علم نفس النمو

حسن مصطفى عبد المعطي

المجلد الأول

المجلد الأول مقدمة ... تقديم: نقدم كتابنا هذا بمقولة "جيزل": بأن "الأطفال هم الأمل الوحيد الباقي للإنسانية، فدراسة الأطفال تقدم الدليل الأوفى على ما يكْمُن في الروح الإنسانية من قوى وإمكانيات، وما ركِّب فيها من صفات فاتنة، فليتنا نستطيع أن ندرك براءتهم الصافية وإخلاصهم الصادق، وأنه لا يزال عندهم حتى اليوم الكثير مما يمكن أن نتعلمه منهم لو دققنا الملاحظة التدقيق الكافي. أضف إلى ذلك: فإن طبيعة الإنسان تكاد تبلغ في إرهابها وإرعابها مبلغ الذروة بغير زمام أو لجام، وستظل طبيعته كذلك إلى أن نتفهَّم القوى الكامنة فيه, ونمسك بزمامها ونتحكم فيها تبعًا لذلك. ولن يتهيأ للعقل البشري الهيمنة على الفرد والجماعة إلّا عن طريق المعرفة العميقة بالنفس الإنسانية وتطورها". من خلاصة ما يزيد عن خمسة وعشرين عامًا قضاها المؤلفان في دراسات حول مسائل النمو والصحة النفسية دراسة وتدريسًا لطلابهما جاءت مادة هذا الكتاب "علم نفس النمو" الذي نقدِّم جزأه الأول حول: أسس ونظريات النمو، وجزأه الثاني: مظاهر النمو وتطبيقاته. ومن المؤكَّد أن الأسباب الداعية لدراسة النمو عديدة بقدر عدد من يعملون في هذا المجال, وكلها تهدف إلى وصف مسار النمو والمعدلات التي تتغير عندها مختلف أنماط السلوك أو تنضج في الوقت المناسب. وكتاب علم نفس النمو في جزئه الأول الذي نحن بصدد تقديمه يتضمَّن عشرة فصول: تناولنا في الفصل الأول: طبيعة النمو الإنساني, مركزين على موضوع دراسة علم نفس النمو، وقوانين ومبادئ النمو الأساسية، وأهمية دراسة النمو, فلقد تمكَّن الباحثون في هذا المجال أن يجمعوا قدرًا هائلًا من الحقائق العلمية حول العديد من أنماط السلوك الإنساني ومظاهر نموّه، وحدَّدوا متوسّط العمر الذي يبدأ عنده البلوغ، وكثيرًا ما تستخدم هذه المبادئ لتحديد ما إذا كان معدل النمو طبيعيًّا من عدمه.

وتضمَّن الفصل الثاني قضية جديلة -طال تناولها, تلك هي قضية الصراع بين الوراثة والبيئة في تأثيرهما على النمو، ولقد قدَّمنا كل من الآليات الوراثية وطرق دراستما، والتاثيرات المختلفة للبيئة بأنواعها المختلفة، ثم أوضحنا التفاعل بين الوراثة والبيئة في تشكيل النمو الإنساني, مسترشدين بالأبحاث والتوجُّهات حول المتغيرات الوراثية والبيئية التي تؤثر على مسار النمو. وفي الفصل الثالث: تنولنا مناهج وطرق البحث في علم نفس النمو، وأوضحنا أخلاقيات وأبعاد البحث في علم نفس النمو, والطرق المستخدمة فيه، وركزنا على الاهتمام المتجدد بالبحث الوصفي إلى جانب الطرق التجريبية، وأوضحنا حدود استخدام البحث الوصفي والتجريبي في دراسة النمو تأكيدًا على النواحي البيئية والمعطيات التفصيلية المستقاة من البيئة الطبيعية، والطرق الجديدة لتحليل البيانات التي تكون كفيلةً بالإجابة عن التساؤلات الهامَّة حول النمو وأساليب تشكيل السلوك، كما أوضحنا أن المعالجة الوصفية تعتبر حاسمة إذا أردنا أن يكون لعمل الأخصائيين في نمو الطفل أثر بالغ في رسم السياسة الاجتماعية للمجتمع، انطلاقًا من أنَّ توصيات علماء النفس أصبح لها صلاحية أكبر مما كان في الماضي. أما الفصل الرابع: فقد تناول الاتجاهات النظرية في تفسير النمو -فتناول مفهوم النظرية في علم نفس النمو، وناقش الأنماط النظرية في دراسة نمو الطفل. فمع أن كثيرًا من الفلاسفة السابقين قد اعتبروا الأطفال مجرَّد راشدين صغارًا, وبالتالي فليس بالضرورة الاهتمام بهم بنفس الاهتمام بالكبار، هذه النظرة للأطفال قد أخذت تتغيِّر، وبدأ الباحثون تدريجيًّا يهتمون بدراسة الأطفال كما هُمْ باعتبارهم مصدر معلومات عن النموِّ الإنساني، وعلى هذا أصبح دور النظرية في تفسير النمو اليوم يتركَّز حول تفسير قوانين النمو في سنوات الطفولة، وإن كان أصحاب النظريات لا يهتمون كثيرًا بالتطبيق العلمي لبيانات ونتائج الأبحاث أو قوانين النموِّ التي تغطي مدى حياة الفرد. ووجد أن العلماء يقدمون فقط أساسًا نظريًّا لتفسير النمو, ويطرحون تساؤلات حوله، وتقديم وسائل علمية معقولة يمكن للباحثين الآخرين استخدامها والتحقق من افتراضاتهم، إلى جانب استخدام نتائج البحوث في المزاولة الفعلية لتربية الطفل.

ثم جاءت الفصول من الخامس إلى التاسع لتتناول النظريات المفسِّرة للنموّ في مظاهره المختلفة؛ حيث تَمَّ انتقاء النظريات التي تخدم المحاور الرئيسية التي تدور حول مظاهر النمو, ومن ثَمَّ تناول الفصل الخامس نظريات النضج العضوي النفسي, فبدأ بنظرية أرنولد جيزل الخاصَّة بميكانيزم النضج العضوي النفسي التي ركَّزت على البيانات الوصفية القياسية التي صاغها جيزل فيما عرف بقوائم أو سلالم النمو، والتي أسهمت في تفهُّم كل من أنماط النموّ السوي وغير السوي لدى الأطفال، وساهمت هذه القوائم في وضع معايير النمو السوي "الطبيعي", سواء فيما يختص بالنمو الجسمي أو بالقدرات النفسية، وتبعًا لها يصبح من السهل تحديد معالم النمو غير السوي, واتخاذ الإجراءات العلاجية المناسبة إذا تطلَّب الأمر ذلك. كما أنَّ تحديد النمو السوي يساعد أيضًا على إجراء تخطيط على نطاق واسع لتيسير النمو اللاحق؛ كتطوير البرامج التعليمية مثلًا, أو إثراء البيئة التي يعيش فيها الطفل. بالإضافة لذلك فقد تناول هذا الفصل نظرية النمو الجسمي والتعليم الاجتماعي لروبرث سيرز, التي ركَّزت على التعلُّم المبكر من خلال الحاجات الجسمية العضوية الأساسية؛ كالغذاء وضبط الإخراج والتنميط الجنسي والتفاعل مع الوالدين في داخل الأسرة والتفاعلات خارجها. ثم تناول هذا الفصل نظرية النمو الجنسي النفسي التي أرساها سيجموند فرويد، وتَمَّ التركيز فقط على نمو الشخصية من خلال مراحل النمو الجنسي والقوى النفسية الحيوية في الإنسان. وما إن خلصنا من نظريات النضج والنمو العضوي النفسي حتى جاء الفصل السادس ليتناول: نظريات النمو النفسي الاجتماعي؛ ليبدأ إريك إريكسون في استكمال مسيرة التحليل النفسي, فيعيد صياغة مراحل النمو في نظرية فرويد صياغة جديدة من منظور نفسي اجتماعي, ويبرز القوى الدافعة الكبرى التي تقف وراء نمو الطفل، والتوصّل إلى فهم أفضل لسلوك الراشدين. وبذلك ففي ضوء النظرية فإن أهداف الكبار ومفهوم الذات وخواصه الشخصية لديهم يمكن أن تصبح أسهل فهمًا من خلال فهم ومعرفة تجارب وخبرات الفرد في طفولته. وانطلاقًا مما أرساه إريكسون حول النمو النفسي الاجتماعي، جاء جيمس مارشيا ليركِّز اهتمامه على إحدى مراحل النمو التي أوردها إريكسون, وهي مرحلة المراهقة التي

أطلق عليها مرحلة الإحساس بالهوية؛ ليرسي دعائم نمو الهوية وتشكيلها، والعوامل المؤثرة في تحقق الهوية, أو توقفها وتأجيل تشكيلها, أو إعاقتها أو تشتتها، ويبيِّن معالم كل مظهر من مظاهر الهوية وانعكاساته على حياة الراشدين. أما الفصل السابع: فقد تناول النمو المعرفي؛ ليوضح أسس تشكيل الخبرات الحسية والإدراكية المعرفية، وذلك من خلال عرض التراث النظري الذي أرساه كل من: هانز فارنر، وجيروم برونر، وجان بياجيه. ولقد فصَّلنا الحديث في نظرية النمو المعرفي لبياجيه باعتبار أنها من أكبر الإسهامات النظرية في هذا المجال، والتي أسهمت بدورها في إرساء دعائم علم النفس المعرفي المعاصر من ناحية؛ ولأنَّ تطبيقاتها وإسهاماتها كانت واسعة الانتشار من ناحية أخرى، بالإضافة إلى أن فعالية هذه النظرية لم يقف عند حدود نفسير النمو المعرفي فقط, بل تعدَّاه إلى تفسير جوانب نمو اللغة والنمو الخلقي. وقد انتهينا من هذا الفصل بعرض تكوين المفاهيم, وأوضحنا الفروق الفردية فيما يتعلّق بالنمو المعرفي من واقع البحوث والدراسات العلمية التي انبثقت من نظريات النمو المعرفي. وفي الفصل الثامن: تناولنا نظريات النمو اللغوي, وقد عرضناها في محاور ثلاثة: تناول المحور الأول منها تفسير اللغة في إطار النظرية السلوكية من وجهة نظر التعلم والتشريط، وأوضحنا أهم مبادئ التعلم في علاقتها بنمو اللغة، وتناولنا في المحور الثاني: النظرية العقلية الفطرية التي قادها عالم اللغويات الأمريكي نوام تشومسكي, والتي كان لها أبلغ الأثر في رسم الصورة الحيوية لنموِّ اللغة في ضوء القدرات والاستعدادات الفطرية لدى الفرد من ناحية, والعالميات اللغوية من ناحية أخرى, وخصوصيات البيئة اللغوية والثقافية التي يعايشها الفرد. وتناولنا في المحور الثالث: النظرية المعرفية في تفسير النمو اللغوي, فمررنا مرورًا سريعًا على وجهة نظر بياجيه وفيجوتسكي في العلاقة بين اللغة والفكر، وعرضنا نظرية تكاملية لتفسير اكتساب ونمو اللغة. وجاء الفصل التاسع ليتناول: نظريات النمو الخلقي، فتناولنا وجهة النظر السلوكية والتعلم الاجتماعي في نمو الأخلاقيات، وكذا وجهة نظر التحليل النفسي

في هذا الإطار، ولكن فيما يتعلّق بالمدخل التطوري المعرفي فقد عرضنا فيه تفسيرات بياجيه وبك وهافيجهرست باختصار حول النمو الخلقي، ولكننا فصَّلنا الحديث حول نظرية كولبرج في النمو الخلقي باعتبارها النظرية الأكثر تخصصًا وتركيزًا في هذا المجال، وأوردنا تقييم النظرية والتطبيقات المستخلصة منها. وأخيرًا: جاء الفصل العاشر ليتناول تحليلًا ناقدًا لنظريات النمو التي عرضناها في فصول الكتاب من حيث تركيب النظريات ومناهج البحث فيها، وأوضحنا أوجه الاختلاف بينها، وأبرزنا جوانب التكامل التي يمكن استخلاصها منها في إطار النظرة التكاملية للشخصية الإنسانية ومظاهر نموها، وأخيرًا التطبيقات التربوية لنظريات النمو النفسي. إن دراسة أسس ونظريات النمو النفسي يمكن اعتبارها عملًا مجزيًا في حد ذاته، بمعنى أنها تكسبنا معرفة بأحد مظاهر عالمنا الذي نعيش فيه، وهو مظهر بالغ الأهمية بسبب هذه الأهمة التي تضفيها معظم المجتمعات على الأطفال والشباب، ولذا فإن نتائج الأبحاث في إطار النظريات النمائية لها آثار بالغة الأهمية في ترشيد طرق تربية الأطفال والمناهج التعليمية. وغير ذلك من الخدمات التي تقدّم للناشئة, ففي كثير من الحالات نجد أن معاملتنا للأطفال إذا كانت تحكمها الأهواء والمعتقدات غير الحاسمة أكثر مما يحكمها التحقق التجريبي, أو النظريات العلمية من وجهات نظر متعددة، لذا: فإن فهمنا للتفسيرات النظرية لجوانب ومظاهر النمو ستكون هاديًا للمربين في هذه الممارسات. وإنا لنأمل أن تنجح مادة هذا الكتاب في تزويد الدارسين والباحثين في النمو النفسي إلى طرق معالجة أكثر عمقًا لتقييم برامج الأطفال والشباب, وبإحساس أكثر إرهافًا لمبادئ النمو الإنساني. والله ولي التوفيق. المؤلفان.

طبيعة النمو الإنساني

طبيعة النمو الإنساني مدخل ... طبيعة النمو الإنساني: مقدمة: يخضع الكائن الحي الإنساني منذ لحظة التكوين حتى الوفاة للتغير المستمر، فهو ليس في حالة استاتيكية ساكنة, ولكنه ينمو خلال المراحل المتعاقبة التي يمر بها نموًّا يشمل كيانه ككل مركب: من النواحي الجسمية - التشريحية، والعقلية - المعرفية، والانفعالية، والاجتماعية، بما يحدد الخصائص التي تميزه كشخصية متفردة, ولا تقف التغيرات عند حدّ معين، ولكنها تستمر وإن كانت بمعدَّل أقل سرعة حتى التدهور الذي يخبره الكيان الإنساني في حالات الشيخوخة. وهكذا يكون النمو عملية مستمرة تبدأ حتَّى قبل الميلاد، ولا سبيل إلى فهم الوليد البشري فهمًا حقًّا ما لم نتتبَّع عملية النمو الطويلة التي تطرأ عليه منذ نشأته خلية في بطن أمه حتى يبلغ النضج، فما مولد الطفل إلّا حادث واحد من سلسلة متتابعة من التغيرات, وليس بداية هذه التغيرات, غير أنَّ الفرد لا يكون دائمًا واعيًا بالتغيرات الجسمية والنفسية التي تحدث باستمرار، ففي السنوات المبكرة من الحياة، حينما تكون التغيرات سريعة في معدَّلها يكون الانتباه موجَّهًا إليها بسبب التوافقات المستمرة التي على الفرد أن يقوم بها حيال هذه التغيرات، كما أن هذه التغيرات تكون مرغوبة من الفرد؛ لأنها تدل على أنه آخذ في النمو, ولكن هذا الانتباه يتناقص تدريجيًّا مع اتجاه الفرد نحو الرشد؛ حيث يمثل كل تغير إعلانًا له وللعالم المحيط به أنه يأخذ في "التقدُّم في السن". والاهتمام بظاهرة النمو من مختلف النواحي له تاريخ طويل، ولكن الدراسة العلمية لها تعتبر حديثة نسبيًّا، وكان مجال اهتمام تخصصات عدة، فلقد أصبحت ظاهرة النمو من أهم الموضوعات التي تدرسها علوم الحياة، كعلم الحياة التجريبي، وعلم الأجنَّة، كما أن فسيولوجيا النمو أصبحت علمًا ذا قيمة كبيرة في فهم الكائن الحي وفي التنبؤ بسلوكه، كما أنَّ علم التشريح قد أصبح شديد العناية بأصل التكوين العضوي, وقابلية هذا التكون للتعديل والتغير. وكذلك تبحث الكيمياء الحيوية في طاقات النمو وفي العوامل الشارطة المنظمة له "أحمد زكي صالح: 1974، 56". بالإضافة لذلك أصبح النمو الإنساني أرضًا مشتركة لعدد من العلوم الإنسانية والبيولوجية: كعلم النفس، وعلم الاجتماع، والأنثروبولوجيا، وعلم الأجنة, وعلم الوراثة. وفي الوقت الحاضر يتناول دراسة النمو الإنساني علمين أساسيين: الأول: علم تطور الارتقاء النوعي phylogenesis وهو علم تطور النوع الإنساني home sapiens عبر المراحل التاريخية المختلفة للإنسانية, وهو موضوع علم التاريخ الطبيعي استنادًا إلى نظرية دارون. أما العلم الثاني: فهو علم نمو الفرد ontogenesis ويتناول نمو الأورجانزم الفردي، وهو موضوع علم نفس النمو "التطوري" "genetic" drvelopmental psychology الذي يتناول بالدراسة العلمية مظاهر التغير التي يخبرها الكائن الحي الإنساني بهدف تفسيرها، والتنبؤ بها، وضبطها، وتوجيهها بما يحقق التطور الأمثل لنمو الطفل. "طلعت منصور، عادل الأشول: 1976".

نبذة تاريخية عن نمو الطفل

نبذة تاريخية عن نمو الطفل: يعتبر علم نفس النمو فرعًا هامًّا من فروع علم النفس، ومجالًا يهتم بصفة عامة بدراسة التغيرات في السلوك على مدى حياة الكائن الحي، وقد كانت معظم الأبحاث والنظريات في مجال علم نفس النمو محصورة في مجال نمو الطفل، ومع أنه أحيانًا يستند إلى أبحاث أجريت على كائنات غير إنسانية، إلّا أننا نؤكد على العمليات المتعلقة بالتغير في السلوك الإنساني في فترة الطفولة المبكرة واللاحقة، ومن أهم الدراسات التاريخية وأغناها بالمعلومات، نجد أن أبحاث كيسن kessen "1965" وستيفنسون stevenson "1968"، وسيرز sears "1975" قد أطاحت بالتأثيرات الفلسفية والاجتماعية التي شكلت هذا المجال, والتي سنقدمها هنا كتاريخ مختصر لعلم نفس الطفل. ورغم أن الفلاسفة فكَّروا كثيرًا في طبيعة الطفل, والأسباب التي تؤدي إلى النمو, وكما أن الأباء وغيرهم من الكبار قد سجَّلوا كثيرًا من المعلومات المعقولة عن الأطفال، إلّا أن دراسة نمو الطفل لم تصبح مجالًا معترفًا به للبحث العلمي بالنسبة لعلماء النفس إلّا في أواخر القرن التاسع عشر، عندما قام ج. ستانلي هول stanly hall بتطبيق أعمال شارلز دراوين في مجال علم النفس، لقد وضع

دراوين حجر الأساس لهذه الدراسة بكتابة "أصل الأنواع" "1859"، وبعده "أصل الإنسان" "1897". وهذان المؤلفان عرضا أن: ملاحظة الوليد الإنساني قد تؤدي إلى التعمق في إدراك تطور الكائنات البشرية, وكان من أهم نتائج هذا العمل نشر عدد كبير من الكتب عن تاريخ حياة الطفل، كانت أول مصدر للمعلومات عن العديد من مظاهر نمو الطفل، سجَّلت التغيرات العظمى التي تحدث، مثل حجم مجموعة الكلمات، والتغيرات في النمو الجسمي، وقدَّمت معلومات عن نمو الشخصية, ولسوء الحظ فإن هذه الكتب كانت ظاهرة التحيز "أي: إن الآباء كانوا يميلون لرؤية ما يودون رؤيته في سلوك أطفالهم"، وأبرزت التغيرات في فترات غير منتظمة، كما أن مجالها كان محدودًا وافتقرت إلى التعميم. فضلًا عن ذلك، فإن ما اشتملت عليه من معلومات كانت ذات طابع وصفي بحت اعتمد على الملاحظة. إن تاريخ حياة الطفل قد أثار تساؤلات حول العمليات التي يقوم عليها نمو الطفل دون أن يقدِّم الإجابة عنها. مثال ذلك إن كثيرًا من المؤرخين في هذا المجال قد وصفوا مسار تقدّم النمو الحركي، ومع ذلك فإنهم لم يستطيعوا أن يقدّموا أي معلومات لتفسير السبب في هذا المسار, ورغم هذه الصعوبة، فإن هذه الكتب قد قدَّمت معلومات ذات قيمة عن أنماط النمو، وأثارت عددًا من المسائل الهامة حول عمليات النمو لا يزال الكثير منها موضع اهتمام كبير. وكان ج ستانلي هول -الذي يسمَّى عادة بمؤسِّس علم نفس النمو- متأثرًا بدرجة كبيرة بنظرية داروين في التطور، وكان يعتقد أن "علم الوجود يجمع تاريخ

النشوء ontogeny recapitulates phylogeny, بمعنى أن نمو الفرد يعكس نموَّ الأنواع, ومن بين إنجازات "هول" أنه أدخل طريقة الأسئلة في دراسة علم نفس الطفل؛ حيث إن مطالبة الأطفال بالإجابة عن أسئلة محددة، أو مطالبة الأباء بالإجابة عن مجموعة من الأسئلة، قد مكَّنت هول من دراسة التغيرات في أنماط الاهتمامات والرغبات ومجموعة من أنماط السلوك الاجتماعي، هذا ولا تزال طريقة الأسئلة تستخدم على نطاق واسع الآن بعد تهذيبيها. شكل "2" إن تسجيل الآباء لتاريخ حياة الطفل يعد مصدرًا مهمًّا للمعلومات الوصفية القياسية عن نمو الطفل. ولقد كان "هول" من أوائل الذين درسوا الطفل في المعمل, وكانت تجاربه الأولى مع الأطفال لا تزيد على كونها تدليلًا على أن الأطفال لديهم نفس العمليات النفسية التي تظهر في كلٍّ من الحيوانات الدنيا والإنسان البالغ "stevenson 1968", أمَّا البحث المنهجي في العمليات التي يقوم عليها نمو هذه القدرات فلم يكن له وجود يذكر, ولم يكن الهدف من هذه التجارب هو دراسة الأطفال كمجموعة فريدة، ولكن لتبيان أن الأطفال -مثلهم في ذلك كمثل الكبار- يمكنهم أن يتعلموا، وأن لهم ذاكرة وقدرات مستديمة، وأنهم يملكون العمليات النفسية العددية المفترض أنها أساسًا الوظيفة النهائية لدى الكبار, ومع أن هذا البحث لم يكن يهدف إلى نشر التغيرات النهائية في التعلم والذاكرة وغيرها من العمليات، إلّا أنه قد أوضح أن الأطفال يتبعون سلوكًا مغايرًا لسلوك الكبار. ونتيجة لذلك، فإن المعلومات المكتسبة من هذه التجارب قد ساعدت على نقص المفهوم القائل بأن "الطفل هو بالغ مصغر child is miniature, وعلى دراسة النمو النفسي للطفل كمجال معترف به كما هو.

الطبيعة الفطرية/ التنشئة/ nature nurture: ولعلَّ أهمَّ الموضوعات التي أثيرت في الفترة الأولى من تاريخ علم نفس الطفل هي ما إذا كان الأفضل اعتبار الطفل نتاجًا طبيعيًّا "لوراثة" أو تكوينيًّا "البيئة" "kessen, 1965". ومع أنَّ الفلاسفة قد كتبوا بإسهاب في هذا الموضوع على مدى قرون، إلّا أنه بلغ الذروة في موضوعات توارث الذكاء, فهل الذكاء -أساسًا- نتيجة للمادة الوراثية للكائن "الطبيعة الفطرية", أو هو راجع بدرجة كبيرة إلى التأثيرات البيئية التي يعيش فيها الكائن, ومع تقدُّم اختبارات الذكاء أصبح الموضوع محل جدل ساخن, وقد أجري البحث الأول لوضع مقياس للذكاء في فرنسا بمعرفة ألفرد بينيه alfred binet، وتيوفيل سيمون theophlie simom "1916"، حيث ابتكرا اختبارًا للتمييز بين الأطفال بطيء التعلم والأطفال العاديين، وقد قام لويس تيرمان lwis terman، وهو أمريكي درس مع بنييه، قام بترجمة اختبار بنييه إلى الإنجليزية, وقد أدى استخدام مفهوم نسبة الذكاء "العمر العقلي/ العمر الزمني× 100" إلى ظهور عدد من الدراسات أدَّت إلى إذكاء حدة الجدل حول الطبيعة الفطرية/ التنشئة "البيئة" بالنسبة للذكاء، وما يزال هذا الجدل محور عدد من الموضوعات في دراسات علم نفس الطفل, بما في ذلك اضطرابات الشخصية وأنماط السلوك المتعلق بالجنس، وكذلك الذكاء.

"jensen 1969"، ومع أن قدرًا كبيرًا من الأبحاث اهتمَّت بموضوع الطبيعة الفطرية/ التنشئة، فإنه وبعد حوالي مائة عام، ما يزال الموضوع غير محسوم. سيجموند فرويد sigmond freud: وفي تلك الحقبة أيضًا من أواخر القرن 19 إلى أوائل القرن 20، كان فرويد يضع نظريته عن النمو الجنسي النفسي "1930", لقد تلقَّى فرويد تدريبه كعالم نفس, واهتمَّ اهتمامًا كبيرًا بالأبحاث الطبية عندما دخل إلى عالم مزاولة الطب، ومن خلال خبراته مع المرضى الذين كانوا يعانون من أعراض هستيرية "مثال ذلك: شلل الذراع نتيجة اضطراب نفسي وليس جسماني"، ودراسته مع شاركو charcot، الذي حسّن من التنويم المغناطيسي وقام بتعليمه، أصبح فرويد مقتنعًا بأنَّ الخبرات في مرحلة الطفولة المبكرة ذات أهمية حيوية لحسن تفهُّم سلوك الكبار، وتلبية لدعوة تلقاها من ج س. هول، قام فرويد بزيارة جامعة كلارك في عام 1908 لإلقاء سلسلة من المحاضرات يوضح فيها نظرياته في تأخّر النمو الجنسي في الأطفال، وأهمية الخبرات المبكرة في مرحلة الطفولة, ومع أن "هول" كان يشعر بأنَّ فرويد قد يقدّم للولايات المتحدة أفكار تتَّسم بالتحدي والإثارة، فإن علماء النفس الأمريكيين رفضوا مفاهيم فرويد رفضًا يكاد يكون تامًّا، وذلك لافتقارها للحيوية التجريبية, وكذلك لفكرة تأخُّر النمو الجنسي في الأطفال، والتي بدت فكرة وقحة, علاوة على ذلك فإنَّ علم النفس الأمريكي في ذلك الوقت كان يفسِّر النمو بواسطة مبادئ نظرية التعلم الخاصة بالتعزيز "التدعيم", ولذلك فإن الكثير من مفاهيم فرويد مثل: "الهو" و"الأنا" و"الأنا العليا"، وهي التي لا تلاحظ، لم ينظر إليها كطرق معتمدة لتفسير السلوك، ومع أنه لم يلق اهتمامًا بأمره في مبدأ الأمر إلّا أنه أصبح فيما بعد الرجل الذي كان له، أكثر من أي رجل آخر، أعظم الأثر في تقدُّم علم نفس الطفل. إن تأكيده على أهمية الخبرات المبكرة في الطفولة المبكرة بالنسبة لنمو الشخصية على المدى الطويل، ونظريته القائلة بأن نموَّ الطفل يتم في مراحل متعاقبة -وهي أول نظرية تظهر في مجال "المراحل"- كان لها تأثير عميق في هذا الصدد. إن الأبحاث في مجال وسائل تربية الطفل، والأخلاقيات، ونمو الشخصية، كلها تدين بوجودها إلى قوة الدفع التي هيَّأتها نظريات فرويد. أما أرنولد جيزل arnold gesell: فيعتبر من الشخصيات العظمى في مجال علم نفس الطفل في ذلك الوقت، الحاصل على بكالوريوس الطب ودرجة الدكتوراه في

علم النفس، وقد كان اهتمام "جيزل" في بداية أمره منصبًّا على أمراض النمو، ومن هنا كان له تأثير قوي على فكرة النضج، بقدر ما كان تأثير هول، وبدرجة أقل من فرويد، ولإمكان الحصول على معلومات حول النمو المرضي، قام جيزل "1928-1948" بدراسة أعداد كبيرة من الأطفال، ونشر مجلدات عديدة في وصف النمو الطبيعي, والنمو الشاذّ للأطفال وصفًا بالغ التفصيل, وقد قدَّم وصفًا للنمو الحركي، واللغوي والاجتماعي والشخصي, وكذلك النمو الجسمي بصفة عامَّة، منذ ولادة الطفل وإلى نهاية مرحلة المراهقة، مع معايير السنِّ بهدف أن تكون مرشدًا في الأغراض المقارنة. ومن هنا كانت تسمية هذه المعلومات بالمعايير القياسية normative, وبذلك أضفت أعمال "جيزل" لوجهة النظر الخاصة "بالنضج" طابعًا مميزًا في مجال النمو. وللحصول على بيانات سليمة عن النمو الجسمي والاجتماعي للأطفال، فقد أجريت العديد من مشروعات البحث الطويلة في أوائل القرن العشرين, وما تزال باقية حتى اليوم "تكرار الاختبار لنفس الأشخاص"، فدراسات بيركلي berkeley عن النضج التي بدأت في عام 1928, ودراسات معهد فلز feles institutes التي بدأت عام 1930, قدَّمت كثيرًا من المعلومات عن كثير من مظاهر نمو وتربية الطفل؛ ففي دراسة فلز feles مثلًا: أخذت قياسات واسعة "شاملة" عن نموّ الشخصية، والمظاهر الجنسية، والعلاقات بين الوالدين والطفل، وعن النموّ الاجتماعي, وقدَّمت دراسات "بيركلي" معلومات غزيرة عن النمو الجسمي، ونموّ معدل الذكاء، لقد أصبح المشتركون في تلك الدراسات الآن كبارًا راشدين, لهم أطفالهم الذين يقومون بدراستهم أيضًا. وبالنسبة لطبيعة الدراسات الطولية "انظر الفصل الثاني" أمكن لتلك الدراسات أن تقدِّم معلومات كثيرة عن الاتجاهات النمائية من بداية الطفولة إلى الطفولة المبكرة وحتى البلوغ، وتشمل تأمّلات عميقة في النمو العقلي والاجتماعي. وقد أمكن للبيانات المعيارية "المستعرضة" وهي معلومات عن متوسط النمو في مجموعات سن مختلفة، مثل: مجموعات جيزل, أو تلك المستقاة من الدراسات الطولية الواسعة مثل: بيانات الملاحظة من واقع تواريخ حياة الأطفال، أمكَن لهذه البيانات أن تقدّم خلفية هامَّة من المعلومات عن نموِّ الطفل، ومثل هذه المعلومات ضرورية لتحديد الموضوعات التي تتطلب بحثًا, مثال ذلك، كيف تؤثر

التنوعات في وسائل تربية الطفل على نموِّ الشخصية؟ وما هو دَوْر النمو الجسمي؟ وما هي مزايا وأضرار النضج المبكِّر أو المتأخِّر؟ غير أنّ البيانات القياسية نادرًا ما تستطيع أنْ تقدِّم إجابات محددة عن مسائل الأبحاث أو عن الافتراضات المشتقة من نظريات تبادلية حول مختلف مظاهر النموّ، ذلك لأنَّها تهدف إلى الوصف وليس للعمليات, ونتيجة لذلك، فإن علماء النفس قد حوَّلوا أبحاثهم تدريجيًّا من المواقف الطبيعية إلى المعمل, وكان المعتقد أنَّ أعظم درجات السيطرة على المتغيرات الطارئة, والقدرة على معالجة المتغيرات، يمكنها أن تساعد على تحديد أسباب النمو. وكما ذكر ماك كال mc call "1977" فإن مزايا البحث المعلمي يمكن أن تتفوَّق عليها الأضرار الناجمة عن عدم دراسة التغير في السلوك عند حدوثه طبيعيًّا. غير أن هذه المسألة يمكن حلّها، فقد عرف علماء النفس الكثير من الأبحاث المعملية التي لم يكونوا ليعرفوها بطريقة أخرى. شكل "5" من جوانب اهتمامات علم نفس النمو دراسة واستطلاع الفروق الجنسية في العمليات النمائية. جان بياجيه jean piaget: وفي هذه السنوات القليلة لدراسة الطفولة، عندما كان معظم علماء النفس يهتمون بوصف نمو الطفل الجسماني والاجتماعي، قام جان بياجيه "1926، 1929، 1952" بإجراء بحوث ووضع نظرية عن النمو المعرفي للطفل, وبياجيه كخبير بيولوجي يهتمّ بالوظائف التكيفية للسلوك adaptive functions of behavior، وطبقًا لتقليد فرويد وهول وجيزل، فإنه كان يميل نحو نظرية حول النضج. وقد حدث تأثيرة الأساسي في علم نفس الطفل نتيجة نظرية شاملة عن المراحل في نمو العمليات المعرفية. ومثله في ذلك كمثل "فرويد"، فنجد أن بياجيه

نص على وجود آليات داخلية غير منظورة "مثل الاستيعاب assimilation" كان المعتقد أنها مسئولة عن مسار النمو المعرفي. وكفرويد أيضًا، لم تلق كتابات بياجيه اهتمامًا في مبدأ الأمر من جانب علماء النفس الأمريكان، ولم تكتسب انتشارًا إلّا في أواخر الخمسينات وأوائل الستينات، أما اليوم فإن نظرية بياجيه وأبحاثه هي الأساس لعدد كبير من التجارب التي نشرت في مجال علم نفس الطفل. السلوكية behaviorism: ظلَّت نظريات النضج لعدة سنوات هي المحاولات الوحيدة نحو تحقيق تعريف متماسك لنمو الطفل, غير أنه في عام 1913 قام جون واطسون john s watson مستندًا إلى الحركة الفلسفية المعروفة باسم الوضعية المنطقية logical positivism، بتقديم عصر السلوكية، التي ارتبط غالبًا بأصحاب نظريات التعلم, وكان الوضعيون المنطقيون يهتمّون بفلسفة العلم، ودراسة الكيفية التي يجب أن يعمل بها العلم "pepper 1942 stevens", ووضعوا عددًا من المفاهيم تتضمَّن التأكيد على أنَّ العلم يجب أن يتعامل فقط مع الأحداث التي يمكن ملاحظتها وقياسها, وكان معنى ذلك بالنسبة لواطسون الاهتمام بالسلوك الظاهر، وقد دفعت نظرياته بعد ذلك إلى وضع النظرية السلوكية, والتي تنصّ على أنَّ علم النفس يجب أن يقتصر اهتمامه على السلوك الظاهر والمبادئ التي تحكم طريقة تعلمه وتعديله. وبصفة عامة، أخذت السلوكية تشمل تدريجيًّا كل مجالات علم النفس بما في ذلك علم نفس النمو، وذلك كرد فعل للمفاهيم الأخرى الأقل ملاحظة في نظرية التحليل النفسي، والآراء النضجية المتطرفة "البيولوجية" كوجهة نظر هول وجيزل، أما واطسون، كمؤيد أساسي لوجهة النظر البيئية "التنشئة" للنمو النفسي، ذكر أن الهدف الأصلي الوحيد للدراسة كان هو السلوك الملحوظ. علاوة على ذلك فإنه كان

يعتقد اعتقادًا راسخًا بأن المعالجة التجريبية، التي تلخصها الأبحاث المعملية والاصطلاحات والإجراءات المحددة التعريف، هي الطريقة الأصلية الوحيدة للدراسة العلمية, وكان واطسون يرى أن الفحص الذاتي "الاستبطان" introspection, والدراسات الإكلينيكية للحالات، والنظريات التي لا تستند إلى قاعدة عن المعلومات الاختبارية، والوسائل والخطط غير التجريبية الأخرى، كان يراها وسائل غير منتجة في مجال بحث السلوك، ذلك لأنَّها غير قصدية, ولا يمكن التحقق منها بسهولة, وهو يعتقد أن المبادئ الأساسية للتعلُّم؛ كأساليب المكافأة والعقاب reward & punishment يمكن أن تطبَّق على مسائل معينة مثل: تربية الطفل, وذلك بنجاح أكبر من أفكار فرويد عن اللاشعور، أو الهو، أو الأنا، أو الأنا العليا. وقد كانت تجاربه الشهيرة عن تعلُّم الطفل للخوف "ارتباط شرطي conditioning "watson 1920" من بين محاولاته الأولى لتبيان أن النمو في هذه الحالة من الانفعالات، يمكن تفسيره بسهولة دون الرجوع إلى أكثر من الأحداث الممكن ملاحظتها مثل المثيرات والاستجابات, ويعد كتاب سكينر b. f. skinner "1971" في إطار التقليد السلوكي. وسكيز مثله في ذلك كمثل واطسون مؤيد قوي لمعالجة نظرية التعلُّم فيما يختص بالنمو الإنساني. وجزئيًّا كنتيجة لتأثير واطسون، أُجْرِيَ في المعمل قدرٌ كبير من البحوث المنهجية والتجريبية عن نمو الطفل, وكان التركيز الأساسي في هذه البحوث ينصبُّ على التوصّل إلى حلول المشاكل في مجال التعلُّم، وأمراض الأطفال، والعناية بالطفل، والأهم من كل ذلك تربية الطفل "stevenson, 1968", وهنا كان يجري التدقيق في بحث مفاهم "فرويد" بحثًا منهجيًّا بواسطة علماء النفس الأمريكيين، ووصل تأثير ذلك إلى البيت الأمريكي من خلال الصحف والمجلات الشعبية، ونتيجة لذلك صار الآباء راغبون في معرفة الطريقة الصحيحة لتنشئة أطفالهم, وابتداءً من أوائل النصف الأول من القرن العشرين، أُجْرِيَت أبحاث في إطار أعمال المدرسة السلوكية وأعمال فرويد، عن بعض المسائل مثل: آثار التغذية من ثدي الأم أو من الزجاجة، والتغذية بناءً على الحاجة, أو طبقًا لنظام محدَّد، والتدريب على الإخراج مبكرًا أو متأخرًا, ويبدو الافتقار إلى إجابات محددة عن

هذه الأسئلة من الطبيعة الدورية للنصائح التي تقدّم للآباء, مثال ذلك: نجد أن النصيحة المشددة لتغذية الطفل عن طريق ثدي الأم قد تلتها نصيحة لا تقل شدة لاستخدام الزجاجة, وبالمثل: فإن النصح بالتدريب المبكر على الإخراج قد تلاه نصح بالتأخير في هذه التدريب, ومع تزايد الأبحاث أخذ البرهان يبدو أكثر تناقضًا, ولا تزال هذه المشاكل بدون حل، وحتى اليوم ما تزال الأبحاث في هذا الصدد مستمرة. ومن المحتمل أن يكون عجز البحث عن الإجابة عن هذه الأسئلة إجابة واضحة راجعًا ولو جزئيًّا، إلى اهتمام الباحث بالتركيز على هدف واحد، وهو سلوك الطفل ونموه، واستبعاد صفات الأبوين، وتركز الأبحاث الجارية ليس فقط على الطفل، ولكن أيضًا على صفات الوالدين، والأهم من ذلك صفات العلاقات بين الوالدين والطفل. مثال ذلك: أن ماري أينسورث mary ainsworth "1973" قد بحثت وسائل تربية الطفل, والعلاقات بين الوالدين والطفل وأثره في نمو التعلق, وثمة مثل هام آخر، هو بحث إلدر elder "1962، 1963" بشأن العلاقة بين صراعات المراهق نحو الاستقلال, والوسائل التي يتبعها الوالدان في تربية الطفل, وكنتيجة للتحسينات في استراتيجيات البحث أمكن الآن التوصل إلى دلائل أفضل لتأثيرات وسائل معينة في تربية الطفل. وثَمَّة عقبة أخرى في سبيل تزويد الوالدين والمربين بإجابات محدَّدة وواضحة عن الأسئلة المتعلقة بتربية الطفل والتعلّم، تلك هي أن بعض المجالات النظرية المتعارضة تؤدي أحيانًا إلى نتائج متشابهة، وقد كان من الصعب القيام بتجارب حاسمة تبيِّن أن النظريات قد تكون هي الأفضل. إن أنصار السلوكية يقولون: إن السلوك الممكن ملاحظته هو وحده الذي يجب دراسته أولًا من خلال وسائل تجريبية محكمة، دون الالتجاء إلى الآليات الداخلية غير الملحوظة لتفسير النمو, هذا من جهة، ومن جهة أخرى، فإن الذين يفضِّلون المعالجة العضوية organic appoach يقولون بصحة دراسة الآليات التي لا تلاحظ مباشرة "مثال ذلك: مركبات الشخصية: كالأنا، أو مظاهر الوظيفية الفعلية مثل: التكوينات المعرفية", وقدَّموا طرقًا للمعالجة التجريبية أكثر مرونة وتنوعًا؛ ويعكس هذا الصراع جزئيًّا موضوعًا ثانيًا هامًّا متشابك مع كل مراحل

علم نفس الطفل، ذلك هو: هل الأفضل النظر إلى الطفل كحزمة من عناصر "مثير - استجابة" s. r "معالجة نظرية التعلم", أو كمجموعة من التكوينات المتكاملة "المعالجة المعرفية، النمائية" "kersen , 1965"؟، وهناك موضوع أساسي آخر هو: هل الأفضل اعتبار الطفل كمستطلع نشط active explorer, أو مستقبل سلبي passive receiver للمثيرات البيئية "kessen , 1965"? وهذان الموضوعان مثلهما كمثل الجدل حول "الفطرة، التنشئة"، أو أثر الوراثة والبيئة يختصان بطبيعة الكائن الحي. وبالرغم من الحجج التي قدَّمها واطسون، فإن تركُّز البحث في موضوع نمو الطفل لم يتحوّل عن السمة الوصفية القياسية إلى المعالجة التجريبية, ولم يتمّ التأكيد على بناء النظريات واختبارها إلّا في منتصف القرن العشرين. وكان أنصار السلوكية يعتقدون أن المعالجة التجريبية يمكن استخدامها لتحديد علاقات السبب والنتيجة بين المثيرات البيئية ونمو الطفل، وكذلك لاكتساب نظرة عميقة للعمليات النفسية التي يتضمَّنها النمو, ونتيجة لذلك فإن الكثير من الأبحاث الحالية عن الطفولة تتركَّز على اختبار النظريات التبادلية بشأن عمليات النمو النفسي, ومعنى ذلك أن عمل هذه الأبحاث هو أساس ذو اتجاه عملي "تفاعلي" أكثر مما هو وصفي قياسي بطبيعته. ويعتقد كثيرون من علماء النفس أنه باختبار مختلف النظريات الخاصَّة بالنموّ، نكتسب نظرة أعمق إلى أسباب النمو الطبيعي والشاذّ، وبالتالي التوصل إلى تفهُّم معقول لطبيعة التركيب الإنسان الحي. ويقوم علماء النفس المتخصصون في النمو بالأبحاث سواء في المعمل أو في أوضاعٍ طبيعية لاختبار فروض النظريات, ويقومون بتطوير نظريات يمكن استخدامها لوضع القرارات حول تطبيقاتها العملية بشأن النموّ، وبهذه الطريقة: فإن الأبحاث التي قد تبدو لأول وهلة معدومة الصلة بمشاكل "العالم الحقيقي" فيما يختص بالنمو، تسهم إسهامًا ذا دلالة في سبيل إسعاد الأطفال. وهناك حدثان هامَّان آخران في مجال علم نفس النمو حَدَثَا في الولايات المتحدة خلال ربع القرن الأخير, وأولهما: هو إعادة اكتشاف نظريات بياجيه, فعندما وجد علماء النفس الأمريكيين أن المعالجة السلوكية ليست مرضية بالقدر الذي تصوروه، أي: إنهم وجدوها عاجزة عن تفسير كثير من مظاهر النمو، بدأوا

في تطبيق المعالجة التجريبية في دراسة مفاهيم بياجية. إن لبياجيه اليوم تأثير على الأبحاث وبناء النظريات من جانب علماء النفس الأمريكيين أقوى من تأثير أي فرد آخر. والحدث الثاني: هو البحث الذي قام به علماء النفس الروسيين "مثل لوريا luria 1966" والذي يعتبر أساسًا ذا طابع نفسي جسمي، والذي بدأ يضفي تأثيرًا واضحًا على الفكر الأمريكي حول نمو الطفل, ويمكن ملاحظة هذا التأثير مثلًا: في الأبحاث التي تتعلّق بالفعل المنعكس التوجيهي orienting reflex, وقد أحدث كل من هذين التأثيرين تغييرًا كبيرًا في نظرتنا للأطفال وللنمو, كما قدَّم نظرات متعمقة جديدة إلى متغيرات الوظيفية النفسية للإنسان. وكما يتبين من هذا التاريخ المختصر لبعض النقاط الرئيسية في مجال علم نفس النمو, فإن المجال دائم التغير, ومن الصعوبة بمكان حاليًا تحديد الاتجاهات المباشرة التي سيتخذها الموضوع. غير أنه يبدو واضحًا أن ثَمَّة تأكيد ما سوف يتمثَّل في جهد قوي للجمع بين النظرية والبحث خارج حدود نظرية التعلّم. وليس معنى ذلك أنَّ البحث من منطلق نظرية التعلُّم سوف يتوقّف، بل إن الأمر عكس ذلك، فإن التطورات المثيرة المنبثقة من بحث مثل بحث بياجيه، تعمل على توسيع آفاقنا في مجال الطفل, ونتيجة لذلك، فإن علماء النفس المهتمين بالنموّ يطرحون أسئلة جديدة مثيرة للاهتمام لم يكونوا يطرحوها من قبل, ويبدو أن طريقتي المعالجة السلوكية والعضوية لدراسة الأطفال تكمِّلان إحداهما الأخرى؛ لتكونا صورة أكثر اكتمالًا للأطفال ونموهم, مما استطاعت كلٌّ مهما أن تقدمه بمفردها. وعلى صفحات هذا الكتاب، سوف نجري المقارنة والتقريب بين وجهتي النظر هاتين في محاولة للإجابة عن السؤال: ما هي الطريقة المثلى لعرض التكوين النفسي للطفل؟ وكيف نستطيع عرض العمليات النفسية الخاصة بالنمو أفضل عرض؟ وسوف تساعد هذه المقارنة على تحقيق هدفين, الأول: هو أنها سوف تهيئ أساسًا ذا اتساع مناسب لتفهُّم الفكر والطرق الحالية في مجال البحث في نمو الطفل, والثاني: أنها سوف تساعد على تقديم مزيد من المعلومات للرد على الموضوعات التي قدَّمناها عالية أكثر من مجرد وجهة نظر, ومع أن ذلك قد يبدو مربكًا أحيانًا، إلّا أنَّ تفهم نمو الطفل يتطلّب منَّا الإلمام بوضوحٍ بوجهات النظر المعارضة.

موضوع علم نفس النمو

موضوع علم نفس النمو: علم نفس النمو أحد فروع علم النفس، ويهتم بدراسة الكائن الإنساني منذ تكوين البويضة المخصَّبة داخل رحم الأم، ونموّ الجنين في فترة الحمل، فالولادة، ثم بعد الولادة رضيعًا، فطفلًا، فمراهقًا، فشابًّا، فرجلًا، فكهلًا "نابغة قطامي، محمد برهوم: 1989، 12". ولقد تعددت تعريفات علم نفس النمو ومجال دراسته، إلّا أنها تشير في معظمها -صراحة أو ضمنًا- إلى أنه: "الدراسة العلمية لكافَّة التغيرات التي تحدث للكائن الحي الإنساني خلال دور الحياة life cycle "خلال المراحل الحيوية" في سلَّم تصاعدي في مقتبل العمر، ثم في هضبة العمر، وختامًا في سلَّمٍ تنازلي في أواخر العمر؛ بحيث تتناول مظاهر التغيُّرات المختلفة في كل مرحلة من النواحي: الجسمية، والعقلية، والانفعالية، والاجتماعية، والسلوكية، كما تتناول الكيفية التي يكتسب بها الطفل الخبرات والمهارات المختلفة، وطرق تفكيره، وأساليب تعلمه -بهدف وصف هذه المظاهر وبيان ارتباطها مع بعضها ومع غيرها: كالتكوين البيولوجي والعوامل الوراثية والبيئية، والكشف عن كل ما يؤثر عليها سلبًا أو إيجابًا، والتوصُّل إلى القوانين والمبادئ المنظَّمة للتغيرات النمائية بغية تحقيق أهداف نظرية وتطبيقية، مستخدمة في ذلك المنهج العلمي لبيان أنواع السلوك المميزة لكل مرحلة من مراحل العمر الزمنية، وبحيث تمدنا هذه الدراسات بالمعلومات التي تجعلنا أكثر قدرة على فهم شخصية الطفل وسلوكه وأهدافه واتجاهاته وميوله، ومشكلاته، وتجعلنا أقدر على توجيهه وتربيته" "حامد زهران: 12، 1977، عبد الحميد الهاشمي: 16، 1980، عبد الرحمن عيسوي: 1981, 17، عماد الدين إسماعيل ومحمد غالي: 1981، 18، طلعت منصور وآخرون: 1986، 22، طلعت عبد الرحيم: 1990، 28، محمود عطا: 1992، 29". وبهذا المعنى: أصبح علم نفس النمو يشتمل على الميادين التالية: 1- سيكولوجية الطفولة. 2- سيكولوجية المراهقة. 3- سيكولوجية الرشد والشيخوخة. ولقد أقرَّت اليهئات والمنظَّمات المختلفة لعلماء النفس هذا العلم بهذا الاسم "علم نفس النمو"، منذ عام 1954، واندمجت أقسامها المتخصصة في الطفولة والمراهقة في قسم واحد متخصص في دراسة ظاهرة النمو النفسي، وهذا يعني: أن الخواص المختلفة الظاهرة النمو أصبحت واضحة المعالم، وتمايزت في خصائصها عن أطوارها، واستقامت كميدان مستقلٍّ من ميادين علم النفس الحديث.

معنى النمو

معنى النمو: كلمة النمو في مبدأ الأمر اصطلاح بيولوجي يختص بالزيادة الجسمية الملحوظة في حجم أو تركيب الكائن الحي في فترة الزمن, وعند استخدام هذه الكلمة في العلوم السلوكية فإنها تدل على التغيرات المستمرة في الوظائف التكيفية المرتبطة بالزمن, وكثير من الباحثين يستخدم كلمة النضج للدلالة على النمو العضوي، في حين أن كلمة النمو تتعلق بالنمو الاجتماعي والنفسي, والنمو بهذا المعنى يدل على تكامل التغيرات البنائية والوظيفية والسلوكية التي تكون الشخصية الفردية. ويمكن تعريف النمو بأنه: "تتابع لمراحل معينة من التغيرات التي يمر بها الكائن الحي في نظام واتساق". وهنا: يجب التفرقة بين النمو والتغير؛ فالتغير يدل على الانتقال من حالة إلى أخرى، في حين أن النمو ينصبُّ على عناصر التغير الدينامية "الحركية" في اتجاه واحد. وعلى ذلك: فإن النمو يعتبر عملية، أما التغير فهو نتاج، ويحدث النمو داخل أجهزة تحددها تركيباتها وعملياتها الحركية الكامنة. ومن المعروف أن الكثير من التغيرات التي تحدث في المراحل الأولى من الحياة تتجه نحو تحقيق غرضي ضمني هو النضج والبناء، أمَّا التغيرات التي تحدث في أدوار متعاقبة من حياة الإنسان، وخاصَّة في دوري الشيخوخة والهرم؛ فهي من النوع الهدام, أي: الذي ينهي الحياة. من هنا: فقد عرَّف البعض النمو بأنه:

"تلك التغيرات الإنشائية البنائية التي تسير بالكائن الحي إلى الأمام حتى ينضج". أو أن النمو: "تغير تقدمي مطَّرد، يستهدف وصول الفرد إلى مستوى النضج الذي يعني التهيؤ أو الاستعداد الوظيفي لأداء الدور المنوط به". ويقصد بكون النمو تغيُّر مطَّرد: أنه يشمل كافة مظاهر شخصية الفرد: الجسمية، والعقلية، والانفعالية، والاجتماعية. ويمس هذا التغير جانبين رئيسيين هما: أ- الجانب البنائي أو المورفولوجي: ويقصد به تغيُّر الفرد في حجمه أو طوله أو شكله. ب- الجانب الوظيفي أو السلوكي: وهذا يشير إلى أن التغيرات النمائية تكشف عن إمكانات الفرد وتبرزها وتوسعها حتى يتحقق لها توظيفًا أمثل؛ فالنموّ ليس إضافة أطول إلى الطول، أو قدرة إلى قدرة، بل هو عملية معقَّدة تهدف إلى تكييف البناء الجسمي لأدوار وظيفية معينة، كما يختلف الأفراد في قدرتهم على تجريد الخبرات عبر الزمن، كما يختلفون في القدرة على بناء معايير أكثر دقة لتفسير الأحداث الجديدة، وذلك تبعًا لنمو التنظيم العقلي. أما كون النمو تغير تقدمي: فإن ذلك يشير إلى أن النموَّ تغير يتَّجه صوب هدف هو النضج. فالنمو يتمخَّض عن خصائص جديدة وقدرات جديدة تتوفّر للفرد اعتمادًا على ما تحقَّق من نموٍ لهذه الخصائص والقدرات والوظائف في مراحل سابقة. والنمو يمثل بذلك انتقالة من مراحل أدنى إلى مراحل أرقى من النشاط والوظيفة. وإذا كان هناك بعض التغيّر في كل مرحلة في المدى الحياتي للفرد، إلّا أنَّ معظم النمو يحدث في السنوات المبكِّرة من الحياة قبل أن يتحقَّق النضج, ولذلك فإن النموَّ يختلف عن أي تغير آخر يعتري الفرد ولا يؤدي إلى نضجه، وإنما يفضي إلى تدهوره مثل: المرض، أو الإصابة، أو العجز. ولئن انطوى النمو في الشيخوخة على نوع من التدهور في البناء الجسمي والنفسي للفرد وأدائه لوظائفه،

فإن رعاية التغيرات النمائية في هذه المرحلة كفيلة بأن تمكِّن المسنَّ من أداء أدواره في المجتمع على أفضل وجه ممكن, ولا شك أن كثيرًا من العلماء والمفكرين والزعماء والقادة والمصلحين يدخلون ضمن هذه الفئة. من هنا: يشير "سكينر" skiner إلى أنَّ النمو: "عملية تنطوي على استمرار التوافق adjustment مع متطلبات مراحل العمر". ولما كانت الحياة بالنسبة للكائن الحي هي النمو، تنشأ التربية كعملية داخل عملية الحياة ذاتها؛ لتؤدي إلى التوافق والتكيف بالبيئة عبر مراحل الحياة. وهذا ما دفع هافيجهرست havighurst "1953" إلى عمل قوائم بمطالب النمو developmental tasks بالنسبة للمستويات العمرية المختلفة, ويعرف مطلب النمو بأنه: المطلب الذي يظهر في فترة عمرية معينة من حياة الفرد، ويؤدي التحقيق الناجح لهذا المطلب إلى شعوره بالسعادة وإلى النجاح في إنجاز المطالب اللاحقة، بينما يؤدي الإخفاق إلى شعور الفرد بالتعاسة وإلى عدم استحسان المجتمع، وإلى الصعوبة في تحقيق المطالب الأخرى "وسوف نتناول مطالب النمو فيما بعد بشيء من التفصيل". ننتهي من ذلك إلى أنَّ النمو "سلسلة من التغيرات التقدُّمية ذات نمط منظَّم ومترابط تهدف إلى تحقيق النضج", وأن مصطلح "تقدمي" progressive" يدل على أن التغيرات تكون موجَّهة وتؤدي إلى الانطلاق بالنمو إلى الأمام ولا تعود به إلى الوراء, وأنَّ مصطلحي: "منظم" orderly "ومترابط" coherent يؤكدان أن النموَّ ليس عملية عرضية طارئة، وإنِّما هناك علاقة محدَّدة بين كل مرحلة من مراحل النمو والمراحل التي تليها في التتابع النمائي، فكل تغيُّر يستند إلى ما سبقه من تغيرات. ونضيف إلى ما سبق أن النموَّ مشروط بالمحدِّدات الداخلية والمؤثِّرات الخارجية, ويقصد بالمحددات الداخلية: كل الأمور التي تجعل منا أعضاء في الجنس البشري "كالوراثة، البنية الجسمية، القدرات والإمكانات والاستعدادات الكامنة", وهذه الشروط الداخلية لا تظهر ولا تتحقق إلّا من خلال تحريك واستثارة المؤثرات الخارجية "البيئية - الاجتماعية - الثقافية". فكل هذه المقدرات أو الإمكانات الكامنة قد تظهر أو لا تظهر، أو تتحقق بمستوى أو بآخر وفقًا لعوامل استثارة النمو التي يوفِّرها الوسط الذي يعيشه الطفل.

أنماط التغير في النمو

أنماط التغير في النمو: يتألَّف النمو من مجموعة من التغيُّرات، ولكن ليست كل التغيرات من نفس النوع، كما أنها لا تؤثر في عملية النمو بنفس الطريقة, ويمكن أن نقسِّم التغيرات الحادثة في النمو إلى أربع مجموعات أساسية على النحو التالي: 1- التغيرات في الحجم: ويتضح هذا النمط من التغيرات في النمو الجسمي بصفة خاصة، وإن كان يمكن ملاحظته بالفعل في النمو إذا استخدمنا اختبار مقنَّن لقياس الذكاء؛ فالطول والوزن والمقاييس المحيطة تأخذ في الزيادة مع نمو الطفل في كل فترة من فترات عمره، إلّا إذا تداخلت بعض الظروف اللاسوية مع النمو السوي، كذلك تأخذ الأعضاء والتركيبات الداخلية المختلفة؛ كالقلب والرئتين والأمعاء والمعدة, في الكبر لكي تحقق الحاجات المتزايدة للجسم, ويتضح النمو العقلي في تغيرات مشابهة بهذا القدر: فالحصيلة اللغوية للطفل تتزايد كل عام، كما تتَّسع قدرته على التفكير، والتذكر، والإدراك، وتزداد مدة الانتباه وعدد الأشياء التي يمكن الانتباه إليها، وزيادة زمن الرجع واستخدام الخيال المبدع خلال سنوات النمو. 2- التغيرات في النسب: يتضح من الشكل رقم "7" أن النمو الجسمي غير محدَّد بالتغيرات في الحجم؛ فالطفل ليس مجرد "شخص راشد مصغَّر". miniature adult كما كان يعتقد من قبل، ولكن تكوينه الجسمي الكلي يبدي نسبًا مختلفة عن نسب الشخص الراشد، ويتَّضح هذا على وجه الخصوص حينما نقوم بتكبير جسم الطفل إلى حجم جسم الشخص الراشد, ولا تبدأ هذه النسب في الاقتراب من الشخص الراشد إلّا حينما يصل الطفل إلى مرحلة البلوغ في حوال الثالثة عشر من العمر.

فإذا عمدنا إلى الموازنة بين جسم الرضيع وبين جسمي الطفل والرجل نرى في جلاء أن التباين غير مقصور على الحجم وحده، بل يتعداه إلى النسب بين مختلف الأعضاء؛ فحجم رأس الطفل الوليد يماثل ضعف الحجم النسبي لرأس الرجل، وساقاه ثلاثة أرباع الطول النسبي في الرجل، وذراعاه أطول بكثير بالنسبة لجسمه, ويتضح من ذلك أن النمو ليس مجرَّد ازدياد في الحجم الكلي، بل هو ازدياد متفاوت في أجزاء الجسم المختلفة, وليس يوجد صورة؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟ شكل "7": النسب الجسمية لدى الطفل الصغير والشخص الراشد يوجد صورة؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟ شكل "8" لقد سويت الأشكال في الرسم بنفس الطول لكي نوضِّح نسب التغيرات في الجسم. هذا حادثًا عرضيًّا، ولكنه متصل بحاجات الجسم -كوحدة- في كل مرحلة من مراحل النمو؛ فالمولود الجديد مثلًا لا يستطيع أن يهضم غذاء غير اللبن، وأما

عيناه وأذناه فلم تبلغ من النمو والكمال درجة تمكنه من العناية بنفسه, وهو لا يقوم إلّا بما يحتاج إليه، أي: أن يتعلق بأمه ويرضع. وهو لا يحتاج إلى ساقين طويلتين، ولهذا تظل ساقاه مدة منثنيتين على نحو ما كانتا في الرحم, وإلى جانب هذه الفروق في الشكل الخارجي توجد بعض الفروق الفسيولوجية: فالعظام مثلًا تكون في أول أمرها لينة جدًّا، كما أن اعتدال الساقين لا يحدث إلَّا تدريجيًّا, وأما نموهما في الطول فإنه يساير ازديادهما في الصلاة وفي غلظة عظامهما حتى استطاعتا حمله وحفظ جسمه منتصبًا، وفي الوقت نفسه يكون الطفل قد اكتسب قوة في البصر والسمع واللمس, وزادت قوته العضلية العامة, واستطاع التوازن الذي يجعل المشي ممكنًا حوالي آخر السنة الأولى, وحوالي هذا الوقت أيضًا يبدأ الطفل في هضم المواد النشوية، فيكتسب بذلك مصدرًا جديدًا للنشاط المتزايد الذي يحتاج إليه عندئذ أكثر من ذي قبل، فإن حركاته الحرة تزداد عند ذلك قوة وتكون أكثر وأطول مدة. جدول "1" التغيرات التي تعتري النسب الجسمية خلال سنوات النمو

وتتضح أيضًا التغيرات في النسب في النمو العقلي؛ ففي الطفولة المبكرة يسيطر الخيال الذي يرتبط بالواقع ارتباطًا ضئيلًا على حياة الطفل العقلية, ويأخذ العنصر الخيالي -بالتدريج مع تطور نمو الطفل- في أن يفسح المجال لذلك النوع من الخيال القائم على الواقعية، وعلى موضوع حقيقي، وعلى الإحساس العام، ومن ثَمَّ يكون موجَّهًا ومضبوطًا؛ بحيث يفيد في التخطيط وفي كل أشكال العمل المبدع لنشاط الطفل. ويحدث تغير كذلك في ميول الطفل واهتماماته: ففي البداية تكون هذه الميول متمركزة حول ذاته وحول لعبه, ثم ينتقل هذا الميل بالتدريج إلى الأطفال الآخرين من معارفه، وإلى المناشط التي تقوم بها جماعات الأطفال المحيطين به, وفي مرحلة المراهقة تتركز الاهتمامات حول الجنس الآخر، والملابس، والسعي إلى الحصول على تقدير جماعات الأقران, بالإضافة لذلك يحدث التغيُّر في نسبة البكاء كوسيلة للتعبير؛ فهي تقل بشكل جوهري عند المراهقين عمَّا كانت عليه في الطفولة، كما تقل نسبة المخاوف في الطفولة المتأخرة عنها في الطفولة المبكرة ... وهكذا. 3- اختفاء معالم قديمة: من بين المعالم الجسمية الأكثر أهمية والتي تأخذ في الاختفاء تدريجيًّا كلما أخذ الطفل في النمو: الغُدَّة التيموسية thymus gland، التي تعرف غالبًا "بغُدَّة الطفولة" وموضعها في الصدر، والغدة الصنوبرية pineal gland وموضعها أسفل الدماغ، وبعض الانعكاسات السائدة في مرحلة الطفولة والتي تعرف بانعكاسات "بابينكسي ودارون" babinski & darwiniain reflexes" والشعر الطفلي، والمجموعة الأولى من الأسنان المعروفة بالأسنان الطفلية "اللبنية". ومن بين السمات العقلية التي تفقد بالتدريج جدواها, وبالتالي تأخذ في الاختفاء الثرثرة وغير ذلك من أشكال الكلام الطفلي، الاندفاعات الطفلية للأداء والعمل قبل التفكير، الأشكال الطفلية للحركة كالزحف والمشي مستندًا، والتسلق، والتلهُّف الحسي، وخاصَّة فيما يتعلَّق بالتذوق والشم، كما يختفي الصراخ كوسيلة للحصول على الأشياء، ويختفي الاعتماد على الآخرين، ويختفي الالتصاق بالأم, وما إلى ذلك. 4- اكتساب معالم جديدة: وبالإضافة إلى اختفاء بعض المعالم القديمة التي استنفذت جدواها، يلاحظ نمط رابع من التغيُّر النمائي في اكتساب معالم جديدة جسمية وعقلية, وبعض هذه المعالم تُكْتَسَب خلال التعلُّم، ولكن الكثير منها ينتج من نضج أو تفتُّح السمات الكامنة التي لم تنمُ على نحوٍ كامل عند الميلاد. من بين المعالم الجسمية الهامة التي تُكْتَسَب خلال فترة النمو: الأسنان الأولى والثانية، والخصائص الجنسية الأولية والثانوية, ويظهر المشي والكلام، وتناول الطعام الجاف، ومخالطة الآخرين بعد العزوف عنهم, ومن بين الخصائص النفسية التي يكتسبها الفرد أيضًا: التطلُّع والشغف, وخاصة فيما يتعلَّق بالموضوعات الجنسية، الحافظ الجنسي، المعرفة، المعايير الخلقية، المعتقدات الدينية، الأشكال المختلفة للغة، وكل أنماط الميول العصابية. "طلعت منصور، عادل الأشول: 1976".

مظاهر النمو

مظاهر النمو: يتضح مما سبق أن كلمة النمو في معناها الخاص "الضيق" تتضمَّن التغيرات الجسمية البدنية من حيث الطول، والوزن، والحجم, نتيجة التفاعلات الكيميائية التي تحدث في الجسم.. ولكن المعنى العام للنمو يشمل بالإضافة إلى ما سبق: كافَّة التغيرات التي تحدث للكائن الإنساني في مراحل عمره المختلفة في السلوك والمهارات نتيجة نشاط الإنسان، والخبرات التي يكتسبها عند استعمال عضلاته وأعصابه وحواسِّه وباقي أعضاء جسمه، وكذلك كل التغيرات التي تطرأ على النواحي الحاسية، والحركية، والعقلية، واللغوية، والانفعالية، والاجتماعية.. ويوضِّح الجدول التالي مظاهر النمو المختلفة وجوانبه العديدة التي تشملها هذه المظاهر.

جدول "2" مظاهر وجوانب النمو ويلاحظ أن مظاهر النموّ المختلفة متكاملة تنمو كوحدة متماسكة في انسجام وتوافق تام، وهي ترتبط فيما بينها ارتباطًا وظيفيًّا قويًّا، ولذلك يلاحظ أنه إذا حدث اضطراب أو نقص أو شذوذ في أي مظهر من مظاهر النمو ينعكس بدوره على المظاهر الأخرى.

قوانين ومبادئ النمو

قوانين ومبادئ النمو: يتميز نموّ الإنسان بأنه ليس عملية عشوائية، بل يخضع لمبادئ عامَّة يشترك فيها جميع أفراد الجنس البشري، هذه المبادئ أو القوانين تسهم في فهم ظاهرة النمو، وتمكّن الآباء والمربِّين في معرفة العوامل الفردية والبيئية التي يحدث النمو في إطارها، كما تساعد في التنبؤ بمسار نمو الفرد وتوجيهه بما يحقق صالح الفرد والمجتمع, وهذه القوانين والمبادئ التي تحكم سير النمو هي: 1- النمو كمي وكيفي معًا: quantative as well as qualitative: فالكمُّ والكيف في النمو مظهران لا يمكن فصلهما. فالطفل كما ينمو في أعضاء جسمه، ينمو في الوظائف التي تقوم بها هذه الأعضاء: فالجهاز الهضمي للطفل يتحوّل من تمثُّل السوائل إلى هضم الطعام الجامد وتحويله إلى عصارة يتمثلها تعود بالفائدة على الطفل. ومثل هذا يقال في تآزر أعضاء الحسّ والحركة باطِّراد النمو. وأيضًا: في نضج الإدراك والقدرة على الاستدلال العقلي. 2- النمو عملية مطَّردة ومنظَّمة: continuous & orderly process: ونعني باطرادها: أنها لا تكاد تبدأ حتى تتقدَّم في طريقها بسرعة هائلة، وتظل آخذة هذا الطريق حتى تصل إلى آخر الشوط. وإذا كنا نعجب كيف أن هذا الكائن حديث الولادة الذي لا حول له ولا قوة، ولا مهارة أو خبرة، لا يلبث أن يصبح بهذا القدر من التقدُّم والتوافق مع البيئة "وما ذلك إلّا لأنه يتحصَّل له اكتسابات تتابع في سرعة وترتيب"؛ فالجهاز الإنساني organism يحمل في باطنه دوافعه إلى التقدم، والارتقاء، ومواجهة مواقف الحياة، والاستجابة لها، والتكيُّف بها بما لديه من ذكاء موروث وخبرة مكتسبة. ولو أننا تركنا الطفل ولم نتدخَّل في تربيته لنما من تلقاء ذاته، وإنما يكون تدخلنا لتقويم أعواجاج أو انحراف نخشى أن يعوق سير النمو الطبيعي إيمانًا منا بأنَّ أي انحراف

في مرحلة نموٍّ سيؤثر من غير شك في سير بقية المراحل، وأن من الخير أن نصون من الإهمال أو سوء الاستعمال الملكات والقوى التي يتمّ نضجها واحدة بعد الأخرى "كمال دسوقي: 1979، 25-26". أمَّا أن النموَّ عملية منظَّمة: فدليلها تلك المبادئ العامة التي تجعلنا نتوقع بالنسبة للطفل حديث الولادة ما سبق أن حدث بالنسبة لمواليد سابقين: فالنموّ لا يتم على نحوٍ عفوي غير منتظم، ولكنه يحدث بشكل نظامي نموذجي، فكل مرحلة من مراحل النمو نتاج المرحلة السابقة, ومقدِّمة للمرحلة التالية، ذلك أن النمو يقوم على أساس التتابع التطوري بظهور خصائص معينة في كل فترة عمرية, وتكشف الملاحظات والدراسات التطورية للأطفال منذ الميلاد أن هناك نموذجًا عامًّا يتبعه كل الأطفال على النحو التالي: - من سن 4-16 أسبوعًا: يتحقَّق للطفل القدر على التحكم في الإثنى عشرة عضلة الخاصة بحركة العين. - من 16-28 أسبوعًا: يتمكَّن الطفل من التحكُّم في العضلات التي تساعد على ضبط حركة الرأس، وعلى تحريك ذراعيه، وبالتالي يبدأ في التوصل إلى تناول الأشياء. - من 28-40 أسبوعًا: يتمكَّن من التحكم في جذعه ويديه، وهذا يمكِّنه من الجلوس والتنقُّل، والقبض على الأشياء وتناولها. - من 40-52 أسبوعًا: تتَّسع قدرته على ضبط رجليه وقدميه وأصابع يديه خاصَّة السبابة والإبهام، وهو الآن يستطيع الوقوف باعتدال, وأن يتحرك بخفَّة ويلتقط الأشياء. - وفي خلال العام الثاني: يمشي ويجري، يتلفَّظ بكلمات وجمل، ويكتسب إمكانية التحكُّم في المعدة والمثانة, ويكتسب إحساسًا أوليًّا بالهوية الشخصية والتملك الذاتي. - وفي خلال العام الثالث: يتكلَّم بجمل, ويستخدم الكلمات كأدوات للتفكير، ويبدي نزعة إلى تفهم بيئته، وإلى الإذعان للمتطلبات الثقافية.

- وفي خلال العام الرابع: يوجه أسئلة عديدة, ويدرك المتشابهات, ويبدي ميلًا إلى التعميم والتصور الذهني، ويستطيع أن يعتمد على نفسه تقريبًا في مضمار الحياة المنزلية. - وفي خلال العام الخامس: يتمتَّع الطفل بدرجة طيبة من نضج التحكم الحركي فيستطيع القفز والوثب، يتكلّم بدون تلفظ طفلي, ويستطيع أن يحكي قصة طويلة، يفضّل اللعب الجماعي, ويشعر بالاعتداد بالملابس وبما يقوم بإنجازه من أعمال، وهو الآن يشعر بتأكيد الذات, ويتشرب معايير الجماعة. "طلعت منصور، عادل الأشول: 1976". 3- النمو يتقدم من العام إلى الخاص: ففي كل مظاهر النمو تكون استجابات الطفل ذات نمط عام قبل أن تصير متخصصة، كما أن النشاط العام يسبق النشاط المتخصص النوعي, يتضح ذلك في: - الاستجابات الحركية: فالطفل يستطيع أن يرى الأشياء الكبيرة قبل أن يتمكَّن من رؤية الأشياء الصغيرة؛ لأن حركات عينيه تكون غير متَّسقة بدرجة كافية للتركيز على الأشياء أو الموضوعات الصغيرة، ويتضح نفس النمط في استخدام اليدين: فحينما يصل الطفل في البداية إلى موضع من الموضوعات لا يستخدم فحسب كلتا يديه, ولكنه أيضًا يلقي بجسمه ككل على الشيء في آنٍ واحد، وفي حوالي الستة أشهر من عمر الطفل تتحدد استجابة الوصول إلى الشيء باليدين، وفيما بعد في حوالي العام من العمر يصل إليه بيد واحدة, وفي حالة تعلُّم مهارة جديدة كاللبس يشترك جسم الطفل ككل في هذا النشاط، ومع التحسن في هذه المهارة يتحدد النشاط باليدين, بمعنى أن الأطفال يقومون بالأشياء البسيطة أولًا، وبالأكثر تعقيدًا فيما بعد. - واستنادًا إلى هذا المبدأ الأساسي للنمو "تطور نمو الاستجابة من الكل إلى الجزء" يمكن تفسير تطور النمو اللغوي عند الأطفال؛ فالملاحظة والخبرة الحسية العيانية تسبقان الصياغة اللفظية، والنطق بالألفاظ يسبق تسمية الرموز المصورة، وهذا بدوره يسبق القراءة، وفي بناء حصيلته اللغوية يتعلّم الطفل الكلمات العامَّة قبل الكلمات المتخصصة النوعية، فمثلًا: يستخدم كلمة "لعبة" لكل أدوات اللعب قبل أن يتعلم أن يسمي كل لعبة باسمها, ويسير

تكوين المفاهيم وفقًا لنفس هذا النموذج التتابعي؛ فالطفل يميز أولًا الموضوعات الحيَّة عن الأشياء الجامدة غير الحية, والكائنات الإنسانية عن الحيوانات, ثم الأنماط المختلفة من الكائنات الإنسانية؛ كالأبيض أو الأسود أو المصري، أو الصيني. - وينطبق هذا المبدأ النمائي كذلك على التواصل اللغوي؛ إذ نجد أولًا الاتصال الشفهي، ثم الاتصال التحريري دون التقيُّد بالتفاصيل الدقيقة، وأخيرًا العناية بتفاصيل الهجاء وقواعد اللغة. وتطبيق هذا المبدأ في ميدان الكتابة يجعلنا نبدأ بتزويد الطفل بالخبرات الخاصة بنقش الحروف الكبيرة بالفرشاة على لوحات كبيرة من الورق، وهذا التدريب يتضمَّن الكثير من الحركات الكلية للجسم والذراع, ويلي ذلك استخدام الورق وقلم الرصاص للكتابة على مسافات متباعدة دون حاجة إلى الضبط الحركي الدقيق, بعد ذلك يأتي دور استخدام مسافات وأقلام وحروف أصغر، وأخيرًا يمكن الانتقال من مرحلة كتابة الحروف المنفصلة إلى كتابة الحروف المتَّصلة بقدر ما يتحقق لدى الطفل من الضبط. - وبالنسبة للسلوك الانفعالي: يستجيب الطفل في البداية للأشياء الغريبة أو غير العادية بخوف عام، يعبر عن نفس الخوف في كل المواقف, ثم تأخذ مخاوفه فيما بعد في أن تصير أكثر تخصصًا ونوعيةً, وتتميز بأنماط مختلفة من السلوك في المواقف المختلفة؛ فكل أنماط الاستجابات الانفعالية تنمو من حالات عامة للاستثارة والسكينة كلما يأخذ في النمو. ولا يعني ذلك أن النمو يأخذ في التمايز والتخصص المستمر فحسب وفقًا لمبدأ التعاقب من الكل إلى الجزء؛ فالاستجابات الجزئية النوعية تأخذ في التكامل الوظيفي مع كليات أكبر، ويتضح ذلك خاصة في حالة الأداءات العقلية والأعمال المركَّبة. "طلعت منصور، عادل الأشول: 1976، 17-17". 4- النمو عملية مستمرة: فالنمو يستمر منذ فترة الحمل حتى وصول الفرد إلى النضج, ويتم النمو وفقًا لمعدَّل منتظم بطيء نسبيًّا أكثر مما يتم وفقًا لمعدَّل سريع, ويستمر نمو

الخصائص الجسمية والعقلية بالتدريج حتى تصل هذه الخصائص إلى أقصى نموها خلال فترة المراهقة المتأخرة, وإذا كنا نستخدم مصطلحات معينة لمراحل النمو، فلكي نؤكِّد بأنَّ ثمة نمطًا خاصًّا للنمو حادث في هذه الفترة بعينها. معنى ذلك أنه ليس هناك خصائص -سواء جسمية أو عقلية- تظهر بطريقة فجائية، فكلها نتاج النمو الذي بدأ قبل الميلاد, وهناك أمثلة عديدة على ذلك: فقد يتراءى لنا بظهور الأسنان الأولى خلال السنة الأولى من عمر الطفل أنها تنمو بشكل فجائي، ولكن حقيقة الأمر عكس ذلك، فهي تبدأ في النمو من الشهر الخامس من تكوين الجنين في بطن الأم، على الرغم من أنَّها لا تخرج من اللثة إلّا في حوالي الشهر الخامس بعد الميلاد, كذلك لا يأتي الكلام للطفل بين يوم وليلة، ولكنه ينمو بالتدريج من الصياح والأصوات الأخرى التي يأتي بها الطفل بعد الولادة. "طلعت منصور، عادل الأشول: 1976". ولكون النمو عملية مستمرة: فإن ما يحدث في مرحلة معينة يمتد إلى المرحلة أو المراحل التالية ويؤثر فيها، فمثلًا: سوء التغذية في السنوات الأولى من حياة الطفل سوف يؤدي إلى إحداث أضرار جسمية ونفسية يصعب تعويضها كلية فيما بعد, كذلك يؤدي التوتُّر الانفعالي الناشئ عن الظروف غير المواتية في المنزل إلى إحداث بصمات في تطور نمو شخصية الطفل, كما أن تكوُّن اتجاهات غير صحية نحو نفسه، وعلاقته بالآخرين، خلال السنة الأولى من حياته تظلّ مترسِّبة في كيانه النفسي في مرحلة النضج. وهكذا ينطوي إقرار مبدأ استمرارية النمو على حكمة تربوية؛ إذ يجعل في مقدورنا أن نسعى إلى تحديد مسار النمو والتنبؤ به والتخطيط له. 5- النمو عملية متكاملة: لا شكَّ أن النموَّ عملية مركَّبة وغاية في التعقيد, وسبب ذلك أن مظاهر النموِّ مرتبطة كلها بعضها بالبعض الآخر ارتباطًا وثيقًا. - فلا يمكن فهم نمو الطفل الجسمي، دون أن نقدر في نفس الوقت نموه الانفعالي، وتوافقه الاجتماعي، ولا هذا الأخير دون تقدير لصحة الطفل

البدنية ومدى إشباع حاجاته الجسمية والنفسية، بمعنى: أن هناك علاقة وثيقة بين صحَّة الطفل، وكفاءته العقلية من ناحية أخرى, وتوافقه الاجتماعي للمدرسة ونموه الانفعالي. - ومن الملاحظ: أنَّ الطفل الذي يكون نموَّه العقلي فوق المتوسط يكون بصفة عامَّة فوق المتوسط في الحجم والنضج الاجتماعي والاستعدادات الخاصة, ومن ناحية أخرى: فإن الطفل الذي يكون نموه العقلي أقل من المتوسط لا يعوض هذا بنمو جسمي أو بصحة أفضل، أو بنمو أكبر لاستعدادات خاصة، أو بمزيد من النضج الاجتماعي، ويميل الأطفال ضعاف العقول إلى أن يكونوا أقصر قامة عن الأطفال الأسوياء؛ كما يميل المعتوهون والبلهاء إلى أن يكونوا أقصر فئات الضعف العقلي. - ومن ناحية ثالثة: فقد وجد ارتباط بين الذكاء العالي والنضج الجنسي المبكِّر، وارتباط بين انخفاض الذكاء وتأخُّر النضج الجنسي. ويعني ذلك أن معظم السمات تترابط في النمو, والنمو على هذا لا يحدث بشكل آلي بسيط، وإنما على أساس التكامل بين جوانب النمو المختلفة: الجسمية، العقلية, المعرفية، الانفعالية, العاطفية، الاجتماعية، وما بين هذا الجوانب من ارتباطات وتأثيرات متبادلة. "طلعت منصور، عادل الأشول: 1976". 6- النمو يخضع للفروق الفردية "فكل طفل ينمو بطريقته الخاصة": إذا نظرنا إلى مجموعة من الأطفال في نفس السنِّ وجدنا بينهم الطوال، والقصار، النحاف والسمان، الضعاف جسميًّا والأقوياء، والأذكياء والأغبياء، الرزين والنشيط، الشجاع والجبان، المنطوي والمنبسط. ومن الطبيعي أن نتصوَّر أن الأطفال في سنٍّ بعينها يختلفون في معدل نموهم العام، وفي النمو الخاص لكل عضو أو صفة. - فقد كشفت الدراسات القياسية لمختلف مظاهر النمو عند الأطفال في السن ما بين الميلاد والثامنة عشرة: عن فروق فردية شاسعة في نمو كل مظهر منها

وذلك تبعًا للمنحنى الاعتدالي المعياري normal prebable سمة، ولقد ثبت: - أن أخف الأطفال وزنًا في سن 18 سنة يعادل أثقل الأطفال وزنا في سن 8 سنوات. - وأنَّ أخف الأطفال وزنًا في سن 8 سنوات يكاد لا يزيد عن أثقل طفل في سن الثانية. كما بينت منحنيات الطول: - أن الأطفال الذين كانوا يتَّصفون بطول القامة في فترة عمرية مبكرة ظلوا يتصفون بطول القامة مقارنة بأقرانهم المماثلين لهم في العمر، وكذلك يظل قصيروا القامة على معدل طولهم في المراحل المختلفة. وهكذا: فإنَّ اتجاه الفروق الفردية الذي لوحظ عند الميلاد يميل إلى أن يظل ثابتا خلال مراحل الطفولة. - وفي مرحلة ما قبل البلوغ تميل الفتيات اللائي ينمون بمعدل كبير في عام من الأعوام أنهنَّ ينمون على هذا النحو خلال كل الفترة، بينما تظل الفتيات اللائي ينمون بمعدل بطيء أنهن ينمون نموًّا بطيئًا خلال الفترة كلها. - وينطبق نفس المبدأ على النمو العقلي؛ إذ تكشف منحنيات النمو على أن لدى الأطفال الأذكياء والمتوسطين والأغبياء ميلًا إلى الثبات الذي يوجد في منحنيات النمو الجسمي، فالنمو السريع يستمر على سرعته إلى حد كبير. وهذه لا شَكَّ حالات متطرفة إلّا أنها كفيلة بتحذيرنا من أن نقيس بالعمر الزمني كل مظاهر النمو، أو أن نعتمد عليه في تصنيف التلاميذ. - وبالنسبة للأطفال لا يختلفون في المرور بنفس مراحل النمو المتعاقبة فيه بينهم، ولكن منهم من يتخطَّى بعض المراحل الوسطى: كأن يمشي بعضهم دون أن يزحفوا أو يحبوا، مع أن الغالبية تزحف ثم تمشي على التعاقب.

وعند الأطفال الصم يتعطل نمو الكلام بسبب عدم القدرة على السمع. وقد يتعلَّم الطفل الكتابة والقراءة قبل أن يجيد النطق. ولكن يختلف الأطفال في معدل النمو ذاته بالسرعة أو البطء عن المتوسط العادي داخل المرحلة الواحدة, فهناك في أية مجموعة المتقدمين السابقون fast growers والمتخلفون اللاحقون slow growers. ووجد استولتز stalz & slolz أن البعض من المراهقين تظهر لديهم أعراض النضج الجنسي مبكرًا جدًّا والبعض متأخرة، والمدى في الفارق الزمني خمس سنوات ونصف على الأقل كفارق زمني بين الأفراد، وعلى هذا: يجوز لصبي في سن العاشرة أن يبدأ المراهقة، بينما لا يبدأها زميله في الدراسة إلّا في سن الخامسة عشرة. "كمال دسوقي: 1979". وتتضمن الفروق الفردية في تفتح النمو أمورًا كثيرة، وعلى المدارس تقع مهمة التلاؤم معها, وترجع أهمية هذه الفروق إلى عدة أسباب، منها مثلًا: أن الأطفال ينزعون بدرجة ما إلى التجمع وفقًا لعمر نموهم، فالأكثر نضجًا منهم يميلون إلى التجمع معًا، وكذلك يغلب أن يفعل الأقل نضجًا, والطفل البطيء النمو ينزع إلى أن يغدو مشكلًا، فهو يحدث عن الشغب أكثر مما يفعل غيره، ويحتاج إلى مزيد من العناية، كما أنه يكون مصدر متاعب كثيرة لأبويه ومدرسيه وغيره من الأطفال، أما الطفل سريع النمو فيغلب أن يصل إلى مركز الزعامة في الجماعة بسهولة أكبر من الطفل بطيء النمو. وتنطوي هذه الحقائق على مغزى تربوي هام: فينبغي أن تعمل المدارس على تزويد كل صف دراسي بالفرص التي تغطي مدى واسعًا من الخبرات. وبهذا يتاح للطفل الذي يبلغ من العمر الزمني عشر سنوات ولكن عمره الحيوي لا يتجاوز ثماني سنوات أن يجد من الأعمال ما يناسب عمر نموه, فيستطيع أن يحصل على الإشباع الناجم عن أداء هذه الأعمال أداءً كاملًا. "طعلت منصور، عادل الأشول: 1976". 7- النمو يمكن التنبؤ به: إذا كان معدَّل النمو ثابت إلى حد كبير بالنسبة لكل طفل، يتبع ذلك أنه الممكن أن نتنبأ بالمدى الذي يحتمل أن يحدث فيه النمو الناضج للطفل، ومعرفة ما

سيكون عليه أقصى مستوى للنمو, ولقد بنيت دراسات تيرمان terman "1926" من فحص تقارير الإنجازات الفردية للعباقرة الذي عاشوا في الفترة ما بين عامي 1450-1850 أنهم كانوا مبرزين يبزون غيرهم كأطفال فيما يتعلق بسماتهم العقلية المبكرة. هذا, ويعتبر معرفة ما سيكون عليه أقصى مستوى للنمو العقلي ذو قيمة بالغة في تخطيط تعليمه, وفي مساعدته على التدريب على نمط العمل الذي يحقق فيه أقصى مستوى من الكفاءة والنجاح والإنجاز. وإذا كان النمو يمكن التنبؤ به فمن الخطأ أن نحاول الهيمنة على توقيت نظام النمو بالتدريب السابق لأوانه؛ لأننا لو حاولنا ذلك فإما أننا لا نحصل من ورائه على أية نتيجة، وإما أن نلحق بالطفل ضررًا بالغًا بسبب تدخلنا في حياة كائن حي يتَّصف بالتعقيد والاتزان والاكتفاء الذاتي. ولذلك: فإننا ينبغي ألَّا نتوقع نتائج عاجلة من وراء آية طريقة, كما ينبغي ألَّا نتوقع ظهور الخبرات المرتبطة بالنمو بانتظام يعادل انتظام دقات الساعة؛ لأن من القدرات المدهشة الكامنة في الكائن الحي قدرته على إحداث تعديلات كثيرة في سياق حياته. 8- زمن النمو ليس مستويًا: Tempo of groth is not even: فمراحل النمو لا تتقدَّم في الزمان بخطى ثابتة, فهناك فترات نمو سريع, وفترات نمو بطيء, فعندما تتكون الخلية المخصَّبة تبدأ بعد ذلك في الانقسام السريع، وتظلّ هكذا حتى تتكوَّن المضغة التي تنمو بسرعة غريبة, فيزداد تبعًا لذلك حجمها, ويزاداد تكوينها الداخلي, وتتعقَّد أنسجتها، ثم تمهد السبيل بعد ذلك لتكوين الجنين، وهكذا تصبح مرحلة ما قبل الميلاد أسرع مراحل النمو, ومن الملاحظ أنه في أثناء الطفولة الأولى والسن قبل المدرسي pre-school age يتقدَّم النمو سريعًا, وتظهر أمارات التقدم في مختلف مظاهره المتعددة في تتابع سريع، أما قبيل السن المدرسي والسنوات المدرسية الأولى، يتلكأ النمو، ولا يعني هذا: أن ثمة تغيُّرات رئيسية تحدث في الخفاء, بل يكون ذلك تثبيتًا للنمو السابق, وتعبئة القوى للنمو اللاحق في المراهقة. أمَّا عند البلوغ: فتسرع بعض نواحي النمو، وتظل سريعة

حتى يستقر للشخص تمام النضج وغاية الرشد, يمضي الراشد في طريق حياته وهو مكتمل النضج, ويظل هكذا لا ينمو في استعداداته ومواهبه وقدراته، وإنما ينمو في خبراته ومعرفته ومعلوماته, حتى ينوء تحت ثقل الزمن ويضمحلّ في شيخوخته, فيضمر ما قد ترعرع منه، وتذبل حياته وهي في طريقها إلى الضعف. "فؤاد البهي: 1975، 74". 9- اختلاف معدل النمو باختلاف مظاهره: لكل مظهر من مظاهر النمو معدلها الذي تنمو به, بمعنى: إنها لا تتقدم جميعًا صفًّا واحدًا في جبهة مستوية. وإذا كانت غاية النمو الوصول بالشخص إلى حالة النضج والاستقرار, فلا بُدَّ له إذن من تقديم الأهم على المهم. وبالتالي بلوغ مختلف أعضاء الجسم وأجهزته إلى تمام نضجها الجزئي في أزمنة مختلفة خلال النمو الكلي "شكل: 9": فالأجهزة التناسيلة مثلًا: تتأخَّر في النمو بكثير عن نمو الأمعاء والمخ والجهاز العصبي، بل ربما لا يبدأ نموها إلّا بعد أن تصل هذه إلى غاية النمو، ذلك أن الفرد منذ الميلاد في حاجة إلى خدمات معظم أعضاء الجسم إلّا القليل كالأعضاء التناسيلة.

وإذا كانت كافَّة الأعضاء اللازمة للفرد تكون موجودة رغم صغر حجمها أو ضعف قوتها فإنها تستمر في نموها النهائي بعد ذلك بمعدل بسيط. ومع أنَّ من الأعضاء ما هو كامل النموّ الوظيفي منذ الميلاد: كالرأس والرقبة والجذع؛ لكونها ألزم الأعضاء للحياة، وأن النمو التركيبي التالي لهذه الأعضاء يكون بسيطًا إذا قورن بنموِّ الذراعين أو الساقين مثلًا, فإن النمو النهائي للجسم كله لا يكتمل إلّا خلال العقد الثالث من العمر. ويلاحظ: إن سنوات الطفولة الأولى والمدرسة الابتدائية هي مرحلة نموّ الأطراف في الطفولة. وأن سنوات الدراسة الثانوية هي مرحلة نمو القامة والنضج الجنسي. ومن ثَمَّ: فإن نمو الجسم ليس متساويًا ولا متشابهًا في جميع أقطاره، ولكن له أنماطًا مختلفة يتخذها في نموه حتى يصل إلى تمام نضجه. فمن الطبيعي إذن ألَّا يسبق النمو إلّا الأعضاء التي يكون الجسم أحوج إلى نشاطها وفاعليتها، على أساس أن نضج التركيب يهيئ العضو للقيام بالوظيفة. فكل عضو أو جهاز ينمو في حينه، أي: حين تمس الحاجة لمزاولة الوظيفة. "كمال دسوقي: 1979، 27-29". 10- لكل عملية نمائية فترة حرجة crirical period: يطلق مصطلح الفترة الحرجة على تلك الفترات التي يكون الفرد مهيئًا فيها لنمو عضوي أو مهاري أو سلوكي معين؛ إذ يؤدي النضج إلى الاستعداد والتهيؤ لأنماط سلوكية جديدة، ويشير علماء نفس الطفل بأنه توجد فترات حاسمة أو ذات حساسية كبيرة في نمو الأطفال, والتي أثناؤها يصبح تعلُّم أنماط سلوكية ممكنًا. "عادل الأشول: 1982، 40". - فالطفل يتعلّم الحبو في حوالي الشهر الخامس، ويستطيع الوقوف في حوالي الشهر العاشر، ويبدأ السير بعد إنهاء العام الأول.

- ويستطيع الطفل ضبط عملية الإخراج في النصف الثاني من العام الثاني. - كما أن الطفل قبيل السادسة يكون مهيئًا لتعلُّم القراءة والكتابة. ومن ثَمَّ فإن التدريب أو تعلُّم المهارات المختلفة في تلك الفترات يأتي بنتائج إيجابية، أمَّا إذا بدأ التعليم في وقت مبكِّر للغاية, أو في وقت متأخِّر عن الفترة الحرجة للمهارة، فربما يكون هذا التدريب أو التعليم غير مجد أو غير كفء، وربما يأتي بنتائج ضارة. "عبد الرحمن سليمان: 1997، 277". ولذا يشير علماء النفس إلى وجوب توفير تفاعلات بيئية أثناء تلك الفترات الحرجة للمهارات المختلفة لكي يتقدَّم النمو بصورة عادية، فإذا لم يحدث تفاعل مناسب أثناءها نجد النموَّ قد يبطئ أو يتوقف. وبمعنى آخر: توجد فترات مناسبة, وأخرى غير مناسبة لتعلُّم واكتساب المهارات المختلفة. - فالأطفال الذين يتلقَّون المديح لمحاولاتهم اللغوية المبكرة يكونون أميل إلى التكلُّم بطلاقة في عمر مبكر إذا ما قورنوا بالأطفال الذين لا يتلقَّون استثارة لفظية عندما يكونون على استعداد أو تهيؤ للكلام. - وفي ضوء الفترات الحرجة: يشير التربويون إلى أهمية البرامج النظامية التعليمية المبكرة التي تساعد الأطفال على تلقي الاستثارة المعرفية في طفولتهم المبكرة. - كما تؤكِّد على أهمية البرامج التدخلية intervention أو الاستثارية للأطفال المعوَّقين لمساعدتهم على تعويض النقص المبكِّر للاستثارة. "عادل الأشول: 1982، 41". 11- معدل النمو ونمطه يتأثَّران بالظروف الداخلية والخارجية: مع أن دافع النمو ينبعث من قوى باطنة "كالوراثة والمكونات العضوية"، ومع أنَّ أنماطه محدَّدة بالنسبة للأطفال جميعًا, إلّا أن معدَّل النمو ونمطه الصحيح يمكن أن يتغيرا إذا لم تواجه حاجات الطفل الأساسية؛ كالتغذية، والنشاط، والراحة، وفرص التعليم، والأمن النفسي، والعاطفي ... إلخ، وقد يطرأ على بعض مظاهر

النمو ما يعوقها عن السير قدمًا في طريقها المرسوم صوب غايتها المرجوة, كأن يمرض الفرد مرضًا يعوق نموَّه ويحول بينه وبين تطوره الطبيعي، وقد تضعف حدة المرض وتزول أسبابه ودواعيه فيعاود النمو سيرته الأولى. "فؤاد البهي: 1975ن 73". وعلى ذلك: فإن هذه الظروف هي التي ستحدّد المدى من السرعة والتفتُّح الذي سوف تحقق بها إمكانيات نمو الطفل. وأهم هذه الظروف: - ظروف خارجية: كما في حالة الأطفال الذين لم تتح لهم التغذية الكافية أثناء سني نموهم، فلن يستطيعوا أن يتمتَّعوا بصحة جيدة. - ظروف داخلية: مثل تحطم شخصيات بعض الأطفال لأسباب سيكولوجية؛ كالحرمان من العاطفة، أو بسبب الحماية الزائدة, أو عدم الاستقرار, أو سوء الخلق، وذلك رغم وجود هؤلاء الأطفال في بيئات غنية وأسر راقية. - ظروف داخلية وخارجية مجتمعة: مثل: - نقص الطعام والرياضة والحياة الرغدة، إلى جانب انفصال الأسر، وتشتت الجماعات، وتحطم القيم، وربما استمرت فترات الحرمان القاسية هذه من الحاجات المادية والنفسية أو كليهما زمنًا طويلًا؛ كالفترة التي تعقب الحروب والكوارث. - وهناك ظروف طبيعية في البيئة ذاتها مثل: - نقص اليود في الماء الذي يشربه بعض الشعوب, مما ينشأ عنه القماءة cretinism أو القزمية dwarfism التي ترجع إلى عدم الإفراز الكافي للغدَّة الدرقية. - ومرض الكساح ولين العظام rickets التي تنشأ عن نقص الطعام أو أشعة الشمس, مما يترك أثرًا ظاهرًا في نمو الجسم يتمثَّل في الصدر المسطَّح أو الظهر المقوس، وعظام الحوض peives المشوَّهة ... إلخ مما يؤثر في الأداء الوظيفي للجسم.

وعلى هذا: إذا لم يتوفّر للنمو حدَّه الأدنى من الإشباعين المادي والنفسي, فإنه يواجه تعطيلات وتأخرًا في تقدمه، ولكون النمو لا يستطيع أن يحارب في جبهتين، بل هذه المقاومة لأزمات النمو كثيرًا ما تكون على حساب الشخصية النامية، وذلك حين يدفن الشخص مؤقتًا المتاعب التي تقف في طريقه، ويتجاهل العقبات التي تعترضه, أو يتهرب من حل مشاكله. وهنا: يكمن واجب المربين: من حيث الموازنة في البيئة التربوية بين: - الحماية الزائدة overprotection التي تعدم مقاومة الطفل لأيّ ميكروب أو صدمة نفسية تعرض له، فينمو مدللًا ناعمًا غير خبير بالحياة. - وبين عرقلة البيئة للنمو بكثرة آفاقها ومتاعبها النفسية التي تحطّم الشخصية وتعوق النمو. "كمال دسوقي: 1979، 30-32". 12- ميل الجسم في النمو إلى الاحتفاظ بالتوازن الحيوي homeostasis: فالجسم يسعى إلى الاحتفاظ دائمًا ببيئة ثابتة على الرغم من الظروف البيئية المتغيِّرة، سواء كانت هذه الظروف داخلية أو خارجية ... فعندما يحدث شيء يمكن أن يعرقل حالة الجسم الداخلية فإنه يقوم برد فعل تلقائي سريع لاستعادة حالة الثبات أو التوازن: فوزن الجسم، والطعام المسحوب أو المأخوذ، ثم وظائف الغدد، وتعويض الجروح أو اندمالها وشفائها، كل ذلك يمثل أدلة أو قرائن على وجود مبدأ الاتزان الحيوي. وإذا حدث عجز في إحدى العمليات أو الوظائف ظهرت الحاجات التي تحدث توترًا للفرد لا يزول إلّا إذا أشبعت الحاجة وعاد التوازن الذي هو ضروري لحياته. كما أن هناك ما يشير إلى إمكانية تطبيق مبدأ الاتزان الداخلي بالنسبة لجوانب الحياة العقلية والانفعالية الاجتماعية، فالكائن الإنساني في سعي مستمر

للاحتفاظ بشكله أو نموذجه الماضي في مواجهة الظروف المتقبَّلة والمتغيرة من حوله، وبالتالي يترتَّب على كثير من المثيرات التي تسبب اضطرابات في هذا الاتزان سلسلة من ردود الأفعال التلقائية التي تهدف إلى استعادة الجسم لاتزانه الأصلي. "إبراهيم قشقوش 1988، 106". 13- بعض السلوكيات المشكَّلَة تعتبر سوية في المرحلة العمرية التي تحدث فيها: فكل مرحلة من مراحل النمو تظهر فيها أشكال من السلوك تبدو غير مرغوبة فيها, على الرغم من أنها خصائص عادية وسوية متناسبة مع المرحلة التي ظهرت فيها، وسرعان ما تختفي أو تتغيِّر بنمو الطفل وانتقاله إلى المراحل التالية للنمو. - فمن السلوكيات المميزة للأطفال في سن الثالثة والنصف: حالات عدم التوازن الجسمي، الخوف من الوقوع، أو الخوف من الأماكن المرتفعة، قضم الأظافر، أو اللجاجة في الكلام، الصعوبات البصرية، عدم الأمان الانفعالي، التناقضات الانفعالية، الرغبة في الاستحواذ على انتباه الكبار، الخجل ... إلخ. ثم يبدأ السلوك في الميل إلى التنظيم والاستقرار والتوازن. - وفي سن الخامسة يبدو الطفل متعاونًا، صدوقًا، رقيقًا، عطوفًا، ودودًا، ثم يعقب هذه الفترة من الاتزان فترة من عدم التوازن، هي فترة اختبار يكون الطفل فيها صعبًا عدوانيًّا، مندفعًا، لحوحًا، ميَّالًا إلى المنافسة والجدل، متهورًا وفظًّا. "عادل الأشول: 1982، 63". - كما أن كثيرًا من أشكال سلوك التلاميذ تعتبر سلوكًا يبعث على الانزعاج والقلق, ومنها: اللامبالاة، وعدم اهتمام التلميذ بعمله المدرسي ومظهره، العدوانية اللفظية، كثرة أحلام اليقظة، نقص الدافعية للدراسة والاستذكار.. ومع ذلك فهذه السلوكيات ليست إلّا سلوكًا سويًّا للطفل في السن المدرسي.. ومن ثَمَّ فإن المعلمين محتاجون إلى فهم وتقبُّل الأنماط السلوكية للأطفال، وأن هذه السلوكيات سوف تختفي من حياة الطفل بنموِّه وانتقاله إلى مراحل أخرى أكثر نضوجًا.

14- النمو محدود في بدايته ونهايته بزمان ومكان معينين: فما دام النمو عبارة عن الزيادة المطردة في الحجم والتعقد, فلا بُدَّ أن هذه الزيادة تأخذ بدايتها عند نقطة معينة، وأنها تتوقف عند بلوغ حد معين. - البداية: انقسام البويضة الملقَّحة إلى خليتين. - والنهاية: الوصول إلى تمام النضج التركيبي والوظيفي. أما من حيث الزمان: - فالبداية: هي بدء الحمل. - والنهاية: هي سن الرشد. 15- خبرات النموّ في الطفولة هي الأساس لبناء الشخصية: ففي مرحلة الطفولة يوضع أساس بناء شخصية الفرد، وأنَّ السلوك السوي والسلوك المرضي "غير السوي" يرجع في معظم الأحوال للطفولة: - فالأشخاص الراشدين زائدي الوزن: ترجع البداية لديهم إلى عادات الأكل الخاطئة التي تعلمها الفرد في طفولته. - والحماية الزائدة في تربية الطفل في الأسرة إبَّان طفولته المبكرة تنمِّي الشخصية الاعتمادية في الكبر, وعدم القدرة على الاعتماد على النفس. - والدور الذي يلعبه الطفل في الأسرة وفي جماعة الأقران سوف تؤدي إلى تحديد ما إذا كان الطفل سوف تنمو لديه سمات القيادة أو التبعية في تفاعله مع الجماعات المختلفة. - وخبرات الطفولة غير السليمة تحجب الطفل وتمنعه من التزوّد بالمهارات الكافية والملائمة لمواجهة بيئته والتعامل معها بكفاءة، وينتج عن ذلك شعوره بعدم الكفاءة في مواجهة متطلِّبات المجتمع. - وأكدت كثير من الدراسات: أن أعراض الانسحاب، والخجل وأحلام اليقظة، والعزلة الاجتماعية، والاغتراب، الفصام والمشكلات السلوكية الحادة, أو اضطرابات الشخصة, نادرًا ما تظهر فجأة في المراهقة أو الرشد، وإنما تكمن أصولها في مظاهر سوء التوافق في سنوات الطفولة المبكرة.

- وهكذا يتضح أهمية التنشئة الاجتماعية التي تبدأ منذ الميلاد, ويكتسب الفرد عن طريقها السلوكيات والمعايير والاتجاهات والأدوار الاجتماعية التي تمكنه من التوافق الاجتماعي, ويندمج في الحياة الاجتماعية, ويستدخل ثقافة المجتمع لتصبح جزءًا من تكوين شخصية في الرشد. "عبد الرحمن سليمان: 1997، 241-243". 16- يكتسب الطفل أدواره من خلال عملية نموه: فالطفل لا يولد مزودًا بذخيرة من الأدوار التي يقوم بها في حياته، ولكنه يكتسب الأدوار المختلفة من خلال عملية نموه وتربيته وتطبيعه الاجتماعي, مما يساعده على أن يحدِّد نفسه ودوره ككائن حيّ مزوَّد عن غيره من الأفراد. - وأوَّل الأدوار التي يتعلَّمها أو يكتسبها دوره كطفل, ويتحدد هذا الدور بيولوجيًّا وثقافيًّا بالطريقة التي يتربَّى بها الطفل, وبالتفاعلات مع الآخرين, واستجاباتهم لمظهره وسلوكه. - ويتعلّم دوره الجنسي: طبقًا للطريقة التي يتربَّى الطفل عليها طبقًا لجنسه أو نوعه, بأن يسلك الولد كولد، والبنت كبنت, ويطلق على هذه العملية عملية التنميط الجنسي sexual typing أو الهوية الجنسية sexual identity، ويقوم بأوجه النشاط المرتبطة بجنسه طبقًا لما هو سائد في ثقافته التي ينشأ فيها. من ذلك ما هو شائع من السيطرة، والتمكن من الرياضة والتحصيل، والميل إلى التنافس والاستقلال لدى البنين، والميل إلى الاتكالية، والسلبية، والوقار الاجتماعي، والدقة والنظام لدى البنات. - بالإضافة لذلك يكتسب الطفل من المحيط الاجتماعي وثقافة المجتمع أدوارًا مختلفة من خلال القيم والمعتقدات الملائمة لطبقته الاجتماعية، ويتعرَّف على الضوابط السلوكية المختلفة, ويشمل ذلك الأوقات التي يروِّح فيها عن نفسه, والأماكن التي يروّح فيها، والأعمال التي عليه أن يقوم بها لخدمة أسرته, والحجرات والأدوات التي يسمح له باستخدامها، وارتداء الملابس بطريقة مناسبة، وأوقات الاستذكار والدروس المطلوبة، وأن يخضع للضبط الاقتصادي، ومفاهيمه عن الصواب والخطأ ... إلخ. "كونجر وآخرون: 1981، 495".

مطالب النمو

مطالب النمو: أشار هافيجهرست havighurst "1953" إلى أنَّ مطالب النمو تُعَدُّ من أهم المفاهيم في علم نفس النمو التي تكشف عن المستويات الضرورية التي تحدِّد كل خطوة من خطوات نمو الفرد من الميلاد حتى نهاية العمر, وبذلك تصلح هذه المطالب لتوقيت العمليات التعليمية والتدريبية المختلفة, وترتيبها في وحدات متعاقبة. وتبيّن هذه المطالب مدى تحقيق الفرد لحاجاته وإشباعه لرغباته وفقًا لمستويات نضجه وتطور خبراته التي تتناسب مع سنه، ولذا يظهر كل مطلب من مطالب النمو في المرحلة التي تناسبه من مراحل نمو الفرد. وتحقيق المطلب يؤدي إلى سعادة الفرد، كما يؤدي إلى تحقيق المطالب الأخرى التالية التي تظهر في نفس مرحلة النمو أو في المراحل التالية لها، وفشل الفرد في تحقيق هذا المطلب يؤدي إلى صعوبة تحقيق المطالب الأخرى التالية له. وتظهر بعض مطالب النموّ كنتيجة للنمو العضوي؛ مثل: تعلُّم المشي في سنٍّ معين من حياة الطفل، وبعض هذه المطالب ينتج عن الآثار والضغوط الثقافية للمجتمع القائم, مثل: تعلم القراءة والكتابة، وبعضها ينتج من القيم التي يعيش بها الفرد، ومن مستوى الطموح الذي يهدف إليه, مثل: اختيار المهنة المناسبة والاستعداد لمزاولتها. وفيما يلي نتاول أهم مطالب النمو وفقًا لما قرره هافيجهرست:

أ- مطالب النمو في مرحلتي المهد والطفولة المبكرة "من الميلاد حتى السادسة": 1- تعلُّم المشي، وتناول الأطعمة الصلبة، والكلام، والتحكُّم في عمليتي التبوّل والتبرّز، والوصول إلى مستوى الاتزان العضوي الفسيولوجي. 2- تعلم الفروق بين الجنسين وتكوين مدركات ومفاهيم بسيطة عن الطبيعة والواقع الاجتماعي، والارتباط عاطفيًّا بالوالدين والخوة والآخرين. 3- بدء تعلم التفرقة بين الصواب والخطأ، والخير والشر، وتكوين الضمير. ب- مطالب النمو في مرحلة الطفولة المتوسطة والمتأخرة "6-12 سنة": 1- تعلم المهارات الجسمية الضرورية لممارسة الألعاب المختلفة، وغيرها من أشكال النشاط العادية. 2- بناء اتجاهات مفيدة نحو الذات ككائن حي ينمو، وتعلّم القيام بدور ملائم يتعلّق بجنسه ذكري أو أنثوي. 3- تعلُّم الانخراط في علاقات اجتماعية مع الزملاء، وتكوين صدقات، وممارسة الأخذ والعطاء معهم، وتكوين المفاهيم والمدركات الخاصة بالحياة اليومية، وتنمية الاتجاهات نحو الجماعة والمؤسسات الاجتماعية. 4- تنمية المهارات الأساسية في القراءة والكتابة والحساب. ج- مطالب النمو في مرحلة المراهقة "12-20": 1- يتقبّل الفرد التغيرات التي تحدث نتيجة لنموه الجسمي. 2- الاستقلال العاطفي عن الوالدين والكبار، ونموّ الشعور بالكيان الذاتي.

3- تكوين علاقات جيدة ناضجة مع الرفاق من كلا الجنسين. 4- نمو الشعور بالمسئولية وممارسة السلوك الاجتماعي المرغوب، وتنمية المفاهيم العقلية والمهارات اللازمة للانخراط في الحياة المدنية كمواطن صالح، وتكوين نظام ناضج من القيم والمثُل العليا التي تؤهله لممارسة أدوار اجتماعية بناءة. 5- تحقيق الاستقلال الاقتصادي، وتنمية التهيؤ المهني المتعلّق باختيار مهنة أو عمل معين. 6- التهيؤ للزواج والحياة الأسرية. د- مطالب النمو في مرحلة الرشد المبكر "21-40": 1- بدء العمل في المهنة التي اختارها الفرد نفسه والاندماج فيها. 2- اختيار الزوج أو الزوجة، وتكوين الأسرة وتربية الأبناء وإدارة البيت. 3- الانخراط في علاقات اجتماعية متطورة، وتحمُّل المسئولية الوطنية, واكتشاف الجماعات البشرية التي تتفق وشخصيته والمشاركة في نشاطها. 4- تحقيق الاتزان الانفعالي والاستقرار النفسي. 5- تحقيق مزيد من النضج العقلي والمعرفي, وتكوين نظرة بنَّاءة إلى الحياة. هـ- مطالب النمو في مرحلة وسط العمر "40-60 سنة": 1- تكوين مستوى اقتصادي صحيح والمحافظة عليه، والوصول إلى التحمّل الكامل للمسئولية الوطنية والاجتماعية. 2-تعميق العلاقات القائمة بين الزوجين على أساس من التفاهم الصحيح والألفة الأصلية، إلى جانب مساعدة الأبناء المراهقين للتغلُّب على أزمات النمو حتى يصلوا إلى المستوى الصحيح للرشد.. وفوق ذلك: تقبل الآباء والشيوخ ومعاملتهم معاملة طيبة، والتكيف لأسلوب الحياة المناسبة لهم. 3- تقبل التغيرات الجسمية التي تحدث في هذه المرحلة من العمر, والتكيف لها, مع تكوين وتنمية الهوايات المناسبة لهذه المرحلة من الحياة. و مطالب النمو في الشيخوخة "من 60 وما بعدها": 1- التكيف للضعف الجسمي والمتاعب الصحية المصاحبة لهذه المرحلة. 2- التكيف للإحالة على المعاش ونقص الدخل الشهري. 3- التكيف لموت الزوج أو الزوجة، ورحيل الرفاق أو الأقران، والتكيف لحياة الوحدة بعد زواج الأبناء. 4- تنمية وتعميق العلاقات الاجتماعية القائمة بين الأقران, وتهيئة الجو المناسب للحياة الصالحة لهذا السن.

أهمية دراسة النمو

أهمية دراسة النمو: إن سيكولوجية النموّ ينبغي أن يخاطب بها كل من يقومون بالتربية, وإذا كانت كل الكتب المؤلفة في علم النفس التربوي تدرس عادة في كليات ومعاهد التربية، أكثر مما تدرس في كليات الجامعة الأكاديمية، فإن دراسة سيكولوجية النمو أوسع مخاطبة لغير المشتغلين بالتعليم المدرسي، أي: إنها ينبغي أن يخاطب بها أيضًا: الأب، الأم، والقابلة، والمربية، وطبيب الأطفال، ومركز رعاية الطفل، والأخصائي الاجتماعي والنفسي لتلاميذ المدارس ومؤسسات الأحداث والملاجئ، ودور تربية الصغار، ونوادي رعاية الشباب. فنصف المجتمع أفرادًا وجماعات -يقومون بالتربية- في صورة أو أخرى، سواء بالأبوّة، أو التعليم أو القيادة، أو التوجيه، أو الإرشاد، أو العلاج.. وهؤلاء جميعًا ينبغي لهم الاهتمام بمعرفة سيكلولوجية النمو لكي يقيمون عليها التربية الناجحة. - فالتربية لا تبدأ بالمدرسة, بل هناك السن قبل المدرسي pre - schoolage التي فيها تقع التربية على عاتق الأبوين, أو الإخوة الكبار، أو الأهل، أو الأقارب، في حالة انعدام أحدهما, أي التربية المنزلية. - ثم هناك التعليم التلقائي غير الموجَّه الذي يكتسبه الطفل أو التلميذ في نوادي الصبيان، وجماعات اللعب والنشاط بمختلف الهيئات الاجتماعية, وعلى قادتها

أن يكون لديهم معرفة بحقائق النموّ في كل سن؛ لكي تنمو شخصياتهم التربوية في جانبيها العلمي والعملي. - وحتى التعلّم المدرسي: إذا كان يعني النمو التعليمي أو التقدُّم الدراسي, فإنَّ هذا التقدُّم الدراسي ينصَبُّ على كل تغيُّر بالتقدم في المواد المدرسية، ومع ذلك: فإن المدرسة تُعْنَى أيضًا بالصحة، والشخصية، والاتجاهات العقلية، والنظام العام، والعلاقات الاجتماعية للتلاميذ. "كمال دسوقي: 1979، 17-18". ومن هنا يتضح أن النموَّ ينصرف إلى التقدّم الذي تحققه التربية في جميع المجالات, لذلك: تكمن أهمية دراسة النمو فيما يلي: أولًا: من الناحية النظرية: فإنَّ التعرُّف على مبادئ النمو له أهمية بالغة لأسباب عدة: 1- تساعدنا دراسة النمو على معرفة ما الذي نتوقَّعه من الطفل ومتى نتوقعه: وإذا لم يتوفر هذا الشرط في تنشئة الأطفال، لكنَّا أكثر ميلًا إلى أن نتوقع من الطفل مستويات من السلوك عالية جدًّا أو منخفضة للغاية في مرحلة عمرية معينة، وكلا هذين النمطين من مستويات التوقع السلوكي ينطوي على آثار بالغة الخطورة في رعاية وتربية وتوجيه الأطفال؛ ففي حالة توقع مستويات أعلى من السلوك بالنسبة للطِّفل: فمن المحتمل أن تنمو في الطفل مشاعر عدم الكفاءة أو عدم الأهلية؛ لأنه لا يستطيع أن يصل إلى المعايير التي ارتآها له والداه ومعلموه. وفي حالة توقع أنماط سلوكية أقل من المستوى الذي وصله الطفل, يؤدي ذلك إلى خفض حالة الدافعية في الطفل، وبالتالي ينجز بمستوى أقل من قدراته الحقيقية. 2- إن المعرفة بمبادئ وقوانين النمو توفِّر للكبار والقائمين على تربية ورعاية وتوجيه الطفل، المعرفة اللازمة بمتى يمكن استثارة النمو ومتى لا نستثيره.. وهذه المعرفة تهيئ الأساس اللازم للتخطيط للتنشيط البيئي الذي ينبغي تقديمه للطفل، والتوقيت الصحيح لتنشيط واستثارة النمو.

3- إن الوعي بالنمط النمائي السوي يجعل في ميسور الوالدين والمعلمين وغيرهم من العاملين مع الأطفال أن يسعوا إلى تهيئة الطفل مقدمًا للتغيرات التي سوف تحدث في جوانب النمو المختلفة: الجسمية، والعقلية، والسلوكية، والمهارية، والميول, وغير ذلك, فالطفل الذي نقوم بتهيئته لما نتوقعه منه حينما يدخل المدرسة -على سبيل المثال- يأتي بتوافقات أفضل مع المدرسة، ويكون أكثر سعادة بالمدرسة من الطفل الذي لم يهيأ لمثل هذه الانتقالية الجذرية في حياته بصفة عامة. 4- تساعدنا دراسة النمو على تحديد معايير معينة لما يمكن أن نتوقعه في كل مرحلة نمائية, وهذا يوفر لدينا أعمارًا عدة للطفل مثل: مقاييس عمر الطول، مقاييس عمر الوزن، مقاييس عمر التسنين، مقاييس العمر العقلي، مقاييس عمر القراءة. ويتفق الأطفال في معايير هذه المقاييس بالرغم مما قد يوجد بينهم من تباينات طفيفة، ويساعد ذلك في اكتشاف أيّ انحراف أو اضطراب أو شذوذ في سلوك الفرد، ويتيح معرفة أسباب هذا الانحراف وتحديد طريقة علاجه. "طلعت منصور، عادل الأشول: 1976". 5- دراسة النمو تزيد من معرفتنا للطبيعة الإنسانية ولعلاقة الإنسان بالبيئة التي يعيش فيها، ومعرفة مراحل النمو بمختلف مظاهره، والقدرات والعمليات العقلية، وشروط عملية التعلّم، ومسار النمو السوي وما قد يعتريه من اضطراب يتعيِّن علاجه.. وغير ذلك مما يسهم في فهم الطفل, فنستطيع أن نتبين ما هو عادي ومع هو غير عادي في نمو الطفل، وما إذا كان الطفل يتقدَّم ويتحسَّن، وهل هو متوسِّط أو دون المتوسّط, أم متفوق في هذه الناحية أو تلك. كما تساعدنا دراسة النمو وخصائصه في معرفة العوامل الوراثية والبيولوجية والاجتماعية والبيئية التي تؤثر في النمو الجسمي والعقلي, وفي الصحة النفسية والتكيُّف الاجتماعي، مما يلقي الضوء على كثير من مشكلات الأطفال وأساليب الرعاية التي تقدّم للأعمار المختلفة.

ثانيًا: من الناحية التطبيقية تفيد دراسة النمو النفسي في كل مراحله كلًّا من المعلمين، والأباء، والعاملين بدور الحضانة ورياض الأطفال، والأخصائيين النفسيين والاجتماعيين، والمجتمع بصفة عامة.. يتضح ذلك فيما يلي: أ- بالنسبة للمعلمين: تتضح أهمية دراسة النموّ للمعلمين في عدة مجالات منها: - الوقوف على استعدادات المتعلّم: فالتخطيط التربوي للتلميذ الفرد، والجماعة ككل، يتطلّب المعرفة بالأهبة والاستعداد readiness لدى التلميذ, ويرى كرونباخ cronpach أن النموَّ يتوقف على الاستعداد، ويعرِّفه: "بأنه مجموع خصائص الطفل أو التلميذ في الموقف التربوي التي تجعله أكثر احتمالًا لِأَنْ يستجيب على هذا النحو دون ذاك الآخر". وهذه الخصائص تفسِّر لنا سهولة أو سرعة تقبُّل بعض التلاميذ لما يلقن لهم من معلومات, وعجز أو تخلف البعض الآخر عن الاستجابة أو التحصيل. - كذلك: فإن دراسة النمو تساعد المعلِّم على الوقوف على الفروق الفردية بين التلاميذ؛ ففهم المعلم للنمو العقلي، ونمو الذكاء والقدرات الخاصة والاستعدادات والتفكير، والتذكر والتخيل، والقدرة على التحصيل لكل تلميذ، يؤدي به إلى الوصول إلى أفضل طرق التدريس؛ فيستطع الأخذ بيد التلميذ الضعيف، ويشجِّع المتفوق، ويخص هذا الثالث المتخلِّف بمنهج معيِّن, وقد يعزله عن بقية الفرقة.. إلخ. وما ذلك إلّا لأنَّ التلاميذ أمامه يتفاوتون في مختلف مجالات نموهم واستعداداتهم، تفاوتًا يمكن معه القول بعدم جدوى الدلالة الإحصائية لمختلف المتوسطات التي يحصل عليها. "كمال دسوقي: 1979، 13-15". ب- بالنسبة للآباء: تساعد دراسة النمو الوالدين على معرفة خصائص الأطفال والمراهقين, مما يعينهم وينير لهم الطريق في عملية التنشئة الاجتماعية socislization والتطبيع الاجتماعي لأبنائهم, فيستطيعون التحكُّم في العوامل والمؤثِّرات المختلفة التي تؤثر

في النموِّ بما يحقق التغيُّرات التي تفضلها الأسرة والمجتمع، ويقللوا أو يوقفوا التغيرات غير المفضَّلة. كما تُعِينُ الآباء على تفهُّم مراحل النمو والانتقال من مرحلة إلى أخرى من مراحل النمو, فلا يعتبرون الأطفال راشدين صغارًا, ولا يعتبرون المراهقين أطفالًا.. وهكذا يعرفون أنَّ لكل مرحلة من مراحل النمو خصائصها المميزة؛ حيث تنمو شخصية الفرد بمظاهرها المختلفة الجسمية والعقلية والانفعالية الاجتماعية. ومن ناحية ثالثة: فإن معرفة الوالدين للفروق الفردية الشاسعة في معدَّلات النموِّ تتيح لهم الفرصة في ألَّا يكلفوا الطفل إلّا ما في وسعه، ولا يتوقعون منه فوق ما يستطيع، ولا يحملونه ما لا طاقة له به، ويكافئانه على مقدار جهده الذي يبذله، وليس على مقدار قدراته الفطرية. ج- بالنسبة للعاملين بدور الحضانة ورياض الأطفال: فإنَّ فهمهم لخصائص نمو الأطفال في المرحلة العمرية للأطفال الملتحقين بها تساعدهم في طرق بناء هذه الدور، وتخطيط ملاعبها وأنشطتها، بما يتناسب مع احتياجات الطفل في كل سن، فترعى نضجهم وحاجاتهم, وما بينهم من فروق، وتنير لهم الطريق فيما يقدِّمونه للأطفال من موادّ معرفية ودراسية تلائم وأنشطة وألعاب حاجات الأطفال واستعداداتهم ومستوى نضجهم. د- بالنسبة للإخصائيين الاجتماعيين: فإن دراسة مبادئ النمو تعين على فهم المشكلات الاجتماعية وثيقة الصلة بتكوين ونموِّ الشخصية, والعوامل المحددة له, مثل: مشكلات الضعف العقلي، والتأخُّر الدراسي، وجناح الأحداث والانحرافات.. إلخ، والعمل على الوقاية منها وعلاج ما يظهر منها, كما تساعدهم على عمليات ضبط سلوك الفرد وتقويمه في الحاضر, بهدف تحقيق أفضل مستوى ممكن من التوافق النفسي والتربوي والاجتماعي والمهني بما يحقق صحته النفسية في الحاضر والمستقبل كمواطن صالح.

هـ- بالنسبة لعلماء النفس: - تساعد الأخصائيين النفسيين في جهودهم لمساعدة الأطفال والمراهقين والراشدين والمسنِّين، خاصة في مجال علم النفس العلاجي, والتوجيه والإرشاد النفسي والتربوي. - تعين دراسة قوانين ومبادئ النمو وتحديد معاييره في اكتشاف أيّ انحراف أو شذوذ في سلوك الفرد، وتتيح معرفة أسباب هذا الانحراف وتحديد طرق علاجه. و بالنسبة للمجتمع: تفيد دراسة النمو في فهم الفرد ونموه, وتطور مظاهر هذا النمو في المراحل المختلفة في تحديد أحسن الشروط الوراثية والبيئية الممكنة التي تؤدي إلى أحسن نموٍّ ممكن، وحتى لا يخطئ في تفسيره تحقيق لخير الفرد وتقدّم المجتمع, بالإضافة إلى تنمية الاستعدادات, وإثراء البيئة لزيادة الكفاية الإنتاجية.

النمو بين الوراثة والبيئة

النمو بين الوراثة والبيئة مدخل ... النمو بين الوراثة والبيئة: مقدمة: جاء وقت كان فيه علماء النفس بصفة عامَّة يعتقدون أن نفس مبادئ الوراثة تحكم كلًّا من السمات الجسمية والعقلية, وقد ركَّز بعض العلماء مثل: تشارلز داروين charles darwin، وكارل بيرسون karl pearson اهتمامهم على العلاقة بين الصفات الجسمية الموروثة والسلوك المترتِّب عليها. وكان ظهور السلوكية سببًا في استبعاد الافتراض بأنَّ السلوك يورث كما تورث السمات الجسمية، وافترضوا أنَّ السلوك يتحدد فقط بالتأثيرات البيئية ويخضع لقوانين التعلم, ومن هنا ثار جدل كبير واتسعت الهوة بين علم الأحياء وعلم النفس، ونتيجة لذلك: فقد واجه علماء السلوك النواحي الوراثية، وتأثَّر علم نفس النمو بصفة خاصَّة بالتقدم الهائل الذي تحقق حديثًا في علم الوراثة؛ لأنه يتضمَّن دراسة الاستعداد البيولوجي، والتأثيرات البيئية، والتفاعل فيما بين كلا المتغيرين. ولقد اجتذب الأساس البيولوجي للسلوك في الفترة الأخيرة اهتمامًا كبيرًا بسبب ظهور آراء نظرية تنص على أن بعض أنماط السلوك مثل: "اللغة" ما هي إلّا نتيجة حتمية للتكوين الجسمي للكائنات البشرية التي تتفاعل مع ثقافة لغوية معينة, ويقدم هذا الفصل مناقشة عن المبادئ الأساسية للوراثة والتطور، مع الاهتمام بصفة خاصة بآثار الوراثة والتطور على فهم النمو الإنساني، وتأثيرها على النمو النفسي للأطفال بصفة خاصة، ثم نركِّز على البيئة المحيطة بالفرد وتأثيرها على النمو الإنساني، والتفاعل الحادث بين العوامل الوراثية والبيئية في تشكيل الكيان البشري.

نشأة السلوك ونموه

نشأة السلوك ونموه: تشمل دراسة النمو الإنساني كلًّا من: - النمو الفردي ontogeny. - النمو التطوري للنوع البشري phylogeny. والأول: هو دراسة تغيُّر سلوك الفرد على مرِّ الزمن. والثاني: هو دراسة التغيُّرات السلوكية التي تحدث في شعوب النوع الإنساني speces على مر الزمن. ودراسة التغيرات السلوكية في الأفراد تشمل فترات زمنية قصيرة "عمر الفرد"، في حين أنَّ التغيرات التي تحدث في النوع البشري "الشعوب" تفهم بفترات طويلة, تشمل عادة أجيالًا عديدة, والتغيرات السلوكية في الأفراد تعكس التفالع بين الأفراد وبيئتهم، ومن الملاحظة الدقيقة للتغيرات السلوكية وضع العلماء مبادئ النمو التي تنطبق على كل أفراد النوع البشري أو الإنساني، والأحداث البيئية التي تتسبَّب في تعديل السلوك behavior modifilation, ومن الملاحظ أن بعض الأنماط السلوكية قلَّما تتأثَّر بتغيرات البيئة مثل أنماط السلوك الحركي مثلًا، في حين أن أنماط أخرى من السلوك تعكس بوضوح التنوّع الثقافي مثل الاتجاهات السياسية. ودراسة التغيرات السلوكية في النوع البشري لها طابع تطوري، وتؤدي إلى أنماط سلوكية يمكنها التكيف بالبيئة, مثال ذلك: أن الأطفال حديثي الولادة يظهرون انعكاسات عديدة؛ مثل: الانعكاس الكفي palmar reflex، ومن المحتمل أن يكون لها دلالة تطورية, فهؤلاء الأطفال يطبقون أصابهم حول شيء ما عندما يحدث هذا الشيء إثارة في سطح كف اليد، ولهذه الظاهرة دلالتها؛ لأنها لا تتضمَّن عملية القبض بالإبهام والسبابة، أي: أن الإبهام "وهو الذي لا تستخدمه سوى الكائنات البشرية" لا يشترك في سلوك القبض لدى الأطفال بعد ولادتهم بفترة قصيرة، وهم يتوقَّفون عن الاستجابة الانعكاسية للمثير على كف اليد، ويبدأ ظهور عملية القبض بالإبهام والسبابة, ومع أنه لا يمكن اعتبار الإدراك perception تقدمًا تطوريًّا سابق التحديد، إلّا أنه مع ذلك يكون مشتركًا بمهارات على مستوى عالٍ "تعلُّم اللغة مثلًا".. إن الدلالة التطورية المحدَّدة لعملية القبض بالإبهام والسبابة لا يمكن استنتاجها إلى من أنواع السلوك التي تجعلها ممكنة, كما أنَّ الأطفال حديثي الولادة يؤدون حركات سباحة انعكاسية reflexive swimming movements "حركات اليدين إلى الأمام والخلف" سرعان ما تختفي، يحتمل أن يكون هذا الانعكاس سلوكًا مترسبًا فقد دلالته التكيفية منذ وقت بعيد. ويجب أن نلاحظ أن كلًّا من النمو الفردي، والنمو التطوري للنوع البشري يتضمَّن أنماطًا من السلوك قابلة للتكيُّف مع البيئة في حدود إمكانيات الأنواع والأفراد, وسوف نعرض فيما يلي للآليات الوراثية الأساسية في الأفراد، ثم مبادئ التطور التي تحكم التغير في الفرد والنمو التطوري للنوع البشري.

الآليات الوراثية الأساسية

الآليات الوراثية الأساسية: لقد استعار علم الأحياء لفظ الوراثة heredity ليدلَّ به على الميراث أو الإرث heir الذي هو ما ينتقل من الموروث إلى الوارث من ممتلكات؛ حيث الوراثة البيولوجية تلقى وتسلم ما يولد المرء مزودًا به للحياة من والديه، إلى أن يستطيع التعلُّم والاكتساب؛ فالوراثة بيولوجيًّا هي نقل السمات traits من جيل إلى جيل عن طريق عملية التناسل. ولقد تفرَّع من علم الوراثة البيولوجي "الذي يبين انتقال التراكيب الجسمية" علم وراثة السلوك behavior genetics، والعلم الذي هو وظيفة الأعضاء حسيًّا، وحركية، واستعدادًا، وذكاء في المخ والجهاز العصبي, وما يتَّصل بهما من أعضاء, كما يتحدَّث علماء الاجتماع عن الوراثة الثقافية أو الحضارية للنظام الاجتماعي الذي يولَد فيه الفرد فيسر على مقتضاه، والتراث التاريخي الذي يتلقاه. "دسوقي: 1976، 271-272". وفيما يلي توضيح لأهمِّ الآليات الأساسية للوراثة: أ- آليات التزواج: ولنبدأ بآليات التزواج البيولوجية في التناسل التي هي أساس الوراثة المستقبلة؛ حيث يحدث الحمل نتيجة التقاء واتحاد خليتي جنسي متخصصتين عندما تخترق خلية منوية sperm cell البويضة olive - egg cell الأنثوية، وباتِّحاد الخليتين تنشأ خلية واحد جديدة أصغر في حجمها من رأس الدبوس تُسَمَّى بالخلية الملقَّحة أو المخصبة zygote - fertilized cell, هي تحتوي على المادة التكوينية اللازمة لنمو التركيب العضوي, أي: إنها تتكَّون من نواة، يحيط بها السيتوبلازم داخل الأغشية الخارجية، وفي داخل النواة توجَد مقدَّرات الوراثة genes التي هي تنظيمات من موادِّ كيميائية مركَّبة على الخيوط النووية التي تسمَّى بالصبغيات أو الكروموسومات.

- الجينات: هي مكونات أو مقدَّرات الوراثة determiners وهي المسئولة عن توريث لون العين أو الشعر، نسيج الشعر، شكل الأنف، طول القامة، لون الجلد.. إنها تنقل السمات الوراثية لوجود ما يتراوح بين العشر إلى المئات في الكروموسوم الواحد، ولبلوغ ما يحمل الفرد منها إلى ما لا يقل عن 12.000 زوجًا، ويفترض وجود الجينات كمورثات، هي أكياس كيماويات مبثوثة على الصبغات لضرورة تمايز مناطق مختلفة تورّث كلّ منها إحدى السمات السابقة, وتغيّر فاعلية الجينات في السيتوبلازم شكل وخصائص الخلايا، فيتفاعل الجينات مع ظروف البيئة الداخلية تغيّر الخلايا شكلها الأصلي ليتكوّن الكثير من آليات الاستجابة "عضلات، عظام، أعصاب ... إلخ. عن طريق الانقسام الخلوي, كما أنَّ كل جينة بارتباطها مع غيرها تحدث ما لا حصر له من الخصائص. "دسوقي: 1976، 272-273".

- أما الكروموسومات: فهي حاملات هذه الموروثات "الجينات" داخل نواة الخلية, ويتميِّز الإنسان بأن نواة خليته تحلّ 23 زوجًا من الكروموسومات، ومهما انقسمت الخلية لتكون خلية جديدة، فلا بُدَّ أن يظل العدد ثابتًا.. وحين يمتد الحيوان المنوي للأب ببويضة الأم، فلا بُدَّ للخلية شكل "13" كروموسومات الخلية الذكرية والخلية الأنثوية. المخصَّبة أو اللاقحة أن تتكوَّن منها مناصفة reduction division، ولا تزيد صبغات "كروموسومات" نواتها عن 23 زوجًا، وإن كانت تستقبل 46 زوجًا, معنى ذلك أن تكون الخلية الملقَّحة سيكون نصفها من ناحية الأب والنصف من الأم، فباتِّحاد الحيوان المنوي والبويضة يحدث في اللاقحة تزواج نوعي لكروموسومات الوالدين اللذين لكلٍّ منهما خصائصه الوراثية بدوره من والديه. وهكذا, وعن عملية إعادة تشكيل أزواج الصبغيات على هذا النمو ينشأ ما لا حصر له من اتحاد الجينات "شكل: 12، 13". فإذا فرضنا أن زوج صبغيات "كروموسومات" الأب هو "ب ب"، زوج كروموسومات الأم هو "م م"، والتنصيف والاختزال

reduction, halving لتكوين الخلية المخصَّبة يأخذ واحدة من كل زوج دون أن يأخذهما معًا. والصدفة وحدها هي التي تحدد أيّ فرد أو طرف من كل زوج هو الذي سينضمّ لكل فرد من الزوج المقابل، ففي أحد التكوينات تلتقي "ب م"، وفي الآخر "بَ م"، وفي ثالث "ب مَ" وفي رابع "بَ مَ" انظر شكل "14". وليس اختلاف هؤلاء الأشقاء الأربعة إلّا في انقسام وتزاوج أوّل زوج من الكروموسومات, فإذا تقدَّمنا خطوة أخرى وفرضنا أنَّه يوجد في مني الأب الزوجان "ب بَ، أأَ" وفي بويضة الأم الوجان " م مَ، ل لَ"، يكون لدينا ست عشرة إمكانية للتباين والاختلاف.. وبحساب الاحتمالات في تزواج أحد طرفي الثلاثة والعشرين زوجًا الأبوية بما يقابله من نفس العدد في نواة بويضة الأم، ترتفع احتمالات التباين هذه إلى ما يقرب من 216 و777 و16 إمكانية صدفة في الازدواج فحسب، هذا هو ما يحدث في التقاء بويضة أنثى بحيوان منوي واحد من الأب, ولكن إذا علمنا أن الذكر يفرز للقاح ما يقرب من 17 مليون حيوان منوي في المتوسط، وما نسميه إجمالات بويضة الأنثى يحتوي على نفس العدد من الخلايا القابلة للإخصاب، من هنا يبلغ عدد الاحتمالات الناشئة عن اتحاد بويضة وحيوان منوي معينين حوالي 300 تريليون"أي 300 مليون مليون احتمالًا. "كمال دسوقي: 1976، 271". ب- قوانين الوراثة: ليست احتمالات صدفة التزواج بين الصبغيات، وقبل ذلك صدفة التقاء أيّ حيوان منوي بأية بويضة خلوية ليتمَّ بينهما الإخصاب، فبعد ذلك تعمل قوانين الوراثة عملها, تلك القوانين التي كشفت عنها تجارب جريجور مندل منذ أكثر من مائة وخمسين عامًا, ومنها: 1- قانون السيادة والتنحِّي dominance & recessive: حيث قام مندل بتهجين crossing نباتات طويلة بأخرى قزمية، فاقترنت جينة النبات الطويل "T" بجينة النبات القزم "t"، وقد لاحظ مندل أنه عند تهجينه نباتات طويلة لا تنتج سوى نباتات طويلة، بنباتات قزمية لا تنتج سوى نباتات قزمية, كان الناتج من التهجين كله نباتات طويلة، فكانت السمة الأبوية التي لوحظت في السلالة البنوية الأولى هي سمة الطول التي افترض في ذلك الوقت أنها سائدة

على سمة القزمية التي سميت متنحية. فالتسلط هو انتقال بعض السمات دون تبدل من جيل إلى جيل، أو كون السمة تبدو أكثر شيوعًا وظهورًا من غيرها, وفي الإنسان يسود القصر على الطول، وتسود استدارة الرأس وينتحى الطول، ويسود اللون العسلي للعينين على اللون الأزرق والرمادي، ويسود الأخضر على الأزرق, ويسود قصر النظر وطوله والاستجماتيزم "ضعف التبأور" على النظر العادي. إلخ. "شكل: 15". 2- خصائص الوحدة المستقلة أو الطباع المنفصلة unit characters: وتعني أن سمات الطول والقصر مثلًا في سيادة إحداها, وتنحي الأخرى لا تمتزج ببعضها البعض، وإنما تظل وحدات منفصلة قائمة بذاتها, إلى أن تظهر في تزواجات مستقبلة, فعندما زاوج مندل بين البذور القصيرة المتنحية الناتجة عن تربية الجيل الثاني جاء الخلف كله قصيرًا، وعندما تلقَّحت النبتة الطويلة في نفس الجيل الثاني لم يستمر في الطول أكثر من ثلث الخلف، وهذا هو مبدأ انعزال الجينات segregation of genes, بمعنى: انعزال وحدة طباع كلٍّ من الوالدين بنسبة ثابتة في خلايا الخلف من غير أن يكون لها تأثير في بعضها البعض. ولنتذكر أن التكوين الجيني يتكوّن من أزواج، وأن إحدى الجينات هي السائدة, وفي هذا المثال البسيط نجج أن النبات الطويل قد يتكون من الأزواج "TT"،

أو "Tt" في حين أن النبات القزم لا يتكون إلّا من الزوج المتنحي "t t"، وفي حالتي "tt TT" كانت الصفات العضوية الملحوظة للسلالة "طويلة أو قزمية" تتناسب والتكوين الجيني, ويسمَّى بالصفات العرقية, أي: إنه في الزوج "TT" كان النبات لا يبدو طويلًا فحسب، ولكنه يشتمل أيضًا على كلا الجينين للطول، وفي حالة واحدة نجد أن السلالة طويلة, ولكنها تحتوي على الجينة المتنحية "Tt". والنباتات ذات الأزواج "TT"، "tt" تسمَّى متماثلة اللقاحات "عناصر مشتركة"، ولكن النباتات "T t" تسمَّى متباينة اللقاحات "عناصر مختلفة". ويجب أن نلاحظ أن مندل قد قام بإجراء تجاربه في ظروف بيئية متحكّم فيها تمامًا، ومهما يكن من أمر فلو أننا زرعنا نبات TT في الرمل، ومجموعة أخرى tt في التربة الخصبة, فإن النبات TT السابق قد يظهر أنه نبات tt. إن تجارب مندل قد أظهرت أن الجينات تحدد التكوينات العضوية، وأن الأزواج من الجينات هي المسئولة عن الصفات الجسمية، وأنَّ إحدى الجينات سائدة على قرينتها، وأنَّ في حالة تباين اللقاحات، تكون الجينة السائدة ظاهرة جسميًّا. وقد

قدَّم مندل إسهامات أخرى كانت لها أهمية بالغة في فهم تنوع الشعوب, ومن ذلك حقيقة أن التغيّرات تطورية قد حدثت في الأنواع، وأنه باستثناء التَّوَائِم المتطابقة، لا يوجد فردان لهما نفس التكوينات الجينية, وقد حدد ذلك في: شكل "17" تخطيط توارث صفة سائدة للصفة المريضة z عند خلفه والدين أحدهما سوي والآخر مصاب. - قانون التمييز: الذي يحكم انفصال أزواج الجينات لتتكون خلايا جنسية. وهكذا فإن الجينة السائدة أو الجينة المتنحية تكون موجودة في خلية جنسية معنية "خلية منوية أو بويضة", ثم لاحظ أن فصل هذه الأزواج المختلفة من الجينات يحدث عشوائيًّا, وبسبب الانفصال العشوائي فلن يكون من المحتمل ألَّا تشترك أي جينة موروثة اشتراكًا ثابتًا مع صفة موروثة أخرى, ومن خلال هذه العمليات فإن توافقات التكوينات الجينية يعتبر لا نهائيًّا. - وثَمَّةَ قاعدة أخرى تعمل مع الكائنات البشرية لتغيير التعبير الجسمي للجينات, وتعرف هذه العملية باسم التلقيح الخلطي, وهو يحدث أثناء الانقسام الاختزالي, وعملية الخلط تشمل زوجًا من الكروموسومات يحتمل أن يتراكبا.

وفي اللحظة التي تنفصل فيها الكروموسومات، قد يحدث تبادل في الجينات، ومعنى ذلك: أن الصفة الوراثية: "الجينية" للكروموسومات قد تغيرت فعلًا. ج- الصفات المتَّصلة بالجنس: لاحظنا فيما سبق أن كل خلية من خلايا الجسم تتكوّن من 23 زوجًا من الكروموسومات المتشابهة, والواقع أن هذا البيان صحيح بالنسبة لـ"22" زوجًا فقط، أما الزوج الـ"23" فهو كروموسومات الجنس sex chromosoms، وتختلف في الذكور عنها في الإناث؛ فالأنثى لها زوج من الكروموسومات "س س" أو "x x", وللذكر زوج الكروموسومات " س، ص" أو "x y", ولما كان الذكر يحمل كلًّا من الكروموسومات س، ص, فإن الأب هو الذي يقرر جنس المولود. أي أنه إذا كان الحيوان المنوي الناجح في اختراق البويضة يحتوي على كروموسوم "س" فإن الوليد يكون أنثى "فالبويضة لا تحتوي إلّا على كروموسوم "س"، في حين أنه إذا احتوى على الكروموسوم "ص" فإن الوليد يكون ذكرًا، شكل "18".

وتلعب كروموسومات الجنس دورًا هامًّا آخر في تحديد الصفات الموروثة للذكور والإناث، إن زوج الكوموسومات التي تحدد الجنس تحتوي أيضًا على جينات أخرى, ولما كانت المادة الكروموسومية للذكور تختلف عنها في الإناث، فإن التكوين الجيني الأساسي يكون مختلفًا، وبالتالي أيضًا الصفات الناتجة. والعملية ببساطة يمكن تلخيصها كما يلي: 1- الكروموسوم "س" أكبر من الكروموسوم "ص"، ويحتوي على عدد أكبر من الجينات. 2- الذكور لديهم كروموسوم "س" واحد فقط، ولذلك فليس لديهم كروموسوم ثانٍ ذو نشاط مضاد "جينة واحدة تحدد الصفة, وليس زوجان من الجينات". 3- في الذكور جينة معينة توجد على الكروموسوم "س"، وليس على الكروموسوم "ص" هي التي تحدد صفات النسل. 4- تختلف العملية بالنسبة للإناث؛ لأن كل خلية جنسية تحمل كروموسومات "س"، وبالتالي جينات مزدوجة، والجينة المتنحية يجب أن تحدث على كلا الكروموسومين لكي تحدث الصفة: شكل "19". هذا والصفات المرتبطة بالجنس مثل: عمي الألوان، الهيموفيليا "انعدام تجلط الدم"، المهق "الشقرة" albino، الصلع, ونوع ما من سوء التغذية؛ حيث تتضمَّن جينات متنحية تؤدي إلى هذه المظاهر الجسمية السلبية, ونظرًا لأنَّ العمى اللوني والصلع والهيموفيليا أكثر ظهورًا في الرجال وندرة عند النساء، فإنه يفترض ارتباطها بمورثات الجنس, فإذ اتَّحد كروموسوم "س" يحمل أحد هذه الأمراض مع كروموسوم "ص", فسوف يظهر المرض في الخلف الذكر، أمَّا إذا اتحد نفس الكروموسوم "س" الحامل للمرض مع "س" أخرى، الميل إلى الصحة الموجود في س السليمة يلغي المرض, وتولد الأنثى ليس لديها المرض المرتبط بالجنس، والاستثناء غير العادي هو الذي يتمخَّض عنه النادر من حالات المرض في النساء أن ترث الأنثى من خيلتين "س" كلتيهما حاملة للمرض.

د- الشواذ الكروموسومية: إن الدليل المباشر لتأثيرات الوراثة على السلوك ينبثق من الشواذ الكروموسومية, وفي بعض هذه الشواذ مثل أعراض dawn "البله" مثلًا, نستطيع الاستدلال على فساد الوظيفة الوراثية، وأيضًا من الشواذ الوراثية التي لاقت اهتمامًا كبيرًا في السنوات الأخيرة أعراض الفينيل كيتونيوريا "pku" phenyl ketonuria؛ حيث أنَّ التعرف المبكر عليها يساعد على نجاح العلاج, ومن الشواذ الوراثية الأخرى التي أمكن التعرف عليها وتفسيرها أعراض تيرنر turnerK، وأعراض كلينفلتر kleinfelter، وأعراض الـ س ص ص. وتمثل حالات عرض دوان dawn's syndrpme, أو الحالات المعروفة بالمنغولية حوالي 10% من حالات التخلف العقلي "المتوسط الشديد"، أو واحد لكل 700 حالة من حالات المواليد الأحياء، ويتميِّز أصحابها بسمات بدنية الجنس المغولي، وترجع إلى وجود كروموسوم زائد في أحد كروموسومات الجنس "غالبًا الزوج رقم 21"، فتصبح عدد الكروموزمات في الخلية المخصبة 47 بدلًا من 46 كروموسومًا.. "شكل: 21", وقد وجد أن نسبة الإصابة تزداد بزيادة عمر الأم، كما وجد أن الكروموسومات غير الطبيعية تستحدث بالإشعاع. "فاروق صادق: 1976، 75، محروس الشناوي: 1997، 86، 90".

والأفراد المصابين بالفينيل كيتونوريا "p. k. u "phenylketonuria يعجزون عن توليد إنزيم الكبد الذي يحوّل الفينيل آلانين، وهو حامض أميني، إلى حامض أميني آخر هو الثيروزين, ومثل هذه العملية الأيضية تؤثر على الكبد، وبذلك يؤثر حامض الفينليروفيك على الجهاز العصبي المركزي, ويسبب تلف الخلايا مما يؤدي إلى تخلُّف عقلي. "شكل: 22".

والـpku ينتقل بواسطة جينة جسمية متنحية واحدة، وهو يحدث في حوالي 6 من كل 10.000 ولادة، ولا يفرق بين الجنسين؛ وحيث أن الجينة المعتلَّة متنحية، فلا بُدَّ من وجودها في كل من الأم والأب, ولحسن الحظ فقد أصبح من الممكن حاليًا التعرف على الـPKU في وقت مبكر, وتخفيف آثاره المدمرة عن طريق نظام غذائي يقل فيه الفينيل آلانين، كما يمكن التعرّف على حاملي الجينة المتنحية. وتتضمَّن الطريقة إعطاء الأفراد المشتبه فيهم كمية زائدة من الفينيل آلانين الذي يهضمه هؤلاء الأفراد بسرعة أقل مما يهضمه بها الأفراد العاديون, وهكذا: فإن التقدم في فهم العمليات الوراثية سوف يساعد الوالدين على اتخاذ قرارات على ضوء المزيد من المعلومات فيما يختص بخطورة

إنجاب أطفال. إن الانتقال الوراثي الـP.K.U في الأطفال من والدين متتامي اللقاحات "الزيجوت" حاملين للجينات المتنحية الـPKU " هي الجينة السائدة, P هي الجينة المتنحية".. شكل "24". طفلة تعاني تخلف عقلي ناتج عن الفنيل كيتونيوريا - كذلك فإن شواذ الكروموسومات الجنسية تحدث نتيجة عجز هذه الكروموسومات عن الانقسام بالطريقة الطبيعية, من ذلك: أ- الحالة المعروفة بأعراض كلينفلتر kleinfelter: وهي تحدث بسبب عدم حدوث انفصال الجينات في أثناء الانقسام الاختزالي المبدئي، فإن خلية منوية يمكن أن تشتمل على كلا الكروموسومات "س"، "ص" أو لا تشتمل على أي كروموسومات جنسية, وبذلك فإن إخصاب بويضة طبيعية بواسطة خلية منوية "س"، "ص" ينتج زيجوت مع كروموسوم "س" زيادة أي: "س س ص". ب- كذلك فإن الخلية المنوية عندما تعجز عن إنتاج كروموسومات جنسية، فإن الزيجوت الناتج يولد أنثى لها كروموسوم "س" واحد, وكروموسوم "س", وتسمى هذه الحالة بأعراض تيرنر turner وكلًّا من هاتين الحالتين الشاذتين تؤديان إلى نمو جنسي غير كامل، وإلى درجة من التخلف العقلي, وفي حالة أعراض turner يبدو أن الوظيفة العقلية التي تتضمَّنت العلاقات المكانية أكثر تأثرًا من الأداء الشفوي.

ج- وهناك شاذة ثالثة ترجع إلى كروموسومات جنسية، وتحدث عندما تلقح خلية منوية "ص ص" بويضة طبيعية مولدة لذكر "س ص ص", وأكثر مظاهر هذه الحالة وضوحًا هو الطول؛ إذ أن الذكور "س ص ص" يبلغ طولهم عادة أكثر من 180سم, وهم قياسًا دون المتوسط من الناحية العقلية, وقد افترض أخيرًا أن الذكر "س ص ص" أكثر ميلًا للعدوانية وارتكاب الجرائم, ومع أنَّ البرهان على هذا الافتراض بعيد عن القطعيِّة، فإن الأفراد الذين لديهم أيّ حالة شاذّة ترجع إلى الكروموسومات الجنسية يحتمل كثيرًا أن يواجهوا صعوبات نفسية "money & shrhardt, 1972".

مبادئ التطور وعلاقتها بالنمو: principles of evaluation

مبادئ التطور وعلاقتها بالنمو: principles of evaluation سبق أن أوضحنا أن دراسة النمو الإنساني تشتمل على النمو الفردي ontogeny, وهو دراسة التغيُّر في الفرد، والنمو التطوري للنوع phylogency, وهو دراسة نشأة الأنواع وتغيراتها, أي: تطورها. ومن أهم مبادئ التطور هو حدوث تغيرات الطفرة mutation تلقائيًّا وتكرارها في الجينات، وهي تغيُّرات لا تكون دائمًا مدمِّرة أو غير تكيفية, ومن الواضح أنَّه عندما تكون هذه التغيُّرات مدمِّرة فإن التركيب العضوي "النوع" يموت، ويعجز التكوين البيولوجي عن الظهور. ومع حدوث طفرة تكيفية هامشية فإن التركيب العضوي المتأثِّر لا يحتمل له البقاء هو الآخر؛ لأنه لا يستطيع التكيُّف مع متطلبات البيئة, ولا يحتمل أن ينجب، وأحيانًا يموت, وأحيانًا تحدث طفرة ليست مدمرة بيولوجيًّا ولا تعجز عن التكيف البيئي environmental adaptation, وإذا افترضنا أن المتغير بالطفرة يستطيع الإنجاب "ليس كل المتغيرين قادرين على الإنجاب"، فإن تركيبًا عضويًّا معدلًا سوف يولد وقد ينمو, والمتغير الذي يعيش قد يكون أو لا يكون متفوقًا أو أكثر تقدمًا عن المعدَّل السكاني للنوع. وتتميِّز عملية التطور بظاهرة هامَّة هي أن فرز مجموعات الكروموسومات الفردية يكون عشوائيًّا.. والتنوع العشوائي يؤدي إلى زيادة التنوع في الأنواع، وبذلك يوفر تكيفًا أكبر في نطاق من الضغوط البيئية أكثر اتساعًا.. وهذا يدفعنا إلى مناقشة هذه المفاهيم المرتبطة بالنموِّ الإنساني والمؤثرة فيه, ومنها ما يلي: 1- التكيف adaptation: بخلاف الوظائف البيولوجية الواضحة، فإن من أهم مبادئ التطور قدرة التركيب العضوي "النوع" على التكيّف مع متطلبات البيئة, وقد سبق أن رأينا أن بيولوجية التوالد هي في حد ذاتها ظاهرة تكيفية، مثال ذلك: أن ازدواج الجينات المدمِّرة، والذي يفترض أنه حدث عشوائيٌّ يجعل بقاء النسل مستحيلًا, فمفهوم التكيف يجمع بين مكونات التطور الوارثية والسلوكية، وربط المكونات الوراثية والسلوكية بالنظرية يعرف باسم: "النظرية التركيبية".

وطبقًا لما قرره كل من سمبسون، ورو simpson & roe "1958" فإنهما يريدان أن: "من مظاهر النظرية التركيبية، والتي لها دلالتها هنا، هي أنها تفيد بأنَّ السلوك عنصر مركزي، وهي لا تقتصر على تحديد الطريق نحو تفسيرات تطورية وتاريخية للأنماط السلوكية القائمة، بل تتضمَّن السلوك كعامل من العوامل التي تولّد وترشد التطور.. إن بعض مراحل الانتخاب، كما في الزيجوت، والجنين، ليست سلوكية مباشرة، في حين أن ظواهر التربية ورعاية الصغار, والبقاء المترتِّب على ذلك تعتبر ظواهر سلوكية واضحة، وهي عناصر حاسمة في عملية الانتخاب". وهذا النص يدل على أن التكوين الوراثي وما يتبعه من سلوك ومتطلبات البيئة وكلها مترابطة، إن تغييرًا في أحد المكونات يحفِّز على التغيُّر في كل المكونات الأخرى. إنَّ الضغوط النوعية أو الوراثية داخل الأنواع التي لا تستطيع التكيُّف بتغيرات البيئة يجري استبعادها وتندثر, مع أنَّ هذ العمليات يسهل استعراضها بين الأنواع الأدنى من الإنسان، إلّا أن الأمثلة العديدة التي تظهر بين الكائنات البشرية تجعل المفاهيم هامة في دراسة النمو الإنساني. 2- التزاوج الانتقائي selective mating: إن التطور أكثر ما يكون عملية عشوائية تولد قدرًا كبيرًا من التغيّر الوراثي، ولكن التطور لا يجري بالضرورة في اتجاه يضمن سلالة محسنة, ومع ذلك: فإنه من المعقول أن نقول: إنه على مَرِّ أزمان لا نهائية ظهر نتاج متفوق هو الإنسان, وتفسير تكوّن نتاج متفوق يجب أن ننظر إلى ما هو أبعد من العشوائية, والتزواج يعتبر من مظاهر التطور التي لا يتمّ انتقاؤها عشوائيًّا. وقد أظهرت البحوث أن التزاوج اللا عشوائي يحدث في داخل النوع البشري. إن التكوينات الوراثية للوالدين أكثر ما تكون ترابطًا، الأمر الذي يقلل من مدى إمكانية التغير. والتزواج الانتقائي لا ينجح إلّا بقدر بقاء البيئة ثابتة ولو نسبيًّا. معنى ذلك: أن بعض الأفراد سوف يضارّون في هذه الظروف، ويمكن اعتبارهم ضمانًا وقائيًّا في حالة تغيّر البيئة بطرق تتلاءم مع تراثهم, وفي أحسن

الأحوال يمكننا أن نزعم بأن المجتمع يجب أن يبذل جهده في سبيل بقاء بيئات منوَّعة يمكن فيها لكافة القدرات الوراثية أن تعمل بنجاح, وفي عملية التزاوج الانتقائي، أو الانتقاء الطبيعي يعمل عاملان: اللياقة البيولوجية للوالدين، وعامل أكثر اتجاهًا اجتماعيًّا هو الجاذبية الجنسية، وهذا المتغير الأخير يرتبط بالدخل، والتعليم، والمهنة، والأمومة، وعدد آخر من المتغيرات البيئية والوراثية, حتى إنه يصبح من الصعب جدًّا التفرقة بينها. 3- الطفرة mulation: يقوم التزاوج الانتقائي بتخفيض التغيُّر الوراثي، وبالتالي تكيف النوع, وليس تكيف النوع البشري, ولحسن الحظ فإن عملية ثابتة هي الطفرة تقوم بإنتاج نسل مختلف وتعوض آثار التزواج الانتقائي. ويقول وليم ج. ماير william j. maeyer "1979": "إننا لا نفهم جيدًا الأسباب الطبيعية للطَّفرة، ولكننا نعرف أن الأشعة السينية، وهي شكل من أشكال الإشعاع والتطرف في درجات الحرارة تزيد من احتمال حدوث الطفرة ... ". وبعض مسببات الطفرة تتجلَّى في بعض الحالات المرضية، ولكن يبدو من المحتمل أن النوع الإنساني يضم حالات طفرة أخرى، ولكنها أقل وضوحًا بدرجة كبيرة؛ وحيث إن هذه الطفرات غير ملحوظة، فلا يمكن بعد تحديد مدى ما ستؤدي إليه بالنوع البشري على مدى بضع ملايين السنين القادمة. وبالرغم من أن معظم حالات الطفرة ضارّة بالبقاء، وهي أيضًا متنحية "ولولا ذلك لكان من الضروري أن يظهر قدر كبير من حالات الطفرة" إلّا أنها ليست كلها سلبية، فعندما تتغير متطلبات البيئة، فإن نسبة صغيرة ممن يتعرضون للطفرة يمكن أن يكونوا في وضع تكيفي متفوق؛ وحيث إن نسبة صغيرة فقط من الأفراد قد تكون لديهم الجينات اللازمة للتكيف مع تغير البيئة، فإن الأمر قد يتطلب وقتًا طويلًا لكي تصبح الطفرة جزءًا من السكان الطبيعيين. وفي الظروف التي يشتد فيها التغيُّر البيئي، نجد أن البقاء الانتقائي يساعد على احتمال نجاح الطفرة في التوالد, كما أن التغيُّر البيئي الشديد يستغرق وقتًا

طويلًا، ولذلك فإن التكوينات الوراثية للباقين على قيد الحياة تصبح قابلة للتكيف تدريجيًّا. 4- السلوك غير المتعلّم: إن نظرية التطور مستمدة من مبادئ الانتقال الوراثي، وتفترض أن السلوك التكيفي adaptive behavior مظهر لتكوين وراثي محدَّد يكمن خلفه, وهذ الأنماط السلوكية تكتسب قدرتها على التكيف من خلال التطور، وهي محددة فطريًّا, أي: إنها مبرمجة وراثيًّا وغير متعلمة، والعلماء الذين يدرسون السلوك في صورته الطبيعية ويركزون على مكوناته التي تبدو غير متعلمة, يطلق عليهم علماء أطوار البشر ethnologists مثل تينبرجن tinbergen "1951"، كيو kuo "1972"، هس hess "1970"، لورنز lorenz "1965"، وكثيرون غيرهم.. وقد أسهم هؤلاء بالكثير من تفهمنا لتفاعل المتطلبات البيئية والسلوك الفطري، وأظهروا كيف تعمل المثيرات البيئية كمؤشرات على الاستجابات الفطرية، علاوة على ذلك كيف تكون هذه الاستجابات تكيفية؟ ويقدم علماء الصفات الإنسانية ملاحظاتهم في إطارات طبيعية, وذلك بسبب كثرة المثيرات الموجودة في الطبيعة بالمقارنة بالقليل منها في المعمل، ومن خلال عملية ملاحظة السلوك الجاري دراسته وهي عملية تتسم أحيانًا بالمشقة ... وهم يرون أن الإناس تركيب عضوي بيولوجي، وأن له تاريخًا تطوريًّا, وأن أفراد النوع الإنساني لديهم حصيلة قديمة من الأنماط سلوكية فطرية كانت في وقت ما هي الضمان لبقاء التركيب العضوي، حتى بدون مساعدة التعلُّم الاجتماعي أو العادات الاجتماعية.. وبعض هذ الأمثلة للأنماط السلوكية الفطرية تتضمَّن عناصر من السلوك الجنسي والسلوك العدواني، والاستجابات الاجتماعية الفطرية. إن معرفة هذه الجوانب كجزء من تراثنا لها أهميتها، وذلك لأننا بالنسبة للتاريخ التطوري للإنسان لسنا بعيدين عن الوقت الذي لم تكن توجد فيه تأثيرات ثقافية واسعة الانتشار على السلوك, وبدون أنماطنا السلوكية الراسخة فينا، فإننا كنوع لم تكن لنتمكن من البقاء مليون سنة.

ومن أقدم الموضوعات التي شغلت علماء النفس هي ما إذا كان السلوك الإنساني والسلوك الحيواني غزيزيين أو متعلمين، فالسلوك الغريزي يكون موروثا وليس متعلَّمًا، وذلك من خلال التجربة أو المحاكاة، وقد يكون أبسط أنواع هذا السلوك هو طرف العين استجابة لموقف مثير, والكائنات البشرية تبدي الكثير من مثل هذا الانعكاس الذي يبدو متكيفًا. إن المفهوم القديم للغريزة كقوة داخلية تحددها الجينات، ومستقلة عن المثيرات البيئية "تعلم"، قد غضَّ النظر عنه بدرجة كبيرة بسبب هذه الأنماط السلوكية, ولا يقبل علماء الصفات الإنسانية المعاصرين بعض الآراء القائلة بأن الوراثة تحدد نظامًا جسميًّا سابق البرمجة يتفاعل مع مجموعة كبيرة من المثيرات البيئية, وبعبارة أخرى: فإن البيئة تتفاعل مع الإمكانات الوراثية لإنتاج تنظيم لكل نظام استجابة، وفي الكائنات البشرية نجد أن البيئة لها دور قوي على الإمكانات الوراثية، وبالتالي تلعب دورًا أكثر نشاطًا في تحديد أنماط الفعل. الأمر الذي قد يكون راجعًا إلى زيادة تنوع هذه البيئة بالمقارنة ببقية الحيوانات الأدنى. صفات الاستجابات غير المتعلمة: إن المفتاح لفهم السلوك الفطري هو أن شكله يتجسَّم ويظهر حتَّى ولو أتيحت للتركيب العضوي الفرصة لملاحظة الكثير الذي يظهر السلوك أو يقابله, وأنماط السلوك التي تتفق وهذا المعيار تسمَّى بأنماط الفعل الثابت fixed action patterns، وأنماط السلوك الغريزي ثابتة بقدر ثبات هيئة الأنواع؛ وحيث إن التركيب العضوي لا يستطيع البقاء إذ كان عليه أن يستجيب دون تمييز لكل المثيرات في بيئته, فهو يجب ألّا يستجيب إلّا لعدد منها، فما الذي يحدد أي المثيرات هو الذي يستوجب الفعل الثابت: هل هو التعلُّم أو آلية فطرية؟ إن الجواب طبقًا لآراء علماء الصفات الإنسانية هو أن كلًّا من المثير الفطري والمتعلَّم يمكن أن يولد استجابة معينة ولا يستجيب لكل المثيرات البيئية الممكنة, ومن المعتقد أن هذه الآليات تعمل كمستقبل للمثيرات الرئيسية، وهي بالضرورة متكيفة مع العالم كما هو، وبذلك لا يستجيب إلّا للمثيرات التي لا بُدَّ وأن تتسم بها مواقف بيولوجية معينة.

وللسلوك الفطري ثلاث صفات أخرى هي: العمومية، التتابع، والتكيف المحدد للنوع. ومع أن أنماط السلوك التي اعتبرت عادةً أنها فطرية لها هذه الصفات الثلاثة، إلّا أن هذه المعايير وحدها غير كافية لاستبعاد التعلُّم كفرض تبادلي محتمل, وفيما يلي توضيح لهذه الصفات الثلاث للسلوك الفطري: أ- العمومية universality: تتطلَّب العمومية أن يظهر نمط فعل ثابت في كل أفراد النوع البشري لكي يمكن وصفه بالسلوك الفطري, وقد يحدث أن قليلًا من أفراد النوع لا يظهرون هذا السلوك، وقد يرجع ذلك إلى طفرة ومرض، ومن الصعب التأكيد عمَّا إذا كان بعض التحول في السلوك ناتجًا عن طفرة أو عن التعلم، ولكن يبدو من المعقول أنه إذا ظهر هذا التحول على عدد قليل فقط من أفراد النوع البشري، فمن المحتمل أن يكون السبب راجعًا إلى طفرة. إن العموم كمعيار لا تستبعد احتمال التعلُّم، وحتى لو أن كل أفراد مجموعة ما يظهرون سلوكًا معينًا، فهو مع ذلك قد يكون نتيجة تأثير بيئي عام, وإذا علمنا أن كل أفراد النوع يشتركون في هيئة وتركيب جسمي واحد، وأنهم يشاركون في نفس البيئة العامة، فإننا لن ندهش إذا وجدنا أن كل أفراد النوع يسلكون نفس السلوك في نفس الظروف، ويلاحظ أن مثل هذه النتيجة لن تضر كثيرًا الاعتقاد بالآليات الفطرية، وذلك لأن الطرق التي تستجاب بها المتطلبات الفطرية للتركيب العضوي "مثل الحاجة إلى النوم أو الدفء" يمكن جدًّا أن تكون متعلَّمة. إن التركيبات العضوية يمكن أن تكون لها متطلبات فطرية للبقاء، ولكن السلوك يمكن أن يتخذ العديد من الأشكال لتحقيق هذه المتطلبات للفطرة. ولإيضاح كيف يمكن لاستجابة فطرية ظاهريًّا أن تتأثَّر بالتعلُّم، نختار تجربة استخدمت فيها أفراخ البط، وقام بها إيكارد هس Eckhard hess" 1959", وقد حصلت تجارب أخرى على نفس النتائج باستخدام الكلاب والطيور, وقد خططت تجربة هس لاختبار مثل: أفراخ لإتباع البطة الأم", وقد وصلت بطة كبيرة صناعية بجهاز دوار، وأتيحت لأفراح البط فرصة لمتابعة البطة الصناعية، وكانت سرعة دوران البطة الخداعية وعدد الدورات تسجّل آليًّا، وكان هناك

أجهزة تسجيل تطلق أصوات نداء البط، الذكور والأنثى، ووضعت أفراخ البط في الجهاز في أوقات مختلفة بعد الفقس، تتراوح من 1-4 ساعات، إلى 29-32 ساعة، وقد عرضت كل الأفراخ أولًا لذكر البط الخداعي، ولكن في ظروف التجربة وضعت الأفراخ بين نموذج الذكر الخداعي والأنثى الخداعية التي لا تختلف عن الذكر إلّا في لونها, وقد أخذ "هيس" يلاحظ إلى أيّ النوذجين الخداعيين تتجه الأفراخ؟ وكان يتوقع أن تتجه الأفراخ نحو النموذج الذكر, وكانت الظروف الأربعة التجريبية تمثل نظمًا متدرجًا في الصعوبة: 1- كلا النموذجين ثابتان وصامتان. 2- كلا النموذجين ثابتان ويناديان. 3- الذكر ثابت والأنثى تنادي. 4- الذكر ثابت وصامت, والأنثى تتحرك وتنادي. فإذا استجاب الفرخ للنموذج الذكر في التجارب الأربعة كلها، وحصل على 100% من النقط، ويرى "هيس" أنه تبدو أن هناك سِنًّا حرجة كانت فيه آثار التجربة الأولية أكثر فاعلية "14 ساعة بعد الفقس تقريبًا". والظاهرة التي وصفتها توحي بأن سلوك التتبُّع بالنسبة للأفراخ يتطلب مثيرًا، ويعزز الاعتقاد العام بأن تجارب الطفولة المبكرة لها أهميتها في النمو اللاحق للتركيب العضوي. "شكل: 26".

النسب المئوية للحيوانات في كل محموعة عمرية التي اتبعت في كل محاولة اختبارية. وتبين نتائج تجربة هيس hess "1959" أن أنماط السلوك التي تبدو وكأنَّها غريزية أو غير متعلمة تتوقف في الواقع على مثيرات معينة في فترة الحياة المبكرة للتركيب العضوي, وقد أشار هيس hess إلى هذه الأنماط باعتبارها "شبه غريزية"، ولكن المهم فيها هو أن ظهورها يتوقَّف ليس فقط على أحداث بيئية معينة، ولكن أيضًا على توقيت هذه الأحداث، فإذا طرأت مناسبة بيئية مبكِّرة أو متأخِّرة أكثر من اللازم تضعف قوة المثير، وفي بعض الحالات المتطرفة لا يحدث إطلاقًا, وقد تحدث مناسبة مماثلة للأطفال حديثي الولادة في تكوين الصلات بين الأم والطفل. ب- التتابع sequentially: وهو الآخر كمطلب للسلوك الفطري يثير نفس المشاكل التي سبق وصفها في حالة العمومية, ولنتصور نمو ما كالمشي، ظاهريًّا يشير مثل هذا التتابع

إلى أن السلوك فطري ويتجلى بيولوجيًّا.. وتبين التجربة الفاصلة أن البيئة لا تقوم ببرمجة التعلُّم الذي يتلقَّاه الطفل برمجة تتابعية، وبذلك تبدو وكأنها تتابع مبني داخليًّا.. وسوف نستكشف هذه المسألة بتفصيل أكبر عند مناقشة مفهوم بياجيه للنمو المعرفي الذي يعتمد على افتراض التتابعات العامة، وعند مناقشة مثل هذه التتابعات لن يكون هناك جدل كبير حول التغيرات الكبرى في السلوك, إن طفلًا في السادسة من عمره "لا يحتمل أن يحل المعادلات الجبرية"؛ حيث إن الاختلاف الأكبر هو ترتيب المراحل الجارية في تتابع ثابت. ج- التكيف النوعي للأنواع sepcies - specific asaptiveness: وهو المعيار النهائي للسلوك الفطري, فأنماط السلوك التي توافق هذا المعيار لا تستخدم إلّا في مواجهة المتطلبات البيئية، وهي ضرورية للبقاء, ورغم أن أمثلة لا حصر لها من هذه الظاهرة تبدو في الدراسات الخاصة بالتركيبات العضوية التي دون الإنسان، فإن مجموعة من الأبحاث التي أجراها فريدمان freedman "1961، 1964" قد دلَّت على أنَّ الاستجابة الأولية لابتسام الوليد هي "أ" عامة، "ب" لها تكيف شاذ؛ لأنها تحمي الطفل من الأذى. وكما هو الحال في معيار العمومية والتتابعية، فإن التكيف الشاذ يحتاج لِأَنْ تكون كل الفرص للتعلُّم محكومة، وهو شرط لا يبدو تحقيقه محتملًا عن طريق ابتسامة الطفل ... وفي الحيوانات التي تظهر تتابعًا سلوكيًّا شديد التعقيد، ولا يحتمل أن تتعلم في فترة قصيرة، توفر التكيفية الشاذة أقوى الحالات الثلاثة من المعايير التي ناقشناها، وذلك لوجود أنماط سلوكية غير متعلمة. وبصفة عامة: فإنه من الأسهل مع الحيوانات مما هو مع الإنسان أن تقدم أمثلة لسلوك يناسب معيار النظرية, وإن السلوك غير المتعلم بين أفراد الإنسان لا يعتبر حاسمًا؛ لأنه من الصعب جدًّا خلق مواقف تجريبية تحرم التركيب العضوية من فرص التعلّم، ولأن الإنسان أكثر استجابة للتغيرات مع متطلبات البيئة. وبالنسبة للصعوبات في تحديد ما إذا كان السلوك فطريًّا وغير متعلم، لنا أن نتسائل ما إذا كان أي سلوك يوافق المعيار، وهناك العديد من التجارب التي أجراها عديد من العلماء حول السلوك الفطري والسلوك المتعلّم, ومن التجارب

التقليدية التي أجراها كارميكل carmichael "1926" فقد استخدم سلمندر مغموسة تمامًا في محلول يحتوي على الكلوريتون الذي يشل التركيب العضوي تمامًا دون أن يؤثر على النمو العضلي العصبي، وقد غمس السلمندر في المحلول قبل موعد حدوث الحركات الجسمية في مرحلة نموها، ثم رفعها من المحلول في الوقت الذي كان المفروض أن تبدأ فيه السباحة في حالتها الطبيعية، ثم وضعت مجموعة ضابطة من الأجنَّة في ماء عادي وربيت في ظروف تقرب من الظروف الطبيعية، وعندما بدأت المجموعة الضابطة في السباحة، رفعت السلمندر من محلول الكلوريتون ووضعت في ماء عادي، ثم أثيرت بقضيب كهربي، وفي خلال 30 دقيقة تقريبًا أظهرت ردود فعل طبيعية للسباحة, وتفسير هذه التجربة أنَّ الاستجابة للسباحة لا يمكن أن تكون قد تَمَّ تعلمها، ولكنها كانت تعتمد على عمليات نمو فطرية، وأما السبب الذي جعل التركيب العضوي يستغرق 30 دقيقة ليبدأ في السباحة هو أن مفعول الكلوريتون استغرق 30 دقيقة ليزول. وقد كرر "كاميلك" التجربة مستخدمًا مجموعات ضابطة مناسبة لاختبار تأثير الكلوريتون وتوصَّل إلى دليل قاطع على أن الثلاثين دقيقة كانت راجعة فعلًا إلى زوال تأثير الكلوريتون. وهناك تجربة تقليدية قام بها كروز cruze "1935" على الكتاكيت لبيان أن سلوك النقر عند الكتاكيت فطري, وقد أجريت دراسات عديدة على صغار الكتاكيت لتظهر: هل القدرة على النقر السريع الدقيق تظهر عند الكتاكيت منذ فقسها حتى لو ربيت في الظلام؟ وقد قام كروز بتربية الكتاكيت في الظلام، وأطعمها بوضع كريات صغيرة من الغذاء في فمها، وسقاها الماء بقطارة.. إلخ. وأظهرت النتائج أن الكتاكيت آليات جسمية فطرية للنقر، ولكنها تحتاج لتمرين قبل أن تصل لمستوى عال من الكفاءة. "شكل: 27". وعلى هذا فإن مؤدَّى نتائج التجارب يوضح أن السلوك ما هو إلّا جزء من مخزون التركيب العضوي, أما حدوث الفترات الحرجة critical period في النمو فهو محل جدل, ومن الصعب وجود دليل قاطع لتعزيز هذه الفكرة, ومهما يكن من أمر، فإن الذين يحبذونها، يرون أن الفترة الزمنية التي يجب أن تحدث فيها

الخبرات الحاسمة لظهور تأثيرات مثيرة على الاستعداد الفطري للاستجابة، هذه الفترة لدى الإنسان أكبر منها لدى التركيبات العضوية دون الإنسان. إن دراسات أنماط الفعل الثابت مثلها مثل دراسات النضج الجسمي، تضع الأساس لفطرية بعض أنماط السلوك, وسنحاول تحليل مضمون عدد قليل من هذه التجارب, ولعل من أهم الدراسات التي أجراها تينبرجن tinbergen وهو من أبرز الباحثين في هذا المجال، دراسة تبحث في توالد سمكة "أبو شوكة".. وتمثل هذه الدراسة معالجة أخلاقية من حيث إن ملاحظات السلوك قد أجريت في إطار طبيعي.. وهذه الأبحاث ضرورية لكي نحدد قطعًا ما إذا كانت المثيرات الإشارية متعلمة أو فطرية, فالقدر الهائل من الأبحاث التي من هذا النوع تبين بما لا يدع مجالًا للشك أن آليات فطرية داخلية تتفاعل مع المثيرات البيئية بطرق فريدة بالنسبة للأنواع, وفي تقديرنا أن ذلك مفهوم بالغ الأهمية لدراسة النمو الإنساني.

تكوين السلوك الإنساني

تكوين السلوك الإنساني مدخل ... تكوين السلوك الإنساني: قبل أن ننظر إلى المعطيات العلمية الخاصة بالوارثة لمختلف أنماط السلوك الإنساني، سنقوم أولًا باستكشاف بعض المفاهيم الأساسية لأدوار الوراثة والبيئة المتعلقة بها. إن هذه المفاهيم غاية في البساطة، وإن كانت عادة تلقى إهمالًا أو سوء فهم.. فهناك مثلًا موقفًا متطرفًا يقول بأن كل الأطفال حديثي الولادة لديهم أصلًا نفس الإمكانيات التكوينية "اللوح الأملس أو الصفحة البيضاء tabula rasa" وعلى الأقل فيما يختص بالمتغيرات التي ستؤثر على الوظيفة المعرفية، ولا يعزز هذا الرأي من الدلالة للصفات التكوينية سوى القليل، بل هو يعزو معظم الفروق في السلوك الإنساني لعوامل بيئية. إن أصحاب النظريات القائلة بذلك لا يدعون غياب كل المحددات التكوينية، ذلك لأنه ما من أحد يستطيع القول جديًّا أن الكائنات البشرية مخلوقات غير بيولوجية، وهم يفترضون أن كل التكوينات اللازمة للنمو الطبيعي موجودة في الوليد، ولا تنتظر سوى المثير المناسب والتمرين لإظهار هذه التكوينات, وإذا لم تظهر هذه الأنماط السلوكية فتفسير ذلك يكون هو "البيئة غير الملائمة"، وهو افتراض دائري. إن التغير في السلوك هو حاصل السمات الوراثية والتغيرات البيئية, والنموذج الإضافي البحت غير معقول؛ لأنه يوحي بأن السلوك يمكن أن يتغير وإن كان أي من طرفي الإضافة يمكن أن يكون صفرًا.. ومما يتناسق منطقيًّا مع النموذج الإضافي أن السلوك يمكن أن يتغير بدون أي مساهمة بيئية, وبالعكس بدون أي أساس سلوكي وراثي, وثمة رأي أكثر قبولًا، ويشار إليه عادة باسم "رأي التفاعل": الوراثة × البيئة = التغير السلوكي. وطبقًا لهذا الرأي: إذا كانت قيمة أي طرف في الحد الأيمن للمعادلة صفرًا, فإن نتيجة المعادلة أنه لا يوجد سلوك، وبالتالي لا يوجد تغير, ولذلك فإن الوضع الأكثر معقولية للسلوك الإنساني هو كيفية تفاعل الوراثة مع البيئة, وقد أدى هذا الاتجاه العام إلى النجاح في علاج السوابق التكوينية للتخلف العقلي, وبعض الأعراض المرضية الأخرى. وفيما يلي نعرض توارث السلوك الإنساني، دون البيئة في تشكيل النمو الإنساني:

توارث السلوك الإنساني: the heritability of human behavior

توارث السلوك الإنساني: the heritability of human behavior مدخل ... 1- توارث السلوك الإنساني: the heritability of human behavior إن البحث الذي يهدف تبيان عملية التفاعل على المستوى الإنساني في المواقف الطبيعية، قد ثبت أنه صعب التصميم للغاية، وفي الفترة الأخيرة قدَّم سكار وويبنبرج scarr & weinberg "1976" تقريرًا عن دراسة في هذا الموضوع، لكي تختبر "عملية التفاعل", فوجد أن التكوين الوراثي أو البيئي يجب أن يتشكَّل، والتشكيل التكويني قد خلق طفرات وإجراء اختبارات للتأثيرات في مختلف البيئات "وقد تَمَّ هذا مع الحيوانات". وثمة استراتيجية لتقيم تفاعل الوراثة والبيئة تتضمَّن حرمان التركيب العضوي, مثال ذلك: نفترض أن شمبانزي عادي يكتسب كفاءة إداكية إذا وفَّرنا له مستوى معينًا من الإثارة البيئية، وبذلك نحرم الحيوان من كل مثير داخلي له علاقة بالشكل أو المثيرات البيئية, وكما هو الحال بالنسبة للتشكيل التكويني, فإن استراتيجية الحرمان قد استخدمت مع الحيوانات، ولكن لا يمكن استخدامها مع الإنسان. والنمو الانفعالي مظهر آخر من النمو الإنساني يبدو أن له سوابق تكوينية قوية، كما أنَّ النمو الإدراكي والمعرفي يتضمَّنان أيضًا استعدادًا تكوينيًّا مسبقًا، ومن جوانب النمو والسلوك الإنسانيين التي لاقت وراثيتها اهتمامًا كبيرًا من العلماء نذكر: الذكاء، والشخصية، وسوف نتعرض لهما بعد استعراض طرق تحديد الوراثية.

طرق تحديد الوراثية: methods of determining heritability

طرق تحديد الوراثية: methods of determining heritability يرى وليم ماير willam mayer "1979" "أننا قبل أن نتفهَّم تمامًا البحث الخاص بتوارث السلوك، يجب أن نفحص بعض الطرق المستخدمة لتقدير الدرجة التي يتحدَّد بها تكوينيًّا السلوك أو نمط السلوك. وكل طريقة تعاني إلى حَدٍّ ما من نفس الخطأ الأساسي، وبالتحديد عدم القدرة على مواجهة التغيرات في البيئة.." ولذلك -وربما باستثناء واحد- يستطيع الذين يؤيدون رأيًا بيئيًّا أن ينتقدوا دائمًا هذا البحث على أساس أن العموميات في البيئة هي مرجع المعطيات العلمية بنفس السهولة كالعموميات المفترضة في التركيب التكويني, وللرد على هذا الانتقاد نحتاج للدليل في المستوى الإنساني، على أن الفروق الشديدة في البيئة لا تنتج

فروقًا ذات بال في أداء الأفراد الذين تربط بينهم علاقة بيولوجية، كما في حالة التوائم المتطابقة، ولسوء الحظ من الناحية العلمية أن مثل هذه الحالات، وهي توجد فعلًا، لا تحدث عشوائيًّا حى إنه في الظروف المثالية تبرز لنا بعض الصعوبات في تفسيرها, ومن طرق تحديد الوراثية: 1- توزيع السكان population distribution: من طرق المعالجة الموضوعية الواضحة في دراسة التأثيرات التكوينية إجراء اختبار على عينات من الناس من مجموعتين محددتين أو أكثر من السكان, وتجرى مقارنة الخصائص الأدائية للمجموعتين على أساس المتوسطان ومقدار التغير, والمفهوم الذي تبنى عليه هذه المعالجة هو أن المجموعات من الناس التي يمكن تمييزها تأتي من تجمُّعات جينية مختلفة، أي: إن المجموعات المحدَّدة تختلف في معدل حدوث بعض الجينات، وتنتشر مثل هذه التجمعات الجينية بين الأشخاص

الذين يعيشون في مناطق تتميز بدرجة عالية من الثبات البيئي والاجتماعي كالمناطق الريفية, والذين يعيشون في بيئات منعزلة مغلقة يتميزون بمعدل مرتفع من الزواج الداخلي، فإذا فحصنا لدى أفراد هذه المناطق بعض البيانات من قبيل معدَّل الزواج بين أقارب الدم, أو بحث الأنساب, وربطناها ببعض الخصائص السلوكية في تكوين الشخصية لأمكن لنا إثبات أثر بيئة الوراثة ومنهج الأنساب, ونزيد من فائدته المحدودة شكل "28". وأكثر الأمثلة وضوحًا لهذا البحث هو عن الفروق السلوكية بين الأجناس، وإن كان هيرسك hirsck "1963" قد أشار بوضوح إلى أن الجينات من أجناس معينة مثلًا قد تكون أو لا تكون موزَّعة توزيعًا اعتداليًّا، غير أن هناك افترضًا بأن هذا التوزيع يكون اعتداليًّا في مجموعة سكان عندما لا تسجّل سوى الفروق بين المتوسطات, والدليل على افترض وجود توزيع اعتدالي ليس كبيرًا، ولذلك فإن المقارنات الإحصائية التي تستند كلية على الفروق بين المتوسطات تكون غير ملائمة تمامًا, وعلى نفس المستوى من الأهمية أنه يجري أيّ بحث من هذا القبيل يعالج عينات إجمالي السكان من مجموعة مميزة من الناس, ولكن معظم الأبحاث في هذا المجال قد استخدمت عينات قومية مأخوذة من مناطق فردية محددة جغرافيا "شمال شرق الولايات المتحدة الأمريكة مثلًا", ومن ثَمَّ لا يمكن الحصول إلّا على استدلالات تجريبية حول إجمالي السكان من كلا العنصرين من السكان "السود والبيض"، وتدل معطيات هذه الدراسات على أن أداء عينات البيض أحسن من أداء عينات السود، ومعظم هذه الفروق تحدث في الاختبارات القياسية للذكاء والتحصيل. ومن أشهر الدراسات في هذا الصدد ما قام به بوك book "195" حين قام بدراسة ثلاثة بيئات محلية صغيرة كاملة من البشر المنعزلين الذين يعيشون فيما وراء الدائرة القطبية بثلاثين ميلًا، فتوصَّل إلى انتشار معدلات من السمات الفصامة والاضطرابات السلوكية من شأنها أن توحي بوجود نوع متوسط من الجينات, كما أجريت دراسة أخرى على مجموعة أخرى من المنعزلين يسمون الهترايت huttertes يقيمون في الولايات المتحدة وكندا، وهم قوم أصحاب نحلة دينية تؤمن بأن الزواج بغير الأقارب خطيئة وإثم كبير، ولذلك فإنَّ أفراد الجماعة كلها أحفاد لعدد من الرجال يبلغ 101 رجلًا فقط، فمنذ ق18 اتضح أن معظم

أفراد هذه الجماعة ينتشر بينهم كثير من الاضطرابات السلوكية والأمراض العقلية, وأكثرها انتشارًا جنون الهوس والاكتئاب. ومرجع ذلك ارتفاع نسبة الزواج الداخلي، والانعزال عن المؤثرات الخارجية, مما يؤيد التغير الوراثي "ريتشارد سوين: 1979". ومن ذلك لا توجد معطيات علمية لاختبار التفسير التكويني، ومهما يكن من أمر فإن قرأنا عن الخبرات التي واجهها السود والمجموعات العرقية الأخرى في أمريكا, فقد نستطيع تصوير قضية مشابهة عن العوامل البيئية باعتبارها الأسباب الرئيسية في متوسط الاختلافات في الأداء. إن المقارنة بين السكان تفترض بيئات متكافئة تقريبًا، وهذه قد يكون وجودها مستحيلًا, وعلينا أن نجد بيئات مقارنة إذا أردنا عزو الاختلافات السلوكية أساسًا إلى نوع السكان وليس للتعلم, ومع ذلك فمن الضروري الحديث عن توزيع السكان بصرف النظر عن قصورها كوسيلة لدراسة التوارث الإنساني, ومع أننا قد نفحص أيًّا من المظاهر العديدة للسلوك مثل: القدرات المعرفية، والقدرات الحركية، وتغيرات الشخصية، فإن الاتجاه العام للنتائج يدل على أن توزيع القدرات بين مجموعات سكانية محددة يغطي الاختلافات بين متوسطات السكان، بل إن تعميمًا واحدًا دقيقًا عن الاختلافات بين المتوسطات يصعب التوصل إليه، ذلك لأن النتائج تتوقف كلية على السمات السلوكية المفحوصة، وسن الأطفال موضوع الدراسة وطرق التقييم. 2- تحليل السلالات pedigree analysis: كما يدل لفظ السلالة، فإن هذه المعالجة لدراسة التكوينات الوراثية تشبه رسم شجرة العائلة، فمن المعلوم أنه في كثير من الأسر الملكية في أوربا يعتبر المزاج النزفي hemophilia "عدم تجلط الدم" من الاحتمالات الوراثية، وحدوث هذا النزيف يمكن التنبؤ به في سلالة معينة بكثير من الدقة، وذلك بتتبع تاريخ أقاربه الذين يتصلون به عن طريق الوراثة, ولعل أحسن ما كتب في هذا المجال يختص بالتخلف العقلي، ويتضمَّن أسرة عرفت باسم أسرة كاليكاك the kallikakes لقد أنجبت امرأة متخلفة عقليًّا طفلًا، وبلغ عدد أفراد السلالة التي انحدرت من الزواج

الأصلي 480 فردًا، والذي حدث أن معدل ذكاء الأطفال كان أقل منه لدى باقي السكان، وكان معدل الاستقرار الفعلي لديهم كبيرًا, كما كثرت بينهم كثير من حالات الضعف العقلي والفساد الخلقي وإدمان الخمر، ثم تزوج رجل من أسرة كاليكاك بامرأة ذات قدرات طبيعية، ومنها تكونت سلالة ثابتة بلغ عدد أفرادها 496 فردًا، كانت هذه المجموعة الأخيرة أكثر تفوقًا من المجموعة الأولى بصفة عامة. ومرة ثانية لا يمكن تحديد السبب في المستوى الأوّل من التخلف، ولأي درجة كانت البيئة وليست الاختلافات الوراثية هي التي أسهمت في ارتفاع معدل الإجرام والتخلف العقلي في الأسرة الأولى بالمقارنة الأسرة الثانية, ومثل ذلك أيضًا ما حدث في أسرة جيوك the jukes التي تألَّفت من خمس شقيقات أنجبن أطفالًا شرعيين وأطفال غير شرعيين, أمكن تتبعهم لسبعة أجيال على الأقل, وقد تَمَّ الالتفات إليهم بصورة رسمية لأول مرة حين تبيِّنَ وجود ستة أفراد من نفس الأسرة في السجن في مقاطعة واحدة من مقاطعات نيويورك في عام 1874، ثم كشفت دراسات الأنساب عن تاريخ 540 شخصًا لهم تاريخ ممتد من المرض والانحلال والجريمة والتسول. وعلى الرغم من أن التقريرين يمثلان نوعًا من البرهان الذي لا يقبل الجدل على قوة الوراثة، ومع ذلك فإن علماء النفس يخامرهم الكثير من الشك في أن السمات من قبيل الانحطاط والتدهور وفساد الخلق تنتقل بالوراثة من السلف إلى الخلف, غير أنه من الدلائل التي تثبت دور الوراثة ما هو مرتبط "بخوريا هنتتكتون" ونقص الذكاء؛ حيث قام سيجوجرين sjogren "1953" بتوثيق شجرة النسب لحالة مريض مصاب بالمرض تبيِّنَ أنه على امتداد خمسة أجيال من الزواج كانت الزوجات صحيحات، غير أنه وجد أن هناك طفلان مصابان في الجيل الأول، وسبعة في الثاني، ثم خمسة عشر في الجيل الثالث "ريتشارد سوين: 1979". وهذا دليل واضح على أهمية عامل الوراثة في هذا الجانب. 3- طريقة التوائم The Twing method: تعتبر طريقةُ التوائم طريقةً أكثر لدراسة محددات الوراثة، وهي الطريقة اللازمة للحصول على معامل الوراثة heritability index "h2" وهذا المعامل يقدر

الدرجة التي ترجع فيها الفروق بين الناس في سمة ما إلى التكوينات الوراثية أو البيئية, وتعتمد هذه الطريقة أساسًا على استخدام التوأمين أحاديَّا الزيجوت "mz" monzygotic twins والتوأمين ثنائيَّا الزيجوت "dz" dizygoic teins. - والتوأمان أحاديَّا الزيجوت يشار إليهما عادة باسم التوأمين المتماثلين أو المتطابقين؛ لأنهما يتكونان من بويضة واحدة وحيوان منوي واحد. - والتوأمان ثنائيَّا الزيجوت "التوأمان المتآخيان" ينشأن من بويضتين من الأم وعادة خليتين منويتين، وهما في الغالب لا يتشابهان أكثر من تشابه الشقيقتين العاديين, والتوأمان ثنائيَّا الزيجوت يحتمل مثلًا أن يكونا من جنسين مختلفين، أو من جنس واحد.. شكل "29".

ومن دراسة التوائم أحادية الزيجوت وثنائية الزيجوت يمكن أن نعرف الإسهام النسبي للتكوينات الوراثية في تشكيل السلوك, والطريقة التي تتضمن أساسًا إجراء اختبارات على السمات المعينة لكل من التوائم الأحادية والثنائية الزيجوت, ويجري التركيز على التغيّر في الأداء لكلٍّ من زوجي التوائم أكثر مما هو على متوسط الأداء, ومن الناحية المنطقية إذا وجد أن سمة سلوكية معينة تتحدد كلية بالتكوينات الوراثية، فإن لنا أن نتوقع اختلافًا أقل في التوأمين أحاديَّا الزيجوت عن التوأمين الأخيرين, وعلى ذلك: فإن الطريقة المتبعة هي المقارنة الإحصائية للتغير الحادث لكلٍّ من نوعي التوائم, ويوضح شكل "30" صورة التوأمين أحاديَّا الزيجوت في أعمار مختلفة, وقد قام كلٌّ من هولزنجر holzinger "1929" وكاتل cattell "1960" وغيرهما بوضع معادلات وراثية تزيد تعقيدًا مع زيادة عدد المكونات البيئية التي أسهمت في التغيير.

وثمة فرض هام في استخدام معامل الوراثة, هو أنَّ العوامل البيئية لكلٍّ من نوعي التوائم متشابهة أساسًا، ومن الناحية العملية الفعلية نجد أن التغير البيئي للتوأمين أحاديّ الزيجوت يكون عادة قليلًا, وثمة حالة مشابهة وإن تكن أكثر دقة يمكن إسنادها للتوأمين ثنائيِّ الزيجوت، ومن المحتمل أن يكون صحيحًا أن والدي التوأمين أحاديِّ الزيجوت يقومان في الواقع بتوحيد الظروف البيئية للتوأمين، ولكن من المحتمل أيضًا أن كثيرًا من الآباء يشجعون على تكوين الكيان المستقل لكل من التوأمين "وهو الإجراء الذي ينصح بها حاليًا"، بل إن الأمر أكثر صعوبة إذا أردنا الدفاع عن افتراض الثبات البيئي للتوأمين ثنائيِّ الزيجوت. ومن الاختلافات الأخرى المحتملة أن التوأمين ثنائي الزيجوت يمكن أن يكونا من جنسين مختلفين، لدرجة أنه إذا تواجد الضغط البيئي التفاضلي، فإن الاختلافات بين التوأمين يمكن تبسيطها, وإذا وجد ترابط بين المكونات الوراثية والبيئية، فإن أدوارهما لا يمكن التفرقة بينهما. وهناك تنوع هام في طريقة التوأمين، وهو يتضمَّن كلا نوعي التوائم عند الولادة أو بعدها بقليل، والقيام بتربيتهما في بيئتين منزليتين مختلفتين, وهذا الإجراء يتضمَّن اختبار كل زوج من التوائم بحثًا عن الاختلافات في درجة التغير المشترك في كل من التوأمين أحاديِّ الزيجوت والتوأمين ثنائيِّ الزيجوت، ويفترض هذا الإجراء أنه في حالة وجود اختلافات بيئية لكل من زوجي التوائم، إذا كانت التكوينات الوراثية تحدد التغير، فإن التوأمين أحاديِّ الزيجوت يظهران تغيرًا أقل فيما بينهما عن التوأمين ثنائيِّ الزيجوت.. وهنا يمكن أن تثار قضية وهي أن الأخصائيين الاجتماعيين يحاولون وضع التوائم في بيئات تقترب شبهًا من ناحية المستوى الثقافي، والمركز الاقتصادي والاجتماعي للوالدين. 4- الشبه بين الطفل والوالدين parent-chilk resemblance: وهي طريقة أخرى لتقييم الأدوار النسبية للطبيعة والتنشئة تتضمَّن الأطفال الذين يتم تبنيهم في سن مبكرة، أو يقوم على تربيتهم حاضنين, والطريقة القياسية

في هذا الصدد هي الحصول على درجات عن السمات السلوكية ذات الأهمية للأم والأب الحقيقيين، والوالدين الحاضنين والطفل, وفي بعض الحالات وجد هونزج honzig "1963، 1975" أن العلاقة المتبادلة بين الطفل والأم الحقيقية، وبين الطفل والأم الحاضنة يجري فحصها على مر الوقت, وهذه الطريقة تتسم بالإثارة؛ لأنها تسمح بإجراء تقييم لحجم العلاقة كدالة على مستوى نمو الطفل، أو كدالة في طول الوقت الذين عاشه الطفل في منزل الحاضنة, والإجراء الأكثر مثالية هو الحصول على علاقة تبادلية بين الطفل والأمه الحقيقية، وبين الطفل والأم الحاضنة في نقطة زمنية واحدة، ويجب أن تكون الأبحاث مع افتراض أن الأطفال قد وضعوا عشوائيًّا في منازل الحضانة، وهذا الافتراض يسمح للباحث بالادعاء بأن أي اختلافات في العلاقة التبادلية مع الوالدين الحقيقيين والطفل، وبين الحاضنين والطفل ترجع إلى اختلافات في البيئة. والافتراض بعشوائية اختيار الحاضنين تتعرَّض عادة لعدم الصدق أو للانتهاك، وغالبًا ما يؤدي ذلك الأمر بالتشبهات البيئية إلى التخفيف من الفروق الوراثية. وهذا الاهتمام بالشكل الإجرائي ذو أهمية؛ إذ إنه من الممكن تبيان أننا عندما نقارن مؤشرات الوراثة من خلال طرق متعددة، فإن الطرق المختلفة تعطي نتائج مختلفة, وسنعرض فيما يلي لأهم الجوانب التي لاقت كثيرًا من البحوث حول تأثير التغيُّر التكويني الوراثي, وهما الذكاء والشخصية.

توارث الصفات الشخصية

توارث الصفات الشخصية: أ- توارث الذكاء heritability of intelligence: أثارت البحوث حول تأثير التغير التكويني الوارثي على الذكاء جدلًا شديدًا، وذلك بسبب الاختلافات الفلسفية بين الذين يعرفون باسم الفطريين nativists أو الطبيعيين "وهم يمثلون التحديد الوراثي"، وأولئك الذين يعرفون باسم "التجريبيين".. empiricists وهم "يمثلون التحديد التجريبي", وقد شاع الجدل بين هاتين المدرستين في علم النفس، وأثَّر على اتجاهات وطرق الأبحاث, ولسوء الحظ يبدو

أن هذا الجدل قد ابتعد عن مجال النقاش العلمي وأصبح موضوعًا للتباري في الجدل الأدبي، وقد حدثت هذه الزيادة في الاستقطاب؛ لأن بعض الباحثين المهتمين بالإسهام النسبي للتكوينات الوراثية والبيئية في زيادة الذكاء قد استخدموا الاختلافات الجنسية العرقية الظاهرة كقياس. ولقد تأثر البعض من غير المتخصصين بكل الدراسات الخاصة بالمحددات الوراثية وكأنها تتعلق مباشرة بالاختلافات الجنسية، عندما تبحث في الاختلافات في إطار جنس ما, وفي اعتقادنا أن استخدام الاختلافات الجنسية كقاعدة لتقدير الوراثية أمر يؤسف له، ذلك لأنَّ نتائج مثل هذه الدراسات غالبًا ما تكون غامضة، وبالتالي يجب ألّا تستخدم بوضع قرارات تحدد السياسة التي تؤثر على أي من الجماعتين. ومن جهة أخرى: فإذا جادلنا في أن الوراثية يجب ألّا تكون موضع بحث لأسباب سياسية، فإن ذلك أيضًا غير لائق. إن كثيرًا من الدراسات عن الوراثية لا تهتم سوى بالجنس "العرق"، ولا تزال تقدم قاعدة تجريبية لتقدير الدرجة التي يمكن أن يعزى فيها السلوك إلى التشكيل البيئي, علاوة على ذلك: فإن مثل هذه الدراسات تقدّم فكرة ما عن الطريقة التي يمكن بها تعزيز مثل هذه التغيرات السلوكية. إن الذكاء تجريد من صنع الإنسان لا يمكن قياسه إلّا من خلال أنماط سلوكية معينة, وهو ليس وحدة متكاملة تشغل حيزًا محددًا في الدماغ, لقد ذكر بعض المؤلفين أن الذكاء هو ما يقيسه اختبار الذكاء, ولكن بعض هذه المقاييس مرتبطة ارتباطًا مباشرًا بأحداث بيئية, ويمكن وصفها بأنها أكثر مادية. إن الدرجة التي تؤثر بها التكوينات الوراثية أو البيئية على الذكاء تتوقف على الدرجة التي يعكس بها الاختبار البيئي، وهنا أيضًا قدر كبير من المنطق في الرأي القائل بأن البيئة كلما زادت تجانسًا فإن تأثيرات التغيرات الوراثية تبرز بوضوح أكبر.

وفي دراسة أجراها نيومان وفريمان وهولزنجر holzinger & freedman & newman "1937" وجدوا أن التوائم المتماثلة الذين يربون منفصلين في ظروف بيئية شديدة التباين قد أظهروا تناقضًا أعظم في معامل الذكاء منه في الحالات الأخرى، وفي إحدى الحالات تناقضًا أعظم في معامل الذكاء منه في الحالات الأخرى، وفي إحدى الحالات كان الفرق 24 نقطة في معامل الذكاء، وعلى ذلك: فحتَّى التأثير القوي للمحداد التكوينية الوراثية يبدو من الممكن التغلب عليه بالاختلاف في المثيرات البيئية. ولقد لاحظ كل من أيرلمر كيملنج ويورفيك erlenner - kimling& jarvik مختلف مراتب الأزدواج التي اعتمدت عليها العلاقات المتبادلة, فكلما ازدادت درجة العلاقات المتبادلة تتزايد الازدواجيات هي الأخرى. إن المرتبة الأولى تسمَّى بالأشخاص الذين لا تربط بينهم علاقة, وعندما توجد علاقة متبادلة بين درجات معامل الذكاء بين ازدواجيات عشوائية من الناس، فإن متوسط العلاقة المتبادلة يكون صفرًا، ولا تسهم ظروف التربية إلّا بفرق بسيط, وأضحت الدراسة أنه في نهاية قائمة الرتب توجد التوائم الأحادية الزيجوت، مجموعة من التوائم ربوا منفصلين، ومجموعة أخرى من التوائم ربوا معًا. إن متوسط العلاقة

المتبادلة في معامل الذكاء بالنسبة للتوائم الذين ربوا منفصلين هو + 78 تقريبًا، في حين أن متوسط هذه العلاقة النسبية للتوائم الذين ربوا معًا هو + 90, والفرق في الدرجة بين المجموعتين يفسر عادة بأنه يبين تأثيرات البيئة؛ وحيث إن التوائم المتماثلة الذين يربون منفصلين يبدون درجة أعلى من العلاقات التبادلية من التوائم الأخوية الذين ربوا معًا، فإن ذلك يعتبر دليلًا قويًّا على تأثيرات التكوينات الوراثية على الذكاء. إن أهم الانتقادات التي توجَّه إلى دراسات العلاقات المتبادلة هذه هي أنه فيما بين التوائم يتوقع الإنسان تعميمًا بيئيًّا أكبر مما في حالة الأشقاء العاديين, وعلى ذلك يحدث ليس بين التشابهات التكوينية الوراثية المتشابهات البيئية. يوحد صورة؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟ اسكنر شكل "32" ذكاء الأمهات الحقيقيات بالنسبة لمعامل ذكاء أطفالهن, في مقابل ذكاء الأمهات الحاضنات بالنسبة لذكاء أطفالهن الذين لم يعيشوا أبدًا مع أمهاتهم الحقيقيات. وفي طريقة أخرى لدراسة موضوع الطبيعة "الفطرة" في مقابل التنشئة narure - nurture تجرى مقارنة العلاقات المتبادلة بين الوالد الحاضن، والوالد الحقيقي, وبين الطفل في اختبارات الذكاء، إن الموقف البيئي يتنبأ بأن العلاقات المتبادلة بين الوالد الحاضن والطفل يجب أن تكون على الأقل على نفس المستوى العالي كالعلاقات المتبادلة بين الوالد الحقيقي والطفل, وقد أخذت المعطيات الخاصة بهذا الموضوع من داسات النمو التي قام بها بيركلي berkeley، وقدمها هونزيك honzik "1957" حيث لاحظ أولًا أن العلاقات المتبادلة للثلاث مجموعات "الوالد

الحقيقي، الطفل، الوالد الحقيقي، الطفل المحتضن، والوالد الحقيقي، الطفل المحتضن" سجَّلت صفرًا بالنسبة للثلاث أو أربع سنوات الأولى تقريبًا. وهذه المقاييس المأخوذة من مرحلة الطفولة المبكرة لا تتنبأ بالأداء في مراحل السن التالثة, والسبب في عدم وجود هذ العلاقات هو أنَّ اختبارات الطفولة تقيس القدرات الحسية والحركية، وهي تختلف عن المطلبات المعرفية التجريدية "نوع مسائل الاختبار" التي تفرضها اختبارات الذكاء للأطفال الأكثر تقدمًا في السن والكبار. ثانيًا أن علاقات معامل الذكاء المتبادلة بين الآباء الحقيقيين وأطفالهم، سواء كان الأطفال يعيشون بعيدًا أو لا، هذه العلاقات تكون عالية, وهذه المعطيات تعزز التفسير التكويني الوارثي، خاصَّة عندما تبين هذه المعطيات أن العلاقة المتبادلة بين معامل الذكاء للآباء الحاضنين وأطفالهم المحتضنين قريبة من الصفر, ويجب أن تفسر هذه المعطيات بمنتهى الحذر. وقد قام سكيدز وشوداك skeeds & shodak "1959" وأكيدز akeeds "1966" بقياس الذكاء لمائة طفل محتضنين في فترة تقرب من 16 عامًا, ووجدوا أن معاملات ذكائهم تزيد حوالي 20 نقطة في المتوسط عن الأطفال الآخرين الذين بقوا مع أمهاتهم الحقيقيات, وعندما حسبوا العلاقات المتبادلة باستخدام نفس الازدواجيات التي استخدمها هونزيك honzik، وجدوا أن العلاقات المتبادلة من الوالد الحقيقي والطفل أعلى منها بين الوالد الحاضن والطفل، تمامًا كما وجدها هونزويك. وتفسير هذه الظاهرة يتطلّب تفهُّم مفهوم العلاقة المتبادلة, ومع أن العلاقة المتبادلة بين مجموعة من الدرجات قد تكون غالبة، إلّا أن ذلك لا يستتبع أن النقط الفعلية، أو متوسط النقط متشابهة. إن العلاقة المتبادلة هي مؤشر على التوافق بين الدرجات المقارنة في قياسين. وفي الدراسة التي قام بها هونزيك honzik ودراسة سكيدز skeeds نجد أن القيم المقارنة للدرجات الخاصة بالوالد الحقيقي والطفل أكثر تشابها من القيم المقارنة لدرجات الوالد المحتضن والطفل ... وفي حالة الدرجات الخاصة بالوالد المحتضن والطفل، نجد أن الأطفالقد سجلوا درجات مطلقة أعلى، كان أداؤهم أفضل من أداء الوالدين الحقيقيين, وتدل هذه المعطيات على أنَّ الأطفال الطبيعين الذين يوضعون في الحضَّانة "التبني" في بيئات مثيرة يتقدمون في ذكائهم.

والدراسة التي أجراها سكار ووينبرج scarr & weinborg "1976" تمثل تقدمًا عظيمًا في طريقة البحث في آثار انتزاع الأطفال من البيئات المنزلية المفترض أنَّها ضارة بمستوى الذكاء، ووضعهم في بيئات منزلية تبدو أنها تنشط نمو الذكاء, فلقد تَمَّ احتضان أطفال سود "وهم أطفال من زوجين سود" وأطفال من جنس مختلط "وهم أطفال من أحد الأبوين أسود والآخر أبيض"، وفي عائلات من البيض من الطبقة المتوسطة والعليا، وتدل النتائج: على أن تلك العائلات تميل لتربية الأطفال الذين يظهرون أداء أفضل في اختبارات الذكاء، وكذلك في المدرسة, وتنطوي الدراسة على أهمية كبيرة؛ لأن الأطفال المحتضنين يلقون نفس العناية المفيدة المستمرة التي يلقاها أطفال الوالدين المحتضنين بالمقارنة بالمعاملة غير المنتظمة المتيسرة في البرامج التعويضية. كما أنه وبعكس الدراسات المشابهة التي أجريت قبل ذلك: فإن التغير في البيئة أكثر تأثيرًا، وبالتالي يزداد الاحتمال بأن البيئة يمكن أن يكون لها تأثير. ومن الأسئلة التي طرحت: سؤال خاص بتأثير الوضع الحضاني على الأداء في اختبارات الذكاء, فإذا لم يكن للبيئة تأثير على الأداء، فإن متوسط الأداء وتغيره يجب أن يظل معادلًا للمتوسط الخاص بالأطفال السود أو المختلطين, وتدل النتائج على أن تأثير بيئة الطبقة المتوسطة والعليا أدى إلى رفع درجات من 10-20 نقطة, وأطفال الوالدين المختلطين السود الذين اختضنوا بعد هذه السن 32.3 شهرًا، وكان أداء الأطفال البيولوجيين في اختبارات الذكاء أفضل من أداء كل المجموعات, وبالرغم من التأثير الكبير لبيئة الحضانة فإن المعطيات قد أظهرت أيضًا أن متغيرات التكوينات الوراثية تسهم في تغير الأداء في اختبار الذكاء. وطبقًا لنتائج "سكار"، وينبرج، "1976" فإن أهم نتائج الدراسة تعزز الرأي بأن البيئة الاجتماعية تلعب دورًا حاسمًا في تحديد متوسط معامل الذكاء للأطفال السود، وأن المتغيرات الاجتماعية ومتغيرات التكوينات الوراثية تسهم في التغير الفردي بينهم".

والاستراتيجية الثالثة في دراسة التكوينات الوراثية لنمو الذكاء "وقد تكون أقلها حسمًا" هي دراسة تواريخ العائلات. إن تاريخ أسرة كاليكاك سبق أن قدمت كمثال لهذه المعالجة، غير أن ثمة نتائج أخرى تركز على الأطفال ذوي معامل الذكاء العالي بدرجة غير عادية، والذين درست عائلاتهم وبيئاتهم دراسة مكثفة, من ذلك: دراسات تيرمان tirman "1925" وفريمان وأودين freman & oden "1947، 1959"؛ حيث كانت النقط التي سجلها نحو 1000 طفل "الذين اشتركوا في هذه الدراسة" من حيث معامل الذكاء لا تقل عن 140، وكان آباء هؤلاء الأطفال أنفسهم ذوي ذكاء عال، وطوال مرحلة الطفولة وإلى مرحلة الرشد كان هؤلاء الأطفال أكثر طولًا وأثقل وزنًا من المتوسط، وكانت المشاكل الصحية التي واجهتهم أقل، كما كانت نسبة الوفيات بينهم أقل, ودلت التقديرات النفسية والطبية النفسية على أنهم يتميزون بصحة عقلية أفضل، وكان عدد من حول منهم إلى المؤسسات النفسية أو الأطباء النفسيين أقل، كما كانوا أكثر شعبية، وكانت لهم أدوارًا قيادية أكثر من المدرسة, وقد أدَّى زواجهم إلى نسبة أعلى في الزيجات السعيدة, وكذلك في معدّلات الطلاق. والظاهر أن الموهوبين منهم تمكنوا من إنجاح زواجهم، أو تخلصوا منه, وكان عدد الموهوبين الذين ذكرت التقارير أنهم غير سعداء، وإن استمروا في الزواج كان عددهم أقل, وكان استهلاكم للخمور أكثر من عامة السكان، وإن كان ذلك نتيجة ثانوية للطبقة المتوسطة, وكما كان متوقعًا، كان أداء هؤلاء الأطفال في المدرسة جيدًا، ومعظمهم واصل الدراسة لأربع سنوات أو أكثر في الجامعة, وكان أطفالهم بدورهم أكثر نباهة من الطبيعي. لقد أظهر الأطفال في كل مستويات النمو نمطًا للتفوق في عدد من السمات المختلفة, وقد استنتج تيرمان terman أن هيئة التكوينات الوراثية كانت السبب الأساسي في هذا النمط، هذا ونتائج "تيرمان" ليست وحيدة، لقد قدَّم آخرون نتائج مشابهة في الدراسات عن الأفراد اللامعين. ويجدر بنا الإشارة إلى أن الأفراد اللامعين فوق المستوى العادي هم أيضًا متفوقون في الكفاءة الاجتماعية، طبقًا لهذه الدراسات التي تعارض مع الاعتقاد العام أن الأفراد اللامعين فوق المستوى العادي غير متزنين عقليًّا، وهم ضعاف

بدنيًّا, ومتخلفين اجتماعيًّا, ومن الواضح أن المتغيرات الوراثية والبيئية في تلك الدراسات تلتبس تمامًا مما يجعل الحكم على أيٍّ منها مستحيلًا, ومن المحتمل أن يكون الوالدان ذوي الذكاء والتعليم الفائقين قادرين على خلق بيئة مثيرة للعقل، ليس هذا فقط, بل يوفران لأطفالهما رعاية صحية وغذائية فائقة. إن الأطفال قد حصلوا على رعاية صحة فائقة؛ لأنَّ الوالدين كان باستطاعتهما توفير هذه الرعاية، والوالدان بسبب ألمعيتهم الفائقة كانوا أكثر قدرة على مراعاة احتياطات التطعيم والاحتياجات الغذائية, وغير ذلك من أوجه الرعاية اللازمة. وهكذا يرى تيرمان وزملاؤه أن السمات الإيجابية تواكب العلاقات المتبادلة بين الوالدين والطفل، ولا يمكن أن تعزى مباشرة أو كلية إلى التفوق في التكوينات الوارثية. وأخيرًا ما الذي يمكن أن نستخلصه حول توارث الذكاء الإنساني، إننا نقول بأن الذكاء موروث، وأن البيئة تؤثر على المظاهر السلوكية الناجمة عنه، ولا نستطيع أن نقدر مدى ما يسهم به كل من هذه العوامل؛ لأن القدرات الوراثية والعوامل البيئية تختلط اختلاطًا يصعب التمييز والتفرقة والفصل بينهما "كما سيتضح في التفاعل بين الوراثة والبيئة". ب- توارث الشخصية والطباع:heritability of personality temperament تركز الاهتمام خلال السنوات العشر الماضية على تغيرات السمات الانفعالية والسمات العامة للشخصية لدى الأطفال والكبار، وكان السؤال المطروح هو ما إذا كانت هذه التغيرات لا تحدث إلّا بفعل البيئة "الوالدان، المدرسون، الأقران", ومدى تأثيرها على التركيب العضوي السلبي "bell, 1968". لقد قدمت دراسات العلاقات المتبادلة التقليدية لتفاعلات الوالد والطفل الافتراض الضمني بأن الوالدين هما السبب في الأنماط السلوكية لأطفالهم, وقد أثار بيل bell افتراضًا معقولًا بأن الفروق التركيبية بين الأطفال قد تكون هي السبب في التغيرات السلوكية بين الآباء, ويشير مصطلح "الفروق التركيبية" constitutional differences هنا ليس

فقط إلى الفروق الموروثة، ولكن أيضًا إلى الفروق التي تنتج عن أحداث طبيعية في فترة الحمل أو الإصابات في أثناء الولادة, والواقع أن بل bell يذكرنا بأن النمو الاجتماعي والانفعالي مثله في ذلك كمثل النمو العقلي عملية تفاعلية، وأن الأطفال يؤثرون على بيئتهم بطرق عديدة، وتستجيب البيئة بدورها بطرق عديدة, وهكذا.. فمثلًا بَيَّنَ موس moss "1967" أن الأمهات أكثر استجابة لأبنائهن منهن لبناتهن, ذلك لأن الأطفال الذكور أكثر شغبًا وإلحاحًا من الإناث, ولذلك فمن المحتمل أن نفس السلوك الأمومي والأبوي قد يولدان مجموعة كبيرة من الاستجابات بين أطفال مختلفين, وإذا أردنا إيضاح الاستعدادات الوراثية في الشخصية فيجب علينا أن نعير موقف بِل bell مزيدًا من الاعتبار في نماذجنا الفطرية، وفي تخطيطاتنا البحثية. والبحث في توارث الشخصية يواجه كثيرًا من الموضوعات المتعلقة بالطريقة كالتي يواجهها الذكاء، بل والمزيد منها، فأولًا: إن أكثر الطرق انتشارًا لدراسة توارث الشخصية هي من خلال استخدام التوائم المتماثلة iderntical twins والتوائم المتأخية fraternal twins, وتواجه هذه الطريقة مشاكل في فصل عوامل التكوينات الوراثية عن عوامل البيئة، علاوة على ذلك, فإن مقاييس الشخصية تميل للاقتصار على صلاحية "صدق" اختبارات معامل الذكاء, وهذا النقص في الصدق يجعل مشكلة تقدير الوراثية أكثر صعوبة, وثانيًا: فإن هناك طرقًا كثيرة سبق التعرف عليها, فضلًا عن ذلك فإن القائمين على اختبارات معامل الذكاء يوافقون على ما يعنونه بالذكاء أكثر مما يتَّفق عليه القائمون على اختبارات الشخصية من حيث تعريف الشخصية, ونتيجة لذلك فإن اختبارين للشخصية يهدفان لقياس نفس السمة يفشلان عادة في الارتباط فيما بينهما بالقدر الواجب. علاوة على ذلك فإن الشخصية يمكن تقييمها باستخدام اختبارات الورقة والقلم "اختبارات موضوعية" أو الاختبارات الإسقاطية مثل اختبار بقع الحبر، أو المقابلات, ويستخدم مختلف الباحثين إجراءات مختلفة ووسائل فنية محددة لقياس الشخصية. إن تجميع صورة متكاملة أمر صعب، ولذلك فإننا سوف نقصر تعليقنا على صفات الشخصية الأكثر تحديدًا والتي لاقت أكبر قدر من الاهتمام, والتي تؤدي إلى ظهور بعض

الإجماع في النتائج. وفي مناقشتنا للاستعداد الوراثي المسبق لمتغيرات الشخصية سوف نستخدم الشخصية بشكل واسع غير محدد، ونضم إليها الانفعالية، والخجل، والانطواء، والانبساط، ومستوى النشاط. إن الملاحظة اليومية تفترض أن الأطفال يغيرون استجاباتهم للمواقف المولدة للانفعال. إن بعض الأطفال يئنون بالبكاء ويلجأون إلى أحد الكبار المعروفين لهم للاطمئنان والإحساس بالأمان، وفي حين أن أطفالًا آخرين لا يمكن السيطرة عليهم, ويحتاجون بقدر كبير من الملاحظة قبل أن تخمد فترة الانفعال, ومع أنه باستطاعتنا أن نقيم تفسيرًا بيئيًّا "التقليد، والتفات الكبار كمكافأة على السلوك الانفعالي"، فإن بعض علماء النفس لديهم الأدلة التي تفيد أن الاختلافات في "الانفعالية" emotionality لها أيضًا أساس وراثي في التشابه الانفعالي للتوأمين المتطابقين، والأشقاء، والأزواج العشوائية من الأطفال، وقد قيست كفاءة الجهاز العصبي الذاتي بعدة طرق مثل: مقاومة البشرة، وضغط الدم الانقباضي والانبساطي، سرعة نبضات القلب، إفراز اللعاب، والتنفس، وزمن ثبات حركية الأوعية الدموية، وقد تَمَّ تجميع هذه الدرجات "فقط", وأطلق عليها اسم "دليل التوازن التلقائي" an index of automatic balance ولا يجب اعتبار نتيجة هذه الدارسة إلّا كتقرير للمكوّن الوراثي؛ إذ أن 17 توأمًا متطابقًا اشتركوا في الاختبار, ولم تكن المقاييس ذاتها على درجة عالية من الوثوق بها، وكان عدد أزواج الأشقاء 54، وعدد الأزواج غير المترابطة 1009 زوجًا. ومع الفروق في العلاقات التبادلية بين درجات "الانفعالية" للتوائم، والأشقاء، والأزواج غير المترابطة لم تكن ذات دلالة إلّا أنه في جميع الحالات كانت العلاقات المتبادلة بالنسبة للتوائم المتطابقة أعلى منها في المجموعتين الآخريتين, وكانت هذه العلاقات بالنسبة للأشقاء هي الأخرى أعلى منها في حالة الأزواج العشوائية, وعلى ذلك: فالبرغم من أن الفروق لم تصل إلى مستوى الدلالة الإحصائية، إلّا أنَّ ترتيب مستوى العلاقات التبادلية يتناسب مع التفسير الوراثي, وعندما تحسب الفروق بين متوسط الدرجات، فإنه من الواضح أن التوائم المتطابقة كانت درجة اختلافها أقل كثيرًا من الأشقاء، وهؤلاء بدورهم أظهروا من الفروق

ذات الدلالة أقل من الأزواج العشوائية "غير المترابطة"، ويبدو من المعقول أن نستخلص من ذلك أن للتفاعل الانفعالي مكوّن وراثي, وإن كان من المحتمل أنه ليس قويًّا في الظاهر، بمعنى أن يتقبَّل التشكيل البيئي. وثمة سمة سلوكية أخرى قد يكون لها سوابق وراثية هي "مستوى النشاط activity level, ويوضح سكار scarr "1966" أن هناك فروقًا فردية ثابتة في مدى تولُّد النشاط في حد ذاته، ومدى سرعته وتكراره، ومقدار ما يكمن وراءه من حيوية أو فتور، ومقدار النشاط أو الاسترخاء العصبي، ومقدار ما يكتنفه من صبر أو فروغ صبر, ووجود فروق فردية كبيرة في هذا البعد أمر مقرَّر في العديد من الدراسات عن الأطفال حديثي الولادة؛ حيث يقول الباحثون: إن هناك نسبًا مئوية مختلفة من هؤلاء الأطفال الذين كان من الصعب السيطرة عليهم. ولم يقتصر ما كشف عنه كاجن، موس moss & kagan "1962" عن الفروق الفردية بين الأطفال حديثي الولادة, ولكنهما قررا أيضًا أن هذه الفروق تستمر حتى المراهقة, وهنا يصبح التساؤل هو: هل لاختلافات الأفراد في "النشاط" أساس وراثي أم أنها ناتجة كلية من الخبرات البيئية؟ لقد قارن سكار scarr24 زوجًا من التوائم المتطابقة مع 28 زوجًا من التوائم الأخوية, وكانت كل التوائم من الإناث, وأعمارهن تتراوح من 6-10 سنوات، وتَمَّ الحصول على مؤشرات "مستوى النشاط" من خلال ملاحظة الأطفال في لعبتين صممتا لفرض قياس الفضول أو حب الاستطلاع curiosity، ومقابلة مع كل طفلة، وثلاث مجموعات من التقديرات "كانت هذه التقديرات تستند إلى مقاييس لقياس الحيوية vigor، والتوتر tension، والارتباك sauirming ولقد بحث جوست، سونتيج jost & sontage سمة سلوكية لها سوابق وراثية في مستوى النشاط, وقام بذلك سكار scarr "1966" الذي أوضح أن هناك فروقًا فردية ثابتة في مدى تولد النشاط أو الاسترخاء العصبي، ومقدار ما يكتنفه من صبر أو فروغ صبر, ووجود فروق فردية كبيرة في هذا البعد أمر مقرر في العديد من الدراسات. شكل "33".

البيئة والنمو الإنساني

البيئة والنمو الإنساني أولًا: البيئة قبل الولادية prenatal ... 2- البيئة والنمو الإنساني: البيئة هي المجال الذي تحدث فيه عملية النمو, ويقصد بالمجال هنا: جميع القوى المحيطة بالفرد التي يتفاعل معها أثناء نموه، أو بعبارة أبسط: جميع العوامل التي يتأثر بها الفرد ويؤثر فيها في سياق نموه على طول فترة الحياة, سواء كانت هذه القوى أو هذه العوامل داخلية أو خارجية "ثقافية أو اجتماعية" قبل الولادة، أم بعدها. وفي هذا الإطار الشامل لمفهوم البيئة يمكن تقسيم البيئة في تأثيرها على النمو الإنساني إلى قسمين: البيئة الداخلية بل الولادية، والبيئة الخارجية بعد الولادية. أولًا: البيئة قبل الولادية prenatal بداية الكائن الإنساني هي التقاء أو تقابل خليتين جنسيتين إحداهما الحيوان المنوي للأب، وبويضة الأم، وتكون خلية واحدة تعرف باللاقحة, وتستمر اللاقحة في النمو عن طريق انقسام الخلايا وتخصصها وتمايز وظائفها في أعضاء, وأجهزة مختلفة إلى أن يخرج إلى الحياة بعد مدة حمل تمتد بين 240-300 يوم تقريبًا، وحين يولد يأتي إلى العالم الخارجي مزودًا بأجهزة استقبال حسية "أعضاء البصر، والسمع، والتذوق، والشم، واللمس"، وأجهزة إرسال حركية "العضلات،

الغدد، والجهاز العصبي"، وهي معدات لو لم يزود بها الكائن الإنساني قبل مجيئه إلى العالم أو تعرض للأذى أثناءها لاستحال عليه أن ينمو أو ينمي أي نوع من السلوك. ولذلك: تنقسم البيئة قبل الولادية إلى قسمين: - البيئة الداخلية للخلية المخصبة. - والبيئة الرحمية. أ- البيئة الداخلية للخلية intracellular environment: يعد السيتوبلازم الميحط بنواة الخلية بيئة ذات تأثير هام, ففي بعض التجارب على الحيوانات أمكن استبدال السيتوبلازم بآخر، فكانت النتيجة خلق أجنة من أنواع مختلفة, وقد مكَّنت دراسات مماثلة من اكتشاف أن التفاعل بين النواة والسيتوبلازم هو الذي يحدد لها وظيفتها, وقد تبين من بعض الدراسات ما لبعض العقاقير المهدئة ذات التركيب الكيميائي الخاص من تأثير على أجنة الحوامل؛ فالتأثير الكيميائي لهذه العقاقير جعل الأجنَّة تولد مشوهة، وأعضاؤها ناقصة؛ لأن فاعليتها كانت على البيئة الداخلية للخلايا المتكاثرة المكونة للجنين. ب- البيئة الخارجية للخلية intercellular environment "البيئة الرحمية": تقوم البيئة الرحمية بالتأثير الهائل على الوليد الذي يمكث في رحم أمه أهم تسعة أشهر في حياته، حيث تنفتح إمكاناته الوراثية، وتظهر فيها خصائصه البشرية, وفي هذه الفترة يحوطه سائل رحمي داخل غشاء الرحم الذي يجعل الحراة مناسبة ومنتظمة حوله، كما يعزله عن الضوء والصوت، ويحميه من الارتجاجات والصدمات، ويصل إليه الغذاء عن طريق الحبل السري من دم الأم, ويمكن أن يحدث ما يغير من هذه الظروف, أي: يغير من البيئة الرحمية مما يؤثر على نمو الجنين. "طلعت منصور، عادل الأشول: 1976". وأهم العوامل التي تؤثر على الجنين في البيئة الرحمية قبل الولادية ما يلي: 1- الحالة الصحية للأم الحامل: إن أي مرض يصيب الأم الحامل وخاصة في الشهور الثلاثة الأولى للحمل يؤذي الجنين، نظرًا لأنه محروم من المناعة التي تواجه الفيروسات, فلا يستطيع

تكوين أجسام مضادة لها، فإذا انتقل إليه فيروس أو بكتريا عن طريق المشيمة فتك به بسهولة, وأدى إلى الإجهاض, أو أعاق نموه في الرحم, وجاء وليدًا مشوهًا, من ذلك: إن إصابة الأم الحامل بأحد الأمراض المعدية مثل: الحصبة الألمانية rubella أو مرض الزهري syphilis وخاصة في الشهور الثلاثة الأولى من الحمل ينتقل من الأم الحامل إلى الجنين, مما قد يسبب له أمراضًا أو تشوهات مثل: الصمم أو العمي أو البكم أو أمراض القلب وضمور المخ, microcephaliak, كما قد يعاني من تأخر في نموه الجسمي والعقلي, وبالتالي يكون الطفل متخلفًا عقليًّا. وجدير بالذكر أن الحصبة الألمانية تخضع الآن لعمليات التطعيم، وينصح بتطعيم الأطفال الإناث بشكل خاص بمصل الحصبة الألمانية، وبهذا فإنه من المتوقع تبعًا لذلك أن تقل أو تنعدم إصابات التخلف العقلي المسببة عن الحصبة الألمانية. اضطرابات التمثيل الغذائي أو عملية الهدم والبناء عند الأم الحامل, فلقد أمكن التعرُّف حتى الآن على حوالي 90-120 نوعًا من الأمراض التي تصيب الجنين نتيجة لذلك, ومنها: التخلف العقلي الذي يحدث نتيجة اضطراب عمليتي الهدم والبناء بسبب طفرة في الجينات, تسبب اختفاء نشاط إنزيمي معين، أو اضطرابه فيما يتصل بالعمليات المرتبطة بالبروتينيات, كما في حالات الفينيل كيتونيوريا المعروفة باسم PKU، أو اضطراب في التمثيل الدهون، أو الكربوهيدرات كما في حالات الجلاكتوسيميا galactosemia وقد سبق أن أوضحنا ذلك. كما أن اختلاف فصائل دم الوالدين قد يسبب التخلف العقلي، خاصة إذا كانت الأم تحمل "-rh"، وكان الأب يحمل "+ rh"، فإن الجنين حينئذ يرث عن الأب "+ rh" فيحدث اختلاف بين دم الجنين ودم الأم الذي يقوم بدوره بتكوين أجسام مضادة لدم الطفل تنتقل إلى الجنين عن طريق الحبل السري فتهاجم دم الجنين وتقتل الخلايا العصبية, وقد تحدث مضاعفات تقتل الجنين، وتحدث مثل هذه الحالات بعد الحمل الأول. "شكل: 34".

- بالإضاة لذلك, فإن اضطرابات التسمُّم العضوي التي تصيب الأم يمكن أن تنتقل إلى الجنين عن طريق الحبل السري وتؤثر في الجهاز العصبي للجنين فيولد متخلفًا عقليًّا, كما أن إصابة الأم الحامل بمرض الحمى الصفراء يؤدي إلى إصابة الجنين بمرض الفراء المخية, ويسبب التخلف العقلي. - تعرُّض الأم الحامل لصدمة آلية في بطنها يصل تأثيرها للجنين قد تؤثر على جهازه العصبي، خاصة أن دماغ الجنين وهي لينة تتأثر بالصدمة مما يؤدي إلى إتلاف بعض مراكز المخ، وقد يؤدي إلى إصابته بالصرع. - بالإضافة لما سبق فإن إصابة الأم ببعض الاضطرابات الهرمونية يؤثر على الجنين، من ذلك: إصابة الأم بمرض السكر يؤدي إلى اضطرابات هرمونية عند الجنين، كما أن نقص إفراز الغدة الدرقية لدى الأم ينتج عنه خمول الغدة الدرقية للجنين, مما ينتج عنه نقص في النمو والتأخر العقلي. "شكل: 35".

- كذلك فإن صغر حجم رحم الأم يؤثر بدوره في الجنين، فلا يعطيه فرصة الحركة المعتادة اللازمة للأرجاع العصبية البسيطة التي تظهر في منتصف فترة الحمل. شكل "35" طفل رضيع كانت الأم مصابة بتضخم الغدة الدرقية أثناء الحمل. 2- سوء تغذية الأم الحامل: أوضحت الدراسات والأبحاث الطبية والغذائية أن الغذاء من العناصر الأساسية والضرورية لصحة الأم الحامل وجنينها، ذلك أن حصول الحامل على غذاء صحي مناسب يساعد على نمو جنينها نموًّا طبيعيًّا. فالحامل التي يحتوي جسمها على نسبة عالية من عنصر الكالسيوم مخزونًا بعظامها، من السهل أن تحفظ لجنينها إمدادًا كافيًا من هذا العنصر، ذلك لأن الجنين يحصل على متطلباته الغذائية من مدخرات الأم، أما إذا كانت المدخرات غير كافية, وهبطت إلى نقطة النقص عند الأم, عجز الجنين على الحصول على عناصره الضرورية, وأثَّر هذا بالتالي على نموه. ولقد أوضح موناجو montago "1972" أن الحامل التي تتناول أغذية متكاملة خلال حملها ينمو جنينها نموًّا طبيعيًّا وتلد طفلًا يتمتع بصحة جيدة. كما أوضحت دراسة كابلان kaplan "1972" أن الحامل التي ينقصها الغذاء الجيد ينمو جنينها نموًّا غير طبيعي, وتنجب طفلًا يتميز بنقص الوزن وانعدام الصحة, بل والإصابة ببعض الأمراض، كما أوضحت دراسات أخرى أن الأمهات اللاتي يعانين من نقص في الغذاء غالبًا ما يلدن أطفالًا بهم نقص جسمي أو عقلي أو اضطراب نفسي شديد, وأوضحت دراسات كوخ koch "1986" أن نقص فيتامين "ب12" في غذاء الأمهات الحوامل يؤذي جهازها العصبي, ويؤدي إلى ولادة صغارٍ مشوهين جسميًّا وعقليًّا, وما مشكلة البلاجرا في بعض الدول الفقيرة إلّا نتيجة لسوء التغذية أثناء الحمل.

وقد أشار فيرنون p.e. vernon إلى أن عدم كفاية التغذية أو سوء التغذية يؤثر تأثيرًا سيئًا على نمو الجنين, خاصة في الشهور الثلاثة الأخيرة من الحمل، وعلى نمو الطفل في الأربع سنوات الأولى بعد الولادة, وهي الفترة التي يكتمل فيها نمو الدماغ والأعصاب, كما وجد باسامنيك pasamainc "1966" أن سوء تغذية الأمهات الحوامل يجعلهن معتدلات الصحة كثيرات المرض متوترات أثناء الحمل, يؤدي إلى الولادة قبل الأوان أو الولادة العسرة، ونقص نمو الأجنة، وارتفاع نسبة الوفيات، والصرع، وشلل الدماغ، والاضطرابات العقلية بين الأطفال. ولقد أظهرت الدراسات التي أجريت في شيلي وجواتيمالا وجنوب أفريقيا أن الأطفال الذين يتعرضون لسوء التغذية في مرحلة ما قبل الميلاد لا يمكنهم أن يصلوا إلى المستوى العقلي الذي يصل إليه زملاؤهم ممن لا يواجهون مثل هذه الظروف, حتى ولو أعطوا بعد ذلك ما يعوض هذا النقص. وأكدت دراسة أخرى أجريت في الولايات المتحدة على أطفال أمريكيين عانت أمهاتهم من نقص شديد في البروتين أثناء النصف الثاني من فترة الحمل "حيث تكون حاجة الجنين إلى البروتين أكثر ما يمكن"، وبمقارنة هؤلاء الأطفال بمجموعة أخرى كانت أمهاتهم تتمتع بصحة جيدة, وجد أن المحرومين كانوا أقل وزنًا عند الولادة، وبمتابعة المجموعتين حتى سنّ الرابعة وجد أن الأطفال الذين حرموا من البروتين كانوا أقل ذكاءً من المجموعة الثانية. ويفسر تأثير سوء التغذية أثناء الحمل على الطفل بأن الحرمان الغذائي في هذه الفترة المبكرة من العمر يصعب تعويض العجز الذي يسببه. 3- الحالة النفسية للأم الحامل: الناحية الانفعالية للأم الحامل لها تأثيرها الواضح على الجهاز العصبي المركزي, وكذلك على الغدد الصماء التي تفرز هرموناتها في الدم مباشرة، وأن وطأة الانفعالات الشديدة التي تتعرّض لها الأم الحامل تحدث أثار كبيرة على هذه الأجهزة العصبية والبيوكيميائية, فقد أثبتت الدراسات الحديثة أن حال الأم من الناحية الانفعالية أثناء حملها له تأثيرات هامة في مجرى نمو الجنين, وبالتالي في صحته وتوافقه في المستقبل.

كما أظهرت بعض الدراسات بوضوح أن الحالة النفسية السيئة للأم الحامل أثناء حملها يسبب تأثيرات ضارة على الجنين "1980، tylor". ويرجع ذلك لسببين: الأول: إن الرحم والجهاز التناسلي للأم يرتبط ارتباطًا شديدًا بالجهاز العصبي اللإرادي بشقيه السمبتاوي والباراسمبتاوي, وفي أثناء الانفعال يستثار هذا الجهاز ويختل التوازن بين شقيه السمبتاوي والباراسمبتاوي فيحدث اضطرابًا في الانقباضات الرحمية, وفي سير الدورة الدموية الجنينية الأموية. والسبب الثاني: يرجع إلى أن الحامل إذا ما تعرضت لانفعال شديد, فإن نسبة الأدرينالين الذي تفرزه الغدة الكظرية يزداد في دمها, مما يحدث حالة من التوتر العصبي، ويلحق هذا التوتر بالجنين عن طريق زيادة نسبة الهرمون في دمه المرتبط بالدورة الدموية للأم, وتكون النتيجة النهائية هي مضاعفة حركة الجنين داخل الرحم, فيستنفذ الغذاء في هذه الحركة الزائدة بدلًا من استنفاذها في النمو. وفي دراسات حول الحمل غير الشرعي وجد أن الحالة الانفعالية التي تعانيها الأم الحامل التي تحمل جنينها بدون رغبة, فلا تعتني بصحتها ولا بغذائها، وتبذل ما في وسعها للتخلص منه، وتظل في حالة من التوتر والقلق, خاصة عندما تفشل في التخلُّص من الجنين, فتقبل وجوده في أحشائها على مضض منها. وتؤدي هذه الظروف الرحمية السيئة التي تعيشها الأجنَّة غير الشرعية إلى زيادة نسبة الولادات المشوهة والمتخلفة عقليًّا. 4-التدخين أثناء الحمل: أشارت الدراسات إلى أن نسبة ولادة أطفال مشوهين من الأمهات الحوامل المدخنات أو المدمنات على تعاطي المخدرات والكحوليات أعلى منها عند الأمهات الأخريات, فقد أشار فيرنون vernon إلى أن تدخين الأم يؤدي إلى الإجهاض أو الولادة قبل الأوان, وإلى زيادة نسبة الوفيات بين الأطفال الرضع، ويرجع ذلك إلى

حرمان الجنين من الدم النقي، ذلك أن الدم يصل من الأم إلى الجنين وفيه نسبة كبيرة من ثاني أكسيد الكربون, وبالتالي نسبة أقل من الأكسجين. ولقد أوضحت البحوث أن تأثير تدخين الأم الحامل لسيجارة واحدة يؤثر في نشاط دقات قلب جنينها، وأن الأمهات الحوامل اللاتي يدخن السجاير قد يلدن أطفالًا غير مكتملي النمو prematurity. وفي دراسة أجراها جولدشتين goldstein "1972" على عشرة آلاف طفل بريطاني تفوق أطفال الأمهات غير المدخنات على أطفال الأمهات المدخنات في التحصيل الدراسي والذكاء، وكانت الفروق دالة إحصائيًّا. ووجد برومان وآخرون broman et al "1975" أن الأمهات المدخنات ينجبن أكثر من غيرهن أطفالًا ضعاف البنية ناقصي النمو، منخفضي الذكاء, وأشار ييروشالني yerushaineg "1979" إلى أن تدخين الأم أكثر تأثيرًا من تدخين الأب على نمو الجنين؛ لأن وجود النيكوتين في دم الأم يؤذي الجنين جسميًّا ونفسيًّا، ولكن يزداد تأثير التدخين على الجنين إذا كان كلا الوالدين من المدخنين. 5- الإدمان على الكحوليات والمخدرات: وبالنسبة للمخدرات فإلى جانب أثارها الخبيثة على الأم، فقد تَمَّ اكتشاف تغيرات تطرأ على الجنين من جراء تعاطي المخدرات: - فلقد وجد أن الأطفال الذين يولدون من أمهات يتعاطين المخدرات يكونون في حالة هدوء زائد عند الولادة، ويبدو عليهم نوعًا من "الدَّوَخَان" أو الدوار، وهذا يجعل الحركات العشوائية أقل نسبيًّا، مما يترتب عليه تعطيل النمو العضلي أو الجسمي بشكل عام, وقد يولد الجنين مصابًا بتلف في خلايا المخ، وقد يختنق عند الولادة؛ لأنه لا يكون قادرًا على تحمل ضغط عضلات جدران الرحم أثناء عملية الولادة. - ولقد أشار كوخ koch "1968" إلى زيادة نسبة التشوّهات الخلقية في ولادات الأمهات المدمنات والمتعاطيات للمخدرات والخمور والحبوب النفسية، وترتفع هذه التشوهات في الأجنَّة إذا كان كلا الوالدين من المدمنين على المخدرات أو الخمور.

- وفي دراسات أخرى: وجد أن الأمهات المدمنات على الهيروين والمورفين أنجبن أطفالًا مضطربين نفسيًّا, كما أن تعاطي عقار الهلوسة lysergic acid "وهو عقار يستخدم في علاج بعض حالات الهستريا" وجد أن له أعراضًا جانبية, منها: تحطم كروموسومات وخلايا الأجنة التي لم تولد بعد، ويسبب التخلف العقلي. - وفي دراسة لجونز وآخرون johnz el al "1973" وجد أن 40% من المدمنات على شرب الخمور أنجبن أطفالًا مصابين بالميكروسفالي "صغار الجمجمة"، أو أطفالًا يعانون من تشوهات القلب وضعف في التآزر الحركي والعضلي, وفي دارسة أخرى له سنة 1974 على 23 سيدة من الحوامل مدمنات على شرب الخمور مات أربعة من أطفالهن أثناء الولادة، وظهر على 13 طفلًا التخلف العقلي أو التشوهات الجسمية، 6 أطفال كانوا يعانون من اضطرابات نفسية من أعراض الاكتئاب، والإنسحابية، والنشاط الزائد، وضعف التآزر الحركي. شكل "36" طفل لديه أعراض الكحوليات أثناء الفترة الجنينية, لاحظ وجود شحوب أعلى الشفاه، عينان واسعة، عظام مفلطحة. 6- سوء استعمال الأدوية: يجب أن نشير في البداية إلى أن كل الأدوية التي تتناولها الأم الحامل تكون قادرة على الوصول إلى المشيمة placenta وتؤثر في الجنين, وثبت أن كثيرًا من الأدوية التي تتداوى بها الأمهات الحوامل يؤثر بعضها تأثيرًا سيئًا على الأجنَّة ويؤدي إلى تشوهًا جسميًّا وذهنيًّا, من ذلك:

- أوضحت نتائج أبحاث مونتاجو montago 1970، أن أبسط الأدوية كالإسبرين له تأثير ضار ومخيف على أجنَّة فئران المعامل، وذلك أنه عندما أعطيت فئران التجارب إسبرين من اليوم السادس حتى اليوم الأخير للحمل كانت النتائج مخيفة للغاية، فقد وجد أن نسبة الوفيات مرتفعة في أجنة فئران المعامل, وبها تشوهات وعيوب تكوينية وخلقية واضحة. - وأوضحت بعض الدراسات أن استعمال الحامل لحبوب الإجهاض quinine إذا لم يتمّ الإجهاض، جاء الوليد أصمًّا أبكمًا. - كما أن بعض المضادات الحيوية لها تأثيرات خطيرة على الأجنة، ولا ننسى المآسي التي نتجت عن تعاطي الحوامل دواء الثاليدوميد thaildomide, فقد كان هذا العقار سببًا في تشوه الآلاف من الأطفال الأبرياء. - كما أن مادة الكينين التي تعالج الملاريا لها تأثير على السمع, وتؤدي إلى إحداث الصمم للأجنة التي لم تولد بعد. وعلى ذلك: يجب ألّا تتناول الأم الحامل العقاقير إلّا تحت الإشراف الطبي، ويعرف الأطباء أنواعًا كثيرة من الأدوية تؤثر تأثيرًا سيئًا على نمو الأجنة, فلا يصفونها للحوامل, كما أن جميع الأدوية التي تؤثر على الجنين يكتب تحذيرًا عن مخاطر استخدامها بالنسبة للأم الحامل، ومن ثَمَّ كان على الأم عدم استعمال أي نوع من الأدوية إلّا بعد استشارة طبيبها. 7- عمر الأم الحامل: أوضحت الدراسات أن هناك علاقة ذات دلالة بين المتاعب والمصاعب أثناء الحمل والفشل في الولادة "الإحهاض" من ناحية, وبين عمر الأم الحامل من ناحية أخرى، وأن أفضل سنوات الحمل هي ما بين العشرين والثلاثين سنة, وإن كان هناك الآلاف من النساء تقل أعمارهن عن العشرين أو تزد عن الثلاثين يحملن بنجاح. كما أوضحت نتائج الدراسات التي تتبَّعت رعاية حمل النساء كبار السن "35-45" أنهن يعانين من صعوبات بالغة من عمليات الحمل والولادة، وأنه

كلما زادت أعمار الحوامل زادت إصابة أطفالهن بحالات الضعف العقلي، كما أن بعض النساء اللاتي يحملن في سن متقدمة يسهمن في إنجاب أطفال ناقصي النمو. ولعل هذا يرجع إلى تدهور وظيفة التناسل عند بعض النساء المتقدمات في السن. ولعدم اكتمال ونضج الجهاز التناسلي للنساء صغيرات السن فإن حملهن يواكبه حالات أطفال حديثي الولادة ناقصي النمو, وكذلك حالات إجهاض متكررة, ولذا يفضل زواج الفتاة بعد سن العشرين لاعتبارات متعلقة بالنضج الجسمي والاجتماعي والنفسي. 8- تعرض الأم للإشعاع: كانت أشعة × تستخدم بالنسبة للأم الحامل بدون تحفظ، بل إنها كانت تستخدم للتأكد من وجود الحمل, وكطريقة لتحقيق بعض انطباعات الطبيب عن الجنين، إلّا أن أحد الأطباء اكتشف في الثلاثينات من ق20 تشوه جنين أم كانت تعاني من سرطان الرحم, وعالجها بالإشعاع وهي حامل, كما تبين من الدراسات على الأمهات الحوامل في مدينتي هيروشيما ونجازاكي اليابانيتين بعد ضربهما بالقنابل الذرية في الحرب العالمية الثانية أن الأمهات اللاتي تعرضن لإشعاعات هذه القنابل وهن في الشهور الثلاثة الأولى من الحمل ولدن أطفالًا مشوهين. كما أثبتت الدراسات التي أجريت على الحيوانات الحوامل أن تعرضها للإشعاعات أدى إلى تشوه أجنتها. ومن هنا: أصبح من القواعد الطبية المسلَّم بها عند الأطباء عدم فحص الأم الحامل بالأشعة إلّا عند الضرورة القصوى، بل ينصح بعضهم بالإجهاض إذا اضطر إلى فحص الحامل بالأشعة في الشهور الثلاثة الأولى من الحمل, وتأكده من تشوه الجنين أو إصابته بالتخلف العقلي. فالإشعاع قد يؤدي إلى عيوب يمكن توريثها إلى جانب العيوب الولادية, فالجنين، وخاصة في فترة الانقسام، يكون معرضًا بشكل خاص للإصابة بالأضرار المختلفة إذا ما تعرَّض للإشعاع, وأن التعرض للإشعاع العميق، وخاصة في منطقة الحوض وفي المراحل الأولى للحمل قد تحدث أضرارًا مختلفة للجنين, منها: الاضطرابات العصبية، التخلف العقلي، فقدان البصر، أو التشوه الخلقي بشكل أو بآخر, وإذا حدث هذا التعرض دون علم الطبيب أو الوالدين فقد يوصى بعملية الإجهاض. على أن تسليط الأشعة على مناطق أخرى غير منطقة الحوض كعمل أشعة على الأسنان مثلًا: فإن ذلك قد لا يتسبب عنه أي ضرر إذا ما عزلت منطقة الحوض.

ثانيا: البيئة بعد الولادية

ثانيًا: البيئة بعد الولادية: يمكن تقسيم المحددات البيئية بعد الولادة إلى أربعة مؤثرات على الأقل, تتفاعل فيما بينها في تأثيرها على النمو الإنساني بصورة يصعب الفصل بينها إلّا لغرض الدراسة, من هذه المحددات البيئية مما يلي: أ - البيئة الطبيعية "الجغرافية": يقصد بالبيئة الطبيعية: الظروف المادية المحيطة بالفرد من عوامل جغرافية ومكانية؛ كالطقس والمناخ, وموارد وإمكانات مادية تؤثر على نمو الفرد، من ذلك: - الهواء النقي: حيث ثبت أن أطفال السواحل والريف ينمون أسرع من أطفال المدن المزدحمة بالسكان المعرّضة لتلوث البيئة. - أشعة الشمس: حيث لها تأثيرها في سرعة النمو وخاصة الأشعة فوق البنفسجية. - تلعب البيئة الجغرافية دورًا هامًّا في تحديد خصائص النشاط السكاني, وما له من تأثير في خصائص الأفراد؛ حيث نجد لسكان المناطق الزراعية سمات تختلف عن سمات سكان المدن، وسمات هؤلاء وهؤلاء تختلف عن سمات سكان الصحاري وسكان الجبال "وإن كان للعامل الثقافي أثره في تبلور هذه السمات". - بالإضافة لذلك: فقد ثبت أن البلوغ يحدث مبكرًا نسبيًّا في البلاد المنخفضة عنه في البلاد المرتفعة، كذلك قد يلاحظ أن تكوين الشخصية لدى سكان المناطق الجبلية قد يختلف عنه لدى سكان السهول "هدى برادة، فاروق صادق: 1985، 41، عبد الرحمن سليمان: 1997، 521".

2- البيئة التاريخية "الزمانية": يقصد بالبيئة التاريخية: ظروف العصر الذي يعيش فيه الفرد, ومستوى التطور الذي أحرزه المجتمع في المستوى الحضاري بإنتاجه، وأدواته، ورموزه في سياق العملية التاريخية، تلك الحضارة التي تتفتح فيها إمكانات الأطفال, فالتغيُّر الاجتماعي أصبح سُنَّة من سنن المجتمع، وزادت سرعة التغير في الفترة الأخيرة التي بدأت مع القرن العشرين، وقد حدث ذلك بسبب بعض العوامل, منها: كثرة الاكتشافات والاختراعات العلمية، والانفجار المعرفي, وثورة المعلومات التي نعيشها، وثورة المواصلات التي جعلت من العالم كله قرية صغيرة يتعرف كل طرف فيها ما يحدث في بقية الأطراف. ومما لا شك فيه: أن العامل الحضاري للمجتمع له تأثيره على نمو الطفل وتفتحه، ولا شكَّ أن الإنسان الذي عاش في ق18 غير الإنسان الذي عاش في ق19 إبَّان الاحتلال، وهذا بدوره يختلف عن الإنسان الذي عاش في النصف الأول ق20، كما أن الإنسان المعاصر يختلف عن سابقيه في: خصائصه، وسماته العقلية والفكرية، وتطلعاته وآماله، وقلقه، وانفعالاته، وعلاقاته الاجتماعية، وصراعاته وإحباطاته، وكل ذلك يمثل مكونات شخصية, وعامل من العوامل المؤثرة في النمو الإنساني. 3- البيئة الثقافية: يقصد بالبيئة الثقافية: ثقافة المجتمع الذي يعيش فيه الفرد, وهناك تعريفات كثيرة للثقافة -ليس هذا مجال سردها أو التفريق بينها- ونكتفي هنا بما أورده دسوقي "1976" من أن كل ما يفعله المرء ويفكر فيه أو يشعر به، كل ما لديه من رغبات أو حاجات أو معتقدات تأتي من ذات نفسه, أو يجدها في الآخرين، هو إلى حد كبير ما نطلق عليه عادة "الثقافة". فكل ما نتعلمه أو نكتسبه اجتماعيًّا من عادات ومهارات، من اتجاهات، ومُثُل عليا، أو ما تخلف لنا من معارف عقلية أو أشياء أو طرز مادية, يصبح ثقافة لنا, وطريقة لسلوك حياتنا.

وتصنف الثقافة إلى عدة وجوه: 1- الأشياء المادية: كالمباني، والعدد، والأدوات المستخدمة في البيئة. 2- هيكل أنماط السلوك: من عادات، وأنشطة، ومهارات الناس الذين استخدموا هذه الأشياء. 3- الأنماط العقلية التي لا تقل واقعية في تركيب الثقافة من الأشياء والعادات، وتشمل هيكل العواطف، والاتجاهات، وأنواع التفكير التي تحددها الثقافة وتعكسها، أي: القيم الإنسانية من شعر، وموسيقى، وحلي ونظافة، وعري أو ملبس.. وغيرها مما يستمد من الثقافة لا من الطبيعة الأصلية. 4- التنظيم الاجتماعي وتراكيب المنظمات من حيث علاقتها بالسلطة، والقوانين، والملكيات، وعلاقات الأسرة. 5- العناصر الرمزية للثقافية؛ كأدوات لا مادية من: لغة، ورسوم، ورياضيات، ووسائل أخرى تمثل العالم الواقعي وتمكّن من الحكم. 6- تنظيم الفكر كوجه أخير للثقافة يشمل كل هيكل العلم، والفلسفة، والمعتقدات الدينية، والسحر.. إلخ. "كمال دسوقي: 1976، 78". وهناك من يصنف الثقافة إلى ثلاث فئات: أ- العموميات: وهي الأفكار والعادات, وأنماط السلوك التي تشيع بين أفراد المجتمع كله, ولذا فهي تعطي المجتمع طابعه الخاص المميز, وتشمل: اللغة، والدين، وطرائق التفكير التي يفضلها المجتمع بالمقارنة بالمجتمعات الأخرى, وتظهر أثار عموميات الثقافة في طراز الملبس والمسكن، وفي طبيعة العلاقات السائدة في المجتمع، وفي حدَّة الاهتمامات بين الأفراد, ولا يتعارض معها العناصر الثقافة الأقل انتشارًا, وهي أكثر عناصر الثقافة ثباتًا ومقاومة للتغير. ب- الخصوصيات: وتشير إلى العناصر الثقافية التي تشيع بين فئة معينة أو جماعة خاصة من أفراد المجتمع، ويلتزم بها أفرد هذه الفئات أو الجماعات, ومنها: الآداب أو التقاليد السائدة بين أفراد مهنة من المهن، والمهارات الفنية،

والمعارف العلمية المرتبطة بهذه المهن، وتكون هذه العناصر الخصوصية على درجة كبيرة من الأهمية لهذه الجماعات أو الفئات الخاصة؛ لأنها تعطيها طابعها المميز, وتساعدها على أداء دورها ووظائفها في إظهار الثقافة العامة للمجتمع. ج- المتغيرات: وهي العناصر التي لا تعتبر من العموميات ولا الخصوصيات، فهي ليست شائعة بين أفراد المجتمع أو بين فئة من فئاته، ولكنها توجد عند بعض الأفراد من جميع الفئات أو المهن أو الجماعات. وهي تمثل استجابات سلوكية في مواقف معينة، وتتباين بتباين الأفراد والمواقف, وتختلف هذه الاستجابات رغم وحدة الهدف, وتشتمل على: الاهتمامات، والأذواق، والموديلات، والأساليب المنبعة في الإبداع الفني أو الفكري، وترتبط بدرجة رقي المجتمع وتطور الثقافة فيه, وقد ترتقي بعض هذه العناصر إلى مستوى الخصوصيات أو حتى العموميات إذا تمثلها أفراد المجتمع، كما قد تزوي وتختفي كما يحدث في حالات الموضات والتقاليع. "علاء كفافي: 1990، 151-152". الثقافة والنمو الإنساني: يقال: إن الطفل لا يولد شخصًا بل يولد فردًا، ولا يتهيأ له ذلك إلّا نتيجة التأثيرات الثقافية الكثيرة من حوله, فلكي يصبح الفرد شخصًا لا بُدَّ من اكتسابه لغة وأفكارًا وأهدافًا وقيمًا. فالشخص هو من يشارك الآخر في بعض خصائصهم الاجتماعية إضافة إلى انفراده بخصائص تميزه عنهم. فالشخصية لا تتشكل مع ولادة الطفل، وإنما تتحدد بفضل ما يمتصه من مجمل عناصر الثقافة، لذا: فإن هذه الشخصية هي وليدة الثقافة أولًا, فلولا البيئة الثقافية لما تبلورت شخصيات الأطفال؛ حيث تهيئ هذه البيئة أسباب نمو الشخصية من خلال ذلك النَّسق من العناصر التي يتميِّز بها الطفل، ولذا تكون شخصية الطفل صورة أخرى مقابلة لثقافته التي ترعرع في أحضانها إلى حد كبير؛ حيث تعتبر تكوين شخصية الطفل بالدرجة الأولى عملية يتم فيها صهر العناصر الثقافية المكتسبة مع صفاته التكوينية لتشكلا معًا وجوه وظيفية متكاملة

تكيفت عناصرها بعضها مع بعض تكيفًا متبادلًا، لذا: فإن الطفل يعد صنيعة للثقافة إلى حد كبير "هادي نعمان الهيتي: 1988، 39". هذا وتعتبر الثقافة أساسًا للوجود الإنساني بالنسبة للفرد والمجتمع الذي ينتمي إليه، فهي توفر منذ بداية حياته صور السلوك والأفكار والمشاعر التي ينبغي أن يكون عليها, ولا سيما في مراحله الأولى. بالإضافة لذلك: فإن نمو الطفل يتأثَّر بعمليات التنميط الثقافي cultural patterning في المجتمع. فإدراك الطفل وانتباهه وتعليمه ينمو ويرتقي بتأثير ثقافة مجتمعه، وتثري حياة الطفولة بهذه العمليات التي تزداد وتنعقد كلما تعقدت ثقافة المجتمع. ويشير مصطلح أنماط الثقافة إلى أساليب السلوك المرتبطة بحاجة أو وظيفة دائمة في الحياة الاجتماعية؛ فعلى سبيل المثال: أساليب تربية الأطفال وتثقيفهم في مجتمع من المجتمعات تسير وفقًا لنمط ثقافي معين "عبد الرحمن سليمان: 1997، 523".. فعن طريق الأسرة يعرف الطفل ثقافة عصره وبيئته على السواء، ويعرف الأنماط السائدة في ثقافته؛ كأنواع الاتصال: من إشارات ولغة، ويعرف طرقًا لتحقيق الرعاية الجسمية، ووسائل وأساليب الانتقال، وتبادل السلع والخدمات، ونوع الملكية ومعناها ووظيفتها، والأنماط الأسرية والجنسية من زواج، وطلاق، وقربى، ووصاية، ومعايير، وقوانين، وقيم اجتماعية، وأنشطة ترويحية، وأفكار، ومراسيم دينية، وعقائدية، واتجاهات اجتماعية: كالتعاون، والتنافس، والتحيز، والتسامح، والتعصب. والأوساط الثقافية التي يعيش فيها الطفل تختار من البيئة والثقافة ما تراه هامًّا, فتقوم بتفسيره وتقويمه وإصدار الأحكام عليه, مما يؤثر على اتجاهات الطفل لعدد كبير من السنين "مصطفى زيدان: د. ت، 120". ثقافة القرية وثقافة المدينة: والأطفال ينشأون في أوساط ثقافية متباينة في المدينة، في القرية، في العواصم والأقاليم، وفي إطار الشرائح الاجتماعية، الاقتصادية، والثقافات الفرعية

المختلفة في هذه الأوساط، وبالتالي تتباين مؤثرات الوسائط الثقافية المختلفة ما يتوفَّر منها كمًّا وكيفًا. - المدينة قياسًا إلى حجمها تمثل نقيض مجتمع القرية, فبينما تتميز القرية بنطاق مكاني أوسع، تتصف المدينة بالازدحام الزائد, وبينما تكون الأسرة في القرية مركزًا للكثير من المناشط، تقوم المنظمات المتعددة العامة والخاصة في المدينة بالكثير من وظائف الأسرة. - وفي المدينة يحل الاتصال بين الأشخاص أساسًا محل الاتصال بموضوعات الطبيعة والتفاعل معها، مما يفقد الأطفال الكثير من الخبرات الحية. - وفي المدينة تتمركز أساس وسائط الثقافة كمًّا وكيفًا، بينما تعاني القرية الكثير من الحرمان الثقافي، وينطبق ذلك أيضًا على المناطق ذات المستويات الاقتصادية الاجتماعية الأقل في المدينة؛ حيث لا يتوافر المثيرات الثقافية الكافية المحكومة بالظروف الاقتصادية والاجتماعية والثقافية لهذه القطاعات العاملة بالمدينة. "طلعت منصور، عادل الأشول 1976، 76". وعلى الرغم من ذلك: فإن التفرقة بين الحضر والريف في تأثيراتها على النمو وتكوين الشخصية يجب أن يؤخذ بشيء من الحذر؛ حيث يلاحظ أن هناك تغيرات جذرية قد حدثت في ريفنا المصري خلال السنوات الأخيرة بسبب انتشار وسائل الإعلام المسموعة والمرئية، واستخدام الأجهزة الحديثة في داخل المنزل، وسهولة المواصلات، وتيسير سبل اتصال الريف بالمناطق الحضرية، ودخول الميكنة الزراعية بحيث أصبح من الصعب أحيانًا أن نفرِّق بين ما هو ريفي وما هو حضري, كما يجب ألّا نغفل أوجه الشبه بينهما, خاصة إذا كان كلٌّ من المجتمع الريفي والمجتمع الحضري يقعان في قطر واحد, ويتشابهان في اللغة والدين والآداب والعلوم ودور التعليم والتنظيمات السياسية والعقائد التي لا شك تؤثر في ثقافة القرية والمدينة, وإن اختلف شكل هذا التأثير. "حسن مصطفى: 1991، 268".

الثقافة وجوانب النمو: وللثقافة أثرها في نمو الطفل الجسمي والحركي والعقلي والانفعالي والاجتماعي: - فمن ناحية النمو الجسمي: فإن الثقافة توفّر للفرد وسائل إشباع حاجاته البيولوجية، فيتعلّم كيف يجلب لنفسه الدفء، وينقذ نفسه من العطش أو الجوع, أو يوفر لنفسه الأمن, كما أن الثقافة تملي على الأطفال ممارسات معينة كالوشم على الأيدي أو الوجه لدى بعض الجماعات، أو المحافظة على الرشاقة أو العمل من أجل البدانة ... إلخ. بالإضافة لذلك, فإن الجهاز التنفسي يتأثَّر بطرق الناس في ارتداء الملابس أو التهوية أو ممارسة الرياضة, وما إلى ذلك, والجهاز الهضمي يتأثر بطرق طهي الأطعمة وطرق تناولها, وهكذا. - ومن ناحية علاقة الثقافة بالنمو الحركي: فإن هذا النوع من النمو يتدرج من الحركات البسيطة الاعتباطية، مرورًا بالقبض على الأشياء، والمشي، وانتهاء بالحركات القوية والسريعة المتوافقة, وتعتمد سيطرة الطفل على حركاته على مدى نضجه الجسمي وما يكتسبه من مهارات حركية، لذا فإن دور الحضانة ورياض الأطفال والمدراس كوحدات في البيئة الثقافية تعمل على توجيه أنشطة الأطفال الحركية من خلال التدريب, وإثارة دوافعهم إلى الحركات المنظمة. ولقد كان لقدرة الإنسان على تكييف حركات أطرافه وأعضاء جسمه الأخرى دور كبير في إنتاج الكثير من المعالم الثقافية. هذا وتعتبر الطفولة فترة خصبة لاكتساب المهارات الحركية تبعًا لمدى النضج؛ حيث إن مهارات حركية يسهل على الأطفال إجادتها، بينما يصعب ذلك على الكبار. - وبالنسبة للنمو العقلي: فإن النمو العقلي يرتبط فيه الذكاء بالنجاح في التكيُّف مع البيئة الطبيعية والثقافية، والذي يقاس بالقدرة على حل المشكلات، أو بقياس ما لدى الطفل من مهارات ترتبط في الوقت نفسه بما يتعلمه الإنسان من بيئته الثقافية؛ إذ يتأثَّر بتلك البيئة وبمدى ما تقدمه من عناصر. فالوكالات الاجتماعية التي يحيا فيها الطفل؛ كالأسرة والمدرسة وجماعات اللعب ذات تأثير في ذكائه.

كذلك تتأثر جمع العمليات المعرفية بالحيز الثقافي وما يهيئه للأطفال من ظروف, فما يكتسبه الطفل من خبرات ومهارات تفعل فعلها في رسم المعالم الإدراكية للأطفال, وفي توجيه تخيلاتهم نحو الأشياء، وفي تحديد أنماط ومجالات تفكيرهم. ومن ثَمَّ فإن البيئة الثقافية تعد عاملًا من عوامل تفتُّح ذكاء الأطفال وعملياتهم المعرفية العقلية, أو عامل كبت لها. - وفي مجال النمو الانفعالي الذي يعني: قدرة الطفل على استخدام انفعالاته استخدامًا بنَّاءً، فإن الثقافة تلعب دورها الكبير في ذلك. فالانفعالات هي ظواهر نفسية اعتيادية، ولكنها تميل إلى الانحراف عندما تتحول إلى اضطراب انفعالي, حين تئول الاستجابات إلى ما هو غير متناسق، أو حينما تؤدي بالطفل إلى أن يسلك سلوكًا انفعاليًّا ضارًّا بنفسه أو بالآخرين؛ حيث إن الانفعال هو استجابة يبديها الطفل عند تعرضه لموقف مثير، وإدراكه له بشكل من الأشكال، واستجابات الطفل الانفعالية لها علاقة وثيقة بتحديد نوع السلوك. ومن المعلوم أن البيئة لها أثرها في إكساب الطفل نوع وطبيعة الانفعالات وفي تطويرها أو تعديل مظاهرها, وفي طرق النزوع والتعبير عنها. ومعروف أن مجموعة من انفعالات الطفل المتجانسة كثيرًا ما تنتظم في موقفٍ ما ينتج في كل حالة من هذه الحالات ما يسمَّى "بالعادات الانفعالية"؛ كالعواطف، والميول، والاتجاهات النفسية. ولهذه العادات تأثيرها في السلوك من جهة، وفي امتصاص الأطفال للثقافة من جهة أخرى، باعتبارها المداخل الأساسية للمضمون الثقافي، إضافة إلى كونها جزءًا من بنيان ثقافة المجتمع وثقافة الأطفال معًا، ويؤلف ما يتوافق مع عادات الأطفال في المضمون الثقافي منها أو حافزًا لقبول الأطفال له. ويتخذ الطفل من عواطفه معيارًا يقيم على أساسه بعض المواقف أو الأشياء أو الأشخاص في الغالب؛ حيث إن العواطف تقوم على أساس شخصي لا عقلي، وكذا الحال بالنسبة للميول.

أما الاتجاهات النفسية التي تمثل حالة استعداد ذهني نحو الأشياء أو الأشخاص أو الأفكار, فإنها هي الأخرى تكتسب من البيئة عن طريق الخبرة والتعلّم، وهي تؤثر في سلوك الطفل بما في ذلك إدراكه لما حوله من مثيرات ثقافية واجتماعية. وهنا لا بُدَّ من الإشارة إلى أنَّ ما يكتنف الثقافة من ظروف غير اعتيادية كالقوة أو الخوف الشديد أو القلق تؤثر تأثيرًا سالبًا في النمو الانفعالي للأطفال. لذا: فإن وسائل ثقافة الأطفال تعمل على إبعاد شبح هذه الظروف عن الأطفال. أما بالنسبة لعلاقة الثقافة بالنمو الاجتماعي للطفل: فيمكن القول: إنه ما دام الطفل يحيا في ثقافة هي بيئة اجتماعية قوامها الوحدة الاجتماعية الأولية المتمثّلة في الأسرة والجيران وجماعات اللعب، والجماعات الثانوية المتمثلة في المدرسة وغيرها من تنظيمات المحتمع، فإن الطفل يتفاعل مع مفردات هذه الوحدات, ويكتسب بعض عاداتها وقيمها ومعاييرها وأفكارها وأوجه سلوكها الأخرى مما ينقله إلى كائن اجتماعي "هادي نعمان: 1988، 44-478". فالثقافة السائدة في كل جماعة من هذه الجماعة تفرض مطالب معينة على أطفالها وفقًا لنظمها السلوكية الخاصة؛ كالتعضيد، والإثابة، والتزبيب، والتغذية، والطاعة، والألفة، والمعاشرة، والإنجاز ... إلخ. وبتطور نمو الطفل تقوم الثقافة بفرض توقعات معينة على أطفالها من ناحية العناية بالذات, والإسهام في حياة الجماعة، والاستقلال الاقتصادي، وتكوين نظرة إلى الحياة, وبالرغم من أنَّ التدريب على الاعتماد على الذات وما يرتبط به من فلسفة الثواب والعقاب يمثل مشكلات عالمية، ولكن الدرجة التي نتوقع بها هذا النمط السلوكي من الأطفال في سن معنية تختلف من مجتمع لآخر. "طلعت منصور، عادل الأشول: 1976، 73-74". هكذا يتضح أن البيئة الثقافية التي يحيا الطفل في وسطها تطبعه بطابعها, وتنعكس صورتها في نموه من جميع جوانبه. 4- البيئة الاجتماعية: يقصد بالبيئة الاجتماعية: مجموعة التفاعلات القائمة بين الفرد والجماعات التي ينتمي إليها في السياق الاجتماعي؛ إذ تعتبر شخصية الفرد نتاجًا لعملية

التفاعل بين الفرد وبيئته الاجتماعية, من خلال عملية التنشئة الاجتماعية التي تعتبر من أهم العمليات الاجتماية في تأثيرها على نمو الفرد على الإطلاق؛ إذ يؤثر نموذج الحياة الاجتماعية وأشكال العلاقات بين أفراد الجماعة وما يشيع بينهم من عادات وتقاليد وقيم، وما يعيشونه من نظم تنسق هذه العلاقات الاجتماعية في تشكيل بعض الخصائص العامَّة للشخصية. "عبد الرحمن سليمان: 1997، 524". ومن بين عناصر البيئة الاجتماعية: الأسرة، والمدرسة، وجماعة الرفاق. أ- الأسرة "البيئة الأسرية": تعتبر الأسرة أهم عناصر البيئة الاجتماعية، وهي الممثلة الأولى لثقافة المجتمع الذي يعيش فيه الفرد وأقوى الجماعات تأثيرًا في سلوكه، وهي التي تسهم بأكبر قدر في الإشراف على النمو الاجتماعي للطفل وتكوين شخصيته وتوجيه سلوكه, فهي التي تصبغ سلوك الطفل بصبغة اجتماعية, وتؤثر في توافقه النفسي أو سوء توافقه، وهي النموذج الأمثل للجماعة الأولية التي يتفاعل الطفل مع أعضائها وجهًا لوجه, ويتوحَّد معهم, ويعتبر سلوكهم نموذجًا يحتذيه. شكل "37" العلاقة التفاعلية المتبادلة للبيئة الاجتماعية في تأثيرها على الطفل. ومن أهم العوام المحددة لدور الأسرة في نمو الطفل وتأثيرها في تكوين شخصيته ما يلي: 1- أساليب التنشئة الأولى: تلعب أساليب التنشئة الأولى التي يتلقَّاها الطفل في السنوات المبكرة من حياته جزءًا هامًّا من جوانب نموه, ومن هذه الأساليب:

الرضاعة: تشكل الرضاعة أول علاقة انفعالية للرضيع مع الآخرين وأهمهم الأم؛ حيث يشبع ثدي الأم جوع الطفل, ويحمل معه الحب والعطف والطمأنينة, ومن ثَمَّ ذهب "فرويد" إلى تسمية المرحلة الأولى من نمو الطفل "المرحلة الفمِّية"، فالطفل إما أن يحصل على غذائه بوفرة فيشعر بالراحة والطمأنينة, أو يحصل بتغير وتقتير فيشعر بالضيق وعدم الاستقرار، ولذا: فإن سلوك الأم بالنسبة لطفلها هي التي تحدد اتجاهه نحو العالم, ومن ناحية أخرى ذهبت المدرسة السلوكية إلى الإشارة إلى أنَّ الرضيع الذي يترك حتى ينهار من كثرة البكاء قد يشعر بعجزه عن التأثير في بيئته, فيكف عن الانفعال ويصبح شخصًا جامدًا لا شعور له، وإذا ترك الرضيع في مكانٍ هادئ وهو يعاني من آلام الجوع, فإنه حينما يكبر يحاول مقاومة السكون فيقوم بالجلبة والضوضاء, ما يثير غضب الوالدين, ويشعر الطفل بأنه غير مرغوب فيه. أما الطفل الذي تسرع بتلبية رغباته كلما طلب, فإنه يصبح طفلًا مدللًا ينتظر من البيئة أن تلبي جميع طلباته. وهناك اتجاهات مختلفة نحو أساليب الرضاعة؛ كتغذية الطفل كلما أدبى رغبة في ذلك، ومنها أيضًا: إخضاع الطفل لجدول تغذية صارم كل ثلاث ساعات، وهناك من يتبع جدولًا مرنًا في تغذية وإرضاع الطفل, وهناك من الأمهات من تسعى إلى إرضاع الطفل رضاعة طبيعية، وهناك من يرضعن أطفالهن رضاعة صناعية, وفي جميع الحالات الذي يهمنا في نمو الطفل هو موقف الأم في التغذية التي يجب أن تجعل موقف التغذية موقفًا سارًّا يجعل الطفل يستمتع بالهدوء والاسترخاء أثناءه, بما يمضي بالرضيع إلى حسن التوافق الانفعالي والاجتماعي "هدى برادة، فاروق صادق: 1988، عماد الدين إسماعيل: 1986". الفطام: هو منع الثدي عن الطفل، ويتمّ ذلك في نهاية العام الأول, أو فيما بين العام الأول ونهاية العام الثاني، ويجب ألّا يؤجل إلى ما بعد العامين, حتى لا تتشبث العادات الطفلية لدى الطفل, ويعاق النمو الطبيعي، ومن المفضَّل أن يتم بطريقة تدريجية ابتداء من الشهر السادس؛ حيث تستبدل الأم رضعة من الرضعات بغذاء

خارجي وتبدأ الأطعمة في الصلابة تدريجيًّا حتى يستطيع الطفل الاعتماد على الأطعمة الخارجية, فلا يتسبب الفطام ومنع الثدي عن الطفل في إصابته بصدمة نفسية شديدة. وقد أشارت مدرسة التحليل النفسي إلى مساوئ الفطام المبكر، مشيرة إلى أن بعض أنواع الفطام وبعض الأساليب اللاتوافقية مثل مص الأصابع أو قضم الأظافر يكون ارتدادًا نكوصيًّا إلى المرحلة الفمّية. أما عن أساليب الفطام: فقد تلجأ بعض الأمهات إلى وضع مادة مرة على الثدي لمنع الطفل من الرضاعة مما يحدث صراعًا لدى الطفل تجاه الأم؛ حيث يتجه بشعور ثنائي تجاه الثدي, فهو يحبه ويكرهه في آنٍ واحد, ويعمم الطفل هذا الشعور على الأم, ويشعر بعدم الثقة تجاه الناس. أما عن الفطام بإبعاد الطفل عن المنزل وإرساله إلى أحد الأقارب لفترة من الزمن لينسى الثدي والرضاعة, فإن تجربة الانفصال عن الأم يلحق أضرارًا بالغة بالحالة الانفعالية والمزاجية للطفل. "هدى برادة، فاروق صادق: 1988، عماد إسماعيل: 1986". ضبط الإخراج: إن مواقف تدريب الطفل على ضبط الإخراج من مواقف التنشئة الأولى الهامة في حياة الطفل, ويتفق الأخصائيون على أن التدريب يتم بصورة أفضل حين يبلغ الطفل الشهر الثامن عشر وما بعده، حيث يكون الجهاز العضلي العصبي قد وصل إلى درجة من النضج يجعل الطفل قادرًا على القيام بعملية التآزر والتكيف لمطالب المجتمع, وفهم تعليمات الأم نحو ضبط الإخراج. والمهم عادةً في نمو الطفل ليس زمن بدء التدريب على ضبط الإخراج, بل الطرق الصحيحة في تدريب الطفل التي يجب أن توفر فيها الأم الحنان والاهتمام, وتجنب إحساس الطفل بالألم، وإعطائه إثابة كافية من الحب والحنان حينما ينجح في كف عملية الإخراج, إلى أن تتمَّ في المكان المناسب, وأن تكون الأم ملاحظًا جيدًا لطفلها؛ حيث تبدأ العلامات الدالة على حاجة الطفل للإخراج, فتصطحبه إلى دورة المياه ليقضي حاجته, مما يقوي الارتباط بين الحاجة للإخراج والمكان الذي يتم فيه هذه العملية.

وقد أشارت مدارس علم النفس إلى الآثار السلبية على شخصية الطفل من جراء الشدَّة والصرامة إزاء التدريب على ضبط الإخراج، فقد أشارت مدرسة التحليل النفسي إلى أنَّ الخبرات السيئة التي يواجهها الطفل في المرحلة الشرجية من نموِّه تؤدي إلى ارتباطها بأنماط سلوكية غير سوية, وينمي ما أطلق عليه "فرويد" الشخصية الشرجية" التي تتسم بعدة سمات منها: التغيير أو المنع، والبخل، والتقتير، والاهتمام المبالغ بالنظافة، والنظام المبالغ فيه، والعناد، والجمود، وقد تتخذ صورة السلوك الاستبعادي أو التبذيري، والإهمال والقذارة، وعدم النظام في الملبس, ويتوقّف اتخاذ أي من الصورتين على أسلوب الأم في تدريب الطفل على الإخراج. أما المدرسة السلوكية فقد أشارت إلى الصعوبات التي يواجهها الطفل إزاء عملية التدريب, وإلى آثار القسوة التي تتبعها بعض الأمهات. - فمن الصعوبات أننا نطلب من الطفل أن يقوم بفعل منعكس مضاد للاستجابة الطبيعية, كما نطلب من الطفل أن يقطع نومه، ونطلب منه التمييز بين الأماكن المخصَّصة لعملية الإخراج وغيرها, ويمشي إلى المكان المناسب، وأن يفك إزاره ويجلس على المقعد, وهذه كلها عمليات ومطالب غامضة وصعبة بالنسبة للصغير, فلا يفهم تعليمات الكبار ويتعرَّض للخطأ, ومن ثَمَّ إلى عقابهم. - أما عن القسوة التي يتبعها الكبار في تدريب الطفل على ضبط الإخراج فينتج عنها: - الإدراك السلبي للأم: فيحول الطفل تجنبها ويهرب إلى أماكن بعيدة حتى لا تراه. - الاضطرابات الانفعالية الناتجة عن العقاب, فيتجه بعدوانه إلى الشخص القائم بالتدريب, فيقوم بالعض أو الرفض، والخوف المرتبط بالمكان الذي عوقب فيه, الذي يعمّم إلى الأماكن الأخرى، وقد يؤدي ذلك إلى تثبيت التبول اللإرادي. - اضطرابات الشخصية: حينما يشعر الطفل بأنه مذنب، لا يستطيع أن يرقى إلى مطالب الوالدين، وأنه أقل كفاءة وجدارة، أو أنه غير مرغوب فيه،

والجبن المفرط, فيصبح خجولًا حذرًا لا يستطيع المبادأة أو الإبداع "هدى برادة، فاروق صادق: 1988" مواقف النوم: ويدخل في ذلك ردود أفعال الوالدين إزاء موعد نوم الأطفال, والأساليب المتبعة معهم في ذلك, خاصة إذا لم يلتزم بالمواعيد المحدَّدة لذلك, وتتراوح ردود أفعال الوالدين بين استخدام العقاب أو التهديد أو ترك الطفل وشأنه، أو النضج والإرشاد, وقد يلجأ الوالدان في الطبقات الدنيا إلى أسلوب التهديد والتخويف أو ترك الطفل وشأنه, أما الوالدان من الطبقة الوسطى فإنهما يلجآن إلى أسلوبي تهيئة الجو المناسب لنوم الطفل, وكذلك إلى النصح والإرشاد اللفظي. 2- أساليب المعاملة الوالدية: يقصد بها: الأساليب والإجراءات والطرق التي يتبعها الوالدان في تطبيع أو تنشئة أبنائهما اجتماعيًّا، أي: تحويلهم من مجرَّد كائنات بيولوجية إلى كائنات اجتماعية، وما يعتنقاه من اتجاهات توجّه سلوكهما في هذا المجال, وقد أصبح من المسلَّم به في الوقت الحاضر لدى علماء النفس والصحة النفسية أن هذه الأساليب تترك أثارها سلبًا أو إيجابًا في شخصية الأبناء. ومن أساليب المعاملة الوالدية أكثر شيوعًا, تلك الأساليب القطبية التي تسير على متصل من الأساليب السوية وغير السوية؛ حيث إن هذه الأساليب في تقسيماتها ليست مطلقة, بل قد يتلاقى بعضها وتقترب بعضها من بعض, ويندمج بعضها في الآخر, وفيما يلي أشهر أساليب المعاملة الوالدية: - أسلوب الديمقراطية/ الأوتوقراطية. - أسلوب الاستقلال/ الاعتمادية. - أسلوب الحرص/ الإهمال. - أسلوب القبول/ الرفض. - أسلوب التسامح/ القسوة.

- أسلوب الواقعية/ عدم الاتساق. - أسلوب التحرر/ المحافظة. - أسلوب تشجيع الإنجاز/ إعاقة الإنجاز. - أسلوب الحزم/ الحماية والتدليل. - أسلوب القدوة الحسنة/ إنعدام القدوة. "حسن مصطفى، 1991". ومن المعلوم أن إدراك الطفل أن والديه يعاملانه معاملة طيبة، ويعطيانه الحرية، ويلبيان رغباته في معظم الحالات, وفي هذه الحالة يشعر الطفل بحب والديه الثابت والدائم له, كما يشعر بالدفء الأسري والعلاقات الحانية من جانب والديه. وفي هذا الأسلوب من المعاملة لا يفرّق الوالدان بين الإخوة، ولا يلجأون كثيرًا إلى العقاب البدني، ولا يأتيان تصرفات تقلل من شأن الطفل، ولهما موقف ثابت في المعاملة, وإذا حدث وعوقب الطفل فإنه يعاقب عقابًا يتناسب مع الخطأ الذي ارتكبه، ويكون الطفل مقتنعًا بالعقاب لمعرفته بالسبب. "علاء الدين كفافي: 1990، 240". أما الأساليب غير السوية فإنه ينتج عنها شعور الطفل بعدم الأمن، وشعوره بالوحدة ومحاولة جذب انتباه الآخرين، والسلبية، والخضوع، والشعور العدائي، والتمرد، وعدم القدرة على تبادل العواطف، والخجل، والعصابية، وسوء التوافق. وتؤدي الحماية الزائدة إلى عدم قدرة الطفل على مواجهة الضغوط البيئية ومواجهة الواقع، والخضوع، والقلق، وكثرة المطالب، وعدم الاتزان الانفعالي، وقصور النضج، والأنانية, ويؤدي التدليل إلى الأنانية، ورفض السلطة، وعدم الشعور بالمسئولية, وعدم التحمل, والإفراط في الحاجة إلى انتباه الآخرين, في حين يؤدي التسلط والسيطرة إلى الاستسلام والخضوع، أو التمرد، وعدم الشعور بالكفاءة، ونقص المبادأة، والاعتماد السلبي على الآخرين, وقمع وكبت استجابات النمو السلبية، وعدم التوافق مع متطلبات النضج. أمَّا المغالاة في المستويات الخلقية المطلوبة فإنها تؤدي إلى الجمود، والإحساس بالإثم، واتهام الذات، وامتهانها, كما أن فرض النظم الجامدة وكثرة النقد ينتج عنه المغالاة في اتهام الذات، والسلبية، وعدم

الانطلاق والتوتر والسلوك العدواني. ومن مشكلات التضارب وعدم الاتساق في النظم المتَّبعة مع الطفل أن يشعر بعدم تماسك القيم لديه وتضاربها، وعدم الثبات الانفعالي، والتردد في اتخاذ القرارات. "حامد زهران: 1974، 20". هذا، وسوف نتناول أساليب المعاملة الوالدية وأثرها في نمو الطفل تفصيلًا في الجزء التالي من هذا الكتاب. 3-نوع الرعاية الوالدية: إذا كانت الأسرة هي مسرح التفاعل الذي يتم فيه النمو والتعلُّم، وهي العالم الصغير الذي تتكون فيه خبرات الفرد منذ طفولته: عن الناس والأشياء والمواقف، كما أن البيت هو حماه وملاذه الذي يلجأ إليه بلهفة وتعلق، وأن العلاقة بالوالدين وما بها من روابط حميمة واتصالات حارة عميقة، وتفاعل مشحون بالانفعال، وتبادل عواطف مشبوبة بالتعلّق، مهما اختلفت أساليب الوالدين في معاملة الأبناء، تظل هذه العلاقات هي مصدر الإشباع النفسي للأبناء، وعلى شاكلة الوالدين تتكون شخصيتهم. "كمال دسوقي: 1979: 235، 336". أما في حالة الحرمان من أحد الوالدين فإن ذلك يؤثر تأثيرًا بالغًا على تكوين شخصية الطفل, ولقد بينت الدراسات أن الحرمان المبكّر من الأم يعوق تكوين الإحساس بالثقة في الآخرين, وقد يدفع الطفل إلى الانزواء وعدم الاكتراث وعدم القدرة على إنشاء علاقات إنسانية متوازنة مع الآخرين, وقد أوضحت الدراسات التي تمت على أطفال المؤسسات والملاجئ أن هؤلاء الأطفال يعتقدون أنهم غير مرغوب فيهم, وقد ينمي لديهم هذا المفهوم عن ذواتهم اتجاهات خنوعية استسلامية, أو اتجاهات عدوانية ضد الآخرين كرد فعل انتقامي. "علاء الدين كفافي: 1991، 213-214". ومن ناحية أخرى: فإن الأطفال في الأسر المتصدَّعة بسبب الطلاق غالبًا ما يشعرون بعدم الانسجام الأسري, وسوء العلاقة بين الوالدين التي انتهت بالطلاق؛ حيث كان يكثر بينهما الشجار والعراك والصراخ, ونبذ كل منهما للآخر، وإعلان كلاهما عن عدم رضاه عن حياته الزوجية, وفي مثل هذه الظروف يشعر الأبناء

بالتهديد وعدم الطمأنينة، ويتعرَّضون للنبذ والعقاب وعدم إشباع الحاجات الجسمية والنفسية، مما يشيع لديهم حالة من التشتت وغموض الدَّوْر وعدم القدرة على اتخاذ قرارات فيما يختص بشئونهم الخاصة. وحتى بعد الطلاق يعيش الابن خبرات قاسية عندما يعيش مع أحد الأقارب, ويحرم من كلا الوالدين، أو يعيش مع أم غير مستقرة بعد طلاقها، أو مع أبيه وزوجته, ويتعرض لخبرات التفضيل والغيرة من إخوته لأبيه، أو يشعر بانعدام الأمن إذا تزوَّدت أمَّه من آخر، فيدرك النبذ وعدم التقبل. "كمال مرسي: 1979، 282، حسن مصطفى: 1991". وأخيرًا: فإذا كان الوالدان أو أحدهما غير سوي ويعاني من اضطرابات سلوكية, فإنه لا يستطيع أن يثير الطفل ويوفر لديه التدعيمات المناسبة للسلوك الإيجابي، كما أن ردود فعل الآباء المنحرفة تعوق محاولات الطفل في التوافق فيما بعد، وتعوق اكتسابه الأساليب السلوكية الصحيحة، بل قد يكتسب الأساليب السلوكية المنحرفة الماثلة أمامه. 4- المستوى الاقتصادي الاجتماعي للأسرة: يقصد به: جملة النشاطات والممارسات التي يقوم بها الوالدان كانعكاس لدرجة تعليمهما وعنايتهما بثقافة الأبناء، وتتجلَّى في تشيجع الأطفال على ممارسة النشاطات الثقافية, بالإضافة إلى مستوى دخل الأسرة وانعكاساته على تنمية قدرة الأسرة على اقتناء العديد من الأدوات الثقافية، وممارسة الأنشطة الثقافية، وقدرة الأسرة على الإنفاق المناسب على الأطفال في المستويات التعليمية المختلفة. "عبد الباسط خضر: 1983". ومن المعلوم أن الأطفال الذين ينتمون إلى أسر ذات مستوى اقتصادي اجتماعي مرتفع, تتهيأ لهم إمكانات من الرعاية الجسمية والعقلية والانفعالية قد لا تتاح لأقرانهم الذين ينتمون إلى أسر أقل في المستوى الاقتصادي والاجتماعي: - فالأبناء الذين ينتمون إلى أسر مرتفعة المستوى الاقتصادي والاجتماعي تتاح لهم فرص أكبر لممارسة الأنشطة التي تساعد على تفتُّح ونموّ الشخصية؛ حيث تتعدد الخبرات وتتنوع ظروف التنبيه والاستثارة تبعًا لما يتاح لهم من فرص للتعبير

عن أفكار جديدة, أو عن أفكار شائعة بأساليب وتكوينات مبتكرة، وتشجيعهم على التعبير عن تخيلاتهم وفضولهم، وعلى القيام بالأعمال الصعبة أو المألوفة لمن في عمرهم, ولكن دون قهمر أو إجبار، كما يتم ذلك دون تعرضهم للحماية الزائدة أو الإسراف في التدليل من الوالدين، مع وجود الثقة والحب المتبادل القائم على الفهم وحرية الاختيار المعقولة التي يتيحها الوالدان للأبناء. "عبد الرحيم محمود: 1980". وهذا من شأنه مساعدة الأبناء عند الاقتراب من الرشد على أن يكونوا أكثر قدرة على استكشاف البدائل المتاحة في المجالات المهنية والفكرية, واتخاذ قرارات واضحة والالتزام بها. - أما الأطفال الذين ينتمون إلى أسر ذات مستوى اقتصادي واجتماعي منخفض, فإن نصيبيهم من التنبيهات الذهنية أو العقلية التي يقدمها الراشدون تكون محدودة للغاية، ويكونون أقل احتمالًا أن يتعرضوا للتعرُّف على معلومات جديدة مثل أقرانهم في الطبقات الأخرى, أو يعرفون النظام مثلهم, أو أن يتعلموا أنَّ سلوكهم له آثار ونتائج معينة. "محمود أبو النيل: 1987، 23". 5- حجم الأسرة: فلا شَكَّ أن الأسرة كبيرة العدد لا تكفل لأبنائها الرعاية الجسمية والنفسية بنفس الدرجة التي تكلفها الأسرة صغيرة العدد, مما يؤثر في سرعة نموهم, فقد ثبت أنه: - في الأسرة صغيرة الحجم: تزداد قدرة الوالدين على تكريس الوقت والانتباه الكافيين لكل من الأبناء وقدراتهما على إعطاء كل واحد نفس المزايا، مع سيادة التحكّم الديمقراطي في العلاقات الأسرية، ويظهر التسابق بين الأبناء في التحقق الدراسي والاجتماعي، ويميل الوالدين لمقارنة تحصيل الصغير بتحصيل أقرانه. - وفي الأسر متوسطة الحجم: فإنه بزيادة حجم الأسرة يظهر التحكم الوالدي بصورة أكثر استبدادية, ويمنع الأبناء من الصداقات الخارجية، وتتركَّز ضغوط الوالدين للتحصيل عادةً على السابقين في الترتيب الميلادي، وتبدأ الأحقاد في الظهور في سلوك الأبناء، مع عدم قدرة الوالدين على تهيئة المزايا ورمزيات المركز لأبنائها.

- أما في الأسر كبيرة الحجم: فتظهر الاحتكاكات الزوجية الراجعة لوجوب التضحيات الشخصية والمالية، وتتعيّن الأدوار بمعرفة الوالدين لضمان انسجام وكفاءة الأسر، ويظهر التحكم الاستبدادي لتجنب الارتباك والفوضى، وغالبًا ما تستنكر الصدامات الخارجية, وتكثر الاحتكاكات والمشاحنات بين الأشقاء، ويظهر عجز الوالدين عن إعطاء الأبناء المزايا ورمزيات المركز التي لدى نظرائهم. "كمال دسوقي: 1979، 340-341". 6- جنس الطفل: تتأثر التنشئة الأسرية بجنس الطفل وترتيبه الميلادي، وينعكس ذلك على نموه النفسي وتكوينشخصيته, وتحدد ثقافة أي مجتمع أدوارًا معينة لنوع الجنس "ذكر أو أنثى", فيتوقع المجتمع من كل فرد دورًا وفقًا لجنسه: سلوكًا واتجاهات وخصائص شخصية معينة، بل إن كثيرًا من أنماط السلوك التي يعتقد أنها النتاج الوحيد للفروق البيولوجية في الجنس تتأثَّر بالفعل بدرجة كبيرة بالتوقعات الثقافية. فالإناث يفضِّلن الألعاب والمناشط التي تتسم بالهدوء من الذكور، وهنَّ يسلكن بالطريقة التي نتوقعها منهن، ونعبر عن عدم استحساننا إذا لم يسلكن وفقًا للأنماط التي تحددها لهن ثقافة المجتمع -وكذلك الحال بالنسبة للذكور. والإناث في مجتمعنا ما زلن يشغلن -عادة- مركزًا أدنى من مراكز الذكور "خاصة في الطبقات الوسطى والدنيا", ليس فقط فيما يحصلن عليه من الحب والرعاية، ولكن أيضًا فيما يوفَّر لهنَّ من فرص الحماية المادية، وتحرم من الدفع والحفز، ويتعرضن لمشاعر العجز, مما يؤدي إلى كف الارتقاء النفسي للفتاة، ومن ثَمَّ يكون أداؤها العقلي والفعلى أقل مما كان عليه لو توافرت لهنَّ فرص استثارته وتحقيقه، فضلًا عن هذا تحرم الإناث من فرص التجربة والخطأ المؤدية إلى انفتاح الخبرة في التفاعل مع الذات والواقع. ويزيد الواقع فقرًا بالنسبة للإناث أن إنجازهن الفعلي المتواضع -وهو أقل مما تؤهلهن له استعداداتهن- لا يستثير قلق أهلهن مثل الذكور، ومن هنا تظل بيئتهن غير حافزه ولا مثيرة, ومنذ الطفولة وحتى الشباب تدفع الإناث في طريق غير ذلك الذي يحفز الإناث على سلوكهنَّ، ويتم إعدادهن لدور سلبي في الحياة هو الزواج، وتصرف كل المؤثرات الأسرية

للإناث عن تحقيق الذات في الدراسة والنشاط الاجتماعي أو العمل أو غيرها، إلى تأهيل أنفسهن للزواج مما يحد من طموحاتهن في الدراسة, ونشاطهن اليومي, ومشروعاتهن المستقبلية. "عزت حجازي: 1979، 273". إلى جانب ذلك: تعاني الإناث الصراع أكثر من الذكور فيما يتعلق بالسعي إلى الاستقلال, فالذكور يحصلون عليه تدريجيًّا، وتسمح لهم أسرهم بالخروج من البيت متى يشاءون, ويتصرفون كيف يشاءون، أما الإناث: فإنهن يحرمن من هذا كله؛ لأن إشراف الأسرة عليهن يزداد كلما كبرن ونضجن، كما يكتنف فهم الإناث لدورهنَّ ومركزهن الاجتماعي في الرشد الكثير من الغموض، فهنَّ غير متيقنات مما سيقمن به عندما يرشدن, هل سيقمن بدورهن التقليدي كإناث يعملن ربات بيوت، وزوجات وأمهات للأطفال، أم أنهن سيقمن بدروهن الحضاري: يعملن ويكسبن وينتجن. "كمال مرسي: 1979، 273". 7- الترتيب الميلادي للطفل: فترتيب الطفل بين إخوته وأخواته يجعل لكل منهم بيئة سيكلوجية مختلفة عن بيئة الآخر، وهذا التباين في البيئات يأتي من أنَّ التفاعل بين الوالدين وكل ابن من الأبناء يختلف حسب موقعه بالنسبة لهما. فتفاعلهما مع الطفل الأول يختلف عن تفاعلهما مع الطفل الأوسط، وتفاعلهما مع الأوسط ليس كتفاعلهما من الأخير أو الأصغر. كما أن الطفل الوحيد يختلف عن بيئة الآخرين من الأطفال ذوي الأشقاء, كما أن الطفل الذكر وسط مجموعة من الأخوات الإناث، والبنت وسط مجموعة من الإخوة الذكور, يكون لهنَّ وضعًا خاصًّا متميزًا. "علاء الدين كفافي، 1990، 210". - فالطفل الأول أو الأكبر في الأسرة: يمثل التجربة الأولى للوالدين، ويكون عادة محطَّ آمالهما وتطلعاتهما، وقد يدفعهما هذا إلى تدليله أو القسوة عليه, أو إعطائه حقوقًا لا يتمتع بها باقي إخوته التالين له، ويزيد من تعقّد وضعه, فإنه لا يجد في الأسرة من يحذو حذوه في مواجهة مشكلات ارتقائه. "عزت حجازي: 1985، 229", ومن هنا: فإنه يحاول جاهدًا الاحتفاظ بعرشه ومكانته في محيط الأسرة.

ولتحقيق هذا: فإنه يبذل كل طاقته النفسية من أجل التفوق والسيادة والنجاح في المجالات المختلفة؛ لكي يبرهن لمن حوله على قوته وتفوقه, وأنه جدير بالعرش حتى ولو انضمَّ إلى الأسرة مولودًا جديدًا أو أكثر. "رشاد عبد العزيز: 1990، 75". وعلى ذلك: فإن الطفل الأوَّل يكون في وضع فَرِيدٍ، ويظلَّ الملك المتوّج على عرش الأسرة في الفترة التي يكون فيها وحيد والديه، ثم يتعرض للإبعاد عن العرش عند ولادة الطفل الثاني, وهو عندما يتعرض لهذه الأزمة يحاول أن يستعيد انتباه ورعاية والديه بشتَّى الأساليب التي قد يكون بعضها عدوانيًّا، أو استعطافيًّا, أو يحارب من أجل استعادة حب الأم واهتمامها. ومع ذلك: فإن الطفل الأكبر قد تُفْرَض عليه بعض المسئوليات فيما بعد، حتى لو كانت أنثى، كأن يساعد في تربية إخوته، ويلعب دورًا شبيهًا لدور الوالد "أو الوالدة" بالنسبة لهم, وبعضهم ينمي قدرة جيدة على القيادة والتنظيم. "علاء الدين كفافي: 1990، 211". - أما الطفل الثاني: فإنه يشعر بوجود منافس له يفوقه في النمو، ومن ثَمَّ يشعر بمشاعر الحسد أحيانًا, ويخاف من التجاهل والإهمال، خاصة عندما يدرك الفارق في المعاملة الوالدية؛ حيث تعطى له اللعب القديمة بعد أن يكون أخوه الأكبر قد استلمها جديدة واستعملها، وتعطى له كذلك ملابس أخيه القديمة بعد أن تصبح غير صالحة للاستعمال إلّا قليلًا، والذي يزيد الموقف سوءًا ميلاد طفل ثالث في الأسرة يصبح موضع رعاية جديدة من الوالدين، فيقل تبعًا لذلك مقدار الرعاية التي كانت موجهة إليه، فهنا يصبح الطفل الثاني طفلًا أوسط interbetwen child, أي: إنه يكون مهاجمًا من الأمام ومن الخلف، ومن ثَمَّ فهو يتطلع دائمًا إلى أخيه الأكبر, ويحاول التشبه به ومناقشته كلما سنحت له الفرصة، وإذا تعذَّر عليه ذلك يلجأ إلى نقده والحقد عليه ومحاولة الإيقاع به. "مصطفى فهمي: 1979، 168".

- أما الطفل الأخير أو أصغر الإخوة: فإنه وإن كان يحظى بكثير من العطف والحماية, فإن الجميع يعتبرونه صغيرًا مهما كبر، ويلزمونه بطاعة إخوته الأكبر منه، ولا يشركونه كثيرًا في مسئوليات الأسرة؛ لاعتمادهم على من أكبر منه وأقدر على تحمل هذه المسئوليات، ومن هنا يشعر الطفل الصغير بالدونية وعدم القدرة على التفوق على إخوته؛ لأنهم أكبر منه وأقوى منه، ومتقدمون عليه. "كمال مرسي: 1979، 280". وإذا كان الطفل الأصغر هو الأخير, فإن مركزه ثابت دائمًا, فيظل مثلًا مدللًا من الجميع ولا يخشى فقد مركزه، وغالبًا ما يجد في إخوته الأكبر من يأخذ بيده ويوجهه ويعطف عليه، وغالبًا ما يعتبر الطفل الأخير أخاه الأكبر كأب بديل، خاصة إذا كان الأب قد تقدَّمت به العمر، أو تعرض للمرض، أو توفي, وما إلى ذلك. - ومن ناحية أخرى: فإن الطفل الوحيد في الأسرة: ليس له منافس، ومن ثَمَّ فهو يكون هدفًا لتدليل الوالدين، وخاصة الأم التي تخاف أن تفقده فتحيطه برعاية زائدة، ويكون بؤرة الاهتمام، ومن ثَمّ فإنه يكون محدود البيئة, ويكون تفاعله دائمًا مع الكبار, فيحرم من التفاعل الاجتماعي مع الأطفال في مثل سنه "خاصة قبل سن المدرسة". هكذا: وبعد هذا العرض للبيئة الأسرية باعتبارها إحدى البيئات الاجتماعية التي يعيش فيها الطفل, ويكتسب مقومات نموه, يتضح أن هذه البيئة لها أثر واضح في النمو النفسي للطفل، ومن ثَمَّ فهي تؤثر في تكوين شخصيته وظيفيًّا ودينامكيًّا، وتؤثر في نموه الجسمي والعقلي والانفعالي والاجتماعي. ب- البيئة المدرسية: تعتبر البيئة المدرسية إحدى البيئات الاجتماعية التي تؤثر في نمو الطفل وتشكيل شخصيته، فالمدرسة هي المؤسسة الرسمية التي تقوم بعملية التربية ونقل التراث الثقافي المتطور، وتوفير الظروف المناسبة للنمو الجسمي والعقلي والانفعالي والاجتماعي.

ويدخل ضمن نطاق البيئة المدرسية كل من: رياض الأطفال والمدرسة. 1- رياض الأطفال: يخلط الكثيرون بين دور الحضانة ورياض الأطفال -فمنهم من يعتبرها مؤسسات رعاية تربوية واجتماعية, ويطلقون عليها جميعًا دور الحضانة، والبعض الآخر يطلق عليها أو على الجزء الخاص بالأطفال من سن 3-6 سنوات "مدرسة الحضانة" باعتبارها مؤسسة تعليمية, ولكننا ننظر إليها النظرة التربوية التي تتفق مع خصائص المرحلة العمرية التي يمر بها الأطفال الذين ينتمون إليها, ويلتحقون بها فيما بين الثالثة والسادسة من العمر؛ حيث إن الطفل منذ ميلاده إلى أن يتمَّ الثالثة تقريبًا غالبًا ما يكون في ظل أسرته، وأما بعد الثالثة وقبل دخول المدرسة الابتدائية ربما يلتحق بروضة الأطفال. دور رياض الأطفال في نمو الطفل: إذا كان السنوات الأولى من حياة الفرد هي أهم مراحل نموه وتكوينه الجسماني والعقلي والنفسي والتربوي والاجتماعي، وهي السنوات التي يتمّ فيها تشكيل شخصيته الإنسانية, ووضع البذور الأولى لبناء الإنسان, وتحديد اتجاهاته وميوله, وغرس تقاليد وعادات المجتمع لديه؛ لذلك فإن الاهتمام بالأطفال في هذه المرحلة العمرية لا تعود نتائجه على هؤلاء الأطفال فقط، ولكنها تعود على المجتمع ككل في المدى الطويل, باعتبار أن التكوين السويّ للفرد هو استثمار في البناء البشري, ومن هنا فإنه إلى جانب دور الأسرة في تنشئة الطفل في فترة ما قبل المدرسة, يتبع دور رياض الأطفال في هذه المرحلة الهامة من حياة الطفل، والذي يتضح فيما يلي: - تسعى رياض الأطفال إلى تحقيق النمو المتكامل للطفل، ولذا يجب أن يشمل هدفها تهيئة الطفل وإعداده إعدادًا سويًّا للمراحل العمرية التالية. - تعمل رياض الأطفال على توجيه وإكساب الطفل العادات السلوكية التي تتفق مع قيم وعادات وتقاليد المجتمع الذي ينتمون إليه, وتنمية ميول الأطفال، واكتشاف قدراتهم، والعمل على تنميتها بما يتفق وحاجات المجتمع الذي يسعى إلى التقدم.

- فغرس الميول المختلفة عند الأطفال يتوقَّف إلى حدٍّ كبير على توجيه الطفل من خلال اللعب، وإذا كانت ميول الأطفال تتعارض مع ميول الآباء والأمهات عندما لا يجد الطفل في مسكن الأسرة ما يشبع ميوله, ففي رياض الأطفال تتوفر للطفل إلى حد كبير وسائل إشباع ميوله من خلال مجتمع الأطفال المعَدّ لهم. - وفي رياض الأطفال تنمو لدى الطفل الأسس العريضة لآداب السلوك، والإدراك المعنوي، والأحاسيس والعادات والعلاقات مع الآخرين، ففي جماعات الأطفال ذات السن الواحد يجمع طفل رياض الأطفال أولى تجارب وخبرات العلاقات الاجتماعية، وتتكوّن لديه الملامح الأولى لعلاقاته المتبادلة مع المجتمع. - وفي رياض الأطفال يتم خلق وإيجاد جو متناسق ومتوافق بين جماعة الأطفال وتنمية احتياجات الأطفال وعاداتهم السلوكية, وتوجييهم إلى نواحي السلوك السوية التي تتفق مع قيم وعادات وتقاليد المجتمع السائدة في هذه السن, ويحاول القائمون على تربية الطفل وتنشئته في رياض الأطفال الوصول بالطفل عن طريق اللعب والنشاط, من خلال مجالات العمل المختلفة مع الأطفال للنمو المتكامل للشخصية "العضوي والنفسي والتربوي", وتطوير إمكانيات الطفل واستعداده، وإعداده لأولى المراحل التعليمية "المرحلة الابتدائية". ولكي يصبح أسلوب التنشئة الاجتماعية فعالًا ومؤثرًا في النمو داخل رياض الأطفال, فإنه: - تبرز الأهمية التربوية الكبرى لإعداد وتأهيل المربيات لدور الحضانة ورياض الأطفال، ذلك لأن تفتح نمو واستعدادات الطفل الفطرية يستدعي توفُّر المعرفة الكافية لخواصِّ ومظاهر كل مرحلة من مراحل نمو الطفل للقائمين على تربيته وتنشئته ورعايته. - تبرز أهمية إيجاد الصلات الوطيدة بين رياض الأطفال والآباء والأمهات، وذلك لضمان عدم التعارض بين أهداف وأسلوب ومنهج العمل المشترك في كلٍّ منهما, وتحقيق الأهداف التربوية والاجتماعية التي من أجلها أنشئت رياض الأطفال؛ فرياض الأطفال لا يمكن أن تقوم بالوظائف العديدة التي للأسرة تمامًا

وأن تكون بديلة عنها، ولكنها مكملة لوظائف الأسرة, ومساعدة لها في نجاح مهامِّها التربوية في تنشئة وتربية طفل رياض الأطفال على أحسن وجه. - كذلك تبرز أهمية وجود برنامج عملي محدَّد لرياض الأطفال يحقق أهداف العمل التربوي بها، ويساعد على نموِّ الطفل وتنمية قدراته, وتفتيح استعداداته, وإشباع احتياجاته, وتوجيه ميوله وتنميتها, وذلك من خلال البرامج المحدَّدة الموجِّهة لنشاط الرياض, والتخطيط لهذه المنشآت، وتوفير المباني المعدة, والأجهزة والوسائل التعليمية التربوية من لعب وغيرها من مستلزمات تجهيز بما يحقق الأهداف التربوية لها. ووضع برنامج عمل يومي لكل دار حضانة وروضة أطفال، والاعتماد على الألعاب المبرمجة كوسيلة أساسية لتحقيق الأهداف التربوية لهذه الدور، مع توفير الألعاب المناسبة مع الإمكانيات المحلية, ومراحل نمو الطفل المختلفة, واحتياجاته لهذه اللعب، ومن خلال كل هذا نستطيع أن نقول بأن رياض الأطفال مؤسسة، أو بيئة طيبة لتنشئة طفل الثالثة, وحتى يدخل المدرسة الابتدائية في السادسة. 2- المدرسة: نظرًا لتعقُّد عناصر الثقافة واتساع دائرتها التي يتعين على الفرد اكتسابها, بدأت الأسرة تفقد بالتدريج الكثير من وظائفها الاجتماعية نظرًا لانشغال الآباء تحت ضغط الظروف الاجتماعية والاقتصادية، وما كانت الأسرة تقوم به أصبح من وظائف المدرسة في نقل التراث الثقافي إلى الأجيال، ومعاونة الأبناء على مواجهة ظروف الحياة في ضوء ما اختارته من قيم وأنظمة ومعارف. وعندما يذهب الطفل إلى المدرسة فإنه يصبح لأول مرَّة تحت إشراف أفراد ليسوا من أقاربه، وبالتالي فهو يتحرَّك من وسط تسوده الروابط الشخصية إلى وسط آخر غير شخصي، ومن خلال الاتصال مع المدرسين والزملاء من التلاميذ, ومن ثَمَّ فإن المدرسة هي التي تربط الطفل بنظام اجتماعي أوسع، وهي المنظَّمة الرئيسية التي يوكلها المجتمع من أجل تقليل روابط الطفل بوالديه, وإدخاله لأول مرة في المنظمات الاجتماعية التي تتجاوز حدود الجماعات المعتمدة على القرابة والجيرة.

دور المدرسة في النمو النفسي: تلعب المدرسة دورًا بارزًا في النمو النفسي والاجتماعي والمعرفي, ويتضح ذلك في الآتي: - تأخذ المدرسة على عاتقها حاليًا -في المجتمع الحديث- مهمة تهيئة الصغار تهيئة اجتماعية من خلال نقل الثقافة، فقد بلغت الحال بالمجتمع الحديث أن يتوقع من المدرسة أن تنقل إلى الطفل ثقافة معقدة تعقيدًا شديدًا لا تنطوي فقط على قدر كبير من المعارف المتراكمة والمهارات المعقدة، بل على مجموعة أكبر من القيم والمعايير النظرية المتشابكة التي تشتمل على الأسس الأيديولوجية لتراث المجتمع الثقافي. فقدرة المجتمع الحديث على الاستمرار لا تتوقَّف على قدرة مواطنيه على القراءة والكتابة, ولكن على إيمانهم بالمبادئ السياسية والدينية والاجتماعية التي تقوم على أساسها نظم المجتمع والإخلاص لها؛ ولذلك ينتظر من المدرسة أن تعلّم الطفل شيئًا ما من مختلف المثُل العليا مثل: الديمقراطية وحكم القانون والمشروع الحر، بل يتعلّم كيف يتصرَّف وفقًا لهذه المبادئ والعادات. "فاروق العدلي: 1981، 239-240". - تلعب المدرسة في المجتمع الحديث دوًا هامًّا في تعليم الاتجاهات، والمفاهيم والمعتقدات المتعلمة بالنظام السياسي؛ حيث تعطي المدرسة الطفل المحتوى والمعلومات والمفاهيم التي من شأنها توسيع وصقل مشاعر الطفل المبكرة المتعلقة بالارتباط بالوطن، كما تضع تأكيد أعظم على الامتثال للقانون والسلطة ولوائح المدرسة، هذا الدور الخاص بتوجيه الطفل نحو النظام الاجتماعي والسياسي القائم, وتعضيد احترامه له, لا شكَّ أنه أحد الطرق التي تعمل فيها المدرسة كمنظمة محافظة للتنشئة الاجتماعية. - تعلِّم المدرسة الطفل المهارات والمعلومات المتعلقة بالطريقة التي يعمل بها المجتمع, أو التي ينبغي أن يعمل بها, ويؤدي ذلك إلى إعداد الطفل للتصرُّف وفقًا للأدوار التي يقوم بها العضو الراشد في المجتمع, فأهم جزء من عملية التهيئة الاجتماعية يتضمّن التمثل اللا شعوري, واستبطان المعتقدات والقيم, ونماذج سلوك الآخرين الذين يتصل بهم الفرد اتصالًا مباشرًا. فعن طريق توسيع دائرة الطفل يتعلّم إعداد نفسه للقيام بمختلف الأدوار التي يقوم بها الشخص الراشد، كما يعرف ما ينتظر من الأشخاص الذين يشغلون وظائف في مجتمع الكبار. - كما تعلب المدرسة دورًا أكبر في مساعدة الأطفال على تعلُّم ضبط انفعالاتهم, والتعامل مع مراكز السلطة، وكذلك تولي القيام بها، كما تتضمَّن التهيئة الاجتماعية معرفة الطفل للطريقة التي تُحَلُّ بها المشكلات من كافَّة الأنواع, واكتساب الوسائل الفنية لحل المشكلات كجزء متمِّم للعملية التربوية. - ولا تلعب المدرسة فحسب هذا الدور المحافظ في عملية التلقين ونقل تراث الماضي، ولكن تشجع المدرسة القدرات الخلاقة لأعضاء المجتمع الجدد، ولذلك تقوم بدور أكبر في الإسهام في الأنشطة الخلاقة من جانب التلاميذ، وعن طريق غرس القيم الاجتماعية التي يجب أن تتمشَّى مع الرغبة في التقدّم القائمة على الإنجاز في العلوم, وفي مجالات المعرفة الأخرى، كما تأخذ على عاتقها مهمة القيام بدور رئيسي في عمليات التجديد والتحديث والتغير. هذه الوظيفة التجديدية الاستحداثية هامَّة جدًّا لإعداد الأطفال اجتماعيًّا للمعيشة في مجتمع يتعرض للتغير السريع. "هدى قناوي: 1983، 61-65".

التفاعل بين الوراثة والبيئة في تشكيل النمو

التفاعل بين الوراثة والبيئة في تشكيل النمو: إذا كان أنصار الوراثة يقولون: بأن كل ما لدى الطفل أو ما سيكون لديه في المستقبل, إنما يرجع إلى الوراثة، فالعباقرة يولدون مزوَّدين بالاستعداد للعبقرية، وكذلك المنحرفين بنزعة الإجرام، والدم شاهد على ذلك، وكلنا نعلم أن الطبع يغلب التطبع، وأن ما يزعمه أنصار البيئة من قول بالتعلُّم والاكتساب مردود عليهم؛ لأنك لا تستطيع أن تصنع من "الفسيخ شربات"؛ لأن نوع المورثات التي تحملها الكروموسومات من كلا الأب والأم، وصدفة تلاقيها، ونوع العلاقة بينها -كما رأينا- هي التي تحدد أي صنف من الأفراد سيكون كل طفل.

أما أنصار البيئة: فيعتقدون أن لا شيء أو أقل القليل من الأشياء يمكن وراثته، وأن ما نسميه بالمورثات التي يتلقاها الطفل من والديه لا أهمية كبيرة لها في نموه، وأن الأهمية الكبرى هي للتدريب والتعلُّم الذي يتلقاه، ولقد كان "واطسون"، وهو من غلاة السلوكيين أنصار البيئة والاكتساب، ينكر بشدة فكرة المواهب الفطرية, ويقول: "أعطوني اثنا عشر طفلًا أصحّاء, أتعهد بتنشئتهم, وأنا كفيل بأن آخذ أيًّا منهم بالصدفة وأدرِّبه على أن يصبح أيَّ نوع من التخصص أريده له: طبيبًا، محاميًا، فنانًا، شيخ التجار، بل متسولًا أو لصًّا، بصرف النظر عن مواهبه وقدراته, أو ميوله واستعداداته وجنس آبائه وأجداده". والراجح اليوم: هو هجر كلا المذهبين المتطرفين، والجمع بين أثر كل من الوراثة والبيئة، والتطبع nature & nurture في تشكيل النمو الإنساني بدلًا من محاولة استبعاد أحدهما وإبقاء الآخر كلية. أي: إنهما معًا, أصبح يبحث أثرهما المتشرك في نمو صفة جزئية من صفات الجسم, أو سمة بعينها من سمات التشخصية. فالزارع رغم إيمانه بضرورة اختيار البذور الصالحة المنتقاة يدرك أن هذه البذور لن تكون شيئًا مثمرًا إذا هو نثرها في أرض موات، كما أنه يدرك أن الأرض مهما قويت لن تغلَّ محصولًا ناجحًا ببذور تالفة ينثرها فيها, والنتيجة: إنه ينبغي أن يحرص على انتقاء البذور وجودة التربية والعمل على غرس وتغذية البذور في تلك التربة ... إلخ. ومثل هذا يقال في الإنسان: فما لم تتكامل للنشء هذه العناصر الثلاثة من: أصل، ووسط، وتربية، أي: وراثة، وبيئة، وتعليم، فإن ما توفّر له من عناصر صالحة للنمو لن يعدو أن يكون مجرد إمكانيات لا تجد سبيلها إلى التحقق. ولقد وضع دوبز هانسكي dobzhansky معادلة لبيان أثر تفاعل الوراثة والبيئة في تكوين وفاعليات الكائن وهي: الوراثة × البيئة = الكائن.

على أساس أن الوراثة مقصود بها مجموعة الخصائص الوراثية للفرد التي يسميها genotype، وأن الكائن هو حاصل النمو الذي يشمل كافَّة التراكيب والوظائف الداخلية للكائن phenorype, وهو في حالة تغيُّر دائم، والذي يحدد تغيره هذا ليس الوراثة وحدها، ولا البيئة وحدها، ولكن تفاعل كلًا من الوراثة والبيئة معًا. "كمال دسوقي 1979، 44-64".

مناهج وطرق البحث في علم نفس النمو

مناهج وطرق البحث في علم نفس النمو: البحث في علم نفس النمو: يؤدي البحث في علم نفس النمو عددًا من الوظائف, أحدها: اختبار الافتراضات المنبثقة من نظرية test hypotheses drived from a theory, وإذا كانت نتائج البحث تتفق والافتراضات اكتسبت النظرية قيمتها الحقيقية, أما إذا كان البحث لا يعزز الافتراضات، فإننا نبدأ في التشكيك في النظرية أو في صلاحية البحث لاختيار الافتراضات. ووظيفة البحث هذه هامة في تحديد عمومية النظرية، والدرجة التي تستطيع بها النظرية تفسير السلوك في أكثر من موقف معين, أو مع أكثر من عينة في الأطفال. والوظيفة الثانية للبحث هي: إيجاد افتراضات جديدة حول السلوك والنمو: generate new hypotheses about behavior and development: ولذلك، فإن البحث يساعد على تطوير النظرية وتحديد أبعادها, وقد يؤدي البحث إلى تركيبات جديدة تتصل بالنظرية المعنية أو النظرية الجاري اختبارها, وبذلك فإن البحث يساعد على تطوير النظرية باقتراح كيفية تحسينها, وبهذه الطريقة يعتبر البحث أداة حاسمة لتعيين الاتجاهات التي يجب أن تغيّر إليها النظريات. والوظيفة الثالثة للبحث هي: المساعدة على تفسير السلوك والتنبؤ به to help explain and predict behavior: ومن خلال البحث نستطيع تحديد صلاحية البيانات النظرية كتفسير لسلوكٍ ما, وهناك أنواع أخرى من البحث تسمح باستخراج تنبؤات تجعلنا في موقف أفضل لتحديد الظروف اللازمة لإحدث سلوك معين. كما سبق الذكر: فإن البحث ضروري لاختبار النظريات المتنافسة في مجال النمو, وتختبر النظريات بتجميع الأدلة المؤيد لها، أو الأدلة التي تبين أفضلية التوصل إلى نظرية بديلة, وبدون الأدلة المستقاة من البحث يصبح من المستحيل اختبار النظريات البديلة, وعلى ذلك: لن يكون لدينا وسائل إيجابية لتحديد أيٍّ من النظريات المتعددة هي الأفضل.

أخلاقيات البحث في علم نفس النمو

أخلاقيات البحث في علم نفس النمو: لا يقتصر عمل البحث في علم نفس النمو على اختبار النظريات والمساعدة على إشباع فضول الباحثين، بل إنه يستطيع أيضًا الإسهام بقدر كبير في الموضوعات العملية أو التطبيقية. إن المعرفة المكتسبة من البحث في النمو الإنساني قد ساعدت على تطوير مناهج التعليم، وإيجاد طرق جديدة "مثل تعديل السلوك" لمعالجة المرض العقلي, وتعليم الأطفال الذاتويين الاجتراريين التوحديين1, وتحسين الفهم حول تأثير العنف في الأفلام السينمائية والتليفزيونية على نمو المهارات الاجتماعية لدى الطفل إلخ. وهذه الإسهامات تفيد كل فرد في المجتمع وخاصة الأطفال. ولقد نشرت لجان "الجمعية الأمريكية لعلم النفس "1972"" american psychological association مجموعة من المعايير الأخلاقية للبحث مع أفراد الجنس البشري, وأصدرت جمعية بحوث نمو الطفل the sciety for research in child development "1973" مجموعة مماثلة من الإرشادات موجَّهة أساسًا للأبحاث مع الأطفال, وقد رؤي أن هذه الإرشادات ضرورية؛ لأن الأطفال أقل قدرة من الكبار على تقييم معنى الاشتراك في بحث؛ ولأن الأطفال أقل خبرة بتقدير مدى تعرضهم للضغط، مثلًا. وأهمية هذه الآراء حول الأطفال تظهر بوضوح من ضرورة الحصول على موافقة الآباء على اشتراك أطفالهم في تجربة أو بحث، كما أنَّ الطفل ذاته يجب أن يوافق على ذلك. والإرشادات التي قدمتها "جمعية البحث في نمو الطفل تتضمَّن ثلاثة موضوعات رئيسية: - موافقة واعية. - مراجعة المتخصصين لإجراءات البحث. - والسرية. وتفصيل هذه الموضوعات على النحو التالي:

_ 1 الطفل التوحدي أو الذاتي: autistic child وهو طفل منسحب بشكل متطرف، وقد يجلس الأطفال الذاتويون يلعبون لساعات في أصابعه أو قصاصات ورق، وقد بدا عليهم الانصراف عن العالم إلى عالم خاصٍّ بهم من صنع خيالهم.

1- الموافقة الواعية: وتعني أن يكون الشخص الذي يعطي الموافقة على علم بكل نواحي البحث التي قد تؤثر على رغبته في المشاركة، وعلى الباحث أن يخبر الطفل أو الده أو بديل الوالد "المعلم مثلًا" بطبيعة البحث أو الغرض منه، والإجراءات التي ستتبع، والاستخدام الذي سيحدث للمعلومات، ويجب أن تكون الإجابة عن التساؤلات حول موضوع البحث بلغة يمكن للأطفال أو الوالد أو المعلم أن يفهمها, ويمكن أن تتاح الفرصة بسحب الموافقة على المشاركة في البحث في أي وقت: قبل أو في أثناء إجراء البحث أو التجربة, وللطفل حق رفض المشاركة حتى ولو وافق الآخرون, وكل مَنْ شارك في التجربة، بما في ذلك الذين يتفاعل معهم الطفل "الكبار، الوالدان، المعلمون" يجب أن يحاطوا علمًا بإجراءات البحث, وأن يوافقوا عليها. 2- مراجعة المتخصصين البحث: ويقصد بها المراجعة التي يقوم بها علماء النفس وغيرهم ممن لديهم دراية بالبحث, فقبل البدء في بحث أو تجربة يجب أن تقوم اللجان المكونة من المراجعين المتخصصين بفرز إجراءات البحث, وإجراءات الحصول على الموافقة الرسمية، وهذا الفرز يساعد على تأكيد حقوق المشاركين فيه, وتحديد المشاكل في الإجراءات, واقتراح التعديلات والحلول. ومراجعة المتخصصين تكون ذات فائدة خاصة في معالجة المشاكل ذات الطابع الذي يؤذي المشاركين، وفي هذه الحالة يتم تحديد هذه المشاكل واقتراح معطيات بديلة للبحث, كما أنَّ طرق الكبار للمراجعة يجب أن تتشرف على استخدام الخداع في البحث "إذا تطلَّب الأمر ذلك"؛ إذ أن الأبحاث قد تطلب استخدام الخداع في بعض الحالات، مثال ذلك: نجد أنه من المستحيل دراسة آثار توقعات المعلمين "فتوقعات المعلم حول أداء الطالب قد تؤثر على سلوكه", إذا كان المعلمون قد حصلوا على معلومات كاملة, وباقتناع فريق المراجعين المتخصصين بالحاجة للخداع أو الإخفاء، يستطيع الباحث أن يضمن جدوى الخداع, وتذكر الإرشادات أنه بعد التجربة يجب على الباحث أن يفسِّر للمشاركين السبب في الخداع، وأن يجيب عن أي أسئلة حول التجربة. 3- أما السرية: فإنها أمر آخر بالغ الأهمية، فيجب أن تكون كل المعلومات المتجمعة من المشاركين موضع السرية, ولا يجب تحديد أيّ من المشاركين في البحث بالاسم في التقارير الشفوية أو المكتوبة, ويجب اتخاذ الإجراءات الكفيلة بحفظ ملفات البيانات. وتتطلب إرشادات أخرى التوصل إلى وسائل جديدة للبحث إذا تعرَّض الطفل للضرر أو غضّ النظر عن مشروع البحث، فضلًا عن ذلك يطالب آخرون أن يكون الباحث مسئولًا عن الإجراء الأخلاقي للمساعدين والطلبة الذين يساعدون في البحث، وإيضاح أن الباحث يجب أن يفي بأي وعود أو التزامات ارتبط بها مع المشاركين في البحث. وبالطبع فإن هذه الإرشادات لا تحل كل المشاكل الأخلاقية في البحث، ولا تسهل العمل في كل الأحوال, والأحكام الأخلاقية ذات طابع ذاتي، ولذلك: فإنها تكون دائمًا عرضة للمناقشة، ومن هنا: فإن الهدف من الإرشادات هو رعاية التفكير حول المسائل الأخلاقية, وتقديم بعض العون؛ كنظام مراجعة المتخصصين، لضمان التزام الباحثين بأقصى درجات النزاهة والأمانة، واحترام حقوق المشاركين, وفي التحليل النهائي: فإن مسئولية الباحث هي أن يعمل بطريقة أخلاقية.

أبعاد البحث في علم نفس النمو

أبعاد البحث في علم نفس النمو: يمكن تقسيم وتصنيف مشروعات أبحاث علم النفس بعدة طرق "mc candless 1970". والجدول "3" يوضح أربعة أبعاد يمكن توزيع مشروعات البحث عليها، وهو يلخص النواحي الرئيسية في كل منها. ومع أن هذه الأبعاد الأربعة ليست نهائية تمامًا، أي: إنها تصلح لإيضاح مختلف نقاط التركيز التي يمكن أن تكون لكل بحث, والنقاط الختامية لكل بعد ليست هي الأخرى نهائية تمامًا؛ إذ أن بحثًا واحدًا يمكن أن يركِّز في نفس الوقت على نفس النقطتين الختاميتين لبعد واحد.

وفيما يلي أبعاد البحث في ميدان علم نفس النمو: 1- البحث المعملي والبحث الوصفي: يجري البحث المعملي laboratory أساسًا في موقف مهيأ صناعيًّا، من خلال مجموعة من الإجراءات تتيح إمكانية التحكم في عدد من المتغيرات الطارئة emergent variables، ويسمح البحث المعملي بقياس أكثر نقاءً ودقة, والموقف المهيأ صناعيًّا يعمل على استبعاد المؤثرات التي تصرف الانتباه عن الأداء, وفيه تسمح الواجبات غير المألوفة بإجراء قياسات السلوك التي لم تتأثر بتعلم سابق، ذلك لأن الواجبات تكون على درجة متساوية من الجدَّة بالنسبة لتلك الجاري اختبارها, وهكذا. ففي دراسة التكيف المشروط مثلًا: لا تجري دراسة الموضوع في الحجرة التي يعيش يها الطفل، ولكن يحتمل أن يوضع في حجرة هادئة لإمكان الحصول

على قياس حساس للتكيف دون تأثير متغيرات أخرى أو مثيرات غريبة أو صارخة للنظر. وعلى العكس من البحث المعملي هناك البحث الوصفي الذي يصطنع الملاحظة الطبيعية أسلوبًا ومنهجًا: وتجري الملاحظة الطبيعية: naturalistic observation في الحقل "الميدان"، وعادة تتطلَّب مجرد ملاحظة وتسجيل ما يفعله الناس في ظروف مماثلة لظروف "الحياة الواقعية". مثال ذلك: سلوك الأطفال في الملاعب، أو كيف يكون سلوك الأطفال في الملاعب، أو كيف يكون سلوك الناس بعد مشاهدة حادث سيارة؟ إن دراسة مثل ردود الفعل هذه تكون بالغة الصعوبة في المعمل، ولكن يمكن ملاحظتها في الإطار الطبيعي، وتشمل الأمثلة الأخرى للبحث الذي يجري بالملاحظة لتقييم أنماط السلوك الاجتماعي social behavior وأنماط سلوك التجمعات في الشوارع، وملاحظات تتم في الخفاء لأفراد في أي نوع من المواقف الطبيعية. شكل "38أ" يقوم الباحث بتقدير أداء طفل على اختبار للنمو المعرفي. والبحث الوصفي descriptive research ذو فائدة خاصة في دراسة النمو الذي لا يمكن دراسته في المعمل لأسباب أخلاقية أو عملية, مثل ذلك دراسة وسائل التأديب التي يستخدمها الوالدان، على نمو الطفل اجتماعيًّا وانفعاليًّا. إن استخدام الطريقة التجريبية لبحث هذه المسألة الهامة تكون منافية للأخلاقيات وغير عملية. إننا نضطر لتعيين والدان يعينان عشوائيًّا لمجموعتين: أحدهما يعاق ولا يستخدم مكافآت، والآخر يقدم مكافآت، ولكنه لا يستخدم العقاب, وفي أوقات مختلفة قد نتمكن من الحصول على تقديرات لنمو الأطفال اجتماعيًّا وانفعاليًّا، ومقارنة هذه التقديرات بتلك التي أجريت لمجموعتي الأطفال, فإذا كانت المقاييس للمجموعتين مختلفة، استطعنا أن نستنتج أن العقاب يؤثر على النمو الاجتماعي.

وبملاحظة الوسائل التأديبية التي يستخدمها الوالدان، ومقارنتها بتقديرات سلوك الطفل، يمكن إيجاد العلاقة بين استخدام الوالدين للعقاب والسلوك الاجتماعي للطفل, ومع أن عينة الوالدين تكون متحيزة، ورغم حقيقته أنه ما من والد لا يستخدم سوى العقاب، نستطيع الحصول على قدر لا بأس به من المعلومات من هذه المعالجة. لقد أصبح اهتمام علماء النفس باستخدام البحث الوصفي لاستكمال الأبحاث المعلمية يتزايد باطراد "bronfenbrennor 1977" "mc call 1977". وينصب اهتمامهم على تحديد ما إذا كانت أسباب النمو التي تبرز من خلال المعالجة التجريبية أسباب صحيحة، أي: يمكن التدليل على صحتها بملاحظات التفاعلات اليومية daily interactions. 2- البحث التشكيلي والبحث اللاتشكيلي: والبعد الثاني: تشكيلي manipulative عكسه لا تشكيلي nonmanipulative, والبحث التشكيلي manipulative يشمل إجراء تغيير تجريبي لأحد التغيرات في محاولة لتحديد ما إذا كان ذلك يؤدي إلى إبراز فروق في سلوك الأفراد الذين تجري عليهم التجربة, والمتغيِّرات الذي يجري تشكيله يسمَّى بالمتغيِّر المستقل inderpendent variable، والمتغيِّر الذي يقاس يسمَّى بالمتغير التابع dependent variable. ومنطق الخطة التشكيلية هي أن الأفراد الذين يجرى عليهم البحث ويتلقَّون مستوى واحدًا "تشكيلي" من المتغيرات المستقل، يجب أن يكون أداؤهم أفضل أو "أسوأ" في المتغيرات التابع من الأفراد الذي يتلقون مستوى مختلف في المعالجة. مثال ذلك: إننا قد نبحث تأثيرات مختلف أنواع

التعزيز "التدعيم" على تعلم الأطفال، وذلك بتعزيز إحدى مجموعتي الأطفال بإعطائهم حلوى، والمجموعة الثانية تتلقى الثناء على الاستجابات الصحية, وتشكيل نوع التعزيز هو المتغير المستقل، وقياسنا للتعلُّم هو المتغير التابع, وتتضمَّن كثير من التجارب أكثر من متغير مستقل واحد، "إذا استخدمنا كلًّا من الصبيان والبنات في التجربة التي تستخدم التعزيز، يكون لدينا متغيران مستقلان: نوع التعزيز، وجنس المفحوص", ونستطيع عندئذ أن نحدد ما إذا كان نوع التعزيز يؤثر على التعلُّم، أو ما إذا كان جنس المفحوص يؤثر على التعلم، أو ما إذا كان هنا تفاعل بين المتغيرين المستقلين، بمعنى إذا كان تفاعل كل من الجنسين مع نوعي التعزيز يختلف عن تفاعل الآخر, ولكي نبحث بعض نواحي النمو يجب أن يجري البحث بمتغيرات مستقلة ثلاثة أو أربعة أو أكثر, وتسم هذه الدراسات بتقييم المساهمة المستقلة لكل متغير، وكذلك التأثيرات المتفاعلة للتغيرات على النمو. ويجري البحث التشكيلي أساسًا في المعمل، ولو أنه قد يجري أحيانًا في أوساط طبيعية. وفي البحث اللاتشكيلي: يقوم الباحث الذي يجري التجربة بملاحظة وتسجيل سلوك الأفراد المشتركين في البحث بدون إجراء تشكيل, ويجري هذا البحث عادة في وسط طبيعي، وإن كان ذلك غير ضروري، وبعض الأبحاث اللاتشكيلية بالغة الدقة، وتسمح بتحديد دقيق للطرق التي يرتبط بها المتغير بالسلوك, ومن ثَمَّ فإن علاقات "السبب والنتيجة" يمكن تحديدها, ومهما يكن من أمر فإن طريقتي المعالجة عادة ما تكمل كل منها الأخرى, فمثلًا: "نشكل مقدار التدريب الذي لدى الأطفال في موقف معين، ثم نقيِّم أداءهم في واجب ذي صلة به". وبهذه الطريقة نستطيع أن نحدد مدى التدريب الذي يمكن أن يؤثر على الأداء, ومن جهة أخرى نلجأ إلى المجموعات الطبيعية، ونجد أناسًا مع المجرى الطبيعي للأحداث لديهم درجات مختلفة من التدريب مع بعض مهارات خاصة، ونقيم أداءهم في واجب ذي طابع معياري, وفي هذه الحالة فإننا لا نقوم بأي تشكيل معين, وكما ذكرنا سابقًا فإن البحث بالملاحظة من هذا النوع يكون عادة ضروريًّا، ذلك لأن التشكيلات لا تكون دائمًا أخلاقية أو عملية.

ومع أن البحث النمائي له تاريخ طويل غائر في طريقة المعالجة الوصفية, فإن الاستراتيجية التشكيلية ازدادت شيوعًا بصورة مطَّردة في دراسة ظواهر النمو, وكثير من الأبحاث التشكيلية، وخاصة الدراسات بالاستقصاء لا تزال تجري، ولكن عجزها عن الكشف عن علاقات السبب والنتيجة أحدثت انحسارًا في استخدامها, وجعلتها قاصرة على تلك المجالات التي قد يتعذَّر فيها إجراء البحث التشكيلي، أو إذا اعتبر هذا البحث مخالفًا لأخلاقيات المهنة, وقد أدَّى الاهتمام المتجدد بإمداد البحث التشكيلي باستراتيجية وصفية, مما أدَّى إلى خلق مكان جديد لهذه المعالجة في دراسة نمو الطفل، ومن المحتمل أن يحفز على الزيادة في البحث الوصفي "mc call 1977 bronfenbrenner 1977". 3-البحث النظري والبحث غير النظري: والبعد الثالث: الوارد بالجدل رقم "3" هو النظري وعكسه اللانظري theoretical versus nontheoretical. إن قدرًا كبيرًا من الأبحاث في نمو الطفل تهدف إلى اختبار النظريات، ومع ذلك فكثير من الأبحاث تجري دون اهتمام باختبار نظرية معينة، بل تجري لمجرد إشباع فضول الباحث، أو لوصف جانب ما من جوانب النمو، أو لوضع خطة مفصّلة لمجال جديد ذي أهمية، ولكن يفتقر إلى نظرية. ومثل هذه الأبحاث الأخيرة أبحاث لا نظرية، بمعنى أنه لا توجد نظرية معينة يقوم البحث باختبارها, والبحث غير النظري والبحث اللانظري يقدِّم معلومات يمكن استخدامها كقاعدة لبناء نظرية, علاوة على ذلك فإن البحث غير النظري يجري عادة من أجل الإجابة عن أسئلة ذات أهمية عملية مباشرة، مثال ذلك: إن كثيرًا من الأبحاث في سلوك حجرة الدراسة وطرق التعليم كانت من النوع الانظري. 4- البحث الطولي والبحث المستعرض: الذي قد يختلف فيه مشروعات أبحاث النمو هو تغير السن وعكسه فروق السن age change versus age differences. إن أبحاث النمو تهتم أساسًا بالتغيرات في السلوك الذي يحدث مع التقدم في السن, وأبحاث التغيُّر في السن

"الطولية" هي خلاصة أبحاث النمو؛ لأنها تعكس منحنيات النمو للسلوك بالاختبار المتكرر لنفس المجموعة من الأفراد. إن القياس المتكرر لمجموعة من الأفراد وهم ينمون تسمح بالتقييم المباشر للنمو, وأبحاث فروق السن "المستعرضة" تعكس الفروق كدالة لمختلف مجموعات السن للأفراد الذين يجرى عليهم البحث؛ وحيث إن أفراد البحث الذين في مستويات سن مختلفة قد ولدوا في أوقات مختلفة؛ ولأن اختيارهم لا يتم سوى مرة واحدة، فإنه من المتعذَّر تبيان اتجاهات النمو في السلوك, ومهما يكن من أمر، فإن قدرًا لا بأس به من أبحاث فروق السن يجب أن تكون دائمًا محل شك إذا نحن أردنا تفسيرها من جهة النمو, ولو أننا لا ننكر أن أبحاث فرق السن تعطي معلومات كثيرة قيمة عن النمو، وخاصة عندما لا يكون هناك ما يدعو للشك في أنَّ أحداث بيئية هامة قد تسبب فروقًا في الوظيفة النفسية لمختلف مجموعات السن. وهذه الأبعاد الأربعة تمثل طريقة لتقييم إسهام كل مشروع بحث في المعرفة الخاصة بالنمو -مثال ذلك: إن الأبحاث المعملية التي تكون تشكيلية، ونظرية, وتختص بتغير السن، يجب أن تدل على شيء ذي أهمية نظرية حول تغيرات النمو في تأثيرات متغير ما عن السلوك. إن البحث الطبيعي والمرتبط بعلاقة اللانظري الذي يتضمن عدة مجموعات سن قد يسهم في فهمنا لفروق السن في العلاقة أو "العلاقات" بين متغيرين أو أكثر داخل الإطار الطبيعي. إن أبعاد ابحث المبينة في الجدول رقم "3" لا تمثل فئات مشتركة، ولكل من الأبعاد الأربعة فئات متوسطة، علاوة على ذلك, فإن مشروع بحث معين قد تكون له مكونات من كل طرف لبعد واحد، ولذا فإن قمية هذه الأبعاد تكمن في المساعدة على وصف الأنواع العديدة لأبحاث النمو, وفي المناقشة التالية سوف نصف التخطيطات المختلفة لعدة أنواع من مشروعات وطرق البحث بالإشارة إلى هذه الأبعاد.

طرق البحث في علم نفس النمو

طرق البحث في علم نفس النمو الطريقة المستعرضة لفئات مختلفة cross - sectional study ... طرق البحث في علم نفس النمو: عادة تستخدم أربعة تخطيطات لطرق البحث في علم نفس النمو، وسنبحث حدودها، وفوائدها وعيوبها، ونقدّم أمثلة لكل نوع. 1- الطريقة المستعرضة لفئات مختلفة cross - sectional study ونعرِّفها بأنها التقييم المنهجي لعدة مجموعات من الأفراد في فئة عمر واحدة في نفس الوقت تقريبًا بهدف تحديد الخصائص التي تميز هذا العمر أو هذه المرحلة العمرية التي يدرسها الباحث, ويمكن إجراء مثل هذه الدراسة في المعمل أو في إطار طبيعي. ومن أهم خصائص الدراسة المستعرضة للفئات المختلفة أن كل المجموعات تختبر في وقت واحد قصير نسبيًّا، وتختبر مرة واحدة فقط، وثَمَّة خاصية أخرى هي أنها تشمل عادة تشكيلات المتغيرات، وبذلك تسمح بتقديرات علاقات السبب والنتيجة, وفيما يختص بالأبعاد الواردة بالجدول رقم "3" فإن دراسة الفئات المختلفة في معظم الحالات تكون نظرية وتشكيلية. وفيما يختص بأبحاث النمو تهتم أيضًا بفروق السن، ولو أن الأمر لا يتطلَّب أكثر من مجموعة سن واحدة. وأهم ما تسهم به أبحاث الفئات المختلفة في فهمنا لنمو الطفل يكمن في اختبار النظريات وإبراز نتائج عن أسباب السلوك، كما أن فروق السن في تأثيرات مختلف التشكيلات يمكن أن تبحث هي الأخرى. ومن أهم مزايا تجربة الفئات المختلفة "البحث المستعرض" أنها توفر نسبيًّا من الوقت والأفراد المستخدمين. فتجربة واحدة تشتمل عدة فئات من الأفراد يمكن أن تجرى في أيام قليلة، ويمكن تجميع قدر كبير من النتائج بالنسبة للجهد المبذول. والدراسة المستعرضة أو تجربة الفئات المختلفة القياسية تجربة تشكيلية, وبعبارة أخرى: يفترض صاحب التجربة أن هناك متغيرًا مستقلًا معينًّا له صلة بالسلوك بطرق محددة، وهو يشكله بقصد اختبار ما إذا كان يؤثر على السلوك بالطرق المتنبأ بها, وبعض أفراد التجربة يكوّنون مجموعة تجريبية experimental group هم الأفراد الذين تجرى عليهم التجربة، أما الباقون فيشكلون مجموعة ضابطة control group، ولا يخضعون لأي تشكيل، وسلوك جميع

الأفراد يقاس عن واجب معين، والنقط التي يسجلونها هي المتغير التابع, والتشكيلات الخاصة التي تجرى تحدد شروط المعالجة, وتسمح لصاحب التجربة بتحديد أي المعالجات "تشكيلات على المتغير المستقل" هي التي تنتج تغيرات في سلوك أفراد التجربة, وبهذه الطريقة فإن الفئات المختلفة يمكن أن تمكننا من تقديم بيانات سبب ونتيجة تربط تشكيلات معينة للمتغير التابع "شكل: 39". ومن ثَمَّ فإن إجراءات التجربة التي بهذا الشكل تستخدم لاختبار افتراضات مشتقة من نظريات، ولتحديد أسباب السلوك الكامن وراءها, وفي إطار البحث الخاص بالنمو، ويعتبر السن بصفة خاصة من أهم المتغيرات المستقلة. وفي كثير من المجالات يفترض أن المعالجة التجريبية تؤثر على أفراد التجربة تأثيرات مختلفة بالنسبة لسنهم، أي: إن تفاعل السن والمعالجة يعتبر هامًّا, وتقييم التأثيرات التفاضلية لتشكيلٍ ما على مختلف مجموعات السن قد تبرز إدراكًا عميقًا لعمليات النمو، مثال ذلك: ما أوضحه ديسك، كيرمز، ميرجلر dusek & kermis & mergler "1976" من أنَّ ترقيم المعلومات التي سنحتاج لتذكرها قد سهل التذكر فيما بعد نسبة أكبر لمن هم

قبل سن المراهقة بالمستوى الرابع والسادس عن المراهقين بالمستوى الثامن. ويقترح هذا البحث أن المراهقين يستخدمون طرقًا أكثر فاعلية في التذكير أو فهرسة المعلومات عن الأطفال الأصغر سنًّا. مزايا وعيوب الطريقة المستعرضة: تتلخص مزايا طريقة البحث المستعرضة في أنها تقصر الوقت اللازم للحصول على المعلومات اللازمة فيما يختص بالنمو, فلا يكون علينا أن ننتظر عشرين عامًا مثلًا حتى ندرس النمو من الميلاد حتى سن العشرين، بل يمكن أن نحصل على مجموعات من الأفراد عند نقاط معينة على طول هذه الفترة, ونقوم بدراستها في وقت واحد, فتختصر بذلك الوقت اختصارًا شديدًا. أما عيوب هذه الطريقة فتتلخص في: أ- عدم توفّر العينة المتطابقة التي تكفي للبحث الدقيق "كما يحدث عنه دراسة سلوك الرضع، أو المسنين، أو أبناء المسنين من الأطفال.. إلخ". ب- قد يرفض بعض الأفراد صغارًا أو كبارًا مقابلة الباحث, أو أن يكونوا موضوعًا للدراسة. ج- تخوّف بعض أفراد العينة من أسلوب الدراسة: إما من نتائجها، أو عدم توافر السرية التامّة مما يشعرهم بتهديد حاجتهم للأمن. د- قد لا يمكن في الطريقة المستعرضة تثبيت كل العوامل التي توثر في سلوك فئات العمر المختلفة.

الدراسة الطولية a longirudinal

2- الدراسة الطولية A longirudinal: هي الدراسة المنهجية لمجموعةٍ ما "أو مجموعات" من أفراد على فترات زمنية طويلة, وبعبارة أخرى: فإنه في الدراسة الطولية يكون لدينا أكثر من قياس لسلوك نفس الأفراد؛ وحيث إن سلوك المجموعة الواحدة "أو المجموعات" يجرى تقييمها في أوقات مختلفة، فإن الدراسة الممتدة "الطولية" تقدّم نتائج حول اتجاهات النمو. إن التناسق والتباين في أنماط النمو على مرِّ الزمن يمكن تحديده، مثال ذلك: إننا نستطيع دراسة النمو في الأداء في اختبارات الذكاء كما فعل "تيرمان" حين تتبع نمو مجموعة من الأطفال الموهوبين على مدى 18 سنة، أو القدرة على حل المشاكل, أو السمات الجسمية، كما فعل ذلك "جيزل" حين تتبع نمو الأطفال من الميلاد إلى الخامسة ثم العاشرة، ومقارنة اتجاهات النمو "التغير في السن" بالفروق البسيطة في السن. وبالنسبة للأبعاد الأربعة الواردة بالجدول رقم "3", فإن الدراسة الطولية الممتدة تكون دائمًا دراسة "تغير في السن", وقد تقع عند أيٍّ من أقطاب الأبعاد الثلاثة الباقية. وللدراسة الطولية عدة مزايا أخرى، فهي لا يمكن استخدامها لفحص العوامل التي تؤثر على السلوك على مدى فترة فترات زمنية طويلة فقط, وبعبارة أخرى: فإن الدراسة الممتدة تعتبر مثالية لبحث تأثيرات العوامل الثقافية التي تحتاج لمرور وقت قبل التمكُّن من معرفة آثارها على السلوك, وثانيًا: إن الدراسة الطولية توضح أيضًا الاستمراريات والعموميات في السلوك على مر الزمن، فهي تكون بالغة الأهمية إذا أراد الباحث اكتشاف ما إذا كانت الخصائص من قبيل الذكاء، أو العدوانية أو الاتكالية أو المشكلات السلوكية ثابتة ومستقرة عبر الفترات الطويلة من الزمن؛ إذ أنها قابلة للتقلب والتذبذب. ولاستخدام الدراسات الطولية بعض القصور والعراقيل, فهي كثيرة التكاليف, وتحتاج لزمن طويل، وعدد كبير من العاملين. والباحث قد لا يتيسر له سوى فترة

زمنية محدودة للتفرُّغ لدراسة ممتدة، وكذلك قدر محدود من المال لمتابعة أفراد المجموعة وإجراء عمليات الاختبار ومواصلتها, والمحافظة على اهتمام الأفراد. هذا, وقد يكون إرهاق العينة مشكلة شديدة في الدراسات الطولية الممتدة، وخاصة عندما تتضمن أفرادًا متقدمين في السن, كما أن الأفراد قد يفقدون الاهتمام، أو يتحرَّكون وينتقلون إلى مكان آخر أو يموتون, ونتيجة لذلك، ففي كل مرة من مرات الاختبار يتعامل الفرد مع عينة مختلفة، وبالتالي فإن عمومية النتائج قد تتعرض للشك. وثَمَّة عيب آخر وهو أنَّ الدراسات الممتدة "الطولية" يصعب تكرارها؛ وحيث إن الإعادة هي إحدى طرق التأكد من أنَّ النتائج التي يتم التوصُّل إليها يمكن الاعتماد عليها، وهذا السبب بالغ الخطورة, وأخيرًا فإن إدخال إجراءات اختبار جديدة في دراسة ممتدة قائمة لكونه عادة يكون صعبًا. مثال: إننا لا نستطيع إجراء دراسة ممتدة "طويلة" عن نمو معامل الذكاء "iq" inteligence quotient باستخدام اختبار ذكاء ستانفورد بينيه stanford binet مثلًا، ثم الانتقال إلى معيار الذكاء للكبار الخاص بوكسلر wecksler، ذلك لأنَّ الاختبارين لا يقيسان الذكاء بطريقة واحدة، ولذلك فإن النقط التي يتمّ الحصول عليها من اختبار الذكاء لا يمكن مقارنتها من اختبار إلى اختبار آخر. إن الجمع بين التخطيطات الطولية "الممتدة" وذات الفئات المختلفة "المستعرضة" تستخدم للتغلب على بعض المشاكل الكامنة في كلٍّ من التخطيطات الطولية الممتدة, وذات الفئات المختلفة "الطريقة المستعرضة" التي تجعلها في بعض الأحيان غير صالحة لتقييم ظواهر النمو, وفي التخطيط الطولي الممتد التقليدي نجد أن التأثيرات الناجمة عن السن تختلط بتلك الناجمة عن زمن الولادة، وهو ما يسمَّى بالفيلق "schae, 1965" وبعبارة أخرى: حيث إن أعمار افراد المجموعة تختلف في نفس الوقت "وقت الاختبار"، فلا بُدَّ أنهم ولدوا في سنين مختلفة؛ وحيث إنهم ولدوا في سنين مختلفة، فقد يسلكون بطرق ولكنها لا تتعلق بالسن في حد ذاته، إن ما قد يظهر في النتائج كان اختلاف سن، وقد يكون في الواقع اختلاف في وقت الميلاد, والتأثيران يختلطان "يلتبسان تمامًا". وأحيانًا لا نستطيع الحكم منطقيًّا بأن أحدهما وليس الآخر هو الذي أدى لنتائج التجربة، وربما تحدث هذه الظاهرة بوضوح تامٍّ عندما يؤثِّر عامل ثقافي ذو دلالة على النمو, كما في حالة الأفراد الذين من مستويات سن مختلفة، الذين ولدوا قبل أو بعد الحرب العالمية الثانية. إن أفرادًا في سن الأربعين قد يعطون نتائج مختلفة عن أفراد في سن العشرين, بصرف النظر عن فارق السن بين المجموعتين، ذلك لأن الذين في سن الأربعين قد عاصروا حربًا عالمية، الأمر الذي قد يجعلهم يؤدون أداء مختلفًا عن أداء أفراد المجموعة الأصغر سنًّا. وفي الدراسة الطولية الممتدَّة يلتبس الأمر تمامًا بين قياس السن والزمن "schate 1965", وبعبارة أخرى فإن سنَّ أفراد التجربة يتعلّق مباشرة بالوقت الذي يؤخذ فيه القياس, وإذا تدخلت أحداثًا ثقافية ذات دلالة بين اختبار وآخر، فإن تغيرات السن التي تلاحظ قد تعكس أو لا تعكس فروقًا بسبب الوقت المعين للمقياس "أي: الأحداث الثقافية التي تدخلت". ومرة ثانية لنعتبر أفراد الأربعينات حيث إنهم ولدوا في عام 1939 مثلًا, فإنهم عاصروا حربًا عالمية, وحربين محدودتين تورطت فيها الولايات المتحدة1، ولنا أن نتوقع أن قياسًا ممتدًا لاتجاهات أفراد هذه المجموعة نحو الحرب قد تعكس التورط الجاري في الحرب بعيدًا عن عمليات النضج النفسي, يعكسها بصفة عامَّة سن الفرد, وكما هو الحال في اللبس في حالة الدراسة الطولية الممتدة, فإنه من النادر أن نستطيع منطقيًّا فصل هذا اللبس. ولفظة اللبس بالمعنى الذي نستخدمه هنا يعني أنه من المتعذَّر علينا أن نحدد ما إذا كانت فروق السن أو تغيرات السن "حقيقية"، أو إذا كانت راجعة إلى تداخل أحداث ثقافية, أما إذا لم تتداخل أحداث ثقافية ذات دلالة، فإن التخطيطات التقليدية لن تشكل أي صعوبة.

_ 1 بالنسبة للأبحاث التي أجريت في الولايات المتحدة.

الطريقة المستعرضة التتبعية cross - sequential study

3- الطريقة المستعرضة التتبعية cross - sequential study: تقوم هذه الطريقة على أساس الجمع بين الطريقتين الطولية والمستعرضة في محاولة للاستفادة من مميزات كل منهما. ونظرًا للتقدُّم الثقافي التكنولوجي السريع الذي نمر به, فإن الأحداث الثقافية قد تتداخل مع التأثيرات النمائية، ولذلك: فإنه في الدراسة الطولية "الممتدة"

يصبح من المجازفة إصدار تعميمات عن فروق السن من وقت قياس إلى آخر, وفي التخطيط ذي الفئات المتعددة فإن التعميم في تغيرات السن عبر فئات مختلفة يعتبر مجازفة أيضًا. ومن الواضح أنه بالنسبة لأهمية الدراسات الطولية، والدراسات المستعرضة التي تضمَّن متغير السن لأبحاث النمو، فإن الغموض أو اللبس الناتج عن استخدامها يجعل هذا الاستخدام غير مرغوب, فعلى سبيل المثال: إذا أخذنا ثلاث عينات الأولى "أ" في عمر سنة، والثانية "ب" في عمر سنتين، والثالثة "ج" في عمر ثلاث سنوات, وذلك لدراسة النمو اللغوي خلال السنوات الثلاث الأولى من العمر, ووفقًا لهذه الطريقة يسير البحث على النحو التالي: - المرحلة الأولى: ندرس القاموس اللغوي لكل عينة ونسجّل النتائج. - المرحلة الثانية: في العام القادم نتابع العينة "أ" التي يصبح عمر أفرادها سنتين, وتسجيل نتائج قاموسهم اللغوي، وبالمثل المجموعة "ب" التي أصبح عمر أفرادها ثلاث سنوات. - المرحلة الثالثة: في العام التالي: نتابع أفراد العينة "أ" التي يصبح عمر أفرادها ثلاث سنوات, ونسجل نتائج قاموسهم اللغوي. وبهذه الطريقة نكون تتبَّعنا العينة "أ" طوال 3 سنوات، والعينة "ب" سنتين، "ج" سنة واحدة, وفي نفس الوقت نستطيع ملاحظة الفروق الفردية بالاستعانة بالعينتين "ب"، "ج", غير أنه من سلبيات الطريقة الطويلة تظهر هنا مرة أخرى, فربما تؤدي إلى إهدار الجهد وعدم ضمان بقاء العينة ثلاث سنوات, بالإضافة إلى أننا لا نضمن التكافؤ لدى أفراد العينة الواحدة. "عبد الرحمن سليمان: 1997". ومنذ نشر سكابيه "sckaie, 1965" مقاله الأصلي تركَّز قدر كبير من النقاش فيه على تخطيطات أبحاث بديلة يمكن استخدامها لفصل فروق السن وتغيرات السن عن تأثيرات "الفيلق" ووقت القياس. وهذه الإجراءات تتضمَّن اختبار عينة ممتدة عدة مرات, وهذا التخطيط موضح في الجدول "4" عن دراسة ديسك dusek لنموِّ إدراك الذات لدى الأطفال والمراهقين "الرتب 5-2".

وكل عمود في هذا الجدول يمثل دراسة بفئات مختلفة، وكل صنف يمثل دراسة ممتدة، والفروق بين الأعمدة هي تقديرات لتأثيرات وقت القياس، أي: الفروق بسبب التغير الثقافي, والفروق بين الصفوف المرقَّمة 1959 إلى 1964 تعكس تأثيرات "الفيلق" التي ترجع إلى تجارب مختلفة في الحياة، فإذا اخترنا مجموعات فرعية من التخطيط الإجمالي استطعنا الإجابة عن السؤال عن تغيرات السن وفروق السن بعيدًا عن تأثيرات الفيلق ووقت القياس. مثال ذلك: إن النقط الناتجة عن العينات المرقَّمة بعلامة في الجدول رقم "4" تعطي تقديرات عن تأثيرات الفيلق، ووقت القياس, وتلك المرقمة بـf تعطي تقديرات عن تأثيرات السن والزمن, وبتحليل نتائج هذه الطريقة نحصل على تقديرات لا تلتبس مع المتغير الثالث في التخطيط العام, ونكتسب صورة أوضح للنمو عَمَّا تتيحه الدراسات الطولية والدراسات المستعرضة كلٌّ على حدة. جدول رقم "4": تخطيط مشترك ممتد ذو فئات مختلفة:

دراسة الحالة case study

4- دراسة الحالة case study: هي تقييم منهجي لفرد واحد في فترة منتظمة على مدى زمني معين, وتتضمَّن دراسة الحالة كتابة مذكرة يومية عن الفرد "الحالة موضوع الدراسة" منذ الطفولة, وتسجيل كل ما يمكن تسجيله من ملاحظات عن مظاهر نموّه المختلفة عبر عدة سنوات أو عدة مراحل، ويمكن أن تستمر مثل هذه الدراسة فترة طويلة, ومن جوانب دراسة الحالة ما يلي: أ- النمو الجسمي: ويتناول مختلف جوانبه، إلى جانب صحة الفرد، وما تعرَّض له من أمراض، والعمر الذي بدأ فيه التنسنين، والجلوس، والحبو، والمشي، والكلام لأول مرَّة، وبيانات عن الرضاعة والفطام، وعاداته في الأكل، والنوم، والتدريب على الإخراج، والصعوبات التي واجهها في هذا التدريب، وبيانات عمَّا إذا كان التدريب قد تَمَّ تدريجيًّا أم مفاجئًا, يتَّسم بالتسامح والود أو بالصرامة والقسوة.. إلخ. ب- السلوكيات الاجتماعية: الاستجابة لمولد الأشقَّاء، معاملة الوالدية له، التخيلات عن الذات، الأبطال المفضَّلون، الاتجاه السائد في الطفولة الأولى "متعاون، مطيع، محب للظهور، خجول، سلبي ... إلخ". ج- عادات النوم: مع مَنْ ينام، متى بدأ الاستقلال في النوم، مشكلات النوم. د- مشكلات النمو: والعمر أثناءها، الإجراءات التي تتخذ مع الحالة، من ذلك: العصبية، القلق، المخاوف الزائدة، الخجل، الميل للمشاجرة، المزاج الحادّ، الغيرة، المروق، السرقة، الكذب، التدخين، التعاطي، مصّ الأصابع، قضم الأظافر، الصداع، اللزمات العصبية.. إلخ. هـ- أرجاع الطفولة المبكرة: كنوبات الطبع، العناد، الريبة، التجهم. أرجاع خوف، أرجاع حب, أو تعلق زائد بالوالدين، اعتماد وحب مسرف، متوازن، سريع التشتت.. إلخ. و أرجاع في الطفولة المتأخرة والمراهقة: حرية التعبير، الاعتماد على الوالدين. هل الشخص بدأ يتحرر عن ضبط الوالدين، السعادة بالنشاط الجمعي، نزعته السائدة في السعادة، تحمُّل الهموم، الانطلاق، الانبساط، هل له أصدقاء كثيرين، هل يتعامل مع الجنس الآخر بسهولة، هل لديه سجل بالجناح.. ز- بيانات من الجنس، العمر عند البلوغ، المشكلات الجنسية، استجابات الوالدين لهذه المشكلات.

ح- التوافق الأسري والعلاقات الأسرية: ترتيبه الميلادي، طريقة المعاملة الوالدية: قسوة، تشدد، تدليل حماة زائدة، إهمال. ط- التوافق المدرسي: الاستجابة لأول مرة في دخول المدرسة، علاقة بالزملاء، المعلمين، استجاباته المدرسية، نجاح إحباط أو فشل. وعلى ذلك فإن دراسة الحالة: هي معالجة خاصة ممتدة، وهي أساسًا طبيعية ذات علاقة متبادلة ولا نظرية, ولمعالجة دراسة الحالة عدة مزايا، بما في ذلك حقيقة أنه مقابل الوقت والمال المستثمر فيها، فإن كمية المعطيات المتجمعة كبيرة، كما أن دارسة الحالة وسيلة عملية لبدء العلاج، وهي في الواقع تتواجد معه عادة, ودراسة الحالة أيضًا باختبار التغيُّر في السلوك في فيما بين الأفراد، وبدراسة استقرار أداء الفرد نحصل على فكرة عن استقرار السمات النفسية، ومثال ذلك: إن دراسات الحالة بالنسبة لنمو الذكاء تكشف عن تغيرات واسعة في مقياس الذكاء الجاري اختباره، الأمر الذي يؤدي إلى أن أداء اختبار الذكاء ليس مستقرًّ تمامًا "honzik & macfarlane & allen, 1984" "dearbon & rathuey 1963". غير أن دراسات الحالة لها أيضًا بعض العيوب: أولًا: إن المعطيات في أغلب الأحوال تكون متحيزة؛ لأنها تمثل النمو العام لفرد واحد فقط, ونتيجة لذلك: فإن المعلومات قد لا تصلح للتعميم بالنسبة للأفراد الآخرين، وقد لا تؤدي إلى قوانين عامة عن النمو. وثمة صعوبة ثانية: بالنسبة لاستخدام دراسة الحالة وهي: صعوبة تشكيل بعض المتغيرات والحصول على نتائج يمكن تفسيرها بوضوح، مثال ذلك: إننا قد نشكل إمكانيات تعزيزية وندرس آثارها على سلوك فرد واحد, والواقع أن البحث العامل "تعديل السلوك" يجري عادة بهذه الطريقة, ومهما يكن من أمر فإن المتغيرات الخاصة بالتركيب العضوي مثل: معدل الذكاء، الجنس، ومستوى القلق، لا يمكن تشكيلها في دراسة حالة. إن الفرد لا يمكن أن يكون شديد القلق، وقليل القلق في وقت واحد، أو ذا معيار ذكاء مرتفع

ومنخفض معًا، أو ذكر وأنثى. ومع أن مثل هذه الدراسات تلقى رواجًا، وتفيد في توضيح كثير من مظاهر النمو، فإنه يجب الحذر من تعميم النتائج الناتجة عنها, إلى أن يظهر عددًا من دراسات الحالة نفس الاتجاهات في النمو, وليس معنى ذلك إنكار أهمية دراسة الفرد، ولكن لمجرد التأكيد على حدود هذه المعالجة للحصول على قوانين عامة عن النمو. ويستخدم بعض علماء النفس بحوث المفحوص الواحد "الفرد الواحد" "skinner, 1993" single - subject designs، لاعتقادهم بأن إجراء عدد كبير من التشكيلات على مفحوص واحد هو أفضل الطرق لاكتشاف القوانين الأساسية للتعلم, ومن ثَمَّ فإن دراسة المفحوص الواحد "حالة واحدة" يعتبر تشكيليًّا, وهو أساسًا لا نظري, ويمكن إجراءه في المعمل، أو في إطار طببيعي، وهو عادة لا يهتم بتغيرات السن أو بفروق السن. وهناك نوع من مشروعات دراسة الحالة الواحدة استخدم في عدد من الدراسات في الأطفال، وهو يستخدم تعديل السلوك behavior modification, والإجراء التقليدي في هذ الحالة هو الحصول أولًا على معدَّل أساسي لكلٍّ من السلوك غير المرغوب والسلوك المرغوب فيه, وبعد الحصول على مقياس ثابت يقوم صاحب التجربة بتعزيز السلوك المرغوب فيه، ويهمل السلوك غير المرغوب فيه, ويستمر هذا الإجراء إلى أن يصبح السلوك المرغوب فيه على درجة عالية من الاستقرار, وهو ما يوضح فاعلية التعزيز. وبعد ذلك فلإيضاح أن الزيادة في السلوك المرغوب فيه، والنقص في السلوك غير المرغوب فيه يرجعان إلى إجراءات التعزيز، يقوم صاحب التجربة بسحب التعزيز، متوقعًا أن يعود السلوك غير المرغوب فيه إلى معدَّله الأساسي Basic rate، وبعد أن يظهر سحب التعزيز أنه لا يوجد متغير طارئ سبب التغيرات في السلوك، يعاد التعزيز بهدف العودة بالسلوك المرغوب فيه إلى مستوى أعلى، والسلوك غير المرغوب فيه إلى مستوى أقل, ومثل هذه الإجراءات قد استخدمت لتعديل السلوك العدواني Aggressive behavior للأطفال في حجرة الدراسة، للمساعدة على حل مشاكل النوم للأطفال، ولبحث دور التعزيز في تفسير النمو.

ويمكن إجراء أبحاث "المقابلة الشخصية" interview بعدة طرق -ومنها الطريقة المستخدمة كثيرًا- وهي تستخدم المعالجة بالمسح الاستقصائي surveyquestionnair, فعندما تسأل مجموعة الأسئلة للأطفال عن آرائهم في موضوع ما: كالسياسة أو الأخلاقيات, تسمَّى هذه المجموعة باستقصاء الرأي opinionnaire؛ حيث إن الأفراد موضوع البحث يتوقع منهم الاستجابة بالتعبير عن مشاعرهم وآرائهم الشخصية، وعندما يسأل أفراد البحث أن يجيبوا عن أسئلة تتعلق بأنفسهم تسمَّى هذه المجموعة بالاستقصاء الإحصائي statistical inventory questionaire, فيمكن مثلًا سؤال الأطفال أن يصفوا إدراكهم لذاتهم, ومجموعة الأسئلة التي يقدمها الباحث بنفسه تسمَّى بالمقابلة interview، وعندما ترسل بالبريد أو تقدّم لمجموعة كبيرة من الأفراد دون الحاجة لوجود الباحث فهي تسمَّى عادة بالاستقصاء المسحى "الإحصائي"، وتجرى المقابلات والإحصاءات عادة في إطار طبيعي، وغالبًا تكون ذات علاقة تبادلية، وقد تكون لها خواص كل طرف من أطراف البعدين الآخرين. شكل "41": تستخدم المقابلة مع الآباء في استقصاء مختلف جواب النمو لدى الأطفال. ولهذه المعالجة عدد من المميزات اكتسبها شيوعًا كبيرًا, أولًا: يمكن الحصول على قدر كبير من المعلومات من أعداد كبيرة من الأطفال في وقت قصير، كما أنها معيارية، ومن ثَمَّ فإن استخدامها لا يكشف عن علاقات السبب والنتيجة, والموضوعات مثل: ما إذا كان أفراد البحث يكذبون أو أن المقابلة قد تبدو متميزة بالنسبة لاستجابات أفراد البحث، ومدى الاعتماد على التقارير الاستذكارية "التي تعتمد على الذاكرة", هي من المشاكل الأخرى، التي تدخل في تقييم فائدة النتائج المتجمعة بطريقة الاستقصاء "مجموعة الأسئلة".

تقييم نتائج البحث evaluation research results

تقييم نتائج البحث evaluation research results: إن المعلومات الناتجة من أيٍّ من هذه المعلومات يجرى تقييمها بعدة طرق: واستخدام الاختبارات الإحصائية يسمح للباحث بتقييم ما إذا كانت النتائج تعزز الافتراض الجاري بحثه من عدمه، كما تستخدم الإحصاءات أيضًا في تلخيص المعلومات المجمعة في البحث, وثَمَّة تقييم أقل شكلية هو الذي يتعلق بإمكان تعميم المعلومات, ويتوقف هذا الحكم على طبيعة الإجراءات المستخدمة في البحث، وعلى معرفة خواص عينة الأطفال الذين كانوا موضوع البحث أو غيرهم. وبعد أن يجمع الباحثون المعلومات من أفراد البحث، يمكنهم استخدام الإحصاءات الوصفية descriptive statistics لتلخيص الإحصاءات الوصفية التي نلتقي بها عادة وهي الوسيط، المتوسط الحسابي لمجموعة من النقط، ومعامل الارتباط coefficient correlation إحصاء يدل على درحة العلاقة بين مقياسين "مثلًا: الدرجات المدرسية ومعامل الذكاء" آخذًا على نفس المجموعة من أفراد البحث، ومامل ارتباط العلاقة الارتباطية يرمز له بالحرف "r", وقد تكون أي قيمة من -1 إلى +1. والعلاقة الارتباطية الإيجابية تدل على أن الأفراد الذين يسجلون درجات أعلى من متغير واحد يميلون لتسجيل درجات عالية في المتغير الآخر، والعلاقات الارتباطية السلبية تدل على أن الأفراد الذين يسجلون درجات عالية في متغير واحد يميلون لتسجيل درجات أقل في المتغير الآخر, مثلًا: إن الدرجات المدرسية ومعامل الذكاء على علاقة تبادلية إيجابية، والطلبة الذي يسجلون درجات أعلى على اختبارات الذكاء يميلون للحصول على درجات عالية في المدرسة, وتواجد العلاقة الارتباطية السلبية بين مقاييس اختبار القلق الخوف أو العصبية التي يشعر بها الطفل عند اختباره، وبين الأداء الاختباري. والأطفال الذين يسجلون درجات عالية في مقاييس اختبار القلق يميلون لتسجيل نقط أقل من

الاختبارات من الأطفال الذين يسجلون درجات أقل في اختبار القلق، وحجم العلاقة الارتباطية يكشف عن درجة العلاقة؛ فالعلاقة الارتباطية من مستوى +0.6 بين علاقة قوية بقدر العلاقة الارتباطية - 0.6، والفرق الوحيد هو الاختلاف في اتجاه العلاقة, وإذا كان لدينا عددًا من المقاييس عن مجموعة من الأفراد نستطيع أن نفحص العلاقات الارتباطية بين كل المقاييس. مثال ذلك: لنفرض أن لدينا خمسة مقاييس على عينة من الأطفال في سن السادسة: الطول، والوزن، ومعامل الذكاء، والحالة الصحية، ونتائج اختبار أداء، فإننا نستطيع أن نحصي العلاقات الارتباطية بين كل المقاييس, وستكون نتيجة ذلك عشر علاقات ارتباطية في المثال الذي قدمناه. ومن خلال عملية تعرف باسم تحليل العوامل أو التحليل العاملي factor analysis نستطيع علاوة على ذلك تحليل هذه المجموعة من العلاقات الارتباطية، وأن نستخلص من ذلك عدة تجمعات من المتغيرات داخلة في تجمعات أخرى, وبهذه الطريقة نختصر عدد المتغيرات التي علينا أن نتعامل معها، الأمر الذي يساعد على تبسيط المعطيات، وعادة يجعلها أسهل فهمًا. وكما ذكرنا عاليه: تستخدم الإحصاءات الاستدلالية لاختبار ما إذا كانت النتائج تفرز الافتراضات؛ لنفرض مثلًا أننا افترضنا أن تعليم القراءة بالطريقة "أ" أفضل من تعليمها بالطريقة "ب" وهي المستخدمة عادة في المدارس، فنستطيع أن نختبر هذه الافتراضات بتعليم مجموعة من أطفال الصف الأول القراءة بالطريقة "أ"، ومجموعة أخرى بالطريقة المعتادة "ب"، ويسمَّى الفريق الأول الذي يتبع الطريقة "أ" بالمجموعة التجريبية، وذلك لأننا نعاملهم معاملة خاصة، وهي في القراءة بالطريقة "أ"، أما المجموعة التي لم تلق معاملة خاصة, وهي في هذه الحالة المجموعة التي تقرأ بالطريقة المعتادة, تسمَّى مجموعة ضابطة, وفي نهاية الفصل الدراسي يعطى كل فريق اختبار في القراءة, ونسجل فقط القدرة على القراءة, ولنا أن نستخدم الإحصاءات الوصفية لفحص متوسط الأداء لكل مجموعة. ومن جهة أخرى: فإن الإحصاءات الاستدلالية تساعد على تحديد ما إذا كان الفرق ضئيلًا لدرجة يمكن به أن نعزوه للعشوائية، أو فرق المصادفة في أداء المجموعتين.

وفي الحالة الأخيرة نقول: إن النتائج لا تعزز الافتراض؛ طريقتا القراءة متساويتان في الجودة لتعليم القراءة، وفي الحالة الأولى نقول: إن المعطيات عززت الافتراض، وأن الطريقة "أ" أفضل من الطرقة المعتادة. إن تقييم صلاحية التعميم لنتائج البحث تتطلّب معلومات عن عينة الأطفال الجاري اختبارهم، والإجراءات المتَّبعة، والاختبارات والوجبات المستخدمة، فإذا كانت العينة مختارة بحيث يكون كل واحد في المجموعة التي اختيرت منها لديه فرصة متساوية ليكون ضمن العينة، فإنَّ أفراد التجربة يطلق عليهم اسم العينة العشوائية random sample, وخواص هذه العينة سوف تكون شديدة الشبه بخواص المجموعة الأصلية التي اختيرت منها. كما أن عينتين عشوائيةً تؤخذان من نفس المجموعة الأصلية تكونان شديدتي الشبه الواحدة بالأخرى، ومن ثَمَّ فإنَّ أي اختلاف بينهما في نهاية التجربة يجب أن يكون راجعًا إلى التشكيلات التي أجريت في الإجراءات, وباستخدام العينات العشوائية بدلًا من العينات المتحيزة biased sample عينات مختارة لخواص معينة، يمكننا تعميم النتائج على المجموعة الأصلية, ومع أن علماء النفس يستخدمون العينات المتحيزة لأغراض محددة، مثلًا لاختبار موضوعات تتعلق بحالة اضطراب عقلي mental disorder معين، إلّا أن معظم الأبحاث تجرى على عينات عشوائية لإمكان تعميم النتائج على المجموعة الأصلية، أي: لكي نستطيع الافتراض أن أداء الأطفال في التجربة يمثل كيفية أداء كل طفل في المجموعة الأصلية, وبهذه الطريقة يمكن خلق قوانين النموّ التي يمكن تعميمها على أوسع نطاق. إن معرفة الإجراءات المستخدمة في تجربةٍ ما ذات أهمية بالغة لإعادة تكرار التجربة, ولتسهيل إيصال الإجراءات, يستخدم علماء النفس عادة تعريفات إجرائية operational definitions, وهي طرق لتعريف المفاهيم بذكر الطرق المستخدمة لقياسها.. واستخدام هذه التعريفات يضمن لنا أن يستطيع أي شخص آخر معرفة معنى المفهوم، مثلًا: الذكاء كما يقاس باختبارات الذكاء، أو التعزيز الاجتماعي الذي يقدم بأن يخبر الطفل بأنه أجاد في واجب ما، وبإعادة الإجراءات التي استخدمت في التجربة, وبتعريف المفاهيم بنفس الطريقة يستطيع علماء النفس

إعادة إجراء التجربة، وبالتالي مراجعة صلاحية النتائج, وهذه هي الخطوة الهامَّة في البحث؛ لأنها تسمح بمزيد من الثقة في نتائج التجربة, وفي قوانين النمو التي نستخرجها منها. إن إيجاد الواجبات المناسبة للاستخدام عبر حيِّز كبير من الأعمار لهو مسألة هامَّة في مجال أبحاث النمو، ويعتبر ذلك ضروريًّا إذا أراد علماء النفس بحث تغيُّر النمو من خلال تجارب ممتدة، وقياس مختلف مجموعات السن في تجرية واحدة، أي: دراسة الفئات المختلفة. ومن الواضح: فإن بعض الواجبات لا تصلح إلّا لمدى سن ضيق؛ لأنها تعتبر صعبة للأطفال الأقل سنًّا أو أسهل مما يجب بالنسبة للأطفال الأكبر سنًّا, وفي هذه الحالات يحاول علماء النفس ابتكار واجبات لقياس العمليات المماثلة في مجموعات سن مختلفة, حتى ولو اختلفت هذه الواجبات بعض الشيء.

خلاصة

خلاصة: هناك نمطان أساسيان: نمط التركيب العضوي، والنمط الآلي, كانا مرشدين لعلماء النفس في بناء نظرياتهم عن السلوك الإنساني عامَّة، والنمو الإنساني بصفة خاصة. وفي مجال علم النفس يرتبط النمط الآلي للنمو بمفهوم التركيب العضوي النَّشِط الذي يفترض أن الكائنات البشرية تستطيع الاستجابة للمثيرات, والتفاعل مع المثيرات التي لها استجابات متعلمة. وينظر هذا النمط إلى الإنسان باعتباره يعمل كما لو كان آلة، وهو أساس معالجة النمو التي تنتهجها نظرية التعلم، والتي تعرف بأنها تعلم أنماط سلوكية مطَّردة التعقيد كنتيجة للمزج بين أنماط سلوكية أبسط. ويتمثَّل نمط التركيب العضوي للكون بالمعالجة المعرفية النمائية "للنمو", وهي التي تنص على أن النمو الإنساني يحدث في مراحل متتالية تمثل تغيرات نوعية في النواحي التكوينية للتركيب العضوي, وينظر هذا النمط إلى التركيب العضوي على أنه نشط، وكموّلد للنمو؛ لأنه يبحث عن المثيرات من البيئة. وتستمد النظريات حول ظاهرة النمو من هذه الأنماط الأساسية والأكثر عمومية، والنظريات تخدم ثلاثة عوامل أساسية؛ فهي تسمح لنا بتضمين المعلومات عن النمو، وتحاول تحديد أسباب السلوك والعوامل التي تؤدي تصرفاتنا بالطريقة التي نتصرف بها, كما أنَّها تسمح بالتنبؤ بالسلوك الجديد. والنظريات لا يمكن الحكم عليها بالصلاحية من عدمه، ولكن بمدى فائدتها في وصف النمو. إنَّ فائدة النظرية تتوقف على الافتراضات المشتقة منها، وعندئذ يجرى البحث لتحديد ما إذا كانت هذه الافتراضات تعززها النتائج. توجد عدة وسائل بحث لاختبار النظريات, ووسائل الفئات المختلفة التي تستخدم لاختبار الأطفال في مراحل سن مختلفة تقدّم معلومات عن فروق السن في النمو, وتجرى الدراسات الطولية "الممتدة" بتكرار اختبار نفس المجموعة من الأفراد التي تجرى عليهم الدراسة, وبذلك نحصل على معلومات عن تغيّر السن.

وثمة تخطيطات تجريبية تجمع بين الطريقتين الممتدة وذات الفئات المختلفة تسمح بتقييم التغير في السن، وفي نفس الوقت مظاهر فرق السن في النمو، وهذه التخطيطات ذات فائدة خاصة إذا كان هناك ثَمَّة شك في أن نموًّا من نوعٍ خاص قد يتغير مع التحولات الثقافية, وعلاوة على مشروع البحث يمكن تحديد نوعه طبقًا لنوع التخطيط المستخدم، فإنه يمكن وصفه بعدة أبعاد أخرى تشكيلية، وعكسها لا تشكيلية، معملية وعكسها في إطار طبيعي، ونظرية وعكسها لا نظرية. وحيث إن علماء النفس يقومون بالأبحاث مع الأطفال فلا بُدَّ من مواجهة عدة اعتبارات أخلاقية هامَّة تختص بصيانة حقوق الطفل؛ من حيث رفض الاشتراك, وعدم عقابهم لرفض الاشتراك، وتبرير ضرورة خداع الطفل عن طبيعة التجربة، والإفصاح عن الأهداف وعن الإجراءات التي ستتخذ، وضمان أن قيمة البحث ستتفوق على الضرر الذي قد ينتج عنه، هذا إذا كان هناك أي ضرر، وأن التجربة إمَّا أن تترك أو تغيّر لتجنب حدوث أي ضرر للطفل. والإحصاءات أدوات تستخدم لتحليل النتائج المتجمعة في أي مشروع بحث, والإحصاءات الوصفية مثل المتوسط تستخدم لتلخيص المعلومات المتجمعة, وثَمَّة إحصاء وصفي ذو أهمية خاصة هو معامل العلاقات الارتباطية المتبادلة، وهو مقياس درجة العلاقة "الارتباط" correlation بين مجموعتي قياس أخذتا على نفس المجموعة من الأفراد, وكلما كانت قيمة المعامل كبيرة وأقوى وأوثق صلة الواحدة بالأخرى، كلما كانت المتغيرات كذلك. وعلاقة معامل العلاقة المتبادلة تدل عن إذا كانت العلاقة موجبة "+" positive أو سالبة "-" nagative, والإحصاءات الاستدلالية تستخدم لتحديد ما إذا كانت نتائج التجربة ترجع إلى التشكيل المستخدم أو نتيجة تذبذبات عشوائية في أداء الأفراد الذين تجرى عليهم التجربة. وهناك تقييم آخر هام للبحث ينبع من اعتبارات خاصة بتعميم المعطيات؛ وحيث إن علماء النفس يهتمون أساسًا باكتشاف القوّة العامَّة للنمو، فإنهم يستخدمون عينات عشوائية من الأفراد, حتى يمكن الافتراض بأن النتائج يمكن تطبيقها على مجموعات من الأفراد أكبر من التي تختبر في الدراسة, واستخدام التعريفات الإجرائية وتوفير أوصاف تفصيلية لإجراءات البحث، يؤدي إلى تأكيد إمكانية تكرار نفس التجربة، وبالتالي الصلاحية أكبر، كلما زادت ثقتنا في القوانين المشتقة من الدراسة.

الاتجاهات النظرية في تفسير النمو

الاتجاهات النظرية في تفسير النمو مدخل ... الاتجاهات النظرية في تفسير النمو: مقدمة: لا غنى لعلمٍ من العلوم طبيعيًّا كان أو إنسانيًّا عن نظرية تربط بين وقائعه في نظام متناسق متكامل يفسر هذه الوقائع ويوسع من نطاقها ويثير من المشكلات بقدر ما يحله منها. والعلم سعي دائم وراء المجهول في نسق نظامي يستند إلى قاعدة تسمح للعالم أن ينظر من علٍ، وأن يغيِّر من زواياها ومستوياتها ليعيد النظر من منظور أعلى، والعالم في سعيه لمعرفة الحقائق عن الإنسان يحتاج إلى تنظيم هذه الحقائق في نظم من القوانين والنظريات، ولا يقتصر اهتمامه على الحقائق والعلاقات الثابتة بالدليل والبرهان، ولكنه يهتم أيضًا باكتشاف الطرق لتخليص هذه الحقائق. وقد يظن الرجل العادي أن العالم يتعامل مع الحقائق، في حين أن الفيلسوف هو الذي يهتم بالنظريات، فالعالم بالنسبة له ذلك الشخص المنظَّم المخلص لعمله, الذي يبحث عن الحقائق الخالصة أكثر من أن يكون مغامرًا عقليًّا يبتكر تركيبات تخيلية, ويظن الرجل العادي أيضًا أن الحقائق محدودة، واقعية، ملموسة, وأن معناها واضح في ذاته. أما النظريات فهي في رأيه مجرَّد تأمّلات أو أحلام يقظة, ولكون الواقع هو أن تجميع كميات ضخمة من الحقائق المنعزلة يمكن أن يسهم إسهامًا ضئيلًا في تقدُّم المعرفة، لذا: فإن الغاية القصوى التي ينشدها العالم ليست تجميع الحقائق, وإنما تنمية النظريات التي سوف توضح جانبًا معينًا من الظاهرات. إن أعظم موهبة يمكن أن يمتلكها عالم هي الخصوبة التصورية، أي: القدرة على بناء تخمينات ذكية جريئة أصيلة عن الكيفية التي تنظم بها الحقائق, ومع أن العلم يؤكد الموضوعية، إلّا أنه يهتم إلى درجة بعيدة بعملية التنظير الذاتية. وعلى هذا الأساس: فإن التنظير ليس أداة زخرفية يلهو بها العلماء وهم قابعون في أبراجهم العاجية، ولكنه أداة عملية تمكِّنهم من اكتشاف الميكانيزمات الكامنة وراء الظاهرات, ويزودنا التنظير بالمعالم التي تقودنا على طريق البحث، وبدون التنظير لا يمكن اكتشاف معرفة جديدة. "فان دالين: 1977، 91-93".

ما هي النظرية: إن أكثر المفاهيم شيوعًا هو أنَّ النظرية توجد في مقابل الحقيقة؛ فالنظرية فرض لم يتأيِّد بعد، أو تأمّل حول الواقع لم يتأكد بعد بصورة تقطع بصحته، وعندما تتأيد النظرية تصبح حقيقة. وعلى هذا الأساس: فإن النظرية هي مجموعة من الافتراضات خلقها صاحب النظرية, تكون ذات صلة بموضوعها، يرتبط بعضها بالبعض الآخر ارتباطًا منظَّمًا، كما أنها تتضمَّن مجموعة من القضايا والتعريفات التجريبية. "هول، لندزي: 1978، 25-25". ويجب أن يتوفَّر في القضايا التي تثيرها النظرية شروط متعددة أهمها: 1- أن تكون القضايا مستندة إلى أفكار محددة تمامًا. 2- أن تكون القضايا متَّسقة الواحدة مع الأخرى. 3- أن تكون في صورة يمكن أن تنمو منها التعميمات. 4- أن تكون القضايا المكوّنة للنظرية ذات فائدة؛ بحيث يمكن أن تقود الباحثين إلى مزيد من الملاحظات والتعميمات لتوسيع نطاق المعرفة. وبناء النظرية يستلزم توفر العناصر التالية: 1- وجود إطار تصوري أو مجموعة من المفاهيم تتناول موضوع النظرية, ويمكن أن يميّز في بناء النظرية بين نوعين من المفاهيم: - مفاهيم وصفية: وهي التي تتناول موضوع النظرية. - مفاهيم عملية أو واقعية: يطلق عليها مصطلح "المتغيرات". 2- اشتمال النظرية على مجموعة من القضايا؛ بحيث تقرر لكل قضية علاقة معينة بين متغيرين على الأقل. 3- ترتيب القضايا التي تشكّل في نسق استنتاجي، أي: وضع المقدّمات في البداية، ثم الانتقال منها إلى النتائج, ومن الضروري عند بناء النظرية مراعاة مبدأ عدم التناقض، وهو ما يعرف بمبدأ الاتساق المنطقي، أي: استنباط كل قضية من القضايا التي تسبقها حتى نصل إلى أدنى المستويات. 4- قيام النظرية بتفسير الوقائع التي تشتمل عليها، وكلما فسَّرت النظرية قدرًا من الوقائع زادها ذلك قوة ويقينًا. هذا ومن شروط النظرية العلمية الصحيحة، ما يلي: 1- الإيجاز: فيجب أن تكون النظرية العلمية موجزة في تعبيرها عن الحقائق التي تشتمل عليها، وفي بيان الفرض الذي وضعت من أجله. 2- الشمول: فيجب أن تشتمل النظرية على جميع الحقائق الفرعية التي تنطوي عليها، وأن تفسّر أكبر عدد من الظواهر. 3- التفرّد: فيجب أن تنفرد النظرية بتفسير الحقائق التي تشتمل عليها، فوجود نظرية أخرى تفسر نفس الحقائق التي تفسرها النظرية الأولى يضعف الأهمية العلمية للنظريتين، إلّا إذا كانتا متكاملتين. 4- القدرة على التنبؤ: فيجب أن تساعد النظرية العلمية على التنبؤ بما يحدث للظواهر المختلفة قبل حدوثها، فإذا ظهر أن هذه التنبؤات صحيحة ازدادت قوة ويقينًا.

النظرية في علم نفس النمو

النظرية في علم نفس النمو: لقد أصبح وجود إطار نظري موحَّد لدراسة عملية النمو مطلبًا أساسيًّا الآن في علم نفس النمو، بعد أن تعدَّدت النظريات دون أن يكون بينها خلاف بقدر ما بينها من إمكانات التكامل, ثم إن الحاجة إلى إيجاد نظرية، أو على الأقل إطار نظري, هي دائمًا حاجة ملحة في أي مجال من المجالات التي تواجه مجموعة من الظواهر, تخضع لإمكانية التفسير العلمي، ذلك أن النظرية تمدنا دائمًا بأداة تساعدنا على تنظيم الأفكار والبيانات على اشتقاق الفروض العلمية التي قد تدعِّم وجهة النظر أو تعارضها. وفي علم نفس النمو أُثِيرت ثلاثة أسئلة أساسية كانت موضع اهتمام تاريخي لدى علماء النفس المتخصصين في النمو:

1- هل الأفضل اعتبار الطفل مستكشفًا نشطًا أو مستقبلًا سلبيًّا للمثيرات البيئية؟ 2- هل الأفضل اعتبار الطفل نتاجًا للوراثة أم البيئة؟ 3- هل الأفضل النظر إلى الطفل كوحدة من عناصر "مثير/ استجابة" s/ r أو كمجموعة من التركيبات المتكاملة. وقد أثير جدل حادّ حول هذه الموضوعات من جانب الفلاسفة أمثال: أفلاطون، وأرسطو، لوك, وكان حصيلة هذا الجدل عدة أنماط للكيفية التي ينمو بها التركيب العضوي الإنساني, ومن هذه الأنماط كان نمطان يسيطران على التفكير الحالي حول نمو الطفل وهما: نظرية التعليم، والأنماط النمائية المعرفية. ومن أهداف هذا الفصل مناقشة هذين النمطين وتأثيرهما على فهم النمو، ذلك لأننا سنلتقي بهما في عدة أبحاث تفسير مظاهر النمو المختلفة خلال هذا الكتاب, وثَمَّة هدف آخر هو مناقشة طبيعة ودور النظريات في تفهم نمو الطفل منذ ميلاده وحتى نضجه. وهذه المناقشة سوف تساعدنا ليس فقط في وصف سير النمو، ولكن أيضًا لفهم السبب في نمط هذا المسار, ولدراسة نمو الطفل يجب أن نفهم دور وطبيعة نظريات النمو والفرق بينها. وأخيرًا سوف نناقش بعض النواحي الأساسية لأنماط البحوث المستخدمة في دراسة النمو، ومناهج وطرق البحث في علم نفس النمو اليوم، فعلماء النفس اليوم بعكس الفلاسفة, يحاولون الإجابة عن أسئلة تدور حول نموّ الطفل، وذلك بتجميع المعلومات المتعلقة به بطريقة منهجية, وليس بطريقة المناقشة والجدل. هذا وقد زاد حجم الأبحاث في هذا المجال زيادة مطَّردة, والأبحاث التي تجرى للإجابة عن أسئلة تستند إلى نظريات النمو يتمّ تقييمها بالإحصاءات, ولذلك فإن مناقشتنا لأهمية البحث والإحصاءات تهدف إلى تقديم الخلفية اللازمة لتفهُّم الكثير من المعلومات الواردة في هذا الكتاب.

الأنماط النظرية في النمو

الأنماط النظرية في النمو مدخل ... الأنماط النظرية في النمو: توجد بعض الأنماط التي كان لها أعظم الأثر في دراسة علم نفس النمو، وتعتبر الأنماط تصويرًا للنمو, وأكثر الأنماط شيوعًا هي النظم الفلسفية التي تصف طبيعة الواقع. - فالنمط الآلي mechanistic model مثلًا يقول: بأنه يمكن اعتبار الكون يعمل كما لو كان آلة، وهذا النمط لا يذكر أن الكون هو في الواقع آلة، بل إن الأفضل هو النظر إليه كأنه يعمل كالآلة. - وثَمَّة بديل لذلك هو: نمط التركيب العضوي organismic model الذي ينص على أن الأفضل لنا أن ننظر إلى الكون على أنه يعمل كما لو كان تركيبًا بيولوجيًّا حيًّا, وكما هو واقع في حالة النمط الآلي، فإن النمط التركيبي لا يذكر أن الكون وحدة بيولوجية متكاملة، بل إنه يعمل بطريقة مماثلة للتركيب العضوي البيولوجي "verton & reese, 1973, rese & verton, 1970". هذان النمطان اللذان يتسمان بالعمومية يؤديان إلى وجود أنماط أخرى أكثر تحديدًا، وهي ما نسميه بالأنماط النظرية theoretical "reese & overt 1971" أو النظريات. وعلماء النفس يبنون النظريات لتفسير أسباب السلوك، ويهتم علماء نفس الطفل بصفة خاصة بتفسير النمو في السنوات الأولى من الحياة. وسوف نناقش الأنماط النظرية المفسرة للنمو في ضوء هذين النمطين.

نمط نظرية التعلم

1- نمط نظرية التعلم: تستند معالجة نظرية التعلم في فحص وتفسير النمو على النمط الآلي، وفي هذا النمط يعتبر الكون كأنه يعمل كما لو كان آلة، ويتوقّف سلوك الآلة على نوعها, وعلى القوى التي تؤثر فيها, مثال ذلك: إن الكهرباء كقوة تؤثر على الآلة وتجعل الآلة تعمل، ولكن أجزاء الآلة هي التي تحدد نوع العمل الذي تؤديه الآلة، فمثلًا جهاز تنظيف الملابس "الغسالة"، أو جهاز التليفزيون، فإن الكهرباء تجعل كلا الجهازين يعملان، ولكن أجزاء كلٍّ منهما هي التي تحدد نوع العمل الذي يؤديه كل جهاز, وعلى ذلك فإن لسلوك الآلة سببين:

أولهما: هو القوة التي تؤثر عليهما، أو السبب الفعَّال Efficient cause. الثاني: هو تركيب الآلة ويسمَّى السبب المادي material، وهو يجعل أو يكون السبب في أن الآلة تؤدي وظائفها المحدَّدة مثل غسل الملابس، أو ترجمة موجات الراديو إلى صوت وصورة, وكل سلوك الآلة هو نتيجة هذين السببين فقط؛ فالآلة لا تستطيع أن تتخذ أن سلوك قصدي، أي: إنها لا تستطيع عمل أي شيء لم يؤخذ في الحسبان عند تصميمها، كما أنها لا تستطيع أن تبتكر سلوكًا من تلقاء نفسها. ومن واقع هذه الرؤية فإن التركيب هو مجمل عناصر بسيطة، والآلات المركبة "المعقَّدة" تعتبر مجملًا لآلات أبسط, وانطلاقًا من المثال السابق فإن جهاز التليفزيون ليس إلّا مجموع عدد من الآلات "الأجهزة" الأبسط: صمامات, مستقبلًا, ضوابط الصوت.. إلخ, ولتفهُّم عمل جهاز التليفزيون فإننا نحتاج لفهم عمل الأجزاء البسيطة التي يتركَّب منها, ونفس التعليق يمكن تطبيقه على جهاز تنظيف الملابس "الغسالة", فهو أيضًا يتركب من آلات أبسط, كلٍّ منها يؤدي عملًا محددًّا "سبب مادي" وتعمل فقط عندما تؤثر عليها قوة معينة "سبب فعال", وفي كلتا الحالتين فإن الآلة لا تزيد أو تنقص عن كونها مجموع أجزائها الفردية، علاوة على ذلك فإن التغيّرات في الآلة ذات طابع كمي, فإذا أضفنا لها أجزاء أخرى فإنها تؤدي عملًا أكثر، ولذلك: فإن التغيُّر في سلوك الآلة يعتبر تغيرًا كميًّا، فعندما نضيف أجزاء إلى الآلة تصبح قادرة على عمل أكثر وأقوى. وأخيرًا: فإذا التنبؤ بسلوك الآلة يصبح ممكنًا إذا عرفنا نوع الآلة، والقوى التي تؤثر عليها؛ فإذا استخدمنا الكهرباء للتأثير على جهاز تنظيف الملابس "الغسالة" أو جهاز التليفزيون, فإنك تتوقع "تتنبأ" نوعًا من السلوك من الجهاز. وفي مجال علم النفس psychology نجد أن النمط الآلي automatic type يمثله تصور التركيب العضوي المتفاعل reactive organism, وهو تركيب يتحدد سلوكه بقوى تؤثر عليه "السبب الفعّال"، وبتركيبه الوراثي "السبب المادي", وبعبارة أخرى: فإن الكائن البشري ينظر إليه باعتباره يعمل وكأنه آلة، ويتفاعل

مع المثير "قوى داخلية أو خارجية" بطريقة يمكن التنبؤ بها من معرفة القوى المؤثرة على الكائن البشري، ومن معرفة تركيبه الوراثي. إن مختلف طرق معالجة علم النفس ونمو الطفل ينبثق من النمط الآلي. ومع أن العديد من أصحاب نظريات التعلّم مثل: جثري gutherie "1935"، هل hall "1943" وسكنر skinner "1966، 1969"K، وسبنس spence "1956"، وطولمن tolmen "1932"، قد يختلفون حول بعض الخصائص عن الكيفية التي يتم بها التعلّم وعن كيفية تطبيق مبادئ التعلم لمساعدتنا على فهم النمو، إلّا أنهم يقومون بالأبحاث للتغلُّب على هذه الاختلافات, وعلى ذلك فإن كل نظريات التعلُّم تنتمي إلى نفس المجموعة من النظريات. أما نمط التركيب العضوي المتفاعل the reactive organism فيتخذ شكل اللوح الأملس "blank slate" tabula rasa أو التركيب الخاوي empty organism، وبعبارة أخرى فإن كل ما يفترض في الفرد أن يملكه عند ولادته هو بعض الانعكاسات الأساسية basic reflexes، مثل: القبص، المص، وليس لديه أي قدرات نفسية أخرى. أما الوظيفة النفسية الأكثر تقدمًا، والنمو مثل: تعلم اللغة أو اكتساب أنماط سلوك اجتماعية social behavior، يفترض أنها تتعلم خلال عمليات التعزيز أو "التدعيم" reinforcement التي تتم على مرِّ الحياة في البيئة نتيجة لتفاعلها معها. وهذه التفاعلات البيئية "تكتب على اللوح الأملس, وتحدد صفات التركيب العضوي", والتعلم نتيجة التفاعل البيئي environmental reaction: هوالعملية التي تكتسب من خلالها كل الوظائف النفسية، بسيطة كانت أو معقدة. وإذا عدنا إلى تشبيه الآلة: فإن التركيب العضوي لا يستطيع أن يؤدي سوى الأعمال التي طبعتها البيئة "تمامًا كما لا تستطيع الآلة أن تؤدي سوى الأعمال التي صممت من أجلها", وهذا النمط من التركيب العضوي الإنساني هو أساسًا الذي قدَّمه التجريبيون البريطانيون أمثال: جون لوك john locke، دافيد هيوم david hume، وجميس ميل james mill، جون ستيوارت john stuart, ولا يزال معمولًا به بواسطة العلماء السلوكيين الحاليين.

إن للتركيب العضوي الفعال عددًا من التضمينات لفهم السلوك والنمو الإنسانيين, ويفرض أن دافعية السلوك أو تنشيطه ترجع إلى القوى المؤثِّرة على التركيب العضوي, وكما أن الآلة لا تنشط إلّا عند استخدام قوى خارجية تؤثّر عليها مثل الكهرباء أو مصدر قوة أخرى، فإن السلوك الإنسان لا يحدث إلّا عند استخدام قوة تؤثر على التركيب العضوي، وقد تكون هذه القوة أمرًا صادرًا من أحد الأبوين، أو دافعًا داخليًّا مثل الجوع، أو أي: حادث بيئي يتسبَّب في قيام التركيب العضوي بنشاطٍ ما "شكل: 42". ومثل هذه القوى يمكن اعتبارها كبواعث على السلوك أو كأسباب فعَّالة، هذا والحدود الجسمية التي تفرضها المادة الوراثية للكائن الحي "سبب مادي" تحدد أنماط السلوك التي تستطيع تأديتها, وكنتيجة لهذه الافتراضات عن الكيفية التي يمكن بها تنسيط التركيب العضوي، يرى أصحاب نظرية التعلم أن التركيب العضوي يكون أساسًا في حالة سكون، وتمامًا كما تكون الآلة عاطلة, إلى أن تتعرض لقوة، يعتبر التركيب العضوي عاطلًا إلى أن تدفعه قوة ما للسلوك, وهذه الافتراضات الأساسية تؤدي بقدر كبير من أبحاث نظرية

التعلم، للتركيز على "الظروف المحيطة"، أو بمعنى آخر الإشارات أو البواعث البيئية المحددة التي يحتمل أن يجري فيها نوعٌ ما من السلوك، وهذه المعالجة تقودنا إلى محاولة التعرُّف على القوى الدافعية الداخلية والخارجية، التي تؤدي بالتركيب العضوي للقيام بسلوك محدد. وفي النمط الآلي تعتبر الآلات المعقَّدة قابلة للاختصار إلى آلات أبسط، وبالتالي إذا جمعنا آلات بسيطة، نستطيع أن نبني آلات تؤدي أنشطة أكثر تعقيدًا, وينطبق نفس هذا التصور على السلوك الإنساني، فهو يعتبر مجموعة من الأنماط السلوكية الأبسط, وبالتالي فلكي نفهم سلوكًا معقَّدًا فما علينا إلّا أن نفهم الأنماط السلوكية الأبسط التي يتكوّن منها, وكمثال في مجال علم النفس: فلننظر إلى تعلّم الأدار الجنسية, فطبقًا لأصحاب نظرية التعلّم يبدأ تعلّم الدور الجنسي بتعلّم الطفل أنماط سلوك جنسي بسيطة، ويستمر التعليم بتجميع هذه الأدوار إلى أنماط سلوكية مطَّردة التعقيد تؤدي إلى سلوك الفرد بطريقة نعرفها بالاصطلاح "ذكر وأنثى", ويفترض أن يتعلّم الطفل هذه الأنماط السلوكية الجنسية المناسبة من خلال التعزيز "التدعيم", ومثال ذلك يقوم الوالدان بتعليم أطفالهما المؤشرات الجنسية "ولد وبنت", وفيما بعد ألعابًا وأنماطًا سلوكية ومستويات ذات طابع جنسي أكثر تعقيدًا تتجمَّع وتمتد لتكون دورًا جنسيًّا مجسمًا, والنتيجة السلوكية المعقَّدة تدخل في إطار الاصطلاح "ذكر"، "أنثى", ومن نتائج الافتراض بأن العمليات المعقدة يمكن تقنينها إلى عمليات بسيطة، فإن التنبؤ الكامل بالسلوك يصبح ممكنًا أساسًا, وبعبارة أخرى: يجب أن نتمكَّن من أن نحدد بدقة الظروف التي يمكن أن يحدث فيها سلوك بسيط إذا عرفنا القوى المؤثرة على الشخص "السلوك الفعال"، وإذا عرفنا التاريخ التعلمي السابق لهذا الشخص، كما أن حدوث سلوك معقَّد يجب أن يكون بالإمكان التنبؤ به إذا عرفنا العوامل التي تحدّق أنماط السلوك البسيط التي يتكوّن منها. وبالطبع فإن ذلك يتطلب معرفة الظروف البيئية المحددة التي تحيط بالتركيب العضوي، والحالة الخاصة التي يوجد عليها في وقت معين، والنتيجة الحتمية لهذه الافتراضات, هي أن السلوك يمكن تقدير كمَّه بحيث نستطيع أن ننتبأ باحتمال حدوثه.

ومعنى ذلك: أنه يجب أن يكون باستطاعتنا أن نكتب معادلات تحدد أسباب السلوك، وبالتالي نتنبأ بحدوث هذا السلوك إذا توافرت مجموعة محددة من الظروف، وكانت أكثر المحاولات طموحًا في سبيل تحقيق ذلك, هي التي قام بها "كلارك هل" hall "1943"، الذي أمضى معظم سنوات عمله المهني في دراسة التعلم, وكان يعتقد أن التعلم دالة لسلوك سبق تعلمه، ودافع لأداء سلوك معين، وغير ذلك من البدائل, وقد عبَّر ذلك في المعادلة: sEr = sHr × Dx حيث: - sHr هي احتمالية الاستجابة the probability of response. - sHr هي قوة العادة habit strength - مقياس تعلم سابق measure of previous learning. - D هي الدافع Drive. ويعتقد "هل" أنه بإحلال قيم مناسبة في المعادلة "مثلًا: عدد محاولات الممارسة السابقة previous practice محل sHr، وعدد ساعات الحرمان من الطعام محل D يمكن تقدير احتمالات "تنبؤ" حدوث استجابة معينة. وثَمَّة محاولات أحدث لكتابة معادلات دالية للتنبؤ بالسلوك نجدها في أنماط رياضية مختلفة تحاول وصف العوامل العديدة التي تؤثر على التعليم "atkinson, bower & crothers, 1965", ومن الناحية الافتراضية فإن المعادلات التالية تسمح ليس فقط بالتنبؤ بالسلوك عندما نعرف القيم التي نضعها في المعادلة، ولكن أيضًا بتفسير أسباب السلوك، ذلك لأنَّها تبيِّن الظروف الي تحيط بحدث السلوك, وقد لقيت هذه المحاولة بعض النجاح بالنسبة للمهام البسيطة، ولكنها كانت أكثر صعوبة بالنسبة للمهام المعقدة, وكل من المثيرات الخارجية مثل: أوامر الوالدين، والداخلية مثل: الجوع، تجعل الفرد يقوم بالسلوك. وأصحاب نظرية النمط الآلي يفسرون النموّ بأنه مجرد تغير مع الزمن من سلوك بسيط إلى سلوك أكثر تعقيدًا "white 1970, bijon & baer 1961"،

وعلى ذلك فالنمو هو اصطلاح وصفي يميّز الظاهرة التي تفسرها النظرية, ونظريات الآلية تختص بنوعية أساسية من التغيّر السلوكي: - أحدهما: تغيّر وراثي ontogenetic change, وتمثله التغيرات في السلوك على مدى فترة حياة الفرد، وأنماط السلوك الوراثي هي التي يمكن أن تُتَعلّم أو تعلم الأفراد نوعًا واحدًا. - والثاني: وهو التغيُّر السلوكي behavioral change الذي يحدث في النمو، وهو التغير التطوري phylogenetic change الذي يحدث في أثناء التطور, فمع تطوّر التركيب العضوي، نجد أن قدراته المتزايدة أو المتناقصة على التكيف بالبيئة تعكس من التغير النمائي developmental change. ومن وجهة نظر الآلية: يتمثَّل النمو النفسي في التغيرات في السلوك التي تحدث في دقائق أو أيام أو سنين "zigler, 1963", ويفسّر النمو بامتدادات وتهذيبات على درجات متفاوتة من التعقيد لأنماط سلوكية أكثر بساطة, ويطرد تفسير التغيُّر في السلوك بتحديد التغيرات التي قد تكون من أسباب السلوك أو تغيرات السلوك. ومحاولة تحديد أسباب النمو داخل النمط الآلي تقتصر على تحديد الأسباب المادية أو الفاعلية "overton & reese, 1973", والأسباب المادية للسلوك تشير إلى أسسها العصبية أو الجسمانية أو الوراثية، أمَّا الأسباب الفاعلية فهي ظروف إثارية تولّد السلوك, وتمثلها معالجة المتغيرات المستقلة independent variables في تجربة، والأبحاث تعالج المتغيرات التي تعتقد أنها تمثل أسباب السلوك؛ لكي نحدد ما إذا كانت تغيرات السلوك مواكبة لتلك المتغيرات، وإذا كان المتغير المستقل independent variable وهو السلوك: كالذاكرة مثلًا يتغير كدالة للمعالجة التجريبية. ومقدار ووقت التدريب يفترض أنه المتغير التجريبي "وقت التدريب", وهو سبب للسلوك "ذاكرة". وعلى ذلك: فإن المعالجة الآلية لعلم النفس تستخدم نظرية التعلّم لتحديد تغيرات كمية السلوك, وبهذه الطريقة فإن أصحاب النظريات الذين يميلون للآلية يحاولون وصف كيفية ملء "التركيب العضوي الفارغ" في أثناء سير النمو.

وطبقًا لهؤلاء, فإن الطفل يستجيب لكلٍّ من أنواع الاستجابات التقليدية والفعّالة أو العاملة "white, 1970, bijo & bear, 1961", وبعبارة أخرى: فإن سلوك الطفل يتمّ السيطرة عليه باستخراج المثيرات "تكيّف تقليدي" classical adapation، أو بمثيرات تعزز أو تقوي استجابة سابقة مباشرة "تكيُّف فعَّال أو عامل" dfective adaptation, وعلى ذلك: فإن واجب الباحث من خلال نظرية التعلُّم هو أن يحلل بيئة الطفل؛ ليحدد أي المثيرات تستخرج السلوك أو أيها تعززه، بعد ذلك عليه أن يوضِّح كيف يتحكَّم التقليدي والفعال أو العامل في تعلّم الطفل, كيف يسلك في بيئته, وهذا الضرب من التحليل يستخدم لتفسير النمو الإنفعالي emotional deueopmnt، ونمو اللغة language development، والفروق الثقافية في السلوك, والنمو الإدراكي: الحسي الحركي، وما شابه ذلك في إطار نظرية التعلم. ويعتبر كل سلوك مكتسبًا من خلال شكل أو آخر من أشكال التعلّم، والقليل جدًّا من السلوك النظري هو الذي يعزى للتركيب العضوي، ومن خلال مفاهيم التفرقة في الاستجابات: التعلم للاستجابة لمثير محدد، التعميم generalization "التعلم للاستجابة لمجموعات من مثيرات متشابهة"، يحاول أصحاب نظرية التعلم تفسير اتساع وعمق السلوك الإنساني human behavior بين مثيرات الاستجابة نتيجة للتعزيز، وهو المفهوم المستخدم لتعليل المظاهر الكبرى للنمو. ومع أن نظرية التعلم كانت هي القوة المسيطرة في مجال علم النفس خلال الثلاثينات والأربعينات، فإن عددًا من علماء النفس اليوم ينتقدونها بشدة, ومن بين هذه الانتقادات: الاعتقاد بأنَّ السلوك الإنساني ليس كله متعلمًا, وسوف نناقش في هذا الكتاب أمثلة عديدة لسلوك ظاهري غير متعلّم؛ حيث إن أصحاب نظرية التعلّم يجدون أنه من الصعب تفسير ذلك السلوك, وثَمَّة انتقاد آخر كثيرًا ما يوجَّه لأصحاب نظرية التعلُّم, هو أنهم ينظرون إلى الإنسان كمجرَّد ابتكار آلي بحت, ومع ذلك: فإن هذا الانتقاد ليس سلبيًّا تمامًا، ولنتذكر أن النمط الآلي هو "كما لو كان آلة". وأصحاب نظرية التعلُّم لا يقولون أن الإنسان ليس سوى آلة، بل إن مجرَّد تشبيهه بالآلة يساعدنا على فهم السلوك، فهو ليس إلّا.. ومهما يكن من أمر، فإن هذه الاعتراضات أدت إلى تجدد الاهتمام بإمكانية تطبيق أنماط أخرى على مشكلة تفسير النمو.

النمط النمائي المعرفي cognitive - develpmental model

2- النمط النمائي المعرفي Cognitive - Develpmental Model: النمط الثاني في الكون الذي كان له أثر بالغ على أبحاث علم النفس هو النمط العضوي "Oveton & Reese, 1973" Organic Model وريس وأوفرتون "Reese & Overton, 1970" وهذا النمط يفترض أن الكون يعمل أشبه بتركيب عضوي حي وليس كآلة, ويعتبر من المؤكد حدوث التغير في تركيب المجموع "الكل"، وأن هذا التغير يكون في شكل أو حالة الكون، ولذلك فإنه تغير نوعي وليس كمي, ونتيجة لذلك يفهم التغير بأنه يحدث في مراحل متتابعة، تختلف كل منها اختلافًا نوعيًّا عن الآخرى, وأكثر منها تعقيدًا، ولكنها لا تختصر فيما بينها, والأهمية الكبرى هي في اكتشاف قواعد الانتقال من مرحلة إلى مرحلة ثانية. وفي هذا النمط نجد أن المجموع أكبر من مجموع أجزائه، ذلك لأنه يضفي معنى على الأجزاء، بمعنى: إن معرفة الأجزاء لا تعني بالضرورة كما هو الحال في النمط الآلي أنها تسمح لجزء واحد بمعرفة شيء عن المجموع، وأخيرًا: فإن أسباب السلوك وتغيراته في هذا النمط نمائي أو قصدي بطبيتعه, يسير متقدمًا إلى الأمام. والتغير لا يحدث فقط عن أسباب فعالة، ولو أن هذه الأسباب قد تسهل أو تعوق التغير، والسبب في ذلك هو أن النَّمط يفترض أن المجموع نشط, وفي حالة انتقال متواصلة، ومن هنا يجب تحديد موضع السبب في المجموع، ويسمَّى ذلك بالسبب الشكلي frmal cause. والسبب الشكلي بالنسبة لمفهوم "كون" نشط تخضع لتغير نوعي تحول دون وجود كون قابل للتنبؤ به, ويمكن تحديد كمَّه، ذلك لأنَّ الأسباب الغائبة لا تسمح بالتنبؤ الكامل، والتغيرات النوعية لا يمكن أن تكون كمية تمامًا. وثَمَّة مثال شائع في الحياة اليومية قد يساعد على إيضاح هذا النمط, فلننظر إلى التركيب الكيميائي للماء, ونفحص خواص الأكسجين والأيدروجين كلًّا على حدة، فمن الواضح أن أيًّا منهما ليس له خواص الماء, ولكن

عندما يتحد الاثنان اتحادًا كيميائيًّا تبرز خواص الماء "البلل مثلًا", وفي مجال الكيمياء يعتبر هذا مثلًا للمجموع الذي يزيد على أجزائه كل على حدة, وبمعنى آخر: فإن المجموع "أكسجين + أيدروجين" أكبر، وله صفات مختلفة عن أيٍّ من الجزئيين كل على حدة، كما أن التغير نوعي ويرجع إلى طبيعة العناصر المشتركة في التفاعل "سبب شكلي", وهذا التغير لا يشبه إضافة أجزاء إلى آلة ما، ذلك لأن الخواص الجديدة الناتجة لا يمكن اختصارها إلى العناصر الأبسط، غير أنها في الآلة ممكنة "فالترانزيستور" يعمل بنفس الطريقة في آلة بسيطة. وثَمَّةَ مثال يشمل عدة مراحل نوعية يبدو لنا في تتابع التغيرات التي تبرز منها الفراشة: البيضة، اليرقة، الشرنقة، الفراشة، فهذه التغيرات نوعية, ومن نوع غير قابل للانعكاس "reese & overton, 1970"، وكما تدل على هذه الأمثلة فإن المجموع يضفي معنى على الأجزاء. وفي مجال علم النفس يترجم النمط العضوي للكون إلى نمط التركيب العضوي النشط active - organism model للسلوك الإنساني "reese & overton 1973", فالإنسان يعتبر "نشطًا بالفطرة وتلقائيًّا"، وهو "مصدر لأفعال، ولا يتقصر على النشاط بأسباب فاعلة, ويعتبر الإنسان مصدرًا للسلوك، وقادرًا على توليد أنماط سلوكية جديدة، ليس فقط كمستودع لأفعال متعلمة تصدر تبعًا لأسباب فاعلة، إن مختلف نظريات التركيب العضوي النشط في النمو مثل: نظرية بياجية piaget's Theory "1952" عن النمو المعرفي cognitive development ونظرية فرويد freud's theory "1930، 1935" عن تكوين الشخصية تستندان على النمط العضوي, ونظريات النمو المنبثقة عن النمط العضوي مثلها في ذلك كمثل مختلف نظريات الآلية بها بعض الاختلافات الأساسية, ومهما يكن من أمر: فإن العموميات التي تضم هذه النظريات تضعها في "أسرة واحدة, وكل نظرية في هذه الأسرة تشارك الأخريات مبدأ أساسيًّا فيما يختص بطبيعة التركيب العضوي للإنسان. ومن داخل النمط العضوي للنمو، يعتبر التغير واقعًا مقبولًا, وبعبارة أخرى: فإن النمط العضوي قابل للنمو والتغير "reese & overton 1973". إن طبيعة

التغير النمائي طبيعة نوعية "تغير في النوع"، أكثر مما هو تغير كمِّي "تغير في الكمية"، والتغير يكون من مرحلة نموٍ ما أقل تعقيدًا إذا تَمَّ الانتقال إلى مرحلة أكثر تعقيدًا, ونتيجة لذلك: فإن هذا النمط لا يفترض التنبؤ الكامل بالسلوك، كما أنه لا يشدد في إيجاد علاقة بين السلوك وأسباب فاعلة محددة. وفي كل مستوى جديد من مستويات النمو تبرز خواص تركيبية جديدة للجسم, لا يمكن اختصارها مباشرة إلى خواص المستوى الأدنى, ومع نمو التركيب العضوي، ونضجه، ونموه، يكتسب أشكالًا جديدة مختلفة نوعيًّا للتفاعل مع البيئة, وذلك بسبب التغيرات التي تجعل التنبؤ بالسلوك في منتهى الصعوبة. والتصور الأساسي طبقًا لـ" rees & overton, 1970, 126" هو أنه "يوجد تركيب عضوي منظم يعرض بعض الوظائف، وأن التركيب يتغيّر في تنظيمه أو شكله مع تغيرات تالية في الوظيفة, وبالنسبة لكثير من علماء النفس، خاصَّة أولئك الذين أطلق عليهم اسم "علماء نفس النمو", فإن التغيّرات ليست إتجاهية أو قابلة للانعكاس، وهي موجهة نحو حالات أو أهداف معينة, ولذلك فإن الأبحاث التي تقوم على نمط التركيب العضوي النشط تؤكّد التغيرات النوعية التي يتقدّم فيها الإنسان في أثناء النمو, وفي مناقشتنا لنظرية بياجيه المعرفية سوف نناقش مراحل متعددة تتطور فيها عمليات التفكير. إن الطفل الوليد يفكّر مع الأفعال، والشخص البالغ يمكنه أن يفكّر برموز تجريدية, وتعتبر هذه طرقًا نوعية مختلفة للتفكير، وهي نتيجة الانتقال من مراحل نمو مبكرة إلى مراحل تالية أكثر نضجًا وتعقيدًا. وهذه التغيرات، وتغيرات أخرى أكثر دقة تحدث مواكبة تنكشف في السلوك. إن قدرات الفرد البالغ على التفكير تسمح بأنواع مختلفة من السلوك أكثر مما في حالة الطفل، وأن السلوك الظاهر phenomeno behavior، بدلًا من أن يعتبر نتيجة النمو فحسب، فإنه يمثل أيضًا النمو ويفهرسه، وذلك أنه يعكس تغيرات في تكوين التركيب العضوي. ولذلك فإن وجهة النظر الخاصَّة بالنمو المعرفي، تنظر إلى النمو كمتغير أساسي يحدث داخل تركيب عقل أو شخصية "التركيب العضوي" نفسه, وطبيعة هذا التغيُّر يتجه دائمًا نحو تعقيدات أكبر في النمو " rees & overton, 1970". ووجهة النظر هذه ذات عدة دلالات, نرى أنه من المناسب عرضها الآن, وهي:

أ- الاستمرارية/ التوقف "عدم الاستمرارية" continuity/ dizontinnity: ثمة موضوع يثار عمَّا إذا كان النمو يحدث بطريقة مستمرة أو أنه يتوقف, ويرى أصحاب نظرية "التركيب العضوي النشط" أن النمو يحدث خلال سلسلة من المراحل، كل منها يمثل نمطًا نوعيًّا مختلفًا من التفاعل مع البيئة. إن نظرية "بياجية" عن النمو المعرفي "1952" تقدم سلسلة من المراحل في نمو الذكاء، وكل مرحلة أكثر تعقيدًا من المرحلة السابقة لها، وتضم تقدمًا نمائيًّا عن المراحل السابقة. ومع أن النمو قد يبدو كمجوعة من مراحل غير مستمرة، فإن هذه المراحل تمثل رؤية أساسية للنمو، ولا تدل على توقف حقيقي، وينظر إلى النمو كعملية تغيّر مستمرة وبطيئة, وفي كل مرحلة يحدّد مستوى النمو من واقع مكونات التركيب العضوي، أي: إن السلوك يدل على النمو البنائي للتركيب العضوي، وهو الطريقة التي يمكن بها أن نعرف مرحلة النمو لهذا التركيب, والتكوينات بدورها يفترض أن تنعكس في السلوك, ومن هنا فإنَّ التسلسل المنطقي هو أنَّ السلوك يتحدَّد بتكوينات تعكس بدورها مراحل النمو, ويفترض أن تضم كل مرحلة القدرات "التكوينات" الخاصة بالمراحل السابقة، ولكن يفترض فيها أيضًا أن تكون أكثر من ذلك, ومن ثَمَّ فإنه من المستحيل تخفيض سلوك معقَّد إلى مجموعة من الأنماط السلوكية الأبسط، وهي الأنماط التي تكوّنه "شكل: 43"، كما يحاول ذلك أصحاب نظرية التعليم. وينظر إلى الطفل باعتباره قادرًا على توليد تكوينات

جديدة, وبالتالي أنماط سلوكية من مجموعة عقلية من عناصر موجودة فعلًا، ولكن تمثّل أنماطًا جديدة أكثر تعقيدًا من الوظيفية, ولنتذكر المثل الذي قدَّمناه عن مزج الأيدروجين والأكسجين ليكون لهما خاصية البلل "الماء" الذي يتمّ الحصول عليه من مزجهما. إن التغيّر الذي يحدث للعناصر عند مزجها تغيّر نوعي, وتبرز خاصة جديدة "الماء" لا يمكن اختفاءها مباشرة إلى العناصر الأبسط, وكذلك السلوك الناتج من العناصر الممتزجة يختلف عن سلوك أيّ عنصر منفرد, ويفترض نمط التركيب العضوي أن السلوك الإنساني "الذكاء بصفة خاصة" هو أيضًا نتيجة لتغيرات نوعية, وخواص السلوك العقلي المعقَّد لا يمكن اختصارها إلى خواص السلوك العقلي البسيط الذي انبثقت منه. وتعتبر كل مرحلة أن لها صفاتها الخاصّة، علاوةً على صفات كل المراحل السابقة, مثال ذلك: ما اقترحه بياجية "1952" من أنَّ القدرات العقلية الخاصة بكل مرحلة تندرج في قدرات المرحلة التالية, وهكذا فإن التفكير الإجرائي المحسوس concrete operational thinking "المرحلة الثالثة" يندرج في التفكير الإجرائي الشكلي frmal operational thinking "القدرات التجريدية للفكير في المرحلة الرابعة"، ولكن التفكير التجريدي يختلف في النوع عن التفكير المحسوس, كما أن التفكير الإجرائي الشكلي لا يمكن اختصاره مباشرة إلى تفكير محسوس, ولذلك فإن مجموع نمط التركيب العضوي في وقت معين أكبر من إجمالي الأجزاء. ب- الكفاءة والأداء competence / porformance: وثمة موضوع هام آخر يبرز من نمط التركيب العضوي النشط، وهو التفرقة بين الكفاءة "الجدارة"، والأداء, ويمكن تعريف الكفاءة competence بأنها مدى إمكانات "قدرات" التركيب البشري في إطار معيّن من السلوك. أما الأداء performance فيمكن أن يعرَّف بأنه: السلوك العملي "الفعلى" للفرد في وقت معين وظرف معين, وفي داخل رؤية التركيب العضوي المتفاعل، فإن سلوك الفرد أي أداءه يدل على ما يستطيع الفرد عمله بالفعل, ولا يسري ذلك بالنسبة لنمط التركيب العنصري. إن السلوك في أيّ وقت معيّن يفترض أن يعكس الأداء فقط، وليس كل أجزاء الكفاءة "الاقتدار".

والأداء ليس سوى قياس غير كامل الاقتدار "الكفاءة", وعلى ذلك: فإن سلوك الفرد يعكس جزئيًّا اقتدار الفرد, وكمثال لتأمّل نمو اللغة: إن طفلًا في الثالثة من عمره قد يستطيع استخدام جملة من ثلاث أو أربع كلمات للاتصال بوالديه أو من هم أكبر منه, ولكن هل هذا هو أقصى إمكانيات potentials الطفل؟ الواضح أن الإجابة عن هذا التساؤل هي النفي, والمؤكد أن الطفل يستطيع أن ينتج جملًا أطول، وحتَّى لو اعتبرنا عينة من الأداء أكثر اتساعًا، فمن المحتمل ألَّا نحصل على مقياس دقيق لاقتدار "كفاءة" الطفل, والسبب في ذلك أن الأداء يتأثَّر بعدد من العوامل مثل: التعب. وإذا نحن غيرنا هذه العوامل: فإن الأداء لا بُدَّ وأن يتغيِّر، ولكنه لا يحتمل أن يضاهي الاقتدار "الكفاءة" مباشرة, ويبدو لنا ذلك شديد الوضوح إذا سألنا الطفل أن يقلد مجموعة من الكلمات لا معنى لها, فهو قد يتمكَّن من محاكاتها "أداء"، ولكن لا يحتمل أن نستنتج من ذلك أن اقتدار الطفل يعكس كفاءته على تقديم كلمات لا معنى لها بطريقة مباشرة, ولما كان المفترض أن الاقتدارات "الكفاءة أو الجدارة أو الأهلية" تتغيّر مع مستوى النمو للفرد، وحيث إن النمو يتغيّر باستمرار، فإن الاقتدرات "الكفاءات" تتغير باستمرار. والآن يجب أن يكون بالإمكان فهم معنى مصطلح "تركيب عضوي نشط" active prganism, والمفترض أن التركيب العضوي النشط في حالة تغير مستمر, وهذا التغير نوعي؛ لأن التركيب العضوي -بطريقة ما- يضيف إلى خبراته، ويكون طرقًا جديدة مختلفة للتفاعل مع البيئة، وهذه الطرق لا يمكن اختصارها مباشرة إلى خبرات بيئية محددة، كما لا يمكن تفسيرها بأسباب فعالة, وبعبارة أخرى: يبدو التركيب العضوي نشطًا بطريقة غريزية وتلقائية، كمصدر للسلوك ولتغيرات السلوك, وهو يقوم بدور نشط في تغيير كفاءته "جدارته"، الأمر الذي لا تستطيع أي آلة أن تفعله, وهذه التغيرات تعكس اختلاقات نوعية في النمو؛ فاليافع ذو الخمسة عشر ربيعًا مثلًا يستطيع أو لديه الكفاءة على إنتاج أنواع مختلفة من الحلول للمسائل أكثر مما يستطيعه طفل في الخامسة, وسواء قلنا أن الشاب ذو الخمسة عشر ربيعًا أفضل من طفل الخامسة بمقدار عشر مرات أو ثلاث مرات

في حل المسائل، فإن ذلك خارج عن الموضوع. إنَّ ما يتعلق بالموضوع هو أنَّ الاقتدارات أو الكفاءات والجدارة أو المستوى الوظيفي للشاب ذي الخمسة عشر ربيعًا تختلف عن اقتدارات أو كفاءات طفل الخامسة. وقد يكون من المناسب الآن أن تسأل كيف تحدث هذه الاختلافات في الاقتدار أو الكفاءات, وما هي الدوافع خلف هذا النوع من التغير؟ إن السبب الأساسي للتغيّر في النمط العضوي كما سبق وذكرنا "سبب نمائي موجَّه نحو حالة محددة", وفي داخل النمط العضوي يوجد نوعان من الأسباب الغائبة الهادفة: "شكلي formal، نهائي final". - والسبب الشكلي formal cause: يشير إلى تنظيم الفرد, أي: التكوينات النفسية التي يتكوّن منها التركيب العضوي؛ وحيث إن هذه التكوينات تتَّجه دائمًا نحو مستويات وظيفية متزايدة في التعقيد، فإن السبب الشكلي يكون غائيًّا "هادفًا" في طبيعته, هو يقود التركيب العضوي للأداء بطرق متزايدة في التعقيد نحو مستويات وظيفية متزايدة. - والسبب النهائي "الختامي" final cause: يشير إلى محاولة الفرد تتميز نفسه وبيئته "peese & overton 1970", وبعبارة أخرى فإن الفرد والبيئة بينهما علاقة فعل متبادل، يغيِّر كلّ منهما في الآخر, وعملية التمييز هذه تعتبر ضرورية كشرط دافع "سبب" للنمو motivating condition, وطبقًا لنموّ التركيب العضوي النشط فإن الأسباب الفعّالة "تفاعل بيئي أو تعلم" ليست هي الطرق الوحيدة التي يحدث بها التغيير. وتفسيرات النمو هذا تختلف تمامًا عن تفسيرات التركيب العضوي النشط، أو النمط الآلي, ونتيجة لذلك: فإن المتخصصين في النمو المعرفي يطرحون أسئلة مختلفة عمَّا يطرحه أصحاب نظرية التعلم حول طبيعة النمو. فمثلًَا يهتم أصحاب نظرية النمو المعرفي بصفة أولية بعمليات النمو, واهتمامهم أقل بنتائجها، "أي: بأنماط السلوك" التي تلقى اهتمامًا بالغًا من أصحاب نظرية التعلّم, فمثلًا عندما يعزز سلوكًا مقبولًا من الطفل حتى يتغير حسبما نريد, فإن هذا التغير في سلوك

الطفل الذي هو "نتاج" هذا التغير يعتبره أصحاب نظرية التعلم نموًّا، في حين أنه قد لا يكون نموًّا في رأي علماء النفس المعرفيين. ذلك لأنه قد لا يؤدي إلى تغيُّر تركيبي في الطفل، مثلًا ذلك: إننا قد نعرض على طفل في الثالثة كوبين متساويين مليئين بالماء, فإذا سكبنا محتويات أحد الكوبين من الماء في طبق, وسألنا الطفل ما إذا كان الطبق أو الكوب الآخر به ماء أكثر، أو أنهما مستويان, فإنه من المحتمل جدًّا أن يقول بأن أحدهما به ماء أكثر من الآخر. الطبق أن الكوب مثلًا، لأنه أوسع، لأن مستوى سطح الماء فيه أعلى, والواقع أننا نعرف أن كلًّا منهما به نفس المقدار من الماء, وباستخدام مبادئ التعزيز "التدعيم" نستطيع أن نعلِّم الطفل أن يقول بأن الطبق والكوب كلًّا منهما يحتوي على نفس المقدار من الماء، ولكن من غير المحتمل أن يتعلّم الطفل القاعدة العامة، وهي أنه إذا كان لدينا كمية من شيء ما, ولم نضف إليها أو نأخذ منها، فإن الكمية تظل كما هي. إنَّ ما تعلمه الطفل هو استجابة محددة لموقف محدد. وعلى ذلك فإن التعزيز "سبب فعَّال" يمكن أن يغيّر الأداء دون أن يقتضي ذلك تغيير الصفات التكوينية للطفل، أي: الطريقة التي يفهم بها العالم. ج- التكوينات النفسية: ويجدر بنا هنا أن نقول كلمة عن التكوينات النفسية: إن هذه التكوينات تركيبات افتراضية، هي مفاهيم تصف العمليات التي تشاهد مباشرة, وأصحاب نظرية النمو المعرفي لا يقولون بأن الإنسان لديه هذه التكوينات، بل هو يعمل كما لو أنه يمتلكها, وهذه التكوينات ليست واقعية، ولا تتواجد منفصلة عن النظريات التي تضمها. إننا لا نستطيع أن نفتح رؤسنا ونختبر هذه التكوينات منها, ولذلك فعندما نتكلم عن التغير التكويني فإننا نتكلم عن نمط من التغيرات في الطريقة التي يتعامل بها التركيب العضوي مع البيئة, وسواء كان الإنسان يمتلك هذه التكوينات حقيقة أم لا، فالأمر لا علاقة له بجدوى المفهوم كأداة لفهم السلوك الإنساني. وتعتبر الأبحاث التي توضح العلاقات بين مختلف موضوعات النمو محاولة هامة في نظرية النمو المعرفي. وقد بذلت مجهودات كبيرة في البحث لإيضاح العلاقات بين الذكاء والنمو الأخلاقي "kohberg, 1969, 1973" moral development وبين

الذكاء ونمو اللغة، وبين النمو المعرفي والنمو الاجتماعي social develpment "shantz, 1975"، وبين النمو الأخلاقي والسلوك الأخلاقي moral behavior "محمد مراد 1988، hogan, 1973"، وبين النمو المعرفي والنمو الأخلاقي "عادل عبد الله 1985", وبين النمو النفسي الاجتماعي والنمو الأخلاقي "حسن مصطفى: 1991".. إلخ. وهكذا فإن مثل هذه العلاقات حاسمة بالنسبة "للمذهب الكلي"1 التِّي يرتكز عليها نمط النمو المعرفي "overton, reese, 1970". - ومن هذا يتَّضح أن النمط المعرفي يشير إلى أن التنبؤ بالسلوك وتفسيره موضوعان منفصلان، فالتنبؤ على أحسن الفروض ضئيل؛ لأنَّنَا لا نستطيع كتابة معادلات دالية تربط السلوك بأسباب فاعلة محددة. إن فهم أو تفسير السلوك يعكس معرفتنا بنمو الطفل عبر مرحلة سن معينة, وهذا حقيقي حتى ولو لم نتمكن من تحديد كيفية تفاعل البيئة، والصفات والتغيرات في تكوين الطفل لتنتج هذا السلوك المعين. إن النمطين اللذان ناقشناها لهما وجهتا نظر متميزتان بالنسبة للتركيب العضوي الإنساني، ونتيجة لذلك فإنهما يمثلان وجهتي نظر مختلفتين تمام الواحدة عن الأخرى بالنسبة لطبيعة نمو الطفل، وهما يقدمان إجابات مختلفة على المسائل المتعلقة بالنمو, وإذا نظرنا إلى الأسئلة الثلاثة التي طرحناها في بداية هذا الفصل نجد: - إن أصحاب نظرية التعلّم: يعتبرون الطفل سلبيًّا نتاجًا للبيئة ومجموعة من عناصر الإثارة والاستجابة. إنهم يعتبرونه وقد وُلِدَ أشبه باللوح الأملس أو الصفحة البيضاء, وكل أشكال النمو تحدث بسبب التدخّل البيئي "التعلم", ولذلك فإن الطفل يعتبر مستودعًا لأنماط متعلمة "عناصر الإثارة والاستجابة"، ويرجع النمو إلى تجمعات تعليمية من أنماط سلوكية أبسط، مما يجعل بالإمكان قياس النمو. - ويعتبر أصحاب نظرية النمو المعرفي أن الطفل مستكشف نشط للبيئة، وأن له صفات متوارثة "مثال ذلك، آليات بياجيه الاستعابية التلاؤمية"، وأنه قد استكمل تكوينات معرفية, ويعتبر النمو تغيرًا نوعيًّا في تكوينات التركيب العضوي ناتجًا عن استكشافه النشط للبيئة. ومن استطراد القارئ لفصول الكتاب سيجد أن الطرق التي أثَّر بها هذان النمطان في البحث في مجال نمو الطفل قد أصبحت واضحة, وفي كثير من الحالات سيتاح لنا أن نناقش مجال بحث مثل: اكتساب الدور الجنسي، ومن كلٍّ من هذين المنظورين، ومع ملاحظة أن وجهتي النظر في النمو تولِّدان مسائل مختلفة للبحث، فإن القارئ سرعان ما يتبين أن البحث مستندًا إلى كل نمط يسهم بقدر كبير من تفهمنا للموضع الجاري بحثه, علاوة على ذلك: فإن المسائل المختلفة التي تطرحها كل معالجة عن المفهوم تصبح أكثر وضوحًا, ولذلك فإننا نعتقد أنه من المهم أن نلمّ بهذين النمطين العامين للنمو.

_ 1 المذهب الكلي holism. wholism: المذهب الكلي محاولة للظر إلى الإنسان ككل، يجمع الجسم والعقل في وحدة متآزرة غير منعزلة وليس كأجزاء.

دور النظرية في تفسير نمو الطفل

دور النظرية في تفسير نمو الطفل: سوف نقدِّم في الفصول التالية عدة نظريات عن نمو الطفل, وكما ذكرنا فإنَّ النظريات تستمد من نمط أكثر عمومية للعالم، وأنها تؤدي عددًا من الوظائف تختلف في مستويات تحديداتها, مثال ذلك: أن البعض منها مثل نظرية "فرويد" مثلًا عن نمو الشخصية لها مجال واسع، في حيث أنَّ معظم النظريات تبحث في نواحي محددة نسبيًّا عن نمو الطفل مثل: نظرية بياجيه في النمو المعرفي، ونظرية إريكسون في النمو الاجتماعي، ونظرية كولبرج في النمو الخلقي.. إلخ. ولذلك فإن كلًّا منها أضيق مجالًا. وإذا كانت النظرية هي مجرَّد بيان أو بيانات نحاول به أن نفسر حدثًا ما، فإننا في علم النفس نجد أن هذا الحدث هو السلوك، واهتمامنا هو بالسلوك الإنساني, ويمكن القول بأنَّ النظرية هي نموذج لما يحدث من سلوك معين، وتمييزه عن سلوك آخر, وبمعنى آخر أن النظرية تصف العوامل التي تحدث أو تسبب السلوك, ومجموعة من النظريات يجب أن تعطينا صورة سليمة ومعقولة للعوامل

التي تسبب سلوك الطفل ونموه, ومن هذه الوظائف تتكامل المعلومات عن السلوك integrate information about behavior, ومن ثَمَّ: فإن النظرية إذا كانت بالغة الاتساع، أو كان لها نصوص غير محددة تمامًا، فقد تتضمَّن قدرًا كبيرًا من المعلومات، ولكنها لن تقدم تفسيرًا مناسبًا للسلوك كالذي تقدمه نظرية ليست بهذا القدر من الاتساع، وإنما تركّز على مجالات سلوكية أكثر تعقيدًا. ومعظم النظريات تميل إلى أن تكون ضيقة المجال نسبيًّا, فلا تعطي سوى أشكال محددة من السلوك، مثال ذلك: التعلّم الشفوي، أو تأثيرات مختلف وسائل تربية الأطفال على تعلمهم الاعتمادية dependency أو العدوانية agression. والسؤال الذي يفرض نفسه الآن: كيف إذن يمكننا أن نحصل على صورة معقولة لأسباب نمو الطفل؟ والجواب الواضح: هو أنه بانتقاء واختيار نظريات لمختلف خواص نمو الطفل، نستطيع تجميع صورة أكثر شمولًا، ولكن ليست هذه معالجة حاسمة على كل حال، فهناك بعض النظريات شاملة، مثل نظرية بياجيه "1952" للنمو العقلي mental development. وبعض النظريات تعطي وصفًا مناسبًا تمامًا لنواحي بالغة الاتساع من النمو، في حيث أنَّ نظريات أخرى أقل شمولًا ليست ذات فائدة. ولذلك فإن مجرد إمكان تجميع قدر كبير من المعلومات ليس بالضرورة معيارًا لصالحية النظرية, بل إن صلاحية النظرية سواء كانت شاملة أو أقل شمولًا يمكن تحديدها فقط بنتائج الاختبارات التجريبية للافتراضات المنبثقة عنها, ويؤدي بنا ذلك إلى الوظيفة الثانية للنظريات: التنبؤ بأحداث جديدة predict new events وتوليد افتراضات يمكن إثباتها, أي: إننا بفحص نظرية، واستنباط افتراضات منها، يمكننا التنبؤ بأن سلوكًا معينًا سوف يحدث إذا ما توافرت مجموعة معينة من الظروف, وقد يكون هذا السلوك "جديد", أي: أنه لم تسبق ملاحظته، وهذه الظروف تقودنا إلى نوع أنماط سلوكية معينة. والوظيفة النهائية للنظرية هي تفسير السلوك أو النمو explain behavior development: إن تفسير سلوك ما يعني أننا نستطيع حصر أسبابه, أي: نستطيع ذكر السبب في حدوث السلوك، وحصر الظروف التي تؤدي إلى حدوثه, فإذا كانت النظرية تتنبأ بأن الظروف

"س، ص، ع"، يجب أن تحدث سلوكًا معينًا، وإذا استطعنا أن نمثل "س، ص، ع"، في تجربة وحدث السلوك المتنبأ به، استطعنا القول بأن "س، ص، ع" هي التي تحدد "أسباب" السلوك، وتفسير السلوك هو ببساطة عكس التنبؤ، ويتضمّن حصر الظروف "الأسباب" التي يحدث فيها السلوك, وعلى ذلك: فإن التفسير يشمل ذكر الظروف التي وراء حدوث حدثٍ ما، وعندما نعرف هذه الظروف نستطيع تفسير السلوك. إن النظريات تبني وتقيِّم بنفس الطريقة في كل مجالات العلم, وبالتَّالي فإن كل النظريات التي تعالج نمو اللغة، أو الرياضيات، أو الجسيمات النووية، أو نمو الشخصية، أو النمو المعرفي، أو النمو الانفعالي، أو النمو الاجتماعي لها نفس الأسس الصياغية، وهي كلها محاولات لتفسير السبب أو الكيفية التي يحدث بها سلوكٌ ما، وفي كل مجالات العلم يجري تقييم النظرية بالبحث. علاقة النظرية بالبحث في النمو: ثمة علاقة حاسمة لأي نظرية، وهي إمكانية اختبارها. إن النظرية لا نستطيع اختبارها لا قيمة لها، لأننا لا نستطيع التأكّد من صحتها, ولكن إذا أمكن اختبار النظرية، وإذا كانت الافتراضات المستقاة منها معززة بالبحث، أصبحنا أكثر ثقة في أن النظرية تمثّل وصفًا دقيقًا للعوامل الكامنة وراء السلوك الجاري بحثه، وبالعكس إذا قدمت النظرية افتراضات لا يعززها البحث, فإننا نفقد الثقة بهذه النظرية كتفسير ملائم للسلوك، وفي مثل هذا الحالات على الباحثين إما أن يعدلوا النظرية, أو أن يطرحوها جانبًا سعيًا لبناء نظرية بديلة. وعن طريق البحث يمكننا أيضًا اختبار نظريات تبادلية عن نمو الطفل، وذلك للتأكد من أيها أصح، ولذا: فإن البحث الذي يسترشد بالنظرية يعبتر هامًّا لكي نفهم نمو الطفل، وذلك لأنه هو الطريقة التي نثبت بها صحة النظريات عن النمو أو عدم صحتها. وعلى الرغم من وجود عدد كبير من النظريات السيكولوجية التي تتعلق بدراسة الشخصية الإنسانية, فإن معظم هذه النظريات تتناول الإنسان كنتاج كامل تمامًا، ولم يتعرض منها لدراسة نمو الشخصية من الولادة حتى النضج سوى عدد

قليل من النظريات، كما أنها لم تقدِّم سوى القليل من المعلومات عن إجمالي النمو؛ لذلك: تتضمَّن الفصول التالية تلك النظريات التي تناولت ظاهرة النمو الإنساني, أو نمو الشخصية كعملية مستمرة ومتتابعة بدءًا من حالة الطفل كرضيع، وتستعرض كل مرحلة لاحقة من مراحل النمو النفسي: الطفولة المبكرة، والطفولة المتوسطة والمتأخرة، والمراهقة، والرشد.. إلخ. علاوة على ذلك: فإن النظريات التي تَمَّ انتقائها يكمّل بعضها ببعضًا؛ كي تقدِّم تفسيرًا متكاملًا لنمو الشخصية الإنسانية من الناحية الجسمية، والحركية والعقلية المعرفية، والنفسية، والاجتماعية، والخلقية. إذ نجد أنّ: - نظرية آرنولد جيزل تتناول النضج والنمو الجسمي الحركي والمعرفي في سلالم نمائية متدرجة. - ونظرية روبرت ر. سيرز تتناول النمو الجسمي والبيولوجي للفرد في علاقته بالتعلم الاجتماعي. - ونظرية التحليل النفسي "ليسجموند فرويد" تتناول النمو الجنسي الذي يعتبر جانبًا من جوانب النمو البيولوجي، ولكنه يرتبط بالنمو النفسي للفرد. - ثم نجد نظرية "إريك هـ. إريكسون" كامتداد لنظرية فرويد تركّز على الجانب النفسي الاجتماعي في النمو الإنساني, وتركز نظرية جيمس مارشيا على نمو الهوية في المراهقة التي هي إحدى مراحل النمو في نظرية إريكسون. - أما نظريات "فارنر وبرونر وجان بياجيه، فإنها تعنى بدراسة النمو العقلي والمعرفي في تطوره ونضجه. - وتعنى النظرية السلوكية ونظرية "جان بياجيه" و"فيجو تسكي" بتناول النمو اللغوي. - ثم تأتي نظرية "كولبرج" لترتكز على أعمال بياجيه, وتعنى بدراسة النمو الخلقي والاجتماعي. ومن الملاحظ أن كل نظرية من هذه النظريات تتناول بحوثًا مستقلة تمامًا في مجال نمو الشخصية، ومع ذلك تعتبر كل واحدة منها مكمِّلة للنظريات الأخرى،

وتقدم جزءًا نحو تفهُّم الفرد ككل لا يتجزأ, دون أن يؤثر ذلك على المراحل التتابعية للنمو داخل الإطار التصوري لكلٍّ منها. فإذا نظرنا إليها طوليًّا يمكن القول بأن كل نظرية لها كيانها الداخلي المتماسك في تصوير استمرارية النمو، وفي نفس الوقت لا تتعارض مع النظريات الأخرى, وكأنَّ كلًّا منها كان ينسج نفس ثوب النمو مستخدمًا خيوطًا مختلفة عن الأخرى. وإذا نظرنا إليها عرضيًّا نجد أن كل نظرية يمكن أن تتناول في أيّ مرحلة حلقة بارزة إلى حل ما يمكن تحديدها بمفهوم أيّ نظرية أخرى, فعلى الرغم من الاختلافات المنهجية لكلٍّ منها, فإن المناهج المختلفة لكل نظرية يمكن أن يكمّل كل منها الآخر لتقديم صورة متكاملة لعملية النمو؛ إذ أنَّ كلًّا منها يقدم معلومات في مجالات أهملها الآخر؛ لذلك فإننا إذا نظرنا إلى هذه النظريات من الناحية التطبيقية, فإن تطبيق كل نظرية تحدده طبيعة النشاط الإنساني الذي ندرسه.

نظريات النضج والنمو العضوي النفسي

نظريات النضج والنمو العضوي النفسي أولًا: نظرية ميكانيزمات النضج العضوي النفسي "لارنولد جيزل" مدخل ... نظريات النضج والنمو العضوي النفسي: أولاً: نظرية ميكانيزمات النضج العضوي النفسي: "لآرنولد جيزل" ولد آرنولد جيزل arnold gesell في ألما alma بولاية وسكونسن بالولايات المتحدة الأمريكية عام 1880، وتلقى دراسته لمرحلة البكالوريوس في جامعة وسكونسن وتخرج منها عام 1906، وحصل على درجة دكتوراه الفلسفة.ph. D من جامعة كلارك حيث كان مدفوعا فيها للتخصص في دراسات الطفولة وذلك حينما تتلمذ على يد عالم النفس الشهير ستانلي هول G. stanley hall "1844-1924"، وقد حصل جيزل على درجة دكتور في الطب "md" من جامعة ييل عام 1915، وعمل أخصائيًا في طب الأطفال، وبعد فترة قصيرة من تقلده منصب في مدرسة النورمال، بلوس أنجلوس عين أستاذًا مساعدًا بجامعة ييل "1911-1915"، وأستاذًا لعلم صحة الأطفال بمدرسة الطب بجامعة ييل "1915-1948"، وأخصائيًا لطب الأطفال بمستشفى نيوهافن "1928-1948". ولقد أسس بجامعة ييل عيادة ييل النفسية لنطور نمو الطفل ورعايته، وعمل مديرًا لها من عام 1911-1948، وظل مدير شرف لها بعد إحالته للتقاعد عام 1948، ومستشارًا لمعهد جيزل لنمو الطفل من عام 1950.. ولقد ظل جيزل زميلاً بالجمعية الأمريكية للنهوض بالعلوم، وزميلاً بالأكاديمة الأمريكية للأخصائيين في طب الأطفال، وعضوًا بالأكاديمية الأهلية للعلوم، وزميلاً بالأكاديمية الأمريكية للعلوم والفنون، والأكاديمية الأمريكية للشلل المخي ورئيسًا لها عام 1952، وعضوًا في جماعة الباحثين بالدراسات المتصلة بطب الأطفال بها رفارد، وذلك حتى وافته منيته في عام 1961.

ولقد عمل جيزل في بداياته في مجال دراسة التخلف العقلي لدى الأطفال، ولكنه أصبح مقتنعًا منذ وقت مبكر بأن فهم النمو السوي ضروري لفهم النمو غير السوي، وكان جيزل من بين الأوائل الذين حققوا إنجازًا في الدراسة الكمية للنمو الإنساني من الميلاد إلى المراهقة، مركزًا بحثه على الدراسة الطولية الممتدة لعدد صغير من الأطفال وقد بدأ بأطفال ما قبل المدرسة وأخيرًا مد عمله إلى الأعمار من 5-10 سنوات، ومن 10-16 سنة. ومن نتائج دراساته استنتج جيزل أن النمو الجسمي والنمو العقلي لدى الرضع والأطفال والمراهقين عمليتان منظمتان متطابقتان. ولقد درب جيزل في عيادته باحثين لجمع البيانات، وأنتج تقاريرًا كانت واسعة التأثير على كل من الآباء والمربين، وكانت نتائج أبحاثه نافعة في ابتكار جداول نمائية أطلق عليها جداول جيزل النمائية Gesell Development Schedules التي استخدمت مع الأطفال بين عمر أربع أسابيع وست سنوات من العمر.. ولقد كانت مقاييس الاختبار تتضمن المجالات المعيارية لمواقف ابتداء من الحالة الولادية كميًا وكيفيًا، واشتملت على تأكيدات على المجالات الخاصة بالنمو الحركي، والنمو اللغوي، والسلوك التكيفي، والسلوك الشخصي والاجتماعي. بالإضافة لذلك: فإن نتائج الاختبار قد تم التعبير عنها أولاً بالعمر النمائي "DA" والتي تحولت بعد ذلك إلى النسبة النمائية "DQ" Developmenta; Quotient اعتمادًا على قسمة النمو السوي "العادي" الذي يظهر في أي عمر، ويتم الحصول على نسب نمائية واسعة من كل الوظائف التي بنى عليها المقياس. وفيما بين عامي 1940-1950 كان ينظر إلى جيزل، على نطاق واسع باعتباره ذي النفوذ الأول في مجال نمو الطفل والنسب النمائية المبنية على جداوله النمائية التي استخدمت بصورة واسعة في تقدير ذكاء الأطفال.. ولقد كتب جيزل العديد من الكتب التي وزع منها عدد كبير في معظم أنحاء العالم. منها: الطفل والرضيع في ثقافة اليوم "1943"، والطفل من الخامسة إلى العاشرة الذي شاركته في تأليفه فرانسيس إلج frances L.IIG "1946" وترجم إلى العربية. ولقد تمت قراءة كتب جيزل على نطاق واسع لدرجة أنه تم إدراك أن أفضل طريقة لتربية الأطفال تتطلب توجيهًا معقولاً أكثر من مجرد السماحة "الإباحة" permissiveness أو الشدة والقسوة rigdity. وأكثر من ذلك فإن تأثير جيزل كان واضحًا على علماء نفس الطفل وأطباء الأطفال Pediatricians حيث ساعد على زيادة ثقافتهم فيما يتعلق بنمو الطفل وخلق وعيًا سيكولوجيًا سليمًا. ومن المحتمل أن تفوق أفكار جيزل قد أعطى توجيهًا "أسلوبا ومنهجًا" للنظريات التي ركزت على أهمية العناصر البيئية أكثر من العناصر الداخلية في نمو الطفل خاصة تأثيرها على أفكار جيروم برونر Jerome S. Bruner، وجان بياجيه Jean Piaget مما جعلها تنال الشهرة التي وصلت إليها. ولقد انتُقد جيزل لتأسيس عمله وتشدده في ملاحظة عدد صغير من المفحوصين الذين كانوا من الأطفال الذين كان آباؤهم من البيض ومن الطبقة الوسطى في مدينة نيوانجلند، وقد فشل هو الآخر في السماح لضياع وقت قليل مع الفروق الفردية الثقافية في أنماط النضج. وعلى الرغم من أن حاصل النمو "نسبة النمو" لم تعد فكرة مقبولة اليوم كمقياس صادق للقدرة العقلية، فإن جيزل ظل رائدًا هامًا في نمو الطفل، وقد تم الاعتراف بنصائحه في منهجية ملاحظة وقياس السلوك الذي كان أول من استخدم الصور الفوتوغرافية والملاحظة من خلال مرآة ذات اتجاه واحد كوسائل للبحث.. ولقد كان جيزل أيضًا مؤلفًا خصبًا "كثير الإنتاج" فقد شملت كتبه الأخرى: أطلس سلوك الأطفال "1934"، الشباب: من العاشرة إلى السادسة عشرة "1956". "Gall, 1996, 164-165".

منهج الدراسة عند جيزل

منهج الدراسة عند جيزل: يعتبر جيزل أول من خلق ظروفًا منهجية لدراسة النمو، من ذلك: 1- طريقة التصوير والتسجيل: حيث استغل جيزل التصوير الفوتوغرافي، والتصوير السينمائي، والتسجيل الصوتي.. وغيرها لتتبع نمو الطفل، حتى أن دور السينما في أغلب بلدان العالم قد أخذت تعرض أفلام جيزل، وتجد فيها لعب الطفل بمفرده ولعبه مع زملائه، وموازنة بين طفل وقرد، ومواقف الحرمان وآثاره على الأطفال. كما أن إحدى الصحف اليومية الأمريكية قد

خصصت جزءًا من الصحيفة في كل يوم للأسئلة التي توجه إلى جيزل وزملائه وتلاميذه وتجد إجابات عنها. 2- طريقة الموازنة بين التوائم: فقد أجرى جيزل تجاربه على التوائم المتماثلة "المتطابقة"، يدرس خصائصها ويدرس الصلة بن التعلم والنضج، فكان يأخذ توأمًا ويدربه على ارتقاء السلم عند أول تعلمه المشي، وكان يترك التوأم الآخر بغير تدريب. ويستمر في تجربته هذه ثلاثة أشهر يكون التوأم غير المدرب قد بدأ بعدها يصعد السلم دون معونة. وكان في هذه المرحلة يغري كلا منهما بصعود السلم، فوجد أن التوأم الذي لم يدرب ليس أقل من حيث السرعة والإتقان من التوأم الذي تدرب، بل أنه في بعض الحالات كان يجد أن التوأم الذي لم يتدرب أسبق وأكفأ من التوأم الذي تدرب.. وقد كرر جيزل وتلاميذه تجاربهم على أربعين توأمًا. وقد استنتج من هذا كله أنه لا يجوز أن يعلم الطفل أي شيء قبل الأوان أي قبل اكتمال النضج الذي يساعده على التعلم.. ولعل هذا يهدينا إلى النصح لمن يدفعون بأطفالهم دفعًا إلى التعلم بأن يتريثوا: فالتعلم عند النضج أفضل منه قبل ذلك. 3- الملاحظة المنظمة: مما يذكر أن جيزل بفضل جهوده قد أنشأ معملاً سيكولوجيًا لدراسة الأطفال، وملحق به عيادة سيكولوجية وحضانة، وبهذا تمكن من داسة الأطفال العاديين وغير العاديين، وتمكن من أن يدرسهم تحت ظروف الملاحظة العادية الطبيعية شكل "45" حجرة ملاحظة الأطفال الصغار بالعيادة النفسية بجامعة ييل، يجلس الباحث في مقصورة ويجلس الطفل في الحجرة منهمكا في لعبه، ويوجد حاجز زجاجي يسمح للباحث بملاحظة الطفل في حين يمنع الرؤية بالنسبة للطفل. وتحت ظروف التجريب. ويعد جيزل أول من أوجد حجرة الملاحظة "شكل: 45، 46" وهي حجرة زجاجية صغيرة يجلس فيها الباحث ليلاحظ من نافذة

صغيرة أوعبر مرآة من اتجاه واحد الأطفال الصغار وهم يلعبون وينشطون.. والمميزة: هي أن الملاحظ يرى الأطفال ولكن الأطفال لا يرونه على الإطلاق، وبذلك يتصرفون على طبيعتهم ولا يتسرب إلى ذهنهم أنهم تحت الرقابة مما قد يغير من سلوكهم تغييرًا يضعف من قيمة الملاحظة. 4- تعريض الأطفال لمواقف سلوكية: حيث يمتاز عمل جيزل ببساطة المواقف التي يتعرض لها الأطفال. فمن هذه المواقف: أنه يعطي الطفل مكعبًا أحمر اللون ليلعب به، ثم يأخذه منه ويضعه فجأة في كيس يسهل فتحه، ثم يلاحظ ما يفعله الطفل.. فوجد: أن شكل "46" تصميم آخر لحجرة عزل، والمقصورة تكفي لعدد من الباحثين يعملون سويًا، وتحتوي حجرة اللعب على أدوات كثيرة تتيح للأطفال ممارسة ضروباً متنوعة من النشاط. بعض الأطفال ينسون المكعب بمجرد اختفائه، وبعضهم يبكي، وبعضهم يأخذ الكيس ويفتحه ويستخرج المكعب منه. وكما يختلف الأطفال في السن الواحدة أمام هذه المشكلة يختلف الطفل تبعًا لسنه في حلها، ومثال آخر: أن يضع أمام طفل ما قبل السادسة من عمره مرآة ويراقبه ليرى: هل ينظر الطفل خلف المرآة ليتبين هل هذا الذي يراه فيها يختبئ خلفها.. شكل "47" وله بهذه الوسائل البسيطة من: عصى، وأحبال، ومرايا، وأكواب، تجارب عديدة عاونته على فهم طبيعة التفكير وطبيعة التعليم عند الأطفال منذ الأيام الأولى. 5- الموازنة بين أطفال إنسانيين وأطفال حيوانات: فمن دراساته الطريفة أنه وازن بين ما ينتظر من طفل إنساني ومن طفل قرد في مختلف الأعمار الأولى فوجد أن: الرمش بالعين، والعطس، والمص والبكاء تحدث كلها في اليوم الأول عند الاثنين، أما إدارة الرأس والوجه لمتابعة شيء يتحرك فإنها تحدث عند القرد بعد ثلاثة أيام من ولادته، أما عند الإنسان فإنها تحدث بعد شهرين أو ثلاثة.

ومحاولة المشي فتحدث عند القرد بعد 12 يومًا، وعند الطفل بعد 12 شهرًا.. ومحاولة جذب الأم للاشتراك في اللعب فإنها تحدث عند القرد بعد خمسة أسابيع وعند الطفل الإنساني بعد مدة تتراوح بين 10-18 شهرًا.. والقرد يجري بعد أربعة عشر يومًا، أما الطفل الإنساني فإنه يجري بعد مدة تتراوح بين 18-28 شهرًا، ويفطم الطفل القرد بين سبعة أسابيع، أما الطفل الإنساني فإنه يفطم بعد مدة تتراوح بين 6-20 شهرًا "عبد العزيز القوصي: 1957". وهكذا: يعتبر جيزل أول من خلق ظروفًا منهجية لدراسة الأطفال. وقد تمكن تحت هذه الظروف أن يدرس التوائم وأن يوازن بين نمو الطفل الصغير والحيوان الصغير، وأن يسجل يومًا بعد يوم تصرفات الأطفال، وتمكن بهذا كله أن يضع معايير النمو للأطفال الصغار منذ الميلاد، فتقدم بعمله هذا خطوة كبيرة بعد الخطوة التي خطاها ألفريد بينيه. وقد سجل خلاصة بحوثه في أول كتاب نشره عام 1928 بعنوان الطفولة والنمو الإنساني.

مفهوم النضج

مفهوم النضج: يرى جيزل: أن كلمة النضج maturation تطلق على عمليات النمو التي تتمخض عن تغيرات منتظمة في سلوك الفرد، والتي تكون مستقلة استقلالاً نسبيًا عن أي تدريب أو خبرة سابقة "عبد المنعم المليجي: د. ت".. وهو يعني وجود أنماط سلوكية تحدث نتيجة عملية نمو داخلية لا علاقة لها بالتدريب أو أي عامل آخر خارجي. فالجهاز العصبي ينمو وفقًا لخصائصه الذاتية، ومن ثم تنشأ عنه أنماط أولية من السلوك، هذه الأنماط تحددها عوامل الإثارة من العالم الخارجي، وليس للخبرة أي علاقة خاصة بها "إبراهيم وجيه: 1976" ولذلك فإن: - نمو الجنين رهن بسلامة البيئة في رحم الأم: فالنمو قد يمضي طبقًا للخطة الطبيعية على الرغم من التقلبات التي قد تعتري البيئة داخل الرحم، بشرط ألا تتجاوز هذه التقلبات حدًا معينًا. مثال ذلك: أن الطفل الذي يولد قبل الموعد الطبيعي إذا حافظنا على حياته ووضعناه في حضّانة صناعية فإنه ينمو نموًا طبيعيًا شأنه شأن الطفل الذي يولد بعد اكتمال أشهر الحمل.. وهذا يدل على أن توقيت النمو أمر تقرره عوامل في داخل الكيان العضوي ذاته. - كذلك: فإن النمو يسير في مراحله المتعاقبة دون أن يتأثر إلا قليلاً بالمؤثرات البيئية، طالما أن البيئة توفر قدرًا كافيًا من الظروف اللازمة لاستمرار النمو.. فالتطورات التي يحققها الطفل كالحبو والزحف، ثم الوقوف، فالمشي، كل هذه التطورات يقابلها نمو في داخل الكيان العضوي نفسه، وأن هذا النمو الداخلي هو المسئول عن السلوك. "عبد المنعم المليجي: د. ت". وتبعًا لتعريف جيزل للنضج، فقد عرف أتباعه النضج بتعريفات مماثلة: إذ عرفه ماركس Marquis "1930" بأنه ملاءمة من الجانب العضوي للكائن الحي للاستجابة لدواعٍ داخلية مستقلة عن مؤثرات البيئة الخارجية. ويرى ستوارد وويليمان Stoddard & Wellman "1934" بأن النضج هو النمو المتوقع من الكائن الحي تحت شروط الإثارة العادية، ويرى ماك كونيل Mc Connell "1943" أن النضج هو: "النمو الذي يحدث بالتدريج ي وجه التغيرات المختلفة للشروط البيئية".

وعلى هذا: فإن جيزل وأتباعه يوكدون بوضوح أهمية العوامل الداخلية العضوية بالنسبة للنضج، وأن النضج إنما يحدث نتيجة لهذه العوامل وحدها بعيدًا عن أي مؤثرات أخرى خارجية كالخبرة أو المران. وأن النضج إذا كان عملية داخلية ترجع إلى التركيب العضوي للكائن الحي، إلا أنه متوقع تحت شروط البيئة والعوامل الخارجية، فكل كائن حي ينمو وفقًا لنمط معين تحدده العوامل العضوية الوراثية، إلا أن هذا النمو تحدث آثاره في البيئة الخارجية بحيث يتوقع من الكائن الحي -إذا توافرت هذه الشروط الخارجية- أن يتبع خط نمو معين ويصل إلى مستويات معينة من النضج خلال هذا النمو. ووفقًا لمفهوم النضج فإن هذا المفهوم ينطبق على الإنسان والحيوان، وإذا وجدت فروق بينهما فمرجعه إلى اختلاف التركيب العضوي لكل ممنهما، فمثلاً: - يمكن لبعض صغار الحيوانات أن تمشي بمجرد أن تولد، بينما لا تستطيع صغار الإنسان أن تمارس مثل هذا السلوك عند ولادتها، ويرجع ذلك إلى أن طبيعة هذه الحيوانات مزودة بمستوى من النضج عند ولادتها يمكنها من القيام بهذا السلوك، بينما طبيعة الطفل الإنساني لا تمكنه من هذا المستوى إلا بعد مولده بـ12-14 شهر تقريبًا. - ومن ناحية أخرى يصل النضج المطرد بالطفل الإنساني إلى أن يقوم بسلوك يتطلب قدرًا كبيرًا من المهارة كالقراءة والكتابة مثلاً، بينما طبيعة الحيوانات لا تمكنها من أن تصل إلى مستوى من النمو أو النضج يمكنها من القيام بهذا السلوك مهما تقدمت في العمر. وعلى هذا: فإن هناك علاقة إيجابية بين التقدم في السلم الحيواني من ناحية، ومرونة التحكم في عوامل النضج الطبيعية من ناحية أخرى، بمعنى أن سلوك الحيوانات الأكثر تقدمًا في ذلك السلم يكون عادة أقل جمودًا وأكثر قابلية للتعديل والتحسن. "إبراهيم وجيه: 1976".

النضج والتعلم

النضج والتعلم: من خلال تجارب جيزل وطومسون Gesell & Thomson "1934"، وماك جرو Mc Graw "1935" على التوائم المتماثلة أمكن الخروج بعدد من النتائج التي تفيد في تحديد نوع العلاقة بين النضج والتدريب وتأثيرهما على التعليم، من ذلك. 1- أن تعلم خاصية معينة يكون أكثر سهولة إذا كان الفرد قد وصل إلى مستوى النضج المناسب بالنسبة لهذه الخاصية. لذا: فمن الأفضل قبل أن نبدأ التدريب أن نطمئن إلى أن الخاصية التي سيتم التدريب عليها قد نضجت، وينطبق ذلك على كل خصائص الفرد: جسمية، عقلية، انفعالية، اجتماعية. 2- أن التدريب اللازم للتعلم يقل كلما كان الكائن الحي أكثر نضجًا. 3- أن التدريب قبل الوصول إلى مستوى النضج المناسب لا يؤدي إلى أن تحسن في التعلم أو يؤدي إلى تحسن مؤقت. ومن ثم: فإن تدريب الطفل على المشي قبل أن تنضج عضلات رجليه لا يحقق نتيجة، وتدريبه على الكتابة قبل أن تنضج عضلات أصابعه ويصل نضجه العقلي إلى المستوى الذي يدرك فيه ما يفعل، لا يحقق بالمثل أي نتيجة.. وإذا تم التعلم تحت تأثير الضغط أو التكرار فإن هذا التعلم يكون مؤقتًا وسرعان ما يهمل بعد ذلك. والأفضل في جميع الأحوال أن يتم التدريب متى وصلت الخاصية المعنية إلى مستوى النضج المناسب.. ويطلق على هذا المستوى اسم الاستعداد readiness ويعني: وصول المتعلم إلى مستوى مناسب من النضج يمكنه من تحصيل الخبرة أو المهارة أو الأسلوب الذي يريد أن يتعلمه عن طريق التدريب. 4- أن التدريب قبل الوصول إلى مستوى النضج المناسب قد يعوق التعلم في المستقبل. فالتعلم بدون استعداد المتعلم يترتب عليه كراهيته لما يتعلم، وفشله في التعلم، فتعلم الطفل المشي قبل نضج عضلات ساقيه عملية شاقة بالنسبة له، وتكرار التدريب لا يأتي بفائدة ويسبب إحباط للطفل لا ينساه ولا تضيع آثاره، وتظل مواقف الإحباط السابقة تتدخل وتعوق تعلمه "إبراهيم وجيه: 1976". 5- إذا كانت الخاصية أو الوظيفة النامية محددة الإمكانيات بحكم الفطرة "كما هو الحال لدى المعاقين ذهنيًا أو بدنيًا" فإن أي جهد يتجاوز حدود نموها عديم الجدوى، بل يكون مضنيًا، أو ربما معطلاً للنمو العام. فالنضج أو التفتح التلقائي أمر يقرره عامل الفطرة "أي الوراثة" وهو يعد المادة الخام التي يتناولها التعلم بالتغيير والتحوير. 6- في كثير من مظاهر النمو يتآز كل من النضج والتعلم معًا في إحداث النمو. فمثلاً: النمو اللغوي: لا يتعلم الطفل الكلام إلا إذا بلغ سنًا تسمح له بتعلمه أي قبل أن تنضج الأجهزة والوظائف اللازمة لمزاولة عملية الكلام، بالإضافة لذلك فإن الطفل يكتسب الطفل التي يسمع الناس حوله يتحدثون بها.. وعليه: فإن النضج والتعلم ليسا منفصلين في النمو ولكنهما يتفاعلان في تطوير مختلف النماذج السلوكية، فلكي تنمو خاصية معينة لا بد من نضجها تلقائيًا ثم نتناولها بعد ذلك بالمران والتدريب في الوقت الملائمة وعلى النحو السليم، وإلا لا يتاح لها الإرتقاء إلى نهاية نموها الطبيعي. "عبد المنعم المليجي: د. ت".

مبادئ النمو

مبادئ النمو: من خلال ملاحظات جيزل للأطفال استخلص عدة مبادئ تحكم سير النمو. منها ما يلي: 1- المزج المتبادل: reciprocal interweaving فلدى الإنسان نصفي كرة بالمخ وعينين ويدين وقدمين ... إلخ. ويشير المزج المتبادل إلى العملية التي يصل كلا الجانبين من خلالها بالتدريج إلى تنظيم فعال. وعلى سبيل المثال: في تطور ونمو استخدام اليدين: يبدأ الأطفال باستخدام يد واحدة، ثم يستخدمون كلتا اليدين: ثم يفضلون يد معينة، ثم يعودون لاستخدام كلتا اليدين من جديد ... وهكذا: حتى يصل في النهاية إلى سيطرة يد واحدة. ويعتقد جيزل أن مبدأ المزج المتبادل ينطبق على مدى واسع من السلوكيات كالنمو الحركي: الزحف، والمشي، والسلوك البصري، والرسم ... وما إلى ذلك.

2- عدم التناسق الوظيفي: functional asymmetry: يدخل تحت مبدأ عدم التناسق الوظيفي: سيطرة اليد الواحدة، والقدم الواحدة، والعين الواحدة في المراحل المتقدمة من النمو.. ويمكن رؤية عدم التناسق لدى الرضيع في انعكاس العنق tonic neck ... فقد لاحظ جيزل: أن الأطفال الرضع أثناء الرقود تكون أيديهم مائلة إلى جانب واحد، ويمدون الذراع على الجانب الذي تميل الرأس نحوه، كما لو كانوا ينظرون إلى اليد، ويثنون الذراع الأخرى خلف الرأس. وهذا الانعكاس يكون في الشهور الثلاثة الأولى من العمر: ثم يختفي مع نمو الجهاز العصبي. 3- تنظيم الذات Self - regulation: يظهر مبدأ التنظيم الذاتي في كل مظاهر النمو ومنها على سبيل المثال: التعذية، والنوم.. فقد أوضح جيزل: أنه عندما يسمح الوالدان لأطفالهما بأن يحددوا متى يحتاجون إلى النوم، فإن الأطفال بالتدريج يتطلبون نومًا أقل ويبقون مستيقظين لفترات أطول أثناء النهار، ورغم وجود عدة صور للتقلب والتردد فإن الأطفال في النهاية يحلون بالتدريج الأنماط الثابتة. وفيما يتعلق بالتغذية: توجد بعض الأدلة على أنه عندما يعطي الأطفال حرية الاختيار فإنهم سوف يختارون النظام الغذائي المتوازن طول الوقت، ويرجع جيزل ذلك إلى ما يسميه بالحكمة الداخلية للجسم wisdom of body "محمد السيد عبد الرحمن: 1999، 17-18". 4- التفرد individuality: على الرغم من وجود مستوى عام للنضج في كل مرحلة من مراحل النمو، إلا أنه توجد فروق فردية بين الأفراد من حيث وصول كل منهم إلى مستوى النضج المناسب. ويمكن ملاحظة الاختلاف في عامل النضج لدى أفراد النوع الواحد من ملاحظتنا لسلوك أطفال نشأوا في نفس البيئة وتعرضوا لنفس المؤثرات وهم في عمر واحد، نجد أن منهم من يتقدم في السلوك الحركي عن غيره، ومنهم من يبرع في الناحية اللغوية ... وهكذا. وترجع هذه الاختلافات إلى وجود فروق فردية في مستوى النضج عند الأطفال هي المسئولة عن هذا التفاوت الملحوظ لدى أفراد المجموعة الواحدة المتماثلة في العمر الزمني "إبراهيم وجيه: 1976".

جيزل وسلالم النمو

جيزل وسلالم النمو: وضع جيزل قوائم تفصيلية متدرجة لمظاهر النمو المختلفة توضح اتجاهات النمو، من الميلاد إلى العاشرة في مجالات سلوكية تشتمل على عشر مجالات يندرج تحت كل مجال منها مظاهر نمائية مختلفة، وهي متدرجة يحتوي كل سلم على سلسلة من المستويات مرتبة بأسابيع وشهور وسنوات.. وليس معنى هذا أن مستويات السلم المدرجة ينبغي أن تعتبر معايير إحصائية للأعمار، فالوالد الذي يقرأ سلمًا ينبغي ألا يقول أن طفله يجب أن يكون في هذا المستوى بعينه لأنه بلغ من العمر ما يكفي له. فكثيرًا ما يكون الطفل أصغر أو أكبر من العمر الزمني الذي يعينه السلم، والأهم من ذلك: أن يبحث الوالد عن مستوى السلم الذي يصف بالتقريب مرحلة النضج التي بلغها طفله بالفعل. فالمقصود من السلالم تبيان التسلسلات النمائية للسلوك في جميع المواقف، لا وضع معايير جامدة لما يتوقع شكل "48" بمقارنة العديد من الأطفال حاول جيزل تحديد العمر الذي يستطيع فيه الطفل المتوسط أداء سلوك معين مثل المشي، أو اللعب أو الكلام.. إلخ. فالفروق الفردية أكبر من أن تسمح بالمعايير الجامدة كي تطبق في صرامة، بل لابد من أن نحسب لفروق السن حسابها.

أهمية سلالم النمو

أهمية سلالم النمو: يرى جيزل أن قوائم أو سلالم النمو لها أهميتها بالنسبة للمربين في عدة جوانب: 1- تعتبر هذه السلالم نقط تحديد تمدنا بالاتجاهات والمواقع، وهي تهدي إلى أنواع السلوك السابقة وإلى أنواع السلوك المحتمل ظهورها، وبذلك فإنها تمدنا بالصورة العامة الشاملة للنمو في الماضي والحاضر وتوقعات المستقبل. 2- ليس المقصود من هذه السلالم تسعير الطفل أو تقييمه وفق حدود جامدة ولكن القصد منها أن تكون بمثابة آلات تساعدنا في التفسير والتأويل، أو هي خرائط تقريبية يسترشد بها في الخضم النفسي للنمو. 3- تأكيد وإبراز اتجاهات النمو خلال فترة من الزمن لتبين طبيعة السلوك، واتجاه النضج، وأهميته من زاوية الثقافة السائدة في المنزل والمدرسة والمجتمع، والتعرف على مدى الفروق الفردية الناتجة عن العوامل التي تتدخل في سير النمو العادي.

مجالات سلالم وقوائم النمو

مجالات سلالم وقوائم النمو: تغطي سلالم النمو عشر مجالات "شكل: 49" يندرج تحتها 41 مظهرًا فرعيًا يتدرج كل منها في مستويات تبعًا للعمر بالسنوات والشهورة والأسابيع "في الأعمار الصغرى".. وهذه المجالات هي: أولاً: الخصائص الحركية: وتشتمل على: 1- النشاط البدني. 2- العينات واليدان. ثانيًا: الصحة الشخصية: وتشتمل على: 3- الأكل. 4- النوم. 5- الإخراج. 6- استخدام الحمام واللبس. 7- الصحة والمشكلات الجسمية. 8- متنفسات التوتر.

ثالثًا: التعبير الانفعالي: ويشتمل على: 9- الاتجاهات الوجدانية. 10- الصراخ والبكاء. 11- الاعتداد بالنفس وفرضها، والغضب. رابعًا: المخاوف والأحلام. وتنقسم إلى: 12- المخاوف. 13- الأحلام. خامسًا: الذات والجنس. وتنقسم إلى: 14- الذات. 15- الجنس. سادسًا: العلاقات بالناس. وتشتمل على: 16- الأم والطفل. 17- الأب والطفل. 18- الإخوة. 19- الأسرة. 20- آداب السلوك. 21- المعلم والطفل. 22- الطفل بالطفل. 23- التجمعات في اللعب. سابعًا: اللعب والتسلية: ويشتمل على: 24- الاهتمامات العامة. 25- القراءة. 26- الموسيقى والراديو والسينما. ثامنًا: الحياة المدرسية: وتشتمل على: 27- التواؤم مع المدرسة. 28- المسلك في الفصل. 29- القراءة. 30- الكتابة. 31- الحساب. تاسعًا: الحاسة الخلقية. وتشتمل على: 32- اللوم والتنصل. 33- الاستجابة للتوجيه "العقوبة والثناء". 34- حاسة الخير والشر. 35- الصدق والملكية. عاشرًا: النظرة الفلسفية، وتشتمل على: 36- الزمن. 37- الفضاء. 38- اللغة والفكر.

39- الحرب. 40- الموت. 41- الإله. وفيما يلي نعرض لأحد مجالات سلالم النمو وهو المجال الثاني الخاص بالصحة الشخصية على سبيل المثال.

النشاط البدني

1- النشاط البدني: 4ع1 يتغلب المنعكس التوتري للعنق "الوضعة اللاستمرية" ويرفع الرأس لحظة وهو في الوضع الانبطاحي. 16ع- يتخذ وضعه تماثلية. يجلس مسنودًا أمدًا قصيرًا. 20ع- يحتفظ برأسه قائمة وثابتة في وضع الجلوس. يمد ذراعيه وراحتاه إلى أسفل. 24ع- يتقلب لينبطح بعد استلقاء.

_ 1 الرقم المتبوع بـ س أو ش أو ع معناه كذا سنة أو شهرًا أو أسبوعًا على التناظير.

28ع- يقفز بنشاط أثناء جلوسه مسنودًا. 32ع- يدور وهو مكب على وجهه. 36ع- يجلس وحده وينحني إلى الأمام ثم نصب قامته ثانية. 40ع- يتعلق بحواجز المهد ويشد نفسه ليقف على قدميه. يحبو 48ع- يدور وهو جالس. يطوف حول حاجز المهد. 52ع- يسير وإحدى يديه ممسوكه. 56ع- يقف وحده لحظة. 15ش- يمشي بضع خطوات ثم تخور قواه فيقع. يصعد السلم حبوًا. 18ش- يمشي وقلما يقع. يجري في توتر. يصطدم بالكرة بدلاً من ضربها برجله. يحب تحريك اللعب الكبيرة شدًا ودفعًا وحملاً. يتفقد الغرف والمخابئ في المنزل مستكشفًا. يجلس نفسه بالدخول بظهره في كرسي صغير. سنتان- يجري ولا يقع، ويجلس القرفصاء أثناء اللعب. استجابات لها إيقاع موسيقي كثنى الركبتين في الوثب، والتمايل، ومرجحة الذراعين، وهز الرأس، والدق بالقدمين. 2.6س- يسير على أطراف أصابعه، ينط على قدميه. يسبق أو يتخلف عند المشي في الشوارع. يدفع اللعبة أمامه مع إحسان القيادة. يجري ويركض ويتأرجح على نغمات الموسيقى. يستطيع حمل شيء قابل للكسر.

3س- يسير منتصبًا معتمدًا على قدميه في ثقة وخفة حركة. يؤثر المشي على الجري، يستطيع الوقوف لحظة على قدم واحدة. يقذف الكرة دون أن يفقد توازنه. يركض وينط ويمشي ويجري على نغمات الموسيقى. 3.6س- أكثر توترًا وقد يسقط أو يعثر. 4 س- جم النشاط، نطاق نشاطه يتسع، يهرول مسرعًا على السلم صعودًا وهبوط، يثب باندفاع على الدراجة ذات العجلات الثلاثة. يستمرئ أوجه النشاط التي تتطلب التوازن. يستطيع حمل فنجان من سائل دون سكبه، يفضل الكتل الكبيرة ويبني بها منشآت أكثر تعقيدًا. يقذف الكرة ويده فوق كتفه. بالإيقاعات يفسر ويوضح استجاباته. 5س- تزداد سهولة النشاط البدني العام والسيطرة عليه، كما يظهر اقتصادًا في الحركة، وضعة جسمه يغلب عليها التماثل وتضام الأعضاء، وقد يمشي منكب القدمين، لا تزال السيطرة على العضلات الكبيرة أكثر بمراحل منها على العضلات الصغيرة، يعلب في الموقع الواحد أمدًا أطول ولكنه يغير وضعه جسمه من الجلوس إلى الوقوف إلى القرفصاء. يحب تسلق الحواجز والانتقال من شيء إلى آخر. ينط من ارتفاع المنضدة. يحب أن يبعث الحياة في القصة بالحركات. يجري ويصعد فوق الكراسي والمناضد وتحتها. يقذف بالأشياء بما فيها الطين والثلج، يبدأ يستعمل اليدين أكثر من الذارعين في الإمساك بكرة صغيرة بيد أنه كثيرًا ما يفشل في ذلك. يبادل بين قدميه في نزول السلم ويثب على التبادل. يحاول التزحلق ونط الحبل والمشي على المطوالات. يحب المشي تبعًا للموسيقى.

5.6س- يطالبون باستبدال الدراجة العادية بالدراجة ذات العجلات الثلاث ويستمرئ كثير منهم قليلاً من التجارب على الدراجة. 6س- نشيط جدًا. دائب الحركة تقريبًا. يكون نشاطه أحيانًا ثقيلاً كريهًا وذلك حيث يسرف فيه ويتعثر فيسقط، يكون الجسم في اتزان فعال أثناء المرجحة ويلعب ألعابًا نشيطة وهو يغني أو ينط تبعًا للموسيقى. كثيرًا ما يرى وهو يصارع ويقع أو يزحف علي يديه ورجليه أو يعاكس برجله طفلاً آخر أو يلعب المساكة. يدفع الكتل وقطع الأثاث الكبيرة ويجرها هنا وهناك أثناء بنائه بيوتا، وكذلك يصعد فوقها ويدخل فيها. ينطط الكرات ويقذفها، وقد ينجح في الإمساك بها أحيانًا. يحاول التزلق والجري والوثب وثبات واسعة والقيام بألعاب بارعة على العقلة.. يقضي بعض الأولاد وقتًا طويلاً في الحفر. 7س- يبدو أكثر حيطة في كثير من المناشط الحركية الكبيرة. نشاطه متنوع فيكون أحيانًا نشيطًا جدًا وأحيانًا أخرى عديم النشاط. يصر على تكرار ما يقوم به من أعمال، وتغشاه اندفاعات نحو أوجه نشاط معينة كالجرى بالقبقاب ذي العجل أو نط الحبل أو الجرى والإمساك بكرة لينة أو اللعب لعبة الأولى. تظهر فيه رغبة جامحة في الدراجة التي يستطيع أن يركبها مسافة ما وإن كان استعداده لاستعمالها قاصرًا على حدود ضيقة. يبدأ يشعر باهتمام بتعلم استخدام المضرب وقذف الكرة. يحب الأولاد بصفة خاصة الجري وقذف طيارات الورق في الهواء. يحب الركض والجري بخطوات بسيطة على نغمات الموسيقى. يرغب الكثيرون منهم في دروس الرقص. 8 س- حركة الجسم أدنى إلى الإيقاع الموسيقي وأكثر رشاقة. متنبه الآن لوضعات الجسم عنده وعند غيره.

يتعلم لعبة كرة القدم "السكر" وكرة القاعدة بواسطة كرة لينة، يستمرئ التحوّرات في أوجه النشاط داخل اللعبة. البنات في سبيل تعلم كيفية الدخول تحت الحبل المتحرك, وفي وسعهن الانفلات منه إذا بدأن يشعرن بالعجز، بيد أنهنَّ لا يستطعن تغيير الخطوة أثناء النط. تبدو على وقفتهن وحركاتهن الحرية والطلاقة أثناء التصوير بالفرشة يغلب كثيرًا على مناشطه التمثيل وتصحبه حركات وإيماءات مميزة ووصفية. كثيرون يستمتعون بالرقصات الشعبية، ولكنهم لا يحبون الإيقاع الموسيقي إلّا إذا كان ذا صبغة تمثيلية تلقائية. 9س- يشتغل ويلعب بجد وكد. عرضة لأن يعمل في الشيء الواحد حتى تنهك قواه, كركوب الدراجة أو الجري أو التسلي بالمشي الطويل أو التزحلق أو لعب الكرة، يزداد ضبطه لسرعته الخاصة لكن في تخوف من سرعة السيارة, ومن سرعة الانزلاق, ومن الثلج السريع أثناء تزلقه بالأسكى. يهتم ويزهو بقوته هو ويرفع الأشياء. كثيرًا ما يتخذ وضعات لجسمه لا تروق. يحب الأولاد المصارعة, وقد يهتمون بدروس الملاكمة. هناك اهتمام كبير بألعاب الفرق "teams" وبتعلّم أداء دوره فيها بمهارة.

العينان واليدان

2- العينان واليدان: 4ع- يحملق فيما حوله حملقة جوفاء, يتجه نحو نور النافذة أو نحو جسم برّاق متحرك, يتأمل الشيء الذي يوضع في اتجاه إبصاره. 8ع- يتتبع الشخص المتحرّك والشيء القريب ويدير رأسه قليلًا حول خط الوسط. 12ع- يتأمَّل يده تجاه وجهه وهو في وضع المنعكس التوتري للعنق. يمسك الشيء بيده في تأمل وجيز. يثبت نظره طويلًَا نحو النور الكهربائي أو نحو إنسان. 16ع- يدير ذارعيه ويتفحَّص ما حوله. يحرك رأسه بنشاط وهو ملتفت لشيء يتأمله, ويجول بنظره من يده إلى الشيء, يلمح على المنضدة بسرعة وخفة بلية قطرها 8 ملليمتر. 20ع- يحوط حول الأشياء على المنضدة ويمسك الذي يلمسه. يثبت نظره على البلية في تحديد. يتعقب ببصره لعبته الضائعة وهو مستقلق على ظهره. 24ع- يقترب من اللعبة ويمسكها، ويستطيع استرداد لعبة وقعت في متناول يده. 28ع- كثير التناول للأشياء في قوة وعنف, فيدق ويضرب بقوة, ويهز لعبه وينقلها. يرقب ببصره، وفي يده لعبة، يده الخالية وهي تتحرك.

يبسط الذارعين ويتأمَّل الأشياء البعيدة قليلًا عن متناول يده, ويحاول أن يستحوذ عليها. يدرك أن الوسط الذي يحيط به جديد عليه, وتراه مشغولًا بملاحظته وهو في عربته. 33ع- يمسك شيئًا ويتأمَّل آخر ويتناوله بقبضته. يعض اللعب ويمضغها ويتأملها. يقفل عينيه عند اقتراب شيء من وجهه. 36ع- يدفع لعبة بأخرى. يطعم نفسه قرقوشة. 40ع- يلتقط الأشياء الدقيقة أو ينبش فيها بما اكتسبه من قدرة على القبض بالإبهام والسبابة. له طريقة فجَّة في الإطلاق. في العربة يعلب بلعبه كما يرقب ما حوله. 44ع- يتفقَّد أجزاء اللعبة مستكشفًا, ويتحسَّس الثقوف والأخاديد. يدخل شيئًا في وعاء ولا يطلقه "أي يبقيه في قبضته".

48ع- يأخذ اللعب من المنضدة إلى الكرسي, ويمد يده باللعب إلى الحاجز الجانبي للمهد, يعلب بلعبات كثيرة في تسلسل. الإطلا سهل عليه. 53ع- يدخل اللعبة في وعاء ويخرجها منه. يراقب وهو في عربته السيارات والمارة والكلاب. 15ش- يقذف اللعبة أثناء اللعب. يطلق مكعبًا ليقع فوق أخر، ويدلي لعبة من خيط. يحاول تقليد من يكتب بسرعة وعدم عناية, وذلك بحك قلم الألوان على الورق أو دقّه بقوة، يستمرئ النظر من النافذة إلى الأشجار والسيارات المتحركة. يطبطب على كتاب مصور أو يمسكه بيديه. 18ش- انتباهه وجيز, ولكنه على صغر مداه يمكنه من الإحاطة بما يؤديه الكبار من أعمال فيقلدهم. يشيد برجًا من ثلاث أو أربع كتل. يقلب عدة صفحات من الكتاب, وينظر إلى الصور مسميًّا واحدة منها ومشيرًا إليها. يطل من النافذة على الناس أو الطائرة أو القمر. سنتان- يتأمَّل الشيء ويمدّ يده إليه في آنٍ واحد تقريبًا. يوفق اللعب بعضها مع بعض.

يدير ساعده فيحرك به أكرة الباب "فتحًا أو غلقًا". ينعم بملاحظة جسم متحرك, يدل على صورة في كتاب مصور. يعمل علامات صغيرة بقلم الألوان على الورق. يبتني كتلًا رأسية أو أفقية في خط بسيط, أو برجًا من كتل متنوعة. 2.6س- يسرف في القبض وفي الإطلاق. يجرب رسم الخطوط الرأسية والأفقية والنقط والحركات الدائرية أثناء النقش بالألوان, يظفر التلوين بالأصابع والصلصال والماء باهتمام خاص لديه. يقيم منشآت بسيطة من الكتل. يستمتع بمراقبة القطارات عن بعد، ويستطيع التعرف على العلامات الظاهر في طريق مألوف. 3س- يستطيع رسم دائرة. ربما قرأ بالفهم من صور في كتاب. يمكنه لبس الحذاء وفك بعض الأزرار. خطوطه متنوعة وتتكرر بانتظام في تصويره. يلعب بالصلصال ويصنع منه كعكات مبططة وكرات، ويبرم السلخ "أو الشرائط" القليلة العرض بالنسبة لطولها "الكنزة". في بنائه للكتل نظام واتزان. يستمرئ ملاحظة الرجال يعملون، ومراقبة الجاروف البخاري، وخلاط الأسمنت أثناء العمل. 3.6س- قد تبدو منه رجفة خفيفة أثناء التآزر الحركي الدقيق. قد يستعمل يده غير المتسلطة أو يغير يدييته1. يقرن بعضهم حرف "ب" ببابا وحرف "م" بماما.. إلخ. 4س- يرسم الأشياء بتفاصيل قليلة, يستطيع رسم المربع. يعمل في التلوين بدقة إلى أمد ما, ولكنه يغير أفكاره. يعمل تصميمات فجَّة ويرسم حروفًا لا تروق.

_ 1 handedness تغليب إحدى اليدين في الاستعمال.

يستطيب أن يكتب له اسمه بحروف الطباعة على رسومه ثم يأخذ في نقلها، ربما أدرك عدد الحروف التي في اسمه, وربما كتب الحرفين الأولين مؤشرًا بعلامات لباقي الحروف. يتعرف على حروف كثيرة. يستخدم المقص ويحاول أن يقطع في خط مستقيم. يبني بالكتل منشآت كبيرة معقَّدة تجمع أشكالًا كثيرة في تماثل. يربط حذاءه ويزرر الأزرار الأمامية. يضرب على البيانو بأصابع يده. 5س- قد بلغ التأزر عنده مرحلة جديدة من النضج فهو يقترب من الشيء رأسًا ويقبض عليه بدقة ويطلقه بسرعة. يبني بالكتل على الأرض عادة ويبتني بروجًا مدرجة ومنشآت غير مرتفعة ممتدة في غير نظام فيها طرقات وحيشان وتحويطات. يعمل في الرمل منشئًا الطرق والبيوت، ويصوغ من الطين أشياء في قوالب, إذا لم يستطع حل لغز بالضبط وبسرعة فإنه يلتمس العون أو يتخلّى عن الحل. يحب أن يلون داخل خطوط محددة, وأن يقطع ويلصق الأشياء البسيطة, ولكنه غير حاذق. يرسم رسمًا تخطيطيًّا في صفحة كاملة عادة, ثم يدرك أنه مضحك. يحب أن ينقل رسم أشكال بسيطة. يرسم بفرش كبيرة على فروخ كبيرة من الورق موضوعة على حامل أو على الأرض، ربما استطاب عمل الحروف على هذه الشاكلة. يستطيع أن "يخيط" الصوف في كرتونة يقلبها. يستطيع أن يتولَّى بيده تزرير ما يراه من زراير ملابسه، كما يستطيع أن يربط حذاءه. يضع أصابعه على مفاتيح البيانو وربما جرّب الأوتار. 5.6س- مرتبك في كثير من معالجاته اليدوية. يهتم الأولاد على الخصوص بالعدد وباللعب الصفيح, وبمراقبة قطار كهربائي أو زنبركي.

يحب البنات إلباس العرائس وخلع الثياب عنها. يبدي كثيرات اهتمامهن بتعلم كتابة اسمهن الأوّل بحروف الطباعة, وبوضع خطوط تحت الحروف الكبيرة والكلمات في كتاب مألوف. 6س- يبدأ بداية حسنة في كثير من أعماله, ولكنه يحتاج لبعض المساعدة والتوجيه ليتم ما بدأ, هو الآن أكثر تعمدًا وتمعنًا, وإن كان في بعض الأحيان يبدو مرتبكًا بعيدًا عن الحذق. يتناول العدد والمواد بيده ويحاول استخدامها. يقطع الورق ويلصقه ويصنع منه دفاتر وصنايق. يحب استعمال الشريط لتثيبت الأشياء. يدقع بقوة وعنف, ولكنه كثيرًا ما يمسك المطرقة قرب رأسها. يستطيع ضمَّ الألواح الخشبية وتثبيتها بعضها إلى بعض, وصنع منشآت بسيطة. أخذ يستعمل الأقلام الملونة مع أقلام الألوان الشمعية في التلوين والرسم. يستطيع رسم الحروف الكبيرة المطبعية وإن كانت مقلوبة في العادة. يحب الكتابة على السبورة علاوةً على استعمال أقلام الألوان وأقلم الرصاص. تحاول البنت الخياطة مستخدمة إبرة كبيرة ومحدثة غرزًا كبيرة. 7س- في استعماله للعدد توتر أشد, ولكن دأبه يزداد. إمساك أقلام الرصاص يكون بقوة وبالقرب من سنها غالبًا، والضغط بها يختلف, وإن كان أميل إلى الشدة. يستطيع الطفل الآن أن يكتب جملًا كثيرة بحروف تأخذ في الصغر قرب نهاية السطر. هناك فروق فردية في حجم حروف الكتابة, فبعضهم يكتب حروفًا صغيرة جدًا بينهما يستمر البعض في الحروف الكبيرة. يهتم الأولاد بالنجارة بصفة خاصة, ويستطيع كثير منهم الآن استخدام المنشار في استقامة. تفضل البنات التلوين وقص العرائس الورقية.

تبدي عديدات منهن اهتمامًا ملحوظًا بالبيانو، وتستعمل اليدان عادةً بغير تعادل في الضغط. 8س- تزداد السرعة والسلاسة في الأداء الذي يتطلّب تآزر العين واليد وسهولة في الإطلاق من اليد. إمساك قلم الرصاص والفرشة والعدد قد نقص التوتر فيه قليلًا. يستمرئ توقيت العمل المعهود إليه بيد أنه لا يسابق الزمن. من المحتمل وجود ثغرة بين ما يريد أن يعمله بيده, وبين ما يستطيعه بالفعل. يكتب بالحروف العادية أو بحروف الطباعة جميع الحروف والأعداد مضبوطة ومحافظًا على استقامة السطر إلى حدٍّ ما, وعلى انتظام ميل الحروف والمسافات التي بينها. يود التزام النظافة والإتقان, ولكنه يكون أحيانًا شديد التسرع. يبدأ إدراك المنظور في رسومه. يرسم الأشكال التي تصوّر الأفعال في تناسب جيد. تستطيع البنات الآن أن تثنين الحروف "أو الأطراف" في استقامة أثناء الخياطة. 9س- اختلاف في المهارات بين الأفراد. يستطيع إمساك "الشاكوش" وتطويحه جيدًا. ينشر بسهولة نشرًا مضبوطًا مع استعمال الركبة في سند اللوح. يصنع منتجات متقنة. يستعمل أدوات الحديقة ويتناولها كما ينبغي. يبني منشآت معقدة بمجموعة التشييد. الخط أصبح الآن أداة تحت تصرفه. بدأ يخطط في رسومه، وكثيرًا ما تكون هذه الرسوم بالفصيل. يحب بصفة خاصة رسم مجسَّمات أمامه وخرائط وتصميمات. تستطيع البنات أن تفصلن وتخطن ثوبًا بسيطًا, وأن يشتغلن بالتريكو. يستطعن لبس ثيابهن بسرعة, وعندهم بعض الاهتمام بتمشيط شعورهن بأنفسهن. يظهر الاهتمام بمشاهدة الألعاب التي يلعبها الآخرون.

تقييم نظرية جيزل

تقييم نظرية جيزل: تعد نظرية جيزل نظرية رائدة في تفصيل نمو الطفل في عشر مجالات هامة من حياة الطفل، وقد ركَّزت النظرية على ميكانيزمات النضج في علاقته بالتعلُّم والتدريب مما كان له أهمية في تنبيه المربين إلى عدم الإقدام على التعلم والتدريب قبل التأكد من النضج والاستعداد. وتعتبر سلالم النمو لجيزل فكرة رائدة في وضع معايير عمرية لكل مظهر من مظاهر النمو, تقاس في ضوئها جوانب النمو المختلفة، وعلى الرغم من أن النسبة النمائية قد تَمَّ التخلي عنها، إلّا أنها كان لها قيمتها في تحديد معالم النموّ السوي وغير السوي, ولا تزال ملاحظاته مفيدة لأطباء الأطفال والتربويين والإخصائيين النفسيين. ومن جهة أخرى: فقد وجهت انتقادات عديدة لنظرية جيزل فيما يتعلق بطريقته في عرض المعايير العمرية؛ حيث كانت تتسم بدرجة مبالغ فيها من الصياغة والتشكيل بصورة تقليدية قد لا تعطينا فكرة واضحة عن مقدار التباين المتوقَّع في أي عمر أو مرحلة عمرية، كما أنَّ هذه المعايير كانت مبنية على أطفال الطبقة المتوسطة في منطقة جامعة ييل الأمريكية، وربما لا تنطبق تمامًا على المناطق الحضرية الأخرى. "محمد السيد عبد الرحمن: 1999".

ثانيا: نظرية النمو الجسمي والتعلم الاجتماعي "لروبرت ر. سيرز"

ثانيًا: نظرية النمو الجسمي والتعلم الاجتماعي "لروبرت ر. سيرز" مدخل ... ثانيًا: نظرية النمو الجسمي والتعلّم الاجتماعي "لروبرت ر. سيرز": روبرت ريتشارد سون سيرز R. R. sears عالم نفس أمريكي, استخدم مدخلًا تجريبيًّا أكثر منه إكلينيكيًّا إلى نمو الطفل. ولد عام 1908 بكاليفورنيا، وتخرَّج في جامعة ستانفورد، استجاب لتأثير لويس تريمانl.m. terman فانتقل إلى ييل yale لاستمكال دراساته النفسية, وأتم رسالة الدكتوراه بعنوان: "تأثير الفصل البصري على السلوك البصري، الحركي لسمكة الذهب" عام 1932. حصل على الأستاذية وعمل بجامعة "إلينوي" ومعهد أبحاث الأحداث بشيكاغو، ومعهد العلاقات الإنسانية بجامعة ييل، ثم محطة أبحاث "إيوا" لرعاية الطفل، ومعمل هارفارد للنمو النفسي، وتولى منصب المدير التنفيذي لقسم علم النفس, وعميدًا للإنسانيات والعلوم بجامعة ستانفورد، وانتخب لرئاسة الجمعية الأمريكية لعلم النفس مرَّتان في عامي 1950، 1960. اهتمَّ سيرز بنظرية التعلّم لمشاركته الوثيقة لكلارك ل. هل hull, وتأثرت بـ"دولاد" و"ميللر" و"دوب"، و"مارو" dollard, miller, doob & mowrer, فبحث معهم تطبيق نظرية التعلم على مسائل نمو الطفل, واقتنع بدلالة العلاقات بين الطفل والأبوين في الطفولة المبكرة، وركَّز على المظاهر السلوكية الواضحة في النمو والتي يمكن قياساها. وهو يرى أن نمو الشخصية يمكن قياسه من خلال السلوك ومن خلال التفاعل الاجتماعي، وهو ينظر إلى النمو باعتباره عملية مستمرة, أو أنه سلسلة متصلة من الأحداث تضيف إلى الاكتسابات السابقة، فكل لحظة من حياة الطفل التي يقضيها متصلًا بوالديه لها بعض التأثير على سلوكه الحاضر, وعلى قدراته على الفعل في المستقبل. ويرى أن الطفل الوليد له احتياجات بيولوجية متعددة تؤدي إلى الدوافع الأولية كالجوع، والعطش، والنوم، والحاجة للنشاط، والتخلص من الفضلات، والمحافظة على درجة الحرارة الأنسب وكلها ترتبط فيما بينها مع الدوافع الأولية، وهذه الدوافع تكون عقدة وتحفز على التعلم الاجتماعي. ويشدد سيرز على تأثير الوالدين على نمو شخصية الطفل، فطريقة التربية التي يتبعانها هي التي تحدد طبيعة نمو الطفل، وبالتالي فإن اختلافات الشخصية بين الأفراد ترجع بدرجة كبيرة إلى الاختلافات بين الوالدين في تناولهم مختلف أشكال المعلومات حول وسائل تربية الطفل, ولذلك: فمن المهم أن يكون هناك سهولة في حصول الوالدين على أحد المعارف في هذا الشأن. وبناء على ذلك: فإننا سنعرض وجهة نظر سيرز في ثلاث مراحل نمو: 1- مرحلة السلوك البدائي "الفطري" التي ترتكز على الحاجات البيولوجية الأولية والتعلّم في طور الطفولة المبكرة. 2- مرحلة النظم الدافعية الثانوية التي ترتكز على التعلّم في الأسرة. 3- مرحلة النظم الدافعية الثانوية التي ترتكز على التعلّم أبعد من الأسرة.

المرحلة الأولى: السلوك الفطري "البدائي"

المرحلة الأولى: السلوك الفطري "البدائي": الحاجات البيولوجية والتعلم في فترة الطفولة المبكرة: وتتضمّن هذه المرحلة أساسًا الشهور العشرة إلى الستة عشر الأولى من حياته, عندما لا تكون خبراته البيئية قد بدأت في توجيه تعلمه، لذلك تتضمَّن هذه المرحلة محاولات الطفل لخفض حدة التوتر الداخلي الناشئ عن دوافعه الداخلية، وأهمّ حاجات الطفل في هذه المرحلة: 1- الحاجة إلى الغذاء والراحلة الجسمية: فالجوع والتعب والألم.. إلخ تولد توترًا يبحث عن التخفيف عنه من خلال أيّ استجابة إشباعية، وقدر كبير من هذا البحث عن الإشباع المبدئي يحدث بالتجربة والخطأ, وبالتدريج يتعلم الطفل أن خفض الألم يتعلق ببعض أفعاله، ثم يحاول جاهدًا أن يقلّد هذه الأفعال التي سبق أن نجحت. مثال ذلك: إن إشارة الجوع تصبح مقرونة بالتتابع: البكاء والثدي "أو الزجاجة" مع السائل المخفض للجوع، وتصبح أفعاله أكثر, وأكثر سلوكه متعلمًا، أي: إن أفعاله تصبح جزئيًّا تتابع مع استجابة متعلمة.

2- الحاجة للتخلص من الفضلات: على الرغم من أن رغبة الطفل الطبيعية للتخلص من الفضلات تظل رغبة غير اجتماعية، فإن الضغط على الطفل للمحافظة على صحة ونظافة الجسم تصبح خبرة ذاتية تنمو من الطفل في المرحلة التالية، فالاستجابات التي تتكرَّر مع الطفل وتؤدي إلى الرضا "الإشباع", ينظر إليها معًا كخبرات مجزية. فنشاط الأم مع وليدها ودفئها الشخصي "الملامسة الجسدية والتدليل ... إلخ" توفر التعزيز اللازم لطفلها؛ فالأم التي تكفل عناية لائقة لطفلها في الأوقات التي يحتاج إليها فيها تعتبر إثابة معزّزة، والطفل بدوره أكثر استعدادًا لتكيف سلوكه بالأشكال التي تضمن له استمرار عناية أمه. 3- الحاجة الاجتماعية: وينمو الدافع الاعتمادي مع الطفل في استجاباته للناس كظواهر بيئية تتكرر من الشهرين الأوَّليين من حياته, من خلال العلاقة الثنائية للتغذية والتخلص من الفضلات, والحماية من البرد, أو أي حالة احتياج بيولوجي أخرى. بدءًا من الشهر الرابع إلى الشهر الثاني عشر تبدأ هذه العلاقة الجوهرية بأولى الاحتكاكات بين الطفل وأمه عندما ينقل الطفل عمليات تعلمه من الاعتماد على التجربة والخطأ إلى العمليات التي ترتكز على التعزيز الثنائي, فكلٌّ من الأم والطفل تصبح لديه حصيلة من الأفعال ذات دلالات خاصة به, تستخدم لإثارة استجابات كل من الآخر بما يتفق وتوقعاتهما. فمن الملاحظ أن حاجة الطفل البيولوجية لخفض دافع الجوع سرعان ما تقترن بمكونين أساسيين متداخلين خاصين بتناول الغذاء هما "المص، والتواجد بالقرب من الشخص المرضع", سرعان ما تصبح عادة متأصلة ودافعًا مستقلًا يزداد قوة مع تقدم السن، فيبدأ الطفل ينظر إلى الأم كجزء لا غنى عنه من نشاط المص وتناول الغذاء، وتصبح صورتها ورائحتها وملمسها.. إلخ تقترن اقترانًا وثيقًا بالإشباع.. ومن هنا: فإن الطفل لا يقتصر على أن يتعلّم أن يتوقَّع حضورها عندما يجوع، ولكنه يتعلم أيضًا أنه يحتاج إليها، مما يعزز الاعتمادية عليها باعتبارها الراشد الكبير الذي يقوم بالرعاية.

4- تعلم السلوك العدواني: فالعدوانية في أبحاث سيرز إنما هي نتيجة للإحباط؛ حيث تصبح العدوانية مظهرًا مبكرًا وحيويًّا من مظاهر السلوك التعلُّمي، وذلك لأنها تحدث في اللحظة الأولى التي يواجه فيها الطفل خبرته بالضيق أو الألم أو التأخير في التخلص من التجربة الكريهة, وتتجلَّى العدوانية عادة من خلال الغضب على شكل اهتياج "ثورة" أو إظهار حدَّة الطبع، التي هي في الواقع استجابة لهذا الإحباط, وتجد العدوانية تنفيثًا عنها من خلال البكاء، وتغيّر في اتزان التنفس، أو وضعه الجسماني كله.. إلخ. العوامل الاجتماعية المؤثرة على النمو: للبيئة الاجتماعية التي يولد فيها الطفل تأثيرات كامنة على نمو الطفل وتعلمه المتوقّع في هذه المرحلة, ويتمثل ذلك في عدة عوامل نذكر منها: أ- جنس الطفل: فمنذ مولد الطفل ينتمي لأحد الجنسين أو للآخر، ومن هنا يبدأ المجتمع يغرس فيه الدوافع والاهتمامات والمهارات والاتجاهات المناسبة لمثل جنسه، فجنس الطفل يمد الأم بمثير هام، ويضع الطفل في مرتبة اجتماعية لها تأثيرات بالغة الأهمية في تدريبه. ب- ترتيب الطفل في الأسرة: يعتبر سيزر أن الترتيب الميلادي للطفل له تأثير كبير على نموه، فالأسرة كبيرة العدد توجد مسافة ممتدة للوصول إلى السيطرة النهائية للأم والأب؛ حيث يتعرض الطفل الأكبر إلى تدريب مباشر بالغ من الأبوين, في حين يميل أخوته الأصغر إلى الحصول على وسيط إضافي مع كل أخ أو أخت أكبر منه. والطفل الوحيد يحصل على مزيد من العناية من أحد الوالدين من نفس جنسه أو من كليهما. ج- فارق السن بين الأطفال: فهذا الفارق في العمر بين الأطفال وحرية الأم في المعاملة المباشرة مع كل طفل دون أن تبخس علاقاتها مع الأطفال الأكبر الذين يتنافسون هم أيضًا في سبيل

اكتساب اهتمامها, تعتبر من أهم العوامل المؤثرة على نمو الطفل, علاوة على ذلك: فإن الأم تميل إلى أن يقل شعورها بالإحباط نتيجة مشاغلها اليومية بوليدها الثاني. د- ثقافة الأم: فلثقافة الأم تأثير كبير في قدرتها على التصرف مع أطفالها بطرق مختلفة في مختلف مراحل نموهم، فالأم الأدنى تعليمًا غالبًا ما تستخدم إجراءات غير مناسبة من حيث التسامح والسيطرة، وبالعكس, فإن مزيدًا من التعليم وإدراك الفهم المعاصر لرعاية الطفل تعد الأمهات لاستخدام أكثر منطقية للسيطرة، ومزيد من التسامح نحو الاعتمادية. هـ- المركز الاجتماعي للأم: الذي يحدد الكثير من إجراءات تربية الطفل, ويكوّن للطفل فرصة أكبر للنمو الصحيح, إذا لم تكن الأم تتطلّع لمركز آخر في الحياة، والتسري هذه الملاحظة على الأم العاملة وعلى ربة البيت، وغالبًا ما تكون الأم المتفرغة لتربية الطفل أكثر قدرة على تدريب الطفل تدريبًا ينمي شخصيته على الأيام. و شخصية الأم: فالكثير من النمو المبكِّر للطفل يعكس شخصية الأم وقدرتها على أن تكون أمًّا حانية، وتقترن قدرات الأم بدرجة كبيرة بمدى احترامها لنفسها وتقييمها للأب، ومشاعرها نحو أسلوب حياتها الجاري، والتقدير الأعلى، كل ذلك يرتبط بدرجة عالية من الحماس والتفاني في تربية الطفل في هذه المرحلة المبكرة من حياته.

المرحلة الثانية: النظم الدافعية الثانوية

المرحلة الثانية: النظم الدافعية الثانوية: التعلم المتركّز في الأسرة: تشمل هذه المرحلة الفترة من منتصف العام الثاني من عمر الطفل وإلى سن المدرسة، وفي هذه المرحلة تستمر الحاجات الأولية في دفع سلوك الطفل، غير أنها تشكل تدريجيًّا لتصبح تعلمًا اجتماعيًّا متكرر التعزيز, أو دوافع ثانوية، وتصبح هذه الدوافع الثانوية هي الدوافع الرئيسية التي تدفع الطفل للفعل ما لم تفشل بيئته الاجتماعية في تقديم التعزيز اللازم؛ فجوع الطفل لم يعد يعتمد كليَّة على تقلص معدته، ولكنه يصبح مقترنًا برؤية بعض الإشارات الرمزية مثل الزجاجة، أو قيام أمه بفتح باب الثلاجة.. إلخ، وتستمر الأم بمثابة المعزِّز الأكبر في هذه المرحلة، فهي تدرك السلوك الذي يجب تغييره, وتضع المعايير لأشكال أكثر نضجًا من الأفعال، وتغرس في الطفل الرغبة في أن يصبح اجتماعيًّا. أما عن أسلوب التنشئة الاجتماعية في هذه المرحلة، فهو يعتمد على إحدى طريقتين: الأولى: المكافآت والعقاب: فحتَّى هذه المرحلة كانت المكافأة تعتبر عاملًا مساعدًا في التنشئة الاجتماعية، في حين أن العقاب يمثل افتقارًا واضحًا للمكافأة, ولا يولي "سيرز" العقاب سوى اهتمام قليل، فهو يرى أن العقاب أساسه عقدة سلوكية ليس لها تأثير معزز واحد، فالعقاب لا يميل لإخماد السلوك غير المرغوب ولا يغيره، وهو فقط يصلح كعلاقة واضحة لرفض تأييد حدث سلوكي غير مرغوب، أو إعادة توجيه سلوك عام, ولذلك فإن المكافأة تعتبر أجدى من العقاب في التعلّم الاجتماعي, ذلك أن التعلم الاجتماعي الأصيل يتوقَّف على إحلال خبرة جديدة، ترتكز على إشباع أكثر لياقة مما ترتكز على تجنُّب الخبرات غير السارة، أو على الخوف من النتائج. الثانية: التقليد والمحاكاة: فإن كان الطفل قد تعلّم كيف يشبع حاجاته الخاصة إلى حدٍّ ما، فإن محاكاته التلقائية لتتابع فعل سبق أن قامت به أمَّه, يمثل محاولات الطفل للحصول بنفسه على الهدف المشبع، وتحدث المحاكاة ويعززها استجابات الطفل نفسه الذاتية النشطة والمحققة للهدف, وبالتدريج يتعلم الطفل أن يشبع دافعه الاعتمادي بتأدية أفعال سبق أن توقعها وطلبها من أمه، وأحيانًا يتعلم الطفل خلال السنة الثانية من عمره أن يقلّد والديه.

وإذا نظرنا إلى الأشياء التي يتعلَّمها الطفل في هذه المرحلة فهي تتضمَّن: 1- الفطام: ففي سنوات الطفولة المبكرة نجد أن احتياجات الاعتمادية في التغذية الفعلية، ومحاولة الأم تغيير عادات الطعام، فإنها بذلك لا تتدخَّل في عادات متأصّلة للحصول على الغذاء فحسب، بل إنها أيضًا تمزق العلاقة الاعتمادية، وبالتالي فإن التغيير في إجراءات التغذية يتضمَّن تعديلًا في الأنظمة الدافعية التي غرست حديثًا, مثل ذلك: إن طرق التغذية بالمص تثبت أنشطة المص وتقوي النمط الفمي لسلوك الطفل، وأن درجة حساسية الطفل نحو الفطام تتعلّق بوضوح بسنه عندما يبدأ الفصام، فإذا بدأ الفصام قبل أن يبلغ الطفل 6-12 شهرًا, فإن إتمام الفطام يستغرق وقتًا أطول مما لو بدأ بعد ذلك، وإن كان سيطرد مع معوقات أقل مما يواجههم لو حدث في فترة تالية, عندما تكون الاعتمادية قد أصبحت دافعًا متأصلًا. وفي سن 20 شهرًا تقريبًا: فإن الفطام لا يشكل تهديدًا كبيرًا لوجودها, علاوة على ذلك: فإن النمط السلوكي للأم، ودرجة الحزم في اتخاذ القرارات التي تنقلها بوسائلها الجديدة في التغذية، هذا النمط يحدد استجابة الطفل, وعلى آية حال: فإن الفطام يتضمَّن خمسة مظاهر: 1- يتعلّم الحصول على الطعام بطريقة تختلف عن المص. 2- يتعلّم حب هذه الطريقة الجديدة في تناول الطعام. 3- يتعلّم أن يحتاج الطعام صلب "غير سائل". 4- يتعلّم كيف يتعامل بفمه مع الطعام الصلب. 5- يتعلّم أن يأكل دون أن يكون محمولًا. وتشير أبحاث "سيرز" إلى أن البنات يستغرقن وقتًا أطول في الفطام، وهو ما يتفق مع احتياجاتهن الاعتمادية الممتدة في أثناء هذه الفترة من العمر. 2- التدريب على التخلُّص من الفضلات: وعادة فإن ضبط عملية التخلص من الفضلات مطلوبة بعد إتمام الفطام، وعندما تصبح علاقة الأم بالطفل أكثر تأصلًا. وفي التدريب على التخلُّص من

الفضلات أكثر مما في الفطام: فإن الظروف المحيطة الخاصة بالجزاء "الإثابة" على القبول، والعقاب، تصبح ذات أهمية, ولا يتعلم الطفل نفسه أنه يحتاج للنظافة البدنية والعادات المقبولة في هذا الصدد إلّا تدريجيًّا. والتدريب على التخلص من الفضلات يولد تعلمًا سلوكيًّا جديدًا مثل الانتظام الجسماني والحشمة والنظافة. وطالما أن التدريب على التخلص من الفضلات هو تقديم لنظام الأم السببي, فإن الإثابة والعقاب يظلان في نظر الطفل بمثابة قبول أو رفض من الأم. 3- تعلّم التحشُّم الجنسي: والتحشُّم الجنسي جزء متكامل من التنشئة الاجتماعية للأطفال, فالسلوك المكتسب فيما يختص بالجنس ينشأ من رغبة الأم أكثر مما ينشأ من التحكم في احتياجات الطفل, فغالبًا ما يتم التحكم في التعبيرات الجنسية الكامنة قبل أن يكوّن الطفل أي فكرة في أن لهذه الفضائل الاجتماعية أيّ علاقة بالجنس. إن ارتداء الملابس يعمل كخطوة أولى نحو "التغطية" وإنكار وجود أعضاء التناسل، فضلًا عن ذلك: فإن أعضاء التناسل لا يرد ذكرها مباشرة أبدًا بعكس الإشارة المباشرة والصريحة لباقي الأعضاء. إننا كثيرًا ما نسمع الأمر: "لا تلعب بأنفك" في حين أن طلبًا مماثلًا يتعلق بأعضاء التناسل يصبح مموهًا بمثل هذه العبارات "لا تلعب به" أو "لا تعلب بنفسك"، وعلى الطفل أن يخمّن ما هو مقصود هنا بالضمير أو النفس. إن على الصبية والبنات أن يواجهوا أمورًا غير محددة ليس لها بالنسبة لهم سوى مغزى ضئيل, ولكنها تعني الكثير بالنسبة للكبار، مما يحمل معه أساسًا تعليمات تحريمية. 4- التحكّم في السلوك العدواني: إذا كانت العدوانية تتبع كنتيجة للإحباط الذي هو جزء فطري من النمو، ويحدث العدوان في شكل غضب، أو اهتياج. وعندما يبكي الطفل غضبًا عندما يواجه الإحباط, فإنه يتعلّم بالمصادفة أن سلوكه يصبح مقترنًا باستجابات لإشباع

حاجاته، وتحقيق رغباته, ولذلك يتعلم الطفل إثارة الأفعال العدوانية لكي يحقق الاستجابة لحاجاته. ويقترح "سيرز" لتعليم الطفل التحكم في السلوك العدواني عدة أساليب وجدت جدواها: أ- إيجاد توازن بين إمكانات السماح والكبح في السنوات الأولى من نمو الطفل: فالسماح بالعدوانية وغضب الطفل وهياجه الذي لا موجب له يؤدي بالطفل إلى فرض قيمة إيجابية للسلوك العدواني, ومن جهة أخرى: فإن المبالغة في كبح العدوانية يمكن أن يكون له نفس الضرر، فالطفل عندئذ يطلب منه أن يتحمّل إحباطه، وأن يعايش ويكبت غضبه, قد يؤدي إلى مزيد من الإحباط ومشاعر العدوانية, ولذلك: فإن المبالغة في السماح والمبالغة في الكبح تساعد على تولّد المشاعر العدوانية. ب- إيجاد إمكانية للعدوانية غير المباشرة والخالية "كما في اللعب" ومن خلال الخيال، يطلق الطفل عدوانه فيها دون قيود ضد بديل للمثير الحقيقي لإحباطه. ج- تعليم الطفل معايير السلوك المقبول اجتماعيا: فمعالجة موضوع العدوانية يرتبط ارتباطًا وثيقًا بنمو المعايير والقيم في داخل الطفل, فالطفل يتعلّم متى وإلى أي مدى، وما هي أنماط العدوانية التي يمكن تحملها في مختلف مجالات حياته.. إلخ. 5- تحديد النمط الجنسي: يؤكد "سيرز" أنه في هذه المرحلة من عمر الطفل يبدأ الطفل في التعرف على النمط الجنسي له، أو تنشيط نمو السلوك الاجتماعي المناسب لجنسه، والذي يكون المظهر الأكثر انتشارًا لعملية تحقيق الذات. فابتداءً من السنة الرابعة يبدأ تعرف الصبي على توقعات أبيه الجنسية "نمط أبيه"، وتواصل البنت تحقيق ذاتها مع الأم، وتتقدّم في هذا السبيل بسرعة أكبر نحو أشكال سلوكية أكثر نضجًا، ذلك لأن تحقيق ذاتها يقوى دون توقّف، وهي لذلك تميل لِأَنْ تصبح أكثر تعرفًا في

مرحلة مبكرة من حياتها على إدارة الكبار ومعاييرهم وقيمهم، وبالتالي تظل البنت أكثر حساسية نحو موافقة أو عدم موافقة أمها, وبالمقارنة: فإن تحقيق الذات لدى الصبي يكون معقدًا، وليس فقط لأنه مضطر للتنحي عن قدر كبير من تعرفه على أمه، ولكن أيضًا لأنه يعتمد على قدرة الأب وحضوره لعرض نموذج للسلوك الذكري. والتعرف على الأب يقوى إذا استطاع الأب أن يكون نموذجًا يملك تقدير الأم, وباستطاعتنا أن نفترض أن نفس الشيء يحدث تمامًا للبنت عندما لا يقوى الأب تقدير البنت بإظهار الاحترام والتقدير للأم من خلال سلوكه نحوها, وعندما يقترب الطفل من سن المدرسة يميل لتقمُّص سمات الشخص الذي يتعرّف عليه بقوة. 6- تعلُّم السلوك المستقل: إذ تقل الاعتمادية بصفة عامّة مع تقدّم السن، عندما يبدأ الطفل يتعلم الاعتماد على عدد متزايد من الكبار والرفاق, وحالة الطفل الاعتمادية تعدَّل تدريجيًّا إلى حالة انفعالية واحترام للذين يعتمد عليهم في رعايته. وإذا قلت اعتمادية الطفل على الشخص القائم بالرعاية يصبح أكثر حرية في مناقشة الآخرين. وبينما كان الهدف الوحيد قبل ذلك هو الإشباع الاعتمادي، فإنه الآن يميل لاختبار الآخرين كمنافسين في أهدف لا يمكن المشاركة فيها مشاركة تامة، وهو يتعلّم أنه لا يوجد شيء حكرًا له، وأنَّ عليه أن ينافس في سبيل هدفه المرغوب فيه.

المرحلة الثالثة: النظم الدافعية الثانوية: التعلّم المتركّز أبعد من الأسرة: ففي الوقت الذي يصبح فيه الطفل مستعدًا للذِّهاب إلى المدرسة من حيث السن والنمو، فإنه يكون مستعدًا للاعتراف من عالم يقع خارج نطاق أسرته، وفي هذ الوقت يكون قد اكتسب نظامًا سلوكيًّا يرشده لفترات محددة في هذا العالم الخارجي الجديد, ولذلك: فإن البيئة الاجتماعية الأوسع هي التي تقوم الآن بنصيب هام في عملية التنشئة الاجتماعية والتعلّم الاجتماعي, ولذلك تتميِّز هذه المرحلة بعدة مميزات: 1- انخفاض الاعتمادية: ففي سن الخامسة تنخفض اعتمادية الطفل وتصبح قاصرة على مناطق محدَّدة من حياة الأسرة والتبادل الودي للمعاملات الأسرية الرمزية التي تشمل اعتمادية كامنة، فلم يعد الطفل يتلقى الغذاء بالمعلقة من أي عضو في الأسرة، فقد اتسعت اعتماديته من مجرد الاعتماد على شخص واحد إلى الاعتماد على فردين أو أكثر، ويساعد ذلك على دخول المدرسة كمصدر جديد للاعتمادية، ثم تبدأ هذه الاعتمادية تستبدل تدريجيًّا باستقلاليته في علاقاته برفاق سنِّه، وتتوطَّد جهوده التعاونية مع رفاقه, مما يخلق تكاملًا ثابتًا في شخصية الإنسان البالغ. ولذلك: يرغب الطفل في إيجاد توازن بين حاجته للشعور بالاستقلال وإدراكه لمدى حريته، وبين قبوله للسيطرة, فهو يحاول السيطرة على الآخرين بحيث يستطيع إرضاء احتياجاته أو مهارته الجديدة في السيطرة على الآخرين. 2- ازدياد القدرة على التقمص: ففي سن الخامسة يصبح الطفل عادة شديدة التقرب من التقمص والتعرف على الوالد من نفس جنسه، ويستمر التعرف على الذات من خلال تقليده نماذج يكون مرغوبًا فيها على الأقل بمعايير احتياجات الطفل, وإذا لم تتواجد النماذج

المقلدة المرغوب فيها في عالم الكبار، فإن أطفالًا آخرين يتصادف أن يمدوا الطفل بشيء من الإشباع يصلحون لتحقيق الذات من خلالهم, وبينما يمتد أفق الطفل إلى أبعد من عالم بيته، فإنه يجب أن يبدي دلالة قوية من الوعي، وتساعده يبئته الجديدة والأكثر اتساعًا على تحقيق قيم أكثر فهمًا، وقيمًا اجتماعية ودينية واقتصادية وسياسية، وكل السلوك المكتسب من الأحكام والتقديرات اللاحقة على القيمة ترتكز على ما سبق امتصاصه من سلوك والديه، وعلى ما تعلمه منهما. تقييم نظرية سيرز: ترتكز مجهودات سيرز في الأبحاث التجريبية التي تكشف عن التفاعل المتبادل بين الطفل والكبار الذين يرعونه خاصة الوالدين, لذا: يعرض سيرز نمو الطفل كمرآة لإجراءات تربية الأطفال التي تقوم على الدوافع الفطرية الكامنة, والتي تعدّل منها البيئة من خلال عمليات التنشئة الاجتماعية، ولتصبح هي الدوافع الثانوية الحافزة، وهي أصلًا أقوى من الدوافع الفطرية. إن الدوافع الحافزة الثانوية تحدّد في النهاية أنماط سلوك الفرد وأسس تربية الطفل، فالدوافع المكتسبة اجتماعيًا تحدد نوع الرغبات الداخلية للفعل والسيطرة عليها. وإذا كان الصغير يبدأ سلوك بتوجيه وسيطرة الوالدين, فإنه فيما بعد يحقق التعرُّف على الذات لتصبح نظامًا دافعيًّا آخر يدفعه للسلوك كما يتوقع منه, فالسلوك هو حصيلة خبرات الطفل الاجتماعية المباشرة، وبالتالي فإن نمو الطفل هو حصيلة الجهود المرئية للأبوين في تربية الطفل، أي: إن نموَّ الطفل هو نتيجة للتعلم الاجتماعي. "هنري و. ماير: 1981".

ثالثا: نظرية النمو الجنسي النفسي سيجموند فرويد

ثالثًا: نظرية النمو الجنسي النفسي سيجموند فرويد مدخل ... ثالثًا: نظرية النمو الجنسي النفسي: سيجموند فرويد ينسب إلى سيجموند فرويد sigmund freud مدرسة التحليل النفسي, وقد وُلِدَ فرويد في فرايبورج في مورافيا بتشيكوسلوفاكيا في 6 مايو 1856، ومات في لندن 1939. عاش في مدينة فيينا منذ أيامه الأولى إلى ما يقرب من ثمانين سنة. التحق بجامعة فيينا "1875-1882" ودرس الطبَّ وتخصص في دراسة الجهاز العصبي: تشريحه، وأمراضه العضوية: كالشلل وإصابات المخ. وفي ذلك الوقت لم يكن معروفًا عن الأمراض العصبية إلّا القليل, وقلما كانت تعالج بالطب. حصل على الدكتوراه في الطب سنة 1881، وحاول علاج الأمراض العصبية، ولقي في ذلك نجاحًا منقطع النظير، حتى أنه أقام بنيانًا شامخًا في العلاج النفسي، وعرفت مدرسته بالتحليل النفسي لإجراءاته في استخدام التنويم المغناطيسي, والإيحاء, وتفسير الأحلام, وغيرها من الوسائل في دراسة الشخصية1. ويذهب فرويد إلى أن السنوات الأولى من الحياة تكون حاسمة في تكوين الشخصية، ويرى: أن البيئة شيء يعوق الانسياب السهل لعملية نمو الشخصية، لذلك ينظر إلى نظرية "فرويد" باعتبارها نظرية دينامية تركز على دوافع الفرد ورغباته بما تبتدعه من وسائل للحصول على الإشباع، وقد ينظر إلى الجنس بوصفه الدافع الأكبر في الحياة، فقد عرَّف الجنس بصورة أوسع, وجعله كل شيء يجلب اللذة للفرد. وبدون دخول في تفاصيل نظرية التحليل النفسي وطرائقها العلاجية, فسوف نركز فقط على نمو الشخصية التي تعنينا في سياق عرضنا لهذه النظرية.

_ 1 لم نَشَأ التوسُّع في سيرة فرويد حيث تمتلئ بها كتب ومراجع علم النفس.

مراحل نمو الشخصية

مراحل نمو الشخصية مدخل ... مراحل نمو الشخصية: ربما كان فرويد صاحب أول نظرية سيكولوجية تؤكّد الجوانب التطورية في الشخصية، وتؤكد الدور الحاسم لسنوات الطفولة المبكرة والطفولة المتأخرة في إرساء الخصائص الأساسية لبناء الشخصية. ويرى "فرويد" أن الطفل يمر عبر سلسلة من المراحل المتفاضلة ديناميًّا خلال السنوات الخمس الأولى، يليها لمدة تستمر خمس أو ست سنوات فترة الكمون, فيتحقق قدر من الثبات والاستقرار الدينامي، ومع بداية المراهقة تنبعث القوى الدينامية مرة أخرى، ثم تستقر بعد ذلك بالتدريج مع الانتقال من المراهقة إلى الرشد. ولقد اعتقد "فرويد" أن تطور ونمو الشخصية إنما يتعلق بنمو مصدر الطاقة الغريزية البيولوجية والذي ينعكس على سلوك المرء وشخصيته طوال الحياة. ومجمل ذلك: إن المناطق اللذية الشهوانية, أو المناطق من الجسم التي يؤدي تنبيهها إلى الإشباع الجنسي "اللبيدي" -هذه المناطق- تتغير تبعًا للسن ولنمو الكائن العضوي, ويقال: إن هذا التغيّر في مناطق تركيز اللبيدو يحدث تغيرًا في تنظيم علاقات الكائن العضوي مع ذاته ومع بيئته ومع أفراد مجتمعه، فإذا حدث ما يحول بين الطفل وموضوع الإشباع الملائم في مرحلة من المراحل، أدَّى ذلك إلى اضطراب العلاقة بين الكائن البيولوجي وبيئته الخارجية، ونتج عن ذلك صراع قد تظهر آثاره في شخصيته فيما بعد, ومن ثَمَّ فإن الشخص الراشد العصابي ينظر إليه على أنه قد صدم في مرحلة من مراحل النمو, وفشل في أن يتقدَّم إلى أبعد منها، أو أنه ما زال يحمل معه بقايا إحداها غير محلولة، الأمر الذي لا يتلاءم مع حياة الراشد, وتسير مراحل النموّ في نظرية فرويد على النحو التالي:

المرحلة الأولى: المرحلة الفمية oral stage

المرحلة الأولى: المرحلة الفمّية: oral stage وتنقسم إلى مرحلتين فرعيتين: المرحلة الفمّية السلبية، والمرحلة الفمّية السادية. 1- المرحلة الفمية السلبية: تقع هذه المرحلة في النصف الأول من السنة الأولى, وفي هذه المرحلة يكون المصدر الرئيسي للذة اللبيدية متضمنًا تنبيهًا لمسيًّا للشفتين وللتجويف الفمي, ويكون الفم هو مركز التفاعل مع البيئة الخارجية، ويكون النمط السائد من السلوك المشبع هو ذلك النمط المبني على الإدماج, ولا تقتصر عملية الإدماج على مص ثدي الأم فحسب، بل تشاهد أيضًا في امتصاص أي شيء يقع في مجال الطفل الحسِّي، ففي فترات الحرمان والانتظار والتوتر يلجأ الطفل إلى جسمه هو لكي يحصل منه على الإشباع عن طريق المص, ويغلب أن يكون ذلك العضو هو أصبعه، وبذلك يمنح نفسه إشباعًا شهوانيًّا ذاتيًّا. "هول ولندرزي: 1979". بالإضافة لذلك: يتضمَّن النشاط الفمِّي الابتلاع والرفض إذا كان الطعام غير سار، ومن ثَمَّ يكون الطفل في هذه المرحلة نرجسيًّا تمامًا لا يحب إلّا نفسه, وليس لديه في ذلك الوقت أي وعي ببيئته أو بالناس الآخرين؛ إذ ليس لديه سوى إحساساته الداخلية على الرغم من أنه يستجيب بالتدريج للصوت والضوء ... إلخ. التكوين النفسي الغالب: التكوين النفسي الغالب على شخصية الطفل خلال المرحلة الفمّية السلبية, وهو ما نسميه بالهو Id. واصطلاح الهو وضعه فرويد ليشير إلى مجمل الدوافع البيولوجية عند الفرد، أو إلى حاجاته التي تسعى إلى اللذة, ومن ثَمَّ فإن الجوع والعطش والراحة والابتعاد عن الألم.. إلخ, تعتبر كلها من حاجات الهو, بمعنى أن الهو منبع الطاقة البيولوجية والنفسية التي يولد الفرد مزودًا بها، أو يمثل طبيعة الإنسان الحيوانية قبل أن يتناولها المجتمع بالتحوير والتهذيب، ويندفع إشباع الدوافع اندفاعًا عاجلًا بكل صورة وبأي ثمن. "مصطفى فهمي: 1969، 123". 2- المرحلة الفمية السادية: وتقع في النصف الثاني من السنة الأولى, وفيها يحل العض محل الإدماج بالمص، ذلك أن التوتر الناتج عن عملية التسنين تلزم الطفل أن يعض، وبذلك يجد نفسه في موقف صراعي في بعض الأحيان:

- فهو ملزم بالحصول على الطعام عن طريق الامتصاص للثدي بدون عض، وإلّا عرَّضه ذلك للعقاب في صورة الضرب أو سحب الثدي. - ولما كانت الرغبة في العض تظل مع ذلك قوية وفعالة، لذلك يقع الطفل في صراع بين الرغبة في العض والخوف من العقاب. ومهما كانت عناية المحيطين بالطفل في هذه المرحلة، فلا مناص "في رأي فرويد" من نشوب الصراع؛ فألم التسنين، والنقمة على الأم، والغضب، مع العجز, كل ذلك يلقي بالطفل في خبرات مؤلمة توصف بأنها خبرات سادية مازوكية، أي: خليط من القسوة والرغبة في التحطيم، مع الخنوع والرغبة في الاستسلام. وقد يترتَّب على هذه الخبرات أثر هام في حياة الطفل النفسية فيما بعد، وهو الإحساس الغامض بأن سند الطفل "وهو الأم" قد انهار من تحته؛ إذ أنَّ اتزانه النفسي الذي يقوم على وحدته مع أمه واعتماده عليها يبدأ يتزعزع. - وهنا يصبح الطفل في هذه الفترة ثنائي العاطفة, أي: يحب ويكره معًا "هول ولندزي: 1979" خاصة أن ظاهرة استجلاب اللذة من العض تأتي عادة مع سن الفطان عند معظم الأطفال، ويبدو أنها تأتي مع نمو القدرة على العدوان والرغبة في اغتصاب الإشباع من البيئة المحيطة. وهكذا: فإن النمطان السابقان من النشاط الفمي: ابتلاع الطعام والعض, يكونان هما النمطان الأوليان لكثير من سمات الشخصية التي تنمو مع الطفل فيما بعد: فاللذة المستمدة من الابتلاع الفمي قد تزاح إلى أشكال أخرى من الابتلاع أو الإدماج كاللذة المستمدة من اكتساب المعرفة أو الامتلاك, والشخص الساذج شخص مثبت على المستوى الفمي الاستدماجي للشخصية، فهو يكاد يبتلع كل شيء يذكر له. يضاف إلى ذلك: بأنه لما كانت هذه المرحلة تقع في وقت يعتمد الطفل فيها على أمه اعتمادًا كليًّا لكي ترعاه وتحميه، فإن الطفل تتكون لديه مشاعر الاعتماد على الأم وعلى غيرها من الناس, وتميل مشاعر الاعتماد هذه إلى البقاء

والاستمرار طوال الحياة بالرغم من ضروب النمو والتطور التالية للأنا. فإذا فشل في هذه المرحلة لأيِّ سبب من الأسباب من الخروج منها, فسوف يكتسب اتجاهًا اتِّكاليًّا نحو العالم، فيصبح في رشده شخصًا معتمدًا تمامًا على الآخرين، ويرى أن العالم مدين له، ويرقد منتظرًا إياه ليضع في فمه, ولا يتعلم أن يشبع حاجاته بمجهوده، وإنما يتوقَّع من غيره أن يزوّده بحاجاته إذا أحسن التصرّف، وأن يسلبه إياها إذا أساء, ويطلق على أمثال هؤلاء الأشخاص: "ذوي الشخصيات الاتِّكالية الفمية". ويعتقد فرويد: أن أكثر أعراض الاعتماد تطرفًا هي النكوص إلى المرحلة الفمية, والرغبة في العودة إلى الرحم, وهي ما تميز الذهانيين. ولعل كثير من البالغين في ثقافاتنا يظهر لديهم شيء من الشبقية الفمية كالتقبيل مثلًا، وهو بقايا من المرحلة الفمية السلبية، إذ في بعض الثقافات لا يعتبر التقبيل شكلًا من أشكال الحب، ولكن لديهم أشكالًا أخرى من النشاط الودي تقوم بنفس الوظيفة كالابتسام والإيماءات والكلمات.. إلخ. كذلك قد يزاح العض أو العدوان الفمي ليأخذ صورة السخرية أو حب الجدال والمناقشة. التكوين النفسي الغالب: أ- نمو الأنا: الأنا Ego هي الذات النامية في الطفل, ويعرف بأنَّه ذلك الجزء من الشخصية الذي يحول إشباع دفعات الهو، وهو يتكوّن من جانب شعوري وآخر لا شعوري: - يكون الجانب الشعوري على صلة بالبيئة التي يدركها بالحواس, ويتكون بالتدريج منذ اتصال الطفل بالعالم الخارجي الواقعي، فالطفل الصغير يتعلّم عن طريق صلته بالوالدين وخبراته الحسية أنه لا يستطيع أن يظفر بما يريد متى أراد، وأنَّ هناك ضروربًا من السلوك تجلب له السرور وأخرى تجلب له الألم، كما يدرك أن الإرضاء الفوري يجلب له المتاعب, فيبدأ في تعلّم الانتظام. - أما الجانب اللاشعوري: فهو يشرف على غرائز "الهو", فيحاول أن يكبح جماح

رغباته ودوافعه التي لا يتأتَّى لها الإشباع, ويظل يماطلها ويقاومها حتى يضطر "الهو" إلى التنازل عن رغباته, فيتم كبت هذه الرغبات والدوافع في أعماق اللاشعور. ويرى فرويد أن "الأنا" عند الميلاد يكون صغيرًا ضعيفًا، ثم ينمو بالتدريج مع نمو القدرات الحسية الحركية للطفل، وعندما تزداد معرفته بكيفية الحصول على الإشباع, ومن ثَمَّ يبدأ نموّ الأنا مع بداية المرحلة الفمية السادية. ب- السادية: تشير كلمة السادية sadism إلى الميل للحصول على اللذة من إيقاع الألم بالآخرين, ولم يشر فرويد بالطبع إلى أنَّ الطفل في المرحلة الفمية السادية يقصد شعوريًّا إيقاع الألم بالعض، أو أن هناك إحساس شعوري باللذة إذا عضَّ شيئًا، ولكن ذلك ليس إلّا نتاجًا للطرائق التي وضعها الطفل في ذلك الوقت. فأسنانه قليلة "مضافًا إلى ذلك بعض الأكلان الذي يهدأ إذا عضَّ أشياء لينة"، كما يصبح له في هذه المرحلة قوة عضلية تساعده على نموّ أسلوب العض. وفي السنوات التالية "على الأقل في سن الثانية" يحل محل العض أشكال أخرى من الألعاب العدوانية: كالسب والشتائم، وكثير من المحادثات البذيئة المتبادلة بين الناس، والسخرية، وحب الجدال والمناقشة التي تستخدم كأساليب دفاعية حيال الدفعات الفمية البدائية التي تندرج تحت بقايا السادية الفمية، كما أن الاندماج في اللذة الجنسية بتوقيع الأذى البدني على شخص آخر تعد لونًا من ألوان الانحراف الجنسي.

المرحلة الثانية: المرحلة الشرجية anal stage

المرحلة الثانية: المرحلة الشرجية anal stage تمتد المرحلة الشرجية طوال السنتين الثانية والثالثة من العمر, وفي هذه المرحلة يرتبط الإشباع اللبيدي بتفريغ وتهييج الغشاء المخاطي الشرجي, فبعد أن يتمَّ هضم الطعام تتراكم المخلفات في النهاية للقناة الهضمية؛ ليطرد بواسطة الفعل المنعكس عندما يبلغ الضغط على عضلات الشرج العاصرة مستوى معينًا, وبذلك فإن طرد الفضلات يزيل مصدر الضيق ويحدث شعورًا بالراحة, ويمكن للطفل في هذه الفترة أن يزيد التهيج بحجز البراز, وتصبح المواد البرازية موضعًا للحب والكراهية، وذلك بما لها من قابليتة للطرد أو الاحتفاظ، ولذا تسمَّى هذه المرحلة بالمرحلة السادية الشرجية, وعندما يتلقَّى الطفل التدريب على النظافة في السنة الثانية, فإن يلتقى بأول خبرة حاسمة له لتنظيم هذه الدفعات الغريزية، فعليه أن يتعلّم إرجاء اللذة التي يحققها له تخلصه من توتره الشرجي, وتتوقف نتائج هذا التدريب على أسلوب الأم الخاصّ في تدريبه على ضبط التبرز، ومشاعرها حيال عملية التبرز: - فإذا ما كان الأم من النوع الذي يتودَّد إلى الطفل ليخرج فضلاته، حنونة دافئة، متسامحة في التدريب. فإن الطفل تتكوّن لديه فكرة قوامها أن النشاط الإخراجي نشاط بالغ الأهمية، وقد تكون هذه الفكرة أساس الخلق والإنتاج تسير في الاتجاه السوي. - أما إذا كانت الأم شديدة الصرامة في التدريب على النظافة, فإنما قد تسبب تثبيتًا fixation على هذا المستوى, مع فضل لاحق في النضج السوي، كما يلي: 1- فقد يقبض الطفل على فضلاته ويصاب بالإمساك, فإذا ما عمَّم هذا الأسلوب في الاستجابة إلى مجالات أخرى من السلوك, فقد ينمو لدى الشخص خالق قابض, ويصبح شحيحًا عنيدًا، ولذا يقال أن للمال سمات شرجية: فالبخل يرتبط بالإمساك وعدم الرغبة في إعطاء أي شيء، وكذلك الكرم الزائد وعدم الحرص المعقول في الأمور المالية ليس إلّا نموًّا مفرطًا للعطاء للحصول على رضا الأم. 2- وقد يلتمس الطفل تحت وطأة أساليب الكبت مخرجًا لغضبه بأن يخرج فضلاته في أوقات غير مناسبة على الإطلاق, فتنمو لديه جميع أشكال السمات الطاردة أو القاذفة؛ كالقسوة، والإنغماس في الشهوات، والميل إلى التدمير، ونوبات الغضب والهياج، والفوضى، وانعدام النظام.. إلخ. "هول، لندزى: 1979". 3- كما أن التثبيت على المستوى الشرجي قد يؤدي إلى نظافة مفرطة في الكبر

ونزعه إلى الترتيب والاهتمام الشديد بالتفاصيل، وذلك إذا تقبل السلطة الوالدية.. أما إذا رفض الخضوع لرغبات الوالدين فقد ينمو بوهيميًا وقدرًا مهملًا. 4- وفيما يختص بالروائح: يقال كذلك أنها بقايا المرحلة الشرجية فبعض الناس يستمعتون بالروائح الكريهة العفنة، في حين يشمئز منها آخرون. 5- بالإضافة لذلك: فإن التمرد على سيطرة الآخرين أو الخضوع لهم ترجع إلى هذه المرحلة.. فطالما أن محاولة تدريب الطفل على ضبط العضلة القابضة هي المجهود الأول لإجباره على نمط سلوكي جديد، فهذه هي الفرصة الأولى لظهور الصراع بين الطفل والوالدين ويصبح السلوك المتمرد ملحوظًأ. ومن ناحية أخرى. يتعلم الطفل أنه يستطيع إرضاء أمه باستخدام الأساليب النظيفة بدلًا من اتساخ ملابسه، ومن ثم تنمو سلسلة التمرد ورفض الخضوع -كل هذه أشكال أساسية من السلوك التي يربط بها الشخص علاقاته بالآخرين. التكوين النفسي الغالب: أ- نمو الأنا العليا: وفي هذه المرحلة ينمو الأنا الأعلى Super Ego أو الرقيب النفسي لدى الطفل، وهو مكون من مكونات الشخصية يرتبط ارتباطًا أوليًا بما سميه بالضمير. ويتكون الأنا الأعلى من خلال أساليب الوالدين في التربية، وأساليبهما في عليه والداه والمحيطون به.. ويرى الطفل نفسه مضطرًا إلى أن يكف نفسه عن كثير مما يشتهي وأن يقوم بأشياء لا يميل إليها بطبعه كي يتجنب استهجان الكبار أو عقابهم.. وهكذا يتعلم الطفل أن يكيف سلوكه وفق المعايير. التي يراها والده لازمة لمن في سنه، وعلى هذا النحو تتبلور في نفس الطفل بالتدريج وعلى غير قصد منه أوامر الوالدين ونواهيهما وأفكارهما عن الصواب والخطأ والخير والشر

تتبلور في شكل سلطة داخلية تقوم مقام الوالدين حتى في غيابهما فيقيم الطفل من نفسه حارسًا على نفسه فتصبح الأنا العليا رقيبًا نفسيًا" على سلوك الطفل يوجهه ويرشده وينهاه "مصطفى فهمي: 125، 1969". ومن الواضح أن التدريب على ضبط عمليات الإخراج يعد أحد المواقف الأولى التي يحدث فيها هذا النوع من التهذيب الذي لا يلبث أن يصبح جزءًا من كيان الطفل يوجهه في المواقف المشابهة دون أوامر الكبار أو توجيهاتهم. ب- نمو مبدأ الواقع مقابل مبدأ اللذة: اتضح سابقًا: أن "الهو" أنانيًا تمامًا والسلوك في المرحلة الفمية يتبع مبدأ اللذة، وبعبارة أدق: اغتصاب الحد الأقصى من اللذة الحالية أو تجنبه الألم الحالي بغض النظر عن المستقبل وإذا كان الإنسان يتبع بالفطرة مبدأ اللذة وينشد اللذة المباشرة والتصريف المباشر لرغباته -إلا أن الطفل يتحقق بالتدريج أن هذه السياسة ليست حكيمة باستمرار، حيث يجد نفسه في مجابهة حقائق الطبيعة الخارجية وبيئة الاجتماعية التي تعترض رغباته بشدة، فيتعود أن يتجنب اللذات التي تأتي بالألم أكثر، وأن يؤجل تصريف الرغبات في سبيل تصريف أكمل وأبعد فقد يأكل الطفل بشراهة ثم يعاني من المغص، وقد يستمر في اللعب محطمًا أوامر والديه ثم يعاقب -فنجده حينئذ يبدأ ظهور ميل طفيف لنمط جديد من السلوك بسبب تصرفاته، وذلك هو مبدأ الواقع. وهو محاولة الحصول على الحد الأقصى من اللذة والحد الأدنى من الألم في المستقبل لا في الموقف الحالي فقط. وهذا يعني تثمين للذة الحالية والألم محتمل في المستقبل أي تحمل تعب حالي وعلى أساس احتمال اللذة الحالية والألم محتمل في المستقبل -أي تحمل تعب حالي على أساس احتمال راحة مستقبلية أو مكافأة كبيرة بعد ذلك.. وبمرور الوقت يصل الشخص إلى النضج إذ يجب عليه التخلي عن مبدأ اللذة والعيش وفقًا لمبدأ الواقع.

المرحلة الثالثة: المرحلة القضيبية phallie stage

المرحلة الثالثة: المرحلة القضيبية phallie stage ... المرحلة الثالثة: المرحلة القضيبية Phallice Stage تقع بين السنتين الثلالثة والخامسة من العمر.. وفي هذه المرحلة تصبح الأعضاء التناسيلة "القضيب عند الذكر، والبظر عند الأنثى" هي المنقطة الرئيسية الملولدة للذة الشهوانية، وتهيئ هذه المشاعر المرتبطة بالنشاط الشهوي السبيل لظهور عقدتين خطيرتين تؤثران في شخصية الطفل المستقبلية، هما: عقدة أوديب، وعقدة الخصاء. أ- العقدة الأوديبية: هي شحنة انفعالية جنسية تستهدف الوالد من الجنس المقابل، وشحنة عدوانية تستهدف الوالد من نفس الجنس, فالصبي يرغب في امتلاك أمَّه واستبعاد أبيه "وهنا تسمَّى عقدة أوديب"، في حين ترغب البنت في امتلاك أبيها وإبعاد أمها "وتسمَّى عقدة إلكترا", وتعبر هذه المشاعر عن نفسها في الأفعال الدالة على الحب والأفعال المعربة عن التمرد والثورة إزاء الوالدين. وفي بداية هذه المرحلة يحب الطفل من الجنسين الأم؛ لأنها تشبع رغباته, وينقم من الأب لاعتباره غريمًا له في حب الأم, وتبقى هذه المشاعر لدى الصبي وتتغيِّر لدى الفتاة. وفي هذه السن يعرف الأطفال أن بين الأب والأم علاقة خاصَّة مريبة ولذيذة, ولكن الأهم من ذلك أن الطفل يرغب في امتلاك أمّه امتلاكًا تامًّا، يريد أن تجيب له طلباته ورغباته وترعاه, لكنه يرى أن الأب يأتي إلى المنزل ويستأثر بالأم، أو على الأقل يأخذ وقتها، ومن ثَمَّ ينظر إلى الأب بوصفه منافسًا، ونجد الموقف ذاته عند البنت الصغيرة مع الأب, إلّا أنه يجب أن نعرف هنا: أن استجابة الطفل ثنائية العاطفة، فبالنسبة للطفل يصبح للأب قوة سلبية "تهديد وإحباط"؛ لأنه يتنافس معه في جذب اهتمام الأم، ولكن للأب قوة إيجابية "فهو يداعبه ويأتيه باللعب والحلوى ويصحبه للنزهة", وهنا يصبح الأب مصدر حب وكراهية في نفس الوقت، ويبدأ الطفل الحل السوي لعقدة أوديب, فيبدأ في التوحّد بالوالد من نفس الجنس, ويقوى "الأنا الأعلى", ويكتسب الطفل خصائص الشخصية البالغة, وتصبح جزءًا من نفسه؛ لأنه يريد أن يكون شبيهًا بالأب أو التعيين الذاتي بالأب، ومن ثَمَّ تتحوّل المشاعر الشهوية الخطرة نحو الأم إلى مشاعر رقيقة حنونة لا خطر منها نحوها, وبذلك يؤدي حل عقدة أوديب في النهاية إلى تطور "الأنا الأعلى", ويقول فرويد: إن الأنا الأعلى هو وريث عقدة أوديب لدى الذكر، فهو سدٌّ منيع حيال الرغبة في المحارم والعدوان.

أما إذا لم يحل الموقف الأوديبي ولن يتخَّلص الطفل من كراهيته للأب من نفس الجنس, فإن هذه المشاعر لا تتلاشى تمامًا، بل يدفع بها إلى الأعماق لتبرز مرة ثانية بأشكال أخرى, فتزاح المشاعر السلبية عند نضج الفرد إلى أفراد راشدين آخرين في المجتمع لهم سلطة الأب؛ كالمعلم في المدرسة، أو الرئيس في العمل، أو رجل البوليس.. إلخ. ومن المحتمل أن نجد الطفل الذي فشل في حل الثنائية الوجدانية في هذه المرحلة تظهر لديه مشاعر غير مستقرة تجاه الناس, فهو يساعد أصدقاءه ثم يؤذيهم، ومن المحتمل أن يفشل في أن يسلك سلوكًا ثابتًا مما يؤدي إلى شعوره بالشلل وعدم الاستقرار على قرار. ب- عقدتا الخصاء وحسد القضيب: اكتشف فرويد عقدة الخصاء من تحليل حالة "هانز" الصغير عام 1908، وتظهر حين يدرك الطفل الذكر الفروق التشريحية بين الجنسين، ويستنتج الصبي أن البنات لهن عضوًا ذكريًّا "البظر", ولكنه ضامر وذلك عقابًا لهن, ومن ثَمَّ نجد أن اشتياق الطفل الذكر المحرم للأم ونقمته على الأب تؤدي به إلى الصراع مع الأب، فهو يتخيل أنه منافسه المستبد الذي سيوقع به الأذى، وقد تتأيّد مخاوفه بسبب ما يصدر من الأب من تهديدات، ويتركّز خوفه مما قد يوقعه به الأب من أذى حول أعضائه التناسلية؛ إذ أنه مصدر مشاعره الجياشة بالشهوة، وهو يخشى أن يستأصل والده الغيور هذه الأعضاء المسيئة, ويؤدي الخوف من الخصاء أو ما يسميه "فرويد" بحصر الخصاء, أو قلق الخصاء castration anxiety إلى كبت الرغبة الجنسية في الأم, والعدوان نحو الأم, مما يساعد على حدوث التعيين الذاتي بالأب. أما بالنسبة للأنثى: فإن البنت تغيّر موضوع حبها الأصلي وهو الأم بموضوع جديد هو الأب، وسبب ذلك: هو شعور البنت بخيبة الأمل عندما تكتشف أن الصبي يمتلك عضوًا جنسيًّا مختلفًا عمَّا لديها، ومن ثَمَّ تعتبر أمها مسئولة عن حالة الخصاء هذه مما يضعف حبها لها، وتبدأ البنت تحول حبها لأبيها ولغيره من الرجال، وتبدأ هذه المشاعر تمتزج كذلك بمشاعر الحسد للذكور لامتلاكهم شيئًا

تفتقر إليه وهو ما يعرف "بحسد القضيب Penis envy".. وبذلك: فإن حسد القضيب هو المقابل الأنثوي لحصر الحصاء عند الذكر. فالبنت تتخيل أنها فقدت شيئًا ذا قيمة، في حين يخاف الصبي من أن يتعرض لفقده.. وقد تستمر عقدة الحصاء لدى البنت وإن كانت تتعرض للكبت القوي كما هو الحال لدى الصبي.. ويزعم فرويد: أن كل شخص هو بحكم تكوينه مزدوج الجنسية.. فكل جنس ينجذب إلى أعضاء نفس الجنس، كما ينجذب إلى أعضاء الجنس الآخر- وهذا هو الأساس التكويني للجنسية المثلية Homosexuality، وإن كانت الدفعة الجنسية المثلية تظل لدى معظم الناس كمنة وتؤدي إلى حالة الازدواج هذه.

المرحلة الرابعة: مرحلة الكمون latency stage

المرحلة الرابعة: مرحلة الكمون Latency Stage تقع هذه المرحلة بين السادسة وسن البلوغ. وفيما يضعف الدافع الغريزي أو الطاقة الغريزية، وينسى الطفل الأشكال السابقة لتطور الطاقة الجنسية، ويتخذ من المبادئ الخلقية القائمة في الثقافة التي يعيش فيها موانع يقيمها في وجه غرائزه الأولية.. بمعنى أن الرغبة الجنسية والشعور بالكراهية تجاه الوالد من نفس الجنس تكبت، ويتيمز الطفل بالهدوء النسبي من الناحية الدينامية. ويرى فرويد أن البالغين ينكرون بشدة أنهم مروا في يوم بمرحلة شعروا فيها برغبة جنسية قبل البلوغ، ولكن غالبًا ما يكشف لنا هذا الإنكار الشديد جدًا عن زيفة. فملاحظة الأطفال الصغار، وكذلك ذكريات المرضى أثناء التحليل عندما تتحكم حواجز الكبت التي كانت تحول ذون ذكريات المرضى أثناء التحليل عندما تتحكم حواجز الكبت التي كانت تحول دون تذكرها -كل ذلك يؤيد فكرة الجنسية الأولية.. فعندما تكبت الجنسية الأولية في ختام المرحلة الأودينية تقول أن الطفل قد تحرك إلى مرحلة الكمون.. فالجنس محرم، والرغبات الجنسية تنكر تمامًا وتصبح لا شعورية، ورفاق اللعب يختارهم الطفل دائمًا من نفس الجنس، كما أن ممارسة الحب ومشاهدة الأفلام الرومانسية تصبح مثيرة للاشمئزاز. ويقال عن هذه المرحلة أحيانًا "مرحلة الجنسية المثلية السوية"- طالما أنه من السواء في هذه السن أن يستمتع الفرد بعلاقاته مع الناس من نفس الجنس.

المرحلة الخامسة: المرحلة التناسية genital stage

المرحلة الخامسة: المرحلة التناسية genital stage ... المرحلة الخامسة: المرحلة التناسلية Genital stage بعد فترة الكمون -ومع الوصول إلى البلوغ في الثانية عشرة تقريبًا تبدأ الغريزة الجنسية تنمو في اتجاه الهدف البيولوجي، وتبدأ الاستثارة الفسيولوجية من الغدد الجنسية في حث الدافع الجنسي بشدة حتى أنها تحكم حواجز الكبت، ومن هنا يعود الشخص ينظر إلى الجنس نظرة مشبعة باللذة، ولكن بادراك جديد للموقف، إنه يرغب في رفيق من سنه وليس أحد الوالدين. المرحلة التناسلية هي أولى خصائص النضج الحقيقي التخلي عن مبدأ اللذة مع نمو كامل للأنا الأعلى.. ويتضمن الجنس في هذه المرحلة فكرة الحصول على اللذة بإعطائها للآخر بمنأي عن الأنانية والنرجسية المطلقة والتمركز حول الذات التي كانت تميز المراحل المبكرة. وبذلك ينجذب الفرد إلى الموضوعات الجنسية انجذابًا غير نرجسي.. وعلى ذلك: تعد المرحلة التناسلية فترة النشاط الجمعي، والزواج وإنشاء الأسرة ورعايتها، والميل إلى التقدم المهني، والاضطلاع بمسئوليات الراشدين. ولذا: فإن هذه المرحلة هي أطول مراحل النمو لأنها تمتد حتى الشيخوخة.

رعاية النمو الجنسي النفسي في هذه النظرية

رعاية النمو الجنسي النفسي في هذه النظرية ... رعاية النمو الجنسي النفسي هو ضوء النظرية: ونحن بصدد تناول نظرية التحليل النفسي في عرضها للنمو الجنسي فإن من أهم واجبات المربيين لرعاية النمو الجنسي النفسي للطفل في ضوء هذه النظرية مراعاة ما يلي: 1- إن عملية العقاب البدني للطفل الصغير على النظافة وضبط الإخراج, أو حتى حرمانه من الأشياء التي يحبها، أو حرمانه من العطف والاهتمام, لا تؤدي إلّا إلى نتيجة عكسية سلبية. 2- تحتاج عملية تربية الطفل إلى صبر وحكمه, فمثلًَا يجب انتظار اكتمال نضج الأغشية الحساسة في العام الثاني، أو عند بلوغ 18 شهرًا تقريبًا حتى تكون لدى الطفل القدرة على التحكم الذاتي في الإخراج وضبطه، ومن الأجدر توعية الطفل بقيمة النظافة والتعوّد عليها, وتحبيبه فيها بكل الوسائل المحفزة المعززة لهذا السلوك المطلوب, بدون إجبار أو تهديد. 3- لا يجب إظهار الاهتمام البالغ بعملية الإخراج، الأمر الذي يستشف الطفل من خلاله أن الإخراج قيمة في ذاته, ويتعامل مع الآخرين من هذا المنطلق, ويؤثر في شخصيته فيما بعد. 4- يجب توضيح الفروق الجسمية والجنسية بين الجنسين توضيحًا سليمًا مبسطًا للطفل، وخاصة عندما يبلغ الطفل سن "المرحلة الجنسية المبكرة", ويكثر من التساؤلات عن هذه الفروق "مثل تكوين الجنين في بطن الأم، كيفية إنجاب الأطفال، الفروق التشريحية بين الذكر والأنثى ... إلخ". 5- يجب على الآباء والمربين ألّا يهملوا الإجابة على استفسارات الأطفال المبكرة حتى لا يحبطوا من اهتمامهم وحب استطلاعهم ومعرفتهم للأشياء من حولهم, وحتى لا يسوء سلوكهم نتيجة لجهلهم بالنواحي الجنسية. 6- لا يجب اعتبار سلوك الأبناء تجاه الآباء خطأ فاحشًا, وخاصة بعد معرفة أن هذا السلوك شيء تلقائي وطبيعي, والأفضل ألّا نعطي هذا السلوك الأهمية البالغة, بل يجب أن نساعد الطفل على شغل اهتمامه بأشياء أخرى. 7- مساعدة الطفل في تجنّب تثبيت سلوكه نحو الوالد من الجنس الآخر, سواء شعوريًّا أو لا شعوريًّا, ويجب ألّا نتيح الفرصة للطفل لإظهار تودُّده وتمسكه بالأب أو الأم من الجنس الآخر.

8- وعلى الآباء مراعاة ألّا يلاحظ الأطفال أيّ سلوك جنسي أو عاطفي يقوم به الآباء, حتى لا تزداد حدة العقدة الأوديبية لدى الأطفال, وحتى لا يحدث تثبيت للأشكال السلبية لهذه العقدة مدى الحياة، وما يصحبه من صراع الحب والكراهية تجاه الأب والأم وعدم التحرر منها. 9- كما أن الإفراط والتفريط في التعامل مع الأطفال، والحماية المسرفة من جانب الآباء, أو التسلط الشديد المفروض على الأطفال، كل ذلك يؤثر في إمكانية استقلال الطفل وتثبيته بتلك الأشكال السلبية للعقدة الأوديبية. بمعنى: إنه لا يجب على الوالدين مساعدة الطفل على زيادة الترابط القائم على أسس جنسية في المرحلة الجنسية المبكرة بزيادة التدليل أو بالقول والعمل, فهذا السلوك يساعد على خلق عقد أوديبية شاذّة لدى الأطفال. 10- مساعدة الطفل على التخلّص من عقدة أوديب بالطريقة السليمة, وذلك بتلقين الطفل وتوعيته بالقيم الاجتماعية والمثل العليا والاستجابة لنداء الضمير, وكذا إحساس الطفل بقيمة شخصية الأب ليحتذيها ويتقمصها. 11- كما يجب أن يكون للأسرة ولجميع الجماعات من جهة أخرى خط سلوكي واضح؛ حيث ينشأ الطفل وتتشكّل شخصيته في الجماعة، فلا يتعين على إحدى تلك الجماعات التي تنمي مثلًا سلوكًا ما لدى الطفل, والذي ترى فيه الجماعة الأخرى استهجانًا وتحريمًا, حتى لا يحدث الاضطراب والانفصام في شخصية الطفل منذ الصغر, والذي يشكل أفكاره واتجاهاته من خلال مَنْ حوله من أفراد وهيئات وجماعات.

نظريات النمو النفسي الاجتماعي

نظريات النمو النفسي الاجتماعي مدخل ... نظريات النمو النفسي الاجتماعي: مقدمة: تستمد نظريات النمو النفسي الاجتماعي جذورها من التحليل النفسي، وترتبط باتجاهات أخرى هامة كالاتجاه الأنثروبولوجي والاجتماعي، وتستند إلى حقيقة هي أنَّ الشخصية في نموها تتبع المبادئ البيولوجية. بمعنى: إن لكل جزء وقته الخاص, فإذا لم ينم أو ينهض في وقته المحدد فلن تتاح له الفرصة لِأَنْ يتكوَّن تكونًا كاملًا، ذلك لأنَّ لحظة النمو السريع لجزء آخر تكون قد حانت وجاء أوانها، فضلًا عن ذلك يؤثر الجزء الذي يفوت عليه وقت الظهور أو النمو أو الذي يتعرض للتلف خلال فترة نموه في الكل الذي يتكوّن من أعضاء يعتمد بعضها على بعض, فالسرعة السليمة والتتابع السوي كلاهما ضروري إذا أريد للكائن الإنساني أن يقوم بوظائفه قيامًا متناسقًا. "جابر عبد الحميد، 1977". ولقد اخترنا من نظريات النمو النفسي الاجتماعي نظريتان. الأولى: نظرية النمو النفسي الاجتماعي لإريك إريكسون. وهي النظرية التي بنيت علم مفاهيم التحليل النفسي وإعادة صياغة هذه المفاهيم في ضوء التاثيرات الاجتماعية والتغيرات الثقافية الحديثة. والثانية: نظرية نمو وتشكيل الهوية لجيمس مارشيا. والهوية هي المرحلة الخامسة من مراحل النمو النفسي الاجتماعي في نظرية إريكسون، ولكن مارشيا قام بتفصيل خصائص تشكيل الهوية وجوانبها وكيفية تقييمها. وفيما يلي تفصيل الحديث حول هاتين النظريتين.

أولا: نظرية النمو النفسي الاجتماعي "لإريك هـ. إريكسون"

أولًا: نظرية النمو النفسي الاجتماعي "لإريك هـ. إريكسون" مدخل ... أولًا: نظرية النمو النفسي الاجتماعي: "لإريك هـ. إريكسون" يعتبر إيك هـ. إريكسون erik h. drikson من أعظم المحللين النفسيين والدراسين للنمو النفسي في الأوساط الأمريكية المعاصرة. ولد عام 1902 لوالدين دانمركيين في فرانكفورت بألمانيا. انتقل إلى أمريكا وأصبح مواطنًا أمريكيًّا عام 1939. وكان قد عمل مدرسًا في مدرسة أمريكية للرعاية اليومية للأطفال في فيينا عام 1927, تلك المدرسة التي أنشأتها "أنا فرويد"، واستمتع بتبني حقيقي من قِبَلِ أنصار فرويد، ومنذ ذلك الحين بدأ يتلقَّى تدريبات في التحليل النفسي للأطفال على يد "أنا فرويد"، و"أوجست إيشهورن" في معهد فيينا للتحليل النفسي، كما تعرَّف شخصيًّا على سيجموند فرويد، ومارس تدريس التحليل النفسي نظريًّا وعمليًّا، عمل كزميل باحث في علم النفس بقسم الأمراض العصبية والنفسية في مدرسة الطب بجامعة هارفارد، ثم شغل وظيفة في قسم الأمراض النفسية بمعهد العلاقات الإنسانية ومدرسة ييل الطبية، واشترك في الفترة من39-1944 في الدراسة الطولية لتوجيه الطفل التي تعقدها جامعة كاليفورنيا, وعمل في السنوات الست التالية بتدريس التحليل النفسي في كلٍّ من معهد سان فرانسيسكو للتحليل النفسي, وجامعة كاليفورنيا, ومؤسسة ميننجر في توبيكا، كنساس، وفي عام 1951 انتقل للتدريس في معهد الصحة النفسية بجامعة بتسبرج ومعهد ماساتشوسيتس, ومنذ عام 1961 عمل إريكسون أستاذًا للنمو الإنساني في جامعة هارفارد, وقد نشر عديدًا من الكتب التي تحمل مذهبه ونظريته التي جعلته رجلًا من رجال هذا العصر, وقد بنى إريكسون نظريته بأحكام على نظرية فرويد في التحليل النفسي, وهو يصف أعمال فرويد بأنها الصخرة التي يقوم عليها كل تقدم في نظرية الشخصية. شكل ""55" أريك أريكسون

وفي كتاباته الأولى كان إريكسون يعتبر نفسه صاحب نظرية تقوم بتطبيق تعاليم فرويد، وفي الفترة الأخيرة صرَّح بأن "فرويد" لو كان حيًّا اليوم لأضاف لأعماله مستخدمًا المعارف المعاصرة في نظريته عن الطاقة الجنسية, ولذلك تختلف نظرية إريكسون عن النمط الفرويدي في تركيزها على ثلاثة مجالات كبرى: الأولى: إن إريكسون يؤكد على "الأنا" التي أشار إليها فرويد أكثر مما يركز على "الهو", لذلك: فإنه يعيد تشكيل مراحل فرويد العضوية؛ بحيث تفقد كثيرًا من مضمونها الجنسي الشبقي. الثانية: إن إريكسون يقدّم قالبًا جديدًا للفرد في علاقته بأبويه داخل إطار الأسرة، ثم تكوين الفرد الاجتماعي داخل إطار التراث التاريخي والثقافي للأسرة, وهذا يختلف عن مثلث "الطفل - الأم - الأب" في الواقع الفرويدي". الثالثة: إنه بينما كانت مهمة فرويد هي إثبات وجود اللاشعور وعمله، فإن إريكسون يركز على الحل الناجح لأزمات النمو، ويؤكد ضرورة الاهتمام بالإثارة النفسية الاجتماعية للنمو الإنساني. وعلى ذلك: فإن إريكسون يقدم توجيهًا جديدًا لنظرية التحليل النفسي, في محاولة لتفسير أكثر تفاؤلًا، وتطبيق أكثر اتساعًا للحياة اليومية, وهذه الأخيرة تجعلها أقرب إلى وضع الافتراضات وإجراء البحوث مما في نظرية فرويد. مفهوم إريكسون للنمو: يرى إريكسون أن النمو عملية مستمرة, كل مرحلة منها جزء متساوٍ من الاستمرارية، ذلك لأن كل مرحلة تجد سوابقها في المراحل السابقة، وتجد حلها النهائي في المراحل التالية لها، وفي كل مرحلة متتابعة إمكانية حلول جديدة لمسائل سابقة, وأنَّ الفرد ينمو إلى المرحلة التالية بمجرَّد أن يكون مستعدًا لذلك بيولوجيًّا ونفسيًّا واجتماعيًّا، واستعداده الشخصي يقابله الاستعداد المجتمعي. ولذللك يصف إريكسون ثماني مراحل متتابعة من مراحل النمو تقع المراحل الأربعة الأولى منه في دور الطفولة، وتشمل مراحل المهد والطفولة المبكرة،

والطفولة المتوسطة، والمتأخِّرة، وتقع المراحل الأربع الثانية في دور البلوغ, وتشمل المراهقة والرشد، ومنتصف العمر، والشيخوخة. وقد اعتبر إريكسون كل مرحلة أزمة رأسية تنتهي بحل نفسي اجتماعي فردي, وأزمة أفقية تتطلّب حلًّا مرضيًا على المستويين الفردي والاجتماعي لمشكلة القوى الدافعة. والمراحل الخمسة الأولى هي: 1- حاسة الثقة الأساسية. 2- حاسة الاستقلال الذاتي. 3- حاسة المبادأة. 4- حاسة الاجتهاد. 5- حاسة الهوية. أما مراحل ما بعد البلوغ الثلاث فهي: 6- حاسة الألفة. 7- حاسة الإنتاج. 8- حاسة التكامل. ويتعمَّد إريكسون أن يصف كل مرحلة بكلمة حاسة؛ لأن الفرد النامي يناضل في سبيل السيطرة على الحالة المرحلية، أو تحقيق "إحساس إيجابي بـ"أي صورة من الصور المرتبطة بحالته في هذه النقطة الخاصة على طريق النمو, أي: تحقيق إحساس إيجابي بالثقة أو الاستقلال أو المبادأة.. إلخ. وفيما يلي وصفًا لمراحل النمو عند إريكسون:

المرحلة الأولى

المرحلة الأولى: اكتساب حاسَّة الثقة الأساسية sence of trust vs, simstrust مع التغلُّب على حاسة الشك "لتحقيق الأمل": يرى إريكسون أنه بعد حياة نظامية رتيبة محوطة بالدفء والحماية داخل الرحم، يواجه الطفل مع الولادة في أول التقاء له بالعالم الخارجي، فيتكوّن لديه إحساس بالترقّب من خلال مزيج من الثقة والشك, وتصبح حاسَّة الثقة الأساسية لديه في مقابل حاسَّة الشك الأساسية, هي النقطة الحرجة في مرحلة نموه الأولى. وبالنسبة للوليد, فإن حاسَّة الثقة تتطلَّب شعورًا بالراحة الجسمية, والحد الأدنى من تجربة الخوف وعدم التاكد، فإذا ما توفَّر له ذلك, فإنه سيبسط ثقته إلى تجارب جديدة تساعده على النمو نفسيًّا، وعلى تقبل الخبرات الجديدة برضًا, ومن ناحية أخرى: تنشأ حاسَّة الشكِّ من الخبرات الجسمية والنفسية غير المرضية, وتؤدي إلى الخوف من توقُّع المواقف المستقبلية. وواجبات النموّ في هذه المرحلة: إن الواجب النمائي الأوّل والأساسي هو إرساء حاسَّة الثقة الأساسية، والذي يتفق مع فترة النضج السريع في مرحلة الطفولة المبكرة، وهي فترة يبلغ فيها معدَّل نمو الجسم درجة هائلة، ويكون الاهتمام الوحيد للتركيب الجسمي هو المحافظة على الوظائف العضوية, وهي: التنفس، والهضم، والأكل، والحركة. لذلك: فإن الخبرات العضوية توفّر الأساس لحالة من الثقة النفسية, وتصبح الأساسات العضوية هي الخبرة الاجتماعية الأولى التي تعمِّم في عقل الطفل, والتي تحدد طريقة المعاملة في هذه المرحلة, بمعنى: إنَّ الطفل يقابل المجتمع بفمه، وهو يتلقى الحب ويعطيه بفمه من خلال النموذج السلوكي الانضمامي، ومع ذلك فإنه لا طول مدة الاتصال الفمِّي ولا كمية الطعام ومقدار المص هي التي تحدد نوعية الخبرة، ولكن طبيعة الاتصالات الشخصية التي تنظم هذه الاتصالات الفمِّية والانضمام الفمي، أي: إن نوعية الراحة الجسمية والنفسية التي تولدها عملية الإطعام وانتهائها هي التي تحدد شعور الجسم الصغير نحو حياته الاجتماعية الأولى.

أما عن طبيعة العلاقات الاجتماعية في هذه المرحلة

أما عن طبيعة العلاقات الاجتماعية في هذه المرحلة: فإن الأم أو الشخص القائم برعاية الطفل هي التي تمثّل أولى الاتصالات الاجتماعية للطفل, وتبرز البيئة من خلال ثدي الأم أو الزجاجة البديلة مصدر الرضاعة الصناعية؛ حيث إن الحب وبهجة الاعتماد ينتقلان إليه عندما تضمه الأم إليها, فيشعر بدفئها المريح وابتسامتها العذبة، والطريقة التي تناجيه بها، كل هذا له أهميته البالغة في هذه المرحلة.

ويذكر أريكسون أن هذه المرحلة الفمية تنقسم إلى مرحلتين: -مرحلة فمية نفسية حسية: تتخذ فيها كل الاتصالات الاجتماعية نمطًا ضميًا تداخليًا.. ويها تتوقف الخبرة الانفعالية على تبادل الأخذ والعطاء، وما تتضمنه من درجات الاسترخاء والأمان التي تتصل بعمليات الإمساك والمص من خلال الشكل الفمي الانضمامي العملية المص الممتد الحلمة الثدي أو البديل المناسب -وبذلك يحاط الأطفال بابتسامات أمهاتهم ويجدون في دفء أجسامهن ملاذًا وراحة وحماية، ذلك الدفء الذي به أيضًا -عندما يلقون رعاية من الأم- بيخلصهم مما يحسون به من ضيق ناشئ عن برد أو بلل أو ملل أو جوع. وكلما نمت أجسامهم ازداد اعتمادهم على أنفسهم وازداد سرورهم بنمو حواسهم وتأزرهم الحركي- مصحوبًا هذا كله بتشجيع الأم ورعايتها. - والمرحلة الفمية الثانية: هي المرحلة السنية العضية -حيث يبلغ المنوال الانضمامي ذروته في الوقت الذي تظهر فيه أولى اأسنان، وهذا يصبح الإمساك تحت سيطرته الكاملة ... وفي هذه المرحلة الضمية الثانية تصبح الطريقة الاجتماعية في الإمساك مشابهة لعملية الشد إلى أسفل "العض" بالسن الجديدة.. وهنا يميل الطفل للاندماج الكلي وأن يحتفظ لنفسه بكل ما يحصل عليه أو يعطي له بعد أن علمته التجربة الآن وأن باستطاعته الاحتفاظ ببيئته من

خلال جهده الخاص -غير أن الإمساك والاحتفاظ عن طريق العض كثيرًا ما يسبب انسحاب الأم مما قد يشعر الطفل بالشك وعدم الثقة فيتولد لدى الطفل حثًا جديدًا للإمساك بحدة وبشكل أشد. وهكذا يتضح: أن الثقة عنصرًا هامًا في الشخصية السوية وأن هذا الإحساس يتكون في وقت مبكر ... وندلنا دراسات المضطربين انفعاليًا والاطفال الذين حرموا من العطف حرمانا بالغًا: على أن أخطر الأمراض النفسية تظهر عند الأشخاص الذين تعرضوا لإهمال بالغ أو حرمان من الحب في الطفولة.. وبالمثل يجد الباحثون النفسيون والاجتماعيون أن السيكوباتيين قد حرموا من الحب في طفولتهم لدرجة أنهم لم يجدوا ما يبرر ثقتهم بالجنس الإنساني وبالتالي أصبحوا لا يحسون بمسئولية تجاه زملائهم في الإنسانية. المرحلة الثانية: الشهر 12-أو 15 حتى نهاية السنة 3: انتساب حاسة الاستقلال الذاتي ومكافحة حاسة الشك والخجل "التحقق الإرادة" Sence of Autionomy vs. Shame& doubt: حتى يتأسس الإحساس بالثقة على نحو راسخ -يبدأ الطفل فيما بين الشهر الثاني عشر أو الخامس عشر حتى نهاية السة الثالثة في تاسيس المكون التالي للشخصية السليمة حيث تنصرف معظم طاقاته نحو تأكيد ذاته من حيث هو إنسان له عقل وإرادة خاصة به، ويتضح ولع الأطفال بالاستطلاع، ويصبح الطفل أقل اعتمادًا على الآخرين وأكثر استقلالًا بنفسه. والفهم في هذه السنوات هو إحساس الطفل بالإستقلال -أي إحساسه بأنه إنسان مستقل ومع ذلك فهو قادر على أن يستخدم مساعدة الآخرين وتوجيههم في المسائل الهامة. وبالنسبة لواجبات النمو في هذه المرحلة: فكما هو الحال في المرحلة السابقة: فإن هناك أساس فسيولوجي لهذا السلوك المتميز الواضح -فهذه قدرة نضج الجهاز العضلي، وما يترتب على هذه النضج من تأزر وتوافق عدد من انماط الحركة والفعل المتصارعة المختلفة: كالإمساك

بشيء وتركه، وكالمشي، والكلام، والقبض على الأشياء وتناولها بطرق معقدة, ويصاحب هذه القدرات وينشأ عنها حاجات أساسية تدفع الفرد لِأَنْ يستخدمها في الارتياد والكشف والإمساك بشيء, وإسقاطه والاحتفاظ والنَّبذ أو الهجر, ويصحب كل هذا إرادة مسيطرة هي "أنا أفضل" إرادة تتحدَّى في إصرار وباستمرار ما يقدّم له من عون. "شكل: 57". أما عن طبيعة العلاقات الاجتماعية: فلكي ينمي الطفل هذا الإحساس بالاعتماد على الذات والكفاءة التي نسميها استقلالًا، فمن الضروري أن يعيش الطفل المرَّة بعد الأخرى خبرة أنه شخص حر، يسمح له بأن يختار الطريق الذي يسلكه, فلا بُدَّ أن يكون له حق الاختيار بين الجلوس والوقوف، وبين التقدم والاقتراب من الزائر، أو الاستناد إلى ركبة أمه، بين تقبُّل الطعام المقدَّم إليه أو رفضه، وهل يستخدم إرادته، فما لا شك فيه أن الطفل نتيجة لأنَّ الأيدي والأقدام ما زالت ضعيفة في هذه المرحلة، فإنه سوف يواجه أشياء لا يمكن أن تصل إليها يداه، وعقبات لا يستطيع تسلقها أو التغلب عليها, وفوق كل شيء: هناك أوامر لا حصر لها يفرضها الراشدون الأقوياء عليه، وتبلغ خبرته من الضآلة حدًّا لا يمكن معه أن يعرف ما يستطيع وما لا يستطيع عمله في بيئته، وسوف يستغرق سنوات حتى يكتشف حدود ما هو مقبول وما هو ممنوع، وما يسمح به مما يصعب عليه فهمه في بداية الأمر.

ولذلك: فعلى الأم أن تحمي طفلها من الفوضى التي يمكن أن يتردَّى فيها نتيجة لإحساسه غير المدرب على التمييز والتفضيل، وينبغي على الراشدين أن يعضدوا الصغير ويؤيدوه في رغبته في القيام ببعض المهام التي يريد أداءها في محاولة الاستقلال بنفسه, حتى لا يسيطر عليه الخجل باعتبار أنه كشف نفسه في حمق مما يؤدي إلى الشك في قيمته الذاتية, وربما كانت أكثر القواعد البنَّاءة بالنسبة للأم أو الأب أن يحول بين الطفل وبين القيام بالأشياء الممنوعة، ويصرون على ذلك إصرارًا يولّد انفعالات الخجل والشك، وقد يؤدي إلى إصرار الطفل على أن يفعل ما يسره حين يكون بمنأى عن الرقابة. ويرى إريكسون أن مسألة تدريب الطفل على ضبط الإخراج تعتبر نموذجًا أساسيًّا لجميع مشكلات هذه المرحلة، فالعضلات القابضة عند الشرج ليست إلّا جزءًا من الجهاز العضلي, ولها خاصية أساسية لجميع مشكلات هذه المرحلة، فالعضلات القابضة عند الشرج ليست الأجزاء من الجهاز العضلي التي لها خاصية أساسية هي القبض والاسترخاء, ولذا يجب العناية بوقت التدريب، وشكله، وأسلوبه, فيما يتصل بهذه الوظيفة, فإذا كانت التربية الوالدية صارمة جامدة، وإذا بدأ التدريب في وقت مبكر جدًّا, فإن الطفل يفقد فرصة النمو باختياره، وفرصة تعلّم الضبط التدريجي للنوازع المتناقضة الخاصة بالاحتفاظ والإمساك والإبقاء من ناحية، والإسراف والإخراج من ناحية أخرى, وينبغي على الراشدين الذين يريدون توجيه الطفل النامي توجيهًا حكيمًا أن يتجنَّبوا إخجاله وتشكيكه في قيمته كشخص، وأن يسلكوا إزاءه في حزم وتسامح؛ بحيث يستطيع أن يتمتَّع بكونه شخصًا مستقلًّا له كيانه الذاتي.

المرحلة الثالثة

المرحلة الثالثة: اكتساب حاسَّة المبادأة مقابل التغلّب على الإحساس بالذنب: sence of intitiative us, guilt: الفترة الزمنية لهذه المرحلة: تسود هذه المرحلة النمائية حياة الطفل في العامين الرابع والخامس "فترة ما قبل المدرسة".

فبعد أن يتعلم الطفل بعض السيطرة على نفسه وعلى بيئته، ويبدأ في إظهار مهارته وقدراته، ويبتكر سلوكًا تفوق خباياه، وقدراته الشخصية فإنه يتطفل على أوساط الآخرين، ويجعل الآخرين ينخرطون في سلوكه الخاص به. أي أن سلوك الطفل بأخذ شكل المبادأة من جانبه والمشاركة بفاعلية في عالم مجتمعه ويجعله نشطًا قوي العزيمة للسيطرة "على بعض المهام فيقول بتحمل مسئولية نفسه وكذلك ما يضمه عالمه الخاص "لعبه، أدواته وحيواناته ... الخ". وبذلك فإن الطفل يرى بوضوح أنه قادر على أن يعمل أنواعًا معينة من الأشياء، وأن يلاحظ باهتمام بالغ ما يعمله الراشدون من حوله ويحاول أن يقلد سلوكهم ويرغب في أن يشارك في أنواع أنشطتهم. وإذا كانت هذه المرحلة هي مرحلة المبادأة: فإن الطفل في هذه المرحلة يتحرك نحو الأشياء ويسعى إليها، كما أنه في حديثه يفرض كلامه على محيطه -وهذا يجعله دائمًا يأخذ المبادرة ويبدو ذكيًا خلاقًا مكتشفًا سريع الاستطلاع مليئًا بالحيوية والنشاط والبهجة- الأمر الذي يجعله كثيرًا ما ينسى الفشل وستمر في المحاولة وهو في مبادرته هذه لا يمارس. إرادته لمجرد تأكيد وجودها ولكنه يمارسها لكي يستمتع بها ويستمتع بإيجابية تفاعله مع البيئة وسيطرته عليها. والنجاح في المبادأة يملأ الطفل بالزهو والثقة بالنفس، بينما يخلق الفشل لديه شعور بالذنب. مظاهر النمو العضوي الفسيولوجي والسلوكي: في هذه المرحلة يسيطر الطفل على المهارات الحركية كمهارات التوصل والأخذ والإمساك والسيطرة على مهارات المشي والجري والتسلق والقفز.. الخ. وهذا كله يمكنه من التحرك بمزيد من الحرية والمعرفة والنشاط في بيئته الأخذة في الاتساع باختصار فإن الطفل في هذه المرحلة قد أصبح قادرًا على التحكم في عضلاته ويستطيع أن يهتم بما سوف يفعله بهذا التحكم ... فبعد الوقوف والمشي ينتقل إلى مشكلة ما سيفعله بالوقوف والمشي ومن ثم فهو. لا يكتفي بالوقوف أو المشي ويسير إلى أماكن أخرى ونحو أهداف ومسافات متباعدة عن أمه -لذا فهو

يستخدم قدرته الجديدة لكي يصل إلى أماكن جديدة ليكشف العالم الخارجي المحيط به. ويتحسن مستوى استخدام اللغة عند الطفل: فهو الآن يطرح أسئلة يبدأ من خلالها في فهم الكثير من الأشرار القديمة والجديدة. أي لم تعد مشكلته محصورة في: هل ينطبق الكلام أو لا ينطقه لأنه سيعاقب عليه، ولكن ما الذي سيقوله بكلامه ومن ثم تجده فعالًا في كلامه ومناقشاته وتساؤلاته ويحاول أن يقحم نفسه في الحديث مع الآخرين. ومن ناحية التحكم في عمليات في الإخراج: لم يعد يخشى فقدان أجزاء من داخله "البور والبراز"، ولكنه أصبح يهتم بتماسك أجزاء جسمه وبنيانه ويستمتع بما داخله ثم يلقيها خارجه. كذلك يبدأ تكون "الأنا الأعلى" عند الطفل، فالطفل في هذه المرحلة يبدأ في الامتثال للتعليم وتوجيهات أبويه -فيجعل من نفسه أبا لنفسه وذلك بمراقبة نفسه في دور أبويه الحقيقيين.. أي أنه لم يبعد في هذه السن موجهًا بأنا من الخارج، لذلك يكون قد تأسس في داخله صوت يعلق على أفعاله ويحذره ويهدده ويوجه سلوكه. للكبار، ويصبح الشعور النامي للطفل مكونًا من الأنا الأعلى لأبوين وتراثهما الثقافي بما يشمله من سمات ومعايير المجتمع وتقاليده وثقافته الخاصة. علاقات الطفل الاجتماعية: 1- علاقة الطفل بأبويه: تتميز علاقة الطفل بأبويه في هذه المرحلة بمضاعفات أوديبية، ذلك أن إريكسون لا يشك في مسألة تعلق الطفل بلبيه من الجنس الآخر -بمعنى أن هذا المصارع يتضمن حقيقة أن الحب بيصل دائمًا إلى الشخص الذي يستحقه والذي له وجود فعلي في نفس الطفل. فالصبي يميل إلى القريب من أمه: باعتبارها أقرب موضوع للحب، وذلك لأنها هي التي هيأت له الراحة الدائمة، ويكون الأم كذلك مستعدة لقبول وتشجيع تعلق الطفل بها لأنها تتحسن أيضًا بذكورته كرجل ... ومع ذلك فإن الصبي يشعر بإعجابه بأبيه الذي يمثل رموز الذكورة المتمثلة فيه.

أما البنت: فإنها تميل أكثر لتوجيه رغبتها إلى الرجال كأهلٍ للثقة وأقربهم مثالًا لها, ومع ذلك فهي تستمر مع الأم التي ترمز لكلّ ما هو متجسِّد في صراعاتها نحو الأنوثة. 2- علاقة الطفل برفاق سنه: يشترك الطفل معظم الوقت مع أطفال من سنه, وهو يدخل دخولًا نشطًا في حياة الأطفال الآخرين, وبالتالي يواجه العديد من الخبرات التعليمية، ويشارك ويخوض التجارب التي تولّد لديه أفكارًا جديدة ومشاعر جديدة وأفعالًا صورية أو واقعية. وتتخذ مشاعر الطفل فيما يختص بعلاقاته برفاق سنه شكلين: الأول: السلوك بما هو متوقّع من أفراد جنسه. فالشكل الأساسي للبنت يتضمن البداءة التي تهيئها للتكيُّف المبكر للشكل الأمومي، أي أن لعب الفتاة يمثل رموزًا لإعداد نفسها لوظيفتها الأمومية المستقبلية، وتعكس طريقتها المستقبلة في الاتصالات وأنشطتها وعلاقاتها الاجتماعية، وتعكس السمات السلوكية للمرأة, وذلك بخلاف لعب الوالد. الثاني: بداية الشعور بعقدة الخصاء: يبدي الصبية والبنات اهتمامًا بالغًا بأعضاء التناسل للجنس الآخر، ويبدأون في إدراك الفروق, وخاصة في حالة عدم رؤية أعضاء ظاهرة لدى البنات، مما يؤدي إلى قلق غير محدد لدى الجنسين، ويتصوّر كلا الجنسين أن شيئًا ما قد حدث لأعضاء تناسل الأنثى، وأنَّ هذا الشيء يمكن أن يحدث لأعضاء تناسل الذكر، ويولد هذا الإحساس بالخوف وعدم الثقة, نتيجة لهذه الحالة التي لا يوجد لها تفسير عند الصغار. 3- علاقة الطفل بالراشدين: الشكل الأساسي لهذه العلاقة يتضمَّن الاقتحام والاندفاع في حياة الناس, ويعكس بمزيد من التأكد والرغبة الأساسية لدى الطفل في الفضول واستكشاف كل المجالات المجهولة, ومنازلة الناس, وبالمشاركة بالمواجهة المباشرة. ويظهر هذه الاقتحام في معالجة الطفل لأحداث حياته اليومية, وفي كلامه وأسئلته الكثيرة والملحة, وفي أنشطته وعلاقاته الاجتماعية. واجبات المربين في تنمية إحساس الطفل بالمبادأة: المشكلة التي ينبغي أن تعالج في هذه المرحلة من النمو, والتي ينبغي أن يراعيها المربون هي: كيف يعمل الطفل بإرادته, وكيف يختار لنفسه دون أن يتعرَّض للإحساس بالإثم. وإذا تَمَّ التغلب على هذه المشكلة, فإن النتيجة هي الإحساس بروح المبادأة. فمن السهل أن نرى كيف يعرقل الإحساس النامي بالمبادأة كثيرًا من المشروعات التي يحلم بها الطفل في هذا السن؛ لأنَّ الأباء والكبار الذين يحيطون به لا يسمحون له بالقيام بها؛ بحيث ينتهي الطفل إلى شعور دقيق مسيطر بأنه يواجه "لا" أينما توجَّه, فهو يريد أن يلعب، ويقفز، ويجري، ولكن أمه وغيرها من الكبار يقولون: "لا" لا تفعل ذلك، وهو يريد أن يفك لعبة لديه، ما الذي يجعلها تسير فيواجه بـ"لا", والنتيجة إحساسه بالذنب إذا ما خالف أوامر الكبار.

المرحلة الرابعة

المرحلة الرابعة: اكتساب حاسَّة الاجتهاد "الإنجاز" مقابل تجنّب الإحساس بالنقص sence of mastry vs, inferioritty: المدى الزمني لهذا المرحلة: تبدأ هذه المرحلة في حوالي السادسة من العمر, وتمتد لفترة خمس أو ست سنوات. ولقد أطلق إريكسون على هذه المرحلة حاسَّة "الاجتهاد"؛ لأن الطفل ننتيجة احتكاكه بتجارب جديدة كثيرة سرعان ما يدرك أنه في حاجة إلى أن يجد له مكانًا بين الأطفال الآخرين الذين هم في سنه. ولذلك فإنه يوجِّه كل طاقاته نحو معالجة المشاكل الاجتماعية المحيطة به, والتي يحاول أن يسيطر عليها بنجاح حتى لا يكون متخلفًا عن رفاق سنه أو أقل منهم, بل له مكان بارز بينهم.

كما يعتبر إريكسون هذه المرحلة مرحلة الاجتهاد مقابل الإحساس بالنقص؛ لأن الطفل يوجّه نشاطًا متزايدًا لتحديد مكانته بين رفاقه, فيبذل كل جهد ممكن في الإنتاج والعمل وسط رفاقه في المدرسة أو الفصل.. إلخ خوفًا من أن يصبح إنتاجه وعمله في مستوى أقل من مستوى عمل رفاقه وإنتاجهم، ويصبح الخوف من هذا المستوى الأقل في الجودة سببًا في خوفٍ مستمر يدفعه للعمل الأفضل, حتى لا ينظر إليه الكبار على أنه ما يزال طفلًا أو شخصًا غير كامل؛ لأن هذه النظرة الأخيرة تؤدي إلى إحساسه بالنقص. النمو العضوي: يبدو أن النمو الجسمي يبطئ في هذه المرحلة, وأنه يدعم ما سبق تحقيقه من نضج جسمي في المراحل السابقة، وفي نفس الوقت يهيئ إمكاناته للنضج الجسمي السريع الذي سيحدث في المرحلة التالية, بمعنى: إن النمو العضوي يعبِّر عن حالة من الكمون. العلاقات الاجتماعية: 1- علاقة الطفل بالأطفال الآخرين: يحاول الطفل التميّز عن أقرانه في كل شيء يحاوله, مثل: "إجاباته في الفصل، نشاطه الفني، لعبه ونشاطه في حصص التربية الرياضية ... إلخ", ومع ذلك فهو يريد التعاون, ويحتاج إلى المشاركة المستمرَّة مع الآخرين. ويعتمد لعب الطفل على المظهر الاجتماعي, ويميل الجنسان إلى الانفصال فيما يختص بعادات اللعب, وإن كانا في بعض الأحيان يتطرَّق كلٌّ منهما إلى عالم الآخر. ومن ناحية أخرى: يتخذ عالم الأقران موضعًا ذا أهمية خاصّة عند الطفل, فهم ضروريون لاحترام الذات، وهم يصلحون كمعيار لقياس مدى نجاح أو فشل الولد أو البنت، ومن بينهم يجد الطفل مصدرًا آخر لتحقيق الذات خارج الأسرة. ومن هنا كان لجماعات الأقران والرفاق أهمية خاصة وكبيرة في حياة الطفل.

2- علاقة الطفل بالوالدين: يكون الطفل في هذه السن قد تغلَّب ولو مؤقتًا على صراع القوة الأوديبي، وتبدأ علاقاته بالوالدين تتطور إلى مستوى واقعي من الاعتمادية في تلك الأوقات التي لا تزال الاعتمادية فيها ضرورية أو مرغوبًا فيها، في حين أن الطفل في أوقات أخرى يميل للتقرُّب من والديه وغيرهما من الكبار, لقد بدا بأنه لا بُدَّ له أخيرًا من الانفصال عن حياته الأسرية التي تعوَّد عليها. فالطفل الذي يريد أن يستمرَّ مع أمه متلعقًا بها, يكتشف أن الأم قد تتخلَّى عنه بعد أن وصل إلى سن المدرسة, وأصبحت تفضل زوجها كرفيق، وإزاء هذا الإحباط, فإن الطفل بواسطة صلحه مع أبيه يؤجل معركته معه إلى حين يكتسب خبراته ويصبح ندًّا له, فهو بواسطة التوحُّد معه, وجعله مثله الأعلى يتحبَّب له كما فعل أبوه وأمه, ومن ثَمَّ تكون اعتماديته على الوالدين اعتمادية واقعية, ويجد أن الانفصال عن الاعتمادية الأسرية أصبحت ضرورية.

3- العلاقة بالأخوة والأخوات: وفي هذه السن لم يعد الأخوة والأخوات منافسين للطفل، بل يصبحون ذوي دلالة إذا كانوا قريبين من نفس السن, وكانوا ضمن جماعة رفاق الطفل، أي: في نفس سنه أو سنهم قريبة من سنه. 4- علاقة الطفل بالكبار: وحيث إن الطفل يرى في والديه متمثلين للمجتمع الذي يجب عليه أن يعمل فيه, فإنه الآن يبدأ في قياسهما على ضوء غيرهما من ممثلي هذا المجتمع, ومن هنا يتَّخذ الطفل أصدقاء والديه ومعمليه وأبائه وأصدقائه أهمية جديدة لديه. ويبحث الصبية والبنات عن بالغين آخرين لتحقيق ذواتهم معهم؛ حيث إن الوالدين لم يعد باستطاعتهما تحقيق متطلبات الطفل من هذه الأوقات، وطالما ظلَّ الصبية والبنات خالين من الالتزامات الشخصية فإن باستطاعتهم أن يحوّلوا مُثُلهم ومعتقداتهم الشخصية إلى شخص أو إلى مجموعة من الكبار، وهم سيحققون ذاتيتهم بمظاهر الناس التي لها دلالة خاصَّة لديهم, دون اعتبارٍ للشخصية الكاملة وموقف الشخص. واجبات المربين لإرساء حاسَّة الاجتهاد والإنجاز: إن إحساس الطفل بالإنجاز وإجادة العمل وبأنه الأقوى أو الأحسن أو الأذكى أو الأسرع, هو النجاح الذي يسعى إليه. إن الطفل يدرأ الفشل بأي ثمن. وباكتساب حاسَّة الاجتهاد واتِّقاء الإحساس بالنقص, فإن الطفل يعمل جاهدًا على تحسين نفسه والأنصار على الناس وعلى الأشياء؛ ليأخذ مكانه بينهم. وإن دافعه للنجاح يتضمَّن إدراكًا بالتهديد الكامن في الفشل، وهذا الخوف الكامن يضطر الطفل لمضاعفة الجهد في العمل كي ينجح، ذلك لأنَّ أي إجراء ناقص, أو أي إهمالٍ سوف يقوده إلى الاقتراب من الإحساس بالنقص, وهو إحساس يجب أن يحاربه لكي يتقدَّم واثقًا في نفسه نحو اكتمال نموه. ففي المنزل: يجب أن تتاح كثير من الفرص التي يتمكَّن الطفل فيها أن يجد النجاح ويحس بقدرته على العمل والإنجاز, وأن يقوم بمحاولات قيمة ومفيدة لنموه السوي, ويجب ألّا يعطى أعمالًا فيها تعجيز له، أو أعمالًا تفوق مستوى قدراته، بل يعطى ما يمكن أن ينجزه، ثم يكون التدرج معه في مستوى الأعمال والخبرات؛ بحيث لا يتكرَّر فشله فيصبح لقمة سائغة للنقص. وفي المدرسة: من المهم للصحَّة الشخصية وسلامتها أن تدار المدراس إدارة حسنة، وأن تتيح طرق التدريس ومواد الدراسة لكلِّ تلميذ أن يشعر بالإنجاز الناجح والتحصيل المرضي، ويمكن أن يتمَّ ذلك من خلال مراعاة الفروق بين الأطفال في الفصل الواحد, حتى لا يشعر طفل بالفشل المستمر. فلقد تبيِّنَ من دراسة مشكلات الجانحين أنَّهم كرهوا المدرسة؛ لأن معلميهم كثيرًا ما كانوا يصفوهم بالغباء، ولأنَّهم لم يبلغوا من النجاح والصلاح ما بلغه الآخرون، بالإضافة إلى الإحساس بالإخفاق وعدم الشعور بالأمن, ولذلك فهم يستجيبون للشرود والسلوك الجانح بطريقة أهدأ، وبالتقبُّل السالب لدونيتهم وشعورهم بالنقص، وقد يكونوا قد تعرَّضوا لضرر نفسي أبلغ مما يظهره سلوكهم.

المرحلة الخامسة

المرحلة الخامسة: اكتساب الإحساس بالهوية مقابل التغلُّب على الإحساس بانتشار الهوية "الضياع" sence of identity vs. confusion: المدى الزمني للمرحلة: يسود الإحساس بالهوية حياة الفرد في فترة من أهم مراحل حياته, وهي مرحلة المراهقة "11-20سنة". اسم المرحلة: يتلو الكمون الشديد في المرحلة السابقة زوْبَعة النمو في هذه المرحلة, ولعلها أعنف ما يواجه الإنسان في مراحل تطوره ونموه، فالجسد يعود مرة أخرى ليقحم نفسه على الوجود من خلال نموه المفاجئ في الحجم والشكل، علاوةً على التغيُّرات الكيميائية "الهيرمونية"، مما يصيب الشاب بهزة في كيانه تجعله يفقد التعرُّف على نفسه, فيسأل في إلحاحٍ وبعمق: "من أنا"؟، وهنا تبرز مشكلة الهوية التي تكون جوهر الصراع في هذه المرحلة في حياة الإنسان. والمراهق في هذه المرحلة الانتقالية من عالم الطفولة إلى عالم الراشدين يتحدَّى طفولته في ثقة مطلقة بالذات، ويثور على عالم الكبار, ويرفع استقلالية

مسرفة في وجه التبعية والتسلطية, وهذا ما جعل إريكسون يسمِّي هذه المرحلة باسم مرحلة اكتساب "الإحساس بالهوية"؛ لأن الإحساس بالهوية يحمل معه السيطرة على مشاكل الطفولة, ويحمل استعدادًا أصليًّا للمواجهة مع تحديات عالم الكبار كندٍّ كامل. بمعنى أن اكتساب الإحساس بالهوية ضروري للمراهق لاتخاذ قرارات الكبار, مثل اختيار المهنة أو شريك الحياة. إن الهوية تتوقَّف على أن يجد المراهق نفسه جزءًا محسوسًا، والاعتماد عليه في كل كبير, وهذا ما يوضّح جهود المراهق نحو البحث عن مكان دائم. النمو العضوي: إن ما كان في بادئ الأمر في حالة كمون أصبح الآن في حالة تغيُّر سريع كما أوضحنا, ويؤدي النمو السريع والتغيُّرات الجسمية السريعة وغير المتناسقة, التي تفرض نفسها على حياة المراهق في شكل قفزات إلى الاضطرابات والقلق. كذلك فإن نضج الوظيفة الجنسية وتحوّل المراهق من كائن لا جنسي إلى كائن جنسي تجعله قادرًا على أن يحافظ على نوعه واستمرار سلالته، وتصبح الرغبة في إشباع الحاجة الجنسية باختيار شريك من الجنس الآخر، لم يعد بالإمكان إبعادها, على أساس أنها غير لائقة, ومع ذلك فإن الفرد يصبح أكثر تبصرًا؛ حيث لا يستطيع إشباع الدافع الجنسي إلّا بالطريقة التي حدَّدها عرف المجتمع وتقاليده، ولكن في بداية هذه المرحلة لا تزال الحالة الاقتصادية للمراهق غير كافية؛ حيث إنه ما يزال طالب علم, أو فرد لا تسمح ظروفه المادية بإعالة وتكوين أسرة، ومن هنا يكون القلق، والإصرار على تشكيل الهوية. صراع المراهق نحو تأكيد هويته: يشير إريكسون إلى أن كثيرًا من المراهقين يواجهون انتشارًا وتشتتًا مستمرًّا فيما يختص بقدراتهم الخاصة ومكانهم المنتظر داخل مجتمعهم, ولذلك يستمر تساؤل المراهق لنفسه ويشمل عددًا من الأسئلة: من أنا؟، وما دوري في المجتمع؟، وهل أنا ما زلت طفلًا أم أصبحت راشدًا؟، وإذا كنت قد وصلت إلى الرشد: فهل لدي ما يمكنني من أن أكون إنسانًا

له قيمة كزوج أو أب؟ وماذا لدي من قدرات ومكونات شخصية تمكنني من الكسب والعمل والنجاح؟ وهل أستطيع أن أثق بنفسي على الرغم من أن أصلي الاجتماعي أو مستواي الاقتصادي أقل من رفاقي؟ لِمَ أشعر بالدونية والنقص؟ وينظر إلي الأخرون على أنني أقل منهم؟.. إلخ. وينشغل المراهقون انشغالًا بالغًا بسبب هذه الأسئلة أو المشكلات الخاصَّة بذاتيتهم وهويتهم؛ فالمراهق في نظر نفسه لم يعد بعد الطفل الذي لا يباح له أن يتكلّم أو يسمع ويطيع فقط، بل هو الآن له مركزه في جماعته ومجتمعه، ويجب أن يشارك الآخرين بالعمل المنتج أو القول المفيد، ومن هنا تظهر رغبة المراهق في تأكيد هويته, وإظهارها في محاولاته لكسر أيّ قيود توضع على نشاطه, ومحاولاته المستمرة لتحقيق الاستقلال، ولذا فهو فخور بنفسه, يبالغ في أحاديثه وفي ألفاظه, وفي ذكر مستوى تحصيله وغرامياته, وفي العناية بمظهره الخارجي لجذب انتباه الناس إليه. وتظهر هوية المراهق بإحدى طريقتين: - فقد تظهر بطريقة إيجابية في مسئوليته نحو الجماعة التي ينتمي إليها, محاولًا أن يقوم ببعض الخدمات أو الإصلاحات بهدف النهوض بأفراد تلك الجماعة, نتيجة لعمله الإيجابي النافع الفعَّال. "شكل: 59".

- وقد ينحرف ويختار الهوية السالبة المضادة للمجتمع، وهو في محاولاته لاتخاذ الهوية السلبية إنما تكون هذه المحاولة يائسة، ولكنه يفعل ذلك لاستعادة بعض السيطرة على هويته, مفضلًا هذه الهوية السلبية، إنما تكون هذه المحاولاة يائسة, ولكنه يفعل ذلك لاستعادة بعض السيطرة على هويته, مفضلًا هذه الهوية السلبية من أن يظل معدوم الهوية. "شكل: 60". وكما يقول إريكسون: "إن شباب الهيبز يحسّون بأنفسهم خارج الحدود الاجتماعية الخاصَّة لمجتمعهم, وبدلًا من أن يجدوا أنفسهم خارج التاريخ والمجتمع، هم يرون أن الهوية السلبية أفضل من اللاهوية". و"هم بذلك يعبِّرون عن جهود تلك الأصوات التي لا تسمع، والوجوه التي لا وجه لها، في سبيل التغلب على عدم وجودهم. إنهم يريدون أن يسمعوا وأن يروا كجزء محسوس في مجتمعهم، ومن هنا كانت محاولاتهم السلبية اليائسة لإثبات ذاتهم وهويتهم ولفت الأنظار إليهم". واجبات المربِّين من أجل اكتساب المراهقين الإحساس بالهوية: حتى يتمكَّن المراهق من اكتساب الإحساس بالهوية ويتجنب الإحساس بانتشار وتشتت الهوية, فعلى المربِّين في المنزل والمدرسة أن يراعوا: استغلال ميول المراهق وقدراته في تنمية شخصيته, ومساعدته على شغل أوقات فراغه واستثمارها، والعمل على إتاحة الفرصة أمامه للمشاركة في خدمة المجتمع بما يشعره بقيمته عند خدمة الآخرين، ويألف ذلك مع نفسه ومع الآخرين من خلال احترام الآخرين لأرائه، ونتاج أفعاله، وتدريبه على القيام بأموره الهامَّة، وتنظيم خططه بنفسه، وتعبئته لرؤية الأخطاء على أنها خطوات إيجابية في سبيل الهدف, وليست عوائق تحول بينه وبين تحقيق غاياته. - أضف إلى ذلك أن يكون المربون على قدرٍ من المرونة في فهم المراهق ووجهات نظره وتجنب اتساع الفجوة بين جيل الآباء وجيل الأبناء، وفتح باب المناقشة والحديث بقلب مفتوح وعقل مستنير حول الموضوعات الهامة في حياته بدلًا من اتباع أسلوب الوعظ والإرشاد, وبذلك يتمكَّن المراهق من اكتساب الهوية الإيجابية التي تدفعه لخدمة نفسه ومجتمعه.

المرحلة السادسة

المرحلة السادسة: اكتساب حاسَّة الآلفة والتكامل مقابل تجنُّب الإحساس بالعزلة له: sence of intimacy vs. isolation: يبدأ الفرد حياته في هذه المرحلة كعنصر كامل في المجتمع. لقد حان الوقت لكي يستقرّ استقرارًا جادًّا للقيام بمهمة المشاركة الكاملة في مجتمعه. إن تحقيق النضج النفسي يتطلَّب نموًّا اجتماعيًّا نفسيًّا للزواج أو العمل بمهنة خاصة. ولقد أطلق إريكسون على هذه المرحلة اسم مرحلة الإحساس بالألفة؛ لأن النضج النفسي يتطلّب ألفة اجتماعية مع شريك الجنس الآخر؛ ليتمكن من اختيار شريك في العلاقات الزوجية باعتباره إنسانًا وكائنًا اجتماعيًّا، وتبلغ قوة النضج النفسي عندما يلتقي القرينان اللذان تكمل هوية كلاهما الأخرى في بعض النقاط الأساسية والتي تنضج بالزواج، ويكون اختيار شريك الحياة ممثلًا لنهاية كل التجارب السابقة مع الجنس الآخر، يجعل الفرد يتمثَّل فيه المثل الأعلى لكل التجارب السابقة، وبذلك يكون الفرد قد ساهم بدوره في المشاركة المجتمعية لإعداد الأساس للنموِّ السوي لذريته المرتقبة.

أمَّا عن تجنُّب الإحساس بالعزلة فإن إريكسون يشير إلى أزمة النمو التي تصيب الفرد في هذه المرحلة عند بقائه أعزبًا؛ إذ عليه أن يتغلَّب على الميل للبعد الاجتماعي, وهذه الأزمة تتبع بإحساسات من الفراغ الاجتماعي، وبأنَّ الفرد وحدة معزولة في وسط عالم يتكون من وحدات أسرية. وعلى هذا, فإن معركة الشباب في هذه المرحلة تدور حول تأكيد الذات والبحث عن الهوية بالانفصال عن أسرته, والشباب بانفصاله عن أسرته إنما يُمِهِّد لتكوين أسرة جديدة. وبدون هذا الانفصال لن يستطيع أن يحوِّل انتماءه إلى أسرته الجديدة، ويظل متعلقًا بالقديم، ولن يستطيع العطاء لزوجته وأبنائه, وإنما يتمسك بعلاقة الأخذ التي مَيَّزت انتماءه إلى أسرته الأصلية. "شكل:62". شكل "62" على الرغم من الزواج والاستقلالية يظل الفرد متمسكًا بعلاقة الأخذ والعطاء مع أسرته الأصلية. كما أنه في ممارسته لعمله أو مهنته في هذه المرحلة, إنما يحمل اختياره لهذا العمل أو المهنة أساسًا راسخًا من الاستعداد والتدريب الطويل الذي يستطيع في نهايته أن يعطي من زاد علمه وتخصصه بعد شبع أخذًا. بمعنى: إن هذه المرحلة تعتبر تتويجًا وتنفيذًا لما كان مؤجلًا في المرحلة السابقة، فتتحوّل مشكلة اختيار المهنة ورفيقة الحياة إلى الالتزام بممارسة هذا الاختيار وتنفيذه في مجال الواقع الاجتماعي، وهي بمثابة الانتقال من حالة الثورة إلى حالة الإنجاز والتطبيق، وتحوّل إلى حالة من التكيف النسبي مع الواقع. وهذه المرحلة لها علاقة بالمرحلة الثالثة "المبادرة الأوديبية", فالرجل والمرأة في هذه المرحلة إنما يعيد باختيار الرفيق في الزوجية ما كان يتمنَّاه في طفولته من استخواذٍ على "أمه أو أبيه" دون أيّ طرف ثالث، وهو أساسًا أبوه, فبالزواج يختار الرجل امرأة تكون له دون غيره, وتفضله عن أي طرف ثالث، ويقترب منها ويسعى نحو الالتحام الجسدي بها, فيحقَّق ما يتمنَّاه في طفولته مع أمه، ولكن هذه المرة يحدث في إطار واقعي وقابل للتطبيق, بعد أن أصبح المجتمع يبارك هذه العلاقة الزوجية ويعطيها صيغة القدسية والعلانية، وبفضل هذا التوافق مع المجتمع والقيم الدينية نجد العلاقة الجنسية تنطلق إلى مداها, ويكون هدفها الإنجاب والدخول في دور حياة جديدة لأسرة جديدة.

المرحلة السابعة

المرحلة السابعة: مرحلة اكتساب الإحساس بالإنتاج مقابل الإحساس بالانهماك. "الركود": sence of generativity vs, stagnation: إن تأسيس وحدة أسرية جديدة تقوم على الثقة المتبادلة والألفة تشمل إعداد منزل جديد للبدء بدورة جديدة للنمو؛ إذ من خلال الرباط الزواجي يصلح الفرد لضمان الرعاية والنمو للجيل الجديد الذي يثمر عنه الزواج. فبعد أن يمارس الإنسان اختياره في مجال "الحب والعمل"، فيتزوج ويرسِّخ أساس الاستقرار الأسري، ويختار العمل الذي يستطيع من خلاله من أن يحقِّق ذاته, ويصل إلى نقطة يسأل فيها، وماذا بعد؟

فالزواج المستقر يعطيه التأكيد أنه مرغوب فيه من آخر, مما يجعله مسئولًا عن تربية نشء في حاجة إليه، ونجاحه فيه يجعله واثقًا من أهميته في مجاله. وكلما كبر أبناءه قلَّت حاجتهم إليه، وكلما زادت إجادته لعمله ووصلت إلى ذروتها, لم يعد العمل يمثل تحديًا أو خلقًا أو تجديدًا. علاوة على أنه يكون غالبًا قد حصل على أقصى ما يسعى إليه من جزاء مادي أو أدبي من خلال عمله هذا, وهنا فإن الاهتمام بأمر الجيل التالي يشمل إحساسًا بالإنتاج في مقابل الإحساس بالركود، هذا الإحساس بالإنتاج يضمن للجيل التالي الآمال والفضائل والحكمة التي جمعها الأبوان، ويشمل إحساسًا بالأبوَّة لتدعيم إجراءات رعاية الأطفال وتربيتهم وتعليمهم. هذا الإحساس الوالدي يتضمَّن الرعاية السوية للأطفال, والرغبة في تحقيق الإشباع والراحة لهم، إنه القدرة على النظر للأطفال على أنَّهم أمانة في العنق وضعت في يد الفرد؛ للثقة في مقدرته على ذلك. ولكن بعد ذلك يبرز التحدي الذي يجعله يبحث عن الهدف الأوسع من دائرة الأسرة المحدَّدة، فهو يبحث عن الشيء الذي يستطيع أن ينجزه على مستوى أعلى من تغطية احتياجاته الأسرية, إنه يواجه مشكلة البحث عن القضايا التي تهمه؛ كالبحث عن أيديولوجية تعطي معنى لحياته، وكثيرًا ما يحتاج إلى الدين أو إلى الفلسفة مرة أخرى, كما أنَّ الدور الذي يبحث عنه في سن الأربعينات هو كيف يستطيع ممارسة العطاء للآخرين, وهو عطاء نابع من داخله, وليس مفروضًا عليه بحكم الواجب أو أي شكل من أشكال القهر، وهو لهذا أقرب ما يكون إلى عملية الخلق والإبداع، بمعنى: إخراج ما سبق أن أدخله, ولكن بصورة جديدة تحمل طابعة الخاص به.

المرحلة الثامنة

المرحلة الثامنة: اكتساب حاسَّة التكامل مقابل الإحساس باليأس: sence of integration vs. despair: إذا كانت المرحلة السابقة تُعَدُّ أطول مراحل العمر وأكثرها خصوبة وعطاء, فإن هذه المرحلة تمثّل نهاية المطاف؛ حيث تخبو بالتدريج طاقة الفرد وقدرته على الإنتاج، لكن الفرد يكون قد ضمن النمو الجديد، واكتسب رؤية أكمل لدورته, وحقق كل ما يصبوا إليه من ثقة وتكامل. مما يهيئ له حلًّا ناجحًا لإحساسه باليأس من عدم جدواه كإنسان منتج، ويتولّد عن هذا الاستقطاب إحساس الحكمة وتكوين فلسفة جديدة للحياة، وإن هذا الإحساس بالتكامل والشمول هو الذي يجعله لا يخاف الموت, ويتقبله على أنه نتيجة طبيعية لاستكمال دورة الحياة.

ثانيا: نظرية تشكيل الهوية "جيمس مارشيا"

ثانيا: نظرية تشكيل الهوية "جيمس مارشيا" مدخل ... ثانيًا: نظرية تشكيل الهوية: "جيمس مارشيا" بدأت دراسة هوية الأنا Ego identity كمحاولة لاختيار صدق المرحلة الخامسة لإريك إريكسون Erik Erikson "1959" التي تقع ضمن إطار نظريته الخاصَّة بالنمو النفسي الاجتماعي، تلك المرحلة هي مرحلة المراهقة. ولقد طوَّر جمس مارشيا james e. marcia مفهوم تشكيل الهوية كمحاولة لدراسة الشخصية في هذه المرحلة, بما يتيح القياس في جوهر نظرية إريكسون, وهو يرى أن هناك أربعة أشكال من الهوية تنشأ في فترات الذروة لنموِّ الشخصية، وهي أربعة أمزجة مختلفة في عملية تشكيل الهوى، تلك التي تتشكَّل في المراهقة المتأخرة بين 18-22سنة, ويتمّ تحديد هوية الفرد من خلال مقابلة شخصية يتغيِّر محتواها طبقًا لتغيُّر الظروف الاجتماعية التي يعايشها الفرد، كما أنها تتيح للباحث التنوُّع في الأسئلة تبعًا لما يخبره المراهق في المجتمعات المختلفة. ويتضمَّن محتوى المقابلة مجالات الاختيار المهني، المعتقدات الفكرية: الدينية، السياسية، والجنسية، والاتجاهات نحو الدور الجنسي. هذا المحتوى يعكس السمات المميزة للمراهقة المتأخِّرة بالتحديد، والتي يظهر أهم عناصر الهوية ومتغيراتها طبقًا لدرجة الاستكشاف للبدائل exploration of alternatives, ومدى الالتزام commitment بها, وتتركَّز أشكال الهوية الأبعة فيما يلي: 1- تحقق الهوية identity achievement: والتي تعبّر عن تكامل تطور ونمو الشخصية في هذه المرحلة، بما يعني: مرور الفرد بفترة استكشاف البدائل، وأنه استطاع أن يحقق نوعًا من الالتزام المحدد. 2- توقُّف الهوية أو التأجيل المسبَّق moratorium: وهي المرحلة السابقة على تحقق الهوية؛ حيث يكون الفرد في فترة الاستكشاف، مع غموض تكوّن الالتزام. 3- إعاقة تكوين الهوية أو الانغلاق foreclosure: وهي تشير إلى عدم قدرة الفرد ولو بدرجة ضئيلة على الاستكشاف، واستمراره في الالتزام بقيم ومعايير الطفولة.

4- تشتُّت الهوية identity diffusion: وهي أقلّ مستويات نمو الشخصية في تلك الفترة، وتشير إلى الشخص غير الملتزم بأيّ اتجاه محدَّد, سواء حدث له استكشاف للبدائل أم لا. ولقد قدَّم مارشيا معاييرًا لتقدير مراتب الهوية, قصد منها أن تستخدم مع أفراد المراهقة المتأخِّرة ما بين 18-22 سنة. ذلك أن العمليات المزدوجة في الاستكشاف والالتزام هي اعتبارات التقدير الأولية، وهذه المعايير تكاد تنطبق على هذه السن أكثر من انطباقها على المراهقة المبكِّرة والمتوسطة، وترجع أسباب ذلك إلى أنها ترتبط مباشرة بالنظرية النمائية في تشكيل الهوية؛ حيث ينظر إلى المراهقة المبكرة والمتوسطة على أنها تلك الفترة التي تتَّسم بأنها على نقيض ما قبلها من نموٍّ معرفي ونفسي واجتماعي وبدني في إطار ما قبل البلوغ، كذلك فإنه يُنْظَر إلى المراهقة المتوسطة على أنها مرحلة إعادة بناء وتنظيم المهارات القديمة والجديدة، في حين أنَّ المراهقة المتأخِّرة -فهي على النقيض من سابقتيها- تتميِّز بالثبات في مقومات الشخصية، ومن ثَمَّ فإنها تلك الفترة من دور الحياة التي تتحقَّق فيها الماهية والهوية -ولأول مرة- لدى معظم الأفراد. ولقد تَمَّ تطوير مراتب الهوية بهدف تصنيف الأشكال الأولية التي توجد في المراهقة المتأخرة لحل أزمة الهوية التي تحدث في هذه المرحلة, ولقد تَمَّ افتراض أنه في هذه الفترة من دورة الحياة, فإن المطالب الداخلية والخارجية يتحقق لها من التأكيد؛ بحيث تصبح واضحة ومؤدية إلى التشكيل الحادث في الهوية. ومن المتوقع أن يقوم الفرد بتقييم حاجاته وقدراته طبقًا لما يتيحه السياق الاجتماعي، هل يتمّ إشباع هذه الحاجات والمطالب؟ هل تتاح للفرد الفرصة لإظهار قدراته أم لا؟ وكيف يتم ذلك؟ فتبعًا لذلك تشكل الهوية الخاصة بالفرد, فإذا كانت عملية تشكيل الهوية تحتوي على قليل من القرارات الفردية، وإذا كانت الموجهات الوالدية تعمل ضد مسار الفرد, فإنها تقف كموانع لتشكيل الهوية، وهنالك يحدث إعاقة لتكوّنها "foreclosure", وإذا كان ثَمَّة شخص آخر على نفس درجة الالتزام يمكنه تقدير البدائل بما يتيح له حرية القرار وحل المشكلات بنفسه، فذلك يعني تحقق الهوية "achievement". وإذا تصادف وجود شخص كعائق لعملية صنع القرار،

فيوصف الموقف على أنه تجميد للنشاط "moratorum" وتوقف الهوية. فإذا لم يكن ثَمَّة اتجاه محدد أو التزام, فيسمَّى ذلك بانتشارٍ أو تشتت الهوية "identity - diffusion". ورب سائل يسأل: وكيف ندري ما إذا كانت الهوية قد تشكَّلت أم لا, حتى نسعى إلى تصنيفها؟ إن الإجابة عن هذا السؤال تدور حول المقابلة الشخصية التي تجرى مع الأفراد، والتي تتطلَّب التدريب، وصياغة محتوى الأسئلة، في وجود الشخص الصادق المخلص المحايد الذي يقوم بالمقابلة, الذي يستطيع أن يظهر الأفراد على حقيقتهم دون تكلُّف أو رياء، ويستطع أن يدفعهم إلى التحدُّث عن أدق تفاصيل حياتهم، لذا: فإن الباحث في الهوية يجب أن يكون متمتعًا بميزة استخدام ما يسمَّى "بالقدرة على عقد الصداقة مع الفرد" في أثناء إجراء المقابلة, وهناك ثلاثة أمور يجب أن تتوفَّر في الباحث خلال المقابلة هي: الاهتمام بالفرد واحترامه، والمهارات العلاجية، ثم الإلمام الدقيق بنظرية نموّ الشخصية، وتسجيل المعايير، ويضاف إليها اعتبار رابع وهو معرفة نظرية علم نفس النمو, وما يخشى منه هو المبالغة في التفسير، فالبحث في الهوية ليس تحليلًا نفسيًّا، ولكن الهدف هو جمع المعلومات الكافية عن الفرد لوضعه في تصنيف صالحٍ له ضمن الإطار العام للهوية.

كيف تتشكل الهوية

كيف تتشكل الهوية أولًا: استكشاف البدائل exploration of alternatives ... كيف تتشكَّل الهوية: يرى مارشيا أن هوية الأنا يتمّ تقييمها تبعًا لمدى وجود أو غياب عمليتين أساسيتين هما: الاستكشاف، والالتزام، ودرجة كل منهما -كما سبق أن أوضحنا. إن الميادين أو المجالات التي يعمل فيها هذين المتغيرين أقل أهمية من العملية الكامنة وراءها, وهناك افتراضان يتعلقَّان بهاتين العمليتين؛ الأول: يفترض أن الاستكشاف الحقيقي للبدائل الشخصية, والتي يتبعها اختيار الاتجاه العام لميول الفرد وقدراته, واتخاذ قرارات بشأنها, هو المؤثِّر الأساسي في تكوين الهوية. الافتراض الثاني: هو أنَّ البناء المتشكّل -كنتيجة لهذه العملية- يمكن تمثله تكيفيًّا لفترة محددة من الزمن, يصبح بعدها غير متوازن، ويلزم عنه فترة أخرى يتبعها الالتزام "التعايش". ومن ثَمَّ: فإن متغيرات الاستكشاف والالتزام يقصد منها تحقيق اكتمال تشكيل الهوية، أو تغيّر الهوية، أو إعادة تشكيلها, وفيما يلي نعرض لهاتين العمليتين: أولًا: استكشاف البدائل Exploration of alternatives الاستكشاف في المراهقة المتأخرة يمثل جانبين: أحدهما معرفي، والآخر سلوكي, وعلى الرغم من أنَّ الجانب المعرفي يمكن ملاحظته دائمًا في ظواهر سلوكية مثل: رغبة الفرد -مثلًا- في البحث عن بدائل لآرائه الدينية مثلًا من خلال استجلاء ما يؤمن به في مرحلة الطفولة, مع استمراره في ممارسته دون عائق، وقد يتوقّع المرء استكشافًا حقيقيًّا تصاحبه آثار مدمرة مثل: الانقطاع عن ممارسة الشعائر الدينية، وربما المنازعات مع الأسرة والأصدقاء.. إلخ. حتى وإن كان الاستكشاف معرفيًّا في البداية، فلا بُدَّ من أن يكون الفرد قادرًا على المناقشة بعمقٍ ما للبدائل الأخرى وتقييمها، وأن يكون قادرًا على أن يشير إلى أوجه النقص في أداء بعض الأفراد للشعائر الدينية الكائنة. وتبعًا لذلك: فإن بعض المعايير تستخدم لتقييم وجود أو غياب الاستكشاف، ودرجة كلّ منها, وتتم عملية الاستكشاف من خلال: 1- القدرة المعرفية: فمع المراهقة المتأخِّرة ينبغي على الفرد أن يقوم بعمل تقييم دقيق لحاجاته الشخصية، وقدراته، وأن تكون لديه صورة حقيقية واقعية عن الفرص الاجتماعية المتاحة، فمثلًا: طالب الجامعة الذي ألزم نفسه بدراسة القانون: يجب أن يدرك أن سنوات الدراسة في كلية الحقوق يجب أن تقضي بقاعات الدرس وليس بالمحكمة، وأن يدرك أيضًا أن كل المحامين ليس لديهم نفس الخبرات, وبالمثل: فإن الطالب الذي تخصَّص في دراسة علم النفس لا يجب أن يتوقّع أنه يستطيع أن يعلّق لافتة في العلاج النفسي بمجرد حصوله على الدرجة الجامعة الأولى في تخصص علم

النفس، ولكن ما على الفرد إلّا أن يسعى إلى ما وراء الفهم السطحيّ لمتطلبات أيّ مهنة علميًّا مع الدراسة، والإحاطة بما حوله من معارف العصر، وأنشطته ذات العلاقة بالمهنة, وعلى هذا: فإن من يقوم بالمقابلة الشخصية عليه أن يبحث عن البدائل التي يفكر فيها المفحوص, وما تصل بها من علاقات أو تناقض، حتى يصل إلى وضعه الذي يكون فيه. 2- النشاط: إن ما يقيمه الفرد وما يقوم به يمثِّل بصفة أساسية الخطوة الضرورية للحصول على المعلومات عن البدائل, فمعرفة رغبة الفرد في أن يكون طبيبًا للأسنان لمجرَّد أنها رغبة أحد الوالدين، أو الجزم بخصوص آراء الفرد عن الجنس, دون وجود علاقة ذات صلة بالنواحي الجنسية، كل هذه الأمثلة لا تشير إلى النشاط الاستكشافي، ولكن الحديث مع ممثلين لنطاقات مهنية عديدة، أو مناقشة وجهات النظر الدينية مع المتعصّبين لها، أو أولئك الذين يقرأون عن بدائل الدور الجنسي، كل ذلك يمثِّل نشاطًا استكشافيًّا. المهم هنا: هو الرغبة الذاتية في عمق البحث. 3- النظر في البديل الكامن لعناصر الهوية: فمعظم الأفراد -خلال نموهم في مرحلة الطفولة- يصبحون مدركين للجوانب المختلفة لأنفسهم، والتي إن تَمَّ تتبُّعها فسوف يؤدي كل جانت إلى اتجاهات مختلفة في الحياة, والمراهقة عمومًا: هي تلك الفترة في دورة الحياة -على الأقل بالنسبة لبعض الأفراد- التي تُعَدُّ هي المرحلة التي يكون التجريب فيها محتملًا، بل ومشجعًا أحيانًا. وليس معنى انتهاز الفرصة للتجريب هو الحصول على قدر قليل من الأمان مقابل ثمن فادح من تقييد الذات, ولذلك: فإنه بوصول الفرد إلى المراهقة المتأخِّرة يتضاءل شيئًا فشيئًا الوقت المتبقي لديه لمواجهة الحقائق القاسية المتعلقة بالرشد، ويصبح العالم أقل تحملًا لتجارب المراهق، وإمعان النظر النشط في البدائل, ولذلك نجد أنه إذا ما تحاور مراهق المرحلة المتأخّرة في سن 22، فإنه ينظر إلى الاعتبارات السابقة للنظر في البدائل والتجريب لأمور حياته المختلفة. وسواء نظر الفرد إلى الاعتبارات الحالية أو السابقة للبدائل، فإن القضية

الأساسية تكمن في جوهرية تلك الاعتبارات، فقد تكون البيئة الفكرية أو الاجتماعية للطفولة قد حجبتها أثناء سعي المراهق وراء البدائل، وقد يحاول البحث عن طرقٍ أخرى مخالفة لتلك البيئة؛ بحيث يمكن أن تتلاقى هذه البدائل مع ميول الفرد وقدراته, وسواء عاد الفرد إلى الاتجاهات الأصلية بما يتناسب وتشكيل الهوية أو لا، فإن الأكثر أهمية هو نتاج تقييم تلك المحاولات. 4- الرغبة في اتخاذ القرار المبكر: يمثل هذا الأمر منظرًا أو جانبًا هامًّا في عملية الاستكشاف في المراهقة المتأخِّرة، والهدف ليس هو الاستكشاف في حدّ ذاته كما يبدو الأمر في المرحلة الأول من المراهقة، أو حتَّى خلال أزمات النمو التالية لمرحلة الهوية في الرشد أو الرجولة، ولكن الهدف للاستكشاف في المراهقة المتأخِّرة هو تحديد الوضع الأفضل من الناحية الفكرية والمهنية، والبدائل الخاصة بالعلاقات الشخصية, والتي بموجبها يمكن أن يتَّجه الشباب نحو الرشد, فيتخذون قرارات إزاء الوصول إليه. ومن الملاحظ أن هناك نوعًا من الأفراد يتميزون بفترة من توقف النشاط "توقف الهوية"، يبدو أنَّهم يكونوا فيها قادرين على الإبقاء على التوتر المتعلّق بالصراع النشط أو الكفاح الفعّال، وخاصة بين البدائل الفكرية والعلاقات الشخصية، ورغم ذلك: فإن هذا الشخص يحتاج إلى بيئة أكثر دقة وتأييدًا "تشجيعًا", وقد نجد فردًا آخر يتوقَّع استكشافًا موجهًا انفعاليًّا، وليس مجرَّد البقاء في "محيط أحمق" fooling around" ومهمل. إن الفرد الأول يتميِّز بتوقف الهوية، والآخر يتميِّز بتشتت الهوية. والخلاصة: إن الاستكشاف قد لا يظهر سابقًا لأوانه أو لاحقًا في الزمن. وقد يتنوَّع النظر في البدائل عمقًا واتساعًا، والقضية تكمن في مدى الاستكشاف وأهميته في التمييز بين معوقات الهوية وتحققها.

ثانيا: الالتزام commitment

ثانيًا: الالتزام commitment يعد الالتزام من الأهمية بمكان في المراهقة المتأخِّرة أكثر من أي فترة آخرى سابقة، فقبل أن يغدو الفرد رجلًا راشدًا عليه أن يتمثَّل الدور والسلوكيات المصاحبة للرشد: فدخول هذا الدور، أو الاستعداد لمهنةٍ ما، واعتناق أو تبنِّي وجهة نظر متَّسعة عن الذات في العالم الذي يعيش فيه الفرد, وهي ما يطلق عليها "فلسفة الحياة"، وتقرير الفرد لعلاقاته الجنسية كراشد، كلها تتَّحد في تلك الفترة, ولا يمكن لفرد أن يدَّعي أن ذلك هو نهاية المطاف نحو الرشد؛ إذ أنَّ النضج مسألة أعقد مما هو تحت السطح، ولكن على المرء أن يبدأ من مكانٍ ما، وأن مجموعة الالتزامات المهنية والفكرية والعلاقات الشخصية للفرد في المراهقة المتأخِّرة هي مجرَّد نقطة بداية. ماذا نعنى بالالتزام إذن كما وصفه إريكسون drikson كخاصية نفسية اجتماعية مميزة لهذه المرحلة؟ يشير الالتزام بحقٍّ إلى: الاختيار المحدَّد بين الممكنات، والتثبّت في الاتجاه المختار في مواجهة بدائل جذَّابة ومميزة، وذلك لا يعني عدم التطرُّق إلى التغيير، ولكنَّه يعني الإحجام عن هجر طريق ممهَّد بسهولة. وفيما يلي بعض المعايير لتقيم مدى وجود أو غياب الالتزام، ودرجة كلٍّ منها: 1- القدرة المعرفية: من المعروف أنَّ المراهق الملتزم يعرف ما هو مقبل عليه، وهذه المعرفة تقوم على تأثير الفرد في نتائج السلوك المتَّسقة مع التزاماته, فقد لا يثق المرء في التزام الفرد الذي يعلن عن رغبته في دخول العمل التجاري، وهو لم يحصل على أيَّة دراسات تجارية، كما لم يلتحق بأيَّة مؤسسات اقتصادية. ولما كانت الرغبة في "جمع المال" لا تكفي لتبرير الالتزام، فقد وجب على الفرد أن يترجم الكيفية التي يحقق بها تلك الرغبة، وكذا السبب. فالقدرة المعرفية تتَّصل بالإعلام عن الالتزام عمليًّا, وقد يجد الفرد عادة صعوبة في التعبير بوضوحٍ عن شيءٍ ما لا يعرف عنه الكثير, أو لم يفكِّر فيه بعمق, وثَمَّة افتراض آخر: وهو أنه إذا كان الفرد يعرف ويفكّر في مجال معين, فإنه سوف يستطيع التحدث عنه في مقابلة شخصية تتصل بتحديد الهوية, فهل ثَمَّة ادَّعاء هنا بأنَّ هناك ارتباطًا بين تحقيق الهوية

والقدرة التعبيرية للفرد؟ في الواقع: الإجابة بنعم, وقد يكون لدى الفرد إعاقة للهوية بدون أن يكون قادرًا على التعبير عنها وعن تفاصيل تكونها، ورغم ذلك، فإن تحقّق الهوية يعني البحث بعمق في جوانب حياة الفرد؛ بحث يمكن التعبير عن نتائج هذا الفكر في إطار المقابلة الخاصّة بتحديد الهوية. 2- النشاط: لمعرفة النشاط الذي يكون الفرد مقبلًا عليه، لا بُدَّ وأن يكسب خبرات مناسبة. فثَمَّة ما يمكن أن يصفه الفرد في رأسه، لذا كان أحد جوانب الالتزام يتضمّن السلوك الكائن في نطاقات الالتزام المترابطة. فمثلًا: قد يؤدي الفرد أدوار الجنس Sex roles غير التقليدية، ولكن ما لم يحاول بالفعل أن يسلك بطرق غير تقليدية، فإن مثل هذا الالتزام يكون موضع شك. وبالمثل: فقد يدَّعي شخص ما ارتباطه بفلسفة سياسية ما, سواء كانت يمينية أو يسارية؛ بحيث تتطلَّب نوعًا ما من النشاط، ورغم ذلك إذا لم يظهر الدليل على وجود النشاط السياسي المباشر, فالالتزام هنا لا يُعْتَدُّ به. إن تقييم جانب النشاط في الالتزام يقوم على تمييز أساليب الفرد في تحولها إلى حقيقة، وكلما تأكَّد النشاط فإنه يمكن تصنيف الفرد في إحدى مراتب الهوية, وفي الغالب: فإنَّ كثيرًا من عمل الهوية يتم داخليًّا مع وجود القليل من العلامات الظاهرة. ومن المعلوم أنَّ قاعدة التقدير العامَّة تشير إلى أنه إذا كان معظم النشاط داخليًّا تقريبًا, فذلك يعني أن الفرد يتَّجه نحو توقُّف الهوية، فإذا ظهر ثَمَّة دليل خارجي على الاستكشاف والالتزام, فعنذئذ يتجه الفرد إلى تحقق الهوية، وإذا ظهرت مؤشرات سلوكية واضحة على الالتزام, وكان الاستكشاف موضع شك أو تساؤل, فيمكن عندئذ تحديد إعاقة الهوية كتصنيف. وبعبارة أخرى: إذا كانت الدلائل السلوكية هامَّة، فإن التعبير الجيِّد عن المعتقدات وما يجري في النفس يُعَدُّ دليلًا كافيًا ولو كبداية لعملية تحقق الهوية. 3- المزاج الانفعالي: هناك خمسة أمزجة مؤثرة وسائدة في تمييز الهوية هي: تأكيد الذات الصلب solid self - assuredness الخاصِّ بتحقق الهوية، مقارنة النفس الصلبة

inflexible self righteousness لإعاقة الهوية، والكفاح، والشدَّة، والسلوك القلق إلى حدٍّ ما الخاص بتوقّف الهوية، واللامبالاة الخفيفة المتعلِّقة بالانتشار الجنسي، والحزن والكآبة، أو النوع الطفيف من الانتشارات المنعزلة. وأيًّا من الخصائص السابقة "القدرة المعرفية، والالتزام" لا تشير بمفردها إلى وجود أو غياب، أو درجة الالتزام والمزاد الانفعالي, كذلك قد تبدو بعض مظاهر تحقق الهوية صلبة تمامًا، كما أنَّ بعض مظاهر توقُّف الهوية لا يعني المعاناة في الواقع، ولكن بصفة عامَّة، فإن وجود الالتزام يبدو أنه قد يحقّق نوعًا من التوازن في الثفة بالنفس، كما أن غايةً قد يؤدي إلى التشكك أو الاهتزاز في الثقة بالنفس إلى حدٍّ يبلغ الثرثرة أو الصمت المطبق. 4- التوحُّد بالشخصيات المتميزة: إن وجود نماذج الدور المتميز كالصور المثالية أقلّ أهمية في المراهقة المتأخِّرة عنه في المراهقة المبكرة؛ لأنه في هذه المرحلة الأنا المثالي ego ideal يكون قد حقَّق إطاره الرئيسي بالفعل. لذا: فإن الشخصيات المتميزة تلعب دورًا مباشرًا وواقعيًّا، في المراهقة المتأخرة مثل المعلمين، والمصلحين، والنماذج التي لها تأثير محتمل في القرارات المهنية أو الفكرية, وبعبارة أخرى: فإن ما يتركه الآخرون ذوي الأهمية في نفس المراهق في المرحلة المتأخِّرة، في الحقيقة هو أكثر أهميةً من هؤلاء الأشخاص أنفسهم أو ما يمثلونه بشكل مثالي، وكل ما يفعله المراهق لتحقيق هويته ينعكس في عدم رغبته في أن يكون محاكاةً للدور المثالي أو النموذج، وبالتالي تزيد قدرته على التمييز بين الجوانب الإيجابية والسلبية للأشخاص المتميزين، والعكس صحيح، أي: إنه إذا قلَّ جهد الفرد لتحقيق الهوية، زادت رغبته في أن يكون نسخة من الشخص موضع الإعجاب، أو ربما يعتريه اليأس من بلوغ هذا النموذج. وباختصار: فإن التوحُّد في مرحلة المراهقة المتأخِّرة يعبِّر عن نقطة مثالية تتعلّق بالتقييم الحقيقي للذات. 5- تقدير احتمالات مستقبل الفرد: كما سبق أن أشرنا: فإن التأكيد ينصبُّ على التقدير الحقيقي لمستقبل الفرد, فمن المعايير الافتراضية لنمو الهوية في المراهقة المبكرة هو "القدرة على

تفسير بدائل المستقبل" دون التأكيد على الجانب الواقعي لتلك البدائل "marcia, j., 1983"، ورغم ذلك: فإن الاستمرار في الاستكشاف الدقيق والالتزام الجادّ في المراهقة المتأخِّرة ينتج عنه شيء يشبه ما نسميه بالخطَّة الخمسية المتوازنة, ولذا: فإنَّ أحد جوانب المقابلة الخاصَّة بتقدير الهوية يُعَدُّ ذا حساسية خاصَّة لهذه المسألة المتعلّقة بأدوار الجنس sex roles؛ حيث يتعامل الفرد مع أسئلة خاصَّة بأسبقيات المهنة في مقابل الزواج career vs. marriage proirities وقيم تربية الأطفال childbearing, والتقسيم الزوجي للعمل spousal division of labor وعلى هذا، فإنَّ التقدير الحقيقي لاحتمالات المستقبل يتَّصل مباشرة بالالتزام. فالالتزام الجاد باتجاه معين يجب أن يؤدي إلى سلوك مطابق لهذا الاتجاه، ومع تراكم الخبرة تنشأ بعض الأفكار عمَّا هو محتمل وما غير ممكن، أما نقص الالتزام فيؤدي إلى الخبرة المبتورة أو المشوَّشة غير المكتملة. 6- مقاومة النفوذ والتسلط: ماذا يحدث إذا وجد شيئًا أفضل؟ يتساءل القائم بالمقابلة الشخصية، فيرد المفحوص: ماذا تقصد بشيء أفضل أو أحسن؟ وماذا يعني الأحسن في رأيك؟ وتتكرر هذه الاستفسارات غالبًا في المقابلات الشخصية المتعلِّقة بالهوية، ويتضارب مدى الإجابات ما بين قبول الدخول في أيِّ مجال, مثل: الرأي في أي عقيدة، التبصُّر في أي بدائل للعلاقة مع الجنس الآخر، إلى الإصرار المتصلّب على وظيفة واحدة، أو نظام اعتقاد ثابت، أو وضع واحد للمعايير في العلاقات مع الجنس الآخر.. إلخ وما بين التذبذب المرن في حالات انتشار الهوية، وإعاقة الهوية الصلبة "المعاندة" تقع حالات تحقق الهوية, وبجانبها حالات توقف الهوية المميزة. إن الاستجابة التي تشير إلى التشكيل المتقدِّم للهوية، لها في العادة ثلاثة جوانب هي: الاعتراف بإمكانية التغيُّر، ارتباط التغير المحتمل بقدرات الفرد، والفرص الاجتماعية المتاحة، ثم الإحجام عن التغيُّر إلّا تحت ضغط ظروف معتدلة, وكقاعدة: فإن المفحوص الذي يرتفع في مستوى الهوية يعبِّر عن بعض الشروط التي يحدث التغير بموجبها. وباختصار: فإن الالتزام يعد عنصرًا حسّاسًا لتكوين الهوية في المراهقة المتأخرة؛ لأن المشكلة عند المراهقين في هذه المرحلة ليست في الإجابة "بنعم" في اتجاهٍ ما، ولكن في الإجابة بـ"لا" في الاتجاهات الأخرى, وثَمَّة حكمة إيطالية مؤدَّاها: "إن ذلك الذي يهجر حياته القديمة إلى شيء جديد، فإنه يعرف ما يتركه ولكنه لا يعرف ما هو مقبل عليه، "وذلك ينطبق إلى حدٍّ ما على التزام المراهق؛ حيث نجد أن كثيرًا من حالات إعاقة الهوية foreclosures وتشتتها dirrusuions يمكن أن تميِّز "تحمُّل المراهقين لتلك العلل بدلًا من السعي إلى أمور أخرى لا يعرفون عنها الكثير. " ... ولأنَّ ذوي الهوية المعاقة يكونون ملتزمين فيبدو أنَّهم لا يمكن أن يشملهم التعليق السابق بطريقة مناسبة, ومهما يكن: فإن ذوي الهوية المعاقة لا يقومون بالتزام بعد ذلك أكثر مما يفعله ذوي الهوية المشتَّتة، ففي حالات إعاقة الهوية يجد المراهقون أنفسهم ملتزمين تقريبًا بسياق حركة متَّصلبة من الماضي إلى الحاضر.

قضايا تقدير الهوية

قضايا تقدير الهوية: صدق الاستكشاف: إن تقرير ما إذا كانت فترة الاستكشاف الأصيل تقع في مجال الهوية يُعَدُّ من أكثر قضايا التقدير صعوبة، وتزيد صعوبتها حين تبلغ طريقة المقابلة الشخصية قوتها في التعرف على الاستكشاف، بينما نجد أن مقاييس الاستبيان الموضوعية على النقيض من الضعف في تقرير هذه القضية, ولا تكمن المشكلة في عملية التقدير في حدِّ ذاتها، بل في إجراءات المقابلة الشخصية ذاتها، فقد تسمح المقابلة بالمرونة في الاختبار والفحص، وفي أحيانٍ كثيرة يلجأ الفاحص إلى التعمُّق في فحص الحالة، وأحيانًا يجري المقابلة بنوعٍ ما من الابتكارية في صياغة أسئلة. ولما كان من غير الممكن أن يقدِّر الفرد ما لم يكن مسجلًا على شريط، فإن على الباحث في الهوية أن يكون ملمًّا بشكل كافٍ بمعايير التقدير قبل بدء المقابلة، والتأكد من كفاية الأسئلة التي تكفل الحكم على صدق الاستكشاف الذي يقوم به المراهق.

وفي عملية تشكيل الهوية يمكن للفرد العودة إلى التزامٍ أَوْلَى محتملًا فترة من الاستكشاف، ومن ثَمَّ فإن وجود نفس محتوى الالتزام لدى الفرد في مرحلتي المراهقة المبكرة والمتأخِّرة ليست دليلًا على إعاقة الهوية، كما أنَّ التغيُّر في محتوى الالتزام لا يُعَدُّ دليلًا أيضًا على تحقق الهوية، فالمهم في الحالة الأولى أن البدائل قد أخذت بعين الاعتبار بفاعلية، ولا بُدَّ من وجود دليل على انتقال السلوك من الاتجاه الأساسي "الأولى" قبل العودة إليه، أمَّا في الحالة الثانية فعلى المرء أن يتأكَّد من أنَّ محتوى الالتزام المتغيِّر ليس مرتدًّا على أساس تغيُّر في مرحلة الطفولة. فمثلًا: الارتداد عن اعتناق وجهة نظر الرأسمالية السياسية "التي يشجعها الآباء" إلى وضع اشتراكي عنيف دونما اعتبار كبير للبدائل, فلا يعني ذلك استكشافًا كافيًا، ومع ذلك: فإذا تَمَّ التخلِّي عن الماركسية مؤقتًا، فإنَّ بعض خبرات الحياة يمكن أن تتدخل، ويعكس الفرد التناقضات بين خبراته، ومعتقداته السابقة، وبعد ذلك يصل إلى وضع اشتراكي، فهنا تشير معايير التقدير إلى تحقيق الهوية. الفروق بين الجنسين في الالتزام: تبدي الإناث عمومًا وجهات نظر متباينة عن الذكور؛ إذ يبدو أنَّه ليس ثَمَّة فروقًا بين الجنسين تقريبًا في المسائل المهنية، وتتفوّق الإناث على الذكور قليلًا في قضايا الدين، وبالعكس يتفوّق الذكور قليلًا في القضايا السياسية، ويميلون أيضًا إلى أن يتبنَّوْا اتجاهًا ثابتًا جدًّا ومتتابعًا في قضايا الهوية معظم الوقت، في حين أنَّ الإناث يأخذن في الحسبان كل العناصر ليشكِّلْنَ كلًّا منسجمًا، ومن ثَمَّ فإن نسق الالتزام لدى الذكور غالبًا ما يتميز باتجاهٍ داخليٍّ فرديٍّ intra - individual مشتت "مبعثر" بين نواحي الهوية، في حين أن نسق الالتزام لدى الإناث غالبًا ما يتميز بتجريب الالتزام بين كل النواحي, ومع التسليم بقبول تلك الفروق وأخذها في الاعتبار، فعلى الباحث في الهوية أن يكون متشددًا في تقدير الاستكشاف؛ حيث إن هذه العملية يمكن أن تستغرق نحو سبع سنوات سابقة في حياة المراهق، في حين يجب أن يكون أيّ باحث متساهلًا إلى حدٍّ ما في تقدير الالتزام الذي يُعَدُّ الوافد الجديد على مسرح تكوين الهوية وتشكُّلها.

تقدير الحالات المتنوّعة لمراتب الهوية: قليل جدًّا من الأفراد يكونون في نفس مرتبة الهوية عَبْرَ كل المجالات الخمسة التي تتضمَّنها المقابلة الشخصية "المهنة، المعتقدات الدينية، العلاقات الشخصية، المعتقدات السياسية، المجال الجنسي"، بينما يظهر أغلبية المراهقين نفس الحالة الرتبة من حالات الهوية في ثلاث مجالات فقط، وهذا ما يجعل من غالبية القرارات عن حالات الهوية غير ذات مشكلة, ولما كان ليس ثَمَّة قواعد تقدير محدَّدة للتعرف على الحالة الكلية للهوية التي تعطي التقسيم "2-2-1" موزعًا على النحو التالي: "2" لتحقيق الهوية, "2" لتوقف الهوية, "1" لانتشار الهوية, ولذلك: فإنه يمكن أن يعتمد الفرد هنا على النغمة الكلية للمقابلة, أو يشم رائحة حالة الهوية من سياقها, ورغم ذلك فثَمَّة طريقة للتقدير تحقِّق معلومات إضافية تستخدم مؤشرًا مساعدًا لإظهار حالة الهوية في كل مجال من مجالات المقابلة تقريبًا. فإن الأفراد يكونون في نفس رتبة هوية معينة عبر كل المجالات الخمسة التي تتضمنها المقابلة؛ إذ يظهر كثير من المراهقين نفس الرتبة في ثلاث مجالات فقط، فمثلًا: نجد أنَّ رتبة الهوية داخل كل مجال يمكن ألَّا تكون نقية تمامًا، لذا يمكن الحكم بأن فردًا ما مشتتًا في مجالٍ ما -وليكن الدين مثلًا- ولكن هناك احتمالًا أيضًا لوجود توقف الهوية. ولقد أعدَّ مارشيا معايير تقدير تعتمد على النغمة الكلية لأسلوب حياة الفرد واستجاباته, ولذلك فإن ثَمَّةَ طريقة يتم بها تحقيق معلومات إضافية تستخدم كمؤشر لإظهار رتبة الهوية في كل مجال من مجالات المقابلة, وتتلخص فيما يلي: 1- يتم في البداية تجزئة وتحليل مادة الاستجابة في صورة آراء منفصلة, يقوم القائم بالتقدير بالمطابقة بينها وبين الإجابة الواردة في دليل ومحكَّات تقدير مراتب الهوية. 2- يتم بعد ذلك اختبار أكثر الرتب تكرارًا في استجابات المفحوص؛ لتكون هي أسلوبه في مواجهة أزمة الهوية في هذا المجال أو ذاك.

3- ثم يتمّ إجراء تقدير كلي لرتبة الهوية؛ بحيث إذا تكررت نفس الرتبة في مكونين أو أكثر من مكونات المقابلة, يعتبر المفحوص في هذه الرتبة. هذا، ويرمز لمراتب الهوية في التقدير بالرموز الآتية: "ت" أو "A" لرتبة تحقق الهوية. "ق" أو "M" لتوقف الهوية. "ع" أو "F" لإعاقة الهوية. "ش" أو "D" لتشتت الهوية. فعلى سبيل المثال تقدَّر الحالة على أنها تحقق الهوية "ت" إذا كان التحقق هو الاحتمال الأكثر قوةً ووضوحًا، وتقدَّر الحالة على أنها "ع" إذا كانت إعاقة الهوية هي الاحتمال الأكثر قوة. وإضافة "ت" مع "ع" ينتج عنه "ت"، "ع", فإذا كان تحقُّق الهوية هو البديل الضعيف, فإن الحالة تقدَّر بالرمز ع "ت"، وبالعكس إذا كان المقدَّر متأكدًا من أن الحالة أكثر ميلًا إلى تحقق الهوية, تقدَّر بالرمز ت "ع". أما إذا كانت الحالة واضحة جلية في أنها أكثر ميلًا إلى إعاقة الهوية في أكثر من مجالٍ, فيكون التقدير بالرمز "ع" فقط، وإذا وجدت كل رتب الهوية لدى مفحوص معيِّن، فإن الحالة تقدم أيضًا على أنها "ع".

مجالات: ومعايير تقدير الهوية

مجالات ومعايير تقدير الهوية: أولًا: المجال المهني: سواء كان المراهق طالبًا جامعيًّا أو دخل مجال العمل، فإن ما نسعى إليه هو التعرُّف على التداخل "التشابك" النفس/ اجتماعي بين قدرات الفرد وحاجاته من جهة, ومطالب المجتمع وجزاءاته من جهة أخرى. فمن المتوقَّع أن يقيم قدراته وميوله، وأن يكشف عن الفرص الاجتماعية، وأن يحدّد اتجاهًا ملتزمًا يتصرَّف بمقتضاه، هذا الالتزام قد يتَّخذ صورًا شتَّى, منها ما هو عائلي "يتعلق بالأعمال المنزلية، وتربية الأطفال" أو مهني "سباك، سمكري، سكرتير"، أو تعليمي "تلمذة صناعية أو تدريب مهني، تخصص جامعي".. إلخ. هذه الصور قد تتداخل وتترابط معًا، ولكن الأهمَّ هو ما ينجزه الفرد، أي: ما يحوله من "طفل" متلقي في مرحلة تفتُّح، إلى "راشد" منتج، وما يصاحب ذلك من سلوكيات وانعكاس ذاتي بما يتمشَّى مع أسلوب الحياة. وهناك مشكلة تتعلَّق بالمجال المهني كمعيار لتكوّن الهوية، فقد تعمل الظروف الاجتماعية بدرجة شديدة أحيانًا، على تحديد اختيار البدائل التعليمية والمهنية، ففي الظروف الاقتصادية الصعبة يصبح مجرَّد الحصول على وظيفة -كمهنة- "أي مهنة" شيئًا هامًّا، وبالتالي يصبح الاستكشاف والالتزام نوعًا من الرفاهية, وإذا لم يتوفَّر التنوُّع في نطاق المقابلة الشخصية "كالأيديولوجية السياسية في حكومة مستبدة محتكرة مثلًا" تجعل هذه الناحية تفقد معناها كمؤشر على تحقق الهوية, وليس كمؤشر على الهوية بمقوماتها. إن تحقق الهوية أو بناءها يستلزم وجود الاختبار في مجالات الحياة المختلفة، وإذا لم توجد هذه الاختيارات في داخل مجتمع معين، أو إذا كانت ناحية منها ضعيفة، فإن نموذج الهوية السائد في هذا المجتمع يصبح في أحسن الظروف هو إعاقة الهوية، وفي أسوأ الظروف هو تشتت الهوية. وثَمَّةَ قضية أخرى أثيرت عن المجال المهني -وقد تثار مرة أخرى, وهي: هل احتمال الالتزام الفكري يعوق "يمنع" الالتزام المهني؟ والواقع يشير

إلى أنه في أثناء حرب فيتنام أصبح كثير من الشباب في الولايات المتحدة ملتزمين بأيدولوجية من عدم المشاركة في ثقافة الراشدين، فقد كان جزء من هذه الأيديولوجية هو أنه: لكي يشغل الفرد مكانًا مهنيًّا لائقًا في المجتمع, عليه أن يقدِّم تأييدًا لسياسة الاستيطان الذي كان يتمّ بطريقة لا أخلاقية. لذلك: فإن أي مهنة كما تحدد نموذجًا يمكن أن تكون مقبولة, لذا فإنَّ مثل هؤلاء الأفراد كانوا يسمون ذوي الإنجازات المغترب alienated achievement؛ إذ يحدث تحقق الهوية اصطلاحيًّا. فالنقطة العامة هنا: هي أنَّ المقصود بالهوية على المستوى النظري تمثل عملية ذات طبيعة تركيبية كلية gestalt - like, وأن المجالات المختلفة منها يمكن أن تقدر كلٌّ على حدة مستقبل بعضها عن بعض. وقد نتحدث هنا عن الهوية المهنية، ولكن هوية الأنا التي فضَّلها مارشيا فإنها تشير إلى كل منظم، قليلًا أو كثيرًا، مما يلزم القائمين بالمقابلة بأن يكونوا منتبهين للموضوعات المتكاملة التي تجري أثناء الحديث عن المجالات المنفردة التي تشكّل هوية الفرد. فمثلًا: هناك بعض المهن التي لا يمكن للماركسي أن يختارها قانونًا، وهناك بعض المعتقدات عن أدوار الجنس، وعن الجوانب الجنسية التي لا يجوز أن يسعى إليها الشخص المتعصّب "المتشدد"، ورغم ذلك: فكلا الشخصين يمكنه أن يحقق هويته, ومن المفيد بعد تقدير المجالات التي تتضمَّنتها المقابلة منفصلة أن تنعكس جميعًا على الفرد ككل بعد الاستماع إليه, ومحاولة استخلاص من بين رتب الهوية ما يتمشَّى مع نسيج هويته, أو المزاج الخاص به. وفيما يلي نعرض لرتب الهوية في المجال المهني: أ- تشتت الهوية: identity diffusion: هناك ثلاثة أنواع من الانتشار "التشتت" في المجال المهني: أولها: ما يسمَّى بالنوع الانتهازي opportunist: وهو الذي يقفز على كل ما يجده مربحًا بلا عناء في هذه اللحظة "اللي تغلب به إلعبيه"، فالحماس يخبو سريعًا، وسرعان ما ينكشف الالتزام في المقابلة بسهولة على يد القائم بإجراء تلك المقابلة, الفطن المدقق الذي يمكن أن يقترح بعض الاتجاهات المهنية الجذابة عالية العائد والإنجاز الأكثر سهولة.

والنوع الثاني: من التشتت المهني هو المنساق "الهوائي" drifing: وهو الذي ينتظر أن يختار له بعض المهن لا أن يسعى هو إليها, مثل هذا الفرد يميل إلى أن يسعى وراء العائد السريع، ويتميِّز بضعف الإيمان "وربما يلفُّه اليأس" من حدوث شيء ما أو أن شيئًا ما سيصادفه. أما النوع الثالث للتشتت في المهنة: فيعكس نوعًا ما من القلق والاضطراب النفسي بدرجة ما، فالاختبار المهني يقوم على خيال وجنون العظمة، ولا يتطابق مع واقع استعدادات الفرد المهنية وإنجازاته؛ كشغف الفرد في أن يصبح أخصائيًّا نفسيًّا إكلينيكيًّا في عيادة خاصة, بعد أن يحصل على تقدير ضعيف في دراسته في علم النفس مثلًا, أو شغف فتاة أن تكون مشهورة في ممارسة الباليه في سن 21 سنة, مثل هذين المثلين يدلان على هذا النوع من الخيال المريض. كل هذه الأنواع من الانتشار "التشتت" تشترك جميعًا في انعدام أو نقص الالتزام، أو على الأقل نقص الالتزام الواقعي "الحقيقي" الذي يؤدِّي إلى التوظيف المناسب وسلوكياته، حتَّى وإن كان الأفراد قد مروا بفترة الاستكشاف فعادة ما تكون وجيزة واصطناعية. ب- إعاقة الهوية: تعد إعاقة الهوية ذات أثر أكيد في التوجيه المهني للفرد، وتعد عنصرًا هامًّا في هويته لعدة سنوات. فعادة يكون هناك أثر فعَّال ومحسوس disecernible للوالدين أو أي سلطة أخرى في حدوث ذلك، وحتَّى إذا لم يتمكَّن الفرد من تحديد اتجاه ثابت، أو إذا تَمَّ تحديد الوضع المهني مبكرًا ولم ينظر في البدائل, فإن إعاقة الهوية تصبح هي الوصف المناسب للفرد. والافتراض بأن أي قرار مهني خلال المراهقة المتأخِّرة قد تأثَّر بالكبار أو بقي ولم يعدَّل خلال هذه المرحلة، فذلك يعني أن عملية بناء الهوية لم تتم أو تحدث1. ج- توقف الهوية: moratorium: تتداخل فترات توقف الهوية في عملية الاستكشاف، ويميل الأفراد فيها نحو عديد من التعبيرات اللفظية التي تعكس ذلك, وعلى الرغم من ذلك فإن فترات توقف الهوية وبصفة خاصَّة في المراهقة المتأخرة لا تشمل الخريطة المهنية ككل في العادة، بل إنَّ توقف الهوية يجعل الأفراد يميلون إلى أن يكونوا متلزمين داخل مجال عام، كما أنهم لا يكافحون بشدة أو بشكل مكثَّف، وأحيانًا يمكن أن ينظروا ببساطة في بدائل معقولة حتى يتمَّ الوصول إلى القرار، ورغم ذلك: فإن وصف الأفراد بأنَّهم في حالة توقف الهوية، لا بُدَّ أن يظهروا أنهم مهتمون، وأن يكون لديهم بدائل استكشافية فعالة, بهدف الوصول إلى التزام مهني. د- تحقق الهوية: identity achivement: الأفراد المتَّصفون بتحقق الهوية يتميِّزون بالاستكشاف الجاد، على الأقل للبحث عن البديل الحي الأوحد للمهنة التي يقع عليها اختيارهم, بما يجعلهم يفكرون في ذواتهم كشيء "مدرس، أو مهندس ... مثلًا"، فهم تقريبًا لا يسيرون في اتجاه مجالٍ ما فحسب، ولكن اختيارهم المهني يمثل جزءًا من هويتهم, والتعريف بذاتهم، فهم يؤكدون كثيرًا على كينونتهم وليس على ما سيفعلونه. وكقاعدة: فإن ذلك يظهر -عمومًا- من نظرتهم لمجال مهنهم على أنه عمل بالفعل أو خبرة تطوعية باختيارهم.

_ 1 إعاقة الهوية في المجال المهني لا تعني أن الفرد يكون بالضرورة أقل كفاءة في هذه المهنة من الذي اختار بنفسه تلك المهنة، فذلك يصدق فقط في مجال الفنون.

ثانيا: مجال المعتقدات الدينية

ثانيًا: مجال المعتقدات الدينية: لا تعد الآراء الدينية أو السياسية من القضايا الأساسية في المقابلة الشخصية، ولكن اختيار مارشيا لهذين المجالين في تقدير هوية الفرد؛ لأنهما -على الأرجح- من أكثر المجالات التي تمدنا بتقدير لأيديولوجيته "أفكاره ومعتقداته". فأحد افتراضات نظرية النمو النفسي الاجتماعي -كما أوضحها إريكسون- يقوم على أنَّ الفرد في أثناء تحرُّكه من شخص "متلقي" عام في مرحلة الطفولة، وتحوله إلى "معطي" عام في الرشد، فإنه في أثناء هذا التحرُّك النمائي يحدث تغيُّر في النسق الفكري لديه. فالمعتقدات الدينية والسياسية التي تتشكَّل في الطفولة من المفترض

أنها لا تعمل -تقريبًا- إلّا في نطاقٍ ضيق في مرحلة الرشد, وحتَّى في المجتمعات البدائية فإنها تمد الفرد بطقوس rites عن الطرق التي تعمل على تحديد هويته الأولى المفروضة عليه "المكلف بها" وتؤكدها. وقد يتكوَّن لدى الفرد أيديولوجية لا تشمل على أيّ معتقدات دينية، ورغم ذلك فإن هذه الأيديولوجية لا بُدَّ وأن تأخذ في الحسبان وجود قضايا دينية مثل: وجود الله، ومعايير القضايا الأخلاقية.. إلخ, وعلى هذا: فإن التساؤلات عن المعقتدات الدينية هي مدخل سهل للعالم الأيديولوجي للفرد، وتؤخذ الاستجابات ذات المغزى الفكري عن قضايا الدين كدليل على البناء الأيديولوجي والفكري المصاحب لتشكيل الهوية، ورغم ذلك: فإن وجود الدين من عدمه لا يمثّل معيارًا في ذلك. وهنا في -هذا المجال- كما هو الحال في المجالات التالية من مجالات تقدير الهوية, فإن محتوى المعتقدات الدينية ليس مناسبًا لتحديد رتب الهوية، فمهما يكن لدى الفرد معتقد ديني أم لا، أو ما يحتويه هذا الاعتقاد الديني, فإن ذلك ليس مناسبًا للحكم على رتب الهوية، فالذي يميز مراتب الهوية لدى الفرد هو قدرته على تحديد معتقد ديني بعينه من عدمه. إن القضية الأساسية هي عمق واتساع التأمّل الفكري الذي يعطيه الفرد للجوانب الأيديولوجية، وهذا ما يجعلنا نقول بأنه في غياب التفسير العقلي الذي يقوم به الفرد يقدَّر باعتباره مرتفعًا في الهوية إذا ما استطاع أن يحدد معتقدات دينية معينة عمَّا إذا لم يستطع ذلك. ولذلك: فعندما يسمع الفرد عن هذا الجزء الخاص بالمعتقدات الدينية في مقابلة تحديد رتب الهوية، فإن التساؤلات في هذه المقابلة لا بُدَّ وأنها تدور حول: "هل هذا الفرد لديه نسق عقائدي متماسك؟ "، و"هل هذا النسق يتطابق مع ما كان يتبناه في الطفولة؟ "، وهل هناك فترة استكشاف، تلك الفترة التي يقدّر فيها الفرد احتمالات البدائل؟ "، وهي حياة الفرد -من الناحية السلوكية- تساير تلك المعتقدات؟ ولقد لوحظ أن الفرد الذي يتمّ إجراء المقابلة معه, من الممكن أن يكون قد ترعرع ونما في نوع من الفراغ الأيديولوجي "الفكري", ولذلك: فإن هناك قاعدة عامَّة تقرر، بأنه: "إذا قضى الفرد طفولته في سياق فكري "مشتَّت", ويظل مشتتًا

حتى الآن، حينئذ فإن هذا الفرد يقدر باعتباره في رتبة "تشتت الهوية", وليس في رتبة "إعاقة الهوية". وهناك احتمال بأن يأت فردٌ ما من سياق مشتَّت، ولكنه يجد معتقدًا دينيًّا في شكلٍ ما خلال المراهقة المتأخرة, وأمكن الكشف عن ذلك من حجم قدرته المعرفية والتزاماته, فإذا كان ذو معرفة والتزام عالٍ, ففي هذه الحالة يمكن تصنيفه تحت رتبة "تحقق الهوية"، أو "إعاقة الهوية"، وذلك حسب درجة الصلابة في استجاباته. فإذا لم تكن هناك فترة استكشاف للبدائل, ولا يستطيع الفرد أن يفكِّر تفكيرًا تأمليًّا مخلصًا, فإن التصنيف الأقرب هو "إعاقة الهوية"، ولكن إذا ظهرت الرغبة في الاستكشاف للبدائل، وكانت المعتقدات مرنة إلى حدٍّ ما، فإن الفرد يصنَّف في هذه الحالة على أنه في حالة "تحقق الهوية". وثَمَّة قضية أخرى تنبع بخصوص المحتويات الدينية, وتتعلّق بالفارق بين النسق العقائدي والنسق الثقافي، وتظهر الأهمية الخاصة لهذا الفارق لدى الأفراد ذوي الديانة المرتبطة بأصول عرقية مثل اليهود، فاليهودية تشير إلى كلٍّ من المعتقدات الدينية والأصل العرقي "أو الولاء له"، والالتصاق بمجموعة من التقاليد -أو أي مكوّن من هذه الجوانب الثلاثة. ولذلك: فعلى الباحث في الهوية القائم بإجراء المقابلة أن يقرر: ما هو اليهودي "أو الكاثوليكي الأوكراني" بما يعني موضوعًا محددًا في ذهنه, حتى وإن فَقَدَ الجانب الفكري الديني لدى الفرد أهميته، فإنه يكون هناك التصاق كافي بالتقاليد العرقية التي تمدنا بأسسٍ لتقدير هوية الفرد. وفيما يلي نعرض لمراتب الهوية في المجال العقائدي: أ- تشتت الهوية: يتميِّز التشتت في المجال العقائدي بنقص الفكر المتعمّق فيما يتعلّق بالحيز الأيديولوجي الكلي, وغالبًا ما يميل أصحاب هذه الحالة إلى النظر لفلسفة الحياة وقضاياها على أنها مضيّعة للوقت، فهم لا يجدون أي شيء من البهجة في التأمّل في مثل هذه الأمور. فالتفكير في معنى الحياة ليس مدعاة للمتعة، ولذلك: فغالبًا ما يظهرون واجهة من النسق الأيديولوجي, ويحبون أن يصدِّق الآخرون أنهم يعتنقون فكرًا معينًا, وتصبح أيديولوجياتهم نوعًا من العملة يقايضون بها من أجل الحصول

على الاحترام وتأثُّر الآخرين بهم. فإذا ما تَمَّتْ مواجهة هذا النسق العقائدي من الباحث الحاذق، حينئذ تظهر سطحيتهم واضحة جلية. وبالمثل، فإن استجابات ذوي الهوية المشتتة للأسئلة الدينية تظهر مقتضبة موجزة، وغالبًا ما يحاول الباحث حثَّهم وإثارتهم للحصول على محتوى أوسع، ولكن يبدو الأمر كما لو كان "لا حياة لمن تنادي" nobody's home, وقد يظهر نوعٌ آخر من التشتت في شكل تعبير لفظي يشبه "دخان السينما" كلما تعقَّدت الأمور، ولإظهار المعرفة والدراية يستخدم الشخص قوالب طنَّانة مثل: إنني على المذهب "الإنساني الوجودي"1 pantheistic - humanist, وذلك على أمل أن يؤخذ ذلك دليلًا على القدرة المعرفية. وعلى الباحث أن يستقصي المحتوى المتعمق للنسق العقائدي وليس مجرد الشعارات. ب- إعاقة الهوية: لما كان من يعانون تشتت الهوية يميلون إلى وجود فراغ في الفكر والأيديولوجية، فإنَّ من لديهم إعاقة للهوية -خاصَّة في النواحي الدينية- فإنهم في العادة يؤمنون إيمانًا راسخًا فيما اعتنقوه في الطفولة, وغالبًا ما يلتزم الشخص الذي يتميز بتحقق الهوية أو الذي يعاني إعاقة الهوية بالقول؛ لأن معتقداته تختلف عمَّا يعتقده والده، وعمَّا كان يعتقد فيه في طفولته، إلّا أنَّ الأمر متروك للباحث لتحديد ثبات هذه الإدعاءات والفروق فيها. فإذا ما أعلن أحد المفحوصين بأن معتقداته قد تغيَّرت تغيرًا له دلالة عمَّا كان وهو صغير، فإنه يجب أن يكون بعد ذلك قادرًا على أن يعبِّر بوضوح عن تحولاته الأساسية, فمثلًا: إذا قرَّر شخص روماني كاثوليكي بأنَّ ميلاد العذراء مشكوك فيه، فإن ذلك لا يشير إلى تغيُّر أساسي، في حين أنه إذا ما شبَّ شخص روماني كاثوليكي, وسأل عن السياسة الاجتماعية للكنيسة، أو وجد نفسه يفضل عملية ضبط الإنجاب، أو الإجهاض، أو السياسة الماركسية، أو إنكار السيادة البابوية.. إلخ. حينئذ, فإن ذلك يشير إلى تحوّل وتغيّر له دلالته, وبالمثل إذا أعلن شخصٌ ما بأنَّ معتقداته تختلف عن معتقدات

_ 1 مذهب فلسفي يؤمن بوحدة الوجود، الله والطبيعة شيء واحد.

والديه؛ لأنه أكثر "تحررية", فإن ذلك لا يشير إلى تحوّل دالٍّ إلّا إذا عبَّر بوضوح عن التزام جديد. ومهما يكن من أمر, فإذا استطاع الفرد أن يستشهد بفترة من الفارق الأساسي عن إيمان والديه مثل: فترة من عدم الاعتقاد، أو الالتزام بعقيدة أخرى, في هذه الحالة فإنه يمكن ألَّا يقدر على أنه في تربة إعاقة الهوية. وأحيانًا: يجد الباحث مفحوصًا يدَّعي بأنه على نفس المعتقدات الدينية التي يعتقد فيها والداه، ولكن لديه التزامًا ضعيفًا، فهنالك "كما في القسم السابق", فإنَّ نقص الالتزام يطغى على نقص فترة الاستكشاف, ونقول بأن الفرد في رتبة تشتت الهوية وليس في رتبة إعاقة الهوية. ج- توقف الهوية: من المحتمل أنه في المجال الأيديولوجي تتزايد حِدَّة صراعات الفرد الذي يمر بفترة توقُّف الهوية بدرجة أكثر وضوحًا, وتظهر المقابلة ممتعة وشيقة في الغالب رغم أنَّها تكون مجهدة, ومن الاحتمالات التي يجب إمعان النظر فيها أن الحالة غالبًا ما تكون مختفية "مغطاة بقشور رقيقة أكثر إحكامًا مع أنها يمكن وصفها"، ولكن يجب أن يميز الباحث الجدية في سعي واجتهاد ذوي الهوية المتوقفة من خلال التعبيرات اللفظية التي تشبه دخان الشاشة المغلَّف بالتشوش أو التشتت، وأن تكون هناك حدودًا بين النسق العقائدي والتحرُّك نحو الحل في المستقبل القريب. د- تحقق الهوية: الشخص الذي يوصف بتحقق الهوية هو الفرد الذي يفكِّر بجدية على الأقل في نسق عقائدي يختلف عمَّا كان لديه في الصغر، أو هو الفرد الذي انتقل من حالة الاعتقاد "أو اللا اعتقاد" في مرحلة الطفولة. ويتميِّز الأفراد المحقِّقون لهويتهم بأنهم يمكنهم أن يحددوا أنفسهم في إطار محدد؛ بحيث يظهر فيه التزاماتهم السلوكية، فهم لا يقطعون دائمًا بضرورة تنشئة أطفالهم وفقًا لما اختاروا الإيمان به, كما هو الحال مع ذوي الهوية المعاقة. غير أنَّهم ليسوا من عدم التقييد أو التداخل بدرجة كافية مثل ذوي التشتت في الهوية، ولا هم مثل ذوي توقف الهوية, فهم لا يستمتعون دائمًا بالاستماع إليهم كما هو الحال لدى ذوي توقُّف الهوية، فالفرد يسمع أكثر عن انتهاء ذوي الهوية المحققة من عملية ما أكثر مما يسمع عن العملية ذاتها, كما أن هناك قدرًا من تحقق الذات والراحة إزاء وضعهم الحالي، في حين أن ذلك ليس بالمرونة أو التصلب الذاتي الذي يميز حالات إعاقة الهوية.

ثالثا: المعتدات السياسية

ثالثًا: المعتدات السياسية ... ثالثًا: المعتقدات السياسية: يعد هذا المجال من أكثر المجالات أهمية لدى جماعات المراهقين في مرحلة المراهقة المتأخرة، فهو مثل الدين يسهم في استنتاج وجهة النظر عن العالم, ولما كان الانتقال من الطفولة إلى الرشد يحتاج إلى توافر المسئولية حيال دائرة حياة الآخرين، فإن الالتزام بالآراء حول القضايا السياسية والاجتماعية يعد أحد مظاهر ذلك الإحساس بالمسئولية, ويبدو أن الاهتمام بالقضايا السياسية والاجتماعية يتزايد أو يتضاءل مع الزمن, فمثلًا: حدث انخفاض في الاهتمام بها منذ الستينات وحتى الآن, ورب سائل يسأل: لماذا ظل الجانب السياسي متضمنًا في المقابلة الشخصية الخاصة بالهوية؟ وتكمن الإجابة عن ذلك في أن الجانبين السياسي والديني يشكلان مدخلًا ثابتًا لفلسفة الفرد في الحياة "وقد يوجد أشخاص بلا التزامات دينية, ولكنهم يملكون التزامات سياسية واجتماعية, والعكس بالعكس، وهنا: فليس من الضروري أن يسعى الفرد للالتزام الديني والسياسي معًا، ولكن ما يعلقه الفرد من أهمية على أشياء معينة في حياته إنما يشير باتساق طبقًا لقيم تلك الأشياء. وفي العادة حتَّى إذا لم يستطع الفرد أن يصف معتقداته السياسية، فإنه يمكنه أن يجيب عن الأسئلة المتعلقة بالقضايا الاجتماعية, وأيًّا كان ما يجب أن يوجه إليه الانتباه في المقابلة, ليس في إمعان النظر بوضوح وتدقيق للميل الذاتي كدليل على الأيديولوجية، بل يجب إمعان النظر في الالتزام الذي يوليه الفرد للمعتقدات

السياسية نفسها، وعلى قدر ما يكون الفرد عقلانيًّا في التزامه السياسي بقدر ما تحكم على تشكيل الهوية، وليس من مجرَّد الوصف الركيك للاعتقاد. وإذا قام باحثٌ ما بتقدير المقابلة عن رتب الهوية ككل، فإنَّه يجب أن يمعن النظر بفطنة في المجال الديني والسياسي الذي يتنباه الفرد كأيديولوجية، وأن يقدّر إيجابيته في الالتزام إذا كان لديه حساسية تلازم الوصف الذاتي في تعبيراته عن فلسفة الحياة, ومن الأسئلة التي تطرح على الفرد في هذين المجالين الأيديولوجيين ما يلي: - هل فكرت في معتقداتك الدينية والأخلاقية والسياسية والاجتماعية؟ - هل تغيرت أفكارك إزاء هذه الأمور عمَّا كان لديك في طفولتك؟ - هل يمكنك تحديد معتقداتك الآن؟ - هل هناك تنظيم وتعقّل منطقي لتلك المعتقدات؟ - هل تعمل باتساق طبقًا لهذه المعتقدات؟ وفيما يلي نعرض لمراتب الهوية في مجال المعتقدات السياسية: أ- تشتت الهوية: السياسة هي ذلك المجال من مجالات المقابلة الذي يكشف عن استجابات التشتُّت من بين الموضوعات التي تتضمنها, ومن ثَمَّ فإنَّ تقدير تشتت الهوية هنا من المحتمل ألَّا يعبِّر عن هوية الأنا ككل كما هو الحال في المجالات الأخرى. فالأفراد ذوو التشتت في الفكر السياسي يشعرون بتضاؤل الإحساس بالمسئولية الاجتماعية، وغالبًا ما يستجيبون بعبارات مثل: "إنني أعطي صوتي في الانتخاب للفرد وليس للحزب" "كل فرد حرّ في أن يفعل ما يريد بشرط ألّا يضر بالآخرين".. إلخ. لذا تظهر عباراتهم في الالتزام بالقضايا السياسية تعبيرات عن ميولهم الذاتية، وعلى الباحث أن يكشف عمَّا وراء التفكير العقلاني الذي يشير إلى الالتزامات.

ب- إعاقة الهوية: من الصعب التمييز بين حالات تشتت الهوية وإعاقتها في النواحي السياسية؛ لأنَّ الكثير من الأفراد يتبنون آراء آبائهم ولكنهم لا يلتزمون بها، ومن ثَمَّ فإن دور الباحث هو تأكيد درجة الالتزام بهذه الآراء. وسواء كان المفحوص يمارس نشاطًا سياسيًّا أم لا, فإن ذلك أمر ضروري في عملية التمييز. ج- توقف الهوية: يظهر الأفراد الذين هم في فترة توقُّف الهوية اهتمامًا بالغًا بالنكبات السياسية أثناء إجراء المقابلة معهم؛ حيث يعكسون بوضوح المشكلات المستعصية التي يتناولها فلاسفة السياسة, وفوق ذلك يتميز هؤلاء الأفراد الذين هم في فترة توقُّف الهوية برغبتهم في حل هذه المشكلات، وشعورهم بأنَّ عليهم أن يتخذوا موقفًا محددًا إزاءها. هذه الرغبة في الحل، ومحاولة تشكيل موقفٍ ما هو ما يتميِّزون به عن أولئك الأفراد ذوي تشتت الهوية الذين يكونون لا مبالين بما يدور حولهم. د- تحقق الهوية: في حالة تحقق الهوية يمكن للأفراد التفكير في القضايا السياسية وتحديد انتمائهم الذي يلتزمون به بشكل واضح, ولكن لسوء الحظ أنه في حالة تحقُّق الهوية في المجال السياسي, فمن النادر حدوث ذلك, كما هو الحال في المجالات الأخرى. فأي فرد يقدر على أنه في حالة تحقق الهوية يجب أن يكون قادرًا على مناقشة القضايا السياسية من وجهتي نظر متعارضتين.

رابعا: الاتجاهات نحو الدور الجنسي

رابعًا: الاتجاهات نحو الدور الجنسي في بعض الأحيان وفي بعض الثقافات, فإنَّ هذا المجال، كمؤشِّر لتكوين الهوية، يبدو عديم القيمة؛ لأن مطالب الجنس1 يمكن تعليقها وتعويقها على القبول الاجتماعي، مما لا يتيح الفرصة لاختيارات الفرد. ورغم ذلك فإنه في الثقافة الغربية, ولأسباب عديدة اقتصادية وتكنولوجية واجتماعية, فإن جنس الفرد "ذكر كان أم أنثى" لا يحدد بالضرورة الدور، ومن ثَمَّ فإن هذا المجال يواجه معيارين من معايير الهوية: فهو ذو أهمية نظر للدور الذي يقوم به، كما أنه توجد فيه فرصة للاختيار والتنوّع في القرار. ومن الضروري أن ندرك أهمية كلًّا من مجال أدوار الجنس والمجال التالي الخاص بالجنسية sexuality المكوّن للعلاقات بالجنس الآخر, مما تحتويه المقابلة الشخصية الخاصة بالهوية "كما أوردها مارشيا"، ففي تلك المرحلة من دور الحياة -المراهقة المتأخِّرة- نجد أن المرء يتعامل مع أدوار الجنس والعلاقات مع الجنس الآخر, ليس من منطلق تعريف الفرد لنفسه كذكر أو أنثى -وإن كان ذلك يتمّ في كلٍّ من المراهقة المبكرة والمتوسطة، ولكن من منطلق المعنى الاجتماعي للذكورة والأنوثة، وما ينطبع به الفرد شخصيًّا، هذا بجانب التعبير الذاتي للفرد عن الجنس, وكيفية التعامل معه في السياق الاجتماعي. وهنا: ثَمَّة خطر يمكن أن ندركه, وهو أنَّ الدور الجنسي يتداخل مع محتوى المرحلة النفسية الاجتماعية التالية "الألفة في مقابل الإحساس بالعزلة", فمن الضروري أن يتركَّز الاهتمام على الهوية؛ حيث يصعب تفادي التداخل مع مرحلة الألفة مثلما حدث من عدم إمكان تفادي التداخل مع المرحلة السابقة "الاجتهاد -المثابرة- في مقابل الإحساس بالنقص". وفي الواقع: إن النظرية تدَّعي وجود خصائص كل المراحل في كل عمر، وأنه ثَمَّة وثوق من تقارب المراحل الواحدة من الأخرى، وأنَّ التفرقة ما بين تشكيل الهوية في المراهقة المتأخرة في مجال العلاقات الجنسية وتنمية الألفة في بداية الرشد تكون كما يلي: "تصاغ جوانب الهوية في مصطلحات عملية تكوين الفرد لمجموعة من الاتجاهات عن نفسه، وتكوين نظرية شخصية تميزه من خلال مجال العلاقات الجنسية, ودرجة التزامه بتلك المعتقدات، أمَّا الألفة فهي على النقيض, فإنها تقدَّر من خلال مصطلحات الطبيعة الفعلية للعلاقات التي يقيمها الفرد مع شريك الحياة، أي: إنها يمكن التعرُّف عليها من عمق واتساع نضج عملية الكشف الذاتي للفرد، ومدى التعبير الانفعالي داخل هذه العلاقة".

_ 1 gender: الذكورة والأنوثة.

وعلى هذا الأساس فإنه في مصطلحات الاتجاهات نحو الدور الجنسي بصفة عامَّة، فإن كل ما يسعى إليه القائم بإجراء المقابلة هو النظر في المؤشِّرات التي تدل على أن الفرد يفكر في المترتبات الاجتماعية عن الجنس، وما يفعله من التزام فكري وسلوكي يؤدي إلى التكوين الذاتي لمجموعة من المعتقدات الذاتية. إن محتوى تلك المعتقدات يقوم في الأساس على الذكورة والأنوثة أو الخنوثة لا أهمية له، ولكن المهم في تحقّق الهوية هو أن يُعْنَى الفرد بالبدائل وكيفية التعبير السلوكي عن تلك البدائل، مع التزامه بذلك الموقف، ومن ثَمَّ فإنه من المفترض أنَّ شخصًا ما ينشأ في أسرة "متحررة" ذات دور جنسي مزدوج "خنثوي", ثم يتحوَّل إلى الذكورة، فإذا كان ذلك نتائج التفكير للبدائل، عندئذ يمكن الحكم بتحقق الهوية. وفيما يلي نعرض لرتب الهوية في مجال الاتجاهات نحو الدور الجنسي: أ- تشتت الهوية: هناك مستويان على الأقل من التشتت في أدوار الجنس: الأول: هو النقص المرضي في التمييز بين أدوار الجنس, مما يكشف عن تأخُّر النمو الجنسي النفسي، وظهور الموقف النرجسي؛ وحيث يتضاءل التمييز -داخل الذات- بين الذات والآخرين؛ إذ يكون وجود الآخرين بالنسبة للفرد عبارة عن أشياء لتحقيق الرضا والإشباع فقط، مما يجعل هذا النوع قابلًا للتغيير الداخلي من جانب الفرد. هذا المستوى من التشتُّت ذي الطبيعة المرضية من النادر وجوده في مقابلات الهوية، وهم قِلَّة في تعدد السكان. أما النوع الثاني -الأكثر: هو الفرد غير المفكِّر الذي ينشغل فقط في أن يعيش يومه، لدرجة أنه لا يستطيع أن يقدِّم تأمُّل باطني introspection جيد, وعادة عندما يسأل سؤال عن الدور الجنسي مثل: "ماذا يعني لديك أن تكون رجلًا أو امرأة؟ "، فإنه يترك مكان الإجابة فارغًا بلا جواب. وعلى العموم: فإن ذوي الهوية المشتتة يجدون صعوبة في الإجابة عن الأسئلة؛ لأنهم يفكرون فيها كثيرًا, وهم في العادة يودون أن يعرفهم الناس من

الخارج كلما كان ذلك ممكنًا، ومن ثَمَّ, فإذا أعطي الفرد تسميةً جنسية معينة -وليكن ذكرًا مثلًا- فإنه في هذه الحالة إذا أخبره الناس بأنه من المفترض أن يسلك طبقًا لما يقوم به الذكور، فإن المفحوص غالبًا ما يشعر كما لو كان يدرك شيئًا مختلفًا. وعلى الرغم من ذلك: فإن القائم بإجراء المقابلة عليه أن يتعمَّق في التزامات الأفراد ليتعرَّف على حالة الهوية، وما إذا كانوا مشتتين أم لا. ب- إعاقة الهوية: لا تعني إعاقة الهوية الصخرة التي تتحطَّم عليها الآمال. يرى مارشيا أنه من نتائج دراساته وجد أن ثَمَّةَ ما يعزو من حالات إعاقة الهوية إلى مظهر أوديبي, وإلى ما تَمَّ اكتسابه وتعلُّمه عن أدوار الجنس في تلك الفترة المبكرة من حياة الفرد؛ بحيث يمكن القول بأن أهمية كون الفرد ذكرًا حقيقيًّا، أو أنثى حقيقية، أو حتَّى مخنَّثًا, إذا تصوَّرنا ذلك تمثل شيئًا ملحًا في حالات الإعاقة من أيّ جانب آخر في الشخصية. وثمة احتمال بأن الاتجاهات نحو أدوار الجنس هي حجر الأساس الذي تقوم عليه إعاقة الهوية، وفي الجوانب الأخرى منها؛ لأنها ترتبط بالتحديد الوالدي في السن المبكرة, ومهما يكن ذلك حادثًا أم لا، فإن إعاقة الهوية تظهر في صورة من عدم التأمل، والتفكير المؤكد، ومن عدم الالتزام في هذا الجانب بصفة خاصة. ج- توقف الهوية: كما في المجالات الأخرى, فإننا نجد أن الأفراد الذين هم في رتبة توقُّف الهوية في تحديد الدور الجنسي، تكون لديهم محاولات وسط لحسم هذه القضية؛ فهؤلاء الأفراد عادةً ما يكونون في موقف وعلاقة تعجل بالكشف عن اهتمامهم الفعلي أو المباشر، ومن المحتمل أن يقترب الفرد من التخنُّث أو الميل المزدوج بين اهتمامات الذكور والإناث في هذه الفترة, أكثر مما يكون ذلك واضحًا عندما يتحرك الفرد من رتبة التوقف إلى تحقق الهوية، فيمكن أن نجد تعاملًا كبيرًا يتَّسِمُ بالتجريب للبحث عن شكلٍ ما, وبعد ذلك البحث عن الآخرين، وذلك قبل أن يحقق أفضل ما يناسبه تمامًا, وبذلك: فإن الفرد متوقّف الهوية غالبًا ما يتميِّز بروح البحث والتقصي. د- تحقق الهوية: قد يظهر تحقق الهوية بدرجة أقل إلى حدٍّ ما في هذا المجال عن غيره من المجالات الأخرى, فالدور الجنسي الذي يلعبه الفرد يعتمد فقط عمَّا يعتقده عن نفسه، ولكن أيضًا عمَّا يراه الآخرون في الدور الذي يلعبه, فسلوك الالتزام في هذا المجال يتضمَّن بالضرورة التفاعل التامّ مع الآخرين الذين يختلفون حتمًا عن ذات الفرد، ومن ثَمَّ فإنه يتوقع باستمرار التعديل في أفكار وسلوك الفرد، ولن يستطيع الفرد السعي وراء العلاقات استنادًا إلى نفس الأسلوب الموجَّه أو المباشر الذي يحقِّق به الفرد الأهداف المهنية. فالمهن تحقق الثبات، أمَّا العلاقات الإنسانية فليست كذلك, ولذا: كان على القائم بالمقابلة الخاصَّة بالهوية أن يسعى وراء النظر في مدى وجود فترات الاستكشاف، وبعض الأفكار المحددة، وبعض الالتزمات السلوكية.

خامسا: مجال العلاقات مع الجنس الآخر

خامسًا: مجال العلاقات مع الجنس الآخر 1 لا يتوقَّع أحد أنَّ عشرين عامًا من عمر الفتى أو الفتاة تمثل خبرة كافية ودراية بالعلاقات مع الجنس الآخر بما يبلغ حدَّ الوصول إلى الهوية النهائية في هذا المجال، مثلما لا يتوقّع من نفس الفرد في هذا السن أن يبلغ القمَّة في اكتمال الخبرة المهنية في دنيا العمل للوصول إلى هوة مهنية نهائية، أو أن يصل إلى هوية نهائية للمشاركة الاجتماعية, والخلاصة: إن التوقعات الخاصة بتحقق الاكتمال في نضج العلاقات مع الجنس الآخر -كغيرها من الجوانب- يتعلّق بما يقابله الفرد من خبرات كافية حقيقية أو بديلة، أو غير ذلك بما ينعكس بالضرورة على خبرته تلك لتشكل سلسلة من القيم الأولية, وتمثل نوعًا من الالتزام المبدئي تجاه تلك القيم. كذلك: فإن محتوى الالتزامات ليس من الأهمية بمكان, فالعزوبية بصفة خاصة، والتعفّف قبل الزواج من ناحية، والإباحية الجنسة من ناحية أخرى, يمكن

_ 1 يطلق على هذا المجال الجنسي, ولكننا قد فضَّلنا تغييره إلى العلاقات مع الجنس الآخر نظرًا لحساسية هذا الموضوع في الاستجابة.

أن تكون محتوى رتب الهوية, فقد يبقى فردٌ ما أعزبًا نتيجة لإهمال الزواج, أو لمشكلات تتعلق به كأن يكون في وضع "التشتت" والعزلة, وقد ينشأ فرد آخر متحررًا في علاقاته بالجنس الآخر لوجود "إعاقة" نابعة من القيم الوالدية, ورغم أن تلك الحالات غير مألوفة أو نادرة الحدوث، فمن الممكن أن تكون إحدى الاحتمالات التي تشكّل حالة الهوية, والتي يجب على الباحث أن يوجد نوعًا من الفصل بين محتوى الالتزام وعملية الالتزام ذاتها، وكذا بين قيم هاتين, وتقدير استجابة كل مفحوص فيها كي تتيح له التعرف على الاحتمالات غير المحتملة. وأخيرًا نود الإشارة إلى أنَّ هذا المجال قد وضع في نهاية المقابلة لحساسية بعض الأفراد له، على أمل أن يكون قد تحقق نوعًا من الألفة الكافية بين الباحث والمفحوص حتى يستطيع الاستجابة لهذا المجال. فالقليل من الأفراد ينظرون لأسئلة العلاقة بالجنس الآخر نظرة الجريمة والإثم, وبالطبع: فعلى الباحث أن يوقف الأسئلة إذا ما أحسَّ المفحوص بأي حرج، فمن الممكن أن يتردَّد الشخص ذو "الهوية المتحققة" في الإجابة عن هذه الأسئلة، ومع ذلك: فإنه يكون لديه ترابطًا منطقيًّا وتفكيرًا عقليًّا يمكنه أن يعبر به عن هذا المجال. والمطروح هنا من أسئلة تحاول الشكف عمَّا لدى الفرد من قيم تتَّصل بجانب العلاقات مع أفراد الجنس الآخر، وما إذا كان هناك اتساق بين هذه القيم وبين تصرفات الفرد إزاء هذا الجانب. وفيما يلي نعرض لمراتب الهوية في مجال العلاقات مع الجنس الآخر: أ- تشتت الهوية: يميل التشتت لدى النساء إلى الغموض في قيم هذا المجال, أمَّا التشتت لدى الرجال فيميل إلى اتجاهات "الغمز بالغمز, واللكز باللكز" nudge - nudge wink - wink, وأن ينال الفرد ما يريد دون إيذاء أحد, ويبدو أن كلًّا من الرجال والنساء لا يأخذون علاقاتهم مع شخص من الجنس الآخر مأخذ الجد، فكثيرًا ما نسمع عن عبارات جوفاء من المشتتين مثل: "يجب أن نحترم الشخص الآخر"، "يجب أن تكون في علاقة حب"، "يجب أن تنتظر الزواج".

وعلى آية حال, فإن الضغط من أجل التوصّل إلى الأساس المنطقي لتلك الإجابات يعني المزيد من التكرار بكلمات أخرى لنفس المعنى أو الكليشية. ب- إعاقة الهوية: إن المعاقين في هذا المجال -كما هو في المجالات الأخرى- يثقون كثيرًا في معتقداتهم وقيمهم حتى في غياب التجربة والخبرة المباشرة, فالخبرة الأكثر تناسبًا وارتباطًا بالموضوع لدى هؤلاء المعاقين ليست هي الخبرة الحالية في العالم الخارجي، ولكن خبرتهم السابقة داخل النظام الأسري لديهم, لذا: فإنهم يميلون إلى البحث عن الخبرات الخارجية المتاحة في نطاق القيود والمحددات التي تعلَّموها من الوضع السابق المبكر، إلى حدّ أنَّ خبراتهم اللا أسرية تسعى إضفاء الصلاحية على خبراتهم الأسرية. إن العلاقة بالجنس الآخر بطبيعتها "المغرية" والغامضة تمثّل بوضوح تهديدًا لهؤلاء الأفراد المعاقين الذين يفضِّلون بصفة عامة النظام و"المثل الخلقية العالية"، ومن ثَمَّ نجد أن هؤلاء الأفراد المعاقين يصبحون بصفة أكثر دوجماطية في هذا الجانب, إلى الحد الذي يكونون فيه مدافعين بصلابة عن القوالب الثابتة عن الصواب والخطأ, ويجب أن نأخذ في الاعتبار تقييد الخبرة لديهم بهذه الطريقة, كأن يقرون صلاحية معتقداتهم المعاقة أو عدم صلاحيتها على الأقل, وبالمثل: فإنه يمكن أن يولد في ذهن هؤلاء الأفراد أن "تقلص الخبرة" لديهم لا يعني تقلّص عدد اللقاءات بأفراد من الجنس الآخر، فعلى العكس, فإن ذلك يعني تجنُّب المواقف التي يتصوّر الفرد فيها أفكارًا لا يمكن التحقّق منها، وحينئذ يحدث لدى الفرد ازدواج في المعايير, بأن تكون لديه لقاءات عديدة بأفراد من الجنس الآخر، ولكنه يتجنَّب العلاقة المباشرة مع امرأة يرى فيها تحديدًا لنسف القيم والمعايير التي لديه. ج- توقف الهوية: يحاول هذا الصنف "الذين هم فترة التوقف" أن يحددوا القضية أو المشكلة بما يعكس مستوى عال من النشاط الواضح في علاقات مع الجنس الآخر، إذ أنه من الصعب الكشف عن العلاقة بالجنس الآخر لدى شخص ما لم يكن قادرًا على عقد صلات حميمة في هذا الجانب، هذا بالإضافة إلى أنَّ متوقفي الهوية الجنسية بحماسهم وحِدَّتهم يلفتون انتباه الآخرين إليهم، وغالبًا ما تجدهم مترددين مذبذبين على طرفي نقيض في مسألة العلاقة بالجنس الآخر ما بين الإباحية المطلقة إلى الرهبنة التامة, وبغضِّ النظر عن المحتوى الدقيق الذي يتعاملون به, فإن الأهم في تقدير الفرد على أنه في فترة توقّف, هو إيجاد دليل على إمكانية بلوغ القرار, ومحاولاته الحقيقية للوصول إلى ذلك. د- تحقيق الهوية: الأفراد الذين حققوا هويتهم في هذا المجال هم أولئك الأفراد الذين يميلون إلى أن يكونوا قد بلغوا بعلاقاتهم مع الجنس الآخر حدًّا ما بأسلوب أو بآخر بناءً على خبراتهم, مع التزامهم بمعتقدات معينة في هذا المجال، فهم يميلون إلى أن يكونوا أكثر خبرة ودراية بالعلاقة مع الجنس الآخر من غيرهم من ذوي الهوية المعاقة, أو مَنْ هم في فترة التوقّف، وهم بالطبع أكثر وأعمق تفكيرًا من المشتتين، وهم يظهرون أكبر سنًّا من الأفراد أصحاب الماهيات الأخرى، فهم يكشفون عن الإحساس بصلابتهم ونضج العلاقات الشخصية لديهم، مع الشعور بأنَّهم يمكن الثقة في علاقاتهم, حتى وإن خالفهم شخص في الرأي أو الوضع.

خلاصة وتطبيقات

خلاصة وتطبيقات: نخلص من عرض نظريتي إريكسون حول مراحل النمو النفسي الاجتماعي, ونظرية ما رشيا حول إحدى هذه المراحل, وهي مرحلة الهوية التي تقابل مرحلة المراهقة، إلى أنَّ كلتا النظريتين قد تناولت النموَّ في إطار التفاعل الاجتماعي الذي يعايشه الفرد في السياق الأسرى والبيئي والثقافي الذي ينشأ فيه ويتشرَّب قيمه وسلوكياته, ومن ثَمَّ فإنه تطبيقًا لمتضمنات النظريتين في السياق التربوي, ينبغي الإشارة إلى بعض جوانب التنشئة الاجتماعية الخاطئة التي نمارسها: 1- السيطرة: فكثير من الأسر تغلِّب جانب السيطرة في تربية الأبناء، أو تنشئ النبات على التوافق مع الإحباط, وتعلُّم الانصياع للقيود المفروضة, مما يؤثِّر

حتمًا على النمو النفسي الاجتماعي وتشكيل الهوية في الرشد؛ حيث تتكوَّن صورة الذات على أساس آراء الآخرين وأحكامهم. 2- العيب والشعور بالذنب: وهي أساليب رئيسية في تنشئة الطفل في العائلة العربية؛ حيث ينشأ عنها عقاب ذاتي يحبط القدرة على النقد الذاتي الذي يصعب اكتسابه وتنميته. 3- النزعة إلى الاعتمادية: حيث تربِّي كثير من الأسر أبناءها إلى سنٍّ متقدِّم على الكبار، ثم يتوقع منهم المساندة والرعاية، ولا يطيق الفرد فصم العلاقة مع الأسرة، ويبذل جهدًا لتجنب انقطاع العلاقة مع الأفراد ذوي الدلالة في حياته. 4- التوجُّه نحو الآخرين: فكثير من الأطفال يتربون على ميكانيزم القمع؛ لعدم إيذاء مشاعر الآخرين ولضمان ألّا تؤذي مشاعره هو نفسه, رغم أنه قد لا يثق في الآخرين وفي صدق سلوكهم. 5- القلق والاستجابة للأزمات: إذ يحتل الخوف من العقاب لعدم اتباع التعليمات حتَّى في المواقف الضاغطة، ويتبع معظم الأطفال خطين متعارضين: إما الإنكار, أو تجنّب الموقف من خلال القمع والنسيان كوسيلة لتخفيف القلق. 6- البواعث والدوافع: فالرغبة في النجاح الأكاديمي والمهني والاجتماعي هي الدافع الأساسي الذي يربى عليه الأطفال والشباب، وأصبح الآن هناك رغبة قوية في التفوق ولو على حساب الآخرين, وهو ما ينسي الفرد غيره, وقد يزيد من حِدَّة مشاعر عدم الثقة والعداوة نحو الآخرين. إن مثل هذه الجوانب السائدة في التنشئة العربية تحتاج إلى إعادة نظر وتقييم في ضوء نظريات علم نفس النمو من أجل نمو نفسي اجتماعي متوافق, وتشكيل هوية في إطار الثقافة العربية الإسلامية, والقيم والمعايير الأخلاقية المتعارف عليها.

نظريات النمو المعرفي

نظريات النمو المعرفي مدخل ... نظريات النمو المعرفي: مقدمة: تشير الدلائل إلى أن الوليد يملك الخبرة الحسية والعمليات الإدراكية اللازمة لاكتساب المعرفة بيئيته, وعلى ذلك فإنه يبدو أن الحواسّ البصرية والسمعية واللمسية والشمية والتذوقية تعمل بدرجات متفاوتة في الطفولة المبكرة, وتزداد حِدَّة مع تقدُّم السن والخبرة, وفي بعض هذه العمليات الإدراكية الحسية افتراض أن طاقة الإثارة تزوّد الطفل بالمادة الأولية التي يقوم الطفل بتنظيمها للتعرُّف على البيئة، وفي هذا الفصل سوف نناقش كيف يقوم الطفل بتطوير هذه التكوينات، وكيف تؤثّر هذه التغيرات النمائية في المعرفة والعمليات المعرفية، وكيف تؤثر على الأداء في عدد من الواجبات المختلفة.

النظريات المفسرة للنمو المعرفي

النظريات المفسرة للنمو المعرفي مدخل ... النظريات المفسِّرة للنمو المعرفي: ومن بين الكثيرين من أصحاب النظريات المعرفية، سوف نركز أساسًا على أعمال جيروم برونر gerome bruner، هانز وارنر henz wermer، وجان بياجيه jean piage، وهؤلاء المنظِّرون يتفقون على الافتراضات الأساسية الآتية حول اكتساب المعرفة أو النمو المعرفي: 1- يتضمَّن اكتساب المعرفة وجود متعلّم نشط يعمل مع وجود استجابة للبيئة, وتنتج المعرفة من تفاعل متطلبات البيئة مع قدرات المتعلّم. 2- يطَّرد النمو من استجابات منعكسة بدائية، غالبًا ما تكون مرتبطة بمثيرٍ إلى مستويات متزايدة من التمثيل والتجريد. 3- يحدث النمو بطريقة مرحلية هرمية تسيطر فيها المرحلة العليا التالية على المراحل السابقة لها, ولكنها في نفس الوقت تعتمد على هذه المراحل. 4- للسلوك بعض السوابق البيولوجية التي لا يمكن تحقيقها دون إثارة بيئة مناسبة, وفيما يلي عرضًا للخطوط العربية للنظريات الثلاث في تفسيرها للنمو المعرفي:

والجانب الهام في موقف وانر werner هو أنه بينما تهيمن المستويات التكاملية الأعلى على المستويات الأدنى، فإن النمو داخل المستويات الأدنى يستمر مسايرًا للمرحلة المتقدّمة. إن تكامل نظم المستويات الأدنى يعدِّل من هذه النظم، وهكذا فإنه ولو أنه يظل خاضعًا إلّا أنه ما يزال يعمل في مستوى أكثر تنظيمًا, ولهذا الافتراض أهمية، ذلك لأنَّ وارنر werner يعتقد أيضًا أن الشخص عندما يواجه موقفًا غريبًا، فإنَّ حلَّ المشكلة يأتي من نظام النمو الأدنى إلى الأعلى, وبعبارة أخرى: فإن وارنر werner يقرر وجود ثلاثة مستويات للنمو، هرمية في ترتيبها، وكلٌّ منها يتبع نمط النمو الخاص به, والشكل "65" يبين بالرسم هذا النموذج. إن وصفنا للإسهام الكبير الذي قدَّمه وارنر werner لفهم النمو الإنساني العام, وخاصَّة النمو المعرفي لا شَكَّ في أنه غير كافي لإعطاء النظرية حقها, وبدلا من أن نحاول تقييم نهائي له، سنقتبس ما كتبه لانجر langer "1970، 768" الذي يبدو أن تقييمه لنظرية وارنر werner يمثّل مكانتها الحالية تمثيلًا جيدًا: "من الواضح أن الوقت لا يزال مبكرًا جدًّا لتقديم حكم نهائي على النظرية ككل, ومع ذلك فيبدو واضحًا أن المعالجة قد أثمرت فعلًا في عدد من المجالات. لقد نجحت نجاحًا فائقًا في دراسة الظواهر المعرفية، وخاصَّة ظاهرة تكوين التصور والرمز, كما أنَّ لها توقُّعات مستفيضة في دراسة الشخصية والنمو الاجتماعي من الناحية المعرفية التكوينية، ولكن هذه الإمكانيات اليوم ما تزال في حالة ركود نسبي باستثناء بعض النواحي البدائية".

نظرية هانز وارنر hunz wener

1- نظرية هانز وارنر hunz wener المبدأ الأساسي في نظرية وارنر وهو اعتدال الأصل orthogeneses, ويتضمَّن سمتين أساسيتين للنمو، وهما: التفاضل "التفرد" defferentiation والتكامل الهرمي hierarchic inegration. وطبقًا لمبدأ التفاضل، تتفاضل النظم البدائية والمعممة تفاضلًا تدريجيًّا, ولكنها في نفس الوقت تنصهر مع النظم الأخرى لتكوّن وسائل فعل متكاملة "إن التفاضل يؤدي إلى تفرُّد منزايد في أجزاء محددة جيدًا في النظم، وفي نفس الوقت ذات صلة وثيقة كل منها بالأخرى. "langer, 1970. 735", وطبقًا للتفسير المعرفي لمبدأ التفاضل، فإن الاستجابات المبدئية للتركيب العضوي للبيئة إنما هي نظم شاملة التعميم وغير متفاضلة, وعلى ذلك فإنَّ المتعلم الصغير يستجيب بنفس الطريقة لمثيرات كاملة متشابهة عندما تسيطر بعض الجوانب المتميزة للمثيرات على الاستجابات التفاضلية, ويمكن أن نقدم مثلًا لذلك، الطفل الصغير عندما يسمِّي كل الرجال "بابا"؛ لأنهم يرتدون البنطلون. وطبقًا لمبدأ التكامل الهرمي: عندما تظهر نظم متكاملة أكثر تقدمًا فإنها تتخذ نظمًا أقل إتقانًا من جهة النمو, ومع أنَّ مثل هذا المستوى في النمو يتوقف على المستوى السابق له، إلّا أنه متميز نوعيًّا ويتولى التحكم في سلوكياته, ويعتبر هذا التصور هو من أكثر التصورات تعقيدًا ما قدَّمه أصحاب النظرية العضوية، كما أنه يفرق بين الاتجاهات النظرية الأخرى. والموقف الآلي لا يهتم بالتفرقة النوعية, ولكن يفترض أن النمو يمثّل اكتساب أكثر من خاصية معينة, وليس تغييرًا في نوعية الخاصية. وجنبًا إلى جنب مع مفهوم التكامل الهرمي، يوجد المبدأ التكويني للولبية genetic principle of spiralitg, عندما يتقدَّم الطفل نحو حالة أخيرة من النضج فإنه يبدي أحيانًا ارتدادات مؤقتة نحو مستوى سابق قلَّ أن يستأنف نموه الحتمي. وقد رتَّب وارنر werner النمو في ثلاثة مستويات: أ- نمو حسي حركي. ب- نمو إدراكي. ج- نمو تأملي.

نظرية جيروم برونر jerome bruner

2- نظرية جيروم برونر jerome bruner يعد جيروم برونر واحدًا من هؤلاء العلماء القلائل الذين أسهموا بقسطٍ وافر في معارفنا الأساسية بعلم النفس عامَّة وعلم نفس النموّ بصفة خاصة، وعلاوة على ذلك, فإنه قدَّم نموذجًا نظريًّا هامًّا للإدراك والمعرفة, وقد شملت أبحاثه الأطفال حديثي الولادة، وأطفال ما قبل المدرسة، وأطفال المدارس الابتدائية والراشدين, واستنادًا إلى آرائه النظرية العامة، فإنَّ أعماله وأعمال تلاميذه قد غطَّت العديد من الثقافات. "bruner, olver & greenfield, 1966".

هذا ولا مفرَّ من إجراء مقارنات بين نصوص برونر burner النظرية, فيما يتعلّق بالنمو المعرفي وموقف بياجيه, ومع أننا لا ننوي أن نصدر أحكامًا تقيمية في هذه المقارنات، إلّا أننا سوف نشير إليها إذا ما صلحت لاكتشاف بعض الفحوص في معارفنا. وواضح أن العالمين متَّفقان على أن سير النمو الإنساني يمكن وصفه بالتقدُّم عبر سلسلة من المراحل، كلٍّ منها تتميز بفروق نوعية, وقد قدَّم برونر bruner ثلاث مراحل للنمو المعرفي هي: المرحلة الحكمية، والمرحلة التصويرية التقليدية, والمرحلة الرمزية. أ- المرحلة الحكمية "التوضيح النشط" The enactuve stage: حيث يكتسب الطفل حديث الولادة في هذه المرحلة معرفةً عن العالم من أنشطة حركية متكررة مع أشياء مألوفة, ومع اكتساب الطفل لقدرات حركية، تسنَح له فرص أكثر للتفاعل مع مجموعة كبيرة من المثيرات, ويصف برونر وآخرون bruner et al "1966، ص16". المرحلة الحكمية على النحو التالي: "إن الشكل الإبتدائي للفعل هو "انظر إلى", كما في حركات العينين أو توجيه الرأس. ومن الواضح أن هذا الشكل فطري, وفيما بعد يصبح الفعل هو القبض، والوضع في الفم، والإمساك, وما شابه ذلك من "تحديد موضوع" و"إيجاد علاقة" مع البيئة. والفعل من هذه الناحية هو الشرط اللازم لإنجاز الطفل الصغير للعلاقات البيئية المتبادلة والصحيحة, التي تكوّن موضوعات الخبرة المشتتة والمجرأة, والفعل هو وبعض الطاقة الواردة من المستقبلين البعيدين توفر الظروف الضرورية والكافية لمثل هذا التقدم، بغرض سلامة الجهاز العصبي". وهكذا طبقًا لبرونر، فإن التكوين المبكِّر للمعرفة قد يتوقَّف غالبًا على الإدراك البصري للمثيرات في بيئة الطفل الغريبة, وكما يرى برونر، فإنَّ الأطفال حديثي الوالدة يمرون بسلسلة من حركات البنين والتثبيتات يكتشفون خلالها معرفة بدائية بالعالم. ومع تقدُّم هؤلاء الأطفال في مجال القدرة الحركية، يستمرون في اكتساب المعرفة عن العالم من خلال عمليات حسية، ولكنهم الآن يتَّسقون فيما بين نظم الطاقة الإدراكية. مثال ذلك: إن الطفل يستطيع الآن النظر إلى مثير "تمييز الشكل", وفي نفس الوقت يمسك به "تمييز البعد". إن الطاقة البصرية والطاقة

اللمسية تصبحان متناسقتين، وبذلك تتقدَّم المعرفة التي لدى الطفل عن ذلك وعن الأشياء المتعلقة بها "شكل: 67", وعلى ذلك: فإن الأطفال يفهمون الأشياء على نحوٍ أفضل عن طريق الأعمال: - فهم يفهمون دعامة التوازن بالاعتماد على خبرتهم الفعلية في الأَرْجَحَة, فإذا كان الطفل الذي على أحد طرفي الأرجوحة ثقيلًا, فإن الطفل الآخر الذي يجلس على طرفها الثاني يتراجع، وإذا كان الطفل خفيفًا يتحرك الآخر نحو المركز. - كما أنَّ الأطفال الصغار يعرفون الكلمات على أساس الأفعال المرتبطة بها, فالكرسي يجلس عليه، والملعقة يأكل بها.. إلخ. "جابر عبد الحميد: 1977، 93". إن المرحلة الحكمية تتضمَّن سلوكًا قد يبدو لغير العليم متناهيًا في البساطة, أو إنه مجرَّد من النتائج الوظيفية، ولكن الواقع ليس كذلك، ويصرّ برونر على أن المرحلة الحكمية تشكّل الأساس للتطوّر التالي للمعرفة والوظيفية المعرفية. ب- المرحلة التصويرية التقليدية "التوضيح بالصور" The lkonic stage: في هذه المرحلة يقلّ اعتماد الطفل بشكل مطَّرد على الأفعال المباشرة للأشياء, وتزداد قدرته باطِّراد على تكوين تمثيلات موضوعية للعالم؛ أي أنه يصبح أقلّ اعتمادًا على الاتصال البدني المباشر مع البيئة, ويبدأ في الاعتماد أكثر وأكثر على الصورة, بمعنى: إن الأطفال يستطيعون أن يفهموا المعلومات دون أن تتم في صورة أفعال وأنشطة أمامهم, فيستطيعون أن يرسموا الملعقة دون أن يمثّلوا عملية تناول الطعام بها، ويستطيعون أن يرسموا دعامة التوازن؛ لأن لديهم صورة لم تعد

تعتمد على الفعل, وهذه نقلة هامَّة في نمو العقل. "جابر عبد الحميد: 1977، 93". ويرى برونر أن هذه المرحلة الثانية تمثّل تقدمًا في النمط التمثيلي للطفل؛ إذ إنه في خلال هذه الفترة يبدأ الطفل في تصنيف الأشياء على أساس سمات معينة ثابتة, وهذه القدرة التي تعتبر ذات أهمية بالغة للفهم الصحيح للعالم تكتسب تدريجيًّا, وربما تضمَّنت سلسلة من المراحل الفرعية النوعية قبل تحقيق النضج. ج- المرحلة الرمزية The symbolic stage: يرى برونر أن المرحلة الرمزية هي أعلى مستويات التمثيل التي يقدر عليها الإنسان, ففي هذه المرحلة يستطيع الأطفال أن يترجموا الخبرة إلى لغة، ويمكن فهم دعامة التوازن باستخدام الكلمات بدلًا من استخدام الصور "إن العرض الرمزي يتيح للأطفال أن يستنبطوا منطقيًّا، وأن يفكروا تفكيرًا محكمًا، وأن يشكِّلوا خبراتهم عن العالم الذي يعيشون فيه بصورة قوية وفعالة, واستخدام ذلك للبحث عن حلّ المشكلات التي يتصدَّون لها. ويتشهد برونر ببحوث النمو التي تبيِّن أنَّ الأطفال قادرون على فهم العمليات العيانية أولًا، ثم بعد ذلك على فهم التعبير البياني المصوّر، وفي النهاية يصبحون قادرين على فهم العمليات غير المألوفة بيسرٍ إذا عرضت عليهم بالترتيب التالي: بطريقة عيانية، ثم بيانية، ثم رمزية، وهذه الطريقة تناسبهم بدرجة أكبر إذا كان الموقف ملقًا. "جابر عبد الحميد 1977، 94". ويستطيع القارئ أن يعتبر أن التفرقة النوعية بين مستوى المرحلة الرمزية ومستوى المرحلتين السابقتين هي البعد بين الرمز وبين إشارة وصفية, أو صورة تمثل شيئًا أو حدثًا, وتتضمَّن المرحلة الرمزية عدة ثغرات في اللغة سنناقشها في الفصل الرابع من هذا الباب, ويكفي أن نذكر هنا أنَّ برونر يعتقد أن اللغة نظام رمزي يعمل مستقلًّا عن الأنظمة السابقة، ومع ذلك تعتمد على الأحداث التي جرت في أثناء المرحلة الحكمية، والمرحلة التصويرية، ويجب أن نلاحظ أن المرحلة الرمزية كما اقترحها برونر، وخاصة تأكيده على اللغة كنظام رمزي، تعتبر نقطة اختلاف بينه وبين بياجيه. ومع أنَّ كلا العالمين يعتبران أن النمو يتحرك من انعكاسات بسيطة وأفعال مشاركة إلى تمثيلات رمزية للعالم مطَّردة التزايد، فإن بياجيه يعتبر التمثيلات الرمزية ضرورة تسبق اللغة ونموها, وأن التفكير واللغة يرتبط كلٌّ منهما بالآخر ارتباطًا وثيقًا, وبعبارة أخرى: يعتبر بياجيه أن اللغة تصبح وسيلة للتعبير عن المعرفة والتجريدات، في حين أن برونر يعتبر أن اللغة تجريد؛ إذ يرى أن التفكير لغة مستنبطة، وأنَّ القواعد البنائية للغة وليس المنطق يمكن استخدامها لتفسير مبدأ البغاء أو الثبات, وغيرها من مبادئ بياجيه. وواضح أن برونر يعتقد أن الطريقة التي يفكر بها الشخص تتأثَّر بالخبرات الحكمية والتصويرية المبكرة التي قد تكون انتقالًا ثقافيًّا. ومهما يكون من أمر, فإن أهم العوامل حسمًا من حيث الطريقة التي يفكّر بها الشخص هي اللغة. إنه من الواضح أن اللغة دالة ثقافية, وبالعكس, فإن بياجيه يشدّد على تكافؤ كل اللغات كوسائل تبادلية لتوصيل المعرفة التي تكوَّنت منذ زمنٍ سابق على التفاعل اللفظي للطفل مع العالم, ويتفق هذا الموقف مع إصرار بياجيه على تفاعل اللغات والثقافات في مجال النمو المعرفي.

نظرية جان بياجه jean piaget

3- نظرية جان بياجه jean piaget: هناك إجماع على أنَّ أعمال جان بياجيه كان لها من الأثر على علم نفس النمو أكثر مما كان لأي عالم, ومن المحتَمل أن أعماله أصبحت مألوفة إلى حدٍّ ما لكلٍّ من علماء النفس والمثقفين, وإنها لحقيقة عجيبة أن كثيرًا من المؤلفين والباحثين في علم نفس النمو ربما لا يذكرون اسم بياجيه على الإطلاق، أو على الأقل يأتي ذكرهم له من باب الفضول. وقد واجه بياجه هذا الإهمال من جهة؛ لأنه يكتب الفرنسية، ومن المحتمل أن تكون الترجمة سببًا في بخس تقدير كثير من الباحثين لأعماله, أو وصفها بعدم الوضوح. ولذلك فإن النظريات التي استخدمت اصطلاحات مثل "مرحلة" stage أو "موجز شكلي" schemas أو "تكوين" structure كانت إشارات إلى تركيبات عضوية لم تكن تقبل كعلم. إن ما حدث يصفه سبيري sperry "1975، 33" وصفًا قويًّا بقوله:

"بعد أكثر من 50 عامًا من الرفض القاطع لاصطلاحات مثل: "صورة عقلية" و"الصور البصرية واللفظية والسمعية" طيلة السنوات الماضية، أصبحت هذه الاصطلاحات شائعة الاستخدام كتركيبات تفسيرية في المؤلَّفات المتعلِّقة بالمعرفة، والإدراك, وغيرهما من الوظائف الأعلى". إن التفسير المراجع يقود العقل الواعي إلى التتابع السببي في مجال اتخاذ القرارات، وبالتالي في مجال السلوك عامَّة، وعلى ذلك يعود به إلى مجال العلم التجريبي الذي استبعد منه منذ زمن طويل. إن هذا التحوّل في علم النفس وعلم الأعصاب، بعيدًا عن المادية المتشددة والانخفاضات, والدفع بها إلى نمط جديد من المادة أكثر تقبلًا, يميل الآن نحو استعادة بعض الكرامة والحرية وغيرهما من السمات الإنسانية إلى الصور العلمية للطبيعة الإنسانية بعد أن حرمتها منها المعالجة السلوكية". وهكذا فإنه نتيجة للتغيّر في الفلسفة السائدة ولنشر الوصف الدقيق لأبحاث بياجيه ونظرياته "flasell, 1963" أصبحت أعماله واسعة الانتشار. إنها تعتبر حاليًا وصفًا تصوريًّا يكاد يكون كاملًا لنمو القدرات المعرفية منذ الولادة وإلى النضج, ومن نتائج هذا الاعتراف الممتد أن تتابعت الأبحاث حول كثير من افتراضاته ونتائجه عن النمو، وهي أبحاث أدَّت إلى التوسُّع في النظرية وتعديلها. الافتراضات الأساسية وبعض النقد: إن افتراضات بياجيه قد لا تسمح باختبارها بالتجارب, ولكنها تصبح أكثر مناعة كلما وجدنا أن الجوانب الأخرى من النظرية التي يمكن اختبارها تتفق وهذه الافتراضات. لقد تعلَّم بياجيه أساسًا كعالم بيولوجيا قبل أن تتجه اهتماماته نحو علم

النفس، وخاصَّة علم نفس الطفل, كما أنه اغترف من مناهل أساسيات المنطق والفيزياء، وكلاهما يبرزان في تفاصيل نموذجه النظري. إن بياجيه لا يعتبر نفسه عالم نفس أو بيولوجيا، ولكن عالم في فلسفة المعرفة والمنطق بالوراثة، وكباحثٍ في نشأة المعرفة الإنسانية. وعندما شرع بياجيه في بناء نموذجيه الشاملين ابتدع طريقتين للمعالجة: أحدهما تصورية، والأخرى منهجية, الأمر الذي جعل بعض علماء النفس يرفضون عمله. ونظريته تقدّم فرجًا بين اهتمامه المبكر بالبيولوجيا واهتمامه اللاحق بعلم النفس, وتعتمد نظريته من الناحية البيولوجية على آليات سلوكية فطرية وأنماط فعل, وتنبعث أنماط الفعل هذه في تتابع لا يتغير، يحتوي كل مستوى فيها على المستويات السابقة له, ولكنه يعدلها نوعيًّا "وهذا التصور شبيه بوجهة نظر برونر بالنسبة للغة كنظام رمزي، ولتصور "وارنر" للتنظيم الهرمي. وترمي مبادئه إلى التأكيد على الافتراضات البيولوجية، ومن السهل، عند قراءة مؤلفه الأصلي أن نفهم كيف أسره التناسق في السلوكيات النامية التي لاحظها, ولكن بياجيه لا يعتبر أن البيئة تلعب دورًا تافهًا, وهو يختلف عن برونر في أنه يعتقد أن العمليات المعرفية التي تظهر لا تختلف بين مختلف الثقافات "انتقال ثقاقي"، ولكن يعترف في وضوحٍ بأن التركيب العضوي "الفرد" يجب أن تكون له بيئة تؤثِّر فيه ويؤثِّر فيها إذا أريد للنمو أن يحدث. وقد ذكر بعض النقاد أنَّ ما يبدو من المبالغة في التأكيد على البيولوجي واستبعاد المتغيرات النفسية التي يمكن تناولها تجعل النظرية غير علمية, أو على الأقل وصفية، وغير قادرة على الاختبار التجريبي. انتقادات السلوكيين: وجَّه السلوكيون انتقادات عديدة لنظرية بياجيه المعرفية, وكان أبرزها انتقاداتهم حول المراحل النمائية، وكذلك المنهجية التي استخدمها في استخلاص المبادئ الأساسية في النظرية, وذلك على النحو التالي:

1- مراحل بياجيه: لم يقتصر أمر نموذج بياجيه على مخالفة النظرية السلوكية "reese & overton, 1970, overton & reese 1973", بل إنه اشتمل أيضًا على مفاهيم واسعة المدى مثل: "المراحل", وذكر كيسن kessen "1962" أنَّ استخدام لفظ "مرحلة" كمرادف للسن، لا يعتبر إضافة مجدية لاصطلاحات علم النفس, وعلى ذلك فقد جادل السلوكيون في محاولةٍ للإقناع بأن علم النفس ليس في حاجة لمفهوم المرحلة؛ لأنه مفهوم خاوٍ من الوجهة النظرية، علاوةً على ذلك، فقد أظهر كيسن kessen أنَّ استخدام هذا المصطلح بطريقة وصفية هو الآخر خاوٍ. إن "مرحلة" يمكن استخدامها من باب التكرار غير المفيد, "إن الطفل في مرحلة المشي لأن الطفل يمشي", إن ذلك ليس سوى طريقة دائرية للقول بأن الطفل يمشي. وعلماء النفس قد استخدموا فكرة "المرحلة" إمَّا للإشارة إلى جانب وصفي من سلوك الطفل, أو كمرادف "للسن", والصعوبة هي في ذلك: مصطلح "مرحلة" في هذه النصوص يبدو أنه يعني شيئًا أكثر مما قصده بياجيه فعلًا، وكان للسلوكيين الحق في رفض هذا الاستخدام. إن المراحل لكي تكون مفيدة ومثمرة، يجب أن تؤخذ على اعتبار أنها "متغيرات باراماترية "قياسية" لمجموعة أساسية من البيانات النظرية "kessen, 1962, 69". وبعبارة أخرى: بالنسبة للجوانب الأساسية العريضة لنظرية بياجيه، فإن الاستخدام المجدي لهذا المفهوم هو لتبيان كيف تؤثر التغيرات في المراحل على البيانات النظرية الأساسية. إن بناء المرحلة يجب أن يساعد على التنبؤ بالطريقة التي يتغيِّر بها السلوك من مرحلة إلى أخرى, ويجب أن يضع قواعد الانتقال من مرحلة إلى أخرى, وإلى هذا الحد فإنَّ هذه القواعد الانتقالية غير محدَّدة بوضوح. 2- انتقادات المنهجية: كانت منهجية بياجية موضع الانتقاد الشديد في موضوعين: العدد المحدود من المفحوصين، المستخدمة في أبحاثه، واستخدامه للطريقة الإكلينيكية, وفيما يختص بالنقد الأول، فقطعًا لا مجال للجدل في أنَّ القاعدة التجريبية التي اشتق منها بياجيه نموذجه للنموّ المبكر كان يتكوَّن من ثلاثة أطفال، والأدهى من ذلك، أن هؤلاء الأطفال كانوا أطفاله هو. إن لنا أن نتشكك في كفاية نموذج نظري يقوم

على ثلاثة أطفال يحتمل ألَّا يكونوا ممثلين للأطفال عامَّة, وقد يكون لهذا النقد وزنًا أكبر إذا تذكَّرنا أن بياجيه لم يتزعزع في اعتقاده بأنَّ المراحل المعرفية لا تتغير عبر الثقافات. لقد كان مفحوصوه يمثلون ثقافة واحدة، وعلاوة على ذلك فإنهم لم يكونوا مميزين لهذه الثقافة, ولو كان على بياجيه أن يرد على هذا النقد "من المحتمل أنه لم يكن ليستجيب"، فربما دافع عن رأيه بأنَّ أنماط الفعل تخرج بترتيب لا يتغير, ولذلك فلا حاجة للإفاضة في موضوع عدد "المفحوصين" "المفحوص= أفراد العينة". ومن العجيب أن إحدى المعالجات السلوكية الحديثة الهامة، وهي موقف سكينر skinner الذي يتفق وموقف بياجيه, ويجري أنصار سكينر أبحاثهم على أعداد صغيرة من المفحوصين، يجرون عليهم قياسات معينة, وهم يبررون منهاهجهم في التجريب بنفس الطريقة التي برَّرَ بها بياجيه مناهجه، وهي أنَّ مبادئهم عن السلوك هي مبادئ عامة, وأنها تنطبق على كل التركيبات العضوية "الأفراد"، رغم أن القياسات التي تحدّد خواص المثير وموقف المثير قد يتطلّب الأمر تعديلها تبعًا لخواص التركيب العضوي "الفرد" الذي تجرى دراسته, أو تبعًا للسن "في حالة المفحوصين من البشر". وقد لاقت معالجة سكينر skinner نفس رد الفعل السلبي، غالبًا من نفس الأشخاص الذين انتقدوا بياجيه! ولكن منذ أن صدرت الصبغة المبدأية للنظرية، قام بياجيه وزملاؤه وأتباعه في كثير من البلاد بتحقيق الكثير من استنتاجاته مع أعداد لا تحصى من الأطفال. والنقد الثاني لأعمال بياجيه: استخدامه للطريقة الإكلينيكية, والذي قد يكون أكثر خطورة، وهو قطعًا أصعب في الدفاع عنه. إن الطريقة الإكلينيكية تناسب اتجاهه التصوري والفلسفي الشامل، ولكنها استخدمت بطريقة فريدة, وقد يفيد هنا أن نقدِّم مثلًا توضيحيًّا, فكثير من علماء النفس المهتمين بالتعليم يرغبون في معرفة ما إذا كان الأطفال في سن 6 سنوات يعرفون أسماء الألوان الأساسية, وعندما يجدون أطفالًا يجهلون هذه الأسماء, فإنهم يحاولون التوصُّل إلى أفضل طريقة لتعليمهم إياها. إن اهتمامهم بهذه الظاهرة المعنية ينبع من العلاقة بين معرفة أسماء الألوان وبين الأداء في القراءة، وهي علاقة ليس من السهل تفهمها. أما بياجيه فلم

يهتم إطلاقًا بمعرفة ما إذا كان الأطفال يعرفون ألوانهم، ولكنه قد يتساءل: كيف يرتِّب الأطفال الألوان، تبعًا مثلًا لشدة اللون أو لمعانه. والمعطيات الأساسية للإجابة على هذا السؤال الأكثر تعقيدًا يجب أن تتأتي من الملاحظة الدقيقة للأطفال في مجموعة منوَّعة من واجبات متصلة, ومن تفسيرات الأطفال أنفسهم لسلوكهم. وبياجيه لا يهتم عادةً بما إذا كانت استجابة الطفل لمطلب معرفي ما صحيحة أو غير صحيحة, فإذا كانت الاستجابة صحيحة يستخدم بياجيه المقابلات وتشكيلات المواد المثيرة ليحدد أنواع الافتراضات العقلية التي كوَّنها الطفل, ثم يستخلص منها العمليات العقلية التي يستخدمها الطفل للتوصل إلى الاستجابة غير الصحيحة. فإذا قدَّم الطفل استجابة صحيحة، لا نستطيع دائمًا أن نفترض أنها ناتجة عن نفس القواعد أو العمليات التي يستخدمها الراشدون, وطبقًا لما يذكره فلافيل flovell 1963، ص28". "إن للطريقة الإكلينيكية التي استخدمها بياجه سمات كثيرة مشتركة مع مقابلات التشخيص والعلاج، مع اختبارات استطلاعية أيضًا، ومع ذلك النوع من الاستطلاع اللاتقليدي الذي يستخدم عادة في الأبحاث التجريبية في كلِّ العلوم السلوكية. والخلاصة هي أنه لاستطلاع مجموعة متباينة من سلوكيات الأطفال في تتابع مثير، استجابة، مثير، استجابة، ففي خلال هذا التابع السريع يستخدم القائم بالتجربة كل ما لديه من بُعْدِ نظر ومقدرةٍ لفهم ما يقوله الطفل أو يعمله، ويطبِّق سلوكه على أساس هذا الفهم". تفاصيل نظرية بياجيه: لا شكَّ في أنَّ بياجيه قد أوضح أن الأطفال ليسوا مجرَّد راشدين مصغرين. إن اقتراحه بالمراحل المختلفة نوعيًّا تدلل على اعتقاده بأنَّ طرق تفكير الأطفال تختلف كثيرًا عن طرق الراشدين, ولكننا لا نستطيع تحديد هذه الاختلافات إلّا إذا توفَّرت لدينا الوسائل الفنية للكشف عنها. إننا كثيرًا ما نضطر لسؤال الأطفال أسئلة محددة, ولهذه المعالجة نتيجة غير مرضية في أنَّ التشكيلات والأسئلة الناتجة تكون على درجة عالية من التخصيص والمواقف المحددة, وبالتالي فإننا لا نستطيع الحكم بما إذا كانت استجابات الأطفال منفردة بالنسبة للمثير أو الموقف أو لكليهما. وقليل من علماء النفس يضارعون بياجيه في مهارته في تشكيل المواد وطرح

الأسئلة المناسبة على الأطفال. ومع إننا لا نستطيع تجاهل الانتقاد بأنَّ أعماله يصعب جدًّا تكرارها، فإن الكثير من الآراء العامَّة في نظريته قد دلَّل آخرون على صحتها في مواقف أحسن تخطيطًا وقياسًا وأحكامًا مما فعله هو. وفيما يلي عرض الخطوط العريضة لتفاصيل نظرية بياجيه في النمو المعرفي: أ- الطفل كباحث نشط: سنبدأ مناقشتنا لنظرية بياجيه بالافتراض العضوي العام أن الطفل باحث نشط. وفي ملاحظات شبيهة بملاحظات برونر وفيرنر، لاحظ بياجيه أنَّ الأطفال يؤثرون على بيئتهم باستجابات انعكاسية في فترة الطفولة المبكرة، ثم باستجابات أكثر تعقيدًا تنبعث من تلك التفاعلات المبكرة. ويرى بياجيه أن التفاعل المتبادل بين التركيب العضوي والبيئة عملية ذات اتجاهين، أحدهما: هو المواءمة accomilation, والآخر: هو الاستيعاب "التمثل" assimilation. وفي حالة المواءمة نجد أن معرفة الطفل بالبيئة تتعدل لتستوعب أشياء أو خبرات جديدة, والمؤاءمة هي سمة التملُّك العرفي الذي يتكشَّف مع المتطلبات المعرفية العديدة التي تفرضها البيئة. وفي الاستيعاب يدمج الطفل شيئًا أو خبرة جديدة في تكوين قائم، أي: إن الطفل يتواءم مع معرفة سبق له اكتسابها. وعملية التواؤم أو مطابقة خبرات أو أشياء جديدة في تكوينات موجودة من قبل يندر أن تكون أمينة مع الصفات الفعلية للأشياء, وبعبارة أخرى: فإن عملية الاستيعاب تتضمَّن تعديلات للشيء؛ بحيث يصبح ملائمًا للتنظيم المعرفي القائم, ومن المستحيل الفصل بين التواؤم والاستيعاب. "عادل عبد الله 1990، 42". ويجب على القارئ ألَّا يفترض أنهما متعاقبان أو أنَّ إحداهما أكثر هيمنة من الأخرى, أو أكثر منها أهمية. إنهما في الحقيقة متبادلتان، والتفاعل المتبادل بينهما يولّد النمو المعرفي, والبيان التفسيري التالي الذي قدَّمه فلافيل flavell "1963 ص59-50" يكشف عن تعقيدات الموضوع وعن أهميته: "إن التقدُّم المعرفي في نظام بياجيه، ممكن لعدة أسباب، أولهما: إن الأفعال التواؤمية دائمة الامتداد إلى سمات جديدة ومختلفة للبيئة القريبة؛ لدرجة أن سمةً ما تَمَّ التواؤم معها حديثًا, يمكن أن نجد لها مكانًا مناسبًا في التكوين القائم للمعاني،

وتستوعَب في هذا التكوين, ومتى تَمَّ استيعابها فإنِّها تميل لتغيير التكوين بدرجةٍ ما، ومن خلال هذا التغيير تجعل من الممكن حدوث امتدادات تواؤمية أخرى. كما أنَّ التكوينات الاستيعابية -وكما ستدلل على ذلك مناقشة الموجزات الشكلية- ليست ثابتة أو غير متغيرة، حتَّى في حالة عدم وجود إثارة بيئية. إن نظم المعنى تجرى دائمًا إعادة تنظيمها داخليًّا وإدماجها في نظم أخرى, وهكذا فإنَّ كلا نوعي التغيير إعادة تنظيم الأصول الداخلية, وإعادة التنظيم التي تحدث إلى حدٍّ ما بطريقة مباشرة بوساطة محاولات تواؤمية جديد، يجعلان من الممكن تحقيق تغلغل عقلي مطَّرد في طبيعة الأشياء, ومرة ثانية فإن كلًّا من اللامتغيرين بعد الآخر بطريقة تبادلية, أي: إن التغيرات في التكوين الاستيعابي توجه تواؤمات جديدة، والمحاولات التواؤمية الجديدة تنشّط التنظيمات التكوينية". وعندما يتحدث بياجيه عن المتعلِّم النشط، فهو يشير إلى عمليتي التواؤم والاستيعاب الخاصة بالتركيب العضوي "الفرد". ولذلك فإن بياجيه ليس في حاجة إلى استخدام مفاهيم مثل: البواعث incentives "المثيرات" أو المعززات reinforces لكي يولّد مصدر طاقة للتغير المعرفي "من المحتمل أن بياجيه لم يكن لينكر أن المثيرات المعززة أو الحاثة ذات أهمية في تشكيل أداء الأطفال، ولكن لا يرى أن مثل هذه المفاهيم لها تأثير حاسم على النمو المعرفي". ب- اكتساب المعرفة: إذا اعتبرنا أن الاستيعاب والمواءمة يصلحان كعمليات أساسية تبادلية يمكن من خلالها حدوث النمو المعرفي، فإن تساؤلًا يمكن أن يثار، وهو كيف يتصوَّر بياجيه اكتساب المعرفة؟ وكما أشرنا سابقًا في المثال الخاص بمعرفة الطفل لأسماء الألوان بالمثالية مع معرفته لترتيب الألوان في بعد معين، فإن بياجيه لا يهتم بأي

درجة بالمحتوى. إن ما يهمه، وما تتوصل إليه العمليات المتبادلة هو تنظيم المعرفة التي يسميها بالتكوين. وبتحديد أكثر: فإن بياجيه اهتمَّ بالكيفية التي تتغيِّر بها العمليات السلوكية استجابةً لمتطلبات المعرفة في تحديد الخواص النوعية لهذه التغيرات، وهو يدرس الخواص التكوينية للسلوك في ظروف مختلفة, ومع أطفال في مختلف مستويات النمو, وبذلك يستطيع أن يستخلص "خريطة" للخواص التكوينية للواجبات التي يؤديها أطفالٌ من مختلف الأعمار. إن هذه المهمة شاقة؛ إذ إنها تتطلَّب تحليلًا بالغ الدقة لمختلف الخواص في مجال المعرفة "أو المثيرات التي تدخلت", ثم يجب على الإنسان أن يفحص الكيفية التي تعدَّل بها هذه الخواص مع نضج الطفل, ومهما يكن من أمره يجب على القارئ أن يفهم أن التكوينات هي حصيلة تكوّن معرفة جديدة، وهي تمثّل في أي نقطة من الزمن الطريقة التي ينظِّم بها الطفل فهمه للعالم ويتمثله. ج- فكرة الموجز الشكلي: يذكر فلافيل flavell أن فكرة الموجز "المخطَّط العقلي" schemata, أو الصورة الاحتمالية تلعب دورًا هامًّا في نظرية بياجيه, ولا شكَّ في أن تعريف الموجز الشكلي بأنه نمط فعل يحدث في مناسبة خاصة، لهو مبالغة في تبسيط الأمور. هذا وفي مناقشتنا لأنماط الفعل "في الفصل الخاص بالنمو الحركي بالجزء الثاني من هذا الكتاب" اهتممنا بالتأكيد على أنها تتكوَّن من عدد كبير من السلوكيات المترابطة والتي يبدو أنها تحدث في تتابع ثابت، وإن كانت على الأقل تتشارك عن كثب الواحد بالآخر، وبينما نستطيع أن نتحدث عن عدد من أنماط الفعل، فإننا في نظام بياجيه نستطيع التحدّث عن عدد كبير من الموجزات الشكلية, وعلى ذلك فإنَّ الموجز الشكلي في الواقع يمثِّل نمطًا سلوكيًّا. ولكن إذا كان هذا هو كل ما يمثله، أي: إذا كان مجرَّد اصطلاح وصفيّ، فإنه لن تكون هناك ضرورة بنفس الطريقة التي لا ضرورة بها لمفهوم المرحلة. الواقع أن الموجز الشكلي يدل ليس فقط على تتابع سلوكي, ولكنه أيضًا يدل على تغيُّر مصاحب في التكوينات، أي: إن تنظيمًا جديدًا أو معدّلًا أصبح موجودًا الآن لدى الطفل. مثال ذلك: إن طفلًا قد يكون لديه موجز شكلي للإبصار, أو موجز شكلي للإمساك, أو موجز شكلي للوصول، ومع أنه في وقتٍ ما من فترة الطفولة الحديثة، تكون هذه الموجزات مستقلة, إلَّا أنها تنتهي بالتكامل، حتى يصبح مثلًا بالإمكان أن نتكلَّم عن موجز شكلي للإمساك بالشيء. وواضح أن هذا الاصطلاح وصفي, ولكنه أيضًا يعكس اكتساب الطفل لشكلٍ جديد من التنظيم المعرفي أو التكوين المعرفي، أي: تكامل ثلاثة موجزات في موجز شكلي واحد.

مراحل بياجيه

مراحل بياجيه: استنادًا إلى الملاحظة المكثَّفة لأطفاله، وإلى بديهته، رأى بياجيه أنَّ الأطفال يتقدَّمون عبر مراحل أربع، بدايةً من استجابات انعكاسية بدائية, إلى تحقيق النضج الكامل مع الوصول إلى التفكير الاستنتاجي الأساسي. والمراحل الأربع هي: الذكاء, والحسّ الحركي، والعمليات قبل الحسية، والعمليات الحسية، والعمليات الشكلية. والشكل "5" يلخّص هذه المراحل وأقسامها, مع أوصاف سلوكية مختصرة, ومستويات السن التقريبية. والانتقال من مرحلة إلى أخرى يتم تدريجيًّا، ولا يؤثر بالضرورة على كل سمات وظيفية الطفل. وفي إطار كل مرحلة يحدث نمو رأسي "وهو ما أسماه بياجيه بالتغير الرأسي" ينقل الطفل قريبًا من مرحلة تالية، ونمو أفقي "تغيُّر أفقي" وفيه يضم الطفل قدرًا أوسع من السلوكيات إلى نفس المستوى التكويني ومستويات السن المرتبطة بكل مرحلة تقريبية، أي: إن بياجيه لا يؤكد أن كل الأطفال يصلون على مرحلة جديد في نفس الوقت.

المرحلة الحسية الحركية "0-2 سنة"

1- المرحلة الحسية الحركية "0-2 سنة": تمتد فترة النمو الحسي الحركي sensorimotor من الولادة إلى حوالي السنة الثانية من العمر, وفي البداية يتكوَّن السلوك بدرجة تكاد تكون تامَّة من الحركات الانعكاسية التي تميز الطفل الوليد, وهذه ليست هي الانعكاسية التي ناقشناها في تناول النموّ الحركي في الجزء الثاني من هذا الكتاب، تلك

الانعكاسات التي تختفي في الوقت المناسب، ولكنها سلوكيات انعكاسية لحركات العينين والذراعين والمص وغيرها, وبعبارة أخرى: فإن اهتمام بياجيه ينصبُّ على الانعكاسات التي تكون الأساس لمراحل قادمة في النمو المعرفي, وعندما يصف بياجيه هذه المرحلة المبكرة من النمو تجده يشدِّد على الأفعال الحركية بالمقابلة مع أيِّ نوع من التمثيلات الوصفية أو الرمزية. وتنتهي هذه المرحلة عندما تحل محلها العمليات الرمزية, ومرحلة الذكاء الحسي الحركي تتكوّن من ست مراحل فرعية, وتتمثل مجالات حَظِي ببعض أعمال بياجيه الوصفية بتفصيل بالغ. وتنقسم المرحلة الحسية الحركية إلى ست مراحل فرعية على النحو التالي: المرحلة الفرعية الأولى: المرحلة الانعكاسية reflexive stage: وهي تتميز بدرجة كبيرة بالانعكاسات reflexes التي ذكرناها, والطفل يقبل على قدر كبير من التمرين مع هذه الانعكاسات التي يبدو أنها تمر بتغيرات طفيفة في التكوين, مثال ذلك: إن الطفل لا يبدأ بعملية المص عند وجود زجاجة أو حلمة، حتى بدون أن تلمس الزجاجة أو الحلمة شفتيه.

المرحلة الفرعية الثانية: التفاعلات الدائرية الأولية: primary circular reactions "2-4شهور": وتحدث عندما يزاول الطفل بشدَّة الموجزات الشكلية التي تكوَّنت في المرحلة الانعكاسية, علاوة على الموجزات الشكلية الجديدة التي تبرز في هذه الفترة، بما في ذلك النظر إلى المثيرات، والاستمتاع، والقبض, ويستخدم بياجيه لفظ "دائري" للدلالة على تكرار هذه الموجزات الشكلية, وقد يكون أهم حدث في هذه المرحلة هو تناسق الموجزات الشكلية, فعند سماع صوت مثلًا يدير الطفل رأسه وعينه في اتجاه مصدر الصوت. كما يظهر التنسيق بين موجز المص وموجز القبض, وكذلك موجزًا لرؤية رد القبض, وهكذا فإن الطفل ينمي القدرة على الإمساك بشيء، ومتى فعل ذلك يدنيه من فمه لمصه. ومع التنسيق بين موجزي الرؤية والقبض، يستطيع الطفل رؤية شيء، ويحدد مكانه في الفضاء، ويمسك به, ثم يتفحصه ببصره، ويجب أن نلاحظ أنه يبدو وكأنَّ موجزًا شكليًّا رؤية -قبض يمكن أن يحدث فقط عندما تكون العين واليد في منظور واحد.

فإذا اختفى الشيء من مجال نظر الطفل، فإن الدليل السلوكي يبدو كأنه يشير إلى أن الشيء لم يعد له وجود بالنسبة للطفل, وبعبارة أخرى: فالطفل في هذه المرحلة ليس لديه مفهوم دوام الشيء object permenancy. المرحلة الفرعية الثالثة: ردود الفعل الدائرية الثانوية secondary circular reactions": "4-8 شهور", وتدل على أن الطفل أصبح مدركًا لعواقب أفعاله الحركية الخاصة، ولكن وبعكس المراحل السابقة، يقوم الطفل بتكرار هذه الأفعال. وكمثال لهذا السلوك: هز الشخشيخة، وهو فعل يكرره الطفل توقعًا للصوت الناتج عن الهز, وقد افترض بعض الباحثين أنَّ التكرار المستمرّ ينتج عن تعزيز إيجابي "نتيجة الفعل الحركي على الشي", وبذلك فهو يشبه استجابة شرطية، وقد يبدو وصفنا أنه يعني أن بياجيه يستخلص بعض المعرفة بالسبب والنتيجة، أي: إن الطفل يؤدي سلوكه قصديًّا, والواقع أن بياجية يقول: إن الطفل في هذه المرحلة لا يستطيع فعلًا فهم أن فعله يولّد النتيجة البيئية، وفي أثناء الجزء الأخير من هذه المرحلة تظهر مبادئ مفهوم دوام الشيء.

المرحلة الفرعية الرابعة: توصف هذه المرحلة بأنَّها مرحلة تنسيق التفاعلات الدائرية الثانوية coordination of secondary reactions "8-12شهرا". وأهم إنجاز في هذه المرحلة هو ظهور القصدية، أو سلوك الوسيلة - الغاية, علاوةً على ذلك فإن الطفل يطوّر من الموجزات الشكلية الموجودة, ويضيف أشياء جديدة إلى الموجزات القديمة. إن ما يميز هذه المرحلة عن المرحلة الفرعية الثالثة هي القدرة على أداء عدد من الأفعال الفرعية. "تعدد الوسائل" بقصد الحصول على هدف مرغوب فيه "غاية", وعلى ذلك، فبينما لم يتمكَّن بياجيه من أن يحدِّد بوضوح أن الوسائل قد تفاضلت عن الغايات في المرحلة الثالثة, فإن هذه التفرقة واضحة جدًّا في المرحلة الرابعة, ومن السمات الأخرى الهامة في المرحلة الفرعية الرابعة. إن اللعب يصبح له أهمية واضحة, ويصف فلافيل flavell "1977، ص32" مثلًا لذلك: "يصبح اللعب أكثر مرحًا بشكلٍ واضح في هذه السن, فمثلًا بعد أن يكون قد ظلَّ لفترة يمارس بجدية, يصبح هناك تداخل بين الوسيلة والغاية الجديدة "مثال على الذكاء التكيفي adapted intellegent"، فقد يهمل الغاية ويتلهَّى مسرورًا بالوسيلة "لعب", كما حدث في إحدى الحالات أن أحد أطفال بياجيه بدأ يحاول مهمة دفع عائق جانبًا ليحصل على لعبة، وانتهى به الأمر بأن تجاهل اللعبة وأخذ يدفع بالعائق جانبًا المرة بعد الأخرى بقصد اللهو. إن اللعب كالتقليد، يبدأ في التفاضل عن الذكاء المتكيف ليصبح أداة متميزة للنمو المعرفي. ومهما كانت الوظائف

الأخرى التي يؤدِّيها اللعب في حياة الطفل "وهناك الكثير منها"، فإن أحدًا لم يشك في أنه وسيلة هامة للتعلّم والنمو العقلي". المرحلة الفرعية الخامسة: ردود الفعل الدائرية الثالثة tertiary circular reactions "12-18 شهرا": وهي تنعكس في استكشاف الطفل لإمكانيات جديدة لتناول الأشياء، وبعبارة أخرى: ينشط في التجارب بالأشياء التي في البيئة, كما أن الطفل يبدي مستوى أكثر نضجًا لدوام الأشياء, وقبل هذه المرحلة يميل الأطفال للافتراض بأن الشيء المخبَّأ عن نظرهم يجب أن يكون

موجودًا دائمًا، ولكنهم لا يفهمون أنَّ بالإمكان إزالته. وفي المرحلة الخامسة يتغلّب الطفل على هذا المفهوم الخاطئ, ويأخذ في الحسبان أفعال الآخرين في تحديد ما إذا كان الشيء ما يزال موجودًا أم لا. والفرق الأساسي بين التفاعلات الدائرية في المرحلتين 4، 5 هو أنه في المرحلتين السابقتين لا تستمر التفاعلات الدائرية إذا أدَّت إلى نفس النتيجة، وفي المرحلة 5، لا تستمر التفاعلات الدائرية إلّا إذا تباينت نتائجها، ويتوقَّف ذلك على كيفية أداء الفعل. وهكذا، فإن الوليد في هذه المرحلة يبدأ فعلًا في اختيار الأشياء بسلوك مختلف مع الشيء, ويتفحص كيف تؤثر التغييرات في الشيء. المرحلة الفرعية السادسة: ترسيخ الموجزات الشكلية the internalization of schemas "18-24 شهرًا" ويعني ذلك أن الأطفال يحققون بعض القدرة التمثيلية reprezentational ability, أي: إنهم يصبحون الآن قادرين على العمل مع واقعية رمزية, وكذلك مع عالم حسي حركي ملموس. كما أنَّ الطفل يبدأ في الكلام وفهم الكلمات, ويقبل على تصنيف بدائي للأشياء. وفي أثناء هذه المرحلة التالية، يستخدم الطفل الأشياء بطريقة رمزية أو تمثيلية، مثال ذلك: يستطيع الأطفال أخذ مكعب واستخدامه كسيارة بكل تحركاتها وأصواتها المميزة لها, وبعد عشر ثوان قد يأخذون نفس المكعب ويمثلون به طائرة, وهذه القدرة

على أخذ أشياء لتمثيل أشياء أخرى تعتبر كسبًا معرفيًّا بالغ الأهمية, وهو يكتسب دورًا رئيسيًّا في لعب الأطفال, وله آثار هامة على العمليات الاستيعابية. ومن المظاهر الأخرى للمرحلة السادسة التي تستحق التعليق عليها، دور التقليد initation, إننا لم نشر إلى الآن إلى التقليد, ذلك لأنَّ وظيفته المحدَّدة لم تكن واضحة, غير أن التقليد هام, وذلك بسبب دوره في المواءمة. إن السلوك التقليدي كان يحدث منذ المرحلة الثالثة تقريبًا، ولكن في تلك المرحلة كان من المتعذَّر التفرقة بين سماته الاستيعابية وسماته التواؤمية. وهكذا ففي المرحلة الثالثة كانت أنماط الأفعال المقلَّدة متيسرة فعلًا للطفل، ولكنه لم يكن يستطيع حتى المرحلة الرابعة تقليد أنماط سلوكية جديدة، علاوةً على ذلك, فقبل المرحلة الرابعة لا يمكن تمييز الأنماط التقليدية منفصلةً عن جسم الطفل, وهو لا يتمكَّن من إظهار تقليد مؤجل إلّا في المرحلة السادسة، أي: تقليد نماذج ليست موجودة ماديًّا بالقرب منه. علاوة على ذلك, يستطيع الطفل تقليد الأشياء غير البشرية، كيف تبدو الشجرة مثلًا! وعلى ذلك فإن الطاقة القصوى للتقليد واللعب تظهر في المرحلة السادسة والأخيرة من الذكاء الحسي الحركي, وتستمر تعمل كمصدر هام للاستيعاب والتواؤم والتطوير الممتد للوظيفية المعرفية. ثانيًا: مرحلة ما قبل العمليات preoperational preiod "2-7 سنوات" يعتبر بياجيه "1951" أن التحوّل إلى إجراءات أكثر تمثيلية تحولًا حاسمًا في النمو المعرفي, وقد عبَّر عن هذا التغيُّر باسم مرحلة ما قبل العمليات, غير أن المرحلة الفرعية السادسة للذكاء الحسي الحركي والمراحل الأولى من مرحلة ما قبل العمليات, تمثّل في الواقع تدرجًا وليس تحديدًا حادًّا. وتنقسم مرحلة ما قبل العمليات إلى مرحلة التصوّر العقلي concerptual phase "2-4 سنوات" والمرحلة الحدسية intuitive phase "4-7 سنوات", وأهمَّ ما يحدث في مرحلة التصوّر العقلي هو تطوير الإجراءات الرمزية واستخدام المهارات التمثيلية. ويتمثَّل جزء كبير من هذا التغير في ابتداء اللغة. وفي رأي بياجيه أنَّ كلام الطفل يبدأ مع بداية مرحلة ما قبل العمليات، وقد يكون ذلك نتيجة النضج العصبي الجسماني، وبعكس واطسون j.b. watson الذي قال: إن

الإجراءات "العمليات", وإن تكن مجرد حركات عضيلات صغيرة في الحنجرة، فإن بياجيه يعتقد أن اللغة نظام رمزي ينقل المفاهيم, ولكنه لا يتضمَّن المفهوم نفسه, وكما لاحظنا في تعليقاتنا على المرحلة الفرعية السادسة، فإن الطفل يبدي زيادة في اللعب الخيالي علاوةً على اللعب الحركي بأشياء حقيقية. وفي أثناء المرحلة ما قبل العمليات الإجرائية تتّسع هذه الموجزات الشكلية "المخططات العقلية"؛ بحيث يصبح للمثيرات معنى فطري لدى الأطفال، وهي حقيقة كثيرًا ما تسبب صعوبات في التواصل بين الأطفال والراشدين. إن أنماط السلوك المعرفي، أي: التكوينات والموجزات الشكلية أو المخططات العقلية للأطفال في مرحلة التصور العقلي من هذه الفترة، يعكس فرقًا نوعيًّا كبيرًا عن التكوينات والموجزات الشكلية المتيسرة لدى الطفل في المرحلة الحسية الحركية. ولسوء الحظ, فإنه لا توجد أبحاث منهجية مكثَّفة عن مختلف سمات سلوك الطفل الحابي، ونشك في أن السبب في ذلك يرجع بالأكثر إلى أنَّ الصغار في هذه السن يصعب الحصول عليهم مفحوصين للبحث. وأيضًا لأنه من الصعب العمل معهم "ومن أسباب ذلك ما يتَّسم به تفكير الطفل من الفطرية والأنانية". وتدل الأبحاث التي أجريت على أنَّ الطفل التصوري يختلف عن الأطفال الأكبر منه سنًّا من عدة نواحي ذات دلالة. مثال ذلك: إن الأطفال المفكرين في سن 2، 4 سنوات يتميزون بعدم وجود تصورات حقيقية, وذلك فلو أنها قد تحل بعض المشاكل، إلَّا أنها لا تستطيع أن توجد تفسيرات دقيقة, ولا تستطيع التنسيق مع أكثر من بعد واحد، أي: إنها تتركَّز على سمة واحدة "تسمَّى المركزية centration" بدلًا من السمات العديدة التي للأشياء والمسائل, والمركزية هي أحد الأسباب التي تجعل الأطفال كثيرًا ما يعجزون عن فهم مشاكل تتعلّق بثبات الخواص conserration, كما أنَّ الأطفال في طور التصور العقلي لا يستطيعون تعميم مثل واحد لمفهوم ما على الأشياء والأحداث الأخرى. والواقع أن تفكير الطفل في هذا المستوى النمائي يقع في خير ما بين التفكير الاستدلالي والتفكير الاستقرائي deductive and inductive, والطفل لا ينتقل من الاستدلال العام deduction إلى الاستدلال الخاص, أو من الاستقراء induction الخاص إلى الاستقراء العام، ولكن ينتقل من

حالة معينة إلى حالة أخرى معينة, ويسمي بياجيه هذا الإجراء بالتفكير التحولي transductive reasoning. ومن أهم الخصائص المميزة لهذه المرحلة ما يلي: 1- الانعكاسية Reversibility: إن الطفل في مرحلة ما قبل العمليات الإجرائية لا يستطيع أن يلمس مفهوم الانعكاسية, ويعتبر بياجيه الانعكاسية عملية عقلية يدرك فيها الشخص أنَّ الأشياء يمكن أن تتحوَّل من شكل إلى آخر, وتعود إلى شكل سابق، أو بلغة المعادلات: 6 + 3=9، و9 - 3= 6. إن المسائل العديدة لثبات الخواص كما وضعها بياجيه وزملاؤه تبسط المفهوم المعرفي. والشكل "77" يوضح مسألة ثبات خواص السوائل conservation of liquids, ويُسأل الأطفال: "أيّ الكأسين به ماء أكثر من الآخر، هل هو الطويل أم الأقصر؟ " أو "هل بهما نفس كمية الماء؟ ", وفي أثناء المرحلة، قبل العمليات الإجرائية، يختار الأطفال عادة الكأس الطويل أو الكأس القصير؛ لأنه أوسع, "والواقع أنهم يختارون الكأس الطويل؛ لأنهم يقرنون بين الطويل والكمية". وإذا قدم الطفل ثبات خواص السوائل أ- يصب ماء من أحد الكأسين في مخبار طويل "أو طبق مسطح", ويطلب من الطفل أن يذكر ما إذا كان كل من الإناءين يحتوي على نفس القدر من الماء. ب- كأسان من الزجاج بهما ماء بارتفاع واحد, ويلاحظ الطفل أنهما متساويان.

استجابة غير صحيحة, أو قدَّم تفسيرًا غير صحيح لاختياره أحد الكأسين، فإن القائم بالتجربة يأخذ عندئذ الماء من الكأس الطويل ويصبه في الكأس الصغير, ويمكن بعد ذلك السماح للطفل بصب الماء من الكأس القصير في الكأس الطويل, ويلاحظ أن الكأس الطويل أصبح الآن مملوءًا إلى حافَّته. وعادة يعلق الطفل على ذلك بأنَّ الكأس الطويل مملوء, أو أن الكأس القصير مملوء, وبعد إجراء هذه العملية يطلب من الطفل ثانيةً أن يوضِّح أي الكأسين به ماء أكثر, وأن نفسِّر أسباب اختياره, ورغم أنهم في الحقيقة قد أجروا العمليات الحركية، فإن أطفال مرحلة ما قبل العمليات الإجرائية يصرّون على ذكر أن الكأس الأطول "الأقصر" به ماء أكثر, وعند تفسير سلوكهم هذا يركِّزون على طول أو اتساع الكأس على أنه السبب في أن أحد الكأسين به ماء أكثر من الآخر. وواضح أن الطفل لكي يقدم الاستجابة الصحيحة، يجب أن يعرف أنه لم يضف أو يسحب ماء في أثناء عمليات صب الماء من كأس إلى آخر. وثانية: يجب أن يدرك الطفل أن زيادة اتساع أحد الكأسين يعوّض زيادة الطول في الكأس الآخر. وهنا نجد لدينا سمتين هامتين من سمات العمليات العقلية لمفهوم الانعكاسية, وتوضحه حقيقة أن صب الماء من كأس إلى آخر يعادل صب الماء في الاتجاه المضاد. وثانية: فإن الطفل يجب أن يلاحظ بُعْدَيْن في وقت واحد، الارتفاع والاتساع، ويجب أن نفهم أنهما يتغيران معًا في علاقة ثابتة. وإذا فشل الطفل في حل هذه المسألة فإنه ينحصر في سمة تصورية واحدة للمادة المثيرة, سواءً طول الكأس أو اتساعه. إن ظاهرة الانتباه لبُعْدٍ واحد فقط أو لخاصة واحدة، سبق أن أشرنا إليه وهو يسمَّى بالتمركز. وثمة اختيار آخر عن ثبات الخواص, يوضع في كفتي ميزان كرتين من الصلصال "بنفس" الارتفاع, وذلك لمعرفة ما إذا كان الطفل يفهم معنى كلمة "نفس", وبالعمل أمام الطفل، يقوم القائم بالتجربة بإعادة تشكيل إحدى الكرتين إلى شكل آخر، كما في الشكل "77", فإذا أخبر القائم بالتجربة الطفل إن الكرة الأطول قد تحولت إلى صاروخ، فإن طفل المرحلة ما قبل العمليات يقول الآن: إن الكرة الأطول تزن أكثر؛ لأن الصوايخ تزن أكثر, وإذا لم يعلق القائم بالتجربة على ما يمثله الشكل المستطيل لكتلة الصلصال، فإن الطفل سيقول: إن الشكلين الصلصالين

ليسا سواء؛ لأن الصلصال الذي يغير شكله أصبح الآن أطول وبالتالي أكبر، أو أنَّ الكرة المستديرة أطول ولذلك فهي أكبر، وبعد أن يعاد تشكيل كتلة الصلصال المستطيلة إلى شكلها الكروي الأول، يقول الطفل: إنَّ كلًّا من الكرتين تحتوي على نفس كمية الصلصال. أ- يقدم القائم بالتجربة كرتين متساويتين من الصلصال, ويقر الطفل بأن الكرتين بهما نفس الكمية. ب- تبرم إحدى الكرتين ويسأل الطفل ما إذا كانا لا يزالان يحتويان على نفس الكمية.

التركيز centration

2- التركيز centration: في كلا المثالين عن ثبات الخواص، أخذ الأطفال بخاصية إدراكية للمثيرات، وهي ظاهرة أسميناها بالتركيز, وقد توضح التركيز في دراسة تصورية قام بريان وبورسما bryan & boersma "1971" الذي سجَّل حركات العينين وتثبيتهما للأطفال القائمين بمهمة ثبات خواص السوائل. وكان أفراد التجربة من أطفال صغار وأطفال أكبر. كان الأطفال الصغار أكثر احتمالًا بالانحصار في سمة إدراكية أو أخرى للاختبار، ولذلك لم يتمكَّنوا من حل المسألة حلًّا صحيحًا, وكان الاحتمال أكثر في أنَّ أطفال المجموعة الأكبر سنًّا يستطيعون حل اختبار ثبات الخواص. وقد وجد القائمون بالتجربة أن الأطفال الذين ذكروا أن الكأس الأطول يحتوي على كمية أكبر من المال يميلون إلى تنظيم تثبيتات بصرهم المتتابعة على المحور الرأسي "بُعْد الطول"، في حين أن الأطفال الذين فهموا انعكاسية الاختبار ثبَّتوا أعينهم على كلا البعدين.

وبإعداد اختبارات لتقييم قدرة الأطفال على إدماج الأجزاء المميزة في الكل، قام الكيند elking "1969" بإجراء فحص مكثَّف للتركيز وعدم التركيز كأمثلة على التكامل الإدراكي والمعرفي. والشكل "79" يوضح الأدوات المستخدمة في اختيار تكامل الصورة "pit" picture intergration test. لاحظ أنَّ الطفل يستطيع أن يسمي الأجزاء المنفصلة أو يدمجها في صورة كاملة، أو كلا الأداءين. ومن السمات الهامَّة للسلوك التكاملي "الإدماجي" عمل تصنيفات متعددة وتنسيق الأجزاء إلى كل. وتدل معطيات الكنيد Elkind على أن أطفال مرحلة ما قبل العمليات أقل احتمالًا لعرض سلوكيات تكاملية من الأطفال الأكبر سنًّا, والأطفال الأصغر أكثر احتمالًا لتسمية الأشياء الفردية بدلًا من رؤية النموذج التصوري كوحدة كاملة.

التمركز حول الذات egocentricity

3- التمركز حول الذات Egocentricity: من سلوكيات مرحلة ما قبل العمليات الإجرائية التي لاقت اهتمامًا كبيرًا سلوك الطبيعة الأنانية, أو التمركز حول الذات لتصورات الأطفال للعالم. وبالتحديد فإن الأطفال في مرحلة النمو هذه لا يستطيعون النظر من وجهة نظر الآخرين, وهذا المظهر من الإجراءات العقلية للطفل يشبه تحويل الطفل لمكعب إلى دبابة أو طائرة، ثم لا يفهم لماذا لا يفهم أحد سلوكه وتلفظاته. ويمكن تقديم أمثلة أخرى على التمركز حول الذات في تفكر الأطفال, ويصف بياجيه "1955" طرح الأطفال للأسئلة في مرحلة ما قبل العمليات الإجرائية بأنه يعكس التمركز حول الذات بصورة أساسية. وعلى ذلك, فعندما يسأل الأطفال في هذه السن: "لماذا تمطر السماء؟ " فإن الأكثر احتمالًا أنهم يسألون: "لماذا هي تمطر, بينما أنا أريد أن أخرج لألعب؟ " أكثر من السؤال عن السبب المادي للمطر. والأسئلة المميزة التي يطرحها الأطفال في هذه السن تبدأ بحرف الاستفهام "لماذا؟ " وهي غالبًا طلبات إيضاح لأحداث طبيعية مثل: الرياح والمطر "myers & shane" 1973"، ومعظم مثل هذه الأسئلة عندما يطرحها الأطفال تبرز استجابات غير منطقية تفرض مثلًا أن الرياح والمطر أشياء حية. إن إسناد الحياة لأشياء غير حية، ويسمَّى بالإحيائية animism، هو من الأسئلة والأجوبة للطفل في مرحلة ما قبل العمليات الإجرائية. "من أين تأتي الرياح؟ "، "هل السحب حية؟ " "أين تذهب الرياح عندما يهدأ الجد؟ " أمثلة لنوع التفكير الذي تتضمَّنه هذه المرحلة, ويقدّم بياجيه أربعة مراحل للإحيائية: 1- الأطفال بين الرابعة والسادسة يفكرون "يظنون" أن كل شيء حي. 2- الأطفال بين السادسة والسابعة يعتبرون أن الأشياء التي تتحرك حية. 3- الأطفال بين الثامنة والعاشرة يعتبرون أن كل شيء يتحرّك من تلقاء نفسه حي. 4- الأطفال في الحادية عشرة وما بعدها يسندون الحياة للحيوانات والنباتات فقط. والسلوك الإدراكي للطفل في مرحلة ما قبل العمليات الإجرائية يبدو عادةً بمظهر الحذق الناضج, غير أن الأطفال عندما يسألون بحذر أو تعرض عليهم سائل تولد صراعًا بين الاستجابات التصورية والإدراكية, فإن مستوى استجاباتهم غير الناضج يصبح واضحًا, ومثل هذا الصراع هو المسئول عن المزيد من النمو المعرفي. وحديثًا، أثارت بورك Borke "1973" مسألة ما إذا كان الأطفال في هذه المرحلة من العمر لا يستطيعون فعلًا فهم مشاعر الآخرين, وتدل معطياتها على أنَّ الأطفال في سن الرابعة يستطيعون تمييز الاستجابات السعيدة في الأطفال الآخرين, وفيما بين الرابعة والسابعة يصبحون أكثر كفاءة في تمييز الخوف والحزن والغضب, وهناك بعض الاختلاف في الرأي حول النتائج التي توصّل إليها بورك bork, فنجد أن شالندر وجرينسبان chandler & greenspan مثلًا "1972" يريان أن المعطيات بدلًا من أن تدل على قدرة تأكيدية، تدل على أنَّ الإجراءات النفسية التي تضمنتها أكثر شبهًا بالتعيين identification؛ حيث يعزو الفرد مشاعره بشكل دقيق إلى استجابة شخص آخر. وإذا كان شاندلر وجرينسبان مصيبان فإن تفسيرهما يكون أكثر انطباقًا على التمركُز حول الذات التي وجدها بياجيه, ويظل هذا الموضوع مفتقرًا إلى الوضوح, ويتطلَّب إمعانًا أكثر تحديدًا. لقد طرقنا ثلاث مظاهر فقط من الإجراءات العقلية في الفترة المبكرة من مرحلة ما قبل العمليات الإجرائية.

الانتقال transiton

4- الانتقال transiton: الجزء الثاني من المرحلة قبل الإجرائية يسمَّى المرحلة الحدسية intuitive phase, وفيها يبدأ سلوك الطفل في إظهار علامات على الذكاء التكيفي adaptive intelligence لا بقولة فلافيل flavell س"1963 صـ162-163". "أولًا: يصبح الطفل أكثر قابلية للاختبار في التجارب الشكلية من سن 4 أو 5 سنوات وما بعدها, وهو أكثر قدرة على مواجهة اختبار محدَّد, وعلى تطبيق الذكاء التكيفي بدلًا من مجرَّد تشبيه هذا الاختبار بموجز شكلي أناني, أو مخطط عقلي متمركزًا حول الذات، وليس من قبيل الصدق أن الحد الأدنى للسن في معظم تجارب بياجيه هو 4 سنوات، ولا يقتصر الأمر على قابلية الطفل للاختبار في حد ذاته في أواخر مرحلة ما قبل العمليات الإجرائية، ولكنه يصبح أيضًا قادرًا على التفكير في مسائل تجريبية تزداد تعقيدًا واتساعًا في استعراضات الموقف الاختباري".

إن الطفل الحدسي يمر بمرحلة انتقالية تتجه نحو إجراءات ملموسة. وكما هو الحال بالنسبة لكل المراحل الانتقالية، فإن الأطفال يظهرون أحيانًا سلوكيات غير ناضجة في بعض المجالات، ومع أن الأطفال في المرحلة الحدسية يظهرون نموًّا كبيرًا في نوعية إجراءاتهم العقلية، فإن هذه الإجراءات ما تزال محدودة. إن الأطفال يظلون غير قادرين على مواجهة أكثر من بعد واحد, ولذلك فهم يعجزون عن مواجهة واجبات التصنيف المتعددة, علاوة على ذلك فإنَّهم لا يملكون بعد إدراكًا للانعكاسية. ثالثًا: مرحلة العمليات المحسوسة "7-11" concrete operations: في أثناء مرحلة العمليات المحسوسة، يحقق الطفل فهمًا لثبات خواص الكتلة، والوزن والحجم، ويسيطر على مجموعة بالغة المرونة من الاستجابات لمواجهة المتطلبات البيئية. إن الإجراءات العقلية للطفل تشتمل الآن على الانعكاسية، والقدرة على مواجهة أكثر من بعد واحد "الارتفاع والاتساع مثلًا"، ومفهوم النوعية. كما أنه يحقق أيضًا القدرة على ترتيب المثيرات تبعًا للطول, وبالتالي يستطيع أداء واجبات التسلسل derration. علاوة على ذلك، فإن قدرة الطفل على استيعاب المزيد من الرموز التجريدية مما يدل على تقدّم ملحوظ.

وقرب نهاية مرحلة العمليات المحسوسة، يصبح الطفل قادرًا على تناول مسائل الانتقالية Transitivity. وتتميز مرحلة العمليات المحسوسة بأنها الفترة التي يبدأ فيها الأطفال بإظهار فهم ناضج للعالم, ويبدءون في إدراك أنَّ باستطاعتهم حل كثير من المسائل باستخدام التفكير المنطقي وعن طريق القياسات, ويقل اعتماد الطفل على الصفات التصورية، ويزداد اعتماده على المفاهيم الرمزية. ومن أهم خصائص هذه المرحلة العمليات التالية: 1- التصنيف المتعدد multiple classification: هو أحد السلوكيات الجديدة الهامَّة التي يحتاج الطفل إليها في مراحل العمليات المحسوسة.. ومن الواجبات المثالية التي قد تتضمَّن مثيرات تتغير في الحجم "كبير، متوسط, وصغير"، واللون "أحمر، أزرق، وأخضر، أو أسود، ورمادي، وأبيض"، والشكل "منشور، وكرة, ومكعب": ويطلب من الأطفال تجميع الأشياء تبعًا لتوافقها بعضها مع بعض. يمكن أن يجمعوا المثيرات تبعًا لأي من أبعاد المثير أو خواصه: اللون, الشكل، أو الحجم، وبعد فرز المثيرات أول مرة يعاد ترتيبها, ويطلب من الأطفال فرزها بطريقة أخرى، والأطفال في الجزء الأخير من مرحلة ما قبل العمليات يقومون عادة بفرز المثيرات تبعًا للشكل، والقليل منهم من يفرزها تبعًا للون، والأقل بعد ذلك من يفرزها تبعًا للحجم. ومن المفيد أن نلاحظ أن الشكل يميل لأن يكون أكثر الأبعاد بروزًا بالنسبة للأطفال, ولكن إذا ما سألنا الأطفال أن يصنِّفوا المثيرات تبعًا لأكثر من بُعْدٍ واحد، فهم عادة يعجزون عن ذلك. إن الأطفال في مرحلة العمليات المحسوسة لا يجدون صعوبة تذكر في إجراء التصنيفات على أساس بعد واحد، ومعظمهم يقومون تلقائيًّا بإجراء التصنيف على بعدين، مثال ذلك: كل المثيرات الخضراء الكبيرة، والمثيرات الحمراء المتوسطة الحجم، والمثيرات الزرقاء الصغيرة، كما أن الأطفال يمكنهم بقليل من الصعوبة إجراء التصنيف باستخدام الأبعاد الثلاثة في وقت واحد.

2- البعدية distancing: يوضح الشكل "81" نوعًا آخر من مسائل التصنيف. فاختبار وضع المثيرات الذي أعدَّه إرفنج وسيجل irving & sigel "1968" كان اهتمامه بالطريقة التي يتَّسق بها الأطفال المثيرات, وكذلك باختيار مفهومهم للافتراض البعدي، وبموجبه يمكن تمثيل الواقع عن بعد من المسند إليه. والبعدية مظهر للقدرة على الاستجابة الصحيحة للتمثيل الخارجي, والاستجابة من واقع الموجزات الشكلية "المخططات العقلية". لاحظ أنَّ كل الأشياء في هذه المجموعة كلها مألوفة, والواقع أن الدراسة التي قام بها سيجل sigel, وتلك التي أجراها ماير meyer "1972" أظهرتا أن الأطفال استطاعوا تسمية كل الأشياء. ويتكوَّن الاختبار من أخذ أحد الأشياء من المجموعة، وعرضه على الطفل، ثم يُطْلَب منه العثور على أشياء أخرى من المجموعة من نفس النوع. وبعد أن يجري الطفل اختباراته يطلب منه أن يفسِّر وجه التشابه بين الأشياء المختارة, وتسجيل السلوك يتضمَّن تصنيفات عدة: الخواص الإدراكية "الشكل، اللون، أو التكوين"؛ الخواص الوظيفية "الكتابة بالقلم على الدفتر؛ الخواص التجمعية "أنت تشعل اللفافة بالثقاب، وفي أثناء التدخين تشرب قدحًا من القهوة"؛

بطاقات التصنيف "وهي كل اللعب" ومرتبة قرينية "حدوث الأشياء في نفس المكان". وهناك مرتبة لا يوجد تسجيل للدرجات فيها اشتملت على تفسيرات لا تناسب أي من المراتب الأخرى. وتوضح نتائج الدراسات عدة فروق بين مرحلة ما قبل العمليات ومرحلة العمليات المحسوسة, فقد كان أطفال تجربة ماير meyer من الطبقة المتوسطة في سن ما قبل المدرسة, وقد تَمَّ اختبارهم في مناسبتين: عندما كان سنهم 4 سنوات وشهرين, ثم 4 سنوات وتسعة شهور. وكان الأطفال على مستوى قدرة ذكاء عالية. وتدل نتائج التصنيف في المرتبة التي لا تسجيل للدرجات فيها على أنَّ حوالي 51 % من استجابات الأطفال على الاختبار الأول, ولكن 20% فقط من استجاباتهم على الاختبار الثاني, كانت غير صالحة لتسجيل نقط أو درجات, وبعبارة أخرى: فإن الأطفال قد تغيروا كثيرًا في فترة الشهور التسعة فقط, والسبب في ارتفاع نسبة عدم تسجيل الدرجات على الاختبار الأول هو أنَّ استجابات الأطفال لم تكن ذات معنى، أي: إنهم غالبًا كانوا غير قادرين على الانتباه إلى خواص المثيرات. وهذا من خصائص الأطفال في المرحلة قبل الإجرائية. أمَّا العدد المنخفض للاستجابات التي تحرز درجات قبل سن الخامسة, فإنها تعكس حقيقة أن هؤلاء الأطفال كانوا متسارعين عقليًّا؛ وقدرتهم على مواجهة الاختبار في سن 4 سنوات و11 شهرًا لا تعني بأيِّ حالٍ أيَّ تحدٍّ للمفاهيم النظرية. والواقع أننا عندما نحلل الأساس الذي بنى عليه هؤلاء الأطفال تصنيفاتهم، نجد أنه يتفق ورأي بياجيه اتفاقًا سليمًا. مثال ذلك: إن معظم الاستجابات التي أحرزت نقطًا "درجات" في الاختبار الأول, كان تقريبا في المرتبة الحسية, ومعظم عمليات تحديد التصنيفات تَمَّت على أساس الشكل أو اللون, وليس على خاصة أخرى أكثر تجريدًا للمثيرات. مثال ذلك: إن المرتبة التالية الأكثر صعوبة ستكون هي الأساس الأدائي للتصنيف, وقد انطبق ذلك على 4% فقط من الاستجابات في الاختبار الأول, ولم تستخدم هذه النسبة من الأطفال أيًّا من المراتب الأخرى. وفي دراسة متابعة لنحو 80% من هذه العينة بعد سنتين، استطاع الأطفال أداء هذا الواجب بسهولة كبيرة، وفي سن الثامنة كانوا يقدّمون بطاقات التصنيف، تصنيف يجري عند انتقائهم للمثيرات. وهذه النتائج تتفق تمامًا مع واجب آخر

صمَّمه سيجل sigel, ويدل على أنَّ الأساس في التصنيف يبدأ من خاصة إدراكية واحدة، إلى خواص إدراكية متعددة، إلى تصويرية متزايدة في التجريد. وثَمَّة مظهر آخر هام لهذه الدراسة, وهو الطريقة التي اقترحها سيجل sigel لتقييم الكفاءة التمثيلية representational competence. عرضت مجموعة المثيرات الواردة بالشكل "81" على الأطفال باستخدام الأشياء الفعلية أو صور ملونة لها بالحجم الطبيعي, وفي الدراسة التي أجراها ماير meyer عرض على نصف الأطفال الأشياء الفعلية أولًا, ثم التمثيلات الصورية لها ثانية، في حين عرضت نفس المثيرات على النصف الآخر بترتيب عكسي، وطبقًا للافتراض البعدي لسيجل sigel، كان المفروض أن يجد الأطفال الأصغر صعوبة أكبر في ترتيب مراتب الصور "التمثيلات" من الأشياء نفسها, وهذا في الواقع هو ما حدث فعلًا, فكان مؤيدًا ليس فقط لافتراض البعدية, ولكن للتنبؤ بأن الأطفال يستطيعون مواجهة سمات تمثيلية للمثير تتزايد تجريدًا. 3- تضمين النوع Class inclusion: نوع ثالث من وسائل التصنيف يسمَّى اختبار تضمين النوع، وفي هذا الاختبار يعرض القائم بالتجربة صورًا لثلاثة رجال وامرأتين, ويطلب من الأطفال أن يذكروا عدد الرجال، ثم عدد الأشخاص، وأخيرًا ما إذا كان هناك رجلًا أكثر من الناس، ويمكن تشكيل أي عدد من التشكيلات من هذا الاختبار، ولكن الفكرة الأساسية هي تقديم اختبار يتضمَّن مرتبة متميزة ومرتبتين أو أكثر ثانويتين، ثم نحدِّد هل يستطيع الأطفال التمييز بين النوعين. إن طفل مرحلة ما قبل العمليات يحتمل أن يقول: إنه يوجد 3 رجال و5 أشخاص، ولكن هناك من الرجال أكثر مما يوجد من الناس "على كل حال فكلنا نملك الانعكاسية". والطفل في مرحلة العمليات الملموسة "المحسوسة" يمكن أن يفهم إسهامات الخواص: رجال ونساء، التي تكوّن المرتبة المتميزة من الناس, على ذلك فالأطفال في فترة العمليات المحسوسة يمكنهم حلّ المسائل التي تتضمَّن الجنس, وهي مسائل لها أهمية غير عادية في تحديد تكوين العالم.

4- التسلسل والانتقالية Serration & Transitivity: في واجب التسلسل يعرض على الطفل عصيّ في ترتيب عشوائي, ويطلب منه أن يصنع منها درجات، فطفل مرحلة ما قبل العمليات يحتمل أن يركز على علاقة واحدة فقط داخل الترتيب العام للأحجام, ويتجاهل النواحي الأخرى للاختبار، وبذلك يكون ترتيبًا عشوائيًّا إلى حدٍّ ما. والطفل لا يستطيع أن يفهم مدلول تدرج العصي في سلسلة متصلة إلّا عندما يصل إلى مرحلة العمليات الملموسة المحسوسة. وبالمصادفة فإن هذا الاختبار يتضمَّن مسألة أخرى يستطيع طفل العمليات المحسوسة أن يحلّها, وهو اختبار على شيء من الصعوبة يعرف باسم الانتقالية؛ فالمسألة اللفظية في الانتقالية هي: "إذا كان زيد أطول من عمرو، وعمرو أطول من طارق، فإيهم أطول: زيد أم طارق؟ والفرق بين هذه المسألة ومسألة التسلسل هو أنَّ الأولى أيضًا تتطلَّب تحولًا عقليًّا للمعنى "أكبر من" و"أصغر من" كأساس لترتيب المثيرات.

رابعًا: مرحلة الإجراءات أو العمليات الشكلية 11 + formal poerations: في مرحلة الإجراءات الشكلية يستطيع الطفل أن يستخدم بسهولة تفكيرًا وتصورًا عقليًّا تجريديين, ويطور القدرة على الاختبار المنهجي للافتراضات، وافتراض بياجيه يبدو طبيعيًّا بسبب استخدامه للحساب والمنطق كأساسٍ يقوم عليه النمو المعرفي، مع اعتبار أنَّ التفكير الاستدلالي هو المستوى النهائي للتفكير المنطقي, ويتميز تفكير المراهق في هذه المرحلة بالعديد من الصفات, أهمها: 1- الحرية والمرونة في التفكير: إذ يستطيع المراهق أن يفكِّر في الأمور المختلفة مستخدمًا الرموز المجرَّدة, ويتحرر في تفكيره من معوقات الزمان والمكان، فيحلق بتفكيره في الفضاء, ويمكنه أن يجوب أنحاء العالم، ويجد متعة في المفاهيم التي لم يمر بخبرة واقعية تتعلق بها, مثل مفهوم اللانهائي inanity، فهو حر في التنقل بين أفكاره بمرونة. 2- التحكُّم أو الضبط Control: يتطلَّب التفكير الشكلي تحكُّمًا دقيقًا لما يقوم به الفرد من نشاط عقلي, فعند تعامل المراهق مع مشكلة ما فإنه يضع كل المقدمات التطبيقية في اعتباره، وينظّم المعلومات ويربطها بكل جوانب هذا الموقف قبل أن يصل إلى نتيجة. 3- تفسير الظواهر وتعليلها: فمعنى أن المراهق يقوم بربط الظاهرة وأجزائها بالظواهر الأخرى، ثم يبيِّن العلاقة بين هذه الظاهرة والظاهرات الأخرى، وقد يستخدم عدة مفاهيم في ذلك، كما أنه يستطيع أن يستنبط القانون العام الذي يفسِّر الظاهرة. 4- التفكير في الاحتمالات ووضعها في الاعتبار: فالمراهق يهتم بما هو محتمل, أي: بما يمكن أن يكون بالإضافة إلى ما هو كائن، ويستخدم نسقًا يمكنه من اكتشاف طريقة كل التركيبات والعلاقات المحتملة، ثم يتأكَّد من أنه قد وجد هذه التركيبات والعلاقات جميعًا. "عادل عبد الله: 1991، 83-86".

وقد أثير سؤال عمَّا إذا كانت الناس كلهم يحققون إجراءات شكلية، بل وهل هذه الإجراءات ضرورية فعلًا لكل الناس؟ وهناك أيضًا بعض التساؤل عمَّا إذا كانت الإجراءات الشكلية تمثل ذروة النمو التي لا يمكن للكائنات البشرية أن تتجاوزها. وقد اقترح بياجيه "1972" أن هذه المرحلة قد تكون قاصرة على الأشخاص الذين تتطلَّب أنشطتهم العقلية تفكيرًا منطقيًّا، مثل الرياضيين والفيزيائيين, وقد فحص بياجيه pieget "1973" هذا الاقتراح على ضوء التفاعل المتبادل بين الفرد وبيئته "المجتمع بالمعنى العريض"، واستخلص أن بلوغ الإجراءات الشكلية ليس بالضرورة هو نقطة النهاية, غير أنه يقترح أن الفرد إذا واجه متطلبات تحتاج تفكيرًا استدلاليًّا منطقيًّا، فإنه يستطيع تنمية القدرة على مواجهتها.

تقييم نظرية بياجيه

تقييم نظرية بياجيه: دون أن نجري تقييمًا منهجيًّا كاملًا لإجمالي نظرية بياجيه, سوف نعلّق على بعض المسائل العامة التي أثيرت حول النظرية, والتي دأبت على إعطاء دفعة هامَّة للبحث والتحسينات, وسوف نتناول هذه المسائل بشكل عام، وإن كانت المراجع الرئيسية سوف تهيئ للقارئ المصادر الأساسية للحصول على إيضاحات أكثر للموضوعات. وبصفة عامة, فإن الانتقادات تنحصر في أمرين: 1- الموضوعات المتعلقة بالتصوّر العقلي التي في داخل النموذج, والتي تحدث عادة على النماذج النظرية التي تصور بشكل عام. 2- موضوعات التصوّر العقلي المستقاة من تعارض أو صراع أساسي, مع التوجيه التركيبي أو العضوي للنظرية. 1- الموضوعات الداخلية في النظرية: قدَّم بياجيه عددًا من التأكيدات حول نظريته، والتي كان من نصيبها إمَّا أن تفضَّل في الحصول على تأييد تجريبي ملائم, أو أنها كانت غير ملائمة منطقيًّا على النحو التالي: أ- من هذه التأكيدات ما يختص بالتتابع غير المتغير في اكتساب العمليات العقلية، والتساؤلات لا تتركز على ما إذا كان التتابع متغيِّر من عدمه, بالنسبة للمراحل في الحاسة الحركية، ما قبل العمليات، العمليات المحسوسة، والإجراءات الشكلية، فلا أحد يشك جديًّا في هذا التتابع. والمسألة تتعلّق بالتتابعات التي افترض حدوثها في إطار ضيق ومحدود, والتي يصعب اختبارها تجريبيًّا, ومن أهم الموضوعات في هذا الصدد هي صعوبة التقييم الدقيق لمستوى نمو الطفل, فمن المحتمل مثلًا أن يخطئ في تقييم مستوى ما من النمو المعرفي، مثل: الإجراء العقلي "أ"، ولكننا قد نجري تقييمًا دقيقًا للإجراء العقلي "ب". فإذا قلنا: إن "ب" تتوقّف على "أ"، وإذا كان الطفل لديه "ب", ولكنه يفتقر إلى "أ"، فإن التتابع التصوري في هذه الحالة يبدو غير دقيق, في حين أن الواقع قد يكون نتيجة خطأ في القياس، وتذكر أبحاث فلافيل flavell "1977" العديد من الأمثلة لمثل هذه الأخطاء في التقييم. وقد نشر فلافيل flavell "1972، 1977" تحليلًا مفصّلًا لمفهوم المراحل, وحدَّد مفاهيم التكوين والتغيّر النوعي والفجائية والإجماع، على أنها سمات مطلوبة إذا كنَّا سنتقبَّل نظرية بياجيه عن المراحل. مثال ذلك: استنتج فلافيل flavell أن نظرية المراحل قد تكون أكثر إقناعًا إذا كان الانتقال من مرحلة معرفية إلى أخرى انتقالًا فجائيًّا, واستنادًا إلى أبحاث سابقة، أظهر بشكل مقنع أنَّ الانتقال من مرحلة

إلى أخرى هو في الواقع انتقال تدريجي، مثال ذلك: إن الطفل عندما يحقق ثبات خواص الوزن، فإن هذا الإنجاز ليس مطلقًا. إن أوَّل بوادر التوصّل إلى ثبات خواص الوزن لا تعني أن الطفل لا يمر بنمو آخر في هذه المجموعة من الإجراءات العقلية. إن عددًا من أنماط النموّ المتزامنة تدل على أن المفاجأة ليس في الواقع من سمات المراحل، كما أنه من الصعوبة بمكانٍ تبيان أن النمو المعرفي يتضمَّن شبكة من الاقتدارات المتشابكة, وإذا كنَّا عاجزين عن إجراء مثل هذا البيان، فلا بُدَّ وأن مفهوم المرحلة إنما هو مفهوم أجوف. ويلخص فلافيل flavell "1977ن 249" استنتاجاته على النحو التالي: "إن حدسي الخاص هو أنَّ مفهوم المرحلية لن يبرز في الواقع بشكل هام مستقبلًا في الأعمال العملية عن النمو المعرفي, وليس معنى ذلك عدم الاقنتاع بوجود اعتماديات نمائية غير موجَّهة أو ثنائية التوجيه؛ حيث يساعد نمو ما نموًّا آخر, وربما العكس. كما أنه لا يعني عدم وجود وحدة أو ثبات في العمل المعرفي عبر المواقف، ولكنه يعني أنه قد تكون هناك وحدة وثبات واستقلالية نموّ أقل مما تطالب به نظريات مثل نظرية بياجيه". وهناك علماء نفس آخرون في مجال النمو، منهم: وهلويل wohlwill "1973"، وكولبرج kohlberg "1969", من المؤكَّد أنهم لا يوافقون على هذا البيان، كما أنه لا يجب على القارئ أن يفهم من البيان الذي اقتبسناه عن فلافيل

flavell أننا نوافق عليه تمامًا. إن ما يبدو لنا هو أن هذا التحليل تحليلًا ثاقبًا, ولا شك في أنه سيطعي دفعة لمزيد من البحث في طبيعة وفائدة مفهوم المرحلية كما وصفه بياجيه. ب- والسمة الداخلية الثانية لنظرية بياجيه التي تتعرَّض الآن للتساؤل الجدِّي تتعلّق بتأكيداته حول دور اللغة في المعرفة, ولعل القارئ يتذكَّر أن بياجيه وبرونر يختلفان في هذا الصدد؛ حيث يعتبر برونر أن اللغة نظام رمزي ثابت داخليًّا، في حين يعتبرها بياجيه وسيلة اجتماعية لانتقال العمليات العقلية الملائمة لمرحلة معينة، وقد واجه رأي بياجيه تحديًّا على أساس أنه إذا كان الطفل لا يفهم التعليمات اللفظية، فإنه لن يستطيع حل المسألة. مثال ذلك في مسألة "ثبات خواص الحجم"، يطلب من الطفل أن يحدِّد ما إذا كان أحد الآنية يحتوي على نفس الكمية أو أكثر أو أقل من إناء آخر. وهذه الأسئلة تفترض أنَّ الطفل يفهم معاني الاصطلاحات المجرَّدة "نفس، أكثر، أقل", ولكن الطفل قد لا يفهمها, ولذلك يحق للإنسان أن يسأل: هل اللغة تعوق الأداء؟ ولكنها لا تعوق المقدرة؟ وقد لاقت أعمال بياجيه تأييدًا قويًّا من هانز فورث hans furth "1970", فقد عمل فورث furth وزملاؤه مع أطفال صمّ، في محاولة لتحديد ما إذا كانت إصابة السمع لديهم تغيِّر مسار النمو العقلي, أو تعدّل بأي شكل كان تتابع النمو المعرفي. وتؤيّد الدلائل الناتجة من أنَّ نقص السمع، الذي يؤثِّر على اللغة، لا يؤثر بشكل بالغ على معدَّل النمو العقلي, وهو قطعًا لا يؤثر على النمو المعرفي، إلّا عندما يتدخَّل ذلك في الاتصال بالطفل. ومن آثار رأي بياجيه أيضًا أن توفير التكوين الرمزي "إعطاء الطفل الكلمات الضرورية" لا يكفي لتسارع النمو المعرفي أو التأثير عليه. وحديثًا قام بيلين beilin "1976" بمراجعة شاملة لمنطق الجوانب اللغوية في الإجراءات المعرفية, ويضفي تحليله الدقيق للأبحاث المتاحة شيئًا من التأييد لرأي بياجيه، وبالتحديد فيما يتعلّق يكون إمداد الأطفال بمعنى الكلمات لا يؤثِّر كثيرًا على أداء

تلك الواجبات المعرفية التي لها ارتباط بالنظرية. ومهما يكن من أمر, فإن عددًا من التجارب يدل على أن التعليم الشفوي يؤثّر فعلًا على الأداء, وبالتالي قد يؤثر على نمو العمليات العقلية. وبالنسبة للدليل على تأثير التعليم الشفوي، فإن بياجيه في الواقع قد عدَّل موقفه حول دور اللغة, وسنقدم ملخَّصًا مقتبسًا عن بيلين beilin "1976: 100" يدل بمزيد من البساطة والمباشرة على طبيعة التفسيرات التي اقترحها بياجيه وزملاؤه: "يدل البيان على ما يأتي: 1- إن العمليات المعرفية وما قبلها لا توجه اللغة أو اكتساب اللغة كعلاقة ذات اتجاه واحد "كما سبق لعلماء النفس بمعهد جنيف أن أكدوا". 2- إن ما يوجّه اكتساب اللغة هو آلية منظَّمة لها مقابل في الآليات المنظمة في مجالات أخرى "غير لغوية" للسلوك. وهذه الآليات المستقلة جزئيًّا وفي نفس الوقت تناسقية، هي مظاهر نظام أكثر تجريدًا. 3- إن الإجراءات اللغوية الحسابية وما قبلها تظهر هذه التكوينات الأكثر تجريدًا عندما تكون هناك حاجة لها, وهذه التكوينات التجريدية تبدو واضحة في التصنيف والتسلسل, وغيرهما من السلوكيات التي تضمّ الإجراءات المنطقية الحسابية للإدماج وعلاقات الترتيب ... إلخ. 4- إن التكوينات المعرفية لا تنبثق الآن من التكوين اللغوي، كما أنَّ التكوينات اللغوية لا تنبثق ظاهريًّا من الأنظمة المعرفية. إن كليهما ينبثق من نظام أكثر تجريدًا من تعليمات وتنظيمات تسري على كل المجالات". إن هذه المجموعة الهامَّة من التعديلات تدل على مستوى أعلى من الإجراءات العقلية تنسِّقُ الإجرءات العقلية السابقة واللغة. وذلك فإن النظام اللغوي والنظام المعرفي ينشآن في تكوينات منطقة تجريدية ويكمِّل أحدهما الآخر, فإذا كان هذا التعديل النظري صحيحًا فعلًا، فإنه يسمح بتناول الإجرءات العقلية بالوسائل اللفظية. الموضوعات المنبثقة من النظرية: إن علماء السلوك ينتقدون تأكيدات بياجية حول الدور غير النشط نسبيًّا للتغيرات الثقافية، وتجاهله الظاهر للمبادئ السلوكية الأساسية للتعلم. وفيما يختص بعدم تغيُّر التتابع والإجراءات العقلية وعلاقته بالتغيرات الثقافية, فقد سبق أن بَيَّنَّ برونر وزملاؤه bruner et al "1966", وجودناو goodnow "1969" يقدمون الدليل الأكبر على تأثيرات التغيرات الثقافية على

العمليات العقلية، ويدل تلخيص التراث النظري أساسًا على مساهمات جرينفيلد " bruner, et al, 1966grienfild؛ حيث أشار إلى بعض التأثيرات الثقافية على خواص الأداء, وربما على الإجراءات العقلية للأطفال. ويبدو أن التعليم المدرسي له تأثير أهم وأكثر مما إذا كانت ثقافة معينة هي أكثر بداءة من المجتمع الغربي. وحتى هنا، إن المعطيات تدل -طبقًَا لتحليل جودناو goodnow- على أن كثيرًا من اختبارات بياجيه لم تتأثر فعلًا بعوامل المدرسة أو اللا مدرسية، أو بصفة أكثر عمومية، بالعوامل الثقافية, ويذكر جودناو goodnow عددًا من الأمثلة لمهام "واجبات" يبدو فيها أن الأطفال غير الغربيين أكثر تأثيرًا، وأن هذه التأثيرات يبدو أنها من طابع القيمة التمثيلية أو الرمزية للرسوم والكلمات. إن الفروق الثقافية، من جهة أخرى، يبدو أن لها تأثيرًا ضئيلًا على واجبات ثبات الخواص. إن وجهة النظر القائلة بأنَّ العمليات العقلية المطلوبة لتناول الواجبات الهامَّة التي يستخدمها البياجيون "أتباع بياجيه" لتباين نموذجهم, وتجري على أساس أنَّ المتطلبات السلوكية للواجبات "المهام" يجب أن تحدد بوضوح. وبعد تحديد الواجبات اللازمة يقوم المدرِّب بتعليم الطفل المهارات الضرورية التي حددتها تحليلات الاختبارات. وواضح أن هذه المعالجة لا تقدّم أيَّ افتراض حول كيفية ترتيب القدرات العقلية أو الآليات التكاملية، ولكنَّها تقتصر على بيان أنه إذا كانت حصيلة الطفل من الاستجابات تشتمل على السلوكيات المحددة المطلوبة، فعندئذ يمكن حل الاختبار, والأبحاث الناجمة عن هذه المعالجة، والتي لخصها تفصيلًا بيلين beilin "1976" قد ولدت قدرًا كبيرًا من الجدل حول المنهجية. ومن ذلك أن الأطفال يحسون دون انتباه بالاستجابة المطلوبة منهم، ولذلك فإن أداءهم يدل على أن تعديلات كبيرة حدثت في إجراءاتهم العقلية. بعبارة أخرى: فإن الوسائل الفنية المتَّبعة قد عدّلت الأداء أكثر مما فعل الاقتدار "القدرة المعرفية". ويدلل البياجيون على أن مثل هذه الدراسات لا تبلغ مدى بعيد في إثبات أن الإجراءات العقلية قد تعرَّضت لتعديل كبير, وبالتحديد فإنَّهم يشكون من أن الوسائل التدريبية سوف تؤثر هي الأخرى على عدد من السلوكيات المختلفة المترابطة إدراكيًّا إذا كان الاقتدار قد تعدّل فعلًا. وفي تلك الحالات التي أجريت فيها الواجبات المناسبة، فإن النتائج لم

تكن مُرْضِيَةً بصفة عامة. والواقع أنَّ باستطاعتنا القول بأنَّ تحليل الاختبار قد أدَّى إلى مجموعة من النجاح والفشل على قدرٍ كافٍ من الاختلاط, مما يدل على أنَّ هذه المعالجة لم تحدث تهديدًا خطيرًا لموقف بياجيه. وقد قامت جيلمان gelman "1969" بتدريب أطفل على مواجهة بعدين إثاريين, ونجحت في التوصُّل إلى تعديل ملحوظ في سلوكهم, غير أن عملها كان موضع نقد على أساس أن أطفال تجربتها كان من الممكن أن يكونوا بسبيلهم في مرحلة انتقالية, ولذلك كانوا أسهل تقبلًا لإجراءات التدريب, ودراسات كالتي قامت بها جيلمان glman كانت أيضًا محل انتقاد على أساس أنَّ الاختبار المسبق لتحديد مستوى وظيفية الأطفال قد يكفي في حدِّ ذاته لتعديل الوظيفية المعرفية. ولذلك يجب أن يستخلص أن تأثيرات برامج التدريب من نوع تحليل الاختبار من المحتمل أنَّها لم تؤد إلى نتائج حاسمة، بسبب تعرُّضها لعدة عيوب منهجية معقدة, غير أنه يبدو من الممكن أن نستخلص أن دراسات ظروف القاعدة اللفظية تؤثر فعلًا على الاقتدار. وعند فحص السمات الأساسية لنموذج بياجيه في النمو المعرفي، كان غرضنا أن نوفر للقارئ الجوانب الموضوعية الهامَّة في النظرية، وكذلك، وهو ما لا يقل أهمية وإحساسًا بطريقة المعالجة العامة, غير أنَّ هذه النظرية كمعظم النظريات الأخرى لا تخلو من مشاكلها, لقد رأينا كيف أنَّ الدارسين من أنصار

بياجيه, وغيرهم يطرحون الآن تساؤلات عن بعض الافتراضات الداخلية في النظرية التي قد تؤدي إلى تعديلات هامة, ولا شكَّ في أنَّ هذه التحديات سوف تستمرُّ وستطرأ على النموذج تعديلات أخرى. وبالرغم من كل هذه المشاكل التي لا يمكن تجنبها، فإن النظرية تبدو من المكانة بحيث تستطيع مواجهة هذه التحديات, ومن المحتمل أنها ستستمر في فرض تأثيرها القوي على تفكير العلماء والمعلمين والعاملين مع الطفل لفترة طويلة قادمة. تكوين المفاهيم: لننظر إلى مراحل بياجيه للنموّ من وجهة نظر كيف أنَّ سلوك الطفل الأخذ في النضج ليصبح أكثر كفاءة بشكل مطَّرد, وفي أثناء المرحلة الحسيِّة الحركية تتطلَّب معرفة الطفل للأشياء فعلًا حركيًّا مباشرًا يلاحظ في الأفعال والنتائج. إن الطفل يطلب حدًّا أقصى من الاحتكاك المباشر, ويعتمد بشكل يكاد يكون كليًّا على الإشارات الحسية, وفي أثناء الجزء الأول من هذه المرحلة يحتاج الطفل إلى وجود الشيء قبل أن يتمكَّن من أداء سلوك مع هذا الشيء, وعندما يأتي الوقت الذي يستطيع فيه الطفل التعامل مع مسائل التحول والإجراءات الشكلية، يصبح في موقف يمكنه من مواجهة أعلى مستويات التجريد التي يستطيع توصليها شفاهة. ومعنى ذلك: إن كمية المعلومات التي يستطيع الفرد استيعابها في فترة زمنية محدَّدة قد ازدادت كثيرًا، وبنفس الطريقة يستطيع الشخص الناضج أن يفهم بسهولة أكبر مكونات البيئة. إنَّ القدرات الكاملة للمخِّ البشري الناضج قد نسخت بالحاسبات السريعة. إن مادة هذا القسم مستقاة من العديد من التقاليد المختلفة في علم النفس، بما في ذلك السلوكية وما يعرف الآن باسم تنسيق المعلومات "تجهيز المعلومات" information processing. إننا لا نحاول إدماج المواقف النظرية إلّا إذا كانت واضحة التطابق، ولكن هدفنا هو إمداد القارئ بنظرة أكثر شمولًا عن قدرات الأطفال في مختلف مستويات العمر، وبوصفٍ أشمل للإجراءات المعرفية والحسية المتعلقة بها. وبعض المناقشات هنا مستقاة مباشرة من موادٍّ أشرنا إليها في الفصل

الخاص بنمو الإدراك الحسي "في الجزء الثاني من هذا الكتاب". والواقع أن العمل في النظرية السلوكية تحتاج من القارئ إلى أن يتذكَّر مبادئ الارتباط الشرطي الإجرائي والتقليدي, وفي هذا القسم سوف نتوسَّع في نموذج الارتباط الشرطي الإجرائي في محاولةٍ منَّا لإيضاح كيف حاولت النظرية السلوكية مواجهة تجهيز وتنسيق المعلومات, كما سنتفحَّص كيف تعدل التغيرات في قدرات الطفل من معاني المسائل، وذلك على النحو التالي: 1- اختبار الافتراضات: في الفصل الخاصِّ بنمو الإدراك الحسي سوف نناقش عددًا من الدراسات التي تقيم القدرات الحسية للأطفال حديثي الولادة, وكثير من تلك الدراسات استخدمت ارتباطًا شرطيًّا إمَّا تقليديًّا أو إجرائيًّا، وكلا الطريقتين تستندان على المفاهيم السلوكية لتعلم مثير/ استجابة "S/R". وعند مراجعة الدراسات حول الارتباط الشرطي للطفل حديث الولادة تلاحظ أنَّ العملية بالغة الصعوبة؛ والواقع أن بعض الباحثين لا يعتقدون أنَّه من الممكن فعلًا تكييف هذا الطفل, ومن العقبات المحتملة لمثل هذا الارتباط الشرطي هو نقص نمو في التكوينات العصبية الأساسية والمايلين "انظر النمو الجمسي في الجزء الثاني من هذا الكتاب"، كما يلاحظ أنه من العسير وضع سلوك الطفل حديث الولادة تحت سيطرة المثيرة, ذلك لأنَّ أنماط سلوكه شديدة الحساسية لمثل هذه الحالات الجسمية كالجوع والتعب والإثارة العامة, ومع أنَّ الاستعداد للارتباط الشرطي يزداد مع النضج العصبي، إلّا أنه لا يواصل التحسُّن مع السن رغم التحسن البالغ في النمو العصبي للأفراد الأكبر سنًّا, والواقع أن الاستعداد للارتباط الشرطي يتحسَّن إلى نحو السادسة فقط. وقد لاحظ رازران razran "1933" أنه بعد هذه السن تزداد مقاومة الأطفال للارتباط الشرطي, ومع أنَّه توجد تفسيرات متبادلة لهذه الظاهرة، فإن هوايت white "1965" يقترح تفسيرًا نمائيًّا مقبولًا -هو في رأينا- يتناسب مع ملاحظات برونر وبياجيه bruner & piaget وأبحاث علماء النفس السلوكيين، ولكنه أكثر اشتمالًا. وبالتحديد فهو يرى أنه بعد سن السادسة يجري الأطفال تنسيق المعلومات عن طريق استخدام الافتراضات, وهذه الافتراضات تعترض الارتباط الشرطي الذي هو أولًا ارتباط تلقائي لاستجابة مع مثير من مستوى منخفض, وقد توجد آثار معترضة مثل: "ما

الذي يريده القائم بالتجربة فعلًا؟ " أو بيان قدمه طفل لامع الذكاء في السادسة من عمره إلى أحد المؤلفين كان يجري مهام اختبار تعلم المفاضلة discrimination learning task, وعجز هذا الطفل عن حله، قال الطفل: "لم أكن لأصدق أبدًا أنه الأيسر دائمًا؛ لأن ذلك كان يبدو بالغ البساطة لدرجة ظننت معها أنك كنت تحاول خداعي", وهكذا فإنَّ ما يبدو أنه يحصل هو أنَّ الأطفال عندما يبدأون في معالجة إجراءات ملموسة, ويصبحون قادرين على تكوين افتراضات, فإن هذه الافتراضات تكون مادة بعيدة كل البعد عن متطلبات الاختبار. ومن أبرز سمات رأي هوايت white أن تنسيق المعلومات يمر بانتقالية بين الخامسة والتاسعة, وفترة الانتقال تتضمَّن تغيرًا من مستوى ارتباطي إلى مستوى معرفي, والتعليم الارتباطي associative learning يتميِّز بمعدَّل سريع للاستجابة, ويمكن تشبيهه بسلوك إنسان آلي. ويقترح هوايت white، ويؤيده في ذلك بعض أبحاث علماء النفس الروس، أنه في هذا المستوى من الوظيفية المعرفية فإنَّ الآليَّات المثبَّطة "المانعة" inhibitory mechanisms اللازمة للتحليل الدقيق لموقف المثير تكون أقل نضجًا مما يسمح بوظيفة معرفية مجردة, ومع تقدُّم الطفل في المعلومات أكثر قصدية وتجريدًا. وفي ظروف معينة يستجيب الراشدون تلقائيًّا وبسرعة، ولكن عندما تعرض عليهم مسائل تجريدية، يميل الأشخاص الناضجون للاستغراق في تفكير بطيء وتأملي, وهذه القدرة لا تظهر بسهولة في سلوك الأطفال دون الخامسة, وقد لخص هوايت whit "1965: 215-216" موقفه على النحو التالي: "والخلاصة: أرى أنَّ المعطيات عن الأحداث الزمنية في التعلُّم, والمادة عن مختلف التحولات فيما بين الخامسة والسابعة، قد تحدد شيئًا عن تكوين الإجراءات العقلية للراشدين. إن الراشدين قد يكون متاحًا لهم مستوى ارتباطي وُضِعَ أساسه في وقت مبكِّر من النمو، وهو على درجة نسبية من سرعة الفعل، على أثر المبادئ الارتباطية المتعارف عليها، وفي حالة الراشد الطبيعي توجد عادةً على شكل محدد محتمل للسلوك، ولكنه مثبّط. إن "الأساس المعرفي" الذي وضع بعد الأسلوب الارتباطي للاستجابة يعتبر أبطأ نسبيًّا في الفعل وفي تنسيق المعلومات بطرق لا تزال في بداية فهمها".

ويصف هوايت white حوالي 18 نوعًا من الدراسات أجريت معظمها في إطار السلوكية، ويعتقد أنها تؤيد موقفه. وقد اخترنا دراستين من هذه الدراسات كمثالٍ على نوع التحولات التي يصفها هوايت, وبالمصادفة فإنَّ التحول الذي قدَّمه هوايت من التعلُّم الارتباطي إلى المعرفية الارتباطية يقترب كثيرًا من التحوّل الكبير من التفكير الإجرائي قبل الحسي إلى التفكير الإجرائي الحسّي كما يراه بياجيه. ويبدو لنا أنَّ الدليل على أنَّ هوايت قد رتَّب لتأييدٍ افتراضًا, وأن أنواع الحوادث الانتقالية التي يصفها بياجيه ليست من قبيل المصادفة. إن كليهما يقترح أن الفترة التي تبدأ حوالي الخامسة من العمر, وتستمر خلال العامين إلى أربعة أعوام التالية, تمثل في الواقع سلسلة من التغيرات العظمى في الكفاءة المعرفية المعرفي, وتنظيم الكائنات البشرية. 2- تعلُّم تغيير الوضع Transpostition learning: ذكرت التجارب التي أجرتها مرجريت كون هارلو mergaret kuenne harlow "1946"، ألبرت وإهرنفروند alberts & ehrunfrund "1951" أنهم استخدموا مسألة تغيير الوضع. والشكل "87" يبين الترتيب المادي للمهمة, فقد كانت المثيرات التدريبية تتكوَّن من اسطوانة كبيرة وأخرى صغيرة، وتضمَّنت العملية التدريبية المبدئية تعلمًا مباشرًا للتمييز، وكان المفحوص يكافأ على

استجابته للمثير الصحيح, وفي التجربة التي قامت بها مرجيت margartet k، دُرِّبَ المفحوص على الاستجابة للأصغر من المثيرين، وكان المثيران يتغير وضعهما بالتبادل من اليسار إلى اليمين؛ لتجنُّب أي وضع تحيزي، وبزيادة فحص المثيرين في الشكل "87" نلاحظ مجموعة من أسطوانات كبيرة إلى حدّ ما يمثل اختبارات لتغيير الوضع "القريب"، ومجموعة من اسطوانات أصغر تمثّل تغيير وضع "بعيد". لاحظ المثيرات في اختبار تغيير الوضع القريب؛ فالمثير الأصغر أصبح الآن بنفس حجم المثير الذي كان غير صحيح في مجموعات التدريب. إن تغيير الوضع أو التعلُّم العلاقي، وليس المطلق، واجب توجد به أزواج من المثيرات تُجْعَل أصغر بوحدات متدرجة في الصغر, ومتساوية تقريبًا, سواء إلى أعلى أو إلى أسفل المقياس "بنفس الطريقة التي يغير فيها الوضع على السلّم الموسيقى", وبعد أن يتعلّم المفحوص انتقاء المثير الصحيح "يحدد التعلم عداة بنسبة 10 من 10 اختيارات صحيحة". يعطى اختيار تغيير الوضع القريب؛ وحيث إن المثير الصحيح الأصلي هو الآن أكبر الاثنين، فهو يصبح الاختيار الخطأ، والمثير الأصغر الجديد هو الاختيار الصحيح. وبعد الاختبار القريب يعطى اختبار تغيير الوضع البعيد, تبقى نفس علاقات الطول "الأكبر والأصغر"، ولكن

المثيرات تكون أصغر كثيرًا عن التي استخدمت قبل ذلك, ونحن نفترض أنَّ الاستجابة العفوية هي 50% تقريبًا، أي: إن الأطفال يمكنهم أن يخمِّنوا الاستجابة الصحيحة في 50% من المرات، دون أن يكونوا قد ميَّزوا المثير الصحيح, والمعطيات في الشكل "87" تدل على أنَّ الأطفال بين الثالثة والخامسة يميلون لاخيار المثير الصحيح على مستوى أفضل من العفوية في اختبار تغيير الوضع القريب، ولكنهم في اختبار تغيير الوضع البعيد يؤدون مستوى عفويًّا. أما مع الأطفال الأكبر سنًّا، وهم في هذه الحالة ذوو عمر عقلي 7 سنوات فما فوق، فإن انتقاء المثير في كلا الاختبارين القريب والبعيد يكاد يكون مطابقًا لأدائهم في الجزء الأخير من مجموعة التدريب, وعلى ذلك يقال: إنهم يظهرون تغييرًا في الوضع. 3- التحوّل الانعكاسي - اللانعكاسي: reversal-nonreversal shift: ابتكر تراس وهاورد كيندلر tracy & howard kendler "1962" في سلسلة من التجارب قاما بها واجبًا "مهمة" عرف باسم "التحوّل الانعكاسي - اللانعكاسي" ومن طرق استخدام هذا الواجب الطريقة الموضَّحة بالشكل "88". لاحظ أن موادّ المثيرات تتكوّن من شكل هندسي, إمَّا أسود أو أبيض أو كبير أو صغير. هذا، ولمعان المثيرات وأحجامها تمثّل أبعاد المثير, وثَمّة بعد إضافي، "الموضع" يجب إدماجه هنا، ولكن الموضع لا يدخل في الواجب، ذلك لأنَّ موضع المثير الصحيح في أثناء التدريب المبدئي, ولتجارب الاختبار يتغير عشوائيًّا بالتبادل, والتصميم العام في هذه التجربة على قدر من التعقيد يحتاج لعدد متنوع من مجموعات متوازنة تبادليًّا, ويتعلم أحد مجموعات أفراد التجربة أن ينتقوا المثير الأكبر من بين المثيرين "وتكرَّر أن المعيار هو 10 اختيارات صحيحة من 10 محاولات", وبعد التوصّل إلى المعيار يعرض نفس الزوج من المثيرات على المجموعة, غير أن نصف أفراد التجربة قد كوفئوا الآن على اختيارهم أصغر المثيرين "أي: التحول الانعكاسي"، أما باقي الأطفال فيجري تعزيزهم لانتقال المثير الأسود أو الأبيض "أفراد التجربة يخصص لهم عشوائيًّا إما المثير الأسود أو الأبيض"، ويعرف ذلك بالتحول اللانعكاسي. وفي التحول الانعكاسي ينتقي الطفل المثير الذي كان خطأ من قبل، ولكن المثير موجود في نفس البعد كالمثير الصحيح

أصلًا، وبعبارة أخرى، يظلّ البعد كما هو في حالة التحوّل الانعكاسي، ولكن القيمة الدالة للمثير تنعكس "كبير وعكسه صغير، أو أسود وعكسه أبيض". وفي التحوّل اللانعكاسي يتغيِّر كل من بعد المثير المختص والقيمة الدالة, وعلى ذلك فبدلًا من الاستجابة لبعد الحجم، يجب على أطفال التجربة الآن أن يتحوَّلوا إلى بعد اللمعان. ومرة أخرى فإن نصف الأطفال مدرَّبون على انتقاء المثير الأسود, والنصف الآخر على انتقاء المثير الأبيض, ونتائج الدراسات العديدة التي أجريت باستخدام هذه المعالجة التجريبية تدل على أن الأطفال الأصغر سنًّا يتعلَّمون التحوّل الَّلانعكاسي أسرع من التحول الانعكاسي, وبالعكس فإنَّ الأطفال الأكبر من السادسة وكذلك الراشدين يتعلمون التحوّل الانعكاسي أسرع من التحول الَّلانعكاسي. 4- افتراض التوسط mediation hypothesis: تفسَّر نتائج التجارب على التحول الانعكاسي والتحول الَّلانعكاسي, وعلى مسائل تغيير الموضع بأنها دليل على افتراض التوسط, وبعبارة أكثر تحديدًا: تؤكد نظرية التوسط mediation hypothesis أن المثيرات تحدث فعلًا ليس فقط سلوكًا ظاهرًا، ولكن استجابات داخلية أيضًا، بما في ذلك ردود فعل عضلية, وردود فعل لفظية واضحة. وقد افترض أيضًا في واجب "تغيير الموضع" أنَّ الطفل الذي يتلفظ بعبارة "أكبر من" كان يستجيب لعلاقة الحجم size relationship أكثر مما يستجيب

للقيمة المطلقة للمثيرات Absolute value of the stimuli. وفكرة القيم المطلقة للمثيرات تشير إلى الخواصّ المادية التي تؤثِّر على المستقبلات الحسية, وفي الارتباط الشرطي المباشر والأدائي أو التقليدي، فإن الخواص المادية للمثيرات ترتبط بالاستجابة, وعلى ذلك فإن نظرية التوسُّط تبتعد عن هذا الاعتماد على القيم المادية للمثيرات، وبدلًا من ذلك تختص بالعلاقات بين المثيرات والاستجابات في حلقات، مستوى أعلى من الوظيفية المعرفية. وطبقًا لافتراض التوسُّط: فإن الأطفال الأكبر سنًّا والمفترض أنَّهم أكثر قدرة لفظية, يتعلَّمون التمييز المبدئي, ثم الدليل الوسيط المتربط بالأحجام النسبية للمثيرات, ومن الدلالات "الإشارات" الوسيطة التوفيقية المبدئية نذكر اللغة. إن الإشارة الوسيطة تستخدم لتمثيل البعد المعزز reinforced dimension, وفي الدِّراسات التي نحن بصددها فإن هذا البعد هو الحجم، وعندما يتغير المثير الصحيح من كبير إلى صغير، كما في تجارب كندلر kendler، أو عندما يتغيِّر موضع المثيرات كما في تجارب كين هارلو kuenne harlw، فإنَّ البعد المختص يظل كما هو، وكذلك الإشارة الوسيطة المعززة, وعندما يتغيِّر المثير الصحيح من بُعْد الحجم إلى بُعْد اللمعان "يحدث ذلك فقط في تحول لا انعكاسي"، فإن الطفل يجب أن يتعلَّم تمييزًا جديدًا ثم يربطه بوسيط جديد, والأطفال الأصغر والأقل حركة يتعلَّمون التحول الَّلانعكاسي أسرع؛ لأنه من المفترض أنه لا توجد إشارة وسيطة يفترض تعلم الاستجابة الجديدة، علاوةً على ذلك فإنَّ هؤلاء الأطفال قد عزّزوا من أجل الاستجابة الصحيحة الجديدة, ولم يعززوا مطلقًا للاستجابة غير الصحيحة أصلًا. وتدل ملاحظات عرضية على أن افتراض التوسط كان صحيحًا، والأطفال الذي حققوا التحول الانعكاسي بسهولة, والذين تمكَّنوا من معالجة كل من واجبي تغيير الموضوع القريب والبعيد كثيرًا ما يتلفَّظون تلقائيًّا بالبعد الصحيح. "هو دائمًا الأكبر"، في حالة الدراسة الخاصة بتغيير الموضع أو "ما يزال هو الحجم، ولكنه الآن أصغر". وعند النظر إلى نتائج هذه الدراسات في ضوء نظرية التوسُّط، نجد أنَّها تدل على أن الأطفال إذا حصلوا على تدريب لفظي، أو أتيح لهم بطريقة ما الحصول

على إشارة وسيطة، فإنه باستطاعتهم الأداء أفضل في مسالة التحول الانعكاسي عن الأطفال الذين لم يحصلوا على مثل هذا التدريب, ولكن هذا لم يحدث! لقد علم الأطفال أن يتلفَّظوا بوسيط، ولكنهم لم يستخدموه في أثناء التجربة الفعلية, وقد اقترح ريس Reese "1962" أن عدم قدرة الطفل على استخدام بيان لفظي لدليل على قصور التحكم control deficiency, ومعنى هذا أن الأطفال رغم أنهم يستطيعون التلفظ بمفهوم ما، إلّا أن تلفظهم لا يستطيع بعد التحكم في سلوكهم. وقد اقترحت دراسات أخرى أن التوسّط لا يتحكم في السلوك إلّا إذا كان الطفل الأصغر يستطيع إنتاج الوسيط، وتعرف هذه المسألة باسم قصور الإنتاج production deficiency "flavell , beach & chinsky, 1966". وقد أثار افتراض التوسُّط اهتمامًا كبيرًا لدى علماء نفس النمو واستخدامه كأساس تصوري لعدد كبير من الدراسات البحثية, ومع أنَّ نظرية التوسُّط تستخدم لتفسير استراتيجيات الذاكرة، فإن استخدامها في تفسير سلوك التحول الانعكاسي والتحول الَّلانعكاسي قد تعدل بعض الشيء, وما يزال علماء النفس متَّفقين على أنَّ نوعًا من التوسط يحدث، ولكنه ليس لفظيًّا تمامًا. إن افتراض السلوك اليقظ الذي سنناقشه في الفصل الخاصّ بنمو الإدراك الحسي "في الجزء الثاني من هذا الكتاب"، يعتبر بديلًا للتوسُّط اللفظي, على ذلك فإن مثيرًا ما "s" يصبح مرتبطًا باستجابة واضحة "r"، وهي قد تكون لفظية, ولكنها يمكن أن تكون أيضًا إشارة للبحث عن أبعاد إثارية ملائمة. وعندئذ يختار المفحوص من بين المثيرات المثيرة, ويؤدي استجابة واضحة, والوسيط في هذا التحليل هو اختيار المثير الذي يمكن أن تعاونه استجابة لفظية, ولكنه لا يعتمد عليها. 5- افتراض التيقظ الانتباهي: attentional hypothesis: قدَّم زيمان وهوس zeaman & house "1963" نظرية التيقُّظ، انبثاقًا من اهتمامهما بإجراءات التعلّم للأطفال المتخلِّفين عقليًّا, وتدل معطياتهما على أنَّ الأطفال المتخلفين عقليًّا يتعلمون ببطء أشد, بسبب عدم قدرتهم على الانتباه إلى أبعاد المثير الملائمة أو يميزونها تمييزًا صحيحًا, ويشبه هذا السلوك الاطفال الأصغر سنًّا الذين لا يدركون الأبعاد الملائمة الممكنة في الواجب.

ويقدم ماير وأوفنباش meyer & offenbach "1962" مزيدًا من التأثير للتفسير الخاصّ باليقظة "الانتباهية", وقد قاما بفحص تأثير الإمداد اللفظي السلبي والموجب على أداء مجموعتي سن من الأطفال "5، 7 سنوات", فعرضا عليهم واجب "مهمة" تمييز بسيط, كان عدد الأبعاد الممكنة فيه يتشكَّل بطريقة منتظمة، فقدَّم لإحدى المجموعتين بُعْد ملائم وبُعْد آخر غير ملائم "كان البعد الملائم إما الحجم أو اللون أو القياس، أما البعد غير الملائم فكان الموضع الذي كان معادلًا". وبالنسبة للمجموعة الثانية كانت المثيرات تتكوَّن من بعدين غير ملائمين، ولمجموعة ثالثة كانت المثيرات تتكون من 3 أبعاد غير ملائمة، وكان المفترض أنَّ أبسط الواجبات هو الذي يختص ببعد واحد ملائم, وبُعْد واحد غير ملائم، وأنَّ أصعبها هو الذي يختص بِبُعد واحد ملائم و3 أبعاد غير ملائمة، وعلاوة على تشكيل الأبعاد كان نصف عدد الأطفال يخبرون عندما تكون استجابتهم صحيحة, والنصف الآخر كان يعطى لهم تغذية رجعية فقط في حالة ما إذا كانت استجابتهم غير صحيحة. وفي مجموعة دراسات أخرى استخدم فيها إجراء التغذية الرجعية هذا، وجد أن إخبار الأطفال عن الأخطاء أكثر فاعلية من إخبارهم بالاستجابات الصحيحة. وبصرف النظر عن شرط التغذية الرجعية، كان الواجب المشتمل على بعد ملائم وبعد غير ملائم أسهل بشكل واضح من الواجبات المشتملة على بعدين ملائمين و3 أبعاد غير ملائمة "لم تكن تختلف عن بعضها اختلافًا يذكر". علاوة على ذلك فإن النتائج لم تعثر على تأثير للسن، وفسَّروا ذلك بأنَّ الأطفال في مجموعتي العمر كانوا مدركين لأبعاد المثير المتيسرة, ولعل هذه النتيجة لا تدعو للدهشة. ذلك لأنَّ المجموعة الأصغر كانت على علم بكل أبعاد المثير المستخدمة في الواجب, غير أنَّ ماير وأوفنباش meyer & offenbach، بالنسبة لمفهوم اختيار الافتراضات، لم يجدا فروقًا بين شروط التغذية الرجعية للواجب ذي البعد الملائم, والواجب ذي البعد غير الملائم. هذا وقد كان هناك فرق له وزنه في شرط التغذية الرجعية بين البعد الملائم والبعدين أو الثلاثة غير الملائمة. ولتفسير هذه الدراسة، نذكر أنَّه في واجب "مهمة" البعد الواحد الملائم وعلى أبعاد غير ملائمة، كان زوج المثيرات المعروض على الأطفال للانتقاء يتضمَّن كل الأبعاد المتاحة الملائمة وغير الملائمة. مثال ذلك: كان أحد المثيرين منشورًا كبيرًا

أخضر اللون, والثاني كرة صغيرة حمراء. وقد تكون الأبعاد الملائمة هي الحجم، مع إشارة صحيحة واحدة هي حجم المثير الكبير. لاحظ أنَّ المثير الأكبر يشتمل أيضًا على بعدي اللون والشكل, وهو إما على الجانب الأيسر أو الجانب الأيمن. إنَّ أي واحد من هذه الأبعاد يمكن أن يكون ملائمًا. أن ماير وأوفينباش meyer & offenbach في تحليلهما لعدم جدوى التغذية الرجعية من أجل الاستجابات الصحيحة، ذكرا أنَّ المفحوص كان من الممكن أن يختار الاستجابة الصحيحة، ولكنَّه كان في الواقع يستخدم الافتراض الخطأ, وفي المثال السابق قد يحدث أن يختار المفحوص المنشور الأخضر الكبير؛ لأنه كان أخضرًا، في حين أن القائم على التجربة اعتبر المثير صحيحًا لأنه كبير. وفي هذه الحالة فإنَّ المفحوص يخبر أنه كان على صواب، وهذه التغذية الرجعية الموجبة كانت بعد اللون، وفي الحقيقة فإن الطفل كان كفيلًا بأنَّ يقدم معلومات إيجابية للسبب الخطأ, وفي الحالة التالية فإنَّ المفحوص قد يخونه الحظ؛ إن المثير الأخضر كان أيضًا أصغر. وهناك لا يخبر المفحوص بأي شيء, ولسوء الحظ فإن هؤلاء الباحثين لم يصمما الواجبات لتحديد ما حدث بعد فشل في الحصول على تغذية رجعية موجبة, والمجموعة التي حصلت على معلومات عن الاستجابات غير الصحيحة فقط تعلَّموا أسرع؛ لأنه في اللحظة التي يكون فيها الأصغر سنًّا قد أعطى استجابة غير صحيحة، فإنه كان يستطيع استبعاد البعد بأكمله, أو على الأقل تلك القيمة التي للبعد. لقد أجبرت التغذية الرجعية للاستجابات غير الصحيحة الأطفال على استخدام إجراء استبعاد، في حين أن التغذية الرجعية للاستجابات الصحيحة لم تستطع خلق استراتيجية بحث مفيدة, وقد وجد ماير أوفينباش meyer & offenbach "1962" أيضًا أنه عندما يفشل المجرّب في الاستجابة في الحالة التي أعطي فيها تغذية رجعية موحيًا فقط، فإن أطفال التجربة فهموا أخيرًا أنه ما من استجابة تعني في الواقع أنهم لم يكونوا على صواب, وبالعكس عندما أعطي تغذية رجعية للأخطاء فقط، تعلَّم الأطفال أنه ما من استجابة تعني أنهم كانوا على صواب. وعلى ذلك، وبعد عدد كبير من المحاولات, أي: عندما تعلَّم الأطفال معنى فشل المجرب في الاستجابة، كانت شروط التغذية الرجعية معادلة، وكان أداء المجموعات مشابهًا, ولهذا السبب فإن ماير وأوفينباش meyer & offenbach

فكَّرَا في أنَّ الأطفال في المجموعة التي حصلت على تغذية رجعية للاستجابات الصحيحة اتبعوا في النهاية استراتجية تعرف باسم "اكسب" إبق أو اخسر، تحوّل win stay & tose - shift وهذه الاستراتيجية عند مقارنتها باستراتيجية الاستبعاد التي ولَّدَتْهَا التغذية الرجعية للاستجابات غير الصحيحة، ثبت أنها أقل كفاءة. وهذه السلسلة من الدراسات -وغيرها كثيرًا- تدل على أن الأطفال يستخدمون افتراضات، وأن الأطفال الأكبر سنًّا أكثر احتمالًا لاستخدام الافتراضات المناسبة من الأطفال الأصغر سنًّا. والانتقال الرئيسي في احتمال استخدام الافتراضات يبدو أنه يبدأ عند سنّ الخامسة تقريبًا، وأنه يبلغ حالة الرشد الكاملة تقريبًا في حوالي الثامنة أو التاسعة من العمر. 6- السلوك اليقظ Attending Behavior: رغم ما لافتراض التوسّط من أهمية بسبب محاولته الكشف عن استخدم اللغة في تكوين المفاهيم، فإنَّ النموذج اليقظ طبقًا لما اقترحه زيمان وهوس zeaman & house "1963" يبدو أنه يحوي قدرة توضيحية أكبر. وقد وضع نوع آخر من الترتيبات التجريبية يعرف باسم واجب التعلّم العرضي inciderntal learning task لفحص تغيرات النمو في السلوك اليقظ. وفيما يلي نعرض لأهم الواجبات المتضمّنة في السلوك اليقظ. أ- واجب التعلّم العرضي: في هذا الواجب يقدم للأطفال مجموعة من الصور, وكل بطاقة مثيرة موضوعة على لوحة، ويخبر الأطفال أن البطاقات التي بها رسومات لحيوانات وأدوات منزلية سوف تعرض عليهم، وعليه أن يتذكروا موضوع الحيوانات على اللوحة، بمعنى: أي حيوان يوجد في كلٍّ من اللوحات الثماني. وتوضع بطاقة مثيرة واحدة في كل مرة على اللوحة لمدة ثانيتين ليتأمَّلها الطفل. وبعد أن يتمَّ عرض المثيرات الثماني، تكرر العملية خمس مرات, ولا يطلب من الأطفال أن يتذكَّروا أي شيء سوى موضع الحيوانات على اللوحة, وباستخدام هذا التصميم قام هيلر ودسك wheeler & dusek "1973" باختيار الأطفال لتذكّر أوضاع المثيرات المركزية "الحيوانات" والمثيرات العرضية "الأشكال الأخرى". كان أطفال هذه التجربة أطفالًا

برياض الأطفال، والصف الثالث والصف الخامس الابتدائي, وقد وجد أن تذكُّر المثيرات المركزية قد زاد مع التقدّم في الصف الدراسي, وكان هناك أيضًا ميل عام في نحو تذكُر أدنى للمثيرات العرضية, وقد ذكر هاجن hagen "1967" نتائج مشبهة لهذه، وكذلك دراكر وهاجن drucker & hagen "1969", هاجن وسابو hagen & sabo "1967". وتفسر هذه البيانات عادة بأنها تدل على أنَّه مع نضج الأطفال يبدون اهتمامًا أكبر بالمثيرات الملائمة للواجب" أو المهمة", مما للمثيرات التي لا تلائم الواجب أو المهمة, والواقع أنَّ ما يحدث هو أن الأطفال الأكبر والأصغر على السواء يكادون يدركون مادة الواجب غير الملائمة، ولكن الأطفال الأكبر يرفضونها في إجراءتهم المعرفية ويؤكدون على الآلية الملائمة للواجب, والتي سبق أن لاحظنا سريانها بين الأطفال الأكبر في مجالات أخرى من النموّ المعرفي والحركي. وثَمَّة تنوع هام في عملية التعلُّم العرضي هو تدريب مجموعة على ترقيم "أو وضح علامة" label للمثير الملائم. وعندما تعرض عليهم بطاقة المثير، يطلب من مجموعة الترقيم ذكر المثير الملائم, وتساعد الاصطلاحات اللفظية على التذكُّر أفضل لمواضع المثير الملائم, وتدل نتائج هذه الدراسات على أن الترقيم اللفظي أكثر فاعلية بالنسبة للأطفال الأصغر، وتؤيد هذه النتيجة ملاحظات عدد كبير من الباحثين من أنَّ الأطفال الأكبر لا يلقون مساعدة؛ لأنهم يرقمون المثيرات الملائمة تلقائيًّا. وهذه الدراسات لا توضح ما إذا كان الترقيم اللفظي ذا فاعلية؛ لأنه يزوّد الأطفال بنظام اصطلاح لغوي، أو لأنه يضطرهم للتركيز على المثيرات الملائمة، أو لأنه طبقًا لنظرية التوسُّط يمكنهم من استعادة ما يعرفونه لفظيًّا, ويبدو محتملًا أن التفسير اليقظ أكثر دقة؛ إذ إنَّ الترقيم لا يؤدي بالضرورة إلى تركيز الطفل على المثيرات الملائمة, ويجب أن نلاحظ أن تأثيرات الترقيم اللفظي على الانعكاسية واللانعكاسية في واجب التحوّل, وكذلك في واجب تغيير الموضع, كانت على نفس القدر من الغموض. وعلى ذلك فإنه ليس من الواضح بعد كيف يعمل الترقيم بالضبط. ب- واجبات البحث البصري vizual search tasks: وثَمَّة طريقة أخرى يقوم فيها المجربون بفحص السلوك اليقظ في الأطفال الأكبر، وهي تشبه الإجراءات

التي استطلعناها من قبل من الأطفال حديثي الولادة، غير أنه في حالة الأطفال الأكبر سنًّا يبدو واضحًا أنَّ فحص المثيرات للتعرُّف على سمات حسية ملائمة يمكن أن تساعده مجموعة من الافتراضات محدَّدة معرفيًّا, وتتضمَّن الطريقة الأساسية المستخدمة في هذه الدراسات قياس حركات العينين وتثبيتاتها. وتستطيع الآن تحديد تتابع الحركات التي يؤديها الأطفال والراشدون في فحص مثير مفروض أن يتمَّ التعرف عليه فيما بعد, سواء بذكر اسم الشيء أو بالعثور عليه عندما يكون مختلطًا بمثيرات أخرى مشابهة، وقد ورد ذكر عدد من مثل هذه التجارب في التراث النظري لهذا المجال, وسوف نتفحَّص دراسة أجراها ماك ورث وبرونر mackworth & bruner؛ لأن المثيرات المستخدمة كانت أقرب إلى مواقف الحياة الواقعية من تلك المستخدمة في الدراسات الأخرى, غير أنَّ نتائج الدراسات الأخرى تدل على فروق نمائية واضحة في أنماط حركات العينين وتثبيتاتهما, "مشار إليها هنا باسم استراتيجيات الفحص scanning strategies؛ كما أنها تؤدي الرأي القائل بأنَّ تقييم استراتيجيات الفحص يثير طريقة مفيدة لتكوين استنتاجات حول العمليات العقلية. ولقد كان المثير الذي استخدمه ماك ورث وبرونر Mackworth & Bruner صنبور حريق عادي ولكن الصورة كانت تتغيِّر من وضوح إلى غيام قليل إلى شديد الغيام, وكان أفراد التجربة أطفالًا في سن السادسة وراشدين. وباستخدام طريقة فنية لقياس حركات العينين، سأل المجربان مجموعات التجربة أن يحددوا اسم المثير, وقد اتخذت عدة مقاييس مستجدة لاستراتيجيات التفحص، ولكن التي تهمنا أكثر هنا تسمَّى "درجة بحث مقتنة" a rated search score" وقد طور هذا القياس بسؤال عينات من طلبة الكليات أن يبينوا أجزاء الصنبور التي تفيد أكثر في التعرُّف عليه. كان الصنبور موضوعًا فوق شبكة مكونة من فتحات مربعة مقاس 1.5 × 1.5 بوصة، وطلب من المفحوصين تفحص المثير إلى أن يتأكدوا من أنهم قادرون على التعرُّف عليه. والشكل "89" يبين استراتيجيات التفحص لطفل في السادسة وراشد, وستلاحظ على النور أن الراشد أبدى عددًا أقل من نقط التثبيت, ولكن كل منها كانت تستغرق مدة أطول من مدة تثبيت الطفل. كما ستلاحظ أن الراشدين كانوا يميلون لتركيز تثبيتات أعينهم في حدود منطقة محددة

نسبيًّا, ولم تشغلهم مثيرات خارج السمات المركزية للمثير. وعند مقارنة نقط التثبيت للراشدين والأطفال تبيِّنَ أنه في كل ظروف الوضوح، كان الراشدون يركزون تثبيتاتهم مرات أكثر في منطقة المعلومات العليا, وقد تأثر الأطفال بدرجة القيام, ولكنهم كانوا يميلون للتثبيت مرات أكثر في مناطق المعلومات العليا حكمًا زاد وضوح تركيز الصورة. وقد استنتج ماك ورث وبرونر mackworth & bruner "1970، 172-173" ما يأتي: "إن الجوانب المعرفية لهذا الانتقاء البصري كانت واضحة طوال التجارب, فمثلًا سجَّلت أعلى "نقط البحث المقنن" بينما كان المفحصون يدركون معنى الصورة, علاوة على ذلك، فإن متوسط نقط البحث المقنَّن لكل تثبيت هبط كلما تكررت المحاولة، كما لو أن المفحوصين بدءوا بالمناطق الهامة ثم تطرقوا إلى أبعد في المرة الثانية، ولم يستطع الأطفال تركيز بصرهم بنفس المهارة. وهذه النتائج لم تظهر بوضوح كلما كانوا يحاولون التعرف على الصور البعيدة عن المركز, غير أنَّ الأطفال استطاعوا العثور على التفاصيل الهامَّة في الصور شديدة الوضوح، ولكنهم في هذه الصور كانوا مرتبكين إزاء التفاصيل, لدرجة أن مسار رؤيتهم أصبح ثلثي طول مسار رؤية الراشدين. وواضح أن بعض أطفال السادسة كان ينقصهم برنامج كفء للبحث البصري، مما كان يمكنهم من تحقيق الإجراء المماثل لإجراء الراشدين الأصحّاء". إن البحث الذي يستخدم حركة العينين، كما مثَّلته دراسة ماك ورث وبرونر mackworth & bruner يبدو أنه يدل على أن السلوك اليقظ للإنسان يرتبط بالسن, فلكما تقدَّمت السن بالإنسان تصبح التكوينات المعرفية أكثر تطورًا، ويتوافر المزيد

من الافتراضات، وهذه الافتراضات بدورها تولّد انتباهًا انتقائيًّا لخواص المثير الملازمة، وعلى ذلك فإن الأفراد الأكثر تقدمًا معرفيًّا يظهرون تعرفًا وتصنيفًا أكثر كفاءة ودقة. ج- واجبات الذاكرة Memory tesks: توجد على الأقل تصنيفان واسعان لواجبات الذاكرة: عرضي وتطوري "brown 1975" والذاكرة العارضة episodic memory تشير إلى حدث معين, أما الذاكرة التطورية semantic memory فهي أيضًا تشير إلى حدث معين، ولكنها ذات مدلول معرفي أوسع, وتؤكد مناقشتنا على نظام الذاكرة التطورية؛ لأنها أكثر حساسية للتغيرات النمائية في الوظيفية المعرفية من النظام العارض، ولذلك فهي أكثر مناسبة لمناقشتنا لتكوين المفهوم, والنوع التطوري لنظام الذاكرة يتطلّب استراتيجية تقوية للحل المرضي "flavell 1970". وقد استخدمت أنواع عديدة من التجارب لتبيان السمة الإدراكية لنظام الذاكرة التطورية, وفي نوع من الواجبات "المهام" يسمَّى التذكير الحر free recall، يقدم للمفحوصين قائمة بكلمات تنطوي على مفهومين أو أكثر تصلح كأساس لتنظيم باقي القائمة, وتقديم الكلمات يكون عشوائيًّا, ويستطيع المفحوصون أن يتذكروا قائمة الكلمات بطريقتين؛ الأولى: الترتيب التسلسلي, وفيها يحاولون استعادة الكلمات بنفس الترتيب الذي قدمت به، والثاني: باستخدام المفهوم الذي تتجمَّع فيه الكلمات التي تنتمي لنفس المفهوم "مثل طعام، وسائل مواصلات، وهكذا", وبعبارة أخرى: فإن المفحوص الأكثر نضجًا معرفيًّا سيقوم بتنظيم كلمات المثير، وفي الواقع يبعثر القائمة الأصلية إلى مراتب ذات معنى. ويفترض أن الأداء في هذه العملية على الكلمات يتطلَّب مفاهيم ذات معنى. وقد أكَّد فلافيل وولمان flavell & wellmon هذه النقطة "1976، 4": "الأفراد الأكبر سنًّا يفترض أنهم سوف يخزنون ويحتفظون ويستعيدون عددًا كبيرًا من الوارد بطريقة أفضل أو مختلفة عن الأفراد الأصغر سنًّا مثلًا، لمجرد أن التقدم النمائي في محتويات وتكوين أنظمتهم التطورية أو الإدراكية يجعل هذا الوارد أكثر ألفة ومعنًى وإدراكًا لديهم, صالحًا لملء الثغرات أو أكثر قابلية للتذكر لديهم". وثمة سبب آخر لتحسُّن الذاكرة مع السن يرتبط بالكفاءة التي توضع بها المعلومات في الذاكرة، أو ما يسمَّى عادة بالنشاط التخزيني storage activity

والمهم هنا هو أنه مع تزايد القدرة على التمييز بين الأبعاد الملائمة وغير الملائمة, وعلى تحسين الفرد لسلوكه اليقط، فإن كمية ونوع المعلومات التي يمكن استعادتها تزداد. وثمة تحوّل نمائي آخر يزيد من القدرة على الاستعادة, ذلك هو المبين في تجربةٍ قام بها فلافيل، بيتش، وتشينسكي flavell, beach & chinskky "1966". لقد طلب من الأطفال أن يستعيدوا سلوك المجرب، وفي نظام التقسيم إلى مراتب يعتبر ذلك واجب ذاكرة تسلسلي, والمظهر الحاسم للدراسة معمَّم في شرطين: التذكُّر الفوري لسلوك المجرب, والتذكر البطيء لهذا السلوك. لقد كان المتوقع أن مجموعتي الأطفال الأكبر سنًّا، بالمقارنة بأطفال روضة الأطفال يظهران من الكلمات والاستذكار قدرًا أكبر في حالتي التذكُّر الفوري لسلوك المجرّب والتذكر البطيء. وقد قدَّم للصغار في حالة التذكير البطيء 15 ثانية إضافية للاستذكار أو للتعبير عن الواجب بالكلمات. علاوة على ذلك أضيفت معالجة ثانية استحدث فيها نصف كل مجموعة على ترقيم المثيرات، وقد بينت الدراسة بوضوح أن المفحوصين استخدموا تلقائيًّا الاستذكار بالكلمات كاستراتيجية تقوية للذاكرة، وأن أطفال الروضة لم يفعلوا ذلك. والمؤلفان لا يرفضان الرأي القائل بأن أطفال الروضة عجزوا عن إظهار الاستذكار بالكلمات بسبب انخفاض مستوى نموهم اللغوي, ولكنهما يريدان أن الأطفال، الأكبر سنًّا يقبلون على أنواع أكثر نشاطًا من الأنشطة العقلية لكي يواجهوا ما يعتقدون أنه من متطلبات الواجب, وفي هذه الحالة هو الكلمات الاصطلاحية والاستذكار. وفي هذا الصدد فإن السلوك يكون مطابقًا للتوسُّط اللفظي الذي ناقشنا سابقًا, وعلى ذلك فإن هذه الدراسة مثلها كمثل المناقشات الأخرى في هذا القسم، تدل على أن المظاهر النوعية للعمليات العقلية تؤثر على الكيفية التي ينظر بها إلى الواجب، وهي نوع من اختبار الافتراض بأوسع معانيه، وهذا بدوره يولّد أنشطة عقلية تهدف إلى زيادة احتمال النجاح في حل الواجب المعرفي المعين زيادة كبيرة.

الفروق الفردية في النمو المعرفي

الفروق الفردية في النمو المعرفي: إن الأداء في أيٍّ من الواجبات المعرفية العديدة التي نوقشت في هذا الفصل, وكذلك الواجبات التي تحدث في الإطار الطبيعي للمدرسة "القراءة، الحساب" تختلف بين الأطفال, وواضح أن عاملًا مسئولًا عن التغير هو أنَّ الأطفال ينمون بمعدلات أسرع من الآخرين، وعلى ذلك ففي أي وقت يظهرون كفاءة أكبر في الواجب أو المهمة عن الأطفال الآخرين, ويختلف الأطفال في أدائهم للواجبات "المهام" بطريقة أخرى هامة، وقد صمَّم كاجان kagan وزملاؤه "1964" واجبًا يُعْرَف باسم اختبار مطابقة الأشكال المألوفة Maching familiers test "mfft "الذي يوضح الشكل ""91" مثلًا له.

وفيه تعرض على المفحوصين صورة قياسية, ويطلب منه فحص 6 صور مصاحبة لها, ويتعرف من بينها على الصورة التي تتفق والصورة القياسية. وكما سيلاحظ القارئ من هذا المثل، فإن التعرف على المنظر المطابق ليس واجبًا سهلًا للغاية، حتى أن قدرًا ليس بالقليل من استجابة غير مؤكدة تتواجد في المحاولة. والسؤال الأساسي الذي يجيب عليه هذا الواجب هو الدرجة التي يستطيع أن يصل إليها الطفل في الاستجابة بعناية "ببطء", وأيضا الدرجة التي يستطيع فيها هذا التحليل بعناية أن يولّد فيها استجابة صحيحة, وعلى ذلك تسجيل الدرجات في اختبار مطابقة الأشكال المألوفة يؤخذ مقياسًا للوقت الذي يمضي بين عرض الاستجابات الست التبادلية والاختيار الأول للطفل. ويعرف هذا المقياس بمقياس الكمون latency measure. وهناك استجابة ثانية تسجل, هي عدد الأخطاء التي يرتبكها الطفل قبل التعرُّف على المثير الصحيح, وللحصول على درجات التسجيلين للخطأ, يسمح للمفحوص بالاستمرار في الاستجابة إلى أن يعثر على المثير الصحيح أو يرتكب 6 أخطاء، أيهما يتم أولًا, وعلى ذلك: بالنسبة لكل طفل، يتم الحصول على تسجيل درجات الكمون ودرجات الخطأ، ومن الممكن مع عينة من الأطفال إجراء توزيع لدرجات الكمون وتزويع الخطأ, ثم يقسم توزيع الدرجات نصيفين "ويسمَّى ذلك بالتقسيم المتوسط median split" عند كل درجة خمسينية لكل توزيع، ويوضع كل الأطفال الذين فوق المتوسط في مرتبة واحدة، والذين دون المتوسط في مرتبة أخرى, وبهذه الطريقة تحصل على 4 مجموعات، مستجيبون سريعون - أخطاء أكثر، مستجيبون سريعون - أخطاء أقل، مستجيبون بطيئون - أخطاء أقل، ومتسجيبون بطيئون - أخطاء أكثر. والأطفال في المجموعة الأولى يسمون بالأطفال المندفعين impulisive، وأطفال المجموعة الثانية يسمون بالتأمليين reflective, أما أطفال المجموعتين الآخريتين فقد استبعدوا من أي تحليل بحثي بعد ذلك. ولعلنا نذكر بالمناسبة أن الأطفال المستجيبين ببطء، مع أخطاء أكثر يحتمل أن يبدوا بلادة ذهنية intellectual dullness، في حين أن الأطفال الذين يبدون استجابة سريعة وخطأ أقل, قد يكونون على قدر من الذكاء, غير أن الأطفال المتأمِّلين والمندفعين لا يختلفون في الذكاء الأساسي، إنهم يختلفون في استراتيجياتهم لحل المشكلة. وهذه الملاحظات تستند إلى تجارب المؤلفين مع تشكيلة من الأطفال ذو صعوبات التعليم learning - disabled chilkren.

لقد أجريت أبحاث كثيرة على تأثير الاندفاعية والتأملية على الأداء المعرفي في عدد من الواجبات المتباينة, فوجد أن الأطفال الاندفاعيين يسيجيبون عادة إلى اختبار مطابقة الأشكال المألوفة استجابة سريعة لدرجة أنهم قد لا يتفحَّصون الأشكال كلها أو بعضها. إن سيجلمان sieglamn "1969" الذي فحص حركات أعين الأطفال وهم يؤدون اختبار مطابقة الأشكال المألوفة ذكر أن الاندفاعيين لا ينظرون إطلاقًا إلى الصور. ولذلك فإن الأخطاء يمكن أن تحدث, وعندما يخبرون أن اختيارهم غير صحيح فإنهم يقفزون فورًا إلى مثير آخر, ولكنهم لا يجرون أيّ تحليل بعناية للمكونات الأساسية للواجب. ويمكن وصف هؤلاء الأطفال بأنَّهم غير منتبهين لأبعاد المثير الملائمة، مثل إظهار بعض العجز عن تكوين افتراضات؛ لأن ذلك يتطلّب وقتًا، أو إظهار نمط عشوائي للاستجابة لمتطلبات الواجب. وبالعكس, فإن الأطفال التأمّليين يفحصون المثير القياسي بعناية كبيرة، ثم يفحصون كلًّا من البدائل الممكنة بنفس القدر من العناية, وعندما يظنون أنهم وجدوا المثير الصحيح، فإنهم يعودون عادة إلى المثير القياسي أولًا للتأكد من أن كل السمات معمَّمة. إن سلوكهم متعمَّد وحذر ويعكس معالجة الواجب على قدر من المنهجية, وقد نذكر أنَّ الطفل المندفع يشبه بعض الشيء الطفل مفرط النشاط الذي وصفه سكار scarr. وإذا علمنا أن معظم الواجبات "المهام" المعرفية تتطلّب بعض العناية على الأقل بالأبعاد البارزة أو خواص المثير، كما أنها تتضمَّن استخدام تجريدات من مستوى أعلى، فلا نعجب إذن من أن الطفل المندفع يميل للأداء الأقل كفاءة في واجبات القراءة, وفي حل المسائل الأكثر تعقيدًا. وقد يبدو أن الاندفاعية تميل لاتخاذ أقصى درجاتها في الواجبات التي تتطلّب أقصى درجة من التحليل المنهجي المفصَّل إن زلينكر وجفري zelniker & jeffery "1976" قد بيَّنَا أن المندفعين قد يكونون متفوقين في الواجبات التي تتطلب السرعة وليس الدقة, ولعله من المشجع بعد الشيء أن نلاحظ أن العديد من الجهود لتعديد سلوك الأطفال المندفعين للسن قد لاقت نجاحًا، وخاصة تلك المعالجات التي يعمل بها الراشد كمنوذج يعرض السلوك التأملي, وعلى ذلك فرغم السبب التكويني ظاريًّا للسلوك، فإن الاندفاعية تبدو قابلية للتعديل من خلال التدخل البيئة.

خلاصة

خلاصة: يتفق أصحاب النظريات المعرفية مثل برونر وبياجيه ووارنر bruner piaget & werner على أن تكوين المعلومات عن العالم يتضمَّن قيام التركيبات العضوية النشطة بالفعل والتفاعل مع الإثارة البيئية. كما أنهم يتفقون على أن هناك مراحل مميزة يمر بها الأطفال وهم يتقدَّمون نحو النضج المعرفي. وكل مرحلة تعتمد على المرحلة السابقة لها، ولكن خواصها النوعية تكون متميزة. ويرى بياجيه أن النمو المعرفي ينتج عن إجراءات المواءمة والاستيعاب, والمواءمة هي العملية التي تعدل بها معرفة الطفل بالبيئة لاستيعاب أشياء أو خبرات جديدة, والاستيعاب هو العملية التي يتم بها إدماج شيء أو خبرة جديدة في تكوين قائم, وهذه العمليات التبادلية مسئولة عن التغيرات في الموجزات الشكلية للمعرفة, والموجزات الشكلية هي تنظيمات معرفية تظهر في التتابعات السلوكية، كالإمساك بالشيء مثلًا, والأطفال الطبيعيون يتقدَّمون خلال 4 مراحل: 1- الذكاء الحسي الحركي. 2- العمليات قبل الحسية. 3- العمليات الحسية. 4- العلميات الشكلية. والسمات الرئيسة لكل مرحلة وصفت وصفًا كاملًا في أبحاث بياجيه, وكانت موضع أبحاث مكثفة, وهذه الدراسات البحثية أنتجت معلومات جديدة هامة عن النمو المعرفي وسمات الأداء المعرفي في مختلف مستويات السن. والكثير من هذه الدراسات البحثية أدَّت بعض العلماء للتشكك في فائدة مفهوم المراحل في فهم النمو المعرفي, وهناك رأي بديل يقول بأن الانتقالات المرحلية ليست فجائية, ولكنها أكثر استمرارية مما كان يظن بياجيه. وقد قام عدد من العلماء بدراسة مفهوم النمو باستخدام ووسائل تعلّم ارتباطي متنوعة, وقد أدى هذا العمل إلى زيادة إيضاح التغيرات النوعية التي تحدث في النمو المعرفي للأطفال. والمعلومات المستقاة من هذه التغيرات النوعية يجري الآن تطبيقها في دراسة الذاكرة.

نظريات النمو اللغوي

نظريات النمو اللغوي مدخل ... نظريات النمو اللغوي: مقدمة: إذا كان للغة وظائف حيوية هامة في حياة الإنسان، لذا فعندما نتفحَّص بدقة مظاهر نمو هذه القدرة ونمكِّن الطفل من استخدامها، نجد تساؤلًا رئيسيًّا يفرض نفسه علينا، وهو: كيف يتكمن هذا السلوك المعقد؟ وكيف تتطور وتنمو هذه المهارات اللغوية بهذا الكم والكيف في فترة زمنية وجيزة من حياة الطفل؟ وقبل أن يتمَّ تناول ذلك، ينبغي التعرُّف على النظريات المفسّرة لاكتساب اللغة, وسوف نستعرض ثلاثة توجهات في تفسير اكتساب اللغة ونموها، وهذه التوجهات هي: النظرية السلوكية "التعلّم"، والنظرية العقلية "الفطرية"، ثم النظرية المعرفية.

نظريات التعليم والتشريط

نظريات التعليم والتشريط ... 1- نظرية التعلّم والتشريط: تتناول نظرية التعلّم اللغة من خلال مصطلحات التعلّم الترابطي associative learning, وبشكل أضيق مصطلحات الاقتران والتشريط خصوصًا في سياق التعلّم اللفظي. ولقد قدَّم واطسون warson نظريته السلوكية منذ عام 1924, والتي عرفت بنظرية التعلّم فيما بعد، ونشر فصلًا بعنوان "الكلام والتفكير"، اعتبر فيها أن التفكير بمثابة كلام الفرد إلى نفسه، أو هو الكلام ناقص الحركة، وحاول تفسير السلوك اللفظي، كيفية أشكال السلوك في ضوء تكوين العادات وتدخل المعززات "المدعمات" المختلفة بين المثيرات والاستجابات لإحداث التشريط, ومن هنا: كانت اللغة استجابات يصدرها الكائن ردًّا على مثيرات تأخذ شكل السلوك الخاضع للملاحظة المباشرة, وبذلك: فإن واطسون يتعامل مع الكلام لا مع اللغة. وقد أوضحت بعض التجارب أنَّ الاستجابات اللفظية عندما تدعم "تعزز" تميل إلى الحدوث المتكرّر شأنها شأن بقية الاستجابات. "جمعة يوسف: 1990، 116-117". وبذلك تهتم نظرية التعلّم في معالجتها للنمو اللغوي بالعلاقة بين المدخلات والمخرجات، وتعتبر أن النمو اللغوي يخضع للتغير من خلال المعايير المتضمنة في مبادئ التعلم مثل: التقليد والمحاكاة، التعزيز "التدعيم، والاقتران والتشكيل.

وغيرها". فاللغة مهارة مثل كل المهارات التي تخضع للتدريب الشكلي، ويمكن اعتبار التغيّر في الأداء أو الإضافة الكمية معيارًا للنمو اللغوي ومؤشرًا للانتقال من مرحلة استيعابية إلى مرحلة أخرى. ويعتبر "سكينر" Skinner أبو النظرية الاشتراطية الإجرائية، الذي استخدمها في تفسيره لاكتساب اللغة؛ إذ يعتبر "سكنير" -مثل كل السلوكيين- اللغة فصل من فصول التعليم، وأنَّ كافة أنماط التعلم بما فيها اللغة تخضع للتغيّر الذي يضعه التعليم الإجرائي من أنَّ الاستجابات الإجرائية التي يليها تعزيز تستمر، أما تلك التي لا يليها تعزيز تتلاشى، وهذا التعزيز مصدره الذين يحيطون بالطفل, ويأتي على شكل ابتسامات وضحكات، وأوصوات التشجيع والأحضان. وهذه الأنماط المختلفة من التعزيز الإيجابي تزيد من احتمال ظهور تلك الأصوات التي لا تأتي في مصفوفة الأصوات الداخلة في تركيب اللغة. فالطفل يولد ولديه من الاستجابات الإجرائية, وتشكل بعض الأصوات جزءًا من هذه الاستجابات, وعند صدروها على أشكال تقارب اللغة التي يتحدثها الأبوان يتمّ تعزيزها، وكلما نما الطفل يلاحظ نوعية الأصوات والجمل التي ينطقها الكبار, فييدأ في تقليدها.

ويستمر المحيطون بالطفل في تعزيزها إمّا عن طريق الإثابة الفورية أو الاستجابة الفورية أو الاستجابة لما تتضمنه، بينما تتلاشى تلك الاستجابات والتي لا تصادف مثل هذا التعزيز, والتي في أساسها تعتبر همهمات غير مفهومة للأبوين. "محمد رفقي، 1981". وقد قدم "سكينر" skinner وجهة نظر مفصّلة لاكتساب اللغة، وهو يرى أن اللغة عبارة عن مهارة ينمو وجودها لدى الفرد عن طريق المحاولة والخطأ، ويتم تدعيهمها "تعزيزها" عن طريق المكافأة، وقد تكون أحد احتمالات عديدة مثل: التأييد الاجتماعي, أو التقبيل من الوالدين أو الآخرين للطفل عندما يقوم بمنطوقات معينة, خصوصًا في المراحل المبكرة من الارتقاء. ويميز "سكينر" بين ثلاث طرق يتمّ بها تشجيع تكرار استجابات الكلام: - الأولى: قد يستخدم الطفل استجابات ترددية echoicc حيث يحاكي صوتًا يقوم به آخرون يظهرون التأييد فورًا، وتحتاج هذه الأصوات لأن تتم في حضور شيء قد ترتبط به. - والثانية: تتمثَّل في نوعٍ من الطلب؛ حيث تبدأ كصوت عشوائي, وتنتهي بارتباط هذا الصوت بمعنى لدى الآخرين. - والثالثة: تظهر فيها الاستجابة المتقنة، وتتم بإحدى الاستجابات اللفظية عن طريق المحاكاة عادة في حضور الشيء "child, d, 1977" جمعة يوسف: 1990، 17".

وهكذا نرى أن مبادئ التعليم التي أوردها "سكينر" لا يمكن رفضها من أساسها كتفسير لاكتساب اللغة, ولا يمكن قبولها باعتبارها أساسًا للتفسير الكامل لهذا الأمر. وفي دراسة أجراها روث routh "1979" لتأييد وجهة نظر "سيكنر" تَمَّ إجراء التعزيز الإيجابي لمجموعتين من الأطفال بين 2-7 شهور لإصدارهم فونيمات "وحدات صوتية" مختلفة، وتَمَّ تشجيع الأطفال بالابتسامات وبعمل أصوات "tsk", ولمسات جانبية على أجسامهم، كما تَمَّ تعزيز إحدى المجموعتين لنطقهم بعض الأصوات المتحركة، بينما عززت المجموعة الأخرى لنطقهم بعض الأصوات الساكنة, ولقد استجاب الأطفال بتزايد إصدار الفونيمات التي تَمَّ تعزيزها. "سهير شاش: 1998". وبرغم التسليم بأن للتدعيم "التعزيز" دورًا في اكتساب اللغة، إلّا أنَّ هذا الدور يظل محدودًا وقاصرًا لعدة أسباب هي: 1- إذا كان الكلام ليس دائمًا لطلب "ماء" أو "طعام", فكيف يتم اكتساب الملفوظات التي لا تلق تدعيمًا؟ 2- هناك كلمات عديدة وجمل تشير إلى حالات خاصة في الذهن أكثر منها إلى أشياء أو أحداث في العالم الخارجي, فكيف يتمّ تدعيمها اجتماعيًّا عندما يكون الحاكم بصوابها صعبًا على الراشدين الذين لا يعرفون ما يدور في عقول الأطفال. 3- لو أن الكلام يتم تعلمه بواسطة عملية انتقائية, فكيف نفسر الحدوث في الكلام الناضج للتراكيب اللغوية الجديدة التي لا تحدث لا في التلفظ العشوائي, ولا في تقليد أن نموذج آخر؟ "ولذلك تبدو مصطلحات الثواب والعقاب في نظر البعض أساليب غير فعّالة في تفسير اكتساب اللغة باستثناء المراحل المبكرة جدًّا. "herriot, d. 1970, rimble & thers, 1980".

هذه نظرة عامة لما يراه سكينر. فاللغة مهارة مثل كل المهارات تخضع للمبادئ العامَّة للتعليم: التعزيز، التقليد، بالإضافة الكمية, وقد سيطرت هذه الأفكار على الدراسات المختلفة للنمو اللغوي. وتنقل اللغة أيضا عن طريق المحاكاة imitation والارتباط الشرطي؛ حيث إن الحياة الاجتماعية تؤثر تأثيرًا مباشرًا في الوليد البشري، وخاصَّة أن العجز الكبير الذين يولد به الطفل الرضيع يقوده إلى درجة عالية من الاعتمادية على المحيطين به, وخاصة الوالدين, للحصول على إشباعات لحاجاته الحيوية والنفسية، وأثناء عملية الإشباع هذه يكتسب الطفل الوليد ألوان السلوك المختلفة عن طريق المحاكاة لمن يحيطونه بالرعاية، وهذه الرعاية تمثّل ألوانًا من التعزيز لتثبيت وتقوية الارتباطات السلوكية، واكتساب اللغة من أهم ألوان السلوك ارتباطًا بهذه النظرية. وثمة معطيات تدل على نسق الأصوات التي تصدر من الطفل منذ ولادته وحتى الشهر الثاني عشر تصبح في اطِّراد أكثر شبهًا باللغة القومية, وتشير معظم الدراسات إلى انعكاس لغة الأبوين والإخوة المخالطين انعكاسًا كبيرًا على سلوك الأطفال اللغوي. ولقد أكَّد ألبرت بندورا A. Bandura "1977" على دور التعليم من خلال الملاحظة observational learnning, فهو يفترض أن الأطفال ترتقي لغتهم بصفة أساسية بتقليد المفردات والتراكيب اللغوية التي يستخدمها الآباء والأخرون في الحياة العادية, ولقد أيدت دراسة نلسون nelson "1977" وجهة النظر هذه, فلقد

استجاب بعض الكبار إلى تعبيرات نطقها أطفال في عمر سنتين, وذلك بالاستخدام المقصود لبعض التعبيرات المعقدة نوعًا ما، وبعد شهرين تكوَّن لدى الأطفال مزيد من التراكيب اللغوية المعقَّدة أكثر من الأطفال الذين لم يتعرَّضوا للنماذج التي يستخدمها الكبار "nelson, 1977". وقد أوضحت أعمال هاملتون وستيوارت Hamliton & Serwart "1977" أن أطفال ما قبل المدرسة قد أضافوا إلى مفرداتهم بنسخ كلام الآخرين وهذه حقيقة وليست بدعة بالنسبة لأي مربية. وقدَّم كلٌّ من براون وبيلوجي Brown & Bellugi "1984" في بحثهما الذي أجرياه على الطفلين "آدم وإيف" على أساس نظرية المحاكاة في اكتساب اللغة، قدَّمَا الدليل على أن بعض الجمل التي يستخدمها الأطفال في سنين أعمارهم المبكرة كانت عبارة عن محاكاة لكلام الأم. كما أوضح هوايتهورث وآخرون whitehurt et al "1988" تعزيزًا إضافيًّا لدور النمذجة modeling ينبثق من النتائج التي أظهرها أطفال في عمر سنتين, والذين يقرأ لهم آباؤهم ويكتسبون اللغة بطريقة أسرع من الأطفال الذين في نفس العمر ولا يقرأ لهم آباؤهم. ولا يقتصر دون الأبوين على تقديم النماذج لهذه الأصوات, ولكنهما يعززان الأصوات الملائمة؛ حيث يقترن التعزيز بين الأصوات الصحيحة ما يعمل على اكتسابها، أما الأصوات غير المناسبة فيخلو مواقف استخدامها من عملية التعزيز ممايؤدي إلى عدم اكتسابها، ويلعب التعزيز دوره الأساسي في اكتساب الأطفال للتتابع السليم للنماذج المختلفة للكلمة: أسماء، وأفعال، وحروف. وهناك فنية أخرى من الفنيِّات التي أكَّدت عليها نظرية التعلّم في اكتساب اللغة, تلك هي فنية التشكيل shaping والتي تعرف أحيانًا باسم التقريب المتتابع successive approximation أو مفاضلة الاستجابة response differentiation, وهو أسلوب لتوليد سلوكيات جديدة عن طريق التدعيم الأولي لسلوكيات موجودة لدى الفرد، وبالتدريج تقوم بحسب التدعيم من السلوكيات الأقل مماثلة, ومركّزة على

السلوكيات الأكثر تشابهًا والتي تصبح شيئًا فشيئًا مشابهة للسلوك النهائي المرغوب, ويمكن استخدام أسلوب التشكيل في التدريب على إخراج الحروف وحالات اضطرابات النطق: - في البداية يقوم المربي بتدعيم استجابة تقليد الصوت التي تصدر عن الطفل. - وفي الخطوة الثانية: فإن الطفل يدرَّب على التمييز، ويدعم المربي الاستجابات الصوتية لإخراج حرف من الحروف إذا حدث في خلال خمس ثوان من النطق للطفل. - وفي الخطوة الثالثة: فإن الطفل يكافأ عند إصدار الصوت الذي أصدره المربي, وكلما كرر ذلك. - أما في الخطوة الرابعة: فإن المربي يكرر ما فعله في الخطوة الثالثة مع صوت آخر شبيه بالصوت الذي تَمَّ في الخطوة الثالثة. "محروس الشناوي 1996، 337". ويشير ستاتس stasts "1971" إلى أهمية استخدام التعزيز في اكتساب الطفل التتبعات النموذجية لاستخدام كلمات الجمل وأفضليات الحدوث, والتي يتم تعلمها بالارتباط الشرطي. إذ إن الأطفال يتعلّمون "انظر إلى الحصان", وليس "انظر الحصان إلى", فالجملة الأولى الصحيحة تعزز من الوالدين, فتثبت وتكرر عند الطفل، أما الجملة الثانية الخاطئة لا تجد تعزيزًا, ولذا يلغيها الطفل وينساها. وتمثل أفضليات الحدوث -لدى سبتاتس staats- النمو بشكل يشمل نمو النماذج اللغوية في شكل ونسق، يتعلّم بواسطة آليات المثير والاستجابة في تتابع من البسيط إلى المركب، ويتتابع نمو الجمل النحوية هي الأخرى من البسيط إلى المركب، فإذا ارتبط مثيرٌ ما باستجابة خاصة به, وتبع هذا وجود تعزيز مناسب في الوقت الذي يقرن هذا التعزيز بكلمة مناسبة، فإن الارتباط يتزايد، وتتوالى الكلمات في تتابع وتناسق مكونة الجمل، ويقرر ستاتس staats أن الكلمات المستخدمة في الجملة يمكن أن تمثل مثيرات واستجابة في وقت واحد.

ويمكن تبسيط هذا النسق في صورة كلمتين منطوقتين على النحو التالي: مثير استجابة.......... مثير استجابة. الكلمة الأولى............ الكلمة الثانية. خبز.......... من فضلك حيث استخدم ستاتس staats "من فضلك" كلمة ثانية؛ حيث إذا قرنها الطفل بكملة خبز "أي: أريد خبزًا" فتقول الأم: "خبز من فضلك"، وحينما يكرّر الطفل الجملة كاملة يحصل على قطعة الخبز التي تمثل تعزيزًا للسلوك اللغوي المناسب. ويعتبر ستاتس staats أن مقطع "من فضلك" هو المثير التمييزي الذي يسيطر على الاستجابة، والخبز كما استخدم هنا هو الاستجابة، هو أيضًا مثير لكلمة "من فضلك". وإذا أمكن تدريب الطفل على كلمات مختلفة "لبن، خبز، برتقالة" بصفة مستمرة بكلمة "من فضلك" فإنها تكون طائفة ترتبط باستجابة واحدة. وقد قدَّم براين braine "1963" سلسلة من التجارب توضّح كيفية ارتباط مثيرات الكلام ارتباطًا شرطيًّا في مواضع معينة داخل الجمل؛ حيث استخدم فيها كلمات غير ذات معنًى, ولها سمات تمييزية عامّة، وقد تبيِّن "براين" أن الكلمات يمكن تتباعها لتظهر في مواضع معينة، والأهم من ذلك أن الأطفال تمكنوا من استخدام الكلمات غير ذات المعنى في المواضع الصحيحة، وأن تعلم الموضع يعتبر حالة تعلم إدراكي حسي. وتفسير نظرية الاقتران كيفية اكتساب الطفل معنى الكلمات بطريقة مباشرة نسبيًّا؛ حيث ترتبط الأشياء والأفعال المختلفة في بيئة الطفل باستجابات كلامية واضحة في ذاكرته، وهذا الشكل من الارتباط الشريط يسمَّى عادةً بالترقيم, وهناك العديد من الدراسات التي تبيّن أن تعلم الترقيم يمكن بسهولة إحداثه بالارتباط الشرطي السببي, وفي الواقع أن هذه المسائل قد استخدمت على نطاق واسع لنمو المحصول اللفظي vocabulary لدى الأطفال.

والنظرية السلوكية أو نظرية التعلُّم قد وجِّه إليها كثيرٌ من النقد فيما يتعلّق باكتساب اللغة؛ فبالرغم من أن المثيرات الخارجية "البيئة" عامل هام في تطوير لغة الطفل، إلّا أنها لا تفسر الطريقة التي يستطيع بها الأطفال ترديد الأشياء التي يسمعونها من قبل. فمن المحتمل أن يكون طفل في سن 2، 6 سنة جملة مثل: "أحمد أكلت" أو "مها لعب", ومن الواضح أن ذلك ليس تقليدًا بحتًا, ولكن ذلك يعكس عملية الاستخدام المفرط للغة overregularication. وفضلًا عن ذلك فإن معظم الآباء يكافئون أطفالهم على صحة مقولاتهم بدلًا من صحة التركيب اللغوي, فاستجابة لجملة مثل: "القطة خرج" فإن الوالد من المحتمل أن يوافق في ذلك حتى لو كانت الجملة في الحقيقة ينبغي أن تكون: "القطة خرجت". ورغم أن هناك اعتراضات على بعض تفاصيل النظرية الارتباطية إلّا أنها لاقت قبولًا واسعًا في أواخر الخمسينات وبداية الستينات كنموذج توضيحي لاكتساب اللغة؛ حيث إن الاتفاق كان عامًّا على المبادئ الأساسية, وأهمها: - إن اكتساب اللغة يمكن فهمه بتطبيق المبادئ السلوكية للارتباط الشرطي دون اللجوء إلى المفاهيم العقلانية "إجراء أو تكون معرفي". - وإن الطريقة الوحيدة لفهم اكتساب اللغة هي من خلال التناول المنهجي للمتغيرات المستقلة عندما تؤثر على المتغيرات التابعة. ويلخص ستاتس staats "1971" القضية على أنّ المحاكاة تعتبر أحد عوامل تعلّم اللغة، والمترابطات البيئية تتزايد أهميتها لدى علماء اللغة المعاصرين. والخلاصة: إنه يمكن القول بأنه من المهم بيان طبيعة النظرية في موضوع اللغة، وبيان كل أسلوب نظري يقوم بتفسير أحد ظواهر اكتساب اللغة في ضوء إهمال بعض العوامل الأخرى، ولهذا لا نستطيع القطع بأن الارتباطية يمكن أن تسهم في تفسير جميع ظواهر اكتساب اللغة, ولكن يمكن أن تعزز أهمية كل من: - العوامل البيولوجية والحيوية وعامل النضج. - الممارسة والمحاكاة السليمة, واستخدام ألوان من التعزيز. - فاعلية الطفل ومدى إثارته الداخلية لاكتساب اللغة. وكل هذه العوامل تعمل مجتمع على اكتساب اللغة ونموها نموًا سليمًا يخدم نمو شخصية الطفل.

النظرية العقلية أو الفطرية

3- النظرية العقلية أو الفطرية: تنسب هذه النظرية تشومسكي chomsky، ولينيرج lenneberg "1967" وهما أنصار هذا الاتجاه. فلقد ولد بوام تشومسكي boam chomsky عام 1928 في مدينة فيلادلفيا بالولايات المتحدة الأمريكية، وتابع دراسته الجامعية في جامعة بنسلفانيا في مجالات الألسنية واللغويات والرياضيات والفلسفة. حصل على الدكتوراه من جامعة بنسلفانيا, وعمل بجامعة هارفارد في الفترة 1950-1955 وهي الفترة التي أنجز فيها معظم أبحاثه في مجال اللغة، ويعمل حاليًا بمعهد ماساتشوستس التقني. واشتهر تشومسكي بادئ الأمر في مجال اللغويات, إلّا أن شهرته لم تقتصر على هذا المجال، بل تعدَّته إلى مجالات الكتابة السياسية, خاصة انتقاداته لسياسة الولايات المتحدة الخارجية. ويعتبر تشومسكي مؤسّس النظرية التوليدية والتحويلية التي هي حاليًا أكثر النظريات الألسنية انتشارًا ليس فقط في الجامعات الأمريكية، إنما أيضًا في الجامعات الأوروبية، والتي ترجع النمو اللغوي إلى العوامل العقلية الفطرية. فلقد ركَّز أصحاب هذه النظرية على التركيب الداخلي للغة, وعلى الأنماط العامَّة للنمو اللغوي, والتشابه الأساسي بين كل اللغات، العلاقة بين نضج الجهاز العصبي والقدرة اللغوية. ويعتبر ظهور مراحل النمو دليل قوي ومؤثِّر يدعم هذا الاتجاه الفطري للغة. وقد تأثَّر "تشومسكي" في نظريته عن النحو التوليدي التحويلي بآراء الفيلسوف الفرنسي "ديكارت"، واعتبر أن مهمة تفسير النشاط اللغوي يجب ألّا تقتصر على النظر في ظاهرة اللغة "الأداء"، وإنما يعمل على استنباط القواعد التي تكون أساس اللغة، تلك القواعد التي تشكّل المعرفة الحقيقة للغة "الكفاءة".

وتمكن هذه الكفاءة -أو القواعد- الفرد من توليد عدد لا نهائي من الجمل الصحيحة، وكذلك من إخضاع الجمل البسيطة إلى عدد من التحويلات، كما أنها تمنع تكوين جمل غير صحيحة لا يقبلها الناطقون بهذه اللغة. وهذا ما دفع "تشومسكي" إلى التفرقة بين البنية الظاهرية للغة "الكلام، أو المنطوق اللغوي للفرد كما يسمعه الناس", وبين البنية العميقة التي تمثل العلاقات المعنوية بين مكونات الجملة والتي تلزم لفهم الجملة المنطوقة. "محمد رفقي، 1987". ولقد انتقد تشومسكي وأتباعه فرضيات نظرية التعلّم في اكتساب اللغة، فلقد وجد عند تحليل التفاعل بين الآباء والأبناء أنَّ الأطفال يمرون بنفس المراحل, ويتعلمون لغتهم الأصلية دون تعلّم أبوي رسمي، فالأطفال يردِّدون أشياء لم يعلّمها لهم الكبار مطلقًا، وأن كثيرًا من الآباء لا يعززون القواعد النحوية الصحيحة بطريقة إيجابية, أو يصححون الأخطاء اللغوية بطريقة ثابتة, وأشار إلى أنَّ النمذجة والتقليد لا تستطيع تفسير جميع مراحل تعلّم اللغة؛ لأن ملاحظة الأطفال تظهر أنهم مختلفون في درجة تقليدهم لما يقوله الآباء. "سهير شاش: 1998". وقد انتقد تشومسكي أيضًا فكرة اقتران المثير الشرطي بالاستجابة لوحدات لغوية، أو بين الوحدات اللغوية والأشياء التي تشير إليها الوحدات, فتقوم بتحديد الاستجابات المحتملة، وأن المزاوجة هذه بين المثير والاستجابة هي التي تحدّد تواتر الوحدات التي بالإمكان ملاحظتها في المدونة اليومية، لذا يرى أن هذا النموذج السلوكي لا يمكن أن يحلل عمل الكلمات كأشياء تحتوي على معاني، وبالتالي لا يمكنه أن يحلل القضايا اللغوية تفسيرًا آليًّا. واللغة في نظره ليست في الواقع مجموعة عادات كلامية، وهي مختلفة عن لغة الحيوان، وأنها تتسم بخصائص مميزة، ويرفض كذلك اعتبار عملية الاكتساب في مجال اللغة نتيجة لتأثير البيئة والوسط المحيط بالطفل. "ميشال زكريا: 1985، 49-50".

والمبادئ الأساسية التي تعتمد عليها النظرية: 1- اللغة خاصية إنسانية: يرى تشومسكي أن مفاهيم المثير والاستجابة وتعزيز الاستجابات التي ترتدي بعض المعاني في إجرائها على الحيوان تفقد كل معانيها ومسوغاتها عندما يتعلق الأمر باللغة الإنسانية، فتصبح هذه المفاهيم مجرد تخيلات وأوهام عارية، فاللغة عند الحيوان مجرد أصوات أو تنظيم مغلق يحتوي على عدد من الصرخات التي تقترن بالجوع أو الخوف, وما إلى ذلك, في حين أن اللغة الإنسانية تنظيم مفتوح وخلاق يحتوي على عدد لا متناه من الجمل والأفكار والمشاعر والغايات المتجددة، فمثلًا: عندما نقول: "لقد آن الأوان لتعديل البرامج الدراسية والجامعية لتواكب التكنولوجيا المعاصرة", فهذه الجملة تفتح مجموعة لا متناهية من المعاني والأفكار، وكل متكلم للغته قادر على إنتاج وعلى تفهُّم عدد لا متناهٍ من جمل لغته لم يسبق له سماعه من قبل أو التلفظ به، وتختص هذه الخاصية بالإنسان باعتبار كائن ناطق وعاقل. وعندما يتكلم تشومسكي عن قدرة الإنسان على إنتاج عدد غير متناهٍ من الجمل, فهو يشير إلى المظهر الإبداعي الخاص باللغة الإنسانية؛ فالسلوك اللغوي العادي يمتاز بالابتكار وبالتجديد عبر بناء جمل جديدة, وإقرار بنى جديدة تتلاءم مع المقدرة الإنسانية على استعمال اللغة استعمالًا طبيعيًّا ومتجددًا بعيدًا كل البعد عن المفهوم الآلي الذي يتضح عند السلوكيين عندما يعتبرون أن الاستعمال اللغوي لا يتعدَّى كونه ردود فعل مشروط بعامل المثير. "ميشال زكريا: 1985، 151-153". 2- الميل الفطري لاكتساب اللغة: عارض تشومسكي "1968" وأتباعه فرضية أن اللغة تكتسب فقط بالتعلم، وصمم على أن الأطفال يولدون ولديهم ميل للارتقاء اللغوي مثلما يمتلكون القدرة الكامنة على المشي، كما يعتقد أنهم يرثون التركيب البيولوجي لأعمال السمات اللغوية العامة, وهذا التركيب يهيئه نضج الجهاز العصبي المركزي، وقد أطلق تشومسكي على المخطط التفصيلي لاكتساب اللغة "أداة اكتساب اللغة".

The language acquisition device وتختصر إلى LAD، وهذه الأداة تعتبر ميكانيزم عقلي "آلية عقلية", تجعل الأطفال على قدر من الحساسية للفونيمات "الوحدات الصوتية" والتراكيب اللغوية والمعاني، وهي تحتوي على عموميات لغوية تتألَّف من قواعد تنطبق على جميع اللغات، فهي تقوم بإعداد المعلومات, وتساعد الطفل على تحصيل وفهم مفردات وقواعد اللغة المنطوقة. ويرى تشومسكي أنه بدون هذه المقدرة الفطرية لا يستطيع الأطفال فهم الجمل التي يسمعونها، كما أدَّاه اكتساب اللغة -هذه- تساعد على اكتساب القواعد النحوية التي تمكِّن الطفل من تفسير وتكوين الجمل. وكلما نضج العقل يكتسب الأطفال مهارات أكبر في فهم وإنتاج اللغة. "سهير شاش، "bee, 1985, 290-291", ويدعم رأي تشومسكي حول الميل الفطري لاكتساب اللغة بملاحظة عامة بأن الطفل الصغير لأبوين مهاجرين ربما يجعله يتعلّم لغة ثانية من احتكاكه بالأطفال الآخرين, ومن خلال وسائل الإعلام وبسرعة مدهشة، ويمكن لهذا الطفل أن يتحدث اللغة الجديدة بطلاقة مثل الأطفال الآخرين من أهل هذه اللغة. "محمد السيد عبد الرحمن، 1999". 3- عملية اكتساب اللغة والبنى العقلية النظرية: يؤكِّد تشومسكي باستمرار على أنَّه لا بُدّ لنا لتطوير المفاهيم النظرية لاكتساب اللغة أن نتخلَّى عن المذاهب التي تَرُدُّ الاكتساب اللغوي إلى تأثير المحيط على الطفل الذي يكتسب لغة بيئته، لأن ما يلزمنا هو الاعتقاد بأن المعرفة الفطرية بالمبادئ الكلية التي تخضع لها بنى اللغة الإنسانية, والتي يمتلكها الطفل الرضيع، وهي التي تقود عملية الاكتساب اللغوي، هذه المبادئ هي جزء مما يسمَّى بالفكر، وهي قائمة في العقل الإنساني بشكل من الأشكال، فوراء اكتساب اللغة قدرة عقلية فطرية قائمة بصورة طبيعية عند الطفل, وتعده لاكتساب اللغة. فالطفل يكتسب في الواقع لغة بيئته خلال مدة زمنية قصيرة نسبيًّا، ومن خلال تعرُّضه لجمل هذه اللغة، ويصعب علينا أن نقول: إن اكتساب اللغة هذا يتمّ نتيجة عمل تعميمي يقوم به على مجموعة الجمل هذه, فالطفل في الواقع يقوم بعمل ذهني بالغ الأهمية والتعقيد حين يكتشف بقدراته الخاصة تنظيم القواعد الضمني الكامن في كفاية اللغوة الذي يتيح له تكلم لغته. "ميشال زكريا: 1985، 156-157".

4- الكفاءة/ الأداء: يميز تشومسكي بين الكفاءة اللغوية, أي: المعرفة الضمنية لقواعد اللغة لمتكلِّم هذه اللغة المثالي, تلك الكفاءة التي تتيح له التواصل بواسطتها، ميِّز بينها وبين الأداء اللغوي, أي: طريقة استعمال اللغة بهدف التواصل في ظروف التكلُّم العادية. "ميشال زكريا: 1983، 292". وعلى ذلك يستطيع أي فرد يعيش في بيئة لغوية معينة أن يفهم عددًا غير محدود من التعبيرات الواردة بهذه اللغة، حتى وإن لم يتعرَّض لها بصفة مسبقة، كما أن بإمكانه كذلك إصدار تعبيرات مختلفة لأول مرة دون أن يكون له سابق معرفة بها, ولا شكَّ أن ما نتحدث به في كل لحظة رغم أنه يبدو وكأنه مألوف لنا, إلّا أنه في الواقع يختلف في صيغته عمَّا استخدمناه سابقًا. وهذا ما يطلق عليه الأداء اللغوي. ويعرف الأداء اللغوي linguistic performance بأنه إمكانية الفرد للتعبير عن طريق توضيح أفكاره باستخدام الكلمات المناسبة، أو هي عملية إصدار الأصوات الكلامية لتكوين كلمات أو جمل لنقل المشاعر والأفكار من المتكلّم إلى السامع، بالإضافة لذلك: فإنه مجموعة المفردات التي يستخدمها الطفل حتى يتسنَّى له التعبير عن الأغراض والمعاني العادية التي تجري في التخاطب اليومي بطريقة آلية تلقائية, وهو الطريقة التي يعبّر بها الإنسان عن كل ما يجول في ذهنه, ويدور في خاطره, وتجيش به عواطفه في نطاق أوسع ومدى أطول، ويدخل في ذلك إلى جانب الكلام وسائل التعبير الأخرى كالإيماءات والإشارات والحركات وغيرها. تلك الوسائل التي يلجأ إليها الإنسان ليؤكِّد أو يوضح ويثبت ما ينطق به, أو يعبر عنه لفظيًّا أو ليعوض عمَّا ينقصه أو يعجز عن استحضاره من تعبيرات وألفاظ. "سهير شاش: 1998: 9". ومن ناحية أخرى ترجع النظرية التوليدية التحويلية القدرة على السيطرة على قواعد وتراكيب وبلاغة اللغة إلى ما تسميه الكفاءة اللغوية, وهي المعرفة المفترضة بالقواعد النحوية التي تعتبر من أوضح مظاهره -إن لم يكن من مهامها الرئيسية- استطاعة الفرد أن يقوم بعدد كبير من التوليدات والتحويلات فيمكَّن من استيلاد تراكيب لغوية كثيرة الدلالة على معنى واحد، وكذلك يتمكَّن عن

طريقها من تحويل أي صيغة لغوية تعرض له إلى صيغ مختلفة؛ كأن يحوّل صيغة الخبر إلى الاستفهام أو النفي أو المبني للمجهول.. إلخ. "محمد رفقي: 1987". وبذلك تحدد الكفاءة اللغوية بأنها معرفة متكلم اللغة بقواعد لغته بصورة ضمنية، وبأنها قدرة المتكلم على أن يجمع بين الأصوات اللغوية وبين المعاني في تناسق مع قواعد لغته بتنظيم, وهذه الكفاءة تقود عملية تكلّم الإنسان. والمظهر الإبداعي في اللغة مرتبط بتنظيم قواعد تتيح لمن يدركها أن ينتج عددًا لا منتاهٍ من الجمل, وأن يفهم أيضًا بموجب التنظيم نفسه عددًا لا متناهيًا من الجمل ينتجها الآخرون، فمع أن عدد قوانين تنظيم قواعد اللغة محدود إلّا أن الإنسان بموجب الكفاة اللغوية ينتج عددًا لا متناهيًا من الجمل والتركيبات. "ميشال زكريا: 1985، 153-154". 5- العالميات اللغوية: يشير هذا المصطلح إلى أن دراسة اللغات البشرية تشترك في بعض المظاهر الأساسية كما يلي: أ- إن كافّة اللغات لها مجموعة صوتية محدودة "تتمثل في الحروف الساكنة والمتحركة، أو الصوامت والصوائت", يشتق منها أعدادًا كبيرة من الأصوات الكلية "تتمثّل في المورفيمات أو الكلمات أو الجمل". ب- تشترك اللغات الإنسانية في أن لها تقريبًا نفس العلاقات النحوية التي تشير إلى وظائف المفردات اللغوية، مثل: أن تكون بعض الكلمات في موضع صفة أو في فاعل, أو تكون في موقع مفعول, كأن نقول في اللغة العربية: "أكل الولد السمك" أو "أكل السمك الولد" فهنا يختلف المعنى في الجملتين.

ج- إن الأطفال يمرون بنفس المراحل، بغض النظر عن اللغة التي يتحدثونها مع تقدّم أعمارهم "مثل مرحلة الأصوات قبل اللغوية، فمرحلة الكلمات الخاصة، فمرحلة الكلمة الواحدة، فمرحلة الكلمتين". د- إن ما نعرفه من لغات البشر يمكن أن نحصر تراكيبها الأصولية في ثلاثة نظم رئيسية هي: فاعل، فعل، مفعول به، أو فعل فاعل مفعول به. هـ- كما استندوا إلى أبحاث لينبرج lennnberg التي تشير إلى أن قدرات تعلُّم اللغة أمر مرتبط بالإنسان, وبالإنسان فقط. "محمد رفقي: 1987، 69-70". الأطفال في كل أنحاء العالم يكتسبون اللغة بطريقة واحدة. أ- أم من النيجر. ب- أم من تايلاند. ج- جدة من هونج كونج يتحدثن جميعًا مع أبنائهن وأحفادهن ليكسبوهم اللغة القومية. وتبعًا لهذه المظاهر الأساسية التي تشترك فيها اللغات البشرية، فإن الطفل يستطيع اكتساب أية لغة إنسانية بدون أي تمييز, وتفسير ذلك: إن الطفل يمتلك الأشكال العامَّة المشتركة بين كل اللغات, أي: ما يسمَّى بالقواعد الكلية كجزء من كفايته الذاتية الفطرية. ولكون التنظيم اللغوي بالغ التعقيد يستحيل على الطفل أن يكتسب اللغة ما لم يكن قائمًا في ذهنه الإلمام بالقواعد الكلية، فتكون عملية اكتساب اللغة بمثابة إجراء يقوم به الطفل لاكتشاف قواعد لغته بالذات من ضمن القواعد الكلية الكامنة ضمن كفايته اللغوية الفطرية. ومن الطبيعي ألا تعمل المبادئ الفطرية إلّا من خلال تفاعلها مع المادة اللغوية التي يتعرَّض لها الطفل، فالملكة اللغوية تبني القواعد عندما تتوافر لها الإثارة الملائمة في مراحل النمو الملائمة. وعلى هذا تكتسب اللغة انطلاقًا من حالة معرفية أساسية محددة بيولوجيًّا ومختصة بالقواعد الكلية للغة، ويمر بحالات معرفية وسيطة "هي قواعد اللغة التي

يتعرض لها الطفل"، ليصل في النهاية إلى حالة ثابتة بتنظيم قواعد ومبادئ تتلاءم مع القواعد الكلية العامة. إن الانتقال من الحالة الأساسية إلى الثابتة النهائية مرورًا بالحالات الوسيطة المتعددة يتمّ بالتوافق مع النمو الطبيعي, وعبر تعرُّض الطفل إلى لغة بيئية. "ميشال زكريا 1985، 157-158". 6- البنية السطيحة والبنية العميقة: يهدف هذا المبدأ إلى تقسيم التركيب اللغوي بين بنية ظاهرة تتمثَّل في الصورة الكلامية التي ينطق بها المتكلم، وبنية تحتية تتمثّل في الجملة الأصولية أو اللبنية "التي تكون لبناتها الأساسية". فنقول: إن البنية العميقة: "أصلح النجار الطاولة", يمكن أن نعبر عنها في بنى سطحية مختلفة مثل: "الطاولة أصلحها النجار، النجار أصلح الطاولة، الذي أصلح الطاولة هو النجار", فعلى المستوى السطحي فإن هذه الجمل لها نفس التركيب من الفعل الفاعل والمفعول والصفة أو الحال، ولكن من البديهي أن ندرك أن المعنى المتضمّن في كل جمل لا يختلف فيما بينها، وبذا نقول: إن كل جملة لها تراكيب بنائية متعمقة مختلفة. ورغم اختلاف البنى السطحية إلّا أنها جميعًا تتفق في بنية عميقة واحدة، وقد تتطابق البنية السطحية مع البنية العميقة، وهو ما نراه غالبًا على تعبيرات الأطفال حين تنتظم الكلمات في الجملة أو المنطوق اللغوي على أساس تلقائي يحقق البنية العميقة, ويأتي مطابقًا لها، وعلى هذا فإن التركيب الظاهري أو البنية السطحية تمثّل البنية العميقة، ولكن البنية العميقة هي التي تحتوي على الدلالة الحقيقية للجملة. "محمد رفقي، 1987، chomisky, 1987". وعلى الرغم من أنَّ قواعد عمل التحويلات اللغوية معقَّدة للغاية، فإن الأطفال يحققون تقدمًا واضحًا نحو إجادة هذه التحولات قبل الخامسة أو السادسة

من العمر، ويبدو أن الأطفال يكتشفون التركيب المتعمق للغتهم أولًا, ثم يأخذون مسارهم لإجادة عملية التحويل بعد ذلك. "محمد السيد عبد الرحمن: 1999". تقييم نظرية تشومسكي: يدَّعي أصحاب هذه النظرية أن السمات العامَّة والمألوفة لجميع البشر غريزية, وقد استهوت هذه الآراء علماء النفس التجريبي, ولاقت إقبالًا من جانبهم. ويفترض "لينبرج" 1961 lenneberg "1961" أن القابلية لإنتاج اللغة هي خاصية من خصائص البشر الموروثة، وتستند اللغة على مؤثرات بيولوجية آلية, وأن مراحل اكتساب اللغة تحدث لدى الأطفال الأسوياء بنسق ثابت منظّم في جميع أنحاء العالم, كما تحدث بنفس المعدل تمامًا رغم التباين البيئي والثقافي، فالأطفال في كافة أنحاء العالم ينطقون كلمتهم الأولى قبل نهاية سنتهم الأولى تقريبًا، وتعتبر هذه العملية المنسّقة كما لو كانت مرتبطة بالنضج البيولوجي بنفس الطريقة التي يحدث فيها نضج مراحل تعلّم المشي. "ماير، 1980". هذا ولقد أيَّدت أبحاث لينبرج lenneberg "1976" ما أطلق عليه تشومسكي القدرة الفطرية لاكتساب اللغة؛ حيث افترض بأنَّ تطور اللغة يسير سيرًا موازيًا مع التغيرات العصبية neurological changes التي تحدث كنتيجة للنضج، وهو يشير إلى حقيقة, وهي أنَّ الأطفال في جميع الثقافات يتعلمون اللغة تقريبًا في نفس العمر، ويرتكبون نفس الأخطاء في التعبير بلغتهم, كما يشير لينبرج إلى حدوث تغيرات في منظومة العقل في سن الثالثة, مما يساعد الأطفال في قدرتهم على فهم اللغة والتعبير بها، وهذه السرعة التي يتمكَّن بها الأطفال من لغتهم, بين 2-3 سنوات, يصعب تفسيرها دون الرجوع إلى التغيرات التي تطرأ على القدرة العصبية كليةً لاكتساب اللغة. "سهير شاش: 1988 gromly, 1997, 192". وقدَّم سلوبين slobin "1982" دليلًا مساندًا شيقًا في أنَّ هذه القدرة على تمثّل القواعد والعملية اللغوية هي في الواقع جزء من عملية اكتساب اللغة. ففي دراسة أجراها على "4" من أطفال الثقافات المختلفة, حاول التعرُّف على ما إذا كانت هناك استراتيجيات عامَّة لتنمية القواعد التي يستخدمها الأطفال الذين يمثلون

أصولًا ثقافية متباينة، ولقد وجد أن هناك في الواقع استراتيجيات عامَّة أو مبادئ فعَّالة يستخدمها الأطفال في عديد من اللغات بدون ترصيعها في جمل صريحة. "hendrickk, 1992, 402". كذلك: فقد حاولت دراسة بوهانون وستانوفيتش bohannon & stanowiez "1988" اختبار صحة ادِّعاء تشومسكي وأنصاره, من أن الكبار يهملون أخطاء أبنائهم في اللغة ولا يوفقون في تصويب أخطائهم اللغوية, وقد توصَّلت إلى أنَّ اكتساب اللغة يتوقَّف على التغذية الرجعية feedback التي يقوم بها الكبار الذين يصوبون الحالات اللغوية الخاصة، ولكن في صياغة لغوية صحيحة, أو سؤال الطفل لتصحيح ما يقول. "sadorow, 1995, 346". هذا ورغم تأثير نظرية تشومسكي عن اكتساب اللغة إلّا أن أفكاره لم تلق قبولًا كبيرًا؛ لأن ما ادَّعاه باسم أداة اكتساب اللغة LAD تقوم على افتراضية التركيب اللغوي العام الذي يكتسبه الأطفال، ولم يقم الدليل على عمومية التركيب اللغوي، ويبدو أن تطور اللغة يستغرق زمنًا أطول مما ينبغي, خاصَّة إذا كان خاضعًا لعوامل النضج والنمو والنمو البيولوجي، كما أن النظرية العقلية الفطرية تتجاهل خبرات الطفل وقدراته المعرفية. ومع ذلك, فإن تشومسكي يصرُّ على أنَّ نظريات المثير والاستجابة لا تكفي لتفسير إمكانات الطفل في استخدام اللغة أو فهمها، وأكثر من هذا, فإنه يسلّم بأن لدى الأطفال استعدادًا لمهارة لغوية فطرية تسمَّى جهاز اكتساب اللغة، وهو ميكانزم افتراض داخلي, يمكن الأطفال من السيطرة على الإشارات القادمة, وإعطائها معنى وإنتاج استجابة، وتقدّم قواعد اللغة إلى الأطفال فيما يبدو بطريقة طبيعية حتى إذا كانوا ينتمون لمستويات شديدة الاختلافات من الذكاء والبيئة الثقافية، وأن القواعد تصاغ في حدود معينة دون أن يظهر ما يدل على فهمها، ويؤيد "تشومسكي" النظرة القائلة أنَّ الإنسان فريد بما لديه من استعدادات لغوية. "chilk, d, 1977". غير أنَّ بعض علماء النفس مثل: "سوبس" supps, واسجود osgood, وماك كوركاديل mac corquadale, يرون أن "تشومسكي" وغيره ممن انتقدوا نظريات التعلم قد أساءوا تفسير مبادئ التشريط الفعال والمناحي الأخرى في التعلم. "د. جمعه يوسف، 1990 ص122" "Tiendler, 1974".

النظرية المعرفية

3- النظرية المعرفية: يهتم أتباع هذه النظرية بالنموّ المعرفي كأساس لجوانب النمو الأخرى, ومنها اللغة "فاللغة نتائج مباشر للنمو المعرفي"، ويعتبرون أنَّ مراحل النمو حلقات مختلفة تقوم على عدم الاستمرارية, فلكلٍّ طبيعتها، وكذلك يعتقدون بأن النمو حصيلة التفاعل بين الفرد والبيئة، ومن بين الذين أسهموا في النظرية المعرفية في تفسير النمو اللغوي ما يلي: أ- جان بياجيه: وتمثِّل نظرية "جان بياجيه" الأساس الذي تقوم عليه النظرية المعرفية النمائية, ورغم أن النظرية في حد ذاتها تهتم بطبيعة النمو المعرفي خاصَّة, إلَّا أنها لا تغفل التكامل العضوي بين جوانب النمو بصفة عامة، وقد يكون من الخطأ أن نرى في هذه النظرية انفرادًا بالجانب المعرفي دون الجوانب الأخرى. ويعتبر "بياجيه" أن النمو بجميع جوانبه يخضع للتفاعل بين الفرد بمكوناته وبين البيئة بعناصرها، فرغم اتفاق الأفراد فيما يتعرَّضون له من خبرات مادية واجتماعية, إلّا أن ما يتميز به كلٌّ منهم من خصائص وقدرات تجعل ناتج التفاعل من هذه الخبرات متباينًا كيفًا وكمًّا. ويقع النمو المعرفي عند "بياجيه" في مراحل متتالية متباينة يمكن تمييزها عن طريق التعرُّف على محتوى كل مرحلة من التراكيب والأبنية المعرفية، وتشير التراكيب المعرفية ببساطة إلى أساليب التعامل مع البيئة، ولذا نجد أن كل مرحلة تختلف عن غيرها من المراحل في أسلوب اكتساب الخبرة واستيعابها، كما يختلف الأفراد فيما بينهم بخصوص ما يتكوَّن لديهم من أبنية معرفية. "محمد رفقي، 1987". ولقد كان بياجيه piaget من أبرز الباحثين الذين ربطوا نمو اللغة بالنمو المعرفي, فعندما يكون الطفل مخططًا معرفيًّا فإنّه يستطيع تطبيق المدلول اللغوي

عليه "gormly, 1997, 192". ففي المرحلة الحسية الحركية senorimotor تبدأ بذور اللغة في البزوغ؛ حيث يتم استدخال السلوك اللغوي في عمليات التفكير؛ إذ يرى بياجيه أن اللغة يمكن أن تتطوَّر من نهاية المرحلة الحس حركية, وذلك عندما يبدأ التمثّل الداخلي للأشياء والذاكرة، وبمجرد أن يصبح الطفل قادرًا على استخدام اللغة ليتعلَّم أشياء مختلفة عن العالم فإنه يتخطَّى الذكاء الحس حركي؛ حيث يتضمَّن استخدام اللغة القدرة على إدارك الرموز, وتقوم الكلمة مقاوم ما تشير إليه. أما في مرحلة ما قبل العمليات، يرى بياجيه أن الأطفال في هذا السن تواجههم صعوبة في استخدام اللغة في الاتصال؛ إذ كان استخدامها لهذا الغرض يتطلّب منهم القيام بدور المستمع, والتكيف مع الرسالة التي يودون نقلها إليه, حتى يضعوا في اعتبارهم ما الذي قد لا يعرفه الشخص الذي يتحدثون إليه. كما يرى أن الأطفال في مرحلة ما قبل العمليات ينغمسون في الحوار الذاتي حين يتخيلون أنهم يتحدثون إلى شخصٍ ما على الطرف الآخر, وهو ما يطلق عليه الحديث المتمركز حول الذات، وبمجرَّد أن يصبح الحديث اجتماعيًّا بدرجة أكبر, فإن هذه الحوارات الذاتية تختفي, وقرب نهاية فترة ما قبل المدرسة يكتمل نمو اللغة من الناحية العملية, وتتطور المهارات اللغوية وتصبح متناسقة ومعدَّة للقيام بالنطق السليم الذي يختصر أو يختزل المعنى الذي يقصده المتكلّم بطريقة تجعل من الممكن بالنسبة للمستمع أن يحل مثل هذه الشفرة بحدّ أدنى من سوء الفهم. "ج. تيرنر: 1992، 86-87، 136-137". وجوهر النظرية المعرفية عند بياجيه هو ارتقاء الكفاءة اللغوية كنتيجة للتفاعل بين الطفل والبيئة، وبالرغم من أن أنصار "بياجيه" لا يدَّعون أن النظرية المعرفية في الارتقاء يمكن اعتبارها أيضًا نظرية صريحة في تفسير النمو اللغوي، إلّا أنها مع ذلك تتضمَّن المفاهيم والعلاقات الوظيفية الأساسية التي تسمح لها بالقيام بالدور التفسيري في هذا المجال. والنظرية المعرفية وإن كانت تعارض فكرة "تشومسكي" في وجود تنظيمات موروثة تساعد على تعلُّم اللغة، إلّا أنها في الوقت نفسه لا تتفق مع نظرية التعلُّم في أن اللغة تكتسب عن طريق التقليد والتدعيم لكلمات وجمل معينة ينطق بها الطفل في سياقات موقفية، فاكتساب اللغة في رأي "بياجيه" ليس عملية تشريطية بقدر ما هو وظيفة إبداعية.

إن اكتساب التسمية المبكرة للأشياء والأفعال قد تكون نتيجة التقليد والتدعيم, ولكن "بياجيه" يفرِّق ما بين الكفاءة والأداء, وهو أحد محاور نظرية "تشومسكي", فالأداء في صورة التركيبات التي لم تستقر بعد في حصيلة الطفل اللغوية، وقبل أن تكون قد وقعت نهاية تحت سيطرته التامَّة، يمكن أن تنشأ نتيجة التقليد، إلّا أن الكفاءة لا تكتسب إلّا بناءً على تنظيمات داخلية تبدأ أولية، ثم يعاد تنظيمها بناءً على تفاعل الطفل مع البيئة الخارجية المعرفية، ولكن عندما يتحدَّث "بياجيه" عن تنظيمات داخلية, فإنه لا يعني في الوقت نفسه ما يقصده "تشومسكي" من وجود نماذج التركيب اللغوي, أو القواعد اللغوية, بقدر ما يعني وجود استعداد للتعامل مع الرموز اللغوية التي تعبّر عن مفاهيم تنشأ خلال تفاعل الطفل مع البيئة, منذ المرحلة الأولى وهي المرحلة الحسية الحركية. "محمد عماد إسماعيل 1986". ب- فيجوتسكي: ومن ناحية أخرى: قدَّم فيجوتسكي vygotsky رأيًا مختلفًا؛ إذ يعتقد أن اللغة والفكر ينشآن على مرحلتين مختلفتين: المرحلة قبل العقلية preinllectual: ويطلق عليها أحيانًا فكر ما قبل اللغة. والمرحلة قبل اللغوية preinllectual stage: ويطلق عليها أيضًا كلام ما قبل العمليات العقلية. وفي سن العامين يلتقي هذان الخطَّان التطوريان باندماج اللغة والفكر كلما اقترب الطفل من مرحلة ما قبل العمليات, وهنا يتأثَّر فكر الطفل بما يريد أن يقوله، وفضلًا عن ذلك تساعد اللغة الطفل على ترتيب أفكاره وتوصيلها وجود بعض جوانب استقلال كلٍّ من اللغة والفكر, واستمرار هذه الاستقلالية. وتشير التجارب إلى أنَّ فكر ما قبل اللغة يقع في مرحلة النشاط الحسي الحركي، ويستمر الطفل بعد هذه المرحلة إلى استخدام الصور الذهنية والمهارات الحركية mobor skills في الأعمال العملية، وقد يؤدي التعلُّم عن طريق الحفظ عن ظهر قلب learning heart دون استيعاب المعنى إلى كلام ما قبل العمليات الفكرية. "فيصل الزراد: 1990، 75-76".

ويعتقد فيجوتسكي أن التفكير نشاط يعتمد على الكلام الداخلي "التحدث إلى النفس"، والكلام الخارجي "التحدث مع الآخرين"، وهذا التوحُّد بين اللغة والفكر يساعد على تفسير سرعة استخدام الأطفال لمفردات جديدة في وقتٍ يشتد فيه حب الاستطلاع حول الناس والأشياء. ويبدو أنه خلال وقت قليل يكون الطفل قد تعلَّم الكلام ولديه كثيرًا ما يقوله, وبينما يعتقد بياجيه أن اللغة هي ظاهرة للنمو المعرفي، يعتقد فيجوتسكي أن اللغة والمعرفة يتطوران تطورًا منفصلًا "gormly, 1997, 192". نظرة تكاملية لتفسير اكتساب ونمو اللغة: من العرض السابق يتضح أن النظريات السابقة في تفسير اكتساب اللغة ونموِّها قد اتخذت موقفًا تنافسيًّا في انتقاداتها لأصحاب النظريات الأخرى, والأفضل الأخذ بوجهة نظر تكاملية لتفسير هذا السلوك المعقَّد؛ لأنه لم يثبت إلى الآن أنَّ منحًى واحدًا نجح بمفرده في تفسير النمو اللغوي. وهذا الاتجاه التكاملي يطلق على أصحاب أنصار النظريات التفاعلية أمثال: بركو berko، إرفن ervin عام "1964"، براون brown عام "1973" الذين قبلوا النظرة العقلية في تطور ونمو اللغة, ولكنهم ركَّزوا على طرق تعلُّم الطفل لقواعد اللغة، ورفضوا وجهة النظر التعلُّمية التي ترى أن الطفل يكتسب اللغة بالتقليد والممارسة، فهم يجادلون بأن الطفل الذي يقلّد الكبار بطريقة سليمة لا يكون قادرًا بالضرورة على إثبات فهمه للقواعد اللغوية النحوية، لذا فهم يركّزون في دراساتهم لتطور اللغة على الطريقة التي يكتسب بها الأطفال المفاهيم. ولكننا نرى أن آراء سكينر وبندورا وتشومسكي وبياجيه يجب أن تتكامل لتفسير كيفية اكتساب اللغة ونموها، فمن الواضح أننا نتعاطف مع الميل الارتقائي للغة، فهو الذي يمدّنا بالأساس الفطري الكامن للغة، ولكن قد نتعلّم لغتنا نتيجة للجوانب اللغوية الأساسية الخاصة, من خلال الإشراط الإجرائي operant conditioning، ومن خلال التعلُّم بالملاحظة observational learning، ومن ناحية أخرى لا نغفل أثر البيئة التي يعيش فيها الطفل ويترعرع في وسطها.

وعلى هذا: فلكي نتكلم ونكتسب اللغة لا بُدَّ من استعداد فطري ولادي يعمل كأساسٍ تُبْنَى عليه هذه المهارة؛ حيث إن كل أطفال العالم يتكلَّمون اللغة في مراحل متشابهة ومتتابعة، وأن حدوث تعطّل نمائي في أي مرحلة من المراحل يؤثر سلبيًّا على كفاءة اكتساب ونمو اللغة. بالإضافة لذلك: فلا يمكن إنكار دور البيئة وما تقدمه للطفل من تنبيهات مختلفة لنمو اللغة, ومن المتوقَّع أن الطفل إذا تجاوز المراحل الأولى لاكتساب اللغة دون وجود تنبيهات ومثيرات اجتماعية لغوية, أو نماذج يمكن محاكاتها، كانت البيئة فقيرة من الناحية اللغوية، مما لا شكَّ فيه أن مثل هذا الطفل سيصاب بتدهور الوظيفة اللغوية عند الكبر. "جمعة يوسف: 124".

نظريات النمو الخلقي

نظريات النمو الخلقي مدخل ... نظريات النمو الخلقي: مقدمة: لقد تأثَّرت بحوث النمو الخلقي بعدة نظريات سيكولوجية أهمها نظرية التحليل النفسي، والنظرية السلوكية أو التعلُّم الاجتماعي بشكل خاص, ونظريات النمو المعرفية, فقد ربط فرويد بين الغرائز الجنسية وبين الحاجات الانفعالية. وتعالج نظرية التحليل النفسي النمو الخلقي في إطار مبدأ اللذة وفكرة الإثم, أمَّا نظرية التعلُّم فقد أكَّدت على أهمية الحاجات البيولوجية وإشباعها، فإشباع الحاجات البيولوجية وتعزيزها هي العامل التي تحدد السلوك الإنساني, كما يعتقد أصحاب نظريات التعلُّم أن النمذجة والاستجابات السلوكية المتعلَّمة هي التي تحدد النمو الخلقي والاجتماعي "arofreed, 1968". وهكذا نجد أن الاتجاهين السابقين يبدآن تقريبًا من افتراض واحد، وهو أن الطفل يبدأ أنانيًّا بالمعنى الأخلاقي, إنه يسعى لإشباع حاجاته أو غرائزه، وتبرز نظرية التحليل النفسي فكرة الإثم والشعور بالذنب, والوسيلة الأساسية للخلاص منه تكمن في التدخُّل المبكر من جانب الراشدين، وتلقين الطفل القيم الأخلاقية. فالأخلاقية من وجهة نظرهم تركّز في فكرة الضمير، وهو مجموعة من القواعد الثقافية والأفكار الاجتماعية التي تَمَّ تمثُّلها بواسطة الفرد. وأحد المؤشرات الأساسية لوجود معايير خلقية تَمَّ اكتسابها هو الشعور بالذنب, أي: استجابات نقد الذات وعقابها, والقلق الذي ينشأ لدى الفرد عندما يتعدَّى على المعايير الثقافية. ونظريى التعلُّم الاجتماعي وليدة نظرية الصفحة البيضاء "tabula rasa. فالطفل الوليد ليس فاسدًا أخلاقيًّا، ولا هو نقيًّا بالفطرة، وإنما هو طبيعة مرنة قابلة للتشكيل على أية صورة، ومرة أخرى، فإن تدخل الراشدين هو العامل الحاسم في اكتساب الطفل المعايير الخقلية، فلولا تدخُّل الراشدين لكان ممكنًا أن تستمرَّ دافعية الطفل عند مستوى الحاجات البيولوجية. وعن طريق التعزيز باستخدام الثواب والعقاب يتعلّم الطفل أفعال معينة تسمَّى بالأفعال الخلقية. وعكس ذلك فإن الاتجاه المعرفي النمائي, وعلى رأسه جان بياجيه, ينطلق من مبدأ الصفاء والنقاء الداخلي "الفطري", فالطفل أساسًا يكون أخلاقيًّا أو نقيًّا، ويتعلّم اللا أخلاقيات من المجتمع الراشد, وكنتيجة لذلك: فإن التأثير المفسد للمجتمع الراشد على الطفل يجب أن يقلل إلى أدنى حد. ويرى بياجيه بأن الخلق ينمو من اكتساب الاستقلال الذاتي المنبثق عن الحاجة إلى التوافق مع الأقران، ويعتقد أن الآباء وحدهم لا يسمحون بنمو الاستقلال الذاتي؛ حيث إن سلوك الطفل إنما يحمله الوالدان وليس الطفل. ولقد حاول أصحاب نظرية النمو المعرفي مدّ أثر النظرية المعرفية أبعد من ذلك لتفسير نمو الأخلاقيات. وسوف نعرض فيها يلي للتوجُّهات النظرية المختلفة في تفسير النمو الخلقي.

أولا: نظرية التحليل النفسي

أولًا: نظرية التحليل النفسي: حيث إننا وصفنا نظرية التحليل النفسي عن نمو الأنا العليا في الفصل الرابع، فسوف نقتصر هنا على تفسير جوانب النظرية التي تتعلق بالنمو الأخلاقي, وطبقًا لفرويد فإنَّ تكوّن الضمير أو الأنا العليا, وبالتالي اكتساب السلوك الأخلاقي, إنما يعتبر نتيجة لحل العقدة الأوديبية. إن الأنا العليا الذي يمثل معايير الراشدين، ينمو من خلال التوحّد مع الوالد من نفس الجنس "فرويد 1923، 1924". إن المحتمع يضمن بقاءه من خلال التقمُّص أو التوحُّد الذاتي بفرض معاييره على الفرد الذي ينقل هذه المعايير إلى الجيل الذي يليه, فكلٌّ من الأولاد والبنات الذين يتوحَّدون مع الوالد من نفس الجنس بسبب الخوف أو القلق على السلوك "فقدان الحب أو العدوانية". وكما يذكر برونفينبرنر bronfenbrenner عام "1960" فإنَّ الطفل قد يتوحَّد مع أيٍّ من جوانب الوالد الثلاثة أو معه جميعًا, وهي: السلوك الواضح، أو الدوافع، أو الطموح بالنسبة للطفل, أمَّا ما يتوحد معه الطفل من هذه الجوانب فهو موضوع البحث, وقد يتوقَّف على شكل التوحُّد. وقد يحدث أن عملية واحدة مثل التواجد anaclitic انتقائيًّا تكون أكثر احتمالًا؛ كي ينتج عنها تطوير المعايير، في حين أن عملية أخرى مثل التوحُّد مع معايير الشخص العدواني يؤدي إلى اتباع دوافع الوالدين "Bronfenbronner, 160. 24".

ورغم أنَّ الأساس الدقيق للتوحُّد غير واضح. والواقع أنه ما يزال موضع جدل شديد، ولذلك فإن نظرية فرويد قد آثارت كثيرًا من البحث حول آثار سلوك الوالدين على نمو الطفل. بحث هارتسون وماي Horthorne & May: إن أحد الآثار المترتبة على نظرية فرويد هو أنه بسبب التوحُّد مع فرد واحد، فإن الجوانب المتعددة للسلوك الأخلاقي يجب أن تكون على درجة كبيرة من التناسق مع بعضها البعض؛ إذ إنها كلها جزء من نفس التكوين المتكامل للشخصية. إن هذا التأثير جرى اختباره بمعرفة هارتشون وماي "1927، 1928، 1930" اللذان أدخلا سلسلة من الاختبارات على الأطفال والمراهقين من 8-16 سنة, وذلك لقياس: الغش، والكذب، والسرقة، وكانت أهم نتائج هذا البحث هي: 1- كان الغش موزعًا توزيعًا طبيعيًّا. 2- إن الغش في موقف معين لم يتنبأ به جيدًا في موقف آخر, وبعبارة أخرى: لم يكن بالإمكان تصنيف الأطفال على أساس أنهم "غشاشون" أو "غير غشاشين"، لقد غشَّ كل الأطفال تقريبًا, ولكنهم اختلفوا في مدى المجازفة التي أقدموا عليها خوفًا من اكتشاف أمرهم, ولقد استنتج "هارتشون وماي" أن الغش يتحدَّد بدرجة كبيرة طبقًا للموقف, وأنه لا توجد سمة عامة للأمانة أو الأخلاقيات. وقد قام بورتون burton بإعادة تحليل نتائج هارتشون وماي "1963، 1976", وقد نقض هذا الاستنتاج الأخير، وكان تحليل بورتون لتلك الاختبارات قد كشف عن "سمة عامة للأمانة", مما يدل على درجة كبيرة من الثبات في الأمانة عبر المواقف, وخاصة بالنسبة لمقاومة الإغراء على الغش، أو الكذب، أو السرقة. وقد استنتج بورتون أن المواقف المتشابهة تدعو إلى إبراز حالات غشٍّ متشابهة, ولكنه لم يناقش ما إذا كان ذلك يدل على أن الناس يمكن تصنيفهم على أساس أنهم إمَّا أمناء أو غير أمناء. وقد أوضح بيك وهافيجرست "1960" أن ذلك قد يكون هو الواقع، وقد ذكرا سمة للتطابق الخارجي مع القواعد، وعند أحد طرفي هذا البعد نجد الشخص الذي يتبع القواعد، وفي الطرف الآخر نجد الشخص الذي يظن أن القواعد الاجتماعية لا تسري عليه, وهو ينتهكها بانتظام. وكذا فإن الدليل على ثبات السلوك الأخلاقي يدل على أن الناس يسلكون نفس السلوك في المواقف المتشابهة, ولكن هذا التناسق يصبح ضئيلًا عبر المواقف "Burton, 1976".

ثانيا: نظرية التعلم الاجتماعي

ثانيًا: نظرية التعلُّم الاجتماعي طبقًا لنظرية التعلُّم، فإن السلوك الأخلاقي مكتسب من خلال الآليات الكثيرة من السلوكيات، وهي التعلُّم "geirtz, 1969" أو النمذجة والتقليد الأخلاقي. إن إجمالي البحث عند التقليد في النمو الأخلاقي قد عالج تمثّل المعايير الأخلاقية "mischel & mischel 1976". ويعتقد أصحاب نظريات التعلُّم الاجتماعية مثل "بندورا bandural" أن مفهوم التحليل النفسي للتوحُّد مطابق لمفهوم نظرية التعلُّم الاجتماعي بشأن التقليد. إن التوحُّد يحدث عندما يطابق سلوك الشخص سلوك النموذج، وطبقًا لنظرية التعلُّم الاجتماعي فإن التوحُّد والتقمُّص هما عملية مستمرة لاكتساب الاستجابات وتعديلها، الناتجان عن التعلم الخبرات مع الوالدين وغيرهما من النماذج، ويعتبر ذلك على النقيض من وجهة نظر التحليل النفسي التي تنظر إلى التوحُّد كعملية تنتهي في سن الرابعة أو الخامسة. "obermeyer , 1973"

وبينما نجد أن نظرية التحليل النفسي تؤكِّد على عمليات لا يمكن ملاحظتها مثل: "الهو" أو "الأنا" أو "الأنا العليا"؛ فإن نظرية التعلُّم الاجتماعي تؤكد على العمليات التي يمكن ملاحظتها, مثال ذلك: إن مفهوم التحليل النفسي عن الضمير أو الأنا العليا يمكن تفسيره من خلال الارتباط الشرطي للقلق بالنسبة لمواقف سلوكية محددة, وهذه نتيجة للجمع بين العقاب والسلوكيات غير الموافق عليها. إن الإثم والقلق اللذين يتولدان يرتبطان ارتباطًا شرطيًّا أكثر بالسلوك غير المرغوب فيه, ويصبحان استجابة شرطية لعملٍ ما, أو حتى التفكير في عمل الفعل المحظور "Eysenck, 1976, 109", كما يركز "أيزنك" "1976" أيضًا أن هذا القلق الشرطي يعتبره الطفل بمثابة الضمير. إن اكتساب هذا الضمير يسهل بواسطته وضع تسميات، باعتباره تعميمًا على أنماط مختلفة للأفعال. أننا بتسمية بعض الأفعال بأنها "رديئة أو شريرة" إنما نشجِّع الطفل على التعرُّف عليها بطريقة واحدة، وأن يتفاعل في المستقبل بقلق نحو كل شيء يحمل نفس التسمية. إن الضمير إذن ينظر إليه كنتيجة لاستجابات متعلمة لأفعال محددة أو لمجموعات أفعال محددة. ومع تقدم التعلُّم فإن السيطرة الخارجية للآخرين على سلوك الطفل تصبح غير ضرورية، ويتوصّل الطفل إلى استخدام مكافآته الخاصة "الفخر" وجزاءاته "الذنب" عن كل سلوك "Maccoby, 1968". إن نظرية التعلُّم الاجتماعي مثلها مثل نظرية التحليل النفسي تؤكِّد على دور الوالدين أو غيرهما من النماذج في هذا التعلم. إن الوالدين كليهما يعلمان ويقدمان النموذج لسلوك ذريتهما, وقد أكدت ماكوبي "1968: 240" على هذه النقطة في مناقشتها لطريقة تعلُّم الأطفال للسلوك الاجتماعي على النحو التالي: " ... يعمل الوالدان كنموذج أكثر تواجدًا وبروزًا، وكذلك كمصدر أساسي للتعزيز في الفترة الأولى من حياة الطفل، علاوةً على ذلك, فمع أنَّ الطفل قد يكتسب عناصر لسلوك اجتماعي من خلال ملاحظة نموذج قد لا يكون متفاعلًا معه بطريقة مباشرة، فإن أداء السلوك يميل للخضوع للتعزيز الفوري للظروف، ومن ثَمَّ فإن الناس الذين يسمح لهم وصفهم بالسيطرة على هذه الظروف يكون لهم تأثير قوي على ما يعمله الطفل، حتى ولو كان لهم نفوذ أقل تخصصًا على ما يتعلمه عن طريقة أدائها. إن الوالدين عندئذ يصبحان الهيئة المركزية في

التنشئة الاجتماعية المبكرة, وهذا ما يجعلها مركزيين لإجمالي في النمو الأخلاقي، ويكون السلوك المتعلم مبكرًا ميَّالًا للدوام. إن السلوك متى تَمَّ تعلُّمه فإنه يبقى ما لم تتغير الظروف التعزيزية". " ... إن ثبات السلوك يميل للبقاء من خلال ميول الفرد للبحث عن البقاء في البيئات التي لا تتطلَّب تغييرًا منه". وعلى ذلك فإن طريقة المعالجة بالتعلُّم الاجتماعي قد ركَّزت على المظاهر السلوكية للأخلاقيات. إن مقاومة الإغراء، والقدرة على تأخير الإقدام على فعلٍ محظور, كانت مقياسًا شائعًا وتجريبيًّا وجزئيًّا؛ لأنها تعكس رغبة الطفل وقدرته على اتباع قاعدة أخلاقية. "شكل: 99". بحث سلابي وبارك slaby & parke عام "1971": إن الدراسة التي قام بها سلابي وبارك "1970" تعتبر مثلًا حيًّا للبحث في قدرة الطفل على مقاومة الإقدام على انتهاك القواعد الأخلاقية, لقد فحصت التجربة مظهرين من النموذجين في مقاومة الانحراف: 1- النتائج التي يمر بها النموذج الملاحظ. 2- وردّ فعل النموذج لهذه النتائج. وكانت العينة من الأولاد والبنات في سن 7 سنوات، 66 فردًا من كل جنس, وقد أجلس كل طفل على منضدة كان عليها عدة لعب جذَّابة، ثم أخبر القائم بالتجربة الطفل أنهم سيلعبون لعبة، ولكنه لا يستطيع أن يتذكّر أين كانت، وقال

القائم بالتجربة: إن اللعب التي تركت على المنضدة تخص شخصًا آخر، وأنَّ الطفل لا يجب أن يلعب بها، ثم شاهد الطفل فيلمًا قام فيه شخص راشد بإخبار طفل أن يقرأ كتابًا وألّا يلعب ببعض اللعب, ثم ترك الراشد الطفل في المكان وأخذ الطفل يلعب باللعب مدة 3 دقائق عاد بعدها الراشد, وقد رأى نصف المفحوصين أن الشخص الراشد يجب أن يكافئ الطفل للعبه باللعب, ورأى النصف الآخر أن الطفل يجب أن يعاقب, وقد أظهر الطفل في التعلُّم إما حالة وجدانية موجبة "ابتسام", أو حالة وجدانية سلبية "بكاء"، أو لم يظهر أي حالة وجدانية بعد قيام الراشد بالمكافأة أو العقاب. وعند هذه النقطة انتهى الفيلم وأعطى القائم بالتجربة للطفل كتابًا غير مسلٍّ لقراءاته, وتركه وحيدًا في الحجرة لمدة 15 دقيقة, بينما هو ذاهب للبحث عن اللعبة, وكان عدد المرات التي لعب فيها الطفل باللعب, والكمون عن أول لمس اللعب, ومدة اللعب باللعب, قد جرى تسجيلها بواسطة مراقبين من خلال مرآة ذات اتجاه واحد. وقد افترض "سلابي وبارك" أن الأطفال الذين يلاحظون نموذجًا نال مكافأة ينحرفون أكثر من الأطفال الذين لاحظوا نموذجًا معاقبًا، وعلاوة على ذلك فإن عدد مرات الانحراف كانت تزداد إذا أظهر النموذج استجابة وجدانية إيجابية, وتقلُّ إذا أظهر النموذج استجابة وجدانية سلبية، بالمقارنة بعدد مرات الانحراف التي أظهرها الأطفال الذين كانوا يلاحظون نموذجًا لا يبدي أي استجابات وجدانية. وقد لقي الافتراض الأول تأييدًا: - فالأطفال الذين لاحظوا نموذجًا يَلْقَى مكافأة انحرفوا عددًا كبيرًا من المرات ولفترات أطول من الأطفال الذين لاحظوا نموذجًا يلقى عقابًا، مع أن هذا التأثير كان ذا دلالة بالنسبة للأولاد فقط, وربما كان السبب في ذلك أن النموذج الذي عُرِضَ في الفيلم فإنه يختص بالبنين. - أما الافتراض الثاني فقد لقي تأييدًا جزئيًّا فقط، وقد انحرف الأطفال الذين لاحظوا نموذجًا يلقى مكفأة مرات أكثر ووقتًا أطول إذا ما أظهر النموذج حالة وجدانية إيجابية وليس سلبية، مع عدم مسايرة الانحراف لأي وجدانية تحدث بين

الحالتين، والأطفال الذين لاحظوا نموذجًا يُلْقِي عقابًا انحرفوا إذا ما أظهر النموذج وجدانية سلبية عمَّا إذا كان النموذج يظهر وجدانية إيجابية, مع وجود المجموعة التي ليس لها تأثير ثانية, والتي تقع في الوسط "بين الحالتين". إن هذه النتائج حوَّلت تأثيرات المكافأة والعقاب لنموذج إنما تطابق نتائج عدد من التجارب الأخرى مثل mezei, leat, walter 1963 cane, parke, walter, 1964 parke, walter, 1963". إن هذه الدراسات توضح أن التعرُّض لنموذج مكافأة له تأثير حاظر على سلوك الطفل. إن النتائج عن الوجدانيات التي أظهرها النموذج تظهر مدى تعقيد هذا البحث, والنتائج الناجمة عن الوجدانية التي أظهرها النموذج كانت كما تَمَّ التنبؤ بها للأطفال الذين كانوا يلاحظون نموذجًا يلقي مكافأة، ولكن ليس للأطفال الذين كانوا يلاحظون نموذجًا يلقي عقابًا. وقد ذكر "سلابي وبارك" أن الأطفال الذين كانوا يلاحظون نموذجًا يلقي مكافأة "يبكون", ونموذجًا يلقي عقابًا "يبتسمون", لا بُدَّ وأنهم قد نبذوهم كنماذج بسبب عدم ملائمة الاستجابة الوجدانية، مع اعتبار معرفة الطفل لسلوكه هو في ظروف مشابهة. إن تشابه وجدانية الملاحظ للنماذج تبدو هامة في إظهار التقليد؛ وحيث إن الطفل يجد أنه من غير الملائم أن يحزن بشأن المكافأة, أو يسعد بشأن العقاب، فإنَّ النموذج يبدو مختلفًا عن الطفل. ويأتي تأييد هذا الرأي من التجارب "مثل fry عام 1977" التي تدل على أن الأطفال الذين يخبرون النجاح ولديهم وجدانية موجبة يقاومون الإغراء مدة أطول من الأطفال الذين يخبرون الفشل ويشعرون بالحزن. وقد أُجْرِيَ عدد من التجارب لبحث مدى تأثير مشابهة النموذج للطفل على تقليده "gear & tannebaum, 1965, rosekrans, 1967"، إن التشابه يبدو عاليًا في تأثيرات الحظر - السماح للنموذج الملاحظ, غير أن الأبعاد التي قد تتعارض فيها المشابهة كثيرة، ولسوء الحظ فإن كثيرًا منها لا تعتبر حيوية للسلوك التقليدي "محاكاة", وما تزال في حاجة لحصرها. إن البحث في طيّات تقاليد نظرية التعلُّم الاجتماعي قد أُجْرِيَ على جوانب أخرى من جوانب النمو الأخلاقي, مثال ذلك: العدوانية كما في دراسات: بذورا،

روس وروس bandura, ross & ross عام "1963"، بندورا "1965"، مكافأة الذات، self reward في دراسات: بدورا وكيرز bandura & kkupers عام "1964"، بندورا ووالين bandura & whalen عام "1966"، فريرر وتالين fryreur & thelen عام "1971"، وتأخير الإشباع delay of gratification مثل دراسات "ميشيل michel عام "1965"، بندورا وميشيل bandura & mischel عام "1965". وفي كل هذه الحالات كان سلوك النموذج يؤثر على الأداء التالي للطفل القائم بالملاحظة. بعض النتائج عن نظرية التعلُّم الاجتماعي: إن البحث في النمو الأخلاقي من تقاليد نظرية التعلم الاجتماعي قد اهتمَّ أساسًا بتأثيرات البيئة على أداء الأطفال في مواقف مشابهة تمامًا لتلك التي لوحظ فيها النموذج, وعند وصف عمليات التعلّم بالملاحظة والتقليد تمكَّن الباحثون من التعرُّف على العديد من العوامل الدافعة للسلوك الأخلاقي لدى الأطفال. ولقد كان نموذج الأخلاقيات في هذا البحث نموذجًا يبحث أساسًا عن السرور وتجنب الضيق "hoffman, 1970", وقد كان الأطفال فيها يعتمدون على المكافآت والجزاءات في البحث عن مؤشرات لكي يكون السلوك لائقًا, وبعبارة أخرى: فإن تصوّرات الطفل عن الأخلاقيات تقوم أساسًا على العقوبات "الجزاءات" الخارجية مثل أن نتمكَّن من تقييم هذا البحث، ويجب أن نضع في الاعتبار الإسهامات المعرفية في فهم الأخلاقيات.

ثالثا: المدخل التطوري المعرفي

ثالثًا: المدخل التطوري المعرفي مدخل ... ثالثًا: المدخل التطوري المعرفي: إن المدخل التطوري المعرفي للنمو الأخلاقي تتبع المبادئ التي أوردناها بالتفصيل عند مناقشتنا للنمو المعرفي في الفحص السابع، والمعالجة المعرفية النمائية للنمو النفسي الاجتماعي "الفصل السادس". إن هذه المعالجة تحاول أن تصف عمليات التفكير التي يتضمَّنها والحكم الخلقي. شكل "100" الأطفال الصغار يلعبون قواعد أقل تعقيدًا من الأطفال الأكبر، وهذا يرجع جزئيًّا إلى أن فهمهم لطبيعة القواعد يكون أقل نضجًا. وهكذا نجد أن لها تركيزًا يختلف بعض الشيء عن نظريات التعلُّم الاجتماعي التي تختص أساسًا بالسلوك وليس بالحكم, والفكرة الأساسية هي أنَّ عمليات التفكير هذه تنمو في تتابع من المراحل بنفس الطريقة التي يتتابع بها النمو المعرفي الذي ناقشناه في الفصل السابع. - فأولًا: إن كل مرحلة تعتبر كلًّا متكاملًا وتختلف في نوعيتها عن أي مرحلة أخرى. - ثانيًا: إنه عند تقدُّم النمو، فإن عمليات التفكير في كل مرحلة تتكامل مع العمليات التي توجد في المرحلة التالية الأعلى، وهكذا تصبح المرحلة الناتجة عبارة عن تكامل المرحلتين القديمة والجديدة. - وثالثًا: إن مراحل النمو تكون معًا تتابعًا غير متغيِّر. ورابعًا: فإن السنَّ ليس متكافئًا مع المرحلة.

ويعتبر بياجيه piaget عام "1935"، كولبرج kohlbergg عام "1963" أ، ب، 1969، 1967 هما أهم المؤيدين لطريقة المعالجة النمائية المعرفية. والقارئ الذي يهمه المزيد من التفاصيل يوصى بقراءة مراجعات هوفمان hoffman عام "1970"، وفلافل flavell عام "1963"، وليكونا lickona عام "1976". وعلى الرغم من أن نظرية التحليل النفسي ونظرية التعلُّم الاجتماعي كانتا على وعي بتزايد الأفعال الخلقية مع زيادة عمر الطفل، فإنهما تصورتا النمو الخلقي على أنه استيعاب القواعد الخلقية، ومعنى ذلك: إنهما تتصوران النمو الخلقي على أنه مجرد تزايد كمي في مقدار ما يستوعبه الفرد من قواعد السلوك التي يرتضيها المجتمع. ومع مرور الوقت يصبح الطفل أكثر اجتماعية وأكثر أخلاقية، ولعله من الواضح أن هاتين النظريتين لم تقدما تصورًا متكاملًا عن النمو الخلقي للفرد، لكن قدمتا تصورًا عن كيفية اكتساب الطفل للقواعد الخلقية، والدور الخلقي بشكل خاص، ولا كيف ينظر الطفل إلى الموقف الأخلاقي, وأسباب اتخاذه القرار المعين. أمَّا نظريات النمو المعرفية فتعالج بشكل مفصَّل التغيُّرات التي تطرأ على تفكير الطفل الخلقي عبر مراحل نموه المختلفة. إنها ترى أن النمو المعرفي للطفل يحدث حينما تنظم خبرات الطفل في أبنية أو تراكيب عرفية تزداد تمايزًا وتعقيدًا مع زيادة عمر الفرد. وقد تضمَّنت نظريات النمو المعرفية بعض الأفكار أو المبادئ التي أكَّدتها نظرية التحليل النفسي ونظرية التعلّم؛ ففكرة استيعاب القواعد والمبادئ الخلقية انتقلت من نظرية التحليل النفسي واستخدمت في النظريات المعرفية, كذلك استفادت النظريات المعرفية من نظريات التعلُّم إذ اعتبرت استجابات الفرد للخبرات الاجتماعية وما ينتج عنها من تعلُّمٍ أساسًا للنمو الخلقي, ومع ذلك فإن استيعاب القواعد والاستجابة للخبرات الاجتماعية اعتبرت من وجهة نظر أصحاب النظريات المعرفية شروطًا ضرورية للنمو الخلقي, ولكنها ليست شروطًا كافية. فالنمو الخلقي يتطلَّب إلى جانب ذلك صراعًا معرفيًّا, وكذلك إعادة تنظيم للأبنية العقلية المعقَّدة. ولعل أهم نظريات النمو الخلقي المعرفية هي نظرية جان بياجيه، ونظرية بك وهافجهرست, وأخيرًا نظرية كولبرج، وسنعرض فيما يلي الملامح الرئيسية لكلٍّ منها.

نظرية بياجيه في النمو الخلقي

1- نظرية بياجيه في النمو الخلقي: جان بياجيه عالم نفس مشهور، اهتمَّ أساسًا بدراسة النمو المعرفي للطفل، ولقد عرض بياجيه نظريته في النمو المعرفي على أساس ملاحظاته للأطفال التي كانت بطريقة غير رسمية, ومع قدر قليل من الضبط التجريبي؛ فقد كان يلاحظ الأطفال غالبًا في مواقف طبيعية: في المنزل، وفي المعمل, وكان يعطي الأطفال الكبار مشكلات بسيطة لكي يحلوها وفقًا لدرجة نموهم, وقد اختار بياجيه هذا المنهج الذي سمي بالمنهج الإكلينيكي لاعتقاده أنه السبيل الوحيد لفهم الأبنية العقلية لدى الطفل, وقدَّم من دراساته نظرية في النمو العقلي كان لها أثرها الكبير في مسار البحوث السيكولوجية وفي الممارسات التربوية على حدٍّ سواء. لقد ميِّز بياجيه بين أربع مراحل رئيسية يمر بها تفكير الطفل منذ ولادته حتى اكتمال نضجه العقلي المعرفي -كما سبق أن أوضحنا- وهي: المرحلة الأولى: هي المرحلة الحسية الحركية, وتمتد منذ الميلاد حتى سن السنتين تقريبًا، وفيها يكتسب الطفل بعض المهارات والتوافقات السلوكية البسيطة عن طريق تفاعل منعكساته الفطرية مع البيئة الخارجية. المرحلة الثانية: وهي مرحلة ما قبل العمليات "التفكير الرمزي", وتمتد من سن الثانية حتى السابعة من العمر تقريبًا, وفيها يبدأ ظهور مجموعة من التغيُّرات الهامة في تفكير الطفل وسلوكه؛ إذ يبدأ يتعلّم اللغة.. وبظهور التمثيلات الرمزية يبدأ تكوّن الأفكار البسيطة والصورة الذهنية، ويتحوّل تفكير الطفل تدريجيًّا من صورته الحسية الحركية إلى صورة التفكير الرمزي. على أن تفكير الطفل في هذه المرحلة يظل متميزًا بعدة خصائص تميزه عن المرحلة الثالثة, أهمها: التركيز، والتمركز حول الذات، واللامقلوبية.

أما المرحلة الثالثة: فهي مرحلة العمليات العيانية أو المحسوسة, وتمتد من سن السابعة حتى سن الحادية عشر تقريبًا، وفيها يبدأ الطفل يفكر تفكيرًا شبيهًا بتفكير الراشد، ويبدأ في التحرُّر من التمركز حول ذاته, ويأخذ في اعتباره وجهة نظر الآخرين, ولكن على الرغم من أنَّه في هذه المرحلة يدرك العالم بشكل موضوعي, ويفكر بمنطق الراشدين، إلّا أنَّ تفكيره لا يزال مختلفًا عن تفكير الراشدين، فهو تفكير عياني أو محسوس وغير مجرد, فعمليات التفكير ترتبط بالأشياء والأحداث المحسوسة الموجودة في الواقع المباشر للطفل. أما المرحلة الرابعة والأخيرة: فهي مرحلة العمليات الشكلية "الذكاء المجرد", وتمتد فيما بين الحادية عشر والخامسة عشر من العمر, وفيها تنمو قدرة المراهق على التفكير المجرَّد, ويصل إلى مستوى تفكير الراشدين في النهاية. والتغيرات التي تحدث في تفكير الطفل عبر المراحل المختلفة، من وجهة نظر بياجيه, ليست تغيرات كمية فحسب، وإنما هي في الأساس تغيرات كيفية، بمعنى: إن الأبنية العقلية في مرحلة نمو معينة تختلف اختلافًا نوعيًّا عن المرحلة السابقة لها وتلك التي تتلوها, ومع ذلك فالمراحل من النوع التجميعي "التراكمي", بمعنى أن الأبنية التي تكوَّنت في مرحلة عمرية معينة، لا تختفي أو تزول نهائيًّا لتحلَّ محلها أبنية جديدة تمامًا, وإنما هي بالأحرى تدخل كجزء مكوّن للأبنية الجديدة. كذلك يتميز نظام تتابع المراحل بالثبات لدى كل طفل, وفي كل ثقافة, وإن اختلفت حدودها الزمنية نسبيًّا باختلاف الثقافات، كما لا توجد حدود زمنية فاصلة بين كل مرحلة وأخرى؛ إذ إن الانتقال بينها يتمُّ بصورة تدريجية يصعب معها تحديد وقت محدد للانتقال من مرحلة إلى التي تتلوها. تلك فكرة سريعة عن تصوّر بياجيه لمراحل النمو المعرفي, فما هي انعكاساتها على تصوره عن نمو التفكير الأخلاقي. الواقع أن بحوث بياجيه عن التفكير الخلقي قد تركَّزت بشكل أساسي حول موضوعين رئيسيين منفصلين، وهما: فهم الطفل للقواعد rules, وأسلوب mode تفكير الطفل الخلقي, وقد خصَّص

لها كتابة "الحكم الخلقي عند الطفل", والذي نشر لأول مرة 1932، وبينما كان تصوره لمراحل استخدام الطفل للقواعد مرتبطًا ارتباطًا وثيقًا بنظريته العامَّة في النمو المعرفي، نجد أن تصوره لأسلوب تفكير الطفل الخلقي على عكس ذلك؛ حيث لا توجد آية علاقة واضحة بينه وبين النظرية العامة، وفيما يلي توضيح ذلك: أ- فهم القواعد: استخدم بياجيه في دراساته لفهم الطفل للقواعد نفس المنهج البسيط الذي استخدمه في دراسة النمو العقلي عامَّة, وكانت أدواته في ذلك عبارة عن مجموعة من البلي يقدمها للطفل, ويطلب منه أن يعلّمه كيف يلعب بها، مظهرًا جهله بهذه العلبة, وفي هذه الحالة فإنَّ الطفل يكون مضَّطرًا لصياغة قواعد اللعبة والتعبير عنها. وقد أشار بياجه piget عام "1977، 9-46" إلى أنَّ اللعبة لها نظام معقَّد من القواعد, وأيضًا كيف يطبقها على نفسه وعلى الآخرين. وأجريت هذه التجارب على حوالي 20 طفلًا تتراوح أعمارهم بين الرابعة والثالثة عشر, وقد توصَّل بياجيه من تحليله لسلوك الأطفال إلى تقرير أربع مراحل متتابعة لتطوّر فهم الطفل للقواعد واستخدامها، وهي: 1- المرحلة الحركية: وتقابل المرحلة الحس حركية في النمو العقلي العام، وتشغل نفس الفترة الزمنية تقريبًا, وفي هذا المرحلة يكون لعب الطفل بالبلي عشوائيًّا تمامًا, وعلى الرغم من أن الطفل ينمي مجموعة من الأساليب السلوكية الثابتة, إلّا أنها لا يمكن أن توصف بأنها قواعد لعب, وبطبيعة الحال طالما أن الطفل لم يبدأ بعد في أن يلعب مع الأطفال الآخرين ويتعاون معهم، فإن هذه الأنماط السلوكية لا يمكن أن تكون قواعد بأي معنى جمعي أو اجتماعي. 2- مرحلة التمركُز حول الذات: وتمتد فيما بين الثانية والخامسة تقريبًا, وفيها يبدأ الطفل في تقليد القواعد التي يراها متمثلة في سلوك الأطفال الآخرين، ولكنَّه على الرغم من ذلك لا يحاول أن يتعاون بالمعنى الحقيقي للكلمة, فعندما يلعب مجموعة من الأطفال في هذه السن بعضهم مع البعض الآخر، فإنهم لا يبذلون جهدًا للوصول إلى مجموعة موحَّدة من القواعد. وعلى الرغم من وجودهم معًا بالمعنى الفيزيقي وانتشار التقليد بينهم, فإن كل طفل منهم يلعب بمفرده.

3- مرحلة التعاون الأولي: وتستمر هذه المرحلة حتى سنّ الحادية عشرة تقريبًا, وفيها يلعب الأطفال بالمعنى الحقيقي, كل واحد منهم يتنافس مع الآخرين ويحاول أن يكسب في اللعب، ومن ثَمَّ فإنهم يبدأون في الانتباه لعملية وضع نظام code من القواعد الموحدة. ومع ذلك فإن تصوراتهم عن القواعد بصفة عامَّة لا زالت غامضة نسبيًّا، فحينما يسألون كل على انفراد عن مجموعة القواعد التي وضعوها للعبة ما، فقد يعطون تفسيرات مختلفة للقواعد التي كانوا يتبعونها. 4- مرحلة التقنين: في حوالي الحادية عشر أو الثانية عشرة من العمر يبدأ الأطفال في وضع قواعد مفصَّلة وثابتة؛ بحيث تأخذ ما أشار إليه بياجيه باسم فلسفة التشريع jurisprudence, وهنا يكون نظام القواعد مفهومًا ومتقبَّلًا من قِبَلِ جميع الأطفال. هذا التصوّر يوضِّح كيف يتعامل الأطفال مع القواعد في مرحلة أعمارهم المختلفة, وقد حاول بياجيه في الجزء الثاني من البحث أن يكشف كيف يفهم الأطفال طبيعة القواعد, واستخدم لذلك مجموعة من الأسئلة البسيطة, ولكنها أسئلة ذكية في نفس الوقت؛ فمثلًا: كان يطلب من الطفل أن يضع قاعدة جديدة من عنده، وعندما يفعل ذلك يسأله هل يكون ملائمًا أن تلعب مع الأطفال الآخرين بهذه الصورة؟ هل هي قاعدة عادلة؟ هل يمكن أن تكون قاعدة حقيقية يلعب كل الناس على أساسها؟ وقد توصَّل بياجيه من هذه الأسئلة إلى ثلاثة مراحل أساسية لا تتفق تمامًا مع المراحل السابقة, ولكنها لا تتعارض معها: - المرحلة الأولى: منها تقابل المرحلة الحركية والجزء الأول من مرحلة التمركُز حول الذات, وعند نهاية هذه المرحلة تبدأ القواعد تؤثّر في لعب الطفل, وإن كان ينظر إليها على أنَّها أمثلة شيقة أكثر من أن ينظر إليها على أنها قواعد ملزمة. - المرحلة الثانية: تبدأ في منتصف مرحلة التمركز حول الذات, وتستمر حتى حوالي منتصف مرحلة التعاون الأولي, وهنا يكون الطفل واعيًا بالقواعد

وينظر إليها على أنها قواعد مقدَّسة لا يمكن المساس بها. قاعد تنبثق من الكبار ويجب أن تستمر إلى الأبد. - المرحلة الثالثة والأخيرة: فينظر الطفل فيها إلى القاعدة على أنَّها ترتيب ينشأ من "الاتفاق المتبادل"، وهنا يصبح تغيير القاعدة ممكنًا بشرط موافقة اللاعبين الآخرين, وهذه المرحلة الأخيرة تبنى على الاحترام والتعاون المتبادلين. ب- أشكال التفكير الخلقي: وهكذا أوضح بياجيه أن هناك تغيرات جوهرية تحدث في فهم الطفل للقواعد مع تقدُّمه في العمر، ولعلَّ أهمَّ تغير فيها -من وجهة نظر بياجيه- هو ذلك الذي يحدث أثناء الانتقال للمرحلة الأخيرة؛ حيث يتغيِّر فهم الطفل للقواعد من تصوره لها على أنَّها مقدَّسة ومفروضة من الخارج إلى إدراكه لها على أنها نتاج لاتفاق متبادل، ومن ثَمَّ يمكن تغييرها برضاء جميع الأطراف. وبالإضافة إلى ذلك، فقد استمر بياجيه في استكشاف أفكار الأطفال عن العدالة والعقاب، وحول مفاهيم مثل: الكذب وغيره، وانتهى من ذلك كله إلى التمييز بين نوعين رئيسيين من الأخلاقية هما "سليمان الخضيري: 1982": 1- الأخلاقية خارجية المنشأ heteronomous morality: ويميز هذا النوع من الأخلاقية تفكير الطفل حتى حوالي سنّ السابعة أو الثامنة. إنها تتميز بالاحترام "من جانب واحد" للراشدين, والقواعد الأخلاقية التي يضعونها. القاعدة الأخلاقية تسلطية تفرض على الطفل بواسطة عالم الراشدين، وهو يطيعها ويحترمها, والقانون الخلقي ليس عقلانيًّا في طبيعته، ومن ثَمَّ فإن القواعد لها قيمة دائمة وموضوعية بصرف النظر عن الأفراد الذين يتبعويها؛ فالأخلاقية الخارجية تعني: الخضوع لتوجيه الآخرين, أو القواعد التي يضعونها، وهذا معناه أن القواعد تنشأ أصلًا من خارج الفرد وتفرض عليه من البيئة. "سليمان الخضيري: 1982". ويطلق بياجيه على الأخلاق خارجية المنشأ أخلاقية ضبط النفس أو الواقعية الأخلاقية, ويرى أن الفرد يستجيب في هذه المرحلة للقواعد؛ لأنها تعتبر صارمة

وغير قابلة للتعديل؛ لأن الكبار أو الراشدين هم الذين وضعوها، ولذا: فعلية الخضوع لها وعدم الخروج عليها؛ لأن العقاب لا بُدَّ وأن يلحق بمن يخرج عليها, وفي هذه المرحلة يحتاج الطفل إلى قاعدة لكل موقف؛ حيث لا يمكنه أن يقوم بالتعميم. "lerner & spanier, 1980". 2- الأخلاقية داخلية المنشأ autonomuous morality: وهي أخلاق ديمقراطية تستند إلى المساواة بين الناس وتُبْنَى على التعاون والاحترام المتبادلين. إنها عقلانية، تنشأ من التفاعل بين الطفل ورفاقه, فيها يتحرَّر الفرد من قيود الراشدين, وتنمو لديه فكرة المساواة والعدالة؛ فالأخلاقية داخلية المنشأ تعني ببساطة أنَّ معايير الفرد الأخلاقية تتبع من داخله, وعن اقتناع ذاتي, ودون فرض خارجي من أي مصدر كان. "سليمان الخضري: 1982، 145". وهكذا نجد أنَّ الطفل في هذه المرحلة يعمل طبقًا لنمط أخلاقي تعاوني أو تبادلي، بمعنى أنه ينظر إلى القواعد باعتبارها محددة باتفاق متبادلة، وأنها تعتمد على الظروف الاجتماعية. فالطفل يدرك أنه لا يوجد صواب مطلق ولا خطأ مطلق، بل تصورات أو أفكار للعدالة تشتمل على اعتبار القصد "النية", فكسر "15" فنجانًا عَرَضًا ينظر إليه على أنه أقل خطأ من كسر فنجان واحد في أثناء محاولة الحصول على شيء محظور, لذا: فإنَّ اتباع القواعد الأخلاقية ينظر إليه كضرورة لتمكين المجتمع من أداء وظائفه، ويعتبر العقاب ملائمًا للخطأ, وليس مجرَّد تنفيذ السلطة. وتتميز هذه المرحلة بالذاتية الخلقية؛ إذ يكون الطفل ذاتيًّا في أحكامه الخلقية, بمعنى أنه يأخذ نية الفرد أو قصده في اعتباره عند الحكم على صحة فعل أو خطئه، كما يضع احتمال الخطأ الإنساني في اعتباره أيضًا، ويصبح كسر فنجان واحد عن قَصْدٍ أكثر جرمًا من الطفل الذي كسر ثلاثة بدون قصد. بالإضافة لذلك تنمو لدى الطفل فكرة المساواة والعدالة. "watson & lindgren, 1979, 451". وتبدأ هذه الأخلاقية في الظهور في حوالي سنّ الحادية عشر أو الثانية عشر، أمَّا ما بين الثامنة والحادية عشر فهي رحلة انتقالية من الأخلاقية الخارجية

إلى الأخلاقية الداخلية، ويحدث ذلك عن طريق تبادل التعاون والشعور بالمسئولية إزاء الأطفال الآخرين, أي: إن الطفل خلال سنوات المدرسة الابتدائية يحكم على أفعاله وأفكاره ومشاعره على أنَّها صواب أم خطأ, ويرى بياجيه أنَّ سن المدرسة يعتبر فترة انتقال من الواقعية الأخلاقية "حينما تكون القواعد بالنسبة للطفل غير قابلة للتغيير ويطبقها حرفيًّا" إلى الاستقلال الذاتي "حينما يرى الطفل أن القواعد قد وضعها الأفراد, وأن العلاقات تبنى على الاحترام المتبادل وعلى التبادلية، "smart & smart, 1977, 472". وعلى الرغم من أن تتابع مراحل فهم القواعد عند بياجيه كان تتابعًا تجميعيًّا, بمعنى أن المرحلة السابقة تدخل كمكونات للمرحلة التي تليها، وتلك سمة عامَّة لنظريته في النمو العقلي، فإن تصوره لنوعي الأخلاقية كان على خلاف ذلك؛ فبياجيه لا يرى وجود أي شيء في الأخلاقية الخارجية يؤدي إلى نشأة الأخلاقية الداخلية, وهذا نقطة ضعف في نظريته. ج- الإحساس بالعدالة sense of justice: ولبحث الإحساس النامي بالعدالة لدى الطفل, ذكر بياجيه للأطفال قصصًا عن الأشخاص الذين يقومون بارتكاب أخطاء، ثم سُئِلَ الطفل عندئذ عن السبب في أنَّ هذه الأفعال كانت خاطئة، أو أي من الفعلين كان خطأ والآخر صحيحًا, مثال ذلك: في إحدى القصص طلب من الأطفال تحديد مَنْ كان أكثر شقاوة, أهو الطفل الذي هشَّم 15 فنجانًا من خلال حادث لا يمكن تجنبه، أم الطفل الذي هشَّم فنجانًا واحدًا وهو يحاول اختلاس بعض المربَّى. وفي مثال ثان سئل الأطفال: أيُّ الاثنين أكثر ذنبًا, أهي البنت التي سرقت كعكة لتعطيها لصديق فقير جائع، أو تلك التي سرقت شريطًا "أقل ثمنًا" لنفسها. وكانت كل قصة تتضمَّن فروقًا في القصد "جيد أو رديء"، وفروقًا في التلف "كبير أو صغير" "smith et, al. 1982, 330".

وعلى أساس هذه المعطيات وغيرها قام بياجيه بصياغة بعض الأفكار حول فهم الأطفال للعدالة, من ذلك: 1- فكرة العدل الجزائي retributive justice: وهي تختص بطريقتين يفكِّر بهما الأطفال: - فالعقوبة يجب أن تقابل الأفعال الخاطئة. وكان أحد أشكال العقاب الذي يستخدمه أكثر الأطفال الأصغر هو العدال التكفيرية expiatory justice؛ فالعقاب يجب أن يكون متناسبًا تناسبًا طرديًّا مع خطورة الذنب، ولكن شكله لا يجب بالضرورة أن يرتبط بالفعل الخاطئ. - أما الشكل الثاني من العقاب فهو ما أسماه بياجيه بالعقاب بالمثل، أو العقاب عن طريق التبادل punishment by reciprocity: فالأطفال الأكبر سنًّا بدا وكأنهم يعتقدون أن العقاب يجب أن يناسب الجريمة بطريقة ما؛ بحيث يمكن للمذنب أن يحسن تقدير النتائج المترتبة على فعله. إن الغرض من هذا الشكل من العقاب لا يهدف إلى إنزال العقاب من أجل العقاب ذاته، ولكن لإظهار نتائج الفعل من خلال العقاب الذي يرتبط ارتباطًا منطقيًّا بالفعل الخاطئ. وثمة مثال قدَّمه فلافيل flavell عام "1963" يوضح هذه النقطة: فلنفترض أن طفلًا ما لم يتمكن من إحضار طعام إلى المنزل بعد أن طلب منه ذلك. إن ضربه يعتبر مثالًا للعقاب التكفيري؛ لأنه لا توجد علاقة منطقية بين الفعل الخاطئ والعقاب, أما تقليل مقدار وجبة الطفل أو رفض أداء خدمة للطفل يعتبر مثالًا للعقاب الجزائي؛ لأنه في الحالة الأولى تكون كمية الطعام المتيسّر أقل، والحالة الثانية؛ لأن الطفل كان قد رفض أداء خدمة. 2- العدالة الوشيكة immanent justice وأخلاقيات التعاون أو التبادلية: morality of cooperation or reciprocity: فالطفل يستجيب للقواعد لأنها تعتبر صارمة وغير قابلة للتعديل, خاصَّة في المرحلة الأولى للنمو الأخلاقي،

ويعتبر السلوك إمَّا طيبًا أو رديئًا تبعًا لما إذا كان يتَّبع قواعد اجتماعية أم لا. إن الأطفال الأصغر يعتقدون في فكرة العدالة الوشيكة، بمعنى: إن الله يعاقب الناس على أفعالهم الخاطئة مباشرة، فالعقاب يعتبر مباشرًا يحدث بقدرة أوتوماتيكية لمن يخرج عن القواعد الأخلاقية, أمَّا الأطفال الأكبر في المرحلة الثانية للنمو الأخلاقي فإنهم ينظرون إلى القواعد باعتبارها محددة باتفاق متبادل، وأنها تعتمد على الظروف الاجتماعية. إن الطفل يدرك أنه لا يوجد صواب مطلق ولا خطأ مطلق، بل إن تصورات أو أفكار العدالة تشتمل على القصد أو النية intention؛ فكسر "15" فنجانًا عَرَضيًّا ينظر إليه على أنه أقل خطأ من كسر فنجان واحد أثناء محاولة الحصول على الشيء من المربَّى المحظورة "lickona, 1976". إن اتباع القواعد الأخلاقية ينظر إليه كضرورة لتمكين المجتمع من أداء وظائفه، ويعتبر العقاب ملائمًا للخطأ, وليس مجرد تنفيذ لسلطة. 3- إن النضج والخبرة عاملان أساسيان في تحديد فكرة الطفل عن العدالة: فالنضج يؤثر على النمو الأخلاقي من خلال وظيفته في تحسُّن النمو المعرفي العام. كما أنَّ الخبرة تؤثر على النمو الأخلاقي أساسًا من خلال الأقران؛ حيث إن التفاعلات المتبادلة بين الأطفال والراشدين هي في الغالب من جانب واحد، أي: إنها تسلطية؛ فنظرًا لأنَّ الراشدين يميلون للهيمنة والسيطرة على الأطفال, فإن الأطفال ينظرون إلى قواعد الكبار على اعتبار أنها مطلقة. وطبقًا لنظرية بياجيه فإن النمو الأخلاقي لا يمكن أن يحدث في ظل هذه الظروف، لكن تبادل الأخذ والعطاء الذي يحدث بين الطفل وأقرانه فإنه يمكن أن يؤثّر على مفهوم الطفل للأخلاقيات، ويحدث ذلك بطريقتين: أولًا: بالمشاركة في القرارات مع الأقران: والأطفال بذلك يكتسبون ثقة في قدرتهم على تطبيق القواعد في المواقف وعلى تغيير القواعد, وعلى ذلك: فإن القواعد ينظر إليها كنتيجة للاتفاق والتعاون بين الناس، كما ينظر إليها على اعتبار أنها مرنة وليست قابلة للتغيير.

وثانيًا: من خلال الخبرات في القيام بالدور مع الأقران يستطيع الأطفال أن يدركوا من خلال اتخاذ أدوار الراشدين أنَّهم يفكرون ويشعرون نحو الأشياء بطرق مشابهة لطرق أقرانهم "selman, 1973, 1976, shantz, 1975". ويستخدم علماء النفس مصطلح "أخذ الدور" role taking للإشارة إلى الكيفية التي يتعلَّم بها فهم الآخرين بواسطة اتخاذ وجهات نظرهم، وكذلك العلاقة بين منظوراتهم وتصوراتنا, وهذا الإدراك يساعد الطفل على أن ينظر إلى استخدام القواعد على أنها مفيدة للجماعة، وهي أيضًا تساعد الطفل على فهم الدوافع الكامنة وراء أفعال الآخرين, وبذلك توفِّر الأساس للحكم الخلقي على القصد وليس على السلوك الظاهر وحده. بعض الاستنتاجات من نظرية بياجيه: إن آراء بياجيه توضِّح أن أهمية التفاعل مع الأقران في تطوير النمو الأخلاقي إنما ترجع إلى ما يتسم به من تبادلية reciprocity, فطبيعة التفاعل من جانب واحد بين الراشدين والأطفال يمنع الأطفال من اختبار البدائل

tesing alternatives بطريقة محايدة في عملية الأخذ والعطاء give - and - take manner. أمَّا التفاعلات مع الأقران من جهة أخرى, فتعتبر تبادلية وذات جوانب متعددة، وتسمح للطفل بالمشاركة في وضع القواعد وتغييرها، واتخاذ مختلف الأدوار التي تهيئ استبصارًا في وجهات نظر بديلة للقواعد والمواقف. وهذا التفاعل المتبادل بالإضافة إلى النمو المعرفي يساعد على تقدم النمو الأخلاقي للطفل، ما لم يعاق النمو بواسطة والديْن مفرطين في التشدد, أو بمحظورات ثقافية تعمل على تقليل التفاعل المتبادل مع الأقران إلى الحد الأدنى، ففي حالة التفاعل المتبادل مع الأقران فإن الطفل سوف ينتقل من حالة من الواقعية الخلقية moral realism "التي تميز الأطفال في المرحلة الأولى" إلى حالة استقلال ذاتي autonomy, وهو مستوى جديد وأعلى للتوجيه الأخلاقي moral orientation. إن البحث الذي نتج عن نظرية بياجيه استهدف تقييم مراحل النمو الأخلاقي في مجالات خمسة: 1- ارتباطية المنظورات relativism of perspective مقابل المطلقية absolution. 2- نظرة موضوعية للعقاب مقابل العدالة الوشيكة immanent. 3- القصدية مقابل النتائج المترتبة على الفعل. 4- العدالة النسبية مقابل العدالة التفكيرية realtive vs. expletive justice. 5- الالتزام comfrmity بتوقعات الأقران مقابل الطاعة obedience لسلطة الكبار "hoffman, 1970, lickona, 1976". ومع استثناءات قليلة دعمت النتائج تأكيدات بياجيه النظرية حول اتجاهات السن بالنسبة لهذه السمات. إن هذا التتابع الرائع للنتائج شديد الإجبار؛ إذ إن اتجاهات السن لم تكن قد واجهت نسبة الذكاء، أو الطبقة الاجتماعية، أو الجنس race. إن العامل الوحيد المحدد في نظرية بياجيه هو أنه لا يمكن تطبيقها إلّا في الثقافات الغريبة فقط. "horrman, 1970".

مجادلات أصحاب نظرية التعلُّم الاجتماعي: إن المراحل التي وضع بياجيه قواعدها قد أثارت بعض الأبحاث الجدلية: - فقد جادل أصحاب نظرية التعلُّم الاجتماعي بأنَّ الأخلاقيات لا تنمو في مراحل، وأنها لا ترتبط بالسن. إنهم يظنون أنها تنمو, وأنها قابلة للتعديل من خلال التدخُّل البيئي، فتعريض الطفل لخبرات بيئية مختلفة يجب أن يغيّر الحكم الخلقي من خلال التعلُّم, بصرف النظر عن مستوى الطفل في النمو المعرفي. - كذلك: فقد جادلوا حول أهمية تأثير النماذج على الحكم الخلقي للأطفال, وقد جرى تقييم ذلك في تجربة قام بها بندورا وماكدونالد bandura & mac donald عام "1963", كان المفحوصون فيها من البنين الذين تتراوح أعمارهم بين 5-11 سنة، وقد تَمَّ تقسيمهم إلى مجموعتين: - أظهرت إحدى المجموعتين في بداية الأمر اتجاهًا أخلاقيًّا موضوعيًّا. - والمجموعة الثانية أظهرت اتجاهًا ذاتيًّا. وقد قامت المجموعة الأولى بإصدار أحكامها على أساس التلف الحادث، في حين أن المجموعة الثانية أصدرت أحكامها على أساس نوايا المعتدي. ثم قسَّمت كلتا المجموعتين إلى ثلاث مجموعات تجريبية: - قامت الأولى بملاحظة نموذج راشد عبَّر عن أحكام خلقية مضادة لاتجاهات الأطفال، وعزَّز الأطفال شفاهة لمحاكاة استجابات النموذج. - ولاحظت المجموعة الثانية النموذج الراشد, ولكن لم يتلقوا أيَّ تعزيز لمحاكاة استجابات النموذج. - ولم يلاحظ أطفال المجموعة الثالثة أي نموذج، ولكنهم تلقون تعزيزًا للتعبير عن أحكام خلقية مضادة لتوجهاتهم السائدة. ولكن المتغير التابع هو عدد الأحكام الموضوعية التي أبداها الأطفال ذو الاتجاه الذاتي، وعدد الأحكام الذاتية التي وصفها الأطفال ذوو الاتجاهات الموضوعية في أثناء فترة التقدير المبدئي، وفي فترة المعالجة التجريبية، وفي

الفترة التي تلت الاختبار البعدي مباشرة، والتي أجريت في إطار اجتماعي مختلف عن النموذج, وعدم وجود إجراءات التعزيز. وقد أوضحت النتائج أنَّ الأطفال الذين لاحظوا نموذجًا غيَّروا أحكامهم الخلقية, وقلدوا أحكام النموذج بصرف النظر عن التعزيزات، والأطفال الذي لم يلاحظوا نموذجًا ولكنهم تلقَّوا تعزيزًا على الأحكام الخلقية المضادة لتوجهاتهم المبدئية لم يميلوا للتغيير, وخاصَّة إذا كان توجههم ذاتيًّا. وقد جادل "بندورا" و"ماكدونالد" في أنَّ هذه النتائج تعزِّز فكرة أن الأطفال يمكن أن يتعلموا السلوك الأخلاقي من ملاحظة نماذج. إن مثل هذه الفكرة تتعارض مع مفاهيم بياجيه وغيره ممن جادلوا في أن النمو الأخلاقي يتضح في مجموعة من المراحل كنتيجة لإعادة تكوين التفاعلات بين الطفل والبيئة.

إن التغييرات في الحكم الخلقي التي ذكرها "بندورا" و"ماكدونالد" "1963" قد تكررت أيضًا في عدة تجارب أخرى، وأن هذه التعييرات تستمر لفترة ما بعد تعريضها, فقد ذكر كوان ولانجر وهيفنريتش وناثانسون cowan, langer heaventich & nathanson عام "1969", ذكروا أنَّ التغيرات في الحكم الخلقي دامت بعد التجربة لمدة أسبوعين, كما ذكر لوفرجي وولوشن le furgy & woloshin عام "1969" أن التغيرات في الأحكام الخلقية لدى المراهقين دامت لمدة ثلاثة شهور. وهذه التجارب تدل على أن الأحكام الخلقية يمكن أن تتشكَّل من خلال التعلُّم, ومع أن هذا الدليل يبدو أنه يدعو إلى التساؤل في نظرية أنَّ النمو الأخلاقي قد يحدث في مراحل جنبًا إلى جنب مع النمو المعرفي، كما أشار إلى ذلك بياجيه، وكولبرج، إلّا أنَّ الأمر لم يكن كذلك في دراسة كوان وزملاؤه cowan, et al عام "1969", فالأحكام ذات المستوى المنخفض مثلًا التي تختص بالنتائج التي مارستها الشخصية الرئيسية في قصة تعرض مشكلة أخلاقية, يبدو أن مثل هذه الأحكام تغلب لدى الأطفال الصغار, وطبقًا للتفسير الدقيق لنظرية التعلُّم الاجتماعي فإن الأمر لا يجب أن يكون كذلك؛ حيث إن الراشدين مفروض أنهم لا يبدون هذا المستوى المنخفض من الأحكام في تفاعلاتهم اليومية. وإذا قدَّم الأطفال أحكامًا خلقية تشكَّلت طبقًا لنموذج الراشد الذي يقابلونه, فإنه من الصعب أن نفسر هذا المستوى السلوكي المنخفض في الأطفال الصغار، وكذلك التغيرات التالية في الأحكام الخلقية مع السن. العيوب في دراسات التعلُّم الاجتماعي: ذكر هوفمان hiffman عام "1970" عيبين في تصميم دراسات التعلّم الاجتماعي حول المراحل الأخلاقية: أولهما: حول مدى صلاحية التجارب المستخدمة لاختبار نظرية بياجيه: ففي الدراسات الثلاث كان الاختبار البعدي يتكوّن من بنود شديدة الشبه في طبيعتها, وفي نفس البعد الأخلاقي لبنود الاختبار القبلي, وهكذا: فإن النتائج قد لا تعكس تغيرًا حقيقيًّا في تصورات المفحوصين عن الأخلاق، لكنها فقط تغير في

الاستجابات المكشوفة لبعد أخلاقي معين, وإذا كانت الاختبارات البعدية مكونة من بنود في بعد يختلف عمَّا استخدم في الاختبار القبلي لكان من الممكن استخدام النتائج للتدليل بمزيد من الإقناع في صالح التغيّر في المفهوم الأساسي للأخلاقيات لدى الطفل. وهناك مشكلة ثانية ظهرت في دراسات بندورا وماكدونالد "1963"، كوان وآخرون "1969" وهي أن كلًّا من النموذج والقائم بالتجربة كانا من الراشدين، وكان أحدهما موجودًا دائمًا؛ وحيث إن الأطفال يعتبرون شديدي الحساسية للمؤثرات الاجتماعية في الموقف التجريبي, فإنهم قد يقدمون الاستجابة التي يظنون أن الشخص الراشد يريد منهم تقديمها، وهو شكل مما يعرف باسم تحيز القائم بالتجربة "rosenthal, 1966" ونتيجة لذلك: فإن أبحاث التعلُّم الاجتماعية تعتبر شاملة كاختبار لتتابع مراحل النمو الأخلاقي التي وصفها بياجيه, وهناك رأي بأنَّ الأمر يحتاج مزيد من البحث قبل أن يبتّ في أمر هذا الموضوع. القصدية ووسائر بياجيه: هناك مجال ثالث للبحث في نظرية بياجيه اختص بفحص وسائله لتقييم النمو الأخلاقي، وهذه الدراسات تركّز بصفة خاصَّة على موضوع وجهات نظر الطفل عن القصدية intentionality وليس على نتائج الفعل في تقدير الحكم على الأفعال الأخلاقية. ويرى جوتكين gutkin عام "1972" أنَّ فكرة القصد أو النية تنمو لدى الأطفال في أربعة مراحل متتالية: هي: - الأولى: ينصبّ فيها اهتمام الطفل على كمية أو مقدار التلف الناتج، أي: النتائج المادية للفعل. - الثانية: ينصبّ فيها اهتمام الطفل أساسًا على كمية أو مقدار التلف الناتج, إلّا أنه يفكر في القصد أو النية إلى حدٍّ ما. - الثالثة: ينصبُّ فيها اهتمام الطفل على القصد أو النية، وإن ظل يفكِّر في كمية أو مقدار التلف الناتج.

- الرابعة: يصبح القصد أو النية هو المعيار الوحيد للحكم الخلقي. "varma & williams, 1976, 100-101". وهناك خط من خطوط البحث يركِّز على القصص التي كوَّنها بياجيه ويعتبر محاولة لتوضيح طبيعة استجابات الأطفال، ففي تجربةٍ قام بها كوستانزو وكوى وجرنت وفارنيل costanzo, coie grument & farmill عام "1973" توضِّح البحث في هذا المجال, ولنذكر أن قصص بياجيه تتضمَّن نوايا "مقاصد" إمَّا طيبة أو رديئة، وهي دائمًا تقترن بنتيجة سيئة, ولقد أجرى هؤلاء الباحثين فحص استخدام الأطفال للنتائج والنوايا "المقاصد" في إصدار الحكم الخلقي, وقد تلى كل من القصد الحسن والقصد الرديء نتائج إمَّا طيبة أو سيئة, وكان المفحوصون "20" طفلًا, كلٌّ منهم من روضة أطفال، ومن الصفين الثاني والرابع. وقد استمع كل طفل قصتين من مجموعة من المجموعات الأربعة للنوايا والنتائج المترتبة عليها، وأصدر حكمًا عن طيبة أو رداءة الشخصية الرئيسية، وما إذا كانت معاونة أو لطيفة, وتدل النتائج على أنَّ فروق السن في استخدام الأطفال للقصدية في تقييم أفعال الغير تتوقّف على العواقب. وبالنسبة للقصص ذات النتائج الطيبة استخدم الأطفال كلهم القصد وهو افتراض بأنه مستوى أعلى من التفكير الخلقي, وفيما يختص بالقصص ذات العواقب السيئة كان استخدام القصدية يزيد مع التقدم في السن, وهذه النتائج تتعارض مع دراسات سابقة استخدمت قصصًا من طراز قصص بياجيه, وتقترح أن الأطفال قد يستخدمون القصدية بدرجة كبيرة في وقت مبكِّر عمَّا كان يظن من قبل "Buchanan & Thompson, 1973". وأخيرًا تبيّن أيضًا أنَّ استخدام المؤشرات في النوايا, والإصرار في مجال حكم الأطفال على سلوك الآخرين, يتأثر بما إذا كان سلوك الشخص الآخر قد لقي استثارة من شخص آخر أو لم يلق, ووجد أنه عندما كانت الأفعال الخاطئة للمسيئين قد لقيت استثارة قوية من جانب الضحية, فإن مرتكب الخطأ كان يُنْظَر إليه على أنه أقل مشاغبة من حالة ما إذا كان الخطأ لم يلق استثارة "Berndt & Rerndt, 1975". على أن الأطفال حتى سنّ الخامسة يفهمون الدوافع والنوايا, ولكنهم قد يتجاهلونها عند إجراء حكم أخلاقي.

إن طريقة عرض المشكلة الأخلاقية في القضية يبدو أنها تؤثر أيضًا على استجابات الأطفال؛ فقد بحث شاندلر وزملاؤه Chandler, et al عام "1973" هذه القضية مع أطفال في سن السابعة، وكان كل من الأربعين صبيًّا والأربعين بنتًا قد سمع قصة من طراز قصص بياجيه, وشاهدوا فيلمًا عن قضية أخرى. وكانت الأحكام العادية عمَّن كان أكثر شقاوة "مشاغبة" والسبب في ذلك, وقد رتبت على أساس استنادها إلى النوايا والنتائج, وقد تبيِّن أن طريقة عرض القصة تؤثِّر على الحكم الأخلاقي الذي يصدره الأطفال، وبالتالي يولد الانطباع بأنَّ الأطفال الصغار لا يحسون بالقصد من فعلٍ ما عند الحكم على أخلاقياته. وقد يبدو أن هذه النتائج تدل على أن نظرية بياجيه غير صحيحة، ويجب أن نتذكَّر أنه وإن كانت الاصطناعات المنهجية التي ناقشناها هنا قد تشوّه اتجاهات السن في النمو الأخلاقي، فإنه لم يوجد لدينا دليل على أن افتراض بياجيه لتتابع مراحل النمو في التفكير الأخلاقي غير صحيح، وأن هذا التتابع قد يحدث مبكرًا عمَّا يتوقع. إن توضيح هذه القضية يجب أن ينتظر المزيد من الأبحاث حولها. أخد الدور في نظرية بياجيه: قام كثير من الباحثين باختبار فكرة بياجيه، من أنَّ تفاعل الأقران واتخاذهم الدور يدعِّم النمو الخلقي, وقد وصف سيلمان selman مراحل أخذ الدور، واسنتنج أن القدرة على الدور تتزايد مع السن في مجموعة من المراحل تتوازي بشكل تقريبي مع مراحل بياجيه للنمو المعرفي. وقد حدَّد "سليمان" أخذ الدور بقراءة مشكلة أخلاقية أمام الطفل, وتقييم قدرته على فهم وجهة نظر الشخصية في القصة, وكيف أنَّ وجهات النظر هذه ترتبط بوجهات نظره هو. إن قدرة الطفل على اتخاذ الدور تؤثر على فهمه للعالم الاجتماعي, وكيف يجب أن تحل الصراعات. وقد استخدم موير moir عام "1974" اختبارات النمو الأخلاقي واختبارات اتخاذ الدور اللا أخلاقي "فهم دوافع وأحاسيس الآخرين" مع 40 فتاة في سن 11 سنة، وكانت الدرجات المسجَّلة على نوعي الاختبار ترتبط إيجابيًّا, مما يدل على أنَّ المستويات الأعلى من التفكير الخلقي كانت مرتبطة مع المستويات الأعلى للقدرة على اتخاذ الدور, وقد ثبتت صحة ذلك حتى عندما كانت العلاقة الارتباطية قد صححت بالنسبة لنسبة الذكاء, فلم يكن الذكاء هو السبب الجوهري في العلاقة الارتباطية بين القياسين. وبناءً على هذه النتائج, فإن الطفل الذي يكون لديه القدرة على اتخاذ منظور الآخرين يعتبر البادئ في نمو مستويات ناضجة للتفكير الأخلاقي, فاتخاذ الدور هام بالنسبة للحكم الأخلاقي؛ لأنه يزيد من فهم الطفل لوجهة نظر شخص آخر، وهو بدوره يخفض من تمركز الطفل حول ذاته، وبالتالي يسمح بحكم أخلاقي ذي كفاءة متزايدة.

نظرية بك وهافجهرست عن الأخلاقية peck & havighurst

3- نظرية بك وهافجهرست عن الأخلاقية peck & havighurst: ربما كانت تصورات بك وهافجهرست من أهم التصورات الحديثة عن التفكير الأخلاقي، والتي لم تنل عنايةً من الباحثين مثل غيرها من النظريات، فلقد قدَّم بك وهافجهرست تصورهما عن مراحل النمو الخلقي في كتابهما سيكولوجية نمو الخلق, الذي نشر عام 1960. وعلى الرغم من أن هدف هذا المؤلف كان أوسع في مداه من مجرَّد التحليل البسيط لنمو المفاهيم الخلقية، بأنه يهتم أساسًا بكيفية مواجهة الطفل للمشكلات الأخلاقية المختلفة. لقد درس بك وهافجرست مجتمعًا محليًّا صغيرًا في الوسط الغربي من الولايات المتحدة الأمريكية، واستخدما في البحث اختبارات متعددة، طُبِّقَت على الأطفال الذين ولدوا عام 1932, وكانوا يعيشون في هذا المجتمع المحلي عام 1943 وقت إجراء البحث. وقد حصل الباحثان كذلك على تقديرات عن الخلق من المعلمين ومن زملاء التلاميذ على فترات مختلفة من نمو العينة, وقد اعتمد البحث بشكل أساسي على عينات مستعرضة من المجتمع، نصفهم من البنين ونصفهم من البنات, وقد طبقت عليهم اختبارات إسقاطية واختبارات تكملة الجمل، وأجريت معهم مقابلات شخصية، وكذلك جمعت عنهم ملاحظات بواسطة الباحثين الميدانيين, وقد افترض بك وهافجهرست بناء على دراستهما وجود خمسة أنماط من الخلق، وتصورا تتابعهما مع نمو الفرد وهي:

1- الحياد الأخلاقي في الطفولة amoral in infancy: وفي هذه المرحلة يرى الطفل الناس الآخرين كوسائل لإشباع الذات, يكون الطفل متمركزًا تمامًا حول ذاته, لا يعرف المبادئ الأخلاقية ولا الضمير. إنها صورة رضيع لم يبدأ في التطبيع بعد. 2- الوسيلية في الطفولة المبكرة expedient in early chidhood: يميل الطفل في هذه المرحلة لأن يعمل وفقًا لتقاليد المجتمع, ولكن لكي يتجنَّب العقاب ويحصل على الثواب فقط. إن الطفل في هذه المرحلة لا يهتم بخير الناس الآخرين، إلّا إذا كان ذلك في صالحه، يكون الطفل متمركزًا حول ذاته، وأخلاقياته غير ثابتة, طالما أن مبرر محافظته على القواعد مرتبط بحصوله على ميزة أو مكافأة. 3أ- المسايرة في الطفولة المتأخرة: conformity in latd chilhood: الشخص المساير هو الذي يتبع ما هو سائد من قواعد السلوك، وهنا نجد لدى الطفل اتجاهًا ثابتًا نحو الصواب والخطأ, ولكن ذلك لا يرجع إلى الالتزام بمبدأ أخلاقي عام, وإنما إلى الالتزام بما هو سائد في المجتمع. وهكذا نجد أن الطفل يواجه كل موقف بتطبيق القاعدة المناسبة والسائدة في المجتمع بصرف النظر عن علاقته بالمواقف الأخرى. 3ب- الضمير اللاعقلاني irrational conscientious في الطفولة المتأخرة: وهنا يحكم الطفل على المواقف وفقًا لمعاييره الداخلية أو الذاتية عن الصواب والخطأ، مع اهتمام ضئيل بما إذا كان الناس من حوله يوافقون على تصرفه أم لا, ويشير وصف اللاعقلاني على أن القواعد تطبق بطريقة جامدة نسبيًّا؛ فالفعل خير أو شر، صواب أو خطأ؛ لأنَّ الفرد يشعر بذلك لا بسبب آثاره على الآخرين. 4- الغيرية العقلانية rational altruistic في المراهقة: وهذه أعلى مرحلة للنضج الخلقي في تصور "بك" و"هافجهرست", والذين يسلكون على هذا النحو ليست لديهم مجموعة ثابتة من المبادئ الأخلاقية, وإنما هم أيضًا يطبقونها بموضوعية في ضوء ما إذا كانت نتائج الفعل المعين ضارة أو نافعة بالنسبة للآخرين, والشخص الغيري على وعي بمعايير مجتمعه, وإيحاءات ضميره ذاته، ولكنه قادر على أن يراعي روح القواعد لا أن يظل عبدًا لحرفيتها, ويلاحظ أن "بك" و"هافهجرست" قسَّما المرحلة الثالثة إلى نوعين من الأخلاقية، وهما يعتبرانهما بديلين، بمعنى أنَّ الطفل في انتقاله من المرحلة الثانية إلى الرابعة يمر بأحد هذين البديلين دون الآخر. ومن الواضح أنَّ هذا التصور يمكن أن يؤدي إلى وظيفتين؛ الأولى: إنه يمثل سلسلة متتابعة لمراحل النمو، والثانية: إنه يمكن أن يتَّخذ أساسًا لتصنيف الأفراد إلى المساير أو المطيع أو الغيري ... إلخ. ولعله من الواضح أيضًا أنهما لا يفترضان أنَّ كل فرد لا بُدَّ أن يصل بالضرورة لأعلى المراحل, وقد أشار "بك" و"هافجهرست" إلى أن غالبية المراهقين في بحثهما لم يصلوا فعلًا إلى هذه المرحلة الأخيرة "الغيرية العقلانية". "سليمان الخضري 1982، 6".

نظرية كولبرج

3- نظرية كولبرج: تعتبر نظرية لورنس كولبرج Lawrence kohlberg أحدث نظريات النمو الخلقي ونمو التفكير الخلقي بشكل خاص، كما أنَّها تعتبر أكثر النظريات ثراءً من حيث استثارتها للبحث في التفكير الخلقي. ولقد ولد كولبرج عام 1927, عاش طفولته الأولى بنيويورك، التحقق بجامعة شيكاغو عام 1948، حصل على دراساته العليا في علم النفس، واهتم بأفكار بياجيه ونظرياته، وبدأ في إجراء مقابلات مع الأطفال والمراهقين لمناقشتهم فيما يتعلق بالقضايا الأخلاقية، ونتيجة لذلك حصل على درجة الدكتوراه عام 1958. عمل بجامعة شيكاغو من 1962-1968, وانتقل بعد ذلك إلى جامعة هارفارد حتى مات عام 1987. ولقد تأثَّر "كولبرج" في صياغته لنظريته بأفكار كثير من الفلاسفة وعلماء النفس السابقتين مثل: جون ديوي وغيره، على أن أهمَّ المؤثرات السابقة في نظريته استمرت بشكل أساسي من نظرية جان بياجيه في النمو المعرفي, فلقد تأثَّر كولبرج بجان بياجيه في ثلاث جوانب رئيسية: الصياغات النظرية، مفهوم مراحل النمو، ومنهجه في البحث. فلقد اعتمد كولبرج إلى حدٍّ كبير على صياغة بياجيه لمراحل

النمو المعرفي، في وضع نظريته الخاصة عن الحكم الخلقي. كذلك تصوّر كولبرج مراحل النمو الخلقي بنفس الصورة التي تصوّر بها بياجيه مراحل النمو المعرفي؛ حيث تصورها على أنها مراحل تجمعية وليست مجرَّد مراحل متتابعة. وهذا يعني أنَّ كل مرحلة سابقة تمهّد للمرحلة التالية لها, وتدخل كعناصر مكونة فيها، كما أنَّ منهج بياجيه الإكلينيكي له تأثيره الواضح في الأدوات التي ابتكرها كولبرج لدراسة التفكير الخلقي، فقد صمَّم سلسلة من المشكلات الخلقية الفرضية, وقام بإجراء مقابلات شخصية مع أطفال ومراهقين, وتوصَّل بهذه الطريقة إلى صياغة نظريته عن النمو الخلفي. لقد طوّر كولبرج تصور بياجيه عن نوعي الأخلاقية "الأخلاقية الخارجية، والأخلاقية داخلية المنشأ" مقدمًا تصوره الخاص عن ست مراحل لنمو التفكير الخلقي, وبالإضافة لذلك سعى إلى تقديم استبصار أكبر بأثر القوى الاجتماعية.

والخبرة على النمو الخلقي. ولقد كان اتجاه كولبرج في فهم استجابات الأفراد للمشكلات الخلقية شأنه شأن بياجيه، يعتمد على تحليل الأبنية العقلية وأنماط التفكير الكامنة وراءها. والتفكير الخلقي هو نمط التفكير الذي يتعلق بالتقييم الخلقي للأشياء والأحداث, وهو يسبق كل فعل أو سلوك خلقي. وهو بهذا يختلف عن السلوك الخلقي، فالسلوك الخلقي سلوك معقَّد يتضمَّن بداخله عناصر متعددة, أو تسهم في حدوثه عوامل عديدة. والتفكير ما إلّا أحد هذه العناصر, كذلك يختلف التفكير الخلقي عن القيم الخلقية، فالقيمة الخلقية تشير إلى ما يعتقد الفرد أنه صواب, أو ما يعتقد أنه خطأ, أما التفكير الخلقي فيتعلّق بالطريقة التي يصل بها الفرد إلى حكم معين يتعلّق بالصواب أو الخطأ، فقد يعتقد كثير من الناس أن السرقة خطأ وهذه قيمة, ولكن قد يختلفون في طريقة الوصول إلى هذا الحكم؛ فبينما يبني شخص حكمه على أساس طاعة القانون، يبني آخر على أساس مراعاة ضميره، وهناك أفراد يهتمون بالانصياع لمعايير المجتمع، بينما يمكن أن يقدّم آخرون حججًا حول تأثير السرقة على المجتمع, مثل هذه الأسس المختلفة لإصدار الأحكام الخلقية تضمَّن طرقًا مختلفة للتفكير الخلقي. ولقد طوَّر كولبرج تصوّر بياجيه عن نوعي الأخلاقية مقدمًا تصوره الخاص عن ست مراحل لنمو التفكير الخلقي يمكن تصينفها إلى ثلاثة مستويات، تبدأ من منظور التمركز حول الذات، ثم المنظور الاجتماعي, وأخيرًا المنظور الإنساني العالمي. وبالإضافة لذلك: سعى إلى تقديم استبصار أكبر بأثر القوى الاجتماعية والخبرة على النمو الخلقي, ولقد كان اتجاه كولبرج في فهم استجابات الأفراد للمشكلات الخلقية شأنه شأن بياجيه يعتمد على تحليل الأبنية العقلية وأنماط التفكير الكامنة وراءها. واعتبر كولبرج المفهوم الأساسي للنمو الخلقي هو العدل justice, وهو نفس الاعتبار الذي دارت حوله تحليلات بياجيه، فالنمو الخلقي لدى كلّ منهما لا يعني حب البشر، أو الإحساس البديهي لقدسية الواجب، أو الاهتمام ببقاء الجنس البشري، وإنما تحقيق الاتزان الاجتماعي بين الأفراد الذين يتفاعلون مع بعضهم البعض, وذلك عن طريق موازنة الادعاءات الفردية الشرعية في موقفٍ ما، وإعطاء الأولية لأيٍّ منها طبقًا لمبادئ القسط التي تحكم التعاون بين البشر, ومن

ثَمَّ فإنَّ الأخلاقيات في نظرهما هي منطق الأحداث. "محمد رفقي: 1983، 72". وكولبرج شأنه في ذلك شأن بياجيه، يرى أن الأخلاقيات لا تنمو كلها مرة واحدة، بل تخضع لسلسلة من المراحل، وتمثل هذه المراحل تتابعًا نمائيًّا لا يختلف، وتتابع هذه المراحل منتظم؛ بحيث لا يتمّ إغفال آية مرحلة، ويتقدم الأطفال خلال هذه المراحل بسرعات مختلفة, أو قد يكون الطفل في مرحلة معينة إلى حد ما وخارج نفس المرحلة إلى حدٍّ ما، ويتوقّف الفرد عند أي مرحلة وفي أي سن، ولكنه إذا لم يتوقف واستمر في النمو فإنه يجب أن يسير وفقًا لهذه المراحل, ولا يمكن أن يتمَّ التفكير الخلقي للمستوى التقليدي مثلًا قبل المستوى قبل التقليدي، كما لا يمكن أن يكون أيّ فرد في المرحلة الرابعة مثلًا قد مرَّ بالمرحلة السادسة, ولكن كل راشد في المرحلة السادسة يجب أن يكون قد مرَّ بالمرحلة الرابعة "kohiberg & giligan, 1971, 1068-1069". ويعتقد كولبرج أن المراحل التي حدَّدها في نظريته ترتبط بصورة هرمية؛ حيث لا بُدَّ للفرد أن يمرَّ بكل المراحل السابقة على مرحلة معينة حتى يصل إلى تلك المرحلة، وتوضح تلك المراحل أنماطًا للتفكير يسود جميع الثقافات, بمعنى أنه تتابع ثابت لا يختلف باختلاف الثقافة التي ينمو فيها الفرد. "sugarman, 1973, 50-52". ومن هنا ركَّز كولبرج على التفكير الخلقي وليس الاستجابة الخلقية, ويرجع ذلك إلى أن نفس الاستجابة قد ترتبط بسببين مختلفين تمامًا للسلوك. ومن هنا فإنَّ المدخل لدراسة النمو الخلقي يركِّز على عمليات التفكير التي تكمن وراء الحكم الخلقي، كما أنه يعالج بشكل مفصَّل التغيرات التي تطرأ على تفكير الطفل الخلقي عبر مراحل نموه المختلفة "lerner & spanier, 1980, 257", وإذا كان بياجيه قد اقتصر في تحليله للأخلاقيات على الأطفال, فإن كولبرج حاول أن يرتقي بتصنيفه إلى مراحل المراهقين؛ حيث صاغ مراحل النمو الخلقي الست بناءً على مقابلاته مع أطفال تمتد أعمارهم ما بين 10-16 سنة, وبالتركيز على مآزق خلقية فرضية, فيها طاعة القواعد والسلطة تتصارع مع حاجات الآخرين, ويطلب من المفحوص حل هذا الصراع، ولم يهتم بكيفية حل هذا الصراع, ولكن لماذا يستجيب له بهذه الطريقة.

ولم يكن اهتمام كولبرج بكيفية تقرير حل المآزق الخلقية بالمبررات المعطاة لهذه الاختيارات؛ حيث يعتقد بأنَّ هذه المبررات تعكس البناء العقلي الداخلي للتفكير الخلقي. كما يشير كولبرج وكرامر إلى أنَّ النمو الأخلاقي يتضمَّن عملية متصلة يعيشها الفرد, بهدف إقامة نوع من المواءمة بين نظرة أخلاقية معينة وخبرة الفرد, فيما يتعلق بالحياة في عالم اجتماعي يتبنَّى هذه النظرة, ويتخذ منها معيارًا لمسلك الأفراد في هذا الجانب أو ذاك من جوانب حياتهم؛ حيث يرى أن التفكير الخلقي يتمُّ في سياق نمو عمليات التفكير التي يمرّ بها الطفل أثناء تعامله وتفاعلاته مع بيئته الاجتماعية، ويستمر النمو في التفكير الخلقي من خلال ما يعيشه الفرد من مواقف وخبرات، ومحاولاته المستمرة لحل ما يواجهه من تناقضات, وتجاوز آثارها "kohiberg & kramer, 1980,93-120". ويرى توريل Turiel أنَّ ما يعيشه الطفل من صراعٍ وتناقضٍ يترتَّب عليه اختلال في التوازن فيما لديه من تركيبات أخلاقية قائمة، مما يؤدي به إلى أن يصبح غير قادر على أن يستوعب هذه الخبرات, وبالتالي فهو يتلمَّس الطريقة التي يصل بها إلى تركيب آخر يقترب مما لديه. وعندما يتيقن أن هذا التركيب في صورته الجديدة يتفق أو يتوائم مع ما يعيشه من مواقف وخبرات, يعمد إلى التوافق بين التركيبين الجديد والقديم؛ بحيث ينتقل إلى نوع جديد من الاتزان, أي: مراحل جديدة من مراحل نموه الخلقي. وهكذا كلما تزايدت درجة تعقيد الثقافة فإن هناك احتمالًا أكبر لِأَنْ يواجه الطفل قدرًا أكبر من مواقف الصراع والتناقض, مما يؤدي به إلى أن يعيش عددًا أكبر من مواقف عدم الاتزان، الأمر الذي يستتبعه أن يبذل الطفل عددًا أكبر من محاولات التواؤم بهدف استعادة التوازن، وأن يشهد عددًا أكبر من التغيرات في تركيباته الأخلاقية، وهكذا فإنَّ النمو الخلقي يسير على أساس محاولة الفرد الحفاظ على التوازن بين التمثل والمواءمة, وبسبب التمثل الوظيفي يحاول الفرد ضمّ التفكير الخلقي إلى تركيبه المعرفي وأبنيته المعرفية القائمة، وإذا كان هذا التفكير في مرحلة أعلى فإنه يتصارع في النهاية مع التنظيم العرفي القائم لدى الفرد, وعلى هذا: يحدث عدم التوازن الذي يتطلّب المواءمة, ومن ثَمَّ إعادة التوازن والانتقال إلى مستوى أعلى من التفكير نتيجة لذلك. "Turiel, 1969, 92-131".

ويرى كولبرج أن الفرد يتقدَّم خلال سلسلة ثابتة من المراحل النوعية للنمو الخلقي, وأعلى هذه المراحل الإحساس بالعدل والاهتمام بالتبادلية بين الأفراد، فكل مرحلة تستجيب لقضايا خلقية معينة، وكل مرحلة جديدة هي إعادة تنظيم وترتيب جديدة لمراحل سابقة، والأفراد في الثقافات المختلفة يسيرون في نفس المراحل بنفس الترتيب, والاختلاف فقط في سرعة هذا النمو. ويؤكد كولبرج أن النمو الخلقي متتابع, وأن نمط النمو للفرد ثابت عمومًا؛ حيث يبدأ بالمرحلة الأولى ويتقدَّم تفكيره حتى يصل إلى المرحلة النهائية بالنسبة له, ويرى أن هذا التتابع عام في الثقافات المختلفة, وكل الأفراد في كل ثقافة ينمون بمعدَّلات مختلفة, ولا يصلون إلى نفس المرحلة النهائية, وتتميز مراحل كولبرج بعدة صفات: 1- إن هذه المراحل تمثّل أنماطًا للتفكير مختلفة في الكيفية. 2- تشكل هذه المراحل نظامًا ثابتًا ومتتابعًا للنموِّ يتحرك خلال تلك المراحل إلى الأمام, ويتم خطوة خطوة. 3- تكون هذه المراحل كلًّا متكاملًا. 4- تمثل هذه المراحل تكاملات هرمية، يستطيع الأفراد فهم كل المراحل السابقة على المرحلة التي ينتمون إليها، إلّا أنهم لا يستطيعون فهم أكثر من مرحلة واحدة أعلى من المرحلة التي ينتمون إليها. "jensen 1985". ويرى كولبرج أن التفكير الخلقي للأفراد يتغيِّر مع تقدمهم في النمو، وبصورة عامة فإنّهم يتحركون من المستوى قبل التقليدي إلى المستوى التقليدي، فالمستوى بعد التقليدي، ولا يحدث أن يخطئ أي فرد مرحلة معينة إلى مرحلة أعلى منها, إلّا أنَّ البعض فقط هم الذين يصلون إلى المرحلة السادسة، وفي المجتمع الأمريكي لا يصل للمرحلة السادسة غير 10% من الراشدين. "gorman, 1980,338". ويرى كولبرد أنَّ كل مرحلة لها مفهوم خلقي خاص بها, وهذا المفهوم يختلف من مرحلة إلى أخرى, ويصبح أكثر تكاملًا وأكثر عمومية, فعندما ينتقل مفهوم الفرد عن قمية الحياة الإنسانية من المرحلة الأولى إلى المرحلة الثانية تصبح

قيمة للحياة أكثر اختلافًا عن قيمة الممتلكات, وأكثر تكاملًا, فتدخل قيمة الحياة في سلّم تنظمي حيث تكون أعلى من الممتلكات. وعلى ذلك فإن الفرد يسرق الممتلكات لينقذ الحياة، وأكثر عمومية فتصح حياة أي مخلوق حساس ذات قمية يصرف النظر على وضع الممتلكات, ويكون نفس التقدم حقيقيًّا في كل مرحلة من السلم, وتصبح كل مرحلة أو خطوة للنمو تنظيمًا معرفيًّا أفضل من سابقتها، وتتضمَّن كل ما هو موجود بالمرحلة السابقة, ولكنها تبيِّن فروقًا جديدة أكثر شمولًا وأكثر اتزانًا. ويرى كولبرج أن نمطي الأخلاقيات عند بياجيه غير كافية لتغطية جميع التغيرات في التفكير التي يمر بها الفرد, ومن هنا وضع نظريته التي تتكوَّن من ست مراحل لتغطية التغيرات النوعية في التفكير الخلقي لدى الأفراد, ويركز كولبرج -مثل بياجيه- على التفكير الخلقي, أي: على الطريقة التي يفكِّر بها الأفراد في المشكلات الخلقية, وليس على الاستجابة الخلقية ذاتها؛ لأنه يرى أننا لو ركَّزنا على الاستجابة نكون قد تجاهلنا مغزى السلوك، فقد يوجد فردان مثلًا يسلكان نفس السلوك, ولكن لكلٍّ منهما هدفًا خاصًّا به. وقد توصَّل كولبرج إلى نظريته باتباع خطوات أو إجراءات مشابهة لما قام به بياجيه، فكان يقص على الأطفال قصصًا تدور حول مشكلات خلقية, ثم يسألهم بعض الأسئلة عنها، واعتبر الإجابة عن الأسئلة بـ"نعم أو لا" غير كافية؛ لأن الفرد لا يبوح بأيّ شيء عن مستوى نموه الخلقي. كما أنَّ كولبرج كان يبحث عن التفكير الذي يكمن خلف هذه الاستجابات، ومن هنا كان يهتمّ بالأسباب التي أدَّت إلى هذا الحكم, ودرس وجهة نظره عن النوايا التي دعت إلى السلوك, ومدى اختلاف هذه النوايا عن النتائج التي تحدث بعد ذلك، وتتميّز طريقة كولبرج عن بياجيه في نقطتين؛ أولهما: إن تقسيمه للنمو يمتد إلى سنٍّ أكبر مما يتناوله بياجيه، ثانيهما: إنه يجعل من السهل مقارنة مستويات الحكم الخلقي بين الثقافات. وفي دراسته للتفكير الخلقي كان كولبرج يعرض على الأطفال قصصًا تتضمَّن الاختيار بين بديلين غير مقبولين ثقافيًّا, وقد تميزت قصص كولبرج بخصائص ثلاث أساسية هي:

1- أنها مشكلات ذكية, بمعنى أنَّ أي اختيار من الاختيارين المحددين لحل المشلكة يجد له تأييدًا تقليديًّا من ثقافة المجتمع وقوانينه. 2- لا تعطى الدرجة للمستجيب على أساس الفعل الذي يختاره, ولكن على أساس طبيعة دفاعه عن هذا الاختيار. 3- تقدَّر الإجابة على أساس تحليل المحتوى وليس على هذا الاختيار. 3- تقدَّر الإجابة على أساس تحليل المحتوى وليس على أساس الإجابة بنعم أو لا. ومن هنا توصَّل كولبرج إلى وجود ثلاث مستويات للتفكير الخلقي هي: 1- المستوى قبل التقليدي. 2- المستوى القليدي. 3- المستوى بعد التقليدي. ويتضمَّن كل مستوى من المستويات الثلاثة مرحلتان ليصبح عدد المراحل ست مراحل, ويحدد كولبرج هذه المراحل بطرق التفكير في المشكلات الأخلاقية, وأسس وقواعد الاختيار بين البدائل المتاحة أمام الفرد, ولم يحدد كولبرج أيّ سن لبداية أو نهاية هذه المستويات كما فعل بياجيه؛ لأنه اعتقد أن أي من هذه المستويات يمكن أن يوجد لدى الراشدين, وأنَّ أيًّا من الأفراد قد يقف عند مستوى معين, ولا يتعداه. مستويات التفكير الخلقي: تعتبر نظرية كولبرج إحدى النظريات المعرفية التي تناولت التفكير الخلقي بشكل خاص, وبعد دراسته المستفيضة في الثقافات المختلفة توصّل إلى نظرية في التفكير الخلقي, تتضمَّن ثلاثة مستويات كل منها يمثل خطوة في تطور التفكير الخلقي لدى الفرد. في ضوء هذا الفهم لمراحل النمو نعرض تصور كولبرج لمراحل نمو التفكير الخلقي أو تطوره، والتّي تنقسم إلى ثلاث مستويات رئيسية هي: المستوى الأول: المستوى قبل التقليدي: pre - conventional level: في هذا المستوى ينظر الطفل إلى المشكلات الخلقية من منظور اهتماماته المحسوسة. إنه لا يهتم في هذا المستوى بما يحدّده المجتمع بأنه الطريقة الصحيحة للسلوك في موقف معين, ولكنه يهتم بالنتائج الفيزيقية للفعل "الثواب، العقاب، تبادل

المصالح". فهو يستجيب للقواعد الثقافية عن الصواب، والخطأ، ولكنه يفسرها في ضوء نتائجها المادية. ويتضمَّن هذا المستوى مرحلتين من مراحل النموّ هما: مرحلة "1" توجه الطاعة وتجنب العقاب: فالطفل في هذه المرحلة يفكّر فقط في ضوء المشكلات الفيزيقية والحلول المادية, والصواب هو ما يتجنب العقاب, فصواب الفعل أو خطؤه يتحدد بالنتائج الفيزيقية التي تترتب عليه، بصرف النظر عن معنى الفعل أو نتائجه الإنسانية, ولعله من المفيد أن نذكر بعض الإجابات النمطية للأطفال في هذه المرحلة بالنسبة لإحدى القصص التي استخدمها كولبرج في دراساته، وهي قصة "الزوج والدواء": فزوجة "هينز" على وشك أن تموت بسبب السرطان، وهناك صيدلي في المدينة اكتشف دواء قد ينقذها. ولكن الصيدلي يطلب ثمنًا باهظًا للدواء، والزوج لا يستطيع أن يدبِّر المبلغ, فهل يسرق الزوج الدواء؟ فقد تكون إجابة الطفل مع سرقة الدواء أو ضد السرقة, فليس هذا بالأمر الهام، وإنما المهم أنه في الحالتين يهتم فقط بالنتائج الفيزيقية للفعل. ولعل من الإجابات النمطية في هذه المرحلة, والتي تؤيد السرقة, أن يقول الطفل مثلًا: "ليس من السيئ سرقة الدواء, لقد طلب أن يدفع مقابله، إنه لن يحدث أي تخريب بكسر الصيدلية, ولن يأخذ شيء آخر, والدواء الذي سوف يأخذه يساوي فقط 200 دولار وليس ألفي دولار". كذلك من الإجابات النمطية التي تعارض السرقة في هذه المرحلة: "ليس للزوج أي حق في سرقة الدواء, إنه لا يستطيع أن يذهب ويكسر النافذة أو الباب, إنه سوف يكون مجرمًا بسبب التخريب الذي يحدثه. إن الدواء يساوي مبلغًا كبيرًا من المال, وسرقة شيء بهذه الدرجة يعتبر جريمة كبيرة". هكذا نجد أنَّ كلتا الإجابتين تغفلان تمامًا نوايا الزوج، وكذلك التزامه أو واجبه نحو زوجته, كلاهما تحكمان على الفعل على أساس النتائج الفيزيقية المترتبة عليه، والتخريب الذي سوف يحدثه الزوج، الإجابة مع السرقة تقلل من حجم الجريمة بأنه لن يحدث تخريب الشيء الآخر، والإجابة ضد تضخم الجريمة بإضافة كسر الباب أو النافذة، وكذلك ثمن الدواء. ومهما يكن فإن غالبية الأطفال في هذه المرحلة لا يوافقون على سرقة الدواء نتيجة لإهمالهم النوايا, وتركيزهم على العقاب الذي يترتب على السرقة.

مرحلة "2" توجه النسبية الوسيلية الساذجة: خلال المراحل الثانية يظهر معيار جديد للحكم: معيار العدل fairness؛ فالفعل السليم هو الذي يشبع حاجات الذات، وأحيانًا حاجات الآخر، فمن العدل أنه إذا كان لدى الشخص سبب معقول لعمل شيءٍ ما فإنه يجب أن يحكم على أساس هذا السبب، لا على أساس إرادة تعسفية لسلطةٍ ما. فالسلطة التي تتحكّم في الثواب والعقاب, والتي كانت قيمة مركزية في المرحلة الأولى، تصبح نسبية في المرحلة الثانية، إنها تصبح مثل أي شخص آخر تتبادل معه المصالح؛ فالطفل ينظر إلى العلاقات الإنسانية نظرته إلى العلاقات في التجارة أو السوق. إنه يعي نسبية القيم وارتباطها بحاجات كل فرد ومنظوره. وهكذا على الرغم من وجود أفكار بدائية عن العدل والمساواة لدى الطفل في هذه المرحلة، إلّا أنه يفسرها بطريقة برجماتية فيزيقية. العدل يعني "أنه لكل فرد الحق في أن يفلت بما يستطيع". من هذا المنظور قبل التقليدي: إذا طبق المعلّم اختبارًا، ولم يعد التلاميذ له إعداد جيدًا، فمن العدل أن يغش التلاميذ، إن التلميذ لن يؤذي أحدًا عندما يغش، إنه سوف يصل على درجات أعلى، ولكنه لن يؤذي أحدًا. وفي قصة الزوج والدواء: لا يجد معظم الأطفال في هذه المرحلة مشكلة في رؤية أن الصيدلي يسبب للزوج ضررًا كبيرًا بسبب رفض إعطائه الدواء, ومعظم الأطفال في هذه المرحلة يعتقدون أنه من الطبيعي أن يسرق الزوج الدواء, على أساس أنه هو الذي يرعى زوجته ويهتم بها، والزوج لن يضر الصيدلي، ويستطيع أن يدفع له ثمن الدواء فيما بعد, ومع ذلك فهناك أطفال في هذه المرحلة أيضًا يقفون ضد سرقة الدواء، فهم يرون أن الصيدلي ليس على خطأ، فهو يريد أن يحقق أرباحًا من اكتشافه وهذا حقَّه. ومهما يكن في الحالتين بدأت تظهر فكرة النوايا في الحكم على الفعل؛ فالزوج في الإجابات الأولى ينوي أن يدفع للصيدلي فيما بعد, والصيدلي في هذه الحالة يرغب أن يحقق ربحًا شأنه شأن أي شخص آخر. المستوى الثاني: المستوى التقليدي: conventional level في هذا المستوى يواجه الفرد المشكلة الخلقية من منظور عضو المجتمع، يهتم الطفل باتباع التوقعات الاجتماعية الخارجية, ويعتبر المحافظة على هذه

التوقعات ومسايرتها قيمة في حد ذاتها. الفرد يعرف ويأخذ في اعتباره أنَّ الجماعة أو المجتمع يتوقع منه أفعالًا تتفق مع معاييره الخلقية, ومن ثَمَّ فهو يجاهد، لا لكي يتجنب اللوم أو العقاب فحسب، وإنما لكي يعيش أيضًا على مستوى التحديدات المقبولة للشخص الطيب أو شاغل الدور. إنه ليس اتجاهًا لمسايرة التوقعات الشخصية والنظام الاجتماعي فحسب، بل هو ولاء له وتدعيم وتبرير لوجوده, ويشمل هذا المستوى المرحلتين الثالثة والرابعة: مرحلة "3": توجّه المسايرة أو الولد الطيب: السلوك الجيد في هذه المرحلة هو الذي يرضي الآخرين أو يساعدهم, وهو الذي يوافقون عليه، فالطفل يساير الصور النمطية للسلوك العادي أو الذي يميز غالبية الناس. إنَّ الدافع للفعل الأخلاقي في هذه المرحلة هي تلبية توقعات الأشخاص المهمين الآخرين. فالوعي بأنَّ لدى الآخرين توقعات إيجابية عمَّا يؤدي إلى نظرة جديدة للعلاقات بين الأفراد. فحينما يدخل شخصان في علاقةٍ ما، فإنهما يضعان ثقة كلٍّ منهما في الآخر، ويتوقع كلٌّ منهما أن الآخر سوف يضع هذه الثقة في اعتباره ويحترمها. العلاقة هنا أكثر من مجرَّد تبادل المنافع والمصالح المتكافئة "كما كان ينظر إليها في المرحلة الثانية"، إنها تتضمَّن التزامًا متبادلًا. وقصة الزوج والدواء توضّح هذه النقطة بشكل جيد, فمن منظور المرحلة الثانية ليس هناك التزامات لذاتها على الزوج نحو زوجته، فله الحق أن يسرق الدواء لإنقاذ زوجته إذا أراد ذلك. ولكنه إذا لم يرد فليس لأحد ولا لزوجته مآخذ عليه. أمَّا من منظور المرحلة الثالثة فإن على الزوج التزامات محدَّدة إزاء زوجته, يجب أن يكون مسئولًا عنها ويحاول إنقاذ حياتها, وحتى إذا كان لم يعد يحب زوجته، فإن حقيقته أنه أحبها في وقتٍ ما, والتزامه نحوها يحتِّم عليه أن يكون مهتمًا بإنقاذها. ومن الإجابات النمطية في هذه المرحلة: "السرقة شيء, ولكن الموقف صعب. والزوج لا يفعل شيئًا بمحاولته إنقاذ زوجته, وليس أمامه من خيار غير سرقة الدواء. إنه يفعل شيئًا عاديًّا بالنسبة للزوج الطيب. يجب أن نلومه إذا لم يكن يحب زوجته بدرجة تكفي لأن يفعل ما ينقذها". وفيما يتعلق بالصيدلي فإن

المستجبين في المرحلة الثانية يعتقدون أنَّ "من حق الصيدلي أن يبحث عن الربح أساسًا, وإن كان من الحق ألّا يساعد الزوج في هذا الموقف, إلّا أنه ليس مجبرًا على ذلك", وعلى العكس من ذلك فإن المستجبين في المرحلة الثالثة يغضبون عند مجرد التفكير في الصيدلي, فأي نوع من الناس هو؟ أليس له قلب؟ إنه قد لا يعرف الزوج معرفة شخصية, ولكنه كصيدلي وكعضو في مهنة طبية، فقد التزم بأن يسعد في شفاء الناس, ولكنه الآن يرفض مساعدة الزوج لأسباب أنانية بحتة. والأنانية من منظور المرحلة الثالثة صورة أخرى من الإخلال بالثقة والالتزام، وهي دائمًا خطأ. على أن ذلك لا يعني أنَّ جميع الأفراد في هذه المرحلة يؤيدون سرقة الدواء، فهناك أفراد يرفضون السرقة، ومن الإجابات النمطية في هذه المرحلة: "إذا ماتت الزوجة فإن زوجها لا يمكن أن يلام في مثل هذه الظروف, لا نستطيع أن نقول: إنه زوج بلا قلب لمجرَّد أنه لم يرغب في ارتكاب جريمة". وهكذا، نجد أنَّ كل الإجابات في هذه المرحلة تهتم بما هو مقبول، أو موافق عليه، وما هو غير مقبول على أساس النوايا، فالمؤيدون لسرقة الدواء يركِّزون على ما هو طبيعي أن يفعله الزوج في مثل هذا الموقف، أي: ما يتوقعه الناس منه, والذين يرفضون السرقة يحكمون على الصيدلي بأنه أناني ولا ينبغي أن يوافق الناس على سلوكه. مرحلة "4" التوجه نحو المحافظة على القانون والنظام الاجتماعي: يعمل الفرد في هذه المرحلة بما يتَّفق مع احترام السلطة واتباع القواعد الثابتة، والوعي بالنظام الاجتماعي والعمل على المحافظة عليه. والسلوك الجيد

يتمثَّل في "أداء الواجب وإظهار الاحترام للسلطة, والمحافظة على النظام الاجتماعي القائم لذاته". فمثلًا: في قصة الزوج والدواء يصبح الحكم الخلقي الذي يتخده الفرد متوقفًا على تأثير السلوك على النظام الاجتماعي. الناس في هذه المرحلة يوافقون على أنَّ الزوج ملزم بالمساعدة في إنقاذ حياة زوجته، ومع أنَّ الصيدلي تصرَّف بشكل لا إنساني, ولكنهم يهتمون أيضًا بأن الزوج إذا سرق فإنه بذلك يضعف النظام الأخلاقي في المجتمع. فالقانون يبرز في هذه المرحلة كقيمة رئيسية, وقد لا يتخذ الأفراد بالضرورة موقف الدفاع عن "القانون والنظام الاجتماعي", ولكنهم يدركون أنَّ أي مجتمع يرتبط ببعضه باتفاقات خلقية واجتماعية معظمها في شكل قوانين، وأن أيّ فعل يخالف هذه القوانين يهدد بدرجةٍ ما وحدة النظام الاجتماعي وتماسكه. ولعل من الإجابات الشائعة في هذه المرحلة: "من الطبيعي أن يرغب الزوج في إنقاذ زوجته, ولكن من الخطأ دائمًا أنَّ نسرق، يجب أن نتَّبع القواعد والقوانين بصرف النظر عن شعورنا أو الظروف الخاصة بنا", على أن هذا لا يعني أنَّ معظم المستجيبين في المرحلة الرابعة يرون أن الزوج لا ينبغي له أن يسرق لكي ينقذ حياة زوجته, فمع أنهم يقدِّرون أن للقوانين قيمة رئيسية, فإنهم يقدِّرون أيضًا قيمة الحياة الإنسانية. فمن الإجابات الشائعة أيضًا في هذه المرحلة: "لا نستطيع أن نترك شخصًا يموت بمثل هذه الصورة, والصيدلي يسلك سلوكًا خاطئًا إذا ترك شخصًا يموت في الوقت الذي يمكنه إنقاذ حياته, ومن ثَمَّ فإن واجب الزوج أن ينقذ زوجته, ولكن الزوج لا يستطيع أن يخالف القانون ويسرق الدواء وينتهي الأمر، ولا بُدَّ أن يدفع ثمنه للصيدلي بعد ذلك, وأن ينال عقابه على السرقة". الإجابات كلها في هذه المرحلة تأخذ في اعتبارها النوايا عند الحكم الخلقي على الفعل, ولكنها مع ذلك ترى الالتزام بالقانون وطاعته, وتدعم النظام الاجتماعي. والواقع أن حل مثل هذه المشكلة يكون أصعب في هذه المرحلة بصورةٍ ما عنه في المراحل الأخرى، فالمستجيبون يدركون أن حياة الإنسان شيء مقدَّس, وأن هدف القانون حماية حياة الناس, وعلى ذلك حينما تتعارض قيم القانون مع قيمة الحياة بشكل صريح, فإنهم يجدون صعوبة في الاختيار. ويعتقد كلوبرج أنَّ هذه المرحلة على درجة عالية من الاتزان، وغالبًا ما تكون أعلى مرحلة يصل إليها الراشدون،

فهي تعالج بكفاءة المشكلات الاجتماعية, وتلك التي تتعلق بالعلاقات بين الأفراد, إلّا أنها ليست كافية للتعامل مع المواقف التي يكون فيها نظام القوانين أو المعتقدات في تناقض أو صراع مع حقوق الإنسان الأساسية. المستوى الثالث: المستوى ما بعد التقليدي: post - conventional level يتضمَّن هذا المستوى المرحلتين الأخيرتين من نمو التفكير الخلقي, وفيه يبذل الفرد جهدًا واضحًا لتحديد المبادئ الأخلاقية التي تطبَّق بصرف النظر عن سلطة الجماعة أو الأشخاص الذين يتمسَّكون بهذه المبادئ, وبصرف النَّظر عن انتمائه لهذه الجماعات. وفي هذا المستوى يقابل الفرد المشكلات الخلقية بمنظور أبعد من المجتمع القائم، أي: إن الفرد يستطيع أن ينظر فيما وراء المعايير أو القوانين الموجودة في مجتمعه, ويسأل: ما هي المبادئ التي يمكن أن يبنى على أساسها أيّ مجتمع جديد؟ مرحلة "5" مرحلة التعاقد الاجتماعي القانوني: في هذه المرحلة يتحدَّد صواب الفعل على ضوء حقوق الأفراد العامة، والمعايير التي فحصت وتَمَّ الاتفاق عليها بواسطة المجتمع ككل، ينظر إلى الإلزام الخلقي من منظور التعاقد الاجتماعي؛ فتفكير الفرد في هذه المرحلة يتميز بالوعي الواضح بنسبية القيم والآراء الشخصية, مع التأكيد على أهمية القواعد الإجرائية للوصول إلى اتفاق، يتحدَّد الواجب على أساس التعاقد مع تجنُّب التعدي على حقوق الآخرين وإرادة الغالبية وغيرها. وميزة مفهوم التعاقد الاجتماعي أنه لا يقدِّم وصفه التزام خلقي لكل علاقة, كما هو الحال عادة في المرحلة الرابعة. فمثلًا: في قصة الزوج والدواء يبدأ المستجيب بالحديث عمَّا يجب أن يتفق عليه من الناحية المثالية في أي مجتمع, فتوزيع الأدوية النادرة يجب أن ينظّم على أساس مبادئ العدل. وطالما أن هذا لم يكن المبدأ المتَّفق عليه في مجتمع الزوج, فإن الصيدلي تصرَّف في حدود حقوقه الأخلاقية, ولم يكن الزوج مضطرًا للسرقة؛ لأن هذا ليس جزءًا من العقد العادي بين الزوج وزوجته، ومع ذلك فإنه إذا فعل ذلك فإنَّ عمله هذا يفوق الواجب المفروض عليه كزوج. ومن الإجابات النمطية في هذه المرحلة ما

يؤيد سرقة الزوج للدواء مثل: "قبل أن نقول: إن سرقة الدواء خطأ، يجب أن نفكر في الموقف ككل. بطبيعة الحال، القوانين واضحة تمامًا فيما يتعلّق باقتحام الصيدلية، بل إنَّ الزوج يعرف أنه لا يوجد سند قانوني لفعله إذا سرق الدواء، ومع ذلك أعتقد أني أدرك لماذا يكون من المعقول ومن المنطقي لأي شخص في مثل هذا الموقف أن يسرق الدواء"، كذلك نجد في هذه المرحلة من يقف ضد السرقة، ومن الإجابات النمطية أيضًا: "أستطيع أن أدرك الشيء الطيب الذي سوف يحدث نتيجة سرقة الدواء, ولكن الغاية أو النتيجة لا تبرر الوسيلة، إذ يمكننا غالبًا أن نجد غايةً طيبة وراء أي عمل غير مشروع. لا يمكننا أن نقول: إن الزوج لو سرق الدواء سوف يكون مخطئًا تمامًا, ولكن حتَّى مثل هذه الظروف لا تجعل عمله سليمًا". وهكذا نجد أننا مع هذه الإجابات التي تعبّر عن هذه المرحلة تدخل عالمًا أخلاقيًّا أكثر تعقيدًا, فلا النوايا الطيبة وحدها ولا القانون وحده بكافٍ لتوجيه الفعل. يبدو أن المستجيبين يشعرون بأنَّ القانون يجب تغييره، ولكن طالما أنه لم يتغير بعد, فإنهم يجدون صعوبة في تأييد الزوج أو عدم تأييده، ويشعر الأفراد أن الحل السعيد بالنسبة لهم أن يتغيّر القانون وفقًا للإجراءات المحددة اجتماعيًّا إذا وجد وقت لذلك. مرحلة "6" التمسك بمبدأ أخلاقي عام: لقد أدى عدم اقتناع كولبرج بالإجابات الشائعة في المرحلة الخامسة, وبالتفكير الخلقي القائم على أساس التعاقد الاجتماعي، أدَّى به ذلك إلى صياغة المرحلة السادسة, ويرى كولبرج أن الصواب والخطأ في هذه المرحلة يتحدَّد وفقًا لما يقرره الضمير بما يتفق مع المبادئ الأخلاقية التي اختارها الشخص ذاته, والتي تتصف بالعمومية المنطقية والشمول والاتساق. المبادئ الأخلاقية تتصف بالتجريد وليست قواعد محددة مثل الوصايا العشر. إنها في جوهرها مبادئ عامَّة للمساواة في حقوق الإنسان واحترام كرامة الأفراد كأفراد. ويورد لولبرج مثالًا لإجابات فرد في المرحلة السادسة. مثل: "إذا لم يكن الزوج يشعر بقرب شديد أو حب نحو زوجته، فهل كان سيسرق الدواء؟ نعم, فإن قيمة حياتها مستقلة عن أية نواحي شخصية. إن قيمة الحياة الإنسانية مبنية على حقيقة أنها تمثل المصدر الوحيد

الممكن للواجب الأخلاقي للكائن العاقل. افترض أن المريض كان صديقًا أو أحد المعارف؟ فهل كان سيتصرَّف بنفس الطريقة؟ نعم, فقيمة الحياة تظل هي هي". هنا نلاحظ أن المستجيب لا يربط بين فعل السرقة وبين الاتفاق المسبَّق بين الزوج وبين الشخص الآخر المتضمن في العلاقة, ولكنه بالأحرى يراها واجبًا خلقيًّا حتميًّا. إن أي كائن عاقل يجب أن يؤديها كواجب عليه, فالمبادئ الخلقية التي تستند إليها المراحل السادسة من مراحل نمو التفكير الخلقي تعلو على فكرة التعاقد الاجتماعي. إنها المبادئ العامة للعدالة والمساواة في حقوق الإنسان وفي احترام كرامة البشر كأشخاص. إن التفكير الخلقي على مستوى المبادئ أكثر كفاءة؛ لأنه يأخذ في اعتباره وجهات نظر أكثر, ويطبق بصورة أكثر ثباتًا واتساقًا الاتجاه القائم على المبادئ, ينظر إلى الصراع الخلقي من منظور أي كائن بشري, لا من منظور أعضاء مجتمع الفرد فقط، ولزيادة توضح هذه المرحلة نورد إجابتين نمطيتين، إحداهما: تؤيد سرقة الدواء, والأخرى: ترفضه. الأولى: "حينما يحتم موقفٌ ما الاختيار بين مخالفة القانون وإنقاذ حياة إنسان، فإن المبدأ العام للحفاظ على الحياة يجعل من الصواب أخلاقيًّا سرقة الدواء". والثانية: "هناك حالات كثيرة من السرطان اليوم يمكن علاجها بأيّ دواء جديد, ويمكن أن يكون الأسلوب الصحيح للفعل هو أن تفعل ما يتفق مع كل الناس الذين يهمهم الأمر". يجب أن يتصرَّف الزوج لا وفقًا لمشاعره الخاصة نحو زوجته, ولا وفقًا لما هو قانوني أو مشروع في هذه القضية، وإنما وفقًا لما يتصور أنه ينبغي أن يفعله أيّ فرد من الناحية المثالية في هذه الحالة. هكذا نجد أن الإجابتين لهما عدة خصائص مشتركة, تجعل من السهل تحديد خصائص المرحلة السادسة, وأي من الإجابتين لا تتردد في القول بأن القانون يمكن أن يخالف إذا كان المبدأ الأعلى في خطر. كلتاهما ترى أن الزوج يجب أن يستبعد "علاقته الخاصة" بزوجته عند اتخاذ قرار في هذا الموقف. إن نوع النوايا التي تؤخذ في الاعتبار هنا ليس حب فرد لزوجته، أو فعل ما يرى الناس أنه واجب الزوج نحو زوجته. إنما هو محاولة لحل المشكلة على أساس مبدأ عام يكون أساسًا لتصرُّف كل فرد. وهما يكن فإن الإجابة المؤيدة للسرقة أسهل حقيقة في هذه المرحلة, فمن المعترف به دائمًا أن الحياة أكثر قيمة من المال أو الثروة.

وهكذا، بوصول الفرد إلى المرحلة السادسة يكتمل نمو تفكيره الخلقي، ومن الواضح أن المرحلة السادسة وهي التي يضعها كولبرج كقيمة للنمو الخلقي هي أصعب المراحل تحديدًا, وهذا ليس بغريب؛ حيث إن علم الأخلاق كان ولا زال مهتمًّا بما يميز المرحلة السادسة، وهو المبدأ الأخلاقي الأعلى, ولا زالت المشكلة دون حلٍّ يرضي الفلاسفة. فمما لا شكَّ فيه أن المستوى الثالث الذي يتضمَّن المرحلتين الخامسة والسادسة هو المستوى الوحيد الذي يهتمّ به الفلاسفة, فكثيرون يرون أنَّ علم الأخلاق يبدأ حيث تنتهي المنفعة الشخصية والتقاليد الاجتماعية، والمرحلتان الخامسة والسادسة لهما خصائص لا تنطبق على المرحلة الأدنى منهما, ولكن إذا نظرنا إلى الأمر من منظور سيكولوجي لا فلسفي، فمن الواضح أن أسئلة مثل: ما هو الصواب؟، ما هو الخير؟ لها تاريخ طويل في نمو الفرد, وقيل أن يفهم أن لها طابعًا أخلاقيًّا مميزًا فإنه قد يستوعب هذه الأسئلة في صورة أخرى مثل: ما الذي يجعلني بعيدًا عن المتاعب؟ أو ماذا أريد؟ أو ما الذي يجعل الناس راضين عني؟ وبمعنًى ما: فإن تصور كولبرج يعتبر سيمانتيًّا نمائيًّا، بمعنى أنه يتتبع تطور معاني ألفاظ وأسئلة معينة يبدأ الناس يستخدمونها في سن مبكرة جدًّا, ولكنها تدخل الفلسفة بمعنى ناضج ودقيق لا يفهمه الكثيرون. وبطبيعة الحال لم يفترض كولبرج أن كل فرد في نموه الخلقي ليصل إلى المرحلة السادسة, فهناك حالات فشل أخلاقي؛ حيث يتوقف فيها النمو عند مرحلة سابقة, أو حتى عند مستوى أدنى من المرحلة الثالثة.

النظرية من حيث الثبات والعمومية: يعتقد كولبرج "1969، 1976" أن هذا التتابع المرحلي لا يتغير, وتمثل كل مرحلة طريقة مختلفة نوعيًّا في تقييم العالم الاجتماعي الذي ينمو فيه الطفل، وعندما يبلغ الطفل مرحلة جديدة، تترك المرحلة السابقة مكانها. إنَّ كل صفات فكرة المراحل النمائية التي ناقشناها تنطبق على نظرية كولبرج, ومن المهم أن نتذكر دائمًا أنه بالنسبة لكولبرج، فإن الانتقالات من مرحلة أخلاقية إلى المرحلة التالية هي نتيجة للنمو المعرفي في بيئة توفّر المعلومات التي تعمل بها العمليات المعرفية. وهكذا فإن كولبرج يعتقد أن مراحله الأخلاقية تعكس المكونات الأساسية للنمو الأخلاقي. وقد اقترح كولبرج "1969" أن هذه المراحل عامَّة, ويجب أن تكون واحدة في كل الثقافات بسبب أساسها المعرفي. وذكر كولبرج "1969" المعلومات التي جمعها من أطفال ومراهقين في الولايات المتحدة وتايوان والمكسيك وبريطانيا وتركيا، وبالنسبة للأطفال من سن 10 سنوات في كل بلد، نجد أنَّ ترتيب المراحل هو نفس الترتيب الذي ينمون به, أي: إن الأحكام تقوم على المرحلة الأولى في أغلب الأحوال، وفي المرحلة الثانية بالدرجة التي تليها ... وهكذا. وفي الولايات المتحدة نجد أن الاتجاه أكثر نحو الأحكام التي تستند إلى المراحل 5، 4، 3, والمرحلة السادسة لا توجد إلّا نادرًا. والفروق بين الثقافات قد ترجع إلى عاملين: الأول: إن الأفراد قد يمرون خلال المرحلة بمعدلات مختلفة، وقد يكون هذا صحيحًا في الثقافة الواحدة. الثاني: إن المتطلبات المفروضة على الأفراد الذين يعيشون في ثقافات مختلفة قد يجعلهم يمرون خلال المراحل بمعدلات مختلفة, وربما لا يصلون إلى المستويات الأعلى. ورغم أن الجانب التكويني للمراحل قد يكون عالميًّا، فإن المحتوى "السلوك" قد يعكس تعاليم ثقافية محدَّدة "rest, 1976". إن الادَّعاء بأنَّ هذه المراحل الست عالمية من الناحية الثقافية قد لقي انتقادات عديدة، أولها: إن المعطيات مستقاة عن عدد صغير "12" من الثقافات, أمَّا

إذا كانت هذه المعطيات جمعت من ثقاقات أكثر عددًا "غربية وشرقية", فإنها قد تعزز ادعاء كولبرج. ومن جهة أخرى قد يكون الإطار التصوري لكولبرج ووسائل القياس أو الإجراءات المتبعة لتسجيل الدرجات والتصنيف غير ملائمة كمؤشرات للنمو الأخلاقي في ثقافات ذات متطلبات شديدة التباين للتفكير، واتخاذ الدور، وحل المشاكل. وبعبارة أخرى: فإن تفسير النمو الأخلاقي في الثقافات الأخرى قد يتطلَّب مفاهيم نظرية مختلفة, ووسائل قياس وإجراءات تسجيل أخرى, واحتمال أن يكون ذلك هو واقع الأمر، وهو الاقتراح الذي توحي به فكرة أن الأخلاقيات محددة ثقافيًّا. وكما يذكر كولبرج "1969" فإن نمو الأخلاقيات هو دالة على التفاعل المتبادل بين الفرد والبيئة "الثقافية". وقد انتقد بعض علماء النفس مثل جريق وكورتين Greif, kurtine 1974 نظرية كولبرج وأبحاثه نقدًا شديدًا بسبب مسائل تتعلّق بصدق وثبات وطرق تسجيل الدرجات, هو إلى حدٍّ ما ذاتي, ويؤدي إلى ارتباط بين الاختبار وإعادة الاختبار "ر = 0.44" ويجري ابتكار وسائل تسجيل جديدة كوسائل تقييم جديدة, وقد يؤدي هذا إلى حل المشاكل المثارة حول مبادئ كولبرج. بحث على نظرية كولبرج: بحث توريل: أجرى توريل Turiel "1966" بحثًا حول ادعاء كولبرج بأنَّ المراحل غير متغيرة، وأنَّ المراحل الأعلى تمثل إعادة تنظيمات للمراحل السابقة, وكانت التجربة ماهرة ومتقنة التصميم, وقد كان المفحوصون 44 صبيًّا من الطبقة المتوسطة, تترواح أعمارهم بين 12-13.6 سنة. ولتقييم المرحلة السائدة للنمو الأخلاقي لكل طفل، طلب منه أن يستجيب لستة أنواع من قصص كولبرج. كانت المرحلة السائدة هي التي استخدمت مرتين على الأقل, بقدر استخدام المراحل التالية الأكثر استخدمًا. وقد استبعد التحليل الأطفال الذين لم تكن لهم مرحلة سائدة، وقد وزّع المفحوصين على المراحل 4، 3، 4 ثم وضع المفحوصين من كل مرحلة إمَّا في مجموعة ضابطة, أو في مجموعة من ثلاث مجموعات تجريبية. وبعد أسبوعين من الاختبار المبدئي عرض أطفال المجموعات التجريبية لموقف يتطلّب تفكيرًا

أخلاقيًّا, ثم قرأ أحد المختبرين ثلاثة أنواع من قصص كولبرج, وطلب من كل طفل أن يؤدي دور الشخصية الرئيسية في القصة، وأن يطلب المشورة من المختبر, وأشار مرة "مع" ومرة "ضد" بشأن المشكلة في كل قصة. وكان التفكير خلف المشورة, سواء "مع" أو "ضد" كان في مرحلة أو من مراحله السائدة لدى الطفل, وذلك بين ثلث عدد المفحوصن "المجموعة التجريبية الأولى"، وبالنسبة للثلث الثاني من المفحوصين كان التفكير أعلى بمرحلة عن مرحلتهم السائدة "المجموعة التجريبية الثاني"، وبالنسبة للثلث الباقي كان ذلك بمرحلتين أعلى من مرحلتهم المسيطرة "المجموعة التجريبية الثالثة"، وكان مقياس الاختبار البعدي هو استجابة الطفل عن القصص التسع. وقد أجرى الاختبار البعدي بعد التعامل مع المفحوصين في المجموعات التجريبية بمقدار أسبوع، وبعد ثلاثة أسابيع بالنسبة للمفحوصين في المجموعة الضابطة. ومن افتراضات توريل أنَّ الفرد يستطيع أن يمثِّل مفاهيم مرحلة أعلى مستوى من التفكير العادي بطريقة أكثر سهولة من مفاهيم مرحلتين أعلى. وكان منطق هذا الافتراض هو أنَّ القدرة على التفكير الموجودة يحدِّد درجة تقبُّل ونسبة التفكير في مرحلة أعلى من المرحلة الموجودة للطفل, وقد أيَّد هذا الافتراض بالنسبة للثلاث قصص التي استخدمت في التدريب "تسجيل درجات الاختبار البعدي مباشرة"، وكانت القصص الست في الاختبار القبلي "تسجيل الدرجات في الاختبار البعدي غير المباشر"، وقد أظهر المفحوصون في المجموعة التجريبية الأولى تغييرًا أكبر من المفحوصين في المجموعتين الأخريتين. وتدل هذه النتائج على أن مراحل كولبرج تمثل فعلًا تتابعًا لمراحل معرفية متعددة ومتزايدة مع عدم احتمال المراحل. وكان افتراض توريل هو: أن كلًّا من المراحل التالية يمثّل إعادة تنظيم للمراحل السابقة, وليس مجرَّد إضافة لها. ومن آثار هذا الافتراض هو أنَّ الأطفال يميزون التفكير في مرحلة أدنى من مستواهم الجاري. ولذلك فقد تنبَّأ تويل بأن المفحوصين في "المجموعة الأولى" ينتقلون في الاتجاه + 1 أكثر من انتقال المفحوصين في المعالة -1 في الاتجاه -1. وكانت النتائج مناقضة تمامًا للتنبؤات. ذلك لأن كلًّا من تسجيلات الدرجات المباشرة والغير مباشرة انتقلت

المجموعة -1 أكثر بقليل في الاتجاه -1 من المجموعة +1 في الاتجاه +1، وغير أن كلا المجموعتين لم ينتقلا أكثر نحو الاتجاه -1 من نحو +1. وفي تجربة أخرى، فحص توريل وروثمان Turiel & Rothman "1972" العلاقة بين مستوى التفكير الأخلاقي والسلوك لدى صبية من سن 13 سنة. وبعد أسبوعين من تحديد كل مستوى في التفكير الأخلاقي لكل صبي باستجابته لست قصص من نوع قصص كولبرج، اشترك كل صبي كمعلم مع اثنين من الراشدين في واجب تعليمي. كان الواجب يتطلَّب قراءة قائمة بكلمات لراشد ثالث كان عليه عندئذ أن يتهجاها, وفي كل مرة كان فيها الراشد يخطئ في الهجاء, وكان يؤخذ فيشات تمثّل نقودًا. وكان التهجي الذي يعتبر متضامنًا مع القائم بالتجربة يؤدي عددًا مقصودًا "متعمدًا مسبقًا" من الأخطاء الهجائية. كان أحد الاثنين الراشدين هو المعلم الأول, وبعد تقديم ست كلمات، قال هذا الراشد: إن التجربة يجب أن تتوقف، وقدَّم حجة كانت هي أنها إمَّا مرحلة أعلى "+1" أو مرحلة أدنى "-1" من التفكير الأخلاقي للصبية, وقدم الراشد الثاني حجة مضادة، إنها إمَّا مرحلة أدنى أو مرحلة أعلى من مستوى التفكير الأخلاقي للصبي، ثم انصرف الراشدون بغرض حلّ الصراع بينهما, وأعطي للصبي الاختيار في أخذ دوره في المشاركة من عدمه, ثم جرى تقديم الأسباب وراء اختيار الصبي. وبعد أسبوع أجري الاختبار البعدي لإعادة تحديد مستوى الصبي في التفكير الأخلاقي. وقد استمرَّ الصبية الذين كان مستوى تفكيرهم الأخلاقي في المرحلة 2 أو 3 في الاختبار رغم الحجج التي قدمت. أمَّا الصبية في المرحلة "4" فقد سلكوا سلوكًا متماشيًا مع الحجة +1، أي: إنه إذا كانت الحجة المقدمة تدعوا لإيقاف التجربة في مرحلة أعلى من مستوى الطفل الجاري, فإن طفل المرحلة 4 يتوقف، وإذا كان الحجة +1 هي الاستمرار في التجربة فإن الصبي يستمر. وكانت الاختبارات السلوكية لصبية المرحلة4 متكاملة مع فهمهم للتفكير الأخلاقي. ولم يكن الأمر كذلك بالنسبة لصبية المرحلة 2 أو 3, غير أنَّ تسجيلات الدرجات في الاختبار البعدي لم يكشف عن تغييرات مستديمة في التفكير الأخلاقي كنتيجة للموقف التجريبي.

وقد كررت هذه النتائج التي تربط بين مراحل النمو بالاختيار السلوكي في دراسة روثمان Rothman "1976" مع صبية من الصفوف 7-9، كان الصبية الذين يغلب تفكيرهم الأخلاقي على المرحلة 4، أكثر قدرة على تكامل وتنسيق التفكير الأخلاقي والسلوك الأخلاقي من الصبية في المراحل الأدنى. استنتاجات من بحث توريل: تعتبر هذه التجارب هامَّة لأسباب عديدة: أولًا: إنها من التجارب القليلة لبحث العلاقة بين مستوى التفكير الأخلاقي والسلوك, وتدل النتائج على وجود علاقة بين التفكير الأخلاقي والسلوك بالنسبة لصبية المرحلة الرابعة، وتقترح أنّ هذين المجالين يمكن تطابقهما قبل أن يبلغ الطفل المرحلة الرابعة من التفكير الأخلاقي. والنتيجة الهامَّة الثانية للتجربة: هي فشلها في إيجاد تغيرات دائمة في مستوى التفكير الأخلاقي, ولهذا الاعتبار أهمية خاصَّة بالنسبة للمفحوصين في المرحلة الرابعة، الذين تأثَّر سلوكهم بالموقف التجريبي. وهذا يقترح أنَّ البحث في معالجة التعلُّم الاجتماعي مثل أبحاث بندورا وماكدونالد "1963" قد لا توضح التغير في مستوى الطفل في التفكير الأخلاقي، ولكن المعالجات التجريبية التي استخدمت في هذه الدراسات قد تعتبر فقط تغير الاختيارات السلوكية, وليس الإجراءات المعرفية التي افترض كولبرج أنها تكمن خلف التفكير الأخلاقي. وتقترح النتائج التي حصلنا عليها من معالجة التعلُّم الاجتماعي، ونتائج توريل وروثمان أنَّ الإجراءات النموذجية المستخدمة في أبحاث أصحاب التعلُّم الاجتماعي تمثّل طريقة أكثر فاعلية لتغيير الاختيارات السلوكية من الإجراءات التي استخدمها توريل وروثمان، وعلى الأقل بالنسبة لصبية المرحلتين 2، 3، ولا توجد حاليًا طريقة لتحديد أي إجراء هو الأفضل، بالنسبة للمفحوصين في المرحلة 4، وهذا الرأي يطابق نظرية كولبرج فيما يختص بالعمليات المتعلقة بالتقدم خلال مراحل النمو الأخلاقي.

بحث في اتخاذ الدور: ذكر كولبرج "1969، 1976" أن التقدُّم خلال المراحل يمكن تسهليه بإيجاد الفرص لاتخاذ دور، أي: إن النمو الأخلاقي يمكن تنشيطه من خلال التفاعل الاجتماعي الذي يسمح لطفل بلعب أدوار مختلفة, وأن يتعلَّم كيف يتخذ وجهة نظر غيره، مثال ذلك: إن طفلًا صغيرًا لا يتوقع منه أن يقدم استجابة أخلاقية متقدمة لأي من قصص كولبرج؛ حيث إن الطفل تعوزه القدرة على اتخاذ دور الشخصية الرئيسية, وليس لديه مفهوم عن موقف تلك الشخصية. إنَّ الفرص المتاحة للعب الدور تنشِّط فهم وجهات نظر الآخرين, وتقلل من التمركز حول الذات, ونتيجة لذلك تؤدي إلى تقدّم التفكير الأخلاقي. إنَّ مثل هذه الفرص قد تكون السبب في وجود فروق ثقافية في معدل التقدُّم عبر هذه المراحل, وفي المستوى المسيطر للحكم الخلقي في تلك الثقافة "Rest, 1979". مثال ذلك: إن الثقافات المعقَّدة قد تقدّم فرصًا أكثر للطفل لاتخاذ أدوار أخرى عنها في ثقافات أقل تعقيدًا, وقد تظهر المجتمعات الأكثر بداءة معدلات أقل بطأً في النمو الأخلاقي, والاستخدام الأكثر شيوعًا لمرحلة أدنى من التفكير الأخلاقي عنه في المجتمعات الأكثر تقدمًا من الناحية التكنولوجية لهذا السبب. ويجب أيضًا أن يكون صحيحًا أن الأطفال الذين يشاركون في نوعية أعلى أو عدد أكبر من الأنشطة الاجتماعية في مجموعات, يجب أن يظهروا تفكيرًا أخلاقيًّا أكثر تقدمًا من أقرانهم الأقل نشاطًا من الناحية الاجتماعية. إن دور المشاركة الاجتماعية في النمو الأخلاقي جرى اختباره في تجربة قام بها كيسي keasey "1971" مع 75 صبيًّا، 69 بنتًا من أسر أكثرها من الطبقة المتوسطة, كان مستواهم في النمو الأخلاقي الذي حددته استجاباتهم الأخلاقية للأحكام الأخلاقية في لقاءات كولبرج, قد امتدت من المرحلة الأولى إلى المرحلة الرابعة, وبعد نحو شهرين تَمَّ الحصول على مقاييس المشاركة الاجتماعية لكل طفل. وكانت هذه المقاييس مقاييس كمية "مثال ذلك: عدد الأندية أو المنظمات الاجتماعية التي كان ينتمي إليها الطفل في أثناء العاملين السابقين", ومقاييس نوعية

"مثال ذلك: عدد المراكز القيادية التي شغلها الطفل في وقت الاختبار, وهو الخاص بالمشاركة الاجتماعية للطفل". وكان إجمالي مقاييس المشاركة الاجتماعية منها "2" يتعلقان بالكم، "6" بالكيف، تستند إلى التقدير الذاتي للطفل, أو من القرين أو من المعلّم، وهذه المقاييس الثمانية تكون وصفًا متراكمًا للتفاعل الاجتماعي للطفل. ثم كيسي keasy بمقارنة المعدلات الاجتماعية بالمؤشرات الخاصة بالنمو الأخلاقي, وبالنسبة لمصادر المعطيات الثلاثة "التقرير الذاتي، تقدير الأقران، تقدير المعلم". وبالنسبة لكلٍّ من الصبان والبنات كانت المستويات العليا في النمو الأخلاقي ترتبط بالمعدَّل الأعلى من المشاركة في الأندية والمنظمات الاجتماعية ومزاولة القيادة. إن المشاركة في عدد كبير نسبيًّا من الأدوار الاجتماعية "كم", وكذلك الاضطلاع بمسئوليات قيادية "كيف", ترتبط بالحصول على مستوى أعلى من التفكير الأخلاقي. والأساس السببي لهذه العلاقة غير واضح، المستوى للتفكير الأخلاقي قد يجعل الطفل يتفاعل اجتماعيًّا بدرجة أكبر أو العكس. بحث في العلاقة بين المراحل المعرفية والأخلاقية: لا ترتبط مراحل بياجيه الأخلاقة بالمراحل المعرفية ولا بالسلوك، ولكن نظرية كولبرج ترتبط بهما. وهناك تجربة أجراها توملسون وكيسي، وكيسي Tomlison, keasey & keasey "1974" فحصت العلاقة بين التفكير المعرفي والتفكير الأخلاقي لدى بنات من الصف السادس والبنات في المستوى الجامعي. وقد وجد الباحثون علاقة قوية بين مراحل النمو المعرفي ومراحل النمو الأخلاقي, وهي تعزز فكرة أنَّ المعرفة هي الأساس في التفكير الأخلاقي. والحدول يوضح العلاقات بين مراحل النمو الأخلاقي عند كولبرج, ومراحل النمو المعرفي عند بياجيه. وعلاوة على ذلك، فإن مراحل النمو الأخلاقي عند كولبرج ظهر أنها ترتبط بالاستعدادات السلوكية، وعلى الأقل في المواقف التجريبية.

ومع أن الدلائل قليلة, ووسائل القياس ليست بالدقة الواجبة، فإنه يبدو أن كلًّا من بياجيه وكولبرج قدَّمَا أدلة تجريبية كافية تبرر استنتاج أنَّ النمو الأخلاقي للأطفال له أساس معرفي, وربما كانت أكثر الفروض وضوحًا عن العلاقة الوثيقة بين النمو المعرفي والأخلاقي هي التي قدمها Lee "1971" في دراسة كان عدد المفحوصين 195 صبيًّا من الطبقة الوسطى، 15 منهم من كل روضة أطفال حتى الصف 12. قام Lee أولًا بتحديد مرحلة النمو المعرفي لبياجيه باستخدام مجموعة من المهام الحسية، مثلًا: بقاء الكتلة أو بقاء الوسائل، ثم استخدم Lee قصص كولبرج التسعة التي تتعلق بالحكم الخلقي بعد أن عدّلها؛ بحيث يستطيع الأطفال الأصغر سنَّا أن يفهموها. وقد سجلت الأطفال لكل قصة على أساس طريقة مشابهة لطريقة كولبرج لتحديد مستوى التفكير الأخلاقي للطفل. وقد أظهرت النتائج أن المستوى المعرفي بصرف النظر عن السنّ، يرتبط ارتباطًا وثيقًا بمستوى التفكير الأخلاقي، مثلًا: أمكن عن طريق التفكير الملموس التنبؤ بزيادة في المرحلة "4" التفكير الأخلاق "المجتمعي". إن تفكير الطفل حول الأخلاقيات، في نظر كلٍّ من بياجيه وكولبرج، يعكس عمليات معرفية, ولكنهما يختلفان من حيث إن المرحلة الأولى عند كولبرج تشبه مرحلة بياجيه هي من تفاعل من جانب واحد heteronomus، وأن المرحلة الثانية عند كولبرج تشبه مرحلة الاستقلال الذاتي autonomous عند بياجيه. وقد ذكر هوفمان Hoffman "1970" أن كولبرج يعتقد أن بياجيه قد بالغ في التأكيد على احترام الأطفال الأصغر للسلطة, كما جادل كولبرج في أن بياجيه يبالغ في المساواة التي يعزوها للأطفال في مرحلة الاستقلال الذاتي، ونستطيع أن نوضِّح هذه الموضوعات إذا افترضنا أنَّ مستويات كولبرج للتفكير الأخلاقي تتضمَّن فكرة بياجيه وتضيف إليها. إن تخطيط كولبرج قد ينتج مستويات أكثر دقة في النمو؛ لأنه يأخذ في الاعتبار مجالًا للسلوك أكثر اتساعًا.

خلاصة

خلاصة: إن المبادئ الفلسفية القديمة عن الخطيئة الأولى، والنقاء الكامن, والتقييم السطحي, يجري تمثيلها اليومي في مدارس نظرية التحليل النفسي, ونظرية بياجيه المعرفية ونظرية التعلّم، على التوالي. إن الأبحاث التي تستند إلى التحليل النفسي عن العلاقة بين وسائل تربية الطفل والسلوك الأخلاقي تبيّن أنه بالنسبة لأطفال الطبقة المتوسطة, فإن استخدام الأم لتأكيد القوة وسحب الحب ترتبط بنمو أخلاقي ضعيف، في حين أن حنوّ الأم واستخدامها للتعاطف يرتبطان بنموّ أخلاقي متقدم, وبالنسبة لأطفال الطبقة الدنيا لم توجد سوى علاقات ذات دلالة بين النمو الأخلاقي للأطفال ووسائل الوالدين في السيطرة التنظيمية. وتؤكد دراسات التعلُّم الاجتماعي والسلوك الأخلاقي على أهمية النماذج، وخاصة الوالدين، والتعزيز على تعلّم الطفل للسلوك الأخلاقي. وتدل الأبحاث التي تقوم على هذه الاتجاهات على أن الأطفال الذين يلاحظون نموذجًا يلقي مكافأة

ينحرفون "يتحولون" أكثر من الأطفال الذين يلاحظون نموذجًا يلقي عقابًا، مع تشابه ملحوظ للنموذج له, ودلالة كبيرة على تقليد الطفل "المحاكاة". إن المعالجة النمائية المعرفية للنمو الأخلاقي تركّز على عمليات التفكير التي تكمن وراء الحكم الخلقي وحالات تحديد تتابع مراحل التفكير الأخلاقي. وقد طوّر بياجيه نظرية المراحل في الأخلاقيات على أساس دراسات لفهم الأطفال لقواعد الألعاب, وردود فعلهم نحو الأفعال الخاطئة التي قاموا بها. ويبدو أنهم يبتعدون عن أخلاقية الحظر التي ينظرون فيها إلى القواعد باعتبارها ثابتة، إلى أخلاقيات التعاون أو التبادلية التي ينظرون فيها إلى القواعد باعتبار أنها قابلة للتنفيذ طبقًا للظروف, وينظر إلى النمو الأخلاقي على أنه ينتج أساسًا عن تفاعلات مع الأقران, وهؤلاء يقدمون الفرصة لمزيد من الأخذ والعطاء أكثر مما هو في حالة الجانب الواحد مع الوالدين, وبينما يبدو أنَّ دراسات تأثير النماذج على التقدير الأخلاقي للأطفال تدلّ على أن النمذجة يمكن أن تولد تعبيرات دائمة في التفكير الأخلاقي، وتدل مختلف العيون في هذه الدراسات بالتعلُّم الاجتماعي على أنها غير قاطعة كأدلة نفي للتتابع المرحلي في نظرية بياجيه فيما يختص بالنمو الأخلاقي. إن طريقة عرض نظرية بياجيه -سواء شفويًّا أو بالأقلام- تؤثر أيضًا على أحكام الأطفال، وتدل الدراسات عن أخذ الدور على أن فهم العلاقات بين الأشخاص، وخاصة القدرة على قبول منظور الآخرين، يعتبر ضروريًّا للنمو الأخلاقي. وقد استخلصت مراحل كولبرج الست عن التفكير المعرفي من دراسات التفكير حول قصص تعرض مشاكل أخلاقية, وما تزال الأبحاث حتى الآن غير قاطعة حول المتغيرات الثقافية وعالمية هذه المراحل، ولكنها تقترح أن المراحل الاجتماعية تسهّل التقدم عبر المراحل, وقد تفسر الفروق في النمو الأخلاقي في مختلف الثقافات وفيما بينها. وهناك أيضا بعض الأدلة على أن نمو التفكير الأخلاقي له أساس من المعرفة.

تحليل ناقد لنظريات النمو

تحليل ناقد لنظريات النمو مدخل ... تحليل ناقد لنظريات النمو: مقدمة: إذا نظرنا إلى النظريات المفسّرة للنمو التي عرضناها، والتي صنَّفناها طبقًا لمظاهر النمو: - فإننا قد تناولنا ظاهرة النمو العضوي النفسي من زاوية النضج في إطار نظرية جيزل، والنمو الجسمي والتعلّم الاجتماعي في إطار نظرية سيرز، والنمو الجنسي النفسي في ضوء نظرية فرويد. - وفي إطار دراسة النمو النفسي الاجتماعي: فقد تناولنا نظريتي إريكسون ومارشيا. - وفي إطار دراسة النمو المعرفي: فقد تناولنا توجهات: فارنر، وبرونر، وبياجيه. - وفي إطار دراسة النمو اللغوي: تناولنا التوجهات السلوكية في ضوء نظرية التعلُّم والتشريط، والتوجه الفطري العقلي الذي تمثله نظرية تشومسكي، والتوجّه المعرفي في نظرية بياجيه وفيجوتسكي. - وفي إطار النمو الخلقي: فقد تناولنا توجّهات التحليل النفسي، والتعلُّم الاجتماعي، والتوجه المعرفي في رأي بياجيه، وبك, وهافيجهرست، وكولبرج. ومن الواضح من خلال هذا العرض أن هناك أربعة مداخل فرضت نفسها على النظريات التي تناولت مظاهر النمو المختلفة, هي: المدخل العضوي البيولوجي النفسي, والمدخل الدينامي، والمدخل السلوكي، والمدخل المعرفي، وقد ظهر مدخل خامس يستند إلى دراسة اللغويات في نظرية تشومسكي، وكما هي العادة, فعلى الرغم مما قد يظهر بين هذه النظريات من خلافٍ, فإن إمكانات التكامل بينها أكبر بكثير من مظاهر التعارض، ذلك أن علماء النفس يستخدمون المداخل الأربعة في كل ظاهرة نمائية، فكل مدخل يتناول مجموعة محددة من الافتراضات والبيانات والمصطلحات التي تختلف عن تلك التي يتناولها المدخل الآخر، لذا: فقد درج الباحثون اليوم على اتخاذ ذلك الموقف المتكامل بالنسبة للمداخل المختلفة، وهو أنهم ينتقون المدخل المناسب لتطبيقه في تفسير المظاهر النمائية التي يصلح أكثر من غيره في تفسيرها، فإلى الحد الذي يجدون فيه مدخلًا ما مفيدًا في تفسير بعض الحقائق النمائية, فإنهم يستخدمون ذلك المدخل في التفسير ما دام لا يتعارض مع المنهج العلمي بشكل عام. "محمد عماد الدين إسماعيل: 1989". وفيما يلي نتناول النظريات التي عرضناها بنظرة نقدية فاحصة؛ لنتعرف على نواحي الاختلاف والاتفاق، وصولًا إلى إيجاد نظرية موحَّدة متكاملة لتفسر النمو الإنساني، وتوضيح مدى الاستفادة من هذه النظريات في التطبيق والممارسة التربوية.

أوجه الاختلاف بين النظريات

أوجه الاختلاف بين النظريات: 1- تركيب النظريات وإطارها المرجعي: إذا نظرنا إلى النظريات التي تَمَّ اختيارها في هذا الكتاب, والتي انتهينا من عرضها, نجد أن واضعي هذه النظريات ينتمون إلى توجيهات متباينة: دينامية، وسلوكية، ومعرفية، باستثناء نظرية تشومسكي في النمو اللغوي, فإنها تنتمي إلى مجال اللغويات؛ حيث كان صاحبها أحد العلماء اللغويين. وإذا كانت الخمسينات من ق20 قد شهدت التشيع للتحليل النفسي والمنهج الدينامي في دراسة التشخصية ونموها، فإن هذا المنهج قد بدأ يفقد عرشه في الستينيات لتتربَّع عليه النظرية السلوكية. ومحل جاذبية هذه النظرية "السلوكية" أنها محمَّلة بالمصطلحات العلمية، وتدَّعي أنها مبنية على نظرية التعلُّم وعلى التجارب المعملية "ولو أنَّ طرق التعلم عبارة عن استنتاجات من تجارب أجريت على الحيوانات"، كما أنَّ أنصار السلوكية كانوا مسرفين ومبالغين في التشيع لآرائهم المتعلقة بالنمو وتشكيل السلوك, حتى أن "واطسون" قد نادى في مقولة له: "أعطوني اثني عشر طفلًا سويًّا وأنا أتولى تربيتهم وأخلق منهم أيّ شخصية تشاء: طبيبًا أو مهندسًا أو متسولًا أو لصًّا إن شئت بصرف النظر عن جنس آبائه وأجداده. ومثل ذلك نادى به "سكنر" حيث قال: "أعطى الخصائص أو المواصفات المطلوبة وسوف أعطيك الإنسان", وفي بداية السبعينات بدأ موت علم النفس السلوكي في صورته

الكلاسيكية, وإعادة ولادة علم النفس المعرفي الذي كان في هذه الحقبة يلفُّه ظلام كثيف، ولكن الأعمال المكثَّفة التي أجراها جان بياجيه وزملاؤه، وجيروم برونر, أعاد ولادة علم النفس المعرفي كأحد التطورات الهامة، وانتشر التأكيد على المعرفة في مجالات متنوعة من مظاهر السلوك الإنساني؛ كالنمو اللغوي، والنمو الأخلاقي، والسلوك الاجتماعي، حتى الدوافع أصبحت ذات توجّه معرفي، والتغذية الرجعية أصبحت تنطوي على عوامل معرفية. ومن هنا بدأت السلوكية تندمج في الإطار المعرفي فيما يُعْرَفُ بالاتجاه المعرفي السلوكي. "بتروسون: 1990". حتى الاتجاه الدينامي أصبح يفقد كثيرًا من طابعه التحليلي الكلاسيكي في ضوء تأثير العوامل الاجتماعية على فاعلية السلوك وبنية الشخصية، ومن ثَمَّ كانت نظرية إيرك إريكسون في النمو النفسي الاجتماعي بمثابة إعادة صياغة لنظرية التحليل النفسي في ضوء المتغيرات الحديثة، حتى إنه صرَّح بأنه: "فرويد لو كان حيًّا اليوم لأضاف لأعماله مستخدمًا المعارف والمتغيرات المعاصرة في إعادة تشكيل نظريته عن البيدو". فنجد أن إريكسون يلتزم بتحديات ومشاكل عصره، والظروف المتغيرة في عصر التغير السريع والحركات الاجتماعية ذات الطابع المتحول. "ماير: 1981، 21", وجاء جيمس مارشيا ليؤكّد المعنى السابق في تركيزه على خصائص النمو النفسي الاجتماعي, وتشكيل الهوية في مرحلة المراهقة. 2- المصطلحات: من الوهلة الأولى نجد أن المصطلحات التي استخدمها أصحاب النظريات المختلفة تزيد من توضيح الفروق والاختلافات الأساسية بينها. كما أنَّ الالتزام المتشدد لكل صاحب نظرية بلغته الفنية الخاصة يضع عراقيل شديدة أمام مَنْ يرغب في استخدام مصطلحات إحدى النظريات استعمالًا مباشرًا مع النظرية الأخرى: - فالمصطلحات الفريدة التي استخدمها نظرية التحليل النفسي لفرويد: كمسميات مراحل النمو: الفمية، الاستية، القضيبية، التناسلية، وسيادة مصطلحات خاصة: كالبيدو، والهو، والأنا، والأنا العليا، والأوديبية، والخصاء.. إلخ. مما لا يوجد

له مثيل في النظريات الأخرى, ويصعب استخدامه للتعبير عن مفاهيمها. - وفي نظرية بياجيه: احتلَّت مصطلحات: التكيف، والتمثل "الاستيعاب", والمواءمة، والأبنية العقلية، والمخططات العقلية، والمراحل الحس حركية بمراحلها من ردود الفعل الدورية، وما قبل العمليات، والتفكير الحدسي.. إلخ. - واستخدام سيرز مصطلحات يغلب عليها المفاهيم السلوكية ونظرية التعلُّم في الإطار الاجتماعي: كالأنظمة الدافعية الأولية والثانوية، والتعلُّم المتمركز في الأسرة وخارج نطاق الأسرة ... إلخ. - أما جيزل فقد استمدَّ مصطلحاته من أسس النضج في المجالات المختلفة المرتبطة بقوائم أو سلالم نمائية متدرجة. - ونجد أن برونر استخدام مصطلحات التوضيح النشط، والتوضيح التصويري والأيقوني، ... إلخ. - في حين أن كولبرج فقد استخدام مصطلحات اجتماعية في تناوله للنمو الأخلاقي. - أما النظريات الخاصة بالنمو اللغوي وخاصَّة نظرية تشومسكي فقد استخدمت مصطلحات الكفاءة، الأداء، العالميان اللغوية، البنية السطحية والعميقة.. إلخ. وهكذا: فإنَّ كل نظرية لها مصطلحاتها وافتراضاتها في تفسير النمو الإنساني تختلف عن مصطلحات غيرها من النظريات. 3- مراحل النمو: بعض النظريات خاصَّة النظريات السلوكية، والعقلية "خاصة نظرية فيجوتسكي"، ونظرية جيزل لم تحدد مراحل محددة متمايزة للنمو أو التغيُّر الذي يعتري سلوك الفرد، ذلك أنها لم تأخذ في الاعتبار الطفل ككل، كما لم تأخذ في الاعتبار كذلك ديناميات التفاعل بين الطفل والظروف البيئية, لقد جعلت هذه النظريات من الطفل كائنًا سلبيًّا يتقبَّل فقط ما يقع عليه من آثار، وتشكل البيئة سلوكه كما يشكل المثال قطعة الصلصال، كما نظرت إلى التغير في السلوك على أنه مجرد زيادة كمية, وليس عملية تنظيمية.

والواقع أن كلًّا من المدخلين الدينامي والمعرفي قد استكملا هذا العجز في نظريات التعلُّم السلوكية فاهتمَّت بالطفل باعتباره كائنًا ديناميًّا يتفاعل ككل مع الظروف البيئية، وأظهرت أن التغيُّر الذي يعتري سلوكه بناءً على ذلك إنما يتمّ على أساس مرحلي ذي نظام معين, تعتمد فيه كل مرحلة على ما قبلها, وتؤثر فيما بعدها. "محمد عماد الدين إسماعيل: 1989، 127". ورغم أن المدخلين الدينامي والمعرفي قد وضعا مراحل محددة للنمو, فإن النظريات المنبثقة عن كلا المدخلين لا تتفق فيما بينها حول هذه المراحل: ففي نظرية فرويد توجد خمس مراحل نمائية، وتفترض اكتمال نمو الشخصية فعليًّا عند المرحلة الخامسة، وتُعَدُّ المرحلة التناسلية التي تبدأ في المراهقة، ولا يصل إليها إلّا قلة من أفراد المجتمع, هي ذروة النمو. في حين شرح سيرز ثلاث مراحل نمائية آخرها التعلُّم المتركِّز خارج الأسرة, والتي تقابل العمر المدرسي. وعند برونر كانت مراحل النمو المعرفي ثلاث مراحل، وعند بياجيه كانت مراحل النمو الرئيسية أربعة مراحل آخرها مرحلة العمليات, أو الإجراءات الشكلية التي تبدأ في المراهقة. وفي نظرية كولبرج للنمو الخلقي تنقسم مراحل النمو إلى ثلاثة مستويات, ينبثق منها ست مراحل, آخرها مرحلة التمسك بمبدأ أخلاقي عام "وعلى الرغم من أن كولبرج لم يحدد سنوات لبداية ونهاية كل مرحلة, إلّا أنه من المعلوم أن هذه المرحلة تبدأ في المراهقة، ولا يصل إليها إلّا قلة من أفراد المجتمع". وكذلك فإنَّ بك وهافيجهرست قد وضعا أربع مراحل للنمو الخلقي تبدأ من المهد إلى المراهقة التي هي فترة الغيرية العقلانية، ولا نجد من بين نظريات النمو النفسي من امتدت تقسيماتها لمراحل النمو أبعد من ذلك, سوى نظرية إريكسون التي شرح فيه ثمانية مراحل نمائية متعاقبة, تمتد من المهد إلى الشيخوخة، وقصرت نظرية ماشيا تناولها للنمو على مرحلة المراهقة بصفة عامّة, والمراهقة المتأخرة بصفة خاصة. وعلى الرغم من أن بعض أفكار النظريات المختلفة حول مراحل النمو قد قبلت بشكل عام، إلّا أنه لا توجد مجموعة واحدة من المراحل ينظر إليها على أنها

صحيحة تمامًا، غير أنَّ أغلب النظريات قصرت مراحل النمو على الطفولة والمراهقة، والقليل منها ما تناولت الرشد والشيخوخة. وبذلك فإنَّ معظم النظريات النمائية قد أجمعت على أهمية السنوات المبكِّرة من عمر الطفل, خاصة مرحلتي المهد والطفولة المبكرة, وذلك بالنسبة لتكوين الشخصية, فإن مرحلتي الرشد والشيخوخة لم يهتمّ بهما سوى إريكسون, وبشيء من الاختصار, حتى أصبحت معلوماتنا عن هاتين المرحلتين يشوبها الكثير من القصور, رغم ما يحدث فيهما من تغيُّر في النواحي المعرفية والانفعالية والاجتماعية، ورغم ما تمثله من عطاء وإنتاج توجب الاهتمام بها؛ حيث يمثل أربابها الحكمة والتوجيه والخبرة التي يسير الصغار في ضوئها، أضف إلى ذلك أنَّ أفراد هاتين المرحلتين يمثلون نسبة كبيرة من سكان العالم. إننا في حاجة إلى دراسة كيف ينتهي النمو الإنساني مثلما نهتم بدراسة كيف يبدأ هذا النمو. "محمد السيد عبد الرحمن: 1998". 4- تأثير الخبرات السابقة على النمو: فيما يختص بتأثير الخبرة السابقة على خبرات الفرد الحالية أو اللاحقة, يفترض فرويد تأثير السنوات الخمس الأولى على تشكيل الشخصية الإنسانية في سوائها واضطراباتها. ويفترض "إريكسون" خيطًا متصلًا من أحداث الحياة يبدأ مع بداية تاريخ حياة كل فرد, ويقنع "بياجيه" بأنَّ خبرات الحياة المبكرة تكون الأنماط الأساسية في مواجهة أحداث الحياة اللاحقة. ويرى "سيرز" أن الخبرات المبكرة المؤدية إلى الإشباع الذاتي تضر بالخبرات اللاحقة, إلى أن يؤدي تجمعها إلى البدء في إيجاد تأثير توجيهي على الفرد. ومن ناحية أخرى, فإن كولبرج قد رأى أن الطفل يعايش صراعًا وتناقضًا يترتَّب عليه اختلال في التوازن فيما لديه من تركيبات أخلاقية قائمة, فيصبح غير قادر على أن يستوعب الخبرات الجديدة, وبالتالي يتلمَّس الطريقة التي يصل بها إلى تركيب آخر يقترب مما لديه، وعندما يتيقَّن أن هذا التركيب في صورته الجديدة يتفق أو يتلاءم مع ما يعيشه من مواقف وخبرات, يعمد إلى التوافق بين التركيب الجديد والقديم.

5- الفروق بين الجنسين: فيما يختص بالفروق والاختلافات الجنسية يرى إريكسون أن الوليد يكون متميزًا جنسيًّا، فجنس الطفل يحدد تراثه السلالي ونمطه الاجتماعي والثقافي المحدد. وقد ذكر فرويد وجود فروق في النمو النفسي لكلا الجنسين، فالبناء النفسي المميز للمرحلة القضيبية على وجه الخصوص, وهي ما أطلق عليها المرحلة الأوديبية, يظهر فروقًا واسعة بين الجنسين؛ حيث تتكوَّن في هذه المرحلة العقد النفسية, ومنها عقدتي أوديب وإلكترا عندكلا الجنسين. ويعترف سيرز بالاختلافات الجنسية فقط إلى الحد الذي تؤثر فيه هذه الاختلافات على بيئة الطفل؛ حيث إنَّ هذه البيئة سوف تؤثِّر بدورها على الطفل. أمَّا أصحاب نظرية التعلُّم، والنظرية المعرفية, وعلى رأسهم بياجيه, فإنهم يعترفون بأنَّه لا توجد اختلافات جنسية أساسية في دراستهم للنمو بصفة عامة، وأصحاب هذه النظريات يعلموننا أن الذَّكَرَ والأنثى يستخدمان إجراءات عقلية متساوية، ولكن من الناحية النفسية فإن لهما ملكات مختلفة، ومن الناحية الاجتماعية فهما متساويان بقدر ما تسمح به العوامل الثقافية. 6- الخبرات الشعورية واللاشعورية: يتحدَّى أصحاب نظرية التعلُّم والنظرية المعرفية الفكرة التحليلية لدى فرويد وأريكسون بأن الخبرات اللاشعورية كامنة في المراحل الأولى من النمو النفسي، بقدر ما هي كامنة في المراحل اللاحقة. ونجد أن بياجيه يتشكَّك ولكنه لا ينكر كليّة هذا المفهول التحليلي. وفي نظرية "بياجيه" لا يتملك الرضيع بعد الطاقة العقلية لإدراك وتذكُّر الأشياء عندما يكون متصلًا بها اتصالًا مباشرًا, ويرى "بياجيه" أن ذاكرة الخبرة وتصورها الذهني من المتطلبات السابقة على الذاكرة اللاشعورية، وظاهرة التحول "الانتقال". وهكذا فإن التذكُّر -شعوريًّا- لا يمكن أن يحدث الواقع حتى تتوافر لدى الطفل القدرة على الرميز "التعبير بالرموز", والحفظ وتذكر الخبرات السابقة، وهي قدرة لا تتحقق عادة إلّا عندما يبلغ الطفل العام الأول تقريبًا من عمره, وحتى في هذه السن تظل ذكرى الأشياء متصلة بذكرى تتابع الخبرة بأكملها, ولا يميل "سيرز" للموافقة على هذا الرأي. أمَّا

"إريكسون" فيقول: إنَّ الإجراءات اللاشعورية كحالات انفعالية يمكن أن تتكرَّر الخبرة بها مع قليل من تكوين الفكر العقلي أو بدونه, والنَّظر إلى هذه الاختلافات يرجع إلى تأثيرها على ترجمة النظرية إلى تطبيق, ففي التطبيق الفعلي للنظرية لا يتعامل الأخصائي مباشرة بالصورة الطفولية للوليد -كما يراها الطفل- حقيقة أو مستوحاة، شعورية أو لا شعورية, إلّا بقدر انطباقها على ردود فعل الطفل نحو أشخاص في خبرات حياته الجارية المستمرة باستمرار. وتشير النظريات إلى أنَّ الأفراد الذين في الوسط الاجتماعي المحيط بالطفل يتعاملون معه كما لو كان يعرف ويتذكّر خبراته السابقة، وبالتالي فسواء كان باستطاعة الطفل التعرّف علي أو تذكر شعوريًّا أو لا شعوريًّا فترة طفولته، فإنه يتفاعل مع فكرة توقعات الكبار، إنه يحاول أن يسلك وكأنه يعرف. وهنا صراع كامن في تفسيرات النظريات للإجراءات اللاشعورية, فكلٌّ من فرويد وإريكسون يريان أن الإجراءات اللاشعورية حقيقة واقعية، "أما بياجيه" فإنه علاوة على الأسئلة حول الحفظ اللاشعوري للطفل، يرى أن الإجراءات اللاشعورية احتمال، ولكن باحثين غيره قد أوضحوها بما فيه الكفاية، ويضعها "بياجيه" خارج نطاق اهتماماته ومجالات بحثه، "وسيرز" مثله في ذلك كمثل "إريكسون" يقبلها كحقيقة واضحة -حقيقة لا يمكن قياسها, وذلك أن دراساته تركِّز على نتائج الدوافع الإنسانية، سواء كانت شعورية أو اللاشعورية. أمَّا السلوكيين فعلى العكس تمامًا يولون الجانب الشعوري الأهمية العظمى في تشكيل السلوك الإنساني متجاهلين اللاشعور تجاهلًا تامًّا. 7- الإدراك: وتعالج النظريات كلها عملية الإدراك بطرق مختلفة دون تضارب, فيرى "بياجيه" أنَّ الإدراك تجربة "خبرة" عصيبة ليس لها تثير نفسي حتى يستطيع الفرد أن يضمِّن عقليًّا خبرته الإدراكية. وباختصار فإنه عندما يتعرَّف الفرد على مدركاته الحسية، فعنذئذ يصبح لها معنى لديه، مهما كان شعوره واقعيًّا أو منحرفًا, غير أن فرويد و"إريكسون" يتعرَّفان على الإدراك الحسي، كجزء من

خبرة الشخص منذ ولادته, ويصف "سيرز" الإجراءات الإدراكية من حيث إثاراتها فقط. أما كولبرج: فقد أَوْلَى عملية الإدراك أهمية كبرى في تحديد المستوى الأخلاقي الذي يصل إليه الفرد؛ إذ أن المستوى الخلقي يرتبط بالمستوى المعرفي، وكلما كان الفرد أكثر قدرة على الإدراك وتحصيل المعرفة فإن ذلك يزيد خبراته إزاء المؤسسات الاجتماعية التي يتعامل معها, ويتفهم أدوار الأسرة والقانون والعقيدة والأمور السياسية, وبذلك يتفق أصحاب النظريات على أنَّ الإدراك الانتقائي يعتبر صفة إنسانية جوهرية تستند إلى الجمع بين الخبرات النمائية المتفاضلة والاستعداد. وكل واحد يبرهن على رأيه من جهة نظره الخاصة, وكلٌّ منهم يصل منظوره بظواهر نمو الشخصية التي يهتم هو بها. ولذلك يمكننا أن نفترض أن الاختلافات النظرية تتوقَّف على الاختلافات المنظورة فقط: إن الإدراك الحسي والفهم شيء، في حين أن إعادة النظر في الإدراك الحسي من حيث علاقته بالمثير المصاحب له يجعلنا نتجه إلى مجموعة ثالثة من التغيرات التي تعرض نفسها على الإدراك الحسي للفرد. وبذلك نستطيع أن نستنتج أن كل بعد يضيف إلى مجمل النوعية ومدى إدراك كل شخص لخبرته دائمة التغيُّر. 8- تكون العادات: وثمة تعارض حول وجهات النظر الخاصَّة بتكون العادات ومحاذاة سلوك الآخرين. وكِلَا العاملين يظهران جليًّا في الإطار الإسنادي لنظرية "سيزر", ولكنهما لا يلقيان إلّا سوى اهتمامًا قليلًا في التطبيق الأخير وتحليل النتائج التي توصِّل إليها. ويشير كولبرج وبياجيه وكذلك واطسون وسكينر إلى أن تكوّن العادات يحدث بصفة خاصة في خلال الاثنى عشر شهر الأولى من عمر الطفل, ويرون أن تكوّن العادات يولد تقليد الذات، أي: المداومة على الأنماط السلوكية. إن الطاقة المطردة المتزايدة التي لدى الطفل في إدراك وتقليد النماذج الخارجية تقضي تلقائيًّا على ميله

للحياة طبقًا للعادات. وهو يمتثل باطِّراد متزايد للأنماط السلوكية للآخرين بطريقة مناسبة, ولا يعير فرويد وإريكسون أي اهتمام للأنماط السلوكية بهذا الوصف, فيظل اهتمامها منصبًّا على الموضوع العاطفي الأصلي للفرد. ومرة أخرى، فإن تحليل تعاليم النظريات المختلفة يقودنا إلى غضِّ النظر عن الاختلافات في تفاصيلها المحددة، والتعرُّف على أوجه الشبه في مداخلها العامة. ويستبعد "بياجه" إمكانية المداومة على العادات، وهو يرى أن كل مستوى سن يصل إليه الطفل يولد فيه أشكالًا جديدة من التفكير، والأنماط السلوكية المصاحبة. ويوجه "إريكسون، سيرز" اهتمامهما إلى الظروف التي تؤدي لتثبيت العادات, مركِّزين على درجة الانفعالية التي تعزز العادات أو تبطلها. وعلى ذلك، فمعظم أصحاب النظريات يتَّفقون على التركيز على السياق الذي تحدث فيها العادات أكثر مما يركزون على العادات نفسها كواقع قائم بذاته. 9- التمركُز حول الذات: يقدِّم "بياجيه"، "إريكسون" تفسيرات مختلفة للتركيز حول الذات في باكورة حياة الطفل: "فبياجيه" لا يحتاج لتفسير, فالطفل في رأيه لا يعرف بديلًًا1, ومن وجهة نظر "إريكسون" فإنَّ تمركز الطفل حول الذات، يكون مجهود الطفل المبكّر لتكوين مجاله الخاص، ولتحديد وضع نفسه ككائن حي مستقل بين الكائنات الأخرى, ويميل "سيرز" للموافقة مع "إريكسون"، أي: إنه يعرِّف تمركز الطفل حول ذاته بأنه تعبيرٌ عن الصراع المركزي بين الإشباع الذاتي وتقبُّل الضغوط الاجتماعية. وهذه الاختلافات النظرية ذات صلة مباشرة بالممارسة اليومية, وهي تشير إلى ضرورة التفرقة بوضوح بين الإدراك الذاتي العقلي والانفعالي, وهي تدل على الفصل

_ 1 في سرد حديث لأبحاث بياجيه يشدد من أن من التمركز حول الذات في الكلام يبدأ في التلاشي حوالي منتصف المرحلة الثانية "سن 3 سنوات تقريبًا", وهو يذكرنا أيضًا بأن المشاعر بين الأشخاص لا يمكن في الواقع أن توجد إلى أن يتمكَّن الطفل من إدراك الآخرين بأنهم آخرون، وعندئذ فقط يستطيع أن يكون ألفة أو نفورًا.

المستمر بين حالات الشعور، ومعرفة استقلال الذات والتعرف عليها, غير أنَّها تعمل في الواقع كواحدة في الخبرة اليومية. وقد ذكر بك وهافيجهرست في تناولهما للنمو الأخلاقي بأنَّ الطفل في المرحلة الأولى يرى الناس كوسائل لإشباع الذات, ويكون الطفل متمركزًا تمامًا حول ذاته لا يعرف المبادئ الأخلاقية ولا الضمير, إنما صورة رضيع لم يبدأ في التطبيع بعد، وينتهي بك وهافيجهرست بآخر مراحل النمو الخلقي إلى الغيرية العقلانية في المراهقة. 10- التعلُّم: يعترف "بياجيه" و"إريكسون" و"كولبرج" ومن قبل هؤلاء جميعًا جيزل، يعترفون بالتجربة والخطأ كعامل هام في النموِّ في فترة الطفولة المبكرة، وهم في ذلك يختلفون عن سيرز وعلماء السلوكية من أنهم أقصوا هذه العملية التعليمية إلى مكانة أقل في كل مراحل نموّ الطفل اللاحقة, وبالنسبة للجميع فإن "إريكسون" هو الأكثر استعدادًا للاعتراف بوجود قوة داخل الوليد تستخدم بمعرفة, ويفضل "سيرز" استبعاد القوة الموجهة لمعظم سلوك الوليد إلى المثير خارج الوليد، أمَّا "بياجيه" فيعارض أولًا فكرة "إريسكون" بأنَّ خبرات المراحل الأولى من الحياة تصبح ذات صفة عامَّة لها تأثيراتها على كل الخبرات التالية، ولكنه بعد ذلك يقدِّم ملاحظة مشابهة، وإن كانت باستدلال منطقي مختلف؛ إذ يذكر أن الوليد يبني على خبراته الخاصة السابقة؛ لأنه لا يعرف بديلًا لذلك. وفي النظريات السلوكيِّة ذات التعلُّم الاجتماعي نجد أن العمليات المؤدية إلى التعرف على الذات هي العمليات النمائية المركزية. إن سلوك المحاكاة والتقليد والنمذجة والتجربة والخطأ والتعزيز، ليس إلّا عملية صغرى وإضافة تستخدم لتحقيق الذاتية، ينظرون إلى الطفل كفرد ينتقي كائنات أخرى كنموذج له. وهم يقترحون عملية من قسمين: 1- انتقاء الآخرين كنموذج. 2- التعايش مع سلوك وأفكار وقيم يفترض أن الأشخاص المنتقين قد سيطروا عليها. والانتقاء والتشكيل يكونان جزءًا من إدراك الذات, ويرى "بياجيه" أنَّ تحقيق الذات هو عملية اختيار النماذج طبقًا للأنماط الموجودة من فهم الطفل, ويقدّم "سيرز" عملية تقتضي مطابقة النماذج "المتيسرة" على الإشباع المصاحب لها على أساس خبرات مشابهة سبق الاقتناع بها, ويصور "إريكسون انتقاء النماذج كعملية مرضية، تتطلّب فيها كل مرحلة نموّ تطوير صفات مختلفة، ومجموعة مختلفة من المناذج. حتى تفسير التحليل النفسي للنمو الخلقي قد ارتكز على هذا المبدأ, وهو التوحيد مع النموذج.

تكامل النظريات

تكامل النظريات فيما يتعلق بمراحل النمو ... تكامل النظريات: مما لا شَكَّ فيه أنَّ الشخصية الإنسانية وحدة متكاملة, أو كيان كلي واحد يتكوَّن من جوانب أو مظاهر تخضع كلها للنمو، وهي في نموها ترتبط ببعضها بطريقة أو بأخرى؛ بحيث لا يمكن فصل أيّ مظهر من مظاهر النمو عن غيره إلّا لغرض البحث والدراسة، ومن المفترض أنّ أي مظهر من المظاهر يؤثِّر في غيره ويؤثر فيه؛ بحيث يمكن أن نقول: بأن هناك تكاملًا بين مظاهر النمو داخل الكيان البشري، ومن ثَمَّ فلا بُدَّ للنظريات المفسّرة لمظاهر أو جوانب النمو المختلفة أن تتكامل مع بعضها لتوضيح شمولية وتكاملية الكيان البشري النامي, وفيما يلي نعرض أوجه الاتفاق وإمكانية التكامل بين النظريات التي عرضناها: 1- فيما يتعلّق بمراحل النمو: النمو في سن ما قبل المدرسة: تناولت جميع نظريات النمو مرحلة ما قبل المدرسة بإسهاب شديد كأساس للنمو اللاحق: جيزل، فرويد, بك, وهافيجهرست، وبرونر، بياجيه، وإريكسون. أمَّا سيرز فيقتصر أساسًا على الطفل في سن ما قبل المدرسة في معظم تفاصيل نظريته9, ويتخذ كل من بياجيه وإريكسون موقفين مختلفين اختلافًا واضحًا فيما يختص بالحياة الخيالية للطفل الصغير, ويرى بياجيه أن الخيال يظل مستمرًّا لمرحلة التمركز حول الذات في حياة الطفل, وهو يصفها بأنَّها استمرارية ذات تقاسيم لحياة الطفل الصغير ذات البعد الواحد التي يكون الطفل في مركزها، بعيدًا عن كل حدود التصارع.

وبالمقارنة نجد أن "إريكسون" يعزو إلى الطفل وعيه بخيالاته وكذلك صراعًا حول هذا الوعي, غير أن كلًّا منهما تشدَّد على أن القائم بالرعاية يعامل الطفل كما يرى هو "عالم الطفل", كما يريد أن يراه الشخص الأكبر من الطفل يعامله مستقلًّا عن خيال الطفل على أيّ مستوى قد يحدث فيه", ويضيف "إريكسون" أنَّ الوالد هو الآخر يتعامل لا شعوريًّا مع خيال الطفل, وهو الخيال الذي وصل إلى الوالد وأحسَّ هو به لا شعوريًّا، والوالد يميل لمعاملة هذه الخيالات لأنه جزئيًّا يبعث طفولته هو لا شعوريًّا, ويحاول جاهدًا التعجيل بتحريك مشاعر ظلَّت طويلًا في طي النسيان. النموّ في سنوات المدرسة الابتدائية: يرى "سيرز" و"جيزل" و"بياجيه" و"إريكسون" أنَّ الطفل في سن المدرسة يندفع إلى الإمام باستمرار, خالقًا لنفسه آفاقًا جديدة من المهارات والمعرفة والنضج العاطفي، وكلّ منهم يعترف بأن الطفل نفسه هو القوة الدافعة, والكبار في بيئته, وخاصة الذين يرعونه يستطيعون أن يساعدوه في تقدمه أو يعاكسوه, ولكن في هذا السن لم يعد باستطاعتهم "ثني الغصن" ذلك لأن الطفل يكون قد كوَّن لنفسه مجالات يستطيع أن يعمل فيه دون تحدٍّ يذكر. وبعبارة أخرى: فكلٌّ من "سيرز" "بياجيه" و"إريكسون" يعترفون بالتركيز الشديد الذي يبذله الطفل لتحسين فهمه ووسائل معيشته, الأمر الذي يؤدي إلى تحول تدريجي في اعتماده على المنزل، إلى الاعتماد على الأقران ونفوذ جديد لكبار, وكلاهما يرى تغيرًا في أسلوب المعيشة لا يؤدي إلى تغيُّر كبير في التكوين الأساسي لشخصية الطفل. النمو في مرحلة المراهقة: تناولت معظم النظريات مرحلة المراهقة كمرحلة دينامية في تشكيل الشخصية الراشدة, وإذا كان "جيزل" قد تناول النضج في بدايات المراهقة, فإن "فرويد" اعتبر المراهقة هي المرحلة التناسلية التي يتحوّل فيها المراهق من كائن لا جنسي إلى كائن جنسي قادر على المحافظة على استمرار سلالته, أمَّا بياجيه وكولبرج في إطار النظرية المعرفية، وإريكسون ومارشيا حول نمو الهوية في

إطار نظرية النمو النفسي الاجتماعي, فإنهم قد فصلوا الحديث حول هذه المرحلة. أمَّا تناول بياجيه لموضوع نمو المراهقين كعملية معرفية محدَّدة هي بلوغ النهاية بالنسبة لكل نمو سابق, فإنه يتعارض مع الفكرة المركزية "لإريكسون" و"مارشيا" بأنَّ هذه الفترة تكون من الفترة التشكيلية الثانية في حياة الطفل وسنوات الشباب والدخول في مرحلة الرشد، والأوضاع المتباينة تتركّز حول نقطتين رئيسيتين: 1- يحدد "بياجيه" المراهقة بفترة يجد فيها الشاب الوحدة مع العالم, وهي فترة يتخذ فيها العالم الاجتماعي الخارجي مكانه الأساسي, ويمكن تفهمه كلية بتقسيم أدواره، وقوانينه المترابطة، وتخلل الوحدة فيه. وبالمقارنة نجد أن "إريكسون" يعرِّف المراهقة بأنها فترة يجري فيها البحث عن مركز اجتماعي مناسب مع التضامن الاجتماعي الكامل لهذا المركز الذي يتوقع تحقيقه في سنوات الرشد التالية، وهذا ما فصَّله مارشيا في بحث المراهق عن هويته في المجال المهني الأيدولوجي والاجتماعي والجنسي. 2- ويتناول "بياجيه" لموضع المراهقة باعتباره فترة تربط الأطراف السائبة، وكفترة استكمال, وهذا ما يعارضه إريكسون بتشديده على تعريف المراهقة بأنها فترة تأخير معقول في النمو، وبأنها فترة ابتداء، وهذان الوضعان المتعارضان ظاهريًّا يمكن التوفيق بينهما جزئيًّا, بواقع أن "بياجيه" و"إريكسون" إنما يتعاملان مع عناصر مختلفة من عناصر الشخصية: العناصر المعرفية, والعناصر الانفعالية, غير أن كليهما يريان المراهقة كفترة نموّ يجد فيها الشاب مكانه الاجتماعي. وبالنسبة "لبياجيه" فهي خطة حياة، وبالنسبة "لإريكسون" و"مارشيا" هي إحساس بالذاتية وتشكيل الهوية. علاوة على ذلك فإن هذه الاختلافات يمكن التقريب بينها بالنتائج التي توصّل إليها "بياجيه", وهي أن الفهم يسبق دائمًا القدرة على تفسير ما هو مفهوم "أي: إن الفهم يسبق تعلم اللغة", ومنطقيًّا فإن المعرفة وتعزيز هذه المعرفة يسبقان تحقيق القدرة على ترجمة مثل هذا المفهوم إلى فعل.

ويقترح كل من "بياجيه" و"إريكسون" و"مارشيا" أن التقدّم النمائي يتضمَّن معايير السن كنقطة إسناد فقط, وتشدد رسموها البيانية الخاصة بالنمو على تتابعه نمو, والذي يحدث بعد تحقيق أهداف النمو السابقة، وكل منهم يشدّد على أنَّ أي مرحلة نمو متقدمة مثل مرحلة المراهقة يمكن أن تحدث في أي وقت في حياة الفرد، في تلك اللحظة التي يقبل فيها الفرد في المجتمع كفرد راشد، وذلك بالنسبة لفترات عمره، ولذلك فإن الاختلافات الظاهرة ليست متعارضة بالضرورة, إنها فقط تنصبُّ على مظهرين مختلفين من مظاهر الشخصية, وفي حالة عدم وجود بحث أساسي في العلاقة المشتركة بين هذه المظاهر فإن النظامين يمكن أن يكونا متوازيين طالما ركَّزنا على تطابق مراحل النمو. غير أنه يبقى بعد ذلك فرق له أهميته، طالما تقرّر نظرية بياجيه وإريكسون أنَّ النمو الكامل للشخصية هو عملية تستمرّ طوال الحياة، في حين تقرر النظرية الأخرى أنَّ النمو المعرفي محدد ونهائي، أشبه بالنضج الجسماني، وهذه التعقيدات متروك أمرها مبدئيًّا إلى التوقعات المطلوبة من الفرد الآخذ في النمو. وتشير إحدى النظريتين إلى أنَّ مدى الفهم الناضج لشخص ما يجب أن يكون قريبًا من التمام, وفي أعلى مستويات عندما يصبح الشاب الصبي راشدًا شابًّا، وتقرر النظرية الأخرى أن النمو العاطفي والنمو الاجتماعي لا يتمان في أي مرحلة محددة من مراحل العمر. والواقع أن إريكسون يشدِّد على أنَّ أي نمو لا يمكن أن يستكمل تمامًا في حدود مرحلة سن واحدة، يمكن أن ينمو بعد ذلك مستقلًّا عن مظاهر النمو الأخرى التي تحدث في مراحل تالية.

التكامل حول مظاهر النمو

2- التكامل حول مظاهر النمو: أ- النمو اللغوي: تعترف معظم أصحاب النظريات بأن اللغة المنطوقة هي وسيلة نقل المعنى، كما يرمز إليه بالكلمات والجمل ونقل الرسائل, كما تتضمنه الكلمات والجمل, علاوة على ذلك فإن "بياجيه" و"فيجوتسكي" يعزيان للغة وظيفة أساسية ثانية، وهي أنها عملية مساعدة لعملية التفكير. ومع تعلُّم الطفل استخدام اللغة نجد أن "سيرز" و"بياجيه" كليهما ينظران فجأة إلى الطفل، كشخص جديد ومختلف، كتركيب عضوي شخصية فريدة. ويرى فرويد و"إريكسون" أن اللغة ليست سوى مصدر إضافي كانت ذات دلالة قوية لنقل المشاعر والأفكار والأفعال، وكذلك لتمويهها. ويرى "بياجيه وسيرز" أن اللغة المنطوقة تكون الطريق الرئيسي للبحث فيما يختص بكل التساؤلات الهامَّة التي يقودها الطفل، أمَّا "فرويد" و"إريكسون" فإنهما يواصلان ويعزيان أهمية مساوية للاتصالات غير الشفوية حتى عندما يلجأ الطفل إلى الاتصالات الشفوية. وإذ يولي "فريد" و"إريكسون" اهتمامًا متساويًا للغة الشفوية، واللغة غير الشفوية، لذا فقد اهتمَّا بالتماسك الداخلي، أو التباعد بين هذين الشكلين من الاتصال, "وطبيعي" أنهما كدراسين للسلوك المرضي يريدان أن يعرفا متى تكون أنظمة الاتصال لدى الشخص متصلة، أو يفتقر للتماسك. ويرى "سيرز" أن اللغة تعكس السلوك التعلُّمي الرمزي في حين يراها "بياجيه" مفتاحًا لحل حاسم للسلوك. ويراها "فرويد" و"أريكسون" إلهامًا يجب تحليله مع الفعل, ويعتبر "كولبرج" أن استخدام لغة الاتصال مصحوبة بالتعرُّف التفاضلي على أكثر من نموذج للتفكير الخلقي، ولو أنَّ "إريكسون" هو وحده الذي يكشف عن آليات عمليات الأنا العليا دون الانفصال عن مفاهيم بياجيه وسيرز. وفي الواقع يرى "تشارلز أوديير" charles odier أن نظرية "بياجيه" والتفكير التحليلي يتقاربان في مجال نمو الأنا العليا أكثر مما في أي مظهر آخر من نظرية كلٍّ منهما, غير أن أصحاب النظريات يتفقون على أن شعور الوالد يصلح وعيًا للطفل إلى أن يتمكَّن الطفل من التوصُّل إلى شعور الوالد، ويضمَّه إليه كشعوره, وهو كما يشدد "بياجيه" وأصحاب نظريات التعلُّم الاجتماعي على أهمية مجموعة الرفاق "الأقران" كأنا عليا تبادلية تصبح بالنسبة له إجرائية في مستوى نمو سابق أكثر مما يرى الأقران. وبالمثل فكلٌّ منهم يعترف بظهور شعور الطفل الخاص به في موضع مختلف إلى حدٍّ ما مرحلة النمو، ولكن ليس أكثر من ذلك من سنة كفارق بين استمرارية النمو في نظرية كل منهم. ب- النمو الخلقي: يرى فرويد أن الإحساس بالذنب أحد العقد المرتبطة بالعقد النفسية نتيجة للمنع الوالدي، ويرى "بياجيه" أنَّ المشاعر المتضاربة لا يمكن تسميتها بالذنب إلى أن يبلغ الطفل المقدرة العقلية لتقدير مكانة وسلطة الكبار, وهكذا لا يجد "بياجيه"

موضعًا للإحساس بالذنب أو الرغبة في العقاب، في أيّ مستوى سابق للإدراك الواعي للطفل لمصدر السلطة، ومن جهة أخرى فإن "سيرز وإريكسون" يعرِّفان الذنب بأنه محصّلة الخبرة الشعورية أو اللاشعورية في أي مستوى سن، حتى قبل الإدراك الواعي بالمحظورات، وهنا نجد أن "بياجيه" و"سيرز" يقدمان ثانية تقسيمًا ثنائيًّا، ونجد كولبرج ينظر إلى المكوّن الخلقي في إطار اجتماعي. إن الشعور المعرفي لا يتواجد حتى يعرف الشخص أنه موجود، وأن الشعور الانفعالي، أو الأنا العليا، يظهر قبل أن يحس الفرد بسنوات وهو يتأثر شعوريًّا بآثاره. ج- النمو المعرفي والأخلاقي: توجد كثير من نقاط الالتقاء بين النظريات المعرفية في مجال النمو المعرفي من ناحية, والنمو الخلقي من ناحية أخرى. ومن أوجه التشابه بين كولبرج وبياجيه نجد: - إن بياجيه وكولبرج يؤكّدان على أهمية الأبنية المعرفية كأساس للنمو المعرفي والخلقي. - استخدم كولبرج نفس المستويين اللذين استخدامهما بياجيه في وصف النمو الخلقي. - واستخدم كلٌّ منهما النظام التتابعي في دراستهما لمراحل النمو الخلقي. = واعتبر كولبرج المفهوم الأساسي للنمو الأخلاقي هو العدل, وهو نفس الاعتبار الذي دارت حوله تحليلات بياجيه. - ويعتبر كلٌّ من بياجيه وكولبرج أن الطريقة الإكلينيكية هي أنسب الطرق لتقييم النمو. - ويتَّفق كلٌّ منهما حول التفاعل بين الأقران وأهمية المفاهيم الأخلاقية الي تحتضنها كل الثقافات. وبذلك فإن مراحل النمو المعرفي والنمو الخلقي هي سلسلة من المعارف التي تزدد تلاؤمًا, والتي تتعلق بالعالم الاجتماعي الثابت نسبيًّا. "عادل عبد الله: 1991". ز- العلاقة بين النمو اللغوي والنمو المعرفي: ترتبط اللغة بالنمو العقلي والمعرفي ارتباطًا وثيقًا, وقد سبق أن أوضحنا وجهة نظر بياجيه وفيجوتسكي حول العلاقة بين اللغة والتفكير. فالنموّ المعرفي شرط أساسي لنمو اللغة, ولقد اعتقد فيجوتسكي أن الأفعال تسبق الكلمات, فالكلمات ليست هي البداية؛ حيث يبدأ الفعل أولًا، أما إنجاز الفعل على نحو ناجح فيعتبر غاية النمو في هذه المرحلة. ويرى أن مرحلة تضمّن الحديث قبل الفكري كالثرثرة مثلًا، والتفكير قبل اللغوي، أي: الأنماط السلوكية للذكاء العلمي والتي يتمّ التحكم فيها إداركيًّا، وحينما يتحدان معًا في نهاية مرحلة المهد يصبح التفكير شفهيًّا والحديث منطقيًّا. "تيرنر: 1992".

تكامل ازمات النمو

3- تكامل أزمات النمو: أ- كمون النمو النفسي والصراع الأوديبي: واستطرادًا في دراسة نمو الطفل، يعتبر "بياجيه" وجود فترات انتقالية بين المراحل كفرص نمائية للتقدم إلى مستويات جديدة, ويجاري "إريكسون وسيرز" "بياجيه" في تفاؤله، ولكنهما في الوقت نفسه يشيران إلى أخطار عدم التأكد للاضطراب والارتباك الكامنين في هذه الفترات الانتقالية, وهنا يبدو من المستحسن أن نتأمَّل في مفهوم هو من أكثر المفاهيم إرباكًا وإثارة للجدل، تلك هو الصراع الأوديبي الذي ظهر لأوّل مرة في نظرية فرويد. إن الصراع الأوديبي ظاهرة نفسية حاسمة في التحليل النفسي، كما أوردها فرويد، لم تلق إشارة لها في نظريات "جيزيل، بياجيه، سيرز، كولبرج", ولكن نظرية "إريكسون" في التحليل النفسي عرضته كمرحلة, وكذلك كظواهر ولائية ومتصارعة في مختلف الارتباطات مع الكبار الرئيسيين من الجنس الآخر. ويلاحظ أصحاب نظرية التعلُّم وكذلك من: "بياجيه" "سيرز" فيما توصَّلوا إليه من نتائج أنه توجد تحولات مشابهة وتخطيطها متصارعة بالنسبة للتعلّم الخاص بالتقليد والتوحد بالنموذج، ولإيجاد نموذج مفرد كمصدر للتعرف الأولى على الذات, وهم يلاحظون أيضًا زيادة في شعور الطفل بانتهاج سلوك مشابة لسلوك

الوالد النموذج من نفس الجنس وفي الاهتمام بهذا السلوك، وفي نفس الوقت يحاول الطفل أن يحتفظ برباط وثيق بالنموذج من الجنس الآخر ويؤكده, ومن المهم أنَّ نلاحظ أن "بياجيه" يصف عفويًّا صراعًا عقليًّا في التعرُّف الجنسي الظاهر للطفل في فترة سنوات الروضة، ويرى "بياجيه" أنَّ الأكثر من اختلاط الأدوار والصراع يتوازى مع الظواهر الولائية المتصارعة في الموقف الأوديبي. ويشدد "سيرز" على أن الوالد من نفس جنس الطفل في هذه الفترة من العمر يمكن أن يكون هو المحفِّز على عدوانية أكبر، والمستقبل أيضًا لهذه العدوانية، في حين أن الوالد الآخر يميل إلى أن يكون أكثر تساهلًا، وبالتالي يسهل الاقتراب منه, ويلخص "إريكسون" هذه الملاحظات كبعد إضافي للموقف الأوديبي، والواقع أن كتابات إريكسون السابقة اشتملت على فرض نظري عندما حاول تفسير الموقف الأوديبي كفترة يحاول فيها الطفل بصفة خاصة أن يتعلّق عن كئب بالوالد من الجنس الآخر، وفي كتاب أكثر حداثة اقترح أنَّ الموقف الأوديبي يشتمل على مجاهدات تصارعية أكثر تنوعًا عن مجرَّد الارتباط الجنس بالوالد من الجنس الآخر. وتوحي النتائج التي توصَّل إليها كل من "بياجيه، سيرز" أنه في الفترة الأوديبية يحاول الطفل جاهدًا الاقتراب سلوكيًّا من الوالد من نفس الجنس، وهذه المحاولات بدورها تؤدي بالطفل إلى ارتباط أكثر إلحاحًا بالوالد من الجنس الآخر مع معتقدات جديدة، والصراع الأساسي لا يتواجد إلًا قليلًا ما دام النظر إلى الموقف الأوديبي يعتبره مشكلة محيِّرة في انتقال الروابط الشخصة، وتفاعل علاقات تفاضلية جديدة. ويرى "إريكسون" أن الموقف الأوديبي في فترة البلوغ أزمة نمائية وصراعًا يبين اكتساب إحساس بالهوية والترك مع إحساس بتشتت الدور, ويشير "بياجيه" إلى تعقيدات مشابهة عندما يحاول المراهق في عقله تحديد علاقات اجتماعية في إطار اجتماعي جديد وأكثر اتساعًا, أمَّا "سيرز" فإن كتاباته لا تمتد إلى هذه الفترة من العمر بدرجة تكفي لتحديد تفكيره في اتجاه أو آخر، ويرى "بياجيه" أن هنا معرفة أكثر تقدمًا لأنماط العلاقات يعتبرها حلًّا لهذه الفترة من التوتر. ويعزو "إريكسون" التكامل الناجح لهذه الفترة إلى تفوق الإجراءات الانفعالية المتصارعة.

وكلاهما يعترف بهذه الفترة من البلبلة والتصارع كعنصر أساسي في النمو، ويعود "إريكسون" لاقتراح أن عمليات النمو تختلف باختلاف الجنس. أمَّا "بياجيه" فلا يبدو أنَّه يعتبر اختلافات الجنس ذات دلالة. هذا ولا يزال التركيب الأخير لمفهوم "إريكسون" للصراع الأوديبي الثاني في فترة المراهقة، وإشارة "بياجيه" إلى التشتت في العلاقة الرمزية, لا يزالان معروضين لبحث في المستقبل. ب- أزمات النموّ النفسي الاجتماعي: إذا استرجعنا فكرة الأزمات التي تحدَّث عنها إريكسون, والتي تمثل محاور مرحلية للنمو النفسي الاجتماعي للطفل, نجد أنَّ من الممكن اعتبارها في هذه الإطار حالات خاصة, أو هي تطبيق للفترات الحرجة التي ذكرها جيزل؛ ففي المرحلة الأولى تكون هذه المرحلة العمرية فترة حرجة لإشاعة الثقة المتبادلة بين الطفل والأم, وفي المرحلة الثانية تكون لدى الطفل إحساس بالحاجة الحرجة لتنمية الاستقلالية، والمرحلة الثالثة فترة حرجة لتنمية حاسَّة المبادأة, والرابعة لتنمية الإحساس بالإنجاز ... إلخ. وبالتالي تلتقي كلتا النظرتين حول مبدأ واحد تندرج تحته المحاور المرحلية. وبذلك تعتبر مناهج إريكسون حول الأزمات النمائية النفسية الاجتماعية فترات حسَّاسة مرحلية في هذا التفاعل، تكتسب معانيها وأهميتها من الثقافة التي يعيش فيها الفرد. والنظريات التي تعتبر السلوك المعرفي سلوكًا توافقيًّا، والنظريات التي تعتبر محددات التعلُّم "التعزيز، التعلُّم الاجتماعي، القدوة، المحاكاة، والنمذجة" مفاهيم أساسية في تفسير تغير السلوك ونموه, تلتقي حول مفهوم الأزمات النمائية؛ حيث يتم اكتساب الطفل سلوكيات معينة في فترة حرجة من سياق حياته النمائي.

التطبيقات التبربوية لنظريات النمو

التطبيقات التبربوية لنظريات النمو مراحل النمو ... التطبيقات التربوية لنظريات النمو: بعد العرض السابق نتَّجِهُ من النظرية إلى التطبيق، ومن النظر إلى نمو الطفل إلى عملية المساعدة النفسية من ناحية، والتطبيق في المجال التربوي من ناحية أخرى. 1- مراحل النمو: إذا كانت معظم النظريات التي قدمناها تستخدم مراحل نموّ استخدم بعضها معايير عمرية محددة ولم تستخدم النظريات السلوكية أية مراحل للإشارة للنمو، فيجب الإشارة إلى أنه من الممارسة الفعلية في مجال الطفولة والمراهقة, فإن الأعمال الزمنية قد تكفي للإرشاد العام، ويجب ألّا تستخدم كمعايير قطعية للحكم على التقدُّم النمائي للطفل، وعندما لا يسير النموّ كما هو متوقَّع منه طبيعيًّا، فإن الخطأ قد يكون كامنًا في مشكلة حقيقية تتعلّق بالنمو أو في توقعات غير واقعية لسلوك الطفل تقوم على ما يظن أنه مناسب لعمره. ولتوضيح ذلك: فإن طفل الحادية عشرة يكون عادة قادر على التوافق مع الانفصال المؤقَّت عن والديه, دون أن يكون لديه تأثير على سلوكه. أمَّا إذا كان غير قادر على التوافق مع الانفصال فإنه يكون غير ثابت, أو يتأخَّر عاطفيًّا ويكون غير طبيعي بشكل خطير. إن إجراء الأبحاث بالنسبة لمراحل النمو العامة يتيح للأخصائي النفسي أن يراجع سلوك الطفل بطريقة أكثر واقعية على أساس أنماط النمو السابقة والمظاهر الحالية والتفرعات المستقبلة. علاوةً على ذلك، فإن مساعدة الطفل مثلًا، يجب أن تواجه خبراته الماضية والحاضرة والمستقبلة، كما ينظر إليها الطفل نفسه. إن أيّ فرد يتذكّر الأحداث الماضية مختلفة بعض الشيء عن الشكل الذي حدثت به فعلًا، ويميل تذكره للماضي أن يلوّن خبرات الحاضر، وبالمثل فإن مستقبله -إلى الحد الذي يستطيع أن يشعر به- يفهم بمعيار الماضي والحاضر، وهكذا, فبينما يحدث التدخُّل البنَّاء داخل الحاضر الحي للفرد، فإنه يجب أيضًا أن يغيّر مشاعر الطفل وتصوراته نحو الماضي والمستقبل. وتقترح معظم النظريات كذلك أنه في استمرارية النمو، كل ما يفعله الفرد، أو يفكر فيه أو يشعر به، في أي نطاق من حياته, وفي أي لحظة, يرتبط ارتباطًا داخليًّا بصورة الشخص لنفسه ولأسرته وأقرانه المقربين وجماعات إسناده الرئيسية. إنَّ كل فرد يتعامل داخليًّا مع خبراته الداخلية الخاصة، وبيئته الأولية وبيئته الثانوية، وهو لا يستطيع أن يوجد علاقة إلّا بهذه المجالات الثلاثة بالطريقة التي تتكامل بها بمعرفته، وبصرف النظر عن الصورة التي يراها الآخرون فيه، وبالتالي فإن الطفل أو المراهق لا يمكن مساعدته للتوصُّل إلى السلوك التكيُّفي المطلوب إلّا إذا كانت مدركاته ومشاعره وتوقعاته السلوكية حول هذه المجالات تتغيِّر بطريقة واقعية.

التشخيص

2- التشخيص: إن القيمة والفائدة التي تقدمها نظريات النمو تساعد الأخصائي النفسي في عملية التشخيص؛ حيث تمكنه من أن يقيم بوضوح ما يريد أن يعرفه من أي ملاحظة مبدئية. فأي ملاحظة لا يمكن أن تكون إلّا دعوة إلى مزيد من الدراسة والتقييم، علاوة على ذلك: فإن كل جانب من جوانب الوظيفة الإنسانية: الجسمية أو المعرفية أو العاطفية أو السلوكية أو الأخلاقية تحتاج إلى تقيم منفصل، وكلّ منها يجب أن يقيم بالنسبة للمظاهر النمائية الأخرى, وعلى ذلك: فإن تقييم مركز الفرد النمائي واستعداده يتطلَّب تقييمًا للجوانب التالية: 1- النمو الجسمي والعضوي وتأثيراتها على المظاهر النمائية الأخرى. 2- قدرة الفرد الفردية على الإدراك الحسي. 3- الوعي بالخبرات الحسية المعرفية. 4- فهم النمو النفسي الاجتماعي وأزمات النمو. 5- الوعي بالهوية ومدى تحققها أو إعاقاتها أو تشتتها. 6- فهم الإطار البيئي ومدى انعكاسه على نمو الطفل. 7- فهم الطفل لخبرات حياته. 8- جوانب النمو اللغوي والاضطرابات اللغوية. 9- مستوى النمو الأخلاقي, وما إلى ذلك. وهكذا: فإن التقيمات التشخيصية يجب أن تفرق بين فهم الفرد نفسه للموقف، وقبوله لأنماط جديدة للتعامل معه، وقدرته على تضمين هذا الفهم في سلوكه. إن تشخيص أي إعوجاج في مستوى النمو بمثابة رسالة للوالدين والمعلمين والأخصائيين النفسيين للتعرُّف على أسباب اضطراب أيّ مظهر من مظاهر النمائية, والتعرف على انعكاساتها على جوانب النمو الأخرى.

التنشئة الاجتماعية

3- التنشئة الاجتماعية: إن دراسة النمو في الطفولة المبكرة بأكثر من طريقة، هو بحث في التنشئة الاجتماعية في شأن العلاقة بين الأم - الطفل. إن تشكيل الأمومة، أي: استعداد الأم لضمِّ طفلها من خلال وضع الجسم وحركاته في أثناء الإمساك به، وفي أفكارها وحياتها الاجتماعية وأعمالها اليومية, بينما هي تقوم على رعايته، هذا التشكيل يوفر دلالات مفيدة عن إمكانية تقدُّم نموه في المرحلة الأولى. كما ن "تشكيل" الطفل نفسه ينطوي على دلالات تتعلّق بإنجازاته في النمو أو تأخره فيه, والمادة التي قدَّمها إريكسون عن منوالية تشكيل الطفل في الاشتراك مع كل مرحلة من مراحل النمو تشير إلى أن سلوكه في اللعب واقترابه العام من جسمه ومن المجال to space والزمن، قد تكشف للملاحظ عن اهتمامه الداخلي بالنمو. إن انتقال الطفل من نمط كامل الانضمام إلى نمط اندماج حيازي، مثلًا، يمكن أن يصلح كدليل على النمو. علاوة على ذلك فإن بياجيه، كما سبق الشرح بالكامل في فصل سابق عند عرض المراحل الثانوية الست من مرحلة نمو الطفل الأولى، يضيف بعدًا آخرًا ممكنًا لدراسة واختيار النمو في مرحلة الطفولة المبكرة. كما أن درجة الاعتمادية الأولية التي تعززت في الأشهر الأولى من حياة الطفل، أو الدرجة التي يتم بها تعويض الحرمان المبكر فيما بعد، هذه تعتبر اعتبارات أساسية يمكن تقييمها بدراسة أعراض الاعتمادية الأولية, ويمكن الاستدلال على مستوى اعتمادية الطفل من السلوك التفاعلي بين الأم والطفل، ومن مدى اتساع القبول التسامحي للأم بالنسبة لاعتمادية الطفل, ومن الجهود التي تبذلها لتجنب الخبرات الإحباطية الشديدة بالنسبة للطفل. وثَمَّة دلالة أخرى على درجة اعتمادية يمكن ملاحظتها في استجابات الأم والطفل في مواقف الانفصال.

إن مدى السلوك المعمَّم بالمقارنة بالاستجابات المحددة يعتبر دليلًا آخر على مستوى نمو الطفل، إن الاستجابات السلوكية الإجمالية والانفعالية والعقلية لمواقف معينة يمكن أن تشير إلى أن الطفل لم يستكمل المرحلة الأولى للنمو بنجاح، ذلك لأنه بينما يكوِّن الطفل إحساسًا بالثقة في خبراته الأولية يبدأ بتوسيع مجالات انتباهه على شكل اهتمام أكثر تحديدًا في مظاهر بيئته المنفصلة, ويمكن للمسائل التشخيصية أن تتركَّز على تحديد وتنوع الحدود التي تعلُّم الطفل أن يتعرَّف عليها ويضمِّنها في سلوكه. ويعتبر موقف اللعب وسيطًا قيمًا لتقييم قدرات الطفل المكتسبة، وفيه يكشف الطفل "ليس فقط" عن مظاهر النمو التي تشغله في هذه اللحظة، ولكن أيضًا عن صراعاته الباقية بدون حلّ, ذلك أنَّ الطفل في لعبه إنما يستعيد الحياة لعبًا. إنه "هو" ما يلعبه في الخيال وفي الحياة. والملاحظ المتخصص يمكنه أيضًا أن يكتسب كثيرًا مما يتركه الطفل من لعبه، وكذلك مما يضيفه إليه. مثال ذلك إذا أظهر الطفل من الخيال أكثر من الاستقلال الذاتي الواثق، فعندئذ يمكن الافتراض بأن ثَمَّةَ مظاهر للمرحلة النمائية الثانية على الأقل لم يتم التوافق أو حلها في داخلية الطفل, ويمكن لما أسهم به إريكسون بشأن القبض والترك أن يكون ذا فائدة في هذا الصدد، ذلك، لأنَّّ الميل للإخفاء أو الإمساك أو الاحتفاظ يمكن أيضًا أن يكشف عن محاولات للتحكُّم تميز بها المرحلة الثانية. إن القدرة على الإمساك والترك تدل على درجة من النمو في ضبط النفس. إن كل العوامل السابق ذكرها لازمة مسبقًا للتنشئة الاجتماعية الناجحة، ويمكن أن نضيف أن درجة ما من التنافس بين الأشقَّاء أو الأقرباء، هي جزء من النمو "الطبييعي", وبالمقارنة، فإن التملُّك التنافسي قد يدل على أن بعض المظاهر الهامة من المرحلتين الأوليتين، "وربما تركميًّا"، قد تركت بدون حل.

الممارسة التربوية بالمدرسة

4- الممارسة التربوية بالمدرسة: في الممارسة التربوية المدرسية فإن نظريات النمو تتيح للتربويين الإحاطة بعمل ترتيبات لتهيئة المثيرات التي تنهض بنمو الطفل, ويختارون ما له معنى ومغزى بالنسبة للمرحلة العمرية حتى يقودوا الأطفال على نحو منظم للتتابع النمائي أو السياق التالي. ولكن أيّ النظريات يستخدمها المعلِّم في عمله: - من الممكن أن يكون الترتيب الهرمي المنطقي المنسق للنمو المعرفي الذي قدَّمه بياجيه أساس ينطلق منه المعلم في اختيار برنامجه, ويهيئ المثيرات المرتبطة بالنمو. - ومن الممكن أن يبرهن المعلم على صحة دعوى برونر بأنَّ في الإمكان أن ندرس أي شيء له معنى؛ لأن طفل في أي مرحلة من مراحل نموه, ولكن مع ذلك يجب أن ندخل في الحسبان جميع العوامل الأخرى التي لها تأثير في الدراسة. - وإذا اقتنع المعلِّم بفكرة سيرز القائلة بأن السنوات المبكرة من عمر الطفل بالغة الأهمية, وأن الطفل الذي لا يتعلّم في هذه المرحلة لا يمكن تعويض ما أصابه من قصور، من ثَمَّ ينبغي على التربويين أن يخصصوا ميزانية كبيرة للتعليم في الصفوف الأولى, أو أن تركز على تطوير المناهج الخاصة بهذه المرحلة. - وإذا اقتنع المعلم بفكرة جيزل بأن التعلّم المدرسي يجب أن يتأخَّر حتى يزداد استعداد الطفل حتى يكون التعلّم أفضل, ويكون الأطفال أكثر نضجًا, وهذا ما أكدته بعض الدراسات من أنَّ التعلُّم يكون أكثر فاعلية حين يوجّه لطفل أكبر سنًّا عنه مما إذا وجّه لطفل أصغر. "جابر عبد الحميد: 1977". إن نظريات النمو بهذه الشاكلة توجّه عمل المربي في داخل المدرسة, وهذا أفضل تطبيق لنظريات النمو.

المراجع

المراجع: 1- إبراهيم زكي قشقوش "1988": محاضرات في علم النفس النمائي، "غير منشورة"، القاهرة: كلية التربية، جامعة عين شمس. 2- أحمد زكي صالح "1974": علم النفس التربوي، ط10، القاهرة, مكتبة النهضة المصرية. 3- أرنولد جيزل وآخرون "1975": الطفل من الخامسة إلى العاشرة، ج2, ترجمة: عبد العزيز توفيق جاويد، مراجعة: أحمد عبد السلام الكرداني، سلسلة الألف كتاب, رقم "54", القاهرة, لجنة التأليف والترجمة والنشر، وزارة التربية والتعليم. 4- إسحق رمزي "1981": علم النفس الفردي، القاهرة, دار المعارف. 5- أمال صادق، فؤاد أبو حطب "1988": نمو الإنسان من مرحلة الجنين إلى مرحلة المسنين، القاهرة, مركز التنمية البشرية والمعلومات. 6- جابر عبد الحميد جابر "1979": علم النفس التربوي، القاهرة, دار النهضة العربية. 7- جابر عبد الحميد جابر "1986": نظريات الشخصية، القاهرة, دار النهضة العربية. 8- جان بياجيه "1954": اللغة والفكرة، ترجمة: أحمد عزت راجح، القاهرة, المكتبة المصرية. 9- جان بياجيه"1986": التطور العقلي لدى الطفل، ترجمة: سمير علي، ط1، بغداد, مطبعة العاني. 10- ج. تيرنر "1992": النمو المعرفي بين النظرية والتطبيق، ترجمة: عادل عبد الله محمد، القاهرة, الدار الشرقية. 11- جمعة سيد يوسف "1990": سيكولوجية اللغة والمرض العقلي، سلسلة عالم المعرفة "145"، الكويت, المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب. 12- جون كونجر، بول موش، جيروم كيحان "1987": سيكولوجية الطفولة والشخصية، ترجمة: أحمد عبد العزيز سلامة، جابر عبد الحميد جابر، القاهرة, دار النهضة العربية.

13- حامد عبد السلام زهران "1977": علم نفس النمو, ط4، القاهرة, عالم الكتب. 14- حامد عبد العزيز الفقي "1977": دراسات في سيكولوجية النمو, الكويت, دار العلم. 15- حسن مصطفى عبد المعطي "1991": علاقة النمو النفسي الاجتماعي بنمو التفكير الخلقي لدى المراهقين والراشدين، مجلة كلية التربية. جامعة طنطا، العدد 14، 312-368. 16- حسن مصطفى عبد المعطي "1991": قياس هوية الأنا: معايير تقدير مراتب الهوية وفقًا لمقابلة مارشيا. أم درمان, دار جامعة أم درمان الإسلامية للطباعة والنشر. 17- حسن مصطفى عبد المعطي "1991": التنشئة الأسرية وأثرها على تشكيل الهوية لدى الشباب الجامعي. مجلة كلية التربية, جامعة طنطا، العدد 14، 233-277. 18- حسن مصطفى عبد المعطي "1993": دراسة لبعض المتغيرات الأكاديمية المرتبطة بتشكيل الهوية لدى الشباب الجامعي. مجلة علم النفس، العدد 25، القاهرة, الهيئة المصرية العامة للكتاب 6-27. 19- ديوبولد فان دالين "1985": مناهج البحث في التربية وعلم النفس، ط2، ترجمة: محمد نبيل نوفل وآخرون، القاهرة, مكتبة الأنجلو المصرية. 20- رشاد عبد العزيز موسى "1990": دارسة أثر بعض المحددات السلوكية على الدافعين للإنجاز، مجلة علم النفس، العدد 15، القاهرة, الهيئة المصرية العامة للكتاب. 21- روبرت ودورث "1985": مدارس علم النفس المتعاصرة، ترجمة: كمال دسوقي، الزقازيق, مطابع جامعة الزقازيق. 22- ريتشارد م. سوين "1979": علم الأمراض النفسية والعقلية، ترجمة: أحمد عبد العزيز سلامة، القاهرة, دار النهضة العربية.

23- سليمان الخضري الشيخ "1983": البحوث النفسية في التفكير الخلقي، الندوة الدولية عن التربية والمستقبل، القاهرة, كلية التربية، جامعة عين شمس "20-22/ 3/ 1983". 24- سليمان الخضري الشيخ "1983": دراسة في التفكير الخلقي للمراهقين والراشدين، القاهرة. دار الثقافة للطباعة والنشر. 25- سهير محمد سلامة شاش "1998": أثر اللعب الجماعي الموجّه في تحسين الأداء اللغوي لدى الأطفال المتخلفين عقليًّا. رسالة ماجستير "غير منشورة"، كلية التربية, جامعة الزقازيق. 26- سول شيدلنجر "1970": التحليل النفسي والسلوك الجماعي، ترجمة: سامي محمد علي، القاهرة، دار المعارف. 27- سيجموند فرويد "1980": الموجز في التحليل النفسي، ترجمة: سامي محمود علي، عبد السلام القفاش، مراجعة: مصطفى زيور، القاهرة. دار المعارف. 28- سيجموند فرويد "1980": ما فوق مبدأ اللذة. ترجمة: اسحق رمزي، القاهرة, دار المعارف. 29- سيجموند فرويد "1980": ثلاثة مقالات في نظرية الجنسية. ترجمة: سامي محمود علي، مراجعة: مصطفى زيور. القاهرة, دار المعارف. 30- سيجموند فرويد "1981": حياتي والتحليل النفسي. ترجمة: مصطفى زيور، عبد المنعم المليجي. القاهرة, دار العارف. 31- طلعت حسن عبد الرحيم "1990": الأسس النفسية للنمو الإنساني، ط3، الكويت, دار القلم. 32- طلعت منصور، حليم بشاي "1982": دراسات ميدانية في النضج الخلقي عند الناشئة في الكويت, منشورات مجلة العلوم الاجتماعية بجامعة الكويت. 34- طلعت منصور، فيولا البيلاوي "1986": مذكرات في علم نفس النمو، "غير منشورة"، القاهرة. كلية التربية, جامعة عين شمس.

35- عادل عبد الله محمد "1985": علاقة النمو المعرفي بنمو التفكير الخلقي لدى تلاميذ مرحلة التعليم الأساسي، رسالة ماجستير "غير منشورة", كلية التربية, جامعة الزقازيق. 36- عادل عبد الله محمد "1990": النمو العقلي للطفل، القاهرة, الدار الشرقية. 37- عادل عبد الله "1991": اتجاهات نظرية في سيكولوجية نمو الطفل والمراهق. القاهرة, مكتبة الأنجلو المصرية. 38- عادل عز الدين الأشول "1982": علم النفس النمو، القاهرة, مكتبة الأنجلو المصري. 39- عبد الباسط خضر "1983": دراسة العلاقة بين المستوى الثقافي للأسرة والمستوى اللغوي للأطفال. رسالة ماجستير "غير منشورة"، كلية التربية, جامعة عين شمس. 40- عبد الحميد محمد الهاشمي "1980": علم النفس التكويني: أسسه وتطبيقاته من الولادة إلى الشيخوخة، جدة, دار المجمع العلمي. 41- عبد الرحمن سيد سليمان "1997": نمو الإنسان في الطفولة والمراهقة، القاهرة, دار زهراء الشرق. 42- عبد المنعم المليجي "1987": النمو النفسي. القاهرة, مكتبة مصر. 43- عبد الرحمن عيسوي "1981": دراسات سيكلوجية. القاهرة. دار المعارف. 44- عزت حجازي "1985" الشباب العربي ومشكلاته. ط2، سلسلة علام المعرفة، الكويت. المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب. 45- علاء الدين كفافي "1990": الصحة النفسية، ط3، القاهرة, دار هجر للطباعة والنشر والإعلان. 46- علاء الدين كفافي "1997": علم النفس الارتقائي. سيكولوجية الطفولة والمراهقة، القاهرة, مؤسة الأصالة. 47- غسان يعقوب "1980": تطور الطفل عند بياجيه، بيروت, دار الكتاب اللبناني.

48- فاروق العدلي"1981": الأنثروبولوجيا التربوية، القاهرة, دار الكتاب الجامعي. 49- فاروق صادق "1978": سيكولوجية التخلّف العقلي، الرياض, مطبوعات جامعة الرياض. 50- فؤاد أبو حطب "1973": التحليل العلمي للسلوك الخلقي. الكتاب السنوي في التربية وعلم النفس، القاهرة, عالم الكتاب. 51- فؤاد البهي السيد "1975": الأسس النفسية للنمو من الطفولة إلى الشيخوخة، القاهرة, دار الفكر العربي. 52- كمال دسوقي "1976": علم النَّفس ودراسة التوافق. بيروت, دار النهضة العربية. 53- كمال دسوقي "1979": النمو التربوي للطفل والمراهق، ط1، بيروت, دار النهضة العربية. 54- كمال إبراهيم مرسي "1979": مرجع في التخلف العقلي. الكويت, دار القلم. 55- ك. س. فيجوتسكي "1976": التفكير واللغة. ترجمة: طلعت منصور. القاهرة, مكتبة الأنجلو المصرية. 56- محمد السيد عبد الرحمن "1998": نظريات الشخصية، القاهرة, دار قباء للطباعة والنشر. 57- محمد السيد عبد الرحمن "1999": نظريات النمو. دروس في علم نفس النمو المتقدم، "غير منشور". كلية التربية, جامعة الزقازيق. 58- محمد محروس الشناوي "1997": التخلف العقلي. الأسباب، التشخيص، البرامج. القاهرة, دار غريب للطباعة والنشر والتوزيع. 59- محمد محروس الشناوي "1996": العملية الإرشادية والعلاجية. القاهرة, دار غريب للطباعة والنشر والتوزيع. 60- محمد رفقي محمد فتحي "1981": جان بياجيه بين النظرية والتطبيق. القاهرة, دار المعارف.

61- محمد رفقي محمد فتحي "1983": في النمو الأخلاقي: النظرية. الكويت, دار القلم. 62- محمد رفقي محمد فتحي "1987": سيكولوجية اللغة والتنمية الغوية لطفل الرياض. الكويت, دار القلم. 63- محمد علي الربيع "1986": الوراثة والإنسان؛ أساسيات الوراثة الطبية والبشرية. سلسلة عالم المعرفة "100"، الكويت, المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب. 64- محمد عماد الدين إسماعيل "1989": الطفل من الحمل إلى الرشد، ج1 "السنوات الست الأولى"، الكويت, دار القلم. 65- محمود أبو النيل "1987": الذكاء والفقر. مجلة علم النفس، العدد "2"، القاهرة, الهيئة المصرية العامة للكتاب. 66- محمود عطا حسين عقل "1992": النمو الإنساني الطفولة والمراهقة. الرياض, دار الخريجي للنشر والتوزيع. 67- مصطفى فهمي "1979": التوافق الشخصي والاجتماعي، القاهرة, مكتبة الخانجي. 68- ميشال زكريا "1983": الألسنية: علم اللغة الحديث - المبادئ والأعلام. ط2، بيروت, المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع. 69- ميشال زكريا "1985": مباحث في النظرية الألسنية وتعليم اللغة. ط2، بيروت, المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع. 70- هادي نعمان الهيتي "1988": ثقافة الأطفال. سلسلة عالم المعرفة "123"، الكويت, المجلس القومي للثقافة والفنون والآداب. 71- هانز ساكس "1985": فرويد أستاذي وصديقي. ترجمة: سعد توفيق، مراجعة: عبد الفتاح الديدي، القاهرة, الهيئة المصري العامة للكتاب. 72- هدى برادة، فاروق صادق "1986": علم نفس النمو، القاهرة, وزارة التربية والتعليم.

73- هدى محمد قناوي "1984": الطفل تنشئته وحاجاته. القاهرة. مكتبة الأنجلو المصرية. 74- هنري و. ماير "1981": ثلاث نظريات في نمو الطفل. ترجمة: هدى محمد قناوي، القاهرة, مكتبة الأنجلو المصرية. 75- هوك ك. لنذري ج. "1975": نظريات الشخصية. ترجمة: فرج أحمد فرج وآخرون، القاهرة, الهيئة المصرية العامة للكتاب. 76- American Psychological Association, Committee on Ethical Standards in Psychological Research. "1972": Ethical Standards for research with human subjects. American Psychological Association Monitor. 77- Aronfreed, J. "1968": Conduct and Conscience: The Socialization of internalized control over behavior. New York: Academic Press. 78- Atkinson, R. C. Bower, G. H. & Crothers, E. J. "1965": Introduction to mathematical leaning, theory. New York: Wiley. 79- Azmitia, M. & Hesser, J. "1993": Why Siblings are important agents of Conitive development: A Comparison of sibilings and Peers. Child Development, 64, 430- 444. 80- Bandura, A. & Mac Donald, F. J. "1963": Influence of Social reinforcement and the behavior judgments. J. of Abnormal and social psychology, 67, 247- 28. 81- Bandura, A. "1969": Social learning theory of identificatory Processes. "In" D. Goslin "Ed,", Handbook of Socialization theory and research. Chicago: Rand Mc Nally. 82- Beilin, H. "1976": Constructing Cognitive operations linguistically. "In." H. W Reese "Eds."; Advances New York: Academic Press. 83- Bell, R. Q. "1968": A reinterpretation of the direction of effects in studies of Socialization. Psychological Review, 75, 84- 88.

84- Bijou, S. W. & Baer, D. M. "1961": Child development I: A Systematic and empirical theory. New York: Appleton- Century-Crofts. 85- Borke, H. "1973": The development of empathy in Chinese and American Children between three and six years of age: A Cross-Culture study. Developmental Psychology, 9, 102- 108. 86- Brain, M. D. S. "1963": On learning grammatical order of words. Psychological Review, 70. 328- 348. 87- Bronfenbrenner, U: "1960": Freudian theories of identification and their derivatives. Child Development, 31,15- 40. 88- Bronfenbrenner, U. "1977": Toword an experimental ecology of human development. American Psychologist, 32, 513- 531. 89- Brown, A. L. "1975": The development of memory: Knowing, Knowing about Knowing, and Knowing how to know. "In" H. W. Reese "Ed.", Advances in child Development and behavior. Vol. 10. New York: Academia Press. 90- Burchanan, J. P. & Thompson, S. K. "1973": A quantitative methodology to examine the development of moral judgment. Child Development, 44, 186- 189. 91- Bruner, J. S. "1956": On cognitive growth. "In."; J. S. Bruner, R. R. Olver & P. M. Greenfield, "Eds."; Studies in cognitive growth. New York: Wiley. 92- Bruner, J. S., Olver, R. R. & Greenfield, P. "1966": Studies in Cognitive growth. New York: Wiley. 93- Burton, R. V. "1976": Honesty and dishonesty. "In." T. Lickona "Ed.", Moral development and behavior: Theory, research, and social issues. New York: Holt, Rinehart and Winston. 94- Cattle, R. B. "1960": The multiple abstract variance analysis equations and solutions: for nature- nurture research on continouous variables. Psychological Review, 67, 353- 372.

84- Bijou, S. W. & Baer, D. M. "1961": Child development I: A Systematic and empirical theory. New York: Appleton- Century-Crofts. 85- Borke, H. "1973": The development of empathy in Chinese and American Children between three and six years of age: A Cross-Culture study. Developmental Psychology, 9, 102- 108. 86- Brain, M. D. S. "1963": On learning grammatical order of words. Psychological Review, 70. 328- 348. 87- Bronfenbrenner, U: "1960": Freudian theories of identification and their derivatives. Child Development, 31,15- 40. 88- Bronfenbrenner, U. "1977": Toword an experimental ecology of human development. American Psychologist, 32, 513- 531. 89- Brown, A. L. "1975": The development of memory: Knowing, Knowing about Knowing, and Knowing how to know. "In" H. W. Reese "Ed.", Advances in child Development and behavior. Vol. 10. New York: Academia Press. 90- Burchanan, J. P. & Thompson, S. K. "1973": A quantitative methodology to examine the development of moral judgment. Child Development, 44, 186- 189. 91- Bruner, J. S. "1956": On cognitive growth. "In."; J. S. Bruner, R. R. Olver & P. M. Greenfield, "Eds."; Studies in cognitive growth. New York: Wiley. 92- Bruner, J. S., Olver, R. R. & Greenfield, P. "1966": Studies in Cognitive growth. New York: Wiley. 93- Burton, R. V. "1976": Honesty and dishonesty. "In." T. Lickona "Ed.", Moral development and behavior: Theory, research, and social issues. New York: Holt, Rinehart and Winston. 94- Cattle, R. B. "1960": The multiple abstract variance analysis equations and solutions: for nature- nurture research on continouous variables. Psychological Review, 67, 353- 372.

106- Eldkind, D. "1969"; Development Studies of figurative Perception. "In."L. P. Lipsitt and H. W. Reese "Eds.", Advances in child development and behavior. Vol. 4, New York: Academic Press. 107- Erlemeyer- Kimling, L. & Jarvik, L. F. "1963": Genetics and intelligence: A review. Science, 51, 593- 902. 108- Erikson, E. H. "1959": Identity and the life cycle. Psychological Issues, Monograph No. 1. 109- Erikson, E. H. "1963": Childhood and society. New York. Norton. 110- Erikson, E. H. "1966": The concept of identity in race relations: Notes and Queries, Daedalus, 45, "1", 145- 171. 111- Erikson, E. H. "1968": Yorth and Crises. New York: Norton. 112- Eysenck, H. J. "1976": The biology of morality. "In" T. Lickona "Ed."; Moral development and behavior: Theory, research, and social issues. New York: Holt, Rinehart. and Winston. 113- Flavell, J. H. "1963": The developmental Psychology of Jean Piaget. New York: Van Nostrand. 114- Flavell, J. H. "1972": An analysis of cognitive developmental sequences. Genetic Psychology Monograph, 86, 279- 350. 115- Flavell, J. H. "1977"; Cognitive development. Englewood Cliffs. N. J. Prentice- Hall. 116- Field, T. "1990"; Infancy. Cambridge, MA: Harfard university Press. 117- Flaver, J. H. "1992"; Cognitive development: Past, Present, and future Developmental Psychology, 28, 998- 1005. 118- Freedman. D. G. "1964": Smiling in blind infants and the issue of innate vs. acquired. J. of Child Psychology and Psychiatry, 5, 171- 184.

119- Freedman, D. G. "1960": The infant's fear of strangers and the flight response. J. of Child Psychology and Psychiatry, 4, 242-248. 120- Freud, S. "1950": The ego and th id. London: Hogarth. Press. 121- Freud, S. "1959": Collected Papers. Vol. I, II, III. IV. New York; Books. 122- Fry, P. S. "1977"; Success, Failme, and resistance to temptation. Developmental Psychology, 13,519- 520. 123- Furth, H. C "1970"; On language and Knowing in Piaget's developmental theory. Human Development, 13, 241- 257. 124- Gall, S., Beins, B.. & Feldman, A. J. "1996"; The Gale encyclopedia of Psychology. New York; Robyn v. young, coordinating Editor. 125- Gelman, R. "1969": Conservation acquisition: A Probem of learning to attend to relevant attributes. J. of Experimental child Psychology, 7, 167- 187. 126- Gelman, R. & Au, Tk. "1996"; Perceptual and cognitive development, 2nd ed., San Diego: Academic Press. 127- Gewirtz, J. L. "1969"; Mechanisms of social leaning: some roles of stimulation and behavior in early human development. "In" D. Goslin "Ed.", Handbook of Socialization theory and research. Chicago. Rand Mc Nally. 128- Goldstein, D. "1972": Cognitive Performance and competence characteristics of lower- and middle- class preschool children. J. of Genetic Psychology, 132, 177- 183. 129- Goodnow, J. J. "1969"; Problems in research in culture and thought. "In", D. Elkind & J. Flavell "Eds."; Studies in cognitive development: Essays in honor an Jean Piaget. New York: Oxford university Press, 1969. 130- Gorman, A. "1980"; Developmental Psychology. New York: D. Van Nostard Co.

131- Gormly, A. V."1997"; Life- Span human development. 6 th ed., New York: Harcout. Brace college Publisher. 132- Hagen, J. W. "1976"; The effects of distraction on selective attention. Child Development, 38, 685- 694. 133- Handrick, J. "1992"; The Whole Child: Developmental education for the early years. 5th ed. New York: Macmillan, Publishing Co. 134- Herriot, P. "1970"; An introduction to the Psychology of language. London: Methuen & Co. Ltd. 135- Hess. E. H. "1972": Ethology and developmental Psychology. "In" P. H. Mussen "Ed.", Carmichail's manual of child Psychology. New York: Wiley. 136- Hirsch, J. "1963"; Behavior genetics and individuality understood. Science, 142, 1436- 1442. 137- Hoffman, M. L. "1970"; Moral development. "In". P. H. Mussen "Ed."; Carmichael's manual of child Psychology. New York: Wiley. 138- Hogan, R. "1973"; Moral Conduct and moral Character: A Psychological Perspective. Psychological Bulletin, 79, 217- 232. 139- Honzik, M. p. "1957": Developmental Studies of Parent- Child resemblances in intelligence. Child Development, 28, 215- 228. 140- Honzik, M. P. "1963"; A sex difference in the age of onset of the parent- child resemblance in intelligence. J. of Educational Psychology, 53, 231-237. 141- Honzik, M. P., Macfarlane, J. W. & Allen, L. "1984": The Stability of mental test Performance between two and eighteen years. J. of experimental Education, 17. 309- 324. 142- Jensen, L. "1985"; Adolescence: Theories, research, applications. New York: West Publishing Co. 143- Jones, H. E.Conrad, H. S. & Jones, M. C."1973"; Physical maturation among boys as related to behavior. J. of Educational Psychology, 41, 129- 148.

144- Kagan, J. & Moss, H. A. "1962": Birth to maturity: A study in Psychological development, New York: Wiley. 145- Kagan, J., Rosman, B. L., Day, D., Albert. J. & Phillips, W. "1964"; Information Processing in the child: Significance of analytic and reflective attitudes. Psychological Monogrophs, Whole No. 578. 146- Kagitcibasl, C. "1996"; Human development across cultures. Hiilsdale, N. J: Erlbaum. 147- Kessen, W. "1965": The child. New York: Wiley. 148- Kessen, W. "1962": Stage and structure in the study of children. Monographs of Society for Research in child Development, 27 "2, serial No. 83", 65- 82. 149- Keasy, C. B. "1971"; Social Participation as a factor in the moral development of Preadolescents. Developmental Psychology, 5, 216- 220. 150- Kohlberg, L. "1963"; The development of children's orientations toward a moral order: I. sequence in the development of moral thought. Vita Humanities, 6, 11- 33. 151- Kohlberg, L. C. "1969"; Stage and Sequence: The Cognitive-developmental approach to socialization. "In". D. A. Goslin "Ed."; Handbook of Socialization theory and Research. New York: Rand Mc Nally. 152- Kohlberg, L. & Gilligan, C. "1971"; The adolescent as a Philosopher; The discovery of the self in the post conventional world. J. of the American Academy of Arts and Science, 3, 1068- 1069. 153- Kohlberg, L. "1973"; Continuities in childhood and adult moral development revisited. "In" P. B. Baltes & K. W. Schaie "Eds.", Life- Span developmental Psychology: Personality and Socialization. New York: Acadimic Press.

154- Kohlberg, L. & Krammer, R. "1980"; Continuities and discontinuities in childhood and adult moral development. Human Development, 12, 93- 120. 155- Kuo, Z. Y. "1972": Ontogeny of embryonic behavior in Aves: IV. The influence of embryonic movements upon the behavior after hatching. J. of Comparative Psychology, 14, 109- 122. 156- Langer, J."1969": Theories of development. New York: Hotl, Rinehart. And Winston. 157- Langer, J. "1970": Werner's Comparative- Organismic theory. "In."; Carmichael's manual of child Psychology. New York: Wiley. 158- Le Furgy, W. G. & Woloshin, G. W. "1969"; Immediate and long- term effects of experimentally induced social influence in the modification of adolescent's moral judgements. J. Of Abnormal social Psychology, 12, 104- 110. 159- Lerner, M. & Spanier, B. "1980"; Adolescent development; A life- span Perspective. New York: Mc Graw Hill book Co. 160- Lickona, T. "1967"; Moral development and behavior: Theory, research and social issues. New York: Holt, Rineharc and Winston. 161- Lockman, J. J. & Thelen, E. "1993"; Developmental biodynamics: Brain, body, behavior connectinons. Child Development, 64, 953- 959. 162- Lorenz, K. "1965": Evolution and modification of behavior. Chicago: university of Chicago Press. 163- Lourenco, o. & Machado, A. "1996"; In defence of Piaget's theory: A reply to 10 common criticisms. Psychological Review, 103, 143- 164. 164- Luria, A. R. "1966": Higher Cortical functions in man. New York: Basic Books.

165- Maccoby, E. E. "1968"; The development of moral values and behavior in childhood. "In" J. A. Clauson "Ed.", Socialzation and Society. Boston: Little, Brown. 166- Mackworth, N. H. & Bruner, J. S. "1970"; How adults and children search and recognize Pictures. Human Development, 13, 149-177. 167- Marcia, J. E. "1966": Ego identity status interview: late adolescent form. Simon Fraster university Press. Burnaby, Canada. 168- Marcia, J. E. "1966": Development and validation of ego identity status. J. of Personality and social Psychology, 3 "5", 551- 558. 169- Marcia, J. E. "1980": Identity in adolescence. "In": J. Adelson "Ed"; Handbook of Adolescent Psychology. New York: Wiley & Sons. 170- Marcia, J. E. "1976": Identity six years after: A follow- up\study. J. of youth and Adolescence, 5, 145- 160. 171- Marcia, J. E. "1980": Adolescent identity formation: conceptual and methodological issues. Comment from discussion sessons held at the meeting of the society for Research in child Development. Boston. 172- Mandler, J. M. "1990"; A new Prespective on cognitive development in infancy. American. Scientist, 78, 236- 243. 173- Mc Call, R. B. "1977": Challenges to a Science of developmental Psychology. Child Development, 48, 333- 344. 174- Mc Candless, B. R. "1970": Adolescents: Behavior and development. Hinsdale, III: The Dryden Press. Inc. 175- Meyer, W. J. "1972": The development of representational Competence. "In" F. J. Monks; W. W. Hartup& J. de- wit "Eds.", Determinants of behavioral development. New York: Academic Press, PP. 527- 530.

176- Meyer, W. J. & Dusek, J. B. "1979": Child Psychology: A development Perspective. Massachusetts: ction of D. S. Heath and Company. 177- Meyer, W. J. & Offenbach, S. I. "1962"; Effectiveness of reward and Punishment as a Function of task Complexity. J. of comparative and Physiological Psychology, 55, 532- 534. 178- Meryer, W. J. & Offenbach, S. I. "1962"; Effectiveness of reward and Punishment as a Function of task Complexity. J. of Comparative and Physiology, 55, 532- 534. 179- Moir, D. J. "1974"; Egocentrism and the emergence of conventional morality, in Preadolescent girls. Child Development, 45, 229- 304. 180- Moss, H. A. "1967": Sex, age, and state as determinants of mother- infant interaction. Merrill- Palmer Quarterly, 13, 19-36. 181- Nelson, K. E. & Reger, Z. "1995"; Children's Languge. Vol 8, Hillsdale, N. J. Erlbaum. 182- Newman, H. F., Freeman, F. W. & Holzinger, K. J. "1937": Twins: A Study of heredity and environment. Chicago: university of Chicago Press. 183- Overton, W. F. & Reese, H. W. "1973": Models of development: Methodological implications. "In" J. R. Nesselroade & H. W. Rees "Eds."; Life- Span developmental Psychology: Methodological issues New York; Academic Press. 184- Parke, R. D. & Walters, R. H. "1967"; Some Factors influencing the efficacy of Punishment training for inducing response inhibition. Monographs of the Society for Research in Child Development, 32 "1, serial No. 109". 185- Pasamanic, B. & Knoblock, H. "1966": Retrospective Studies of the epidemiology of reproductive casualty: old and new. Merrill-Palmer Quarterly, 12, 7- 26. 186- Piaget, J. "1972": Intellectual evaluation from adolescence to adulthood. Human Development, 15, 1- 12.

187- Piaget, J. "1977"; The moral judgment of the child. New York: Penguin books. 188- Plomin, R. De Fries, J. C. Mc Clearn, G. E. & Rutter, M. "1997"; Behavioral genetics. 3rd. ed., New York: W. H. Freeman. 189- Reese, H. W. & Overton, W. F. "1970": Models of development and theories of development. "In": L. R. Goulet & P. B. Baltes "Eds.": Life- Span developmental Psychology: Research and theory. New York: Academic Press. 190- Rest, J. R. "1976"; New approaches in the assessment of moral judgment. "In" T. Lickona "Ed." Moral development and behavior: Theory, research, and social issues. New York: Holt, Rinehart, and Winston. 191- Rothman, G. R. "1976"; The influence of moral resoning on behavioral choices. Child Development, 47, 397- 406. 192- Sadorow, L. W. "1995": Psychology. 3rd ed., New York: Brown & Benchmark. 193- Santrock, J. W. "1998"; Child development. 8th. ed. New York: Mc "tew Hill. 194- Scarr, S. "1966": Genet: c Factors in activity motivation. Child Development, 37, 663- 673. 195- Scarr, S. & Weinberg, R. A. "1976": IQ test Performance of black children adopted by white families American Psychologyist, 31, 726- 739. 196- Scarr, S. "1996"; Best of human genetics. Contemporary Psychology, 41, 149- 150. 197- Schaie, K. W. "1965": A general model for the study of developmental Problems. Psychological Bulletin, 64, 92- 107. 198- Sears, R. R. "1960": Reporting research to Parents J. Nursery Edusation, 16, 25- 32.

199- Sears, R. R. "1961": Mark twain's dependency and despair. Conference of American Psychological Association. New York; September. 200- Sears, R. R. "1961": Dependency. Palo Alto, Calif., Stanford university. 201- Sears, R. R. "1961": Relationship of early social experiences to aggression in middle childhood. J. of Abnormal Psychology, 63, 3,466- 492. 202- Sears, R. R. "1963": Dependency motivation. "In" M. R. Jones "Ed."; Nebraska Symposium on Motivation, Lincoln: university of Nebraska Press, PP. 25- 64. 203- Sears, R. R. "1965": Development of gender role. "In" F. A. Beach "Ed.", Sex and behavior, New York; Wiley, PP. 133- 163. 204- Selman, R. L. A. "1973"; A Structural analysis of the ability to take another's social Perspective: stages in the development of role taking ability. Paper Presented at the meeting of the society for Research in child Development, Philadelphia. 205- Sears, R. R. "1975": Your ancients revisited: A history of child development. "In" E. M. Metherington "Ed.", Review of child development research. Vol. 5, Chicago: University of Chicago Press. 206- Shantz, C. U. "1975"; The development of social cognition. "In" E. M. Hetherington "Ed.", Review of child development research. Chicago: university of Chicago Press. 207- Siegelman, E. "1969"; Reflective and impulsive observing behavior. Development, 40, 1213- 1222. 208- Skinner, B. F. "1969"; Contingencies of reinforcement: A theoretical analysis. New York: Appleton- Century. Crofts. 209- Skodak, M. & Skeels, H. M. "1949": A Final follow up study of one hundred adopted children. J. of Genetic Psychology, 75, 85-125.

210- Slaby, R. G. & Parke, R. D. "1971"; Effect of resistance to deviation of observing a model's affective reaction to respons consequences. Developmental Psychology, 5,40- 47. 211- Sherry, R. W. "1,975v Ifi&p- tam, \m. ^ Review, PP. 30- 33. 212- Stevenson, H. W. "1968": Developmental Psychology. "In" D. L. Sills "Ed.", International encyclopedia of the Social Sciences. New York: Macmillan, ??, 136- HO, 213- Sugarman, B. "1973"; The School and moral development. London: Groon Helm LTD. 214- Tomlinson- Keasey. C. and Keasy, C. B. "1974"; The mediating rail 9f ggngmtivg development in moral Judgment: Child Development, 45, 291- 298. 215- Tinbergen, N. "1951": The Study of instinct. London: Oxford university Press. 216- Turiel, E. "1969"; Development Processes in child's moral thinking. "In" P. H. Hussen, J. Langer & M. Covington "Ed."; Traends and issues in development Psychology, New York: Holt, Rinehart and Winston. 217- Turiel, E. & Rothman, R. "1972"; The influence of resoning on behavioral choices at different stages of moral development. Child Development, 43, 741- 756. 218- Vernon, P. E. "1960": The structure of human abilities. London: Methuen. 219- Wheeler, R. J. & Dusek, J. B. "1973"; The effects of attention and cognitive factor on children's incidental learning. Child . Development, 44, 253- 258. 220- White, s. "1965"; Evedence for a hierarchical arrallgement for learning processes. "In" L. P. Lipsitt & C. C. Spliker "Eds.", Advances in child behavior and development. Vol. 2. New York. Academic Press.

221- White, S. H. "1970": The learning theory tradition and child Psychology. "In" P. H. Mussen "Ed" Carmichael.htm's manual of child Psychology. New York: Wiley. 222- Wohlwill, J. F. "1973"; The study of behavior development. New York: Academic Press. 223- Zeaman, D. & House, B. J. "1963"; The role of attention in retardate discrimination Learning. "In" N. R. Ellis "Ed.", Handbook of mental deficiency. New York: Mc Graw- Hill. 224- Zigler, E. "1963": Met theoretical issues in developmental Psychology. "In" M. H. Marx "Ed."; Theories in contemporary Psychology. New York: Macmillan.

فهرس

فهرس 7 تقديم الفصل الأول طبيعة النمو الإنساني 15 مقدمة 16 نبذة تاريخية عن نمو الطفل 28 موضوع علم نفس النمو 29 معنى النمو 32 أنماط التغير في النمو 36 مظاهر النمو 38 قوانين ومبادئ النمو 55 مطالب النمو 58 أهمية دراسة النمو الفصل الثاني: النمو بين الوراثة والبيئة 67 مقدمة 67 نشأة السلوك ونموه 69 الآليات الوراثية الإنسانية 83 مبادئ التطور وعلاقتها بالنمو 94 تكوين السلوك الإنساني 95 أولًا: توارث السلوك الإنساني 95 طرق تحديد الوراثية 96 1- توزيع السكان

98 2- تحليل السلالات 99 3- طريقة التوائم 102 4- الشبه بين الطفل والوالدين 103 توارث الصفات الشخصية 103 1- توارث الذكاء 110 2- توارث الشخصية والطباع 114 البيئة والنمو الإنساني 114 أولًا: البيئة قبل الولادية: 125 ثانيًا: البئة بعد الولادية: 125 1- البيئة الطبيعية "الجغرافية" 126 2- البيئة التاريخية "الزمانية" 126 3- البيئة الثقافية 133 4- البيئة الاجتماعية 134 أ- الأسرة "البيئة الأسرية" 146 ب- البيئة المدرسية 151 التفاعل بين الوراثة والبيئة في تشكيل النمو الفصل الثالث: مناهج وطرق البحث في علم نفس النمو 157 البحث في علم نفس النمو 158 أخلاقيات البحث في علم نفس النمو 160 أبعاد البحث في علم نفس النمو 167 طرق البحث في علم نفس النمو 167 1- الطريقة المستعرضة لفئات مختلفة 169 2- الدراسة الطولية 172 3- الطريقة المستعرضة التتبعية

174 4- دراسة الحالة 179 تقييم نتائج البحث 183 خلاصة الفصل الرابع: الاتجاهات النظرية في تفسير النمو 187 مقدمة 189 النظرية في علم نفس النمو 191 الأنماط النظرية في النمو 191 1- نمط نظرية التعلم 199 2- النمط المعرفي النمائي 208 دور النظرية في تفسير نمو الطفل الفصل الخامس: نظرية النضج والنمو العضوي النفسي 215 أولًا: نظرية ميكانيزمات النضج العضوي "أرنولد جيزل" 243 ثانيًا: نظرية النمو الجسمي والتعلم الاجتماعي "روبرت سيرز" 255 ثالثًا: نظرية النمو الجنسي/ النفسي "سيجموند فرويد" الفصل السادس: نظريات النمو النفسي الاجتماعي 273 مقدمة 274 أولًا: نظرية النمو النفسي الاجتماعي "إريك هـ. إريكسون" 298 ثانيًا: نظرية تشكيل الهوية "جيمس مارشيا"

الفصل السابع: نظريات النمو المعرفي 333 النظريات المفسرة للنمو المعرفي 334 1- نظرية هانز وارنر 336 2- نظرية جيرو برونر 340 3- نظرية جان بياجيه 372 تقييم نظرية بياجيه 379 تكوين المفاهيم 396 الفروق الفردية في النمو المعرفي 399 خلاصة الفصل الثامن: نظريات النمو اللغوي 403 مقدمة 403 1- نظرية التعلم والتشريط 412 2- النظرية العقلية أو الفطرية 422 3- النظرية المعرفية 425 نظرة تكاملية لتفسير اكتساب ونمو اللغة الفصل التاسع: نظريات النمو الخلقي 429 مقدمة 430 أولًا: نظرية التحليل النفسي 432 ثانيًا: نظرية التعلم الاجتماعي 438 ثالثًا: المدخل التطوري المعرفي

440 أ- نظرية بياجيه في النمو الخلقي 457 ب- نظرية بك وهافيجهرست عن الأخلاقية 459 ج- نظرية كولبرج 486 خلاصة الفصل العاشر: تحليل ناقد لنظريات النمو 491 مقدمة 492 أوجه الاختلاف بين النظريات 502 تكامل النظريات 510 التطبيقات التربوية لنظريات النمو 517 المراجع 539 الفهرس

المجلد الثاني

المجلد الثاني مقدمة ... مقدمة: يسعدنا أن نقدم للقارئ العربي الجزء الثاني من كتاب علم نفس النمو الذي يتناول: مظاهر النمو وتطبيقاته، بعد أن تناول الجزء الأول أسس ونظريات النمو. ويأتي صدور هذا الكتاب ونحن على أعتاب ألفية جديدة من التاريخ الإنساني الذي يشهد ثورة علمية وتكنولوجية وإعلامية لم يسبق لها مثيل على مر التاريخ.. وإذا كان التقدم العلمي والحضاري يستند في المقام الأول على القدارت الخلاقة للإنسان الذي يستطيع توجيه الجوانب المادية واستثمارها، لذا: فإن الإهتمام بالسلوك الإنساني وجونب النمو عبر مراحل العمر المتتابعة أصبح الشغل الشاغل للعلماء والباحثين في علم النفس على وجه الخصوص بغية الإسراع بالنمو في مظاهره المختلفة. .. ومع التزامنا بالهدف الذي نسعى إليه في تقديم عرض عام لنمو الطفل فقد اخترنا لعرض النمو شكلًا موضوعيًا وليس شكلًا مرحليًا، حيث أن الشكل المرحلي ربما لا يؤدي إلى فهم استمرارية مظاهر النمو، فهو يجزيء مراحل عمر الإنسان ويحجب الطبيعة المنبثقة لمظاهر النمو مراحل العمر، بالإضافة لذلك: فإن العرض المرحلي قد يعمل على تجزئة عملية التعلم والاكتساب الذي يبدأ مع الإنسان من المهد إلى اللحد.. وفي اعتقادنا أن الشكل الموضوعي لعرض مظاهر النمو يؤدي إلى تجنب مشاكل المعالجات التبادلية ويوفر رؤية متماسكة للنمو داخل كل مظهر من مظاهره، وإحساسًا بالنمو عبر مختلف المظاهر. ولقد جاء الفصل الأول ليعرض النمو الجسمي والفسيولوجي باعتباره أكثر مظاهر النمو وضوحًا، يليه النمو الحركي، ثم تناولنا نمو الإدراك الحسي كمظهر للنمو العقلي المعرفي، بالإضافة لذلك تناولنا النمو اللغوي، والنمو الانفعالي وتطور بعض الانفعالات في الطفولة، وفي تناول النمو الاجتماعي ثم التركيز على جانبين من جوانبه وهما التفاعل بين الوالدين والطفل، والعلاقة بالأقران.. وأخيرًا اختتم الكتاب بالنمو الخلقي الذي هو ثمرة التنشئة وغاية النمو والنضج. ومع تأكيدنا على المعالجة المنفصلة لمظاهر النمو فإننا لم نهمل الكم الهائل من المعلومات التي استقيناها من أبحاث نظرية التعلم في علاقته بالنمو، حيث

ناقشنا الموضوعات المتعلقة بالتعلم خلال عرض مظاهر النمو المختلفة وإن لم نفرد فصلًا مستقلًا تحت عنوان التعلم -ولذلك: فإن مفاهيمنا عن التعلم التقليدي، والتعلم الشرطي، أو الإجرائي والتعلم بالنمذجة.. إلخ كل هذه المفاهيم تمت مناقشتها في فصول الكتاب المختلفة في سياق تقييم القدرات الحسية، وعمليات التكيف والتوافق الاجتماعي والنمو الانفعالي والأخلاقي.. إلخ وذلك لإيماننا بأن التعلم لا ينفصل عن النمو، حيث أن التعلم هو توظيف لمظاهر النمو. ولقد حاولنا في كل فصل من الفصول المحافظة على وجود توازن بين المعالجة العلمية لدراسة الطفل، والاهتمام بالتطبيقات العملية، وقد عرضنا المعالجة العلمية من خلال مناقشة دراسات وتجارب شرحناها بتفصيل كاف لتمكين الدارس من الحصول على درجة من المعرفة بشأن طريقة وإجراءات الدراسة والغرض منها، مما يؤدي في النهاية إلى فهم النمو والأوضاع النظرية والتطبيقة الممكنة. ولذلك: فإن الدارسين الذين يهمهم الاستمرار في دراسة نمو الطفل أو المجالات المتصلة به مثل: علم النفس العلاجي، أو علم النفس المدرسي، أو التعلم، أو الإرشاد النفسي، أو الخدمة الاجتماعية ... وغيرها سيجدون في ذلك خلفية علمية وطيدة، بالإضافة لذلك: فإن القارئ الذي يهتم بالجوانب التطبيقية العملية لنمو الطفل سيجد أننا قد ربطنا بين النتائج العملية ومختلف المشاكل التطبيقية التي يواجهها الآباء والمعلمون وغيرهم ممن تقتضي أعمالهم الاتصال اليومي بالأطفال والمراهقين.. كما أن المادة التي قدمناها تقترح استراتيجيات يمكن استخدامها في تربية الطفل، وهي تمد الباحثين بأساس للمعرفة لتقييم هذه الاستراتيجيات. وإنا لنأمل أن ينجح إنجازنا في إيصال إيماننا بأن الدراسة العلمية للنمو تلقي الضوء على المظاهر اليومية لسلوك الأطفال ... وإذا نجحنا في ذلك فإن القارئ يستطيع أن يشاركنا اهتمامنا البالغ بالأطفال وبدراسة نموهم. والله نسأل أن نكون قد وفقنا في عرض وتقديم مادة علمية يستفيد منها كل من يعمل مع الأطفال من دارسين، وباحثين وآباء، وعاملين في هذا المجال. والله ولي التوفيق المؤلفان،،

الفصل الأول: النمو الجسمي

الفصل الأول: النمو الجسمي أولا: مرحلة ما قبل الميلاد الفترة الجنينية ... الفصل الأول: النمو الجسمي رغم أننا لا نستطيع أن نصف مظهر النمو الجسمي وصفًا كاملًا، إلا أن هدفنا هو أن نقدم من المعلومات ما يكفي لكي ندرك مدى التعقيد في العلاقات التبادلية بين مختلف أجهزة الجسم. كما أننا سنوضح أنه منذ بداية الحمل يكون النمو الجسمي عملية مستمرة من التفاضل الخلوي، مع عملية مصاحبة من التفاضل والتكامل بين الأجهزة، وأخيرًا فإن مظاهر النمو الجسمي يجب أن ينظر إليها على اعتبار أنها مرتبطة أساسًا بالمظاهر الأخرى من النمو. وسوف نتناول النمو الجسمي من خلال نمو الطول والوزن، ونمو العمليات الفسيولوجية، والنمو الحاسي منذ مرحلة ما قبل الميلاد وحتى مرحلة الرشد. أولًا: مرحلة ما قبل الميلاد ما بين لحظة الحمل ولحظة الميلاد، تصبح كل الآليات البيولوجية اللازمة لتواجد حياة مستقلة في حالة عمل. فعندما تتحد البويضة بالخلية المنوية في قناة فالوب "عندما تكون البويضة في طريقها إلى الرحم"، تبدأ على الفور عملية الانقسام الفتيلي، ويستعد الرحم بإمداد إضافي من الدم لاستقبال البويضة المخصبة. وتتلقى البويضة الخصبة "الزيجوت" الغذاء من المخ في أثناء رحلتها إلى الرحم، ولكن يحدث بعد ذلك مباشرة أن تنمو تكوينات خارجية -الحبل السري، والمشيمة، وكيس السائل الأمنيوتي- وتقدم لها الحماية والغذاء. الفترة الجنينية: يسمى التركيب العضوي الآخذ في النمو "الجنين". وإذا نجح الزيجوت في الالتصاق بجدار الرحم، فإن النمو يبدأ رحلته الجنينية وهي تستمر نحو ثمانية أسابيع، وسرعان ما تتفاضل خلايا الجنين، وفي نهاية المرحلة الجنينية تتخذ سمات التركيب العضوي مظهرًا إنسانيًا واضحًا. والشكل "1" يبين هذه التغيرات، إذ يبين إنه في نهاية المرحلة الجنينية، يبلع طول التركيب العضوي 41مم في المتوسط. إن عملية التفاضل الخلوي المسئولة عن وظائف التكوينات البشرية وهي وظائف بالغة التخصص، عملية شديدة التعقيد "Fuller & thompson 1960"

لننظر مثلًا إلى النمو العصبي: كيف تستطيع الألياف العصبية للجنين، ولكل منها وظيفة على درجة ما من التحديد، أن تجد طريقها إلى مستقبلاتها من غدد وعضلات وأجزاء أخرى من الجهاز العصبي المركزي؟، لقد جاء وقت افترض فيه أنه لما كانت كل خلية في الجسم تشتمل على نفس العدد من الجينات، فليست كل الجينات في الخلية تكون نشطة "فعالة"، ثم افترض أن مجموعات صغيرة من الجينات في كل خلية تكون نشطة، أي أن عملية التفاضل الخلوي تتطلب أعدادًا من الجينات النشطة في كل خلية، وهذه الأعداد تتناقض باطراد. غير أنه لم يكن من الممكن تجريبيًا تحديد أي الجينات هي النشطة وأيها غير النشطة. وتوقعًا منه لأبحاث جديدة اعتقد سبري Sperry "1951" أن حل هذه المسألة يوجد في "نظام إرشاد بيوكيمائي معقد"، وكان ذلك مقدمة لفكرة "نظام تبويب الجينات "الذي يتضمن كلا من د. ن. أز، ر. ن. أ. وقد افترض سبري Sperry أن كثيرًا من الألياف العصبية تجري برمجتها مسبقًا للقيام بوظائف معينة "الأبصار، السمع، اللغة"، وتتصل الألياف العصبية بعدد قليل من بين التفرعات العديدة للخلية العصبية، وأن عملية الانتقاء التي تحدد أي الألياف هي التي تتصل بخلايا معينة تتوقف على التوافق البيوكيماوي للخلايا الفردية. وهكذا فإن خلايا المخ تكون وظائف متخصصة وكذلك الأجهزة العصبية التي تسيطر على وظائف الجسم. نمو الجنين الإنساني من اليوم السادس عشر حتى الأسبوع الثامن. إلى اليسار جنين عمره 16 يومًا تقريبًا، مكبرا × 23.5، وفي الوسط في حوالي الأسبوع الخامس مكبرا × 6.5؛ وإلى اليمين في حوالي الأسبوع الثامن × 0.2.

وعند نهاية الشهر الثاني، أي نهاية المرحلة الجنينية، يكون التفاضل بين تكوينات الجسم قد تم بنسبة 95%. فالأطراف الأربعة تصبح واضحة تمامًا "انظر الرسم الأيمن شكل "1"، ويمكن التعرف على بدء تكون العينين والأذنين والهيكل العظمي والعضلات، علاوة على ذلك يتواجد جهاز عصبي بدائي.

الفترة الحميلية

الفترة الحميلية: وتسمى السبعة شهور الباقية من الحياة قبل الولادة بالفترة الحميلية. ولما كانت 95% من تكوينات الجسم موجودة في نهاية الشهر الثاني، فإن باقي فترة الحمل تمضي في النمو العام وتتحسن أجهزته. ويعتبر نمو المخ مثلًا جيدًا على ذلك، فكل تكويناته الرئيسية تتم في نهاية الشهر الثالث من الفترة الحميلية. وابتداء من هذه النقطة تصبح الألياف العصبية أكثر كثافة، الأمر الذي يؤدي إلى تكون التلافيف في حوالي الشهر السابع الحميلي. غير أن سرعة المخ في النمو لا تضارع سرعة نمو باقي التركيبات العضوية. والنمو الأسرع في منطقة الدماغ يسمى "النمو الرأسي ذنبي" "Cephalocaudal trend"، والجهاز الهرمي "ألياف عصبية تبدأ من لحاء الدماغ وتمتد على طول العمود الفقري".. وألياف العمود الفقري لا تبدأ في النمو السريع إلا فيما بعد، ولذلك فإن الحركة الإرادية لا تتيسر في مبدأ الأمر. وعندما تبدأ الأجهزة التي تسيطر عليه السلوك الإرادي الحركي في التكامل، تكون باقي مناطق المخ هي الأخرى آخذة في التكامل. وهناك عملية أخرى داخل الجهاز العصبي المركزي تبدأ في فترة ما قبل الولادة وتعرف باسم "تكون النخاع" Myelin، وهي مادة دهنية بيضاء تغطي الألياف العصبية، والمعتقد أنها مسئولة عن سرعة التوصيل العصبي، أي أنها تجعل وقت رد الفعل والوظيفية الحسية أكثر كفاءة.

الجنين إلى اليسار بعد 8 أسابيع من الحمل، وإلى اليمين بعد 12 أسبوع إن القليل من الأبحاث هي التي نشرت عن جهاز الدورة الدموية في القلب وجهاز الغدد الصماء في الجنين. فنبضات قلب الجنين مثلا تبدأ بعد الحمل بثلاثة شهور تقريبًا، ولكن آليات حركة النبض نفسها غير مفهومة. علاوة على ذلك فهناك ما يدل على أنه في داخل الجهاز الدوري يقوم الدم الخارج من المشيمة بافتتاح أجهزة تؤدي إلى سريان دم الأم خلال كبد الجنين ورجوعه إلى القلب؛ ويجري تصريف الفضلات المتجمعة خلال غشاء المشيمة. وللجنين جهازه الدوري الخاص، ولكنه يتبادل الدم في كلا الاتجاهين "من الجنين إلى الأم ومن الأم إلى الجنين" بواسطة أغشية مسامية كيميائيًا، توجد بصفة خاصة في المشيمة. ولذلك فإن العقاقير، مثل الثاليدوميد، التي تتناولها الأم تعبر غشاء المشيمة، وقد يكون لها تأثير ضار على نمو الجنين. ومن جهة أخرى، فإن الجنين ينقل الإفرازات الغدية إلى الأم. وبعض إفرازات الجنين مثلا تؤدي إلى تراجع حالات التهاب المفاصل، وإن كانت هذه الحالات تعود للظهور بعد ولادة الطفل.

وقد تركزت الأبحاث حول النمو الغدي بصفة خاصة على الأطفال حديثي الولادة ومن هم أكبر منهم. أن الغدد الرئيسية تنمو أثناء فترة ما قبل الميلاد، ولكن تأثيرها على السلوك أو النمو لا يبدو ملحوظًا. وينمو الجنين في الطول من 1.5 بوصة إلى ما يقرب من 20 بوصة عند الميلاد. ويتغير الوزن من 8/ 1 رطل تقريبًا إلى 7 أرطال. وعندما يبلغ الجنين الشهر السابع وإلى الشهر السابع والنصف، تكون آلياته الجسمية قد بلغت حدًا من النمو يسمح لها بالحياة خارج الرحم، وإن كان ذلك بمساعدة أجهزة صناعية. كما أن الأجنة تظهر انعكاسات بدائية مثل الانعكاس الكفي "انعكاس قبض استجابة لملامسة راحة اليد"، والانعكاس الأخمصي "انثناء أصابع القدم استجابة لملامسة باطن القدم".

ثانيا: مرحلة ما بعد الميلاد

ثانيا: مرحلة ما بعد الميلاد نمو الطول والوزن ... ثانيًا: مرحلة ما بعد الميلاد أ- نمو الطول والوزن: عندما وصفنا النمو قبل الميلاد، لاحظنا أن منطقة الدماغ تنمو أسرع من نمو التكوينات التي تقع أسفلها. وعند الولادة تكون الدماغ نحو 22% من طول الوليد، ولكن هذه النسبة تتغير "انظر الشكل2" تغيرًا ملحوظًا مع التقدم في السن. ويختلف الأطفال عند الميلاد في الطول وفقًا للعوامل الوراثية، ولعوامل الجنس: فالذكور عند الميلاد يكونون في الغالب أطول من الإناث قليلًا، ويكون النمو في الطول سريعًا ما بين الميلاد إلى نهاية السنة الثانية إذ يبلغ طول الطفل الوليد حوالي 50 سم ويزيد طول الطفل بمعدل 2.6 سم كل شهر خلال الأشهر الأربعة الأولى، ويصل طوله في الشهر الرابع حوالي 60 سم، وفي نهاية السنة الأولى يصل طوله إلى حوالي 70 سم وفي نهاية السنة الثانية يصل إلى حوالي 87 سم تقريبًا. أما بالنسبة للوزن: فإن وزن الطفل يتضاعف عما كان عليه عند الولادة بعد مضي خمسة أشهر، وبعد عام يصل إلى ثلاثة أضعاف هذا الوزن. فمن المعايير المعروفة أن الطفل حديث الولادة يصل وزنه إلى حوالي سبعة أرطال أي

ثلاثة كيلو جرامات. وعلى الرغم من أن الوليد يقل وزنه في الأيام الأولى بعد الميلاد بسبب توافقات الطفل مع بيئته الجديدة، وحتى تعمل أجهزة الهضم وتقوم بدورها، فإن الطفل يعود إلى استعادة ما فقده وتكون الزيادة في الوزن زيادة مطردة إذ يزيد بمعدل 4/ 3 كيلو جرام شهريًا خلال الشهور الأربعة الأولى فيصل وزنه إلى ما يقرب من 4/ 51 كجم، ويصل في نهاية السنة الأولى إلى حوالي 9 كجم، ويلغ في سن سنتين ما يقرب من 12.5 كجم ... وعلى الرغم من وجود فروق بين الذكور والإناث في ذلك إلا أن الوزن يتأثر بصفة عامة بالحالة الصحية للطفل، وبنظام تغذيته، وبالوعي الغذائي للأم. ومن واجب الآباء والمربين: أن يقوموا بعرض الطفل على الطبيب المختص إذا لم تحدث زيادة في وزن الطفل في الأسابيع الأولى، أو إذا لم تحدث زيادة في طوله إلى الشهر السادس. أما في الطفولة المبكرة "3-5" سنوات: فإن معدل الطول والوزن ينمو نموًا مطردًا وسريعًا.. حيث يصل طول الطفل في سن الثالثة إلى 90 سم في المتوسط، ويستمر في الزيادة فيصل في سن الخامسة إلى 107 سم، وفي بداية العام السادس إلى حوالي 110 سم. أما الوزن في سن الثالثة فيبلغ 14 كجم في المتوسط.. واعتبارًا من السنة الثالثة يزداد بمعدل كيلو جرام سنويًا، فيصل الوزن في الخامسة إلى حوالي 18 كجم وفي السادسة إلى حوالي 19 كجم. وتلاحظ فروق فردية طفيفة بين الجنسين، فنجد البنين أطول والبنات أكثر وزنا، ونجد أن البنين أكثر حظًا في النسيج العضلي على حين تكون البنات أكثر حظًا في الأنسجة الشحمية. وبالإضافة إلى الفروق الفردية بين الجنسين في الطول والوزن، نجد فروقًا فردية بين أبناء العمر الواحد، وهي ترجع إلى طبيعة الطفل الخاصة ووراثته، والظروف البيئية التي تعيش فيها ومدى العناية التي ينالها في التغذية، ومدى سلامة بنيته وصحته العامة.

هذا ويلاحظ أن 75% من زيادة الوزن خلال السنة الخامسة ترجع إلى تطور نمو العضلات، وإن كان السبق لا يزال للعضلات الكبرى فهي أكثر تطورًا من العضلات الصغرى، الأمر الذي يفسر تأخر المهارات التي تتضمن تآزرات دقيقة لدى الطفل وتفوقه في الأنشطة التي تتطلب الحركات الكبيرة. شكل "3": متوسط نمو طول القامة للأولاد والبنات وفي سنوات المدرسة الابتدائية يبدأ النمو الجمسي في التباطؤ بعد أن كان يتقدم بخطوات سريعة في المراحل السابقة. ونلاحظ زيادة في الطول سنويًا تقدر بحوالي 2-5 سم أي بمعدل يصل إلى 5-6% سنويًا. ويصل معدل الزيادة في الوزن حوالي 10% من الوزن الكلي للطفل أي بمعدل 3-5 أرطال.. وهكذا يبلغ طول الطفل حوالي 117.5 سم في سن السابعة. ويصل وزنه إلى حوالي 21.6 كجم، ويقل طول ووزن الفتيات قليلًا عن الذكور في هذه السن، ويصل الطول إلى حوالي 152 سم في نهاية المرحلة، ويصل الوزن إلى حوالي 45 كجم. وحتى سن العاشرة يكون البنون "الأولاد" أطول قليلا من البنات إلا أنه بعد العاشرة تحدث طفرة النمو لدى البنات حيث يتفوقن على البنين في الطول والوزن، ولعل مرد ذلك إلى إنهن يسبقن البنين في الدخول إلى مرحلة البلوغ بكل ما تحمله من طفرة نمائية.

شكل "4" متوسطات نمو الوزن عند الذكور والإناث هذا وتوجد فروق فردية في الأطفال في الطول والوزن فقد نجد أطفالًا في سن السادسة يفوقن في الطول أطفالًا في سن العاشرة، ويعتمد ذلك بالطبع على الاستعداد الوراثي للطفل ونوعية الرعاية التي تقدم له من غذاء ورعاية من الأمراض وترويح ولعب وترفيه. بالإضافة لذلك فإنه في المرحلة الابتدائية تتحول بعض الغضاريف في الهيكل العظمي إلى عظام صلبة. وفي مرحلة المراهقة: فقد دلت الدراسات المسحية التي أجريت على المراهقين أن مظاهر الجسم تنالها طفرة قوية في الفترة بين العاشرة والسادسة عشرة وإن كانت هذه الطفرة تحدث مبكرة عند البنات ومتأخرة قليلًا عند البنين: إذ

تبدأ عند البنات في حوالي التاسعة وتنتهي في الرابعة أو الخامسة عشرة، وتبدأ عند البنين في حوالي سن الثانية عشرة وتنتهي في حوالي سن الخامسة عشرة، وتبلغ أقصى سرعة للنمو عند البنين في حوالي سن الرابعة عشرة، بينما تبلغ أقصاها في سن الثانية عشرة عند البنات ... وبينما يصل البنين للطول النهائي في سن العشرين، فإن البنات يصلن للطول النهائي في سن السابعة عشرة. ومثل معدلات نمو الطول فإن طفرة نمو وزن الجسم يكون أكبر في سرعته ودرجته عند الإناث من سن 11-15 منه عند البنين، وبعد هذه السن يزيد وزن البنين حتى تصل هذه الزيادة في سن العشرين إلى 20% من متوسط سرعة النمو العامة. انظر شكل "5". شكل "5" متوسط الزيادة في الطول والوزن خلال سنوات العمر

ومن المعلوم أن الوزن يزداد في المراهقة زيادة سريعة نظرًا لنمو العضلات والعظام. وبينما نلاحظ اتساع الكتفين عند الفتى فإن عظام الحوض تنمو عند الفتاة بشكل أوضح لوظيفة الحمل والولادة ويكون البنون أقوى جسميًا من البنات في نمو العضلات بينما عند البنات يتراكم الدهن في أماكن معينة من الجسم. والخلاصة: إنه فيما يتعلق بالفروق بين الجنسين من منحنيات النمو للطول والوزن أن منحنى الطول ومنحنى الوزن يأخذان نفس الاتجاهات العامة عند كل جنس على حده أي أن البنات قبل البلوغ أقل طولًا ووزنًا من البنين، أما أثناء البلوغ فعادة ما تكون البنات أكثر طولًا ووزنًا من البنين، بينما يصبح البنون أكثر طولًا ووزنًا في نهاية مرحلة المراهقة ويظلون كذلك طيلة حياتهم.

نمو الوظائف العضوية

ب- نمو الوظائف العضوية: 1- التسنين: يولد الطفل ومنابت أسنانه خافية تحت اللثة، ويبدأ ظهور الأسنان في الشهر السادس أو السابع من الميلاد، ويعتبر ظهور أول أسنان الطفل حدثًا تنتظره الأسرة وتتحدث عنه بعد حدوثه فإذا تأخر ظهور الأسنان وسمعت الأم أن طفلًا آخر يقارب طفلها في عمره وظهرت أسنانه فإنها تبدأ في الإحساس بالقلق ... والحقيقة التي يجب أن يعرفها المربون هي أن الظهور المبكر للأسنان ليس علامة صحة، وأن تأخرها ليس دليلًا على وجود مرض ما دامت الصحة العامة للطفل عادية ونموه الجسمي طبيعي، وأن الأطفال الأصحاء، قد يتأخر بدء تسنينهم إلى الشهر الثامن، وأن تبكير التسنين عند الطفل -كما يحدث أحيانا في الشهر الرابع أو الخامس- ليس في صالح صحة الطفل لأن التسنين عملية عنيفة، ولا يكون الطفل حينئذ في حالة جسمية تسمح له بمقاومة هذه العملية فترتفع درجة حرارته أو يصيبه إسهال، أو فقدان الشهية.. وما إلى ذلك. وأول ما يظهر في فم الطفل هو القاطعان السفليان الأوسطان فيما بين الشهر السادس والسابع، ثم يظهر في الشهر الثامن القاطعان الأوسطان العلويان، ثم يتوالى ظهور الأسنان فتظهر القواطع الجانبية أو الخارجية، ثم يظهر الضرس الأمامي من كل جانب، ثم يظهر ناب بين كل قاطع جانبي وضرس، ثم يظهر

الضرس الخلفي بكل ناحية. ولذلك فإنه مع نهاية السنة الأولى تكون مجموع أسنان الطفل سننا "أربع منها في الفك العلوي واثنتان في الفك الأسفل"، وفي سن 18 شهرًا يكون للطفل 21 سنًا.. وفي نهاية السنة الثانية يكون له ست وعشرون من الأسنان وفيما يلي جدولًا لعمر ظهور الأسنان وإن كانت هناك فروق فردية بين الأطفال في هذه الأعمار. ويجب ملاحظة أنه: يجب على الأم ألا تنزعج إذا لم تظهر الأسنان بهذا الترتيب -فكثيرًا ما تظهر الأسنان بترتيب زمني آخر- وليس في ذلك أية دلالة مرضية، ولكن إذا تأخر موعد منها عن شهرين فمن الأفضل استشارة الطبيب ... وقد تنبثق الأسنان وهي غير متناسقة في مواضعها، كما قد تؤدي عدم العناية بتنظيفها إلى إصابتها؛ لذا يجدر بالأم أن تعني باستشارة الطبيب أن لاحظت بعض التشوهات في منابت الأسنان، كما أن عليها أن تعني بنظافة الأسنان وتخليصها من فضلات الطعام.. ولا شك أنه بظهور الأسنان عند الطفل يحدث تغير في استجابات الطفل الانفعالية إذ قد يمعن في القضم والعض، وتبدأ خبرات الطفل تزداد، فهو فضلًا عن استخدامها في تناول طعامه وقضمه فهو يستخدمها كوسيلة للاستطلاع والكشف، ويستخدمها كوسيلة للعدوان والانتقام، على أنه ليس كل عض عند الطفل غرضه العدوان، بل قد يشتق لذة من العض مثل اشتقاقه اللذة في المص ولذلك: يجب أن يعطى الطفل ما يتيح له إشباع ميله إلى القضم كأن يقضم "لقمة" من الخبز أو قطعة من العظم ... وما إلى ذلك.

وخلال الطفولة المبكرة تكتمل الأسنان اللبنية فيما بين الثانية والثالثة من العمر بحيث يصبح الطفل أكثر قدرة على تناول طعام الراشدين. ويواجه الأطفال عادة في منتصف الثالثة بعض الاضطرابات الناشئة عن انبثاق بقية الصفين الأماميين من الأسنان، علاوة على زوجين من الضروس خلال اللثة.. ويتعرض كثير من الأطفال فيما بين منتصف الثالثة والعام الخامس لتسوس الأسنان. ولذا وجب العناية بأسنان الأطفال في هذه العمر ونظافتها وتطهيرها بعد كل وجبة. ويتم في سن السادسة من العمر تغيير الأسنان اللبنة، إذ يبدأ سقوط الأسنان اللبنة ليحل محلها بالتدريج الأسنان الدائمة، ففي السنة السادسة يتم تغيير أربعة أسنان، وفي السابعة والثامنة يتم تغيير ثمان قواطع، وما بين العاشرة والثانية عشرة يتم تغيير ثمان أضراس أمامية وتحل الأنياب الدائمة محل الأنياب اللبنية.. ويبدأ نمو تلك الأسنان في الفك السفلى أولًا، وعادة ما تسبق البنات البنين في تكوين هذه الأسنان المستديمة.. هذا مع وجود الفروق الفردية بين أفراد كلا الجنسين. ويصاحب تغيير الأسنان بعض الصعوبات من حيث انتظام الأسنان وجودتها، كذلك تحدث اضطرابات في اللثة وتفتحها إذا لم تبذل العناية المستنيرة للمحافظة على صحة الأسنان وسلامتها وذلك من خلال الرقابة عن طريق جودة التغذية التي تسهم في بناء الأسنان، وكذلك عمليات التنظيف والتطهير المستمر بعد الوجبات الغذائية حتى لا تتخمر بقايا فضلات الطعام الموجودة.

علاقة صحة الطفل بنموه الجسمي

2- علاقة صحة الطفل بنموه الجسمي: يصاب الطفل في هذه السن ببعض الأمراض العادية مثل نزلات البرد، والنزلات الشعبية، والنزلات المعوية، والتهاب اللوز الجيبي وهي كلها أمراض إذا عولجت في بدايتها تفقد خطورتها على حياة الطفل، بينما إذا أهمل علاجها تتسبب في بعض المضاعفات التي تؤثر على النمو الجسمي للطفل، لذلك لا بد من المبادرة إلى علاج أي مرض يظهر على الطفل. وحتى لا يصاب الطفل بالأمراض المعدية يصبح من الضروري تحصينه ضدها.. وقد تهمل الأم هذا الإجراء البسيط، ولكن ذلك قد يؤدي إلى مرض الطفل بأحد هذه الأمراض التي تمثل له ولأسرته عذاب العمر كله.. فالتحصينات خطوات سهلة وبسيطة ومن الضروري الحرص عليها.. ويتم تحصين الطفل في السنوات الأولى من العمر حسب جدول قد يختلف من بلد لآخر، ولكن المحصلة النهائية هي تطعيم الطفل في العام الأول ثلاث مرات ضد شلل الأطفال والدفتيريا والسعال الديكي، ومرة ضد الحصبة ويجوز إضافة تطعيم ضد الحصبة الألمانية والغدة النكفية. وخلال العام الثاني: تعطى جرعات منشطة ضد شلل الأطفال وضد الدفتريا والسعال الديكي والتيتانوس.. وهناك تطعيمات أخرى: ففي العام الثالث أو الرابع يعطى الطفل جرعة منشطة ضد شلل الأطفال، وفي العام الخامس تعطى جرعة منشطة ضد شلل الأطفال وضد الدفتريا والتيتانوس، وبعض الأطباء يفضل إعطاء جرعة شلل الأطفال كل عام منذ العام الثاني حتى سن ست سنوات ولا ضرر في ذلك ... وفيما يلى جدول تطعيم الطفل والأعراض المصاحبة لكل جرعة.

جدول "2" بيان تطعيمات الطفل من الميلاد إلى سن المدرسة صورة سكانر

النمو

النمو ... 3- النوم: يميل الطفل حديث الولادة إلى النوم ميلًا شديدًا، فهو يجب أن ينام لأنه ينمو أثناء نومه.. والواقع أن هناك أمورًا جديرة بالتسجيل بالنسبة لنوم الطفل في هذه المرحلة:

- أن مدة النوم لدى الطفل حديث الولادة تكون طويلة، وأن متوسط مدة النوم تقل كلما تقدم الطفل في العمر.. وفيما يلي متوسط فترة نوم الطفل بين الشهر الرابع ونهاية السنة الثانية مع التسليم بوجود فروق فردية بين الأطفال في مدة النوم. - ويلاحظ في الطفولة المبكرة أن ساعات نوم الطفل تقل بالقياس إلى ساعات يقظته فتصل إلى حوالي عشر ساعات يوميًا. وبذلك تقترب من ساعات نوم الراشد، كما تتجه إلى التركيز ليلًا أكثر من النوم نهارًا. - أن مدة النوم تتغير من يوم لآخر: فالطفل قد ينام في يوم مدة أكثر أو أقل من اليوم التالي أو السابق. - أن نوم الطفل يكون متقطعًا: فنجد الطفل يستيقط كل 3 أو 4 ساعات لطلب الطعام وخاصة في الشهور الأولى من عمره. - يجب أن يحاط الطفل أثناء النوم بالهدوء، وعدم الإزعاج: فمرض الطفل والضوضاء والضوء الشديد يسبب للطفل النوم القلق.

نمو العمليات الفسيولوجية

جـ- نمو العمليات الفسيولوجية: 1- الجهاز الدوري: عندما ناقشنا النمو في مرحلة ما قبل الولادة، ذكرنا أن القلب يبدأ في النبض بعد ابتداء الحمل بحوالي 3 أسابيع، غير أننا لم نذكر إنه في تلك الفترة يعتبر القلب من أكبر أعضاء الجسم حجمًا، والواقع أنه في ذلك الوقت يكون أكبر منه في أي وقت آخر بالنسبة للجسم. وبعد الولادة يزداد حجم القلب بسرعة، وفي السنة السادسة يبلغ 6 أضعاف حجمه عند الولادة. وجنبًا إلى جنب مع ازدياد حجم القلب. - وإن لم يكن من الضروري أن يكون ذلك نتيجة له يحدث تغيير هائل في

ضغط الدم، الذي يكون منخفضًا إلى حد ما عند الولادة "يكون الضغط الانقباضي حوالي 40 مم زئبق". ويزداد الضغط الانقباضي إلى حوالي 80 مم زئبق في نهاية الشهر الأول، ثم يرتفع بعد ذلك تدريجيًا ويعتبر ضغط دم الشخص البالغ 120 مم زئبق في العادة، وليس هناك دليل قاطع على خط سير السن بالنسبة لضغط الدم الانقباضي، ولكن الصورة قد لا تكون كاملة أمامنا. ونستطيع بسهولة أن نفهم السبب في الزيادة الكبيرة في ضغط الدم الانقباضي إذا ما علمنا أن المقياس الانقباضي يدل على مقدار الضغط الذي يجب أن يؤديه القلب لدفع الدم خلال الشرايين الرئيسية. ولما كانت الشرايين واسعة بالنسبة لحجم القلب، وحيث أن الجسم صغير نسبيًا، أمكننا أن ندرك أن الطفل لا يحتاج لنفس مقدار الضغط اللازم لدفع الدم كما يحتاج إليه الشخص البالغ. وقد ثبتت هذه الحقيقة ثبوتًا قاطعًا من واقع إنه بعد سن الخمسين يميل ضغط الدم للارتفاع نتيجة لتغيرات تكوينية في القلب وفي الشرايين والأوردة؛ وغالبًا يكون ذلك من الانسداد نتيجة تراكم الكولسترول.

نمو الغدد الصماء

2- نمو الغدد الصماء: يتكون الجهاز الغدي من عدد كبير من التكوينات. ونحن لا نعرف إلا القليل عن الدلالة الوظيفية في مرحلة الطفولة للغدد الصنوبرية والكظرية والتيموسية أو في الواقع في مرحلة النضج أو كبر السن. إن الغدة الدرقية التي تحكم النشاط الأيضي العام ومستوى الطاقة، يبدأ نموها مبكرا في فترة ما قبل الولادة، وتنمو بسرعة خلال الأربعة شهور الأولى، وتصل إلى كامل كيانها البالغ في حوالي سن العشرين وفي هذا الوقت يبلغ حجم الغدة الدرقية ضعف حجمها عند الولادة. والغدة الدرقية: تفرز هرمون الثيروكسين، وإذا قل إفرازه فإن الفرد يفقد حيوية ويقظة وتعرف هذه الحالة بالمكسدريما Myxedena وفيها يصبح الفرد غبيًا لا يستطيع التذكر أو التركيز أو التفكير ... أما إذا كانت إصابة الغدة الدرقية منذ الميلاد أو في مرحلة الطفولة المبكرة، فإن النمو الجسمي يصاب بالاضطراب وعدم التناسب بين أعضاء الجسم ولا ينمو الذكاء وتسمى هذه الحالة بالقصاع Cretinism وفيها يبقى الفرد قزمًا وفي حالة تعسة.. ولقد تمكن العلماء من علاج المكسديما بإعطاء المريض جرعات هرمون الثيروكسين لإعادته إلى حالته

الطبيعية.. وعلى عكس ذلك: إذا زاد إفراز الثيروكسين زاد النشاط الكيميائي في الجسم مما يؤدي إلى زيادة الأيض فيصاب الفرد بعدم الاستقرار الانفعالي والقلق ويصبح متوترًا سريع التهيج العصبي. أما الغدتان الكظريتان -القشرة الكظرية والنخاع الكظري- فيكونان جزءًا من الجهاز العصبي السمبتاوي، والمعتقد بصفة عامة أنهما ترتبطان بردود الفعل الانفعالية. ولذلك فعندما يفرز الادرينالين في مجرى الدم، يقوم التركيب العضوي بالاستعداد إما للهرب أو لنشاط عدواني. وفي نفس الوقت يحدث ازدياد في سرعة نبضات القلب وفي ضغط الدم، وزيادة في إفراز السكر وإرسال كميات أكبر من الأكسجين إلى الرئتين، وتحويل كميات من الدم إلى العضلات الكاسية للهيكل العظمي. وحجم الغدتين الكظريتين يكون كبيرًا عند الولادة، ويتضاءل حجمًا تدريجيا بعد ذلك. وليس من الواضح تمامًا ما تدل عليه هذه الأنماط النمائية في السلوك، غير أن الملاحظ أن القشرة الكظرية إذا ما عجزت عن إفراز الهرمونات، تحدث الوفاة. ولسوء الحظ لن تظهر بعد أي معطيات عن كيفية تحكم إفرازات القشرة الكظرية في تمثيل الملح أو الماء أو الكربوهيدرات. والغدة النخامية تتكون من فصين، أمامي وخلفي. والمعروف عن الفص الخلفي قليل، ولكن الفص الأمامي يفرز هرمونات تؤثر على نمو الجسم والطول والوزن وتمثيل الكربوهيدرات والبروتينات. علاوة على ذلك فإن الفص الأمامي يفرز أيضًا مجموعة من الهرمونات "تسمى بالهرمونات المدارية وهي تؤثر على أنشطة معظم غدد الجسم الأخرى. ولذلك فإن الغدة النخامية من أهم أجزاء جهاز الغدد الصماء في الجسم. فالهرمونات المدارية، مثلًا، تؤثر على الهرمونات التناسلية التي تؤثر على النمو النهائي للغدد الجنسية الذكرية والأنثوية، وهذه بدورها تؤثر على الصفات الجنسية الثانوية. ويمكن ملاحظة الغدة النخامية في نهاية الشهر الرابع من الحمل وهي تنمو بمعدل بطيء نسبيًا في الفترة السابقة للبلوغ وتصل إلى أقصى حجم ووزن لها في حوالي سن 35 سنة. ومن أهم إفرازات الفص الأمامي للغدة النخامية هرمون يعرف باسم فيون "هرمون النمو" وهو جوهري في عملية النمو في فترتي الطفولة والبلوغ. وزيادة إفراز هذا

الهرمون عن المعدل في سنوات النمو يؤدي إلى العملاقية أو العملقة Gigantism في حين أن نقصه في تلك الفترة يؤدي إلى القزمية Dwarfism. وآخر مناطق نمو الغدد الصماء التي سنناقشها يختص بنمو الغدد الجنسية وما تفرزه من هرمونات. ففي الذكر تتكون الغدد التناسلية من الخصيتين، أما الأنثى فإن غددها التناسلية هي المبيضان. وفي الفترة المبكرة قبل الولادة، فإنه من المتعزر معرفة جنس التركيب العضوي حتى باستخدام المجهر. وفي حوالي بداية الأسبوع الثامن تظهر من التفاضلات ما يسمح بالتعرف على جنس الجنين. وقد أصبح الأسبوع الثامن تظهر من التفاضلات ما يسمح بالتعرف على جنس الجنين وقد أصبح بالإمكان الآن إجراء التحليل الكروموسومي للسائل الأمينيوتي، الأمر الذي يسمح بتحديد جنس الجنين تحديدًا دقيقًا. ولعله من أهم مظاهر نمو الغدد الجنسية مقدار الناتج من الهرمونات الجنسية في السنوات السابقة للبلوغ. ففي تلك الفترة يفرز كل من الذكور والإناث الاندروجين، وهو الهرمون الجنسي للذكر، أكثر من الاستروجين، وهو الهرمون الجنسي للأنثى. والذكور قبل البلوغ لا يكاد يوجد فرق بين إفرازهم من كل من هرموني الاندروجين والاستروجين، ومع ابتداء البلوغ، وبحافز من هرمون الفص الأمامي للغدة النخامية، يزداد الفرق في إفراز الاندروجين والاستروجين بين الذكور والإناث، وإن كان هذا الفرق يكون أكبر عدد الإناث. والدلالة الوظيفية الفعلية لهذا الفرق غير مفهومه تمامًا غير أنه من المعلوم أن هرمونات الجنس تأخذ في الكف تدريجيًا بالمقارنة بإفراز الفيون، وبذلك يوضع حد للنمو الجسمي. وأخيرًا فإن هرمونات الفص الأمامي تولد صفات جنسية ثانوية تتميز بها مرحلة البلوغ. وفي المراهقة يلون الجنس معظم سلوكيات المراهق، ويكون الفرد قد اكتشف الفروق الجنسية التشريحية بين الجنسين وعرف المعلومات عن وظيفة أعضاء التناسل والتكاثر والسلوك الجنسي. وفي أوائل هذه المرحلة يشعر المراهق بالدافع الجنسي الذي يبدأ في التحول نحو الجنس الآخر وتحدث طفرة البلوغ عند البنات في الحادية عشرة أو الثانية عشرة. وأول علامة لبلوغ الفتاة ظهور الثديين على مراحل متعددة، وظهور شعر العانة، وتحت الإبط وكبر حجم الرحم، والمهبل، ويتغير الصوت، وتظهر الملامح

الجسمية الأنوثية حيث تبقى الأكتاف أرفع من الجذع ومفاصل الفخذين أعرض وأكثر استداره ويتسع الحوض مما يميز جسم الفتاة عن الفتى.. غير أهم علامة لبلوغ الفتاة هي الحيض أي البدء في إنتاج البويضات من المبيض خلال قناة فالوب إلى الرحم.. ومن المعروف أن الحيض الشهري قد تصاحبه بعض الاضطرابات النفسية مثل القلق والتوتر والضيق أو الانطواء. أما عند البنين فتتأخر طفرة النمو الجنسي عن البنات إلى ما بين 12-14 سنة فتنشط الغدد الذكرية، وتؤثر إنزيمات التستوستيرون الذكرية وتنشط الخصيتان وتفرزان الحيوانات المنوية والهرمونات الجنسية الأخرى في صورة السائل المنوي الذي تفرزه البروستاتا ويتراوح بين 200-300 مليون حيوان منوي في كل عملية قذف "هدى برادة، فاروق صادق: 1986، 274-175". وفي هذا العرض العام للنمو الجسمي بالتأكيد حقيقة واضحة هي أن الوليد عنده كل التكوينات اللازمة لتأدية وظائفه مستقلا عن الأم، ومن الناحية النفسية فالدلالة قوية على أنه يبدأ عملية طويلة وشاقة للتعلم من بيئته. ولا شك في أنه طبقًا لما تدل عليه المعطيات من الولادة حتى النضح، فإن النمو الجسمي عملية مستمرة، الأمر الذي لا يجعلنا نندهش من اقتدارات التركيب العضوي أيضًا تتحسن. غير أن هذا التحسن يصبح وظيفة تفاعلية لمستوى النمو والمثيرات البيئية.

نمو المخ

3- نمو المخ: جزء كبير من القليل المعلوم لنا حول نمو المخ قدمه كونيل Conel ووضعه تانر Tanner "1970". ومعظم مادته ووصفه. ودلالته الأساسية هي في علاقته الوظيفية بالسلوك والبيئة. مثال ذلك، أن الطفل حيث الولادة قادر على أداء الكثير من الأفعال الحركية، ولكنه أقل قدرة على الأداء الحسي "المتعلق بالسلوك الحركي"، وهو قادر على تكوين ارتباطات بسيطة، بين المثيرات. ويدل فحص مناطق المخ على تماثل تقريبي بين منطقتي النمو والسلوك. إن منطقة الحركة في القشرة الدماغية مثلا أكثر نموًا من المناطق الأخرى. ولذلك فإن القدرة الوظيفية تتناسب تقريبًا مع التكوينات القشرية. وإذا كان هذا الافتراض صحيحًا بدرجة

معقولة، فإننا نستيطع عندئذ أن نستخلص بعض الدلالات عن نمو المخ من واقع السلوك. وبالنسبة لضرورة معرفة علم وظائف الأعضاء لفهم نمو المخ، وبالنسبة لأن اهتمامنا أساسًا هو بالسلوك، فإننا لن نناقش تفاصيل نمو المخ. ويبدو أن لهذا العمل دلالات على مختلف مظاهر السلوك والنمو الإنسانيين، مثل استخدام اليدين، واللغة، والقدرة على التمييز بين اليمين واليسار، أي على توجيه الجسم في القضاء ... إلخ. إن نضج بعض الأنماط السلوكية يقدم العديد من القرائن حول نمو قشرة المخ. وتفيد معظم المراجع في هذا الصدد أن النضج يتوقف عن إيجاد أي علاقة هامة بالنمو الحركي بعد سن السادسة، ومع ذلك فمن الخطأ أن نستنتج أن أي عمليات إضافية خاصة بالنضج لم تعد لها أهمية، وكل ما في الأمر أن اكتشافها أكثر صعوبة. وطبقًا لما قاله تانر "1970ص 123" Tanner: "من الواضح أنه لا يوجد سبب للافتراض بأن الصلة بين النضج التكويني وحدوث الوظيفة تتوقف في سن السادسة أو العاشرة أو الثالثة عشرة.. بل بالعكس هناك ما يدعو للاعتقاد بأن القدرات العقلية الأكثر تقدمًا لا تظهر هي الأخرى إلا عندما يتم نضج بعض التكوينات، وتنتشر مجموعات خلايا في أنحاء قشرة المخ. إن تفرعات الخلية العصبية، بل الملايين منها، تشغل حيزا قليلا، ويمكن حدوث زيادة كبيرة في الاتصال في حدود إجمالي زيادة في الوزن لا تتعدى عددًا قليلًا في المائة. أم مراحل الوظيفة العقلية كما وصفها بياجيه وغيره، بها الكثير من سمات المخ الآخذ في النمو أو التكوينات الجسمية، وظهور مرحلة بعد الأخرى من المحتمل أن يتوقف على "أي يحدده" النضج المتواصل وتنظيم قشرة المخ". نصفا كرة المخ The Brain Hemispheres: يبدو أن لكل من هذين المخيين قدرات مستقلة "1975، Sperry"، الأمر الذي يثير كثيرًا من التساؤلات حول وظائف كل نصف كرة وكيف تتكامل هذه الوظائف. والمسألة معقدة وذلك بسبب عدم تجانس مخ الإنسان، أي أن كل نصف من نصفيه له سيطرة أساسية على بعض مظاهر السلوك.

إن السيطرة الرئيسية لكل مخ على وظيفة معينة تسمى التسلط Dominance. وبالنسبة للوظائف الحركية، كاستخدام اليدين والقدمين، فإن نصف كرة المخ المتسلط يكون عادة في الجانب المقابل لليد أو للقدم المختارة. وثمة مفهوم مواز يسمى الجانبية Laterality. وطبقًا لتانر Tanner "1972، ص747" فإن الجانبية هي: "اسم الظاهرة التي بموجبها في تركيب عضوي ذي قدرات زوجية "يدان، قدمان، عينان، أذنان"، فإن أداء واجبات معينة، في اتجاه نحو المركز العصبي أو منه، يكون أفضل في جانب من الجسم منه في الجانب الآخر. والجانبية نصف وظيفة "لا تناظرية". والجانبية لا تشير إلى سيطرة المخ ولكنها تعني مجرد سمات أدائية لا تناظرية. إن الأداء يتوقف على أي الجانبين من الجسم هو المشترك في النشاط المعين، ونصفا كرة المخ هما أيضًا لا تناظريان في التكوين. اللا تناظرية الثنائية Bilateral asymmetry: تنفرد الكائنات البشرية بأن لها لا تناظرية ثنائية "1968, Bensam & Feschirnn, 1970, Zangwill, 1972, Tanner, 1970, Gorballis & Beak" وقد قام كوربليس وبيك Corballis & Beak "1967" بتدريب حمام على تمييز مثير ما تعكسه مرآة. وفي الواجب الخاص بالتجربة كان الحمام يكافأ على النقر عند خط 135 درجة وليس على النط عند خط 45 درجة "صورة المرآة". وبعد عدد كبير من المحاولات استطاع الحمام أن ينقد على خط 135 درجة. ولكن هل تعني هذه النتائج أن الحمام لديه المقدرة على تمييز صورة المرأة. يبدو أن الجواب على ذلك هو بالنفي؛ ذلك لأن التحليل الذي أجري بعد ذلك لسلوك الحمام دل على أن التمييز كان حادثًا بتأثر ما يسميه الباحثون "تحول المنقار Break shift"، فالحمام كان يميل برأسه بحيث أصبح أحد الخطين رأسيًا والآخر أفقيًا. وبعبارة أخرى، فبدلًا من تمييز صورة المرأة، قام الحمام بتحويل المسألة تكيفيا إلى محاولة للتمييز بين خط رأسي وآخر أفقي. وأهمية هذه الدراسة تظهر في دراستين أخريتين لخصهما كوربليس وبيك Corballis & Beak "1971". قام بالدراسة الأولى بافلوف Pavlov "1927" الذي ذكر أنه يكاد يكون من المستحيل إحداث استجابة شرطية لإفراز اللعاب في

الكلاب تجعلها تميز جانبي الجسم الذي لمس. وبالتحديد فإن الحيوانات كان عليها أن تفرز اللعاب إذا لمست في جانب معين، ولا تفرز اللعاب إذا لمست في نفس الموضع المقابل من الجانب الآخر. غير أنه عند قطع الشريط الرابط بين نصفي كرة المخ. وبالتالي قطع الاتصال بين المخ الأيمن والمخ الأيسر، تعلمت الحيوانات التمييز المشروط لصورة المرآة بسرعة ظاهرة. وقد فسرت معطيات بافلوف Pavlov بأنها تبين أن كل نصف كرة "مخ" صورة مرآتية للأخرى، مع قيام الألياف التي تصل بين نصفي الكرة بوصل نقط صورة المرآة. وإذا كان هذا التفكير صحيحًا فإن الاتصال بين نصفي الكرة قد يتدخل في التمييز بين اليمين واليسار وبالعكس. وهناك دراسات عديدة تؤيد الاستنتاج الرامي إلى أن الأطفال عادة دون الثامنة -وقطعًا دون السادسة- يجدون صعوبة في التفرقة بين اليمين واليسار أو في مواجهة المشاكل التي تنجم عن صورة المرأة. وقد نقل كوربليس وبيك Corbalbis & Beak "1970" عن جاذانيجا Gazzaniga "1968" أن الشريط الرابط بين نصفي كرة المخ يبلغ أقصى نموه في وقت متأخر نسبيًا "7-8 سنوات". ويصبح الكلام محصورًا في نصف الكرة الأيسر في حوالي الخامسة من العمر، ولذلك فإن وجود تخصص لنصف الكرة أمر قائم، ويفترض أن الاتصال بين نصفي الكرة متاحة قبل السنة السابعة. غير أن النمو غير الكامل للشريط الرابط بين نصفي المخ قد يفسر السبب في أن الأطفال الصغار كثيرًا ما يظهرون القدرة على تمييز الكتابة والصور المرآتية. ويبقى سؤالان هامان: ما هو السبب في حدوث اللاتناظر، أي ما هو السبب في أن تكوينات ووظائف نصفي كرة المخ يختلفان؟ علاوة على ذلك ما هي العمليات التي تتضمنها الاتصالات بين نصفي الكرة؟ هناك افتراضان أن تبادليان قدما لتفسير السبب في اللاتناظر، وهما يستندان إلى التكوينات الوراثية، وإلى البيئة. وطبقًا لرأي سبرى Sperry "1975" فإن تسلط نصف الكرة واستخدام يد يتم تحديده بوساطة جينتين لكل منهما إليلتان.

والجينتان والإليلات التابعة لهما تصنع 9 تكوينات ممكنة لتسلط نصف كرة المخ واستخدام اليد. وبناء على ذلك فإن بعض الناس يشتد عندهم تسلط نصف الكرة الأيسر فيستخدمون يدهم اليمنى، في حين أن آخرين يكونون أكثر تعرضًا للمتطلبات البيئية، كما أن هناك آخرون أيضًا يتغلب لديهم تسلط نصف الكرة الأيمن فيستخدمون يدهم اليسرى. والرأي المتعلق بالبيئة يعتبر في الواقع أقرب ما يكون لنظرية تطورية وتنص النظرية أساسًا على أن استخدام الإنسان للأدوات قد يكون هو السبب في حدوث اللاتناظرية في المخ. فعندما يستخدم إنسان أداة "آله"، فإن إحدى يديه تمسك بالآلة وتستخدمها في حين تعمل اليد الأخرى على تثبيت الشيء الجاري معالجته بالأداة، ولكن لماذا هذا التفوق الساحق في عدد الذين يستخدمون يدهم اليمنى؟، الواقع أنه لا أحد يعلم السبب في ذلك، وأن كان هناك رأي بأن التسلط الجانبي الوراثي كان في زمن من الأزمنة موزعًا بالتساوي أي أن عدد الذين يسخدمون يدهم اليمنى كان مساويًا لعدد الذين يستخدمون يدهم اليسرى. ثم حدث الانتقاء نتيجة أعمال القنص والقتال مع استخدام الدرع، وكان الناس يميلون لإحداث الجروح في الجانب "الأيسر، حيث يوجد القلب"، أي إلى الجانب البارز أو الأكثر نشاطًا في الجسم. فالذين كان المخ المتسلط لديهم هو الأيمن "يستخدمون اليد اليسرى"، كانوا أكثر احتمالًا لتلقي الجروح في الجانب الأيسر، حيث يوجد القلب، أي إنهم كانوا أكثر احتمالا لتلقي جروحًا مميتة. ولذلك فإن هؤلاء الناس قتلوا مبكرًا، وأنجبوا أقل، وبالتالي زادت نسبة السكان الذين يستخدمون اليد اليمنى "مخ أيسر". وواضح أن هذا التفسير حدسي أو تخميني وأن كان من الممكن أن يكون معقولًا. كيف يتصل نصفا كرة المخ الواحد بالآخر، وما تأثير ذلك على السلوك؟ لقد سبق أن أوضحنا أن الاتصال بين نصفي الكرة يتم من خلال الشريط الرابط بينهما المعروف بالجسم الجاسي. كما أوضحنا أن كل نصف كرة يبدو

وكأنه نسخة طبق الأصل من النصف الآخر، وإن كان هذا التطابق غير كامل. ولذلك فإن الاتصال يبدو وكأنه يولد صورًا مرآتية، ويجعل في الواقع التعلم التالي أكثر صعوبة "الطفل لا يستطيع أن يحدد أي المعلومات هي الصحيحة". وقبل أن ينمو الشريط الرابط فإن كلا من نصفي الكرة يشتمل على انطباعات "تكوينات" للغة ولكل أنواع الإدراك. وهكذا فإن لكل نصف كرة القدرة على أداء أفعال قبل أن يصبح أحد النصفين متسلطًا. وبظهور التسلط، تقوم العمليات الكابحة بإخماد القدرة على المعرفة واتخاذ القرارات لنصف الكرة غير المتسلط "1970، Gazzaninga". وبهذا الإخماد، فإن الوارد من نقط التماثل في نصف الكرة غير المتسلط، "السبب الظاهري للصور المرآتية" لا يستطيع بعد ذلك أن يتدخل ليعوق الوارد إلى نصف الكرة المتسلط، فلم يعد هناك أنظمة إعلامية ذات كفاءة. استخدام اليدين: يعتبر استخدام اليدين من الأدلة الافتراضية على تسلط المخ. أن تسلط نصف الكرة كما رأينا يكون عادة في الجانب المقابل لليد أو القدم المختارة "والواقع أننا نتكلم عن استخدام اليدين، ولكن هناك أيضًا استخدام القدمين والعينين وغير ذلك من الوظائف التفضيلية". أن أغلبية الناس "93%" يستخدمون اليد اليمنى أو يظهرون تسلطًا مختلطًا "العين اليمنى، اليد اليسرى، القدم اليسرى"، في حين أن 7% فقط يستخدمون اليد اليسرى " zangwill, 1968, Benson, Geschwind, 1968". وحيث أن استخدام إحدى اليدين دون الأخرى يرتبط بالتسلط المخي، فلا يجب أن ندهش إذا وجدنا أن التفسيرات تشمل عوامل بيئية ووراثية. ومع أننا لا نختلف مع التفسير الوراثي البحت، إلا أن ما يراه سبري Sperry من أن بعض الناس أكثر قدرة من الناحية الوراثية على تكيف استخدام يديهم مع الضغوط الخارجية، مما يثر الاهتمام. أن نظريته تتماشى مع معطيات زاننجويل Zangwill "1960" جينسون وجيسويند Genson & Geschwind "1968"، الذين استنتجوا أن استخدام اليدين ليس شرطًا في الصيغة "إما-أو"، ولكنه يتمثل على درجات مختلفة داخل الشعب الواحد. ولذلك فإن التسلط القوي في أي الجانبين لن يتأثر بسهولة. إذا تأثر على الإطلاق بالضغوط الخارجية. أن درجة أقل تحديدًا من التسلط الوراثي ستكون أكثر تأثرًا بالبيئة.

وفي مجموعة من الدراسات نقلتها هيلدرث Hildreth "1949" نجد كيف أن البيئة يمكن أن تكون مؤثرة. لقد أظهرت أن الوالدين يستخدمان أنواعًا من المكافآت وبعض وسائل الترهيب لتشجيع الطفل على استخدام اليد اليمنى. كما أن هيلدرث وجدت أيضًا أن عدد الإناث اللاتي يستخدمن اليد اليمنى أكبر من عدد الذكور، وهو ما عزته إلى زيادة درجة خضوع الإناث للضغوط البيئية "ولو أن الإناث قد يكن أكثر استعدادًا من الناحية الوراثية لتسلط نصف كرة المخ الأيسر". وقد عرض كل من بنسبون وجيسويند وسويير أنا & Benson, Geschwind Subirana "1969" تفسيرًا بيئيًا آخر: لقد وجد هؤلاء الباحثون أن استخدام اليد اليسرى أكثر انتشارًا بين الأطفال إذا كانت الأم، وليس الأب، تستخدم اليد اليسرى، مما لو كان الأب، وليس الأم، يستخدم اليد اليسرى. وفي رأي الباحثين فإن هذه النتائج تشير إلى أن الأمهات لهن تأثير أكبر على نمو الأطفال. وبدرجة تأثير البيئة على استخدام إحدى اليدين، يصبح ذلك تنبؤًا أقل دقة بالتسلط المخي. ويتفق ذلك ومعطيات هيلدرث Hildrth من أن من 20-40% من السكان لديهم تسلط مختلط. واستخدام العين أو القدم قد يعطي دلالة أفضل على التسلط، ذلك لأن هذه الوظائف أقل تأثرًا بالضغوط الاجتماعية. متى يتحدد تفضيل استخدام إحدى اليدين: قام جيزل وأمس Gesell & Ames "1947" بجمع المعطيات المعيارية الموضحة بالجدول "4"، وطبقًا لهذه المعايير يستغرق الأمر حوالي سنتين قبل أن تظهر استجابة من جانب واحد. غير أن معطياتهما تدل على أن هذا الظهور المبكر لتفضيل استخدام إحدى اليدين أمر انتقالي، وأن الاستقرار على استخدام إحدى اليدين لا يتم إلا بعد حوالي 8 سنوات. وبالمصادفة نلاحظ أن جازانيجا Gazzaniga يعتقد أن الشريط الرابط بين نصفي كرة المخ لا يبلغ تمام نضجه إلا في سن الثامنة، وفي هذه السن يستقر تسلط أحد نصفي الكرة استقراره النهائي. كما أن علماء نفس الأعضاء وعلماء نفس النمو، يهتمون أيضًا بمسألة تفضيل استخدام إحدى اليدين، ذلك لأنها تقدم معلومات عن تسلط المخ. وكما ذكرنا فإن هناك ما يدعونا للشك في دقة هذه المعطيات، ولكن الاختبار المكثف عادة يوفر

معلومات على درجة معقولة من الصحة، وتستخدم هذه المعلومات للتعرف على الأشخاص الذين لديهم تسلط نصفي، أيمن وأيسر، ويستخدم الباحثون هذه المعلومات لوصف أهم وظائف كل نصف كرة. نصف الكرة الأيسر: سبق أن رأينا أن الأنشطة الحركية التي تقتضي تفضيل استخدام إحدى اليدين "أو إحدى العينين أو القدمين" تكون محكومة بنصفي كرة المخ على الجانبين Contralateral hemispheres. ومعنى هذا أن الألياف تمر من نصف كرة إلى

النصف الآخر. وكلا النصفين يسيطران على الأنشطة الحركية، ولكن يبدو أنهما ينظمان وظائف مختلفة، فمثلا، وجد انجرام Ingram "1975" أن الأطفال في سن الثالثة والرابعة والخامسة يلوحون دائمًا باليد اليمنى في أثناء الكلام. كما أن اليد اليمنى كان أداؤها أفضل في اختبارات القوة والنقر بالأصابع. أما اليد اليسرى فكانت متفوقة في واجبات التباعد بين الأصابع وأوضاع اليد. أن اليد المفضلة لا تمتلك مهارات مطردة التفوق بالمقارنة باليد غير المفضلة. أن الأداء المتفوق لليد اليسرى في الواجبين قد يكون راجعًا إلى المكونات البصرية -الفضائية "البصرية - المكانية" Visual - Spatial - وهي قدرة يظن أنها من دالات نصف الكرة الأيمن. ولعل أهم وظائف نصف الكرة الأيسر وأكثرها موضوعًا للدارسة هي السيطرة على اللغة. إن السمات المعقدة للغة "تركيب الكلام، الكلمات المجردة والمفاهيم" تتمثل في نصف الكرة الأيسر بالنسبة لكل الأشخاص الذين يستخدمون يدهم اليمنى ولمعظم الذين يستخدمون يدهم اليسرى. ولكن يجب ألا نفترض أن كل وظائف اللغة تقع في نصف الكرة الأيسر، فإن بعض الوظائف اللغوية البسيطة يبدو أنها محكومة من نصف الكرة الأيمن، مثال ذلك، تعلم أسماء الأشياء. والرسم في الشكل "6" يبين الوظائف المقارنة لنصفي الكرة "Calder, 1970". وكثير من الأبحاث عن موضع اللغة في المخ استخدمت أشخاصًا يعانون من إصابات في المخ. وتدل هذه الدراسات بصفة عامة على أن إصابات نصف الكرة الأيسر تؤثر على بعض مظاهر اللغة، في حين أن التلف الذي يصيب نصف الكرة الأيمن يبدو أن أثاره الضارة أقل. وهذا البحث في الواقع مثارًا للشك وذلك بسبب صعوبة إجراء دقيق لأي التكوينات أو أي الأجهزة العصبية في المخ هي المصابة. وبالتالي فإننا سوف نؤسس تعميماتنا على الدراسات التي استخدمت أشخاصًا طبيعيين. وقد أسهمت كيمورا Kimura "1967، 1969، 1973" اسهامًا عظيمًا في معرفتنا عن كل من نصفي كرة المخ الأيسر والأيمن. كان الأسلوب الأساسي

للبحث الذي قامت به هو الاستماع المزدوج، وفيه يعرض مثيران مختلفان لكل إذن في وقت واحد. والمثير قد يكون أنواعًا مختلفة من الكلمات "أسماء، أفعال.. الخ" أو أرقام أو أصوات. وفي حالة استخدام الأرقام، يعرض رقم للأذن اليسرى ورقم آخر للأذن اليمنى، وتعرض ثلاثة أزواج من هذا القبيل في تتابع سريع، وبعد أن يتم الاستماع للرقم السادس، يطلب من المفحوص أن يتذكر أكبر عدد ممكن من الأرقام. وفي عدة دراسات مع أفراد بالغين ذكرت "كيمورا" نسبة أكبر من تذكر الأرقام التي عرضت على الأذن اليمنى.

لقد استخدمت كيمورا واجب الاستماع المزدوج مع الأطفال، وحجتها في ذلك أنه قبل نمو التسلط المخي، تكون الموضوعات المقدمة لكل أذن متساوية، ثم في الثامنة عندما يظهر التفوق يجب أن يحدث التسلط المخي. ولقد كان الأطفال المشتركون في هذه الدراسة ذوي معاملات ذكاء متوسطة وكانت أعمارهم لا تقل عن 5 سنوات، ثم بعد ذلك أطفال في الرابعة. وقد كررت كيمورا نفس التجربة مع أشخاص آخرين. وفي مجموعة من أطفال الطبقة المتوسطة الأدنى، ظهر تفوق الأذن اليمنى متأخرًا بعض الوقت، كما كان هناك فرق تبعًا للجنس. فقد أظهرت البنات تفوق الأذن اليمنى مبكرات عن الصبيان "أنظر الجدول "5" للمعطيات عن هذه الدراسة" ولقد كان فارق الجنس متماشيًا مع النمو السابق للغة عند البنات، وفارق السن بين المجموعات الاجتماعية الاقتصادية كان متماشيًا مع الفروق المعروفة في أنماط النمو الأخرى.

وقد ظهر أن اللاتناظرية الوظيفية لنصفي كرة المخ في أفراد طبيعيين يستخدمون اليد اليمنى توجد في النماذج السمعية والبصرية واليدوية. وقد حولت نقط "درجات" الاختبار للجانبين الأيسر والأيمن إلى نسب للمقارنة. ونسبة تسلط نصف كرة المخ الأيسر بالنسبة لإدراك الكلمات المنطوقة هي 1.88: 1 في حين أن النسبة لتسلط نصف كرة المخ الأيمن هي 1,19: 1. وهاتان النسبتان ليستا قيمة ثابتة إذ أنهما يتغيران تبعًا لنوع المثير ونوع الاستجابة المطلوبة وصعوبة الواجب.

إن تفوق الأذن اليمنى للمثيرات السمعية ليس مطلقًا. والرسم البياني في الشكل "6" يبين أن الأنماط النغمية والأصوات البشرية غير الكلامية يتم تذكرها بالأذن اليسرى أفضل "وظيفة نصف الكرة الأيمن". كما أن الشكل يتضمن معطيات عن الواجبات البصرية واليدوية. لاحظ المثيرات اللغوية والتي ترتبط باللغة "حروف مطبوعة" تخضع لتسلط نصف الكرة الأيسر. والواجبات التي تطلب مقدرة بصرية فضائية تبدو أقرب لتسلط نصف الكرة الأيمن. كما قام كنوكس وكيمورا Knoz & Kimura بإجراء دراسة عن عمل المخ بالنسبة للأصوات غير اللفظية. وقد استخدم واجب الاستماع المزدوج مع الصبيان والبنات في سن من 5-8 سنوات، واستمعوا إلى ازدواجات متزامنة لأصوات بيئية مختلفة "نباح كلب - غسيل أطباق - إدارة قرص التليفون - دقات الساعة أطفال يلعبون - تشغيل سيارة وهكذا". وكان عضوًا الازدواج قد رتبا بحيث يمكن مقارنتها في حالة التعرف والحدة والرتابة. وقد وجد القائمون على التجربة أن أفراد التجربة قد ميزوا تمييزًا صحيحًا أصواتًا بيئية غير لفظية عن طريق الأذن اليسرى أكثر مما ميزوها به عن طريق الأذن. وفي إعادة لواجب الأرقام مع هذه العينة ظهر تفوق الأذن اليمنى بالنسبة لأصوات الكلام. لقد تواجدت صلة بين واجب الاستماع المزدوج وغيره من وظائف الجانبية. كما درس بريدن Bryden "1970" الجانبية في الاستماع المزدوج وعلاقاتها باستخدام اليدين والقدرة على القراءة لدى الأطفال. فأعطى الأطفال الذين أجريت عليهم الدراسة -من تلاميذ الصفوف الثاني والرابع والسادس- الواجب القياسي للاستماع المزدوج بالأرقام، وقيمت أفضلية استخدام إحدى اليدين بعدة اختبارات ومقابلة مع المدرس، كما قيست القدرة على القراءة والذكاء. وقد أظهرت النتائج أن تفوق الأذن اليمنى يزداد مع تقدم السن في الأطفال الذين يستخدمون اليد اليمنى ويقل مع السن أيضًا في الأطفال الذين يستخدمون اليد اليسرى "كان 40% من أطفال الدراسة يبدو أن لديهم تسلط مختلطًا". وكان الصبيان الضعاف في القراءة أكثر ميلًا لإظهار تسلط عكسي بالنسبة للأذن واليد من الصبيان الذين أحسنوا القراءة، ولم يظهر هذا الأثر في البنات إلا في مستوى المرتبة الثانية.

وفي محاولة لتفحص آليات عقلية أخرى من حيث علاقتها بالمهارات اللغوية، قام بفرى Buffry "1971" بمقارنة المؤثرات التي يسهل التلفظ بها في نمطين الأبصار والسمع. لقد جمع بين طريقة عرض بالمبصار Tachistoscopic لنصف مجال بصري ثنائي العينية وبين طريقة الاستماع المزدوج، وقدم مثيرًا بصريًا أولا لنصف كرة المخ للمقارنة مع مثير سمعي قدم أولا لنفس نصف الكرة أو للنصف المقابل. وتفاصيل الطريقة كما تصفها كيمورا Kimura "1973 ص72" على النحو التالي: "مع أن النظام البصري متقاطع، إلا أن اتصالاته تختلف عن اتصالات النظام السمعي. إن الاتصالات ليست من كل عين إلى النصف المضاد من المخ. ولكن من كل نصف من المجال البصري إلى القشرة البصرية في الجانب المقابل. والرؤية إلى يسار نقطة التثبيت يستقبلها النصف الأيمن من كل شبكية وتتجه الممرات العصبية من الجانب الأيمن للشبكيتين إلى القشرة البصرية في نصف كرة المخ الأيمن. ومن الواضح أن الألياف من النصف الأيمن لشبكية العين اليسرى يجب أن يعبر خط الوسط في المخ ليصل إلى نصف كرة المخ الأيمن، ولكن الألياف من النصف الأيمن للشبكية اليمنى لا تعبره". ولقد كانت أعمار أطفال التجربة 5، 6، 7 سنوات، وكلهم يستخدمون اليد اليمنى. وقد وجد بفرى Buffry أنهم قارنوا كلمة مطبوعة بكلمة منطوقة، وبالعكس بدقة أكبر عندما عرضت عليهم المثيرات بالتتابع على نصف كرة المخ الأيسر. ولقد كانت المقارنة المتزامنة أكثر صعوبة ولكنها بدت أسهل عندما عرضت الكلمة المطبوعة على نصف الكرة الأيمن والكلمة المنطوقة على نصف الكرة الأيسر. وفي دراسة ثانية قارن بفري Buffry أطفالا يستخدمون اليد اليمنى تترواح أعمارهم من 3-4 و5-6 و7-8 و9-10 سنوات في اختبار رسم متعارض كان المطلوب من الأطفال في هذا الاختبار أن يرسموا في وقت واحد مربعًا بإحدى اليدين ودائرة باليد الأخرى. وقد أظهرت معظم البنات في كل مجموعات السن تفوقًا باليد اليسرى في رسم المربع، أما الصبيان فلم يظهروا هذا التفوق إلا في سن السابعة. كما أظهرت الفتيان تفضيلًا لاستخدام اليد اليمنى أكثر

من الصبيان من سن 3 سنوات إلى 6 سنوات و 11شهرًا؛ وكانت درجة التفوق في استخدام اليد اليسرى في الرسم المتعارض تزداد مع زيادة السن ومع درجة تفضيل استخدام اليد اليمنى للبنات والصبيان. وتتفق هذه النتائج مع المعطيات العامة بأن البنات ينضجن أسرع من الصبيان. ومع أن الآليات ليست مفهومة تمامًا، فإن المعطيات يمكن أيضًا أن تفسر السبب في أن البنات يقرأن مبكرات عن الصبيان وفي أن بعض الأطفال، بصرف النظر عن اختلاف الجنس، يواجهون مشاكل في القراءة. والخلاصة أنه يبدو واضحًا أن نصف كرة المخ اليسرى تختص أساسًا بالمجردات، وخاصة في اللغة. فضلًا عن ذلك فإن تسلط المخ كما يعكسه سلوك اللغة، يتوطد في سن الرابعة وينمو بسرعة أكبر لدى الإناث منه لدى الذكور. نصف الكرة الأيمن: يمكن تشبيه نصف الكرة الأيمن "باليتيم"، ذلك لأن الباحثين لم يولوه العناية الكافية. والواقع -كما أوضحنا- أن نصف الكرة الأيمن يلعب دورًا هامًا في السلوك الإنساني، وخاصة في القدرات البصرية الفضائية ويضيف اسبري Sperry "1975" أن نصف الكرة الأيمن يرتبط بمسار المعلومات ذات الطابع الآلي، وهو يتناول المواد اللفظية ذات الطابع الراسخ أو الآلي ولكنه لا يتناول المواد اللفظية الأكثر تجريدًا. وقد ذكرنا في بداية مناقشتنا لنصفي كرة المخ أن النصف الأيمن يلعب دورًا أكثر أهمية في المرحلة المبكرة من الحياة ولكن أهميته تتناقص مع بداية الأيسر في التسلط. ولقد قام ويعمل كينسبورن Kinsbourne "1970" وغيره بإجراء دراسة عن كيفية تفاعل نصفي كرة المخ وكيف يعملان في فترة النضج، ومن الافتراضات التي بحثها أن العملية السمعية في نصف كرة المخ الأيسر، وهي التي تؤثر على اللغة، تزداد سهولة مع زيادة قدرة النصف الأيسر على التكامل الزمني، وهي عملية لازمة لفهم اللغة. إن المادة البصرية قد تحتاج أو قد لا تحتاج للتكامل الزمني والترتيب المتوالي. أما الإبصار فهو عادة يتطلب التكامل الفضائي، وهو من وظائف نصف الكرة الأيمن. ولا شك في أن توافر الوسائل المتقدمة توفر إجابات عن كثير من التساؤلات المتعلقة بنمو وظائف المخ.

العوامل المؤثرة في النمو الجسمي

العوامل المؤثرة في النمو الجسمي: يتأثر النمو الجسمي والفسيولوجي بعوامل كثيرة أهمها الوراثة والغذاء الكامل، والتوازن بين النشاط والحركة والراحة، والنوم، والهدوء النفسي، ويعطل نمو الطفل الحالة الصحية السيئة وإصابته بالأمراض، إلى جانب نقص الغذاء أو عدم التوازن الغذائي. 1- فمن ناحية الوراثة: يظهر تأثير العامل الوراثي على النمو الجسمي في مرحلة ما قبل الميلاد وبعده.. إذ تدل المعطيات على أنه خلال المراحل الأخيرة من النمو قبل الميلاد تبطئ سرعة النمو، وقد يكون السبب في ذلك عدم الاتساع الكافي في الرحم. وبينما ينكمش الحيز المتاح للنمو فيبطئ معدل النمو الجسمي خاصة عندما تكون الأم ضئيلة الجسم، والأب ضخم الجسم ... وإذا كان وزن الطفل وطوله يعكس مستوى متوسط الوالدين، وبالتالي يكون الطفل أكبر حجمًا بالنسبة لرحم الأم فقد يحتاج الأمر معه للتدخل الطبي وربما قبل استكمال فترة الحمل. ولكن سرعة النمو تعود للتزايد بعد الولادة وتستمر، حيث توحي الدلائل بأن سرعة نمو هؤلاء الأطفال تكون أكبر في الشهور التالية للولادة، كما أن الترابط بين طول الكبار ووزنهم في مراحل العمر المختلفة ابتداء من الولادة تعطى دلائل معينة حول هذا التأثير. 2- الجنس: وهناك تأثير واضح للفروق بين الجنسين في النمو الجسمي خاصة الطول والوزن. إذ تظهر البنات بداية النمو السريع مبكرًا ولكنه لا يبلغ نفس سرعة النمو لدى البنين، وتبدو الفروق بصورة أوضح في طفرة المراهقة التي تظهر بصورة مبكرة وواضحة عند البنات عنها لدى البنين، ثم يعود الذكور لاستعادة التفوق في نمو الطول وإن كان إتجاه الوزن يختلف تبعًا لاختلاف العامل الوراثي والصحة العامة ونظام التغذية.

3- الغذاء: للغذاء دور هام ورئيسي، ليس فقط في النمو الجسمي، وإنما أيضًا في النمو العقلي المعرفي والانفعالي والاجتماعي. فسوء التغذية يعوق القدرة على التحصيل بالكفاءة المطلوبة نظرًا لأنه يعوق تجدد الخلايا، وإمداد الفرد بالطاقة اللازمة للعمل.. ومن الوجهة الانفعالية: نجد أن قيام الأم بتغذية الطفل عن طريق الرضاعة يقدم له زادًا عاطفيًا من الحنان بالإضافة إلى الزاد المادي المتمثل في اللبن، الأمر الذي يكفل نموًا جسميًا وانفعاليًا مستقرًا. وعلاوة على ذلك: تعتبر طريقة تناول الغذاء مسألة ثقافية تصبغ شخصية الفرد بطابع خاص يتجلى فيه المستوى الثقافي والاقتصادي والاجتماعي لأسرته والطابع القومي لوطنه. ومن هنا: يعتبر الغذاء أحد العوامل التي تتفاعل فيها قدرات الفرد الجسمية مع ظروف المجتمع بدءًا بأسرته وانتهاء بالدولة التي ينتمي إليها وأحوالها الاقتصادية والاجتماعية.. هذا: وللغذاء ثلاث وظائف رئيسية هي: - تزويد الفرد بالطاقة: وذلك عن طريق المواد الكربوهيدراتية والسكريات والنشويات والدهون. - تجديد بناء الخلايا التي تتلف: وتقوم الأملاح المعدنية بهذه المهمة، فالكالسيوم يسهم في تكوين المادة الملونة الحمراء في كرات الدم، والبروتينات والزلاليات تسهم في بناء الأنسجة. - وقاية الجسم من الأمراض: ويقوم بها الفيتامينات الموجودة في الخضروات والفواكه الطازجة، واللحوم والبيض. ولكي يؤدي الغذاء دورة يتعين أن يكون متوازيا شاملًا العناصر الثلاثة السابقة وأن يكون كافيًا من حيث الكم، مناسبًا في تكوينه للمرحلة النمائية للفرد وطبيعة المهام المنوطة به سواء كانت عملًا عضليًا أم ذهنيًا. "هدى برادة، فاروق صادق، 1985، 380". 4- الصحة والمرض: تتأثر منحنيات النمو بالصحة العامة للتركيب العضوي فالمرض الشديد مثلًا يؤدي إلى إبطاء سرعة النمو، بل وقد يعدل المستوى النهائي للنمو إذ تؤثر

بعض الأمراض البدنية التي يصاب بها الفرد على النمو الجسمي بل الانفعالي والاجتماعي أيضًا. - فالطفل المصاب بالهيموفيليا: إذا نزف دمه فإنه لا يتجلط، بل يظل يسيل حتى يشرف على الهلاك، ولذلك فهو يخشى دائمًا على حياته ويعيش قلقًا مضطربًا، ويبعد دائمًا عن رفاقة حتى لا يصاب بأي جرح وهو يلعب معهم وبذلك تضيق دائرة تفاعلاته الاجتماعية ويتأخر نضجه. - والطفل الذي يصاب بأي حادث يؤثر ذلك على نموه العضوي. - والطفل الذي يصاب بإعاقة ذهنية "كالتخلف العقلي"، أو حاسية "كالصم وكف البصر"، أو "جسمية كالشلل أو الصرع" كل ذلك يؤثر على نموه السوي مقارنة بأقرانه العاديين. ويشير تانر Tanner "1970" إلى أن الأمراض غير المزمنة -في معظم الحالات- إذا لم يستمر سبب المرض طويلًا فإن التركيب العضوي "الفرد" يستأنف نموه بسرعته الأصلية، بل إنه عند شفاء الفرد تزيد سرعة نموه عن المعدل العادي إلى أن يتم الوصول إلى النمو الطبيعي للطول والوزن.. ومتى تم الوصول إلى الطول المرتقب تعود السرعة إلى معدلها الطبيعي.. ويسمى وادينجتون Weddington "1967" هذه الظاهرة باسم توجيه النمو canalization or homeorhesis ويقدم تانر Tanner "1970" أيضًا معطيات مستقاة من دراساته تبين آثار فقدان الشهية للطعام حيث يقلل الطفل من كمية ما يتناوله من غذاء لأسباب نفسية حيث يتأخر النمو العضوي في كل فترة من فترات فقدان الشهية، ثم يستعيد سرعته في مرحلة اللحاق "عند زوال فقدان الشهية"، وأن السرعة في كل فترة من فترات اللحاق كانت أكثر من متوسط السرعة بالنسبة للعمر الزمني، وقد بلغت ما يقرب من ضعف السرعة في سن تكون الهيكل العظمي الذي يتأخر تبعًا للتأخر في الطول، ثم يلحق بالمعدل العام للنمو عندما يبلغ الطول معدله الطبيعي.

5- الولادة المبسترة: يولد بعض الأطفال ولادة مبتسرة، أي أنهم يولدون قبل أن تكتمل المدة الطبيعية للحمل، ولهذا تتأثر حياتهم وصحتهم وسرعة نموهم بمدة حملهم. ولقد دلت أبحاث ستنير ويونرامت Stneer & Ynramit، على أن نسبة الوفيات بين الأطفال الرضع تتناسب تناسبًا عكسيًا ومدة الحمل.. فكلما نقصت هذه المدة زادت نسبة الوفيات، وكلما زادت هذه المدة نقصت نسبة الوفيات.. هذا: وتتأثر الحواس عامة بهذه الولادة المبتسرة خاصة حاسة البصر. 6- السلالة: تختلف سرعة النمو تبعًا لاختلاف نوع سلالة الطفل: فنمو الطفل المصري يختلف إلى حد ما عن نمو الطفل الصيني. ويختلف أيضًا عن نمو الطفل الأوربي: وهكذا يتفاوت النمو باختلاف السلالة الإنسانية التي ينتمي إليها الطفل.. وتدل الأبحاث العلمية الحديثة على أن سرعة نمو أطفال شعوب البحر الأبيض المتوسط تفوق سرعة نمو أطفال شعوب شمال أوربا. 7- الهواء النقي وأشعة الشمس: يتأثر النمو بدرجة نقاء الهواء الذي يتنفسه الطفل.. فأطفال الريف والسواحل ينمون أسرع من أطفال المدن المزدحمة بالسكان، ولأشعة الشمس أثرها الفعال في سرعة النمو وخاصة الأشعة فوق البنفسجية.

دور المربيين لتحقيق النمو الجسمي السليم

دور المربيين لتحقيق النمو الجسمي السليم: يقع العبء الأكبر في المراحل المبكرة من عمر الطفل على الأم وعلى مربيات رياض الأطفال، لما يضطلعن به من مسئولية إزاء النمو الجسمي للطفل. وذلك من خلال: 1- الاهتمام بتقديم الغذاء الكامل والكافي للطفل بما يساعد على نمو جسمه ووقايته من الأمراض خاصة: الأغذية الخاصة بالطاقة والبناء والوقاية. 2- الرعاية الصحية حتى يشب الطفل صحيح الجسم سليم البنية.

3- وقاية الطفل من الأمراض المعدية، ونزلات البرد، والنزلات المعوية وغيرها. 4- الاهتمام باستكمال التطعيمات ضد الأمراض التي تظهر في الطفولة كشلل الأطفال والحصبة والأمراض الأخرى كالدفتريا والتيفود والكوليرا. 5- رعاية الطفل إزاء أي مظاهر شاذة في النمو مثل: الهزال "النحافة الزائدة، أو السمنة "فرط الوزن". 6- توفير البيئة المناسبة التي تتيح للطفل النمو الحركي والهواء الطلق الذي يساعد على نمو العضلات وامداده بالأكسجين الكافي والنقي. 7- توفير المناخ النفسي السليم في الأسرة بما يحقق للطفل جوانب نمو سيكولوجي صحيح، حيث أن النمو الجسمي يتأثر بدرجة كبيرة بالنمو النفسي للطفل. 8- يجب في مرحلة المراهقة أن يلم المراهق بالعادات الصحية وأن يمارسها في غذائه ونومه وعمله حتى لا تعوق نموه، وعليه أن يتجنب التخمة والأنيميا، وأن ينام ما يقرب من تسع ساعات حتى يوفر لجسمه الطاقة الضرورية له. 9- ويجب على الأباء والمربين نحو أبنائهم المراهقين إزاء النمو والجنس أن يهيئوهم لمرحلة النمو الجديدة، وأن يزودوهم بالمعلومات الصحيحة عن التغيرات النمائية في هذه المرحلة دون حرج، ويبينوا لهم أن الأمر لا يعدو أن يكون ظاهرة من ظواهر النمو المتصل خاصة أن كثيرًا من الفتيات يصبن بالهلع والارتياع لأول حيض، وكثير من الفتيان في أول مرة يحدث لهم فيها الاحتلام يشعرون بالإثم والخطيئة. 10- يجب على المربين تنمية طائفة متنوعة من الاهتمامات الفنية والمسرحية والأدبية والعلمية والرياضية في نفوس المراهقين إلى جانب توجيه المراهق إلى التهذيب النفسي والجنسي.

الفصل الثاني: النمو الحركي

الفصل الثاني: النمو الحركي مدخل ... الفصل الثاني: النمو الحركي مقدمة: يعد نمو المهارات الحركية من أهم إنجازات الكائنات البشرية، وهذه المهارات الحركية ضرورية للتحرك والتفاعل المكثف مع البيئة والعديد من أشكال الاتصال وأنماط السلوك الترفيهية الإرادية ولبقاء الإنسان بصفة عامة. وإذا نظرنا إلى الطفل حديث الولادة نجد أنه عاجز عن التحرك أو الانتقال في المكان بمفرده، كما أنه لا يستطيع القبض على الأشياء وبعبارة أخرى: هو عبارة عن مجموعة قوى كامنة لم تتحرر بعد، غير أننا نلاحظ أن هذه القوى تبدأ في الانطلاق عن عقالها في سن المهد وتتطور بعد ذلك تطورًا واضح المعالم، مما يكسب الطفل الاستقلال والاعتماد على النفس واكتشاف العالم الخارجي وممارسة المهارات الحركية المختلفة. هذا: وتركز معظم الدراسات المرتبطة بالنمو الحركي على النمو المبكر للمهارات الحركية بما في ذلك انعكاسات الطفولة، ومهارات الجلوس، وضبط الوضع، والمشي، والمهارات اليدوية. ومن أوائل من تناولوا النمو الحركي المبكر أرنولد جيزل Arnold Gesell "1954" الذي استخدم طريقة التصوير فحصل على مادة فيلمية تتضمن ملاحظات مكثفة عن كثير من الأطفال، مما ساعده في تقديم أساس تجريبي مناسب للصياغات النظرية. وثمة طريقة ثانية استخدامها جيزل Gisell لدراسة النضج، تلك هي طريقة التوائم المتطابقة The co-twin control method. لقد سبق أن رأينا كيف أن التوائم المتطابقة تستخدم لدراسة الوراثة. وطريقة جيزل Gesell هي اقتباس لهذه العملية. وحيث أن التوائم المتطابقة متماثلة في التكوين الوراثي، فإن الفروق في نموهم يمكن أن تعزى إلى الاختلاف في الخبرات البيئية. وفي الدراسات عن الوراثة لاحظنا أن الفصل بين التوأمين المتطابقين لم يضمن اختلافًا وظيفيًا بينهما. وقد أدخل جيزل Gesell تغيرات منهجية في حياة

التوأمين المتطابقين بأن أمد أحدهما: التوأم المدرب "Twin T" بتعليمات خاصة تهدف إلى تطوير مختلف أنماط السلوك الحركي. أما التوأم المراقب "الضابط": "Twin C" فقد اختبر روتينيًا لتحديد ما إذا كان السلوك موجودًا من عدمه. فإذا أظهر التوأم المدرب سلوكًا نتيجة للتدريب: كالمشي مبكرًا مثلًا، عن التوأم المراقب "الذي لم يدرب على المشي"، ففي هذه الحالة يمكن أن نستنتج أن التدريب كانت له آثار إيجابية. أما إذا لم يظهر التوأمان أي فروق، فإننا عندئذ نستنتج أن التدريب لم تكن له آثار وأن السلوك نتج أساسًا عن عمليات تتعلق بالنضج. ولم يترك جيزل مجالًا للشك في اعتقاده بأن هذه العمليات النضجية كانت محددة وراثيًا، ولها طابع تطوري وتكيفي، وأنها ليست قابلة للمؤثرات البيئية.

أولا: النمو الحركي المبكر

أولًا: النمو الحركي المبكر الخصائص العامة للنمو الحركي: هناك عدة خصائص تميز النمو الحركي المبكر تتلخص فيما يلي: 1- الاتجاه من الرأس إلى القدم: فالنمو الحركي للطفل يتبع اتجاهًا رئيسيًا ثابتًا يسير من الرأس إلى القدم "الرأسي/ الذئبي"، بمعنى: أن القدرة الحركية لدى الطفل تبدو في سلسلة متصلة الحلقات يسير فيها من حلقة إلى أخرى فالطفل يتحكم أول ما يتحكم في رأسه ورقبته، ثم الصدر والظهر، فالجزء السفلي في الجذع، وأخيرًا الرجلين. 2- الاتجاه من العام إلى الخاص: تنتقل حركات الطفل من العشوائية إلى الحركات الدقيقة التي تتسم بالدقة والمهارة والإتقان: فبعد أن كان الطفل يحرك جميع أجزاء جسمه دون هدف، نجد أنه يحرك أعضاء خاصة نحو تحقيق هدف معين.. فإذا ما رأى الطفل كرة عن بعد وأراد أن يتناولها فهو يتحرك نحوها فيحبو، إذا كان لم يتعلم المشي حيث يصل للكرة فيقبض عليها بكلتا يديه أو يرمي نفسه عليها، وعندما يتم التوافق الحركي ينتهي الأمر بالطفل إلى إتقان مهارة الإمساك بالكرة بيد واحدة "شكل: 8".

3- نمو العضلات الكبرى قبل العضلات الصغرى: إذ تختلف المهارات الحركية عن بعضها: فبعض المهارات بسيطة غير مركبة لا تحتاج إلى مستوى عالٍ من التوافق الحركي، وتستخدم فيها العضلات الكبيرة مثل الحبو والمشي، في حين أن المهارات اليدوية كالقبض على الأشياء تحتاج إلى نمو العضلات الدقيقة "الصغرى" التي تتطلب نضج أكثر وتوافق وانتظام حركات عديدة.

مظاهر النمو الحركي المبكر

مظاهر النمو الحركي المبكر: يمر النمو الحركي المبكر بعدة مراحل تبدأ من السلوك الحركي الانعكاسي وصولًا إلى السلوك النفسي الحركي. وذلك على النحو التالي: 1- السلوك الحركي الانعكاسي: إذ يولد الطفل مزودًا باستجابات لأفعال منعكسة دون أن يتعلمها ومعظمها حيوي بالنسبة لحياته وأهمها المص والبلع: فيمكن للوليد أن يرضع ثدي أمه بعد ميلاده بفترة وجيزة ويجد في ذلك متعة لإشباع الحاجة للغذاء وإشباع العطف والحنان، ومنها أيضًا: انعكاسات العطس وقفل العينين عند لمسها أو تعرضها لضوء ساطع، وتظهر استجابة القبض على الأشياء عند وضعها في الكف ... إن سلوك الطفل حديث الولادة يتكون من حركات عديدة، هي في معظمها غير متناسقة وتبدو انعكاسية. وبعض الحركات الانعكاسية في الأطفال حديثي الولادة فريدة في كونها تبدو فطرية تمامًا، تختفي بعد فترة قصيرة نسبيًا. مثال ذلك، الانعكاس الكفي The Palmar reflex ويمكن أحداثه بإثارة سطح كف يد الوليد، وعندها تقفل الأصابع فوق سطح الكف، وتظل اليد مغلقة إلى أن يحل بها التعب فتنفرج القبضة. وعملية القبضة لا تتضمن الإبهام كما يحدث في الرئيسيات البالغة. وبعد حوالي 4-6 أشهر تتوقف إثارة سطح الكف عن توليد استجابة انعكاسية، وبعد 9 أشهر تظهر عملية القبض بالإبهام والسبابة "انظر الشكل 8". وثمة انعكاس ثانٍ يظهر في نفس التاريخ العام ويعرف باسم الانعكاس الاخمصي، The Plantar refiex الذي ينشط بإثارة سطح باطن القدم بواسطة شعره صلبة. ويكون رد فعل الوليد بأن يباعد بين أصابع قدمه. وفي الاستجابة الأخمصية الناضجة، تنثني أصابع القدم إلى أسفل. وهذه الاستجابة تختفي هي الأخرى لتحل محلها استجابة كاملة النضج في حوالي السنة الثانية. والانعكاس الاخمصي غير الناضج يعرف باسم انعكاس بابينسكي Babinski وهو اسم طبيب أعصاب كان قد لاحظ في أثناء الحرب العالمية الأولى أن الجنود المصابين بجروح معينة في الرأس كانوا يظهرون قدرًا أكبر من الانعكاسات غير الناضجة. وما تزال هذه الظاهرة تستخدم في تشخيص إصابات المخ، ولو أن بعض البالغين الطبيعيين تمامًا يظهرون استجابة ثني أصابع القدم، غير الناضجة، ولذلك فإن هذه الطريقة في التشخيص غير سليمة تمامًا. ويشار عادة إلى انعكاس مورو Moro بإنه "نمط

المباغتة" The startle pattern وهو أيضًا له مستويان للنمو. ففي الاستجابة غير الناضجة، يمتد الذراعان بعيدًا عن الجسم ثم يكونان تقوسًا مع اليدين وهما تقتربان الواحدة من الأخرى. علاوة على ذلك فإن الجزء الأسفل من الجسم يصبح ممتدًا ومتصلبًا بعض الشيء. وفي مرحلة نضج الاستجابة، يكون تتابعها أكثر سرعة، وتصبح أقرب ما يكون لانتفاضة جسمانية أكثر مما هي تتابع منتظم من الاستجابات. وهناك انعكاس آخر هام هو انعكاس السباحة The suimming reflrx الذي وصفته ماكجرو Mc. Graw "1934" وصفًا كاملًا. فإذا وضعت وليدًا على بطنه، فإنه يقوم بأداء حركة سباحة مميزة. وهذه الحركات تكون قوية بدرجة كافية لتدفع الوليد "يدفع بجسمه خلال الماء"، وهذا الانعكاس يختفي هو الآخر بعد فترة. ووجه الأهمية في هذا الانعكاس هو وجود تحول واضح من السباحة الانعكاسية إلى السباحة الإرادية حتى أن الوليد في هذه الفترة الانتقالية، قد يظهر هذا الانعكاس وقد لا يظهره "شكل: 9". والوليد يظهر أيضًا "انعكاس الخطو Stepping reflex عندما يحاول المشي إذا توافرت له السنادة الكافية. ويختفي هذا الانعكاس بعد حوالي 8 أسابيع. وتعتبر هذه المرحلة الانتقالية سمة مشتركة بين كل الانعكاسات التي عددناها، والواقع أن الأطفال عندما ينتقلون من الاستجابات اللاإرادية إلى الاستجابات اللاإرادية. يمرون بفترات من التسارع المباغتة" The startle pattern وهو أيضًا له مستويان للنمو. ففي الاستجابة غير الناضجة، يمتد الذراعان بعيدًا عن الجسم ثم يكونان تقوسًا مع اليدين وهما تقتربان الواحدة من الأخرى. علاوة على ذلك فإن الجزء الأسفل من الجسم يصبح ممتدًا ومتصلبًا بعض الشيء. وفي مرحلة نضج الاستجابة، يكون تتابعها أكثر سرعة، وتصبح أقرب ما يكون لانتفاضة جسمانية أكثر مما هي تتابع منتظم من الاستجابات. وهناك انعكاس آخر هام هو انعكاس السباحة The suimming reflrx الذي وصفته ماكجرو Mc. Graw "1934" وصفًا كاملًا. فإذا وضعت وليدًا على بطنه، فإنه يقوم بأداء حركة سباحة مميزة. وهذه الحركات تكون قوية بدرجة كافية لتدفع الوليد "يدفع بجسمه خلال الماء"، وهذا الانعكاس يختفي هو الآخر بعد فترة. ووجه الأهمية في هذا الانعكاس هو وجود تحول واضح من السباحة الانعكاسية إلى السباحة الإرادية حتى أن الوليد في هذه الفترة الانتقالية، قد يظهر هذا الانعكاس وقد لا يظهره "شكل: 9". والوليد يظهر أيضًا "انعكاس الخطو Stepping reflex عندما يحاول المشي إذا توافرت له السنادة الكافية. ويختفي هذا الانعكاس بعد حوالي 8 أسابيع. وتعتبر هذه المرحلة الانتقالية سمة مشتركة بين كل الانعكاسات التي عددناها، والواقع أن الأطفال عندما ينتقلون من الاستجابات اللاإرادية إلى الاستجابات اللاإرادية. يمرون بفترات من التسارع والارتداد.

وهناك انعكاس استخدمه جيزل Gesill أساسًا لكثير من أبحاثه النظرية وإليه يعزو أهمية كبيرة، ذلك هو "انعكاس تقوية الرقبة" Tonic neek reflex "TNR". وهذا الانعكاس نمط سلوكي له سمة العمومية في فترة ما بعد الولادة. وأهم سماته هي أنه بينما يكون: Face leg & Face arm في حالة امتداد، فإن الأطراف المضادة للجانبية تكون في حالة ارتخاء. وفي أثناء هذه المرحلة، يمكن أن يتبع الوليد مثيرًا، ولكنه لا يفعل ذلك إلا عندما يصل المثير إلى خط الوسط، وبعد أن يتعدى المثير هذا الخط يعجز الوليد عن الاستمرار في الاستجابة التالية. وبعبارة أخرى، يبدو أن عدم التناظر يتضمن سلوكًا متناظرًا كامنًا. وطبقًا لمعطيات جيزل، فإن الـ TNR ينحسر عادة في سن 20 أسبوع. ويناقش جيزل "1954، ص353" هذا الانعكاس على النحو التالي: "إن عملية التحول من t.n.r إلى أوضاع متناظر عملية بالغة التعقيد. إنها ليست مجرد عملية استعواض، ولكنها عملية تشابك مطرد بحيث أن التناظرية أو اللاتناظرية يمكن أن تكتسب سيطرة دائمة أو تامة. إن إضافة الوليد لأوضاع TNR علامة وشرط على نمو سلوكه، إن انعكاس Tnr في الطفولة يمثل مرحلة تشكيل جسماني تتم فيها تناسقات عصبية أساسية لتكوين الهيكل العام لتفاعلات وضعية ويدوية وحركية نفسية في المستقبل. والواقع أن أنعكاس Tnr جزء من مخطط إجمالي للتركيب العضوي مرتبط ارتباطًا شاملًا بجهازه الوحدوي للفعل الإجمالي".

والواقع أن جيزل Gesill في مناقشة لانعكاس TNR يقترح أن له دلالة تكيفية في مرحلة ما قبل الولادة وبعدها مباشرة. ففي مرحلة ما قبل الولادة يساعد انعكاس TNE الجنين على التلاؤم مع شكل الرحم، أما بعد الولادة فهو يلتزم بالمتطلبات الوضعية للرضاعة. وهو يقترح علاوة على ذلك أن انعكاس TNR له أهمية أكبر من نمو التناسق بين العين واليد والقبض، وأخيرًا استخدم اليد. وكما سنرى فيما بعد فإن كثيرًا من الأطفال قبل سن المدرسة وفي الصفوف الابتدائية يواجهون مشاكل في معالجة واجبات تتطلب هذه القدرات، وقد تكون بوادر هذه المشاكل ظاهرة في فترة ما بعد الولادة مباشرة أو -وهو الأكثر احتمالًا- أن انعكاس TNR قد تأخر. وكما سبق أن ذكرنا فإن انعكاس الوليد يختفي بعد وقت قصير نسبيًا. فما هي إذن آثار هذه الظاهرة على نمو الجسم؟. "قد يكون سبب الانعكاسات البدائية هو أن القشرة "غلاف المخ" لا دخل لها بالسلوك. إن ممرات الجهاز العصبي المركزي والمخ قد لا تكون قد حصلت على القدر الكافي من الميلين "النخاع العصبي" وهو المادة الدهنية العازلة التي تغطي النسيج العصبي، لتحقيق التكامل في الأفعال التي تتطلبها الاستجابات الأكثر نضجًا. وقد ذكرت ماكجرو McGraw "1943" أن الانعكاسات البدائية تحكمها تكوينات في الجهاز العصبي المركزي أدنى من المخ: وقد أطلقت على هذه التكوينات اسم الأنوية تحت القشرية Subcortical nuclei التي يعتقد أنها تتضمن جزءًا من المخ أكثر بدائية، وبالتالي فهي مستعدة للتحكم في السلوك في سن مبكر عن القشرة. وبينما ينضج الجهاز العصبي المركزي تتكون ألياف مكسوة بالميلين وتبدأ القشرة في السيطرة على السلوك بكبح تأثيرات التكوينات تحت القشرية. ويستند الدليل المباشر على هذه الافتراضات بدرجة كبيرة على تحليل التكوينات القشرية وعلى أنماط السلوك في الأطفال الشواذ. وهناك أيضًا دراسات عن الحيوانات، أزيلت فيها القشرة. وهذه الدراسات تقدم سندًا إلى درجة من القوة لتعزيز تفسيرات جيزل Gesill وماكجرو Mc Graw، كما أن الدراسات على الأطفال الشواذ تؤيد تفسيراتهما، ولكن لما كانت طبيعة الحالة الشاذة ليست دائمًا واضحة فإن المعطيات ليست بنفس الدرجة من الحسم.

2- الحركات العشوائية: وهي تستمر حتى الأسبوع الثاني عشر: وفيها نجد الطفل وهو ملقي على ظهره يظل كذلك في نومه أو يقظته.. وهو وأن كان لا يستطيع أداء أي حركة في هذه الفترة فإنه يقوم بحركات عشوائية بجميع أجزاء جسمه لا تحقق أهدافًا خاصة: فقد يضرب برجليه بقوة ونشاط، وقد يحرك رأسه تبعًا لذلك، وقد يحرك ذراعيه أو يلعق شفتيه، أو يغير وضع النوم من الاستلقاء على الظهر إلى النوم على جانبيه فكل هذه الحركات عشوائية متنوعة غير منتظمة وغير متمايزة. 3- السلوك الحسي، حركي: يتكون السلوك الحسي، حركي من أنماط السلوك الموجه نحو مصادر الإثارة للحواس الخمس، ويتمثل في القيام بالمهارات الحركية، واللعب والعبث بالأشياء التي تقع عليها الحواس والتعامل معها، كما يؤدي إلى القيام بالأفعال وإنتاج الأحداث.. وقد يكون هذا السلوك ظاهرًا: كرفع الأشياء ونقلها وتحريكها، وقد يكون غير ظاهر كما في الإصغاء في الأصوات وإمعان النظر إلى الأشياء والانتباه إليها دون صدور أية حركة نحوها.. وتبدأ بوادر هذا السلوك الحسي، حركى في التأزر العضلي الذي يظهر عند الطفل منذ الأسبوع الثالث في حياة الوليد: فيتابع تحركات وجه الأم على وجه الخصوص.. وفي الأسبوع الرابع تختفي نظرات الطفل غير الهادفة، ويبدأ في تحريك رأسه لمتابعة المرئيات كما يبدأ في الابتسام ردًا على المداعبات، ويبكي الطفل عندما يبتل فراشه أو ملابسه، وقد يبكي عندما تبتعد الأم عن فراشه، ويهدأ عند اقتراب الأم. 4- السلوك النفسي، حركي: وهو يتكون من أنماط السلوك الحركي المعقد الذي يتطلب درجة من التناسق والتفاعل بين أجهزة الجسم المختلفة كالجهاز العصبي والجهاز العضلي وأجهزة الحس.. ويدخل في ذلك ضبط الوضع والحبو والمشي ونمو المهارات اليدوية.

إن المراحل التي يتم فيها اكتساب القدرة على المشي وصفها كل من أمس Ames، وجيزل وآمس Gesill & Ames وماكجرو MCGraw وصفًا شاملًا. ومما تجدر ملاحظته أن هؤلاء الباحثين مثقفون بصفة عامة حول مراحل النمو التي يتضمنها المشي، ذلك لأنهم استخدموا موضوعات بحث وإجراءات ملاحظة وخططًا تحليلية مختلفة. ويبين الشكل "10" يبين مراجل أمس Ames الأربع عشرة لنمو حركات المشي. ومن المراحل المتميزة مرحلة الزحف Crawling، وهو يتضمن الدفع باستخدام الذراعين في حين تزحف الساقان. ومرحلة الحبو

Creeping وهي مرحلة متقدمة على الزحف وتتضمن التحرك على أربع، وبالتالي فهو يتضمن استخدام الساقين ومد الذراعين، وهذا يتفق أيضًا مع الاتجاه الرأسي الذنبي وبفحص تفاصيل مراحل أمس Ames يتضح لنا زيادة الفردية في أجزاء الجسم "الذراعين، الجذع، الساقين، وهكذا"، وهذه العمليات النمائية تتضمن أيضًا انعكاسات واضحة، بمعنى أن الطفل يتحرك من مستوى أدائي إلى آخر، يبدو السلوك وكأنه في مستوى نضج أقل. كما أن الارتداد إلى سلوك أكثر بدائية يحدث في نمو العمليات المعرفية. وفي أثناء تقدم الطفل نحو المشي الناضج تحدث دورات معينة. وحتى مع التقدم الثابت بصفة عامة، فإن هذه الدورات تبين انعكاسات دورية، ولكن كل دورة فيها تنتهي دائمًا عند مستوى أعلى. وهذا الرأي يشبه كثيرًا مفاهيم وارنر Werner للتنظيم الهرمي، وتبدأ اللولبية في التكوينات الوراثية. وعلى ذلك يبدو أن الانتكاسات جزء طبيعي من النمو ولعلها تمثل فترة تدخل فيها وظائف وأشكال جديدة في أنماط الفعل السائدة.

النضج والتدريب على المهارات الحركية المبكرة

النضج والتدريب على المهارات الحركية المبكرة: يشير لفظ النضج إلى عملية تحدث فيها تغيرات في الشكل وتستتبعها تغيرات في السلوك، ويحدث ذلك أساسًا بسبب نمو تكوين وراثي محدد وليس مجرد تعلم أو تدريب. أن الانتقالات من الانعكاسات البدائية إلى أنماط الفعل الناضج لا تنتج عن التعلم ولكن عن النضج، كما هو الحال في مراحل النمو التي تلاحظ في اكتساب القدرة على المشي. والتعلم، من جهة أخرى يشير إلى تغيرات سلوكية تنتج عن تدريب أو مشاركات متعلمة أساسًا. ولإيضاح صحة مفهوم النضج، عاد جيزل Gesell فاستخدم طريقة التوأمين المتطابقين للمراقبة "الملاحظة"، فاستخدام التوأمين T & C. كان يلاحظهما خمسة أيام في الأسبوع. أعطى التوأم T تدريبًا يوميًا على الزحف والحبو والمشي والتسلق والقبض بالإبهام والسبابة. وكل هذه الأنماط السلوكية يبديها الأطفال الطبيعيون، وهي أجزاء من تتابعات لمكتسبات مهارية محددة، ويبدو أنها تتأثر بقوة بعوامل التكوينات الوراثية. ورغم التدريب اليومي الذي تلقاه التوأم T، فإن التوأمين لن تظهر عليهما فروق ذات دلالة في السن التي ظهرت فيها هذه الأنماط

السلوكية. ولذلك فقد استنتج جيزل Gesill أن التغيرات البيئية لا تؤثر على هذه الأنماط السلوكية، وهي بذلك تعتبر أنماط فعل فطرية محددة تبرز مع النضج. وقد قامت ماكجرو Mc Graw التي استخدمت أيضًا طريقة التوأمين المتطابقين للمراقبة "الضبط"، بإعادة الدراسة التي قام جيزل Gesell وتوسعت فيها. إن وسائل تمييز التوأمين المتطابقين لم تكن قد بلغت بعد درجة الكمال، وقد تبين أن التوأمين اللذين استخدمتهما ماكجرو Mc Graw بعكس اللذين استخدمهما جيزل Gesill، توأمان متأخيان وليسا متابقين. وفي دراسة ماكجرو Mc Graw كان "جوني" هو التوأم التجريبي و"جيمي" هو توأم المراقبة "الضبط". وقد ميزت ماجكرو MC Graw نوعين من السلوك: سلوك فطري Ontogenetic، وسلوك مكتسب phulogenetic. إن كل أفراد جنس ما يظهرون أنماطًا سلوكية فطرية لأنهم أعضاء في ذلك الجنس. علاوة على ذلك، فالأمر هنا لا يتطلب تعلمًا خاصًا، لأن السلوك محدد فطريًا. أما السلوك المكتسب فقد يكتسب أو لا يكتسب بين أفراد الجنس الواحد. وقد درست ماكجرو Mc Graw نفس الأنماط السلوكية التي درسها جيزل Gesill، كما درست القفز والسباحة "الواقع أن السباحة سلوك فطري ومكتسب في وقت واحد". وكمثال للسلوك المكتسب التزحلق بالقبضات ذي العجل الذي درسته ماكجرو Mc Graw دراسة مكثفة. كما أنها عملت مع التوأمين في مجال السباحة كسلوك مكتسب. وفيما يختص بالسلوك الفطري، كررت ماكجرو Mc Graw نتائج جيزل Gesill وقد أظهر "جوني" وجيمي" أنماط السلوك الفطري في نفس الوقت تقريبًا، أما أنماط السلوك المكتسب فقد أظهرت صورة مختلفة تمامًا. فعندما كان الطفل يظهر "علامات الاستعداد" لنشاط مكتسب معين، كانت تبدأ في التدريب على هذا النشاط مثال ذلك: أن الاستعداد للتزحلق بالقبضات ذي العجل يحتاج للقدرة على المشي. وعندما بدأ "جوني" يمشي، ألبسته زلاقات التدريب "قبقاب تزحلق عادي، ولكن عجلاته لا تحتوي على كراسي ببلي وبالتالي كانت درجة احتكاكها أعلى"، ثم وضعت "جوني" فوق حصيرة تمرين سميكة، وسمحت له بالتآلف مع الزلاقات ثم بدأت في تخفيف سمك الحصيرة شيئًا فشيئًا. كان تخفيف الحصيرة يجعل دوران

العجل أكثر سهولة. كان "جوني" كثيرًا ما يقع، ولكن ماكجرو Mc Graw وزملاءها كانوا دائمًا يشجعونه على الاستمرار. وأخيرًا نجحت في أن تجعل "جوني" يتزحلق بقبقاب عادي وهي في سن 18 شهرًا. وقد استخدمت عملية مشابهة لتعليم السباحة. فعندما لاحظت ماكجرو Mc Graw أن "جوني" كان يمر بمرحلة الانتقال من السباحة الإرادية ابتكرت طريقة بارعة لتعليم الطفل السباحة الإرادية فاستخدمت نظام مكبرات ولجامًا لإنزاله بواسطته إلى الماء. فإذا ما أدى حركات سباحة وجد نفسه يندفع خلال الماء. ومرة ثانية وبعد محاولات تقريبية متتابعة، أخذت في اعتبارها عدم السماح "لجوني" بأن يشعر بالانزعاج، نجحت في جعله يسبح مسافة يبلغ طول حمام سباحة بالمقاييس الأوليمبية وهو في سن 16 شهرًا. كما أنها نجحت في تعريف "جوني" بأنشطة مكتسبة أخرى. أما "جيمي" الذي أتيحت له فرص في هذه الواجبات المكتسبة مرة واحدة في الأسبوع، فإنه لم يتوصل أبدًا إلى مستوى "جوني" في الأداء. وتدل هذه المعطيات على أن التدريب الإضافي لا يؤثر في السلوك الفطري وكل ينجح بدرجة كبيرة مع أنماط السلوك المكتسب. "شكل: 11". وقد آثارت أعمال ماكجرو Mc Graw مفهوم الاستعداد Readiness. إذ كانت تعتقد أنه عندما يظهر الطفل علامات الاستعداد يمكن استخدام عمليات التدريب مع درجة عالية من احتمالات النجاح. وهي ترى أن التدريب قبل ظهور مثل هذه العلامات الاستعدادية لا

يؤتى ثماره لأن النضج العضلي، العصبي لا يكون كافيًا للسماح للطفل بالاستفادة من خبرة التعلم. وفي مراجعة قدمها ثمبسون Thopson لأعمال ماكجرو Mc Graw عرض ستة مبادئ تعليمية تنبثق من تلك الأعمال: 1- إن التدريب على أي نشاط معين قبل أن تصل الآليات العصبية إلى درجة معينة من الاستعداد لا فائدة منه. شكل "11-ب" السلوك الفطري والمكتسب لمهارة المشي 2- إن أداء وظائف جديدة وهي في طور النمو تتأصل في عملية النمو، وإذا ما أتيحت الفرصة الكافية في الوقت المناسب، يمكن تحقيق تقدم في إنجازات محددة أبعد من المرحلة المتوقعة طبيعيًا. "لهذا التعميم دلالات خاصة فيما يتعلق برعاية الطفل". 3- إن فترات الانتقال من نوع ما من التنظيم العضلي، العصبي إلى تنظيم آخر جزء أصلي من النمو وهي تتميز غالبًا بعدم التنظيم والارتباك.

4- الطفرات، والارتدادات والإحباطات والكبح جزء أساسي من النمو العضوي، وهناك ما يدعو للاعتقاد بأنها أيضًا إحدى الدالات في نمو الأنشطة السلوكية الكاملة. 5- النضج والتعلم ليسا عمليتان مختلفتان، ولكنهما مجرد مظهرين من مظاهر عملية النمو الأساسية. 6- الدلالة على استعداد الطفل لتقبل موضوع تعليمي معين توجد في بعض علامات السلوك أو الأعراض السلوكية التي تعكس نضج الآليات العصبية. وقد قدمت هذه الدراسات النموذج الأول لما لا يقل عن 200 دراسة أخرى أجريت على الأطفال والحيوانات. ومن أشهر هذه الدراسات على الأطفال تلك التي أجراها دينيس Denes مع الهنود. لقد وجد دنيس جماعة من هؤلاء الهنود يربون أطفالهم في أقمطة في الفترة التي كان مفروضًا فيها أن يبدأ الطفل في الزحف والحبو. ومن جهة أخرى كانت هناك جماعة أخرى من هؤلاء الهنود يسمحون لأطفالهم

بالحرية والحركة الكاملة شبيهة بتلك الخاصة بأفراد الطبقة الوسطى من الأمريكيين. وقد وجد أن ابتداء المشي لدى أطفال الجماعة الأولى. لم يختلف عنه لدى أطفال الجماعة الثانية غير أن أطفال كلتا الجماعتين بدأوا المشي متأخرين عن الطفل العادي في الطبقة المتوسطة. وقد استنتج "دينيس" من هذه الملاحظة أن المثيرات البيئية المبكرة ليس لها سوى آثار ضئيلة على ابتداء السلوك ووجد دينيس فيما بعد بيئة متناهية في الفقر للأطفال وغير استنتاجاته. لقد شعر بأن تحسين البيئة المتناهية في السوء يؤدي فعلًا إلى تحسين الأداء. تقييم تفسير النضج: مهما كانت درجة تأثير كمية ونوع الأبحاث لاختبار افتراض النضج، فإن هذه الدراسات تعتمد على الفرض الخاطئ بأن أفراد المراقبة "الضبط" لم يكونوا يتلقون أي مثير ولكن كان النمو يحدث رغم الافتقار للمثير البيئي. والأصح أن نستنتج أن الإثارة الإضافية التي قدمت للتوأم التجريبي لم يكن لها من التأثيرات ما يتجاوز الإثارة التي قدمت لتوأم المراقبة "الضبط". ومهما كانت الإثارة التي تلقاها التوأمان في الدراسات التي أجرتها ماكجرو Mc Graw وجيزل Gesill فإنها كانت كافية لإثارة النمو الطبيعي. كل ما في الأمر أن هذه الدراسات فشلت في إيضاح سمات الإثارة التي تلقاها أفراد "الضبط" التي ساهمت في نموهم الطبيعي. ويضيف فلافيل Flavell "1977" ملاحظة أخرى فيقول: إنها تسمى "بالدراسات المثرية" "الإثرائية" enrichment studies، حتى ولو نجحت، لا نستطيع أن نحدد أي سمة من سمات البرنامج هي التي أسهمت في النمو، وبعبارة أخرى، لا تستطيع أن تحدد المتغيرات التي لم يكن من الممكن للمعالجة أن تنجح بدونها. والنقاط المثارة هنا كانت موضع اعتراف علماء نفس النمو الآخرين. وعلى سبيل المثال فإن هويل Wohlwill "1973، ص319" يتخذ الموقف التالي: "متى اعترفنا بوجود "عمليات نمو طبيعية"، أي تعمل مستقلة عن عوامل أو ظروف خارجية خاصة محددة، فإن ذلك يستتبع نتائج أبعد مدى بكثير. أي أننا لا يسعنا إلا أن نأمل في أن نعزل الضروري، تلك التي بدونها نستطيع أن تؤكد أن النمو لا يحدث، وليس تلك التي نقول عنها إنها السبب في عدم حدوثه. وبعبارة أخرى فإن معنى ذلك أن الأداة الأساسية في الدراسة التجريبية للنمو هي الدراسة الحرمانية، وليست الدراسة الإثرائية أو دراسة الخبرة الخاصة".

وثمة إجراء أكثر إنتاجية لبحث مكونات المثير الحاسم في النمو يسمى باستراتيجية الحرمان deprivation strategy. وفي هذه المعالجة يحرم التركيب العضوي "الفرد" من جهاز إحساس كامل لفترة طويلة من الوقت. ولعل الدراسة التي قام بها أوستن ريزن Austin Risen "1974" في هذا المجال تعتبر دراسة قياسية. لقد قام بتربية شمبانزي في الظلام منذ ولادته إلى ما قبل بلوغه النضج الكامل مباشرة.. وافترض أنه: إذا كانت البيئة لا تلعب دورًا في نمو القدرات الخاصة بالنوع، فإن الشمبانزي الذي ربي في الظلام لا يتوقع له أن يظهر فروقًا عن الشمبانزي الذي ربي تربية طبيعية. وحتى بعد إجراء التصحيحات اللازمة لضمور الأعصاب، وجد أن الشمبانزي ظل أعمى وظيفيًا رغم أن الجهاز العصبي البصري كان سليمًا. وفي دراسة نيسن وآخرون Nissen et al ربي شمبانزي يدعى "روب" بطريقة حرمته من الاحساسات الحركية العضلية "انظر الشكل "12": لقد لفت يديه وقدميه بالأربطة وهو في سن 5 أسابيع وحرم تمامًا من الإثارة لليدين والقدمين. وقد أجري اختباره دوريًا، وأخيرًا أزيلت الأربطة وهو في سن 31 شهرًا، وبمقارنته بالشمبانزي الآخر، وجد أنه يمشي مشية جانبية ولكنه لم يستطع استخدام المثير الحسي العضلي مثال ذلك: إنه عندما أثيرت منطقة الجذع أو الرأس لم يرفع أصابعه إلى موضع الإثارة كما تفعل الحيوانات الأخرى، كما أنه لم يبد سلوك التودد بالملاحظ المميز من الإمساك أو التعلق بالملاحظ الذي كان يحمله، أو يظهر أي من حركات الشفاة والأصوات التي تصدرها حيوانات هذه الفصيلة، كما أن حركات التنقيب بالأصبع لم تكن على شيء من الدقة والمثابرة المميزة لهذا السلوك.. وأخيرًا تعلم "روب" أن يوجه أصبعه إلى مكان معين بسرعة ودقة، أما غير ذلك من السلوك الفطري فلم يظهر. هذا وليس المقصود من هذه المعطيات أن الحيوانات كانت محرومة تمامًا من البيئة، لأن مثل هذه الحالة مستحيلة. شكل "12" "روب" في وضع الجلوس والأربطة الإسطوانية في مواضعها، ويتضح تأثير الأرجل العرجة المعيقة للإحساس الحركي العضلي

إن الافتراض بأن التكوينات العصبية المبرمجة وراثيًا تحتاج لمثير خارجي لتحقيق أقصى نمو، هنا الافتراض قد بحثه هب Hebb بحثًا مستفيضًا. وقد اقترح أنه من خلال عمله بيوكيماية معقدة، فإن انطلاق الألياف العصبية في الواقع يؤذن بانطلاق نموها. إن الأبحاث الحديثة في بيوكيمياء النقل في تشابك أطراف الألياف العصبية التي تمر من خلالها النبضات، وإن كان ذلك لا يتعلق إلا جزئيًا بافتراضات هب Hebb، هذه الأبحاث توحي بأنه كان على صواب "Rosenzweio, Bennett & Diamond, 1972". وفي إحدى هذه التجارب، مثلًا: وجد أنه بين الفئران تشابه شديد يرتبط بمستوى عالٍ من الإثارة الزائدة مع الأمخاخ الأكبر وزنًا. وقد حدث أقصى نموه في المناطق البصرية من المخ، ويبدو أن السبب في ذلك أن المثير الأكبر كان بصريًا. ويجب أن نلاحظ أن الحيوانات المثارة وحيوانات المراقبة "الضابطة" كانت متطابقة في تكويناتها الوراثية. وعلى ذلك فإن الفروق يمكن أن تعزى إلى الأحداث البيئية. وتدل هذه الدراسات على أن تأثيرات البيئة مهمة للنمو الطبيعي، وعلى الأقل في القدرات الحسية. ولعله من الحقيقة أن الحرمان الشديد يؤثر أيضًا على الأنشطة الحركية. وهكذا فمن الواضح أن النمو الطبيعي يتطلب تركيبًا عضويًا كاملًا وبيئة مثيرة واستجابية. الدلائل الاكلينيكية: لقد أكد هذا الفصل على العلاقة بين النمو التكويني والسلوك. وقد أوضحنا أن النمو يتضمن تشابكًا معقدًا لأنماط فعل، وقد افترض أن تنسيق أنماط الفعل هو نتيجة للنضج الجسماني، وخاصة النمو العصبي، والعضلي العصبي. وقد عرضت المادة كأساس لفهم التغيرات النمائية في مجالات سلوك أكثر تعقيدًا، بما في ذلك المعرفة، والإدراك، واللغة، والسلوك الاجتماعي. وكما أوضح جيزل وتانر Gesell & Tanner، فإن المبادئ الأساسية للنمو العصبي الجسماني وتضميناتها بالنسبة للسلوك لا تتوقف مع بداية المشي أو في سن 6 أو 9 أو 13 سنة.

ثانيا: النمو الحركي في سن ما قبل المدرسة

ثانيا: النمو الحركي في سن ما قبل المدرسة الخصائص العامة للنمو الحركي ... ثانيًا: النمو الحركي في سن ما قبل المدرسة خصائص النمو الحركي في سنوات الطفولة المبكرة: يتطور النمو الحركي للطفل في الفترة من عامه الثاني حتى نهاية العام الخامس بصورة كبيرة ويتخذ أشكالًا متعددة، وأهم الخصائص العامة المميزة للنمو الحركي في هذه الفترة ما يلي: 1- التعطش الجامح للنشاط والحركة: فالتعطش الجامح للنشاط والحركة من أهم مميزات هذه المرحلة ويكون أساس هام للتعلم الحركي للطفل.. ولا نقصد بالتعلم الحركي في هذا المجال عمليات التعلم المقصودة المنظمة، بل يقصد به كل ما يكتسبه ويتعلمه الطفل كنتيجة لتعامله مع الأشخاص والأشياء في محيط البيئة التي يعيش فيها. "شكل: 13". 2- الإفراط في بذل الجهد: إذ تتسم حركات الطفل في الإفراط في بذل الجهد وبإشراك عدد كبير من العضلات في معظم الحركات. 3- الحركات غير الهادفة: فمعظم حركات الطفل في هذه المرحلة لا تكون هادفة، أي لا تهدف إلى تحقيق غرض معين، إذ أن التحكم الهادف الواعي للطفل في حركاته لا يكون

متوافر لديه في هذه المرحلة، بل يبدأ اكتسابه لذلك تدريجيًا. 4- سرعة الانتقال من نشاط حركي إلى آخر: فلا يتميز طفل هذه المرحلة باستمراره لمدة طويلة في مزاولة نشاط حركي معين، بل نجده سريع الانتقال من نشاط إلى آخر إذ أن درجة تركيزه لممارسة مهارة معينة تكون لمدة وجيزة وسرعان ما يضيق ذرعًا بما يمارسه من نشاط، ويصبح بعد ذلك في حاجة إلى التغيير والتنويع في النشاط حتى لا يصاب بالتعب والإرهاق مبكرًا.

خصائص النمو الحركي في سنوات الطفولة المبكرة

خصائص النمو الحركي في سنوات الطفولة المبكرة في السنة الثالثة من العمر: ببلوغ سن الثالثة تكون الآثار المتبقية من زمن الرضاعة في سلوك الطفل الحركي قد اختفت تقريبًا ويبدأ التمايز في النمو الحركي للطفل: - فطفل الثالثة يجري في سلاسة أكثر، وهو يسرع ويبطئ في جريه في سهولة أكثر، ويستطيع الاستدارة حول الزوايا الحادة ويتمكن من الوقوف المفاجئ. - يتمكن طفل الثالثة من صعود السلم من غير مساعدة ومع تبديل أقدامه ويستطيع أن يقفز من فوق الدرج "درجة السلم" إلى الأرض وقد التصقت قدماه الواحدة بالأخرى. - في حين أن طفل الثانية من العمر يقفز وقد تقدمت إحدى قدميه عن الأخرى، وكثير من أطفال الثالثة يستطيع أن يقفز إلى أعلى بقدميه الاثنتين إلى مسافة تصل إلى 12 بوصة. "شكل: 14". صورة سكانر شكل "14" يستطيع الطفل القفز بكفاءة في سن الثالثة - يستطيع طفل الثالثة أن يقف على قدم واحدة باتزان مضطرب لمدة ثانية أو أكثر. - وكثيرًا ما يختل توازن الطفل أثناء الجري أو القفز، ويرجع ذلك إلى أن

التناسق بين الأعضاء، لا يزال ضعيفًا فيجد كثير من الأطفال صعوبة في أداء بعض المهارات التي تتطلب حفظ التوازن والدقة والمهارة الفائقة. - ونظرًا لأن نمو العضلات الكبيرة يسبق نمو العضلات الصغيرة فإن أطفال هذا العمر يحتاجون إلى استخدام عضلاتهم الكبيرة أكثر من الصغيرة ويصبح الطفل مهيئًا لاستخدام الدراجة ذات العجلات الثلاثة. "شكل: 15" - يحب أطفال هذا العمر العمل بأيديهم ولكنهم يحتاجون إلى المساعدة عندما يفقدون تآزرهم العضلي حيث ينقصهم التناسق في عضلات اليدين الصغيرة.. وهو يستطيع أن يبني برجًا من تسعة مكعبات أو عشرة، بينما لا يستطيع طفل الثانية أن يبني أكثر من ستة مكعبات. "شكل "16-أ". - وفي الرسم نجد خطوطه قد أصبحت أكثر تحديدًا وأقل غموضًا وأقل نمطية وتكرارًا، وهو يستطيع أن يطوي قطعة من الورق رأسيًا أو أفقيًا، ولكنه لا يستطيع أن يطويها حول قطرها حتى وإن زودناه بنموذج يحتذيه.

وفي الرابعة: تكون مهارات الطفل الحركية قد ازدادت: فهو يستطيع عند بلوغ الرابعة أن يجري بسلاسة أكثر، ويكون أقدر على أن يكسر هذا الإيقاع المنتظم في مشيته، ويمزج بين القفز والجري، ويتم بالنشاط الزائد وكثرة الحركة واستخدام العضلات الكبيرة للقفز والتسابق والتسلق والعدو ورمي الكرة، ويحب إظهار مهاراته الجسمية الجديدة أو التمارين التي أتقنها. والواقع أن حركات طفل الرابعة الرياضية تعتمد إلى حد ما على ازدياد حظ عضلاته من الاستقلال ففي هذا العمر نجد مبدأ التفرد الحركي يبدأ في القيام بعمله: أعني أن استجاباته البدنية لا تقع كما كانت في صورة كلية شاملة وإنما نجد أن ساقيه وجذعيه وكتفيه وذراعيه تستجيب بقدر أقل من الترابط وهذا يجعل مفاصله تبدو أكثر نشاطًا وحركة فعلى حين أنه كان في سن الثانية والثالثة يقذف بجسمه كله إلى الأمام حين يلقي بالكرة "وجذعه مشترك في ذلك" نجده عند الرابعة يتمكن من التطويح بذراعه فقط ليحقق رمية قوية. ويتسم أطفال الرابعة بالحماس الذي يدفعهم إلى التسرع لعمل أي شيء وهم يحبون صحبة الأصدقاء بالرغم من حدوث المشاجرات من أجل امتلاك أدوات اللعب، ويميلون إلى فض منازعاتهم بقبضة اليد واللكمات.

ويكتسب أطفال الرابعة قدرًا كبيرًا من المهارة اليدوية والدقة الحركية فيستطيعون ارتداء وخلع ملابسهم إذا كانت بسيطة "شكل: 16- ب"، فقد نمت عضلاتهم الصغيرة بدرجة أكبر من ذي قبل بما يؤهلهم للإمساك بالأدوات الصغيرة مثل المقص وخرامة الورق.. وما إلى ذلك وإن كان التناسق لا يزال ضعيفًا ومع ذلك يتمكن الطفل من أن يتتبع على الورق ممرًا عرضه سنتيمترًا واحدًا بين شكلين على هيئة معين أحدهما بداخل الآخر، ويتمكن في نهاية الرابعة أن يطوي ورقة مربعة حول قطرها الموصل بين زاويتين متقابلتين، ولكنه مع ذلك يظل غير قادر على أن يرسم شكل المعين من واقع نموذج يعرض عليه وإن كان يستطيع أن يرسم دائرة وصليبًا.

وفي سن الخامسة: يتسم الأطفال بنضج واضح في الأداء الحركي: - فهم يتسمون بالسرعة والرشاقة والنشاط الزائد: ويتجلى ذلك في أعمالهم وفي أثناء لعبهم؛ فهم يحبون الحركة والصخب، وتتم أجسامهم بالرشاقة وخفة الحركة، وتكون أعضاء جسمهم أكثر تناسقًا، ويعتمدون على أنفسهم في كثير من الأمور. ومع كثرة النشاط والحركة: فإن أطفال الخامسة يتسمون في بعض الفترات بالسكون والهدوء، ويكون من السهل إيجاد التناسق والتكامل معهم، ويبدو عليهم النضج أكثر من الأطفال الأصغر سنًا، وربما يعود ذلك إلى أنهم يحاولون جادين اختيار الشيء الصحيح، وإدخال البهجة على الكبار؛ فيكونوا أكثر امتثالًا وانسجامًا مع محيطهم الاجتماعي ... وبالرغم من أنهم ما زالوا يتمتعون بالتظاهر واللعب الإيهامي، إلا أنهم يفضلون العالم الواقعي، ويحاولون تذكير الآخرين بالحقائق الواقعية، ويسعدون جدًا حين يلعب الكبار معهم.

- وفي سن الخامسة: تصبح العضلات الكبيرة والصغيرة أكثر مرونة وتبدو المهارات الحركية واضحة المعالم فيكون للطفل المتوسط قادرًا على إيجاد الاتزان الحركي في سلوكه، ويتمكن معظم الأطفال بفضل القدرة على حفظ التوازن من ركل الكرة ورميها والتقاطها دون الاستعانة بإحساسهم ويستطيعون السير في خطوط مستقيمة، والقفز والوثب وركوب الدراجة، ويميلون إلى ممارسة الأنشطة والألعاب المنتظمة ذات القوانين وما إلى ذلك.. ومع ذلك فإن كثيرًا من أطفال الخامسة لا يزالوا عاجزين عن القفز مع النزول مرتكزين على قدم واحدة وإن كانوا يقفزون بالقدمين قفزًا أكثر رشاقة. أما بالنسبة للمهارات اليدوية: فإن أطفال الخامسة يبدون تحكمًا واضحًا في عضلات اليدين وتصبح حركاتهم الدقيقة أكثر تمايزًا واستقلالًا. ويقول جيزل Gesill: أن طفل الخامسة يستطيع التقاط أثنى عشر قرصًا من أقراص الدواء ليسقطها في زجاجة بمهارة في حوالي 20 ثانية مستخدمًا اليد المفضلة: ويتعلم

أطفال هذا السن ربط الحذاء، وإغلاق أزرار القميص وسوته البنطلون أو الجاكيت ويستعملون الأقلام الرصاص والأقلام الملونة وألوان الشمع، ويتحكمون لفترات طويلة إذا ما أتيح لهم ذلك.. وفي الرسم: نجد أن أطفال الخامسة لا يزالون عاجزين أمام خطوط المعين ولكنهم يكونوا قادرين على رسم خطوط مستقيمة في كل الاتجاهات، وعلى أن ينقلوا رسم مربع أو مثلث "لا المعين" وعلى أن يرسموا صورة للإنسان يمكن للغير أن يفهموا أنها صورة إنسان.

ثالثا: النمو الحركي لطفل المدرسة الابتدائية

ثالثا: النمو الحركي لطفل المدرسة الابتدائية مدخل ... ثالثًا: النمو الحركي لطفل المدرسة الابتدائية يتميز النمو الحركي في هذه المرحلة ببعض التغيرات الجوهرية التي تتمايز في السنوات المتأخرة من المدرسة الابتدائية عنها في السنوات الثلاث الأولى منها لذا فإننا سوف نتناول خصائص النمو الحركي من خلال مرحلتين: أ- الطفولة المتوسطة: تتلخص الخصائص العامة للنمو الحركي في هذه المرحلة على النحو التالي: - يظهر النمو التدريجي بالنسبة للأداء الهادف لمختلف النواحي الحركية، ويظهر التحسن الواضح بالنسبة لأداء الحركات وخاصة من الناحية الكيفية.. وترتبط درجة تطور النمو الحركي بالنشاط الدائب للطفل الذي يعتبر من أهم معالم السلوك الحركي في هذه المرحلة.. ويتمثل ذلك النشاط في أن الطفل يقوم بالرد على كل مثير خارجي بأداء بعض الاستجابات الحركية المختلفة المتعددة، كما نجده سريع التحول لا يستقر على حال أو ضع، ولا يلبث مدة طويلة في أداء عمل معين أو ممارسة نشاط واحد، ويفسر ذلك من الناحية الفسيولوجية بأن مثيرات البيئة المختلفة تحدث دائمًا أنواعًا جديدة من الاستثارات في قشرة المخ التي تحرض وتلح على القيام بالاستجابات الحركية، ويساعد في ذلك أن العمليات العصبية التي تسهم في العمل على الكف الحركي "أي التي تقوم بإعطاء الأوامر لبعض العضلات بالكف عن العمل أو الاستجابة" لا تكون قد

وصلت إلى درجة كافية من النمو والتطور.. وبمرور الوقت يتعلم الطفل تدريجيًا التحكم في الدوافع، التي تبعث على الحركة حتى لا يقوم دائمًا بترجمة

وتحويل كل مثير خارجي إلى حركة معينة. وفي غضون العامين الأولين من هذه المرحلة يمكن ملاحظة النشاط الزائد الذي يتميز به الطفل، كما نجد أن كثيرًا من حركاته ترتبط ببعض الحركات الجانبية الزائدة والتي نجدها بوضوح عند محاولة تعليم الطفل بعض المهارات الحركية كالرمي أو المهارات الحركية المركبة.. وفي بداية العام الثامن يتضح ميل الطفل إلى الاقتصاد في حركاته، كما يستطيع تركيز انتباهه لفترة طويلة في أداء نشاط معين دون أن تستطيع بعض المثيرات العارضة أن تحوله عن متابعة ما يمارسه من نشاط، كما تظهر على حركات الطفل معالم الدقة والتوقيت الصحيح واتجاهما لتحقيق هدف معين. - وبالنسبة للمهارات التي تعتمد على حركة العضلات الكبيرة: يلاحظ ازدياد نشاط الأطفال في هذه المرحلة للحركة واللعب كالجري والقفز والتسلق وركوب الدراجات ذات العجلتين، كما يبدأ حبهم للمباريات المنظمة. وتميل البنات في هذا السن للحركة الأكثر دقة والتي تتطلب اتزانًا ومهارة وتنط الحبل و "الحجلة" والرقص التوقيعي.. إلخ. وعلى المدرسة أن تنظم المباريات الرياضية المختلفة وتكون الفرق المنظمة، حيث يتعلم الأطفال من خلال هذا النشاط المنظم بعض القيم المرغوبة كالتعاون والشجاعة والمثابرة والروح الرياضية كذلك يفيد هذا النشاط الأطفال في بناء إحساسهم، وفي الكشف عن ميولهم وتغذيتها، مما يسهم في عمليات التوجيه وفق ميول واستعدادات الطفل. ويمكن ملاحظة بعض الاختلافات بين الأولاد والبنات في أداء بعض المهارات الحركية حيث يتفوق الأولاد في مهارات الرمي والقفز في حين تفضل البنات أداء الحركات الهادئة.. ولا يفهم من ذلك إسهام بعض العوامل الجنسية المميزة لكل منهما نظرًا لأن هذه العوامل لا تؤثر بدرجة كبيرة.. وكثيرًا ما نلاحظ ممارسة البنات ممن يعيشون مع مجموعات الصبيان اشتراكهم في أنواع الأنشطة الحركية التي يمارسونها فنجدهن يقمن بالتسلق والتعلق والقيام بركل الكرة وغير ذلك.

هذا ويحسن بالآباء والمعلمين أن يتيحوا للطفل الفرصة لممارسة كثير من أنواع النشاط الحر، وأن تتعدد أمامه مجالات النشاط الحركي، وأن يترك له حرية اختيار اللعبة أو المجال الذي يريده والأقران الذين يشاركونه اللعب. - أما بالنسبة للمهارات التي تعتمد على حركة العضلات الدقيقة: فعلى الرغم مما نجده من تأخر نمو عضلات الأصابع إلا أنه يزداد في هذه المرحلة التوافق بين العين واليد في الأعمال اليدوية، لذلك يميل الأطفال في هذا السن إلى أعمال الصلصال وعمل النماذج الخشبية، والقص واللصق، وتميل البنات إلى أشغال الإبرة، ويقل اهتمامهن تدريجيًا باللعب العرائس، حتى يتلاشى هذا الميل بنهاية المرحلة الابتدائية. ولذلك يحسن بالآباء والمعلمين أن يتيحوا للطفل الفرصة لممارسة أنواع النشاط البنائي والابتكاري، ويقدموا له الأدوات والتوجيهات حتى يستطيع أن يعبر عن نفسه من خلال العمل، ولذا كان التعلم عن طريق العمل من أفضل وأنسب الطرق المستحدثة في التربية التقدمية بالنسبة لهذه المرحلة العمرية. - ومن المظاهر الشائعة في هذه المرحلة ما نلاحظه من استعمال الطفل الأشول اليسرى بشكل واضح وهذه عادة ترجع لأسباب فسيولوجية تتعلق بتكوين الجهاز العصبي. ويجب أن نشير إلى أن الآباء والمعلمين إذا استعملوا الشدة والضغط مع هذا الطفل كي يستعمل يده اليمنى فغالبًا ما يصاب ببعض مظاهر الاضطراب النفسي، وقد يترتب على ذلك التهتهة في المستقبل، أما إذا استعملوا

الكثير من اللين والحيل والطرق غير المباشرة فغالبًا ما يصلوا إلى الغرض الذي يسعون إليه وإن كان الأمر لا يستحق هذه المجهودات. ب- الطفولة المتأخرة: وفي السنوات المتأخرة من المدرسة الابتدائية يزداد تطور النمو العام بصورة ملحوظة، كما نجد أن الطفل يتمكن بدرجة كبيرة من التوجيه الهادف لحركاته، ومن القدرة على التحكم فيها.. ولا يرى ذلك فقط على النشاط الرياضي بل يتعداه أيضًا إلى نشاط الطفل في غضون حياته اليومية، إذ تصبح حركاته أكثر هادفية وأكثر اقتصادًا في بذل الجهد. كما تصطبغ حركات الطفل بقدر كبير من الرشاقة والسرعة والقوة، وكثيرًا ما يستخدم مصطلح رشاقة الهر "القط" لتميزه أو وصف سلوك طفل الثانية عشرة خاصة عندما يقوم بالوثب فوق عائق طبيعي أو عقب وثبة من فوق جهاز رياضي كصندوق القفز مثلًا.. كذلك: نجد اتصاف الكثير من الأطفال بالرشاقة في غضون ممارستهم لألعاب الكرة، وبالسرعة في مختلف الأنشطة التي تحتوي على الجري، وبالقوة في حركات الجمباز وما إلى ذلك. كذلك تتميز حركات طفل هذه المرحلة بحسن التوقيت والانسيابية وحسن انتقال الحركات من الجذع إلى الذراعين وإلى القدمين..كما يستطيع التوقع الصادق لحركاته الذاتية وكذلك توقع حركات الآخرين. ومن أهم ما يتميز به طفل هذه المرحلة: سرعة استيعابه وتعلمه للحركات الجديدة، والقدرة على المواءمة الحركية لمختلف الظروف. وكثيرًا ما تصادف ظاهرة تعلم الطفل من أول وهلة، وهذا يعني أن الكثير من الأطفال يكتسبون القدرة على أداء المهارات الحركية الجديدة دون إنفاق وقت طويل في عملية التعلم والتدريب والممارسة، وكثيرًا ما ترتبط سمات الشجاعة والجرأة، وكذلك الحماس للتعلم والفاعلية والنشاط بالنواحي الحركية للطفل وخاصة في حالة تكليفه ببعض الواجبات الحركية.

ويسعى الطفل في هذه المرحلة إلى المنافسة ويعشق قياس قوته وقدراته بقدرات الآخرين. وبذلك فإن النمو الحركي يصل في هذه المرحلة إلى ذروته، وكثيرًا ما تعتبر الفترة المثلى للتعلم الحركي، وينطبق ذلك في المقام الأول على تميز الطفل بالرشاقة والمهارة والقدرة على سرعة الاستجابة والمواءمة بارتباطها بالشجاعة والجرأة والحماس للتعلم.

النمو غير المنتظم

النمو غير المنتظم: إن معلوماتنا عن الأنماط الطبيعية للنمو الجسمي والحركي مكنتنا من وضع أساس لتمييز حالات النمو غير المنتظم Atypical Devopmenty. ولا يقتصر الأمر هنا على تشخيص الأطفال المعوقين جسميًا أو عقليًا بدرجة كبيرة. إن اهتمامنا بالأطفال الذين يبدون نقصًا في التناسق الجسمي الطبيعي أو الذين يواجهون صعوبات في نقل الأرقام الهندسية أو حالات التأزر بين العين واليد غير الكاملة التحديد، أو يجدون صعوبة في تعلم القراءة أو في مواجهة مسائل حسابية معقدة. ومثل هؤلاء الصغار ويطلق عليهم عادة الأطفال المعوقين في التعلم الذين يبدون قدرة عقلية عامة ونموًا جسميًا غير سويين وإن كان ذلك في حدود المعايير الطبيعية. والمفروض طبقًا لكل المؤشرات القياسية، أن ينموا نموًا طبيعيًا. وقد قدمت افتراضات عديدة حول أسباب العجز في التعلم ابتداء من الأسباب البيئية البحتة إلى الأسباب التكوينية الوراثية. وقد وضح جيزل Gesill وزملاؤه، وإلج وامس Ilg & Ames، تفسيرات بيولوجية تستند إلى تكامل الحركية العصبية، أي التناسق "التآزر" بين الوظائف الحركية والوظائف الإدراكية. وطبقًا لهؤلاء، فإن هذه الوظائف مبرمجة وراثيًا وتحتاج لفرصة للتعبير من خلال الإثارة البيئية أن الإمداد البيئي المرتد من الأفعال التي تؤدى، والإثارة التالية للتركيب العضوي تؤدي إلى زيادة تكامل الأجهزة. وكما ذكرنا أنفًا فإن المشي إنجاز معقد يتطلب التكامل والتأزر بين عضلات متعارضة وسيطرة عصبية "ضبط عصبي".

وكان من الممكن أن نضيف أن الأطفال يجب أن يتعلموا أيضًا كيف يحددون مواقعهم في الفضاء وأن يكونوا مدراكات فضائية مسافية "مكانية" "الأمر الذي يساعد على تجنب سكب اللبن أو إسقاط فازة ثمينة". كيف إذن ينمو الأطفال نموًا غير منتظم؟ إن القرائن تدل بصفة عامة على أن هؤلاء الأطفال قد تعرضوا لإصابة قبل الولادة أو بعدها مباشرة جعلتهم في مركز يحتمل الخطر، ونشير بذلك إلى التكامل البيولوجي الخاص للطفل حديث الولادة. واحتمالات الخطر هذه تقاس بعدة طرق، بما في ذلك مقياس أبجار Apgar "1953" "على اسم فرجينيا ابجار، وهي طبيبة أطفال"، وطرق أكثر حداثة طورها برازيلتون Baszelton "1973". وتستخدم هذه الوسائل في خلال الساعات الأولى بعد الولادة أو في صالة تعاطي الأم لعقاقير في أثناء الولادة، بعد أن يكون جسم الوليد قد تخلص من آثارها. وتقدم هذه الوسائل القياسية بتقييم قوة الانعكاس، والوزن عند الولادة، درجة التفكير في النضج، درجة تيقظ الطفل، وكذلك كفاءة أجهزة المحافظة على الحياة. إن الصلاحية الممتدة لهذه الوسائل توفر تفاضلًا ملائمًا بين احتمال الخطر البسيط واحتمال الخطر الكبير في الأطفال حديثي الولادة، ولكن جدواها التنبئية العامة ليست على درجة كبيرة من القوة. ومع ذلك فإن الأطفال الذين يولدون في حالة احتمال خطر كبيرة يكونون أكثر تعرضًا لمواجهة مشاكل تعليمية أكثر من الأطفال الذين ولدوا مع حالة احتمال خطر بسيطة "1986، Pasamanick & Knoblok". والخطر يتضمن عاملان متميزان: غذاء الأم في فترة الحمل، ووزن الطفل عند الولادة "الوزن المنخفض عند الولادة، وإن كان مرتبطًا بالتبكير في الولادة إلا أنه يمكن أن يحدث أيضًا للأطفال المولودين طبيعيًا. إن غذاء الحامل له أهمية خاصة لأنه يمد الجنين بالمغذيات اللازمة للنمو الجسماني. والأغذية التي تفتقر بدرجة كبيرة إلى البروتين والفيتامينات يمكن أن تحدث إبطاء في النمو أو قد تسبب فعلًا ضررًا غير قابل للإصلاح للجهاز العصبي. ويشك بعض الباحثين مثل: برتش وجوسو Birch & Gussow "1970" في أن الضرر العصبي الناتج عن

نقص الغذاء يعد مسئولًا بدرجة كبيرة عن احتمالات الخطر الكبيرة في الوليد. وليس مما يدعو للدهشة أن النقص الغذائي، والنسبة المرتفعة لوفيات الأطفال، والولادة المبكرة، وانخفاض الوزن عند الولادة إلى غير ذلك تحدث بين الفقراء. وهناك متغير آخر يؤثر على النمو ويسمى أنوكسيا الوليد neonate anoxia وهي حالة يعجز فيها الوليد عن الحصول على الأكسجين الكافي للإبقاء على الحياة "توقف التنفس حالة يعجز فيها الوليد عن التنفس". وأحسن الآراء الطبية تقول بأن الطفل حديث الولادة يستطيع البقاء بدون اكسجين لمدة 3 دقائق دون حدوث ضرر عصبي، ولكن إذا طالت المدة عن ذلك فإن النتائج قد تكون بالغة الخطورة. وقد حصل ستاكلر Stechler "1964" على تصريح بتسجيل الزمن الذي مضى بين ربط المشيمة Placenta "يؤدي ذلك إلى توقف سريان الدم الحامل للاكسجين إلى الجنين"، وبين ابتداء تنفس الوليد "صرخة الولادة". وقد وافقت عينة مكونة من "26" أما من نساء الطبقة المتوسطة على الاشتراك في الدراسة. ومن هذه العينة فشل "9" من الأطفال "34%"، ويشار إليهم "بأطفال التجربة"، فشلوا في التنفس في خلال الثلاث دقائق المحددة. وقد درس ستاكلر Stechler هؤلاء الأطفال لمدة ثلاث سنوات، مجمعًا لنتائج الاختبارات وعاقدًا مقابلات مع الأمهات، ولم تخبر الوالدات عن حالة أطفالهن. وتتضمن النتائج سمات عديدة ذات أهمية: فبعد أسبوعين فقط من مغادرة المستشفى أدلت أمهات أطفال التجربة ببيانات أكثر سلبية وذكرن من المشاكل ما يزيد على ما ذكرته أمهات المجموعة الضابطة "أمهات الـ 17 طفلًا طبيعيًا الباقين"، وقد زاد اختلاف أنماط نقط الاختبار لحالة الانوكسيا من جلسة اختبار إلى جلسة اختبار أخرى، وكانت معاملات الذكاء في المتوسط للمجموعتين في سن الثالثة متطابقة وأعلى من المعدل. ولسوء الحظ، فإننا لا نعرف ماذا حدث لهؤلاء الأطفال بعد دخولهم المدرسة، ولكن الدلائل المستقاة من أطفال آخرين تدل على احتمال مواجهتهم لمشاكل في التعلم. تلك هي بعض أسباب النمو غير المنتظم أو البطيء من أن للنقص الغذائي والأنوكسيا آثارًا واضحة على النمو العصبي، كما أن الجنس "ذكر أو أنثى" له ارتباط بالنمو، فالصبيان أكثر ميلا لبطء معدلات النضج ولأنماط النمو غير

المنتظم. وليس مما يدعو للدهشة، أن البنين أيضًا أكثر احتمالًا لمواجهة مشاكل تعلم في المدرسة. ولنتذكر أننا ذكرنا في الفصل السابق أن النقص المرتبط بالجنس لدى الصبية يجعل للزيادة عنه لدى البنات. ومع أن التفسير البيئي للفروق الجنسية في النضج أكثر تقبلًا، إلا أننا نعتقد أن هذه الفروق محددة وراثيًا. ولاشك في أن من المفهوم أن البيئة المعدلة "المدرسة" قد تساعد البنين على التلاؤم وزيادة الاستعداد للتعلم لقد نصح بعض الإكلينيكيين بأن يبدأ البنون الالتحاق بالمدرسة بعد البنات بسنة.

ما هي أنماط السلوك التي ينظر إليها علماء النفس لتحديد ما إذا كان النمو الجاري، جسمانيًا وحركيًا وعصبيًا، يتم في إطار المعدل الطبيعي؟ من الواضح أن ذلك يتوقف على سن الطفل: فعندما يكون الطفل وليدًا فإن عالم النفس قد يحدد ما إذا كانت الانعكاسات البدائية "الكفية - الإخمصية" تنحسر طبقًا للتوقيت المرتقب تقريبًا. ويمكن أحيانًا تقييم التكامل الحركي بفحص أوضاع النوم. وبعد ذلك بفترة قليلة، يمكن فحص أنماط الزحف أو الحبو وملاحظة السن عند بدء المشي. وعندما يقترب الطفل من مرحلة السن من 4-7 سنوات، فإن الأنماط السلوكية المتاحة لاستخلاص النتائج منها حول النمو تكون أكثر تنوعًا وأكثر تعقيدًا. وعلماء النفس المهرة يفرزون بمهارة العديد من مظاهر السلوك قبل وضع التشخيص. والأداء في واحد فقط من هذه الواجبات لا يكفي لتشخيص الاختلال الوظيفي. وقد ابتكر كيفارت Kephart "1963" واجب أو مهمة "المشي على العارضة الخشبية" walk-a-beam task وهو يتكون من لوح خشبي مقاس 2 × 4 بوصة يمتد لمسافة نحو 12-16 قدمًا، ويمكن استخدام جانب البوصتين أو جانب الأربع بوصات تبعًا لمستوى الصعوبة المطلوب. ويطلب من الطفل أن يمشي عبر اللوح، وفي نفس الوقت يثبت بصره على نقطة في الفضاء تقع أمامه مباشرة، ولا يسمح له بأن ينظر إلى أسفل لملاحظة موضع قدميه. ويتطلب الإنجاز الناجح لهذا الواجب تكاملًا بين الوظائف الفضائية والحركية. وفي تنويع أكثر تقدمًا لهذا الواجب، يجب على الطفل أن يمشي فوق العارضة إلى الخلف بينما يظل ينظر إلى الأمام -حتى الكبار يجدون هذا الواجب "المهمة" صعبًا، وإن كان معظمهم ينجحون في تأديته. ومن المكونات الهامة في هذا الواجب نمط الفعل الذي يتضمنه عندما يقع الطفل من فوق العارضة. أن بعض الأطفال يقعون بشكل يمكن أن نسميه "مكومًا". وهناك آخرون يقعون بطريقة تتسم بمزيد من السيطرة والمنهاجية، فمثلًا يدل التحليل الدقيق للصور الفوتوغرافية التي التقطت لعملية الوقوع على أن

هناك تناسقًا متكاملًا بين الذراعين والساقين. وعلى ذلك فحتى نمط الوقوع يمكن أن يقدم معلومات تتعلق بالحالة. وثمة واجب آخر استخدمه كيفارت Kephart وهو "رسم دائرة". والشكل "21" يبين طفلًا في سن 4-5 سنوات وهو يؤدي هذا الواجب. حيث تعطى له قطعة من الطباشير في كل يد ويطلب منه الوقوف وأنفه ملامس للسبورة وهو ينظر أمامه مباشرة. ثم يطلب منه أن يرسم دوائر بكل يد في وقت واحد. ويلاحظ أن الطفل قد رسم دائرة لا بأس بها باليد اليمنى ولكن وجد أنه يجد صعوبة كبيرة مع اليد اليسرى. علاوة على ذلك فإن الطفل قد رسم الدائرة اليسرى في مستوى أدنى من مستوى دائرة اليد اليمنى، مما يدل على عدم القدرة على تأدية الواجب بطريقة تناظرية. ومزيد من التحليل لهذا الواجب يدل على ظاهرة أخرى هامة لهذه الأنماط السلوكية الحسية الحركية المبكرة: فالدائرة التي رسمت باليد اليمنى رسمت بحركة في عكس اتجاه عقرب الساعة، ومثل هذا السلوك يعتبر متقدمًا إلى حد ما بالنسبة لطفل في هذه السن "الواقع أن لهذا الطفل قدرة عقلية فائقة وكان قد تعلم القراءة مبكرًا". أما السبب في أن الأطفال يبدأون برسم الدوائر في اتجاه عقرب الساعة ثم يتحولون للاتجاه الآخر، فغير معروف. ومن جهة أخرى فإن هذا الوجب يوفر دليلًا على قدرة الطفل على تنسيق نمط حسي حركي مع القدرة البصرية الفضائية "المكانية".

وهناك واجب آخر أكثر تشكيلًا ومعروف أكثر، طورته لوريتا بندر Loretta Bender "1938" وهو يتكون من 10 تصميمات هندسية "انظر شكل "22" لأحد المثيرات، ويطلب من الطفل أن ينقلها، وهنا سنجد أن الأطفال غير الناضجين يجدون صعوبة كبيرة في تأدية هذا الواجب مع أنهم يستطيعون عادة رسم دائرة، وهو إنجاز يدخل في نطاق قدرات معظم أطفال الخامسة، ويجدون صعوبة كبيرة في رسم المربع "وهو مرسوم على شكل معين". وثمة خطأ شائع وهو رسم المعين في وضع رأسي؛ فيقوم الطفل بإدارته. وأحيانًا يؤدي الطفل ذلك بإدارة بطاقة المثير أو إدارة الورقة؛ والسلوك يذكرنا بحمامات بيل Beale's Pigeons حيث يتم التدريب على إدارة الزوايا المائلة حتى يستطيع الطفل بين تمييزها. وقد ابتكر كوبيتز Koppitz "1964" عملية تسجيل نقط تأخذ في الاعتبار موضوعات مثل الإدارة "تدوير"، وعدم القدرة على تشكيل زواياه، وعدم القدرة على تأدية أنماط سلوكية أخرى تتصل بكل من مواد الإثارة. وقدمت أيرس Ayres "1972" افتراضًا هامًا يؤكد عمليات المداخل Vestibular Processes، أي العمليات المختصة بالقدرة على اكتشاف الحركة واستخدام الارتباطات بين الوارد الحسي والحركات الجسمية. وقد طور هذا الافتراض بدرجة كبيرة وعززه بالمستندات. ومن بين الاستدلالات التي نتجت عن هذا العمل، ومن افتراضات عصبية أخرى مشابهة تتضمن: المهارات الحركية للأطفال في مرحلة السن من 5-8 سنوات. وبالتحديد فإن للطفل يبدي نمائية مميزة في الخط "الكتابة"، والقدرة على ركوب الدراجة، وبصفة عامة في تآزر حركات الجسم المعقدة وتحويلها إلى أنماط فعل سلسة. ولنأخذ مثلًا آخر في هذا المجال: إذا سألت طفلًا في الرابعة أو الخامسة من عمره أن يقفز على قدم واحدة،

فإنه عادة يجد صعوبة كبيرة في إنجاز ما يعتبر عملًا بسيطًا. وأحيانًا لا يستطيع أداء هذا الواجب بالمرة، وإن كان كثير من الأطفال يستطيعون أداءه بمهارة على كلا القدمين اليمنى واليسرى. وبالنسبة للأطفال الأكبر، فإن هذه المهمة تعتبر بالطبع أسهل كثيرًا، ولكننا نلاحظ الآن عدم تناظر جانبي، أن معظم الأطفال يستطيعون القفز بخفة عظيمة على القدم اليمنى، ولكن بدرجة أقل بكثير على اليسرى. ويحتاج الأمر لمزيد من الوقت لكي يتمكنوا من التكيف مع هذه اللاتناظرية الجديدة، ولكنهم ينجحون في النهاية. ويجب أن نلاحظ أن الواجبات "المهام" القليلة التي وصفناها تتعلق بالنمو العصبي والعضلي العصبي. وتتوقف صحة تشخيصاتها، جزئيًا على سن الأطفال الذين يجري عليهم الاختبار. مثال ذلك أن اختيار بندر جشطلت لا تكاد تكون له قيمة تشخيصية مع الأطفال في سن العاشرة، ذلك لأنهم جميعًا يستطيعون أداء هذا الواجب، أي لا توجد تنوعية. وبصفة عامة: فإن لهذه الواجبات قيمة قصوى عندما يكون السلوك متوقعًا أن يظهر أولا. وبالنسبة لواجبات "مهام كيفارت" Kephart وواجبات الرسم، والنقل "إعادة الإنتاج" فإن العمر يكون من 5-9 سنوات. وكثير من هذا الواجبات تكون جزءًا مما يعرف بواجبات الاستعداد للقراءة وهي التي تستخدم كثيرًا في المدارس: ونعود ونكرر القول بأنه ما من واجب واحد أو طريقة واحدة تخلو من الخطأ. من ثم فإن الكثير من الواجبات هو الذي يجب أجراؤه.

العوامل المؤثرة في النمو الحركي

العوامل المؤثرة في النمو الحركي: يعد السلوك الحركي حصيلة للعوامل الوراثية والجسمية والبيئية التي تؤثر في الطفل ويمكن حصر العوامل المؤثرة في النمو الحركي للطفل فيما يلي: 1- الحالة الصحية والفسيولوجية: ويقصد بها التاريخ الصحي للطفل ومقدار الرعاية الصحية المتاحة، والعيوب الجسمية، والإصابة بالأمراض "إن وجدت"، وظروف الولادة، واتزان إفرازات الغدد، ومدى سلامة الأجهزة العصبية والهضمية والدورية.. وما إلى ذلك.

ويوجد ارتباط بين حالة الطفل الجسمية وصحته العامة من ناحية ونموه الحركي من ناحية أخرى: فالأطفال الذين يستمتعون بصحة جيدة يبكرون في نموهم الحركي عن الأطفال الذين في مثل سنهم ولكنهم يعانون من ضعف في الصحة بسب الأمراض وسوء التغذية إلى غير ذلك.. أما الأمراض الخطيرة والعمليات الجراحية وسوء التغذية ونقص الفيتامينات والكالسيوم والفسفور الذي يسبب الكساح فإنه يؤثر على نمو المهارات الحركية: كالقبض على الأشياء والجلوس والوقوف والمشي ... كما يلاحظ أي نقص أو اضطراب في الحواس خاصة حاسة البصر سوف يؤخر النمو الحركي للطفل. فالطفل الكفيف بسبب عدم تعرضه للاستثارة الكافية لخوف الوالدين عليه فإنه يكون خجولًا متهيبًا السلوك الحركي. 2- الذكاء: توجد علاقة طردية بين الذكاء والنمو الحركي خاصة في السنوات الأولى من حياة الطفل، ومن هنا كانت كثرة البنود العملية في اختبارات الذكاء وخاصة في الاختبارات الخاصة بالسنوات الأولى حتى الخامسة، ولذا كان الموهوبون والمتفوقون في الذكاء أكثر نشاطًا وحركة وتفوقًا في الأداء الحركي والمهارات الحركية، كما وجد أن الأطفال الذين يتأخرون في عمليات النمو المختلفة مثل الجلوس والوقوف والمشي متأخرون أيضًا في عطائهم الذهني. 3- التدريب والتعلم: يلعب التعلم والتدريب دورًا كبيرًا في النمو الحركي في الطفولة، حيث يساعد على اكتساب الأطفال الدقة والاتزان في أداء المهارات الحركية.. فلا يفيد في اكتساب المهارات الحركية مجرد ملاحظتها أو التعرف على الحركات المطلوبة لأدائها معرفة نظرية، بل لا بد من ممارستها والتدريب عليها حتى يتحقق تعلمها.. فالطفل يحتاج إلى التدريب والتعلم ليتمكن من ركوب الدراجة بنفسه وممارسة عملية الإمساك بها وتوجيهها بالأيدي ودفع العجلات وتحريكها بالأرجل وغير ذلك من الحركات الضرورية قبل أن يتحكم في ركوب الدراجة. 4- النضج: يقصد بالنضج وجود أنماط سلوكية تحدث نتيجة عملية نمو داخلية لا علاقة

لها بالتدريب أو أي عامل خارجي آخر إذ يرى جيزل Gesell أن الجهاز العصبي ينمو وفقًا لخصائصه الذاتية، ومن ثم تنشأ عنه أنماطًا أولية من السلوك تحددها عوامل الإثارة في العالم الخارجي وليس للخبرة علاقة خاصة بها. وعلى هذا: فكلما كان الطفل على درجة من النضج احتاج إلى قدر أقل من التدريب للوصول إلى درجة معينة من الفاعلية أو الكفاءة في أداء المهارات الحركية ويلاحظ أن تعليم الطفل المهارات التي تتطلب تآزر العضلات الصغيرة الدقيقة قبل أن تنضج العضلات الكبرى لديه يؤثر عادة على اكتساب المهارة: فتعلم الكتابة يعتمد على نضج وتآزر العضلات الكبرى قبل التفصيلية، لذلك كان تعلم الكتابة قبل السيطرة على العضلات الكبرى قد يفقد الطفل الثقة في نفسه، ويؤثر اكتساب المهارات اللازمة لذلك ومن ثم كان لزامًا أن نهيئ الفرص للطفل للشخبطة والتلوين حتى ينضج لديه التوافق بين وظيفة الإبصار وحركات الأصابع. 5- المثيرات البيئية: وإذا كان النضج عملية داخلية ترجع إلى التركيب العضوي للطفل إلا أنه متوقع تحت شروط البيئة والعوامل الخارجية، حيث يتوقع من الطفل -إذا توافرت هذه الشروط الخارجية- أن يتبع خطأ معينًا من النمو الحركي، ويصل إلى مستويات معينة خلال هذا النمو. وعلى هذا: تلعب المثيرات البيئية دورًا فاعلًا في التأثير في السلوك الحركي للأطفال وفي تحديد المستوى الذي يمكن أن يبلغه الطفل في نموه الحركي.. ففي دراسة قامت بها دينيس Denes حول العوامل التي تعجل وتؤخر النمو الحركي عند الأطفال لاحظت أن الأطفال الذين تأخروا في النمو الحركي لم ينالوا الرعاية المناسبة ولم يتعرضوا للمثيرات التي تيسر النمو الحركي، فلم يساعدهم أحد على أداء المهارات الحركية، ولم يزودهم أحد بأية تغذية راجعة هادفة ... أما الأطفال الذين لقوا عناية مناسبة، وكان المشرفون يقدمون لهم العون المناسب في الوقت المناسب قد تمكنوا من إتقان المهارات في وقت أقصر وبصورة أفضل مما جعل "دينيس" ترجع التأخر في تعلم المهارات الحركية إلى عدم توافر الفرص المناسبة لتعلمها، كما دعاها إلى تحذير المربين من الاقتصار على عامل النضج كعامل وحيد في النمو الحركي وشددت على ضرورة الاهتمام

بالعوامل البيئية في عملية تطوير السلوك الحركي للأطفال، وانتهت إلى أن الأطفال الذين لم يتعرضوا لبيئة غنية بالخبرات البصرية وغيرها من المثيرات الحية الممتعة لم يتمكنوا من النهوض والحركة بالمقارنة مع غيرهم من الأطفال الذين توافرت لديهم البيئة المادية المناسبة. 6- المعاملة الوالدية: كثيرًا ما يفضل الآباء والمربون الأطفال الهادئين الذين لا يقومون بأية حركات تزعجهم وتعكر صفو جلستهم وتعليماتهم، ويلجأ البعض إلى فرض القيود على حركات الأطفال فيحولون بين هؤلاء وبين التعبير الحر عما في داخلهم من نشاط وحيوية، ومما لا شك فيه: أن مثل هذه المواقف من النشاط الحركي للأطفال لا يعود بالخير على الأطفال أنفسهم بل على العكس من ذلك: فقد تؤدي مثل هذه الاتجاهات إلى كبت الأطفال وإحباطهم، ومن ثم إعاقة نموهم وتطورهم الحركي وسيكون لهذه الإعاقة انعكاسات سلبية على فرص النمو في الجوانب الأخرى ولا سيما الجوانب الاجتماعية والعقلية. ومن ثم: فإنه ينبغي على الأباء توفير عوامل الإثارة والحفز والتشجيع المادي والمعنوي للطفل قبل وفي أثناء وبعد ممارسة ألوان السلوك الحركي المختلفة، بدلًا من كبح السلوك الحركي للطفل. 7- الحالة الانفعالية للطفل: ومن العوامل الأخرى التي تؤثر على النمو الحركي شخصية الطفل وحالته الانفعالية: - فحياء الطفل الزائد يقضي على روح الإقدام. - والطفل المضطرب نفسيًا دائم التردد في القيام بعمليات فيها تجديد ويهاب التجريب عادة. - أما عدوان الطفل واندفاعه فيؤثر على اكتساب الدقة والرشاقة والاتزان في العمليات التي يقوم بها.

دور الوالدين والمربين في رعاية النمو الحركي

دور الوالدين والمربين في رعاية النمو الحركي: على الوالدين والمربيين يقع العبء الأكبر في رعاية النشاط الحركي للأطفال في هذه المرحلة النمائية الهامة ولذلك يجب: - توفير البيئة المادية والنفسية الصالحة التي تساير مستويات نضج الطفل وتحفزه على النمو والتقدم دون عوائق وإحباطات. - توفير التوجيه والتغذية الراجعة البناءة، وتوضيح أهداف المهارات الحركية التي يرغب الوالدان أن يكتسبها الطفل ويؤديها فيبعثان فيه الرغبة والنشاط. - توفير قدر مناسب من الحرية في ممارسة المهارات المستهدفة فلا يتدخل الآباء في كل صغيرة وكبيرة، وعندما يخطئ الطفل في أداء بعض المهارات الحركية عليهم إرشاده إلى الأسلوب الصحيح دون سخرية أو عقاب، ومتابعة تقدمه إلى أن يبلغ مستوى الإتقان المنشود. - أما من حيث مكونات البيئة المادية: فيجدر أن تتوافر للطفل العناصر المادية من أدوات مناسبة وأجهزة تتيح له التفاعل مع البيئة واكتساب المهارات الحركية التي تعين الطفل على التكيف والنمو اجتماعيًا ومعرفيًا فالطفل الذي يحيا في بيئة مادية قاحلة يتخلف في نموه الحركي. وتطبيقًا لهذه المبادئ في رياض الأطفال: فإنه نظرًا لأن حاجة الطفل إلى الحركة قوية وماسة في هذه المرحلة العمرية كان من الضروري: - عند وضع برامج رياض الأطفال مراعاة إشباع حاجة الطفل إلى الحركة عن طريق أوجه النشاط المدرسي الذي يتطلب من الطفل القيام بنشاط حركي.. كذلك يجب مراعاة تبادل فترات طويلة من اللعب والنشاط الحركي مع فترات قصيرة من الأعمال التي تتطلب السكون والهدوء مثل: الاستماع إلى القصص واللعب بالصلصال، وتأمل الصور، والمحادثة، والقص واللصق ... إلخ. حتى يستطيع الطفل توجيه أكبر قدر من طاقته في مسالك نافعة بناءة.. - واستنادًا إلى المبدأ السابق: ينبغي أن تزود رياض الأطفال بالأدوات والأجهزة التي تعطي لهؤلاء الأطفال فرصة للتعبير عن نشاطهم الزائد الذي يساعد على

استعمال أجزاء الجسم المختلفة كما يساعد على اكتساب المهارات ومن أمثلة هذه الأدوات: الأراجيح على اختلاف أنواعها، وأحواض الرمل، وأجهزة التسلق، والأطواق، والكور مختلفة الأحجام، كما ينبغي أيضًا إمداد رياض الأطفال بالأدوات التي تمهد للسيطرة على العضلات التفصيلية "الدقيقة" مثل: الخرز كبير الحجم، والصلصال، وأدوات الرسم المختلفة، والسبورة والطباشير..إلخ. - ولما كان اكتساب المهارات الحركية يتم عن طريق التعلم؛ لذلك كان للتمرين والتدريب أهمية كبرى، ويجب توجيه التدريب حتى يكون له تأثيره الفعال صحيح أن الطفل قد يستطيع اكتساب بعض المهارات الحركية عن طريق المحاولة والخطأ إلا أن هذه الطريقة فيها إهدار لنشاطه أو ضياع للوقت، كما أن الطفل لا يحصل على نتائج مرضية. لذلك: كان التدريب الموجه يشعره بالثقة والرغبة في استمرار وتعلم المهارات الحركية واكتساب سلوك حركي سوي.. فعلى مربية الروضة: توقيت التدريب فيتناسب مع درجة النمو التي وصل إليها الطفل حتى يحصل على تقدم واضح في قدرته الحركية.. كما أن عليها أن تزود الطفل بالمعايير التي تساعده على معرفة مدى التقدم الذي يحرزه في تعلم المهارة الحركية المستهدفة حتى تسهم في تحقيق تعلم فعال، وحتى يعرف الطفل مستوى الأداء الذي يتوقع أن يصل إليه من خلال التغذية الراجعة الداخلية التي تساعد على التقدم والوصول إلى مستوى الأداء المنشود. - وبجانب إمداد الأطفال بالأدوات اللازمة للتمرين، وتوجيههم أثناء التدريب والتمرين ومعاونتهم على مواجهة الصعاب التي قد تظهر أثناء التدريب: ينبغي أن يحصل الأطفال على التشجيع من المربين إذ أن التشجيع عامل هام بالنسبة لهؤلاء الأطفال الذين يشعرون دائمًا بالإجهاد في محاولتهم لاكتساب السيطرة الدقيقة على حركاتهم. - كما يجب أن تكثر رياض الأطفال من حصص الألعاب الإيقاعية إذ أنها تزيد من درجة التوافق الحسي، الحركي عند الطفل، فضلًا عن اكتسابه رشاقة وخفة في الحركة، وأن طفل الروضة ليجد متعة كبرى في أي نشاط يجمع بين تأديه الألحان الموسيقية والحركات الإيقاعية.

خلاصة

خلاصة: إن ظاهرة الأنماط النمائية تبدو واضحة منذ بداية الحمل تقريبًا وتشكل التكوينات وتصبح متداخلة في أجهزة وظيفية. ولكل جهاز توقيتاته الخاصة، ولكن عند الشهر السابع تصبح هذه الأجهزة على درجة من النمو تكفي للإبقاء على الحياة خارج الرحم، وعلى الأقل بمساعدة بعض المعاونات الصناعية. ومن أهم سمات فترة ما قبل الميلاد السرعة التي يحدث بها النمو. ويستمر النمو سريعًا جدًا بعد الولادة، وخاصة حينما يختص بالطول والوزن وأنماط السلوك الفطري، مثل الانعكاسات الكفية والإخمصية، والقبض بالسبابة والإبهام، والتتابعات النمائية التي تؤدي إلى المشي، تكون قد ظهرت. وتدل الدراسات الأبحاث التي استخدمت التوائم المتطابقة على أن التدريب لا يعمل على تسارع التغيرات في أنماط السلوك الفطري، وهذه الدراسات لا تعني أنه ليس للبيئة أثر، أو أن أثرها ضئيل، على النمو. وثمة دراسات أخرى استخدمت معالجة الحرمان من الآثارة، دللت على أن النمو الطبيعي يحتاج لإثارة بيئية. ومن أهم مظاهر النمو التي نوقشت في هذا الفصل، النمطية القانونية للنمو الإنساني. وقد أوضحنا ذلك بمعيار ظاهرة "اللحاق" التي تلاحظ في النمو الجسمي، وبمعيار تشابك الأنماط الحركية. وظاهرة اللحاق تتضمن تسارعًا في النمو يتبع فترة من التباطؤ في النمو ناجمة عن مرض. وبمجرد أن يبلغ الطفل طوله ووزنه الطبيعي، ويعود معدل النمو إلى طبيعته. إن تشابك الأنماط الحركية يبدو واضحًا من فقدان ظاهر لمهارة جسمية، بينما يجري اكتساب مهارات أخرى أكثر أهمية. وهذا النمط من التأخر الكبير الذي تتبعه مهارة فائقة ينتج عن تكامل مهارات جديدة مع المهارات التي تأصلت. إن تشابك الأنماط السلوكية الجديدة والقديمة ظاهرة ذات جوانب نمو متعددة. وقد تكون الحالة هي حالة أن مكونات النمو الجسمية والحركية والإدراكية والمعرفية مرتبطة تمامًا بعضها ببعض.

الفصل الثالث: نمو الإدراك الحسي

الفصل الثالث: نمو الإدراك الحسي الإدراك الحسي فطري أم متعلم ... الفصل الثلث: نمو الإدراك الحسي الإدراك الحسي فطري أم متعلم: نبدأ بحث موضوع الإدراك الحسي بقضية سادت الكثير من مناقشات الإدراك ونموه هي: ما إذا كانت العمليات الإدراكية سابقة التحديد فطريًا، أم إنها متعلمة طبقًا لمبادئ سلوكية المثير الاستجابة "S/ R"؟ حتى عهد قريب كان ثمة نموذجان نظريان لنمو السلوك الحسي/ الحركي والإدراك الحسي: الأول: هو ما يمكن أن نسميه استعداد النمو Growth- readiness model الذي اقترن في الماضي بأسماء علماء نفس أمثال ستانلي هول "1921" وأرنولد جيزل "1928" وغيرهما ويقرر -باختصار- أن أنماط نمو منظمة معينة لا بد وأن تظهر قبل أن يستطيع التعليم الإسهام بفاعلية في الارتقاء، وأكبر دليل لهذه النظرية يأتي أساسًا من دراسات نمو الوظائف الجسمية والحركية في الأطفال الصغار، كما أن نتائج الدراسات تفسر بأن التدريب على أداء حركي ما ينبغي له أن ينتظر إلى أن يصبح الصغير مستعدًا بحكم النضج Maturationally ready قبل أن يشرع في نظام التدريب المؤدي إلى البراعة المنشودة. "كمال دسوقي، 1979، 417". ويطلق على هذا النموذج الخلقية أو الاستعداد الفطري الكامن، ويركز على أن الطفل محرك نشط للبيئة. والثاني: هو النموذج المؤيد للتعلم ويشار إليه بالتجريبية، وهو عادة يفترض أن الطفل يتلقى الإثارة الخارجية بسلبية، وتحكمه الأحداث البيئية، ومن ثم: فإن الإدراك الحسي متعلم وفقًا لمبادئ التعلم، ومن ثم تحولت الدفة إلى دراسة تعلم الوليد والطفل في السنة الأولى من العمر الحركات وتعلم الكلام والإحساس والإدراك، ومن ثم: كثرت الاتجاهات النظرية التي تصف الإدراك الحسي والنمو العقلي الإنساني كنظرية التعلم التراكمية Cumulative learning model؛ فالادراكات المركبة تتكون من ارتباطات المبادئ الأبسط التي تكونت بدورها من اقترانات المفاهيم

الكلية Concepts التي تتطلب هي أيضًا سبق تعلم التميزات، وهي بدورها تكتسب على أساس سلاسل واقترانات سبق تعلمها، وبتبسيط أكثر: فإن أحد أطوار النمو الإدراكي يتوقف على ما يعرفه الطفل من قبل، وكم لا يزال يجب عليه أن يتعلم لكي يتحقق هدفًا خاصًا، وليست أطوار النمو مرتبطة بالسن إلا بمعنى كون التعلم يستغرق وقتًا، وهي ليست مقترنة بالتراكيب المنطقية إلا من حيث أن ربط إمكانات سابقة في قابليات جديدة يحمل في باطنه منطقه الفطري الخاص "كمال دسوقي: 1979، 419-420". وموقفنا هو أن المبادئ العامة للنمو تميل نحو وجهة النظر الخلقية لأن النمو غير توجيهي ويميل للحدوث في تتابع ثابت نسبيًا، ومن جهة أخرى فإننا لا ننكر أن الأحداث البيئية تعتبر حاسمة، ونحن نوافق على الإدعاء بأن كثيرًا من مظاهر السلوك الإنساني هي نتيجة للتعلم.. والواقع أن هذا الوضع يعيد التمييز الذي رأته ماكجرو Mc-Graw بين الأنشطة الفطرية والأنشطة المكتسبة، حيث أوضحت ببراعة أن الأحداث الخارجية ليست ذات أهمية نسبيًا في الأنشطة الفطرية ولكنها مهمة جدًا في الأنشطة المكتسبة.. ورأينا بصفة عامة هو أن الطفل أو التركيب العضوي محرك نشط للأحداث البيئية، ويبدي أنماطًا نمائية في تحريكه لتلك الأحداث. وقد ذكر هوريتز Horowitz "1975 ص2" هذا الموضوع بوضوح: "لا تكاد توجد اختبارات حاسمة لأحد الموقفين تجاه الآخر.. إنه لمن المعقول جدًا أن ننظر إلى الطفل حديث الولادة كمحرك نشط للبيئة مع تتابع نمائي خاص بالجنس يكمن في ظهور استراتيجيات إجرائية معينة، وفي نفس الوقت ننظر إلى إدراك الطفل في ضوء نوع التحكم في المثيرات البيئية الذي يتمثل في النماذج التقليدية للارتباط.. ومن المحتمل أن يصبح دون الارتباط الشرطي متزايدًا في التعقيد مع تقدم النمو.. والواقع أن بنك المعطيات الخاصة بنمو الأطفال حديثي الولادة قد يصبح قريبًا كافيًا لتكامل جدي بين طريقتي المعالجة مما قد يعود بنا إلى التعقل عند نظرتنا إلى نمو الطفل".

أن بعض الباحثين قد يختلفون مع نتائج هوريتز Horowitz من أنه يمكن تحقيق التكامل بين الوضعين. ومهما يكن من أمره، فإن الطرق المميزة لكل معالجة قد أمدتنا بمعلومات أساسية حول القدرات الحسية والعمليات الإدراكية للطفل حديث الولادة. إن تفهم العمل الذي أنجز حول القدرات الحسية للأطفال حديثي الولادة يحتاج لشيء من المعرفة بالعمليات الأساسية للارتباط التقليدي والفعال. ونحن نفترض أن معظم القراء قد تعرضوا لهذه المبادئ الأساسية في دراستهم التمهيدية لعلم النفس، ولذلك فإن الشرح التالي سوف يكون مختصرًا جدًا ويمكن أن يصلح كتذكرة بالنظريات الأساسية. أما إذا لم يكن الأمر كذلك، فيجدر بالقارئ أن يرجع إلى كتاب مدخلى للمادة موضوع البحث.

المبادئ الأساسية للارتباط الشرطي والإدراك

المبادئ الأساسية للارتباط الشرطي والإدراك مدخل ... المبادئ الأساسية للارتباط الشرطي والإدراك: من البيانات المتناهية في البساطة لموقف عالم النفس السلوكي هو أن التغير السلوكي، "التعلم"، ينتج من اشتراك مثير "S" واستجابة "R". والمثير هو تغير في سمة داخلية أو خارجية من سمات التركيب العضوي تعمل على تنشيط مستقبل وكإثارة للاستجابة. والاستجابة هي تغير في السلوك نتيجة للإثارة. والإثارة التي تحدث قبل الاستجابة تعمل ليس فقط كمنشط ولكن لها أيضًا خواص انتباهية وانتقائية وإعلامية. والاستجابات هي الأخرى تولد المثيرات، وهذه المثيرات لها وظائف للثواب والعقاب، فهي تعمل أما على تقوية أو إضعاف الاستجابة السابقة. والمثيرات التي تلي استجابة ويزداد تكرارها تسمى المعززات "المدعمات". والخواص الدقيقة للمثير المعزز "المدعم" موضوع لبعض الجدل. مثال ذلك: فقد رأى ثورنديك Thorndik "1933" أن هذا المثير يعتبر ثوابًا، وعرفه بأنه حالة رضاء عن الحال وإنها عندئذ تعمل على "تثبيت" اشتراك أو ارتباط المثير والاستجابة". وطبقًا للنموذج الإدراكي لـ"هل وسبنس Hull & Spence فإن المظهر الحاسم للمثير المعزز "المدعم" وهي خواصه الدافعة المخفضة drivereducing، أي المثير النهائي في التتابع، والذي أسمياه بالمعزز "المدعم" reinforcer، ويجب أن يكون قادرًا على تخفيض دافع معين "الطعام للجوع، الماء

للعطش". والتعريف الأكثر انتشارًا للمعزز هو الذي استخدمه سكينر Skinner، الذي يذكر أن المثير المعزز هو الذي يتفق حدوثه مع استجابة، ويعمل على تقوية هذه الاستجابة. والصعوبة فيما يختص بكل هذه التعاريف لا تهمنا كثيرًا في المناقشة الحالية. ويكفي أن نقول إنه في التصورات الأخرى لتغير السلوك -وخاصة التي لها طابع النمو- ليس من الواضح تمامًا أن التعزيز شرط واجب، ولو أن نوعًا ما من المثيرات المعززة يبدو ضروريًا للشرطية "للتكيف".

الارتباط الشرطي التقليدي الكلاسيكي

الارتباط الشرطي التقليدي "الكلاسيكي": يوضح الشكل "23" المبادئ الأساسية للارتباط الشرطي التقليدي Classical Conditioning، وهو يبين التجربة التي حازت شهرة واسعة حاليًا والتي قام بها بافلوف Pavalov على كلب. كان مسحوق الطعام هو المثير الذي يولد استجابة إفراز اللعاب عند تقديمه، وبدون أي محاولات سابقة لإيجاد مشاركة مثير/ استجابة "S/ R". ومسحوق الطعام يسمى بالمثير غير الشرطي "UCS". والاستجابة المتولدة من هذا المثير -إفراز اللعاب- تسمى بالاستجابة غير الشرطية "UCR". والمكون الحاسم للارتباط الشرطي التقليدي يتضمن تقديم مثير، كصوت Tone مثلًا، يسمى المثير الشرطي "CS". والمثير غير الشرطي وكذلك المثير الشرطي يعرضان متلائمين "أي متقاربين جدًا في الوقت"؛ والفترة اللازمة لأقصى معدل للارتباط الشرطي هي حوالي 1-2 ثانية. واستمرار الجمع بين المثير غير الشرطي والمثير الشرطي يؤدي في النهاية إلى الاستجابة "إفراز اللعاب" في غياب المثير غير الشرطي، أي أن إفراز اللعاب يحدث الآن عند تقديم الصوت وحده وهنا يسمى إفراز اللعاب بالاستجابة الشرطية "CR". وقد تسأل أين يوجد المثير المعزز في هذا النوع من الارتباط. الواقع إنه في مرحلة تعلم الارتباط التقليدي فإن المثير المعزز هو المثير غير الشرطي "مسحوق الطعام". والمثير المعزز في حالة الارتباط التقليدي يكون دائمًا موجودًا في أثناء التعلم ولا يحتاج المتعلم لأداء أي فعل لكي يحدث.

ومن أهم سمات الارتباط الشرطي أن المثير غير الشرطي يولد استجابة انعكاسية. وبالنسبة لكلب بافلوف كانت الاستجابة الانعكاسية هي إفراز للعاب، لم تكن هناك حاجة لتعليم الكلب أن يفرز اللعاب عند تقديم مسحوق الطعام. وبدون استجابة انعكاسية، لا يمكن حدوث الارتباط التقليدي. وهناك عدد من الاستجابات الانعكاسية في الأطفال حديثي الولادة تجعل من الممكن عرض الارتباط التقليدي وبالتالي بعض قدرات الطفل الحسية. ويجب أن نلاحظ أن تكوين استجابات مشروطة تقليدية أمر بالغ الصعوبة، حتى مع الحيوانات. وهناك عدد من المتغيرات البيئية "مثل الضوضاء الخارجية" وحالات متغيرة للتركيب العضوي "مثل التعب أو حالة من الإشباع العام" تعمل على صرف الانتباه، وهو ما يعوق العملية.

الارتباط الشرطي الإجرائي

الارتباط الشرطي الإجرائي: في حالة الارتباط الإجرائي instrumental conditioning، يجب أن يؤدي المفحوص استجابة ملائمة لكي يتم الحصول على المثير المعزز. وبعبارة أخرى فإن الثواب أو التعزيز يتفق ونوع ما من فعل سلوكي إرادي. ولذلك فعندما يريد القائم بالتجربة أن يؤدي فأر انعطافًا إلى اليمين في متاهة حرف T، عليه أن يثيب الفأر "يكافئه" على الانعطاف إلى اليمين ولكنه لا يثيبه على الانعطاف إلى اليسار. وبالنسبة للأطفال، فإن عدد كبير من مواقف الارتباطات الفعالة "الاجرائية" قد استخدمت. فعلى سبيل المثال، قد نرغب في جعل الطفل يتعلم الضغط على زرار مثلث الشكل بدلا من زرار مربع الشكل، فإن كل حركات الضغط على الزرار

المثلث الشكل تؤدي إلى مثير معزز "تستخدم الحلوى كثيرًا في هذه التجربة"، ولكن الطفل لا يحصل على أي تعزيز إذا ضغط على الزرار المربع الشكل. ومن ثم فإن الطفل يتعلم الارتباط الموجود بين المثير، "الزرار المثلث الشكل"، والاستجابة "بالضغط على هذا الزرار". وبالطبع فإن مبادئ الارتباط الفعال ليست بالسهولة التي وصفناها هنا. لقد توسعت نظريات عديدة في صدد المبادئ الأساسية، وهي الآن تضم عددًا من المتغيرات التي تؤثر على سرعة "معدل" التعلم. وكثيرًا ما تجري معادلة الارتباط الفعال مع الارتباط الإجرائي Operant conditioning، وهو اصطلاح يرتبط ارتباطًا وثيقًا بمؤلفات سكينر Skinner. ومن طرق الارتباط الفعال في دراسة القدرة الحسية للأطفال حديثي الولادة، استخدام التجارب التمييزية. وسوف نتوسع في الفصل الرابع والخامس في نموذج الارتباط الفعال ليشمل التعلم الإدراكي على مستوى أعلى، ونستكشف كيف يرتبط هذا النموذج الأساسي للتعلم بنمو اللغة والنمو الانفعالي.

الاهتمام الإدراكي

الاهتمام الإدراكي مدخل ... الاهتمام الإدراكي: Perceptual attending: سوف نطلق اصطلاح "طريقة الاهتمام الإدراكي" على معالجة أخرى عامة استخدمت على نطاق واسع لدراسة القدرات الحسية للأطفال الصغار. وتتبع هذه الطريقة من الوضع الخلقي بأن للتركيب العضوي ميل فطري للفحص، أو يهتم بالمثيرات الفريدة في البيئة. وتقاس القدرة الحسية بتحديد ما إذا كان الطفل حديث الولادة يستطيع أن يكتشف التغيرات في خواص المثير عن طريق "الاهتمام" بمثير آخر أدخل عليه تعديل طفيف. وقد استخدمت هذه الطريقة لدراسة الإرهاف الحسي Sensory acuity كما كانت هي الطريقة المفضلة لدراسة خواص المثيرات التي يستجيب لها الأطفال. وعلى ذلك فإن آثار هذه الطريقة تتعدى التوصل لمعلومات حول الإرهاف الحسي. وبالنسبة لأهميتها فسوف نتفحص أهم خواص الاهتمام الإدراكي وبعض السمات الأساسية للطرق التي تستخدمه. - الانعكاس التوجيهي: الانعكاس التوجيهي The orienting reflex هو استجابة غير متعلمة، يقوم فيها الطفل الصغير بتركيز كل انتباهه على المثير "Pavlov, 1927". فإذا استطاع أن يميز مثيرًا "بصريًا أو سمعيًا أو تذوقيًّا أو ما شابه". وإذا كان في حالة تسمح

بحدوث مزودات المثير Stimulus input، وأخيرًا إذا كانت خواص المثير جبرية، فإن الطفل في هذه الحالة سوف يبدي أنماطًا سلوكية تشمل الانعكاس التوجيهي. وليس ما يدعو للدهشة أن كثير من المؤشرات السلوكية على الانعكاس تتحدد باستجابات جسمية لا إرادية. ومن بين هذه الاستجابات التي درست دراسة وافية معدل نبضات القلب. فمثلًا، عندما يكون الشخص في حالة توجيه، فإن نبضات قلبه تبطئ "Steinschneider, 1967". وبالعكس، فإن عرض بعض المثيرات، وخاصة المثيرات الشديدة، يحدث تسارع في نبضات القلب، ومن المظاهر الجسمية الأخرى للانعكاس التوجيهي الانخفاض العام في النشاط الحركي، واتساع العين، وتغيرات في الاستجابة الجلفانية للبشرة Skin galvanic response "التوصيل الكهربي للجلد". وثمة مؤشر آخر على الانعكاس التوجيهي هو تقليل لا إرادي ملحوظ في سلوك المص عند تواجد مثير. ومع أن جدلًا أثير حول ما إذا كان المص يعتبر انعكاسًا حقيقيًا أو هو سلوك متعلم، فإن أغلب الأطفال حديثي الولادة يؤدون ما يبدو أنه سلوك مص انعكاسي.

وبعد تحديد معدل قاعدي للمص "المعدلات الفردية للمص باستخدام مهدئ خاص سيأتي وصفه"، ونستطيع أن نحدد ما إذا كان معدل المص يقل عند تقديم المثير. فإذا انخفض معدل المص، فإنه يفترض حدوث سلوك اهتمامي. ولتحديد أن المثير قد سبب الانخفاض في معدل المص، فإننا نزيل المثير ونراقب ما إذا كان معدل المص يعود إلى الطبيعي. وهناك طريقة أخرى وهي تقديم المثير لمدة طويلة ونرى، ما إذا كانت استجابة المص تعود إلى الطبيعي. والانعكاس التوجيهي يشبه السلوك الذي يشار إليه أيضًا باسم "السلوك اليقظ" وفيه يجري قياس مدة فحص المثير. ولعل أبسط ما يميز بين المصطلحين هو أن الانعكاس التوجيهي يمثل أساسًا المظاهر الجسمية للتيقظ "الانتباه"، وفي حين أن السلوك الاهتمامي يمثل أساسًا مظاهر نفسية.

التعود

التعود: Habituation: إذا كان الأطفال الصغار يهتمون باستمرار بكل المثيرات الجديدة أو شبه الجديدة في بيئتهم، فإنهم لا يستطيعون الأداء الوظيفي لأن سلوكهم يظل منصبًا على التوجيه نحو أي مثير موجود في البيئة. وهذا لا يحدث؛ مع التعرض المتكرر لمثير معين نجد أن أطفال التجربة يقل اهتمامهم واتجاههم شيئًا فشيئًا نحو هذا المثير. وتعرف هذه العملية باسم التعود. وكما يستخدم هذا المصطلح هنا، فإننا لن ننظر إلى التعود كموضوع تكيف أثاري، يتوقف فيه الطفل عن الاهتمام بالمثير بسبب الملل أو التعب. والتعود يعني أن الطفل قد كون مفهومًا أو تصورًا لموضوع الإثارة المعين لقد أصبح مألوفًا لديه "Soklov, 1963". ولتعود الانعكاس التوجيهي سمات نمائية: ففي مرحلة الطفولة المبكرة، تحدث الانعكاسات التوجيهية أكثر وتستمر مدة أطول قبل أن يثبت التعود، ذلك لأن الكثير جدًا من ملامح البيئة جديد على الطفل. ومع نضج الطفل، فإن تكوينات المثيرات الأكثر شيوعًا في عالم الطفل تصبح راسخة. ومع النضج، تحدث الاستجابات التوجيهية بمعدل أقل ويصبح التعود على مثيرات واسعة أكثر سرعة. وعلى ذلك فمن خلال السلوك التوجيهي يتعلم الطفل عن البيئة بتفحصها وتكوين

التصورات عنها. ويبدو أن عملية تحديد الأبعاد الهامة للعالم هي مسألة تعلم لأن الأطفال يجري تعزيزهم تفاضليًا عندما يستجيبون للمثيرات الملائمة أكثر من المثيرات غير الملائمة لأبعاد المثير. وقد قدم ويندل جفري Wendell Jeffery "1968" مفهومًا أكثر تفصيلًا للتعود كما يحدث في النمو الإدراكي والمعرفي، وأسماه "افتراض التعود المسلسل" Serial habituation thesis وهو يرى أن التعود جوهري للنمو التكويني المستمر وحل المشاكل الناتجة عنه. إن الطفل عندما يتعود على أكثر الإشارات جاذبية، فإنه بعد ذلك يبدي انعكاسات توجيهية نحو إشارات أقل ظهورًا. ومع تكرار المثير، يتكون لدى الطفل متوالية مستمرة ومنتظمة من الاستجابات الاهتمامية للمثير. وأخيرًا، فإن هذا التتابع السلوكي يتوقف، ويهتم الطفل فقط بأكثر السمات ظهورًا. ويقول جفري Jeffery "1968، ص325" "إن تكامل نمط من الاستجابات الاهتمامية، وتوقف استمرار هذا النمط مع استجابات أو أنماط اهتمامية أخرى هما اللذان يحددان تصور شيء أو ما سوف نسميه بصفة عامة "الموجز الشكلي Schema"، وعلى ذلك فإن اكتساب المعرفة بالعالم يتضمن تتابعًا من الاهتمام والتعود وتطوير الاحتمالات حول أي سمات المثير أكثر احتمالًا للمساعدة في تحديد الشيء.

طرق دراسة الانعكاس التوجيهي والتعود

طرق دراسة الانعكاس التوجيهي والتعود: هناك طريقتان أساسيتان لدراسة الانعكاس التوجيهي والتعود: الأولى: يعرض مثير واحد، ويسجل زمن التثبيت على محاولات متتابعة. الثانية: يعرض مثيرين، ويسجل زمن التثبيت لكل مثير، وتجري المقارنات بعد ذلك. وثمة تنويع في هاتين الطريقتين يتضمن عرض مثير واحد "مثل صوت" يتوقف أو يتكرر إلى أن يحدث التعود "حيث يكف المفحوص عن إظهار استجابة توجيهية". وهنا يعرض مثير ثانٍ يختلف في شدته أو نغمته أو في سمة أخرى من سماته، فإذا تمكن الطفل من اكتشاف التغير، فإنه يعود لإظهار الاستجابة الاهتمامية.

القدرة الحسية المبكرة

القدرة الحسية المبكرة القدرة البصرية ... القدرة الحسية المبكرة: إن الطرق التي وصفناها تفيد في دراسة الطاقة الحسية، لأنه من الواضح أن الأطفال الصغار لا يستطيعون تقديم استجابات لفظية ذات معنى عن خبراتهم الحسية. ولذلك فإن استنتاجاتنا حول المقدرة الحسية تستند إلى الاستدلالات المأخوذة من تجارب مصممة بعناية ومن النوع الذي وصفناه. 1- القدرة البصرية Visual Capability: تدل عدة دراسات نشرت منذ بضع سنوات واستخدمت فيها وسائل فنية بدائية نسبيًا، تدل على أن الوليد حساس لبعض أنواع الإثارة البصرية. وقد استخدم في هذه الدراسات مصباح كهربي لعرض مثير ضوئي على الأطفال حديثي الولادة. وقد استجاب أربعة وعشرون طفلًا لهذا المثير -استجابة للضوء بإنسان العين أو بالطرف- في نحو 95% في الوقت. وكما كان متوقعًا فإن استجابة الوليد للضوء مؤكدة الحدوث، وبقوة أشد، إذا كان الضوء قويًا. ولسوء الحظ فليس لدينا برهان محقق يصف بدقة حدة البصر لدى الوليد أكثر من انعكاسات إنسان العين استجابة للإثارة الضوئية. غير أن بعض الأبحاث تساعدنا على وضع تقديرات معقولة لحدة البصر لدى صغار الأطفال وهي حوالي 10/ 30 في نمو الشهر 21، وهي تبين تحسنًا ظاهرًا في حوالي الشهر 40-45 في الوقت الذي ذكرت فيه تقديرات سنلين Snellen ratings أنها 10/ 10. ومعظم الأبحاث حول القدرة البصرية للأطفال دون سن 12 شهرًا قد تضمنت التمييز في الشكل واللون. أن التمييز البصري لدى الأطفال الصغار يمكن تحديده. وإن كان ذلك صعبًا، بالمقارنة بالأطفال الأكبر سنًا. والشكل "25" يبين الترتيبات المادية لتجربة تمييز الألوان التي أجراها ليبست Lipsitt "1963". فقد كان أطفال التجربة من سن 8 شهور، وكان المثير المعزز لدفع اللوح الصحيح هو صوت جرس. كان التعزيز لنصف عدد الأطفال يهدف لاختيار المثير الأحمر، والنصف الآخر لاختيار المثير الأخضر. لاحظ في الشكل أن الطفل أمامه ثلاثة ألواح للاختيار منها ولو أن التمييز كان ينصب على لونين فقط. هذا والبحث مع

والألوان تبدو في نوافذ الألواح. والضغط على اللوح الصحيح يولد صوت جرس. الأطفال الصغار يتطلب ترتيبات خاصة ليتجنب قيامهم بأفعال قد تحدث لبسًا في نتائج التجربة. فمثلًا، إذا استخدمنا لوحين فقط، فإن الأطفال عادة يضغطون على اللوحين في وقت واحد وبذلك يضمنون معززًا. أما استخدام ثلاثة ألواح فإن الضغط على اللوح الأوسط لا يؤدي أبدًا إلى إيجاد معزز. علاوة على ذلك فإنه إذا حصل الضغط على لوحين في وقت واحد. فإنه لا يتولد المعزز. والشكل "26" يبين نتائج الدراسة وهي تدل على الأطفال الصغار يستطيعون التمييز بين الأحمر والأخضر، ويستطيعون أيضًا تعلم الربط بين المثير واستجابة معينة. ونتائج تجربة الألوان. وتجارب مشابهة على الشكل تبين أن الجهاز البصري للأطفال دون سن 12 شهرًا نام بدرجة كافية تسمح بتمييز الألوان والأشكال تمييزًا مناسبًا. وهذه المعطيات بالمصادفة تدل أيضًا على أن الأطفال في تلك السن قادرون على درجة أولية من التعلم الارتباطي. ومن المهم أن نلاحظ أن أبعاد اللون والشكل يجري تعلمها بسهولة أكثر من الأبعاد الأخرى مثل الحجم أو العدد، أن ما يفضله الأطفال من

المثيرات يرتبط مع عمرهم الزمني. والأطفال ينتقلون من تفضيل الشكل إلى تفضيل اللون فيما بين الثالثة والرابعة من العمر ثم يعودون إلى تفصيل الشكل. والقليل نسبيًا من الدراسات هي التي فحصت موضوع تفضيل الحجم والعدد. وثمة أدلة اكتشفها سميلي Smiley "1972" تدل على أن الأطفال الأكبر سنًا وطلبة الكليات يفضلون الشكل. ويقترح جفري Jeffrey في كتابه السابق الإشارة إليه أن عمليات التفضيل تتكون كدالة على فائدتها في تمييز الأشياء. والثاني يستقبل تعزيزيًا للاستجابة لأي من اللونين الأخضر أو الأحمر تبعًا لكونه اللون الغريب الموجود. وإذا عدنا إلى مسألة التمييز بين الألوان، لنا أن نسأل متى يحدث هذا التمييز. أن تجربة ليبست Lepsitt تدل على أن الأطفال الصغار يمكنهم التمييز بين الألوان في سن 8 شهور، ولكن أدلة أخرى تفيد أنهم يستطيعون ذلك قبل ذلك السن "Haith & Campos, 1977". وفي تجربة أجراها شاس Chase "1937" استطاع أطفال فيما بين 15 و70 يومًا أن يميزوا، دون خطأ، الازدواج التالية من الألوان الأحمر/ الأخضر، الأحمر/ الأصفر، الأصفر/ الأخضر، والأحمر/ الأخضر المزرق، والأخضر المصفر/ والأخضر المزرق. وقد راعى صاحب التجربة، أن يكون التمييز لا كنتيجة لفروق اللمعان ولكن للون المثير.

ولذلك يبدو أن الأطفال حديثي الولادة لديهم على الأقل حدة بصر بدائية ويستطيعون تمييز الألوان. والدليل يشير إلى أن حدة البصر تتحسن بسرعة لدرجة أن الأطفال حديثي الولادة يستطيعون أداء عدد من الأنشطة البصرية المتقدمة، بما في ذلك التثبيت البصري، سلوك المتابعة، تمييز الألوان وتمييز الأشكال. كما أنه من الواضح أن هذه الاستجابات ليست ملائمة تمامًا في مبدأ الأمر ولكنها تتحسن بسرعة لدرجة أنه في سن من 2-4 أسابيع تصبح الآليات البصرية، بما في ذلك حدة البصر، كافية لكي يدرك الطفل بدقة المثير في البيئة.

القدرة السمعية

2- القدرة السمعية: Auditory Capability: لقد كان صن ونلسون وبرات Sun, Nelson, Pratt "1930" من أوائل الباحثين الذين درسوا المقدرة السمعية لدى الأطفال حديثي الولادة. وقد كانت خطة أبحاثهم شبيهة بتلك التي استخدمت في دراسة الإبصار. فقد استخدموا المثيرات السمعية مختلفة الأنواع وسجلوا حركات الأطفال تبعًا لها. وقد أدت ملاحظاتهم إلى استنتاج أن حدة السمع في الأطفال حديثي الولادة غير متطورة نسبيًا، مع أن وصفهم لم يوضح ما إذا كان ذلك نتيجة لوجود مخاط في القناة السمعية من عدمه. ومهما يكن من أمر، فإن معطياتهم تدل على أنه في خلال 48 ساعة أدى الأطفال أنماط حركية واضحة استجابة لمثيرات سمعية. وقد لاحظ باحثون آخرون أن المثيرات المستخدمة في هذه الدراسات لم تكن معيارية من حيث الشدة أو التردد أو النوع، ولذلك فإنه من الصعب الوصول إلى استنتاجات محددة حول أي الظواهر الصوتية هي المسئولة عن حركة الجسم. وقد استخدم سيكوبلاند وليبست Siqueland & Lipist "1966" طرقًا شرطية للتعرف على التمييز السمعي لدى الأطفال الصغار. فاستخدموا مجموعتين من 8 أطفال، تتراوح أعمارهم من 48-116 ساعة. وفي المجموعة الأولى كان المثير الإيجابي نغمة، في حين أن المثير للمجموعة الثانية كان صوت جرس زنان وقد قرنت هذه المثيرات بإثارة لمسية تولد التفاته عكسية للرأس في اتجاه المثير. والشكل "27" يوضح الجهاز الذي سمح بقياسات دقيقة لمقدار حركة الراس. وتدل

النتائج الموضحة في شكل "28" على أن التمييز السمعي، وبالتالي حدة السمع، يمكن إظهارها في الأيام القليلة الأولى من العمر. إن التفات الرأس المشروط كدلالة على التمييز السمعي جرى توضيحه أيضًا في سلسلة من الدراسات قام بها Papausek "1967" كان المثير الشرطي جرسًا قدم لمدة 10 ثوان، وكانت كل التفاته من الرأس جهة اليسار بمقدار لا يقل عن 30 درجة في خلال 10 ثوانٍ من تقديم الجرس، كانت معززة. وبعد أن تم اكتساب التفاته الرأس إلى اليسار استجابة للجرس أدخل المثير الجرس الزنان. وكان المطلوب الآن من الأطفال أن يؤدوا التفاتة بالرأس إلى اليمين نحو الجرس الزنان. والمعطيات موضحة بالشكل "29".

ويبين شكل "29": أن الأطفال حديثي الولادة قادرون على التمييز السمعي بعد الولادة بقليل. أما الأطفال الأكبر سنًا فقد تعلموا التمييز أسرع. ومعنى ذلك أن الأطفال حديثي الولادة احتاجوا لمحاولات إضافية أكثر من الأطفال في سن شهرين أو أكثر. ويدل هذا الفرق على غموض في نتائج العمل عن حدة السمع، وبالتحديد فإنه ليس واضحًا ما إذا كان التعلم الأسرع للأطفال الأكبر سنًا ناتجًا عن حدة أكثر قوة أو من تحسن شرطي. وبالنسبة للمحاولات الكثيرة لتكييف الأطفال حديثي الولادة، يبدو أكثر احتمالًا أن مقدرة الأطفال حديثي الولادة على التمييز السمعي قد لا تلق التقدير الكافي بسبب المشاكل المنهجية المعقدة في دراسات التكيف. وكمثال: فإن الصعوبات الفعلية في تكيف الطفل حديث الولادة هي في النزوع إلى النوم في وسط التجربة، أو قد يعتريه الغضب ولا يمكن السيطرة عليه. إن أنواع التمييزات التي عرضها بابوسك Papousek يحتمل أن تحدث لدى الأطفال حديثي الولادة. ويجب أن نلاحظ فضلًا عن ذلك، كما في الدراسات السابقة، أن خواص المثير الذي يستجيب له الأطفال حديثوا الولادة لم تحدد بدقة. أن المقدرة السمعية للأطفال حديثي الولادة قد لوحظ أيضًا في دراسة الانعكاس التوجيهي. وقد استخدم برنوشتين وبتروفا Birnoshtein & Petrova "1972" عينة من الأطفال تتراوح أعمارهم بين ساعتين إلى 8 أيام، وعينة ثانية من أطفال تتراوح أعمارهم بين شهر وخمسة شهور. وأعد جهازًا مهدئًا به أنبوبة من المطاط متصلة بأحد طرفيه، وهذه بدورها متصلة بجهاز تسجيل، واستخدام هذا الجهاز لتسجيل أنماط سلوك المص لدى الطفل حديث الولادة. ولنتذكر أنه في هذه العملية إذا كان الطفل حديث الولادة يهتم بصوت معين، فإن عملية المص تنقطع بسبب انعكاس توجيهي. وبهذا الجهاز نستطيع أن نسجل بداية ونهاية مثير سمعي وفي نفس الوقت تسجل التغيرات المشاركة في معدلات المص. وقد استخدمت مجموعة منوعة من المثيرات بما في ذلك أنابيت الأرغن في مدى 60-70 ديسيبل، وهارمونيكا وصفارة. والواقع أن المثيرات كانت أنغامًا موسيقية، وكلها كانت في مدى من 60 إلى 70 ديسيبل.

"أ" الطفل يصغى إلى الأنغام كما عرضت لأول مرة. "ب" بعد 9 عروض للنغم، تعود الطفل عليها. كما يدل على ذلك استمرار المص. "جـ" يعود الانعكاس التوجيهي عند عرض نغم مختلف. ويبين شكل "30" نمط المص لأحد الأطفال حديثي الولادة "سن 4 ساعات و 25 دقيقة". ويبين الخط المهتز عملية المص، والخطوط المستقيمة تدل على توقف المص. وفي الفترة التي ظل فيها الخط مستقيمًا، كان المفروض أن يحدث الانعكاس التوجيهي. لاحظ في هذا الشكل الأقسام المرقمة "أ"، "ب" ففي القسم "أ" تظهر مرحلة مميزة تتضمن انعكاسًا توجيهيًا، ولكن بعد 9 محاولات ظهرت المحاولة التاسعة في القسم "ب" من الشكل، وتوقف الانعكاس التوجيهي. ويفسر ذلك على أنه دليل على التعود "لنتذكر الآن أن التعود لا يعني التعب أو الملل ولكن المفروض أنه يدل على تآلف أو استعياب الطفل للمثير". أن معدل التعود السريع، وخاصة في أطفال هذه السن، قد يكون من سمات الطفل حديث الولادة بصفة عامة. وفي القسم جـ من الشكل يعود الانعكاس التوجيهي عند عرض تغم مختلف. وعودة الانعكاس التوجيهي عند عرض مثير سمعي مختلف تدل على احتمال أن الأطفال حديثي الولادة قادرون على التمييز السمعي. ونتيجة هذه الدراسات ودراسات أخرى غيرها "Eisenberg, Coursin & Rupp, 1966" هي تأييد الاستنتاج أن التمييز السمعي يحدث لدى الأطفال حديثي الولادة. هذا وهناك بعض الصعوبات المنهجية التي تسمح بتفسيرات تبادلية معقولة. وقد أوضح سبيرس وهوهل Spears & Hohle "1967" أن الطريقة التي استخدمها بونشتين ويتروفا Bronsogtein & Petrora "1972" تضمنت تأخيرًا بين المحاولات كان يزيد من معدل حدوث در الفعل التوجيهي لنفس المثير. وبمثابة نقدها لاحظ سبيرس وهوهل Spears & Hohle "1967" ما يلي:

"بعد اختفاء الاستجابات لمثير واحد، إذا أدخل مثير مختلف، فإن رد الفعل الأصلي، أي التوجيه، توقف المص، يمكن أن يستأنف. وطبعًا يمكن تفسير هاتين الظاهرتين على أساس التكيف الحسي: عودة الاستجابة بعد التأخير الممتد داخل المحاولات قد يكون راجعًا للتخلص من تأثيرات التكيف، والاستجابة المجددة لنغم يتكون من ترددات مختلفة، يمكن أن يكون ناتجًا من إثارة مستقبلين تكيفوا من جديد". إن طول الفترة داخل المحاولات في دراسة برونشتين وبتروفا Bronshtein & Petrova يقدم لنا الأساس لنقد جاد لأعمالهما، وهو نقد يسري أيضًا على دراسة قام بها بردجر Bridger "1961". أن طول الفترة بين المحاولات تبدو لازمة لتلاؤم الأطفال الصغار، وذلك لعدم قدرتهم على البقاء يقظين لفترات طويلة. ومما هو جدير بالاهتمام، أنه في العينة الأكبر سنًا التي استخدمها "برونشتين وبتروفا" لم يتطلب الأمر إلا عددًا أقل بكثير من المحاولات لإحداث التعود، مما يدل على وجود أثر نضجي متقدم. ولكن الأثر النضجي يبدو أنه يؤثر على درجة ردود الفعل التوجيهية وسرعة التعود أكثر مما يؤثر على القدرة على التمييز، رغم أنه ليس واضحًا لنا، كما ذكرنا، أي السمات للمثيرات السمعية هي التي تولد المقدرة على التمييز.

الإحساس التذوقي والشمى

3- الإحساس التذوقي والشمي: Gustatory & Olfactory Sensation: لما كان الطفل الصغير مزودًا بعدد كبير من براعم التذوق، فمن المحتمل أن يستطيع تمييز الطعم، وإنا كما نفتقر إلى البراهين التي لا تقبل الشك على صحة هذا الافتراض. فالوليد لا يستطيع أن يخبرنا ما إذا كان طعم مادة ما يختلف عن طعم أخرى، والوسائل التجريبية الحالية ليست من الحساسة لدرجة التي تستطيع بها اكتشاف هذه الفروق. والمشكلة الأساسية هي أن بعض المواد ذات المذاق المر قد تسبب في الواقع ألمًا للطفل، وهو ما يختلف عن محاولة جعل الطفل يميز بين خواص التذوق. ولعل تطوير المعدات والأجهزة يقدم لنا الوسائل لاكتشاف تفضيلات الطعم لدى الصغار "Reese & Lipsitt, 1970". وهناك مشاكل مماثلة حدت من دراسة الشم لدى الصغار. وقد تمكن انجن وليبست Engen, Lipsitt & Kay "1963"، باستخدام إجراءات التعود التي

وضعها "إنجن"، تمكنوا من اكتشاف الفروق في استجابات الأطفال الصغار وهم في سن يومين. وقد تضمنت هذه الإجراءات وضع الطفل فوق "مقياس الثبات"، Stabilimeter وهو جهاز ذو حساسة لحركات الطفل. علاوة على ذلك، فقد وضع رسام للرئة Pnleumograph "أداة لتسجيل حركات الصدر عند التنفس" تم وضعه حول بطن الطفل لتسجيل التغيرات في معدل التنفس. ثم قدمت لكل طفل إحدى الروائح، وتم تسجيل التغيرات في النشاط والتنفس بطريقة آلية. وكانت المثيرات: حامض الخليك، كحول الفنيل اثيل، وزيت الينسون، حيث جرى تقديمها بوضع قطعة من القطن مشبعة بالمادة ذات الرائحة على بعد 5 مم أسفل فتحة أنف الطفل لمدة 10 ثوان. ثم قدم مثيرًا "ضابطًا" "مخفف بسيط" بنفس الطريقة تمامًا، بعد تقديم كل من المثيرات التجريبية. ومع أن النتائج بصفة عامة دلت على أن التمييز الشمى قد حدث، فإن استجابات الأطفال لكل من الروائح الأربع كانت مختلفة. فحامض الخليك مثلًا كان مؤثرًا بصفة خاصة، وولد ردود فعل في نحو 80-100%. وبالمقارنة، فإن كحول الفينيل اثيل ولد استجابات مبدئية في مدى 10-25% من المحاولات. وطبقًا لنظرية التعود، وجد أن تكرار تقديم نفس المثير أدى إلى انخفاض استجابات الأطفال بدرجة بالغة. وقد عزا الباحثون هذه النتائج إلى انخفاض في درجة الحداثة وليس إلى التكيف الحسي، وهو تفسير يتفق تمامًا وتفسير برونشتين وبتروفا Bronshtein & Petrova. وهو يدل على أن الاستجابة قد انخفضت لأنه بعد عرض المثير مرات عديدة لم يعد فريدًا؛ فإذا كان الأمر قاصرًا على التكيف الحسي، لما استطاع الأطفال التمييز بين الرائحة النفاذة وبين المخفف. ولتلخيص البحث في القدرات الحسية للأطفال حديثي الولادة وفي نمو هذه القدرات، يمكننا أن نستنتج في ثقة أن الوليد لديه أكثر من مجرد قدرات حسية بدائية. وقد تكون وسائلنا الفنية على مستوى لا نستطيع فيه أن نحسن تقدير المدى الكامل للقدرات الحسية لدى الوليد، ومهما يكن من أمر فقد يكون من سوء التقدير أن نستنتج أن القدرات الحسية للوليد تقارب قدرات الطفل في سن 2-3 شهور وأكثر. ويبدو أن النمو الحسي يكون سريعًا جدًا ولذلك يستحق بعض التفسير. أن النمو الحسي يكون أكثر سرعة نوعًا ما من النمو الحركي، ولكن من المحتمل

أيضًا أن النمو في كل إحساس يبدأ فعلًا من معدل قاعدي مختلف، مع تفوق منطقة الحركة في البداية. ولهذا السبب نستطيع أن نفسر النمو السريع للقدرات الحسية بأنه نتيجة لإثارة خارجية بعد الولادة. وعلى ذلك فإن التكوينات الجسمية اللازمة لأداء القدرات الحسية تكون موجودة عند الميلاد ولكنها تحتاج للإثارة لكي تنشط النمو. وعندما يحدث هذا المثير الخارجي، فإن معدل النمو يبدو أنه يتسارع بدرجة هائلة. وعلى القارئ أن يدرك أن هذا الاستدلال إنما هو استدلال نظري ولكنه معقول. لقد رأينا أنه منذ باكورة الحياة تتواجد القدرة الحسية اللازمة للنمو الإدراكي والمعرفي. وهذه القدرات الحسية هي التي تقدم المادة الخام التي تستمد منها افتراضات إدراكية أكثر تعقيدًا.

السلوك الإدراكي والنمو

السلوك الإدراكي والنمو إدراك الشكل ... السلوك الإدراكي والنمو: لقد رأينا أن أجهزة الطاقة الحسية للوليد تعمل منذ الميلاد. إن مادة البحث في هذا الجزء سوف تتركز على ارتباط العمليات الإدراكية بالنمو المعرفي المبكر وبتغيرات السن في عدة أنماط سلوك إدراكي. في مناقشاتنا السابقة للقدرات الحسية لدى الوليد، أشرنا باختصار إلى مفهوم الانعكاس التوجيهي والتعود. ونود الآن أن نبين العلاقة بين الخصائص الإدراكية والخصائص المعرفية للطفل حديث الولادة. لقد ذكرنا أن استجابة الطفل لمثير معين تظهر في الانعكاس التوجيهي، وهو ظاهرة سلوكية لنظام جسمي يستجيب لأي مثير جديد "Sokolov, 1983". وعندما يوجه الأطفال نحو المثير فإننا تكون لديه نموذجًا عصبيًا للمثير. وعندما ذكرنا نتائج جفري Jeffrey في هذا الشأن، لاحظنا أن العرض المتكرر يولد "الموجز الشكلي. Schema. إن مصطلح "نموذج عصبي" neorological model و"موجز شكلي يتجه استخدامهما تبادليًا رغم أنهما لا يتواكبان تمامًا في المعنى ومهما يكن من أمر، فإن كلا المصطلحين يستخدمان للدلالة على عرض عقلي لشيء أو حدث مثير. ومتى طور الأطفال هذا العرض، فهم يكفون عن إظهار الانعكاس التوجيهي ما لم يجري تعديل في تكوين المثير، وبالتالي يتولد اختلاف بين الموجز الشكلي الأصلي والمثير الجديد أو المعدل. ومن الموجزات الشكلية البدائية تبرز مادة النمو المعرفي التالية. وهكذا فإن الانعكاس التوجيهي والتعود يكونان أساسًا لفهم النمو المعرفي والعقلي ليس فقط في مرحلة الطفولة المبكرة ولكن من الممكن أيضًا على مدة حياة الفرد. وفيما يلي نعرض لتطور بعض العمليات العقلية في الطفولة. 1- إدراك الشكل: من بين أشهر الدراسات لإدراك الشكل لدى الأطفال الصغار تلك التي أجراها فانتز Fantz "1965، 1963" والتي استخدم فيها طريقة المثير المزدوج "المقرن". ففي "حجرة رؤية" "موضحة في الشكل: 32" فراغ يتسع للوليد والأشياء

المثيرة. والطفل، تبعًا لسنة، يوضع في وضع الاستلقاء على الظهر أو في مقعد خاص بالوليد يمكن منه رؤية زوج الأشياء التي تكون المثير. ومن خلال كوة "فتحة" يلاحظ المشرف على التجربة تثبيتات عين الطفل وحركاته ويحدد المعدل الذي يجري به فحص كل مثير ومدة كل تثبيت على المثير وهذه المعطيات الأساسية تقدم دلالات على تفضيلات الطفل للمثير. الشكل "33" أهمية النمط وليس اللون أو اللمعان في الإدراك تتضح في استجابة الأطفال لوجه، جزء من مادة مطبوعة، عين ثور، وأقراض لون بسيط أحمر وأبيض وأصفر. وحتى أصغر الأطفال فضلوا الأنماط. والأعمدة المرتفعة تبين نتائج الأطفال من سن 2-3 شهور، والأعمدة المنخفضة في سن أكبر من 3 شهور.

إن طبيعة المثيرات المستخدمة في إحدى التجارب تتضح نتائجها في الشكل "33" الذي يعين أيضًا التفضيلات لعينتين من الأطفال في عمرين مختلفتين، وعينة الأطفال في الأعمدة المرتفعة في سن من 2-3 شهور، والعينة في الأعمدة المنخفضة في سن أكثر من 3 شهور. وبصرف النظر عن مستوى السن، كان زمن التثبيت على صورة الوجه هو الأطول، وعلى الدوائر الملونة هو الأقل. ومن يبين الافتراضات العديدة المقدمة لتفسير تفضيل هذا المثير، يبدو أن التفسير الخاص بالتعقيد "على الأقل في هذه التجربة" هو الأكثر قبولًا. إن جاذبية التعقيد للأطفال الصغار قد اتضحت في تجربة أجراها هوريتز وآخرون. Horowitz, et al. "1972" حيث استخدم هؤلاء الباحثون ألواحًا كلوحة الشطرنج بها مربعات أبيض وأسود، اشتملت على عدد من هذه المربعات يتراوح ما بين 4 إلى 1024 مقاس "32 × 32". وأدخلوا أعدادًا متوسطة 16، 64،

256، 276. وعلاوة على هذه المثيرات، استخدموا أيضًا مربعًا رمادي اللون. وقد عرضت المواد المثيرة على "5" أطفال صغار مرة في الأسبوع عندما كان الأطفال في سن من 3-14 أسبوع. واختبروا عينة أخرى من "5" أطفال في سن 3، 8، 14 أسبوع وأخيرًا "6" أطفال في سن 3، 8، 14 أسبوع، حيث شاهدوا المثيرات مرة واحدة. ومع أن النتائج أوضحت أيضًا أن لوحة المربعات كانت أكثر تفضيلًا من المربع البسيط وأوضحت أيضًا أن لوحة المربعات "2 × 2" لقيت اهتمامًا أقل من اللوحات الأخرى، إلا أن الأطفال لم ينجذبوا بداية باللوحة ذات 1024 مربعًا. والواقع أن أول عرض للوحة 8 × 8 ولدت أطول مدة تثبيت. وقد استنتج الباحثون أن التعقيد ولو أنه بعد ملزم للسلوك البصري الاهتمامي للأطفال، إلا أن العلاقة بين التفرس البصري وصفات المثير ليست قاطعة كما اقترح الباحثون الآخرون. وثمة تفسير محتمل لمعطيات هوريتز وزملائه هو: أن الأطفال الصغار لديهم مستويات اختيار للتعقيد، وإنه فيما يعلو هذه المستويات أو يقل عنها، فإن زمن التثبيت يكون قصيرًا نسبيًا. وهذا الاستنتاج يدل على إمكانية أن مثيرًا شديد التعقيد يمكن أن يعم الأطفال الصغار؛ إنهم لا يملكون الموجزات الشكلية التي يستطيعون أن يضمنوها النمط الأثاري المعقد. وبصفة عامة، فإن معطيات البحث تصلح لاستخلاص أن تعقيد المثير هو أحد المتغيرات التي تؤثر على مدة التثبيت لدى الأطفال الصغار "Jeffry & Cohen, 1971". وثمة خاصية أخرى للمثير يبدو أنها تؤثر على مدة التثبيت في الأطفال الصغار، تلك هي الجدة "الغرابة" novelty. والدراسة النوعية للجدة تتضمن عرض نفس المثير إلى أن يتعود عليه الموضوع. ومتى رسخ التعود، يعرض تعديل للمثير، ويكون المتوقع أن يظهر المفحوص مرة أخرى الانعكاس التوجيهي. ولهذا العمل أهمية خاصة لأنه يبدو أنه يعرض بصفة أكثر مباشرة كيف يمكن تطوير الموجزات الشكلية، أي أن الموجز الشكلي يمكن توسيعه ليشمل تعديلات في العرض الأصلي. وفي تجربة بصور وجوه أشخاص، استخدام هاف وبيل Haff & Bell "1967" المثيرات المعينة بالشكل "35". فقد ثبت الأطفال بصرهم أطول مدة على

الوجه الأكثر واقعية، وأقل مدة لم الوجه الذي اشتمل على أقل قدر من التفاصيل. وتدل هذه النتائج على أن الألفة بالمثير ذات أهمية في حالة الأطفال دون سن 4شهور: ولهذه النتيجة أهمية خاصة إذا لاحظنا في الشكل "35" أن الشكل الثاني اشتمل على مزيد من التفاصيل عن صورة الوجه. ويعتقد الباحثان أن معطياتهما تدل على أنه في هذا المستوى من العمر، فإن الوجهية "وجه" أشد جاذبية من التعقيد. كما يجب أن نلاحظ أن المثير الذي يشبه الوجه وبه أقل قدر من التفاصيل حصل على أقل نسبة مئوية من مدة التثبيت.

أما الدراسة التي أجراها كاجان وآخرون Kagan, Hanker, Ken-Tov& Leuiner "1966" تدل أيضًا على العلاقة بين العمر وغرابة "جدة" المثير، لقد وجد هؤلاء الباحثون أن الأطفال بعد سن 6 شهور يزداد انجذابهم إلى مثيرات مغايرة لمثير مألوف لديهم. فلقد كان أطفال البحث من عمر 4 شهور و8 شهور. وكانت المثيرات المستخدمة هي الموضحة بالشكل "36". وكان معامل الانعكاس التوجيهي هو تباطؤ نبضات القلب، وعرف التعود بأنه القصور عن الحصول على التباطؤ. وتدل النتائج التي حصلوا عليها على أنه في سن 4 شهور ظهرت أعلى درجة من تباطؤ نبضات القلب بالنسبة للوجه المنتظم، وهي نتيجة تتفق ونتائج دراسة هاف وبيل. أما الأطفال من سن 8 شهور فقد أظهروا أعلى درجة من تباطؤ نبضات القلب عند الاستجابة إلى الوجه المشوش. ويفسر كاجان Kagan وزملاؤه "1966 ص532" نتائجهم على النحو التالي: "إن الأمر معقول بداهة، لأن النمو المعرفي يتميز بالخلق المستمر للموجز الشكلي للأنماط الجديدة. والمثير الذي ينقض موجزًا شكليًا قائمًا في وقت ما يصبح نمطًا مألوفًا وسهل الاستيعاب بعد أيام أو أسابيع أو شهور. ويبدو أن المزج الحكيم بين أنماط التثبيت وبطء نبضات القلب والابتسام قد يمكننا من استكشاف درجة توصيل مختلف الموجزات الشكلية إلى الطفل، ويسهل التفرقة بين المثيرات التي تمثل موجزات شكلية مألوفة وطارئة وغريبة".

ويتفق هذا التفسير مع تفسير هوريتز وآخرون. Horowitz et al؛ من أن صغار الأطفال قد فشلوا في لوحة الشطرنج المعقدة ولكهم التقطوا مستوى متوسط من التعقيد فيما بين أقصى وأدنى تعقيد. أن كلا من تفسير هوريتيز Horowitz وزملائه، وتفسير كاجان Kagan وزملائه يتفقان تمامًا مع أنماط السلوك التي لوحظت في عدد من المجالات السلوكية. إن الأطفال عندما يألفون مثيرًا، يقضون وقتًا طويلًا في تفحصه والتعلم بشأنه. وهم لا يبدأون في إهماله أو تفحص متغيرات له إلا بعد أن يكونوا قد ربطوا تمامًا بين المثير والموجزات الشكلية القائمة. وعلى ذلك فإن خاصتي الإدراك الحسي اللتين فحصتا حتى الآن تتفقان تمامًا والخصائص العامة للنمو المعرفي. وهذه النتائج تتفق أيضًا مع افتراض هنت Hunt "1961" الخاص بما أسماه "التماثل Match"، والتي تنص على أنه توجد درجة اختيارية من التناقض بين الموجز الشكلي الخاص بالتركيب العضوي أو الألفة بالشيء المثير ويبين قدرة التركيب العضوي على مواجهة هذا التناقض. ويستطرد هنت Hunt قائلًا: "إن التناقض الزائد عن الحد يطغى على الطفل أو يخيفه، وهو عندئذ يتجنب المثير. أما إذا تناظر المثير مع موجز شكلي موجود من قبل، فإن التركيب العضوي لا يظهر إلا القليل من التثبيتات أو دلائل الاهتمام الأخرى". ويقترح هنت Hunt إنه فقط عند حدوث التناقض الاختياري، يحصل التركيب العضوي على السرور من المحاولات التي بذلها بنفسه لإدماج التناقض في موجز شكلي موجود من قبل ولذلك تستطيع أن تبقي على الفضول لدى الأطفال بتقديم الكثير من الفرص لإدماج التناقضات في الموجزات الشكلية الموجودة من قبل. ورغم الفروق والصعوبات المنهجية، فإن نتائج التجارب السابقة وكثير غيرها تتفق بصفة عامة على أن الأطفال الصغار ينجذبون نحو المثيرات الغربية. ولكن ما هو السبب في أن الأطفال يجدون إلزامًا في تعقيد أو غرابة المثيرات؟. إن التفسير يميل إلى الاعتماد على مفاهيم مثل الوجهية fanceness، أي مفاهيم يستخدمها الراشدون. وثمة خاصية أخرى أقل وضوحًا "على الأقل بالنسبة للراشدين" قد تكون الأساسي الفعلي لتفضيل المثير. مثال ذلك، وجد سالابيتك وكيسن Salapatek & Kessen أن الأطفال الصغار ينجذبون إلى مثلث، وبدوا

وكأنم يشكلون موجزًا شكليًا "مثلثًا". وقد قام الباحثون بقيام تثبيتات الطفل البصرية بجهاز دقيق لتسجيل حركات العين. ولم تقم هذه العينة من الأطفال بفحص المثلث بالكامل ولكن ثبتوا بصرهم أساسًا على الزوايا، في حين قل اهتمامهم بالمحيط وبالداخل. وتدل أبحاث إضافية على أنه، مع النضج، تتحول حركات العين بعيدًا عن التثبيت على سمة واحدة من المثير إلى نمط من التفرس أكثر تكاملًا. وفي دراسة أكثر تركيزًا، قام بها هيرشنسون وآخرون Hershenson, Keesen & Meussinger "1967" تناولوا الخواص الآتية للمثيرات: اللمعان النسبي، التعقيد النسبي، درجة التنظيم النسبية والنمطية لإظهار معطيات التفضيل لدى 20 وليدًا. وفي مجال "بعد" اللمعان: كان المثير ذو شدة اللمعان المتوسطة أكثر تثبيتًا منه في المستويين الآخرين من اللمعان: وفيما يختص بدرجة الوجهية، دلت النتائج على عدم وجود فروق في التفضيل بين المثيرات في الثلاثة مستويات الوجهية. وتدل النتائج بالنسبة لدرجة التعقيد على أن المثير الأقل تعقيدًا كان الأكثر تفضيلًا، وتلاه المتوسط ثم الأكثر تعقيدًا. وهذا الاستنتاج ليتفق بصفة عامة مع النتائج السابقة بالنسبة للأطفال دون سن 4 شهور، كأطفال هذه الدراسة، وليس بالنسبة للأطفال الأكبر سنًا، وأخيرًا فإن الأطفال فضلوا مستوى التعقيد المتوسط، وإن كان الفرق الوحيد الذي له دلالة كان بين القيمة المتوسطة والقيمة الأدنى. ويقرر الباحثون أن فهمًا أحسن للإدراك الشكلي لدى الأطفال يحتاج لدراسات أكثر كثافة تستخدم فيها معالجة معقدة الأبعاد ولا شك في أن نتائج التجربتين الأخيرتين تدل على أنه رغم أن الانعكاس التوجيهي والتعود على المثير حدثان محققان، فإن خواص المثير المؤدية لهذه التثبيتات تحتاج لمزيد من التحقيق.

إدراك العمق

2- إدراك العمق: في موضوع سابق من هذا الفصل وصفنا المعالجة الفطرية والاختبارية للإدراك وقد لاقت الأبحاث التي تتعلق بإدراك العمق كثيرًا من قوة دفعها الأصلية من هذا الجدل، وهي أبحاث بدأت من أواخر القرن 19، وقد راجع والك walk "1966" الكثير من الأبحاث المبكرة التي أجريت على الحيوانات، واستنتج أن كثرة الأدلة تدل على -بصفة عامة- أن للحيوانات قدرة كامنة على تمييز العمق. ويتحفظ والك walk في استنتاجه، فهو لا يؤكد أن كل الحيوانات تستطيع أن تدرك العمق بعد ولادتها مباشرة. علاوة على ذلك فهو يدلل على أن الحيوانات التي ربيت لفترة طويلة في الظلام تفقد قدرتها على تمييز العمق بصريًا. وأخيرًا فإن بعض الأنواع "القطط والأرانب" يجب على الفرد منها أن يتفاعل مع البيئة قبل أن يتمكن من إدراك العمق. وقد قامت إلينور جيبسون Eleaner Gibson من جامعة كورنيل بإجراء سلسلة من التجارب على إدراك العمق مستخدمة أطفالًا حديثي الولادة أن المشكلة في إجراء مثل هذا البحث هي بالطبع أن الأطفال الصغار لا يستطيعون التعبير عن إدراكهم باللفظ. وقد ابتكر جيبسون ووالك Gibson & Walk "1960" جهازًا يتكون أساسًا من منضدة واسعة ذات سطح زجاجي أسماه "السفح المرئي" The Visual Cliff، وهو مبين بالشكل "37". ويتكون الجهاز أساسًا من منضدة ذات سطح زجاجي كبير 6 × 8 أقدام، أرتفاعه 40 بوصة وتحيط بالسطح حافة ارتفاعها "8" بوصة لتجنب سقوط الطفل من فوق المنضدة. ويمتد الزجاج على طول سطح المنضدة، ولكن تصميم الجهاز جعل بحيث يوحي بأن أحد الجانبين ضحل والآخر عميق. والزجاج يحول دون الطفل والسقوط إذا فضل أن يتجه نحو الجزء العميق، ولكنه يسمح له أيضًا برؤية الجانب العميق والجانب الضحل. ويوضع الطفل الصغير فوق المنضدة في حين تحاول الأم بملاطفة طفلها أن تحثه على العبور إلى الجانب العميق. وقد بلغت نسبة الأطفال دون سن 10 شهور الذين عبروا إلى هذا الجانب 43% من مجموع أطفال التجربة. ومن هؤلاء الأطفال وهم من سن 300 يوم أو أكثر، 22% فقط يعبرون في اتجاه الأم وهي عند الجانب العميق. ويستخلص والك Walk "1966، ص101" النتيجة التالية بعد إتمام عمله المكثف الذي قام به مع جيبسون Gibson: "إن الطفل الصغير يحسن تمييز العمق، ومن وجهة النظر النظرية "للتعلم الغريزي "الفطري"" innatel-learned، فهو يميز العمق بمجرد أن يصبح

بالإمكان اختباره. ولكن آلياته البصرية لا تزال في طور النضج. وهو يميز العمق بطريقة أفضل عندما يكون هناك نمط محدد في كلا الجانبين "الضحل والعميق" منها عندما يكون أحد الجانبين غير محدد بطريقة ما، وطالما كان العمق أو المسافة على بعد كاف. وهذا القصور في التمييز تعكسه حقيقة أنه يمكن ملاحظة الطفل وحثه على عبور الجانب العميق تحت ظروف معينة، وليس تحت أي ظروف ما. وبينما يستجيب كل المفحوصين بالزحف عادة عبر الجانب العميق في حالة وجود الأنماط غير الملائمة للإثارة، فإن الأطفال الذين يقل سنهم عن 300 يوم هم الذين يتأثرون أكثر". ويستطرد والك Walk قائلًا أن "سلوك اللامبالاة" insouciant behavior للطفل الصغير يرجع إلى نقص النمو في قدرته على التمييز. وعندما يصبح العمق مدركًا بوضوح فإن منحنى الأطفال الصغار لا يمكن ملاطفتهم لحثهم في اتجاه الجانب العميق. ومع نضج الأطفال واكتسابهم لمزيد من القدرة على التمييز، يمكنهم تمييز إشارات العمق بسهولة أكبر وبالتالي يظهرون مزيدًا من الإحجام عن العبور إلى الجانب العميق. ومن بين الصعوبات الناجمة عن النتائج التي استخلصها جيبسون ووالك Gibson & Walk أن السفح المرئي يقتضي أن يكون الطفل قادرًا على التحرك الأفقي. وعندما يأتي الوقت الذي يستطيع فيه التحرك، لا بد وأن يكون قد تفاعل

بدرجة كبيرة مع البيئة، وبذلك يمكن أن يتعلم إدراك العمق الذي بيديه على السفح المرئي. وقد ابتكر كامبوس وزملاؤه Campos, Langer, Krowiz "1970" طريقة لتقييم إدراك العمق بحيث يمكن تجنب هذه المشكلة. وهذه الطريقة تتضمن استجابة معدل نبضات القلب، وقد استخدمت مع عينتين من الأطفال، كان متوسط عمر أطفال إحدى العينتين 106 يومًا، وأطفال العينة الثانية 55 يومًا. وبعد الحصول على المعدل القاعدي لنبضات القلب، قام الباحثون بوضع الأطفال منبطحين على بطونهم مع توجيه رؤيتهم إلى أسفل نحو السطح العميق أو نحو السطح الضحل للسفح المرئي. كانت الاستجابات القلبية للأطفال بطيئة نسبيًا على الجانب الضحل للسطح ولكنها كانت شديدة التباطؤ على الجانب العميق "تذكر أن تباطؤ النبض يؤخذ عادة كمؤشر على الانعكاس التوجيهي". والواقع أن هذه النتيجة تدعو إلى شيء من الدهشة؛ فمن الناحية المنطقية كنا نتوقع أن يبدي الأطفال عدم التباطؤ في نبضات القلب بل تسارعًا فيها، حيث أن التسارع يكون عادة مصاحبًا للخوف، ولا شك في أن الأطفال كان من الضروري أن يخشوا السقوط على الجانب العميق من السطح. ويعترف الباحثون بتناقض هذه الظاهرة وأقروا أخيرًا بأن نتائجهم في الواقع غير واضحة. ومن الواضح أن إدراك العمق يوجد فعلًا في وقت مبكر، وإن كان من غير الواضح تمامًا ما هي أبعاد الإثارة التي تحكم هذا الإدراك. هذا وقد قدم الباحثون الثلاثة الملاحظة التالية وهي تتسم بالأهمية والمعقولية: "إن الطفل الصغير لا يبدو أنه يظهر ضيقًا يذكر من افتقاره للسند البصري على الجانب العميق في مستويات العمر التي اختبرت. وهذا يختلف كثيرًا عما كتب وصور فيلمًا من ملاحظات الحيوانات والدراسات على الأطفال الأكثر سنًا في المعمل. ويدل ذلك على أن الطفل يستطيع تمييز مثير ما ثم يمر بعملية نمائية تسمح لهذا المثير بأن يولد استجابات منفرة".

ثبات الحجم والشكل

3- ثبات الحجم والشكل: إن المسألة الأساسية بالنسبة لثبات الحجم Size Constancy هي: كيف تستطيع أن تحكم بدقة على حجم شيء رغم التغيرات في بعده عنا؟. إن الشيء المألوف مهما كان بعده عنا ندرك حسيًا أن له نفس الحجم. وكما هو صحيح بالنسبة لكل أنماط السلوك التي ناقشناها آنفًا فإن السؤال الأساسي هو ما إذا كان ثبات الحجم يحتاج إلى تدريب طويل أو لا يحتاج كما يرى التجريبيون، أو ما إذا كان ثبات الحجم أمرًا فطريًا. ومن الدراسات التعريفية في هذا الصدد، تلك التي أجراها باور Bower "1965، 1966" "انظر شكل 38". قام "باور" بتعزيز مجموعة من الأطفال الصغار في سن من 6-8 أسابيع، ليديروا رؤوسهم نمو مكعب 30 سم. كان المكعب على بعد حوالي متر من عيون الأطفال الذين لم تكن لهم خبرة سابقة بهذا المكعب. ولتعزيز استجابة الأطفال لإدارة رؤوسهم، وقف القائم على التجربة وصاح Peek a poo" وهو تعزيز ذو تأثير خاص على الأطفال في تلك السن. ولتحديد ما إذا كان الأطفال أظهروا ما يفيد إدراكهم لثبات الحجم قام "باور" بتغيير حجم المكعب وإبعاده بطريقة منهجية. وكانت المعالجة تتضمن المكعب الأصلي "30سم" ومكعبًا آخر أكبر منه ثلاثة أضعاف. ووضع المكعبان على بعد متر وثلاثة أمتار على التوالي، من الأطفال بحيث يكون عرض صورة المكعب الكبير على الشبكية مساويًا في الحجم لصورة المثير الأصلي. فإذا لم يكن الأطفال يدركون ثبات الحجم، فإن تحريك الرأس كان يجب أن يحدث نحو أحد المثيرين بقدر تحريكها نحو المثير الثاني. والواقع أن الأطفال استجابوا بدرجة أقل للمثير الأكبر على بعد 3م، مما يدل على أنهم استطاعوا تمييز الحجم والمسافة. ثبات الشكل Shape constancy: فيتطلب أن يكون إدراك الشيء على أنه يحتفظ بنفس الشكل أما بصرف النظر عن اتجاهه في الفضاء. وقد قام "باور" "1966" بإجراء تجربة استخدام فيها نفس الطريقة تقريبًا التي استخدمها في تجربة ثبات الحجم. تضمنت التجربة "8" أطفال في سن 50 أو 60 يومًا دربوا على إجراء استجابة لإدارة الرأس بمقدار 45 درجة نحو مثير مستطيل الشكل موضوع فوق حافة طويلة، بانحراف 45 درجة إلى الخلف عن الأطفال. ومرة أخرى وقف المشرف على التجربة أمام الطفل وصاح "Peek a boo" كتعزيز. وبعد أن تكيفت الاستجابة، أجريت 4 محاولات تجريبية: المستطيل في اتجاهه الأصلي على زاوية 45 درجة، ثم في المستوى الأمامي المتوازي، ثم شبه متحرك في المستوى الأمامي وضع بحيث يكون انعكاسه الشبكي مساويًا لانعكاس المستطيل المنحرف، وأخيرًا شبه منحرف

مائل بزاوية 45. ورتب عدد الاستجابات الارتباطية للتجارب على المثيرات الأربعة بنفس الترتيب الذي أوضحناه، مع فارق كبير حدث في عدد الاستجابات للمثير الأصلي "ارتباط 1" وشبه المنحرف على درجة 45 درجة "الارتباط الرابع". وقد رأى الباحث أن نتائج هذه التجربة تدل على: "أنه من الواضح أن هؤلاء الأطفال لم يتعلموا الاستجابة بشكل بارز أو شبكي ولكن بشكل إيجابي، يمكن التعرف عليه في اتجاه جديد، وكان إظهارهم لثبات الشكل عظيمًا لهذا الحد" "Bower, 1966, 833".

توجيه المثير

4- توجيه المثير: توجيه المثير Stimulus orientation يقصد به الدرجة التي يمكن أن يدار بها شيء على محوريه الأفقي والرأسي ويظل مميزًا بأنه نفس الشيء. والوسائل المتبعة لاختبار توجيه المثير شديدة الشبه بالوسائل التي اتبعها "باور" في دراسة ثبات الشكل. وفي حين كان "باور" مهتمًا بقدرة الأطفال الصغار على التعرف على نفس الشيء، فإن اهتمامنا ينصب على تأثيرات دوران المثيرات على قدرة الأطفال على التعرف على شيء قياسي وسط مجموعة من أشياء أخرى.

وقد يكون من المفيد أن نصف تجربة قامت بها غنت براين "1985" Ghent Braine وفحصت فيها تأثيرات توجيه المثير. لقد استخدمت عينة من أطفال في سن 3 سنوات و5 سنوات، ووضعت المثيرات الموضحة بالشكل "39" في اتجاهات مختلفة، والواقع إنها كانت معكوسة. واعتبرت المثير الذي على هيئة ثقب المفتاح هو المثير القياسي، وطلبت من الأطفال تفحصه جيدًا لأنه سيطلب منهم فيما بعد مناظرته بمثير آخر ضمن عدة مثيرات. وفي أحد العروض قدم المثير ذو الجزء المستدير في أعلاه، وفي عرض آخر جعل الجزء المستدير في أسفله. كما عرض المثلث برأسه إلى أعلى مرة وإلى أسفل مرة أخرى. وكان تحليل الباحثة القائمة بالتجربة هو أن الجزء المستدير لثقب المفتاح ورأس المثلث هما المثيران البؤريان بالنسبة للأطفال في سن ما قبل المدرسة وبالتالي فهما على درجة كبيرة من الإلزام. إن لهذا الافتراض أساس اختباري في تجربة مجانسة العينة" التي أجراها سلاباتيك وكيسن Salapatek & Kessen والتي أظهرت أن الأطفال الصغار يميلون للتركيز أكثر على أركان المثلث. وكما ترى من الشكل، فإن كل مثير له سمات مميزة معينة استخدمها الأطفال فعلًا لتمييز الشكل القياسي عن باقي المثيرات. وعلى ذلك فإن القائمة بالتجربة قدمت المثيرات في الوضع القائم مع جعل السمات المميزة لها في أسفل، وفي وضع مقلوب مع جعل السمات المميزة في أعلى. وعندما كانت النقطة البؤرية في أعلى، افترضت الباحثة أن الأطفال سيبدأون بالتفرس في النقطة البؤرية "في أعلى" ثم يتحرك نظرهم إلى أسفل، وأخيرًا يتفحصون السمات المميزة. وبالعكس فعندما تكون النقطة البؤرية في أسفل "الوضع المقلوب"، فإنهم يبدأون بالنقطة البؤرية وكذلك يتحرك تفرسهم إلى أسفل، وبذلك يتركون السمات المميزة. وقد افترضت غنت براين Ghent Braine "1985" أن الميل الطبيعي للتفرس هو من أعلى إلى أسفل، وعلى ذلك فإن توجيه المثير واستراتيجية التفرس للأطفال الصغار يجب أن يؤديا إلى أداء ناقص في مهمة "مجانسة العينة"، وبصرف النظر عن توجيه المثير، فإن الأطفال الأكبر سنًا كان المتوقع منهم أن يبدأوا عند القمة ثم يتفحصوا المثيرات فحصًا منتظمًا في اتجاه إلى أسفل وبهذه الطريقة يكونون دائمًا متأكدين من ملاحظة المثيرات

المتميزة. ولكن الذي حدث، أن نجاح الأطفال الصغار قد اختلف تبعًا لتوجيه المثير القياسي. وعندما كانت النقطة البؤرية للمثير القياسي في أعلى، أحسن الأطفال الصغار الأداء، ولكن عندما كانت النقطة البؤرية في أسفل كان أداؤهم ضعيفًا، وبذلك فإن توجيه المثير لم يؤثر على الأطفال الأكبر. وقد أبرزت دراسات أخرى قامت بها غنت براين Ghint Braine نفس النتائج، ولكنها أثارت بعض التساؤلات حول الطريقة. لقد استخدمت في هذه التجارب جهاز التاكستوسكوب "وهو جهاز يعرض صورًا أو جُملًا خاطفة وغير ذلك على شاشة لمدد قصيرة ولكنها موقوتة بدقة". وهكذا فإن سرعة التجربة بهذا الجهاز كانت كبيرة لدرجة لا تتيح أي حركة للعين "Pick & Pick 1970" والتجربة التي أجراها مايروداوير Meyer & Dwyer "1974" تؤيد هذا النقد. لقد أبرز هذان الباحثان مثيرات غنت براين Ghent Braine وعرضاها فوق شاشة

معتمة. وسمحًا للأطفال بتفحص المثيرات لمدة 8 ثوانٍ، وطلبًا منهم أن يتفحصا المثير القياسي بعناية، لأنهم يستخرجونه فيما بعد. وقد قام كل طفل بتفحص كل مثير 4 مرات، مرتان في الوضع القائم ومرتان في الوضع المقلوب، لمدة 8 عروض. وكان الغرض من هذه الدراسة هو تحديد الدرجة التي يستخدم بها الأطفال استراتيجيات تفحصية مختلفة. عندما يقدم لهم أكثر من الوقت الكافي لتفحص مثير، وقد سجلت حركات العين. وكان الأطفال مجموعتين مجموعة من سن 3-7 شهور، ومجموعة من أطفال أكبر من سن 4 سنوات و10 شهور في المتوسط. وكانت النتائج الأساسية للدراسة هي أنه مهما كان وضع النقطة البؤرية وبصرف النظر عن السن فإن الأطفال كانوا يتفحصون المثيرات إلى أعلى وإلى أسفل بنفس النسبة. ويجب أن نلاحظ أنه لو أن هذين الباحثين قد استخدما واجب "المناظرة مع العينة" لكانت النتائج مشابهة لتلك التي توصلت إليها غنت براين Ghent Braine. وبالتحديد وجد أن الأطفال الأكبر سنًا اهتموا -ثبتوا النظر أكثر- على السمات المميزة أكثر من الأطفال الصغار. وعلى ذلك ففي واجب النقل كان من المحتمل أن يكون أداؤهم أفضل لأنهم كانوا يدركون تلك السمات المميزة. ومن أكثر الدراسات مكانة عن تمييز الشكل والتوجيه ابتكر جيسون وآخرون Gibson, Gibson, Pick & Osser "1962" عددًا من الأشكال تشبه الحروف مع مجموعة من التحولات لهذه الأشكال، اعتقدوا إنها أما حاسمة أو غير حاسمة في عملية تمييز الحروف الإنجليزية. وقد عرضنا مجموعة المثيرات الناتجة في الشكل "40". ويلاحظ أن البيانات المختصرة في أعلى كل عمود قد مدت لزيادة إيضاح التحويل. وقد استخدمت هذه المواد المثيرة في عملية "مجانسة مع العينة" مع الأطفال من سن 4-8 سنوات. وقد وضع كل نموذج أصلي على قمة رف عرض يتكون

من 4 صفوف كل منها 13 شكلًا أحدهما يتضمن الشكل الأصلي. وكان على الطفل أن يبحث في المثيرات ويجد الشكل الذي يطابق الشكل الأصلي. وقد لخصنا نتائج التجربة في الشكل "41". وقد أظهرت النتائج ميلًا نحو تناقص عدد الأخطاء كما هو متوقع. وأن بعض التحولات تثبت أنها أكثر صعوبة من غيرها. وقد فسو القائمون بالتجربة هذه النتائج بأنها تدل على أنه عندما يبدأ الأطفال في القراءة في سن حوالي 6 سنوات، فإنهم يتعلمون اكتشاف السمات الحاسمة في المثير. وهذا التفسير العام يتفق مع رأي جيبسون Gibson "1989" في أن الأداء المحسن في واجبات التمييز الإدراكي ينتج عن أنشطة الأطفال التي يواجهون فيها سمات. مميزة للبيئة ويتعلمون كيف يتعرفون على هذه السمات. ومن معطيات هذه الدراسة التي لم تعزز بصفة عامة أن مستوى الأخطاء في الصورة المرآتية المقلوبة "فون - تحت" كان شبيهًا بمعدل تكرار أخطاء الصور المرآتية يمين - يسار. وبصفة عامة، وجد باحثون آخرون أن تحويل الصورة المرآتية يمين - يسار أكثر صعوبة. والطلبة الذين ألفوا حالات الصعوبة في القراءة التي يواجهها أطفال الصف الأول، سوف يدركون أن تمييز اليمين -يسار هو من الواجبات التي يجدها الأطفال صعبة في العادة خاصة عندما يحاولون التمييز بين الحرف qP أو d وb. وقد لاحظ ذلك دافدسون Davidson "1935" الذي وجد أن الأطفال يستطيعون التمييز الرأي للحروف "d وb وq وp" قبل أن يتمكنوا من التمييز الأفقي بحوالي سنتين. وبين جفري Jeffrey "1958" أن الصعوبة في تمييز اليمين - يسار يمكن التغلب عليها بجعل مثيرات التمييز أكثر وضوحًا. وقد عززت دراسات عديدة بعد دراسة جفري Jeffrey النتائج العامة: أن الأطفال يستطيعون تحقيق تمييز يمين - يسار قبل سن 7 سنوات، ولكن فقط من خلال إجراءات معينة.

وقد يكون من المفيد أن ندرك السبب في أن الأطفال يجدون صعوبة في تمييز اليمين - يسار بالمقارنة بالتمييز فوق - تحت. وقد وصف بيك وبيك Pick, Pick "1970 ص81" هذا الموضوع وصفًا رائعًا: "إن كلا التحولين "يمين - يسار، وفوق - تحت" يقدمان عادة في الترتيب الأفقي، وهذا مما يجعل مقارنة صور المرأة يسار - يمين أكثر صعوبة. وقد قام سكولر وروزنبيلث Rosenblith, Sekuler "1964" وهتنليشر Huttenlocher "1967" باختبار مثل هذا الافتراض. وقد وجد الأولان تفاعلا

ملحوظًا، كما كان متوقعًا في الموقف المتضمن لأحكام "نفس الشيء/ مختلف" ولم تكنن هناك سوى قياسات قليلة جدًا فيما يختص بالصور المرآتية "فوق - تحت" عندما وضعت في خط واحد أفقي، ولكن الإلتباسات كانت عديدة عندما وضعت رأسيًا ومن جهة أخرى كانت هناك انتشارات قليلة لصور لليمين - يسار عندما رتبت في خط رأسي، وانتشارات كثيرة عندما رتبت في وضع أفقي. ووجد هوتنلوشن Huttenlochen نتائج مماثلة في موقف تعلم تمييزي. إن تعلم التفرقة بين الصور المرآتية يمين - يسار كان صعبًا نسبيًا عندما رتبت الصور أفقيًا أكثر مما كان في حالة ترتيبها رأسيًا. وكان العكس صحيحًا مع الصور فوق - تحت وإن كان حجم الفرق صغيرًا نسبيًا". وهذا التفسير يدلل على أن الصعوبات القائمة هي نتيجة لطلبات الإظهار المعارضة التي تحدث عندما تكون الصورة المرآتية ووضعها مختلفين وليس عندما يكونا متماثلين. ويبدو أن هذا التفسير معقول جدًا ويدل على مظهر من مظاهر الخبرة الإدراكية يتسم بالصعوبة ولكن في الوقت نفسه ضروري في القراءة. إن المادة التي قدمناها في هذا القسم كانت مستفيضة وتتسم بشيء من الصعوبة. وبوضع هذه المادة في إطار منظور نمائي عام، نظن أن ثمة موضوعين هامين يبرزان لنا. الأول أن النتائج تدل على أنه في مرحلة مبكرة جدًا من السن، كوّن الأطفال، أو أنه كانت لديهم فعلًا، بعض القدرات الإدراكية الأساسية، بما في ذلك ثبات الحجم وإدراك العميق. علاوة على ذلك، فإنه من الواضع بالأدلة أن بعض الآليات الداخلية تعمل بكفاءة في خلال أيام بعد الولادة، وبهذه الآليات يستطيع الوليد أن يبدأ في تعلم السمات الأساسية التي تكون بيئته. وعلى ذلك، ومن هذا المنظور -كما كان الحال بالنسبة للقدرة الحسية- يستطيع الطفل الصغير أداء عدد كبير من القدرات الإدراكية الأساسية ويستخدمها في تكوين ومعرفة بالعالم أكثر اتساعًا وفهمًا ونضجًا. والموضوع الثاني الذي يبرز لنا هو إنه لا الرأي الاختباري ولا الرأي الخلقي وحده بكافٍ لتفسير القدرات الإدراكية للطفل. إن بعض الأنماط السلوكية تكون جزءًا وثيقًا من المخزون السلوكي للوليد، في حين أن الأنماط الأخرى يبدو

أنها تحتاج لدرجة كبيرة من الخبرة بالبيئة. ويبدو واضحًا بالنسبة للنتائج التي وصفناها في الفصل الأول عن الحرمان من المثير، أن النمو الطبيعي لأي عملية إدراكية يتطلب تفاعلًا مع البيئة. وعلى ذلك فحتى لو أمكن تبيان أن ثبات الحجم مثلًا كان موجودًا من لحظة الولادة، فإن ثبات الحجم الناضج يظل في حاجة لخبرة مع البيئة، وأن الحرمان البصري الحسي يحرم الطفل من أي وظيفة طبيعية في هذه الناحية. إن الاستنتاجات السابقة تتفق والآراء النظرية لاليانور جيبسون "1970" التي درست النمو الإدراكي دراسة مستفيضة وهي ترى أن المعلومات عن البيئة تأتي مباشرة من الحواس، ولذلك فإن التعرف على الأشياء والأحداث تتضمن الاكتشاف الإدراكي للسمات المميزة. إن المعرفة الإدراكية للأشياء والأحداث لا

تحتاج لتفسير معرفي. فالمثيرات الضرورية والسمات المميزة المطلوبة لتكوين نماذج عقلية، موجودة في المثيرات نفسها. والنمو يتضمن التعلم لاكتشاف سمات المثيرات التي تكون أقل ظهورًا في البداية. وبعكس نظرية التعود فإن نظرية الكشف detectation theory تعتبر أن النمو يؤدي إلى قدرة متزايدة على تمييز الأشياء والأحداث وإلى تعلم أي السمات هي غير المتغيرة. ومن السمات الهامة لنظرية "جيبسون" أنها تعتبر الإدراك عملية تكيفية بنفس الطريقة كالمشي. وعلى ذلك فإن الفطرية والاختبارية لازمتان للنمو. إن بعض القدرات الإدراكية "إدراك العمق مثلًا" متيسرة للوليد عند الولادة أو بعد الولادة بقليل، وتعمل على حماية الوليد من أي ضرر جسمى محتمل. والتعلم مطلوب لكي يتمكن التركيب العضوي من الكشف عن السمات الأكثر حسمًا وتكوين تعقيدات للسمات. وترى "جيبسون" أن التعلم ليس من نوع "مثير - استجابة" ولكن ينتج عن إنماء الطفل للقدرة على اكتشاف سمات أكثر. "غير التفرقة المتناهية في الدقة لمجموعات معقدة من الأشياء متعددة الأبعاد يحتل مركزًا عاليًا في الخطة التطورية والنمو، وهي عملية لا يتم فيها التكيف إلا من خلال التعليم" Gibson, 1907, 106. إن إشارتها إلى التعليم تعني أن الأطفال يجب أن يتعلموا أي سمات المثير أو الحادث ذات موضوع وأيها ليست ذات موضوع. ويجدر بنا أن نلاحظ أن أعمال باور Bower "1966" أوصلته إلى رأي عن الإدراك يشبه نوعًا ما رأي جيبسون Gibson. إن نتائجه، كما رأينا تدل على أن الأطفال حديثي الولادة قادرون إدراكيًا وربما كانت هذه القدرة مساوية لقدرتهم على الحصول على المعلومات من البيئة مثل الكبار. ويعتقد "باور" Bower أن الأطفال حديثي الولادة ليس لديهم القدرة على إعداد المعلومات اللازمة لتناول طاقة المثير. وعلى ذلك فإن العلاقات بين المثيرات والأحداث تصبح واضحة مع تزايد قدرة الطفل المعرفية.

التكامل الإدراكي

التكامل الإدراكي النمو فيما بين الحواس ... التكامل الإدراكي: سبق أن ذكرنا أنه من دلائل ازدياد الاقتدار الحركي، حدوث تغيرات في نفس الوقت في التكوين العصبي للتركيب العضوي. وطبيعي أن هذه التغيرات العصبية ليست لها علاقة بسيطة بالسلوك الحركي فحسب ولكن يجب أيضًا أن نحيط بمظاهر نمائية أخرى. إن تكوين الشبكات العصبية يميل إلى أن يؤدي إلى تكامل السلوك داخل المجالات "أنماط الفعل الحركي مثلًا"، وأيضًا فيما بين هذه المجالات "أنماط الفعل الحركي، أنماط الفعل الإدراكي، وأنماط الفعل المعرفي" وفي هذا القسم سوف نتفحص منهاجًا للتكامل في داخل مجال "إدراكي" ومجموعة من الأنماط السلوكية قد يتبدد ظهورها نتيجة الاقتدار الحركي المتزايدة. وأخيرًا، سوف نصف تكامل أنماط الفعل الحركي والإدراكي. النمو فيما بين الحواس: تحصل الكائنات البشرية على المعلومات الخاصة بالبيئة من خلال العديد من الأجهزة الحسية. فالراشد يستخدم الأبصار أو السمع أو اللمس لتمييز خصائص البيئة. ويبرز السؤال عن الدرجة التي يجري بها ترجمة الطاقة الحسية في أحد هذه الأجهزة إلى معلومات مفيدة في واحد أو أكثر من الأجهزة الأخرى ويشار إلى هذا الموضع أحيانًا باسم "التحول الشكلى الفرعي Cross-model transfer" أو "النمو فيما بين الحواس" intersensory development. وأهم المساهمات التي أضيفت في هذا المجال هي التي قام بها بيرتش Birch وعدد من زملائه "Brick & Bitterman, 1981, Birch & Leffod 1983" ولإعطاء القارئ فكرة عن الطريقة العامة في هذا المجال، سنصف إحدى هذه التجارب بتفصيل أكثر من المعتاد. ففي دراسة قدمها بيرتش وليفورد Birch & Lefford "1983" تم فحص أشكال بصرية ولمسية وحركية بهدف تحديد التكافؤ في معرفة الأشكال الهندسية. واللمس هنا يشير إلى محاولة يدوية نشطة لاستكشاف شيء مثير. والحركية تشير إلى الطاقة الحسية التي تحدث في الحركات، وهي هنا حركة الذراعين.

وقد تضمنت التجربة سلسلة مقارنات زوجية: تجرى مقارنة شكل ما في جهاز حسي معين "القياس" بأشكال مقدمة في جهاز حسي آخر. مثال ذلك يقوم المشرف على التجربة بتقديم مثير بصري لأطفال التجربة يطلب منهم مناظرة المثير القياسي من خلال جهاز اللمس أو جهاز الحركة. والأشكال الهندسية الموضحة بالشكل "43" كانت عادة مألوفة لأطفال التجربة، كان هؤلاء الأطفال 73 ولدًا و72 بنتًا في سن يتراوح بين 5-11 سنة والشكل "44" يبين النتائج الخاصة بثلاثة ازدواجات. لاحظ أن أفراد التجربة كانت أخطاؤهم أقل ما يمكن عندما كان الجهازان اللمسي والبصري مقترنين بصرف النظر عما إذا كانت المقارنة بين أشكال متطابقة أو أشكال غير متطابقة. وكان أدنى أداء هو الذي جرى في حالة المقارنة الحسية التي تضمنت الحركة العضلية. وتدل النتائج أيضًا على أن أداء البنات في هذه المهمة كان أفضل من أداء البنين. كما تجدر ملاحظة التحسن الهائل في الأداء مع السن. وتدل النتائج أيضًا على أن أسرع معدل نمو للتكافؤ البصري - اللمس يحدث قبل سن الخامسة.

وعند الإشارة إلى نتائج هذه التجربة لاحظ بيرتش "1983، 40" Birch ما يلي: "تدل ميول المنحنيات التي تعكس نمو التكافؤ البصري - اللمسي، والبصري - الحركي على أن مرحلة العمر من السادسة إلى الثامنة تمثل فترة تغير سريع في التنظيم والقدرة الوظيفية. وفي هذه الفترة نجد أن المعلومات المستقاة من البيئة الخارجية بواسطة مستقبل عن بعد Telorecoptor مثل الأبصار، ومستقبل عن قرب Proximoreceptor وتمثله الإثارة اللمسية، هذه المعلومات تحقق تكاملًا مع تكافؤ في المعلومات الاستقبالية الداخلية المستقاة من حركة الأطراف. وتحقيق مثل هذه العلاقات المتبادلة يسهم في تنظيم النمو بإضافة إمكانية زيادة التحكم في الفعل بالإدراك البصري". إن هذا التفسير يتسم بالأهمية بالنسبة للنتائج الخاصة بالنمو المعرفي، والتي تبين تغيرات بالغة في التنظيم المعرفي للأطفال في نفس مرحلة السن 6 إلى 8 سنوات.

إن مفهوم الطاقة اللمسية وعلاقتها بأنماط السلوك الأخرى سوف تزداد وضوحًا إذا تفحصنا بعض المواد التي طورها زابزريتس "1965" Zaporozhets، وهو عالم نفس روسي أسهم هو وزملاؤه إسهامًا كبيرًا في زيادة تفهمنا للنمو الإدراكي والحركي. والرأي النظري الخاص الذي ولد هذه المواد يسمى بنظرية النسخ الحركي Motor copy theory، وهي التي تهتم أساسًا بالعلاقة بين الأجهزة الحسية البصرية واللمسية والحركية. وطبقًا لهذا الرأي، فإن الأطفال عندما يستكشفون شيئًا بأيديهم، يكونون في نفس الوقت صورة مرئية لهذا الشيء. وهكذا نستطيع أن نجد تفسيرًا ممكنًا نتائج بيرتش Birch وأول زوج من الوجوه التي فحصت هو المبين بالشكل "46" الذي يبين صورة طفل يتراوح عمره بين 3 و4.5 سنة، والصورة الأخرى لطفل يتراوح عمره بين 6 و7.5 سنة، ومجال الصورة التي يجب تفحصها بدقة هي يد الطفل فوق المثير. ويصف زابوروزيتس Zaporozhets أداء الطفل الأصغر بأنه بدائي لأن السلوك الاستشكافي لا يستطيع

تمييز شيء عن أي شيء آخر. لاحظ أن يد الطفل تقبض على المثير بأكمله، في حين أن الطفل في الصورة الثانية يبدو وكأنه يتابع تخطيط حدود الشيء ويفحصه أيضًا بحثًا عن سمات أخرى كالصلابة مثلًا. وطبقًا لزابوروزيتس zaporozhets فإن الطفل الأصغر يلعب بالمثير ويتعرف مصادفة على خواصه. وعندما طلب من الأطفال فيما بعد أن يتعرفوا على المثير "كان الأطفال الأصغر يرتكبون أخطاء أكثر نسبيًا. وقد يفسر جيبسون Gibson ذلك بأن الطفل لا يعرف كيف يكتشف السمات الحاسمة.

والمجموعة الثانية من الأشكال "شكل 47" تبين الأطفال يحركون شيئًا غير منتظم الشكل. والصغير في الشكل العلوي يبدو واضعًا كفيه على حافة الشكل وكأنه يدفعه بأصابعه ويذكر الباحث أنه طول مدة تصوير الفيلم ظل كف اليد دون حراك، ويبدو أن هذه النتيجة تدل على أنه إذا كان من المهم -وهو فعلًا هام- استكشاف الحدود الخارجية للشيء، فإن هذا الطفل ذا الثلاث سنوات لم يفعل ذلك، والطفل في الصورة السلفى عمره 6سنوات وقد وضع أصابعه على طول الحد الخارجي للشيء، وطوال مدة تصوير الفيلم كان يتحسس كل حدود الشكل بأطراف أصابعه بطريقة منتظمة. والشكل "47" يبين كيف أن طفلًا أكبر وآخر أصغر يتلمسان مثيرًا. وقد اقترح بيرتش وليفورد Birch & Lefford إمكانية وجود علاقة بين السلوك اللمسي والسلوك البصري، وهي ملاحظة يؤيدها استنتاج زابورزيتس Zaporozhets. وفي الشكلين "48"، "49" نشاهد أنماط حركة العين، والاستراتيجيات النفسية للأطفال من سن 6-7 سنوات. لاحظ: التوافق الرائع بين الحركات البصرية والحركات اللمسية للأطفال. فالأطفال الأصغر يميلون لتثبيت البصر أكثر على داخل الشكل، في حين أن الأطفال الأكبر يثبتون أبصارهم بطريقة منتظمة حول حدوده. وعندما طلب من هؤلاء الأطفال فيما بعد التقاط الشكل من بين عده أشكال أخرى غير منتظمة، فلا عجب في أن الأطفال الأصغر لم يتمكنوا من ذلك. وهكذا يبدو أن التوافق البصري - اللمسي الذي ذكره بيرتش وليفورد

Birch& lefford وجد تأييدًا علاوة على ذلك، فبحث زابورزيتس Zaporozhets يدل على أن الاستراتيجيات "العمليات" الإدراكية للأطفال الأصغر والأكبر تختلف عن بعضها البعض اختلافًا حادًا. وثمة ملاحظة أخيرة عن هذا البحث. لقد استنتج بيرتس Birch لسبب ما، أن التناول اللمسي للأشياء باليد يكون الأساس في التمييز البصري للأطفال. وبعبارة أخرى، لقد افترض أن التناول اللمسي هو المسئول عن التشكيل الأولى للموجز الشكلي وأن الطاقة البصرية تستخدم بعد ذلك لتطوير هذه الموجزات. ولكن حيث أن الجهاز البصري يشتمل على مكون حركي - أنماط حركة العين التي يصحبها تدريب أثاري فإن نسخة حركية على أساس إدراكي ممكن حدوثها للأشكال التي لها أساس بصري وكذلك للأشكال اللمسية والحركية.

التمثيل المكاني

5- التمثيل المكاني: مع أن الاهتمام بدراسة التمثيل المكاني Spatial representation كان أقل منه في المجالات الأخرى الخاصة بالنمو الإدراكي، إلا أن هذا المظهر من مظاهر الإدراك ذو أهمية لأنه يوفر القدرة على التحرك من منطقة إلى أخرى وعلى التخطيط الذكي لهذا التحرك. والتمثيل المكاني يتضمن قدرة الطفل على فهم العلاقة بين جسمه والأجسام الأخرى في الفضاء "المكان"، وخاصة عندما يغير الجسم موضعه في ذلك المكان. ورغم أن هذه المادة الخاصة ذات أهمية، إلا أننا سنركز على نمو قدرة الأطفال على تمثيل العلاقات المكانية على شكل أنماط سلوكية خرائطية.

وفي محاولة من أحد الباحثين لتقديم الموضوع العام، أخذ يراقب ابنته، وعددًا آخر من أطفال الصف الرابع، وهي ترسم خريطة لمدرستها. كان الأطفال في حجرة الدراسة، ومعهم قطعة كبيرة من الورق، أخذوا يحاولون في استماتة أن يرسموا تخطيطًا معقولًا لمدرستهم كانت المدرسة على شكل حرف H. ولخيبة أمل المدرسين والآباء، كانت الحصيلة النهائية للمحاولة سيئة للغاية: فقد جاء نصف موقع صالة الرياضة في داخل حجرة الناظر والنصف الآخر في فناء المدرسة. أما المقصف فجاء موقعه تقريبًا داخل الفصل، وجاء مدخل المدرسة ملفوتًا بمقدار 180 درجة. وبعد أن ترك الأب الحزين مبنى المدرسة ذهب إلى مكتبة وأقفل الباب ثم جلس أمام قطعة من الورق وأخذ يحاول أن يعرف إذا كان ذلك الواجب "تلك المهمة" بهذا القدر من الصعوبة حقًا كان الوالد قد زار المدرسة ثلاث مرات فقط قبل ذلك. لم يكن الوالد ممتازًا في مجال الفن، ولكنه استطاع أن يرسم خريطة معقولة للمدرسة. فلماذا إذن حدث ذلك الفرق؟ إن مادة هذه المناقشة مستمدة إلى حد كبير من رسالة حديثة قدمها سيجل وهوايت "1989" Siegel & White، وفيها قدما عرضًا تاريخيًا للمفاهيم وتفسيرًا للتمثيل "الإدراك" المكاني، وكذلك عرضًا كاملًا للأبحاث المتعلقة بهذا الموضوع. ومن أهم السمات التي تبرز من هذا العرض أن نمو الإدراك المكاني واستخدامه يتصل اتصالًا وثيقًا بدرجة التحرك لدى الفرد في البيئة. فمع تزايد القدرة على الحركة لدى الأطفال، والحرية في استطلاع بيئتهم، فإن استطلاعاتهم تساعدهم على تكوين التمثيل المكاني لعالمهم. ويمكننا أن نظن أن تلميذة الصف الرابع وأقرانها أما إنهم لا يتحركون كثيرًا "والواقع عكس ذلك" أو أن هذا التفسير ليس مناسبًا. والواقع أن سيجل وهوايت Siegel & White يؤكدان على أن أنواع المعلومات التي يحصل عليها الأطفال من استطلاع بيئاتهم تختلف عن معلومات الراشدين. إن الراشدين يلاحظون ويتذكرون العالم. علاوة على ذلك فإن معالم مختلفة تتم ملاحظتها. كما يؤكدان على أن الأطفال الصغار فيما يختص بخرائطهم التي تمثل جوارهم، يميلون لرسم الأشياء الحقيقية، في حين أن الأطفال الكبار يمثلون نفس الأشياء برمزية أكثر. وبعبارة أخرى: فإن خرائط الأطفال الأكبر

تشتمل على تنظيم معرفي أكثر، وتدل الدلائل علاوة على ذلك على أن الأطفال الكبار يستخدمون تحولًا معرفيًا للطاقة البصرية مما يساعد معرفتهم البصرية، أي أن الطفل الكبير يستخدم الموجزات الشكلية المتيسرة لديه بإشارات إثارية أقل مما يحتاج إليه الأطفال الصغار. والأبحاث التي تميل لتأييد هذا التعميم قدمها سموثريل Smothergill "1973"، كما وردت في سلسلة من الدراسات قام بها باحثون آخرون أمثال: "Keogh, 1969, 1971, Keogh & Keogh, 1968". وثمة افتراض أساسي آخر حول نمو الإدراك المكاني كما يراه Siegel & White "1985 ص39"، وهو أنه: "متى تم تحديد المعالم، فإن أفعال الطفل تسجل وتقيم بالإشارة إليها" وهذه المعالم، كما أشرنا آنفًا تصلح كأدوات إرشادية وتنظيمية لتطوير الخرائط. ومن هذه الإشارات المعرفية يستطيع الطفل إما أن يؤدي سلسلة من الأفعال أو يفعلها عقليًا. والافتراض الثالث هو أنه إذا أصبح الطفل مدركًا للمعالم، واستطاع أن يقرنها بسلسلة من الأفعال المتتابعة، واستطاع أن يكون معرفيًا نظامًا للطريق، فإنه عندئذ يستطيع أن يرسم خرائط صغيرة. وفي النهاية، ومن خلال المخالطة مع البيئة ومن خلال النمو المتداخل للاقتدار المكاني، يصبح الطفل قادرًا على تحديد موقع العناصر في المكان وأن يرسم خرائط للطرق على درجة عالية من الارتباطات الداخلية والتنظيم التدريجي. ويذكر سيجل وهوايت "1985 ص36" Siegel & White السمات الرئيسية للنمط النمائي على النحو التالي: "إن نمو تتابع التمثيل المكاني لدى الأطفال يطابق" التتابع الرئيسي" المتميز في بناء التمثيل المكاني لدى الراشدين. إن المعالم تلاحظ وتتذكر أولًا. ويتصرف الطفل في مجال هذه المعالم، وإذا تهيأت المعالم وتتابع الفعل، يتحقق تكوين الطريق. إن المعالم والطرق تتكون على هيئة حزمة، ولكن إلى أن يتم تكوين إطار موضوعي للإسناد، تظل هذه الحزم غير متناسقة الواحدة مع الأخرى. والتمثيل الدراسي تبدو كنظام من الطرق يأتي من إطار إسنادي ويستقر فيه".

السلوك الإدراكي الحركي

6- السلوك الإدراكي الحركي: من أهم سمات النمو الإدراكي لدى الأطفال هي الصعوبة التي يواجهونها في نسخ الأشكال. والمشكلة التجريبية المتميزة تتضمن نسخ أشكال هندسية مثل الدائرة والمربع والمعيّن والترتيب الذي تنتظم فيه هذه الأشكال يقترب من ترتيب الصعوبة التي يواجهها الأطفال في نسخ هذه الأشكال. شكل "50" إن اختبار "رسم رجل" يعتبر مقياسًا لقدرة الطفل على تمثيل الجسم البشري. والنقط "الدرجات" في هذا الاختبار وفي اختبارات معامل الذكاء مرتبطة.

وكما سبق أن رأينا، فإن الأطفال في سن الثانية أو حتى قبل ذلك، يستطيعون التمييز بين هذه الأشكال بل ويمكنهم عنونتها بدقة. ورغم هذه القدرات، فإن الأطفال الصغار لا يستطيعون نسخ الأشكال. والتفسير الشائع لهذا القصور هو أن نموهم العضلي ضعيف أو أن قدرتهم الفنية ضعيفة. وقد يكون ذلك تفسيرًا صحيحًا جزئيًا تبعًا لما نعنيه بالقدرة الفنية، ولكن من المؤكد أن عدم القدرة على نسخ الأشكال لا تنتج عن نقص في السيطرة الحركية. وعادة يقال مثلًا أن الطفل عندما يطلب منه أن يرسم رجلًا "وهو اختبار ما يزال شائع الاستخدام في اختبار الذكاء" فإن عدم دقة الرسم هي نتيجة لضعف القدرة الفنية. والواقع أن الصورة غير سليمة التكوين لشخص تدل على شيء أكثر أهمية: إنها تكشف عن مستوى الطفل في التمثيل المعرفي للشكل الإنساني، وتفسير السبب في حدوث تتابع الأحداث لا يمكن تقديمه عن ثقة، ولكننا سوف نستطلع المفاهيم التي نشك في أنها أساس الموضوع. واقتراح ماكوبي وبي "1965" Maccoby & Bee أن الطفل لكي ينسخ صورة وجه عليه أن يهتم بمزيد من السمات المميزة للنموذج ويستوعبها أكثر مما عليه أن يميز هذه الصورة عن غيرها من الصور. وعلى ذلك مثلًا يستطيع الأطفال أن يرسموا دوائر في وقت مبكر عن قدرتهم على رسم المعين. ورأى ماكوبي Maccoby & Bee يتفق وهذا الفرق في النمو: أن رسم الدائرة يتطلب القدرة على رسم الشكل العام ثم يصل بين النقطتين. أما نسخ معين فيتطلب الاهتمام بأربعة أركان وهي الأركان التي يتطلبها رسم المربع ولكن أركان المعين تقع على زاوية 45 درجة في الفضاء. ولذلك وعلاوة على الأربعة أركان التي في المعين، فهناك أيضًا مشكلة تمثيل المعين في الفضاء. هذه كلها إشارات يجب الاهتمام بها واستيعابها قبل أن تنجح عملية النسخ. ولا شك في أن التفسير يتفق والمعطيات ولكن من المحتمل أنه لا يأخذ في الاعتبار بعض المعطيات الأخرى التي لم تكن متيسرة في الوقت الذي قدم فيه هذا

التفسير. وفي كتاب لأولسون "1970" Olson يبحث في اكتساب الأطفال للقدرة على نسخ أو تكوين شبه منحرف، أو ما أسماه باكتساب الانحرافية، وافق "أولسون" على أنه بينما لا يجد الراشدون صعوبة تذكر في رسم شكل شبه منحرف، فإن واجب الأطفال في هذه الحالة يتطلب وقتًا طويلًا، ويبدو أنه صعب بالفطرة. وعند تحليل رأي ماكوبي وبي Maccoby, Bee ميز أولسون Olson بين "الفضاء الإدراكي، واللافضاء التمثيلي". فالفضاء الإدراكي يتضمن قدرة الطفل في التعرف على المربع كشكل مختلف عن المثلث، في حين أن الفضاء التمثيلي يتضمن مسألة ما إذا كان الطفل يعرف مم يتكون المربع. وفي تقديم رأيه: يذكر أولسون "1970- ص74" Olson رأي بياجيه وانهلدر "1956" Piaget & Inheler وأن حقيقة كون الأمر يتطلب عامين على الأقل من العمل للانتقال من نسخ المربع إلى نسخ شكل المعين يدل بوضوح على أنه لتكوين شكل إقليدي، يتطلب الأمر أكثر من مجرد انطباع بصري سليم". وعلى ذلك فإن الرسم هو في الواقع مؤشر على الطريقة التي يتمثل بها الطفل الفضاء "الإدراك المكاني"، وهذه الخاصية. كما ذكر سيجل وهوايت Siegl & White في مناقشتهما، قد تكون مسئولة عن الصعوبة التي يواجهها الأطفال في تناول الكثير من الأشكال الهندسية التي يطلب منهم نسخها. ويجب أن نلاحظ أن الشكل شبه المنحرف الذي ذكره أولسون Olson، ورسم المعين أمر صعب، وفي الواقع أن المعين يمكن النظر إليه كمجموعة من منحرفين. وعلى ذلك فإن الانحرافية لا بد وأن يكون لها من السمات ما يجعل رسمها صعبًا. وفي ختام هذا الفصل، يمكننا أن نعود إلى وجهات النظر الآلية مقابل وجهات النظر العضوية لتقييم علاقتها بالنمو الإدراكي. والدليل المقدم يؤيد الاعتقاد بأن التركيب العضوي سابق البرمجة ليكون باحثًا نشطًا عن الإثارة البيئية. أن كثيرًا من القدرات الإدراكية تظهر عند الميلاد أو بعدها بقليل، في حين أن غيرها يتطلب وقتًا وخبرة أكبر للوصول إلى حالة النضج. وبعكس النظريات الأخرى، فإن وجهة النظر العضوية قد غيرت بدرجة كبيرة نظرة علماء نفس النمو ودراستهم للإدراك. وكما ذكر "باور" "1966" Bower فإن نظريات الاختيارية

المبكرة اقترحت أن العالم الإدراكي للأطفال الصغار مكان مخيف لا يظل فيه شيء ثابتًا ولا تبدو فيه الأشياء كما تظهر. وبالاستخدام الماهر للوسائل الشرطية، قدم "باور" Bower صورة مختلفة تمامًا عالمًا يتميز بالثبات الإدراكي، ومع أنه لا توجد نظريات تنكر أن الخبرة ترفع من القدرة الإدراكية، فإن تأثيرات الخبرة لا تعتبر آلية ولكن عضوية.

خلاصة

خلاصة: يدخل الأطفال حديثي الولادة إلى هذا العالم مزودين بجهاز إدراكي وظيفي. وتدل الدراسات التي استخدمت وسائل التعلم الارتباطي على أن الأطفال الصغار يستطيعون أداء كثير من التمييزات الحسية بما في ذلك التمييزات البصرية والسمعية والشمية. والمثيرات الغريبة والمعقدة تجذب الانتباه أكثر من المثيرات المألوفة. وباستخدام الإجراءات الارتباطية تبين أن الأطفال الصغار يستطيعون أيضًا تصنيف المثيرات. وكشفت دراسات بحثية أخرى، باستخدام إجراءات التعود، عن أن الأطفال الصغار يفضلون المثيرات البصرية والسمعية. ويعتقد أن عملية التعود تمثل تفسيرًا معقولًا للكيفية التي يتعلم بها الأطفال الصغار خصائص العالم. ومع أنه لا يوجد بعد تفسير نظري كامل للاستجابة الإدراكية المبكرة، فإنه من الواضح أنه فيما مضى كان العلماء يقللون بدرجة خطيرة من شأن القدرة الحسية للأطفال. ومع تقدم النمو بعد مرحلة الطفولة المبكرة، يصبح الطفل أكثر مهارة في تحديد سمات المثيرات التي يتميز بعضها عن البعض الآخر. وتدل الدراسات البحثية في سلوك البحث البصري على أن الأطفال الأكبر سنًا أكثر كفاءة في عزل السمات المميزة وبذلك يتعرفون على الأشياء. إن الأجهزة البصرية واللمسية مثلًا، تصبح تبادلية يمكن التعرف على الأشياء بسهولة باستخدام أي من الجهازين. وعندما يصبح تمثيل العالم الإدراكي أكثر رسوخًا يستطيع الأطفال التعبير عن تمثلاتهم في رسوم وغير ذلك من أنماط السلوك التجريدية. وأخيرًا فإن التفرقة بين الإدراك والمعرفة تصبح مشوشة، حيث يصبح كل منهما جزءًا مكملًا للآخر.

الفصل الرابع: النمو اللغوي

الفصل الرابع: النمو اللغوي اللغة ووظائفها: اللغة أهم ما يميز الإنسان عن غيره من الكائنات الحية، فهي أساس الحضارة البشرية، وهي وسيلة الكائن البشري للاتصال بعالمه الذي يعيش فيه والتعبير عن ذاته وإشباع حاجاته، ومن خلالها يطل على الأجيال السابقة ليمهد لمستقبل أفضل. فاللغة نظام من الرموز يخضع لقواعد ونظم، وتتكون من إشارات منطوقة ذات صفة سمعية وأخرى ذات صفة فكرية رمزية، يعبر بها الفرد عن حاجاته ورغباته ومشاعره؛ لذا تعرف اللغة بأنها "نسق إشارات صوتية تستخدم للتواصل بين الناس بمجتمع ما، وتنطوي على وجود وظيفة رمزية ومراكز عصبية متخصصة تكوينيًا. وجهاز سمعي صوتي للنطق بالإشارات. فنسق الإشارات -في جماعة إنسانية ما- يشكل اللغة أو اللسان، وفي قيام أحد الأفراد بفعل اتصال لغوي يشكل القول أو الكلام" "كمال دسوقي، 1990، 770". ومن ثم: تنطوي اللغة على عدد من الوظائف منها: 1- الوظيفة التعبيرية: حيث تسمح اللغة لمستخدميها منذ طفولتهم المبكرة أن يعبروا عن رغباتهم وإحساستهم الداخلية وانفعالاتهم ومواقفهم، وأن يعرضوا مواقفهم وتجاربهم وظروفهم وما يريدون الحصول عليه من البيئة المحيطة بهم "جمعة يوسف: 1990، 22". ويرى علماء التحليل النفسي أن التعبير باللغة يسهم إسهامًا بالغًا في عملية التفريغ النفسي للشحنات الانفعالية المؤلمة، ومن ثم: تستخدم اللغة -من خلال المقابلات- من أجل التنفيس الانفعالي، وعلاج الاضطرابات الانفعالية، كما اعتبرت الكلمة وسيلة تشخيصية في المقام الأول حيث أن الشخص يكشف عن ذاته سواء من خلال مضمون أحاديثه أو من خلال أسلوب ونبرة صوته، وصمته عن الموضوعات التي تتم مناقشتها، أو عن طريق وقفاته وهفواته وتكراره أو تلعثمه. "فيصل الزراد، 1990، 14-16".

2- الوظيفة الفكرية: فاللغة تمد الفرد بالأفكار والمعلومات وتثير لديه أفكار ومواقف جديدة، وتدفعه إلى التفكير وتوحي إليه بما يعمل على تفيق ذهنه وتوسيع آفاق خياله وتنمية قدراته الإبداعية "أحمد المعتوق: 1996، 36-37"، بالإضافة لذلك فإن اللغة تمكن الفرد من الانتقال إلى المستويات الأكثر تجريدًا والتي لا يمكن التوصل إليها إلا بعد اكتساب اللغة "ليلى كرم الدين، 1990، 8-9". 3- وظيفة التواصل الاجتماعي: فاللغة أداة تواصل تعتمد على الرموز المنطوقة للتواصل من خلال الكلام، والرموز المكتوبة للتواصل من خلال الكتابة، والرموز الإرشادية للتواصل من خلال لغة الإشارات.. ولا تتوقف قيمة اللغة في التواصل على مجرد نقل أفكار المتكلم إلى السامع فقط، ولكنها تستعمل أيضًا لإثارة أفكار ووجدانات عند السامع فيقوم بالاستجابة وتلبية لأثر ما أدركه من الكلام مما يدفعه إلى العمل والحركة "عبد العزيز عبد المجيد، 1979، 14". 4- وظيفة التوافق الاجتماعي: فاللغة توفر للفرد كل ما يساعده على العيش بين الناس في يسر وطمأنينة وسلام، وتصبح أساسًا لتوفير الحماية والرعاية للإنسان بين جماعته، وعاملًا لتحقيق منافعه ورغباته وتسهيل سبل معيشته في إطار هذه الجماعة "أحمد المعتوق 1996، 35". وبذلك فإن الفرد طفلًا وراشدًا يستطيع من خلال استخدامه للغة أن يثبت هويته وكيانه الشخصي ويقدم أفكاره للآخرين "جمعة يوسف، 1990، 23"، كما أن اللغة تساعد الطفل منذ نعومة أظفاره على التعرف على العادات والقيم السائدة في مجتمعه، مما يساعده على التحكم في سلوكه وضبطه طبقًا لتلك القيم والعادات والتقاليد. بالإضافة لذلك فإن اللغة تعطي الفرد شعورًا بالانتماء لمجتمعه وتعاونه على تعديل سلوكه كي يتلاءم مع هذا المجتمع، فهي تزوده بالعبارات اللازمة لمختلف أوجه التعامل الاجتماعي وبذلك يخضع سلوكه كفرد لما يقتضيه المجتمع "عبد العزيز عبد المجيد: 1979، 15". 5- الوظيفة التعليمية: فاللغة أداة تعلم واكتساب وعنصر هام من عناصر العملية التعليمية، حيث يعتمد التحصيل الدراسي على الاستعمال الفعال للغة لأنها مادة

ومحتوى أي منهج دراسي، وبقدر ما تكون اللغة ومفرداتها واضحة. ومستمدة من القاموس اللغوي للأطفال الذين يوضع لهم المنهج نكون قد ضمنا عاملًا مهمًا من العوامل المؤثرة في تحقيق أهداف المنهج. "Gormly, 1997, 182". 6- الوظيفة الثقافية: فاللغة وسيلة لنقل التراث الثقافي والحضاري، حيث تكمن قيمتها في عملية الإخبار والإعلام عن قضايا تاريخية محددة أو حوادث حاضرة تساعد في المقارنة بين الماضي والحاضر "فيصل الزراد: 1990، 17"، كما أنه من خلالها يستطيع الإنسان أن ينقل ويستقبل معلومات جديدة وخبرات متنوعة من أجزاء متفرقة من الكرة الأرضية خصوصًا بعد الثورة التكنولوجية الإعلامية.. بالإضافة لذلك: فإن اللغة مرآة الشعب ومستودع تراثه وديوان أدبه وسجل مطامحه ومفتاح أفكاره وعواطفه، ورمز كيانه الروحي وعنوان وحدته وتقدمه وخزانة عاداته وتقاليده. وبذلك فإن اكتساب اللغة يفتح للإنسان آفاقًا رحبة من التجارب والمعارف والأفكار التي تمكنه من أن يطل على حياة الماضين بكل شعوبهم وأجيالهم وطبقاتهم ومذاهبهم فيطلع على تراث أمته الفكري والحضاري والاجتماعي، وعلى تراث مجتمعات مختلفة مترامية الأطراف متباعدة الأماكن والأزمان فيستفيد من خبراتهم وتجاربهم وأفكارهم، وبذلك يكون أكثر وعيًا وأثرى فكرًا وأوسع معرفة وأكثر قابلية على الإبداع والاندماج "أحمد المعوق: 1996، 40".

النمو اللغوي المبكر

النمو اللغوي المبكر مدخل ... النمو اللغوي المبكر: تشير معظم الآراء إلى أن نمو اللغة كأي جانب سلوكي آخر يسير وفق مراحل مختلفة ترتبط الواحدة بالأخرى، حيث لم يعد بالإمكان وصف أي مرحلة من المراحل بشكل منفصل عن المراحل السابقة لها. وفي ذلك يرى بياجيه أن النمو بمثابة سلسلة متصلة الحلقات تمثل كل مرحلة فيها امتدادًا للمرحلة السابقة لها وأيضًا تمهيدًا للمرحلة اللاحقة. "غسان يعقوب، 1980". وتمر اللغة بعدة مراحل إلى أن تصل إلى شكلها المألوف الذي يتيح للفرد استعمالها كأداة للتعبير والاتصال، وهي تعتمد في نموها على مدى نضج وتدريب الأجهزة الصوتية. وعلى مستوى التوافق العقلي والحركي والحسي الذي تقوم عليه المهارة اللغوية وخاصة في بدء تكوينها. فالطفل يكون متهيئًا للكلام عندما تكون أعضاؤه الكلامية ومراكزه العصبية قد بلغت درجة كافية من النضج. كما يجب أن يتمكن الأطفال من الوظائف الأساسية في تعلم الكلام مثل: الاستيعاب والنطق وبناء المفردات وتكوين الجمل. وقد أثبتت "تشايلد" أن عدد الأخطاء في كلام الطفل يتناقض تدريجيًا مع تقدمه في النضج. وتدل الأبحاث الحديثة على أن الأجهزة الصوتية المختلفة كعضلات الفم واللسان والحنجرة تصل في نموها إلى المستوى الذي يمكنها من أداء وظيفتها قبل الميلاد. ويذهب جريجواز Gerigwaz إلى أن الطفل وهو جنين يتأثر بشتى النغمات الانفعالية للغة الأم، يكون ذلك بدء تأثره باللغة. ويمر جميع أطفال العالم بنفس المراحل المتتابعة في النمو اللغوي، ولا تختلف هذه المراحل مهما كانت اللغات التي يكتسبها الطفل من البيئة "وليد الزند، 1976". وتتدرج مراحل النمو اللغوي كما يتدرج الطفل في نواحي نموه المختلفة، ويمكن تقسيم النمو اللغوي المبكر إلى المراحل التالية:

أولا: مرحلة الاستجابات المنعكسة

أولًا: مرحلة الاستجابات المنعكسة أ- صيحة الميلاد: تبدأ مظاهر الحياة عند الطفل المولود حديثًا بصرخة الميلاد الناتجة عن اندفاع الهواء إلى الرئتين بقوة عبر حنجرته فتهتز أوتارها، وهكذا تبدأ الحياة بمنعكس يعتمد في استثارته على دخول الهواء إلى الرئتين. وهذه الصيحة سببها فسيولوجي محض، وهي أول ظاهرة من ظواهر اللغة

الإنسانية، ولهذه الصيحة أثر فعال في فتح المجال الهوائي لجهاز النطق عند الطفل. وتختلف هذه الصيحة من طفل لآخر تبعًا لنوع الولادة وصحة الطفل، فصيحة الطفل القوى حادة، وصيحة الطفل الضعيف خافتة متقطعة. "يونس الجنابي، 1983". ب- الصراخ والأصوات: تتطور صيحة الميلاد إلى صراخ لتعبر عن حالة الطفل الانفعالية ورغباته بعد ساعات أو أيام من ولادته. ويبدأ الوليد باستعمال البكاء لإرسال التبليغات إلى الآخرين. وقد وجد ووف 1969 Wooff، أن الطفل بعد الأسابيع الأولى من حياته يطلق ثلاثة أنواع من البكاء هي: الصرخة الإيقاعية، وهو البكاء المنغم في مقاطع، بكاء الألم، وتعبر هذه الأصوات عن حالة الطفل، فالصرخة الإيقاعية الترتيبية المتقطعة تدل على الضيق، والصرخة الحادة تدل على الألم. ويكون الصراخ في الأيام الأولى غير منتظم وغير مسيطر عليه، يصاحبه احمرار الجلد، مع ازدياد في النشاط والتنفيس غير المنتظم، وتحريك الأطراف والعضلات، كما أن الأصوات الأولى للطفل تكون تلقائية لا تحمل أي معنى يتصل بموقف ما ولكن لها أهمية كبيرة لأنها تعتبر تمرينا للجهاز الكلامي الذي يعمل على نضج أجهزة الصوت. ويعد صراخ الطفل في الأيام الأولى عملًا آليًا "أفعالًا منعكسة"، نتيجة لما يشعر به من حالات جسمية كالجوع والبلل. "موفق الحمداني، 1982" وتصدر عن الطفل خلال الأسابيع الأولى -إلى جانب الصراخ- أصواتًا عديدة غامضة يقوم بها بشكل لا إرادي. وتعتبر هذه الأصوات المادة الأولية التي منها تتكون أصوات الحروف المختلفة، وتكون هذه الأصوات خالية من المعنى، ثم تتخذ لها معاني مختلفة بالتدريج نتيجة لتفاعل الطفل مع من حوله. ويلاحظ أن الأطفال حديثي الولادة ينتبهون للأصوات بعد 24 ساعة من الولادة، وهذه هي الخطوة الأولى في الانتباه للغة والتقاط أولياتها.

وقد قسمت آرون وشو Aron & Show نمو التصويت إلى خمس مراحل هي: 1- مرحلة الصراخ العشوائي يحدث نتيجة الانعكاسات الجسمية وامتداد التنفس. 2- الصراخ الموجه، بصوت الطفل من أجل إشباع حاجاته. 3- في عمر ثلاثة أو أربعة أشهر يبدأ المناغاة Babbling وتستمر المناغاة شهرين أو ثلاثة حتى يتعود الطفل على الأصوات، وتختفي المناغاة عندما يحاول الطفل النطق. 4- اللثغة Palliation تبدأ في منتصف الشهر السادس وعندما يألف الطفل أصوات الكبار وينتبه عندما يتكلمون. 5 نطق الطفل لبعض الأصوات والتعود على تكرارها وتبدأ في الشهر التاسع والعاشر. "وليد الزند، 1976". وسوف نفصل الحديث عن هذه المراحل فيما بعد. وتبدو لدى الطفل كذلك في هذه المرحلة مظاهر التعبير الوجداني الإرادي، فكثيرًا ما يتعمد الطفل في شهوره الأولى محاكاة تعبيره الطبيعي ليقف المحيطين به على حالة الوجدانية، أو ليحملهم على تحقيق رغبة من رغباته، فقد يتعمد مثلًا الصراخ أو البكاء ليقضي له مطلبًا ما. وتبدو لديه كذلك في أواخر هذه المرحلة بعض مظاهر من التعبير عن المعاني عن طريق الإشارة، فكثيرًا ما يلجأ إلى الإشارات اليدوية والجسمية للتعبير عما يهمه التعبير عنه، كأن يمد يده ويضم أصابع كفه ويبسطها للإشارة إلى شخص بالقرب منه، وكأن يدفع شخصًا بيده للتعبير عن رغبته في أن يبعد عنه. "علي عبد الواحد، د. ت". جـ- مرحلة الضحك: وتبدأ هذه المرحلة في الظهور من الشهر الثاني من عمر الطفل، كما يبدأ الابتسام بشكل فطري مبكر عند جميع الأطفال بصفة عامة،

ويظل هذا الابتسام فعلًا فرديًا حتى الشهر الثالث حيث يبدأ الدور الاجتماعي للابتسام عندما يبدأ عمل المحاكاة. ورغم أن الضحك بمثابة المبالغة في الابتسام كما أنه يتأخر في الزمن عن الابتسام إلا أنهما يستمران مع الطفل كوسيلة لغوية حتى آخر الحياة. "محمد طالب الدويك، 1985".

ثانيا: مرحلة المناغاة

ثانيًا: مرحلة المناغاة والمناغاة صوت أو مجموعة أصوات تصدر عن الطفل في الأسبوع الثالث وتستمر حتى نهاية السنة الأولى عندما ينطق الطفل كلمته الأولى. وتظهر المناغاة عندما تصبح المراكز العليا صالحة للتوافق مع العضلات اللفظية، ويصبح الطفل قادرًا على اللغة اللفظية فيتمرن على السيطرة على الأصوات واجدًا فيها لذته. والمناغاة شكل من أشكال الترويض اللفظي التلقائي. "Hurlock, 1964". شكل "51" في مرحلة المناغاة يلعب التقليد والتدعيم دورًا هامًا في اكتساب مفردات اللغة

ويعد الطفل نفسه في مناغاته لتعلم اللغة السائدة، وعلينا أن نستفيد من هذه الإمكانات قبل فوات الأوان وقبل نسيان الطفل أصواته التلقائية. والتأخر معناه لجوءنا فيما بعد إلى أساليب التعليم الشكلي الذي فيه ما فيه من قصور ونقص. وتلعب المناغاة دورًا هامًا في تعجيل عملية تعلم الطفل للمهارات الأساسية المطلوبة للسيطرة على الآيات اللفظية لمهارات الكلام المعقد والتنسيق بين إدراك الكلام وإنتاجه. وقد درست بامبو لسكايا Liskaia, p "1973" تطور صنع التنغيم في تصويت الطفل الروسي قبل الكلام، ووجدت أن هذه الصيغ تستقر قبل نشوء الكلام، وأن الأطفال يستطيعون خلال السنة الأولى تعلم التنغيمات التي تعبر عن السعادة والأمر والطلب، واكتشفت أيضًا أن هذه الصيغ تقترب جدًا من صيغ الراشدين. وهناك نوعان من المناغاة هما: 1- المناغاة العشوائية: وهي بمثابة مجموعة أصوات يبعثها الطفل في حالة ارتياحه وتمتعه بالدفء والشبع. "عبد العزيز القوصي، 1948". وتتضمن أصواتًا لا معنى لها يكررها الطفل وينطق بها بطريقة عشوائية لا يهدف منها الطفل إلى التعبير أو الاتصال بالغير وإنما هي نشاط عقلي يجد الطفل لذة في إخراجه ومتعة في سماعه، كما تعد هذه المناغاة العشوائية تمرينًا وإعدادًا لأعضاء النطق على الكلام الذي سيتعلمه الطفل. 2- المناغاة التجريبية: هي امتداد للمرحلة السابقة، وتمثل هذه المرحلة أهمية كبيرة في حياة الطفل باعتبارها مرحلة تجريبية يحرك فيها أجهزته الصوتية بأشكال مختلفة، كما أنه يستمع إلى نتائج هذه التعبيرات والحركات، ولذلك يمكن تسمية هذا النوع من اللعب، باللعب التجريبي للأصوات. "عبد العزيز التوصي، 1948". وفي هذه المرحلة يحاول الطفل تكرار الأصوات التي يصدرها، يختار بعضها ويعيدها. وتعتبر هذه المرحلة مرحلة تجريب لأنواع من الأصوات التي تصدر منه ليتمرن عليها، وأن سلوك الطفل مما يحصل عليه من نتائج في المناغاة التجريبية يشجعه على تقليد حركات من يسمعهم. "يونس الجنابي، 1973".

وفي هذه المرحلة وربما من قبل هذه المرحلة يختزن الطفل في ذاكرته كثيرًا من الكلمات والجمل التي ينطق بها المحيطون به، ويفهم مدلولها بدون أن يستطيع محاكاتها ويساعده على فهمها سياق أعمال المتكلمين وما يصدر عنهم أثناء النطق بها من حركات يدوية وجسمية وإشارات إلى ما تدل عليه. فإذا كلف الطفل هذه المرحلة بأمرًا ما مثل "اقفل الباب، هات الكوب، ضع لعبتك في العربة ... إلخ"، أو طلب إليه الإشارة إلى عضو من أعضاء جسمه أو أعضاء غيره مثل أين أنفك، فمك، أذنك، أبوك، أمك، عمك، سريرك، لعبك ... " أدى الطفل ما طلب منه في صورة تدل على دلالة قاطعة على فهمة لما سمع. "علي عبد الواحد، د. ت". وفي نهاية هذه المرحلة تقريبًا يكون الطفل قد تمكن من نطق عدد كبير من الأصوات وهو يفضل في هذا الموقف أن تكون المناغاة سلاسل من من مقطع واحدًا أو مقاطع متشابهة "يونس الجنابي: 1973". وفي نهاية السنة الأولى يقترب التنغيم Intonation عند الطفل من التنغيم السائد في لغته القومية.. ويبلغ الطفل الطور النهائي من مرحلة ما قبل الكلام عندما يبدأ استعمال كلمات معينة يستطيع الكبار تمييزها. "موفق الحمداني، 1982". تطور المناغاة: وتتطور المناغاة نتيجة لثلاثة عوامل هامة: 1- التمييز السمعي Auditory Discrimination: ويشير إلى قدرة الطفل على التمييز بين مختلف الأصوات التي يصدرها ويسمعها مَنْ حوله، وهي القدرة التي تظهر عند حوالي سن خمسة إلى ستة أشهر من عمر الطفل. ويؤدي هذا العامل الجديد إلى تغير هام وتطور في عملية المناغاة، فهو يجعل الطفل يدرك تنوع الأصوات والربط بينها وبين طرق إخراجها.

2- الشعور بالمقدرة أو الإحساس بالقدرة: نتيجة لقدرة الطفل على إحداث الأصوات عن قصد على النحو السابق، يبدأ الطفل بالشعور بالمقدرة والإحساس بأنه قادر على إحداث الأصوات التي يسمعها. هذا العامل الوجداني الهام يدفع الطفل لمواصلة الجهد والاستمرار في القيام بالمحاولات. فعملية إصدار الأصوات عملية مجهدة وتحتاج لمواصلة الجهد والبذل. 3- التعزيز أو التدعيم الخارجي External Reinforcement: هناك عامل آخر لا يقل أهمية وهو سماع الطفل لأصوات مشابهة تنطقها الأم أو غيرها من المحيطين به، وتشبه إلى حد ما الأصوات التي ينطقها هو، فالأم عندما تسمع طفلها يناغي، تبدأ سعيدة في ترديد الأصوات التي يصدرها، وبذلك تعطيه استثارة أبعد مدى وأقوى على مستوى التفاعل الاجتماعي المتبادل بين الطفل والبيئة "ليلى كرم الدين، 1990".

ثالثا: مرحلة التقليد والاستجابات اللغوية

ثالثًا: مرحلة التقليد والاستجابات اللغوية تبدأ هذه المرحلة عند العاديين من الأطفال في أواخر السنة الأولى أو أوائل الثانية، وتنتهي في الخامسة أو السادسة أو السابعة، وأما الأطفال غير العاديين من الناحية اللغوية فقد لا تبدأ لديهم إلا في أواخر الثانية أو أوائل الثالثة، ويتأخر تبعًا لذلك موعد انتهاءها. وعند بعض الشواذ من الأطفال لا تبدأ إلا في سن متأخرة جدًا، وقد تبدأ في حالات نادرة في سن مبكرة جدًا. "ماير، 1979". ويلاحظ أن تقليد الطفل لأصوت البالغين يكون في البداية تقليد غير دقيق وغير محكم، ولكن مع مواصلة التقليد تقترب الأصوات التي يصدرها الطفل تدريجيًا من أصوات البالغين من حوله. "ليلى كرم الدين، 1990". وتعد المحاكاة من العوامل المهمة في تعلم اللغة، وبذلك يتسم الأطفال بفروق واضحة عن غيرهم من حيث القدرة على إخراج الأصوات، ويبدأ الأطفال الأسوياء في نهاية السنة الأولى بإخراج أصوات بعضها شبيهة بالكلمات التي ينطق بها الكبار المحيطون بهم. ويؤكد الكثير من الباحثين بأن بزوغ فترة المحاكاة يكون غالبًا في الربع الأخير من السنة الأولى.

وقد وجد "سيجموند" Sigmond بدراسته التتبعية أن الطفل يبدأ المحاكاة عند سن 11 شهرًا، وأن أول كلمة استطاع محاكاتها بشكل متطابق كانت في عمر 14 شهرًا، ويحدد سيجموند" أربعة أنواع من التقليد هي: تقليد تلقائي "لا إرادي"، تقليد مع فهم، ودون فهم. وتسير المحاكاة اللغوية في هذه المرحلة على أساليب خاصة بعضها يتعلق بالأصوات وبعضها يتعلق بالدلالة، وسنتكلم على كل منهما على حدة: 1- الأساليب المتعلقة بالأصوات، ومن أهمها ما يلي: أن الطفل يحاكي في بادئ الأمر الكلمات التي يسمعها محاكاة غير صحيحة ويظل يصلح من نطقه شيئًا فشيئًا، مستعينًا بالتكرار، ومعتمدًا على مجهوده الإرادي، ومستفيدًا من تجاربه، حتى تستقيم له اللغة. ومظاهر أخطائه في هذه الناحية كثيرة من أهمها ما يلي: أ- أنه يغير الأصوات فيحل محل الصوت الأصلي صوتًا آخر قريبًا منه في المخرج أو بعيدًا عنه "يغلب أن تكون قريبًا منه"، فينطق مثلًا الكاف تاء. فقد يقول "تتاب بدلًا من كتاب"، "الستينة بدلًا من السكينة ... إلخ". وقد ينطق الشين بدلًا من السين، فيقول سعر بدلا شعر ... إلخ". ويظل يبدل بعض الحروف صعبة النطق عليه بغيرها من الحروف الأسهل، وقد ينال هذا التغيير معظم حروف الكلمة فلا يكاد يبقى فيها شيء من أصواتها الأصلية فقد يقال مثلًا: "ساساته بدلًا من شوكولاته". ب- أنه قد يحرف أصوات الكلمة عن مواضعها فيجعل اللاحق منها سابقًا والسابق لاحقًا. فيقول مثلًا "امسوا" بدلًا من "اسمه"، وقد يقول "جمزه" بدلًا من "جزمه" أي [حذاء] ... وهكذا. وغالبًا ما ترجع هذه الأخطاء الصوتية جميعًا إلى ضعف أعضاء النطق عند الطفل في بداية هذه المرحلة، بالإضافة إلى إدراكه السمعي، وقلة مرانه. وكلما تقدمت به السن، اشتدت أعضاء صوته، وقويت حاسة سمعه وقويت ذاكرته، وتحسن نطقه وقلت أخطاؤه.

يولع الطفل في بداية هذه المرحلة بما كان مولعًا به في المرحلة السابقة من تكرار المقطع أو الكلمات عدة مرات، فيظل يردد بابابا، أي "بابا". أو يظل يردد ماماماما ويعني "ماما"، وهكذا في معظم الكلمات. وهذا راجع إلى أسباب كثيرة منها: أن الطفل يحاول بذلك أن يثبت الكلمات في ذاكرته، ويمكن لها من أعضاء نطقه حتى يسهل عليه حفظها والنطق بها فيما بعد عند الحاجة إليها، ومنها أن النشاط الحركي يتجه دائمًا إلى الأشكال المتماثلة والأوضاع المتشابهة، ومنها أن وقف الحركة فجأة يتطلب مجهودًا أكبر من المجهود الذي يتطلب استمرارها. فالطفل بتكراره هذا يميل بفطرته إلى أخف المجهودين. جـ- وفي بداية هذه المرحلة يضع الطفل في معظم الكلمات التي يقلدها الأصوات نفسها التي كان يغلب عليه تكرارها في مرحلة "التمرينات النطقية". فإذا كان في تمريناته النطقية يغلب عليه تكرار مقطع "با" مثلًا، فإنه يضعه في معظم الكلمات التي يحاول محاكاتها في فاتحة تقليده اللغوي، فيقول مثلًا: "باويت" قاصدًا "بسكويت"، وهذا مظهر من مظاهر ما يسميه علماء النفس "مقاومة القديم للجديد" أو "آثار العادات اللغوية". د- وفي بداية هذه المرحلة تكثر في لغة الطفل أصوات اللين "حروف المد" وتقل الأصوات ذات المقاطع "الحروف الساكنة"، فيحذف بعض الأصوات الساكنة من الكلمة ويضم عليها أصواتًا لينة غريبة عنها فيقول: ":كابا" بدلًا من كلب" ... إلخ. هـ- وفي أوائل هذه المرحلة في أواخر السنة الثانية تقريبًا" يظهر لدى الطفل ما يصح أن نسميه "بالمحاكاة الموسيقية للعبارات"، فيحاكي الطفل أحيانًا بعض العبارات التي يسمعها مجرد محاكاة موسيقية، بأن يلفظ أصواتًا مبهمة تمثل في تنغيمها موسيقى العبارة التي يريد محاكاتها بدون أن تشتمل على كلماتها وكأنه يحول قطعة شعرية إلى قطعة موسيقية حيث يصدر أنغامًا واضحة دون كلمات.

و وفي مبدأ هذه المرحلة يسير الطفل ببطء كبير في محاكاته، فقد تمضي أشهر بدون أن يستطيع النطق بأكثر من محاكاته، وقد تمضي أشهر بدون أن يستطيع النطق بأكثر من بضع كلمات مع أنه يكون فاهمًا لمعظم ما يسمعه وما يقال له، ثم تحل عقده لسانه مرة واحدة، وحينئذ يسير في هذا السبيل بخطى حثيثة لدرجة يصعب معها على من يلاحظه أن يحصي ما يدخل في متن لغته كل يوم من كلمات جديدة. ز- وفي وسط هذه المرحلة وأواخرها تصل قوة التقليد اللغوي عند الطفل في مهارتها ودقتها ونشاطها وغزارة محصولها وأهميتها وسيطرتها على النفس إلى أقصى ما يمكن أن تبلغه قوة إنسانية، ففي هذا الدور لا يدع الطفل أي كلمة أو جملة جديدة يسمعها أو يطلب إليها محاكاتها بدون أن يحاكيها، وأن عاقه طول جملة عن تكرارها نجده يحاكي ما يعلق بذهنه من كلمات وبخاصة آخر كلمات الجملة. ولا يقتصر الطفل على تقليد الكلمات والجمل التي يدريه عليها المحيطون به، بل يحاكي كذلك من تلقاء نفسه كثيرًا من الكلمات التي ترد في محادثات الكبار على مسمع منه، حتى الكلمات الدقيقة منها. ويحرص الطفل كل الحرص على ما يحصل عليه من مفردات وعبارات. وكثيرًا ما يبلغ به هذا الحرص أن يكرر هذه المفردات والعبارات في خلوته، ويؤلف من شتاتها أغاني وجملًا غير ذات دلالة ولكن يكون لها تأثير في تثبيت هذه الكلمات أو الجمل في ذهنه. ولمهارة الطفل في التقليد اللغوي في أثناء هذه المرحلة، ولشدة ميله إلى التقليد: يستطيع أن يتعلم بسرعة وسهولة عن طريق المحاكاة أية لغة أجنبية إذا أتيحت له فرصة الاختلاط بالمتكلمين بها، ولكن يكون ذلك على حساب لغته الأولى حيث تقابل الطفل صعوبات كثيرة في تعلم المفاهيم اللغوية المرتبطة بلغته القومية، فما بالنا بالمفاهيم اللغوية التي يكون عليه اكتسابها عند تكلمه للغة أجنبية. فمن الملاحظ أن تعلم الطفل لغة أجنبية في مثل هذه السن

يؤثر تأثيرًا سلبيًا على اكتسابه للمفاهيم اللغوية الخاصة بلغته القومية، وكذلك يؤدي إلى الخلط بين مثل هذه المفاهيم والمفاهيم الخاصة باللغة الأجنبية. وقد وجد ويلسون "1981 Wilson" في دراسة أجراها في نيجيريا الغربية حول ما إذا كان التلاميذ يتعلمون بشكل أفضل إذا تلقوا التعليم بلغتهم الأصلية طيلة مرحلة الدراسة الابتدائية، أو إذا تحولوا إلى اللغة الإنجليزية في الصف الرابع الابتدائي، فكانت المواد تكتب باللغة القومية للمدارس التجريبية وتترجم للإنجليزية للمدارس العادية، وكذلك كان الامتحان موحدًا إلا أنه كان باللغة القومية للمدارس التجريبية وباللغة الإنجليزية للمدارس العادية أي لمن يدرسون بها. وكانت النتيجة أن جميع التلاميذ الذين تعلموا بلغتهم الأصلية قد أجادوا في جميع الاختبارات بصوة مطردة وتفوقوا على أقرانهم الذين تعلموا باللغة الإنجليزية. وفي هذا يختلف الكبار عن الصغار اختلافًا كبيرًا، فمهما بذل الكبار في تعلم لغة أجنبية من مجهود، ومهما طالت مدة إقامتهم بين أهلها، فإنهم لا يصلون في إجادتها من الناحية الصوتية إلى الدرجة التي يصل إليها الصغار في هذا الدور. والسبب في ذلك راجع إلى أن الطفل يلبي في محاكاته دواعي غريزية، ويسلك بهذا الصدد طريقا محببًا إليه. ح- ولا يقتصر نشاط الطفل التقليدي في هذه المرحلة على الأصوات اللغوية، بل يمتد كذلك إلى ما عداها من الأصوات، كأصوات الحيوان والطيور، ومظاهر الطبيعة والأصوات الشاذة وأصوات المصابين بعاهات في النطق، والأصوات التي تحدثها الأفعال كأصوات الضرب والقرع والسقوط وما إلى ذلك، والأطفال في هذه الناحية أمهر كثيرًا من الكبار، فقد لاحظ تاين Taine أن الأطفال في هذه المرحلة أدق وأمهر من الكبار في محاكاة أصوات الحيوان في صورتها الطبيعية. 2 أهم الظواهر المتعلقة بالدلالة في هذه المرحلة الأمور الآتية: أ- على الرغم من أن فهم الطفل لمعاني الكلمات يبدو لديه في المرحلة السابقة لمرحلة التقليد -كما تقدمت الإشارة إلى ذلك- فإن درجة فهمه تظل مدة طويلة ضعيفة وغير دقيقة، ويبدو هذا في مظاهر كثيرة أهمها ما يلي:

- أنه في أوائل هذه المرحلة يستخدم الكلمات القليلة التي يستطيع النطق بها استخدام واسعًا يدل على عدم دقته في فهم مدلولاتها، فيحمل كل منها من المعاني أكثر مما تحتمله، ويستخدمها في غير موضعها، حيث أن تكوين المفاهيم لديه لا تزال قاصرة، وهذا ما يجعله يعبر عن أمور لا صلة لها بمعناها الأصلي، فينطق مثلا: "كاكا" على الدجاجة وعلى الإناء الذي تقدم فيه وعلى الطاهي الذي يعدها والمطبخ التي تعد فيه.. إلخ. وهذا التوسع في الاستعمال لا ترجع أسبابه دائمًا إلى ضعف الفهم وعدم الدقة في إدراك المدلولات بل يرجع أحيانا إلى ضآلة محصول الطفل في الكلمات في بداية عمره وحاجته إلى التعبير على أي وجه. - أنه في أوائل هذه المرحلة يطلق اسم الجنس على غير أفراده، لمجرد وجود أدنى مشابهة فيقول "ماما" على جميع السيدات، و"بابا" على جميع الرجال، حيث أن نموه لا يسمح له بالتخصيص بين أفراد الجنس الواحد، وكلما تقدمت سن الطفل وكثر محصوله اللغوي يزداد فهمه وقدرته على التمييز وتتحدد معاني الكلمات لديه، فيتخلص من التعميم، وتتميز لديه الأجناس بعضها عن بعض، فيطلق على أفراد كل منها الاسم الخاص به. وهذا يتفق مع مبدأ هام في النمو وهو أن النمو يسير من العام إلى الخاص. ب وفي أوائل هذه المرحلة تبدو لغة الطفل بعيدة عن الصرف والاشتقاق فكل كلمة من كلماته تلازم شكلا واحدا، وتدل في شكلها هذا على جميع ما يشتق منها ويتصل بها. ومع تقدم الطفل في هذ المرحلة يدرك العلاقة بين الأشكال المختلفة لبنية الكلمة وتغيير معناها أو زمنها، فتظهر حينئذ عناصر الصرف والاشتقاق في لغته. جـ- وفي مبدأ ظهور هذه العناصر يميل الطفل إلى القياس والسير على وتيرة واحدة حيال جميع الكلمات، فنراه مثلًا يتبع طريقة واحدة في التأنيث، فيقول عند تأنيث بعض الكلمات مثل: خروف: خروفة، حصان: حصانة، أحمر:

أحمرة، أبيض: أبيضة، وما إلى ذلك، مثلما يقول قط: قطة، كبير: كبيرة. د- يفتتح الطفل في هذه المرحلة بالنطق بكلمات مفردة قاصدًا بها التعبير عما يعبر عنه بالجمل: فيقول مثلًا: "باب" قاصدًا افتح الباب، و"شباك" قاصدًا اقفل الشباك. والأم غالبًا ما تفهم غرضه من السياق والظروف المحيطة به والإشارات اليدوية والجسمية التي تصحب كلامه، ويختار الطفل عادة للتعبير عن الجملة الكلمة التي يجيد النطق بها أو الكلمة التي تسبق غيرها إلى لسانه، ولو لم تكن ذات أهمية في المعنى الذي يريد تقريره. أما تركيب الجمل تركيبًا كاملًا فلا يصل إليه الطفل إلا في أواخر هذه المرحلة. هـ- وفي مبدأ ظهور الجملة في لغة الطفل تبدأ عادة خالية من الروابط والحروف ويبدأ الطفل بتركيبات ساذجة للجملة حيث تبدو كلماتها بدون تنسيق ولا ترتيب، إذ أنه يضع بعضها بجانب بعض كيفا اتفق. وقد يرتب الطفل أحيانًا كلمات جميلة بشكل يتفق مع ما لكل منها من أهمية في نظره فيبدأ بأكبرها أهمية ويتدرج حتى ينتهي بأقلها شأنًا. و وتتأثر مفردات الطفل وتراكيبه وقواعدها في هذه المرحلة بأكثر الأفراد مخالطة له وأحبهم إليه من أفراد أسرته وإخوته الأكبر منه، ويغلب على لغته مظاهر التقليد لهؤلاء حتى أن لغته تكاد لا تختلف في معظم هذه المرحلة عن لغتهم. ومن خلال هذا التقليد للغة الكبار ينتقل إلى لغة الطفل ويعلق بها بعض أخطاء في المفردات والقواعد والأساليب حتى الأخطاء التي تكون ناشئة عن خلل في أعضاء النطق للشخص الذي يقلده الطفل، وتظل هذه الأخطاء ملازمة للطفل أمدًا طويلًا، فمثلًا نجد أن البنت تعبر عن نفسها بصيغة المذكر فتقول مثلًا "أنا نازل"، "أنا طالع"، "أنا خارج" بدلًا من "أنا نازله"، "أنا طالعه"، و"أنا خارجه". وهذا يرجع إلى أن هذه البنت تحاكي أخاها أو آباها مثلًا، أو أي جنس ذكر آخر من المحيطين بها.

"ز" وأول كلمات تبدو عند معظم الأطفال هي أسماء الذوات لأن الطفل يتعلم من خلال حواسه لذلك يبدأ بالمحسوسات، ثم الصفات، ثم الضمائر. ولعدم وجود الضمائر في لغة الطفل في بداية هذه المرحلة نراه يعبر عن نفسه باسمه العلم فيقول مثلا "فيفي مم" أي "فيفي تريد أن تأكل". ولا تظهر الحروف وما يشبهها من الظروف وأسماء الشروط إلا في منتصف هذه المرحلة أو آخره. ولذلك تظهر جمل الطفل في المبدأ خالية من الروابط والحروف كما سبقت الإشارة إلى ذلك. والسبب في هذا راجع إلى أن الطفل يسير في ارتقائه اللغوي وفقًا لارتقاء فهمه. ح- يكثر في لغة الطفل في أوائل هذه المرحلة الكلمات المأخوذة عن أصوات الحيوان والأشياء، والتي يقصد بها التعبير عن مصادرها أو عن أمور تتصل بها: "ماء للخروف"، كاكا" للدجاجة"، أأه للضرب"، "مم" للأكل". وقد ثبت أن بعض هذه الكلمات يصل إليها الطفل بنفسه دون تلقين الكبار. طـ- يعتمد الطفل في معظم هذه المرحلة اعتمادًا كبيرًا على لغة الإشارات فيمزجها بلغته الصوتية لتحديد مدلولها، وتوضيح ما بها من إبهام وتكملة نقصها، وتمثيل حقائقها. وقد يستخدمها وحدها في التعبير عما يود التعبير عنه، ويكثر هذا لديه قبل ظهور اللغة، أي قبل دخوله مرحلة التقليد وفي أوائل هذه المرحلة. "على عبد الواحد وافي، د. ت".

رابعا: مرحلة الكلام

رابعًا: مرحلة الكلام قبل أن يكون الطفل مستعدًا لأن ينطق كلمته الأولى عليه أن ينجز مرحلة طويلة من النمو والتعلم. وقد أشار بترفيليد Butterfield "1968" إلى قدرة الطفل على الانتباه للصوت بعد 24 ساعة من ولادته، ولكن غالبًا ما يمر عام كامل على ولادته قبل أن ينطق كلمته الأولى، وذلك لأن السيطرة على أجهزة النطق أصعب من إجراء التميزات السمعية، وقد لوحظ أن أصوات المناغاة التي يطلقها الطفل تشكل عينة من أصوات الكلام كافة. وينتقل الطفل في هذه المرحلة اللغوية إلى مرحلة نطق الكلمة الأولى غير أنه من الصعب تحديد موعد نطقه هذه الكلمة الأولى والتي يكون لها معنى، إذ في بدء ظهور الكلمة الأولى في لغة الطفل باقترانها بمدلولها اقترانًا صحيحًا واضحًا يسهل لأي فرد أن يدركها. ومعظم الأطفال لا يستطيعون نطق الكلمة الأولى قبل عامهم الأول. وتدل أبحاث سميث Smith أن المحصول اللفظي فيما بين السنة الأولى والثانية يبدأ بطيئًا ثم يزداد بنسبة كبيرة تخضع في جوهرها لعمر الطفل ومظاهر النمو الأخرى كالنمو الحركي والاجتماعي. وأهم سمات كلمات الطفل خلال هذه المرحلة أنها تعبر عما يجري حوله، وبنمو قدرات الطفل وبنمو مفرداته يستطيع التحدث عن الماضي والمستقبل، كما أن الكلمات الأولى تكون قصيرة تتألف من مقطع أو مقطعين، وأن أول ما يتعلمه الطفل وينظمه في كلامه في هذه المرحلة ليس الأصوات المفردة أو الكلمات بل المقاطع. وتتضمن الكلمات الأولى التي يتحدث بها الطفل أشياء مألوفة له في محيطه اليومي كالكوب، واللعبة، وأشخاص مألوفين كالأب والأم، ويغلب أن تكون هذه الكلمات أسماء. وتشير الدراسات إلى أن الكلام قبل يتعلمه الطفل كوسيلة اتصال وتعبير يكون قد أحاط بجزء كبير منه كوسيلة لفهم الآخرين دون تعبير حيث لم تكن أجهزته الكلامية قد وصلت إلى مرحلة النضج. فالطفل قبل أن يتلفظ لفظة واحدة

يكون قد جمع ثروة لا يستهان بها من الألفاظ والعبارات ليفهمها ولكن لا يستطيع التلفظ بها. ويتصف تلفظ الطفل حتى الشهر "18" من عمره بالمرونة بحيث أن شكل تلفظه بأجمعه يمكن أن يتغير بسرعة وفي وقت قصير لو وضع في وسط جديد. وهذا الأمر لا يحدث للراشدين بسهولة. وتعقب الكلمة الأولى فترة تستغرق عدة أشهر تتميز بعدم القدرة على الاستمرار في إخراج الكلمات. ولعل من أسباب ذلك التوقف بداية فترة التسنين وبداية محاولة تعلم المشي وبعدها يفاجئ الطفل من حوله بتقدمه السريع في اكتساب الألفاظ. ويعتمد كلام الطفل ونمو مفرداته على حاجة الطفل، فإذا توفر للطفل كل ما يريد دون السؤال عنه من قبل الوالدين فلا يكون هناك باعثا يجعل الطفل يبذل مجهودًا للكلام وبذلك يتأخر نموه اللغوي. وتنقسم مرحلة الكلام ونمو المحصول اللفظي إلى فترتين: أ- فترة اللغة القصيرة: وهي اللغة التي يتحدث بها الطفل لنفسه ويقلد بها كلام الكبار ولا يكون هذا التقليد دقيقًا، فكلام الطفل في هذه الفترة يكون غير مفهوم، إلا ضمن نطاق بيئته المحدودة. ب- فترة اللغة المشتركة: وفي هذه الفترة يكون كلام الطفل أكثر وضوحا وانتظامًا، كما يكون أقرب إلى كلام الكبار، ويتوقف هذا على استعداد الطفل، ونوع البيئة، واهتمام الكبار بلغته، ويكون نمو الكلمات المنطوقة ضعيفًا في بداية المرحلة، ولكنه يتقدم بسرعة في نهاية السنة الثانية ثم تزداد مفرداته بعد ذلك زيادة سريعة مستمرة.

خامسا: نمو مفردات الطفل

خامسًا: نمو مفردات الطفل توضع أسس الكلام في سني المهد وتزداد مفردات الطفل بسرعة في مرحلة ما قبل المدرسة، ويرجع ذلك إلى التعلم المباشر من ناحية، وإلى فضول الطفل، وحب استطلاعه لمعرفة معاني الكلمات من ناحية أخرى، مما يقوده، لأن يسأل عن معانيها، وبازديادها استخدام الطفل لها، وقد تباينت نتائج الدراسات بخصوص حجم مفردات الأطفال اللغوية تبعًا للعمر، وقد يرجع ذلك إلى الفروق الحضارية أو طبيعة اللغة أو إلى عوامل أخرى. ومن أجل إعطاء صورة واضحة عن حجم الذخيرة اللغوية للطفل فإننا سنحددها تبعًا للمراحل العمرية. 1- بين السنة الأولى والثانية: يتحسن نطق الطفل وتزداد عدد مفرداته بعد النصف الثاني من السنة الثانية حيث يزداد متوسط عدد المفردات التي يستخدمها الطفل بازدياد العمر، وبازدياد ما يتعلمه الطفل في المجال اللفظي تزداد المصادر المتاحة لمواجهة مشاكل جديدة. ويحقق الطفل في عمر "18-24" شهرًا قفزة في حجم الذخيرة اللغوية بوصفها مفتاحًا أوليًا، وبداية لاستخدامه جملًا قصيرة، كما أن هذه المرحلة هي بداية لانطلاق الطفل في الكلام الفعال Active Language، وأول من يتعلمه الطفل من المفردات الأسماء باعتبارها محسوسًا وبالأخص أسماء من يحيطون به من الأشخاص، ولذلك تدعى هذه المرحلة مرحلة التسمية Naming، ثم يستعمل بعد ذلك الضمائر عند أواخر السنة الثانية، ويأخذ في استعمال الأفعال في حدود السنة الثانية. وتظهر في منتصف السنة الثانية الجمل ذات الكلمتين كأن الطفل لديه ميل للحديث المتصل وتقليد كلام من حوله، ويستعمل الطفل الجمل الاسمية أكثر من الجمل الفعلية.. أما ما يختص بالأنماط اللغوية فقد بينت أرون Aron "1964" في دراستها أن الأطفال في هذ المرحلة يمتلكون "27" نمطًا صوتيًا من مجموع "35" نمطًا يمتلكه الكبار، أي ما يقرب من 77% من أنماط كلام الكبار، كما يتساوى الذكور والإناث في عدد أنماط الأصوات خلال السنة الأولى، وبعدها تفوقت الإناث في السنة الثانية على الذكور وإن كان الفرق لا يشكل دلالة إحصائية: ويمكن التعرف في نمو المفردات على صورتين متمايزتين: أ- المفردات العامة: تتكون من كلمات لها معنى عام يمكن استخدامها من العديد من المواقف المختلفة.

ب- المفردات الخاصة: تظهر غالبًا في مرحلة الطفولة المبكرة، وتعتبر عمومًا زائدة أكثر من كونها أصلية. وقامت دراسات عديدة لتباين عدد المفردات التي يعرفها الأطفال في هذه المرحلة وطبيعة هذ المفردات. وقد توصلت بحوث عديدة إلى أن متوسط عدد كلمات طفل السنة الأولى ثلاث كلمات، وفي عمر سنتين "272" كلمة. ويوضح الجدول "6" متوسط حجم مفردات الأطفال في الأعمار المتتالية من ثمانية أشهر وحتى ست سنوات.

2 بين السنة الثانية والثالثة: تزداد مفردات الطفل في هذه الفترة بشكل كبير ويكون للطفل القدرة على ربط الكلمات للتعبير عن فكرة معينة. وتشيع الجمل البسيطة في هذه المرحلة، وتحتوي الجمل على أربع كلمات تقريبًا، وينغمس الطفل في التجريب اللغوي، وهذا يؤدي إلى التركيب اللفظي. وفي رأي "مكارثي" أن الكلام مفهوم المعنى يزداد في هذه المرحلة فيصل عند سن 24 شهرًا إلى "49%" من مجموع الكلام، ويزداد بشكل كبير خلال هذه المرحلة حتى يصل "93%" عند سن 30 شهرًا. وفيما يختص بحجم المفردات في هذه المرحلة العمرية فإنها تتفاوت من مجتمع إلى آخر فقد أشار ليبنرك Libnerk إلى الطفل يكتسب خلال الفترة "من 24 إلى 27 شهرًا" من العمر بين "300 -400" كلمة. 3- مرحلة ما قبل المدرسة "مرحلة الروضة": يظهر نمو الكلام في هذه المرحلة وقد أخذ بالاكتمال، ولكن ليس معنى هذا أن الطفل قد أصبح يتكلم كالبالغين، بل أن أقسام الكلام تكون لديه اكتملت ويستطيع النطق بشكل جيد. ويبدأ الطفل باستخدام الأساليب النحوية بشكل أفضل، وتنمو اللغة بسرعة كبيرة، وتزداد مفردات الطفل بشكل كبير في هذه المرحلة حتى تصل في حدود "72" شهرًا إلى "2589" كلمة. ويسيطر الطفل على التركيبات النحوية للألفاظ التي تتعلق بما يدور في بيئة الطفل وحاجاته. ويلاحظ نمو اللغة الشفهية Oral Language بشكل سريع ومدهش خلال فترة ما قبل المدرسة. ويظهر خلال هذه المرحلة نمو سريع في جوانب لغوية عديدة "كطول الجملة، والتركيب اللغوي تبعًا للقواعد والنطق: "فقد وجد يونك Yonek أن معدل طول الجملة في عمر "30" شهرًا كان "3,2" كلمة، ازداد في سن "36- 54" شهرًا وأصبح "5،6" كلمة، وفي سن "54-66" شهرًا "6،3" كلمة. والجدول "7" يبين تزايد عدد الكلمات في الجملة مستقاة من دراسة سميث Smith

وقد قامت هدى قناوي "1981" بدراسة لمعرفة بعض الجوانب المتصلة بالنمو اللغوي وأظهرت النتائج المؤشرات الآتية: - ازدياد الثروة اللغوية بازدياد العمر. - جاءت الضمائر المرتبة الأولى من حيث عدد تكرارها، تليها الأسماء الموصولة، ثم الأفعال. - من الحروف السهلة التي بدأت بها أكثر كلمات الأطفال "حرف الألف"، يليه حرف "الميم"، ثم "العين"، ثم "الحاء والباء"، وكان حرف "الظاء" أصعب الحروف حيث لم يستعمله أي طفل من أطفال العينة في مرحلة ما قبل المدرسة، ويأتي بعد ذلك حرف "الذال".

النمو اللغوي لطفل المرحلة الابتدائية

النمو اللغوي لطفل المرحلة الابتدائية نمو المحصول اللفظي ... النمو اللغوي لطفل المرحلة الابتدائية: في عمر المدرسة الابتدائية يكتمل نمو الطفل اللغوي بصورة كبيرة ويتضح ذلك في ثراء محصوله اللفظي ومفرداته اللغوية، وفي نمو التراكيب اللغوية، والقدرة على التعبير عن أفكاره بامتلاك مهارات الاتصال إلى جانب نمو ممارسات القراءة والكتابة. ويمكن تلخيص مظاهر النمو اللغوي فيما يلي: أ- نمو المحصول اللفظي: عندما يلتحق الطفل بالمدرسة في سن السادسة يكون عدد المفردات التي يعرفها حوالي 2500 كلمة تقريبًا، وإذا كانت اللغة هي وسيلة الاتصال الأساسية بين الطفل والمجتمع الخارجي. لذلك يجب أن نأخذ بعين الاعتبار محصول الطفل اللغوي الذي يأتي به الطفل إلى المدرسة في سن السادسة، وهذا المحصول في منتهى الأهمية لأن الطفل قد أكتسبه في قمة النمو اللغوي في الفترة التي مرت به قبل ذلك، ومن الخطورة بمكان أن نزيل من حسابنا حينما نضع مناهج اللغة في المرحلة الأولى هذ المحصول اللغوي السابق: فلا بناء إلا على خبرة، والخبرة السابقة التي اكتسبها الطفل إنما اكتسبها الطفل ومارسها وثبتت لديه لأنها أدت وظيفتها بنجاح، ولذلك لا يصح أن نتغاضى تمامًا عن المحصول اللغوي الذي يتفاهم به الطفل في حياته اليومية، فالوظيفة الرئيسية للغة هي أنها أداة اتصال الطفل وبيئته اليومية. وإذا كانت الوسيلة الأولى لزيادة محصول الطفل هي الممارسة، لذلك يجب أن تكون كتب القراءة في المدرسة الابتدائية مصورة، لأن هدف القراءة في المراحل الأولى أن ننمي لدى الطفل مجموعة من العادات والاتجاهات والميول المهمة إلى جانب تنمية محصوله اللفظي. كما أنه لزيادة الحصيلة اللغوية لدى طفل المدرسة الابتدائية فإنه يجب أن تنتقل المقررات الدراسية من الموضوعات الدالة على أشياء حسية محددة، إلى ألفاظ ذات معاني أكثر تجريدًا تبعًا لخطوط النمو العقلي "التي سبق الحديث عنها"،

وكثيرًا مما يسأل طفل السادسة والسابعة عن فائدة شيء ما، أو طرق استعماله.. إلخ، ولذلك يجب أن تتوخى في مادة القراءة الإجابة عن التساؤلات لتسهيل إدراك المعاني، وزيادة مفاهيم الطفل.

نمو التراكيب اللغوية

ب- نمو التراكيب اللغوية: ومن دلائل نمو طفل المدرسة الابتدائية قدرته على استخدام التراكيب اللغوية فمن الملاحظ أن الطفل عند دخوله المدرسة يكون قادرًا على استعمال جمل تتكون الواحدة منها من خمس أو ست كلمات وتنمو فيما بعد قدرة الطفل على استعمال الجمل المركبة، وتزداد الألفاظ ذات المعنى الأكثر تجريدا، ومن الملاحظ أن طفل التاسعة يكون قادرًا وبارعًا في التمييز بين المترادفات والكشف عن الأضداد والتمييز بين الأسماء الدالة على أعلام أو أشياء وبين الأفعال الدالة على زمن أو حركة، ويستطيع استعمال الأفعال في أزمانها الصحيحة.. وعلى الرغم من أن صيغ المبني للمجهول لا تستخدم عادة في لغة الكلام اليومية إلا أن طفل المدرسة الابتدائية يستطيع تركيب الجمل المبنية للمجهول واستخدامها ابتداء من سن التاسعة أو العاشرة.. يضاف إلى ذلك مهارة أطفال المدرسة الابتدائية على فهم الضمائر في الأعمار المختلفة وإن وجدت فروق فردية شاسعة بين أطفال المدرسة الابتدائية في فهم وتكوين التراكيب اللغوية المختلفة.

نمو مهارات الاتصال

جـ- نمو مهارات الاتصال: تستمر مهارات الاتصال اللغوي في النمو والتحسن لدى الطفل بدخوله المدرسة الابتدائية نظر لنمو علاقاته الاجتماعية مع الأقران والمعلمين. ومن الملاحظ أن النجاح النسبي للأطفال الصغار في الاتصال يعتمد إلى حد ما على طبيعة المهمة أو العمل، فعادة ما يكون أداؤهم مرضيًا كمتكلمين إذا اشتركوا في بعض المعلومات العمومية مع المستمع، ويستطيعون تحسين التواصل اللغوي إذا تلقوا تغذية رجعية بنجاحاتهم عند المستمع فالأطفال الصغار بحاجة إلى مفاتيح قرينية لفهم المستمع إليهم لحديثهم حتى يمكنهم إجراء الاتصال الناجح، إذا ما قورنوا بالأطفال الكبار.

ومن الملاحظ أن قدرات طفل المدرسة الابتدائية على الاتصال اللغوي والتعبير تصل إلى درجة جيدة في سن السابعة ... فالطفل يميل بشدة إلى أن يشارك في النشاط الشفوي والاتصالي مشاركة طيبة. ويستطيع أن يعبر عن نفسه بطلاقة دون خوف أو تلعثم، ويميل كذلك إلى أنواع التمثيل المختلفة، فالتمثيل وسيلة هامة من وسائل التعبير عند الطفل. هذا: وتعتمد مهارات الاتصال والتعبير الشفوي عند طفل المدرسة الابتدائية بذخيرته اللغوية وقدرته على التركيب اللغوي فكلما كانت ذخيرة الطفل أكبر كانت الفرصة أحسن في إجراء الاتصال اللفظي مع المستمع.

مهارة القراءة

د- مهارة القراءة: تعتبر القراءة محور التقدم الدراسي بمعنى أن عجز التلميذ عن تعلم مهارة القراءة قد يؤدي إلى ضعف مستواه في جميع المواد الدراسية، ولذلك ينبغي على المربين أن يولوها اهتمامًا كبيرًا خاصة في السنوات الأولى من المرحلة الابتدائية. وتنمو القراءة في مراحل متدرجة. - فهي تبدأ في سنوات ما قبل المدرسة بما يسميه علماء التربية الاستعداد القراءة أو التأهب للقراءة وتبدو في اهتمام الطفل بالصور والرسوم التي تنشرها مجلات الأطفال المصورة والقصص.. وفي البداية تبنى القراءة على أساس الخبرات الأولى التي واجهها الطفل، فإذا استجاب الطفل لصورة "قطة" بكلمة "مياو" فإنه يربط الصورة بخبراته السابقة عن القطط. - ثم تنمو قراءة الطفل فيبدأ في ربط الكلمة المطبوعة بالنطق الرمزي للصورة.. ويتدرج من الإحساسات المباشرة للأشياء والأحداث إلى التجريد أو تعميم الكلمات كرموز فيقال مثلا عن "الثعلب والذئب والكلب" كلمة واحدة هي "كلب" نتيجة تعميم المدرك نظرًا للتشابه بين الحيوانات الثلاث. - ثم تبدأ مرحلة القراءة الفعلية في المرحلة الابتدائية، يتعلم الطفل الجملة، ثم الكلمة، ثم يقوم بتحليل الكلمة إلى حرف ويحاول في السنوات الأولى إتقان المهارات التي تساعد على القراءة الجهرية والصامتة.

- وتدل الدراسات على أن الطفل في نهاية الصف الثاني الابتدائي يستطيع أن يقرأ 75 كلمة في الدقيقة قراءة جهريه، وفي الصف الثالث الابتدائي يستطيع أن يقرأ ضعف هذا العدد في نفس المدة الزمنية، أما فيما بين عمر 11-12 سنة فإن الطفل يمكنه أن يقرأ حوالي مائتي كلمة في الدقيقة. أما من حيث القراءة الصامتة: فقد دلت الدراسات على أن الطفل في الفرقة الثانية من المرحلة الابتدائية يستطيع أن يقرأ حوالي مائة كلمة في الدقيقة قراءة صامته، ثم تأخذ هذه القدرة في الازدياد بحيث يمكنه في نهاية المرحلة الابتدائية أن يقرأ أكثر من مائتي كلمة. وهناك عوامل متعددة تؤثر في نمو القراءة لدى طفل المدرسة الابتدائية نذكر منها ما يلي:- 1- العوامل الحسية والجسمية: كالسمع والبصر، والتآزر العضلي العصبي واضطرابات الغدد.. 2- العوامل العقلية: ويقصد بها الذكاء والقدرات العقلية، فالأطفال عند دخولهم المدرسة يكونوا مختلفين في الاستعداد والقدرة على القراءة: الطفل المتفوق اللامع الذي يتكلم كثيرًا ويتلذذ بالاستماع إلى القصص والأناشيد غالبًا ما يتعلم القراءة بتعليمات بسيطة جدًا، والطفل الذي لديه استعداد عقلي متوسط أو ضعيف يحس برغبة ملحة للقراءة ولكنه يحتاج لوقت أطول كي يتعلم ... والطفل المتأخر عقليًا الذي تنقصه المقدرة على التمييز بين المترادفات والمتناقضات، ويتقدم ببطء في القراءة يصبح مشكلًا في القراءة. 3- العوامل الدافعية والانفعالية والشخصية: فلقد كان الضغط المستمر من جانب الأب أو المعلم عاملًا يوجد في الطفل المخاوف والقلق ويكون لديه اتجاهات سلبية نحو القراءة.. وفي نفس الوقت فإن المواجهة الواعية الشفوقة تفيد في إعطاء الثقة للطفل وتشجعه على النمو في القراءة. 4- العوامل البيئية والاجتماعية: وهي تتصل بتشجيع الأسرة، وغنى البيئة الأسرية كالمثيرات الدافعة للقراءة، والمدرسة وما يتعرض له الطفل فيها من مثيرات تربوية في الفصل وطرق تعليم القراءة.

5- عيوب الكلام: فقد أثبتت دراسات كثيرة على الأطفال ذوي العيوب في النطق "كالفأفأة والثأثأة" أن عيوب الكلام عامل في عدم القدرة على القراءة والضعف فيها، فقد كان هؤلاء الأطفال متخلفين في كل من القراءة الصامتة والقراءة الجهرية إذا ما قورنوا بالأطفال ذوي القدرة العادية في النطق، ومن ثم: ينصح ببذل عناية فائقة في تفهم الألفاظ ومخارجها في اللغة الشفهية قبل البدء بإعطاء تعليمات خاصة بالقراءة.

الكتابة

هـ- الكتابة: على الرغم من نمو قدرات الطفل اللغوية عند دخوله المدرسة الابتدائية إلا أنه يتأخر في الكتابة نتيجة لعدم ضبط عضلات العينين وعضلات الأصابع، مع وجود فروق فردية بين التلاميذ في الكتابة.. ويجب البدء بالحروف المطبوعة الكبيرة في صورة كلمات أو جمل على السبورات العادية أو الوبرية مكونة ما يشبه القصص أو الموضوعات المدعمة بالصور خصوصًا إذا ما علمنا أن الأطفال في هذا السن يميلون للاستماع إلى القصص المصورة التي تدور حول الحيوانات والعرائس. ومع بداية تعلم الكتابة فإن الطفل يظل يكتب على مهل، ويميل للتعبير الكلامي الشفوي أكثر من التعبير التحريري، وقدرته على الأعمال التحريرية تظل أقل من قدرته على الأداء الشفوي. أما الفترة الأخيرة من المرحلة الابتدائية فتعتبر مرحلة السيطرة على الكتابة: فالطفل يكون قد اكتسب المحصول اللغوي الكافي ونمت قدرته الحركية إلى الحد الذي يساعده على السيطرة على القلم ويتعلم الكتابة بخط الرقعة بعد أن تمكن من خط النسخ، ويميل إلى الكتابة الجميلة، فهو يتذوق الجمال فيما يأتي به من أفعال، يمكنه أن يكتب موضوعًا إنشائيًا وصفيًا، ويحاول أن يوازن بين قدرته القرائية والكلامية من ناحية وقدرته التعبيرية التجريدية من ناحية أخرى.

رعاية النمو اللغوي

رعاية النمو اللغوي رعاية النمو اللغوي لطفل ما قبل المدرسة ... رعاية النمو اللغوي: إذا كانت عملية التواصل اللغوي تعتمد على مهارتين أساسيتين هما التلقي والإصدار "الاستقبال والإرسال" فإن على المربين التركيز على هاتين المهارتين لرعاية النمو اللغوي في مرحلتي ما قبل المدرسة وخلال سنوات المدرسة الابتدائية يتضح ذلك مما يلي: رعاية النمو اللغوي لطفل ما قبل المدرسة: يجب على المربين أن يأخذوا في اعتبارهم قضايا أساسية كتطبيق تربوي لمبادئ النمو اللغوي في هذه المرحلة، ومنها: 1- لما كان أهم شرط للنمو اللغوي عند الطفل هو شعوره بالأمن والطمأنينة: فعلى الوالدين تهيئة جو المنزل بحيث يدعم فيه هذا الشعور، وذلك بتجنب الشجار والمشاحنات على مرأى من أطفالهما، كما يجب ألا تتقلب معاملتها للطفل بين اللين والشدة، وعليهما ألا يسرفا في تدليل ووقاية أطفالهما فيحرمانهم من الاستقلال وممارسة الاعتماد على أنفسهم. وعليهما تجنب إهمال طفلهما بدعوى إنه لم يحقق آمالهما، فمهما كان السبب فمن العسير على الطفل أن يشعر بالطمأنينية وهو لا يشعر بالانتماء لأبويه وبحبهما وعطفهما عليه. فيجب أن يتمتع الطفل

بحب وعطف شامل غير مشروط، وأن يحوز الرضا والقبول لذاته كفرد من العائلة له قدرته وكفاءته فالحب شيء لا يساوم عليه فلا يشترط أن يكون ذكيًا متمتعًا بصحة جيدة حتى يحظى بحب الوالدين وإنما يجب عليهما أن يمنحاه الحب خالصًا دون مقابل. 2- ينبغي أن تكون طرق تعليم الطفل الكلام ملائمة لدرجة النضج العقلي التي وصل إليها ومتمشية مع استعداده الطبيعي وسنة ومزاجه ... والمعروف أن المحاولات الأولى تبدأ حين نلمح بوادر النطق التلقائي، ثم نتعهد هذه القدرة الناشئة بالاستثارة عن طريق ترديد الأم للمقاطع المألوفة للطفل، ثم تحاول تدريجيًا أن تعلمه كلمات تبدأ بنفس المقاطع التي تمرن عليها من قبل، ثم يتعلم تدريجيًا كلمات مؤلفة من مقطعين مختلفين، ثم من ثلاثة مقاطع، ثم جملًا بسيطة.. إلخ. 3- يجب على الأم أو المربية برياض الأطفال تدريب الأطفال على الاستماع وتنمية مهاراتهم في هذه المرحلة، إذا أنها تكاد تكون الوسيلة الوحيدة لنقل الأفكار إليهم قبل تعلم القراءة والكتابة، ويجب على مربية الروضة أن تتدرج بهم من الموضوعات والقصص القصيرة التربوية التي

تتناسب وقدراهم العقلية وتتفق وميولهم الشخصية حتى يقبل الأطفال على بذل الطاقة اللازمة للاستماع الجيد إلى الموضوعات الأخرى التي تنمي معلومات الطفل مثل الأحداث العامة، ومبادئ الأدب، والتاريخ، والجغرافيا معا.. وما إلى ذلك. ويلاحظ أن قدرة الأطفال على الاستماع تتركز على الأصوات واتساع الكلمات والشحنة الوجدانية أكثر من المعاني التي تحتوي عليها. 4- ينبغي عدم المغالاة في قص الحكايات الخيالية حتى لا يتعذر على الطفل إيجاد توازن بين عالم الخيال وعالم الواقع، والأسلوب الصالح المألوف هو الذي لا يستبعد القصة الخيالية تمامًا ولكنه يدخل على القصص التي يقرأها الأطفال أو يستمعون إليها حكايات عن الحيوان والأطفال تصور مواقف إيجابية يشوبها التفاؤل تجاه الغير ونحو الحياة.. ومن الممكن في مرحلة الروضة أن يفيد الأطفال من القصص الحقيقية أو الواقعية التي تتناول حوادث الحياة اليومية مما يصلح لاستخلاص دروس تربوية، كما ينبغي استبعاد القصص المخيفة التي تستثير قلق الأطفال. 5- وما ينبغي ملاحظته دائمًا: أن تقدم الأم ومربية الروضة نماذج جيدة من الألفاظ ومخارجها، لأن هذا هو الأساس الذي سيبني عليه الطفل رصيده اللغوي عند التعبير الشفوي والتحريري. 6- إذا التحق الطفل بإحدى رياض الأطفال التي تعني بتعليم اللغات الأجنبية -وقد أصبح هذا الأمر شائعًا- فمن الأفضل عدم تعليم اللغة الأجنبية إلا بعد أن تتأكد الروضة من رسوخ تراكب اللغة القومية، أو الاقتصار على تعليم اللغة الأجنبية شفاهة حتى لا يعوق النمو اللغوي لإحداهما نمو الآخرى.

التطبيقات التربوية لرعاية النمو اللغوي لطفل المدرسة الابتدائية

التطبيقات التربوية لرعاية النمو اللغوي لطفل المدرسة الابتدائية: يجب على الوالدين والمربين رعاية النمو اللغوي لطفل المدرسة الابتدائية على النحو التالي: 1- اكتشاف اهتمامات التلميذ وتشجيعه على قراءة الكتاب التي تتناسب مع جنسه وعمره وميوله ومستواه التحصيلي بما فيها من نماذج لغوية منتقاة تساعد على الترقي اللغوي عند الطفل وتوسع مجاله الإدراكي. 2- تشجيع التلاميذ على التعبير التحريري: فيكلف كل طفل بتسجيل ملاحظاته في الخارج، وكتابة الأحداث الهامة وتعليقه عليها، وتلخيص القصص التي يعجب بها، وكتابة تقارير عن مشاهدته في الرحلات التي يشترك فيها. 3- تشجيع الأطفال على القراءة الجهرية مع ملاحظة الفروق الفردية، وتجنب الإسراف في تصحيح أخطاء الطفل حتى لا يثبط ذلك في همته ويشعره بالقصور والعجز، وقد يكون لذلك أثر سيئ إذا اتجه الوالد أو المعلم نحو قراءة الطفل بالسخرية، والصد فيجعل منه طفلًا هيابًا خجولًا يعاني شعورًا بالنقص، ميالًا للعزلة منصرفًا عن الدرس والتحصيل، أما المعلم الناجح فهو الذي يجمع أخطاء الأطفال الشائعة ويناقشها معهم في جو من الألفة والتعارف حتى يعملوا على تلافيها مستقبلا. 4- الحد من قراءة الكتب والقصص التي تؤدي إلى إثارة الرعب والفزع في الأطفال والتي تثير القلق والأحلام المزعجة لديهم، وكذلك كتب الخرافات والمغامرات الخارقة التي لا تعود على الأطفال بالنفع.

الفصل الخامس: النمو الانفعالي

الفصل الخامس: النمو الانفعالي مدخل ... الفصل الخامس: النمو الانفعالي مقدمة: يتمثل الانفعال emotion في كل ما ينتاب الفرد من حالات وجدانية كالحب أو الكره أو الحزن أو الغضب أو الغيرة أو القلق أو النفور، كما يتصف الانفعال بحدوث استجابة فيزيولوجية على درجة من الشدة تتضح في الارتفاع المفاجئ لضربات القلب، انقباض عضلات المعدة، ازدياد في ضغط الدم، ازدياد التوتر العضلي. ومن ثم يمكن القول بأن الانفعال هو "حالة تغير مفاجئ تشمل الفرد كله دون أن يختص بها جزء معين من جسمه، أني أنه حالة وجدانية شعورية يشعر بها الفرد ويمكنه وصفها". ولهذا يمثل النمو الانفعالي أحد الجوانب الهامة في عملية النمو الإنساني، حيث تؤثر الانفعالات على الإنسان خلال تفاعله مع بيئته في المواقف المختلفة.. فالخبرات الانفعالية التي يمر بها الإنسان وبصفة خاصة في المراحل التكوينية الأولى، لها تأثيراتها اللاحقة في حياته وعلى صحته النفسية، كما يعتبر الاضطراب النفسي أو العقلي في الغالب اضطرابًا انفعاليًا. "عبد الحمدي الهاشمي: 1976، 339-340". من ثم تلعب الانفعالات دورًا هاما في حياة الفرد وتؤثر على تطور ونمو الشخصية كما تؤثر على توافقه الشخصي والاجتماعي، ولكن كيف تنمو هذه الانفعالات؟ وكيف تؤثر على توافق الفرد الشخصي والاجتماعي؟ وللإجابة عن ذلك تواجهنا بعض الصعوبات في مرحلة الطفولة المبكرة، لأن الطفل الصغير من الصعب دراسة انفعالاته عن طريق ملاحظة تعبيرات وجهه وسلوكه حيث يتعلم من صغره التحكم في تعبيرات الخوف أو الغضب أو الغيرة ليرضينا نحن الكبار، كما أن دراسة الانفعالات من خلال الاستبطان الذاتي lntrospection من الصعب أن يستخدمها الطفل. ونظرًا لتلك الصعوبات فقد تركز الاهتمام العلمي بالانفعالات حول أثر هذه الانفعالات على توافق الفرد الشخصي والاجتماعي. ولقد أشارت هيرلوك Hurlock "1978" إلى كيفية تأثير الانفعالات على التوافق الشخصي والاجتماعي من خلال الجوانب التالية:

1- في الحالات الانفعالية السارة كالفرح والسعادة، فإن الانفعالات تضيف ارتياحًا للخبرات اليومية، أما في الحالات الانفعالية المؤلمة، فإن الطفل يشعر بالارتياح بعد تخلصه من هذه الانفعالات. 2- كما أن الانفعالات تعمل على تهيئة الجسم للعمل. 3- إن تهيئة الجسم للعمل أثناء الانفعال تؤدي إلى زيادة في الطاقة أو القوة والتحمل، إلا أنها تعطل الحركات الدقيقة لدى الفرد، ومن ثم تعطل الانفعالات، المهارات الحركية. 4- من خلال ما يصاحب الانفعالات من تغيرات وجهية وجسمية يتمكن الطفل من تحديد شعور الآخرين، وبذلك تعمل الانفعالات كوسيلة من وسائل الاتصال. 5- تعتبر الانفعالات مصدرًا من مصادر التقييم الشخصي والاجتماعي. 6- تتداخل الانفعالات مع الفعاليات العقلية حيث أنه إذا ارتفع أحدهما انخفض الآخر حيث يتأثر التركيز والاستدعاء والفعاليات العقلية بدرجة كبيرة بالانفعالات القوية. 7- جميع الانفعالات بنوعيها تؤثر في التفاعل الاجتماعي، حيث تشجع الانفعالات السارة على التفاعل الاجتماعي، في حين أن الانفعالات المؤلمة تعطل التفاعل الاجتماعي. 8- تؤثر الانفعالات على المناخ النفسي حيث تؤدي إلى زيادة توتر الجو الانفعالي. 9- تترك الانفعالات السارة آثارها على ملامح الوجه وتترك أثرًا طيبًا مما يجعل الأطفال محبوبين، وفي المقابل فإن الانفعالات غير السارة تجعلهم أقل جاذبية وقبولًا من قبل الآخرين. 10- قد تتطور الاستجابات الانفعالية عندما تتكرر لتصبح عادات. فإذا وجد الطفل أن أسلوبًا معينًا كالمزاج الحاد واستخدام البكاء أسلوبًا يمكنه من الحصول على ما يريده، فإنه سيستمر في ممارسة هذا الأسلوب مما يصعب عليه

التخلص منه بعد ذلك حتى وأن اكتشف أن هذه العادات غير مقبولة اجتماعيا. "عبد الحميد الهاشمي: 1976، ص341، 342". وسوف نركز فيما يلي على آليات النمو الانفعالي العادي "السوي" والأنماط النمائية لمختلف الانفعالات وأنماط السلوك الانفعالية.. وعلى الرغم من التأكيد بأن النمو الانفعالي وعلم نفس الانفعالات قد ولدا اهتمامًا كبيرًا على مر السنين فإن الفهم للانفعالات ما زال بدائيًا نسبيًا، أو على الأقل فإن الاتفاق يعد قليل نسبيًا حول الكيفية التي يستطيع بها علماء النفس إدراك الانفعالات ونموها، وتتجلى عدم كفاية المعرفة والخلافات القائمة في هذا المجال من خلال العديد من البحوث التي قدمت في ندوة عقدت عام 1970م، فلقد اتفق عشرون من علماء النفس على إطار واحد عريض لما يمكن أن يضمه من تصور ملائم للانفعالات، ولكي يمكن الإلمام بالمشاكل يجب علينا أن نتفحص تاريخ دراسة الانفعالات وخاصة التطورات الأساسية التي حالت دون التقدم في البحوث. في البداية تبرز مشكلة ما إذا كانت الانفعالات فطرية أم متعلمة، وبمعنى آخر ما هو دور كل من البيئة والوراثة في تكوين ونمو الانفعالات؟ وهذه المسألة تظهر تقريبًا في كل ناحية من نواحي علم نفس النمو وترتبط بمسألة الفطرية. فهناك وجهة النظر القائلة: "بأن الانفعال يمكن اعتباره فقط مجموعة من الاستجابات الفسيولوجية المحددة المحددة إلى حد ما ". فانفعال الخوف مثلًا افترض فيه أنه يمكن قياسه فقط بتقدير النشاط في الجهاز العصبي الذاتي، وكذلك الغضب وهو انفعال آخر افترض فيه أنه يمكن تقديره فقط بقياس ردود الأفعال الذاتية، كما افترض أنه من الممكن التمييز بين الخوف والغضب بالاستجابات الفسيولوجية المختلفة.. والغيرة هي استجابة انفعالية تحدث اضطرابًا في وضع فسيولوجي بحت بسبب أن ردود الأفعال الفسيولوجية التي تتضمنها ليست محددة. ويزداد عدد الراشدين الذين اختبروا الغيرة كانفعال، ويقررون عن تجربة ذاتية أنهم شعروا إما بالخوف أو الغضب، ولكن حيث أن الوضع الفسيولوجي لا يعترف بالمشاعر كدليل علمي فإن لم يكن بالإمكان قبول الغيرة كانفعال. وبالمثل

كان من المستحيل سيكولوجيًا التمييز بين انفعالات مثل الحب والفرح والابتهاج، وهي المعروفة بالانفعالات الإيجابية المتكاملة، والبديل المنطقي وهو بديل عرض بشكل جدي وهو أن نقصر مجال الانفعالية الإنسانية على ردود الفعل القليلة المحددة فسيولوجيا. وفي النهاية نبذ كثير من علماء النفس هذا الرأي لأنه كان يتعارض بشدة مع الخبرات والملاحظات اليومية. وثمة نظرية أخرى للانفعال ركزت على تكامل الإجراءات الفسيولوجية مع التعلم. واتخذ هذا الرأي "الارتباط الشرطي" كتفسير أساسي، ولكن فكرة الارتباط الشرطي "التعلم مثير/ استجابة" هي الأخرى لم تستطع تفسير كل الانفعالات ولا المناسبات العديدة التي أظهر فيها الأطفال استجابة انفعالية ملحوظة. رغم عدم إمكان حدوث ارتباط شرطي.. مثل ذلك أنه ليس من المألوف بالنسبة للأطفال فيما بين الرابعة والسابعة. أن يظهروا الخوف من مخلوقات خيالية عديدة مثل: التنين. والمشكلة هي أن الأطفال يتكون لديهم هذا الخوف دون أي ارتباط شرطي منفر. وثمة تفسير بديل لذلك: هو أنه نتيجة لتزايد النمو المعروف فإن الطفل يكتسب فهمًا غير كامل للتنين، فالأطفال يتعلمون أن التنين خطر دون أن يكتشفوا أن التنين لا وجود له، فإذا كان تصورهم للتنين منفرًا، نستطيع أن نستخدم الارتباط الشرطي لتفسير استجابة منفرة ولكن إدراج مكون معرفي في النموذج يعني أننا لم نعد نتعامل مع "مثير/ استجابة" ارتباطية بسيطة. والموقف الآن يتضمن آلية وسيطة أو إجراءًا معرفيا. إن إدماج المعرفة في تصورنا العام للانفعالات كان يمثل اقتحامًا رئيسيًا. إذ أن نماذج الانفعال لم تعد قاصرة على ردود الأفعال الفسيولوجية أو تعلم المثير/ الاستجابة ولكن أمكننا مزج الإجراءات الفسيولوجية بالنمو كما أن السياق "الإثارة الخارجية" أصبح يعرف بأنه حاسم بالنسبة لتمييز انفعالات محددة. وعلى ذلك وكما اقترح لوبر "Leeper" "1070" يمكن فهم الانفعال على أن يتضمن تفاعلًا بين المعرفة والإدراك والوجدان "حالة فسيولوجية" وهذا التوسع في المفهوم يترك لعلم النفس الحرية في تناول ثراء المشاعر والانفعالات الإنسانية.

وجهات نظر في تفسير النمو الانفعالي

وجهات نظر في تفسير النمو الانفعالي مدخل ... وجهات نظر في تفسير النمو الانفعالي: لقد ذكر دارون بأن الانفعال خاصية أولية عند الوليد، إلا أنه بعد ذلك افترض واطسون ومورجان Watson Morgan 917 ثلاث انفعالات أساسية عند الولادة هي: الخوف والغضب والحب، أما باقي الانفعالات فهي متعلمة عن طريق الارتباط بمنبهات جديدة. وبالإضافة إلى ذلك فقد أشار "واطسون ومورجان" إلى الارتباط بين الانفعالات والمنبهات غير المتعلمة، كما هو الحال في الخوف عندما يثيره الصوت العالي المفاجئ، أما الغضب فيثيره إعاقة حركات الطفل، كما أن الحب، فإنه يظهر كاستجابة للملاحظة والتدليل. ولذلك فإنه على الرغم من أن نظرية وطسون ومورجان سادت فترة طويلة، إلا أنها تعتبر الآن من المعالم التاريخية في تفسير الانفعال. ولقد اهتمت الباحثة كاترين بريدجز Bridges "1932" بتعديل وجهة نظر "واسطون ومورجان" حيث قامت بالملاحظات اليومية الدقيقة على التعبيرات الانفعالية لمدة أربعة شهور على "62" طفلًا تراوحت أعمارهم بين أسبوعين وسنتين. وقد أكدت النتائج أن الطفل يولد بانفعال أساسي هو عبارة عن استثارة عامة، وعن طريق النضج تتمايز الاستثارة العامة في عمر ثلاثة أشهر فتصبح سرورًا أو ضيقًا، وفي عمر ستة شهور تتمايز إلى تعبيرات انفعالية أكثر تخصصًا وهكذا ... ولا زالت وجهة النظر هذه تحظى بالقبول. "عبد الحميد الهاشمي: 1976، 343-343". مفهوم الانفعال: إن الشعور بالحاجة هو الذي ينبه الباعث المحرك للنشاط والفاعلية في سبيل تحقيق الهدف المشبع للدوافع والمحقق لتخفيف التوتر الناشئ عن حالة الشعور هذه، فالتنبيه إذن يجعل الكائن ينفعل بالموقف، أي يخلق فيه حالة من الإثارة State of agitation واختلال في التوازن، ورد فعل شديد للتنبيه، وقد يكون رد الفعل هذا انفعال الغضب أو الخوف أو الحزن أو السرور ... إلخ". "كمال دسوقي:

1972، 207" مما يظهر للآخرين في شكل تغيرات ملحوظة في السلوك كالصراخ أو البكاء أو الضحك أو الصياح أو الهرب أو الشجار. وفيما يلي يمكن عرض لأهم مفاهيم الانفعال على النحو التالي:

أولا: المفاهيم البيولوجية

أولًا: المفاهيم البيولوجية طبقًا لأقدم الآراء تتكون الانفعالات من ردود الأفعال الفسيولوجية ذات الطابع الغريزي. ولذلك فهي تتكيف تطوريًا، وكانت المعالجة المثالية في دراسة الانفعال هي تقييم رد الفعل الفسيولوجي ويكون ذلك عادة بقياس الجهاز العصبي السمبثاوي والبارسمبثاوي "الخاص" وبملاحظة السلوك. وقد وضع تمييز دقيق بين السلوك الإنساني الانفعالي والعقلي. كان الجزء الانفعالي يفهم على أنه سلوك أكثر بدائية تحكمه الآليات العصبية من المستوى الأدنى. والدلائل الحديثة التي أوردها برادي Brady "1970" تفترض أن التكوينات العصبية الهامة التي تنشط في الانفعال هي التكوين الشبكي، ومركز تنشيط الفص الأمامي للغدة النخامية، والجهاز الطرفي. وقد أضفى برادي Brady ضوءًا على المكونات العصبية والهرمونية "الغدية" للانفعالات موضحًا أن إثارة الانفعال تتوقف عند مستوى معادل لدرجة الحفاظ على التدخل الفسيولوجي. كما تركز المعالجة البيولوجية في دراسة الانفعالات على أنماط السلوك الانفعالية، ومن ثم ساعدت على توجيه علم النفس بعيدًا عن الوصف الذاتي، لأن هذه الطريقة تعتمد على تقارير الوصف الذاتي لحالة الذات، وهي تجعل تكرار التجارب أمرًا صعبًا. ومع أنه يمكن تمييز الحالات الفسيولوجية التي تمت انفعالات محددة إلا أن هذا العمل لم يحقق سوى نجاحًا محدودًا وربما يصعب مواجهة كل الانفعالات الإنسانية.. ويلخص آرنولد Arnold "1970 ص184" هذا الرأي قائلا: من الممكن تفسير التغيرات الفسيولوجية في مختلف الانفعالات، بل يمكن أيضًا تفسير الدوائر العصبية التي تحركها، ولكن فقط على أساس التحليل الظاهري للأنشطة النفسية في الإدراك الحسي للانفعالات، وبالفعل يمكن وضع نظرية لوظيفة المخ التي تهيئ علاقة عصبية للخبرة النفسية، وبدون هذه النظرية

فإن حصيلة المعطيات التفصيلية الناتجة عن البحث المكثف الذي أجري خلال بضع عشرات من السنين الماضية مقضي عليها بأن تظل ركائز معزولة وغير مترابطة بدلا من أن تصبح المصادر الرئيسية الغريزية للمعرفة في المستقبل. وعلى ذلك وطبقًا لرأي آرنولد Aronold فإن الإثارة "التنبيه" النفسية لا تستنفذ مفهوم الانفعال بل إن الانفعال والسلوك الذي يؤدي إليه يتوقف على الكيفية التي بها يقدر الفرد الموقف القريني والمرتبط بالإثارة الانفعالية. وقد لاحظ باص Buss "1961" شاكتر Schacter "1970" مشكلة أخرى مع عدة آراء بيولوجية خاصة بالانفعال. ففي تحليل سلوك العدوانية جادل باص Buss بإقناع أن العدوانية لا تنتج دائمًا عن الغضب. إن غضب الشخص قد يؤدي أحيانًا إلى العدوانية ولكن يستتبع أن تكون العدوانية دائمًا نتيجة للغضب فهو يفرق هنا بين استجابة لا إرادية "الغضب" واستجابة فعالة "العدوانية". وطبقًا لهذا الرأي لا يمكن دائمًا تحديد أن السلوك العدواني يتضمن استجابة انفعالية أم لا؟. وهكذا فإن السلوك ليس دائمًا مؤشرًا مناسبًا للحالة الانفعالية للشخص. هذا وقد أوضحت مجموعة من التجارب التي أجراها شاكتر Schacter أن السلوك الانفعالي لا يمكن تفسيره تمامًا بالإثارة وحدها "والواقع أن شاكتر Schactar يقرر: "أن الحالة الانفعالية تتضمن جزءًا معرفيًا يضفي معنى على الحالة الفسيولوجية. وفي واحدة من هذه التجارب التي أجراها شاكتر وسنجر Schacter & Singer "1962"، كانت عينة التجربة طلبة بإحدى الكليات وقد أخبروا بأنهم سوف يحقنوا إذا وافقوا بعقار "Supropion وهو مركب فيتاميني يؤثر على النظر، والواقع أن هؤلاء الطلبة قد تعاطوا عقارًا وهميًا أو أدرنالين Epenepheine، وهو يؤدي إلى ظهور أعراض عديدة ترتبط بالإثارة الانفعالية، وقد أعطى المجموعة الطلبة الذين تعاطوا الأدرنالين مجموعة التعليمات الآتية: أن العقار "Superapin" يسبب آثارًا جانبية أوضحت للطلبة، وهذه الآثار تبقى لمدة من 15-20 دقيقة. أما الثانية: فقد أعطوا تعليمات بأن العقار Superapin لن تكون له أثارًا جانبية إطلاقًا، وهكذا فإن المجموعة الأولى من الطلبة كانت تتوقع إثارة "التنبيه"، والمجموعة الثانية لم تكن تتوقع ذلك. وكانت المعالجة الأخيرة هي وضع

الطلبة في المجموعتين "مجوعة بعد الأخرى" في حجرة مع عملاء "معاونين". للقائمين بالتجربة "كبش فداء" وفي إحدى الحالتين أبدى الطلبة سلوكًا فرحًا، وفي الثانية ثار الطلبة في حالة غضب "Rage" جامح. وقد كان الهدف في هذه الحالات هو إيجاد وسط يمكن للطلبة أن يستلخصوا منه معارف تفسيرية "يهيئ المثيرات القرينية" لتفسير الإثارة النفسية. هذا ولم يكن "المعاون" في أي الحالتين ذا تأثير على الطلبة الذين تلقوا معلومات. أم المجموعة الثانية من الطلبة الذين لم يتلقوا معلومات فقد أبدوا سلوكًا مشابهًا نحو "المعاون"، وذكروا أنهم شعروا إما بالبهجة أو الغضب. أما طلبة المجموعة الضابطة" مع العقار الوهمي فكان سلوكهم مشابهًا لسلوك طلبة المجموعة التي تلقت معلومات. وقد قدم شاكتر "Shakter" "1970" الملاحظات التالية: "في مناسبات موضوعية أخرى افترضت أن هذا الظرف بالذات يؤدي إلى إثارة احتياجات تقيمية، أي أن الضغوط سوف تعمل على شخص كهذا لكي يفهم ويقيم إحساساته الجسمية، إن حالته الجسمية تشبه تقريبًا الظرف الذي كانت فيه في أوقات الإثارة الانفعالية، أما كيف يسمي أحاسيسه الجسمية "أحساساته" بمعايير الموقف الذي يجد نفسه فيه. فإذا كان في ذلك الوقت يشاهد فيلمًا من أفلام الرعب فمن المحتمل أن يقرر أنه شعر بالخوف الشديد، وأما إذا كان بصحبة امرأة جميلة فإنه قد يقرر أنه وقع في غرام شديد أو أنه قد استثير جنسيًا. وإذا كان في حالة نقاش فإنه قد ينفجر هائجًا حانقًا، وأما إذا كان الموقف غير مناسب على الإطلاق فقد يقرر أنه شعر بإثارة أو بالضيق لشيء حدث مؤخرا". وعلى أية حال فإن الافتراض الأساسي بأن التسميات التي يضفيها الشخص على حالته الجسمية وكيف يصف إحساساته هي عامل مشترك مع تلك العوامل المعرفية وحالة من الإثارة النفسية. وهذا المفهوم للانفعال يشبه موقف كانون Cannon "1929" فقد ناقش الإثارة الانفعالية على أنها تحدث فسيولوجيا ولكن تحديد الانفعال لا يكمن في رد الفعل الفسيولوجي ولكن في تصور الشخص لمعنى الإثارة أو القرينة العامة التي حدثت فيها الإثارة.

ثانيا: المفاهيم الثقافية

ثانيًا: المفاهيم الثقافية تهيئ معطيات شاكرت Schater نقطة البداية لتفحص دور الثقافة في تمييز الانفعال فإذا ذكرنا نتائج دراسة شاكتر Schacter بشكل مختلف قليلًا نستطيع أن نستنتج أن الطلبة في التجربة قد أدركوا آثار العقاقير المنبهة نتيجة لتعريفات ثقافية للمثيرات الانفعالية. ويتفق لازاروس وأفريل، وأويتام Lazarus Avrill & Optam "1970" على أن القيم الثقافية، وكذلك التوقعات ذات أهمية في تمييز الانفعالات، وأن بعض المثيرات تزيد من حساسية بعض الانفعالات عن الأخرى. غير أنهم يدللون على أن التوقعات الثقافية التي تكونت من خلال المشاركة قد تكتسب قيمة قائمة بذاتها كمثير مولد للانفعالات وهي تستخدم ضمن أمثلة كثيرة الطقوس الخاصة بالحزن إزاء شخص فقد قريبًا، أو صديق يحتمل أن يمر بمراسيم الحزن يبدو أنها قد صممت عن قصد لتولد تعبيرًا انفعاليًا شديدًا. وقد أوضح لازاروس Lazarus أن التفرقة بين التوقعات الاجتماعية والانفعال الأصيل تكمن في خط فاصل بالغ الدقة. وفي المثال الخاص بالحزن على وفاة صديق أو قريب فيحتمل أن يصبح هذا الخط مشوشًا.. وثمة مثال آخر أكثر أصالة هو التنبيه إلى أن الأطفال يجب أن يحبوا بعض الأشخاص مثل الوالدين والجدين. إن انفعال الحب بين طفل وراشد يتخذ بعض الأشكال الثقافية المحددة مثل الضم والتقبيل، وهنا نستطيع أن نثير التساؤل عما إذا كان الأطفال يبدون مثل هذه الأنماط السلوكية كتعبير أصيل للحب أم لأن التوقعات الثقافية "الحضارية" تملي عليهم هذا السلوك؟. وثمة مثل آخر هو كيف يعبر الذكور عن الحب لذكور آخرين إذا واتتهم الشجاعة لذلك؟. وفي المجتمعات الأوروبية من المألوف أن يتبادل الأب والابن القبلات مهما كان سن الابن، ومثل ذلك في المجتمعات العربية حين يسلم رجلان على بعضهما أو اثنتان من الإناث يتبادلان القبلات على الوجنتين، ولكن هذا السلوك نادر في الولايات المتحدة الأمريكية حيث يميل للارتباط بمعنى انفعالي يعبر عن سوء الحظ يتسم بالسلبية. ويجب أن يكون واضحًا أن التوقعات الثقافية تلعب دورًا وسيطًا وحاسمًا على شكل انفعالي، وفضلًا عن ذلك تحديد المثيرات التي تولد الانفعال. وعلى ذلك فإننا نرى هنا تفاعلًا بين الآليات البيولوجية والمتطلبات الثقافية وتدخل هذين الطرفين يواجه بإجراءات سلبية.

ثالثا: الإجراءات المعرفية

ثالثًا: الإجراءات المعرفية من بين المفاهيم الثلاثة للانفعال أبدى علماء النفس اهتمامًا أكبر بالنظرية المعرفية. وفي إطار هذه النظرية فإن إجراءات الفرد المعرفية تهيئ مثيرات ذات معنى، وبعض المثيرات تكتسب معنى من خلال الارتباط الشرطي. إن الطفل الذي يلمس موقدًا ساخنًا يصبح أقل احتمالًا أن يكرر هذا السلوك، غير أن الإجراءات المعرفية تشمل أكثر من تعلم ارتباطي، وهي تكون نظامًا لتمثيل الأشياء والأحداث في البيئة وهذه الأنظمة مع النمو تنعكس على بعض أنماط السلوك مثل: "حل المسائل، تكوين المفاهيم، الذاكرة" والتي يتزايد تشابهها بخواص المعرفة الراشدة. إن النمو الانفعالي لدى الأطفال ينعكس على قدراتهم المعرفية المتغيرة أي أن الأطفال يبدون سلوكًا انفعاليًا بدائيًا، ولكن مع نموهم وتزايد نضجهم تزداد مهاراتهم في ضبط انفعالاهم ويظهرون الاستجابات الانفعالية الناضجة، كما أنهم يستجيبون بشكل مخالف لمختلف المثيرات تبعًا لسنهم إذ أن الأطفال دون الثانية لا يخافون مع الثعابين أو الحشرات أو الكلاب والحيوانات الأخرى ولكنهم يخافون بعد ذلك حتى بدون اتصال مباشر، وتفسيرات هذه الأحداث، لا تحتاج تعلمًا بالمشاركة ولكن فهمًا لمعارف الأطفال المتغيرة. إن المعرفة تترجم تفاعل الشخص وبيئته في نظم فعل محددة وتغيرات للمثيرات.

تطور الاستجابات الانفعالية

تطور الاستجابات الانفعالية المرحلة الجنينية والمهد ... تطور الاستجابات الانفعالية: يتصف النمو الانفعالي في مراحله المختلفة شأنه شأن جوانب النمو الأخرى بالنمو من العام إلى الخاص، ومن البسيط إلى المعقد كما يشار إليه في المراحل الآتية: 1- المرحلة الجنينية والمهد: تؤثر حالة الحمل لدى الأم على الجنين. وكما سبق أن أوضحنا عن تأثير الحالة الانفعالية للأم الحامل على الجنين، فقد أشارت نتائج أبحاث سونتاج Sontage "1958" إلى أن الاستجابات الانفعالية الشديدة للأم الحامل، تؤدي إلى تهيج واستثارة الجنين. كما ترتفع درجة الفعالية عند الطفل بشكل غير اعتيادي قبل الولادة نتيجة للضغوط الانفعالية التي تتعرض لها الأم. وتلعب التوترات الانفعالية الشديدة عن الأم الحامل دورًا في إحداث المغص عند الوليد حيث تنتفخ بطنه، ويشعر بالألم. ولقد قرر أحد الباحثين أن أمهات الأطفال الذين يشكون من هذا المغص يتصفن بأنهن أكثر توترًا وقلقًا خلال الحمل من أمهات الأطفال الذين لا يشكون من هذا المغص "كونجر وآخرون: 1970". وعند ميلاد الطفل لا تظهر استجابات انفعالية محددة ولكن تظهر إثارة عامة تأخذ في التمايز مع نمو الطفل، وتتطور من استجابات عشوائية أو بسيطة تعبر عن السرور أو الضيق إلى استجابات متطورة محددة، وغالبًا ما تظهر استجابات الضيق لدى الرضيع عند سماعه لضوضاء حادة، أو تغيير وضع جسمه فجأة، أو عند تمرير جسم بارد على جلده، أو عند ابتلال ملابسه، وهذه المثيرات ينشأ عنها البكاء المصحوب بنشاط كلي ... أما مظاهر استجابة السرور عند الرضيع فتظهر في استرخائه العام ومناغاته Ricciuti ويتم ذلك أثناء رضاعته واحتضانه برفق أو أرجحته أو توفير الدفء له، كما تظهر عن طريق الربت patting أو الطبطبة.

وحتى قبل أن يتم الطفل عامه الأول يمكن التعرف على بعض مظاهر التعبيرات الانفعالية التي تتشابه مع المظاهر التي يبديها الكبار، حيث يبدأ الطفل في إظهار استجابات انفعالية مختلفة كالسرور والغضب والخوف والسعادة، ويمكن أن تحدث هذه الاستجابات نتيجة لمثيرات متعددة أشياء أو أشخاص أو مواقف لم تكن تثير في الطفل أي استجابات قبل ذلك. وبنمو الطفل فإن استجاباته الانفعالية تصبح أكثر تعقيدًا وتحديدًا وأقل عشوائية ويمكن تمييزها، فمثلًا يظهر الرضيع ضيقه عن طريق الصراخ والبكاء، ثم تظهر استجابات أخرى بعد ذلك مثل المقاومة ورمي الأشياء وتصلب الجسم والهروب والاختباء والإفصاح اللفظي، ومع تزايد العمر فإن الاستجابات اللفظية تتزايد وتقل الاستجابات الحركية.

الانفعال خلال السنة الأولى من العمر

2- الانفعال خلال السنة الأولى من العمر: تتداخل النواحي الانفعالية والجسمية خلال هذه الفترة وخاصة في الأسبوعين الأوليين. وهذا ما يشير إلى أن الاستجابات الانفعالية موجودة لدى الوليد الجديد وهي فطرية غير متعلمة. كما تشير الملاحظات الدقيقة لسلوك المواليد الجدد إلى صعوبة التمييز بين الانفعالات السارة وغير السارة في تلك المرحلة إلا أنه كلما تقدم الطفل بالعمر، أصبحت استجاباته الانفعالية أكثر تنوعًا وتمايزًا. كما أن نضج القدرات الإدراكية للطفل يلعب دورًا أساسيًا في تطور النمو الانفعالي، حيث تزداد قدرته على التمييز بين المنبهات مثل الوجوه المبتسمة والوجوه غير المبتسمة ويميز كذلك بين الأصوات السارة وغير السارة. فكثير من الأطفال الرضع يبتسمون فيما بين الشهر الثاني والسادس من العمر، إلا أن بعض الأطفال في النصف الثاني من السنة الأولى يبدو عليهم ما يدل على أنهم يميزون بين الناس إذ يبتسمون لمن يعرفونهم ويظهرون استجابة الخوف للغرباء.

الانفعال خلال السنة الثانية من العمر

3- الانفعال خلال السنة الثانية من العمر: لقد أشارات جودانف Goodenough إلى إمكانية تعديل وتحوير التعبير الانفعالي عن طريق التعلم، حيث قامت الباحثة بجمع بيانات عن "45" من الأمهات اللواتي سجلن واقعة من وقائع انفجارات الغضب عند أطفالهن خلال فترة شهر واحد. وقد لوحظ من خلال هذه الدراسة أن التعبيرات الانفعالية كانت تتضمن النشاط الحركي الظاهر كالرفس والصراخ وحبس الأنفاس حيث يمارسها الطفل خلال السنتين الأوليتين باعتبارها أساليب يحقق بها أهدافه. كما بينت نتائج هذه الدراسة أن الاستجابات الحركية واللغوية كتعبيرات انفعالية تشكل 14% من استجابات الأطفال الذين لم يكملوا عامهم الأول، بينما 56% من التعبيرات الانفعالية عند الأطفال خلال السنة الثانية تتضمن الاستجابات الحركية واللغوية. وهذا يعني أن مثل هذا السلوك يتقبله الآباء ويثيبون أولادهم عليه فيبدو أكثر شيوعا عند أطفال الثانية منه عند أطفال السنة الأولى. ويوضح شكل "54" تطور الاستجابات الانفعالية خلال السنتين الأوليين:

سنوات الطفولة المبكرة

4- سنوات الطفولة المبكرة: في سنوات الطفولة المبكرة ومن خلال الحياة اليومية، يتعلم الأطفال التعبير عن انفعالاتهم، ويتميز الطفل خلال هذه المرحلة بالتمركز حول ذاته، إذ يلح كثيرًا في طلباته ويكون واعيًا لتأثير انفعالاته على الوالدين، كما يتعلم أيضا المدى الذي يمكنه من الوصول للتعبير عن انفعالاته.

مرحلة الطفولة الوسطى والمتأخرة

5- مرحلة الطفولة الوسطى والمتأخرة: ومن أهم ما يميز هذه المرحلة عن المراحل السابقة هو التمايز الانفعالي المتمثل في تكوين العواطف والاتجاهات، حيث أن الطفل يتعرف على كل شيء جديد: وإما أن يحبه أو لا يحبه، ينجذب إليه أو ينفر منه. كما يكتسب الطفل زيادة في القدرة على السيطرة على انفعالاته ومشاعره. ومن ثم يصبح لدى الطفل في هذه المرحلة دافع قوي للتحكم في التعبير عن انفعالاته ولهذا يطلق بعض الباحثين على هذه المرحلة اسم "مرحلة الطفولة الهادئة".

مرحلة المراهقة

6- مرحلة المراهقة: يمر المراهق بفترات عصبية وهزات انفعالية عنيفة، وتتخلل هذه المرحلة الصراعات المحتدمة، والميل إلى التطرف وكثرة الاندفاع، ويكون المراهق حساسًا نحو ذاته، مدفوعا إلى الاستقلال والتحرر والرغبة في إثبات الذات، ويتسم بعدم الثبات الانفعالي، وسرعة الغضب، والخوف من المواقف الاجتماعية خاصة، والحب، وتنتابه أحلام اليقظة، وعدم الأمن والحساسية الزائدة، والسأم والضجر السريعين. ولذا يرى البعض بأن المراهقة مرحلة عواصف وتوتر وشدة.

التباين في نمط الاستجابات الانفعالية

التباين في نمط الاستجابات الانفعالية: رغم إمكان التبؤ بنمط النمو الانفعالي إلا أن هناك اختلافات من حيث تكرار حدوث وشدة ومدى استمرار الانفعالات المختلفة، كما أن هناك اختلافات من حيث السن الذي تظهر عنده هذه الانفعالات في عنف مظاهرها كلما كبر الطفل، ويرجع ذلك إلى أن الطفل يتعلم كيف يستعد لمقابلة الناس، ويقل التعبير الصارخ عن الانفعال حتى عن تلك الانفعالات السارة مثل الفرح. وترجع الاختلافات إلى حالة الطفل الجسمية وقت حدوث الانفعال، وإلى مستواه العقلي كما ترجع أيضا لظروف البيئة. وفيما يلي أهم مؤثرات النمو الانفعالي: 1- الذكاء: يتجه الأصحاء إلى أن يكونوا أقل انفعالًا من ضعاف الصحة، بينما يستجيب الأطفال الأذكياء كمجموعة انفعاليًا لمجموعة من المثيرات أكبر من تلك التي يستجيب لها من هم أقل ذكاء، كما يبدو الأطفال الأذكياء أكثر تحكمًا في مظاهر التعبير عن الانفعالات. ولقد أشارت إحدى الدراسات المتعلقة بالنمو الاجتماعي والانفعالي في مرحلة الطفولة المبكرة، إلى أن أطفال الأسرة الطبيعية الأعلى ذكاء يتصفون بدرجة عالية في النمو الانفعالي والاجتماعي أكثر من أطفال الملاجئ في نفس المرحلة "أنسى قاسم: 1989". 2- رد الفعل الاجتماعي إزاء السلوك الانفعالي: تتأثر الاختلافات في نمط النمو الانفعالي أيضا بكيفية رد الفعل الاجتماعي إزاء السلوك الانفعالي فإن كان رد الفعل لا يحبذ مثل هذا السلوك كما هو الحال في الخوف أو الغيرة، فإن الانفعالات يقل تكرارها، وحتى إذا تكررت فإنها تظهر بشكل أكثر انضباطًا مما لو كان التفاعل الاجتماعي يحبذ السلوك الانفعالي. 3- مدى نجاح الطفل في إشباع حاجاته: نجد أن النجاح الذي يلاقيه الطفل من حيث إشباع حاجاته يؤثر أيضا في تنوع أنماط الانفعال المختلفة فمثلًا إذا أدت نوبات الغضب إلى إشباع حاجة الطفل لجذب الاهتمام وأبى إعطاءه ما يريد فلن يتورع عن استخدامها لهذا الغرض فقط بل إنها سوف تتزايد من حيث شدتها كوسيلة لتحقيق غاية مرغوب فيها. 4- الجنس: يقوم البنون كمجموعة بالتعبير عن الانفعالات التي تعتبر مناسبة لجنسهم كذكور مثل انفعالات الغضب بشكل متكرر وبشدة أكثر مما يقوموا بالتعبير عن

الانفعالات التي تعتبر خاصة "مناسبة" للبنات مثل الخوف والقلق والمحبة. 5- حجم الأسرة: تظهر انفعالات الغيرة وثورات الغضب في الأسر كبيرة العدد بينما يظهر انفعال الغل أو الحسد "Envy" بشكل أكثر شيوعًا في الأسر صغيرة العدد. 6- ترتيب الطفل: إن انفجار الغضب أكثر شيوعًا بين الطفل الأول في الترتيب الأسري، مما هو عليه في الأطفال التي تليه في الترتيب في نفس الأسرة. 7- أسلوب التنشئة: يؤدي التدريب التسلطي إلى نمو أنماط القلق والخوف لدى الطفل بينما يؤدي التدريب المتهاون "Permessiue" أو الديمقراطي "Democrat" إلى تنمية أنماط الاستطلاع والمحبة. 8- المستوى الاجتماعي والاقتصادي: الأطفال الذين ينتمون إلى أسر ذات مركز اجتماعي واقتصادي منخفض كثيرًا ما تكون لديهم مخاوف وأنواع من القلق لا تظهر على الأطفال الذين ينتمون إلى أسر من مراكز اجتماعي اقتصادي أعلى.

العوامل المؤثرة في النمو الانفعالي

العوامل المؤثرة في النمو الانفعالي: أظهرت الدراسات لانفعالات الطفل أن نمو هذه الانفعالات يرجع إلى كل من النضج والتعلم وليس أحدهما بمفرده ولا يدل عدم ظهور بعض الانفعالات في الفترة المبكرة من الحياة على أن هذه الانفعالات ليست موجودة فهذه الانفعالات تظهر فيما بعد مع نمو المخ وجهاز الغدد الصماء.. وتتداخل عوامل النضج في نمو الانفعالات تداخلًا يصبح معه من الصعب في بعض الأحيان تحديد الآثار النسبية لكل منها.

1- دور النضج maturation: ينشأ عن النمو العقلي القدرة على إدراك معارف لم تكن تدرك من قبل وكذلك القدرة على تركيز الانتباه لمدة أطول على مثير واحد، وكذلك القدرة على تركيز التوتر الانفعالي على شيء واحد. ويؤدي نمو الخيال والفهم وزيادة القدرة على التذكر والتوقع إلى أن تتأثر الاستجابة الانفعالية، وهكذا يستجيب الطفل لمثيرات لم تكن تثير أية استجابات لديه في فترة سابقة من عمره "Stroufe Kohn 1981" ويعتبر نضج الغدد الصماء ضروريًا لنضج السلوك الانفعالي حيث أن إفرازات ناتج الغدد التي تهيئ بعض الاستجابات الجسمية للتوتر تكون قليلة نسبيًا لدى الرضيع وذلك لأن الغدة الكظرية تتناقص في حجمها بشكل كبير في أعقاب الولادة، ثم تبدأ مرة أخرى في الزيادة بسرعة حتى سن الخامسة ثم في الزيادة النهائية حتى الحادية عشرة، ثم بسرعة أكبر من الحادية عشرة حتى السادسة عشرة، وهنا تكون قد استردت حجمها الذي كانت عليه لحظة الميلاد. وحتى الفترة التي تصل فيها الغدة الكظرية إلى حجمها الطبيعي فإن كمية الأدرينالين التي تقرزها هذه الغدة تكون قليلة مما يؤثر على الحالات الانفعالية للطفل تأثيرًا ملحوظًا "Barewin Mongan 1970" 2- دور التعلم: هناك خمسة أنماط للتعلم تسهم في نمو الأنماط الانفعالية في فترة الطفولة: أ- المحاولة والخطأ: Trial and Error Learning يعتمد التعلم بالمحاولة والخطأ على الخبرات السابقة التي مر بها الطفل، وهذه الطريقة تتعلق بالمظاهر الاستجابية للنمط الانفعالي. يتعلم الطفل بطريقة المحاولة والخطأ كيف يعبر عن انفعالاته وأنماط السلوك التي تؤدي به إلى حالة الارتياح وكيف يتحاشى الأنماط التي تجلب له عدم الارتياح أو الضيق. ويستخدم هذا النمط من أنماط التعلم بشيوع أكثر في فترة الطفولة المبكرة عنه في فترة الطفولة المتأخرة، إلا أنه لا يستبعد تمامًا من السلوك.

ب- التعلم بطريق التقليد: Learning by lmitation يتعلق هذا النمط بكل من جانبي المثير والاستجابة في النمط الانفعالي. فعن طريق ملاحظة الأشياء التي تثير انفعالات الآخرين يبدأ الطفل في التفاعل بنفس المثيرات بل وبنفس الأسلوب "الاستجابة" الذي يتفاعل به الآخرون. وقد تبين أن الأطفال يستجيبون لنفس الانفعالات، ويعبرون عنها بطرق تماثل تلك التي يلاحظونها عند الكبار، فالانفعالات كما تبدو بعديه، إلا أنها تنتشر من شخص لآخر بواسطة التقليد. فإذا غضب مثلًا أحد الأطفال في الفصل من معاملة المعلم له، فإن بقية تلاميذ الفصل يقلدون الطفل الغاضب في سلوكه الانفعالي، وقد تؤثر العدوى الانفعالية على الروح المعنوية لمجموعة الأطفال في الفصل، فإن كان أحد تلاميذ الفصل غير سعيد ويعبر عن عدم سعادته بالشكوى المستمرة، فقد يقلده بقية الأطفال، كما أن الاستجابة الانفعالية التي تتضمن التعبير عن الفرح والسعادة هي الأخرى قد تكون معدية. إن العدوى الانفعالية أكثر شيوعًا في مرحلة الطفولة لأن الطفل أكثر قابلية للتأثر بالإيحاء من الكبار، وهذا الأمر يصح بدرجة أكبر على الأطفال الإتكاليين فهم أكثر ميلا لتقليد الأنماط الانفعالية للآخرين بدرجة أعلى من الأطفال الاستقلاليين. جـ- التعلم بطريقة التقمص: Learning by ldentification يتشابه هذا النمط في تعلم الانفعالات بالنمط السابق "بطريق التقليد" في أن الطفل في هذا النمط يقلد بالضبط الاستجابة الانفعالية للآخرين نتيجة لمثير معين إلا أن هذا النمط من التعلم يختلف عن النمط السابق في نقطتين: أولًا: أن الطفل في هذا النمط يقلد Copy هؤلاء الذين يعجب بهم فقط ويرتبط بهم بارتباط عاطفي قوي. ثانيا: أن الدافع لتقليد الطفل للشخص الذي يعجب به أقوى من الدافع لتقليد أي شخص آخر.

د- التعليم بالأشراط: Learning by Conditioning التشريط معناه التعلم بالارتباط. وفي التشريط فإن الأشياء أو المواقف التي لم تكن تثير أي استجابة انفعالية من قبل تصبح قادرة على إثارة استجابة انفعالية معينة نتيجة الاقتران. وتوضح تجربة واطسون وراينر Watwson and Raynor الشهيرة على الطفل "ألبرت" بعمر "9أشهر" كيف يتعلم الطفل انفعال الخوف، حيث عرض عليه في البداية عدد من الحيوانات والأشياء كالأرانب، والكلب، والقرد، والفأر وجلود فيها فرو، ولم يظهر الطفل خوفًا منها، وقد تم فيما بعد أشراطه حيث عرض على الطفل فأر أبيض وفي اللحظة التي حاول فيها الطفل أن يمسك بالفأر قرع صوت مرتفع وراءه بصورة مفاجئة، مما أدى إلى فزع الطفل وابتعاده عن الفأر. وكررت العملية ست مرات حيث كان يصاحبه عرض الفأر على الطفل صوت مرتفع بعدها وجد أن الطفل ظهرت عليه علامات الخوف والانسحاب عند تقديم الفأر وحده، وقد وجد أن الانفعالات المشروطة تنتشر بواسطة التعميم إلى منبهات ومواقف أخرى مشابهة لتلك التي حدث فيها الإشراط. ففي التجربة السابقة بدأ الطفل يخاف من بقية الحيوانات ذات الفراء ومن الملابس القطنية أو الصوفية. "شكل: 55". وقد أجريت عملية إشراطية معكوسة للطفل "ألبرت" لتخليصه من الخوف الذي تكون لديه, وهذه العملية يطلق عليها الانطفاء Extinction حيث أن الفأر كان يعرض على الطفل من مسافة بعيدة بحيث لا يثير الخوف لديه، وفي نفس الوقت يقدم للطفل من مسافة بعيدة بحيث لا يثير الخوف لديه، وفي نفس الوقت يقدم للطفل بعض الحلول، ومع تكرار هذه العملية عدة مرات مع تقريب الفأر تدريجيًا يزول خوف الطفل.

هـ- التعلم بالتدريب: Learning by Training يقتصر أثر التدريب أو التعلم تحت الإشراف والتوجيه على الجانب الاستجابي في نمط الانفعال. وفي هذا النمط من تعلم الانفعالات يتم تدريب الأطفال على الطرق المستخدمة لكيفية الاستجابة حينما تثأر أحد الانفعالات، وتشجيع الأطفال من خلال التدريب على أن يستجيبوا بشكل مقبول للمثيرات التي تؤدي إلى حدوث انفعالات غير سارة ويمكن الوصول إلى هذا أيضًا عن طريق ضبط التنبيه بقدر الإمكان. ومن هذا يظهر التداخل بين عوامل النضج والتعلم في نمو الانفعالات تداخلًا يصبح معه من الصعب في بعض الأحيان تحديد الآثار النسبية لكل منهما. "Hurlock 1978". 3- الصحة الجسمية: تؤثر الصحة الجسمية في النمو الانفعالي للفرد حيث تؤكد الأبحاث النفسية خطورة التعب والمرض وسوء التغذية. 4- الجو الأسري والعلاقات الأسرية: فالمشاجرة. وخاصة المستمرة. بين الوالدين يؤثر على انفعالات الطفل والمراهق كما أن مغالاة الوالدين في السيطرة والتدليل، أو فقد أحد الوالدين أو كليهما، والاستمرار في معاملة المراهق كطفل وإعاقة ميوله وهوياته وحركاته من كل ذلك كفيل بأن يؤثر على نموه الانفعالي. 5- العجز المادي: الذي يقف دون تحقيق رغبات المراهق بصفة خاصة، وذلك حينما يجد نفسه وسط زملائه الذين يبذلون بسخاء وفي بذخ وهو عاجز عن مجاراتهم. 6- الدين: حيث يؤثر الشعور الديني تأثيرًا قويًا في تغير مثيرات واستجابات المراهقين الانفعالية.

الأهمية النسبية لكل من دور التعلم والنضج "فيما يتعلق بالانفعالات: يؤثر كل من التعلم والنضج في النمو الانفعالي ولكن دور التعلم له أهمية أكبر لأنه يمكن التحكم فيه وضبطه، إلا أنه يمكن أيضًا التحكم في النضج ولكن بأساليب قد تؤثر على الصحة الجسمية وعلى "حالة" التوازن الداخلي "Homeostasis" أي من خلال التحكم في القدرة الكظرية الغدد التي يزيد إفرازها عن حدوث التوتر، وعلى النقيض فإن هناك وسائل كثيرة لضبط ما يتعلم الطفل أن يستجيب له انفعاليًا، ويمكن القيام بهذا عن طريق التوجيه والتحكم في البيئية بحيث يسمح ذلك بتكوين الأنماط الانفعالية المرغوب فيها وعن طريق توجيه المتخصصين يمكن استبعاد الأنماط الاستجابية غير المرغوب فيها قبل أن تتحول هذه الأنماط إلى عادة سلوكية راسخة. وقد وجد أن التغيرات البيئية تؤثر بشكل مباشر على انفعالات الأطفال. فالطفل الذي اعتاد على أن يستحوذ على اهتمام الأم قد يرفض بمرارة انشغالها عنه بمولود جديد، وقد يعبر عن غضبه وغيرته بثورات انفعالية متكررة ويمكن للأم تحاشي هذا بمراعاة منح هذا الطفل القدر الكافي من الاهتمام، ومن خلال التوجيه يمكنها أن تساعده في تفهم لماذا يتحتم عليها أحيانًا منح بعض الوقت لذلك المولود الجديد ويمكن عن طريق التحكم في ظروف البيئة التوفيق ومنح الطفل اهتمامًا في الوقت الذي لا يكون لديها ما يشغلها. ويعتبر التحكم في نمط "التعلم" إجراء إيجابي وقائي إذ أنه بمجرد أن يتعلم الطفل الاستجابة الانفعالية وبمجرد ما تنطبع هذه الاستجابة في النمط الانفعالي للطفل فإنها لن يدوم تكرار حدوثها فحسب بل إنه يصبح من الصعب تغييرها، فكلما كبر الطفل يصعب تغييرها، وقد تظل موجودة حتى حينما يصبح الطفل راشدًا، وقد يتطلب تغييرها عون المتخصصين ولهذ فإن الطفولة تعتبر هي الفترة الحرجة للنمو الانفعالي.

الخصائص المميزة لانفعالات الأطفال

الخصائص المميزة لانفعالات الأطفال مدخل ... الخصائص المميزة لانفعالات الأطفال: تختلف انفعالات الطفل الصغير بشكل ملحوظ عن انفعالات الكبار من الأطفال أو عن انفعالات الراشد وذلك بسبب تأثير النضج والتعلم على النمو الانفعالي. وحتى ندرك هذه الحقيقة إدراكًا تامًا فإن الراشدين سيظلوا على اعتقادهم في أن تفاعل الطفل إزاء الانفعالات غير ناضج "immature"، بل وأكثر من ذلك يمكننا القول بأنه من المنطقي أن نتوقع أن يكون لجميع الأطفال في سن معينة نفس الأنماط الانفعالية ذلك أن الفروق الفردية لا يمكن التغاضي عنها بسبب الاختلاف الناشئ عن مستوى النضج وفرص التعلم. ورغم وجود فروق فردية فإن هناك بعض الملامح التي تميز انفعالات الأطفال بشكل يجعلها تختلف عن انفعالات الراشدين وهي: 1- شدة الانفعالات emotion are intense: يستجيب الطفل إزاء المواقف البسيطة بنفس الشدة التي يستجيب بها للمواقف الخطيرة. وحتى في مرحلة ما قبل البلوغ فإن الطفل كثيرًا ما يتفاعل بشدة لما قد يبدو للراشد أنه مجرد إحباط بسيط. 2- تكرار ظهور الانفعالات: يتكرر ظهور الانفعالات لدى الطفل تكرارًا كبيرًا. وحينما يكبر الطفل ويكتشف أن بعض ثورات الانفعال تقابل بعدم الارتياح أو العقاب حينئذ يتعلم أن يتوافق مع المواقف المثيرة لهذا الانفعال ويبدأ أما في كبح جماح هذه الثورات أو بالاستجابة بطريقة مقبولة. 3- قصر المدى الزمني لها: يرجع انتقال الطفل سريعًا من حالة البكاء إلى الضحك ومن الغضب إلى الابتسام ومن الغيرة إلى المحبة إلى عاملين: أ- عدم الفهم الكامل للمواقف نتيجة لعدم اكتمال النضج العقلي والخبرة المحدودة. ب- قصر مدى الانتباه بحيث يسهل تشتيته. وكلما كبر الطفل تزداد القدرة على تركيز الانتباه وتصبح الانفعالات أكثر دواما.

4- الاستجابة الانفعالية فردية "تعكس فردية الطفل": يتشابه نمط الاستجابة في جميع الأطفال حديثي الولادة، وبالتدريج فإن آثار التعلم والبيئة تبدأ في الظهور ويصبح السلوك المصاحب للانفعالات المختلفة فرديًا بحتًا. فعند الخوف مثلًا قد نجد أن أحد الأطفال قد يجري خارجًا من الحجرة التي حدث فيها المثير. بينما يبكي الآخر، ويختبئ ثالث وراء قطعة من قطع الأثاث أو يلتصق ممسكًا بشخص راشد وهكذا. 5- تغير قوة الانفعال من مرحلة لأخرى: تتغير الانفعالات في قوتها، فتظهر انفعالات قوية في مراحل معينة من العمر وتضعف من قوتها بزيادة نمو الطفل، بينما هناك انفعالات أخرى تظهر ضعيفة ثم تقوى كلما كبر الطفل، ويرجع هذا إلى زيادة النمو العقلي وإلى تغيرات البيئة وإلى أنواع القيم. 6- تحديد الانفعال عن طريق السلوك: قد لا يظهر الطفل تفاعله بالموقف المثير للانفعال مباشرة ولكن هذا التفاعل قد يظهر عليه من خلال عدم الاستقرار Restlessness، أو من خلال ظهور أحلام اليقظة أو ظهور اللوازم العصبية كقضم الأظافر أو مص الأبهام.

انفعالات الوليد

انفعالات الوليد: من الناحية التنبؤية فإن موضوع الانفعالات الفطرية بالمقابلة بالانفعالات المكتسبة لا يمكن حله تمامًا.. ونحن نوافق على أن الآليات الفسيولوجية اللازمة لاختبار الانفعالات هي آليات فطرية "غريزية" ونحن نقرر ذلك على أساس أعمال برادي وشاكتر Brady Schacter، وغيرهما. وكذلك على العمومية الظاهرة لبعض خواص الاستجابات السلوكية.. ولقد أجرى فريدمان Freedman دراسة أوضحت أن ردود الفعل "السلوكيات" تكاد تكون طبيعية للطفل الذي يولد أعمى وأصم. وتفسر نتائج هذ الدراسة على أنها تبين آليات التنبيه وأنماط السلوك المرتبطة بالانفعالات هي غريزية. كما أننا وصفنا دراسة قام بها سرتاج ويست sartag & yest "1944" توضح ارتباطات عالية بين التوائم المتطابقة بمقياس الانفعالية. وهناك دراسات

أخرى تقدم تعزيزات لأساس تكويني وراثي للمزاج "الطبع" فضلًا عن ذلك فهناك دراسة واحدة على الأقل تدل على أن تعبيرات الوجه بالنسبة للانفعالات عبر ثقافات مختلفة تتشابه بدرجة كبيرة، وعلى ذلك يبدو أن الانفعالية الدرجة التي تستطيع بها المثيرات أن تثير "تنبه" شخصًا فإن كثيرًا من هذه الاستجابات للمثيرات غريزية. فما هي إذن المثيرات التي تظهر الانفعالات؟ أما أي المثيرات التي تظهر الانفعالات فذلك موضوع تعلم. وإن لم يكن بالضرورة تعلمًا ارتباطيًّا. والثعابين من بين الأشياء المعروف أنها غريزية والتي تظهر المخاوف. وإذا كان هذا الفرض صحيحًا، فإننا نتوقع أن الطفل الوليد أو حديث الولادة، والذي لا خبرة له بالثعابين ربما يخاف منها ولكن الأمر ليس كذلك ولما كانت نسبة كبيرة من الناس تظهر خوفًا من الثعابين، فقد برز الاقتراح بأن بعض الآليات النمائية الكامنة تعمل لتوليد الخوف من الثعابين في نهاية الأمر. ولكن هذا الرأي غير ناضج لسببين: 1- ليس كل الناس يظهرون خوفًا من الثعابين. 2- كثيرًا من الناس بطريقة إما مباشرة أو بطريقة غير مباشرة كانت لهم خبرات سيئة مع الثعابين وبالتالي يبدو واضحًا أنهم تعلموا أن يخافوا منها. وخلاصة القول: أن المكونات الأثارية والاستجابية للانفعال غريزية إلى حد كبير، وانفعالات مثل الخوف والغضب أكثر ارتباطًا بالآليات البيولوجية من الانفعالات الأخرى كالفرح والمفاجأة، والمثيرات التي تحدث فعلًا انفعالات هي غالبًا نتيجة التعلم إن لم يكن ارتباط "مثير/ استجابة" بحت. نظرية واطسون: اقترح جون واطسون John B. Watson عالم السلوكيات المشهور. والذي سبق أن أشرنا إلى أعماله وناقشناها. اقترح ثلاث استجابات انفعالية محددة فطريًا. وهي: الخوف، والغضب، والحب. كما جادل في أن الأنماط السلوكية المميزة لهذه الانفعالات هي الأخرى غريزية وعالمية. وأخيرًا ذكر أن المثيرات المولدة لهذه

الانفعالات البدائية هي الأخرى محددة غريزيًا وموجودة عند الميلاد، فالخوف مثلًا يمكن إظهاره بضوضاء فجائية أو بفقدان العون الجسماني، والأطفال حديثي الولادة يمكن أن يستجيبوا لها بشكل نمطي من الحركات التي وصفناها باسم "انعكاس مورو". إن الغضب ينتج عن شكل ما من الموانع غير المرغوب فيها. مثل القبض على ذراعي الطفل وقدميه وقرص الأنف. والصفة السلوكية للغضب تتمثل في حركات سريعة وعنيفة للرأس والجذع. سلوك يبدو الغرض منه تحرر الطفل من المانع. وأخيرًا ذكر واطسون أن الحب يمكن إظهاره بالأرجحة اللطيفة. ووصف الاستجابة بالحب بأنها حالة هدوء أو سكون داخلي. ومما لا يدعو للدهشة أن واطسون رأى في كل المظاهر الانفعالية الأخرى "تطور الانفعالات البدائية، وظهور انفعالات جديدة، وكذا صفة وتنوع المثيرات المولدة" رأى أنها ترجع للتعلم الارتباطي، وبينما تبدو لنا نظرية واطسون اليوم نظرية ساذجة إلا أنها تعكس النظريات الأخرى في ذلك الوقت. فقد ظلت قابلة للإثبات التجريبي أو عدمه، وقد كانت محل اختبارات مكثفة من باحثين كثيرين منذ فترة سابقة مبكرة Dennis "1940" Tayher "1934" Ltnrin Weiss "1934"، ولقد أجريت دراسة قياسية قام الباحثون فيها بسؤال مجموعة من طلبة الطب أن يتعرفوا على الانفعالات التي يبديها كل طفل من عدة أطفال صغار بعد إسقاطه، أو منعه من السقوط، أو وخذه بإبرة. وقد سجلت استجابات الأطفال على فيلم. إلا أن الطلبة لم يتمكنوا من رؤية المثيرات التي استخدمت. والمعطيات في الجدول "8" تكشف عن أن المراقبين لم يتمكنوا من تحديد بقدر لا يزيد على مستوى الصدفة الانفعال الذي ظهر بعد كل من ظروف الإثارة. جدول "8" يوضح الأحكام التي أصدرها 23 مراقب عن الصفات الانفعالية إذا وجدت لدى الوليد الباكي. وهو في سن "3-7" أيام كانت المؤشرات الوحيدة المتيسرة للمراقبين هي صرخات الأطفال استجابة للمثيرات التي ورد بيانها بالجدول التالي:

أما الدراسات الأخرى المذكورة فقد فحصت آثار المثيرات التي افترضها واطسون على أنها مسببات غريزية للانفعال. كما أن الدراسات فشلت في تأييد افتراضه وفي بعض الحالات "الدراسات" بدا كثير من الأطفال سعداء بالمثيرات المولدة للبسمة، في حين أن المثير المسبب للحب كان في بعض الأحيان يولد إما خوفًا أو هياجًا. وبعبارة أخرى أن الاستجابات للمثيرات المولدة تختلف بدرجة كبيرة لا تسمح بتأييد افتراضات واطسون.

ظهور استجابات انفعالية محددة

ظهور استجابات انفعالية محددة. تدل الدراسات حول انفعالات الوليد على أن استجاباته الانفعالية هي أنماط سلوكيًا معممة وغير تفاضلية. والواقع أن لدينا من الأسباب ما يجعلنا نشك في أن سلوك الوليد هو سلوك انفعالي إذا نحن أدمجنا المثيرات الثقافية والمعرفية. ويبدو مع ذلك أن الوليد يستطيع الاستجابة الذاتي "Janes 1965".

تأسيسًا على الأبحاث التي ولدتها نظرية واطسون، افترضت كاترين وبريد وبنهام Katterine Bridge Benham "1930، 1932" أن استجابات الطفل حديث الولادة غير متفاضلة. وأن هذا التفاعل اللاتفاضلي يولد فيها بعد استجابات انفعالية محددة ويمكن تمييزها. والشكل "56" يمثل شكلًا بيانيًا لنظرية كاترين Katterine عن السنتين الأوليين من عمر الطفل، وبعد الميلاد بثلاثة شهور تقريبًا. ويمكن تمييز حالة من الضيق تتسم بالبكاء والتوتر العضلي العام، عن حالة من البهجة التي تصفها بأنها حالة ارتخاء وابتسام وتتضمن هذه الاستجابات ردود فعل هيكلية واحشائية إزاء الإثارة العنيفة، سواء داخليًا أو خارجيًا. وبعض ردود الفعل الإحشائية تصبح تفاضلية عن الأخرى، ترتبط ببعض المثيرات وتندمج مع بعض الاستجابات الهيكلية الخاصة نتيجة الخبرة في تكوين مختلف الانفعالات المعروفة جيدًا. هذا والتفاضل المسفر "كما هو موضح بشكل: 56" ينتج عن اندماج الأنماط مع مثيرات جديدة ومن هذا التفاضل تأتي انفعالات الخوف والغضب والاشمئزار ثم الغيرة "عند سن 18 شهرًا". أما الانفعالات الإيجابية للزهو والحنان، أولًا نحو الراشدين وبعد ذلك نحو الأطفال الآخرين، فتظهر في سن 12 من الانفعال العام للابتهاج، ويمكن تمييز انفعال السرور في سن 12 شهر. وفي امتداد لدراستها نصت بنهام Bahman على أنه في سن 5 سنوات يفرق الطفل بين انفعالات الجزع والخجل وخيبة الأمل والحسد، وبين الانفعال العام للضيق، في حين أن الأمل وحنو الوالدين ينبعان من الانشراح. إن رأي بنهام Banham في أن الاستجابة الانفعالية تنتج من تفاضل الاستجابات الإحشائية، يتفق والمبدأ النمائي العام للمتعلم. إن النضج النفسي يجعل التركيب العضوي أكثر حساسية للإثارة البيئية. وهو في نفس الوقت يكتسب مزيدًا من التفاضل في الجهاز العصبي المركزي. ويبدو أن بنهام Banham كانت تدرك أن ردود الفعل الانفعالية لا تنتج كلها من التعلم الارتباطي. وتصر على أن تفاضل الانفعالات تخضع جزئيًا لعامل النضج. وهذا الافتراض بالتفاعل المتبادل قد يكون شكلًا بدائيًا للتفسير المعرفي للسلوك، وهنا يجب أن نوضح موضوعًا حول معطيات بنهام Banham وهو أنها تقوم على أطفال يعيشون في ملاجئ الأيتام في العشرينات والثلاثينات حيث يكون مستوى الإثارة الاجتماعية أقل من المستوى

المثالي. وربما كانت أسلم نتيجة يمكن أن نستخلصها من معطياتها هي: أن التوالي في التفاضل في الانفعالات قد يكون سليمًا تقريبًا ولكنها قد تكون قد قللت من شأن مستويات السن. إن دراسة بنهام Banham لم تولد الكثير من الأبحاث رغم أن الدراسات القليلة التي أجريت قد قدمت تعزيزًا لرأيها عمومًا. فمن المحتمل أن افتراضاتها لم تحفز على المزيد من الأبحاث لأن وصفها للانفعال يكون أحيانًا صعب التمييز. مثال ذلك: الزهو والانشراح، أو السرور والانشراح فإن لها معانٍ مختلفة إذا حاولنا تعريفها على أساس "درجة الإحساس"، غير أن علماء النفس يهتمون بالسلوك ولذا فإن المشكلة تصبح مشكلة تمييز سلوك السرور عن سلوك الانشراح، غير أن هذه المشكلة تبدو تافهة بالمقارنة إلى النقص العام في المفاهيم النظرية اللازمة لوضع إطار لمسائل البحث في تطوير المزيد من الاستجابات الانفعالية الأكثر دهاءًا ومراوغة.

الانفعالات بعد مرحلة الطفولة المبكرة

الانفعالات بعد مرحلة الطفولة المبكرة: في مطلع هذا الباب أوضحنا: أن علماء النفس يميلون للتركيز بشكل يكاد يكون شاملًا على السوابق النفسية للانفعالات والسلوك الانفعالي. ولم يعترفوا بأهمية المتغيرات القرينية والمعرفة إلا منذ وقت قريب ومع أن جون واطسون John Watson قد ساعد على إزالة الاستبطان من علم نفس الانفعالات فإن

الاهتمام الحالي بالمعرفة قد يعني أن الاستبطان في طريقه للعودة. يبدو أن يتوازى مع النمو المعرفي والمزيد من النمو المعرفي يؤدي دائمًا إلى إنهاء الخوف. والواقع أن سينجر Singer "1970" قد اقترح أن الاستبطان طريقة علمية مشروعة، وبينما لا ننكر أن سينجر Singer وغيره قد جادلوا باقتناع حول مسألة الاستبطان لدراسة بعض المشاكل فإننا نظن أن الاستبطان قد يكون طريقة أقل ملاءمة للاستخدام مع الأطفال الصغار نظرًا لمشاكل الاتصال معهم ونقص الخبرة لديهم. وفي التحليل النهائي فإن الطريقة الأكثر مباشرة وملاءمة لفهم مشاعر الطفل وانفعالاته هي: أن نطالب بالوصف الذاتي لها.

العلاقة الوجدانية المعرفية

العلاقة الوجدانية المعرفية: باستثناء بعض الأبحاث التي نشرت في السنوات القليلة الماضية فإن معظم المادة المتعلقة بالنمو الانفعالي ذات طابع وصفي بحت. وقد ابتكرت البحوث كثيرًا من الوسائل البارعة لملاحظة أنماط سلوك الخوف، والغيظ أو الثورة "Rage"، والسرور والضحك، والغيرة. وهذه الوسائل تمكننا من الحديث عن ازدياد وتناقص المخاوف، والتغيرات في الغضب والمثيرات التي تحدثه، والتغيرات المرتبطة بالغيرة. وهذه المعلومات تصف ما يحدث ولكنها قد لا تساعدنا على فهم السبب في حدوث هذه التغيرات وليس لدينا القدرة الكافية على تصور أن باستطاعتنا توسيع هذا الفهم، ولكننا نظن أن أعمال أشخاصًا مثل: جابر، وآرنولد، ولازاروس، هب Robert Japer, Magda Arnold, Richard Lazarus & Donald Hebb قدمت لنا على الأقل الإطار الذي يجب على علماء النفس أن يلتزموا به في دراستهم للنمو الانفعالي. والآن سوف نتفحص عمل دونالدهب Donald Hbb عن العلاقة بين النمو المعرفي وإثارة الانفعالات "شكل: 57". لقد اعتمد هب "Hebb" اعتمادًا كبيرًا على الاستجابة الفسيولوجية العصبية في اتخاذ وجهة نظر تركيبية للكائن البشري. وهذه المعالجة للفسيولوجية العصبية أقرب إلى معالجة بياجية "Piaget" مثلًا، منها إلى معالجة برادي "Brady" وطبقًا لوجهة نظره: فإن نمو الانفعالات هو حصيلة التعلم والنضج العصبي، لذلك فهو ليس غريزيًا تمامًا ولا هو تعلمي تمامًا. إن استخدام "هب" "Habb" لاصطلاح التعلم يشير إلى تشكيل تكوينات متشابهة لتكوينات بياجية. وهذه التكوينات تحدد أي المثيرات هي التي تولد استجابة انفعالية. وكذلك أي نمط من الاستجابات سوف يظهر. ورأى "هب" Hebb يطابق تمامًا مفاهيم لازاروس وآرنولد Aronld و Fazarus ولكنه فريد في أنه وجه موضوع التكوين المعرفي إلى المشاكل النمائية وهذا الرأي يشبه مادة البحث عن الإدراك التصوري للطفل الصغيرة، والذي يقرر: أن الأطفال الصغار النامين ينمون وسط إدراك واعٍ بالعالم من حولهم، وتظهر مفاهيم الألفة والحيرة مثال ذلك في حالة الخوف من الثعابين، يرى "هب" Hebb" أن ذلك ليس غريزيًا ولكنه يكتسب بالتعلم الارتباطي. أن التركيب العضوي "النامي يصبح مدركًا بأن الأشياء الزاحفة يمكن في الواقع أن تكون ضارة وبالتالي فهي أشياء مناسبة للخوف منها.. قبل هذه النقطة "الدرجة" من النمو المعرفي، لا يبدي الطفل الخوف عند تواجد ثعبان. وأخيرًا فإن الطفل يتقدم نحو الثعبان، وهو فعل يكشف عن قدر كبير من النمو المعرفي، ولكن الطفل يتقدم نحو الثعبان، وهو فعل يكشف عن قدر كبير من النمو المعرفي، ولكن الطفل قد يكون قد تعلم أيضًا قدرًا كبيرًا من التمييز. وفي بعض بلاد العالم يستطيع الناس التمييز الفوري بين الثعابين السامة وغير السامة، والناس الذين يعيشون في مناخ يندر فيه وجود الثعابين

يميلون إلى أن يكونوا أقل إحساسًا لهذا التمييز ومن المحتمل أن تكون استجابتهم خوفًا ويصف "هب" Hebb" التغيرات النمائية في السلوك كما يلي: "لقد اكتشفت من باب الصدفة أن بعض الشمبانزي في مستعمرة "Yerke" قد يكون لديها نوبات من الفزع عندما يعرض عليها نموذج لرأس إنسان أو رأس شمبانزي مفصولة عن الجسد، أما الصغار منها فلم تظهر أي خوف، أما الأكبر "نصف نمو" فقد بدت عليها إثارة بالغة، كما أن الحيوانات التي لم يبد عليها الفزع بوضوح فقد كانت في حالة إثارة بالغة. وهذه الفروق الفردية لدى الكبار والفرق في الاستجابة في مختلف الأعمار تشبه تمامًا الذوق في الاتجاهات نحو الثعابين لدى الإنسان، ويزداد تكرار وشدة الخوف إلى سن 17 شهرًا أو نحو ذلك لدى الأشخاص الذين لم يضاروا مطلقًا من الثعابين". وقد يكون من المفيد أن نروي هنا قصة سوية هي ابنة صديق لأحد الباحثين، لقد ذكر والدها أن ابنته البالغة من العمر 6 سنوات كانت مقتنعة بأن ثمة "صوت" سوف يحضر إلى المنزل ويأخذها بعيدًا، ولما كانوا يعيشون في مدينة صناعية كبيرة تبعد عدة مئات الأميال عن المحيط فإن خوفها هنا كان خياليًا بدرجة كبيرة وغير معقول، وإن كان مع ذلك خوفًا حقيقيًا. ولما كان الوالدان ذكيان، فقد اشتريا للطفلة كتبًا عن الحيتان، وشرحًا لها أنه ما من حوت يحترم نفسه يقدم على مثل هذا العمل كما حاولا بعدة طرق أخرى التحقيق من خوفها بالوسائل العقلية، ومع ذلك فقد منيت كل هذه المحاولات بالفشل، وبعد أربعة أو خمسة شهور تلاشى الخوف. وعندما سؤلت الفتاة في المنطقة عن الحوت، قالت: إن الحيتان لا جود لها. ويسرنا أن نقدم هذه القصة وهي تختلف عن معظم قصص العلماء في علم النفس بنهايتها السعيدة، إن الفتاة أصبحت الآن امرأة متعلمة ناضجة لطيفة ولا تخاف من الحيتان. وهذه القصة تدل ثانية على أنه في مرحلة العمر من "5-8 أو 9" سنوات وهي فترة الانتقال من العمليات قبل الحسية إلى العمليات الحسية. تحدث تغييرات رئيسية في تفكير الأطفال وفهمهم. وعندما تولد مثيرات الخوف، فإن النتائج ليست سارة ولا مسلية، ولكنها طبيعية.

الفصل السادس: تطور بعض الانفعالات في الطفولة

الفصل السادس: تطور بعض الانفعالات في الطفولة الخوف مدخل ... الفصل السادس: تطور بعض الانفعالات في الطفولة فيما يلي بعض الأنماط الانفعالية التي تبدأ في الظهور بعد الشهور الأولى من الميلاد سنناقش في هذا الفصل أكثر هذه الأنماط شيوعًا والمثيرات التي تنشأ عنها وكذلك الاستجابات النمطية لكل منها: 1- الخوف: Fear: لكل فترة نمائية من فترات مرحلة الطفولة "ولادة -14 سنة" نمط من الخوف خاص بها ويتم الانتقال التدريجي من نمط خوفي إلى آخر بإطراد نمو الطفل فينتقل من مخاوف محددة إلى مخاوف عامة. وأكثر مثيرات الخوف شيوعًا في فترة الرضاعة "من أسبوعين إلى سنتين" هي: الأصوات المرتفعة، والحيوانات، والأماكن المظلمة، وتغيير وضع الطفل فجأة، والوحدة، والألم، والأماكن والأشخاص الغرباء. ويخاف الطفل من مرحلة الطفولة الوسطى "2-6 سنوات" من أشياء أكثر من تلك التي تخيف الرضيع، أو تخيف الطفل في مرحلة الطفولة المتأخرة "من 6 سنوات إلى 13 سنة في البنات، 14 سنة في الأولاد". فالفترة ما بين الثانية إلى السادسة من العمر هي فترة ذروة المخاوف النوعية المحددة. والسبب في ذلك هو أن الطفل في هذه المرحلة لديه القدرة على إدراك الخطر أكثر من الرضيع ولكن نقص خبرته يجعله أقل قدرة من الأطفال الكبار في إدراك أن هذه المخاوف لا تمثل خطرًا شخصيًا يتهدده "Baider Croake Jersild Lazar 1953" وتتركز مثيرات الخوف لدى الطفل في المرحلة المتأخرة من الطفولة في تخيل الخطر أو في الخوارق الطبيعية مثل الظلمة وما يرتبط بها من أشباح، أو العناصر الطبيعية مثل الرعد والبرق، أو الشخصيات المأخوذة من القصص والسينما والتليفزيون، والمجلات، كما يتواجد لدى الأطفال الكبار مخاوف تتعلق بالذات والمركز الاجتماعي Status مثل الفشل، وسخرية الزملاء أو الشعور بالاختلاف على أترابهم "Argellino Jersild Lazdr 1962" وبغض النظر عن عمر الطفل فإن هناك خاصية مميزة لكل مثيرات الخوف وهي: أنها تحدث فجأة وعلى غير توقع بحيث تكون فرص الطفل ضئيلة بحيث لا يمكنه التوافق معها، ويرجع خوف الرضيع من الغرباء إلى عدم تعوده رؤية وجوه غير مألوفة، وأيضًا إلى عدم استطاعته التوافق بسرعة مع هذا الشخص الغريب،

وكلما كبر الطفل وزاد نموه العقلي استطاع التوافق بسرعة مع الظروف المفاجئة أو غير المتوقعة، وينتج عن ذلك أن كثيرًا من المواقف التي كانت تثير مخاوفه وهو صغير لا تعد كذلك. وفيما يلي نلقي الضوء بشيء من التفصيل على أنماط الخوف لدى الأطفال ومثيراتها:-

المخاوف في مرحلة الطفولة المبكرة

المخاوف في مرحلة الطفولة المبكرة: لقد ذكرت بنهام Banham أن أول ظهور للخوف يحدث في حوالي الشهر الرابع من العمر. ولاحظت أن هذا التقدير قد يكون أقل مما يجب. ونظرة شاملة لأعمال سكار وسالابتك Scarr Salapetek "1970" توحي بأن تقدير سن أربعة شهور قد يكون في الواقع تقديرًا سليمًا. وقد دلت الأبحاث التي نشرت على أن الضوضاء وعوامل الضوضاء قد تكون أصلح المثيرات لإحداث الخوف لدى الأطفال الصغار. ولقد أثبتت الدراسات التي قام بها جيبسون ووالك Gihson A Walk "1960" أن الأطفال في سن 6 أشهر أو أكثر قد أظهروا علامات الخوف وهم عند الصخرة المرئية. وأن الأطفال الأكبر سنًا قد أظهروا خوفًا بدرجة أكبر مما أظهر الصغار. وعلى ذلك فإن القرائن تدل على أنه في سن أربعة أشهر على الأقل يبدي الأطفال بعض المخاوف وإن كانت غير محددة وغير ثابتة. لقد كان علماء نفس النمو دائمي الاهتمام بشأن الخوف الذي يبديه الأطفال حديثي الولادة نحو الغرباء. لذلك فإن البحث في هذا النمط من الخوف قد قدم وسائل سليمة وقاعدة إدراكية معقولة وتضمينات لنمو "التعلق". أما الجهود في سبيل تمييز السن الحقيقية التي يبدي فيها الأطفال الصغار قلقًا نحو الغرباء فقد واجهت صعابًا كثيرة. وتدل الدراسات المختلفة أن الأطفال يتكون لديهم القلق نحو الغرباء فيما بين سن سبعة أو ثمانية أشهر "Sroufe 1977"، وأن هناك زيادة ثابتة في معدل تكرار وشدة القلق نحو الغرباء خلال العام الأول من العمر. وتختلف المعطيات تبعًا للمكان الذي أجريت فيه الدراسة في المنزل وسط جو، مألوف أو في معمل وسط جو مصطنع، كما وجدت متغيرات أخرى تؤثر في السن الذي يبدأ عنده ظهور القلق نحو الغرباء. فقد قام مورجان وريسيتي "Morgan, Ricciuti" "1969"، بتحليل تجريبي منهجي ودقيق عن الخوف من

الغرباء. حيث استخدم الباحثان 80 طفلًا موزعين بالتساوي على مراحل عمرية: 4.5، 6.5، 8.5، 12.5 شهرًا. وفي إحدى الحالات كان الأطفال يجلسون في حجور أمهاتهم. وفي حالة أخرى كانوا يجلسون في مقاعد الأكل "الخاصة بالصغار" على بعد نحو أربعة أقدام من أمهاتهم. والشكل "58" يلخص نتائج الدراسة.. حيث أبدى أطفال مجموعة "الفئة العمرية "12.5" شهرًا رد فعل سلبي واضح تجاه الغريب. ورد الفعل السلبي هذا يتزايد مع السن وإن لم يكن لوجود الغريب أدنى تأثير عندما كان الأطفال في حجور أمهاتهم. هذا وقد استنتج الباحثان أن نتائجهما تثير التساؤل حول إدعاء سبيتز Spitz، "1965" بأن القلق نحو الغريب يحدث في سن ثمانية شهور وهي السن التي افترض أن القلق يبدأ في الظهور فيها. وثمة ظرف آخر في التجربة -لم يرد في الجدول- وهو يختص، بوجود الغرباء من الرجال أو النساء. فلقد أثار وجود الرجل الغريب مزيدًا من الخوف أكثر من وجود المرأة الغريبة، وليس واضحًا ما إذا كانت زيادة الخوف من الرجل الغريب ناتجة عن الجنس "كونه رجلا" أم لزيادة حجمه الجسماني، أما جنس الأطفال فلم يظهر لأثره آية دلالة.

وفي امتداد لدراسة "مورجان وريسيتي" استخدم لويس وبروكس lewis & brook "1974" 24 طفلًا في سن من "7-19" شهرًا. وعرض الباحثان الأطفال لغريبين من رجل وامرأة متشابهان تقريبًا في التركيب الجسماني ثم عرضوا الطفلة في سن أربعة سنوات. وقد قدرت درجة الانفعالية نحو الغرباء من على أربع مسافات أبعادها عند مدخل الحجرة وأقربها عندما حاول الغريب لمس الطفلة. والجدول رقم "9" يبين المعايير التي استخدمت لتقدير درجة الانفعال ومحتوياتها لا تختلف كثيرًا عن محتويات دراسة "مورجان". أما بالنسبة لنتائج التجربة فقد كانت على قدر كبير من الوضوح: فعندما اقترب الغرباء الراشدون أبدى الأطفال قلقًا متزايدًا. وبالتحكم في حجم الغريب رجلًا كان أم امرأة أو فتاة لم يكن لاختلاف جنس الغريب أي تأثير على ردود فعل الأطفال، كما كان لسن الطفل أثرًا على درجة انفعاله حيث كان الأطفال الأكبر سنًا أكثر سلبية نحو الغريب من ردود فعل الأطفال الأصغر سنًا. ويتضح ذلك من الشكل "59".

وردود الفعل نحو الغرباء يتأثر أيضًا بسياق المقابلة. وقد اقترح سروف/ وواتر وراتو Sroufe Waters Rattao "1974"، أن وضع المعمل قد يرفع من مستوى الطفل الصغير انفعاليًا أكثر من اقتراب الغرباء. وقد أجرى هؤلاء الباحثون سلسلة من التجارب قابلوا فيها الأطفال في المنزل وفي بيئة افتراض أنها مألوفة وكذلك في المعمل، واستخدموا في تلك البيئات الثلاث طريقة "اقتراب الغريب". ولكن بدلًا من مقاييس السلوك للانفعال. قاموا بتسجيل ضربات القلب "قلب الطفل" ودرجة سرعتها في تحديد الانفعالية. وقد دلت المعطيات على سرعة أكبر في عدد ضربات القلب في المعمل عنها في المنزل، معززة الافتراض بأهمية السياق في ردود فعل الأطفال الصغار للغرباء "Rheingol Ehermans". 1973" أي أن الأشخاص غير المألوفين لا يكونوا مثيرًا غريزيًا للخوف. وقد أجرى هذان الباحثان دراسة حصلا منها في الواقع على عكس الأثر الذي توصلت إليه الدراسات الأخرى فقد شرع الأطفال في اللعب فعلًا مع الغرباء

غير ن هذه الملاحظات قد أجريت في المعمل. وقد ذكر سكارين Skarin "1977" أن مزيدًا من الخوف قد ظهر في المعمل، وأن رد الفعل كان أسرع عندما كانت الأم غير موجودة. ومن الواضح أننا هنا أمام نتائج أبحاث متناقصة. وفي الموقف التجريبي تميل ردود الفعل الانفعالية للارتفاع مع تزايد السن. كما أوضحت "جودانف" ذلك، والمثير الحاصل عن الغريب لا يولد رد فعل شديد، وهو ما يتصل اتصالًا أقرب بقرب الغريب. وبعدم ألفه السياق. ولقد كان الأطفال في هذه الدراسات يختلفون كثيرًا في ردود أفعالهم نحو الغريب والصورة التي تظهر ها هي: أن سن الطفل، وسياق الموقف، وربما أيضًا المزاج العام للطفل هي المثيرات الأساسية التي تسبب الاستجابة الانفعالية للطفل ونوعها. وقد اقترح سروف "Sroufe" وزملاؤه أن "التركيز" على سلوك الخوف أو سلوكه الانتسابي "الانتماء" إنما يقدم وجهات نظر مشوهة عن نمو الطفل "Srofe, Waters Matas 1974 ص69-70". وقد لاحظوا أيضًا أنه "بدلًا من إحداث أثر سلبي أو إيجابي فإنه من الواضح أن المواقف المستجدة والأشخاص الغرباء تعمل جميعها على تنشيط الميول للاقتراب القوي والتجنب القوي، ويصبح تحديد الناتج الوجداني "المؤثر" مرتبط بعوامل مثل: السياق وتتابع الأحداث والتآلف". والتفسير الذي أضفى على هذه الدراسات الرئيسية هو أن السلوك الانفعالي يخضع لتغيرات نمائية هامة خلال نصف السنة الأولى. وما زلنا أمام سؤال بدون إجابة. وهو ما إذا كان الأطفال قبل سن ثمانية أشهر يبدون ردود أفعال انفعالية إزاء الأشياء والأشخاص غير المألوفة؟ وتدل المعطيات التي جمعها برونسون.S W Bronson "1972" على أن الأطفال حديثي الولادة يبدون فعلًا ضيقًا خلال الستة أشهر الأولى من حياتهم، مع علامات قوية من الحذر للغرباء تظهر في الشهر الرابع. وتصبح أكثر حدوثًا "تكرار" خلال النصف الثاني من السنة الأولى، وقد يكون مصادفة أن الشهر الرابع هو الذي قررت بنهام Banham أن الخوف فيه يظهر إلى جانب الضيق عند الاستثارة العامة. وإن ما قد لاحظته قد يكون هو الحذر من الغرباء. كما أنه من المهم أن نلاحظ أن استنتاجات برونسون "Bronson عن الأطفال في سن "3-9" شهور تكاد تطابق استنتاجات إكرمان ورينجولد

وسروف Elxerman Rheingold Sroufe وهي أن ردود فعل الأطفال الأكبر سنًا للأحداث غير المألوفة تتوقف على عدد من التغيرات سبق أن أشرنا إليها، وأنها يمكن أن تكون حذرًا أو خوفًا أو من الجانب الإيجابي انتماءًا أو استطلاعًا.

الخوف لدى الأطفال الأكبر سنا

الخوف لدى الأطفال الأكبر سنًا: أجرى أرثر جيرسلد Arther Jersild دراسات أكثر اتساعًا وتفصيلًا عن مخاوف الأطفال في مستويات عمرية مختلفة. أكثر مما أجراه باحث آخر منفرد "Jersild Markey, Jersild 1954 yersild 1933 Holmes 1935" وعمله لم يقتصر على أنواع الخوف التي يبديها الأطفال في مختلف المستويات العمرية. ولكنه كان يبحث الصلة "العلاقة" بينها أيضًا. وهذا وقد استخدم جيرسلد Jersild طرقًا عديدة تمتد من اليوميات التي سجل فيها الوالدان مخاوف أطفالهما، إلى تجارب لوحظ فيها سلوك الأطفال في مواقف قياسية مختلفة. وفي تجربة واحدة جعل جيرسلد Jersild الوالدان يسجلان مخاوف أطفالهما الذين كانت أعمارهم تتراوح بين "2، 6 سنوات" ثم يبوبان هذه المخاوف طبقًا لثلاث مجموعات عمرية "ثلاث مستويات عمرية". ثم أجرى عملية انتقاء مصادر الخوف لاستخدامها في التجربة. والشكلان "60"، "61" يلخصان المجموعات الثلاث هذه. واتجاهات الخوف التي تجمعت من اليوميات والمقابلات. هذا وقد كانت مصادر الخوف الثمانية التي تعرض لها الأطفال هي: 1- ترك الطفل وحده: يجلس الطفل والمختبر إلى مائدة. ثم يغادر المختبر الحجرة ويظل خارجها مدة دقيقتين.. ولم يكن الطفل قد شاهد الحجرة قبل ذلك. والقارئ سوف يتعرف على هذا الموقف باعتباره مثالًا لمثير مستحدث. 2- الإزاحة المفاجئة: أو فقدن الركيزة. وقد استخدم الباحث جهاز يشبه "الكوبري" مكون من لوحين متصلين بحيث أن الطفل عندما يخطو فوق اللوح الثاني فإنه ينزلق به. وكان اللوحان يرتفعان عن الأرض بمقدار 5 سم. وقد ذكر الباحثون أن فقدان الركيزة لم يكن كاملًا. لذلك فهو لم يفِ تمامًا بالمعيار. 3- حجرة مظلمة: يقوم المختبر بقذف كرة في ممر مظلم طوله 5.5 متر ويطلب من الطفل إحضارها.

4- شخص غريب: بينما يكون الطفل خارج حجرة التجربة تدخل الحجرة مساعدة المختبر ترتدي معطفًا رماديًا طويلًا وقبعة سوداء كبيرة وقناع يخفى ملامحها. ثم تجلس قرب مدخل الحجرة. وقد استخدمت المرأة الغريبة وملابسها الغريبة كمثير للخوف "لإحداث الخوف". 5- مكان مرتفع: وضع المختبرون لوحًا خشبيًا "طوله 2.5 متر وعرضه 30 سم وسمكه 2.5" فوق درجات سلمين متقابلين بحيث يمكن تغيير ارتفاع اللوح. ثم وضعوا اللوح أولًا على ارتفاع 1.25 مترًا. ثم رفعوه ثم خفضوه تبعًا لرد الفعل الذي أبداه الطفل. "خفض عندما أظهر خوفًا، ورفع عندما لم يبد الطفل ترددًا". 6 الضوضاء: المختبر والطفل منهمكان في عملٍ ما على منضدة في ركن من حجرة التجربة، وفجأة طرقت ماسورة حديدية معلقة في السقف بعيدًا عن نظر الطفل. وهنا نلاحظ أن هذا الموقف له تأثير كبير على إحداث الخوف. 7- الثعبان: وضع ثعبان غير ضار طوله حوالي 55 سم في صندوق بحيث لا يستطيع الخروج منه. وقد شاهد الطفل الثعبان وهو يوضع في الصندوق، ولكنه عندما شغل بعد ذلك بأعمال أخرى، لم يلحظ أن الثعبان قد أخرج من الصندوق ووضع مكانه شريطًا من القماش. وكان الصندوق نفسه لعبة جذابة وطلب من الطفل أن يأخذها. 8- كلب ضخم: كان المختبر والطفل يجلسان إلى منضدة يعملان عندما دخل إلى الحجرة شخص راشد مألوف ومعه كلب ضخم في اتجاه الشخص إلى مكان معين في الحجرة، وعلى بعد ثابت من الطفل، سمح للطفل أن يتفحص الكلب ثم استحث لكي يقترب منه ويربت عليه. تدل المعطيات "وهي ملخصة في الشكل رقم "61"، على ميل محدد نحو تتناقص مظاهر الخوف مع نمو الطفل، كما تدل على تفاعل متبادل بين نوع الخوف والسن. فالخوف من الحجرة المظلمة، والوحدة، وكذلك الثعبان يبدو أنها تتزايد مع تقدم نمو الطفل. ونحن نقترح أن هذه المخاوف تتطلب مزيدًا من الخيال "التصور" حول الخطر الكامن وراء كل منها. وبالتالي قد تعكس مزيدًا من الوظيفية المعرفية الأكثر تقدمًا.

ملاحظة: البنود أمام هذه العلاقة تمثل تطابق مجموعتين أو أكثر وهي في نفس الوقت يمكن تمييزها منفردة.

النسبة المئوية للأطفال في مستويات سن مختلفة أظهروا الخوف. استجابة لمواقف اختبارية مصممة لأحداث استجابة خوف. نلاحظ بصفة خاصة: ارتفاع وانخفاض استجابة الخوف: للثعابين والتواجد منفردًا كمثيرات الخوف. لقد أظهرت نسبة مئوية مرتفعة من الأطفال الخوف من الكلب الضخم، كما أوضحت المقابلات أن عددًا قليلًا من الأطفال قد سبق أن هوجم من كلب. وقد يكون لتحذير الآباء أطفالهم من خطر الكلاب له دافعية، تنتج عن خبرات مؤلمة. ومعطيات كهذه، في رأينا تؤدي في نهاية الأمر لمفاهيم الخوف طبقًا لوجهة النظر المعرفية. التباين "الاختلاف" في نمط الخوف: ليس معنى أن هناك مخاوف مميزة لبعض مستويات العمر أن كل الأطفال الذين في هذا المستوى من العمر يمرون بها. فهناك اختلافات ملحوظة ليس فقط في الظروف التي ينشأ عنها الخوف فحسب، بل أيضًا في درجة شدة وتكرار

المخاوف التي يمر بها الأطفال. فهناك أطفال تكون لديهم مخاوف أعمق وأكثر تكرارًا من أطفال يماثلونهم في نفس السن "Poznanski, 1981" وتعكس هذه الاختلافات الموجودة في الخوف بالنسبة للأطفال اختلافات في النمو الجسمي والعقلي وفي الخبرات الفردية التي تحدد ما يتعلم الطفل أن يخاف منه بل وكيفية التعبير عن هذه المخاوف.

الأسباب الرئيسية للتباين في نمط الخوف هي

الأسباب الرئيسية للتباين في نمط الخوف هي: 1- الذكاء: تظهر لدى الطفل مبكر النمو Precocious مخاوف خاصة بمستوى العمر التالي لعمره، بينما الطفل المتأخر في نموه يبدي مخاوفًا تتعلق بمستوى العمر الأدنى لعمره. فمثلًا بينما تكون معظم مخاوف الأطفال في سن الثالثة مخاوف نوعية تتعلق بمواقف معينة، تكون المخاوف الموجودة لدى طفل الثالثة المبكر النمو ذات طبيعة عامة أو معتمدة على الخيال، بل وتكون لديه أكثر من تلك التي تتواجد لدى من يساوونه في العمر من الأطفال الآخرين، ذلك لأنه يشعر أكثر باحتمال الخطر. ولقد كشف البحث الإحصائي عن العلاقة بين عدد المخاوف والقدرة العقلية أن هناك علاقة ارتباطية متبادلة بسيطة. وإن كانت ذات دلالة قدرها 0،30، فعندما تم فصل الأطفال تبعًا للسن برزت نتائج مختلفة فكانت هناك علاقة ارتباطيه متبادلة قدرها 0.35 لمعاملات الذكاء للأطفال الأصغر سنًا مع عدد المخاوف. ولكن أطفال المجموعة الأكبر سنًا لم يظهروا هذه العلاقة الارتباطية. ويمكننا تفسير هذه المعطيات بأنها تعني: أن الأطفال الأكثر ذكاءًا قد أدركوا الضرر الكامن للمواقف قبل أن يدركه أقرانهم الأقل ذكاءًا. ومع ذلك فحتى أقل الأطفال "وكانوا كلهم على درجة متوسطة من الذكاء أو أكثر من المتوسط" يمكنهم إدراك الأخطار المحتملة في الموقف، وبذلك ينتفي "يستبعد الفرق في الذكاء".

2- جنس الطفل: يكمن القول بوجه عام أن الأطفال -ذكورًا كانوا أم إناثًا- يشتركون في نفس المخاوف مع بعض الفروق في تفاصيل ما يخافونه "أولسون: 1962" كما أظهرت البنات في المتوسط خوفًا أكثر من الصبية وذلك في جميع المستويات العمرية. وحيث أننا لسنا بصدد بحث الأسباب البيولوجية التي تؤدي إلى هذه النتيجة، فإنه يبدو من المحتمل أن المعطيات تعكس التمييز الجنسي "لاحظ أن هذه الدراسات قد أجريت منذ أربعين عامًا عندما كانت البنات في المجتمع يلقين حماية أكبر كما كان المتوقع منهن أن يكن أكثر خوفًا من الصبية". ومن المهم أن نعرف كيف كان آباؤهن يتقبلون أو لا يتقبلون الخوف لدى أبنائهم وبناتهم. وأيضًا ما هي أنواع الخبرات التي كانوا يسمحون بها لأبنائهم وبناتهم. إننا نستطيع أن نقرر أن الصبية في هذه الدراسة قد لقوا تشجيعًا على أداء بعض الأطفال التي تولد مزيدًا من الخوف. 3- الوضع الاجتماعي: تكثر المخاوف لدى أطفال الطبقة الدنيا عن مخاوف أطفال الطبقة الوسطى أو العليا. ويخشى أطفال هذه الطبقة العنف بصفة خاصة والذي قلما يخشاه أطفال الطبقة المتوسطة أو العليا. 4- حالة الجسم: يستجيب الأطفال -أكثر من المعتاد- لمثيرات الخوف في حالات التعب أو الجوع أو سوء الصحة، وفي هذه الحالات كثيرًا ما ينتباهم الخوف من مواقف لم تكن عادة تثير فيهم الخوف. 5- الاتصال الاجتماعي: وجود الطفل مع آخرين يشعرون بالخوف كثيرًا ما يعرضه للخوف، وكلما زاد عدد المجموعة "الخائفة" زاد تبادل المخاوف فيما بينهم، وبهذا يتزايد إجمالي مخاوف كل طفل على حده.

6- نوع الشخصية: تسهل إثارة مخاوف الطفل الذي لا يشعر بالأمان العاطفي أكثر من الطفل الآمن عاطفيًا. كما أن الشخص يتعلم مخاوفه أكثر من تلك التي يتعلمها المنطوي على نفسه. أما الفروق الفردية في استجابات الخوف فهي أعظم مما توضحه الأسباب السابق ذكرها. فالخوف لا يتوقف فقط على مثير معين، ولكنه يتوقف أيضًا على الظروف المحيطة بالموقف الذي حدث فيه المثير، وعلى ظروف الطفل نفسه وقت حدوث المثير. ولكي نستطيع أن نتنبأ بما إذا كان الطفل سيظهر الخوف في موقف معين ينبغي علينا أن نعرف الظروف الفسيولوجية النفسية بل وأن نتتبع استجابات الطفل المختلفة للخوف.

السن وأنواع الخوف

السن وأنواع الخوف: كما أوضحنا سابقًا أن لكل فترة نمائية من مرحلة الطفولة نمط من الخوف خاص بها، فهذا يعني اختلاف استجابة الطفل لمثير الخوف باختلاف عمر الطفل. فمثلًا استجابة الخوف لدى الرضيع تكون في شكل صرخات وحركات قليلة للجسم، وبإطراد النمو تأخذ الاستجابة شكل إخفاء الوجه عن مصدر الخوف ثم الابتعاد هربًا "عندما ينتقل إلى مرحلة الزحف أو المشي، وبإطراد النمو أيضًا تنحصر الاستجابات الظاهرة للخوف بسبب زيادة الضغط الاجتماعي، وتبدأ الاستجابات الداخلية في الظهور "كسرعة دقات القلب وارتفاع ضغط الدم". إن الأبحاث التي أوردناها حتى الآن لا تكاد تصل إلى بداية الطريق الحافل بالدراسات عن الخوف في مختلف مستويات السن. وبدلًا من أن نستعرض كل تلك الدراسات فضلنا أن نقدم ملخصًا وافيًا أعده والك Wlke لاحظ في جدول "10"، فقد ربط فيه بين نتائج الدراسات العديدة عن ارتباط المخاوف البشرية بالسن كمتغير مستقل لاحظ أن مجموعات السن تتراكب، وقد استخدمت الدراسات المختلفة مجموعات بمستويات عمرية "سن" متباينة، وإلى جانب ذلك تعاريف لسلوك الخوف تختلف قليلًا. وبالرغم من هذه القيود فإن المعطيات ذات

أهمية وهي جديرة بالاهتمام بها. ومن المخاوف العديدة التي وردت بالدراسات كون والك Walke ثلاث مراتب وهي: حسية، عدم الكفاية الشخصية، والتصورية.. وتشتمل المرتبة الحسية على المخاوف التي يمكن أن تحدث فعلًا للشخص: كتعرضه لصدمة سيارة، أو السقوط من فوق شجرة، أو كسر الذراع. وهذه المخاوف هي التي يكتسبها أكثر الناس لكي يتحاشوا أخطار الحياة الحديثة. وتشتمل مرتبة عدم "الكفاية الشخصية" على مخاوف أخرى ترتبط بالنمو الاجتماعي للطفل مثل: الخوف من فقدان الأصدقاء، والفشل الشخصي، والأداء العلني. أما مخاوف المرتبة التصورية فتشتمل على: الخوف من التواجد منفردًا، والخوف من كائنات خيالية: كالديناصور، والسحرة، وما شابه ذلك، وأحداثًا أخرى لا يوجد ثمة احتمال لحدوثها "مثل نهاية العالم". يتضح من الجدول أن المخاوف الحسية تكون أكثر حدوثًا لدى الأطفال الأصغر سنًا. وكانت تمثل نسبة 84% من إجمالي عدد المخاوف التي سجلت. وفي هذا المستوى من السن، يمكن أن يكون الخوف الحسي واقعيًا، والوالدان كثيرًا ما يحذران أطفالهما من أشياء كثيرة، ومن حيوانات ومواقف عديدة لا يمكن لقدرتهم الحركية التي لم تنضج بعد أن تمكنهم من مواجهتها. ومن رتبة السن التالية تنخفض النسبة المئوية من المخاوف الحسية إلى 45% وتظل ثابتة بدرجة كبيرة بالنسبة لمجموعات السن الباقية، ويبدو أن ذلك يعني أنه بعد الاتصالات الأولى مع العالم، فإن الطفل يبدأ في تمييز هذه الأشياء التي يمكن أن تكون خطره، وبالتالي تتطلب الحذر. إن مجموعتي السن الأوليين لا تظهران

خوفًا من عدم الكفاية الشخصية، ولكن مع بداية المراهقة "مجموعة السن من 11-16" يزداد هذا الخوف بدرجة بالغة، وتنشر هذا الخوف في مرحلة الرشد، وخاصة بين الذكور، والسبب في الاختلاف الجنسي غير واضح، وإن كان من الممكن أن نرجعه إلى القلق نحو البحث عن العمل، وتحقيق النجاح المهني. ومرى أخرى نذكر القارئ بأن معظم هذه الدراسات قد أجريت في وقت لم تكن المرأة قد قطعت شوطًا يذكر في مجال العمل خارج المنزل. وقد يعترض البعض بأن نسبة مئوية كبيرة من النساء اللاتي جرت دراستهن كن متزوجات أما مجموعة المخاوف التصورية فهي توضح جيدًا افتراض "والك" بشأن النمو المعرفي فقد زادت هذه المخاوف من 11% في المجموعة الأولى إلى 52% في مجموعة السن التالية، ثم انخفضت بشكل كبير إلى نسبة ثابتة من 14 إلى 15%. وطبقًا لدراسة والك Walke فإنه في وقت ما بين الخامسة والتاسعة يظهر الأطفال مخاوف تعكس نضجهم المعرفي المتزايد وافتقارهم إلى قدرات معرفية كاملة النضج، ولنتذكر وصف "والك" Walke للشمبانزي، وقصتنا عن الفتاة التي كانت تخاف الحيتان. أن الأطفال دون الخامسة من المحتمل أنهم لا يعانون من مخاوف تصورية كثيرة. والواقع أننا نشك من واقع التحاليل التي قدمها سروف Stroufe أن الغرابة أو الجدة في المثيرات تزعج الأطفال لأنهم يظنون أن هذه الكائنات يمكن أن تلحق بهم ضررًا. وفي النهاية يدرك معظم الناس أن هذه الكائنات خيالية بحتة، وبالتالي لا يمكن أن تحدث حذرًا. وكثير من المخاوف التي تبدو غير معقولة، والتي تظهر في سن ما بين الخامسة والتاسعة تنتج عن عدم النضج المعرفي أكثر مما تنتج متاعب انفعالية.

تعلم الخوف

تعلم الخوف: رغم أن المتغيرات المعرفية النمائية تلعب دورًا هامًا في تكوين الخوف، فإن لدينا من الدلائل الكثيرة ما يدل على أن الأطفال يكتسبون أيضًا بعض المخاوف المحددة من خلال التعلم: فهناك خمسة أنماط للتعلم تسهم في نمو الأنماط الانفعالية عامة وانفعالات الخوف بصفة خاصة. وتتمثل أنماط التعلم هذه في المحاولة والخطأ، التعلم بطريقة التقليد، وبطريقة التقمص "وفيها يقلد الطفل أشخاصًا بعينهم دون غيرهم بحيث يكون معجبًا بهم أو مرتبطًا بهم ارتباطًا عاطفيًا قويًا"، ثم التعلم بالتدريب، والتعلم بالتشريط أو الاقتران "الارتباط الشرطي".. وبالتجارب المعملية على الحيوانات تبين أنه إذا ما قرن مثير مبدئي محايد، وعدد من المرات مع المثير الضار "كصدمة كهربية مثلًا"، فإن المثير المبدئي المحايد يبدي تجنبًا أو استجابات خوف، متضمنًا تعميم المثير وإخماده. إن تعميم المثير كما يستخدم في الخوف الارتباطي، يعني أن المفحوص يميل لتجنب المثيرات المشابهة للمثير الشرطي، فقد شرط واطسون وراينر Watson Rayner "1920" مثلًا طفلًا في سن 9 شهور للقيام باستجابة انسحاب إزاء قطة بيضاء "أو فأر أبيض"، وبعد ارتباط الخوف، أصبح الطفل يتجنب أيضًا الأشياء الأخرى المشابهة للقطة البيضاء مثل "الأرنب" أو "ذقن بابا نويل" "شكل: 62" إن تعميم المثير يجعل من الصعب عادة تحديد المصدر الرئيسي لبعض المخاوف المحددة لدى الأطفال والراشدين. وفي دراسة أخرى مشهورة، قام جونز وجونز Jones & Jones "1924" باشراط طفل في الشهر الخامس عشر من عمره ليخاف من أرنب. وقبل الاشتراط كان الطفل يقترب من الأرنب دون أي قلق أو حذر ظاهر، وعند التشريط سمع الطفل صوتًا عاليًا عند لمس الأرنب، كان الأشراط سريعًا جدًا، وكما في دراسة

واطسون وراينر Watson, Rayner، أظهر الطفل خوفًا معممًا من أشياء أخرى ذات فراء وظل الطفل يبدي هذا الخوف لمدة شهر. وفي دراسة لهذا الطفل، استخدم المختبرون وسيلة "التشريط المضاد" counterconditioning لمساعدة الطفل على مخاوفه "خوفه" من الأرنب والأشياء ذات الفراء، فأحضر جونز "Jones" الأرنب موضوعًا في قفص إلى حجرة كان الطفل يجلس فيها وهو يتناول طعامه، وبدأ يعرض الأرنب على مسافة عشرين قدمًا من الطفل، ثم أخذ يقربه تدريجيًا بحيث كانت كل مسافة يقرب فيها الأرانب من الطفل، صغيرة لدرجة لا تسمح بأحداث استجابة انفعالية "إثارة فسيولوجية" للطفل. وبعد فترة قصيرة، اقترب الطفل من الأرنب وأخرجه من القفص.. وبانطلاق الأرنب من القفص أقبل الطفل أخيرًا يلمس الأرنب دون أي رد فعل انفعالي ظاهر. وفيما بعد لن يبد الطفل أي خوف مترسب من الأرنب. واختفت المخاوف من الأشياء الأخرى ذات الفراء. ومن ذلك استنتج جونز "Jones" أن الأشراط المضاد أكثر فاعلية من الوسائل الأخرى مثل الإغراء اللفظي verbal appeal، وعدم الاستخدام disuse، وأبعاد الانتباه distraction، إن إزالة الخوف لا يتحقق دائمًا بنفس السهولة كما فعل جونر Jones. وقد افترض مورر Mowrer "1960"، أن المخاوف يصعب التغلب عليها لأن الإثارة الفسيولوجية الناتجة عن المثير المسبب للخوف تعتبر إثارة لا إرادية. ومن الصعب جدًا السيطرة عقليًا على الاستجابات الإحشائية، ولأن الاستجابات لا إرادية فإنه يصعب الحيلولة دون حدوث دورة: ولدينا الآن وسائل فنية "لعلاج" كثير من المخاوف. وهذا الإجراء لإزالة الحساسية desensitization يشبه المعالجة التي استخدمها جونز وجونز Jones & Jones فيشجع الشخص على الاسترخاء، أي خفض الشد العضلي، والخطوة التالية في هذا الإجراء هي: تناول الترتيب "المدرج" الهرمي للمخاوف، الأشياء والأحداث المتعلقة بالخوف الأصلي، ودرجة العلاقة تحدد وبشدة خواص تنبيه الانفعال من المثيرات، وهي عادة دالة للتشابه المادي مع الشيء المخيف.. مثل ذلك فإن

الشخص الذي يخاف الثعابين يشعر برد فعل انفعالي شديد عندما يتواجد في حجرة مع ثعبان، وقد يحدث رد فعل أقل شدة إذا كان الثعبان محبوسًا في قفص. وقد يحدث رد فعل أقل أيضًا إذا كان الثعبان يتمثل في صورة، وقد يكون رد الفعل ضئيلًا أو لا يتواجد إطلاقًا إزاء صورة لغابة.. وإجراء إزالة الحساسية يتضمن جعل الشخص ينظر إلى المثيرات "أو يتخيلها" ابتداء من تلك التي في أسفل الترتيب الهرمي. "أي التدرج في شدة المثير تصاعديًا"، فإذا حدث خوف تبعد الصورة ويطلب من الشخص الاسترخاء ثانية.. ويكرر هذا الإجراء إلى أن يكف المثير عن إحداث الخوف.. ويستخدم هذا الإجراء مع كل مثير في الترتيب الهرمي ",Lang 1960 Walpe 1969". لقد نجح إجراء إزالة الحساسية في علاج مجموعة كبيرة من المخاوف.. وأهم سماته -كما في إجراء إزالة التشريط الذي استخدمه جونزو وجونز Jones ,Jones هو الحيلولة دون الشخص وأن يصبح شديد اليقظة الفسيولوجية، وبعبارة أخرى إخماد الاستجابة الفسيولوجية للمثير. كما أن هناك وسيلة ناجحة أخرى، في إزالة المخاوف وهي النمذجة modeling "محاكاة سلوك الغير". فقد صمم بندورا وجرسيك ومنلوف Bandura Gresec & Menlove "1967" أربعة معالجات للتغلب على خوف أطفال ما قبل المدرسة، من الكلاب كما يلي: أ- أبدى النموذج البالغ الرابعة من العمر سلوكيات جزئية متزايدة نحو الكلب في جو مرح حقلي. ب- تجلي نفس السلوك الجريء، ولكن في سياق محايد. جـ- يراقب الأطفال الخائفون، الكلب في سياق شبه جزئي. د- اختبر السياق المرح فقط ولكن بدون الكلب. وقد اتضح لهم أن ظروف النمذجة كانت ناجحة جدًا في التغلب إلى مخاوف الأطفال

الأنماط الانفعالية المرتبطة بالخوف

الأنماط الانفعالية المرتبطة بالخوف الخجل ... الأنماط الانفعالية المرتبطة بالخوف: Fear-related amotional Patterns: هناك عدد من الأنماط الانفعالية ترتبط بالخوف، ذلك لأن المظهر الغالب فيها هو الخوف وأهم هذه الأنماط هي الخجل Shyness، والحرج أو الارتباك Embarrassment والانشغال Worry، والقلق anxiety وسنتناول كل منها فيما يلي: 1- الخجل: هو أحد أشكال الخوف ويتميز بالأحجام عن التعامل مع الغرباء من أشخاص ولا ينشأ أبدًا من أشياء أو حيوانات أو مواقف. وقد أظهرت الدراسات على الرضع "12 أسبوع - سنتين" أن الطفل في منتصف السنة الأولى من عمره يبدي الخجل كرد فعل "استجابة" عام للغرباء. ويدل ذلك على أن الخوف من الأشخاص يؤدي إلى الخجل، ذلك لأن الرضيع يظهر تغيرًا ملحوظًا بعد أن يعتاد على هؤلاء الأشخاص، فيتوقف عن البكاء ويستجيب بطريقة ودية. والخجل من الغرباء شائع وعام في هذه السن لدرجة أن هذه المرحلة سميت "المرحلة الغربية" أو "فترة مخاوف الرضيع "Robson 1968 Bronson"، ويرجع الخوف في الفترة إلى أن الطفل يستطيع أن يميز بين الغرباء والمألوفيين لديه من الناس، ولكنه غير ناضج عقليًا بحيث يدرك أن هؤلاء الغرباء لا يمثلون أي خطر عليه. وكلما زاد اتصال الطفل بالآخرين اكتشف أن هؤلاء الغرباء كثيرًا ما يكونوا رفقاء لعب أو أصدقاء محببين إلى نفسه. ولذا فإن الخجل يقل في شدته وفي المدة التي يستغرقها. إلا أن الخجل قد يكون من الشدة

والتكرار بحيث يؤدي إلى حالة عامة من "التهيب Timidity والتي تؤثر على علاقات الطفل الاجتماعية حتى بعد أن تنتهي المرحلة الأولى من الطفولة بوقت طويل، وفي هذه الحالة يصبح الطفل ما يمكن أن يطلق عليه "طفل خجول". وقلما يمر الطفل في أثناء نموه بخبرات متفرقة للخجل. فقد يخجل الطفل في حضور الضيوف أو عند وجود مربية "دادة" جديدة أو معلم جديد. كما قد يخجل من وجود والديه أو أقاربه في حفل يقوم هو بالغناء أو التمثيل فيه. والخجل هنا ينشأ عن عدم تأكد الطفل من كيفية تقبل الآخرين، أو من الخوف من سخرية واستخفاف الآخرين. واستجابة الرضيع لمثيرات الخجل هي عادة البكاء وتنحية الرأس بعيدًا عن الشخص الغريب والتعلق بمن يألفه الطفل من الأشخاص بحثًا عن الحماية. وعندما يستطيع الطفل الزحف أو المشي فإنه يسرع متباعدًا ويختبئ كما يفعل بالضبط وهو خائف. إلا أنه عندما يتأكد أنه ليس ثمة خطر فإنه يبدأ من الاقتراب من هذا الغريب. ويبدو الخجل على الأطفال في الطفولة الوسطى والمتأخرة عن طريق: احمرار الوجه، أو التعلثم، أو الإقلال من الكلام، أو اللوازم العصبية: مثل اللعب في الأذن، أو الملابس، أو تحويل الارتكاز من قدم لأخرى، أو انحناء الرأس بعيدًا ثم إدارتها، والنظر إلى الشخص الغريب. ويحاول الأطفال في مرحلة الطفولة المتأخرة أن يجعلوا أنفسهم غير واضحين بقدر الإمكان وذلك بإصرارهم على ارتداء الملابس المشابهة لملابس الآخرين من الأطفال وبالكلام عندما يوجه لهم سؤال فقط.

الحرج أو الارتباك

2- الحرج أو الارتباك: الارتباك -مثل الخجل- ينشأ عن التفاعل بالخوف من الأشخاص وليس من الأشياء أو المواقف، إلا أنه يختلف عن الخجل في أنه لا ينشأ بسبب الغرباء أو غير المألوف من الأفراد، ولكنه ينشأ من عدم التأكد والشك في كيفية حكم الناس على الفرد أو على سلوكه. ولذلك فالارتباك وهو حالة من محنة "الإحساس باللذات" ويظهر الارتباك في فترة متأخرة عن الخجل لأنه يعتمد في أساسه على القدرة على معرفة توقعات الجماعة، وعلى تقييم ما إذا كان الفرد سيفي بهذه التوقعات. ولا يتواجد "الارتباك" لدى الطفل قبل مرور 5 أو 6 سنوات من العمر. وكلما كبر الأطفال في السن تزايد الارتباك نتيجة لتزايد ذكريات الخبرات التي كان فيها سلوك الطفل أقل مما توقعته الجماعة. ويؤدي هذا لأن يبالغ الطفل في مخاوفه التي تتعلق بكيفية حكم الآخرين عليه في المستقبل. وقد أظهرت الدراسات أن الذكريات الخاصة بالخبرات المهينة والمثبطة للذات تلعب دورًا هامًا في زيادة الشعور بالحرج أو الارتباك، وقد ذكر كل من المراهقين والراشدين أن هذه الذكريات هي أساس مفهومهم السيئ عن ذاتهم. وينشأ عن ذلك حلقة مفرغة فكلما ازدادت ذكريات مواقف الارتباك قوة تأثر مفهوم الذات، وكلما أصبح الإنسان أكثر عرضه لأن يؤول تفاعل الآخرين بمحمل سيئ ينتج عنه إحراج أكثر وهكذا "Sattler, Horowits, Modigiani, 1978". وتتميز استجابة الارتباك باحمرار الوجه، واللوازم العصبية، واللعثمة، وتحاشي الموقف، وهي استجابات مشابهة لاستجابات الخجل. وبسبب هذا التشابه فإنه ليس من السهل دائمًا أن نعلم ما إذا كان سلوك الطفل استجابة للخجل أم استجابة للحرج أو الارتباك، إلا أن هناك فرقًا رئيسيًا، فالطفل الذي يعاني من الخجل لا يتحدث إلا قليلًا حتى عند توجيه سؤال له، أما الطفل الذي يعاني في الحرج أو الارتباك فغالبًا ما يفصح ويوضح لأنه يحرض على إيضاح وتبرير سلوكه على أمل أن يزيل الحكم السيئ عليه والذي نشأ نتيجة للارتباك. وعلى النقيض فإن الطفل الخجول دائمًا قليل الكلام.

الانشغال

3- الانشغال: كثيرًا ما يوصف الانشغال بأنه "خوفي متوهم أو بأنه "استعارة للهموم". وعلى عكس الخوف الحقيقي فإن الانشغال لا ينشأ عن مثير مباشر في البيئة، وإنما ينتج من عقل الطفل "داخلي وليس خارجي"، وهو ينشأ عن تخيل حدوث مواقف خطيرة، والانشغال حالة عادية في مرحلة الطفولة عمومًا حتى لدى أفضل الأطفال توافقًا. ولا يحدث الانشغال إلا عند بلوغ الطفل مرحلة معينة من النضج العقلي ممكنة من تخيل أشياء ليست موجودة بالفعل وهو ما لا يحدث قبل سن الثالثة. وكلما تقدمت الطفولة زادت دواعي الانشغال في شدتها وتكرار حدوثها. وعمومًا فإن حالات الانشغال تصل ذروتها مباشرة قبل نضج الطفل جنسيًا، ثم تبدأ في الانحدار بعد ذلك. ويتوقف مدى الانحدار على مدى النمو العقلي، فعندما تنمو قدرة الطفل على التفكير يستطيع أن يدرك كيف أن كثيرًا من هذه الهموم غير منطقية. وتتأثر مثيرات "الانشغال" باهتمامات الطفل. وبالرغم من وجود اختلافات ملحوظة إلا أن هناك بعض "الهموم" التي تعتبر نمطية بالنسبة للأطفال في مختلف مراحل العمر وأكثرها شيوعًا يتركز حول الأسرة والعلاقات مع الرفاق. والمشاكل المدرسية في هذه الأخيرة تبرز في أهميتها كلما تقدم الطفل في المدرسة. وتتعلق الهموم الخاصة بالأسرة وبصحة وسلامة أفراد الأسرة أو بالتأنيب من جانب الأم أو الأب. وتتركز "هموم" المدرسة حول التأخير عن الميعاد والرسوب في الامتحان والتأنيب والعقاب من جانب المدرس وعمل الواجبات المدرسية وعندما يتزايد لدى الطفل أهمية قبول جماعة الرفاق له فإن هذه الهموم تتركز حول مشاكل التوافق الاجتماعي، ومدى حب الرفاق له ومدى شعبيته بينهم. أما في بداية حدوث تغيرات البلوغ فإن "الهموم" تتركز حول ومدى نمو الجسم بما يتناسب وجنس الطفل "ذكر أم أنثى". وتعتمد طريقة الاستجابة لهذه الهموم على نوع شخصية الطفل، فالطفل الذي لديه شعور بالنقص أو عدم الكفاءة كثيرًا ما يحتفظ بهمومه داخل نفسه، ويبالغ في التفكير فيها وتضخيمها بشكل لا يتناسب مع حجمها الحقيقي. وعلى النقيض من ذلك يقوم الطفل المتوافق توافقًا سليمًا بطرح ومناقشة هذه الهموم مع الأشخاص الذين يشعر بتعاطفهم معه. وكثيرًا ما يعبر الطفل الذي يشعر بعدم الأمان عن دواعي انشغاله بالإفصاح اللفظي على أمل كسب العطف الذي من خلاله يتحسن مدى قبوله اجتاعيًا، وعمومًا تعبر الشخصيات المنبسطة لفظيًا عن همومها أكثر مما تفعله الشخصيات الانطوائية وهذا ينطبق على جميع مراحل العمر.

وقد يظهر انشغال الطفل من خلال تعبيرات وجهه، وبنمو الطفل يزداد إدراكه إن هذا النمط من الانفعالات غير مقبول اجتماعيًا وحينئذ يحاول أن يخفي تعبيرات وجهه أيضًا.

القلق

4- القلق: Anxiety: هو حالة نفسية غير مريحة تتعلق بتوقع حدوث الشر، وتبدو في حالة من التخوف والاضطراب لا يستطيع الفرد أن يتخلص منها، ويصحبها شعور بالعجز، لأن الشخص القلق يشعر دائمًا بأنه محاصر لا يستطيع أن يجد حلًا لمشكلته. ورغم أن القلق ينشأ عن الخوف والانشغال إلا أنه يمكن تمييزه عنها في جوانب كثيرة: فهو أكثر غموضًا من الخوف وعلى عكس الخوف فهو لا ينشأ من موقف قائم دائمًا، وإنما ينشأ عن موقف منتظر حدوثه anticipated أو متوهم. ومثل الانشغال فإن القلق يرجع إلى أسباب متخيلة وليست واقعية، إلا أنه يختلف عن الانشغال في ناحيتين أولهما: أن الانشغال يتعلق بمواقف نوعية معينة مثل: الامتحانات، المشاكل المادية، الحفلات ... إلخ، بينما القلق هو حالة وجدانية معممة generalized وثانيهما: أن الانشغال ينشأ عن مشكلة موضوعية بينما القلق عن مشكلة ذاتية. القلق كسمة: من الجدير بالذكر أن الأفراد يتباينون في الدرجة التي تنبههم بها المثيرات. فبعض الأفراد أكثر ميلًا للقلق من غيرهم. بمعنى أنهم يشعرون بالقلق من جراء مجموعة من المثيرات. والدراسات البحثية ليست ذات عون كبير في تفسير كيف أن بعض الناس يصبحون أكثر استجابة أو قلقًا بصفة عامة من غيرهم. ويفسر بعض علماء النفس، القلق كخاصية محددة تكوينيًا "وراثيًا" للمزاج، في حين يرى البعض الآخر، أن بعض البيئات تؤدي إلى درجة عالية من القلق. لقد درس علماء النفس أثر المستويات العالية من القلق بعدة طرق. منها طريقة شائعة وهي: "مقياس ظهور القلق الظاهر في الأطفال "CMAS"، وهو صورة وأخذها كاستانيدا وبالرمو وماكاندليز واتخاذ Castaneda, palerma, Macoundless "1956" عن مقياس القلق لدى الراشدين. هذا المقياس يتكون من

42 فقرة باستخدام الورقة والقلم يبين ما إذا كانت إحدى هذه الفقرات تنطبق على الفرد من عدمه. مثال ذلك "بالي مشغول معظم الوقت"، "إن وجهي يحمر بسرعة"، "إني لأعجب لماذا يخاف بعض الأطفال من الظلام! "، فإن الأطفال يمكنهم الإجابة بأن الفقرة تنطبق عليهم. أو أنهم لا يصفونها، أو هم في الواقع يستجيبون بالإجابة "لا أعرف". وهذه الفقرات بصفة عامة لا تحدد منشأ القلق. بل هي تحث الأفراد على أن يصفوا أنفسهم ما إذا كانوا كثيري التبرم أو لا. كما أن المقياس يشتمل أيضًا على عدد كبير من الفقرات التي ترتبط مباشرة بالمكون الإحشائي للقلق "إن وجهي يحمر خجلًا بسهولة"، وكذلك البنود التي تصف التنبيه الفسيولوجي. قد يكون التعريف الفعال لمفهوم سمة القلق. أن مقياس "CMAS" لم يصمم من أجل دراسة مصادر القلق ذات طابع الاضطراب الانفعالي أو الظواهر الإكلينيكية الأخرى. ولكن الهدف هو تقييم مستويات الدافعية. والمعقول أن الأطفال شديدي القلق يظهرون حالات تنبيه عالية وبالتالي يكون أداؤهم أكثر شدة. إن الدراسات المكثفة لمقارنة أداء الأطفال في درجات القلق العالية والمنخفضة بالنسبة لواجبات مدرسية "تعليمية مختلفة" تدل على أن الأطفال ذوي الدرجات العالية للقلق يكون أداؤهم أفضل في الواجبات البسيطة نسبيًا "واجبات التفرقة ذات الاختيارين" من الأطفال ذوي درجات القلق المنخفضة. وهذه المعطيات تطابق مبدأ التعلم، من حيث أن التركيب العضوي كلما كانت واقعيته أقوى كان تعلمه لواجب معين أسرع. غير أنه في مجموعة من الدراسات المشابهة استخدمت فيها واجبات تعلم أكثر تعقيدًا تتضمن استجابات متعددة كان أداء الأطفال ذوي درجة القلق المنخفضة أفضل من أداء الآخرين. وإذا فسرنا هذه النتيجة بمقياس القلق بدت لنا هذه النتائج معقولة، إننا عادة نتوقع من الأسخاص شديدي القلق أن يكون أداؤهم أقل مستوى في اختبارات التحصيل والمواد الأخرى الأكثر تعقيدا.. وإذا نظرنا إلى النتائج من خلال سياق نظرية التعلم، فإن النتائج تبدو متناقضة، والواقع أنها ليست كذلك، ففي الواجبات المعقدة تولد الدافعية القوية استجابات مناسبة. وهكذا فإن الأشخاص شديدي القلق يعجزون عادة عن إجراء تمييز حاسم بين المثيرات، أو بين الحلول الممكنة لمسألة ما. وثمة نتيجة لذلك هي أنهم يرتكبون أخطاء، أو يعجزون عن الاستجابة كلية.

ومع أن مقياس "CMAS" لم يصمم لأغراض إكلينيكية، فإن فقراته مأخوذة من وسيلة إكلينيكية تعرف باسم "Minnesota Multiphosic Personality "MMPI" Inventory أو مقياس مينوسوتا المتعدد الأوجه للشخصية. ولذلك فليس مما يدعو للدهشة أن الأطفال ذوي الدرجة العالية من القلق، يقل حب أقرانهم لهم. ويزداد إحساسهم بالانتقاص، ويخفض مستوى أداؤهم في اختبارات الذكاء والإنجاز "التحصيل". القلق كحالة: إن النظر إلى القلق كحالة يعني أن المثيرات -أو بتعبير أشمل، والظروف الخارجية والداخلية- تولد تيقظًا وقتيًا مع كل إحساسات الضغط الفسيولوجي، وعلى ذلك فإن القلق كسمة يشير إلى مستوى ثابت إلى حد ما، أو إلى استعداد، في حين أن القلق كحالة يعتبر ثابتًا. إن في هذه النظرة إلى القلق قد بحثها سيمور سارسون Seymour Sarason بحثًا كاملًا مع زملائه، وكانت طريقتهم البحثية الرئيسية هي استبيان اختبار القلق "TASC" الذي صمم على أساس أن الأفراد يصبحون قلقين نتيجة الإطراد إلى أداء واجبات في ظروف ضاغطة ويصف وين Wine "1970، ص92" المفهوم العام على النحو التالي: إن الشخص ذا القلق المنخفض يركز على المتغيرات المتعلقة بالاختبار وهو يؤدي الواجبات، أما الشخص ذي القلق العالي فيركز داخليًا على التفكير والإدراك للتقييم الذاتي والانتقاص الذاتي نحو استجاباته الذاتية، وحيث أن الواجبات الصعبة التي يؤديها الشخص الجاري اختبار قلقه تكن نتائجها ضعيفة تتطلب التفاتًا كاملًا لحسن الأداء فإنه، لا يستطيع أن يؤدي أداء مناسبًا بتوزيع التفاتة "انتباهه" بين المؤشرات الداخلية ومؤشرات الواجب "المهمة"". وتدل الدراسات المكثفة على وجود علاقات تبادلية ذات دلالة بين اختبار القلق، والأداء في اختبارات الإنجاز "التحصيل" والذكاء. وتدل هذه الدراسات أيضًا على أن القلق يزداد في المراتب الأولية. ولذلك فهو يفسر تزايد مقدار التغير في أداء الاختبار عندما يتدرج الأطفال عبر المراتب الأولية. ومن أهم الملاحظات التي سجلها ساراسون Sarason وزملاؤه هي: أنه يقرب من الاستحالة تخفيض

اختبار القلق للأطفال في سن المدرسة، حتى في المراتب الأولى. وفي ملاحظة أخرى، أخبر الأطفال إلى ما سيفعلونه في وقت لاحق هذا الأسبوع، ليس اختبارًا وليس هو مما يدعوهم للقلق. وعندما دخل المختبرون بكراسات الأسئلة، قال الأطفال كلهم جميعا ها هو الاختبار! " وقد لا يثير ذلك عجب القارئ الذي قضى جزءًا كبيرًا من حياته يؤدي امتحانات في المدرسة ويعلق بشأن أدائه. إن عواقب القلق سواء أكان حالة أو سمة عواقب سلبية في العادة. ولكن ليس هذا صحيحا تماما، لأن القلق ينبه الفرد إلى ضرورة الاستجابة، ولعله من صالح الإنسان أن تكون لديه درجة ما من القلق، فكلما أوضحنا أن القلق إلى درجة معقولة أمر طبيعي ومقبول. ولكن المسألة تتطور إلى حد الخطورة عندما يرتفع مستوى القلق كثيرًا لدرجة يؤثر بها على حسن الأداء. ومرة أخرى تواجه مشكلة، كيف يتعلم الفرد أن يواجه قلقه دون أن ندخل في كثير من التفاصيل، إلا أنه من الواجب علينا أن نذكر أن كثير من الناس يعتمدون على العوامل المنخفضة للقلق مثل العقاقير والخمر. وقد يبدو الأمر حاسمًا عندما نصبح نحن الآباء والعاملين مع الأطفال حساسين تجاه قلق الأطفال ونساعدهم على تكوين استجابات تكيفية نحوه. إن إجراءات التخفيف من المخاوف يمكن تطبيقها أيضًا على القلق وهي تهيئ لعدد من المعالجات الممكنة لمساعدة الأطفال القلقين. تأثير القلق: ينشأ القلق عن موقف منتظر حدوثه أو يتوهم الفرد حدوثه، فهو إذن يرجع لأسباب متخيلة وليست واقعية. وغالبًا ما يبدأ القلق مع السنتين المدرسيتين الأوليين للطفل. ويكون من أهم أسبابه زيادة الضغوط الواقعة عليه بتكليفه بإنجاز أعمال أو أشياء فوق طاقته. وتكون النتيجة زعزعة ثقة الطفل بقدراته وبنفسه وشعوره بعدم الكفاية.. والطفل القلق غير سعيد فهو دائمًا مكتئب، عصبي، متقلب المزاج، متقطع النوم، سريع الغضب، وأحلامه مزعجة. وأهم أسباب القلق بين الأطفال داخل حجرة الدراسة هو الجو الانفعالي السائد متمثلًا في الاختبارات التي هدفها تحدي قدرات

الطفل وتذكية روح المنافسة بين الأطفال.. ومع كل هذا يعتبر القلق كانفعال، أمرًا طبيعيًا ما دامت هناك حياة وأهداف واجبة التحقيق. إلا أنه ليس هناك اتفاق على تحديد الحد المعقول من القلق، بل أنه متروك للموقف الذي نشأ فيه. ورغم أن كلمة "القلق" كثيرًا ما يستخدمها المهنيون وغير المهنيين إلا أن معناها الحقيقي ليس واضحًا تمامًا. فقليل من الأشخاص هم الذين قد وصلوا إلى مرحلة النضج دون أن يخبروا القلق، ودون توقع القلق في المستقبل. ولكن ما هو معنى القلق بالضبط؟ يقترح مورر Mowrer أن القلق يتضمن استجابة إحشائية ذاتية وهنا تصبح المسألة هي: كيف نميز بين القلق والخوف. وهناك تفرقه بأن للخوف مصاحبات فسيولوجية أشد، ولكن ليس هناك دليل على ذلك، ولكن المخاوف تتصل بأشياء أو بمواقف محددة، في حين أن القلق أكثر انتشارًا. إن الأشخاص القلقين لا يستطيعون أن يحددوا بدقة هذه الحالة الفسيولوجية. ولسوء الحظ بالنسبة لعلماء النفس أن هذه التفرقة لا توضح الأمور كثيرًا. إن التدقيق في الفحص كثيرًا ما يكشف عن المثير المنبه، ومع ذلك فإن الشخص يمر بمرحلة انتشار من التوقع المنشط أو التيقظ بدرجات متفاوتة، تكون أحيانًا على فترات زمنية طويلة، لتكوين سلوكيات معرفية واجتماعية. وهناك بعض الحيل التي تستخدم لتغطية الشعور بالقلق ومعظمها لا شعورية وتحول دون إدراك الطفل أو الآخرين لوجود حالة القلق منها: 1- السلوك الصاخب أو الاستعراضي Show Off: بهذه الطريقة يحاول الطفل القلق أن يقنع نفسه أو الآخرين بكفاءته. 2- الملل: يجعل القلق الطفل متبرمًا مللًا ومضطربًا، كما أنه لا يستطيع التركيز على شيء ما لمدة طويلة تكفي لأن تعتبر اهتمامه. 3- التوتر: ill- ate- ease فالطفل القلق سواء كان بمفرده أم بصحبة الآخرين يشعر بعدم الأمان، ويبدو عليه القلق عن طريق اللوازم العصبية وصعوبات الكلام.

4- تجنب المواقف المثيرة للقلق: يتحاشى الطفل الموقف الذي قد يثير القلق، بأن يذهب للنوم مثلًا رغم عدم شعوره بالتعب، أو قد يشغل نفسه بدرجة كبيرة تمنعه عن التفكير أو قد ينسحب إلى عالم الخيال. 5- السلوك غير المتفق مع ما يتصف به الطفل Out of character behaviour يتفاعل الطفل القلق "بالمواقف" إما بطريقة مبالغ فيها أو بطريقة أقل مما يتطلبه الموقف، فقد يقابل النقد البسيط بحالة عارمة من الهياج، بينما قد يقابل الهجوم القاسي بهدوء ظاهر وقمع الغضب. 6- الفهم: يلتهم الطفل القلق كميات كبيرة من الحلوى ولذا فإن وزنه يصبح أكبر من المعدل الطبيعي. 7- الإفراط في استخدام آليات الدفاع: يستخدم جميع الأطفال آليات الدفاع وبخاصة إسقاط اللوم على آخرين أما الطفل القلق فإنه يستخدم الإسقاط بشكل مفرط على أمل التخلص من إحساس الاضطراب المهم الناشئ عن شعوره هو بالذنب وعدم الكفاية.

الغضب

الغضب فهم الغضب ... 2- الغضب: يتطور تعبير الطفل عن انفعال الغضب بتقدم نموه فهو بعد سن أربع سنوات يلجأ إلى العبوس والتهجم والسبب في ذلك أن مثيرات الغضب أكثر تعددًا من مثيرات الخوف، كما يرجع أيضا إلى أن الطفل يكتشف في سن مبكرة الغضب كوسيلة فعالة لجذب الانتباه أو للحصول على ما يريده. وبمرور الأعوام فإن عدد المواقف المثيرة للغضب تتزايد ويتجه الطفل لأن يبدي غضبًا أكثر. وعلى النقيض فإن استجابات الخوف تتناقص بمرور الأعوام لأن الطفل يدرك أنه ليس هناك ما يدعو للخوف في معظم الحالات. وتختلف شدة وعدد مرات تكرار معاناة انفعال الغضب من طفل لآخر، فيستطيع بعض الأطفال تحمل مثيرات الغضب أكثر من البعض الآخر، كما تختلف قدرة تحمل مثيرات الغضب للطفل نفسه وفقًا: لنوع الحاجة التي اعترض سبيل تحقيقها، ووفقًا لحالة الطفل الجسمية والانفعالية وقت حدوث المثير، ووفقًا للموقف نفسه الذي حدث فيه المثير. وقد يستجيب طفل لمثير الغضب بقليل من الغضب، بينما قد يستجيب طفل آخر "لنفس المثير" بثورة غضب، والثالث بأن ينسحب من الموقف مبديا كثير من الإحساس بخيبة الأمل وعدم الكفاية. فهم الغضب: إن الغضب لدى الأطفال الصغار ينتج عن تفاعل المتغيرات البيولوجية بتلك الخاصة بالسياق، علاوة على ذلك. فمع نضج الطفل فإنه يكتسب سيطرة كبيرة على غضبه. ويتمثل ذلك في التدرج في التعبير عن الغضب من تعبيرات صوتية كالبكاء والصراخ، إلى تعبيرات حركية، مضافًا إليها تعبيرات لغوية مثل الضرب أو الركل أو العض أو الهرب، وينتقل الطفل من ذلك إلى تعبيرات داخلية في محاولة للسيطرة على الغضب وإخفاء أعراضه الظاهرة فيظهر على الوجه العبوس والتجهم، وعلى السلوك عامة العزلة والانطواء أو العدوانية المبالغ فيها.

مثيرات الغضب

مثيرات الغضب: كل المواقف التي ينشأ عنها انفعال الغضب تنطوي على إعاقة لأي فعل أو حركة أو شيء يود الطفل القيام به سواء كانت هذه الإعاقة بسبب تدخل الآخرين أو بسبب عجز الطفل نفسه، كما تنطوي أيضًا على اعتراض سبيل نشاط يود الطفل القيام به أو تبديد لرغباته أو خططه التي يود تنفيذها. وتختلف مدى فاعلية هذه المثيرات من سن لآخر: أ- الرضيع "2 أسبوع إلى سنتين": يغضب الرضيع لأي مضايقة جسمية بسيطة أو عند تعويق نشاطه الجسمي أو من فرض موانع معينة تتعلق برعايته مثل الحمام أو ارتداء الملابس، كما يغضب الطفل أيضًا في هذه المرحلة إذا لم يفهم الآخرون ما يريد التعبير عنه بما يصدره من أصوات "كبداية لمحاولة الكلام"، كما يغضب إذا لم يمنح الاهتمام الكافي أو عندما يستولى أحد على ما يعتبره ممتلكات له. ب- مرحلة ما قبل المدرسة "2-6": يغضب الطفل في هذه المرحلة كثيرًا من نفس الظروف التي يغضب لها الطفل في المرحلة السابقة. ويرفض الطفل بصفة خاصة في هذه المرحلة أي تدخل في ممتلكاته الخاصة. وكثيرًا ما يتشاجر على الدوام مع من يحاول أن يمد يده على لعبه من الأطفال الآخرين. كما أنه يغضب إذا لم تعمل لعبه كما يريدها هو أن تعمل، وحينما يقترف أخطاء فيما يحاول القيام به أو إذا أمر بفعل شيء لا يود أن يفعله في ذلك الحين. جـ- مرحلة الطفولة الوسطى والمتأخرة: في هذه المرحلة يغضب جميع الأطفال عند عدم إجابة رغباتهم وعند تدخل -أحد أو شيء- فيما يقومون به من نشاط، ومن التأنيب، وعند مقارنتهم مقارنة لا يستسيغونها بأطفال آخرين. وكثيرًا ما يضع الطفل في هذه المرحلة أهدافًا أبعد مما يستطيع الوصولة إليه وفي حاله فشله فإنه يغضب من نفسه، أو من هؤلاء الذين يعتقد أنهم اعترضوا سبيل ذلك ويغضب الطفل إذا وبخ هو وزملاؤه بغير وجه حق، أو إذا أهانه أو أهمله أو سخر منه الأطفال الآخرين.

استجابات الغضب

استجابات الغضب: يمكن تقسيم استجابات الغضب إلى قسمين رئيسيين:- أ- استجابات "فورية" تلقائية impulsive وعادة ما يطلق عليها "العدوان"، وتوجه نحو الأشخاص أو الحيوانات أو الأشياء. وقد تكون الاستجابات العدوانية إما جسمية أو لفظية، كما قد تكون إما شديدة أو معتدلة في شدتها. ويتميز صغار الأطفال بثورات الغضب ولا يتردد الطفل في إزاء الآخرين متبعًا أي أسلوب يستطيعه كالضرب والعض والركل والبصق والدفع واللطم والزغد ... إلخ. وفي حوالي سن الرابعة تنضم اللغة إلى فصيلة استجابات الغضب. وتصل ثورات الغضب Temper tantrums ذروتها في سن الثالثة ثم تبدأ في الانحدار، كما أن استجابات الغضب لدى البنات أقل في شدتها من استجابات الغضب لدى الأولاد، والتعبير المندفع عن الغضب أكثر شيوعًا من التعبير المكظوم إلا أن هذا الأول أقل في درجة قبوله اجتماعيًا. ومعظم الاستجابات المندفعة كتعبير عن الغضب عادة ما تكون كعقاب للآخرين، ولكن بعضها قد يكون كعقاب النفس أي أن الطفل يوجهها لذاته. ب- استجابات مكتومة "مكظومة" inhibited: وهي استجابات يتحكم فيها أو قد يختزنها bottled up الطفل. وقد ينطوي الطفل على نفسه هاربًا بذلك من الشخص أو الشيء الذي أغضبه، وقد يبدو الطفل متبلدًا apathetic أو يتظاهر بعدم المبالاة. ويطلق على مثل هذا السلوك عقاب النفس موجه للذات impunitive والواقع أن الطفل الذي يبدو متبلدًا أمام مثيرات الغضب ليس حقيقة كذلك، فقد يشعر أن المقاومة لا فائدة منها أو أن من صالحة أن يتقبل هذا الإحباط، أو أنه من الأفضل أنه يخفي غضبه حتى لا يتعرض للعقاب أو لعدم القبول اجتماعيًا. ورغم ذلك فإن الطفل قد يظهر عليه العبوس والتجهم وقد يرثي لنفسه أو قد يهدد بالهرب.

الغيرة

الغيرة مصادر المواقف التي تنشأ عنها الغيرة ... 3- الغيرة: Jealousy: تقول اليزابيث هيريوك Elzabeth Hurlock "1978" عن الغيرة أنها "استجابة طبيعية لما يهدد بفقدان المحبة سواء كان هذا حقيقيًا أو متوهمًا. وتؤدي إلى شعور بالنفور والكراهية نحو الأشخاص، ويمتزج الغضب بالخوف في النمط الانفعالي المعروف "بالغيرة". لذلك فإن الغيرة كانفعال تثار دائمًا في مواقف اجتماعية متمثلة في البيئة الأسرية والبيئة المدرسة وما يساندهما في عملية التنشئة الاجتماعية للطفل من نادي أو منظمة، وحتى الجيرة والشارع بما تحويه هذه البيئات من علاقات تأثير وتأثر وأدوار ومكانات. كما أن الغيرة تتأثر بسن الطفل من خلال الاستجابات الظاهرة المعبرة عن هذا الانفعال. ففي حين تكون استجابات الطفل الصغير مباشرة متمثلة في العدوانية الصريحة. تكون استجابات الأطفال الأكبر سنًا غير مباشرة وتتباين تبعًا للموقف ولسن الطفل. هذا وتبلغ الغيرة ذروتها في سن الثالثة من عمر الطفل ثم تنحدر، ثم تأخذ في التزايد ثانية حتى تبلغ الذروة في سن الحادية عشرة "قبل البلوغ مباشرة". لقد لقي انفعال الغيرة، مثله في ذلك كمثل الغضب، اهتمامًا كبيرًا، غير أن معظم الدراسات التي أجريت حوله كانت وصفية. ومن الغريب أننا نفهم جيدًا التأثيرات السياقية والمعرفية على الغيرة إلا أن معرفتنا بردود الفعل الفسيولوجي ما يزال قاصرًا. وقد اقتراح بعض الباحثين: أن الغيرة ليست في الواقع انفعالًا حقيقيًا لأنها تفتقر لأي رد فعل فسيولوجي، وهذا الافتراض يعكس تعريفًا متزمتًا وضيقًا للانفعال. غير أن أي قارئ يكون قد خبر الغيرة أو لاحظها في الآخرين يعرف أن غياب أي ردود فعل فسيولوجي يمكن تحديدها لا يؤدي إلى اختفاء الغيرة، وأن الموقف الذي يثير انفعال الغيرة هو موقف اجتماعي على الدوام. مصادر المواقف التي تنشأ عنها الغيرة: وهناك ثلاث مصادر للمواقف التي تنشأ عنها الغيرة، وتختلف أهمية كل منها باختلاف سن الطفل هي:

1- معظم حالات الغيرة منبتها الأسرة homegrown: من المحتمل أن تكون الغيرة بين الأطفال قد لقيت من غير العلماء اهتمامًا كبيرًا مما لقيته من علماء النفس المهنيين "والواقع أن كثيرًا من الافتراضات الحالية حول الغيرة لدى الأطفال تستند على دراسة واحدة فقط أجراها سيول Sewall "1930" وقد تضمنت "40" ولدًا و"30" بنتًا تتراوح أعمارهم بين "12، 70" شهرًا، في الوقت الذي ولد لهم فيه شقيق جديد. وثمة صعوبة في دراسة الغيرة، وهي كيف نعرفها. ودراسة سيوال Seawall توضح هذه المسألة بعدم تقديم تعريف حقيقي للكلمة، وإن كانت السلوكيات التالية قد ضمنت على أنها تمثل الانفعال: أ- الاعتداء البدني على الشقيق الوليد. ب- تجاهل وجوده. جـ- إنكار وجوده. د- تغيرات محددة في الشخصية عند الشقين الأكبر عند ولادة شقيقه الأصغر. هذه الدلالات على الغيرة يبدو أنها تتفق وتعريف لازاروس Lazares للتقييم الدال على ضرار أو أذى في المستقبل. وقد كان الأطفال موضوع الدراسة ينتمون إلى أسر تتراوح بين الطبقة الدنيا والمتوسطة والعليا. وكانت المعطيات قد جمعت من خلال دراسة سجلات الحالات الإكلينيكية، والملاحظات الشخصية والاتصال الأسرية المباشرة، فأبدى "39" طفلًا من بين السبعين "أكثر من 50% بقليل" سلوكًا واحدًا على الأقل من الأربع سلوكيات التي ذكرناها والدالة على الغيرة. وكانت معظم حالات الغيرة قد اتخذت شكل هجمات بدنية على الشقيق الأصغر، 67% من السلوكيات التي سجلت كانت من هذا النوع". أما الثلاث مظاهر الأخرى فلم تسهم بقدر يذكر في حدوث الغيرة. ولعل ما له أهمية أكبر هي المتغيرات التي تبدو أنها تفرق بين الأطفال الذين أظهروا غيرة والذين لم يظهروها. وسواء كان الأطفال قد أخبروا أن ثمة وليدًا سوف يأتي، فإن ذلك لم يكن على ما يبدو تأثير على غيرة الطفل. وكانت الغيرة بدرجة أقل عندما كان

الوليد مرغوبًا فيه من الوالدين. ومن المتغيرات التي كان لها التأثير على الغيرة عدد الأشقاء الموجودين فعلًا في الأسرة. فعندما كان للأسرة طفلان من قبل كانت حالات الغيرة أكثر، ولكن عندما كان للأسرة ثلاثة أطفال أو أكثر لم يكن لعدد الأشقاء تأثير على الغيرة.. ولعل أهم العوامل الملفتة للنظر هو سن الطفل عند ولادة الشقيق الجديد: لقد حدثت الغيرة كثيرًا في سن ما بين "18، 42" شهرًا. ومن المصادفة أن الطفل قد يكون أكثر استعدادًا لإظهار سلوكًا أكثر سلبية ومقاومة في تلك المرحلة من العمر. وبالتالي يصبح أسهل استثارة بوجود المولود الجديد. وثمة تفسير آخر معقول أيضا لهذا التأثير بالسن هو: أن الأطفال في سن ما بين "18، 42" شهرًا يعتمدون كثيرًا على والديهم فيما يختص بمتطلباتهم الجسمية والانفعالية. وهكذا يشعرون بتأثير مولود جديد بدرجة أكثر قوة. وقبل أن يبلغ الطفل شهره الثامن عشر. فإن الوالدين يستطيعان التقليل من اهتمامهما به. ولكن بعد الشهر الثاني والأربعين. فإن الطفل كثيرًا ما يقل اعتماده عليهما في الوفاء باحتياجاته الجسمية والانفعالية. وثمة متغير آخر حاسم وهو: التغير الذي يبدو أنه يحمل قدرًا كبيرًا من المعنى النفسي ذلك هو استمرار الحزم. إن أولئك الآباء الذين قد قرر الإكلينيكيون بشأنهم أنهم دأبوا على استخدام الحزم في تنشئتهم لأطفالهم. قد واجهوا حالات من الغيرة أقل بشكل ملموس. في حين أن الآباء الذين لم يظهروا القدر الكافي من الحزم "السلوك الذي يعتبر معقولًا اليوم. يعاقب عليه في اليوم التالي". واجهوا حالات من الغيرة أكبر بشكل ملموس. وإذا أخذ الدأب على الحزم كدليل على التوافق الأسري فإن أفضل دليل على الغيرة -أو أهم سوابق الغيرة- يمكن أن يكون هو مستوى التوافق في الأسرة بما في ذلك الطفل قبل قدوم المولود الجديد. وهذا التفسير يبدو معقولًا جدًا إذا تذكرنا أن أقوى دليل على الغيرة كان هو الاعتداء البدني على المولود الجديد ودراسة سيوال Seawall، ودراسات أخرى أيضًا "Jevry, 1966 Smally, 1970 Paldurn, 1977" لم تكشف عن أية وسائل مقررة لمنع الغيرة. وطبقًا لرأي كثير من الباحثين فإن الانفعال يتضمن عنصرًا معرفيًا له دلالته.

وليس لدينا دليل قاطع عن أي المثيرات هي التي يستجيب لها الطفل. وهذه الدراسات تعرض فعلًا. عنصرًا معرفيًا هامًا هو: أن الأشقاء الأصغر والأكثر ذكاء يظهرون غيرة أشد مما يظهره الأشقاء الأقل ذكاء. وعلى ذلك فالأخ الأصغر والأكثر ذكاء في نفس الوقت قد يقرر الموقف على أنه أكثر ضررًا للذات، أكثر مما يقدره الطفل الأقل ذكاء. ومهما يكن من أمر فإن الأسر التي تعيش في جو أكثر توافقًا وثقة يمكن ألا تولد مزيدًا من الغيرة لدى الأخ الأكبر، علاوة على ذلك: فحيثما وجد مثل هذا التوافق وتلك الثقة، وحيث يكون عدد الأطفال كبيرًا فإن احتمال ظهور الغيرة يقل كثيرًا. وأخيرًا فإن معطيات سيوال Seawell تقترح أنه من الواجب على الوالدين أن يراعيا ألا يكون الأخ الأكبر من المولود الجديد بنحو من "18-42" شهرًا. إن الأمر يتطلب عددًا كبيرًا من الأبحاث عن كيفية تكون الغيرة. إن الراشدين الذين خبروا الغيرة يقررون أنهم شعروا بالغضب أو بالخوف في ذلك الوقت. ولكنهم في ذلك يعتمدون على ذاكرة طويلة المدى وقد لا يتذكرون

إحساساتهم بدقة. ولذلك فإن الأمر يتطلب إجراء أبحاث لمعرفة مشاعر الطفل الذي يظهر الغيرة. 2- تعتبر المواقف الاجتماعية في المدرسة مصدرًا آخر للغيرة لدى الأطفال في هذه المرحلة وتمتد الغيرة التي نشأت في جو المنزل إلى المدرسة مما يجعل الطفل معتقدًا أن الجميع -زملاءه- يهددون أمنه النفسي: وكثيرًا ما ينمو لدى الطفل اتجاه تملك نحو المدرس أو الزملاء الذين يقع عليهم اختياره لهم كأصدقاء، ويغضب الطفل إذا ما أظهر هؤلاء الأصدقاء أي اهتمام بشخص آخر ورغم أن الغيرة تضعف كلما زاد توافق الطفل توافقًا سليمًا مع المدرسة إلا أنها قد تشتعل في أي لحظة عندما يقوم المعلم بمقارنة طفل بطفل آخر من زملائه أو بمقارنته بأحد أشقائه. 3- كذلك فإن المواقف التي يشعر الطفل فيها بأنه محروم مما يمتلكه الآخرون وهذا يجعله يغار من الأطفال الذين لديهم ما هو محروم منه، وهذا النوع من الغيرة ناتج عن الحقد أوالغل envy "أحيانا الحسد" وهو حالة انفعالية من الكراهية والغيظ موجهة نحو الشخص الذي يملك أشياء مادية لا يمتلكها الآخر.

استجابات الغيرة

استجابات الغيرة: تختلف استجابات الغيرة وفقًا للموقف الذي تنشأ عنه، فقد يقوم الطفل بمهاجمة الشخص الذي آثار غيرته في أحد المواقف، بينما قد يحاول نفس الطفل كسب العطف "كاستجابة" في موقف آخر. ووراء كل سلوك ناشئ عن الغيرة إحساس بعدم الأمان وعدم اليقين. وعمومًا فإن الاستجابة في هذا النمط "الغيرة" تتأثر بسن الطفل. فالطفل الصغير عادة ما تكون استجاباته للغيرة عدوانية مباشرة، بينما تكون استجابات الطفل الكبير متباينة وغير مباشرة. وذلك رغم أن مظهر العدوان فيها لا يختفي تمامًا. ويظهر أثر الاختلاف في العمر أيضًا في مدى تكرار معاناة هذا الانفعال، ويصل انفعال الغيرة ذروته مرة في سن الثالثة ومرة أخرى قبل البلوغ مباشرة في سن الحادية عشرة.

ومن استجابات الغيرة الشائعة ما يلي: أ- الاستجابة المباشرة للغيرة: قد تتخذ هذه الاستجابات مظهر الهجوم العدواني أما بالضرب والعض والرفس والخربشة "شكل: 64: ب". أو قد تتخذ شكل محاولات للتفوق على هذا المنافس في كسب الاهتمام والمحبة أما إذا كانت الغيرة منبعها الحقد envy فقد تؤدي بالأطفال إلى أعمال لا يرضى عنها المجتمع مثل الغش أو السرقة، أو دوام الشكوى والتبرم مما لديهم من أشياء أو إلى التعليقات التي لها طابع "العنب الحصرم" على الأشياء التي يودوا لو كانت لهم، أو في إلقاء اللوم على الوالدين لعدم توفيرها الأشياء التي يمتلكها الأطفال الآخرين. وكثيرًا ما تصدر عن الأطفال تعليقات للتحقير من شأن الشخص الذي أثار غيرتهم. ب- الاستجابات غير المباشرة: وهي استجابات لا يمكن التعرف عليها بسهولة وتتضمن النكوص إلى مظاهر الطفولة الأولى مثل التبول الليلي في الفراش، أو مص الإبهام، أو استجداء الاهتمام الذي يظهر في كثرة إظهار الخوف أو العزوف عن الطعام، وقد تظهر هذه الاستجابات في التعبيرات اللفظية، مثل الشتائم أو في المبالغة في إظهار المودة على غير المعتاد، أو في التنفيس عن المشاعر في الحيوانات واللعب.

الأسى

4- الأسى: الأسى هو صدمة نفسية أو محنة وجدانية تنشأ عن فقد شيء أو إنسان عزيز وفي حالاته المعتدلة فإن الأسى يعرف بالحزن أو الأسف. وبغض النظر عن مدى شدته أو العمر الذي يحدث فيه، فإن الأسى واحد من أكثر الانفعالات غير المستحبة. وبالنسبة للأطفال فإن الأسى لا يعتبر من الانفعالات الشائعة لأسباب ثلاثة هي: 1- أن الآباء والمعلمين وغيرهم من الراشدين يحاولوا عزل الأطفال عن الجوانب المؤلمة وذلك على أساس أن معاناة الأسى قد تؤثر على سعادتهم كأطفال وتضع الأساس لتعاستهم فيما بعد كراشدين. 2- أن ذاكرة الأطفال "وخاصة في المراحل المبكرة من العمر" قصيرة المدى وأنه يمكن مساعدتهم على نسيان حزنهم إذا ما حولنا انتباههم إلى شيء سار. 3- إن إمكان إيجاد بديل لما فقده الطفل يمكن أن يحول حزنه إلى سعادة. وبمضي الزمن فإن خبرة الطفل بانفعال الأسى تتزايد، ذلك لأنه ليس من الممكن أن نجنبه له كما كان الحال وهو صغير، كما أن عملية تحويل انتباه الطفل عما فقده أو عملية إيجاد بديل لما فقده لا تجعل الطفل ينسى ذلك لأن الذاكرة تتقدم، كما أن الطفل يواجه مواقف كثيرة قد ينشأ عنها هذا الانفعال. استجابات الأسى: قد تكون الاستجابة لفقد شيء أو إنسان عزيز إما ظاهرة علنية Overt أو مكبوتة وغير ظاهرة. ومميزات كل من هذه الاستجابة هي: - الاستجابة الظاهرة: البكاء هو التعبير النمطي عن الأسى في مرحلة الطفولة، وقد يطول البكاء بشكل مؤثر لدرجة أن الطفل قد يدخل في حالة تقرب من الهستريا والتي يمكن بشكل مؤثر لدرجة أن الطفل قد يدخل في حالة تقرب من الهستريا والتي يمكن أن تصل به إلى درجة الإعياء، ويزداد شعور الطفل ومعاناته للأسى إذا ما فسر لنفسه أن الخسارة قد وقعت نتيجة سوء سلوكه أو تصرفه.

- الاستجابة المكتومة أو غير الظاهرة: يتألف التعبير المكتوم عن الأسى من حالة عامة في التبلد مصحوبة بفقدان الاهتمام بما يدور حوله في البيئة، وفي فقدان الشهية، والأرق، والأحلام المخيفة، وعدم الرغبة في اللعب أو الاتصال بالآخرين. وتؤدي معاناة الأسى لمدة طويلة إلى القلق بكل ما يصحبه من مشاعر غير سارة.

الانفعالات الإيجابية

الانفعالات الإيجابية مدخل ... 5- الانفعالات الإيجابية: أ- حب الاستطلاع: وصف كل من ماو وماو Maw & Maw الطفل الذي لديه حب الاستطلاع بأنه: أ- يستجيب بشكل إيجابي لكل ما هو غريب أو شاذ أوغامض في بيئته بأن يتجه نحوه ويحاول استكشافه ومعالجته وتناوله. ب- تظهر لدى الطفل المحب للاستطلاع الحاجة أو الرغبة أن يعرف أكثر، إما عن نفسه أو عن بيئته. جـ- يقوم بفحص ما يحيط به باحثًا عن خبرات جديدة. د- يظل في فحص واكتشاف هذه المثيرات لكي يعرف المزيد عنها. مثيرات حب الاستطلاع: تتنوع المثيرات التي ينشأ عنها استطلاع الطفل في مرحلة الطفولة. فالطفل شغوف دائمًا بكل ما في بيئته مثل أعضاء الجسم: لماذا توجد هذه الأعضاء ولماذا يبدو شكل الأعضاء هكذا، كما يرغب أيضًا معرفة ما بداخل جسمه: أين المعدة؟، أين القلب؟، وما هي وظيفة كل منها؟. كما يمتد استطلاع الطفل إلى الأشخاص لماذا يبدون هكذا؟، وما هذا الذي يلبسونه؟. ولماذا يختلف الكبار عن الصغار؟، ولماذا يختلف الرجال عن النساء؟ وهكذا ... كما تثير الأشياء المألوفة كقطعة صابون أو غلاية شاي حبه للاستطلاع، كما تثير استطلاعه أيضًا الأشياء التي تستخدم موسميًا مثل مستحضرات غسيل السجاد أو آلات تهذيب العشب. وقبل

دخوله المدرسة بوقت طويل فإن الطفل تثير استطلاعه أيضًا المعدات الآلية وأزرار الكهرباء وجهاز التليفزيون والسيارة.. إلخ Kreitler and Ziegler 1975 saxe 1971 وكلما اتسعت البيئة اتسع معها فضول الطفل فيهتم بالتغيرات المفاجئة. لماذا غيرت أمه تسريحة شعرها، ولماذا بدأ أبوه يلبس النظارة. لأن الطفل يلحظ بهذا التغير على الفور وبدأ فضوله لمعرفة سبب هذا التغيير. وحينما تقع أسنانه اللبنية فإنه يقوم بفحصها في المرآة كما أن التغيرات التي تحدث في فترة البلوغ تثير فضوله "Kreitler 1975 Maw and Maw 1975" استجابات حب الاستطلاع: تظهر هذه الاستجابة في محاولة الطفل فحص وتناول والمتمعن وهز كل شيء يقع تحت يده، وبعد هذا تبدأ القيود الاجتماعية في هيئة تحذيرات أو عقوبات تقف حائلًا أمام ما يقوم به الطفل لكي يشبع حبه للاستطلاع، ولذا فبمجرد أن يصبح الطفل قادرا على الكلام فإنه يبدأ في إلقاء الأسئلة التي لا تنقطع عن الأشياء التي حركت اهتمامه. وتعتبر سن الثالثة هي بداية فترة الأسئلة التي تصل ذروتها قبل التحاق الطفل بالصف الأول بالمدرسة. وحينما يستطيع الطفل القراءة فإنها تحل محل الأسئلة في إشباع فضوله إذا لم يجد لأسئلته إجابة شافية. 2- الفرح والسرور والابتهاج: الفرح "Joy" هو أحد الانفعالات السارة ويعرف بالسرور أو الابتهاج أو السعادة في حالاته المعتدلة. ويمكن التعرف على هذا النمط من الانفعالات رغم تنوع شدته واختلاف وسائل التعبير عنه في مختلف مراحل العمر. ففي المرحلة الأولى من الطفولة تنشأ حالات السعادة والابتهاج مرتبطة بارتياح الجسم ويعبر عنها في استجابات مثل المناغاة. أما في مرحلة ما قبل المدرسة فيستجيب الطفل بعديد من المثيرات، وينشأ سروره أساسًا من الأنشطة التي يشترك فيها الآخرون وبخاصة أقرانه. ويزداد سرور الطفل عندما يمكنه القيام بشيء لا يستطيع أقرانه القيام به.

أما في مرحلة الطفولة المتوسطة والمتأخرة فتظل نفس المثيرات التي ينشأ عنها السعادة. في فترة الطفولة الأولى تثير لديهم الابتهاج في هذ الفترة أيضًا مثل الشعور بالارتياح الجسمي أو عند حدوث المواقف غير المتسقة incongruous أو الأصوات غير المتوقعة. وربما أكثر المواقف التي تثير الابتهاج لدى الطفل في هذه المرحلة هي تلك التي يقوم فيها بإنجاز أهدافه بنجاح. وكلما زادت صعوبة الوصول إلى الهدف كان سرور الطفل عظيمًا حينما ينجح في الوصول إليه في النهاية. أما في مرحلة البلوغ ومع بداية التغيرات التي تصحب البلوغ، فإن الفرح والابتهاج يقل في تكرار حدوثه وليس هذا لأن البيئة لم تعد تنطوي على مثيرات الابتهاج ولكن لأن نظرة الطفل للحياة تبدأ في التغير. فالطفل في مرحلة البلوغ كثيرًا ما تنتابه حالات من القلق على نفسه ومن الطريقة التي ينمو بها جسمه. ولا يشعر المراهق في هذه المرحلة بقمة الارتياح الجسمي في معظم الأحيان، وتنتابه كثيرًا حالات من عدم الرضا عن تصرفاته أو أدائه في كثير من جوانب حياته. ب- استجابات الفرح أو الابتهاج: تمتد استجابات السرور من حالة البشر والارتياح الهادئ إلى حالات الفيض بالفرح والسعادة. ويظهر الضحك كاستجابة في حوالي الشهر الرابع من العمر، ثم يتزايد في تكرار حدوثه وشدته بعد ذلك. وبعض مثيرات السرور أو الابتهاج في السنة الأولى مثيرات سمعية مثل قول "بوم، بوم" للطفل، وبعضها يتعلق بحاسة اللمس مثل نفخ الهواء على شعر الطفل، وبعضها اجتماعية مثل بعض الألعاب المعروفة "البيضة" واللي أكلها ... إلخ". وقد تكون المثيرات بصرية" حين يزحف الكبير على يديه ورجليه، أو حين يتظاهر بأنه يرضع من بزازة الطفل". والضحك معدي ... فالطفل يضحك وهو مع الآخرين أكثر مما يضحك وهو وحيد، وهذا ينطبق على الطفل الرضيع "baby" وتزداد صحته هذا كلما كبر الطفل وزادت رغبته في أن يفعل مثلما يفعل الآخرون من أقرانه. وكلما كبر الطفل اتجه للتعبير عن أفراحه بالطريقة التي رضي عنها المجتمع فيحاول كتمان سعادته حينما يتغلب على زميل له عند ممارسته لبعض

الألعاب محاولًا إظهار "الروح الرياضية" في تقبل الانتصار، رغم أنه يفيض بالبشر في قرارة نفسه. والانفعالات السارة دائمًا يصحبها الابتسام أو الضحك، كما يصحبها استرخاء عام للجسم "M. K, Rohbart 1973" وهذا على النقيض من الشد والتوتر الذي يصاحب الانفعالات غير السارة. ويعبر صغار الأطفال عن سعادتهم بالنشاط الحركي فقد يقفز الطفل فرحًا، ويرتمي على الأرض أو يصفق بيديه، أو بختص الشخص أو الحيون أو الشيء الذي أثار سعادته كما يضحك أيضًا ويقهقه. وفيما بعد تجد القيود الاجتماعية كبار الأطفال Older chidren على ضبط مظاهر تعبيرهم عن سرورهم. ولذا يقل وضوح وشدة هذه المظاهر عما كانت عليه في الفترة الأولى من حياتهم. ورغم هذا تظل استجابات السرور تحمل بعض السمات السابقة مثل الضحك الطويل أو ضبط الأصدقاء على ظهورهم أو معانقتهم في حالات السعادة الغامرة "L. W Sherman"

تننشيط النمو الانفعالي

تننشيط النمو الانفعالي ... تنشيط النمو الانفعالي: ليس في وسعنا هنا أن نقدم وصفات تتضمن نمو الطفل انفعاليًا، مع سيطرة ناضجة وثابتة لردود فعله الانفعالية. وحتى لو أن ذلك كان هدفنا فإننا لا نعرف الكثير عن نمو الانفعالات الإيجابية أو حتى الانفعالات الأقل إيجابية لتسمح لنا بتقديم مثل هذه الوصفات. ومهما يكن من أمر، فإن مراجعة الأبحاث والنماذج الإدراكية، وملاحظات بعض علماء النفس والمحللين النفسيين، تقترح بعض التعميمات لعلها تساعدنا في فهم السلوك الانفعالي للأطفال وتنشيط النمو الانفعالي السوى لهم.. من ذلك: أولًا: إن علماء نفس النمو يتفقون على أن بعض أنماط السلوك المرتبطة بانفعالات مثل الخوف والغضب والابتسام والضحك تحدث دائمًا في أثناء النمو الطبيعي. وعلى ذلك فإن الابتسام المبكر للطفل الصغير يتكيف بيولوجيًا وبنفس الدليل، ينطبق ذلك على نمو الخوف والغضب. وتشير الدلائل أيضًا

إلى أن الأطفال في سن بين الخامسة والثامنة يظهرون مخاوف يصعب مواجهتها بطريقة سليمة. هذا الدليل يشير إلى أن أفضل طريقة لفهم منشأ هذه المخاوف هي جزء طبيعي من عملية الانتقال من الوظيفة غير الناضجة إلى الوظيفة الناضجة ونقبلها على هذا الأساس.. أما فيما يختص بالغضب، فالدلائل تشير إلى أن أعنف ثورات الغضب هي عادة ثورات ترتبط بالطباع، تحدث في الشهر 18 الثامن عشر تقريبًا، والغضب الشديد يحدث عادة نتيجة تكرار الطلبات "الأوامر" والنواهي الخارجية. التي تعمل على كبت الفضول وغيره من السلوكيات المحببة. إن النواهي "التحريم" ما تزال ضرورية من أجل سلامة البيئة بطرق تكون أكثر ملاءمة لفضول الطفل في سن 18 شهرًا ولقدراته الحركية. إن الطريقة التي يستجيب بها الوالدان لغضب الطفل يمكن أن تحدد الطريقة التي يستجيب بها الطفل لغضبه. ويكفي أن نقول: إن الوالدين يقدمان النماذج للتعبير عن الغضب. وأخيرًا نعود إلى مفهوم السمات المزاجية "الخاصة بالطباع". إن الدلائل تشير إلى أن مستوى التنبيه الانفعالي موروث، وأن هذه الحقيقة لها آثار هامة على التفاعل بين الطفل ووالديه. ويذكر الآباء أن الطفل سهل الإثارة يبدي عددًا كبيرًا من السلوكيات المهيجة تشمل ثورات المزاج والخوف. إن أهمية هذه الميول السلوكية التي تبدو كامنة، أوضحها كوكس وبيس، وتوماس كوم Chex Besth Thomas Kom "1966" بشكل قوي. لقد تابع هؤلاء الباحثون التوافق الانفعالي لعدد "135" طفلًا منذ ولادتهم حتى سن "6" سنوات وإلى حدد أقصى "12" سنة. لقد تباين هؤلاء الأطفال في الخواص المزاجية في فترة الطفولة المبكرة. ووجد أن هذا التباين ظل ثابتًا إلى حد ما طوال الفترة التي خضع فيها الأطفال للدراسة. وثمة "معطية" هامة هي أن الآباء ولو أنهم لم يعاملوا الأطفال بطرق مختلفة في مرحلة الطفولة المبكرة. فإنهم اتبعوا سلوكيات مختلفة نحو الأطفال الذين أبدوا صعوبة بعد تلك المرحلة. وعلى ذلك فإن هذه التأثيرات المتفاعلة الواضحة قد تكون لها سوابق في خصائص الطفل التكوينية، ولنتذكر أن الوالدين والطفل يبدأ

تفاعلهم منذ الولادة. ونوعية التفاعلات المبكرة يمكن جدًا أن تكون دلالات على أنماط سلوكية مستأصلة. إن السلوك البناء للوالدين له أهمية كبيرة بالنسبة للأطفال جميعًا. ولكن هذه الأهمية تزداد بالنسبة للأطفال الانفعاليين. إن الخاصة السلوكية للوالدين والتي تظهر في كثير من الدراسات بما في ذلك الحالات الإكلينيكية والتي لها أهمية بالغة في "الثبات" معالجة كل الحالات المتشابهة بطرق متشابهة. إن قراءتنا لما كتب في هذا الصدد، تقترح أن هذه التوصية لها أهمية قصوى بالنسبة للأطفال الذين يتسم تنبههم الانفعالي بسهولة الاستثارة وبالشدة.

السيادة الانفعالية

السيادة الانفعالية Emotional dominace: تتمثل السيادة الانفعالية في سيطرة انفعال معين أو عدد قليل من الانفعالات من بين المجموع الكلي للانفعالات على سلوك الشخص. وتؤكد هيرلوك "1978". وجود ظروف وعوامل هامة تسهم في تكوين السيادة الانفعالية وأهمها: 1- الجو الأسري الذي يسوده التوافق الأسري بين أفراده والتنشئة الاجتماعية السليمة، يؤدي إلى سعادة الأطفال. 2- الظروف الصحية الجيدة التي تعمل على الانفعالات السارة، وهذا عكس ضعف الصحة الذي يؤدي إلى زيادة الانفعالات غير السارة. 3- العلاقة مع الأقران لها تأثيرها البالغ في هذا الجانب حيث يشعر الطفل المقبول بين جماعته بانفعالات إيجابية وسارة في حين يشعر الطفل المرفوض بانفعالات غير سارة. "عبد الحميد الهاشمي: 1976، 368". مخاطر النمو الانفعالي: تتمثل مخاطر النمو الانفعالي في عدة جوانب منها، الحرمان الانفعالي والحب الزائد. حيث يشير الحرمان الانفعالي إلى الحرمان من الحب والتعاطف. ولقد أشارت الكثير من الدراسات إلى خطورة الحرمان من الحب والعطف خلال الأشهر والسنوات الأولى من الحياة يؤثر ذلك على النمو العقلي والاجتماعي

والانفعالي والحركي واللغوي والقدرة على التعلم، كما يصبح الطفل المحروم انفعاليًا شخصًا أنانيًا. كما أن الحب الزائد له أخطاره أيضًا حيث يؤدي إلى عدم قدرة الأطفال على إقامة علاقات تعاطفية مع الآخرين مما يقودهم إلى العزلة ومن ثم يتعرضون للقلق الهامشي. تأثيرات السيادة الانفعالية على شخصية الطفل: تؤثر الانفعالات المسيطرة والسائدة في شخصيات الأطفال وتوافقهم الاجتماعي والشخصي بل إنها تحدد ما سيكون عليه المزاج الانفعالي للطفل. ولقد كانت الفكرة الشائعة بأن الوراثة هي التي تحد المزاج الانفعالي للشخص، إلا أن الأدلة في الوقت الحاضر تشير أنه يتحدد بدرجة كبيرة بواسطة التعلم أي أن التعلم يسهم بدرجة كبيرة في ذلك. التوازن الانفعالي وأهميته: في التوازن الانفعالي ينبغي أن تزداد الانفعالات السارة لدى الطفل حتى يستطيع التغلب على الآثار النفسية السلبية الناجحة عن الانفعالات غير السارة، حيث إذا تغلب تجارب الأطفال للعديد من الانفعالات السارة، فإن ذلك يكون لديهم مزاج انفعالي غير سار مما يؤثر على توافقهم. ولقد أوضحت هيرولك "1978" أهمية الضبط الانفعالي حيث أشارت إلى أن المفهوم العلمي للضبط الانفعالي يعني توجيه الطاقة الانفعالية إلى قنوات مفيدة اجتماعيًا، وهذا أمر ضروري للنمو الانفعالي السوي. خلاصة: لقد لقيت دراسة النوم الانفعالي قدرًا كبيرًا من التجاهل من قبل علماء النفس إذ كانت المشكلة أساسًا هي إدراك الانفعالات. هل الانفعالات هي استجابات فسيولوجية كامنة إطلاقًا؟ هل السلوكيات الانفعالية تعلم "تكتسب"؟ هل للإجراءات المعرفية دخل في ذلك؟

إن الجواب يبدو بالإيجاب على كل هذه التساؤلات. إن حالة الضغط الفسيولوجي ليس لها معنى "وجداني" في حد ذاتها. إن الفرد يحدد حالة الضغط على أساس السياق. أما كيف يتحدد الضغط ويعبر عنه سلوكيًا فإنه يبدو متعلمًا إلى حد كبير، غير أن هناك دراسات بحثية تدل على أن الاستعداد للتيقظ الانفعالي وبعض الاستجابات السلوكية هي عادة محددة. هناك تغيرات نمائية في المثيرات المرتبطة بإثارة الخوف. ومن السمات الهامة لهذه التغيرات هي زيادة الخوف من المجهول "ما وراء الطبيعة" والذي يظهر في حوالي السنة الثالثة من عمر الطفل ويقل بعد سن التاسعة. وتدل هذه المعطيات على أن المخاوف تتأثر بالوظيفة المعرفية. فالتنبيه قد يبدو مخيفًا بالنسبة للطفل العادي في سن 6 سنوات. ولكنه ليس كذلك بالنسبة لطفل في سن الثانية عشر، وليست كل المخاوف غير العادية أو الحسية تتناقص مع السن، فالخوف من المرتفعات ومن الثعابين أو الأماكن المرتفعة قد يكون قويًا جدًا ويؤثر على الحياة العادية. ومع أنه توجد إجراءات علاجية كثيرة فإن أكثرها نجاحًا يبدو أنه العلاج السلوكي.

الفصل السابع: التفاعل بين الوالدين والطفل

الفصل السابع: التفاعل بين الوالدين والطفل مدخل ... الفصل السابع: التفاعل بين الوالدين والطفل مقدمة: لا شك في أن أهم مؤثر في التنشئة الاجتماعية للطفل هو الأسرة، وخاصة الوالدان. فالطفل في مرحلة طفولته الأولى وقبل دخوله المدرسة يقضي معظم وقته مع والديه، كما أنه يقضي في المنزل وقتًا أكثر مما يقضيه مع أقرانه، ولذلك فإن الاتجاهات والخلفية المنزلية العامة التي يهيئها الوالدان "من الأشياء المستحبة والأشياء غير المستحبة" لها تأثير بالغ على نمو الطفل وتوافقه خلال تلك السنوات المبكرة، وحتى في سنوات الطفولة المتأخرة وفي فترة المراهقة فإن المتطلبات الوالدية العامة وإجراءات تربية الطفل السابقة تضفي قدر أكبر من السيطرة على السلوك النامي للفرد. أن التأثير القوي والممتد أي طويل المدى للوالدين على نمو الطفل اجتماعيًا وعلى شخصيته يمثل حجر الزاوية الذي لون وشكل العقل الواعي في نظرية "فرويد" "1935" عن نمو الشخصية، وأهم ما في تلك النظرية هو فكرة أن الطفل في نموه المبكر يتوحد مع identify with والديه من نفس الجنس لكي ينمو نموًا طبيعيًا، ومن خلال هذا التوحد يتعلم الطفل بعض أنماط السلوك الاجتماعي المقبول ويبدأ في اكتساب دور الجنس. كما أن الوالدين يستخدمان المكافآت والعقاب عند تعليم أطفالهما كيف يسلكون، ومن ثم فإن شخصية الوالدين وسلوكهما مهمان لأنهما يؤثران على الطريقة التي ينشأ بها الطفل اجتماعيًا من خلال تقويمهما النموذج وغيره من وسائل التربية. ومع أن نظرية التعلم الاجتماعي "لبندورا Bandwra "1969" قد ركزت على وسائل تربية الطفل لتفسير نمو الشخصية، فقد أكد أيضًا كل من: ميشيل Mischel "1970"، سيرز وماكوبي وليفين Levin Maccoby Sears "1957" وسيرز ورو وألبرت Sears Rau & Albert 1965 على دور الوالدين كنماذج وكمعززين للسلوك الاجتماعي، ولذلك فإن مداخل التنشئة الاجتماعية التي تستند إلى نظرية التعلم تؤكد على وجود تفاعل متبادل بين الوالدين والطفل، فلا يقتصر الأمر على أن الوالدين ينشأن الطفل اجتماعيًا بل أن الطفل

أيضًا ينشئهما اجتماعيًا. "Rheingold 1969 Martin 1975 Bell, 1968" وكنتيجة لهذا التأكيد على التفاعل المتبادل بين الوالدين والطفل بدأ علماء النفس يتراجعون تدريجيًا عن فكرة نموذج السببية للوالد Parent Causation madel والتي بمقتضاها يتسبب الوالدان في أن يسلك الطفل سلوكيات معينة وبطريقة معينة، مثال ذلك: فإن الطفل الذي يسلك سلوكًا عدوانيًا يقلد نفس سلوك الوالدان اللذان سلكان مثل هذا السلوك نحوه، وبذلك فهما يقدمان النموذج العدواني للطفل ومن هنا يتضح أن النموذج المتفاعل السببي interactive cauation model يؤكد على التفاعل بين الوالدين والطفل، ويقدم مارتن Martin 1975 التوضيح التالي لهذا المدخل: "عندما يبدأ الطفل في إغاظة أخته الصغيرة، فتقول الأم: لا تفعل ذلك، ولكن الطفل يستمر في إغاظة أخته التي تبدأ في البكاء فتصرخ فيه أمه وتصفعه، فيتوقف الطفل عن إغاظة أخته "إن مثل هذه المعطيات تضطرنا للتفكير بطريقة تفاعلية، إن الطفل يعلم أمه أن تغير استجابتها إلى الصراخ والصفع، والأم تقدم نموذجًا للسلوك العدواني وربما تقدم أيضًا بطريقة تناقضية تعزيزًا لإغاظته لأخته بإظهارها الدرامي للانفعالية attention وكما يدل عليه هذا المثال فإن الوالد "الأم" والطفل يتفاعلان وكل منهما يؤثر على سلوك الآخر، ويجب هنا تفسير طبيعة هذا التفاعل لكي نفهم أهمية علاقات الوالدين بالطفل في عملية التنشئة الاجتماعية.

الأبحاث المبكرة في أساليب تربية الطفل

الأبحاث المبكرة في أساليب تربية الطفل مدخل ... الأبحاث المبكرة في أساليب تربية الطفل: إن الأبحاث السابقة في تربية الطفل وأهميتها بالنسبة لنمو الشخصية اعتمدت في معظمها على فرويد Freud "1935" والذي أكد على أهمية إحكام سيطرة الوالدين في نمو السمات الثابتة للشخصية، ومن ثم فإننا نتساءل عن الكيفية التي ترتبط بها سيطرة الوالدين لتوحد الطفل مع والديه. أبعاد تربية الطفل: لقد استهدفت الأبحاث حول العلاقات بين الوالدين والطفل الكشف عن الأبعاد النفسية لوسائل تربية الطفل، وبتصنيف الآباء تبعًا لهذه الأبعاد، ثم دراسة سلوك أطفالهم جعل من الممكن ربط وسائل تربية الطفل بسلوكه. وهناك طريقة أخرى

تقوم بدراسة الوسائل التي يتبعها الوالدان في تربية أطفالهما الذين يشتركون في سمات مشتركة مثل الانحراف أو العدوانية أو الاضطراب الانفعالي "Marten 1953"، والغرض من هذه الدراسات هو تحديد أي أنماط تربية الأطفال يمكن أن تنبئ بمشكلات الطفولة. وقد حلل شيفر Scheffer، "1953" التفاعل بين الأمهات وأطفالهن من سن شهر واحد إلى سن ثلاث سنوات وحدد للسلوك الأمومي بعدان هما: الحب في مقابل العداء، والسيطرة في مقابل الاستقلال الذاتي، وذلك باستخدام التحليل العاملي الذي يعتبر بمثابة وسيلة إحصائية لتحديد عدد الأبعاد اللازمة لوصف الارتباطات بين عدد من المتغيرات، ويرى بيكو Becter 1964 Krug "1964" أن وصف السلوك الأموي يتضمن ثلاثة أبعاد هي: "السيطرة في مقابل الاستقلال الذاتي، والحب في مقابل العدوائية" "القلق الانفعالي في مقابل الانفعال الهادئ Calm detachment"

والنقاط النهائية لهذه الأبعاد محددة بأفعال أبوية مختلفة، فالدفء مثلًا: يعرف بأنه يتضمن القبول والموافقة والاستجابة الإيجابية للاعتمادية، واستخدام المدح بسخاء، وقلة استخدام العقاب البدني، وما إلى ذلك. والجزء الخاص بالعدوانية في هذا البعد يعرف بالسلوكيات المضادة. أما بعد السيطرة والاستقلال الذاتي يتعرف: بفرض متطلبات للتواضع وآداب المائدة، والطاعة، السلوك العدواني، وما شابه ذلك: والارتباط الانفعالي القلق anxious emotional involvement يشير إلى الحماية الزائدة وما شابه ذلك من سلوكيات. إن سلوك الوالدين يمكن تقديره في هذه الأبعاد، ويمكن اكتشاف الفروق في طرق تربية الأطفال بين الآباء الذين يبدون أنماطًا سلوكية مختلفة. مثال ذلك: أن بيكر Becker "1964" قد وصف كلا من الآباء الديمقراطيين والآباء المتسلطين بأنهم يحصلون على تقديرات أعلى في أبعاد الدفء والسماحية، مع فارق أن الوالدين المتسلطين يحصلون على تقديرات أعلى في الارتباطات الانفعالية، في حين أن الوالدين الديمقراطيين يسجلان درجة أقل في هذا البعد، أي أن الوالد الديمقراطي يبتعد "ينفعل" في هدوء والشكل السابق يوضح أنواعًا أخرى للسلوك الوالدي وتم تصنيفها على امتداد بعدين من الأبعاد.

السيطرة الوالدية

1- السيطرة الوالدية: أوضح هوفمان Hoffman "1970" سالتزستين Saltzstain "1967" الطرق التنظيمية المختلفة بأن لا حظًا أن هناك ثلاثة أشكال على الأقل من العقاب يستخدمها الوالدان: أ- التأكيد على القوة Powr assertion، ويشير إلى استخدام العقاب البدني، الحرمان من الأشياء المرغوب فيها أو الامتيازات أو التهديد بذلك، وباستخدام هذا الشكل من العقاب يسيطر الوالد على الطفل من خلال ضعف الطفل وليس من خلال الذنب الذي ينجم عن تعرف الطفل على ذاته في والديه. ب- هناك شكلان من وسائل السيطرة ذات طبيعة سيكولوجية هما: التأكيد على انعدام القوة، والسيطرة من خلال سحب الحب Love-withdrawal، والانسحاب يتضمن التعبير غير البدني للغضب الوالدي أو عدم الموافقة، مثل التجاهل، العزل والتعبير عن عدم الرضا للطفل. وهذه الوسائل قد تكون أكثر عقابية من العقاب التقليدي بسبب تهديدها الواضح بالتباعد، والذنب بدوره يمكن أن ينشأ ويبدأ في السيطرة على سلوك الطفل. وبعكس تأكيد "فرض" السيطرة فإن سحب الحب Love woithrawal قد يستمر لفترة طويلة بدلًا من أن ينتهي بسرعة نسبيًا كما يحدث في حالة العقاب البدني. جـ- أما الوسيلة الثالثة التي لا تلجأ إلى القوة هي: الاستقراء induction، فعندما يفسر الوالد لماذا يجب ألا يقبل الطفل على سلوك ما مثل تحذير الطفل من النتائج الخطرة للمس موقد ساخن أو اللعب بالكبريت، فإن الوالد إنما يستخدم السيطرة الاستقرائية ليحاول إقناع الطفل بتغيير هذا السلوك من خلال قدرة الطفل على فهم أن بعض المواقف تتطلب ألوانا معينة من السلوك "Hoffman 1970". وثمة مظهر أخر للسيطرة بالاستقراء يتضمن إيضاح تأثير سلوك الطفل على الآخرين. وهذا ما ينمي فهم الطفل لمدارك الآخرين ويساعده على إدراك تأثير أفعاله على الآخرين. ومن أمثلة السيطرة بالاستقراء ما يتضمن الإشارة إلى مخاطر الجري داخل المنزل، أو حمل الغازات بطريقة غير سليمة، أو دفع الأطفال الآخرين وما إلى ذلك، وكما سنرى عند مناقشاتنا للنمو الخلقي، فإن هذا النوع من السيطرة ينمي مظاهر النمو الخلقي، وبعكس استخدام مظاهر القوة وسحب الحب، فإن الاستقراء لا يقوم بأي محاولات لعقاب الطفل، إذ يحاول الوالد أن يدرب الطفل على فهم نتائج أفعاله في إطار موقف عقابي له تأثيرات مختلفة على نمو الطفل. ولدينا

بعض الأدلة على أن الوالدين اللذين يسجلان تقديرات عالية في العدائية يميلان لاستخدام السيطرة التي تؤثر على القوة. والوالدان اللذان يسجلان تقديرات عالية في الدفء يميلان لاستخدام المدح والاستقراء "Beckert 1964" حيث أن الوالدان اللذان يستخدمان العقاب البدني يكون أطفالهم أكثر عدوانية Marten 1975, Becker 1974 Feshback, 1970 فإننا نتوقع أن الآباء الأكثر عدوانية ينشئون أطفالًا أكثر عدوانية وهذا هو الواقع مثلًا.

سيطرة الوالدين وسلوك الأطفال: لقد ربطت بعض الأبحاث أنماط السيطرة التي يتخذها الوالدان في تربية الأطفال بسلوكهم. وقد لخص بيكر Becker "1964" بحثًا في إطار أبعاد سلوك الوالدين التي ناقشناها. وبصفة عامة توجد أدلة وافية لتبيان أن الوالدين اللذين يستخدمان قدرًا كبيرًا من العقاب البدني ينشئان أطفالًا عدوانيين بمقاييس أخذت في المنزل وفي المدرسة وفي مواقف اللعب بالدمي. وهذه العلاقة بين عدوانية الوالد والطفل ترجع إلى ثلاثة عوامل: - استخدام الوالدين للعقاب البدني قد يسبب الإحباط للطفل، وهذا بالتالي قد يولد الغضب الذي يظهر في شكل سلوك عدواني. - أن الوالدين اللذين يستخدمان العقاب البدني في محاولة للسيطرة على سلوك أطفالهما يعتبران نموذجا لاستخدام العدوانية، والواقع أن هذين الوالدين قد يعلمان أطفالهما أن يسلكوا سلوكًا عدوانيًا. - أن الوالدين العدوانيين اللذين يستخدمان العقاب قد يعززان بطريقة مباشرة السلوك العدواني لدى أطفالهما. ولا شك أن هناك بعض الحقائق في كل من هذه التفسيرات. وفي الوقت الحالي ليس باستطاعتنا إلا أن نقرر أن كل فرض له ما يؤيده في الأبحاث،

غير أنه في المستوى الوالدي العملي تظل الحقيقة قائمة وهي أن الوالدين اللذين يستخدمان العقاب ينشئان أطفالًا عدوانيين. إن الجزء الأكبر من الأبحاث عن سيطرة الوالدين على سلوك الأطفال يختص ببعد السيطرة والاستقلال الذاتي، وتؤيد البحوث الافتراض أن الوالدين المانعين "المسيطرين restrictive" وهما أولئك اللذين يجبران الطفل على الالتزام بمعاييرهما، وأنهما يربيان أطفالًا سلبيين ومنسحبين اجتماعيًا وغير أكفاء. وبالمقارنة فإن الوالدين يتسمان بالسماحية Permissive، أي: اللذان لا يتطلبان درجة عالية من الإذعان لمعاييرهما، فإنهما يربيان أطفالًا يتصرفون بطريقة أقل حرصًا ويميلون لدرجة كبيرة من العدوانية، وتدل المعلومات المستقاة من "معهد أبحاث فيلز Fels" في دراسة طولية لكاجان وموس Moss & Kagan 1962 تدل على أن تأثيرات المنع الأموي في فترة الطفولة المبكرة "من الميلاد إلى سن ثلاث سنوات" لها تأثيرات تمتد إلى فترة طويلة "شكل 66-ب". إن أطفال الأمهات المانعات restrictvenss يميلون إلى أن يكونوا أكثر إذعانًا واعتمادًا على الراشدين، وأقل عدوانية وتنافسية. أن المنع الأمومي خلال فترة العمر 3-6 سنوات كان لها تأثير أكثر تعقيدًا إلى حد ما. إن الصبية الذين يتعرضون للمنع سلكوا بطرق تتسم بالخوف والاعتمادية خلال سنوات الطفولة المتأخرة، ولكنهم كانوا أكثر عدوانية "تنافسًا وتأكيدًا" في

فترة المراهقة.. إن النمط العام للتفاعل مع الأقران كان يدور حول محاولات لكسب تقبل الأقران، وثمة ميول مشابهة كانت موجودة بالنسبة للبنات في فترة الطفولة المتأخرة، وفترة المراهقة المبكرة، ولكن مع بلوغ سن المراهقة تظل البنات سلبيات ويتصفن بالاعتمادية، ومن ثم يبدو أن السلبية تؤدي إلى طراز سلبي اعتمادي للتفاعل الاجتماعي، وتؤدي السماحية فيما بعد إلى زيادة عدوانية الشخص وإن كانت عدوانية ملائمة ومقبولة. إن تأثير المنع/ السماحية من الوالدين على نمو الطفل يرتبط بالمناخ العام للمنزل والذي تحدث فيه هذه العلاقة، "Beker 1984" إن السماحية عند استخدامها في مناخ منزلي يتسم بالعدوانية تؤدي إلى العدوانية عند الأطفال وإلى

حدوث الانحراف في الأحداث. ويؤدي إلى الجمع بين السماحية والعدوانية إلى توليد أقصى درجة من العدوانية. إن المنع في مناخ عدائي يؤدي إلى مستويات أعلى من العدوانية الذاتية أو القلق أو أعراض عصبية أخرى. ويؤدي الجمع بين السماحية والدفء إلى أطفال ودودين ومعتمدين ومبدعين وأقل نسبيًا في مقاييس العدوانية. إن الأطفال الذين يربون في مناخ "مانع" restrictive ولكن دافئ يميلون إلى أن يكونوا معتمدين، غير ودودين وأقل ابتكارًا، وأكثر عدائية. أما الأطفال الذين يربون في بيوت تتسم بالسماحية مع الدفء يميلون لأن يكونوا اجتماعيين ومسيطرين، ولكن في حدود ملائمة ومقبولة من الآخرين. والخلاصة أنه من المهم أن نؤكد بصفة عامة أن المنع والسماحية كلا منهما له نتائج سلبية وإيجابية، وفي حين يؤدي المنع إلى سلوك مناسب اجتماعيًا ومضبوط، فإنه يساعد أيضًا على الاعتمادية ويقلل الاجتهاد العقلي، فإن السماحية تؤدي إلى سلوك اجتماعي وانطلاقي، ولكنها تؤدي أيضًا إلى عدوانية زائدة. والجدول السابق يوضح العلاقات بين سلوك الأطفال من ناحية وبين الدفء العدوانية، والمنع السماحية من ناحية أخرى. إن السماحية في مناخ عدائي تزيد العدوانية إلى أقصى حد وتزيد من السلوك المفتقر إلى السيطرة، والمنع عند جمعه مع العدائية يزيد العدوانية الذاتية "ميول انتحارية" والانسحاب الاجتماعي، أم الدفء والسماحية فيزيدان الفردية والسمات الاجتماعية الانطلاقية، وأخيرًا فإن المنع في مناخ دافئ تؤدي إلى أطفال على درجة عالية من الإذعان. إن هذا التعميم يجب تفسيره ببعض الحذر في معظم الأبحاث فلم يتم التوصل إلى أدلة عن الآباء علاوة على ذلك فإن النتائج محدودة بدرجة كبيرة وقاصرة على الطبقة المتوسطة، وأن الأوصاف الواردة هنا تقدم بعض الأدلة عن الأبوة، ولكن يجب ألا تؤخذ على أنها حقيقة مطلقة. وفي التحليل النهائي توجد نماذج أبوية ونماذج عن تربية الطفل ولا تستطيع أن تحدد أيهما يناسب كل أب.

تربية الطفل وإساءة معاملته

تربية الطفل وإساءة معاملته تعريف إساءة معاملة الطفل ... 2- تربية الطفل وإساءة معاملته: لا يمكن أن تكون هناك أي مناقشة كاملة عن تربية الأطفال child rearing بدون اعتبار المشاكل الصعبة المعقدة التي تتعلق بإساءة معاملة الطفل child Abuse، وقد لا يوجد أي جانب لتربية الطفل يثير الرأي العام لدرجة أكبر مما أثاره هذا الجانب في العصر الحديث. وحيث أننا لا نستطيع أن نطرق سوى القليل من الموضوعات المتصلة بهذا الموضوع، فإن القارئ المهتم قد يحب الرجوع إلى آراء بعض الباحثين مثل "Collmer Park, 1972 Rigler, Spinetta Besharou, Fantana, 1975" تعريف إساءة معاملة الطفل: إن إساءة معاملة الطفل يرجع عادة إلى الإفراط في استخدام القوة المفروضة، وأساليب العقاب البدني "Collmer & Parke 1975"، غير أن ثمة تعريف مناسب لإساءة معاملة الطفل يجب أن يأخذ في الاعتبار عوامل أخرى علاوة على الأضرار الجسيمة التي يعاني منها الطفل. وحيث أن "93%" من الآباء يستخدمون العقاب البدني بدرجات متفاوتة "Mc Evaym Starle, 1970" فإن التعريفات التي تقتصر على استخدام العقاب البدني قد تكون غير تمييزية وذات أدلة عملية قليلة. وثمة عامل إضافي يتضمن مفهوم القصد هل كان الوالد ينوي إلحاق ضرر جسمي بالغ بالطفل؟ إن إدماج القصد في تعريف إساءة معاملة الطفل ضروري لاستبعاد الحالات التي يحدث فيها الضرر على أنها شكل من أشكال نبذ الطفل. أن صعوبة الحكم على القصد من جهة الوالد يصبح موضوعًا للبحث. وحيث أن الاستدلال على القصد يتسم بالصعوبة في محاولة الاعتماد عليه، فإن بعض الأخطاء في الحكم على القصد في نبذ الطفل لا بد وأن تحدث.

وهناك عامل إضافي آخر يجب إدراجه في أي تعريف لإساءة معاملة الطفل، هو معايير المجتمع المحلي الصغير بالنسبة لتربية الأطفال وخاصة فيما يتعلق باستخدام الوالدين للعقاب البدني "Collmer, Parke, 1975"، وقد يضع ضررًا ما لنبذ الطفل في طبقة اجتماعية معينة دون أخرى، مثال ذلك أن إساءة معاملة الطفل يعرف جزئيًا بمعايير المجتمع، التي تختلف كدالة على الطبقة الاجتماعية، ومساحة الإقليم، والمجموعات الدينية وما إلى ذلك. إن إدماج معايير المجتمع في التعريف تساعد على جعله أكثر دقة وفائدة. لقد اقترح بارك وكولمر Parke, Collmer "1975, ص513" التعريف التالي الذي يأخذ العوامل السابقة في الاعتبار. "أن إساءة معاملة الطفل يستدل عليها لكل طفل يلحق به أي ضرر جسماني غير عرضي كنتيجة لأفعال من جانب الوالدين أو أولياء الأمور الذين ينتهكون المعايير الاجتماعية الخاصة بمعاملة الأطفال. كما عرف ستراوس Straus "1979" الطفل المساء معاملته بأنه ذلك الطفل الذي يتعرض لهجوم الوالدين، ويتعرض للإساءة البدنية، عن طريق العقاب البدني، الدفع، الركل، الضرب بشدة بواسطة أشياء حادة مثل السكين ... إلخ. فالطفل المساء معاملته هو نتاج مجموعة من العوامل متشابكة معقدة، فهو يخرج من أسرة متوسطة ومنخفض المستوى، ومن أسر يكون الوالدان أنفسهما منبوذين ومساء معاملتهما، ويكون الطفل فيها ضحية، ونتيجة للنماذج الوالدية السيئة، حيث يكون الوالدان عدوانيين أو لديهما مرض نفسي أوعصبي، مستوى التعليم والثقافة محدودين، العلاقة السائدة في الأسرة يسودها التوتر والشجار الدائم، كما أن الأسرة تكون كبيرة العدد، العلاقة بين الطفل وأبويه متوترة، ويلجأ الوالدان عادة إلى استخدام العنف والضرب على الطفل، كما أن مفهوم الذات للوالدين يكون عادة منخفض جدًا، وفي أحيان كثيرة يكون معدل الذكاء للوالدين منخفض، مضطربين قلقين. وهذه هي بعض العوامل التي تؤدي إلى "نبذ الطفل". "Keller & Erne, Diane 1983".

معدل حدوث إساءة معاملة الطفل

معدل حدوث إساءة معاملة الطفل: إنه من الصعوبة بمكان الحصول على إحصاءات عن حوادث إساءة معاملة الأطفال في الولايات المتحدة. ويهم عدد من العوامل في عدم الاعتماد على الإحصاءات "Parte, Collmer, 1975" وبعض هذه العوامل هي: عدم قيام الوالدين بعرض الطفل الذي أصيب بالضرر للعلاج الطبي، وعدم قيام الأطباء بالتبليغ عن حالات إساءة معاملة الطفل، وتغير الوالدان اللذان يكرران إيذاء أطفالهما. وكنتيجة لهذه الصعوبات وغيرها فإن الدليل على نبذ الطفل لا يمكن التوصل إليه إلا بطريقة تقريبية، وحتى مثل هذا التقدير يكون مشكوكًا فيه، علاوة على ذلك فإن الحالات الدالة على زيادة حالات إساءة معاملة الأطفال من الصعب تفسيرها لأنه لا يمكن تحديد ما إذا كانت الزيادات لا تمثل سوى الزيادة في حالات الإساءة التي تم التبليغ عنها، أم هي زيادة فعلية في حالات إساءة معاملة الأطفال. مثال ذلك أن بارك وكولمر Park" & Collmer "1975 يذكران أن هناك زيادة قدرها 549% في نيويورك في الفترة من 1966 إلى 1975. غير أنه ليس واضحًا ما إذا كان ذلك يمثل زيادة حقيقية في الدليل أو هو نتيجة لإجراءات التسجيل الجديد. ورغم هذه الصعاب فإنه من الممكن الحصول على بعض التقديرات عن حوادث إساءة معاملة الطفل. وثمة تقدير متحفظ في عام 1970 يرى أنه كان هناك ما يقرب من خمسمائة ألف طفل مبنوذ في الولايت المتحدة "Light, 1973" وذكر آخرون أن الأعداد عنها تعادل 50% من الحالات الفعلية. وهناك دليل آخر أكثر تطرقًا أصدرته وزارة الصحة والتعليم والرفاهية في الولايات المتحدة "1976" تفيد بأن هناك من 2،5 إلى 4 مليون طفل يتعرضون لإساءة المعاملة. ومهما كان التقدير الذي تميل إلى تصديقه، فمن الواضح أن عددًا كبيرًا من الأطفال يتم إساءة معاملتهم وأن المسألة تشكل خطورة.

أسباب إساءة معاملة الطفل

أسباب إساءة معاملة الطفل: حاولت الأبحاث في موضوع إساءة معاملة الأطفال أن تحدد سمات التفاعلات الشخصية والاجتماعية فيما بين الوالدين والطفل التي تتصل بنبذ الأطفال. وسوف نقصر مناقشتنا على المعلومات التي تتصل بالسمات الشخصية للآباء الذين يقومون بإساءة معاملة الأطفال، وما تتسم به علاقات الوالدين بالطفل من سمات تتصل بإساءة معاملة الأطفال. لقد وصف الأباء الذين يقومون بإساءة معاملة أطفالهم بأنهم مندفعون، متمركزون حول ذواتهم جامدون، غير ناضجين، وما شابه ذلك. "Park Collmer 1975" وتدل هذه الأوصاف على أن الآباء الذين يقومون بإساءة معاملة أطفالهم لديهم نقص في الشخصية يساعدهم على التعبير عن سلوك عدواني بكثرة وبشكل متطرف. "Rigler Spinetta 1972" ولكن ليس هناك دليل ثابت يشير إلى سمات محددة أو مجموعات سمات يمكن أن تميز الآباء الذين يقومون بإساءة معاملة أطفالهم بطريقة واضحة عن الذين لا يقومون بذلك "Callner Parke 1975". وهناك اتفاق على أن الآباء الذين يقومون بنبذ أطفالهم كانوا هم أنفسهم يتعرضون لإساءة المعاملة والإهمال في طفولتهم "Parke & Coller, 1975" وأن الآباء الذين يقومون بإساءة معاملة أطفالهم هم أيضًا من أسر كانوا فيها موضع نقد ويفتقدون الرعاية، ويبدو أن الآباء الذين يقومون بإساءة معاملة أطفالهم يتعلمون أن يربوا أطفالهم بطريقة انتقالية ترجع في جزء منها إلى أنهم يحتذون بآبائهم في إجراءات تربية الأطفال. وكنتيجة لذلك توجد هناك درجة من ثبات التداخل بين الأجيال، والتطابق في إساءة معاملة الأطفال. الأسباب التي تدعو الأطفال إلى الشعور بأنهم غير مرغوب فيهم "منبوذين": - إهمال الأطفال وعدم السهر على راحتهم وإشباع حاجاتهم. - انفصال الطفل عن والديه. - التهديد بالعقاب البدني الشديد. - التهديد بالطرد من المنزل. - كثرة التحذيرات. - إذلال الطفل، ويتمثل في الشعور المستمر بالسخرية. - أن تكون الأم أو الأب عصبي المزاج، يسود سلوكهما الضجر والتذمر وهما يقومان بإشباع حاجات الطفل. - عدم حماية الأطفال والاهتمام بشئونهم.

أثر هذا الأسلوب في سلوك الأطفال

أثر هذا الأسلوب في سلوك الأطفال: 1- إن الطفل المساء معاملة يكون قلق مضطرب شديد التعلق بوالديه. 2- القيام بأنواع مختلفة من السلوك الشاذ وقد يصل إلى درجة السلوك العدواني ليلفت الانتباه أو القيام بسلوك يتميز بالمقاومة والعناد والثورة. 3- في حالات أخرى قد يعرض الطفل المنبوذ نفسه للجروح والكدمات "عدوان موجه نحو الذات" ليلفت إليه الانتباه. 4- القيام بسلوك يدل على حقد الأطفال على البيئة المحيطة بهم، ونجدهم يسببون مشاكل عديدة لأنفسهم وللمحيطين بهم. "مصطفى فهمي: 1979، 162-164" ولقد أكدنا في هذا الفصل على أهمية دراسة التفاعلات بين الوالدين والطفل عند وصف نمو الطفل، ويتضح ذلك من الانتقاء الذي يحدث في إساءة معاملة الطفل، إذ أنه لا يتعرض كل الأطفال في الأسرة لإساءة معاملة، ويوضح بارك وكوليمار Park & Colimer "1975" عاملان يتصلان بالطرق التي يمكن بها للطفل أن يسهم في تقديم إساءة المعاملة لنفسه: الأول: أن الطفل قد يكون لديه سمة وراثية أو جسمية أو سلوكية تجعله أكثر احتمالًا لأن يكون هدفا لإساءة المعاملة، والثاني: أن التفاعل بين الوالدين والطفل قد يعلم الطفل أنماطًا سلوكية قد تؤدي إلى مزيد من إساءة المعاملة، ويعتبر رد فعل الطفل للعقاب ظاهرة ذات أهمية خاصة. مثال ذلك: أن الطفل الذي يكون رد فعله للعقاب متسمًا بالتحدي، من المحتمل أن يجعل ذلك الوالد يزيد من شدة العقاب في المستقبل، وقد تتولد حلقة مفرغة تنتهي باستخدام الوالد للعقاب الجسمي الشديد الذي يؤذي الطفل. ولا يزال هناك الكثير الذي يجب أن نتعلمه عن إساءة معاملة الطفل، وكيف نعامله معاملة سوية، وتبدو المعالجة التفاعلية في هذا المجال مشجعة. ومن الواضح في الوقت الحاضر أن استخدام الوالدين للعقاب البدني الشديد لا يرجع إلى الطفل فقط ولكن يساعد على تكوين تطابق بين الأجيال في وسائل تربية الطفل، وترجع إلى المجتمع أيضًا، وتتحدد به وسوف نناقش فيما بعد العلاقات بين وسائل القوة والسيطرة في نمو الطفل.

نمو الارتباط "التعلق" الوالدي

نمو الارتباط "التعلق" الوالدي مدخل ... 3- نمو الارتباط "التعلق" الوالدي: Attachment: إن التعلق أمر يتصل بالإنسان والحيوان، وهو بداية لمزيد من النمو الاجتماعي كما يرى ذلك كل من: Ainsworth 1973 Martin 1975 Schaffer" Emerson 1964 Maccoby Masters 1970 & وخلال السنوات العشر الأخيرة ازداد اهتمام علماء النفس بإطراد مسار التعلق وثباته مع الوقت، وأنواع التفاعلات الأبوية التي تساعد عليه، وأهميته بالنسبة للنمو المعرفي، والانفعالي والشخصي. إن التعلق يصعب تعريفه ويعقد معظم علماء نفس النمو أنه يستدل عليه من خلال الاستجابات التي تهدف إلى البحث عن القرب Proximity من جانب الصغار في أي جنس، وقد عرف إمرسون وشيفر Emerson Schaffer "1964" التعلق بأنه: "الميل من جانب الطفل للبحث عن القرب من عضو آخر من نفس النوع". إن التعلق يتركز عادة على أفراد معينين فقط، في حين تظهر استجابات الخوف بالنسبة لأفراد آخرين. إن السمة الرئيسية للتعلق هي التخصيص بالنسبة لاستجابات عضو معين أو أكثر من نفس النوع "الجنس". إن هذا التقسيم للتعلق يميزه عن الأنماط السلوكية الأكثر شمولًا التي تسمى "بالاعتمادية" والتي نربطها بالأطفال الأكبر سنًا. وهناك أنواعًا كثيرة من الحيوانات تبدي تعلقًا "Bowlly, 1959 Hess 1970 Maccoby & Masters 1973 Mmswrth 1966" فصغار الفصيلة يبحثون عن اتصال بصري أو سمعي أو جسدي أو قرب من أعضاء الفصيلة الآخرين، وهناك دليل آخر عن التعلق هو احتجاج الصغير أو حزنه عندما ينفصل عن الأعضاء الآخرين في الفصيلة. وبالنسبة لصغار الأطفال استخدم عدد من السلوكيات لتصنيف التعلق Maccoby 1969 Bowlly 1973

1963 Ainsworth 1964 Schaffer Emerson 1970 Mastirs, 1964 وهذه السلوكيات تتضمن الاحتجاج في حالة الانفصال عن الوالد كقاعدة آمنة يكتشف من خلالها البيئة، أو الاقتراب من الوالد، أو الخوف من الغرباء، أو الابتسام أو التحدث للأب والتعلق بالوالد. وفي معظم الأبحاث اتجهت سلوكيات التعلق هذه نحو الأم. غير إننا سنرى فيما بعد أن الأطفال أيضًا يصبحون متعلقين بالأب أو بأشخاص أو أشياء أخرى.

نظريات التعلق

نظريات التعلق: 1- نظرية التحليل النفسي: لقد انبثق الاهتمام يتعلق الطفل من نظرية "فرويد" عن النمو النفسي الجنسي ومفهوم التقمص identification وطبقًا لنظرية فرويد فإن الأطفال الصغار مهيئون بيولوجيا للارتباط بالأشخاص من حولهم "Maccoby, Masterst, 1970". ولقد نظر إلى التعلق على أنه شحنة انفعالية لاختيار الشيء إذ يستثمر الطفل الصغير بعض الطاقة الليبيدية في شخص آخر قد يكون الأم أو البديل، وقد افترض أن ذلك يحدث لكل من الأولاد والبنات في السنة الأولى من حياتهم.

2- نظرية التعلم: لقد ترجم علماء التعلم نظرية فرويد إلى مصطلاحاتهم الخاصة، وصاغوا افتراضات يمكن اختبارها، وجمعوا معطيات عن نمو التعلق في صغار الأطفال، بطريقة منهجية "Gerwirtz, 1969". وكثير من أبحاثهم اهتمت بدور إجراءات تربية الطفل، واستنتجوا أن الأطفال الصغار يتكون لديهم التعلق أساسًا من خلال التغذية، وعادة يكون هذا التعلق بالأم. وقد لاحظ كل من: سيزر واينتج وآخرون Sears, Whintin & Nowlis "1935" أن السلوكيات الدالة على التعلق تنتج عن الوجود المستمر لأداء الآخرين لدور المغذي. أن الطفل منذ ولادته يتلقى الغذاء والدفء والحنان والتدليل وإطفاء ظمئه وتخفيف آلامه ومتاعبه بواسطة الآخرين. وهؤلاء الآخرين يتمثلون عادة في الأم، وكنتيجة لذلك يتعلم الطفل مبكرًا أن يساعد أمه ليضمن مساعدتها كلما تطلبت دواقعه الأولية بعض التغيير في بيئته لكي يمكن تخفيف هذه الدوافع. إن الأمهات بسبب ارتباطهن بخبرة اللذة التي تتعلق بالطعام فإنهن يعتبرن معززات ثانوية. إن الطفل الصغير يتعلم أن قرب الأم يعني اللذة والرضا، وبمعنى آخر افترض علماء التعلم أن الأم تعطي دلالة للتخلص من عدم الراحة أو هي بمثابة ابتداء المثيرات السارة. وقد افترضوا أيضًا أن الطفل المضطرب أو الخائف أو الذي لا يشعر بالراحة يبحث عن والدته كمصدر للتخلص من الخوف، أو عدم الراحة أو غيرها من المضايقات. وطبقًا لما ذكره بير وبيجو "Baer, Bijjou, 1969" فإن الأم نفسها كمثيرة تصبح متميزة كزمان ومكان، إما لإضافة معززات إيجابية لبيئة الطفل الصغير أو لنقص المعززات السببية منها.. وبالتالي فإنها تكتسب وظيفة تعزيزية إيجابية، وترسي الأساس للنمو الاجتماعي بعد ذلك لطفلها الصغير. 3- التعلق في الحيوانات: إن قدرًا كبيرًا من الأبحاث عن التأثر imprint أو التعلق في الحيوانات تثير الشك في هذا الرأي. ففي أعمال هيس Hess "1959، 1964"، لارني Larney

"1943" عن التأثر في الدجاج والبط يقترحان أن نظرية التعلم إنما هي تفسير غير صالح، فصغير البط مثلًا يتبع أي شيء متحرك يراه وخاصة فيها بين 13، 16 ساعة بعد الفقس، وعادة يتبع صغير البط أمه، ولذلك يصبح متعلقًا بالراشد. وعندما يحدث ذلك يتعلم صغير البط أن يسلك مثل باقي أعضاء النوع: مثال ذلك القيام بالسلوك الابتكاري العادي، وإذا لم يتأثر صغير البط بعضو آخر من الفصيلة، وليكن بكتلة من الخشب مثلًا أو حتى بشخص آدمي، فإنه لا يتعلم الاستجابة الاجتماعية المناسبة لنوعه. وعلى ذلك، وبالنسبة للبط على الأقل فإن التأثر يبدو أنه مقدمة للنمو الاجتماعي العادي. إن التعلق لا ينتج عن تعزيز ثانوي، ولكنه يمثل تتابع فعل ثابت يحدث فيه مثير بيئي "شيء متحرك" كميكانيزم مخفض reaser للبط كي يقوم بالاستجابات التالية "Hess, 1959, 1964" علاوة على ذلك فإن التعلق يبدو وكأنه لا يحدث إلا في فترة حاسمة يبدأ من الولادة إلى سن حوالي 24 ساعة. أما بعد هذه الفترة فإن الحيوانات عادة لا تتأثر. إن فكرة الفترات الحاسمة اللازمة لفهم تطور استجابة الحيوان يمكن أن تكون أيضا ذات أهمية لفهم نمو الإنسان "Caldwll 1962". أبحاث هارلو Harlow: أن أشهر الأبحاث المعروفة عن التعلق لدى الحيوانات قام به هارلو Harlow الذي بحث في نمو التعلق في القرود حديثه الولادة واستند فيه على بديلين للأم، وقد صنعت إحدى البديلتين من السلك، أما الأخرى فقد كسبت بقماش وبري، وقد تناول نصف القردة الصغيرة غذاءهم من الأم السلكية، والنصف الآخر من الأم الوبرية: وطبقًا لنظرية التعلم بالنسبة للتعلق فإن القرد الصغير يجب أن يتجه إلى حب "تعلق" الأم التي غذته "Hairlow & Zimerman 1959"، غير أن معطيات البحث أظهرت خلاف ذلك، إذ كانت القردة التي تتغذى من الأم السلكية تقضي معها وقتًا كافيًا لتناول الغذاء فقط، بينما فضلت البقاء مع الأم البديلة المصنوعة من القماش الوبري واللعب معها والاتصال بها، كما أن القردة التي تلقت غذاءها من الأم البديلة المصنوعة من القماش المغطى لم يكادوا يمضوا وقتًا يذكر معها. علاوة

على ذلك ففي موقف مثير للخوف هرع القردة إلى الأم البديلة المصنوعة من القماش التي تمدهم بما أسماه "هارلو" "راحة الملامسة" Contct comfort. إن ملامسة الأم المصنوعة من القماش مما أدى إلى خفض الخوف الذي شعرت به القردة. كما عكف على تكرار البحث عن أشياء أخرى مثيرة للخوف مستخدمة في ذلك الأم كقاعدة أمان تبدأ أمنها استطلاعاتها. أن هذه النتائج التي اتضحت عدة مرات، تقترح أن هناك قدرًا كبيرًا من جوانب نظرية التعلق لا يمكن تفسيره بمبادئ التعزيز الثانوية، وقد استخدمت المعالجة البيئية التي ركزت معظم البحث على التعلق لدى صغار الإنسان "الأطفال" وقدمت تفسيرًا بديلًا. 4- العوامل التطورية: كان جون بولبي John Bowlbly "1958، 1960، 1969، 1973" من أول الباحثين في موضوع التعلق في الأطفال الآدميين من الناحية البيئية، وهو يعتقد أن التعلق البشري له أساس بيولوجي لا يمكن فهمه إلا في إطار تطوري، وبالرغم من أنه يعترف بدور التعلم في التعلق البشري، إلا أنه يعترف أن التركيب العضوي الإنساني مزود بأنماط سلوكية ثابتة نسبيًا تعمل على خفض احتمال تعرض الوليد للموت قبل الوصول إلى مرحلة النضج. وهذه الأنماط التي تعتبر

ضرورية لبقاء النوع تولدت عن التاريخ التطوري للإنسان وقامت وظائف تشبه وظائف التعلق في الأشكال الحيوانية الأدنى مرتبة، وأهمها "حماية الصغار"، ولكي تكون هذه السلوكيات فعالة يجب أن تكون موجهة إلى الأعضاء الراشدين من النوع، وخاصة الأم. وهذه السلوكيات تضمن الرعاية المناسبة من الراشدين، ومن ثم تعمل كطرق يستطيع الطفل فيها أن يتأكد من البقاء طوال فترة الطفولة. ويهدف التعلق إلى وضع الطفل على اتصال وثيق ببعض أعضاء النوع وهو ينشط عندما ينفصل الصغار عن هذا العضو أو يهددونه بذلك. والسلوك التعلقي ينتهي بالإثارة البصرية أو السمعية أو اللمسية من جهة العضو المتعلق من النوع وهو عادة الأم. وكلما كان الانفصال أو التهديد شديدًا، زاد مقدار الانفعال اللازم لإنهاء سلوك التعلق. مثال ذلك أن التهديد الشديد قد يولد سلوكيات تعلقية لا تنتهي إلا عندما يقوم الطفل بالاتصال بالعضو المتعلق به، في حين أن تهديدًا أقل درجة قد يولد سلوكيات تعلقية تنتهي بمجرد روية العضو المتعلق به. ويعتقد بولبي Bowlby "1969، 1973" أن الإنسان قد طور الأنماط السلوكية التي تعكس التعلق. وبتوجيه السلوك التعلقي نحو الراشدين، وعادة من يقوم بالرعاية الأولية له، فإن الطفل يضمن الرعاية المناسبة ويزيد فرصته للبقاء إلى فترة طفولة طويلة. ويقول "بولبي" أن الأطفال الصغار لديهم خمسة أنواع من السلوك المحدد تساعدهم على إحداث وإبقاء الاتصال بالراشدين. إن التشبث Clinging، والمص Sucking والملاحقة following، تعمل على إبقاء الاتصال بالنوع. أما البكاء Crying والابتسام Smiling فيجعلان الراشد يقوم بالاتصال الاجتماعي مع الطفل. ومع نضج الطفل تتكامل هذه السلوكيات وتتركز حول الأم وتكون الأساس للتعلق بها. ومع التقدم في السن، فإن السلوك يفترض أن يتحول من الاتصال البدني بالأم إلى اتصال أكثر بعدًا، بما في ذلك التعضيد "التأييد" الانفعالي emotional support.

دور تطور التعلق الاجتماعي

دور تطور التعلق الاجتماعي ... دورة تطور التعلق الاجتماعي: يمكن تقسيم دورة تطور التعلق الاجتماعي إلى ثلاث مراحل وهي: 1- مرحلة اللاجتماعية: "عدم التعلق الاجتماعي": وهي تبدأ منذ الميلاد، حيث أشارت الدلائل إلى أن الطفل الرضيع لا يبد أي تعلق اجتماعي بالآخرين، واعتبر الباحثون أن الرضيع "غير متعلق" اجتماعيًا في الشهور المبكرة من حياته، وليس معنى التعبير "لا اجتماعي". هنا: أن الرضيع لا يستجيب للمثيرات الاجتماعية، بل المقصود أن استجابته لا تختلف كثيرًا لهذا المثيرات الأخرى عنها للمثيرات الاجتماعية. وقد وصل الأمر ببعض الباحثين إلى افتراض أن تمييز الطفل لنفسه عن المثيرات في البيئة الخارجية يكون هدفًا رئيسيًا لهذه المرحلة واعتبروا هذا شرطًا ضروريًا لتطور التعلق الاجتماعي فيما بعد. 2- مرحلة "ما قبل الاجتماعية": وتبدأ هذه المرحلة تقريبًا في الشهور الأولى حتى الشهر السابع، وتسمى هذه المرحلة أحيانًا مرحلة "التعلق غير التمييزي". والطفل في هذ المرحلة، ومن خلال تفاعله مع الآخرين يتعلم أن يفرد الأشخاص كمواضيع تثيره وتستجيب له أكثر من غيرها في العالم حوله، فهو لا يزال لا يعرف أن هؤلاء الأشخاص أمه أو أبيه مثلًا، لكن يبدو أن هذا ليس مهما في هذه المرحلة، وتتميز هذه المرحلة من التعلق الاجتماعي بغياب الاختيار، فالطفل ما زال يبتسم للوجوه دون أن يميز وجه مألوف وآخر غير مألوف، والطفل قد يحتج إذا ما فصل عن شخص معين، لكن استبدال هذا الشخص بشخص آخر، لا يؤثر في الطفل. 3- مرحلة الاجتماعية التعلق الاجتماعي المتخصص: وهذه هي المرحلة الأخيرة تبدأ عادة بعد الشهر السابع تقريبًا وهنا يبدأ الطفل في الاحتجاج إذ غاب عنه شخص معين، "الأم في العادة"، وتظهر على بعض الأطفال علامات التعلق بأكثر من شخص، ولكن يظل هؤلاء أشخاصًا معينين، ولذا يتضح أن بمقدر الطفل أن يميز أمه عن الأفراد الآخرين، فهو يتعلق بها دون غيرها، وكحاضنة رئيسية له تمثل له شخصا ذا دلالة. ولهذا سميت هذه المرحلة بالمرحلة "الاجتماعية".

وتشير الدراسات: إلى أن التعلق يتطور بشكل سريع، ويجب ملاحظة أن المراحل السابقة للتعلق تختلف من مجتمع لآخر، كما أنها تتأثر بعوامل النضج، وبالخبرات الاجتماعية المبكرة التي يمر بها الرضيع، وتتأثر كذلك بطريقة التربية، ولذلك من الصعب ربط كل مرحلة بعمر معين. أبحاث شافر وإمرسون Scaffer & Emarson: قام هذا الباحثان "1964" بإجراء واحدة من أولى الدراسات الطولية حول التعلق لدى الإنسان، مستخدمين مجموعة من "60" طفلًا اسكتلنديا، وقد قام هذان الباحثان بتعريف التعلق على أنه ميل الطفل إلى البحث عن القرب من أعضاء النوع الآخر، كما يدل على الاعتراض على الانفصال عن هؤلاء الآخرين. وقد أرادا في بحثهما أن يستطلعا السن الذي يبدأ فيه التعلق، ومدى شدته وأهدافه. وقد لاحظا واختبرا "31" ذكرًا، "29" أنثى. وقد قيس التعلق في عدد من ظروف الانفصال عن الأم: ترك الطفل بمفرده في حجرة، تركه مع أشخاص أخرين، تركه في عربة خارج المنزل أو خارج محل تجاري، ووضعه في الفراش ليلًا، وضعه بعد أن كان محمولًا، والمرور عليه وهو ما يزال في الفراش. هذا والمعطيات التي جمعت خلال المقابلات مع الأمهات كل أربعة أسابيع في السنة الأولى من الحياة ثم في سن 18 شهرًا، كانت تتضمن: مظهر احتجاج الطفل على الانفصال، ومدى تكراره، وشدته، والشخص الذي وجه إليه الاعتراض، أي الشخص الذي أدى رحيله إلى حدوث الاستجابة ويبدأ ظهور التعلق في الربع الثالث من السنة الأولى، وفي أثناء الستة شهور الأولى يحتج الطفل عادة عندما يرحل أي شخص كان قريبًا، وهو شكل من أشكال التعلق غير التمييزي. ويقترح "شافر وإمرسون" أنه في خلال الستة شهور الأولى يبحث الطفل عن الاتصال وجذب انتباه الأغراب والمألوفين على حد سواء مما يدل على التعلق بالناس عامة. وفي خلال الستة شهور الثانية من الحياة فقط يقوم الطفل بإظهار الاعتراض على الانفصال عن أشخاص معينين وبذلك يظهر التعلق بإناس معينين، وخاصة الأم. وهذه التعلقات الشديدة تبلغ الذروة بين سن 12، 18 شهرًا.

ويبين الشكل التالي منحنيات النمو لأنماط معينة من التعلق، والتعلق بالأم والتعلق غير المتميز. لاحظ أن بداية تعلق معين لا يستبعد الاحتجاج على الانفصال عن الناس بصفة عامة "التعلق غير المميز"، لقد احتج الأطفال بطريقة ما عندما غادرهم أي شخص، ولكن بعد نحو "7" شهور كان احتجاجهم أكثر شدة عندما تركهم أشخاص معينون. إن الأطفال بصفة فردية يكونون تعلقًا خاصة فجأة وليس بالتدريج، كما يبين الشكل أن هذه المنحنيات تمثل متوسط الدرجات المسجلة لكن سن. إن الأطفال في أي سن محددة يختلفون بقدر كبير في احتياجاتهم كما يتغير أيضا السن الذي تحدث فيه تعلقات خاصة. إن طفلًا واحدًا أظهر تعلقًا خاصًا في سن "22" أسبوعًا، ولكن الأطفال الآخرين لم يظهورا هذا التعلق إلا بعد أن بلغوا من العمر عامًا أو أكثر. وإذا كان المتعلق به هو شيء واحد محدد، فإن 65% من أفراد العينة اختاروا الأم. أم الأطفال الباقين فغالبًا قد اختاروا الأب. وكان الأشخاص الآخرون

بالنسبة للتعلق المتميز هم غالبًا من أفراد الأسرة وليس من أفراد المجتمع المحلي أو أصدقاء الوالدين. وعندما يأتي الوقت الذي يكون فيه الطفل تعلقًا محددًا، فإن عدد الأشخاص الذين يتعلق بهم الطفل يزداد ببطء، بحيث يصبح الطفل العادي متعلقًا بعدد من أشخاص مختلفين، وهو في سن 12، 13، 14 شهرًا. وتدل هذه النتائج على أن عملية التعلق تتكون من ثلاث مراحل: ففي المرحلة الأولى أو المرحلة اللاجتماعية يبحث الفرد عن الإثارة من كل أجزاء بيئته. وتستمر هذه المرحلة إلى نحو سن سبعة شهور. وفي المرحلة قبل الاجتماعية يقوم الفرد بتمييز الكائنات البشرية كأشياء باعثة على الرضا ويحاول نشطًا أن يبحث عنهم. وفي المرحلة الأخيرة أو الاجتماعية، وهي التي تبدأ في سن حوالي ثمانية أشهر يكون الطفل متعلقًا بأشخاص معينين. إن الاحتجاج على الانفصال يقل عند سن حوالي "18" شهرًا، عندما يتم نمو الطفل ويفهم أن الوالد ما يزال موجودًا حتى ولو لم يعد يراه. إن هذه النتيجة تدل على أن العوامل المعرفية تلعب دورًا له دلالته في نمو التعلق والاحتجاج على الانفصال.

التعلق والاستكشاف

التعلق والاستكشاف: يمكن أيضًا النظر إلى التعلق على أنه آلية تكيفية لاستكشاف البيئة "Ainsworth 1973" اللازمة لكي يتعلم الطفل مما يحيط به. "شكل: 70".

جدول "11" الوقت والأحداث في المواقف الغريب إن الأطفال الصغار يستخدمون الأم كقاعدة آمنة يستكشفون منها. إن التعلق يبقى الطفل على اتصال آمن بالأم، بعيدًا عن الخطر، كما أنها تعمل على جعل الطفل يبحث عن الأم إذا ما طرأ خطرًا. وهذا الرأي عن العلاقة بين التعلق والاستكشاف هو أساسًا عبارة أخلاقية مثل الرأي الذي اقترحه "بولي"، أن العلاقة بين الطفل ومن يقوم بالرعاية تضمن الحماية لصغار النوع اللازمين لنضج وتقدم النوع. وقد صممت إينزورث Ainsworth وزملاؤها، ما يعرف بالموقف الغريب، كما في الجدول "11" السابق والذي يتكون من سلسلة من مواقف الانفصال والاتصال بين الأم والصغير مع تتابع مخطط للمواجهات بين الطفل وشخص غريب. ويتضح من سلوك الطفل في هذه المواقف نواحي عديدة مختلفة من التعلق، وقد استخدم ويتنج وإينزورث Witting Ainsworth "1969" موقف الغريب لدراسة نمو التعلق لدى 56 طفلًا صغيرًا في سن "49-56" أسبوعًا. وقد سجل

هذان الباحثان عمليات البحث والاستكشاف والغرب والاتصال، وكذلك الإبقاء على الاتصال. وقد حدثت استكشافات حركية ويدوية وبصرية مرات عديدة عندما كانت الأم موجودة، وقلت بدرجة حادة عندما دخل الشخص الغريب إلى الحجرة. أما البحث عن الاتصال والاحتفاظ به فكانا ضعيفين أثناء الأحداث الأولى ولكنها ازدادا أثناء الانفصال. وفي أول مرة يعاد الاتصال فيها بالأم كان الإبقاء على الاتصال وقد حدثت استكشفات حركية ويدوية وبصرية مرات عديدة عندما كانت الأم موجودة، وقلت بدرجة حادة عندما دخل الشخص الغريب إلى الحجرة. أما البحث عن الاتصال والاحتفاظ فكانا ضعيفين أثناء الأحداث الأولى ولكنها ازدادا أثناء الانفصال. وفي أول مرة يعاد الاتصال فيها بالأم كان الإبقاء على الاتصال متزايدًا جدًا، بل وتزايد أكثر أثناء الاتصال للمرة الثانية. وتدل هذه النتائج على أن الأم تكون بمثابة قاعدة آمنة يبدأ منها الطفل استكشاف بيئة جديدة. وعندما تكون الأم الحاضرة، فإن الطفل يشرع في الاستكشاف ويتغلب على تعلقه، وعندما تخرج الأم يتوقف الطفل عن استكشافاته ويزيد من شدة تعلقه.

التنشئة الاجتماعية والتعلق الاجتماعي

التنشئة الاجتماعية والتعلق الاجتماعي: قامت العديد من الدراسات بدراسة آثار ممارسات التنشئة الاجتماعية المتعلقة بأوضاع الطفل في تطور التعلق الاجتماعي عنده، وبخلاف ما تؤكده نظرية التحليل النفسي فليست هناك أي بيانات تشير إلى علاقة بين طريقة الإرضاع مثلًا "من الثدي أو من الزجاجة ... إلخ" وبين شدة التعلق الاجتماعي، أو زمن بداية ظهوره، بل تشير الدراسات إلى أن الناحية العامة هي العلاقة بين الطفل وأمه في أثناء الرضاعة. كما أشارت الدراسات إلى أن الأمهات اللائي يستجبن بسرعة للإشارات من أطفالهن يحصلن على أطفال أكثر تعلقًا بهن، مما يتعلق أطفال الأمهات اللاتي يتأخرن في الاستجابة بتلك الأمهات. والأهم من سرعة الاستجابة أن تكون هذه الاستجابة مناسبة لما يبدو على الطفل من علاقات اضطراب. وهذا الأمر تتعلمه

الأم بعد طول عناء بحيث تصبح قادرة على تمييز ما يريده طفلها بتلك الإشارات، أي أنها أصبحت وإياه في علاقة تفاعل متبادل تتأثر بإشاراته وتؤثر فيها. وتبدو أهمية هذا التفاعل واضحة في ممارسة التنشئة الاجتماعية، تتعلق هذه الممارسات بمدى تواجد الأم عند الطفل. فالبرغم من أن الدراسات لم تستطع تحديد الطول الأمثل للفترة التي تقضيها الأم مع طفلها. إلا أن العامل الأهم هنا هو المدى الذي يتفاعل به من يعتني بالطفل مع مدى مداعبته، اللعب معه، والابتسام له، والتحدث إليه. وأخيرًا، فهناك ممارسات أخرى للتنشئة الاجتماعية، وتلعب هذه الممارسات دورًا مهمًا في تطور التعلق الاجتماعي، والمهم هنا أن التعلق يضع الأساس لمدى تتقمص الطفل للشخصية التي تعلق بها، فالتعلق أو النفور يؤثر في الشخصية التي يتقمصها الفرد، كما يضع الأسس لعلاقات الطفل الاجتماعية بغيره من أفراد أسرته وجيرانهم، ومع كل من يتعامل معه، وتظهر هذه العلاقات في شكل: اللعب، الصداقة، العطف، المكانة الاجتماعية.. إلخ.

الأم والتعلق

الأم والتعلق: إن معظم الأبحاث عن التعلق في الفترة الأخيرة هدفت إلى التعرف على أنماط تربية الطفل التي ترتبط بأساليب الطفل في مواجهة البيئة الغريبة، وقد صمم كل من: أينزورث وبيل وستايتن Ainsmroth, Bell, Staytan "1970" خطة لتصنيف الأطفال طبقًا لردود أفعالهم نحو البيئة الغريبة. وقد كانت الدرجات التي حصلوا عليها لهذه الطريقة إيجابية "Connell 1974، 1977"، حتى أنه يمكن تنفيذها في برامج العقول الإلكترونية. وقد تحددت ثلاث مجموعات من الأطفال الصغار: "As Bs Cs" على أساس سلوكهم في الموقف الغريب. أبدت المجموعة As رغبة ضعيفة في الاتصال أو القرب من الأم، وعندما تم حملهم لم يتشبثوا أو يقاوموا إعادة وضعهم. لقد مالوا إلى تجنب الأم أو إهمالها عند عودتها، مثال ذلك: فقد بعدوا عنها وعدم النظر إلى وجهها. ويعرف هؤلاء الأطفال أحيانًا باسم "غير المتعلقين".

أما المجموعة Bs فقد بحثوا عن الاتصال بالأم وأبقوا على الاتصال بها بعد انفصال قصير، كما أنهم أظهروا درجة عالية من الإبقاء على الاتصال. علاوة على ذلك فإنهم نادرًا ما تجنبوا الأم أو قاوموها. ويعرف هؤلاء الأطفال باسم "المتعلقون في آمان". أما المجموعة Cs فيتفاعلون بعنف للانفصال عن الأم. وهم يميلون لعدم استكشاف البيئة حتى مع وجود الأم، وبعضهم يبحث بنشاط عن القرب والاتصال، وفي نفس الوقت يندفعون بعيدًا عن الأم، وبعض أطفال هذه المجموعة لا يظهرون أي إشارات من البحث بنشاط عن الأم وهؤلاء الأطفال يعرفون أحيانًا باسم "المتعلقون في غير آمان". بعض نتائج البحوث حول التعلق الاجتماعي: ذكرت إينزورث وآخرون "1971" Ainsworth, et al. أن أمهات الأطفال في المجموعة "أ، جـ" أقل حساسية من أمهات المجموعة "ب" للإشارات ووسائل الاتصال في المنزل. ويبدو أن أمهات الأطفال في المجموعة "ب" لهن أحسن علاقات شخصية مع الأطفال. وهؤلاء الأمهات أكثر حساسية وتقبلًا وتعاونًا من أمهات المجموعة أ، جـ. ويبدو أن أمهات أطفال المجموعة "أ" أكثر رفضًا "نبذا"، وأمهات أطفال المجموعة "جـ" لسن رافضات بشكل واضح ولكن تفاعلهن مع أطفالهن ليس منسجما. وقد اقترح بولبي Bowlby "1973" أن هذه التفاعلات المختلفة بين الأم والطفل قد تؤدي إلى أن يكون أطفال المجموعتين "أ، جـ" ذوي شخصيات أقل نموًا وتكاملًا من أطفال المجموعات "ب"، وخاصة في سمات الاعتماد على النفس والثقة في الآخرين. إن هذا التفسير والبعد الواحد للتعلق لا يأخذ في الاعتبار التفاعل المتبادل بين الوالد والطفل، وملاحظة هذا النقص، يرى ساندر Sander "1964" أن الانسجام بين الوالد والطفل غالبًا ما يؤثر على التعلق، والانسجام يتوقف على القدرات التكيفية من الأم والطفل. إن الأم يجب أن تكون حساسة لإشارات

طفلها، وللظروف البيئية التي تؤثر على سعادة الطفل. إن الطفل يجب أن يستجيب اجتماعيًا ويهيئ للأم تغذية رجعية. والتفاعلات المنسجمة تتضمن نقص الصراع، وعلاقة فعالة وإيجابية بين الأم والطفل. وطبقًا لأينزورث وآخرون "1971" فإن هذه التفسيرات للتفاعلات بين الأم والطفل ضرورية لفهم سلوك أطفال المجموعة "جـ" في الموقف الغريب. إن العلاقة غير المنسجمة أو غير المرضية مع الأم يولد عدم الآمان لدى الطفل، والتي تعبر عن نفسها عادة في شكل القرب المتزايد والبحث عن الاتصال. وكذلك انخفاض الإقدام على الحزن الناتج عن الانفصال. وهناك أدلة إضافية تربط بين تفاعل الوالد والطفل ونوع التعلق "Martwn": إن استجابة الأم لبكاء طفلها الصغير ترتبط بقوة التعلق "شيفر واميرسون 1964"، وكذلك الاستجابة لمبادأه الطفل "كلارك، ستيوارت Clark, stwart 1973"، أن أمهات المجموعة "ب" يقدمن مزيدًا من الحث ويظهرن أنماطًا أكثر إيجابية نحو أطفالهن، ويستجبن مرات أكثر لسلوك أطفالهن وهناك أدلة أكثر حداثة Blehar, Lieberman & "Ainwerth 1977" تدل على أن أمهات المجموعة "ب" يبقين على نوع أعلى من شكل "71" ينمو التعلق بالأم منذ الشهور المبكرة من عمر الطفل تبعًا لاستجابات الأم من الطفل

التفاعل عن أمهات أطفال المجموعتين "أ، جـ" أما أمهات أطفال المجموعة "ب" فإنهن يشجعن أيضًا على مزيد من التفاعلات المتبادلة وكذلك الأكثر دفئًا، ويضعن حدًا لعدد أقل من التفاعلات، ويتحدثن أكثر إلى أطفالهن ويلمسنهم أكثر "Connel, 1977". إن حث الأم للطفل maternal stimulation يرتبط أيضًا بالتعلق، فالأطفال الذين يبدأون تعلقًا أقوى في المواقف الغريبة والذين يستخدمون الأم كقاعدة آمنة، يبدأن منها استكشافهم للبيئة تكون أمهاتهم أكثر حساسية لمتطلبات تغذية الطفل ويسمحن للطفل بأن يحدد المواعيد والفترات ومدة الغذاء. Bell 1969/ Valchwll, Wroght, Honing & Tarnenbaum, 1970 Ainswarthوالأمهات اللاتي لا يبدين حساسية لمبدأة أطفالهن في التغذية يقمن بتربية شكل "72" يظهر الأطفال تحت الضغوط مزيدا من التعلق بالأم أكثر مما يظهرون نحو الأب

أطفال يعترضون الأم ويظهرن اهتمامًا أقل بالمحافظة على الاتصال بها "مارتن، 1975" وبصفة عامة يبدو أنه عندما تتجاهل الأمهات أطفالهن فالأطفال بدورهم يتوجهون إليهن بدرجة أقل "Beckwith 1972". إن الاقتصار على دراسة تأثيرات الوالدين على سلوك الطفل إنما تتجاهل نصف علاقة الوالد بالطفل وكذلك طبيعة علاقات التفاعل بين الوالد والطفل. "Bell, 1968, Rheingald, 1969 Martin, 1975" إن العلاقة بين الوالد والطفل التي ناقشناها ذات تفاعل واضح ومن المناسب أن نناقش نصيب الطفل في هذا التفاعل. مزاج الطفل وجنسه: ويعتبر المزاج temperament من الصفات ذات الأهمية الخاصة في التفاعل بين الوالد والطفل، وقد قدم شيفر واميرسون، "1964" مجموعة من الأطفال الصغار إلى أولئك الذين يحبون أن يدللوا، وأولئك الذين يعارضون التدليل "العناق والأحضان"cudding. ومع أن أمهات الأطفال غير المدللين كن يملن أساسًا نحو الأساليب غير الجسمية للتفاعل مع أطفالهن إلا أن الفرق بينهن وبين أمهات الأطفال المدللين لم يكن ذا مغزى، وكانت أمهات الأطفال المحبات للتدليل "عناق واحتضان الطفل" لا تجدن صعوبة في الاتصال الجسماني أو غير الجسماني مع أطفالهن في حين أن أمهات الأطفال الآخرين كن لا يؤدين اتصالًا جسمانيًا. وتدل هذه النتائج على أن الفروق في أمزجة الأطفال ترتبط بأنواع التفاعلات بين الوالد والطفل التي سبق مناقشتها. وقد قدم توماس وزملاؤه. Thomas, et al. "1968" دراسات متسعة عن مزاج الطفل فيما يختص بتفاعل الوالد والطفل. والتفرقة بين المزاج والقدرة والدافعية التي تؤثر أيضا على السلوك، فقد قام توماس تشيس Thoma & Chess "1977" بتعريف المزاج بأنه نمط سلوكي، أي الطريقة التي يسلك بها الفرد. وعلى ذلك فإن المزاج يشير إلى الصفات النمطية للسلوك. وهو يتأثر بالظروف البيئية، كما يتم تعلمه في جزء منه، وقد يكون له أيضًا أساس "وراثي". وقدر

برزت تحليلات تقديرات المزاج من ملاحظة الأطفال بالإضافة، إلى استبيانات الآباء والمعلمين. وقد أظهرت ثلاثة أنماط مزاجية هي: أ- الطفل السهل "Easy Chid": وهو الذي يتكيف مع التغيرات، ويكون أنماطًا منتظمة للآكل والنوم، وهو قابل للتكيف. ب- الطفل الصعب "Difficult Child": وهو الذي يظهر أنماطًا سلوكية مضادة لذلك. وهؤلاء الأطفال من هذا النمط يكونون عابسين moody، ولهم أنماط غير منتظمة في الأكل والنوم، ولا يتوافقون بسهولة مع المثيرات الجديدة أو المتغيرة. جـ- والطفل البطئ في الانفعال The slow to warm up child: وله نمط بين النقيضين. والأطفال من هذا النمط يتكيفون، ولكن ببطء، ويظهرون استجابات متوسطة وسلبية للتغير، وهم أكثر انتظامًا من الطفل الصعب بالنسبة لأنماط الأكل والنوم. والتنظيم المزاجي الخاص للطفل يؤثر على تفاعلات الوالدين مع الطفل مثال ذلك: أن مزاج الطفل يؤثر على كيفية أداء الوالدين، والطفل السهل يمكن أن يكون شديد التعزيز للوالدين لأن الوالدين يشعران بسهولة بأنهما يقومان بمهمة ناجحة. والعكس قد يحدث مع الطفل الصعب، وقد يشعر الوالدان بأنهما غير قادرين، وأن الطفل إنما هو عبء، وهناك خطر في أن يتفاعلا بمشاعر سلبية، وبذلك يزيدان عن استجابات الطفل السلبية. أن الدورة المفرغة قد تستمر في التزايد خلال فترة الطفولة إلى أن تتولد العدوانية المفتوحة بين الوالدين والطفل. وكما يدل عليه هذا المثال بوضوح، فإن الجمع بين صفات الطفل والوالد يحدد بدرجة كبيرة تفاعلات الوالد والطفل الخاصة بالتعلق. ومع أنه لا توجد دلائل فإنه من المهم أن نذكر أن نمط التفاعلات مع الطفل الصعب تؤدي إلى النوع "جـ" من سلوكيات التعلق. أما أطفال النوع "أ" فيما يختص بالتعلق قد يتكونون من أطفال يتسمون بالسهولة، وأطفال المجموعات "ب" قد يتكون من أطفال درجة انفعالهم بطيء في المجموعة المزاجية. وإذا أردنا توضيح ذلك: فإن ذلك يوضح أهمية دراسة العلاقات بين الوالدين والطفل في إطار تفاعلي.

إن جنس الطفل والفروق المزاجية المرتبطة بالجنس ترتبط هي الأخرى بالتفاعل بين الأب والطفل "Martin, 1975" إن الأولاد ينامون أقل وهم أكثر مناكفة وأكثر عرضه للضيق من البنات "Moss, 1967". وكنتيجة لذلك فإن الأمهات يحملن الصبية أكثر من البنات، ويقدمن لهم مزيدًا من الإثارة، ويستجبن بإرادة أكثر لوضع حد للضغوط لدى الصبية "Corter Bow 1967". كما أن الأمهات يقضين وقتًا أقل في الأنشطة الاجتماعية والوجدانية والخاصة بالرعاية مع الأطفال الذين يولدون فيما بعد، وخاصة البنات "Jaciles & Moss 1976". وتبين هذه النتائج كيف تدعم سمات الاختلاف في الأطفال الفروق الفردية في التعلق وفي العلاقة بين الوالدين والطفل.

الأب والتعلق

الأب والتعلق: هناك أدلة كثيرة على أن الأطفال الصغار يتعلقون بكل من الأب والأم منذ بداية علاقات التعلق، ولم نجد غير دراسة قامت بها لامب Lamb "1975، 1976" حيث قامت بدراسة التعلق بين الطفل والأب، وقد بحث كل من فلرتي وهيتون وريتشي "Flaherty, Heatun ritchey 1975 وميشيل لام صور اسكنر شكل "73" ينمو التعلق بالأب مع ارتباط الطفل به كبديل للأم

Michael lam 1975 1976. دور الأب كشخص تعلقي، ونرى أن الطفل سوف يظهر سلوكيات تعلق مختلفة تحت الضغوط، ولكن تحت ظروف غير ضاغطة فإنهم لا يظهرون فروقًا في التعلق بالأم أو الأب. ولكي يختبر هذا الفرض صمم لامب Lamb موقفًا مع التواجد وعدم التواجد المنتظمان للأم وللأب والغريب. وتعتقد لامب Lamb أن ذلك يرجع في جزئية إلى الاختلاف في تفاعلات الأب والأم، وأثناء الحدث الأول تكون الأم والأب والطفل معا. أما في الحدث الثاني فتكون الأم فقط "أو الأب" مع الطفل. بينما يتضمن الحدث الثالث الوالد الآخر مع الطفل، أما الحدث الأخير فيتضمن الأم والأب والغريب والطفل ",Lamb 1976". وقد سجلت سلوكيات الطفل متضمنة: الابتسام، والتحدث، والنظر، والوصول "Reachimg"، واللمس، والاقتراب، والتواجد بالقرب من شخص آخر. وقد قسمت لامب Lamb سلوكيات الطفل نحو والديه إلى مجموعتين: وتكون سلوكيات الاقتراب عبارة من استجابات توجه نحو الوالد، مثال ذلك: الابتسام، والنظر، والضحك. أما سلوكيات التعلق فهي عبارة عن استجابات تدل على التقرب وتشمل: اللمس، والسعي لكي يحمل الطفل، والاقتراب، والسعي للتواجد أقرب ما يمكن للوالد. وفي كل من المنزل والمعمل لم يظهر الأطفال الصغار أي فروق في التعلق بالوالدين في فترة الحدث الأول الخالية من الضغوط نسبيًا. غير أنهم أبدوا مزيدًا من الاقتراب نحو الأب أكثر مما أظهروه نحو الأم. وخلال الحدث الرابع الأكثر ضغطًا أظهر الأطفال سلوكيات تعلق أكثر نحو الأمهات منه نحو الآباء، كما وجهوا مزيدًا من سلوكيات التقرب نحو الأم في الموقف الأكثر ضغطًا. وعندما تسنح الفرصة للاختبار في الموقف الضاغط فإن الأطفال كانوا يفضلون الأم. وترتبط هذه الفروق في سلوكيات التعلق والتقرب بالتفاعلات اليومية التي تحدث من الوالدين مع الطفل "Lamb 1977". وتقوم الأمهات باتصالات جسمية مع الأطفال أساسًا في فترة الرعاية، في حين يؤدي الآباء الاتصال الجسماني أساسًا أثناء اللعب. ويرى لامب Lamb أن الأطفال يستطيعون التمييز بين هذه

التفاعلات، وأن الفروق في سلوكيات تعلقهم تحت ضغوط تعكس هذا المفهوم. وإذا سنحت للطفل فرصة الاختبار فإنه يفضل أن يتعلق بالأم وهي الوالد الأكثر ارتباطًا بالتغذية "التنشئة"، غير أنه إذا لم تكن الأم موجودة فإن الأب يمكن أن يكون بديلًا مقبولًا للتعلق به. وإذا لم يكن كلا الوالدين موجودًا فإن الطفل يظهر سلوك تعلق بالغريب "Rothental, 1976". أن التعلق لدى الطفل يدل أيضًا على النمو المعرفي كما يظهر ذلك في الطرق المختلفة التي يفسر بها الطفل بيئة. ويجب أن يكون الطفل قد حقق مستوى معين من النمو المعرفي قبل أن يتمكن من إدراك أنه في بيئة جديدة، أو أن فردًا ما غريب. ويجب أن يتوصل إلى قدر معين من التقييم المعرفي الذي يعكس تفسيراته المختلفة لتفاعلاته مع الأم ومع الأب. "شكل: 73".

نتائج التعلق

نتائج التعلق: رأينا فيما سبق أن إحدى نتائج التعلق هي السلوك الاستكشافي، أن التعلق نتيجتين آخريتين لهما أهمية تاريخية. الأولى: أن الاستجابات نحو من يقوم بالرعاية تعمم نحو الأشخاص الآخرين. وعلى ذلك فإن التعلق يهيئ الفرصة للطفل ليتعلم السلوك الاجتماعي. والثانية: أن الطفل يكون مخططًا نحو وجه من يقوم بالرعاية، وشكله وصورته وما شابه ذلك. وهذه النتيجة للتعلق ذات أهمية في نمو القلق الناجم عن الانفصال، ويتمثل في الاحتجاج على انفصاله عن الشخص المتعلق به. وفي دراسة أصبحت الآن تقليدية، أظهرت رينجولد "Rheiingold" "1956" أهمية التعلق في التعلم الاجتماعي، وقد تغلغلت أبحاثها فيما إذا كانت الاستجابة الاجتماعية العامة للطفل تكون أكبر عندما يكون للأطفال شخص ما يقوم بالرعاية بدلًا من الكثير. ولإمكان بحث هذه المسائل قامت "رينجولد" بدور الأم لعدد ثمانية أطفال في مؤسسة، وتلقى ثمانية أطفال كمجموعة ضابطة رعاية طبيعية في المؤسسة، مع وجود عدة أشخاص للرعاية، وبالضرورة استجابات منخفضة من جانب العاملين نحو احتياجات الأطفال.

أما أطفال المجموعة التجريبية الثمانية، فكانت لهم مقام الأم، حيث قامت بتغذيتهم واللعب معهم وتغيير ملابسهم وما شابه ذلك، وقامت "رينجولد" نفسها بهذه المهمة لمدة سبع ساعات ونصف يوميًا، لمدى خمسة أيام في الأسبوع. وفي بداية التجربة كان الأطفال في سن ستة شهور، كما أجريت اختبارات قبل أسبوع من بداية التجربة للاستجابة الاجتماعية نحو القائم بالتجربة "رينجولد" ولمن يجري الاختبار، والذي كان يشاهد الأطفال على فترات منتظمة من أجل اختبارات أخرى، كما أعطوا أسبوعين خلال التجارب وأسبوعين لمدة شهر بعد انتهاء التجربة، وفي نهاية الثمانية أسابيع الخاصة بالتجربة، اختبر كل الأطفال للاستجابة الاجتماعية نحو "رينجولد Rheingoid" ولمن يجري الاختبار والغريب. وكانت النتائج هي الموضحة في الشكل التالي: وهي توضح نمو الاستجابة الاجتماعية نحو "رينجولد" ونحو من يجري الاختبار، حيث كانت الاستجابة الاجتماعية للأطفال الذين قامت "رينجولد" برعايتهم

أعلى بالنسبة للاستجابة نحو "رينجولد" ومن يجري الاختبار معها عن الاستجابة الاجتماعية لأطفال المجموعة الضابطة، والتي كانت منخفضة نحو "رينجولد" ومن يجري الاختبار. وتدل المعلومات التي جمعت عند الأسبوع الثامن من التجربة أن أطفال المجموعة التجريبية بصفة عامة كانوا أكثر من أطفال المجموعة الضابطة، كما كانوا أكثر استجابة لمن يجري الاختبار، والغريب من أطفال المجموعة الضابطة. هذا والسلوكيات التي تعلمت من خلال الاستجابة لمن يقوم بالرعاية وتثيره من الناحية الاجتماعية يجري تعميمها على الراشدين، في حين أن الرعاية المتعددة وخاصة في إطار مؤسسة، بدت وكأنها تؤخر الاستجابة الاجتماعية. ومهما يكن من أمر، فالأطفال الذين أشرف على تربيتهم عدد من المربيين في مستوطنة إسرائيلية تعلقوا تعلقًا شديدًا بأمهاتهم كما هو حال الأطفال الذين تربوا في أسر أمريكية "Feldman Maccboy 1972" والاستجابة الأقل درجة من أطفال مجموعة رينجولد Rheigald الضابطة قد يكون السبب فيها نواحي أخرى من الوضع في المؤسسة، مثل النقص العام للإثارة. ومع أن "رينجولد" ذكرت أن الرعاية في المؤسسة بصفة عامة كانت من نوع جيد، فإن التفاعلات المميزة للعاملين بها مع الأطفال كانت محدودة.

الانفصال

4- الانفصال: إن قلق الأطفال إزاء الانفصال separation anxiety يعتبر ظاهرة واضحة نذكر أنه في بحث شافر وامرسون "1964" أن الاحتجاج على الانفصال قد استخدم كمعيار للتعلق. وبالنسبة للأطفال الأمريكيين فإن القلق من الانفصال يبدأ من حوالي سن 7-8 شهور. "قبل دوام الشخص المنتقى". وتنتهي عند حوالي سن 18 شهرًا "مع نمو دوام الشخص المنتقى"، وعلى الأقل في أكثر أشكاله تطرفًا. لقد شاهد كل الآباء مثل هذا السلوك عندما يتركون طفلهم في المنزل مع جليسة أطفال. وعند مغادرة الوالدين للمنزل فإنهما عادة يسمعان الطفل وهو يصرخ، وعند العودة إلى المنزل يخبران عادة بأن الطفل لم يبك إلا للحظات قليلة.

ويمكن تفسير قلق الانفصال بالتتابع التالي للأحداث المتعلقة بالرؤية النوعية النفسية، إذا كان الطفل متفاعلًا مع شخص، ثم يترك هذا الشخص الطفل فإنه يحدث فاصل في تسلسل الاستجابة التي يقوم بها الطفل، أي أن سلسلة استجابات الطفل قد قطعت، والطفل قد يبدأ عندئذ في البكاء كمحاولة منه لإعادة الاتصال بالفرد الذي كانت الاستجابات تجري معه. ولقلق الانفصال مركبات ثلاثة: أولها التباين الناتج عن الانفصال عن الشخص المتعلق به، والثاني انقطاع الاستجابات الذي يحدث نتيجة هذا الانفصال، والثالث استجابة من جانب الطفل لإعادة الاتصال بالشخص. ويجب أن يختفي قلق الانفصال عندما لا يصح غياب الشخص يمثل حدثًا للتباين، أو عندما ينجح الطفل في المحافظة على الاتصال. وكلا هذين الاحتمالين يحدثان بين سن "12، 18" شهرًا، وعندما يثبت دوام الشخص، "عند حوالي سن 18 شهرًا" فإن الطفل ينظر إلى الشخص كشيء آخر، ويدرك أن الاختفاء عن النظر ليس غيابًا على الدوام. وبعبارة أخرى فإن الطفل يدرك أن الآخرين مستمرون في الوجود رغم اختفائهم عن النظر. وبما أن الطفل يستطيع التحرك حوله بطريقة أفضل فإنه يستطيع متابعة الشخص، المتعلق به، وبالتالي يحتفظ بالاتصال في بعض المواقف إن لم يكن في كلهما، وفي هذه الظروف سوف يظهر قلق الانفصال بدرجة أقل لأن الطفل يستطيع الإبقاء على الاتصال بنفسه. الدخول إلى المستشفى: وقد يهم القارئ معرفة بعض حالات الانفصال الأخرى وهي أقل شيوعًا، تلك الحالات هي لسلوك الأطفال منذ الدخول إلى المستشفى أو الخروج منها إلى المنزل إن دخول المستشفى يجعل من الممكن دراسة انفصال الطفل عن الوالدين أو العودة إليهما. إن أنواع الانفعالات وشدتها نحو الدخول إلى المستشفى يختلف تبعًا لسن الطفل، مع حدوث تغيرات انفعالية تظهر في سن حوالي 7 شهور، إن الأطفال الأصغر من سن 7 شهور يكونون مستجيبين بشكل طبيعي للراشدين الأغراب ويظهرون أدلة قليلة للانفصال عن الوالدين. أما الأطفال الأكبر فيظهرون

درجات مختلفة من الاضطرابات الواضحة. وفيما بين سن 2، 3 سنوات يتفاعل الأطفال بشدة بالغة. فالبكاء، والغضب، والقئ، وفقد السيطرة على حركة الأمعاء والمثانية، وكذلك بعض المشاكل الأكل والنوم تكون عادة بين أطفال هذه السن. وفي سن 4-6 سنوات يظهر الأطفال مشاكل مشابهة ولكن ليس بنفس الشدة. والفترة من 7-12 سنة تعبير علامة مميزة للنمو. وأطفال هذه السن يميلون لإظهار درجة أقل نوعًا من قلق الانفصال، ولكنهم يظهرون درجة أعلى من القلق المتقطع. وهم يميلون لمزيد من الاهتمام بدرجة مرضهم وعما سوف يحدث لهم في المستشفى أكثر من اهتمامهم بالانفصال، كما أن الدخول للمستشفى يعتبر تجربة

جديدة للأطفال، وحيث أنهم قد توصلوا إلى مستوى عالٍ نوعًا من الاقتدار، فإن ذلك لا يدعو للدهشة. "شكل: 76". إن الأطفال الصغار نادرًا ما يعلمون ماهية المستشفى، في حين أن الأطفال الأكبر يعرفون أن الناس تذهب إلى المستشفى عندما يكونون في حالة مرض شديد. وهؤلاء الأطفال الأكبر سنًا قد يهتمون بأنهم في حالة مرض شديد وبالتالي يزداد قلقهم نحو ما سوف يحدث لهم في المستشفى أكثر مما يهتمون بانفصالهم عن والديهم. والمعلومات التي لدينا عن العودة إلى الوالدين قليلة جدًا، وبعد الخروج من المستشفى، ولكن الأحداث يبدو أنها تكشف عن الاتجاهات الآتية: عند العودة إلى المنزل، يظهر الأطفال الأقل من 7 شهور أعراضًا قليلة عن فترة المستشفى. والطفل قد يقل تحدثه عن المعتاد، ويقضي مزيدًا من الوقت يحملق في البيئة المحيطة به وقد يواجه مشاكل في النوم والأكل. ومهما يكن من أمر فإن هذه التغيرات قصيرة الأمد لا يحتمل أن تشكل متاعب للأسرة. إن العودة إلى الأسرة قد يولد تفاعلات أقوى كثيرًا في الأطفال الأكبر سنًا: الاعتماد البالغ على الأم، أو النبذ من الوالدين، والقلق من الانفصال عن الأم أو مشاكل في النوم والأكل. ومثل هذه المشاكل قد تدوم لبضعة شهور. وهذه الأعراض تعتبر تفاعلات طبيعية للأطفال عند الدخول إلى المستشفى والعودة منها إلى المنزل. وهي ليست شاذة بالضرورة أو تسبب زيفًا في النمو. ومع ذلك فإن على الوالدين أن يفهما أن الأطفال الذين يقضون وقتًا في المستشفى يجب أن يسلكوا بهذه الطرق. ولما كان الأفراد العاملين بالمستشفى قد خبروا هذه المشاكل فترة طويلة، فقد تمكنوا من استدخال إجراءات من شأنها أن تسهل على الطفل الدخول إلى المستشفى، ومواجهة ظروفها وظروف العودة إلى المنزل. فالزيارات اليومية للولدين أو الإقامة معهم في المستشفى، وإعداد برامج خاصة للعب في المستشفى أشبه بما يتوافر في مدارس الحضانة، وإعداد الأطفال للعلاج وتعويدهم

على التآلف مع حجرة العمليات وعلى الأجهزة والمعدات، قد أصبحت الآن من الاستراتيجيات المتبعة في المستشفيات الكبرى. وفي رأينا فإن القلق في مرحلة الطفولة قد استحق مثل هذه المناقشات المستفيضة لأنه يمثل بداية النمو الاجتماعي فيما بين الأشخاص لدى الطفل. هذا والفروق الفردية في شدة التعلق أو نوعه ومساره التطوري يوضح أهميته في النمو السيكولوجي. ومهما يكن من أمر فإنه لا يزال هناك ما يجب أن نعرفه عن مختلف المؤثرات، مثل: تأثير الوالدين في الفروق الفردية للتعلق ونموه على مدى حياة الفرد. ويجب أن يكون واضحًا من الآن أن السبب الذي جعلنا نناقش التعلق كمؤثر في وسائل تربية الطفل، كما اقترحت اينزورث Ainsworth وزملاؤها "1973"، فإن الوالدين يشكلان ليس فقط السلوك المباشر للطفل من خلال وسائل معينة في تربية الطفل، ولكنهما أيضًا قد يتدخلان في التنشئة الاجتماعية للطفل على المدى الطويل من خلال التعلق، غير أن المعلومات التي راجعناها تفترض أيضًا أن الأطفال أنفسهم يلعبون دورًا هامًا في تنشئتهم الاجتماعية ولا شك أن تأثير الوالدين يرتبط بطبيعة الطفل الخاصة، مثال ذلك: نمو المستوى المعرفي للطفل، وتاريخه التعلمي واتجاهه نحو سلوك معين، وقد يكون ذلك سابق التحديد بيولوجيا.

الاعتمادية

الاعتمادية مدخل ... 5- الاعتمادية: سبق أن ذكرنا واضحًا أنه كلما زاد الحث الاجتماعي socisl stimulation الذي تقدمه الأم، زاد تعلق الطفل بها. كما ناقشنا الأدلة التي تدل على أن الأم التي تكون أكثر حساسية واستجابة لاحتياجات أطفالها، فإنها تربى أطفالًا يكونون أكثر تعلقًا بها. وقدم علماء نفس النمو دراسات أخرى عن تأثير وسائل تربية الطفل على تكون الاعتمادية Dependency خلال سنوات الطفولة: Sears etal, 1957, Sears et 2956" Kagan& Moss 1962"

تعريف وقياس الاعتمادية

تعريف وقياس الاعتمادية: قد عرف هارتوب Hartup "1963"، سلوكيات الاعتمادية بالطريقة الآتية: "كما قدم الفرد دليلًا على أن الناس، كأناس، يوفرون الرضا والمكافأة، يمكن القول بأن الفرد يسلك بطريقة اعتمادية". وتشمل دلائل الاعتمادية البحث عن الاتصال الجسمي أو القرب من شخص ما، أو البحث عن المدح أو الموافقة من شخص ما أو محاولة جذب انتباه الغير، ومقاومة الانفصال عن شخص آخر "Maccaly & Master 1970". إن الكثير من هذه السلوكيات يلفت الانتباه إلى التعلق، ومن ثم لنا ن نتوقع علاقة وثيقة بين مقاييس الاعتمادية ومقاييس التعلق. وقد نتوقع أيضًا أن درجة تعلق الطفل يجب أن ترتبط بدرجة الاعتمادية في فترة الطفولة. غير أن الأدلة تفيد بأن كلا النوعين محتملًا. وهناك أسباب ممكنة للافتقار إلى الترابط بين مقاييس التعلق ومقاييس الاعتمادية في مرحلة الطفولة. وفي بعض الحالات لا يوجد لدينا مقياس معين يعبر عن مرحلتي الرضاعة والطفولة المبكرة. وإذا كان نفس المتغير مرتبطًا بمستويات النمو المختلفة فإنها لم تبحث في كلتا الحالتين. وثمة مثال للحالة الأخيرة هي الاستجابة للبكاء، وهي التي لم يجر قياسها إلا في فترة الطفولة المبكرة. وهناك مشكلة أخرى هي أن الدلائل المختلفة للاعتمادية لا يوجد بينها ارتباط وثيق. ويفترض "ماكوبي وماسترز، "1970"، مارتن، "1975" ويفترضون أن الاعتمادية مفهوم متجزء، ويغطي مجموعة منوعة من السلوكيات، وقد تم التوصل إلى نظام إدراكي وذلك بالتفرقة بين مجموعات سلوكيات الاعتمادية، مثل الاعتمادية الوجدانية "البحث عن الاتصال بشخص آخر لأن مثل هذا الاتصال مجزي". في مقابل الاعتمادية الآلية "البحث عن المساعدة من شخص آخر لتحقيق بعض الأهداف غير الاجتماعية: مثل جعل أحد الراشدين ينشئ جهاز قطار الكتروني يمكن اللعب به"، والبحث عن القرب في مقابل البحث عن الانتباه.

ويبدو أن هذين النوعين من الاعتمادية في كل زوج مستقلان "ماكوبي وماسترز 1970، ومارتن، 1975" وهما يشبهان رأي لامب "lamb, 1977" في التفرقة بين سلوكيات الانتماء والتعلق التي تتجه بأشكال مختلفة نحو الأب والأم. وقد تظهر الأبحاث في المستقبل العلاقة بين مجموعات مقاييس سلوكيات الاعتمادية ومجموعة سلوكيات التعلق.

وسائل تربية الطفل والاعتمادية

وسائل تربية الطفل والاعتمادية: إن الآباء يؤثرون جزئيًا على تعبيرات أطفالهم عن الاعتمادية من خلال المكافأة والعقاب. فالأطفال الذين يلقون مكافأة على اعتماديتهم يصبحون أكثر اعتمادية من الأطفال الذين لا يلقون من والديهم على هذا السلوك. أما الآباء الذين يعاقبون على الاعتمادية فإنهم يربون أطفالًا أقل اعتمادية من الأطفال الذين لا يعاقبون على اعتماديتهم أو أن تلك الاعتمادية تجري تجاهلها Hartup 1963" Maccobu & Masters 1970 Nelson 1960"، غير أن العلاقة بين المكافأة والعقاب للسلوك الاعتمادي وحدوثها ليست دائمًا ثابتة. ويذكر بعض الباحثين: "Sears Rau & Alpert 1965 Sears Mabboy & Levin 1957 Larrow & Camp bell & Burton 1968" أنه إذا كانت الأم قائمة بواجب ما وتتجاهل أو تعاقب على استجابات الاعتمادية من جانب الطفل، فمن المحتمل أن تتزايد هذه النتيجة التي تبدو شاذة في الظاهر وتعكس تاريخ التفاعل فيما بين الطفل والأم. فالطفل يكون قد تعلم أن الاعتمادية سوف تؤتي ثمارها، أي أن الطفل قد تعلم أن يتوقع تعزيزًا لسلوكيات الاعتمادية فإنه يستمر في القيام بها حتى لو أن الأم كانت تتجاهلها أو تعاقب عليها. والطفل يعرف أن الوالد يرضخ إن عاجلًا أو آجلًا ويلتفت إليه ولذلك فإنه ليس من المستغرب أن يجد بعض الباحثين Sears Whiting No Wlis & sears 1953" Martin 1915" أن أعلى نسبة مئوية من الأطفال المعتمدين يأتون من أسر تقوم فيها الأم بالمكافأة والعقاب على الاعتمادية.

ومع أن الدفء الأموي يرتبط إيجابيًا بتعلق الطفل الصغير ودفئه "Stern Caldwell Hersher Lipton & Richmond 1969 Martin 1975"، فإن الدفء الأبوي لا يرتبط بالاعتمادية الموجبة نحو الوالدين "Hatfield Fergusan Alpert 1967 Sears et al 1951 Becker 1964" إن درجة العدائية لدى الوالدين ونبذهما لا ترتبط هي الأخرى بالاعتمادية الموجهة نحو الوالدين. غير أن ثمة أدلة تقترح أن الاعتمادية الشديدة، وخاصة بالنسبة للأولاد نحو الكبار والأقران ترتبط بالتربية عن طريق الرفض من جانب الأمهات والآباء "Sears et al 1953 Sears et al 1965 Martin 1975" والأدلة حول العلاقات بين السماحية الوالدية والمنع Permissivenss-restrictiveness والاعتمادية لدى أطفال ما قبل المدرسة ذات طابع غامض "Martin, 1975". وقد ذكر بعض الباحثين أن السماحية الوالدية ترتبط إيجابيًا بالاعتمادية السلبية والبحث عن الانتباه في أطفال ما قبل المدرسة ولكن ليس للأخرين "Kagan & Moss 1962". إن سلوك السماحية من الوالدين يبدو أنه يرتبط باعتمادية الأقران العالية ذلك بالنسبة للأولاد الأكبر سنًا "Mc Cord Mccord & verden 1962". والأولاد الذين كانوا شديدي الاعتمادية على الآخرين كانت لديهم نسبة عالية من آباء يقومون بالمنع "مقيدين". ونجد بعض الباحثين الأخرين مثل: كاجان موس Kagan & Moss "1962" يرون أن الحظر الأمومي في فترة الطفولة المبكرة يرتبط مع الاعتمادية في فترة الطفولة المتوسطة "أعمار من 6-10"، وقد رأى مارتن Martn "1975" أن الاعتمادية الموجهة نحو الراشدين ترتبط بتربية الطفل المتسلطة والمقيدة غير الموجودة في جو أسري دافئ ومتقبل، كما أن الاعتمادية الموجهة نحو الأقران يحتمل أن تتولد من السماحية الأبوية في جو يفتقر إلى الدفء والتقبل.

العدوانية

العدوانية التعريف ... 6- العدوانية: لقد اهتم علماء النفس منذ فترة طويلة بأسباب العدوانية Aggression في الأطفال "Feshbach 1970"، وقد زاد حماس هذا الاهتمام من تأثير العنف بالتليفزيون، وقد استعرض فيشباك "1970" ببراعة كثيرًا من الموضوعات النظرية الخاصة بالعدوانية، وقد ربط مارتن Martin "1975" بين وسائل تربية الطفل وتعلم العدوانية والتعبير عنها، وناقش ستاين وفريدرتش & Stein Friedrich "1975" تأثير العنف بالتليفزيون على عدوانية الأطفال. التعريف: وثمة مشكلة كبرى تواجهنا في دراسة العدوانية وهي تعريفها "Feshback 1970" فالبعض يعرفها بأنها "السلوك الذي يسبب أذى أو تدميرًا". وبهذا التعريف، فإن بعض الأفعال العرضية تعتبر عدوانية. ولكن مثل هذه العدوانية غير المقصودة يجب أن تميز عن العدوانية المقصودة، ولذلك فإننا نفضل تعريف مارتن Martin "1975" الذي يرى أن العدوانية "هي سلوك يهدف لإيذاء شخص أو شيء أو إلحاق الضرر به، وقد يتم الإيذاء جسمانيًا أو لفظيًا، وكذلك بالإهانة". وهذا التعريف يتميز بعدة مزايا. أولها: أنه يفرق بين السلوك العدواني العفوي والسلوك العضوي، والثانية: أن هذا التعريف يتماشى مع المعلومات التي جمعت عن العدوانيين في مرحلة الطفولة.

فروق السن والجنس

فروق السن والجنس: تستطيع ملاحظة العدوانية للأطفال في أثناء لعبهم بعضهم مع بعض، وفي اللعب بالدمي وهي مواقف تسمح بتقييم العدوانية الخيالية، ومن خلال التقارير الشفوية: ويذكر بعض الباحثين أمثال: جيرسلد Jersuld وماكلي Macley، وجرين Green أنه فيما بين سن الثانية الخامسة تقل العدوانية البدنية في حين تزداد العدوانية اللفظية. وفي اللعب فإن الأطفال الأكبر سنًا يميلون إلى العدوان اللفظي أكثر من العدوان البدني، فالأطفال الصغار يميلون إلى الاستيلاء على اللعب مثلًا "Sharpe Muste 1974" وعند اللعب بالدمي يظهر الأطفال زيادة في العدوانية

إلى سن 4 سنوات Sers 1951 Dohms & Pearce Walters & athers "1957" كما تزداد العدوانية اللفظية من أربع سنوات فأكثر. وأحسن الدراسات التي أجريت على فئات مختلفة دراسة جو إنف Goodenough "1931" فقد أظهرت أن العدوانية تبلغ ذروتها في سن عامين، وتقل تدريجيًا حتى حوالي "5" خمس سنوات. إن الثورات المزاجية غير الموجهة قلت تدريجيًا حتى سن "3" ثلاث سنوات، ثم انخفضت بسرعة بعد سن "4" سنوات. إن السلوك العدواني الذي يهدف إلى إيذاء شخص ما أو إتلاف شيء ما يزداد عادة مع السن خلال سنوات الطفولة. إن العدوانية لدى الأطفال الأكبر سنًا لاقت اهتمامًا أقل بكثير. وتدل بعض الدلائل على أن الأطفال من سن 7-8 سنوات وبعدها يزاولون عدوانية، خيالية "Fantasy" عن الأطفال الأصغر سنًا "Feshback 1956"، ولكن هذا الاتجاه يتوقف مع المراهقة "Shilder& Bender 1963"، وأخيرًا فإن المعلومات المأخوذة عن بيركلي وجورث Grouth & Berkeley "1959"، ودراسة فيلز Fels الطويلة عن الفئات المختلفة، ودراسة كاجان وموس "Kagan & Moss 1962" تدل على أن السلوك العدواني يظل ثابت بدرجة مرتفعة في أثناء المراهقة وفي سنوات الرشد. إن عددًا كبيرًا من الدراسات قامت بدراسة اختلاف العدوانية باختلاف الجنس، ففي دراسة. "Feshback 1970" أشار إلى أن الذكور أكثر عدوانًا من الإناث في السلوك البدني المباشر، وأن الإناث أكثر عدوانًا من الذكور في السلوك العدواني غير المباشر، ولذلك فالإناث تعبر عن عدوانيتهن بطرق غير مباشرة، وترجع الفروق إلى اختلاف أدوار الجنس التقليدية. وحيث أن العدوانية سلوك محدد جنسيًا، فإن ذلك يبدو افتراضًا معقولًا وأن كانت الأدلة ليست نهائية.

العدوانية وأساليب تربية الطفل

العدوانية وأساليب تربية الطفل: إن الاستخدام العنيف للسيطرة عن طريق فرض القوة "خاصة العقاب البدني" يرتبط ارتباطًا وثيقًا بالعدوانية لدى الأطفال "Martin 1975" بصرف النظر عن السن، "مع بعض الفروق الطفيفة"، جنس الطفل. فالآباء الذين

يستخدمون العقاب الشديد يولدون العدوانية لأطفالهم لأنهم يسببون إحباطًا لدى الطفل ويقدمون نماذج للسلوك العدواني Fesbach Bandural 1970 Martine 1969 "شكل: 77" فالأطفال عندما يشاهدون نماذج عدوانية يصبحون أكثر عدوانية، وقد أيد هذا الفرض كثير من الباحثين مثل باندورا "Bandura 1969" وزملاؤه، كما أن لمشاهدة أفلام العنف بالتلفزيون أثر قوي على زيادة العدوانية عند الأطفال وقد أيدت كثير من الأبحاث هذا الرأي مثل: فريندرتش Friedrich "1975" وغيرهم. إن الافتقار للدفء الأبوي يرتبط هو الآخر بالعدوانية، فقد بحث كل من: ماك كورد، وماك وهاور Mc Cord Mc Cord & Howard "1961" هذه المسألة مع مجموعة من الأولاد تتراوح أعمارهم بين التاسعة والرابعة عشرة،

وبعد تقسيم الأطفال إلى عدوانيين وغير عدوانيين، ذكر ماكورد أن 95% من الأولاد العدوانيين كان لهم والدان ذو طابع يتسم بالنبذ وعدم الدفء. أما الأولاد في المجموعتين الأخرتين كان لهم والدان ودودان affectionate Parents. إن تربية الطفل التي تتسم بالبرود والنبذ تساعد على توليد السلوك العدواني لدى الأطفال، كما يذكر فيشباك Feshbach "1970" أن عدوانية الطفل قد تولد استجابات نبذ من الوالدين وهي بدورها تساعد على زيادة العدوانية، وبذلك تتولد حلقة غير سعيدة من العدوانية التي تقوم على النبذ. كما أن سلوك الطفل العدواني قد ارتبط أيضًا بإجراءات السماحية المنع في تربية الطفل "Feshbach & Martin 1976 1975" ويدل بحث آخر قام به سيرز، ماكوبي، وليقنن "Sears Maccoby & Leavin 1975" على أن النسبة المئوية الأعلى للأطفال العدوانيين "41،7% للأولاد، 38،1 للبنات" يأتون من أسر تكون فيها الأمهات على درجة عالية من السماحية وعلى درجة عالية من العقاب، وأن أقل نسبة مئوية من الأطفال العدوانيين "3،7 % للأولاد، 13،3% للبنات" يأتون من أسر تكون فيها الأمهات أقل درجة في هذين البعدين. وهذه النتيجة لا تسري بصفة عامة على الأطفال الأصغر سنًا. وتدل النتائج الخاصة بالمنحرفين أيضًا على أن السماحية المقرونة بالعدوانية الوالدية والنبذ إنما تزيد من السلوك العدواني للأطفال. وأخيرًا فهناك بعض الأدلة "Martin 1975" على أننا يجب أن نهتم بالدور الذي يقوم به كلا الوالدين لكي نفهم جيدًا كيف ترتبط وسائل تربية الطفل بالعدوانية في فترة الطفولة. وقد ذكر ماكورد، وماكورد وزد "1959" أن أعلى نسبة مئوية من الأولاد الذين تتراوح أعمارهم بين الخامسة والثالثة عشرة الذين أدينوا بجرائم يأتون من أسر يقوم فيها كل من الأم والأب بالنبذ. وأن أدنى نسبة مئوية من الصبية 23% المدانين بجرائم يأتون من أسر يكون فيها كلا الوالدين متحابين. وأن 36% من الأولاد الذين من أسر تتسم فيها الأم بأنها محبة والأب نابذًا، 46% من الأولاد الذين من أسر تكون فيها الأم نابذة والأب محبًا أدينو بجرائم. أن هذه المعلومات تبين بوضوح أهمية

تقييم سلوك كلا الوالدين نحو الطفل. فإذا كان أحد الوالدين محبًا يبطل فعلًا تأثير الوالد النابذ، وتدل المعلومات أن الوالدين النابذين لهما تأثير أكثر ضررًا مما لو كان أحدهما فقط نابذًا.

النماذج العدائية

النماذج العدائية: إن الأبحاث موضوع تقديم النماذج العدوانية قد اهتمت بدراسة نموذج عدوانية الوالدين الذي يقدم للطفل، أو النماذج العدوانية التي تعرض في التليفزيون وغير من وسائل الإعلام. إن دراسة النماذج التي تقدم للطفل نماذج حية للعدوانية تجعله أكثر عدوانية، وخاصة النماذج العدوانية للوالدين، فقد بحث كل من بندورا ووالترز Bandura & Walters "1959" في عدوانية الوالدين وتأثيرها على اكتساب العدوانية لأطفالهما، فالوالدان يعتبران مصدرًا ممتازًا لتعلم السلوك الاجتماعي لأن أطفالهما يرونهما أقوياء. ولكن لسوء الحظ فإن الأطفال لا يقتصر تقلد والديهم في جميع النماذج الحسنة دون السيئة، ففي الواقع أن الآباء العدوانيين يعلمون أطفالهم أن يسلكوا بطريقة عدوانية، ويتعلم الأطفال العدوانية كطريقة لمواجهة الإحباطات اليومية. إن البحث المستفيض في تعلم السلوك الاجتماعي من خلال تقديم النماذج، وخاصة البحث الذي أجراه ألبرت باندور وزملاؤه "1969" حول تقليد نماذج العدوان الموجه للأطفال، أدى إلى الاهتمام بدراسة أثر مشاهدة أفلام العنف على عدوانية الأطفال وزيادتها، وقامت العديد من الدراسات بدراسة ذلك، انظر دراسات: "Friedrich & Stein 1973, 1975" وبدون شك فإن سلوك العنف الذي يسود البرامج التليفزيونية، من استخدام القوة البدنية التي تؤدي إلى القتل أو إحداث أذى وضرر، كما أن الصور المتحركة "الكرتون" التي توجه للأطفال الصغار هي أكثر عنفًا، فمثلًا في عام 1969 كان يعرض نحو ثلاثين حادث عنف في الساعة، وقد خفض هذا الرقم إلى سبع عشرة حادثة في الساعة عام 1972. والآن لا يمكن حصر عدد مشاهد العنف التي تتخلل برامج التليفزيون على شبكاته المحلية والعالمية.

وهناك رأي يقول إن عرض الأفلام الخيالية للعنف يعمل على خفض العدوانية إلا أن كثير من الدراسات أثبتت عكس ذلك فمثلًا في بحث لشتاين وفريدريك Stein & Friedrich "1975" فإن مشاهدة أفلام كرتون تقدم العنف كانت تزيد من تعبيرات الأطفال الصغار للعدوانية، ويسري ذلك أكثر على الأطفال العدوانيين من قبل، أكثر من الأطفال الذين يميلون إلى أن يكونوا غير عدوانيين. وبالنسبة للأطفال الأكبر سنًا فإن تأثير العنف بالتلفزيون على العدوانية أقل وضوحًا، وتدل الأبحاث على زيادة السلوك العدواني بمشاهدة أفلام العنف. وهناك على النقيض أبحاث أخرى لم تظهر تأثير لأفلام العنف بل على العكس أثبتت انخفاض العدوان بمشاهدة أفلام العنف. وعلى كل حال فإن مشاهدة أفلام العنف تؤدي إلى زيادة السلوك العدواني للأطفال وترتبط بزيادتها في مرحلة المراهقة. إن تأثير العنف في التلفزيون على السلوك الاجتماعي ما تزال موضع تساؤلات وذلك بسبب قلة الأبحاث في هذا المجال، وفيما يختص بتأثير العنف الذي يقدمه التليفزيون للطفل فإن شتاين وفريدريك Stein & Friedrich "1975" يقترحان: "أن أكثر الإجراءات فاعلية ويكون باستطاعة الوالدين اتخاذها هي تحديد فرص المشاهدة في السنوات المبكرة".

وإذا كانت هذه الإجراءات تحمل أيضًا نظام محدد للقيم يستجهن العدوانية، فإن العنف قد يقل تأثيره بدرجة بسيطة، وإذا كانت عدم الموافقة مقترنة بوسائل تربية الطفل التي تجعل الطفل غير عدواني نسبيًا، فإن الطفل محتمل أن نقل استجابته للعنف". ولقد رأى سيزر وأعوانه Sears et al على أساس أبحاثهم التي قاموا بها أن أفضل الطرق لمنع العدوان عند الطفل هي في تثبيطه بشرط أن يتجنب العقاب البدني. كما أن الطريقة التي يستطيع بها الآباء تخريج طفل غير عدواني هي أن توضح له بجلاء أن العدوان غير مطلوب وأن نوقف العدوان عند وقوعه، لكن مع تجنب عقاب الطفل، واتخاذ الطريق الوسط لمنع العدوان بمنع عدم التسامح التام تجاه العدوان، وعدم العقاب الشديد عليه بالضرب. كما أن كف العدوان بالصغر يؤدي إلى القلق إزاء العدوان وما يترتب عليه من آثار، وبالتالي يعمل على الإقلال من العدوان الصريح بعد ذلك.

الخلاصة

الخلاصة: يعتبر الوالدان من أهم عوامل التنشئة الاجتماعية تأثيرًا على الأطفال إذ يشكلان السلوك بتقديم النماذج للأطفال وبتقديم المكافآت وتوقيع العقوبات، غير أن الأطفال يؤثرون اجتماعيًا على آبائهم كما يؤثرون على سلوكهم. وقد وصفت دراسات أبعاد المنع مقابل السماحية، والتدخل الانفعالي القلق مقابل الانفصال "التباعد"، والدفء مقابل العدوانية، باعتبارها وصفًا واسعًا للسلوك الأبوي وأنماط الوالدين. إن الآباء الذين وصفوا بمجموعات مختلفة من هذه الأبعاد يستخدمون أنواعًا مختلفة من السيطرة التنظيمية، أما الآباء العدوانيين فيميلون لاستخدام نظام يقوم على فرض القوة، أي العقاب البدني أو الحرمان من الامتيازات والأشكال الأخرى من السيطرة التنظيمية تشمل سحب الحب، والتعبير عن الغضب الأبوي أو عدم الرضا، والتوجيه لتفسير أن ما يفعله الطفل لا يجب أن يفعل.

إن طبيعة التعلق بالوالدين قد درست على نطاق واسع لدى كل من الإنسان والحيوان. وبصفة عامة فإن التعلق يشير إلى ميل الصغير للبحث عن القرب من أفراد آخرين من نفس النوع. وقد ذكر البعض أن هذا الميل يعكس التاريخ التطوري للإنسان. ويشير آخرون إلى أن التعلق لدى الإنسان يتم تعلمه من خلال أنشطة الرعاية. إن الالتصاق والمص والسلوكيات التالية تحافظ على الاتصال بأعضاء آخرين من نفس النوع، في حين أن البكاء أو الابتسام يعمل على تقريب الآخرين للاتصال بالطفل. إن التعلق يبدأ ظهروه في حوالي سن 7 شهور ويبلغ ذروته في الفترة من سن "12-18" شهرًا. ومن نتائج التعلق أن الشخص المتعلق به يعمل كقاعدة آمنة يجري منها استكشاف البيئة، وهناك نتيجة أخرى هي أن التعلق بالآخرين يعد الطفل لتعلم السلوك الاجتماعي. إن التعلق يرتبط بتفاعلات الأبوين مع الأطفال، وبعض الأطفال لا يتعلقون، وهناك آخرون يتعلقون بشكل غير آمن. وهؤلاء الأطفال غالبًا تكون أمهاتهم أقل حساسية بهم ويقل إنفعالهن بهم. إن الأطفال المتعلقون بشكل آمن لهم أمهات يحسسن بإشاراتهم ويتصلن بهم ويتقبلنهم. إن التعلق بالأب لم يدرس بطريقة مكثفة إلا حديثًا، وتدل البيانات على أن الأطفال يتعلقون بآبائهم بقدر تعلقهم بأمهاتهم، غير أن الطفل تحت الضغط فإنه يقوم بالبحث عن الأب، بنفس القدر كالأم، وهو ما يرتبط عادة بأنشطة اللعب الأكثر حدوثًا والتي يشترك فيها الأب مع الأطفال. إن الاعتمادية تتولد هي الأخرى في فترة الطفولة المبكرة، وهي تشير إلى سلوك الطفل الذي يتم تعلمه بالمكافآت الأبوية، وتدل الأبحاث على وجود علاقة بين أنواع الأبوين والاعتمادية على عدم وجود صفة عامة.

إن العدوانية أيضًا تم تعلمها وخاصة عن طريق النموذج الوالدي، والأطفال الكبار يميلون إلى استخدام العدوان اللفظي أكثر من العدوان البدني والعكس بالنسبة للأطفال الصغار، والعدوان الخيالي يزداد أيضًا في مرحلة الطفولة المبكرة والمتوسطة ويقل في مرحلة المراهقة، كما أن الذكور عادة أكثر عدوانًا من الإناث، وقد يرجع سبب ذلك إلى الفروق في التنشئة الاجتماعية.

الفصل الثامن: العلاقة بالأقران

الفصل الثامن: العلاقة بالأقران مدخل ... الفصل الثامن: العلاقة بالأقران مقدمة: إن جزءًا كبيرًا من التنشئة الاجتماعية للطفل يخضع لسيطرة الراشدين وذلك بسبب الصلة القريبة للطفل بالوالدين وغيرهما من الراشدين.. ولكن عندما يدخل الطفل إلى عالم جديد يهيمن عليه الأقران "في الروضة، في الشارع، في المدرسة"، فإن هؤلاء الأقران يصبح لهم تأثير متزايد على التنشئة الاجتماعية.. إن النظريات والأبحاث التي ستناقش في هذا الفصل تركز على الأدوار التي يقوم بها الأقران كلما قضى الطفل مزيدًا من أوقات اليقظة بعيدًا عن الوالدين، وفي نفس الوقت تحت تأثير مجموعة الأقران. فالتفاعل مع مجموعة الأقران له نتائج تكون أحيانًا بالغة الأهمية والقيمة.. ومن السمات الفريدة لعلاقات الأقران هي الفرصة التي تتاح للقيام بأدوار الراشدين فالطفل مثلًا قد يقوم بدور الرئاسة أو الزعامة أو التبعية، ويتعلم أي هذه الأدوار أكثر مناسبة، كما يستطيع الطفل أيضًا أن يقوم بأدوار خلاف تلك التي قابلها في العلاقة مع الراشدين، وبهذه الطريقة يستطيع الطفل أن يتعلم كيف يسلك في مختلف المواقف ويكون أنماطًا أو أدورًا سلوكية تصلح تمامًا في محرلة الرشد، وبالطبع فإذا كانت الأنماط السلوكية غير مناسبة فإن الأمر يتطلب تكوينه أنماط جديدة، ففي مرحلة الطفولة يكون هذا التغيير على قدر مامن السهولة حيث أن أخطار الطفل لا يكون لها في العادة نتائج غير قابلة للارتداد كما هو الحال في مرحلة الرشد، كما أن جماعة الأقران تقدم للطفل فرصة المستحبة.. ويصبح تأثير جماعة الأقران على توافق الطفل هامًا بصفة خاصة في مرحلة المراهقة عند محاولة الاستقلال والهيمنة "Cooley 1969". إن الباحثين في مجال علاقات جماعة الأقران في مرحلة الطفولة قد حاولوا إيجاد إجابات عن عدة تساؤلات هي: - كيف تتكون جماعات الأقران، وما هي التغيرات التي يمرون بها في أثناء هذا التكوين والاستقرار والتفرق؟ - وما هو خط الصداقة مع الأقران من نفس الجنس ومن الجنس الآخر؟ - كيف تؤثر جماعة أقران الطفل على تعلم الطفل واكتسابه للمعايير الاجتماعية؟

- كيف يؤثر الأقران في نمو الطفل، وفي نمو احترام الطفل لذاته وإدراكه لذاته؟ إن هذا الفصل يصف تشكيل جماعات الأقران في مرحلة الطفولة، وتأثير هذه الجماعات على الطفل في حد ذاته، وفي تعزيز الأقران على سلوك الطفل، ودرو الأقران كنموذج للنمو الاجتماعي..

صعوبات دراسة علاقات الأقران

صعوبات دراسة علاقات الأقران: لكي يتوصل علماء النفس إلى إجابات عن المسائل السابقة استخدموا وسائل الملاحظة وأدوات استقصاء ومقابلات.. وكما هو الحال في كثير من الأبحاث حول المسائل المتعلقة بالتنشئة الاجتماعية فإن هناك مشاكل تحد من البحث الذي يمكن القيام به وقد تعوق تفسير المعطيات أو النتائج التي يتم التوصل إليها. فالنتائج التي يمكن التوصل إليها بهذه الطرق حول علاقات الأطفال قد تؤدي إلى معلومات خاطئة أو غير كاملة، ويكون من الصعب استخدامها مع أطفال أصغر سنًا قد تكون إجاباتهم غير متعلقة أصلًا بالأسئلة المطروحة، أو ينسون أو يشوهون إجاباتهم عن غير قصد. والبديل لذلك هو استخدام الملاحظات حول مسألة ما: إذا أردت مثلًا أن تعرف كيف تتكون مجموعات الأقران يجب أن تقوم بملاحظة سلوك الأطفال في الملعب أو في حجرة الدراسة أو في الشلة وجماعة الجوار، وهذا يتطلب قدر كبير من الوقت والجهد، علاوة على ذلك عينات الأطفال الذين نقوم بدراستهم قد لا يكونوا ممثلين لأي جماعة كبيرة، وإنما تمثل فقط قطاعًا صغيرًا وضيقًا من الأطفال.. فعلى سبيل المثال: أطفال من الطبقة الوسطى في سن 3-4 سنوات من إحدى رياض الأطفال أو الحضانات الخاصة إذا تمت دراستهم فمن الواضح أن المعطيات من هذه البيئة المنتقاة قد لا تكشف عن نفس الإجراءت التي نعمل بها في علاقات الأقران من أطفال الطبقة الوسطى المقيدين برياض الأطفال الحكومية أو الأطفال من مختلف الخلفيات الاقتصادية أو الاجتماعية. إننا نذكر هذه الصعوبات لسببين: أولهما: أن الباحث يجب أن يدرك هذه المشاكل وأن يتعلم كيف يواجهها.

والثاني: هو أنه يجب أن نوفق بين العوامل المتضاربة. فنحن نحتاج لأن نتذكر أن كثيرًا من الباحثين يدرسون نفس الظاهرة في مواقف مختلفة أو عينات مختلفة من الأطفال، أو يستخدمون وسائل مختلفة أو عينات مختلفة من الأطفال ومن ثم يتوصلون إلى نتائج مختلفة أو متضاربة عن الإجراءات التي تكمن وراء علاقات الأقران.. إن مثل هذه المعطيات المتباينة تبين الطريق لأبحاث المستقبل التي تهدف إلى إيضاح التناقضات.

جماعات الأقران واللعب

جماعات الأقران واللعب اللعب الفردي ... جماعات الأقران واللعب: معظم الأبحاث المتعلقة بعلاقات الأقران في مرحلة الطفولة أجريت على جماعات اللعب.. ولقد كانت أبحاث بارتن Parten حول التفاعل المبكر بين الأقران مؤكدة أن لعب الأطفال يتطور من الفردية إلى الجماعية في مراحل تطورية على النحو التالي: أ- اللعب الفردي: lndividual Play: ويسود هذا النوع من اللعب في السنوات المبكرة من عمر الطفل حيث نلاحظ الطفل يلعب بجانب طفل آخر أو قريبًا منه، ولكن كلا الطفلين مشغولًا باللعب الفردي، ويكون لكل طفل الرغبة في اللعب بمفرده باستخدام الأدوات الخاصة

به، ولا توجد محاولات للاشتراك مع الآخرين أثناء اللعب.. ويقسم مارتن اللعب الفردي إلى نوعين. 1- اللعب غير المنشغل أو الشاغر Un-occupaied Play ويبدأ في العامين الأولين من عمر الطفل بالملاحظات الشاغرة حيث ينتقل الطفل سريعًا بملاحظاته وانتباهه من موضوع إلى موضوع، فهو أخاذ نباذ، يأخذ الشيء ثم سرعان ما ينبذه لينتقل لموضوع آخر، وهو حينما لا يجد ما يشغل به نفسه يتحول انتباهه إلى جسمه ويمضي يلعب بأعضائه المختلفة.. ويتطور هذه الملاحظات الشاغرة إلى نوع من اللعب يطلق عليه الملاحظات المتطفلة أو اللعب التطلفي "لعب المشاهدة" Looking on Play الذي يبدأ عندما يستمتع الطفل بملاحظة ألعاب الأطفال الآخذين، وقد يشترك معهم بالحديث اللفظي ولكن دون أن يشترك معهم في ألعابهم. 2- اللعب الانعزالي "الانفرادي" Solitary Play وفيه يلعب بمفرده مع دميته أو لعبه الخاصة مستقلًا في نشاطه ولعبه عن الآخرين لذا: يطلق على هذ الشكل من اللعب الانعزالي المستقل.. وهناك نوع من اللعب الانفرادي يطلق عليه اللعب الانفرادي المتناظر وفيه يلعب الطفل مع أطفال آخرين مع احتفاظه بفرديته، ويحدث حينما يجتمع الأطفال في مكان ما ليقوم كل

منهم نشاطه منفردًا عن نشاط الآخرين ومقلدًا لما يقدمون به "فؤاد البهي السيد: 1975، 232، جوزال عبد الرحيم: 1997، 96، سهير شاش: 1998، 74".

اللعب الجماعي

ب- اللعب الجماعي: Group Play: ولا يظهر هذا النوع قبل الثالثة والرابعة من العمر حيث يلعب الأطفال بعض الألعاب القليلة معًا.. ومن الشائع في هذا اللعب أن يخطط الطفل لبعض الأنشطة ويأتي بطفل آخر ليلعب معه.. وكلما تقدم الطفل في العمر يزداد التخطيط للعب.. وفي مرحلة ما قبل المدرسة يقلد الأطفال في لعبهم ألعاب الأطفال الآخرين "Rubin eb al 1976 416" وينقسم اللعب الجماعي إلى عدة أنواع منها: 1- اللعب الموازي Paralle Play: ويشيع هذا النوع من اللعب في سن الثالثة، وهو لعب مستقل جنبًا إلى جنب يقوم به اثنان أو أكثر من الأطفال، وهم يعملون نفس الأشياء تقريبًا لكن بدون تعاون فعال وأن يكون باهتمام متزايد بسبب وجود نشاط البعض الآخر "مثل لعب اثنين من الأطفال مع بعضهما لبناء بيت".. وقد يتبادل الأطفال المشاركين الحديث القصير مع بعضهم البعض دون مشاركة فعلية في اللعب معًا، وقد يقلد الطفل أقرانه في ألعابهم ويلعب لعبته وهو بعيد عنهم، ويوزع انتباهه من لعبته ومتابعة

رفيع المكان عن كثب "سهير شاش: 1998، 75". شكل "81" اللعب الموازي 2- اللعب الترابطي Associative Play: يظهر هذا النوع من اللعب ابتداء من الرابعة من العمر وفيه يلعب الطفل مع أطفال آخرين في أنشطة متشابهة منظمة بطريقة فضفاضة Loosely organized. أي أن الطفل يلجأ إلى إنشاء أشكال من الجماعات يشاركها في الأنشطة المتشابهة ويستعمل نفس المواد والألعاب، ويأخذ الأطفال الأفكار من بعضهم البعض، ويستعيرون من بعضهم اللعب والأدوات، ويراقبون أنشطة الأطفال الآخرين

وينفذونها معًا.. وتتضمن المحادثات في مثل هذا اللعب طرح الأسئلة وعمل بعض المحاولات للتحكم فيما تشترك فيه المجموعة "Hirschi et al 1994 21-20" 3- اللعب التعاوني Co- operative Play وهو نوع من اللعب يتضمن تنظيم اجتماعي معقد لنشاط مجموعة الأطفال المشاركين فيه، ويكون هناك أهداف عامة متفق عليها يشترك فيها اللاعبون، إلى جانب سعى كل طفل منهم لتحقيق غرض خاص به. ويبدأ بتعرف الأطفال المشاركين على بعضهم، وتعرفهم على أهداف اللعبة ومعرفة متطلباتها، ويخضع كل طفل في لعبه لروح الفريق، ويؤدي عملًا أساسيًا يطلب منه، ويخضع لرائد أو زعيم يوجه نشاط الجماعة في ألعابها.. وهناك تقمص أدوار متبادلة "وينتظر كل فرد في جماعة اللعب دوره"، ويكون هناك إحساس قوي بالانتماء أو عدم الانتماء للجماعة، ويكون هناك تنظيم للمجموعة بغرض عمل منتج معين أو التمثيل الدرامي لموقف أو لعب لعبة منظمة، ويشمل الأهداف، ويقسم الجهد والتمايز في أخذ الأدوار وتنظيم الأنشطة.. إلخ "جوزال عبد الرحيم 1997، 96، سهير شاش: 1998، 75، 1994 Heirschi"

4- لعب العصابات Gan groups Play: ويطلق عليه نشاط العصابات.. وتسود مرحلة المراهقة وتتطور لتتخذ لنفسها صورا أعمق وتسيطر سيطرة كبيرة على أغلب نشاط الفرد في هذه المرحلة، وتهدف إلى تكوين مجتع صغير يحقق للفرد رغباته وأحلامه بما يتفق ومظاهر نموه.. وتبدو هذه المظاهر بوضوح بين الذكور أكثر مما تبدو بين الإناث.. وتبدو في صورتها السوية في الجماعات التي يرعاها المجتمع كالكشافة والجوالة وفي صورتها الشاذة تبدو في رفقة السوء الذين يقضون وقتا فيما لا يفيد "فؤاد البهي السيد: 1975، 233".

العوامل المؤثرة في اللعب بين الأقران

العوامل المؤثرة في اللعب بين الأقران: 1- العمر: من بين الأبحاث الكلاسيكية عن تأثير العمر في نوع اللعب بين الأقران بحث أجراه باربر parpar "1972" درس فيه أنماط اللعب لعدد 42 من أطفال الروضة في سن من 2-4.6 سنة، وكان قد سجل سلوكهم في ست مراتب: سلوك شاغر "غير مشغول"، لعب انفرادي، سلوك المراقب "كان الطفل مراقبًا ولكنه لم يلعب مع أطفال آخرين"، اللعب بالمشاركة "اللعب مع أطفال آخرين والمشاركة في اللعب"، واللعب التعاوني، ولعب ألعاب مع قواعد.. وقد سجلت 60 حالة سلوك مدة كل منها دقيقة واحدة عن سلوك لعب الأطفال، وقد ذكر "باربر" أن المشاركة الاجتماعية كانت تزيد مع العمر فقد كان الأطفال الأكبر عمرًا يقضون وقتًا أطول في اللعب التعاوني واللعب بالمشاركة، ووقتًا أقل في الأشكال الأخرى من اللعب أقل من الوقت الذي كانت يقضيه الأطفال الأصغر "شكل: 85"

وقد اقترح بارتن وآخرون. Parten et al "1971" أن اللعب الانفرادي "الانعزالي" هو نشاط من مستوى منخفض يدل على اللاجتماعية أو على تفضيل اللعب الخيالي. وقد أوضحت دراسات أكثر حداثة عن اللعب الانفرادي أجراها بروفي وابرستون ومور Prophy Eberston & Moor "1974" روبين، هورنونا ومايوني Roben Hornuna & Maioni "1976" ودراسات أخرى عن اللعب الخيالي مثل دراسة ساندرز وهاربر Sanders & Harper "1976" أوضحت هذه الدراسات وظيفة النوع الأول من اللعب، قد جعلت معلمي رياض الأطفال يسجلون أمثلة للعب الانعزالي بين تلاميذهم في أثناء فترات اللعب الحر.. وقد أوضحت بعكس النتائج التي توصلت إليها بارتن أن ما يقرب من 15% من كل حالات اللعب الانفرادي كانت تتكون من أنشطة موجهة لهدف وأنشطة تعليمية.. واللعب الانفرادي الذي يتطلب استخدام عضلات كان أيضًا يشكل 24% من كل حالات اللعب الانفرادي.. وعلى ذلك: فإن أكثر أنواع اللعب الانفرادي نضجًا حدثت أكثر من الأشكال الأقل نضجًا والتي تدل على الانسحاب "التباعد" الاجتماعي، كما لوحظ أن حالات العناد قليلة الحدوث.. وقد حدث اللعب الانفرادي بالمكعبات، والأشكال الفنية، والألغاز، ولعب الأشكال، أو القراءة وكلها موجهة لواجب وموحية بالنضج.. وعند مراجعة معطياتهم ومعطيات الآخرين اقترح مور وزملاؤه وجود استمرارية في اللعب الانعزالي يتحرك فيها الأطفال من حالة المشاهدة المسلية إلى الفعل في أنشطة أكثر نشاطًا وتعبيرًا إلى أن يصبحوا مشتركين بشكل مستقل في أنشطة متعلقة بحل المسائل.. علاوة على ذلك كانت المعطيات "النتائج" تقترح أنه بالنسبة لمعظم الأطفال: فإن اللعب الانفرادي هو على الأقل نشاط طبيعي وربما كان نشاطًا وظيفيًا مفيدًا أكثر منه توافق اجتماعي غير سوى. وتؤيد أبحاث أخرى عن لعب الأطفال وجهة النظر هذه عن وظيفة اللعب الانفرادي فقد لاحظ روبين وآخرون. Roben et al "1971" لعب صبيان وبنات من الطبقتين الوسطى والدنيا في إحدى رياض الأطفال، وسجل هؤلاء

الباحثين أربعة أنواع من اللعب المعرفي استنادًا إلى تصنيف "بياجيه سملانسكي" "1968" في تبويبهم للعلاقة بين اللعب والمعرفة هي: اللعب الوظيفي الذي يتضمن حركات عضلية متكررة، واللعب البنائي الذي يتناول أشياء لبناء شيء، واللعب الدرامي: الذي يتضمن مواقف بديلة وخيالية ترضى حاجيات الطفل، والألعاب ذات القواعد وهذه الأشكال الأربعة "للعب المعرفي" قد سجلت في كل من مراتب "بارتن" للعب على أساس وظيفته الاجتماعية. 2- العوامل الطبقية: وفقًا لتحليل روبين وزملاؤه وجدوا: أن أطفال الطبقة المتوسطة الذين يقومون بلعب بنائي وبالمشاركة وبالتعاون أكثر من أطفال الطبقة الدنيا.. وقد اشترك أطفال الطبقة الدنيا في اللعب الموازي والوظيفي أكثر من أطفال الطبقة الوسطى، واشتركت البنات في الألعاب الأكثر بنائية والأقل درامية من الأولاد. وقد افترض هؤلاء الباحثين أن أنماط اللعب من المستوى المنخفض لأطفال الطبقة الدنيا تعكس الافتقار إلى المواد اللازمة في المنزل، وقد يجد أطفال الطبقة الوسطى أن أدوات رياض الأطفال غير مألوفة ولذلك فإنهم قد يقضون وقتًا في تفحصها وتناولها "اللعب الوظيفي"، ولكنهم يستخدمونها بعد ذلك في اللعب البنائي أو الدرامي.. ومن المحتمل أن يكون أطفال الطبقة المتوسطة أكثر ألفة بالأدوات ومواد اللعب التي يستخدمونها في أنشطة أكثر تقدمًا مثل اللعب البنائي أو الدرامي Ross Feitlson 1975 Fitlwon Wintroy Wintroy& Michell 1972 Robin et al 1976". كما أن مقاييس المعرفة الاجتماعية تعكس أيضًا هذه الفروق مع أطفال الطبقة الدنيا القائمين باللعب الانفرادي الوظيفي واللعب الوظيفي الموازي، وأقل بالنسبة للعب بالمشاركة واللعب البنائي والتعاوني والدرامي من أطفال الطبقة المتوسطة. بالإضافة لذلك: فإن أطفال الطبقة الدنيا أظهروا مستوى أقل من اللعب الاجتماعي المعرفي من أطفال الطبقة المتوسطة..

إن معطيات أطفال الطبقة المتوسطة تتفق مع ما توصل إليه بارتن Partin قبل ذلك بأربعين عاما وبذلك تدل هذه النتائج على ثبات أشكال اللعب على الثبات عبر الأجيال. 3- الجنس: أوضح مور وزملاؤه Moore et al "1974" أن الأولاد ينخرطون في مزيد من اللعب الخيالي أكثر من البنات، وأن أطفال الطبقة المتوسطة ينخرطون في مزيد من اللعب الخيالي أكثر من أطفال الطبقة الدنيا. ويهتم علماء النفس بمواقف اللعب وأشياء اللعب "أدواته" في تنشيط اللعب الخيالي عند دراسة الفروق تبعًا للعمر والجنس.. ففي دراسة أجراها هاربر وساندرز Harper & Sanders "1976" على أطفال ما قبل المدرسة في عمر 3-5 سنوات تبين منه: أن الأولاد أقبلوا على مزيد من اللعب الخيالي عن البنات، كما فعل ذلك الأطفال الأكبر سنًا عن الأطفال الأصغر.. فالأولاد والأطفال الأكبر تظاهروا بأنهم حيوانات أو أشياء ويبدون مشاعر أو سلوكيات إنسانية للتعبير عن أشياء غير حية كأن يلعبوا لعبًا تظاهريًا ويضعون قواعد تظاهرية.. أما اللعب الخيالي للأطفال الأصغر فيزداد مع مرور السنوات مما يدل على احتمالات نمائية قد تكون معرفية في القدرة على التخيل.. ويرى ساندرز وهاربر "1976" أن الفروق بين الجنسين في اللعب الخيالي قد تعكس ظروف تتعلق بالموقف: فالمواد والأدوات التي يفضلها الأطفال الأكبر تسهل اللعب الخيالي للأولاد.. إن هذا الافتراض يتفق مع النتائج التي تشير إلى أن الأولاد ينخرطون في مزيد من اللعب التظاهري أكثر من البنات اللاتي يلعبن لعبًا أكثر سلبية وألعابًا أكثر تقييدًا. وهكذا: فإن التفاعلات الاجتماعية التي يعتبر اللعب جزءًا هامًا منها في هذه السن المبكرة كأنها تنبئ بالعلاقة الاجتماعية بين الأقران بعد ذلك..

تكوين جماعات الأقران

تكوين جماعات الأقران: تعريف جماعات الأقران: إن جماعة الأقران أكثر من مجرد تجمع أفراد يتصادف وجودهم في نفس المكان في نفس الوقت.. فجماعات الأقران تتكون من أفراد متفاعلين مع بعضهم البعض، ولهما أهداف ومعايير مشتركة، كما أن جماعات الأقران يجب أيضًا أن يكون لها قادة وأتباع وربما يكون هناك تقسيم للعمل كذلك.. إن هذه الصفات التعريفية تنطبق أيضًا على الجماعات طويلة المدى وقصيرة الأمد. وكذلك على الجماعات الفورية. أنواع جماعات الأقران: لعل أول مجموعة أقران للطفل تستند إلى الجنس. وفي سنوات ما قبل المدرسة وحتى حوالي الصف السادس يشترك الأطفال بطريقة تكاد تكون كاملة مع الأطفال الآخرين من نفس الجنس، أما بعد ذلك فإن الطفل الذي يشترك مع أفراد من الجنس الآخر بدرجة كبيرة من المحتمل أن يوصف بأنه دلوعة أو مخنث أو أن البنت مسترجلة، ولا يعتبر لائقًا للطفل أن يكون مشاركًا مع أفراد الجنس الآخر بعد سن البلوغ.. ويبدو أن ذلك المبدأ يعكس نمط من التنشئة والثقافة الفرعية للمجتمع الذي يعيش فيه الطفل ومحاولات الأباء عن قصد أو عن غير قصد تشجيع نمو أدوار جنسية لائقة. وثمة عامل آخر هام في عضوية مجموعات الأقران هو العمر: ففي فترة الطفولة فإن أعضاء فريق الأقران عادة ما يكونون من نفس السن، ومن المحتمل أن هذه الظاهرة تنبع من الفروق في السن ونوع الاهتمامات والقدرة البدنية في اللعب والقدرة على اتباع قواعد الألعاب.. وعادة ما يصادف طفل الروضة صديقًا أو اثنين لفترات زمنية قصيرة، ولا تتجاوز جماعة الأطفال في هذا السن ثلاثة أفراد وبالرغم من قلة أفراد جماعة الأقران، وبالرغم من أنها وقتية إلا أنها المجال الأساسي الذي يتدرب فيه الطفل على التبادل الاجتماعي في صورته

البدائية، وهي المجتمع الذي يخبر فيه كل طفل شتى المشاعر التي غالبًا ما سيخبرها في المجتمع الأكبر فيما بعد. وبواسطة هذا التفاعل بين الطفل ورفاقه في مثل هذه تتاح له الفرصة في أن يكون على دراية متزايدة بالفروق بين الناس حيث يرى الطفل أطفالًا أكبر منه، وآخرون أصغر منه، البعض أشجع منه وأكثر عدوانية أو أكثر أنانية، والبعض أجبن منه أو أكثر حذرًا وأكثر خجلًا. بعض الأطفال ينتمون إلى أسر ذات مراكز مختلفة قد تختلف عن أسرته، البعض له إخوة وأخوات والبعض ليس له، البعض له آباء شباب والآخر لديه أباء كبار في السن، والبعض ليس له أبوين.. إلخ.. هذا النمو في الاشتراك مع الأقران يعتبر خبرة واسعة بصورة كبيرة لدى الطفل مما يسهم في تكوين اتجاهات الأطفال نحو أنفسهم ونحو عالمهم. تكوين جماعات الأقران: أجرى شريف وآخرون Sherif et al عددًا من الدراسات الممتازة عن تكوين مجموعات الأقران.. وفي إحدى هذه الدراسات بحث شريف وشريف Sherif & Sherif "1973" تكوين جماعات الأقران بين أولاد "صبية" من الطبقة الوسطى في معسكر.. وفي المرحلة الأولى من التجربة تشكلت مجموعتان من الصبية أعطت كل منها لنفسها اسمًا خاصًا بها.. وقد روعي أن تظل المجموعتان منفصلتين عن بعضهما، وسمح لهما أن تظل كل منهما مندمجة مع بعضها لمدة ثلاثة أيام لإتاحة الفرصة لقيام الصداقات.. وفي المرحلة الثانية قصمت المجموعتان كل منهما إلى مجموعتين متساويتين، وتشكلت مجموعتان جديدتان، ولوحظتا لمدة خمسة أيام، وقد روعي أن يكون هناك تشابه قريب من ناحية الشخصية والقدرات في هاتين المجموعتين، وجرى ذلك بمعرفة المشرفين على المعسكر ومرة أخرى روعي أن تظل المجموعتان منفصلتين في حين تقوم كل مجموعة بأنشطتها الخاصة.. وفي المرحلة الثالثة وضعت المجموعتان في موقف مباراة الواحدة مع الأخرى.

وقد اختبرت هذه الدراسة ثلاثة افتراضات: - الافتراض الأول: أن الأفراد الذين يتجمعون بطريقة عشوائية يكتسبون صفة الجماعة: قادة وأتباع، صداقات، تقسيم العمل ... وما شابه ذلك. - الافتراض الثاني: تتكون معايير مشتركة واتجاهات وقيم مشتركة. - الافتراض الثالث: أن العدائية بين المجموعات تنشأ إذا ما وضعت المجموعات في حالة تنافس. ولقد عززت النتائج بوضوح كل هذه الافتراضات: ففي المرحلة الأولى: ظهرت الصداقة وعلاقات مكانية ولكن ذلك تغير وتكونت أنماط صداقة جديدة، وفي المرحلة الثانية، على الرغم من أن نصف عدد الصبية في كل مجموعة كانوا يعرفون بعضهم البعض من المرحلة الأولى فقد تكونت في كلتا المجموعتين طبقية هرمية من قادة وأتباع، ومع أن القادة كانوا يميلون لأن يكونوا أكثر أعضاء المجموعة شعبية، فإن القيادة والشعبية لم تكونا على ارتباط كامل إحداهما بالأخرى، كما أن كل مجموعة وضعت معاييرها الخاصة في فترة الأيام الخامسة من المرحلة الثانية: فالاتجاهات نحو بعضهم البعض، ونحو المعسكر والأنشطة التي تجري فيه، وظهر مفهوم "نحن" مقابل "هم" ظهرت في كل مجموعة.. مع أن الصبية في كل مجموعة أظهروا استهزاء بالمجموعة الأخرى فإنه لم تحدث عدوانية حقيقية، وقد تكونت الصداقات بصفة خاصة مع أعضاء الفريق الحالي.. وفي المرحلة الثالثة: حدث أن إحدى المجموعتين كانت تفوز دائمًا في المباريات، وكانت النتيجة إحباط شديدًا لدى الفريق الخاسر، وتبع ذلك عدائية بين المجموعتين، وفقدان الثقة والتضامن في داخلية المجموعة الخاسرة. وقد كرر شريف وآخرون "1979" هذه التجربة ووسعوها في دراسة عن تكوين جماعات الآخرون بين 22 صبيًا من الصف الخامس في إطار معسكر، وقد فصل الصبية في مجموعات متساوية مع مراعاة ألا تعلم أي مجموعة شيئًا عن وجود المجموعات الأخرى، ومرة أخرى سرعان ما اكتسبت المجموعات سمة

جماعات الأقران غير أنه في هذه الدراسة كان التنافس بين المجموعات يخضع لسيطرة بحيث أن كلتا المجموعتين حققتا نفس العدد من مرات الفوز والهزيمة، غير أن التنافس كانت له نفس النتيجة كما في التجربة السابقة وهي ظهور عدوانية شديدة بين المجموعات، مع أن التضامن داخل المجموعات ظل قويًا. وفي خلال مرحل التنافس حصل تغير في تكوين المجموعة، وبرز قادة جدد في المقدمة وذلك على أساس التميز في أثناء المباريات "وقد توقفت أدوار القيادة في المجموعتين على الأهداف المباشرة للفريق".. وفي المرحلة الأخيرة كان على المجموعات أن تتنافس في تحقيق حاجة مشتركة، وقد أدى ذلك إلى فرض التعاون وقلل من الصراع بين المجموعات، وزاد اختيارات الصداقة عبر خطوط المجموعة. إن الدراسات التي قام بها شريف وزملاؤه لها تأثيرات عملية منها أن: - تكون مجموعات جديدة من مجموعتين أو أكثر بينها عدائية، مع توفر هدف مشترك يمكن أن يؤدي إلى خفض درجة العدائية. - وأن تهيئة الفرصة لمجموعتين بينهما عدائية للعمل معًا يمكن أيضًا أن يقلل من العدائية في داخلية المجموعات. الاختلافات الثقافية وتكوين جماعات الرفاق: قبل أن تحدث عملية الاشتراك أو الاندماج في الجماعة تقابل الفرد بعض الشروط فيها؛ إلى أي مدى يعتمد الفرد على أقرانه، إلى أي مدى يرتبط ويحتك الفرد بأقرانه، ثم إلى مدى تكون درجة تحرره من تحكم الكبار. فعلى سبيل المثال وفي المجتمعات البدائية كانت هناك علاقات وطيدة بين الأقران وكانوا يعتمدون على بعضهم إلى درجة كبيرة بالذات في المجتمعات المحاربة أكثر منها في المجتمعات المسالمة. هذا لأنه بخصوص المجتمعات المحاربة نجد أن الأقران يكونوا أصدقاء أو زملاء حرب خلال حياتهم العسكرية. وربما لهذا السبب نجد أن المجتمعات المعادية أو المحبة للحرب agressive cultures تعطي اهتمامًا وقيمة كبيرة لعملية الحرب واستقلال الطفل عن الوالدين والتحرر من تحكمهما. وهي في ذلك تفوق بكثير المجتمعات المسالمة أو الخيرية. أما في المجتمعات المعاصرة

الصناعية والغنية فهي لا تحتاج لمجهود الطفل واستغلاله في العمل، ولهذا تسمح للأفراد الصغار بوقت فراغ أكبر وبالتالي فرص تكوين جماعات الأقران أوسع وترابطها أقوى. وتقدم لما "بوهم" Boehm" "1957" دراسة توضح لنا فيها أن تحكم الكبار والتحرر منه حدث بصورة جلية مبكرًا في الولايات المتحدة أكثر منه في أوربا. وقد اعتقدت أن الوالدين Parents في أمريكا كانوا أقل شعورًا بالأمن وكذلك أقل تأكيدًا من أن طريقهم هو الطريق الصحيح، ولذلك كان لديهم الاستعداد للرضوخ لضغوط أطفالهم أكثر مما كان لدى الأوربيين. وفي الولايات المتحدة أيضًا نجد أن جماعات الأقران كان أقوى منها في أوربا. فمعظم الأوربيين لا يسمحون لأطفالهم بالاحتكاك بذويهم بنفس الدرجة في أمريكا. وخلال عمليات الاحتكاك وجدنا أن مجتمعات الأقران في أمريكا قد اكتسبت قيمًا ومبادئ واضحة ومحددة وقدرة على تدعيم العلاقات بين أعضاء المجموعة الواحدة بل وإجبار الأعضاء على الولاء للجماعة. ولم تستطع الأسرة في أمريكا أن تقف أمام الضغوط التي تمارسها جماعات الأقران على الطفل حيث ينصاع الطفل لأوامر الجماعة بصورة كبيرة. ويحتمل أن يكون تغيير وجهة الثقافة الأمريكية خلال فترة معينة، وكذلك الاختلاف بين الثقافة الأمريكية والثقافة الأوربية، ربما يكون راجعًا في جزء منه إلى الدور المتزايد الذي تلعبه جماعات الأقران في أمريكا وقوة هذا الدور عنه في أوربا: وفي أوربا الغربية وكندا يعتبرون انضمام الطفل لإحدى جماعات الأقران كثورة من قبل الطفل على قيم ومبادئ الراشدين. ومجتمعات أخرى تستخدم جماعات الأقران في غرس القيم والمبادئ التي يعتنقها الكبار. وفي إحدى الدراسات التحليلية عن تربية الأطفال في الاتحاد السوفيتي لاحظ برنفبرنر Bronfenbrenner أنه -وبالذات في المدارس- تعتبر جماعة الأقران نبعًا أساسيًا للقيم والتنظيم. فمثلًا إذا تولى مجموعة من الراشدين جماعة من الأطفال فإنهم يوضحون لهم السلوك الذي يستحقون عليه المكافأة ويقدمون هذه المكافأة من خلال الجماعة نفسها وبمجهود جماعي. وفي المدرسة نجد أن الأطفال الذين يكونون صفًا

row معينًا داخل حجرة الدراسة يكونون مسئولين عن بعضهم. فالمجموعة ككل مسئولة عن تصرف أي فرد فيها. فإذا تعوق أحد الأطفال في تعلم الكسور مثلًا نجد أن رائد الصف يتولى تعليمه Tutoring بنفسه أو بالاستعانة بأفراد آخرين من نفس الصف. وإذا كان هذا الطفل عابثًا فيعلمونه الجدية. وإذا كان كسولًا فيقومونه جميعهم. والصف الدراسي الذي يظهر نشاط أحسن وإنجاز أفضل يكافأ في صورة مكافآت مادية ومعنوية. وعلى نفس المنوال تتنافس الفصول مع بعضها، وكذلك المدارس. فأعضاء كل جماعة سواء كانوا في صف دراسي أو فصل أو مدرسة يعلم كل منهم الآخر وبهذا يمثلون منبعًا مباشرًا لتدعيم وتقوية الجماعة.

تقبل الأقران

تقبل الأقران مدخل ... تقبل الأقران: Acceptance By Peers: إن المقياس الذي غالبًا ما يستخدم للتعرف على درجة تقبل مجموعة من الأقران لأحدهم هو طريقة القياس الاجتماعي التي استخدمها مورينو "Moreno" "1934" وهذه الطريقة بسيطة جدًا وتتلخص في أن يسأل الفاحص مجموعة المفحوصين سؤال هذه الأسئلة: - من الذي تحبون أن يجلس بجواركم في حجرة الدراسة؟ "سؤال لأطفال السادسة". - من الذي تفضلون أن يطير معكم؟ "سؤال لمجموعة من الطيارين المحاربين". - من هو أفضل أصدقاءك؟ "سؤال لأطفال الروضة". وغالبًا ما يمكن الاعتماد على تقبل الجماعة للفرد كمقياس لمكانة هذا الفرد في الجماعة. ويمكن أن تصاغ مثل هذه الأسئلة بالنفي، ولكن بصفة عامة لا تكون هكذا. ويلاحظ أيضًا أنه كلما كانت عملية الاختبار متسعة في جماعة محدودة فيجب أن تبتعد عملية القياس النفسي هذه عن الأسئلة الخاصة بترابط الجماعة. فعلى سبيل المثال لو سألنا أطفال في مدرسة محدودة العدد 1 imited member عن

أسماء من يفضلون من الأصدقاء فنجد أن الاختيار يقع على عدد قليل جدًا داخل المدرسة. ولذلك سوف لا تكون هذه الجماعة ذات أهمية في نظر أعضائهما. وتشير الدراسات الخاصة بالقياس النفسي إلى أن هؤلاء الأفراد الذين يكونون خارج الجماعة ويكونون جماعة معينة، هذه المجموعة تحتاج للمساعدة حتى تصبح متكيفة اجتماعيًا مع باقي أقرانهم. وتوضح هذه الدراسات أيضًا أنه كلما طال عمر الجماعة تناقص عدد المنفصلين عنها اجتماعيًا، وتحللت المجموعات الخاصة، وتزايدت الصداقات بين أعضائها ككل. إن السبب الرئيسي لاستخدام مثل هذه المقاييس هو محاولة التأكد من صحة هذه الجماعات. هذه الصحة التي تقوم أساسًا على الرضا Satisfaction بين أعضاء الجماعة. وهنالك سؤال يطرح نفسه أولًا وهو: ماذا يحدث إذن لجماعة ما بليت بالفقر أو الضعف النفسي؟، والإجابة تقول: أنه من الأفضل أن تحل هذه الجماعة ويوزع أعضاءها على جماعات أخرى Other groups لأن احتمال استمرار حياتهم الطبيعية يكون ضعيفًا جدًا، هذا إذا كانت هذه الجماعة فرقة محاربين مثلًا. وينسحب هذا الحكم أيضًا على مجموعات الأطفال، حيث أن حل جماعة معينة واستبعاد مجموعة من الأعضاء فيها قد يكون حلًا لمشاكل كثيرة. وينطبق هذا بالذات على الطفل الصغير الذي يعاني من النبذ rejection وعدم الالتفات إليه. ويقول أندرسون Anderson "1956" أنه لا يمكن لنا أن نتنبأ بدرجة كبيرة من الدقة بمدى تكيف أو تقبل طفل ما في جماعة معينة، فطفل مثلًا لا تلتفت إليه جماعة معينة يحتمل أن تتقبله جماعة أخرى كرائد لها. ومع تقدم السن يظهر الثبات في السلوك ويستمر تعلم الأدوار الاجتماعية Social roles ولهذا تختلف عملية التقبل باختلاف السن فالطفل إذ نبذ بعد أن يكون قد كبر في جماعة معينة فلا يمكنه له أن يستفيد كثيرًا من تحوله لجماعة أخرى. لأنه يكون قد أتقن أدوارًا اجتماعية معينة، ويكون أيضًا قد تكونت عنده اتجاهات trends واستجابات لا يمكن أن تتمشى مع ظروف الجماعة الجديدة، ومن المفضل

أن نعلم هذا الطفل المهارات والقيم التي تفضلها الجماعة الأصلية original group كما فعل جاك Jack "1934" وبيج Beaj "1936"، أو نعلمه الاستجابات الناضجة كما فعل كاستر Keister "1937". وفي مثل هذه الأمور يعتبر النضج الاجتماعي عاملًا أساسًا من عوامل النجاح.

عوامل التقبل

عوامل التقبل ... عوامل التقلل: Factors ln Acceptance: تعد كثيرًا من السمات الشخصية للأفراد مسئولية عن درجة تقبلهم أو عدم تقبلهم في جماعة معينة. واكتشاف هذه السمات يفيد في نواحي كثيرة. فيستخدم مثلًا في حل مشكلة تمكين الأطفال من إيجاد بعض درجات التقبل، وكذلك الحصول على بعض الاستنتاجات الخاصة بالاتجاهات والقيم التي تفضلها الجماعة. ومن هذه العوامل ما يلي: 1- النضج الاجتماعي: Social Maturity يعتبر النضج الاجتماعي، كما تراه الجماعة التي ينتمي إليها الفرد، من الركائز الأساسية للتقبل الاجتماعي سواء في الطفولة أو الرشد adulthood، وتعتبر مرحلة الطفولة من المراحل التي لها أهمتها ربما لأنه خلال هذه المرحلة يمر السلوك الاجتماعي للطفل بمراحل خطيرة. والخلاصة هي أن التقبل الاجتماعي يعتبر إلى حد بعيد انعكاسًا للنضج الاجتماعي. وإذا كان للعمر الزمني للطفل تأثير فكذلك العمر العقلي Mental Age الذي لابد وأن نشير إليه عند الحديث عن النضج الاجتماعي، فتشخيص الضعف العقلي يرتبط بالكفاءة الاجتماعية Social Competence فمثلًا الشخص الذي تكون نسبة ذكاءه 50 والذي يسلك أو يتصرف بطريقة مقبولة ومعقولة فلا نعتبره عاجز عقليًا، بينما آخر تكون نسبة ذكاءه 100 إذا لاحظنا عليه عدم الكفاءة الاجتماعية فيمكن اعتباره كذلك. 2- الجنس Sex لا تعتبر عملية النضج الاجتماعي فقط هي المسئولة عن تقبل جماعة الأقران لأحدهم. ولذلك فإن أحد المحددات الأساسية والهامة important detrminants التي ترتبط بتقبل الأطفال لطفل آخر هو جنس الطفل. ففي مرحلة

الطفولة نجد أن الانفصال الجنسي ملحوظ ويحتمل أن يكون هذا أساس فكرة فرويد Freud عن مرحلة الكمون حيث يترك الطفل الوالد من الجنس المخالف "البنت تترك أبيها والولد يترك أمه" كشيء يريد الاستئثار به، وفي نفس الوقت يترك كل أعضاء الجنس المخالف ويكون اتجاهه لنفس جنسه حتى الوصول لمرحلة معينة من النضج الجنسي. فالبنات يبتعدن عن الأولاد أولًا وبعد فترة محددة يبدأ الأولاد في الثأر لأنفسهم بابتعادهم عن البنات. وفي المدرسة الثانوية تبدأ البنات مرة أخرى في اقترابهم من الأولاد. ولكن الأولاد بسبب بطء نضجهم وعدم اكتمال الحساسية الاجتماعية لديهم يستمرون في ابتعادهم عن البنات "Harris & lseng 1957"، وتوضح لنا هذه الدراسة أيضًا أن البنات أكثر عنادًا من الأولاد في ابتعادهن عن أنفسن وعن الأولاد. ولأن عنادهن أو رفضهن هذا يشملهن أنفسهن، فنجدهن أقل رضا عن دورهن أو الأدوار التي تخول إليهن وبهذا تكون نفسياتهن أضعف وبالذات في الحضارات الغربية حاليًا. 3- الطبقة الاجتماعية Social Class تلعب الطبقة الاجتماعية أو نظام الطبقات دورًا هامًا أيضًا في عملية تقبل الأقران. ويكون لذلك تأثيره الواضح أثناء مرحلة الطفولة بالذات. ويزداد هذا التأثير عندما يصبح الأطفال أكثر دقة في حكمهم وإدراكهم للنظام الطبقي أو نظام الطبقات الاجتماعية. ويرجع ذلك جزئيًا إلى أن التشابه في الأفكار والقرب في المكان أو الزمان يعد من المحددات الهامة في عملية اختيار الأصدقاء وإقامة العلاقات. والصداقات الثابتة بالذات في الطفولة المتأخرة والمراهقة تعتمد إلى حد ما على عاملي الطبقة الاجتماعية والجنس "السلالة والعرق" Race. وعملية تقبل الأقران لأحدهم ليست دائمًا في صالح الفرد وكذلك نبذهم أو رفضهم له ليس باستمرار في غير صالحه. فالنجاح في مرحلة الرشد يعتمد إلى حد ما على العجز في القدرة على الاختلاط مع الأقران. "Mc Curdy 1957".

الأقران وعملية التطبيع الاجتماعي

الأقران وعملية التطبيع الاجتماعي مدخل ... الأقران وعملية التطبيع الاجتماعي: لكي نحصل على رؤية عن أهمية الأقران في التطبيع الاجتماعي للطفل، فإن الأمر لا يتطلب سوى التفكير في العالم الاجتماعي الذي يحيط بالطفل الآخذ في النمو.. إن المواجهة الأولى مع الأقران يحتمل أن تكون مع أطفال الجيرة، وفيما بعد يحدث ذلك في الروضة أو في المدرسة حيث يلتقي الطفل بأعداد كبيرة من الأقران يفرض عليه فيها لقاءات ذات أمد طويل كما يحدث في المدرسة.. وفي هذه المشاركات الإجبارية يجب على الطفل أن يوفق بين رغباته وسلوكه لكي يتناسب مع الآخرين الذين يحدث التفاعل معهم، وهذا التوافق قد يؤدي إلى تعلم أنماط جديدة للتفاعل أو لتغيير العادات القديمة، ويجب على الطفل أن يتعلم مشاركة الآخرين، وأن يفهم أن الآخرين قد تكون لهم أهداف مختلفة، وأن يتعامل مع الصراعات التي لا مناص من حدوثها، والمصاعب التي تنشأ جزئيًا عن الخلفية الخاصة للطفل، والطريقة التي نشأ بها.. وأهم الصعوبات في التوافق مع الأقران قد تحدث عندما توجد فروق كبيرة في تلك السمات الخاصة بالتنشئة، ومن المحتمل أيضًا أن التنشئة الاجتماعية التي يقوم بها الأقران تكون أقوى أثرًا في هذه الأحوال. فلا شك أن الأقران يعززون بعض المهارات الاجتماعية للطفل دون البعض الآخر، كما أن الأقران يعملون أيضًا كنماذج جديدة للسلوك الاجتماعي سواء كان مقبولًا أم غير مقبول، وعندما يواجه الطفل هذه النماذج الجديدة للتقليد والتعرف يجب عليه أن يختار أكثرها مناسبة لاحتياجاته. وأخيرًا: فإن الطفل يلتقي بأقران تختلف وجهات نظرهم وسلوكهم عما عمله إياها الوالدان، وهذا الاختلاف في الأيديولوجيات كثيرًا ما يولد صراعات بين الوالدين والطفل أو بين الطفل ووالديه، ويجب على الطفل أن يتعامل مع هذه الصراعات بحيث يحافظ على علاقات سلسلة مع كل من الوالدين والأقران. ويظهر تأثير الأقران في التطبيع الاجتماعي على النحو التالي:

التوحد

1- التوحد: ldentification: يقول فرويد: إن الطفل في بداية تكوين مدركاته وأفكاره يتولد عنده اعتقاد بأنه قوي جدًا وأن العالم هذا ما هو إلا امتداد له. ويشير بياجيه piaget إلى أن ما أقره فرويد يعتبر صادقًا إلى حد بعيد. فيتعلم الطفل في سن الشهور الست الأولى أنه والعالم الخارجي ليسا كيانًا واحدًا. ومن هنا ينطلق علم النفس الفرويدي إلى مفهو الذات أو "الأنا" "ego"، وتطوره عند الشخص. وعندما ينفصل الطفل عن باقي العالم من حوله فيصبح مدركًا لحقيقة أنه لا حول له ولا قوة، مجرد مخلوق بلا أي قوى تحميه في عالم يتهدده. ويقول أوسوبل Ausubel "1958" إنه بأنه كرد فعل لهذا الإحساس بانعدام القدرة وقوة الطفل على حماية نفسه، يبدأ الطفل في الهروب من الخوف المرتبط بهذا، فيعود الطفل للتوحد مع الوالدين identify with parents الذين يمثلون بالنسبة له أكبر قوة في عالمه الخاص، وبهذا يستعيد الشعور بالقوة مرة أخرى. وفي بعض الحالات نجد أن الوالدين لا يسمحان لأبنائهما بالتوحد معهما أو لا يعطيانهم الفرصة لتحقيق هذا، ولهذا السبب يستمر الطفل قلقًا anxious ومتخوفًا Fearful وإذا حرم الوالدين الطفل من فرصة التوحد فنجده يتجه للتوحد مع أحد الأقران. وقد أثبت هذا بحث أجراه ليسر lesser وأبيلسون Abelson "1979". فقد أثبتت تجربتهم أن الطفل الذي يحرم فرصة التوحد مع الوالدين يكون لديه استعداد تام للتوحد مع أحد الأقران. ولهذا السبب نفسه نجد أن العلاقة الوثيقة بين الطفل ووالديه تحفظه من الانحراف أو الانزلاق مع جماعات ارتكاب الجرائم. ويختلف الأطفال الذين تتاح لهم فرصة التوحد مع والديهم عن هؤلاء الذين يتوحدون مع أقرانهم. فنجد أن النوع الأخير يعاني من النقص في التحكم أو الضبط الداخلي inner Controls والضمير Conscience، وهما بدورهما يعتمدان إلى حد بعيد في نموهما وتطورهما على علاقة الحب والتعاطف بين الطفل والوالدين. وكما يقول "ريزمان" Riesman أن هؤلاء الأطفال يكونوا أكثر إمعية وإنصياعًا للآخرين ويقل اعتمادهم على أنفسهم. وعلى حد تعبير فرويد، فإن مثل هؤلاء الأفراد يكون لهم أكثر من "أناعليا" Superego، أي أنهم يتقبلون في آرائهم

وتصرفاتهم حسب الجماعة التي ينتمون إليها وقتما تتاح لهم فرصة الاشتراك في أي جماعة. وهذا يوضح لنا أن الأطفال الذين يحرمون من التوحد مع والديهم مبكرًا يسرعون للتوحد مع أقرانهم ويظهرون ولاء تامًا لثقافة الجماعة واتجاهاتها. وتوضح نظرية أوسوبل Ausubel حقيقة أن الطفل الذي ينبذه والداه يتجه لأقرانه. فمن المشاهد حقيقة أن الجماعات من الشباب الصغار والتي تتكون لارتكاب الجرائم، غالبًا ما يكونوا من بيوت لا تعطيهم الاهتمام والرعاية الوالدية المطلوبة ولا تربطهم علاقات والديه مع آبائهم. وقد ركزنا خلال مناقشتنا هنا لعملية التوحد مع الأقران على الجوانب المرضية، والاضطرابات في وظيفة هذه العملية. نعود فنقول بأن عملية التوحد لا بد وأن تتم بين الطفل وأقرانه ولكن بدرجة معينة وهذا لأنها تعتبر شيء عادي ومفيد في نفس الوقت بالنسبة للطفل ونموه. وهناك اتجاه خاص في الثقافة الغربية يهدف إلى تربية الطفل بإعطائه درجة معينة من الاستقلال فيحاول الطفل أن يحرر نفسه من تحكم الوالدين وفي نفس الوقت يحاول الوالدان أن يستعيدوا هذا التحكم ولكن بكل تحفظ وحذر. والتوحد مع الأقران يبدو كعامل مساعد للطفل على التحرر من الارتباط بالوالدين، فهو يعطيه الأمان الكافي Enough security أو يدعم موقفه حين يحتج أو يعترض الوالدان في لحظة من اللحظات على استقلاله. وملحوظة أخرى وهي أننا نجد أن الطفل يجد نفسه مضطرًا للارتباط بالجدول الزمني Timetable الخاص بأقرانه من نفس الجنس والسن. على سبيل المثل طفل التاسعة الذي لا يسمح له بالقيام ببعض الممارسات المعينة أو ارتداء ملابس معينة، وإذا كان يسمح لأقرانه بهذا، فيوجه إليه اتهام غير ناضج ومتأخر، ومن هنا يبدأ الطفل في الضغط على والديه وكذلك من قبل أقرانه وفي النهاية يخضع الوالدين. وبهذا يكون الطفل قد خطى خطوة نحو الاستقلال والتحرر من تحكم الوالدين بفضل إرتباطه بأقرانه وتوحده معهم.

التعلم

2- التعليم: Learning: تحدث كثير من عمليات التعلم بين جماعات الأقران. ورغم أن هذه الجماعات ليس لديها سلطة الأسرة التقليدية أو سلطة المدارس الشرعية الخاصة بالتعليم وتلقين القيم والمبادئ، إلا أننا رغم ذلك نجدها تنقل قدرًا كبيرًا من هذا لأعضائها. وقد لاحظ "بياجيه" أن للألعاب Games وظائف حيوية وهامة لتدعيم التطبيع الاجتماعي. فمن خلال الألعاب يحكم الأطفال بعضهم إلى بعض، وفي نفس الوقت يصدرون أحكامًا مبتورة وغير ناضجة. ويوضح بياجيه السبب في ذلك قائلًا إن هذا يرجع إلى ضغط الكبار، وكذلك جمود عمليات التفكير عند الأطفال الصغار أنفسهم. وكما يرى بياجيه أنه خلال الاحتكاك بالأقران واللعب معهم يتعرف الطفل على أن قواعد اللعبة Games rules غير ثابتة ولكن يمكن تغييرها عن طريق الرضا المتبادل والتفاهم بين أعضاء الجماعة، ومن خلال ذلك يتطور مفهوم العدالة والديمقرطية عند الطفل، ويتعلم الطفل من خلال اللعب أيضًا نزاهة الحكم والطلاقة. والوقت الذي يقضيه الأطفال في اللعب لا يكون كله مكرسًا للعبة نفسها بل إنهم يقضون جزءًا كبيرًا منه في المشاحنة. ومناقشة قواعد اللعبة نفسها. وكل هذه المناقشات تضيف جديدًا باستمرار لخبرات الطفل. وخلال هذه المعارك الكلامية يكتسب الطفل روح وقواعد التفاهم وقوانينه ويتعلم أيضًا تبادل الرأي والدبلوماسية.

تعلم الأدوار

3- تعلم الأدوار: Role Playing: إن الأنشطة المختلفة التي يمارسها الأطفال خلال لعبهم تفتح الباب أمام تعلم الأدوار الفعلية وبهذا تؤدي اللعبة وظيفة اجتماعية Social Function لها قيمتها. والقدرة على القيام بدور معين يرتبط بصورة واضحة بالقدرات العقلية للطفل وكذلك بقدرته على التكيف. ولهذا يختلف الأفراد من حيث توليهم أو قيامهم بأدوار اجتماعية مختلفة.

فهؤلاء الذين يقومون بأدوار اجتماعية أقل في مكانتها وقيمتها يكونوا هم أنفسهم أقل في قدراتهم وفي تكيفهم. وفي الحقيقة نجد أن الأدوار الدرامية Dramatic roles في مرحلة الطفولة ترتبط إلى حد كبير بلعب الأدوار المختلفة والحقيقية فيما بعد. فهي تثري عالم الطفل الخاص بأدوار متنوعة. فمعظم الأدوار التي يقوم بها الطفل أثناء اللعب تجهز فيه فعلًا القدرة على القيام بأدوار حقيقية في الحياة فيما بعد. فحين تلعب البنت الصغيرة بعروستها على سبيل المثال فهذا يغرس فيها أساسًا واتجاهًا تعتمد عليه في رعاية الأطفال فيما بعد سواء في اتجاهها وعواطفها نحو الأطفال أو كيف ترعاهم. أما بالنسبة للولد والذي يصعب علينا الربط بين أدواره في لعبة وأدواره راشدًا، فهو لا يستفيد منها مثل البنت ولكنه يزيد عنها في بعض الجوانب، حيث يتسم لعب الأدوار بالتعقيد الالتزام أكثر منه عند البنات.

الأقران كمرجع للحقيقة

4- الأقران كمرجع للحقيقة: Peers as a reality Cheek: يتعلم الطفل كذلك من خلال احتكاكه بجماعة أقرانه كيف ينظر إلى حقيقة نفسه. فربما أن عطف الوالدين يؤدي بهم إلى عدم الموضوعية في حكمهم على أحد أطفالهم فلا يرون فيه إلا كل ما هو حسن أو ربما يقوموه بطريقة سلبية، ولكن ما يمكن الاعتماد عليه في عملية التقويم هذه هو جماعة الأقران.

ونادرًا ما يستطيع الفرد أن يرى نفسه كما يراه الآخرون. ومن خلال رؤية الآخرين ووجهة نظرهم فيه يتكون استعداده للتغيير. وإذا حكم الأقران فيه بشيء من القسوة فإنهم غالبًا ما يكونوا غير متحيزين. فأي سمة أو صفة غير مقبولة نجدهم ينبذونها بسرعة وبمنتهى الصراحة يسخرون منها ومن هنا ينبع احتمال التغيير عند الشخص المنقود. والخلاصة أن للأقران دورهم الذي لا يستهان به والذي يؤثر تأثيرًا كبيرًا في حياة ونمو الطفل.

الامتثال لمعايير الجماعة

5- الامتثال لمعايير الجماعة: إن معايير الجماعة ترشد سلوك أعضائها في الشارع وفي النادي وفي الصحبة ... ومن أقدم الدراسات نحو تكوين معايير الجماعات هي التي أجراها ميرو Meru "1949" الذي لاحظ "12" مجموعة كل منها مكونة من "4" أطفال.. ومع أن الأطفال كانوا يختلفون في درجة الامتثال لمعايير الجماعة في السن من 4-11 سنة فإن "ميرو" قد ذكر أنه لا توجد فروق سن في تكوين المعايير، ولكنه ذكر أن المجموعات كونت معايير تتعلق بتشكيلة واسعة من السلوكيات مثل: نظلم الجلوس، آداب الحديث، والتعبيرات اللفظية، وحقوق الملكية، وتتابع الألعاب إلخ "شكل: 87". وتتصل دراسة الامتثال للجماعة اتصالًا وثيقًا بدراسة تكوين المعايير في جماعة الأقران فكثير من البحوث والافتراضات النظرية حول الامتثال لدى الأطفال قد أجرى معظمها في إطار نظرية التعلم الاجتماعي.. فقد قدمت فكرة لتفسير الامتثال في سلوك الجماعة من خلال عملية التقليد المعمم وطبقًا لنظرية التعلم الاجتماعي فإن الطفل يكتسب قدرًا كبيرًا من سلوكه الاجتماعي عن طريق ملاحظة سلوك الآخرين من حوله ويقوم بتقليد نماذج السلوك التي يراها، لأن الطفل لديه قدرة كبيرة على تكوين صور ذهنية للأفعال التي يكون قد شاهدها سابقًا ثم استرجاع هذه الصور، كما أن الفعل الذي يقوم الطفل بتقليده يحدث نتائج ممتعة بالنسبة له، بالإضافة لذلك: فإن التقليد يعتبر الميكانيزم الأول الذي يظهر الطفل

ذاتي الإرادة، فكل مهارة يكتسبها الطفل تزيد من شعوره بالسيطرة على البيئة كما تزيد من شعوره بالكفاءة وسط الجماعة التي ينتمي إليها. وطبقًا لنظرية التعلم الاجتماعي فإن الامتثال بالنسبة لسلوك الأقران يجب أن يتغير مع تعزيز الامتثال للاستجابات.. وحيث أن نظرية التعلم الاجتماعي ليست نمائية، إلا أنها لا تقدم أي تنبؤات عن اتجاهات السن بالنسبة للامتثال غير أن هذه النظرية يمكن استخدامها للتدليل على أن الامتثال يتعزز باطراد نمو الطفل وتقدمه في العمر حيث أن السلوك المتمثل يجب أن يزيد في هذه الفترة. ومن ناحية أخرى: ناقش بياجيه Piaget "1932" امتثال الأطفال في إطار تعلم قواعد السلوك الاجتماعي.. فقد قد بياجيه تتابعًا من ثلاث مراحل في نمو فهم القواعد الاجتماعية وخاصة قواعد الألعاب: - ففي المرحلة الأولى: أو مرحلة الأنا: فإن الطفل لا يكون لديه فكرة واضحة عن القواعد الاجتماعية. ومهما كانت القواعد التي يتبعها الطفل فهي من وضع الوالدين.. وفي هذه المرحلة التي تمتد حتى حوالي من السادسة فإن الأطفال

قد يقلدون سلوك الآخرين وخاصة الراشدين، ولكن لا يوجد لديهم إلا القليل من فهم الأسباب الدافعة لهذا السلوك. - وفي المرحلة الثانية: التي تمتد من 6-11 سنة يبدأ الامتثال الكامل حيث يزداد تفاعل الأطفال مع الأقران ويمتثلون للمعايير الاجتماعية للسلوك.. وهم يبدأون في اتباع القواعد مثل قواعد الألعاب، ولكنهم ينظرون إلى تلك القواعد باعتبارها قادمة من قوى خارجية وخاصة من الراشدين، وأنها غير مرنة وغير قابلة للتغير. - وفي حوالي سن الحادية عشرة فإن مفاهيم الطفل للقواعد تبدأ في التغير مرة أخرى.. وفي هذه المرحلة يحدث الامتثال المغاير للقاعدة، فيفسر الطفل القواعد على أنها نتيجة اتفاق بين الأشخاص وليس على اعتبارها واردة من مصادر خارجية.. إن الطفل الآن يعتبر القواعد مرنة وقابلة للتغيير من واقع قرار الجماعة.. إن هذا الفهم للقواعد يؤدي إلى انحسار في الامتثال الجماعي بسبب المرونة التي أصبحت الآن تعزى إلى القواعد. ويقترح بياجيه أن الالتزام لجماعة الأقران يزداد في مرحلة الطفولة ثم ينحسر تدريجيًا عندما يكتشف المراهق نظرة الراشدين إلى القواعد. ففي السنوات الأولى من المراهقة يميل المراهق إلى مسايرة المجموعة التي ينتمي إليها فيحاول جاهدًا أن يظهر بمظهرهم ويتصرف كما يتصرفون ويفعل كما يفعلون، وتتميز هذه المسايرة بالصراحة التامة والإخلاص، ونلاحظ أن الرغبة الاندماجية مع المجموعة ومسايرة أفرادها مسايرة عمياء تقل شيئًا فشيئًا ويحل محل هذا الشعور اتجاه آخر يقوم على أساس تأكيد الذات والرغبة في الاعتراف به كفرد يعمل وسط الجماعة.. هذه التغيرات في المسايرة والامتثال للجماعة تنتج عن نمو القدرة المعرفية التي تسمح بتفسيرات مختلفة للمعايير مع اطراد نضج هذه القدرات المعرفية وزيادة الوعي الاجتماعي وما يصاحب ذلك من زيادة في خبراته.

والسبب الذي يدعو المراهق إلى الانسجام مع الجماعة التي ينتمي إليها في أولى مراحل المراهقة محاولة تجنب كل ما يؤدي إلى إثارة النزاع بينه وبين أفراد هذه الجماعة، وهو إذ يفعل ذلك يرى أن أي نزاع بينه وبينهم يعتبر في منزلة ثانوية بالنسبة لنزاعة الأكبر الذي يقوم بينه وبين السلطة المدرسية والوالدية، ومن ثم يكون في احترامه لرأي شلته وإخلاصه لهم وخضوعه لأفكارهم نوع من تخفيف الشعور بالإثم الناجم عن عدم طاعته لوالديه ومدرسيه. "طلعت منصور، عادل الأشول: 1976". الامتثال والثقافة: أجرى أيسكو ووليم وهارفي Esco William & Harvy "1963، 1964" تجربتين أوضحتا أن الامتثال لمعايير الأقران لم تكن دالة لفروق السن فقط في المقدرة المعرفية، ولكنه كان عرضة للتأثيرات الثقافية.. وفي هذه الحالة أجريت التجربة الأولى مع أطفال بيض، والثانية مع أطفال سود وفي كلتا الحالتين كان المفحوصون من سن 7، 9، 12، 15 سنة، كان واجبهم هو إحصاء دقات، حيث أخبر كل طفل بأن ثلاثة أطفال آخرين كانوا يشتركون في التجربة، وأنه قد أعطيت لهم معلومات خاطئة عن عدد الدقات الذي ذكره المفحوصون الآخرون.. وقد قيس الامتثال بعدد المرات التي ذكر فيها المفحوص عدد غير صحيح للدقات. ومع أن شكل المنحنى الذي يربط بين الأمثال والسن كان واحدًا بالنسبة لكل من الأطفال البيض والسود، وكانت الذروة في السن بالنسبة للامتثال قد حدثت لدى الأطفال السود مبكرًا عنها لدى الأطفال البيض. وبالنسبة للأطفال البيض ازداد الامتثال بين الأطفال فيما بين 9-12 سنة، ثم أخذ في الانحسار.. وأظهر الأطفال السود زيادة في الامتثال بين سن 7-9 ثم أخذ في الانخفاض. وبذلك كان الأطفال البيض بصفة عامة أكثر امتثالًا من الأطفال السود. إن هذه الفروق العرقية تتفق وتحليل بياجيه لامتثال الأطفال ودرجة تأثره بتفاعلاتهم مع الأقران.. ويقترح هاربت Harbet "1970" أن ثقافة الأقران السود تشجع درجة أكبر من الاستقلال وتتحمل امتثالًا أقل من ثقافة الأقران عن البيض

- الأمر الذي يمكن أن يفسر انخفاض درجة الامتثال التي توجد لدى الأطفال السود.

التعاون

6- التعاون: تبدو بذور التعاون بين الأطفال منذ الطفولة المبكرة، إذ يؤلف طفل الروضة علاقات تقوم على التعاون مع غيره من البالغين والأطفال على أن لعب الطفل مع غيره من الأطفال يمكنه من ممارسة التعامل مع غيره، وإقامة العلاقات على أساس التعاون والعطاء والشعور بالفردية المتميزة في نطاق اجتماعي مما يعتبر غرسًا لبذور النمو الاجتماعي لديه. ويرى ميرفي Murphy أن السلوك الاجتماعي الذي يقوم على التعاون في هذه المرحلة يرجع إلى استعداد طبيعي أصيل، بينما يرجع لدى البعض الآخر إلى مجرد التقليد وما يتضمنه ذلك من فاعلية البيئة وأثرها.. ولو أن الكثير من الباحثين يرجعون السلوك التعاوني لدى طفل الروضة إلى مزاجه الخاص وأوجه النشاط التي يمارسها وعلاقته بوالديه وتربيته بين إخواته وبمدى الرعاية والتوجيه اللذين يحظى بهما من والديه، ثم من خلال نشاطه الحركي وصحبته للآخرين، ومن خلال رغبته في أن ينال رضا الغير وتقديرهم له. وفي دراسة سيكوميومير في نيكومب وميرفي Newcomb & Murphy: توصلًا إلى أن الأنماط الاجتماعية التعاونية تتزايد من سنة إلى أخرى فيما بين الثانية والخامسة وقد لاحظا: أن السلبية والمقاومة تصل إلى قمتها في الثالثة ثم تبدأ الصداقة والأنماط المتكاملة من التعاون في النمو والتطور وهو نمو يتأثر بتكوين المجموع أي عدد الأطفال بالنسبة للمكان ومساحته وأدوات اللعب فيه، ودرجة توجيه الأطفال وشخصية المربين.. ويلاحظ أن أطفال الرابعة والخامسة غالبًا ما يظهرون سلوكًا وديًا لمن هم في مثل سنهم فهم يلعبون معًا، ويكشفون عن سلوك في لحظة ما وفي اللحظة التالية عن سلوك تعاوني وذلك من خلال استجابات بعضهم لبعض والمثيرات القائمة بينهم.

7- المشاركة الوجدانية: يحاول الطفل في هذه المرحلة أن يشارك جماعته وجدانيًا في حزنها وفرحها - أي يتأثر بالانفعالية السائدة في الجماعة التي ينتمي إليها ويستجيب لها بغريزته - وتساعد المشاركة الوجدانية على إحداث التماسك الاجتماعي بين الطفل ورفاقه، بل وإخوته ووالديه والمجتمع المحيط به بصفة عامة.

التنافس

8- التنافس: التنافس عملية اجتماعية للقوى والإمكانات الإنسانية ما دام في الحدود المعقولة، وهو من العمليات الاجتماعية التي تبدأ ملامحها في الظهور في هذه المرحلة من خلال علاقة الطفل بإخوته وأقرانه، وهو يتولد عادة من التعاون، لأن هذه العملية هي محل التنافس ومبعثه. ويتأثر سلوك التعاون والمنافسة في هذه المرحلة باتجاهات البيئة. ففي حالة تشجيع السلوك التعاوني تقل المنافسة، أما إذا كانت المنافسة جزء من العرف الاجتماعي فإنها تصبح دافعًا قويًا للسلوك عند الأطفال.

العدوان

9- العدوان: السلوك العدواني سلوك طبيعي في الإنسان، فعلى الرغم من اتسام سلوك الأطفال بالمشاركة الوجدانية مع بعضهم البعض إلا أن سلوكهم يشوبه في بعض الأحيان عدوانية على بعضهم البعض ... ويتراوح السلوك العدواني للأطفال من حيث الشدة بين مجرد التعبير الكلامي الهادئ وبين التشاجر العنيف، كما قد يصل هذا السلوك إلى محاولة إيذاء الغير أو التدخل فيما يملكون أو فيما يقومون به من نشاط أو لعب.. ويلاحظ أن أطفال الثالثة غالبًا ما تكثر لديهم نوبات الغضب حيث يدفعون الآخرين ويرفسونهم أو يضربونهم بأيديهم في أثناء هذه النوبات، أما الأطفال الأكبر سنًا في سن الرابعة والخامسة فإنهم يستخدمون العدوان اللفظي والبدني معًا دون وجود نوبات حادة من الغضب، كما يميلون إلى الحصول على لعب الآخرين وممتلكاتهم. ومن أهم الدوافع التي تؤدي إلى العدوان لدى أطفال هذه المرحلة:

- حب التملك: كأن تنشأ مشاجرة بسبب رغبة الطفل في الاستحواذ على لعبة طفل آخر دون اعتبار لحق الملكية. - الدوافع إلى السيطرة: كأن يعتدي طفل على آخر لمجرد الرغبة في السيطرة. - الشعور بالنقص: الذي يدفع الطفل إلى التعويض بالاعتداء على غيره. - الدافع إلى المنافسة: وهو من أهم مصادر العدوان مدى أطفال هذه المرحلة بسبب التسابق على حب الأم أو كسب اهتمامها أو التسابق على كسب صداقتها. - التعرض لمواقف الإحباط: عندما يمنع الطفل من القيام بعمل ما أو إجباره على القيام بعمل لا يرغب فيه. - أما العدوان الجماعي فغالبًا ما يتجه الأطفال المستجدين بقصد الاستحواذ على الأشياء الخاصة بهم.

ولقد لوحظ أن للبيئة أثر كبير في ظهور السلوك العدواني لدى أطفال هذه المرحلة وتكرار حدوثه، فهو يتأثر بأسلوب التربية والوسط الاجتماعي الذي ينشأ فيه الطفل. - فقد تبين أن البيئة التي لا تسمح إلا بقدر ضئيل من الحرية ولا تتوفر بها إمكانيات اللعب تؤدي إلى زيادة وتكرار السلوك العدواني لدى أطفالها، ووجد أن بيئة الروضة المزودة بحديقة متسعة وأدوات ووسائل متعددة للعب فإنها تقلل من عدوان الأطفال إلى حد كبير. - وتبين أيضًا: أن البيئات منخفضة المستوى الاجتماعي تشجع العدوان في حين تميل البيئات ذات المستويات المتوسطة والعليا إلى كف العدوان وتمنع احتكاك الأطفال مع بعضهم.

الشعبية بين الوفاق

الشعبية بين الوفاق ... 10- الشعبية بين الرفاق: غالبًا ما تكون تفاعلات الأطفال مع رفاقهم ذات أهمية متزايدة في حياتهم.. وكنتيجة لهذه التفاعلات نجدهم يكونون مدركات جديدة لذواتهم، ويصبحون مهتمين بمدى شعبيتهم بين جماعة الرفاق، ومن ثم يطورون طرقًا جديدة للتعامل مع الناس، ويخبرون الشعور بالانتماء الاجتماعي أو الانعزال الاجتماعي أو الشعور بالغربة "عادل الأشول: 1982، 394". وتعكس الشعبية في العادة الرغبة لدى الطفل في إيجاد اتصال به، غير أنه يجب ملاحظة أن الدرجة المنخفضة من الشعبية من جانب أقران الطفل قد لا يعني النبذ أو التجنب من جانبهم، فالأطفال غير الشعبيين قد يقتصر الأمر بهم إلى تجاهل أقرانهم لهم وبعبارة أخرى فإن الشعبية والنبذ ليسا طرفان لبعد واحد. ومن المعتقد أن أنماط الصداقة في الطفولة المبكرة تتذبذب بسرعة بسبب اللقاءات من يوم إلى يوم، ومن المحتمل أن يكون ذلك راجعًا إلى مستوى منخفض من استقرار شعبية الأقران.. ومن ناحية أخرى فإن أنماط الصداقة في فترة المراهقة يبدو أنها تتذبذب بدرجة أقل، وكانت الشعبية أكثر استقرارًا بالنسبة للمراهقين الأكبر سنًا "16-18سنة" عن المراهقين الأصغر سنًا "11-15 سنة"، بمعنى: أن الصداقات أكثر استقرارًا مع تقد السن.

وتدل هذه المعطيات على أن الشعبية سمة على درجة ما من الاستقرار، مما يجعل من المعقول دراسة سوابقها والعوامل المؤثرة فيها، ومن هذه العوامل: أ- الجاذبية البدنية: تعتبر الجاذبية البدنية عاملًا هامًا في تكوين الشعبية، فالفرد البدين أو المعوق بدنيًا، والأفراد الذين لا يتمتعون بالمظهر اللطيف تقل درجة تقبلهم الاجتماعي، حتى الأطفال الصغار في رياض الأطفال بيدون نفورًا من بعض السمات البدنية كالبدانة مثلًا، ويمكنهم أن يتعرفوا تعرفًا صحيحًا على مظهرهم البدني، فالمظهر البدني له أهمية خاصة في المراحل الأولى من التفاعل الاجتماعي، ولكن يصبح أقل أهمية مع الوقت ومع زيادة التعرف على شخصية الرفاق. وبعكس الفكرة الشائعة فإن السمات البدنية الجذابة وخاصة شكل الوجه والرأس وهيئة الملبس تعتبر هامة ليس فقط بالنسبة للتفاعل المبدئي ولكن أيضا كمنبئ بتقبل اجتماعي طويل المدى. ب- نسبة الذكاء والإنجاز: لقد ركزت الأبحاث الأولى في مجال العلاقة بين نسبة الذكاء والإنجاز وشعبية الأقران على العلاقة المتبادلة بينهم، وقد وجد أن هذه العلاقة كانت إيجابية وتمتد بين مستوى منخفض "حوالي 0،20" ومستوى متوسط "حوالي 0،65" "Lreen 1920 dasws 1967 Hill 1983" غير أن من الصعب تفسير هذه المعطيات بسبب العلاقة الإيجابية بين الذكاء والطبقة الاجتماعية ومن ثم لم يكن واضحًا ما إذا كانت العلاقة الإيجابية ترجع إلى نسبة الذكاء أو إلى الطبقة الاجتماعية. غير أن الدراسة التي أجراها سيلز وروف Sells & Roff "1985" على 800 طفل بالصف الرابع من أربع مستويات اجتماعية على أساس دخل وتعليم الوالدين اختار كل طفل أربعة أقران محبوبين واثنين أقل تقبلًا، وقد حدد لكل طفل درجة شعبية على أساس عدد المرات التي اختير فيها كقرين يحظى بأعلى

درجة أو بأقل درجة من الحب.. وقد وجد أن الأطفال الأكثر شعبية في كل مستوى اجتماعي/ اقتصادي لديهم معامل ذكاء أعلى من الذين كانت شعبيتهم أقل. وحيث أن نسبة الذكاء والإنجاز المدرسي على علاقة إيجابية فإنه من المعقول أن نتوقع أن تكون الشعبية أيضًا مرتبطة بالإنجاز المدرسي وقد أثبتت أبحاث عديدة صحة ذلك فقد ذكر "سيلز وروف" "1985" أن أطفال من الصف الرابع إلى السابع وجد لديهم ارتباط بين الدرجات المدرسية والشعبية، وأن هذه العلاقة تكون أوثق مع أطفال الصفوف الأولى وأقل بالنسبة للصفوف المتقدمة. جـ- النمو المعرفي: قام رادردن وموان Rardi & Moan بدراسة العلاقة بين الشعبية والنمو المعرفي في إطار نظرية بياجيه على أطفال فيما بين سن الروضة إلى الصف الثالث، حيث اختبر الباحثان فكرة بياجيه من أن تفاعل الأقران عامل هام في التغير من التفكير قبل الإجرائي إلى العمليات الحسية، وأن النمو الاجتماعي يتوازى مع النمو المعرفي "حيث تفيد لنظرية بياجيه أن النمو المعرفي يتغير تغيرًا طرديًا مع نوع العلاقة بين الأقران". ولتقييم النمو المعرفي أعطى الأطفال اختبارات معرفية، كما طلب من كل مجموعة من الأطفال أن يتعرف كل طفل على أحسن ثلاثة زملاء فصل محبوبين وقد كشفت التحليلات عن أن علاقة النمو المعرفي للطفل لم تكن مرتبطة بنوع علاقة القرين إلا بقدر ضئيل.. وأن مسار الشعبية بين الأقران يتوازى مع النمو المعرفي حيث ظهرت تغيرات نمائية عبر مستويات الصفوف.. وبذلك يتعزز رأي بياجيه من أن نوعي النمو يسيران متوازيين، على الرغم من أن الباحثين قد استنتجوا تأثير ضئيل للتفاعل بين الأقران على النمو المعرفي. وقد ركزت دراسات أكثر حداثة حول العلاقة بين الشعبية والنمو المعرفي على دور الطفل الذي يتمركز حول الأنا في الاتصال، فلقد افترض بياجيه أن أحد المظاهر الهامة الشعبية هو القدرة على اتخاذ وجهة نظر شخص آخر في الاعتبار أثناء الاتصال. فالأقران الذين تقل درجة تمركزهم حول الأنا في اتصالاتهم

يكونون أكثر شعبية ويبدو أن ذلك هو الحال بالنسبة لأطفال الروضة وفي الصف الثاني ولكن ذلك لم يكن كذلك بالنسبة للأطفال الأكبر "Deutsh 1974 Rubin 1985".. ومع أن الأسباب الحقيقية لهذه العلاقة غير معروفة فإنها قد ترجع إلى رغبة الطفل في عدم التمركز وفي الاندماج في عمليات أخذ وعطاء متبادل وديًا وفكريًا مع الأقران.. إن عدم القدرة أو عدم الرغبة من الطفل ذي النمو المعرفي المنخفض نحو عدم التمركز قد يؤدي إلى الإحباط بالنسبة للعلاقات مع أقران أكثر تقدمًا في هذا المجال، إذ تتولد علاقات متوترة معهم ودرجة منخفضة من الشعبية. د- الطبقة الاجتماعية: إن القليل من الأبحاث التي أجريت حول أثر الطبقة الاجتماعية في نمو الشعبية بين الأطفال تشير إلى أن طفل الطبقة الأدنى أقل شعبية من طفل الطبقة المتوسطة أو الأعلى.. ولتحديد العلاقة بين الطبقة الاجتماعية والشعبية بين الأطفال يجب أن نتأكد من أن نسبة الذكاء ليست عاملًا مسببًا للارتباك.. ففي دراسة على أطفال الصف السادس في ثلاث مستويات للذكاء ذكر راينر Rainer "1984" أن ثمة علاقة إيجابية بين الطبقة الاجتماعية للأب على أساس وظيفة وشعبية الطفل.. ويبدو أن الطبقة الاجتماعية والشعبية يرتبطان بنفس الطريقة التي ترتبط بها نسبة الذكاء بالشعبية، فكلما ارتفعت الطبقة الاجتماعية للطفل ارتفعت درجة شعبيته بين الأقران. وفي دراسة قام بها فاينبرج وسمث Feinberg & Smith "1987" على مراهقين ذكور من الطبقات الدنيا والمتوسطة والعليا "على أساس دخل الأسرة"، توصلت إلى أن القيم المختلفة التي لدى أبناء الطبقات المختلفة قد تؤدي إلى زيادة الشعبية لدى أبناء الطبقتين المتوسطة والعليا.. وفي كل المستويات كان الأقران الذين يتمتعون بالشعبية يتسمون بالذكاء والوسامة والقوة البدنية والرفق والأمانة.. وما إلى ذلك.. وفي مستوى الطبقتين الدنيا والمتوسطة كان الأطفال يؤكدون أيضًا على اهتمام مشترك وعدم التدخل في شئون الآخرين والقدرة على حسن الكلام

باعتبارها صفات هامة للأقران ذوي الشعبية. وقد أكد المراهقون من المجموعة ذات الدخل المرتفع على الزعامة والاجتهاد في الدراسة والتعاون والمشاركة في الأنشطة باعتبارها سمات جوهرية لتقبل الأقران.. وتؤكد هذه النتائج أن أنماط الصداقة ترتبط بالطبقة الاجتماعية وأن هذا الارتباط يقوم على الاختلافات في القيم بالنسبة للأطفال من طبقات اجتماعية مختلفة. وبالرغم من الاتفاق على بعض القيم بين أطفال من كل الطبقات الاجتماعية فهناك أيضًا اختلافات في القيم لها أهميتها في انتقاء الأصدقاء. هـ- أساليب تربية الطفل: وحيث أن القيم يتعلمها الأبناء من الآباء مباشرة أو باتخاذهم نماذجًا، فمن المهم أن نناقش وسائل تربية الطفل التي تتعلق بالشعبية. إن النتائج والمعطيات المستخلصة من الأبحاث القليلة التي أجريت في هذا المجال تدل على أن أساليب التربية التي تتسم بالسيطرة التنظيمية هي أهم المؤثرات في تربية الطفل في علاقتها بالشعبية. فقد ذكر ويندر وروا Winde & Raw أن آباء الأطفال ذوي الشعبية المرتفعة يستخدمون قدرًا ضئيلًا من العقاب البدني مفضلين عليه سحب الحب وإيقاف الامتيازات باعتبارها الأسلوب الأساسي للتربية النظامية. وكلا الأسلوبين الأخيرين لا يؤديان إلا إلى درجة قليلة من العدوانية البدنية لدى الأطفال وهي إحدى السمات المرتبطة بالشعبية، إن آباء الأطفال ذوي الشعبية كانوا أيضًا حسنى التوافق وكان أطفالهم أكفاء.. علاوة على ذلك فإنهم كانوا ينقلون هذه الثقة إلى ذرياتهم.. ولقد عبر الأطفال الذين يتسمون بالشعبية عن مزيد من الرضا بحياتهم المنزلية، وشعروا برباط أسري أقوى، وكانوا بصفة عامة أكثر سعادة من الأطفال الأقل شعبية. وهذا الأمان والثقة اللذان يشعر بهما الوالدان كانا ينتقلان إلى الأطفال وينعكسان على التوافق النفسي للأطفال.

خلاصة

خلاصة: للتفاعل بين جماعات الأقران نتائج بالغة الأهمية تهيئتهم للقيام بأدوار الراشدين في المستقبل. وتمثل ألعاب الأطفال أهم أشكال التفاعل الاجتماعي بين الأقران، ويهدف اللعب بأنواعه المختلفة إلى إكساب الطفل سماته الاجتماعية وقواعد السلوك الاجتماعي، وإن كان لعب الأطفال يتأثر بعوامل العمر والطبقة الاجتماعية والجنس.. وتتكون جماعات الأقران من أفراد يتفاعلون مع بعضهم البعض ومن معايير مشتركة، وهناك عدة عوامل تؤثر على التقبل الاجتماعي للطفل في جماعة الأقران كالنضج الاجتماعي والجنس والطبقة الاجتماعية.. ومن ثم تلعب جماعة الأقران دورًا هامًا في النمو الاجتماعي للطفل وعملية التطبيع الاجتماعي من خلال التوحد بالأقران، والتعلم الاجتماعي وتعلم الأدوار، فيكون الأقران مرجعًا لحقيقة الطفل عن ذاته، ويؤدي الامتثال لمعايير الجماعة دورًا هامًا في تشكيل سلوك الطفل والمراهق فيتصرف وفقًا لهذه المعايير.. وينتج عن التفاعل الاجتماعي مع الأقران المشاركة الوجدانية للجماعة، والتعاون والعدوان والشعبية التي يلعب فيها عوامل الجاذبية البدنية ونسبة الذكاء والإنجاز والنمو المعرفي والطبقة الاجتماعية تلك العوامل التي تحدد مدى شعبية الطفل داخل جماعته.

الفصل التاسع: النمو الخلقي

الفصل التاسع: النمو الخلقي مدخل ... الفصل التاسع: النمو الخلقي مقدمة: يعتبر النمو الخلقي أحد أهم مظاهر النمو الاجتماعي ونمو الشخصية عند الفرد، ويكتسب هذا الجانب أهمية خاصة في المجتمعات المعاصرة بشكل عام، وفي المجتمعات النامية بشكل خاص، ولن نكون مبالغين إذا قلنا أن كثيرًا من مشكلات مجتمعنا الراهنة هي مشكلات أخلاقية في صميمها، فما يدور حوله الحديث على كل لسان الآن من نفاق الكثيرين من الناس ومظاهر التسيب والإهمال والفساد والاستغلال وانحرافات الشباب وغيرها، إنما هي جميعًا تعبر عن أزمة خلقية، وعن قصور في نمونا الخلقي. "عبد الفتاح حجاج، 1985، 147". ويخضع الجانب الخلقي من بنية الشخصية لعملية نمو، شأنه في ذلك شأن الجوانب الأخرى للشخصية، هذه العملية قوامها تشرب الطفل ومسايرته للنظم الخلقي للجماعة الاجتماعية التي ينشأ فيها، أي قوامها عملية استدخال للأحكام والمعايير الخلقية السائدة في جماعته. "طلعت منصور 1982، 69". ويعبر النمو الخلقي عن التغيرات النوعية التي تطرأ على الأحكام الخلقية للفرد أثناء فترة نموه، ولعل الأهمية القصوى للأخلاق تأتي من كون الأخلاق عنصرًا أساسيًا من عناصر وجود المجتمع وبقائه، ومقومًا جوهريًا من مقومات كيانه وشخصيته، فلا يستطيع أي مجتمع أن يبقى ويستمر دون أن تحكمه مجموعة من القوانين والقواعد تنظم علاقات أفراده بعضهم ببعض، وتكون لهم بمثابة المعايير المعتمدة في توجيه سلوكهم وتقويم انحرافهم. وبذلك يمكن القول بأن المبادئ الأخلاقية تهدف إلى تقوية العلاقات الاجتماعية وتعزيز تكيف الفرد مع نفسه والتصرف وفق معتقداته الخاصة. "محي الدين توق، 1980، 24". ويشير مصطلح الأخلاق في علم النفس إلى ثلاثة معانٍ رئيسية، فهو من ناحية يستعمل للإشارة إلى مقاومة الأغراء أو للحد من السلوك الخاطئ الذي يؤدي إلى إشباع حاجة أو تحقيق فائدة لدى الفرد، ومن ناحية أخرى يشير إلى المعايير الذاتية لدى الفرد والتي تعتبر ضابطًا لسلوكه، حيث تؤدي دور السلطة في تحديد سلوكه وأحكامه الخلقية حتى في غياب السلطة الخارجية، ومن ناحية ثالثة يشير

إلى السلوك الذي يقوم به الفرد معتمدًا في الأساس على الأحكام والمبادئ التي يتقبلها عقليًا ومنطقيًا، أي أن تقبله لهذه المبادئ يعتمد على فهمه لها بحيث تصبح مرشدًا له في سلوكه. "توق وأرناؤوط: 1985، 127". والخلق Morality يعني مجموعة العادات والآداب المرعية ونماذج السلوك التي تطابق المعايير السائدة في المجتمع، فالقيم الأخلاقية التي تتقبلها جماعة من الجماعات قد ترفضها جماعة أخرى تعيش في نفس المجتمع، وقد يحدث أن تتغير تلك القيم من وقت لآخر على حسب ما تتعرض له البيئة من تطور، وبالتالي على الفرد إذا أراد أن يعيش في وئام مع الجماعة التي ينتمي إليها، عليه أن يتعلم الشرائع والدساتير الخلقية في تلك البيئة ويعمل وفقًا لها. "مصطفى فهمي 1979، 276". وتشير الأخلاقية إلى نسبية الخير في الأفراد كما ينعكس في سلوكهم ومعتقداتهم، ولقد ميز كولبرج Kohlberh بين ثلاثة مظاهر للأخلاقية: أولها مظهر سلوكي ينعكس في قدرة الفرد على مقاومة الإغراء وثانيها مظهر انفعالي وهو يتعلق بما ينتاب الفرد من مشاعر الذنب والقلق عند انتهاكه للقواعد الخلقية أو الإتيان بسلوك غير خلقي حيث ترتبط زيادة الأخلاقية بزيادة مشاعر الذنب، والمظهر الثالث هو المظهر المعرفي ويتعلق بتقدير الأفراد للأخلاقيات في السلوك المعطى من خلال المعايير الشخصية للخير والشر التي يحكم بها على سلوك الفرد. "Lefrencais j 1979 281". وفي المعجم الوسيط أن الشخص الأخلاقي هو الذي يتصرف وفق قواعد الأخلاق أو قواعد السلوك المقررة في المجتمع، وعكسه لا أخلاقي، ولعل من أهم وظائف التنشئة الاجتماعية نقل المعايير الأخلاقية وتدعيمها وتعزيز السلوك الحميد وعلى الرغم من اختلاف القيم الأخلاقية من مجتمع إلى آخر إلا أن جميع المجتمعات لديها معايير للصواب والخطأ، وعلى الطفل أن يتعلم هذه القواعد أو تلك المعايير ويتوقع منه أن يشعر بالذنب إذا انتهك هذه القواعد، وأن يشعر بالرضا عندما ينجح في الامتثال لها. ففي بداية حياة الطفل يلتزم بالقواعد الأخلاقية خوفًا

من العقاب الخارجي أو لاعتبارات اجتماعية خارجية أو لمجرد وجود أي من أرباب السلطة ولكن بالتقدم في العمر يتم ضبط سلوك الطفل بتأثير ضوابط داخلية حتى في غيبة السلطة الخارجية. "عبد الرحمن عيسوي، 1985، 222". كما أن النمو الخلقي هو نمو الضمير والتعبير عنه، وهذا الضمير يشكل نظرة الفرد للحياة، وهو البنية الشخصية للقيم الاجتماعية، أو بعبارة أخرى يدل النمو الخلقي على مدى اتفاق سلوك الفرد مع معاييره الخلقية، ومع معايير الجماعة التي يتوحد معها. وهذا المفهوم يعني أمرين:- أولًا: أن تصبح أفعال الفرد وأقواله مسايرة لنواياه وضميره ولمعاييره وقيمه الشخصية. ثانيًا: أن تصبح أفعال الفرد وأقواله مسايرة لالتزاماته نحو المجتمع ومسئولياته إزاءه. "جابر عبد الحميد جابر، 1976، 315".

اكتساب السلوك والتفكير الخلقي

اكتساب السلوك والتفكير الخلقي: خضعت دراسة السلوك الإنساني القائم على القيم الأخلاقية لتفسيرات وجدت أساسها في ثلاثة مداخل أساسية: أولها، التكوين البيولوجي للإنسان، ثانيها مدى التفهم العقلي لدى الإنسان، ثالثها التأثير الاجتماعي: - ويرتبط التفسير البيولوجي بالاشتراط الكلاسيكي على أساس أن منشأة كان حول تغيرات الأفعال المنعكسة عند الأفراد نتيجة ارتباط مثير محايد بمثير نشط فيكتسب المثير المحايد بعد اقترانه بالمثير النشط. قوة استثارة استجابة مشابهة للفعل الانعكاسي الذي ينتج عن المثير النشط. والضمير يمكن أن ننظر إليه باعتباره استجابة للقلق مشروطة بأنواع معينة من المواقف والأعمال، وأنه يتكون عن طريق الربط بين مثيرات معينة مثل الخسائر العدوانية والعقاب أو ما يشابه العقاب من مثيرات غير محببة. وهذه الارتباطات الشرطية وتعميمها تنتج نوعًا من الصراع بين الرغبة في إشباع المشاعر الداخلية أو الحاجات الفورية وبين المتاعب التي تنشأ عن القلق. واستنتج ايزنك Eysenck تصوره للنموذج الارتباطي في

تكوين الضمير، فيقول إن الطفل حين يفعل شيئًا يعتبر في نظر والديه قبيحًا فإن العقاب السريع الذي يلي مثل هذا الفعل على أية صورة يؤدي إلى توليد شعور غير سار عنده، وينتج عن ذلك نموذج من الارتباط الكلاسيكي: حيث أن الألم الذي يعتبر استجابة غير شرطية للعقاب باعتباره مثيرًا غير شرطي يمكن أن يستثيره الفعل القبيح باعتباره مثيرًا شرطيًا بالعقاب. ويستمر تأثير هذا النموذج حتى ينشأ نوع من الخوف الشرطي أو القلق يصاحب القيام بمثل هذا الفعل الشائن أو حتى التفكير في القيام به. وهذا القلق الشرطي هو ما يمكن أن نطلق عليه الضمير، كما تلعب التسمية التي نمارسها تجاه الأفعال الأخرى دورها في تعميم هذا النموذج فيكفي أن نطلق على أي فعل أنه قبيح ليكتشف نفس الأثر. أما بالنسبة للسلوك غير الأخلاقي فيمكن أن نعزوه لسببين رئيسين: أولهما العوامل الاجتماعية المتمثلة في نقص الاشتراط الاجتماعي السليم، فإذا فشل القائمون بالتطبيع الاجتماعي في ممارسة التنشئة الاجتماعية السليمة كأن يرى الآباء فعل ما سليمًا بينما يراه المعلمون قبيحًا، ويظهر الرفقاء المتعة المرتبطة بعمل ما بينما يفشل الآباء والمعلمون في إظهار الألم المصاحب له فإن الناتج لا يمكن أن يكون في حدود المتوقع، وثانيهما: العوامل البيولوجية والفروق الفردية فيها، ويرى أيزنك أن التركيب البيولوجي للإنسان هو الذي يحدد تصرفه أو يشكل مدى استجابته للمثيرات الخارجية. "محمد رقي 1983، 17". ويحدد سيرز وماكوبي Sears Maccoby & Levin "1957" ثلاثة معايير للنضج الخلقي هي معايير الضمير كظاهرة سلوكية متعلمة كما يلي:-

أ- مقاومة الغواية والإغراء. ب- التهذيب الذاتي القائم على إطاعة قواعد السلوك السليم. جـ- المظاهر السلوكية الدالة على الشعور بالذنب في حالة الخروج على هذه القواعد. وهذه المعايير تدل على أن الطفل يتمتع بضبط مستدخل internalized control قد استوعبه ومارسه بواسطة ما تعرض له من قبل من إثابة وعقاب، فما خبرة من أساليب ومعايير للضبط من الخارج -وخاصة من الوالدين- تتحول غالبًا إلى ضبط من الداخل وإلى توجيه ذاتي. أ- مقاومة الإغراء Resistance of temptation وتتضح هذه الظاهرة حينما يعزف الطفل عن الإقدام نحو مثير يجذبه أو يغويه لأنه يعتبر خاطئًا أو غير أخلاقي من وجهة نظر ثقافته، وتفسير ذلك أن استجابة الإقدام تخضع للكف بواسطة بعض جوانب الموقف المثير التي تقترن بالعقاب في الماضي، حتى لو كانت هذه الجوانب غير واضحة للملاحظة أو لملاحظة الشخص لذاته. وفي حالة الإغراء تتوقف النقطة التي يصير عندها الشخص قلقًا بدرجة كبيرة على نفس النقطة التي عوقب عليها في الماضي. فإذا كان العقاب نادرًا ما يوقع أو يوقع بعد إرجاء طويل، فقد لا تنمو عند الطفل القدرة على مقاومة الإغراء على الإطلاق أو تنمو بدرجة ضعيفة. ب- التهذيب الذاتي القائم على إطاعة قواعد السلوك السليم: يذكر هيكل Hail أن الطاعة القائمة على التهذيب الذاتي تحدث وفقًا للمبادئ الخلقية التي يتلفظ بها الوالدان في تفاعلهما الاتصالي مع الطفل، وبواسطة ما يلاحظه من أنماط سلوكية والدية وفقا لهذه المبادئ والأحكام. والمبدأ الأساسي الذي يخضع له هذا التعلم هو المحاكاة عن طريق التعلم بالملاحظة Observation Learning أو التعلم الانتقالي Vicarious Learning أي الذي ينتقل من الكبار إلى الصغار بالمحاكاة من خلال الملاحظة. وقد يخفق الطفل في هذا التعلم إما بسبب أن هذه المبادئ والأحكام التي لم يتلفظ بها الوالدان في تفاعلهما مع الطفل أو بسبب

عدم توفر المواقف والظروف التي يلاحظ فيها الوالدان لكي يحاكي سلوكهما. لهذا السبب فإن الأطفال الذين ينشأون في مؤسسات أو ملاجئ لا يتوافر فيها النموذج أو الوالدي الثابت قد يجدون صعوبة أكثر من غيرهم في تعلم المبادئ والأحكام الخلقية والأنماط السلوكية المتسقة معها. جـ- الدلالة الواضحة للشعور بالذنب: ويشير مصطلح الذنب إلى بعض المظاهر السلوكية المتعددة الدالة عليه الاستجابات الانفعالية، التلفظ بمشاعر الذنب أو ربما النزعة إلى عقاب الذات فما يقوم به الطفل أحيانًا ببعض الأفعال الخاطئة غالبًا ما يتبع بالتأنيب أو عدم الرضا من قبل الوالدين وغير ذلك من أشكال العقاب. وإذا كان ذلك يحدث بدرجة كافية، فإن الطفل يتعلم أن أيسر وسيلة لكي يسترد بها عطف والديه إذا اقترف عملًا خاطئًا هو أن يعترف ويلقي ما يستحقه من عقاب، وأن يكف عن مثل هذه الأفعال دون إرجاء، فتوقع النبذ والسعي إلى العقاب الذي يتبع مخالفة القواعد الخلقية هو ما يصفه الفرد ذاته كشعور بالذنب وبالنسبة للشخص الراشد فقد يظل الشعور بالذنب محتفظًا بمستوى متوائم يتزايد ويتناقص وفقًا للاحتمال الحقيقي للعقاب، "طلعت منصور وحليم بشاي، 1982، 13". ومن المعروف أن الطفل حينما يولد يكون خلوًا من الضمير، ومن ثم لا يمكن أن يوصف بأنه على خلق Moral أو عار منها immoral بل إنه في هذه الحالة يكون محايدًا بالنسبة للقيم الخلقية، هذا وفي تعلمه أو اكتسابه لأي معانٍ خلقية فإنما يأتيه ذلك من المجتمع المحيط به "عبد الفتاح حجاج، 1985، 154"، وعلى المحيطين بالطفل أو المسئولين عنه أن يساعدوه على تشرب النمط السائد والامتثال للمعايير والمقننات وعدم الانحراف عنها بمخالفة ما تأمر به أو ارتكاب ما تنهى عنه "كمال دسوقي، 1979، 308". ويتعلم الطفل السلوكي الأخلاقي -كما في تعلم أي مهارة عملية- إما بالمحاولة والخطأ، أو بالتلقين والتعليم المباشر، وإما من خلال التقمص والتمثل والطريقتين الثانية والثالثة ليستا فقط الأفضل والأجدى، بل الأكثر استخدامًا أيضًا

لكون تعلم المحاولة والخطأ مضيعة للوقت والجهد وأن ثمرته آخر الأمر أبعد من أن تكون مرضية. والتعليم المباشر هدفه تعريف الصغير بما هو خير أو صواب، ثم دفعه لأن يتصرف على النحو الذي يتوقعه منه المجتمع. وإذا ما صاحب هذا التلقين لون إيجابي من التعويد أو التأديب ليستخدم بثبات يصبح السلوك الخلقي اعتياديًا أي عندما يقترن الثواب والاستحسان الاجتماعي والثناء بالسلوك المرغوب منه اجتماعيًا، يكون تعلم السلوك الأخلاقي أسرع وأيسر. "كمال دسوقي، 1979، 315" وإذا قارنا هذه العملية بقدرة الطفل على تعميم الخبرة وانتقال أثر التدريب، فإنه يستطيع أن يحدد استجابته للمواقف المختلفة طبقًا للتشابه بين المثيرات. بمعنى أن الطفل يتم تعليمه أنماطًا معينة من السلوك يقوم بها على أساس أنها مقبولة اجتماعيًا فيتم تعزيزه فيستمر أداؤها عبر الزمان وفي مواقف مختلفة، وإذا كان السلوك غير مقبول اجتماعيًا فإنه بالطبع سيتم عقابه بأي صورة من صور العقاب مع اعتبار شروط فعاليته كوسيلة ومن ثم فإن يختفي. أي أن الموقف يدور حول الإرادة الخارجية للسلوك والرغبة الداخلية في الحصول على الثواب، وتجنب العقاب، ويتكون لدى الطفل نوع من القلق التوقعي يساعد على الكف المبدئي للسلوك المشين "محمد رفقي، 1983، 18". وهكذا يستطيع أن يواجه المواقف المختلفة من خلال تعرفه على التشابهات المختلفة في الموقف مع المواقف السابقة ويتصرف تبعًا للقيم والمعايير التي تسود المجتمع، أما في المواقف التي تختلف عن المواقف السابقة فلن يتصرف فيها إلا وفقًا لظروف خاصة. ومن الضروري هنا أن تكون المعايير والمقتفات التي يتعلمها الطفل في البيت والمدرسة ومن جماعة اللعب والأقران ثابتة حتى لا يختلط عليه الأمر مما يسهل له تنمية مفاهيم مجردة عن الخير والشر، والصواب والخطأ. وفي تعلم السلوك الخلقي بالتقمص يأخذ الصغير قيم شخص آخر ويشكل سلوكه هو وفقًا لسلوك ذلك الشخص، وهو يفعل ذلك لا شعوريًا بالقياس إلى التقليد الشعوري الذي يحاول به عمدًا أن يكون مثل شخص آخر. فالصغير يتعلم فعل ما يفعله أحد الكبار، وكذلك ما يطلب إليه الكبير أن يفعله. وحين يتقمص الصغير شخصًا هو معجب به، من غير أي ضغط أو تعليم مباشر فهو يحاكي أنماط السلوك التي يلاحظها

عند ذلك الشخص. والتقمص أو التوحد في الذاتية أو الهوية لشخص آخر كمصدر لتعلم السلوك الخلقي يصبح أكثر فأكثر أهمية كلما كبر الصغار وقاتلوا ضد تعويدهم النظام في البيت والمدرسة، فوجود من يدمج به الناشيء ذاتيته وهويته ملء للفراغ وتهيئة الأمان اللازم لنمو السلوك الأخلاقي "كمال دسوقي، 1979، 316". ويمثل الآباء نماذج للسلوك الخلقي للأبناء. ففي سياق العلاقات بين الآباء والأبناء يدرك الأطفال في الوالدين خصائص وممارسات معينة قوامها ما يوفرانه للطفل من دفء عاطفي من خلال رعايتهما له. ويجد الطفل في تقليد النماذج السلوكية الوالدية مصدرًا من مصادر الإثابة للسلوك الذي يدرك أنه يلقي استحسانًا من الوالدين، ويكتسب الطفل الكثير من أنماطه السلوكية وخصائصه الشخصية كنتيجة للتعلم الاجتماعي والإثابة في الأسرة، إلا أن قدرًا كبير من السلوك ومن الخصائص المميزة للشخصية يجري اكتسابه دون تعليم مباشر أو إثابة فورية، وذلك من خلال التقمص أو التوحد مع الآخرين وفي ذلك يمكن اعتبار التوحد على إنه واقع متعلم للتشبه بشخص آخر. ويتوحد الطفل مع أحد الوالدين حينما يسعى إلى أن تكون مثله واتجاهاته وأنماطه السلوكية مطابقة لما يتصف به الوالد.

السيطرة التنظيمية للوالدين والنمو الخلقي

السيطرة التنظيمية للوالدين والنمو الخلقي مدخل ... السيطرة التنظيمية للوالدين والنمو الخلقي: كما ذكرنا فإن نظرية التحليل النفسي تستند بشدة إلى أهمية وسائل تربية الوالدين للطفل، وحالة التوحد يتعلم الطفل ممارسة الإحساس الذنب كشكل لعقاب الذات وهو يستند إلى السيطرة التنظيمية للوالدين. إن الذنب ينشأ كلما خالف الطفل أوامر المنع أو كم إغراءه ليفعل ذلك "Hoffman, 1975,1976". ولتجنب الذنب يجب أن يسلك الطفل بطريقة تتناسب والقيم التي تحدد من خلال التوحد مع الوالدين. وعندما يحدث ذلك يشعر الشخص بالفخر وهو ما يعزز الاستمرار في السلوك تبعًا للقواعد. وفي مرحلة الطفولة المبكرة يكون سلوك الطفل محكومًا بأوامر الوالدين، ليس بسبب الخوف من العقاب منهما ولكن بسبب أن الطفل قد توحد مع قيم الوالدين ومعاييرهما الأخلاقية. وتصبح هذه المعايير جزءًا من القيم الخاصة بالطفل ونظامه الأخلاقي حيث ترشد سلوكه إلى حد ما.

إن الأبحاث التي أجريت على العلاقة بين السيطرة التنظيمية للوالدين ونمو الأطفال الأخلاقي، هذه الأبحاث قد استخدمت عددًا من المؤشرات على تمثل الأطفال للمعايير الأخلاقية للكبار مثل: مقاومة الإغراء والدرجة التي يستطيع الطفل عندها أن يقاوم انتهاك المعايير عندما تكون فرصة اكتشاف هذه المحاولة بعيدة الاحتمال أو غير موجودة، والإحساس بالذنب، والاستجابة الانفعالية الداخلية التي تلي الخطيئة، ورد فعل الخطيئة، وحكم الطفل الخلقي على ارتكاب الخطأ، والاعتراف بارتكاب الخطأ كل ذلك من دلائل النمو الأخلاقي للطفل.

بحث هوفمان وسالتز شتاين

بحث هوفمان وسالتز شتاين: Hoffiman & Saltzstein: في بحث جيد التصميم، قام هوفمان وسالتز شتاين "1967" بتقييم العلاقة بين النمو الأخلاقي والسيطرة التنظيمية للوالدين والحب في عينة من 146 صبي من الطبقة الوسطى، 91 صبيًا من الطبقة الدنيا، 124 فتاة من الطبقة الوسطى، 83 من الطبقة الدنيا. وكان الجميع من الصف الدراسي السابع. وقد افترض الباحثان أن وسائل الاستقراء التي تفسر الأساس في عدم الرضا عن سلوك الطفل تكون شديدة الارتباط بالنمو الأخلاقي. وهذا الافتراض كان يستند على فكرة أن وسائل الاستقراء بعكس العقاب الذي يقوم على تأكيد السلطة أو سحب الحب، تهيئ للطفل معرفة أن سلوكه قد يكون ضارًا بشخص آخر، وبذلك يجري التركيز على قدرة الطفل على التعاطف. وقد ناقش الباحثان أن هذا اللجوء إلى التعاطف يدفع الطفل إلى تنمية الضوابط الأخلاقية. وحيث أنه لا تأكيد السلطة ولا سحب الحب يتقبلها الطفل لاختبار التعاطف، فإن هذا المكون المعرفي للسيطرة التنظيمية يصبح مفقودًا. وقد تم الحصول من كل طفل على مقياس للأخلاقيات، كان تقييم الذنب يتم بمطالبة الطفل باستكمال قصتين تدوران حول طفل من نفس الجنس والسن خالف قاعدة ما. وقد طلب من أفراد العينة الإخبار بما حدث وكيف يفكر ويشعر الطفل بكل قصة. وقد تم تسجيل الاستجابات التي تدل على ردود أفعال تتصل بالنقد الذاتي باعتبارها استجابات ذنب، وتم تقييم الحكم الخلقي بجعل الطفل يعطي حكمه الأخلاقي على عدد من المواقف الافتراضية تتضمن الانتهاك للقواعد، مثل السرقة أو ارتكاب جرائم أخرى مشابهة. وقد تم تقييم ردود أفعال الأطفال الواضحة نحو

الانتهاك من خلال تقارير المدرسين عن سلوك الطفل عندما ضبط وهو يرتكب خطأ. وقد تم القياس من خلال اعترافات الطفل التي تم الحصول عليها من الأم. وقد تم قياس الاهتمام بالنسبة للأطفال الآخرين باستخدام وسائل القياسي النفسي السوسيومترية، أي من خلال تصريحات أقران الأطفال الذين يهتمون بدرجة أكبر بمشاعر الآخرين. وجرى تقييم التوحد بقياس مقدار التشابه المدرك للطفل مع والديه والإعجاب بهما والرغبة في مناظرتهما. وقد تحددت وسائل السيطرة التنظيمية للوالدين من خلال تقارير من الأطفال، وبالنسبة لأطفال الطبقة المتوسطة من خلال لقاءات مع الوالدين. وكانت استجابات كل من الأطفال والآباء قد سجلت لتحديد نوع السيطرة التنظيمية للوالدين مثل: تأكيد القوة، سحب الحب، الاستقراء واستخدام الوالدين للحب قد تحدد بسؤال الأطفال لتقدير استخدام والديهم لعدد 19 شكلًا من أنماط السلوك التي تدل على الحب. كما سئل الوالدن أيضًا لتقدير استخدامهما للموافقة عندما يحسن الطفل سلوكه. والخلاصة أنه كانت هناك ستة مؤشرات على السلوك الأخلاقي، وأربعة مقاييس للسيطرة التنظيمية للوالدين وكانت المعطيات لكل مجموعة فرعية قوامها الجنس، الطبقة الاجتماعية، قد حللت كل على حدة. وقد تحدد الأطفال بالنسبة لكل مؤشر على النمو الأخلاقي للأطفال الذين حصلوا على درجات مرتفعة، والأطفال الذين حصلوا على درجات أدنى ثم قورنوا بالدرجات التي تم تسجيلها عن وسائل تربية الطفل، وبالنسبة لأطفال الطبقة المتوسطة كان التقدير من خلال اللقاءات مع الوالدين ويمكن تلخيص نتائج هذا البحث على النحو التالي: 1- بالنسبة لأطفال الطبقة المتوسطة: أ- استخدام الأم لتأكيد السلطة كان يرتبط دائمًا بنمو أخلاقي ضعيف. ب- استخدام الأم للاستقراء كان يرتبط دائمًا بنمو أخلاقي متقدم. جـ- استخدام الأم لسحب الحب كان ارتباطه سلبيًا ولكن بصورة غير مستمرة بالنمو الأخلاقي.

د- وسائل السلطة التنظيمية للأب كانت ترتبط بشكل غير مستمر وغير ثابت بالنمو الأخلاقي. هـ- حب الوالدين كان يرتبط إيجابيًا بالنمو الأخلاقي، وبدرجة أكبر بالنسبة للأم عن الأب. 2- بالنسبة لأطفال الطبقة الدنيا: أ- كانت هناك علاقات قليلة بين النمو الأخلاقي للأطفال وتقاريرهم عن وسائل السيطرة التنظيمية للوالدين. وكانت العلاقات التي لها دلالة غير ثابتة وغير قاطعة. ب- كان هناك ثلاثة علاقات بين الحب الوالدي والنمو الأخلاقي. وكانت العلاقات الثلاث علاقات إيجابية وذات دلالة.

تأييد نتائج دراسة هوفمان وسالتز شتاين

تأييد نتائج دراسة هوفمان وسالتز شتاين: وقد راجع هوفمان "1970، 1976" وسالتزشتاين "1976" نتائج عدد من الأبحاث عن العلاقة بين وسائل السيطرة التنظيمية والنمو الأخلاقي للأطفال. وقد كانت النتائج مؤيدة للنتائج التي توصل إليها هوفمان وسالتزشتاين "1976" وذلك على النحو التالي: إن استخدام الأم المستمر للسيطرة التنظيمية التي تؤكد على السلطة كان مرتبطًا بالنمو الأخلاقي الضعيف، في حين كان الاستقراء والحب من الأمر مرتبطين بالنمو الأخلاقي. وتؤكد كثير من الدراسات نتائج أبحاث هوفمان وسالتز شتاين فإن سحب الحب لا يرتبط بالنمو الأخلاقي. وهذه النتائج تحدد بشكل قاطع مقاييس الذنب والتوجيه الأخلاقي الداخلي، ولكنها أقل وضوحًا بالنسبة لمقاومة الإغراء والاعتراف. وقد ذكر هوفمان "1970، 1976" أن المقياسين الأخيرين قد يتضمنان قرارات معقدة تؤدي إلى حجب أو تغيير العلاقات. إن مقاييس الحالات مثل: الذنب تتضمن قرارات تستند إلى وضع النتائج والطرق التبادلية للعمل في الاعتبار، وقد لخص سالتز شتاين "1976، ص209" هذه النتائج وفسرها كما يلي:

إن الاستخدام المستمر لتأكيد السلطة، وخاصة العقاب البدني، يؤدي إلى تأخير أي نوع من الأخلاقيات الداخلية، وأن الوسائل النفسية وخاصة التي توضح نتائج الفعل للآخرين تسهل نمو الأخلاقيات الداخلية. والتفكير العقلي يؤدي إلى نمو الأخلاقيات التي تقوم على حب الآخرين، والأخلاقيات الإنسانية، أي تلك التي تستند أساسًا على وضع الآخرين في الاعتبار. أن سحب الحب يؤدي إلى نمو أخلاقيات تقليدية أو رسمية، أي تلك التي تعتمد على الالتزام الدقيق بالقواعد لذاتها أو الانقياد للسلطة. كما أن الأبحاث تؤيد أيضًا النتائج التي توصل إليها هوفمان وسالتز شتاين فيما يختص بأهمية استخدام الأب للسلطة التنظيمية بالنسبة لنمو أخلاقيات الطفل "Saltzhstein 1976" وقد ورد ذكر القليل من العلاقات بين وسائل السيطرة التنظيمية للأب والنمو الأخلاقي للطفل، وهذ العلاقات القليلة التي ورد ذكرها يبدو أنها لا تناسب أي نمط، غير أنه بالنسبة للصبيان فإن وجود الأب له أهمية. فالأولاد الذين لا أب لهم يحصلون على درجات أقل في مجال النمو الأخلاقي عن الأطفال اللذين لهم آباء "Hoffman 1977". وهذه النتيجة قد يكون لها تفسيران: أولهما: أن الأب قد يقدم تعليمات عن المعايير الأخلاقية في المواقف التي لا تمثل السيطرة التنظيمية، وثانيما أن الدور التنظيمي للأب قد يكون حاسمًا فقط في ظروف استثنائية "الانحراف مثلًا"، حيث أن الأم هي التي تزاول السيطرة التنظيمية في الظروف العادية. وقد قامت نجوى العدوي "1982" بدراسة للتعرف على أثر بعض العوامل في توجيه نمو إدراك القواعد الخلقية لدى الأطفال من "9-13" سنة، وهذه العوامل هي اختلاف المعاملة الوالدية ونوع التربية، ونوع العلاقة التي تربط الطفل بالسلطة. وقد افترضت الباحثة: 1- أن الأطفال الذين يعيشون في الأسر يختلفون عن الأطفال الذين يودعون المؤسسات من حيث: نمو إدراكهم للقواعد الخلقية من خلال الحكم الخلقي اختلافًا له دلالة إحصائية لصالح أبناء الأسر.

2- يختلف الأطفال في نمو إدراكهم للقواعد الخلقية من خلال الحكم الخلقي اختلافًا له دلالة إحصائية باختلاف المناخ والتماسك الأسري "الأسر العادية، الأسر المفككة" لصالح أبناء الأسر العادية. 3- يختلف الأطفال الذين يعيشون في المؤسسات فيما بينهم من حيث نمو إدراكهم للقواعد الخلقية من خلال الحكم الخلقي لصالح أبناء الأسر المفككة الذين أودعوا المؤسسات. 4- يختلف نمو إدراك الأطفال للقواعد الخلقية من خلال الحكم الخلقي باختلاف الجنس. 5- يختلف نمو إدراك الأطفال للقواعد الخلقية من خلال الحكم الخلقي باختلاف إدراكهم لأسلوب معاملة المحيطين بهم "الآباء، المشرفين، الراشدين، أو من يقوم برعاية الطفل". وقد أجريت الباحثة دراستها على عينة مكونة من 217 تلميذًا من الذكور والإناث في سن 9-13 ومتقاربين في المستوى ق/ ج وكانت العينة موزعة كما يلي: أ- 64 تلميذًا من أبناء الأسر العادية الذين يقيمون في أسرة كاملة "مع الأب والأم". ب- 50 تلميذًا من أبناء الأسر المفككة الذين يقيمون مع أحد الوالدين أو أحد الأقارب بسبب الطلاق أو الهجر. جـ- 49 تلميذًا من أبناء الأسر المفككة الذين أودعوا المؤسسات. د- 54 تلميذًا لم يخبروا الحياة الأسرية والذين أودعوا المؤسسات خلال السنوات الثلاث الأولى من عمرهم من الأطفال اللقطاء أو الضالين. وقد طبقت الباحثة على عينة الدراسة عددًا من المقاييس الخاصة بالنمو الحلقي وهي:

1- استبيان دراسة نمو إدراك القواعد الخلقية الذي أعدته الباحثة لذلك وتحددت أبعاد المقياس في القضايا التي قاسها بياجيه وهي: التصرف مثل "سلوك السرقة، سلوك الغش، سلوك الكذب" والعدل مثل "العدل الجزائي، العدل الموزع، المساواة، المسئولية الجماعية، العدل الحلولي". 2- اختبار مجموعة القصص لقياس نمو الحكم الخلقي وهو مقتبس من مقياس بياجيه. هذه القصص تشكل مواقف تحدث في الحياة اليومية ومقسمة إلى الأبعاد والقضايا التي يقيسها المقياس السابق. 3- اختبار الصور الإسقاطي لقياس نمو الحكم الخلقي الذي أعدته الباحثة ويتكون من 12 صورة تمثل القضايا السبع التي تقيس نمو إدراك القواعد الخلقية عند الأطفال، كما استخدمت الباحثة استبيان أساليب التنشئة الذي عرفته مايسه المفتي وقننته على البيئة المصرية ويشتمل على أساليب التدعيم، العقاب، والتحكم والسيطرة، المطالب، بالإضافة إلى مقياس عين شمس للذكاء الابتدائي، ودليل المستوى الاقتصادي الاجتماعي، والمقابلة، والملاحظة، ودراسة الحالة، ومن أهم ما توصلت إليه الباحثة من نتائج: أ- العمر الزمني كان دالة لنمو إدراك القواعد الخلقية. ب- انعدام الفروق بين الجنسين في نمو إدراكهم للقواعد الخلقية من خلال الحكم الخلقي. جـ- تفوقت مجموعة أطفال الأسر العادية في نمو إدراكهم للقواعد الخلقية عن باقي المجموعات، يليها مجموعة الأطفال الذين لم يخبروا الحياة الأسرية، ثم أطفال الأسر المفككة الذين أودعوا المؤسسات، وأضعف المجموعات في النمو مجموعة الأطفال الذين يعيشون في أسر مفككة. 4- أهم العوامل التي تؤثر في نمو إدراك الطفل للقواعد الخلقية: أ- الشعور بالاستقرار العائلي والأمن. ب- الشعور بالحنان والحب. جـ- قلة الصراعات الأسرية وعدم إقحام الطفل فيها.

د- التفاعل السليم القائم على الاحترام المتبادل بين الإخوة والأقران. 5- أوضحت الدراسة أهمية قياس العوامل اللاشعورية لنمو إدراك الطفل للقواعد الخلقية إلى جانب العوامل اللاشعورية لإعطاء صورة تنبئوية كاملة عن السلوك الخلقي الحقيقي للفرد. 6- كان استبيان قياس نمو الحكم الخلقي أقل مقاييس الحكم الخلقي تمييزًا لهذا النمو بين المجموعات. يلاحظ من العرض السابق أن الفروق بين الطبقات الاجتماعية التي ذكرها هوفمان وسالتز شتياين لم يتم بحثها في الأبحاث الأخرى بل جرى معظمها على أطفال الطبقة المتوسطة. ويعتقد هوفمان "1970" أن الأسس في فروق الطبقات الاجتماعية توجد في تأكيد السلطة المهيمن على السيطرة التنظيمية المستخدمة مع أطفال الطبقة الدنيا. وعندما يكون تأكيد السلطة هو الشكل الرئيسي اللسيطرة التنظيمية فإنه قد يمحو العلاقات بين وسائل السيطرة التنظيمية الأخرى والنمو الأخلاقي. علاوة على ذلك فإن الأب يظل هو العامل الأساسي في السيطرة التنظيمية في الطبقة الدنيا، وبذلك ينخفض تأثير الأم في النمو الأخلاقي. إن تأثير وسائل السيطرة التنظيمية للأم قد يضعف أيضًا بسبب ازدياد حاجة الأم إلى قضاء بعض الوقت بعيدًا عن أطفالها، كأن تكون عاملة مثلًا. ومجموع هذه العوامل يبدو أنه يقللل من العلاقة بين وسائل السيطرة التنظيمية للأم والنمو الأخلاقي في أطفال الطبقة الدنيا. كما يقترح هوفمان "1970" أنه قد يكون من نتائج قلة تأثير الأم أن يلعب الأقران دورًا أكثر أهمية في النمو الأخلاقي بين أطفال الطبقة الدنيا عنه بين أطفال الطبقة المتوسطة. إن هذه الأبحاث تؤيد الافتراض بأن السيطرة التنظيمية للوالدين عامل هام في النمو الأخلاقي لدى الطفل. ويجب أن نتذكر دائمًا أن المعطيات من التقارير الذاتية ومن البيئات الطبيعية يصعب عادة تفسيرها على أساس السبب والنتيجة لذلك يجب مراجعة نتائج بعض الأبحاث عن تأثيرات السيطرة التنظيمية على النمو الأخلاقي.

السيطرة التنظيمية والنمو الأخلاقي "البحث المعملي"

السيطرة التنظيمية والنمو الأخلاقي: "البحث المعملي" إن العقاب عندما يوقع عند بدء الطفل في انتهاك القواعد يكون أكثر فاعلية في منع تكرار هذا السلوك أكثر مما لو وقع هذا العقاب فيما بعد، أي: بعد أن ينتهي السلوك غير المرغوب فيه. وقد ذكر مورر Mowrer "1960، أ، ب" وجهة النظر هذه بأن أوضح أن العقاب عندما يوقع قرب بداية تتابع سلوكي يؤدي إلى ارتباط وثيق بين الخوف وهذه الاستجابات الأولى في التتابع. وهذا الخوف يولد القلق في المحاولات التالية للمبادرة بالسلوك المنحرف. وإذا كان القلق على درجة كافية من الشدة فإنه يولد استجابات التجنب، وهذه بدورها يعززها تقليل القلق. ونتيجة لذلك فإن السلوك المنحرف لن يتم القيام به. وبالمقارنة فإن العقاب الموقع متأخرًا في التتابع، أو بعد انتهاء التتابع، سوف يولد قلقًا لا يرتبط إلا بقدر بسيط ببداية السلوك المنحرف. وإذا كان إتمام السلوك شديد التعزيز، فإن القلق قد يكون له أثر. ونتيجة لذلك فإن السلوك المنحرف قد يتكرر وعندئذ فإن هناك افتراض يمكن اختباره هو أن العقاب المبكر يحدث في تتابع استجابي، وهو أشد فاعلية في منع الحدوث المتتابع للسلوك المعاقب عليه. والبحث يؤيد بصفة عامة افتراض مورر Mowerer في تجربتين "أرونفريد Aronfreed 1966 أرونفريد وروبر 1965 Aronfreed & Rober" لأطفال في سن من 8-10 سنوات قدم لهم عشرة أزواج من اللعب الجذابة وغير الجذابة وطلب منهم أن يلتقطوا لعبة من كل زوج ويصفونها. فإذا اختار الطفل لعبة جذابة، فإن القائم بالتجربة يقول "لا" ويحرم الطفل من الحلوى. وقد عهد بالأطفال بطريقة عشوائية إلى ظرف من أربعة خاصة بتوقيت العقاب. وقد عوقب الأطفال في الحالات الآتية: 1- عنما يكون الطفل على وشك الإمساك باللعبة. 2- بعد أن يرفع الطفل اللعبة مباشرة. 3- بعد رفع الطفل اللعبة بمقدار 6 ثوان. 4- عندما انتهى الطفل من وصف اللعبة "10-12 ثانية بعد رفع اللعبة". وبعد عشر محاولات تعلم فيها الأطفال بسرعة أن يلتقطوا اللعبة غير الجذابة، ترك الأطفال وحدهم مع لعبة جذابة وأخرى غير جذابة، وسجل الوقت الذي انقضى قبل أن يبدأ الأطفال في اللعب باللعبة الجذابة. وقد وجد أن الوقت استغرق للعب باللعبة الجذابة كان مرتبطًا

بتوقيت العقاب في الاتجاه الذي تنبأت به نظرية مورور. وكلما كان توقيع العقاب سريعًا بعد بداية سلوك الطفل الذي لم ينل موافقة، خلال المحاولات العشر، طال الوقت الذي يمضي للإمساك باللعبة الجذابة في موقف الاختبار. وقد كانت هذه النتيجة واحدة بالنسبة للبنين والبنات وكذلك بالنسبة للمختبرين الذكور والإناث. وقد ذكر آخرون نفس النتائج "مثل ليزر Leizer وروجرز Rogers 1974. بارك Parke وولترز Walters 1967 وولترز وبارك وكين Cane 1965". إن هذه الدراسات تؤيد الافتراض بأن العقاب الموقع مبكرًا في تتابع سلوكي يساعد على نمو المقاومة للإغراء. وهذه المقاومة للإغراء أحد العناصر السلوكية التي تدل على النضج الخلقي وعلى استبطان معايير الوالدين الخلقية حيث تتلخص العناصر فيما يلي: 1- مقاومة الفرد للإغراء كأن يرفض الغش حتى لو عرف أنه لن يكشف سلوكه هذا، بمعنى أن معايير الفرد الخلقية تكمن في داخله، ولا ترجع إلى مصدر خارجي فردًا كان أم جماعة. 2- الشعور بالإثم نتيجة اقتراف الفرد للأخطاء، والانحراف عن جادة الصواب مع أن أحدًا لم يكتشف خطأه بمعنى أن الخلق يكون نابعًا من الذات. 3- اعتراف الفرد بأفعاله وتحمله لمسئولية نتائجها، ذلك أن الشخص الذي لم ينم خلقيًا بدرجة كافية لا يعترف بخطأ ارتكبه إلا إذا ثبت عليه الخطأ وهو عادة يرفض أن يكون مسئولًا عن نتائج خطئه، أما الشخص الذي نما خلقيًا نموًا سويًا فإنه يضيق بما يرتكبه من مخالفات خلقية ويعترف بها ويتقبل جزاءه. 4- استقلال الأفعال عن الجزاءات الخارجية. أي أن الفرد يسلك سلوكًا خلقيًا لأن هذا يتفق مع معاييره لا خوفًا من عقاب، ولا رغبة من ثواب. ومن سوء الحظ لم يجر سوى أبحاث معملية قليلة عن العلاقة بين السيطرة التنظيمية والاستقراء من ناحية السلوك الأخلاقي من ناحية أخرى. إن الدراسات الطبيعية "على الطبيعة" التي ذكرناها تدل على أن هذا النوع من السيطرة التنظيمية كان وثيق الارتباط بالنمو الأخلاقي. وبعض الأبحاث "مثل ليزر وروجرز Leizer

"1974 Rogers" تعزز فكرة أن وسائل الاستقراء أفضل من العقاب البدني أو اللفظي في حالتي توقيع العقاب على الفور.. وبعد أسبوعين. ولكن أبحاث أخرى "مثل لافوا Lavoi 1974" لا تؤيد ذلك وفي هاتين الدراستين كانت مقاومة الانحراف تستخدم مقياسًا للأخلاقيات وإلى أن تجري أبحاث أخرى عن استخدام الاستقراء فإن الموضوع سيظل غير واضح.

الضوابط الخلقية

الضوابط الخلقية: في الواقع لا توجد نظرية سيكولوجية عامة حول أصول وخصائص القوى الضابطة للسلوك. فمن وجهة نظر مدرسة التحليل النفسي نجد أن نهاية الفترة الأوديبية 4: 5 سنوات يكون على الطفل أن يتخلى عن تعلقه شبه الجنسي بالوالد من الجنس الآخر، وأن يمتص أو يستدمج هذا الوالد، وعملية الاستدماج هذه تتكون في جوهرها من النواهي الأخلاقية وتشكل في النهاية الضمير أو الأنا الأعلى "أبو حطب" وكلما نما الطفل نمت معاييره الداخلية، وتلك المعايير التي نسميها صوت الضمير الذي يرشد الفرد في سلوكه وفي أحكامه الخلقية. ويمثل الضمير معايير الفرد وقيمه ومبادئه ومثله العليا، إنه السلطة الضابطة العليا في الإنسان، فإذا لم يستجب الفرد لندائه فإنه سوف يعاقب عن طريق قوة داخلية من خلال الشعور بالذنب وكراهية الذات ونبذها. ويعطي فرويد أهمية كبرى لنمو الضمير في نضج الفرد، فالفرد يظل غير ناضج حتى يصبح لديه ذوق جيد ويطيع القانون ويحترم حقوق الآخرين ويشعر بالواجب. ويلعب الضمير دور الأب أو الآمر أو المراقب أو الملاحظ أو الشرطي على كل حال من الذات الدنيا والذات الوسطى. إنه يعمل كقاضي للأخلاق يحكم تبعًا للمبادئ المثالية أكثر من المبادئ الواقعية، إنه يعمل من أجل الوصول بتصرفاتنا نحو الكمال المثالي. كما أن الضمير يحدد السلوك، ويقمعه أو يمنعه، ويتحكم في ضبطه. ومن العوامل المؤثرة في نمو الضمير: 1- قيم الثقافة أو معاييرها التي تكون جزءًا أساسيًا من الشرعية التي تنتقل للطفل عبر الآباء والأمهات. وتختلف تلك القيم من ثقافة إلى أخرى، فعلى حين نجد

أن العدوان سلوك غير مرغوب فيه في إطار بعض الثقافات، نجد أن توكيد الذات تؤكده وتشجعه ثقافة أخرى، بينما تشجع ثقافة ثالثة الاعتراف الشخص. 2- نمو الطفل العقلي: فالطفل الأكبر سنًا والأكثر نضوجًا من الناحية العقلية أكثر قدرة على إدراك وفهم ما نتوقعه منه، إنه يستطيع أن يفهم أسباب بعض القيود والمعايير، كما أنه يستطيع أن يعمم بعض المبادئ، وأن يطبقها على العديد من المواقف. كذلك فإنه يستطيع أكثر من زميله الصغير، أن يدرك المفاهيم المجردة التي تكمن وراء المسائل الاجتماعية مثل الإيثار أو المساواة أو الحق أو الخير أو الصدق أو الشفقة. 3- علاقته بأبويه: هناك بحوث كثيرة استهدفت معرفة التأثير الوالدي على نمو الضمير حيث تتم عملية امتصاص الطفل لمعايير الكبار عن طريق التقمص والذي يعتبر أحد طرق نمو الضمير لدى الطفل. ولعلنا تحدثنا عن تأثير أساليب السيطرة التنظيمية على النمو الأخلاقي. ومن وجهة نظر علماء التعلم الاجتماعي: فإن السلوك عبارة عن استجابة لمثيرات. وهذه الاستجابات تنشأ من مصادر البيئة الخارجية "صوت، ضوء، شخص آخر"، أو مصادر داخل الفرد نفسه مثل الدوافع. وعلى الرغم من ذلك، فإن الاستجابة ترتبط بالمثيرات على أساس الثواب والعقاب، فالاستجابات التي تؤدي إلى الثواب تبقى في الخبرة أو الذخيرة السلوكية للفرد، بينما الاستجابات التي ترتبط أو تقترن بالعقاب تستبعد. والذي يحدد الاستجابات التي يعقبها الثواب أو تلك التي يتبعها العقاب البيئة الاجتماعية للفرد. ومن ثم فإن تطور ونمو السلوك يتضمن تعلم إصدار الاستجابات التي تؤدي إلى الحصول على الثواب وعدم إصدار الاستجابات التي تؤدي إلى العقاب، وعلى الرغم من اختلاف نظريات التعلم في كيفية حدوث التعلم إلا أنه يوجد إجماع عام على أن النمو يتضمن زيادة مطابقة السلوك للقواعد الاجتماعية. وبمقارنة هذا الوضع مع ما أوضح فرويد يتضح أن نمو السلوك والنمو الخلقي غير واضح عمليًا، حيث لا توجد فروق نوعية بين السلوك الذي يتصف بالأخلاقية والسلوك الذي يتصف بالاجتماعية، والشخص

بالنسبة للجوهر والأصل. فكل أنواع السلوك تتبع مبادئ التعلم الاجتماعي، ومن ثم فإنها تتضمن مسايرة استجابة الفرد للقواعد المجتمع وهكذا، مثل أنواع السلوك فإن النمو الخلقي يتضمن زيادة اتساق الاستجابة مع قواعد المجتمع، ومن ثم توجد علاقة تحكمية بين الاستجابة والثواب ... ففي أي مجتمع يمكن إثابة أي سلوك يصدر من الفرد حيث لا توجد استجابات عمومية لها حق الإثابة ومن ثم أي استجابة يجب أن تحدد كاستجابة أخلاقية في المجتمع. وهذا يعني نسبية الأخلاق. "Lerner & Spanier 1980 295- 260 ويرى "أبو حطب" "1973" أن هناك أربعة أنماط الضبط الخلقي يتوافر كل منها في معظم الناس بدرجات متفاوتة، ويتم اكتساب هذه الضوابط عن طريق عمليات التعلم في مواقف اجتماعية معقدة. وهذه الأنماط الأربعة من الضوابط الخلقية هي: الأنا الأعلى، معايير الجماعة، والمشاركة الوجدانية، وضبط الأنا. - الأنا الأعلى: يرجع فرويد الضبط الخلقي للسلوك إلى الأنا الأعلى وهو مستقل نسبيًا عن الأنا وهو يمثل صوت المجتمع داخل الفرد، ويرى فرويد أن الأنا الأعلى يتكون من عنصرين أولهما الضمير الذي يتميز بأنه لا شعوري إلى حد كبير ويؤدي بالإنسان إلى مقاومة الإغراء، فإذا استسلم له ولم يقاومه يشعر بعقاب ذاتي في صورة إحساس بالذنب. والعنصر الثاني هو الأنا المثالية والتي تتكون من القيم والمطالب والمطامح الشعورية والمسئولة عن البحث عن الفضيلة والخير. - معايير الجماعة: وهو النمط الثاني من الضوابط الخلقية وفيها يغير الفرد معاييره الخلقية بحيث تتفق مع المعيار الخلقي للجماعة التي ينتمي إليها الفرد، وبالطبع تتغير معاييره الخلقية بتغير الجماعة التي يتعامل معها. - المشاركة الوجدانية وهنا يتفاوت الأفراد بين طرفين يمثل أحدهما أولئك الأفراد ذوي القلوب الرحيمة الذين لا يستطيعون الإساءة إلى أحد، وطرفه الثاني هم الأفراد السيكوباتيين الذين لا يتأثرون إطلاقًا بآلام الآخرين ومآسيهم. وتوجد عمليتان أساسيتان تتحكمان في هذا الضابط هما: القدرة على القيام بدور الآخر وإدراك الأمور من وجهة نظره، دوافع الانتماء وهو الرغبة لدى الإنسان لأن

يحب ويكون محبوبًا. وبالنسبة للنمط الأخير "ضبط الأنا" يمكن القول أن نمط الأفراد مندفعين وتلقائيين ويميلون إلى مواقف الإثارة العنيفة ولا يستطيعون التحكم في رغباتهم المباشرة المحدودة ويسعون إلى الوصول إلى أهداف قريبة. ويوجد آخرون يسعون إلى أهداف بعيدة المدى، ولا يسمحون لأنفسهم بإطلاق العنان لرغباتهم ويوصفون عادة بصفات الكف inhibition والتحكم الزائد، وهذان النمطان يمثلان طرفين متضادين لبعد واحد هو ضبط الأنا. "فؤاد أبو حطب، 1973، 144".

مصادر الضبط الاجتماعي والتنشئة الاجتماعية

مصادر الضبط الاجتماعي والتنشئة الاجتماعية الأسرة ... مصادر الضبط الاجتماعي والتنشئة الاجتماعية: إذا كان الفرد يتم تدريبه عن قصد بواسطة آخرين ليتشرب قيم مجتمعه ومعتقداته والعرف السائد، وإعداده ليتم استيعابه للقيام بدوره كشخص بالغ في هذا المجتمع فإن مصادر الضبط والتنشئة هي الأسرة، جماعة الأقران، ويضاف إلى ذلك المعتقدات الدينية السائدة في المجتمع. 1- الأسرة: تنوب الأسرة من خلال الثقافة في تنشئة الطفل اجتماعيًا وتحويله إلى كائن اجتماعي إلا أن دوره الأسرة أكبر من ذلك بكثير في نقل الثقافة وتعليم عاداتها، ولما كان الأبوان يمثلان مجتمع الكبار فتعاملهما مع الطفل يعطيه النماذج التي يتبعها في معاملة الآخرين. وإن كان الطفل بعد فطامه عن المنزل يجد كبارًا آخرين مثل المعلين وغيرهم ممن يؤثرون عليه وعلى تنشئته الاجتماعية: إذ أن الآباء والكبار يعلمونه بتطبيق أنواع مختلفة من الثواب والعقاب، كما أنهم يمدونه بالنماذج التي تحتذى في ممارسة السلوك الاجتماعي. وحيث أن الآباء ينتمون إلى طبقة اجتماعية معينة فإن اختلاف الطبقات الاجتماعية يؤدي إلى اختلاف طرق تنشئة الأبناء، كما أن انتساب الأسرة إلى الريف أو الحضر يؤثر في طرق التنشئة، وإعداد الطفل ليلعب دوره في المجتمع "سعد جلال: 1985، 141" ويتكون النظام الأخلاقي كجانب رئيسي في بناء الشخصية خلال عملية التنشئة الاجتماعية للطفل، فهو يتعلم ما تقره جماعته من معايير الصواب والخطأ ومن أنماط السلوك الذي

يثاب أو يعاقب، ومن أسلوب الحياة الذي يلقي استحسانًا وتأييدًا من الجماعة. ويتوقف تعلم الطفل للمعايير الخلقية على ما يلقاه من تعلم بواسطة الوالدين والمعلمين والرفاق وغيرهم، وكذلك من محاكاة الطفل لتلك النماذج السلوكية التي تتبدى من الكبار ممن يتفاعل معهم وخاصة في الأسرة. وتعتبر علاقة الوالدين بالطفل وما يمارسه الوالدين من أساليب في تنشئة أكثر أهمية في النمو الخلقي للطفل من أي عامل آخر. ويتخذ تأثير الوالدان وكذلك أعضاء الأسرة، على نمو الجانب الخلقي عند الطفل أربعة أشكال محددة. 1- أن الأنماط السلوكية في الأسرة تعمل كنموذج لسلوك الطفل الذي يقلد ما يلاحظه في الآخرين. 2- أن الأسرة باستخدام الاستحسان ودعم الاستحسان والثواب والعقاب تعلم الطفل أن يسلك بطريقة مرغوبة اجتماعيًا. 3 تستطيع الأسرة تنظيم العقاب لكي يتأتى متفقًا مع الأفعال الخاطئة أن تعلم الطفل التبصر بسلوكه وبتوقع نواتج معينة لهذا السلوك. 4- تستطيع الأسرة أن تفعل الكثير لاستثارة دافعية الطفل لكي يسلك على نحو يلقى استحسان الجماعة. وبذلك تعتبر الأسرة هي ناقل ثقافة الجماعة إلى الطفل. والمنزل هو مركز التدريب على القيم الخلقية السائدة في ثقافة الجماعة. ولما كان الأطفال ينزعون إلى التوحد مع الكبار وخاصة مع الوالدين، فإن الطفل من خلال هذه العلاقة يتقبل معاييرها وينتهج أساليب سلوكهما. وما يوفره الوالدان في الأسرة من جو نفسي صحي ومن نظام معقول ومتسق، يساعد الطفل على أن يتحقق له نمو أخلاقي قوامه الضبط الذاتي والتوجيه الذاتي "طلعت منصور، حليم بشاي، 1982، 119". وبالطبع هناك علاقة بين النظام الوالدي والاستدخال الخلقي للطفل. فالطريقة التي يتربى بها الأطفال تؤثر على الطريقة التي يوازن بها حاجاتهم الذاتية مقابل المتطلبات الخارجية. ويحدد هوفمان Hoffman "1977" ثلاثة أنماط لأساليب التربية:

أ- تأكيد القوة وهذا الأسلوب يتضمن القوة المادية والحرمان من الأهداف المادية والامتيازات والتهديد بها. ويمكن للوالدين تأكيد القوة من خلال العقاب البدني بحرمان الطفل من اللعب وكذلك الامتيازات وباستعمال القوة والتهديد بأي وسيلة من الوسائل حيث يعتمد الوالدان على خوف طفلهم من العقاب. ب- سحب الحب Love withdrawal والذي يتضمن تعبيرات قوية ولكنها غير فيزيقية من الغضب والكره disapproval والتجاهل ورفض الحديث معهم ولهم ويستخدم الوالدان هذا الأسلوب عندما يسيء الأطفال التصرف. وهذا الأسلوب ليس له تأثير واضح ومتجانس في النمو الخلقي. والطريقة الأكثر فاعلية في تقدم النمو الخلقي هي خلق مناخ من الاستحسان والدفء، والمدح وقبول الطفل، ثم تفسر للطفل لماذا يجب أن يسلك الطفل بطرق خاصة. وهذه الطريقة أقل عقابًا من كل من التأكيد وسحب الحب، وتؤكد على الاحتكام إلى نبوغ الطفل وكفاءته وتقدير الذات والاهتمام بالآخرين، ويجب على الوالدين أن يوضحا للطفل كيف أن أفعاله تؤثر على الآخرين، وأن يفسر له دوافع السلوك وحاجاته ويركز الوالدان على نتائج سلوك الأطفال على الآخرين. وفي الطفولة المتوسطة يؤكد الوالدان على تأثر الأطفال على أنفسهم وعلى الوالدين. وهذا النوع من النظام يساعد الأطفال على تكامل قدرتهم على المشاركة الوجدانية مع معرفتهم كيف يؤثر سلوكهم على الآخرين. "Stwaert& Koch 1983 327- 328 جـ- الاستقراء lnduction وهذا يتضمن التفسيرات عن لماذا يغير الأطفال سلوكهم، ولجوء الأطفال إلى الاعتزاز بأنفسهم والافتخار بها وبنبوغهم وتفوقهم واهتمامهم بالآخرين. تلك الأساليب في التربية يتم تقويمها على أساس قدرة الطفل على اتخاذ الأحكام الأخلاقية التي تقوم على المبادئ الخلقية، على إقراره وقبوله المسئولية عن الخطأ والذنب وعلى خبرة الذنب وعلى مقاومة الإغراء "Jencen 1985".

جماعة الأقران

2- جماعة الأقران: تكون الأسرة في بداية حياة الطفل مسئولة عن تنشئتة الاجتماعية وتعليمه أساليب مجتمعه، فإذا ما ذهب إلى المدرسة يشارك المعلمون الآباء في عملية التنشئة الاجتماعية، وكلما كبر الطفل وزادت مشاركته الاجتماعية، بتفاعله مع الآخرين تحتل جماعة الأقران مركزًا هامًا في التأثير على سلوكه، إذ يصبح هؤلاء الأقران وسيلة لإظهار التقبل أو النبذ، وبالتالي الإثابة أو العقاب وتشكيل سلوك الطفل في الاتجاه الذي ترغبه الجماعة، ومع مده بالنموذج الذي يجب عليه أن يحتذيه إلا أننا يجب أن نشير إلى أنه بالرغم من أهمية جماعة الأقران في تشكيل سلوك الطفل إلا أن تأثير هذه الجماعة لا يحل محل دور الآباء والمعلمين وغيرهم من الكبار إلا بعد بلوغ الفرد سن النضج. وتتم عملية التحول تدريجيًا من الوقوع تحت تأثير الآباء إلى الوقوع تحت تأثير الأقران. وتوجد بذور الانصياع "الامتثال" لضغوط الأقران في الاعتماد الأولى للطفل على الأم، وكلما كبر الطفل زادت حاجته للانتماء لجماعة الأقران مجزيًا ومثيبًا والابتعاد عنهم فيه عقوبة، ويمتص الطفل معايير جماعة الأقران ثم يحكمها في نفسه. ويميز رايسمان Reisman بين ثلاثة أنواع من الناس حسب مدى الانصياع للآخرين والضبط الاجتماعي للسلوك وهذه الأنماط هي: 1- الأشخاص الذين توجههم التقاليد، وهؤلاء الذين تتحكم في سلوكهم المعايير الاجتماعية والعرف. 2- الأشخاص الذين يتحكم في سلوكهم ضبط داخلي أساسه المعايير الشخصية. 3- الأفراد الذين يتوقف سلوكهم على توجيه الآخرين لهم أي الجماعة التي يجد نفسه فيها. ويرى كولمان Coleman "1971" أن جماعة الأقران تحقق ثلاث وظائف تؤثر في شخصية الطفل: أ- معظم جماعات الرفاق تنقل ثقافة المجتمع إلى الطفل بصفة عامة، فهذه الجماعات تعكس مجتمع الكبار وتدعم معظم معتقداته وقيمه وأنماط السلوك السائدة فيه.

ب- يعمل عالم الأقران كما لو أنه محك مراجعة للواقع، فإذا كانت الأسرة مثلًا تتبع في تنشئة الطفل أسلوب يقوم على التدليل والحماية الزائدة، فإنه يتعرض لصعوبات في التوافق مع الأقران الذين يواجهونه بعدم تقبلهم له بشكل صريح أو حتى بشكل فظ. وغالبًا ما يتعرض هذا الطفل من الأقران لأحكام ناقدة أو ساخرة لسلوكه غير المرغوب بالنسبة لجماعتهم. لذلك كثيرًا ما يكون لعالم الأقران تأثير تقويمي أو ترشيدي لسلوك الطفل. جـ- تساعد جماعة الأقران الأطفال على أن يحققوا الاستقلال الانفعالي وخاصة في مرحلة المراهقة. وجماعة الأقران تتيح الفرصة للطفل ليتعلم كيف يتفاعل مع زملائه في السن، وكيف يعالج ما يشعر به من كراهية أو عداوة وما يرغب فيه من سطيرة، وكيف يتعلم التواصل مع الآخرين بالأخذ والعطاء والاحترام المتبادل، وكيف يتبادل الأدوار في الجماعة بالقيادة أو التبعية، وهكذا يتعلم الطفل من تفاعله مع أقرانه بعض مهارات التعامل الاجتماعي مع الآخرين وفي مقدمتها الإدراك والفهم الوجداني للآخرين Empathy وتقدير مشاعرهم والتعاطف الوجداني معهم Symathy وفي الواقع فإن تأثر جماعات الأقران على الأحكام الأخلاقية لدى الأطفال وفي مرحلة المراهقة بالغ الأهمية، وهذا ما كشفت عنه دراسات بيك وهافجهرست "1960". إن جماعات الأقران تمنح الثواب والعقاب لأعضائها قياسًا إلى سلوكهم الخلقي: فأولئك الذين يبدون أمانة ومسئولية وإخلاصًا وودًا وانضباطًا "ذاتيا" يلقون إثابة ... وتوفر جماعة والأقران أساسًا لتعلم الولاء الاجتماعي، فلما كانت جماعة الرفاق هي أول جماعة اجتماعية يقابلها خارج أسرته، فإنها تميل إلى أن تحدد اتجاهاته نحو الجماعة الاجتماعية بصفة عامة. ويتوقف ولاء الفرد للوطن والمجتمع المحلي وللجماعة المهنية أو جماعة العمل إلى حد ما على تعلم الولاء للجماعات الأصغر وفي مقدمتها الأسرة وجماعة الأقران. وتساعد جماعات الأقران الطفل على أن يتبنى أساسًا سليمًا للسلوك الخلقي، ويعني الأساس السليم

مجموعة القيم والعادات الخلقية التي تكون مترابطة ومتسقة فيما بينها والتي تخضع للمراجعة والتعديل وفقًا للخبرة. وعادة ما تعمل جماعة الأقران على تدعيم وتقوية الأحكام والمعايير الخلقية التي يكتسبها الطفل من والديه وتلقى استحسانًا اجتماعيًا. ويميل الأفراد في مرحلة المراهقة إلى أن يبدو إعجابهم واحترامهم وإثابتهم بدرجة كبيرة لنفس السلوك الخلقي الذي يأتي بين الأعضاء الموقرون في مجتمع الكبار: أباؤهم ومعلموهم "Peck & Hauigharsit 1960"

الأفكار الدينية والدين

3- الأفكار الدينية والدين: من ضوابط التنشئة الاجتماعية وعواملها ما يسود المجتمع من معتقدات دينية ومعايير اجتماعية للسلوك المقبول اجتماعيًا في مجتمع من المجتمعات والتي يتم غرسها في الطفل منذ أن تتفتح عيناه على الحياة بالدعاء له أو الدعاء عليه، والدعاء له يعني الاستعانة بالقوة الإلهية لمكافأته وإثابته، بينما الدعاء عليه يعني الاستعانة بهذه القوة للانتقام منه وعقابه. فمن المألوف في ثقافتنا مثلًا أن يسمع الطفل الدعاء له بأن يحميه الله ويحفظه ويرد عنه عين الحاسدين، ويسدد خطاه، ينصره على الأعداء ويهيئ له النجاح، كما يسمع استعداء الله عليه بأن ينتقم منه إذا فعل شرًا ويوذيه، ويسلط عليه من هو أقوى منه وما إلى ذلك. ولما كان الإنسان لديه القدرة على توقع الخير أو الأذى قبل أن يحدث أي فهمها، فهو يؤجل إشباع حاجاته توقعًا للإشباع المؤجل وهذا يمثل ناحية من نواحي الضبط السلوكي. فإذا أدت الصدفة إلى تحقيق خير يأتيه عزا هذا إلى الله أو القوة الغيبية وإذا أتاه شر عزاه أيضًا إلى نفس القوة التي تمنح وتمنع وتكافئ وتعاقب. ويبدو أن توقع الشر أقوى لدى الكثيرين من توقع الخير مما يولد القلق ويصبح هذا مصدرًا من مصادر ضبط السلوك. "سعد جلال، 1985، 157".

المراجع

المراجع: 1- إبراهيم قشوش: محاضرات في علم النفس النمائي "غير منشورة"، كلية التربية جامعة عين شمس، 1988. 2- أحمد زكي صالح: علم النفس التربوي، طـ10، القاهرة: مكتبة النهضة المصرية، 1974. 3- أحمد عزت راجح: أصول علم النفس، القاهرة: الدار القومية للطباعة والنشر، 1978. 4- أحمد عكاشة: الطب النفسي المعاصر، القاهرة، مكتبة الأنجلو المصرية، 1980. 5- أحمد محمد المعتوق: الحصيلة اللغوية أهميتها، مصادرها، وسائل تنميتها، سلسلة، عالم المعرفة رقم "212"، الكويت: المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، 1996. 6- آمال صادق، فؤاد أبو حطب: نمو الإنسان من مرحلة الجنين إلى مرحلة المسنين، القاهرة،: مركز التنمية البشرية والمعلومات، 1988؟ 7- أنيسة حسن وآخرون: دليل معلمة رياض الأطفال، ط1، بغداد: المؤسسة العراقية للدعاية والطبع، 1977. 8- برنار فوازو: نمو الذكاء عند الأطفال، القاهرة: مكتبة النهضة المصرية، 1976. 9- جان بياجيه: اللغة والفكر، ترجمة أحمد عزت راجح، القاهرة: المكتبة المصرية، 1954. 10- ________ : التطور العقلي لدى الطفل، ترجمة سمير علي، طـ1 بغداد: مطبعة العاني، 1986. 11- جمعه سيد يوسف: سيكولوجية اللغة والمرض العقلي، سلسلة عالم المعرفة "145"، الكويت: المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، 1990.

12- جوزال عبد الرحيم: المناخ الابتكاري للروضة وعلاقته بسلوكيات اللعب الاجتماعي المعرفي والابتكاري لطفل الروضة، مجلة الإرشاد النفسي، 1997، العدد "7"، 89-204. 13- جون بولبي: رعاية الطفل وتطور الحب، ترجمة: محمد خيري وآخرون، القاهرة: دار المعارف بمصر، 1959. 14- ________ : سيكولوجية الانفصال دراسة نقدية لأثر الفراق على الأطفال، ترجمة: عبد الهادي عبد الرحمن، بيروت: دار الطليعة، 1991. 15- جون كونجر، بول موسن، جيروم كيجان: وسيكولوجية الطفولة والشخصية، ترجمة: أحمد عبد العزيز سلامة، جابر عبد الحميد جابر، القاهرة: دار النهضة العربية: 1987. 16- حامد عبد السلام زهران: علم النفس النمو، القاهرة: عالم الكتب، 1975. 17- ________ : علم النفس الاجتماعي القاهرة: عالم الكتب: 1976. 18- حامد عبد العزيز الفقي: دراسات في سيكولوجية النمو، الكويت: دار القلم، 1977. 19- حسن مصطفى عبد المعطي: علاقة النمو النفسي الاجتماعي بنمو التفكير الخلقي لدى المراهقين والراشدين، مجلة كلية التربية جامعة طنطا، العدد "14"، 1991، 312-368. 20-

_ : التنشئة الأسرية وأثرها في تشكيل الهوية لدى الشباب الجامعي، مجلة التربية جامعة طنطا، العدد "14"، 1991، 233-277. 21- ________ : علم النفس الإكلينيكي، القاهرة: دار قباء للطباعة والنشر، 1988. 22- دوجلاس توم: توجيه المراهق، ترجمة: جابر عبد الحميد جابر، القاهرة دار النهضة العربية، 1974. 23- ريتشارد م. سوين: علم الأمراض النفسية والعقلية، ترجمة: أحمد عبد العزيز سلامة، القاهرة: دار النهضة العربية، 1979.

24- سرجيو سبيني: التربية اللغوية للطفل، ترجمة: فوزي عيسى، عبد الفتاح حسن، مراجعة وتقديم: كاميليا عبد الفتاح، القاهرة: دار الفكر العربي، 1991. 25- سعد جلال: المرجع في علم النفس، القاهرة: دار الفكر العربي، 1985. 26-

: الطفولة والمراهقة، القاهرة: دار الفكر العربي، 1985. 27- سعدية بهادر: في سيكولوجية المراهقة، طـ1 الكويت: دار البحوث العلمية، 1980. 28- ________ : علم نفس النمو، الكويت: دار البحوث العلمية، 1981. 29- سلوى عبد الباقي: اللعب بين النظرية والتطبيق، طـ2، القاهرة: بيت الخبرة الوطني، 1992. 30- سليمان الخضري الشيخ: البحوث النفسية في التفكير الخلقي، الندوة الدولية عن التربية والمستقبل، القاهرة: كلية التربية، جامعة عين شمس، 20-22/ 3/ 1983. 31-______: دراسة في التفكير الخلقي للمراهقين والراشدين، القاهرة: دار الثقافة للطباعة والنشر، 1983. 32- سهير محمد سلامة شاش: أثر اللعب الجماعي الموجه في تحسين الأداء اللغوي لدى الأطفال المتخلفين عقليًا، رسالة ماجستير "غير منشورة" كلية التربية، جامعة الزقازيق، 1998. 33- سوزان أيزكس: نفسية الطفل في السنوات الخمس الأولى، ترجمة: سمير أحمد فهمي، القاهرة: مكتبة الأنجلو المصرية، 1968. 34-

37- طلعت حسن عبد الرحيم: الأسس النفسية للنمو الإنساني، ط3، الكويت: دار القلم، 1990. 38- طلعت منصور، عادل عز الدين الأشول: مذكرات في علم نفس النمو، "غير منشورة"، كلية التربية، جامعة عين شمس، 1976. 39- طلعت منصور، حليم بشاي: دارسات ميدانية في النضج الخلقي عند الناشئة في الكويت، الكويت: منشورات مجلة العلوم الاجتماعية بجامعة الكويت، 1982. 40- طلعت منصور، فيولا الببلاوي: مذكرات في علم نفس النمو، "غير منشورة" كلية التربية، جامعة عين شمس، 1986. 41- عادل عبد الله محمد: علاقة النمو المعرفي بنمو التفكير الخلقي لدى تلاميذ مرحلة التعليم الأساسي، رسالة ماجستير "غير منشورة" كلية التربية جامعة الزقازيق، 1985. 42-

: نمو التفكير الخلقي عند الجانحين، رسالة دكتوراه "غير منشورة"، كلية التربية. جامعة الزقازيق، 1988. 43-

49- عبد العزيز القوصي: أسس الصحة النفسية، القاهرة: مكتبة النهضة المصرية، 1981. 50- عبد العزيز عبد الحميد: اللغة العربية، أصولها وطرق تدريسها، القاهرة: دار المعارف، 1979. 51- عبد المنعم المليجي: النمو النفسي، القاهرة، مكتبة مصر، 1987. 52- عثمان لبيب فراج: أضواء على الشخصية والصحة العقلية، القاهرة: مكتبة النهضة المصرية، 1970. 53- عدنان حسين خضير: علاقة القبول الاجتماعي ببعض المتغيرات المدرسية لطلبة المدارس الثانية، رسالة ماجستير "غير منشورة"، كلية التربية، جامعة بغداد 1982. 54- علاء الدين كفافي: الصحة النفسية، ط3، القاهرة: دار هجر الطباعة والنشر والإعلان، 1990. 55-______: علم النفس الارتقائي: سيكولوجية الطفولة والمراهقة، القاهرة، مؤسسة الأصالة، 1997. 56- علي عبد الواحد وافي: نشأة اللغة عند الإنسان والطفل، طـ1، القاهرة: دار الفكر العربي، د. ت. 57- غسان يعقوب: تطور الطفل عند بياجيه، بيروت: دار الكتاب اللبناني، 1980. 58- فاروق السيد عثمان: سيكولوجية اللعب والتعلم، القاهرة: دار المعارف، 1995. 59- فالنتين: الطفل الطبيعي، ترجمة: محمد خليفة بركات، يوسف ميخائيل أسعد، القاهرة: مكتبة الأنجلو المصرية، 1970. 60- فايز قنطار: الأمومة نمو العلاقة بين الطفل والأم، سلسلة عالم المعرفة "166" الكويت: المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، 1992. 61- فخري الدباغ: أصول الطب النفسي، بيروت: دار الطليعة، 1983.

62- فؤاد البهي السيد: الأسس النفسية للنمو من الطفولة إلى الشيخوخة، القاهرة: دار الفكر العربي، 1978. 63- فؤاد أبو حطب: القدرات العقلية، القاهرة: مكتبة الأنجلو المصرية، 1973. 64- _______ : التحليل العلمي للسلوك الخلقي، الكتاب السنوي في التربية وعلم النفس، القاهرة: عالم الكتب، 1973. 65- فوقية حسن عبد الحميد: أثر القصص على بعض جوانب النمو اللغوي لدى طفل ما قبل المدرسة، رسالة ماجستير "غير منشورة"، كلية التربية جامعة الزقازيق، 1983. 66- فيصل محمد خير الزراد: اللغة واضطرابات النطق والكلام، الرياض: دار المريخ، 1990. 67- كلير فهيم: الاضطرابات النفسية للأطفال، القاهرة: مكتبة الأنجلو المصرية، 1993. 68- كمال دسوقي: علم النفس ودراسة التوافق، ط1، بيروت: دار النهضة العربية، 1976. 69-

: النمو التربوي للطفل والمراهق، طـ1 بيروت: دار النهضة العربية، 1979. 70-

75- محمد أحمد غالي، رجاء محمود أبو علام: القلق وأمراض الجسم، دمشق: مطابع الحلبوني، 1974. 76- محمد خالد الطحان، سيد محمود الطواب، نبيل علي محمود: أسس النمو الإنساني، ط2، دبي: دار القلم، 1989. 77- محمد رفقي محمد فتحي: جان بياجيه بين النظرية والتطبيق، القاهرة: دار المعارف، 1981. 78- _______ : في النمو الأخلاقي، النظرية البحث التطبيق، الكويت: دار القلم، 1983. 79- _______ : سيكولوجية اللغة والتنمية اللغوية لطفل الرياض، الكويت: دار القلم، 1987. 8-- محمد السيد عبد الرحمن: نظريات الشخصية، القاهرة: دار قباء للطباعة والنشر، 1998. 81- ________ : نظريات النمو، دروس في علم نفس النمو المتقدم، الزقازيق، كلية التربية، جامعة الزقازيق. 82- محمد عبد الظاهر الطيب وآخرون، الطفل في مرحلة ما قبل المدرسة، إشراف ومراجعة، عزيز حنا داود، الإسكندرية، منشأة المعارف، 1981. 83- محمد علي الربيعي: الوراثة والإنسان، أساسيات الوراثة الطبية والبشرية، سلسلة عالم المعرفة "100"، الكويت: المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، 1986. 84- محمد عماد الدين إسماعيل: كيف نربي أطفالنا، القاهرة: دار النهضة العربية، 1974. 85- _______ : النمو في مرحلة المراهقة، ط1، الكويت: دار القلم، 1982. 86- _______ : في علم النفس النمائي، ط1، الكويت: دار القلم، 1982. 87- ______: الأطفال مرآة المجتمع، سلسلة عالم المعرفة "99"، الكويت، المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، 1986.

88- ________ : الطفل من الحمل إلى الرشد، الجزء الأول "السنوات الست الأولى"، الكويت: دار القلم، 1989. 89- محمود عطا حسين عقل: النمو الإنساني، الطفولة والمراهقة، الرياض: دار الخريجي للنشر والتوزيع، 1992. 90- محي الدين توق: المستوى الاقتصادي الاجتماعي والترتيب الولادي وتأثيرهما على النمو الخلقي عند عينه من الأطفال الأردنيين، دراسة تجريبية، مجلة العلوم الاجتماعية، الكويت، السنة الثامنة، ع3، 1980. 91- محي الدين توق، سعادات أرناؤوط: العلاقة بين النمو المعرفي والأحكام الأخلاقية لدى عينة من الأطفال الأردنيين، مجلة العلوم الإنسانية، الكويت: ع 18، مجلد "5" 1985. 92- مصطفى أحمد زكي: الرعاية الوالدية وعلاقتها بشخصية الأبناء، الكويت: دار النهضة العربية، 1974. 93- مصطفى فهمي: سيكولوجية الطفولة والمراهقة، ط5 القاهرة: دار مصر للطباعة والنشر، 1979. 94- ________ : مصطفى فهمي التوافق الشخصي الاجتماعي، القاهرة: الخانجي، 1979. 95- مصطفى ناصف: اللغة والتفسير والتواصل، سلسلة عالم المعرفة "193"، الكويت: المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، 1995. 96- ملاك جرجس: للأطفال مشاكل نفسية، القاهرة: كتاب اليوم الطبي، 1984. 97- منيرة أحمد حلمي: مشكلات الفتاة المراهقة وحاجاتها الإرشادية، القاهرة: دار النهضة العربية. 98- موفق الحمداني: اللغة وعلم النفس، الموصل: دار الكتب للطباعة والنشر، جامعة الموصل، 1982. 99- نجوي محمد زكي العدوي، أثر الأسرة في نمو الحكم الخلقي عند الأطفال، رسالة دكتوراه "غير منشورة"، كلية الدراسات الإنسانية، جامعة الأزهر، 1982.

100- نجيب إسكندر إبراهيم: الاتجاهات الوالدية في تنشئة الطفل، القاهرة: دار المعرفة، 1959. 101- هادي نعمان الهيتي: ثقافة الأطفال، سلسلة عالم المعرفة "123"، الكويت: المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، 1988. 102- هدى برادة، فاروق صادق: علم نفس النمو، القاهرة: وزارة التربية والتعليم، 1986. 103- هدى محمد قناوي: الطفل تنشئته وحاجاته، القاهرة: مكتبة الأنجلو المصرية، 1984. 104-

: الطفل ورياض الأطفال، القاهرة: مكتبة الأنجلو المصرية، 1992. 105-

112- يونس صالح الجنابي: الذخيرة اللغوية لتلاميذ الصفين الخامس والسادس الابتدائي في بغداد، رسالة ماجستير "غير منشورة"، كلية التربية، جامعة بغداد: 1983. 113- Abramovitch, R., Covter, C, Pepler, D. J. & Stanhope, L.: Sibling and peer interaction: A final follow-up and comparison, Child Development, 1986, 47, 217-229. 114- Acredolo, L.P. & Hake, J.L.: Infant perception. "In" B.B. Wolman "Ed.", Handbook of developmental Psychology. Englewood cliffs, NJ: Prentice Hall, 1982. 115- Ainsworth, M.D.S.; The development of infant-mother interaction, "in" B.M. Foss "Ed.", Determinants of infant behavior, Vol. 2, New York: Wiley, 1973. 116- Alsaker, F.D.; Pubertal timing, overwight and Psychological adjustment. J. of Early Adolescence, 1992, 12,396-419. 117- AndersomN.: Socio-economic status and health. Paper presentad at the meeting of the American Psychological Society, San Francisco, 1996 "June". 118- Arnold, M. B, Feelings and emotions. New York: Academic Press, 1970. 119- Aronfreed, J.: Conduct and Conscience. New York: Academic Press, 1968. 120- Ausubel, D.P., Theory and Problems of adolescent development. New York: Grune and Stratton, 1954. 121- Ayres, A.J., Sensory integration and learning disorders. Los Angeles: western Psychological Services, 1972. 122- Azmitia, M. & Hesser, J., why siblings are important agents of cognitive development: A Coparison of siblings and peers child Development, 1993, 64, 430-444. 123- Bandura, A.; Social learning theory of identificatory Processes. Chicago: Rand McNally, 1969.

124- Bakeman, R. & Brown, J.V.: Early interaction: Consequences for social and mental development at three years. Child Development, 1980, 51, 437-447. 125- Baskett, L.M. & Johnson, S.M.: The Young child's interaction with parents versus siblings. Child Development, 1982, 53,642-650. 126- Baumrind, D.: Current Patterns of parental authority. Developmental Psychology Monograph, 1971,4, 1, pt.2". 127- Bayley, N.: Decelopment of mental abilities, "in" P.H. Mussen "Ed." Manual of Child Psychology "3rd. ed., vol.1.", New York: Wiley., 1970. 128- Becker, W.C.; Consequences of different kinds of Parental discipline, "in" M.L. Hoffman "Ed.": Review of child development Research. New York: Russel Sage Fundation, 1964, 35, 371-396. 129- Bell, R.R. & Chaskes, J.B.; Premarital sexual experiences among coeds, 1958 and 1968. J. of Marriage and Family, 1970,32, 81-84. 130- Bern, S.L.: Gender sehema theory: A cognitive account of sex- typing.. Psychological Review, 1981, 89, 354-364. 131- Benson, D. F. & Geschwind, N.; Cerebral dominance and its disturbances. Pediatric of North America, 1968, 15, 759-769. 132- Berlin, L.: Attachment and emotions in preschool Children. Paper presented at the biennial meeting of the Society for Research in child Development, New Orleans, 1993 "March". 133- Birch, H.G. & Bitterman, M.E.; Sensory integration and cognitive theory. Psychological Review, 1981, 58, 355-361. 134- Birch, H.G. & Lefford, A.; Intersensory development. Monographs of the society for Research in child Development, 1983, 28.

135- Bower, T.G.R.; The visual world of infants. Scientific American, 1966,215,80-92. 136- Bowlby, J.; Attachment and loss: Separation. New York: Basic Books, 1973. 137- Brady, J. V.; Emotion: Some Conceptual Problems and Psychophyisological experiments, "in" M.B. Arnold "Ed.", Feelings and emotions. New York: Academic Press, 1970, 69-100. 138- Brain, M. D. S; Children's First word Combinations. Mongraphs of the society for Research in child Development, 1985,41, 139- Brisbane, H.E.; The developing child. Illionis: Bennett & Mc Knight Publishing co., 1985. 140- Brazelton, R.B., Neonatal behavioral assessment Scale Suffolk: Lavenham; Philadephia: Lippincoot, 1973. 141- Buffrery, A.W.; An automated techique for the study of development of cerebral mechanisms subserving linguistic skills. Proceeding of the Royal society of Medicine, 1971, 64, 191-192. 142- Calder, N. The mind of man. New York: viking, 1970. 143- Campos, J.J. Langer, A. & Krowitz, A.; Cardiac responses on the visual cliff in Prelocomotor Infants. Science, 1970, 170, 196-197. 144- Case, R.: Intellectual development: A systemtic re-interpretation. New York: Academic Press, 1985. 145- Castaned, A., Mc Candless, B.R. & Palumo, D.S.; The children's Forms of Manifest Anxiety Scale. Child Development, 1956,27,317-326. 146- Charlesworth, R.: Understanding child development "2nd ed." Albany, Ny: Delmays 1987. 147- Chi, M.T.,: Knowledge Structures and memory development, "in" R.s. Siegler "Ed.", children's thinking: What develops? Hillsdale, NJ: Erlbaum, 1978.

148- Connell, B.; Individual differences in infant attachment behavior: Relationships to response to redundant and novel stimuli. Master's Thesis, Syracus university, 1977. 149- Corballis, M.C. & Beale, I.L.; On telling left from right. Scientific American, 1971, 224, 96-104. 150- Crick, M.: Explanations in language and meaning: Toward a scientific anthropology, New York: Halstead, 1977. 151- Dasen, P.R.: Are Cognitive processes universal? A contribution to Cross- Cultural Piagetian psychology. "In" N. Warran "Ed."; Studies in cross-cultural Psychology "vol.1", London: Academic Press, 1977. 152- Deutsch, F.; Observational and Sociometric measurs of Peer Popularity and their relationships. Developmental Psycho. 109, 1974, 10, 745-747. 153- Eisenberg, R.B., Coursin, D.O. & Rupp., H.R.; Habituation to an acoustic Pattern as an index of Auditory Research, 1966,6,239-249. * 154- Elder, G; The life course and human development "In" W. Damon "Ed.", Handbook of child Psychology, New York: Wiley, 1991. 155- Engen, T., Lipsitt, L.P. & Kaye, H.; Olfactory responses and adaption in the human neonate. J. of Comparative and Phisiological Psychology, 1963, 56, 73-77. 156- Emde, R.N., Gaensbauer, J.G.& Harmon, R.J.: Emotional experssion in infancy: A biobehavioral Study. Psychological Issues: Monograph Series, 1976, 10, 37. 157- Eskerman, CO., Whatley, J.L. & Katz, S.L.; Groth of social Play with peers during the Second Year of life. I Development, 1975, 11, 42-49. 158- Fantz, R.L.; The origin of form perception, Science, 1985, 204, 66-72. 159- Feinberg, M.R., Smith, M. & Schmidt, R.; An analysis of expressions used by adolescents of varying economic

levels to describe accepted and rejected Peers. J. of Genetic Psychology, 1987, 93, 133-148. 160- Filed, T.: Imfancy. Cambridge, M. A: Harfard university Press, 1990. 161- Flavell, J.H.: Cognitive development: Past, Present, and future. Developmental Psychology, 1992, 28, 998-1005. 162- Freedman, D.G. & Keeler, B.; Inheritance of behavior in infants. Science, 1963, 140, 196-198. 163- Fuller, J.L. & Thompson, W.R.; Behavior genetics. New York: Wiley, 1960. 164- Gazzaniga, M.S.; The bisected brain. New York: Appleton century. Crofls., 1970. 165- Gelman, R. & Au, T.K.: Perceptual and cognitive development "2nd ed". San Deigo: Academic Press, 1996. 166- Gesell, A.L.; The Ontogenesis of infant behavior "in" L. Carmichael "Ed.": Manual of child Psychology, 2ed. Edition. New York: Harper & Row, 1958. 167- Ghent- Braine, L.; Age changes in the mode of Perceving geometric forms. Psychonomic Science, 1985, 2, 155-156. 168- Gibson, E.J.; Principles of Perceptual learning and development. New York: Appleton- Cerury- Crofts, 1989. 169- Gorman, A.: Developmental Pschology, New York: D. Van Nostaro Co., 1980. 170- Gormly, A.V.; Life-Span Human development, "6th ed", New York: Harcourt Brace College Publishers, 1997. 171- Haff, R.A. & Bell, R. Q; A facial demension in visual descrimination by human infants. Child Development, 1967,38, 893-899. 172- Kagan, J. & Klein, R.E.; Cross-cultural Perspectives on early development. American Psychologyst, 1973, 28, 947-961.

173. Kagitcibasi, C; Human development across cultures. Hillsdale, NJ: Erlbaum, 1996. 174- Haith, MM. & Campos, J.J.; Human infancy, "in" M.R. Rosenzweig & L.W. Porter "Eds.": Annual Review of Psychology, 1977, 28, 251-293. 175- Harlow, H.F. & Zimmerman, R.R.; Affectional respomses in the ihrant monkey. Science, 1959, 130, 421-432. 176- Harris, M.B. & Siebel, C.E.; Affect, aggression and alreuism. Developmental Psychology, 1957, 11,623-459. 177- Harris, P.L., Children and emotion. London: Basil Blackwell,1989. 178- Hattwick, L.A. & Sanders, M.K.; Age differences in behavior at the nursery school level. Child Development, 1973, 9, 27-47. 179- Hess, E.; Ethology and developmental Psychology, "in" P.H. Mussen "Ed.": Carmichael's Manual of child Psychology, New York: Wiley, 1970. 180- Hoffman & Satlzstein, H.; Parent dissipline a*nd child's moral development, J. of personality and social Psychology, 1967,5,45-57. 181- Ingram, D.; Cerebral Speech lateralization in young children. Neuropsychologia, 1957, 13, 103-105. 182- Izard, C.E.; Measuring emotions in infant and young children. New York: Cambredge university Press. 183- Jeffrey, W.; The orienting reflexs and attention in cognitive development. Psychological Review, 1968, 75,323-334. 184- Jensen, L.; Adolessence: Theories, eresearch, applications. New York: West Publishing Co., 1985. 185- Lerner, M. & Spanier, B.; Adolescent development; A life-span perspective. New York: Mc Graw Hill book co., 1980. 186- Jones, H.E. & Jones, M.C.; A study of fears. Childhood Education, 1968, 5, 136-143.

صورة اسكنر

198- Lourenceco, O., & Machado, A.; In defense of Piaget's theory: A replay -to 10 common criticisms. Psychological Review, 1996, 103, 143-164. 199- Maccoby, E.E.; Social development. San Digo: Harcourt Brace Jovanovich, 1980. 200- Magai, C. & Mc Fadden, S.H.; The role of emotions in social and Personality development. New York: plenam Press. 201- Martin, B.; Parent-child relations, "in". F.D. Horowitz "Ed." Review of child Development Research, vol.4., Chicago, university of Chicago Press, 1975. 202- Mandler, J.M. A new perspective on Cognitive development in infacy. American Scientist, 1990, 78, 236-243. 203- Mc Carthy, D.; Language development in children "in" L. Carmichael "Ed."; Manual of child Psycology, New York: John wiley & son, 1954, 492-630. 204- Mc Graw, M.B.; Development of neuromuscular mechanisms as exemplified in the achievement of erect locomotion. J. of Pediatrics, 1940. 17, 747-771. 205- Meyer, W.J. & Dusekk, J.B.; Child Psychology: A developmental perspective. Massachusetts: D.C. Heath and Co. 1979. 206- Mischel, W.& Mischel, H.N.; sex-typing and socialization "in" P.H. Mussen "Ed." Carmichael's manual of child Psychology, New York: Wiley, 1970. 207- Moore, N. V., Evertson, CM. & Brophy, J.E.; Solarity Play: Some functional considerations. Developmental Psychology, 1974, 10, 830-834. 208- Nelson, K.E. & Reger.Z.; Children's Language, vol. 8, Hillsdale, N.J.; Erbaum, 1995. 209- Obermeyer, J.; The relationship between moral development and role-laking during the years 10-20. MA. Diss. The American university of Beirut, Lebanon, 1973. 210- Olson, D.R.; Cognitive development: The child acquisition of diagonality. New York: Academic Press, 1970.

211- ---------; Piaget's theory, "in" P.H. Mussen "ed", Manual of child psychology "3rd ed", vol.1, New York: Wiley. 212- Parke, R.D. & Collmer, C.W.; Dild abuse: An interdisciplinary analysis, "in" E.M. Hetherington "Ed.": Review of child Development Research, Vol. 5, Chicago: university of Chicago Press, 1975. 213- Parten, M.B.; Social Participation among per-school children. J. of Abnormal social Psychology, 1952, 27, 243-269. 214- Plomin, R. De Fries, J.C., Mc Clearn, G.E. & Rutter, M.; Behavioral genetics. "3d.ed", New York. W.H. Freeman, 1997. 215- Pukea, B.; Toward the redevelopment of kohlberg's theory: Preservstructure, remoiving Controversial Content. "In". W.M. Kurtines & J. Gewirtz "Eds.", Moral behavior and development: Advances in theory, research, and application. Hillsdale, H.J. Erlbaum, 1991. 216- Rardin, U.R. & Moan, C.E., Peer interaction and cognitive development. Child Development, 1971, 42, 1685-1699. 217- Ratner, N.B.; A typical language development. "In" J.B. Gleason "Ed.", The development of language "3re ed". New York: Macmillan. 218- Reese, H. W. & Lipsitt, L. P.; Experimental child Psychology. New York: Wiley, 1970. 219- Rest, J.R.; Moral development: Advances in theory, research, and application, New York: Praeger. 220- Rice, M.L.; Children's language acquisitaon. American Psychologyist, 1989, 44, 149-156. 221- Roberts, W. & Strayer, J.; Empathy, emotional expressiveness and prosocial behavior. Child development, 1996, 67, 471-489. 222- Roher, R.P.& Rohner, E.C.; Psrental acceptance-rejection and

parental control: Cross. Cultural Codes. Ethnology, 1981,20,245-260. 223- Rosenberg, M; Society and the adolescent self-image. Princeton, M.J.: Princeton university Press, 1965. 224- Santroch, J.W.; Child development, "8th ed". Englewood cliffs.,N.J: Prentice. Hill. 225- Rubin, K.H.; Relationships between egocentric communication and popularity among peers. Developmental Psychology, 1985, 17, 364. 226- Sanders, K.M. & Harper, L.V., Free-play Fantsy behavior in preschool children: Relations among gender, age, season, and location. Child Development, 1976,47, 1182-1185. 227- Sanson, A. & Rothbart, M.K., Child temperament and Parenting. "in" M.H. Bornstein "Ed.". Handbook of Parenting "vol.4", Hillsdale, N.J.: Erlbaum, 1995. 228- Santroch, J.W.; Child development, "8th ed", New York: Mc GrawHill, 1998. 229- Scarr, S; Best of human genetics. Contemporary Psychology, 1996,41,149-150. 230- Schacter, S.; The assumption of identity and performance of black children adopted by white families. American Psychologist, 1976, 31, 726-739. 231- Schiamberg, L.B.; Child and adolescent development. New York: Macmillan Publishing Co., 1988. 232- Sears, R.R., Rau, L. & Albert, R.; Identification of child rearing. Stanford, cal.: Stanford university Press, 1965. 233- Sells, S.B. & Roff, M.; Peer acceptance-rejection and personality development. New York: Holt, Rinehart & Winston, 1985. 234- Sherif, M., Harvey, O. J., White, B.J. Hood, W.R. & Sherif, C.W.; Intergroup conflict and cooperation: the Robbers Cave experiment. Norman, Okla. university of Oklahoma Press, 1979.

235- Siegel, A.W. & White, S. H.; The development of Spatial representations of large-scale environments, "in": H.W. Reese "Ed.". Advances in child development and behavior, vol. 10. New York: Academic Press. 1989. 236- Siglor, R.S.; Children's thinking "2nd ed.". Englewook cliffs., N.J.: prentice Hall. 237- Singer, J.; The Child's world of make-believe. New York: Academic, Press, 1989. 238- Sommer, B. B., Puberty and adolescence, New York: OxFord univesity press, 1990. 239- Sokolov, Y.N.; Perception and conditioned reflex. New York: Pergamon Press, 1983. 240- Sperry, R.W.; Left-brain, right-brain. Saturday Review, 1975, 30- 33. 241- ----------, Mechanisms of neural maturation "in": S.S. Stevens "Ed."; Handbook of experimental Psychology. New York: wiley, 1971,236-258. 242- Spitz, R.; The first year of life. New York: International university Press, 1965. 243- Sroufe, L.A.; Wariness of Strangers and the study of infant development. Child Development, 1977, 48, 731-746. 244- Staub, E.; Cultural-Societal roots of violence. American Psychologist, 1996, 51, 117-132. 245- Stewart, A. & Koch, J.: Children development through adolescent. New York: John wiley. INC, 1983. 246- Sugarman, B.; The school and moral development. London: Groon Helm LTD, 1973. 247- Tanner, J.M.; Physical grwoth. "in": P.H. Mussen "Ed.": Carmichael's manual of child Psychology, New York: Wiley, 1970. 248- Tronick, E.Z.; Emotions and emotional communication in infants American Psychologists, 1989, 44, 112-119. 249- Turiel, E.; Developmental Processes in the child's moral

thinking, "in" P. Mussen, J. Langer, & M. Covington "Eds.": New Directions in developmental; Psychology. New York: Holt Rinehart and winston, 1969. 250- Walk, R.D.; The devlopment of depth perception in animals and human infants. Monographs of the Society for Research in child development, 1966, 31, 82-108. 251- Walters, R.H. & Park, R.D.; Emotional arousal, isolation, and disctimination learning in children. J. of Experimental child Psychology, 1964, 1, 163-173. 252- Waters, M.C.; Immigrant Families at risk. "In" A.C. Crouter & N. Landale "Eds." Immigration and the family. Mahwah. N.J.: Erlbaum, 1997. 253- Werner, E.E.; Cross. Cultural child development: A view from planet earth. Monterey, Ca: Brooks Cole. 254- White, B.L.; The first three years of life. New York: Prentice Hall, 1990. 255- Wohlwill, J.F.; The study of behavioeral development. New York: Academic Press, 1973. 256- Youniss, J.; Parents and peers in the social environment: A sullivan Piaget perspective. Chicago: university of Chicago Press, 1980. 257- Zangwill, O.L.; Cerebral dominance and it.htm's relation to Psychological Function. London: Oliver and body, 1970. 258- Zaporozhets, A.V. & Zaporozhets, V.; The development of Perception in the perschool child, "in" P. Mussen "Ed." Monographs Of the society for the Research in child Development, 1965, 30, "2" No 100. 259- Zuckerman, M., Sensation Seeking: Beyond the optimal level of arousal. Hillsdale, NJ: Erlbaum, 1979.

فهرس

فهرس: الصفحة 7 مقدمة الفصل الأول: النمو الجنسي 11 أولًا: مرحلة ما قبل الميلاد 11 الفترة الجنينية 13 الفترة الحميلية 15 ثانيًا: مرحلة ما بعد الميلاد: 15 أ- نمو الطول والوزن 20 ب- نمو الوظائف العضوية 20 1- التسنين 23 2- علاقة صحة الطفل بنموه الجسمي 24 3- النوم 25 جـ- نمو العمليات الفسيولوجية 25 1- الجهاز الدوري 26 2- نمو الغدد الصماء 29 3- نمو المخ 44 العوامل المؤثرة في النمو الجسمي 47 دور المربين لتحقيق النمو الجسمي السليم

الفصل الثاني: النمو الحركي 51 مقدمة 52 أولًا: النمو الحركي المبكر 52 - الخصائص العامة للنمو الحركي 53 - مظاهر النمو الحركي المبكر 54 - النضج والتدريب على المهارات الحركية المبكرة 68 ثانيًا: النمو الحركي في سن ما قبل المدرسة 68 - الخصائص العامة للنمو الحركي 69 - خصائص النمو الحركي في سنوات الطفولة المبكرة 75 ثالثًا: النمو الحركي لطفل المدرسة الابتدائية 75 أ- الطفولة المتوسطة 79 ب- الطفولة المتأخرة 80 - النمو غير المنتظم 87 - العوامل المؤثرة في النمو الحركي 91 - دور الوالدين والمربين في رعاية النمو الحركي 93 - خلاصة الفصل الثالث: نمو الإدراك الحسي 97 - الإدراك الحسي فطري أم متعلم 99 - المبادئ الأساسية للارتباط الشرطي والإدراك 100 - الارتباط الشرطي التقليدي "الكلاسيكي" 101 - الارتباط الشرطي الإجرائي

102 - الاهتمام الإدراكي 104 - التعود 105 - طرق دراسة الانعكاس التوجيهي والتعود 106 - القدرة الحسية المبكرة: 106 - 1- القدرة البصرية 109 - 2- القدرة السمعية 114 - 3- الإحساس التذوقي والشمي 117 - السلوك الإدراكي والنمو 117 1- إدراك الشكل 124 2- إدراك العمق 127 3- ثبات الحجم والشكل 129 4- توجيه المثير 139 - التكامل الإدراكي 139 - النمو فيما بين الحواس 146 5- التمثيل المكاني 149 6- السلوك الإدراكي - الحركي 152 - خلاصة الفصل الرابع: النمو اللغوي 155 - اللغة ووظائفها 157 - النمو اللغوي المبكر 158 أولًا: مرحلة الاستجابات المنعكسة 161 ثانيًا: مرحلة المناغاة 164 ثالثًا: مرحلة التقليد والاستجابات اللغوية

172 رابعًا: مرحلة الكلام 173 خامسًا: نمو مفردات الطفل 178 - النمو اللغوي لطفل المرحلة الابتدائية 178 أ- نمو المحصول اللفظي 179 ب- نمو التراكيب اللغوية 179 جـ- نمو مهارات الاتصال 180 د- مهارة القراءة 182 هـ- الكتابة 183 - رعاية النمو اللغوي: 183 - رعاية النمو اللغوي لطفل ما قبل المدرسة 185 - التطبيقات التربوية لرعاية النمو اللغوي لطفل الابتدائية الفصل الخامس: النمو الانفعالي 189 - مقدمة 193 - وجهات نظر في تفسير النمو الانفعالي 194 أولًا: المفاهيم البيولوجية 197 ثانيًا: المفاهيم الثقافية 198 ثالثًا: الإجراءات المعرفية 199 - تطور الاستجابات الانفعالية 199 1- المرحلة الجننينية والمهد 200 2- الانفعال خلال السنة الأولى من العمر 200 3- الانفعال خلال السنة الثانية من العمر 202 4- سنوات الطفولة المبكرة 202 5- مرحلة الطفولة الوسطى والمتأخرة

202 6- مرحلة المراهقة 202 - التباين في نمط الاستجابات الانفعالية 204 - العوامل المؤثرة في النمو الانفعالي 211 - الخصائص المميزة لانفعالات الأطفال: 212 * انفعالات الوليد 215 * ظهور استجابات انفعالية محددة 217 * الانفعالات بعد مرحلة الطفولة المبكرة 218 * العلاقة الوجدانية المعرفية الفصل السادس: تطور بعض الانفعالات في الطفولة 223 1- الخوف 224 - المخاوف في مرحلة الطفولة المبكرة 229 - الخوف لدى الأطفال الأكبر سنًا 233 - الأسباب الرئيسية للتباين في نمط الخوف 235 - السن وأنواع الخوف 237 - تعلم الخوف 241 - الأنماط الانفعالية المرتبطة بالخوف 241 1- الخجل 242 2- الحرج أو الارتباك 243 3- الانشغال 245 4- القلق: 245 - القلق كسمة 247 - القق كحالة 248 - تأثي القلق

251 2- الغضب: 251 - فهم الغضب 252 - مثيرات الغضب 253 - استجابات الغضب 254 3- الغيرة 254 - مصادر المواقف التي تنشأ عنها الغيرة 258 - استجابات الغيرة 260 4- الأسى 261 5- الانفعالات الإيجابية: 261 أ- حب الاستطلاع 262 ب- الفرح والسرور والابتهاج 264 - تنشيط النمو الانفعالي 266 - السيادة الانفعالية الفصل السابع: التفاعل بين الوالدين والطفل 271 - مقدمة 272 - الأبحاث المبكرة في أساليب تربية الطفل 274 1- السيطرة الوالدية 277 - سيطرة الوالدين وسلوك الأطفال 281 2- تربية الطفل وإساءة معاملته 281 - تعريف إساة معاملة الطفل 283 - معدل حدوث إساة معاملة الطفل 283 - أسباب إساءة معاملة الطفل 284 - الأسباب التي تدعو الأطفال إلى الشعور بأنهم غير مرغوب فيهم

285 - أثر إساءة المعاملة في سلوك الأطفال 286 3- نمو الارتباط "التعلق" الوالدي 287 - نظريات التعلق: 287 1- نظرية التحليل النفسي 288 2- نظرية التعلم 288 3- التعلق في الحيوانات 290 4- العوامل التطورية 292 - دورة تطور التعلق الاجتماعي 296 - التعلق والاستكشاف 298 - التنشئة الاجتماعية والتعلق الاجتماعي 299 - الأم والتعلق 305 - الأب والتعلق 307 - نتائج التعلق 309 - الانفصال 310 - الدخول إلى المستشفى وقلق الانفصال 314 5- الاعتمادية: 315 - تعريف وقياس الاعتمادية 316 - وسائل تربية الطفل والاعتمادية 318 6- العدوانية: 318 - التعريف 318 - فروق السن والجنس 319 - العدوانية وأساليب تربية الطفل 322 - تقديم النموذج العدوانية 324 - الخلاصة

الفصل الثامن: العلاقة بالأقران 329 - مقدمة 330 - صعوبات دراسة علاقات الأقران 331 - جماعة الأقران واللعب: 331 أ- اللعب الفردي 333 ب- اللعب الجماعي 337 - العوامل المؤثرة في اللعب بين الأقران 341 - تكوين جماعات الأقران 341 - تعريف جماعات الأقران 341 - أنواع جماعات الأقران 342 - تكوين جماعات الأقران 344 - الاختلافات الثقافية في تكوين جماعات الأقران 346 - تقبل الأقران: 348 - عوامل التقبل 350 - الأقران وعملية التطبيع الاجتماعي: 350 1- التوحد 351 1- التوحد 353 2- التعلم 353 3- تعلم الأدوار 354 4- الأقران كمرجع للحقيقة 355 5- الامتثال لمعايير الجماعة 359 6- التعاون 360 7- المشاركة الوجدانية

360 8- التنافس 360 9- العدوان 362 10- الشعبية بين الرفاق 367 - خلاصة الفصل التاسع: النمو الخلقي 371 مقدمة 373 - اكتساب السلوك والتفكير الخلقي 378 - اكتساب التنظيمية للوالدين والنمو الخلقي 379 * بحث هوفمان وسالتزشتاين 381 * تأييد نتائج دراسة هوفمان وسالتزشتاين 386 * البحوث المعملية 388 - الضوابط الخلقية 391 - مصادر الضبط الاجتماعي والتنشئة الاجتماعية: 391 1- الأسرة 394 2- جماعة الأقران 396 3- الأفكار الدينية والدين 397 المراجع

§1/1