الله أفعل كذا، بيانا لاهتمام الموحد بالاسم الكريم وردا على المشركين الذين كانوا يبدءون بأسماء آلهتهم، فيقولون: باسم اللات، أو باسم العزى. ولا يشكل على هذا آية: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ} ، بتقديم الفعل على اسم الله؛ لأن الأمر بالقرءاة في ذلك الموضع أهم، إذ بالقراءة حفظ المقروء عادة، وذلك هو المقصود من الإنزال أو بأن باسم الله متعلق باقراء الثاني، ومعنى اقرأ الأول، أوجد القراءة كقولك: فلان يعطي. وإنما قلنا لازم غالبا؛ لأن التقديم قد يكون. 3- للاهتمام بالمقدم نحو: حسن الخلق لزمت. 4- التبرك به نحو: محمدًا عليه السلام اتبعت. 5- الاستلذاذ به نحو: ليلى كلمت. 6- موافقة كلام السامع نحو: محمدًا أكرمت، في جواب: من أكرمت؟ 7- ضرورة الشعر نحو: سريع إلى ابن العم يلطم وجهه ... وليس إلى داعي الندى بسريع

_ 1 لأن الكلام لم يبن على الخطأ في الفعل وهو الضرب حتى يرد إلى الصواب بأنه الإكرام وإنما بني على الخطأ في المضروب حين اعتقد أنه محمد، فرده إلى الصواب أن يقال: لكن عليا مثلا. 2 سورة الفاتحة الآية: 2.

8- رعاية السجع والفاصلة نحو: {خُذُوهُ فَغُلُّوهُ، ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ، ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعًا فَاسْلُكُوهُ} . {فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ، وَأَمَّا السَّائِلَ فَلَا تَنْهَرْ} ، إلى غير ذلك مما لا يحسن فيه اعتبار التخصيص؛ لأن المقام ينبو عنه، كما بينه ابن الأثير في المثل السائر. 9- أن يكون المقدم محط الإنكار، كما يقول: أبعد طول عشرة فلان تخدع بمواعيده، وعليه قول أبي العلاء: أعندي وقد مارست كل خفية ... يصدق واش أو يخيب سائل ويقدم بعض معمولات الفعل على بعض لأسباب، منها: أ- أن التقديم هو الأصل ولا داعي للعدول عنه كتقديم الفاعل على المفعول، نحو: كلم محمد عليا. وتقديم المفعول الأول على الثاني، نحو: أعطيت محمدا درهما. ب- أن ذكره أهم والعناية به أتم، فيقدم المفعول على الفاعل إذا كان الغرض معرفة وقوع الفعل على من وقع عليه لا وقوعه ممن وقع منه، كما إذا عاث لص فاتك في البلاد وكثر أذاه فأمسك وأردت أن تخبر بذلك فتقول: أمسك اللص فلان، إذ ليس للناس كبير فائدة في أن يعرفوا الممسك، وإنما الذي يهمهم عمله هو من أمسك ليتخلصوا من شره. ويقدم الفاعل إذا كان الغرض معرفة وقوع الفعل ممن وقع منه، كما إذا كان شخص خامل الذكر لا يظن به أن يقوم بعمل جليل فاخترع شيئا مفيدا وأردت أن تخبر بذلك فتقول: اخترع فلان كذا؛ لأن الذي يهم الناس من شأن هذا الفعل استبعاد صدوره من ذلك الفاعل. جـ- أن التأخير يوهم غير المعنى المراد كما في قوله تعالى: {وَقَالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ} 1، إذ لو أخر "من آل فرعون" عما بعده لتوهم أنه متعلق بيكتم، فلا يفيد أن ذلك الرجل منهم. د- أن التأخير يخل يتناسب الفواصل نحو: {فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسَى} 2، بتقديم الجار والمجرور والمفعول على الفاعل إذ فواصل الآي على الألف.

_ 1 سورة غافر الآية: 28. 2 سورة طه الآية: 67.

"تتمة" من سنن العرب أن يبدءوا في باب المديح بالصفة الدنيا ثم يثنوا بما هو أعلى منها، وهكذا وعلى ذلك قول البحتري يصف نحول الركاب: يترقرقن كالراب وقد خضن ... غمارا من السراب الجاري كالقسي المعطفات بل الاسهم ... مبرية بل الأوتار فقد ترقى في تشبيه نحولها فشبهها بالقسي، ثم بالأسهم المبرية، ثم بالأوتار، وهي أشد الثلاثة نحولا، كما يعكسون في باب الذم. تدريب أول: اذكر الأسباب التي دعت إلى تقديم المسند إليه، أو المسند، أو متعلقات القس، فيما يلي: 1- فيا لك من ذي حاجة حيل دونها ... وما كل ما يهوى امرؤ هو نائله 2- أنا لا أختار تقبيل يد ... قطعها أفضل من تلك القبل 3- أبعد أن بات عبد الله مرتهنا ... تحت الثرى يرتجي صفو وينتظر 4- عند الصباح يحمد القوم السري ... وتنجلي عنهم غياهب الكرى 5- {جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا} . 6- {النَّارُ وَعَدَهَا اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا} . 7- خير الصنائع في الأنام صنيعة ... تنبو بحاملها عن الإذلال 8- بيد العفاف أصون عز حجابي ... وبعصمتي أسموا على أترابي الإجابة: 1- وقع المسند إليه بعد حرف النفي لإفادة سلب العموم في شطره الثاني. 2- قدم المسند إليه على حرف النفي لإفادة التخصيص. 3- قدم الظرف لكونه محط الإنكار. 4- قدم متعلق الفعل وهو الظرف لإفادة التخصيص. 5- قدم المفعول لتعجيل المسرة. 6- قدم المسند إليه لتعجيل المساءة. 7- قدم المسند إليه لتعجيل السرور. 8- قدم الجار والمجرور لإفادة التخصيص في شطري البيت.

تدريب ثان: اذكر أسباب تقديم المسند إليه، أو المسند، أو متعلقات الفعل، فيما يلي: 1- وما كل هاو للجميل بفاعل ... ولا كل فعال له بمتمم 2- ثلاثة ليس لها إياب ... الوقت والجمال والشباب 3- نحن في المشتاة ندعو الجفلى ... لا ترى الآدب فينا ينتقر1 4- {قُلْ هُوَ الرَّحْمَنُ آَمَنَّا بِهِ وَعَلَيْهِ تَوَكَّلْنَا} . 5- {وَبِالآَخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ} . 6- {قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِي رَبًّا وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ} . 7- سواي بتحنان الأغاريد يطرب ... وغيري باللذات يلهو ويلعب 8- {لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا} . الإجابة: 1- وقع المسند إليه بعد حرف النفي ليفيد سلب العموم. 2- قدم الخبر التشويق إلى ما بعده. 3- قدم المسند إليه لتقوية الحكم وتوكيده. 4- قدم المسند إليه للتخصيص. 5- قدم الجار والمجرور لإفادة التخصيص. 6- قدم المفعول لكونه محط الإنكار. 7- قدم المسند إليه لإفادة تقوية الحكم وتوكيده. 8- أخر الجار والمجرور بعد شهداء في الأول؛ لأن الغرض إثبات شهادتهم على الأمم، وقدم في الثاني لاختصاصهم بكون الرسول شهيدا عليهم. تمرين 1: بين السبب في تقديم المسند إليه، أو المسند، أو متعلقات الفعل، فيما يلي: 1- {وَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ لِي عَمَلِي وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ} 2.

_ 1 المشتاة مكان الشتاء أو زمانه، والجفلى الدعوة العامة إلى الطعام، والنقري الدعوة الخاصة، والآدب من يدعو الناس لمأدبة يفتخر بجودهم وكرمهم. 2 سورة يونس الآية: 41.

2- {بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ} 1. 3- {وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ} 2, 4- {وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ فَإِذَا هِيَ شَاخِصَةٌ أَبْصَارُ الَّذِينَ كَفَرُوا} 3. 5- {إِنَّ وَلِيِّيَ اللَّهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتَابَ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ} 4. 6- جميع المصريين لا يرغبون في أذى الضيف. 7- {فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا} 5. تمرين 2: بين السبب في تقديم المسند إليه، أو المسند، أو متعلقات الفعل، فيما يلي: 1- إن في عدلك وكرمك ورأفتك رحمة بالضعفاء. 2- بك اقتدت الأيام في حسناتها ... وشيمتها لولاك هم وتخريب 3- أكفرا بعد رد الموت عني ... وبعد عطائك المائة الرتاعا 4- إذا نطق السفيه فلا تجبه ... فخير من إجابته السكوت 5- إذا شئت يوما أن تسود عشيرة ... فبالحلم سد لا بالتسرع والشتم 6- ونحن التاركون لما سخطنا ... ونحن الآخذون لما رضينا 7- ما كل رأي الفتى يدعو إلى رشد.

_ 1 سورة الزمر الآية: 66. 2 سورة الإخلاص الآية: 3. 3 سورة الأنبياء الآية: 97. 4 سورة الأعراف الآية: 196. 5 سورة التوبة الآية: 108.

الباب السادس: في التعريف

الباب السادس: في التعريف المبحث الأول: في الفرق بين النكرة والمعرفة والداعي إلى التعريف ... الباب السادس: في التعريف وفيه ثمانية مباحث المبحث الأول: في الفرق بين النكرة والمعرفة والداعي إلى التعريف كل من النكرة والمعرفة يدل على معين وإلا امتنع الفهم، إلا أن النكرة تدل على معين من حيث ذاته لا من حيث هو معين، أي: ليس في لفظ النكرة ما يشير إلى أن السامع يعرفه فليس في اللفظ دلالة على ملاحظة التعين، والمعرفة تدل على معين أي: إن في لفظ المعرفة ما يشير إلى أن السامع يعرفه، وإذا فالنكرة يفهم منها ذات المعين فحسب ولا يفهم منها كونه معلوما للسامع، والمعرفة يفهم منها ذات المعين وكونه معلوما للسامع. والتعين في المعرفة، إما أن يكون بنفس اللفظ، كما في الأعلام، وإما بقرينة خارجية، كما في غيره من بقية المعارف. ويعدل عن التنكير إلى التعريف لتزداد الفائدة وتتم، فإن فائدة الخبر أو لازمها كلما ازداد متعلقها معرفة زاد غرابة، واعتبر ذلك بما تراه من عظيم الفرق بين قولنا: ثوب نفيس اشترى في السوق، وقولنا: ثوب حرير مطرز من صنع بلدة كذا اشتراه فلان أمس بألف دينار.

المبحث الثاني: في تعريف المسند إليه بالإضمار

المبحث الثاني: في تعريف المسند إليه بالإضمار يعرف المسند إليه بالإضمار؛ لأن المقام مقام تكلم، كقوله عليه السلام يوم بدر: "أنا النبي لا كذب، أنا ابن عبد المطلب" وقول بشار: أما المرعث لا أخفى على أحد ... ذرت بي الشمس للقاصي وللداني1

_ 1 الرعثة القرط يعلق في شحمة الأدن، ولقب بشار بالمرعث لرعثة كانت له في صغره، وذرت طلعت.

أو مقام خطاب كقول الحماسية: وأنت الذي أخلفتني ما وعدتني ... وأشمت بي من كان فيك يلوم أو مقام غيبة، ولا بد من تقدم ذكره إما لفظا نحو: {فَاصْبِرُوا حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ بَيْنَنَا وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ} 1، وقول أبي تمام: بيمين إبي إسحاق طالت يد العلا ... وقامت قناة الدين واشتد كاهله هو البحر من أي النواحي أتيته ... فلجته المعروف والبحر ساحله وإما معنى لدلالة لفظ عليه، نحو: {وَإِنْ قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا هُوَ أَزْكَى لَكُمْ} 2 لما في ارجعوا من معنى الرجوع، أو لقرينة حال كقوله تعالى: {وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ} 3، أي: ولأبوي الميت، وإما حكما كما في باب رب نحو: ربه فتى، وباب ضمير الشأن نحو: {إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ} 4. والأصل في الخطاب أن يكون لمشاهد معين نحو: أنت استرققتني بإحسانك، وقد يخاطب: 1- غير المشاهد إذا كان مستحضرا في القلب كأنه نصب العين، كما في: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ} . 2- غير المعين ليعم كل من يمكن خطابه على سبيل البدل لا على طريق التناول دفعة واحدة، كما تقول: فلان لئيم إن أحسنت إليه أساء إليك، فلا يراد في مثله مخاطب معين، بل براد أن سوء معاملته، غير مختص بواحد دون آخر. وعليه قول المتنبي: إذا أنت أكرمت الكريم ملكته ... وإن أنت أكرمت اللئيم تمردا وقوله تعالى: {وَلَوْ تَرَى إِذِ الْمُجْرِمُونَ نَاكِسُو رُءُوسِهِمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ} 5. أخرج الكلام في صورة الخطاب، مع إرادة العموم، تنبيها إلى تقطيع حالهم،

_ 1 سورة يونس الآية: 109. 2 سورة النور الآية: 28. 3 سورة النساء الآية: 11. 4 سورة يوسف الآية: 90. 5 سورة السجدة الآية: 12.

من تنكيس الرءوس والخجل، من أهوال يوم القيامة، وبيانا لأنها بلغت الغاية في الظهور، بحيث لا تخفى على أحد، ولا تختص بها رؤية راء، بل كل من يتأتى منه الرؤية يدخل في الخطاب، ولهذا نظائر كثيرة في القرآن الكريم، نحو: {وَإِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيمًا وَمُلْكًا كَبِيرًا} 1.

_ 1 سورة الإنسان الآية: 2.

المبحث الثالث: في تعريف المسند إليه بالعلمية

المبحث الثالث: في تعريف المسند إليه بالعلمية يؤتى بالمسند إليه لأغراض، منها: 1- إحضار معناه في ذهن السامع باسمه الخاص ليمتاز عما عداه كقوله تعالى: {وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ} 1. 2- التعظيم في الأعلام التي تشعر بمدح كسيف الدولة وصلاح الدين. 3- الإهانة في الأعلام التي تشعر بذم نحو صفوان وصخر. 4- الاستلذاذ بذكره كما يذكر المحبون أسماء من يحبون، ومن ثم يقول المتنبي مادحا عضد الدولة: أساميا لم تزده معرفة ... وإنما لذة ذكرناها وعليه قول مجنون ليلى: بالله يا ظبيات القاع قلن لنا ... ليلاي منكن أم ليلى من البشر 5- الكناية عن معنى يصلح العلم له بحسب معناه قبل العلمية، كما يقال: أبو الفضل وأخو الحرب، فإطلاق ذلك إطلاقا علميا يجوز أن يلاحظ فيه الأصل مع القرينة، فيلمح في الأول أنه ملابس للفضل فهو صاحب المكارم، وفي الثاني أنه ملاصق للحرب، فهو شجاع فاتك. 6- التفاؤل في الأعلام التي تشعر بذلك نحو: سعد وسعيد. 7- التطير والتشاؤم نحو: السفاح والجراح. 8- التسجيل على السامع حتى لا يتأتى له الإنكار، كما يقول القاضي لشخص: هل أقر إبراهيم بكذا، فيقول إبراهيم: أقر بكذا، فلم يقل هو لتسجيل الحكم وضبطه لئلا يجد المشهود عليه سبيلا للإنكار.

_ 1 سورة البقرة الآية: 127.

المبحث الرابع: في تعريف المسند إليه باسم الإشارة

المبحث الرابع: في تعريف المسند إليه باسم الإشارة يؤتى بالمسند إليه اسم إشارة لأغراض كثيرة يلاحظ البلغاء منها: 1- تعين اسم الإشارة طريقا إلى إحضار المشار إليه بعينه في ذهن السامع بأن يكون حاضرا محسوسا، والمتكلم والسامع لا يعرفان اسمه الخاص ولا معينا آخر. 2- تميزه أكمل تمييز لإحضاره في ذهن السامع بواسطة الإشارة الحسية، كأن يكون المقام للمدح فيكون أعون على كماله، وعليه قول الحطيئة: أولئك قوم إن بنوا أحسنوا البنى ... وإن عاهدوا أوفوا وإن عقدوا شدوا1 3- التعريض بغباوة السامع حتى كأن الأشياء لا تتميز لديه إلا بالإشارة الحسية، كقول الفرزدق يهجو جريرا، ويفخر بآبائه: أولئك آبائي فجئني بمثلهم ... إذا جمعتنا يا جرير المجامع2 4- قصد تحقيره بالقرب، نحو: {أَهَذَا الَّذِي يَذْكُرُ آلِهَتَكُمْ} 3، ومنه في غير المسند إليه: {مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلًا} 4. 5- قصد تعظيمه بالقرب نحو: {إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ} 5. وذلك كثير في التنزيل. 6- قصد تحقيره بالبعد نحو: {فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ} 6. 7- قصد تعظيمه بالبعد نحو: {فَذَلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ} 7 من حيث لم تقل: فهذا، وهو حاضر رفعا لمنزلته في الحسن وتمهيدا لعذر الافتتان به.

_ 1 البنى جمع بنية كرشوة ورشى. 2 يظهر أن نكتة التعبير باشم الإشارة التعظيم أو تمييزهم. 3 حكاية لقول المشركين حينما كانوا يستهزءون به "وردت في سورة الأنبياء". 4 سورة البقرة الآية: 26. 5 سورة الإسراء الآية: 9. 6 يدع: يقهر "الماعون". 7 سورة يوسف الآية: 32.

8- قصد التنبيه على أن المشار إليه المعقب بأوصاف جدير بما يذكر بعد اسم الإشارة نحو: {أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} 1، فقد عقب المشار إليه وهم المتقون بأوصاف، وهي الإيمان بالغيب وإقامة الصلاة وما بينهما، ثم عرف المسند إليه بالإشارة تنبيها على أن المشار إليهم أحقاء أجل تلك الخصال بأن يفوزوا بالهداية عاجلا أو آجلا، قال في "الكشاف"، ونظيره قول حاتم: ولله صعلوك يساور همه ... ويمضي على الأحداث والدهر مقدما إذا ما رأى يوما مكارم أعرضت ... تيمم كبراهن ثمت صما إذا الحرب أبدت ناجذيها وشمرت ... وول هدان القوم أقبل معلما فذلك إن يهلك فحسنى ثناؤه ... وإن عاش لم يقعد ضعيفا مذمما2 فقد قال: لله صعلوك، ثم عدد له خصالا فاضلة من المضاء على الأحداث مقدما وتيمم كبرى المكرمات والتأهب للحرب، إلى غير ذلك مما ذكره بعد، ثم عقبه بقوله: فذلك إن يهلك. 9- التهكم والسخرية كقوله: من يهزأ بأعمى هذا الهلال في السماء. 10- الإشارة إلى فطانته وذكائه حتى كأن غير المحسوس عنده كالمحسوس، نحو: هذا ما تشير إليه عبارتك.

_ 1 سورة البقرة الآية: 6. 2 صعاليك العرب فقراؤهم ومتلصصوهم، والمساورة المواثبة، والهم العزيمة والقصد، وأعرضت ظهرت، والهدان الأحمق الثقيل.

المبحث الخامس: تعريف المسند إليه بالموصولية

المبحث الخامس: تعريف المسند إليه بالموصولية ... المبحث الخامس: في تعريف المسند إليه بالموصولية يعرف المسند إليه بالموصولية لدواع، منها: 1- عدم علم المخاطب بالأحوال المختصة به سوى الصلة، نحو: من دخل هذا الحصن استحق أكبر ألقاب الشرف. 2- التفخيم، أي: التهويل والتعظيم، نحو قوله تعالى: {فَغَشِيَهُمْ مِنَ الْيَمِّ مَا غَشِيَهُمْ} 3. 3- تنبيه المخاطب إلى خطئه، كقول عبدة بن الطبيب، من قصيدة يعظ فيها ابنه: إن الذين ترونهم إخوانكم ... يشفي غليل صدورهم أن تصرعوا4 4- زيادة تقرير الغرض المسوق له الكلام، كقوله تعالى: {وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَنْ نَفْسِهِ} 5 فالغرض الذي سيق له الكلام نزاهة يوسف عليه السلام وبعده عن مظنة الريبة، وهذا التعبير أوضح في الدلالة على هذا الغرض مما لو قيل امرأة العزيز أو زليخا أو نحو ذلك؛ لأنه إذا امتنع عن الفحشاء ولم ينخدع مع كونه غلامها وفي بيتها مع كمال قدرتها عليه، كان ذلك غاية النزاهة ونهاية الطهارة وعليه قول أبي العلاء المعري: أعباد المسيح يخاف صحبي ... ونحن عبيد من خلق المسيحا6 فقوله: عبيد من خلق المسيح أدل على تقرير غرضه وهو نفي خوف أصحابه من قوله: عبيد الله. 5- الإيمان والإشارة إلى نوع الخبر من مدح أو ذم أو عقاب أو غير ذلك فيتنبه الفطن من فاتحة الكلام إلى خاتمته، ويدرك ما تومئ إليه من المقاصد، كقوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ} 7 ففي مضمون الصلة وهو الاستكبار عن العبادة، تلميح إلى أن الخبر المترتب عليه من جنس الإذلال والعقوبة. قال السكاكي: ثم يتفرع على هذا اعتبارات لطيفة، فربما جعل ذريعة إلى التعريض بالتعظيم لشأن الخبر كقولك: الذي يرافقك يستحق الإجلال، والذي يفارقك يستحق الإذلال، وعليه قول الفرزدق: إن الذي سمك السماء بنى لنا بيتا ... دعائمه أعز وأطول8

_ 1 سورة البقرة الآية: 6. 2 صعاليك العرب فقراؤهم ومتلصصوهم، والمساورة المواثبة، والهم العزيمة والقصد، وأعرضت ظهرت، والهدان الأحمق الثقيل. 3 سورة طه الآية: 78. 4 أن تصرعوا أي: تهلكوا أي: فمن تظنونهم إخوانكم يتمنون لك الهلاك والدمار فأنتم مخطئون في هذا الظن. 5 سورة يوسف الآية: 23. 6 المراد إيخاف أصحاب المسلمين من عباد المسيح مع أننا عبيد الإله الذي خلق المسيح. 7 داخرين صاغرين "سورة المؤمن". 8 سمك رفع، والبيت بيت العز والشرف قاله يفخر بقبيلته على قبيلة جرير.

فهو مع كونه يشير إلى أن الخبر المبني عليه من جنس الرفعة والبناء، يعرض بتعظيم بناء بيته؛ لأنه فعل من رفع السماء، أو ذريعة إلى تحقيق الخبر نحو: إن التي ضربت بيتا مهاجرة ... بكوفة الجند غالت ودها غول1 ففي ضربها البيت في مكان المهاجرة تحقيق للحكم بزوال محبتها وودها. 6- الحث على التعظيم نحو: جاء الذي أدبك، ورباك فأحسن تربيتك. 7- التهكم، نحو: {وَقَالُوا يَا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ} 2. 8- الحث على الترحكم، نحو: الذي سبى أولاده، ونهب طريفه وتلاده، يستحق المعونة. 9- تعليل الحكم، نحو: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلًا} 3. ففي ذكر الإيمان والعمل الصالح بيان لسبب فوزهم بالجنات ورفع الدرجات، وعلى الجملة، فلطائف هذا الباب لا تكاد تنحصر.

_ 1 سميت الكوفة كوفة الجند لإقامة جند العرب بها عند تمصيرها، وغالته غول، أي: أزالته وأهلكته. 2 سورة الحجر الآية: 6. 3 سورة الكهف الآية: 108.

المبحث السادس: في تعريف المسند إليه باللام

المبحث السادس: في تعريف المسند إليه باللام يؤتى بالمسند إليه معرفا باللام، لإفادة معنى من المعاني التي تفيدها اللام، ذلك أنها تنقسم قسمين: لام العهد الخارجي، وهي ثلاثة أنواع: صريحي، وكنائي، وعلمي. ولام الحقيقة، وهي أربعة أقسام: لام الحقيقة أو لام الجنس، ولام العهد الذهني، ولام الاستغراق الحقيقي، ولام الاستغراق العرفي: 1- لام العهد الصريحي هي ما يتقدم مدخولها صراحة، كما في قوله تعالى: {اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ} 1، فقد ذكر المصباح والزجاج منكرين ثم أعيدا معرفين.

_ 1 سورة النور الآية: 35.

2- لام العهد الكنائي: هي ما يتقدم ذكر كناية، أي: مبهما، تعينه القرائن، كقوله تعالى: {وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالأُنْثَى} 1 فالذكر، وإن لم يتقدم صريحا، قد استفيد من "ما" في قولها: {رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا} 2 إذ التحرير وهو العتق لخدمة بيت المقدس لم يكن إلا للذكور فهو المعنى بـ"ما" في كلامها. 3- لام العهد العلمي: هي ما علم مدخولها عند المخاطب سواء أكان حاضرا أم لا، نحو: {إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ} 3 {إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ} أي: الشجرة والغار المعهودين لك، وكما تشير إلى حاضر، وتقول: هذا الخطيب تكلم فأحسن الكلام. 4- لام الحقيقة: هي ما يشار بها إلى الحقيقة، بقطع النظر عن عمومها، وخصوصها، وتسمى لام الجنس، كقولهم: أهلك الناس الدينار والدرهم، وشربت الماء، وقول أبي العلاء: والخل كالماء يبدي لي ضمائره ... مع الصفاء ويخفيها مع الكدر وعليه من غير هذا الباب قوله تعالى: {وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ} 4 إذ المراد: جعلنا مبدأ كل شيء حي هذا الجنس وهو لماء. 5- لام الحقيقة في ضمن فرد مبهم: إذا قامت القرينة على ذلك، وتسمى لام العهد الذهني، كما في قوله تعالى: {َأَخَافُ أَنْ يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ} 5 ومدخولها في المعنى كالنكرة فيعامل معاملتها فيوصف بالجملة، كما توصف النكرة، كقول عميرة بن جابر الحنفي: ولقد أمر على اللئيم يسبني ... فمضيت ثمت قلت لا يعنيني أما في اللفظ فتجري عليه أحكام المعارف من وقوعه مبتدأ وذا حال ووصفا للمعرفة وموصوفا بها، وإنما لم تقل نكرة لما بينهما من التفاوت إذ النكرة معناها

_ 1 سورة آل عمران الآية: 36. 2 سورة آل عمران الآية: 35. 3 سورة الفتح الآية: 28. 4 سورة الأنبياء الآية: 30. 5 سورة يوسف الآية: 13.

بعض غير معين من جملة أفراد الحقيقة، وأما المعرف باللام فمعناه نفس الحقيقة، وتستفاد البعضية من القرائن كالأكل في الآية، وإذًا فالمجرد وذو اللام مع القرينة1 سواء، وبالنظر إلى أنفسهما مختلفان. 6- لام الحقيقة، في ضمن جميع الأفراد التي يتناولها اللفظ بحسب اللغة، وتسمى لام الاستغراق الحقيقي، ودليل الشمول والاستغراق، إما: أ- قرينة خالية نحو: {عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ} 2، أي: كل غيب وشهادة. ب- قرينة مقالية نحو: {إِنَّ الإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ} 3، أي: كل إنسان، بدليل الاستثناء الذي هو علامة إرادة العموم، إذ شرطه دخول المستثنى في المستثنى منه، لو لم يذكر. 7- لام الحقيقة في ضمن جميع الأفراد التي يتناولها اللفظ بحسب متفاهم العرف كما تقول: جمع الملك الوزراء وألقى عليهم نصائح ذهبية، فإن المقصود وزراء مملكته، لا وزراء العالم أجمع. "تنبيه": من القضايا المشهورة قولهم "استغراق المفرد أشمل"، ومعنى ذلك أن اسم الجنس المفرد إذ دخلت عليه أداة الاستغراق كحرف التعريف أو النفي كان شموله للأفراد وتناوله إياها أكثر من شمول المثنى والجمع الداخلة عليهما تلك الأداة. بيان ذلك أن المفرد يتناول كل واحد من الأفراد، والمثنى إنما يتناول كل اثنين اثنين، والجمع إنما يتناول كل جماعة جماعة، ودليل ذلك صحة قولك: لا رجال في الدار، إذا كان فيها رجل أو رجلان، وعدم صحة قولك: لا رجل إذا كان فيها واحد أو اثنان من هذا الجنس، وهذه القضية ليست بصحيحة على عمومها، وإنما تصح في النكرة المنفية دون الجمع المعرف باللام؛ لأن المعرف بلام الاسغراق يتناول كل واحد من الأفراد، بل هو في المفرد أقوى كما دل عليه الاستقراء وصرح به أئمة اللغة وعلماء التفسير في كل ما وقع في القرآن الكريم، نحو: {أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} 4، {وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} 5، {وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا} 6، إلى غير ذلك مما لا يحصى.

_ 1 في أن كلا منهما يفيد بعضا غير معين وضعا في النكرة وبالقرينة في ذي اللام. 2 سورة التوبة الآية: 94. 3 سورة العصر الآية: 2. 4 سورة آل عمران الآية: 134. 5 سورة آل عمران الآية: 148. 6 سورة البقرة الآية: 31.

المبحث السابع: في تعريف المسند إليه بالإضافة

المبحث السابع: في تعريف المسند إليه بالإضافة يعرف المسند إليه بالإضافة لمزايا كثيرة، منها: 1- أن تكون أخصر طريق لإحضاره في ذهن المخاطب والمقام يقتضي ذلك لفرط الضجر والسآمة، كقول جعفر بن عبلة حين حبس بمكة: هو أي مع الركب اليمانين مصعد ... جنيب وجثماني بمكة موثق1 فهو أي: مهوى أخصر من الذي أهواه ونحوه، مع كون الاختصار مطلوبا لضيق المقام. 2- أن تغني عن تفصيل متعذر نحو: أجمع أهل الحق على كذا، وقول حسان بن ثابت: أولاد جفنة حول قبر أبيهم ... قبر ابن مارية الكريم المفضل2 أو متعسر إما باعتبار الكثرة نحو: أهل القاهرة فعلوا كذا، أو باعتبار لزوم تقديم بعض على بعض بدون مرجح نحو: علماء البلد اتفقوا على كذا. 3- أن تتضمن تعظيم شأن المضاف، أو المضاف إليه، أو غيرهما، نحو: {إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ} 3، ونحو: خادمي اليوم عمل كذا، ونحو: رسول السلطان زار فلانا، وعليه من غير المسند إليه قوله: لا تدعني إلا بيا عبدها ... فإنه أشرف أسمائي 4- أن تتضمن تحريضا على الإكرام نحو: صديقك عندك. 5- أن تتضمن تحريضا على الإذلال نحو: عدوك ببابك. 6- أن تتضمن استهزاء وتهكما نحو: {إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ} 4.

_ 1 اليمانون جمع يمان، ومصعد من أصعد في الأرض، سار فيها، والجنيب المجنوب المستتبع والجثمان الشخص، والموثق للقيد. 2 أولاد جفنة من الغساسنة الذين مدحهم حسان بالشام. 3 سورة الحجر الآية: 42. 4 سورة الشعراء الآية: 27.

المبحث الثامن: في تعريف المسند

المبحث الثامن في تعريف المسند: يعرف المسند لإفادة السامع حكما على أمر معلوم بإحدى طرق التعريف بآخر1 مثله في كونه معلوما للسامع بإحدى طرق التعريف سواء اتحد الطريقان نحو: الراكب هو المنطق، أم اختلفا نحو: علي هو المنطق. بيان ذلك أن الشيء قد يكون له صفتان من صفات التعريف يعلم المخاطب اتصافه بإحداهما دون الأخرى فتخبره باتصافه بها فتفيده ما كان يجهله من اتصافه بالأخرى، كما إذا كان للمخاطب أخ يسمى عليا وهو يعرفه بعينه واسمه لكن لا يعرف أنه أخوه وأردت أن تعرفه ذلك فتقول: علي أخوك، وإن عرف أن له أخا وأردت أن تعينه عنده باسمه قلت: أخوك علي. ومن البين في اختلاف المعنى إذا تقدمت إحدى المعرفتين، أو تأخرت، قولهم: "الحبيب أنت" "وأنت الحبيب" فمعنى الجملة الأولى أنه لا فرق بينك وبين من تحب إذا صدقت المحبة، فما مثل المتحابين إلا مثل روح حل في جسمين، كما قيل: الحبيب أنت إلا أنه غيرك، ومعنى الثانية أنك أنت الذي اصطفيته من بين الناس بمحبتي واجتبيته بمودتي، كما قال المتنبي: أنت الحبيب ولكني أعوذ به ... من أكون محبا غير محبوب واعلم أن التعريف بلام الجنس قد يفيد قصر الخبر على المبتدأ، وذلك على وجوه2: 1- أن يقصر المبتدأ على الخبر على سبيل الحقيقة نحو: محمد الرئيس في البلد إذا لم يكن هناك رئيس غيره.

_ 1 في هذا إشارة إلى وجوب تغاير المسند إليه والمسند بحسب المفهوم ليكون الكلام مفيدا أما نحو: "أنا أبو النجم، وشعري شعري" فمؤول أي: شعري الآن مثل شعري فيما مضى. 2 أما التعريف بلام العهد فيفيد ما هو معهود للمخاطب كقولك: محمد هو المسافر.

2- أن يقصر عليه على سبيل المبالغة وعدم الاعتداد بما سواه، كما تقول: علي الشجاع، أي: الكامل في الشجاعة، فقد أخرجت الكلام في صورة توهم أن الشجاعة لا توجد إلا فيه؛ لأنك لا تعتد بشجاعة غيره لقصورها عن رتبة الكمال. 3- أن يقصر عليه على سبيل الحقيقة، لكن لا باعتبار ذاته، بل باعتبار القيد بظرف أو حال، كما تقول: هو الوفي حين لا تظن نفس بنفس خيرا، فالمقصود هو الوفاء في هذا الوقت لا مطلقا، ونحوه: هو الشجاع حين يحجم الأبطال، قال الأعشى: هو الواهب المائة المصطفا ... ة إما مخاضا وإما عشارا1 فقد قصر هبة المائة من الإبل في إحدى الحالين لا هبتها مطلقا، ولا الهبة مطلقا، وفي كل هذه الأحوال يمتنع العطف بالواو ونحوها على ما حكم عليه بالمعرف فلا يقال: محمد الأمير، وعمرو، ولا إبراهيم الشجاع فخالد. وربما لا يفيد قصر المعرف على حكم عليه به، كقول الخنساء ترثي أخاها صخرا: إذا قبح البكاء على قتيل ... رأيت بكاءك الحسن الجميلا فهي لا ترد أن ما عدا البكاء عليه ليس بحسن ولا جميل، لكنها أرادت أن تقره في جنس ما جنسه الحسن الظاهر الذي لا ينكره أحد، ونحوه قول الآخر: أسود إذا ما أبدت الحرب نابها ... وفي سائر الدهر الغيوث المواطر تدريب: بين الأغراض التي اقتضت تعريف المسند إليه، أو المسند بإحدى طرق التعريف: 1- أبو مالك قاصر فقره ... على نفسه ومشيع عناء

_ 1 المخاض الحوامل من النوق أجمع، والعشار جمع عشراء وهي من النوق كالنفساء.

2- مضى بها ما مضى من عقل شاربها ... وفي الزجاجة باق يطلب الباقي1 3- إن الذي الوحشة في داره ... تؤنسه الرحمة في لحده 4- ولا يقيم على ضيم يراد به ... إلا الأذلان عير الحي والوتد2 هذا على الخسف مربوط برمته ... وذا يشج فلا يرثي له أحد 5- {وَمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ لَهْوٌ وَلَعِبٌ} 3. 6- بنو مطر يوم اللقا كأنهم ... أسود لها في غيل خفان أشبل4 7- {أَهَذَا الَّذِي بَعَثَ اللَّهُ رَسُولًا} 5. 8- أخوك الذي إن تدعه لملمة ... يجبك وإن تغضب إلى السيف يغضب الإجابة: 1- أتى بالمسند إليه علما لإحضاره باسمه المختص به. 2- أتى بالمسند إليه اسم موصول للتفخيم وتعظيم شأن ذلك الذاهب من العقل. 3- أتى بالمسند إليه اسم موصول للإيماء إلى وجه بناء الخبر وكونه مدحا للمحدث عنه. 4- أتى بالمسند إليه اسم إشارة للتحقير بالقرب. 5- أتى بالمسند إليه اسم إشارة للتحقير بالقرب. 6- أتى بالمسند إليه مضافا لإغناء الإضافة عن تفصيل متعذر. 7- أتى بالمسند إليه مضافا لتعظيم شأن المضاف. تمرين: اذكر الغرض من تعريف المسند إليه أو المسند بإحدى طرق التعريف: 1- ونحن التاركون لما سخطنا ... ونحن الآخذون لما رضينا

_ 1 في وصف الخمر. 2 العير الحمار، والرمة الحبل يربط به، والخسف الإهانة. 3 سورة العنكبوت الآية: 63. 4 الغيل الأجمة وخفان مأسدة مشهورة بضراوة أسدها، والأشبل جمع شبل ولد الأسد. 5 سورة الفرقان الآية: 41.

2- {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} 1 3- {مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ} 2 4- هو الكريم حين يبخل كل جواد. 5- وإن سنام المجد من آل هاشم ... بنو بنت مخزوم ووالدك العبد3 6- أبو لهب آذى محمدا عليه السلام. 7- إن الناس لفي شغل عن عمل الآخرة.

_ 1 سورة الإخلاص الآية: 1. 2 سورة الأحزاب الآية: 40. 3 قاله حسان يهجو أبا سفيان بن الحرث بن عبد المطلب وجعل الحرث عبدا لأن أمه ليست قرشية ولم تلدها قبيلة مشهورة.

الباب السابع: في التنكير

الباب السابع في التنكير: لم يتعرض لهذا الباب كثير ممن كتب في هذا الفن، وأول من فتق أكمام زهاره صاحب "الكشاف" وتبعه من جاء بعده من علماء البيان, وقصارى ما قالوه: إن المسند إليه ينكر لأغراض، منها: 1- ألا يعلم المتكلم جهة من جهات التعريف من علمية أو صلة أو غيرها، فتقول: جاء هنا رجل يسأل عنك، إذا لم تعرف له اسما ولا نحوه. 2- أن يقصد فرد غير معين مما يصدق عليه اسم الجنس نحو: {وَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعَى} 1 أي: فرد من جنس الرجال. 3- أن يمنع من التعريف مانع، كقوله: إذا سئمت مهنده يمين ... لطول الحمل بدله شمالا2 لم يقل يمينه تحاشيا من نسبة السآمة إلى يمين الممدوح. 4- أن يقصد نوع مخصوص نحو: لكل داء دواء يستطب به ... إلا الحماقة أعيت من يداويها يريد لكل نوع من أنواع الأدواء ما يناسبه من أصناف الأدوية، وعليه قوله تعالى: {وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} 3. قال في "الكشاف": معنى التنكير أن على أبصارهم نوعا من الأغطية غير ما يتعارفه الناس وهو غطاء التعامي عن آيات الله، ولهم من بين الآلام العظام نوع عظيم لا يعلم كنهه إلا الله.

_ 1 سورة ياسين الآية: 20. 2 المهند السيف. 3 سورة البقرة الآية: 7.

ويرى السكاكي أن التنكير في هذا للتعظيم أي: غشاوة عظيمة تحجب أبصارهم دفعة واحدة، وتحول بينهم وبين الإدراك، وعذاب عظيم لا يقدر قدره. 5- أن يقصد التكثير نحو: {قَالُوا لِفِرْعَوْنَ أَئِنَّ لَنَا لَأَجْرًا} 1، وقولهم: أن له الأبلاق وأن له لغنما، إذ المقام للمدح. 6- أن يقصد التقليل نحو: {وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ} 2، أي: فشيء مما من رضوانه أكبر من الجنة ونعيمها، فإن العبد إذا علم رضي مولاه عنه عد ذلك من أعظم النعم وعاش عيشة راضية. 7- التعظيم والتحقير، وقد اجتمعا في البيت الثاني من قول مروان بن أبي حفصة: فتى لا يبالي المدلجون بنوره ... إلى بابه ألا تضيء الكواكب3 له حاجب عن كل أمر يشينه ... وليس له عن طالب العرف حاجب4 فمقام المدح يفيد أن له مانعا عظيما عن كل قبيح وشين وليس له أي مانع ولو حقيرا عن طلاب المعروف, فهم يحصلون على مقاصدهم بل كد ولا تعب. والفرق بين التعظيم والتكثير أن الأول ينظر فيه لارتفاع الشأن وعلو القدر، والثاني يلاحظ فيه الكميات والمقادير، وهكذا الحال في الفرق بين التحقير والتقليل. 8- قصد إخفائه عن المخاطب نحو: سمعت رجلا يقول: إنك حدت عن الصواب. وينكر المسند لأغراض، منها: 1- عدم الحصر والعهد الدال عليهما التعريف، كما تقول: محمد كاتب، وعلي شاعر. 2- قصد التفخيم والتعظيم، نحو: {هُدًى لِلْمُتَّقِينَ} 5، أي: هدى لا يكتنه كنهه.

_ 1 سورة الشعراء الآية: 40. 2 سورة آل عمران الآية: 15. 3 أدلج سار ليلا. 4 حاجب أي: مانع , ويشينه أي: يعيبه. 5 سورة البقرة الآية: 2.

3- قصد التحقير، نحو: ما محمد شيئا، وينكر غير المسند إليه والمسند، للدلالة على: 1- الإفراد، نحو: {وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ مَاءٍ} 1، أي: خلق كل فرد من أفراد الدواب من نطفة معينة. 2- النوعية، نحو: {وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ} 2، أي: نوع من الحياة المتطاولة فهم أحرص الناس على أن يزدادوا إلى حياتهم الماضية حياة في المستقبل. 3- التحقير, نحو: {إِنْ نَظُنُّ إِلَّا ظَنًّا وَمَا نَحْنُ بِمُسْتَيْقِنِينَ} 3. 4- التقليل، كقول المتنبي: فيوما بخيل تطر الروم عنهمو ... ويوما يجود يطر الفقر والجدبا يريد بعدد يسير من خيولك ونزر من فيض جودك. 5- عدم التعين، نحو: {اقْتُلُوا يُوسُفَ أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضًا} 4. تدريب: بين دواعي تنكير المسند إليه، أو المسند، أو غيرهما، فيما يلي: 1- قال تعالى: {فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ} 5. 2 {ْوَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ مَطَرًا فَسَاءَ مَطَرُ الْمُنْذَرِينَ} 6. 3- {وَلَئِنْ مَسَّتْهُمْ نَفْحَةٌ مِنْ عَذَابِ رَبِّكَ} 7. 4- وفي السماء نجوم لا عدد لها ... وليس يكسف إلا الشمس والقمر 5- إذا أنت لم تزرع وأبصرت حاصدا ... ندمت على التفريط في زمن البذر

_ 1 سورة النور الآية: 45. 2 سورة البقرة الآية: 99. 3 سورة الجاثية الآية: 32. 4 سورة يوسف الآية: 9. 5 سورة البقرة الآية: 279. 6 سورة الشعراء الآية: 173. 7 سورة الأنبياء الآية: 46.

6- ومن طلب العلوم بغير كد ... سيدركها متى شاب الغراب 7- {وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ} 1. 8- ولله مني جانب لا أضيعه ... وللهو مني والخلاعة جانب الإجابة: 1- نكر حرب للدلالة على التعظيم. 2- نكر المطر للدلالة على النوعية، أي: مطرا عجيبا من الحجارة. 3- نكرت النفخة للدلالة على التحقير. 4- نكرت النجوم للدلالة على التكثير. 5- نكر الحاصد للدلالة على عدم التعين أو للدلالة على الإفراد. 6- نكر كد للدلالة على التعظيم. 7- نكرت رسل للدلالة على التعظيم والتكثير، أي: رسل ذوو عدد كثير وآيات عظام. 8- نكر جانب الأول للدلالة على التعظيم، وجانب الثاني للدلالة على التحقير. تمرين: بيّن دواعي تنكير المسند إليه أو المسند أو غيرهما، فيما يلي: 1- {يَا أَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِنَ الرَّحْمَنِ} 2. 2- {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ} 3. 3- رجل قال: إنك اغتبتني. 4- دفعنا بك الأيام حتى إذا أتت ... تريدك لم نسطع لها عنك مدفعا 5- آراؤه وعطاياه ونعمته ... وعفوه رحمة للناس كلهم 6- وللغزالة شيء من تلفته ... ونورها من ضيا خديه مكتسب 7- قلت ثقلت إذ أتيت مرارا ... قال ثقلت كاهلي بالأيادي 8- لئن صدقت عنا فربت أنفس ... صواد إلى تلك النفوس الصوادف4

_ 1 سورة فاطر الآية: 4. 2 سورة مريم الآية: 45. 3 سورة البقرة الآية: 179. 4 صدفت أعرضت، وصواد جمع صادية أي: عطشي.

الباب الثامن: في التقييد

الباب الثامن: في التقييد المبحث الأول: في فوائد التقييد ... الباب الثامن: في التقييد وفيه خمسة مباحث المبحث الأول: في فوائد التقييد اعلم أن التقييد بأحد الأنواع الآتية يكون لزيادة الفائدة وتقويتها لدى السامع لما هو معروف من أن الحكم كلما ازدادت قيوده، ازداد إيضاحا وتخصيصا، فتكون فائدته أتم وأكمل، لا فرق في ذلك بين تقييد المسند إليه والمسند، ولا بين التقييد بتابع ومفعول، ونحو ذلك. وكثير من مسائل هذا الباب ذكر في كتب النحاة على النحو الذي يشاكل بحثهم دون نظر إلى غامض الفروق ولطيف المزايا، فإن تينك الفائدتين من مقاصد علماء البيان الذين قصروا مباحثهم على تعرف خواص التراكيب وأسرار الأساليب وما فيها من دقيق الوضع وباهر الصنع.

المبحث الثاني: في التقييد بالمفاعيل ونحوها

المبحث الثاني: في التقييد بالمفاعيل ونحوها التقييد بالمفاعيل ونحوها من الحال والتمييز لزيادة التخصيص المستلزم كثرة الفائدة، وبالنواسخ للأغراض التي تؤديها معاني ألفاظها كالاستمرار وحكاية الحال الماضية في كان1، والتوقيت، بزمن معين في ظل وأخواتها، والمقاربة في كاد وكرب, والتأكيد في أن، والتشبيه في كأن، إلى نحو ذلك.

_ 1 فالقيد في كان محمد منطلقا هو منطلقا لا كان إذ هو المسند، وكان قيد له.

المبحث الثالث: في التقييد البتوابع

المبحث الثالث: في التقييد البتوابع ... 1- تمييزه بتخصيصه، إن كان نكرة، وتوضيحه إن كان معرفة. 2- الكشف عن حقيقته, كما يقال: الجسم الطويل العريض العميق يحتاج إلى فراغ يشغله، ومنه في غير المسند إليه قول أوس بن حجر التميمي في مرثية فضالة بن كلدة: الألمعي الذي يظن بك المظن ... كان قد رأى وقد سمعا فالألمعي هو المتوقد ذكاء وفطنة، ومن لوازمه أنه إذا ظن بك ظنا طابقت فراسته الواقع، وقد روي أن الأصمعي سئل عن الألمعي فأنشد البيت. 3- التأكيد، نحو: أمس الدابر، وكان يوما عظيما، وعليه قوله تعالى: {تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ} 1. 4- بيان المقصود وتفسيره نحو: {وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ} 2، قال في "الكشاف": فإن قلت: هلا قيل وما من دابة ولا طائر إلا أمم أمثالكم، وما معنى الزيادة؟ قلت: معنى ذلك زيادة التعميم والإحاطة كأنه قيل: وما من دابة قط في جميع الأرضين السبع، وما من طائر قط في جو السماء من جميع ما يطير بجناحيه إلا أمم أمثالكم محفوظة أحوالها غير مهمل أمرها. 5- المدح، نحو: جاءني محمد الأديب. 6- الذم، نحو: سافر إبراهيم الأحمق. ويؤكد لاعتبارات، منها: 1- تحقيق المراد، بحيث لا يحتمل الكلام غيره، كما تقول: جئت أنا. 2- دفع توهم السامع تجوز المتكلم أو سهوه نحو: قدم صديقك نفسه. 3- دفع توهم عدم الشمول نحو: جاء القوم كلهم، إذ لو قلت: جاء القوم وسكت، لكان يجوز أن يخطر ببال السامع أن بعضهم قد تخلف، إلا أنك لم تعتد به أو جعلت الواقع من البعض كأنه واقع من الجميع، كما يقال للقبيلة:

_ 1 سورة البقرة الآية: 196. 2 سورة الأنعام الآية: 38.

صنعتم وفعلتم، ويراد فعل قد كان من البعض، يرشد إلى ذلك قوله تعالى: {فَعَقَرُوا النَّاقَةَ} 1، والعاقر لها قدار، لكنهم نزلوا منزلته لرضاهم بفعلته. ويبين لمزايا، منها: 1- المدح، نحو: {جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَامًا لِلنَّاسِ} 2، فالبيت الحرام عطف بيان على الكعبة لغرض مدحها بأنها حرم آمن. 2- الإيضاح والتفسير بما يختص بالمتبوع ويوضح ذاته، نحو: قال أبو الحسن علي كرم الله وجهه. ويبدل لأغراض، أهمها: زيادة التقرير، إذ البدل كالتفسير بعد الإبهام، فيزداد به تقرير المقصود في ذهن السامع، ومنه في غير المسند إليه: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ، صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ} 3. أما في بدل الكل فللذكر مرتين، وأما في بدل البعض؛ فلأن المتكلم لما أتى بالمبدل منه أولا ثم أتى بالبدل ثانيا كان كالمنبه على التجوز والإجمال في المبدل منه فيؤثر في النفس تأثيرا لا يوجد عند الاقتصار على الثاني، وأما في بدل الاشتمال؛ فلأن البدل تشعر به النفس في الجملة قبل ذكره وتتشوف لشيء يطلبه الكلام السابق فإذا ذكر صار متكررا. ويعطف عليه لدواع، منها: 1- تفصيل المسند إليه باختصار، نحو: جاء محمد وعلي، فإنه أخصر من جاء محمد وجاء علي، مع إفادة التفصيل بالنسبة لقولك: جاءني رجلان، ولا يعلم منه تفصيل المسند، إذ الواو لمطلق الجمع، ولا دلالة فيه لمجيء أحدهما قبل الآخر أو بعده أو معه. 2- تفصيل المسند، مع الاختصار، نحو: جاء محمد فعلي، أو ثم علي، أو جاء القوم حتى خالد. فهذه الثلاثة الحروف، وإن اشتركت في تفصيل المسند،

_ 1 سورة الأعراف الآية: 77. 2 سورة المائدة الآية: 97. 3 سورة الفاتحة الآية: 5.

فالأول يدل على التنقيب من غي مهلة، والثاني مع المهلة، والثالث يفيد ترتيب أجرائه من الأضعف إلى الأقوى، أو بالعكس، نحو: وكنت فتى من جند إبليس فارتقى ... بي الحال حتى صار إبليس من جندي 3- الشك من المتكلم إذا كان لا يدري الحقيقة. 4- التشكيك، أي: إيقاع السامع في الشك. 5- التجاهل، نحو: {وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ} 1. 6- التخيير أو الإباحة نحو: ليدخل الدار محمد أو علي، والفرق بينهما أنه يجوز الجمع في الإباحة دون التخيير. 7- رد السامع عن الخطأ في الحكم إلى الصواب، نحو: جاءني علي لا خالد لمن اعتقد أن خالدا جاءك دون علي، أو أنهما جاءاك معا.

_ 1 سورة سبأ الآية: 24.

المبحث الرابع: في التقييد بضمير الفصل

المبحث الرابع: في التقييد بضمير الفصل يؤتى بعد المسند إليه بضمير الفصل لأغراض، منها: 1- التخصيص، أي: قصر المسند على المسند إليه، إذا لم يكن في الكلام ما يفيد القصر سواه نحو: {أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ} 1. 2- تأكيد التخصيص إذا كان في التركيب مخصص آخر، نحو: {إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ} 2، ومنه قول أبي الطيب: إذا كان الشباب السكر والشيـ ... ـب هما فالحياة هي الحمام يريد أنه إذا كان الشخص إبان الشباب كالسكران غافلا عن العواقب، وفي الشيب حزينا بسبب ضعفه، فلا خير في الحياة، بل هي الموت. 3- تمييز الخبر عن الصفة، نحو: الفصيح هو جيد البيان طلق اللسان.

_ 1 سورة التوبة الآية: 104. 2 سورة الذاريات الآية: 58.

المبحث الخامس: في التقييد بالشرط

المبحث الخامس: في التقييد بالشرط يقيد الفعل بالشرط للأغراض التي تستفاد من معاني الأدوات كالزمان في: متى، والمكان في: أين، والحال في: كيفما، إلى آخر ما استوفى بيانه علم النحو، لكن نذكر هنا ما بين: إن، وإذا، ولو، من الفروق الدقيقة التي تشاكل مباحث هذا الفن. بيان هذا أن المقصود من الجملة الشرطية عند علماء العربية، إنما هو النسبة التي يدل عليها الجزاء سواء أكانت خبرية أم إنشائية، والشرط قيد لها وسبب فيها لا يغيرها عن حالها الأولى من الخبرية أو الإنشائية، وقد خرج بدخول الأداة عليه عن كونه خبرا يحتمل صدقا وكذبا، فقولك: إن نجحت أكافئك، معناه أكافئك حين نجاحك، وقولك: إن جاء محمد فأكرمه، أي: أكرمه وقت مجيئه. "إن" و"إذا" تشتركان في الدلالة على تعليق حصول الجزاء على حصول الشرط في المستقبل، وتمتاز كل منهما بما يلي: أ- تمتاز"إن" بدلالتها بحسب الوضع اللغوي على عدم جزم المتكلم بوقوع الشرط في الزمن المستقبل، نحو: {فَإِنْ جَاءُوكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ} 1 ومن ثم لا تقع في كلام الله تعالى إلا على سبيل الحكاية أو التأويل, فالأول كقوله تعالى حكاية عن يوسف: {وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ} 2، والثاني نحو: {وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُوا بِمُوسَى وَمَنْ مَعَهُ} 3 فقد جاءت في التنزيل على نمط أساليبهم، وعلى الطريقة التي يعبر بها المتكلم منهم حينما يكون غير جازم بوقوع الشرط. ب- تمتاز "إذا" باستعمالها لغة في كل ما يجزم المتكلم بوقوعه في الزمن المقبل نحو: {إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا} 4. ومن أجل ما بينهما من الفرق كانت الأحكام النادرة الوقوع مع لفظ المضارع مواقع لإن، والأحوال الكثيرة الوقوع ولفظ الماضي الدال على تحقيق الوقوع

_ 1 سورة المائدة الآية: 42. 2 سورة يوسف الآية: 33. 3 سورة الأعراف الآية: 131. 4 سورة الزلزلة الآية: 1.

قطعا نظرا إلى نفس لفظه، "وإن كان قد نقل بعد دخول الأداة عليه إلى معنى الاستقبال" مواقع لإذا، وقد اجتمعتا في قوله تعالى: {فَإِذَا جَاءَتْهُمُ الْحَسَنَةُ قَالُوا لَنَا هَذِهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُوا بِمُوسَى وَمَنْ مَعَهُ} 1، أي: إذا جاء آل فرعون حسنة كخصب ورخاء وكثرة أولاد قالوا نحن أحقاء بها، وإن أصابهم جدب وبلاء تشائموا من موسى ومن آمن معه، فعبر بإذا في جانب الحسنة؛ لأن المقصود منها الجنس، وهو مقطوع بحصوله لكثرته، وبأن في جانب السيئة لندورها، ولهذا أنكرت للدلالة على القلة. قال في "الكشاف": وللجهل بمواقع إن وإذا زيغ كثير من الخاصة عن الصواب فيغلطون، ألا ترى إلى عبد الرحمن بن حسان كيف أخطأ بهما الموقع في قوله يخاطب بعض الولاة, وقد سأله حاجة فلم يقضها ثم شفع له فيها فقضاها: ذممت ولم يحمد وأدركت حاجتي ... تولى سواكم أجرها واصطناعها أبى لك كسب الحمد رأي مقصر ... ونفس أضاق الله بالخير باعها إذا هي حثته على الخير مرة ... عصاها وإن همت بشر أطاعا ولو عكس في استعمال الأداتين لأصاب الغرض. "تنبيه": قد تستعمل كل من الأداتين موضع الأخرى، فتستعمل "إن" في الشرط المجزوم بثبوته لأغراض، منها: 1- التجاهل إذا اقتضاه المقام، كما يقول المعتذر: إن كنت فعلت هذا فعن غير قصد. 2- تنزيل المخاطب منزلة الجاهل؛ لأنه لم يجر على مقتضى علمه كما يقال للابن الذي لا يراعي حقوق الأبوة: إن كان هذا أباك فراع حقوقه عليك. 3- التوبيخ على الفعل، تنبيها على أنه لقيام البراهين المقتضية وقوع خلافه، كأنه محال الوقوع، فيفرض كما يفرض المحال نحو: {أَفَنَضْرِبُ عَنْكُمُ الذِّكْرَ صَفْحًا أَنْ كُنْتُمْ قَوْمًا مُسْرِفِينَ} 2 في قراءة الكسر، إذ إسرافهم محقق،

_ 1 سورة الأعراف الآية: 131. 2 المعنى: أنهملكم ونضرب عنكم القرآن بترك القرآن بترك إنزاله لكم وترك ما فيه من وعد أو وعيد إعراضا عنكم إن كنتم مسرفين "سورة الزخرف".

لكنه عبر عنه بإن توبيخا لهم وإشارة إلى أنهم لو تأملوا الآيات الظاهرة لصار الإسراف كأنه محال الحصول إذ هو لا يصدر عن عاقل في مثل هذه الحال. 4- تغليب غير من اتصف بالشرط على من اتصف به، نحو: {وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ} 1، فقد غلب من لم يرتب من لمخاطبين على من ارتاب وكان يعرف الحق وينكره عنادا، كما تستعمل أيضا في المستحيل المجزوم بنفيه على سبيل المساهلة وإرخاء للعنان لإلزام الخصم وتبكيته نحو: {قُلْ إِنْ كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ} 2. وتستعمل "إذا" في مواضع الشك لأغراض، أهمها: 1- الإشارة إلى أن مثل ذلك الشرط لا ينبغي أن كون مشكوكا فيه، نحو قولك لمن قال: لا أدري أيتفضل علي الأمير بالنوال، إذا تفضل عليك فكيف يكون شكرك. 2- عدم شك المخاطب. 3- تنزيل المخاطب منزلة الجازم الذي لا شك عنده. 4- تغليب الجازم على غير الجازم. ولما كانت الأداتان لتعليق الجزاء بالشرط في الاستقبال التزم في جملتيهما الفعلية والاستقبال، ذاك أن الشرط مفروض الحصول في المستقبل فيمتنع ثبوته ومضيه والجزاء معلق عليه، ولا يعدل عن الاستقبال في اللفظ والمعنى إلى المعنى فقط، إلا لنكتة، كإبراز غير الحاصل في معرض ما هو حاصل، وذلك إما: 1- للتفاؤل نحو: إن عشت نفعت أمتي وبلادي. 2- لقوة الأسباب وتوافرها، كأن تقول حين انعقاد الشراء: إن اشتريت كان كذا. 3 لإظهار الرغبة في وقوعه، فيكثر تصور المتكلم إياه، حتى يخيل إليه ما ليس بالحاصل حاصلا، كما تقول: إن ظفرت بحسن العاقبة فذاك ما أبغي،

_ 1 سورة البقرة الآية: 23. 2 سورة الزخرف الآية: 81.

وعليه قوله تعالى: {وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا} 1، جيء بلفظ الماضي للدلالة على توافر الرغبة في تحصينهن. 4- للتعريض، نحو: {وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّكَ إِذًا لَمِنَ الظَّالِمِينَ} 2، قال في "الكشاف": هذا كلام وارد على سبيل الفرض والتقدير, وفيه لطف للسامعين وزيادة تحذير واسفظاع لحال من يترك الدليل بعد إنارته ويتبع الهوى. ونظيره في التعريض: {وَمَا لِيَ لَا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} 3، إذ المراد: وما لكم لا تعبدون الذي فطركم، ما يدل عليه "ترجعون". ووجه حسن التعريض وملاحته إسماع المخاطبين الحق على وجه لا يورثهم مزيد غضب؛ وذلك لأنك تترك التصريح بنسبتهم إلى الباطل، وذلك أنفذ في أعماق القلوب، حيث لا يريد المتكلم لهم إلا ما يريده لنفسه، وهذا النوع كثير جدا في القرآن الكريم، نحو: {قُلْ لَا تُسْأَلُونَ عَمَّا أَجْرَمْنَا وَلَا نُسْأَلُ عَمَّا تَعْمَلُونَ} 4. "تنبيه": قد تستعمل إن في غير الاستقبال قياسا مطردا في موضعين: 1- إذا كان الشرط لفظ كان، نحو: {وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا} 5 الآية. 2- إذا جيء بها في مقام التأكيد بعد واو الحال لمجرد الربط دون الشرط نحو: علي وإن كثر ماله بخيل، وقليلا في غير ذلك، كقول أبي العلاء: فيا وطني إن فإنني بك سابق ... من الدهر فلينعم بساكنك البال6 كما إذا إما:

_ 1 الفتيات الإماء. وكان من عادتهم في الجاهلية أن يكرهوهن على تلك الفعلة الشنعاء. 2 سورة البقرة الآية: 120. 3 سورة يس الآية: 22. 4 سورة سبأ الآية: 25. 5 سورة البقرة الآية: 23. 6 الغرض من ذلك التحسر، وجواب إن محذوف، أي: فلا لوم علي لأني تركتك كرها يدل عليه فلينعم.

1- للماضي، نحو: {حَتَّى إِذَا سَاوَى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ} 1. 2- أو للاستمرار، نحو: {وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا} 2. "لو" للشرط في الماضي مع القطع بانتفاء الشرط، فيلزم انتفاء الجزاء، بمعنى أن الجزاء كان يمكن أن يقع لو وجد الشرط، فإذا قلت: لو جئتني لأكرمتك، فهم منه أن المجيء شرط في الإكرام، وأنه على تقدير وقوعه يقع الإكرام، ولهذا قيل: إن "لو" لامتناع الثاني لامتناع الأول، وعليه قوله تعالى: {وَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ} 3 أي: إن انتفاء الهداية، إنما هو بسبب انتفاء المشيئة ونحوه قول الحماسي: ولو طار ذو حافر قبلها ... لطارت ولكنه لم يطر4 فإن عدم طيران ذلك الفرس بسبب أنه لم يطر ذو حافر قبلها. وتجيء قليلا لامتناع الأول لامتناع الثاني، فتفيد الدلالة على أن العلم بانتفاء الثاني علة للعلم بانتفاء الأول ضرورة انتفاء الملزوم بانتفاء اللازم من غير التفات، إلى أن انتفاء الجزاء في الخارج ما هي، وعلى ذلك جاء قوله تعالى: {لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا} 5، إذ المعنى أنه علم انتفاء تعدد الآلهة بسبب العلم بانتفاء الفساد، ويكثر هذا في مقام الأدلة والبراهين, لكن الاستعمال الأول هو الشائع المستفيض في القرآن والحديث وأشعر العرب. ويجب كون جملتيهما فعليتين ماضويتين، فإن دخلت على مضارع كان ذلك لنكتة، إما: 1- قصد الاستمرار في الماضي حينا فحينا، نحو: {لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَمْرِ لَعَنِتُّمْ} 6. قال في "الكشاف": إنما قيل: يطيعكم دون أطاعكم للدلالة على أنه كان في إرادتهم استمرار عمله على ما يستصوبونه، وأنه كلما

_ 1 سورة الكهف الآية: 96. 2 سورة البقرة الآية: 14. 3 سورة النحل الآية: 9. 4 إن عدم طيران الفرس معلوم، والمقصد بيان السبب، وهو أنه لم يطر قبلها ذو حافر. 5 سورة الأنبياء الآية: 22. 6 العنت: الهلاك "سورة الحجرات".

عنّ لهم رأي في أمر كان معمولا عليه بدليل قوله في كثير من الأمر كما تقول: فلان يقري الضيف، ويحمي الحريم، وتريد أنه مما اعتاده ووجد منه على طريق الاستمرار. 2- وإما لتنزيل المضارع منزلة الماضي لصدوره عمن لا خلاف في وقوع أخباره، نحو: {وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ} 1، {وَلَوْ تَرَى إِذِ الْمُجْرِمُونَ نَاكِسُو رُءُوسِهِمْ} 2، ونظيره {رُبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا} 3، قال الزمخشري: فإن قلت: لم أدخلت ربما على المضارع، وقد أبوا دخولها إلا على الماضي، قلت: لأن المترقب في أخبار الله تعالى بمنزلة المقطوع به في تحققه، فكأنه قيل: ربما ود.

_ 1 سورة الأنعام الآية: 27. 2 سورة السجدة الآية: 12. 3 سورة الحجر الآية: 2.

الباب التاسع: في الخروج عن مقتضى الظاهر

الباب التاسع: في الخروج عن مقتضى الظاهر ما مضى في الأبواب السالفة هي الأحوال التي يلاحظ فيها البليغ مقتضى ظاهر الحال، وقد يعدل عنها لنكنة، فعلى المخاطب أن يبحث عن سبب العدول مستعينا بالقرائن، ويسمى ذلك: الخروج عن مقتضى الظاهر. وقد سبق ذكر شيء من أحواله نبهناك عليه في حينه، كتنزيل العالم منزلة الجاهل، والمعقول منزلة المحسوس، وقد بقي منه أمور أهمها1 تجاهل العارف "مزج الشك باليقين" وهو إخراج ما يعرف صحته مخرج ما يشك فيه ليزداد تأكيدا، والداعي إليه: 1- إما المدح كقول ذي الرمة: أبا ظبية الوعساء بين جلاجل ... وبين النقي آأنت أم أم سالم2 وقول أبي هلال العسكري: أثغر ما أرى أم أقحوان ... وقد ما أرى أم خيزران 2- وإما الذم كقول زهير: وما أدري وسوف إخال أدري ... أقوم آل حصن أم نساء 3- وإما التعجب كقوله تعالى: {أَفَسِحْرٌ هَذَا أَمْ أَنْتُمْ لَا تُبْصِرُونَ} 3. 4- وإما التوبيخ كقول ليلى بنت طريف الخارجية في أخيها الوليد: أيا شجر الخابور مالك مورقا ... كأنك لم تجزع على ابن طريف4

_ 1 سماء بن رشيق العمدة التشكيك وفائدته الدلالة على قرب الشبهين حتى لا يفرق بينهما ولا يتخفى ما له من حسن الروعة وجمال الموقع. 2 الوعساء وجلاجل، والنقي مواضع. 3 سورة الطور الآية: 15. 4 الخابور نهر بديار بكر يصب في الفرات.

الالتفات: وهو فن من البلاغة، ملاكه الذوق السليم، والوجدان الصادق، ويلقب "بشجاعة العربية" لأن فيه ورود الموارد الصعبة واقتحام مضايق الأساليب. وحقيقته التعبير عن معنى بطريق من الطرق الثلاثة: التكلم، والخطاب، والغيبة، بعد التعبير عنه بطريق آخر منها، وذلك ست صور: 1- فمن التكلم إلى الخطاب نحو: {وَمَا لِيَ لَا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} 1 دون "أرجع". 2- ومن التكلم إلى الغيبة نحو: {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ، فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} 2 دون "لنا". 3- ومن الخطاب إلى التكلم نحو قول علقمة بن عبدة العجلي: طحا بك قلب في الحسان طروب ... بعيد الشباب عصر حان مشيب3 تلكفني ليلى وقد شط وليها ... وعادت عواد بيننا وخطوب وكان مقتضى الظاهر يكلفك أي: القلب. 4- ومن الخطاب إلى الغيبة نحو: {حَتَّى إِذَا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ} 4 دون "بكم". 5- ومن الغيبة إلى التكلم نحو: {وَاللَّهُ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا فَسُقْنَاهُ} 5 دون "فساقه". 6- ومن الغيبة إلى الخطاب نحو: {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ، إِيَّاكَ نَعْبُدُ} 6 دون "إياه".

_ 1 سورة يس الآية: 22. 2 سورة الكوثر الآيتان: 1 و2. 3 طحا ذهب، وبعيد تصغير بعد، وحان قرب، والولي القرب، وفاعل يكلف القلب، أي: يطالبني القلب بوصل ليلى. 4 سورة يونس الآية: 22. 5 سورة فاطر الآية: 9. 6 سورة الفاتحة الآية: 3.

ووجه حسنه ما ذكره الزمخشري، وهو أن الكلام إذا نقل من أسلوب إلى أسلوب كان ذلك أحسن تطرية وتجديدا لنشاط السامع, وأكثر إيقاظا للإصغاء إليه من إجرائه على أسلوب واحد، ومن ثم قيل: لكل جديد لذة، وقد تختص مواقعه بلطائف كما في سورة الفاتحة، فإن العبد إذا افتتح حمد مولاه الحقيق بالحمد عن قلب حاضر ونفس ذاكره لما هو فيه بقوله: الحمد لله، الدال على الختصاصه بالحمد، وأنه حقيق به وجد من نفسه محركا للإقبال عليه، فإذا انتقل إلى قوله: رب العالمين، الدال على أنه: مالك للعالمين، لا يخرج منهم شيء عن ملكوته، قوي ذلك المحرك، وهكذا كلما أجرى عليه صفة من تلك الصفات العظام قوي ذلك المحرك، إلى أن يئول الأمر إلى خاتمتها المفيدة أنه مالك الأمر كله في يوم الجزاء، حينئذ يجد من نفسه إقبالا عليه وتخصيصا له بالخطاب بغاية الخضوع والاستعانة به في المهمات. الأسلوب الحكيم: وسماه الإمام عبد القاهر: المغالطة، وهو نوعان: 1- تلقي المخاطب1 بغير ما يترقب بحمل كلامه على غير ما يريد تنبيها على أنه الأولى بالقصد, كقول ابن حجاج البغدادي: فقلت ثقلت إذ أتيت مرارا ... قال ثقلت كاهلي بالأيادي قلت طولت قال لا بل تطو لـ ... ـت وأبرمت قال حبل ودادي فلفظ ثقلت وقع في كلام المتكلم بمعنى حملتك المئونة فحمله المخاطب على تثقيل عاتقه بالمنن والأيادي. 2- تلقي السائل بغير ما يتطلب بتنزيل سؤاله منزلة غيره تنبيها على أنه الأهم كقوله تعالى: {يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلْ مَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ} 2، فقد سألوا عن بيان ما ينفقون فأجبيبوا ببيان المصارف تنبيها على المهم هو السؤال عنها؛ لأن النفقة لا يعتد بها إلا أن تقع موقعها.

_ 1 التلقي المواجهة. والمخاطب "بفتح الطاء" أي: تلقي المتكلم بالكلام الثاني المخاطب به، وهو المتكلم بالكلام الأول. 2 سورة البقرة الآية: 215.

لإضمار في مقام الإظهار، وذلك في موضعين. 1- باب ضمير الشأن والقصة، ويكون مرفوعا نحو: هي الدولة استعدت، وهو الحق حصحص، ومنصوبا نحو: {فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ} 1 وسر هذا الأسلوب المبالغة وتعظيم تلك القصة وتفخيمها، من قبل أن الشيء إذا كان مبهما كانت النفوس متشوقة إلى فهمه، متطلعة إلى علمه، فإذا وضح وفسر حل محلا رفيع القدر لديها، ومن ثمة لا يكون إلا في المواضع التي يقصد فيها التهويل. 2- باب نعم وبئس، نحو: نعم رجلا محمد، وبئس غلاما سعيد، وانتصاب ما بعدهما من النكرات يجيء على جهة التفسير، والداعي إليه المبالغة في المدح أو الذم، من حيث إنه عند الإبهام يكون للأفئدة تطلع إلى إيضاح المبهم وشغف إلى بيانه. الإظهار في مقام الإضمار، فإن كان المظهر اسم إشارة كان: 1- إما لكمال العناية به لأجل اختصاصه بحكم غريب، كقول ابن الراوندي2: كم عاقل عاقل أعيت مذاهبه ... وجاهل جاهل تلقاه مرزوقا هذا الذي ترك الأوهام حائرة ... وصير العالم النحرير زنديقا3 فأتى باسم الإشارة لأجل الحكم البديع الذي اختص به المشار إليه وهو تركه الأوهام حائرة وتصييره العالم التحرير زنديقا. 2- وإما للتهكم بالسامع، كما إذا كان فاقد الصبر، فتقول له: هذا الهلال بين السحاب. 3- وإما لإظهار بلاهته، كأن غير المحسوس عنده محسوس، نحو: فجئني بمثلهم.

_ 1 سورة الحج الآية: 46. 2 هو أحمد بن يحيى الراوندي المتوفى سنة 291هـ، اتهم بالزندقة ونسب إليه أنه عارض القرآن، وأتى بما تضحك منه الثكلى. 3 أعيت أعجزت، ومذاهبه وسائل عيشه، والزنديق من يبطن الكفر ويظهر الإسلام، واسم الإشارة يعود إلى الحكم السابق وهو حرمان العاقل ورزق الجاهل.

4- وإما لكمال فطنته حتى كأن غير المحسوس عنده محسوس، نحو: تعاللت كي أشجى وما بك علة ... تريدين قتلي قد ظفرت بذلك1 أي: بقتلي، وكان من حقه أن يقول به لكنه ادعى أن قتله قد ظهر ظهور المحسوس، وإن كان المظهر غير اسم إشارة، فإما: 1- لزيادة تمكينه في ذهن السامع نحو: {اللَّهُ الصَّمَدُ} 2، ونحو: {الْحَاقَّةُ، مَا الْحَاقَّةُ} 3، وقول الحماسي: شددنا شدة الليث ... غدا والليث غضبان 2- وإما للاستعطاف والخضوع الموجبين للشفقة، كقوله: إلهي عبدك العاصي أتاكا ... مقرا بالذنوب وقد دعاكا 3- وإما لإدخال الروعة والمهابة في نفس السامع نحو: {فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ} 4، لاندراج كل كمال تحت لفظ الجلالة فأجدر به أن يكون موضع النكلان. 4- وإما للتهكم والتعجب، نحو: {ص وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ، بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا} 5، ثم قال بعد: {وَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا سَاحِرٌ كَذَّابٌ} 6، فالغرض شد النكير عليهم والتعريض بأنهم حقا أهل التمرد والعناد. التعبير عن المستقبل بلفظ الماضي للدلالة على تحقيق وقعه، نحو: {وَنَادَى أَصْحَابُ النَّارِ} ، فقد جعل المتوقع الذي لا بد من وقوعه بمنزلة الواقع، ومثله التعبير عنه باسم الفاعل نحو: {وَإِنَّ الدِّينَ 7 لَوَاقِعٌ} بدل يقع، أو باسم المفعول، نحو: {ذَلِكَ يَوْمٌ مَجْمُوعٌ لَهُ النَّاسُ} 8 بدل يجمع.

_ 1 تعاللت: ادعيت العلة، أشجى: أحزن. 2 سورة الإخلاص الآية: 2. 3 سورة الحاقة الآية: 1. 4 سورة آل عمران الآية: 159. 5 و6 سورة ص الآيات 1 و2 و4. 7 أي: الجزاء حاصل، فوقوع الجزاء استقبالي "سورة الذاريات". 8 سورة هود الآية: 103.

"القلب", وهو جعل جزء من أجزاء الكلام مكان الآخر، والآخر مكانه، على وجه1 يثبت حكم كل منهما للآخر، وهو قسمان: 1- ما يكون موجبه تصحيح حكم لفظي فقط والمعنى صحيح بدونه، كقول القطامي: قفي قبل التفرق يا ضباعا ... ولا يك موقف منك الودعا2 لما نكر موقفا وهو في وضع المبتدأ وعرف الوداع وهو في موضع الخبر جعل من "باب القلب". 2- ما يكون موجبه تصحيح المعنى، كقولهم: عرضت الناقة على الحوض، وأدخلت القلنسوة في الرأس، مكان: عرضت الحوض على الناقة، وأدخلت الرأس في القلنسوة، إذ الأصل أن يجاء بالمعروض إلى المعروض إليه، وأن ينقل المظروف إلى الظرف لا بالعكس كما هنا. والصحيح جوازه إذا اشتمل على مغزى شريف ومعنى حسن، كقول رؤبة: ومهمة مغبرة أرجاؤه ... كأن لون أرضه سماؤه3 يريد كأن لون سمائه لغبرتها لون أرضه، فعكس التشبيه لقصد المبالغة، ونحوه قول أبي تمام يصف قلم الممدوح: لعاب الأفاعي القاتلات لعابه ... وأرى الجنى اشتارته أيد عواسل4 وإن لم يشتمل على اعتبار لطيف رد، كقول عروة بن الورد: "فديت بنفسه نفسي ومالي". "التغلب": وهو إعطاء أحد المصطحبين أو المتشاكلين حكم الآخر، وهو باب ذو شعب كثيرة، فمن ذلك. 1- تغليب المذكر على المؤنث، نحو: وكانت من القانتين، أدرجت مريم

_ 1 فإن لم يثبت ذلك الحكم نحو: في الدار علي، وكلم محمدًا علي، فإن كلا منهما وإن جعل في مكان الآخر باق على حكمه، لا يسمى ذلك قلبا. 2 قفي يا ضباعة ساعة حتى أودعك قبل التفرق, فلا جعل الله لنا موقف الوداع موقفا. 3 المهمة المفازة، والمغبرة المملوة بالغبار. والأرجاء النواحي. 4 الأرى العسل، واشتارته جنته، والعواسل جمع عاسلة وهي جانية العسل.

في القانتين من الرجال، تغليبا لهم على القانتات، وقد جروا على خلاف الغالب في ألفاظ معدودات فغلبوا المؤنث على المذكر. 2- تغليب الكثير على القليل نحو: فسجد الملاكئة كلهم أجمعون إلا إبليس، غلب الملائكة على إبليس وهو ليس منهم، وسمى الجميع ملائكة. 3- تغليب المعنى على اللفظ نحو: بل أنتم قوم تجهلون، بدل يجهلون، الذي ضميره للقوم ولفظه غائب مراعاة للخطاب بأنتم. 4- تغليب المخاطب على الغائب نحو: أنت وعلي صنعتما كذا. 5- تغليب أحد المتناسين على الآخر كالأبوين والقمرين للأب والأم والشمس والقمر، وعليه قول المتنبي: واستقبلت قمر السماء بوجهها ... فأرتني القمرين في وقت معا 6- تغليب العقلاء على غيرهم نحو: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} . يوضع الخبر موضع الإنشاء لأغراض، منها: 1- التفاؤل في الجمل الدعائية، نحو: وفقك الله إلى ما فيه الخير، وقول النابغة: أتاني "أبيت اللعن" أنك لمتني ... وتلك التي أهتم منها وأنصب1 2- التباعد عن صيغة الأمر تأدبا واحتراما للسامع كما تقول لعظيم: ينظر مولاي في شأني ويقضي طلبتي، مكان: انظر واقض. 3- التنبيه على تيسر المطلوب لوفرة الأسباب واستكمال العدة، كما يقول القائد حاثا جنده: تفتكون بالأعداء وتنزلونهم من حصونهم وتذيقونهم الردى، مكان: افتكوا وأنزلوهم وأذيقوهم. 4- إظهار الرغبة في حصول المطلوب كما تقول في الكتاب لغائب: جمع الله الشمل وقرب أيام اللقاء.

_ 1 أبيت اللعن أي: أبيت أن تفعل شيئا تلعن به وكانت هذه تحية الملوك، وأهتم أصير لأجلها ذا هم، والنصب التعب.

5- التنبيه على سرعة الامتثال، ولو ادعاء نحو: {وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ لَا تَسْفِكُونَ دِمَاءَكُمْ} 1 مكان: لا تسفكوا، مبالغة في النهي بادعاء أنهم نهوا فامتثلوا، ثم أخبروا. 6- حمل المخاطب على الفعل بألطف أسلوب، كقولك لرجل لا تحب أن يكذبك: تجيء عدا، مكان قولك: جيء، لتحمله على المجيء؛ لأنه إن لم يأت غدا صرت كاذبا من حيث الظاهر2 لكون كلامك في صورة الخبر. يوضع الإنشاء موضع الخبر لاعتبارات، منها: 1- إظهار العناية بالشيء والاهتمام به، نحو: {قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ} 3 لم يقل: وإقامة وجوهكم، إشعار بالعناية بالصلاة لعظيم خطرها وجليل قدرها في الدين. 2- التباعد عن مساواة اللاحق بالسابق، نحو: {قَالَ إِنِّي أُشْهِدُ اللَّهَ وَاشْهَدُوا أَنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ، مِنْ دُونِهِ} 4، لم يقل: وأشهدكم، تحاشيا عن مساواة شهادتهم بشهادة الله تعالى. 3- الرضا بما هو حاصل كأنه مطلوب في قوله عليه السلام: "من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار" مكان يتبوأ. الانتقال من الماضي إلى المضارع، أو بالعكس: 1- فالأول نحو: {وَاللَّهُ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا فَسُقْنَاهُ إِلَى بَلَدٍ مَيِّتٍ} 5 جاء تثير، بدل أثارت، لتستحضر تلك الصورة الماضية، حتى كأن الإنسان يشاهد إثارة الريح للسحاب، فيستدل من ذلك على عجيب قدرته، وباهر حكمته.

_ 1 سورة البقرة الآية: 84. 2 أما في الحقيقة فلا كذب؛ لأنه كلام في معنى الإنشاء. 3 سورة الأعراف الآية: 29. 4 سورة هود الآية: 5. 5 سورة الروم الآية: 48.

2- الثاني كقوله تعالى: {وَيَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ} 1 عطف ففزع على ينفخ تأكيدا للثبوت ومبالغة في الحصول ودلالة على أن ذلك كائن لا محالة. تدريب: بين السر في خروج التراكيب الآتية عن مقتضى الظاهر: 1- كل خليل كنت خاللته ... "لا ترك الله له واضحة"2 كلهم أروغ من ثعلب ... "ما أشبه الليلة بالبارحة"3 2- {يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا4 مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ} . 3- {وَاسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي رَحِيمٌ وَدُودٌ} 5. 4- أأذكر حاجتي أم قد كفاني ... حياؤك إن شيعتك الحياء كريم لا يغيره صباح ... عن الخلق الجميل ولا مساء 5- ألمع برق سرى أم ضوء مصباح ... أم ابتسامتها بالمنظر الضاحي6 6- وقالوا قد صفت منا قلوب ... نعم صدقوا ولكن عن ودادي 7- يقول العبد للمولى إذا حول وجهه عنه: ينظر مولاي إلى هنيهة. 8- يكون مزاحها عسل وماء. الإجابة: 1- وضع الخبر موضع الإنشاء للدعاية عليه في قوله: لا ترك الله له واضحة. 2- فيه التفات بالانتقال من الخطاب إلى الغيبة في رحمة الله. 3- فيه التفات بالانتقال من الخطاب إلى التكلم.

_ 1 سورة يس الآية: 51. 2 الخليل الصديق، والواضحة الأسنان تبدو عند الضحك. 3 مثل يضرب لتشابه الأمور. 4 القنوط: اليأس. 5 سورة هود الآية: 90. 6 الضاحي: البارز.

4- فيه التفات من الخطاب إلى الغيبة. 5- فيه تجاهل العارف. 6- فيه الأسلوب الحكيم، فقد حمل صفاء القلوب على خلوها من الود. 7- وضع الخبر موضع الإنشاء تأدبا في قوله: ينظر، بدل: انظر. 8- فيه قلب، والأصل يكون: مزاجها عسلا وماء. تمرين: 1- تطاول ليلك بالأثمد ... ونام الخلي ولم ترقد1 وبات وباتت له ليلة ... كليلة ذي العاثر الأرمد وذلك من نبأ جاءني ... وخبرته عن أبي الأسود 2- {وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ} 2. 3- {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ} 3. 4- {وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبَالَ وَتَرَى الْأَرْضَ بَارِزَةً وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَدًا} 4. 5- فلما أن جرى سمن عليها ... كما طينت بالفدن السياعا5 6- {وَكَمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا فَجَاءَهَا بَأْسُنَا بَيَاتًا} 6. {ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى} 7. 7- بكرا صاحبي قبل الهجير ... إن ذاك النجاح في التبكير

_ 1 قاله امرؤ القيس، والأثمد موضع، العاثر مرض العين. 2 سورة النساء الآية: 64. 3- سورة البقرة الآية: 189. 4 سورة الكهف الآية: 47. 5 الفدن القصر، وسباع الطين المخلوط بالتبن وجواب لما في البيت بعد. 6 سورة الأعراف الآية: 4. 7 سورة النجم الآية: 8.

الباب العاشر: في القصر

الباب العاشر: في القصر المبحث الأول: في تعريفه لغة واصطلاحا ... الباب العاشر: في القصر وفيه ستة مباحث. المبحث الأول: في تعريفه لغة واصطلاحا القصر في اللغة: الحبس، وفي التنزيل: {حُورٌ مَقْصُورَاتٌ فِي الْخِيَام، وَعِنْدَهُمْ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ أَتْرَابٌ} 1، قال الفراء: قد قصرن أنفسهن على أزواجهن فلم يطمحن إلى غيرهم. وفي الاصطلاح إثبات الحكم للمذكور في الكلام ونفيه عما عداه، أو هو تخصيص أمر بأمر بإحدى الطرق الآتية، والتعريف الثاني أصح لشمول الأول لقولك: محمد مقصور على القيام، وذلك لا يسمى قصرا اصطلاحا. فإذا قلنا: ما سافر إلا علي، استفيد من ذلك تخصيص السفر بعلي ونفيه عن غيره ممن يظن فيه ذلك، فما قبل إلا مقصور وما بعدها مقصور عليه "ما وإلا" طريق القصر.

_ 1 سورة الرحمن الآية: 72.

المبحث الثاني: في طرقه

المبحث الثاني: في طرقه طرق القصر والاختصاص كثيرة أوصلها السيوطي في كتابه "الإتقان" إلى أربعة عشر طريقا1 أشهرها ستة تقدم الكلام على اثنين منها, وهما توسط ضمير الفصل نحو: كليم الله هو موسى، تعريف المسند بأل نحو: خير الزاد التقوى, وسنتكلم هنا على الأربعة الباقية وهي: 1- ووجه إفادة النفي والاستثناء القصر أنه إذا قيل: ما محمد، توجه النفي إلى صفته لا إلى ذاته؛ لأن الذوات لا تنفي، ومن حيث إنه لا نزاع في طوله وقصره وما شاكل ذلك، وإنما النزاع في كونه شاعرا أو كاتبا تناولهما النفي، فإذا قيل: إلا شاعر جاء القصر، هذا في قصر الموصوف على الصفة، أما في قصر الصفة على الموصوف فإنه متى قيل: ما شاعر، فأدخل النفي على الوصف المسلم ثبوته وهو الشعر لغير الشخصين اللذين الكلام فيهما كمحمد وعلي مثلا، توجه النفي إليهما فإذا قيل: إلا محمد، حصل القصر. 2- ووجه إفادة إنما القصر تضمنها معنى: ما وإلا، دليل ذلك البراهين الآتية: أ- ما قاله النحاة من كون إنما لإثبات ما يذكر بعدها ونفي ما سواه. ب- ما قاله المفسرون في قوله تعالى: {إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ} 1 بنصب الميتة من أن المعنى: ما حرم عليكم إلا الميتة، وهذا المعنى هو المطابق لقراءة رفع الميتة لانحصار التحريم فيها، إذ ما في قراءة الرفع اسم موصول، فتقدير الكلام حينئذ إن المحرم الميتة والخبر معرف بلام الجنس فيفيد الحصر كما تقدم. جـ- صحة انفصال الضمير معها فتقول: إنما يسافر أنا، كما تقول: ما يسافر إلا أنا، كما قال الفرزدق: أنا الزائد الحامي الذمار وإنما ... يدافع عن أحسابهم أنا أو مثلي2

_ 1 منها التصريح بلفظ وحده أو لا غير أو فقط، أو بمادة الاختصاص، أو بمادة القصر، وكل هذه ليست من الطرق الاصطلاحية. 2 سورة النحل الآية: 155. 3 الذود الطرد، والذمار العهد، وفي الأساس هو الحامي الذمار إذا حمى ما لو لم يحمه ليم وعنف، والحسب ما يعده المرء من مفاخر نفسه وآبائه.

إذا لو كان المراد الإيجاب لم يستقم؛ لأنك لا تقول: بدافع أنا، وإنما تقول: أدافع، ولكن لما كان المعنى: ما يدافع إلا أنا، فصل الضمير كما يفصل مع النفي والاستثناء ليتأتى له ما قصد وهو تخصيص المدافع لا المدافع عنه، إذ لو قال: وإنما أدافع عن أحسابهم لصار المعنى أنه يدافع عن أحسابهم لا عن غيرهم، وليس ذلك بمقصود بما فيه من قصور المدح والمقام مقام مبالغة, إذ هو في معرض التفاخر وعدا المآثر. قال السكاكي: ويذكر لذلك وجه لطيف يسند إلى علي بن عيسى الربعي، وهو أنه لما كانت كلمة إن لتأكيد إثبات المسند للمسند إليه ثم اتصلت بها ما المؤكدة لا النافية كما يظنه من لا وقوف له على علم النحو، ناسب أن يضمن معنى القصر؛ لأن القصر ليس إلا تأكيدا على تأكيد. 3- يراد بالتقديم تقديم ما كان حقه أن يؤخر، كتقديم الخبر على المبتدأ، وتقديم بعض معمولات الفعل عليه، نحو: أنا أنجزت مسألتك، أي: وحدي، لمن اعتقد أنك وغيرك أنجزتماها، أو بمعنى: لا غيري، لمن اعتقد أن غيرك أنجزها دونك. وهذه الطرق تفترق من وجوه: 1- أن التقديم يدل على القصر بمفهوم الكلام, فإن ذا الذوق السليم إذا تأمل في كلام فيه التقديم، فهم منه القصر، وإن لم يعرف اصطلاح البلغاء في ذلك، والثلاثة الباقية بالوضع اللغوي؛ لأن الواضع وضعها لتفيد ذلك. 2- أن الأصل أن ينص في العطف على المثبت والمنفي معا، فلا يترك ذلك إلا خوف التطويل، كما إذا قيل: محمد يعلم الكيمياء والطب والهندسة والجبر والفلك، أو محمد يعلم الكيمياء، وإبراهيم وخالد إلى آخره. فتقول فيهما: محمد يعرف الكيمياء لا غير، أي: لا الطب ولا الهندسة إلى آخره في الأول، ولا إبراهيم ولا خالد في الثاني، وينص في الثلاثة الباقية على المثبت فقط. 3- أن النفي بلا العاطفة لا يجتمع مع النفي والاستثناء، فلا تقول: ما محمد إلا مجتهدا لا كل؛ لأن شرط جواز النفي بلا، أن يكون ما قبلها منفيا بغيرها، ولذا عيب على صاحب "الكشاف" حيث قال في تفسير قوله تعالى:

{فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ} أي: لأن الأصلح لك لا يعلمه إلا الله، لا أنت، وعلى الحريري في قوله: لعمرك ما الإنسان إلا ابن يومه ... على ما تجلى يومه لا ابن أمه ويجتمع مع إنما والتقديم فتقول: إنما محمد مجتهد لا كسلان، وهو يجتهد لا علي؛ لأن النفي فيهما غير مصرح به، بل المصرح به هو الإثبات، فلا يقبح تأكيد ما تضمناه والنفي بلا، بخلاف ما وإلا فإنه قد صرح فيهما بالنفي، والنفي الصريح ليس كالضمني. "تنبيه": لا يحسن العطف بعد إنما إذا كان الوصف مختصا بالموصوف كالتذكر الذي يعلم أنه لا يكون إلا من أولي الألباب في قوله تعالى: {إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ} 1، فلا يحسن أن تقول: إنما يتذكر أولو الألباب لا الجهال، كما يحسن أن تقول: إنما يجيء محمد لا علي. 4- أن الأصل في "النفي والاستثناء" أن يكون لأمر ينكره المخاطب أو يشك فيه أو لما هو منزل هذه المنزلة, بيان ذلك أنك لا تقول ما هو إلا مخطئ إلا لمن ينكر أن يكون الأمر على ما قلت، وإذا رأيت شبحا من بعد فقلت: ما هو إلا علي, لم تقله إلا والمخاطب يتوهم أنه ليس بعلي. وأما ما هو منزل هذه المنزلة فكقوله تعالى: {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ} 2 أي: مقصور على الرسالة لا يتعداها إلى التبري والتباعد عن الهلاك، نزل استفظاعهم هلاكه وشدة حرصهم على بقائه منزلة إنكارهم ذلك. ونظير ذلك قوله تعالى: {إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنَا} 3؛ لأن الكفار جعلوا الرسل كأنهم بادعائهم النبوة قد أخرجوا أنفسهم عن أن يكونوا بشرا مثلهم. وأما قوله تعالى: {إِنْ نَحْنُ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَمُنُّ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ} 4، فمن باب مجاراة الخصم وتسليم بعض مقدماته لتنقطع حجته

_ 1 سورة الرعد الآية: 19. 2 سورة آل عمران الآية: 144. 3 سورة النحل الآية: 58. 4 سورة إبراهيم الآية: 11.

كما هي العادة فيمن ادعى على خصمه الخلاف في أمر هو لا يخالف فيه أن يعيد كلامه على وجهه، كما إذا قال لك من يحاجك في مسألة: أنت من دأبك كيت وكيت، فتقول: نعم أنا من دأبي كيت وكيت لكن لا ضير علي ولا يلزمني من أجل ذلك ما ظننت، فالرسل صلوات الله عليهم كأنهم قالوا: إن ما قلتم هو كما قلتم، لكن ذلك لا يمنع الرسل وفضل الله علينا. 5- إن الأصل في إنما أن تجيء لأمر من شأنه ألا يجهله المخاطب ولا ينكره وإنما يراد تنبيهه فقط، أو لما هو منزل هذه المنزلة. تفسير هذا أنك تقول للرجل: إنما هو صاحبك القديم، وإنما هو أخوك، لمن يعلم ذلك ويعترف به، لكنك تريد أن تنبهه لما يجب عليه من حرمة الصاحب وحق الأخوة لترققه وتستعطف قلبه، ألا ترى إلى أبي الطيب حين يقول: إنما أنت والد والأب القا ... طع أحني من واصل الأولاد لم يرد أن يعلم كافورا أنه لابن الأخشيد مولاه بمنزلة الوالد، ولا كافور في حاجة إلى أن يعلم بذلك، لكنه أراد أن يذكره بالأمر المعلوم ليجعله ذريعة إلى استدعاء ما يستوجبه من العطف والحنان، ونظير ذلك قولهم: إنما يعجل من يخشى الفوت، وقوله تعالى: {إِنَّمَا يَسْتَجِيبُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ} 1. وأما ما هو منزل هذه المنزلة فكقوله تعالى حكاية عن اليهود: {إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ} 2، فهم قد ادعوا أن إصلاحهم أمر جلي ظاهر، ولذا جاء الرد عليهم مؤكدا بأن واسمية الجملة وتعريف الخبر باللام وضمير الفصل وتصدير حرف التنبيه حيث قال: {أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ} 3. ونحو ذلك قول ابن قيس الرقيات في مصعب بن الزبير: إنما مصعب شهاب من الله ... تجلت عن وجهه الظلماء حيث ادعى أن ثبوت هذه الصفة لممدوحه أمر ظاهر، لا يخفى على أحد، كما هو دأب الشعراء إذا مدحوا أن يدعوا الشهرة فيما يصفون به ممدوحهم، ألا ترى إلى البحتري حين يقول: لا أدعي لأبي العلاء فضيلة ... حتى يسلمها إليه عداه

_ 1 سورة الأنعام الآية: 36. 2 و 3 سورة البقرة الآيتان: 11 و12.

هذا وقد علم بالاستقراء أن أحسن موقع تستعمل فيه إنما إذا كان الغرض منها التعريض بأمر هو مقتضى معنى الكلام بعدها نحو: {إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ} ، فإنه تعريض بذم الكافرين من حيث إنهم من فرط العناد وغلبة الهوى عليهم في حكم من ليس بذي عقل فأنتم في طمعكم منهم أن ينظروا ويتذكروا كمن طمع في ذلك من غير أولي الألباب, ونظيره: {إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرُ مَنْ يَخْشَاهَا} 1 إذ المراد أن من لم تكن له من هذه الخشية، فكأنه ليس له أذن تسمع، ولا قلب يعقل، فالإنذار وعدمه سيان. وعلى ذلك جاء قوله: أنا لم أرزق محبتها ... إنما للعبد ما رزقا فهذا تعريض بأنه لا مطمع له في وصلها فهو يائس منه: 6- لأنما مزية على العطف، وهي أن يعقل منها إثبات الفعل للشيء ونفيه عن غيره دفعة واحدة بخلاف العطف، فإنه يفهم منه أولا الإثبات ثم النفي، نحو: محمد قائم لا قاعد، أو بالعكس نحو: ما محمد قائما بل قاعد.

_ 1 سورة النازعات الآية: 45.

المبحث الثالث: في تقسيمه باعتبار الواقع والحقيقة

المبحث الثالث: في تقسيمه باعتبار الواقع والحقيقة 1 ينقسم القصر باعتبار الواقع والحقيقة إلى قسمين: حقيقي وإضافي:

_ 1 لم يذكر هذا التقسيم صاحب "المفتاح" لقلة جدواه.

المبحث الرابع: في تقسيمه باعتبار حال المقصور

المبحث الرابع: في تقسيمه باعتبار حال المقصور ينقسم كل من الحقيقي والإضافي باعتبار حال المقصور إلى قسمين: 1- قصر موصوف على صفة بألا يتجاوز الموصوف تلك الصفة إلى صفة أخرى أصلا "في القصر الحقيقي" نحو: ما الله إلا كامل، وهذا التقسيم متعذر لا يكاد يوجد أو هو محال لتعذر1 الإحاطة بصفات الشيء فلا يمكن إثبات شيء منها ونفي ما عداه ولذا لم يقع في التنزيل، أو بألا يتجاوز الموصوف تلك الصفة إلى صفة أخرى مخصوصة, وإن أمكن أن يتجاوزها إلى صفات أخرى غير تلك الصفة الأخرى المخصوصة "في القصر الإضافي" نحو: {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ} 2 فالمقصود قصره على الرسالة بألا يتعداها إلى التباعد عن الموت الذي استعظموه، وهذا لا ينافي أنه متصف بالصحة واليقظة ونحوهما. 2- قصر صفة على موصوف بألا تتجاوز الصفة ذلك الموصوف إلى موصوف آخر أصلا "في القصر الحقيقي" نحو: لا يعلم الغيب إلا الله، أو بألا تتجاوز الصفة ذلك الموصوف إلى موصوف آخر مخصوص، وإن أمكن أن تتجاوزه إلى موصوف غير ذلك الموصوف الآخر "في القصر الإضافي" نحو: لا محترم إلا الصادق فالمقصود قصر الاحترام على الصادق دون الكاذب فلا يمنع هذا من احترام الأمين والمخلص لوطنه ونحو ذلك.

_ 1 لأنك إذا قلت: ما محمد إلا كاتب وأردت القصر الحقيقي لزم ألا يتصف بالقيام والقعود, مع أنه لا بد أن يتصف بواحد منها ضرورة أن النقيضين لا يجتمعان، وأيضا يبعد أن يكون للذات صفة واحدة ليس له غيرها. 2 سورة آل عمران الآية: 144.

المحبث الخامس: في تقسيمه باعتبار حال المخاطب

المحبث الخامس: في تقسيمه باعتبار حال المخاطب ... المبحث الخامس: في تقسيمه باعتبار حال المخاطب ينقسم القصر الإضافي1 باعتبار حال المخاطب إلى ثلاثة أقسام: 1- قصر إفراد إذا اعتقد المخاطب2 الشركة بين شيئين فأكثر، نحو: {إِنَّمَا اللَّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ} ، خوطب به من يعتقد أن الله ثالث ثلاثة، بدليل قوله قبلها: {وَلَا تَقُولُوا ثَلَاثَةٌ انْتَهُوا خَيْرًا لَكُمْ} . 2- قصر قلب إذا كان المخاطب يعتقد عكس الحكم فتقلب عليه اعتقاده، نحو: ما شاعر إلا شوقي، ردا على من زعم أن غيره أشعر منه. 3- قصر تعيين إذا كان المخاطب مترددا في الحكم نحو: ما شاعر إلا شوقي ردا على من تردد في إثبات الشعر له ولبعض الشعراء الآخرين.

_ 1 دون الحقيقي بنوعية؛ لأن العاقل لا يعتقد اتصاف أمر بجميع الصفات، ولا اتصافه بجميعها إلا واحدة، أو يتردد في هذا، وكيف يكون ذلك وفيها صفات متقابلة، فلا يصح أن يقصر الحكم على بعضها وينفي عن الباقي أفرادا أو قلبا أو تعيينا، وعلى هذا المنوال قصر الصفة على الموصوف. 2 شرطا في قصر الموصوف على عدم تنافي الوصفين ليصح اعتقاد المخاطب اجتماعهما.

المبحث السادس: في مواقع القصر

المبحث السادس: في مواقع القصر كما يكون القصر بين المبتدأ والخبر، كما رأيت، يكون أيضا بين الفعل والفاعل، وبين الفاعل والمفاعيل بأنواعها إلا المفعول معه، وكذا بين جميع المعمولات، نحو: ما جاء إلا علي، وما نال عليا إلا التعب، وما أعطيت محمدا إلا دينارا، وماجاء علي إلا راكبا. فإذا كان القصر: بما وإلا، وجب تقديم المقصور وتأخير المقصور عليه، مع إلا ونحوها من أدوات الاستثناء نحو: {مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ} 1، وهو قصر قلب لا إفراد إذا المعنى: أني لم أترك ما أمرتني أن أقوله لهم إلى خلافه، بدليل: {أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ} ، وليس المراد أني لم أزد على ما أمرتني به شيئا, إذ ليس الكلام في زيادة أو نقصان في التبليغ. ويجوز قليلا تقديم المقصور عليه وأداة الاستتثناء وهما بحالهما2 على المقصور نحو: ما كلم إلا محمد خالدا، وما كلم إلا محمد خالد، وعليه قوله: فيا رب هل إلا بك النصر يرتجى ... عليهم وهل إلا عليك المعول ووجه إفادة النفي والاستثناء القصر في كل ما تقدم أن النفي في الاستثناء المفرغ يتوجه إلى مقدر هو مستثنى منه، إذ إلا للإخراج، وهو يتطلب مخرجا منه،

_ 1 سورة المائدة الآية: 117. 2 فالاختصاص في الذي يلي إلا، فالمقصود عليه هو الفاعل في الأول والمفعول في الثاني.

وذلك المقدر عام مناسب للمستثنى منه في جنسه وصفته ليتحقق الإخراج ففي نحو: ما فهم إلا محمد، يقدر ما فهم أحد، وفي نحو: ما كسوته إلا عباءة، ما كسوته لباسا، فإذا أخرج منه شيء جاء القصر ضرورة بقاء ما عدا ذلك الشيء على جهة الانتفاء. وإذا كان القصر بإنما أخر المقصور عليه، فيكون القيد الأخير بمنزلة الواقع بعد إلا، فيكون هو المقصور عليه نحو: إنما محمد قائم وإنما أثبته زجرا له. ولا يجوز تقيم المقصور عليه على غيره، لئلا يؤدي إلى الإلباس، إذ قولك: إنما كلم محمد عليا يفهم عنه عكس قولك: إنما كلم محمدًا علي. وإلا إلباس في النفي والاستثناء. قال السكاكي: ومما ذكر تعثر على الفرق بين قوله تعالى: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} 1، وقوله إنما يخشى العلماء من عباد الله فإن الأول يقتضي قصر خشية الله على العلماء، والثاني يقتضي قضر خشية العلماء على الله. تدريب أول: بين نوع القصر وطريقه فيما يأتي: 1- لا يألف العلم إلا ذكي، ولا يجفوه إلا غبي. 2- قد علمت سلمى وجاراتها ... ما قطر الفارس إلا أنا2 3- إنما الدنيا هبات ... وعوار مسترده شدة بعد رخاء ... ورخاء بعد شده 4- إن الجديدين في طول اختلافهما ... لا يفسدان ولكن يفسد الناس 5- بك اجتمع الملك المبدد شمله ... وضمت قواص منه بعد قواصي3 6- ليس اليتيم الذي قد مات والده ... بل اليتيم يتيم العلم والأدب 7- محاسن أوصاف المغنين جمة ... وما قصبات السبق إلا لمعبد4 8- عند الامتحان يكرم المرء أو يهان.

_ 1 سورة فاطر الآية: 28. 2 قطر الفارس ألقاه على قطريه أي: جانبيه. 3 المبدد المفرق، والقواصي جمع قاصية، الناحية البعيدة. 4 مغن مشهور أيام بني أمية وبني العباس.

تدريب ثان: 1- هات جملة تفيد نجاح محمد وعدم نجاح خالد بواسطة إنما. 2- رد بطريق القصر بإنما على من ظن أن المطر يكثر شتاء في السودان. 3- اجعل الجملة الآتية دالة على قصر الصفة على الموصوف بطرق القصر الأربع، وهي "أكرم المؤدب". 4- أ- من تخاطب بالجملة الآتية فيكون القصر قصر قلب. ب- من تخاطب بالجملة الآتية فيكون القصر قصر إفراد. جـ- من تخاطب بالجملة الآتية فيكون القصر قصر تعيين، وهي: ما كتبت إلا ما طلبته مني. 5- غير الجملة الآتية، بحيث تفيد للقصر بالعطف "بك اجتمع الملك المبدد شمله". 6- اجعل الجملة الآتية مفيدة للقصر بواسطة النفي والاستثناء "إن الطيور على أشكالها تقع". 7- اجعل الجملة الآتية مفيدة للقصر بواسطة إنما "يحمد الناس الصادق". 8- اجعل الجملة الآتية مفيدة للقصر بواسطة العطف "ينال المجد المجتهد".

الإجابة: 1- إنما نجح محمد لا خالد. 2- إنما يكثر المطر في السودان ربيعا لا شتاء. 3- أ- لا أكرم إلا المؤدب. ب- إنما أكرم المؤدب. جـ- أكرم المؤدب لا سيئ الخلق. د- المؤدب أكرم. 4- أ- إذا كان المخاطب يعتقد أن كتبت غير ما طلب. ب- إذا كان المخاطب يعتقد أنك كتبت ما طلب وغيره. جـ- إذا كان المخاطب مترددا في كتابتك ما طلب وغيره. 5- اجتمع الملك المبدد شمله بك لا بغيرك. 6- لا تقع الطيور إلا على أشكالها. 7- إنما يحمد الناس الصادق. 8- ينال المجد المجتهد لا الكسلان. تمرين أول: بين طريق القصر ونوعه باعتبار المقصود عليه وباعتبار الواقع وباعتبار المخاطب: 1- وما الخوف إلا ما تخوفه الفتى ... ولا الأمن إلا ما رآه الفتى أمنا 2- وإنما المرء حديث بعده ... فكن حديثا حسنا لمن وعى 3- وللفتى من ماله ما قدمت ... يداه قبل موته لا ما اقتنى 4- ما افترينا في مدحه بل وصفنا ... بعض أخلاقه وذلك يكفي 5- ليس عار بأن يقال فقير ... إنما العار أن يقال بخيل 6- وإنما الأمم الأخلاق ما بقيت ... فإن همو ذهبت أخلاقهم ذهبوا 7- سيذكرني قومي إذا جد جدهم ... وفي الليلة الظلماء يفتقد البدر 8- وما يلد الإنسان غير الموافق ... ولا أهله الأدنون غير الأصادق 9- عمر الفتى ذكره لا طول مدته ... وموته خزيه لا يومه الداني 10- بالعلم والمال يبني الناس ملكهم ... لا يبن ملك على جهل وإقلال

تمرين ثان: 1- رد بطريق القصر على من زعم تأخر فن الطب بمصر. 2- ضع الجملة الآتية بإحدى طرق القصر المتقدمة: يحب الناس المخلص لوطنه. 3- من تخاطب بهذه الجملة على طريق قصر القلب: لا ينال العلا إلا مجد. 4- حول القصر في هذه الجملة إلى قصر بإنما: وما قصبات السبق إلا لمعبد. 5- حول طريق القصر الآتي إلى نفي واستثناء: وفي الليلة الظلماء يفتقد البدر. 6- رد بطريق القصر على من زعم قلة الحر في الصعيد. 7- غير الجملة التالية بحيث تفيد القصر بالعطف: بك وثقت. 8- ضع الجملة الآتية بحيث تفيد القصر بإنما "يجل الناس الجواد".

الباب الحادي عشر: في الفصل والوصل

الباب الحادي عشر: في الفصل والوصل تمهيد في قة مسلكه وعظيم خطره ... الباب الحادي: عشر في الفصل والوصل وفيه تمهيد وخمسة مباحث: تمهيد في دقة مسلكه وعظيم خطره: الفصل والوصل هو العلم بمواضع العطف أو الاستئناف والتهدي إلى كيفية إيقاع حروف العطف في مواقعها، أو تركها عند الحاجة إليها، وذلك صعب المسلك لطيف المغزى كثير الفائدة غامض السر لا يوفق للصواب فيه إلا من أوتي حظا من حسن الذوق وطبع على البلاغة ورزق بصيرة نقادة في إدراك محاسنها, ولصعوبة ذلك جعل حدا للبلاغة, ألا ترى إلى بعض البلغاء وقد سئل عن البلاغة فقال: "هي معرفة الفصل والوصل"، فجعل ما سواه تبعا ومفتقرا إليه, وليس بالخفي أنه لم يرد بذلك إلا التنبيه على غموضه وجليل خطره وأن أحدًا لا يكمل في معرفته إلا كمل في سائر فنونها، فإن سبك الكلام وقوة أسره وشدة تلاحم أجزائه تحتاج إلى صانع صنع وحاذق ماهر يبين بين أقسام الجمل التي تفصل والتي توصل, فيرى الفرق واضحا بين جملتين تمتزجان حد الامتزاج, حتى كأن إحداهما الأخرى وجملتين لا تناسب بينهما1 فإحداهما مشئمة2 والأخرى معرقة، وجملتين هما وسط بين الأمرين فيحكم بوجوب الفصل في النوعين الأولين والوصل في النوع الثالث، واعتبر ذلك بما تراهم قد أجمعوا عليه من النعي على أبي تمام وهو ما هو، في قرص الشعر، ورفيع المنزلة، ورفيع المنزلة، في صياغة الكلام، في قوله يمدح أبا الحسين محمد الهيثم: زعمت هواك عفا الغداة كما ... عفت منها طلول باللوى ورسوم لا والذي هو عالم أن النوى ... صبر وأن أبا الحسين كريم3 إذا قد وصل "وأن أبا الحسين كريم" بما قبله ولا مناسبة بين كرم أبي الحسين ومرارة النوى، ولا تعليق لأحدهما بالآخر، إذ لا يقتضي الحديث، بهذا الحديث، بذلك.

_ 1 المراد بذلك شدة التباين بينهما. 2 أي: ناحية في الشام. 1 زعمت: أي: محبوبته، عفا: درس وزالت معالمه، والطلول جمع طلل آثار الديار التي هجرها أهلها، والصبر ثم شجر مر, والخطاب في هواك للنفس، وجواب القسم ما ذكره في البيت بعده: ما زلت عن سنن الوداد ولا غدت ... نفسي على إلف سواك تحرم

المبحث الأول: في وصل المفردات وفصلها

المبحث الأول: في وصل المفردات وفصلها البحث في وصل الجمل وفصلها لا يتضح إلا إذا سبقه الكلام على وصل المفردات وفصلها، وبيان هذا أن عطف مفرد على آخر يستفاد منه مشاركة الثاني للأول في إعرابه من رفع، ونصب، وجر، ولكن الأكثر في الصفات ألا يعطف بعضها على بعض، نحو: جاء محمد العاقل الفاضل الكريم، وسر هذا أن الصفة جارية مجرى موصوفها، فهي تدل على ذات لها تلك الصفة، ومن ثم يمتنع عطفها على موصوفها، فلا يجوز: جاءني محمد والكريم، على أن الكريم هو محمد؛ لأنه لا يصح عطف الشيء على نفسه، وجاء قليلا عطف بعضها على بعض باعتبار المعاني الدالة عليها، فنقول: نظرت إلى علي الفاضل، والمؤدب والكريم، كأنك قلت: نظرت إلى من اتصف بالفضل والأدب والكرم، وعلى ذلك جاء قوله: إلى الملك القرم وابن الهمام ... وليث الكتيبة في المزدحم

المبحث الثاني: في وصل الجمل

المبحث الثاني: في وصل الجمل وصل الجمل عطف بعضها على بعض بالواو، أو إحدى أخواتها، وفائدته تشريك المعطوف والمعطوف عليه في الحكم، ومن حروف العطف ما يفيد العطف فحسب، وهو الواو، ولذا قد تخفى الحاجة إليها فلا يدركها إلا من أوتي حظا من حسن الذوق، ومنها ما يفيد مع التشريك معان أخرى كالترتيب من غير تراخ في الفاء، وهو مع التراخي في ثم، وهكذا، ومن أجل ذلك لا يقع اشتباه في استعمال ما عدا الواو، ولذا لا يبحث هنا إلا عنها. والجمل المعطوف بعضها على بعض ضربان: 1- أن يكون للجملة المعطوف عليها موضع من الإعراب، وحكم هذه حكم المفرد؛ لأنها لا تكون كذلك حتى تكون واقعة موقعه، وحينئذ يكون وجه الحاجة فيها إلى الواو ظاهرا، والإشراك بها في الحكم موجودا، فإذا قلت: نظرت إلى رجل خلقه حسن، وخلقه قبيح، كنت قد أشركت الثانية في حكم الأولى، وهو كونها في موضع جر صفة للنكرة، ونظائر ذلك كثيرة، وخطبها يسير. 2- ألا يكون لها موضع من الإعراب، وتحت هذه نوعان: أ- أن تتفق1 الجملتان خبرا وإنشاء، وتكون بينهما مناسبة وجامع يصحح العطف مع عدم المانع، نحو: {إِنَّ الأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ، وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ} 2 ونحو: {فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلًا وَلْيَبْكُوا كَثِيرًا} ويسمى ذلك توسطا بين الكمالين. ب- أن تختلف الجملتان خبرا وإنشاء، لكن لو ترك العطف لأوهم خلاف المقصود، كما تقول: لا وشفاه الله، جوابا لمن سألك: هل أبل محمد من مرضه؟ فترك الواو حينئذ يوهم الدعاء عليه مع أن المقصود الدعاء له، وقد روي أن هارون الرشيد سأل وزيره عن شيء فقال: لا وأيد الله الخليفة. فلما بلغ ذلك الصاحب ابن عباد قال: هذه الواو أحسن من الواوات في خدود الملاح. وقد ذكر صاحب المغرب أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه مر برجل في يده ثوب، فقال له الصديق: أتبيع هذا؟ فقال: لا يرحمك الله، فقال له: لا تقل هكذا وقل لا ويرحمك الله. ويسمى ذلك كمال الانقطاع مع إيهام خلاف المراد.

_ 1 المدار في ذلك على اتفاقهما خبرا وإنشاء في المعنى، سواء كانتا خبريتين لفظا ومعنى، أو خبرتين معنى لا لفظا أو الأولى خبرية معنى لا لفظا أو بالعكس أو إنشائيتين لفظا ومعنى أو معنى لا لفظا أو الأولى خبرية لفظا والثانية إنشائية أو بالعكس. 2 سورة الانفطار الآية: 14.

المبحث الثالث: في الجامع

المبحث الثالث: في الجامع لا بد في الضرب الأول والنوع الأول من الضرب الثاني من صور الوصل من وجود جامع بين الجملتين به تتجاذبان وعليه تعتمدان. بيان هذا أنه لا يقع العطف موقعه ولا يحل المحل اللائق به إلا إذا وجد بين الجملة الأولى والثانية جهة جامعة نحو: محمد يعطي ويمنع، ويكتب ويشعر، ويقبح أن تقول: خرجت من داري، وأحسن ما قيل من الشعر، كذا إذ لا صلة بين الثانية والأولى ولا تعلق لها بها. والجامع1 إما عقلي أو وهمي أو خيالي، فالعقلي أن يكون بين الجملتين إما: 1- اتحاد في المسند إليه أو في المسند، أو في قيد من قيودهما نحو: محمد يكتب ويشعر، وقوله: يشقى الناس ويشقى آخرون بهم ... ويسعد الله أقواما بأقوام وخالد الكاتب أديب ومحمد الكاتب فقيه. 2- وإما تماثل واشتراك فيهما أو في قيد من قيودهما، ولا يكفي مطلق تماثل بل التماثل, والمراد أن يكون في وصف له نوع اختصاص بالمسند إليه أو المسند أو القيد، فنحو: محمد شاعر وعمر كاتب، إنما يحسن إذا كان محمد وعمر أخوين أو نظيرين أو مشتبكي الأحوال على الجملة. 3- وإما تضايف بينهما بحيث لا يتعقل أحدهما إلا بالقياس إلى الآخر كالأبوة مع النبوة والعلو مع السفل والأقل مع الأكثر، ونحو ذلك. والوهمي أن يكون بين الجملتين إما: 1- شبه تماثل كلوني بياض وصفرة، فإن الوهم لبرزهما في معرض المثلين، لكن العقل يعرف أنهما نوعان متباينان داخلان تحت جنس واحد وهو اللون، ومن أجل هذا حسن الجمع بين الثلاثة في قوله:

_ 1 لا بد من وجود الجامع بين المسند إليه في الجملتين، وكذا بين المسند فيهما، فلو وجدت مناسبة بين المسند إليه فهما فقط أو بين المسن فيهما، كذلك لم يكن ذلك كافيا ولم يصح العطف، فقد صرح السكاكي بامتناع عطف قول القائل: خفي ضيق، على قوله: خاتمي ضيق، مع اتخاذ المسند فيهما.

ثلاثة تشرق الدنيا ببهجتا ... شمس الضحى وأبو إسحاق والقمر1 2- أو تضاد وهو التقابل بين أمرين وجوديين بينهما غاية الخلاف ويتعاقبان على محل واحد كالسواد والبياض والإيمان والكفر والقيام والقعود. 3- أو شبه تضاد كالسماء والأرض فإنهما وإن كان بينهما غاية الخلاف من جهة الارتفاع والانحطاط لا يتعاقبان على محل واحد كما في التضاد. والخيالي أمر بسببه يقتضي الخيال اجتماع الأمرين في الفكر لأسباب مختلفة باختلاف المتكلمين كصناعة خاصة أو عرف عام كالسيف والرمح في خيال الفارس والقلم والقرطاس في خيال الكاتب والدرس والسبورة في خيال الطالب، وهكذا. وللقرآن الكريم في هذا الباب القدح المعلى نحو: {فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلًا وَلْيَبْكُوا كَثِيرًا} 2، فبين المسندين فيهما تضاد وبين المسند إليه فيهما اتحاد وبين القيدين تضايف، وقوله عز شأنه: {أَفَلَا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ، وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ، وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ، وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ} 3، فإنه وإن لم تكن مناسبة بين الإبل والسماء وبينهما وبين الجبال والأرض بحسب الظاهر لكن لما كان الخطاب مع العرب والإبل شاغلة لأخيلتهم، لكونها أعز أموالهم، وكان الأرض لرعيها والسماء لسقيها والجبال لالتجائهم إليها عند إلمام الملمات، ناسب إيراد الكلام طبق تخيلاتهم. وهناك أمثلة تشرح لك ما مضى، فإذا قلت: العدل نور، الظلم ظلام، كان هناك تقابل وتضاد بين كل من المسند إليه والمسند في الجملتين، وإذا قلت: الأمير يصل ويقطع، فيهما اتحاد في المسند إليه فيهما وتقابل بين المسند، وإذا قلت: أقبل علي وأدبر أخوه، كان فيهما تماثل بين المسند إليه فيهما وتقابل بين المسند، وهلم جرا.

_ 1 فالوهم يتبادر إليه أن هذه الثلاثة من نوع واحد كأن كلا منها شمس، لكنها اختلفت بالعوارض المشخصة. 2 سورة التوبة الآية: 82. 3 سورة الغاسية الآيتان: 17 و18.

المبحث الرابع: في محسنات الوصل

المبحث الرابع: في محسنات الوصل مما يزيد الوصل حسنا بعد وجود المصحح المجوز للعطف، اتحاد الجملتين في الكيفية كأن تكونا اسميتين أو فعليتين أو شرطيتين أو ظرفيتين، ثم في الاسميتين اتفاقهما في كون الخبر اسما أو فعلا ماضيا أو مضارعا، وفي الفعليتين اتفاقهما في كونهما ماضويتين أو مضارعتين إلا لداع يدعو إلى التخالف وذلك: 1- بأن يقصد التجدد في إحداهما والثبات في الأخرى كقوله تعالى حكاية عن قوم إبراهيم: {أَجِئْتَنَا بِالْحَقِّ أَمْ أَنْتَ مِنَ اللَّاعِبِينَ} 1، فهم كانوا يزعمون أن اللعب حال إبراهيم المستمرة فاستفهموا عن تجدد مجيئه لهم بالحق. 2- بأن يقصد المضي في إحداهما والاستقبال في الأخرى كقوله تعالى: {فَفَرِيقًا كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقًا تَقْتُلُونَ} 2، فقد عبر بالمضارع في الثانية، وإن كان القتل في الماضي لاستحضاره في النفوس وتصويره في القلوب بيانا لفظاعته. 3- بأن يقصد الإطلاق في إحداهما والتقييد في الأخرى، كقوله تعالى: {وَقَالُوا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ وَلَوْ أَنْزَلْنَا مَلَكًا لَقُضِيَ الْأَمْرُ} 3، فقد أطلقت الجملة الأولى وقيدت الثانية بالإنزال، إذ الشرط قيد في الجواب.

_ 1 سورة الأنبياء الآية: 55. 2 سورة البقرة الآية: 87. 3 أي: هلا أنزل عليه ملك فتؤمن به، ولكنه لو حصل ذلك لقضي الأمر بهلاكهم لعدم إيمانهم به "سورة الأنعام".

المبحث الخامس: في الفصل من حق الجمل إذا ترادفت ووقع بعضها في إثر بعض أن تربط بالواو لتكون متسقة منتظمة، وقد يعرض لها ما يوجب ترك الواو، ويسمى ذلك فصلا، ويكون في خمس أحوال: 1- كمال الاتصال، وهو أن يكون بين الجملتين اتحاد تام وامتزاج معنوي، حتى كأنهما أفرغا في قالب واحد، وهذا يكون في: أ- باب التوكيد، لزيادة التقرير، أو لدفع توهم تجوز أو غلط، سواء أكان تأكيدا لفظيا، نحو: {فَمَهِّلِ الْكَافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْدًا} 1 أم تأكيدا معنويا نحو: {مَا هَذَا بَشَرًا إِنْ هَذَا إِلَّا مَلَكٌ كَرِيمٌ} 2، فإنه إذا كان ملكا لم يكن بشرا، فإثبات كونه ملكا تأكيد وتحقيق لنفي كونه بشرا. وعليه قول الشاعر: إنما الدنيا فناء ... ليس للدنيا ثبوت ب- باب البدل والمقتضي له كون الثانية أوفى بالمطلوب من الأولى والمقام يستدعي عناية بشأن المراد سواء أكان بدل كل نحو: {بَلْ قَالُوا مِثْلَ مَا قَالَ الْأَوَّلُونَ، قَالُوا أَئِذَا مِتْنَا} 3 أم بدل بعض نحو: {أَمَدَّكُمْ بِمَا تَعْلَمُونَ، أَمَدَّكُمْ بِأَنْعَامٍ وَبَنِينَ، وَجَنَّاتٍ وَعُيُونٍ} 4 أبدلت الثانية من الأولى تنبيها إلى نعم الله على عباده وهي أوفى مما قبلها لدلالتها عل المراد مع التفصيل من غير إحالة على علم المخاطبين لعنادهم واستكبارهم، أم بدل اشتمال نحو: {اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ، اتَّبِعُوا مَنْ لَا يَسْأَلُكُمْ أَجْرًا وَهُمْ مُهْتَدُونَ} 5 أبدلت الثانية من الأولى بدل اشتمال؛ لأنها أبين في المراد وهو حمل المخاطبين على اتباع الرسل6، وعليه قول الشاعر: أقول له ارحل لا تقيمن عندنا ... وإلا فكن في السر والجهر مسلما7 فسياق الحديث في إظهار كراهته إقامته؛ لأنه يسر غير ما يعلن، وجملة لا تقيمن أدل على هذ الغرض ولا سيما مع التأكيد بالنون. جـ- باب عطف البيان، والداعي إليه خفاء الأولى، والمقام يستدعي إزالة

_ 1 سورة الطارق الآية: 17. 2 سورة يوسف الآية: 31. 3 سورة المؤمنون الآية: 82. 4 سورة الشعراء الآيتان: 132 و133. 5 سورة يس الآيتان: 20 و21. 6 إذ مفادها إأنكم لا تخسرون معهم شيئا من دنياكم وتربحون صحة دينكم وينتظم لكم خيرا الدنيا والآخرة. 7 يطلب منه الرحلة؛ لأن باطنه ليس كظاهره؛ لأنه يتناول أعراضهم.

هذا الخفاءن نحو: {فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ قَالَ يَا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَا يَبْلَى} 1، وقوله تعالى: {يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ يُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ} 1 وقوله تعالى: {يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ يُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ} 2. وعليه قول الشاعر: كفى زاجرا للمرء أيام دهره ... تروح له بالواعظات وتغتذى 2- كمال الانقطاع، وهو أن يكون بين الجملتين تباين نام دون إيهام خلاف المراد، وتحت هذا نوعان: أ- أن تختلفا خبرا وإنشاء لفظا ومعنى نحو قوله تعالى: {وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِين} 3، وقوله تعالى: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ، اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} 4، وقول الشاعر: لا تسأل المرء عن خلائقه ... في وجهه شاهد من الخبر أو تختلفا معنى فقط، نحو قولك: نجح فلان وفقه الله، وقول الشاعر: جزئى الله الشدائد كل خير ... عرفت با عدوي من صديقي ب- ألا تكون بينهما مناسبة في المعنى، ولا ارتباط بين المسند غليه فليهما، ولا بين المسند، نحو قوله: إنما المرء بأصغريه ... كل امرئ رهن بما لديه 3- شبه كمال الاتصال، هو أن تكون الجملة السبقة كالورد للسؤال أو المنشأ له، فتفصل الثانية عنها كما يفصل الجوبا عن السؤال، ويسمى الفصل لذلك استنئافا، وهو على ثلاثة5، أضرب، لأن لاسؤال الذي تضمنته الجملة، إما:

_ 1 سورة طه الآية: 120. 2 سورة البقرة الآية: 49. 3 سورة الحجرات الآية: 9. 4 سورة الفاتحة الآية: 3. 5 لأن السامع غما أن يجهل السبب من أصله، فيسال عنه وإما أن يتصور ففي جميع الأسباب إلا سببا خاصا يتردد في حصوله أو نفيه، فيسأل عنه، وأما عن غير السبب بأن ينبهم عليه شيء مما يتعلق باجلمةل الأولى.

أ- عن سبب عام للحكم، نحو: قال لي كيف أنت قلت عليل ... سهر دائم وحزن طويل كأن المخاطب لما سمع قوله عليل، قال ما سبب علتك، فقال: سهر دائم وحزن طويل. ب- وأما عن سبب خاص كقوله تعالى: {وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ} 1، كأنه قيل: هل النفس أمارة بالسوء؟ فقيل: نعم إن النفس لأمارة بالسوء، وهذا يقتضي تأكيد الحكم الذي في جملة الجواب، كما سبق لك في أضرب الخبر، وعليه قول الشاعر: يرى البخيل سبيل المال واحدة ... إن الكريم يرى في ماله سبلا كأنه قيل: فماذا يرى الكريم من ماله، فقيل: "إن الكريم ... إلخ. جـ- وأما عن غيرهما كقوله تعالى: {قَالُوا سَلَامًا قَالَ سَلَامٌ} 2، كأنه قيل: فماذ قال إبراهيم عليه السلام، فقيل: "قال سلام"، وعليه قوله: زعم العواذل أنني في غمرة ... صدقوا ولكن غمرتي لا تنجلي3 إذ مساق الكلام في إظهار الشكوى من العذال، وذلك مما يدعو السامع؛ لأن يسأل: أصدقوا أم كذبوا، فقيل: صدقوا. وقد يحذف صدر الجواب، اسما كان أو فعلا، نحو: {يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ، رِجَالٌ} 4، فيمن قرأه بالبناء للمفعول، كما قد يحذف الجواب كله ويقام ما يدل عليه مقامه كقول مساور بن هند يهجو بني أسد: زعمتم أن إخوتكم قريش ... لهم إلف وليس لكم الإلف5

_ 1 سورة يوسف الآية: 53. 2 سورة الذاريات الآية: 25. 3 العواذل جمع عاذلة، يراد هنا جماعة عاذلة بدليل قوله صدقوا، والغمرة الشدة. 4 سورة النور الآية: 36. 5 إيلاف في الرحلتين المعروفتين لهم في التجارة رحلة في الشتاء إلى اليمن ورحلة في الصيف إلى الشام، وبعده: أولئك أومنوا جوعا وخوفا ... وقد جاعت بنو أسد، وخافوا

فحذف الجواب وهو كذبتم في زعمكم وأقام مقامه قوله لهم: إلف ... إلخ، لدلالته عليه. قال عبد القاهر: واعلم أن الذي تراه في التنزيل من لفظ قال مفصولا غير معطفو هذا هو التقدير فيه والله أعلم، أعني مثل قوله: {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ الْمُكْرَمِينَ، إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَالُوا سَلَامًا قَالَ سَلَامٌ قَوْمٌ مُنْكَرُونَ، فَرَاغَ إِلَى أَهْلِهِ فَجَاءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ، فَقَرَّبَهُ إِلَيْهِمْ قَالَ أَلَا تَأْكُلُونَ، فَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قَالُوا لَا تَخَفْ} 1 فقد جاء على ما يقع في أنفس المخاطبين إذا قيل: دخل قوم على فلان فقالوا كذا أن يقولوا فما قال هو ويقول المجيب قال كذا أخرج الكلام ذلك المخرج؛ لأن الناس خوطبوا بما يتعارفون. وقال السكاكي: وتنزيل السؤال المفهوم من الكلام السابق منزلة الواقع لا يصار إليه إلا لاعتبارات لطيفة كإغناء السامع عن أن يسأل، أو ألا يسمع منه شيء تحقيرا له، أو لئلا ينقطع كلامك بكلامه، أو للقصد إلى تكثير المعنى بتقليل اللفظ، بترك السؤال، وترك العاطف، إلى غير ذلك، مما ينخرط في هذا السلك. ا. هـ. 4- شبه2 كمال الانقطاع، وهو أن تسبق جملة بجملتين يصح عطفهما على إحداهما، ولا يصح عطفها على الأخرى لفساد المعنى، فيترك العطف دفعا لهذا الوهم، ويسمى الفصل حينئذ قطعا، كقوله: وتظن سلمى أنني أبغي بها ... بدلا أراها في الضلال تهيم فبين الجملتين مناسبة ظاهرة لاتحاد المسندين؛ لأن المعنى أراها أظنها، وكون المسند إليه في الأولى محبوبا والثانية محبا، ولكن ترك العطف لئلا يتوهم أنه عطف على أبغي، فيكون من مظنونات سلمى، كالمعطوف عليه، وهو خلاف المراد3.

_ 1 سورة الذاريات الآيات: 25 و26 و27. 2 الفرق بينه وبين الانقطاع أن المانع هنا خارجي يمكن إزالته، وهناك مانع ذاتي. 3 لأنه إنما يريد الحكم على سلمى بخطئها في الظن حين ظنت أنه ينبغي بها بدلا، يدل على ذلك قوله قبله: زعمت هواك عفا الغداة كما عفا ... عنها طلال باللوى ورسوم

5- التوسط بين الكمالين, وهو أن تكون الجملتان متناسبتين، ولكن يمنع من العطف مانع وهو عدم قصد التشريك في الحكم كقوله تعالى: {وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ} 1 فجملة الله يستهزئ بهم لا يصح عطفها على إنا معكم لاقتضائه أنها من مقول المنافقين، وليس ذلك كذلك، ولا جملة قالوا؛ لأنه يكون المعنى، فإذا قالوا ذلك استهزأ الله بهم، وهذا لا يستقيم؛ لأن استهزاء الله بهم بأن خذلهم وخلاهم وما سولت لهم أنفسهم مستدرجا إياهم من حيث لا يشعرون إنما هو على نفس الاستهزاء وفعلهم له وإرادتهم إياه في قولهم آمنا، لا على أنهم حدثوا عن أنفسهم بأنهم مستهزئون، إذ المؤاخذة على اعتقاد الاستهزاء والخديعة في إظهار الإيمان لا في قولهم: إنا استهزأنا، من غير أن يقترن بذلك القول اعتقاد ونية. "تتمة" لما كانت الجملة الحالية تارة تجيء بالواو، وأخرى بغيرها، ناسب أن تذكر عقب الوصل والفصل، وذلك أن الحال نوعان: لازمة2 ومنتقلة3، ويفترقان في أن الأولى لا تقترن بواو البتة، وتكون وصفا غير ثابت كاسم الفاعل والمفعول، نحو: جاء علي ضاحكا، ويمتنع جاء علي طويلا أو أبيض، ويشتركان في شيئين: 1- أنهما يأتيان عاريين من حرف النفي، تقول: هو الحق بينا، وجاء علي مستبشرا، ولا يجوز أن تقول: لا خفيا في الأول، ولا عبوسا في الثاني. 2- أنهما يكونان بغير واو لأسباب ذكرها في الإيضاح، وهي: أ- أن إعراب الحال أصلي، ليس تبعا لغيره، ولا مجال للواو في المعرب أصالة، إذ الإعراب دال على التعلق المعنوي، المغني عن الاحتياج، إلى تعلق آخر.

_ 1 سورة البقرة الآية: 14. 2 سواء وردت بعد جملة فعلية نحو: خلق الله الزرافة يديها أطول من رجليها، أم اسمية نحو: هذا أبوك عطوفا. 3 أي: غير لازمة لصاحبها بل تفيد معنى حال نسبة العامل إلى صاحب الحال.

ب- أن حكم الحال مع صاحبها كحكم الخبر مع المخبر عنه1، إلا أن الفرق بينه وبينها أن الحكم يحصل به أصالة في ضمن شيء آخر، والحكم بها إنما يحصل ضمن غيرها، فإن الركوب في قولك: جاء خالد راكبا، محكوم به على خالد، لكن بالتبعية للمجيء، وجعله قيدا له. جـ- أن الحال وصف لذي الحال، فلا تدخل عليها الواو كالنعت2. لكن خولف هذا الأصل وجاءت الحال مقترنة بالواو إذا كانت جملة؛ لأنها من حيث هي جملة3 مستقلة بالإفادة لا بد لها من ربطها بما جعلت حالا عنه. والصالح للربط شيئان: الواو، والضمير، والثاني هو الأصل بدليل أنه يقتصر عليه في الحال المفردة والنعت والخبر. والجمل التي تقع حالا ضربان: 1- خالية عن ضمير ما تقع حالا عنه، وهذه يجب أن تقترن بالواو حتى لا تنقطع عما قبلها، ويستثنى منها المضارع المثبت على ما سيجيء. 2- غير خالية عن ضمير ما تقع حالا عنه، وهذه تارة تجب فيها الواو، وطورا تمتنع فيها، وحينا يجوز الأمران. أ- فإن كانت فعلية والفعل مضارع مثبت امتنع فيها الواو كقوله تعالى: {وَجَاءُوا أَبَاهُمْ عِشَاءً يَبْكُونَ} 4. وقول الشاعر: ولقد أغتدي يدافع ركني ... أحوذي ذو ميعة إضريج5 وسر هذا أن الحال المتنقلة تدل على حصول صفة غير ثابتة مع مقارنة حصولها لما جعلت قيدا له وهو عاملها.

_ 1 ما جاء من الأخبار بالواو كخبر باب كان في قول الحماسي: فلما صرح الشر ... ر فأمسى وهو عريان وقولهم: ما أحد إلا وله نفس أمارة بالسوء، فمحمول على الحال لشبهها به. 2 ما جاء من الجملة الوصفية مصدرا بالواو ونحو: أو كالذي مر على قرية وهي خاوية على عروشها، فمحمول ومشبه بالحال. 3 أما من حيث هي حال فهي متوقفة على التعليق بكلام سابق قصد تقييده بها. 4 سورة يوسف الآية: 16. 5 أغتدي أذهب غدوة مبكرا، والأحوذي السريع، والأضريج الفرس السريع.

والمضارع المثبت يفيد الأمرين فيدل على الحصول غير الثابت من قبل كونه فعلا يدل على التجدد، ويدل على المقارنة من جهة كونه مضارعا وهو حقيقة في الحال، وقد ورد قليلا قرنها بالواو، كقولهم: قمت وأصك وجهه، وقول عبد الله بن همام السلولي: فلما خشيت أظافيرهم ... نجوت وأرهنهم مالكا1 فاختلفت الأئمة في تأويله، فقيل: إنه على حذف المبدأ، أي: وأنا أصك وأنا أرهنهم، فهي جملة اسمية. وقال عبد القاهر: ليست الواو فيهما للحال، بل هي للعطف؛ لأن أصك وأرهن بمعنى صككت ورهنت، عبر فيهما بلفظ المضارع حكاية للحال الماضية2 كما في قوله: ولقد أمر على اللئيم يسبني ... فمضيت ثمت قلت لا يعنيني يدل لذلك أن الفاء قد تجيء مكان الواو في مثل هذا. ب- وإن كانت فعلية ذات مضارع منفي بلا أو ما استوى فيها الأمران، فمن مجيئها بالواو قراءة بن ذكوان فاستقيما ولا تتبعان3 بالتخفيف، وقول بعض العرب: كنت ولا أخشى الذئب4، وقول مسكين الدرامي: أكسبته الورق البيض أبا ... ولقد كان ولا يدعي لأب5 ومن ترك الواو قوله تعالى: {وَمَا لَنَا لَا نُؤْمِنُ بِاللَّهِ} 6، وقول خالد بن يزيد بن معاوية: لو أن قوما لارتفاع قبيلة ... دخلوا السماء دخلتها لا أحجب

_ 1 الأظافير هنا الشركة والقوة، والمعنى: لما خفت منهم هربت وجعلت مالكا رهنا لديهم. 2 هي أن يفرض ما كان في الماضي واقعا الآن لغرابته أو الإعجاب به. 3 وإنما لم تكن للعطف لامتناع عطف الخبر على الإنشاء وعلى قراءة تشديد النون، فالواو للعطف، ولا ناهية. 4 أخشى: أخوف. 5 الورق: الفضة. 6 سورة المائدة الآية: 64.

وسبب ذلك دلالته على المقارنة لكونه مضارعا، ويناسب ذلك ترك الواو وعدم الحصول، ويناسبه ذكرها. جـ- وإن كانت فعلية ذات ماض لفظا ومعنى، فكذلك يجوز فيها الأمران فمن مجيئها بالواو قوله تعالى: {أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَقَدْ بَلَغَنِيَ الْكِبَرُ} 1، وقول امرئ القيس: فجئت وقد نضت لنوم ثيابها ... لدى الستر إلا لبسة المتفضل2 ومن ترك الواو قوله عز وجل: {أَوْ جَاءُوكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ} 3، وقول عمرو بن كلثوم: فآبوا بالرمح مكسرات ... وأبنا بالسيوف قد انحنينا وشرط ذلك ألا تقع بعد إلا أو "أو العاطفة" وإلا امتنع الاقتران بها، نحو: {وَمَا يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ} 4، وقوله: كن للخليل نصيرا جار أو عدلا ... ولا تشح عليه جاد أو بخلا د- وكذا الماضوية معنى فقط "هي المضارع المنفي بلم أو لما" فمن مجيئها بالواو قول كعب بن زهير: لا تأخذني بأقوال الوشاة ولم ... أذنب وإن كثرت في الأقاويل وقوله عز اسمه: {أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ} 5، ومن تركها قوله تعالى: {وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْرًا} 6، وقوله: فقالت له العينان سمعا وطاعة ... وحدرتا كالدر لما يثقب وسبب جواز الأمرين أنه إذا كان الماضي مثبتا دل على حصول صفة غير ثابتة

_ 1 سورة آل عمران الآية: 40. 2 قضى الثوب ونضاه: خلعه، ولبسة المتفضل: كساء رقيق، يلبس عند النوم. 3 سورة النساء الآية: 9. 4 سورة الحجر الآية: 11. 5 سورة البقرة الآية: 214. 6 سورة الأحزاب الآية: 25.

لكونه فعلا، وهذا ما يناسبه ترك الواو لمشابهته المفرد، ودل على عدم المقارنة لكونه ماضيا، ولأجل هذا اشترط فيه أن يكون بقد إما ظاهرة أو مقدرة، حتى يقرب من الحال، وهذا ما يناسبه ذكر الواو لبعده عن تلك المشابهة. وإن كان الماضي منفيا دل على المقارنة دون الحصول، ذاك أن لما لاستغراق النفي من حين الانتفاء إلى زمن التكلم، وغيرها لانتفاء متقدم والأصل فيه أن يستمر فيحصل بهذا الاستمرار الدلالة على المقارنة عند الانطلاق وترك التقييد بما يدل على انقطاع ذلك الانتفاء. هـ- وإذا كان جملة اسمية فالمشهور جواز الأمرين، لكن مجيء الواو أولى فمن وجودها قوله تعالى: {فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} 1، وقول امرئ القيس: أيقتلني والمشرفي مضاجعي ... ومسنونة زرق كأنياب أغوال ومن تركها ما رواه سيبويه: كلمته فوه إلى في، وما أنشده الجوهري من قول بلال: ألا ليت شعري هل أبيتن ليلة ... بمكة حولي إذخر وجليل2 وإنما جاز الأمران؛ لأن الجملة الاسمية تدل على المفارنة لكونها مستمرة، وهذه يناسبها سقوط الواو، لا على حصول صفة غير ثابتة لدلالتها على الدوام والثبات، فهي بعكس الماضي المثبت، وهذا مما يستدعي وصلها بها. وإنما كان المجيء أولى؛ لأنها ليس فيها دلالة على عدم ثبوت الصفة بل هي تدل على الثبوت مع ظهور الاستنئاف فيها، إذ هي مستقلة بالفائدة فيحسن زيادة رابط يؤكد الربط ويقويه. وقال عبد القاهر: إن3 كان المبتدأ ضمير ذي الحال وجبت الواو، نحو: جاز زيد، وهو يسرع، أو وهو مسرع.

_ 1 سورة البقرة الآية: 22. 2 الإذخر نبات طيب الرائحة، الواحد إذخرة، والجليل النخلة العظيمة الكثيرة الحمل. 3 فهو يخالف المشهور في أنه حكم على غير المبدوءة بالظرف، وغير ما دخل عليها حرف على المبتدأ, وغير المعطوفة على مفرد بوجوب الواو فيها إذا بدئت بضمير ذي الحال, وبجواز الأمرين فيما عدا ذلك مع أرجحية الذكر.

وعلة ذلك أن الفائدة كانت حاصلة بقوله: يسرع، من غير ذكر الضمير، فالإتيان به يشعر بقصد الاستئناف المنافي للاتصال، فلا يكفي الضمير حينئذ في الربط، بل لا بد من الواو. وقال أيضا: إن كان الخبر في الجملة الاسمية ظرفا قد قدم على المبتدأ كقولنا: جاء زيد على كتفه سيف، وفي يده سوط، كثر فيها أن تجيء بغير واو، كقول بشار: إذا أنكرتني بلدة أو نكرتها ... خرجت من البازي علي سواد1 وقول أبي وائلة في عبد الملك بن المهلب: لقد صبرت للذل أعواد منبر ... تقوم عليها في يديك قضيب والوجه أن يقدر الاسم في هذه الأمثلة مرتفعا على الفاعلية بالظرف، فإنه جائز باتفاق صاحب "الكتاب" والأخفش لاعتماده على ما قبله. ويقدر متعلقه على ما اختاره عبد القاهر: اسم فاعل لا فعلا، إلا إذا قدر ماضيا مع قد. وقال أيضا: ومما ينبغي أن يراعى في هذا الباب أنك ترى الجملة جاءت حالا بغير واو، ويحسن ذلك من أجل حرف دخل عليها، كقول الفرزدق: فقلت عسى أن تبصريني كأنما ... بنى حوالي الأسود الحوارد2 لأنه لولا دخول كأن عليها لم تحسن إلا بالواو، كأن يقال: وبني حوالي..وشبيه بهذا أنك ترى الجملة قد جاءت حالا، بعقب مفرد، فلطف مكانها، كقول ابن الرومي: والله يبقيك لنا سالما ... بُرداك تبجيل وتعظيم3 فبرداك تبجيل في موضع حال ثانية لو لم يتقدمها قوله: سالما، لم يحسن فيها ترك الواو.

_ 1 على سواد أي: بقية من الليل. 2 الحوارد: الغضاب، قاله يخاطب زوجته، وقد عيرته؛ لأنه لا يولد له. 3 البرداك تثنية برد، وهو الثوب.

تدريب أول: بين سبب الفصل والوصل فيما يأتي: 1- اخط مع الدهر إذا ما خطا ... واجر مع الدهر كما يجري 2- حكم المنية في البرية جاري ... ما هذه الدنيا بدار قرار 3- لا تدعه إن كنت تنصف نائبا ... هو في الحقيقة نائم لا نائب 4- من للمحافل والجحافل والسرى ... فقدت بفقدك نيرا لا يطلع1 5- قالت بليت فما نراك كعهدنا ... ليت العهود تجددت بعد البلى 6- {وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً} 2. 7- {وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا وَلَّى مُسْتَكْبِرًا كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْهَا كَأَنَّ فِي أُذُنَيْهِ وَقْرًا} 3. 8- {قَالَ فِرْعَوْنُ وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ، قَالَ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ} 4. الإجابة: 1- وصل بين الجملتين المتوسط بين الكمالين مع عدم المانع من العطف لاتفاقهما إنشاء مع وجود المناسبة. 2- فصل الشطر الثاني عن الأول؛ لأنه توكيد معنوي له إذ يفهم من جريان حكم الموت على الخلق أن الدنيا ليست دار بقاء، فأكد ذلك بالشطر الثاني، فبينهما كمال الاتصال. 3- فصل الشطر الثاني عن الأول لاختلافهما خبرا وإنشاء، فبينهما كمال الانقطاع. 4- فصل بين الشطرين لاختلافهما خبرا وإنشاء فبينهما كمال الانقطاع.

_ 1 الجحافل الجيوش، والسرى سير عامة الليل. 2 سورة النمل الآية: 88. 3 سورة لقمان الآية: 7. 4 سورة الشعراء الآية: 23.

5- بين الشطرين كمال الانقطاع لاختلافهما خبرا وإنشاء، ولذا فصل بينهما. 6- بين جملتي: ترى وتحسب، كمال الاتصال؛ لأن الثانية بدل اشتمال من الأولى. 7- فصل الجملة الثانية والجملة الثالثة عن الأولى؛ لأن كلا منهما توكيد معنوي للأولى. 8- فصل جملة قال الثانية، لوقوعها جوابا عن سؤال مقدر نشأ من الأولى، فبينهما شبه كمال الاتصال. تدريب ثان: بين سبب الفصل والوصل، واذكر الجمل الحالية فيما يلي: 1- نفسي له نفسي الفداء لنفسه ... لكن بعض المالكين عفيف 2- {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى، إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى} 1. 3- {يُدَبِّرُ الْأَمْرَ يُفَصِّلُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ بِلِقَاءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ} 2. 4- فما الحداثة عن حلم بمانعة ... قد يوجد الحلم في الشبان والشيب 5- يهوي الثناء مبرز ومقصر ... حب الثناء طبيعة الإنسان 6- إذا كنت ذا رأي فكن ذا عزيمة ... ولا تك بالترداد للرأي مفسدا 7- فاشرب هنيئا عليك التاج مرتفقا ... في رأس غمدان دار منك محلالا3 8- مضوا لا يريدون الرواح وغالهم ... من الدهر أسباب جرين على قدو الإجابة: 1- بين نفسي له ونفسي الفداء لنفسه كمال الاتصال؛ لأن الثانية توكيد لفظي للأولى. 2- بين الجملتين كمال الاتصال؛ لأن الثانية توكيد معنوي للأولى؛ لأن تقرير كونه وحيا نفي لأن يكون عن الهوى.

_ 1 سورة النجم الآية: 3. 2 سورة الرعد الآية: 2. 3 المرتفق المتكئ، وغمدان حصن بصنعاء، وروضة محلال يكثر حلول الناس فيها.

3- بين يدبر ويفصل كمال الاتصال؛ لأن الثانية بدل بعض من كل. 4- بين الشطرين شبه كمال الاتصال، إذ الجملة الثانية جواب عن سؤال مقدر. 5- بين الشطرين كمال الاتصال، إذ الجملة الثانية مؤكدة للأولى تأكيدا معنويا. 6- وصل الجملتين لتوسطهما بين الكمالين لاتحادهما إنشاء مع وجود المناسبة وعدم المانع مع من العطف. 7- جملة "عليك التاج" في موضع الحال، ويكثر فيها ترك الواو لتقدم الظرف. 8- جملة "لا يريدون الرواح" حال، وهي مضارع منفي، فيجوز فيها ذكر الواو وتركها, وإن كان الأكثر في النفي بلا ترك الواو. تمرين أول: بين أسباب الفصل والوصل واستخراج الجمل الحالية فيما يلي: 1- {وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ} 1. 2- يقولون إني أحمل الضيم عندهم ... أعوذ بربي أن يضام نظيري 3- لست مستسقيا لقبرك غيثا ... كيف يظما وقد تضمن بحرا 4- {سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ} 2. 5- {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ} 3. 6- "الأرواح جنود مجندة ما تعارف منه ائتلف وما تناكر منها اختلف". 7- ولست بهياب لمن لا يهابني ... ولست أرى للمرء ما لا يرى ليا 8- متى أرى الصبح قد لاحت مخايله ... والليل قد مزقت عنه السرابيل 9- لا تأمنن عدوا لأن جانبه ... خشونة الصل عقبي ذلك اللين

_ 1 سورة النحل الآية: 127. 2 سورة البقرة الآية: 23. 3 سورة البقرة الآية: 8.

تمرين ثان: 1- أتيناكم قد عمكم حذر العدا ... فنلتم بنا أمنا ولم تعدموا نصرا 2- إن تلقني لا ترى غيري بناظرة ... تنس السلاح وتعرف جبهة الأسد 3- ولول جنان الليل ما آب عمر ... إلى جعفر سرباله لم يمزق1 4- يزعم صديقي أني أحسده على نعمته آراه مخطئا فيما زعم. 5- والغدر بالعهد قبيح جدا ... شر الورى من ليس يرى العهدا 6- يا من يقتل من أراد بسيفه ... أصبحت من قتلاك بالإحسان 7- بانت قطم ولما يحظ ذو مقة ... منها بوصل ولا إنجاز ميعاد 8- كأن فتات العهن في كل منزل ... نزلن به حب الفنا لم يحطم2 9- من أغفل الشعر لم تعرف مناقبه ... لا يجتنى ثمر من غير أغصان

_ 1 جنان الليل ظلمته الحالكة، والسربال السراويل. 2 العهن الصوف الأحمر، والفنا واحدته فناة عنب الثعلب، وحبه أحمر ما لم يكسر.

الباب الثاني عشر: في الإيجار والإطناب والمساواة

الباب الثاني عشر: في الإيجار والإطناب والمساواة المبحث الأول: في دقة مسلكها واختلاف الأئمة في تعريفها ... الباب الثاني عشر: في الإيجاز والإطناب والمساواة وفيه خمسة مباحث. المبحث الأول: في دقة مسلكها واختلاف الأئمة في تعريفها هذا الباب أساس في بنيان الفصاحة وركن ركين في تكوين ملكة البلاغة، حتى نقل صاحب "سر الفصاحة" عن بعضهم أنه قال: "البلاغة هي الإيجاز والإطناب". واعلم أن علماء البيان افترقوا فرقتين: فرقة منهم ثبت واسطة بين الإيجاز والإطناب هي المساواة، وعليها درج السكاكي ومن تبعه, وقالوا إنها ليست محمودة ولا مذمومة، وفرقة منها ابن الأثير في جماعة ذهبوا إلى نفي الواسطة، ومن ثم قسموا إيجاز غير الحذف قسمين: إيجاز تقدير وهو ما ساوى لفظه معناه من غير زيادة, وهذه هي المساواة على الرأي الأول، وإيجاز قصر وهو ما يزيد معناه على لفظه. ومن هذا تعلم أن الخلاف بينهم في الاسم، لا في المسمى، والطريقة الأولى أشهر بين أئمة الفن، ولذا قد جرينا عليها.

_ 1 أي: متعارف أوساط الناس على ما سيأتي في المساواة.

المبحث الثاني: في الإيجار

المبحث الثاني: في الإيجار ... المبحث الثاني: في الإيجاز الإيجاز لغة التقصير، يقال: أوجز في كلامه، إذا قصره، وكلام وجيز أي: قصير. وفي الاصطلاح اندراج المعاني المتكاثرة تحت اللفظ القليل، أو هو التعبير عن المقصود بلفظ أقل من المتعارف1 وافٍ بالمراد لفائدة1. فإذا لم يفِ كان إخلالا وحذفا رديئا كقول الحارث بن حلزة اليشكري: والعيش خير في ظلا ... ل النوك ممن عاش كدا2 لا شك أنه يريد: والعيش الناعم الرغد خير في ظلال النوك, والحمق من العيش الشاق في ظلال العقل، لكن لحن كلامه لا يدل على هذا، إلا بعد التأمل، وإمعان النظر. وقول عروة بن الورد: عجبت لهم إذ يقتلون نفوسهم ... ومقتلهم عند الوغى كان أعذرا فإنه يريد: إذ يقتلون نفوسهم في السلم. وقول بعضهم نثرا: "فإن المعروف إذا زجا3 كان أفضل منه إذا توفر وأبطا". لا شك أنه يريد: إذا قل وزجا. وهو ضربان: إيجاز حذف، وإيجاز قصر؛ لأن الكلام القليل إن كان بعضا من كلام أطول منه فهو الأول، وإن كان كلاما يفيد معنى كلام آخر أطول منه فهو الثاني. إيجاز الحذف: الحذف إما مفردا أو حذف جملة أو حذف جمل: 1- حذف المفرد أوسع مجالا من حذف الجملة، إذ هو أكثر استعمالا، وذلك على صور: أ- حذف المسند إليه ... --> "قد مضى الكلام عليها". ب- حذف المسند. جـ- حذف المفعول. د- حذف المضاف، وهو كثير الدوران في الكلام، كقوله تعالى:

_ 1 النوك بضم النون وفتحها: الحمق، وقبله: عش بجد لا يضر ... ك النوك ما أوليت جدا 2 زجا الخراج: تيسرت جبايته، فهو يريد السهولة والتيسير.

{حَتَّى إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ} 1، أي: سدهما، وقوله عز وجل: {لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ} 2 أي: رحمته، وقوله تعالى: {يَخَافُونَ رَبَّهُمْ} 3 أي: عذاب ربهم. هـ- حذف المضاف إليه، وهو قليل، كقوله تعالى: {لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ} 4 أي: من قبل ذلك ومن بعده. و حذف الموصوف وإقامة الصفة مقامه وهو فاش كثير الاستعمال نحو: {وَعِنْدَهُمْ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ أَتْرَابٌ} 5، أي: حور قاصرات الطرف، وأكثر ما يكون ذلك في باب النداء، نحو: يا أيها الظريف، تقديره: يا أيها الرجل الظريف، وفي باب المصدر، نحو: {وَمَنْ تَابَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَابًا} 6 تقديره: وعمل عملا صالحا. ز- حذف الصفة وإقامة الموصوف مقامها، وهو نادر7، ومن ذلك ما حكاه سيبويه، من نحو قولهم: سير عليه ليل، يريدون: ليل طويل. وقول الحماسي: كل امرئ ستئيم منه العرس أو منها يئيم، تقديره: كل امرئ متزوج؛ لأن المعنى لا يصح إلا به, ومنه أن يتقدم مدح إنسان والثناء عليه، فتقول: كان والله رجلا، فأنت تعني أنه كان رجلا فاضلا جوادا كريما. ح- حذف القسم، كقولك: لأخرجن، أي: والله لأخرجن. ط- حذف جواب القسم، وهو كثير في القرآن الكريم، نحو:

_ 1 سورة الأنبياء الآية: 96. 2 سورة الأحزاب الآية: 21. 3 سورة النمل الآية: 50. 4 سورة الروم الآية: 4. 5 سورة ص الآية: 52. 6 سورة الفرقان الآية: 71. 7 وإنما قل حذف الصفة وكثر حذف الموصوف؛ لأن الصفة ما جاءت إلا للإيضاح والبيان، فيكثر أن تقوم مقام الموصوف، بخلافه هو، فإنه يكثر إبهامه، فلا جرم أن كان قيامه مقامها نادرا.

{وَالْفَجْرِ، وَلَيَالٍ عَشْرٍ، وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ، وَاللَّيْلِ إِذَا يَسْرِ، هَلْ فِي ذَلِكَ قَسَمٌ لِذِي حِجْرٍ} 1 تقديره: لتعذبن يا كفار مكة. ي- حذف الشرط، نحو: {يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ أَرْضِي وَاسِعَةٌ فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ} 2 تقديره: فإن لم يتسن لكم إخلاص العبادة لي في أرض فإياي فاعبدون في غيرها. ك- حذف جواب الشرط، وهو نوعان: 1- أن يحذف لمجرد الاختصار، كقوله تعالى: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّقُوا مَا بَيْنَ أَيْدِيكُمْ وَمَا خَلْفَكُمْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} 3، أي: اعرضوا، بدليل قوله تعالى بعده: {إِلَّا كَانُوا عَنْهَا مُعْرِضِينَ} 4. 2- أن يحذف للدلالة على أنه شيء لا يحيط به الوصف أو لتذهب نفس السامع كل مذهب ممكن فلا يتصور شيئا إلا والأمر أعظم منه، نحو: {وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ} 5. ل- حذف حروف المعاني، وقد توسعوا في ذلك، لكثرة دورانها، وفشو استعمالها، وكثر ذلك في: "لا" كقول عاصم المنقري: رأيت الخمر جامحة وفيها ... خصال تفسد الرجل الحليما فلا والله أشربها حياتي ... ولا أسقي بها أبدًا نديما "لو" نحو: {مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذًا لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ} 6 تقديره: إذ لو كان معه آلهة لذهب كل إله بما خلق.

_ 1 سورة الفجر الآيات: 1 و2 و3. 2 سورة العنكبوت الآية: 6. 3 و4 سورة يس الآيتان: 45 و46. 5 سور الزمر الآية: 73. 6 سورة المؤمنون الآية: 91.

"الواو" ولحذفها فائدة لا توجد عند إثباتها؛ لأن وجودها يؤذن بالتغاير بين الجملتين، وحذفها يصير الجملتين كأنهما جملة واحدة، وهذا من بديع الإيجاز وحسنه، كحديث أنس بن مالك: كان أصحاب رسول الله ينامون, ثم يصلون لا يتوضئون، وفي رواية ولا يتوضئون، فالحذف دل على اتصال الجملتين حتى كأن الثانية إحدى متعلقات الأولى، فهو في حكم: ينامون، ثم يصلون غير متوضئين، وبذا تتم المبالغة المرادة، وهي أنهم لا يذوقون النوم إلا غرارا. 2- حذف الجملة1، وهذا يكون إما: أ- بحذف مسبب ذكر سببه نحو: ليحق لحق ويبطل الباطل، أي: فعل ما فعل، ومنه قول أبي الطيب: أتى الزمان بنوه في شبيبته ... فسرهم وأتيناه على الهرم "أي فساءنا". ب- عكسه نحو: {فَقُلْنَا اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانْفَجَرَتْ} 2، أي: فضربه بها فانفجرت. جـ- بحذف الأسئلة المقدرة ويلقب بالاستئناف، وذلك على أنواع: 1- استئناف بإعادة اسم ما استؤنف عنه، كقولك: أحسنت3 إلى علي، علي حقيق بالإحسان، فتقدير المحذوف، وهو السؤال المقدر: لماذا أحسن، أو نحو ذلك. 2- استئناف بإعادة صفته كقولك: أكرمت محمدا، صديقك القديم أهل لذلك منك. تقدير السؤال المحذوف: هل هو حقيق بالإكرام، والنوع الثاني أبلغ، لاشتماله على بيان السبب الموجب للحكم كالصداقة في هذا المثال. 3- حذف الجمل وأكثر ما يرد في كلام رب العزة، فهناك تتجلى مراتب

_ 1 المراد بالجملة هناك: الكلام المستقل بالإفادة، الذي لا يكون جزء من كلام آخر، وإلا دخل الشرط والجزاء، وقد تقدم عد حذفهما من حذف المفرد. 2 سورة البقرة الآية: 60. 3 المقصود من الإخبار، إعلام المخاطب بأنه وقع الإحسان منه إلى علي، لتقرير الإحسان السابق واستجلاب الإحسان اللاحق.

الإعجاز، ويظهر مقدار التفاوت في صنعة الكلام، وذلك كقوله تعالى: {فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا كَذَلِكَ يُحْيِي اللَّهُ الْمَوْتَى} 1، أي: فضربوه بها فحيي، فقلنا: كذلك يحيى الله الموتى، وقوله تعالى: {أَنَا أُنَبِّئُكُمْ بِتَأْوِيلِهِ فَأَرْسِلُونِ، يُوسُفُ} 2، أي: فأرسلوني إلى يوسف لأستعيره الرؤيا فأرسلوه إليه فأتاه وقال: يا يوسف، وقوله: {فَقُلْنَا اذْهَبَا إِلَى الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا فَدَمَّرْنَاهُمْ تَدْمِيرًا} أي: فأتياهم فأبلغاهم الرسالة فكذبوهما فدمرناهم تدميرا. والحذف على وجهين: 1- ألا يقام شيء مقام المحذوف كما تقدم. 2- أن يقام مقامه ما يدل عليه كقوله تعالى: {فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ مَا أُرْسِلْتُ بِهِ إِلَيْكُمْ} 3، أي: فلا لوم علي لأني قد أبلغتكم. وأدلة الحذف كثيرة، منها: أ- العقل الدال على المحذوف، والمقصود الأظهر، الدال على تعيينه كقوله تعالى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ} 4 الآية، فالعقل يدل على أن الحرمة إنما تتعلق بالأفعال لا بالذوات، والذي يتبادر قصده من مثل هذه الأشياء إنما هو التناول الذي يعم الأكل والشرب. ب- العقل الدال عليهما معا، كقوله تعالى: {وَجَاءَ رَبُّكُ} أي: أمره، أو عذابه. ويرى صاحب "الكشاف" أن هذا ليس من باب الحذف وإنما هو تمثيل لظهور قدرته وتبيين لسلطانه وقهره، فمثلت حاله في ذلك بحال الملك إذا حضر بنفسه ظهر بحضوره من آثار الهيبة والسياسة ما لا يظهر بحضور عساكره ووزرائه وخواصه على بكرة أبيهم. جـ- العقل الدال على المحذوف والعادة الدالة على تعيينه، كقوله تعالى:

_ 1 سورة البقرة الآية: 73. 2 سورة يوسف الآية: 45. 3 سورة هود الآية: 57. 4 سورة المائدة: 3.

{فَذَلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ} 1، فقد دل العقل على المحذف؛ لأنه لا معنى للوم على ذات الشخص، وأما تعيين المحذوف فإنه يحتمل أن يقدر في حبه، لقوله: شغفها حبا، أو في مراودته لقوله: تراود فتاها عن نفسه، أو في شأنه حتى يشملهما معا، ولكن العادة تقتضي بأن الحب المفرط لا يلام عليه صاحبه؛ لأنه ليس من كسبه واختياره، وإنما يلام على المراودة التي يقدر أن يدفعها عن نفسه. د- العقل الدال على المحذوف، والشروع في الفعل الدال على تعيينه، كما في: باسم الله، فإنك تقدر المتعلق ما جعلت التسمية مبدأ له من نحو: آكل أو أشرب أو أسافر. هـ- العقل الدال على المحذوف واقتران الكلام بالفعل الدال على تعيينه، كما تقول للمعرس: بالرفاه والبنين، أي: عرست. إيجاز القصر: هو ما تزيد فيه المعاني على الألفاظ الدالة عليها بلا حذف، وللقرآن الكريم فيه المنزلة التي لا تسامي والغاية التي لا تدرك، نحو: {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ} 2، فتلك آية جمعت مكارم الأخلاق، وانطوى تحتها كل دقيق وجليل، إذ في العفو الصفح عما أساء، والرفق في سائر الأمور، بالمسامحة والإغضاء، وفي الأمر بالمعروف صلة الأرحام ومنع اللسان عن الكذب والغيبة، وغض الطرف عن المحارم، وفي الإعراض عن الجاهلين الصبر والحلم وكظم الغيظ. ويقول عز اسمه: {وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنْفَعُ النَّاسَ} 3، فقد استوعبت تلك الكلمات القليلة أنواع المتاجر وصنوف المرافق التي لا يبلغها العد، وقوله تعالى: {أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ} فهاتان كلمتان أحاطتا بجميع الأشياء على غاية الاستقصاء، ولذا روي أن ابن عمر قرأها، فقال: من بقي له شيء فليطلبه.

_ 1 سورة يوسف الآية: 32. 2 سورة الأعراف الآية: 199. 3 سورة البقرة الآية: 164.

وقوله تعالى: {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ} 1، فتلك جملة تضمنت سرا من أسرار التشريع الجليلة، التي عليها مدار "سعادة المجتمع البشرى في دنياه وأخراه" بيان ذلك أن الإنسان إذا هم بقتل آخر لشيء غاظه منه فذكر أنه إن قتله قتل، ارتدع عن القتل، فسلم المهموم بقتله، وصار كأنه استفاد حياة جديدة، فيما يستقبل بالقصاص مضافة إلى الحياة الأصلية، وأن هذا مما أثر عن العرب من قولهم: القتل أنفى للقتل، فإن الآية تمتاز بوجوه2: 1- أنها كلمتان وما أثر عنهم أربع. 2- لا تكرار فيها وفيما قالوه تكرار. 3- ليس كل قتل يكون نافيا للقتل، وإنما يكون ذلك إذا كان على جهة القصاص. 4- حسن التأليف وشدة التلاؤم المدركان بالحسن فيها لا في ما قالوه. 5- أن فيها الطباق للجمع بين القصاص والحياة، وهما كالضدين كما ستعرف ذلك في البديع. 6- أن فيها التصريح بالمطلوب وهو الحياة بالنص عليها، فيكون أزجر عن القتل بغير حق وأدعى إلى الاقتصاص. 7- أن القصاص جعل فيها كالمنبع للحياة والمعدن لها بإدخال "في" عليه، فكأن أحد الضدين، وهو الفناء، صار محلا لضده الآخر، وهو الحياة، وفي ذلك ما لا يخفى من المبالغة، وقد نظم أبو تمام معنى ما ورد عن العرب في شطر بيت، فقال: وأخافكم كي تغمدوا أسيافكم ... "إن الدم المغبر يحرسه الدم" كما للسنة النبوية من ذلك الحظ الأوفر، ويرشد إلى ذلك قوله عليه السلام: $"أوتيت جوامع الكلم واختصر لي الكلام اختصارا". فمن ذلك قوله عليه السلام: "المعدة بيت الداء، والحمية رأس الدواء، وعودوا كل جسم ما اعتاد ... " , فهو قد جمع من الأسرار الطبية الشيء الكثير.

_ 1 سورة البقرة الآية: 179. 2 فاضل بينهما السيوطي في "الإتقان" بأكثر من عشرين وجها، أهمها ما ذكرنا.

وقوله عليه السلام: "الطمع فقر واليأس غنى". وقول علي كرم الله وجهه: ثمرة التفريط الندامة، لكل مقبل إدبار وما أدبر كان كأن لم يكن، لا يعد من الصبور الظفر وإن طال به الزمان، من استقبل وجوه الآراء عرف وجوه الخطأ، من أحد سنان الغضب لله قوي على قتل أسد الباطل. وقول بعض الأعراب: اللهم هب لي حقك وارض عني خلقك. فلما سمعه علي كرم الله وجهه قال: هذا هو البلاغة. وقول السمؤل بن عاديا الغساني: وإن لم يحمل على النفس ضيمها ... فليس إلى حسن الثناء سبيل فقد اشتمل على مكارم الأخلاق من سماحة وشجاعة وتواضع وحلم وصبر وتكلف واحتمال مكاره، إذ كل هذه مما تضيم النفس، لما يحصل في تحملها من المشقة والعناء.

المبحث الثالث: في المساواة "إيجاز التقدير"

المبحث الثالث: في المساواة 1 إيجاز التقدير هي التعبير عن المعنى المقصود بلفظ مساو له لفائدة2، بحيث لا يزيد أحدهما على الآخر، حتى لو نقص اللفظ تطرق الخرم إلى المعنى بمقدار ذلك النقصان، وهي المذهب المتوسط بين الإيجاز والإطناب. وإليها يشير القائل كأن ألفاظه قوالب معانيه، كقوله تعالى: {فَمَنْ كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ} 3، {كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ} 4، {وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ} . وقوله عليه السلام: "الحلال بين والحرام بين وبين ذلك مشتبهات". "إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى" ... "الضعيف أمير الركب". وقول علي كرم الله وجهه: عليكم بطاعة من لا تعذرون بجهالته، قد بصرتم إن أبصرتم وهديتم إن اهتديتم.

_ 1 وهي لا تحمد ولا تذم، إذ لا يحتاج فيها إلى اعتبار نكتة، بل يكفي فيها عدم المقتضي العدول عنها، إلا إذا اقتضى المقام تأدية أصل المعنى وراعاه البليغ فإن ذلك يكون محمودا، ومن هذا جاء في القرآن الكريم والحديث الشريف وغيرهما من كلام فصحاء العرب. 2 وهو كون المأتي به هو الأصل، ولا داعي للعدول عنه. 3 سورة الروم الآية: 44. 4 سورة الطور الآية: 31.

المبحث الرابع: في الإطناب

المبحث الرابع: في الإطناب هو لغة مصدر أطنب في كلامه إذ بالغ فيه وطول ذيوله، واصطلاحا زيادة اللفظ على المعنى لفائدة، فخرج بذكر الفائدة التطويل والحشو، والفرق بينهما أن الزائدة إن كان غير متعين كان تطويلا، وإن كان متعينا كان حشوا، وكلاهما بمعزل عن مراتب البلاغة، فالأول نحو: ألا حبذا هند وأرض بها هند ... وهند أتى من دونها النأي والبعد فالنأي والبعد واحد، ولا يتعين أحدهما للزيادة. والثاني ضربان: أ- ما يفسد به المعنى كقول أبي الطيب في رثاء غلام لسيف الدولة: ولا فضل فيها للشجاعة والندى ... وصبر الفتى لولا لقاه شعوب يريد أنه لا خير في الدنيا للشجاعة والصبر لولا الموت، وهذا حسن جميل؛ لأنهما إنما عدا من الفضائل لما فيهما من الإقدام على الموت واحتمال المكاره، ولو علم الإنسان أنه خالد في الدنيا لهان عليه اقتحام المخاطر، كما أنه لو أيقن بزوال المكروه صبر لوثوقه بالخلاص، أما الندى فعلى العكس من ذلك؛ لأن الموت يجعل البذل سهلا إذ من علم أنه ميت فهو جدير أن يجود بماله، كما قال طرفة: فإن كنت لا تستطيع دفع منيتي ... فذرني أبادرها بما ملكت يدي فهو حشد، وقد اعتذر له بعض الناس بما فيه تكلف وتعسف. ب- ما لا يفسد به كقول أبي العيال الهذلي: ذكرت أخي فعاودني ... صداع الرأس والوصب1 فذكر الرأس مع الصداع حشو؛ لأنه لا يكون في غيره من الأعضاء.

_ 1 الوصب: نحول الجسم، من تعب، أو مرض.

وقول أبي عدي: نحن الرءوس وما الرءوس إذا ... سمت في المجد للأقوام كالأذناب فإن قوله: للأقوام، حشو لا فائدة فيه، مع أنه غير مفسد. "تنبيه" قال بدر الدين بن مالك في "المصباح": يكثر الحشو بلفظ: أصبح وأمسى وعدا وإلا وقد واليوم ولعمري ويا صاحبي. كما قال أبو تمام: أقروا "لعمري" بحكم السيوف ... وكانت أحق بفصل القضا وكما قال البحتري: ما أحسن الأيام إلا أنها ... "يا صاحبي" إذا مضت لم ترجع والداعي إليه إما إصلاح وزن الشعر، أو تناسب للقوافي وحروف الروي، أو قصد السجع في النثر. ويكون الإطناب بأمور شتى، منها: 1- الإيضاح بعد الإبهام، ليرى المعنى في صورتين مختلفتين، وليتمكن في النفس فضل تمكن، فإن الكلام إذا قرع السمع على جهة الإبهام ذهب السامع فيه كل مذهب، فإذا وضح تمكن في النفس فضل تمكن، وكان شعورها به أتم، ومنه قوله تعالى: {وَقَضَيْنَا إِلَيْهِ ذَلِكَ الْأَمْرَ أَنَّ دَابِرَ هَؤُلَاءِ مَقْطُوعٌ مُصْبِحِينَ} 1. فقوله تعالى: أن دابر هؤلاء، تفسير لذلك الأمر، تفخيما لشأنه، ولو قيل: وقضينا إليه أن دابر هؤلاء مقطوع، لم يكن له من الروعة مثل ما كان له حين الإبهام, يرشد إلى ذلك أنك لو قلت: هل أدلكم على أكرم الناس أبا وأفضلهم حسبا وأمضاهم عزيمة وأنفذهم رأيا، ثم قلت: فلان، كان أدخل في مدحه وأنبل وأفخم مما لو قلت: فلان الأكرم الأفضل. ومن ضروبه باب: نعم وبئس، على قول: من يجعل المخصوص خبر متبدأ محذوف، إذ لو أريد الاختصار لقيل: نعم وبئس أبو لهب، عوضا من قولك: نعم الرجل محمد، وبئس الرجل أبو لهب.

_ 1 سورة الحجر الآية: 66.

ووجه حسنه إبراز الكلام في معرض الاعتدال، نظرا إلى إطنابه من وجه، وإيجازه من وجه آخر، إلى إيهام الجمع بين المنافقين. والتوشيع1 وهو أن يؤتى في عجز الكلام بمثنى مفسر باسمين، أحدهما معطوف على الآخر، نحو قوله عليه السلام: "خصلتان لا تجتمعان في مؤمن، البخل وسوء الخلق"، وقول ابن الرومي يمدح عبد الله بن وهب: إذا أبو القاسم جادت لنا يده ... لم يحمد الأجودان البحر والمطر وإن أضاءت لنا أنوار غرته ... تضاءل النيران الشمس والقمر 2- ذكر الخاص بعد العام تنبيها إلى ما له من المزية حتى كأنه ليس من جنس العام، وتنزيلا للتغاير في الوصف منزلة التغاير في الذات كقوله تعالى: {مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ} 2، فذكر جبريل وميكايل مع دخولهما في الملائكة، للتنبيه على زيادة فضلهما. 3- التكرير، وقد جاء في القرآن الكريم، وكلام العرب منه شيء كثير، ويكون إما: أ- للتأكيد كقوله تعالى: {كَلَّا سَيَعْلَمُونَ، ثُمَّ كَلَّا سَيَعْلَمُونَ} 3، وقوله: كم نعمة كانت لكم كم كم وكم. ب- لزيادة التنبيه إلى ما ينفي التهمة ليكمل تلقي الكلام بالقبول، نحو: {وَقَالَ الَّذِي آمَنَ يَا قَوْمِ 4 اتَّبِعُونِ أَهْدِكُمْ سَبِيلَ الرَّشَادِ} 5، يا قوم إنما هذه الحياة الدنيا متاع. جـ- لتعدد المتعلق، كما كرر الله عز وجل في سورة الرحمن قوله تعالى: {فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} 6 لأنه تعالى عدد فيها نعماءه وذكر عباده آلاءه،

_ 1 لغة لف القطن المندوف. 2 سورة البقرة الآية: 98. 3 سورة النبأ الآيتان: 4 و5. 4 إذ تكرار يا قوم مع إضافة إلى ياء المتكلم يفيد بعد القائل عن التهمة في النصح إذ إنهم قومه، فلا يريد لهم إلا ما يريده لنفسه. 5 سورة غافر الآية: 38. 6 سورة الرحمن الآية: 16.

ونبههم إلى قدرها وقدرته عليها ولطفه فيها، وجعلها فاصلة بين كل نعمة ليعرف موضع ما أسداه إليهم منها. وقد جاء مثل ذلك كثيرا في كلام العرب، ألا ترى إلى مهلهل وقد كرر قوله: على أن ليس عدلا من كليب1 في أكثر من عشرين بيتا من قصيدته، وإلى الحرث بن عباد وقد كرر قوله: قربا مني مربط النعامة2 أكثر من سابقه؛ لأنهما رأيا الحاجة ماسة إلى التكرير، والضرورة داعية إليه، لعظم الخطب وشدة موقع النكبة. 4- الإيغال3، وهو ختم البيت بما يفيد النكتة، يتم المعنى بدون التصريح بها، وذلك إما: أ- لزيادة المبالغة والتأكيد، كقول الخنساء: وإن صخرا لشأتم الهداة به ... كأنه علم في رأسه نار فقولها: في رأسه نار، من الإيغال الحسن، إذ لم تكتف بأن تشبهه بالعمل الذي هو الجبل المرتفع المشهور بالهداية حتى جعلت في رأسه نارا، لما في ذلك من زيادة الظهور والانكشاف. ب- لتحقيق التشبيه، كقول امرئ القيس: كأن عيون الوحش حول خبائنا ... وأرحلنا الجزع الذي لم يثقب4 فقد أكد التشبيه وأظهر رونقه بقوله: لم يثقب؛ لأن الجزع إذا كان غير مثقوب كان بالعيون أشبه، وقيل: لا يختص بالشعر، بل يكون في النثر كقوله تعالى: {اتَّبِعُوا مَنْ لَا يَسْأَلُكُمْ أَجْرًا وَهُمْ مُهْتَدُونَ} 5، فإن الرسل مهتدون لا محالة، فالمعنى يتم بدون التصريح بقوله تعالى: "وهم مهتدون" إلا أن فيه زيادة حث وترغيب على اتباع الرسل.

_ 1 العدل: النظير، وتكملة البيت الأول منها: إذا طرد اليتيم عن الجزور 2 النعامة فرسه، ويجير ابنه وكان قد قتله مهلهل حين الأخذ بالثأر. 3 من أوغل في البلاد إذا أبعد فيها. 4 الجزع "بفتح الجيم" خرز يمان فيه بياض وسواد تشبه به العيون. 5 سورة يس الآية: 21.

5- التذييل1، وهو الإتيان بجملة مستقلة عقب الجملة الأولى التي تشمل على معناها للتأكيد، وهو ضربان: أ- أن يخرج مخرج المثل بأن يقصد بالجملة الثانية حكم كلي منفصل عما قبله جار مجرى الأمثال في فشو الاستعمال، نحو: {وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا} 2، وقول الحطيئة: نزور فتى يعطي على الحمد ما له ... ومن يعط أثمان المكارم يحمد ب- ألا يخرج مخرج المثل بألا يستقل بالإفادة دون ما قبله، نحو قول ابن نباتة السعدي: لم يبق وجودك لي شيئا اومله ... تركنني أصحب الدنيا بلا أمل وقوله تعالى: {ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِمَا كَفَرُوا وَهَلْ نُجَازِي إِلَّا الْكَفُورَ} 3. وينقسم أيضا إلى: أ- ما كان تأكيدا لمنطوق الكلام كالآية: {وَقُلْ جَاءَ الْحَقّ} ، إلخ. ب- ما كان تأكيدا لمفهومه، كقول النابغة: وليست بمستبق أخا لا تلمه ... على شعث أي الرجال المهذب4 فصدر البيت دل بمفهومه على نفي الكامل من الرجال، وقد حقق ذلك بعجزه. 6- التكميل، ويسمى الاحتراس أيضا، وهو أن يؤتى في كلام يوهم خلاف المراد بما يدفعه، وهو ضربان: أ- أن يتوسط الكلام، كقوله: لو أن عزة خاصمت شمس الضحى ... في الحسن "عند موفق" لقضى لها إذ التقدير: عند حاكم موفق, فقوله: موفق, تكميل.

_ 1 هو أعم من الإيغال من جهة أن يكون في الآخر وغيره وأخص من جهة أن الإيغال قد يكون بغير الجملة ولغير التوكيد. 2 سورة الإسراء الآية: 81. 3 إذ المراد: ذلك الجزاء المخصوص "سورة سبأ". 4 الشعث: التفرق والخصال الذميمة.

وقول ابن المعتز: صببنا عليها "ظالمين" سياطنا ... فطارت بها أيد سراع وأرجل فقوله: ظالمين، تكميل دفع به توهم أنها بليدة تستحق الضرب. ب- أن يقع آخر الكلام، كقوله تعالى: {فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ} 1، فإنه لو اقتصر على وصفهم: بالذلة على المؤمنين، لتوهم أنها ناشئة من ضعفهم، فدفع هذا، بقوله تعالى: {أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ} . وقول السموأل بن عادياء: وما مات منا سيد في فراشه ... ولا طل منا حيث كان قتيل فإنه لو اقتصر على وصف قومه بشمول القتل إياهم فربما علق بالوهم أن ذلك لضعفهم وقلتهم، فأزال هذا الوهم بالانتصار من قاتليهم. 7- التتميم، وهو أن يؤتى في كلام لا يوهم، خلاف المقصود بفضله، كمفعول أو حال أو نحو ذلك، لقصد المبالغة2، كقول زهير يمدح هرم بن سنان: من يلق يوما على علاته هرما ... يلق السماحة منه والندى خلفا فقوله: على علاته، أي: على كل حال أو على ما فيه من الأحوال والشئون، تتميم وقع في غاية الحسن والرشاقة. 8- الاعتراض، وهو أن يؤتى في أثناء الكلام3، أو بين كلامين متصلين معنى4 بحملة أو أكثر لا محل لها من الإعراب5 لنكتة سوى دفع الإيهام6. وهو من دقائق البلاغة وسحر البيان7، وفائدته إما:

_ 1 سورة المائدة الآية: 54. 2 فالمتكلم يحاول ألا يدع شيئا مما به يتم حسن المعنى. 3 خرج الإيغال؛ لأنه في الآخر. 4 بأن يكون الثاني بيانا للأول أو تأكيدا أو بدلا منه. 5 خرج التتميم لوجود الإعراب فيه. 6 خرج التكميل. 7 لما فيه من حسن الإفادة مع مجيئه مجيء ما لا معول عليه في الإفادة، فهو كالحسنة تأتي من حيث لا ترتقب.

أ- التنزيه والتعظيم، كقوله تعالى: {وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ الْبَنَاتِ سُبْحَانَهُ وَلَهُمْ مَا يَشْتَهُونَ} 1 فسبحانه2 مسوق للتنزيه عن اتخاذ البنات. ب- أو التقرير في نفس السامع نحو: {وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْسًا فَادَّارَأْتُمْ3 فِيهَا وَاللَّهُ مُخْرِجٌ مَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ، فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا} 4 فقوله: والله مخرج، جاءت معترضة لتقرير أن تدافع بني إسرائيل في قتل النفس ليس نافعا في إخفائه وكتمانه؛ لأن من لا تخفى عليه خافية مظهره لا محالة. جـ- أو التصريح بما هو المقصود، كقول كثير عزة: لو أن الباخلين، وأنت منهم ... رأوك تعلموا منك المطالا فقوله: وأنتم منهم، تصريح بما هو المقصود من ذمة وتأكيد، لانصراف الذم إليه. د- أو الدعاء، كقول أبي الطيب: ويحتقر الدنيا احتقار مجرب ... يرى كل ما فيها وحاشاك فانيا فقوله: وحاشاك، اعتراض حسن في موضعه، والواو في مثله اعتراضية ليست عاطفة ولا حالية5. هـ- أو تنبيه المخاطب على أمر يؤكد الإقبال على ما أمر به مما فيه مسرته كقوله: واعلم فعلم المرء ينفعه ... أن سوف يأتي كل ما قدرا و أو الاستعطاف، كقول المتنبي: وخفوق قلب لو رأيت لهيبه ... يا جنتي لرأيت فيه جهنما ز- أو تنبيه المخاطب على أمر غريب، كقوله:

_ 1 سورة النحل الآية: 57. 2 هو جملة؛ لأنه مصدر بتقدير الفعل. 3 تدافعتم واختصمتم. 4 سورة البقرة الآية: 72. 5 الفرق بين الواو الحالية والاعتراضية بالقصد، فإن قصد كون الجملة قيدا للعامل، فهي حالية، وإلا فهي اعتراضية.

فلا هجره يبدو وفي اليأس راحة ... ولا وصله يبدو لنا فنكارمه فإن قوله: فلا هجره يبدو، يشعر بأن هجر الحبيب أحد مطلوبيه، وغريب أن يكون هجر الحبيب مطلوبا للمحب، فقال: وفي اليأس راحة لينبه إلى السبب. ومما جاء بين كلامين متصلين معنى، وهو أكثر من جملة أيضا، قوله تعالى: {فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ، نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ} 1، فإن قوله: {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ} ، بيان لقوله: {فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ} ، لإفادة أن الغرض الأصلي من الإتيان هو طلب النسل لا قضاء الشهوة فقط، وما بينهما اعتراض للترغيب فيما أمرو به، والتنفير عما نهوا عنه. 90- النفي والإثبات بأن يذكر الشيء على جهة النفي، ثم يثبت أو بالعكس نحو: {وَعْدَ اللَّهِ لَا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ، يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ} 2، نفى عنهم أولا العلم بما خفي عليهم من تحقيق وعده، ثم أثبت لهم آخرا العلم بظاهر الحياة الدنيا دون ما كان مؤديا إلى الجنة. 10- ما كان كقولهم: رأيته بعيني، وقبضته بيدي، ووطئته بقدمي، وذقته بلساني, يذكرون الظروف فيما يصعب حصوله، دلالة على أن نيله ليس بمتعذر، وعلى هذا جاء قول البحتري: تأمل من خلال السجف وانظر ... بعينك ما شربت ومن سقاني تجد شمس الضحى تدنو بشمس ... إلي من الرحيق الخسرواني3 فحضور مثل هذا المجلس نادر، ولا سيما إذا كان الساقي فيه على ما وصف من الحسن، ومن ثم قال: انظر بعينك. "تنبيه": قد يوصف الكلام بالإيجاز والإطناب باعتبار كثرة حروفه وقلتها بالنسبة إلى كلام آخر مساويا له في أصل المعنى, كقول الشماخ يمدح عرابة الأوسي: إذا ما راية رفعة لمجد ... تلقاها عرابة باليمين مع قول بشر بن أبي حازم يمدحه أيضا: إذا ما المكرمات رفعن يوما ... وقصر مبتغوها عن مداها4 وضاقت أذرع المثرين عنها ... سما أوس إليها فاحتواها

_ 1 سورة البقرة الآية: 223. 2 سورة الروم الآية: 6. 3 السجف بالكسر والفتح: الستار، والخسرواني ضرب من الثياب منسوب لبلاد فارس. 4 رفع المكرمات يراد به بروزها للطالبين، ومبتغوها طالبوها، واحتواها أخذها.

المبحث الخامس: الإيجار أفضل أم الإطناب

المبحث الخامس: الإيجار أفضل أم الإطناب ... المبحث الخامس: الإيجاز أفضل أم الأطناب مواضع كل منهما. ما يراه الأئمة في تفضيل الإيجاز على الإطناب، أو العكس، فمن مفضل يراه كشبيب بن شيبة، إذ يقول: القليل الكافي خير من خير من كثير غير شاف. ويقول آخر: إذا طال الكلام عرضت له أسباب التكلف، ولا خير في شيء يأتي به التكلف. ومن مرجح للإطناب وحجته أن المنطق إنما هو البيان، والبيان لا يكون إلا بالإشباع، والشفاء لا يقع إلا بالإقناع، وأفضل الكلام أبينه, وأبينه أشده إحاطة بالمعاني، ولا يحاط بالمعاني إحاطة تامة إلا بالاستقصاء، أضف إلى ذلك أن الإيجاز للخواص، والإطناب مشترك بين الخاصة والعامة، والغبي والفطن. والمختار، أن الحاجة إلى كل ماسة، وأن لكل موضعا لا يسد عنه فيه سواه، فمن استعمل أحدهما في موضع الآخر، فقد أخطأ. قال جعفر بن يحيى: متى كان الإيجاز أبلغ كان الإكثار وعيا، ومتى كانت الكفاية في موضع الإكثار، كان الإيجاز تقصيرا، يرشد إلى ذلك قول القائل يصف خطباء إباد: يرمون بالخطب الطوال وتارة ... وحي الملاحظ خشية الرقباء1 وقد استحبوا الإيجاز في المواضع الآتية:

_ 1 الوحي الإشارة بالكلام الخفي، والملاحظ جمع ملحظ كمطلب اللحظ ووحي منصوب على المصدر، أي: تارة يوحون، أي: يأتون بكلام سريع خفي، كحال من ينظر إلى حبيبه بمؤخر عينيه خوفا من الرقباء.

1- الكتب الصادرة عن الملوك إلى الولاة في أوقات الحروب والأزمات. 2- الأوامر والنواهي السلطانية. 3- كتب السلطان بطلب الخراج وجباية الأموال وتدبير الأعمال. 4- كتب الوعد والوعيد. 5- الشكر على النعم التي تسبغ، والعوارف التي تسدي. 6- الاستعطاف وشكوى الحال وسؤال حسن النظر وشمول العناية. 7- التنصل من الذنب والاعتذار من التقصير بإيراد الحجج التي تقنع المخاطب وتزيل موجدته. واستحسنوا البسط والإطناب في المواضع التالية: 1- ما يكتب به عن الملوك في جسيمات الأمور التي يراد تقريرها في نفوس العامة، كأخبار الفتوح المتجددة، فهذا موضع يشبع فيه القول، حتى تعرف الرعية قدر النعمة، فتزيد في الطاعة، ولا بأس من تهويل أمر العدو ووصف جمعه، وعظيم إقدامه؛ لأن في تصغير أمره تحقيرا للظفر به. 2- ما يكتب به عن الملوك إلى أهل الثغور، في أوقات التحرش بالمملكة، وإقدام العدو على الهجوم عليها، ليعلموا ذلك فيستعدوا للقاء. 3- ما يكتب به الولاة, ومن في حكمهم, إلى الملوك لإخبارهم بأحوال ما ينظرون فيه من الأعمال وما يجري على أيديهم من مهام الأمور. 4- الموعظة والإرشاد بالترغيب في الطاعة والنهي عن المعصية، حتى يرتاح قلب المطيع وينبسط أمله، ويرتاع قلب المسيئ ويأخذ الخوف منه كل مأخذ. 5 الخطب في الصلح بين العشائر لإصلاح ذات البين. 6 المدح والثناء والهجاء. أسرار البلاغة في الإيجاز والإطناب: قد عرفت كلا من الإيجاز والإطناب ومواضع كل منهما, فعليك أن تعرف الدواعي التي لأجلها استعملتها العرب في كلامها. فمن دواعي الإيجاز:

1- سهولة الحفظ، فقد قيل لأبي عمرو بن العلاء: هل كانت العرب تطيل؟ قال: نعم كانت تطيل ليسمع منها، وتوجز ليحفظ عنها. 2- إخفاء الأمر عن غير المخاطب. 3- ضيق المقام خوف فوات الفرصة. 4- ذكاء المخاطب، حيث تكفيه اللمحة والوحي والإشارة. ومن دواعي الاطناب: 1- توكيد المعنى وتثبيته في النفس، أفلا ترى إلى قوله تعالى في باب الموعظة: {أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا بَيَاتًا وَهُمْ نَائِمُونَ، أَوَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ، أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلَا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ} 1. 2- دفع اللبس الذي كان يحتمل وجوده مع الإيجاز واعتبر ذلك بما تراه في قوله تعالى: {مَا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ} 2 فكلمة القلب تحتمل أحد معنيين: القطعة من اللحم، والفهم والإدراك, لهذا أتي بكلمة في جوفه ليتعين المعنى الثاني، ويزول اللبس، وقوله تعالى: {فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ} 3، فأتى بكلمة في الصدور لدفع اللبس بأن المراد بها العيون الباصرة. 3- التعظيم والتهويل، انظر إلى قوله تعالى: {إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ، وَإِذَا النُّجُومُ انْكَدَرَتْ، وَإِذَا الْجِبَالُ سُيِّرَتْ، وَإِذَا الْعِشَارُ عُطِّلَتْ، وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ، وَإِذَا الْبِحَارُ سُجِّرَتْ، وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ، وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ، بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ، وَإِذَا الصُّحُفُ نُشِرَتْ، وَإِذَا السَّمَاءُ كُشِطَتْ، وَإِذَا الْجَحِيمُ سُعِّرَتْ، وَإِذَا الْجَنَّةُ أُزْلِفَتْ، عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا أَحْضَرَتْ} 4، إذ كان يكفي في الدلالة على وقت علم النفس ما أحضرت قوله تعالى: {إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ} أو غيره مما بعده من الاثني عشر المذكورة، لكنه عددها لتهويل شأن هذا اليوم.

_ 1 سورة الأعراف الآيتان: 98 و99. 2 سورة الأحزاب الآية: 4. 3 سورة الحج الآية: 46. 4 سورة التكوير الآيات: 1-14.

تدريب الأول: بين الإيجاز والإطناب والمساواة، مع ذكر السبب فيما يلي: 1- {أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا بَيَاتًا وَهُمْ نَائِمُونَ} ، أو أمن أهل القرى أن يأتيهم بأسنا ضحى وهم يلعبون، أفأمنوا مكر الله فلا يأمن مكر الله إلا القوم الخاسرون. 2- {إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفَازًا، حَدَائِقَ وَأَعْنَابًا، وَكَوَاعِبَ أَتْرَابًا} 1. 3- وقال أعرابي: إن شككت في فاسأل قلبك عن قلبي. 4- واحرص على حفظ القلوب من الأذى ... إن الزجاجة كسرها لا يشعب 5- {وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ، وَاللَّيْلِ إِذَا يَسْرِ، هَلْ فِي ذَلِكَ قَسَمٌ لِذِي حِجْرٍ} 2 6- جزى الله عنا جعفرا حين أزلقت ... بنا نعلنا في الواطئين فزلت هم خلطونا بالنفوس وألجئوا ... إلى حجرات أدفأت وأظلت 7- أخرج منها ماءها ومرعاها. 8- {وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ} 3.

_ 1 سورة النبأ الآية: 33. 2 سورة الفجر الآيات: 3 و4 و5. 3 سورة الزخرف الآية: 71.

تدريب ثان: 1- علمتني نبوتك سلوتك، وأسلمني يأسي منك إلى الصبر عنك. 2- {فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا، إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا} 1. 3- والسعي في الرزق والأرزاق قد قسمت ... بغي ألا إن بغي المرء يصرعه 4- لا تودع السر وشاء به مذلا ... فما رعى غنما في الدو سرجان 5- {وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ} 2. 6- ألا حبذا حبذا حبذا ... حبيب تحملت منه الأذى 7- قال أبو دعبل الجمحي يمدح النبي عليه السلام: نزر الكلام من الحياء تخاله ... ضمنا وليس بجسمه سقم 8- أفمن شرح الله صدره للإسلام فهو على نور من ربه، فويل للقاسية قلوبهم من ذكر الله.

_ 1 سورة الانشراح الآيتان: 5 و6. 2 سورة الطلاق الآية: 3.

تمرين أول: بين الإيجاز والإطناب والمساواة وأسبابها فيما يلي: 1- يهون بالرأي ما يجري القضاء به ... من أخطأ الرأي لا يستذنب القدرا 2- {وَقَالَ الَّذِي آمَنَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُونِ أَهْدِكُمْ سَبِيلَ الرَّشَادِ، يَا قَوْمِ إِنَّمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا مَتَاعٌ وَإِنَّ الْآخِرَةَ هِيَ دَارُ الْقَرَارِ} 1. 3- تراه كأن الله يجدع أنفه ... "وعينيه" إن مولاه ثاب له وفر 4- أسجنا وقيدا واشتياقا وغربة ... ونأي حبيب إن ذا لعظيم وإن امرأ دامت مواثيق عهده ... على مثل هذا إنه لكريم 5- {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ} 2. 6- ولو أن قرآنا سيرت به الجبال أو قطعت به الأرض أو كلم به الموتى بل لله الأمر جميعا. 7- فسائل هداك الله أي بني أب ... من الناس يسعى سعينا ويقارض 8- سئل بعض الأدباء: ما كان سبب موت أخيك؟ فقال: "كونه" فأحسن ما شاء. 9- {إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنْثَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالأُنْثَى وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ} 3. تمرين ثان: 1- فقلت يمين الله أبرح قاعدا ... ولو قطعوا رأسي لديك وأوصالي 2- {وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا} 4. 3- وقال عليه السلام: "حبك الشيء يعمي ويصم". 4- {فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ، وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ، إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ} 5.

_ 1 سورة غافر الآية: 39. 2 سورة آل عمران الآية: 104. 3 سورة آل عمران الآية: 36. 4 سورة الإسراء الآية: 19. 5 سورة الواقعة الآية: 75.

5- {لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ} 1. 6- حليم إذا ما الحلم زين أهله ... مع الحلم في عين العدو مهيب 7- فدعوا نزال فكنت أو نازل ... وعلام أركبه إذا لم أنزل 8- {وَكَانَ وَرَاءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا} . 9- {وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ، كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ} 2.

_ 1 سورة آل عمران الآية: 92. 2 سورة الأنبياء الآية: 34.

نموذج عام على المعاني

نموذج عام على المعاني: تكلم من المعاني على ما يأتي: تهوى الثناء مبرر ومقصر ... حب الثناء طبيعة الإنسان الإجابة: إن تطبيق جملة من النثر أو بيت من الشعر على فن المعاني يستدعي أن نعرض أبوابه، فنرى في هذا البيت: 1- جملتان خبريتان أولاهما فعلية مضارعة تقتضي الاستمرار التجددي، بدليل أن الغرض الموعظة، والثانية اسمية تفيد الاستمرار والدوام، كما هو شأن الأخلاق والغرائز. 2- كلم من الجملتين ضرب ابتدائي خال من المؤكدات. 3- ذكر المفعول؛ لأن القصد تعلق الفعل به. 4- قدم المفعول على المستند إليه في الجملة الأولى؛ لأنه الأهم في الكلام. 5- نكر المسند إليه لقصد التعميم. 6- عرف المفعول بأل لإرادة الجنس. 7- فصل بين الشطرين؛ لأن بينهما شبه كمال الاتصال؛ لأن الثانية جواب عن سؤال مقدر. 8- في البيت إطناب بالتذييل الجاري مجرى المثل.

نموذج ثان: أنشأ يمزق أثوابي يؤدبني ... أبعد شيبي عندي يبتغي الأدبا الإجابة: 1- في الشطر الأول جملتان خبريتان من الضرب الابتدائي وفي الشطر الثاني جملة إنشائية. 2- الغرض من إلقاء الخبر فيهما التحسر على تلك المعاملة القاسية التي عامله بها ابنه. 3- قدم الظرف وهو بعد في الشطر الثاني؛ لأنه محط الإنكار. 4- الاستفهام فيه للتوبيخ. 5- قيد الجملة الأولى بتابع وهو عطف البيان لغرض الإيضاح والبيان، وقيد الجملة الثانية بظرف الزمان؛ لأنه هو المقصود بالإنكار. 6- فصل بين جملتي: أنشأن ويؤدبني؛ لأن بينهما كمال الاتصال؛ لأن الثانية بيان للأولى، وبين جملتي: أنشأ، وأبعد شيبي؛ لأن بينهما كمال الانقطاع لاختلافهما خبرا وإنشاء. 7- في البيت إطناب بالتذييل غير الجاري مجرى المثل.

علم البيان

علم البيان مدخل ... علم البيان: البيان لغة الكشف والإيضاح، يقال: فلان أبين من فلان، أي: أوضح منه كلاما واصطلاحا, علم يستطاع بمعرفته إبراز المعنى الواحد في صور مختلفة، وتراكيب متفاوتة في وضوح الدلالة، مع مطابقة كل منها مقتضى الحال. وتقييد الاختلاف بالوضوح لتخرج الألفاظ المترادفة كليث وأسد وغضنفر، فإنها وإن كانت طرقا مختلفة لإيراد المعنى الواحد، فاختلافهما إنما هو في اللفظ والعبارة، لا في الوضوح والخفاء. واللام في المعنى الواحد للاستغراق العرفي، أي: كل معنى يدخل تحت قصد المتكلم وإرادته، فلو عرف أحد إيراد معنى واحد، كقولنا: علي جواد، بطرق مختلفة لم يكن بذاك عارفا بالبيان. إيضاح هذا التعريف، أن الضليع بهذا الفن، إذا حاول التعبير عما يختلج في صدره من المعاني وجد السبيل ممهدا، فيختار ما هو أليق بمقصده وأشبه بمطلبه من فنون القول وأساليب الكلام، فإذا حث همة الشجعان على اقتحام غمار الوغى بهرهم بساحر بيانه وعظيم إحسانه، فإن شاء شبههم بأسو خفان، فقال: كأنكم أسود لها في غيل خفان1 أشبل، وإن شاء استعار، وقال: إني أرى هنا أسودا تتحفز للكر والفر وتثب لاقتناص فرائسها ولها قرم2 إلى الأخذ بنواصيها وحز رؤسها، وإن أراد كنى عن مقصده وروى عن مراده فقال: البسوا لعدوكم جلد النمر3 واقلبوا له ظهر المجن فإنه قد ورم أنفه عليكم وداسكم تحت أقدامه.

_ 1 مأسدة مشهورة بضراوة أسدها. 2 شهوة الطعام. 3 كناية عن إظهار العداوة، ومثله ما بعده.

هناك تناديه القلوب وتتسابق إليه الفرسان قائلة: لبيك لبيك ها نحن أولاء نحمي الذمار، ونجير الجار، ونجدل الأقران، ونصرعهم في الميدان، ونبيع النفوس رخيصة ونشتري بها المجد والسؤدد: نبني كما كانت أوائلنا ... تبني ونفعل مثل ما فعلوا وإن دعا النفوس لمكرمة وهز العطف لمحمدة أمكنه أن يقول: كأنكم البحور يعم فيضها القاصي والداني وتطعم بأنعامها الفقير والغني. أو يقول: هذه البحور على سواحلها القصاد تقذف أمواجها ما يفرج كربة البائس ويدفع الضر عن المعدم. أو يقول: إني أرى مجدا مد سرادقه، وندى ضربت خيامه. إذ ذاك تسخو كف البخيل ويهتز عطف الكريم وتصبو النفوس لاكتساب المحامد ونيل المجد بالثمن الربيح. موضوعه: اللفظ العربي، من حيث التفاوت في وضوح الدلالة بعد رعاية مطابقته مقتضى الحال. فائدته: ستعلم مما يلي أن مباحث البيان محصورة في المجاز على أنحائه، أي؛ إنه بمعنى أعم يشمل الكناية، وأن التشبيه إنما ذكر فيه لبناء الاستعارة عليه. والمجاز ثروة كبيرة في اللغة من جهات عدة، منها: 1- الإكثار من الألفاظ وتعدد الوضع تفننا في التعبير كتسمية المطر بالسماء والنبات بالغيث، على ما سيأتي. 2- التذرع إلى الوضع فيما لم يوضع له لفظ من المحسوسات، كقولهم: ساق الشجرة، وإبط الوادي، وعنق الإبريق، وذوابة الرحل1. 3- التذرع إلى الوضع لتمثيل صور المعاني، كقولهم: نبض2 البرق، سبح3 الفرس.

_ 1 الجلدة المعلقة على آخر الرحل. 2 لمع خفيفا، أخذوه من نبض العرق. 3 مد يديه في الجري، كما يفعل السابح.

4- الرمز إلى حقائق المعاني كقولهم: سافر ولا ظهر1 له، وفلان يملك رقبة أي: عبدا. وهاك مثلا يبين لك اتساع اللغة بالمجاز، ذلك أن مادة كف أصلها الكف، وهو الجارحة، ثم تصرفوا فيها واستعملوها على أنحاء شتى مجازا، فقالوا: كفه عن الأمر، إذا منعه، كأنه دفعه بكفه من استعمال اللفظ في لازمه مجازا مرسلا، وكف هو عن الأمر إذا امتنع وهو من وادي سابقه، واستكف السائل وتكفف إذا طلب بكفه، واستكف بالصدقة إذا مد يد بها لتعطيه إياها، وكفه الميزان لشبهها بالكف في الشكل، والكفة النقرة المستديرة، يجتمع فيها الماء، واستكفوا حوله إذا أحاطوا به ينظرون إليه، إلى نحو هذه المعاني التي ترجع كلها إلى معنى الكف. فالمجاز إذا غذاء اللغة والروح الذي لا تحيا بدونه، ولا قوام لها إلا به، ولولاه ما كنا نرى فيها اللبهجة والجمال اللذين يتذوقهما كل ناطق بالضاد. "واضعه" أول من دون مسائل هذا العلم أبو عبيدة معمر بن المثنى في كتابه "مجاز القرآن"، وتبعه الجاحظ، وابن المعتز، وقدامة بن جعفر، وأبو هلال العسكري، وما زال يشدو شيئا فشيئا حتى جاء الإمام عبد القاهر فأحكم أساسه وشيد بناءه. الدلالة: علمت مما سبق أن فائدة هذا العلم إبراز المعنى بطرق مختلفة في وضوح الدلالة فناسب تعريف الدلالة وبيان أقسامها، فنقول: الدلالة فهم أمر من أمر، والأول المدلول، والثاني الدال، وهي: إما لفظية وإما غير لفظية. والثانية لا علاقة لها بمباحث هذا الفن ... والأولى أقسام ثلاثة: 1- دلالة اللفظ على تمام مسماه وتسمى دلالة المطابقة: كدلالة الإنسان والأسد على حقيقتيهما.

_ 1 أي: لا دابة له يركب ظهرها.

2- دلالة اللفظ على بعض مسماه، وتسمى: "دلالة التضمن، كدلالة البيت على السقف أو الحائط. 3- دلالة اللفظ على لازم معناه كدلالة الإنسان على كونه متحركا أو شاغلا لجهة، أو نحو ذلك، وشرطه اللزوم الذهني1 "سواء أصاحبه لزوم خارجي، أم لا" بحيث يلزم من حصول المعنى الموضوع له في الذهن حصول فيه إما على الفور، أو بعد التأمل في القرائن والأمارات، لكن لا يشترط أن يكون اللزوم مما يثبته العقل2، بل يكفي أن يكون لعرف عام3، أو عرف خاص4، كاصطلاحات أرباب الصناعات والاصطلاحات الشرعية واللغوية. والدلالة الأولى تسمى عند البيانيين وضعية، ويستحيل تفاوتها وضوحا وخفاء؛ لأن السامع لشيء من الألفاظ الموضوعية، إما أن يكون عالما بالوضع للمسمى أولا، فإن كان الأول فإنه يعرفه بتمامه بلا زيادة ولا نقصان، وإن كان الثاني فإنه لا يعرف منه شيئا أصلا. والثانية والثالثة تسميان: عقليتين؛ لأن دلالة اللفظ على الجزء، واللازم مصدرها العقل الحاكم بأن حصول الكل مستلزم حصول الجزء، ووجود الملزوم مستلزم وجود اللازم, ويتأتى فيهما الاختلاف وضوحا وخفاء، إذ اللوازم كثيرة بعضها قريب اللزوم يسبق إلى الذهن فهمه بسرعة، وبعضها بعيد، فيصح اختلاف الطرق فيها، ويكون بعضها أكمل من بعض في الإفادة. وكذا يجوز أن يكون المعنى جزءا من شيء وجزءا من شيء آخر، فدلالة الشيء الذي ذلك المعنى جزء منه على ذلك المعنى، أوضح دلالة من الشيء الذي ذلك المعنى جزء من جزئه على ذلك المعنى.

_ 1 أي: إنه لا يشترط باللزوم الخارجي أيضا، أالا ترى أن العمى يدل على البصر التزاما إذ هو عدم البصر عما من شأنه أن يكون بصيرا مع التنافي بينهما في الخارج. 2 وهو اللزوم البين المعتبر عند المنطقيين وإلا لما تأتى الاختلاف بالوضوح في دلالة الالتزام ولخرج كثير من المعاني المجازية والكنائية؛ لأنه ليس بينها وبين ملزوماتها مثل هذا اللزوم. 3 كلقاء الحبيب بالنسبة لاختلاج العين. إذ كثير من الناس يعتقد أن اختلاج العين يبشر بلقاء الحبيب، فإذا قلت لواحد: من هؤلاء عيني تختلج. فهم من ذلك أنك ستلقى حبيبا. 4 كما إذا قلت: هذا قدوم، على فهم السامع أنه نجار.

فدلالة الحيوان على الجسم أوضح1 من دلالة الإنسان عليه، ودلالة الجدار على التراب أوضح من دلالة البيت عليه. وفي هذا مجال لقائل: إذ الدلالة الوضعية ربما يعرض لها الوضوح والخفاء، ألا ترى أنا نجد في أنفسنا ألفاظا محفوظة لدينا، معلومة الوضع، ومع ذلك يحضر لنا معنى بعضها بنفس الالتفات إليه، لكثرة الممارسة، أو لقرب العهد باستعماله في معناه، أو لقرب العهد بعلم وضعه، وبعضها لا يحضر معناه إلا بالمراجعة مرة بعد أخرى لطول العهد بعلم وضعه ولعدم تداوله. أضف إلى ذلك أن التركيب الذي فيه تعقيد لفظي لا يفهم معناه إلا بعد التأمل، مع العلم بوضع جميع ألفاظه، فليس ببعيد إذا أن تكون قابلة للوضوح والخفاء. وقد أجيب عن الأول بأن التوقف والمراجعة لطلب تذكر الوضع المنسي، لا لخفاء الدلالة, بدليل أنه عندما نتذكر الوضع نعلم المعنى من غير توقف، وعن الثاني بأن الهيئة مختلفة، والكلام عند اتفاقها؛ لأن لها دخلا في الفهم الوضعي. أبواب الفن: اعلم أن اللفظ إن استعمل في معنه الموضوع له فحقيقة، وإن استعمل في غيره، لعلاقة مع قرينة، فإما مانعة من إرادة المعنى الأصلي فمجاز، وإما غير مانعة فكناية. والمجاز إن كان لعلاقة المشابهة فاستعارة مفردا كان أو مركبا، وإن كان لعلاقة غير المشابهة فإن كان مفردا سمي مجازا مرسلا، وإن كان مركبا قيل له: مجاز مركب مرسل. والاستعارة مبنية على التشبيه، فوجب التعرض له، فعلم من هذا وبما تقدم من أن الدلالة الوضعية لا تتفاوت وضوحا وخفاء على المشهور، أن أبواب هذا الفن أربعة: التشبيه المجاز بقسميه، الكناية, أما الحقيقة فإنما تذكر فيه ليتضح مقابلها، وهو المجاز أشد الوضوح "وبضدها تتميز الأشياء" وأيضا فهي أصل المجاز، وهو فرع لها تناسب ذكرها في الفن تبعا.

_ 1 لأن دلالة الحيوان عليه بلا واسطة، بخلاف الثانية.

الباب الأول: في التشبيه

الباب الأول: في التشبيه المبحث الأول: في شرح حقيقة وبيان جليل فائدته ... الباب الأول: في التشبيه وفيه اثنا عشر مبحثا. المبحث الأول: في شرح حقيقته وبيان جليل فائدته التشبيه لغة التمثيل، يقال: هذا شبه هذا ومثيله، وشبهت الشيء بالشيء أقمته مقامه لما بينهما من الصفة المشتركة. واصطلاحا: إلحاق أمر "المشبه" بأمر "المشبه به" في معنى مشترك "وجه الشبه" بأداة "الكاف وكأن وما في معناهما" لغرض "فائدة"1. "أركانه" مما سبق تعلم أن أركانه أربعة: مشبه ومشبه به، ويسميان بالطرفين، ووجه شبه، وأداة. "فائدته" إيضاح المعنى المقصود مع الإيجاز والاختصار، ألا ترى أنك إذا قلت: علي كالأسد، كان الغرض أن تبين حال علي، وأنه متصف بقوة البطش وشدة المراس وعظيم الشجاعة، وما إلى ذلك من أوصاف الأسد البادية للعيون. ولا شيء أدل على ذلك من تشبيهه بالأسد من أجل أن كانت هذه الصفات خصيصي بالأسد مقصورة عليه، فصار هذا القول أكشف وأبين للقصد من قولك علي شجاع جريء, إلى أشباه ذلك. ومن أسباب ذلك ما يلي: 1- ما يحصل للنفس من الأنس به بإخراجها من الخفي إلى الجلي الواضح، ألا ترى أنك إذا وصفت يوما بالقصر، فقلت: هذا يوم من أقصر ما يتصور، لم يجد السامع له من الأنس ما يجده لنحو قولك: يوم كإبهام القطاة.

_ 1 عرفه ابن رشيق في "العمدة" بأنه صفة الشيء بما قاربه وشاكله من جهة واحدة؛ لأنه لو ناسبه مناسبة كلية كان إياه, وقيل: هو إلحاق أدنى الشيئين بأعلاهما في صفة اشتركا في أصلها واختلفا في كيفيتها قوة وضعفا.

أو لنحو قوله: ظللنا عند باب أبي نعيم ... بيوم مثل سالفة الذباب1 2- ما يحصل لها من الأنس بإخراجها مما لم تألفه، إلى ما هي به آلف، فإذا كنت أنت وصاحب لك يسعى في أمر على شاطئ نهر وأردت أن تقرر له أنه لا يحصل من سعيه على فائدة، فأدخلت يدك في الماء ثم قلت له: انظر، هل حصل في كفي شيء من الماء، فكذلك أنت في أمرك, كان لذلك تأثير في النفس وتمكين للمعنى في القلب يزيد على القول المرسل إرسالا. 3- ما يحصل لها بالانتقال مما تعلمه إلى ما هي به، فإنك ترى الفرق بينها وبين أن تقول: الدنيا لا تدوم، ثم تسكت، وبين أن تذكر عقب ذلك قوله عليه السلام: "من في الدنيا ضيف، وما في يده عارية، والضيف مرتحل، والعارية مؤداة" , أو تنشد قول لبيد: وما المال والأهلون إلا وديعة ... ولا بد يوما أن ترد الودائع

_ 1 السالفة صفحة العنق، وأراد هنا العنق كله.

المبحث الثاني: في الطرفين

المبحث الثاني: في الطرفين ينقسم الطرفان إلى حسيين وعقليين ومختلفين، وإلى مفردين ومركبين ومختلفين، فالحسيان ما يدركان هما أو مادتهما أي: أجزاؤهما بإحدى الحواس الخمس الظاهرة، وبهذا التفسير دخل في الحسي شيئان: ما كان للطرفان فيه مشتركين، إما: في صفة مبصرة كتشبيه الحور الحسان بالياقوت والمرجان في قوله تعالى: {كَأَنَّهُنَّ الْيَاقُوتُ وَالْمَرْجَانُ} 1. وقول عنترة يصف غدرانا: جادت عليها كل عين ثرة ... فتركن كل قرارة كالدرهم2 أو في صفة مسموعة كتشبيه الصوت الحسن بالموسيقى، والأسلحة في وقعها بالصواعق، والأصوات غير المفهومة بأصوات الفراريج، في قول عياش بن سلمة يذم بني دالان:

_ 1 سورة الرحمن الآية: 58. 2 الثرة كالثرثارة, النويرة الماء، والقرارة الحفرة، والعين مطر أيام لا تقلع.

كأن بني دالان إذا جاءهم ... فراريج يلقى بينهن سويق1 أو في صفة مذوقة، كتشبيه الفواكه الحلوة بالعسل، والبرقوق الكرز، والريق بالخمر، في قول امرئ القيس: كأن المدام وصوب الغمام ... وريح الخزامى ونشر القطر يعل به برد أنيابها ... إذا طرب الطائر المستحر2 أو في الصفة المشمومة كتشبيه رائحة الرياحين المجتمعة بالغالية3 والنكهة بريح العنبر. أو في الصفة الملموسة، كما يشبه الجسم بالحرير في النعومة، كقول ذي الرمة: لها بشر مثل الحرير ومنطق ... رخيم الحواشي لا هراء ولا نزر "الخيالي" وهو المعدوم الذي يفرض مجتمعا من أمور عدة، كل منها مدرك بالحس، كقول أبي الغنائم المحصي: خود كأن بنانها ... في خضرة النقش المزرد سمك من البلور في ... شبك تكون من زبرجد4 فسمك على هذه الشاكلة، وشبك بهذه الصفة لا يوجدان حتى يدركا بالحس، لكن ما يتألفان منه وهو السمك والبلور وشبك والزبرجد، يدركان بالحس. والعقليان ما لم يدركا، هما ولا مادتهما بإحدى الحواس، كتشبيههم الضلال عن الحق بالعمى، والعلم بالحياة، وبهذا التفسير دخل في العقلي. "الوهمي"5 وهو ما ليس مدركا بإحدى الحواس، لكنه لو أدرك، لكان مدركا بها، كرءوس الشياطين، وأنياب الأغوال، في قوله تعالى:

_ 1 الفراريج صغار الدجاج، والسويق: الناعم من دقيق الحنطة والشعير، وشبههم بذلك لدقة أصواتهم وعجلة كلامهم. 2 الصوب المطر، والخزامى نبت طيب الرائحة، والنشر الريح الطيبة، والمستحر المغرد في السحر. 3 أخلاط من الطيب. 4 الخود الشابة الناعمة. 5 هو ما تخترعه المتخيلة من نفسها، وهي قوة من قوى الإدراك من شأنها اختراع أشياء لا حقيقة لها، كما تصور الغول بصورة السبع وتخترع له أنيابا.

{طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُءُوسُ الشَّيَاطِينِ} 1، وقول امرئ القيس: أيقتلني والمشرفي مضاجعي ... ومسنونة زرق كأنياب أغوال فهاتان لا تدركان بالحس، لعدم وجودهما، لكن لو أدركتا لم تدركا إلا بحاسة البصر. "الوجداني" كتشبيههم الجوع بالنار، والعطش باللهب وتسعر النار. والمختلفتان إما بأن يكون المشبه عقليا والمشبه به حسيا، كما يشبه العدل بالقسطاس، والرأي بسواد الليل في قوله: الرأي كالليل مسود جوانبه ... والليل لا ينجلي إلا بإصباح أو بالعكس بتقدير المعقول كأنه محسوس ويجعل كالأصل لذلك المحسوس مبالغة، ويكون حينئذ من التشبيه المقلوب كما في تشبيه العطر بحسن الخلق في قول الصاحب بن عباد: أهديت عطرا مثل طيب ثنائه ... فكأنما أهدي له أخلاقه والمفردان إما مطلقان، كما في تشبيه الشعر بالليل، والمخاطب بالحالم، في قوله: تأمل إذا ما نلت بالأمس لذة ... فأفنيتها هل أنت إلا كحالم وإما مقيدان بوصف أو إضافة أو ظرف أو حال، أو نحو ذلك، مما يكون له تعلق بوجه الشبه، كقولهم لم يفخر بما ليس له، كالحادي، وليس له بعير2، فهذه الجملة الحالية محتاج إليها في تحقيق الشبه بينهما، وكقول القاضي الفاضل: والشمس بين الأرائك قد حكت ... سيفا صقيلا في يد رعشاء وأما مختلفان، والمقيد هو المشبه، نحو: كأن فجاج الأرض وهي عريضة ... على الخائف المطلوب كفة حابل3 ونحو قول المتنبي:

_ 1 سورة الصافات الآية: 65. 2 يضرب مثلا للرجل يفخر بما ليس له. 3 الفجاج جمع فج الطريق الواسع بين جبلين. والكفة ما يصاد به "الشبكة".

وإذا الأرض أظلمت كان شمسا ... وإذا الأرض أمحلت كان وبلا وإما بالعكس كقول الخنساء: أغر أبلج تأثم الهداة به ... كأنه علم في رأسه نار وقول السري الرفاء: والفجر كالراهب قد مزقت ... من طرب عنه الجلابيب وإما مركبان1 كقول بشار: كأن مثار النقع فوق رءوسنا ... وأسيافنا ليل تهاوى كواكبه2 فالشبه3 هو مجموع الغبار والسيوف المتألقة في خلاله والمشبه به هو الليل الذي تتهافت كواكبه إذ لم يقصد تشبيه النقع بالليل والسيوف بالكواكب، بل عمد إلى تشبيه هيئة السيوف وقد سلت من أغمادها، وهي تعلو وترسب وتجيء وتذهب وتضطرب اضطرابا شديدا وتتحرك بسرعة إلى جهات مختلفة، وكذا إلى هيئة الكواكب في تهاويها وتصادمها وتداخلها واستطالة أشكالها عند السقوط. وهذا القسم ضربان: 1- ما لا يصح تشبيه كل جزء من أحد طرفيه بما يقابله من الطرف الثاني كقول القاضي التنوخي: كأنما المريخ والمشتري ... قدامه في شامخ الرفعة4 منصرف بالليل عن دعوة ... قد أسرجت قدامه شمعة فإن المريخ في مقابلة المنصرف عن الدعوة، ولو قيل: كأن المريخ منصرف بالليل عن دعوة، كان ضربا من الهذيان.

_ 1 ليس الفرق بين القيد والمركب باعتبار التركيب اللفظي لاستوائه فيهما غالبا، بل باعتبار قصد المتكلم الهيئة بالذات والأجزاء بالتبع في المركب وباعتبار قصد جزء من الأجزاء والربط بغيره بالتبع في المفرد المقيد. 2 المثار من أثار الغبار. 3 ووجه الشبه الهيئة الحاصلة من سقوط أجرام مستطيلة منيرة متناسبة المقدار متفرقة في جوانب شيء مظلم. 4 واو المشتري للحال، فهو يقصد الهيئة التي تكون للمريخ متى كان المشتري أمامه.

2- ما يصح تشبيه كل جزء من أجزاء أحد طرفيه بما يقابله من أجزاء الطرف الآخر، غير أن الحالة تتغير، كقول أبي الطيب الرقي: وكأن أجرام النجوم لوامعا ... درر نثرن على بساط أزر فلو قيل: كأن النجوم درر وكأن السماء بساط أزرق, كان تشبيها صحيحا، ولكن أين هذا من ذاك الذي يملأ نفسك عجبا، إذ يريك هيئة نجوم طالعة متألقة متفرقة في أديم سماء صافية الزرقة. وإما مختلفان، وهو ضربان: 1- أن يكون المشبه مفردا والمشبه به مركبا، كقول الصنوبري: وكأن محمر الشقيق ... إذا تصوب أو تصعد أعلام ياقوت نشر ... ن على رماح من زبرجد1 فالمشبه هو الشقيق عند تصوبه2 وتصعده، والمشبه به مركب، وهو الصورة الحادثة من نشر أجرام حمر مبسوطة على رءوس سيقان خضر مستطيلة. 2- أن يكون المشبه مركبا، والمشبه به مفردا، كقول أبي تمام يصف الربيع: يا صاحبي تقصيا نظريكما ... تريا وجوه الأرض كيف تصور تريا نهارا مشمسا قد شابه ... زهر الربا فكأنما هو مقمر3 يريد أن النبات لشدة خضرته مع كثرته وتكاثفه، صار لونه يميل إلى السواد فنقص من ضوء الشمس حتى صار كأنه ليل مقمر. فهو قد شبه النهار الذي خالطه زهر الربا "وهذا مركب" بالليل المقمر "وهذا مفرد مقيد بالصفة".

_ 1 محمر الشقيق ورد أحمر في وسطه سواد، يقال له: شقائق النعمان. 2 فهو مفرد مقيد بالظرف؛ لأن أوراق الشقائق إنما تكون هل هيئة العلم إذا مالت إلى السفل أو العلو. 3 تقصيت الشيء بلغت أقصاه، وشابه خالطه، والربا جمع ربوة وهي المكان المرتفع، وخص زهر الربا؛ لأنها أنضر وأشد خضرة، وفي الكلام حذف مضاف أي: لون زهر الربا.

المبحث الثالث: في تقسيم التشبيه

المبحث الثالث: في تقسيم التشبيه باعتبار الطرفين إلى ملفوف ومفروق الطرفان إن تعددا كان ذلك على ضربين: 1- أن يؤتى بالمشبهات أولا على طريق العطف, أو غيرها، ثم يؤتى بالمشبهات بها كذلك، ويسمى حينئذ تشبيها ملفوفا، كقول امرئ القيس يصف عقابا بكثرة اصطياد الطيور: كأن قلوب الطير رطبا ويابسا ... ولدى وكرها الناب والحشف البالي1 فقد شبه الرطب من قلوب الطير بالعناب، وشبه اليابس العتيق منها بالحشف البالي. وفضيلة هذا الضرب من التشبيه اختصار اللفظ، وحسن الترتيب، إلا أن في الجمع فائدة في المقصود من التشبيه كما هو الحال في التشبيه المركب. 2- أن يؤتى بمشبه ومشبه به، ثم بآخر وآخر، ويسمى تشبيها مفروقا، كقول ابن سكرة: الخد ورد والصدغ غالية ... والريق خمر والثغر كالدر2

_ 1 العناب بزنة رمان حب أحمر مائل إلى الكدرة قدر قلوب الطير يثمره الدر البستاني والحشف أردأ التمر. 2 الغالية أخلاط من الطيب مركبة تركيبا خاصا.

المبحث الرابع: في تقسيم التشبيه

المبحث الرابع: في تقسيم التشبيه باعتبار الطرفين إلى تشبيه تسوية، وتشبيه جمع إذا تعدد أحد الطرفين كان ذلك على ضربين: 1- فإن كان المتعدد المشبه سمي تشبيه التسوية، كقوله: صدغ الحبيب وحالي ... كلاهما كالليالي وثغره في صفاء ... وأدمعي كاللآلي3 فقد شبه في البيت الأول صدغ الحبيب "وهو الشعر البادي من الرأس فيما بين الأذن والعين" وحاله بالليالي، وشبه في البيت الثاني ثغر الحبيب "وهو مقدم أسنانه" ودموعه باللآلئ في القدر والصفاء والإشراق: 2- وإن كان المشبه به سمي تشبيه الجمع كقول البحتري: بات نديما لي حتى الصباح ... أغيد مجدول مكان الوشاح كأنما يبسم عن لؤلؤ ... منضد أو برد أو أقاح

_ 1 للصدغ إطلاقان ما بين الأذن والعين، والشعر المتدلى، وهو المراد هنا، والسواد في حاله تخييلي.

المبحث الخامس: في وجه الشبه

المبحث الخامس: في وجه الشبه وجه الشبه هو الوصف الخاص1 الذي قصد اشتراك الطرفين فيه، فقولك: علي كالأسد، ووجه سعدى كالشمس, الوجه في الأول الجرأة والإقدام وشدة البطش المشهورة في الأسد، وفي الثاني الحسن والبهاء الثابتان للشمس. فمن أراد أن يشبه حركة أو هيئة بغيرها فعليه أن يتطلب أمرا يشترك فيه الطرفان, كما فعل ابن المعتز حين يقول: وكأن البرق مصحف قار ... فانطباقا مرة وانفتاحا2 فهو لم ينظر إلى جميع صفات البرق، بل نظر إلى انبساط يعقبه انقباض، وانتشار يتلوه انضمام، فشبه ذلك بمصحف، القارئ يفتح مرة، ويطبقه مرة أخرى. ومما ذكر تعلم أن قولهم: "النحو في الكلام كالملح في الطعام" يريدون به أن الكلام لا ينتفع به إلا بمراعاة أحكام النحو فيه، كما لا ينتفع بالطعام ما لم يصلح بالملح، إلا أن القليل من النحو مفيد والكثير مفسد، كما يفسد الملح الطعام، إذا كثر فيه، إذ لا تتصور زيادة ولا نقصان في جريان أحكامه في الكلام؛ لأنه إن استوفى أحكامه من رفع الفاعل ونصب المفعول ونحو ذلك، فقد وجد النحو وانتفى الفساد وانتفع به في فهم المراد وإلا لم يوجد وكان

_ 1 قال ابن رشيق في "العمدة"، التشبيه صفة الشيء بما قاربه وشاكله من جهة واحدة أو جهات كثيرة لا من جميع جهاته؛ لأنه لو ناسبه مناسبة كلية لكان إياه، ألا ترى أن قولهم: فلان كالبحر، إنما يريدون كالبحر سماحة وعلما، ولا يريدون ملوحة البحر وزعوقته. ا. هـ. 2 قار أصله قارئ حذفت منه الهمزة بعد قلبها ياء، ثم أعل إعلال قاض.

الكلام فاسدا. فقول أبي بكر الخوارزمي: "والبغض عند كثرة الإعراب" كلام ليس له معنى، وينقسم الوجه إلى عدة أقسام: 1- تحقيقي وتخييلي: أ- فالتحقيقي ما كان متقررا في الطرفين على وجه التحقيق كقوله تعالى: {وَلَهُ الْجَوَارِ الْمُنْشَآتُ فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلَامِ} 1، فوجه الشبه وهو العظم والضخامة، موجود في كل من المراكب والجبال حقيقة. ب- والتخييلي ما لا يكون وجوده في أحد الطرفين إلا على ضرب من التأويل، فمثاله في المشبه قوله: صدغ الحبيب وحالي، كلاهما كالليالي، ومثاله في المشبه به قول التنوخي: وكأن النجوم بين دجاه ... سنن لاح بينهن ابتداع فوجه الشبه هو الهيئة الحادثة من حصول أشياء مشرقة بيض في جوانب شيء مظلم أسود، وهي غير موجودة في المشبه به، إلا على طريقة التخييل، ذاك أنه لما كانت البدع والضلالات تجعل صاحبها كمن يمشي في الظلمة فلا يهتدي إلى الطريق الذي تقع له به النجاة!! شبهت بالظلمة وشاع ذلك حتى قيل: شاهدت سواد الفكر من جبين فلان، لتخييل أن البدعة نوع له زيادة اختصاص بسواد اللون، وبطريق العكس شبه الهدى، والعلم بالنور، واشتهر ذلك كما ورد: "أتيتكم بالحنيفية البيضاء ليلها كنهارها" من حيث تخيل أن السنن ونحوها جنس من الأجناس التي لها إشراق2 وبياض في العين. ومن أجل هذا صار تشبيه النجوم بين الدياجي بالسنن بين الابتداع واضحا جليا كتشبيهها ببياض الشيب في سواد الشباب. 2- واحد ومركب من متعدد منزل منزلة الواحد، وكل منهما: إما حسي، وإما عقلي، ومتعدد "يقصد فيه اشتراك الطرفين في عدة أمور كل منها وجه شبه

_ 1 سورة الرحمن الآية: 24. 2 فتمام التشبيه يكون بأن يتخيل ما ليس بمتلون متلونا، ثم يتخيل كونه أصلا للمتلونات الحقيقية، من ذلك الجنس.

على حدته، وبهذا يخالف المركب المنزل منزلة الواحد، فإن وجه الشبه فيه الهيئة المنتزعة من عدة أمور وهو: إما حسي، وإما عقلي، وإما مختلف بعضه حسي وبعضه عقلي: أ- فالواحد الحسي طرفاه لا يكونان إلى حسيين، فإن الوجه أمر منتزع من الطرفين موجود فيهما، وكل ما يؤخذ من العقلي وينتزع منه يجب أن يدرك بالعقل لا بالحس؛ لأن أوصاف العقلي يجب أن تكون عقلية، وذلك كتشبيه الخد بالورد بجامع الحمرة والغضاضة. ب- والواحد العقلي طرفاه إما عقليان كما يشبه وجود ما لا ينتفع به بعدمه بجامع العراء عن الفائدة في قولهم: وجوده كالعدم، وإما حسيان كتشبيه الرجل بالأسد في الجرأة والإقدام والبطش، وإما المشبه عقلي والمشبه به حسي، كما يشبه العلم بالنور بجامع الهداية في كل، وإما بالعكس كما يشبه العطر بخلق الكريم بجامع ارتياح النفس وانتعاشها. جـ- والمركب الحسي طرفاه إما مفردان كتشبيه الثريا بعنقود من الكرم لاشتراكهما في الهيئة الحادثة من تقارن الصور البيض المستديرة الصفار في رأي العين على كيفية مخصوصة ومقدار معين في قول كسناجم محمود بن الحسين: وقد لاح في الصبح الثريا كما ترى ... كعنقود ملاحية حين نورا1 وإما مركبان كالهيئة الحاصلة من سقوط أجرام مشرقة مستطيلة متناسبة المقدار، متفرقة في جوانب شيء مظلم في قول بشار: كأن مثار النقع فوق رءوسهم ... وأسيافنا ليل تهاوى كواكبه إما مختلفان كما مر من تشبيه الشقيق بأعلام ياقوت نشرن على رماح من زبرجد، فالمشبه مفرد، والمشبه به مركب، وإما بالعكس كتشبيه النهار المشمس الذي شابه زهر الربا بليل مقمر. ومن بديع المركب الحسي ما يجيء في الهيئات التي تقع عليها الحركة، وذلك على وجهين:

_ 1 الملاحية بضم الميم وتشديد اللام، والأكثر تخفيفها عنب أبيض في حبه طول وحين نور، أي: تفتح نوره بفتح النون.

1- أن تقترن هيئة الحركة بغيرها من أوصاف الجسم، كالشكل واللون، كقول جبار بن جزء بن أخي الشماخ: والشمس كالمرآة في كف الأشل ... لما رأيتها بدت فوق الجبل فوجه الشبه: الهيئة الحاصلة من الاستدارة مع الإشراق والحركة السريعة المتصلة مع الإشراق حتى يرى الشعاع كأنه يهم بأن ينسبط حتى يفيض من الوسط إلى جوانب الدائرة، ثم يبدو له أن يرجع من الانبساط الذي هم به إلى الانقباض كأنه يرجع من الجوانب إلى الوسط، فإن الإنسان إذا أحد النظر لينظر إلى الشمس، ولا سيما أول شروقها، ليتبين جرمها، وجدها تؤدي هذه الهيئة، وكذلك المرآة في كف الأشل. 2- أن تجرد هيئة الحركة عن غيرها من الأوصاف، فهناك لا بد من اختلاط حركات كثيرة للجسم إلى جهات مختلفة، كان يتحرك بعضه إلى اليمين وبعضه إلى الشمال وبعضه إلى العلو وبعضه إلى السفل، فحركة الدولاب والرحا والسهم، لا تركيب فيها لاتحاد الحركة. وحركة المصحف في قول ابن المعتز: وكأن البرق مصحف قار ... فانطباقا مرة وانفتاحا فيها تركيب؛ لأنه يتحرك في حالتي الانطباق والانفتاح إلى جهتين في كل حال إلى جهة، ومن لطيف ذلك قول الأعشى، يصف السفينة في البحر، وتقاذف الأمواج بها: تقص السفين بجانبيه كما ... ينزو الرياح خلاله كرع1 شبه السفينة في انحدارها وارتفاعها بحركات الفصيل في نزوه، فإنه يكون له حينئذ حركات متفاوتة تصير لها أعضاؤه في جهات مختلفة, ويكون هناك تسفل وتصعيد على غير ترتيب، وبحيث تكاد تدخل إحدى الحركتين في الأخرى، فلا يتبينه الطرف مرتفعا حتى يراه متسفلا، وذلك أشبه شيء بحال السفينة وهيئة حركاتها حين تتدافعها الأمواج.

_ 1 تقص تثب، والنزو الوثوب والرياح كرمان، ويخفف القرد أو الفصيل، والكرع ماء السماء، وخلا فعل ماض.

وكما يقع التركيب في هيئة الحركة، قد يقع في هيئة السكون، كقول أبي الطيب في صفة الكلب: يقعي جلوس البدي المصطلي ... بأربع مجدولة لم تجدل1 فلم ينل التشبيه حظا من الحسن إلا لما فيه من التفصيل من حيث كان لكل عضو من أعضاء الكلب في إقعائه موقع خاص، وكان مجموع تلك الجهات في حكم أشكال مختلفة تؤلف منها صورة خاصة، وكذلك صورة جلوس البدوي عند الاصطلاء. والمركب العقلي كحرمان الانتفاع بأبلغ نافع من تحمل التعب في استصحابه في قوله تعالى: {مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا} 2، فالتشبيه منزع من أمور مجموعة قرن بعضها إلى بعض، ذلك أنه روعي من الحمار فعل مخصوص وهو الحمل، وأن يكون المحمول أوعية العلوم ومستودع ثمار العقول، وأن الحمار جاهل لما فيها، فلا حظ له إلا أن يثقل عليه الحمل أو يكد جنبيه، وكذا في جانب المشبه, فقد روعي أنهم فعلوا فعلا مخصوصا، هو الحمل المعنوي، وكون المحمول أوعية العلوم وكونهم جاهلين لما فيها. "تنبيه": قد تقع بعد أداة التشبيه أمور يظن أن المقصود أمر منتزع من بعضها، فيقع الخطأ لكونه أمرا منتزعا من جميعها، كقوله: كما أبرقت قوما عطاشا غمامة ... فلما رأوها أقشعت وتجلت3 فإنه ربما يظن أن الشطر الأول منه تشبيه مستقل بنفسه، لا حاجة به إلى الثاني، على أن المراد به ظهور أمر مطمع لمن هو شديد الحاجة إليه،

_ 1 الإقعاء الجلوس على الإليتين، والاصطلاء الاستدفاء بالنار، ومجدولة محكمة الخلق لم يجد لها إنسان، والغرض مدح الكلب بشدة الحرص. 2 سورة الجمعة الآية: 5. 3 أقشعت اضمحلت وذهبت، وأبرقت قوما أي: لقوم، ففي الأساس: أبرقت لي فلانه إذا تحسنت لك وتعرضت، وعطاش جمع عطشان. وقبله: لقد أطمعتني بالوصال تبسما ... وبعد رجائي أعرضت وتولت

لكن، بعد التأمل، يظهر أن مقصد الشاعر أن يثبت ابتداء مطمعا متصلا بانتهاء مؤيس، وذلك يتوقف على البيت كله. وهذا بخلاف التشبيهات المجتمعة في نحو: محمد كالأسد، والسيف والبحر، فإن المقصد فيها التشبيه بكل واحد على حدته، حتى لو حذف بعضها، لا يتغير الباقي في إفادة معناه، بخلاف المركب، فإن المقصود يختل بإسقاط بعض الأمور، كما أنه لو قدم بعضها وأخر بعضها الآخر لا يتغير المعنى، إذ ليس لهذه التشبيهات نسق مخصوص، ولا ترتيب معين1 بخلاف المركب. والمتعدد الحسي: كالموت والطعم والرائحة، في تشبيه النبق الكبير بالتفاح في هذه الأمور الثلاثة. والمتعدد العقلي: كحدة النظر وكمال الحذر وإخفاء السفاد، عند تشبيه طائر بالغراب، فيما ذكر. والمتعدد المختلف، كحسن الطلعة ونباهة الشأن عند تشبيه إنسان بالشمس، واعلم أنه قد ينتزع التشبه من نفس التضاد لاشتراك الضدين فيه، فينزل التضاد منزلة التناسب، فيشبه أحد الضدين بالآخر، للتلميح والظرافة، أو للتهكم والاستهزاء، كما يشبه بخيل بحاتم، وعي بقس في الفصاحة، كما قال الإمام المرزوقي، وفي قول شقيق الأسدي: أتاني من أبي أنس وعيد ... فسل لغيظه الضحاك جسمي2 إن قائل هذا البيت قصد به الاستهزاء والتلميح بما يستظرفه السامعون.

_ 1 فقد ظهر من هذا أن التشبيهات المجتمعة تفارق التشبيه المركب في أمرين: الأول أنه لا يجب فيها ترتيب خاص، والثاني أنه إذا حذف بعضها لا يتغير حال الباقي في إفادة ما كان يفيده قبل الحذف. 2 الوعيد التخويف، وسل ذاب، وهو بصيغة المبني للمجهول، والضحاك هو أبو أنس، وهو بالجر بدل من الهاء ففيه إظهار في موضع الإضمار زيادة الاستهزاء لذكره باسمه العلم.

المبحث السادس: في تقسيم التشبيه باعتبار الوجه إلى تمثيل وغيره

المبحث السادس: في تقسيم التشبيه باعتبار الوجه إلى تمثيل وغيره التمثيل تشبيه وجه منتزع من متعدد أمرين، أو أمور، كقوله: وكأن النجوم والليل داج ... نقش عاج يلوح في سقف ساج1 فوجه الشبه هيئة مأخوذة من أشياء بيضاء مستديرة لامعة في وسط شيء أسود، وكقوله تعالى: {مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لَا يُبْصِرُونَ} 2 فقد شبهت حال المنافقين بحال من استوقد نارا إلى آخر هذه الآية، بجامع الطمع في حصول شيء بوشرت أسبابه وهيئت وسائله، ثم تلا ذلك الحرمان والخيبة لانقلاب الأسباب وتقويض أركانها رأسا إلى عقب، وغير التمثيل ما كان بخلاف ذلك، نحو: فلان كالسيف في المضاء. الفرق بين التشبيه والتمثيل: التشبيه أعم من التمثيل، فكل تمثيل تشبيه دون عكس إذ التمثيل مختص بما كان وجه الشبه فيه منتزعا من متعدد. وللتمثيل موقعان: 1- أن يكون في مفتتح الكلام فيكون قياسا موضحا وبرهانا مصاحبا، وهو كثير جدا في القرآن الكريم نحو: {مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِئَةُ حَبَّةٍ} 3. 2- ما يجيء بعد تمام المعاني لإيضاحها وتقريرها فيشبه البرهان الذي تثبت به الدعوى, كقول أبي العتاهية: ترجو النجاة ولم تسلك مسالكها ... إن السفينة لا تجري على اليبس تأثير التمثيل في النفس: إذا وقع التمثيل في صدر القول بعث المعنى إلى النفس بوضوح وجلاء مؤيدا بالبرهان، وإذا أتى بعد استيفاء المعاني كان: 1- إما دليلا على إمكانها، كقول المتنبي: وما أنا منهم بالعيش فيهم ... ولكن معدن الذهب الرغام 2- أو تأييدا للمعنى الثابت، كقوله: ونا لو نفخت بها أضاءت ... ولكن أنت تنفخ في رماد

_ 1 الساج: شجر ينبت ببلاد الهند. 2سورة البقرة الآية: 17. 3 سورة البقرة الآية: 261.

وهو في كلتا الحالين يكسب المعاني منقبة، ويرفع قدرها، ويجعل لها في القلوب هزة وارتياحا، فإنك إذا تأملت حالك وحال المعنى قبل التمثيل وبعده ترى بونا شاسعا ومسافة الخلاف متسعة، ألا تراك تحس الفرق بين أن تقول: أرى قوما لهم بهاء ومنظر وليس لهم مخبر، وأن تنشد قول الشاعر: في شجر السرو منهم مثل ... له رواء وما له ثمر1 فإن جاء في باب المدح كسا المعنى حلة من الفخامة وقضى للمادح بغر المنائح كقوله: فتى عيش في معروفه بعد موته ... كما كان بعد السيل مجراه مرتعا وإن جاء في باب الذم كان وقعه أشد وحده، كقوله تعالى: {آَتَيْنَاهُ آَيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا} , {مَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ} 2. وإن جاء في مقام الاحتجاج كان ساطع البرهان باهر البيان، كقوله تعالى: {مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاءَ كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتًا وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ} 3. وإن جاء في مقام الوعظ كان أبلغ في التنبيه والزجر، كقوله تعالى في وصف نعيم الدنيا: {كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا} 4. وإن جاء في موضع الاعتذار خلب القلب وسحر اللب وسل السخيمة وأزال الموجدة والضغينة، كقول المتنبي: لا تحسبوا أن رقصي بينكم طربا ... فالطير يرقص مذبوحا من الألم وهكذا حاله في كل فنون القول وضروب الكلام، ولا سيما باب الوصف، كقوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ، تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا} 5. وقول الشاعر: والليل تجري الدراري في مجرته ... كالروض تطفو على نهر أزاهره

_ 1 هو فصيلة الصفصاف. 2 سورة الأعراف الآية: 176. 3 سورة العنكبوت الآية: 41. 4 سورة الحديد الآية: 20. 5 سورة إبراهيم الآية: 24.

المبحث السابع: في تقسيم التشبيه باعتبار الوجه إلى مجمل مفصل

المبحث السابع: في تقسيم التشبيه باعتبار الوجه إلى مجمل مفصل فالمجمل هو الذي لم يذكر فيه وجه الشبه، وهو قسمان: 1- ظاهر يفهمه كل أحد كأن يشبه الشيء إذا استدار بالكرة في وجه والحلقة في وجه آخر، وكقوله: إنما الدنيا كبيت ... نسجته العنكبوت 2- خفي لا يعرف المقصود منه ببديهة السمع، بل يحتاج إلى تأويل كقول كعب بن معدان الأشعري في وصف بني المهلب "هم كالحلقة المفرغة لا يدرى أين طرفاها"، فهذا يحتاج إلى فضل تأمل ورفق، ولا يفهمه إلا من ارتفع عن طبقة العامة ودخل في عداد الخاصة. ومن المجمل ما ذكر معه وصف المشبه به، كقول زياد الأعجم: وإنا وما تلقي لنا إن هجوتنا ... لكالبحر مهما تلق في البحر يغرق أو وصفهما معا، كقول أبي تمام يمدح الحسن بن رجاء: ستصبح العيس بي والليل عند فتى ... كثير ذكر الرضا في ساعة الغضب صدفت عنه ولم تصدف مواهبه ... عني وعاوده ظني فلم يخب كالغيث إن جئته وافاك ريقه ... وإن ترحلت عنه لج في الطلب1 فقد وصف المشبه، أعني الممدوح، بأن عطاياه فائضة عليه، أعرض أو لم يعرض، ووصف المشبه، أعني الغيث، بأن يصيبك, جئته أو ترحلت عنه، والوصفان دالان على وجه الشبه، أعني الإفاضة، في حالتي الطلب وعدمه، وحالتي الإقبال عليه والإعراض عنه. والمفصل ما ذكر2 فيه وجه الشبه أو ذكر فيه مكان الوجه أمر يستلزمه فالأول نحو: يا هلالا يدعي أبوه هلالا ... جل باريك في الورى وتعالى أنت بدر حسنا وشمس علوا ... وحسام حزما وبحر نوالا والثاني كقولهم للألفاظ إذا وجدوها لا تثقل على اللسان ولا تبعد دلالتها على معانيها, وهي كالعسل حلاوة، وكالماء سلاسة، وكالنسيم رقة. والجامع في الحقيقة لازم الحلاوة، وهو ميل الطبع ولازم السلاسة والرقة، وهو نشاط النفس وانتعاشها.

_ 1 العيس أبل أبيض. والليل أي: سيره، وصدفت أعرضت، والريق من كل شيء أفضله وترحلت تباعدت، ولج تمادى. وقد تركنا ما ذكر معه وصف المشبه فقط لعدم الظفر له بمثال عربي مسموع. 2 على جهة التمييز أو الجر بفي.

المبحث الثامن: في تفسير التشبيه باعتبار الوجه إلى قريب مبتذل وبعيد غريب

المبحث الثامن: في تفسير التشبيه باعتبار الوجه إلى قريب مبتذل وبعيد غريب فالقريب المبتذل هو ما ينتقل فيه المشبه إلى المشبه به من غير تدقيق لظهور وجه الشبه بادئ ذي بدء، فيسهل تداوله بين العامة والخاصة، كما إذا نظرت إلى السيف الصقيل عند سله وبريق لمعانه، لم يتباعد عنك أن تذكر لمعان البرق. وسبب ظهوره أحد أمرين: 1- كونه أمرا جمليا لا تفصيل فيه، فإن الجملة أسبق إلى النفس من التفصيل إذ الرؤية تصل إلى الوصف أولا على الجملة ثم يتلوها التفصيل، ألا ترى أن السمع يدرك من تفاصيل الصوت، والذوق يدرك من تفاصيل المذوق في المرة الثانية ما لا يدركه في المرة الأولى. 2- كونه1 قليل التفصيل مع غلبة حضور المشبه به في الذهن، إما مطلقا لتكرره على الحس، كما تقدم من تشبيه الشمس بالمرآة المجلوة، وإما عند حضور المشبه، لقرب المناسبة، كما تشبه الضبة الكبيرة السوداء بالإجاصة في الشكل والمقدار، والجرة الصغيرة بالكوز.

_ 1 أي: ليس جمليا، بل فيه تفصيل، لكنه قليل.

والبعيد الغريب ما يحتاج في الانتقال من المشبه إلى المشبه به إلى فكر ودقة نظر، لخفاء وجهه. وسبب خفاء الوجه1 أحد أمرين: 1- كونه كثير التفصيل كما سبق من تشبيه الشمس بالمرآة في كف الأشل، فإن هذه الهيئة لا تقوم في نفس الرائي المرآة الدائمة الاضطراب، إلا أن يتمهل في نظره ويستأنف التأمل مليا حتى يتجلى له وجه الشبه فيهما. 2- ندور حضور المشبه به في الذهن، إما عند حضور المشبه لبعد المناسبة بينهما، كما في تشبيه البنفسج بنار الكبريت، وإما مطلقا لكونه وهميا كما سبق من تشبيه نصاب السهام بأنياب الأغوال، أو مركبا خياليا كما مر من تشبيه الشقيق بأعلام الياقوت المنشورة على رماح من زبرجد، أو مركبا عقليا كما في تشبيه مثل أحبار اليهود بمثل الحمار يحمل أسفارا. تنبيهات: 1- يراد بالتفصيل أن ينظر في الأوصاف واحدا فواحدا، ويفصل بعضها من بعض بعد التأمل، وينظر في الشيء الواحد لغير جهة، ويقع ذلك على ضروب، أشهرها: أ- أن يؤخذ بعض ويترك بعض، كما فعل امرؤ القيس في قوله: حملت ردينيا كأن سنانه ... سنا لهب لم يتصل بدخان2 فقد اعتبر في اللهب والشكل واللون واللمعان، ونفى اتصاله بالدخان. ب- أن يعتبر الجميع، كما فعل الآخر في قوله "وقدتقدم": وقد لاح في الصبح الثريا كما ترى ... كعنقود ملاحية حين نورا

_ 1 خلاصة ذلك أن الوجه يكون قريبا إذا كان مفردا أو متعددا أو مركبا حسيا ابتذل بكثرة الاستعمال, ويكون غريبا إذا كان وهميا أو خياليا أو مركبا حسيا يجري على ألسنة الخاصة, أو نادر الحضور في الذهن عند حضور المشبه. 2 الرديني: رمح منسوب لردينه، وهي امرأة صناع كانت تجيد صنع الرماح، والسنا: الضوء والإشراق.

فإنه قد لاحظ في الأنجم الشكل والمقدار واللون واجتماعها على مسافة مخصوص في القرب، ثم نظر إلى مثل ذلك في العنقود المنور من الملاحية. وكلما كان التركيب "خياليا كان أو عقليا" من أمور أكثر كان التشبيه أبعد لكون تفاصيله أكثر. 2- التشبيه البليغ هو البعيد الغريب لغرابته؛ ولأن المشيء إذا نيل بعد طول الاشتياق إليه كان نيله أحلى وموقعه من النفس ألطف، كما قال الجاحظ: يذكر ما في الفكر والنظر من الفضيلة، وأين تقع لذة البهيمة بالعلوفة ولذة السبع بلطع1 الدم وأكل اللحم من سرور الظفر بالأعداء، ومن انفتاح باب العلم بعد إدمان قرعه. 3- ربما تصرف الفطن الحاذق بصنعة الكلام في القريب المبتذل فجعله بديعا نادرا وغريبا لا ترتقي إليه أفكار العامة، كأن يشترط في تمام التشبيه وجود وصف لم يكن، وانتفاء وصف قد كان ولو ادعاء، ويسمى التشبيه المشروط، وذلك على ضروب، منها: 1- أن يكون كقول المتنبي: لم تلق هذا الوجه شمس نهارنا ... إلا بوجه ليس فيه حياء2 فتشبيه الحسناء بالشمس مطروق مبتذل يستوي فيه الخاصة والعامة، لكن حديث الحياء وما فيه من الدقة والخفاء أخرجه من الابتذال إلى الغرابة وشبيه به قول أبي نواس: إن السحاب لتستحي إذا نظرت ... إلى نداك فقاسته بما فيه حتى تهم بإقلاع فيمنعها ... خوف من السخط من إجلال منشيها 2- أن يكون كقول الوطواط: عزماته مثل النجوم ثواقبا ... لو لم يكن للثاقبات أفول3

_ 1 لطع: لحس. 2 تلق إما بمعنى تبصر، فالتشبيه غير مصرح به، وإما من لقيته بمعنى قابلته وعارضته، فهو فعل يدل على التشبيه، وهو تشبيه مقلوب، إذ المقصود تشبيه الوجه بالشمس، لا العكس. 3 العزمات جمع عزمة، وهي المرة من العزم، والثواقب اللوامع.

فقد شرط لتمام المماثلة بين النجوم وبينه عم مغيبها، ونظيره قول البديع الهمداني: يكاد يحكيك صوب الغيث منسكبا ... لو كان طلق المحيا يمطر الذهبا 3- أن يكون كقول ابن بابك: ألا يا رياض الحزن من أبرق الحمى ... نسيمك مسروق ووصفك منتحل حكيت أبا سعد فنشرك نشره ... ولكن له صدق الهوى ولك الملل 4- أن يجمع بين عدة تشبيهات فيزداد بذلك لطفا وغرابة، كقوله: كأنما يبسم عن لؤلؤ ... أو فضة أو برد أو أقاح

المبحث التاسع: في الكلام على أدوات التشبيه

المبحث التاسع: في الكلام على أدوات التشبيه أدوات التشبيه هي: الكاف، وكأن، ومثل، ونحوها مما يفيد معنى المماثلة والمشابهة، نحو: {فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ} ، {كَأَنَّهُنَّ الْيَاقُوتُ وَالْمَرْجَانُ} ، {إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ} ... إلى آخر الآية. ويفرق بين الكاف وكان بوجوه: أ- أن الكاف يليها المشبه به1، وكأن يليها المشبه، نحو: الحليم كالجبل في سكونه ... كأنك سحبان فصاحة ب- أن الكاف تدل دائما على التشبيه، وكأن تفيد التشبيه، إذا كان خبرها جامدا أو مؤولا به، نحو: وكأن دجلة إذ تلاطم موجها ... ملك يعظم خيفة ويبجل وتفيد الشك إذا كان خبرها مشتقا، نحو: كأنك قائم فيهم خطيبا ... وكلهم قيام للصلاة جـ- التشبيه بكأن أبلغ من التشبيه بالكاف، لما فيه من التوكيد، لتركبها من: الكاف، وأن. وقد ينوب عن الأداة ويغني عنها فعل من أفعال اليقين2 أو الرجحان كعلم وظن وحسب، ويكون منبئا عن حال التشبيه في القرب أو البعد، ولا يعتبر أداة، بل الأداة محذوفة، كقوله: قوم إذا لبسوا الدروع حسبتها ... سجا مزردة على أقمار3

_ 1 قد يليها غير المشبهة به إذا كان التشبيه مركبا نحو: {وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ} .. الآية، إذ ليس المراد تشبيه حال الدنيا، ولا بمفرد آخر يتحمل تقديره، بل المراد تشبيه حالها في نضارتها وبهجتها وما يعقبها من الهلاك والفناء بحال النبات يكون أخضر ثم يهيج فتطيره الرياح كأن لم يكن. 2 إذا ادعى فيه كمال المشابهة وألفاظ الرجحان أن بعد التشبيه، لما في الحسبان ونحوه من عدم التيقن. 3 الدرع ثوب ينسج من زرد الحديد يلبس في الحرب للوقاية، والسحب: جمع سحابة، والمزردة المنسوجة.

المبحث العاشر: في تقسيم التشبيه باعتبار الإدارة

المبحث العاشر: في تقسيم التشبيه باعتبار الإدارة ... المبحث العاشر: في تقسيم التشبيه باعتبار الأداة ينقسم التشبيه باعتباره الأداة إلى: 1- مؤكد، وهو ما حذفت أداته، نحو: وهي تمر مر السحاب وقوله: هم البحور عطاء حين تسألهم ... وفي اللقاء إذا تلقاهم بهم1 ومنه ما أضيف المشبه به إلى المشبه، كقوله: فاضمم مصابيح آراء الرجال إلى ... مصباح رأيك تزده ضوء مصبح 2- مرسل، وهو ما ذكرت فيه الأداة، نحو: كأن عيون النرجس الغض حولنا ... مداهن در حشوهن عقيق التشبيه البليغ2: هو ما ذكر فيه الطرفان فقط وحذف منه الوجه والأداة، وسبب تسميته بذلك أن حذف الوجه والأداة يوهم اتحاد الطرفين, وعدم تفضالهما فيعلو المشبه إلى مستوى المشبه به، وهذه هي المبالغة في قوة التشبيه، أما ذكر الأداة فيفيد ضعف المشبه وعدم إلحاقه بالمشبه به، كما أن ذكر الوجه يفيد تقييد التشبيه وحصره في جهة واحدة. ومن أمثلته ما يأتي:

_ 1 البهم: جمع بهمة، وهو الشجاع الذي يستبهم على أقرانه مأتاه. 2 هذه طريقة لبعضهم، وتقدم أن بعضهم يسمي التشبيه البعيد الغريب بالبليغ.

فالأرض ياقوته والجو لؤلؤه ... والنبت فيروزج والماء بلور طلعن بدورا وانقبن أهلة ... ومسن غصونا والتفتن جآذرا فاقضوا مآربكم عجالا إنما ... أعماركم سفر من الأسفار التشبيه الضمني 1: هو ما لم يصرح فيه بأركان التشبيه على الطريقة المعلومة، بل يفهم من معنى الكلام وسياق الحديث كقوله: علا فما يستقر المال في يده ... وكيف تمسك ماء قنة الجبل فإنه قد شبه الممدوح المفهوم من ضمير علا بقنة الجبل ووجه الشبه عدم استقرار شيء والأداة محذوفة، ونحوه قول المتنبي: فإن تفق الأنام وأنت منهم ... فإن المسك بعض دم الغزال وقول الطغرائي: مجدي أخيرا ومجدي أولا شرع ... والشمس رأد الضحى كالشمس في الطفل2

_ 1 سمي ضمنيا؛ لأنه يفهم ضمن القول وسياق الكلام. 2 شرع أي: سواء، ورأد الضحى: ارتفاعه. والطفل: احمرار الشمس عند الغروب.

المبحث الحادي عشر: في الغرض من التشبيه

المبحث الحادي: عشر في الغرض من التشبيه الغرض من التشبيه وهو الإيضاح والبيان مع الإيجاز والاختصار يعود في الأغلب "في التشبيه غير المقلوب" إلى المشبه لوجوه، منها: 1- بيان إمكانه، إذا كان أمرا غريبا لا يمكن فهمه وتصوره إلا بالمثال، كقول البحتري: دنوت تواضعا وعلوت مجدا ... فشأناك انحدار وارتفاع كذلك الشمس تبعد أن تسامي ... ويدنو الضوء منها والشعاع فحين أثبت للمدوح صفتين متناقضتين، هما القرب والبعد، وكان ذلك غير ممكن في مجرى العرف والعادة، ضرب لذلك المثل بالشمس، ليبين إمكان ما قال.

2- بيان حاله، إذا كان غير معروف الصفة قبل التشبيه، كقول النابغة يمدح النعمان: كأنك شمس والملوك كواكب ... إذا طلعت لم يبد منهن كوكب فالوجه عظم حال النعمان وصغر حال الملوك الآخرين إذا قيسوا به. ويكثر استعماله على هذا النحو في العلوم والفنون للإيضاح والبيان لتقريب الحقائق إلى أذهان المتعلمين، كما يقال لهم: الأرض كالكرة، والذئب كالكلب في الحجم. 3- بيان مقدار حاله في القوة والضعف إذا كان معروف الصفة قبل التشبيه فبه يعرف مقدار نصيبه، كقول الأعشى: كأن مشيتها من بيت جارتها ... مر السحابة لا ريث ولا عجل1 4- تقرير حاله في نفس السامع، بإبرازها فيما هي فيه أظهر وأقوى، ويكثر في تشبيه الأمور المعنوية بأخرى تدرك بالحس كقولك للمشتغل بما لا فائدة فيه: أنت كالراقم على الماء، إذ بالتشبيه يظهر أنه قد بلغ من الخيبة أقصى الغاية وكقول المتنبي: من يهن يسهل الهوان عليه ... ما لجرح بميت إيلام2 وقوله: إن القلوب إذا تنافر ودها ... مثل الزجاجة كسرها لا يجبر 5- تزيين المشبه وتحسين حاله ليرغب فيه، كقول ابن المعتز يصف الهلال: أهلا بفطر قد أثار هلاله ... فالآن فاغد على الشراب وبكر انظر إليه كزورق من فضة ... قد أثقلته حمولة من عنبر3 6- تشويه المشبه وذمه ليكره ويرغب عنه، نحو: كلف في شحوب وجهك يحكي ... نكتًا فوق وجنة برصاه

_ 1 الريث: البطء. 2 فيه تشبيه ضمني إذ قد شبه حال من يقبل الهوان بحال الميت بجامع عدم التأثر، وذلك مفهوم ضمنا. 3 الحمولة: ما يحمل فيه ويوضع، والوجه وجود شيء أسود في داخل شيء أبيض.

وقوله في ذم القصر: وترى أناملها دبت على أوتارها ... كخنافس دبت على أوتار 7- استطرافه وجعله مستحدثا بديعا إما لإبرازه في صورة ما يمتنع عادة كما يشبه الجمل الموقد ببحر من المسك موجه الذهب, وإما لندور حضور المشبه به في النفس عند حضور المشبه كقولي ابن الرومي في تشبيه بنفسجة. ولازوردية تزهو بزرقتها ... بين الرياض على حمر اليواقيت كأنها بين قامات ضعفن بها ... أوائل النار في أطراف كبريت1 قال الإمام عبد القاهر: فقد أراك شبيها لنبات غض يرف2، وأوراق رطبة من لهب نار في جسم مستول عليه اليبس، ومبنى الطباع وموضوع الجبلة على أن الشيء إذا ظهر من مكان لم يعهد ظهوره منه، وخرج من موضع ليس بمعدن له كانت صيانة النفوس به أكثر, وكان الشغف به أجدر. ونحوه قول عدي ابن الرفاع يصف قرن غنان: تزجي أغن إبرة روقه ... قلم أصاب من الدواة مداها وقد يعكس التشبيه "فيجعل المشبه مشبها به وبالعكس" وعندئذ يجعل الأصل فرعا، والفرع أصلا، ويشبه الزائد بالناقص للمبالغة، وإيهام أن المشبه أقوى وأتم من المشبه به في وجه الشبه، فتعود الفائدة حينئذ إلى المشبه به لا إلى المشبه، كقول محمد بن وهيب يمدح المأمون: وبدا الصباح كأن غرته ... وجه الخليفة حين يمتدح3 فقد جعل وجه الخليفة كأنه أعرف وأتم من غرة الصباح في الإشراق والضياء، وقوله: وأرض كأخلاق الكريم قطعتها ... وقد كحل الليل السماك فأبصرا

_ 1 الواو واو رب، واللازوردية أزهار من البنفسج، وحمر اليواقيت الأزهار، والقامات السيقان، وضعفن بها أي: ضعفن عن حملها. 2 يرف: يهتز. 3 في قوله يمتدح: دلالة على اتصاف الممدوح بمعرفة حق المادح وتعظيم شأنه لدى الحاضرين بالإصغاء إليه, حيث يرتاح لسماع المدائح وتظهر عليه علامات البشر والسرور.

وذلك أنه لما رأى استمرار وصف الأخلاق بالضيق وبالسعة، تعمد تشبيه الأرض الواسعة بخلق الكريم بادعاء أنه في السعة أكمل من الأرض المتباعدة الأطراف، وقولهتعالى حكاية عن مستحلي الربا: {إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا} ، إذ مقتضى الظاهر أن يقال: إنما الربا مثل البيع، لكنهم خالفوا ذلك ذهابا منهم إلى جعل الربا في الحل أقوى حالا من البيع. ومنه قول البحتري: في طلعة البدر شيء من محاسنها ... وللقضيب نصيب من تئنيها وقوله في وصف بركة المتوكل: كأنها حين لجت في تدفقها ... يد الخليفة لما سال واديها وكل هذا إذا أريد إلحاق الناقص في وجه الشبه حقيقة، أو ادعاء بالزائد فيه فإن أريد مجرد الجمع بين شيئين في أمر جاز التشبيه، ولكن الأحسن تركه والعدول إلى التشابه ليكون كل من الطرفين مشبها ومشبها به احترازا من ترجيح أحد المتساويين على الآخر، كما فعل أبو إسحاق الصابي في قوله: تشابه دمعي إذ جرى ومدامتي ... فمن مثل ما في الكاس عيني تسكب فوالله ما أدري أبالخمر أسلبت ... جفوني أم من عبرتي كنت أشرب1 ويجوز التشبيه أيضا كتشبيههم غرة الفرس بالصبح وعكسه متى أريد ظهور منير في مظلم أكثر منه، من غير قصد، إلى المبالغة في وصف الغرة بالضياء وفرط التلألؤ، ونحو ذلك، وتشبيه الشمس بالمرآة المجلوة، أو الدينار الخارج من السكة، كما قال ابن المعتز: وكأن الشمس المنيرة دينا ... ر جلته حدائد الضراب وعكسه متى أريد استدارة متلألئ متضمن لخصوص في اللون، وإن عظم التفاوت بين نور الشمس ونور المرآة، والدينار وبين الجرمين، إذ ليس شيء من ذلك بمنظور إليه في التشبيه.

_ 1 سكب الدمع: إرساله، وأسبل الدمع والمطر إذا هطل.

المبحث الثاني عشر: في أقسام التشبيه باعتبار الغرض

المبحث الثاني عشر: في أقسام التشبيه باعتبار الغرض ينقسم التشبيه باعتبار الغرض إلى: حسن وقبيح، أو: مقبول ومردود. 1- فالحسن هو الوافي1 بإفادة الغرض والمطلوب منه، وذلك هو النمط الذي تسمو إليه نفوس البلغاء، كقول امرئ القيس يصف فرسا: على الذبل جياش كأن اهتزامه ... إذا جاش فيه حمية على مرجل2 وقول ابن نباتة في وصف فرس أغر أبلق: وكأنما لطم الصباح جبينه ... فاقتص منه فخاض في أحشائه وقول الآخر: نشرت إلي غدائرا من شعرها ... حذر الكواشح والعد والموبق فكأنني وكأنها وكأنه ... صبحان باتا تحت ليل مطبق3 2- والقبيح هو ما لم يف بالغرض لعدم وجود وجه شبه بين الشبه والمشبه به، أو مع وجوده، لكن على بعد، وما أحق مثل هذا بالاستكراه والذم، وأي شيء أولى بنفور الطبع السليم منه، وذلك كقول أبي نواس يصف الخمر: وإذا ما الماء واقعها ... أظهرت شكلا من الغزل لؤلؤات ينحدرن بها ... كانحدار الذر من جبل فهذا تشبيه بعيد ركيك، غث اللفظ بشعه، فهو قد شبه الحبب بنمل صغار ينحدر من جبل، وشبيه به قول الفرزدق: يمشون في حلق الحديد كما مشت ... جرب الجمال بها الكحيل المشعل4

_ 1 وذلك بأن يكون المشبه به أعرف بوجه المشبه إذا كان الغرض بيان حال المشبه أو مقدار الحال، أو أتم شيء فيه إذا قصد إلحاق الناقص بالكامل، أو مسلم الحكم معروفا عند المخاطب إذا كان الغرض بيان إمكان الوجود. 2 الذبل والذبول: الضمور وقلة اللحم، والاهتزام: التكسر، والحمى: حرارة القيظ، والمرجل: القدر. 3 الكاشح الذي يضمر العداوة، والموبق المهلك. 4 الكحيل: القطران، تطلى به الإبل، والمشعل: الكثير.

فقد شبه الرجال في دروع الزرد بالجمال الجرب، وذلك من البعد بمكان؛ لأنه إن أراد السواد فلا مقاربة بينهما فيه، فإن لون حديد الدروع أبيض، وإن أراد شيئا آخر فليس بواضح مع ما فيه من السخف، ونحوه قول المتنبي: وجرى على الورق النجيع القاني ... فكأنه النارنج في الأغصان1 إذ لا مشاكلة بين لون الدم ولون النارنج. تذييل: وفيه أمران: 1- التشبيه، باعتبار المبالغة أقسام ثلاثة: أ- أعلاها ما حذف فيه الوجه والأداة، نحو: محمد أسد. ب- المتوسط في المبالغة، وهو ما حذف فيه الوجه، أو الأداة، نحو: علي كالبدر، أو: علي بدر في الحسن والبهاء. جـ- أدناها ما ذكر فيه الوجه والأداة، نحو: علي كالأسد في الشجاعة. ذاك أن القوة إما بعموم وجه الشبه ظاهرا2، أو بحمل المشبه به على المشبه وإيهام أنه هو، فما اشتمل على الوجهين معا فهو في غاية القوة، وهو القسم الأول، وما خلا منهما معا، فلا قوة له، وهو القسم الثالث، وما اشتمل على أحدهما فقط فهو متوسط، وهو القسم الثاني. 2- اختلف القوم في التشبيه، أيعد من المجاز أم لا؟ فأهل التحقيق قالوا: الطرفين مستعمل في موضوعه. وذهب ابن الأثير إلى أنه مجاز وحجته أن مضمر الأداة من التشبيه معدود في الاستعارة, فيجب أن يكون مظهرها كذلك, إذ لا فرق بينهما إلا بظهور الأداة وظهورها إن لم يزده قوة ودخولا في المجاز لم يكن مخرج له عن سننه, كذا في "الطراز" بتصرف.

_ 1 النجيع: الدم الطري، يريد أنه جرت دماء القتلى على ورق الشجر. 2 إنما قلنا ظاهرا؛ لأن الوجه لا بد أن يكون صفة خاصة قصد اشتراك الطرفين فيها كالشجاعة ونحوها، لكن قولك: كالأسد، يفيد أن وجه الشبه عام في أوصاف كثيرة، كالشجاعة والمهابة والقوة وكثرة الجري، إلى غير ذلك من أوصاف الأسد.

أثر التشبيه في النفس: قال المبرد في "الكامل" التشبيه جار كثيرا في كلام العرب حتى لو قال قائل هو أكثر كلامهم لم يبعد، قال الله عز وجل وله المثل الأعلى في الزجاجة: {كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ} 1. وقال أبو هلال في "الصناعتين": التشبيه يزيد المعنى وضوحا، ويكسبه تأكيدا، ولهذا أطبق جميع المتكلمين من العرب والعجم عليه، ولم يستغن أحد عنه. وسر هذا أن للخيال نصيبا كبيرا فيه، فهو يفتن حتى لا يقف عند غاية، وأنه يعمل عمل السحر في إيضاح المعاني وجلائها، فهو ينتقل بالنفس من الشيء الذي تجهله، إلى شيء قديم الصحبة، طويل المعرفة، وغير خاف ما لهذا من كثير الخطر، وعظيم الأثر. انظر قوله عليه السلام في ذم من يعلم الخير ولا يعمل به: "مثل الذي يعلم الخير ولا يعمل به مثل السراج يضيء للناس وهو يحترق". وإنك لترى فيه تشنيع حال من اتصف به، وكأنك تشاهد النار، وهي تعلق به وتأخذ منه بالنواصي والأقدام. وتأمل قول أبي العلاء المعري: إن الشبيبة نار إن أردت بها ... أمرا فبادره إن الدهر مطفيها تجده جعل عزيمة الشباب الوثابة المتحفزة للعمل كالنار، يمتد لهيبها، ويشتد أوارها، لكنها لا تلبث حتى تخمد جذوتها، وينطفئ ذلك اللهب المتقد، ومن ثم طلب إلى الشباب البدار إلى نيل المآرب، وعدم التواني في درك المقاصد. وإلى قول مهيار الديلمي: وبعض مودات الرجال عقارب ... لها تحت ظلماء العقوق دبيب تره صور بعض المودات بصورة عقارب، تسير في الظلماء على غير هدى، وتنفث سمومها ما استطاعت إلى ذلك سبيلا.

_ 1 سورة النور الآية: 35.

وكلما كان عمل الخيال أكثر، كانت صورته أعجب، والنفس به أطرب، ولن نجد تلك الروعة وذاك الجمال في تشبيه المحسوسات بعضها ببعض، فتشبيه ابن المعتز للشمس بالدرهم المضروب في قوله: وكأن الشمس المنيرة دينا ... ر جلته حدائد الضراب وللهلال بالزورق من الفضة التي حمولته من عنبر في قوله: فانظر إليه كزورق من فضة ... قد أثقلته حمولة من عنبر أقل جمالا من ذاك الذي تقدم، وليس له في النفس أريحية، ولا تأخذها منه هزة، والتشبيهات المستعملة، في العلوم والفنون، ما هي إلا وسيلة من وسائل الإيضاح لكشف ما يخفى من الحقائق. قال صاحب "الصناعتين": والطريق المسلوكة والمنهج القاصد في التمثيل عند القدماء والمحدثين, تشبيه الجواد بالبحر والمطر، والشجاع بالأسد، والحسن بالشمس والقمر، والسهم الماضي بالسيف، والعالي الرتبة بالنجم، والحليم الرزين بالجبل، والقاسي بالحديد والصخر، والبليد بالجماد، واللئيم بالكلب. وشهر قوة بخصال محمودة، فصاروا فيها أعلاما، فجروا مجرى ما قدمناه كالسموءل1 في الوفاء، وحاتم في السخاء، والأحنف2 في الحلم، وسحبان في البلاغة، وقس3 في الخطابة، ولقمان4 في الحكمة. وآخرون بأضدادها فشبه بهم في حال الذم، كباقل5 في العي، وهنقة6 في الحق، والكسعي7 في الندم، ومادر8 في البخل. يوجد صورة سكانر

_ 1 هو ابن حبان اليهودي. 2 من سادات التابعين. 3 هو قس بن ساعدة الإيادي خطيب العرب. 4 هو حكيم اشتهر بأصالة الرأي في القول والعمل. 5 اشتهر بالعي وعدم الإبانة عن مراده. 6 هو يزيد بن ثروان من قيس. 7 هو غامد بن الحرث. 8 مخارق الهلالي سقى إبله فبقي في الحوض قليل فسلح فيه ومدر الحوض به.

تداريب وتمارين

تداريب وتمارين: تدريب أول: بين أركان التشبيه وأقسامه باعتبار كل منها فيما يلي: 1- تحطمنا الأيام حتى كأننا ... زجاج ولكن لا يعاد لنا سبك 2- ولم أر مثل هالة في معد ... يشابه حسنها إلا الهلالا 3- كأن بنى نبهان يوم وفاته ... نجوم سماء خر من بينها البدر 4- كأن سهيلا والنجوم وراءه ... صفوف صلاة قام فيها إمامها 5- العلم في الصدر مثل الشمس في الفلك ... والعقل للمرء مثل التاج للملك 6- والنفس كالطفل إن تهمله شب على ... حب الرضاع وإن تفطمه ينفطم 7- وتراكضوا خيل الشباب وبادروا ... أن تسترد فإنهن عوار تدريب ثان: 1- وقصائد مثل الرياض أضعتها ... في باخل ضاعت به الأحساب 2- انظر إلى حسن هلال بدا ... يهتك من أنواره الحندسا1 كمنجل قد صيغ من فضة ... يحصد من زهر الدجا نرجسا 3- والدهر كالبحر لا ينفك ذا كدر ... وإنما صفوة بين الورى لمع 4- فإذا ركبت فإنني زيد الفوارس في الجلاد ... وإذا نطقت فإنني قس بن ساعدة الإيادي2

_ 1 الحندس: الليل الشديد الظلمة. 2 زيد الفوارس: زيد الخيل، أحد الصحابة، كان له خمس أفراس، سماه رسول الله: زيد الخير، وقس أحد خطباء العرب.

5- والبدر في أفق السماء كغادة ... بيضاء لاحت في ثياب حداد1 6- والليل في لون الغراب كأنه ... هو في حلوكته وإن لم ينعب2 7- قال علي كرم الله وجهه: مثل الذي يعلم الخير، ولا يعمل به، مثل السراج الذي يضيء للناس ويحرق نفسه. 8 قال صاحب "كليلة ودمنة": الدنيا كالماء المالح، كلما ازددت منه شربا، ازددت عطشا. الإجابة: 1- المشبه القصائد، مفرد محسوس، المشبه به الرياض مفرد محسوس الأداة مثل، وهو تشبيه مرسل، الوجه الحسن والجمال، مجمل غير تمثل الغرض تزيين المشبه. 2- المشبه الهلال مفرد محسوس مقيد، المشبه به المنجل مفرد محسوس مقيد، الأداة الكاف، تشبيه مرسل، الوجه إزالة شيء مظلم، مجمل غير تمثيل تزيين المشبه. 3- المشبه الدهر مفرد معقول، المشبه به البحر مفرد محسوس، الأداة الكاف تشبيه مرسل، الوجه الكدر غالبا مجمل غير تمثيل، الغرض بيان حاله. 4- المشبه ضمير المتكلم مفرد محسوس، المشبه به زيد الفوارس مفرد محسوس والأداة محذوفة مؤكد، الوجه الجلاد مفصل غير تمثيل، الغرض بيان حال المشبه ومثله البيت الثاني. 5- المشبه البدر مفرد مقيد محسوس، المشبه به حسناء في ثياب حداد مفرد محسوس مقيد، الأداة الكاف مرسل، الوجه بياض يعلوه سواد مجمل غير تمثيل والغرض بيان مقدار حال المشبه به، وهو تشبيه مقلوب. 6- المشبه ضمير الليل مفرد محسوس، المشبه به الغراب مفرد محسوس، الأداة كأن، مرسل، الوجه الحلوكة والسواد مفصل غير تمثيل، الغرض بيان مقدار حاله.

_ 1 الحداد: الحزن. 2 النعيب: صوت الغراب، والحلوكة: السوداء.

7- المشبه الذي يعلم الخير ولا يعمل به مفرد مقيد محسوس، المشبه به السراج الذي يضيء للناس ويحرق نفسه مقيد محسوس، الأداة مثل تشبيه مرسل, الوجه نفع غيره وحرمان نفسه، مجمل غير تمثيل الغرض تقبيح حال المشبه. 8- المشبه الدنيا مفرد محسوس، المشبه به الماء المالح مفرد مقيد محسوس، والأداة الكاف وهو تشبيه مرسل، الوجه عدم الفائدة مجمل غير تمثيل، الغرض تقبيح حال المشبه. تمرين أول: بين أركان التشبيه وأقسامه باعتبار كل فيما يلي: 1- ومكلف الأيام ضد طباعها ... متطلب في الماء جذوة نار 2- الشمس من مشرقها قد بدت ... مشرقة ليس لها حاجب كأنها بوتقة أحميت ... يجول فيها ذهب ذائب 3- كأن سماءها لما تجلت ... خلال نجومها عند الصباح رياض بنفسج خضل نداه ... تفتح فيه أنوار الأقاحي1 4- قال علي كرم الله وجه: إنه لم يبق من الدنيا إلا كإناخة راكب أو صر حالب. 5- قال صابح "كليلة ودمنة": من صنع المعروف لعاجل الجزاء فهو كملقي الحب للطير لا لينفعها بل ليصيدها. 6- فأنهض بنار إلى فحم كأنهما ... في العين ظلم وإنصاف قد اتفقا 7- فإن أغش قوما بعده أو أزورهم ... فكالوحوش يدنيها من الأنس المحل2 8- إذا أقبلت قيس كأن عيونها ... حدق الكلاب وأظهرت سيماها3 9- بفرع ووجه وقد وردف ... كليل وبدر وغصن وحقف

_ 1 هما لابن المعتز في وصف سحابة، وقبلهما: وموقرة بثقل الماء جاءت ... تهادي فوق أعناق الرياح 2 الأنس محركا من تأنس به جمعه آناس ولغة في الأنس، والمحل: الجدب. 3 السيما والسيمياء: العلامة والهيئة.

تمرين ثان: 1- قال عليه السلام: "أمتي كالمطر لا يدرى أوله أم آخره". 2- ولقد ذكرتك والزمان كأنه ... يوم النوى وفؤاد من لم يعشق 3- فالخمر ياقوتة والكأس لؤلؤة ... من كف جارية ممشوقة القد 4- كأن أثيرا في عرانين وبله ... كبير أناس في بجاد مزمل1 5- إني وتزييني بمدحي معشرا ... كمعلق درا على خنزير 6- قال صاحب "كليلة ودمنة": صحبة الأشرار تورث النثر كالريح إذا مرت على المنثر حملت نتنا، وإذا مرت على الطيب حملت طيبا. 7- وما منع الضغائن مثل ضرب ... ترى منه السواعد كالقلينا2 8- إذا قامت لحاجتها تثنت ... كأن عظامها من خيزران 9- ثغر وخد ونهد واحمرار يد ... كالطلع والورد والرمان والبلح

_ 1 أثير: جبل، وعرانين السحاب أوائل مطره، والبجاد: كساء مخطط. 2 القلة: مضرب الكرة.

الباب الثاني: في الحقيقة والمجاز

الباب الثاني: في الحقيقة والمجاز المبحث الأول: في أقسام الحقيقة ... الباب الثاني: في الحقيقة والمجاز وفيه عشرون مبحثا وتتمة. المبحث الأول: في أقسام الحقيقة الحقيقة التي نبحث عنها هنا1 ضربان: حقيقة من طريق اللغة، وحقيقة من ناحية المعنى والمعقول, بيان هذا أنا إذا وصفنا كلمة مفردة بكونها حقيقة، كما إذ أطلقنا السبع على الحيوان المعروف، واليد على الجارحة المخصوصة، كان ذلك الإطلاق حكما آتيا من ناحية اللغة، ألا ترى أنا نقول: إن المتكلم استعمل الكلمة فيما وضعت له ابتداء في اللغة، وإذا وصفنا بالحقيقة الجملة من الكلام كان ذلك الوصف آتيا من جانب المعقول دون اللغة؛ لأن الأوصاف اللاحقة للجمل من حيث إنها جمل لا يصح ردها إلى اللغة، ولا وجه لنسبتها إلى واضعها؛ لأن التأليف هو إسناد فعل إلى اسم، أو اسم إلى اسم، وذاك شيء يحصل بقصد المتكلم, فمثلا كتب لا يصير خبرا عن محمد في قولك: محمد كتب بوضع اللغة، بل بمن قصد إثبات الكتابة فعلا له، كذا في "أسرار البلاغة" بتصرف.

_ 1 أما بقية أنواع الحقائق فلا يهم علماء الفصاحة البحث عنها.

المبحث الثاني: في تعريف الحقيقة

المبحث الثاني: في تعريف الحقيقة الحقيقة في اللغة فعيل بمعنى فاعل من حق الشيء إذا ثبت، أو بمعنى مفعول من حققت الشيء إذا أثبته، ثم نقل إلى الكلمة الثابتة أو المثبتة في مكانها الأصلي والتاء فيها للنقل من الوصفية إلى الاسمية. وقد علمت مما سبق أن الحقيقة التي نبحث عنها ضربان: حقيقة لغوية، وحقيقة عقلية. 1- فاللغوية هي الكلمة المستعملة فيما وضعت1 له في إصلاح التخاطب، فخرج بقولنا المستعملة الكلمة قبل الاستعمال، فلا تسمى حقيقة ولا مجازا، وبقولنا فيما وضعت له الغلط، نحو: خذ هذا الكتاب، مشيرا إلى مسطرة، والمجاز الذي لم يستعمل فيما وضع له، لا في اصطلاح التخاطب، ولا في غيره، كلأسد المستعمل في الرجل الشجاع؛ لأن الاستعارة وإن كانت موضوعة فوضعها تأويلي, أي: يحتاج إلى قرينة لا تحقيقي، والمفهوم من إطلاق الوضع التحقيقي وهو ما كانت الدلالة فيه بنفسه لا بقرينة، وبقولنا في اصطلاح التخاطب المجاز المستعمل فيما وضع له في اصطلاح آخر غير الاصطلاح الذي وقع به التخاطب كالزكاة, إذا استعملها الشرعي في النماء، فإنها تكون مجازا؛ لأنها لفظ استعمل في غير ما وضع له في اصطلاح الشرع، وهو الجزء المخصوص الذي يؤخذ من المال، ويعطى للسائل والمحروم، وإن كان مستعملا فيما وضع له في اصطلاح اللغة، فلولا هذا القيد لتناول تعريف الحقيقة والمجاز. 2- والعقلية هي إسناد الفعل، أو ما في معناه إلى ما هو له عند المتكلم في الظاهر، أي: إسناد الفعل، أو ما في معناه، وهو المصدر واسم الفاعل، واسم المفعول والصفة المشبهة، واسم التفضيل والظرف، إلى ما هو له عند المتكلم فيما يفهم من ظاهر2 حاله بألا ينصب قرينة على أنه غير ما هو له في اعتقاده، ومعنى كونه له أن حقه أن يسند إليه؛ لأنه وصف له وذلك كإسناد الفعل المبني للفاعل إلى الفاعل، وإسناد الفعل المبني للمفعول، وستأتي الأمثلة عند ذكر أقسامها، وهي أربعة: 1- ما يطابق الواقع والاعتقاد معا كقول الموحد: خلق الله العالم. 2- ما يطابق الواقع دون الاعتقاد ولا يكاد يوجد له مثال, ومثلوا له بقول المعتزلي لمن لا يعرف حقيقة حاله وهو يخفيها عنه "خلق الله الأفعال كلها"

_ 1 الوضع تعيين اللفظ للدلالة على معنى بنفسه، فخرج بقولنا بنفسه المجاز؛ لأن دلالته بالقرينة، ودخل المشترك؛ لأنه قد عين للدلالة على كل من المعنيين بنفسه وعدم فهم أحدهما بالتعيين لعارض لا ينافي ذلك، فالقرء مثلا عين مرة للدلالة على الطهر بنفسه وأخرى للدلالة على الحيض بنفسه، فهو موضوع لكل منهما على وجه الاستقلال. 2 سيأتي إيضاح ذلك في المجاز.

إذ هو لا يعتقد ذلك، وإنما يعتقد أن الأفعال الاختيارية مخلوقة بكسب العبد واختياره. 3- ما يطابق الاعتقاد دون الواقع كقول الطبعي، المنكر لوجود الإله شفى الطبيب المريض، وعليه قوله تعالى، حكاية عن بعض الكفار: {وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ} 1. 4- ما لا يطابق شيئا منهما كالأقوال الكاذبة التي يكون المتكلم عالما بحالها دون المخاطب، كما تقول: سافر محمد، وأنت تعلم أنه لم يسافر، فلو علمه المخاطب كما علمه المتكلم لما تعين كونه حقيقة لجواز2 أن يجعل المتكلم علم السامع بأنه لم يسافر قرينة على عدم إرادة ظاهرة، فلا يكون إسنادا إلى ما هو له عند المتكلم في الظاهر.

_ 1 سورة الجاثية الآية: 24. 2 فيكون مجازا عقليا إن كان الإسناد إلى محمد لملابسة كأن كان محمد سببا في سفر المسافر حقيقة، أو يكون حقيقة كاذبة إذا كان المتكلم لم يجعل علم السامع قرينة على أنه لم يرد ظاهره.

المبحث الثالث: في تعريف المجاز وأقسامه

المبحث الثالث: في تعريف المجاز وأقسامه المجاز مفعل واشتقاقه من الجواز وهو التعدي من قولهم: جزت موضع كذا، إذا تعديته، سمي به المجاز الآتي بيانه؛ لأنهم جازوا به موضعه الأصلي، أو جاز هو مكانه الذي وضع فيه أولا. وفي الاصطلاح قسمان: مجاز عقلي، ولغوي، والأول سنتكلم عنه بعد، والثاني ضربان: مفرد ومركب، فالمركب سيأتي بيانه. والمفرد هو الكلمة المستعملة في غير ما وضعت له في اصطلاح التخاطب لملاحظة علاقة1 بين الثاني والأول مع قرينة2 تمنع إرادة المعنى الأصلي، كالأسد المستعمل في الشجاع، والغيث المستعمل في النبات، فخرج بقولنا: الكلمة المستعملة قبل الاستعمال، فلا هي حقيقة ولا مجاز، وبقولنا:

_ 1 هي بفتح العين على الأفصح، وسميت كذلك؛ لأن بها يتعلق ويرتبط المعنى الثاني بالمعنى الأول. 2 هي ما يفصح عن المراد من اللفظ وسيأتي أنها تارة تكون لفظا وتارة تكون غيره.

في غير ما وضعت له الحقيقة، وبقولنا: في اصطلاح التخاطب الحقيقة التي لها معنى آخر في اصطلاح التخاطب كالزكاة إذا استعملها المتكلم باصطلاح اللغة في النماء، فإنها يصدق عليها أنها كلمة مستعملة في غير ما وضعت له لكن باصطلاح آخر، وهو اصطلاح الشرع لا اصطلاح المتكلم، وهو اللغة، فلولا هذا القيد لأمكن دخول هذه الحقيقة في تعريف المجاز، وبقولنا الملاحظة: علاقة، وهي المناسبة الخاصة بين المعنى المنقول عنه والمنقول إليه، الغلط كالكتاب إذا استعمل في المسطرة غلطا في نحو قولك: خذ الكتاب، مشيرا إلى مسطرة، فإنه ليس فيه علاقة ملحوظة، وبقولنا: مع قرينة مانعة من إرادة المعنى الأصلي الكناية فإن قرينتها لا تمنع من إرادة الموضوع له. وينقسم إلى: مجاز مرسل واستعارة؛ لأن العلاقة المصححة للتجوز إن كانت غير المشابهة فمجاز مرسل، وإلا فاستعارة.

المبحث الرابع: في المجاز المرسل

المبحث الرابع: في المجاز المرسل 1 هو ما كانت العلاقة بين ما استعمل فيه وما وضع له ملابسة ومناسبة غير المشابهة كاليد إذا استعملت في النعمة، لما جرت به العادة من صدورها عن الجارحة، وبواسطتها تصل إلى المقصود بها. ويجب أن يكون في الكلام دلالة على رب تلك النعمة ومصدرها بنسبتها إليه ومن ثم لا تقول: اقتنيت يدا، ولا اتسعت اليد في المد، كما تقول: اقتنيت نعمة، وكثرت النعمة في البلد، وإنما تقول: جلست يده عندي، وكثرت أياديه لدي، أو ما شابه ذلك. ومن هذا قوله عليه السلام لأزواجه: "أسرعكن لحوق بي أطولكن يدا" إذ المراد بسط اليد بالعطاء والبذل. ونظير ذلك اليد إذا استعملت في القدرة؛ لأن أجلى مظاهرها وأحكمها في اليد، ألا ترى أن بها البطش والتنكيل والأخذ والقطع والرفع والوضع، إلى غير ذلك من أفاعيلها التي ترشدك إلى وجوه القدرة ومكانها.

_ 1 سمي بذلك لإرساله وإطلاقه عن التقييد بعلاقة خاصة.

ومن هذا النمط الأصبع في قولهم لراعي الإبل إن له عليها إصبعا، أي: أثرا حسنا، كما قال الراعي يصف راعيا: ضعيف العصا بادي العروق ترى له ... عليها إذا ما أجدب الناس إصبعا دلوا على أثر المهارة والحذق بالأصبع من قبل أنهما لا يظهران في عمل اليد إلا في حسن التصريف الأصابع وخفة رفعها ووضعها كما يظهر ذلك في الخط والنقش وغيرهما من دقائق الصناعات. وعلاقات هذا المجاز كثيرة، أشهرها: 1- السببية، وهي كون الشيء المنقول عنه سببا ومؤثرا في شيء آخر، نحو: رعى جواي المطر، أي: الكلأ, الحادث بالغيث. 2- المسببية, وهي كون المنقول عنه مسببا ومتأثرا من شيء آخر، نحو: أمطرت السماء نباتا، أي: ماء، به يوجد النبات، وتناولت كأس الشفاء، أي: الدواء، وعليه قوله تعالى: {وَيُنَزِّلُ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ رِزْقًا} 1، أي: مطرا يسبب الرزق، وقوله تعالى: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ} 2، أي: سلاح يحدث القوة والمنعة. 3- الكلية، وهي كون الشيء متضمنا لشيء آخر ولغيره، كالأصابع المستعملة في الأنامل في قوله تعالى: {يَجْعَلُونَ أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ} 3، أي: رءوس أناملهم، ونحو: شربت ماء النيل، أي: بعضه، والقرينة: شربت، وسكنت مصر، أي: منزلا من منازلها، والقرينة: سكنت. 4- الجزئية، بمعنى الشيء يتضمنه وغيره شيء آخر كإطلاق العين على الربيئة4 لكونها هي المقصودة في كون الرجل ربيئة؛ لأن ما عداها لا يعني شيئا مع فقدها، فصارت كأنها الشخص كله، ومن هذا قوله تعالى: {قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا} 5 أي: صل، وقوله تعالى: {لَا تَقُمْ فِيهِ أَبَدًا} أي: لا تصل.

_ 1 سورة غافر الآية: 13. 2 سورة الأنفال الآية: 60. 3 سورة البقرة الآية: 19. 4 هو الشخص يطلع على عورات العدو في مكان عال، وهو أيضا الجاسوس. 5 سورة المزمل الآية: 2.

وقولهم: قال فلان اليوم كلمة نالت استحسان الجميع، أي: كلاما مفيدا وشروط هذه العلاقة أمران: أ- أن يكون الكل مركبا تركيبا حقيقيا. ب- أن يستلزم انتفاء الجزء انتفاء الكل عرفا كما في إطلاق الرقبة، أو الرأس، على الإنسان دون إطلاق الظفر أو الأذن مثلا، أو أن يكون زائد الاختصاص بالمعنى المطلوب من الكل كما في إطلاق اليد على المعطى والعين على الربيئة، أو أن يكون أشرف أجزائه، كما في إطلاق القافية على القصيدة في قول معن بن أوس: أعلمه الرماية كل يوم ... فلما اشتد ساعده رماني وكم علمته نظم القوافي ... فلما قال قافية هجاني1 5- الملزومية، وهي كون الشيء يجب عند وجوده وجود شيء آخر، كما في إطلاق الشمس على الضوء في قولك: دخلت الشمس من الكوة، والقرينة على ذلك: دخلت. 6- اللازمية2، وهي كون الشيء يلزم وجوده عند وجود شيء آخر، كما في إطلاق الحرارة على النار، وإطلاق الضوء على الشمس في قولك: انظر الحرارة، أي: النار، وطلع الضوء، أي: الشمس، والقرينة على ذلك: نظر وطلع. 7- اعتبار ما كان، وهو النظر إلى الشيء بما كان عليه في الزمن الماضي، نحو: شربت بنا جيدا، تريد قهوة بن, ونحو: مشيت اليوم في شارع بلاق، تريد شارع 26 يوليو قبل تغيير الاسم، وعليه قوله تعالى: {وَآتُوا الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ} 3، سمي الذين أمرنا بإيتائهم أموالهم حال البلوغ: يتامى، لما كانوا عليه من اليتم، ونحوه: {إِنَّهُ مَنْ يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِمًا} 4، سماه مجرما باعتبار الدنيا، والقرينة على ذلك: شربت، واليوم، وآتوا، ويأت.

_ 1 استد من السداد في الرأي أي: استقام. 2 المعتبر هنا اللزوم الخاص وهو عدم الانفكاك. 3 سورة النساء الآية: 2. 4 سورة طه الآية: 74.

8- اعتبار ما سيكون، وهو النظر إلى الشيء مما سيكون عليه في الزمن المستقبل، نحو: غرست اليوم شجرا, وأنت تعني بذورا، وطحنت خبزا، أي: قمحا، وعليه قوله تعالى: {وَلَا يَلِدُوا إِلَّا فَاجِرًا كَفَّارًا} 1 أي: صائرا إلى الكفر والفجور، وقوله تعالى: {إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْرًا} 2 أي: عنبا يئول عصيره إلى الخمرية، والقرينة على ذلك حالية في الأولى ومقالية في الباقي، وهي طحن ويلد وأعصر. 9- الحالية، وهي كون الشيء حالا في غيره نحو: نزلت بالقوم فأكرموني أي: بدارهم، وعلى ذلك قوله تعالى: {فَفِي رَحْمَةِ اللَّهِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} 3، أي: في الجنة التي هي محل الرحمة، والقرينة: نزل و"هم فيها خالدون". 10- المحلية، وهي كون الشيء يحل فيه غير، نحو: انصرف الديوان، أي: عماله، وحكمت المحكمة أي: قضاتها، وأقرت المدرسة توزيع الجوائز على النابغين أي: ناظريها، والقرينة على ذلك: انصرف، وحكمت، وأقرت. وقوله تعالى: {فَلْيَدْعُ نَادِيَهُ} 4، أي: أهل النادي، وقوله تعالى: {بِيَدِهِ الْمُلْكُ} 5 أي: القدرة، وقوله تعالى: {لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا} 6 أي: عقول، وقوله تعالى: {يَقُولُونَ بِأَفْواهِهِمْ} 7 أي: ألسنتهم، والقرينة: انصرف وحكمت ويدعو وبيده ويفقهون ويقولون. 11- الآلية، وهي كون الشيء آلة لإيصال أثر شيء إلى آخر، نحو: يتكلم فلان خمس ألسن، أي: خمس لغات، ونحو: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِه} 8، أي: بلغة قومه.

_ 1 سورة نوح الآية: 27. 2 سورة يوسف الآية: 36. 3 سورة آل عمران الآية: 107. 4 سورة العلق الآية: 17. 5 سورة الملك الآية: 1. 6 سورة الأعراف الآية: 179. 7 سورة آل عمران الآية: 167. 8 سورة إبراهيم الآية: 4.

وقوله تعالى: {وَاجْعَلْ لِي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ} 1 أي: ذكرا جميلا، والقرينة: يتكلم، وأرسلنا، واجعل. 12- العموم، وهو كون الشيء شاملا لكثيرين، كقوله تعالى: {أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ} 2 أي: محمدًا عليه السلام، وقوله عز من قائل: {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ} 3 يعني نعيم بن مسعود الأشجعي، والقرينة على ذلك أن الحسد ما كان إلا له، وأن القائل ما كان نعيما. 13- الخصوص، كإطلاق اسم الشخص على القبيلة، نحو: ربيعة، ومضر، وقريش، وتميم. 14- البدلية، وهو كون الشيء بدلا وعوضا من شيء آخر، نحو: قضيت الدين في موعده، أي: أديته، وفي ملك فلان ألف دينارا، أي: متاع يساوي ألفا ونحو: {إِذَا قَضَيْتُمُ الصَّلَاةَ} 4 أي: أديتم، والقرينة: في موعده في الأول وحالية في الثاني والثالث. 15- المبدلية، أي: كون الشيء مبدلا من شيء آخر نحو: أكلت دم القتيل أي: ديته، كما قال عروة الرحال، يخاطب امرأته متوعدا: أكلت دما إن لم أرعك بضرة ... بعيدة مهوى القرط طيبة النشر5 16- المجاورة، وهي كون الشيء يجاور غيره، فيطلق عليه اسمه كإطلاق الراوية على القربة، والثياب على النفس في قول عنترة: فشككت بالرمح الأصم ثيابه ... ليس الكريم على القنا بمحرم وقد تكون المجاورة في الذكر فقط، وتسمى المشاكلة نحو: اطبخوا لي جبة وقميصا.

_ 1 سورة الشعراء الآية: 84. 2 سورة النساء الآية: 54. 3 سورة آل عمران الآية: 173. 4 سورة النساء الآية: 103. 5 مهوى القرط: طول العنق، قاله يتوعد زوجه بالزواج بأخرى حسنة جميلة، وقبله: أما لك عمر إنما أنت حية ... إذا هي لم تقتل تعش آخر العمر ثلاثين حولا لا أرى منك راحة ... لهنك في الدنيا لباقية العمر

17- الدالية، وهي كون الشيء يدل على شيء آخر، نحو: فهمت الكتاب أي: معناه، كما قال المتنبي: فهمت الكتاب أبر الكتب ... فسمعت لأمر أمير العرب 18- المدلولية، وهي كون الشيء مدلولا لغيره، نحو: قرأت معناه مشغوفا بتقبيل، تريد لفظه. 19- إقامة صيغة مقام أخرى، وتسمى هذه العلاقة بالتعلق الاشتقاقي، ويندرج تحت هذا أنواع: أ- إطلاق المصدر على اسم المفعول نحو: {وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ} 1 أي: معلومه. ب- إطلاق اسم المفعول على المصدر، نحو: {بِأَيِّيكُمُ الْمَفْتُونُ} 2، أي: الفتنة. جـ- إطلاق اسم الفاعل على المصدر، نحو: {لَيْسَ لِوَقْعَتِهَا كَاذِبَةٌ} 3، أي: تكذيب، أو على اسم المفعول نحو: {مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ} 4، أي: مدفوق، {لَا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ} 5، أي: لا معصوم. د- إطلاق اسم المفعول على اسم الفاعل نحو: {إِنَّهُ كَانَ وَعْدُهُ مَأْتِيًّا} 6، أي: آتيا، {حِجَابًا مَسْتُورًا} 7 أي: ساترا. تنبيهات: 1- ليس المقصود من العلاقة إلا بيان الارتباط, فالفطن اللبيب يعرف ما يناسب كل مقام فيصح أن يعتبر في إطلاق الدال على المدلول علاقة المجاورة بأن يتخيل أن الدال مجاور للمدلول، أو علاقة الحالية نظرا إلى أن الدال محل

_ 1 سورة البقرة الآية: 254. 2 سورة القلم الآية: 6. 3 سورة الواقعة الآية: 2. 4 سورة الطلاق الآية: 6. 5 سورة هود الآية: 43. 6 سورة مريم الآية: 61. 7 سورة الإسراء الآية: 45.

للمدلول، كما يقولون: الألفاظ قوالب المعاني، أو علاقة السببية والمسببية، أو نحو ذلك، بحسب ما يهدي إليه الذوق، ويرشد إليه الوجدان الصادق. 2- قد يكون اللفظ الواحد صالحا؛ لأن يكون بالنظر إلى معنى واحد مجازا مرسلا واستعارة باعتبارين، فإذا جاز مراعاة علاقتين أو أكثر فالمعول عليه هو ما لاحظه المتكلم، فإن لم يعرف مقصده، صح للمخاطب أن يعتبر ما يشاء، ولكن بعد أن ينعم النظر ويرجح أكثرها قوة وأشدها ملاءمة للغرض، ومن ثمة يرجح علاقة المشابهة على غيرها، والمشابهة الحقيقية على الصورية، فمثلا المشفر إذا أطلق على شفة الإنسان، فإن لوحظ في إطلاقه عليها المشابهة في الغلظ، فهي استعارة، وإن لوحظ أنه من إطلاق اسم المقيد على المطلق كان مجازا مرسلا. 3- قسم الإمام عبد القاهر هذا المجاز إلى قسمين: خال من الفائدة ومفيد، فالخالي منها ما استعمل في شيء بقيد مع كونه موضوعا في أصل اللغة لذلك الشيء بقيد آخر من غير قصد التشبيه كالمرسن الذي أصله للحيوان والشفة التي أصلها للإنسان، والجحفلة التي أصل وضعها للفرس، إذا استعمل شيء منها في غير الجنس الذي وضعت له، كقول العجاج: وفاحما ومرسنا مسرجا يريد أنفا كالسراج، وقول الآخر: فبتنا جلوسا لدى مهرنا ... ننزع من شفتيه الصفارا1 أما المفيد فما عدا هذا الضرب والاستعارة كما إذا قصد التشبيه في الأمثلة الماضية، كقولهم في الذم إنه لغليظ الجحافل وغليظ المشافر، فإنه بمنزلة أن يقال كأن شفتيه في الغلظ مشفر البعير، وعليه قول الفرزدق: فلو كنت ضبيا عرفت قرابتي ... ولكن زنجي غليظ المشافر يريد: ولكنك زنجي، كأنه لا يسمو فكره إلى معرفة شرفي. 4- يلاحظ مما سبق أن اسم العلاقة يستفاد من وصف الكلمة إلى تذكر في الجملة، فإن كانت الجزء جعلت العلاقة الجزئية، وإن كانت الكل جعلت الكلية، وهكذا.

_ 1 شفتيه: اسم لاحدى شفتي البعير، الصفار: يطلق على ما يبقى في أصول أسنان الدابة من تبن ونحوه.

أسرار البلاغة في المجاز المرسل: المجاز المرسل ضرب من التوسع أساليب اللغة, وفن من فنون الإيجاز في القول انظر قوله: كفى بالمرء عيبا أن تراه ... له وجه وليس له لسان تراه قد سلك طريقا أرشد بها السامعين إلى أن من فقد الفصاحة والبيان، فكأنه فقد اللسان جملة، وفي هذا من كمال المبالغة ما أنت تشعر به وتتذوقه. وهكذا تشاهد مثل هذا الخيال الرائع إذا أنت تأملت قوله: إذا نزل السماء بأرض قوم ... رعيناه وإن كانوا غضابا فإنك لتستبين منه أنه رعى الغيث، وكأن النبات كله ماء. وفي هذا كبير دلالة على أن النبات لا يحيا بدون الماء، وعلى أن عليه حياة الحيوان على وجه الأرض، وأنه بدونه لا يعيش. تدريب أول: بين المجاز المرسل، وعلاقته فيما يلي: 1- إن العدو وإن تقادم عهده ... فالحقد باق في الصدور مغيب 2- {فَسَوْفَ يَأْتِيهِمْ أَنْبَاءُ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ} 1. 3- وإن حلفت لا ينقض النأي عهدها ... فليس لمخضوب البنان يمين 4- ولم يبق سوى العدوا ... ن دناهم كما دانوا 5- مكثنا في "النعيم المقيم". 6- {وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ} 2. 7- {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى} 3. 8- {إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا} 4.

_ 1 سورة الأنعام الآية: 5. 2 سورة الزمر الآية: 67. 3 سورة البقرة الآية: 178. 4 سورة النساء الآية: 10.

الإجابة: 1- في الصدور مجاز مرسل مفرد، علاقته المحلية؛ لأن الصدور محل القلوب التي تتأثر بالحقد وغيره. 2- في الأنباء مجاز مرسل، علاقته: التعلق الاشتياقي، إذ الوعيد ليس بالنبأ بل بالمنبأ به, أي: المخبر به. 3- في كلمة البنان مجاز علاقته الجزئية، إذ المراد الكف، وكذا في يمين علاقته السببية، إذ المراد: ليس لها وفاء بالمحلوف عليه. 4- في دناهم مجاز مرسل علاقته المسببية إذ المراد: جاز بناهم كما في المثل كما تدين تدان، أي: كما تفعل تجازى. 5- في كلمة يمينه، مجاز مرسل علاقته المحلية، إذ المعنى: بقوته وقدرته. 6- في كلمة القتلى، مجاز مرسل علاقته ما سيكون، إذ المراد: فيمن سيقتلون. 7- في كلمة نارا، مجاز مرسل علاقته المسببية؛ لأن أكل هذه الأموال يوصل إلى النار. تدريب ثان: 1- "ذلك بما قدمت أيديهم". 2- {فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ} . 3- ناولني الطبيب جرعة الشفاء. 4- "وجلعنا الأنهار تجري من تحتهم". 5- بلادي وإن جارت علي عزيزة ... وأهلي وإن ضنوا علي كرام 6- لك القلم الأعلى الذي بشباته ... يصاب من الأمر الكلى والمفاصل1 7- {وَكَمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا} . 8- {فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ} .

_ 1 الشباة: حد السيف ونحوه، والمراد هنا: حد القلم، وإصابة الكلي كنية عن إصابة الصواب.

تمرين أول: بين المجاز المرسل، وعلاقته، فيما يلي: 1- تنبت أرض مصر ذهبا. 2- هذا خلق الله. 3- {لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ} . 4- حفرنا الماء "البئر". 5- قرأت شعر أبي العلاء. 6- ركبت القطار. 7- {وَمِنَ اللَّيْلِ فَاسْجُدْ لَهُ} . 8- يتخرج في المدرسة رجال نافعون. تمرين ثان: 1- أصدق كلمة قالها لبيد: ألا كل شيء ما خلا الله باطل 2- إذا الكماة تنحوا أن يصيبهم ... حد الظبات وصلناها بأيدينا1 3- كفى بالمرء عيبا أن تراه ... له وجه وليس له لسان 4- أحسن إلى الناس تستعبد قلوبهم ... فطالما استعبد الإنسان إحسان 5- ألا لا يجهلن أحد علينا ... فنجهل فوق جهل الجاهلينا 6- وليست أيادي الناس عندي غنيمة ... ورب يد عندي أشد من الأسر 7- تسيل على حد الظبات نفوسنا ... وليست على غير الظبات تسيل 8- ألما على معن وقولا لقبره ... سقتك الغوادي مربعا بعد مربع2 9- قال الحطيئة: ندمت على لسان كان مني ... فليت بأنه في جوف عكم

_ 1 الظبات: جمع ظبة، حد السيف، والمراد هنا: السيف جميعه. 2 الغوادي جمع غادية، السحابة تنشأ غدوة، والمربع: المطر في الربيع.

المبحث الخامس: في الاستعارة ومنزلها في البلاغة

المبحث الخامس: في الاستعارة ومنزلها في البلاغة قال الإمام في "أسرار البلاغة": اعلم أن الاستعارة أمد ميدانا وأشد افتنانا وأوسع سعة وأبعد غورا وأذهب نجدا في الصناعة وغورا1 من أن تجمع شعبها وشعوبها وتحصر فنونها وضروبها، ومن خصائصها أنها تعطيك الكثير من المعاني حتى تخرج من الصدفة الواحدة عدة من الدرر وتجني من الغصن الواحد أنواعا من الثمر، وتجد التشبيهات على الجملة غير معجبة ما لم تكنها، إن شئت أرتك المعاني التي هي من خبايا العقل كأنها قد جسمت حتى رأتها العيون، وإن شئت لطفت الأوصاف الجسمانية حتى تعود روحانية لا تنالها الظنون، ا. هـ. وللاستعارة إطلاقان: 1- المعنى المصدري، وهو فعل المتكلم، أعني استعمال لفظ المشبه به في المشبه بقرينة صارفة عن الحقيقة. وأركانها بهذا المعنى ثلاثة: مستعار وهو اللفظ، ومستعار منه وهو المشبه به ومستعار له وهو المشبه. 2- المعنى الاسمي، وهو اللفظ المستعمل في غير المعنى الموضوع له لمناسبة بين المعنى المنقول عنه والمعنى المستعمل فيه مع قرينة تصرف عن إرادة المعنى الأصلي، كقولك: رأيت أسدا، تعني رجلا شجاعا، وبحرا تريد جوادا، وشمسا تريد إنسانا مضيء الوجه متهللا، وسللت سيفا على العدو تقصد رجلا ماضيا في نصرتك. فأنت بهذا قد استعرت اسم الأسد للرجل الشجاع، فأفدت بهذه الاستعارة المبالغة في وصفه بالشجاعة وإيقاعك منه في نفس السامع صورة الأسد في بطشه وإقدامه وشدته، إلى غير ذلك من المعاني المركوزة في طبيعته الدالة على الجرأة،

_ 1 الغور الأول: القعر، والثاني: الوادي.

وأفدت باستعارة البحر له سعته في الجود وفيض الكف، وباستعارة السيف له إعطائه ما لها من البهاء الحسن الذي يبهر العيون ويملأ النواظر، وباستعارة السيف له إعطائه ما له من الحدة والمضاء. وهي تشبيه حذف أحد طرفيه وأداته ووجه الشبه، لكنها أبلغ منه؛ لأننا مهما بالغنا في التشبيه فلا بد من ذكر الطرفين, وهذا اعتراف بتباينهما, وأن العلاقة بينهما ليست إلا التشابه والتداني فلا تصل حد الاتحاد، إذ جعلك لكل منهما اسما يمتاز به دليل على عدم امتزاجهما واتحادهما، بخلاف الاستعارة فإن فيها دعوى الاتحاد والامتزاج، وأن الشبه والمشبه به صار شيئا واحدا يصدق عليهما لفظ واحد، فإن قلت: رأيت بحرا يعطي البائس والمحتاج، كنت قد جعلت الجواد والبحر شيئا واحدًا حتى صح أن تسمي أحدهما باسم الآخر، ولولا ما أقمت من الدليل "القرينة" على ما تريد، لما خطر ببال المخاطب غير البحر الذي تعورف بهذا الاسم. ومن قبل هذا اشترط فيها تناسي التشبيه وادعاء أن المشبه فرد من أفراد المشبه به، فلا يذكر وجه الشبه، ولا أداته، لا لفظا ولا تقديرا، كما لا يجمع فيها بين الطرفين على وجه ينبئ عن التشبيه بأن يكون المشبه به خبرا1 عن المشبه في في حكم الخبر2 كما في بابي كان، وإن المفعول الثاني3 في باب ظن، أوحالا4، أو صفة5، أو مضافا كلجين6 الماء، أو مصدرا مبينا لنوعه7

_ 1 كقوله عليه السلام للأنصار: "أنتم الشعار والناس الدثار". 2 نحو: إن محمدا قذي في عين إبراهيم، وقول البحتري: بنت بالفضل والعلو فأصبحت ... سماء وأصبح الناس أرضا 3 كقوله عليه السلام: "لا تتخذوها كراسي لأحاديثكم في الطرق والأسواق". 4 كقوله: بدت قمرا ومالت حوط بان ... وفاحت عنبرا ورنت غزالا 5 كقولك: هذه امرأة قمر. 6 في قوله: والريح تعبث بالغصون وقد جرى ... ذهب الأصيل على لجين الماء 7 نحو: {وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ} .

أو مبينا بالمشبة صريحا، أو ضمنا كقوله1 تعالى: {حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ} 2 فقد بين الخيط الأبيض بالفجر صريحا، وفي ضمنه تبيين الخيط الأسود بالليل، فكل هذا تشبيه محذوف الأداة. قال الإمام عبد القاهر في بيان هذا: إذا دلت القرينة على تشبيه شيء، فهذا على ضربين: 1- أحدهما أن يسقط ذكر المشبه من البين حتى لا يعلم من ظاهر الحال أنك أردته، كقولك: عنت لنا ظبية، وأنت تريد امرأة، ووردنا بحرا، وأنت تريد الممدوح، وهذا تقول: إنه استعارة ولا تتحاشى البتة. 2- أن يكون المشبه مذكورا أو مقدرا، وحينئذ فالمشبه به إن كان خبرا أو في حكم الخبر، فالوجه أن يسمى تشبيها ولا يسمى استعارة؛ لأن الاسم إذا وقع هذه المواقع كان الكلام موضوعا لإثبات معناه لما يعتمد عليه، أو نفيه عنه فإذا قلت: زيد أسد، فقد وضعت كلامك في الظاهر لإثبات معنى الأسد لزيد, وإذا امتنع إثبات ذلك له على الحقيقة كان لإثبات شبه من الأسد له، فيكون اجتلابه لإثبات التشبيه، فيكون خليقا بأن يسمى تشبيها إذا كان إنما جاء ليفيده، بخلاف الحالة الأولى، فإن الاسم فيها لم يجتلب لإثبات معناه للشيء، كما إذا قلت: جاءني أسد، ورأيت أسدا، فإن الكلام في ذلك موضوع لإثبات المجيء واقعا من الأسد والرؤية واقعا منك عليه لا لإثبات معنى الأسد لشيء، فلم يكن ذكر المشبه به لإثبات التشبيه وصار قصد التشبيه مكنونا في الضمير لا يعلم إلا بعد الرجوع إلى شيء من النظر والتأمل. "إذا افترقت الصورتان هذا الافتراق ناسب أن يفرق بينهما في الاصطلاح والعبارة بأن نسمي إحداهما تشبيها، والأخرى استعارة".

_ 1 وقول بعضهم: فما زلت في ليلين شعر وظلمة ... وشمسين من خمر ووجه حبيب وقول شوقي: ودخلت في ليلين فرعك والدجى ... ولثمت كالصبح المنور فاك 2 سورة البقرة الآية: 187.

ثم قال: فإن أبيت إلا أن تطلق اسم الاستعارة على هذا القسم، فإن حسن دخول أدوات التشبيه لا يحسن إطلاقه، وذلك كأن يكون المشبه به معرفة كقولك: زيد الأسد، فإنه يحسن أن يقال: زيد كالأسد، وإن حسن دخول بعضها دون بعض هان الخطب في إطلاقه، وذلك كأن يكون نكرة غير موصوفة كقولك: زيد أسد، فإنه لا يحسن أن يقال: زيد كأسد، ويحسن أن يقال: كأن زيد أسدا، ووجدته أسدا، وإن لم يحسن دول شيء منها إلا بتغيير صورة الكلام كان إطلاقه أقرب لغموض تقدير أداة التشبيه فيه، وذلك بأن يكون نكرة موصوفة بما لا يلائم المشبه به كقولك: هو بدر يسكن الأرض، وهو شمس لا تغيب، وكقوله: شمس تألق والفراق غروبها ... عنا وبدر والصدود كسوفه فإنه لا يحسن دخول الكاف ونحوه في شيء من هذه الأمثلة إلا بتغيير صورته كقولك: هو كالبدر إلا أنه يسكن الأرض، وكالشمس إلا أنه لا تغيب, وكالشمس المتألقة إلا أن الفراق غروبها، وكالبدر إلا أن الصدود كسوفه. انتهى بتصرف واختصار كثير. والتشبيه الذي يجب تناسيه هو الذي من أجله وقعت الاستعارة لا كل تشبيه فليس بمحظور أن تقول: رأيت أسدا في الحمام مثل الفيل في الضخامة، ولا: جاورت ليثا كأنه بحر متلاطم الأمواج. ومن اشتراط ادعاء دخول المشبه في المشبه به يتضح لك أن لا بد أن يكون المشبه به كليا كاسم الجنس وعلم الجنس، فلا تتأتى الاستعارة في الأعلام الشخصية لعدم تصور الشركة فيها حتى يمكن ادعاء دخول شيء في حقائقها إلا إذا تضمنت أوصافا بها يصح أن تعتبر كأنها أجناس كتضمن حاتم الجود، ومادر البخل، وقس الفصاحة، وباقل العي والفكاهة، فتقول: رأيت اليوم حاتما أو قسا، وتدعي كلية حاتم، أو قس، ودخول المشبه في جنس الجواد والفصيح، حتى كأن حاتما موضوع لمن اتصف بالجود سواء أكان هو ذلك الطائي المشهور أم غيره، وإن كان إطلاقه على الطائي حقيقة وعلى غيره ادعاء، وكذا القول في قس، وكل ما كان من هذا الضرب فسبيله هذه السبيل.

المبحث السادس: في الاستعارة امجاز لغوي هي أم مجاز عقلي

المبحث السادس: في الاستعارة أمجاز لغوي هي أم مجاز عقلي يرى الجمهور أن الاستعارة مجاز لغوي وأيده الإمام في "أسرار البلاغة"، وحجتهم على ذلك أنا إذا أجرينا اسم الأسد على الرجل الشجاع، فإننا لا ندعي فله صورة الأسد وشكله وعبالة عنقه ومخالبه، ونحو ذلك من الأوصاف الظاهرة التي تبدو للعيون وتشاهد بالحواس، وإنما ندعي له ذلك من أجل اختصاصه بالشجاعة التي هي من أخص أوصاف الأسد وأمكنها. ومن الجلي الواضح أن اللغة لم تضع الاسم لها وحدها، بل لها في مثل تلك الجثة وهاتيك الصورة والهيئة، ولو كانت وضعته للشجاعة وحدها لكان صفة لا اسما، ولكان كل شيء يبلغ في شجاعته إلى هذا الحد جديرا بهذا الاسم على جهة الحقيقة، لا على طريق التشبيه والتأويل. ويرى آخرون أنها مجاز عقلي بمعنى أن التصرف1 فيها في أمر عقلي لا لغوي واختاره الإمام في "دلائل الإعجاز" ودليلهم على ذلك أنها لا تطلق على المشبه إلا بعد ادعاء دخوله في جنس المشبه به؛ لأن نقل الاسم وحده لو كان استعارة لكانت الأعلام المنقولة كيزيد ويشكر تستحق هذا الاسم, ولما كان الاستعارة أبلغ من الحقيقة؛ لأنه لا بلاغه في إطلاق الاسم المجرد عاريا عن معناه. وإذا كان نقل الاسم تبعا لنقل المعنى كان مستعملا فيما وضع له، ومن ثم صح التعجب في قول ابن العميد2 يصف غلاما له جميلا: قامت تظللني من الشمس ... نفس أعز علي من نفسي قامت تظللني ومن عجب ... شمس تظللني من الشمس كما صح النهي عنه في قول الحسن بن طباطبا:

_ 1 في هذا إشارة إلى أنه لا يراد بالعقل هنا المجاز العقلي الآتي، إذ هنا المجاز في الكلمة, وفيما سيأتي المجاز في الإسناد، بل المراد بالعقلي المتصرف فيه هو المعاني الحقيقية والتصرف فيها جعل بعضها نفس البعض الآخر، وإن لم يكن كذلك في الحقيقة. 2 هو أبو الفضل محمد بن الحسين كاتب "ديوان الرسائل" للملك نوح بن نصر من الدولة البويهية.

يا من حكى الماء فرط رقته ... وقلبه في قساوة الحجر يا ليت حظي كحظ ثوبك من ... جسمك يا واحدًا من البشر لا تعجبوا من بلى غلالته ... قد زر أزراره على القمر1 فلولا أن ابن العميد ادعى لغلامه معنى الشمس الحقيقي لما كان لهذا التعجب وجه، إذ ليس ببدع ولا منكر أن يظلل إنسان حسن الوجه إنسانا ويقيه وهج الشمس بشخصه، ولولا أن أبا الحسن جعل صاحبه قمرا حقيقيا لما كان للنهي عن التعجب معنى؛ لأن الكتان إنما يسرع إليه البلى حين يلابس القمر الحقيقي لا إنسانا بلغ الغاية في الحسن. وأنت إذا أنعمت النظر رأيت حجة الجمهور دامغة وأنها أحرى بالقبول، بيان هذا أن ادعاء دخول المشبه في جنس المشبه به لا يخرجه عن كونه مستعملا في غير ما وضع له، وأما صحة التعجب والنهي عنه فلبناء الاستعارة على تناسي التشبيه, وادعاء أن المشبه به عين المشبه حتى تتم المبالغة، إذ من الواضح أن أسدا في قولك: رأيت أسدا، مستعمل في الشجاع، والمعنى الموضوع له الأسد الحقيقي لا الادعائي، فكأنك ادعيت أن للأسد صورتين، إحداهما متعارفة, وهي التي لها الإقدام والبطش في الهيئة المعروفة للحيوان المعروف، وثانيتهما غير متعارفة وهي التي لها الجرأة والقوة، لكن لا مع تلك الصورة، بل مع صورة أخرى على النحو الذي ادعاه المتنبي في عد نفسه وجماعته من جنس الجن، وعد جماله من جنس الطير حين يقول: نحن ركب ملجن في زي ناس ... فوق طير لها شخوص الجمال مستشهدا لدعواه بما يتخيل عرفا من نحو حكمهم إذا رأوا إنسانا لا يقاومه أحد، إنه ليس بإنسان، وإنما هو أسد، أو هو أسد في صورة إنسان. والقرينة التي تنصب في الكلام تنفي المتعارف الذي يسبق إلى الفهم، وهو المعنى الأول، وتعين ما أنت تستعمل له الأسد، وهو ثاني المعنيين. "تنبيه" الفرق بين الاستعارة والكذب من وجهين: أ- بناء الدعوى فيها على التأويل أي: تأويل دخول المشبه في جنس المشبه به. ب- نصب القرينة على أن المراد بها خلاف ظاهرها، أما الكاذب فيتبرأ من التأويل، ويركب كل صعب وذلول لترويج ما يدعيه وإيهام أن ليس الحق إلا ما يقول ولا ينصب دليلا على خلاف ما يزعم، وعلى هذا فليس ببدع أن تقع في كلام الله تعالى وكلام رسوله.

_ 1 البلى من بلى الثوب وقدم، والغلالة ثوب صغير صبق الكمين كالقميص، وزررت القميص عليه شددت أزراره، وقد قيل: إن هذا تشبيه لا استعارة؛ لأن المشبه مذكور، وهو الضمير في: غلالته وأزراره.

المبحث السابع: في قرينة الاستعارة

المبحث السابع: في قرينة الاستعارة الاستعارة نوع من المجاز، فلا بد لها من قرينة تفصح عن الغرض، وترشد إلى المقصود، ويمتنع معها إجراء الكلام على حقيقته، وهي قسمان: 1- حالية، تفهم من سياق الحديث، نحو: رأيت قسا يخطب. 2- مقالية، سوءا أكانت معنى1 واحدا، نحو: يرمي بالسهام، من قولك: لرأيت أسدا يرمي بالسهام، أو أكثر، نحو: فإن تعافوا العدل والإيمانا ... فإن في إيماننا نيرانا2 فكل من العدل والإيمان باعتبار تعلق الإعاقة به قرينة على أن الغرض من النيران السيوف، إذ هو دليل على أن جواب الشرط محذوف، يقدر بنحو: تحاربون أو تلجئون إلى الطاعة. أو معاني ملتئمة، مربوطا بعضها ببعض، بحيث تكون كلها قرينة، لا كل واحد منها، كما في قول البحتري: وصاعقة من نصله تنكفي بها ... على أرؤوس الأقران خمس سحائب فإذا نظرت إلى ما صنع رأيته قد استعار السحائب الخمس لأنامل يمين الممدوح كما هي عادتهم في تشبيه الجواد بالبحر الخضم طورا، وبالسحاب الهطال طورا آخر، وتخيل لما أراد" فذكر أن هناك صاعقة وبين أنها من نصل سيفه"، ثم قال إنها على رءوس الأقران تفتك بهم، ثم قال: خمس، وهي عدد أنامل اليد، فاستبان للسامع من كل هذا غرضه، واتضح له مقصده.

_ 1 سواء أكان من ملائمات المشبه كما في التصريحية، أم من ملائمات المشبه به، كما في المكتبة. 2 المعنى أنكم إن كرهتم العدل والإنصاف وملتم إلى الجور والخلاف فإن في أيدينا سيوفا تلمع كشعل النيران نلجئكم بها إلى الطاعة.

المبحث الثامن: في انقسام الاستعارة إلى عنادية ووفاقية

المبحث الثامن: في انقسام الاستعارة إلى عنادية ووفاقية تنقسم الاستعارة باعتبار الطرفين إلى قسمين: 1- وفاقية، وهي التي يمكن اجتماع طرفيها المستعار منه والمستعار له في شيء واحد، وسميت بذلك لما بين طرفيها من الوفاق. 2- عنادية، وهي التي لا يمكن اجتماع طرفيها في شيء واحد، وسميت بذلك لتعاند الطرفين، وقد اجتمعتا في قوله تعالى: {أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ} 1 أي: من كان ضالا فهديناه، استعير الإحياء من معناه الحقيقي وهو جعل الشيء حيا للهداية التي هي الدالة على الطريق الموصل إلى المطلوب، والإحياء والهداية مما يمكن اجتماعهما إذ لا يوصف الميت بالضلال. ومن العنادية الاستعارة التهكمية والتمليحية2، وهما ما نزل فيهما التضاد منزلة التناسب لأجل التهكم والاستهزاء، أو لأجل الملاحة والظرافة، نحو: {فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} 3 استعيرت للبشارة، وهي الخبر بما يسر للإنذار الذي هو ضدها بإدخاله في جنس البشارة هزؤ وسخرية بهم، ونظيره كلمة نعاتبه في قول بشار: إذا الملك الجبار صعر خده ... أتينا إليه بالسيوف نعاتبه4 والتحية في قول عمرو بن معد يكرب "تحية بينهم ضرب وجيع" والثواب في قولهم ما ثوابه إلا السيف. ومنها أيضا استعارة اسم الموجود للمعدوم الذي بقيت آثاره الجميلة أو المعدوم أو لا شيء للموجود، إذا لم تنتج منه فائدة، ولم يحل منه بطائل من قبل أنه شارك المعدوم في عدم غنائه ونفعه كما قال أبو تمام: هب من له يريد حجابه ... ما بال لا شيء عليه حجاب

_ 1 سورة الأنعام الآية: 122. 2 الفارق بينهما أنه إن كان الغرض الحامل على استعمال اللفظ في ضد معناه الهزؤ والسخرية بالمقول فيه كانت تهكمية, وإن كان الغرض بسط السامعين وإزالة السآمة عنهم بواسطة الإتيان بشيء مستملح مستظرف كانت تمليحية. 3 سورة الانشقاق الآية: 24. 4 صعر خده: أماله عن الناس كبرا.

المبحث التاسع: في انقسامها باعتبار الجامع إلى داخل وخارج

المبحث التاسع: في انقسامها باعتبار الجامع إلى داخل وخارج تنقسم الاستعارة باعتبار الجامع وهو الوجه الذي يقصد اشتراك الطرفين فيه إلى قسمين: 1- ما يكون الجامع فيها داخلا في مفهوم الطرفين كاستعارة النثر لإسقاط المنهزمين وتفريقهم في قول أبي الطيب: نثرتهم فوق الأحيدب نثرة ... كما نثرت فوق العروس الدراهم1 إذ النثر أن تجمع أشياء في كف أو وعاء، ثم يقع فعل تتفرق معه دفعة من غير ترتيب ولا نظام، وقد استعاره لما يتضمنه ذلك التفرق على الوجه المخصوص وهو ما اتفق من تساقط المنهزمين في الحرب دفعة بلا ترتيب ولا نظام، ونسبه إلى الممدوح؛ لأنه سببه. 2- ما لا يكون داخلا في مفهومها، كقولك: وردت بحرا يتهلل وجهه، وأنت تريد إنسانا جوادا، فالجامع، وهو الجود، غير داخل في مفهومها.

_ 1 الأحيدب: جبل.

المبحث العاشر: في انقسامها باعتبار الجامع أيضا إلى عامية وخاصية

المبحث العاشر: في انقسامها باعتبار الجامع أيضا إلى عامية وخاصية تنقسم الاستعارة باعتبار الجامع إلى: 1- عامية مبتذلة لاكتها الألسن لظهور الجامع فيها، كقولك: رأيت شمسا ووردت بحرا، وأنت تعني إنسانا جميل المحيا وجوادا كريما. 2- خاصية غريبة وهي التي لا يظفر بها إلا من ارتفع عن طبقة العامة، كقول طفيل الغنوي: وجعلت كوري فوق ناجية ... يقتات شحم سنامها الرحل1 انظر تر عجبا، ألا تراه قد استعار الاقتيات لإذهاب الرحل شحم السنام، وساعده التوفيق فيما عناه من قبل أن كان الشحم مما يصلح للقوت، وأن الرحل أبدا ينتقص منه ويذيبه. والغرابة على ضروب، منها: 1- أن تكون في الشبه نفسه، كما في قول يزيد بن مسلمة عبد الملك يصف فرسا له بالأدب: عودته فيما أزور حبائي ... إهماله وكذاك كل مخاطر وإذا احتبى قربوسه بعنانه ... علك الشكيم إلى انصراف الزائر2 فقد شبه3 هيئة وقوع العنان في موقعه من قربوس السرج ممتدا إلى جانبي فم الفرس بهيئة وقوع الثوب في موقعه من ركبتي المحتبي ممتدا إلى جانبي ظهره، ثم استعار الاحتباء وهو جمع الرجل ظهره وساقيه بثوب أو غيره لوقوع العنان في قربوس السرج، فجاءت الاستعارة غريبة كما ترى لغرابة الشبه. 2- أن تحصل بتصرف الاستعارة العامية، كقول ابن المعتز: سألت عليه شعاب الحي حين دعا ... أنصاره بوجوه كالدنانير4 فهذا تشبيه معروف، لكنه تصرف فيه بأن أسند الفعل إلى الشعاب دون ووجوههم، وعدى الفعل إلى ضمير الممدوح بعلى، فأفاد اللطف والغرابة من حيث أبان أن الشعاب امتلأت من الرجال وغصت بها من كان ناحية وجانب. 3- أن تحصل بالجمع بين عدة استعارات لإلحاق الشكل بالشكل، كقول امرئ القيس: فقلت له لما تمطى بصلبه ... وأردف أعجازا وناء بكلكل فقد أراد وصف الليل بالطول، فاستعار له اسم الصلب وجعله متمطيا لما هو مشاهد من أن كل ذي صلب يزيد طوله شيئا ما عند التمطي، ثم ثنى واستعار الإعجاز لثله وبطء سيره، وبالغ في ذلك حتى جعل بعضها يردف بعضا، ثم ثلث فاستعار الكلكل لمعظم الليل ووسطه آخذا له من كلكل البعير, وهو ما يعتمد عليه إذا برك، وزاده مبالغة بأن جعله ينوء ويثقل، لما في الليل من التعب والنصب على كل قلب ساهر، وبذا تم له ما أراد من تصوير الليل بصورة البعير على أبلغ وجه وأدقه.

_ 1 الكور: الرحل، والناجية: الناقة السريعة، تنجو براكبها. 2 القربوس مقدم السرج، والعلك المضغ، والشكيم الشكيمة الحديدة المعترضة في فم الفرس، وعنى بالزائر نفسه، دلالة على تأدب فرسه، حيث يقف مكانه وإن طال مكثه. 3 ووجه الشبه إحاطة شيء بشيئين، ضاما أحدهما إلى الآخر، على أن أحدهما أعلى والآخر أسفل، والتشبيه بين مفردين باعتبار ما تضمنه كل منهما من الهيئة لا أنه واقع بين هيئتين. 4 يريد أن الممدوح مطع في حيه إذا دعاهم لبوا نداءه زرافات ووحدانا.

المبحث الحادي عشر: في انقسامها باعتبار الطرفين والجامع

المبحث الحادي عشر: في انقسامها باعتبار الطرفين والجامع تنقسم الاستعارة باعتبار الطرفين والجامع إلى ستة1 أقسام: 1- استعارة محسوس لمحسوس بوجه حسي، نحو: {وَتَرَكْنَا بَعْضَهُمْ 2 يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ} استعير الموجان وهو حركة الماء للاضطراب والاختلاط الناشئين عن الحيرة والجامع بينهما الحركة الشديدة والاضطراب. 2- استعارة محسوس لمحسوس بوجه عقلي، نحو: {وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ} 3 فالمستعار منه كشط الجلد وإزالته عن الشاة ونحوها، والمستعار له إزالة الضوء عن ظلمة الليل وملقى ظله وهما حسيان، والجامع بينهما ما يعقل من ترتب أمر على آخر كترتب ظهور اللحم على كشط الجلد وإزالته وترتب ظهور الظلمة على كشف الضوء4 عن مكان الليل، وهذا الترتب أمر عقلي. 3- استعارة محسوس لمحسوس والجامع مختلف بعضه حسي وبعضه عقلي، كما تقول: رأيت شمسا، وأنت تريد إنسانا كالشمس في حسن الطلعة، وهو حسي، ونباهة الشأن ورفعة القدر، وهي عقلية. 4- استعارة معقول لمعقول، نحو: {مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا} 5.

_ 1 لأن المستعار منه والمستعار له إما حسيان أو عقليان أو المستعار منه حسي والمستعار له عقلي أو بالعكس فتصير أربعة، والجامع في الثلاثة عقلي لا غير لما تقدم في التشبيه وفي القسم الأول، إما حسي أو عقلي أو مختلف، فهذه أقسام ستة. 2 الضمير يعود للإنس والجن. 3 سورة يس الآية: 37. 4 لأن الظلمة هي الأصل والنور طارئ عليها يسترها، فعند غروب الشمس يسلخ النهار من الليل وكأنه يكشط ويزال كما يكشط عن الشيء الشيء الطارئ عليه الساتر له. 5 سورة يس الآية: 52.

استعير الرقاد وهو النوم للموت، والجامع عدم ظهور الفعل، والجميع عقلي، ونظيره: {تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ} 1، فقد استعير الغيظ للحالة المتوهمة للنار، لإرادة الانتقام من العصاة. 5- استعارة محسوس لمعقول، نحو: {فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ} 2 فقد استعير صدع الزجاجة، وهو كسرها، وهذا حسي لتبليغ الرسالة بجامع التأثير3، وهما عقليان. ونحوه: {فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ} 4، فقد استعير النبذ، وهو إلقاء الشيء، باليد للأمر المتناسي حاله، والجامع عدم العناية فيهما. 6- استعارة معقول لمحسوس، نحو: {إِنَّا لَمَّا طَغَى الْمَاءُ} 5، فقد استعير الطغيان، وهو التكبر والعلو لظهور الماء وكثرته، والجامع الخروج عن حد الاعتدال والاستعلاء المفرط، فالمستعار منه والجامع عقليان.

_ 1 سورة الملك الآية: 8. 2 سورة الحجر الآية: 94. 3 التأثير المراد هنا نوع مخصوص لا يعود معه المؤثر فيه إلى حاله الأولى، وهو في كسر الزجاجة أقوى وأبين، فكأنه قبل وضوح الأمر وضوحا لا يزول أثره كما لا يلتئم صدع الزجاجة. 4 سورة آل عمران الآية: 187. 5 سورة الحاقة الآية: 11.

المبحث الثاني عشر: في تقسيم الاستعارة إلى مصرحة ومكنية

المبحث الثاني: عشر في تقسيم الاستعارة إلى مصرحة ومكنية تنقسم الاستعارة باعتبار ذكر المشبه به أو ذكر ما يخصه إلى قسمين: 1- مصرحة أو مصرح بها أو تصريحية، وهي ما صرح فيها بلفظ المشبه به كقول شوقي: دقات قلب المرء قائلة له ... إن الحياة دقائق وثوان شبهت الدلالة بالقول بجامع إيضاح المراد وإفهام الغرض في كل منهما واستعير اللفظ الدال على المشبه به للمشبه، واشتق من القول بمعنى الدلالة قائل بمعنى دال على طريق الاستعارة التصريحية، والقرينة نسبة القول إلى الدقات، ونظيره قول الوأواء الدمشقي: فأمطرت لؤلؤا من نرجس وسقت ... وردا وعضت على العناب بالبرد

شبه الدموع باللؤلؤ، والعيون بالنرجس، والخدود بالورد، والأنامل بالعناب، والأسنان بالبرد، وقول الحريري: فزحزحت شفقا غشى سنا قمر ... وتساقطت لؤلؤا من خاتم عطر1 2- مكنية، وهي ما حذف فيها المشبه به ورمز إليه بشيء من لوازمه، نحو: {وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ} 2، شبه الذل بطائر بجامع الخضوع واستعير الطائر للذل، ثم حذف ورمز إليه بشيء من لوازمه، وهو الجناح، على طريق الاستعارة بالكناية، وإثبات الجناح للذل استعارة تخييلية، وهي قرينة المكنية، ويجعل الطائر مستعارا للمخاطب "أي: للولد في معاملة والديه" والأصل واخفض لهما جناحك ذلا، ونحوه قوله تعالى: {وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} 3، وقول الكميت: خفضت لهم مني جناحي ... إلى كنف عطفاه أهل ومرحب ونحو: {يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ} 4 قال في "الكشاف": ساغ استعمال النقض في إبطال العهد من حيث تسميتهم العهد بالحبل على سبيل الاستعارة لما فيه من إثبات الوصلة بين المتعاهدين، وهذا من أسرار البلاغة ولطائفها أن يسكنوا عن ذكر الشيء المستعار ثم يرموزا إليه بذكر شيء من روادفه, فينبهوا بتلك الرمزة على مكانه، ونحوه قولك: شجاع يفترس أقرانه، وعالم يغترف منه الناس، فقد نبهت على الشجاع والعالم بأنهما أسد وبحر، ا. هـ. "تنبيه" علمت أن إثبات اللازم كالجناح للذل أو للمخاطب بلين الجانب للوالدين، والمأمور أن يذل لهما، وإثبات النقض للعهد يسمى استعارة تخييلية، وهي قرينة الاستعارة المكنية، وسمي ذلك الإثبات استعارة لأجل أن متعلقة وهو الأمر المختص بالمشبه به قد استعير ونقل عما يناسبه، واستعمل مع ما شبه

_ 1 وقبله: سألتها حين زارت نضو برقعها القاني وإيداع سمعي أطيب الخبر ومساقطه الحديث أن يتكلم واحد ويسكت الآخر، ثم يتكلم الساكت، وهكذا دواليك. 2 سورة الإسراء الآية: 24. 3 سورة الشعراء الآية: 215. 4 سورة البقرة الآية: 27.

بأصله, وتخيليه لأن متعلقة وهو الأمر المختص بالمشبه به لما نقل عن ملائمة وأثبت للمشبه، صار يخيل إلى السامع أن المشبه من جنس المشبه به. وهو حقيقة لاستعماله فيما وضع له، ألا ترى أن الجناح استعمل في حقيقته وإنما النجور في إثباته فهو مجاز عقلي في الإثبات، كما سيأتي، لا مجاز لغوي وهكذا يقال في نظائره. ومن حيث إنها قرينة المكنية، فهي لازمة لها، لا تفارقها، إذ لا استعارة بدون قرينة، هذا إذا كان لازم المشبه به واحدا، فإن تعددت اللوازم جعل أقوالها وأبينها لزوما قرينة لها، وما عداه ترشيحا وتقوية لها، كما ستعرف ذلك بعد.

المبحث الثالث عشر: في مذهب السكاكي والخطيب القزويني في المكنية

المبحث الثالث عشر: في مذهب السكاكي والخطيب القزويني في المكنية ... المبحث الثالث عشر: في مذهب السكاكي والخطيب القزويني في المكتبة مذهب السكاكي أن المكنية لفظ المشبه المستعمل في المشبه به بادعاء أن المشبه عين المشبه به, وإنكار أن يكون غيره بقرينة ذكر اللازم، فالذل عنده في المثال السابق مراد به الطائر بادعاء أنه عينه بقرينة إضافة الجناح الذي هو من خواص الطائر ولوازمه إليه، وليس المراد من الذل عنده مجرد الخضوع حتى يكون مستعملا في معناه الحقيقي، بل الذل المفروض أنه عين الطائر، وهو غير الموضوع له. والجناح استعارة تخيلية بمعنى أن لفظ الجناح استعير عنده لأمر تخيلي وهمي؛ لأنه لما استعمل الذل في الخضوع المتحد مع الطائر ادعاء، أخذ الوهم يخترع له صورة مثل صورة الجناح، واستعار لفظ الجناح لذلك، ولا يخفى ما في هذا من التعسف. وذهب الخطيب إلى أنها التشبيه المضمر في النفس والإثبات تخييل، فأخرجها من المجاز، أعني الكلمة المستعملة، إلخ.. إذ التشبيه فعل من أفعال النفس، فكل من الجناح والذل مستعمل في معناه الحقيقي عنده. وقال سعد الدين التفتازاني: وتفسير الاستعارة بذلك لا مستند له في كلام السلف ولا هو مبني على مناسبة لغوية.

المبحث الرابع عشر: في تقسيم الاستعارة التصريحة لدى السكاكي إلى تحقيقية وتخييلية ومحتملة لهما

المبحث الرابع عشر: في تقسيم الاستعارة التصريحة لدى السكاكي إلى تحقيقية وتخييلية ومحتملة لهما ... المبحث الرابع عشر: في تقسيم الاستعارة التصريحية لدى السكاكي إلى تحقيقية وتخييلية ومحتملة لهما تنقسم الاستعارة المصرحة عند السكاكي إلى ثلاثة أقسام: 1- تحقيقية، وهي ما كان المستعار له فيها محققا حس أو عقلا بأن كان اللفظ منقولا إلى أمر معلوم يمكن الإشارة إليه إشارة حسية، أو عقلية، فالأولى كقول زهير في معلقته يمدح حصين بن ضمضم: لدى أسد شاكي السلاح مقذف ... له لبد أظافره لم تقلم والثاني نحو: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} 1، فقد استعير في الأول الأسد للرجل الشجاع، وهو محقق حسا، وفي الثاني الصراط لملمة الإسلام، وهي محققة عقلا. 2- تخييلية، وهي ما كان المستعار له فيها غير محقق لا حسا ولا عقلا بل هو صورة وهمية محصنة لا يشوبها شيء من التحقيق نحو قول الهذلي: وإذا المنية أنشبت أظفارها ... ألفيت كل تميمة لا تنفع فإنه لما شبه المنية بالسبع في الاغتيال أخذ الوهم يصور المنية بصورة السبع ويخترع لوازمه لها فاخترع لها مثل صورة الأظفار، ثم أطلق على هذه الصورة لفظ الأظفار، فتكون الأظفار عنده تصريحية تخييلية؛ لأن المستعار له الأظفار صورة وهمية شبيهة بصورة الأظفار الحقيقية، وقرينتها إضافتها إلى المنية، والتخييلية عنده قد تكون بدون استعارة بالكناية كقولك: أظفار المنية الشبيهة بالسبع قتلت فلانا، فقد صرح بالتشبيه فلا مكنية في المنية مع كون الاستعارة في الاستعارة تخييلية. 3- محتملة للتحقيقية والتخييلية كقول زهير: صحا القلب عن سلمى وأقصر باطلة ... وعرى أفراس الصبا ورواحله2 الصحو خلاف السكر استعارة للسلو استعارة تصريحية تبعية، وأقصر باطلة

_ 1 سورة الفاتحة، الآية: 5. 2 أقصر عن الشيء امتنع عنه مع القدرة عليه، وقصر عنه إذا تركه مع القدرة، والمراد بالإقصار هنا مطلق الامتناع، وباطل القلب ميله إلى الهوى.

أي: أقلع عنه وامتنع والمراد انتهى ميله، والتعرية الإزالة يريد أنه ترك ما كان يرتكبه زمن الحب من الجهل والغي وأعرض عن معاودة ما كان منصرف إليه من اللهو فبطلت الآلات التي كان يستعملها. فقد شبه الصبا بجهة من جهات المسير كالحج والتجارة، قضى منها حاجاته، فبطلت آلاته تشبيها مضمرا في النفس واستعارة الجهة للصبا وحذفها ورمز إليها بشيء من لوازمها وهي الأفراس والرواحل، فالجهة هي المكنية عند الجمهور، وإثبات الأفراس والرواحل لها تخيليية، والأفراس والرواحل مستعملان في حقيقتهما عندهم أيضا، أما عند السكاكي فيجوز أن تكون الأفراس والرواحل استعارة تحقيقية إن أراد بها دواعي النفس وشهواتها والقوى الحاصلة لها في استيفاء اللذات، أو أريد بها أسباب اتباع الغي من المال والأعوان لتحقق معناها عقلا إن أريد منها الدواعي، أو حسا إن أريد منها الأسباب، وعلى هذا فالمراد بالصبا زمان الشباب، ويجوز أن تكون تخييلية إن جعلت الأفراس والرواحل مستعارة لأمر وهمي تخيل للصبا من الصبوة وهو الميل إلى الجهل والفتوة.

المبحث الخامس عشر: في انقسامها إلى أصلية وتبعية

المبحث الخامس عشر: في انقسامها إلى أصلية وتبعية تنقسم الاستعارة باعتبار اللفظ المستعار قسمين: 1- أصلية، وهي ما يكون اللفظ المستعار فيها اسم جنس، وهو الذات الصالحة لأن تصدق على كثيرين ولو تأويلا نحو أسد، وقتل إذا استعير للشجاع والضرب الشديد، ونحو: حاتم وقس من قولك: رأيت اليوم حاتما، وسمعت اليوم قسا يخطب، ومثلهما كل ما شاكلهما من الأعلام التي اشتهرت مسمياتها بوصفية. وإجراء الاستعارة في مثل هذا أن يقال شبه الرجل الشجاع بالأسد بجامع الشجاعة في كل، واستعير لفظ الأسد الشجاع على سبيل الاستعارة التصريحية الأصلية، وشبه الرجل الكريم بحاتم بجامع الكرم في كل، واستعير لفظ حاتم للكريم استعارة تصريحية أصلية. 2- تبعية، وهي ما يكون المستعار فيها: 1- فعلا 2- اسما مشتقا 3- حرفا. فالأول، نحو: عضنا الدهر بنابه، فقد وقع المصائب بالعض بجامع الإيلام

في كل، واستعير اللفظ الدال على المشبه به للمشبه، واشتق من العض بمعنى الإيلام عض بمعنى آلم على طريق الاستعارة التصريحية التبعية. هذا إذا كان التجوز في الفعل باعتبار حدثه، فإن كان باعتبار زمانه كان التغاير بين المصدرين باعتبار القيدين نحو: {وَنَادَى أَصْحَابُ الْجَنَّةِ} 1، أي: ينادي فيقال شبه النداء في المستقبل بالنداء في الماضي بجامع تحقق وقوعها, ثم استعير لفظ النداء في الماضي للنداء في المستقبل, واشتق منه نادى بمعنى ينادي على طريق الاستعارة التصريحية التبعية. والثاني نحو: جليل عملك ناطق بفضلك، شبهت الدلالة بالنطق بجامع إفهام الغرض في كل، واستعير اللفظ الدال على المشبه به للمشبه واشتق من النطق بمعنى الدلالة ناطق بمعنى دال على طريق الاستعارة التصريحية التبعية، ونحو: {مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا} 2، فالمرقد مكان الرقاد استعير للقبر بجامع خفاء الأثر في كل، ثم اشتق من الرقاد بمعنى الموت مرقد بمعنى مكان الموت وهو القبر استعارة تصريحية تبعية. والثالث، نحو: {فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا} 3، فقد شبه ترتب العداوة والحزن على الالتقاط بترتب العلة الغائية عليه بجامع مطلق ترتب شيء على شيء فسرى التشبيه من الكليين للجزئيات التي هي معاني الحروف فاستعيرت اللام الموضوعة لكل جزئي من جزئيات العلة الغائية كالمحبة والتبني للام التي تدل على العداوة والحزن استعارة تصريحية تبعية، وإلى هذا يشير قول الزمخشري: معنى التعليل في اللام وارد على طريق المجاز؛ لأنه لم يكن داعيهم إلى الالتقاط أن يكون لهم عدوا وحزنا ولكن المحبة والتبني، غير أن ذلك لما كان نتيجة التقاطهم وثمرته شبه بالداعي الذي يفعل الفاعل الفعل لأجله. ثم قال: وهذه اللام حكمها حكم الأسد حيث استعيرت لما يشبه التعليل، كما يستعار الأسد لمن يشبه الأسد، ا. هـ.

_ 1 سورة الأعراف الآية: 44. 2 سورة يس الآية: 52. 3 سورة القصص الآية: 8.

ونحوه قوله عز اسمه: {وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ} 1، شبه مطلق استعلاء بمطلق ظرفية بجامع التمكن في كل، فسرى التشبيه من الكليين للجزئيات التي هي معاني الحروف فاستعير لفظ "في" الموضوع لجزئي من جزئيات الظرفية لمعنى على الموضوع للاستعلاء على سبيل الاستعارة التصريحية التبعية. ومدار قرينة الاستعارة التبعية في الأفعال والصفات المشتقة منها على نسبتها إلى الفاعل نحو: نطقت الحال بكذا، أو إلى المفعول الأول كقول ابن المعتز: جمع الحق لنا في إمام ... قتل البخل وأحيا السماحا فالذي دل على استعارة قتل وأحيا، إنما إسنادهما إلى البخل والسماح، إذ لو قال: قتل الأعداء وأحيا الأحياء، لم يكن هناك سبيل للاستعارة فيهما، أو إلى المفعول الثاني، كقول القطامي: لم تلق قوما هم شر لإخوتهم ... منا عشية يجري بالدم الوادي نقريهم لهذميات نقد بها ... ما كان خاط عليهم كل زراد 2 فإسناد القرى إلى اللهذميات قرينة على أن نقريهم استعارة، أو إلى المفعولين الأول والثاني، كقول الحريري: وأقرى المسامع إما نطقت ... بيانا يقود الحرون الشموسا3 فإن تعلق أقوى بكل من المسامع والبيان دليل على أنه استعارة، أو إلى المجرور، نحو: {فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} 4، فذكر العذاب دليل على أن بشر استعارة تبعية تهكمية. "تنبيهات" أولها: كما تكون المصرحة أصلية وتبعية تكون المكنية كذلك5. ثانيها: إنما سميت الاستعارة في القسم الثاني تبعية؛ لأنها تبعية لاستعارة أخرى إذ هي في المشتقات تابعة لجريانها في المصدر أولا، كما أن معاني الحروف جزئية لا تتصور الاستعارة فيها إلا بواسطة كلي مستقل بالمفهومية ليتأتى كونها مشبها ومشبها بها فلا بد من إجراء التشبيه أولا في متعلق معاني الحروف، ثم تتبعها الاستعارة في المعاني الجزئية. ثالثها: قال السكاكي: لو لم يجعلوا في الفعل والحرف استعارة تبعية بل جعلوا في مدخولهما استعارة مكنية بقرينتهما كما فعلوا في: أنشبت المنية أظفارها، لكان أقرب للضبط.

_ 1 سورة طه الآية: 71. 2 نقريهم من قريت الضيف، واللهذم من الأسنة القاطع واللهذميات منسوبة إليها، والقد: القطع، وضمن خاط معنى قد، فعداه بعلى, وزرد الدرع وسردها نسجها. 3 الحرون من الخيل ما لا يسهل قياده والشموس منها ما يمنع ظهره من الركوب. 4 سورة الانشقاق الآية: 24. 5 لكن لا تجري التبعية بجميع أقسامها في المكنية إذ إنها لا بد فيها من إثبات لازم المشبه به للمشبه ووضع الفعل واسمه، والحرف يقتضي ألا يثلث لمعناها شيء لوجه ما لا بالإسناد إليه، ولا بالإيقاع عليه ولا الإضافة إليه.

المبحث السادس عشر: في تقسيمها إلى مرشحة ومجردة ومطلقة

المبحث السادس عشر: في تقسيمها إلى مرشحة ومجردة ومطلقة تنقسم الاستعارة باعتبار اقترانها بما يلائم المستعار منه أو المستعار له أو عدم اقترانها بما يلائم أحدهما إلى ثلاثة أقسام: مرشحة ومجردة ومطلقة: 1- فالمرشحة هي التي تقترن بما يلائم المستعار منه، كما تقول: رأيت في الميدان أسدًا دامي الأنياب طويل البراثن، وكما قال كثير عزة: رمتني بسهم ريشه الكحل لم يضر ... ظواهر جلدي وهو للقب جارح1 فقد استعار السهم للنظر بجامع التأثير في كل ثم رشح الاستعارة بذكر الريش الملائم للسهم، وكما قال ابن هانئ المغربي: وجنيتم ثم الوقائع يانعا ... بالنصر من ورق الحديد الأخضر 2- والمجردة هي التي تقترن بما يلائم المستعار له كما تقول: رأيت أسدًا في حومة الوغى يجندل الأبطال بنصله ويشك الفرسان برمحه، وكما قال كثير يمدح عمر بن عبد العزيز: غمر الرداء إذا تبسم ضاحكا ... غلقت لضحكته رقاب المال2

_ 1 المعنى: أنها رمته بسهم نظرها الفاتك الذي ريشه الكحل، فجرحت قلبه، ولم تضر ظواهر جلده. 2 يريد أنه كثير العطاء سخي، والمعنى أنه إذا ضحك وسر وهب ماله وفرقه وعنى برقاب الأموال أنفسها، وعبر عنها بالرقاب كقولهم: أعتق رقبة، أي: عبدا.

فقد استعار الرداء للمعروف؛ لأنه يصون عرضه كما يصون الرداء ما يلقى عليه من مكروه والقرينة تتمة البيت، ثم وصفه بالغمر الذي هو وصف للمعروف لا للرداء على سبيل التجريد. 3- والمطلقة هي التي لم تقترن بصفة معنوية ولا تفريغ يلائم أحد الطرفين، والفرق بينهما أن الملائم إن كان من تتمة الكلام الذي فيه الاستعارة فهو الصفة، كما في قوله: تبسم ضاحكا، وإن كان كلاما مستقلا جيء به بعد تمام الاستعارة وبني عليها فهو التفريغ، نحو: {فَمَا رَبِحَتْ تِجَارَتُهُمْ} 1، بعد قوله تعالى: {أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلَالَةَ بِالْهُدَى} 2. "تنبيهات" أولها: أنه إذا اجتمع الترشيح والتجريد كانت الاستعارة في حكم المطلقة كقول زهير: لدى أسد شاكي السلاح مقذف ... له لبد أظفاره لم تقلم فشاكي السلاح هو حادة تجريد؛ لأنه يناسب المشبه وهو الشجاع، والمقذف إن أريد به في الوقائع والحروب كان تجريدا أيضا، وإن أريد به المرمى باللحم كناية عن عظم الجثة والضخامة، لم يكن لا تجريدا ولا ترشيحا؛ لأنه يلائم كلا منهما، وله لبد وهي الشعر المتراكم بين كتفي الأسد ترشيح، وكذلك أظفاره لم تقلم؛ لأن الأسد الحقيقي هو الذي ليس من شأنه تقليم الأظفار، والقرينة كلمة لدى، أو القرينة حالية، ولدى تجريد إذ التجريد أو الترشيح إنما يكون بعد تمام الاستعارة بقرينتها، ولذا لا تسمى قرينة الاستعارة التصريحية تجريدا ولا قرينة المكنية ترشيحا. ثانيها: الترشيح أبلغ3 وأقوى من الإطلاق والتجريد، لاشتماله على تقوية المبالغة وكمالها، فإن المحور الذي يدور عليه الترشيح إنما هو تناسي التشبيه وادعاء أن المشبه هو المشبه به نفسه، وكأن الاستعارة غير موجودة، ألا ترى أن الناثر أو الشاعر يجد في إنكارها، ويخيل إلى السامع أن الأمر على ما يقول حقيقة، ومن ثم وضع أبو تمام كلامه في علو المنزلة والرقي في خلال الشرف وضعه في علو المكان حين يقول:

_ 1 و2 سورة البقرة الآية: 16. 3 الأبلغ في الحقيقة هو الكلام المشتمل على الترشيح لا الترشيح نفسه.

ويصعد حتى يظن الجهول ... بأن له حاجة في السما فلولا أنه قصد تناسي التشبيه وعقد العزيمة على جحده ولم يأل جهدا في إنكاره فجعله صاعدا في السماء حيث المسافة المكانية لما كان لهذا الكلام وجه. ونحوه قول بشار: أتتني الشمس زائرة ... ولم تك تبرح الفلكا وقول المتنبي: كبرت حول ديارهم لما بدت ... منها الشموس وليس فيها المشرق ولم أر قبلي من مشى البدر نحوه ... ولا رجلا قامت تعانقه الأسد ومن هذا ما سبق من التعجب والنهي عنه، وإذا جاز البناء على المشبه به مع الاعتراف بالمشبه1 في نحو قول العباس بن الأحنف: هي الشمس مسكنها في السماء ... فعز الفؤاد عزاء جميلا فلن تستطيع إليها الصعود ... ولن تستطيع إليك النزولا فلأن يجوز مع جحده وإنكاره في الاستعارة أولى. ثالثها: المطلقة أبلغ من المجردة؛ لأن التجريد يذكر بالتشبيه، فيضعف دعوى الاتحاد:

_ 1 فإن قوله هي الشمس تشبيه، وفيه اعتراف بالمشبه، ومع ذلك بني الكلام على المشبه به أعني الشمس.

المبحث السابع عشر: في حسن الاستعارة وقبحها

المبحث السابع عشر: في حسن الاستعارة وقبحها لا تحسن الاستعارة ولا تقع الموقع الملائم إلا إذا حازت الشروط الآتية: 1- رعاية حسن التشبيه1، إذ هو أساسها الذي تبنى عليه، خلا أنه مما يستملح هنا قوة الشبه بين الطرفين بعكس باب التشبيه، ومن ثمة تحسن الاستعارة فيما يقوي فيه الشبه بينهما بحيث يصير الفرع كأنه الأصل، ولا يحسن التشبيه، ألا ترى أن الرجل يقول إذا فهم مسئلة: حصل في قلبي نور، ولا يقول: كأن العلم الذي حصل في قلبي نور، ويقول لمن أوقعه في شبهة: أوقعتني في ظلمة، ولا يقول: كأن الشبهة التي أوقعتني فيها ظلمة.

_ 1 قال الجرجاني: ملاك الاستعارة قرب التشبيه ومناسبة المستعار للمستعار له وامتزاج اللفظ بالمعنى حتى لا يوجد بينهما منافرة، ولا يتبين في أحدهما إعراض عن الآخر.

2- غرابة وجه الشبه ولطفه وكثرة التفصيل فيه وبعده من الابتذال وعدم خفائه إلى الغاية حتى لا يكون تعمية وألغازا، ومن ثم لا يحسن استعارة الأسد لإنسان أبخر لخفاء وجه الشبه في مجرى العادة في مثل هذا. 3- ألا يشم منها رائحة التشبيه لفظا، ومن ثم ضعفت الاستعارة في قوله: قد زر أزراره على القمر1. 4- بعدها عن الحقيقة بترشيحها تقوية لدعوى الاتحاد فيها، ومن أجل هذا قدمت المرشحة على المطلقة والمجردة في اعتبار البلغاء، فإن خلت الاستعارة مما سبق ذكره انحطت رتبتها واستهجنت كقول أبي نواس: بح صوت المال مما ... منك يشكو ويصيح يريد أن المال تظلم من إهانته إياه بتمزيقه بالعطايا، وهذا معنى حسن، لكن العبارة عنه قبيحة لا تروق في نظر البلغاء ويأباها ذوو الفطر السليمة2. وقوله أيضا وهو أسخف من الأول: ما لرجل المال أضحت ... تشتكي منك الكلالا فأين هذا من قول مسلم بن الوليد في هذا المعنى: تظلم المال والأعداء من يده ... لا زال للمال والأعداء ظلاما وقول أبي تمام: بلوناك أما كعب عرضك في العلا ... فعال وأما خد مالك أسفل مراده أن عرضك مصون ومالك مبتذل، لكنه قد ساقه مستكرها، وأخرجه مخرجا مستهجنا، وكقول بشار: وجذت رقاب الوصل أسياف هجرنا ... وقدت لرجل البين نعلين من خدي قال في "العمدة": فما أهجن رجل البين وأقبح استعارتها ولو كانت الفصاحة بأسرها فيها، وكذلك رقاب الوصل.

_ 1 إذ الضمير في أزراره لمحبوبه ولم يكن هذا من التشبيه لما تقدم من أن المشبه لم يذكر على وجه ينبي عن التشبيه بأن يكون المشبه به خبرا عنه أو حالا أو صفة، بل فيه رائحة الأشعار فقط. 2 إذ أي شيء أبعد استعارة من صوت المال، فكيف به إذا بح من الشكوى والصياح، مع أنه ليس له صوت حين يعطي.

أسرار البلاغة في الاستعارة: الاستعارة بجميع ضروبها وتعدد مذاهبها وشعوبها، أعلى مرتبة من التشبيه، وأقوى في المبالغة منه، لما فيها من تناسي التشبيه، وادعاء الاتحاد بين المشبه والمشبه به، كأنهما شيء واحد، يطلق عليهما لفظ واحد، انظر إلى قول المتنبي: ترنو إلي بعين الظبي مجهشة ... وتمسح الطل فوق الورد بالعنم1 تراه وقد تمثلت له محبوبته ظبية تنظر إليه وهي حيرى تمسح طلا فوق خدها بأصابعها وهي كالعنم لينا وحمرة، واختبأ عن عينيه مظهر التشبيه، وظهر له ذلك بمظهر الحقيقة، ورأيته وقد سما به الخيال فرأى الطل يسقط على الورد، فهل يؤدي التشبيه مثل هذا؟ وهل تصل فيه المبالغة إلى ما تصل إليه الاستعارة؟ فهبه قال: تمسح الدموع التي تشبه الطل والخدود التي هي كالورد والأصابع التي تشبه العنم، أتراه يصل إلى مثل ما قال؟ إنك لتحس بأن هذا أدنى من المعنى المجازي وأقل منه مبالغة، فإن في التشبيه جمعا بين المشبه والمشبه به، وهذا إقرار بأنهما متقاربان، وتأمل قول أبي الحسن التهامي: يا كوكبا ما كان أقصر عمره ... وكذاك عمر كواكب الأسحار يتبين لك فيه صورة النجوم وقد أفلت بعد طلوعها، وكواكب الأسحار وقد غادرت بعد ظهورها. وقد استعمل العرب الاستعارة في كلامهم تقريبا للمعنى إلى ذهن السامع، واستثارة لخياله واختلابا للبه، ليقنع بما يقال له ويلقي في روعه. تدريب أول: اجعل التشبيهات الآتية استعارة مصرحة أو مكنية مع بيان القرينة: 1- استذكرت كتابا كالصديق في المؤانسة. 2- اللسان كالسيف في الإيذاء. 3- انتثرت في السماء نجوم كالدرر. 4- في البحر سفن كالجبال في العلو.

_ 1 العنم: شجر لين الأغصان: تشبه به الأصابع.

5- على الأشجار بلابل كالقيان في حسن الصوت. 6- في الغرفة ثريات كهربائية كالشمس في الإضاءة. 7- الكتاب صديق. 8- لفلانة أسنان كالبرد في البريق واللمعان. 9- علي كالغيث في العطاء. 10- هند كالبدر في الحسن والبهاء. الإجابة: استعارة تصريحية/ القرينة 1- استذكرت صديقا مطبوعا/ استذكرت 2- احذر سيفا بين فكيك/ بين فكيك 3- انتثرت درر في السماء/ في السماء 4- رأيت جبالا تمخر في الحبار/ تمخر في البحار 5- صدحت قيان على الأشجار/ على الأشجار 6- في الغرفة شموس مغلقة بالزجاج/ في الغرفة 7- عندي صديق في القمطر/ في القمطر 8- في فم فلانة برد منضد/ في فم 9- رأيت غيثا يعطي الدراهم والدنانير/ يعطي الدراهم 10- طلع علينا بدر بين أترابه/ بين أترابه استعارة مكنية/ القرينة 1- استذكرت كتابا مؤنسا/ مؤنسا 2- احذر اللسان الغضب/ الغضب 3- نثرت نجوم مثقوبات في السماء/ مثقوبات 4- رأيت سفنا تتوجها الثلوج/ تتوجها الثلوج 5- صدحت بلابل تعزف بألحان مطربة/ تعزف بألحان 6- في الغرفة ثريات تشرق وتغرب/ تشرق وتغرب

7- عندي كتاب حميم/ حميم 8- لفلان أسنان يقدر قيمتها الجوهري/ يقدر قيمتها الجوهري 9- رأيت هندا تتلألأ بين أترابها/ تتلألأ تدريب ثان: أجر الاستعارة فيما يلي وبين نوعها وقرينتها: 1- فتى كلما فاضت عيون قبيلة ... دما ضحكت عنه الأحاديث والذكر 2- {إِنَّا لَنَرَاكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ} 1. 3- إذا انتضل القوم والأحاديث لم يكن ... عيبا ولا ربا على من يقاعد 4- فسمونا والفجر يضحك ... في الشرق إلينا مبشرا بالصباح 5- لسنا وإن أحسابنا كرمت ... يوما على الأحساب نكل 6- سأبكيك للدنيا وللدين إنني ... رأيت يد المعروف بعدك شلت الإجابة: 1- في فاضت العيون وضحكت الأحاديث استعارتان، إما تصريحيتان أو مكنيتان، فعلى الأول يقال: شبه نزول الماء متدفقا بفيضان النهر بجامع الكثرة في كل، واستعير اللفظ الدال على المشبه به للمشبه، واشتق من الفيضان بمعنى صب الماء الكثير فاض بمعنى صب على سبيل الاستعارة التصريحية التبعية، ودما تجريد؛ لأنها تناسب العيون، وشبهت المسرة والابتهاج بالضحك بجامع أريحية النفس في كل، واستعير اللفظ الدال على المشبه به للمشبه، واشتق من الضحك بمعنى السرور ضحك بمعنى سر على سبيل الاستعارة التصريحية التبعية والقرينة حالية، وعلى الثاني يقال: شبهت العيون بالأنهار بجامع جريان الماء الكثير من كل, واستعير اللفظ الدال على المشبه به للمشبه وحذف ورمز إليه بشيء من لوازمه، وهو فاض على طريق الاستعارة المكنية الأصلية، والقرينة نسبة الفيضان إلى العيون وهي الاستعارة التخييلية ودما تجريد أيضا، وشبهت الأحاديث بناس فرحين بجامع الأريحية والسرور لكل عند حصول ما يسر، واستعير اللفظ

_ 1 سورة الأعراف الآية: 60.

الدال على المشبه به للمشبه، وحذف ورمز إليه بشيء من لوازمه وهو ضحك على طريق الاستعارة المكنية الأصلية المطلقة. 2- شبه مطلق ارتباط بين متلبس بالضلالة ومتلبس به بمطلق ارتباط بين ظرف ومظروف بجامع التمكن في كل، فسرى التشبيه من الكليين "مطلق الارتباط" إلى الجزئيات "معاني الحروف" فاستعيرت "في" من الظرفية الحقيقية للظرفية المعنوية على طريق الاستعارة التصريحية التبعية، والقرينة على ذلك كلمة الضلال. 3- شبهت الأحاديث بالسهام بجامع التأثير ومباراة المتحادثين كما يتبارى الرماة في كل منهما، ثم استعير لفظ السهام للأحاديث وحذف ورمز إليه بشيء من لوازمه وهو انتضل على سبيل الاستعارة المكنية، وكلمة عيبا تجريد؛ لأنها تناسب الأحاديث. 4- شبه الفجر بإنسان يبتسم، فتظهر أسنانه مضيئة لامعة بجامع البريق واللمعان، واستعار اللفظ الدال على المشبه به للمشبه، ثم حذفه وأشار إليه بشيء من لوازمه، وهو يضحك على طريق الاستعارة بالكناية، وإثبات الضحك للفجر استعارة تخييلية. 5- في كلمة على استعارة تصريحية تبعية، فقد شبه مطلق ارتباط بين متلبس ومتلبس به بمطلق ارتباط بين مستعل ومستعل عليه بجامع التمكن والاستقرار في كل، ثم استعيرت على من جزئي من جزئيات الأول الجزئي من جزئيات الثاني على سبيل الاستعارة التصريحية التبعية. 6- شبه المعروف بإنسان له يد تعطي، والجامع البذل والعطاء في كل منهما استعار اللفظ الدال على المشبه به للمشبه، ثم حذفه ورمز إليه بشيء من لوازمه وهو اليد على سبيل المكنية الأصلية المرشحة بكلمة شلت وإثبات اليد للمعروف استعارة تخييلية. تمرين أول: أجر الاستعارة وبين نوعها وقرينتها فيما يلي: 1- سقاه الردى إذ سل أو مضت ... إليه ثنايا الموت من كل مرقب 2- عوى الشعراء بعضهم لبعض ... على فقد أصابهم انتقام

3- هم صلبوا العبدي في جذع نخلة ... فلا عطست شيبان إلا بأجدعا1 4- {فَمَحَوْنَا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنَا آيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً} 2, 5- {فَأَنْشَرْنَا بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا} 3. 6- {أَلَا إِنَّهُمْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقَاءِ رَبِّهِمْ} 4 7- والشمس لا تشرب خمر الندى ... في الروض إلا بكئوس الشقيق تمرين ثان: 1- {إِذْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الرِّيحَ الْعَقِيمَ} 5. 2- {وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الأَكْبَرِ} 6. 3- من يزرع الشر يحصد في عواقبه ... ندامة ولحصد الزرع إبان 4- لا يمتطي المجد من لم يركب الخطرا ... ولا ينال العلا من قدم للحذرا 5- وما هي إلا خطرة ثم أقلعت ... بنا على شطوط الحي أجنحة السفن 6- قوم إذا الشر أبدى ناجذيه لهم ... طاروا إليه زرافات ووحدانا 7- قال علي بن أبي طالب: "الدنيا من أمسى فيها على جناح أمن، أصبح فيها على قوادم خوف". تمرين ثالث: 1- شمس وبدر ولدا كوكبا ... أقسمت بالله لقد أنجبنا 2- جاء النسيم إلى الغصون رسولا ... ومشى يجر على الرياض ذيولا 3- وذي رحم قلمت أظفار ضغنه ... بحلمي عنه وهو ليس له حلم 4- إذا امتحن الدنيا لبيب تكشفت ... له عن عدو في ثياب صديق 5- أتته الخلافة منقادة ... إليه تجرر أذيالها 6- إذا المرء لم يدنس من اللؤم عرضه ... فكل رداء يرتديه جميل 7- وليلة بت أسقي في غيابها ... راحا تسل شبابي مريد الهرم ما زلت أشربها حتى نظرت إلى ... غزالة الصبح ترعى نرجس الظلم

_ 1 الأجدع: المقطوع الأنف، دعا عليهم بالذل والصغار لصلبهم العبدي. 2 الإضافة في آية الليل والنهار للتبيين، أي: آية هي الليل وآية هي النهار "سورة الإسراء". 3 أنشرنا: أحيينا "سورة الزخرف". 4 سورة فصلت الآية: 54. 5 سورة الذاريات الآية: 41. 6 سورة السجدة الآية: 21.

المبحث الثامن عشر: في المجاز المركب

المبحث الثامن عشر: في المجاز المركب المجاز المركب هو اللفظ المركب المستعمل قصدا وبالذات في غير المعنى الذي وضع له لعلاقة مع قرينة مانعة من إرادة المعنى الأصلي، فخرج بقولنا قصدا، وبالذات ما إذا تجوز بجزء من أجزاء المركب، فإنه قد استعمل مجموعة في غير ما وضع له، وليس ذلك مجازا مركبا. وهذا المجاز قسمان: أ- ما كانت علاقته غير المشابهة وهو المجاز المرسل المركب، وهو أنواع: 1- المركبات الخبرية المستعملة في المعاني الإنشائية، إما للتحسر وإظهار الحزن، نحو: ذهب الشباب فما له من عودة ... وأتى المشيب فأين منه المهرب وإما للدعاء، نحو: وفقك الله, نجح الله مقاصدنا.. إلى غير ذلك من المقاصد التي يستعمل فيها الخبر ويكون غير مراد به الفائدة ولا لازمها، والعلاقة في مثل هذا اللازمية، إذ يلزم من الأخبار بذهاب الشيء المحبوب كالشباب مثلا التحسر عليه، وهكذا يقال في نظائره والقرينة حالية. 2- المركبات الإنشائية المستعملة في المعاني الخبرية، نحو قوله عليه السلام: "من كذب علي متعمدًا فليتبوأ مقعده من النار" , بمعنى يتبوأ، والعلاقة في نحو هذا السببية؛ لأن إنشاء المتكلم هذه الجملة سبب لإخباره بما تتضمنه، قال العيني في شرح البخاري: فليتبوأ أمر من النبوء وهو اتخاذ المباءة والمنزل، وظاهره أمر ومعناه خبر. 3- الجمل الإنشائية، فعلية كانت أو اسمية المأتي بها، لما يتولد منها من إنكار ونحوه، والعلاقة في نحو هذا المجاورة، نحو: {أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينَا وَلِيدًا} 1.

_ 1 سورة الشعراء الآية: 18.

ب- ما كانت علاقته المشابهة بين الهيئة المستعار منه والهيئة المستعار لها بأن تشبه إحدى صورتين منتزعتين من أمرين وأمور بالأخرى، ثم يدعي أن الصورة المشبهة من جنس الصورة المشبهة بها فيطلق على الصورة المشبهة اللفظ الدال بالمطابقة على الصورة المشبه بها مبالغة في التشبيه، كما كتب الوليد بن يزيد لما بويع بالخلافة إلى مروان بن محمد حينما بلغه توقفه في البيعة له.. أما بعد: فإن أراك تقدم رجلا وتؤخر1 أخرى، فإذا أتاك كتابي هذا فاعتمد علي أيهما شئت والسلام، فقد شبهت صورة تردده في المبايعة بصورة تردد من قام ليذهب في أمر، فتارة يريد الذهاب فيقدم رجلا وتارة لا يريد فيؤخرها مرة أخرى، وكما يقال لمن يعمل فيما لا يجدي: أراك تنفخ في غير فحم، وأراك تخط على الماء، يراد أنه في عمله كمن يفعل ذلك. وهذا القسم يسمى استعارة تمثيلية2 واستعارة على سبيل التمثيل وتمثيلا على سبيل الاستعارة أو تمثيلا فقط، ويمتاز عنها التشبيه المركب بأن يقال له: تشبيه تمثيل أو تشبيه تمثيلي. وإذا اشتهرت الاستعارة التمثيلية وكثر استعمالها سميت مثلا ولا يغير مطلقا محافظة على الاستعارة فيخاطب به المفرد والمذكر وفروعهما بطريقة واحدة3 كقولهم: أحشفاء وسوء كيلة4، يضرب مثلا لمن يظلم من جهتين، وبيان الاستعارة في مثل هذا أن يقال: شبهت هيئة من يظلم من جهتين بهيئة رجل اشترى من آخر تمرا رديئا وطفف له المكيال بجامع الظلم من جهتين واستعير التركيب الموضوع للمشبه به للمشبه استعارة تمثيلية، وهكذا يقال في سائر الأمثال

_ 1 مفعول تؤخر محذوف أي: وتؤخرها أي: تلك الرجل المتقدمة، وقوله أخرى نعت لمرة أي: مرة أخرى، وإنما لم نجعل أخرى نعتا للرجل لئلا يفيد الكلام أن الرجل المؤخرة غير المقدمة, وليس ذلك صورة التردد كذا في ابن يعقوب. 2 وكل استعارة وإن كانت تمثيلا أي: تشبيها فقد خص اسم التمثيل بهذه الاستعارة؛ لأنها مثار فرسان البلاغة. 3 وذلك معنى قولهم الأمثال لا تغير. 4 الحشف: الرديء، والكيلة: هيئة الكيل.

النثرية والنظمية نحو: إن البغاث بأرضنا يستنسر1، ما يوم حليمة بسر2. وقولهم: إذا قالت حذام فصدقوها ... فإن القول ما قالت حذام تنبيه: هذه الاستعارة أبلغ أنواع المجاز مفردا ومركبا، إذ مبناها تشبيه التمثيل، وقد عرفت دقة مسلكه من قبل أن وجه الشبه فيه يكون هيئة منتزعة من أشياء متعددة، فالاستعارة المبنية عليه تكون أدق أنواع الاستعارات إذ من الصعوبة بمكان أن تعمد إلى صورتين مركبتين من أجزاء عدة فتحاول الربط بينهما, وتحصر جهات اتحادهما وتشبه إحداهما بالأخرى فلا يخفى ما أنت محتاج إليه في المهارة حينئذ، كما لا ينكر الأثر الذي تراه في مخاطبك إذا أدليت إليه في معرض كلامك بمثل، فكم تجد لديه من الأريحية، وكيف يغني إيجاز المثل عن الشرح والإسهاب؟ تدريب: بين أنواع المجاز المركب فيما يلي: 1- افعل ما بدا لك، تقوله تهديدا لمخاطبك. 2- أنت تصرخ في واد، تقول ذلك لمن يعمل ما لا فائدة فيه. 3- لك الحمد والشكر، تقول ذلك بعد الأكل مثلا. 4- أهذا الذي أطنبت في مدحه، تقول ذلك متهكما. 5- سلام على الدنيا إذا لم يكن بها صديق صدوق يصدق الوعد منصفا. 6- أخذت من شبابي الأيام وتولى الصبا عليه السلام. الإجابة: 1- في هذا المركب مجاز مرسل مركب علاقته المجاورة، فقد استعمل الأمر في التهديد لا في الطلب. 2- في هذا المركب استعارة تمثيلية، فقد شبهت صورة من يعمل ما لا فائدة

_ 1 يضرب للضعيف يصير قويا. 2 يضرب لكل أمر متعارف مشهور.

فيه بصورة من يصرخ في واد بجامع عدم الفائدة في كل، واستعير المركب الدال على هيئة المشبه به لهيئة المشبه على طريق الاستعارة التمثيلية: 3- في هذا المركب مجاز مرسل، علاقته السببية؛ لأنه استعمل الخبر في الإنشاء لإرادة الدعاء. 4- في هذا المركب مجاز، علاقته المجاورة؛ لأنه استعمل الاستفهام في التهكم. 5- استعمل هذا المركب في إنشاء التحسر والأسف على فقدان الصديق، مجازا مرسلا، علاقته السببية. 6- هذا المركب كسابقه. تمرين: بين نوع المجاز المركب، واذكر علاقته فيما يلي: 1- ومن قصد البحر استقل السواقيا، يقال لمن يطمح إلى العظيم ولا يرضى. 2- تلدغ العقرب وتصيء1، يقال للظالم يشكو كأنه مظلوم. 3- قد كنت عدتي التي أسطو بها ... ويدي إذا اشتد الزمان وساعدي 4- ليس التكحل في العينين كالكحل، يقال لمن يتكلف ما ليس من طبعه. 5- وليس يصح في الأذهان شيء ... إذا احتاج النهار إلى دليل 6- أين الذي الهرمان من بنيانه ... ما قومه ما يومه ما المصرع؟

_ 1 صأي الفرخ والعقرب صاح وصاء مقلوب منه.

المبحث التاسع عشر: في المجاز بالحذف أو الزيادة

المبحث التاسع عشر: في المجاز بالحذف 1 أو الزيادة كما توصف الكلمة بالمجاز لنقلها عن معناها الأصلي، كما تقدم، كذلك توصف بالمجاز بطريق الاشتراك اللفظي إذا تغير حكم إعرابها الأصلي بواسطة حذف لفظ أو زيادته. فالحذف كقوله تعالى: {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ} 2، إذ الأصل أهل القرية، فالحكم الذي يجب للقرية في الأصل هو الجر فحذف المضاف وأعطى المضاف إليه إعرابه، ونظيره "وجاء ربك" أي: أمر ربك. والحكم بالحذف يكون لأحد أمرين: 1- لأمر يرجع إلى غرض3 المتكلم، نحو: سل القرية، ألا ترى أنك لو قرأته أو سمعته في غير التنزيل لم تقطع بأن هنهنا محذوفا، إذ من المحتمل أن يكون كلام رجل مر على قرية خربت وباد أهلها، فأراد أن يقول مذكرا نفسه أو صاحبه على سبيل العظة والاعتبار: سل القرية عن أهلها وقل لها ماذا صنعوا، كما قال الرقاشي: سل الأرض من شق أنهارك وغرس أشجارك فإن لم تجبك حوارا أجابتك اعتبارا. 2- لأن الكلام لا يصح بدون المحذوف، كما إذا حذف أحد جزأي الجملة، نحو: {فَصَبْرٌ جَمِيلٌ} . والزيادة كقوله تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} 4، أي: ليس مثله شيء، فإعراب مثله في الأصل النصب، فلما زيدت الكاف سار جرا. ونحوه: {فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْنَاقِ} 5. وقول لبيد: إلى الحول ثم اسم السلام عليكما ... ومن يبك حولا كاملا فقد اعتذر يريد: ثم السلام عليكما. ومما تقدم تعلم أن الحذف والزيادة إذا لم يوجبا تغير الإعراب لا توصف الكلمة من أجلهما بالمجاز، نحو: {أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّمَاءِ} 6، إذ الأصل: أو كمثل ذوي صيب، فحذف ذوي لدلالة يجعلون أصابعهم على هذا المحذوف، وحذف لفظ مثل لدلالة قوله تعالى: {كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا} 7 عليه، ونحوه: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ} 8.

_ 1 إطلاق المجاز على هذا النوع من طريق الاشتراك اللفظي فلفظ مجاز وضع وضعين أحدهما للكلمة المستعملة في غير ما وضعت لعلاقة وقرينة، وثانيهما للكلمة التي تغير حكم إعرابها الأصلي بحذف لفظ أو زيادته، وهذا النوع من المجاز يمكن رده إلى المجاز العقلي أو المجاز المرسل. 2 سورة يوسف الآية: 82. 3 للجزم بأن المقصود من الآية سؤال أهل القرية للاستشهاد بهم فيجيبون بما يصدق أو يكذب لا سؤالها هي؛ لأن الشاهد لا يكون جمادا، ويحتمل أن تكون القرية مجازا عن أهلها من إطلاق اسم المحل على الحال فلا يكون مما نحن فيه. 4 سورة الشورى الآية: 11. 5 سورة الأنفال الآية: 12. 6 سورة البقرة الآية: 19. 7 سورة البقرة الآية: 17. 8 سورة آل عمران الآية: 159.

المبحث العشرون: في المجاز العقلي أو المجاز الحكمي

المبحث العشرون: في المجاز العقلي أو المجاز الحكمي 1 هذا ضرب آخر من الاتساع والتجوز، غير ما قدمنا لك الكلام عليه، فإن ما مضى كانت تذكر فيه الكلمة ولا يراد معناها, ولكن ما هو ردف للمعنى أو شبيه به، فالتجوز كان يكون في اللفظ نفسه. أما ما هنا فإن الكلمة متروكة على ظاهرها ومعناها مقصود في نفسه، وإنما التجوز في حكم يجري عليها، كقولهم: نام ليلي، وقوله تعالى: {فَمَا رَبِحَتْ تِجَارَتُهُمْ} ، ففي هذا مجاز لكنه ليس في ذوات الألفاظ، فإن الليل والتجارة مستعملان في حقيقتهما، بل في أن جعلتهما فاعلين لنام وربح. ومن هذا تفهم ما قالوه في تعريف هذا المجاز بأنه إسناد الفعل أو ما في معناه إلى غير ما هو له في الظاهر من حال المتكلم لملابسة مع قرينة صارفة عن أن يكون الإسناد إلى ما هو له، وما في معنى الفعل هو المصدر واسم الفاعل واسم المفعول والصفة المشبهة، ومعنى كونه غير ما هو له أنه ليس من حقه أن يسند إليه؛ لأنه ليس يوصف له، ومعنى الملابسة العلاقة. وهذا التعريف يشمل إسناد الفعل المبني للفاعل وما في حكمه كاسم الفاعل إلى غير فاعله كالمفعول والمصدر والزمان والمكان والسبب مما له علاقة بالفاعل، وإسناد الفعل المبني للمفعول وما في حكمه كاسم المفعول إلى غير نائب الفاعل مما له علاقة به، كالفاعل والمصدر ونحوهما، وإيضاح هذه العلاقات مما يلي: 1- إسناد ما بني للفاعل إلى المفعول نحو: {عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ} 2، و {مَاءٍ دَافِقٍ} .

_ 1 البحث عن هذا المجاز من حيث كيفية الدلالة من البيان ومن حيث تحصل به المطابقة لمقتضى الحال من المعاني، والحق أن ذكره في المعاني كما فعل القزويني في الإيضاح كان استطرادا. 2 أصل الكلام رضي المرء عيشته فأسند الفعل للمفعول من غير أن يبنى له فصار: رضيت العيشة، ثم أخذ من الفعل المبني للفاعل اسم فاعل وأسند إلى ضمير العيشة فآل الأمر إلى أن صار المفعول فاعلا, وهكذا يقال في نظائره.

وقول الحطيئة: دع المكارم لا ترحل لبغيتها ... واقعد فإنك أنت الطاعم الكاسي فقد أسند راضية ودافق وطاعم وكاس وهي مبنية للفاعل إلى ضمير لعيشة مع أن الراضي صاحبها وكذلك الماء مدفوق والشخص مطعوم مكسو. 2- إسناد ما بني للمفعول إلى الفاعل نحو: {إِنَّهُ كَانَ وَعْدُهُ مَأْتِيًّا} 1، وسيل مفعم2؛ لأن الوعد آت والسيل مفعم أي: مالئ. 3- إسناد الفعل إلى المصدر، نحو قول أبي فراس: سيذكرني قومي إذا جد جدهم ... وفي الليلة الظلماء يفتقد البدر فقد أسند الجد إلى الجد، أي: الاجتهاد، وهو ليس بفاعل له بل فاعله الجاد وفاصله جد الجاد جدا، أي: اجتهد اجتهادا، فحذف الفاعل الأصلي وهو الجاد وأسند الفعل إلى الجد. 4- الإسناد إلى الزمان، نحو: نهاره صائم، وليله قائم، وقوله: هي الأمور كما شاهدتها دول ... من سره زمن ساءته أزمان فقد أسند الصوم إلى النهار والقيام إلى الليل والإساءة والسرور إلى الزمان، وكل هذه أزمنة للأفعال لا واقعة منها. 5- الإسناد إلى المكان: نحو: {وَجَعَلْنَا الأَنْهَارَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمْ} 3، فقد أسند الجري إلى الأنهار، وهي أمكنة للمياه وليست هي الجارية بل الجاري ماؤها، ونحوه بيت ساكن. 6- الإسناد إلى السبب، نحو: إني لمن معشر أفنى أوائلهم ... قيل الكماة ألا أين المحامونا؟ فقد نسب الإفناء إلى قول الشجعان: هل من مدافع، وليس ذلك القول بفاعل ولا بمؤثر وإنما هو سبب فقط.

_ 1 سورة مريم الآية: 61. 2 أفعم الإناء: ملأه. 3 سورة الأنعام الآية: 6.

وقد يجيء1 هذا المجاز في النسبة الإضافية بأن يضاف إلى ملابس ما هو له نحو: جري الأنهار، ومكر الليل، وغراب البين، فنسبة الجري إلى الأنهار مجاز علاقته المكانية، والمكر إلى الليل مجاز علاقته الزمانية، والبين إلى الغراب مجاز علاقته السببية على النحو الذي يزعمون. قال الشاعر: مشائين ليسوا مصلحين عشيرة ... ولا ناعب إلا ببين غرابها كما قد يجيء في النسبة الإيقاعية بأن يوقع الفعل على ملابس ما هو له كقوله تعالى: {وَأَطِيعُوا أَمْرِي} 2، وكما جاء في جميع ما مضى في الإثبات، فقد جاء أيضا في النفي، كقوله عز وعلا: {فَمَا رَبِحَتْ تِجَارَتُهُمْ} 3، أي: خسرت4، ونحو: ما نام ليلي، أي: سهر: ونحو: تجري الرياح بما لا تشتهي السفن، أي: بما تكره. أقسامه، باعتبار الطرفين طرفا هذا المجاز، وهما المسند إليه والمسند، إما: 1- حقيقتان، نحو: وشيب أيام الفراق مفارقي. 2- وإما مجازان نحو: أحيا الأرض شباب الزمان، إذ المراد بإحياء الأرض إحداث النضارة والخضرة فيها مما ينتج عن تهيج القوى المنمية فيها، كما أن المراد من شباب5، الزمان ابتداء حرارته وازدياد قواه. 3- وإما مختلفان، نحو: أهلك الناس الدينار والدرهم، فقد جعلته الفتنة إهلاكا، ثم أثبت الإهلاك فعلا للدينار والدرهم. ونحو قول أبي الطيب: وتحيي له المال الصوارم والقنا ... ويقتل ما تحيي التبسم والجدا

_ 1 أي: فالتعريف المتقدم غير جامع لكل أنواع المجاز إلا أن تراد بالإسناد مطلق النسبة، سواء كانت كالإسنادية أو غير تامة كالإضافية والإيقاعية. 2 سورة طه الآية: 90. 3 سورة البقرة الآية: 16. 4 أي: إذا قصد إثبات النفي لا نفي الإثبات. 5 أصل الشباب كون الحيوان في زمن قوته.

فقد جعل الزيادة والوفور حياة للمال وتفريقه في العطاء قتلا له، ثم أثبت الإحياء فعلا للصوارم والقتل فعلا للتبسم، مع أن كلا منهما لا يصح منه الفعل. وقد وقع هذا المجاز في التنزيل نحو: {وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا} 1، فقد نسبت الزيادة إلى الآيات لكونها سببا، ونحو: {يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ} نسب الذبح إلى فرعون؛ لأنه الآمر به والسبب فيه، ونحو: {يَوْمًا يَجْعَلُ الْوِلْدَانَ شِيبًا} 2، فقد أسند الفعل إلى الظرف لوقوعه فيه. "قرينته" قرينة هذا المجاز إما لفظية، كقول أبي النجم العجلي: ميز عنه قنزعا عن قنزع ... جذب الليالي أبطئ أو أسرعي3 فقد استدللنا على أن إسناد ميز إلى جذب الليالي مجاز بقوله بعده: أفناه قيل الله للشمس اطلعي ... حتى إذا واراك أفق فارجعي فإنه يدل على أن ذلك فعل الله، وأنه هو المفتي، فيكون إسناده إلى جذب الليالي من الإسناد إلى الزمان. وإما غير لفظية، كاستحالة صدور المسند من المسند إليه، أو قيامه به عقلا، نحو: محبتك جاءت بي إليك، أو عادة نحو: بنى الوزير القصر، وكصدور الكلام من الموحد، كما في إسناد الإشادة والإفناء إلى كر الغداة في قوله الصلتان للعبدي: أشاب الصغير وأفنى الكبير ... كر الغداة ومر العشي إذا ليلة هرمت يومها ... أتى بعد ذلك يوم فتى "تنبيهات" الأول: قال عبد القاهر: هذا الضرب من المجاز، على حدته، كنز من كنوز البلاغة ومادة الشاعر المفلق والكاتب البليغ في الإبداع والإحسان والاتساع في طرق البيان، ولا يغرنك من أمره أنك ترى الرجل يقول: أتى بي الشوق إلى لقائك، وسار بي الحنين إلى رؤيتك، وأقدمني بلدك حق لي على إنسان،

_ 1 سورة الأنفال الآية: 2. 2 سورة المزمل الآية: 17. 3 ميز: فصل، وعنه أي: عن رأسه، والقنزح: الشعر المجتمع في نواحي الرأس، وجذب الليالي: مضيها وتعاقبها. وابطئ أو أسرعي حال من الليالي على تقدير القول.

وأشباه ذلك، مما تجده لشهرته يجري مجرى الحقيقة، فليس هو كذلك، بل يدق ويلطف حتى يأتيك بالبدعة لم تعرفها والنادرة تأنق لها. الثاني: قال الإمام أيضا: واعلم أنه ليس بواجب في هذا المجاز أن يكون للعمل فاعل في التقدير إذا أنت نقلت الفعل إليه عدت به إلى الحقيقة، مثل أن تقول في ربحت تجارتهم: ربحوا في تجارتهم، فإن ذلك لا يأتي في كل شيء، ألا ترى أنه لا يمكنك أن تثبت للفعل في قولك: أقدمني بلدك حق لي على إنسان، فاعلا سوى الحق، وكذلك لا تستطيع في قول أبي نواس: يزيدك وجهه حسنا ... إذا ما زدته نظرا وقول ابن البواب: وصيرني هواك وبي ... لحيني يضرب المثل أن تزعم أن ليزيد قائلا قد نقل عنه الفعل فجعل للوجه، ولا لصيرني فاعلا غير الهوى، فالاعتبار إذا بأن يكون المعنى الذي يرجع إليه الفعل موجودا في الكلام على حقيقته، معنى ذلك أن القدوم في المثال المتقدم موجود على الحقيقة، وكذلك الزيادة والصيرورة موجودتان على الحقيقة، وإذا كان معنى اللفظ موجودا على الحقيقة لم يكن المجاز فيه نفسه بل لا محالة في الحكم. الثالث: هذا المجاز كما يجري في الخبر كما سلف يجري في الإنشاء، كقوله تعالى: {وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا هَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحًا} 1، وقوله تعالى: {فَأَوْقِدْ لِي يَا هَامَانُ عَلَى الطِّينِ فَاجْعَلْ لِي صَرْحًا} 2 وقوله عز وجل: {فَلَا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَى} 3، وقوله عز وعلا: {أَصَلَاتُكَ تَأْمُرُكَ} 4، فإن البناء والإبقاء فعل العملة وهامان سبب آمر، وهكذا يقال فيما بعده. الرابع: أنكر السكاكي هذا المجاز وقال: الذي عندي نظمه في سلك الاستعارة بالكناية يجعل الربيع مثلا في قولك: أنبت الربيع البقل، استعارة بالكناية عن الفاعل الحقيقي بواسطة المبالغة في التشبيه، وجعل نسبة الإثبات إليه قرينة الاستعارة على ما سبق لك في بيان مذهبه في الاستعارة بالكناية، وقد رد هذا بأنه يستلزم ألا تصح الإضافة نحو: {فَمَا رَبِحَتْ تِجَارَتُهُمْ} ، لبطلان إضافة الشيء إلى نفسه، وألا يكون الأمر بالبناء لهامان في قوله: {يَا هَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحًا} ؛ لأن المراد به حينئذ العَمَلة أنفسهم، وأن يتوقف جواز التركيب في نحو: أنبت الربيع البقل، على السمع؛ لأن أسماء الله تعالى توقيفية، وكل هذه اللوازم منتفية فتنتفي ملزوماتها.

_ 1 سورة غافر الآية: 36. 2 سورة القصص الآية: 38. 3 سورة طه الآية: 117. 4 سورة هود الآية: 87.

تتمة وفيها مهمان

تتمة وفيها مهمان: 1- المجازات1 اللغوية المفردة يجب إقرارها حيث وردت, ولا يجوز تعديها إلا بإذن وتوقيف من اللغة، فإذا استعير لفظ الأسد للشجاع لما يربطهما من معنى الشجاعة يجب إقراره، ولا يجوز تعديته واستعارته للرجل الأبخر لعلاقة المشابهة بينهما، ولفظ نخلة إذا استعير للرجل الطويل بجامع الطول في كل، لا يصح أن نعديه، ونطلقه على الحبل من أجل طوله. أما المجازات العقلية فيجوز تعديها إلى غير محالها التي وردت فيها، فكما ورد قوله تعالى: {أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا} 2، قيل: تكاثرت أشواقي وأسقمني فقدك وأحيتني مشاهدتك، إلى غير ذلك مما لا يكاد يضبط في الرسائل والمواعظ والخطب كما قال ابن نباتة الخطيب: إنه الموت حسام أزهق النفوس ذبابه3، كذا في الطراز. 2- المجاز خلاف الأصل، فلا يصار إليه إلا لباعث يرجع إما إلى اللفظ، وإما إلى المعنى، وإما إليهما جميعا: أ- فما يرجع إلى اللفظ أن يكون المجاز أخف على اللسان من الحقيقة كما نشعر بذلك في مثل لفظ الخنفقيق "الداهية"، أو يكون صالحا للقافية أو السجع وهي لا تصلح لذلك، أو يكون مألوف الاستعمال والحقيقة غريبة وحشية. ب- ومما يرجع إلى المعنى، قصد التعظيم، كما تقول: سلام على المجلس،

_ 1 وهي كون مثل هذا استعارة بالكناية. 2 سورة يونس الآية: 24. 3 الذباب: طرف السيف الذي يضرب به.

الكريم عادلا، إلى المجاز, تعظيما للمخاطب وتشريفا له عن أن يخاطب بلقبه، أو المبالغة مع الإيجاز، كما تبين لك ذلك فيما سلف. جـ- ومما يرجع إليهما تحسين اللفظ ودقة المعنى من أجل أن الشيء إذا عرف من بعض الوجوه دون بعض تاقت النفس إلى تحصيل ما ليس بمعلوم لها، وذلك لا يتسنى إلا عند التعبير بالمجاز، أما عند التعبير بالحقيقة فيحصل العلم به من جميع الوجوه، لا جرم كان التعبير بالمجاز أقرب إلى تحسين الكلام وتجميله. أسرار البلاغة في المجاز العقلي: المجاز العقلي ضرب من التوسع في أساليب اللغة, وفن من فنون الإيجاز في القول ألا ترى أن إسناد الفعل إلى سبيله وجعله الفاعل المؤثر دليل على ما كان لهذا الأثر من شديد الصلة في صدور الفعل، وكأنه هو الذي صدر منه. انظر إلى قول ابن الرومي: أرى الشعر يحيي الناس والمجد بالذي ... تبقيه أرواح له عطرات فما المجد لولا الشعر إلا معاهد ... وما الناس إلا أعظم نخرات تره قد جعل حياة الناس ومآثرهم رهينة الشعر بما ينشر من فضائلهم ويذكره من جليل إحسانهم وعظيم إنعامهم فيبقى على كر الغداة ومر العشي. وكذلك تجد ما في نسبة الحادث، إلى زمانه أو مكانه، من دلالة على التعميم والشمول، فإن الفعل إذا أريد بيان شموله, وأنه يعم كل من يكنه المكان أو يحيط به الزمان نسب إلى المكان أو الزمان، تأمل قوله تعالى على لسان زكريا عليه السلام: {إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا} 1، تره أراد أن يجعل الشيب قد عم رأسه حتى صار كأنه نار، أضاف الاشتعال إلى الرأس لا إلى الشعر, مع أن المقصود هو بيان ابيضاض الشعر. وانظر إلى طرفة بن العبد تره قد نسب إبداء المجهول إلى الأيام وهي لا تظهره بل يظهر فيها، ويستبين من أمره ما كان خفيا، في قوله: ستبدي لكل الأيام ما كنت جاهلا ... ويأتيك بالأخبار من لم تزود وقد جعل ذلك شيمة الزمان وطبيعة الحدثان، في كل عصر وأوان، ولا تجد ذلك المعنى مستبينا إذا أنت قد قلت: سيبدو على صفحات الزمان ما كان أمره خفيا، وما لم تجده من الشئون جليا.

_ 1 سورة مريم الآية: 4.

تداريب وتمارين

تداريب وتمارين ... تدريب أول: بين المجاز العقلي واذكر علاقته فيما يلي: 1- أهلكنا الليل، والنهار معا ... والدهر يغدو مصمما جذعا1 2- ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا ... ويأتيك بالأخبار من لم تزود 3- ولما رأيت الخيل تترى أثائجا ... علمت بأن اليوم أحمس فاجر2 4- وكل امرئ يولي الجميل محبب ... وكل مكان ينبت العز طيب 5- محا البين ما أبقيت عيون المها مني ... فشبت ولم أفض اللبائة من سني 6- سل الجيزة الفيحاء عن هرمي مصر ... لعلك تدري بعض ما لم تكن تدري الإجابة: 1- إسناد الإهلاك إلى الليل والنهار مجاز عقلي علاقته الزمانية؛ لأن الفاعل هو الله، وهذان زمنان له. 2- الأيام لا تظهر مجهولا، بل يظهر ذلك فيها، فهو مجاز عقلي، علاقته الزمانية. 3- وصف اليوم بالفجور مجاز، علاقته الزمانية؛ لأن الفجور صفة لما يقع فيه. 4- العز ينبت في المكان، ولا ينبته المكان، فهو مجاز عقلي، علاقته المكانية. 5- إسناد المحو إلى البين مجاز عقلي، علاقته السببية؛ لأن البين لا يمحو شيئا بل هو سبب فيه.

_ 1 المصمم من الإبل الصابر على السير أو الماضي فيه، والجذع الشاب الحدث. 2 تترى: تتتابع، والأثائج: الصائحات، والأحمس: الصلب الشديد، والفاجر: المنبعت في المعاصي.

6- الجيزة لا تسأل، بل يسأل أهلها، فوقوع السؤال على الجيزة مجاز عقلي في النسبة الإيقاعية والعلاقة المكانية، ويصح أن يكون في هذا مجاز بالحذف، أو مجاز مرسل. تدريب ثان: بين المجاز العقلي واذكر علاقته فيما يلي: 1- الدهر يفترس الرجال فلا تكن ... ممن تطيشهم المناصب والرتب 2- إن البلية من تمل كلامه ... فانقع فؤادك من حديث الوامق1 3- نعم المعين على المروءة للفتى ... مال يصون عن التبذل نفسه 4- ملكنا فكان العفو منا سجية ... فلما ملكتم سال بالدم أبطح 5- {أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَمًا آمِنًا يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ} 2. 6- {جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ حِجَابًا مَسْتُورًا} 3. الإجابة: 1- في إسناد يفترس إلى ضمير الدهر مجاز عقلي علاقته الزمانية، وفي إسناد تطيش إلى المناصب والرتب مجاز عقلي علاقته السببية. 2- في إسناد الوامق إلى المفعول مجاز علاقته المفعولية إذ المراد سر نفسك بمحادثة الموموق أي: المحبوب. 3- في إسناد الإعانة والصيانة إلى المال مجاز عقلي علاقته السببية. 4- في إسناد سال إلى الأبطح مجاز عقلي علاقته المكانية, إذ الدم سال فيه لا منه. 5- في إسناد الفاعل وهو آمن إلى المفعول وهو الحرم مجاز عقلي علاقته المفعولية. 6- في إسناد المفعول وهو مستور إلى الفاعل وهو الحجاب مجاز عقلي علاقته الفاعلة.

_ 1 نقع بالشراب استشفى منه وكذا بالخبر. 2 سورة القصص الآية: 57. 3 سورة الإسراء الآية: 45.

تمرين أول: بين المجاز العقلي واذكر علاقته فيما يلي: 1- لقد لمتنا يا أم غيلان في السرى ... ونمت وما ليل المطي بنائم 2- الدهر لازم بين فرقتنا ... وكذاك فرق بيننا الدهر 3- وكذاك سر المرء إن لم يطوه ... نشرته ألسنة تزيد وتكذب 4- ومن نكد الدنيا على الحر أن يرى ... عدوا له ما من صداقته بد 5- والهم يخترم الجسيم نحافة ... ويشيب ناصية الصبي ويهرم 6- يومان يوم مقامات وأندية ... ويوم سير إلى الأعداء تأويب تمرين ثان: بين المجاز العقلي واذكر علاقته فيما يلي: 1- {لَا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ} . 2- {هَذَا يَوْمٌ عَصِيبٌ} . 3- منزل عامر بنعم الله. 4- ذاك مشرب عذب. 5- هذا مركب فاره. 6- {أَصَلَاتُكَ تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آَبَاؤُنَا} . 7- سار بي الحنين إلى لقائك. 8- هذا منزل ساكن. 9- قال تعالى: {مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ} . 10- تنام وما ليل المضيم بنائم.

الباب الثالث: في الكناية

الباب الثالث: في الكناية المبحث الأول: في تعريفها ... الباب الثالث: في الكناية وفيه أربعة مباحث وخاتمة. المبحث الأول: في تعريفها الكناية لغة أن تتكلم بشيء وتريد غيره، وقد كنوت بكذا عن كذا، أو كنيت إذا تركت التصريح به، أنشد الجوهري: وإني لأكنو عن قذور بغيرها ... وأعرب أحيانا بها وأصارح وفي الاصطلاح تطلق على معنيين: 1- المعنى المصدري الذي هو فعل المتكلم، أعني ذكر اللفظ الذي يراد به لازم معناه مع جواز إرادته1 معه. 2- اللفظ المستعمل فيما وضع له، لكن لا ليكون مقصودا بالذات، بل لينتقل منه إلى لازمه المقصود لما بينها من العلاقة واللزوم العرفي، وعلى هذا التعريف فهي حقيقة لاستعمال اللفظ فيما وضع له، لكن لا لذاته، بل لينتقل منه إلى لازمه فمعناه مراد لغيره مع استعمال اللفظ فيما وضع له، واللازم مراد لذاته، لا مع استعمال اللفظ فيه، فهو مناط الإثبات والنفي والصدق والكذب2. تفسير هذا أن العرب تلفظ أحيانا بلفظ لا تريد منه معناه الذي يدل عليه بالوضع، بل تريد منه ما هو لازم له في الوجود بحيث إذا تحقق الأول تحقق الثاني عرفا وعادة، فنقول: فلان رحب الصدر، ونقصد أنه حليم من قبل أن الحليم يكون ذا أناة وتؤدة ولا يجد الغضب إليه سبيلا، لما في صدره من السعة لاحتمال

_ 1 أي: من جواز إرادة المعنى الحقيقي مع اللازم كما ستعلم بعد. 2 فقولك: فلان طويل النجاد تريد طول القامة يكون الكلام صحيحا, وإن لم يكن له نجاد قط بل قد يستحيل المعنى الحقيقي كما سيأتي.

كثير من الحفاظ والأضغان كما يحتمل الصندوق الواسع كثيرا من المتاع والماعون، وتقول: فلانة نئوم الضحى، وتقصد أنها مترفة مخدومة لها من يكفيها أمرها من الخدم والحشم، فهم يقومون بتدبير شئون المنزل، وقضاء الحوائج البيتية، فلا تحتاج إلى القيام مبكرة من النوم فأولئك قد كفوها مئونة التعب والنصب. "الفرق بينها وبين المجاز" مما سلف تعلم الفرق بين الكناية والمجاز هو أن الأولى لا يمتنع معها إرادة المعنى الأصلي، فيسوغ في المثالين المتقدمين أن تريد أنه واسع الصدر حقيقة, وأنها تنام حقا إلى وقت الضحى، وقد تمتنع إرادة المعنى الأصلي فيها أحيانا لخصوص الموضوع، نحو: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} 1 كناية عن الاستيلاء والملك، {وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ} 2 كناية عن قوة التمكن وتمام القدرة، إلى غير ذلك3. أما قرينة المجاز فتمنع من إرادة المعنى الأصلي، فلا يسوغ إرادة الأسد المفترس في قولك: رأيت أسدا في الميدان يضرب يمينا وشمالا.

_ 1 سورة طه الآية: 5. 2 سورة الزمر الآية: 67. 3 فهذان ونحوهما كنايات من غير لزوم كذب؛ لأن استعمال اللفظ في معناه الحقيقي وطلب دلالته عليه إنما هو لقصد الانتقال منه إلى لازمه المراد.

المبحث الثاني: في أقسامها من حيث المكنى عنه

المبحث الثاني: في أقسامها من حيث المكني عنه تنقسم الكناية من حيث المكني عنه إلى ثلاثة أقسام: 1- كناية يطلب بها صفة من الصفات كالجود والكرم ودماثة الأخلاق، إلى غير ذلك، وهي ضربان: أ- قرينة، وهي ما ينتقل منها إلى المطلوب بها بلا واسطة سواء أكانت واضحة كقولهم كناية عن طويل القامة طويل النجاد4، وقول الحماسي: أبت الروادف والثدى لقمصها ... مس البطون وأن تمس ظهورا كنى عن كبر الإعجاز ونهود الثدي بارتفاع القميص عن أن يمس بطنا أو ظهرا.

_ 1 سورة طه الآية: 5. 2 سورة الزمر الآية: 67. 3 فهذان ونحوهما كنايات من غير لزوم كذب؛ لأن استعمال اللفظ في معناه الحقيقي وطلب دلالته عليه إنما هو لقصد الانتقال منه إلى لازمه المراد. 4 النجاد: حمائل السيف، وقد اشتهر استعمال طويل النجاد في طويل القامة.

وهذا من بديع الكناية، أم خفية يتوقف الانتقال منها إلى اللازم على التأمل وإعمال الرؤية، كقولهم كناية عن الأبله هو عريض القفا، إذ يزعمون أن عرض القفا وعظم الرأس إذا أفرطا دلا على الغباوة، أوما ترى إلى قول طرفة: أنا الرجل الضرب الذي تعرفونه ... خشاش كرأس الحية المتوقد ب- بعيدة، وهي ما ينتقل منها إلى المطلوب بها بواسطة كقولهم في الكناية عن المضياف: هو كثير الرماد، فإنه ينتقل الذهن من كثرة الرماد إلى كثرة الطبائخ، ومنها إلى كثرة الرماد، ومنها إلى كثرة الضيفان، ثم إلى المضيافة، وهي المقصودة، ونظيره قول الآخر: وما يك في عيب فإني ... جبان الكلب مهزول الفصيل فإن الذهن ينتقل من جبن الكلب عن الهرير في وجه من يقصد دارا هو مقيم على حراستها والعس دونها، مع أن ذلك ليس من طبعه، إلى أنه قد دام زجره وتأديبه حتى تغير عن مجرى عادته، ثم إلى استمرار موجب نباحه وهو اتصال مشاهدته وجوها إثر وجوه، ومن ذا إلى كونه ملجأ للقاصي وللداني، ومن ذا إلا أنه مشهور بحسن قرى الأضياف. وكذا ينتقل من هزال الفصيل إلى فقد الأم، ومن ذا إلى قوة الداعي إلى نحرها مع كمال عنايتهم بالنوق، خصوصا المثالي1 منها، ومن هذا إلى صرفها إلى الطبائخ، ومن ذا إلى أنه مضايف. 2- كناية، يطلب بها موصوف، نحو قولك كناية عن الأسد: قتلت ملك الوحوش، وشرطها الاختصاص بالمكني عنه ليحصل الانتقال منها إليه، وهي ضربان: أ- ما هي معنى واحد بأن يتفق في صفة اختصاصها بموصوف معين فتذكر تلك الصفة ليتوصل بها إلى ذلك الموصوف كمجامع الأضغان كناية عن القلوب في قوله: الضاربين بكل أبيض مخذم ... والطاعنين مجامع الأضغان2

_ 1 المثالي من أثلت الناقة إذا تلاها ولدها. 2 الضاربين منصوب على المدح وكذا الطاعنين، والأبيض: السيف، والمخذم: القاطع.

ونحوه قول البحتري في قصيدته التي وصف فيها قتلة الذئب: فأتبعتها أخرى فأضللت نصلها ... بحيث يكون اللب والرعب والحقد1 ففي الشطر الثاني ثلاث كنايات، كل منها مستقل بإفادة الغرض، لا كناية واحدة، فقوله: بحيث يكون اللب، الرعب، الحقد، ثلاثتها عن كناية القلب، إذ هو محل العقل والخوف الضغينة. ب- ما هي مجموع معان بأن تؤخذ صفة فتضم إلى صفة ثانية، ثم ثالثة، فتكون جملتها مما يختص بالموصوف، فمتى ذكرت توصل بها إليه كقولهم كناية عن الإنسان: إنه حي مستوي القامة عريض الأظفار، فمجموع هذه الأوصاف هو الثلاثة المختص بالإنسان لا كل واحد2 منها: 3- كناية، يطلب بها نسبة3، أي: ثبوت أمر لأمر، أو نفيه عنه، كما يقولون: المجد بين ثوبيه، والكرم بين برديه4، فهم لم يصرحوا بثبوت المجد والكرم له، بل كنوا عن ذلك بكونهما بين برديه وبين ثوبيه، وكقول زياد الأعجم في مدح عبد الله بن الحشرج وكان أمير نيسابور: إن السماحة والمروءة والندى ... في قبة ضربت على ابن الحشرج فإنه أراد أن يثبت هذه الصفات خلالا للممدوح لكنه لم يصرح بذلك فيقول: إنها مجموعة فيه، أو مقصورة عليه، أو نحو ذلك، بل عدل إلى ما أنت تراه فجعلها في قبة مضروبة عليه لتمكنه أن يثبتها للممدوح بطريق الكناية؛ لأنه إذا أثبت الأمر في مكان الرجل وحيزه فقد أثبت له، ومثل هذا وإن كان في حلة أبدع ووشي أغرب قول حسان: بنى المجد بيتا فاستقرت عماده ... علينا فأعيا الناس أن يتحولا وقول أبي نواس: فما جازه جود ولا حل دونه ... ولكن بصير الجود حيث يصير وقول الآخر: "وحيثما يك أمر صالح تكن". ففي كل هذا توصل إلى إثبات للممدوح بإثباتها في المكان الذي يحل فيه، ولزومها بلزومه حيثما كان، وعلى هذا المسلك يحمل قولهم: مثلك لا يبخل. قال في "الكشاف": نفوا البخل عن مثله وهم يريدون نفيه عن ذاته، قصدوا المبالغة في ذلك فسلكوا به طريق الكناية؛ لأنهم إذا نفوه عمن يسد مسده وعمن هو على أخص أوصافه فقد نفوه عنه، ونظيره قولك للعربي: العرب لا تخفر الذمم، فإنه أبلغ من قولك: أنت لا تخفر، ا. هـ.

_ 1 ضمير أتبعتها يعود إلى الطعنة، والنصل حديدة السيف. 2 ويسمى هذا خاصة مركبة. 3 ضابطها أن يصرح بالصفة ويقصد بإثباتها لشيء له صلة بالموصوف وارتباط به الكناية عن إثباتها للمراد, وهو الموصوف بها بخلاف كناية الصفة فإنه لا يصرح فيها بالصفة المرادة. 4 هما الأزار والرداء وهما الثوبان.

المبحث الثالث: في أقسامها من حيث الوسائط

المبحث الثالث: في أقسامها من حيث الوسائط تنقسم الكناية باعتبار الوسائط إلى أقسام أربعة: 1- تعريض1: وهو خلاف التصريح, واصطلاحا ما أشير به إلى غير المعنى بدلالة السياق، كما تقول: المسلم من سلم المسلمون من لسانه، فالمعنى الأصلي انحصار الإسلام فيمن سلم الناس يده ولسانه، والمعنى الكنائي اللازم للمعنى الأصلي انتفاء الإسلام عن المؤذي مطلقا، وهو المعنى المقصود من اللفظ، ويشير بسياقه إلى نفي الإسلام عن المؤذي الذي تكلمت عنده. ومن لطيف ذلك ما كتبه عمر بن مسعدة وزير المأمون إلى المأمون يوصيه على بعض أصحابه: أما بعد، فقد استشفع بي فلان إلى أمير المؤمنين ليتطول2 في إلحاقه بنظرائه، فأعلمته بأن أمير المؤمنين لم يجعلني في مراتب المستشفعين، وفي ابتدائه بذلك بعد عن طاعته، فوقع المأمون في كتابه: قد عرفنا نصيحتك له وتعريضك لنفسك وأجبناك إليهما. 2- تلويح: وهو لغة أن تشير إلى غيرك من بعد واصطلاحا كناية كثرت فيها الوسائط بين اللازم والملزوم، نحو: "أولئك قوم يوقدون نارهم في الوادي" كناية عن بخلهم، فقد انتقل من الإيقاد في الوادي المنخفض، إلى إخفاء النيران، ومن هذا إلى عدم رغبتهم في اهتداء ضيوفهم إليها، ومن ذا إلى بخلهم، ونحوه ما تقدم من قولهم: هو جبان الكلب، ومهزول الفصيل.

_ 1 قد يكون التعريض كناية كما في هذا المثال، وقد يكون مجازا. 2 يتطول: أي يتكرم من الطول، وهو الفضل والزيادة.

3- رمز وهو لغة أن نشير إلى قريب منك خفية بشفة، أو حاجب، كما قال: رمزت إلي مخافة من بعلها ... من غير أن تبدي هناك كلامها واصطلاحا هو كناية قلت وسائطها مع خفاء اللزوم نحو: هو غليظ الكبد، كناية عن القسوة، إذ ذلك تتوقف على معرفة ما كان يعتقده العرب من أن الكبد موضع الإحساس، والتأثر فيلزم من رقته اللين ومن غلظه القسوة، ونحوه ما سبق. 4- إيماء وإشارة، وهي كناية قلت وسائطها، مع وضوح الدلالة، كقول أبي تمام يصف إبله مادحا أبا سعيد1: أبين فما يزرن سوى كريم ... وحسبك أن يزرن أبا سعيد وقول البحتري يمدح آل طلحة: أوما رأيت المجد ألقى رحله ... في آل طلحة ثم لم يتحول ومن لطيف ذلك وعجيبه قول بعضهم في رثاء البرامكة: سألت الندى والجود ما لي أراكما ... تبدلتما ذلا بعز مؤبد وما بال ركن المجد أمسى مهدما ... فقالا أصبنا بابن يحيى محمد فقلت: فهلا متما عند موته ... فقد كنتما عبديه في كل مشهد فقالا: أقمنا كي نعزي بفقده ... مسافة يوم ثم نتلوه في غد

_ 1 هو أبو سعيد بن يوسف الثغرى.

المبحث الرابع: في حسن الكناية وقبحها

المبحث الرابع: في حسن الكناية وقبحها الكناية تكون حسنة إن جمعت بين الفائدة ولطف الإشارة, كما تقدم لك من الأمثلة، وقبيحة إذا خلت مما ذكر، كقول الشريف الرضي يرثي امرأة: إن لم تكن نصلا فغمد نصال فهذا من رديء الكنايات، إذ هذا لا يفيد ما قصده من المعنى، بل ربما جر إلى ما يقبح من تهمتها بالريبة. ونحوه قول أبي الطيب: إني على شغفي بما في خمرها ... لأعف عما في سراويلاتها قال ابن الأثير: فهذه كناية عن النزاهة والعفة، إلا أن الفجور أحسن منها، وما ذاك إلا من سوء تأليفها وقبح تركيبها، وقد أجاد الشريف فيما زلت فيه قدم أبي الطيب فجاء به على وصف حسن وقالب عجيب حيث قال: أحن إلى ما يضمن الخمر والحلى ... وأصدف عما في ضمان المآزر وقريب من بيت المتنبي قول الآخر: وما نلت منها محرما غير أنني ... إذا هي بالت بلت حيث تبول

خاتمة

خاتمة: اتفقت كلمة البلغاء على: 1- أن المجاز والكناية أبلغ من الحقيقة والتصريح؛ لأن الانتقال فيهما من الملزوم إلى اللازم فهو كدعوى الشيء ببينة. 2- وعلى أن الاستعارة أبلغ من التشبيه، ومن المجاز المرسل، لما فيهما من دعوى الاتحاد، وأن أبلغ أنواعها الاستعارة التمثيلية، ثم المكنية، لاشتمالها على المجاز العقلي الذي هو قرينتها. 3- وعلى أن الاستعارة سواء أكانت تمثيلية أم مكنية أم غيرها، أبلغ من الكناي؛، لأنها كالجامعة بين كناية واستعارة. وليس معنى الأبلغية في كلا من هذه الأمور يفيد زيادة في المعنى نفسه لا يفيدها خلافه، بل المراد زيادة التأكيد في الإثبات. قال الإمام عبد القاهر: فليست فضيلة قولنا رأيت أسدا على قولنا رأيت رجلا لا يتميز عن الأسد في جرأته وشجاعنه، أن الأول أفاد زيادة في مساواته للأسد في الشجاعة لم يفدها الثاني، بل هي أن الأول أفاد تأكيدا لإثبات تلك المساواة له لم يفده الثاني، وسر هذه المزية والفخامة أنك إذا قلت: رأيت أسدا كنت قد تلطفت لما أردت إثباته له من فرط الشجاعة حتى جعلتها كالشيء الذي يجب له الثبوت والحصول، وكالأمر الذي نصب له دليل يقطع بوجوده، وذلك أنه إذا كان أسدا فواجب أن تكون له تلك الشجاعة العظيمة، وكالمستحيل والممتنع أن يعرى عنها وإذا صرحت بالتشبيه فقلت: رأيت رجلا كالأسد، كنت قد أثبتها إثبات الشيء يترجع بين أن يكون وألا يكون، ولم يكن من حديث الوجوب في شيء.

وليست فضيلة قولنا: جم الرماد على قولنا كثير القرى أن الأول أفاد زيادة لقراه لم يفدها الثاني, بل هي أن الأول أفاد تأكيد الإثبات كثرة القرى له لم يفده الثاني، وذلك أن كل عاقل يعلم أن إثبات الصفة بإثبات دليلها آكد, وأبلغ في الدعوة من أن تجيء إليها فتثبتها هكذا ساذجا عقلا، وذلك أنك لا تدعي دليل الصفة إلا والأمر ظاهر معروف وبحيث لا يشك فيه, ولا يظن بالمخبر التجوز والغلط، كذا في "دلائل الإعجاز" مع اختصار. أسرار البلاغة في الكناية: الكناية فن من التعبير توخاه العرب استكثارا للألفاظ التي تؤدي ما يقصد من المعاني، وبها يتنوفون في الأساليب، ويزينون ضروب التعبير، ويكثرون من وجوه الدلالة، انظر إلى امرئ القيس تجده كنى عن المرأة ببيضة الخدر في قوله: وبيضة خدر لا يرام خباؤها ... تمتعت من لهو بها غير معجل وإلى حميد بن ثور نراه كنى عنها بالسرحة في قوله: أبى الله إلا أن سرحة مالك ... على كل أفنان العضاة1 تروق فيا طيب رياها وبرد خلالها ... إذا حان من حامي النهار وديق2 وإلى النبي عليه السلام وقد كنى عنها بالقارورة في قوله لأنجشه وهو يحدو بنسائه: $"رفقا بالقوارير"، وبها ينصبون الدليل على كل قضية ويقيمون البرهان على كل مدعى، انظر إلى المتنبي وهو يذكر وقيعة سيف الدولة بأعدائه: فمساهم وبسطهم حرير ... وصبحهم وبسطهم تراب تجده قد أراد أن يبين أنه قهرهم وأذلهم بعد أن كانوا أعزة، لكنه تلطف في التعبير ونصب الدليل على صحة دعواه، فأشار إلى عزتهم أولا بافتراشهم بسط الحرير، ثم إلى ذلتهم بعد بافتراشهم بسط التراب. وتأمل قول أبي تمام يمدح أبا سعيد بن يوسف الثغري ويذكر كرمه: أبين فما يزرن سوى كريم ... وحسبك أن يزرن أبا سعيد

_ 1 شجر عظيم شائك. 2 شدة الحر في الهاجرة.

تره قد أبان كرم أبي سعيد بغاية الوضوح من حيث أبان أن إبله أبت إلا أن تزور الكرماء، ويكفيها أن تزور من بينهم أبا سعيد. وليس بالخفي ما للكناية من فضيلة في إلباس المعقول ثوب المحسوس، أتراك تشاهد لطف التعبير ودقة التصوير إذا تأملت الكناية بحمالة الحطب عن النمامة التي تفسد ذات البين, وتهيج الشر في قوله تعالى يصف امرأة أبي لهب: {وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ} 1، فإنك وأنت تقرؤها يخيل إليك أنها ممسكة حطبها بيديها، ومشعلة نارا لتوقد العداوة والبغضاء بين قوم، وتؤلب بعضهم على بعض. إلى ما فيها من حيلة بترك بعض ألفاظ إلى ما هو أجمل في القول وآنس للنفس، ألا ترى إليهم وهم يكنون عن الموت بقولهم: "فلان قد استوفى أكله" أو بقولهم: "لحق باللطيف الخبير" وعن الصحراء بالمفازة وهي مهلكة. إلى ما فيها من حسن التلطف في إطراح الألفاظ المستهجنة كما جاء في القرآن الكريم من الكنايات التي تتعلق بالنساء كالنهي عن أخذ المهور مع ذكر السبب في قوله تعالى: {وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ} 2، وقوله تعالى: {فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ} 3. إلى أنها قد تكون طريقا من طرق الإيجاز والاختصار كقوله تعالى كناية عن كثير من الأفعال: {لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ} 4 وقولهم كناية عن الجامع لكل شيء "هو سفينة نوح". وأنك لترى فيها من العجب العجاب ومن غريب الصنعة، ومن بديع السحر إذا كانت في باب الصناعات الخسيسة والأشياء الحقيرة بذكر منافعها، كما قيل لحائك: ما صناعتك؟ قال: زينة الأحياء، وجهاز الموتى. وقال ابن باقلاني "بائع فول": أنا ابن الذي لا ينزل الدهر قدره ... وإن نلزت يوما فسوف تعود ترى الناس أفواجا إلى ضوء ناره ... فمنهم قيام حوله وقعود

_ 1 سورة المسد الآية: 4. 2 سورة النساء الآية: 21. 3 سورة البقرة الآية: 197. 4 سورة المائدة الآية: 79.

نماذج وتمارين

نماذج وتمارين: نموذج أول: بين الكناية وأنواعها باعتبار المكنى عنه وباعتبار الوسائط فيما يلي: 1- وإن حلفت لا ينقض النأي عهدها ... فليس لمخضوب البنان يمين 2- قال الحجاج: إن أمير المؤمنين نثر كنانته عودا عودا فوجدني أمرها ضرب عودا وأصابها مكسرا فرماكم بي، والله لأحزمنكم حزم السلمة ولأضربنكم غرائب الإبل. 3- ولا زال بيت الملك فوقك عاليا ... تشيد أطناب له عمود 4- تقول التي من بيتها خف محملي ... عزيز علينا أن نراك تسير 5- أفاضل الناس أغراض لذا الزمن ... يخلو من الهم أخلاهم من القطن 6- يبيت بمنجاة من اللؤم بيتها ... إذا ما بيوت بالملامة حلت الإجابة: 1- في مخضوب البنان كناية عن موصوف، وهي المرأة، إذ هذه من صفاتها الخاصة بها، من نوع الإيماء؛ لأن الذهن ينتقل إلى ذلك بلا واسطة. 2- في هذه العبارة كنايات ثلاث: أ- ففي قوله: نثر كنانته إلى قوله فرماكم بي كناية عن صفة هي البحث والتفتيش عن الأصلح حتى عثر عليه, وهي من نوع التلويح؛ لأن الذهن ينتقل من نثر الكنانة إلى البحث والتفتيش عن أصلح سهامها, ومن ذا إلى العثور على ذلك الأصلح, ومن ذا إلى اختياره من بينها ثم إرساله إليهم لتدبير شئونهم. ب- وفي قوله: لأحزمنكم حزم السلمة كناية عن صفة هي الضغط عليهم والبطش بهم من نوع الإيماء. جـ- وفي قوله: لأضربنكم إلخ كناية عن صفة هي القسوة في معاملتهم والتنكيل بهم، وهي من نوع الإيماء. 3- وفي هذا البيت كناية عن نسبة هي اتصافه بالملك؛ لأن الذهن ينتقل من ملازمته بيت الملك وحلوله في ذلك المكان إلى كونه ملكا، وهي من نوع الإيماء.

4- كنى أبو نواس بقوله: من بيتها خف إلخ عن موصوف، وهي امرأته؛ لأن الراحلة إنما تخف من بيت صاحبها في العادة، فهي كناية عن موصوف، وهي امرأته؛ لأن الراحلة إنما تخف من بيت صاحبها في العادة فهي كناية عن موصوف من نوع الإيماء لعدم الوسائط. 5- في قوله: أخلاهم من الفطن كناية عن موصوف وهم الجهال، وهي من نوع الإيماء. 6- في هذا البيت كناية عن نسبة هي إثبات النزاهة لها, ونفي الفجور عنها ذاك أنه نبه بنفي اللوم عن بيتها على انتفاء أنواع الفجور عنها، ومن ذا إلى براءتها من كل ما يشينها، وهي من نوع الإيماء. نموذج ثان: بين أنواع الكناية من حيث المكنى عنه ومن حيث الوسائط: 1- قال زياد بن أبيه: وإني لأقسم بالله لآخذن الولي بالمولى، والمقيم بالظاعن، والمطيع بالعاصي، حتى يلقى الرجل قاتل أبيه فيقول: "انج سعد فقد هلك سعيد"1، أو تستقيم لي قناتكم2. 2- {وَحَمَلْنَاهُ عَلَى ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ، تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا جَزَاءً لِمَنْ كَانَ كُفِرَ} 3. 3- وأقبلت يوم جد البين في حلل ... سود تعض بنان النادم الحصر4 4- أريد بسطة كف أستعين بها ... على قضاء حقوق للعلا قبلي 5- لا أمتع العوذ بالفصال ولا ... أبتاع إلا قريبة الأجل5 6- فصبحهم وبسطهم حرير ... ومساهم وبسطهم تراب

_ 1 مثل أصله أسعد أم سعيد يضرب للفشل أو الظفر بالبغيه. 2 القناة الرمح، والعصا المستوية. 3 الدسر جمع دسار وأصله خيط من ليف تشد به ألواح السفينة "سورة القمر". 4 الحصر: البخيل. 5 العوذ جمع عائذ الحديثة النتاج من الظباء والإبل، والفصال جمع فصيل ولد الناقة.

الإجابة: 1- في هذه المقالة كنايات عدة، فقد كنى بقوله: انج سعد إلخ، عن الفرار والهرب، وهي نوع من التلويح لكثرة الوسائط فيها إذ ينتقل الذهن من قولهم هذا إلى السبب الباعث على ذلك، وهو الخوف من الفتك بهم، ومن ذا إلى أخذ عدتهم للهرب، تباعدا عن التنكيل بهم، إلى الهرب وهو المراد، وكنى باستقامة القناة عن حسن سيرهم واعتدالهم في أمورهم، وهي كناية عن صفة من نوع الرمز. 2- كنى الله تعالى بذات الألواح والدسر عن السفينة، إذ ذاك وصف خاص بها، فهي كناية عن موصوف من نوع الإيماء، وكنى بقوله: تجري بأعيننا عن شمول لطفه وعنايته بها، وهي كناية عن صفة من نوع التلويح لوجود الوسائط إذ ينتقل الذهن من النظر إليه، إلى مراقبتها، ومن ذا إلى الاهتمام بها، ومنه إلى العناية بها. 3- كنى بعض بنان الندم عن الأسف على فوات المرغوب فيه، فهو كناية عن صفة من نوع الإيماء. 4- كنى ببسطة الكف عن الغنى، فهو كناية عن صفة من نوع الإيماء، إذ ينتقل الذهن من بسطة الكف، إلى مثلها بالمال، إلى الغنى. 5- في هذا البيت كنايتان عن صفتين من نوع التلويح، الأولى كناية عن نحو الفصال، والثانية كناية عن أنه مضياف، ذاك أن الذهن ينتقل من عدم إمتاعها إلى أنه لا يبقى لها فصالها لتأنس بها, ويحصل لها الفرح الطبيعي بالنظر إليها، ومن ذا إلى نحرها، وكذا ينتقل من قرب أجلها إلى نحرها، ومن ذا إلى أنه مضياف. 6- في هذا البيت كنايتان عن صفتين، وهما العز والذل، ومن نوع التلويح إذ كنى بكون بسطهم حريرا عن عزتهم إذ ينتقل الذهن من إحرازهم الرياش والأثاث الفاخر إلى غناهم ومن ذا إلى كونهم أعزاء، وكنى بكون بسطهم ترابا عن ذلهم، إذ ينتقل الذهن من افتراش التراب إلى ضياع ما يملكون، ومن ذا إلى كونهم أذلاء.

تمرين أول: بين الكناية باعتبار المكنى عنه وباعتبار الوسائط فيما يلي: 1- بيض صنائعنا سود وقائعنا ... خضر مرابعنا حمر مواضينا1 2- أبيني أفي يميني يديك جعلتني ... فأفرح أم صيرتني في شمالك2 3- {أَوَمَنْ يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ} 3. 4- {وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ} 4. 5- روي أن امرأة وقفت على قيس بن سعد فقالت: أشكو إليك قلة الفأر في بيتي فقال: ما أحسن ما روت عن حاجتها، املئوا بيتها خبزا ولحما وسمنا. 6- ومن دعا الناس إلى ذمه ... ذموه بالحق وبالباطل 7- تشتكي ما اشتكيت من ألم الشو ... ق إليها حيث النحول تمرين ثان: 1- قوم ترى أرحامهم يوم الوغى ... مشغوفة بمواطن الكتمان 2- وإن ذكر المجد ألفيته ... تأزر بالمجد ثم ارتدى 3- ولست بخالع درعي وسيفي ... إلى أن يخلع الليل النهار 4- {سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ} 5. 5- تعرضت عجوز لسليمان بن عبد الملك فقالت: يا أمير المؤمنين مشت جرذان بيتي على العصى، فقال لها: ألطفت في السؤال, لا جرم لأردنها تثب وثب الفهود، وملأ بيتها حبا. 6- اللابس المجد لم تنسج غلائله ... إلا يد الصانعين السيف والقلم 7- ولما سقط في أيديهم.

_ 1 الصنائع: جمع صنيعة وهي الإحسان، والمرابع، جمع مربع الموضع يتربعون فيه زمن الربيع، والمواضي العيوف. 2 فإن الشيء النفيس يحتفظ به في اليد اليمنى عادة، والذي لا يؤبه له يوضع في اليسرى. 3 ينشأ يربي، والخصام الجدل "سورة الزخرف". 4 سورة البقرة الآية: 174. 5 سورة القصص الآية: 35.

نموذج عام في البيان: 1- جاء في بعض الجرائد أن ظفر الزعيم سعد زغلول في الانتخابات يسيل له لعاب ساسة الغربيين، فجميع الروابي التي نشهدها في جميع الأقطار لا تبلغ سفح هذا الجبل. 2- وإن حلفت لا ينقض النأي عهدها ... فليس لمخضوب البنان يمين الإجابة: 1- في جملة يسيل إلخ، كناية عن صفة هي الشوق إليه من نوع التلويح، إذ ينتقل الذهن من سيل اللعاب إلى الشيء, إلى شهوته وميل النفس إليه ومحبتها له، وفي الروابي استعارة تصريحية أصلية مجردة فقد شبه الزعماء بالروابي بجامع العظم وجلالة القدر في كل والقرينة حالية، وفي قوله: تبلغ سفح هذا الجبل، استعارة تصريحية مرشحة بكملة سفح والقرينة حالية. 2- في نقض النأي مجاز عقلي علاقته السببية؛ لأن البعد سبب النقض وخلف العهد، وفي العهد استعارة بالكناية حيث شبه العهد بالجبل بجامع أن كلا يفيد الربط، واستعير لفظ المشبه به للمشبه، ثم حذف لفظ المشبه ورمز إليه بشيء من لوازمه، وهو النقض, على سبيل الاستعارة المكنية الأصلية، وإثبات النقض للعهد استعارة تخييلية وهي قرينة المكنية، وفي البنان مجاز مرسل علاقته الجزئية؛ لأن التي تخضب هي الكف كلها، وفي يمين مجاز مرسل علاقته السببية إذ المراد وفاء باليمين وإنفاذ لما حلفت عليه، وفي مخضوب البنان كناية عن موصوف وهي المرأة من نوع الإيماء والإشارة، والشطر الثاني كله استعارة تمثيلية؛ لأنه جار مجرى المثل.

مزايا دراسة البيان في صوغ مختلف الأساليب

مزايا دراسة البيان في صوغ مختلف الأساليب: رأيت فيما سلف ألوانا مختلفة من التعبير وضروبا متنوعة من البيان, يستطيع المتكلم أن يجعلها قبلة أنظاره إذا أراد صياغة المعاني في القوالب التي يراها أليق بغرضه وأبلغ لمقصده، ويحوك بها ما شاء أن يحوكه من شريف المعاني التي تجيش بخاطره وتعلق بصدره, فإذا طرق باب المديح وأراد وصف ممدوحه بالكرم والجود أمكن أن ينحو نحو مسلم بن الوليد حين يمدح زيد بن مسلم الحنفي من وائل فقال: ولو أن في كبد السماء فضيلة ... لسما لها زيد الجواد فنالا يا زيد آل يزيد ذكرك سؤدد ... باق وقربك يطرد الإمحالا نفحات كفك يا ذؤابة وائل ... تركت عليك الراغبين عيالا فيؤدي المعنى على حقيقته دون مبالغة ولا إغراق، أو حين يمدح جعفر بن يحيى البرمكي فيقول: تداعت خطوب الدهر عن جابر جعفر ... وأمسك أنفاس الرغائب سائله هو البحر يغشى سرة الأرض سيبه ... وتدرك أطارف البلاد سواحله فلو لم يكن في كفه غير روحه ... لجاد بها فليتق الله سائله فهو قد شبهه بالبحر اللجي، يعم فيضه الآفاق، وتدرك سواحله أطراف البلاد, أو نحو أبي نواس وهو يمدح الخطيب: أنت الخطيب وهذه مصر ... فتدفقا فكلاكما بحر ويحق لي إذا صرت بينكما ... ألا يحل بساحتي فقر فجعله كالبحر المتدفق الذي إذا حل ببلدة عمها الخصب وفارقها الجدب، أو نحو قول البحتري يمدح يوسف بن محمد: أدراهم الأولى بداره جلجل ... سقاك الحيا روحاته وبواكره وجاءك يحكي يوسف بن محمد ... فروتك رباه وجادك ماطره إذ لم يشأ إلا أن يجعل الغيث يشبهه في فيضه، وبالغ في التشبيه، وافتن في الأسلوب، وعكس ما ألفه الناس من تشبيه الجواد بالغيث والبحر، ثم انظر إلى قول الآخر: إذ ما رأيت رأيت البحر يبسط كفه ... فلا تخش إقلالا من الدهر أو عدما فقد لجأ في وصف ممدوحه بالكرم إلى الاستعارة المصرحة وهي كما تعلم أبلغ من التشبيه وأعلى كعبا, لما فيها من دعوى الاتحاد بين المشبه والمشبه به، وقول أبي العتاهية: للجود باب في الأنام ولم تزل ... يمناك مفتاحا لذاك الباب فقد جعل للجود بابا مفتاحه في يد الممدوح اليمنى على سبيل الاستعارة المكنية وقول المتنبي في مدح كافور:

قواصد كافور توارك غيره ... ومن قصد البحر استقل السواقيا فصور لك ما يلقاه قاصدو ممدوحه من الغنى والثروة، وأن من لا يبغي سواه، كما أن من قصد البحر تأبى همته أن ينظر إلى الجداول والغدران. وهذه استعارة تمثيلية لها أثرها من البهجة والجمال الذي تحس به وتتذوقه، وقول أبي نواس في الفضل بن الربيع: وكلت بالدهر عينا غير غافلة ... من جود كفك تأسو كل ما جرحا فأضاف الجود إلى الكف، والجود ينسب عادة إلى الممدوح من قبيل إضافة ما للكل إلى الجزء على سبيل المجاز المرسل، وقول مسلم: تظلم المال والأعداء في يده ... لا زال للمال والأعداء ظلاما إذ كنى عن كثرة عطاياه وقتاله للأعداء وإفنائه إياهم بالتظلم من يده. وللكناية أثرها البعيد في تثبيت المعنى في النفس وحسن تصويرها، فهي تهش له وترتاح. فها أنت ذا قد رأيت في وصف الجود ضروبا وألوانا مختلفة من التعبير وفنونا شتى من القول، وهكذا ينفسح مجال الكلام أمام البليغ، وتتشعب طرقه في أي معنى من المعاني التي يقصد القول فيها، ولكن بعضها كما رأيت أبلغ من بعض بالنظر إلى مقتضيات الأحوال، فما يصلح لمقام لا يصلح مثله لآخر، وهذا هو سر البلاغة، فقد يكون المقام داعيا إلى التشبيه لا الاستعارة، وقد يكون الأنسب العكس، فقد يكون المقام يدعو إلى الكناية. فتلك الصور المختلفة والأساليب المتنوعة هي موضوع علم البيان الذي درست مسائله، فإذا أنت جعلتها رائدك في صوغ المعاني، هدتك الصراط المستقيم، وبلغت بك الغاية التي تسعى إليها. ولكن دراسة العلم وحدها، والوقوف على شواهد يسيرة من كلام الفصحاء والبلغاء لا يبلغان بك إلى المقصد، كما درست قواعد الحساب مثلا وحللت مسائل قليلة لكل قاعدة، فإن هذا لا يكسبك الملكة التي بها تستطيع أن تحل كثيرا من المسائل، بل لا بد للملكة من التمرين وممارسة حل كثير من المسائل المختلفة، حتى تتكون لديك.

فبلاغة القول ورشاقة التعبير ورصانته وإصابة المرمى من نفس السامع تحتاج إلى إدمان القراءة في كتب الأدب، والوقوف على متنوع الأساليب، من أقوال الكتاب والشعراء والخطباء، وحفظ ما يمكنك حفظه من منثورهم ومنظومهم. ولا نرى كاتبا بليغا ولا شاعرا مجيدا إلى جال في مختلف الأساليب الشعرية والنثرية جولة صادقة، وروى عن عذبها، وغاص في بحارها، واستخرج من دررها. فعليك أيها القارئ من الإكثار من القراءة فيما خلفه لنا العرب من تراث أدبي من النظيم والنثير في مختلف العصور، فإنك إن فعلت ذلك ظفرت بملكة مواتية وحظ من الأدب عظيم.

علم البديع

علم البديع مدخل ... علم البديع: البديع لغة: الجديد المخترع لا على مثال سابق ولا احتذاء متقدم، تقول: بدع الشيء وأبدعه، فهو مبدع، وفي التنزيل: {قُلْ مَا كُنْتُ بِدْعًا مِنَ الرُّسُلِ} 1. واصطلاحا: علم تعرف به الوجوه والمزايا التي تكسب الكلام حسنا وقبولا بعد رعاية المطابقة لمتقضى الحال التي يورد فيها ووضوح الدلالة على ما عرفت في العلمين السالفين2. "واضعه" أول من دون قواعده ووضع أصوله عبد الله بن المعتز العباسي المتوفى سنة 274هـ، فقد استقصى ما في الشعر من المحسنات وألف كتابا ترجمه باسم "البديع" ذكر فيه سبعة عشر نوعا وقال: "ما جمع قبلي فنون البديع أحد ولا سبقني إلى تأليفه مؤلف ومن رأى إضافة شيء من المحاسن إليه فله اختياره". ثم ألف معاصره جعفر بن قدامة كتابا سماه "نقد قدامة" ذكر فيه ثلاثة عشر نوعا زيادة على ما أملاه ابن المعتز. ثم جاءت التآليف تترى، فألف فيه أبو هلال العسكري وجمع سبعة وثلاثين نوعا، ثم ابن رشيق القيرواني فجمع مثلها في كتاب "العمدة" ثم جاء شرف الدين النيفاشي فبلغ بها السبعين. ثم ألفت البديعيات فألف زكي الدين بن أبي الأصبع بديعيته، وأوصل الأنواع إلى التسعين، ثم جاء بعده صفي الدين الحلي فأوصلها إلى مائة وأربعين، ونظم قصيدة ميمية في مديح النبي عليه السلام، وذكر اسم كل نوع في بيت.

_ 1 سورة الأحقاف الآية: 9. 2 أي: فالمستفاد من علم البديع الحسن العرض، والمستفاد من العلمين السالفين الحسن الذاتي.

ومن بعده جاء عز الدين الموصلي فذكر مثل ما ذكره سالفه، مع زيادة يسيرة من ابتكاره، وهكذا ارتفعت التآليف صعدا وريدت الأنواع وكبرت البديعات في هذ العلم كبديعة ابن حجة الحموي, وقد شرحها في كتاب سماه "خزانة الأدب" وبديعة عبد الغني النابلسي، وقد جاوز بها المائة والستين نوعا. أقسام المحسنات: تنقسم المحسنات إلى قسمين: 1- محسنات معنوية، وهي التي يكون التحسين بها راجعا إلى المعنى أولا وبالذات، وإن كان بعضها قد يفيد تحسين1 اللفظ أيضا كالطباق بين يسر ويعلن في قوله تعالى: {يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ} 2، وعلامتها أنه لو غير اللفظ بما يرادفه فقيل مثله: يعلم ما يخفون وما يظهرون، لم يتغير المحسن المذكور. 2- محسنات لفظية، وهي التي يكون التحسين بها راجعا إلى اللفظ أصالة وإن حسنت المعنى أحيانا تبعا كالجناس في قوله تعالى: {وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ مَا لَبِثُوا غَيْرَ سَاعَةٍ} 3، فالساعة الأولى يوم القيامة والساعة الثانية واحدة الساعات الزمنية، وعلامتها أنه لو غير اللفظ الثاني إلى ما يرادفه زال ذلك المحسن، فلو قيل: ويوم تقوم الساعة يقسم المجرمون ما لبثوا إلا قليلا لضاع ذلك الحسن.

_ 1 كما سيأتي في العكس في قولهم عادات السادات سادات العادات فإن في اللفظ شبه الجناس اللفظي لاختلاف المعنى، ففيه التحسين اللفظي والغرض الأصلي الإخبار بعكس الإضافة مع وجود الصحة. 2 سورة البقرة الآية: 77. 3 سورة الروم الآية: 55.

المحسنات المعنوية: المحسنات المعنوية كثيرة، لكنا رأينا ألا نذكر منها إلا ما اشتهر أمره، وأهم الناثر والشاعر علمه: الطباق - المطابقة - التكافؤ - التضاد هو لغة الجمع بين الشيئين، واصطلاحا الجمع بين معنيين متقابلين، سواء أكان ذلك التقابل تقابل التضاد أو الإيجاب والسلب أو العدم والملكة أو التضايف، أو ما شابه ذلك، وسواء كان ذلك المعنى حقيقيا أو مجازيا1. وهي تنقسم أولا إلى: أ- مطابقة بلفظين من نوع واحد، سواء أكانا اسمين، نحو: {وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقَاظًا وَهُمْ رُقُودٌ} 2 أم فعلين نحو: {تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ} 3، وقوله عليه السلام للأنصار: "إنكم لتكثرون عند الفزع وتلقون عند الطمع"، أم حرفين نحو: {لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ} 4، وقول القائل: ربكنا في الهوى خطرا فإما ... لنا ما قد ركبنا أو علينا ب- مطابقة بلفظين من نوعين نحو: {وَأُحْيِي الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللَّهِ} ، وقوله: قد كان يدعى لابس الصبر حازما ... فأصبح يدعى حازما حين يجزع والتقابل إما ظاهر كما سبق وإما خفي نحو: أشداء على الكفار رحماء بينهم فإن الرحمة تستلزم اللين المقابل للشدة، وقول أبي تمام: ما الوحش إلا أن هاتا أو إنس ... قنى الخط إلا أن تلك ذوابل لما في هاتان من القرب وتلك من البعد. ثانيا إلى: أ- طباق الإيجاب كما سلف لك من الأمثلة. ب- طباق السلب، وهو أن يجمع بين فعلي مصدر واحد مثبت ومنفي،

_ 1 مثله {أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ} . 2 سورة الكهف الآية: 18. 3 سورة آل عمران الآية: 26. 4 لأن في اللام معنى المنفعة وفي على معنى المضرة؛ لأن اللام تشعر بالملكية المؤذنة بالانتفاع, وعلى تشعر بالعلو الدال على التحمل المؤذن بالتضرر "سورة البقرة".

أو أمر ونهي، كقوله تعالى: {وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ، يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} 1، وقوله تعالى: {فَلَا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ} 2. ومن الطباق ما سماه بعضهم التدبيج من دبج الأرض زينها، واصطلاحا أن يذكر في معنى كالمدح وغيره ألوان لقصد الكناية أو التورية. فتدبيج الكناية كقول أبي تمام يرثي أبا نهشل محمد بن حميد: تردى ثياب الموت حمرا فما أتى ... لها الليل إلا وهي من سندس خضر فقد كنى عن القتل بلبس الثياب الحمر وعن دخول الجنة بخضر السندس, إذ هو من شعار أهلها، وجمع بين الحمرة والخضرة على سبيل الطباق. وتدبيج التورية كقول الحريري: فمذ ازور المحبوب الأصفر واغبر العيش الأخضر، اسود يومي الأبيض وابيض فودي الأسود، حتى رثى لي العدو الأزرق فيا حبذا الموت الأحمر، فالمعنى القريب للمحبوب الأصفر إنسان ذو صفرة، والبعيد الذهب, وهو المراد هنا، فيكون تورية، وأما بقية العبارة فكناية3 ويلحق بالطباق شيئان أحدهما ما يسمى: إيهام التضاد، وهو الجمع بين معنيين غير متقابلين، معبرا عنهما بلفظين متقابلين، كقول دعبل الخزاعي: لا تعجبي يا سلم من رجل ... ضحك المشيب برأسه فبكى فإن ضحك بمعنى ظهر، وبكى بمعناه الحقيقي. وثانيهما: الجمع بين معنيين يتعلق أحدهما بما يقابل الآخر نوع تعلق كالسببية واللزوم، كقوله تعالى: {وَمِنْ رَحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ} 4 فإن ابتغاء الفضل يستلزم الحركة المضادة للسكون5.

_ 1 سورة الكهف الآية: 22. 2 سورة المائدة الآية: 44. 3 اخضرار العيش كناية عن طيبه ونعومته، والاغبرار عن ضيقه، والفودان شعر جانبي الرأس مما يلي الأذنين. 4 سورة القصص الآية: 73. 5 وإنما عدل عن الحركة إلى ابتغاء الفضل من قبل أن الحركة ضربان: حركة لمصلحة وحركة لمفسدة، والمراد الأولى لا الثانية.

المقابلة: ومن الطباق نوع يخص باسم المقابلة، وهي أن يؤتى بمعيين متوافقين أو أكثر ثم يؤتى بما يقابل ذلك على سبيل الترتيب. فمقابلة اثنين باثنين كقوله عليه السلام لأم المؤمنين عائشة: "عليك بالرفق يا عائشة فإنه ما كان في شيء إلا زانه، ولا نزع من شيء إلا شانه". وقول النابغة الجعدي: فتى تم فيه ما يسر صديقه ... على أن فيه ما يسوء الأعاديا ومقابلة ثلاثة بثلاثة كقوله تعالى: {وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ} 1. وقول المتنبي: فلا الجود يفني المال والجد مقبل ... ولا البخل يبقي المال والجد مدبر ومقابلة أربعة بأربعة، نحو: {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى، وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى، فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى، وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى، وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى، فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى} 2 وتتضح لك مقابلة اتقى باستغنى إذا علمت أن المراد بالاستغناء الزهد فيما عند الله كأنه استغنى نه، فلم يتق، أو استغنى بشهوات الدنيا عن نعيم الجنة، فلم يتق. ومقابلة خمسة بخمسة3 كقول أبي الطيب: أزورهم وسواد الليل يشفع لي ... وأنثني وبياض الصبح يغري بي ومقابلة ستة بستة كقول الآخر4: على رأس عبد تاج عز يزينه ... وفي رجل حر قيد ذل يشينه

_ 1 سورة الأعراف الآية: 157. 2 سورة الليل الآيات: 5 و6 و7. 3 كذا ذكر الواحدي في شرحه لديوان أبي الطيب، قال في الإيضاح: وفيه نظر لأن لي وبي صلتان ليشفع ويغري، فهما من تمامهما بخلاف اللام وعلى في قوله تعالى: {لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ} . 4 نسبه بعض الحواشي لعنترة.

مراعاة النظير - التناسب - الائتلاف هي أن يجمع في الكلام بين أمرين، أو أمور متناسبة، لا بالتضاد، وبالقيد الأخير يخرج الطباق. فالجمع بين أمرين كقوله تعالى: {الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ} 1. وبين ثلاثة كقول البحتري يصف إبلا بالإنضاء والهزال: "كالقسي المعطفات بل الأسهم مبرية بل الأوتار". فقد اختار تشبيهها بالقسي دون العراجين والأطناب2 مثلا من أجل أنه أراد تشبيهها بالأسهم والأوتار، فيحصل بذكرها معها ملاءمة لا تحصل بدونها. وبين أربعة كقول بعضهم للوزير المهلبي: أنت أيها الوزير إسماعيلي الوعد، شعبي التوفير، يوسفي العفو، محمدي الخلق. وبين أكثر من أربعة كقول ابن رشيق: أصح وأقوى ما سمعناه في الندى ... من الخبر المأثور منذ قديم أحاديث ترويها السيول عن الحيا ... عن البحر عن جود الأمير تميم فقد لائم بين الصحة والقوة والسماع والخبر والأحاديث والرواية، ثم بين السيل والحيا، أي: المطر والبحر، وكف تميم، وبذا صار الكلام ملتئم النسج، محكم التأليف والحوك، مع ما أدخله في البيت الثاني من حسن الصنعة، إذ أتى بصحة الترتيب في العنعنة، إذ جعل الرواية لصاغر عن كابر، كما يقع في سند الأحاديث، ألا ترى أن السيول أصلها المطر، وهو أصله البحر، وهو أصله كف الممدوح على حسب ما ادعاه مبالغة في المدح. تشابه الأطراف: من مراعاة النظير ما يسمى: تشابه الأطراف: وهو أن يختم الكلام بما يناسب أوله في المعنى كقوله تعالى: {لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} 3.

_ 1 سورة الرحمن الآية: 5. 2 العراجين جمع عرجون، الكياسة والإطناب جمع طنب حبل الخيمة ونحوها. 3 سورة الأنعام الآية: 103.

فإن اللطف يناسب ما لا يدرك بالبصر، والخبرة تناسب من يدرك شيئا؛ لأن الخبير من له علم بالخفيات، ومن جملة الخفيات بل الظواهر الإبصار فيدركها. ويلحق بها ما يسمى إيهام التناسب، وهو الجمع بين معنيين غير متناسبين بلفظ يكون لهما معنيان متناسبان، وإن لم يكونا مقصودين هنا، كقوله تعالى: {الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ، وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدَانِ} 1، فالنجم هنا النبات الذي لا ساق له كالبقول وهو إن لم يكن مناسبا للشمس والقمر يوهم نجم السماء وهو مناسب لهما. الإرصاد, التسهيم: الإرصاد لغة نصب الرقيب في الطريق والتسهيم جعل البرد ذا خطوط كأنها فيه سهام, واصطلاحا أن يجعل قبل آخر الفقرة أو البيت ما يفهمهما عند معرفة الروي، كقوله تعالى: {ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِمَا كَفَرُوا وَهَلْ نُجَازِي إِلَّا الْكَفُورَ} 2، وقول البحتري: أحلت دمي غير جرم وحرمت ... بلا سبب يوم اللقاء كلامي فليس الذي حللته بمحلل ... وليس الذي حرمته بحرام فالسامع إذا وقف على قوله تعالى: {وَهَلْ نُجَازِي} ، بعد الإحاطة، بما تقدم علم أنه ليس "إلا الكفور"، والحاذق بمعاني الشعر وتأليفه يعلم بعد أن عرف البيت الأول وصدر الثاني في بيتي البحتري أن ليس عجزه إلا ما قاله. المشاكلة: هي لغة المماثلة واصطلاحا ذكر الشيء بلفظ غيره لوقوعه في صحبته تحقيقا أو تقديرا، فالأول كقوله عز وعلا: {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا} 3، إذ الجزاء على السيئة ليس بسيئة في الحقيقة لكنه سمي سيئة للمشاكلة اللفظية، وقوله عليه السلام: "إن الله لا يمل حتى تملوا" 4، فقد وضع: لا يمل، موضع: لا يقطع عنكم ثوابه.

_ 1 سورة الرحمن الآيتان: 6 و7. 2 سورة سبأ الآية: 17. 3 سورة الشورى الآية: 40. 4 المعنى إن الله لا يقطع عنكم نعمه وفضله حتى تملوا عن مسألته.

وقول أبي الرقعمق، وقد تظرف ما شاء: قالوا اقترح شيئا تجد لك طبخه ... قلت اطبخوا لي جبة وقميصا فقد عبر عن خياطة الجبة بالطبخ لوقوعه في صحبة طبخ الطعام. والثاني كقوله تعالى: {صِبْغَةَ اللَّهِ} 1، وهو مصدر مؤكد لآمنا بالله، والمعنى تطهير الله؛ لأن الإيمان يطهر النفوس. وأصل ذلك أن النصارى كانوا يغمسون أولادهم في ماء أصفر يسمونه المعمودية, ويقولون إنه تطهير لهم، فعبر عن الإيمان بالله بصبغة الله للمشاكلة بهذه القرينة الحالية2. المزاوجة: هي لغة مصدر زواج بين الشيئين قرن بينهما، واصطلاحا أن يجمع بين الشرط والجزاء في ترتب لازم من اللوازم عليهما معا نحو: إذا ما بدت فازداد منهما جمالها ... نظرت لها فازداد مني غرامها فقد زاوج بين معنيين هما بدوها وظهورها ونظره لها في الشرط والجزاء في أن رتب عليهما لزوم شيء، وهو ازدياد الجمال وازدياد الغرام. ونحوه قول البحتري: إذا ما نهى الناهي فلج بي الهوى ... أصاخ إلى الواشي فلج به الهجر فقد جمع بين الشرط والجزاء في لزوم شيء وهو لجاج الهوى ولجاج الهجر، ولا يخفى ما في ترتب لجاج الهوى على النهي من المبالغة في الحب لاقتضائه أن ذكرها ولو على وجه العتب يزيد حبها ويثيره كما قال: أجد الملامة في هواك لذيذة ... حبا لذكرك فليلمني اللوم

_ 1 سورة البقرة الآية: 138. 2 فإن الصبغ ليس بمذكور في كلام الله، ولا في كلام النصارى لكن لما كان غمسهم أولادهم في الماء الأصفر يستحق أن يسمى صبغا, وإن لم يتكلموا بذلك حين الغمس, وكانت الآية نازلة في سياق ذلك الفعل كأن لفظ الصبغ مذكور، إذ إن المسلمين أمروا أن يقولوا: صبغنا الله تعالى بالإيمان صبغة ولم نصبغ صبغتكم.

وما في ترتب لزوم الهجران علي وشي الواشي من المبالغة في كون حبه على شفا جرف، إذ يزيله مطلق الوشاية، فكيف يكون لو سمع أو رأى عيبا، كما قال الآخر: ولا خير في ود ضعيف تزيله ... هواتف وهم كلما عرضت جفا العكس, التبديل: هو أن تقدم في الكلام جزءا، ثم تعكس فتقدم ما أخرت وتؤخر ما قدمت وهو على وجوه، منها: 1- أن يقع بين أحد طرفي جملة وما أضيف إليه ذلك الطرف نحو قولهم: عادات السادات سادات العادات1، فالعادات أحد طرفي الكلام، والسادات مضاف إلى ذلك الطرف، وقد وقع العكس بينهما بأن قدم أولا العادات على السادات ثم السادات على العادات. ونحو قوله بعضهم لآخر: لم لا تفهم ما يقال؟ فأجاب: لأنك لم تقل ما يفهم. وقول متصدق: لا سرف في الخير، ردا على من اتهمه بالتبذير، وقال له: لا خير في السرف. وقول المتنبي: أرى كل ذي ملك إليك مصيره ... كأنك بحر والملوك جداول إذا أمطرت منهم ومنك سحابة ... فوابلهم طل وطلك وابل 2- أن يقع بين متعلقي فعلين في جملتين نحو: يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي. وقول الحماسي: رمى الحدثان نسوة آل حرب ... بأمر قد سمدن له سمودا2 فرد شعورهن السود بيضا ... ورد وجوههن البيض سودا

_ 1 أي: إن العادة التي تصدر من سيد الناس هي العادة الحسنى التي تستحق أن تسمى سيدة العادات. 2 الحدثان نوائب الدهر ومصائبه، وسمد لها: غفل.

3- أن يقع بين لفظين في طرفي جملتين نحو: ما عليك من حسابهم من شيء يوما من حسابك عليهم من شيء، وقول الحسن البصري: إن من خوفك حتى تلقى الأمن خير ممن آمنك حتى تلقى الخوف، وقول المتنبي: فلا مجد في الدنيا لمن قل ماله ... ولا مال في الدنيا لمن قل مجده الرجوع: هو رجوع المتكلم إلى الكلام السابق بنقضه وإبطاله لنكتة كالتحسر والتحزن في قول زهير: قف بالديار التي لم يعفها القدم ... بل وغيرها الأرواح والديم فإنه حين وقف على الديار دهش1 وذهل، فأخبر بما هو غير حاصل فقال: لم يعفها القدم ثم ثاب إليه لرشده فتدارك كلامه وقال: يلي وغيرها الأرواح والديم. ونحو قول الحماسي: أليس قليلا نظرة إن نظرتها ... إليك وكلا ليس منك قليل التورية2 - الإيهام - التخيير: هي لغة مصدر ورى الخبر إذا ستره وأظهر غيره، واصطلاحا أن يذكر المتكلم لفظا له معنيان، أحدهما قريب ودلالة اللفظ عليه ظاهرة والآخر بعيد، ودلالة اللفظ عليه خفية ويريد المعنى البعيد، ويوري عنه بالمعنى القريب فيتوهم السامع لأول وهلة أنه يريده، وهو ليس بمراد، ومن ثم سميت إيهاما، كقول لصلاح الصفدي: وصاحب لما أتاه الغنى ... تاه ونفس المرء طماحه وقيل هل أبصرت منه يدا ... تشكرها قلت ولا راحه فللراحة معنيان: قريب، وهو الكف، وهو المتبادر بقرينة ذكر اليد، وبعيد مراد وهو ضد التعب.

_ 1 أي: فظن الشيء واقعا وليس هو كذلك ثم عاد إلى إبطاله بعد أن أفاق فأخبر بالحقيقة مع التأسف على فوات ما رغب فيه والتحسر على ما رأى. 2 الفرق بينهما وبين المجاز والكناية أنه لا يعتبر بين معنى التورية لزوم وانتقال من أحدهما إلى الآخر ولا علاقة بينهما كذلك بخلافهما.

ونحوه قول الآخر: أيها المعرض عنا ... حسبك الله تعالى وقول الباخرزي صاحب دمية القصر: يا خالق حملت الورى ... لما طغى الماء على جاريه وعبدك الآن طفى ماؤه ... في الصلب فاحمله على جاريه وهي ثلاثة أضرب: 1- مجردة، وهي التي لم يذكر فيها لازم من لوازم المعنى القريب، نحو قوله تعالى: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} 1، للاستواء معنيان: أحدهما الاستقرار في المكان وهو المعنى القريب المورى به الذي هو غير مقصود؛ لأن الحق تعالى منزه عن ذلك, والثاني: الاستيلاء والملك، وهو المعنى البعيد المقصود الذي ورى عنه بالقريب المذكور. وقول أبي بكر، وقد سئل عن النبي عليه السلام حين الهجرة، فقيل له: من هذا؟ فقال: "هاد يهديني"، أراد أبو بكر: هاديا يهديني إلى الإسلام، لكنه ورى عنه بهادي الطريق، وهو الدليل في السفر. 2- مرشحة، وهي التي يذكر فيها لازم المورى به، وهو المعنى القريب، وهي قسمان: أ- قسم يذكر فيه الترشيح قبلها كقوله تعالى: {وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا} 2 بأيد، فاليد هنا القدرة، وهي المعنى البعيد، وقد قرنت بالبناء الذي يناسب المعنى القريب، وهو الجارحة، ونحو قوله: حملناهم طرا على الدهم بعدما ... خلعنا عليهم بالطعان ملابسا فالمعنى القريب للدهم الخيول السود، وهو ليس بمراد، والمعنى البعيد القيود من الحديد وهو المراد، ورشح التورية بذكر حملناهم المناسب للمعنى القريب. ب- قسم يذكر بعدها: كقوله:

_ 1 قال الزمخشري: ولا ترى بابا في البيان أدق وألطف من هذا الباب ولا أعون على تعاطي تأويل المشبهات من كلام الله وكلام رسوله وكلام صحابته رضي الله عنهم أجمعين "سورة طه". 2 سورة الذاريات الآية: 47.

فالنجم يطلق على ما لا ساق له من النبات وعلى الكواكب وقد أعاد إليه الضمير الأول في فوقه بمعناه الأول، وفي تحته بمعناه الثاني. ونحوه قول البحتري: فسقى الغضا والساكنيه وإن همو ... شبوه بين جوانح وقلوب1 فقد أراد بضمير الغضا في قوله: والساكنيه المكان، وفي قوله: شبوه، أي: أوقدوه الشجر. اللف والنشر: هو ذكر متعدد مفصل أو مجمل، ثم ذكر ما لكل من آحاده بلا تعيين، اتكالا على أن السامع يرد إلى كل ما يليق به لوضوح الحال2. فالمفصل قسمان: 1- إما مرتب، كقوله تعالى: ومن رحمته جعل لكم الليل والنهار لتسكنوا فيه ولتبتغوا من فضله، فقد جمع بين الليل والنهار بواو العطف، ثم أضيف إلى كل ما يليق به، فأضيف السكون إلى الليل؛ لأن فيه النوم والراحة، وابتغاء الرزق إلى النهار لما فيه من الكد والعمل. قول ابن حَيْوس: فهل المدام ولونها ومذاقها ... في مقلتيه ووجنتيه وريقه 2- وإما بعكس ترتيب اللقب، كقول ابن حيوس أيضا: كيف أسلو وأنت حقف وغصن ... وغزال لحظا وقدا وردفا فاللحظ للغزال والقد للغصن والردف للحقف وهو الرمل المتراكم. والمجمل، كقوله تعالى: {وَقَالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَى} 3.

_ 1 الغضا: شجر شديد الاشتعال، يريد الدعاء له ويطلب لأحبابه النازلين به السقيا، وإن أحرقوا قلبه بنار الجوى. 2 أما لقرينة لفظية أو معنوية فالأولى كما تقول رأيت شخصين ضاحكا وعابسة، فتأنيث عابسة دل على أن الشخص العابس هي المرأة والضاحك هو الرجل والثانية كما تقول: لقيت الصاحب والعدو فأكرمت وأهنت. 3 سورة البقرة الآية: 111.

فضمير قالوا لليهود والنصارى على سبيل اللف1، ثم أضيف ما لكل إليه بعد، إذ التقدير وقالت اليهود لن يدخل الجنة إلا من كان هودا، وقالت النصارى لن يدخل الجنة إلا من كان نصرانيا. ونحوه قوله عليه السلام: "فإن المرء بين يومين يوم قد مضى أحصى فيه عمله فحتم عليه، ويوم قد بقي لا يدري لعله لا يصل إليه". الجمع: هو أن يجمع بين شيئين مختلفين، أو أكثر، في حكم واحد، كقوله تعالى: {إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ} 2. وقول أبي العتاهية: إن الشباب والفراغ والجدة ... مفسدة للمرء أي مفسدة3 وقول ابن الرومي: آراؤكم ووجوهكم وسيوفكم ... في الحادثات إذا دجون نجوم التفريق: هو أن يعمد المتكلم إلى نوعين مندرجين تحت جنس واحد فيوقع بينهما تباينا في المدح أو الذم أو غيرهما كقول الوطواط في المدح: ما نوال الغمام وقت ربيع ... كنوال الأمير يوم سخاء فنوال الأمير بدرة عين ... ونوال الغمام قطرة ماء4 وقول صفي الدين الحلي: فجود كفيه لم تقلع سحائبه ... عن العباد وجود السحب لم يدم5

_ 1 لف بين قولي الفريقين، فلم يبين مقول كل فريق، ثقة بأن السامع يرد إلى كل فريق قوله لما علم من تعادي الفريقين. 2 سورة المائدة الآية: 9. 3 الجدة الاستغناء، يقال: وجد في المال وجدا بتثليث الواو وجدة أيضا. 4 البدرة: كيس فيه عشرة آلاف درهم. 5 أقلعت السحابة: ذهبت.

التقسيم: هو ذكر متعدد ثم إضافة ما لكل إليه على التعيين، وبقيد التعيين يخرج اللف فإنه لا تعيين فيه، بل الأمر موكول إلى السامع، وذلك كقوله تعالى: {كَذَّبَتْ ثَمُودُ وَعَادٌ بِالْقَارِعَةِ، فَأَمَّا ثَمُودُ فَأُهْلِكُوا بِالطَّاغِيَةِ، وَأَمَّا عَادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ} 1. وقول أبي تمام: فما إلا الوحي أو حد مرهف ... تميل ظباه أخدعي كل مائل فهذا دواء الداء من كل عالم ... وهذا دواء الداء من كل جاهل2 وللتقسيم إطلاقان آخران: 1- ذكر أحوال الشيء مضافا إلى كل حال ما يليق بها، كقول علي كرم الله وجهه: "أحسن إلى من شئت تكن أميره، واستغن عمن شئت تكن نظيره، واحتج إلى من شئت تكن أسيره". وقول أبي الطيب: سأطلب حقي بالقنا ومشايخ ... كأنهمو من طول ما التثموا مرد ثقال إذا لاقوا خفاف إذا دعوا ... كثير إذا شدوا قليل إذا عدوا وقوله أيضا: بدت قمرا ومالت خوط بان ... وفاحت عنبرا ورنت غزالا3 2- استيفاء أقسام الشيء كقوله عليه السلام: $"هل لك يابن آدم من مالك إلا ما أكلت فأفنيت، أو لبست فأبليت، أو تصدقت فأمضيت". وقول أبي تمام: إن يعلموا الخير يخفوه وإن علموا ... شرا أذاعوا، وإن لم يعلموا كذبوا وقول نصيب: فقال فريق القوم لا وفريقهم ... نعم وفريق وايمن الله ما ندري

_ 1 سورة القارعة الآيات: 3 و4 و5. 2 الوحي الإشارة والمرهف السيف والظبا حد السيف والأخدعان عرقان في صفحتي العنق. 3 الخوط الغصن الناعم لسنته، والبان شجر سبط القوام لين، ورنا نظر.

الجمع مع التفريق: هو أن يجمع بين شيئين في معنى ويفرق بين جهتي الإدخال، كقوله تعالى: {وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنَا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنَا آيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً} 1. وقول رشيد الدين الوطواط: فوجهك كالنار في ضوئها ... وقلبي كالنار في حرها فقد شبه وجه الحبيب وقلبه هو بالنار، ثم فرق بين وجهي المشابهة بأن جعله في الوجه الضوء واللمعان وفي القلب الحرارة والاحتراق. وقول البحتري: ولما التقينا والنقا موعد لنا ... تعجب رائي البدر منا ولاقطه فمن لؤلؤ تجلوه عند ابتسامها ... ومن لؤلؤ عند الحديث تساقطه الجمع مع التقسيم: هو جمع أمور متعددة تحت حكم واحد، ثم تقسيمها أو تقسيمها ثم جمعها، فالأول كقول المتنبي يمدح سيف الدولة حين غزا خرشنة بأرض الروم ولم يفتحها: حتى أقام على أرباض خرشنة ... تشقى به الروم والصلبان والبيع للسبي ما نكحوا والقتل ما ولدوا ... والنهب ما جمعوا والنار ما زرعوا2 فقد جمع البيت الأول شقاء المقيمين بنواحي تلك البلدة بما يلحقهم من الإهانة ثم فصله في البيت الثاني. والثاني كقول حسان: قوم إذا حاربوا ضروا عدوهم ... أو حاولوا النفع في أشياعهم نفعوا سجية تلك منهم غير محدثة ... إن الخلائق فاعلم شرها البدع

_ 1 سورة الإسراء الآية: 12. 2 خرشنة بلد بديار بكر، وأرباض البلد ما حولها "الضواحي" وحتى متعلقة بما قبلها, وهو قوله: قاد المقانب أقصى شربها نهل ... مع الشكيم وأدنى سيرها سرع وبعدهما: الدهر معتذر والسيف منتظر ... وأرضهم لك مصطاف ومرتبع

قسم في البيت الأول صفات الممدوحين قسمين ضر الأعداء، ونفع الأولياء، ثم جمعها في البيت الثاني بقوله: سجية تلك، ثم أشار إلى شر الأخلاق ما كان مستحدثا مبتدعا لا ما كان غريزة وجبلة. الجمع مع التفريق والتقسيم: هذا النوع جامع للأنواع الثلاثة المتقدمة، وقد مثلوا له بقوله تعالى: {يَوْمَ يَأْتِ لَا تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلَّا بِإِذْنِهِ فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ، فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ، خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ، وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ} 1 فالجمع في قوله تعالى: {يَوْمَ يَأْتِ لَا تَكَلَّمُ نَفْسٌ} ؛ لأن النفس متعددة في المعنى إذ هي نكرة في سياق النفي تعم، والتفريق في قوله عز وجل: {فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ} ، والتقسيم في قوله عز وعلا: {فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا} , {وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا} . ومن هذا النوع أيضا قول ابن شرف القيرواني: لمختلفي الحاجات جمع ببابه ... فهذا له فن وهذا له فن فللخامل العليا وللمعدم الغنى ... وللمذنب العتبي وللخائف الأمن التجريد: هو لغة: إزالة الشيء عن غيره، واصطلاحا هو أن ينتزع من أمر ذي صفة أو أكثر، أمر آخر أو أكثر مثله فيها، لإفادة المبالغة بادعاء كمال الصفة في ذلك الأمر حتى كأنه بلغ من الاتصاف بتلك الصفة مبلغا يصح أن ينتزع منه موصوف آخر متصف بتلك الصفة، فهي فيه كأنها تفيض بمثالاتها لقوتها كما يفيض الماء عن ماء البحر. وهو أقسام: 1- ما يكون بمن التجريدية كقولهم: لي من فلان صديق حميم، بلغ فلان من الصداقة حدا صح معه أن يستخلص منه صديق آخر مثله فيها.

_ 1 سورة هود الآيتان: 107 و108.

2- ما يكون بالباء التجريدة الداخلة على المنتزع منه، نحو: لئن سألت فلانا لتسألن به البحر، فقد بالغ في اتصافه بالسماحة حتى انتزع منه بحرا فيها. 3- ما يكون بدخول باء المعية على المنتزع كقوله: وشوهاء تعدو بي إلى صارخ الوغى ... بمستلئم مثل الفنيق المرحل1 يريد أنها تعدو بي ومعي من نفسي لكمال استعدادها للحرب. 4- ما يكون بدخول "في" على المنتزع منه، نحو قوله تعالى: {لَهُمْ فِيهَا دَارُ الْخُلْدِ} 2، فإن جهنم هي دار الخلد، لكنه انتزع منها دارا أخرى وجعلها معدة في جهنم لأجل الكفار تهويلا لأمرها ومبالغة في اتصافها بالشدة. 5- ما يكون بدون توسط حرف، نحو قول قتادة بن مسلمة الحنفي: فلئن بقيت لأرحلن بغزوة ... تحوي الغنائم أو يموت كريم يعني بالكريم نفسه وقد انتزع من نفسه كريما للمبالغة في كرمه. 6- ما يكون بطريق الكناية، نحو قول الأعشى: يا خير من يركب المطي ولا ... يشرب كأسا بكف من بخلا يريد أن يشرب الكأس بكف الجواد، فقد انتزع من المخاطب وهو الممدوح جوادا يشرب هو أي: الممدوح بكفه على سبيل الكناية3؛ لأنه إذا نفي عنه الشرب بكف البخيل فقد أثبت له الشرب بكف الكريم، ومن البين أنه يشرب غالبا بكف نفسه، فهو حينئذ ذلك الكريم. 7- ما يكون بمخاطبة الإنسان نفسه فينتزع الإنسان من نفسه شخصا آخر مثله في الصفة التي سبق لها الكلام ويخاطبه كقول الأعشى: ودع هريرة إن الركب مرتحل ... وهل تطيق وداعا أيها الرجل

_ 1 وشوهاء أي: فرس قبيحة المنظر لسعة أشداقها، والمستلئم: اللابس الدرع، والفنيق: الفحل المكرم. 2 سورة فصلت الآية: 28. 3 حيث أطلق اسم الملزوم الذي هو نفي الشرب بكف البخيل على اللازم، وهو الشرب بكف الكريم يعني نفسه.

"تنبيهان" الأول: قال أبو علي الفارسي في سر تسمية هذا النوع بهذا الاسم أن العرب تعتقد أن في الإنسان معنى كامنا فيه كأنه حقيقته ومحصوله، فتخرج ذلك المعنى إلى ألفاظها مجردا عن الإنسان كأنه غيره وهو هو بعينه، كقولهم: لئن لقيت فلانا لتلقين به الأسد, ولئن سألته لتسألن منه البحر، وهو عينه الأسد والبحر إلا أن هناك شيئا منفصلا عنه أو متميزا منه. ثم قال: وعلى هذا النمط كون الإنسان يخاطب نفسه حتى كأنه يقاول غيره، كما فعل الأعشى في قوله: "ودع هريرة إن الركب مرتحل" الثاني: لهذا الضرب من الكلام فائدتان إحداهما: التمكن من إجراء الأوصاف المقصودة من مدح أو غيره؛ لأنه موجه خطابه إلى غيره فيكون أعذر وأبرأ من العهدة فيما يقول. ثانيتهما: طلب التوسع في الكلام، وذا من مزايا اللغة العربية. المبالغة, آراء العلماء فيها, أقسامها: هي ادعاء1 بلوغ وصف في الشدة أو في الضعف حدا مستحيلا أو بعيدا آراء العلماء فيها: للعلماء في المبالغة ثلاثة آراء: 1- الرفض مطلقا، وحجتهم أن خير الكلام ما خرج مخرج الحق وجاء على منهاج الصدق من غير إفراط ولا تفريط، كما قال حسان: وإنما الشعر لب المرء يعرضه ... على المجالس إن كيسا وإن حمقا فإن أشعر بيت أنت قائله ... بيت يقال إذا أنشدته صدقا 2-القبول مطلقا، وحجة أولئك أن خير الشعر أكذبه، وأفضل الكلام ما بولغ فيه. 3- التوسط بين الأمرين، فتقبل مع الحسن إذا جرت على منهج الاعتدال، وهذا رأي جمهرة العلماء، ودليل ذلك وقوعها في التنزيل على ضروب مختلفة،

_ 1 إنما يدعي ذلك خوفا من أن يظن أن ذلك الوصف غير متناه في الشدة أو الضعف، بل هو متوسط أو دون المتوسط.

وترد إذا جاءت على جهة الإغراق والغلو، ويذم مستعملها، كما درج على ذلك أبو نواس وابن هانئ الأندلسي والمتنبي وأبو العلاء، وغيرهم. "أقسامها": أقسام المبالغة ثلاثة1: تبليغ وإغراق وغلو؛ لأن المدعى للوصف من الشدة أو الضعف إما أن يكون ممكنا في نفسه أولا الثاني الغلو، والأولى إما أن يكون ممكنا في العادة أولا، الأول: التبليغ، والثاني: الإغراق: 1- فالتبليغ2 ما يكون المدعى فيه ممكنا عقلا، وعادة، كقول امرئ القيس: فعادى عداء بين ثور ونعجة ... دراكا فلم ينضح بماء فيغسل3 فقد وصف هنا الفرس بأنه أدرك ثورا وبقرة وحشيتين في مضمار واحد ولم يعرق، وذلك مما لا يمتنع عقلا ولا عادة. ونظيره قول المتنبي: وأصرع أي الوحش قفيته به ... وأنزل عنه مثله حين أركب فقد مدحه أولا بأنه يلحق كل وحش ولم يستثن شيئا، ثم عقبه بمدح أعظم ومبالغة أكثر في الشطر الثاني من أجل أنه أفاد به وفرة جريه وشدة صلابته. 2- والإغراق ما يكون المدعى فيه ممكنا عقلا لا عادة، وهذا على ضربين: أ- وهو أجلبهما إلى حسن الإصغاء أن يقترن به ما يقر به من نحو لو ولولا وكاد وكأن، وإذ ذاك يظهر حسنه ويبهر شكله، كقول امرئ القيس في وصف محبوبته: من القاصرات الطرف لو دب محول ... من النمل فوق الإتب منها لأثرا4 فقد وصفها بالرقة ونعومة الجسم، وقرب الدعوى بلفظ لو حتى جعل السامع يصغي إلى ما يقول:

_ 1 انحصارها في هذه الأقسام بالاستقراء وبالعقل. 2 التبليغ والإغراق مقبولان في صنعة البديع لعدم ظهور الكذب فيهما الموجب لردها، وكذا بعض أنواع الغلو. 3 عادى عداء والى موالاة بين الصيدين يصرع أحدهما إثر الآخر، ودراكا متتابعا، والنضح الرشح. 4 المحول ما أتى عليه الحول، والأتب ما قصر من الثياب وقميص بلا كمين.

ونحوه قول المتنبي: كفى بجسمي نحولا أنني رجل ... لولا مخاطبتي إياك لم ترني ب- أن يجيء مجردا عما ذكر، كقول عمرو بن الأيهم التغلبي: ونكرم جارنا ما دام فينا ... ونتبعه الكرامة حيث مالا فقد ادعى أنه يتبع جاره الكرامة حيث سار، وهذا ليس بجائز في شرعة العادة، وإن أجازه العقل. 3- والغلو ما يكون المدعى فيه غير ممكن لا عادة ولا عقلا، وهذا مسرح الشعراء المفلقين في مدحهم وهجوهم، وهو على قسمين: مقبول، ومردود. فالمقبول أنواع: 1- أن يقترن به ما يقر به إلى الإمكان كلفظ يكاد في قول ابن حمديس: ويكاد يخرج سرعة من ظله ... لو كان يرغب في فراق رفيق1 وأجمل منه قوله تعالى: {يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ} 2. 2- أن يتضمن نوعا حسنا من تخييل الصحة، كقول أبي الطيب: عقدت سنابكها عليها عثيرا ... لو تبتغي عنقا عليه لأمكنا3 فقد ادعى تراكم الغبار المرتفع من سنابك الخيل فوق رءوسها بحيث صار أرضا يمكن السير عليها، وهذا وإن كان غير ممكن، يخيل إلى الوهم من ادعاء كثرته وكونه كالجبال صحته، وقد اجتمع السبب الأول والثاني في قول القاضي الأرجاني يصف طول الليل: يخلي لي أن سمر الشهب في الدجى ... وشدت بأهدابي إليهن أجفاني 3- أن يخرج مخرج الخلاعة والهزل كقوله: "أسكر بالأمس إن عزمت على الشرب غدا إن ذا من العجب".

_ 1 يصف فرسا بسرعة الجري. 2 سورة النور الآية: 35. 3 السنابك: حوافر الخيل، والكثير: الغبار، والعنق: السير السريع، وضمير عليها يعود للخيل.

فلا شك أن سكره على هذه الصفة محال، لكن حسنه الهزل لمجرد سرور المجالس ومضاحكته، والمردود ما جرى من الاعتبارات المتقدمة كقول أبي نواس يمدح هارون الرشيد: وأخفت أهل الشرك حتى إنه ... لتخافك النطف التي لم تخلق وقول أبي الطيب: كأني دحوت الأرض من خبرتي بها ... كأني بنى الإسكندر السد من عزمي شبه نفسه بالخالق جل وعلا في دحوه الأرض، ثم فجأة نزل إلى الحضيض فشبه نفسه بالإسكندر. المذهب الكلامي 1: هو أن يأتي البليغ على صحة دعواه وإبطال دعوى خصمه بحجة عقلية قاطعة تصح نسبتها إلى علم الكلام. ولم يستشهد على هذا النوع بأعظم من شواهد القرآن، فمن لطيف ذلك قوله عز وعلا: {لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا} 2، إذ تمام الدليل: لكنهما لم تفسدا فليس فيهما آلهة غير الله. وقوله تعالى حكاية عن إبراهيم عليه السلام: {فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَا أُحِبُّ الْآفِلِينَ} 3 لأن تحليل القياس: القمر آفل وربي ليس بآفل فالقمر ليس بربي. وقوله عليه السلام: "لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيرا"، إذ تمام الدليل: لكنكم ضحكتم كثيرا وبكيتم قليلا فلم تعلموا ما أعلم. ويرى أن أبا دلف العجلي قصده شاعر تميمي، فقال له: ممن أنت؟ فقال: من تميم، فقال أبو دلف: تميم بطرق اللؤم أهدى من القطا ... ولو سلكت سبل الهداية ضلت فقال له التميمي: بتلك الهداية جئت إليك، فأفحمه.

_ 1 هذه التسمية تنسب للجاحظ. 2 المراد بالفساد خروجهما من النظام الذي هما عليه "سورة الأنبياء". 3 أي: بقياس حملي يفيد أن المجيء إليه ضلال، لكن القياس الشرطي أوضح دلالة في هذا الباب وأعذب في الذوق وأسهل في التركيب "سورة الأنعام".

حسن التعليل: هو أن يدعي شاعر وناثر لشيء علة مناسبة غير العلة الحقيقية على جهة الاستظراف وذلك لإيهام تحقيقه وتقريره من قبل أن الشيء معللا آكد في النفس من إثباته مجردا عن التعليل. وأقسامه أربعة: لأن الوصف إما ثابت قصد بيان علته، أو غير ثابت أريد إثباته، والثابت إما ألا يظهر له علة في العادة، أو يظهر له علة غير المذكورة، وغير الثابت إما ممكن أو غير ممكن. 1- فالأول، كقول أبي تمام: لا تنكري عطل الكريم من الغنى ... فالسيل حرب للمكان العالي فقد جل علة حرمان الكريم من الغنى هي العلة التي من أجلها حرم المكان العالي السيل، فكما أن العلو هو السبب في حرمان المكان العالي كذلك علو قدر الكريم هو المانع له من الغنى الذي هو كالسيل في حاجة الخلق إليه. ومما جاء بديعا نادرا من هذا الضرب قول أبي هلال العسكري: زعم البنفسج أنه كعذاره ... حسنا فسلوا من قفاه لسانه فخروج ورقة البنفسج إلى الخلف مما لا تظهر علته، لكنه جعلها الافتراء على المحبوب. 2- والثاني، كقول المتنبي: ما به قتل أعاديه ولكن ... يتقي إخلاف ما ترجو الذئاب جرت العادة بأن الملوك إنما يقتلون أعداءهم ليسلموا من أذاهم وضرهم، لكن أبا الطيب اخترع سببا غريبا وتخيل أن الباعث له على قتل الأعادي لم يكن إلا محبته لإجابة من يطلب الإحسان، فهو قد فتك بهم لعلمه علم اليقين بأنه إذا غدا للحرب رجت الذئاب والوحوش الضواري أن يتسع عليها رزقها1، وتنال من علوم أعدائه القتلى، فما أراد أن يخيب لها مطلبا، ومن لطيف هذا النوع قول ابن المعتز:

_ 1 يستفاد من ذلك ضمنا أنه ليس من المسرفين في القتل تشفيا وانتقاما.

قالوا اشتكت عينه فقلت لهم ... من كثرة القتل نالها الوصب حمرتها من دماء من قتلت ... والدم في النصل شاهد عجب 3- والثالث، كقول مسلم بن الوليد: يا واشيا حسنت فينا إساءته ... نجى حذارك إنساني من الغرق فإن استحسان إساءة الواشي ممكن لكنه لما كان مخالفا عليه الناس احتاج إلى تعقيبه بذكر سببه وهو حذره من الواشي، ولأجل ذلك امتنع من البكاء، فسلم إنسان عينه من الغرق في الدموع. 4- والرابع، كمعنى بيت فارسي، ترجمته: لو لم تكن نية الجوزاء خدمته ... لما رأيت عليها عقد منتطق فنية الجوزاء خدمة الممدوح صفة غير ممكنة قصد إثباتها, وجعل الدليل على ذلك شدها النطاق. ومما يلحق بحسن التعليل وليس1 منه ما بني على الشك كقول أبي تمام: ربا شفعت ريح الصبا لرياضها ... إلى المزن حتى جادها وهو هامع كأن السحاب الغر غيبن تحتها ... حبيبا فما ترقا لهن مدامع فقد علل على سبيل الشك نزول المطر من السحاب بأنها غيبت حبيبا تحت تلك الربى فهي تبكي عليه. التفريع: هو أن يثبت حكم لشيء بينه2 وبين أمر آخر نسبة وتعلق بعد أن يثبت ذلك الحكم لمنسوب آخر لذلك الأمر، فلا بد إذا من متعلقين أي: شيئين منسوبين لأمر واحد كغلام محمد وأبيه بالنسبة إلى محمد، فمحمد أمر واحد له متعلقان، أي: منسوبان له، أحدهما غلامه والآخر أبوه، ولا بد من حكم واحد يثبت لأحد المتعلقين، وهما الغلام والأب, بعد إثباته للآخر، كأن يقال: غلام محمد فرح ففرح أبوه, فالفرح حكم أثبت لمتعلقي محمد، وهما غلامه وأبوه، وإثباته للثاني

_ 1 لأن في حسن التعليل ادعاء تحقق العلة والشك ينافيه. 2 فخرج نحو قولنا: غلام محمد فرح أيضا لعدم التفريع.

على وجه يشعر بتفريعه عن الأول، وعليه قول الكميت يمدح آل البيت: أحلامكم لسقام الجهل شافية ... كما دماؤكم تشفي من الكلب فقد فرع من وصفهم بشفاء أحلامكم لسقام الجهل ووصفهم بشفاء دمائهم من داء الكلب. تأكيد المدح بما يشبه الذم: وهو على ضروب ثلاثة: 1- وهو أبلغها أن يستثني من صفة ذم منفية عن الشيء صفة مدح بتقدير دخولها فيها، وذلك هو الغاية القصوى في المدح كقول النابغة الذبياني: ولا عيب فيهم غير أن سيوفهم ... بهن فلول من قراع الكتائب1 فقد أثبت لهم شيئا من العيوب بتقدير عد فلول السيف من المعايب، وهذا محال؛ لأن ذلك دليل كمال الشجاعة وفرط الحمية، فكأنه في المعنى تعليق على المحال، كما قالوا في الأمثال: حتى يبيض الفأر، و {حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ} ، وفي هذا الأسلوب تأكيد من وجهين: أ- أنه كدعوى أقيم عليها البرهان، إذ كأنه استدل على نفي العيب عنهم بتعليق وجوده على وجود ما لا يكون وما لا يتحقق بحال. ب- أن الأصل في الاستثناء الاتصال، فإذا تلفظ المتكلم بغير أو إلا أو نحوهما دار في خلد السامع قبل النطق بما يذكر بعدها أن الآتي مستثنى من المدح السابق، وأنه يراد به إثبات شيء من الذم وهذا ذم، فإذا أتت بعدها صفة مدح تأكد المدح لكونه2 مدحا على مدح في أبهى قالب وآنق منظر. ونظيره قول ابن الرومي: وما تعتريها آفة بشرية ... من النوم إلا أنها تتخير كذلك أنفاس الرياض بسحره ... تطيب وأنفاس الرياض تغير

_ 1 الفلول جمع فل بفتح الفاء الكسر يصيب السيف في حده، والقراع المقارعة والمضاربة، والكتائب جمع كتيبة. 2 وللأشعار بأنه لم يجد صفة ذم يستثنيها فاضطر إلى استثناء صفة المدح وتحويل الاستثناء من متصل إلى منقطع.

وقوله تعالى: {لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلَا تَأْثِيمًا، إِلَّا قِيلًا سَلَامًا سَلَامًا} 1. 2- أن يثبت لشيء صفة مدح وتعقب بأداة استثناء تليها صفة مدح أخرى كقوله عليه السلام: "أنا أفصح العرب بيد أني من قريش". وقال النابغة الجعدي: فتى كملت أخلاقه غير أنه ... جواد فما يبقى من المال باقيا وهذا الضرب يفيد التأكيد من الوجه الثاني فقط، ومن ثم كان الضرب الأول أبلغ وأجمل. 2- أن يؤتى بالاستثناء المفرغ كقوله تعالى: {وَمَا تَنْقِمُ مِنَّا إِلَّا أَنْ آمَنَّا بِآيَاتِ رَبِّنَا لَمَّا جَاءَتْنَا} 2، إذ المعنى: وما تعيب منا إلا أسس المناقم ودعائم المفاخر كلها وهو الإيمان بآيات الله. ويجري الاستدراك في هذا الباب مجرى الاستثناء، كقول البديع الهمذاني: هو البدر إلا أنه البحر زاخرا ... سوى أنه الضرغام لكنه الوبل فإن قوله: إلا وسوى استثناء مثل: بيد أني من قريش، وقوله: لكنه استدرك يفيد فائدة الاستثناء إذ إلا في باب الاستثناء المنقطع بمعنى لكن. تأكيد الذم بما يشبه المدح: وهو ضربان: 1- أن يستثني من صفة مدح منفية عن الشيء صفة ذم بتقدير دخولها فيها كما تقول: فلان لا خير فيه إلا أنه يتصدق بما يسرقه3. 2- أن يثبت للشيء صفة ذم وتعقب بأداة استثناء عليها صفة ذم أخرى له كما تقول: فلان حسود إلا أنه نمام، وبيان إفادة الضربين للتوكيد على تفاوت فيهما تفهم قياسا عل ما عرفت في النوع السالف، كما أن الاستدراك كالاستثناء.

_ 1 سورة الواقعة الآية: 24. 2 سورة الأعراف الآية: 126. 3 أي: انتفت عنه صفات الخير إلا هذه الصفة إن كانت خيرا لكنها ليست خيرا، فلا خير فيه أصلا.

الاستتباع: هو المدح بشيء على وجه يستتبع المدح بشيء آخر، كقول المتنبي: نهبت من الأعمار ما لو حويته ... لهنئت الدنيا بأنك خالد فقد مدحه ببلوغه الغاية في الشجاعة إذ كثر قتلاه، بحيث لو ورث أعمارهم لخلد في الدنيا، على أسلوب استتبع مدحه بكونه سببا لصلاح الدنيا ونظامها من قبل أنه جعل الدنيا مهنأة بخلوده, ولا تهنأ إلا بما فيه صلاحها. وفي البيت وجهان آخران من المدح: أحدهما أنه نهب الأعمار دون الأموال، وثانيهما أنه لم يكن ظالما في قتل أي أحد من مقتوليه؛ لأنه لم يقصد بذا إلا صلاح الدنيا وأهلها فهم مسرورون ببقائه. الإدماج: هو لغة الإدخال، فيقال: أدمج الشيء في ثوب، إذا لفه فيه، واصطلاحا: أن يجعل المتكلم الكلام الذي سيق لمعنى من مدح أو غيره1 متضمنا معنى آخر كقول أبي الطيب: أقلب فيه أجفاني كأني ... أعد به على الدهر الذنوبا2 فقد ساق الكلام أصالة لبيان طول الليل, وأدمج في ذلك على جهة الاستتباع الشكاية من الدهر. ونحوه قول ابن المعتز في وصف نبات يسمى الخيري: فقد نقض العاشقون ما صنع الهجـ ... ـر بألوانهم على ورقة فإن الغرض وصف الخيري بصفة لكنه أدمج الغزل في الوصف. وفيه وجه ثان من الحسن وهو إيهام الجمع بين متنافيين وهما الإيجاز والإطناب، أما الأول فمن جهة الإدماج، وأما الثاني فلأن الغرض الوصف بالصفرة، واللفظ زائد عليه لفائدة.

_ 1 فهو أعم من الاستتباع لاختصاصه بالمدح. 2 ضمير فيه لليل أي: لتقليب أجفاني في الليل كأني أعد بها على الدهر ذنوبه.

التوجيه - الإيهام: هو إيراد الكلام محتملا معنيين على السواء1، كهجاء ومديح، ليبلغ القائل غرضه الذي يريده بما لا يمسك عليه. كما روي أن محمد بن حزم هنأ الحسن بن سهل بتزويج ابنته بوران للخليفة المأمون مع من هنأه فأثابهم وحرمه، فكتب إليه: إن أنت تماديت في حرماني قلت فيك شعرا لا يعرف أمدح هو أم ذم. فاستحضر وسأله، فأقر، فقال الحسن: لا أعطيك أو تفعل، فقال: بارك الله للحسن ... ولبوران في الختن2 يا إمام الهدى ظفر ... ت ولكن ببنت من فلا يدري ببنت من في العظمة وعلو الشأن أم في الدناءة والخسة. فاستحسن الحسن منه ذلك وقال له: أمن مبتكراتك هذا؟ فقال: لا، بل نقلته من شعر بشار بن برد، وكان كثير العبث بهذا النوع. ومن أحاديثه في ذلك أنه خاط قباء عند خياط يسمى زيدا3، فقال له الخياط مازحا: لأخيطنه فلا تدري أهو جبة أم قباء. فقال بشار: إذا أنظم فيك شعرا لا يعلم من سمعه أدعوت لك أم دعوت عليك، فلما خاطه له كما أخبره قبل، قال فيه بشار: خاط لي زيد قباء ... ليت عينيه سواء قل لمن يعرف هذا ... أمديح أم هجاء4 قال السكاكي: ومن هذا النوع متشابهات القرآن باعتبار أي: وهو احتمالها وجهين، وإن كانت تفارقه باعتبار آخر وهو عدم تساوي الاحتمالين؛ لأن أحد المعنيين في المتشابهات قريب والآخر بعيد كما تقدم من عد المتشابه من التورية.

_ 1 فإن كان أحدهما ظاهرا والثاني خفيا والمراد هو الخفي كان تورية. 2 الختن كل من كان قبل المرأة مثل الأب والأخ. 3 قال في "خزانة الأدب": أغلب الناس يسمون الخياط عمرا، لكن صاحب "التحبير" روى أنه زيد. 4 هذان البيتان من مجزوء الرمل.

الهزل الذي يراد به الجد 1: هو أن يقصد المتكلم مدح إنسان أو ذمه فيخرج ذلك المقصد مخرج الهزل والمجون، كقول أبي نواس: إذا ما تميمي أتاك مفاخرا ... فقل عد عن ذا كيف أكلك للضب أي: تباعد عن هذا التفاخر وخبرني كيف تأكل الضب، ولا مفاخرة مع من يأكله؛ لأن أشرف الناس تعافه، ونظيره قول ابن نباتة: سلبت محاسنك الغزال صفاته ... حتى تحير كل ظبي فيكا لك جيده ولحاظه ونفاره ... وكذا نظير قرونه لأبيكا تجاهل العارف: هو سوق المعلوم مساق غيره2، لنكتة: 1- كالتوبيخ في قول ليلى بنت طريف ترثي أخاها الوليد حين قتله يزيد بن مزيد الشيباني في عهد هارون الرشيد: أيا شجر الخابور ما لك مورقا ... كأنك لم تجزع على ابن طريف 2- وكالمبالغة في المدح في قول البحتري: ألمع برق سرى أم ضوء مصباح ... أم ابتسامتها بالمنظر الضاحي3 3- وكالمبالغة في الذم كقول زهير: وما أدري وسوف إخال أدري ... أقوم آل حصن أو نساء 4- وكالتدله في الحب كقول الحسين بن عبد الله الغريبي: بالله يا ظبيات القاع قلنا لنا ... ليلاي منكن أم ليلى من البشر 5- وكالتحقير في قوله تعالى حكاية عن الكفار:

_ 1 الفرق بينه وبين التهكم أن التهكم ظاهره جد وباطنه هزل، وهذا بعكسه، وهزليته باعتبار أصل استعماله وجديته باعتبار ما هو عليه الآن. 2 والغرض من ذلك المبالغة في إفادة المعنى المراد من ذم أو مدح أو نحو ذلك. 3 المنظر الوجه، والضاحي الظاهر.

{هَلْ نَدُلُّكُمْ عَلَى رَجُلٍ يُنَبِّئُكُمْ إِذَا مُزِّقْتُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّكُمْ لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ} 1. 6- وكالتعريض2 في قوله تعالى: {وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ} 3. 7- وكالإيناس؛ لأن المقام مقام هيبة ورهبة كقوله تعالى: {وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى} 4. القول بالموجب: هو نوعان: 1- أحدهما أن تقع صفة في كلام غيرك كناية عن شيء أثبت له حكم فتثبت أنت في كلامك تلك الصفة لغير ذلك الشيء من غير تعرض لثبوت ذلك الحكم لذلك الغير أو نفيه عنه، نحو: {يَقُولُونَ لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ} 5، فالأعز صفة وقعت في كلا المنافقين كناية عن فريقهم والأذل كناية عن المؤمنين، وقد أثبتوا لفريقهم حكما هو إخراج المؤمنين من المدينة عند رجوعهم إليها، فرد الله تعالى عليهم بإثبات صفة العزة لغيرهم من غير تعرض لثبوت حكم الإخراج أو انتفائه. 2- الأسلوب الحكيم، وقد تقدم، وهو حمل لفظ وقع في كلام غيرك على خلاف مراده مما يحتمله ذلك اللفظ بذكر متعلقه كالبيت الثالث6 من قوله: وإخوان حسبتهمو دروعا ... فكانوها ولكن للأعادي وخلتهمو سهاما صائبات ... فكانوها ولكن في فؤادي وقالوا قد صفت منا قلوب ... لقد صدقوا ولكن من ودادي

_ 1 كأنهم لم يعرفوا منه إلا أنه رجل ما "سورة سبأ". 2 وفي مجيء هذا اللفظ على الإبهام فائدة أخرى، وهي أنه يبعث المشركين على التأمل في حال أنفسهم وحال النبي والمؤمنين، حتى إذا أنعموا النظر علموا أنهم على ضلالة، فبعثهم ذلك على الإسلام. 3 سورة سبأ الآية: 24. 4 سورة طه الآية: 17. 5 سورة المنافقون الآية: 8. 6 أما البيتان قبله فليسا منه لكنهما قريبان منه.

الاطراد: هو أن يذكر اسم الممدوح واسم من يمكن أن آبائه على ترتيب الولادة ليزداد إبانة وتوضيحا على ترتيب صحيح ونسق مستقيم من غير تكلف ولا تعسف, فيكون كالماء الجاري رقة وانسجاما، كقوله: إن يقتلوك فقد ثللت عروشهم ... بعتيبة بن الحارث بن شهاب1 وقول دريد بن الصمة: قتلناك بعبد الله خير لدانة ... ذؤاب بن أسماء بن زيد بن قارب وقد روي أن عبد الملك بن مروان لما سمعه قال: لولا القافية لبلغ به آدم. ومن ذلك قول النبي عليه السلام: "الكريم ابن الكريم ابن الكريم ابن الكريم يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم". أما ذكر الأمهات والجدات فليس محمودا عند البلغاء لما فيه من إنزال قدر الممدوح، ولهذا عيب على أبي نواس قوله يمدح محمدًا الأمين: أصبحت يابن زبيدة ابنة جعفر ... أملا لعقد حباله استحكام تدريب أول: بين نوع المحسنات المعنوية فيما يلي: 1- ومولع بفخاخ يمدها وشباك ... قالت لي العين ماذا يصيد قلت كراكي 2- لئن ساءني أن نلتني بمساءة ... لقد سرني أني قد خطرت ببالكا 3- وللغزالة شيء من تلفته ... ونورها من ضيا خديه مكتسب 4- الدهر يصمت وهو أبلغ ناطق ... من موجز ندس ومن ثرثار 5- ليس به عيب سوى أنه ... لا تقع العين على شبهه 6- {وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُمْ بِالنَّهَارِ} 2. 7- رأى جسدي والدمع والقلب والحشا ... فأضنى وأفنى واستمال وتيما

_ 1 ثل العروش كناية عن ذهاب العز وتضعضع الحال. 2 سورة الأنعام الآية: 60.

8- آراؤه وعطاياه ونعمته ... وعفوه رحمة للناس كلهم 9- يا قوم كم من عاتق عانس ... ممدوحة الأوصاف في الأندية قتلتها لا أتقي وارثا ... يطلب مني قودا أو دية الإجابة: 1- في هذا البيت تورية في لفظ كراكي، إذ المعنى القريب له "جمع كركي" وهو الطائر المعروف، وهو ليس بمراد، والمعنى البعيد، والمراد من الكركي، هو النوم. 2- في هذا البيت طباق بين ساء وسر. 3- فيه استخدام ذكر لفظ الغزالة بمعنى الحيوان المعروف، وأعاد إليه الضمير بمعنى الشمس. 4- فيه طباق بين يصمت وناطق وبين موجز وثرثار. 5- فيه تأكيد المدح بما يشبه الذم من الضرب الأول. 6- في الآية تورية لذكر جرحتم إذا لها معنيان قريب من جرحه جرحا شق بعض بدنه وليس ذا بمراد، وبعيد هو المراد وهو اكتسبتم الذنوب من جرح الرجل اكتسب فهو جارح, وهي مجردة لعدم ذكر لازم المعنى القريب. 7- فيه لف ونشر مرتب إذ ذكر أربعة أشياء ثم أتى بما يقابلها على الترتيب. 8- فيه جمع إذ جمع بين أشياء وأعطاها حكما واحدا. 9- في البيتين تورية إذ من يسمع العاتق والعانس والقتل يفهم منها المعنى القريب, وهو البكر والموت لكنه أراد منها المعنى البعيد وهو الخمر والمزج بالماء. تدريب ثان: بين نوع المحسن المعنوي فيما يلي: 1- وقد أطفئوا شمس النهار وأوقدوا ... نجوم العوالي في سماء عجاج 2- فوا عجبا كيف اتفقنا فناصح ... وفي ومطوي على الغل غادر 3- كأن الثريا علقت في جبينه ... وفي خده الشعري وفي وجهه البدر

4- أبكيكما دمعا ولو أني على ... قدر الجوى أبكي بكيتكما دما 5- من مبلغ أفناء يعرب كلها ... أني بنيت الجار قبل المنزل 6- إن الليالي للأنام مناهل ... تطوي وتنشر دونها الأعمار 7- فأف لهذا الدهر لا بل لأهله 8- فهبها كشيء لم يكن أو كنازح ... به الدار أو من غيبته المقابر الإجابة: 1- فيه طباق بين أطفئوا وأوقدوا. 2- فيه مقابلة بين ناصح وفي وبين مطوي على الغل غادر إذ الغل ضد النصح والغدر ضد الوفاء. 3- فيه مراعاة النظير لجمعه أشياء متناسبة لا على جهة التضاد، وهي الثريا والشعر والبدر. 4- في أرصاد؛ لأنه جعل قبل العجز من البيت ما يدل عليه إذ عرف الروي. 5- فيه مشاكلة فقد عبر عن اختيار الجار بالبناء مشاكلة لبناء الدار. 6- فيه العكس فقد قدم في الكلام جزءا ثم أخر ما قدم في البيت الثاني. 7- فيه الرجوع فقد نقض ما قاله أولا. 8- فيه تقسيم باستيفاء أقسام الشيء؛ لأن الغائب لا يخلو من هذه الثلاثة. تدريب ثالث: 1- أن تلقني لا ترى غيري بناظره ... تنس السلاح وتعرف جبهة الأسد 2- لا خيل عندك تهديها ولا مال ... فليسعد النطق إن لم يسعد الحال 3- وهو الذي يبدأ الخلق ثم يعيده وهو أهون عليه. 4- قال الشيرازي في "شرح المفتاح" العثير الغبار ولا تفتح فيه العين. 5- أيا ظبية الوعساء بين جلاجل ... وبين النقا آأنت أم أم سالم 6- أودع رجل بعض القضاة أموالا فادعى ضياعها، فقال ابن دويدة المغربي يخاطبه:

إن قال قد ضاعت فيصدق إنها ... ضاعت ولكن منك يعني لو تعي أو قال قد وقعت فيصدق إنها ... وقعت ولكن منه أحسن موقع 7- إذا احتربت يوما ففاضت دماؤها ... تذكرت القربى ففاضت دموعها 8- فتى قسم الأيام بين سيوفه ... وبين طريفات المكارم والبلد فسود يوما بالعجاج وبالرىدى ... وبيض يوما بالفضائل والمجد الإجابة: 1- فيه تجريد جاء على طريق الكناية فقد كنى بالأسد عن نفسه. 2- فيه تجريد فقد جرد من نفسه شخصا ثم خاطبه. 3- فيه المذهب الكلامي، إذ التقدير: والإعادة أهون من البدء، والأهون أدخل في الإمكان من البدء، فالإعادة أدخل في الإمكان من البدء وهو المطلوب. 4- في قوله: ولا تفتح فيه العين تورية، فالمعنى القريب النهي عن فتح العين وهو الجارحة، وليس بمراد، والبعيد النهي عن فتح العين في اللفظ، لئلا يلزم التحريف. 5- فيه تجاهل العارف بسوق المعلوم مساق المجهول. 6- فيه القول بالموجب، إذ هو قد حمل لفظي ضاعت، ووقعت الواقعين في كلام القاضي إلى معنى آخر مراد يحتمله اللفظ. 7- فيه المزاوجة فقد زاوج بين احتربت وتذكرت الواقعتين في الشرط والجزاء ورتب على كل منهما أمرا, وهو فيضان الدماء وفيضان الدموع. 8- فيه جمع وتقسيم؛ لأنه جمع أيام الممدوح في الحرب والعطاء، ثم قسم ذلك. تمرين أول: بين نوع المحسن المعنوي فيما يلي: 1- ما مضى فات والمؤمل غيب ... ولك الساعة التي أنت فيها 2- يكاد يمسكه عرفان راحته ... ركن الحطيم إذا ما جاء يستلم 3- أسكر سكرى من المدام إذا ... مر بفكري خيال مبسمة

4- بدائع الحسن فيه مفترقة ... وأعين الناس فيه متفقة سهام ألحاظه مفوقه ... فكل من رام لحظة رشقة 5- أقيس بن مسعود بن قيس بن خالد ... وأنت امرؤ يرجو شبابك وائل 6- فارقني من أحب وأحزني ... وأحزني من حب من فارقني 7- قالوا: حبيبك محموم فقلت لهم ... أنا الذي كنت في حمائه السبب عانقته ولهيب النار في كبدي ... يوما فأثر فيه ذلك اللهب 8- أنت بدر حسنا وشمس علوا ... وحسام غزا وبحر نوالا تمرين ثان: 1- فثوبي مثل شعري مثل نحري ... بياض في بياض في بياض 2- ولا عيب فيكم غير أن ضيوفكم ... تعاب بنسيان الأحبة والوطن 3- {تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ} 1. 4- أبادهم فلبيت المال ما جمعوا ... والروح للسيف والأجساد للرخم 5- إن ترد خبر حالهم عن يقين ... فالفهم في منازل أو نزال تلق بيض الوجوه سود مثار النـ ... ـقع خضر الأكناف حمر النصال 6- فيا له من عمل صالح ... يرفعه الله إلى أسفل 7- أهدى لمجلسه الكريم وإنما ... أهدى له ما حزت من نعمائه كالبحر يمطره السحاب وما له ... فضل عليه لأنه من مائه 8- فلان لا خير فيه إلا أنه ذو وجهين تمرين ثالث: 1- يا سادة لبعدهم ... أصبحت صبا وصبا لجين دمعي كم جرى ... لطيب عيش ذهبا 2- زيادة المرء في دنيا نقصان ... وربحه غير فعل الخير خسران 3- إذا صدق الجد أفترى العم للفى ... مكارم لا تخفى وإن كذب الخال

_ 1 سورة المائدة الآية: 116.

4- وما طيب الرياض لها ولكن ... كساها دفنهم في الترب طيبا 5- ولا عيب فيهم غير أن ذوي الندى ... خساس إذا قيسوا بهم ولئام 6- بكت فقدك الدنيا قديما بدمعها ... فكان بها في سالف الدهر طوفان 7- الأرض طرس والرياض سطوره ... والزهر شكل بينهما وحروف 8- والطل في سلك الغصون كلؤلؤ ... رطب يصافحه النسيم فيسقط والطير يقرأ والغدير صحيفة ... والريح تكتب والغمام ينقط 9- قال الحطيئة: ندمت على لسان كاد مني ... فليت بأنه في جوف علم

المحسنات المعنوية

المحسنات المعنوية ... أقلعت عن رشف الطلا ... واللثم في خد الحبب وقلت هذي راحة ... تسوق للقلب التعب1 فالمعنى القريب للراحة ضد التعب وليس بمراد، والآخر بمعنى الخمر، وهو المراد، ورشحه بذكر التعب بعده. 3- مبينة، وهو ما قرنت بما يلائم المعنى البعيد، كقول ابن سناء الملك: أما والله لولا خوف سخطك ... لهان علي ما ألقى برهطك ملكت الخافقين فتهت عجبا ... وليس هما سوى قلبي وقرطك فالمعنى القريب للخافقين: المشرق والمغرب، وذا ليس بمراد، والمعنى البعيد المراد القلب، والقرط، وقد بينه الشاعر بالنص عليه. الاستخدام: هو ذكر اللفظ بمعنى وإعادة ضمير أو إشارة عليه بمعنى آخر، أو إعادة ضميرين عليه تريد بثانيهما غير ما تريد بأولهما، فالأول كقوله تعالى: {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} ، فالمراد بالشهر الهلال وبضميره الزمان المعلوم. وقول ابن معتوق الموسوي المتوفى سنة 1025هـ: تالله ما ذكر العقيق وأهله ... إلا وأجراه الغرام بمحجري إذ المراد بالعقيق الوادي الذي بظاهر المدينة ببلاد الحجاز, وبالضمير الذي يعود إليه الدم الأحمر الشبيه بالعقيق. والثاني، كقوله: رأى العقيق فأجرى ذاك ناظره ... متيم لج في الأشواق خاله فقد أراد بالعقيق أولا المكان، ثم أعاد اسم الإشارة إليه بمعنى الدم. والثالث، كقول شوقي يخاطب الإله جل وعلا: العقل أنت عقلته وسرجته ... وأحرت فيك دليله وأرحته آتيته الحجر الأصم ونحتة ... والنجم يعبد فوقه أو تحته2

_ 1 الطلا ما طبخ من عصير العنب، والحبب الفقاقيع التي تعلو في الكأس. 2 أحرته أي: بالشك وأرحته أي: باليقين، ومفعول يعبد محذوف أي: يعبدك.

المحسنات اللفظية

المحسنات اللفظية: الجناس, التجنيس, أقسامه, فائدته. هو لغة مصدر جانس الشيء الشيء شاكله واتحد معه في الجنس، واصطلاحا تشابه الكلمتين في اللفظ1 مع اختلاف في المعنى، وينقسم قسمين: 1- تام، وهو ما اتفق فيه اللفظان في أربعة أشياء: أ- هيئة الحروف، أي: حركاتها وسكناتها. ب- عددها. جـ- نوعها. د- ترتيبها. أ- فالمماثل هو ما كان اللفظان فيه من نوع واحد اسمين أو فعلين أو حرفين كقوله تعالى: {وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ مَا لَبِثُوا غَيْرَ سَاعَةٍ} 2، فالساعة الأولى يوم القيامة والثانية واحدة الساعات. وقول محمود سامي البارودي: تحملت خرف المن كل رزيئة ... وحمل رزايا الدهر أحلى من المن فالمن الأول تعداد الصنائع والنعم نحو: أعطيتك كذا وأحسنت إليك بكذا، والمن الثاني العسل. ب- والمستوفي ما كان اللفظان فيه من نوعين كاسم وفعل، كقول أبي تمام: ما مات من كرم الزمان فإنه ... يحيا لدى يحيى بن عبد الله

_ 1 فيخرج التشابه في المعنى نحو: أسد وسبع، أو في مجرد العدد نحو: ضرب وعلم، أو في مجرد الوزن: ضرب وقتل. 2 سورة الروم الآية: 55.

2- مركب، وغير مركب: أ- فغير المركب كالأمثلة التي فرطت. ب- والمركب ما كان أحد ركنيه لفظا مركبا، ويسمى جناس التركيب، وينقسم إلى قسمين: مركب من كلمتين تامتين، ويسمى بالملفوف. كقول القاضي الفاضل: عضنا الدهر بنابه ... ليت، راحل بنابه لا يوالي الدهر إلا ... خاملا ليس بنابه ومركب من كلمة وبعض كلمة، ويسمى مرفوضا، كقول الحريري: والمكر مهما استطعت لا تأته ... لتقتني السودد والمكرمة وقوله أيضا: فلا تله عن تذكار ذنبك وابكه ... بدمع يحاكي المزن حال مصابه ومثل لعينيك الحمام ووقعه ... وروعة ملقاة ومطعم صابه 3- متشابه ومفروق؛ لأنه إن توافقت المركبة من كلمتين مع غير المركبة في الخط لقب بالمشابه كقول بعض البلغاء: يا مغرور أمسك، وقس يومك بأمسك، وإن لم تنفقا فيه لقب بالمفروق نحو: لا تعرضن على الرواة قصيدة ... ما لم تبالغ قبل في تهذيبها فمتى عرضت الشعر غير مهذب ... عدوه منك وساوسا تهذي بها وغير التام ما اختلف فيه اللفظان في واحد من الأربعة المتقدمة: 1- فإن اختلفا في هيئة الحروف سمي جناسا محرفا، والاختلاف قد يكون في الحركة فقط، كقولهم: لا تنال الغرر1، إلا بركوب الغرر، وقد يكون في الحركة والسكون، كقولهم: البدعة شرك لشرك. وقول الحريري: فقلت للائمي أقصر فإني ... سأختار المقام على المقام

_ 1 الغرر "بالضم" جمع أغر، وهو الحسن من كل شيء، "وبالفتح" التعرض للتهلكة.

2- وإن اختلفا في العدد سمي ناقصا، ويكون ذلك على وجهين: أ- ما كان بزيادة حرف إما في الأول كقوله تعالى: {وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ، إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمَسَاقُ} 1 ويسمى مردوفا، وإما في الوسط كقولهم: جدي جهدي2، ويسمى مكتنفا، وإما في الآخر، ويسمى مطرفا، كقول أبي تمام: يمدحون من أيد عواص عواصم ... تصول بأسياف قواض قواضب3 ب- ما كان بزيادة أكثر من حروف، ويسمى مذيلا. 3- وإن اختلفا في نوع الحروف اشترط ألا يكون الاختلاف بأكثر من حرف، وذلك على وجهين: أ- أن يكون هو وما يقابله في الطرف الآخر متقاربي المخرج ويسمى مضارعا، والاختلاف إما في الأول كقول الحريري: بيني وبين كنى ليلى دامس وطريق طامس4، أو في الوسط كقولهم: البرايا أهداف البلايا، أو في الآخر، كقول الحريري لهم في السير: جرى السيل وإلى الخير جرى الخيل. ب- أن يكونا غير متقاربي المخرج ويسمى لاحقا، والاختلاف إما في الأول نحو: {وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ} 5, أو في الوسط نحو: {فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ، وَأَمَّا السَّائِلَ فَلَا تَنْهَرْ} 6. أو في الآخر، كقول البحتري: ألما فات من تلاق تلاف ... أم لشاك من الصبابة شاف 4- وإن اختلفا في ترتيب الحروف سمي جناس القلب، وهو ضربان:

_ 1 سورة القيامة الآية: 29. 2 الجد الغنى والحظ، والجهد التعب. 3 العواصي جمع عاصية من عصاه، وعواصم من عصمه حفظه، وقواض حاكمات بالقتل، وقواضب قاطعات. 4 الكن البيت، ودامس مظلم، وطامس بعيد. 5 سورة الهمزة الآية: 1. 6 سورة الضحى الآيتان: 10 و11.

أ- قلب الكل، كقولهم: حسامة فتح لأوليائه، حتف لأعدائه. ب- قلب البعض، كقوله عليه السلام: "اللهم استر عوراتنا وآمن روعاتنا"، وقول بعضهم: رحم الله امرأ أمسك ما بين فكيه، وأطلق ما بين كفيه. تنبيهات: الأول: إذا وقع أحد المتجانسين جناس القلب في أول البيت والآخر في آخره سمي مقلوبا مجنحا1، كقول ابن نباتة المصري: ساق يريني قلبه قسوة ... وكل ساق قلبه قاسي الثاني: إذا ولي أحد المتجانسين سمي مزدوجا ومكررا ومرددا كما في الحديث: "المؤمنون هينون لينون" وكقولهم: من طلب شيئا وجد وجد. وقول البستي: أبا العباس لا تحسب لشيني ... بأني من حلا الأشعار عار الثالث: من التجنيس نوع يسمى تجنيس الإشارة، وهو ألا يذكر أحد المتجانسين في الكلام، ولكن يشار إليه بما يدل عليه، نحو: حلقت لحية موسى باسمه ... وبهرون إذا ما قلبا فلا شك أنك إذا ما قلبت هرون من آخره إلى أوله يصير "نوره"، لكنه لم يذكرها بلفظها، بل أشار إليها بقوله: وبهرون إذا ما قلبا. الرابع: يلحق بالتجنيس شيئان: أ- أن يجمع اللفظين الاشتقاق، كقوله تعالى: {فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ الْقَيِّمِ} 2، وقول أبي تمام: فيا دمع أنجدني على ساكني نجد ب- أن تجمع اللفظين المشابهة وهي ما يشبه3 الاشتقاق وليس باشتقاق، كقوله تعالى: {وَجَنَى الْجَنَّتَيْنِ دَانٍ} 4.

_ 1 لأن اللفظين بمنزلة جناحين من البيت. 2 سورة الروم الآية: 43. 3 لتوافق اللفظين في جميع الحروف أو جلها, فيتبادر إلى الفكر أنهما يرجعان إلى أصل واحد وليسا هما كذلك في الحقيقة. 4 سورة الرحمن الآية: 54.

وقول البحتري: إذا ما رياح جودك هبت ... صار قول العذول فيها هباء قال في "أسرار البلاغة": لا يحسن تجانس اللفظين إلا إذا كان موقع معنيهما من العقل موقعا حميدا, ولم يكن مرمى الجامع بينهما مرمى بعيدا، أتراك استضعفت تجنيس أبي تمام في قوله: ذهبت بمذهبه السماحة فالتوت ... فيه الظنون أمذهب أم مذهب واستحسنت تجنيس القائل: حتى نجا من خوفه وما نجا1. وقول المحدث: ناظراه فيما جنى ناظراه ... أودعاني أمت بما أودعاني لأمر يرجع إلى اللفظ أم لأنك رأيت الفائدة ضعفت في الأول, وقويت في الثاني ورأيتك لم يزدك بمذهب ومذهب على أن أسمعك حروفا مكررة تروم لها فائدة فلا تجدها إلا مجهولة منكرة، ورأيت الآخر قد أعاد عليك اللفظة كأنه يخدعك عن الفائدة وقد أعطاها ويوهمك كأنه لم يزدك, وقد أحسن الزيادة ووفاها، فبهذه السريرة صار التجنيس، وخصوصا المستوفى منه، المتفق في الصورة من حلى الشعر, ومذكورا في أقسام البديع، ا. هـ. وقال ابن رشيق في "العمدة": التجنيس من أنواع الفراغ وقلة الفائدة, ومما لا يشك في تكلفه، وقد أكثر منه الساقة المتعقبون في نظمهم ونثرهم، حتى برد ورك، ا. هـ. وقال ابن حجة الحموي في "خزانة الأدب": أما الجناس فإنه غير مذهبي ومذهب من نسجت على منواله من أهل الأدب. رد العجز على الصدر - التصدير: هو في النثر جعل أحد اللفظين المكررين2 أو المتجانسين3 أو ملحقين4 بهما اشتقاقا أو شبه اشتقاق في أول الفقرة، والآخر في آخرها، فالمكرران نحو:

_ 1 نجا الأولى أحدث، والثانية خلص. 2 أي: المتفقين في اللفظ والمعنى. 3 أي: المتفقين في اللفظ دون المعنى. 4 أي: اللذين يجمعهما الاشتقاق أو شبهه.

{وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاه} 1، والمتجانسان نحو: سائل اللئم يرجع ودمه سائل، والملحقان بهما اشتقاقا {اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا} 2 وشبه اشتقاق نحو: {قَالَ إِنِّي لِعَمَلِكُمْ مِنَ الْقَالِينَ} . وفي النظم أن يكون أحدهما في آخر البيت والآخر في صدر المصراع الأول أو في حشوه أو في آخره أو في صدر المصراع الثاني3، فالأول نحو: تمنت سليمي أن أموت صبابة ... وأهون شيء عندنا ما تمنت والثاني كقول الصمة بن عبد الله القشيري: أقول لصاحبي والعيس تهوى ... بنا بين المنيفة فالضمار تمتع من شميم عرار نجد ... فما بعد العشية من عرار4 والثالث كقول أبي تمام: ومن كان بالبيض الكواكب مغرما ... فما زلت بالبيض القواضب مغرما5 والرابع كقول ذي الرمة: وإن لم يكن إلا معرج ساعة ... قليلا فإني نافع لي قليلها والخامس كقول القاضي الأرجاني: دعاني من ملامكما سفاها ... فداعي الشوق قبلكما دعاني والسادس كقول الثعالبي: وإذا البلابل أفصحت بلغاتها ... فانف البلابل باحتساء بلابل6 والسابع كقول الحريري:

_ 1 سورة الأحزاب الآية: 37. 2 سورة نوح الآية: 10. 3 فالأقسام ستة عشر حاصلة من ضرب أربعة في أربعة. 4 العيس: الإبل يخالط بياضها شقرة، والمنيفة والضمار موضعان، والعرار: وردة صفراء طيبة الرائحة، ومن زائدة وما بعدها مبتدأ والظرف قبله خبر، وما مهملة. 5 الكواعب الجارية حين يبدو ثديها للنهود، والقواضب السيوف القواطع. 6 البلابل الأولى جمع بلبل، والثانية جمع بلبال وهو الحزن، والبلابل الثالثة جملة بلبلة "بالضم" إبريق الخمر.

فمشغوف بآيات المثاني ... ومفتون برنات المثاني1 والثامن كقول القاضي الأرجاني: أملتهم ثم تأملتهم ... فلاح لي أن ليس فيهم فلاح والتاسع كقول البحتري: ضرائب أبدعتها في السماح ... فلسنا نرى لك فيها ضريبا والعاشر كقول أبي العلاء: لو اختصرتم من الإحسان زرتكم ... والعذاب يهجر للإفراط في الخصر2 والحادي عشر كقول ابن عيينة المهلبي: فدع الوعيد فما وعيدك ضائري ... أطنين أجنحة الذباب يضير والثاني عشر كقول أبي تمام في مرثية محمد بن نهشل حين استشهد: وقد كانت البيض القواضب في الوغى ... بواتر وهي الآن من بعده بتر3 "تنبيه" تركنا المثل الأربعة الباقية الملحقة بالتجانس التي يجمعها الاشتقاق الأكبر لقلة استعمالها. السجع, شروط حسنة, حكمه, أقسامه: هو في المنثور بإزاء التصريع الآتي بيانه في المنظوم، وهو لغه من قولهم: سجعت الناقة إذا مدت حنينها على جهة واحدة، واصطلاحا أن تتواطأ الفاصلتان في النثر على حرف واحد. شروط حسنة: لا يحسن السجع كل الحسن إلا إذا استوفى أربعة أشياء: 1- أن تكون المفردات رشيقة أنيقة خفيفة على السمع. 2- أن تكون الألفاظ خدم المعاني، إذ هي تابعة لها، فإذا رأيت السجع

_ 1 المثاني القرآن، ورنات المثاني أي: نغمات أوتار المزامير التي ضم طاق منها إلى طاق. 2 الخصر: البرودة. 3 بواتر جمع باتر، والبتر جمع أبتر أي: مقطوع، وقبل البيت: ثوى في الثرى من كان يحيا به الورى ويغمر صرف الدهر نائله الغمر

لا يدين لك إلا بزيادة في اللفظ، أو نقصان فيه، فاعلم أنه من المتكلف الممقوت. 3- أن تكون المعاني الحاصلة عند التركيب مألوفة غير مستنكرة. 4- أن تدل كل واحدة من السجعتين على معنى يغاير ما دلت عليه الأخرى حتى لا يكون السجع تكرارا بلا فائدة. ومتى استوفى هذه الشروط كان حلية ظاهرة في الكلام، ومن ثم لا تجد لبليغ كلاما يخلو منه كما لا تخلو منه سورة، وإن قصرت، بل ربما وقع في أوساط الآيات، كقوله تعالى: {لَوْ نَشَاءُ أَصَبْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَنَطْبَعُ عَلَى قُلُوبِهِمْ} 1. أقسامه: هو على ثلاثة أضرب: مرصع، ومتواز، ومطرف: 1- فالمرصع ما اتفقت ألفاظ إحدى الفقرتين أو أكثرها في الوزن والتقفية كقول الحريري، فهو يطبع الأسجاع بجواهر لفظه، ويقرع الأسماع بزواجر وعظه، وقول أبي الفتح البستي: ليكن إقدامك توكلا، وإحجامك تأملا. 2- والمتوازي ما اتفق فيه الفقرتان في الكلمتين الأخيرتين نحو قوله تعالى: {وَالْمُرْسَلَاتِ عُرْفًا، فَالْعَاصِفَاتِ عَصْفًا} 2، وقوله عز وعلا: {فِيهَا سُرُرٌ مَرْفُوعَةٌ، وَأَكْوَابٌ مَوْضُوعَةٌ} 3. 3- والمطرف ما اختلفت فاصلتاه في الوزن واتفقتا في الحرف الأخير نحو: {مَا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا، وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَارًا} 4، وقوله: جنابه محط الرحال، ومخيم الآمال. وأيضا السجع إما قصير نحو: {وَالْمُرْسَلَاتِ عُرْفًا، فَالْعَاصِفَاتِ عَصْفًا} .

_ 1 سورة الأعراف الآية: 100. 2 سورة المرسلات الآية: 1. 3 سورة الغاشية الآية: 13. 4 سورة نوح الآية: 13.

وإما متوسط نحو: {اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ، وَإِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ} 1، وإما طويل نحو: {إِذْ يُرِيكَهُمُ اللَّهُ فِي مَنَامِكَ قَلِيلًا وَلَوْ أَرَاكَهُمْ كَثِيرًا لَفَشِلْتُمْ وَلَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَلَكِنَّ اللَّهَ سَلَّمَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ، وَإِذْ يُرِيكُمُوهُمْ إِذِ الْتَقَيْتُمْ فِي أَعْيُنِكُمْ قَلِيلًا وَيُقَلِّلُكُمْ فِي أَعْيُنِهِمْ لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولًا وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ} 2. تنبيهات: الأول: أحسن السجع ما تساوت قرائنه كقوله تعالى: {فِي سِدْرٍ مَخْضُودٍ، وَطَلْحٍ مَنْضُودٍ، وَظِلٍّ مَمْدُودٍ} 3، ثم ما طالت قرينته الثانية كقوله تعالى: {وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى، مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى} 4، أو الثالثة، نحو قوله عز وعلا: {خُذُوهُ فَغُلُّوهُ، ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ} 5، فلا يحسن أن تكون القرينة الثانية أقصر من الأولى كثيرا؛ لأن السجع إذا استوفى أمده في الأولى بطولها وجاءت الثانية أقصر منها كثيرا، يكون كالشيء المبتور، يؤيد ذلك الذوق السليم. الثاني: الأسجاع مبنية على سكون أواخرها؛ لأن المزاوجة بين الفقر في جميع الصور لا تتم إلا بالوقف، ألا ترى أنك لو وصلت قولهم: ما أبعد ما فات، وما أقرب ما هو آت، لم يكن بد من إعطاء أواخر القرائن ما يستلزمه حكم الإعراب فتختلف أواخرها ويفوت السجع. الثالث: يقال للجزء الواحد من السجع سجعة، وجمعها سجعات، وفقرة وجمعها فِقَر وفقَرات وفقْرات، وقرينة لمقارنة أختها، وتجمع على قرائن، وللحرف الأخير منها حرف الروي أو الفاصلة. الرابع: ربما غيرت الكلمة عن موضوعها في تصريف اللغة طلبا للسجع والمزاوجة بين الكلمة وأخواتها، ألا ترى قوله عليه السلام في تعويذه لابن ابنته:

_ 1 سورة القمر الآية: 1. 2 سورة الأنفال الآيتان: 43، 44. 3 سورة الواقعة الآية: 28. 4 سورة النجم الآية: 1. 5 سورة الحاقة الآية: 30.

"أعيذه من الهامة والسامة، والعين اللامة"، وأصلها الملة؛ لأنها من ألم، فعبر عنها باللامة لموافقة ما قبلها، وقوله للنساء: "انصرفن مأزورات غير مأجورات"، والأصل موزورات أخذا من الوزر، لكنه قال ذلك لمكان مأجورات. الخامس: يرى بعض العلماء ومنهم الباقلاني وابن الأثير كراهة إطلاق السجع على القرآن الكريم؛ لأنه نوع من الكلام يعتمد الصنعة وقلما يخلو من التكلف والتعسف، إلى أنه مأخوذ من سجع الحمام، وهو هديره، وإنما يقال في مثل ذلك فواصل، أخذا من قوله تعالى: {كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ} 1. السادس: يرى بعضهم أن السجع غير مختص بالنثر، بل يكون في النظم، كقول أبي تمام يمدح أبا العباس نصر بن بسام: تجلى به رشدي وأثرت به يدي ... وفاض به ثمدي وأورى به زندي2 وقول الخنساء: حامي الحقيقة محمود الخليفة ... مهدي الطريقة نفاع وضرار جواب قاصية جزار ناصية ... عقاد ألوية للخيل جرار وقول الآخر: ومكارم أوليتها متورعا ... وجرائم ألغيتها متبرعا ومنه على هذا الرأي التشطير، وهو أن يجعل في كل من شطري البيت سجعتان على روي مخالف لروي سجعتي الشطر الآخر كقول أبي تمام: تدبير معتصم بالله منتقم ... لله مرتغب في الله مرتقب3 فالشطر الأول محتو على سجعتين مبنيتين على الميم، والثاني محتو على سجعتين مبنيتين على الباء.

_ 1 سورة فصلت الآية: 3. 2 قبله: سأحمد نصرا ما حييت وإنني ... لأعلم أن قد جل نصر عن الحمد وأثرت صارت ذات ثروة، والثمد الماء القليل، وأورى صار ذا ورى أي: نار. 3 مرتغب أي: راغب، ومرتقب منتظر ثوابه.

الموازنة: هي أن تكون الفاصلتان1 متساويتين في الوزن دون التقفية كقوله تعالى: {وَنَمَارِقُ مَصْفُوفَةٌ، وَزَرَابِيُّ مَبْثُوثَةٌ} 2. فإن كان ما في إحدى القرينتين من الألفاظ أو أكثر ما فيها مثل ما يقابله من الأخرى في الوزن خص باسم المماثلة. فالأول كقول البحتري يمدح الفتح بن خاقان ويذكر مبارزته للأسد: فأحجم لما لم يجد فيك مطعما ... وأقدم لما لم يجد عنك مهربا والثاني كقوله تعالى: {وَآتَيْنَاهُمَا الْكِتَابَ الْمُسْتَبِينَ، وَهَدَيْنَاهُمَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} 3. وقول أبي تمام من قصيدة يمدح بها الوزير محمد بن عبد الملك الزيات: مها الوحش إلا أن هاتا أوانس ... قنا الخط إلا أن تلك ذوابل4 القلب: هو أن يكون الكلام بحيث لو عكس وبدئ بحرفه الأخير إلى الأول لم يتغير الكلام عما كان عليه. ويجري ذلك في النثر والنظم، كقول تعالى: {وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ} 5. وقول عماد الدين الكاتب للقاضي الفاضل: سر فلا كبا بك الفرس

_ 1 أي: الكلمتان الأخيرتان من الفقرتين كما في الآية أو المصراعين، كقوله: هو الشمس قدرا والملوك كواكب ... هو البحر جودا والكرام جداول 2 إذ الأولى على الفاء، والثانية على الثاء، ولا عبرة بتاء التأنيث، كما بين في علم القافية، "سورة الغاشية". 3 سورة الصافات الآية: 118. 4 مها الوحش أي: كمها الوحش في سعة الأعين وسوادها، وقنا الخط أي: كقنا الخط في الاستقامة. 5 سورة المدثر الآية: 3.

وقول القاضي الأرجاني: مودته تدوم لكل هول ... وهل كل مودته تدوم1 وقد يكون في المصراع الواحد، نحو: "أرانا الإله هلالا أنارا". التشريع: هو بناء البيت على قافيتين يصح المعنى إذا وقفت على كل واحدة منهما، وإنما يقع ذلك ممن كان ضليعا متمكنا من صناعة النظم، بارعا مقتدرا، كقوله بعضهم: أسلم ودمت على الحوادث مارسا ... ركنا ثبير أو هضاب حراء ونل المراد ممكنا منه على ... رغم الدهور وفز بطول بقاء فيمكن أن يذكرا على قافية أخرى, وضرب آخر بأن يقال: أسلم ودمت على الحوا ... دث مارسا ركنا ثبير ونل المراد ممكنا ... منه على رغم الدهور لزوم ما لا يلزم, الإلزام, الشديد, الإعنات: هو أن يلتزم قبل الروي في الشعر، أو الفاصلة في النثر شيء2 يتم السجع بدونه كقوله تعالى: {فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ} , {وَإِخْوَانُهُمْ يَمُدُّونَهُمْ فِي الْغَيِّ ثُمَّ لَا يُقْصِرُونَ} ، وقول الشاعر3: سأشكر عمرا إن تراخت منيتي ... أيادي لم تمنن وإن هي جلت فتى غير محجوب الغنى عن صديقه ... ولا مظهر الشكوى إذا النبل زلت رأى خلتي من حيث يخفى مكانها ... فكانت قذى عينيه حتى تجلت

_ 1 وقبله: "أحب المرء ظاهره جميل لصاحبه وباطنه سليم" 2 أي: لو جعلت القوافي أو الفواصل أسجاعا لم يحتج إلى الإتيان بذلك الشيء وهذا الشيء أحد أمور ثلاثة: حرف وحركة معا كما في الآية والأبيات بعدها، وحرف فقط: كالقمر ومستمر، في قوله تعالى: {اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ، وَإِنْ يَرَوْا آَيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ} . وحركة فقط كقول ابن الرومي: لما تؤذن الدنيا به من صروفها ... يكون بكاء الطفل ساعة يولد وإلا فما يبكيه منها وإنها ... لأوسع مما كان فيه وأرغد 3 هو عبد الله بن الزبير "بفتح الزاي" الأسدي في مدح عمر بن عثمان بن عفان.

تتمة: قال الإمام عبد القاهر: لا يحسن هذا النوع "المحسن اللفظي" إلا إذا كانت الألفاظ تابعة للمعاني، فإن المعاني إذا أرسلت على سجيتها، وتركت وما تريد، طلبت لأنفسها الألفاظ ولم تكتس إلا ما يليق بها، فإن كان خلاف ذلك، كان كما قال أبو الطيب: إذا لم تشاهد غير حسن شياتها ... وأعضائها فالحسن عنك مغيب وقد يقع في كلام بعض المتأخرين ما حمل صاحبه فرط شغفه بأمور ترجع إلى ما له اسم في البديع، على أنه نسي أنه يتكلم ليفهم ويقول ليبين ويخيل إليه أنه إذا جمع عدة من أقسام البديع في بيت فلا ضير أن يقع ما عناه في عمياء, وأن يجعل السامع يتخبط خبط عشواء.

السوقات الشعرية وما يتصل بها

السوقات الشعرية وما يتصل بها مدخل ... السرقات الشعرية وما يتصل بها: إذا توافق الشاعر أن على اللفظ والمعنى، أو المعنى وحده، فإن لم يعلم أخذ الثاني من الأول، جاز أن يكون من قبيل اتفاق القرائح وتوارد الأفكار من غير قصد إلى سرقة وأخذ, ويسمى ذلك مواردة، ويرشد إلى ذلك ابن ميادة لما أنشد ابن الأعرابي قوله لنفسه: مفيد ومتلاف إذا ما أتيته ... تهلل واهتز اهتزاز المهند قيل له: أين يذهب بك، هذا للحطيئة، قال: الآن علمت أني شاعر إذ وافقته على قوله ولم أسمعه إلا الساعة. ولذا لا ينبغي لأحد أن يحكم على شاعر بالسرقة ما لم يعلم جلية أمره بأن يتيقن أنه كان يحفظ قول من سبقه حينما نظم أو بأن يخبر عن نفسه بأنه أخذ ممن تقدمه فإن لم يعرف ذلك فالواجب أن يقال: قال فلان كذا وقد سبقه إليه فلان فقال كذا، حتى يتباعد عن دعوى العلم بالغيب ويسلم من انتقاص غيره ويكون صادقا فيما حكم وقال: واعلم أن اتفاق القائلين إن كان في الغرض، كالوصف بالشجاعة، والسخاء، والذكاء، أو في وجه الدلالة على الغرض كوصف الرجل حال الحرب بالابتسام وسكون الجوارح، وقلة الفكر، ووصف الجواب بالتهلل عند ورود العفاة والارتياح لرؤيتهم, لا يعد هذا سرقة ولا استعانة؛ لأن تلك أمور اشتركت فيها العقول وتقررت بحكم العادات واستوى فيها الفصيح والأعجم، كقولهم في الغزل: إن اللطيف يجود بما يبخل به صاحبه، وفي الممدوح: إن الممدوح يجود ابتداء من غير مسألة، وفي الرثاء، إن هذا الرزء أول حادث، وإن هذا الذاهب لم يكن واحدا وإنما كان قبيلة، إلى أشباه ذلك مما يجري هذا المجرى. أما إذا احتاج المعنى إلى كد الفكر فذاك هو الذي يدعى فيه الاختصاص

والسبق؛ لأنه لا يصل إلى مثله كل أحد، فهو جدير بالتفاضل بين القائلين فيقال: إن أحدهما يفضل الآخر وإن الثاني زاد على الأول، أو نقص، كما فعل أبو تمام فابتدع معنى جديدا، ذاك أنه حين أنشد أحمد بن المعتصم قصيدته السينية التي مطلعها: ما في وقوفك ساعة من باس ... تقضي حقوق الأربع الأدراس حتى انتهى إلى قوله: إقدام عمرو في سماحة حاتم ... في حلم أحنف في ذكاء إياس قال الحكيم الكندي: وأي فخر في تشبيه ابن أمير المؤمنين بأجلاف العرب؟ فأطرق أبو تمام، ثم أنشد: لا تنكروا ضربي له من دونه ... مثلا شرودا في الندى والباس فالله قد ضرب الأقل لنوره ... مثلا من المشكاة والنبراس فهذا معنى ابتكره ولم يتقدمه أحد به، فمن أتى بعده بهذا المعنى أو بجزء منه عد سارقا له. وهذه السرقات، وإن تعددت فنونها وكثرت مذاهبها، لا تخرج عن ثمانية أنواع، وهي: 1- النسخ: الانتحال، وهو سرقة مذمومة، وحقيقته أن يأخذ أحد الشاعرين معنى صاحبه ولفظه، كله أو أكثره، فهو إذًا على قسمين: أ- أن يأخذ لفظ الأول ومعناه، ولا يخالفه إلا بروي القصيدة، كقول امرئ القيس: وقوفا بها صحبي علي مطيهم ... يقولون لا تهلك أسى وتحمل أخذه طرفة وأجراه على منواله الأول، فقال: وقوفا بها صحبي على مطيهم ... يقولون لا تهلك أسى وتجلد ب- أن يأخذ المعنى وأكثر اللفظ، كقول الأبيرد اليربوعي: فتى يشتري حسن الثناء بماله ... إذا السنة الشهباء أعوزها القطر وقول أبي نواس: فتى يشتري حسن الثناء بماله ... ويعلم أن الدائرات تدور

2- المسخ أو الإغارة: وهو أن يأخذ الشاعر بعض اللفظ، أو يغير بعض النظم، وهو ثلاثة أضرب: أ- أن يكون الثاني أبلغ من الأول لاختصاصه بحسن السبك، أو جودة الاختصار، أو الإيضاح، أو زيادة المعنى، وهو مقبول ممدوح كقوله: خلقنا لهم في كل عين وحاجب ... بسمر القنا والبيض عينا وحاجبا مع قول ابن نباتة، وهو بعده: خلقنا بأطراف القنا في ظهورهم ... عيونا لها وقع السيوف حواجب فقد زاد هذا معنى لم يطرقه الأول، وهو إشارة إلى انهزامهم. ب- أن يكون الثاني دون الأول في البلاغة، وهذا خليق بالرد، كقول أبي تمام: هيهات لا يأتي الزمان بمثله ... إن الزمان بمثله لبخيل مع قول أبي الطيب، وقد أخذ عنه، وقصر عن الغاية التي وصل إليها سابقه: أعدى الزمان سخاؤه فسخا به ... ولقد يكون به الزمان بخيلا1 إذ قوله يكون بلفظ المضارع لم يقع موقعه، إذ المعنى على المضي لكن الوزن ألجأه إلى ذلك. جـ- أن يكون الثاني مثل الأول، وحينئذ يكون بعيدا من الذم، والفضل للسابق، كقول أبي تمام: لو حار مرتاد المنية لم يجد ... إلا الفراق على النفوس دليلا2 مع قول أبي الطيب: لولا مفارقة الأحباب وجدت ... لها المنايا إلى أرواحنا سبلا

_ 1 المعنى أن الزمان سخا به علي، وكان بخيلا به، فلما أعداه سخاؤه أسعدني بضمي إليه وهدايتي له. 2 حار تحير في التوصل إلى إهلاك النفوس، ومرتاد المنية الإضافة فيه للبيان أي: مرتاد هو المنية، والمعنى: لو تحيرت المنية لم تجد لها طريقا يوصلها لذلك إلا فراق الأحبة.

3- السلخ والإلمام: وهو أخذ المعنى وحده، وهو أيضا ينقسم إلى ثلاثة أقسام: أ- أن يكون الثاني ممتازا بحسن سبكه، وبلاغته، ورصانته، كقول البحتري: تصد حياء أن تراك بأوجه ... أتى الذنب عاصيها فليم مطيعها مع قول أبي الطيب، وهو أحسن منه سبكا: وجرم جره سفهاء قوم ... وحل بغير جارمه العذاب وكأنه اقتبسه من قوله تعالى: {أَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ السُّفَهَاءُ مِنَّا} 1. ب- أن يكون الثاني دون الأول، كقول بعض الأعراب: وريحها أطيب من طيبها ... والطيب فيه المسك والعنبر مع قول بشار، وقد أخذ منه وقصر عنه في المعنى، حيث يقول: وإذا أدنيت منها بصلا ... غلب المسك على ريح البصل جـ- أن يتساوى الأول والثاني، كقول بعضهم يذكر ابنا له قد مات: الصبر يحمد في المواطن كلها ... إلا عليك فإنه مذموم مع قول أبي تمام بعده: وقد كان يدعي لابس الصبر حازما ... فأصبح يدعي حازما حين يجزع وهذه الأنواع الثلاثة من الأخذ الظاهر، أما غير الظاهر فهو ذو شعب كثيرة، أهمها: 4- التشابه: وهو أن يتشابه معنى الأول والثاني، كقول الطرماح بن حكيم الطائي: لقد زاد حبا لنفسي أنني ... بغيض إلى كل امرئ غير طائل مع قول المتنبي:

_ 1 سورة الأعراف الآية: 155.

وإذا أتتك مذمتي من ناقص ... فهي الشهادة لي بأني كامل فإن ذم الناقص أبا الطيب كبغض من هو غير طائل الطرماح، وشهادة ذم الناقص أبا الطيب كزيادة حب الطرماح لنفسه. وليس بضائر في التشابه اختلاف الغرضين كأن يكون أحدهما نسيبا والآخر مديحا أو هجاء أو افتخارا، فإن الحاذق من يتحيل في إخفاء مأخذه بتغيير لفظه والعدول عن الوزن والقافية. 5- النقل، وهو أن ينقل معنى الأول إلى غير محله، كقول البحتري: سلبوا فشرقت الدماء عليهم ... محمرة فكأنهم لم يسلبوا1 نقله المتنبي إلى السيف فقال: يبس النجيع عليه وهو مجرد ... عن غمده فكأنما هو مغمد2 6- أن يكون معنى الثاني أشمل من معنى الأول، كقول جرير: إذا غضبت عليك بنو تميم ... وجدت الناس كلهم غضابا أخذه أبو نواس، وعمم فيه، فقال: يستعطف الرشيد لما سجن الفضل البرمكي: وليس على الله بمستنكر ... أن يجمع العالم في واحد 7- القلب: وهو أن يكون معنى الثاني نقيض معنى الأول، كقول أبي الشيص: أجد الملامة في هواك لذيذة ... حبا لذكرك فليلمني اللوم قلبه أبو الطيب فقال: أأحبه وأحب فيه ملامة ... إن الملامة فيه من أعدائه3

_ 1 يريد أنهم سلبوا ثيابهم فكانت الدماء الملابسة لإشراق الشمس بمنزلة الثياب لهم. 2 النجيع الدم المائل إلى السواد، يريد أن الدم اليابس صار بمنزلة الغمد له. 3 الاستفهام فيه للإنكار، وجملة وأحب فيه ملامة حالية، والإنكار راجع للجمع بين محبته ومحبة الملامة فيه.

فأبو الشيص يصرح بحب الملامة من حيث اشتمال اللوم على ذكر المحبوب، وهذا محبوب له. والمتنبي صرح بكراهتها لصدورها من أعدائه، وكل ما يصدر من العدو فهو مبغوض، فكل منهما نحا منحى غير الآخر. 8- أن يؤخذ بعض المعنى، ويضاف إليه زيادة تحسنه، كقول الأفوه الأودي: وترى الطير على آثارنا ... رأي عين ثقة أن ستمار مع قول أبي تمام: لقد ظللت عقبان أعلامه ضحى ... بعقبان طير في الدماء نواهل1 فقد أفاد الأفوه بقوله: رأى عين قربها؛ لأنها إذا بعدت تخيلت ولم تر، وهذا القرب إنما كان لتوقعها الفريسة، وبقوله: ثقة أن ستمار، تأكدها مما هي طامحة إليه. أما أبو تمام فلم يحم حول هذا، ولكنه زاد عليه قوله: إلا أنها لم تقاتل، وقوله: في الدماء نواهل، ثم بإقامتها مع الرايات حتى كأنها من الجيش، ومن أجل هذا حسن أن يقول: إلا أنها لم تقاتل، وهذه الزيادة أكسبت كلامه حسنا وطلاوة، وإن كان قد ترك بعض ما ألم به الأفوه. "تنبيه": الأنواع التي ليس الأخذ فيها ظاهرا مقبولة كلها، بل منها ما يدق فيه الصنع ويخفى فيه مكان الأخذ حتى يخرج بحسن التصرف وجودة السبك من حين الأخذ والاتباع، إلى أن يكون أشبه بالاختراع والابتداع. أما من يتصل بالسرقات الشعرية، فهو: الاقتباس، والتضمين، والعقد، والحل، والتلميح: 1- الاقتباس: أن يضمن المتكلم منثوره شيئا من القرآن، أو الحديث،

_ 1 إضافة عقبان إلى الأعلام من إضافة المشبه به للمشبه أي: الأعلام التي هي كالعقبان, في تلونها وفخامتها؛ لأن الأعلام بمعنى الرايات فيها ألوان مختلفة كالعقبان، وقوله بعقبان طير متعلق بظللت أي: إنها لزمت فوق الأعلام فألقت ظلها عليها، والنواهل من نهل إذا روى.

تفخيما لشأنه وتزيينا لسبكه على وجه لا يشعر1 بأنه منه، كقول ابن نباتة الخطيب: "فيا أيها الغفلة المطرقون أما أنتم بهذا الحديث مصدقون، ما لكم لا تشفقون فورب السماء والأرض إنه لحق مثل ما أنكم تنطقون". وقول الحريري: أنا أنبئكم بتأويله، وأميز صحيح القول من عليله. وقول الحماسي: إذا رمت عنها سلوة قال شافع ... من الحب ميعاد السلو المقابر ستبقى لها في مضمر القلب والحشا ... سريرة حب "يوم تبلى السرائر" وقول أبي الفضل بديع الزمان الهمذاني: لآل فريغون في المكرمات ... يد أولا واعتذار أخيرا إذا ما حللت بمغناهم ... {رَأَيْتَ نَعِيمًا وَمُلْكًا كَبِيرًا} 2 وقول الحريري: "وكتمان الفقر زهادة وانتظار الفرج بالصبر عبادة". فقوله: انتظار الفرج بالصبر عبادة، لفظ الحديث. وقول الصاحب بن عباد: قال لي إن رقيبي ... سيئ الخلق فداره قلت دعني "وجهك ... الجنة حفت بالمكاره" اقتبسه من الحديث "حفت الجنة بالمكاره وحفت النار بالشهوات"، والاقتباس ضربان: أ- ما لا ينقل فيه اللفظ المقتبس عن معناه الأصلي إلى معنى آخر، كما تقدم من الأمثلة. ب- ما نقل فيه المقتبس عن معناه الأصلي، كقول ابن الرومي:

_ 1 أما إذا قال في أثناء الكلام: قال الله تعالى كذا، أو قال النبي عليه السلام كذا، فلا يسمى اقتباسا. 2 سورة الإنسان الآية: 20.

لئن أخطأت في مدحك ما أخطأت في منعي ... لقد أنزلت حاجاتي "بواد غير ذي درع". فهو مقتبس من قوله تعالى: {رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ} 1، فمعناه في القرآن واد لا ماء فيه ولا نبات. نقله ابن الرومي إلى رجل لا خير فيه ولا نفع، ولا بأس بتغيير يسير في اللفظ المقتبس للوزن أو غيره، كقول بعض المغاربة عند وفاة بعض أصحابه: قد كان ما خفت أن يكونا ... إنا إلى الله راجعونا "تتمة" الاقتباس على ثلاثة أقسام: أ- مستحسن، وهو ما كان في الخطب والمواعظ. ب- مباح، ما كان في الغزل والرسائل والقصص. جـ- مردود، ما كان في الهزل، كقول القائل: أوحى إلى عشاقه ... "هيهات هيهات لما توعدون" وردفه ينطلق من خلفه ... "لمثل هذا فليعمل العاملون" 2- التضمين2: وهو أن يضمن الشاعر كلامه شعرا من شعر غيره مع التنبيه عليه إن لم يكن مشهورا لدى نقاد الشعر وذي اللسن، كقول الحريري يحكي ما قاله الغلام الذي عرضه أبو زيد للبيع: على أني سأنشد عند بيعي ... "أضاعوني وأي فتى أضاعوا" المصراع الأخير للعرجي، وأصله: أضاعوني وأي فتى أضاعوا ... ليوم كريهة وسداد ثغر3 أما تضمينه فلا تنبيه عليه لشهرته، فكقوله:

_ 1 سورة إبراهيم الآية: 37. 2 تضمين البيت فما زاد استعانة وتضمين المصراع فما دونه يسمى رفوا وإبداعا. 3 الكريهة: الحرب، والسداد: سد الثغر بالخيل والرجال، والثغر: الموضع الذي يخشى منه العدو، والاستفهام أي: أضاعوني وأنا أكمل الفتيان في وقت الحاجة لسداد الثغر.

قد قلت لما أطلعت وجناته ... حول الشقيق الغض روضة آس أعذاره الساري العجول ترفقن ... ما في وقوفك ساعة من بأس1 المصراع الأخير مطلع قصيدة مشهورة لأبي تمام: ما في وقوفك ساعة من بأس ... نقضي حقوق الأربع الأدراس وأحسن التضمين أن يزيد المضمن في كلامه نكتة لا توجد في الأصل كالتورية والتشبيه في قوله: إذا الوهم أبدى لي لماها وثغرها ... تذكرت ما بين العذيب وبارق ويذكرني من قدماها ومدامعي ... مجر عوالينا ومجرى السوابق2 المصراعان الأخيران مطلع قصيدة لأبي الطيب: تذكرت ما بين العذيب وبارق ... مجحر عوالينا ومجرى السوابق يريد المتنبي أنهم كانوا نزولا بين هذين الموضعين يجرون الرماح عند مطا الفرسان ويسابقون على الخيل، أما الآخر فأراد بالعذيب تصغير عذب وعزبه شفة الحبيبة وببارق ثغرها، أي: ثغرها الشبيه بالبرق وبما بينهما ريقها، وهذه تورية بديعة نادرة في بابها، وشبه تبختر قدها بتمايل الرماح وتتابع دموعه بجريان الخيل السوابق. 3- العقد: هو نظم المنثور لا على جهة الاقتباس3، ومن شرطه أن يأخذ المنثور بجملة لفظه، أو بمعظمه، فيزيد النظم فيه وينقص ليدخل في وزن الشعر، فعقد القرآن كقوله: أنلني بالذي استقرضت خطا ... وأشهد معشرا قد شاهدوه فإن الله خلاق البرايا ... عنت لجلال هيبته الوجوه يقول: "إذا تداينتم بدين ... إلى أجل مسمى فاكتبوه" وعقد الحديث كقوله:

_ 1 أطلعت: أبدت، والشقيق: ورد أحمر. 2 اللمى: سمرة الشفتين، ومجر: رءوس الرماح. 3 فإن كان النثر قرآنا أو حديثا وأريد نظمه فلا بد أن يغير فيه تغييرا كثيرا، أو يشير إلى أنه من القرآن أو الحديث.

إن القلوب لأجناد مجندة ... بالإذن من ربها تهوى وتأتلف فما تعارف منها فهو مؤتلف ... وما تناكر فهو مختلف عقد لقوله عليه السلام: "الأرواح جنود مجندة ما تعارف منها ائتلف وما تناكر منها اختلف". 4- الحلل: وهو نثر النظم، وشرط قبوله أمران: أ- أن يكون سبكه جيدا لا ينقص عن سبك أصله. ب- أن يكون حسن الموقع مستقرا في محله غير قلق ولا ناب، كقول بعضهم في وصف السيف: أورثه عشق الرقاب، نحو: فبكى والدمع مطر، تزيد به الخدود محولا، حل قول أبي الطيب: في الخد إن عزم الخليط رحيلا ... مطر تزيد به الخدود محولا1 وقول بعض المغاربة: فإنه قبحت فعلاته، وحنظلت نخلاته، لم يزل سوء الظن يقتاده ويصدق توهمه الذي يعتاده2، حل قول أبي الطيب3: إذا ساء فعل المرء ساءت ظنونه ... وصدق ما يعتاده من توهم 5- التلميح: هو أن يشير الناثر أو الناظم في قرينة سجع، أو بيت شعر، إلى قصة معلومة، أو نكتة مشهورة، أو بيت حفظ لتواتره، أو مثل رائع، أو حكمة مستملحة. وأحسنه وأبلغه ما حصل به زيادة في المعنى المقصود، كقول بعضهم في مليح اسمه بدر: يا بدر أهلك جاروا ... وعلموك التجري وقبحوا لك وصلي ... وحسنوا لك هجري فليفعلوا ما أرادوا ... فإنهم أهل بدر

_ 1 الخليط من يخالطك وأراد به الحبيب، ومحول الخدود ذهاب نضارتها. 2 الفعلات الأفعال وحنظلت نخلاته أي: صارت كالحنظل والمراد بها نتائج أفكاره. 3 قاله يشكو سيف الدولة وإسماعه لقول أعدائه.

إشارة إلى قوله عليه السلام لعمر حينما سأل قتل حاطب1، بن أبي بلتعة، وكان ممن شهد بدرا: $"لعل الله قد اطلع على أهل بدر فقال: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم". وقول الحريري: بت بليلة نابغية، أومأ به إلى قول النابغة: فبت كأني ساورتني ضئيلة ... من الرقش في أنيابها السم ناقع وقول آخر: لعمرو من الرمضاء والنار تلتظي ... أرق وأحفى منك في ساحة الكرب إشارة إلى البيت المشهور: المستجير بعمرو عند كربته ... كالمستجير من الرمضاء بالنار2 وقد وقع هذا النوع كثيرا في القرآن الكريم كقوله تعالى: {كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتًا وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ} 3، يشير إلى المثل: أرق من نسج العنكبوت وأضعف من بيتها.

_ 1 لأنه أرسل خطابا من امرأة لأهل مكة سرا يخبرهم بعزم النبي عليه السلام وأصحابه على فتحها، ليكون له يد عندهم، فعلم النبي ذلك بالوحي. 2 عمرو هو قاتل كليب، وقد طلب منه ماء حين أجهز عليه وطلب إغاثته فامتنع. 3 سورة العنكبوت الآية: 41.

خاتمة

خاتمة: ينبغي للمتكلم أن يتأنق في ثلاثة مواضع: الابتداء، التخلص، الانتهاء. 1- فالابتداء: هو أن يجعل المتكلم مبدأ كلامه حسن الوصف عذب اللفظ، صحيح المعنى، فإذا اشتمل على إشارة إلى المقصود سمي براعة استهلال. قال ابن رشيق في "العمدة": إن حسن الافتتاح، داعية الانشراح، ومطية النجاح، كما جاء في الخبر الشعر قفل أوله مفتاحه، فعلى الشاعر أن يجود ابتداء شعره، فإنه أول ما يقرع السمع وبه يستدل على ما عنده، وليتجنب "ألا وخليلي وقد" فلا يستكثر منها في ابتدائه فإنها من علامات الضعف والتكلان إلا للقدماء وليجعله حلوا سهلا وفخما جزلا، ا. هـ. ومن جيد الابتداءات قول امرئ القيس: قفا نبك من ذكري حبيب ومنزل ... بسقط اللوى بين الدخول فحومل1 فقد وقف واستوقف وبكى واستبكى، وذكر الحبيب والمنزل في مصراع واحد، وقول النابغة الجعدي: كليني لهم يا أميمة ناصب ... وليل أقاسيه بطيء الكواكب وقد فضلوا بيت النابغة على البيت الأول؛ لأن الشطر الثاني منه كثير الألفاظ قليل المعنى غريب اللفظ. وقد كان أبو تمام في الموضع الذي لا يجارى في فخم ابتداءاته لما لها من الروعة والجلال، كقول يهنئ المعتصم بفتح عمورية، مع أن المنجمين كانوا قد زعموا أنها لا تفتح في ذلك الوقت:

_ 1 السقط: منقطع الرمل حيث يدق، واللوى رمل معوج ملتو، والدخول وحومل: موضعان.

السيف أصدق أنباء من الكتب ... في حده الحد بين الجد واللعب بيض الصفائح لا سود الصحائف ... في متونهن جلاء الشك والريب ومن جيد الابتداءات المشتملة على براعة الاستهلال قول حافظ إبراهيم في تحية عام هجري: أطل على الأكوان والخلق تنظر ... هلال رآه المسلمون فكبروا وقول أحمد شوقي في رثاء إسماعيل صبري: أجل وإن طال الزمان موافي ... أخلى يديك من الخليل الوافي وقوله أيضا في فوز الأتراك على اليونان: الله أكبر كم في الفتح من عجب ... يا خالد الترك جدد خالد العرب وربما خان الحظ بعض الشعراء المفلقين وأوقعهم نحس الطالع في مهواة سحيقة لا قرار لها إما من غفلة أو غلطة في الطبع أو استغراق في الصنعة وشغل هاجس بالعمل يذهب مع حسن القول أين ذهب، واعتبر ذلك بما أنشده ذو الرمة حين دخل على هشام بن عبد الملك بن مروان من قوله: ما بال عينك منها الماء منسكب ... كأنه من كلى مقرية سرب1 وكان به رمش فهي تدمع أبدأن فظن أنه عرض به، فقال: بل عينك، وأمر بإخراجه. وقيل إنه لما بنى المعتصم قصره بميدان بغداد وجمع عظماء دولته وجلس فيه في يوم حفل أنشده إسحاق الموصلي: يا دار غيرك البلى ومحاك ... يا ليت شعري ما الذي أبلاك فتطير المعتصم بهذا الابتداء وأمر بهدم القصر. فعلى الحاذق الفطن أن ينظر في أحوال المخاطبين, ويختار للأوقات ما يشاكلها فيقصد ما يحبون ويتجنب ما يكرهون سماعه. 2- التخلص: الخروج، هو أن ينتقل الشاعر من فن إلى آخر بأحسن أسلوب مع لطف تخيل وحسن تخلص، بحيث لا يشعر السامع بالانتقال لشدة

_ 1 الكلى جمع كلية "بضم الكاف" والمقرية المحزوزة، والسرب الجاري.

الالتئام، كأنهما أفرغا في قالب واحد، وذلك يحرك من نشاط السامعين ويعين على إصغائهم، وأحسنه ما تهيأ للناظم في بيت واحد كقول مسلم بن الوليد يمدح يحيى البرمكي: أجدك ما تدرين أن رب ليلة ... كأن دجاها من قرونك ينشر سريت بها حتى تجلت بغرة ... كغرة يحيى حين يذكر جعفر1 ويليه ما جاء في بيتين كقول المتنبي يمدح المغيث بن علي العجلي: مرت بنا بين تربيها فقلت لها ... من أين جانس هذا الشادن العربا فاستضحكت ثم قالت كالمغيث يرى ... ليث الشرى وهو من عجل إذا انتسبا2 وأكثر الناس ولوعا بهذا النوع أبو الطيب، ولأجله يسقط سقوطا قبيحا، كقوله: ها فانظري أو فظني بي ترى حرقا ... من لم يذق طرفا منها فقد وألا على الأمير يرى ذلي فيشفع لي ... إلى التي ترتكتني في الهوى مثلا3 فقد تمنى أن يكون الأمير قوادا له. والمتأخرون كلهم على الجملة فلما يفوتهم سلوك هذه الطريق، أم العرب فما كانوا يذهبون هذا المذهب في الخروج من المديح، بل يقولون عند فراغهم من نعت الإبل وذكر القفار، وما هم بسبيله: دع ذا، وعد عن ذا، ثم يأخذون فيما يريدون، ويسمى هذا اقتضابا، كقوله: فدع ذا، وسل لهم عنك بجسرة ... ذمول إذا صام النهار وهجرا4 أو يأتون بأن المشددة ابتداء للكلام الذي يقصدونه، وكثيرا ما كان البحتري يسلك هذه الطريقة كقوله:

_ 1 أجدك "بكسر الجيم وفتحها" لا يتكلم به إلا مضافا، والمعنى: أيجد منك هذا، فتصبه على طرح الباء، فإذا سبق بالواو فقيل: وجدك، فهو مفتوح الجيم ليس غير. 2 الترب واللدة المساوي في السن، والشادن: الظبي إذا شدت قرنه وقوي، واستضحكت: ضحكت، والثري مأسدة مشهورة. 3 الحرق جمع حرقة ما يجده الإنسان من لذعة حب أو حزن، ووأل نجا. 4 الجسرة الطوية الضخمة من النوق، والذمول التي تسير ذميلا أي: حثيثا، وصام النهار قام قائم الظهيرة واعتدل.

لولا الرجاء لمت من ألم النوى ... لكن قلبي بالرجاء موكل إن الرعية لم تزل في سيرة ... عمرية منذ ساسها المتوكل ومن الاقتضاب ما هو شبيه بالتخلص كما يقول القائلي بعد حمد الله، أما بعد فكذا، وكقوله تعالى: {هَذَا وَإِنَّ لِلطَّاغِينَ لَشَرَّ مَآبٍ} 1، أي: هذا كما ذكر، وقول المؤلف: هذا باب، هذا فصل. 3- الانتهاء: الاختتام، هو أن يختم المتكلم كلامه بأحسن الخواتم، إذ هي آخر ما يبقى منه في الأسماع، وربما حفظت من بين سائر الكلام لقرب العهد بها فوجب أن تكون غاية في الجودة وألا يكون سبيل للزيادة عليها، ولا لأن يؤتي بعدها بأحسن منها في رشاقتها وحلاوتها وقوتها وجزالتها، مع تضمنها معنى تاما يؤذن السامع بأنه الغاية والمقصد والنهاية، فإن دل على ما يشعر بالانتهاء سمي براعة مقطع. ولقد ختم الله تعالى كل سورة من سور القرآن الكريم بأحسن ختام، وأتمها بما يطابق مقصدها من أدعية أو وعد أو وعيد أو موعظة أو تحميد إلى غير ذلك من الخواتم الرائعة. وقد أجاد سلوك هذا الطريق المتأخرون، كأبي نواس وأبي تمام والبحتري، ولا سيما المتنبي، فإنه أتى فيه بالعجب العجاب، فمن ذلك قول أبي نواس في المأمون: فبقيت للعلم الذي تهدي له ... وتقاعست عن يومك الأيام فانظر كيف تضمنت هذه الخاتمة الدعاء بالبقاء مع المدح والإعظام، وقول أبي تمام: فما من ندي إلا إليك محله ... ولا رفعة إلا إليك تسير وقول ثالث: فلا حطت لك الهيجاء سرجا ... ولا ذاقت لك الدنيا فراقا وقول الأرجاني: بقيت ولا أبقى لك الدهر كاشحا ... فإنك في هذا الزمان فريد وقول ابن حجة في بديعيته: عليك سلام نشره كلما بدا ... به يتغالى الطيب والمسك يختم

_ 1 سورة ص الآية: 5.

تداريب وتمارين

تداريب وتمارين: تدريب أول: ين نوع المحسن اللفظي فيما يلي: 1- حدق الآجال آجال ... والهوى للمرء قتال 2- وسميته يحيى ليحيا فلم يكن ... إلى رد أمر الله فيه سبيل 3- قد بلينا في عصرنا بأناس ... يظلمون الأنام ظلما عما يأكلون التراث أكلا لما ... ويحبون المال حبا جما 4- اللهم اعط منفقا خلفا، واعط ممسكا تلفا 5- أشكو وأشكر فعله ... فأعجب لشاك منه شاكر 6- قابل بشكرك من قلت عطيته ... في الناس أو كثرت واستبق إيناسا ولا تنم ساخط منهم على أحد ... "لا يشكر الله من لا يشكر الناسا" 7- يسار من سجيتها المنايا ... ويمنى من عطيتها اليسار 8- فحوض عدلك عذب مغدق خصر ... وروض فضلك رحب مونق خضر الإجابة: 1- في هذا البيت جناس تام مماثل بين الآجال وآجال، إذ الأولى جمع إجل "بكسر الهمزة" وهو القطيع من بقر الوحش, والثاني جمع أجل، وهو أمد العمر. 2- فيه جناس تام مستوف بين يحيى ويحيا. 3- فيه اقتباس من قوله تعالى: {وَتَأْكُلُونَ التُّرَاثَ أَكْلًا لَمًّا، وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبًّا جَمًّا} 1. 4- فيه سجع مرصع؛ لأن إحدى الفقرتين كالثانية في الوزن والتقفية.

_ 1 سورة الفجر الآية: 20.

5- فيه جناس ناقص لاختلافهما في العدد. 6- فيه اقتباس من الحديث الشريف: "لا يشكر الله من لا يشكر الناس". 7- فيه رد العجز على الصدر لوجود أحد اللفظين المتفقين لفظا ومعنى في آخر البيت، والآخر في صدر المصراع الثاني. 8- فيه سجع مرصع لاتفاق كل لفظ من صدره مع نظيره من العجز وزنا ورويا. تدريب ثان: 1- كن كيف شئت عن الهوى لا أنتهي ... حتى تعود لي الحياة وأنت هي 2- {وَإِنَّهُ عَلَى ذَلِكَ لَشَهِيدٌ، وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ} 1. 3- يعشى عن المجد الغبي ولن ترى ... في سؤدد أربا لغير أريب 4- سل سبيلا فيها إلى راحة النفـ ... ـس براح كأنها سلسبيل 5- في الحديث: "اللهم إني أدرأ بك في نحورهم، وأعوذ بك من شرورهم". 6- ليتهم سموه باسم سوى ذا ... إنما التسريع دين قويم 7- وما اشتار العسل، من اختار الكسل. 8- لو كانت الأخلاق تحوي وراثة ... ولو كانت الآراء لا تتشعب لأصبح كل الناس قد ضمهم هوى ... كما أن كل الناس قد ضمهم أب ولكنها الأقدار كل ميسر ... لما هو مخلوق له ومقرب الإجابة: 1- فيه جناس تام ومفروق لتشابه الركنين لفظا لا خطا. 2- فيه جناس مضارع لاختلافهما في نوع الحرف مع تقارب المخرج. 3- فيه ما يلحق بالجناس؛ لأنه يجمع اللفظين، وهما أرب وأريب الاشتقاق.

_ 1 سورة العاديات الآيتان: 7 و8.

4- في رد العجز على الصدر؛ لأن أحد اللفظين المتجانسين في آخر المصراع الأول، والآخر في صدره. 5- فيه سجع متواز؛ لأن الفقرتين اتفقتا في الكلمتين الأخيرتين. 6- فيه تشريع؛ لأن البيت مبني على قافيتين، إذ يمكن أن يسقط منه شيء، فيصير: ليتهم سموه باسم ... إنما التشريع دين فينقلب من المديد إلى الرمل. 7- فيه لزوم ما لا يلزم؛ لأن قبل الفاصلة حركة وحرفا ليسا لازمين. 8- فيه اقتباس من الحديث: "اعملوا كل ميسر لما خلق له". تمرين أول: 1- بقيت لنا تجود مدى الليالي ... فإنك ما بقيت لنا بقينا 2- سل طائرا صدع الفؤاد بسحرة ... أتراه غرد صادعا أم صادحا 3- واستجب في الهوى دعائي إني ... لم أك بالدعاء رب شقيا 4- حي عربا بالخيف من حي ليلى ... وأقر عيني السلام هندا وليلى 5- لا كان إنسان تيمم قاصدا ... صيدا لما فاصطاده إنسانها 6- رماني زمان فلم يرعو ... لعالي المنار وغالي المنال 7- وهن العظم بالبعاد فهب لي ... رب باللطف من لدنك وليا 8- ودارهم ما دمت في دارهم، وحيهم ما دمت في حيهم. 9- له مبسم كالبرق ضياء ولمعا، وأعين يخيل لي من سحرهم أنها تسعى. 1- كنت أطمع في تجريبك، ومطايا الجهل تجري بك.

تمرين ثان: 1- دعت النوى بفراقهم فتشتتوا ... وقضى الزمان بينهم فتبددوا وهو ذميم الحالتين فما به ... شيء سوى جود بن أرتق يحمد 2- فلم تضع الأعادي قدر شاني ... ولا قالوا فلان قد رشاني 3- وإن أقر على رق أنامله ... أقر بالرق كتاب الأنام له 4- قال الخطيب ابن نباتة، يذكر أهوال يوم القيامة: "هنالك يرفع الحجاب، ويوضع الكتاب، ويجمع من له الثواب، وحق عليه العقاب، فيضرب بينهم بسور له باب، باطنه فيه الرحمة وظاهره من قبله العذاب". 5- قال الشافعي رضي الله عنه: عمدة الخير عندنا كلمات ... أربع قالهن خير البرية اتق المشبهات وازهد ودع ما ... ليس يعنيك واعملن بنيه 6- قال ابن المعتز: أترى الجيرة الذين تداعوا ... عند سير الحبيب وقت الزوال علموا أنني مقيم وقلبي ... راحل فيهم أمام الجمال مثل صاع العزيز في أرحل القو ... م ولا يعلمون ما في الرحال 7- قال المتنبي في مطلع قصيدة: "أتراها لكثرة العشاق تحسب الدمع خلقة في المآقي".

8- خليلي ما لي لا أرى غير شاعر ... فكم منهم الدعوى ومني القصائد فلا تعجبا إن السيوف كثيرة ... ولكن سيف الدولة اليوم واحد 9- وإني جدير إذ بلغتك بالمنى ... وأنت بما أملت فيك جدير فإن تولني منك الجميل فأهله ... وإلا فإني عاذر وشكور 10- فهمت كتابك يا سيدي ... فهمت ولا عجب إن أهيما

فرائد من البلاغة

فرائد من البلاغة: لقد رأينا القطع الآتية تشمل على فرائد من البلاغة، فأحببنا وضعها لتكون نماذج في التطبيق على الفنون الثلاثة: قال عبد الله فكري المتوفى سنة 1307هـ ينصح ابنه: إذا نام غر في دجى الليل فاسهر ... وقم للمعالي والعوالي وشمر وسارع إلى ما رمت ما دمت قادرا ... عليه وإن لم تبصر النجح فاصبر وأكثر من الشورى فإنك إن تصب ... تجد مادحا أو تخطئ الرأي تعذر وقالت عائشة التيمورية المتوفاة سنة 1320هـ: بيد العفاف أصون عز حجابي ... وبعصمتي أسمو على أترابي وبفكرة وقادة وقريحة ... نقادة قد كملت آدابي ما ضرني أدبي وحسن تعلمي ... إلا بكوني زهرة الألباب وقال صفي الدين الحلي المتوفى سنة 740هـ في وصف حديقة: وأطلق الطير فيه سجع منطقه ... ما بين مختلف منه ومتفق والظل يسرق بين الدوح خطوته ... وللمياه دبيب غير مسترق وقد بدا الورد مفترا مباسمه ... والنرجس الغض فيها شاخص الحدق والسحب تبكي وثغر البرق مبتسم ... والطير تسجع من تيه ومن أنق فالطير في طرب والسحب في حرب ... والماء في هرب والغصن في قلق

وقال في الفخر والحماسة: سل الرماح العوالي عن معالينا ... واستشهد البيض هل خاب الرجا فينا لقد سعينا فلم تضعف عزائمنا ... عما نروم ولا خابت مساعينا قوم إذا استخصموا كانوا فراعنة ... يوما وإن حكموا كانوا موازينا إنا لقوم أبت أخلاقنا شرفا ... أن نبتدي بالأذى من ليس يؤذينا بيض صنائعنا سود وقائعنا ... خضر مرابعنا حمر مواضينا وقال محمد بن الطيب المغربي في وصف الربيع: ورد الربيع فمرحبا بوروده ... وبنور بهجته ونور وروده وبحسن منظره وطيب نسيمه ... وأنيق مبسمه ووشي بروده والغصن قد كسى الغلائل بعد ما ... أخذت يدا كانون في تجريده والورد في أعلى الغصون كأنه ... ملك تحف به سراة جنوده ومن لامية العجم للطغرائي المتوفى سنة 515هـ: حب السلامة يثني عزم صاحبه ... عن المعالي ويغري المرء بالكسل فإن جنحت إليه فاتخذ نفقا ... في الأرض أو سلما في الجو فاعتزل أبى الله أن أسمو بغير فضائلي ... إذا ما سما بالمال غير مسود وإن أكرمت قبلي أوائل أسرتي ... فإني بحمد الله مبتدأ سؤددي إذا شرفت نفس الفتى زاد قدره ... على كل أسنى منه ذكرا وأمجد

يقول مؤلفه، عفا الله عنه: "فرغت من تهذيب هذا الكتاب، وتنقيحه، بعد وضعه وترتيبه، لتسع خلون من شوال سنة أربع وثلاثين وثلثمائة وألف هجرية بمدينة الخرطوم، حاضرة الديار السودانية. والحمد لله أولا وآخرا. وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم". "تم"

فهرس الكتاب

فهرس الكتاب: الصفحة الموضوع 3 مقدمة الكتاب 5 نبذة في تاريخ علوم البيان أو علوم النقد أو علوم البلاغة المقدمة 13 في حقيقة الفصاحة والبلاغة لغة واصطلاحا 15 الفصاحة 25 فصاحة الكلام 34 فصاحة المتكلم 35 البلاغة 35 بلاغة الكلام 39 بلاغة المتكلم 40 تداريب وتمارين 41 علم المعاني 43 الباب الأول, الخبر 43 المبحث الأول في تعريف الخبر 45 المبحث الثاني في تأليف الجمل 46 المبحث الثالث في الغرض من إلقاء الخبر

الصفحة الموضوع 49 المبحث الرابع في طريق إلقاء الخبر 55 المبحث الخامس في الجملة الاسمية والفعلية 58 نماذج وتمارين 61 الباب الثاني, الإنشاء 61 المبحث الأول في تعريف الإنشاء 62 المبحث الثاني في التمني 63 المبحث الثالث في الاستفهام 75 المبحث الرابع في الأمر 79 المبحث الخامس في النهي 81 المبحث السادس في النداء 85 الباب الثالث, الذكر 87 نماذج وتمارين 89 الباب الرابع, الحذف 89 المبحث الأول في مزايا الحذف وشروطه 90 المبحث الثاني في حذف المسند إليه 92 المبحث الثالث في حذف المسند 93 المبحث الرابع في حذف المفعول 100 الباب الخامس, التقديم 100 المبحث الأول في مزايا التقديم وأقسامه 101 المبحث الثاني في تقديم المسند إليه 105 المبحث الثالث في تقديم المسند 106 المبحث الرابع في تقديم متعلقات الفعل

الصفحة الموضوع 112 الباب السادس, التعريف 112 المبحث الأول في الفرق بين النكرة والمعرفة والداعي إلى التعريف 112 المبحث الثاني في تعريف المسند إليه بالإضمار 114 المبحث الثالث في تعريف المسند إليه بالعملية 115 المبحث الرابع في تعريف المسند إليه باسم الإشارة 116 المبحث الخامس في تعريف المسند إليه بالموصولية 118 المبحث السادس في تعريف المسند إليه باللام 121 المبحث السابع في تعريف المسند إليه بالإضافة 122 المبحث الثامن في تعريف المسند 123 تدريب وتمرين 126 الباب السابع, التنكير 128 نماذج وتمارين 130 الباب الثامن, التقييد 130 المبحث الأول في فوائد التقييد 130 المبحث الثاني في التقييد بالمفاعيل ونحوها 130 المبحث الثالث في التقييد بالتوابع 133 المبحث الرابع في التقييد بضمير الفصل 134 المبحث الخامس في التقييد بالشرط 140 المبحث التاسع, الخروج عن مقتضى الظاهر 148 تدريب وتمرين

الصفحة الموضوع 150 الباب العاشر, القصر 150 المبحث الأول في تعريف القصر لغة واصطلاحا 150 المبحث الثاني في طرقه 155 المبحث الثالث في تقسيمه باعتبار الواقع والحقيقة 156 المبحث الرابع في تقسيمه باعتبار حال المقصور 156 المبحث الخامس في تقسيمه باعتبار حال المخاطب 157 المبحث السادس في تقسيم مواقع القصر 158 تداريب وتمارين 162 الباب الحادي عشر, الفصل والوصل 162 تمهيد في دقة مسلكه وعظيم خطره 163 المبحث الأول في وصل المفردات وفصلها 163 المبحث الثاني في وصل الجمل 165 المبحث الثالث في الجامع 167 المبحث الرابع في محسنات الوصل 167 المبحث الخامس في الفصل 172 تتمة 178 تداريب وتمارين 182 الباب الثاني عشر, الإيجاز والإطناب والمساواة 182 المبحث الأول في دقة مسلكها واختلاف الأئمة في تعريفها 182 المبحث الثاني في الإيجاز 190 المبحث الثالث في المساواة

الصفحة الموضوع 191 المبحث الرابع في الإطناب 191 المبحث الخامس الإيجاز أفضل أم الإطناب 200 أسرار البلاغة في الإيجاز والإطناب 202 تمارين ونماذج عامة على المعاني 207 علم البيان 209 الدلالة 211 أبواب الفن 213 الباب الأول, التشبيه 213 المبحث الأول في شرح حقيقته وبيان جليل فائدته 214 المبحث الثاني في الطرفين 219 المبحث الثالث في تقسيم التشبيه باعتبار الطرفين إلى ملفوف ومفروق 219 المبحث الرابع في تقسيم التشبيه باعتبار الطرفين إلى تشبيه تسوية وتشبيه جمع 220 المبحث الخامس في وجه الشبه 225 المبحث السادس في تقسيم التشبيه باعتبار الوجه إلى تمثيل وغيره 228 المبحث السابع في تقسيم التشبيه باعتبار الوجه إلى مجمل ومفصل 229 المبحث الثامن في تقسيم التشبيه باعتبار الوجه إلى قريب مبتذل وبعيد غريب 232 المبحث التاسع في الكلام على أدوات التشبيه 233 المبحث العاشر في تقسيم التشبيه باعتبار الأداة 234 المبحث الحادي عشر في الغرض من التشبيه 238 المبحث الثاني عشر في أقسام التشبيه باعتبار الغرض 242 تداريب وتمارين

الصفحة الموضوع 246 الباب الثاني, الحقيقة والمجاز 246 المبحث الأول في أقسام الحقيقة 246 المبحث الثاني في تعريف الحقيقة 248 المبحث الثالث في المجاز وأقسامه 249 المبحث الرابع في المجاز المرسل 259 المبحث الخامس في الاستعارة ومنزلها في البلاغة 263 المبحث السادس في الاستعارة أمجاز لغوي هي أم مجاز عقلي 265 المبحث السابع في قرينة الاستعارة 266 المبحث الثامن في انقسام الاستعارة إلى عنادية ووفاقية 267 المبحث التاسع في انقسامها باعتبار الجامع إلى داخل وخارج 267 المبحث العاشر في انقسامها باعتبار أيضا إلى عامية وخاصية 269 المبحث الحادي عشر في انقسامها باعتبار الطرفين والجامع 270 المبحث الثاني عشر في تقسيم الاستعارة إلى مصرحة ومكنية 272 المبحث الثالث عشر مذهب السكاكي والخطيب القزويني في المكنية 273 المبحث الرابع عشر في تقسيم الاستعارة التصريحية لدى السكاكي إلى تحقيقية وتخييلية ومحتملة لهما 274 المبحث الخامس عشر في انقسامها إلى أصلية وتبعية 277 المبحث السادس عشر في تقسيمها إلى مرشحة ومجردة ومطلقة 279 المبحث السابع عشر في حسن الاستعارة وقبحها 286 المبحث الثامن عشر في المجاز المركب 289 المبحث التاسع عشر في المجاز بالحذف أو الزيادة 291 المبحث العشرون في المجاز العقلي أو المجاز الحكمي 291 296 تتمة وفيها مهمان 298 تداريب وتمارين

الصفحة الموضوع 301 الباب الثالث, الكناية 301 المبحث الأول في تعريفها 302 المبحث الثاني في أقسامها من حيث المكنى عنه 305 المبحث الثالث في أقسامها من حيث الوسائط 306 المبحث الرابع في حسن الكناية وقبحها 307 خاتمة 310 نماذج وتمارين 314 مزايا دراسة البيان في سوغ مختلف الأساليب 318 علم البديع 319 أقسام المحسنات, المحسنات اللغوية 322 المقابلة 323 مراعاة النظير, التناسب, الائتلاف 323 تشابه الأطراف 324 الإرصاد, التسهيم 324 المشاكلة 325 المزاوجة 326 العكس, التبديل 327 الرجوع 327 التورية, الإيهام, التخيير 329 الاستخدام 330 اللف والنشر

الصفحة الموضوع 331 الجمع, التفريق 332 التقسيم 334 الجمع مع التفريق, الجمع مع التقسيم 334 الجمع مع التفريق والتقسيم 334 التجريد 336 المبالغة, آراء العلماء فيها, أقسامها 339 المذهب الكلامي 340 حسن التعليل 341 التفريع 342 تأكيد المدح بما يشبه الذم 343 تأكيد الذم بما يشبه المدح 344 الاستتباع, الإدماج 345 التوجيه, الإيهام 346 الهزل الذي يراد به الجد 346 تجاهل العارف 347 القول بالموجب 348 الاطراد 348 تداريب وتمارين المحسنات اللفظية 354 الجناس, التجنيس, أقسامه, فائدته 358 رد العجز على الصدر, التصدير 360 السجع, شروط حسنه, حكمه, أقسامه 364 الموازنة 364 القلب

الصفحة الموضوع 365 التشريع 366 تتمة 367 السرقات الشعرية وما يتصل بها 378 خاتمة 382 تداريب وتمارين 387 فرائد من البلاغة 391 الفهرس

§1/1