علوم البلاغة «البديع والبيان والمعاني»

محمد أحمد قاسم

مقدمة

مقدّمة علوم البلاغة ثلاثة من علوم العربية تتداخل معها وتتكامل؛ إذ من شروط البلاغة «توخّي الدّقة في انتقاء الكلمات والأساليب على حسب مواطن الكلام ومواقعه وموضوعات من يكتب لهم أو يلقى إليهم» ومردّ البلاغة عموما إلى الذّوق. وتعنى الفصاحة بالمفرد عنايتها بالتركيب، لهذا روعيت قواعد الصرف والنحو والصوّت في سلامة النطق، وخلوّ المفرد من تنافر الحروف، وبعده عن الحوشيّة والغرابة ومخالفة القياس اللغوي. وكان من شروط فصاحة المركّب سلامته من ضعف التأليف، ومن التعقيد اللفظي والمعنوي، بهذا كلّه عدّت البلاغة أكمل علوم اللغة وأغناها وأدقّها فائدة. نشأت هذه العلوم لخدمة النصّ القرآني المعجز الذي كان- ولا يزال- شغل الدارسين الشاغل؛ فهو النصّ الذي تحدّى بلاغة القوم فاحتاج إلى دراسات تشرح إعجازه، وتبيّن مجازه، وتجلو حقيقته وكناياته ولطيف إشاراته. من هنا هذا الكمّ من الكتب البلاغية التي تناولت النصّ الشريف ككتاب مجاز القرآن لأبي عبيدة، ومعاني القرآن للفرّاء، وكتاب تأويل مشكل القرآن لابن قتيبة، وكتاب النكت في إعجاز القرآن للرمّاني، وكتاب بيان إعجاز القرآن للخطّابي، وكتاب إعجاز القرآن للباقلّاني، وآخر بالعنوان نفسه للقاضي عبد الجبّار، وصولا إلى كتاب دلائل الإعجاز للجرجاني. هكذا شغل القرآن الكريم الدارسين. ولهذا جعل أبو هلال العسكري تعلّم البلاغة فرضا على من يريد التعرّف إلى بلاغة القرآن وإعجازه، وذهب إلى القول: «إن أحق العلوم بالتعلم، وأولاها بالتحفظ- بعد المعرفة بالله جل ثناؤه- علم البلاغة، ومعرفة الفصاحة، الذي به يعرف إعجاز كتاب الله».

من علوم البلاغة تتشكّل الصورة الفنّية في الشعر كما في النّثر. لهذا كانت البلاغة زاد الناقد في عملية تفكيك النّصوص بحثا عن جماليّة الصورة وعناصر التخييل. والخطبة كالقصيدة لا تخلو من الصور الجمالية، يلجأ صاحبها إلى التحسين والتزيين شأن الشاعر الذي ينفر من المباشرة ويفزع إلى التشكيل الجميل. من أجل هذا التكامل سلكنا في كتابنا هذا مسلكا خاصا؛ فقدّمنا مادّته من باب النقد، ولم نجعل التقعيد هدفا أسمى، بل سعينا إلى توظيف القاعدة في الكشف عن أسرار الصورة، وتبيّن عناصرها، وكشف جماليّتها لتقوية الذائقة الفنّية والنقدية عند المتلقّي. فالقاعدة لم تعد جسدا بلا روح بل جعلتها الأمثلة المشروحة جسما نابضا فاعلا من طريق الاستقراء الذي يعمل على جلاء اللعبة الفنّية التي اعتمدها المبدع. لهذا كلّه تميّز الكتاب بجملة من المزايا والصفات، نذكر منها: أ. عنايته بالجانب التراثي من علوم البلاغة إذ لا يجوز أن يبقى الدرس البلاغي بمنأى عن جهود الروّاد الأوائل، وأن تبقى مصنّفاتهم مغيّبة عن أجيالنا. ب. تأمين التواصل بين التراث والدراسات اللسانية الحديثة التي انتحت منحى جديدا في الكشف عن أسرار الصور البلاغية، فعمدنا إلى الاستفادة من هذه الدراسات بالقدر الذي يغني ولا يعقّد. ج. احتفاله بالمصطلح البلاغي، إذ توقّف باستمرار عند حدّه اللغوي القاموسي فالاصطلاحي وربط بين الدلالتين محدّثا التحليل والتعليل معصرنا الدرس البلاغي. د. وفرة شواهده المنتقاة بدقّة لتكون مختلفة مبنى ومعنى، ولنقع على ما يأسر الأسماع، ويخلب القلوب، ويحبّب بالدرس البلاغي. هذه الشواهد هي في الأساس أسّ الدراسة ومفتاحها. لقد حرصنا على تكثيفها لأنّ الشاهد البلاغي كالشاهد النحوي منطلق الدراسة. وكم

حاولنا جاهدين ألّا نكتفي بالشواهد التقليدية المستهلكة المبثوثة والمكرورة في معظم كتب البلاغة، إذا لم تكن فيها كلّها حتى باتت كمّا تراكميا يشبه أيّ منها الآخر إن لم يكن نسخة طبق الأصل عنه. هذه الشواهد فيها من القديم المتداول والجديد المتفرّد في بابه. وكانت النصوص في التمرينات آيات قرآنية أوّلا وأبياتا شعرية ثانيا. وكان تكثيفها هادفا إلى التطبيق المتكامل الذي يتناول الكلّي كما الجزئي من القاعدة. امتزج فيها التّليد بالطارف محاولين- قدر المستطاع- أن تكون نصوصا متماسكة ما وسعنا إلى ذلك. هـ. تنمية الحسّ البلاغي والنّقدي من طريق وضع علوم البلاغة في خدمة النّص وكشف جمالية الصورة، لننسخ من أذهان الناس آليّة التمرينات البلاغية التي تكتفي بالتطبيق الجافّ وتهمل تأثير التركيب في جمالية الصورة. لهذا أولينا التحليل عنايتنا الفائقة وكشفنا عن نقاب المعاني، ودرّبنا القارئ على ولوج الصورة من باب الجمالية لا من باب القاعدة الجوفاء والتطبيق المتسرّع. و. جمعه التطبيق إلى التنظير والتكافؤ ما بين النظري والعملي من حيث الأهمية والفائدة. ز. التّخفّف من الفهارس التي تضخّم الكتاب من غير فائدة تذكر، والاكتفاء بفهرس المصادر والمراجع، وفهرس المحتويات. وفي الختام، نرجو أن نكون قد قدّمنا فائدة تذكر لأجيالنا وأبناء لغتنا التي شرّفها الله تعالى عندما حمّلها وحيه إلى نبيّه المصطفى، وإنّنا نشهده على اجتهادنا الصادق في الحصول على الأجرين، ولكنّننا راضون بالأجر الواحد. إنّه نعم المولى ونعم النصير. المؤلفان طرابلس في 2/ 3 / 2003

1 - البلاغة في اللغة والاصطلاح

1 - البلاغة في اللغة والاصطلاح: 1 - 1 - البلاغة لغة: جاء في اللسان (بلغ): «بلغ الشيء يبلغ بلوغا وبلاغا: وصل وانتهى، ... وبلغت المكان بلوغا: وصلت إليه، وكذلك إذا شارفت عليه، ومنه قوله تعالى فَإِذا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ البقرة: 234 أي: قاربنه. وبلغ النّبت: انتهى.» وهكذا نرى أن الدلالة اللغوية تتمحور حول الوصول، أو مقاربة الوصول، والانتهاء إلى الشيء والإفضاء إليه. وإذا عدنا إلى اللسان (بلغ)، وجدناه يقارب المعنى الاصطلاحي عند ما يقول: «والبلاغة: الفصاحة ... ورجل بليغ وبلغ وبلغ: حسن الكلام فصيحه يبلغ بعبارة لسانه كنه ما في قلبه، والجمع بلغاء، وقد بلغ بلاغة أي: صار بليغا» وهكذا نرى أن المعنى الإضافي (حسن الكلام) مرتبط بالمعنى الحقيقي (الوصول والانتهاء) لأنّ الكلام الحسن يوصّل ما في قلب المتكلم إلى المتلقّي بعبارة لسانه المشرقة الواضحة. 1 - 2 - البلاغة اصطلاحا: جاء في معجم المصطلحات العربية (¬1) «هي مطابقة الكلام الفصيح لمقتضى الحال، فلا بدّ فيها من التفكير في المعاني الصادقة القيّمة القوية المبتكرة منسّقة حسنة الترتيب، مع توخّي الدقّة في انتقاء الكلمات والأساليب على حسب مواطن الكلام ومواقعه وموضوعاته وحال من يكتب لهم أو يلقى إليهم». ¬

_ (¬1). معجم المصطلحات العربية في اللغة والأدب، مجدي وهبه- كامل المهندس، مكتبة لبنان، ص 45.

1 - 3 - حد البلاغة في كتب التراث

لم يكتف المعجم بتعريف البلاغة، بل تعدّاه إلى شروط تحققها في الشكل والمضمون لتكون آسرة لعقل المخاطبين، فاعلة في قلوبهم، شاملة للمواقف الكلامية التي يقفها المتكلّمون. وأضاف معجم المصطلحات العربية إلى الشروط المتقدم ذكرها شرطا أهم بقوله «والذّوق وحده هو العمدة في الحكم على بلاغة الكلام» وهذا يعني أن تباين الأذواق يجعل الحكم على بلاغة الكلام أمرا نسبيا، وتصبح البلاغة بلاغات. 1 - 3 - حدّ البلاغة في كتب التراث: روى الجاحظ تعريفات القدامى من شعراء وكتّاب عندما سئلوا عن مفهوم البلاغة. ومن هذه التعريفات نذكر ما يأتي: 1 - 3 - 1 - تفسير ابن المقفّع (ت 143 هـ): وجاء فيه (¬1) «البلاغة: اسم جامع لمعان تجري في وجوه كثيرة؛ فمنها ما يكون في السكوت، ومنها ما يكون في الاستماع، ومنها ما يكون في الإشارة، ومنها ما يكون في الاحتجاج، ومنها ما يكون جوابا، ومنها ما يكون ابتداء، ومنها ما يكون شعرا، ومنها ما يكون سجعا وخطبا، ومنها ما يكون رسائل. فعامّة ما يكون من هذه الأبواب الوحي فيها، والإشارة إلى المعنى، والإيجاز، هو البلاغة». لقد أحسن الجاحظ عند ما ذكر تفسير ابن المقفّع مستبعدا مصطلحي: الحدّ والتعريف؛ لأن ابن المقفع اكتفى بتقديم صفات البلاغة المتمثّلة في الإيجاز ومراعاة المقام. ولكن من حقّنا أن نتساءل عن علاقة السكوت والاستماع بالبلاغة. فبأي معيار نقيس بلاغة ¬

_ (¬1). الجاحظ، البيان والتبيين، تحق عبد السلام هارون 1/ 115 - 116.

1 - 3 - 2 - مفهوم (العتابي ت 220 هـ) للبلاغة

الصّمت؟ وإذا كان الصمت أبلغ من الكلام في بعض المواقف المؤثرة حزنا أو فرحا، فهل يصحّ أن يسمّى العجز عن الإبلاغ عمّا يعتمل في النفس بلاغة؟ ألا يحقّ لنا أن نسمّي الصمت آنئذ حسن تخلص ارتباطه بالبلاغة واه لأن في الصمت مساواة بين البليغ وغيره. فهل يجوز أن يستوي في عين البلاغة الأبكم والفصيح؟ 1 - 3 - 2 - مفهوم (العتّابي ت 220 هـ) للبلاغة: روى الجاحظ عن صديق له سأل العتّابي قائلا (¬1): «ما البلاغة؟ قال: كلّ من أفهمك حاجته من غير إعادة، ولا حبسة، ولا استعانة فهو بليغ» لقد اخترنا عمدا لفظ (مفهوم) لأننا رأينا أن العتّابي لم يعرّف البلاغة بقدر ما أعطى صفات البليغ. ألا يرى القارئ أن العتّابي سئل عن البلاغة فأجاب معرفا البليغ من المتكلّمين المبرّأ من العيّ والحبسة وفساد القول؟ ونترك للجاحظ نفسه شرح كلام العتّابي الذي جاء فيه (¬2): «والعتّابي حين زعم أن كل من أفهمك حاجته فهو بليغ لم يعن أن كل من أفهمنا من معاشر المولّدين والبلديين قصده ومعناه، بالكلام الملحون، والمعدول عن جهته، والمصروف عن حقه، أنه محكوم له بالبلاغة كيف كان بعد أن نكون قد فهمنا عنه» وكأن الجاحظ يقيّد الإفهام بالكلام الجاري على أنماط كلام الفصحاء من العرب. ¬

_ (¬1). الجاحظ، البيان والتبيين 1/ 113. (¬2). الجاحظ، البيان والتبيين 1/ 161.

1 - 3 - 3 - حد البلاغة عند الرماني (ت 386 هـ)

1 - 3 - 3 - حدّ البلاغة عند الرّماني (ت 386 هـ): قال الرّماني (¬1) «البلاغة: إيصال المعنى إلى القلب في أحسن صورة من اللفظ» فالبلاغة تعني توصيل المعنى وتمكينه في قلوب المتلقين من طريق إلباسه الصورة الجميلة من اللفظ الذي يفتن الألباب. وهكذا نرى أن المصطلح تطوّر في هذ التعريف ليكتسب خصوصية لم يكتسبها سابقا. فلم تعد البلاغة بأوصافها، بل أخذت تحديدا واضحا ودقيقا بقي متداولا في كتب اللاحقين، يضيفون عليه ولكنّهم حافظوا على كنهه وفحواه. 1 - 3 - 4 - أبو هلال العسكري (ت 395 هـ) يتوسّع في تعريفها: استعان العسكري بالدلالة اللغوية لفهم مصطلح البلاغة عند ما ذكر سبب التسمية قائلا: «سميّت البلاغة بلاغة لأنها تنهي المعنى إلى قلب السامع فيفهمه» (¬2) ورأى أنها (¬3) «من صفة الكلام لا من صفة المتكلّم ... وتسميتنا المتكلّم بأنه بليغ توسّع. وحقيقته أن كلامه بليغ». وبعد توضيح الفصاحة معجميا ذهب إلى أن (¬4) «الفصاحة والبلاغة ترجعان إلى معنى واحد وإن اختلف أصلاهما؛ لأن كل واحد منهما إنما هو الإبانة عن المعنى والإظهار له» ويستهل الفصل الثاني من الصناعتين بتعريف واف للبلاغة جاء فيه «البلاغة كل ما تبلّغ به المعنى قلب السامع، فتمكّنه في نفسه كتمكّنه في نفسك مع صورة مقبولة ومعرض حسن». ¬

_ (¬1). الرّماني، النكت في اعجاز القرآن (ثلاث رسائل في إعجاز القرآن، تحق: محمد خلف الله أحمد ومحمد زغلول عبد السلام، دار المعارف ط/ 3 ص 75 - 76). (¬2). العسكري، كتاب الصناعتين، تحق البجّاوي- ابراهيم، ص 12. (¬3). م. ن. ص 12. (¬4). م. ن. ص 13.

1 - 3 - 5 - مفهوم عبد القاهر الجرجاني (ت 471 هـ) للبلاغة

وقد وجدنا في شرح هذا التعريف ما يمكن عدّه ردّا على تعريف ابن المقفّع. قال العسكري (¬1) «ومن قال: إن البلاغة إنما هي إفهام المعنى فقط، فقد جعل الفصاحة واللكنة والخطأ والصواب والإغلاق والإبانة سواء». وإذا كان العسكري قد وقف الفصل الثاني لتعريفه الشخصي للبلاغة، فإنه قد جعل الفصل الثالث لتفسير ما جاء عن الحكماء والعلماء في حدود البلاغة. ثم وضع شروط اجتماع آلة البلاغة، وهي في ظنّه (¬2) «جودة القريحة وطلاقة اللسان» ومن تمام آلات البلاغة ما يأتي (¬3): «التوسّع في معرفة العربية، ووجوه الاستعمال لها؛ والعلم بفاخر الألفاظ وساقطها، ومتخيّرها، ورديئها، ومعرفة المقامات، وما يصلح في كل واحد منها من الكلام» وقد شرح هذا القول بإسهاب فيما بعده من كلام متوقّفا عند الجزئيّات ليبسط فيها القول. 1 - 3 - 5 - مفهوم عبد القاهر الجرجاني (ت 471 هـ) للبلاغة: عقد الجرجاني في دلائل الإعجاز فصلا بعنوان (¬4): «في تحقيق القول على البلاغة والفصاحة، والبيان والبراعة، وكل ما شاكل ذلك» مبيّنا فيه أن «لا معنى لهذه العبارات وسائر ما يجري مجراها ممّا يفرد فيه اللفظ بالنعت والصفة، وينسب فيه الفضل والمزيّة إليه دون المعنى غير وصف الكلام بحسن الدّلالة، وتمامها فيما له كانت دلالة، ثم تبرّجها في صورة هي أبهى وأزين، وآنق وأعجب، وأحقّ بأن تستولي على هوى النفس، وتنال الحظ الأوفر من ميل القلوب، وأولى بأن تطلق ¬

_ (¬1). م. س. ص 16. (¬2). م. س. ص 26. (¬3). م. س. ص 27. (¬4). الجرجاني، دلائل الإعجاز، دار المعرفة، ص 35.

1 - 3 - 6 - موقف ابن سنان الخفاجي (422 - 466 هـ)

لسان الحامد، وتطيل رغم الحاسد، ولا جهة لاستعمال هذه الخصال غير أن يؤتى المعنى من الجهة التي هي أصحّ لتأديته، ويختار له اللفظ الذي هو أخص به، وأكشف عنه، وأتمّ له، وأحرى بأن يكسبه نبلا، ويظهر فيه مزية». لقد قلنا مفهوم الجرجاني ولم نقل حدّه لأنه أعطى صفات مشتركة لكل من البلاغة والفصاحة والبراعة والبيان أوّلا، ولأنه لم يحدّد البلاغة تحديدا وافيا ثانيا. فالكلام يجب أن يكون شديد الدلالة على المعنى، ثم إنه من المستحسن أن يرصف في جملة أنيقة متبرّجة لتأتي فائقة الأناقة تبلغ الأسماع فتطربها بجرسها، وتأسرها بجمال وسحر ألفاظها. ولتأتي العبارة بهذه الصفات على صاحبها أن يتخيّر اللفظ الذي يؤدي المعنى ولا يقصّر عنه لأن الكلام الذي تقصّر فيه الألفاظ عن تأدية المعاني كاملة وبدقة متناهية ليس كلاما بليغا. 1 - 3 - 6 - موقف ابن سنان الخفّاجي (422 - 466 هـ): ذهب ابن سنان في كتابه (سرّ الفصاحة) إلى أن القدامى لم يحدّوا البلاغة، (لم يعرّفوها) لأنهم اكتفوا برصد صفاتها، وقد تعقب تعريفات السابقين مستبعدا أن تكون محاولاتهم هذه حدودا للبلاغة فشرحها مبيّنا أنها مجرّد صفات وليست حدودا صحيحة في نظره. ولكن ابن سنان لم يفرق بين الفصاحة والبلاغة، وذهبت جهوده في ذلك أدراج الرياح، فبعد أن رأى أن الفصاحة مقصورة على وصف الألفاظ، وأن البلاغة لا تكون إلا وصفا للألفاظ مع المعاني، فلا يقال عن كلمة مفردة إنها بليغة، ينتهي إلى تعريف للفصاحة جاء فيه (¬1): ¬

_ (¬1) ابن سنان الخفّاجي، سر الفصاحة، تحق عبد المتعال الصعيدي، طبعة صبيح ص 85.

1 - 3 - 7 - موقف الخطيب القزويني (ت 734 هـ)

«الفصاحة: عبارة عن حسن التأليف في الموضوع المختار» وهذا تعريف يليق بالبلاغة أيضا. 1 - 3 - 7 - موقف الخطيب القزويني (ت 734 هـ): أما الخطيب القزويني فقد ذهب في مقدّمة (الإيضاح) إلى أنه لم يجد في أقوال المتقدّمين (¬1) «ما يصلح لتعريفهما (الفصاحة والبلاغة) به» غير أنّه انتهى بعد أن شرح الفصاحة إلى تعريف بلاغة الكلام بأنها (¬2) «مطابقته لمقتضى الحال مع فصاحته» وبعد شرح مسهب لكلام الجرجاني نفهم منه أنّه يتبنّى موقفه من إطلاق الفصاحة والبلاغة على أوصاف راجعة إلى المعاني، يتحدث عن بلاغة المتكلم التي يحدّها بقوله (¬3): «هي ملكة يقتدر بها على تأليف كلام بليغ». ¬

_ (¬1). الخطيب القزويني، الإيضاح في علوم البلاغة، ص 72. (¬2). م. ن. ص 8. (¬3). م. ن. ص 83.

2 - نشأة البلاغة

2 - نشأة البلاغة 2 - 1 - [علاقة البلاغة بالقرآن] قال تعالى في محكم آياته وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعالَمِينَ الشعراء: 192 فالقرآن معجزة إلهية نزلت بِلِسانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ الشعراء: 195 وجد فيه العرب أسلوبا مغايرا لأساليبهم، وفصاحة لم يرق إلى مثلها بشر، وبلاغة لم يوصف بمثلها كلام. تحدّى بلاغة العرب التي كانت موضع فخرهم وزهوهم بقوله تعالى قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً الإسراء: 88 لهذا تمحورت حوله الدراسات لدرس لغته نحوا وصرفا وبلاغة ونقدا ... ورأى الدارسون أن فيه إعجازا يجب التعرّف إلى أصوله، ومجازا يجب التطرّق إلى حقيقته، وإيجازا يجب الوقوف على أسراره؛ فكان هذا البيان الساطع حافزا للدراسات البلاغية التي كان القرآن موضوعها الوحيد. ولم تكن هذه الدراسات مطلبا تعليميا بقدر ما كانت مطلبا دينيا للذود عن حياض الدين وفضح أضاليل خصومه. ولا نغالي، إن ذهبنا إلى أن القرآن الكريم تسبّب بنشأة علوم البلاغة. وقد نشأت حوله دراسات كثيرة لا حصر لها ولا عدّ. نذكر منها: 2 - 1 - 1 - مجاز القرآن لأبي عبيدة معمر بن المثنّى (ت 210 هـ): استخدم أبو عبيدة لأول مرة لفظ المجاز. وألّف كتابه هذا سنة 188 هـ وكشف فيه عن معاني الألفاظ في سياقها من القرآن الكريم،

وبيّن طرائق القرآن في التعبير عن المعاني وما يستحسن قوله في تفسيره. وقد توقف فيه عند وجوه المعنى، والأوجه الإعرابية فبات شرحا إعرابيا لغويا بلاغيا في آن. ومن الظواهر البلاغية التي تطرق إليها نذكر على سبيل المثال لا الحصر: إيجاز الحذف أو المجاز المرسل بعلاقته المحلية عند ما فسّر قوله تعالى وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ يوسف: 82. وقد سمّى فيه المجاز العقلي بالمجاز اللغوي حيث أسند الفعل إلى غير ما هو له في الظاهر. وعرض لعدد من صور الالتفات، ولمّح إلى ما يسمّى بالاستعارة التمثيلية. ويبدو أن مجاز أبي عبيدة صار سجلا مفتوحا إذ كتب فيه كل من: 1. قطرب، محمد بن المستنير (ت 206 هـ) وله: مجازات القرآن. 2. أبي زكريا الفرّاء (ت 207 هـ) وله: مجاز القرآن. 3. ثعلب، أبي العباس أحمد بن يحيى (ت 291 هـ) وله: مجاز الكلام وتصاريفه. وذكر ابن النديم أسماء عشرات الكتب المؤلفة في معاني القرآن ومشكله ومجازه للكسائي، والأخفش، والرؤاسي، ويونس بن حبيب، وابن الأنباري، والزجّاج، وثعلب وغيرهم (¬1)، كما ذكر أسماء عشرات الكتب التي ألّفت في غريب القرآن لكلّ من أبي عبيدة، ومؤرج السدّوسي، وابن قتيبة، واليزيدي، وابن سلّام، والطبري، والسجستاني، والعروضي، والبلخي، وابن خالويه (¬2). هذا الفيض من الكتب التي تناولت معاني القرآن ومجازه ساعدت على نشأة البلاغة وتحديد بعض أبوابها. ¬

_ (¬1). ابن النديم، الفهرست، ص 37. (¬2). ابن النديم، الفهرست، ص 37.

2 - 1 - 2 - كتاب معاني القرآن للفراء (ت 207 هـ)

ومن الدراسات القرآنية التي خاضت في قضايا البلاغة نذكر: 2 - 1 - 2 - كتاب معاني القرآن للفرّاء (ت 207 هـ): هو كتاب في تفسير القرآن وإعراب ما أشكل إعرابه، وتوجيه الإعراب في خدمة المعاني، ومن أجل ذلك أشرب تفسيره بكثير من البحوث البلاغية. يمثل الكتاب ذروة النضج عند الفرّاء لأنه أملاه سنة 204 هـ، أي قبل وفاته بأعوام. فلقد تحدّت فيه بشكل خاص عن الحذف الذي قاده إلى الكلام على الإيجاز. وكما قبل الحذف والإيجاز قبل كذلك الزيادة ولو عارض في ذلك موقف المتزمتين الذين ينكرون أيّ زيادة في النص القرآني. وتوقّف عند ضروب التكرار والفائدة الدلالية والبلاغية منه. كما تناول فنّ التعريض في مواضع متفرقة وقد وجد فيه بعدا عن المباشرة ومخاطبة لذكاء المتلقي وفطنته. واستوقفه ما يسمى بالفواصل القرآنية فدرس موسيقاها ونغميّة الإيقاع فيها. نكتفي بذكر هذه القضايا البلاغية التي عرضها الفرّاء في كتابه لأنها كافية للتدليل على علاقة البلاغة بالدراسات القرآنية. 2 - 1 - 3 - كتاب تأويل مشكل القرآن لابن قتيبة (ت 276 هـ): تحدّث ابن قتيبة في كتابه هذا عن المجاز ذاهبا إلى أن «للعرب المجازات في الكلام، ومعناها طرق القول ومآخذه» (¬1) وذكر من هذه المجازات كلا من الاستعارة، والتمثيل، والقلب، والتقديم، والتأخير، والحذف، والتكرار، والإخفاء، والإظهار، والتعريض، والإفصاح، وغيرها من أبواب البلاغة. ¬

_ (¬1) ابن قتيبة، تأويل مشكل القرآن، ص 20، طبعة دار التراث 1973 م تحق السيد أحمد صقر.

2 - 1 - 4 - كتاب النكت في إعجاز القرآن للرماني (ت 384 هـ)

لكن الموضوع البلاغي الذي شغله كثيرا هو موضوع المجاز الذي أفرد له بابا مستقلّا أكد فيه إيمانه بوجود المجاز في اللغة أولا وفي القرآن ثانيا، وعدّد الأمثلة التي تثبت شيوعه في اللغة. وكان بحثه في المجاز توطئة للكلام على الاستعارة جاعلا المجاز المرسل منضويا تحتها وكذلك الأمر بالنسبة إلى الكناية. ورأى أن الالتفات من أساليب البلاغة العربية. 2 - 1 - 4 - كتاب النكت في إعجاز القرآن للرّماني (ت 384 هـ): من أهم موضوعات البلاغة في هذا الكتاب قول المؤلف (¬1) «والبلاغة على عشرة أقسام: الإيجاز، والتشبيه، والاستعارة، والتلاؤم، والفواصل، والتجانس، والتصريف، والتضمين، والمبالغة، وحسن البيان». وقد جاء كلامه على هذه الأقسام متفاوتا إذ شغلت الأمثلة والشواهد حيّزا كبيرا من الكلام، أما التعريفات البلاغية فكانت غاية في الإيجاز. وفي سياق الحديث عن الإيجاز تطرّق إلى الإطناب والتطويل، مثنيا على الإطناب لأنه يفصّل المعنى وفقا للمقام. أما التطويل فليس من البلاغة في شيء لأنه تكلف الكثير من الكلام للقليل من المعاني. وقد ذهب الرماني إلى أن الشعراء يتفاضلون في باب التشبيه، وهو على كل حال على طبقات من الحسن. كما رأى أن الاستعارة أبلغ من الحقيقة نظرا لأثرها النفسي في المتلقّين. وقد فاضل بين الفواصل والسجع مشيدا بالفواصل لأنّها تابعة للمعاني في حين كانت المعاني تابعة للأسجاع. ¬

_ (¬1). الرمّاني، النكت في إعجاز القرآن ضمن ثلاث رسائل في إعجاز القرآن، ص 82.

2 - 1 - 5 - كتاب بيان إعجاز القرآن للخطابي (ت 388 هـ)

2 - 1 - 5 - كتاب بيان إعجاز القرآن للخطّابي (ت 388 هـ): بنى كتابه على طريقة النظم حين ذهب فيه إلى أن الكلام (¬1) «إنّما يقوم بهذه الأشياء الثلاثة: لفظ حامل، ومعنى به قائم، ورباط لهما ناظم. وإذا تأمّلت القرآن وجدت هذه الأمور منه في غاية الشرف والفضيلة، حتى لا ترى شيئا من الألفاظ أفصح ولا أجزل ولا أعذب من ألفاظه، ولا ترى نظما أحسن تأليفا، وأشدّ تلاؤما وتشاكلا من نظمه». وتحدّث بإسهاب عن فصاحة الكلمة لأنها في نظره جزء من فصاحة الكلام وبلاغته وحسن النظم. ووصف الكلمة بالفصاحة والجزالة البعيدة عن الغرابة ولأنّ البلاغة في نظره لا تعبأ بالغرابة. 2 - 1 - 6 - كتاب إعجاز القرآن للباقلّاني (ت 406 هـ): من ركائز إعجاز القرآن عنده براعة النظم المتمثّلة في: - مخالفته في الشكل والقالب ما عهد عن العرب في كلامها. ولهذا عقد لنفي وجود الشعر والسّجع في القرآن الكريم فصلين كاملين من كتابه. - آيات القرآن في سوره جميعا اعلى فصاحة وبلاغة من كلام العرب، وهي تتنقّل بين إيجاز وإطناب واقتصار، وبين صور مختلفة من الحقيقة والمجاز والاستعارة. ولهذا عقد فصلا للبديع أثبت فيه أن ضروب البديع الرائع عند العرب مقصّرة عن بلوغ ضروبه الواردة في محكم آياته. فلقد ذهب إلى القول (¬2): «... والوجوه التي نقول إن إعجاز القرآن يمكن أن يعلم منها فليس مما يقدر البشر على التّصنع له، والتوصل إليه بحال». ¬

_ (¬1). الخطّابي، بيان إعجاز القرآن ضمن (ثلاث رسائل في إعجاز القرآن) دار المعارف ط 3، ص 27. (¬2). الباقلّاني، إعجاز القرآن 1/ 144.

2 - 1 - 7 - كتاب إعجاز القرآن للقاضي عبد الجبار (ت 415 هـ)

ومن الموضوعات البلاغية التي تحدث عنها بإسهاب نذكر: السّجع والترصيع، والتشبيه، والاستعارة، والمماثلة، والكناية، والإيجاز، والإطناب، والحقيقة والمجاز، ... اختار الباقلّاني النظم طريقا للإعجاز. ونظمه مختلف عن سجع الكهّان والعرب، وعن خطبهم. وكلامه «خارج عن الوحشيّ المستكره، والغريب المستنكر، وعن الصيغة المتكلّفة». 2 - 1 - 7 - كتاب إعجاز القرآن للقاضي عبد الجبّار (ت 415 هـ): كتاب إعجاز القرآن للقاضي عبد الجبار أحد أجزاء كتابه الكبير (المغني في أبواب التوحيد والعدل). والقاضي معاصر للباقلّاني وكتابه يحمل التسمية نفسها التي أطلقها الباقلّاني على كتابه، غير أن القاضي تطرق في كتابه لموضوعات لم يتناولها الباقلّاني. تعرض القاضي في كتابه للفصاحة مبيّنا أسرارها وأسبابها، ووجد أنها تقوم على ركيزتين هما:- جزالة اللفظ. - حسن المعنى. ولكنّه خلص إلى أن النظم وحده يظهر ذلك. ولهذا ذهب إلى القول (¬1): «فلا معتبر في الفصاحة بقصر الكلام وطوله وبسطه وإيجازه لأن كل ضرب من ذلك ربما كان أدخل في الفصاحة في بعض المواضع من صاحبه» وكأنه يريد أن يثبت صحة القاعدة البلاغية القائلة: لكل مقام مقال. ومن أبواب البلاغة التي تحدث عنها القاضي نذكر كلا من: التكرار وأنواعه، والتطويل والإيجاز، ولم يعد التطويل عيبا بالمطلق، ¬

_ (¬1). القاضي عبد الستار، المغني في أبواب العدل والتوحيد ج 16 ص 200 - 201.

2 - 1 - 8 - كتاب دلائل الإعجاز لعبد القاهر الجرجاني (ت 471 هـ)

ولا الإيجاز مزيّة مطلوبة بالمطلق لأنه يقول (¬1): «وإنما يعد التطويل عيبا في المواضع التي يمكن الإيجاز، ويغني عن التطويل فيها. فأما إذا كان الإيجاز متعذرا أو ممكنا ولا يقع به المعنى، ولا يسدّ مسدّ التطويل، فالتطويل هو الأبلغ في الفصاحة». 2 - 1 - 8 - كتاب دلائل الإعجاز لعبد القاهر الجرجاني (ت 471 هـ): رسّخ عبد القاهر نظرية النظم ووطّد دعائمها بعد أن كانت شتاتا مبعثرا في كتب سابقيه. وقدّم من الحجج والأدلة ما يدحض تفاضل الكلمات المفردات لأن (¬2) «الألفاظ تثبت لها الفضيلة وخلافها في ملاءمة معنى اللفظة لمعنى التي تليها أو ما أشبه ذلك مما لا تعلّق له بصريح اللفظ. ومما يشهد لذلك أنك ترى الكلمة تروقك وتؤنسك في موضع، ثم تراها بعينها تثقل عليك وتوحشك في موضع آخر». ألا تكفي حججه هذه للدلالة على أن النظم أساس التفاضل؟ ونفى عبد القاهر أن يكون الإيقاع الموسيقي دليلا على إعجاز القرآن لأنه قد يقع في حماقات مسيلمة الكذّاب. كما أنه رأى أن الفواصل (السجع) لا تنهض دليلا على الإعجاز. والإعجاز في نظره لا يقع في استعارة أو كناية أو تمثيل. وقد ذهب إلى نفي كل هذه الاحتمالات ليبقي على جوهر الإعجاز في نظره وهو النظم. والنظم قاده إلى الكلام على أبواب البلاغة من مثل: التقديم والتأخير، والحذف والتقدير، والتعريف والتنكير، والاستعارة، والكناية، والتصريح، والإيجاز، والسجع ¬

_ (¬1). م. ن. ج 16 ص 401. (¬2). الجرجاني، دلائل الإعجاز، ص 38.

2 - 2 - علاقة البلاغة بالشعر

والتجنيس، والإسناد وتحقيق معنى الخبر، وغيرها من موضوعات البلاغة. ذكرنا أسماء هذه الكتب على سبيل المثال لا الحصر لأنّ المصنّفين ذكروا أيضا في هذا الباب كلا من كتاب: الجمان في تشبيهات القرآن لابن ناقيا البغدادي (ت 485 هـ)، والكشّاف عن حقائق غوامض التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل للزمخشري (ت 538 هـ)، وبديع القرآن لابن أبي الأصبع المصري (ت 654 هـ)، والطراز المتضمن لأسرار البلاغة وعلوم حقائق الإعجاز للعلوي (ت 759 هـ) ومعترك الأقران في إعجاز القرآن للسيوطي (ت 911 هـ). وهكذا يمكننا القول: إن القرآن الكريم كان الباعث على تصنيف هذا الكم الهائل من الكتب البلاغية المرتبطة بفهم وتفسير القرآن معنى ومبنى. ولقد جعل أبو هلال العسكري تعلّم البلاغة فرضا على من يريد التعرف إلى بلاغة القرآن وإعجازه عند ما قال (¬1): «إنّ أحقّ العلوم بالتعلم، وأولاها بالتحفظ- بعد المعرفة بالله جل ثناؤه- علم البلاغة، ومعرفة الفصاحة، الذي به يعرف إعجاز كتاب الله تعالى». ألا يكون كلام العسكري هذا تفسيرا لوفرة المصنفات البلاغية التي تناولت إعجاز القرآن، وكانت ثمرة أسئلة بحثوا عن أجوبة لها فيما قدموه من جهود، وما بذلوه من آراء؟ 2 - 2 - علاقة البلاغة بالشعر: عرف الشعر العربي في القرن الثاني للهجرة صراعا بين تيارين شعريين هما: تيار المحافظين، وتيار المجددين. وتكلم النقاد ¬

_ (¬1). العسكري، أبو هلال، كتاب الصناعتين، ص 7.

على موجة الصراع بين أنصار المحافظة والتقليد من جهة، وأنصار التجديد من جهة ثانية. هذه الحقبة عرفت على صعيد الشعر مصطلحا جديدا هو: الخصومة بين القدامى والمحدثين. هذه الخصومة وجهت الدارسين شطر دواوين الشعراء لدراسة ما فيها من بيان ساطع وقدرة على التخييل تسعف على ابتكار تشابيه جديدة وتفنّن في ضروب الاستعارة والمجاز، وراحوا يتقصون ما في دواوين هؤلاء من طباق وجناس وترصيع باحثين عن عناصر الصورة الشعرية واللغة الشعرية المميزة. وما دمنا بصدد الخصومة بين القدامى والمحدثين، فإننا نجد أنفسنا مجبرين على الإشارة- ولو بسرعة- إلى عدد من المصنفات التي أفرزتها تلك الخصومة. فمن أبرز هذه المصنفات: 1. الوساطة بين المتنبي وخصومه لأبي الحسن علي بن عبد العزيز الجرجاني (ت 366 هـ). 2. الموازنة بين أبي تمام والبحتري لأبي القاسم الحسن بن بشر الآمدي (ت 371 هـ). هذان المصنفان وازنا بين الشعراء، وذكر صاحباهما بحوثا في البلاغة اقتضاها حسن الشرح والتعليل لبيان ما في وجوه المفاضلة من تميّز هذا الشاعر على ذاك في التخييل، وعناصر الصورة الشعرية. ولعله من المفيد هنا الإشارة إلى كتاب سبق عصر الخصومة هذه، هو كتاب البديع لأبي العباس عبد الله بن المعتز (ت 299 هـ). لقد تعقّب ابن المعتز ظاهرة البديع فوجده في شعر السابقين لموجة الحداثة، غير أن المحدثين عرفوا به لأنهم أفرطوا في استخدامه وأسرفوا في تكلّفه. قال ابن المعتز (¬1) «قد قدمنا في أبواب كتابنا هذا ... ¬

_ (¬1). ابن المعتز، البديع، تحق د. محمد عبد المنعم خفاجي، دار الجيل ص 73 - 74.

2 - 3 - علاقة البلاغة بالخطابة

الذي سمّاه المحدثون البديع، ليعلم أن بشّارا، ومسلما، وأبا نواس، ومن تقيّلهم (حذا حذوهم)، وسلك سبيلهم لم يسبقوا إلى هذا الفن ولكنه كثر في أشعارهم فعرف في زمانهم حتى سمّي بهذا الاسم، ثم إن حبيب بن أوس الطائي من بعدهم شعف به حتى غلب عليه وتفرع فيه، وأكثر منه، فأحسن في بعض ذلك، وأساء في بعض، وتلك عقبى الإفراط وثمرة الإسراف». لنا عودة إلى كتاب البديع نفصّل فيها الكلام على أهمية الكتاب وذلك في مقدّمة علم البديع. 2 - 3 - علاقة البلاغة بالخطابة: كتب د. طه حسين بحثا بالفرنسية ترجمه إلى العربية عبد الحميد العبادي، وتصدّر كتاب نقد النثر لأبي الفرج قدامة بن جعفر الكاتب البغدادي (ت 337 هـ). وهو بعنوان (تمهيد في البيان العربي من الجاحظ إلى عبد القاهر)، ذهب فيه إلى أن الجاحظ (¬1) وضع في كتابه البيان والتبيين أسس الخطابة البليغة قبل أن يطلع العرب على كتاب الخطابة لأرسطو. ولما ترجم كتاب الخطابة لأرسطو صار للعرب بيانان، أحدهما عربي والآخر يوناني. والخطبة على علاقة وطيدة بالقصيدة لأن القصيدة كانت تلقى في حفل، ولأنها تهدف مثلها في كثير من الأحيان إلى الإقناع والتأثير. ألم تكن معلقة الحرث بن حلزة خطبة عصماء أقنعت الملك عمرو بن هند وأبعدت منافسه التغلبي عمرو بن كلثوم؟ والخطبة فيها كالقصيدة عناية بفنون التعبير. لهذا بسط النقاد كلامهم على ما فيها من سجع، وطباق، وجناس، ومقابلة، وتشبيه ومجاز ... الخ. ¬

_ (¬1) كتاب نقد النثر، دار الكتب العلمية بيروت ص 1 وما بعدها.

ومن يراجع كتاب البيان والتبيين يجد الجاحظ غير مفرق بين البلاغة والخطابة فلقد ذهب إلى أن (¬1) «أول البلاغة اجتماع آلة البلاغة. وذلك أن يكون الخطيب رابط الجأش ...» وقد جمع شروط الخطابة الناجحة والخطيب المفوّه متطرقا إلى مقولة: لكل مقام مقال، والبعد عن التكلف والغرابة. والإيجاز في نظره من مقومات الخطبة البليغة. وتحدث الجاحظ عن عيوب الخطيب الخلقية، كما تحدث عن عيوب النطق وعدّها آفة في الخطيب تبعده عن بلاغة القول وحسن التأثير في المخاطبين. ثم عقد بابا ذكر فيه أسماء الخطباء والبلغاء والأبيناء وذكر قبائلهم وأنسابهم. وفي الخطابة كلام على أنواع التشبيه والمجاز والاستعارة والكناية والإيجاز والإطناب والمساواة وغيرها من ضروب البلاغة التي تحدث عنها النقاد والبلاغيون في نقد الشعر وبيان فضائله التعبيرية وصوره التخييلية. ¬

_ (¬1). البيان والتبيين، الجاحظ، 1/ 92.

3 - بين الفصاحة والبلاغة والأسلوب

3 - بين الفصاحة والبلاغة والأسلوب 3 - 1 - الفصاحة قاموسيا: جاء في اللسان (فصح)، «الفصاحة: البيان؛ فصح الرجل فصاحة فهو فصيح من قوم فصحاء وفصاح وفصح ... تقول: رجل فصيح أي بليغ، ولسان فصيح أي طلق ... وأفصح عن الشيء إفصاحا إذا بيّنه وكشفه. وفصح الرجل وتفصّح إذا كان عربي اللسان فازداد فصاحة ... وكل ما وضح فقد أفصح». من هذا الكلام نستدل على أن المعنى القاموسي متمحور حول معنيين: الوضوح والظهور. وهذا هو المعنى الوارد في القرآن الكريم وَأَخِي هارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِساناً القصص: 34، كما ورد بهذا المعنى نفسه في الحديث الشريف الذي جاء فيه: «أنا أفصح العرب بيد أني من قريش». كما نستدل على أن الفصاحة والبلاغة شيء واحد إذ اللسان شرح (رجل فصيح) فقال: أي بليغ فكأن الفصاحة والبلاغة عنده سيّان. 3 - 2 - الفصاحة اصطلاحا: جاء في معجم المصطلحات العربية (¬1) «الفصاحة: أن تكون كل لفظة في الكلام بيّنة المعنى، مفهومة، عذبة، سلسة، متمشّية مع القواعد الصرفية» وجعل الفصاحة في ثلاثة أمور: 1 - فصاحة التركيب. 2 - فصاحة الكلمة. 3 - فصاحة المتكلّم. فالفصاحة باختصار هي: الكلام ¬

_ (¬1). معجم المصطلحات العربية في اللغة والأدب، وهبة- المهندس، ص 152.

أولا- فصاحة المفرد

الواضح المعنى، البيّن الغرض الذي تجري ألفاظه على قواعد اللغة. وقد قسمها البلاغيون القدامى قسمين هما: أولا- فصاحة المفرد: ويعني «المفرد» اللفظ الواحد مجردا من سياقه الذي انتظم فيه. فهو إذا الكلمة. ولا تكون الكلمة فصيحة في نظرهم إلا إذا خلت من عيوب ثلاثة هي: أ- تنافر الحروف: ويعني البلاغيون بهذا المصطلح ما تكون الكلمة بسببه ثقيلة على اللسان، بحيث يصعب النطق بها، وثقيلة على السمع أيضا. وقد رأى البلاغيون ثقلا خفيفا في قول امرئ القيس (الطويل) (¬1): غدائره مستشزرات إلى العلا … تضلّ المدارى في مثنّى ومرسل فكلمة مستشزرات غير فصيحة عندهم لصعوبة النطق بها دفعة واحدة، فيضطر القارئ إلى تجزئتها وقراءتها مقطعيا. ولكن هذه الكلمة تبقى أخف من كلمة (الهعخع) التي عدّها البلاغيون ثقيلة أو هي غاية في الثقل. وقد سمّى الجاحظ هذه الظاهرة ب (الاقتران) عند ما قال (¬2): «... فأما في اقتران الحروف فإن الجيم لا تقارن الظاء، ولا القاف، ولا الطاء، ولا الغين، بتقديم ولا تأخير. والزّاي لا تقارن الظّاء، ولا ¬

_ (¬1). ديوان امرئ القيس، شرح حسن السندوبي، ص 150. (¬2). البيان والتبيين، الجاحظ، 1/ 69.

ب- الغرابة

السيّن، ولا الضاد، ولا الذّال، بتقديم ولا بتأخير. وهذا باب كبير. وقد يكتفى بذكر القليل حتى يستدلّ به على الغاية التي إليها يجرى». ب- الغرابة: اللفظ الغريب: هو الذي مات استعماله، وغدا من الحوشي الذي يحتاج في التعرف إلى دلالته إلى المعجمات. والحكم في قضية الغرابة الأدباء والشعراء لا العامة، وإلا صار مجمل اللغة غريبا غير فصيح. قال أبو الطيب (الكامل) (¬1): جفخت وهم لا يجفخون بها بهم … شيم على الحسب الأغرّ دلائل فالفعل جفخ يعني قاموسيا تكبّر وفخر وقد لجأ إليه المتنبي ليتحدّى أعداءه في البلاط. وإذا كان النقاد قد ذهبوا إلى أن اللجوء إلى الغريب عجز في صاحبه فمن السهل على المتنبي إحلال (فخرت) مكان (جفخت) و (يفخرون) محل (يجفخون) ليبتعد عن الغريب. ولهذا فإن الضرورة أو العجز لم يلجئاه إلى الغريب، ولكن الرغبة في التمايز والانفراد هي التي دفعته إلى اختيار اللفظ الغريب. ولعل البيت مصاب بعيب آخر غير الغرابة. ألا يصح اتهام اللفظ نفسه (جفخت) بتنافر الحروف؟ ألا يتهم البيت أيضا بالتعقيد اللفظي المتمثل في تكرار الضمائر الموقع في صعوبة ردها إلى أصحابها (بها، بهم). هذا التعقيد اللفظي أوقع في تعقيد معنوي حتى صار البيت بحاجة إلى شحذ الحس اللغوي، وإعادة صياغته لنظم البيت وصولا إلى المعنى. والنظم المعنوي للبيت هو: جفخت بهم شيم على الحسب الأغرّ دلائل، وهم لا يجفخون بها. ¬

_ (¬1). ديوان المتنبي، شرح العكبري، 3/ 258.

إن الكلام على غرابة اللفظ حمل النقاد على الحديث عن التفاضل بين لفظ وآخر. ورأى الجرجاني أن الكلمتين المفردتين لا تتفاضلان (¬1) «من غير أن ينظر إلى مكان تقعان فيه، من التأليف والنظم، بأكثر من أن تكون هذه مألوفة مستعملة، وتلك غريبة وحشيّة، أو أن تكون حروف هذه أخف، وامتزاجها أحسن». وإذا كان الجرجاني قد فضل الكلمة المألوفة على الغريبة الوحشية، والخفيفة على اللسان على الثقيلة عليه، فإنه في الواقع قد أهمل الدوافع النفسية التي تحمل الشاعر على تفضيل الغريب مع قدرته على استخدام المألوف كتلك التي حملت المتنبي على تفضيل (جفخت) على (فخرت). ولعل الجرجاني قد أدرك الخلل في نظرته هذه إلى التفاضل فقال: «فقد اتضح إذن اتضاحا لا يدع للشك مجالا أن الألفاظ لا تتفاضل من حيث هي ألفاظ مجردة، ولا من حيث هي كلمة مفردة، وأن الألفاظ تثبت لها الفضيلة وخلافها في ملاءمة معنى اللفظة لمعنى التي تليها، أو ما أشبه ذلك مما لا تعلق له بصريح اللفظ». وهكذا يرى الجرجاني أن الفصاحة والبلاغة ليستا في اللفظ المفرد إلا إذا انتظم في سياق. وهو محقّ في ذلك لأن الكلمة بمفردها مشروع معنى يحدّده ويقيّده السياق. وإذا كان الجرجاني قد ذهب إلى أن (¬2) «الكلمة تروقك وتؤنسك في موضع، ثم تراها بعينها تثقل عليك وتوحشك في موضع آخر» فإنني أذهب إلى أن (جفخت) فصيحة في سياقها على الرغم من تنافر حروفها وحوشيتها؛ لأنها رصفت في سياق لا يليق به غيرها. ¬

_ (¬1). دلائل الإعجاز، الجرجاني، ص 36. (¬2). دلائل الإعجاز، الجرجاني، ص 38.

ج- مخالفة القياس اللغوي

ج- مخالفة القياس اللغوي: قال أبو النّجم العجليّ (¬1) (الرّجز) الحمد لله العليّ الأجلل … الواهب الفضل الكريم المجزل وقال المتنبي (¬2) (الطويل): ولا يبرم الأمر الذي هو حالل … ولا يحلل الأمر الذي هو مبرم توافرت لأبي النجم والمتنبي شروط الإدغام ولكن الضرورة ألجأتهما إلى فكّه في كلّ من (الأجلل- الأجلّ) و (حالل- حالّ) و (يحلل- يحلّ) وفي هذه الضرورة مخالفة للقياس الصرّفي. ومن مخالفة القياس الصرفي ما نجده من أخطاء شائعة على ألسنة الناس وفي كتابات بعض المحدثين كأن يقولوا: السيارة المباعة، ونضوج الفاكهة يزيدها حلاوة، وهذه عصاتي وغير ذلك. والقياس الصرفي يقضي بقول: السيارة المبيعة، ونضج الفاكهة ونضجها، وهذه عصاي. فالكاتب المبدع، والشاعر المفلق، يتحرى صحة الألفاظ وجريانها على قواعد الصرف والنحو، ويبتعد عن الألفاظ العامية المبتذلة. ولقد خالف بعض النقاد القدامى هذا المبدأ، فابن الأثير ينبّه إلى أنه (¬3) «ينبغي لك أن تعلم أن الجهل بالنحو لا يقدح في فصاحة ولا بلاغة» وفي هذا الحكم ضرب من المغالاة- في رأينا- لأن الفصاحة وضوح وتبيين ورفع المفعول ونصب الفاعل لا يوضحان المعنى، ¬

_ (¬1). خزانة الأدب، البغدادي 2/ 390. (¬2). ديوان المتنبي، شرح العكبري 4/ 85. (¬3). المثل السائر، ابن الأثير، تحق أحمد الحوفي وبدوي طبانة ج 1 / ص 425.

ثانيا- فصاحة المركب (فصاحة الكلام)

علاوة على أن الأدب آلته اللغة فإذا كانت اللغة ركيكة ذهب رونق الأدب. وذهب ابن خلدون إلى موقف شبيه بموقف ابن الأثير عندما رأى (¬1) «أن الإعراب لا دخل له في البلاغة، فالدلالة بحسب ما يصطلح عليه أهل الملكة. فإذا عرف اصطلاح في ملكة، واشتهر، صحّت الدلالة. وإذا طابقت تلك الدلالة المقصود ومقتضى الحال صحت البلاغة ولا عبرة بقوانين النحاة». إن الاستخفاف بقوانين النحاة، لا يخدم الإبداع بل يعارضه. والقدامى اشترطوا صحّة القياس ليبقى التواصل ولتتأصل الملكة ولأنهم أدركوا أن فشوّ اللحن قد عطّل آلة البلاغة كما عطّل حسن السليقة وتمكّن الملكة. ونهض من بين المحدثين من يؤكد (¬2) «أهمية اتباع نظام موحد في التعامل مع اللغة حفاظا على سلامة النظام اللغوي في أبنيته ومفرداته، لكن لا ينبغي- في الوقت نفسه- التعويل دائما على القياس والخضوع المطلق لكل ما يفرضه» وردّنا على هذا لا يختلف كثيرا عن رأينا في ما تقدم من كلام على رأيي ابن الأثير وابن خلدون. ثانيا- فصاحة المركب (فصاحة الكلام): وضع البلاغيون أربعة شروط لفصاحة الكلام هي: ¬

_ (¬1). مقالة في اللغة الشعرية، محمد الأسعد، ص 16. (¬2). البحث البلاغي عند العرب، تأصيل وتقييم، د. شفيع السيد، ص 138 - 139.

1 - سلامته من ضعف التأليف

1 - سلامته من ضعف التأليف: وتعني السلامة هذه خلو الكلام من الخطأ النحوي والصرفي، وجريانه على قواعد النحو المطردة، كقول حسان (الطويل) (¬1): ولو أن مجدا أخلد الدّهر واحدا … من الناس أبقى مجده الدّهر مطعما أعاد الشاعر الضمير المتصل بالفاعل على متأخر لفظا ورتبة. الهاء في مجده عائدة على (مطعما) وهو متأخر في اللفظ والرتبة لأنه مفعول به. وهذا ممنوع عند جمهور البصريين، ولكن بعض الكوفيين، وابن جنّي أجازوا ذلك. والمتتبّع لدواوين الشعراء القدامى، وكتابات المحدثين يرى أن هذه الظاهرة شاعت وليست من جنايات الترجمة كما ذهب إلى ذلك المخطّئون. ويبدو أن شيوعها قد سبق لغة الصحافة لأن الشعراء الذين يحتج بشعرهم قد فعلوا ذلك. والأغرب أن واضع علم النحو قد فعل ذلك في شعره عند ما قال (¬2) (الطويل): جزى ربّه عنّي عدّي بن حاتم … جزاء الكلاب العاويات وقد فعل فكيف تكون هذه الظاهرة ممنوعة عند النحويين وأبو النحو يستخدمها في شعره؟ وأين مصداقيّة المنظّر إذا خالفت الممارسة التنظير؟ ¬

_ (¬1). شرح ديوان حسان، شرح البرقوقي، ص 454. (¬2). ديوان أبي الأسود الدّؤلي، تحق محمد حسن آل ياسين، دار الكتاب الجديد، بيروت 1974 ص 162.

2 - سلامته من تنافر الحروف في الكلمات المتتابعة

2 - سلامته من تنافر الحروف في الكلمات المتتابعة: وهذا يعني ألا يكون بين الكلمات المتتابعة مجتمعة في تركيب انسجام وتآلف بحيث تتقل على اللسان، ويصعب التلفظ بها وإن كانت كلّ كلمة بمفردها خفيفة لا تقل فيها. وذكر الجاحظ قولا للأصمعي جاء فيه (¬1) «ومن ألفاظ العرب ألفاظ تتنافر، وإن كانت مجموعة في بيت شعر لم يستطع المنشد إنشادها إلا ببعض الاستكراه. فمن ذلك قول الشاعر (السريع): وقبر حرب بمكان قفر … وليس قرب قبر حرب قبر ولما رأى من لا علم له أن أحدا لا يستطيع أن ينشد هذا البيت ثلاث مرات في نسق واحد فلا يتتعتع ولا يتلجلج، وقيل لهم: إن ذلك إنما اعتراه، إذ كان من أشعار الجن، صدّقوا ذلك» (¬2). إذا عدنا إلى كل لفظة بمفردها من ألفاظ البيت وجدناها خالية من تنافر الحروف، لا ثقل فيها على اللسان، ولكن عند اجتماعها في تعبير بدت متنافرة، لا تآلف بينها ولا تجانس، حتى ليتعثّر اللسان بنطقها مجتمعة. ورأى الجاحظ أنه إذا (¬3) «كانت ألفاظ البيت من الشعر لا يقع بعضها مماثلا لبعض، كان من التنافر ما بين أولاد العلات «*». وإذا كانت الكلمة ليس موقعها إلى جنب أختها مرضيّا موافقا، كان على اللسان عند إنشاد ذلك الشعر مؤونة». ¬

_ (¬1). البيان والتبيين، الجاحظ 1/ 65. (¬2). راجع قصة البيت في الحيوان، الجاحظ، 6/ 207. (¬3). البيان والتبيين، الجاحظ 1/ 66 - 67. (*) أولاد العلة: هم أبناء رجل واحد من أمهات شتى.

3 - سلامته من التعقيد اللفظي

ولهذا خلص إلى القول (¬1): «وأجود الشعر ما رأيته متلاحم الأجزاء، سهل المخارج فتعلم بذلك أنه قد أفرغ إفراغا واحدا، وسبك سبكا واحدا، فهو يجري على اللسان كما يجري الدّهان». 3 - سلامته من التعقيد اللفظي: رأى البلاغيون أن التعقيد اللفظي يعني أن يأتي الكلام خفي الدلالة على المعنى المراد لخلل واقع في نظمه وتركيبه، بحيث لا يأتي رصف الألفاظ وفق ترتيب المعاني، وسبب ذلك اعتماد الفصل بين كلمات توجب اللغة عدم الفصل بينها، وتأخير الألفاظ عن مواطنها الأصلية لغرض غير بلاغي. ونقدم مثالا على التعقيد اللفظي قول الفرزدق (¬2) (الطويل): وما مثله في الناس إلا مملّكا … أبو أمّه حيّ أبوه يقاربه فضرورة الوزن حملته على التعقيد، ففصل بين البدل (حيّ) والمبدل منه (مثله)، وقدّم المستثنى (مملّكا) على المستثنى منه (حيّ)، وفصل بين المبتدأ والخبر (أبو أمه أبوه) بأجنبيّ وهو (حي)، وبين الصفة والموصوف (حي يقاربه) بأجنبي هو (أبوه). ورصف البيت ونظمه بحسب المعاني هو: ليس كالممدوح في الناس حيّ يقاربه في الفضائل إلا ملكا، أبو أم ذلك الملك أبو الممدوح. لذلك كان على القارئ أو السامع أن يطلب المعنى بالحيلة، وأن يسعى إليه من غير الطريق. ¬

_ (¬1). البيان والتبين، الجاحظ 1/ 67. (¬2). ديوان الفرزدق، ص 26.

4 - سلامته من التعقيد المعنوي

4 - سلامته من التعقيد المعنوي: ويقصد بالتعقيد المعنوي الكلام الذي خفيت دلالته على المعنى لخلل واقع في معناه، بسبب انتقال الذهن من المعنى الأول المفهوم لغة من اللفظ، إلى المعنى الثاني المقصود بحيث يحتاج المعنى البعيد إلى تكلّف وتعسّف في التفسير. ومن التعقيد المعنوي ما جاء في قول العبّاس بن الأحنف (¬1) (الطويل): سأطلب بعد الدّار عنكم لتقربوا … وتسكب عيناي الدموع لتجمدا طلب الشاعر البعد عن أحبّته غير عابئ بآلام البعد لتعليله نفسه بوصال دائم، وفرح لا يزول بعد أن عاد من سفره غنيّا ليطول اجتماعه بأحبته. فقد عبر الشاعر عما يوجبه فراق الأحبة من لوعة وحزن ب (تسكب عيناي الدموع) فكان مجيدا في تعبيره لأنّ البكاء أمارة على الحزن، وكنى ب (جمود العين) عن السرور والبهجة اللذين أصاباه بعد اجتماعه بأحبته. لكنه أخطأ الهدف لأن جمود العين يعني جفاف الدمع وعدم جريانه عند الدافع إليه (الحزن على فراق الأحبة) لا عمّا أراده من السرور، إذ متى كان البكاء أمارة على السرور؟ أضاف المحدثون عيبا خامسا هو: 5 - كثرة التكرار وتتابع الإضافات: مثال ذلك قول المتنبي في فرسه (¬2) (الطويل): وتسعدني في غمرة بعد غمرة … سبوح لها منها عليها شواهد ¬

_ (¬1). ديوان العبّاس بن الأحنف. (¬2). ديوان المتنبي، شرح العكبري 1/ 270.

تتابعت في البيت حروف الجر ومجروراتها، وكذلك الضمائر مما أفضى إلى ثقل الكلام على اللسان. وتكرار غمرة أسقط عنها طاقة الإيحاء. قال الشاعر عبد الرزاق عبد الواحد في قصيدة بعنوان (¬1) (براءة 1954): من طيبتي، … من كبريائي من أصدقائي … من كل ما قدّست، ما آمنت أنّ به بقائي … من ذكرياتي من حاضري، … من كل آت من والدي وسحابة الستّين في عينيه تهمي … من إخوتي حتى الصغير، ومن أخيّاتي وأمّي … من كل إنسانيّتي من كل إيثاري لغيري … من كل شعري. ففي الأسطر الأربعة عشر تكرّر حرف الجر (من) ثلاث عشرة مرة، بحيث تصدّر ثلاثة عشر سطرا. وتكرّرت (كلّ) خمس مرات ¬

_ (¬1). الأعمال الشعرية، عبد الرزاق عبد الواحد، المجلد الأول ص 193 - 194.

3 - 3 - الأسلوب

حتى كان تكرارهما مدروسا فاشتد من خلال التكرار عمق شعورنا بالمأساة، وكانت الكلمة منطلقا ولم تكن مجرد متكأ يتوكأ عليه الشاعر منطلقا إلى موضوعات جديدة. لهذا كان هذا التكرار مدروسا ساعد الشاعر على إفراغ عواطفه وإبراز انفعالاته المتفجرة وكانت المرة الأولى تدفع إلى شيء لاحق وهكذا على التوالي حتى بقيت طاقة الإيحاء فيها مهيمنة، ولم يكن التكرار سبيلا إلى السأم وتهرؤ الصيغ ومعانيها. ليحافظ الشاعر على ألق العبارة يجب أن يكون التكرار في قصيدته مدروسا يبعد شبح الموت عن المعاني المكررة، ويبعث ألقا في الألفاظ بحيث تحتفظ بقدرتها الإيحائية العاملة على إثارة جديد لاحق لا إماتة معنى يشيع على مساحة القصيدة. 3 - 3 - الأسلوب: جاء في اللسان (سلب) «يقال للسّطر من النخيل: أسلوب. وكل طريق ممتدّ فهو أسلوب: قال: والأسلوب الطريق والوجه والمذهب ... والأسلوب: الطريق تأخذ فيه، ... والأسلوب: الفن، يقال: أخذ فلان في أساليب من القول، أي: أفانين منه». يكتشف المتأمل في هذا الكلام المعنى القديم للأسلوب والأصل الذي بقي محافظا على كيانه يوم توسّعت الدلالة وانزاحت من سطر النخيل إلى سطر الكلام، حتى استقرّت دلالته بوشاحها الفني فالأسلوب هو الفن. وأساليب القول: أفانينه، ولعلّه من الضروري الكلام على الأساليب لأن أساليب القول هي التي أنشأت مذاهب أدبية وتيارات ومدارس شعرية. وقد جمح بعض الكتاب والشعراء في العناية بنتاجهم حتى قدّموا الأسلوب على الأفكار. وذهب بعضهم إلى القول: ليس المهم ما تقول، بل المهم كيف تقول. وشعراء الحداثة لم يثوروا على مضمون القصيدة بقدر ما ثاروا على مبناها وأسلوبها. وهذا أدونيس

يقول (¬1): «يمكن اختصار معنى الحداثة بأنه التوكيد المطلق على أوّلية التعبير، أعني أن طريقة القول أو كيفية القول أكثر أهمية من الشيء المقول، وأن شعرية القصيدة أو فنيتها في بنيتها لا في وظيفتها». وإذا كان «لسان العرب» قد أعطى المعنى القاموسي للفظ فإن معجمات المصطلحات توكأت على هذا المعنى وطوّرته، لا بل حدّثته. جاء في معجم المصطلحات العربية (¬2): «الأسلوب بوجه عام هو: طريقة الإنسان في التعبير عن نفسه كتابة» وهذه الطريقة تتناول الألفاظ التي يختارها الإنسان والتراكيب والجمل التي ترصف فيها هذه الألفاظ. فمن هذه التراكيب ما يكون معقّدا، ومنها ما يكون سهلا واضحا، ومنها المتأنق الموشّح بضروب البديع والبيان، ومنها البسيط المباشر الذي لا يعتني بالمحسنات على ضروبها المتعددة. من هنا علاقة الأسلوب بصاحبه وبمقدرته على استغلال خزائن اللغة واكتناه جواهرها. فمن الناس من يغرم بجمع العاديات، ومنهم من يبحث عن الجديد، ومنهم من يتوخى البساطة في التعبير، ومنهم من يتكلف القول ويتمحّل طرقا جديدة في الصياغة والعلاقات بين الألفاظ حتى لتبدو العبارة لعبة جديدة لا يتقن غيره استخدامها. ولهذا كان المحدثون ينشدون البحث عن أساليب جديدة في البحث البلاغي لأنهم جددوا الأساليب وتخطوا قواعد البلاغيين القديمة المتخلّفة عن مواكبتهم ولأن القواعد سلطة يجب تدميرها. حاول المحدثون تعريف الأسلوب تعريفا جامعا، فقال أحمد الشايب (¬3): «الأسلوب هو طريقة الكتابة، أو طريقة الإنشاء، أو طريقة اختيار الألفاظ وتأليفها للتعبير عن المعاني قصد الإيضاح والتأثير، أو ¬

_ (¬1). مجلة فصول العدد 4 سنة 1984، ضمن مقال لجابر عصفور ص 43. (¬2). معجم المصطلحات العربية في اللغة والأدب، وهبة- المهندس، ص 22. (¬3). الأسلوب، أحمد الشايب، مكتبة النهضة المصرية ط/ 5 ص 44.

1 - الأسلوب العلمي

الضرب من النظم فيه ... إنه باختصار طريقة التفكير والتصوير والتعبير». وبما أنه طريقة التفكير والتصوير والتعبير فقد قسمه البلاغيون ثلاثة أقسام هي: 1 - الأسلوب العلمي: عرّفه معجم المصطلحات بقوله (¬1): «هو الأسلوب الواضح المنطقي البعيد عن الخيال الشعري، وذلك كالأساليب التي تكتب بها الكتب العلمية». وليكون الأسلوب واضحا فإنه محتاج إلى المنطق السليم، والفكر المستنير البعيد عن التهويم والتخفي وراء الغموض الفكري أو الفني، فلا يخوض في الصور الشعرية المعقدة لأنه يخاطب العقل، ولا ينشد خلق حالة شعرية عند المتلقّي، فهو يتوجّه إلى العقل ليقنعه لا إلى القلب ليثيره. لهذا كان الوضوح من أبرز مقوماته. هذا الوضوح يقضي باختيار ألفاظ تقنية لا تقصّر عن أداء المعنى، ولا هي تعطيه أكثر من دلالتها القاموسية أو الاصطلاحية. لهذا وجب تجنب ألفاظ التضادّ والمشترك اللفظي، لأنها تعطّل عملية التواصل الصحيح. ولتوضيح الفكرة يستعين العلماء بلغة فيها بعض العناصر الشارحة كالنعت، والمضاف إليه، والحال، والتمييز، لكنّهم يبتعدون حتما عن الغريب والحوشي من الألفاظ، ويتحاشون الوقوع في التعقيد اللفظي والمعنوي اللذين تحدثنا عنهما سابقا. كما أنهم يبتعدون عن بعض أساليب البلاغة من كنايات، وتوريات وأساليب المجاز والمحسّنات التي تقود المعتني بها إلى مسالك تبعده عن غايته الأساسية. ¬

_ (¬1). معجم المصطلحات العربية في اللغة والأدب، وهبة- المهندس، ص 24.

2 - الأسلوب الأدبي

وربّما سمح العلماء لأنفسهم باعتماد التشبيه الواضح الذي يستوفي أركانه لأنّه يساعدهم في التقريب بين الشائع المتداول من الأشياء والجديد الذي لم تألفه العيون والأفكار. 2 - الأسلوب الأدبي: عرفه معجم المصطلحات بقوله (¬1): «هو الأسلوب الجميل ذو الخيال الرائع والتصوير الدقيق الذي يظهر المعنويّ في صورة المحسوس والمحسوس في صورة المعنوي» يشيع هذا الأسلوب في الشعر والنثر الفني. يوظّف فيه الشاعر أو الكاتب طاقاته الإبداعية كلها لأن الهدف الرئيسي الذي يسعى إلى تحقيقه يبقى إثارة الانفعال في نفوس الآخرين وتحقيق نقلة بين مشاعره ومشاعرهم. فالأسلوب الأدبي عاطفي بالدرجة الأولى، ولا يكتب صاحبه إلا في درجة الغليان العاطفي لهذا كان الانفعال أبرز مقوّماته. وهو قائم على التخييل ومطالب بالتشكيل فلا يقبل فيه الكلام كيفما اتفق. فالعبارة يجب أن تكون فخمة محلّاة بالصور، مكسوّة بضروب البديع والبيان، مشعّة بألفاظ موحية تتشظّى معانيها وتقبل قراءات شتى، ويكثر فيها التأويل لأنها تتوسع في احتواء المجاز، والاستعارة، والكناية، والتورية، وما إلى ذلك من ضروب البديع والبيان. ولهذا فإن الأسلوب الأدبي مطالب بتوظيف الصور البلاغية على اختلاف درجاتها وأنواعها. ولكنّ صاحبه مطالب دائما بالبعد عن التكلف والتعسف والاقتراب من العفوية والطبعية مع مراعاة لأصول الفنّية الراقية البعيدة عن المباشرة والابتذال. ¬

_ (¬1). معجم المصطلحات العربية في اللغة والأدب، وهبة- المهندس، ص 23.

3 - الأسلوب الخطابي

3 - الأسلوب الخطابي: عرّفه معجم المصطلحات بقوله (¬1): «هو الذي يمتاز بقوة المعاني والألفاظ ورصانة الحجج، كما يمتاز بالجمال والوضوح وكثرة المترادفات والتكرار». الخطابة- كما قال القدامى- فنّ يهدف إلى الإقناع والتأثير. وللوصول إلى الإقناع كان على الخطيب أن يتحلى بقوة المعاني وجزالة الألفاظ، وبالحجة والبرهان الساطع الذي يسقط دليل المخاطبين ويفضح زيف ادعاءاتهم. فالعقل الخصيب يستنبط الحجج والأدلة والبراهين التي ترسّخ مقولة الخطيب وتقنع المخاطبين بوجهة نظره. ولأن الخطبة تلقى في حفل فإن أمورا شكلية تتدخل لإنجاحها. فنبرات صوت الخطيب وحسن إلقائه، ومحكم إشاراته، عناصر مساعدة على أداء خطابي ناجح. كما يعمد الخطيب إلى التكرار الذي يقتضيه المقام. فالمخاطبون قد يتخلفون عن تتبّع أفكار الخطيب فيلجأ إلى التكرار اللفظي أو المعنوي ليثبت الفكرة في عقولهم. هذا التكرار مستحبّ في الخطبة شريطة أن يراعى مستوى المخاطبين الفكري والثقافي، ولهذا نرى الخطيب الناجح لا يميت الطاقة الإيحائية الكامنة في الألفاظ المكررة بل يلجأ إلى المرادفات ويتقرّب من مخاطبيه بضرب الأمثال والابتعاد عن الرّتابة المملة بتمويج العبارة بين الخبر والإنشاء والتنقل بين التقرير والاستفهام والتعجب والاستنكار. وكثيرا ما يلجأ الخطيب إلى الطباق الموظف توظيفا حسنا ليبين الفرق بين حال قائمة وحال زائلة، بين ما هو كائن، وبين ما هو واجب أن يكون. وكذلك المقابلة التي تقوم على تعدد الطباقات التي تخاطب العقول والقلوب وتؤثر في الحواس وتأسر الأسماع. وفي الأسلوب الخطابي ¬

_ (¬1). معجم المصطلحات العربية في اللغة والأدب، وهبة- المهندس، ص 23.

يزواج الخطيب بين المباشرة عندما يرى أن تسمية الأمور بأسمائها مفيدة ومساعدة على الإقناع- وبين الفنية العالية التي تخاطب ذكاء المخاطبين وقدرتهم على التحليل والفهم والاستنتاج.

بين الفصاحة والبلاغة

بين الفصاحة والبلاغة ألفاظ الأديب التي يستخدمها في فنّه هي نفسها تلك الألفاظ التي يستخدمها جميع الناس في كلامهم، ويتحدثون بها ويكتبون، لكنه يستطيع بهذه الأداة المألوفة حين يحسن التوفيق بين حروفها، وتركيب ألفاظها، واختيار الأصلح منها أن ينطق بالسحر الحلال، الذي تقبله النفس، وينشرح له الصدر، ويمكنه بهذا أن يخرج فنا يفوق جميع الفنون، ويسمو عليها. وإذا صدر الكلام من المتحدث على تلك الصورة وصفه النقاد والبلاغيون بالفصاحة والبلاغة، وقد شاع استعمالهما في كتب النقد والبلاغة، وعرفهما العرب صنوين تستعملان معا، أو تستعمل الواحدة مكان الأخرى (¬1). وكان النقاد والبلاغيون الأوائل لا يفرقون بينهما. فالجاحظ في كتابه «البيان والتبيين» يجعل الفصاحة والبلاغة والبيان مترادفات تدل على معنى واحد. أما أبو هلال العسكري فقد أورد فيهما رأيين: الأول: «أن الفصاحة والبلاغة ترجعان إلى معنى واحد، وإن اختلف أصلهما، لأن كل واحد منهما إنما هو الإبانة عن المعنى والإظهار له» (¬2). والثاني يقول فيه: إن الفصاحة مقصورة على اللفظ، والبلاغة مقصورة على المعنى: «ومن الدليل على أن الفصاحة تتضمن اللفظ، والبلاغة تتضمن المعنى، أن الببغاء يسمّى فصيحا ولا يسمى بليغا إذ هو مقيم الحروف وليس له قصد إلى المعنى الذي يؤديه، وقد يجوز مع ¬

_ (¬1). المعاني في ضوء أساليب القرآن، د. عبد الفتاح لاشين، ص 59. (¬2). كتاب الصناعتين، العسكري ص 13.

هذا أن يسمى الكلام الواحد فصيحا بليغا إذا كان واضح المعنى، سهل اللفظ، جيد السبك، غير مستكره فجّ، ولا متكلف وخم، ولا يمنعه من أحد الاسمين شيء فيه من إيضاح المعنى وتقويم الحروف» (¬1). أما صاحب الصّحاح فقد قال: البلاغة هي الفصاحة (¬2). وابن سنان قال عنهما: «إن الفصاحة مقصورة على وصف الألفاظ، والبلاغة لا تكون إلا وصفا للألفاظ مع المعاني، لا يقال في كلمة واحدة لا تدل على معنى يفضل عن مثلها بليغة وإن قيل فيها فصيحة، وكل كلام بليغ فصيح، وليس كل فصيح بليغا» (¬3). وقال عنهما ابن الأثير: «وسمي الكلام بليغا لأنه بلغ الأوصاف اللفظية والمعنوية، والبلاغة شاملة للألفاظ والمعاني، وهي أخص من الفصاحة، كالإنسان والحيوان، فكل إنسان حيوان وليس كل حيوان إنسان وكذلك يقال: كل كلام بليغ فصيح، وليس كل كلام فصيح بليغا» (¬4). أما الخطيب القزويني فهو آخر من وقف عند البلاغة من المتأخرين، فجمع بحوث العلماء الذين سبقوه، ورتب بحث الألفاظ ترتيبا علميا فجعل البحث عن معنى «الفصاحة» مقدمة لعلوم البلاغة، وأصبح للفصاحة مضمونها وجعلها صفة للكلمة المفردة، والكلام والمتكلم، فقال: «للناس في تفسير الفصاحة والبلاغة أقوال مختلفة، لم أجد- فيما بلغني منها- ما يصلح لتعريفها به، ولا ما يشير إلى الفرق بين كون الموصوف بهما الكلام وكون الموصوف بهما المتكلم؛ فالأولى أن نقتصر على تلخيص القول فيهما بالاعتبارين، فنقول: ¬

_ (¬1). المصدر نفسه، ص 14. (¬2). الصحاح مادة «بلغ». (¬3). سرّ الفصاحة، ابن سنان، ص 49. (¬4). المثل السائر، ابن الأثير 1/ 118.

كل واحدة منهما تقع صفة لمعنيين: احدهما: الكلام، كما في قولك «قصيدة فصيحة، أو بليغة» و «رسالة فصيحة، أو بليغة». والثاني: المتكلم، كما في قولك «شاعر فصيح، أو بليغ» «وكاتب فصيح أو بليغ». والفصاحة خاصة تقع صفة للمفرد؛ فيقال: «كلمة فصيحة» ولا يقال: «كلمة بليغة» (¬1). وعلى هذا فالبلاغة كل والفصاحة جزؤه، وعليه أيضا: الفصاحة من صفات المفرد كما هي من صفات المركب، وهذا الرأي هو الذي استقرّت عليه بحوث البلاغة أخيرا (¬2). ¬

_ (¬1). الإيضاح، الخطيب القزويني ص 72. (¬2). المعاني في ضوء أساليب القرآن د. عبد الفتاح لاشين، ص 64.

تمرينات

تمرينات 1 - قال صفي الدين الحلي (ت 750 هـ) (الخفيف): 1. إنما الحيزبون والدّردبيس وال … طّخا والنّقاخ والعلطبيس 2. والغطاريس والعقنفس والغر … نق والخربصيص والعيطموس 3. لغة تنفر المسامع منها … حين تروى، وتشمئزّ النفوس 4. أين قولي: هذا كثيب قديم … ومقالي: عقنقل قدموس؟ 5. خلّ للأصمعيّ جوب الفيافي … في جفاف تخفّ فيه الرؤوس 6. إنما هذه القلوب حديد … ولذيذ الألفاظ مغناطيس أسئلة: 1 - ما الذي أخلّ بفصاحة المفرد في هذه الأبيات؟ أدرس ذلك بالتفصيل. 2 - طرح الشاعر في أحد الأبيات سؤالا استنكاريا بيّن موقفه فيه من الغريب. دلّ على هذا البيت واشرحه مبيّنا رأيك. 3 - طرح الشاعر في أحد الأبيات رأيه في اللغة الواجب اعتمادها لتأسر المسامع والنفوس. دلّ عليه، واشرحه مبينا رأيك في موقفه هذا. قاموس المفردات: 1 - الحيزبون: المرأة العجوز. الدّردبيس: الرجل الهرم. الطخا: السحاب الرقيق المرتفع. النقاخ: الخالص من كل شيء، أو الماء البارد والنوم في أمن وعافية. العلطبيس: الأملس البراق.

2 - الغطاريس: جمع غطريس، وهو المتكبر. العقنفس: السيء الخلق. الغرنق: الأبيض الناعم. الخربصيص: القرط في الأذن. العيطموس: المرأة الطويلة الجميلة. 3 - عقنقل: كثيب من الرمل المتراكم. قدموس: قديم. 4 - جوب الفيافي: اجتياز الصحارى. 2 - قال الشاعر: 1. أضهلتني لمّا مدحتك جاعلا … إياك في يوم النّزال فدوكسا 2. وجعلت زندك خنشليلا ماضيا … منه أديم الأرض بالجثث اكتسى 3. لم أحظ منك بغير ماء بارد … فمتى نقاخ الماء أحيا الأنفسا؟ ... 4. أحيك الثّوب يلبسه صديقي … وموددة الصديق ليوم ضيق 5. وأشعر بالتعاسة حين يمسي … تعيس الحظّ في الدنيا رفيقي 6. رفيقي كان بهلولا فأمسى … قليل الخير يصفع في الطريق. ... 7. عانيت يوما في الجبال عصبصا … فنزلت عن قمم الجبال لأهربا 8. شللت يميني عند مسّ الماء من … وديانها فعزمت أن لا أشربا ... أسئلة: 1 - ما الذي أخل بفصاحة المفرد في هذه الأبيات جميعها؟ 2 - فتش في (لسان العرب) عن معاني المفردات الآتية: التعاسة، تعيس، بهلول، عصبصبا مبينا بعد ذلك أسباب عدم فصاحتها.

3 - في البيت الرابع موضعان فيهما إخلال بفصاحة المفرد. ابحث عنهما مبينا السبب. قاموس المفردات: 1 - أضهل: أعطى القليل. الفدوكس: الأسد. 2 - الخنشليل: السيف. 3 - نقاخ: عذب. 3 - قال الشاعر: 1. لك الخير غيري رام من غيرك الغنى … وغيري بغير اللاذقية لاحق 2. وازورّ من كان له زائرا … وعاف عافي العرف عرفانه 3. أنّى يكون أبا البرايا آدم … وأبوك والثقلان أنت محمد؟ 4. ومن جاهل بي وهو يجهل جهله … ويجهل علمي أنه بي جاهل 5. لمّا رأى طالبوه مصعبا ذعروا … وكاد لو ساعد المقدور ينتصر 6. وليست خراسان التي كان خالد … بها أسد إذ كان سيفا أميرها 7. ألا ليت شعري هل يلومنّ قومه … زهيرا على ما جرّ من كل جانب أسئلة: 1 - ما الذي أخلّ بفصاحة الكلام في هذه الأبيات المتفرقة؟ 2 - أعد رصف البيت الثالث بحسب معانيه وتبيّن بعد ذلك ما وقع فيه من خلل في فصاحة الكلام. 3 - ما العيب الذي أخل بفصاحة الكلام في البيت الثاني؟ أشرحه.

4 - جاء في كتاب الصناعتين ص 34: ... حدثني سعيد بن حميد، قال: نظر رجل إلى علقمة، وتحته بغل مصريّ حسن المنظر؛ فقال: إن كان مخبر هذا البغل كمنظره فقد كمل. فقال أبو علقمة: والله لقد خرجت عليه من مصر، فتنكّبت الطريق مخافة السّرّاق، وجور السلطان؛ فبينما أنا أسير في ليلة ظلماء قتماء طخياء (¬1) مدلهمّة حندس (¬2) داجية، في صحصح (¬3) أملس، إذ أحسن بنبأة (¬4) من صوت نغر (¬5)، أو طيران ضوع (¬6)، أو نغض سبد (¬7)؛ فحاص عن الطريق متنكّبا لعزّة نفسه، وفضل قوّته، فبعثته باللّجام فعسل (¬8)، وحرّكته بالركاب فنسل (¬9)، وانتعل الطريق يغتاله معترما، والتحف الليل لا يهابه مظلما. فو الله ما شبّهته إلا بظبية نافرة، تحفزها فتخاء شاغية (¬10). قال الرّجل: ادع الله وسله أن يحشر هذا البغل معك يوم القيامة، قال: ولم؟ قال: ليجيزك الصّراط بطفرة (¬11). أسئلة: 1 - ما الذي أخل بفصاحة المفرد في هذا النص؟ 2 - هل ترى فيه إخلالا بفصاحة المركّب؟ اشرحه. قاموس المفردات: ¬

_ (¬1) طخياء: مظلمة. (¬2) الحندس: الليل المظلم. (¬3) الصحصح: ما استوى من الأرض. (¬4) النبأة: الصوت الخفي. (¬5) نغر: فرخ العصافير. (¬6) ضوع: طائر من طيور الليل. (¬7) النغص: التحرك. والسّبد: طائر ليّن الريش إذا وقع عليه قطرتان من الماء جرى. (¬8) عسل: اضطرب في عدوه وهزّ رأسه. (¬9) نسل: أسرع. (¬10) فتخاء: عقاب لينة الجناح. والشاغية: وصف لنوع منها. (¬11) الطفرة: الوثبة المرتفعة.

علوم البلاغة قسم البلاغيّون علوم البلاغة ثلاثة أقسام هي: 1. علم المعاني: وأبرز موضوعاته: - الإسناد الحقيقي والإسناد المجازي، وأحوال المسند والمسند إليه. - الخبر والإنشاء وأغراضهما وأقسامهما. - القصر وطرقه. - الفصل والوصل ومواضعهما. - الإيجاز والإطناب والمساواة. 2. علم البيان: وأبرز أبوابه: - التشبيه وأنواعه وأغراضه وقيمته الجمالية. - الحقيقة والمجاز وأنواعهما. - الاستعارة وأنواعها. - الكناية وأقسامها وأنواعها. - الصورة الشعرية ومكوّناتها بين النقد والبلاغة. 3. علم البديع: وأبرز أبوابه: أ- المحسّنات المعنوية: الطّباق، المقابلة، المبالغة، التورية، الالتفات، اللف والنّشر، مراعاة النظير، التجريد، الإرصاد، التضمين، الاقتباس.

ب- المحسّنات اللفظية: الجناس، السّجع، رد العجز على الصدر، لزوم ما لا يلزم، الموازنة، التشريع، الترصيع ... وقد اعترض المحدثون على هذا التقسيم الثلاثي، وذهب د. شفيع السيد (¬1) إلى أنه لم يكن معروفا قبل عصر السكاكي. وذهب إلى أن (¬2) «المباحث البلاغية التي تضمنتها العلوم الثلاثة متشابكة ومتداخلة، ويمكن رؤيتها بأكثر من وجه، فبعض العبارات مثلا تعالج في موضوع الاستعارة، وفي الوقت نفسه تمثل لونا من ألوان البديع وهكذا» إن هذا التداخل واقع وحقيقة لا جدال فيها، ولكن إذا كانت الوجوه البلاغية متعددة في المكان الواحد فهل يعني هذا عدم صحة الفصل بين هذه العلوم؟ فالتعبير الواحد قد يكون مكللا بالسجع والطباق والجناس والتشبيه أو الاستعارة وما إلى ذلك ويبقى لكل من هذه الأبواب سماته ومميزاته. ¬

_ (¬1) البحث البلاغي عند العرب، د. شفيع السيّد، ص 142. (¬2) م. ن. ص 143.

أولا: علم البديع

أولا: علم البديع 1 - تعريفه: 1 - 1 - البديع لغة: جاء في اللسان (بدع): «بدع الشيء يبدعه بدعا وابتدعه: أنشأه وبدأه ... والبديع: الشيء الذي يكون أولا ... والبديع: المحدث العجيب. وأبدعت الشيء: اخترعته لا على مثال ... والبديع: من أسماء الله تعالى لإبداعه الأشياء وإحداثه إياها، وهو البديع الأول من كل شيء. وجاء في القرآن الكريم بَدِيعُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ الأنعام: 101 أي خالقها ومبدعها». فالبديع إذا الخلق والإبداع ومن هنا يجب التركيز على التميّز والفرادة لا على المشاكلة والمماثلة في ضروب البديع وأفانينه. 2 - 1 - البديع اصطلاحا: جاء في معجم المصطلحات (¬1) «البديع: تزيين الألفاظ أو المعاني بألوان بديعة من الجمال اللفظي أو المعنوي، ويسمّى العلم الجامع لطرق التزيين». وهكذا نرى أن معجم المصطلحات ركز على جانب التزيين في هذا العلم وجعله ثانويا في التعبير البلاغي في حين ركز المعنى القاموسي على جانب الخلق والإبداع فكان أساسيا وجوهريا في التعبير البلاغي لا ضربا من الكماليات. ¬

_ (¬1). معجم المصطلحات العربية في اللغة والأدب، وهبة- المهندس، ص 43.

2 - تطور مصطلحه

وللخطيب القزويني (ت 734 هـ) تعريفان يكادان يكونان تعريفا واحدا، يقول في أولهما (¬1): «هو علم يعرف به وجوه تحسين الكلام بعد رعاية المطابقة ووضوح الدلالة» كما يقول في ثانيهما (¬2): «هو علم يعرف به وجوه تحسين الكلام بعد رعاية تطبيقه على مقتضى الحال ووضوح الدلالة». وهكذا يقصّر المعنى الاصطلاحي عن المعنى القاموسي في إظهار أهمية البديع الذي بدأ خلقا لا على مثال إلى تحسين الكلام وبهرجته وتزيينه شريطة أن يطابق مقتضى الحال وتبقى الدلالة واضحة غير غامضة أو زائفة. هذا المعنى الاصطلاحي المركّز على التزيين حمل بعض الدارسين على تحديد دوره وحصره بالصورة الصوتية عند ما قال: «البديع والعروض والقافية علوم تهتم أساسا بالصورة الصوتية في التعبير الشعري» (¬3). 2 - تطور مصطلحه: خضع مصطلح البديع إلى مدّ وجزر في دلالته عند البلاغيين القدامى. لهذا كان لا بد من دراسته عبر حقبتين زمنيتين هما: 1. الحقبة الأولى: وهي مرحلة ما قبل القرن السابع الهجري. 2. الحقبة الثانية: وهي مرحلة القرن السابع الهجري وما بعده. ¬

_ (¬1) التلخيص في علوم البلاغة، الخطيب القزويني ص 347. (¬2). الإيضاح في علوم البلاغة، الخطيب القزويني، ص 477. (¬3). الصورة الشعرية في الخطاب البلاغي والنّقدي، الولي محمد، ص 51.

2 - 1 - دلالة المصطلح في الحقبة الأولى

2 - 1 - دلالة المصطلح في الحقبة الأولى: أطلق مصطلح البديع في هذه الحقبة على الشعر المحدث الذي أتى به شعراء العصر العباسي المجددون. ويبدو أن الشعراء أنفسهم أول من أطلق هذا المصطلح على الشعر الجديد المتميّز عن سابقه بجمالية التعبير وحداثته. دليلنا على ذلك ما جاء في ترجمة صريع الغواني (مسلم بن الوليد ت 208 هـ) من أنه (¬1) «أول من قال الشعر المعروف بالبديع، هو لقب هذا الجنس البديع واللطيف. وتبعه فيه جماعة، وأشهرهم فيه أبو تمام الطائي فإنه جعل شعره كله مذهبا واحدا فيه. ومسلم كان متفنّنا متصرفا في شعره» ويبدو أن المعنى القاموسي قد رجحت كفته في هذا المصطلح لأن الافتنان والتصرف الذي يعني الإتيان بالجديد المتميز هما الطاغيان على دلالته. ولكن هذا الجديد الذي أتى به مسلم لم يكن محمودا في عصره لذلك روى الأصفهاني قول أحدهم الذي جاء فيه (¬2) «أول من أفسد الشعر مسلم بن الوليد، جاء بهذا الذي سمّاه الناس البديع، ثم جاء الطائي بعده فتفنّن فيه». ويبدو أن الجاحظ (ت 255 هـ) قد سبق إلى هذا المصطلح في الدراسات البلاغية حيث قال (¬3): «ومن الخطباء الشعراء ممن كان يجمع الخطابة والشعر الجيد والرسائل الفاخرة مع البيان الحسن: كلثوم بن عمرو العتّابي، وكنتيته أبو عمرو، وعلى ألفاظه وحذوه ومثاله في البديع يقول جميع من يتكلف مثل ذلك من شعراء المولّدين، كنحو منصور النّمري، ومسلم بن الوليد الأنصاري وأشباههما». ¬

_ (¬1). الأغاني، أبو الفرج الأصفهاني، الهيئة المصرية العامة للكتاب، 19/ 31. (¬2). م. ن 19/ 31. (¬3). البيان والتبيين، الجاحظ 1/ 51.

وإذا كان الجاحظ قد ذكر التكلف فإنّه لا يعني التّصنّع أو التّصنيع بل هو يريد تصوير إرادة هؤلاء على الإتيان بالجديد الذي لم يسبق له مثال. ثم إن هذا الجديد صار تيارا شعريا عند ما كثر أنصاره، وها هو الجاحظ يضيف إلى أسماء أتباع البديع أسماء أخرى حيث يقول (¬1): «كان العتّابي يحتذي حذو بشّار في البديع. ولم يكن في المولدين أصوب بديعا من بشار وابن هرمة». ويبدو أن الجاحظ قد نقل هذا المصطلح من الرواة، فهو يعترف بذلك عند ما يقول معلّقا على شعر الأشهب بن رميلة (شاعر مخضرم) (¬2) «وهذا الذي تسميه الرواة البديع» وهو يرى أن البديع مرتبط بالإبداع وعدم المماثلة والمشاكلة. ثم إنه يرى أن (¬3) «البديع مقصور على العرب، ومن أجله فاقت لغتهم كل لغة، وأربت على كل لسان. والراعي كثير البديع في شعره، وبشار حسن البديع، والعتّابي يذهب في شعره في البديع مذهب بشار» وهكذا يرى أن البديع مقصور على العرب لأن لغتهم فاقت كل لغة في قدرتها على التوليد والاشتقاق اللذين يعطيانها قدرة على التولد الذاتي المساعد على تفجير طاقاتها الكامنة فيأتي المبدعون بكل جديد. وكان يضيف في كل مرة إلى شعراء هذا التيار البديعي أسماء جديدة. وبعد أن شاع البديع في شعر الأقدمين وفي خطبهم نهض ابن المعتزّ (ت 296 هـ) بجمع ضروبه في كتاب حمل اسم البديع. فكان بذلك أول من أفرده بدراسة مستقلة، لكنها لا تخلو من شوائب. وقد حدد ابن المعتز هدفه من تأليفه بقوله (¬4): «قد قدّمنا في أبواب كتابنا هذا ¬

_ (¬1) البيان والتبيين، الجاحظ 1/ 51. (¬2). البيان والتبيين، الجاحظ 4/ 55. (¬3) البيان والتبيين، الجاحظ 4/ 55 - 56. (¬4) البديع، ابن المعتزّ، دار الجيل ص 73 - 74.

بعض ما وجدنا في القرآن واللغة وأحاديث رسول الله (صلعم) وكلام الصحابة والأعراب وغيرهم وأشعار المتقدمين من الكلام الذي سماه المحدثون البديع، ليعلم أن بشّارا (ت 167 هـ) ومسلما (ت 208 هـ) وأبا نواس (ت 198 هـ) ومن تقيّلهم، وسلك سبيلهم لم يسبقوا إلى هذا الفن، ولكنه كثر في أشعارهم فعرف في زمانهم حتى سمي بهذا الاسم» فابن المعتزّ ينفي سبق المحدثين إلى هذا الفن ولكنه يعترف بكثرته في أشعارهم. وهذا ما صرح به في نهاية مقدمته قائلا (¬1): «وإنما غرضنا في هذا الكتاب تعريف الناس أن المحدثين لم يسبقوا المتقدمين إلى شيء من أبواب البديع». قسم ابن المعتز كتابه إلى خمسة أبواب هي: الاستعارة، والتجنيس، والمطابقة، وردّ أعجاز الكلام على ما تقدّمها، والمذهب الكلامي. وانتهى ابن المعتز إلى أن ضروب البديع محصورة في هذه الأبواب الخمسة لكنه رأى أن إضافة أي باب إليها ضرب من التعسف والمعاندة (¬2) «قد قدمنا أبواب البديع الخمسة وكمل عندنا، وكأني بالمعاند المغرم بالاعتراض على الفضائل قد قال: البديع أكثر من هذا» ثم أضاف إلى هذه الأبواب مجموعة أخرى سماها (محاسن الكلام والشعر) وهي عنده عصيّة على الحصر وبابها مفتوح في نظره للإضافة والمخالفة (¬3) «ومن أضاف من هذه المحاسن أو غيرها شيئا إلى البديع، وحسن الخروج من معنى إلى معنى، وتأكيد المدح بما يشبه الذم، وتجاهل العارف، والهزل الذي يراد به الجدّ، والتعريض والكناية، ¬

_ (¬1). م. ن. ص 76. (¬2). البديع، ابن المعتز، ص 151. (¬3). البديع، ابن المعتز، ص 152.

والإفراط في الصفة، وحسن التشبيه، وإعنات الشاعر نفسه في القوافي وتكلفه، وحسن الابتداءات. والملاحظ أن المحدثين قد جعلوا الكثير من هذه المحاسن أبوابا من البديع. والملاحظ أن ابن المعتز قد جمع فيه أبواب البلاغة بعلومها الثلاثة، وربما كان سبب ذلك تعريفه الضبابي للبديع الذي رأى أن (¬1) «البديع اسم موضوع لفنون من الشعر، يذكرها الشعراء ونقاد المتأدبين منهم، فأما العلماء باللغة والشعر القديم فلا يعرفون هذا الاسم، ولا يدرون ما هو». ولهذا قال أحد النقاد المعاصرين (¬2) «وليس لكلمة البديع التي جاءت في عنوان الكتاب صلة بما سماه البلاغيون في العصور المتأخرة (علم البديع) ... وإنما المقصود بها ألوان طريفة من التعبير لم تكن شائعة مألوفة في استعمالات الشعراء والكتاب». وعلى الرغم من ذلك يبقى الكتاب من أولى المحاولات الجادة في تدوين علم البديع. والعلوم لا تبدأ مكتملة بل هي تتكامل وتتماهى باطّراد وتستقل بعد نضجها وصلابة عودها. ثم جاء بعده قدامة بن جعفر (ت 337 هـ) فألف كتابا عنوانه (نقد الشعر) يقع في ثلاثة فصول أورد فيها سبعة وعشرين نوعا من أنواع البديع اتفق فيها مع ابن المعتز في سبعة أنواع فقط، وانفرد بعشرين نوعا. وقد اختلفا أحيانا في التسمية، فما سمّاه قدامة (المبالغة) ورد عند ابن المعتز تحت مصطلح (الإفراط في الصفة) وما سماه (التكافؤ) سمّاه ابن المعتز (المطابقة)، وما سماه (المطابق) و (المجانس) سماه ابن المعتز (التجنيس). واختلفا في دلالة الالتفات. ¬

_ (¬1) البديع، ابن المعتز، ص 151 - 152. (¬2) البحث البلاغي عند العرب، د. شفيع السيد، ص 69.

ثم تلاهما أبو هلال العسكري (ت 396 هـ) في كتاب الصناعتين الذي ابتكر فيه ستة أنواع، وأخرج منه أنواعا رأى أنها تنضوي تحت بابي: المعاني والبيان، فنحا البديع معه منحى متخصصا. وقد اعترف العسكري أن القدامى سبقوه إلى تسعة وعشرين نوعا بلاغيا، وأنه ابتكر ستة أنواع هي: التشطير، والمجاورة، والتطريز، والمضاعف، والاستشهاد، والتلطّف. وجاء علم البديع في الباب التاسع من أبواب الكتاب وقسمه إلى خمسة وثلاثين فصلا هي: الاستعارة والمجاز، والتطبيق، والتجنيس، المقابلة، صحّة التقسيم، صحّة التفسير، الإشارة، الأرداف والتوابع، المماثلة، الغلوّ، المبالغة، الكناية والتعريض، العكس والتبديل، التذييل، الترصيع، الإيغال، الترشيح، ردّ الأعجاز على الصدور، التكميل والتتميم، الالتفات، الاعتراض، الرجوع، تجاهل العارف، الاستطراد، جمع المؤتلف والمختلف، السلب والإيجاب، الاستثناء، المذهب الكلامي، التشطير، المحاورة، الاستشهاد والاحتجاج، التعطف، المضاعف، التطريز، التلطّف. وادّعى العسكري أنه بذلك حصر أنواع البديع، منتهيا إلى رأي شبيه برأي ابن المعتز القائل إن الأقدمين عرفوا هذه الأنواع، وأن المحدثين أسرفوا فيها حتى اشتهروا بها. وقد صرّح برأيه هذا قائلا (¬1): «فهذه أنواع البديع التي ادعى من لا رواية له ولا دراية عنده أن المحدثين ابتكروها، وأن القدماء لم يعرفوها، وذلك لما أراد أن يفخّم أمر المحدثين؛ لأن هذا النوع من الكلام إذا سلم من التكلف، وبرئ من العيوب، كان في غاية الحسن ونهاية الجودة». لقد توسّع مفهوم البديع عند العسكري حتى بدا وكأنه مترادف مع البلاغة في مفهومها العام. ¬

_ (¬1). كتاب الصناعتين، أبو هلال العسكري، ص 273.

أما الباقلّاني (ت 403 هـ) فقد ذكر في (إعجاز القرآن) نحوا من خمسة وعشرين نوعا منبّها إلى أن وجوه البديع أكثر من ذلك، ولكنه لم يهدف في كتابه إلى إحصائها وذكرها جميعا. وابن رشيق (ت 456 هـ) يذكر في كتابه (العمدة) باب المخترع والبديع، مشيرا إلى وفرة ضروب البديع وقد وسعته قدرته على ذكر ثلاثة وثلاثين بابا منه هي: المجاز، الاستعارة، التمثيل، المثل السائر، التشبيه، الإشارة، التتبيع، التجنيس، الترديد، التصوير، المطابقة، المقابلة، التقسيم، التفسير، الاستطراد، التفريع، الالتفات، الاستثناء، التتميم، المبالغة، الإيغال، الغلو، التشكيك، الحشو وفضول الكلام، الاستدعاء، التكرار، نفي الشيء بإيجابه، الاطّراد، التضمين والإجارة، الاتساع، الاشتراك، التغاير. لكن مفهوم البديع يتوسّع كثيرا مع أسامة بن منقذ (ت 584 هـ) في كتاب عنوانه (البديع في نقد الشعر) حيث يندرج تحته خمسة وتسعون نوعا على غير تمييز بين البيان والبديع والمعاني حتّى ليصحّ فيه ما قاله ابن أبي الإصبع (¬1) «وإذا وصلت إلى بديع ابن منقذ وصلت إلى الخبط والفساد العظيم، والجمع من أشتات الخطأ وأنواعه من التوارد والتداخل، وضم غير البديع والمحاسن، كأنواع من العيوب، وأصناف من السرقات» ومن يراجع فهرس الموضوعات يجد عناوين جديدة لا يجدها في غيره من كتب البديع، نحو: باب النادر والبارد، وباب الرشاقة والجهامة، باب الطاعة والعصيان، باب الأواخر والمقاطع، باب التعليم والترسيم وغيرها كثير. ¬

_ (¬1) تحرير التحبير، ابن أبي الإصبع المصري، 1/ 91 لجنة إحياء التراث الإسلامي.

2 - 2 - دلالة المصطلح في الحقبة الثانية

2 - 2 - دلالة المصطلح في الحقبة الثانية: تبدأ الحقبة في القرن السابع الهجري وفيها اتجاهان: الأول محافظ تابع مفهوم القدامى الذي توسع في أبواب البديع وعلى رأس هذا الاتجاه نذكر ابن أبي الإصبع المصري (ت 654 هـ) حيث بلغ البديع في كتابه (تحرير التحبير) مئة وثلاثة وعشرين بابا، جمعها من بديع ابن المعتز ونقد الشعر لقدامة بن جعفر حيث أخذ من الأول سبعة عشر بابا ومن الثاني ثلاثة عشر. وعدّ هذه الأبواب أصولا. ثم جمع ستين بابا عدّها فروعا مضيفا إلى هذه الأبواب الفروع والأصول ثلاثين بابا حتى بلغ مجموع أبوابه مئة وثلاثة وعشرين بابا. ولكن ابن أبي الإصبع قد جمح إلى الكلام على أبواب لا علاقة لها بالبديع، بل هي من النقد أقرب وبخاصة ما يتعلق منها بنقد الشعر. ومن هذا الاتجاه أيضا صفيّ الدين الحلّي (ت 750 هـ) الذي نظم بديعية تقع في مئة وخمسة وأربعين بيتا. وجاء بعده عز الدين الموصلي (ت 789 هـ) فنظم بديعية مساوية لبديعية الحلي في عدد أبياتها. وابن حجّة الحموي (ت 837 هـ) نظم بديعية في مئة واثنين وأربعين بيتا. وفي كل بيت من أبيات هذه البديعيات ذكر لغرض بلاغي أو أكثر لكن النزعة الانفلاشية في توسيع مدى البديع طاغية عليها جميعا. وثانيهما نحا منحى التحديد والتخصيص وعلى رأسه السكاكي (ت 626 هـ) الذي عده النقاد رأس مدرسة التّقنين في كتابه مفتاح العلوم حيث قسم فيه أبواب البديع قسمين، أولهما عنوانه: ما يرجع إلى المعنى ويشمل: المطابقة، المقابلة، المشاكلة، مراعاة النظير، المزاوجة، اللفّ والنشر، الجمع، التفريق، التقسيم، الجمع مع التفريق، الجمع مع التقسيم، الجمع مع التفريق والتقسيم، الإيهام، تأكيد المدح بما

1. المحسنات المعنوية

يشبه الذم، التوجيه، سوق المعلوم مساق غيره، الاعتراض، الاستتباع، الالتفات، تقليل اللفظ ولا تقليله. وثانيهما عنوانه ما يرجع إلى اللفظ ويتضمن: التجنيس، ردّ العجز على الصدر، القلب، الأسجاع، والترصيع. وبهذا يكون السكّاكي قد سلك طريق التخصيص والبعد عن التعميم الذي كان سائدا وباتت أبواب كل علم من علوم البلاغة محدّدة المعالم واضحة القسمات. وفي هذا الاتجاه التخصصي نذكر محمد بن علي الجرجاني (ت 729 هـ) الذي توصل في كتابه (الإشارات والتنبيهات في علم البلاغة) إلى تعريف علم البديع تعريفا رائدا جامعا مانعا يقول فيه (¬1): «علم البديع: علم يعرف منه وجوه تحسين الكلام، باعتبار نسبة بعض أجزائه إلى بعض بغير الإسناد والتعليق، مع رعاية أسباب البلاغة» ورتّب أبواب البديع تحت عنوانين كبيرين هما: 1. المحسنات المعنوية: وتتضمن: المطابقة، المقابلة، المناسبة، التفويف، المشاكلة، الاستطراد، العكس، الإرصاد، النقض، التورية، المزاوجة، الجمع، التفريق، التقسيم، الجمع مع التفريق، الجمع مع التقسيم، الجمع مع التفريق والتقسيم، اللف والنشر، التجريد، المبالغة، المحاجّة، التعليل، تأكيد المدح بما يشبه الذم، الاستتباع، الإدماج، التوجيه، التجاهل، القول بالموجب، الاطراد. ¬

_ (¬1) الإشارات والتنبيهات في علم البلاغة، محمد علي الجرجاني، تحق عبد القادر حسين، ص 257.

2. المحسنات اللفظية

2. المحسنات اللفظية: وتتضمن: الجناس التام، الجناس الناقص، الملحق بالجناس، ردّ العجز على الصدر، الأسجاع، التصريع، لزوم ما لا يلزم. وهكذا باتت أبواب البديع مقنّنة بإحكام ولم تعد خاضعة للمدّ والجزر والتداخل مع غيرها من أبواب البلاغة. وسلك هذا الاتجاه التّخصصي أيضا الخطيب القزويني (ت 734 هـ) في كتابه الإيضاح في علوم البلاغة حيث أفرد القسم الثالث لعلم البديع الذي تضمن عنده المحسنات المعنوية وتتضمن: المطابقة، المقابلة، مراعاة النظير، تشابه الأطراف، التفويف، الإرصاد، المشاكلة، الاستطراد، المزاوجة، العكس، التورية، الاستخدام، اللف والنشر، الجمع، التفريق، التقسيم، الجمع مع التفريق، الجمع مع التقسيم، الجمع مع التقسيم والتفريق، تأكيد المدح بما يشبه الذم، تأكيد الذم بما يشبه المدح، الاستتباع، التوجيه، الهزل الذي يراد به الجدّ، تجاهل العارف، القول بالموجب، الاطراد. أما المحسنات اللفظية فتتضمّن: الجناس، ردّ العجز على الصدر، السجع، الموازنة، القلب، التشريع، لزوم ما لا يلزم، وأنهى الباب بكلام على شرط الحسن في البديع اللفظي. وهذا التبويب الذي انتهى إليه الخطيب القزويني هو التبويب الذي استقر عليه الدرس البديعي في يومنا هذا. وإذا كان هناك من تغيير فإنه يبقى في حدود التعديل الطفيف الذي يلحق بالأجزاء التفصيلية ولا يصيب الجوهر إصابة تذكر.

2 - 3 - دلالة المصطلح في حقبة ما بعد الخطيب القزويني إلى يومنا هذا

2 - 3 - دلالة المصطلح في حقبة ما بعد الخطيب القزويني إلى يومنا هذا: تبدو هذه الحقبة واسعة جدا، ولكن التقنين الذي أنجزه القزويني ورفاقه يسهّل على الباحث أمر ملاحقة هذا المصطلح ورصد التطور الدلالي الذي أصابه. فالمصطلح حدد وظيفة البديع وربطها بتحسين الكلام حتى بات البديع أدنى مكانة من علمي المعاني والبيان لهذا كان تابعا وذيلا لهما. ولأن البلاغة تعليمية فإن كتب البلاغة تعليمية على العموم وهي محكومة بطابع المتابعة لما جاء في كتب المتقدمين حتى لتجد أن الشواهد على أبواب البديع تكاد تكون مكررة والتعليق عليها أو شرحها وتحليلها شبه غائبين. ومحاولات الإفادة من الألسنية لتعميق الدراسة البلاغية ومقاربة النصوص بوحي من علومها وبخاصة علم الدلالة لا تزال متعثّرة تسلك طريقها بصعوبة ومشقة، والمقلدون أسياد الساح يسخنّون كلام القدامى الذي فقد الكثير من نكهته.

المحسنات المعنوية

المحسّنات المعنوية: - الطباق والمقابلة. - التورية. - تجاهل العارف. - اللف والنشر (مراعاة النّظير). - تأكيد المدح بما يشبه الذمّ. - تأكيد الذم بما يشبه المدح. - حسن التعليل. - الإرصاد.

الطباق

الطّباق 1 - أسماؤه: أطلقت عليه أسماء عديدة منها: التطبيق، والطباق، والتضاد، والمطابقة، والتكافؤ. 2 - تعريفه: أ- قاموسيا: قال الخليل (¬1): «طابقت بين الشيئين إذا جمعت بينهما على حذو واحد وألزقتهما». وجاء في اللسان (طبق): «تطابق الشيئان: تساويا. والمطابقة: الموافقة. والتطابق: الاتفاق. وطابقت بين الشيئين: إذا جعلتهما على حذو واحد وألزقتهما ... والمطابقة: المشي في القيد. والمطابقة: أن يضع الفرس رجله في موضع يده. ومطابقة الفرس في جريه: وضع رجليه مواضع قدميه». ب- اصطلاحا: جاء في معجم المصطلحات (¬2): «هو الجمع بين الضّدين أو المعنيين المتقابلين في الجملة». وجاء في الإيضاح (¬3): «هو الجمع بين المتضادّين، أي معنيين متقابلين في الجملة». وكتب البلاغة لم تدخل على هذا التعريف أي تعديل أو شرح. ¬

_ (¬1). كتاب العين، الخليل بن أحمد، تحق مهدي المخزومي وابراهيم السامرائي 5/ 109. (¬2). معجم المصطلحات العربية في اللغة والأدب، وهبة- المهندس، ص 130. (¬3). الإيضاح في علوم البلاغة، الخطيب القزويني، ص 477.

3 - صوره

ورأى د. عبد العزيز عتيق (¬1) أنه «ليس بين التسمية اللغوية والتسمية الاصطلاحية أدنى مناسبة». غير أن استنتاجه لا يخلو من ضعف التفسير والتأويل. ولو ردّ المعنى الاصطلاحي إلى المعنى القاموسي بلطف الصنعة لوجد مناسبة كبرى بين المعنيين. ألا يرى د. عتيق في وضع الرجل موضع القدم شيئا من الجمع بين المتضادين أو المعنيين المتقابلين في الجملة؟ ثم ألا يرى شبها بين مشي المقيّد راسفا في قيوده، وبين الكاتب والشاعر يطابقان في كلامهما؟ 3 - صوره: 1 - الطباق الحقيقي: وهو ما كان طرفاه لفظين متضادين في الحقيقة ويكونان: أ- اسمين: كما في قوله تعالى وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقاظاً وَهُمْ رُقُودٌ الكهف: 18. ب- فعلين: كقوله تعالى وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكى وَأَنَّهُ هُوَ أَماتَ وَأَحْيا النجم: 43 - 44. ج- حرفين: كقوله تعالى .. وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ البقرة: 228. ¬

_ (¬1) علم البديع، عبد العزيز عتيق، ص 77.

د- مختلفين

د- مختلفين: كقوله تعالى وَأُحْيِ الْمَوْتى بِإِذْنِ اللَّهِ آل عمران: 49 فاللفظ الأول فعل (أحيي)، والثاني اسم (الموتى). 2 - الطباق المجازي: ويكون طرفاه غير حقيقتين أي مجازيّين. ومثاله قوله تعالى: أَوَمَنْ كانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْناهُ الأنعام: 122. فقد فسّر المفسّرون هذه الآية بقولهم: كان ضالا فهديناه. وعلى المعنى المقصود يكون الطباق مجازيا. ولو أخذ اللفظان على الحقيقة لبقي الطباق قائما بين ميتا (اسم) وأحييناه (فعل). وقد سماه قدامة بن جعفر (التكافؤ) وأعطى مثلا عليه قول الشاعر (الطويل). إذا نحن سرنا بين شرق ومغرب … تحرّك يقظان التراب ونائمه فالمطابقة بين «اليقظان والنائم» ونسبتهما إلى التراب على سبيل المجاز لا الحقيقة. ولو نظرنا إليه على سبيل الحقيقة ما امتنع الطباق بين (يقظان) و (نائم) و (شرق) و (مغرب). 3 - الطباق المعنوي: هو ما كانت المقابلة فيه بين الشيء وضده في المعنى لا في اللفظ. وخير مثال عليه قوله تعالى: قالُوا ما أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنا وَما أَنْزَلَ الرَّحْمنُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَكْذِبُونَ* قالُوا رَبُّنا يَعْلَمُ إِنَّا إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ يس: 15 - 16. فمعنى الآية الثانية: إن الله يعلم إنا لصادقون. وبذلك يتم التّضاد المعنوي بين الآيتين، ولو كان التضاد في اللفظين مفقودا.

4 - أقسامه

4 - أقسامه: أ- طباق الإيجاب: وهو ما لم يختلف فيه الضدان إيجابا وسلبا نحو: خير المال عين ساهرة لعين نائمة. فالقول مشتمل على الشيء وضده (ساهرة ونائمة). ب- طباق السّلب: وهو الجمع بين فعلي مصدر واحد مثبت ومنفي، نحو قوله تعالى: قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ الزّمر: 9. فالفعل (يعلمون) أثبت في الطرف الأول من الطباق ونفي ب (لا) في الطرف الثاني. ويكون طرفاه أمرا ونهيا كما في قوله تعالى: فَلا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ المائدة: 44. فالطرف الأول نهي (لا تخشوا)، والطرف الثاني أمر (إخشون) ومن أمثلته تَعْلَمُ ما فِي نَفْسِي وَلا أَعْلَمُ ما فِي نَفْسِكَ المائدة: 116. فالفعل (علم) جاء مثبتا مرة ومنفيا مرة أخرى. 5 - ما يلحق بالطّباق: أ- الطباق الخفيّ: وهو ما تكون فيه المطابقة خفية لتعلق أحد الركنين بما يقابل الآخر تعلّق السببية، نحو قوله تعالى: مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَماءُ بَيْنَهُمْ الفتح: 29. فالرحمة ليست مقابلة للشدة؛ لكنها مسبّبة عن اللين الذي هو ضد الشدّة.

ب- إيهام التضاد

ب- إيهام التضاد: وهو ما جمع فيه بين معنيين غير متقابلين عبّر عنهما بلفظين يتقابل معناهما الحقيقيان. ومنه قول دعبل الخزاعي. (الكامل): لا تعجبي يا سلم من رجل … ضحك المشيب برأسه فبكى وأراد دعبل ب (ضحك المشيب برأسه ظهور الشيب ظهورا تاما ولا تقابل بين البكاء وظهور الشيب (المجازي). لكن الضحك بمعناه الحقيقي مضاد للبكاء. * أهمية الطباق ودوره: ليس الطباق بالضرورة ترفا لفظيا فحسب، بل هو تعبير في أكثر الأحيان عن حركة نفسية متوهجة، وصراع بين ما هو كائن وما يجب أن يكون، بين الراهن والمتوقع. والمبدع يلجأ إليه لتصوير الهوة القائمة بين واقع مرفوض ومستقبل مأمول. والقصد منه العمل على بناء عالم مخالف لما هو قائم حالم بالأفضل. فكثرة المتعارضات تشف عن غليان داخلي ورفض للأمر الواقع. تمرينات: 1 - بيّن مواضع الطباق في الأمثلة الآتية، ووضح نوعه في كل مثال: قال تعالى: تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشاءُ آل عمران: 26. لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها لَها ما كَسَبَتْ وَعَلَيْها مَا اكْتَسَبَتْ البقرة: 286. الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِراشاً وَالسَّماءَ بِناءً البقرة: 22.

وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَما هُمْ بِمُؤْمِنِينَ يُخادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَما يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَما يَشْعُرُونَ البقرة: 8 و 9. وقال الشاعر: وننكر إن شئنا على الناس قولهم … ولا ينكرون القول حين نقول على أنني راض بأن أحمل الهوى … وأخرج منه لا عليّ ولا ليا لهم جلّ ما لي إن تتابع لي غنى … وإن قلّ مالي لم أكلّفهم رفدا سلي إن جهلت الناس عنّا وعنهم … فليس سواء عالم وجهول أما والذي أبكى وأضحك والذي … أمات وأحيا والذي أمره الأمر خلقوا وما خلقوا لمكرمة … فكأنهم خلقوا وما خلقوا وقد أطفأوا شمس النهار وأوقدوا … نجوم العوالي في سماء عجاج ولقد عرفت، وما عرفت حقيقة … ولقد جهلت وما جهلت خمولا مكرّ مفرّ مقبل مدبر معا … كجلمود صخر حطّه السيل من عل 2 - قال المتنبي وهو يغادر مصر باكيا على فاتك (ديوان المتنبي، شرح العكبري 4/ 155 وما بعدها): 1. حتّام نحن نساري النجم في الظّلم … وما سراه على خفّ ولا قدم 2. تسوّد الشمس منا بيض أوجهنا … ولا تسوّد بيض العذر واللّمم 3. لا أبغض العيس لكني وقيت بها … قلبي من الحزن أو جسمي من السّقم 4. طردت من مصر أيديها بأرجلها … حتى مرقن بنا من جوش والعلم 5. قد بلّغوا بقناهم فوق طاقته … وليس يبلغ ما فيهم من الهمم 6. من لا تشابهه الأحياء في شيم … أمسى تشابهه الأموات في الرّمم 7. ما زلت أضحك إبلي كلّما نظرت … إلى من اختضبت أخفافها بدم 8. أسيرها بين أصنام أشاهدها … ولا أشاهد فيها عفّة الصنّم

9. حتى رجعت وأقلامي قوائل لي … المجد للسّيف ليس المجد للقلم 10. من اقتضى بسوى الهنديّ حاجته … أجاب كلّ سؤال عن هل بلم 11. ولم تزل قلة الإنصاف قاطعة … بين الرّجال ولو كانوا ذوي رحم 12. سبحان خالق نفسي كيف لذّتها … فيما النفوس تراه غاية الألم 13. وقت يضيع، وعمر ليت مدّته … في غير أمّته من سالف الأمم 14. أتى الزمان بنوه في شبيبته … فسرّهم، وأتيناه على الهرم ... 1. أدرس الطباق وأنواعه، ومدى قدرته على تصوير الغليان الداخلي الذي يتحكّم بنفس الشاعر.

المقابلة

المقابلة 1 - تعريفها: هي إيراد الكلام ثم مقابلته بمثله في المعنى واللفظ على جهة الموافقة أو المخالفة. وجاء في الإيضاح (¬1) «هي أن يؤتى بمعنيين متوافقين أو معان متوافقة، ثم بما يقابلهما أو يقابلها على الترتيب». 2 - بين المقابلة والطباق: - لا يكون الطباق إلا بين الأضداد، والمقابلة تكون بين الأضداد وغير الأضداد. - لا يكون الطباق إلا بين ضدّين فقط، والمقابلة تكون بين أكثر من اثنين. 3 - صورها: أ- مقابلة اثنين باثنين: ومثالها قوله تعالى فَلْيَضْحَكُوا 1 قَلِيلًا 2 وَلْيَبْكُوا 1 كَثِيراً 2 التوبة: 82 فالآية الكريمة تشتمل في صدرها على معنيين يقابلهما في عجزها معنيان على الترتيب. ففي صدرها الضحك والقلة قابلهما في العجز البكاء والكثرة. ¬

_ (¬1). الإيضاح في علوم البلاغة، الخطيب القزويني، ص 485.

ب- مقابلة ثلاثة بثلاثة

ب- مقابلة ثلاثة بثلاثة: ومثالها قول المتنبي: (الطويل) فلا الجود 1 يفني 2 المال والجدّ مقبل … ولا البخل 1 يبقي 2 المال والجدّ مدبر 3 فالمقابلة على الترتيب بين «الجود ويفني ومقبل» و «البخل ويبقي ومدبر». وكقوله تعالى يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّباتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبائِثَ الأعراف: 157. في الآية مقابلتان الأولى: يأمرهم والباء والمعروف في مقابل- ينهاهم وعن والمنكر والثانية: يحل ولهم والطيبات في مقابل يحرّم وعليهم والخبائث. ج- مقابلة أربعة بأربعة: ومثالها قول جرير: (الطويل) وباسط 1 خير 2 فيكم 3 بيمينه 4 … وقابض 1 شرّ 2 عنكم 3 بشماله 4 فقابل بين باسط وقابض، وخير وشر، وفيكم وعنكم، وبيمينه وبشماله. د- مقابلة خمسة بخمسة: ومثالها قول صفيّ الدين الحلّي (البسيط): كان 1 الرضا 2 بدنوّي 3 من 4 خواطرهم 5 … فصار 1 سخطي 2 لبعدي 3 عن 4 جوارهم 5 فالمقابلة بين كان وصار، والرضا والسخط، والدنو والبعد، ومن وعن، وخواطرهم وجوارهم على مذهب من يرى أن المقابلة تجوز بغير الأضداد.

هـ- مقابلة ستة بستة

هـ- مقابلة ستة بستة: ومثاله قول شرف الدين الأربلي (الطويل): على 1 رأس 2 عبد 3 تاج 4 عزّ 5 يزينه 6 … وفي 1 رجل 2 حرّ 3 قيد 4 ذلّ 5 يشينه 6 فالمقابلة بين على وفي، ورأس ورجل، وعبد وحرّ، وتاج وقيد، وعزّ وذلّ، ويزينه ويشينه. * رأى علماء البديع أن أعلى رتب المقابلة وأبلغها ما كثر فيه عدد المقابلات لكن شريطة الابتعاد عن التكلف والاسراف فيه. وقد اشترط السّكاكي أن تقتصر المقابلة على الأضداد فحسب. تمارين 1 - بيّن مواقع المقابلة في ما يأتي: قال تعالى: 1. لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلى ما فاتَكُمْ وَلا تَفْرَحُوا بِما آتاكُمْ الحديد: 23 2. فَأَمَّا مَنْ أَعْطى وَاتَّقى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرى * وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنى * وَكَذَّبَ بِالْحُسْنى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرى الليل: 5 - 10. وقال الشاعر: 3. يا أمّة كان قبح الجور يسخطها … دهرا فأصبح حسن العدل يرضيها 4. قابلتهم بالرضا والسّلم منشرحا … ولّوا غضابا فوا حربي لغيظهمو 5. بواطئ فوق خدّ الصبح مشتهر … وطائر تحت ذيل الليل مكتتم 6. أزورهم وسواد الليل يشفع لي … وأنثني وبياض الصبح يغري بي 7. حلو الفكاهة مرّ الجدّ قد مزجت … بشدّة البأس منه رقّة الغزل

8. فتى تمّ فيه ما يسرّ صديقه … على أنّ فيه ما يسوء الأعاديا 9. ما أحسن الدين والدنيا إذا اجتمعا … وأقبح الكفر والإفلاس في الرّجل! 10. فلا الجود يفنيها إذا هي أقبلت … ولا البخل يبقيها إذا هي تذهب 11. تسرّ لئيما مكرمات تعزّه … وتبكي كريما حادثات تهينه 12. فإذا حاربوا أذلّوا عزيزا … وإذا سالموا أعزّوا ذليلا 13. شريت الفتك بالثّمن الربيح … وبعت النسك بالقصف النجيح

التورية

التورية 1 - أسماؤها: ذكر لها البلاغيّون أسماء عديدة منها: أ. الإيهام، ذكره الخطيب التبريزي (¬1). ب. التوجيه، ذكره ابن أبي الأصبع (¬2). ج. التخيير، ذكره غير واحد من البلاغيين. 2 - تعريفها: أ- لغة: جاء في اللسان (ورى): «وريّت الشيء وواريته: أخفيته. وتوارى: استتر. ووريت الخبر: جعلته ورائي وسترته. ووريت الخبر أورّيه تورية: إذا سترته وأظهرت غيره ... والتّورية: السّتر». ب- إصطلاحا: عرفها الخطيب التبريزي بقوله (¬3): «وهي أن يطلق لفظ له معنيان: قريب، وبعيد، ويراد به البعيد منهما». فالتورية عبارة عن دالّ واحد له مدلولان: الأول مدلول قريب لا يلائم المقام لذلك فهو ملغى ومستبعد. والثاني بعيد يلائم المقام مقبول ومعتمد. ¬

_ (¬1). الإيضاح في علوم البلاغة، الخطيب القزويني، ص 499. (¬2). تحرير التحبير، ابن أبي الاصبع المصري. (¬3). الإيضاح في علوم البلاغة، الخطيب القزويني، ص 499.

3 - أنواعها

3 - أنواعها: اكتفى القزويني بقسمتها قسمين هما: تورية مجرّدة وتورية مرشّحة. 1 - التورية المجرّدة: وهي التي لم يذكر فيها شيء مما يلائم المورّى به (المعنى القريب) ولا مما يلائم المورى عنه (المعنى البعيد)، نحو قوله تعالى الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى طه: 5. فكلمة التورية (استوى) لها معنيان: 1 - الاستقرار في المكان- المعنى القريب غير المقصود لأن الله تعالى منزّه عنه. 2 - الاستيلاء والملك- المعنى البعيد المقصود. ولم يذكر في الآية من لوازم المعنى البعيد أو المعنى القريب شيء؛ فلهذا كانت مجرّدة. ومنه قول الشاعر القاضي عياض في سنة كان فيها شهر كانون معتدلا أزهرت فيه الأشجار (البسيط): كأنّ كانون أهدى من ملابسه … لشهر تموّز أنواعا من الحلل أو الغزالة من طول المدى خرفت … فما تفرّق بين الجدي والحمل فالتورية في (الغزالة) فلم يذكر الشاعر قبل الغزالة أو بعدها ما يشير إلى أنه قصد بها ذلك الحيوان البريّ المشهور بطول العنق وسواد العين وما إلى ذلك، ولا من أوصاف المعنى المورّى عنه (الشمس) كالإشراق والغروب وما إليهما. ولهذا كانت التورية مجرّدة.

2 - التورية المرشحة

2 - التورية المرشّحة: وهي التي ذكر فيها ما يلائم المورّى به، وهو أقوى درجات الإيهام في التورية لأنه يقوّي المعنى القريب فيخفي المعنى البعيد المقصود ويكون هذا الذكر: أ- قبل لفظ التورية: ومثالها قوله تعالى وَالسَّماءَ بَنَيْناها بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ الذاريات: 47. والتورية في (بأيد) لأنها تحتمل معنيين: - المعنى القريب: وهو الجارحة، اليد الحقيقية. وهذا المعنى مورّى به، وقد سبقت بلفظ (بنيناها) على جهة الترشيح وهو من لوازم اليد. - المعنى البعيد: قوّة الخالق وعظمته وهذا المعنى مورّى عنه، وهو المراد؛ لأن الخالق جل وعلا منزّه عن المعنى الأول. ومنها أيضا قول يحيى بن منصور (الطويل): فلما نأت عنّا العشيرة كلّها … أنخنا فحالفنا السيوف على الدّهر فما أسلمتنا عند يوم كريهة … ولا نحن أغضينا الجفون على وتر فالتورية في (الجفون) لاحتمال اللفظ معنيين هما: - المعنى القريب: وهو جفون العين الحقيقية، وهذا هو المعنى المورّى به، وقد سبقه لازم من لوازمه على جهة الترشيح. (أغضينا) لأن الإغضاء من لوازم العين. - المعنى البعيد: جفون السيوف (أغمادها)، وهو المعنى المورّى عنه. وهذا هو المعنى المراد لأن السّيف إذا أغمد انطبق الجفن عليه، وإذا جرّد انفتح.

ب- بعد لفظ التورية

ب- بعد لفظ التورية: نحو قوله (السريع): مذ همت من وجدي في خالها … ولم أصل منه إلى اللّثم قالت: قفوا واستمعوا ما جرى … خالي قد هام به عمّي فالتورية: في (خالها) لاحتماله معنيين: أ- المعنى القريب، خال النسب، أخو الأم، وهو المعنى المورّى به، وقد ذكر لازمه (العمّ) بعده على جهة الترشيح. ب- المعنى البعيد، الشّامة التي تظهر في الوجه غالبا، وعدّها الناس أمارة حسن، وهو المعنى المورّى عنه، وهذا المعنى الأخير هو المقصود. 3 - التورية المبيّنة: وهي ما ذكر فيها لازم المورّى عنه فيعين على الاهتداء إليه، ويكون هذا الذكر: أ- قبل لفظ التورية ، كقول البحتري (الكامل): ووراء تسديد الوشاح مليّة … بالحسن تملح في القلوب وتعذب فالتورية في (تملح) لاحتمال اللفظ معنيين: أ- المعنى القريب، الملوحة ضد العذوبة، وهو المعنى المورّى به وغير المراد. ب- المعنى البعيد، الملاحة أي الحسن، وهو المعنى المورّى عنه وهو المراد، وقد تقدّم عليه من لوازمه (مليّة بالحسن).

ب- بعد لفظ التورية

ب- بعد لفظ التورية ، ومنه قول الشاعر (الطويل): أرى ذنب السّرحان في الأفق طالعا … فهل ممكن أن الغزالة تطلع؟ في البيت توريتان، أولاهما (ذنب السّرحان). وفيها معنيان: أ- قريب، وهو ذنب الحيوان (الذئب)، وهو المعنى المورّى به. ب- بعيد، أول ضوء النّهار، وهو المعنى المورّى عنه، وهذا المعنى هو المعنى المراد. وقد بيّنه بذكر لازم بعده بقوله (طالعا). ثانيتهما (الغزالة) وفيها معنيان: أ- قريب، وهو الغزالة الوحشية المعروفة، وهو المعنى المورّى به الذي لم يقصده الشاعر. ب- بعيد، وهو الشمس، وهو المعنى المورّى عنه وقد بيّنه الشاعر بذكر لازمه بعده (تطلع) وهذا هو المعنى المقصود. 4 - التورية المهيأة ، وهي على ثلاثة أنواع: 1 - المهيأة بلفظ قبلها ، نحو قول ابن سناء الملك في الملك المظفّر (الطويل): وسيرك فينا سيرة عمريّة … فروّحت عن قلب وأفرجت عن كرب وأظهرت فينا من سميّك سنّة … فأظهرت ذاك الفرض من ذلك النّدب فالتورية في (الفرض والنّدب) وفيهما معنيان: - قريب، وهو أن يعني الشاعر بهما الأحكام الشرعية، وهو المعنى المورّى به، غير المقصود. - بعيد، وهو أن يكون الفرض بمعنى العطاء، والنّدب صفة المرء السريع في قضاء الحاجات، وهو المعنى المورّى عنه (المقصود).

2 - المهيأة بلفظ بعدها

وقد سبقت التورية بلفظ (سنّة)، ولولاه ما تهيأت التورية فيهما، ولا فهم الفرض والنّدب الحكمان الشرعيّان اللذان صحّت بهما التورية. 2 - المهيأة بلفظ بعدها ، نحو قول الشاعر (الكامل): لولا التطيّر بالخلاف وأنّهم … قالوا: مريض لا يعود مريضا لقضيت نحبي في جنابك خدمة … لأكون مندوبا قضى مفروضا فالتورية في (مندوبا) لاحتمالها معنيين: - قريب، وهو المنتدب لقضاء حكم شرعي، غير المقصود. - بعيد، وهو الميت الذي يندب، وهو المعنى المورّى عنه، وهذا هو المعنى المراد. ولولا ذكر (مفروضا) المتأخّر عن (مندوبا) لم يتنبّه السامع لمعنى (المندوب)، فلمّا ذكر تهيّأت التورية بذكره. 3 - المهيأة بلفظين ، لولا كل منهما ما تهيّأت التورية في الآخر، نحو (الخفيف): أيّها المنكح الثّريّا سهيلا … عمرك الله كيف يلتقيان؟ هي شاميّة إذا ما استقلّت … وسهيل إذا استقلّ يماني فالتورية تهيّأت من اللفظين (الثريا وسهيل). وفي كل منهما معنيان: - قريب، الثريا: النجم المعروف، وهو المعنى المورّى به، غير المقصود. سهيل: النجم المعروف، وهو المعنى المورّى به، غير المقصود أيضا.

تمرينات

- بعيد، الثريا: بنت علي بن عبد الله بن الحارث، وهو المعنى المراد المورّى عنه. سهيل: بن عبد الرحمن، وهو المعنى المورّى عنه، وهو المراد. ولولا ذكر (الثريا) لم يتنبّه لسهيل، وكل منهما صالح للتورية. لقد تبيّن ممّا سبق من شرح وتفصيل أنّ التورية ضرب من التخييل، وفيها شيء من الإلغاز، وهي من الغموض الفنّي المستحبّ لأن المتلقّي المتمتّع بثقافة شعرية أو فنية يدرك أنها تخاطب عقله وذكاءه وفطنته، وأنها تبعده عن المعاني المباشرة؛ لأن الأداء المباشر يبعد عن الشعر إشعاع الإيحاءات المختلفة. فالفنّ تأمّل، والمتذوّق يجب أن يتحلّى بذائقة قادرة على كشف ما يضيفه الشاعر والمبدع إلى الطبيعة الجمالية التي يرسمها الشاعر. إنها من الصور الخادعة التي تترك للمتلقي أن يذهب إلى تفسيرات مختلفة باختلاف قدرته على الكشف والتذوق وتفكيك عناصر الصورة المتخيّلة. تمرينات: 1 - تمرين مساعد، قال سراج الدين الورّاق (الوافر): أصون أديم وجهي عن أناس … لقاء الموت عندهم الأديب وربّ الشعر عندهم (بغيض) … ولو وافى به لهم (حبيب) تكمن التورية في لفظ (حبيب) إذ لها معنيان محتملان: أحدهما: حبيب، بمعنى محبوب، وهو المعنى القريب المورى به. ويتبادر هذا المعنى إلى الذهن بسبب التمهيد له بلفظ (بغيض) وهو شاعر جاهلي.

ثانيهما: حبيب، هو الاسم الحقيقي للشاعر العباسي المشهور بأبي تمّام، واسمه الكامل حبيب بن أوس. وهذا المعنى البعيد مورّى عنه، وقد أراده الشاعر. لهذا كانت التورية مرشّحة لأنه ذكر فيها ما يلائم المورى به قبل لفظ التورية (بغيض). وقال طبيب العيون، ابن دانيال (السريع): يا سائلي عن حرفتي في الورى … واضيعتي فيهم وإفلاسي ما حال من درهم إنفاقه … يأخذه من أعين الناس؟ تكمن التورية في عبارة ابن دانيال (يأخذه من أعين الناس) إذ للجملة معنيان: 1 - المعنى الأول المورّى به وهو المعنى القريب غير المقصود، أخذ الدرهم أجر علاج عيون الناس لأن القائل طبيب يداوي الأعين، لهذا تبادر إلى الذهن هذا المعنى بسبب ما سبق من كلام على حرفة الشاعر. 2 - المعنى الثاني المورّى عنه وهو المعنى البعيد الذي قصده الشاعر، أخذ الدرهم من الناس مكرهين مرغمين لأنّ أعينهم تسافر خلف ما يدفعونه من دراهم لشفائها. فالتورية مرشّحة إذا لذكر ما يلائم المعنى المورّى به. 2 - قس على ما جاء في التمرين السابق واشرح التورية في الأبيات الآتية: قال نصير الدين الحمّامي (الكامل): أبيات شعرك كالقصو … ر ولا قصور بها يعوق ومن العجائب لفظها … حرّ ومعناها رقيق

وقال سراج الدين الورّاق (مخلّع البسيط): فها أنا شاعر سراج … فاقطع لساني أزدك نورا وقال بدر الدين الذّهبي (م الكامل): رفقا بخلّ ناصح … أبليته صدّا وهجرا وافاك سائل دمعه … فرددته في الحال نهرا وقال بدر الدين الذّهبي أيضا (المجتثّ): يا عاذلي فيه قل لي … إذا بدا كيف أسلو؟ يمرّ بي كلّ وقت … وكلّما مرّ يحلو وقال سراج الدين الورّاق (الطويل): وقفت بأطلال الأحبّة سائلا … ودمعي يسقي ثمّ عهدا ومعهدا ومن عجب أنيّ أروّي ديارهم … وحظّي منها حين أسألها الصّدى وقال ابن الظاهر (الكامل): شكرا لنسمة أرضكم … كم بلّغت عني تحيّه لا غرو إن حفظت أحا … ديث الهوى فهي الذّكيّه وقال ابن نباته المصري (الكامل): والنهر يشبه مبردا … فلأجل ذا يجلو الصّدى وقال الشابّ الظريف (م. الكامل): قامت حروب الدّهر ما بين الرياض السندسيّة … وأتت بأجمعها لتغزو روضة الورد الجنيّة لكنّها انكسرت لأنّ الورد شوكته قويّة

تجاهل العارف

تجاهل العارف 1 - تعريفه: جاء في كتاب الصناعتين (¬1): «هو إخراج ما يعرف صحّته مخرج ما يشكّ فيه ليزيد بذلك تأكيدا». وفي الإيضاح (¬2) «هو- كما سمّاه السكّاكي- سوق المعلوم مساق غيره لنكتة». 2 - مظاهره: يتجلّى تجاهل العارف في كثير من مواقف القول، ويأخذ مظاهر عدّة، يصطنع فيها القائل موقفا غير الموقف الحقيقي في الظاهر، ويوهم بأن السؤال للاستفسار والحقيقة أن السؤال تظاهر بالجهل أو بالاستفهام عن حقيقة يجهلها، وواقع الحال أنه يعرف الحقيقة ويستنكر حينا تجاهلها ويقرّر واقعا ما كان ينبغي له أن يكون قائما. ففي معرض التوبيخ قالت ليلى بنت طريف: أيا شجر الخابور مالك مورقا … كأنّك لم تجزغ على ابن طريف؟! فالشاعرة تتساءل مضخّمة الحدث وكأنّها تريد أن توقف دورة الزمن بعد وفاة ابن طريف؟ وتستنكر نضرة الشجر واخضراره إذ كان عليه أن يموت ويضرب عن الاخضرار حزنا عليه. ¬

_ (¬1). كتاب الصناعتين، أبو هلال العسكري، ص 412. (¬2). كتاب الإيضاح في علوم البلاغة، الخطيب القزويني، ص 530.

فهي تشخّص الشجر فتخاطبه وتنسب إليه الجزع وهما من صفات الإنسان، وتوبّخه على فعلته وكأنها تجهل أن الشّجر لن يكفّ عن الاخضرار حزنا على أحد. ومن مظاهره أيضا المبالغة في القدح والذّم كما في قول زهير: وما أدري، وسوف إخال أدري … أقوم آل حصن أم نساء؟ فهل يجهل الفرق بين النساء والرّجال؟ هل التبس عليه الأمر؟ أم أنّه يبالغ في الذمّ فيجرّد آل حصن من كل صفات الرجال، ويجعلهم نساء خائفات منزويات متقاعسات عن التصدّي للعدوان والثأر للكرامة. ومنه أيضا التولّه في الحبّ كما في قول أحدهم: بالله يا ظبيات القاع قلن لنا … ليلاي منكنّ أم ليلى من البشر؟ فالشاعر يشبّه ليلاه بالظبية وهذا وجه متداول في التشبيه لكنّه بعد أن خبله الحبّ بات عاجزا عن تمييز ليلاه عن الظباء فيسألها هل ليلى منكن؟ أم هي من البشر؟ ترى هذا السؤال عن الحقيقة المجهولة أو المتجاهلة؟ أليس المقصود من السؤال إظهار جموح الحبّ الذي ذهب ببصره وبصيرته فبات غير قادر على التمييز بين الظبية الحقيقية والظبية الموهومة؟ وهناك مظاهر أخرى يمكن شرحها والتعرّف إلى أسرارها قياسا على ما حلّلناه لك من أمثلة وشواهد.

تمرينات

تمرينات: 1 - اشرح ظاهرة تجاهل العارف مبيّنا الغرض منها فيما يأتي: ألمع برق سرى أم ضوء مصباح … أم ابتسامتها بالمنظر الضاحي؟ أيا شبه ليلى ما لليلى مريضة … وأنت صحيح إنّ ذا لمحال أقول لظبي مرّ بي وهو رائع … أأنت أخو ليلى؟ فقال: يقال أثغر ما أرى أم أقحوان … وقدّ ما بدا أم خيزران؟ وطرف ما تقلّب أم حسام … ولفظ ما تساقط أم جمان؟ وشوق ما أكابد أم حريق … وليل ما أقاسي أم زمان؟ أريقك أم ماء الغمامة أم خمر؟ أغرّة إسماعيل أم سنّة البدر … وفيض ندى كفّيه ام باكر القطر؟؟

اللف والنشر

اللفّ والنشر سمّاه بعضهم «الطيّ والنشر». 1 - تعريفه: جاء في الإيضاح (¬1) «هو ذكر متعدّد على جهة التفصيل أو الإجمال، ثم ذكر ما لكلّ واحد من غير تعيين، ثقة بأنّ السامع يردّه إليه». 2 - أنواعه: أ- أن يكون النّشر فيه على ترتيب الطيّ ، نحو قوله تعالى: وَمِنْ رَحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ القصص: 73. فلقد جمعت الآية بين الليل والنّهار فكان الطيّ أو اللّف، ثمّ جاء النّشر على ترتيب اللّف، فالأوّل من المتعدّد في اللفّ هو الليل، والأول من النشر للأول من المتعدد، في اللف وهو السكون لأن النوم والراحة يكونان في الليل، ثم كان الثاني للثاني فالنّهار في اللف تبعه ابتغاء الرزق والسعي في الكسب في النهار. ومنه قول ابن حيّوس (الكامل): فعل المدام، ولونها، ومذاقها … في مقلتيه، ووجنتيه، وريقه ذكر ابن حيّوس في الصّدر ثلاثة أمور هي: فعل المدام، ولونها، ومذاقها، ثم جاء في العجز بتفصيل لهذه الأمور الثلاثة على ¬

_ (¬1). الإيضاح في علوم البلاغة، الخطيب القزويني، ص 503.

ب- أن يكون النشر على خلاف ترتيب الطي

الترتيب: ففعل المدام في مقلتيه، ولونها في وجنتيه (خدّيه)، ومذاقها (طعمها) في ريقه. وهكذا كان اللّف في صدر البيت، ثم جاء النشر في العجز على الترتيب أوّلا بأوّل. ب- أن يكون النّشر على خلاف ترتيب الطيّ ، ومثاله قوله تعالى: وَما كانَ قَوْلَهُمْ إِلَّا أَنْ قالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا وَإِسْرافَنا فِي أَمْرِنا وَثَبِّتْ أَقْدامَنا وَانْصُرْنا عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ* فَآتاهُمُ اللَّهُ ثَوابَ الدُّنْيا وَحُسْنَ ثَوابِ الْآخِرَةِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ آل عمران: 147 - 148. فالآية تذكر دعاء المؤمنين على سبيل التفصيل ثم ذكرت الإجابة من غير ترتيب، فقدّمت ثواب الدنيا مع تأخره في الدعاء لما كان المقام مقام القتال والنفوس متطلّعة إلى النصر، وخصّصت ثواب الآخرة- دون ثواب الدنيا بالحسن للإيذان بفضله ومزيته، وأنّه المعتدّ به عند الله. ومنه قول ابن حيّوس (الخفيف): كيف أسلو، وأنت حقف وغصن … وغزال لحظا وقدّا وردفا يتساءل الشاعر قائلا: كيف أنسى وتطيب نفسي بالسلوان وأنت حقف (نقا رمل متراكم مستدير يشبّه به الكفل في العظم والاستدارة) وغصن وغزال؟ فهذا هو الطيّ، ثم جاء النّشر بعد ذلك على غير ترتيب. فاللحظ للغزال والغزال آخر في الطيّ واللحظ أوّل في النشر، ثم جاء القدّ، والقدّ ثان في النشر وثان في الطيّ لأنه شبّه القدّ بالغصن، والجزء الثالث من النشر كان الرّدف وقد شبّهه بالحقف والحقف جاء أوّلا في الطيّ وهكذا جاء النّشر على غير ترتيب الطيّ.

تمارين

تمارين: 1 - بيّن وجوه الطيّ والنشر في ما يأتي: 1 - آراؤكم ووجوهكم وسيوفكم … في الحادثات إذا دجون نجوم فيها معالم للهدى ومصابح … تجلو الدّجى والأخريات رجوم 2 - سألته عن قومه فانثنى … يعجب من إسراف دمعي السّخي وأبصر المسك وبدر الدّجى … فقال: ذا خالي، وهذا أخي 3 - ولمّا أبى الواشون إلا فراقنا … وما لهمو عندي وعندك من ثار غزونا همو من ناظريك وأدمعي … وأنفاسنا بالسيف والسيّل والنّار 4 - ثغر وخدّ ونهد واحمرار يد … كالطّلع والورد والرمّان والبلح 5 - لقد خنت قوما لو لجأت إليهم … طريد دم، أو حاملا ثقل مغرم لألفيت فيهم معطيا أو مطاعنا … وراءك شزرا بالوشيج المقوّم 6 - عيون وأصداغ وفرع وقامة … وخال ووجنات وفرق ومرشف سيوف وريحان وليل وبانة … ومسك وياقوت وصبح وقرقف 7 - ولحظه ومحيّاه وقامته … بدر الدّجا وقضيب البان والرّاح 8 - ولا يقيم على ضيم يراد به … إلّا الأذلّان غير الحيّ والوتد هذا على الخسف مربوط برمّته … وذا يشجّ فلا يرثي له أحد ... 5 - طريد دم: مطارد مطلوب لثأر. المغرم: الدّين. شزرا من شزر بمعنى طعن عن يمينه وعن شماله. الوشيج: شجر الرّماح. المقوّم: المستقيم لا عوج فيه. 6 - أصداغ: جمع مفرد صدغ وهو ما بين العين والأذن. الفرع: الشعر. مرشف: الفم والرّيق. قرقف: خمر مرعدة. 7 - المحيّا: الوجه.

ثالثا: مراعاة النظير

ثالثا: مراعاة النظير 1 - أسماؤها: من أسمائها الواردة في كتب البلاغة: التناسب والائتلاف والتوفيق والمؤاخاة. 2 - تعريفها: جاء في الإيضاح (¬1): «هي أن يجمع في الكلام بين أمر وما يناسبه لا بالتّضاد نحو: الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبانٍ الرحمن: 5» فجمع في الآية بين الشمس والقمر وهما متناسبان لتقارنهما في الخيال، وكونهما كوكبين سماويين. وكقول البحتري يصف إبلا هزيلة: كالقسيّ المعطّفات بل الأس- … هم مبريّة بل الأوتار شبّهها بالقسيّ والأوتار والأسهم، لما بينها من المناسبة والائتلاف. فقد شبّه الإبل أوّلا في ضعفها بالقسيّ، ثم ذهب إلى ما هو أدق منها وهو السّهام، ثم ذهب إلى ما هو أدقّ وهو الأوتار. ومنه قول ابن رشيق (¬2): أصحّ وأقوى ما سمعناه في النّدى … من الخبر المأثور منذ قديم أحاديث ترويها السّيول عن الحيا … عن البحر، عن كفّ الأمير تميم ¬

_ (¬1). الإيضاح في علوم البلاغة، الخطيب القزويني، ص 488. (¬2). ديوان ابن رشيق القيرواني، شرح د. محي الدين ديب، ص 192.

3 - من مظاهرها

فإنه ناسب فيه بين الصحّة، والقوّة، والسّماع، والخبر المأثور، والأحاديث والرواية، ثم بين السيل، والحيا، والبحر، وكفّ تميم، مع ما في البيت الثاني من صحّة الترتيب في العنعنة، إذ جعل الرواية لصاغر عن كابر، فإن السيول أصلها المطر، والمطر أصله البحر، ولهذا جعل كفّ الممدوح أصلا للبحر مبالغة. 3 - من مظاهرها: 1 - تشابه الأطراف: وهو أن يختم الكلام بما يناسب أوله في المعنى، نحو لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ الأنعام: 103. فإن اللطف يناسب ما لا يدرك بالبصر، والخبرة تناسب من يدرك شيئا، فإن من يدرك شيئا يكون خبيرا به. تمارين: 1 - دلّ على مراعاة النظير واشرح معانيها في ما يأتي: أُولئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدى فَما رَبِحَتْ تِجارَتُهُمْ البقرة: 16. وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدانِ الرحمن: 6. كأن الثريا علّقت في جبينها … وفي نحرها الشّعري وفي خدّها القمر والطلّ في سلك الغصون كلؤلؤ … رطب يصافحه النّسيم فيسقط والطير يقرأ والغدير صحيفة … والريح تكتب والغمام ينقّط ضممت جناحيهم على القلب ضمّة … تموت الخوافي تحتها والقوادم

رابعا: تأكيد المدح بما يشبه الذم

رابعا: تأكيد المدح بما يشبه الذّم 1 - مكتشفه: أوّل من اهتدى إلى هذا الضرب من البديع عبد الله بن المعتز (¬1) وأعطى عليه مثالين هما: 1 - قول النابغة الذبياني (الطويل): ولا عيب فيهم غير أنّ سيوفهم … بهنّ فلول من قراع الكتائب 2 - قول النابغة الجعدي (الطويل): فتى كملت أخلاقه غير أنه … جواد فما يبقي من المال باقيا وقد سمّاه أبو هلال العسكري (¬2) ب (الاستثناء): غير أن تسمية ابن المعتز هي التي شاعت في ما بعد لأنّها أكثر انسجاما مع المعنى. 2 - نوعاه: أ- أن يستثنى من صفة ذمّ منفيّة عن الشيء صفة مدح بتقدير دخولها فيها، نحو قول ابن الرومي (السريع): ليس به عيب سوى أنّه … لا تقع العين على شبهه ¬

_ (¬1). البديع، ابن المعتز، طبعة دار المسيرة، ص 62. (¬2). كتاب الصناعتين، أبو هلال العسكري، ص 424.

بدأ ابن الرومي مدحه بأن نفى كلّ عيب عن الممدوح عند ما قال «ليس به عيب»، ولكنه أتبع هذا المدح بلفظ الاستثناء (سوى)، فأوهم السامع أنه تراجع عن تبرئة الممدوح من كل عيب، وأنّه سيكاشفه بعيب اكتشفه فوجب ذكره. غير أن ابن الرومي خدع سامعه حين أورد بعد الاستثناء مدحا يفوق المدح الأول، ويؤكده حين قال: «لا تقع العين على شبهه» فهو مبرّأ من كل عيب، ولن ترى العين شبيها له في كماله. ب- أن يثبت لشيء صفة مدح، ويعقب بأداة استثناء تليها صفة مدح أخرى، نحو، قول النابغة الجعدي (الطويل): فتى كملت أخلاقه غير أنّه … جواد فما يبقي على المال باقيا فالشاعر بدأ بيته بصفة ممدوحة هي «كمال أخلاق الفتى»، ولكنّه أتى بعدها بلفظ الاستثناء (غير)، فدهش السامع وتوقّع أن يذكر الشاعر ما يناقض الكمال الذي استهلّ البيت بذكره. لكنّ الشاعر لم يفعل ذلك، بل أتى بعد الاستثناء بصفة ممدوحة أخرى، وهي «جواد» وفصّلها بقوله: فما يبقي على المال باقيا. وفي ذلك توكيد للمدح الأوّل.

تأكيد الذم بما يشبه المدح

تأكيد الذّم بما يشبه المدح هو أسلوب شبيه بالأسلوب السابق. وهو نوعان: أ- أن يستثنى من صفة مدح منفية عن الشيء صفة ذمّ بتقدير دخولها فيها، نحو: فلان لا خير فيه إلّا أنه يسيء إلى من يحسن إليه. فصفة المدح (خير) في فلان منفيّة ب (لا)، وقد استثني من هذه الصفة الممدوحة المنفيّة صفة ذم (الإساءة إلى من يحسن إليه) وهي داخلة في الصفة المنفية. ب- أن يثبت للشيء صفة ذم، ثم يؤتى بعدها بأداة استثناء تليها صفة ذم أخرى له، نحو: فلان فاسق إلّا أنّه جاهل. فصفة الذم (فاسق) مثبتة غير منفيّة أتي بعدها بأداة الاستثناء (إلّا) ثم تليت أداة الاستثناء بصفة ذم أخرى هي (جاهل). تمارين 1 - اشرح ما في الأمثلة الآتية من تأكيد المدح بما يشبه الذّم، وبيّن ضربه: 1 - ولا عيب فيه غير أنّي قصدته … فأنستني الأيّام أهلا وموطنا 2 - وجوه كأزهار الرّياض نضارة … ولكنّها يوم الهياج صخور 3 - ولا عيب فيكم غير أن ضيوفكم … تعاب بنسيان الأحبّة والوطن 4 - ولا عيب في معروفهم غير أنّه … يبيّن عجز الشاكرين عن الشّكر 5 - ولا عيب فيه لا مرئ غير أنّه … تعاب له الدنيا وليس يعاب 6 - فما فيه عيب غير أنّ جفونه … مراض وأنّ الخصر منه ضعيف 7 - ولا عيب فيهم ظاهر غير أنّني … حسبتهم- لمّا نزلت بهم- أهلي

8 - ولا عيب في هذا الرّشا غير أنّه … له معطف لدن وخدّ منعّم 9 - ولا عيب فيها غير سحر جفونها … وأحبب بها سحّارة حين تسحر 10 - هو البدر إلّا أنّه البحر زاخرا … سوى أنّه الضّرغام لكنّه وبل 2 - اشرح ما في الأمثلة الآتية من تأكيد الذم بما يشبه المدح، وبيّن ضربه: 1 - فلان لا أمل فيه إلّا أنّه يضرّ بمن أدّى إليه نفعا 2 - فلان ما جن إلّا أنّه ساذج 3 - هو الكلب، إلّا أنّ فيه ملالة … وسوء مراعاة وما ذاك في الكلب 4 - خلا من الفضل غير أنّي … أراه في الحمق لا يجارى 5 - لئيم الطّباع سوى أنّه … جبان يهون عليه الهوان 6 - فإنّ من لا مني لا خير فيه سوى … وصفي له بأخسّ الناس كلّهم

حسن التعليل

حسن التعليل 1 - تعريفه: هو في معجم المصطلحات (¬1) «أن يتلمّس الأديب للشيء أو للظاهرة علّة أدبية طريفة تناسب الغرض الذي يرمي إليه بدلا من علّته أو علّتها الحقيقية، وذلك كقول ابن الرومي (البسيط): أمّا ذكاء فلم تصفرّ إذ جنحت … إلّا لفرقة ذاك المنظر الحسن فالعلّة الأدبية التي تلمّسها ابن الرومي لاصفرار الشمس عند ميلها للغروب الخوف من فراق وجه الممدوح لا السبب العلمي المعروف من دوران الأرض حول محورها». والطّريف في حسن التعليل أنّ المبدع- كاتبا أو شاعرا- ينكر صراحة أو ضمنا علّة الشيء المعروفة والشائعة عند الناس ليأتي بعلّة يرتئيها وتناسب الغرض الذي يرمي إليه. وفي حسن التعليل تظهر قدرة الكاتب على اختراع المعاني، وابتداع الصّور التي لم يسبق إليها. وأكثر ما يكون تعليله صادما لأنه يخالف المألوف ويأتي بالجديد المقنع الذي لا يوافق العرف العامّ ولكنّه لا يرفض لطرافته ودقّة نظر صاحبه. 2 - أقسامه: ذهب الخطيب القزويني إلى أنه (¬2) «أربعة أقسام، لأنّ الوصف إمّا ثابت قصد به بيان علّته، أو غير ثابت أريد إثباته، والأوّل إمّا أن لا ¬

_ (¬1). معجم المصطلحات العربية في اللغة والأدب، وهبة- المهندس، ص 84. (¬2). الإيضاح في علوم البلاغة، الخطيب القزويني، ص 518.

يظهر له في العادة علّة، أو يظهر له علّة غير المذكورة، والثاني إمّا ممكن، أو غير ممكن». 1 - القسم الأول: وصف ثابت غير ظاهر العلة، مثاله قول المتنبّي (الكامل): لم يحك نائلك السّحاب وإنما … حمّت به فصبيبها الرّحضاء «فنزول المطر لا يظهر له في العادة علّة» كما يقول القزويني (¬1). ومنه أيضا قول أبي تمام (الكامل): لا تنكري عطل الكريم من الغنى … فالسّيل حرب للمكان العالي علّل أبو تمّام عدم إصابة الغنى الكريم بتشبيه غير ظاهر العلّة عادة؛ فالسّيل لا يصيب المكان العالي، والغنى لا يصيب الكريم، ووجه الشبه يكمن في أن الكريم عالي القدر كالمكان العالي، والغنى لحاجة الناس إليه يتدفّق كالسيل الجارف من القمم فلا يحبس مياها كما لا يحبس الغني مالا. وإذا فتّشنا عن علّة خلوّ الكريم من المال ما وجدنا علّة ظاهرة لذلك ظاهرة في البيت، وكذلك لا نجد علّة ظاهرة لعدم احتفاظ المرتفعات بمياهها. ومن طريف الأمثلة على هذا الضرب قول أبي هلال العسكري (الكامل): زعم البنفسج أنّه كعذاره … حسنا فسلّوا من قفاه لسانه ¬

_ (¬1). الإيضاح في علوم البلاغة، الخطيب القزويني، ص 518.

إن خروج ورقة البنفسج إلى الخلف وصف ثابت في زهرة البنفسج، وهذا الخروج لا علّة له لأنه هكذا خلق منذ عرف البنفسج، لكنّ الشاعر التمس له عذرا طريفا هو الافتراء على المحبوب. 2 - القسم الثاني: وصف ثابت ظاهر العلّة: مثاله قول المتنبّي (الرّمل): ما به قتل أعاديه، ولكن … يتّقي إخلاف ما ترجو الذئاب اعتاد الناس أن يعلّلوا قتل الملوك والسلاطين لأعدائهم بنشدانهم صفاء الجوّ وعدم تعكير الأمن بالثورة أو التمرّد أو ما يشبه ذلك، ولكن الشاعر فاجأهم بتعليل آخر غريب وغير متوقع تمثّل في خوف الملك والسلطان على الذئاب الضارية التي ترتقب أكل جثث القتلى المتساقطة تحت ضربات الملك فيوفّر لها طعامها، ويخاف الملك أو السلطان أن يخيّب رجاءها لذلك فهو شديد الفتك بالأعداء لا كرها بهم أو خوفا منهم على ملكه لكن رغبة في توفير طعام للكواسر التي لا يريد إصابتها بخيبة أو صدمة وهي التي عودّها على توفير غذائها كلّما جرّد للعدو سلاحا. ومنه قول أحدهم (المتقارب): أتتني تؤنّبني بالبكا … فأهلا بها وبتأنيبها تقول- وفي قولها حشمة- … أتبكي بعين تراني بها؟! فقلت: إذا استحسنت غيركم … أمرت الدموع بتأديبها تسكب العين دمعها عادة من حزن يسببه إعراض الحبيب وهجرانه، وفقدان عزيز وما إلى ذلك من أسباب الاكتئاب، لكن الشاعر ابتكر علّة طريفة غير متوقّعة لتهطال الدمع تمثّلت في إرادة تأديب عينه

لأنّها استحسنت رؤية غير الحبيب فكان الدمع قصاصا لها. وفي هذا التعليل خيال لافت وذكاء خارق ومخالفة للمألوف يجنح إليه الفن وينفرد به الفنّان الأصيل الذي يسعى للخروج على المماثلة والمشاكلة ويجنح للفرادة والتميّز. الثالث: وصف غير ثابت: وهذا الوصف يجوز أن يكون ممكنا كما يجوز ان يكون غير ممكن. 1 - الوصف غير الثابت الممكن، ومثاله، قول مسلم بن الوليد (البسيط): يا واشيا حسنت فينا إساءته … نجّى حذارك إنساني من الغرق خالف الشاعر المألوف في معنى ذهب إليه وهو حسن إساءة الواشي. وأن يستحسن المرء وشاية الواشي أمر ممكن، ولكنّه خالف الناس في استحسانه هذا فاضطر إلى تبرير الاستحسان قائلا: إن حذار الواشي منعه من البكاء لكي لا يشمت به وإلا فإن البكاء كان قد أغرق إنسان عينه بالدمع (الإنسان: البؤبؤ). 2 - وصف غير ثابت وغير ممكن كقول القزويني (البسيط): لو لم تكن نيّة الجوزاء خدمته … لما رأيت عليها عقد منتطق ذهب الشاعر إلى أن الجوزاء تريد خدمة الممدوح، وهذه صفة غير ثابتة وغير ممكنة أيضا لا بل هي ممتنعة، ولكنّه علّلها بعلّة طريفة ادّعاها خيال مقبول عند ما تخيّل النجوم تحيط بالجوزاء فتشكّل حولها

تمرينات

نطاقا شبيها بالخدم المحيطين بالممدوح متحفّزين لتلبية طلبه وهم رهن إشارته. فالتعليل مبنيّ على قوّة تخييل. تمرينات: 1 - إشرح الأبيات الآتية، مبيّنا حسن التعليل فيها وأقسامه: - ما زلزلت مصر من كيد يراد بها … وإنّما رقصت من عدله طربا - أرى بدر السماء يلوح حينا … ويبدو ثم يلتحف السحابا وذاك لأنّه لمّا تبدّى … وأبصر وجهك استحيا وغابا - استشعر الكتّاب فقدك سالفا … وقضت بصحّة ذلك الأيام فلذاك سوّدت الدّويّ كآبة … أسفا عليك وشقّت الأقلام - سبقت إليك من الحدائق وردة … وأتتك قبل أوانها تطفيلا طمعت بلثمك إذ رأتك فجمّعت … فمها إليك كطالب تقبيلا - عيون تبر كأنّها سرقت … سواد أحداقها من الغسق فإن دجا ليلها بظلمته … تضمّها خيفة من السّرق - عداتي لهم فضل عليّ ومنّة … فلا أذهب الرحمن عنّي الأعاديا همو بحثوا عن زلّتي فاجتنبتها … وهم نافسوني فاكتسبت المعاليا - لو لم يكن أقحوانا ثغر مبسمها … ما كان يزداد طيبا ساعة السّحر

الإرصاد

الإرصاد 1 - أسماؤه: أطلق عليه البلاغيّون أسماء عدّة أشهرها: 1 - التوشيح: ذكره أبو هلال العسكري واعترض على التسمية بقوله (¬1): «وهذه التسمية غير لائقة بهذا المعنى». 2 - التبيين: اسم اقترحه العسكري لأنه أقرب إلى المعنى. 3 - التسهيم: ذكره الخطيب التبريزي في (التلخيص) (¬2) (والإيضاح) (¬3). 4 - الإرصاد: وهو الأعمّ الأغلب في كتب البلاغة قديما وحديثا. 2 - تعريفه: أ- لغة: جاء في اللسان (رصد): «الراصد بالشيء: الراقب له، والترصّد: الترقّب، والإرصاد في المكافأة بالخير ... والرّصد: القوم يرصدون كالحرس». ب- اصطلاحا: عرّفه العسكري بقوله: «هو أن يكون مبدأ الكلام ينبئ عن مقطعه؛ وأوّله يخبر بآخره، وصدره يشهد بعجزه، حتى لو سمعت شعرا، وعرفت رويّه، ثم سمعت صدر بيت منه، وقفت على عجزه قبل بلوغ السماع إليه». ¬

_ (¬1). كتاب الصناعتين، أبو هلال العسكري، ص 397. (¬2). التلخيص في علوم البلاغة، الخطيب القزويني، ص 356. (¬3). الإيضاح في علوم البلاغة، الخطيب القزويني، ص 492.

3 - مظاهره

3 - مظاهره: كثر وروده في القرآن الكريم، وهذه بعض أمثلته: 1 - قال تعالى: وَما كانَ النَّاسُ إِلَّا أُمَّةً واحِدَةً فَاخْتَلَفُوا وَلَوْلا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ فِيما فِيهِ يَخْتَلِفُونَ يونس: 19. فإذا وقفت على قوله تعالى: «فِيما فِيهِ» عرف السامع أن بعده «يختلفون» لما تقدم من الدلالة عليه. 2 - وقال تعالى: إِذا لَهُمْ مَكْرٌ فِي آياتِنا قُلِ اللَّهُ أَسْرَعُ مَكْراً إِنَّ رُسُلَنا يَكْتُبُونَ ما تَمْكُرُونَ يونس: 21. فإذا وقف القارئ على (يَكْتُبُونَ) عرف السامع أن بعده «ما تَمْكُرُونَ» لما تقدّم من ذكر المكر. وممّا جاء منه في الشعر قول الراعي النميري (الوافر): وإن وزن الحصى فوزنت قومي … وجدت حصى ضريبتهم رزينا فإذا سمع الإنسان أوّل هذا البيت، وقد تقدّمت عنده قافية القصيدة، استخرج لفظ قافيته كما يقول العسكري؛ وذلك لأنّه عرف أنّ قوله «وزن الحصى» سيأتي بعده «رزين» لعلّتين هما: 1 - إن قافية القصيدة توحيه. 2 - إن نظام البيت يقتضيه، لأنّ الذي يفاخر برجاحة الحصى ينبغي أن يصفه بالرّزانة. ومن عجيب هذا الباب قول البحتري (الطويل): فليس الذي حلّلته بمحلّل … وليس الذي حرّمته بحرام. وذلك أن من سمع صدر البيت عرف عجزه بكامله. ومنه أيضا (الطويل): فأمّا الذي يحصيهم فمكثّر … وأمّا الذي يطريهم فمقلّل فصدر البيت يجعلنا قادرين على رصد عجزه، والتنبؤ به قبل لفظه.

تمارين

تمارين: 1 - دلّ على الإرصاد واشرحه في ما يأتي: 1 - ثُمَّ جَعَلْناكُمْ خَلائِفَ فِي الْأَرْضِ مِنْ بَعْدِهِمْ لِنَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ يونس: 14. 2 - فَكُلًّا أَخَذْنا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنا عَلَيْهِ حاصِباً وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنا وَما كانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ العنكبوت: 40. 3 - مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِياءَ كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتاً وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ العنكبوت: 41. 4 - هي الدّرّ منثورا إذا ما تكلّمت … وكالدّرّ منظوما إذا لم تكلّم 5 - ضعائف يقتلن الرّجال بلا دم … ويا عجبا للقاتلات الضعائف 6 - سئمت تكاليف الحياة ومن يعش … ثمانين حولا- لا أبا لك- يسأم 7 - أبكيكما دمعا ولو أنّي على … قدر الجوى أبكي بكيتكما دما 8 - إذا لم تستطع شيئا فدعه … وجاوزه إلى ما تستطيع 9 - وكنت إذا سألت القلب يوما … تولّى الدّمع عن قلبي الجوابا 10 - حببتك قلبي قبل حبّك من نأى … وقد كان غدّارا فكن أنت وافيا 11 - طواه الرّدى عنّي فأضحى مزاره … بعيدا على قرب قريبا على بعد 12 - ألام لما أبدي عليك من الأسى … وإنّي لأخفي منك أضعاف ما أبدي 13 - ضممت جناحيهم على القلب ضمّة … تموت الخوافي تحتها والقوادم

المحسنات اللفظية

المحسّنات اللّفظية: - السّجع والازدواج. - الجناس. - ردّ الأعجاز على الصّدور. - لزوم ما لا يلزم. - الاقتباس والتضمين والإيداع.

السجع والازدواج

السّجع والازدواج هو أهم أبواب البديع اللفظي: 1 - تعريفه: قال السكّاكي (¬1) «ومن جهات الحسن الأسجاع: وهي في النّثر، كما القوافي في الشّعر، ومن جهاته الفواصل القرآنية». وعرّفه الخطيب التبريزي (¬2) «هو تواطؤ الفاصلتين من النّثر على حرف واحد، وهو معنى قول السكّاكي، هو في النّثر كالقافية في الشّعر». 2 - أقسامه: يأتي السّجع بصور متعدّدة نذكر أهمّها: 1 - المطرّف: وهو ما اختلفت فيه الفاصلتان أو الفواصل وزنا واتفقت رويا، وذلك بأن يرد في أجزاء الكلام سجعات غير موزونة عروضيا، وبشرط أن يكون رويّها روي القافية، نحو قوله تعالى ما لَكُمْ لا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقاراً* وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْواراً نوح: 13 - 14. فالآيتان متفقتان رويا (را) مختلفتان وزنا لأن الآية الأولى أطول من الثانية. ¬

_ (¬1). مفتاح العلوم، السكّاكي، ص 431. (¬2). التلخيص في علوم البلاغة، الخطيب التّبريزي، ص 397.

2 - المرصع

2 - المرصّع: وهو الذي تقابل فيه كلّ لفظة من فقرة النثر أو صدر البيت بلفظة على وزنها ورويّها، نحو قوله إِنَّ الْأَبْرارَ لَفِي نَعِيمٍ* وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ الانفطار: 13 - 14. ومثاله في الشّعر قول الشاعر (الكامل): فحريق جمرة سيفه للمعتدي … ورحيق خمرة سيبه للمعتفي وقد وقع الترصيع في ألفاظ البيت جميعا (حريق ورحيق، جمرة وخمرة، سيفه وسيبه، المعتدي والمعتفي). وذكر أبو هلال العسكري (¬1) نوعا من الترصيع بقوله: «هو أن يكون حشو البيت مسجوعا. ومن أمثلته عليه قول تأبّط شرّا: حمّال ألوية شهّادّ أندية … هبّاط أودية جوّاب آفاق وقول النمر: طويل الذّراع قصير الكراع … يواشك بالسّبسب الأغبر وقول ذي الرمّة: كحلاء في برج صفراء في نعج (¬2) … كأنّها فضّة قد مسّها ذهب وعلّق على هذا الضرب من التّرصيع بقوله (¬3): ومثل هذا إذا اتفق في موضع من القصيدة أو موضعين كان حسنا، فإذا كثر وتوالى دلّ على التكلّف، ¬

_ (¬1). كتاب الصناعتين، أبو هلال العسكري، ص 390 وما بعدها. (¬2). نعج: حسن اللون وخلوص بياضه. (¬3). كتاب الصناعتين، أبو هلال العسكري، ص 392.

3 - المتوازي

وأورد هذه الأبيات للخنساء: حامي الحقيقة محمود الخليقة مه … ديّ الطريقة نفّاع وضرّار وعلّق على البيت بقوله: هذا البيت جيّد ثم قالت: فعّال سامية ورّاد طامية … للمجد نامية تعنيه أسفار هذا البيت رديء لتبرؤ بعض ألفاظه من بعض، ثم قالت: جوّاب قاصية جزّاز ناصية … عقّاد ألوية للخيل جرّار آخر هذا البيت لا يجري مع ما قبله، وإذا قسته بأدلّة وجدته فاترا باردا. 3 - المتوازي: وهو ما اتفقت فيه اللفظة الأخيرة من الفقرة مع نظيرتها في الوزن والرّوي، نحو قوله تعالى فِيها سُرُرٌ مَرْفُوعَةٌ* وَأَكْوابٌ مَوْضُوعَةٌ الغاشية: 13 - 14. فالآيتان منتهيتان بلفظتين متفقتين وزنا (موضوعة/ هـ/ هـ/ هـ، مرفوعة/ هـ/ هـ/ هـ) ورويا (ع). ومن أمثلته شعرا قول أبي الطيّب (البسيط): فنحن في جذل والروم في وجل … والبرّ في شغل والبحر في خجل فالبيت مؤلّف من أربع فقرات، اتفقت كل فقرة منها مع الأخريات في اللفظة الأخيرة وزنا ورويا (جذل، وجل، شغل، خجل).

4 - المشطور، أو التشطير

4 - المشطور، أو التشطير: هذا النوع خاص بالشّعر، وهو أن يكون لكل شطر من البيت قافيتان مغايرتان لقافية الشطر الثاني، نحو قول أبي تمام (البسيط): تدبير معتصم بالله منتقم … لله مرتغب في الله مرتقب فسجعة الصّدر مبنيّة على روي (الميم)، وسجعة العجز مبنيّة على رويّ (الباء). 3 - أنواعه من حيث الطول والقصر: يأتي السجع على اختلاف أقسامه على ضربين من حيث الطول والقصر هما: أ- السجع القصير: وهو ما كان مؤلّفا من ألفاظ قليلة، وأقلّ القصير ما كان من لفظتين، كقوله تعالى وَالْمُرْسَلاتِ عُرْفاً* فَالْعاصِفاتِ عَصْفاً المرسلات: 1 - 2. وقوله تعالى أيضا يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ* قُمْ فَأَنْذِرْ* وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ* وَثِيابَكَ فَطَهِّرْ* وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ المدّثر: 1 - 5. ومنه ما يكون مؤلفا من ثلاثة ألفاظ، أو أربعة، أو خمسة، وينتهي إلى تسع كلمات أو إلى عشر، كقوله تعالى وَالنَّجْمِ إِذا هَوى * ما ضَلَّ صاحِبُكُمْ وَما غَوى * وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى النجم: 1 - 3. وكقوله تعالى أيضا اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ* وَإِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ* وَكَذَّبُوا وَاتَّبَعُوا أَهْواءَهُمْ وَكُلُّ أَمْرٍ مُسْتَقِرٌّ القمر: 1 - 3.

ب- السجع الطويل

ب- السجع الطويل: وتتفاوت درجاته، فمنه ما يتألّف من إحدى عشرة لفظة، وأكثره خمس عشرة لفظة، وقد رأى بعضهم أنه قد يبلغ عشرين لفظة؛ ولكن آخرين اشترطوا ألّا يتجاوز خمس عشرة لفظة. ومثاله قوله تعالى وَلَئِنْ أَذَقْنَا الْإِنْسانَ مِنَّا رَحْمَةً ثُمَّ نَزَعْناها مِنْهُ إِنَّهُ لَيَؤُسٌ كَفُورٌ* وَلَئِنْ أَذَقْناهُ نَعْماءَ بَعْدَ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ ذَهَبَ السَّيِّئاتُ عَنِّي إِنَّهُ لَفَرِحٌ فَخُورٌ هود: 9 - 10. فالآية الأولى مؤلفة من إحدى عشرة لفظة، والثانية من ثلاث عشرة لفظة. وكقوله تعالى أيضا لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ ما عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ* فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ التوبة: 128 - 129. فالآية الأولى مؤلفة من 14 لفظة، والثانية من 15 لفظة. * يدلّ السجع القصير على قوّة منشئة وتمكّنه، لصعوبة ادراكه. وهو أجمل صورة وأحلى وقعا على الأذن. والسجع الطويل أسهل تناولا لأن طوله يخفّف العبء على منشئه. 4 - أحسن السّجع: ما تساوت فقره فلا يزيد بعضها على بعض، مع اتفاق الفواصل على حرف واحد، نحو قول أعرابي عند ما سئل: من بقي من إخوانك؟ فأجاب: كلب نابح، وحمار رامح، وأخ فاضح. وكقول أعرابي آخر: باكرنا وسميّ، ثم وليّ. فالأرض كأنّها وشي منشور، عليه لؤلؤ منثور، ثم أتتنا غيوم جراد، بمناجل حصاد،

5 - موقف النقاد منه

فاحترثت البلاد، وأهلكت العباد، فسبحان من يهلك القويّ الأكول، بالضّعيف المأكول. فالزيادة قليلة في أجزاء هذه السجعات إن وجدت. ومن السجع الحسن ما تكون ألفاظ الجزءين المزدوجين مسجوعة، فيكون الكلام سجعا في سجع، كقول أحدهم: حتى عاد تعريضك تصريحا، وتمريضك تصحيحا. فالسجع في (تعريضك وتمريضك) وفي (تصريحا وتصحيحا). فالكلام سجع في سجع. ومثاله قوله تعالى إِنَّ إِلَيْنا إِيابَهُمْ* ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنا حِسابَهُمْ الغاشية: 25 - 26. فالسجع في (إلينا- علينا، إيابهم- حسابهم). وهذا الضرب من السجع إذا سلم من الاستكراه أحسن وجوه السجع عند أبي هلال العسكري. 5 - موقف النقّاد منه: تباينت آراء النقّاد من السجع فمنهم من دعا إلى تجنّبه لما فيه من تكلّف وتشبّه بكهّان الجاهلية والمتنبئين الكذبة بعد الاسلام. ومنهم من رأى فيه وجها من وجوه البلاغة بعد أن ورد في القرآن الكريم وأقوال النبي (ص). وإنما كان مكروها في سجع الكّهان لمعانيه لا لمبناه. قال العسكري (¬1) «كان (صلعم) ربّما غيّر الكلمة عن وجهها للموازنة بين الألفاظ وإتباع الكلمة أخواتها، كقوله (صلعم): أعيذه من الهامّة، والسامّة، وكل عين لامّة. وإنما أراد ملمّة، وقوله عليه السلام: ¬

_ (¬1). كتاب الصناعتين، أبو هلال العسكري، ص 267.

تمارين

ارجعن مأزورات، غير مأجورات، وإنما أراد موزورات من الوزر فقال: مأزورات، لمكان مأجورات، قصدا للتوازن وصحّة التسجيع». وعلّق على ذلك بقوله: فكل هذا يؤذن بفضيلة التسجيع على شرط البراءة من التكلّف والخلوّ من التعسّف. تمارين: 1 - بيّن السجع، ووضّح وجوه حسنه في ما يأتي: 1 - فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلا تَقْهَرْ* وَأَمَّا السَّائِلَ فَلا تَنْهَرْ الضحى: 9 - 10. 2 - أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحابِ الْفِيلِ* أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ الفيل: 1 - 2. 3 - خُذُوهُ فَغُلُّوهُ* ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ* ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُها سَبْعُونَ ذِراعاً فَاسْلُكُوهُ الحاقة: 30 - 32. 4 - وقال أعرابي لرجل سأل لئيما: نزلت بواد غير ممطور، وفناء غير معمور، ورجل غير مسرور، فأقم بندم، أو ارتحل بعدم. 5 - وقال (صلعم): إنكم لتكثرون عند الفزع، وتقلّون عند الطمع. 6 - وقال الحريري: فهو يطبع الأسجاع بجواهر لفظه، ويقرع الأسماع بزواجر وعظه. 7 - وقال أبو الفضل الهمذاني: إنّ بعد الكدر صفوا، وبعد المطر صحوا. 8 - وقال أبو الفتح البستي: ليكن إقدامك توكلا، وإحجامك تأمّلا. 9 - حامي الحقيقة، محمود الخليقة … مهديّ الطريقة نفّاع وضرّار 10 - ومكارم أوليتها متبرّعا … وجرائم ألغيتها متورّعا 11 - بيض صنائعنا سود وقائعنا … خضر مرابعنا حمر مواضينا 12 - وأفعاله بالرّاغبين كريمة … وأمواله للطّالبين نهاب

2 - جاء في البيان والتبيين (1/ 284 - 285): قال عمر بن ذرّ، رحمه الله: «الله المستعان على ألسنة تصف، وقلوب تعرف، وأعمال تخلف» ولمّا مدح عتيبة بن مرداس عبد الله بن عبّاس قال: لا أعطي من يعصي الرحمن، ويطيع الشيطان، ويقول البهتان» وفي الحديث المأثور، قال: «قول العبد مالي مالي، وإنّما لك من مالك ما أكلت فأفنيت، وأعطيت فأمضيت، أو لبست فأبليت» ووصف أعرابيّ رجلا فقال: «صغير القدر، قصير الشّبر (¬1)، ضيّق الصّدر، لئيم النّجر (¬2)، عظيم الكبر، كثير الفخر». وسأل بعض الأعراب رسولا قدم من أهل السّند: كيف رأيتم البلاد؟ قال: ماؤها وشل، ولصّها بطل، وتمرها دقل (¬3). إن كثر الجند بها جاعوا، وإن قلّوا بها ضاعوا. - أدرس السّجع مبيّنا وجوه حسنه وجماله في هذا النص. ¬

_ (¬1). الشّبر: قدر القامة. (¬2). النّجر: الطباع. (¬3). الثّقل: أردأ أنواع التّمر.

الجناس

الجناس 1 - تعريفه: عرّفه السّكّاكي بقوله (¬1): «هو تشابه الكلمتين في اللفظ» وتعريف الخطيب القزويني لا يختلف في شيء عن تعريف السكاكي. أما أبو هلال العسكري فقد عرّفه بقوله (¬2): «هو أن يورد المتكلّم- في الكلام القصير نحو البيت من الشعر، والجزء من الرسالة او الخطبة- كلمتين تجانس كلّ واحدة منهما صاحبتها في تأليف حروفها». وتعريف المحدثين أكثر دقّة وهو: «أن يتشابه اللفظان نطقا ويختلفا معنى». 2 - أنواعه: الجناس في نظر البلاغيين نوعان: 1 - جناس تام وهو ما اتّفق فيه اللفظان المتجانسان في أربعة أمور هي: نوع الحروف، وعددها، وهيئتها، وترتيبها، كقوله تعالى: وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ ما لَبِثُوا غَيْرَ ساعَةٍ الروم: 55. فالساعة الأولى تعني القيامة، والساعة الثانية تعني مدّة من الزمن، ولا عبرة في تعريف الأولى وتنكير الثانية. وقال السيوطي (¬3) «ولم يقع منه في القرآن سواه». والجناس التام أقسام هي: ¬

_ (¬1). مفتاح العلوم، السكّاكي، ص 429. (¬2). كتاب الصناعتين، أبو هلال العسكري، ص 33. (¬3). معترك الأقران، السيوطي، 1/ 303.

أ- التام المماثل

أ- التام المماثل: ما كان فيه اللفظان المتجانسان من نوع واحد، اسمين كما في الآية السابقة، أو فعلين نحو (لمّا قال لديهم قال لهم)، فقال الأولى بمعنى نام وقت القيلولة، والثانية بمعنى تكلّم، أو حرفين، نحو: (قد يجود الكريم، وقد يعثر الجواد) فقد الأولى تفيد التكّثير، والثانية تفيد التقليل. ب- التام المستوفى: وهو ما كان اللفظان المتجانسان فيه من نوعين مختلفين كاسم وفعل، مثاله قول أبي تمام (الكامل): ما مات من كرم الزمان فإنّه … يحيا لدى يحيى بن عبد الله ج- جناس التركيب المرفوّ: وهو ما كان أحد لفظيه مركّبا. وسمّي مركّبا لأن أحد لفظيه مركّب، وسمّي مرفوّا لأنّ المركّب مؤلّف من كلمة وبعض كلمة، كقول الحريري (الطويل): ولا تله عن تذكار ذنبك، وابكه … بدمع يحاكي الوبل حال مصابه ومثّل لعينيك الحمام ووقعه … وروعة ملقاه ومطعم صابه والجناس في مصابه في البيت الأول ومصابه في البيت الثاني. واللفظ تامّ في الأوّل، غير أنّه مركّب في الثاني؛ فقد أخذت الميم المفتوحة من مطعم وأضيفت إلى (صابه) وهو شجر مرّ المذاق فتمّ الجناس المركب بذلك. وتحدّث الخطيب القزويني عن أقسام هذا الجناس المركّب المرفوّ فقسمه أقساما منها: أ- المتشابه: هو ما تشابه فيه اللفظان في الخطّ كقول البستيّ (المتقارب): إذا ملك لم يكن ذا هبه … فدعه، فدولته ذاهبه

ب- المفروق

فاللفظان متشابهان، ولكنّ الأوّل مركب من (ذا بمعنى صاحب) وهبه، والثاني غير مركّب. ب- المفروق: هو ما اختلف فيه اللفظان في الخطّ كقول البستيّ أيضا (م الرّمل): كلّكم قد أخذ الجا … م، ولا جلم لنا ما الذي ضرّ مدير … الجام لو جاملنا فاللفظان (جام لنا وجاملنا) اتّفقا لفظا واختلفا خطّا فشكّلا جناسا مفروقا. وهو كما لاحظت جناس التّركيب المرفوّ الذي تقدّم شرحه. 2 - الجناس غير التام وهو ما اختلف فيه اللفظان في واحد أو أكثر من الأمور الأربعة السابقة. وهو على أنواع أيضا: أ- الجناس الناقص: وهو ما اختلف فيه اللفظان في عدد أحرفهما فقط، ويكون ذلك على وجهين: 1 - أن يختلفا بزيادة حرف في الأول كقوله تعالى: وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ* إِلى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمَساقُ القيامة: 29 - 30. فاللفظان هما (الساق والمساق) وقد زيدت الميم في أول اللفظ الثاني. وتكون الزيادة في الوسط كقولهم (جدّي جهدي). فالزيادة حرف الهاء في وسط كلمة جهدي. وتكون الزيادة في الآخر كقول أبي تمام (الطويل):

يمدّون من أيد عواص عواصم … تصول بأسياف قواض قواضب ففي اللّفظين (عواص وعواصم) زيادة الميم في عواصم، وفي اللفظين (قواض وقواضب) زيادة الباء في قواضب. وقد أطلق الخطيب القزويني على هذا النوع الأخير اسم المطرّف. 2 - أن يختلفا بزيادة أكثر من حرف واحد كقول الخنساء (م الكامل): إنّ البكاء هو الشّفا … ء من الجوى بين الجوانح فقد زيد حرفان في (الجوانح) على أحرف (الجوى)، وسمّي هذا الضرب من الجناس مذيّلا. ب- إذا اختلفا في أنواع الحروف اشترط ألّا يقع الاختلاف بأكثر من حرف. والجناس عندئذ أنواع: 1 - الجناس المضارع: إذا كان الحرفان المختلفان متقاربين ويكونان إمّا في الأوّل كقول الحريري: بيني وبين كنّي (بيتي) ليل دامس وطريق طامس. وإمّا في الوسط كقولهم: البرايا أهداف البلايا، وإمّا في الآخر كقوله (صلعم): «الخيل معقود بنواصيها الخير». 2 - الجناس اللاحق: وهو ما كان فيه الحرفان المختلفان غير متقاربين. ويكون ذلك في الأوّل كقوله تعالى: وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ الهمزة: 1.

كما يكون في الوسط كقوله تعالى وَإِنَّهُ عَلى ذلِكَ لَشَهِيدٌ* وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ العاديات: 7 - 8. كما يكون في الآخر كقوله تعالى وَإِذا جاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ النساء: 83. وربّما سمّي هذا الجناس اللاحق جناسا مضارعا كالسابق. ج- إذا اختلفا في ترتيب الحروف سميّ الجناس جناس القلب وهو ضربان: أ- قلب الكلّ كقولهم: حسامه فتح لأوليائه، حتف لأعدائه. ب- قلب البعض: كما جاء في قولهم: (رحم الله امرأ أمسك ما بين فكّيه، وأطلق ما بين كفّيه) وكقول أبي الطيّب (الوافر): ممنّعة منعّمة رداح … يكلّف لفظها الطير الوقوعا وقد ذكر البلاغيون أجناسا أخرى للجناس الناقص منها: 1 - الجناس المصحّف: وهو ما تماثل فيه اللفظان خطّا وتخالفا نقطا كقوله تعالى: الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً الكهف: 104. ويسمّى أيضا جناس الخطّ وهو: أن تختلف الحروف في النقط كقوله تعالى: وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ* وَإِذا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ الشعراء: 79 - 80. 2 - الجناس المحرّف: وهو ما تماثل فيه اللفظان في الحروف، وتغايرا في الحركات، كقوله تعالى وَلَقَدْ أَرْسَلْنا فِيهِمْ مُنْذِرِينَ* فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُنْذَرِينَ الصافات: 72 - 73.

تمارين

3 - ما يلحق بالجناس: ذكر الخطيب القزويني (¬1) أنه يلحق بالجناس شيئان: 1 - أن يجمع الاشتقاق اللفظين كقوله تعالى: فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ الْقَيِّمِ الروم: 43 فأقم والقيّم من جذر لغوي واحد. 2 - أن يجمعهما المشابهة، وهي ما يشابه الاشتقاق وليس منه، كقوله تعالى: وَجَنَى الْجَنَّتَيْنِ دانٍ الرحمن: 54. فجنى والجنّتين تشابها حروفا، ولكنّ جذريهما مختلفان. ومنه قول البحتري (الخفيف): وإذا ما رياح جودك هبّت … صار قول العذول فيها هباء تمارين: 1 - بيّن أنواع الجناس في ما يأتي واشرحه: 1 - قال تعالى قالَ إِنِّي لِعَمَلِكُمْ مِنَ الْقالِينَ الشعراء: 168. 2 - قال تعالى فَرَوْحٌ وَرَيْحانٌ الواقعة: 89. 3 - قال تعالى وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ النمل: 22. 4 - قال تعالى ذلِكُمْ بِما كُنْتُمْ تَفْرَحُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِما كُنْتُمْ تَمْرَحُونَ غافر: 75. 5 - البدعة شرك الشّرك. 6 - والحسن يظهر في بيتين رونقه … بيت من الشّعر أو بيت من الشّعر 7 - لا تعرضنّ على الرّواة قصيدة … ما لم تبالغ قبل في تهذيبها فمتى عرضت الشعر غير مهذّب … عدّوه منك وساوسا تهذي بها 8 - وسمّيته يحيى ليحيا فلم يكن … إلى ردّ أمر الله فيه سبيل 9 - هل لما فات من تلاق تلاف … أم لشاك من الصّبابة شافي؟ ¬

_ (¬1). معترك الأقران، السّيوطي، 1/ 303.

10 - فدارهم ما دمت في دارهم … وأرضهم ما دمت في أرضهم 11 - عضّنا الدهر بنابه … ليت ما حلّ بنا به 12 - بيض الصفائح لاسود الصحائف في … متونهنّ جلاء الشك والرّيب 13 - يا للغروب وما به من عبرة … للمستهام وعبرة للرائي 14 - هلّا نهاك نهاك عن لوم امرئ … لم يلف غير منعّم بشقاء 15 - فهمت كتابك يا سيّدي … فهمت ولا عجب أن أهيما 16 - ما يستفيق غراما … بها وفرط صبابه ولو درى لكفاه … ممّا يروم صبابه 17 - فيا لك من حزم وعزم طواهما … جديد الردّى بين الصّفا والصفائح 18 - تحمله الناقة الأدماء معتجرا … بالبرد كالبدر جلّى نوره الظّلما 19 - فقف مسعدا فيهنّ إن كنت عاذرا … وسر مبعدا عنهن إن كنت عاذلا 20 - ولم أر كالمعروف تدعى حقوقه … مغارم في الأقوام وهي مغانم

رد الأعجاز على الصدور

ردّ الأعجاز على الصدور 1 - تعريفه: أ- في النثر: عرّفه الخطيب القزويني بقوله (¬1): «هو أن يجعل أحد اللفظين المكررين، أو المتجانسين، أو الملحقين بهما، في أوّل الفقرة، والآخر في آخرها». ومثاله قوله تعالى وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشاهُ الأحزاب: 37. وكقولهم: الحيلة ترك الحيلة. وكقولهم: سائل اللئيم يرجع ودمعه سائل. ب- في الشعر: قال الخطيب القزويني «هو أن يكون أحد اللفظين في آخر البيت، والآخر في صدر المصراع الأول، أو حشوه، أو آخره، أو صدر الثاني. فالأول كقوله: سريع إلى ابن العمّ يلطم وجهه … وليس إلى داعي النّدى بسريع والثاني كقول الشاعر: تمتّع من شميم عرار نجد … فما بعد العشيّة من عرار ¬

_ (¬1). الإيضاح في علوم البلاغة، الخطيب القزويني، ص 543.

والثالث كقول الشاعر: ومن كان بالبيض الكواعب مغرما … فما زلت بالبيض القواضب مغرما والرابع كقوله: وإن لم يكن إلّا معرّج ساعة … قليلا فإنّي نافع لي قليلها والخامس كقوله: دعاني من ملامكما سفاها … فداعي الشوق قبلكما دعاني وقد ذكرت تفصيلات أخرى في كتب البلاغة لا تبعد كثيرا عن هذه الأمثلة التي ذكرنا.

لزوم ما لا يلزم

لزوم ما لا يلزم 1 - تعريفه: عرّفه الخطيب القزويني بقوله (¬1): «هو: أن يجيئ قبل حرف الرّوي وما في معناه من الفاصلة ما ليس بلازم في مذهب السجع» وأعطى مثالا عليه قوله تعالى: .. فَإِذا هُمْ مُبْصِرُونَ* وَإِخْوانُهُمْ يَمُدُّونَهُمْ فِي الغَيِّ ثُمَّ لا يُقْصِرُونَ الأعراف: 201 - 202. 2 - أنواعه: 1 - التزام الحرف والحركة، كقوله تعالى: فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلا تَقْهَرْ* وَأَمَّا السَّائِلَ فَلا تَنْهَرْ الضحى: 9 - 10. فقد التزمت الآيتان الهاء المفتوحة والراء الساكنة، وكان يكفي للسجع الوقوف على الراء الساكنة. 2 - التزام حركتين وحرفين، كقوله تعالى ما أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ* وَإِنَّ لَكَ لَأَجْراً غَيْرَ مَمْنُونٍ القلم: 2 - 3. وقد تمّ الوقف في الآيتين على المقطع (نون). ومنه قول الشاعر (البسيط): سلّم على قطن إن كنت نازله … سلام من كان يهوى مرّة قطنا أحبّه والذي أرسى قواعده … حبّا إذا ظهرت آياته بطنا ما من غريب وإن أبدى تجلّده … إلّا تذكّر عند الغربة الوطنا ¬

_ (¬1). الإيضاح في علوم البلاغة، الخطيب القزويني، ص 553.

فالأبيات الثلاثة انتهت بحرفي رويّ هما الطاء المفتوحة والنون المفتوحة بعدها ألف إطلاق وكانت النون وحدها كافية لاستقامة الوزن والقافية، لكن الشاعر التزم ما لا يلزم. 3 - التزام أكثر من حرفين وحركتين، كقوله تعالى: فَإِذا هُمْ مُبْصِرُونَ* وَإِخْوانُهُمْ يَمُدُّونَهُمْ فِي الغَيِّ ثُمَّ لا يُقْصِرُونَ الأعراف: 201 - 202. فانتهت الآيتان بالمقطع الصوتي (صرون) وفيهما التزام ما لا يلزم. ومنه قول الشاعر (الطويل): سأشكر عمرا إن تراخت منيّتي … أيادي لم تمنن وإن هي جلّت فتى غير محجوب الغنى عن صديقه … ولا مظهر الشكوى إذا النعل زلّت رأى خلّتي من حيث يخفى مكانها … فكانت قذى عينيه حتّى تجلّت وقد التزم الشاعر بالمقطع (لّت) في الأبيات جميعا، والمفروض أن يتم ذلك في بيتين أو أكثر أو في فاصلتين أو أكثر. 4 - وقد يكون الالتزام في الحرف وحده، كقوله تعالى اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ* وَإِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ القمر: 1 - 2. فالراء في الآيتين مضمومة تارة ومشدّدة تارة أخرى. 5 - وقد يكون الالتزام في الحركة وحدها، كقول الشاعر (الطويل): لما تؤذن الدّنيا به من صروفها … يكون بكاء الطفل ساعة يولد وإلّا فما يبكيه منها وإنّها … لأوسع ممّا كان فيه وأرغد

تمارين

فالتزم الشاعر في البيتين الفتحة قبل الرويّ. *: اشتهر في هذا الضرب من البديع الشاعر العملاق أبو العلاء المعرّي فكان له ديوان بكامله التزم فيه ما لا يلزم وهو «اللزوميات». **: ولزوم ما لا يلزم ضرب من السجع كما رأيت وإن وقع في الشعر، ولا يخفى ما فيه من تكلّف سوى ما جاء في القرآن الكريم. وقد لجأ إليه الشعراء تدليلا على قوّة شاعريّتهم، وتمكّنهم من اللّغة والعروض. تمارين: 1 - بيّن رد العجز على الصدر، واشرحه في ما يأتي: 1 - اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كانَ غَفَّاراً نوح: 10. 2 - قالَ إِنِّي لِعَمَلِكُمْ مِنَ الْقالِينَ الشعراء: 168. 3 - وَهَبْ لَنا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ آل عمران: 8. 4 - إذا لم تستطع شيئا فدعه … وجاوزه إلى ما تستطيع 5 - زعم الفرزدق أن سيقتل مربعا … أبشر بطول سلامة يا مربع 6 - ذوائب سود كالعناقيد أرسلت … فمن أجلها منّا النفوس ذوائب 7 - مشيناها خطى كتبت علينا … ومن كتبت عليه خطى مشاها 8 - فأجبتها إنّ المنيّة منهل … لا بدّ أن أسقى بكأس المنهل 2 - بيّن لزوم ما لا يلزم واشرحه في ما يأتي: 1 - وَالطُّورِ* وَكِتابٍ مَسْطُورٍ* فِي رَقٍّ مَنْشُورٍ* وَالْبَيْتِ الْمَعْمُورِ* وَالسَّقْفِ الْمَرْفُوعِ* وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ الطور: 1 - 6.

2 - فَإِذا بَرِقَ الْبَصَرُ* وَخَسَفَ الْقَمَرُ* وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ* يَقُولُ الْإِنْسانُ يَوْمَئِذٍ أَيْنَ الْمَفَرُّ* كَلَّا لا وَزَرَ* إِلى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمُسْتَقَرُّ* يُنَبَّؤُا الْإِنْسانُ يَوْمَئِذٍ بِما قَدَّمَ وَأَخَّرَ القيامة: 7 - 13. 3 - يقولون في البستان للعين لذّة … وفي الخمر والماء الذي غير آسن إذا شئت أن تلقى المحاسن كلّها … ففي وجه من تهوى جميع المحاسن 4 - أصالة الرأي صانتني عن الخطل … وحلية الفضل زانتني لدى العطل 5 - لم يقدر الله تهذيبا لعالمنا … فلا ترومنّ للأقوام تهذيبا ولا تصدّق بما البرهان يبطله … فتستفيد من التصديق تكذيبا 6 - إذا رضيت نفسي بميسور بلغة … يحصّلها بالكدّ كفّي وساعدي أمنت تصاريف الحوادث كلّها … فكن يا زمان موعدي أو مواعدي

الاقتباس

الاقتباس تعريف الاقتباس: 1 - الاقتباس لغة: جاء في اللسان (قبس) «وفي التهذيب: القبس: شعلة من نار تقتبسها من معظم، واقتباسها الأخذ منها ... واقتبست منه علما أيضا، أي استفدته ... وأتانا فلان يقتبس العلم فأقبسناه، أي علّمناه» ظاهر إذا معنى الأخذ في الاقتباس. والقابس كما تمحور في الاستعمال هو الآخذ نارا أو علما. والعلم نور والنار من معاني النور المجازية فالشعر القديم والحديث جعل للمعرفة نارا. 2 - الاقتباس اصطلاحا: جاء في معجم المصطلحات (¬1) «الاقتباس: إدخال المؤلّف كلاما منسوبا للغير في نصّه، ويكون ذلك إمّا للتحلية أو للاستدلال، على أنّه يجب الإشارة إلى مصدر الاقتباس بهامش المتن وإبرازه بوضعه بين علامات تنصيص («») أو بأية وسيلة أخرى ... والاقتباس في البديع العربي، أن يتضمّن الكلام نثرا أو شعرا شيئا من القرآن الكريم، أو الحديث الشّريف، لا على أن المقتبس جزء منهما، ويجوز أن يغيّر المقتبس في الآية أو الحديث قليلا» واضح معنى الأخذ في مصطلح الاقتباس البديعي. وقد عرّفه البلاغيّون قديما بأنّه (¬2) «هو أن يضمّن الكلام شيئا من القرآن أو الحديث، لا على أنّه منه». ¬

_ (¬1). معجم المصطلحات العربية في اللغة والأدب، وهبة- المهندس، ص 34. (¬2). الإيضاح في علوم البلاغة، الخطيب القزويني، ص 575.

3 - الاقتباس من القرآن الكريم

وهكذا فإن الاقتباس عند البلاغيين محصور بالقرآن الكريم، والحديث الشريف. 3 - الاقتباس من القرآن الكريم: قال الحريري (¬1): «فلم يكن إلّا كلمح البصر أو هو أقرب، حتّى أنشد فأغرب» فالحريري اقتبس جزءا من سورة النحل وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما أَمْرُ السَّاعَةِ إِلَّا كَلَمْحِ الْبَصَرِ أَوْ هُوَ أَقْرَبُ النحل: 77. وكقول الحريري أيضا: «أنا أنبّئكم بتأويله وأميز صحيح القول من عليله» فقد اقتبس الحريري جزءا من الآية 45 من سورة يوسف التي جاء فيها وَقالَ الَّذِي نَجا مِنْهُما وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ أَنَا أُنَبِّئُكُمْ بِتَأْوِيلِهِ فَأَرْسِلُونِ. وقال القاضي الفاضل وقد ذكر الإفرنج «وغضبوا زادهم الله غضبا، وأوقدوا نارا للحرب جعلهم الله لها حطبا» فاقتبس جزءا من الآية 64 من سورة المائدة .. وَأَلْقَيْنا بَيْنَهُمُ الْعَداوَةَ وَالْبَغْضاءَ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ كُلَّما أَوْقَدُوا ناراً لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ ومن أمثلة اقتباس الشعراء من القرآن الكريم. من ذلك قول الأحوص (الطويل): إذا رمت عنها سلوة قال شافع … من الحبّ: ميعاد السّلوّ المقابر ستبقى لها في مضمر القلب والحشا … سريرة ودّ يوم تبلى السرائر لقد اقتبس الأحوص الآية 9 من سورة الطارق التي تقول: يَوْمَ تُبْلَى السَّرائِرُ. ¬

_ (¬1). م. ن. ص 575.

4 - أنواع الاقتباس

وقال آخر (الرّمل): لا تعاشر معشرا ضلّوا الهدى … فسواء أقبلوا أو أدبروا بدت البغضاء من أفواههم … والذي يخفون منها أكبر فالشاعر اقتبس في البيت الثاني جزءا من الآية 118 من سورة آل عمران التي جاء فيها يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا بِطانَةً مِنْ دُونِكُمْ لا يَأْلُونَكُمْ خَبالًا وَدُّوا ما عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضاءُ مِنْ أَفْواهِهِمْ وَما تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ، واضح أنّ الشاعر غيّر شيئا في الآية ليناسب الكلام الوزن. وهذا التغيير اليسير في الشعر خاصة مسموح به عند البلاغيين. أمّا الاقتباس من الحديث الشريف فكقول الحريري «وكتمان الفقر زهادة، وانتظار الفرج بالصبر عبادة» فقد اقتبس من لفظ الحديث «انتظار الفرج بالصبر عبادة». واقتبس الشعراء أيضا من الحديث الشّريف كما في قول ابن عبّاد (م الرمّل): قال لي إنّ رقيبي … سيّء الخلق فداره قلت دعني وجهك الجن … نة حفّت بالمكاره فلقد اقتبس الشاعر في البيت الثاني جزءا من الحديث الشريف وقد جاء فيه «حفّت الجنّة بالمكاره، وحفّت النّار بالشهوات» وقد أدخل تعديلا طفيفا في الحديث ليتناسب مع قواعد العروض. وهذا مقبول عند البلاغيين أيضا. 4 - أنواع الاقتباس: والاقتباس أنواع منها: أ- اقتباس لا ينقل فيه المقتبس عن معناه الأصلي إلى معنى آخر. وما تقدّم من أمثلة ينطبق عليه.

ب- اقتباس ينقل فيه المقتبس عن معناه الأصلي. ومنه قول ابن الرومي (الهزج): لئن أخطأت في مدح … ك ما أخطأت في منعي لقد أنزلت حاجاتي … بواد غير ذي زرع اقتبس ابن الرومي جزءا من الآية 37 من سورة ابراهيم التي جاء فيها رَبَّنا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ فابن الرومي نقل معنى (بِوادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ) والمقصود بها مكّة في القرآن الكريم إلى ممدوح لا يرجى نفعه، ولا خير يرجى منه. ولكنّ الشاعر أراد تصوير معاناته من الحرمان لا يرجى نفعه، ولا خير يرجى منه. ولكنّ الشاعر أراد تصوير معاناته من الحرمان والصبّر عليه وما امتحن الله تعالى به أنبياءه ليخبر صبرهم فكان ابن الرومي يتوسّل قصّة ابراهيم الخليل بأبعادها الدينية يشبّه بها قصّته مع ممدوح بخيل هو أشبه ما يكون بواد غير ذي زرع يعطي ساكنيه القدرة على الإقامة. والمعادلة في التشبيه قائمة على وحدة النتيجة وقوامها ما يأتي: أسكنت ذريّتي بواد غير ذي زرع- أنزلت حاجاتي بواد غير ذي زرع، والمراقب إذا أنعم النّظر في المعادلة يجد التغيير في الاقتباس واضحا. وقد تكلّم البلاغيون على ثلاثة أقسام من الاقتباس، هي: 1 - اقتباس مقبول، وهذا الضرب كثير في الخطب والمواعظ كما جاء في خطبة أحدهم مخاطبا جماهير مستقبليه وهو العائد ممّا يشبه المنفى «دعوني- قبل كل شيء- أقبّل يد من جعل الله الجنة تحت قدميها» يريد تقبيل يد أمّه قبل كل شيء في إشارة إلى الحديث

الشريف «الزم رجلها فثمّ الجنّة» وفي رواية «الجنّة تحت أقدام الأمّهات». 2 - اقتباس مباح، ويكون في الغزل والرسائل والقصص. مثال ذلك قول أحدهم (السريع): إن كنت أزمعت على هجرنا … من غير ما جرم فصبر جميل وإن تبدّلت بنا غيرنا … فحسبنا الله ونعم الوكيل فالشاعر اقتبس في البيت الأوّل جزءا من الآية 18 من سورة يوسف التي جاء فيها .. قالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْراً فَصَبْرٌ جَمِيلٌ واقتبس من الآية 173 من سورة آل عمران في البيت الثاني وفيها [فَزادَهُمْ إِيماناً وَقالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ]. 3 - اقتباس مردود، كأن يقتبس هازل من القرآن الكريم والحديث الشريف. من هذا الاقتباس المردود نكتفي بهذا المثال: أوحى إلى عشّاقه طرفه … «هَيْهاتَ هَيْهاتَ لِما تُوعَدُونَ» وردف ينطق من خلفه … «لِمِثْلِ هذا فَلْيَعْمَلِ الْعامِلُونَ» فقد اقتبس الشاعر عجز البيت الأول من الآية 36 من سورة (المؤمنون) فاقتبس الآية بتمامها كما وردت في القرآن الكريم. وفعل مثل ذلك في البيت الثاني فاقتبس عجزه من الآية 61 من سورة الصافات إذ اقتبسها كاملة. وقد ردّ هذا الاقتباس لأنّه من غير الجائز العبث بكلام الله ورسوله، واستعماله في مقام الهزل والدعابة والمجون.

تمرينات

تمرينات: 1 - دلّ على الاقتباس وردّه إلى مصدره مبيّنا الضرب الذي ينتمي إليه: - وثغر تنضّد من لؤلؤ … بألباب أهل الهوى يلعب إذا ما ادلهمّت خطوب الهوى … يكاد سنا برقه يذهب - لا تعاشر معشرا ضلّوا الهدى … فسواء أقبلوا أو أدبروا بدت البغضاء من أفواههم … والذي يخفون منها أكبر - سبقت العالمين إلى المعالي … بصائب فكرة وعلوّ همّة ولاح بحكمتي نور الهدى في … ليال للضّلالة مدلهمّة يريد الجاهلون ليطفئوه … ويأبي الله إلّا أن يتمّه 2 - دلّ على الاقتباس مبيّنا أنواعه واشرح ما جاء فيه من تغيير: قال القروي (ديوانه ص 201): 1 - يا «نكسن» اقتربت السّا … عة وانشقّ القمر 2 - أعرضت عن آياتنا … وقلت سحر مستمرّ 3 - واتّبعوا أهواءهم … وكلّ أمر مستقرّ 4 - كم جاءهم من نبأ … بالحقّ فيه مزدجر 5 - وحكمة بالغة … فصحى فما تعني النّذر 6 - تولّ عنهم يوم يدعون- … إلى شيء نكر 7 - يوم خروجهم من الأ … جداث خشّع البصر 8 - كأنّهم في الأرض أر … جال جراد منتشر 9 - يوم يقول الكافرو … ن إنّ ذا يوم عسر 10 - وقوم نوح اتّهمو … هـ بالجنون وازدجر 11 - فقام يدعو ربّه … إنّي غلبت فانتصر

التضمين والإيداع

التضمين والإيداع 1 - تعريفه: 1 - التضمين لغة: جاء في اللسان (ضمن): «ضمّن الشيء الشيء: أودعه إيّاه ... ومنه مضمون الكتاب كذا وكذا ... والمضمّن من الشعر: ما ضمّنته بيتا، وقيل: ما لم تتمّ معاني قوافيه إلّا بالبيت الذي يليه». واضح أن التضمين في الشعر يعني الاقتباس، أي أن الشاعر يضمّن قصيدته بيتا أو أبياتا ليست له، يدرجه أو يدرجها في سياق القصيدة. وهو غير التّضمين الذي عدّ عيبا من عيوب القافية لأنّه يقضي على استقلالية البيت، إذ ينتهي البيت ولا ينتهي المعنى كقول الشاعر: وليس المال فاعلمه بمال … من الأقوام إلّا للّذيّ يريد به العلاء ويمتهنه … لأقرب أقربيه وللقصيّ فضمّن بالموصول والصّلة على شدّة اتصال كلّ واحد منهما بصاحبه. وهذه الظاهرة وقعت بكثرة في شعر النابغة الذبياني. 2 - التضمين اصطلاحا: جاء في معجم المصطلحات (¬1) «والتضمين في البديع العربي، أن يضمّن الشاعر شعره بيتا من شعر الغير مع التصريح بذلك إن لم يكن البيت المقتبس معروفا للبلغاء». ¬

_ (¬1). معجم المصطلحات العربية في اللغة والأدب، وهبة- المهندس، ص 62.

فالتضمين إذا أن يودع الشاعر قصيدته بيتا أو أكثر أو شطرا ليس له، والبيت المستعار أو الجزء المستعار مقتبس كما جاء في المعجم، ولهذا بات من السهل ملاحظة العلاقة الوطيدة والتشابه الواضح بين الاقتباس والتضمين. والتّضمين عند البلاغيين (¬1) «أن يضمّن الشعر شيئا من شعر الغير مع التنبيه عليه إن لم يكن مشهورا عند البلغاء» واضح من هذا التعريف أن الاقتباس إيراد شيء من القرآن والحديث، وأن التّضمين إيراد شيء من الشعر، وكلاهما قائم على استعارة معنى من الآخرين وضمّه إلى قصيدة يندرج ضمن سياقها. ومن أمثلته: 1 - تضمين بيت بلا تنبيه عليه لشهرته كما في قول الصاحب ابن عبّاد (البسيط): وصاحب كنت مغبوطا بصحبته … دهرا، فغادرني فردا بلا سكن هبّت له ريح إقبال، فطار بها … نحو السرور، وألجاني إلى الحزن كأنّه كان مطويّا على إحن … ولم يكن في ضروب الشعر أنشدني «إنّ الكرام إذا ما أسهلوا ذكروا … من كان يألفهم في المنزل الخشن» فالصاحب قد ضمّن قصيدته بيتا ليس له ولم ينبّه عليه ولو وضع ضمن علامة التّنصيص «» وهذا البيت من قصيدة مشهورة لأبي تمام. 2 - تضمين أقلّ من بيت، كقول الحريري (الوافر): على أنّي سأنشد عند بيعي … «أضاعوني وأيّ فتى أضاعوا» ¬

_ (¬1). الإيضاح في علوم البلاغة، الخطيب القزويني، ص 580.

فالحريري ضمّن القصيدة صدر بيت من قصيدة قيل هي للعرجي وقيل لأميّة بن أبي الصّلت، وتمام البيت هناك: أضاعوني وأيّ فتى أضاعوا … ليوم كريهة وسداد ثغر 3 - أحسن وجوه التضمين (¬1) «أن يزيد المضمّن في الفرع عليه في الأصل بنكتة، كالتورية والتشبيه كما في قول صاحب التحبير (ابن أبي الإصبع المصري) إذا الوهم أبدى لي لماها وثغرها … «تذكّرت ما بين العذيب وبارق» ويذكرني من قدّها ومدامعي … «فجرّ عوالينا ومجرى السّوابق» فعجزا البيتين للمتنبّي، والمتنبي قصد بهما أنهم كانوا نزولا بين العذيب وبارق يجرون الرّماح وهم يطاردون الفرسان. أمّا صاحب التحبير فأراد بالعذيب تصغير العذب يريد به شفة الحبيبة وأراد ببارق ثغرها الضاحك شبيه البرق. وهذه تورية بديعة نادرة في بابها (¬2)، وشبّه تبختر قدّها بتمايل الرماح، وتتابع دموعه بجريان الخيل السوابق. 4 - تضمين لا يخلو من تعديل طفيف في المقتبس، مثاله: أقول لمعشر غلطوا وغضّوا … عن الشيخ الرشيد وأنكروه هو ابن جلا وطلّاع الثنايا … متى يضع العمامة تعرفوه لقد ضمّن الشاعر قصيدته البيت الثاني مستعارا من قصيدة لسحيم بن وثيل الريّاحي محدثا فيه تعديلا طفيفا لأنّه في الأصل: أنا ابن جلا وطلّاع الثنايا … متى أضع العمامة تعرفوني وهذا التعديل الطفيف غير مضرّ في نظر البلاغيين. ¬

_ (¬1). الإيضاح في علوم البلاغة، الخطيب القزويني، ص 582 - 583. (¬2). راجع: التورية وضروبها، وقد تقدّم الكلام عليها.

أنواع التضمين

أنواع التّضمين: جاء في الإيضاح (¬1) «وربّما سمّي تضمين البيت فما زاد استعانة وتضمين المصراع فما دونه تارة إيداعا وتارة رفوا». وقد تقدّم الكلام على كلّ نوع من هذه الأنواع. تمرينات: 1 - بيّن أنواع التّضمين فيما يأتي: - قد قلت لمّا أطلعت وجناته … حول الشّقيق الغضّ روضة آس أعذاره السّاري العجول ترفّقا … «ما في وقوفك ساعة من باس» - طول حياة ما لها طائل … نغّص عندي كلّ ما يشتهى أصبحت مثل الطّفل في ضعفه … تشابه المبتدا والمنتهى فلم تلم سمعي إذا خانني … «إنّ الثمانين وبلّغتها» ¬

_ (¬1). الإيضاح في علوم البلاغة، الخطيب القزويني، ص 584.

ثانيا: علم البيان

ثانيا: علم البيان: - تعريفه: لغة واصطلاحا. - الدلالة. - التشبيه: أنواعه وأغراضه وقيمته الجمالية. - الحقيقة والمجاز وأنواعهما. - المجاز العقلي وعلاقاته. - المجاز المرسل وعلاقاته. - الاستعارة وأنواعها. - الكناية وأقسامها وأنواعها. - الصورة الشعرية: مقوّماتها ومكوّناتها بين النقد والبلاغة.

تعريفه

علم البيان 1 - تعريفه: أ- لغة: جاء في اللسان (بين): «البيان: ما بيّن به الشيء من الدلالة وغيرها. وبان الشيء بيانا: اتّضح، فهو بيّن ... والبيان: الفصاحة واللّسن، وكلام بيّن فصيح، والبيان: الإفصاح مع ذكاء، والبيّن من الرّجال السّمح اللّسان الفصيح الظريف العالي الكلام القليل الرّتج» فالبيان بداءة: الإفصاح والوضوح والقدرة على التّصرّف في الكلام وتصريفه في وجوه شتّى، ولهذا أضيف إلى الإفصاح شرط الذّكاء والذائقة الفنّية لاكتشاف المعنى أو لتحليل الصورة. فالبيان إذا لا يكتفي بإظهار المعنى المباشر، بل يطلب من المتذوّق أن يكتشف بذكائه معنى المعنى. من هنا كان للتخييل دور أساسي في صنع الصورة البيانيّة التي تخاطب بدورها ذكاء المتلقّي وثقافته وذائقته الفنّية. والبيان من الكلام العالي أي أنّه لا يبحث عن الفصيح فحسب، بل هو يتوخّى الأفصح والأعلى؛ ففيه التفنّن في إلباس الصورة الشعرية لباس الغموض الفنّي ببعدها عن المباشرة، ومطالبتها المتلقّي بتحليل عناصرها تمهيدا لاكتشاف كنهها وجوهرها. جاء في القرآن الكريم الرَّحْمنُ* عَلَّمَ الْقُرْآنَ* خَلَقَ الْإِنْسانَ* عَلَّمَهُ الْبَيانَ الرحمن: 1 - 4 ومعنى البيان هنا أيضا: الفصاحة والوضوح واللّسن.

ب- اصطلاحا

ب- اصطلاحا: جاء في كتاب التعريفات (¬1) «البيان عبارة عن إظهار المتكلّم المراد للسامع» فالجرجاني اكتفى بجانب الوضوح وأهمل جانب الذكاء والقصد إلى الأعلى من طرائق التعبير عن المعاني. أما المحدثون فقد تنبّهوا إلى هذه الطرائق في التعبير عن المعنى مركّزين على جانب التخييل والتصوير، فجاء في معجم المصطلحات العربية (¬2): «هو علم يعرف به إيراد المعنى الواحد بطرق مختلفة» وكأنه يريد القول: إيراد المعنى مرّة بطريق التشبيه، وإيراده ثانية من طريق المجاز، وثالثة من طريق الكناية، وهكذا. إنّه باختصار: علم يعرف به إيراد المعنى الواحد في صور مختلفة، متفاوتة في وضوح الدلالة. وكان محقا القائل (¬3): «إن البيان العربي هو علم دراسة صورة المعنى الشعري. أما البديع والعروض والقافية فهي علوم تهتمّ أساسا بالصورة الصوتيّة في التعبير الشعري». ج- البيان كما فهمه النّقاد والبلاغيّون: عقد الجاحظ (ت 255 هـ) بابا من أبواب كتابه البيان والتبيين بعنوان: باب البيان، حاول أن يوضّح فيه معنى البيان ودلالته فقال (¬4): «والدلالة الظاهرة على المعنى الخفيّ هو البيان الذي سمعت الله عزّ وجلّ يمدحه، ويدعو إليه، ويحثّ عليه. بذلك نطق القرآن، وبذلك تفاخرت العرب، وتفاضلت أصناف العجم». ¬

_ (¬1). كتاب التعريفات، الجرجاني، ص 48. (¬2). معجم المصطلحات العربية في اللغة والأدب، وهبة- المهندس، ص 46. (¬3). الصورة الشعرية في الخطاب البلاغي والنّقدي، الولي محمّد، ص 51. (¬4). البيان والتبيين، الجاحظ 1/ 75.

ركّز الجاحظ على وظيفة البيان فحصرها في التعبير الواضح عن المعنى الخفيّ. فكيف يوفّق الشاعر أو المبدع إلى حلّ هذه الإشكالية؟ يوضّح الجاحظ هذا الرأي، أو هو يحاول توضيحه بقوله (¬1): «والبيان: اسم جامع لكلّ شيء كشف لك قناع المعنى، وهتك الحجاب دون الضّمير، حتّى يفضي السامع إلى حقيقته، ويهجم على محصوله كائنا ما كان ذلك البيان، ومن أيّ جنس كان الدليل؛ لأنّ مدار الأمر والغاية التي إليها يجري القائل والسامع، إنّما هو الفهم والإفهام، فبأيّ شيء بلغت الإفهام وأوضحت عن المعنى، فذلك هو البيان في ذلك الموضع». فالمعنى في نظر الجاحظ مقنّع ومضمر وعلى المبدع أن يكشف هذا القناع، ويظهر هذا المضمر المستكنّ في النفوس لأنّ غاية الأمر الفهم والإفهام بأية طريقة وبأي وسيلة. هذا الكلام على الوضوح والإظهار والإبانة أهمل العناية بالجانب الفنّي، أي الطريقة الواجب اعتمادها للكشف عن المعاني المضمرة. ففنّية التعبير هي الجانب الذي يعنى به البيان لا الكلام كيفما اتّفق. وبقي فهم الجاحظ للبيان سائدا إلى أن ظهر كتاب السّكاكي (ت 626 هـ) (مفتاح العلوم) الذي غدا فيه البيان علما مستقلا من علوم البلاغة الثلاثة. وقد عرّفه السكّاكي بقوله (¬2): «هو معرفة إيراد المعنى الواحد في طرق مختلفة بالزيادة في وضوح الدلالة عليه وبالنقصان ليحترز بالوقوف على ذلك عن الخطأ في مطابقة الكلام لتمام المراد منه» وموضوعات البيان عند السكّاكي وتلاميذه هي: التشبيه والمجاز والكناية. ¬

_ (¬1). مفتاح العلوم، السكّاكي، ص 162. (¬2). مفتاح العلوم، السكّاكي، ص 162.

البيان والدلالة

ويأتي بعد السكّاكي الخطيب القزويني (ت 734 هـ) ليعرّفه التعريف الذي بقي متداولا في كتب البلاغة إلى يومنا هذا، حيث يقول (¬1): «وهو علم يعرف به إيراد المعنى الواحد بطرق مختلفة في وضوح الدلالة عليه». وهذا هو التعريف الذي اعتمده معجم المصطلحات العربية الذي تقدّم ذكره. البيان والدلالة: إن تأثّر الخطيب القزويني بالبحث المنطقي حمله على تقديم علم البيان بمقدّمة تحدّث فيها عن أنواع الدلالة. فلقد ذهب الخطيب القزويني إلى أن (¬2) «دلالة اللفظ: إمّا ما وضع له، أو على غيره» وتحدث عن: أ- الدلالة الوضعيّة، وهي- كما يفهم من كلامه- التي يتطابق فيها المدلول مع اللفظ الذي وضع له من غير زيادة أو نقصان، كدلالة لفظ (البيت) على البيت الحقيقي. ب- الدلالة التّضمّنية، وهي- كما يفهم من كلامه- التي يدلّ اللفظ فيها على جزء ما وضع له كأن يطلق البيت على غرفة منه، لأن جزء المعنى متضمّن في المعنى الكلّي وداخل فيه كالغرفة بالنسبة إلى البيت. ج- الدلالة الالتزامية: وهي- كما يفهم من كلامه- التي يدلّ فيها اللفظ على لازم معناه الموضوع له كدلالة الإنسان على الضّحك، ودلالة الأسد على الشجاعة. فمعنيا الضحك والشجاعة ¬

_ (¬1). الإيضاح في علوم البلاغة، الخطيب القزويني، ص 326. (¬2). الإيضاح في علوم البلاغة، الخطيب القزويني، ص 326.

غير داخلين في مفهوم كلمة (إنسان) وكلمة (أسد) ولكنّهما أمران لازمان لهما. وقد جمع الدلالتين: التضمّنية، والالتزامية تحت عنوان الدلالة العقلية. وذهب البلاغيّون المتأخّرون إلى أن علم البيان لا يتعلّق البحث فيه بالدلالة الوضعية؛ لأنّ التعبير المستخدم في معناه الأصلي ليس فيه زيادة أو نقصان في وضوح الدلالة. أمّا الدلالتان الأخريان فهما لبّ الدراسة البيانية؛ لأنّ المعنى الواحد قد يكون جزءا من معنى آخر أو لازما له، فإذا استخدم اللفظ الدال على ذلك المعنى، وأريد به معنى آخر مرتبط به ارتباط التّضمّن أو الالتزام كان هناك مجال للتفاوت في وضوح الدلالة وغموضها. وسنرى أثر هاتين الدلالتين في أسلوبي المجاز المرسل والكناية بشكل واضح، وسوف نلمح ظلالهما في الاستعارة، والتشبيه ولو على تفاوت بين مظهر منه وآخر.

البحث الأول التشبيه

[التّشبيه] البحث الأوّل التّشبيه 1 - تعريفه: التشبيه لغة: هو التّمثيل، شبّهت هذا بذاك، مثّلته به. والتشبيه اصطلاحا: بيان أن شيئا أو أشياء شاركت غيرها في صفة أو أكثر، بإحدى أدوات التشبيه المذكورة أو المقدّرة المفهومة من سياق الكلام. والتعريف الجامع هو: صورة تقوم على تمثيل شيء (حسّي أو مجرّد) بشيء آخر (حسّي أو مجرّد) لاشتراكهما في صفة (حسّية أو مجرّدة) أو أكثر. وقد عرّفه القزويني بقوله (¬1): «التشبيه: الدلالة على مشاركة أمر لآخر في معنى». وهذا يعني أنّ المتشابهين ليسا متطابقين في كل شيء. 2 - التشبيه في نظر البلاغيين: ذهب قدامة بن جعفر (ت 337 هـ) إلى أن التشبيه (¬2) «إنّما يقع بين شيئين بينهما اشتراك في معان تعمّهما، ويوصفان بها، وافتراق في أشياء ينفرد كل واحد منهما عن صاحبه بصفتها» وهذا التعريف موافق لما جاء به بعد حين من الدّهر الخطيب القزويني الذي تقدّم ذكره ولو كان المتأخّر أقلّ وضوحا من المتقدّم. ويزيد فهم الرّماني للتشبيه التعريف وضوحا. فالرمّاني (ت 386 هـ)، ذهب إلى أنّه (¬3) «العقد على أنّ أحد الشيئين يسدّ مسدّ الآخر في حسّ أو عقل». ¬

_ (¬1). الإيضاح في علوم البلاغة، الخطيب القزويني، ص 328. (¬2). نقد الشعر، قدامة بن جعفر، تحق كمال مصطفى، ص 109. (¬3). النكت في إعجاز القرآن، الرمّاني، ص 80.

وقد قسمه الرمّاني إلى: أ- تشبيه حسّي، كماءين، وذهبين، يقوم أحدهما مقام الآخر. ب- تشبيه نفسي، كتشبيه قوّة عنترة بقوّة غيره من الأبطال. والتقسيم الثاني الذي ذهب إليه جاء فيه: - تشبيه شيئين متفقين بأنفسهما كتشبيه الجوهر بالجوهر، وتشبيه السّواد بالسّواد. - تشبيه شيئين مختلفين لمعنى يجمعهما، كتشبيه الشدّة بالموت، والبيان بالسّحر الحلال. والتقسيم الثالث جاء فيه: - تشبيه بلاغة، كتشبيه أعمال الكفّار بالسّراب. - تشبيه حقيقة، كتشبيه الدينار بالدينار. والملاحظ أن الرمّاني قد أتعب نفسه في التفصيل والإتيان بتسميات مختلفة ومتعدّدة، لأن بعض التسميات مكرّرة أو هي نفسها في الدلالة والوصف. فتشبيه الحقيقة هو نفسه تشبيه شيئين متفقين بأنفسهما، وتشبيه البلاغة هو نفسه تشبيه شيئين مختلفين لمعنى يجمعهما. أما عبد القاهر الجرجاني (ت 471 هـ) فذهب إلى أنّه يوجد نوعان من التشبيه، نرى في أحدهما وجه الشبه قائما فعلا في كلا الطرفين، كأن يكون مدركا بإحدى الحواس، أو هو أمر عقلي راجع إلى الفطرة. وسمّى هذا النوع من التشبيه (التشبيه الحقيقي الأصلي). أما في ثانيهما فلا يتحقق وجه الشبه فعلا في كلا الطرفين، بل يوجد في أحدهما على الحقيقة، وفي الآخر على التأويل كما في قولنا: كلامه

3 - أركان التشبيه

كالعسل في حلاوته، فالحلاوة قائمة حقيقة في العسل، ولكنها غير حقيقية في الكلام. وهذا التشبيه يسمّيه عبد القاهر تشبيه التمثيل. وربّما أطلق عليه اسم الشّبه العقلي لأن التأويل من عمل العقل. هذا التشبيه التمثيلي الذي نادى به عبد القاهر مختلف عن تشبيه التمثيل الذي تعارف عليه البلاغيون كما سنرى لاحقا. 3 - أركان التشبيه: تواضع البلاغيون على أنّ للتشبيه أربعة أركان هي: 1 - المشبّه: وهو الركن الرئيس في التشبيه، تخدمه الأركان الأخرى، ويغلب ظهوره، لكنّه قد يضمر للعلم به على أن يكون مقدّرا في الإعراب، وهذا التقدير بمنزلة وجوده. مثاله قول عمران بن حطّان مخاطبا الحجّاج (الكامل): أسد عليّ وفي الحروب نعامة … فتخاء تنفر من صفير الصافر فلفظ أسد خبر لمبتدأ محذوف تقديره أنت، وعليه يكون المشبّه ضميرا مقدّرا في الإعراب، وهو ماثل في المعنى وإن لم يظهر بلفظه. والفتخاء: الناعمة. 2 - المشبّه به: تتوضّح به صورة المشبّه، ولا بدّ من ظهوره في التشبيه. يشترك مع المشبّه في صفة أو أكثر إلّا أنّها تكون بارزة فيه أكثر من بروزها في المشبّه. * يسمّى المشبّه والمشبّه به طرفي التشبيه.

3 - وجه الشبه

3 - وجه الشبّه: هو الصفة المشتركة بين المشبّه والمشبّه به، وتكون في المشبّه به أقوى وأظهر مما هي عليه في المشبّه. قد يذكر وجه الشّبه، وقد يحذف كما سيأتي، وإذا ذكر جاء غالبا على إحدى صورتين هما: أ- مجرورا ب (في)، كما في قول ابن الرومي: يا شبيه البدر في الحسن … وفي بعد المنال ب- تمييزا، ومثاله قول أحدهم: يا شبيه البدر حسنا … وضياء ومنالا وإذا جاء على خلاف هاتين الصورتين، فلا بدّ من تأويله بإحداهما. مثال ذلك قول أحدهم: العمر مثل الضّيف أو … كالطّيف ليس له إقامة وتأويل وجه الشبه: العمر مثل الضّيف أو كالطيف في قصر إقامته. 4 - أداة التشبيه: هي كل لفظ دلّ على المشابهة، وقد تكون: أ- حرفا ، كالكاف، كما في قوله تعالى وَالْقَمَرَ قَدَّرْناهُ مَنازِلَ حَتَّى عادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ يس: 39. أو كما قال أبو القاسم الشابّي: عذبة أنت كالطفولة كالأحلام … كاللحن كالصّباح الجديد كالسّماء الضحوك كاللية القمراء … كالورد كابتسام الوليد وقد كرّر الأداة (الكاف) ثماني مرّات في البيتين. كما تكون كأن أداة التشبيه كما في قول الطيّب صالح في رواية عرس الزين

ب- اسما

«والزين واقف في مكانه، في قلب الدائرة، بقامته الطويلة وجسمه النحيل فكأنه صاري المركب». ب- اسما: والأسماء المتداولة في هذا الباب هي: مثل، شبه، مثل، مماثل، قرن، مضارع، محاك، وما كان بمعناها أو مشتقّا منها. مثال ذلك قول المجنون في ظبية: أيا شبه ليلى لا تراعي فإنّني … لك اليوم من وحشيّة لصديق وقول آخر: كم وجوه مثل النهار ضياء … لنفوس كالليل في الإظلام ج- فعلا، والأفعال المحتملة في هذا الباب هي: شابه، حاكى، ضارع، ماثل، ومضارع هذه الأفعال وما شابهها. وأمثلته قول أحدهم: تفّاحة جمعت لونين قد حكيا … خدّي حبيب ومحبوب قد اتّفقا وكقول آخر: وكأنّ البنفسج الغضّ يحكي … أثر اللّطم في خدود الغيد تحدّث الجرجاني عن دور الأداة ودلالتها بقوله (¬1): «تقول: زيد كالأسد أو مثل الأسد، أو شبيه بالأسد، فتجد ذلك كلّه تشبيها غفلا ساذجا ثم تقول: كأنّ زيدا الأسد، فيكون تشبيها أيضا، إلا أنّك ترى بينه وبين ¬

_ (¬1). دلائل الإعجاز، عبد القاهر الجرجاني، ص 326.

الأوّل بونا بعيدا؛ لأنّك ترى له صورة خاصة، وتجدك قد فخّمت المعنى، وزدت فيه بأن أفدت أنّه من الشجاعة وشدّة البطش، وأنّ قلبه قلب لا يخامره الذّعر، ولا يدخله الرّوع بحيث يتوهّم أنه الأسد بعينه، ثم تقول: لئن لقيته ليلقينّك منه الأسد، فتجده قد أفاد هذه المبالغة لكن في صورة أحسن وصفة أخص، وذلك أنّك تجعله في (كأنّ) يتوهّم أنه الأسد، وتجعله هاهنا يرى منه الأسد على القطع، فيخرج الأمر عن حدّ التوّهّم إلى حدّ اليقين» لهذا عدّ التشبيه البليغ الذي حذف منه وجه الشّبه وأداة التشبيه أقوى انواع التشبيه لأنّه يرفع المشبّه إلى مرتبة المشبّه به إلى حدّ المماثلة التامّة. أمثلة موضّحة: قال الشاعر: كم وجوه مثل النهار ضياء … لنفوس كالليل في الإظلام في البيت تشبيهان: 1 - يشبّه وجوه بعض الناس بالنهار في ضيائها وجمالها (في الأوّل). 2 - يشبّه في الثاني نفوس هؤلاء بالليل في تجهّمها وإظلامها. في الأول: المشبه: وجوه. المشبّه به: النهار. أداة التشبيه: مثل (اسم). وجه الشّبه: ضياء. في الثاني: المشبه: نفوس، المشبّه به: الليل، وجه الشبه: الإظلام، أداة التشبيه: الكاف (حرف). وقال آخر: أنت مثل الغصن لينا … وشبيه البدر حسنا

تقسيم طرفي التشبيه إلى حسي وعقلي

في البيت تشبيهان: في الأول: المشبّه: أنت، المشبّه به: الغصن، أداة التشبيه: مثل، وجه الشبه: لينا. في الثاني: المشبّه: أنت، المشبّه به: البدر، أداة التشبيه: شبيه، وجه الشّبه: حسنا. تقسيم طرفي التشبيه إلى حسّي وعقلي: ينقسم طرفا التشبيه (المشبّه والمشبّه به) إلى حسيّين أو عقليين، أو مختلفين. 1 - الطرفان الحسّيان: وهما اللذان يدركان بإحدى الحواس. ويكونان: أ- من المبصرات: إذا كانا يدركان بالبصر من الألوان والأشكال والمقادير والحركات وما إلى ذلك، كقول الشاعر: أنت نجم في رفعة وضياء … تجتليك العيون شرقا وغربا شبّه الممدوح بالنجم في رفعته وضيائه وذكر العيون آلة البصر التي ترى المشبّه والمشبّه به. فالطرفان حسّيان يقعان تحت البصر. ومثله تشبيه الخدّ بالورد، وتشبيه الوجه بالقمر، وتشبيه الشعر بالليل. ب- ويكونان من المسموعات، مثال ذلك تشبيه صوت المغنّي بصوت البلبل، ومنه قول امرئ القيس في رجل غاظه ميل زوجته نحوه:

ج- ويكونان من المذوقات

يغطّ غطيط البكر شدّ خناقه … ليقتلني والمرء ليس بقتّال شبّه أمرؤ القيس الزوج الهائج بصوت الفتيّ من الإبل الذي شدّ خناقه بحبل ليروّض. والطرفان حسّيان مسموعان. ج- ويكونان من المذوقات: ومنه تشبيه الريق بالشهد والخمر، أو كقول الشاعر: كأنّ المدام وصوب الغمام … وريح الخزامى وذوب العسل يعلّ بها برد أنيابها … إذا النجم وسط السّماء اعتدل فالخمر وماء الغيوم وذوب العسل تشبّه جميعا بريق الحبيبة. والمشبّه والمشبّه به من المذوقات. د- ويكونان في المشمومات: كتشبيه رائحة فم الحبيبة بالمسك وأنفاس الطفل بعطر الزهر. هـ- ويكونان في الملموسات: كتشبيه الجسم بالحرير في قول الشاعر: لها بشر مثل الحرير ومنطق … رخيم الحواشي لا هراء ولا نزر 2 - الطرفان العقليّان: وهما اللذان يدركان بالعقل والوجدان، والمقصود بالوجدان تلك المشاعر النفسية من ألم، ولذّة، وغضب، ورضا، وسعادة، وشقاء، وما إلى ذلك. فلو شبّهنا العلم بالحياة كان طرفا التشبيه عقليّين، فلا العلم محسوس ولا الحياة وإنّما يدركان بالعقل وحده.

3 - الطرفان المختلفان

وهناك تشابيه يخترعها العقل وليس لها كيان خارجي سمّاها البلاغيون بالتشابيه الوهمية. وهي ما لا يدرك بإحدى الحواس، ولكنّه لو وجد فأدرك، لكان مدركا بها. ومثالها، قوله تعالى في شجرة الزقّوم التي تخرج في أصل الجحيم طَلْعُها كَأَنَّهُ رُؤُسُ الشَّياطِينِ الصافات: 65. فالشياطين ليس لها وجود خارجي محسوس، بل هي من عالم الغيب؛ لذلك فرؤوسها غير معروفة إلّا ما أخبرت به الشريعة، لكنها لو وجدت فأدركت لكان ادراكها عن طريق حاسة البصر. وكذلك القول في ما قاله امرؤ القيس: أيقتلني والمشرفيّ مضاجعي … ومسنونة زرق كأنياب أغوال فالغول وأنيابها مما لا يدرك باحدى الحواس، ولكنها لو أدركت لكان ادراكها من طريق حاسة البصر. وأعلم أن الوهمّي لا وجود لهيئته ولا لجميع مادّته، والخيالي جميع مادّته موجودة دون هيئة. 3 - الطّرفان المختلفان: وهما اللذان يتكوّنان من مشبّه حسّي ومشبّه به عقلي، أو العكس. أ- تشبيه المعقول بالمحسوس: ومثاله قوله تعالى وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِما لا يَسْمَعُ إِلَّا دُعاءً وَنِداءً البقرة: 171. فالكفر شيء عقلي، والمشبّه به الناعق الذي يصوّت للأغنام حسّي.

ب- تشبيه المحسوس بالمعقول

وكقول الشاعر: إنّ حظّي كدقيق … في يوم ريح نثروه ثمّ قالوا لحفاة … في أرض شوك إجمعوه فالمشبّه (الحظّ) أمر معنوي يدركه العقل، والمشبّه به (الدقيق) أمر حسّي يدركه اللمس والبصر. ب- تشبيه المحسوس بالمعقول: ومثاله قوله تعالى إِنَّها شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ* طَلْعُها كَأَنَّهُ رُؤُسُ الشَّياطِينِ الصافات: 64 - 65. فالمشبه (طلعها) حسّي يدرك بالعين واللمس، والمشبّه به (رؤوس الشياطين) عقلي. وكقول الشاعر: وندمان سقيت الراح صرفا … وأفق الليل مرتفع السّجوف صفت وصفت زجاجتها عليها … كمعنى دقّ في ذهن لطيف فالمشبه (صفاء الخمر وصفاء زجاجتها) حسّي يدرك بالعين، أمّا المشبه به (معنى دقّ) فعقلي لا يدرك بالحواس. ومثل هذا كثير في شعر المحدثين.

البحث الثاني طرفا التشبيه من حيث الإفراد والتركيب

البحث الثاني طرفا التشبيه من حيث الإفراد والتركيب 1 - المفرد وأنواعه: المفرد بلاغيا: كل ما ليس مركّبا، نحو: الولد نظيف، الولدان نظيفان، الأولاد نظيفون. ويكون المفرد: 1 - مطلقا: إذا لم يقيّد بشيء نحو: ثغر كالدرّ، وخدّ كالورد، ولحظ كالسهم. 2 - مقيّدا: إذا أتبع بإضافة، أو وصف، أو حال، أو ظرف، أو سوى ذلك. ويجب أن يكون لهذا القيد تأثير في وجه الشّبه. نحو: الساعي بغير طائل كالرّاقم على الماء. وطرفا التشبيه يمكن أن يكونا مطلقين، أو مقيدين، أو مختلفين، أي أن يكون أحدهما مطلقا والثاني مقيّدا، نحو: الشمس كالمرآة في يد المشلول، واللؤلؤ المنظوم كالثّغر. 2 - المركّب وأنواعه: المركّب بلاغيا: هو الصورة المكوّنة من عدد من العناصر المتشابكة والمتماسكة. قد يكون طرفا التشبيه: أ- مركّبين، نحو قول المعرّي: كأنّ سهيلا والنجوم وراءه … صفوف صلاة قام فيها إمامها فالمشبه مركّب من سهيل والنجوم الأخرى وراءه.

والمشبّه به مركّب من الإمام القائم في المحراب ومن المصلين الذين اصطفوا وراءه، ومثاله قول بشّار بن برد: كأن مثار النّقع فوق رؤوسنا … وأسيافنا، ليل تهاوى كواكبه المشبه مركب من النقع مثارا فوق الرؤوس، ومن السيوف اللامعة المتهاوية على رؤوس الأعداء. والمشبّه به مركّب أيضا من الليل الدامس المظلم، ومن الكواكب اللامعة المتهاوية. ب- مختلفين: كأن يكون المشبه مفردا والمشبّه به مركّبا نحو قوله: وحدائق لبس الشقيق نباتها … كالأرجوان منقّطا بالعنبر المشبه هو (الحدائق) مفرد مقيّد بالوصف. والمشبّه به مركّب من الأرجوان المنقّط بالعنبر. أو أن يكون المشبّه مركّبا والمشبّه به مفردا نحو قوله: لا تعجبوا من خاله في خدّه … كلّ الشقيق بنقطة سوداء المشبه مركب من الخال والخد. والمشبه به مفرد وهو (الشّقيق). ولعلّك لاحظت أنّه متى ركّب أحد الطرفين فلا يكاد يكون الآخر مفردا مطلقا بل يكون مركّبا أو مفردا مقيّدا كما رأيت في الأمثلة السابقة.

البحث الثالث طرفا التشبيه باعتبار تعددهما

البحث الثالث طرفا التشبيه باعتبار تعدّدهما يعمد الأدباء والشعراء أحيانا إلى تشبيه عدّة أشياء مفردة بعدّة أشياء مفردة. وهذا الضرب من التشبيه قسمه البلاغيون أقساما هي: 1 - التشبيه الملفوف: هو ما تعدّد طرفاه على أن يؤتي بالمشبّهات أوّلا على طريق العطف وغيره، ثم يؤتي بالمشبّهات بها كذلك. ومثاله قول الشاعر: ليل وبدر وغصن … شعر ووجه وقدّ خمر ودرّ وورد … ريق وثغر وخدّ ففي البيت الأول تعدّد المشبّه في الشطر الأول، فهناك ثلاثة مشبّهات هي: الليل والبدر والغصن على طريقة العطف بالواو. وفي الشطر الثاني ثلاثة مشبّهات بها وهي شعر ووجه وقدّ. وهكذا نرى أن الشاعر شبّه الشعر بالليل، والوجه بالبدر، والقدّ بالغصن، ولعلّك لاحظت أنه عند ما تعدّد الطرفان معا نتج أكثر من تشبيه. وقل مثل ذلك في البيت الثاني. 2 - التشبيه المفروق: وهو ما تعدّد طرفاه أيضا على أن يؤتي بكل مشبّه إلى جانب ما شبّه به على التوالي. ومثاله قول المرقّش الأكبر: النّشر مسك والوجوه دنا … نير وأطراف الأكفّ عنم

3 - تشبيه التسوية

ففي البيت ثلاثة تشابيه لم يفصل فيها بين المشبّه والمشبّه به، وهي: تشبيه النّشر بالمسك، والوجوه بالدنانير، وأطراف الأكفّ بالعنم. 3 - تشبيه التسوية: وهو ما تعدّد فيه المشبّه وبقي المشبّه به مفردا. ومثاله قول لبيد ابن ربيعة العامري: وما المال والأهلون إلّا ودائع … ولا بدّ يوما أن تردّ الودائع فالمشبّه متعدد (المال والأهلون) والمشبّه به مفرد (ودائع). 4 - تشبيه الجمع: هو عكس تشبيه التسوية، يفرد فيه المشبّه، ويتعدّد المشبّه به، نحو قول شوقي يصف طائرة: ذهبت تسمو فكانت أعقبا … فنسورا فصقورا فحماما المشبه مفرد: الطائرة. المشبه به مركّب- أعقبا+ نسورا+ صقورا+ حماما. وكقول الآخر: كأنّما يبسم عن لؤلؤ … منضدّ أو برد أو أقاح المشبه مفرد هو الأسنان. المشبه به مركّب- اللؤلؤ المنظوم+ البرد+ الأقاح.

تمارين

تمارين 1 - أذكر أحوال طرفي التشبيه في ما يأتي: - كأنّ قلوب الطير رطبا ويابسا … لدى وكرها العنّاب والحشف البالي - الخدّ ورد، والصّدغ غالية … والرّيق خمر، والثّغر كالدّرّ - شعر الحبيب وحالي … كلاهما كاللّيالي وثغره في صفاء … وأدمعي كاللآلي - غزوتهم من مقلتيك وأدمعي … ومن نفسي بالسّيف والسّيل والنّار - فرعاء تسحب من قيام شعرها … وتغيب فيه وهو ليل أسحم فكأنّها فيه نهار مشرق … وكأنّه ليل عليها مظلم - وعينان، قال الله كونا فكانتا، … فعولان بالألباب ما تفعل الخمر - أهديت عطرا مثل طيب ثنائه … فكأنّما أهدى له أخلاقه - والشمس من بين الأرائك قد حكت … سيفا صقيلا في يد رعشاء - كأنّ فجاج الأرض وهي عريضة … على الخائف المطلوب كفّة حابل - تشرق أعراضهم وأوجههم … كأنّها في نفوسهم شيم - تبكي فتذري الدرّ من نرجس … وتمسح الورد بعنّاب

البحث الرابع أقسام التشبيه باعتبار الأداة ووجه الشبه

البحث الرابع أقسام التشبيه باعتبار الأداة ووجه الشّبه أولا: باعتبار الأداة: يقسم التشبيه باعتبار الأداة إلى: 1 - تشبيه مرسل: وهو ما ذكرت فيه الأداة. مثال ذلك قوله: إنّما الدّنيا كبيت … نسجه من عنكبوت حضرت الأداة وحضورها كما يقول أحدهم (¬1) «يبقي على البعد أو الفضاء الفاصل بين الطّرفين في تصنيف الموجودات». 2 - تشبيه مؤكّد: وهو ما حذفت منه الأداة، مثاله قول أحدهم: أنت نجم في رفعة وضياء … تجتليك العيون شرقا وغربا فأداة التشبيه محذوفة والتقدير: أنت مثل النّجم، أو أنت كنجم ... ومن المؤكّد ما أضيف فيه المشبّه به إلى المشبّه، ومثاله: والرّيح تعبث بالغصون وقد جرى … ذهب الأصيل على لجين الماء والشاعر يريد تشبيه الأصيل بالذّهب، والماء باللّجين. وهذا الضرب من التشبيه أبلغ، وأوجز، وأشدّ وقعا في النفس، والنكتة في بلاغته أنّه يجعل المشبّه والمشبّه به شيئا واحدا. وقد وفّق ¬

_ (¬1). دروس في البلاغة العربية، الأزهر الزنّاد، ص 23.

ثانيا: باعتبار وجه الشبه

الأزهر الزنّاد إلى تفسير علّة التسمية فقال (¬1): «بغياب الأداة ينتقل التركيب من إخبار بالمشابهة إلى إخبار بالمشبّه به عن المشبّه، فهو هو، وهذا مدخل التوكيد فيه، لذلك سمّي بالمؤكّد. وفيه تضيق المسافة الفاصلة بين الطرفين فتصل التطابق أو تكاد ... فغياب الأداة إيهام بالتطابق، وهو أمر يرتبط بغياب شحنة المعقولية التي يقوم عليها الجمع بين طرفي التشبيه والتي تعبّر عنها الأداة». ثانيا: باعتبار وجه الشّبه: يقسم التشبيه باعتبار وجه الشبه إلى: 1 - تشبيه مجمل: وهو ما حذف منه وجه الشّبه، وبغيابه أجمل المتكلّم في الجمع بين الطرفين فسمّي مجملا، مثاله قول ابن الرومي في مغنّ. فكأن لذّة صوته ودبيبها … سنة تمشّى في مفاصل نعّس لم يذكر الشاعر وجه الشّبه لأنّه يدرك بسرعة وهو التلذّذ والارتياح. وقد كشف الأزهر الزنّاد عن سرّ التسمية وأثرها بقوله (¬2): «وبهذا الإجمال لم يقصد الباثّ إلى تحديد مجال التقاطع وإنّما تركه غائما. وهو دون شكّ يعوّل في ذلك على حدس سامعه في الاهتداء إلى ذلك المجال». ¬

_ (¬1). دروس في البلاغة العربية، الأزهر الزنّاد، ص 23. (¬2). دروس في البلاغة العربية، الأزهر الزنّاد، ص 22.

2 - تشبيه مفصل

2 - تشبيه مفصّل: وهو ما ذكر فيه وجه الشّبه. مثال ذلك قوله مفتخرا: أنا كالماء إن رضيت صفاء … وإذا ما سخطت كنت لهيبا فوجه الشّبه مذكور في التشبيه وهو (صفاء+ لهيبا). ورأى الأزهر الزّناد أنّ (¬1) «بذكره يفصّل المتكلّم وجه الجمع بين طرفي التشبيه فيسهّل على المتقبّل (السامع أو القارئ) العثور على السّمة التي يشترك فيها الطرفان. ولذلك سمّي هذا التشبيه مفصّلا. وهذا التفصيل يبقي على الانفصال الموجود بين طرفي التشبيه إذ يشعر الباثّ سامعه بأنه يقرن بين الطرفين في نقطة واحدة وهما شيئان متمايزان في سائر السّمات». ثالثا: باعتبار الأداة ووجه الشّبه معا: يقسم التشبيه باجتماعهما وافتراقهما إلى: 1 - مؤكّد مفصّل: وهو ما حذفت منه الأداة: وذكر وجه الشّبه، ومثاله: أنت نجم في رفعة وضياء … تجتليك العيون شرقا وغربا الأداة محذوفة، ووجه الشبه مذكور (الرّفعة والضياء). 2 - مرسل مجمل: وهو ما ذكرت فيه الأداة وحذف وجه الشّبه، كقوله: وكأنّ البنفسج الغضّ يحكي … أثر اللّطم في خدود الغيد ¬

_ (¬1). م. ن.، ص 22.

3 - تشبيه بليغ

فالمشبه: البنفسج، والمشبّه به، أثر اللّطم في خدود الملاح، ووجه الشّبه محذوف (اللون)، والأداة: يحكي مذكور. 3 - تشبيه بليغ: وهو ما حذفت منه الأداة ووجه الشّبه معا، فهو مؤكّد مجمل. وهو أعلى التشابيه بلاغة ومبالغة في آن. ويأتي على صور متعدّدة تبعا لموقع المشبّه به من الإعراب. وأشهر هذه الصور: أ. أن يكون المشبّه به خبرا للمشبّه ، كقول (عمر أبو ريشة): يا بلادي وأنت نهلة ظمآ … ن وشبّابة على فم شاعر فالمشبّه أنت، والمشبّه به: نهلة ظمآن (وهي في محلّ رفع خبر المبتدأ) الأداة: محذوفة، ووجه الشّبه مثلها محذوف وتقديره (الجمال). وهناك تشبيه آخر. المشبّه: أنت، المشبّه به: شبّابة وهو معطوف على الخبر (نهلة)، والأداة محذوفة ووجه الشّبه مثلها محذوف. ومثاله أيضا قول السيّاب: عيناك غابتا نخيل ساعة السّحر … أو شرفتان راح ينأى عنهما القمر فوجه الشّبه وأداة التشبيه غائبان وبغيابهما فتح الباب أمام الذهن ليتطّلع إلى وجوه اللقاء الممكنة بين الطرفين فإذا هما شيء واحد، أو كالواحد وهذا مدخل البلاغة فيه. ب- أن يكون المشبّه به حالا للمشبّه، ومثاله: دخل نمرا، وخرج هرّا

ج- أن يكون المشبه به مضافا إلى المشبه

فالمشبّه محذوف تقديره هو، والمشبّه به نمرا (حال) والأداة ووجه الشّبه غائبان محذوفان. والقول نفسه يصحّ في: خرج هرّا، ومثاله أيضا قول علي محمود طه: صاح بالشّمس لا يرعك عذابي … فاسكبي النّار في دمي وأريقي وخذي الجسم حفنة من رماد … وخذي الرّوح شعلة من حريق في البيت تشبيهان: في الأول: المشبّه: الجسم، المشبّه به: حفنة، وهو حال من المشبّه، والأداة ووجه الشّبه محذوفان. في الثاني: المشبّه: الرّوح، والمشبّه به: شعلة، وهو حال من المشبّه، والأداة ووجه الشّبه محذوفان. ج- أن يكون المشبّه به مضافا إلى المشبّه: ومثاله: لبس المريض ثوب العافية. فالمشبّه العافية، والمشبّه به ثوب، والعافية مضافة إلى الثوب. ومنه أيضا قوله الياس فرحات: هلّا مننت بلقيا أستردّ بها … فجر الشّباب فشمس العمر في الطّفل؟ في البيت تشبيهان: في الأول: المشبّه (الشباب) مضاف إليه، المشبّه به: (فجر) أضيف إلى المشبّه .. والأداة ووجه الشّبه محذوفان. في الثاني: المشبّه: العمر (مضاف إليه)، والمشبّه به: الشمس (مضاف إلى المشبّه) والأداة ووجه الشّبه محذوفان. وهذا من باب إضافة المشبّه به إلى المشبّه.

د- أن يكون المشبه به مفعولا به ثانيا، والمشبه مفعولا أولا،

د- أن يكون المشبّه به مفعولا به ثانيا، والمشبّه مفعولا أوّلا، ومثاله قول المازني في وردة ذابلة: ولو استطعت حنيت أض … لاعي على ذاوي سناها وجعلت صدري قبرها … وجعلت أحشائي ثراها في البيت الثاني تشبيهان: في الأوّل: المشبّه: صدري مفعول به أوّل ل (جعل)، والمشبّه به: قبرها: مفعول به ثان ل (جعل). والأداة ووجه الشّبه محذوفان. هـ- أن يكون المشبّه به مفعولا مطلقا مبيّنا للنّوع، على أن يكون المشبّه مصدرا مقدّرا من الفعل العامل فيه، ومثاله قول المازني في الوردة الذابلة. وضممتها ضمّ الحبي … ب عسى يعود لها صباها فالمشبّه: الضمّ (مصدر مقدّر من الفعل ضممتها) والتقدير ضممتها ضمّا كضمّ ... والمشبّه به: ضمّ: مفعول مطلق من الفعل ضمّ. والأداة ووجه الشّبه محذوفان. و- أن يكون المشبّه به مجرورا ب (من) البيانية التي تبينّ المشبّه ، كقول الشابّي: ورفرف روح غريب الجمال … بأجنحة من ضياء القمر

ز. أن يكون المشبه به أحد التوابع،

المشبّه: أجنحة الروح، المشبّه به: ضياء القمر مسبوق ب (من) البيانية التي بيّنت نوع الأجنحة، والأداة ووجه الشّبه، محذوفان. ز. أن يكون المشبّه به أحد التوابع، ومثاله قوله تعالى يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْناكَ شاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً* وَداعِياً إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِراجاً مُنِيراً الأحزاب: 45. شبّه عليه الصلاة والسلام بالمصباح المنير الذي يهدي البشر إلى الله تعالى. فالمشبّه النبيّ والمشبّه به: سراجا (معطوف على الحال شاهدا) والأداة ووجه الشبه محذوفان. تمارين: 1 - بيّن أنواع التشبيه في ما يأتي: - وسهيل كوجنة الحبّ في اللو … ن وقلب المحبّ في الخفقان - وشربت الفجر خمرا … في كؤوس من أثير - سحبت الدّياجي فيه سود ذوائب … لأعتنق الآمال بيض ترائب - ثوب الرياء يشفّ عمّا تحته … فإذا اكتسيت به فإنّك عاري - علق المجاعة مصّ بعض دمائه … وتعسّف الحكام مصّ الباقي - وقف التاريخ في محرابها … وقفة المرتجف المضطرب - أأمانيّ كلّها من تراب … وأمانيك كلّها من عسجد - ونشربها فتتركنا ملوكا … وأسدا ما ينهنهنا اللقاء - إذا نلت منك الودّ فالمال هيّن … وكل الذي فوق التراب تراب - فعلت بنا فعل السّماء بأرضه … خلع الأمير وحقّه لم نقصه - إذا الدولة استكفت به في ملمّة … كفاها فكان السّيف والكفّ والقلبا - لك سيرة كصحيفة ال … أبرار طاهرة نقيّة

- ذهبت جدّة الشتاء ووافا … نا شبيها بك الربيع الجديد ودنا العيد وهو للناس حتّى … يتقضّى وأنت للعيد عيد - قصور كالكواكب لامعات … يكدن يضئن للساري الظلاما - إذا ما الرعد زمجر خلت أسدا … غضابا في السّحاب لها زئير - أشبهت أعدائي فصرت أحبهم … إذ كان حظّي منك حظّي منهم - ليلتي هذه عروس من الزّن … ج عليها قلائد من جمان هرب النّوم عن جفوني فيها … هرب الأمن عن فؤاد الجبان - الورد في أعلى الغصون كأنه … ملك تحفّ به سراة جنوده - إنّما النفس كالزّجاجة والع … لم سراج وحكمة الله زيت فإذا أشرقت فإنّك حيّ … وإذا أظلمت فإنّك ميت - وترى الغصون تميل في أوراقها … مثل الوصائف في صنوف حرير - والورد في شطّ الخليج كأنّه … رمد ألمّ بمقلة زرقاء وإليك موجزا بأقسام التشبيه: 1 - باعتبار الأداة: الأداة مذكورة- ت مرسل الأداة محذوفة- ت مؤكد 2 - باعتبار وجه الشبه: وجه الشبه مذكور- ت مفصّل وجه الشبه محذوف- ت مجمل

3 - باعتبار الأداة ووجه الشّبه معا: الأداة محذوفة ووجه الشبه مذكور- ت مؤكّد+ مفصّل الأداة مذكورة ووجه الشبه محذوف- ت مرسل+ مجمل الأداة محذوفة ووجه الشبه محذوف- ت بليغ- مؤكّد+ مجمل صور التشبيه البليغ: 1. المشبّه به خبر للمبتدأ. 2. المشبّه به حال للمبتدأ. 3. المشبّه به مضاف إلى المشبّه. 4. المشبّه به مفعول ثان والمشبّه مفعول أول. 5. المشبّه به مفعول مطلق والمشبّه مصدر مقدّر. 6. المشبّه به مجرور بمن. 7. المشبّه به أحد التوابع.

البحث الخامس تشبيه التمثيل وغير التمثيل

البحث الخامس تشبيه التّمثيل وغير التمثيل أولا: تشبيه التمثيل: 1 - تعريفه: هو ما كان وجه الشّبه فيه صورة منتزعة من متعدّد، أو هو الذي يكون وجه الشّبه فيه مركّبا. 2 - شروطه: اشترط البلاغيّون تركيب الصورة فيه، سواء أكانت العناصر التي تتألف منها صورته أو تركيبته حسّية أو معنوية. وكلّما كانت عناصر الصورة أكثر، كان التشبيه أبعد وأبلغ. 3 - أمثلته: قال ابن الرومي (المنسرح): أوّل بدء المشيب واحدة … تشعل ما جاورت من الشّعر مثل الحريق العظيم تبدؤه … أوّل صول صغيرة الشّرر في هذين البيتين مشهدان متفقان في وجوه عديدة تلتقي لتكوّن في النهاية وجها واحدا. للأجزاء المكوّنة لكل مشهد قيمة في تجمّعها ولا قيمة لكل جزء منفردا. يتكوّن المشهد الأول من الأجزاء الآتية: غزا الشيب شعر الشاعر فبدأ بشعرة بيضاء ثم توسّع في هذا الشعر الأسود حتّى قضى عليه قضاء مبرما فاتسعت دائرة البياض وتوارت دائرة السّواد. المشهد الثاني المقابل يتمثّل في حريق عظيم بدأ بشرارة صغيرة ثم أخذت نيرانه تتوسّع ملتهمة كل ما يقع في طريقها.

لنبحث في هذين المشهدين المتقابلين عن عناصر تشبيه التمثيل: فبين المشيب وبقايا النار جامع البياض المشرب بالسواد الخجول. والمشيب يأتي على الشعر بأكمله تدريجيا والنار تلتهم كل ما يقف بوجهها تدريجيا أيضا. الشّيب يبدأ بشعرة واحدة والحريق العظيم تبدؤه شرارة صغيرة وهكذا فإن تشبيه التمثيل هذا يتكوّن من: تشبيه (1) وفيه: مشبه (1) + مشبّه به (1) + وجه شبه (1) تشبيه (2) وفيه: مشبه (2) + مشبّه به (2) + وجه شبه (2) تشبيه (3) وفيه: مشبه (3) + مشبّه به (3) + وجه شبه (3) والخلاصة أن تشبيه التمثيل مكوّن من مشبّه متعدّد+ وجه شبه متعدّد+ مشبّه به متعدّد. ولهذا كان تشبيه التمثيل محتاجا إلى عمليّات ذهنية متلاحقة لفكّ أجزائه والتعرّف إلى التماثل القائم بين هذه الأجزاء. فالصورة فيه أشبه بالومضات (فلاش) المتلاحقة التي تجسّد في النهاية صورة متكاملة ولهذا كانت الصورة مشهدا متتابعا، ويجب التنبّه إلى أن المعوّل عليه في التعدّد هو وجه الشّبه فقط. وقال ابن المعتزّ (الوافر): كأنّ سماءنا لمّا تجلّت … خلال نجومها عند الصّباح رياض بنفسج خضل نداه … تفتّح بينه نور الأقاحي في البيتين مشهدان متفقان في وجوه عديدة. يتكوّن المشهد الأوّل من الأجزاء الآتية. تجلّت السّماء صباحا وقد انتشرت نجومها فبدت زرقاء بيضاء صفراء.

المشهد الثاني يتكوّن من الأجزاء الآتية: رياض متناثرة يجتمع فيها البنفسج المخضّل بالندى إلى جانب روضة أخرى من الأقاحي التي تفتّح زهرها الأبيض المشوب بصفرة. لنبحث في هذين المشهدين المتقابلين عن عناصر تشبيه التّمثيل: بين تجلّي السماء وانتشار نجومها صباحا وبين رياض البنفسج المتناثرة جامع الزرقة البنفسجية. بين ندى الصبّاح وندى الأزاهير جامع اخضلال ونداوة. بين روض النجوم المتناثرة ورياض الأرض جامع التناثر في النجوم الذي يقابله تناثر الورود وتفرّقها في المرج الفسيح الذي يشبه رحابة السّماء وتداخل الألوان البنفسجي والأبيض والأصفر، يشبه تداخل ألوان السّماء وقد انحسرت النجوم في مكان منها وتناثرت في مكان آخر. فوجه الشّبه كما ترى صورة منتزعة من متعدّد، ولو حذفنا شيئا من المشبّه أو المشبّه به لاختلّ التوازن بين أجزاء المشهدين المتقابلين، واختل معه وجه الشّبه الجامع بين أجزاء صورتي المشبّه والمشبّه به. وقال البحتري في شقائق النعمان (الطويل): شقائق يحملن النّدى فكأنه … دموع التّصابي في خدود الخرائد عناصر المشهدين متضافرة لتقديم صورة متكاملة. لنبحث عن هذه العناصر في المشهد الأول: شقائق النعمان+ الندى الذي يكلّلها في المشهد الثاني: خدود الملاح+ دموع التّصابي المتساقطة ووجه الشبه مكوّن من قطرات جميلة صافية تلمع فوق سطوح جميلة بيضاء مشوبة بصفرة. ولهذا كان وجه الشّبه منتزعا من متعدّد

ثانيا: تشبيه غير التمثيل

لا يمكن حذف جزء من المشبّه أو المشبّه به وإلّا فإن وجه الشبه الجامع بين أجزائهما يختلّ ويتعطّل تناسق الصورة وتفقد رونقها. ثانيا: تشبيه غير التّمثيل: 1 - تعريفه: هو ما كان فيه وجه الشّبه مفردا، أي أنه ليس صورة منتزعة من متعدّد. 2 - أمثلته: قال البحتري (الخفيف): هو بحر السّماح والجود فازدد … منه قربا تزدد من الفقر بعدا فعناصر التشبيه هي: المشبه: الممدوح، والمشبّه به: البحر، وجه الشبه: الجود. وهكذا فإنّ وجه الشبه ليس صورة منتزعة من متعدّد كما في تشبيه التمثيل. وقال أبو بكر الخالدي (م الرّمل): يا شبيه البدر حسنا … وضياء ومنالا وشبيه الغصن لينا … وقواما واعتدالا أنت مثل الورد لونا … ونسيما وملالا زارنا حتى إذا ما … سرّنا بالقرب زالا فالمشبّه في هذه الأبيات جميعا هو الحبيب. أمّا المشبّه به فهو على التوالي: البدر والغصن والورد.

تمرينات

وجه الشّبه فيها صفات متعدّدة ولكنّها مفككة وليست مجموعة ومترابطة لتكوّن كلّا موحّدا إذ يمكن الاكتفاء بجزء منها وحذف أجزاء أخرى. ويبقى التشبيه قائما بعكس ما يحدث في تشبيه التمثيل الذي تكوّن عناصره كلّا مستقلّا لا يتخلّى عن أيّ جزء من أجزائه ولا يقوم إلّا بعناصره مجتمعة. تمرينات: 1 - ميّز تشبيه التمثيل من غيره فيما يأتي: وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلَ الْحَياةِ الدُّنْيا كَماءٍ أَنْزَلْناهُ مِنَ السَّماءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَباتُ الْأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيماً تَذْرُوهُ الرِّياحُ الكهف: 45. اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَياةُ الدُّنْيا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكاثُرٌ فِي الْأَمْوالِ وَالْأَوْلادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَباتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَراهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطاماً الحديد: 20. وقال الشاعر: - المستجير بعمرو عند كربته … كالمستجير من الرّمضاء بالنّار - كأنّ مثار النّقع فوق رؤوسنا … وأسيافنا ليل تهاوى كواكبه - عيناه عالقتان في نفق … كسراج كوخ نصف متّقد - والصّدر فارقه الرّجاء فقد غدا … وكأنّه بيت بلا مصباح - وليل كموج البحر أرخى سدوله … عليّ بأنواع الهموم ليبتلي - لله نهر سال في بطحاء … أحلى ورودا من لمى الحسناء - يطأ الثرى مترفقا من تيهه … فكأنّه آس يجسّ عليلا - يهزّ الجيش حولك جانبيه … كما نفضت جناحيها العقاب - فإن تفق الأنام وأنت منهم … فإنّ المسك بعض دم الغزال

وقال السيّاب: عيناك حين تبسمان تورق الكروم … وترقص الأضواء كالأقمار في نهر يرجّه المجداف وهنا ساعة السّحر … كأنّما تنبض في غوريهما النّجوم وتغرقان في ضباب من أسى شفيف … كالبحر سرّح اليدين فوقه المساء دفء الشتاء فيه وارتعاشة الخريف … والموت والميلاد والظّلام والضيّاء

البحث السادس التشبيه الضمني

البحث السادس التشبيه الضّمني 1 - تعريفه: هو تشبيه لا يوضع فيه المشبّه والمشبّه به في صورة من صور التشبيه المعروفة، بل يلمحان في التركيب. من هذا التعريف ندرك أنّه مضمر في النّفس وأنه يؤثر فيه التلميح على التّصريح. كما أن التسمية تشير إلى أن التشبيه غير ظاهر في الكلام وإنّما على المتلقّي أن يفهمه ضمنا لأنّه يخاطب ذكاءه وفطنته. ويؤتى بهذا النوع من التشبيه ليدلّ على أنّ الحكم الذي أسند إلى المشبّه ممكن وإن لم يغب عنه جانب التّخييل. 2 - مزاياه: من أهم المزايا التي يختصّ بها نذكر ما يأتي: - لا تظهر فيه الأداة أو وجه الشّبه بشكل صريح. - لا يرتبط فيه المشبّه بالمشبّه به ارتباطهما المعروف في باقي أنواع التشبيه، بل تلمح بينهما العلاقة من خلال المعنى الذي يكاد يخفيه التشبيه. - هو أبلغ من غيره، وأنفذ في النفوس والخواطر لاتخاذه جانب التلميح واكتفائه به. - يكثر وروده في الحكم والمواعظ والأمثال. - كثيرا ما يأتي في جملتين متواليتين لكلّ منهما معناها المستقلّ، وقد تربط جملة المشبّه به بجملة المشبّه بحرف الواو، كقول أبي فراس (الطويل):

3 - أمثلته

تهون علينا في المعالي نفوسنا … ومن يخطب الحسناء لم يغلها المهر أو بحرف الفاء كقول المتنبي (الوافر): فإن تفق الأنام وأنت منهم … فإنّ المسك بعض دم الغزال 3 - أمثلته: قال ابن الرّومي (الخفيف): قد يشيب الفتى وليس عجيبا … أن يرى النّور في القضيب الرّطيب لم يقل ابن الرّومي: الفتى وقد وخطه الشّيب كالغصن الرّطيب عند إزهاره لكنّه أتى بهذا المعنى ضمنا؛ ولهذا سمّي هذا التشبيه ضمنيا. وقال أبو فراس (الطويل): سيذكرني قومي إذا جدّ جدّهم … وفي الليلة الظلماء يفتقد البدر لم يقل أبو فراس: أنا إذا اشتدّ الخطب على قومي كالبدر الذي ينير الليلة الظلماء، بل ترك للمخاطبين أن يستنتجوا ذلك، وسيذهب ذهنهم إلى مثل هذا التشبيه لمجرّد سماعهم عجز البيت. وقال غيره (الكامل): ويلاه إن نظرت وإن هي أعرضت … وقع السّهام ونزعهنّ أليم يفهم البيت على أنّه تشبيه وإن غاب منه ما يدلّ على التشبيه. لقد سكت الشاعر عن جزء من الصورة مطالبا القارئ أو المتلقّي باكتشافه، وليس من الصعب اكتشافه. فالمتلقّي يدرك أنّ الشاعر يشبّه

4 - بين التشبيه الضمني والتشبيه التمثيلي

نظرة الحبيبة وإعراضها برشق السّهام ونزعها من جسد المطعون بها، فعينا الحبيبة ترشق بنظراتها الحبيب أو تعرض عنه فيكون لرشقها وإعراضها ألم كألم يحدثه الطّعن بالسّهام أو نزعها من جسد المطعون. وقال المتنبّي (الخفيف): من يهن يسهل الهوان عليه … ما لجرح بميّت إيلام لم يقل المتنبي إنّ المتهاون بكرامته مرّة لا يحسّ بذلّ جديد يصيبه لأن كرامته ميتة، والكرامة الميتة كالجسد الميت لا يتألم إذا جرح جرحا جديدا. لقد مثّل الشطر الثاني المشبّه به ولم يرتبط بالصدر الذي يمثّل المشبّه بأيّ رابط لفظي، لكنّ الارتباط المعنوي عوّض عن الرابط اللفظي. 4 - بين التشبيه الضمني والتشبيه التمثيلي: - الأداة ووجه الشّبه محذوفان وجوبا في التشبيه الضمني لكنّهما محذوفان جوازا في التشبيه التمثيلي. - المشبّه والمشبّه به معنى مركّب في كليهما من عدّة أجزاء. - تربط المشبّه بالمشبّه به علاقة نحوية أو إعرابية في التشبيه التمثيلي، ولا يرتبطان في التشبيه الضمني بأية علاقة نحوية، بل تكون جملة المشبّه به استئنافية لا محلّ لها من الإعراب غالبا.

تمرينات

تمرينات 1 - بيّن نوع التشبيه، وادرس أركانه واشرحه مبيّنا جماليّة الصورة: - ضحوك إلى الإبطال وهو يروعهم … وللسيّف حدّ حين يسطو ورونق - وما أنا منهم بالعيش فيهم … ولكن معدن الذّهب الرّغام - تزدحم القصّاد في بابه … والمنهل العذب كثير الزّحام - نرجو النّجاة ولم تسلك مسالكها … إنّ السفينة لا تجري على اليبس - والليل تجري الدّراري في مجرّته … كالرّوض تطفو على نهر أزاهره - إنّ الهلال إذا رأيت نموّه … أيقنت أن سيصير بدرا كاملا - إطراقه يخشى ويرهب صمته … والسّيف محذور وإن لم يشهر - لهيب قلبي أفاض الدّمع من بصري … والعود يقطر ماء حيث يحترق - ليس الحجاب بمقص عنك لي أملا … إنّ السّماء ترجّى حين تحتجب - غادة زانها من الغصن قدّ … ومن الظبي مقلتان وجيد - وزهاها من فرعها ومن الخذ … دين ذاك السّواد والتوريد

البحث السابع التشبيه المقلوب

البحث السابع التشبيه المقلوب 1 - تعريفه: هو تشبيه معكوس يصير فيه المشبّه مشبّها به بادّعاء أنّ وجه الشّبه فيه أقوى. 2 - أمثلته: قال أحدهم (الكامل): وبدا الصّباح كأنّ غرّته … وجه الخليفة حين يمتدح فالمشبه: غرّة الصّباح وتباشيره. والمشبّه به: وجه الخليفة. فالشاعر شبّه تباشير الصّباح في ضيائها بوجه الخليفة عندما يسمع المديح. وقد خرج الشاعر على المألوف في تشبيهه لأنّ المألوف والمتداول أن يشبّه وجه الخليفة بتباشير الصّباح ولكنّ الشاعر عكس الآية بهدف الإغراب والمبالغة. وقال بشّار (البسيط): وذات دلّ كأنّ البدر صورتها … باتت تغنّي عميد القلب سكرانا المشبّه به: المرأة الحبيبة المدلّلة، والمشبّه: البدر. فالشاعر كسر المألوف وخلخل العلاقة بين المشبّه والمشبّه به، فقلب المعادلة وصدم القارئ لأنّه خرج على المألوف الذي استنفدت طاقاته الإيحائية، فخرّب العلاقة بين المشبّه والمشبّه به ليأتي بجديد مبالغ فيه.

3 - من شروطه

فبدل أن تشبه المرأة الجميلة البدر صار البدر عند الشاعر يشبه المرأة الجميلة لأن وجه الشّبه أقوى في المشبّه به منه في المشبّه، ولهذا فإنّ الشاعر يزعم أن المرأة الحبيبة أجمل من البدر. لهذا عدّ التشبيه المقلوب ضربا من التجديد في الأساليب القديمة. 3 - من شروطه: الشرط الرئيس في استعماله ألّا يرد إلّا في ما جرى عليه العرف لدى العرب، وهذا الشرط يحافظ على وضوح صورة القلب والانعكاس، وإلّا فإنه يصبح ضربا من الإلغاز. 4 - قيمته البلاغية: سمّاه ابن جنّي: غلبة الفروع على الأصول، وقال: لا تجد شيئا من ذلك إلّا والغرض منه المبالغة». وسمّاه ابن الأثير في المثل السائر «الطّرد والعكس» وقال عنه عبد القاهر «هو جعل الفرع أصلا والأصل فرعا». لهذا عدّ التشبيه المقلوب ضربا من المبالغة وكسر الرتابة في التشابيه المبتذلة التي مجّها الذوق وملّها السمع لفرط تردّد المعاني المكرورة، فجاء التشبيه المقلوب ليقضي على الرّتابة ويحدث ضربا جديدا من العلاقات القائمة بين طرفي التشبيه. تمارين 1 - دلّ على التشبيه المقلوب واشرحه، واذكر أسباب كونه تشبيها مقلوبا: - كأنّها حين لجّت في تدفّقها … يد الخليفة لمّا سال واديها

- في طلعة البدر شيء من محاسنها … وللقضيب نصيب من تثّنيها - وترى الغصون تميل في أوراقها … مثل الوصائف في صنوف حرير - وكأن أجرام السّماء لوامعا … درر نثرن على بساط أزرق - البدر أشبه ما رأيت بها … حين استوى وبدا من الحجب وابن الرشا لم يخطها شبها … بالجيد والعينين واللّبب

البحث الثامن التشبيه الدائري (الاستطرادي)

البحث الثامن التشبيه الدائري (الاستطرادي) 1 - تعريفه: هو تشبيه يبدأ ب (ما)، وينتهي ب (الباء) الداخلة على أفعل التفضيل (أفعل). وغالبا ما يكون بين الفاتحة والخاتمة وصف للمشبّه به عادة قد يطول، وقد يقصر، ليعود في النهاية ويفضّل المشبّه على المشبّه به. وتكمن قيمته في طول نفسه واتساع عبارته حيث يترك الشاعر المشبّه ليسترسل في تصوير المشبّه به وتعظيمه ليعود في البيت الأخير منه فيفضّل المشبه على المشبّه به زيادة في المبالغة والغلوّ. وأكثر ما ورد بأربعة أبيات، وقد يرد في أقلّ من أربعة. وربّما سمّي استطراديا لأنّ الشاعر يستطرد فيه إلى تفصيل أجزاء المشبّه به والإحاطة بمناحي الجمال والعظمة فيه ليكون في تفضيل المشبّه عليه إغراق في التعظيم والمفاضلة. 2 - أمثلته: قال النابغة (البسيط): 1 - فما الفرات- إذا هبّ الرّياح له … ترمي أو اذيّه العبرين بالزّبد 2 - يمدّه كلّ واد مترع لجب … فيه ركام من الينبوت والخضد 3 - يظلّ من خوفه الملّاح معتصما … بالخيزرانة بعد الأين والنّجد 4 - يوما- بأجود منه سيب نافلة … ولا يحول عطاء اليوم دون غد أراد النابغة أن يبالغ في وصف كرم النعمان فذهب إلى أنّ الفرات في حال فيضانه الأكبر عند ما ترمي أمواجه بالزّبد على ضفّتيه

ويصبّ فيه كل واد ممتلئ بالماء تصطخب أمواجه فتجرّ كل شيء وتجتاح الركام من طمي ونبات. في هذه الحالة من الهيجان يدخل الخوف إلى قلب الملّاح فيبقى معتصما بمقدّمة السفنية وقد أدركه الخوف وأعياه الجهد. الفرات في حالة فيضانه هذه ليس أجود من النّعمان الذي لا يحول عطاء اليوم عنده دون عطاء الغد في حين يبقى فيضان الفرات موسميّا وعند ذوبان الثلج في المنبع. لقد استطرد الشاعر في وصف المشبّه به ثم استدار فنّيا ليجعل المشبّه أعلى رتبة من المشبّه به في حال كماله هذا. وقد استخدم الشاعر الواسطة اللفظية وما- ... بأجود. وقد سلك الأخطل طريق النابغة فتوكأ عليه في تشبيهه الاستطرادي هذا محدثا تعديلا طفيفا فيها عند ما قال (البسيط): وما الفرات- إذا جاشت غواربه … في حافتيه وفي أوساطه العشر وزعزعته رياح الصّيف واضطربت … فوق الجآجئ من آذيّة غدر مسحنفر من جبال الروم يستره … منها أكافيف فيها دونه زور يوما- بأجود منه حين تسأله … ولا بأجهر منه حين يجتهر وقد أفرط الأعشى في اعتماد هذا الضرب من التشبيه، وربما كرّره في القصيدة الواحدة. ففي قصيدة مدح بها قيس بن معد يكرب عمد إليه مرّتين وعدّة أبياتها تسعة وستّون بيتا. والتشبيه الأوّل مؤلّف من أربعة أبيات هي (المتقارب): - وما رائح روّحته الجنوب … يروّي الزروع ويعلو الدّيارا - يكبّ السّفين لأذقانه … ويصرع بالعبر أثلا وزارا - إذا رهب الموج نوتيّه … يحطّ القلاع ويرخي الزيارا

- بأجود منه بأدم العشا … ر لطّ العلوق بهنّ احمرارا (¬1) ولعلّه من الواضح التّقارب بين هذه المعاني الواردة في أبيات الأعشى وأبيات كلّ من النابغة والأخطل. وبعد ثلاثة أبيات من هذا التشبيه الاستطرادي أنشأ الأعشى تشبيها استطراديا آخر قوامه ثلاثة أبيات هذه المرة (¬2). ومن أطول التشابيه الاستطرادية تشبيه للأعشى وصف فيه الأسد، وعدّته عشرة أبيات (¬3) من البيت 21 إلى البيت 30، وفي القصيدة نفسها عاد إلى تشبيه استطرادي عدّة أبياته ثلاثة، لكنّه في وصف كرم الممدوح هذه المرّة، من البيت 31 وحتى البيت 33. وقد أحصيت في ديوان الأعشى ثلاثة عشر تشبيها استطراديا حافظ أكثرها على العدد الشائع من الأبيات وهو أربعة أبيات. وقد يقصر التشبيه الاستطرادي إذ يقتصر على بيت واحد كقول طفيل الغنوي (الطويل): فما أمّ أدراص بأرض مطلّة … بأغدر من قيس إذا الليل أظلما وقد أحصى أحد الباحثين (¬4) ثمانية وخمسين تشبيها استطراديا لاثنين وعشرين شاعرا جاهليا كان نصيب الأعشى وحده منها ثلاثة عشر تشبيها. ¬

_ (¬1). ديوان الأعشى الكبير، شرح محمد قاسم، ص 179 - 180. (¬2). ديوان الأعشى الكبير، شرح محمد قاسم، ص 181. (¬3). م. ن، ص 97. (¬4). المجلة العربية للعلوم الإنسانية عدد 7 مجلّد: 5 شتاء 1985 ص 130 وما بعدها، د. عبد القادر الرّباعي.

تمرينات

تمرينات: 1 - دلّ على التشابيه الاستطرادية واشرحها مبيّنا قيمتها الجمالية: قال الأعشى (ديوانه ص 99): وما فلج يسقي جداول صعنبى … له شرع سهل على كلّ مورد ويروي النبيط الزرق من حجراته … ديارا تروّى بالأتيّ المعمّد بأجود منه نائلا، إنّ بعضهم … كفى ماله باسم العطاء الموعّد وقال أوس بن حجر (ديوانه ص 105): وما خليج من المروّت ذو حدب … يرمي الضّرير بخشب الطّلح والضال يوما بأجود منه حين تسأله … ولا مغبّ بترج بين أشبال وقال الأعشى (ديوانه ص 191): وما مزبد من خليج الفرا … ت يغشى الإكام ويعلو الجسورا يكبّ السفين لأذقانه … ويصرع بالعبر أثلا ودورا بأجود منه بما عنده … فيعطي المئين ويعطي البدورا

المجاز

المجاز 1 - تعريفه: أ- لغة: جاء في اللسان (جوز): «جزت الطريق، وجاز الموضع جوزا وجوازا ومجازا: سار فيه وسلكه ... وجاوزت الشيء الى غيره وتجاوزته بمعنى أي أجزته ... وتجاوز عن الشيء: أغضى، وتجاوز فيه أفرط». فالمجاز لغة يعني إذا السيّر والتجاوز والتسامح والتخطّي، لأنّ اللسان أورد معنى العفو والتسامح عند ما أورد المعنى الديني للفظ: «تجاوز الله عنه أي عفا». وفي المعجم الوسيط «المجاز: المعبر. ومن الكلام: ما تجاوز ما وضع له من المعنى» فهل نلمح في المعبر معنى التغيير؟ وهل يكون الانتقال من مكان الى آخر كانتقال اللفظ من معنى الى آخر؟ فيدخل اللفظ توسّع في الدلالة أو انزياح دلالي. ب- اصطلاحا: جاء في معجم المصطلحات (¬1) «المجاز: كل الصيّغ البلاغية التي تحتوي تغييرا في دلالة الألفاظ المعتادة. ويندرج تحت هذا كل أنواع المجاز في البلاغة العربية ما عدا الكناية التي لا يمنع استعمال ألفاظها في غير ما وضعت له من إرادة المعنى الأصلي لهذه الألفاظ». ¬

_ (¬1). معجم المصطلحات العربية في اللغة والأدب، وهبة- المهندس، ص 184.

ج- تعريف البلاغيين

وفي تعريفات الشريف الجرجاني (¬1) «هو اسم لما أريد به غير ما وضع له لمناسبة بينهما كتسمية الشجاع أسدا» واضح أن الجرجاني يتحدّث عن انزياح دلالي شرط وجود مناسبة بين الدلالة الأولى والدلالة الثانية. ج- تعريف البلاغيين: عرّفه الجرجاني بقوله (¬2): «المجاز كلّ كلمة أريد بها غير ما وقعت له في وضع واضعها لملاحظة بين الثاني والأول». يفهم من هذا التعريف ان المجاز مختصّ بالكلمة المفردة في حين وسّع معجم المصطلحات دائرته ليشمل الصّيغ أيضا. ثم وسّع عبد القاهر تعريفه بقوله (¬3): «وإن شئت قلت: كل كلمة جزت بها ما وقعت له في وضع الواضع الى ما لم توضع له من غير أن تستأنف منها وضعا للملاحظة بين ما تجوز بها اليه وبين أصلها الذي وضعت له في وضع واضعها». فالتوسّع في الشرح والتعريف أبقى المجاز محصورا في الكلمة المفردة ولم يتناول الصيغ كما في معجم المصطلحات. أما الخطيب القزويني فرأى ان المجاز يكون في المفرد وفي المركّب. وهو عنده (¬4) «الكلمة المستعملة في غير ما وضعت له في اصطلاح التخاطب على وجه يصحّ مع قرينة عدم إرادته، فلا بدّ من العلاقة ليخرج الغلط والكناية» فاذا كان الخطيب القزويني قد تكلم هنا على المجاز المفرد، فانه تكلم في مكان آخر على المجاز المركب الذي ¬

_ (¬1). كتاب التعريفات، الشريف الجرجاني، ص 214. (¬2). اسرار البلاغة، عبد القاهر الجرجاني، ص 304. (¬3). م. ن. ص 304. (¬4). التلخيص في علوم البلاغة. الخطيب القزويني، ص 294.

2. غايات المجاز وفوائده

يعني (¬1) «اللفظ المركّب المستعمل فيما شبه بمعناه الأصلي تشبيه التمثيل للمبالغة في التشبيه». وهكذا نصل الى تعريف جامع للمجاز يوسّع دلالته ليشمل المفرد والمركّب. وهذا التوسّع يعبّر عن حقيقة الدلالة البلاغية للمجاز. نستخلص من هذه التعريفات شروط المجاز الآتية: 1. وجوب توافر علاقة تسوّغ نقل اللفظ من معناه الحقيقي الى معناه غير الحقيقي. 2. امكانية قيام هذه العلاقة على المشابهة أو على غير المشابهة. 3. وجوب توافر قرينة لفظية او معنوية تساعد على تمييز المعنى الحقيقي من المعنى المجازي المقصود. 2. غايات المجاز وفوائده: من أهم الغايات التي يحققها المجاز ما يأتي: 1. التوسّع: للألفاظ معان حقيقية سمّاها الدلاليون المعاني الأصلية للألفاظ وتنحصر هذه المعاني بالدلالة القاموسية للفظ، وهذه المعاني القاموسية ثابتة وموحّدة. لكن الدّلاليين تكلموا أيضا على المعاني الاضافية للفظ. والمعنى الاضافي في نظرهم معنى خاص غير موحّد مرتبط بثقافة المبدع أوّلا وبالصور الجديدة والمعاني الجديدة التي يتجاوز فيها المبدع الموروث اللغوي والتعبيري. إنّه ضرب من الإبداع ¬

_ (¬1). الايضاح في علوم البلاغة. الخطيب القزويني، ص 438.

2. التوكيد.

في العلاقات القائمة بين الألفاظ يتوسّع فيه يمنة ويسرة ليعطي للمعنى القاموسي للألفاظ معاني إضافية يساعده في انتاجها التخييل. من هنا كان الكلام على توسيع الدلالة التي لا تتحدّد بشكل دقيق الّا اذا رصفت الألفاظ في عبارة او في سياق، فقوله: له عليّ يد، لا ينظر فيه الى معنى اليد الحقيقي بل ينظر الى المعنى الإضافي للفظ وهو الجميل او المساعدة مادية كانت او معنوية. والتوسّع أتى من كون العطاء أصلا أداته اليد فتوسّع المبدعون في دلالتها حتى صارت بمعنى المساعدة والفضل. 2. التوكيد. من الغايات التي يحققها المجاز التوكيد لأنه وسيلة من وسائل ترسيخ المعنى بشكل غير مباشر يتطلّب من المتلقّي تخييلا معينا يصبح فيه المعنى أبلغ مّما كان عليه في الحقيقة. 3. التشبيه. وهو بارز جدا في المجاز، فعندما نقول: جاء القمر معبّرين بذلك عن وصول فتاة جميلة، نكون قد شبّهنا الفتاة بالقمر وأضفنا الى هذه الفتاة اسما جديدا لما بينها وبين القمر من شبه مع وجود قرينة مانعة من ايراد المعنى الحقيقي. وهكذا يكون: طلع القمر (على الحقيقة) خاليا من التشبيه. أما جاء القمر (على المجاز) فهو متضمن تشبيه الفتاة الجميلة بالقمر. ففي المجاز اذا ابتكار معنى جديد للفظ قد يكون معنى فرديا يكسب صاحبه صفة التّميّز والفرادة، وقد يكون معنى عاما- كما في

المثال السابق- يكسب صاحبه صفة المقلّد، فتتراجع عنه صفة الابتكار والاختراع. والملاحظ أن التوسع الدلالي او الانزياح الدلالي عملية واعية قائمة على رصد الصلات المشتركة بين المعنى الاصلي والمعنى المجازي .. فإذا عدنا الى المثال السابق (جاء القمر) لاحظنا ان العلاقة القائمة بين القمر والوجه الجميل لا تحتاج الى تعليل وتفسير.

الحقيقة

الحقيقة 1 - تعريفها: أ- لغة: جاء في اللسان (حقق): «والحقيقة ما يصير اليه حقّ الأمر ووجوبه. وبلغ حقيقة الأمر أي يقين شأنه ... والحقيقة في اللغة: ما أقرّ في الاستعمال على أصل وضعه، والمجاز ما كان بضدّ ذلك». فالحقيقة تعني إذا المعنى الأصلي المتعارف عليه في المعجمات وفي أصل الاستعمال. والمجاز موجّه نحو المعاني الإضافية للفظ التي يغلب عليها طابع الجدّة والابتكار والخصوصية. وقد ذكر الخطيب القزويني تعريفا لغويا آخر مفاده (¬1): «والحقيقة إما فعيل بمعنى مفعول، من قولك: حققت الشيء أحقه، إذا أثبتّه، أو فعيل بمعنى فاعل من قولك: حقّ الشيء يحق اذا ثبت، أي المثبّتة أو الثابتة في موضعها الأصلي». ب. اصطلاحا: جاء في كتاب التعريفات (¬2): «الحقيقة: كل لفظ يبقى على موضوعه، وقيل: ما اصطلح الناس على التخاطب [به]». إنها المعنى الحقيقي للفظ المبرّأ من كلّ المعاني الإضافية. ويتضح معناها أكثر في تعريف المحدثين الذي جاء فيه (¬3): «هي مدلول الكلمة المستعملة فيما وضعت له بحيث تدلّ على معناها بنفسها ¬

_ (¬1). الإيضاح في علوم البلاغة، الخطيب القزويني، ص 395. (¬2). كتاب التعريفات، الشريف الجرجاني، ص 94. (¬3). معجم المصطلحات العربية في اللغة والأدب، وهبة- المهندس، ص 85.

مثال توضيحي للحقيقة والمجاز

من غير حاجة الى علاقة أو قرينة، وذلك كاستعمال القمر للكوكب المعروف لا للوجه المشرق مثلا». وعرّفها الخطيب القزويني (¬1) بقوله: «هي الكلمة المستعملة في ما وضعت له في اصطلاح التخاطب». مثال توضيحي للحقيقة والمجاز: قال المتنبّي وقد نظر الى السّحاب (الوافر): تعرض لي السّحاب وقد قفلنا … فقلت اليك إنّ معي السحابا فشم في القبّة الملك المرجّي … فأمسك بعدما عزم انسكابا قال العكبري (¬2) في شرح هذين البيتين: «يريد أن السحاب أمسك عن الانسكاب لئلا يخجل من وجوده لتقصيره عنه». لقد ورد لفظ السّحاب مرتين في البيت الأول. وهو مستخدم بمعناه الحقيقي في الصدر، وبمعناه المجازي في العجز لأنّ المقصود به الممدوح الكريم. وهذا مجاز لأن اللفظ استخدم في غير ما وضع له في الاصطلاح، والقرينة تكمن في المشابهة، إذ السحاب يجود بالمطر والكريم يجود بالمال، وفي أحاديث الناس اليومية ما يشبه ذلك. لهذا نفى بعض البلاغيين وجود مجاز في القرآن الكريم، وردّ عليهم ابن قتيبة بقوله (¬3): «إنّ المجاز شائع في كلام العرب، ولو كان المجاز كذبا، وكل فعل ينسب الى غير الحيوان باطلا لكان أكثر كلامنا فاسدا». ¬

_ (¬1). الإيضاح في علوم البلاغة، الخطيب القزويني، ص 392. (¬2). شرح ديوان المتنبي، العكبري، 1/ 146. (¬3). تأويل مشكل القرآن، ابن قتيبة، دار الكتب المصرية، ص 11.

والواقع ان الزمخشري ألّف معجم أساس البلاغة وذكر فيه المعنى اللغوي بايجاز كليّ، وفصّل الكلام على المعاني المجازية حتى عدّ المعجم معجم المعاني المجازية، وهو معجم لم يسبق الى مثله. وهذا رسم بياني يختصر ما تقدم من كلام على الحقيقة والمجاز ويوضّح أنواع المجاز التي سوف نتناولها بالتفصيل.

الاستعارة

الاستعارة 1 - تعريفها: أ- لغة: جاء في اللسان (عور): «استعار: طلب العاريّة. واستعاره الشيء واستعاره منه: طلب منه ان يعيره إياه ... واستعاره ثوبا فأعاره إياه». وفي المعجم الوسيط: «استعار الشيء منه: طلب أن يعطيه إياه عاريّة. ويقال: استعاره إيّاه». فالدلالة المعجمية للفظ تؤكد أن الاستعارة نقل الشيء من حيازة شخص الى شخص آخر. ويعلّل أحد القدامي التسمية بقوله (¬1): «وإنما لقّب هذا النوع من المجاز بالاستعارة اخذا لها من الاستعارة الحقيقية، لأن الواحد منا يستعير من غيره رداء ليلبسه، ومثل هذا لا يقع الا من شخصين بينهما معرفة ومعاملة، فتقضي تلك المعرفة استعارة احدهم من الآخر، فاذا لم يكن بينهما معرفة بوجه من الوجوه فلا يستعير أحدهما من الآخر من اجل الانقطاع». ب- اصطلاحا. جاء في التعريفات (¬2): «الاستعارة ادّعاء معنى الحقيقة في الشيء للمبالغة في التشبيه مع طرح ذكر المشبّه من البيتين كقولك: لقيت أسدا وانت تعني به الرّجل الشجاع». ¬

_ (¬1). الطراز، العلوي، دار الكتب 1/ 198. (¬2). كتاب التعريفات، الشريف الجرجاني، ص 20.

فالتعريف ركّز على العلاقة القائمة بين التشبيه والاستعارة لأن الاستعارة أساسا تشبيه حذف أحد طرفيه (المشبه أو المشبه به). وهي في معجم المصطلحات العربية اقتباس قول السكّاكي (¬1): «هي تشبيه حذف منه المشبّه به او المشبه، ولا بدّ أن تكون العلاقة بينهما المشابهة دائما، كما لا بدّ من وجود قرينة لفظية أو حالّية مانعة من إرادة المعنى الأصلي للمشبّه به أو المشبّه». ولم يبعد تعريف الجرجاني عن هذا عندما قال (¬2): «اعلم أنّ الاستعارة في الجملة أن يكون لفظ الأصل في الوضع اللغوي معروفا تدلّ الشواهد على أنه اختص به حين وضع، ثم يستعمله الشاعر او غير الشاعر في غير ذلك الأصل، وينقله اليه نقلا غير لازم، فيكون هناك كالعاريّة». واضح من هذه التعريفات انّ الاستعارة مجاز تنزاح فيها الدّلالة عن المعنى الاساسي للفظ الى أحد المعاني الإضافية. ولهذا ذهب المحدثون الى أنها أبلغ من التشبيه (¬3): «لأن التشبيه مهما تناهي في المبالغة، فلا بدّ فيه من ذكر المشبّه والمشبّه به. وهذا اعتراف بتباينهما، وأنّ العلاقة ليست الا التشابه والتداني، فلا تصل الى حدّ الاتحاد، بخلاف الاستعارة ففيها دعوى الاتحاد والامتزاج، وان المشبه والمشبه به صارا معنى واحدا» وكلام الهاشمي هذا استكمال لما بدأه الجرجاني بقوله (¬4): «وهي أمدّ ميدانا، وأشدّ افتنانا، وأكثر جريانا، وأعجب حسنا وإحسانا، وأوسع سعة، وأبعد غورا، وأذهب نجدا في ¬

_ (¬1). معجم المصطلحات العربية في اللغة والأدب، وهبة- المهندس، ص 19. (¬2). اسرار البلاغة، عبد القاهر الجرجاني، ص 22. (¬3). جواهر البلاغة، السيّد احمد الهاشمي، ص 303 - 304. (¬4). أسرار البلاغة، عبد القاهر الجرجاني، ص 32.

2 - مكانة الاستعارة

الصناعة وغورا، من أن تجمع شعبها وشعوبها، وتحصر فنونها وضروبها». 2 - مكانة الاستعارة: رأى أرسطو أن (¬1): «أعظم الأساليب حقّا هو أسلوب الاستعارة ... وهو آية الموهبة». ولم يزد الغربيّون على ما جاء من إجلالها واحترامها في كلام الجرجاني، ولكن لا بدّ من ذكر بعض أقوالهم لإظهار أهميتها في الدراسات النقدية الحديثة. أما جان كوهين فيرى أن الاستعارة (¬2): «تشكل الخاصيّة الأساسية للغة الشعرية». ويرى الناقد الأسباني Ortega.y.Gasset (¬3) :«ان الشعر هو اليوم الجسر العالي للاستعارات ... ويحتمل أن تكون الاستعارة طاقة الانسان الأكثر خصبا» ويذهب آخر الى جعلها سلطان المجاز. 3 - أركان الاستعارة: ذكرنا ان الاستعارة تشبيه بليغ حذف أحد طرفيه، فلا بدّ فيها إذا من: 1. مشبّه، 2. مشبّه به وما اليهما. ¬

_ (¬1). فن الشعر، أرسطو، ترجمة د. محمد شكري عيّاد، دار الكاتب العربي، القاهرة، 1967، ص 128. (¬2). نقلا عن الصورة الشعرية في الخطاب البلاغي والنقدي، الولي محمد، ص 8. (¬3). م. ن. ص 55.

فالمشبّه والمشبّه به، وإن لم يظهرا فيها واضحين، فإنهما مقدران ولهذا أطلق مصطلح (الجامع) على وجه الشّبه. وهكذا تصبح أركانها كما يأتي. 1. المستعار له: (المشبّه). 2. المستعار منه: (المشبّه به). 3. الجامع: (وجه الشبه). 4. المستعار: هو عند بعضهم لفظ المشبّه به وان كان محذوفا، وعند السكاكي لفظ المشبّه. لكن لا بدّ من اعتماد رأي الجمهور. مثال ذلك: بكت السّماء فضحكت الأرض. شبّهت السماء الممطرة بامرأة تبكي، والأرض المرتوية بامرأة تضحك. أما الاستعارة فتكمن في الفعلين (بكت وضحكت)، إذ شبّه انهمار المطر بالبكاء، وارتواء الأرض بالضحك، فيكون المستعار له (الانهمار والارتواء) والمستعار منه (البكاء والضحك). لنبحث الآن عن أركان الاستعارة في المثال السابق: 1. المستعار له: المشبّه هو: السماء+ الأرض. 2. المستعار منه: المشبّه به هو: المرأة في الحالين. 3. الجامع: وجه الشّبه (إنهمار المطر- إنهمار الدمع) (اشراق الأرض- اشراق الوجه) 4. المستعار: لفظ المشبه به وإن كان محذوفا في نظر الجمهور (المرأة).

4 - أقسام الاستعارة

ولا بد من قرينة تهدي الى وجود الاستعارة. وتكمن هذه القرينة في لفظ يشير الى وجودها بعد ما نقل من معناه الحقيقي الى معناه المجازي. وهو هنا (بكت+ ضحكت) فقد نقلا من معناهما الحقيقي (البكاء والضحك) الى معنى مجازي جديد (الإمطار+ الإرواء) وبذلك أشار الى وجود الاستعارة في اللفظين (السماء والأرض). وليس ضروريا أن تكون القرينة لفظية دائما، فقد تكون حالية مفهومة من السّياق كما في قول المتنبي مخاطبا سيف الدولة (¬1) (الكامل): عيب عليك ترى بسيف في الوغى … ما يفعل الصمصام بالصمصام؟ ففي لفظ (صمصام) الأول استعارة إذ شبه سيف الدولة بالصمصام (السيف) والقرينة حالية تفهم من السياق. وقال العكبري في معنى البيت: «أنت سيف في حدّتك ومضائك فلا تحتاج الى سيف». 4 - أقسام الاستعارة: قال الخطيب القزويني (¬2): «الاستعارة تنقسم باعتبار الطرفين، وباعتبار الجامع، وباعتبار الثلاثة، وباعتبار اللفظ، وباعتبار أمر خارج عن ذلك كله». وهكذا قسم البلاغيون المحدثون الاستعارة الى أقسام تبعا لاعتبارات محدّدة: أ. باعتبار المستعار منه: الاستعارة مكنّية وتصريحية. ¬

_ (¬1). شرح ديوان المتنبي، العكبري، 4/ 10. (¬2). الإيضاح في علوم البلاغة، الخطيب القزويني، ص 418.

ب. باعتبار الجامع (لفظ الاستعارة): الاستعارة أصلية وتبعية. ج. باعتبار الثلاثة (ما يقترن بطرفيها): الاستعارة مرشّحة ومجرّدة ومطلقة وتمثيلية. وسنأتي الى درس كل من هذه الأقسام دراسة مفصلة.

البحث الأول الاستعارة باعتبار المستعار منه

البحث الأول الاستعارة باعتبار المستعار منه تقسم الاستعارة باعتبار ما يذكر من الطرفين الى: 1 - الاستعارة المكنيّة: عرّفها السّكاكي بقوله (¬1): «هي أن تذكر المشبّه وتريد به المشبّه به دالّا على ذلك بنصب قرينة تنصبها. وهي ان تنسب إليه وتضيف شيئا من لوازم المشبّه به المساوية مثل أن تشبّه المنيّة بالسبع، ثم تفردها بالذكر مضيفا اليها على سبيل الاستعارة التخييلية فتقول: مخالب المنيّة نشبت بفلان طاويا لذكر المشبّه به، وهو قولك: الشبيهة بالسّبع». وشاهد السكّاكي مأخوذ من قول الشاعر (الكامل): وإذا المنية أنشبت أظفارها … ألفيت كلّ تميمة لا تنفع إذ شبّه الشاعر المنيّة بالسّبع. فالمستعار منه (السبع) محذوف، وكني عنه بشيء من خصائصه (الأظفار). المستعار له (المنيّة) مذكور. القرينة (الأظفار) والجامع بينهما هو الاغتيال. لمزيد من التوضيح يمكن القول: هي الاستعارة التي حذف منها المستعار منه (المشبّه به) ورمز اليه بما يدلّ عليه من صفاته، ولا بدّ فيها من ذكر المستعار له (المشبّه). مثال ذلك قوله تعالى وَفِي عادٍ إِذْ أَرْسَلْنا عَلَيْهِمُ الرِّيحَ الْعَقِيمَ الذاريات: 41 شبّهت الريح التي لا تحمل المطر بالمرأة العاقر التي لا تحمل الجنين. ¬

_ (¬1). مفتاح العلوم، السكّاكي، ت. نعيم زرزور، دار الكتب العلمية، بيروت 1983، ص 378 - 379.

2. الاستعارة التصريحية

فالمستعار منه المرأة محذوف، وكني عنه بصفة من صفاته (العقم) والمستعار له: الريح مذكور. والقرينة: العقيم. والجامع بينهما: عدم الإخصاب. ومثالها أيضا قول الحجّاج (¬1): «وإنّي لأرى رؤوسا قد أينعت وحان قطافها، وإنّي لصاحبها». لقد شبّه الحجّاج رؤوس مخاطبيه بالثمار اليانعة. المستعار منه (الثمار اليانعة) محذوف وكني عنه بشيء من خصائصه (الإيناع). المستعار له: الرؤوس مذكور. القرينة: أينعت. والجامع بينهما: الاستدارة والارتفاع فوق جذوع يمكن انفصالها عنها. 2. الاستعارة التصريحيّة: هي ما صرّح فيها بلفظ المستعار منه (المشبّه به) وحذف المستعار له (المشبّه) كقول المتنبّي مادحا سيف الدولة ومعرّضا بملك الرّوم (¬2) (الطويل): فأقبل يمشي في البساط فما درى … الى البحر يمشي أم الى البدر يرتقي موطن المجاز هنا (الى البحر يمشي، الى البدر يرتقي). فالبحر والبدر خرجا عن معناهما الحقيقي ليدلا على شخص الممدوح (سيف الدولة) والعلاقة بين الدلالة الحقيقية والدلالة المجازية تقوم على المشابهة، إذ شبّه سيف الدولة بالبحر في جوده على مذهب الأقدمين والمحدثين، وشبّهه بالبدر في رفعة مقامه. وسكت عن المشبه وذكر المشبّه به لهذا كانت الاستعارة تصريحية. ¬

_ (¬1). العقد الفريد، ابن عيد ربّه، 4/ 120. (¬2). شرح ديوان المتنبي، العكبري، 2/ 312.

3. صور مشتركة بين المكنية والتصريحية.

مثال آخر من قول المتنبي (¬1) أيضا (الوافر): وألقى الشّرق منها في ثيابي … دنانيرا تفرّ من البنان شّبه دوائر الضوء المتسلّلة إليه عبر أوراق الشجّر بدنانير زئبقية تستعصي على الإمساك بها، فالمستعار منه الدنانير مذكور مصرّح بذكره، والمستعار له: الدوائر الضوئية محذوفة. والقرينة: ألقى الشرق والجامع بينهما: الاستدارة والبياض والصّفرة. ومثالها من القرآن الكريم قوله تعالى كِتابٌ أَنْزَلْناهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ ابراهيم: 1. شبّهت الآية الضلال بالظلمات، والهدى بالنور. والمستعار منه (الظلمات) مذكور مصرّح به. المستعار له: الضلال محذوف. الجامع بينهما: عدم الاهتداء. القرينة: الحالية. في الصورة الثانية: المستعار منه: النور وقد صرّح به المستعار له: الهدى محذوف. الجامع بينهما: الاهتداء. والقرينة حالية. 3. صور مشتركة بين المكنّية والتصريحية. قال ابن المعتزّ: جمع الحقّ لنا في إمام … قتل البخل وأحيا السّماحا شّبه الشاعر البخل والسّماح بانسان يقتل ويحيي. فالمستعار له: البخل والسّماح مذكوران. والمستعار منه: الإنسان محذوف وقد كني ¬

_ (¬1). شرح ديوان المتنبي، العكبري، 4/ 253.

عنه بشيء من خصائصه (القتل والإحياء) والجامع بينهما: الموت والحياة، والقرينة: قتل وأحيا. وعلى هذا التفسير تكون الاستعارة مكنّية. لكن إذا أوّلنا البيت على الوجه الآتي: المستعار منه: القتل والإحياء مذكوران. المستعار له: تجنّب البخل محذوف، وتجديد السّماح محذوف أيضا. والجامع بينهما: الزّوال والاندثار وتجديد السّماح. والقرينة: قتل وأحيا. وبهذا التأويل تكون الاستعارة تصريحية. لكن الوجه الاول أبين واظهر لأنه خال من التعسّف في التأويل. ومن هذا القبيل قول دعبل الخزاعي: لا تعجبي يا سلم من رجل … ضحك المشيب برأسه فبكى في لفظ (ضحك) استعارة تصريحية. المستعار منه: الضحك مذكور، المستعار له: ظهور الشّيب محذوف. الجامع بينهما: الإشراق، القرينة: المشيب. ولكن يمكن تأويل البيت بشكل آخر هو: المستعار منه: الإنسان محذوف وقد كني عنه بشيء من خصائصه (الضحك). المستعار له: الشّيب مذكور. الجامع بينهما: التدرّج في ظهور البياض، القرينة: الضحك. وعليه تكون الاستعارة مكنيّة. * تجدر الإشارة الى أن البلاغيين يذهبون الى أن الاستعارة المكنيّة أبلغ من الاستعارة التصريحية لأنّها أكثر قدرة على تشخيص الصور وبعث الحياة فيها.

تمرينات

تمرينات: 1 - بيّن نوع الاستعارة في ما يأتي وأشرحها مبيّنا السبّب. قال شوقي في رثاء عمر المختار: يا ويحهم نصبوا منارا من دم … يوحي الى جيل الغد البغضاء يا أيّها السّيف المجرّد بالفلا … يكسو السّيوف على الزمان مضاء وقال أبو ريشة في إحدى قصائده: وقف التاريخ في محرابها … وقفة المرتجف المضطرب كم روى عنها أناشيد النّهى … في سماع العالم المستغرب أيّ أنشودة خزي غصّ في … بثّها بين الأسى والكرب لمّت الآلام منّا شملنا … ونمت ما بيننا من نسب وقال المتنبي: نامت نواطير مصر عن ثعالبها … فقد بشمن وما تفنى العناقيد وقال أبو العتاهية مهنئا المهديّ بالخلافة: أتته الخلافة منقادة … إليه تجرّر أذيالها وقال آخر: وإذا العناية لاحظتك عيونها … نم فالمخاوف كلّهنّ أمان وقال غيره في وصف مزيّن: إذا لمع البرق في كفّه … أفاض على الوجه ماء النّعيم

له راحة سيرها راحة … تمرّ على الوجه مرّ النّسيم وقال شوقي: ولد الهدى فالكائنات ضياء … وفم الزّمان تبسّم وثناء وقال البحتري: أتاك الرّبيع الطلق يختال ضاحكا … من الحسن حتّى كاد ان يتكلّما وقال خليل مطران: والأفق معتكر قريح جفنه … يغضي على الغمرات والأقذاء

البحث الثاني الاستعارة باعتبار الجامع

البحث الثاني الاستعارة باعتبار الجامع يكون لفظ الاستعارة، أي لفظ المستعار منه على رأي الجمهور: أ. أصلا في الكلام أي جامدا. ب. تابعا لذلك الأصل أي مشتقا. وبذلك تنقسم الاستعارة قسمين هما: 1 - الاستعارة الأصلية: وهي ما كان فيها لفظ المستعار منه جامدا، أي اسم جنس أو اسم معنى. مثال ذلك قول ابن العميد (الكامل): قامت تظلّلني ومن عجب … شمس تظلّلني من الشمس لفظ الاستعارة هو (شمس) في عجز البيت إذ شبّه الفتاة بالشمس لاشراقها. فالمستعار منه: الشمس وقد صرّح بذكره. والشمس اسم جامد. لذلك كانت الاستعارة تصريحية باعتبار المستعار منه. المستعار له: الفتاة (محذوف). والجامع بينهما: الإشراق والجمال. والقرينة: تظلّلني. وبذلك تكون الاستعارة تصريحية باعتبار المستعار منه، أصلية باعتبار لفظ الاستعارة. ومنها قوله تعالى وَاخْفِضْ لَهُما جَناحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ الاسراء: 24. شبّهت الآية الذلّ بطائر. فالمستعار منه الطائر غير مذكور في الكلام وكني عنه بشيء منه (الجناح). المستعار له: الذلّ. والجامع بينهما: الانقياد. والقرينة: أخفض. ولفظ الاستعارة (المستعار منه)

2 - تبعية

الطائر اسم ذات بمنزلة الجامد. وبذلك تكون الاستعارة مكنّية تصريحية. 2 - تبعيّة: تكون الاستعارة تبعيّة اذا كان لفظ الاستعارة فيها: - اسما مشتّقا. - أو فعلا. - أو اسم فعل. - أو اسما مبهما. - أو حرفا. مثال ذلك قوله تعالى وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْباً مريم: 4 شبّهت الآية ظهور الشيّب باشتعال النار. المستعار منه: النار وقد استعار منها الاشتعال. المستعار له: الشّيب. الجامع بينهما: التّدرّج في الاشراق والوضوح. وقد اشتق من الاشتعال فعل (اشتعل) مصرّحا بذكر المستعار منه، فهي اذا: استعارة تصريحية لجهة المستعار منه، وتبعية لأن لفظ الاستعارة فعل (اشتعل). وقال أبو ماضي (م. الكامل): السّحب تركض في الفضاء الرّحب ركض الخائفين. ففي قوله: تركض استعارة تصريحية. فالشاعر شبّه حركة السّحب في السّماء، بالركض. والجامع بينهما السّرعة. والقرينة السّحب. لذلك يكون الشاعر قد حذف المستّعار له (تحرّك السّحب) واشتق من الركض فعل تركض مصرّحا بلفظ المستعار منه وهو فعل (تركض) فكانت الاستعارة تصريحية تبعيّة.

تمرينات

ويمكن تاويل البيت بشكل آخر هو: المستعار منه: الإنسان محذوف وقد كني عنه باحدى صفاته (الرّكض). والمستعار له: السّحب (مذكور). الجامع بينهما: السّرعة والقرينة (تركض). فالاستعارة على هذا الوجه من التأويل استعارة مكنيّة وأصلية باعتبار لفظها. تمرينات: 1 - اذكر نوع الاستعارة في ما يأتي بعد شرح أركانها وأبعاد صورتها. - عضّنا الدّهر بنابه … ليت ما حلّ بنابه - بلد صحبت به الشبيبة والصّبا … ولبست ثوب اللهو وهو جديد - يا كوكبا ما كان أقصر عمره … وكذاك عمر كواكب الأسحار - ضوء يشعشع في سواد ذوائبي … لا أستضيء به ولا أستصبح بعت الشباب به على مقة له … بيع العليم بأنّه لا يربح - إنّ التباعد لا يضرّ … اذا تقاربت القلوب - حول أعشاشها على الأشجار … قد تقاسمنا القيان وهي تغنّي - دقّات قلب المرء قائلة له … إن الحياة دقائق وثوان - أما ترى ظفرا حلوا سوى ظفر … تصافحت فيه بيض الهند والّلمم.

البحث الثالث الاستعارة باعتبار ما يقترن بطرفيها

البحث الثالث الاستعارة باعتبار ما يقترن بطرفيها تكون الاستعارة باعتبار ما يقترن بها من صفات تلائم المستعار له او المستعار منه. أ. مرشّحة. ب. مجرّدة. ج. مطلقة. ولا ينظر الى القرينة لأنها جزء من الاستعارة أصيل غير طارئ. أما الصفات فطارئة. أ- المرشحة: هي التي اقترنت بما يلائم المستعار منه فقط، نحو: رأيت أسدا في الجبهة يزأر. فالوصف يزأر يلائم المستعار منه (الأسد)، ولم نضف الى المستعار له (البطل الشجاع) أيّ صفة، أما القرينة فموجودة (في الجبهة). ولهذا صارت الاستعارة: تصريحية: لأن المستعار منه (الأسد) مذكور. أصلية: لأن لفظ المستعار منه (الأسد) جامد. مرشّحة: لأنه ذكر فيها ما يلائم المستعار منه (يزأر). ومنها قول المتنبّي (البسيط): أتى الزّمان بنوه في شبيبته … فسرّهم وأتيناه على الهرم شّبه المتنبّي الزمان بإنسان بجامع التطوّر والتحوّل من حال إلى أخرى. والمستعار منه (الإنسان) محذوف وكني عنه بشيء من

ب- المجردة

خصائصه (بنوه) وهي القرينة. ثم أتى بما يلائم هذه الخاصة حين ذكر شبيبته والهرم. ولكنه لم يذكر ما يلائم المستعار له. لذلك كانت الاستعارة: مكنيّة: لأن المستعار منه (الإنسان) محذوف ورمز إليه بما يدلّ عليه من صفاته (بنوه). أصلية: لأن لفظ المستعار منه اسم جامد. مرشّحة: لأنّه ذكر فيها ما يلائم المستعار منه (بنوه). ب- المجرّدة: هي التي اقترنت بما يلائم المستعار له دون المستعار منه، نحو: رأيت أسدا في الجبهة يرمي العدو بسهامه. فقد ذكر ما يلائم المستعار له (البطل الشجاع) حين قيل: يرمي العدو بسهامه. أما المستعار منه فلم يرد ما يلائمه. لذلك كانت الاستعارة مجرّدة. ومنه قول نعيمة في النهر المتجمّد: يا نهر قد نضبت مياهك فانقطعت عن الخرير. في البيت: استعارة مكنيّة لأن الشاعر شبّه النهر بإنسان وحذف المستعار منه (الانسان) وكنى عنه بشيء من خصائصه (النداء). - واستعارة أصلية لأن لفظ المستعار منه اسم جامد. - ومجرّدة لأن الشاعر أتى بما يلائم المستعار له (نضبت مياهك، وانقطعت عن الخرير) ولم يأت بما يلائم المستعار منه (الانسان).

ج- المطلقة

ج- المطلقة: وهي التي اقترنت بما يلائم المستعار منه والمستعار له معا، أو هي التي لم تقترن بما يلائم أيّا منهما، نحو: رأيت أسدا في الجبهة. لم يرد في هذه الاستعارة ما يناسب المستعار له (البطل)، ولا ما يناسب المستعار منه (الأسد) ولهذا سميت الاستعارة مطلقة. ونحو: رأيت أسدا في الجبهة يزأر ويرمي العدو بسهامه. لقد ورد في هذه الاستعارة ما يلائم المستعار له (البطل) وهي عبارة (يرمي العدوّ بسهامه). كما ورد فيها ما يلائم المستعار منه (الأسد) وهو الفعل (يزأر) لهذا كانت الاستعارة مطلقة. وقال المتنبّي: إذا غامرت في شرف مروم … فلا تقنع بما دون النجوم. شبّه المتنبّي الغايات البعيدة السامية بالنجوم والجامع بينهم السمّو والرفعة وصعوبة المنال. وحذف المستعار له (الغايات البعيدة) وصرّح بلفظ المستعار منه (النجوم) لهذا كانت الاستعارة تصريحية ولأن لفظ المستعار منه جامد فالاستعارة أصلية. والشاعر لم يأت فيها بما يلائم أيّا من المستعار منه أو المستعار له فصارت الاستعارة مطلقة. وقال المتنبّي أيضا: في الخدّ إن عزم الخليط رحيلا … مطر تزيد به الخدود محولا.

الدموع الجارية حزنا على فراق الأحبة تشبه في انهمالها على وجه الحبيب المطر المتساقط بغزارة. لكنّ الشاعر بفطنته لاحظ فارقا بينهما لأنّ المطر يخلّف خضرة في الأرض التي يغيثها، في حين تخلّف الدموع المرض والشحوب في وجه الحبيب الشاكي بعاد حبيبه. فالاستعارة تصريحية أولا لأنّه صرّح فيها بلفظ المستعار منه (مطر) وحذف المستعار له (الدموع) وهي استعارة أصلية ثانيا لأن لفظ المستعار منه اسم جنس. واخيرا إنّها استعارة مطلقة لأنّ الشاعر أتى بما يلائم كلّا من المستعار له (الخد) عند ما ذكر الدموع، والمستعار منه (المطر) عند ما ذكر (المحول). * يجب التنبّه الى أن الحكم على الاستعارة وتصنيفها (مرشّحة أو مجرّدة أو مطلقة) لا يتم إلّا بعد أن تستوفي الاستعارة قرينتها. والقرينة بناء على ذلك لا تعد في جانب أي من المستعار له أو المستعار منه.

تمرينات

تمرينات: 1 - دل على نوع الاستعارة في ما يأتي معلّلا ذلك بشرح واف. قال الشاعر: - يؤدّون التحيّة من بعيد … الى قمر من الإيوان باد - قوم إذا الشرّ أبدى ناجذيه لهم … طاروا إليه زرافات ووحدانا - وليلة مرضت من كلّ ناحية … فما يضيء لها نجم ولا قمر - نامت نواطير مصر عن ثعالبها … فقد بشمن وما تفنى العناقيد - يا بدر يا بحر يا غمامة يا لي … بث الشّرى يا حمام يا رجل - وعد البدر بالزيارة ليلا … فإذا ما وفى قضيت نذوري - والبحر كم ساءلته فتضاحكت … أمواجه في صوتي المتقطع - فأمطرت لؤلؤا من نرجس وسقت … وردا وعضّت على العنّاب بالبرد - وقفت وما في الموت شكّ لواقف … كأنك في جفن الرّدى وهو نائم - فالخمر ياقوتة والكأس لؤلؤة … من كّف جارية ممشوقة القدّ تسقيك من عينها خمرا ومن يدها … خمرا فما لك من سكرين من بدّ لي نشوتان وللنّدمان واحدة … شيء خصصت به من بينهم وحدي

البحث الرابع الاستعارة التمثيلية

البحث الرابع الاستعارة التمثيليّة هي استعارة شائعة في الأمثال السائرة نثرا وشعرا ومن خصائصها: - حذف المشبّه عادة. - وحذف أداة التشبيه. ولذلك عرّفت بأنّها: تركيب استعمل في غير ما وضع له لعلاقة المشابهة مع قرينة مانعة من إرادة معناه الأصلي. من أمثلتها القول المأثور: يدسّ السّمّ في الدّسّم. وهذا مثل يطلق في وصف من يظهر الخير ويبطن الشرّ. ولقد حذف منه المشبّه لأن تقدير الكلام: من يظهر الخير ويبطن الشرّ كمن يدسّ السّمّ في الدّسم. والمشبه (من يظهر الخير ويبطن الشرّ) محذوف، وأداة التشبيه محذوفة أيضا، ولكن بقي المشبه به. ولقد فهمنا المراد من المثل وهو المعنى المجازي لا المعنى الحقيقي بواسطة القرينة أو السّياق. وأريد بهذا القول التّمثيل، لهذا سمّيت الاستعارة تمثيلية. ومن أمثلتها قول الكميت معاتبا مؤيدي بني أمّية في حربهم ضدّ بني هاشم: فيا موقدا نارا لغيرك ضوؤها … ويا حاطبا في غير حبلك تحطب

فالشاعر شبّه هؤلاء بمن يشعل نارا ليضيء درب غيره وتبقى دربه مظلمة أو بمن يحتطب لينتفع غيره بما يحتطب. ففي كلّ من الصّدر والعجز استعارة تمثيلية. ومنها أيضا قول المتنبّي (الوافر): ومن يك ذا فم مرّ مريض … يجد مرّا به الماء الزلالا. يصاب الإنسان المريض بمرارة في فمه حتى إذا شرب الماء العذب تذوّقه مرّا كالحنظل. ولكنّه لم يقصد هذا المعنى الظاهر من البيت بل قصد فيه حسادّه وعائبي شعره فنسب هذا العيب الى ذوقهم الشعرّي المريض وضعف إدراكهم الأدبي. فالمشبّه هنا حال حسّاده والمشبّه به حال المريض الذي يجد الماء الزّلال مرّا. لهذا كانت الاستعارة تمثيلية. ومنها ما جاء في المثل «قطعت جهيزة قول كلّ خطيب». وأصل المثل أنّ قوما اجتمعوا يتشاورون في قضيّة الثأر لأحد قتلاهم وبينما هم يتشاورون جاءت فتاة اسمها جهيزة وأخبرتهم أن القاتل قد قتل، فقال أحد المتحاورين: قطعت جهيزة قول كلّ خطيب. وهو تركيب يتمثّل به في كل موطن يؤتى فيه بالقول الفصّل. فالمشبّه والمشبّه به صورة منتزعة من متعدّد.

تمرينات

تمرينات: 1 - دلّ على الاستعارة التمثيلية في ما يأتي واشرحها. - إنّك لا تجني من الشوك العنب. - أخذ القوس باريها. - لا يلدغ المؤمن من جحر مرّتين. - المورد العذب كثير الزّحام. - لكلّ جواد كبوة. - أصاب عصفورين بحجر واحد. - تريدين لقيان المعالي رخيصة … ولا بدّ دون الشّهد من إبر النّحل - إذا ما الجرح رمّ على فساد … تبيّن فيه إهمال الطبيب - متى يبلغ البنيان يوما تمامه … إذا كنت تبنيه وغيرك يهدم؟ - ومن ملك البلاد بغير حرب … يهون عليه تسليم البلاد - إذا اعتاد الفتى خوض المنايا … فأيسر ما يمرّ به الوحول - زعم الفرزدق أن سيقتل مربعا … أبشر بطول سلامة يا مربع - إذا قالت حذام فصدّقوها … فإنّ القول ما قالت حذام - ومن يجعل الضّرغام للصيّد بازه … تصيّده الضّرغام في ما تصيّدا

المجاز المرسل وعلاقاته

المجاز المرسل وعلاقاته عرّفنا سابقا المجاز لغة واصطلاحا ونبحث الآن عن تعريف البلاغيين للمجاز المرسل. 1 - تعريفه: جاء في الإيضاح (¬1) «هو ما كانت العلاقة بين ما استعمل فيه وما وضع له ملابسة غير التشبيه، كاليد إذا استعملت في النّعمة، لأنّ من شأنها أن تصدر عن الجارحة، ومنها تصل الى المقصود بها، ويشترط أن يكون في الكلام إشارة الى المولي لها، فلا يقال: اتّسعت اليد في البلد، أو اقتنيت يدا، كما يقال: اتّسعت النعمة في البلد أو: اقتنيت نعمة، وإنّما يقال: جلّت يده عندي، وكثرت أياديه لديّ ونحو ذلك». يقود كلام القزويني الى استنتاج مفاده أنّ في المجاز علاقة بين أمرين، أو مجموعة من العلاقات، فاذا انحصرت هذه العلاقة في التشبيه كان المجاز ضربا من الاستعارة، وإذا لم تكن العلاقة مقيّدة بالتشبيه بل أرسلت لتشمل أنواعا كثيرة من العلاقات كان المجاز مرسلا. وإذا كان تعريف القدامى مشوبا بالغموض أو اللّبس فإن للمحدثين تعريفات أكثر وضوحا وشمولية. نذكر من هذه التعريفات ما يأتي: هو كلمة استعملت في غير معناها الأصلي، لعلاقة غير المشابهة، مع قرينة لفظية أو حالية مانعة من إرادة المعنى الأصلي. ¬

_ (¬1). الإيضاح في علوم البلاغة، الخطيب القزويني، ص 397.

وجاء في تعريف آخر (¬1) «إنّه مجاز لغوي يرتبط فيه المعنى الحقيقي بالمعنى المجازي بعلاقة غير المشابهة، وسمّي بالمرسل، لأنّه غير مقيّد بعلاقة المشابهة، إذ إنّ الإرسال في اللغة الاطلاق، والمجاز الاستعاري مقيّد بادّعاء أن المشبّه من جنس المشبّه به والمجاز المرسل مطلق على هذا القيد. وقيل: إنما سمّي مرسلا لأنه لم يقيّد بعلاقة مخصوصة بل ردّد بين علاقات كثيرة». لشرح تعريف القزويني شرحا عصريا من خلال المثال الذي جاء في التعريف وهو اليد إذا استعملت في النعمة، قيل: جلّت يده عندي، وكثرت أياديه لديّ. لم يجئ في المثل كثرت نعمه لدي بل حلّ لفظ أياديه محلّ نعمه. والذي سهّل على القائل قوله هذا وجود علاقة منطقيّة بين المعنيين. فالشاعر اختزل المسافة القائمة بين اليد والنعمة. فاليد الجارحة هي التي تحدث الإحسان. فالمحسن صاحب النعم يهب النعم بوساطة يده فيحدث الجميل أو الإحسان لهذا ترسّخت العلاقة بين اليد والإنعام، وبالتكرار والتلازم ازدادت العلاقة بين اليد والنعمة وغاب الأعيان (المحسن والمحسن اليه ونوع العطاء). فاليد آلة العطاء والمال سبب في النعمة إذ اليد سبب في النعمة. فاختزلت مرحلة من مراحل تطوّر المعنى، وبذلك تحوّلت اليد من معنى الجارحة الى معنى النعمة. والذي سهّل عمليّة التحوّل هذه العلاقة السببية بين المعنيين. لهذا قال أحدهم (¬2) «ففي المجاز المرسل يعبر اللفظ من مدلوله الأصلي الى مدلوله المجازي عن طريق صلة تجمع بينهما يبصرها الذهن فيهتدي بها الى تحليل الخطاب التحليل المقبول». ¬

_ (¬1). المجاز المرسل والكناية، يوسف أبو العدوس، ص 15. (¬2). دروس في البلاغة العربية، الأزهر الزّنّاد، ص 54.

2 - العلاقات في المجاز المرسل.

2 - العلاقات في المجاز المرسل. تحدّث البلاغيون بإسهاب عن هذه العلاقة غير المشابهة فذكروا عددا غير قليل فاق العشرين علاقة، وقد اكتفى الخطيب القزويني بذكر تسع منها، وهي في الواقع كافية تغني عن ذكر العلاقات الهامشية الأخرى. تتمحور هذه العلاقة حول أربعة محاور ينضوي تحت كلّ منها عدد من العلاقات، وهي: 1 - العلاقة الغائيّة: وينضوي تحتها: أ. السببّية (استعمال السّبب للدلالة على النتيجة). ب. المسبّبية (استعمال النتيجة للدلالة على السّبب). ج. الآلية. د. الملزومية (إطلاق اسم الملزوم على اللازم). هـ. اللازمية. 2 - العلاقة الكمّية: وينضوي تحتها: أ. الكلّية. ب. الجزئية. ج. العمومية (إطلاق الاسم العام وإرادة الخاص). د. الخصوصية (استعمال اللفظ الخاص للدلالة على العموم). 3 - العلاقة المكانيّة: وينضوي تحتها: أ. المحلّية (استعمال الحاوي للدّلالة على المحتوى). ب. الحاليّة. ج. المجاورة.

1 - العلاقة الغائية

4 - العلاقة الزمانية: وينضوي تحتها: أ. الماضوّية (اعتبار ما كان). ب. المستقبليّة (اعتبار ما سيكون). وسنفصّل القول في هذه العلاقات وفق هذه التّصنيفات. [1 - العلاقة الغائية] 1 - أ. السّببّية: يجري هنا استعمال اللفظ الدال على السبب وتراد به نتيجته فنذكر السّبب. ونحن نريد المسبّب، نحو: ما زلنا نطأ الغيث حتى أتيناكم. لقد قلنا الغيث ونحن نريد العشب المسبّب عن الغيث. ففي هذا القول مجاز مرسل لأننا ذكرنا السّبب (الغيث)، وأردنا المسبّب (العشب) فالعلاقة سببّية والقرينة (نطأ) والارتباط بين الغيث والعشب خارجي لأن لكل منهما حقلا دلاليا مستقلّا. ومثالها أيضا قوله تعالى وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ آل عمران: 54. فالمراد من (وَمَكَرَ اللَّهُ) وعاقبهم الله على مكرهم. ففي مكر مجاز مرسل ذكر السبب (المكر) وأراد ما يتسبّب عنه من عقوبة فالعلاقة سببّية. ومثالها أيضا قول عمرو بن كلثوم (الوافر): ألا لا يجهلن أحد علينا … فنجهل فوق جهل الجاهلينا. ذكر الشاعر الجاهلي (الجهل) وهو يريد ما يتسبّب عنه من عذاب وعقاب. فكان المجاز مرسلا.

1 - ب. المسببية

ومثله قول السموءل (الطويل): تسيل على حدّ الظّبات نفوسنا … وليس على غير الظّبات تسيل. فالذي يسيل على حدّ الظّبات هو الدماء لا النفوس، ولكن لمّا كان وجود النّفس في الجسد سببا في وجود الدم فيه استطاع الشاعر إحلال كلمة النفوس محل الدماء لأن النفس سبب لوجود الدم. فالعلاقة بين النفوس والدّماء سببّية والقرينة المانعة من إرادة المعنى الحقيقي للنفوس مذكورة (على حدّ الظبات) فالنفس الحقيقية لا تسيل على حدّ الظبات. وقد قسم البلاغيون علاقة السببّية أقساما هي: أ. السببيّة القابلية، أي تسمية الشيء باسم قابله، نحو: سال الوادي، أي الماء. ب. السببيّة الصورية، نحو تسمية اليد بالقدرة، لأنّ القدرة صورة اليد لحلولها منها حلول الصورة في المادّة. ج. السببيّة الفاعليّة، نحو: نزل السّحاب، أي المطر بإطلاق اسم فاعل الشيء على الشيء، فالمطر يصدر عن السّحاب. د. السببيّة الغائية، نحو: شرب عنبا، والمقصود شرب خمرا لأن الخمر غاية العنب. وقد خالف الأصوليون هذه التسميات الأربع لأسباب عقليّة حملتهم على تعليلات تخالف تعليلات البلاغيين. 1 - ب. المسبّبيّة: يرد اللفظ الدال على المسبب ويراد به سببه.

وتذكر فيها النتيجة أو المسبّب ونحن نريد السبب الذي أدّى اليه، نحو: أمطرت السّماء ذهبا. فالقائل يريد المطر وهو سبب اكتساب الرّزق، فالذّهب مسبّب عن المطر، والقائل استغنى بذكر المسبّب عن ذكر السبب. ولهذا كان في كلامه مجاز مرسل علاقته مسبّبية والقرينة: أمطرت السماء. ومثالها أيضا قوله تعالى: إِنَّما يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ ناراً النساء: 10. والآية في آكلي اموال اليتامى. ووردت النار لأن مآل آكلي اموال اليتامى الى النار وهي المسبّبية عن أكلهم هذه الأموال، فذكرت المسبّب (النار) وأرادت السّبب (أموال اليتامى المأكولة) ففي الآية مجاز مرسل علاقته تبعا لما ذكر المسبّبية لأنّ الإنسان لا يأكل نارا، لكنّه يأكل الطعام الحرام الذي يسبّب لصاحبه النار، فالنار مسبّبة عن اكل الحرام. ومثالها قول للشاعر يصف غيثا: أقبل في المستنّ من ربابه … أسنمة الآبال في سحابه. (المستن: الواضح. الرّباب: السّحاب الأبيض. الآبال: جمع إبل، أسنمة: ج سنام) فهذا الغيث هو سبب نماء أسنمة الإبل. وهكذا يكون الشاعر قد ذكر المسبّب وهو يريد السبب. فالرّباب سبب، ونماء الأسنمة مسبّب عنه.

1 - ج. الآلية

1 - ج. الآلية: يرد فيها اللفظ الدال على الآلة او الأداة ويراد به: أثرها. ويقتصر فيها على ذكر الآلة التي يؤدى بها الفعل بدلا من ذكر الفعل نفسه. فالآلة في الأصل هي السّبب المؤدي الى ذلك الفعل، نحو: ضربته عصا، والمراد ضربته بالعصا. ففي (عصا) مجاز مرسل لأنّه استغنى بذكر آلة الضرب عن ذكر فعل الضرب نفسه. فالعلاقة آلية والقرينة ضربته. ومثالها قوله تعالى: وَما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسانِ قَوْمِهِ ابراهيم: 4. والآية استخدمت (اللسان) والمراد به اللغة. والمعلوم أن اللسان آلة تؤدى بها اللغة. لذلك كان في الآية مجاز مرسل إذ ذكر الآلة (اللسان) وأراد اللغة التي تؤدي به، فالعلاقة آلية، والقرينة حالية. ومثالها ايضا قول الشاعر (الطويل): وما من يد إلّا يد الله فوقها … وما ظالم إلّا سيبلى بأظلم. أراد الشاعر بيد (القوة) وصار معنى كلامه: ما من قوّة إلا قوّة الله فوقها لكن المعلوم عند الناس أن اليد هي آلة القوّة. لذلك كان في البيت مجاز مرسل إذ ذكر الآلة (اليد) وأراد القوّة التي تؤدى بها. فالعلاقة آلية والقرينة حالية. ومثاله قول المتنبي في كافور (البسيط): جود الرجال من الأيدي وجودهم … من اللّسان فلا كانوا ولا الجود.

1 - د. الملزومية (إطلاق اسم الملزوم على اللازم)

ذكر المتنبي اليد واللسان مريدا بهما: المال والقول، فاستعاض بذكر الآلة عمّا تحدثه. لقد أقام المتنبي مقابلة بين الجود الحقيقي والجود المزيّف. فالأصل أن يأمر اللسان بإعطاء المال واليد تحوّل ذلك الأمر الى حقيقة فيكون ها هنا بينهما تتابع واتساق. اللسان- أمر بالجود- اليد- اعطاء المال. لكنّ المتنبي لمس الخلل في هذه السلسلة عند كافور فقارن بين الشكل الأصلي التام في الجود والشكل الأبتر عند كافور فأخرج الصورة في تركيب يقوم على مجاز مرسل ومقابلة يتوسّطها لفظ (جود) بل يبدأ به البيت وينتهي به ولكن بدايته إيجاب ونهايته سلب. 1 - د. الملزومية (إطلاق اسم الملزوم على اللازم): مثال ذلك: دخلت الشّمس من النافذة والمقصود نورها لا جرمها. فكلمة الشمس مجاز مرسل علاقته الملزومية، لأنّ المعنى الحقيقي للشمس هو جرمها وجرمها ملزوم للمعنى المجازي الذي هو الضوء. والقرينة (دخلت). ومنها أيضا قوله عليه الصلاة والسّلام (لا تسبّوا الأموات فإنّهم قد أفضوا إلى ما قدّموا). فالذي قدّموه هو اعمالهم وأقوالهم التي يترتّب عليها جزاؤهم وعقابهم، والجزاء والعقاب من إطلاق الملزوم وإرادة اللازم. 1 - هـ. اللازمية: وهي كون الشيء يلزم وجوده عند وجود شيء آخر، أي حين يكون المعنى الحقيقي للكلمة المذكورة في العبارة لازما للمعنى المجازي.

2 - العلاقة الكمية

مثال ذلك: أنظر الحرارة ونحن نشير الى النّار. وطلع الضّوء ونحن نقصد الشمس والقرينة في ذلك: انظر وطلع. والحرارة لازمة للنّار إذ لا نار بلا حرارة، والضوء لازم للشمس فهي أمّ الأضواء، والنظر ليس وصفا حقيقيا للحرارة بل النّار والطلوع ليس وصفا حقيقيا للضوء بل للشمس. ننتهي الآن من العلاقات الغائية وننتقل الى العلاقات الكميّة. 2 - العلاقة الكميّة: وتتضمن العلاقات الفرعية الآتية: 2 - أ. الكلّية: يرد اللفظ الدال على الكل ويراد به الجزء، ويستعمل فيها اللفظ الدّال على الكل ويراد جزء منه. وهي تقابل الجزئية، فنذكر الكلّ ونحن نريد جزءا منه. مثالها قوله تعالى وَإِنِّي كُلَّما دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصابِعَهُمْ فِي آذانِهِمْ نوح: 7. لقد ذكرت الآية (أَصابِعَهُمْ) ولكن من الطبيعي ألّا يكون بقدرتهم وضع أصابعهم كلها في آذانهم، بل الطبيعي أن يضعوا أطراف أصابعهم في آذانهم. ففي الآية إذا مجاز مرسل إذ ذكر الكل (الأصابع) وأريد به الجزء (أطرافها) والعلاقة كليّة. ومثالها أيضا قوله تعالى يَقُولُونَ بِأَفْواهِهِمْ ما لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ آل عمران: 167.

2 - ب. الجزئية

ذكرت الآية (أفواههم) والمراد ألسنتهم لأن اللسان آلة القول ولكنّ اللسان جزء من الفم، لذلك كان في الآية مجاز مرسل إذ ذكر الكل (الفم) والمراد به الجزء (اللسان) فالعلاقة كلية. ومثالها أيضا قول المتنبي: أقمت بأرض مصر فلا ورائي … تخبّ بي الرّكاب ولا أمامي. فمن الطبيعي أن الشاعر لم يقم في أرض مصر بكاملها بل هو أقام في جزء منها. فلقد ذكر الكل وأراد الجزء. فالعلاقة إذا كليّة. 2 - ب. الجزئية: يرد اللفظ الدال على الجزء ويراد به الكلّ. وفيها نذكر الجزء ويراد الكلّ، نحو قوله تعالى فَكُّ رَقَبَةٍ البلد: 13. فالآية أتت على تحرير الرّقيق وعنت بفك رقبة تحرير العبد. فالرقبة جزء من العبد، والآية أرادت العبد كله لا رقبته وحدها. لذلك كان في الآية مجاز مرسل علاقته الجزئية والقرينة حالية. وكقول الكميت (الطويل): ولم يلهني دار ولا رسم منزل … ولم يتطرّبني بنان مخضّب. فالشاعر ذكر البنان وأراد به الحبيبة صاحبة البنان. فالبنان المخضّب جزء من الفتاة والشاعر أراد الفتاة كلّها لا إصبعها وحده. لذلك كان في شعره مجاز مرسل علاقته الجزئية.

2 - ج. العمومية: (إطلاق الاسم العام وإرادة الخاص).

ومثالها أيضا قول الشاعر (الوافر): وكم علّمته نظم القوافي … فلمّا قال قافية هجاني. لقد ذكر الشاعر (قافية) مرادا بها قصيدة. ولكن القافية جزء من القصيدة لذلك كان في البيت مجاز مرسل علاقته الجزئية. ومنها: بثّ الحاكم عيونه في المدينة، أراد بثّ جواسيسه، فالعيون جزء من الجواسيس وكان الانتقال من الجزء الى الكلّ. 2 - ج. العمومية: (إطلاق الاسم العام وإرادة الخاصّ). وهي استعمال اللفظ الدّال على العموم لشيء يكون من مشتملاته، نحو وَالشُّعَراءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغاوُونَ الشعراء: 224. فالآية لم تعن عموم الشعراء لأنّه جاء بعدها استثناء لبعضهم إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ الشعراء: 227. 2 - د. الخصوصية: (استعمال اللفظ الخاص للدلالة على العموم). من ذلك قوله تعالى هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ المنافقون: 4. استخدمت الآية لفظ العدوّ وأرادت الأعداء بدليل ضمير الجماعة العائد إليه في (فاحذرهم). ومن ذلك أيضا قوله تعالى عَلِمَتْ نَفْسٌ التكوير: 14. والمقصود كلّ نفس. وهكذا تنتهي العلاقة الكمّية وتفرعّاتها الجزئية ونبدأ بالعلاقة المكانية وتفرّعاتها.

3 - العلاقة المكانية

3 - العلاقة المكانيّة: وتنضوي تحتها العلاقات الفرعيّة الآتية: 3 - أ. المحلّية: يرد اللفظ الدال على المحلّ ويراد ما حلّ به. وفيها يذكر المحلّ ويراد ما يحلّ به، نحو: ركبت البحر. فأنت لم تركب البحر وإنما ركبت السفينة التي تمخر عبابه. ففي البحر مجاز لأنني ذكرت المحلّ (البحر)، وأنا أريد الحالّ فيه (السفينة) والقرينة (ركبت) فالعلاقة محليّة. ومثالها قوله تعالى وَأَرْسَلْنَا السَّماءَ عَلَيْهِمْ مِدْراراً الأنعام: 6. فالآية تريد بالسّماء المطر، ولهذا فقد ذكرت المحلّ الذي يأتي منه المطر (السماء) وأرادت المطر نفسه فالعلاقة إذا محلية. وكقول ابن لنكك في هجاء المتنبّي (البسيط): لكنّ بغداد- جاد الغيث ساكنها- … نعالهم في قفا السقّاء تزدحم. فلقد ذكر الشاعر بغداد، وأراد أهلها الذين يحلّون فيها، ولقد أورد لفظ نعالهم دلالة على ذلك. ففي البيت مجاز مرسل لأنه ذكر المحل (بغداد) وهو يريد الحالّين فيه (أهل بغداد) والقرينة نعالهم. فالعلاقة إذا محلية. ومثالها أيضا قول عنترة (الكامل): فشككت بالرمح الأصمّ ثيابه … ليس الكريم على القنا بمحرّم.

4 - ب. الحالية

فلقد ذكر ثيابه وهو يريد جسمه، ولكنّ الجسم يحلّ في الثيّاب. ففي البيت مجاز مرسل لأنه ذكر المحل (الثياب) وهو يريد الحالّ فيه الجسم والقرينة شككت. فالعلاقة إذا محليّة. 4 - ب. الحالّيّة: يرد اللفظ الدال على الحالّ ويراد به المحلّ. وتقابل المحليّة، فنذكر فيها الحالّ بدلا من المحلّ الذي حلّ فيه. مثالها قوله تعالى: وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَتِ اللَّهِ هُمْ فِيها خالِدُونَ آل عمران: 107. والمقصود ب (رَحْمَتِ اللَّهِ) جنّة الله، والجنّة هي المحلّ الذي تحلّ فيه رحمة الله، ففي الآية مجاز مرسل، إذ ذكرت الآية الحالّ (الرحمة) وأرادت المحلّ (الجنّة) بقرينة (هُمْ فِيها خالِدُونَ) والعلاقة حاليّة. ومثالها أيضا قول الشاعر (الطويل): ألماّ على معن وقولا لقبره … سقتك الغوادي مربعا ثم مربعا. (مربعا ثم مربعا: اربعة أيام ثم أربعة أخرى وهكذا ...). لقد ذكر الشاعر (معنا) والمقصود (قبر معن) فمعن هو الحالّ فيه. ففي البيت مجاز مرسل إذ ذكر الحالّ (معن) وأراد المحلّ (القبر) بقرينة وقولا لقبره. والعلاقة حاليّة. ومثالها أيضا قول المتنبي في هجاء كافور (البسيط): إنّي نزلت بكذّابين، ضيفهم … عن القرى وعن التّرحال محدود.

3 - ج. المجاورة

لقد ذكر الشاعر (الكذّابين) وقصد أرض الكذّابين لأنّ الكذّابين يحلّون في هذه الأرض. ففي البيت مجاز مرسل إذ ذكر الحالّين (الكذّابين)، وأراد المحلّ (أرض الكذابين) بقرينة قوله (نزلت) والعلاقة حاليّة. 3 - ج. المجاورة: المقصود بالمجاورة التعبير بالمجاور عمّا جاوره، ويكون ذلك حين يكون المعنى الحقيقي للفظ المذكور مجاورا للمعنى المجازي. وقد أهمل البلاغيّون هذه العلاقة لأنه بالامكان الاستغناء عنها إما بعلاقة المحليّة، وإما باللازميّة والملزوميّة. ننتقل الآن الى الضرب الأخير من العلاقات وهو العلاقة الزمانيّة. 4 - العلاقة الزّمانية: وينضوي تحتها: 4 - أ. الماضوّية (اعتبار ما كان). يرد اللفظ الدال على طور من الأطوار قد انقضى ويراد به طور سابق على ذلك الطور أو هو تسمية الشيء بما كان عليه. وتكون هذه الحالة عندما نستعمل كلمة تطلق على ما كان عليه الشيء. ونحن نقصد ما آل اليه بعد ذلك. مثالها قوله تعالى: وَآتُوا الْيَتامى أَمْوالَهُمْ النساء: 2. ففي كلمة يتامى مجاز مرسل لأنه ذكر ما كان، وهو يريد ما آل اليه اليتامى من بلوغهم سن الرشد، وهي السّنّ التي يفقدون فيها صفة اليتم والقصور فترد عليهم أموالهم. فكأن الآية تريد وآتوا الراشدين أموالهم والقرينة حالية والعلاقة اعتبار ما كان.

4 - ب. المستقبلية (اعتبار ما سوف يكون).

ومثالها أيضا قوله تعالى إِنَّهُ مَنْ يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِماً فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ لا يَمُوتُ فِيها وَلا يَحْيى طه: 74. ففي كلمة (مجرما) مجاز مرسل لأن الآية ذكرت ما كان عليه في الدنيا من إجرام. والقرينة حالية، والعلاقة اعتبار ما كان. ومثالها قول ابن حمديس: لا أركب البحر أخشى … عليّ منه المعاطب طين أنا وهو ماء … والطين في الماء ذائب ففي كلمة (طين) مجاز مرسل لأن أصل الانسان من طين، فأبو البشر آدم كان من تراب وطين. فالطين إذا رمز للانسان باعتبار ما كان عليه في الأصل، والعلاقة بين الانسان والطين علاقة تاريخ أو هي علاقة ماضوية. أما البيت الأول ففيه مجاز مرسل أيضا وعلاقته الكليّة إذ إن الركوب يكون في جزء من البحر، وقد تكون العلاقة فيه محليّة على أساس أن الركوب يكون في السفينة وهي حالّة في البحر الذي هو المحلّ. 4 - ب. المستقبليّة (اعتبار ما سوف يكون). يرد اللفظ الدال على طور من الأطوار التي يكون عليها شيء ما وإرادة طور لاحق، أو هو تسمية الشيء بما يكون. وتقابل العلاقة السابقة، إذ نذكر ما سوف يؤول إليه الشيء ونحن نقصد ما كان عليه. مثالها قوله تعالى: قالَ أَحَدُهُما إِنِّي أَرانِي أَعْصِرُ خَمْراً يوسف: 36.

في جمالية المجاز المرسل وأهميته

ففي كلمة (خمرا) مجاز مرسل والعلاقة مستقبلية فالآية تريد ما كان عليه الخمر قبل العصر (العنب) وذكرت ما يكون عليه بعد العصر (الخمر) والقرينة (أعصر) فهنا مجاز مرسل علاقته مستقبلية أو اعتبار ما سيكون. ومثالها أيضا قوله تعالى: فَبَشَّرْناهُ بِغُلامٍ حَلِيمٍ الصافات: 101. ففي كلمة (حليم) مجاز مرسل والعلاقة مستقبلية لأن الآية تريد ما سيكون عليه الغلام لا ما هو عليه الآن. والحلم صفة لا يكتسبها الإنسان إلّا بعد الإدراك ولا يوصف بها الغلام. ومثالها أيضا قول أحمد شوقي يصف التلامذة: وتلك الأواعي بأيمانهم … حقائب فيها الغد المختبي لقد أراد شوقي أن حقائبهم فيها الكتب والدفاتر وعدّة الدراسة فذكر ما يكون منها (الغد) أي المستقبل ولم ينظر الى ما هو كائن الآن والعلاقة مستقبلية لأنه اعتبر ما سيكون. في جمالية المجاز المرسل وأهميّته: يؤدي المجاز المرسل دورا هاما في بلاغة التعبير لأنه يوسّع دلالته ويبعث على التامّل الذي يخلّص العبارة من المباشرة المملّة ويفتح المجال واسعا امام الخيال الذي يشكّل الصور التي يستسيغها ذوقه. إنّه يشحن الألفاظ بدلالات جديدة من غير إماتة للمعنى الحقيقي. وعند ما يبدو التعميم والشمولية في المجاز المرسل فإن ذلك يدلّ على مبالغة لطيفة وان الصورة تطوي وراءها احيانا مزيدا من

تمرينات

الإحساس بالصورة المقصودة. وعندما نستبدل الكلّ بالجزء نحسّ بالمبالغة وعندما يلخّص الجزء الكلّ يتمّ تشخيص الكل بشكل متميّز عن الأشياء الأخرى. لهذا فإن المجاز على علاقة بالرسم والتصوير، وهذان يتطلّبان استخدام نظام صارم مرتبط بالألوان والأشكال والأبعاد وكذلك المجاز المرسل ليس استخداما عشوائيا للألفاظ بل هو نظام عام مرتبط بالحياة والتراث. وإذا كان المجاز ركيزة الصورة فإنّه بذلك يحدّد بدقّة وجهة نظر المبدع للأشياء ويبلور رؤيته للكون. وتكمن أهميته في أنّه يضفي على الصورة رونقا ويوسّع دائرة الإيحاء ويكمّل وظيفة اللغة من خلال الرؤيا الفنّية للأشياء. وهو يساعد على التركيز لفهم الحذف الحاصل في أوجه المجاز وعلاقاته. وإذا كان مستحبا فيه الغموض الفنّي فإن هذا الغموض لا يعني التعقيد والإلغاز، ففي المجاز المرسل يتشوّق القارئ الى تحصيل الصورة كاملة فيشعر بلذّة الاكتشاف بعد أن أعمل عقله وخياله في اكتشاف العلاقات القائمة بين ضروب المجاز. لهذا كان الشعر كشفا لما فيه من ألفاظ موحية بمعان قريبة وبعيدة تساعد القرائن اللفظية والمعنوية على اكتشافها. تمرينات: 1 - أدرس المجاز المرسل في ما يأتي واشرحه مبينا علاقاته وأهمّيتها في بناء الصورة. قال تعالى: قَدْ أَنْزَلْنا عَلَيْكُمْ لِباساً الأعراف: 26. وَما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسانِ قَوْمِهِ ابراهيم: 4. فَلَوْلا أَنَّهُ كانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ الصافات: 143. فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ البقرة: 185.

يا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ وَلا تُطِعِ الْكافِرِينَ الأحزاب: 1. لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِها الأعراف: 179. يَقُولُونَ بِأَفْواهِهِمْ آل عمران: 167. وقال الشاعر: 1 - أكلت دما إن لم أرعك بضرّة … بعيدة مهوى القرط طيّبة النشر. 2 - كم بعثنا الجيش جرّا … را وأرسلنا العيونا 3 - ألا من رأى الطفل المفارق أمّه … بعيد الكرى عيناه تنسكبان 4 - وما من يد إلّا يد الله فوقها … ولا ظالم إلّا سبيلي بأظلم 5 - رأيتك محض الحلم في محض قدرة … ولو شئت كان الحلم منك المهنّدا 6 - ملك شاد للكنانة مجدا … أحكمت وضع أسّه آباؤه. 7 - لا يغرّنك ما ترى من أناس … إنّ تحت الضّلوع داء دويّا. 8 - فضع السّوط وارفع السيّف حتّى … لا ترى فوق ظهرها أمويّا. 9 - قل للجبان إذا تأخّر سرجه … هل أنت من شرك المنيّة ناج؟ 10 - وكأسا شربت على لذّة … وأخرى تداويت منها بها

المجاز العقلي

ب- المجاز العقلي 1 - تعريفه: «هو إسناد الفعل أو ما في معناه إلى غير ما هو له، لعلاقة، مع وجود قرينة تمنع إرادة الإسناد الحقيقي». والمقصود ب (ما في معناه): المصدر، واسم الفاعل، واسم المفعول، والصفة المشبّهة واسم التفضيل ... وهي مشتقات تعمل عمل الفعل. 2 - بين المجاز المرسل والمجاز العقلي: - لا يكون المجاز العقلي إلّا في إسناد، أي: في ما كان فيه المعنى قائما على مسند ومسند إليه. - أن الأصل في تسميته عائدة إلى أن المجاز هنا ليس في اللفظ نفسه كالاستعارة والمجاز المرسل، بل في الإسناد، أي: في العلاقة بين المسند والمسند اليه، وهي تدرك بالعقل. أمثلة: الجاحظ كاتب شهير، جاء بغداد وهو في الخمسين. أسندنا في هاتين الجملتين الكتابة الى الجاحظ إسنادا حقيقيا لأن الجاحظ نفسه هو الذي اتّصف بالكتابة أو هو القائم بها. كما أسندنا المجيء الى بغداد إليه وهو ايضا إسناد حقيقي للأسباب عينها. فلقد أسندنا في هاتين الجملتين الفعل الى فاعله الأصلي حسب الظاهر. مثال آخر: إذا قال المؤمن: أنبت الله الزرع، فإن إسناد الفعل (أنبت) إلى الله إسناد حقيقي.

3 - علاقات المجاز العقلي (الإسناد المجازي).

أما إذا قال المؤمن: أنبت الربيع الزرع، فإن إسناده الفعل (أنبت) إلى الربيع إسناد مجازي لأنّه يؤمن أن الذي ينبت الزرع هو الله تعالى وليس الربيع. والربيع هو زمن يكون فيه الإنبات ليس إلا. ويجري التجوّز في المجاز العقلي في الإسناد دون المعنى. فالألفاظ فيه تدلّ على ما وضعت له في اللغة، ولكن المتكلم يخرج بها عن الوجه المعهود في إجرائها في التركيب النحوي فيستأنف إجراء تركيبيا جديدا لها. وسمّي هذا المجاز مجازا عقليا لأنّه يقوم على تكسير رابط عقلي يجري به تأليف الكلام. فعندما نقول ذعر الذعر نكون قد أسندنا الذعر الى الذعر فالذعر يشارك الكائن الحي ذلك الفعل وهذا تجوّز من حيث المعقول لا من حيث اللغة. لهذا كان المجاز في المثل على مستوى الجملة النحوية. 3 - علاقات المجاز العقلي (الإسناد المجازي). 3 - أ. العلاقة الزمانية: يكون المسند إليه زمنا يشتمل على الفعل المسند أو ما في معناه: ويسند فيها الفعل الى الزمان الذي وقع فيه، نحو: عركته الأيام، وأدركه الوقت، ونبت الربيع. والمراد: عركته التجارب، وأدركته المشاغل، ونبت العشب. فأسند الأفعال: (عرك، أدرك، نبت) إلى (الأيام، الوقت، الربيع) وكل منها مسند إليه غير حقيقي، لأن المسند إليه الحقيقي هو ما حصل في هذه الأزمان أي (التجارب، المشاغل، العشب). ففي كل من الجمل الثلاث مجاز عقلي أسندنا فيه الفعل إلى زمنه بدلا من الفاعل الحقيقي، والقرينة حالية. والعلاقة زمنية.

3 - ب. العلاقة المكانية

ومنه قول جرير (الطويل): لقد لمتنا يا أمّ غيلان في السّرى … ونمت وما ليل المطيّ بنائم. فأسند النوم الى الليل وهو زمان النوم. ومنه قول طرفة (الطويل): ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد. فأسند الإبداء الى الأيام بينما هو في الحقيقة لما في الأيام من أحداث. 3 - ب. العلاقة المكانيّة: ويكون المسند إليه مكانا يجري فيه المسند (الفعل أو ما في معناه). ويسند فيها الفعل إلى المكان الذي وقع فيه، كقولنا: حديقة غنّاء، ومكان مزدحم، ضجّت القاعة وجرى النهر. ونحن نريد حديقة طيورها غناء ومكانا مزدحم الناس وضج القوم في القاعة. فأسندنا الأفعال أو ما في معناها (غناء، مزدحم، ضجّت، جرى) الى المكان الذي وقعت فيه (حديقة، مكان، قاعة، مجرى) وليس الى الفاعل الحقيقي لكل منها (الطيور، الناس، القوم، النهر) ففي كل من الجمل الأربع مجاز عقلي أسندنا فيه الفعل أو ما في معناه الى مكانه بدلا من إسناده الى الفاعل الحقيقي، والعلاقة مكانية. ومثله قول الشاعر (الوافر): إذا سقط السّماء بأرض قوم … رعيناه وإن كانوا غضابا

3 - ج. المصدرية

أراد المطر، والسّماء مكان المطر. وقول آخر (الطويل): أخذنا بأطراف الأحاديث بيننا … وسالت بأعناق المطيّ الأباطح. يريد: سالت أعناق المطي في الأباطح وهي المكان للسيل. وقول آخر (المتقارب): يغنّي كما صدحت أيكة … وقد نبّه الصبح أطيارها. يريد صداح الطيور التي في الأيكة. وفي البيت علاقة زمانية أيضا هي أن الصبح زمن التنبيه. 3 - ج. المصدريّة: تكون في التراكيب التي يسند فيها الفعل أو ما في معناه الى المصدر من لفظه: وفيها يسند الفعل الى مصدره بدلا من الفاعل الحقيقي. نحو: دارت دورة الدهر. الله جلّ جلاله، جن جنون الرجل. ونحن نريد: دار الدهر، وجلّ الله، وجنّ الرجل. ولكننا أسندنا الأفعال الى مصادرها (دورة، جلال، جنون) وكل منها مسند إليه بدلا من إسنادها الى الفاعل الحقيقي (الدهر، الله، الرجل) ففي كل من الجمل الثلاث مجاز عقلي أسند فيه الفعل الى مصدره فالعلاقة مصدرية. ومنه قول الشاعر (البسيط): قد عزّ عزّ الألى لا يبخلون على … أوطانهم بالدم الغالي إذا طلبا.

3 - د. الفاعلية

وقول الشاعر (الطويل): سيذكرني قومي إذا جدّ جدّهم … وفي الليلة الظلماء يفتقد البدر. وقول أبي تمام: تكاد عطاياه يجن جنونها … إذا لم يعوّذها برقية طالب. وقول بدوي الجبل: أرى أن هذا الأمر قد جدّ جدّه … فكونوا لنا حصنا نكن لكم حصنا 3 - د. الفاعليّة: يكون بإسناد ما بني للمفعول (اسم المفعول) الى الفاعل: ويسند فيها الفعل الى صيغة اسم المفعول، والمراد اسم الفاعل نحو: ليل مستور، وسيل مفعم. والمراد ليل ساتر وسيل مفعم. فاستعملت صيغة اسم المفعول (مستور، مفعم) وانت تريد معنى الفاعلية (ساتر، مفعم) ففي العبارتين مجاز عقلي أسند فيه المبني للمفعول الى الفاعل والقرينة حالية والعلاقة فاعلية. - ومنه قوله تعالى: إِنَّهُ كانَ وَعْدُهُ مَأْتِيًّا مريم: 61. أي كان وعده آتيا. - وقوله تعالى: جَعَلْنا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ حِجاباً مَسْتُوراً الاسراء: 45، أي حجابا ساترا. ومثل هذه العلاقة نادر في اللغة.

3 - هـ. المفعولية

3 - هـ. المفعولية: وتكون في تركيب يقوم على إسناد الفعل أو ما في معناه الى المفعول به في الأصل. ويسند فيها الفعل الى صيغة اسم الفاعل والمراد اسم المفعول نحو: مكان آمن، طريق سالك، غرفة مضيئة. والمقصود: مكان مأمون، وطريق مسلوك، وغرفة مضاءة. فاستعملنا صيغة اسم الفاعل (آمن، سالك، مضيئة) ونحن نريد معنى المفعولية (مأمون، مسلوك، مضاءة) ففي العبارات الثلاث مجاز عقلي أسند فيه المبني للفاعل الى المفعول، والقرينة حالية، فالعلاقة مفعولية. ومنه قوله تعالى: فَأَمَّا مَنْ ثَقُلَتْ مَوازِينُهُ* فَهُوَ فِي عِيشَةٍ راضِيَةٍ القارعة: 6 - 7. ومنه قول الاعشى: حتى يقول الناس ممّا رأوا … يا عجبا للميّت الناشر. اي المنشور. ومنه قول الحطيئة: دع المكارم لا ترحل لبغيتها … واقعد فإنّك أنت الطاعم الكاسي. أي المطعوم المكسّو. فالحطيئة نسب الى المهجو فعل الإطعام والإكساء ويريد أنه يطعم ويكسى. 3 - و. السّببية: ويكون المسند اليه في التركيب القائم على المجاز العقلي سببا في إحداث المسند. ويسند فيها الفعل الى السبب الذي أدّى اليه:

نحو: نبت الغيث، فتح القائد المدينة، بنت الحكومة جامعة. والمعروف أن الذي نبت هو العشب والغيث هو سبب نباته. وان الذي فتح المدينة هم الجنود والقائد هو السبب وان البنائين هم الذين بنوا الجامعة والحكومة هي السبب في البناء. ولقد أسندت الأفعال في الجمل الثلاث الى أسبابها بدلا من إسنادها إلى الفاعلين الحقيقيين (العشب، الجنود، البنائين). ومنه قوله تعالى: وَقالَ فِرْعَوْنُ يا هامانُ ابْنِ لِي صَرْحاً لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبابَ غافر: 36. لقد أسندت الآية فعل (ابن) الى فاعل هو ضمير مستتر عائد الى هامان، وهامان ليس الفاعل الحقيقي بل الفاعل الحقيقي هو العمال لكن هامان هو السبب فالعلاقة سبّبية. ومنه قول المتنبّي في ملك الروم بعدما هزمه سيف الدولة. ويمشي به العكّاز في الدير تائبا … وقد كان يأبي مشي أشقر أجردا والعكاز هنا هو سبب المشي أو آلته على وجه الدقّة، والمجاز يتمثل في إسناد فعل المشي الى العكاز، والحال أنه وسيلة في إحداث المشي. وقول الشاعر: وإنّا لمن معشر أفنى أوائلهم … قيل الكماة ألا أين المحامونا؟ الأصل أن يسند فعل الإفناء الى الحرب، لكن الشاعر طرح ذلك وأسند فعل القتل الى النداء الذي يحمل قومه على دخول الحرب. فالقيل

تمارين

ليس الفاعل الحقيقي إنما هو سبب الإفناء لأنه يدعو الاوائل الى النجدة وهي التي تؤدي الى القتل والإفناء. تمارين: 1 - وضّح المجاز العقلي في ما يأتي وبيّن علاقته وقرينته. قال المتنبي: صحب الناس قبلنا ذا الزمانا … وعناهم من شأنه ما عنانا وتولّوا بغصّة كلّهم من … هـ وإن سرّ بعضهم أحيانا ربّما تحسن الصّنيع ليالي … هـ ولكن تكدّر الإحسانا وكأنّا لم يرض فينا بريب الدّ … هر حتّى أعانه من أعانا كلّما أنبت الزمان قناة … ركّب المرء في القناة سنانا وقال غيره: تكاد عطاياه يجنّ جنونها … إذا لم يعوّذها برقية طالب وقال المتنبي: أبا المسك أرجو منك نصرا على العدا … وآمل عزّا يخضب البيض بالدّم ويوما يغيظ الحاسدين وحالة … أقيم الشقا فيها مقام التنّعم - يأمر السيف في الرقاب وينهى … ولمصر على القذا إغضاء - إنّ الدّيار تريق ماء شؤونها … كالأمهات وتندب الأحياء - بناها فأعلى والقنا يقرع القنا … وموج المنايا حولها متلاطم

الكناية (أقسامها وأنواعها).

الكناية (أقسامها وأنواعها). 1 - تعريف الكناية: أ- لغة: جاء في اللسان (كنى): «الكناية: ان تتكلّم بشيء وتريد غيره. وكنى عن الأمر بغيره يكني كناية: يعني إذا تكلّم بغيره ممّا يدلّ عليه». فالكناية إذا إيماء الى المعنى وتلميح، أو هي مخاطبة ذكاء المتلقّي فلا يذكر اللفظ الموضوع للمعنى المقصود ولكن يلجأ إلى مرادفه ليجعله دليلا عليه. ومن هنا قول أحدهم (الطويل): وإنّي لأكنو عن قذور بغيرها … وأعرب أحيانا بها وأصارح. لقد استخدم الشاعر (كنوت) والأفصح كنيت لأنّ المصدر كناية، ولم يسمع كناوة. فالكناية في نظر الشاعر عدم استخدام اللفظ الحقيقي بل هي لجوء الى لفظ آخر يشير الى المعنى ويومئ اليه. إنها طريقة للتعبير غير المباشر عن الأشياء. ب- اصطلاحا: جاء في معجم المصطلحات (¬1) أن الكناية «لفظ أطلق وأريد به لازم معناه مع جواز إرادة المعنى الأصلي». هذا التعريف مأخوذ من تعريف السبكي (¬2) الذي جاء فيه أنّها: «لفظ أطلق وأريد به لازم معناه الحقيقي مع قرينة لا تمنع من إرادة المعنى الأصلي مع المعنى المراد». ¬

_ (¬1). معجم المصطلحات العربية في اللغة والأدب، وهبة- المهندس، ص 171. (¬2). عروس الأفراح في شرح تلخيص المفتاح، بهاء الدين السبكي، ص 237.

ج- تعريفات البلاغيين

ج- تعريفات البلاغيين: الكناية في نظر عبد القاهر هي (¬1): «أن يريد المتكلّم إثبات معنى من المعاني، فلا يذكره باللفظ الموضوع له في اللغة، ولكن يجيء الى معنى هو تاليه وردفه في الوجود فيومئ به إليه ويجعله دليلا عليه». وهي كما عرّفها السّكاكي (¬2) «ترك التصريح بذكر الشيء الى ذكر ما هو ملزمه، لينتقل من المذكور الى المتروك، كما تقول: زيد طويل النّجاد، فينتقل منه الى ملزومه وهو طول القامة». ولتوضيح هذين التعريفين نعطي المثلين الآتيين: 1. زيد طويل النّجاد (علاقة السيف) فالمثل كناية عن طول قامة زيد. ولكن لا مانع من إيراد المعنى الأصلي وهو طول علاقة السيف. 2. حاتم كثير الرّماد. كناية عن كرمه فهو يشعل دائما نار القرى لهداية الضيفان. ولكن لا مانع أيضا من إيراد المعنى الأصلي وهو وفرة الرّماد حول بيته لأنّ النيران المشتعلة باستمرار تخلّف الرّماد الكثير المتراكم. ففي الكناية يتجاذب المعنيان الحرفي والمجازي الدلالة وللمتلقّي أن يفكّك الصورة ويدخل الى أعماقها. ¬

_ (¬1). دلائل الإعجاز، عبد القاهر الجرجاني، ص 52. (¬2). نقلا عن معجم المصطلحات العربية في اللغة والأدب، وهبة- المهندس، ص 171.

2 - بين الكناية والمجاز.

2 - بين الكناية والمجاز. المجاز- كما ورد سابقا- هو أن يقصد باللفظ معناه المجازي دون جواز تفسيره على المعنى الحقيقي. أما الكناية فهي أن يقصد بها المعنى المجازي مع جواز أن يقصد بها المعنى الحقيقي كما رأينا. مثال: 1. نبت الربيع. هنا لا يمكن ان يكون المقصود المعنى الحقيقي للربيع. فالمعنى المقصود هنا هو المعنى المجازي للربيع (العشب) ففي الجملة إذا مجاز. مثال: 2. فلان طويل الحزام. الاشارة هنا الى عظم بطن فلان واضحة. وفي المثال نوع من المجاز لأن المعنى تجاوز المعنى الحقيقي (طول الحزام) الى المعنى المجازي (عظم البطن). فالعبارة هنا تحمل معناها الحقيقي أيضا لأنّ عظيم البطن لا بدّ أن يكون طويل الحزام. وفي هذا القول كناية. فالكناية إذا تخالف المجاز من جهة إمكان ارادة المعنى الحقيقي مع إرادة لازمة. أما المجاز فلا يجوز فيه إرادة المعنى الحقيقي لوجود القرينة المانعة من إرادته. 3 - أقسام الكناية: تقسم الكناية تبعا لما تدل عليه الى ثلاثة أقسام هي: 3 - أ. كناية عن صفة: هي الكناية التي يستلزم لفظها صفة.

يرد هذا النوع من الكناية كثيرا على ألسنة الناس في أحاديثهم اليومية. ففي مصر يقولون: هو ربيب أبي الهول. كناية عن شدّة الكتمان. وفي لبنان يقولون: فلان يشكو قلة الجرذان في بيته كناية عن فقره. كما يقولون: فلان عضّ إصبعه: كناية عن الندم. وهكذا. وقد وردت الكناية كثيرا في الشعر القديم والحديث، ومنها قول أبي ريشة (الرّمل). كم نبت أسيافنا في ملعب … وكبت أجيادنا في ملعب. ففي كلّ من الصدر والعجز كناية لطيفة عن الخيبة والانتكاسة وهي كناية عن صفة. وكقول المتنبي (الطويل): بليت بلى الأطلال إن لم أقف بها وقوف شحيح ضاع في الترب خاتمه. ففي الشطر الثاني كناية عن طول الوقوف وهي كناية عن صفة. كما أن في البيت تشبيها بليغا بين المصدر (وقوف) الذي اشتق منه الفعل أقف (في الشطر الأول وبين المصدر وقوف في الشطر الثاني). ومنها أيضا قول الشاعر (الطويل): أكلت دما إن لم أرعك بضرّة … بعيدة مهوى القرط طيبّة النشر. ففي الشطر الثاني (بعيدة مهوى القرط) كناية عن صفة هي طول عنق الضرّة. وينقسم هذا النوع من الكناية عند البلاغيين الى قسمين:

1 - كناية قريبة

1 - كناية قريبة: وهي التي لا يحتاج فيها للانتقال من المعنى الحقيقي للكلام الى المعنى المجازي الى أكثر من خطوة واحدة. مثال: جاء في الحديث الشريف: اليد العليا خير من اليد السفلى فاليد العليا كناية عن العطاء واليد السفلى كناية عن الأخذ. فالمقصود من الحديث يدرك بسرعة لعدم وجود واسطة. 2 - كناية بعيدة: ويحتاج فيها الى أكثر من خطوة واحدة للوصول الى المعنى المجازي المراد من الكلام. مثال: فلان كثير الرماد، فالمعنى المجازي هو (الكرم) لكن للوصول إليه لا بدّ من تفسيرات عدّة. كثرة الرّماد ناجمة عن كثرة الإشعال، وكثرة الإشعال عائدة الى كثرة الطبخ، ومن كان كثير الطبخ كان كثير الضيوف، وكثرة الضيوف تدل على الكرم. 3 - ب. كناية عن موصوف: وهي الكناية التي يستلزم لفظها ذاتا أو مفهوما: ويكنى فيها عن الذات كالرجل والمرأة والقوم والوطن والقلب واليد وما إليه ... نقول في لبنان: مدينة الشمس كناية عن بعلبك. ونقول مخاطبين أبناء مصر: يا أبناء النيل. ونقول عن العرب: هم أبناء الضاد كناية عن اللغة العربية.

ومن أمثلتها قوله تعالى: أَوَمَنْ يُنَشَّؤُا فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصامِ غَيْرُ مُبِينٍ الزخرف: 18. ففي قوله تعالى (يُنَشَّؤُا فِي الْحِلْيَةِ) أي في الزينة كناية عن موصوف هو البنات. وكقول المتنبي مفتخرا (البسيط): سيعلم الجمع ممّن ضمّ مجلسنا … بأنني خير من تسعى به قدم. ففي قوله (من تسعى به قدم) كناية عن موصوف هو الإنسان: أراد أنه خير الناس. ومنها قول جرير (الوافر): ألستم خير من ركب المطايا … وأندى العالمين بطون راح. ففي قوله (من ركب المطايا) كناية عن موصوف هو الناس. ومنها أيضا قول المتنبي عند فراقه سيف الدولة (الطويل): وما ربّة القرط المليح مكانه … بأجزع من رب الحسام المصمّم. فكنى (بربة القرط) عن المرأة و (برب الحسام) عن الرجل. ففي كليهما كناية عن موصوف. ومنها أيضا قول شوقي (الخفيف): يا ابنة اليمّ ما أبوك بخيل … ما له مولعا بمنع وحبس؟ فلقد كنى شوقي (بابنة اليم) عن السفينة، وكنى ب (أبوك) عن البحر ففي كليهما كناية عن موصوف.

3 - ج. كناية عن نسبة

3 - ج. كناية عن نسبة: هي الكناية التي يستلزم لفظها نسبة بين الصفة وصاحبها المذكورين في اللفظ، تنفرد عن النوعين السابقين بأن المعنى الأصلي للكلام غير مراد فيها، وبأننا نصرّح فيها بذكر الصفة المراد إثباتها للموصوف، وإن كنا نميل بها عن الموصوف نفسه الى ما له اتصال به. أمثلة: هذا بيت شرف. إذ نسبنا الشرف الى أصحاب البيت من طريق إسنادنا هذا الشرف الى البيت نفسه ومنها قول الكميت (الطويل): أناس بهم عزّت قريش فأصبحت … وفيهم خباء المكرمات المطنّب. ففي قوله: (وفيهم خباء المكرمات المطنّب) كناية عن نسبة المكرمات الى بني هاشم عندما جعلها في خيامهم. وكقول البحتري (الكامل): أو ما رأيت المجد ألقى رحله … في آل طلحة ثمّ لم يتحول. ففي قوله (المجد ألقى رحله في آل طلحة) كناية عن نسبة، إذ جعل المجد يحطّ رحاله في ديار آل طلحة، فنسب المجد إليهم. وكقول زياد الأعجم (الكامل): إنّ المروءة والسّماحة والنّدى … في قبّة ضربت على ابن الحشرج. ناسبا المروءة والسماحة والندى الى ابن الحشرج، عندما جعلها في قبتّه.

4 - الكناية باعتبار الوسائط (اللوازم) والسياق

4 - الكناية باعتبار الوسائط (اللوازم) والسياق: تنقسم الكناية أيضا باعتبار الوسائط (اللوازم) والسياق الى أربعة أقسام هي: 4 - أ. التعريض: هو نوع لطيف من الكناية يطلق فيه الكلام مشارا به إلى معنى آخر يفهم من السياق او المقام الذي يتحدث فيه. مثاله: قولك أمام البخيل: ما أقبح البخل! معرّضا به. وكقولك أمام المتكبّر: ما أجمل التواضع! معرّضا به. ومن ذلك قول المتنبي معرّضا بسيف الدولة وهو يمدح كافور (الطويل): إذا الجود لم يرزق خلاصا من الأذى … فلا الحمد مكسوبا ولا المال باقيا. ومنه أيضا قول الحجّاج معرّضا بمن تقدّمه من الأمراء في ولاية العراق (الرجّز). لست براعي إبل ولا غنم … ولا بجزّار على ظهر وضم (¬1). ولهذا قيل: لا يحسن التعريض إلّا ثلبا (ذما)، وهو أخفى من الكناية. ¬

_ (¬1). الوضم: ما يقطع عليه اللحم من خشبة وسواها.

4 - ب. التلويح

4 - ب. التلويح: هو كناية تكثر فيها الوسائط بلا تعريض، فيكون الفضاء الفاصل بين المعنى المكني عنه والمعنى الحرفي كبيرا. وسمّيت بالتلويح لأنها تقوم على الإشارة من بعيد. ويتميز التلويح بأمرين: - بعد ما بين المعنى الحرفي والمعنى المقصود لكثرة الوسائط. - قرب في الفهم لوضوح العلاقات وسهولة العبور من واسطة الى أخرى ومن النص الحرفي إلى المعنى المكني عنه. مثاله: قول الشاعر (الوافر) وما يك فيّ من عيب فإنّي … جبان الكلب، مهزول الفصيل. المراد بقوله: جبان الكلب كناية عن كرم الرجل بأسلوب التلويح، لأن جبن الكلب ناجم عن دوام منعه عن الهرير في وجه القادمين. ودوام منعه معناه دوام تأديبه وزجره، ودوام تأديبه ناجم عن كثرة القادمين الى دار صاحبه. وكثرة القادمين ناجمة عن كونه سيدا كريما إذ لا يزدحم الناس إلّا على أبواب الكرام. وفي قوله: مهزول الفصيل كناية عن كرم الرجل بأسلوب التلويح. وقد توصّلنا إلى صفة الكرم عبر الوسائط الآتية: - الفصيل ولد الناقة ولا يكون هزيلا إلّا اذا لم تتح له فرص الرّضاع من اطباء (أثداء) أمه الناقة. وأمه لا ترضعه بسبب غيابها عنه غيابا أبديا. وغيابها الأبدي ناجم عن كون صاحبها قد نحرها لضيوفه لأنّ لحمها طريّ وشهيّ فيه لذّة للآكلين.

4 - ج. الإيماء أو الإشارة

4 - ج. الإيماء أو الإشارة: وهي كناية تتوسط بين التلويح والرمز بقلة الوسائط فيها وبوضوح نسبي في العلاقة بين المعنى الحرفي والمعنى المراد. وتتميّر بأنها قليلة الوسائط، فتدلّ على المعنى المراد دلالة مباشرة كأنها تومئ إليه. مثالها قول أبي تمام في وصف الإبل (الوافر): أبين فما يزرن سوى كريم … وحسبك أن يزرن أبا سعيد. فإنّه في إفادة أن أبا سعيد كريم لا يخفى كرمه على أحد. 4 - د. الرّمز: هو كناية قليلة الوسائط، خفيّة اللوازم أو الكناية القائمة على مسافة قريبة فيكون فيها الخفاء نسبيا كأن نقول: عريض الوسادة كناية عن أنّه أبله. ومنه قول الشاعر (الكامل): رمزت إليّ مخافة من بعلها … من غير ان تبدي هناك كلامها. فلقد أشار الشاعر الى حبيبة له على سبيل الخفية. ومن أمثلته: وصف البليد بأنه عريض الوسادة- فعرض الوسادة يستلزم كبرا في الرأس وطولا في العنق وهذان الطولان من مستلزمات البلاهة عند العرب. ومنه أيضا: وصف القاسي بأنّه غليظ الكبد.

5 - أهمية الكناية وجمالياتها

5 - أهمية الكناية وجمالياتها: الغرض من الكناية المبالغة والبعد عن المباشرة. والمبالغة في الصفة أو الصفات سبيل الى تثبيتها في نفوس المتلقّين. لذلك كانت الكناية عند الجاحظ أبلغ من التصريح. وهي أبلغ من الإفصاح عند عبد القاهر. فللكناية قيمة إبلاغية تقدّمها اللمحة الدالّة. فالشاعر والمبدع عندما يغطّيان المعنى الحقيقي بهذا الستار الشفّاف، يدعوان المتلقّي إلى اكتشاف هذا المعنى المتواري وراء المعنى المجازي، فيشعر بلذّة الكشف عنه وتفكيك عناصره والتدّرج في رصفها تمهيدا للوصول الى المعنى المقصود. فهناك حركة نفسية دائمة عند المتلقّي يستحضرها الخيال من تجاربه الخاصة، ومن ثقافته وعادات مجتمعه ليصل الى المعنى المراد فيتقرّر المعنى ويتأكّد. والمهمّ في الكناية كمية الصور الذهنيّة التي يستحضرها المتلقّي تباعا كأنّها ومضات تتكثّف وتتراكم لتشكل في النهاية معنى ثابتا يطمئن إليه العقل، ويتأثر به القلب. والكناية مظهر بلاغي راق لأنّها تقدّم الحقيقة مشفوعة بالأدلّة، والمعقول متلبسا ثوب المحسوس. والكنايات تعبير عن الحياة الاجتماعية بأحاديث يومية راقية معبّرة عن ثقافة المجتمع وذوقه. مثال ذلك هذه الكنايات: - ألقى عصاه، كناية عن الإقامة وترك الترحّل. - يحمل غصن الزيتون، كناية عن دعوته للسّلام. - عضّ أصابعه، كناية عن النّدم. - يمشي على بيض، كناية عن البطء والتثاقل في المشي. - قلع أسنانه، كناية عن الحنكة ووفرة التجارب. - بابه مفتوح، كناية عن حسن الاستقبال والكرم ودماثة الخلق. - ذمّته واسعة، كناية عن تعطيل ضميره وإباحته المحرّمات وأكل الرزق الحرام.

تمارين

- كأنّ على رؤوسهم الطّير، كناية عن الهدوء والصّمت والإصغاء بدقّة. ومن مميّزات أسلوب الكناية عند الجرجاني أنّه لا يدلّ على المعنى مباشرة ولكنّه ينقل المتلقّي من طريق الدلالات ليصل الى المعنى المقصود من وراء ظلال التركيب. وهذا الذي سمّاه معنى المعنى. من هنا كان الكلام على كناية قريبة وأخرى بعيدة، وعلى كناية جليّة وأخرى خفيّة. ولكنّ هذه الوسائط سبب من أسباب قوّة المعنى وفخامته. تمارين: 1 - بيّن أنواع الكنايات الآتية وعيّن لازم معنى كل منها. - فمسّاهم وبسطهم حرير … وصبّحهم وبسطهم تراب. ومن في كفّه منهم قناة … كمن في كفّه منهم خضاب. - قوم ترى أرماحهم يوم الوغى … مشغوفة بمواطن الكتمان. - ولمّا شربناها ودبّ دبيبها … إلى موطن الأسرار قلت لها قفي. - فما جازه جود ولا حلّ دونه … ولكن يسير الجود حيث يسير. - تجول خلاخيل النّساء ولا أرى … لرملة خلخالا يجول ولا قلبا. - بيض المطابخ لا تشكو إماؤهم … طبخ القدور ولا غسل المناديل. - مطبخ داود في نظافته … أشبه شيء بعرش بلقيس. ثياب طبّاخه إذ اتّسخت … أنقى بياضا من القراطيس. - فليت قلوصي عند عزّة قيّدت … بحبل ضعيف غرّ منها فضلّت. - والقيت لمّا أن أتيتك زائرا … عليّ لحافا سابغ الطول والعرض. - وتخال ما جمعت عليه ثيابها ذهبا وعطرا. - رأيت ابن أمّ الموت لو أن بأسه فشا … بين أهل الأرض لا نقطع النّسل.

- ولسنا على الأعقاب تدمى كلومنا … ولكن على أقدامنا تقطر الدّما - الضاربين بكل أبيض مخذم … والطاعنين مجامع الأضغان - فأتبعتها أخرى فأضللت نصلها … بحيث يكون اللب والرعب والحقد - سليل النار (السيف) دقّ ورقّ حتّى … كأنّ أباه أورثه السلالا - يبيت بمنجاة من اللوم بيتها … إذا ما بيوت بالملامة حلّت - إن في ثوبك الذي المجد فيه … لضياء يزري بكل ضياء - وقال احدهم في كلبه: يكاد إذا ما أبصر الضيف مقبلا … يكلّمه من حبّه وهو أعجم - أفي كل يوم ذا الدمستق مقبل … قفاه على الإقدام للوجه لائم - متى تطلع الأيام مثلي لكم فتى … طويل نجاد السيف رحب المقلّد؟

الصورة الشعرية مقوماتها ومكوناتها بين النقد والبلاغة.

الصورة الشعرية مقومّاتها ومكوّناتها بين النقد والبلاغة. الشعر رسم بالكلمات كما التصوير رسم بالريشة. والكلمات تحمل في طيّاتها المعنى المكشوف كما تومئ اليه تلميحا لا تصريحا، وتعمل الخيال وتستدعي وسائل الزينة لتجميل المعنى وإظهاره بأبهى حلّة وأجمل شكل. من هنا كان الكلام على الصورة الشعرية أو الصورة الفنّية في البلاغة العربية لأنّ البلاغة لا تعني الوضوح التّام فحسب بل هي جهد لإيصال المعنى بأجمل شكل وأبهى صورة. لهذا قال الرمّاني (¬1): «البلاغة: إيصال المعنى إلى القلب في أحسن صورة من اللفظ». فالصورة عند المحدثين (¬2): «كلّ حيلة لغوية يراد بها المعنى البعيد- لا القريب- للألفاظ، أو يغير فيها الترتيب العادي لكلمات الجملة او لحروف الكلمة، أو يحلّ فيها معنى مجازي محلّ معنى حقيقي، أو يثار فيها خيال السامع بالتكنية عن معان يستلزمها المعنى المألوف للفظ، أو ترتّب فيها الألفاظ، او يعاد ترتيبها لتحسين أسلوب الكلام او زيادة تأثيره في نفس القارئ او السامع». واضح من هذا التعريف أن الصورة الفنيّة مطلوبة في علوم البلاغة جميعها (البديع والبيان والمعاني)، وأنّ الفن يقضي بتقديم المعاني في حلّة أنيقة من الألفاظ والتراكيب تخفّ فيها المباشرة وتتنامى قوّة التّخييل والإيحاء. لهذا أجلّ النقّاد الصورة لأنها (¬3): «كيان يتعالى على التاريخ». ¬

_ (¬1). النكت في إعجاز القرآن، الرمّاني، ص 75 - 76. (¬2). معجم المصطلحات العربية في اللغة والادب، وهبة- المهندس، ص 127. (¬3). الصورة الشعرية في الخطاب البلاغي والنقدي، الولي محمّد، ص 7.

أهمية الصورة في النقد العربي

ولهذا قال النقّاد الغربيون (¬1): «الشعر تفكير بالصور» (قول شليجل) و «المنبع الأساسي للشعر الخاص هو الصورة» (قول لويس). أما جان كوهين فيرى أن الاستعارة تشكّل الخاصية الأساسية للغة الشعرية. أهمية الصورة في النقّد العربي: رأى المحدثون أنّ العاطفة والانفعال يكيّفان أسلوب اقتناصها. ورأى بعضهم أن الصورة قائمة أساسا على العبارات المجازية. ولقد ذهب د. عبد القادر القطّ الى أنها (¬2): «الشكل الفنّي الذي تتخّذه الألفاظ والعبارات بعد ان ينظمها الشاعر في سياق بياني خالص ليعّبر عن جوانب التجربة الشعرية الكاملة في القصيدة، مستخدما طاقات اللغة وإمكاناتها والدلالة والتركيب والإيقاع والحقيقة والمجاز والترادف والتضّاد، والمقابلة والتجانس وغيرها من وسائل التعبير الفنّي». واضح أن الصورة شملت أدوات التعبير كلها، ولهذا كان البديع والبيان والمعاني والعروض والقافية وغيرها من وسائل الصورة الشعرية. ولهذا ذهب بعضهم الى ان (البيان) علم دراسة صورة المعنى الشعري. أما البديع والعروض والقافية فعلوم تهتّم بالصورة الصوتية في التعبير الشعري. ¬

_ (¬1). م. ن. ص 8 نقلا عن ويليك. (¬2). الاتجاه الوجداني في الشعر العربي المعاصر، د. عبد القادر القطّ، ص 435.

وكثيرا ما ركّز النّقاد على الاستعارة فجعلوها لبّ الصورة الشعرية فالجرجاني اعتبرها عمدة التصوير والتشكيل للمعنى الغفل. وقد عالج بعض الاستعارات تحت عنوان (المعاني التخييلية). وإذا كان الجرجاني قد ميّز بين التخييل المعتدل والتخييل المغرق فإنه فعل ذلك ليرفض النوع الثاني من التخييل البعيد عن الاستعارة. ورأى السّكاكي أن الاستعارة التصريحية تخييلية وعرّفها بقوله (¬1): «هي أن تسمي باسم الصورة متحقّقة، صورة عندك وهمية محضة تقدّرها مشابهة لها ...» فالاستعارة إذا ركن من أركان الصورة عنده. وقد ذهب السكّاكي الى أن الكناية أيضا صورة شعرية أو هي من الصور الشعرية المتعدّدة. وإذا كان التخييل أساسا للصورة فإنّ حازما القرطاجنّي يعدّه قائما في الشعر من أربعة أنحاء: المعنى والأسلوب واللفظ والنظم (الوزن) والتخييل منه ما هو ضروري ومنه ما ليس بضروري ولكنّه مستحّب. وقد تكلّم المحدثون على الصورة التشبيهيّة وخاصة في التشبيه التمثيلي والتشبيه الاستداري لأنّه من القوالب المركبة للصورة. كما تحدّثوا عن الصورة الاستعارية، والصورة الكنائية والصورة المجازية والصورة الرمزية التي صارت سمة من سمات الشعر الحديث. ¬

_ (¬1). مفتاح العلوم، السكّاكي، ص 376 - 377.

ولقد بدا لبعض النّقاد أن الصورة بديل عن التشبيه والاستعارة ولهذا فإن الصورة عندهم تأتي بأسلوب الحقيقة، كما تأتي بأسلوب المجاز. والصورة المجرّدة ليست صورة شعرية لأنّ هذه تشترط وجود شعور قويّ في الصورة ينبعث من الأفكار والتراكيب المترابطة. وبتأثير الرومنسية ربط النقّاد المحدثون التشبيه بالشعور والوجدان. لهذا رأوا أن صور النّقد القديم قائمة على نزعة حسّية كالشعر القديم مقصّرة عن نقل العواطف والمشاعر التي تنتاب مبدعها من حزن وندم وفرح وغبطة وبهجة وارتياح، فهي إذا جامدة عاجزة عن نقل الداخل مكتفية بتصوير الخارج. والصورة الفنية الناجحة هي القادرة على استشفاف البعد الانساني والنفسي للصورة الحسيّة.

ثالثا: علم المعاني

ثالثا: علم المعاني ويتضمّن ما يأتي: - الإسناد الحقيقي والإسناد المجازي. - أحوال المسند إليه والمسند. - أحوال متعلّقات الفعل. - الخبر: تعريفه، أغراضه وأقسامه. - الإنشاء: نوعه، اغراضه الحقيقية والمجازية. - الإنشاء الطلبي: الأمر، النهي، الاستفهام، النّداء، التمّني. - الإنشاء غير الطلبي: القسم، الترجّي، صيغ العقود، التعجّب - النفي والتوكيد. - القصر. - الفصل والوصل. - الإيجاز والإطناب والمساواة.

[مقدمة]

علم المعاني 1 - تعريفه: عرّفه معجم المصطلحات العربية بقوله (¬1): «هو أحد علوم البلاغة العربية (المعاني، والبيان، والبديع)، وهو العلم الذي يعرف به ما يلحق اللفظ من احوال حتى يكون مطابقا لمقتضى الحال». وعرّف أيضا بأنه: «أصول وقواعد يعرف بها أحوال الكلام العربي التي يكون بها مطابقا لمقتضى الحال، بحيث يكون وفق الغرض الذي سيق له». ركّز التعريف على: تركيب الكلام، وعلى وضعه في المقام المناسب. 2 - موضوعه: اللفظ العربي، من حيث إفادته المعاني الثواني التي هي الأغراض المقصودة للمتكلم، من جعل الكلام مشتملا على تلك اللطائف والخصوصيات، التي يطابق بها مقتضى الحال. ويشمل الخبر والإنشاء. ويدرس الخبر من زاوية الإسناد بطرفيه في مختلف أحوالهما (الحذف، الترتيب، التنكير والتعريف ..) والفصل والوصل وغيرها. 3 - غرضه: الغرض منه جليل فهو يكشف عن أسرار الجمال في القرآن الكريم ومعرفة اعجازه، وما خصّه الله به من جودة السبك، وحسن الوصف، ¬

_ (¬1). معجم المصطلحات العربية في اللغة والادب، وهبة- المهندس، ص 143.

4 - واضعه

وبراعة التركيب، ولطف الإيجاز، وما اشتمل عليه من سهولة التركيب، وجزالة كلماته، وعذوبة ألفاظه وسلامتها. 4 - واضعه: الشيخ عبد القاهر الجرجاني (ت 471 هـ). وقد بيّن ذلك في كتابيه (أسرار البلاغة) و (دلائل الاعجاز) وقرن فيهما بين العلم والعمل.

الجملة وأقسامها

الجملة وأقسامها 1 - تعريف الجملة: عرّفها معجم المصطلحات العربية بقوله (¬1): «هي أقصر صورة من الكلام تدلّ على معنى مستقل بنفسه، وتتكوّن عند المناطقة من موضوع ومحمول، فقولك: الشمس طالعة، الشمس موضوع، وطالعة محمول. ويسمي علماء البلاغة الموضوع مسندا إليه، والمحمول مسندا». الجملة باختصار كلام تام المعنى. 2 - نوعا الجملة: قسم النحاة الجملة قسمين: 2 - أ. فعلية: وهي ما بدأت بفعل، نحو: بنى المنصور بغداد. وتتألف من فعل وفاعل ومتعلقاتهما كما في المثال الأول. وقد يستتر أحد الجزءين أو يحذف، نحو: قم. 2 - ب. إسمية: وهي ما بدأت بدءا أصيلا باسم نحو: السماء صافية. فهي تتكوّن من مبتدأ وخبر وما يتصل بهما. ويدخل في عداد الجمل: ¬

_ (¬1). معجم المصطلحات العربية في اللغة والادب، وهبة- المهندس، ص 77.

وقد رأى النحاة أنواعا اخرى للجملة نذكر منها

1. عبارة النداء: يا أخي، لأنها تعادل: أنادي أخي. 2. عبارة القسم: والله، لأنها تعادل: أقسم بالله. 3. اسم الفعل: دونك الكتاب، لأنها تعادل: خذ الكتاب. وقد رأى النحاة أنواعا اخرى للجملة نذكر منها: 1 - الجملة النواة: وهي الجملة الفعلية أو الاسمية التي تتألّف من الأركان الأساسية فقط نحو: - تشرق الشمس (فعلية). - الشمس مشرقة (اسمية). 2 - الجملة البسيطة: هي الجملة التي تتألّف من الأركان الأساسية ومن زيادة تسمّى فضلة تغنيها من الداخل، نحو: - تشرق الشمس (أركان أساسية) + كلّ صباح (فضلة). 3 - الجملة المركّبة: هي التي تتألّف من مقاطع جملية عدّة تجمع بينها الرّوابط، نحو: - تركت الباخرة، ووقفت على الرّصيف أحدثه. 4 - الجملة المقيّدة: - هي التي تقيّد بمفرد: 1. كالمفعول، نحو: أكل الولد تفاحة. 2. كالنعت، نحو: الطالب المتفوّق محبوب.

3 - ركنا الجملة

3. كالمجرور، نحو: استعرت الكتاب من المكتبة، عاد أبي من الحقل. 4. كالمضاف إليه، نحو: حضر أمين السرّ. 5. كالحال، نحو: خرجت مسرعا. 6. كالتمييز، نحو: اشتريت عشرين كتابا. 7. كالظرف، نحو: سآتيك غدوة. 8. كالنّاسخ، نحو: أوشك المطر ان ينهمر. كما تقيّد بجملة تكون إما: 1. مفعولية، نحو: علمت أنك مسافر (علمت سفرك). 2. نعتيّة، نحو: في القاعة طلاب يقرأون (قارئون). 3. ظرفيّة، نحو: نهضنا حين طلع الفجر. 4. حالية، نحو: مررت على المروءة وهي تبكي (باكية). 5. جملة الموصول، نحو: من عاش مات. 6. جملة شرطيّة، نحو: إن تدرس تفز. 7. مجرورة بحرف الجر، نحو: جئت لأنه دعاني. * إذا وقعت الجملة فاعلا أو مبتدأ أو خبرا لا تعدّ قيدا لأن الفاعل والمبتدأ والخبر من أركان الجملة الأساسية ولا يتم كلام بدونها. 3 - ركنا الجملة: لكلّ جملة ركنان هما: 1. المسند: ويسمى محكوما به، او مخبرا به. 2. المسند إليه: ويسمى محكوما عليه، أو مخبرا عنه.

4 - مواضع المسند

* تسمّى النسبة التي بين المسند والمسند إليه (إسنادا). مثال: الله واحد الله: مسند إليه. واحد: مسند. أي انّنا أسندنا الوحدانية الى الله عزّ وجلّ. * ما زاد في الجملة على ركنيها فهو قيد أو فضلة. والقيود هي: أدوات الشرط، والنفي، والمفاعيل، والحال، والتمييز، والتوابع، والنواسخ. وقد استثني من القيود: المضاف إليه والصّلة. * تسمّى الحروف روابط لأنّها تربط بين ركني الجملة وقيودها. 4 - مواضع المسند: ثمانية هي: 1. خبر المبتدأ، نحو: الله قادر. 2. الفعل التام، نحو: جاء الطلّاب. 3. اسم الفعل، نحو: دونك الكتاب. 4. المبتدأ الوصف المستغني بمرفوعه عن الخبر، نحو: أعارف أخوك قدر الإنصاف. 5. أخبار النواسخ (كان وأخواتها، إنّ وأخواتها، ...) نحو: كان الطقس جميلا. إن الطقس جميل. 6. المفعول الثاني ل (ظنّ واخواتها)، نحو: ظننت الخبر صادقا 7. المفعول الثالث ل (أرى واخواتها)، نحو: أريته المسألة سهلة. 8. المصدر النائب عن فعل الأمر، نحو: سعيا في الخير.

5 - مواضع المسند إليه

5 - مواضع المسند إليه: ستّة هي: 1. فاعل الفعل التام، نحو: قدم المدير. أو لشبه الفعل من الأسماء، نحو: جاء صديقي العالم أبوه. 2. نائب الفاعل، نحو: طبع الكتاب. 3. أسماء النواسخ، نحو: كان المطر غزيرا. إنّ المطر غزير. 4. المبتدأ الذي له خبر، نحو: العلم نافع. 5. المفعول الأول ل (ظنّ واخواتها)، نحو: ظننت الدرس سهلا. 6. المفعول الثاني ل (أرى وأخواتها)، نحو: أريته المسألة سهلة. تمارين: 1. عيّن المسند، والمسند إليه، والقيود، في الأبيات الآتية: قال نزار قبّاني (قصيدة حبيبتي): حبيبتي ... إن يسألوك عنّي يوما ... فلا تفكّري كثيرا قولي لهم بكلّ كبرياء يحبّني يحبّني كثيرا.

صغيرتي ... إن عاتبوك يوما كيف قصصت شعرك الحريرا وكيف؟ حطّمت إناء طيب من بعد ما ربّيته شهورا ... وكان مثل الصيف في بلادي يوزّع الظلال والعبيرا قولي لهم: أنا قصصت شعري لأنّ من احبّه يحبّه قصيرا ... 2. عيّن المسند، والمسند إليه، والقيود، في الأبيات الآتية: قال سليمان العيسى (من قصيدة نشيد الحجارة). لا يملكون سوى الحجارة أطفالنا المتشبّثون بأرضهم ... وبشمسهم، وبزهرة الرمّان والزيتون في أيديهم لا يملكون سوى الحجارة ... ما زلت تسحقهم .. ويحصدهم رصاصك، أيّها السفّاح! ثم يفجّرون الأرض حولك فجأة ...

ويطير لبّك منهم؟ لم أنت مرتعد الفرائص منهم؟ ترغي وتزبد حانقا لا يملكون سوى الحجارة. أطفالنا المتشبّثون بأرضهم، وبشمسهم. سيجازفون ببؤسهم، وخيامهم، وبكسرة الخبز التي يبست على فمهم، نعم ... ويفجّرون الأرض تحتك أيّها «الغبش» الدّخيل .. وليس في أيديهم غير الحجارة. 3. دلّ على الجمل الاسمية والفعلية، ثم اذكر المسند والمسند إليه في ما يأتي: «يا قوم، ظلمتم غير معذورين، وصبرتم غير مأجورين، وسعيتم غير مشكورين، فهلكتم غير مأسوف عليكم. تصبرون على الظلم حتّى يحسبه الناظر عدلا، وتبتسمون للقيد حتى يظنّه الناقد حليا، وتخفضون للظالم جناح الذلّ حتى يقول من يراكم: ما هؤلاء بشر، إن هم إلا آلة سخّرت للناس يفلحون بها الأرض ويزرعون ...». من (كتاب الدرر) لأديب اسحق.

4. دل على أنواع الجمل، واذكر المسند والمسند عليه في ما يأتي: «يبدأ الحكيم رسائله الى صديقه الفرنسي (أندريه) قائلا إن الشّقاء ليس هو البكاء، وإنّ السعادة ليست هي الضحك. ويعلّل هذه «الحكمة» بأنه يضحك طول النهار لأنّه لا يريد ان يموت غارقا في دموعه. هو، كما يقول، شخص ضائع مهزوم في كل شيء. وقد كان الحبّ آخر ميدان دحر فيه. وإذا كان يردّد أحيانا أناشيد القوّة والبطولة، فإنّه يصنع ذلك تشجيعا لنفسه، كمن يغنّي في الظلام طردا للفزع. ويبدو أن هذه المشاعر هي التي تجعله يتعاطف مع ما دعاه بالضّعف الإنساني، فيقول: إنّه لولا هذا الضعف الإنساني ما وجدت العواطف الإنسانية الجميلة التي تنتج احيانا الأعمال الإنسانية العظيمة. ويتساءل لماذا نعدّ دائما الضعف البشري نقيصة، ما دمنا قد وصمنا به الى الأبد؟ فلنحترمه أحيانا، ولنستثمره، ولنحوّله الى فضيلة من فضائل البشر، بغير هذا فإن الحياة لن تحتمل». من كتاب ثورة المعتزل لغالي شكري.

الباب الأول تقسيم الكلام إلى خبر وإنشاء

الباب الأول تقسيم الكلام إلى خبر وإنشاء أولا: الخبر: 1 - 1. تعريفه: عرّفه معجم المصطلحات العربية بقوله (¬1): «هو الذي يحتمل الصدّق إن كان مطابقا للواقع- أو لاعتقاد المخبر عند البعض- والكذب إن كان غير مطابق للواقع- أو لاعتقاد المخبر- في رأي، وذلك كقول أبي الطيّب (البسيط). لا أشرئبّ الى ما لم يفت طمعا … ولا أبيت على ما فات حسرانا». ورأى الجاحظ أنّ الخبر ثلاثة أقسام: 1. خبر صادق. 2. خبر كاذب. 3. خبر لا هو بالصادق ولا بالكاذب. وقد تأثر بهذه القسمة لاعتناقه مذهب المعتزلة الذين ذهب زعيمهم النّظّام الى أن مناط الحكم على الخبر بالصدق أو الكذب هو اعتقاد المتكلّم، لا الواقع. 1 - 2. الغرض من إلقاء الخبر: الأصل في الخبر أن يلقى لأحد غرضين: أ. إفادة المخاطب الحكم الذي تضمّنته الجملة، إذا كان جاهلا له، ويسمّى هذا النوع فائدة الخبر، ومثاله: وليّ الخليفة الصالح، عمر بن عبد ¬

_ (¬1). معجم المصطلحات العربية في اللغة والأدب، وهبة- المهندس، ص 88.

العزيز، الخلافة سنة 99 هـ، وتوفي سنة 101 هـ، وكان لا يأخذ من بيت المال شيئا، ولا يجري على نفسه من الفيء درهما. ومن هذا الباب الحقائق العلمية التي تلقى على مسامع المتعلّمين وهم لا يعرفونها. ب. إفادة المخاطب ان المتكلم عالم بالحكم أيضا، ويسمّى لازم الفائدة، ومثاله: أنت نجحت في الامتحان، أو: لقد وصلت الجامعة متأخرا. فالسامع لم يستفد علما بالخبر نفسه، وإنّما استفاد أن المتكلّم عالم به. وسمّي لازم الفائدة لأنه يلزم في كل خبر أن يكون المخبر به عنده علم أو ظنّ به. ويبدو ان هذا التقسيم المنطقي قد صادف اعتراضا من قبل الدارسين، فقال أحدهم (¬1): «ويبدو التأثر بمنطق العقل بعد ذلك في تقسيمهم الغرض من الخبر إلى ما يسمى: - بالفائدة، - ولازم الفائدة، فهذا التقسيم يرتكز على منطق العقل الذي يقول إنّ الخبر لا يساق إلّا الى واحد من اثنين: من يجهله أو من يعرفه ولا ثالث لهما. فالأول الغرض منه الفائدة. والثاني الغرض منه لازم الفائدة. ونرى أنّ تعرّض البحث البلاغي لمثل هذا الأمر ضرب من الفضول، لأنّ الذي يعني الدارس في المقام الأوّل هو صيغة الكلام وخصائصه التعبيرية، وهذا الغرض الثاني وهو لازم الفائدة- باعتراف بعض الدارسين- لا يؤديه، حقيقة، لفظ الخبر، وإنما يؤديه ضمنا. فإنّ السامع إذا سمع من المتكلّم ما يدلي به إليه من خبر عرف ضمنا ان هذا ¬

_ (¬1). البحث البلاغي عند العرب، شفيع السيّد، ص 146.

1 - 3. أغراض أخرى تفهم من السياق.

المتكلّم عالم بالحكم الذي يتضمّنه ذلك الخبر إذ يلزم من إدلائه أنه عالم به». ولعلّ في اعتراض الباحث نصيبا من الصحّة. وتصنيفات أغراض الخبر التي يستدلّ عليها من السّياق تؤيّد ذلك وتستعصي على الحصر الذي نادى به المتأثرون بالمنطق الصوري. 1 - 3. أغراض أخرى تفهم من السيّاق. قد يخرج الخبر عن الغرضين السابقين الى أغراض أخرى تستفاد من سياق الكلام، وتهدي إليها القرائن، وأهمّها: أ. الاسترحام والاستعطاف. ومثالهما: إنّي فقير إلى عفو ربّي. فليس الغرض هنا إفادة الحكم، ولا لازم الفائدة، لأن الله تعالى عليم، ولكنّه طلب عفو ربّه. وقول يحيى البرمكي مخاطبا هارون الرّشيد (مجزوء الكامل). إن البرامكة الذي … ن رموا لديك بداهية. صفر الوجوه عليهم … خلع المذلّة بادية. فالشاعر هنا لا يخبر الرشيد بما وصل إليه قومه من ذلّ، لأن الرشيد هو الذي أمر، ولا يريد أن يفيده أنّه عالم بما حلّ به وبقومه، إنّما أراد استعطافه راجيا الشفقة والرّحمة. ب. الحثّ على السعي والجد. فكأن الخبر يرمي إلى تحريك الهمّة والحضّ على ما يجب تحصيله، نحو: ليس سواء عالم وجهول. فالكلام يوحي بالحثّ على العلم وطلب المعرفة، لا الإخبار بما بين العلم والجهل من فوارق.

ج. إظهار الضعف والخشوع.

ومثاله قول طاهر بن الحسين للعبّاس بن موسى الهادي وقد استبطأه في خراج ناحيته (الطويل): وليس أخو الحاجات من بات نائما … ولكن أخوها من يبيت على وجل فطاهر بن الحسين لا يريد إخبار العبّاس، بل يحثّه على الجدّ في جباية الخراج. ج. إظهار الضعف والخشوع. ومنه قوله تعالى حكاية عن زكريا عليه السلام رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْباً مريم: 4. فسيّدنا زكريا عليه السلام يرمي إلى إظهار ضعفه ونفاد قوّته قبل كل شيء آخر. د. إظهار التحسّر. ومثاله قوله تعالى: رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُها أُنْثى وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِما وَضَعَتْ آل عمران: 36. فالآية تنفي الإخبار، لأنّ الله تعالى يعلم ما وضعت، ولكنّ الغرض إظهار التحسّر على شيء محبوب، فقد كانت تحبّ أن تضع ذكرا، فلما وضعت انثى أبدت حسرتها. ومثاله أيضا قول اعرابي في رثاء ولده (الكامل): لمّا دعوت الصبر بعدك والأسى … أجاب الأسى طوعا ولم يجب الصّبر. فإن ينقطع منك الرجاء فإنّه … سيبقى عليك الحزن ما بقي الدّهر. فالأعرابيّ لا يريد الإخبار، إنّما أراد إظهار الحسرة والحزن على فقد ولده.

هـ. الفخر.

هـ. الفخر. ومثاله قول عمرو بن كلثوم (الوافر): إذا بلغ الفطام لنا صبيّ … تخرّ له الجبابر ساجدينا فعمرو بن كلثوم لا يهدف إلى الإخبار، بل كان هدفه الفخر بقومه، والمباهاة بما لهم من بأس وقوّة. ومنه الحديث المنسوب إلى الرسول (ص): «إنّ الله اصطفاني من قريش». و. إظهار الفرح بمقبل والشّماتة بمدبر. ومثاله قوله تعالى: جاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْباطِلُ إِنَّ الْباطِلَ كانَ زَهُوقاً الاسراء: 81. ز. التوبيخ. ومنه قولك للكسول الخمول المتردّد في النهوض من فراشه: الشمس طالعة. ح. التحذير. ومنه قولك لمصمّم على الطلاق: «أبغض الحلال إلى الله الطلاق». ط. المدح. كقول النابغة الذبياني (الطويل): فإنّك شمس والملوك كواكب … إذا طلعت لم يبد منهنّ كوكب. * وقد يأتي لأغراض أخرى، والمرجع في معرفة ذلك الذوق والعقل السليم، كالهجاء في قول جرير (الطويل):

تمارين

لقد ولدت أمّ الفرزدق فاجرا … وجاءت بوزواز قصير القوائم. والرثاء كقول ابن الرومي في رثاء ابنه الأوسط: طواه الرّدى عنّي فأضحى مزاره … بعيدا على قرب قريبا على بعد. تمارين: 1 - بيّن أغراض الخبر في ما يأتي: لقد أدّبت بنيك باللّين والرّفق، لا بالقسوة والعقاب. كان معاوية حسن التدبير، يحلم في مواضع الحلم، ويشتدّ في مواضع الشدّة. توفيّ عمر بن الخطّاب (ر) سنة ثلاث وعشرين من الهجرة. وقال أبو فراس (الكامل): 1. ومكارمي عدد النجوم ومنزلي … ماوى الكرام ومنزل الأضياف. 2. وقال أبو الطيب (الطويل): وما كل هاو للجميل بفاعل … ولا كلّ فعّال له بمتمّم. 3. وقوله أيضا يرثي أخت سيف الدولة (البسيط): غدرت يا موت كم أفنيت من عدد … بمن أصبت وكم أسكتّ من لجب 4. وقال أبو العتاهية يرثي ولده عليّا (الوافر): بكيتك يا عليّ بدمع عيني … فما اغنى البكاء عليك شيّا وكانت في حياتك لي عظات … وانت اليوم أوعظ منك حيّا. 5. وقال ابراهيم بن المهدي مخاطبا المأمون:

أتيت جرما شنيعا … وأنت للعفو أهل فإن عفوت فمنّ … وإن قتلت فعدل. 6. وقال أبو نواس في مرض موته (الخفيف). دبّ فيّ السّقام سفلا وعلوا … وأراني أموت عضوا فعضوا ذهبت جدّتي بطاعة نفسي … وتذكّرت طاعة الله نضوا (¬1) لهف نفسي على ليال وأيّا … م تجاوزتهنّ لعبا ولهوا قد أسأنا كلّ الإساءة فالل … همّ صفحا عنّا وغفرا وعفوا. 7. وقال أبو العلاء المعري (الطويل): وإنّي وإن كنت الأخير زمانه … لآت بما لم تستطعه الأوائل. 8. وقال غيره (الكامل): قومي همو قتلوا أميم اخي … فإذا رميت يصيبني سهمي. 9. وقال آخر (الكامل): قد كنت عدّتي التي أسطو بها … ويدي إذا اشتد الزّمان وساعدي. 10. وقال غيره (البسيط): كفى بجسمي نحولا أنّني رجل … لولا مخاطبتي إيّاك لم ترني. 11. وقال المتنبي (لوافر): طلبتهم على الأمواه حتّى … تخوّف أن تفتّشه السحاب. ¬

_ (¬1). النضو: الثوب الخلق البالي.

ثانيا: أضرب الخبر.

ثانيا: أضرب الخبر. تختلف صور الخبر في أساليب اللغة باختلاف أحوال المخاطب الذي يعتريه ثلاث حالات هي: أ. أن يكون المخاطب خالي الذهن من الخبر، غير متردّد فيه، ولا منكر له. في هذه الحالة يلقى إليه الخبر خاليا من ادوات التوكيد، لعدم الحاجة إليه. ويسمّى هذا الضرب من الخبر ابتدائيا. يلجأ إليه حين يكون المخاطب خالي الذهن من مدلول الخبر فيتمكن فيه لمصادفته إيّاه خاليا، تحقيقا لقول الشاعر (الطويل): عرفت هواها قبل أن أعرف الهوى … فصادف قلبا خاليا فتمكّنا ومثاله ما ورد في كتاب معاوية لأحد عمّاله: «لا ينبغي لنا ان نسوس النّاس سياسة واحدة، لا نلين جميعا فيمرح الناس في المعصية، ولا نشتدّ جميعا فنحمل الناس على المهالك، ولكن تكون أنت للشدّة والغلظة، وأكون أنا للرأفة والرحمة». والخبر في هذه الجمل خال من التوكيد لأن المخاطب خالي الذهن من مضمون الخبر ولذلك لم ير المتكلم حاجة الى توكيد الحكم له. ب. أن يكون المخاطب متردّدا في الخبر، طالبا الوصول الى اليقين في معرفته. في هذه الحالة يستحسن توكيد الكلام ليتمكّن من نفس المخاطب، ويطرح الخلاف والتردّد وراء ظهره. ويسمّى هذا الضرب من الخبر طلبيّا ويتضمّن وسيلة توكيد واحدة.

ج. أن يكون المخاطب منكرا للخبر، معتقدا خلافه.

مثاله قوله تعالى إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ النحل: 90، أكّد الخبر بأداة واحدة هي (إنّ). وكقول أحدهم: إنّه قد نجح المجتهدون. فالمخاطب يشك بصحة الخبر لذلك ألقي إليه الخبر مؤكّدا ب (إنّ) وب (قد). ج. أن يكون المخاطب منكرا للخبر، معتقدا خلافه. في هذه الحال يجب أن يؤكّد الخبر بمؤكّد أو أكثر على حسب إنكاره قوّة وضعفا. ويسمّى هذا الضرب إنكاريا ويتضمّن اكثر من وسيلة توكيد واحدة. ومثاله قول أبي العبّاس السفّاح: «لأعملنّ اللّين حتّى لا ينفع إلّا الشدّة، ولأكرمنّ الخاصّة ما أمنتهم على العامّة، ولأغمدنّ سيفي حتّى يسلّه الحق، ولأعطينّ حتّى لا أرى للعطيّة موضعا». فالمخاطبون منكرون للحكم، رافضون القبول به، لذلك لجأ أبو العبّاس الى استخدام وسائل التقوية والتوكيد ليدفع الشك عن نفوس المخاطبين، ويدعوهم الى التسليم. لقد لجأ الى لام القسم ونون التوكيد الثقيلة والنّفي بعده حصر ب (إلّا). ومثاله أيضا قولنا: إن أخاك لقادم. فالتأكيد ب (إنّ واللام)، وإذا شعرنا أن إنكاره أقوى يمكن التأكيد بثلاث أدوات فنقول: والله إنّه لقادم (القسم+ إنّ+ اللام). وكما يكون التأكيد في الإثبات، يكون في النفي أيضا، نحو: ما الكريم بنادم على بذله والله ما المستشير بنادم.

* لتوكيد الخبر ألفاظ عديدة أهمها

* لتوكيد الخبر ألفاظ عديدة أهمّها: إنّ، أنّ، لام الابتداء، أحرف التنبيه والقسم، ونونا التوكيد، والحروف الزائدة (تفعّل واستفعل) والتكرار، قد، أمّا الشرطية، إنّما، اسمية الجملة، ضمير الفصل ... لتوكيد الخبر ألفاظ عديدة هي: أ. الحروف: إنّ، أنّ، قد، لام التوكيد، إنّما، أمّا، ف. بعض حرف الجر في استعمالات خاصة (من، ب) الخ. ب. أفعال ترد في تركيب الإنشاء ولكنها تؤكد مضمونا خبريا: أكّد، أقسم، حلف ... ج. تراكيب إنشائية من قبيل القسم مثل: والله، لعمري ... تمارين: 1. بيّن اضرب الخبر في ما يأتي، وعيّن أداة التوكيد. جاء في نهج البلاغة: «الدّهر يخلق الأبدان، ويجدّد الآمال، ويقرّب المنيّة، ويباعد الأمنيّة، من ظفر به نصب، ومن فاته تعب». قال يزيد بن معاوية بعد وفاة أبيه: «إنّ أمير المؤمنين كان حبلا من حبال الله مدّه ما شاء أن يمدّه، ثم قطعه حين أراد أن يقطعه، وكان دون من قبله، وخيرا ممّن يأتي بعده، ولا أزكّيه عند ربّه وقد صار إليه، فإن يعف عنه فبرحمته، وإن يعاقبه فبذنبه، وقد وليت بعده الأمر ولست أعتذر من جهل، ولا آسى على طلب علم، وعلى رسلكم، إذا كره الله شيئا غيّره، وإذا أحبّ شيئا يسّره».

وقال أحدهم مخاطبا صديقه: لقد أدّبت بنيك باللين والرفق، لا بالقسوة والعقاب. 2. بيّن الجمل الخبرية في ما يأتي، وعيّن أضربها، واذكر ما اشتملت عليه من وسائل التوكيد. 1. إنّ الحياة لثوب سوف نخلعه … وكلّ ثوب إذا ما رثّ ينخلع 2. وعاد في طلب المتروك تاركه … إنّا لنغفل والأيّام في الطّلب 3. أما دون مصر للغنى متطلّب؟ … - بلى- إنّ اسباب الغنى لكثير 4. فيوم لنا ويوم علينا … ويوم نساء ويوم نسرّ 5. لئن كنت محتاجا الى الحلم إنّني … الى الجهل في بعض الأحايين أحوج 6. وما كنت أرضى الجهل خدنا وصاحبا … ولكنّني أرضى به حين أحرج 7. ولي فرس للحلم بالحلم ملجم … ولي فرس للجهل بالجهل مسرج 8. فمن شاء تقويمي فإنّي مقوّم … ومن شاء تعويجي فإنّي معوجّ 9. ولست بمبد للرجال سريرتي … ولا أنا عن أسرارهم بسؤول 10. على قدر أهل العزم تأتي العزائم … وتأتي على قدر الكرام المكارم 11. لأنت جمال الحياة بعيني … وفاتنتي قبل كلّ الغواني 12. وبيننا لو رعيتم ذاك معرفة … إن المعارف في أهل النهى ذمم 13. وإني لحلو تعتريني مرارة … وإنّي لترّاك لما لم أعوّد

ثالثا: خروج الخبر عن مقتضى الظاهر.

ثالثا: خروج الخبر عن مقتضى الظاهر. عرفنا سابقا أن الخبر إذا ألقي خاليا من التوكيد لخالي الذهن، ومؤكّدا استحسانا للسائل المتردّد، ومؤكدا وجوبا للمنكر، كان ذلك الخبر جاريا على مقتضى الظاهر. لكنّ الخبر قد يجري على خلاف ما يقتضيه الظاهر لاعتبارات يلحظها المتكلم. من ذلك: أ. أنّ ينزّل خالي الذهن منزلة السائل المتردّد إذا تقدّم في الكلام ما يشير الى حكم الخبر. ومثاله قوله تعالى: .. وَلا تُخاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ هود: 37. تخاطب الآية نوحا عليه السلام، ونوح خالي الذهن من الحكم الخاص بالظالمين، وكان مقتضى الظاهر أن يلقى إليه الخبر غير مؤكد. والآية جاءت بالتوكيد، وذلك لأن الله تعالى عندما نهى نوحا عن مخاطبته في شأن مخالفيه دفعه ذلك الى التطلع إلى ما سيصيبهم، فنزل لذلك منزلة السائل المتردّد، فأجيب بقوله: إنّهم مغرقون. ب. أن يجعل غير المنكر كالمنكر لظهور أمارات الإنكار عليه. ومثاله قوله تعالى: ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذلِكَ لَمَيِّتُونَ المؤمنون: 15. المخاطبون في هذه الآية لا ينكرون الحكم الذي تضمنّته، ولكن ظهور أمارات الإنكار عليهم نزّلهم منزلة المنكرين، فألقي إليهم الخبر مؤكدا بمؤكدين. ومثاله قول حجل بن فضلة القيسي (الخفيف). جاء شقيق عارضا رمحه … إنّ بني عمّك فيهم رماح

ج. أن يجعل المنكر كغير المنكر إن كان لديه دلائل وشواهد لو تأملها لارتدع عن إنكاره.

لقد جاء شقيق راكبا على فرسه عارضا رمحه استخفافا بمن يقابلهم من بني عمّه حتى لكأنه يعتقد أنّهم عزل لا سلاح عندهم. لذلك أنزل منزلة المنكرين فأكّد الخبر وخوطب خطاب المنكر. ج. أن يجعل المنكر كغير المنكر إن كان لديه دلائل وشواهد لو تأمّلها لارتدع عن إنكاره. ومثاله قوله تعالى: وَإِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ البقرة: 163. الآية تخاطب منكري وحدانية الخالق سبحانه، وألقت إليهم الخبر بلا توكيد، لأن المنكرين عندهم من الأدلة والبراهين ما لو تأمّلوها لوجدوها مقنعة الإقناع كلّه، ولذلك لم يقم الله تعالى لإنكارهم وزنا. ومثاله قولك لمن يؤذي أباه: هذا أبوك. فالمخاطب ليس بحاجة إلى تأكيد الخبر، لكنّه لو تأمّل لارتدع عن إيذاء أبيه وكفّ عنه، لذلك ألقي إليه الخبر خاليا من التوكيد. تمارين: 1. بيّن وجوه خروج الخبر عن مقتضى الظاهر في ما يأتي: قال تعالى: وَما أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ يوسف: 53. - يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ الحج: 1. - تقول لمن يظلم الناس بغير حق: إنّ الله لمطّلع على أفعال العباد. - تقول لمن ينكر وجود الخالق: الله موجود. - تقول لمن ينكر فائدة العلم: العلم نافع. - تقول لمن يكره العمل: إن الفراغ لمفسدة. - قال أبو الطيّب (الوافر): ترفّق أيّها المولى عليهم … فإنّ الرفق بالجاني عتاب.

الباب الثاني الإنشاء وأقسامه

الباب الثاني الإنشاء وأقسامه 1 - 1. تعريفه. جاء في معجم المصطلحات أن الإنشاء هو (¬1): «ما لا يصحّ أن يقال لقائله إنّه صادق فيه أو كاذب». 1 - 2. قسما الإنشاء. ينقسم الإنشاء إلى قسمين هما: أ. إنشاء طلبي: وهو ما يستدعي مطلوبا غير حاصل وقت الطلب. ويكون خاصة في: الأمر، والنهي، والاستفهام، والتمنّي، والنداء. * يضاف اليها: العرض، والتّحضيض، والدعاء، والالتماس. ب. إنشاء غير طلبي. وهو ما لا يستدعي مطلوبا، وله صيغ كثيرة ومنها: المدح، والذمّ، وصيغ العقود، والقسم، والتعجّب، والرّجاء. * يضاف اليها: ربّ، ولعلّ، وكم الخبرية. وسنبدأ بتفصيل كل بحث من أبحاث الإنشاء الطلبي وغير الطّلبي. ¬

_ (¬1). معجم المصطلحات العربية في اللغة والادب، وهبة- المهندس، ص 37.

الإنشاء الطلبي

[الإنشاء الطلبي] الإنشاء الطلبي 1 - الأمر. 1 - 1. تعريف: هو طلب حصول الفعل من المخاطب على وجه الاستعلاء. ويكون ممّن هو اعلى إلى من هو أقلّ منه. 1 - 2. صيغه الأصلية: للأمر أربع صيغ أصلية هي: أ. الأمر بالفعل: أي بفعل الأمر، نحو: أكرم أباك وأمّك. ولا تستعمل إلا مع المخاطب فيكون الأمر بها مباشرا من الآمر الى المأمور وهو حاضر أو في حيّز الحاضر في المقام نحو: عش بالشعور وللشعور فإنما … دنياك كون عواطف وشعور. ب. الفعل المضارع المقرون ب (لام الأمر) نحو: لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ الطلاق: 7. وينشأ بها الأمر المباشر وكذلك غير المباشر (المأمور غائب ويبلغ الأمر بوساطة رسالة او رسول). ج. اسم فعل الأمر. نحو، عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ المائدة: 105.

د. المصدر النائب عن فعل الأمر.

د. المصدر النائب عن فعل الأمر. نحو: سعيا في سبيل الخير، أي: اسعوا ... 1 - 3. صيغه غير الأصلية المستفادة من سياق الكلام وقرائن الأحوال. قد تخرج صيغ الأمر عن معناها الأصلي وهو الإيجاب والإلزام إلى معان أخرى منها: أ. الدّعاء: وهو طلب من الأدنى الى الأعلى، نحو قوله تعالى: رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ النمل: 19. ب. الإلتماس: وهو طلب نظير من نظيره، نحو قولك لصديقك: أعطني القلم. ج. النّصح والإرشاد: نحو قوله تعالى: إِذا تَدايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كاتِبٌ بِالْعَدْلِ البقرة: 282. د. التهديد: كقوله تعالى اعْمَلُوا ما شِئْتُمْ إِنَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ فصلت: 40. ويكون في مقام عدم الرّضا بالمأمور به.

هـ. التعجيز

هـ. التعجيز: كقوله تعالى: فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ البقرة: 23. ويكون في مقام إظهار عجز من يدّعي قدرته على فعل أمر ما، وليس في وسعه ذلك. و. الإباحة: كقوله تعالى: وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ البقرة: 187. ز. التسوية: كقوله تعالى: فَاصْبِرُوا أَوْ لا تَصْبِرُوا سَواءٌ عَلَيْكُمْ الطور: 16. ح. الإكرام: كقوله تعالى: ادْخُلُوها بِسَلامٍ آمِنِينَ الحجر: 46. ط. الامتنان: كقوله تعالى: فَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ حَلالًا طَيِّباً وَاشْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ النحل: 114. ي: الإهانة: كقوله تعالى: كُونُوا حِجارَةً أَوْ حَدِيداً الاسراء: 50 وتكون في مقام عدم الاعتداد بالمخاطب وقلة المبالاة به. ك. الدّوام: كقوله تعالى: اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ الفاتحة: 6.

ل. التمني

ل. التمنّي: كقول امرئ القيس (الطويل): ألا أيّها الليل الطويل ألا انجلي … بصبح وما الإصباح منك بأمثل. فالشاعر لا يأمر الليل وإنّما أرسل صيغة الأمر مريدا بها التمنّي. م. التخيير: كقول البحتري (الطويل): فمن شاء فليبخل ومن شاء فليجد … كفاني نداكم من جميع المطالب * والفرق بين التخيير والإباحة: أن التخيير لا يجوّز الجمع بين الشيئين، والإباحة تجوّزه ففي الإباحة إذن بالفعل وإذن بالترك. تمارين: 1 - دلّ على صيغ الأمر وعيّن المراد من كل صيغة في ما يأتي: - أزل حسد الحسّاد عني بكبتهم … فأنت الذي صيّرتهم لي حسّدا - عش عزيزا أو مت وأنت كريم … بين طعن القنا وخفق البنود - أروني بخيلا طال عمرا ببخله … وهاتوا كريما مات من كثرة البذل - شاور سواك إذا نابتك نائبة … يوما وإن كنت من أهل المشورات - واخفض جناحك إن منحت إمارة … وارغب بنفسك عن ردى اللذّات - فيا موت زر إن الحياة ذميمة … ويا نفس جدّي إنّ دهرك هازل - فعش واحدا أو صل أخاك فإنّه … مقارف ذنب مرّة ومجانبه - فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع - وكن على حذر للناس تستره … ولا يغرّك منهم ثغر مبتسم - يا ليل طل يا نوم زل … يا صبح قف لا تطلع - أولئك آبائي فجئني بمثلهم … إذا جمعتنا يا جرير المجامع

2 - دلّ على صيغ الأمر وعين المراد من كل صيغة في ما يأتي: قال تعالى: خُذِ الْكِتابَ بِقُوَّةٍ مريم: 12. قال تعالى: إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطارِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ فَانْفُذُوا الرحمن: 33. قال تعالى: خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجاهِلِينَ. الأعراف: 199 قال تعالى: قُلْ هاتُوا بُرْهانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ النمل: 64. قال تعالى: رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي* وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي* وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسانِي* يَفْقَهُوا قَوْلِي* وَاجْعَلْ لِي وَزِيراً مِنْ أَهْلِي طه: 25 - 29. قال حكيم يوصي ابنه: يا بنيّ، استعذ بالله من شرار الناس، وكن من خيارهم على حذر. يا بنيّ، زاحم العلماء بركبتيك، وأنصت اليهم بأذنيك، فان القلب يحيا بنور العلم كما تحيا الأرض الميتة بمطر السماء. وقال الإمام (ر) علي في رسالة له الى عامله ابن عبّاس: أقم للناس الحج، وذكّرهم بأيام الله، واجلس لهم العصرين فأفت المستفتي، وعلّم الجاهل، وذاكر العالم. 3 - دلّ على صيغ الأمر وعيّن المراد من كل صيغة: قال السيّاب في أنشودة المطر: صرخت في الشّتاء: أقضّ يا مطر مضاجع العظام والثلوج والهباء مضاجع الحجر وانبت البذور ولتفتّح الزهر وأحرق البيادر العقيم بالبروق وفجّر العروق وأثقل الشّجر.

وقال نزار قبّاني (أشهد أن لا امرأة إلّا أنت ص 66 - 67). إكبري عشرين عاما ثمّ عودي … إنّ هذا الحبّ لا يرضي ضميري حاجز العمر خطير وأنا … أتحاشى حاجز العمر الخطير نحن عصران فلا تستعجلي … القفز يا زنبقتي فوق العصور أنت في أوّل سطر في الهوى … وأنا أصبحت في السّطر الأخير

الإنشاء الطلبي 2 - النهي.

الإنشاء الطلبي 2 - النهي. 2 - 1: تعريفه. هو طلب الكفّ عن الشيء على وجه الاستعلاء مع الإلزام، ويكون لمن هو أقلّ شأنا من المتكلم، وهو حقيقة في التحريم، فمتى وردت صيغة النهي أفادت الحظر والتحريم على الفور. 2 - 2: صيغته الأصلية. للنهي صيغة واحدة هي المضارع المقرون ب (لا) الناهية. ومثاله قوله تعالى: وَلا تَجَسَّسُوا وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً الحجرات: 12. 2 - 3: صيغة غير الأصلية المستفادة من سياق الكلام وقرائن الأحوال. قد تخرج صيغة النهي عن معناها الأصلي الى معان أخرى منها: أ. الدّعاء: وهو النهي من الأدنى الى الأعلى نحو قوله تعالى: رَبَّنا لا تُؤاخِذْنا إِنْ نَسِينا أَوْ أَخْطَأْنا رَبَّنا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنا إِصْراً كَما حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنا رَبَّنا وَلا تُحَمِّلْنا ما لا طاقَةَ لَنا بِهِ البقرة: 286.

ب. الالتماس

ب. الالتماس: وهو نهي موجّه من نظير الى نظيره كقولك لصديقك: لا تتوان في طلب العلى، وكقوله تعالى على لسان هارون يخاطب اخاه موسى قالَ يَا بْنَ أُمَّ لا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلا بِرَأْسِي طه: 94. ج. الإرشاد: كقوله تعالى يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَسْئَلُوا عَنْ أَشْياءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ المائدة: 101. ويكون النهي في شكل نصح يتضمّن حكمة تنمّ عن تجربة: لا تكن يابسا فتكسر ولا تكن لينا فتعصر. د. التهديد: كقوله: لا تمتثل أمري. وكقوله لخادمه: لا تطع أمري. هـ. التمنّي: كقوله: يا ليلة الأنس لا تنقضي. وكقول الشاعر (مجزوء الرجز). يا ليل طل يا نوم زل … يا صبح قف لا تطلع. و. التوبيخ: كقول أبي الأسود (الكامل): لا تنه عن خلق وتأتي مثله … عار عليك إذا فعلت عظيم. ز. التيئيس: كقوله تعالى لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمانِكُمْ التوبة: 66.

ح. التحقير

ح. التحقير: ومثاله قول المتنبي (البسيط): لا تشتر العبد إلّا والعصا معه … إنّ العبيد لأنجاس مناكيد ط. الكراهة: كقولك: لا تلتفت وأنت في الصلاة. ي. بيان العاقبة: نحو قوله تعالى وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْواتاً بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ آل عمران: 169. تمارين 1. دلّ على صيغة النهي، وبيّن المراد منها في ما يأتي: قال تعالى وَلا تَقْرَبُوا مالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ الأنعام: 152. وقال تعالى يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا بِطانَةً مِنْ دُونِكُمْ آل عمران: 118. وقال تعالى وَلا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْباطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ البقرة: 42 وقال الشاعر: فلا تبلغاه ما أقول فإنه … شجاع متى يذكر له الطعن يشتق ولا تجلس الى اهل الدنايا … فإنّ خلائق السّفهاء تعدي لا تطلب المجد إنّ المجد سلّمه … صعب، وعش مستريحا ناعم البال لا تحسب المجد تمرا أنت آكله … لن تبلغ المجد حتى تلعق الصبرا لا تعرضّنّ لجعفر متشبها … بندى يديه فلست من أنداده لا تطمحنّ الى المراتب قبل ان … تتكامل الأدوات والأسباب أعينيّ جودا ولا تجمدا … ألا تبكيان لصخر النّدى

لا تحسبوا من قتلتم كان ذا رمق … فليس تأكل إلا الميتة الضّبع لا يخدعنّك من عدوّ دمعه … وارحم شبابك من عدوّ ترحم وقال نزار (أشهد أن لا امرأة ص 122). فلا تعلني الحرب … إنّ الجميلات لا يحترفن القتال! ولا تطلقي النار ذات اليمين وذات الشمال! … في آخر الأمر لن تستطيعي اغتيال كلّ الرجال.

الإنشاء الطلبي 3 - الاستفهام.

الإنشاء الطلبي 3 - الاستفهام. 3 - 1. تعريفه: هو طلب العلم بشيء لم يكن معلوما من قبل. 3 - 2. ألفاظ الاستفهام: أ. حروف الاستفهام نوعان أشهرها: الهمزة وهل. ب. أسماء الاستفهام: من، ما، أيّ، كيف، أين، أيّان، متى، أنّى وكم الاستفهامية. 3 - 3. أنواع الاستفهام: يقسم الاستفهام بحسب الطلب ثلاثة أقسام هي: أ. ما يطلب به التّصور تارة، والتّصديق طورا وهو: الهمزة. 1. التصوّر وهو إدراك المفرد. وفي هذه الحال تأتي الهمزة متلوّة بالمسؤول عنه، ويذكر له في الغالب معادل بعد (أم)، ومثاله: أعليّ مسافر أم سعيد؟ فأنت تعتقد أن السّفر حصل من أحدهما، ولكن تطلب تعيينه. لذلك يجاب عنه بالتعيين. سعيد مثلا أو عليّ. وحكم الهمزة التي لطلب التصوّر، ان يليها المسؤول عنه بها- سواء- أكان: - مسندا اليه نحو: أأنت فعلت هذا أم يوسف؟ - أم مسندا نحو: أراغب أنت عن الأمر أم راغب فيه؟

ب. ما يطلب به التصديق فقط وهو (هل).

- أم مفعولا نحو: إيّاي تقصد أم سعيدا؟ - أم حالا، نحو: أراكبا حضرت أم ماشيا؟. - أم ظرفا، نحو: أيوم الخميس قدمت أم يوم الجمعة؟ ويذكر المسؤول عنه في التصوّر بعد الهمزة، ويكون له معادل يذكر بعد (أم) غالبا. وقد يستغنى عن ذكر المعادل نحو: أأنت فعلت هذا بآلهتنا يا ابراهيم. وتسمّى معرفة المفرد تصورا. 2. التصديق: وهو إدراك النسبة، بحيث يكون المتكلم خالي الذهن ممّا استفهم عنه في جملته مصدّقا للجواب- إثباتا ب (نعم)، أو نفيا ب (لا). نحو: أيصدأ الذهب؟ أتتحرّك الأرض؟ فيجاب بنعم إن أريد الإثبات، وبلا إن أريد النفي. ب. ما يطلب به التصديق فقط وهو (هل). ويمتنع معها ذكر المعادل. ومثالها: هل يعقل الحيوان؟ هل يحسّ النبات؟ هل ينمو الجماد؟ فلا يقال: هل سعد قام أم سعيد؟ فهل تفيد أنّ السائل جاهل بالحكم لأنّها لطلبه، وأم المتّصلة تفيد أن السائل عالم به.

ج. ما يطلب به التصور فقط، ويكون ببقية ألفاظ الاستفهام.

ج. ما يطلب به التصوّر فقط، ويكون ببقيّة ألفاظ الاستفهام. وهي أسماء غائمة في دلالتها ذات عمل واحد هو التعويض. واذا وردت في الاستفهام كان المطلوب بها ما تعوّضه. الموصول المشترك: - من: ويطلب بها تعيين أفراد العقلاء، نحو: من فتح مصر؟ - ما: موضوعة للاستفهام عن غير العقلاء، نحو: ما العسجد؟ أسماء الزمان: - متى: يطلب بها تعيين الزّمان ماضيا أو مستقبلا، نحو: متى تولّى عمر الخلافة؟ متى نحظى بالحرية؟ - أيّان: يطلب بها تعيين الزمان المستقبل خاصة وتكون في موضع التفخيم والتهويل، نحو يَسْئَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْساها الأعراف: 187. 3 - 4. المعاني المستفادة من الاستفهام بالقرائن وسياق الكلام. يخرج الاستفهام عن معناه الأصلي (طلب معرفة شيء لا يعرف حقيقته) إلى معان أخرى يكشفها السّياق، وربّما كشفها التنغيم intonation أيضا. ومن هذه المعاني نذكر: أ. الأمر: يرد الأمر في سياق غايته حمل المخاطب على القيام بفعل على وجه الاستعلاء، لأنّ السائل لا يطلب معرفة بل ينتظر إنجاز مضمون الاستفهام الذي يطرحه، وبهذا يكتسب الاستفهام قيمة الأمر الصّريح.

ب. النهي

والمقام هنا يفرض أن يكون المستفهم في موقع اجتماعي أو إداري أو سياسي عال قياسا الى موضع المخاطب، وأن يتوفر في ذاكرتيهما المشتركة جملة من الأحداث أو الرّغبات التي يمكن طلب تحقيقها من طريق الاستفهام. مثال ذلك قول الرئيس لمرؤوسه المتقاعس: ألا تصرّف أعمال الناس؟ ألا تخاف العواقب؟ ومنه قوله تعالى فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ المائدة: 91 أي انتهوا. ب. النهي: هو كالأمر طلب لكنّه طلب سلبي والأمر طلب إيجابي، إذ الأمر يطلب إنجاز أمر، والنهي يطلب عدم إنجاز شيء ما. مثاله قوله تعالى أَتَخْشَوْنَهُمْ فَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَوْهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ التوبة: 13. فكأن الآية تقول: لا تخشوهم واخشوا الله لأنه أحق منهم بخشيتكم إن كنتم مؤمنين به وبتعاليمه. ج. النّفي: كقوله تعالى هَلْ جَزاءُ الْإِحْسانِ إِلَّا الْإِحْسانُ الرحمن: 60. ظاهر التركيب استفهام لكنّ الآية ترمي الى النفي وكأن الآية تقصد الى القول: ما جزاء الإحسان إلّا الإحسان. وفيه يرمي المستفهم الى النفي، واذا عوّض الاستفهام بنفي، استقام كلامه. وقد ينتج عن الاستفهام مجرّد النفي أو الاثبات كما في قولهم: هل ينفع الندم بعد فوات الأوان؟ والمعنى: لا ينفع النّدم بعد فوات الاوان لكنّ إجراء (هل) مكان (لا) زاد في توكيد النفي. ومنه قول الشاعر (الطويل): هل الدّهر إلّا غمرة وانجلاؤها … وشيكا وإلّا ضيقة وانفراجها؟

د. الإنكار

فالمعنى العام للبيت يسمح بإحلال حرف نفي عادي محلّ هل ويبقى المعنى نفسه كأن نقول: وما الدّهر إلّا غمرة ... وإلّا ضيقة وانفراجها. د. الإنكار: من الاستفهام ما سمّي استفهاما إنكاريا إذ يخرج الاستفهام عن معنى الطّلب إلى معنى استنكار وقوع ما هو استفهام عنه في الظاهر، كأن يقول قائد لأحد جنوده المتقاعسين: أتخون وطنك؟ أتضحي بشرفك؟ ومنه قوله تعالى أَلِرَبِّكَ الْبَناتُ وَلَهُمُ الْبَنُونَ الصافات: 149 أو أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً الحجرات: 12. ومن لوازم الاستفهام الإنكاري هذا أن يكون المستفهم عنه غير واقع، أو أن يكون مدّعيه كاذبا. هـ. الإثبات والتّقرير: هو استفهام يرمي الى حمل المخاطب على الإقرار بما يسأل عنه. ومن خصائصه أن يكون: - منفيّا يخرج فيه المعنى من الاستخبار الى الإقرار. وبهذا يكون أمكن من التقرير الخبري، وأبلغ من التوكيد. مثاله: أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ الأعراف: 172. لاحظ أن هذا الضرب من الاستفهام يكون غالبا بالهمزة يليها المقرّر به، كقول الأم لولدها: أضربت أخاك؟ إذا أرادت أن تقرّر أن الضرب كان منه، وكقولنا: أأنت فعلت هذا؟ إذا أردنا أن نقرّر أنّك الفاعل.

و. التسوية

لذلك كان الغرض من هذا الضرب من الاستفهام حمل المخاطب على الاعتراف، والإقرار بأمر كان قد استقرّ عنده. و. التسوية: ويفهم من الاستفهام هنا المساواة بين أمرين يسأل عنهما المتكلّم، كقول المتنبّي (الطويل): ولست أبالي بعد إدراكي العلا … أكان تراثا ما تناولت أم كسبا. فالشاعر لا يسأل ليفاضل بين الطريف والتلّيد لأنهما سيّان عنده. فهو يساوي بينهما ولا يسأل عن الأفضل. ز. التشويق: المتكلم هنا يدرك الخبر ويشوّق سامعه الى سماعه، فكأنه يريد دغدغة المخاطب وتحفيزه على الاستفهام، لأنّه يطرح السؤال ويجيب عنه غالبا، كقولنا: أتريد مالا؟ خذ المال. ومنه قوله تعالى يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى تِجارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ* تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ الصّف: 10 - 11. فالآية 10 شوّقت المخاطبين الى سماع الخبر اليقين الذي جاء واضحا في الآية 11 لذلك لم يكن الاستخبار مقصودا فيها لأنّ الخبر ملقى من السائل في الآية التي تلتها. ح. الاستئناس: مثاله قوله تعالى: وَما تِلْكَ بِيَمِينِكَ يا مُوسى طه: 17. فالعصا الموجودة في يد موسى يعرفها السائل ويراها ويعلم حقيقة أمرها.

ط. التهويل والتخويف

ط. التهويل والتخويف: كقوله تعالى الْقارِعَةُ* مَا الْقارِعَةُ القارعة: 1 - 2 والسؤال هنا للتهويل والتخويف، لأن السائل يعرف الحقيقة ولكنه أراد تخويف المخاطبين. ي. الاستبعاد: كقوله تعالى أَنَّى لَهُمُ الذِّكْرى وَقَدْ جاءَهُمْ رَسُولٌ مُبِينٌ الدخان: 13 فالآية لا تستفهم بقدر ما تستبعد حصول المسؤول عنه. ك. التعظيم: كقوله تعالى مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ البقرة: 255 فالاستخبار مستبعد وتقرير التعظيم هو المقصود. ل. التحقير: كقوله تعالى ما هذِهِ التَّماثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَها عاكِفُونَ الأنبياء: 52 فالآية لا تستخبر عن التماثيل بل هي تهدف الى تحقيرها وتهوين شأنها. م. التّفخيم: كقوله تعالى كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنْتُمْ أَمْواتاً فَأَحْياكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ البقرة: 28. ن. الوعيد: كقوله تعالى أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعادٍ الفجر: 6.

س. التوبيخ

س. التوبيخ: كقوله تعالى أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي طه: 93. فالآية لا تستفهم لأن السائل يعرف حقيقة الأمر، لكنّها تلوم على ما وقع. * للتنغيم دور في إخراج الاستفهام الى المعنى المقصود. فهو يساعد على تصنيف الجمل في انماط مختلفة من: - إثبات - ونفي - واستخبار - وتعجّب. ولا توضع علامة استفهام فيها بل يتغيّر أداء الجملة وفق نغم معين وتصويت مختلف يحدّد معنى الاستفهام والغاية منه. تمرينات: 1. دلّ على صيغة الاستفهام، وبيّن الغرض منه في ما يأتي: قال تعالى: سَواءٌ عَلَيْنا أَوَعَظْتَ أَمْ لَمْ تَكُنْ مِنَ الْواعِظِينَ الشعراء: 136 أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينا وَلِيداً الشعراء: 18 أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ أَوْ تَهْدِي الْعُمْيَ الزخرف: 40 الْحَاقَّةُ* مَا الْحَاقَّةُ* وَما أَدْراكَ مَا الْحَاقَّةُ الحاقة: 1 - 3 مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً البقرة: 245 فَأَيْنَ تَذْهَبُونَ التكوير: 26 أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ الزخرف: 32

2. دلّ على صيغة الاستفهام واشرحه مبيّنا الغرض منه: قال الشاعر: - من لي بإنسان إذا أغضبته … وجهلت كان الحلم ردّ جوابه؟ - ما للمنازل أصبحت لا أهلها … أهلي ولا جيرانها جيراني؟ - أتلتمس الأعداء بعد الذي رأت … قيام دليل أو وضوح بيان؟ - ألست أعمّهم جودا وأزكا … هم عددا وأمضاهم حساما؟ - إلام الخلف بينكمو إلاما؟ … وهذي الضّجة الكبرى علام؟ - أبنت الدهر عندي كلّ بنت … فكيف وصلت أنت من الزّحام؟ - فدع الوعيد فما وعيدك ضائري … أطنين أجنحة الذباب يضير؟ - أضاعوني وأيّ فتى أضاعوا … ليوم كريهة وسداد ثغر؟ - هل الدّهر إلا ساعة ثم تنقصي … بما كان فيها من بلاء ومن خفض؟ - ومن لم يعشق الدنيا قديما؟ … ولكن لا سبيل الى الوصال - هل بالطّلول لسائل ردّ؟ … أم هل لها بتكلّم عهد؟ - حتّى متى انت في لهو وفي لعب؟ … والموت نحوك يهوي فاتحا فاه وقال نزار (الكبريت في يدي ص 64). - ما الفلسفة؟ - قبيل أن أسافر وجدت صرصارا على حقيبتي سألته: من أنت؟ قال: إننّي مهاجر وكان مثلي يرتدي قبعة ومعطفا وكان مثلي جالسا ينتظر القطار

وقال أيضا: (الكبريت في يدي ص 138). - ما للعروبة تبدو مثل أرملة؟ أليس في كتب التاريخ أفراح؟ والشعر ماذا سيبقى من أصالته إذا تولّاه نصّاب ومدّاح؟ وكيف نكتب، والاقفال في فمنا وكل ثانية يأتيك سفّاح؟

الإنشاء الطلبي 4 - التمني

الإنشاء الطلبي 4 - التمنّي: 4 - 1. تعريفه: هو طلب أمر محبوب لا يرجى حصوله لسبب من اثنين، إما: 1. لكونه مستحيلا، نحو قوله (الوافر): ألا ليت الشباب يعود يوما … فأخبره بما فعل المشيب. 2. لكونه ممكنا غير مطموع في نيله كقوله تعالى: يا لَيْتَ لَنا مِثْلَ ما أُوتِيَ قارُونُ القصص: 79. 4 - 2. أنواعه: إذا كان الأمر المحبوب ممّا يرجى حصوله كان طلبه ترجّيا ويعبّر فيه ب: - عسى، نحو قوله تعالى فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ المائدة: 52. - أو لعلّ كقوله تعالى لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذلِكَ أَمْراً الطلاق: 1. 4 - 3. ألفاظ التمنّي: للتمني أربع ألفاظ، منها: واحدة أصلية (ليت) وثلاث غير أصلية تنوب عنها، ويتمنّي بها لغرض بلاغي. وهي: - (هل): كقوله تعالى فَهَلْ لَنا مِنْ شُفَعاءَ فَيَشْفَعُوا لَنا الاعراف: 53. - لو: كقوله تعالى فَلَوْ أَنَّ لَنا كَرَّةً فَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ الشعراء: 102.

تمارين

- لعلّ: كقول الشاعر (الطويل): أسرب القطا هل من يعير جناحه … لعلّي إلى من قد هويت أطير؟! * ولاستخدام هذه الألفاظ في التمنّي ينصب المضارع الواقع في جوابها. ثم إن (هل ولو ولعلّ) ألفاظ غير أصلية في التمنّي. وقد ينشأ التمنّي بأفعال مخصوصة مثل: تمنّى، أمل، ومشتقاتهما ... تمارين: 1. دلّ على ألفاظ التمنّي والترجّي وبيّن المعاني المستفادة منهما في ما يأتي: 1. فليت الليل فيه كان شهرا … ومرّ نهاره مرّ السّحاب 2. ولّى الشباب حميدة أيامه … لو كان ذلك يشترى أو يرجع 3. فيا ليت ما بيني وبين أحبّتي … من البعد ما بيني وبين المصائب 4. فليت الشامتين به فدوه … وليت العمر مدّ له فطالا 5. علّ الليالي التي أضنت بفرقتنا … جسمي ستجمعني يوما وتجمعه 6. أيا منزلي سلمى سلام عليكما … هل الأزمن اللائي مضين رواجع 7. ليت الملوك على الأقدار معطية … فلم يكن لدنيء عندها طمع 8. ألا ليت شعري هل أقول قصيدة … فلا أشتكي فيها ولا أتعتّبّ 9. كل من في الكون يشكو دهره … ليت شعري هذه الدنيا لمن؟ 10. فليت هوى الأحبّة كان عدلا … فحمل كلّ قلب ما أطاقا. وقال نزار (أشهد ان لا امرأة ص 119). وأذكر … كم كنت تحتفلين بشعري وتحتضنين حروفي صباح مساء

وأضحك … من نزوات النساء فليتك سيّدتي تجلسين … فإن القضيّة أكبر منك ومنّي كما تعلمين.

الإنشاء الطلبي 5 - النداء.

الإنشاء الطلبي 5 - النّداء. 5 - 1. تعريفه: هو لغة: أن تدعو غيرك ليقبل عليك. وفي الاصطلاح: طلب الإقبال أو تنبيه المنادى وحمله على الالتفات بأحد حروف النداء، أو أنه «ذكر اسم المدعوّ بعد حرف من حروف النداء». 5 - 2. حروفه: حروفه ثمانية وهي: 1 - 2. الهمزة وأي: لنداء القريب. 3 - 4 - 5 - 6 - 7 - 8: يا، آي، أيا، هيا، آ، وا. وهذه جميعا لنداء البعيد. * يمكن أن يتحقق النداء من دون استعمال الأداة: ربّ اغفر لي! 5 - 3. خروج هذه الأحرف عن أصل وضعها: - قد ينزّل البعيد منزلة القريب، فينادى عندها بالهمزة وأي إشارة الى أنّه لشدّة استحضاره في ذهن المتكلم صار كالحاضر معه، لا يغيب عن القلب، وكأنّه ماثل أمام العين. ومثاله قول الشاعر (الطويل): أسكان نعمان الأراك تيقّنوا … بأنّكم في ربع قلبي سكّان. - وقد ينزّل القريب منزلة البعيد فينادى بغير (الهمزة وأي) لأغراض منها:

أ. الإشارة الى علو مرتبته

أ. الإشارة الى علوّ مرتبته: فيجعل بعد المنزلة كأنّه بعد في المكان، كقول أبي نواس (الكامل): يا ربّ إن عظمت ذنوبي كثرة … فلقد علمت بأنّ عفوك أعظم. ب. الإشارة الى انحطاط منزلته ودرجته: فكأن بعد درجته في الانحطاط بعد في المسافة كقول الفرزدق (الطويل): أولئك آبائي فجئني بمثلهم … إذا جمعتنا يا جرير المجامع. ج. الإشارة الى أن المنادى لغفلته وشرود ذهنه كأنّه غير حاضر مع المنادي في مكان واحد. كقول الشاعر (الطويل): يا جامع الدنيا لغير بلاغة … لمن تجمع الدنيا وأنت تموت؟. * وقد تخرج ألفاظ النداء عن معناها الأصلي إلى معان أخرى، تفهم من السياق وتعين على معرفتها القرائن، ومنها: د. الإغراء: كقولك لمن أقبل يتظلم: يا مظلوم تكلّم. هـ. الندبة: كقول الشاعر (الطويل): فوا عجبا كم يدّعي الفضل ناقص … ووا أسفاكم يظهر النقص فاضل. و. التعجّب: كقول طرفة (الرجز): يا لك من قبّرة بمعمر! … خلا لك الجوّ فبيضي واصفري.

ز. الزجر

ز. الزّجر: كقول الشاعر (الخفيف): أفؤادي متى المتاب ألمّا … تصح والشيب فوق رأسي ألمّا. ح. التحسّر والتوجّع: كقول الشاعر (الطويل): أيا قبر معن كيف واريت جوده … وقد كان منه البرّ والبحر مترعا. ط. التذكّر: كقول الشاعر (الطويل): أيا منزلي سلمى سلام عليكما … هل الأزمن اللاتي مضين رواجع. ي. التحيّز والتضجّر: ويكثر هذا في نداء الأطلال والمطايا ونحوها. كقول الشاعر (البسيط): أيا منازل سلمى أين سلماك … من أجل هذا بكيناها بكيناك. تمارين: 1. دلّ على ألفاظ النداء، وبيّن ما جرى منها على أصل وضعه في نداء القريب أو البعيد، وما خرج منها عن ذلك، واذكر الأسباب: 1. أبنيّ إنّ أباك كارب يومه … فاذا دعيت الى المكارم فاعجل 2. يا من يرجّى للشدائد كلّها … يا من إليه المشتكى والمفزع 3. أيا من عاش في الدنيا طويلا … وأفنى العمر في قيل وقال 4. يا أيها القلب هل تنهاك موعظة … أو يحدثن لك طول الدّهر نسيانا 5. أحسين إنّي واعظ ومؤدّب … فافهم فإنّ العاقل المتأدّب 6. أيا ربّ قد أحسنت عودا وبدأة … إليّ فلم ينهض بإحسانك الشكر 7. يا رجاء العيون في كلّ أرض … لم يكن غير أن أراك رجائي

8. دعوتك يا بنيّ فلم تجبني … فردّت دعوتي يأسا عليّ 9. يا أعدل الناس إلّا في معاملتي … فيك الخصام وأنت الخصم والحكم 10. أيّها القلب قد قضيت مراما … فإلام الولوع بالشهوات 11. أيا شجر الخابور مالك مورقا … كأنّك لم تجزع على ابن طريف 12. أريحانة العينين والأنف والحشا … ألا ليت شعري هل تغيّرت عن عهدي 13. يا قلب ويحك ما سمعت لناصح … لمّا ارتميت ولا اتقيّت ملاما 14. يا رحمة الله حلّي في منازلنا … وجاورينا فدتك النفس من جار 15. يا أيّها السادر المزورّ من صلف … مهلا، فإنّك بالأيّام منخدع 16. فيا لك من ليل كأنّ نجومه … بكلّ مغار الفتل شدّت بيذبل

الإنشاء غير الطلبي

الإنشاء غير الطلبي 1 - 1. تعريفه: هو ما لا يستدعي مطلوبا غير حاصل وقت الطلب. 1 - 2. صيغة: يكون بصيغ: أ. المدح: بـ (نعم وحبّذا). والأفعال المحوّلة الى فعل ك: كرم عليّ حسبا ونعم المعرفة ببلاد الغربة وحبذا العيش حين قومي جميع. ب. الذمّ: بـ (بئس)، نحو: بئس العوض من التوبة الإصرار. والافعال المحوّلة الى فعل ك (خبث بكر أصلا) ولا حبذا. ج. التعجّب: بصيغتيه القياسيتين: ما أفعل، نحو: ما أجمل الدين والدنيا إذا اجتمعا! وأفعل به، نحو: أكرم بها خلّة لو انها صدقت ... وبصيغه السّماعية المختلفة نحو: لله درّك! لله أبوهم! د. القسم: ويكون بالواو: والله، أو بالباء (بحياتي)، أو بالتاء تالله. وبصيغ سماعيه: لعمرك ما فعلت كذا. لعمري وما عمري عليّ بهيّن ...

هـ. الرجاء

هـ. الرجاء: وأفعاله: عسى، حرى، اخلولق، وعسى اكثرها شيوعا. و. العقود: وتكون بصيغة الماضي على العموم نحو: بعت، واشتريت، ووهبت ... وترد قليلا بغيره نحو: أنا بائع، وعبدي حرّ ... * عدّ البلاغيون الإنشاء غير الطلبي خارجا عن مباحث علم المعاني لأن اكثر صيغه في الأصل أخبار نقلت الى الإنشاء.

الباب الثالث في أحوال المسند إليه

الباب الثالث في أحوال المسند إليه 1 - في ذكر المسند إليه: الأصل ان يذكر المسند إليه. وقد يترجّح الذكر مع وجود قرينة تمكّن من الحذف، حين لا يكون منه مانع. ومن مرجّحات الذكر: أ. زيادة الإيضاح والتقرير: كقوله تعالى أُولئِكَ عَلى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ البقرة: 5. فأولئك مسند اليه كرّر ذكره زيادة في التقرير والايضاح تنبيها على أنهم كما ثبتت لهم الأثرة والهداية في الدنيا، فقد ثبت لهم الفلاح في الآخرة أيضا. ب. قلّة الثقة بالقرينة لضعفها أو ضعف فهم السامع: ومثاله: سعد نعم الزعيم. تقول ذلك وقد سبق لك ذكر سعد، وطال عهد السامع به، أو ذكر معه كلام في شأن غيره. ج. بسط الكلام وإطالته: كقوله تعالى بِيَمِينِكَ يا مُوسى * قالَ هِيَ عَصايَ أَتَوَكَّؤُا عَلَيْها وَأَهُشُّ بِها عَلى غَنَمِي وَلِيَ فِيها مَآرِبُ أُخْرى طه: 17 - 18. وكان من الممكن الإجابة عن السؤال في الآية 17 بكلمة (عصا)، لكن ذكر المسند إليه (هي) لبسط الكلام وإطالته تلذذا بمناجاة ربّه ليزداد

د. التعريض بغباء السامع

بذلك شرفا وفضلا، ولذلك لم يكتف بقوله هي عصاي، بل أضاف اليها صفات أخرى (أَتَوَكَّؤُا، أَهُشُّ، لِيَ فِيها مَآرِبُ أُخْرى). د. التعريض بغباء السامع: كقول الفرزدق معرّضا بغباء هشام بن عبد الملك عند تجاهله زين العابدين (البسيط): هذا الذي تعرف البطحاء وطأته … والبيت يعرفه والحلّ والحرم. فالفرزدق يكرّر ذكر المسند إليه (هذا) إشارة إلى ان المخاطب غبيّ لا تكفيه القرينة، ولا يفهم إلّا بالتصريح. هـ. إظهار تعظيم المسند إليه بذكر اسمه: ومثاله الجواب: حضر سيف الدولة، على من سأل: هل حضر الأمير؟ و. التلذّذ بذكره: وذلك في كل ما يهواه المرء ويتوق إليه، والانسان إذا أحبّ شيئا أكثر من ذكره. ومثاله قول عباس محمود العقّاد: الحبّ ان نصعد فوق الذرى … والحبّ أن نهبط تحت الثرى والحبّ أن نؤثر لذّاتنا … وأن نرى آلامنا أثرا وكقول المؤمن: الله ربّي، الله حسبي ... ز. إظهار تحقيره وإهانته: وذلك لما يحمله اسمه ويدلّ عليه من معنى الحقارة. كقولك: إبليس اللعين هو الذي أخرج آدم من الجنّة، جوابا عن سؤال: من

تمرين

أخرج آدم من الجنّة؟ أو قولك: السارق قادم. جوابا على سؤال: هل حضر السارق. تمرين: 1. بيّن اسباب ذكر المسند إليه في ما يأتي: - هو الشمس في العليا هو الدهر في السّطا … هو البدر في النادي هو البحر في النّدى - سعيد قال هذا. جوابا على سؤال من قال هذا؟ - اللَّهُ الَّذِي لا إِلهَ إِلَّا هُوَ عالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ هُوَ الرَّحْمنُ الرَّحِيمُ* هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ ... الحشر: 22 - 23. - فعبّاس يصدّ الخطب عنّا … وعبّاس يجير من استجارا - أنا فارس أنا شاعر … في كل ملحمة ونادي - الرئيس كلّمني في أمرك والرئيس أمرني بمكافأتك.

2. في حذف المسند إليه

2. في حذف المسند إليه: المسند إليه ركن في الجملة، والأصل ذكره، لكنّ حذفه جائز إذا كان في سياق الكلام ما يدل عليه، أو قرينة تساعد على معرفته. ويحذف لأغراض منها: 1. إذا كان المسند إليه مبتدأ: أ- الإحتراز من السأم والعبث: المراد بالاحتراز من العبث أنّ المسند إليه معلوم بحيث يعدّ ذكره عبثا يقلّل من قيمة العبارة بلاغيا. ومثاله قوله تعالى ذلِكَ الْكِتابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ البقرة: 2، فذكر المسند إليه (الهاء في فيه) يثير قلقا لشدّة قرب الكتاب منه ممّا يبعث السأم في النفس لوضوح المسند إليه وقرب الحديث عنه. ويحذف المسند إليه احترازا من السّأم والعبث في المواضع الآتية: 1 - إذا وقع في جواب الاستفهام: ومثاله قوله تعالى: وَما أَدْراكَ مَا الْحُطَمَةُ* نارُ اللَّهِ الْمُوقَدَةُ الهمزة: 5 - 6. أي هي نار الله الموقدة. وسؤالك عن قادم جديد من القادم؟ فإذا الجواب سعيد أي القادم سعيد أو هو سعيد. 2 - إذا وقع بعد الفاء المقترنة بجواب الشرط: ومثاله قوله تعالى مَنْ عَمِلَ صالِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَساءَ فَعَلَيْها فصّلت: 46، والتقدير: فعمله لنفسه، واساءته عليها.

3 - إذا وقع بعد فعل القول ومشتقاته

3 - إذا وقع بعد فعل القول ومشتقاته: ومثاله قوله تعالى فَأَقْبَلَتِ امْرَأَتُهُ فِي صَرَّةٍ فَصَكَّتْ وَجْهَها وَقالَتْ عَجُوزٌ عَقِيمٌ الذاريات: 29. والتقدير أنا عجوز عقيم. والحذف هنا سببه ضيق الصّدر عن إطالة الكلام، ولأن المبتدأ يحذف بعد القول. 4 - ضيق الصدر عن إطالة الكلام بسبب تضجّر وتوجّع: ومثاله قول الشاعر (الخفيف): قال لي: كيف أنت؟ قلت عليل … سهر دائم وحزن طويل أي قلت: أنا عليل، فلم يقل أنا عليل لضيق المقام بسبب الضجر الحاصل له من الضّني. وقول آخر (الخفيف): لم تبكين؟ من فقدت؟ فقالت … والأسى غالب عليها: حبيبي أي فقالت الفقيد حبيبي ولم تذكر الفقيد لضيق المقام بسبب الضجر الحاصل لها من التوجّع. 5 - الحذر من فوات فرصة: كقولك منبّها صديقك لوجود صديقكما المشترك: سعيد، أي هذا سعيد. وكقول منبّه الصيّاد: غزال، أي: هذا غزال أو كقولنا: غارة، أي: هذه غارة ... وما إلى ذلك. 6 - تعجيل المسرّة بالمسند: كأن يقول الفائز: جائزتي، أي: هذه جائزتي وشدّة سروره حملته على الاختصار. 7 - إنشاد المدح أو الذم أو الترحّم: أ. مثال المدح قولنا: الحمد لله أهل الحمد، أي: هو أهل الحمد.

8 - كون المسند إليه معينا معلوما

ب. مثال الذّم قولنا: أعوذ بالله من الشيطان، الرجيم، أي: هو الرجيم. ج. في الترحّم ومثاله قولنا: اللهم ارحم عبدك، المسكين، أي: هو المسكين. 8 - كون المسند إليه معيّنا معلوما: ومثاله قوله تعالى تُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهارِ وَتُولِجُ النَّهارَ فِي اللَّيْلِ وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَتُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَتَرْزُقُ مَنْ تَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ آل عمران: 27. فالمسند إليه معيّن معلوم هو الله سبحانه، والمسند لا يصلح الا له. 9 - تكثير الفائدة: نحو قولك: صبر جميل والتقدير فأمري صبر جميل. ب. إذا كان المسند إليه فاعلا: يحذف الفاعل قصدا الى الإيجاز، او لدواع معنوية أخرى. ومن دواعي الحذف اللفظية: 1 - القصد الى الإيجاز في العبارة: ومثاله قوله تعالى وَإِنْ عاقَبْتُمْ فَعاقِبُوا بِمِثْلِ ما عُوقِبْتُمْ النحل: 126. والمعنى فعاقبوا بمثل ما عاقبكم به المعتدي، وكان في الكلام قرينة تعين على فهم المعنى ومعرفة الفاعل فحذف مراعاة للايجاز.

2 - المحافظة على السجع في المنثور

2 - المحافظة على السجع في المنثور: ومثاله قولهم: من طابت سريرته، حمدت سيرته. والمعنى حمد الناس سيرته وقد حذف الفاعل ليبقي على الرفع محافظة على الضمّ الذي يضمن سجعا تاما وجرسا أجمل. 3 - المحافظة على الوزن شعرا: ومثاله قول لبيد (الطويل): وما المال والأهلون إلّا ودائع … ولا بدّ يوما أن تردّ الودائع. والمعنى: لا بدّ أن يردّ الناس الودائع. فلو ذكر الفاعل (الناس) لاقتضى الذكر نصب الودائع فتختلّ حركة الروي، ويقع في عيب الإقواء (¬1). ونذكر من دواعي حذفه المعنوية ما يأتي: 1 - كون الفاعل معلوما لا يحتاج السامع الى ذكره: ومثاله قوله تعالى وَخُلِقَ الْإِنْسانُ ضَعِيفاً النساء: 28 فالفاعل معروف لا يمكن أن يجهله السامع، وهو الله سبحانه وتعالى، فلشدّة العلم به، ولأنه لا يناقش فيه، أمكن حذفه. 2 - كون الفاعل مجهولا من قبل المتكلم كقول أحدهم: سرقت سيّارتي. فالمتكلم لا يعرف السارق وليس في قوله: سرق اللص سيّارتي فائدة زائدة في الإفهام أو إزالة للإبهام المحيط باللص السّارق. ¬

_ (¬1). راجع: المرجع في علمي العروض والقوافي، د. محمد قاسم، ص 150.

3 - رغبة المتكلم في الإبهام على السامع.

3 - رغبة المتكلم في الإبهام على السامع. كقول القائل: تبرّع بألف دولار، رغبة منه في عدم ذكر اسم المتبرّع. وهذا ما يلجأ إليه كبار النفوس الذين يعطون حبّا بالعطاء، لا طمعا في شهرة. فالمتبرّع الكريم أفضل عند هؤلاء من التصريح بأسمائهم. 4 - رغبة المتكلم في إظهار تعظيمه للفاعل: ويتمّ التعظيم بصون اسمه عن أن يجري على لسانه، كقولك: خلق الخنزير. 5 - رغبة المتكلم في إظهار تحقير الفاعل: فيصون لسانه عن أن يجري بذكر الفاعل، كقول أحدهم في وصف آخر: يهان ويذلّ ولا يغضب. 6 - خوف المتكلم من الفاعل، أو خوفه عليه: كقول أحدهم: قتل جاري. والقاتل معروف منه غير مجهول، وإخفاء اسمه عائد إمّا لرهبة من القاتل، وإمّا لرغبة منه في عدم تعريف الآخرين إليه.

تمارين

تمارين: 1 - وضّح أسباب حذف المسند إليه في ما يأتي وبيّن ما إذا كان مبتدأ أو فاعلا. قال تعالى: - فَأَمَّا مَنْ ثَقُلَتْ مَوازِينُهُ* فَهُوَ فِي عِيشَةٍ راضِيَةٍ* وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوازِينُهُ* فَأُمُّهُ هاوِيَةٌ* وَما أَدْراكَ ما هِيَهْ* نارٌ حامِيَةٌ القارعة: 6 - 11. - صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَرْجِعُونَ البقرة: 18. - أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ* الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ الحج: 39 - 40. - فَإِذا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ الجمعة: 10. وقال الشاعر: - ملوك وإخوان إذا ما أتيتهم … أحكّم في أموالهم وأقرّب. - عليل الجسم ممتنع القيام … شديد السكر من غير المدام. - لئن كنت قد بلّغت عنّي وشاية … لمبلغك الواشي أغشّ واكذب. - نبّئت أنّ رسول الله أوعدني … والعفو عند رسول الله مأمول. - سأشكر عمرا ما تراخت منيّتي … أيادي لم تمنن وإن هي جلّت. فتى غير محجوب الغنى عن صديقه … ولا مظهر الشكوى إذا النعل زلّت. - سريع الى ابن العم يلطم وجهه … وليس الى داعي النّدى بسريع. - حريص على الدنيا مضيع لدينه … وليس لما في بيته بمضيع. - علّقتها عرضا وعلّقت رجلا … غيري وعلّق أخرى غيرها الرّجل

3 - في تعريف المسند إليه

3 - في تعريف المسند إليه: الأصل في المسند إليه أن يكون معرفة، لأنّ المحكوم عليه لا بد أن يكون معروفا. ويتمّ تعريفه ب: الإضمار، والعلميّة، والإشارة، والموصوليّة، وأل التعريف، والاضافة، والنداء. 1 - تعريف المسند إليه بالإضمار: يؤتى بالمسند إليه ضميرا في أحد المقامات الثلاثة: التكلّم، والغيبة، والخطاب. أ. في مقام التكلّم: مثاله قوله تعالى متحدثا عن نفسه مناديا موسى عليه السلام: إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوادِ الْمُقَدَّسِ طُوىً* وَأَنَا اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِما يُوحى * إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لا إِلهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي* إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكادُ أُخْفِيها لِتُجْزى كُلُّ نَفْسٍ بِما تَسْعى طه: 12 - 15. ب. في مقام الخطاب: إذا كان المتكلّم يخاطب إنسانا أمامه كقوله تعالى مخاطبا نبيّه الكريم. فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلا تَقْهَرْ* وَأَمَّا السَّائِلَ فَلا تَنْهَرْ* وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ الضحى: 9 - 11. ج. في مقام الغيبة: إذا كان المتكلّم يتحدّث عن غائب فلا بدّ من تقدم ذكره لفظا، كقوله تعالى فَاصْبِرُوا حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ بَيْنَنا وَهُوَ خَيْرُ الْحاكِمِينَ الأعراف: 87.

1. والأصل في الخطاب ان يكون لمعيّن، غير أنّه قد يخرج عن وضعه، فيخاطب به غير المشاهد والمعيّن. أ. إذا كان غير المشاهد مستحضرا في القلب. كقوله تعالى إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ الفاتحة: 5. ب. إذا قصد تعميم الخطاب لكل من يمكن خطابه على سبيل البدل، لا التّناول دفعة واحدة. ومثاله قول المتنبي (الطويل): إذا أنت أكرمت الكريم ملكته … وإن أنت أكرمت اللئيم تمرّدا. 2. والأصل في وضع الضمير عدم ذكره إلّا بعد تقدّم ما يفسّره، وقد يعدل عن هذا الأصل فيقدّم الضمير على مرجعه لأغراض منها: أ. تمكين ما بعد الضمير في نفس السامع لتشّوقه إليه: ومثاله قوله تعالى: فَإِنَّها لا تَعْمَى الْأَبْصارُ وَلكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ الحج: 46. وكقوله: هي النّفس ما حمّلتها تتحمل: ونعم رجلا علي، فالفاعل هنا ضمير يفسّره التمييز ويطّرد ذلك في أفعال المدح والذم. وكقوله تعالى هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ الإخلاص: 1. ويطرّد ذلك في ضمير الشأن. 2. ادّعاء أن مرجع الضمير دائم الحضور في الذهن. ومثاله قوله: أقبل وعليه الهيبة والوقار. وقول الشاعر (الكامل): أبت الوصال مخافة الرّقباء … وأتتك تحت مدارع الظّلماء.

2 - في تعريف المسند إليه بالعلمية

3. وقد يوضع الظاهر (علما أو صفة أو اسم إشارة) موضع الضمير لأغراض بلاغية منها: أ. إلقاء المهابة في نفس السامع: كقول الخليفة عن نفسه: أمير المؤمنين يأمر بكذا. ب. تمكين المعنى في نفس المخاطب: نحو: الله ربّي ولا أشرك بربّي أحدا. ج. التلذّذ: كقول الشاعر (الطويل): سقى الله نجدا والسّلام على نجد … ويا حبّذا نجد على القرب والبعد. د. الاستعطاف: نحو: اللهمّ عبدك المسكين يسألك المغفرة، بدلا من قوله: أنا أسألك. 2 - في تعريف المسند إليه بالعلمية: يؤتى بالمسند إليه علما لإحضار مدلوله بعينه وشخصه في ذهن السامع باسمه الخاص ليمتاز عمّا سواه. ومثله قوله تعالى قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ الإخلاص: 1. وقوله تعالى وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْراهِيمُ الْقَواعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْماعِيلُ رَبَّنا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ البقرة: 127. فقد أتى بالمسند اليه بصيغة العلم قصدا الى إحضار مدلوله بشخصه وباسمه الخاص حتى لا يلتبس بغيره. وقد يقصد به أغراض أخرى منها:

1 - المدح في الألقاب التي تشعر بذلك

1 - المدح في الألقاب التي تشعر بذلك: نحو: جاء نصر، وحضر صلاح الدين. 2 - التفاؤل في الألقاب التي تشعر بذلك: نحو: جاءت بشرى وأقبل سرور. 3 - التشاؤم: نحو: حرب في البلد. 4 - الذّم والإهانة: نحو: جاء صخر. وذهب تأبط شرّا. 5 - التبرّك: نحو: الله أكرمني. في جواب: هل أكرمك الله؟ 6 - التلذّذ والاستمتاع بذكره: كقول الشاعر (البسيط): بالله يا ظبيات القاع قلن لنا … ليلاي منكنّ أم ليلي من البشر. فالشاعر ذكر ليلى ثانية بقصد التلّذذ بذكر اسمها، وهو يتجاهل تجاهل العارف لأنه يعلم ان ليلى من البشر، ولكنّه تجاهل ذلك مبالغة في التعلّق بها والوله في حبّها. وكان مقتضى السيّاق ان يقول: أم هي من البشر، لأن المقام للضمير لتقدّم المرجع، ولكنه أورده علما ليتلذّذ بذكر محبوبته. 3 - في تعريف المسند إليه بالاشارة: يؤتى بالمسند اليه اسم إشارة إذا تعيّن طريقا لإحضار المشار اليه في ذهن السامع، بأن يكون حاضرا محسوسا، ولا يعرف المتكلم والسامع اسمه الخاص، ولا معيّنا آخر كقولك: أتبيع لي هذا. مشيرا الى شيء لا تعرف له اسما ولا وصفا. أما إذا لم يتعيّن طريقا لذلك، فيكون لأغراض أخرى منها:

1. بيان حال المسند اليه في القرب

1. بيان حال المسند اليه في القرب: نحو: هذه أموالنا، هذه بضاعتنا. 2. بيان حال المسند اليه في المتوسّط: نحو: ذاك ولدي، ذاك كتابي. 3. بيان حال المسند اليه في البعد: نحو: ذلك يوم الوعيد. 4 - تعظيم درجته بالقرب: نحو قوله تعالى إِنَّ هذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ الإسراء: 9 فأتي باسم الاشارة الموضوع للقريب مؤذنا بقربه قربا لا يحول دون الانتفاع به. فالمقام حديث عن هاد يقود الى أقوم الطرق، وإذا كان هذا الهادي قريبا كان انجح لرسالته، وأقطع لعذر من ينصرف عن الاسترشاد بهديه. 5 - تعظيم المسند إليه بالبعد: نحو قوله تعالى ذلِكَ الْكِتابُ لا رَيْبَ فِيهِ البقرة: 2. 6 - التحقير بالقرب: كقوله تعالى حكاية عن أبي جهل مشيرا الى النبي (ص) قاصدا إهانته أَهذَا الَّذِي يَذْكُرُ آلِهَتَكُمْ الأنبياء: 36. ففي الإتيان باسم الاشارة الموضوع للقريب، ما يشير الى أن هذا الشخص القريب منا، والذي نعلم أمره، لا تقبل منه دعوى الرسالة ولا يليق به أن يذكر آلهتنا بسوء. 7 - التحقير بالبعد: كقوله تعالى أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ* فَذلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ* وَلا يَحُضُّ عَلى طَعامِ الْمِسْكِينِ الماعون: 1 - 3.

8 - اظهار الاستغراب

8 - اظهار الاستغراب: كقول الشاعر (البسيط): كم عاقل عاقل أعيت مذاهبه … وجاهل جاهل تلقاه مرزوقا. هذا الذي ترك الأوهام حائرة … وصيّر العالم النّحرير زنديقا. 9 - كمال العناية وتمييزه اكمل تمييز: كقول الفرزدق (البسيط): هذا الذي تعرف البطحاء وطأته … والبيت يعرفه والحلّ والحرم. 10 - التعريض بغباء السامع، حتّى كانه لا يفهم غير المحسوس: نحو قول الفرزدق (الطويل): أولئك آبائي فجئني بمثلهم … إذا جمعتنا يا جرير المجامع. 11 - التنبيه على ان المشار إليه المعقب بأوصاف جدير من أجل تلك الأوصاف بما يذكر بعد اسم الإشارة: ومثاله قوله تعالى ذلِكَ الْكِتابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ* الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ* وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ البقرة: 2 - 4. فالمشار اليه في الآيات ب (أولئك) هم (المتقون) وقد ذكرت بعدهم أوصاف هي الإيمان بالغيب، وإقام الصلاة، والإنفاق، والإيمان بما انزل، والإيمان بالآخرة، ثم أشير إليهم ب أُولئِكَ عَلى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ البقرة: 5. مع أن المقام للضمير للتنبيه على أن المشار إليهم جديرون من أجل تلك الأوصاف بما يذكر بعد اسم الإشارة من الهدى والفلاح.

4 - تعريف المسند إليه بالموصولية

4 - تعريف المسند إليه بالموصولية: يؤتى بالاسم الموصول مسندا اليه إذا تعيّن طريقا لإحضار معناه، نحو: الذي كان معنا أمس ركب الطائرة الى القاهرة. إذا لم نكن نعرف اسمه. وهذا هو معنى اسم الموصول اللغوي الأصلي، أمّا المعنى البلاغي فلا يلمح في اسم الموصول إلّا إذا لم يتعيّن طريقا لإحضار معناه، بل كانت صلة مرجّحة لمعنى على آخر. والمرجّحات البلاغية كثيرة منها: 1 - التّشويق: ويتضّح ذلك إذا كان مضمون الصّلة حكما غريبا كقول الشاعر (الخفيف): والذي حارت البريّة فيه … حيوان مستحدث من جماد. 2 - إخفاء الأمر عن غير المخاطب: كقول الشاعر (الكامل): وأخذت ما جاد الأمير به … وقضيت حاجاتي كما أهوى 3 - تنبيه المخاطب على خطأ: كقول عبدة بن الطبيب (الكامل): إن الذين ترونهم إخوانكم … يشفي غليل صدورهم أن تصرعوا 4 - التنبيه على خطأ غير المخاطب: كقول الشاعر (الكامل): إنّ التي زعمت فؤادك ملّها … خلقت هواك كما خلقت هوى لها. 5 - تعظيم شأن الخبر: كقول الفرزدق (الكامل): إنّ الذي سمك السّماء بنى لنا … بيتا دعائمه أعزّ وأطول.

6 - التهويل، تعظيما أو تحقيرا

6 - التهويل، تعظيما أو تحقيرا: كقوله تعالى فَغَشِيَهُمْ مِنَ الْيَمِّ ما غَشِيَهُمْ طه: 78. تعظيم وكقول المثل: من لم يدر حقيقة الحال قال ما قال. تحقير. 7 - استهجان التصريح بالاسم: نحو: الذي ربّاني أبي. وذلك اذا كان الاسم قبيحا أو غير مألوف يثير سخرية الناس واشمئزازهم. 8 - التوبيخ: نحو: الذي أحسن إليك قد أسأت إليه. 9 - الاستغراق: نحو: الذين يأتونك أكرمهم. 10 - الإبهام: نحو: لكلّ نفس ما قدّمت. 5 - تعريف المسند إليه ب (أل التعريف): أل: التعريف قسمان: 1 - العهدية، 2 - الجنسية. 1 - أل العهدية: تدخل (أل) العهدية على المسند إليه للاشارة الى مفرد معهود خارجا بين المتخاطبين. ويكون عهده: 1. صريحيا: إذا تقدّم فيه مدخول اللام تصريحا، كقوله تعالى مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكاةٍ فِيها مِصْباحٌ الْمِصْباحُ فِي زُجاجَةٍ الزُّجاجَةُ كَأَنَّها كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ النور: 35. فقد ذكر المصباح والزجاجة منكرين، ثم اعادهما معرّفين ب (أل) العهد الصريحة. وهذا هو العهد الخارجي الصريحي.

2. كنائيا

2. كنائيا: إذا تقدّم فيه مدخول اللام تلويحا، وعيّنته القرينة، كقوله تعالى وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثى آل عمران: 36. فالذّكر وإن لم يكن مسبوقا صريحا إلّا انّه إشارة الى (ما) في الآية قبله رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ ما فِي بَطْنِي مُحَرَّراً آل عمران: 35. 3. علميا: وهو ما علم المخاطب مدخول اللام فيه، حاضرا كان ام غائبا، كقوله تعالى إِذْ يُبايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ الفتح: 18. 4. حضوريا: ويكون بحضوره بنفسه، نحو الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ المائدة: 3 أو بمعرفة السامع له، نحو: هل انعقد ال مجلس؟ وهذا هو العهد الحضوري. 2 - أل الجنسيّة: وتسمّى (لام الحقيقة) ويشار بها الى الجنس والحقيقة، نحو: أهلك الناس ال دينار وال درهم. فهي تشير الى الحقيقة من حيث هي بغضّ النّظر عن عمومها وخصوصها. وتسمّى (لام الجنس) لأنّ الإشارة فيه الى نفس الجنس، بقطع النظر عن الأفراد، نحو: ال ذهب أثمن من ال فضة. أمّا (لام العهد) فهي لام الحقيقة في ضمن فرد مبهم مع قرينة دالّة كقول عميرة بن جابر الحنفي (الكامل): ولقد أمرّ على اللئيم يسبّني … فمضيت ثمّت قلت لا يعنيني.

1. استغراق حقيقي

وهذا يقرب من النكرة، ولذلك نقدّر جملة (يسبّني) نعتا للّئيم لا حالا. أما لام الاستغراق فهي على قسمين: 1. استغراق حقيقي: بقرينة حالية كقوله تعالى عالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ التوبة: 94 أي كل غيب وشهادة. أو بقرينة مقاليّة لفظيّة كقوله تعالى إِنَّ الْإِنْسانَ لَفِي خُسْرٍ العصر: 2 والقرينة اللفظية الاستثناء في الآية التالية لها إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا .. العصر: 3. ف (أل) في الإنسان تعني كل إنسان بدليل الاستثناء بعده. 2. استغراق عرفي: أي الإشارة الى كل الأفراد إشارة مقيّدة، نحو: جمع الأمير ال تجار، فالمقصود جمع تجّار مملكته، لا تجّار العالم اجمع. * استغراق المفرد أشمل من استغراق الجمع، فإذا قلنا: لا رجل في الدار، فإننا ننفي كل أحد من جنس الرجال. أما إذا قلنا: لا رجال في الدار، فإننا ننفي وجود رجل واحد فرد، أو وجود رجلين ولسنا ننفي أصلا وجود جنس الرجال. 6 - تعريف المسند إليه بالإضافة: يؤتى بالمسند إليه معرّفا بالإضافة الى شيء من المعارف لأغراض كثيرة منها:

1 - أنها أخصر طريق الى إحضاره في ذهن السامع

1 - أنها أخصر طريق الى إحضاره في ذهن السامع: والمقام مقام اختصار، نحو: جاء غلامي فإنه اخصر من: جاء الغلام الذي لي. 2 - تعذّر التعدّد أو تعسّره: نحو: أجمع أهل الحق على كذا. أهل الجزيرة كرام. 3 - الخروج من تبعة تقديم البعض على البعض: نحو: حضر أمراء الجند. 4 - تعظيم المضاف: نحو: كتاب السلطان حضر. 5 - تعظيم المضاف اليه: نحو: الأمير تلميذي. وكقوله تعالى فَبَشِّرْ عِبادِ (ي) الزّمر: 17. 6 - تحقير المضاف: نحو: ولد اللص قادم. 7 - تحقير المضاف اليه: نحو: رفيق زيد لص. 8 - تضمّنها تحريضا على إكرام أو إذلال: نحو: صديقك أو عدوّك في الباب.

4 - تنكير المسند إليه

* إن هيئة التركيب الإضافي موضوعة للاختصاص المصحّح لأن يقال (المضاف للمضاف اليه) فإذا استعملت في غير ذلك كانت مجازا كما في الاضافة لأدنى ملابسة كقول الشاعر (الطويل): إذا كوكب الخرقاء لاح بسحرة … «سهيل» اذاعت غزلها في القرائب فقد أضاف الكوكب الى الخرقاء (المرأة الحمقاء) مع أنّه ليس لها، لأنّها لا تتذكر كسوتها إلّا وقت طلوع سهيل سحرا في الشتاء. * عدّ البلاغيّون التعريف بالنداء بابا من أبواب النحو واللغة لا البلاغة لهذا سنهمل ذكره هنا. 4 - تنكير المسند إليه: يؤتى بالمسند إليه نكرة لأغراض منها: 1 - التكثير: ومثاله قوله تعالى وَجاءَ السَّحَرَةُ فِرْعَوْنَ قالُوا إِنَّ لَنا لَأَجْراً إِنْ كُنَّا نَحْنُ الْغالِبِينَ الأعراف: 113. فلقد نكر أجرا للتكثير لأنهم يطلبون مكافأة على عمل ضخم يقومون به، وهو إبطال دعوة موسى، والإبقاء على دين فرعون. 2 - التعليل: كقوله تعالى وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وَمَساكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ ذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ التوبة: 72. نكر رضوان للتقليل، لأن شيئا ما من رضوان الله أكبر من الجنات والمساكن الطيبة.

3 - التنظيم

* الفرق بين التعظيم والتكثير أن التعظيم ينظر فيه الى ارتفاع الشأن وعلّوا القدر، والتكثير يلاحظ فيه الكمية والمقدار، وهذا نفسه الفرق بين التحقير والتقليل. وقد جاء للتعظيم أو التكثير جميعا قوله تعالى وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فاطر: 4. نكّر (رسل) لقصد التعظيم او التكثير، فعلى أنّهم ذوو شأن عظيم يكون التنكير للتعظيم، وعلى أنهم ذوو عدد كبير يكون للتكثير. 3 - التنظيم: كقوله تعالى وَلَكُمْ فِي الْقِصاصِ حَياةٌ البقرة: 179. أي حياة عظيمة. ومنه قول مروان بن أبي حفصة (الطويل): له حاجب عن كل أمر يشينه … وليس له عن طالب العرف حاجب فالحاجب الأول معنوي، والتنكير فيه للتعظيم، والحاجب الثاني حسّي والتنكير فيه للتحقير. 4 - التحقير: كقوله تعالى وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلى حَياةٍ البقرة: 96. فنكّر حياة لأن المراد منها التحقير. فهؤلاء المشركون كانوا يتمنّون مجرّد الحياة في الدنيا، سواء كان له هدف وغاية، أو كانت مجرّدة منهما. 5 - النوعيّة: كقوله تعالى خَتَمَ اللَّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَعَلى سَمْعِهِمْ وَعَلى أَبْصارِهِمْ غِشاوَةٌ البقرة: 7. أي وعلى أبصارهم نوع خاص من الأغطية، ذلك

6 - الإفراد

هو غطاء الإعراض عن آيات الله، ولا يراد الإفراد هنا، لأنّ غشاوة واحدة لا تغطي الأبصار المتعدّدة. 6 - الإفراد: ومثاله: ويل أهون من ويلين. أي ويل واحد اهون من ويلين. وقوله تعالى وَجاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعى القصص: 20. فنكّر (رجل) لأن الغرض إثبات الحكم لفرد واحد من أفراد الرجال، فليس المراد تعيين الرجل. 7 - إخفاء الأمر: نحو: زعم الصديق أنّك غدرت به. فالتنكير في (صديق) يهدف الى اخفاء اسمه حتّى لا يلحقه أذى. 5 - تقديم المسند إليه: لكل كلمة موقع معيّن في الجملة العربية، فالفعل سابق الفاعل والمبتدأ سابق الخبر. هذا هو الأصل. غير أنه قد يدعو داع لنقل بعض الكلمات من اماكنها فيدعى هذا النقل بالتقديم والتأخير. والتقديم والتأخير لغرض بلاغي يكسب الكلام جمالا، لأنّه سبيل الى نقل المعاني في ألفاظها الى المخاطبين كما هي مرتّبة في ذهن المتكلم حسب أهميتها عنده، فيكون الأسلوب صورة صادقة لاحساسه ومشاعره. والمسند إليه يقدّم لأغراض بلاغيّة منها: 1 - التشويق الى المتأخّر: لتمكين الخبر في نفس السامع، كقول أبي العلاء (الخفيف):

2 - تعجيل المسرة

والذي حارت البريّة فيه … حيوان مستحدث من جماد. 2 - تعجيل المسرّة: لما يوحي به من تفاؤل، نحو: سعد في دارك. 3 - تعجيل المساءة: لما يوحي به من تشاؤم، نحو: القصاص حكم به القاضي. 4 - الإنذار بخطر داهم: نحو: العدوّ لا تغفل عن أمره. 5 - التلذّذ بذكره: كقول جميل (الطويل): بثينة ما فيها إذا ما تبصّرت ... مصاب. 6 - التبرّك: نحو: اسم الله اهتديت به. 7 - عموم السلب أو سلب العموم: يقدّم المسند إليه إذا كان من أدوات العموم مثل: كل، جميع، وتكون متقدّمة على النص، لإفادة أنّ النفي شامل لجميع أفراد المسند إليه. ومثاله قول ابي النجم (الرجز): قد أصبحت أمّ الخيار تدّعي … عليّ ذنبا كلّه لم أصنع. برفع (كل) على الابتداء، والجملة بعده خبر، فأداة العموم واقعة قبل النفي والتركيب بهذه الصورة يفيد عموم السلب ويعني أنّه لم يصنع شيئا مما تدّعيه هذه المرأة. إذا وقعت أداة العموم بعد النفي أفاد الكلام ثبوت الحكم لبعض الافراد دون بعض كقول المتنبي (البسيط): ما كلّ ما يتمنّى المرء يدركه … تأتي الرّياح بما لا تشتهي السّفن.

وقول آخر (البسيط): ما كلّ رأي الفتى يدعو الى رشد … إذا بدا لك رأي مشكل فقف. ففي كل من البيتين وقعت أداة العموم بعد النفي، فالنفي غير شامل، وأفاد الكلام ثبوت الحكم لبعض الأفراد دون بعض. ويسمى ذلك سلب العموم. * يتم تأخير المسند اليه لأغراض بلاغية يترتّب عليها تقديم المسند. وسنذكر هذه الأسباب في حينه.

الباب الرابع في المسند وأحواله

الباب الرابع في المسند وأحواله 1 - في ذكر المسند: يذكر المسند لأغراض منها: 1 - كون ذكره هو الأصل، ولا مقتضى للعدول عنه: نحو: العلم خير من المال. 2 - ضعف التعويل على دلالة القرينة: نحو: حالي مستقيم، ورزقي ميسور. إذ لو حذف ميسور لا يدلّ عليه المذكور. 3 - الاحتراس من ضعف تنبّه السامع: نحو أَصْلُها ثابِتٌ وَفَرْعُها فِي السَّماءِ ابراهيم: 24. إذ لو حذف (ثابت) ربّما لا يتنبّه السامع لضعف فهمه. 4 - تسجيل الردّ على المخاطب: نحو قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَها أَوَّلَ مَرَّةٍ يس: 79. جوابا لقوله قالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظامَ وَهِيَ رَمِيمٌ يس: 78. 2 - في حذف المسند: يحذف المسند لأغراض بلاغية أهمها:

1 - ضيق المقام عن إطالة الكلام

1 - ضيق المقام عن إطالة الكلام: كقول الشاعر (المنسرح): نحن بما عندنا وانت بما … عندك راض والرأي مختلف. أي نحن راضون فحذف لضيق المقام. 2 - اختبار تنبّه السامع عند قيام قرينة تعين على الفهم السليم: وتكون القرينة مذكورة ملفوظة نحو قوله تعالى وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ العنكبوت: 61 أي خلقهن الله. وتكون ملحوظة كما في قول ضرار بن نهشل يرثي أخاه يزيد (الطويل): ليبك يزيد: ضارع لخصومة … ومختبط مما تطيح الطوائح. كأنه بعد أن قال بالبناء للمجهول (ليبك يزيد) سئل: ومن يبكيه؟ فأجاب: يبكيه ضارع ومختبط. 3 - الاحتراز من العبث: نحو قوله تعالى .. أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ التوبة: 3. أي ورسوله بريء منهم أيضا. فلو ذكر هذا المحذوف لكان ذكره عبثا لعدم الحاجة اليه. 4 - مجاراة الاسلوب العربي الفصيح: نحو قوله تعالى لَوْلا أَنْتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ سبأ: 31. أي لولا أنتم موجودون. والخبر بعد لولا محذوف وجوبا كما يقول النحاة.

3 - تعريف المسند

3 - تعريف المسند: يعرّف المسند لأغراض منها: 1 - إفادة السامع حكما على أمر معلوم عنده بأمر آخر مثله بإحدى طرق التعريف: نحو: هذا الخطيب، ذاك نقيب الأشراف. 2 - إفادة قصره على المسند إليه حقيقة: نحو: زيد الأمير. او ادّعاء: عمرو الشجاع. 4 - تنكير المسند: ينكّر المسند إذا لم يوجد ما يقتضي تعريفه وذلك لأسباب منها: 1 - إرادة عدم الحصر: نحو: زيد كاتب وعمرو شاعر. 2 - افادة التفخيم: نحو قوله تعالى هُدىً لِلْمُتَّقِينَ البقرة: 2. 3 - ارادة التحقير: نحو: ما زيد رجلا يذكر. 4 - اتباع المسند إليه في التفكير: نحو: طالب داخل القاعة. 5 - تقديم المسند: يقدّم المسند لأغراض بلاغية منها: 1 - التخصيص بالمسند إليه: نحو قوله تعالى وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ آل عمران: 189

2 - التشويق للمتأخر: إذا كان في المتقدّم ما يشوق لذكره، كتقديم المسند في قوله تعالى إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ لَآياتٍ لِأُولِي الْأَلْبابِ آل عمران: 190. 3 - التفاؤل: نحو قولك لمريض تعوده: في عافية انت. 4 - تعجيل المسرّة: للمخاطب، نحو: لله درّك. 6 - تأخير المسند: تأخير المسند هو الأصل لذلك لا نرى حاجة لإطالة الكلام فيه.

الباب الخامس القصر

الباب الخامس القصر 1 - تعريفه: عرّفه الجرجاني بقوله (¬1): «القصر في اللغة: الحبس. يقال: قصرت اللقحة على فرسي، إذا جعلت لبنها له لا لغيره. وفي الاصطلاح: تخصيص شيء بشيء وحصره فيه». وعرّفه معجم المصطلحات العربية بقوله (¬2): «هو، في علم المعاني العربي، تخصيص صفة بموصوف أو موصوف بصفة بطريقة معينة» ويسمّى الشيء الأول مقصورا والشيء الثاني مقصورا عليه. وهما: طرفا القصر 2 - نوعاه: ينقسم القصر باعتبار الحقيقة والواقع الى نوعين هما: 1 - القصر الحقيقي: وهو كما عرّفه الجرجاني (¬3): «تخصيص الشيء بالشيء بحسب الحقيقة، وفي نفس الأمر بأن لا يتجاوزه الى غيره أصلا». ويكون القصر الحقيقي إمّا: أ. تحقيقيا: ومثاله: إنّما الأرض كرة. ب. ادعائيا: ومثاله: لا إمام سوى العقل. ¬

_ (¬1). كتاب التعريفات، الجرجاني، ص 183. (¬2). معجم المصطلحات العربية في اللغة والادب، وهبة- المهندس ص 162. (¬3). كتاب التعريفات، الجرجاني، ص 183.

2 - القصر الإضافي

2 - القصر الإضافي: وهو كما عرّفه الجرجاني (¬1): «الإضافة الى شيء آخر بأن لا يتجاوزه الى ذلك الشيء، وإن أمكن ان يتجاوزه الى شيء آخر في الجملة». يرى البلاغيون أن الاختصاص فيه نسبي نحو: ما كاتب إلّا عبد الحميد، فإنك تقصد قصر الكتابة عليه بالنسبة الى شخص آخر غيره كابن المقفّع مثلا، وليس قصدك أنه لا يعرف كاتب سواه، لأنّ الواقع يكذب هذا ويشهد ببطلانه. والقصر الإضافي قسمان هما: أ. قصر إفراد: وهو تخصيص شيء بشيء، وفيه اعتقاد المخاطب الشركة، فنقطع بالقصر معنى الاشتراك، نحو: ما شوقي إلّا شاعر، ردا على من اعتقد انه شاعر وكاتب معا. ب. قصر قلب: وهو تخصيص شيء مكان شيء إذا اعتقد المخاطب العكس وقلب عليه حكمه، نحو: ما سافر إلّا عمر. ردا على من اعتقد أن المسافر أحمد لا عمر، فيعكس عليه حكمه ويقلب له. وقد أضيف إليهما قسم ثالث هو: ج. قصر تعيين: إذا كان المخاطب متردّدا في الحكم، نحو: الأرض متحركة لا ثابتة. ردّا على من شكّ وتردّد في الحكم. ¬

_ (¬1). كتاب التعريفات، الجرجاني، ص 183.

3 - تقسيم القصر باعتبار طرفيه

3 - تقسيم القصر باعتبار طرفيه: يقسم كل من القصر الحقيقي والإضافي، باعتبار طرفيهما، الى قسمين: أ. قصر صفة على موصوف: وهو ان تحبس الصفة على موصوفها، وتختص به، فلا يتّصف بها غيره، وإن كان يحتمل أن يكون لهذا الموصوف صفات أخرى غيرها، ومثاله: - لا رازق إلّا الله (حقيقي). - لا خطيب إلّا أنت (إضافي). ب. قصر موصوف على صفة: وهو ان يحبس الموصوف على الصفة، ويختص بها دون غيرها، وإن كان من المحتمل ان يشاركه غيره فيها. ومثاله: - ما الله إلّا خالق كل شيء (حقيقي). - ما محمد إلّا رسول قد خلت من قبله الرسل (إضافي). * يعرف نوع القصر، أهو قصر صفة على موصوف ام موصوف على صفة، بما في العبارة من تقديم وتأخير، فإن كان المقدّم صفة فهو قصر صفة على موصوف، وإن كان موصوفا فهو قصر موصوف على صفة. فكل مقدّم مقصور، وكل مؤخر مقصور عليه. 4 - طرق القصر: عرفت العرب طرقا كثيرة للقصر أشهرها الطرق الاصطلاحية الآتية:

أ. النفي مع الاستثناء

أ. النفي مع الاستثناء: ويكون المقصور عليه ما بعد أداة الاستثناء نحو: - لا يفوز إلّا المجد. - إِنْ هذا إِلَّا مَلَكٌ كَرِيمٌ. - لم يبق سواك نلوذ به. ويشترط في القصر ب (لا) أن يكون بعد الإثبات، والمقصور عليه فيها هو المذكور قبلها، المقابل لما بعدها. ب. القصر ب (إنّما): ويكون المقصور عليه مؤخرا وجوبا، نحو: إنّما الأمم الأخلاق ... والمقصور ب (إنّما) هو المذكور بعدها، وفي تقديم ما حقّه التأخير هو اللفظ المتقدّم. ج. العطف ب (لا) أو (بل) أو (لكن): إذا كان العطف ب (لا) كان المقصور عليه مقابلا لما بعدها، نحو: الأرض متحركة لا ثابتة. وإذا كان العطف ب (بل) أو (لكن) كان المقصور عليه ما بعدها نحو: ما الأرض ثابتة بل متحركة. ما الأرض ثابتة لكن متحركة. د. تقديم ما حقّه التأخير: ويكون المقصور عليه هنا هو المقدّم، نحو: على الرجال العاملين نثني. ومثل هذا القصر لا يعرف إلّا بالذوق السليم.

تمارين

تمارين: 1 - بيّن في ما يأتي نوع القصر، وعيّن كلّا من المقصور والمقصور عليه: قال تعالى: اللَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ البقرة: 255. وقال إِنَّمَا الْحَياةُ الدُّنْيا لَعِبٌ وَلَهْوٌ محمد: 36. وقال إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ الفاتحة: 5. وقال تعالى إِنَّما يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ فاطر: 28. وقال تعالى وَما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ آل عمران: 144. وقال لبيد (الطويل): وما المرء إلّا كالهلال وضوئه … يوافي تمام الشهر ثم يغيب. وقال ابن الرومي: - أمواله في رقاب الناس من منن … لا في الخزائن من عين ومن نشب - الى الله أشكو لا الى الناس انّني … أرى الأرض تبقى والأخلاء تذهب - إنما يدافع عن أحسابكم عليّ. 2 - بيّن نوع القصر، وطريقه، وعيّن كلا من المقصور والمقصور عليه في ما يأتي: - ما الدهر عندك إلّا روضة أنف … يا من شمائله في دهره زهر - ليس عار بأن يقال فقير … إنما العار أن يقال بخيل - يتغابى لهم وليس لموق … بل للبّ يفوق لبّ اللبيب - يهتز عطفاه عند الحمد يسمعه … من هزّة المجد لا من هزّة الطّرب

- وما قلت إلّا الحقّ فيك ولم تزل … على منهج من سنّة المجد لا حب - وما العيش إلّا مدّة سوف تنقضي … وما المال إلّا هالك وابن هالك - وما يريغون بالنّعمى مكافأة … لكن يقضوّن ما للمجد من أرب - إنّما الدنيا متاع زائل … فاقتصد فيه وخذ منه ودع - عمر الفتى ذكره لا طول مدّته … وموته خزيه لا يومه الدّاني - وإنّما اولادننا بيننا … أكبادنا تمشي على الأرض - وما الدّهر إلّا من رواة قصائدي … إذا قلت شعرا أصبح الدهر منشدا

الباب السادس الوصل والفصل

الباب السادس الوصل والفصل 1 - تعريفهما: الوصل: عطف جملة على اخرى بالواو. الفصل: ترك هذا العطف. 2 - بلاغة الوصل: لا تتحقّق إلّا بالواو العاطفة فقط، لأنّ (الواو) هي الأداة التي تخفى الحاجة اليها، ويحتاج العطف بها الى لطف في الفهم، ودقّة في الإدراك، إذ لا تفيد إلّا مجرّد الرّبط، وتشريك ما بعدها لما قبلها في الحكم، نحو: مضى وقت الكسل، وجاء زمن العمل، وقم واسع في الخير. أما العطف ب (الفاء) فيفيد مع التشريك الترتيب والتعاقب، وب (ثم) يفيد الترتيب مع التّراخي. فلا يقع اشتباه في استعماله. 3 - مواضع الوصل: يجب الوصل بين الجملتين في ثلاثة مواضع: 1 - إذا اتّحدت الجملتان في الخبرية او الإنشائية لفظا ومعنى أو معنى فقط: 1 - اتحادهما في الخبرية ومثاله إِنَّ الْأَبْرارَ لَفِي نَعِيمٍ* وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ الانفطار: 13 - 14. اتفاق الجملتين في الخبرية لفظا ومعنى.

2 - إذا اختلفتا خبرا وإنشاء، وأوهم الفصل خلاف المقصود

2 - اتحادهما في الانشائية ومثاله وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا الاعراف: 31. اتحادهما في الانشائية لفظا ومعنى. 3 - إنشائية معنى، خبرية في اللفظ، ومثاله وَإِذْ أَخَذْنا مِيثاقَ بَنِي إِسْرائِيلَ لا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً البقرة: 83. فجملة (لا تَعْبُدُونَ) إنشائية معنى لأنها بمعنى لا تعبدوا، وأخذ الميثاق يقتضي الأمر والنهي، فإذا وقع بعده خبر أوّل بالأمر أو النهي، وقد عطفت عليها جملة (وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً) وهي إنشائية لفظا ومعنى لأنها على تقدير (واحسنوا بالوالدين إحسانا) فالجملتان اتفقتا في الإنشائية معنى وإن اختلفتا في اللفظ، لذا عطفت الثانية على الأولى، لوجود الجامع ولا مانع من العطف. 4 - خبرية معنى، إنشائية لفظا أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ* وَوَضَعْنا عَنْكَ وِزْرَكَ الشرح: 1 - 2. فالجملة الثانية خبرية في اللفظ والمعنى، وقد عطفت على جملة (أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ) وهي وإن كانت مصّدرة باستفهام فهي في معنى الخبر لأن المعنى (شرحنا لك صدرك). فتكون الاولى إنشائية لفظا خبرية معنى وبذلك اتفقت مع الثانية فصحّ العطف بينهما لوجود الجامع، ولا مانع من العطف. 2 - إذا اختلفتا خبرا وإنشاء، وأوهم الفصل خلاف المقصود: ومثاله:- لا، وبارك الله فيك. جوابا لمن سألك: هل لك حاجة أساعدك في قضائها. - لا، ويرحمك الله. جوابا لمن سألك: هل شفيت من مرضك.

3 - إذا قصد إشراكهما في الحكم الاعرابي

ف (لا) في الجملة الأولى قائمة مقام جملة خبرية تقديرها (لا حاجة لي) وكذلك القول في الجملة الثانية. والجملتان: بارك الله فيك، ويرحمك الله، جملتان خبريتان لفظا إنشائيتان معنى والعبرة بالمعنى. ويجب التأكيد على وجود الواو في صدر الجملة الثانية لأن تركها يوهم السامع بالدعاء عليه، وهو خلاف المقصود، لأن الغرض الدعاء له. ولهذا وجب الوصل. وعطف الجملة الثانية الدعائية الإنشائية على الأولى الخبرية المقدّرة بلفظ (لا) لدفع الإيهام، وكلا الجملتين لا محل لها من الأعراب. 3 - إذا قصد إشراكهما في الحكم الاعرابي: إذا كان للجملة الأولى محلّ من الإعراب، وقصد تشريك الجملة الثانية لها في الإعراب حيث لا مانع. ومثاله: قول أبي العلاء (الوافر): وحبّ العيش أعبد كلّ حر … وعلّم ساغبا أكل المرار. فالجملة الولى (أعبد كلّ حر) في محل رفع خبر للمبتدأ (حبّ)، وأراد الشاعر إشراك الثانية لها في الحكم الاعرابي، فعطفها عليها بالواو. والجملتان خبريتان فعلّيتان فعلهما ماض. وقول المتنبي (الطويل): وللسرّ منيّ موضع لا يناله … نديم، ولا يفضى إليه شراب فالجملة الأولى (لا يناله نديم) في محل رفع صفة ل (موضع)، وأراد اشراك الجملة الثانية لها في هذا الحكم فعطفها

تمارين

عليها بالواو. والجملتان متّحدتان خبرا، متناسبتان معنى فلا داعي للفصل بينهما. وقال بشّار (الطويل): وأدن الى القربى المقرّب نفسه … ولا تشهد الشورى امرأ غير كاتم فالجملتان هنا متّحدتان إنشاء، ومتناسبتان في المعنى لذلك عطفت الثانية على الاولى. * الأحسن ان تنفق الجملتان في الاسمية والفعلية، والفعليتان في الماضوية والمضارعية، أي ان تعطف الاسمية على مثلها، وكل من الماضوية والمضارعية على مثلها. تمارين: 1 - بيّن مواضع الوصل في ما يأتي، واذكر السبب: قال تعالى: وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلى عُنُقِكَ وَلا تَبْسُطْها كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُوماً مَحْسُوراً الاسراء: 29. وقال تعالى: وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ وَجَعَلْنا مَعَهُ أَخاهُ هارُونَ وَزِيراً الفرقان: 35 وقال تعالى: قُلْ يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّما أَنَا لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ* فَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ* وَالَّذِينَ سَعَوْا فِي آياتِنا مُعاجِزِينَ أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَحِيمِ الحج: 49 - 51. وقال الرسول (ص): «اتق الله حيثما كنت، واتبع السينة الحسنة تمحها، وخالق الناس بخلق حسن». وقال أبو بكر (ر): «أيها الناس، إنّي ولّيت عليكم ولست بخيركم».

وقال الامام علي (ر): «دع الإسراف مقتصدا، واذكر في اليوم غدا، وأمسك من المال بقدر ضرورتك، وقدّم الفضل ليوم حاجتك». 2 - بيّن مواضع الوصل، واذكر السبب: 1 - يشمّر للّجّ عن ساقه … ويغمره الموج في السّاحل 2 - تأتي المكاره حين تأتي جملة … وأرى السرور يجيء في الفلتات 3 - وكلّ امرئ يولي الجميل محبّب … وكلّ مكان ينبت العزّ طيّب 4 - اضرب وليدك وادلله على رشد … ولا تقل هو طفل غير محتلم 5 - يجود بالنفس إن ضنّ الجواد بها … والجود بالنفس أقصى غاية الجود 6 - نسيبك من ناسبت بالودّ قلبه … وجارك من صافيت لا من تصاقب 7 - إنّما هذه الحياة متاع … والسّفيه الغبيّ من يصطفيها 8 - ما مضى فات، والمؤمّل غيب … ولك الساعة التي أنت فيها 9 - قد يدرك الراقد الهادي برقدته … وقد يخيب أخو الرّوحات والدّلج 10 - يصدّون في البأساء من غير علة … ويمتثلون الأمر والنهي في الخفض 11 - أعزّ مكان في الدّنا سرج سابح … وخير جليس في الزمان كتاب 12 - وغدر الفتى في عهده ووفائه … وغدر المواضي في نبوّ المضارب 13 - العين عبرى والنفوس صوادي … مات الحجا وقضى جلال النادي 14 - لا الدّمع غاض ولا فؤادك سالي … نزل الحمام عرينة الرئبال 15 - فإذا رأيتك حار دونك ناظري … وإذا مدحتك حار فيك لساني

4 - مواضع الفصل

4 - مواضع الفصل: إذا ترادفت الجمل، ووقع بعضها إثر بعض ربطت بالواو العاطفة لتكون على نسق واحد. ولكن قد يعرض لها ما يوجب ترك الواو فيها إمّا لأن الجملتين متحدّتان صورة ومعنى، وإمّا لأنّهما بمنزلة المتحدتين، وإمّا لأنه لا صلة بينهما في الصورة أو في المعنى. ويقع الفصل في خمسة مواضع هي: 1 - " كمال الاتصال". وهو اتحاد الجملتين اتحادا تاما، بحيث تكون الجملة الثانية: توكيدا للأولى، أو لا بد منها، أو بيانا لها. ومثاله: - قال تعالى: فَمَهِّلِ الْكافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْداً الطارق: 17. فالجملة الثانية (أَمْهِلْهُمْ رُوَيْداً) توافق الجملة الأولى التي سبقتها لفظا ومعنى، وهي توكيد لفظي للأولى، وبذلك صارت الصلة قوية بينهما بحيث لا تحتاجان الى رابط، لأنّ التوكيد من المؤكد كالشيء الواحد، لذا ترك العطف لعدم صحّة عطف الشيء على نفسه. - وقال تعالى: وَاتَّقُوا الَّذِي أَمَدَّكُمْ بِما تَعْلَمُونَ* أَمَدَّكُمْ بِأَنْعامٍ وَبَنِينَ الشعراء: 132 - 133. فالآية الثانية بمنزلة بدل البعض، لأنّ ما يعلّمونه يشمل ما في الجملة الثانية من النعم الأربع وغيرها من سائر النعم، ولم يعطف بين الجملتين بالواو لقوّة الربط بينهما. - وقال تعالى: بَلْ قالُوا مِثْلَ ما قالَ الْأَوَّلُونَ* قالُوا أَإِذا مِتْنا وَكُنَّا تُراباً وَعِظاماً أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ المؤمنون: 81 - 82.

2 - كمال الانقطاع.

فالآية الثانية شارحة وموضّحة، وأوفى بتأدية المعنى من الأولى. فهي واقعة موقع بدل الكل من الأولى، ولذا ترك العطف لقوّة الربط بين الجملتين. - وقال تعالى وَجاءَ مِنْ أَقْصَا الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعى قالَ يا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ* اتَّبِعُوا مَنْ لا يَسْئَلُكُمْ أَجْراً وَهُمْ مُهْتَدُونَ يس: 20 - 21. فالآية الثانية بدل اشتمال من الأولى، لأنّ المراد من الأولى حمل المخاطبين على اتباع الرسل، والثانية أوفى لأن معناها: لا تخسرو شيئا من دنياكم وتربحو صحّة دينكم، فيكون لكم جزاء الدنيا والآخرة، فترك العطف بين الجملتين لقوّة الربط بينهما. - وقال تعالى وَإِذْ نَجَّيْناكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذابِ يُذَبِّحُونَ أَبْناءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِساءَكُمْ البقرة: 49. فصلت جملة (يُذَبِّحُونَ أَبْناءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِساءَكُمْ) عن (يَسُومُونَكُمْ) لأن الثانية موضّحة للأولى فكانت بمنزلة عطف البيان، لذلك ترك العطف لقوّة الربط بينهما، لأن عطف البيان لا يعطف على متبوعه. 2 - كمال الانقطاع. وهو ان يكون بين الجملتين تباين تام. وأوضح ما يكون ذلك إذا تقاطعتا: 1 - خبرا وإنشاء: نحو وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ الحجرات: 9. فصلت الجملة الثانية عن الأولى لأن الأولى (وَأَقْسِطُوا) إنشائية لفظا ومعنى،

2 - واختلافهما معنى

والثانية (إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ) خبرية لفظا ومعنى، فبينهما تباين تام وانقطاع كامل ممّا يستوجب الفصل بينهما. 2 - واختلافهما معنى: نحو: نجح خالد وفّقه الله. فالثانية إنشائية لفظا خبرية معنى. 3 - ألّا يكون بين الجملتين مناسبة في المعنى ولا ارتباط: ومثاله: إنّما المرء بأصغريه … كل امرئ رهن بما لديه فلا مناسبة بين الجملة الثانية والأولى لأنّ كلّا منهما مستقلة بنفسها. 3 - شبه كمال الاتصال: وهو أن تكون الجملة الثانية شديدة الارتباط بالأولى، حتّى لكأنّها جواب عن سؤال نشأ من الأولى. ويكون السؤال عن سبب عام كما في قوله (الخفيف): قال لي: كيف أنت؟ قلت: عليل … سهر دائم وحزن طويل ويكون السؤال عن سبب خاص كقوله تعالى وَما أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ يوسف: 53. فقد فصلت الجملة الثانية عن الأولى لأنّها واقعة في جواب سؤال مقدّر، وكأنه قيل: هل النفس أمّارة بالسّوء؟ فقيل: إن النفس لأمّارة بالسوء. وقد يفهم السؤال من السياق كقوله (الكامل): زعم العواذل أنّني في غمرة … صدقوا ولكن غمرتي لا تنجلي. كأنه سئل: أصدقوا في زعمهم أم كذبوا؟ فأجاب: صدقوا.

4 - شبه كمال الانقطاع

4 - شبه كمال الانقطاع: وهو ان تسبق جملة بجملتين يصحّ عطفها على الأولى لوجود المناسبة، ولكن في عطفها على الثانية فساد في المعنى فيترك العطف بالمرّة، دفعا لتوهّم أنه معطوف على الثانية. نحو: وتظنّ سلمى أنّني أبغي بها … بدلا أراها في الضلال تهيم فجملة (أراها) يصح عطفها على جملة (تظن) لكن يمنع من ذلك توهم العطف على جملة (أبغي بها) فتكون الثالثة من مظنونات سلمى، مع أنّه غير المقصود ولهذا امتنع العطف. 5 - التوسّط بين الكمالين: وهو أن تكون الجملتان متناسبتين وبينهما رابطة قوية لكن يمنع من العطف مانع هو عدم قصد التشريك في الحكم كقوله تعالى وَإِذا خَلَوْا إِلى شَياطِينِهِمْ قالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّما نَحْنُ مُسْتَهْزِؤُنَ* اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ .. البقرة: 14. لقد فصلت جملة (اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ) عن جملة (إِنَّا مَعَكُمْ) مع التناسب ووجود الجامع بينهما المصحح للعطف لوجود المانع، وهو أنّه لم يقصد تشريك جملة (اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ) لجملة (إِنَّا مَعَكُمْ) في الحكم الاعرابي، وهو انها مفعول القول، فيقتضي ذلك أن جملة: الله يستهزئ بهم تكون من مقول المنافقين، وهي ليست كذلك بل هي من كلام الله سبحانه ولذلك فصل بينهما.

تمارين

تمارين: 1 - بيّن مواضع الفصل في ما يأتي واذكر السبب: 1 - وما الدهر إلّا من رواة قصائدي … إذا قلت شعرا أصبح الدّهر منشدا 2 - الناس للناس من بدو وحاضرة … بعض لبعض وإن لم يشعروا خدم 3 - يا صاحب الدنيا المحبّ لها … أنت الذي لا ينقضي تعبه 4 - ليس الحجاب بمقص عنك لي أملا … إنّ السّماء ترجّى حين تحتجب 5 - إن نيوب الزّمان تعرفني … أنا الذي طال عجمها عودي 6 - لا يعجبّنك إقبال يريك سنا … إنّ الخمود لعمري غاية الضّرم 7 - يقولون إنّي أحمل الضّيم عندهم … أعوذ بربّي أن يضام نظيري 8 - نفسي له نفسي الفداء لنفسه … لكنّ بعض المالكين عفيف 9 - يهوى الثّناء مبرّزّ ومقصّرّ … حبّ الثناء طبيعة الإنسان 10 - حكم المنيّة في البرية جاري … ما هذه الدنيا بدار قرار. 2 - بيّن مواضع الوصل والفصل في ما يأتي واذكر السبب: 1 - ألا من يشتري سهرا بنوم؟ … سعيد من يبيت قرير عين 2 - اخط مع الدهر إذا ما خطا … واجر مع الدهر كما يجري 3 - لا تدعه إن كنت تنصف نائبا … هو في الحقيقة نائم لا نائب 4 - وقد كان يروي المشرفيّ بكفّه … ويبلغ أقصى حجرة الحيّ نائله 5 - وتظن سلمى أنني ابغي بها … بدلا، أراها في الظّلام تهيم 6 - الفقر فيما جاوز الكفافا … من اتقى الله رجا وخافا

الباب السابع الإيجاز والإطناب والمساواة

الباب السابع الإيجاز والإطناب والمساواة لا يعدو التعبير عن المعاني التي تجول في الذهن، وعن العواطف التي يجيش بها الصدر، طريقا من هذه الطرق الثلاث: الإيجاز، والإطناب، والمساواة. وسنبحث كلّ طريق بحثا منفصلا. أوّلا: الإيجاز: 1 - 1. تعريفه: عرّفه الجرجاني بقوله (¬1): «أداء المقصود بأقلّ من العبارة المتعارفة». وعرّفه معجم المصطلحات العربية بقوله (¬2): «هو التعبير عن المعاني الكثيرة باللفظ القليل». وعلينا ان ندرك ان الإيجاز لغة يفيد التقّصير، وأنّه في الاصطلاح يعني: اندراج المعاني الكثيرة تحت اللفظ القليل. وقد رأى البلاغيون ان الألفاظ القليلة فيه يجب أن تفي بالمراد مع الإبانة والإفصاح وتناسقها مع حال المخاطب. مثاله، قوله تعالى خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجاهِلِينَ الأعراف: 199. فلقد جمعت الآية على قصرها مكارم الأخلاق جميعا دون إخلال أو حذف ملبس. ومثاله أيضا قوله (ص): (إنّما الأعمال بالنيّات) فالحديث يتضمّن معاني كثيرة تشعّ بها الألفاظ وتومئ إليها من غير إخلال ¬

_ (¬1). كتاب التعريفات، الجرجاني، ص 32. (¬2). معجم المصطلحات العربية في اللغة والادب، وهبة- المهندس ص 162.

1 - 2. نوعاه

بالمعنى. لهذا قال الرمّاني (¬1): «الإيجاز تقليل الكلام من غير إخلال بالمعنى». 1 - 2. نوعاه: ينقسم الإيجاز الى قسمين، هما: أ- إيجاز قصر: وهو ما تزيد فيه المعاني على الألفاظ ولا يقدّر فيه محذوف، ويسمى أيضا إيجاز البلاغة لأن الأقدار تتفاوت فيه. مثاله قوله تعالى أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ الأعراف: 54. لقد جمعت الآية فأوعت حتى إنه روي أنّ ابن عمر (ر) قرأها فقال: من بقي له شيء فليطلبه. ومثاله أيضا قوله (ص): (الضعيف أمير الرّكب). فالحديث جمع من آداب السفر والعطف على الضعيف ما لا يسهل التعبير عنه إلّا بالقول المسهب. ومنه قول السموءل (الطويل): وإن هو لم يحمل على النفس ضيمها … فليس الى حسن الثناء سبيل فقد جمع البيت الصفات الحميدة من سماحة وشجاعة وتواضع وحلم وصبر واحتمال مكاره في سبيل طلب الحمد إذ كل هذه مما تضيم النفس. وبهذا النوع من الإيجاز تغنّى البلاغيّون فقالوا: «القليل الكافي خير من كثير غير شاف». ¬

_ (¬1). النكت في اعجاز القرآن، الرمّاني، ص 77.

ب- إيجاز حذف

ب- إيجاز حذف: ويكون بحذف شيء من العبارة لا يخلّ بالفهم، مع وجود قرينة لفظية أو معنوية تدلّ على المحذوف. ويكون هذا المحذوف. أ- حرفا: كقوله تعالى وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا مريم: 20. فلقد حذفت النون من (أكن) تخفيفا. ب- اسما مضافا: كقوله تعالى وَجاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهادِهِ الحج: 78 والمحذوف (سبيل) وجاهدوا في سبيل الله ... ج- اسما مضافا اليه: كقوله وَواعَدْنا مُوسى ثَلاثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْناها بِعَشْرٍ الأعراف: 142 فحذف المضاف اليه (ليال) والتقدير بعشر ليال. د- اسما موصوفا: كقوله تعالى إِلَّا مَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً مريم: 60 أي عملا صالحا. هـ- اسما صفة: كقوله تعالى مُتَّكِئِينَ فِيها يَدْعُونَ فِيها بِفاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ وَشَرابٍ ص: 51 أي وشراب كثير بدليل ما قبله.

و- شرطا

و- شرطا: كقوله تعالى قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ آل عمران: 31 أي فإن تتّبعوني يحببكم الله. ز- جواب شرط: كقوله تعالى وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَراً حَتَّى إِذا جاؤُها وَفُتِحَتْ أَبْوابُها الزمر: 73. كأنه قيل: قد حصلوا على النعيم المقيم. والحذف هنا أبلغ من الذكر لأن النفس تذهب فيه كل مذهب، ولو ذكر الجواب لقصر على وجه واحد تتضمّنه العبارة، والحذف يترك للنفس أن تقدّر ما يحلو لها رؤيته ... ح- مسندا: كقوله تعالى وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ لقمان: 25 أي خلقهن الله. ط- مسندا اليه: كقول حاتم الطائي (الطويل): أماويّ ما يغني الثّراء عن الفتى … إذا حشرجت يوما وضاق بها الصدر. أي إذا حشرجت النّفس. ي- المعطوف: كقوله تعالى لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقاتَلَ الحديد: 10 والتقدير: لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل، ومن أنفق من بعده وقاتل. والقرينة الدالة على ذلك قوله تعالى بعد ذلك أُولئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقاتَلُوا الحديد: 10

ك- جملة

ك- جملة: والمقصود هنا (جملة تامة لا تكون جزءا من كلام آخر وإلّا دخل الشرط والجزاء المعطوف ضمنها). ومثاله قوله تعالى وَإِذِ اسْتَسْقى مُوسى لِقَوْمِهِ فَقُلْنَا اضْرِبْ بِعَصاكَ الْحَجَرَ فَانْفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتا عَشْرَةَ عَيْناً والتقدير: فضرب فانفجرت، فحذف السبب وذكر المسبب. ل- جملا: كقوله تعالى فَقُلْنَا اذْهَبا إِلَى الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا فَدَمَّرْناهُمْ تَدْمِيراً الفرقان،: 36 والجمل محذوفة فأتياهم، فأبلغاهم الرسالة، فكذبوهما ... حتى يكون العقاب فدّمّرناهم تدميرا. لقد بيّن الرمّاني (¬1) الأثر النفسي للحذف قائلا بعد ذكر الآيتين الآتيتين: وَلَوْ أَنَّ قُرْآناً سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الْأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتى الرعد: 31 وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَراً حَتَّى إِذا جاؤُها وَفُتِحَتْ أَبْوابُها الزّمر: 73 «وإنّما صار الحذف في هذا أبلغ من الذّكر لأنّ النفس تذهب فيه كلّ مذهب، ولو ذكر الجواب لقصر على الوجه الذي تضمّنه البيان». ¬

_ (¬1). النكت في إعجاز القرآن، الرمّاني، ص 77.

ثانيا: الإطناب

ثانيا: الإطناب: 2 - 1. تعريفه: عرّفه الجرجاني بقوله (¬1): «أداء المقصود بأكثر من العبارة المتعارفة». وجاء في معجم المصطلحات العربية (¬2) أنّه: «أداء المعنى بلفظ زائد عليه لفائدة» وأعطى مثلا عليه قوله تعالى تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيها القدر: 4 فالإطناب هنا بذكر الخاص (الروح أي جبريل) بعد العام (الملائكة) والفائدة: تعظيم جبريل، والتنويه بشأنه. والإطناب لغة: التطويل، أطنب في كلامه: بالغ فيه وطوّل ذيوله. 2 - 2. صوره: للإطناب صور كثيرة أهمها: أ- ذكر الخاص بعد العام: كقوله تعالى حافِظُوا عَلَى الصَّلَواتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطى البقرة: 238 فقد خصّ الله تعالى الصلاة الوسطى بالذكر مع أنها داخلة في عموم الصلوات تكريما لها، وتعظيما لشأنها، وقد ذكرت مرتين: مرّة مندرجة تحت العام، وأخرى وحدها. والصّلاة الوسطى: العصر. ¬

_ (¬1). كتاب التعريفات، الجرجاني، ص 30. (¬2). معجم المصطلحات العربية في اللغة والادب، وهبة- المهندس ص 30.

ب- ذكر العام بعد الخاص

ب- ذكر العام بعد الخاص: كقوله تعالى رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوالِدَيَّ وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِناً وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ نوح: 28. فالمؤمنون والمؤمنات لفظان عامّان يدخل فيهما من ذكر قبل ذلك، وذلك لإفادة العموم مع العناية بالخاص، وقد ذكر مرّتين: مرة وحده، وأخرى مندرجا تحت العام. ج- الإيضاح بعد الإبهام: وذلك لإظهار المعنى في صورتين إحداهما مجملة، والثانية مفصّلة، وبذلك يتمكن المعنى في نفس السامع فضل تمكن. مثاله قوله تعالى وَقَضَيْنا إِلَيْهِ ذلِكَ الْأَمْرَ أَنَّ دابِرَ هؤُلاءِ مَقْطُوعٌ مُصْبِحِينَ الحجر: 66. فلفظ (الأمر) فصّل بالجملة (أن دابر هؤلاء مقطوع مصبحين) والغاية تقرير المعنى بذكره مرّتين. د- التوشيع: وهو ان يؤتى في عجز الكلام غالبا بمثّنى مفسّر باسمين ثانيهما معطوف على الأول، نحو قوله (ص): «يشيب ابن آدم وتشيب معه خصلتان: الحرص وطول الأمل» وقد يكون المثّنى في أول الكلام، كقوله: منهومان لا يشبعان: طالب علم وطالب مال. هـ- التكرار: وهو ذكر الشيء مرّتين أو اكثر لأغراض منها: - تقرير المعنى في النفس، كقوله تعالى كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ* ثُمَّ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ التكاثر: 3 - 4 فتوكيد الإنذار بالتكرار أبلغ تأثيرا، وأشدّ تخويفا.

و- الاعتراض

- استمالة القلوب، كقوله تعالى: وَقالَ الَّذِي آمَنَ يا قَوْمِ اتَّبِعُونِ أَهْدِكُمْ سَبِيلَ الرَّشادِ* يا قَوْمِ إِنَّما هذِهِ الْحَياةُ الدُّنْيا مَتاعٌ وَإِنَّ الْآخِرَةَ هِيَ دارُ الْقَرارِ غافر: 38 - 39 ففي تكرار يا قوم استمالة للقلوب. - طول الفصل، كقوله تعالى يا أَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي ساجِدِينَ يوسف: 4 فكرّر (رأيت) لطول الفصل. و- الاعتراض: هو أن يؤتى في أثناء الكلام، او بين كلامين متّصلين بالمعنى، بجملة أو اكثر، لا محلّ لها من الاعراب لفائدة سوى فائدة دفع الإبهام. ويأتي لأغراض منها: - التنزيه، كقوله تعالى وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ الْبَناتِ سُبْحانَهُ وَلَهُمْ ما يَشْتَهُونَ النحل: 57 - التعظيم، كما في قوله تعالى فَلا أُقْسِمُ بِمَواقِعِ النُّجُومِ* وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ الواقعة: 75 و 76 ففي الآيتين اعتراضان: الأوّل: انه لقسم عظيم، والثاني: لو تعلمون، وقد أريد بهما تعظيم القسم، وتفخيم أمره. - الدعاء، كقولك: إنّي- حفظك الله- مريض. ز- التذييل: هو تعقيب الجملة بجملة أخرى مستقلة تشتمل على معناها للتاكيد، وهو نوعان: - ما يجري مجرى المثل، كقوله تعالى وَقُلْ جاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْباطِلُ إِنَّ الْباطِلَ كانَ زَهُوقاً الاسراء: 81 فقوله تعالى، إن الباطل كان زهوقا، تذييل أتي به لتوكيد الجملة قبله، وهو جار مجرى المثل.

ح- التكميل أو الاحتراس

- ما لا يجري مجرى المثل، فهو لا يستقلّ بمعناه، وإنّما يتوقف على ما قبله، كقوله تعالى ذلِكَ جَزَيْناهُمْ بِما كَفَرُوا وَهَلْ نُجازِي إِلَّا الْكَفُورَ سبأ: 17 فجملة وهل نجزي إلا الكفور مؤكدة للأولى، وليست مستقلة عنها ولم تجر مجرى المثل. ح- التكميل أو الاحتراس: وهو ان يؤتى في كلام يوهم خلاف المقصود بما يدفع ذلك الإبهام. ومثاله قوله تعالى يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكافِرِينَ فالجملة: أذلة على المؤمنين، توهم ان يكون ذلك لضعفهم، فدفع ذلك الوهم بقوله تعالى (أَعِزَّةٍ عَلَى الْكافِرِينَ) ففي ذلك تنبيه على أنّ تلك الذلّة ليست إلا تواضعا منهم بدليل أنهم أعزّة على الكافرين. ط- التتميم: وهو ان يؤتى بفضلة أو حشو في ما لا يوهم خلاف المقصود، وذلك على سبيل المبالغة. ومثاله قوله تعالى وَآتَى الْمالَ عَلى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبى وَالْيَتامى البقرة: 177 فقوله على حبّه تتميم لأن المعنى تمّ قبلها. ومثاله أيضا قوله تعالى لَنْ تَنالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ آل عمران: 92 فمما تحبّون تتميم لأنّ المعنى يتمّ بقوله (تنفقوا). * وقد يكون الإطناب بزيادة حرف على أصل المعنى لغرض من الأغراض، نحو: زيادة (أن) بعد (لمّا) كما في قوله تعالى: فَلَمَّا أَنْ جاءَ الْبَشِيرُ أَلْقاهُ عَلى وَجْهِهِ فَارْتَدَّ بَصِيراً يوسف: 96 فزيادة (أن) فيه للدلالة على ان الفعل بعدها لم يكن على الفور، بل كان فيه تراخ وبطء.

ثالثا: المساواة

- ونحو زيادة (ما) بعد (إذا) كما في قوله تعالى: وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَواحِشَ وَإِذا ما غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ الشورى: 37 فزيادة (ما) للدلالة على قلة حدوث الفعل الذي بعدها، فهي تشير الى ان المؤمنين لا يغضبون إلّا قليلا. ** يستحسن الإطناب في مواضع: المدح، والثناء، والإرشاد، والتوجيه، والوعظ، والخطابة، وبيانات الحكومة، وكتب الولاة الى الملوك، وما اليها. ثالثا: المساواة: 3 - 1. تعريفها: هي تأدية المعنى المراد بعبارة مساوية له بحيث يتساوى اللفظ والمعنى فلا يزيد أحدهما على الآخر. ومثاله قوله (ص): إنّما الأعمال بالنيّات، ولكل امرئ ما نوى. فإنّ اللفظ فيه على قدر المعنى، لا ينقص عنه، ولا يزيد عليه. وقول طرفة (الطويل): ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد فالبيت لا يستغني عن لفظ من ألفاظه، ولو حذف منه شيء لاختل معناه. * المساواة هي الأصل المقيس عليه، ولا داعي للاستفاضة في شرحها وتعليل أسبابها وطرقها.

تمارين

تمارين: 1 - بيّن الإيجاز، والإطناب، والمساواة، وأقسام كل منها في ما يأتي: 1 - قال تعالى: وَيُطْعِمُونَ الطَّعامَ عَلى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً الانسان: 8 2 - قال تعالى: وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ فاطر: 43 3 - قال تعالى: مَنْ كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ الروم: 44 4 - قال تعالى: كُلُّ امْرِئٍ بِما كَسَبَ رَهِينٌ الطور: 21 5 - قال تعالى: فَلَمَّا أَنْ أَرادَ أَنْ يَبْطِشَ بِالَّذِي هُوَ عَدُوٌّ لَهُما القصص: 19 6 - قال تعالى: فَلَمَّا وَضَعَتْها قالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُها أُنْثى وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِما وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثى وَإِنِّي سَمَّيْتُها مَرْيَمَ آل عمران: 36 7 - قال تعالى: إِنَّ اللَّهَ اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْراةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ 8 - قال تعالى: فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً* إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً الشرح: 5 - 6 2 - بيّن الإيجاز، والإطناب، والمساواة، وأقسام كل منها في ما يأتي: 1 - ألا حبذّا هند وأرض بها هند … وهند اتى من دونها النأي والبعد 2 - وأعلم علم اليوم والأمس قبله … ولكنّني عن علم ما في غد عم 3 - أمن تذكّر جيران بذي سلم … مزجت دمعا جرى من مقلّة بدم

4 - ولست بمستبق أخا لا تلمّه … على شعث- أيّ الرّجال المهذّب 5 - من يلق يوما على علّاته هرما … يلق السّماحة منه والنّدى خلقا 6 - إن الثمانين- وبلّغتها- … قد احوجت سمعي الى ترجمان 7 - إذا ما غضبنا غضبة مضريّة … هتكنا حجاب الشمس أو قطرت دما 8 - فإنك كالليل الذي هو مدركي … وإن خلت أنّ المنتأى عنك واسع 9 - إذا أنت لم تشرب مرارا على القذى … ظمئت وأي الناس تصفو مشاربه 10 - شيخ يرى الصلوات الخمس نافلة … ويستحلّ دم الحجّاج في الحرم 11 - حليم إذا ما الحلم زين لأهله … مع الحلم في عين العدوّ مهيب 12 - أتى الزّمان بنوه في شبيبته … فسرّهم واتيناه على هرم 13 - والفيته بحرا كثيرا فضوله … جوادا متى يذكر له الخير يزدد 14 - فسقى ديارك غير مفسدها … صوب الرّبيع وديمة تهمي 15 - لم يبق جودك لي شيئا أومّله … تركتني أصحب الدّنيا بلا أمل 16 - وخفوق قلب لو رأيت لهيبه … يا جنّتي لرأيت فيه جهنّما 17 - وإنّ صخرا لتأتمّ الهداة به … كأنه علم في رأسه نار 18 - يدعون عنتر والسيّوف كأنها … أشطان بئر في لبان الأدهم 19 - يدعون عنتر والسيّوف كانها … لمع البوارق في سحاب مظلم 20 - صببنا عليها- ظالمين- … سياطنا فطارت بها أيد سراع وأرجل 21 - هل ابنك إلا من سلالة آدم … لكلّ على حوض المنيّة مورد

المصادر والمراجع

المصادر والمراجع 1. القرآن الكريم. 2. الاتجاه الوجداني في الشعر العربي المعاصر، عبد القادر القطّ، مكتبة الشباب، القاهرة 1978. 3. أسرار البلاغة، عبد القاهر الجرجاني، شرح محمد رشيد رضا، دار المعرفة، بيروت 1978. 4. الأسلوب، أحمد الشايب، مكتبة النهضة المصرية، القاهرة، ط/ 5 5. أساليب الطلب عند النحويين والبلاغيين، د. قيس الأوسي، بيت الحكمة بغداد 1988. 6. الإشارات والتنبيهات في علم البلاغة، الجرجاني، تحق عبد القادر حسين، دار نهضة مصر. 7. الإطناب، أنواعه وقيمه البلاغية، د. محمود شاكر القطّان، لا دار نشر 1986. 8. إعجاز القرآن، الباقّلاني، تحق السيّد أحمد صقر ط/ 4 دار المعارف 1977. 9. الأعمال الشعرية، عبد الرزاق عبد الواحد (3 أجزاء) دار الشؤون الثقافية بغداد. 10. الأغاني، أبو الفرج الأصفهاني، الهيئة المصرية العامة للكتاب ج 19. 11. الإيضاح في علوم البلاغة، الخطيب القزويني، دار الكتاب اللبناني، بيروت 1971. 12. البحث البلاغي عند العرب، د. شفيع السيّد، دار الفكر العربي، القاهرة 1987.

13. البديع بين البلاغة العربية واللسانيّات النصيّة، د. جميل عبد المجيد، الهيئة المصرية العامة 1998. 14. البديع، ابن المعتزّ، تحق محمد عبد المنعم خفاجي، دار الجيل بيروت 1990. 15. البديع في ضوء أساليب القرآن، د. عبد الفتاح لاشين، دار المعارف بالقاهرة 1979. 16. البديع في نقد الشعر لأسامة بن منقذ، تحق أحمد بدوي، حامد عبد المجيد، مصطفى البابي الحلبي، القاهرة 1960. 17. بيان إعجاز القرآن، ضمن ثلاث رسائل في إعجاز القرآن، تحق محمد خلف الله أحمد ومحمد زغلول سلام، دار المعارف. د. ت. مؤلفه: أبو سليمان حمد بن محمد ابراهيم الخطّابي. 18. البيان والتبيين، الجاحظ، تحق عبد السلام هارون، مؤسسة الخانجي بالقاهرة ط/ 3. 19. تأويل مشكل القرآن، ابن قتيبة، تحق السيّد أحمد صقر، طبعة دار التراث، 1973. 20. تحرير التعبير في صناعة الشعر والنثر وبيان إعجاز القرآن، لابن أبي الإصبع المصري، تحق حفني محمد شرف، لجنة إحياء التراث. د. ت. 21. التعبير البياني، رؤية بلاغية نقدية، د. شفيع السيّد، دار الفكر العربي 1995. 22. التلخيص في علوم البلاغة، الخطيب القزويني، تحق البرقوقي، المكتبة التجارية الكبرى بمصر 1932. 23. التورية وخلوّ القرآن الكريم منها، محمد جابر فيّاض، دار المنارة جدّة 1989.

24. جواهر البلاغة، السيد أحمد الهاشمي، دار إحياء التراث العربي، بيروت. 25. الحيوان، الجاحظ، تحق عبد السلام هارون، المجمع العلمي العربي الإسلامي، بيروت. 26. خزانة الأدب، البغدادي، تحق عبد السلام هارون، دار الكاتب العربي القاهرة 1967. 27. دروس في البلاغة العربية، الأزهر الزنّاد، المركز الثقافي العربي بيروت 1992. 28. دلائل الإعجاز، الجرجاني، شرح السيد محمد رشيد رضا، دار المعرفة بيروت 1978. 29. ديوان ابن رشيق، تحق د. محي الدين ديب، المكتبة العصرية بيروت 1998. 30. ديوان أبي الأسود الرؤلي، تحق محمد حسن آل ياسين، دار الكتاب الجديد بيروت 1974. 31. ديوان الأعشى، تحق محمد أحمد قاسم، المكتب الإسلامي، بيروت 1994. 32. ديوان امرئ القيس، تحق حسن السندوبي، المكتبة التجارية الكبرى 1953. 33. ديوان بدر شاكر السيّاب، دار العودة بيروت 1971. 34. ديوان العبّاس بن الأحنف، كرم البستاني، دار صادر بيروت 1978. 35. ديوان الفرزدق، شرح كرم البستاني، دار صادر بيروت لا. ت. 36. ديوان القروي (رشيد سليم الخوري) تحق محمد قاسم، جروس برس 1993.

37. ديوان المتنبي، شرح العكبري، دار المعرفة بيروت 1978. 38. سر الفصاحة، ابن سنان الخفاجي، تحق عبد المتعال الصعيدي طبعة صبيح. 39. شرح القافية البديعية، صفي الدين الحلي، تحق نسيب نشاوي، مجمع اللغة بدمشق 1982. 40. الصّحاح، الجوهري، تحق أحمد عبد الغفور عطّار، دار العلم للملايين 1974. 41. الصورة بين البلاغة والنقد، د. أحمد بسّام ساعي، المنارة للطباعة والنشر والتوزيع 1984، توزيع دار القلم بدمشق. 42. الصورة الشعرية في الخطاب البلاغي والنقدي، الولي محمّد، المركز الثقافي العربي بيروت 1990. 43. الطّراز المتضمّن لأسرار البلاغة وعلوم حقائق الإعجاز، يحيى بن حمزة العلوي، دار الكتب العلمية بيروت 1980. 44. عروس الأفراح في شرح تلخيص المفتاح، بهاء الدين السبكي، دار السرور بيروت. 45. العقد الفريد، ابن عبد ربّه، شرح أحمد أمين وآخرين، لجنة التأليف والترجمة والنشر 1971. 46. علم البديع، عبد العزيز عتيق، دار النهضة بيروت. 47. علم البيان في ضوء أساليب القرآن، د. عبد الفتاح لاشين، دار المعارف بمصر 1985. 48. علم المعاني، د. درويش الجندي، دار نهضة مصر، لا. ت. 49. علم المعاني، د. عبد العزيز عتيق، دار النهضة بيروت 1971. 50. علم المعاني بين الأصل النحوي والموروث البلاغي، د. محمد حسين علي الصغير، دار الشؤون الثقافية العامة بغداد 1989.

51. العمدة في محاسن الشعر وآدابه ونقده ابن رشيق، تحق محمد محيى عبد الحميد، مطبعة السعادة بمصر 1963. 52. فن الشعر لأرسطو، ترجمة محمد شكري عيّاد، دار الكاتب العربي، القاهرة 1967. 53. الفهرست، ابن النديم، تحق رضا تجدّد، طهران 1391 هـ. 54. قراءات في التراث البلاغي، د. ربيع عبد العزيز، دار رياض الصالحين 1994. 55. كتاب التعريفات، علي بن محمّد الشريف الجرجاني، مكتبة لبنان 1978. 56. كتاب الصناعتين، أبو هلال العسكري، تحق علي البجّاوي، محمد أبو الفضل ابراهيم، عيسى البابي الحلبي، القاهرة 1971. 57. كتاب العين، الخليل بن أحمد، تحق المخزومي، السامرائي، وزارة الثقافة بغداد 1980 و 1985. 58. كتاب نقد النثر، قدامة بن جعفر، دار الكتب العلمية بيروت 1982. 59. الكناية والتعريض، للثعالبي، تحق عائشة فريد، دار قباء للطباعة والنشر 1998 م. 60. لسان العرب، ابن منظور، طبعة دار المعارف بمصر. 61. المثل السائر، ضياء الدين ابن الأثير، تحق: الحوفي، بدوي طبّانة مصر 1960 - 1962. 62. المجاز وأثره في الدرس اللغوي، د. محمد بدري عبد الجليل، دار النهضة بيروت 1986. 63. المجاز المرسل والكناية، يوسف أبو العدوس، الأهلية للنشر والتوزيع عمان 1998.

64. المختصر في تاريخ البلاغة، د. عبد القادر حسين، دار الشروق بيروت 1982. 65. المرجع في علمي العروض والقوافي، د. محمد قاسم، جروس برس 2002. 66. مصطلحات بلاغية، د. أحمد مطلوب، مطبعة العاني، بغداد 1972. 67. مع البلاغة العربية في تاريخها، محمد علي سلطاني، دار المأمون للتراث دمشق 1975. 68. المعاني في ضوء أساليب القرآن، عبد الفتاح لاشين، دار المعارف بمصر 1985. 69. معترك الأقران، السيوطي، تحق علي محمد البجّاوي، دار الفكر العربي. 70. معجم المصطلحات العربية في اللغة والأدب، وهبة، المهندس، مكتبة لبنان 1979. 71. المغني في أبواب التوحيد والعدل، القاضي عبد الجبّار، تحق أمين الخولي، دار الكتب المصرية 1960. 72. مفتاح العلوم، السكّاكي، شرح نعيم زرزور، دار الكتب العلمية بيروت 1983. 73. مفهوم الاستعارة في بحوث اللغويين والنقّاد والبلاغيين، د. أحمد الصاوي، منشأة المعارف الاسكندرية 1988. 74. مقالة في اللغة الشعرية، محمد الأسعد، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت 1980. 75. النكت في إعجاز القرآن (ضمن ثلاث رسائل في إعجاز القرآن) الرمّاني، تحق محمد خلف الله ومحمد زغلول سلام، دار المعارف بمصر 1976.

الدوريات 76. حوليات كليّة الآداب، الفصاحة مفهومها وقيمها الجمالية، د. توفيق علي الفيل، الحولية السادسة 1985. 77. حوليات كليّة الآداب، النظرية الاستبدالية للإستعارة، د. يوسف أبو العدوس، الحولية الحادية عشرة 1990. 78. المجلة العربية للعلوم الانسانية عدد 7 مجلد 5 شتاء 1985. 79. مجلة فصول القاهرية، العدد 4 سنة 1984.

§1/1