علم اللغة مقدمة للقارئ العربي

محمود السعران

مقدمات

مقدمات تقديم ... تقديم: بقلم: الدكتور حلمي خليل أستاذ العلوم اللغوية كلية الآداب، جامعة الإسكندرية اللغة من أعرق مظاهر الحضارة الإنسانية، بل هي أصل الحضارة وصانعة الرقي والتقدم، فهي التي تؤلف الحد الفاصل بين شعب وشعب وبين أمة وأمة، بل بين حضارة وحضارة؛ لأن الأفراد الذين يتكلمون لغة واحدة، لا يتفاهمون بيسر وسهولة فحسب، وإنما هم قادرون على أن يؤلفوا مجتمعا إنسانيا موحدا متجانسا؛ لأن اللغة هي قوام الحياة الروحية والفكرية والمادية، بها يعمق الإنسان صلته وأصالته في المجتمع الذي يولد فيه، حيث تخلق اللغة من أفراده أمه متماسكة الأصول موحدة الفروع. وقد حاول علماء اللغة وغيرهم من العلماء والفلاسفة والمفكرين -على مر العصور- أن يسبروا غور هذه الظاهرة الفريدة العريقة في حياة البشر للكشف عن حقيقتها وكنهها. وكان أستاذنا المرحوم الدكتور محمود السعران واحدا من هؤلاء العلماء الذي أوقفوا حياتهم على دراسة اللغة ونشر المعرفة العلمية الموضوعية المنظمة حولها. ولم يدر بخلدي وأنا أخطو خطواتي الأولى نحو الدراسات العليا "1962" وأقرأ عليه -على طريقة السلف- كتابه "علم اللغة، مقدمة للقارئ العربي" أن الزمن سيدور دورته ويلقي على عاتقي مهمة تقديم الطبعة الثانية من هذا السفر الجليل بعد وفاة صاحبه بثلاثين عاما، وهو مطلب عزيز أشفقت على نفسي منه ولكني لم أستطع له ردًّا؛ اعترافا بفضله عليَّ وإحياء لذكرى رائد من رواد علم اللغة في مصر والعالم العربي. وعلى الرغم من مضي هذه السنوات الطوال على ظهور الطبعة الأولى من الكتاب، طرأ خلالها تطور هائل في حقل الدراسات اللغوية، إلا أنني ما زلت

أوصى تلاميذي بقراءة هذا الكتاب ليس وفاء لأستاذي فحسب، وإنما بكل الحيدة والموضوعية؛ لأن ما زلت أرى أن هذا الكتاب لم يزل محتفظا بقيمته العلمية حتى اليوم؛ لأنه يبسط أفكارا وأصولا في ميدان علم اللغة لا يستغني أي دارس لهذا العلم في معرفتها قبل أن يخوض في مدارسه ونظرياته التي تشعبت وتطورت تطورا هائلا منذ وفاة الدكتور السعران حتى الآن. ومنذ الوهلة الأولى التي تقع فيها العين على عنوان الكتاب: "علم اللغة، مقدمة للقارئ العربي "ط. أولى 1962" نشعر مباشرة أننا أمام علم لم يكن -آنذاك- مألوفا -وأظنه ما زال- للقارئ العربي، وإن كانت المعرفة به ودارسته قد أحرزت قدرا غير قليل من التقدم في المعاهد والجامعات العربية ومن ثم يسعى الدكتور السعران -يرحمه الله- إلى تقديم أصول هذا العلم ومبادئه بصورة واضحة وبسيطة لا تخل بالموضوع وعلميته، ولذلك حرص منذ بداية الكتاب على وضع هذه الأصول في إطارها التاريخي جنبا إلى جنب مع طرق التحليل اللغوي التي استقر عليها الفكر اللغوي آنذاك. يقول في مقدمة الكتاب: "وأنا لم ألتزم في جملة ما عرضت مذهبا بعينه في كل أصوله وفروعه من مذاهب الدرس اللغوي المتعددة، بل ركنت إلى التعريف بالأصول العامة التي ارتضيتها والتي قل أن يختلف فيها أصحاب هذا العلم، مع بيان مصادرها ومذاهب أصحابها في معظم الأحوال، مع الإشارة في الوقت نفسه إلى الآراء المخالفة الصادرة عن مذاهب أخرى، حتى يكون القارئ على بينة من المذاهب اللغوية المختلفة، وعلى دراية بالفلسفات التي قامت عليها، وعلى علم بأهم المؤلفات فيها، فلا يضل الطريق في زحمتها عندما يتاح له الاتصال بشيء منها"1 وبالرغم من هذه الحيدة، إلا أننا نلمح بجانب الالتزام بالإطار التاريخي، التزاما آخر يتمثل في "نظرية فيرث"2 التي كان يستهدي بها في تقديم ترجيحاته

_ 1 علم اللغة مقدمة للقارئ العربي ط. أولى 1962 ص3. 2 فيرث J R Firith أستاذ علم اللغة في جامعة لندن في الفترة من عام 1944 حتى عام 1956م، وهو صاحب نظرية سياق الحال Context of situation ومؤسس المدرسة الإنجليزية الاجتماعية في علم اللغة، وقد تتلمذ عليه الدكتور السعران، وكان من أنبغ وأحب تلاميذه إليه، وتحت إشراف "فيرث" حصل على درجة الدكتوراه من جامعة لندن عام 1951م ببحث عنوانه "دراسة نقدية للملاحظات الصوتية للنحاة العرب". Acritical study of the Phonetic obsevation of the Arab Gvammmarians وهو من آثار الدكتور السعران التي لم تنشر بعد، وتوجد منها نسخة على الآلة الكاتبة بمكتبة كلية الآداب جامعة الإسكندرية.

ومقارناته بين المدارس اللغوية، وخاصة عندما يتصل الأمر بدراسة المعنى كما سنرى فيما بعد. ولعل من أهم الأصول التي طرحها الدكتور السعران في كتابه، فكرة "العلمية" Scientificness، فالفضل يرجع إليه في شيوعها وتوضيحها؛ إذ علم اللغة عنده، موضوع محدد يدرس اللغة دراسة علمية موضوعية، أي يدرسها بغرض الدراسة ذاتها التي تسعى إلى الكشف عن حقيقتها، دون التطرق في هذه الدراسة إلى أهداف أخرى، تعليمية أو تربوية أو علمية، كما لا يدرس اللغة بهدف ترقيتها أو تصحيح جوانب منها أو تعديل أخرى، ومن ثم فإن علم اللغة مقصور عنده على وصف اللغة وتحليلها بطريقة علمية موضوعية. وتأتي أهمية هذه الفكرة مع التسليم بها الآن، من جدتها -آنذاك- بالنسبة للفكر اللغوي العربي، فلم تكن الدارسة اللغوية عند العرب، حتى ظهور هذا الكتاب، على هذا النحو من الضبط والموضوعية والتحديد، وكانت فكرة العلمية في دراسة اللغة فكرة غائمة قد تقال ولكن لا تفهم على النحو الذي شرحه وفصله في الكتاب. وتحليل اللغة عنده يبدأ من البنية، غير أن اللغة -كما نعلم- ليست مجرد بنية، وإنما هي بنية ذات صلة بظواهر أخرى لغوية وغير لغوية، ولذلك نراه يتوقف أمام علاقة اللغة بهذه الظواهر، مثل علاقة اللغة بالكلام ووظيفته، ويعتمد في تحديد هذه الوظيفة على مفهوم اللغة من حيث هي نظام من الرموز والإشارات الاصطلاحية، ومن يتوقف أمام مفهوم "دي سوسير" للرمز اللغوي وماهيته، لينتهي إلى أن اللغة تشترك مع طائفة أخرى من النظم السمعية والبصرية في الطبيعة الرمزية. ولما كانت اللغة أيضا ذات صلة بالظواهر الاجتماعية، أو قل هي ظاهرة اجتماعية معقدة1، يرى الدكتور السعران أن دراستها تحتاج إلى الاستعانة بعلوم أخرى، مثل علم الاجتماع وعلم وظائف الأعضاء، بل بالتاريخ والجغرافيا

_ 1 حول مفهوم الدكتور السعران حول اجتماعية اللغة. انظر: كتابه القيم، اللغة والمجتمع، رأي ومنهج، الطبعة الثانية، دار المعارف الإسكندرية 1963م.

وعلم النفس1. ولكن هذه العلوم لا تنفي صفة الموضوعية أو العلمية عن الدراسة اللغوية، وليست فرضا لميادين أخرى عليها، وإنما هي تنبع من كون اللغة معقدة. غير أنه يستبعد من الدراسة العلمية للغة ما يسميه بالفلسفة اللغوية التي تقوم على أسس منطقية وعقلية، ومع ذلك فهو لا يستبعد النظرة الفلسفية، ويقصد بها مجموعة المبادئ أو الأصول التي يقوم عليها علم اللغة، ويشترط في ذلك أن تكون هذه الفلسفة مستمدة من اللغة وطبيعتها وإلا فقد علم اللغة استقلاله وموضوعيته، أي لا بد أن تقوم هذه الفلسفة على أسس من فهم ماهية اللغة، فيم تستعمل؟، وكيف تستعمل؟، أي أن هذه الفلسفة ينبغي أن تستقي عناصرها من طبيعة الأدوار التي تقوم بها في الحياة الإنسانية. وتتصل بهذه الفلسفة أيضا عمليات التجريد والتعميم التي يضطر علم اللغة للقيام بها على مستويات التحليل المختلفة، حتى يسلم وصفه وتحليله، وتصح نتائجه، ومن ثم فإن من فلسفة هذا العلم التمييز بدقة بين الدراسة التاريخية للغة والدراسة الوصفية الآنية لها. وبعد إرساء هذه الأصول حول مفهوم علم اللغة وموضوعه وفلسفته ينتقل إلى التحليل البنيوي للغة، ويعد الدكتور السعران من أوائل علماء اللغة العرب في العصر الحديث الذين استعملوا مصطلح البنية Structuralism وتحليل البنية عنده يبدأ من المستوى الصوتي Phonetics ولكنه يمهد لذلك بلمحة تاريخية عن تطور الدراسات الصوتية عند الهنود واليونان والرومان والعرب حتى يصل إلى التطور الذي أحرزته هذه الدراسات في أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية. ويعرف علم الأصوات بأنه الدراسة العلمية للحدث الكلامي Speech event دون الإشارة إلى معناه، وتقتضي هذه الدراسة العلمية تفتيت الحدث الكلامي وتحليله إلى عناصره المكونة له، وهي عملية تطهر صعوبتها في دراسة أصوات لغة لا نعرفها، ولما كان الصوت اللغوي يصدر عن جهاز النطق الإنساني فهو ذو طبيعة خاصة تجعله يختلف عن أي أصوات أخرى، وبناء على ذلك فإن دراسة الأصوات اللغوية أو الحدث الكلامي تمر بمراحل أساسية هي:

_ 1 أصبحت بعض هذه العلوم الآن بما لها من صلة بعلم اللغة فروعا مستقلة من علم اللغة التطبيقي مثل علم اللغة الاجتماعي Sociolinguistics وعلم اللغة الجغرافي Geolinnguistics وعلم اللغة النفسي Psychoinguistics.

1- جهاز النطق وحركاته التي ينتج عنها الصوت اللغوي، وهو ما يختص به علم الأصوات الفسيولوجي Physiological Phonetics 2- دراسة انتقال الصوت أو علم الأصوات الأكوستيكي acoustic phonrtics. 3- دراسة استقبال أذن السامع للصوت اللغوي، ويختص به علم الأصوات السمعي Auditory Phonetics ومن الوسائل الأخرى التي يلجأ إليها علم الأصوات ما يعرف بالدراسة الصوتية التجريبية أو الآلية Experimental Phonetics والكتابة الصوتية Phonetic transeciption وهما من الوسائل الفعالة في التعبير عن الحقائق الصوتية بدقة علمية. بهذه الفروع لعلم الأصوات يحدد الدكتور السعران الإطار العام لتحليل الحدث الكلامي، ولكنه يرى أن علماء الأصوات وجهوا عنايتهم لدارسة الفرع الأول وبذلوا جهودا طيبة في دراسة الفرع الثاني، أما الفرع الثالث فما زال ينتظر مزيدا من البحث والدراسة. وقد شهدت العقود التالية من هذا القرن ما تنبأ به في صورة تطور هائل في دراسة هذا الفرع استخدمت فيه أجهزة وآلات معقدة وأسفر عن نتائج هامة مثل عمليات تخليق الكلام Speech synthesis وتحويل الكلام المنطوق إلى مكتوب وغير ذلك. ثم ينتقل بعد ذلك إلى تصنيف أصوات اللغة العربية حسب طريقة النطق وموضوعه من جهاز النطق وتقسيمها إلى مجهورة ومهموسة، وهو تصنيف قد يلتقي في بعض جوانبه مع الدراسة الصوتية التقليدية إلا أنه يختلف في كثير من الحقائق التي لم يفطن إليها القدماء وبعض المحدثين. وإذا كانت الدراسة على هذا النحو تعد دراسة للصوت اللغوي معزولا، أي بعيدا عن غيره من الأصوات داخل البينة، فإن الدراسة الفنولوجية تدخل عنده في صلب الدراسة البنيوية لأصوات لغة ما، حيث تتنوع الأصوات وتختلف عقب دخولها في علاقات بنيوية داخل هذه اللغة، ومن ثم يجد عالم اللغة نفسه أمام تنوعات عدة لوحدة صوتية معينة. ومع ذلك فإن هذه التنوعات لا تؤدي إلى اختلاف المعنى، بل يمكن ردها إلى أصوات محددة عن طريق تحليل السلسلة

الكلامية إلى وحدات متمايزة بما لها من صلة بالمعنى، وكان هذا ما اصطلح على تسميته في علم اللغة "بنظرية الفونيم" وما يتصل بها من مفاهيم وتحليل، حيث يقوم التحليل فيها على تحديد القيم الخلافية والتقابلية في أصوات لغة من اللغات، ودراسة النظام الفنولوجي للغة وخصائصه تدخل عنده في صميم العلاقات البنيوية، ومن ثم فإن الفنولوجيا أو علم الأصوات اللغوية الوظيفي -كما ترجم المصطلح- هو المنوط به تحليل ودراسة هذه العلاقات البنيوية على المستوى الصوتي، ويرى أن الفصل بين علم الأصوات Phonetics وعلم الفنولوجي pho-nolngy لا يؤدي بالضرورة إلى اعتبار كل واحد منهما علما مستقلا، ويذهب إلى أن دراسة الظواهر الصوتية والفسيولوجية الخاصة بالكلام الإنساني ينبغي أن تسير موازية للدراسة الفنولوجية، وأن الفصل بين العلمين هو لون من العبث؛ إذ إن كلا منهما يعتمد على الآخر، وهي نظرة انفرد بها الدكتور السعران، وهي عكس ما نادت به "مدرسة براج" من الفصل بين علم الأصوات من حيث هو علم طبيعي وعلم الفنولوجيا من حيث هو علم لغوي. ومن التحليل الفنولوجي ينتقل إلى التحليل النحوي، ويرى أن ذلك يتم من خلال موضوعين منفصلين ومتصلين في آن واحد، وهما: 1- المورفولوجيا Morphology. 2- النظم Syntax. وهذا التناول عنده يتم بناء على أصول، ومفاهيم شكلية؛ لأن كل لغة تعرض المعاني بطرق خاصة، ونحن نتلقى هذه المعاني مرتبة بالترتيب الذي يقدمه لنا الكلام، أي في الصور والأشكال اللفظية التي يظهر بها الكلام، ومن أهم صفات التحليل النحوي لهذه الأشكال النطقية، أن يستبعد عالم اللغة الأصول الفلسفية القديمة في التحليل، كما يستبعد التقديرات الفعلية وما يتصل بها من تأويل وتفسير، ومن ثم فإن أهم ما يوصف به التحليل النحوي أن يكون شكليا أو صوريا؛ لأن هدفه هو الصور اللفظية وتصنيفها وتوزيعها على أسس معينة، ثم نضيف العلاقات الناشئة بين الوحدات اللغوية داخل الجملة، وهذا هو رأي مدرسة التحليل، إلى المكونات المباشرة LC Analysis أو مدرسة بلومفيلد التي كانت مهيمنة إلى حد ما على الفكر اللغوي آنذاك، غير أن الدكتور السعران يرى أن هذا

التحليل من ناحية أخرى هو تحليل وظيفي Functional يقوم أيضا على الدور الذي تقوم به الوحدات اللغوية داخل الجملة، سواء من حيث المبنى أو المعنى، وهو بهذا يحاول التوفيق بين آراء "مدرسة بلومفيلدا" الكلية واستبعادها للمعنى، وآراء المدرسة الإنجليزية الاجتماعية التي ينتمي إليها والتي تنطلق من المعنى. وصدد هذا يقول: "ولا حاجة بنا إلى القول بأن هذا لا يتضمن استبعاد المعاني كمعالم أو مشيرات في المراحل الأولى من التحليل النحوي، كما أن ما قلناه من أن التحليل النحوي لا يلجأ إلى المعنى لا يتضمن أن عرض نظام نحوي ما ينبغي ألا يقرر أي معان أو فصائل دلالية ترتبط ارتباطا وثيقا أو ضعيفا بالفصائل الشكلية، ولو أنه من الواضح أن الأفضل أن مثل هذه المعاني ينبغي أن تقرر في عبارات موضوعية1. ثم ينتهي من هذه المناقشة لدور المعنى في التحليل النحوي ليقرر أن تحليل اللغات قد كشف عن درجة كبيرة من التطابق بين الوحدات الدلالية والوحدات النحوية، مما أغرى عددا كبيرا من علماء اللغة بالربط بين التحليل النحوي والمعنى2. ولا شك أن أستاذه "فيرث" كان واحدا من هؤلاء اللغويين الذين ربطوا بين التحليل اللغوي والمعنى، ولكن سطوة المدرسة الشكلية الأمريكية -آنذاك- كانت تحول دون ظهور عمق التحليل اللغوي وموضوعيته من حيث ارتباطه بالمعنى سواء عند "فيرث"، أو غيره من علماء اللغة، غير أن ذلك قد تحقق بعد ذلك في صورة نظرية علمية، هي النظرية التوليدية التحويلية TG grammar وخاصة في تعاملها مع البنية العميقة للتراكيب النحوية حيث يتجلى المعنى الحقيقي لأي جملة، وقد ذاعت وانتشرت هذه النظرية بعد وفاة الدكتور السعران بسنوات قليلة. أما المستوى الدلالي في الكتاب فيغلب عليه الطابع التاريخي، وهو يقرر أن دراسة المعنى أو علم الدلالة Semanties باعتباره فرعا من فروع علم اللغة هو غاية الدراسات الصوتية الفنولوجية والنحوية والمعجمية -أو كما يقول- هو قمة هذه

_ 1 علم اللغة، مقدمة للقارئ العربي ط. أولى ص97، 98. 2 السابق نفس الصفحة.

الدراسات؛ لأن علم اللغة لا يتيسر أن يقوم دون تصور الوحدات اللغوية وما يرتبط بها من معنى. وهنا يتضح انحيازه الكامل إلى المدرسة الاجتماعية الإنجليزية التي يتزعمها أستاذه "فيرث" فالسياق أو العناصر غير اللغوية عنده كما هي عند أستاذه ذات دخل كبير في تحديد المعنى؛ إذ هي جزء من الموقف الكلامي كما يتمثل في المتكلم والسامع وما بينهما من علاقات، وما يحيط الكلام من ملابسات وظروف. ويدلل على ذلك بنصوص يستقيها من القرآن الكريم والشعر الجاهلي وأمثال العرب والشعر الصوفي والأحاديث اليومية. ثم يتوقف بعد ذلك أمام تحصيل المعنى وخاصة عند الأطفال الذين يسمعون كلاما متصلا مرتبطا بسياقات مختلفة، وبكثرة التكرار والتقليد وإرشاد من حولهم تأخذ بعض الأصوات في الدلالة على المعنى. وصدد هذا يرى أن التقليد والسماع هما وسيلتا الطفل في تحصيل المعنى الذي يرتبط بالكلمات المفردة عند الطفل دون التراكيب. ولكن النظرية اللغوية المعاصرة ترفض الآن فكرة التقليد لتفسير اكتساب الطفل للغة، ونادت بالقدرة الفطرية lnnate Property التي يولد الطفل مزودا بها والتي تعينه على التحصيل والتحكم في مستويات اللغة المختلفة. وفي تحليله للمعنى يقف به عند حدود الفرق بين المضمون المنطقي الذي يعادل عنده المعنى المعجمي والمضمون النفسي الذي يختلف من فرد إلى فرد طبقا لثقافته وطبقته الاجتماعية. ويخلص إلى أننا لا نستعمل الكلمات بمعناها المنطقي منفصلا عن مضمونها النفسي، وهي نظرة يجاوزها الآن علم الدلالة التركيبي الذي استقر واتضحت مناهج التحليل الدلالي فيه مع استقرار علم الدلالة التركيبي الذي استقر واتضحت مناهج التحليل الدلالي فيه مع استقرار علم الدلالة التوليدي في الثمانينيات من هذا القرن، أي بعد وفاة الدكتور السعران بعقدين من الزمن. وتحت عنوان مناهج دراسة المعنى يعرض لتاريخ الدرس الدلالي منذ نشأته على يد "ميشيل بريل" عام 1897م حتى ظهور نظرية أستاذه فيرث في الأربعينيات من هذا القرن، ويقسم هذا التاريخ إلى قسمين، الأول خاص بكتابات غير اللغويين والثاني خاص بكتابات علماء اللغة. وتبدأ النظريات اللغوية في دراسة المعنى عنده -كما هي عند كثير من علماء اللغة- منذ "دي سوسير" الذي يشير إلى

قيام نظريته في اللغة على هدى من نظرية "دور كايم" الاجتماعية"، والتي تصبح اللغة فيها من جملة الظواهر الاجتماعية، ويفرق بين ثالوث "دي سوسير" الشهير: اللسان Langue واللغة Languge والكلام Parole لينتهي إلى أن لغة مجتمع ما، هي ظاهرة مستقلة عن الفرد، وأن الكلمات من حيث هي علامات ذات وجود مستقل، وأن معناها اجتماعي في جوهره، ولذلك فإن القيمة اللغوية للكلمة تكمن في شيئين، الفكرة والصورة السمعية التي تدعو الفكرة، ومن ثم فإن الكلمة داخل النظام اللغوي ما هي إلا علامة لغوية تفرق بين فكرتين، وأن قيمة كل علامة تتوقف على وجود سائر العلامات الأخرى، ثم ينتقل بعد ذلك إلى المدرسة السلوكية أو "مدرسة بلومفيلد" ويعرض نظريته وخاصة فيما يتصل بتحليل المعنى ودراسته. أما المدرسة الاجتماعية الإنجليزية أو "مدرسة فيرث" فهي تمثل عنده آخر المدارس اللغوية التي اهتمت بقضية المعنى، فيقف عندها تفصيلا عارضا لآراء أستاذه "فيرث" ونظريته في سياق الحال Context of situation ويرى أن هذه المدرسة تنظر إلى المعنى على أنه وحدة مركبة من مجموعة من الوظائف اللغوية الصوتية والفنولوجية والمورفولوجية والنحوية، ولكي نصل إلى حقيقة المعنى لا بد من تحليل هذه الوحدة على المستويات اللغوية مع بيان العوامل الخارجية والسياق الاجتماعي. وقد طور هذه النظرية فيما بعد بعض علماء اللغة البريطانيين أمثال هاليداي وماكنتوش وإنكفت وغيرهم في إطار ما يسمى الآن بعلم اللغة الاجتماعي، حيث انصب اهتمامهم على مظاهر التنوع في استعمال اللغة والعوامل اللغوية وغير اللغوية المؤثرة في الكلام أو النص، وميزوا بين أبعاد ثلاثة في الحدث اللغوي هي: مادته وشكله وسياقه، ورأوا أن التنوع في استخدام اللغة هو نوع من السياقات التي تتلازم مع مجموعة من الملامح اللغوية التي تعكس بدورها ملامح لموقف معين، وكل ذلك يحتاج إلى تصنيف وتحليل وتحديد في إطار الاستعمال العام للغة في مجتمع معين، وكل ذلك تم بعد وفاة الدكتور السعران بسنوات غير قليلة. بهذا التاريخ للنظريات اللغوية في الدراسة الدلالية الكتاب. وصدد هذا لا بد من الإشارة إلى قائمة المصادر والمراجع الأجنبية التي حرص على أن يضعها بين يدي القارئ وهي فاتحة انفرد بها هذا الكتاب لأول مرة في اللغة العربية، كما زود الكتاب بمعجم خاص بالمصطلحات اللغوية باللغة الإنجليزية ومقابلها باللغة العربية، ومعظم هذه المصطلحات كان جديدا على اللغة العربية. وهوامش الكتاب تزخر

بمناقشة واسعة لكثير من المصطلحات التي وضعت قبل ظهور الكتاب ورأيه فيها والمصطلح الذي ارتضاه وأسباب ذلك، وهي في ذاتها دراسة لعلم المصطلح اللغوي انفرد بها هذا الكتاب عما قبله وعما بعده أيضا. والحق أنه بظهور هذ الكتاب عام 1962 اكتملت لأول مرة في اللغة العربية الصورة العلمية لعلم اللغة، أو بمعنى أدق الجانب النظري فيما يسمى بالبنيوية الوصفية في دراسة اللغة من حيث الأصول العامة ومستويات التحليل. وقد استطاع هذا الكتاب أن يهز ويزعزع -على الأقل دخل الجامعة- الكثير من الأفكار التي قام عليها التفكير اللغوي التقليدي، فزلزل فكرة اكتمال علوم اللغة العربية بما طرحه من مبادئ وأصول فكانت التفرقة بين دراسة اللغة من حيث هي ظاهرة إنسانية عامة ودراسة اللغة من حيث هي لغة معينة أمرًا لم يلتفت إليه أحد من القدماء وكثير من المحدثين قبل ظهور هذا الكتاب، كما وضح أيضا فكرة التطور اللغوي من حيث الفرق بين الدراسة الآنية syncronic أو الوصفية والدراسة التعاقبية Dycroinc أو التاريخية، كما حدد وأشاع الفرق بين دراسة اللغة المنطوقة ودراسة اللغة المكتوبة، كما طرح الكتاب أيضا مبدأ الموضوعية والعلمية في الدراسة اللغوية، من حيث اعتماده على وصف اللغة وتحليلها دون تقويمها أو الحكم عليها، فليست هناك من الناحية اللغوية الخالصة لغة أفضل من لغة ولا لهجة أجمل من لهجة. ومن ثم أصبحت اللغة العربية كغيرها من اللغات، يمكن أن يطبق عليها ما يطبق على اللغات الأخرى من نظريات، وأن تحلل بمناهج وطرق لم يعرفها القدماء، وإن امتازت عن غيرها من اللغات، وطبقا لمعايير غير لغوية دينية أو حضارية. على هذا النحو من الدقة والوضوح والشمول ظهر هذا الكتاب في أوائل العقد السابع من هذا القرن، والذي نضع بين يدي القارئ طبعته الثانية دون أضافة أو حذف، وعلى الرغم من مرور هذه السنوات الطوال، ما زال الكتاب مطلوبا يقرأ ويرجع إليه، وما زالت المكتبة اللغوية العربية تفتقر إلى مثله مع ما طرأ من تطور هائل في حقل هذا العلم منذ وفاة هذا العالم الجليل ولو امتد به العمر لكان أجدر من يقوم بذلك. رحم الله أستاذنا الدكتور محمود السعران وتغمده بعفوه ومغفرته وأسكنه جنته. حلمي خليل الإسكندرية في 20/ 1/ 1992م

مقدمة الطبعة الأولى

بسم الله الرحمن الرحيم مقدمة الطبعة الأولى: النظر في اللغة وطرق درسها جد قديم، وللعرب في ذلك آثار كبيرة معروفة علينا أن نتدبرها ونقومها لإبراز دورهم في تاريخ الدراسات اللغوية، وللائتناس بما يصلح من الأصول اللغوية التي أسسوها أصولا لعلم اللغة الحديث. ولكن الدراسات اللغوية في أوروبا وأمريكا نشطت ونشطت الثقافة الغربية بعامة، فأصبحت -منذ حوالي نصف قرن- "علمًا" مستقلًّا، متفردًا متخصص الوسائل. ولقد نقلنا عن الغرب كثيرا من العلوم التي سبقنا إليها، وجاوزنا في كثير منها طور الأخذ إلى طور التأليف الأصيل، ودراساتنا الأدبية والنقدية خير حظا من الدراسات اللغوية فقد تعرفنا على كثير مما أحدثه الغربيون فيها، وانتفعنا به، وصدرت عن باحثينا دراسات أصيلة على هدى النظر الأدبي الحديث. ولكن تعريفنا بالنشاط اللغوي العلمي في أحدث صوره لا يزال تعريفا هينا غامض القسمات، ينتظر الجهود الجادة المتلاحقة من الأفراد والهيئات. وهذا الكتاب في "علم اللغة" محاولة أقدمها في هذا السبيل، وهو كتاب يحدد أسلوب عرضه للموضوعات، ومنهج تناوله للمسائل، أنه "مقدمة للقارئ العربي". وقد آثرت أن أبدأ تعريف هذا العلم -بعد أن قدمت له منذ سنوات بكتابي "اللغة والمجتمع: رأي ومنهج"- بكتاب مؤلف لا مترجم، فالكتاب الإنجليزي أو الفرنسي موجه إلى قارئ ذي ثقافة لغوية خاصة، وتكوين عقلي مخالف، فهو مثلا يغضي النظر عما نحن في حاجة إلى إيضاحه، ويفصل فيما نراه في مرحلتنا هذه تزيدا. والقارئ الأوروبي يجد في لغته عشرات وعشرات من المؤلفات والمصنفات مها المطول ومنها المختصر، ومنها ما وضع لعامة المثقفين، وما وضع لخاصتهم، فهو من هذا العلم في حال خير مرات ومرات من حال القارئ العربي منه. ثم إن القارئ العربي تعلق بذهنه تصورات ومذاهب لغوية لا تيسر له متابعة التصورات والمذاهب الحديثة في علم اللغة إن عرضت له موجزة مركزة، أو مشارا إليها إشارة عابرة، كما يحدث في المؤلف الأوروبي أو الأمريكي. ولذلك مهدت لكتابي هذا بمقدمة طويلة شيئا ما تهيئه لذهن القارئ الشادي لتلقي أصول هذا العلم بأيسر سبيل، وأدنى مجهود.

ولقد حاولت تبسيط حقائق هذا العلم ما وسعني التبسيط، مع حرصي على الدقة والسلامة، حتى يستقل القارئ المبتدئ بتحصيل ما فيه ومدارسته، وينتقل منه آمنا إلى مطالعة أصول هذا العلم. وكان أول ما راعيته تحقيقا لهذه الغاية إثبات المصطلح الإنجليزي بحرفه، وانتقاء اللفظ العربي المقابل له بحيث لا يوقع في الخطأ أو الاختلاط، فنأيت عن اختيار المصطلح اللغوي العربي القديم ترجمة لبعض المصطلح الإنجليزي -كما صنع جماعة- وآثرت، حيث لا أجد المقابل العربي الملائم، أن استعمل المصطلح الأوروبي، وذلك كي لا يختلط التصور العربي القديم بالتصور الأوروبي الحديث، ولكي ينفسح المجال ويسمل أمام الباحث العربي حين يؤرخ الدراسات اللغوية العربية ويقومها على أساس من الفهم الحديث، فيصطنع المصطلح العربي بمعناه إلى جوار المصطلح الجديد المنقول بمرماه جانبا إلى جنب دون إيقاع القارئ في البلبلة، ودون إيهامه بغير المراد. ولما كنت أتوجه بكتابي هذا إلى القارئ العربي فقد فصلت الحديث في موضوعات لا يفصل فيها الغربيون، وأوجزت حيث لا يوجزون، وأكثرت من الأمثلة والشواهد في مواضع، وأقللت منها في أخر. وكنت لا أدع مناسبة، في الأغلب الأعم، دون تطبيق ما أقرر على الكلام العربي بيانا لصلاحية اتخاذ الأسس والتصورات الجديدة عند دراسته، ولمدى ما تقدمه من نفع لا تنهض بمثله التصورات اللغوية العربية القديمة وحدها. وأنا لم ألتزم في جملة ما عرضت مذهبا بعينه، في كل أصوله وفروعه، من مذاهب الدرس اللغوي المتعددة، بل ركنت إلى التعرف بالأصول العامة التي ارتضيها، والتي قل أن يختلف فيها أصحاب هذا العلم، مع بيان مصادرها ومذاهب أصحابها في معظم الأحوال، ومع الإشارة، في الوقت نفسه، إلى الآراء المخالفة الصادرة عن مذاهب أخرى، حتى يكون القارئ على بينة من المذاهب اللغوية المختلفة، وعلى دراية بالفلسفة التي قامت عليها، وعلى علم بأهم المؤلفات فيها، فلا يضل الطريق في زحمتها عندما يتاح له الاتصال بشيء منها. ويسرني، آخر هذه الكلمة، أن أسدي الشكر مخلصا إلى صديقي وزميلي الدكتور محمد أبو الفرج المدرس بكلية الآداب بجامعة الإسكندرية، لقاء ما هيأ لي من المراجع والأبحاث اللغوية الحديثة التي عاد بها بعد انتهاء دراسته في لندن، فوصلني بدراسات هادية ميسرة موحية. الدكتور: محمود السعران

تمهيد

تمهيد دراسة اللغة علم ... تمهيد: 1- دراسات اللغة "علم": أ- منذ أواخر القرن التاسع عشر أخذ مفهوم "اللغة": طبيعتها، ووظيفتها، ودراستها في التغير. وقد أحدث ذلك التغير جهودا متلاحقة بذلها علماء الغرب لدراسة معظم لغات العالم وصفا وتاريخا ومقارنة، وللوصول من ذلك إلى نظرية أو نظريات عامة في "اللغة" تكشف عن حقيقتها نشأة وتطورا، وتبرز "القوانين" أو الأصول العامة التي تشترك فيها لغات البشر، وتعين على تحديد وتدقيق مناهج الدراسة اللغوية ووسائلها. وكانت تلك الجهود في الميدان اللغوي تستهدي وتناظر وتساير النهضة العلمية والفكرية العامة التي شهدها الغرب في ذلك الزمان. ب- لقد نتج عن تلك الجهود المترادفة القوية -والتي لا تزال متتابعة قوية- أن أصبحت دراسة اللغة "علما" من العلوم، له ما لأي علم مستقل موضوعه، ومناهجه، ووسائله. 1- وقد نُحِّي "علم اللغة" من مجاله، إلى حين، البحث في مسائل لغوية، أو في جوانب منها، ذلك لأنها مسائل لا سبيل إلى درسها الدرس العلمي الصحيح، إما لضآلة مادتها ضآلة ترد الكلام فيها ضربا من ضروب الفرض والحدس والتخمين أو ضربا من ضروب "الميتافيزيقا"، وإما لاستحالة درسها دراسة علمية لأسباب أخر. ومن هذه المسائل في رأي أغلب علماء اللغة المعاصرين، البحث في "نشأة اللغة". 2- كما أن "علم اللغة" قد وسع في مجال الدراسة اللغوية، بأن أخضع للبحث مسائل جديدة، وبأن فصل البحث في مسائل لم يكن يفصل فيها القدماء، كما أنه قد استبقى كثيرا من مشكلات الدراسة اللغوية القديمة. ولكن "علم اللغة" في بحثه جميع ما يبحث يصدر عن مبدأ عام، أو عن مبادئ عامة، ويقفو منهجا فردا، ويستهدي وسائل معينة، فدراساته مترابطة متكاملة يسودها روح العلم وأسلوبه.

2- نعم إن بعض "القوانين" اللغوية يتصف بشيء من الصدق والعموم أكثر مما تتصف به "القوانين الصوتية" وذلك كأن يقال: "إن اللغة لا تنشأ إلا في مجتمع" و"إن اللغة لا تستعمل إلا في مجتمع" و"إن الكلام يختلف باختلاف الطبقات الاجتماعية في المجتمع الواحد في العصر الواحد" و"إن لكل لغة من اللغات نظمها الصوتية والنحوية" و"إن مصير كل لغة كبيرة أن تشعب إلى لهجات". إن أكثر هذا وأمثاله أشبه بالتعريف بالخصائص والسمات، وبإبراز الأصول والمقومات منه "بالقوانين" كما يفهمها من يدرس الطبيعة والكيمياء مثلا. فإذا قيل إن المعادن تتمدد بالحرارة صدق هذا على كل معدن في كل زمان ومكان. وقانون "الجاذبية" لم يكن صادقا في زمن مكتشفه نيوتن، ولم يكن صادقا في بلده وحده بل إنه لصادق على ما سلف زمنه من أزمان، وعلى زمنه، وعلى ما يلحق زمانه ما استمر عالمنا على ما نعهده، فهذا هو المفهوم من "القانون" بمعناه الحق. 3- إن توسع اللغويين وترخصهم في استعمال لفظ "قانون"، أو إن اختلاف "القوانين" اللغوية عن قوانين العلوم الطبيعية لا يحرم الدراسة اللغوية أن توصف بأنها دراسة "علمية". فدراسة اللغة لها موضعها الخاص المستقل الجدير بالبحث وهو "اللغة"، وهذه الدراسة تقوم على مناهج "علمية" سليمة وهي تتخذ من الوسائل ما ييسر لها الوفاء بعملها على أدق وجه، وما تصل إليه دراسة اللغة على هذا النحو من حقائق وأصول عامة أو "قوانين" إنما هو مستمد من طبيعة النبات وحقيقته مثلا، فلا عجب أن تكون "القوانين" التي تؤدي إليها دراسة النبات دراسة علمية مغايرة من وجوه "للقوانين" التي تؤدي إليها دراسة اللغة، وما ينبغي أن تحملنا هذه المغايرة على أن نذهب إلى أن الدراسة اللغوية ليست "علما". إن ما بين دراسة اللغة وما بين العلوم الطبيعية وسواها من وجوه الاختلاف والافتراق لا يحول دون إضفاء صفة "العلم" على هذه الدراسة. 4- ولقد يختلف المحدثون من أصحاب الدراسة اللغوية الجديدة في مسائل عدة، ولقد يختلفون في مسائل جوهرية كتعريف "اللغة" نفسها، أو تعريف

"الكلمة" أو "الجملة"، ولقد يفترقون في طريق أخذهم لدراسة اللغة في جوانب معينة، ولقد يتباينون في غير ذلك، ولكنهم يتفقون جميعا في أن دراساتهم الجديدة "علمية". إن ما بينهم من اختلاف وافتراق وتباين هو ما ينشأ بين أصحاب أي دراسة لا نتردد في إضفاء صفة العلم عليها. 4- هذه الدراسة الجديدة للغة وهي التي يصدق عليها لفظ "العلم" لمَّا تبلغ غايتها، نعم قد يصدق هذا القول على أي علم من العلوم، فالمحاولات الدائبة المطردة المستبصرة في أي علم من العلوم تغير منه وتضيف إليه. فلقد يؤدي اختراع جديد، أو كشف طارئ، إلى فتح آفاق جديدة وإضافة حقائق لم تكن لتخطر في بال. ولكن المقصود من هذا القول إذ يطلق على الدراسة الحديثة للغة أن هذا العلم الجديد لما يتخذ شكله النهائي كما يريد له أصحابه، وكما تقضي طبيعة موضوعه، فلا يزال في أفقه كثير من المسائل الأساسية التي اقترح بعض علمائه بحثها، ورسم طرائق بحثها، ولكنها تنتظر زمنًا وجهدًا لتجليتها للوصول فيها إلى كلمة العلم. كما أن المراد بهذا القول أن السنوات القليلة القادمة ستغير طائفة من مسائل هذا العلم ووجوهه. إن "علم اللغة" علم قد تكون، ولكنه لا يزال يتطور التطور اللازم لنضجه. وإن الجهود القريبة القادمة سترسي قواعد الكثير من أسسه ووسائله ونتائجه. وهذا يحتم على الباحثين في هذا الميدان الاتصال أولا فأولا بما يجد فيه. وما بنا من شك في أن هذا الاتصال واجب في كل ميدان دراسي، ولكن وجوبه في حالة الدراسة اللغوية بخاصة، وبالنسبة إلينا نحن أصحاب العربية، أجدر وألزم. 5- هذه الدراسة الجديدة للغة لم تذع في مواطنها، في أوروبا وأمريكا وروسيا، الذيوع الذي تستأهله على وفرة التآليف والتصانيف فيها، وعلى كثرة المجلات العلمية المفردة لها، وعلى تعدد الجمعيات والحلقات والمؤتمرات التي تناقش مسائلها. لا بل إن اسم ذلك العلم نفسه ليبدو غريبا على الأسماع والأفهام وإنه ليثير كثيرا من التصورات عن موضوعه أغلبها مجانب للصواب، مقارب للوهم. فـ:La Linguistique "علم اللغة" أو La Linguistique Generale "علم اللغة العام"،

أو Le Science du Language "علم اللغة" في ذهن جمهرة المثقفين الفرنسيين، أو Linguistics أو General Linguistics أو Linguistic Science في مسمع المتكلم بالإنجليزية وفهمه و Linguistik أو Sprachwissenschatt في أذان الناطق بالألمانية وفكره، لا تزال غريبة جديدة. دعك من مصطلحات أخر كأسماء فروع هذا العلم ووسائله وتصوراته من أمثال1 Phononlogie Phonology "phonolgie "الفونولوجيا" Semantique Bedeutungslehre أو Semantik Semantics علم الدلالة" و Morphologie Formenlehre Worbidungslehre Morphology المورفولوجيا أو علم الصيغ أو دلالة النسبة" La vtphoneme phoneme أو "Sprechlovt الفونيم" "Lautlehre أو Lautlehre أو Phonetik Phonetics علم الأصوات اللغوية". 6- وإن النتائج التي أحرزتها هذه الدراسة الجديدة، لمَّا تدخل برامج تدريس اللغات في التعليم العام، إنها لما تصبح "كلاسيكية" فلا تزال اللغة الإنجليزية والفرنسية والألمانية مثلا تدرس في معظم المدارس كما كانت تدرس قبلا. إن هذه الدراسة الجديدة للغة لا تزال وقفا على المتخصصين فيها، وعلى القلة من مريديهم. فالمحدثون من علماء اللغة يشكون من أن غالبية المشتغلين بالمسائل اللغوية، بله جمهور المثقفين، لا يزالون يجهلون أن ثمة نشاطا "علميا" جديدا يتخذ موضوعا له "اللغة". فمفهوم الدراسة اللغوية عند كثير ممن لم يتصل بالعلم الجديد عن قرب، أنها:2 1- ذلك النشاط التقعيدي normative الذي يستهدف معرفة صحيح الكلام وجيده كتابة ونطقا، ووضع "قواعد" تميز صحيح الكلام من خطئه وجيده من رديئه، "قواعد" متعلقة بهجاء اللغة و"نحوها" ومفرداتها "وبلاغتها" وما أشبه هذا، "قواعد" تعلم الناشئة صحة الكلام وجودته وتتخذ مقياسا للحكم على الصواب والخطأ، والجيد والرديء.

_ 1 نورد المصطلح بالفرنسية ثم نضع بين قوسين ما يقابله بالإنجليزية، ثم ما يقابله بالألمانية. 2 انظر الفصل الأول من الكتاب: Jean Perrot La Linguistique.

2- وأنها معرفة عدد كبير من اللغات، الحية والقديمة، فضلا عن التبحر في اللغة القومية، هذه المعرفة التي تسمى بالإنجليزية Polyglottism وبالفرنسية polyglottisme والتي ينظر الناس إلى صاحبها بعين الإكبار والتقدير. ولكن علم اللغة ليس موضوعه هذا أو ذاك، وما هو بهذين معا. 1- فعلم اللغة لا يدرس اللغة للكشف عن الكيفية التي "يجب" أن يكون عليها الكلام، وعن الكيفية التي "يحسن" بها الكلام، ولتعليم هاتين الكيفيتين. ولكن ما من شك في أن علماء اللغة قادرون على أن يسدوا إلى المشتغلين بتدريس اللغات توجيهات وإرشادات تيسر عليهم عملهم، وتصحح منه جوانب ووجوها. بل قد يكون هذا مما يفرضه الواجب الأدبي أو القومي على علماء اللغة. ولكنهم في صنيعهم هذا لا يكونون يؤدون وظيفتهم الأصلية وهي درس "اللغة"، أي "وصفها في ذاتها ومن أجل ذاتها"، إنهم في هذه الحالة يقومون بوظيفة عارضة، إنهم يشاطرون بثمار دراستهم العلمية للغة خدمة لغرض أو أغراض غير الغرض الحق أو الأغراض الحقة من دراستهم. 2- ثم إن العالم اللغوي ليس من يتقن عددا من اللغات "وهو يسمى بالإنجليزية Polyglott وبالفرنسية polyglotteأي "متعدد اللسان" فقد يجيد الإنسان لغات كثيرة ولا معرفة له بشيء عن "اللغة". إن معرفة الفلاح بأصناف من النبات لا تسلكه في زمرة علماء النبات. ووجود كثير من المعادن في أرضنا لا تقتضي بالضرورة أن نكون متقدمين في علم الجيولوجيا والطبيعة. إن إجادة عدد كبير من اللغات ليست غاية علم اللغة، ولا هي غاية من غاياته. نعم، ما من شك في أن المعرفة العلمية بطائفة كبيرة من اللغات ميزة من الميزات، وآلة صالحة، وهي واجبة في جوانب من الدرس اللغوي كالمقارنة بين عدد من اللغات، وكالدراسة التطورية للغة من اللغات. ولكن هذه المعرفة وسيلة من وسائل اللغوي، وليست غاية من غاياته. ومن اللغويين البارزين، من قدماء ومحدثين، من تقتصر معرفتهم على لغتهم الأصلية، أو من معرفتهم بما عداها من اللغات معرفة سطيحة لا تتيح لهم أن يستخدموها استخداما علميا. وأقرب مثال على ذلك من القدماء "الهنود"،

واليونان والعرب" فالهنود قصروا أنفسهم على السنسكريتية واليونان على اليونانية، والعرب على العربية. ولقد كانت دراسة الهنود للغتهم السنسكريتية دراسة وصفية صادقة، ولقد كانت وحيا للمجددين من علماء الغرب، ولا تزال. قد لا يتقن اللغوي غير لغته الأصلية "أي يكون من يسمى بالإنجليزية uni-lingual أي "أحادي اللسان"". ولكنه يستطيع، إن نهج النهج الصحيح الواجب، أن يقدم دراسة لغوية قيمة، فثمة مجال واسع للبحث في اللغة القومية. ولكن ما من شك في أن الباحث الذي يعرض إلى لغة غير لغته، مضطر إلى أن يجيد تلك اللغة، كما أن على من يعرض لدراسة حضارة قوم غير قومه أن يجيد لغتهم. ومما يؤسف له أن كثيرا من الأنثروبولوجيين لا يتقنون لغات من يدرسونهم من الشعوب، ودع عنك الدراية الواجبة بطبيعة اللغة وبطرائق الدرس اللغوي الحديث. ولكن الإحساس بضرورة إتقان اللغات في هذا المجال قد أخذ في الازدياد. قال آلف سمرفلت في مطلع مقاله "الاتجاهات الحديثة في علم اللغة" الذي نشره في مجلة "ديوجين"1: "إن أهمية علم اللغة لفهم الثقافة2 حق الفهم أمر أخذ يحس به من يعرضون لدراسة الحضارات؛ وذلك لأن أي نظام لغوي تعبير عن نظام إدراك جماعة من الجماعات لبيئتها ولنفسها، وإن لم يكن هذا التعبير كاملا. ومن ثم فلا يستطيع أن يفهم حضارة3 ما حق الفهم من يجهل وسيلتها اللغوية في التعبير". جـ- إن ضآلة ذيوع علم اللغة في مواطنه قد حدت ببعض العلماء إلى محاولة تبسيطه وتقريبه من أذهان جمهرة المثقفين، فظهرت المؤلفات من هذا القبيل أكثرها بالإنجليزية والفرنسية. ولا يزال أصحاب هذه الدراسة يدعون إلى مواصلة هذا الاتجاه وتنميته، وإلى توجيه الأنظار بخاصة إلى ما قد ينفع به هذا العلم مناهج تعليم اللغات. والمأمول أن تنتفع هذه المناهج في المستقبل القريب بما أدركه هذا العلم من نتائج بعد قرن من النشاط العلمي الجم الخصيب.

_ 1 Alf Sommerfelt Recent Trends in Gineral Linguistics Diogones Number English Edition pp 64 070 A quarterly pybication of The lntenational Aouncil 2 Culture 3 Ciyilisation

علم اللغة في الشرق الأدبي

علم اللغة في الشرق الأدبي ... 2- علم اللغة في الشرق العربي: هذه هي الحال في البلاد التي جاهدت في سبيل إنشاء هذه الدراسة وتنميتها، والتي أنفقت في ذلك جهدا أي جهد، فما الحال في بلادنا الناطقة بالعربية؟. أ- إن هذه الدراسة في البلاد الناطقة بالعربية لا تزال غريبة على جمهور المتخصصين في المسائل اللغوية، والمنقطعين لها، والمنصرفين إليها. فهم قد يفهمون من دراسة اللغة، دراسة النحو، والصرف أو الاشتقاق ومعرفة الشوارد النادرة، وحوشي الكلام، وتمييز الفصيح من غير الفصيح ومعرفة معاني الكلمات، وتمييز الدخيل من الأصيل، أو الاشتغال بتأليف المعجمات أو غير ذلك مما لا تدعو حاجة إلى استقصائه. 1- وليس شيء من هذا ولا هذا كله، يكوِّن ما تعارف المحدثون في أوروبا وأمريكا وروسيا على تسميته "علم اللغة". من حيث هو علم يرشدنا إلى مناهج سليمة لدراسة أي ظاهرة لغوية، وهو يهدينا إلى مجموعة من المبادئ والأصول متكاملة مترابطة عن اللغة وحقيقتها ينبغي أن تكون في ذهن الباحث اللغوي على الدوام أيا كان موضوع بحثه، إن "علم اللغة" هو وجهة النظر الجديدة، أو "الفلسفة" الجديدة، التي حلت محل وجهات النظر القديمة، و"الفلسفات" اللغوية السابقة. و"علم اللغة" قد تجنب أخطاء جوهرية في "الفلسفات" اللغوية القديمة، وقد قدم مبادئ لم يعد شك في أنها أكمل وأشمل وأصدق وأضبط، واعتمد على وسائل وآلات أدق مرات ومرات من وسائل الأقدمين وآلاتهم. إن "علم اللغة" الحديث، بالنسبة إلى الفهم اللغوي القديم، كعلم الطبيعة أو الكيمياء أو الفلك أو الرياضيات بالقياس إلى نظائرها عند اليونان مثلا. ولكن العجيب في الأمر أننا في درسنا وتدريسنا الطبيعة والكيمياء والفلك والرياضيات لا نجد غضاضة أو غرابة في أن ندرسها وندرِّسها كما هي عليه في أحدث صورها. أما ما كان عند القدماء من ذلك فنحن نعرض له في تواريخ تلك العلوم، أو بغية

الوصول إلى أفكار أو آراء أو فروض أو محاولات موحية خلاقة. فالعلم الجديد، وهو تطور "للعلم" القديم لا يقضي على القديم، إنه يؤرخ له، ولا يزال يستوحيه ويستهديه. وهذا هو الشأن في "علم اللغة" الحديث، إنه، وهو المنهاج الجديد في فهم اللغة ودراستها، يوصي بدراسة جهود الأقدمين، والتنقيب فيها لتأريخها التأريخ الصحيح، ولاستحيائها واستهدائها. 2- أما جمهور المشتغلين بالدراسات اللغوية عندنا فأغلبهم يرفض النظر في هذا العلم الجديد، أو لا يحاول تفهمه، أو يعجب أن ما في يده من علم قد يحل محله علم حادث وافد من "البلاد الغربية" وخيرهم ظنا بهذه الدراسة الجديدة وبالقلة القائمة بها من أبناء العربية يعد علم اللغة أو بعض فروعه، كعلم الأصوات اللغوية "ترفا" علميا لم يؤن الأوان بعد للانغماس فيه أو التطلع إليه! وهكذا فجمهرة المضطلعين بالدراسات اللغوية عندنا لا تزال تدور حول محور قديم، قد تحسن فيه أو تبسط منه، ولكنه ليس محور العصر، وهي بذلك تنكر أو تهمل ثمرات وجهودا وفيرة دانية، إنها في دارستها اللغوية أشبه بالجغرافي الذي ينشئ بحوثه على أساس أن الأرض مسطحة، أو بمشتغل بالمسائل الطبيعية لم تسمع أذناه بقانون الجاذبية، أو الفلكي الذي لا تعدو معرفته معرفة عرب الجاهلية الأولى. 3- إن فهمنا، نحن المتكلمين بالعربية، وجمهرة دارسيها منا، لطبيعة اللغة ووظيفتها وطرائق دراستها، فهم جد متخلف، ومعظم إنتاجنا في الميادين اللغوية قاصر ومقصر، وإنا لنعالج أحيانا مشكلات لغوية خطيرة على جهل بما يراه العلم اللغوي الحديث من البسائط والأوليات. ومن ذلك أن علماءنا يتحدثون عن "تيسير النحو" وعن "تيسير العربية وترقيتها" وعن "إصلاح الكتابة العربية"، وعن "العامية والفصحى"، وعن "التعريب" و"النحت" و"الاشتقاق" ويقضون في كل هذا، ولو كانت لأغلبهم معرفة بنتائج علم اللغة وبشيء من الدراسات اللغوية الحديثة، لكان لهم في هذه الموضوعات العلمية التطبيقية أقضية أخرى أسلم أصلا، وأوضح سبيلا.

ب- 1- نعم لقد سبقت محاولات قليلة مشكورة في مطلع نهضتنا الحديثة، واستمرت، ولا تزال تخطو على وهن، ترمي إلى وصل دارسي العربية بالدراسة اللغوية الحديثة1.

_ 1 من ذلك كتاب "الفلسفة اللغوية والألفاظ العربية" الذي أصدره المرحوم الأستاذ جرجي زيدان في بيروت سنة 1886. وقد حاول فيه أن يعرض شيئا مما كان متداولا بين علماء الغرب في زمنه عن طبيعة اللغة ووظيفتها وطرق درسها. وأن يستفيد بذلك كله في دراسة اللغة العربية مستعينا بما كتبه عنها المستشرقون. وقد عرف الأستاذ جرجي زيدان موضوع كتابه "في مقدمة الطبعة الثانية المزيدة والمنقحة التي ظهرت سنة 1904" بقوله: "وموضوع هذا الكتاب البحث التحليل في كيف نشأت اللغة العربية وتكونت، باعتبار أنها اكتسابية خاضعة لناموس الارتقاء العام" "ص16 من الطبعة الجديدة مراجعة وتعليق د: مراد كامل" والنتيجة التي وصل إليها من هذا البحث هي: "أن لغتنا مؤلفة أصلا من أصول قليلة آحادية المقطع معظمها مأخوذة عن محاكاة الأصوات الطبيعية التي ينطق بها الإنسان غريزيا". "ص17 من الطبعة الجديدة مراجعة وتعليق الدكتور مراد كامل". وقد حدد الأستاذ جرجي زيدان التعديلات والإضافات التي أدخلها على الطبعة الثانية من "الفلسفة اللغوية" بقوله: "وقد أدخلنا في هذه الطبعة تحسينات ذات بال خطرت لنا بعد ظهور الطبعة الأولى وأضفنا إليها فصولا كاملة في أصل الكتابة والطريقة الطبيعية لاختراعها، وأصل الخطوط المعروفة الآن في أقطار العالم المتمدن، وفضلا في كيف تعلم الإنسان العد، وكيف توصل إلى اختراع الأرقام، وأصل الأرقام الهندية وكيف تنوقلت في العالم". ثم طبع الكتاب طبعة ثالثة دون تغيير سنة 1923. وقد أعيد منذ سنوات طبع هذا الكتاب "طبعة جديدة راجعها وعلق عليها" الأستاذ الدكتور مراد كامل أستاذ اللغات الشرقية بكلية الآداب بجامعة القاهرة. "ولا إشارة في الكتاب لسنة الطبع". وكتب جرجي زيدان بعد الطبعة الثانية من "الفلسفة اللغوية" كتابا في "تاريخ اللغة العربية". وكان قد أومأ إلى عزمه على إصدار ذلك الكتاب في مقدمة الطبعة الثانية من "الفلسفة اللغوية" وقال في هذه المقدمة: "وسنشفع هذا الكتاب بكتاب آخر في تاريخ اللغة العربية باعتبار أنها كائن حي نام خاضع لناموس الارتقاء العام، نقصر الكلام فيه على ما لحق اللغة من التنوع والتفرع والنمو والارتقاء في ألفاظها وتراكيبها بعد أن تم تكونها وصارت ذات قواعد وروابط. ينطوي تحت ذلك النظر في ما دخل هذه اللغة من الألفاظ الأعجمية والتراكيب الغربية على اختلاف العصور من الجاهلي فالإسلامي إلى هذا اليوم، ونأتي بأمثلة مما دخلها أو تولد فيها من الألفاظ الإدارية والعلمية والفلسفية والطبية والدينية واللغوية على اختلاف أدوارها" "ص17، 18 من الطبعة الجديدة مراجعة الدكتور مراد كامل". وقد استفاد الأستاذ جرجي زيدان كما استفاد في كتابه "الفلسفة اللغوية" ببعض النظريات اللغوية التي كانت سائدة في أواخر القرن التاسع وأوائل القرن العشرين، وبجهود المستشرقين في دراسة اللغة العربية واللغات السامية. والأستاذ جرجي زيدان سباق بهذين الكتابين كما كان سباقا بكتاباته في تاريخ الأدب العربي وتاريخ الإسلام. وقد خطا علم اللغة خطوات كبيرة منذ تأليف جرجي زيدان كتابيه. أما العالم اللغوي العراقي الأب أنستاس الكرملي، فقد استعان ببعض النظريات اللغوية التي كانت "جديدة" شيئا ما في قلته، في محاولته النهوض بدراسة العربية ولهجاتها، وبالنظر في "اللغة" عامة، وهذا واضح في كتبه وفي مجلة "لغة العرب" التي كان يصدرها.

2- ولقد أسس في مصر سنة ... مجمع للغة العربية جعل من أغراضه: "أن يحافظ على سلامة اللغة العربية، وجعلها وافية بمطالب العلوم والفنون ملائمة لحاجات الحياة في هذا العصر ... "1، و"أن يستبدل بالكلمات العامية والأعجمية التي لم تعرب غيرها من الألفاظ العربية ... "1، وأن يقوم "بوضع معجمات صغيرة لمصطلحات العلوم والفنون وغيرها تنشر تدريجيا، وبوضع معجم واسع، يجمع شوارد اللغة العربية وغريبها، ويبين أطوار كلماتها، كما ينشر تفاسير وقوائم لكلمات وأساليب فاسدة يجب تجنبها"1، وأن يقوم ببحث علمي للهجات العربية الحديثة بمصر وغيرها من البلاد العربية1. ولقد أنفق المجمع منذ إنشائه حتى الآن جهدا كبيرا في تحقيق الغرض الثاني من هذ الأغراض، وقد ركب في هذا متن الشطط والغلو والإفراط في بعض الأحيان. كما شغل بموضوع الخط العربي ووسائل إصلاحه، وقطع شوطا في إعداد المعاجم التي أشار إليها. "الوسيط و ... ". رسم المجمع لنفسه هذه الأغراض السابقة، وهي كلها، فيما عدا دراسة اللهجات، ووضع المعاجم، أغراض عملية. وكلا النوعين لا يتأتى الوفاء به على وجهه الصحيح دون الاستعانة بالحقائق والأصول العامة التي يقدمها "علم اللغة". ولو كانت دراستنا للغة، من حيث هي لغة حية ومتقدمه لكان للمجمع أن يجد الوسائل مهيأة لتحقيق معظم أغراضه العملية، ولكن دراستنا للغة جامدة متخلفة، فالوسائل التي يستعين بها المجمع في معظم الأحوال وسائل جامدة قاصرة، إنها أدوات غير مغنية في عصرنا الغناء الكافي. ولذلك نرى أن مما يعين المجمع اللغوي على تحقيق أغراضه، أن يعمل، أو يعين أولا على نشر، "علم اللغة" بالعربية، وعلى تبسيطه وتقريبه حتى تتضح السبل وتدق وتسلس أمام المفكرين في المحافظة على "سلامة العربية"، وفي تحقيق سائر أغراض المجمع. 3- أما العناية بعلم اللغة وبالدراسات اللغوية الحديثة في الجامعات العربية فهي عناية ضئيلة. ومن مظاهرها ما قام به بعض المستشرقين الذين قاموا بالتدريس في كلية الآداب بجامعة القاهرة. وقد نشأ عن ذلك خلط بين علم اللغة وبين ما يسمونه "فقه اللغة" مريدين به في الأغلب دراسة العلاقات التاريخية بين العربية وبين سائر اللغات السامية، أو دراسة المفردات على أساس تاريخي أو ما قارب ذلك. وقد

_ 1 انظر مجلة مجمع فؤاد الأول للغة العربية ج1، أكتوبر سنة 1934 ص22.

نمى هذا الاتجاه جيل من أساتذة معهد اللغات الشرقية بجامعة القاهرة، وكان اتجاه آخر للتعريف بعلم اللغة وفروعه1، وللقيام بدراسات لغوية على أساس من الفهم الحديث للغة ومن المناهج الحديثة لدراستها.

_ 1 للأستاذ الدكتور علي عبد الواحد وافي، أستاذ علم الاجتماع بجامعة القاهرة سابقا، فضل كبير في الوفاء بهذه الأغراض، وكانت تآليفه في هذه الموضوعات، ولا تزال مصادر سهلة التناول قربت إلى قراء العربية العصي من أمر علم اللغة وفروعه ودراساته. أصدر الدكتور وافي كتابه "علم اللغة" سنة 1941 "المطبعة السلفية القاهرة". وظهرت طبعته الثانية مزيدة ومنقحة سنة 1944 "نشر مكتبة المصرية، مطبعة الاعتماد بالقاهرة"، وطبع للمرة الثالثة سنة 1950 "نشر لجنة البيان العربي"، ثم أعادت لجنة البيان العربي نشره سنة 1956. وفي سنة 1946 أصدر الدكتور وافي كتابه "اللغة والمجتمع" وكان من سلسلة مؤلفات الجمعية الفلسفية المصرية التي يشرف على إصدارها الدكتور علي عبد الواحد وافي رئيس الجمعية والدكتور عثمان أمين سكرتيرها العام "ملتزم الطبع والنشر دار إحياء الكتب العربية، عيسى البابي الحلبي وشركاه القاهرة". وأعادت نفس الدار طبع الكتاب للمرة الثانية طبعة مزيدة ومنقحة سنة 1951. وكان هذا الكتاب، بطبيعة الحال، من جملة المراجع التي رجعنا إليها عند تأليف كتابنا "اللغة والمجتمع: رأي ومنهج" ويؤسفنا أن الإشارة إليه ضمن قائمة مصادر الكتب قد سقطت، وغفلنا عن تدارك ذلك في "صواب الخطأ"، ونحن قد أحلنا القارئ عليه في هامش ص63 من كتابنا ذاك. وفي سنة 1947 أصدر الدكتور وافي كتابه "نشأة اللغة عند الإنسان والطفل" "دار الفكر العربي، الطبعة الأولى". أما الدكتور محمد مندور فقد ترجم، وهو مدرس بكلية الآداب بجامعة الإسكندرية، مقالا للعالم اللغوي الفرنسي الكبير أنطوان مييه Antoine Meillet باسم "منهج البحث في علم اللسان"، وقدم لمكتبة الكلية نسخا منه مكتوبة على الآلة الكاتبة ثم نشر هذا المقال، مع مقال آخر كان ترجمه في نفس الوقت تقريبا لمؤرخ الأدب الفرنسي الكبير لانسون موضوعه "منهج البحث في الأدب"، بعنوان "منهج البحث في الأدب واللغة، دار العلم للملايين، بيروت". وأما الأستاذ إبراهيم أنيس بكلية دار العلوم بجامعة القاهرة فقد أصدر بعد حصوله على الدكتوراه من لندن في علم اللغة سلسلة قيمة من التآليف. كان أول ما أصدره هو "الأصوات اللغوية" نشر مكتبة نهضة مصر بالفجالة، ولا إشارة في الكتاب إلى سنة طبعه. ولكنا نرجح أنه صدر سنة 1947 وقد طالعناه في تلك سنة. وهو أول كتاب مؤلف بالعربية يعرض الموضوع من وجهة نظر العلم الحديث. ثم أصدر للدكتور أنيس كتاب "اللهجات العربية" ولا إشارة في هذا الكتاب كذلك لسنة طبعه "نشر دار الفكر العربي، مطبعة الرسالة". وقد طبعته لجنة البيان العربي طبعه ثانية سنة 1952. ثم أصدر الدكتور أنيس كتابه "موسيقى الشعر". وفي سنة 1951 ظهر كتابه "من أسرار اللغة" "نشر مكتبة الأنجلو المصرية مطبعة لجنة البيان العربي، القاهرة". =

صعوبات في الطريق

3- صعوبات في الطريق: إذا كان لغويو الغرب يشكون ضآلة ذيوع علم اللغة وندرة الإفادة من نتائجه، فأجدر بشكوانا أن تكون الغربة عن هذا العلم برمته. إن علينا أن نتعرف جهد قرن من الزمان، هذا فضلا عن التعرف على الأصول القديمة التي أخذ منها هذا الجهد. وعلينا أن نكتب في هذا العلم بالعربية، فلن يكون لنا "علم اللغة" ما اقتصر المتخصصون على دراسته في أصوله الأجنبية. ولكن كتابة هذا العلم بالعربية، ومحاولة الإفادة منه في الميادين اللغوية العربية، محوجتان إلى فضل جهد، فإن تمثل ما كتب في هذ العلم بلغات الغرب ليس أمرا هينا. أ- ومن أول ما يجابه الباحث العربي في هذا السبيل من صعوبات، وضع مصطلح هذا العلم بالعربية1.

_ = ثم أصدر من بعد كتابه "دلالة الألفاظ" "ملتزم الطبع والنشر مكتبة الأنجلو المصرية، القاهرة. الطبعة الأولى سنة 1958". وقد ظهرت سنة 1950 ترجمة كاملة لكتاب قيم هو "اللغة" من تأليف اللغوي الفرنسي الكبير ج. فندريس J Vendryes Le Langage "مطبعة لجنة البيان العربي، نشر مكتبة الأنجلو المصرية، القاهرة" اضطلع بها الأستاذ عبد الحميد الدواخلي والدكتور محمد القصاص "وكان أولهما إذ ذاك أستاذا مساعدًا بكلية دار العلوم وثانيهما مدرسا بكلية الآداب بجامعة عين شمس". وإن المتصلين بالمؤلفات اللغوية الأوروبية المتخصصة ليدركون ما يعانيه المترجم من مشقه عندما ينقل إلى العربية كتابا كاملا بتفصيلاته الصوتية، والنحوية، والدلالية ... إلخ، وبأمثلته الوفيرة المتلاحقة من عشرات اللغات ... ثم كان جيل أحدث ممن أسلفنا الإشارة إليهم تخصص أكثرهم في علم اللغة أو في أحد فروعه، في لندن، وأكثر هؤلاء يقومون الآن بالتدريس في كلية دار العلوم بجامعة القاهرة "مثل الدكتور تمام حسان والدكتور عبد الرحمن أيوب، والدكتور كمال بشر" أو في كلية الآداب بجامعة الإسكندرية "صاحب هذا الكتاب، والدكتور محمد أبو الفرج". 1 من أمثلة ذلك الاختلاف في ترجمة المصطلحين الأساسيين Consonant "بالفرنسية: Consonne" وVowel "بالفرنسية Voyelle" ترجمهما دكتور إبراهيم أنيس في كتابه "الأصوات اللغوية" "ط. نهضة مصر بالفجالة، نشر مكتبة نهضة مصر بالفجالة" بـ"الساكن" و"صوت اللين". وترجمهما في كتابه "من أسرار اللغة" "مطبعة لجنة صوت البيان العربي سنة 1951، نشر مكتبة الأنجلو المصرية" بـ"حرف" و"حركة" =

_ = ومعروف أن "الحرف" في الاستعمال العربي القديم يصدق على الـ Consonant والـ Vowel كليهما، فكأن كلمة "حرف" هنا تستعمل استعمالا اصطلاحيا جديدا، وعلى القارئ أن يكون على حذر ليميز بين استعمالها مرادا بها لمعنى التقليدي، وبين استعمالها مرادا بها المعنى الجديد ولا سيما في النصوص التي يناقش فيها الكاتب التصورات اللغوية العربية القديمة، فيقع في سياق واحد "الحرف" بمعناه عند سيبويه أو ابن يعيش مثلا، ثم الحرف مقابلا لـ Consonant، و"الحرف" مرة ثالثة مقابلا لـ Vowel وقد يختلط الأمر على المبتدئين من القراء، أو قد يعانون من أمرهم رهقا، وقد يتوهمون أحيانا أنهم أدركوا المراد من الكلام، وهم واقعون في الخطأ. ونحن نعرض هذا المثال من كلام الدكتور إبراهيم أنيس من كتابه "من أسرار اللغة" ص171 بيانا للصعوبة التي على القارئ أن يواجهها: "ويسيطر على نظام المقاطع في اللغة العربية، في رأينا أمران هامان: 1- الحرف المشكل بما يسمى السكون يجب تحريكه بأي حركة حين يقع في وسط الكلام بعد حرف مد. 2- لا يصح أن يتوالى في وسط الكلام حرفان مشكلان بالسكون، أو بعبارة أخرى خاليان من الحركة. وعلى هذا إذا تصادف أن اشتمل الكلام المتصل على حرف مد، وكان ما بعده حرفا مشكلا بالسكون وجب تحريك هذا الساكن، أو إذا تصادف أن توالى في وسط الكلام حرفان خاليان من الحركة وجب تحريك الأول منهما. ولقد برهنت الدراسات الصوتية الحديثة على أن المقطع الصوتي في اللغة العربية يبدأ دائما بحرف من الحروف أي Consonant ففي مقطع مثل: كَ، كِ، كُ نراه مكونا من حرف تليه حركة ... ". نلاحظ أن الكاتب، ليحدد أنه يقصد "بحرف" ما يقابل Consonant، يقيده بقوله "المشكل بالسكون" ولو حذف "القيد" فجرى الكلام هكذا: "الحرف يجب تحريكه بأي حركة ... " لزاد الغموض. هذا فضلا عن أن "المشكل بالسكون" لا يعد فصلا Consonant عن الـ Vowel فالسكون "يشكل" به حرف مثل التاء، أو الباء، أو الكاف. السكون نفسه هو العلامة المميزة "للحركة الطويلة" أو "لحرف المد" أي أنه العلامة Long - Vowel فالزلفات والواوات والياءات الممدودة تشكل في العروض العربي خاصة بالسكون! وقد استعمل الكاتب قيدا آخر "للحرف" ليتضح في ذهن القارئ العربي أن المقصود بـ"حرف" هنا أن يقابل Consonant فوصفه بأنه الخالي من الحركة فقال: "لا يصح أن يتوالى في وسط الكلام حرفان مشكلان بالسكون، أو بعبارة أخرى حرفان خاليان من الحركة". هذا القيد يقرب تصور الـ Consonant إلى ذهن القارئ العربي ولكن حذفه، وحذف القيد السابق، والاكتفاء بكلمة "حرف" فهذا هو المصطلح الذي يراد استعماله استعمالا جديدا توقع في البلبلة. وإحساس المؤلف بهذا، وبأن المفهوم الجديد لم يتضح بعد في ذهن القارئ هو الذي دعاه إلى أن يقول: " ... أن القطع الصوتي في اللغة العربية يبدأ دائما بحرف من الحروف أي Consonant". هذا مظهر من مظاهر الصعوبات التي يواجهها الكاتب والقارئ جميعا عند استعمال "حرف" هذا الاستعمال الاصطلاحي الجديد. وإن المفهوم التقليدي لكلمة "حركة" قد يحول دون تصورها، عندما تستعمل مقابلة لـ Vowel، صوتا أساسيا في الكلام مثل "الحرف المشكل بالسكون" فقد يظل عسيرا على القارئ أن يخلص ذهنه من أن "الحركة" "علامة" أو "عارض" تابع للحرف" الذي هو "الجسم أو "الجوهر"، ولا سيما عندما يطالع في نفس النص عبارة "يجب تحريكه ... ". ثم إن ورود عبارة "حرف مد" بعد "الحرف الـ ... " والـ "حركة" قد يفهم بعض المبتئدين من القراء أن الأصوات الأساسية في اللغة ثلاثة أقسام هي: "الحرف"، و"الحركة" و"حرف المد"، مع أنهما قسمان رئيسيان هما ما يقابل Vowel Consonant. =

_ = أما الدكتور علي عبد الواحد وافي في كتابه "علم اللغة" "الطبعة الثانية، مزيدة ومنقحة، نشر مكتبة النهضة المصرية بالقاهرة، مطبعة الاعتماد بمصر سنة 1944". فقد ترجم Consonans بـ"الحروف الساكتة" أو "الساكنة" أو "الأصوات الساكنة" "ولو أنه لم يلتزم هذه الترجمة في ثنايا الكتاب، فترجم هذا المصطلح في مواضع أخر بـ"الحروف غير المتحركة" وبـ"الأصوات" ليس غير، مما سنشير إليه في الهامش التالي، وترجم Voyelles "وأكثر استعمالاته لهذا المصطلح ولسابقه بصياغة الجمع" بـ"حروف المد" و"أصوات المد" و"أصوات لينة" و"أصوات لين" "حروف اللين" و"الأصوات المدية". نرجئ الحديث عن مدى صلاحية "الساكنة" أو "غير المتحركة" ترجمة لـ Consonnes إلى ما يلي من تعليقنا على استعمال مترجمي كتاب "اللغة" لفندريس لنفس المصطلح بـ"سواكن" "جمع ساكن". ونجتزئ هنا بالإشارة إلى أن مؤلف "علم اللغة" كان يجد نفسه مضطرا في معظم الأحوال إلى تحديد مراده بـ"الحروف الساكنة" بأن يعقب ذلك بقوله بين قوسين "ونعني بها ما عدا أصوات المد" أو "ما يقابل أصوات اللين" وهكذا. ومن أمثلة ذلك قوله في ص128: "تتألف أصول الكلمات في اللغات السامية في الغالب من ثلاثة أصوات ساكنة "أحرف ساكنة "3" مختلفة". وعلق في هامش الصحفة نفسها على قوله: "أحرف ساكنة" بقوله: "الحرف هو ما يرمز إلى الصوت في الكتابة". فاستعمال كلمة أصوات في هذا المقال أدق من استعمال كلمة حروف، ونريد بالساكنة ما يقابل اللينة. "ولكن المؤلف لم يلتزم هذا التمييز بين "حرف" و"صوت". وقوله "في ص211: "1- التفاعل بين الأصوات الساكنة "ونعني بها ما يقابل أصوات اللين". وعبارته في ص213: " ... فيتحول إلى صوت ساكن "ونعني بها ما يقابل أصوات اللين". وقوله في ص214: "وأكثر ما يكون ذلك في الأصوات الواقعة في أواخر الكلمات سواء أكانت الأصوات لين أم أصواتا ساكنة "ونعني بالساكنة ما عدا أصوات اللين". ولكن المؤلف لا يلتزم إيراد هذا التفسير في جميع الحالات. ومن ذلك قوله في ص130: " ... بل تختلط فيه الأصوات الساكنة باللينة". أما الأستاذان عبد الحميد الدواخلي، والدكتور محمد القصاص فقد ترجما Consonne و Consonan toyelle بـ"ساكان" "ج. سواكن" و"حركة" "ج. حركات"، وذلك في عملهما الجليل الشاق المشكور، الذي خدما به الدراسات اللغوية العربية أيما خدمة، والذي لم ينتفع بها دارسو اللغة عندنا حق الانتفاع، وهو ترجمة كتاب Le Langage "اللغة" للعالم الفرنسي الكبير J Vendryes ج. فندريس "مطبعة لجنة البيان العربي سنة 1950 القاهرة. نشر مكتبة الأنجلو المصرية". وقد التزما هذه الترجمة فيما يبدو في ثنايا الكتاب كله. ومعنى هذا أنهما أعطيا "الساكن" مفهوما جديدا غير المفهوم العربي، "فالساكن" في النحو العربي كما ذكرنا يطلق على مثل نون "من" ويطلق في الوقت نفسه على مثل ألف "ما" أي أن الساكن في النحو العربي يقابل Consonne أحيانا، ويقابل قسما من الـ Voyelle "هو ما يسمى في النحو العربي "الحركة الطويلة أو "حرف المد واللين". وهذا الاستعمال يخلق نفس الصعوبات التي يخلقها "الحرف" بالمعنى الجديد، عند مناقشة التصورات العربية القديمة فنضطر إلى استعمال "الساكن" بهذا المعنى أو بذاك من معنييه التقليديين، وإلى استعماله بالمعنى الجديد في سياق واحد، وقد يقع في السياق كلمة "متحرك" و"حركة" و"المتحرك" بالمعنى التقليدي، هو بعبارة الأستاذين الدواخلي والقصاص "ساكن" وليته "حركة". =

_ = ومع أن كتاب فندريس لا تعرض فيه أمثال هذه النصوص العربية التي توقع في الإشكال فبعض استعمالات هذين المصطلحين الجديدين في الكلام تبدو مرهقة للقارئ المبتدئ. ومن ذلك قول المترجمين الفاضلين "ص51": "لقد افترضنا حتى هنا بقاء الشفتين والحنجرة في حالة سكون عند إصدار الساكن. لذلك لم نحصل إلا على سواكن صامتة يعني مجردة من الصوت Simmloss Unvoiced" Voix كما يقول الإنجليز والألمان ... ". فكلمة "سكون" هنا ليس لها صلة بالمعنى الاصطلاحي الجديد لـ"الساكن" كما استعمل في هذا النص نفسه. فالمراد بالسكون هنا هو عدم تحرك الوترين الصوتيين بالحنجرة أي عدم تذبذبهما تذبذبا يحدث نغمة موسيقية. ومما يزيد من صعوبة هذا النص العربي ترجمة Voix بـ"الصوت"، و"الصوت" هي التي ترجم بها المترجمان كلمة Son. ومعروف أن Voix في هذا السياق لا تعني الصوت الإنساني، إنما هي مصطلح يعني تذبذب الوترين الصوتيين تذبذبا منغما، وخير ترجمة لها هي "الجهر" التي استعملها سيبويه في وصف الأصوات العربية، والتي استعملها المترجمان في سياق آخر "ص52 من الترجمة". ووصف كلمة "سواكن" بأنها "صامتة" "ترجمة لكلمة Sourdes" زاد من تعقيد النص العربي بالنسبة للقارئ المبتدئ. وكان خيرا أن توصف هذه السواكن بـ"مهموسة" "وهو الاصطلاح الذي استعمله سيبويه، والذي استعمله المترجمان في مواضع أخر "ص52 س4 مثلا". على أن في هذا النص الذي نناقشه خطأ آخر عارضا، يوقف من له معرفة بالأصوات اللغوية وطرائق تكوينها؛ إذ يدرك أن "بقاء الشفتين والحنجرة في حالة سكون" لا يتفق مع النتيجة المقررة بعد كلمات وهي "لذلك لم نحصل إلا على سواكن صامتة". ذلك أن من المعروف أن مما يدعوه المترجمان "سواكن صامتة" Consonnes Sourdes ما يكون لوضع الشفتين أثر أساسي في تكوينه "مثل P". وقد راجعنا الترجمة على الأصل الفرنسي فوجدنا أن ما ترجمه الأستاذان عبد الحميد الدواخلي، ومحمد القصاص بـ"الشفتين والحنجرة" هو: Les leves de la glotte أي "شفتي فتحة الحنجرة" فالوتران الصوتيان بالحنجرة هما في الواقع أشبه بالشفتين. خداع النظر هو الذي أدى بالمترجمين إلى قراءة الأصل كما لو كان مثلا Les levres la glotte وهذا هو الأصل الفرنسي لذلك النص الذي أثار هذه المشكلات جميعا: Nous avons suppose jusou ice que Pendant L emission de la Consonne Les levres de la glotte restaient immobiles Aussi navons nous obtenu que des consonnes sourdes Cest a dire depourvues de VOlX unviiced Stimmlos comme disent les anglais et les allemands عن ص29 من طبعة سنة 1950 من كتاب. J Verdryes le Langage lntroduction Linguistique A L Histoire Editions Albin Michel 22 Rue Huyghens paris "XlVE" lmprimerie Bussiere a Saint Amand "Cher" France 1 9 1950 أما الدكتور محمد مندور فقد ترجم Consonne و Voyelle - في المقال القيم الذي كتبه العالم اللغوي الكبير أنطوان مييه Antoine Mieillet - بالصوت "الصامت" والصوت "الصائت". =

إن هذا العلم يتضمن تصورات لم تقدم في أذهان لغويي العرب، وقد لا يصلح للتعبير عنها مصطلحات عربية رسخت دلالاتها وتبلورت، وقد يكون من الخير تجنب استعمالها حتى لا يختلط معناها الأصيل بالمعنى الحديث الذي يراد بها أن تدل عليه. سيضطر الباحث العربي إلى وضع بعض المصطلح الجديد، وقد يحتفظ أحيانا بالمصطلح الأجنبي حتى يحين الوقت -بعد الإكثار من التأليف ومدارسة أصول هذا العلم الجديد وفروعه- لظهور مصطلح عربي أصيل سائغ. وإن الاطلاع على ما كتب بالعربية تعريفا بهذا العلم، وهو جد قليل لشاهد بمدى الصعوبة التي يعانيها الكاتب والقارئ جميعا في هذا المجال، فقد اختلف المؤلفون والمترجمون، وهذا طبيعي ومتوقع، في المصطلحات الدالة على معان واحدة1، حتى إن المطلع المبتدئ ليقع في البلبلة والحيرة والاختلاط. وقد اضطرب بعض المؤلفين والمترجمين فترجم المصطلح الأوروبي بلفظ معين مرة، ثم ترجم المصطلح نفسه مرة أخرى في نفس الكتاب بلفظ آخر2.

_ = ونحن نؤثر هذه الترجمة على سواها، وقد اتبعناها في كتابنا "اللغة والمجتمع: رأي ومنهج" وفي هذا الكتاب؛ لأنها بابتعادها عن المصطلحات العربية التقليدية توفر كثيرا مما أشرنا إليه من مشكلات ولبس وإبهام، وتيسر للباحث الحديث في الوقت نفسه، عندما يؤرخ التصورات اللغوية العربية القديمة، أن يقومها في ذاتها، وأن يقارن بين التصورات الجديدة في عبارة بينة دقيقة. 1 انظر الهامش السابق. 2 ومن ذلك ما أشرنا إليه في الهامش السابق من ترجمة الأستاذ علي عبد الواحد وافي في كتابه "علم اللغة" للفظ consonnces بـ"الحروف الساكنة" "أو الأصوات الساكنة" مرة وبـ"الحروف غير المتحركة" مرة أخرى، وبـ"الأصوات" ليس غير. قال في ص180،181: " ... فالآرامية حوشية الأصوات، صعبة النطق، تلتقي في كلماتها المقاطع المتنافرة والحروف الساكنة. والعربية عذبة الأصوات، سهلة النطق، خفيفة الوقع على السمع، تقل في كلماتها الحروف غير المتحركة، ولا يكاد يجتمع في مفرداتها ولا في تراكيبها مقاطع متنافرة، ولا يلتقي في ألفاظها ساكنان. "هذا سياق واحد ترجمت فيه كلمة consonnes بأكثر من صورة! " ومن ترجمة الأستاذ وافي لهذا المصطلح بـ"الأصوات" ليس غير قوله في 218: "والأصوات الصامتة consonnes sourdes p t k الواقعة بين صوتي لين قد تحولت في اللاتينية الحديثة حوالي القرن السادس إلى أصوات مدوية consonnes sonores قريبة منها b d g etc"

ومنهم من ترجم مصطلحين مختلفين بلفظ واحد1. ومنهم من دل بمصطلح عربي قديم محدد المعنى على تصور جديد، وربما استعمله بحيث لا يتبين

_ 1 من ذلك ما صنعه مترجما كتاب "اللغة" لفندريس من ترجمة Les morphemes أحيانا بـ"الأصوات"، و"الأصوات" هي الترجمة المعهودة والتي اتبعاها في نقل les sons. ومن أمثلة ترجمتها les morphenes بـ"الأصوات" قولهما في العنوان الفرعي للجزء الثاني من الكتاب وهو الخاص بالنحو "الكلمات والأصوات" "ص104" والمقابل الفرنسي لهذا هو Mots et-Morphemes وذلك في ص86. ومن أمثلة هذا كذلك قولهما في ص155: "بعد ذلك يجب أن نبعد الأصوات. فإن عددا كبيرا من "أجزاء الكلم" في نحونا ليس شيئا آخر". و"الأصوات" هنا كلمة مضللة لأن المقصود بها في الأصل "المورفيمات" "أو "دوال النسبة" كما آثر المترجمان أن يترجما les morphemes في أكثر المواضع التي يعرض فيها هذا المصطلح" وهي تصور نحوي لا مقابل له في النحو العربي وقد يكون عنصرا صوتيا، وقد يكون غير ذلك، وهو ما وضحه فندريس نفسه في الجزء الخاص بالنحو "ص104-112" وما سنشير إليه في كلامنا عن النحو، والأصل الفرنسي للجملة العربية التي استشهدنا بها هو قول فندريس "pp. 136-137". ll faut en suite mettre a part les morphemes Un bon nombre des parties du dis cours de notre grammaire ne sont pas autre chose ومما يسهل على القارئ العربي الوقوع في الخطأ بتصديق أن "الأصوات" في المثالين اللذين أوردناهما، وفي سواهما إن وجد لها نظير أو أكثر، المراد أن يقابلا les morphemes لا ses sons كما يريد مؤلف الكتاب وكما يتقضي السياق عند ذوي النظر، أن المترجمين عندما وردت كلمة morphemes للمرة الثانية في الفصل الأول من الجزء الخاص بالنحو ترجماها بـ"دوال النسبة" وأوردا بعد المصطلح العربي المصطلح الفرنسي بالحروف اللاتينية، وهذا من المرات القلائل التي يوردان فيها المصطلح الفرنسي، فإذا وجد القارئ العربي أن عنوان هذا الفصل نفسه هو "الكلمات والأصوات"، لم يدر بخلده أن المترجمين يقصدان بالأصوات في هذا العنوان ما عبرا عنه بعد في صفحة ونصف وما تردد من بعد "انظر خاصة ص105-112" بقولهما "دوال النسبة". وأما أمثلة ترجمة الأستاذ عبد الحميد الدواخلي، ومحمد القصاص لـ Les sons "الأصوات" وهي الترجمة المعهودة المقبولة لهذا المصطلح فنكتفي منها بالإشارة إلى الجزء الأول من الكتاب "ص43" وهو "الأصوات" ومقابله في الأصل الفرنسي ورد في ص21 "Les Snos "P 21. ومن أمثلة ترجمة مصطلحين مختلفين بلفظ واحد ما يصنعه نفس المترجمين في نفس الكتاب ترجمة كلمة desinence في أغلب الأحوال بـ"لاصقة" "ج لواصق. انظر مثلا ص111 س5 وقابله بما ورد في ص92 من الأصل الفرنسي" وترجمة affixe بـ"لاصقة" كذلك "ص114 س1 من الترجمة العربية ص 95 من الأصل الفرنسي". ولما اجتمعت الكلمتان الفرنسيتان معطوفتين ترجما جمع الأولى بـ"العلامات"، وجمع الثانية بـ"اللواصق" "ص113 س10، س11". " ... لم يبق علينا إلا النظر في اختلاف الحركات واللواصق والعلامات" وهذا هو الأصل الفرنسي لهذه الترجمة، وقد ورد في ص94. =

القارئ المقصود من الكلام، وخاصة عندما يرد في نص واحد المصطلح العربي مرادا به المعنى القديم، ونفس المصطلح مرادا به المعنى الحديث، دون أدنى تنبيه من الكاتب1.

_ = 333 il ny a plus a tinir compte que des variations de voyelles et des affixes et desi nences. ومما زاد من صعوبة متابعة الترجمة العربية في الفصل الأول من الجزء المفرد للنحو على وجه الخصوص "انظر مثلا ما بين ص106، ص115" استعمال "لاحقة" و"لاصقة" و"زائدة"، "علامة"، وجمع هذه الكلمات، استعمالا غير واضح التحديد. وبالرجوع إلى الأصل الفرنسي ظهر لنا أن desincnce فضلا عن ترجمتها بـ"لاصقة" وبـ"علامة" قد ترجمت بـ"زائدة" "ج. زوائد" كما في ص106 س12 "الأصل الفرنسي ص87" وفي ص109 س3 "الأصل الفرنسي ص90" وفي ص113 س3 "الأصل الفرنسي ص44" وظهر لنا أن "زائدة" قد استعملت كذلك ترجمة لكلمة augment "ص113 س2 والأصل الفرنسي ص94 ص115 س9 من أسفل والأصل الفرنسي ص97". وربما كان الأفضل أن تترجم desinence بـ"خاتمة" "جمع "خواتيم" وخاتمات" لتتميز في العربية من ترجمة augment "التي نفضل ترجمتها بـ"لاحقة" ج. لواحق". ويسهل تصور هذين العنصرين وسواهما أن نقول إن عددا كبيرا من كلمات اللغة الهندو - أوروبية يتكون من ثلاثة عناصر أو أكثر، والعنصر الأول هو "الأصل" أو "الأرومة" "racine بالفرنسية و root بالإنجليزية" والعنصر الثاني لاحقة أو أكثر؛ والعنصر الثالث "خاتمة" desinence "بالإنجليزية desinence". إن "الأصل" يعطي المعنى العام للكلمة، و"اللاحقة" تعدل أو تخصص ذلك المعنى، أما "الخاتمة" فهي تبين علاقة الكلمة بسائر الجملة، أو تحدد الشخص، أو النهاية المحددة لزمن الفعل. إلخ. "انظر في تفصيل هذا: T Hudson Williama A Short lntroducation to the study of Comrparative Gram mar "lndo European" pp 43-46 1 ومن ذلك ترجمة كلمة morphologie "بالصرف" أو "النظام الصرفي"، morphologique بـ"صرفي" أو "صرفية". والتصور الذي يعبر عنه هذا المصطلح تصور لا يطابقه، أو يماثله، أو يقرب منه تصور عربي، وقد لاحظت أن ترجمة هذا المصطلح بالمصطلح العربي القديم، مرادا به معنى جديد، تعوق كثيرا من الطلاب على إدراك هذا التصور الذي نسعى إلى إدخاله في دراستنا اللغوية الحديثة. وهذا مثال من ترجمة الأستاذين عبد الحميد الدواخلي. والدكتور محمد القصاص لكتاب اللغة لفندريس. قالا في ص108: ونجد في تبادل الحركات في اللغات الهندية الأوروبية أو في السامية خير الأمثلة لتوضيح هذه الفصيلة. لسنا هنا نضيف عنصرا صوتيا إلى دالة الماهية ليخلع عليها قيمة صرفية. بل يكتفي في الإشارة إلى دور دالة الماهية الصرفي بالعناصر الصوتية لهذه الأخيرة نفسها. فالإنجليزية تقابل بالجمعين men و feet المفردين man "رجل" foot "قدم" ... فالاختلاف الذي بين هذه الصيغ اختلاف في جرس الحركة الذي يلعب على هذا الوضع دور دالة النسبة؛ إذ إنه وحده يشير إلى قيمة الكلمة الصرفية". وقالا في 109: "دور النغمة هذا يلفت نظرنا إلى أن اللغات الهندية الأوروبية كانت، لثرائها بناظمها الصرفي، تملك وسائل شتى للتعبير عن الروابط التي بين الكلمات وعن دور الكلمة في الجملة". وهذا النص من ص126: "تصنيف الفصائل النحوية عمل من أعمال الصرف العام الذي لا يزال حتى الآن ينشد من يقوم بعمله".

ب- ومن الصعوبات التي على الباحث العربي أن يذللها، إزالة "الأوهام" الراسخة في عقولنا نتيجة دراستنا لجوانب من النشاط اللغوي العربي القديم. وهذا عمل خطير شاق قد لا يأتي إلا بعد تقويم الدراسات اللغوية العربية بأسلوب جديد، وإلا بأن يكون عرض أصول علم اللغة الجديد عرضا يجمع إلى الدقة والصحة الوضوح والبيان، وإلا بالنص على الفروق بين التصورات المختلفة للغويين، وإلا بسوى ذلك من أمور. ومن هذه الأوهام: 1- أن القارئ العربي سيشرع في قراءة هذا العلم الجديد، وفي ذهنه "مسلمات" لا يسلم بها هذا العلم. ومن هذه "المسلمات" ما يمس جوهرية "كأقسام الكلام"، فالكلمة عندنا "اسم" أو "فعل" أو "حرف"، ونحن نرى أن هذا التقسيم عقلي عام، بمعنى أنه صادق على جميع اللغات ماضيها وحاضرها ومستقبلها1. ولكن الدراسة اللغوية الحديثة ترى أن هذا التقسيم لا يتصف بصفة "العموم". وترى أن المرجع في تقسيم الكلمة هو اللغة موضوع الدرس، فقد لا يصدق على لغة ما يصدق على أخرى، أي أن تقسيم الكلمة ينبغي أن تحدده

_ 1 انظر كتب النحو العربية في تعريف الكلمة. ونحن هنا ننقل نصا شائعا لابن هشام الأنصاري المصري "المتوفى سنة 761هـ". عن كتابه "شرح شذور الذهب" "تحقيق محمد محيي الدين عبد الحميد، نشر وطبع المكتبة التجارية الكبرى بالقاهرة لصاحبها مصطفى محمد، سنة الطبع غير مذكورة، ص6". قال ابن هشام يشرح قوله في المتن إن الكلمة اسم وفعل وحرف: "قلت: الكلمة جنس تحته هذه الأنواع الثلاثة لا غير، أجمع على ذلك من يعتد بقوله، قالوا: ودليل الحصر أن المعاني ثلاثة: ذات، وحدث، ورابطة للحديث بالذات فالذات الاسم، والحدث الفعل، والرابطة الحرف، وأن الكلمة إن دلت على معنى في غيرها فهي الحرف، فإن دلت على زمان محصل فهي الفعل، وإلا فهي الاسم". ثم أورد ابن هشام عقب هذا مباشرة قول ابن الخباز الذي ذهب إلى انقسام الكلمة إلى اسم وفعل وحرف ليس قاصرا على اللغة العربية، بل هو ماثل في جميع اللغات لأن الأساس الذي قام عليه هذا التقسيم أساس "عقلي". ولما كان ذلك كذلك فاللغات في هذا سواء، أي أن الكلمة في أي لغة من اللغات جنس تحته هذه الأنواع الثلاثة: الاسم والفعل والحرف. قال ابن هشام "ص6": "قال ابن الخباز: ولا يختص انحصار الكلمة في الأنواع الثلاثة بلغة العرب؛ لأن الدليل الذي دل على الانحصار في الثلاثة عقلي، والأمور العقلية لا تختلف باختلاف اللغات".

طبيعة الاستعمال اللغوي في كل لغة، لا أن يبدأ درس لغة من اللغات بالبحث عما فيها من "اسم" و"فعل" و"حرف"1. 2- ومن أخطر ما رسخ في عقولنا عدم التمييز بين الدراسة الوصفية والدراسة التاريخية للغة. ونحن نعتز بعربيتنا اعتزازا يخيل إلينا أنها لم تتغير منذ أن نزل القرآن الكريم، أو أنها لم تتغير إلا في أقل القليل، فنحن في دراسة مسألة ما قد نستشهد بشاهد جاهلي إلى جوار شاهد من صدر الإسلام، وإلى جوار شاهد عباسي وهكذا. ونحن في حاجة إلى أن نتقبل أن اللغة العربية "الفصحى" في حياتها الطويلة الخصبة، مع محافظتها البالغة بوجه عام، قد طرأت عليها تغيرات في هذا الجانب أو ذاك، وأيا كان كنه هذه التغيرات، فهي في نظر العلم "تغيرات" يجب أن تدرس دراسة موضوعية منزهة من الأهواء. والغريب في الأمر أننا ندرس "الدخيل" و"المولد" ونتحدث عن "غريب" القرآن الكريم والحديث الشريف، وعما فيها من كلمات أجنبية الأصل، وعن "تحضر" الكلام العربي، و"رقته" في بعض العصور، وعن "أساليب" عفى عليها الزمن فلم نعد نستعلمها، ونتحدث في تاريخ الأدب العربي عن الأطوار التي مر بها "أسلوب" الشعر، وعن تلك التي مر بها "أسلوب" النثر، ولكنا مع ذلك كله نحجم عن أن نقرر ذلك الحكم العام، وهو حكم بديهي صادق، رضينا أو لم نرض، ألا وهو أن اللغة العربية قد أصابها منذ نزول القرآن الكريم، حتى أيامنا هذه، تغيرات في هذا الجانب من جوانبها أو في ذاك. ونرى أن في هذا خطرا على لغتنا التي يجب علينا أن نصونها صونا للقرآن الكريم.

_ 1 انظر الفصل الخاص "بأقسام الكلام" Parts of Speech في كتاب أوتو يسير سن "فلسفة النحو". Otto Jespersen The philosophy of Grammar London George Allen and Unwin Ltd pp 58 71 "Reprinted 1948". وانظر في كتاب "اللغة" لفندريس ترجمة الأستاذين الدواخلي والقصاص، الفصل الذي عنوانه "الأنواع المختلفة للكلمات" من ص155-181. وانظر شيئا من التفصيل في هذا الموضوع عند الكلام على "الفلسفة اللغوية" في الباب الخاص بـ"موضوع علم اللغة" من هذا الكتاب.

ولغة القرآن الكريم مغايرة منذ نزولها للغة العرب، لم تكن كلغة الشعر الجاهلي، ولم تكن شبيهة بكلام خطباء العرب وكهانهم ولم يشبهها فيما بعد ذلك من زمان كلام من الكلام. إن "التغيرات" التي أصابت الكلام العربي الفصيح لم تصب أصول التركيب اللغوي في كثير، فلن يضر رصدها وتسجيلها المحافظة على كتاب الله العلي القدير، ولا على آثارنا الأدبية والفكرية. بل إن رصدها فضلا عن كونه واجبا علميا، سيوسع آفاق فهمنا للغتنا وتاريخها. وإن الفهم الصحيح للغة وتاريخها، من أولى الخطوات اللازمة عند النظر في "صونها" أو "الارتقاء" بها، أو "تطويعها" لتجاري مقتضيات العصر الحديث وحضارته. إن الملاحظة الصوتية لنقل الكلام العربي الفصيح كما يتمثل في الأقطار العربية المختلفة لحاكمة بأن نطقه في مصر يختلف عن نطقه في العراق، ونطقه في العراق يغاير نطقه في ليبيا أو تونس أو الجزائر أو المغرب. إن دراسة وجوه الخلاف في نطق الكلام العربي الفصيح في الأقطار العربية المختلفة ليس يعني بحال من الأحوال الدعوة إلى تفتيت "الوحدة العربية" أو إلى إضعافها. وأعجب ما في الأمر أنا لا نتخذ ما بين العرب من خلافات في هيئات الجسوم وسمات الوجوه، ولا نتخذ ما بين بلداتهم من خلافات في الأجواء والأنهار والأرضين، ولا ما بينهم من خلافات في الأزياء والمآكل والمشارب والزينات، نحن لا نتخذ ذلك كله أو شيئا منه مبررًا للحكم على من يجهر به بأنه "رجعي" أو "استعماري" أو "ضيق الأفق"!. ولكن أكثرنا لا يقبل التصريح بظاهرة يسيرة صادقة فيما يتعلق بكلام العرب! ويتصور أن هذه الملاحظة وأشباهها "ستقضي" على العربية شر قضاء، أو ستصيبها بجرح بليغ، ولا يدري أنه بذلك يحكم على نفسه بأنه يجهل كيف تحيا اللغات وتتطور.

ولو قال قائل: إن أوجه الخلاف بين الكلام العربي الفصيح في الأقطار العربية المختلفة لا تقتصر على خلافات في النطق "من حيث مخارج بعض الأصوات، ومواضع "الارتكاز" و"النبر" إلخ.." بل تتسع حتى تشمل المفردات والعبارات، لكان ما يواجه به من هجوم أقسى مرات ومرات مما يواجه به صاحب القول الأول1.

_ 1 إن النظر في لغة الصحافة العربية لكفيل ببيان أوجه الخلاف بين البلاد العربية المختلفة في تسمية بعض المسميات، وفي استعمال تركيبات خاصة. ومن هذه المسميات والتركيبات ما يدرك القارئ العربي، من غير أهل البلد صاحبة الجريدة أو المجلة، معناه لأول وهلة، ومنه ما قد يدرك معناه على وجه من وجوه التقريب، ومنه ما يحتاج في إدراك معناه إلى عون من أهل البلاد أو مشاركة في حياتهم. ومن أمثلة هذه المفردات استعمال لفظ "الجامعة" في تونس بمعنى "الرابطة" أو "النقابة" العمالية. وقد روى لي نفر من طلبتي بكلية الآداب والتربية "بالجامعة" الليبية -وكنت منتدبا للتدريس بها- أنهم كانوا في مرة في رحلة "جامعية" إلى تونس وكانوا يركبون "حافلة" الجامعة" أي "أوتوبيس" الجامعة" وكان مكتوبا على الحافلة "الجامعة الليبية" فكان كثير ممن يستقبلهم من أهل تونس يظن أنهم "نقابة" من نقابات العمال الليبيين. ويستعمل التونسيون كذلك "الفلاحة" بمعنى "وزارة الزراعة". وهذه مفردات عراقية تستعمل في الفصحى بما لا نستعمله في مصر، ومنها ما لا نكاد نستعمله الآن. وقد جمعتها من مناقشاتي مع صديقي العراقيين الأستاذ الدكتور جميل سعيد، والدكتور يوسف عز الدين: "محاسب" في العراق عندما يقال "محاسب الكلية" هو نظير "معاون" الكلية في مصر، أما "معاون" الكلية في العراق فتعني مساعد عميد الكلية. "ملاحظ" تدل في العراق على رئيس الكتاب في أي موسسة حكومية. "الجابي" وجمعها "الجباة" تقابل في العراق "الكمساري" في مصر. "البرق" العراقية نقول عنها في مصر "التلغراف". "رزمة" يستعملها العراقيون بمعنى "طرد" يرسل بالبريد "وجمعها "رزم". ويقولون "دائرة" الرزم، فالدائرة عندهم تستعمل مقابلة لقسم من أقسام "مصلحة" حكومية وما أشبه. و"الصف" في العراق، كما هو الحال في سوريا، بمعنى السنة الدراسية، ولما قامت الوحدة بين مصر وسوريا بدئ في توحد الكثير من المفردات والمصطلحات، فأخذت كتب وزارة التربية والتعليم التي تطبع في القاهرة تقول: "تلاميذي الصف الخامس" وكانت قبلًا تقول: "تلاميذ السنة الخامسة". وإذ قيل: "معلم" في العراق أدرك السامع أن المقصود من يقوم بالتعليم في المدارس الابتدائية، أما إذا قيل: "مدرس" فهو يدرك أن المقصود مدرس بالمدرسة الثانوية. و"الماعون" في العراق، وجمعها "المواعين" بمعنى "الطبق". و"اللبن" تعني اللبن "تخثر"، أما اللبن المحلوب فهو "الحليب" ونحن في مصر ندل على "الحليب" بالحليب أو اللبن. "والاستعمال العراقي هو السائد في ليببا". ويستعملون "خائر" بمعنى "لبن زبادي" "والأكثر في الاستعمال الكتابي أن يدلوا عليه بـ"لبن" أما "خائر" فهي زيادة للتدقيق". و"العلبة" في العراق تطلق على الآنية الخشبية التي يخثر فيها اللبن، ولا تطلق على "علبة" من صفيح "كما نستعملها في مصر" وتطلق على علبة من الورق المقوي فيقال: "علبة" سجائر كما تقول في مصر. =

ونسي هؤلاء أن معرفة هذه الأوجه الخلافية خطوة أولى في سبيل التعريف بها تيسيرا على أبناء العربية في مختلف أقطارها، وقد يؤدي هذا التعريف إلى التقريب أو التوحيد. 3- ومن أخطر ما هو راسخ في أذهان الناشئة من دارسي اللغة عندنا، تصور "العامية" أو "العاميات" تصورا يكتنفه الخطأ أو يلابسه الوهم، فالعامية عندنا "منحطة" أو صورة فاسدة من الكلام العربي "الفصيح" "الصحيح". ولقد يشتد الوهم بجماعة منهم فيرى أنها لا تجري على "قواعد" أو أصول، ولا يسهل عليه أن يتصور أنها باعتبارها "لغة" كأية لغة يمكن الكشف عن قواعدها، ووصف حقائقها، وأن في حيز الإمكان أن تصبح لهجة من اللهجات "العامية" "لغة عامة مشتركة"، أو "لغة أدبية فصيحة" في يوم من الأيام. ومعنى هذا أن مفهوم العلاقة بين "اللغة" و"اللهجات". ومفهوم تطور اللغات لا يزالان غريبان على أذهان كثير من طلابنا. 4- ومن الأوهام العظيمة المتمكنة في أنفس الغالبية من طلاب اللغة عندنا، عدم التفريق بين "النحو" وبين "اللغة" التي يدرسون نحوها، حتى إن معظمهم ليظن أن العربية الفصحى هي هذا النحو، أو أن العرب كانوا فصحاء لأنهم كانوا قادرين على أن يتكلموا هذا الكلام "المعرب" "الفصيح" و"الصحيح" دون دراسة للنحو!.

_ = أما كلمة "ثوب" "وجمعها "ثياب" فهي تدل في العراق على صنف من الثياب هو "القميص الإفرنجي". و"نداف" جمعها "ندافون" وتجمع في العامية العراقية على "نداديف" بمعنى "منجد" "الصانع الذي يضرب القطن ويصنع "المراتب" و"المخدات" ... إلخ". ويدلون على "الجزار" في العراق بكلمة "قصاب" "والأكثر في مصر أن نستعمل اللفظ الأول، أما الثاني فقد يقتصر استعماله على الكتب المدرسية وما شابهها". و"العلوة" بمعنى سوق الخضراوات والفواكه. يقولون: امتلأت "علاوي المخضرات" ويقولون: "علاوي الحنطة والشعير"، أي محلات بيع الحنطة والشعير وخزنها. ويقصدون بقولهم: "مخضر" "وجمعها "مخضرات" ما ندل عليه بقولنا: "خضار". و"الرقي" في العراق هو ما نسميه في مصر "البطيخ" يقولون: اشتريت رقية أو ثلاث رقيات، أما البطيخ فيستعملونها لما نطلق عليه في مصر "الشمام". ومن أمثلة التركيبات اللغوية الخاصة التي يستعملها في لغة الكتابة قطر عربي، ولا يستعملها آخر ما لاحظته في صيغة الدعوات إلى حضور الحفلات والاجتماعات في ليبيا. يقولون مثلا: "نتشرف بدعوتكم لحضور حفل الشاي الذي يقام على شرف الأستاذ ... عند الساعة ... ". ونحن في مصر نكتب بدل "على شرف"، "تكريما" أو "احتفالا" ... إلخ بدل "عند الساعة ... ". وقد يكتبون أحيانا، "على الساعة ... " "في الساعة".

وإنهم ليقدسون النحو قدسية بالغة، فلو أخبرتهم أن هذا "النحو" كان من الممكن أن يتخذ صورة أخرى لو أنه كان قد أقيم على أسس أخرى، وأنه قد يأتي عالم فيضع للعربية "نحوا" جديدا يغاير هذا النحو المألوف الذي نتدارسه لاختلط عليهم الأمر ولم يحسنوا إدراكه. فلا بد من أن نظهر لهم أن آية لغة من اللغات أو لهجة من اللهجات، أو أية صورة من صور الكلام الذي تستعمله جماعة من الجماعات "منظمة" بطبعها، تحتوي على "قواعد" خاصة بها، وأن مهمة اللغوي أو النحوي أن يصف هذه اللغة أو اللهجة أو هذه الصورة من صور الكلام، مهمته أن يكشف عن حقائقها و"قواعدها"، أن يدرك ويقرر طرق إصلاحها. ولما كان اللغوي أو النحوي واصفا محللا دارسا لشيء منظم بطبعه، جاز أن يختلف تقرير هذا الوصف والدرس والتحليل من عالم إلى عالم، حسب الأسس التي يقيم عليها كل درسه، والمناهج التي يتبعها، والوسائل التي يصطنعها، فـ"النحو" وكثير غير النحو من وجوه دراسة لغة من اللغات وصف لجانب من جوانب هذه اللغة، أو محاولة للوصف. ولو ضربنا مثلا من عالم الطبيعة قاصدين التقريب والتوضيح لا التشبيه والتمثيل لقلنا أن "المجموعة الشمسية" تسير على نظام معين منذ الأزمان القديمة، فهي "منظمة" في ذاتها، ولو عجزنا نحن عن إدراك هذا النظام فليس معنى هذا أنها غير منظمة، ولو اتضح لنا بعد زمن أن في وصفنا لهذا النظام وتقريرنا لحقائقه خطأ أو أخطاء، فليس يعني هذا، ولا ينجم عنه بالضرورة، أن نظامه قد أصابه الاختلال، وعراه الخطأ. إنها شيء منظم بطبعه، ثم يأتي عالم فيصف هذا النظام، أو يحاول وصفه حسب ما أوتي من "علم". وإنا لنخطو خطوة أخرى في سبيل التقريب فنقول: إن القدماء من الجغرافيين كانوا يعتقدون أن الأرض "مسطحة" وكانوا يرتبون على ذلك نتائج كثيرة، ثم تغيرت هذه النظرة و"أثبت" العلماء أن الأرض "كروية"، فليس معنى ذلك أن الأرض كانت مسطحة لما كان يُظن أنها كذلك، أو أنها انقلبت كرة لما رؤي ذلك. إنها منظمة بطبعها، وعلى صفات وخصائص معينة، ومهمة الفلكي أو الجغرافي أن يحاول وصف هذا النظام، وقد يخطئ لقصور وسائله عن إدراك "الحقيقة"، ولقد يختلف عالمان يصطنعان نفس الوسائل في تقرير نتائج هذه الدراسة.

وإليك مثالا آخر القصد منه التقريب والتوضيح كذلك، وهو مستمد هذه المرة من الميدان الفسيولوجي: إن كلا منا يحمل أجهزة لها نظمها وأصولها، ولكن جهلنا بهذه النظم لا يعني أن هذه الأجهزة، في الأحوال العادية، لا تؤدي وظيفتها، أو أنها تخطئ في تأدية هذه الوظيفة، أو أنها "لا تجيد" تأديتها. إن جهل إنسان عادي بكيفية حدوث عملية الإبصار لا يعني أنه لا يبصر، كما أن جهله بكيفية حدوث السمع، واللمس، والشم، والهضم والدورة الدموية، لا ينتج عنه أن هذ الوظائف لا تتحقق في جسمه. إن كلا منا يحمل هذه الأجهزة المنظمة في ذاتها، ثم يأتي العلماء المتخصصون فيقررون حقائق هذه النظم. ويظهرنا تاريخ العلوم على أن هذا الوصف كان قاصرا أو خاطئا في وقت من الأوقات لقصور الوسائل أو الخطأ في هذا الأساس أو ذاك، أو لغير هذا من الأسباب، صحح ودقق من بعد لما حسنت الوسائل، ودقت المناهج والأصول وهكذا. وقد تصل الدراسة العلمية مستقبلا إلى إضافة تفسيرات كثيرة إلى ما نعرفه الآن، أو إلى تغيير في بعض الأصول، وهكذا.

الباب الأول: علم اللغة - موضوعه وما هيته

الباب الأول: علم اللغة - موضوعه وماهيته 1- علم اللغة يدرس "اللغة": "علم اللغة" هو العلم الذي يتخذ "اللغة" موضوعا له. قال فرديناند دي سوسير في "محاضرات في علم اللغة العام": إن "موضوع علم اللغة الوحيد والصحيح هو اللغة معتبرة في ذاتها ومن أجل ذاتها"1. أ- و"اللغة" التي يدرسها علم اللغة ليست الفرنسية، أو الإنجليزية، أو العربية، ليست لغة معينة من اللغات، إنما هي "اللغة" التي تظهر وتحقق في أشكال لغات كثيرة ولهجات متعددة، وصور مختلفة من صور "الكلام" الإنساني. فمع أن اللغة العربية تختلف عن الإنجليزية، وهذه الأخيرة تفترق عن الفرنسية إلا أن ثمة أصولا وخصائص جوهرية تجمع ما بين هذه اللغات وتجمع ما بينها وبين سائر اللغات وصور الكلام الإنساني، وهو أن كلا منها "لغة"، أن كلا منها نظام اجتماعي معين تتكلمه جماعة معينة بعد أن تتلقاه عن المجتمع، وتحقق به وظائف خاصة، ويتلقاه الجيل الجديد عن الجيل السابق، ويمر هذا النظام بأطوار معينة متأثرا بسائر النظم الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والدينية، وبسوى ذلك ... إلخ. وهكذا فعلم اللغة يستقي مادته من النظر في "اللغات" على اختلافها، وهو يحاول أن يصل إلى فهم الحقائق والخصائص التي تسلك اللغات جميعا في عقد واحد. وكما يدرس علم الحيوان أفراد الحيوان على اختلافها ليصل إلى فهم سليم لحقيقة "الحيوان"، والدراسة تلجئه إلى أن يصنف أفراد الحيوان على أسس معينة، وأن يبرز خصائص كل "صنف"، وأن يؤرخ للحياة الحيوانية، ويحاول أن يفسر "نشأتها"، كذلك يصنع عالم اللغة "باللغات": إن اللغات هي الأشكال المختلفة التي تتحقق فيها "اللغة"، فدراسة كل منها وصفا وتاريخا، ودراسة العلاقات التي تقوم بينها أو بين طائفة منها، ودراسة "الوظائف" التي تؤديها. وتبين ظروف استعمالها، كل أولئك وسواه يمهد للوصول إلى التعريف بحقيقة تلك الظاهرة الإنسانية العامة التي هي "اللغة". ومن هنا نرى أن "علم اللغة العام" ما كان ليظهر على الصورة الحديثة التي ظهر بها، لو لم تسبقه تلك الدراسات التفصيلية الكثيرة لمعظم لغات البشر، تلك الدراسات التي مهدت لتاريخ اللغات وللمقارنة بينها

_ 1 Ferdinand de Saussure Cours De Linguistique General Quatrieme edition Payot Paris 1949 p 317.

ولتصنيفها أن تنهض، فكثر التفكير في "نشأة" اللغة، وفي "تطورها" وفي "العائلات اللغوية" ... إلخ. نعم إن تلك الدراسات السابقة للغات البشر أو لأشهرها يعاد النظر فيها الآن، والذي يدعو إلى إعادة النظر فيها هو نتائج "علم اللغة" نفسه؛ لأن بعض تلك الدراسات قام على أسس غير سليمة، أو استعان بوسائل قاصرة، ولكن تلك الدراسات مع ما فيها من قصور، كانت خطوة أساسية لظهور "علم اللغة". فموضوع علم اللغة1، إذن ليس "لغة" معينة من اللغات، بل "اللغة" من حيث هي وظيفة إنسانية عامة، اللغة من حيث هي وظيفة إنسانية2، والتي تبدو في أشكال نظم إنسانية3 اجتماعية تسمى اللغات كالروسية والإيطالية والإسبانية، أو "اللهجات"4 أو أي اسم آخر من الأسماء5. هذه الصورة المتنوعة المتعددة واحدة في جوهرها، وتمثل وظيفة إنسانية. ب- هذه هي "اللغة" التي هي موضوع "علم اللغة"، أما معنى قول دي سوسير إن علم اللغة "في ذاتها" فهو أن يدرسها من حيث هي لغة، يدرسها كما هي، يدرسها كما تظهر، فليس للباحث فيها أن يغير من طبيعتها، كما أنه ليس للباحث في موضوع أي علم من العلوم أن يغير من طبيعته، فليس له أن يقتصر في بحث على جوانب من اللغة مستحسنا إياها، وينحي جوانب أخرى استهجانا لها أو استخفافا بها، أو لغرض في نفسه، أو لأي سبب آخر من الأسباب. جـ- أما أن علم اللغة يدرس اللغة "من أجل ذاتها"، فمعناه أنه يدرسها لغرض الدراسة نفسها، يدرسها دراسة موضوعية تستهدف الكشف عن حقيقتها، فليس من موضوع دراسته أن يحقق أغراضا تربوية مثلا، أو أية أغراض عملية أخرى. إنه لا يدرسها هدفا إلى ترقيتها"، أو إلى تصحيح جوانب منها أو تعديل آخر، إن عمله قاصر على أن يصفها ويحللها بطريقة موضوعية.

_ 1 انظر في هذا: Jian Perrot La Lingutiqie lere edition Presses Universitaies De France Paris 1953 Que Je 570" p0 وانظر الفصل كله وهو خاص بعلم اللغة "pp 9-15". 2 Fonction hvmaine 3 lnstivtions humaines 4 Dialectes 5 الفرنسية تميز بأسماء خاصة بين صور مختلفة من صور الكلام الفرنسي فتستعمل غير ما يدل على "اللغة" أي لغة معينة كالألمانية، وغير ما يدل على "اللهجة"، الكلمات: jargon argot Parlers Patois

حول البحث في نشأة اللغة

2- حول البحث في نشأة اللغة: إن طبيعة موضوع علم اللغة، تلك الظاهرة الإنسانية التي هي اللغة، التي هي متطورة بطبعها، تفرض على الباحث أن يتساءل أول ما يتساءل: كيف تكون للإنسان لغة؟ كيف توصل الإنسان إلى هذا النظام؟ أتوصل إليه بنفسه، أم أوحي به إليه إيحاء؟ ذلك موضوع قد شغل الناس من قديم. والأساطير القديمة عند أكثر الجماعات الإنسانية تنسب "وضع" اللغة إلى إله من آلهتها، أو إلى قوة عليا خارقة. وفي العصور الوسطى اشتد الجدل بين نظريتين شغلتا المفكرين في نشأة اللغة: نظرية ترى أن "الله" عز وجل هو الذي أوحى للبشر باللغة، ونظرية تذهب إلى أن اللغة من اصطلاح الناس وتواضعهم. وقد فسر اصطلاح الناس على اللغة بأوجه كثيرة مختلفة. والذي يذهب إليه العلم هو أن اللغة ظاهرة اجتماعية كسائر الظواهر الاجتماعية. ومعنى هذا أنها من صنع المجتمع الإنساني. ولا يعرف مجتمع إنساني منذ أقدم عصر سجله التاريخ بلا لغة ناضجة التكوين. ولكن لا تزال مشكلة نشأة اللغة قائمة. ما أقدم مجتمع ظهرت فيه اللغة؟ وأي لغة كانت أو اللغات؟ وهل اللغات المعروفة الآن ترجع إلى أصل واحد أو ترجع إلى أكثر من أصل؟ أي هل اللغة أحادية النشأة، أو ثنائيتها أو متعددتها؟ وما الظروف الاجتماعية وغير الاجتماعية التي أدت إلى نشأة اللغة؟ لقد أشرنا فيما سلف إلى أن "علم اللغة" يميل إلى أن ينحي البحث في "نشأة اللغة" من مجال دراسته، أو هذا هو رأي الغالبية من علمائه. وذلك لأن "نشأة اللغة" موضوع شائك لا سبيل إلى القطع فيه برأي، أو إلى الوصول في شأنه إلى رأي علمي، إنه بطبيعته موضوع يستحيل على الدراسة

العلمية الموضوعية: وكل ما يقال فيه هو من قبيل الفروض التي لا تستند إلى أسس سليمة. فنشأة اللغة متصلة بنشأة الإنسان، أو بنشأة المجتمع الإنساني، وبالمخ الإنساني ونموه. وبأطوار الحياة الاجتماعية التي مر بها الإنسان، وبالحاجات والدوافع التي يحتمل أن تكون قد ألجأته إلى اصطناع هذا النظام وهو "اللغة"، إلى غير ذلك من أمور لا يزال ما نعرفه عنها من حقائق أو معلومات ضئيلا غاية الضآلة بحيث لا يمكن من تكوين رأي "علمي". ومن هنا كانت "النظريات" أو "الفروض" التي قدمها الباحثون في نشأة اللغة ضربا من "الميتافيزيقا". ولكن الأبحاث في نشأة اللغة في العصر الحديث لم تتوقف، وقد لخص "أوتو يسبرسن" في كتابه "اللغة ... " أشهر ما سبقه من نظريات في نشأة اللغة، وأتى بنظرية من عنده. وظهرت بعد يسبرسن نظريات آخر. ولكن علم اللغة يرجئ تقرير الحق العلمي في نشأة اللغة إلى أن يتم جلاء ما يكتنفه من غموض قد يكشف عنه تقدم علم الأجناس البشرية، وعلم الوراثة، وغيرهما من العلوم الإنسانية، ولو أن الأرجح أن تقدم هذه العلوم وسواها لن يمكننا آخر الأمر من معرفة الظروف التي نشأت فيها اللغة معرفة يقينة1.

_ 1 انظر في "نشأة اللغة" تلك الخلاصة القيمة التي تتضمن نظريات صائبة، التي كتبها فندريس في كتابه "اللغة" "الترجمة العربية من ص29 إلى ص42". 1- وذلك الفصل الذي كتبه الدكتور إبراهيم أنيس في كتابه "دلالة الألفاظ" باسم "نشأة اللغة" من ص9 إلى ص33 وفيه تبسيط للموضوع مع عرض آراء العرب فيه بالإضافة إلى آراء المحدثين، ولا سيما الآراء التي جدت بعد أن كتب "فندريس" كتابه. 2- أما من أراد التوسع فعليه أن يرجع لكتاب الدكتور علي عبد الواحد وافي "نشأة اللغة عند الإنسان والطفل". ومن المراجع الإنجليزية في هذا الشأن: 1- "الكتاب" الرابع عن "تطور اللغة" من مؤلف يسبرسن المشهور. " ... Language" ولا سيما الخاص بنشأة اللغة في كتاب: The Origjin Of pp 412 442. وقد أشار يسبرسن إلى أشهر من تناولوا هذا الموضوع حتى زمن كتابته مؤلفه. 2- والفصل الخاص بنشأة اللغة في كتاب: Sturtevant lntroduction To Linguistic Science. 3- والمقال القيم الذي كتبه إميل بنفست عن "الاتصال الحيواني واللغة الإنسانية لغة النحل". Emile Benveniste Animal Communication And Human Languge The Language of the Bees Diogenes Numer 1 pp 1-17

اللغة "كلام"

3- اللغة "كلام": إن "اللغة" التي يتخذها علم اللغة موضوعا له، هي اللغة التي تقوم على ربط مضمونات الفكر الإنساني بأصوات ينتجها "النطق". إنها اللغة التي تقوم على إصدار واستقبال أصوات تحدثها عملية "الكلام"1. فالأصل في اللغة أن تكون كلاما، أن تكون "مشافهة"، أما الكتابة أو لغة الكتابة فهي لغة أخرى تقصد إلى تمثيل الكلام المنطوق بطريقة منظورة. فالكتابة اختراع إنساني، لاحق على اختراع "اللغة"، وبعض المجتمعات لم توجد لنفسها هذه الوسيلة المنظورة من تمثيل اللغة الملفوظة. إن هذه الأشكال الكتابية، التي هي "الحروف"، كما يقول إدوارد سابير2، ثانوية بالنسبة إلى رموز الكلام الملفوظة، التي هي الأصوات، أي أن الأشكال الكتابية هي "رموز الرموز"3.

_ 1 Speech. 2 Edward Sapir. 3 Symbols of Symbols.

عن طبيعة اللغة "الكلام" وظيفة إنسانية "غير غريزية" و"غير موزونة" الكلام وظيفة ثقافية مكتسبة

4- عن طبيعة اللغة "الكلام" وظيفة إنسانية "غير غريزية" و"غير موزونة" الكلام وظيفة ثقافية مكتسبة: حاول إدوارد سابير1 أن يكشف عن طبيعة اللغة، وأن يقربها إلى الأفهام، فقارنها بالسير. وخلاصة رأيه أن "السير" وظيفة إنسانية موروثة2 بيولوجية3، إنه وظيفة "عضوية"4، وظيفة "غريزية"5 "وطبيعي أن السير نفس ليس غريزة". أما "الكلام" فهو وظيفة إنسانية "غير غريزية"6، إنه وظيفة "مكتسبة"7، إنه وظيفة ثقافية8. أ- بدأ سابير بأن قرر أن الكائن البشري العادي مقدر له السير، لا لأن من يكبره سيتولى تعليمه هذا الفن، بل لأن تكوينه العضوي معد منذ الحمل، للقيام بهذا العمل. وعلى هذا فليس للثقافة9 دخل هام في هذا الشأن. ولقد يقال، وهو قول بحق اعتبار ما، إن الفرد مقدر له الكلام -فليس ثمة إنسان عادي لا يتعلم الكلام- ولكن مرجع هذا أن الإنسان لا يولد في الطبيعة وحسب، بل إنه يولد في حجر مجتمع من المؤكد أنه سيوجهه نحو تقاليده. فإذا عزل وليد عن أي مجتمع إنساني فإنه سيتعلم كيف يسير له قدر له أن يبقى على قيد الحياة، ولكنه لن يتعلم كيف "يتكلم" أي كيف يمارس النشاط اللغوي طبقا للنظام التقليدي السائد في أي مجتمع من المجتمعات. ثم إنه لو نقل وليد من بيئته الاجتماعية التي ولد فيها إلى أخرى مختلفة عنها أشد الاختلاف فإنه سيسير في بيئته الجديدة سيره لو ظل في بيئته القديمة،

_ 1 Edward Sapir: Language An lntroduction to the Study of Speech New York Har court Brace And Company 1921 pp. 2 Hereditary. 3 Biological. 4 Organec. 5 lnstinctive. 6 Non - lnstinctive. 7 Acquired. 8 Cultural. 9 Culture.

ولكن كلامه الذي سيتعلمه في هذه الحال يكون مغايرا تمام المغايرة لكلام بيئته التي ولد فيها. فالسير نشاط إنساني عام لا يختلف إلا في نطاق ضيق، وذلك إذا انتقلنا من فرد إلى فرد، واختلافه غير إرادي ولا غرض منه. أما الكلام فإنه نشاط إنساني يختلف أيما اختلاف إذا انتقلنا من مجتمع إلى مجتمع؛ لأنه ميراث تاريخي محض للجماعة؛ لأنه نتاج الاستعمال الاجتماعي الذي استمر زمنا طويلا. ب- ثم أخذ "سابير" في دفع الأوهام القائمة على زعم أن ما في اللغات من "صرخات انفعالية"1 أو من "كلمات" مقلدة للأصوات الطبيعية شاهد بأن للغة أساسا غريزيا، ورد تلك النظريات القائلة أن الكلام الإنساني تطور تطورا تدريجيا عن الصرخات الانفعالية، أو عن تقليد الأصوات الطبيعية، ثم حذر من أن يضلل المصطلح الذي يستعمله اللغويوين، ألا وهو "أعضاء" الكلام2، فيعد تسليما من اللغويين بأن الكلام نشاط غريزي بيولوجي. ولنعرض رأي سابير في هذه المسائل الثلاث واحدة فواحدة: 1- "الصرخات الانفعالية" ليست شاهدا بأن الكلام غريزي: إننا تحت وطأة الانفعال، تحت وطأة ألم قاس مفاجئ، أو فرح غامر مباغت، أو ما أشبه ذلك، نتفوه، دون إرادة منا، بأصوات لا يفهمها السامع على أنها دالة على الانفعال نفسه، أي يفهمها على أنها "كلام". ولكن هذا التعبير غير الإرادي عن الشعور يختلف أشد الاختلاف عن الطريقة العادية المألوفة لنقل الأفكار، هذه الطريقة التي هي "الكلام". إن النوع الأول غريزي، و"غير رمزي"3، إنه فيض "أوتوماتي"4 للقوة الانفعالية، إنه جزء من الانفعال نفسه. ثم إن الأصوات، أو الصرخات الغريزية، لا توجه إلى أحد، لا يقصد بها أن يسمعها أحد، إنها لا تكون "اتصالا" بالغير بأي معنى صحيح من معاني

_ 1 lnterJections. 2 Organs of Speech. 3 Non - Symblic. 4 Automatic.

الاتصال. وهي إذا سمعت فإنما تسمع اتفاقا كما يسمع نباح كلب، أو وقع خطى مقتربة، أو زفيف الريح. وهي إذا كانت تحمل "معنى" إلى السامع فما ذلك إلا من قبيل قولنا: إن أي صوت، أو كل صوت، لا بل أي ظاهرة طبيعية على الإطلاق، تحمل "معنى" إلى الذهن المدرك. وهكذا فاعتبار الصرخات غير الإرادية المعبرة عن الألم مثلا، والتي تمثل بـ! OH "أوه" رمزا كلاميا حقيقيا مساويا لفكرة مشابهة مثل "إني لفي ألم شديد" ليس إلا من قبيل السماح بتفسير ظهور السحاب بأنه رمز مماثل يؤدي هذه الرسالة: "السماء على وشك أن تمطر". هذه الملاحظة. ملاحظة أننا تحت وطأة الانفعال ننطق بأصوات لا إرادية يرى السامع أنها دالة على الانفعال نفسه، قد أدت بكثيرين إلى أن يروا في "الصرخات الانفعالية، الموجودة في اللغات مثل OH "أوه" AH "آه"! sh "ش! " شيئا مطابقا للأصوات الغريزية. ويحذرنا سابير من الوقوع في هذا الخطأ قائلا: إن هذه الصرخات صرخات "اصطلاحية"1، ما هي إلا "تثبيت اصطلاحي"2 للأصوات الغريزية الطبيعية، ومن هنا كان ما يبدو من تشابه بين بعض الصرخات في لغات مختلفة كأنها تنتمي إلى عائلة واحدة، وما يبدو في الوقت نفسه، من اختلاف بينها للبصير المدقق، فالتشابه مرجعه إلى أن هذه الصرخات قد قدمتها نماذج أصلية عامة هي الأصوات الغريزية، لا إلى أنها ناتجة عن أساس غريزي عام، والاختلاف الحاصل بين هذه الصرخات في اللغات المختلفة مرده إلى أنها قد تكونت نتيجة للتقاليد اللغوية الخاصة، وللأنظمة الصوتية، وللعادات الكلامية لأصحاب كل لغة. إن هذه الصرخات "متعلقة" بنماذجها الأصلية الطبيعية تعلق الفن، الذي هو شيء اجتماعي، أو ثقافي، بالطبيعة. وإذ قد تبين أن الصرخات، وهي أقرب الأصوات اللغوية إلى النطق الغريزي، ليست لها طبيعة غريزية إلا بصورة سطحية، وضح أنه لو فرض أنه من الممكن إثبات أن اللغة كلها ترد في أسسها التاريخية والنفسية إلى الصرخات، فلن

_ 1 Conventional. 2 Conventional Fixation.

ينتج عن هذا أن اللغة نشاط غريزي. ولكن الواقع أن جميع المحاولات التي بذلت لتفسير نشأة الكلام بهذه الطريقة لم تسفر عن نتيجة. فليس ثمة دليل واضح، تاريخي أو غير تاريخي، يؤدي إلى بيان أن "عناصر الكلام"1، وأن "عمليات الكلام"2، قد نتجت عن الصرخات، ثم إن الصرخات ليست إلا جزءا ضئيلا من مفردات اللغة، وهي من حيث الوظيفة غير ذات بال. إنها ليست أكثر من الحواشي المزينة للنسيج الكبير المعقد. 2- الكلمات المقلدة للأصوات الطبيعية لا تثبت أن اللغة نشاط غريزي: ثم بين "سابير" أن اعتبار اللغة نشاطا غريزيا اعتمادا على أن في اللغات أصواتا "كلمات" مقلدة للأصوات الطبيعية، وهم باطل، وقرر أن ما ينطبق على "الصرخات" أشد انطباقا على الكلمات المقلدة للأصوات الطبيعية3، فإن كلمات مثل Whippoorwill 4 و TO miew و TO Caw ليست بأي معنى من المعاني أصواتا طبيعية قد أنشأها الإنسان بطريقة غريزية أو أوتوماتية. إن هذه الكلمات، كأي كلمات أخرى في اللغة، إنها مثل ابتكارات العقل الإنساني تماما. إن الطبيعة قد قدمت أصولها ليس غير. وإذن فإن نظرية نشأة الكلم التي تفسر الكلام كله بأنه تطور تدريجي من أصوات مقلدة للأصوات الطبيعية لا تدنينا من المستوى الغريزي أكثر مما تدنينا إليه اللغة كما نعرفها في أيامنا. 3- استعمال المصطلح "أعضاء الكلام" لا دلالة فيه على أن الكلام نشاط غريزي بيولوجي: أما فيما يتعلق باستعمال اللغويين لذلك المصطلح الشائع "أعضاء الكلام" فقد قال سابير: لا ينبغي أن يضللنا هذا المصطلح فنرى فيه تسليما من اللغويين بأن الكلام نفسه نشاط غريزي بيولوجي، ذلك لأنه ليس ثمة في الحقيقة "أعضاء" خاصة بالكلام، مفردة له، ومقصورة عليه، ووظيفتها الأصلية هي الكلام. إن الموجود فعلا، والمستعمل في عملية الكلام هو أعضاء "صالحة" اتفاقا لإنتاج

_ 1 Elements of speech. 2 Speach Processes. 3 Sound - imitative Words. 4 طائر أمريكي يطير ليلا وله صيحة كصوت اسمه.

الأصوات الكلامية. فالرئتان، والحنجرة والحلق، والأنف، واللسان، والأسنان، والشفتان كلها "صالحة" لإنتاج الأصوات الكلامية، ولكنها ليست أعضاء "أصلية" للكلام، إلا إذا اعتبرنا الأصابع أعضاء وظيفتها الجوهرية هي العزف على البيان، أو "الركب" أعضاء الأصل فيها استخدامها في الصلاة. إن الوظيفة البيولوجية الضرورية للرئتين هي التنفس، وللأنف الشم، وللأسنان كسر الطعام وطحنه قبل إعداده لعملية الهضم. فإذا كانت هذه الأعضاء وسواها تستعمل دائما في الكلام فما ذلك إلا لأن أي عضو يخضع للسيطرة الإرادية يمكن أن يستعمل في أغراض ثانوية. إن "الكلام" من الناحية الفسيولوجية مجموعة من الوظائف المفروضة على الوظائف الأساسية. إنه يستمد عونا من أعضاء ووظائف، عضلية عصبية، تكونت في أصلها لأداء أغراض غير غرض الكلام، وهي لا تزال تؤدي هذه الأغراض، بعد أن استعين بها لإحداث الأصوات الكلامية. إن الكلام ليس نشاطا بسيطا ينتجه عضو أو أعضاء تلائم الغرض بطريقة بيولوجية. إنه نسيج من الملاءمات معقد غاية التعقيد، ومتنقل أبدا -في المخ، وفي الجهاز العصبي، وفي أعضاء النطق والسمع- ومتجه نحو الغاية المرجوة، غاية التوصيل1.

_ 1 Communication وظيفة اللغة عند سابير وعند كثير سواه هي "توصيل" الفكر أو التعبير عنه، وقد بينا في كتابنا "اللغة والمجتمع: رأي ومنهج" أن توصيل الفكر أو التعبير عنه ليس إلا وظيفة من وظائف كثيرة يحققها الكلام.

اللغة نظام من العلامات الاصطلاحية ذات الدلالات الاصطلاحية

5- اللغة نظام من العلامات الاصطلاحية ذات الدلالات الاصطلاحية علم اللغة جزء من علم أعم هو عمل العلامات "السميولوجيا": أ- إن اللغة من حيث إنها مجموعة من العلامات1 أو الرموز2، هي الأصوات التي يحدثها جهاز النطق الإنساني والتي تدركها الأذن، هذه الأصوات التي تؤلف بطرائق اصطلاحية في كلمات ذات دلالات اصطلاحية، إن اللغة بهذا الاعتبار تشترك مع طائفة أخرى من النظم "يصدق عليها ما يصدق على اللغة من أنها تتكون من علامات اصطلاحية يستعان بها على توصيل دلالات اصطلاحية" سواء اتسعت دائرة الاصطلاح أو ضاقت، وأيا كانت المادة التي يتكون منها أي نظام من هذه النظم، وأيا كانت الحاسة التي يتجه إليها أو "يخاطبها" أي نظام منها. ومن الممكن نظرا أن يقابل كل حاسة من الحواس الإنسانية نظام من العلامات الاصطلاحية ذات الدلالة، وهي تكون "سمعية" إن خاطبت الأذن، و"بصرية" إن خاطبت العين، و"لمسية" إن خاطبت اليد، وشمية، إن خاطبت الأنف، و"مذاقية" إن خاطبت اللسان. وتاريخ المجتمعات الإنسانية شاهد بأنها أنتجت نظما -أو "لغات" لو توسعنا في الاستعمال وترخصنا- من معظم هذه الأنواع، ولكن بعضها أكثر شيوعا من بعض. ومن أشهر هذ الأنظمة من العلامات تلك التي تقوم على الإشارة وتخاطب العين، وتلك التي تخاطب السمع غير "اللغة" بمعناها الحق. 1- ومن الأنظمة الاصطلاحية القائمة على الإشارة تلك التي تستعملها الجيوش الخاصة، وتلك التي تستعملها شعوب متجاورة تتكلم لغات مختلفة كما هو الحال في سهول أمريكا الشمالية.

_ 1 انظر Edward Sapir anguage lntroduction to Study of Speecg p 19 New York 1921. 2 Signs.

ومن هذه الأشكال "البصرية" ما يعتمد في إصدار العلامات الاصطلاحية على وسائل أخرى غير الإشارة بأعضاء الجسم الإنساني، وذلك كالضوء والرايات وما أشبههما. 2- والأشكال السمعية لهذه الأنظمة الاصطلاحية غير الكلام الإنساني يقوم أغلبها على الاستعانة بآلات وأدوات معينة -غير جهاز النطق الإنساني- لإصدار ضجات "= أصوات" خاصة جرى الاصطلاح على أنها رموز لمعان معينة. ومن ذلك لغات الطبول، الذائعة عند زنوج إفريقيا، ونقل الرسائل بطبول في الشمال الغربي من الأمازون. وليست هذه الأنظمة مقصورة على المجتمعات التي جرى العرف بتسميتها "بدائية"، أو "غير متمدنة" إلخ، ولكنها ذائعة الاستعمال كذلك في المجتمعات "الراقية" "المتمدنة"، فأرقى المجتمعات المعاصرة تستعمل رنات الأجراس ودقات النواقيس للدلالة على معان اصطلاحية، ولتوصيل معان، كما هو الحال في الكنائس والمعابد والمدارس. وأصوات الأبواق والنوافير وما إليها تستعمل في الجندية والمعسكرات للتحية ولإصدار "أوامر" خاصة كالاستدعاء، والانصراف، والإيذان بمواعيد الطعام ... إلخ. ومن هذه الأشكال السمعية ما يعتمد في إصدار أصواته على جهاز النطق الإنساني نفسه كالأنظمة التي تستعمل "الصفير" استعمالا اصطلاحيا. ب- هذه الأنظمة المختلفة من "العلامات" لما كانت شريكة "اللغة" في طبيعة "الأصل" الذي يقوم عليه كل منهما، فهي جديرة بأن تدرس معها. ودراسة "اللغة" على هذا الاعتبار جزء من ذلك العلم الناشئ الذي يتخذ موضوعا له دراسة استعمال العلامات الاصطلاحية ووظيفتها في المجتمعات، والذي اقترح له فرديناند دي سوسير اسم1 La Semiologie "السيمولوجيا، أو علم العلامات" من الكلمة اليونانية Semeion، بمعنى "علامة". 1- هذا العلم لم ينضج، ولا يزال العلماء المختصون يدرسون مناهجه ووسائله ومسائله ويضيفون إليه. ومن شأن هذا العلم أن يستخدم من نتائج علم النفس الاجتماعي2، وعلم الاجتماع وعلم الأجناس البشرية ما يمكنه من

_ 1 انظر Cours de Linguistique Genirale pp 32-35. 2 Sociod psychology.

الوصول إلى تقسيمات أساسية في موضوعه وإلى مقاييس للتوسل بهذه التقسيمات والمقاييس إلى تنظيم الظواهر "السيمولوجية" ووصفها. ويرى أستاذنا فيرث1، رحمه الله، أنه ربما كان أبرز شيء في كل مؤلف دي سوسير القيم "محاضرات في علم اللغة العام"، هو قوله: "إنا إذا كنا قد استطعنا، للمرة الأولى، أن نحدد لعلم اللغة مكانا بين العلوم، فما ذلك إلا لأننا وصلناه بالسيمولوجيا"2. 2- ونحن نعرض فيما يلي خلاصة ما قاله دي سوسير عن "السميولوجيا"3: 1- إن هذا العلم سيكون جزءا من علم النفس الاجتماعي، وسيكون تبعا لهذا جزءا من علم النفس العام. هذا العلم سيعرفنا العناصر التي تتكون منها "العلامات"، والقوانين التي تحكمها. ولما كان ذلك العلم لم يوجد بعد، فلا نستطيع أن نقول كيف سيكون، ولكنه علم له الحق في الوجود. وما "علم اللغة" إلا جزء من ذلك العلم الأعم "وهو السميولوجيا"، وإن "القوانين" التي سيكتشف عنها السميولوجيا ستصدق على علم اللغة، وسيكون علم اللغة في هذ الحال موصولا بميدان واضح التحديد في مجموع الظواهر الإنسانية4. وقال دي سوسير: إن تحديد الوضع الحق للسميولوجيا يقع على عاتق عالم النفس. أما واجب عالم اللغة بالنسبة إلى هذا العلم فهو أن يحدد ما يجعل من اللغة نظاما خاصا في مجموعة الظواهر السميولوجية5.

_ 1 R Firth The tichinique of Semantics pp 50 -51 "Lingua Volume l 4 Sept "1948". 2 De Saussure Cours De Linguisitique pp 33-34 l pour la premiere fois nous avons pu assigner la Linguisique une place parmi les Sciences c' est parce que mous l avons rattachee a la semiologie. 3 De Saussure OP cit pp 32-35. 4 Les fais humaina. 5 Les faits semiologiques.

2- ويرجع دي سوسير السبب في أن السميولوجيا لم يصبح، حتى زمنه1، علما منفردا مع أن له كما لأي علم آخر موضوعه الخاص، إلى أننا هنا ندور في دائرة مفرغة؛ ذلك لأنه لا شيء، من ناحية، أجدر من اللغة بأن يفهمنا طبيعة المشكلة السميولوجية، ولكن من أجل أن نضع هذه المشكلة الوضع المناسب يجب أن ندرس اللغة في ذاتها. إن عالم النفس يدرس آلية العلامة2 عند الفرد، وهذ أيسر منهج في دراسة العلامة. ولكنه لا يؤدي إلى ما وراء التنفيذ، أو التحقيق3 الفردي للعلامة، إنه لا يبلغ العلامة التي هي اجتماعية بطبيعتها. ولكن عندما ندرك أن العلامة يجب درسها من الناحية الاجتماعية، فنحن لا نذكر من اللغة إلا تلك السمات التي تربطها بنظم اجتماعية أخرى، تلك التي تعتمد كثيرا أو قليلا، على إرادتنا، وهكذا نمر إلى جوار الهدف مهملين الخصائص والسمات التي لا يتصف بها إلا الأنظمة السميولوجية بوجه عام، واللغة بوجه خاص؛ ذلك لأن العلامة تعتمد دائما، إلى درجة ما، على الإرادة الفردية أو الاجتماعية، وهنا صفتها الجوهرية وهذه الصفة لا تبين أوضح بيان إلا في اللغة، ولكنها تتمثل في الأشياء التي لا ندرسها إلا أهون دراسة، وهكذا لا يحسن الناس إدراك ضرورة وجود علم سميولوجي، أو لا يرون الفائدة التي يمكن أن يقدمها ذلك العلم. أما نحن -"أي دي سوسير"- فنرى على النقيض من ذلك، أن المشكلة اللغوية هي قبل كل شيء مشكلة سميولوجية، وكل تقدم أحرزناه في علم اللغة يستعير أهميته من هذه الحقيقة الهامة. 3- وقال دي سوسير، إنا إذا أردنا أن نكشف الطبيعة الحقيقية للغة، فيجب أن ندرسها أولا من حيث ذلك الذي تشترك فيه مع سائر الأنظمة المنتمية إلى نفس النوع. قال: إن بعض العوامل اللغوية التي تبدو لأول وهلة ذات أهمية بالغة "كدور جهاز النطق الإنساني مثلا" يجب ألا تدرس إلا في المنزلة الثانية إذ إنها في الحقيقة لا تعين إلا على تمييز اللغة من سائر الأنظمة "السميولوجية".

_ 1 توفي دي سوسير سنة 1913. 2 La mecanisme du Signe. 3 Execution.

ويرى دي سوسير أن هذا لن يوضح المشكلة اللغوية فحسب، فبدراسة الطقوس1 والعادات2 ... إلخ من حيث هي "علامات" ستبدو هذه الظواهر يوما ما، وسيشعر الناس بالحاجة إلى تجميعها في السميولوجيا وإلى تفسيرها بقوانين ذلك العلم "انتهى عرض كلام دي سوسير". 3- ولقد أسهم العلماء بعد دي سوسير بجهود طيبة في سبيل تكوين ذلك العلم، وإرساء قواعده، ومن المأمول عندما يتم نضجه قريبا أن تزداد المشكلة اللغوية جلاء.

_ 1 Rites. 2 Coustumes.

علم اللغة يستعين بعلوم أخرى

6- علم اللغة يستعين بعلوم أخرى: علم اللغة يستعين بعلوم أخرى: علم الاجتماع العام، علم الأجناس البشرية، علم الوراثة، علم الحياة العام، علم وظائف الأعضاء، علم التشريح، أمراض الكلام، التاريخ، الجغرافيا. أ- لما كانت اللغة ظاهرة اجتماعية1، فدراستها، من ناحية، جزء من علم الاجتماع العام: إن دراسة اللغة من حيث الظروف الاجتماعية التي تؤدي فيها وظيفتها، والتي تتطور فيها، تدخل في مجال الدراسة العلمية للمجتمعات، أي في مجال علم الاجتماع العام. والحق أن كثيرا من التقدم الذي أحرزته الدراسة اللغوية حديثا راجع إلى الاستعانة بحقائق من علم الاجتماع، وإلى وصل دراسة اللغة بدراسة المجتمع. ب- ثم إن كثيرا من المعلومات الخاصة بنشأة اللغة الإنسانية، وبتطورها، وبصلة ذلك المخ الإنساني، وكثيرا من المسائل المتعلقة باكتساب اللغة، لا معدى في التعرض لها عن الاستعانة بعلم الأجناس البشرية "الأنثروبولوجيا"، وبعلم الوراثة2، وبعلم الحياة العام3، فضلا عن علم الاجتماع. جـ- إن أول ما ندركه من اللغة، "أصوات" أي ظواهر يدخل البحث فيها في مجال علم الطبيعة "الفيزياء"4. ولكن هذه الأصوات تصدر نتيجة تعاون طائفة من أعضاء الجسم الإنساني، كالرئتين، والحنجرة، واللسان، والفم، والأنف، والشفتين، والأسنان ... إلخ. وإذن فلهذه الأصوات أصل فسيولوجي5، ولن يتأتى توضيحها وإدراك حقيقتها إلا بدراسة بعض العلاقات القائمة بين أعضاء الجسم الإنساني المشتركة في إحداث

_ 1 فصلنا الكلام في العلاقة بين اللغة والمجتمع في كتابنا: "اللغة والمجتمع: رأي ومنهج" فنرجو الرجوع إليه. "ط. المطبعة الأهلية، بنغازي، ليبيا سنة 1958، توزيع منشأة المعارف الإسكندرية". 2 Genetics. 3 General Biology. 4 Physics. 5 Physiologicl.

الأصوات اللغوية، أي دون الاستعانة بعلم وظائف الأعضاء "الفسيولوجيا"1، وبعلم التشريح2، فعلم التشريح والفسيولوجيا يفسران "آلية"3 الأعضاء المشتركة في تكوين الأصوات. ثم إن علم اللغة يستقي كثيرا من المعلومات من الدراسات "الباثولوجية"4 في "اضطرابات الكلام"5 مثل "الأفازيا"6. د- وعلم اللغة شأن سواه من العلوم الاجتماعية، علم تاريخي على نحو ما، فـ"اللغة" التي هي موضوعه لا غنى في دراسة تطورها وصلتها بالمجتمعات، وفي دراسة انقسامها إلى لهجات، ودراسة ظهور "اللغات العامة". "لا غنى في دراسة ذلك كله وسواه، عن الاستعانة بمعلومات من التاريخ والجغرافيا".

_ 1 Physiology. 2 Anatomy. 3 Mechanism. 4 Phathological. 5 Speech - Disorders. 6 Aphasia. انظر في تعريف "الأفازيا" كتاب "أمراض الكلام" للدكتور مصطفى فهمي، وأكثر علماء النفس عندنا على ترجمتها "الحبسة" أو "العقلة".

علم اللغة وعلم النفس

7- علم اللغة وعلم النفس: ولكن "الكلام" ليس مجرد إصدار أعضاء من الجسم الإنساني لأصوات معينة. إن هذه الأصوات توجه إلى أذن، والسامع تقوم في ذهنه عمليات عقلية متعددة حتى تتحول الأصوات إلى "دلالات". والمتكلم نفسه -قبل أن يشرع في الكلام، وأثناء الكلام، وبعده أحيانا إن كان ينتظر إجابة مثلا- تقوم في نفسه سلسلة من العلمليات "العقلية" أو "النفسية"، فـ"فهم" الكلمات وبعض ما يتعلق بها من حيث تكوينها وسماعها مرتبط بسلسلة من العمليات العقلية. ومن هذا، ومن كثير غير هذا، كان ارتباط علم اللغة بعلم النفس1. إن علم اللغة يستعين بحقائق توصل إليها علم النفس العام -كما أنه يستعين بحقائق توصلت إليها دراسات وعلوم آخر- ولكن ليس معنى هذا أنه يتخذ مناهج علم النفس ووسائله مناهج له ووسائل، كما أنه لا يتخذ مناهج علم آخر ووسائله.

_ 1 من الموضوعات التي يستعين فيها علم اللغة بعلم النفس للكشف عن بعض الحقائق، موضوع العلاقة بين "الكلمة" و"الصورة" image ونحن نعرض هنا خلاصة كلام في هذا الشأن للأستاذ والترف. فارتبوج Walter V. Warburg "الأستاذ بجامعة بال بسويسرا" عن كتابه الذي ترجمه من الألمانية إلى الفرنسية الأستاذ بيير مايارد Pierre Maillard بعنوان. Problemes et Methodes De Linguistique "paris 1946 pp 1-2". إن كل مجموعة معينة من الأصوات يقابلها حالة وعي أو دراك خاصة: فسلسلة الأصوات التي تكون الكلمة الفرنسية Arbre "= شجرة" مرتبطة ارتباطا وثيقا، في مجال استعمال اللغة الفرنسية، بتمثيلها -ar bre، وهذا الارتباط قد يبدأ من الكلمة إلى التمثيل، وقد يبدأ على العكس من ذلك من التمثيل إلى الكلمة، فما أسمع الكلمة حتى تنبعث الصورة image حالا في عقلي espirt، وعلى العكس من هذا إذا انبعثت الصورة في عقلي فإنها تثير الكلمة ولو لم تنطقها أعضاء النطق. وهكذا فإنه يربط بكل مجموعة من الأصوات، عند الناطق بها وعند السماع إليها جميعا "تصور لغوي" cocept linguestique. ولكن اللغة قائمة في كل إنسان على أنها "استعداد" aptitude، وهذا الاستعداد ذو وجهين: استعداد للتعبير عن النفس بطريقة مفهومة، واستعداد لفهم ما يحدث عن السماع. وهكذا فاللغة لا يظهر منها إلا "جوانب"، فهي لا تكتسب وجودًا حقيقيًّا مجسمًا بصورة فيزيقية، إلا عن طريق "الكلام" parole. أي أنه في كل كلام ننطقه أو نسمعه لا يرتفع إلى مرتبة الواقع الملموس. إلا جزء ضئيل فقط من ذلك الكل الذي يكون حقا قدرة الفرد على الكلام.

يتضح مما سبق أن "اللغة" من حيث حقيقتها تتصل -كما قال والتر فاتبورج1- بالعناصر "= بالمكونات" الأساسية الأربعة للإنسان، ألا وهي: الميدان الفيزيقي2، والميدان العضوي3، والميدان النفسي4، والميدان الروحي5. واللغة، من حيث وظيفتها تحمل هذه الأربعة جميعا على أن تتعاون فيما بينها تعاونا فعالا. وهذ الصفة المعقدة التي تتصف بها الظواهر اللغوية تجعل التحديد الدقيق للظواهر التي يشتغل بها علم اللغة أمرا بالغ الصعوبة6.

_ 1 op. cit. p. 1. 2 physique. 3 Organique. 4 Moral. 5 Spitituel. 6 op. cit. p. 2.

الفلسفة اللغوية

8- الفلسفة اللغوية: أ- إن إقامة "الفلسفة" اللغوية على أساس "منطقي" أو "عقلي" بات أمرا مرفوضا. وتاريخ الدراسات اللغوية خير شاهد على عدم صلاحية المنطق أساسا للدراسة اللغوية، فالمنطق لا يمكن من تفسير كثير من الظواهر اللغوية، أو هو قد يفسرها بطريق التعنت والتعسف، وسبيل التأويل والتعقيد، أو قد يؤدي إلى الاستغراق في الجدال في مسائل لا طائل من ورائها، أو من وراء الجدال فيها. 1- وهذه أمثلة شاهدة بفساد الاعتماد على أصل "منطقي" أو "عقلي" في إقامة الفلسفة اللغوية. وأول ما يعرض من ذلك هو الصلة بين "النحو" و"المنطق"، هذه الصلة التي كان يراها القدماء صلة "طبيعية" أو "لازمة" أو كما نقول صلة "منطقية"! ووصل النحو بالمنطق، يرجع إلى اليونان. "فالرواقيون" أنصار "زينون" الذين كانوا يردون كل شيء إلى المنطق، رأوا أن النحو ينبغي أن "يطابق" المنطق، وأن "الأقسام" "categories" النحوية ينبغي أن تطابق "الأقسام" المنطقية. 2- ففي رأيهم مثلا أن هناك توافقا بين علامة الجمع وبين فكرة التعدد. هؤلاء أصحاب قياس رد عليهم من معاصريهم من يدخلون في حسابهم ما يشاهد في اللغة "شذوذ" فقالوا: قد تدل الكلمة الجمع على مفرد1. 3- كما ردوا على أصحاب القياس2 في مسألة أخرى هي العلاقة بين "الجنس" في اللغة والجنس في الواقع، فقالوا: إن التقسيم النحوي إلى ما مذكر ومؤنث "وما بين المذكر والمؤنث" "الوسط، المحايد ... " لا يطابق التذكير والتأنيث وما بينهما في الواقع الطبيعي، واستنتجوا من ذلك أنه ليس ثمة تطابق لازم بين اللغة والواقع3. وقد عرف هؤلاء الأخيرون بأنهم "أصحاب التشذيذ" "المشذذون".

_ 1 Blomfield Leonard Language p 4. 2 Analogists. 3 Anomalists.

4- ومن الأمثلة العربية التي تبين أنه ليس ثمة تطابق لازم بين اللغة والواقع، أن اللغة العربية تعامل كلمات في المفرد معاملة المذكر، بينما تعامل جمع هذه الكلمات نفسها معاملة المؤنث: من هذا "كتاب" و"حمّام"، و"قلم"، فكل من هذه مذكر بينما جمع كل منها. وهو "كتب" و"حمامات" و"أقلام"، يعامل معاملة المؤنث. وكلمة "رجل" نفسها تجمع على "رجال"، ومن صور جمعها "رجالات"، والصورة اللغوية لكلمة "رجالات" هي صورة جمع المؤنث. 5- ولو كان التطابق بين اللغة والواقع لازما لاتفقت اللغات جميعا في تقسيم الأسماء من حيث الجنس، ولكن نجد أن من اللغات، كالعربية، ما يكتفي بتقسيم الاسم من حيث "الجنس" قسمة ثنائية ليس غير إلى مذكر ومؤنث، ومنها كاليونانية ما يقسمه إلى ثلاثية إلى "مذكر" و"مؤنث" و"محايد". كما نجد أن أسماء الذوات لا تتطابق في اللغات جميعا من حيث الجنس، وأوضح مثال على ذلك "القمر" و"الشمش". فالقمر مذكر في العربية مؤنث في الفرنسية و"الشمس" مؤنثة في العربية مذكرة في الفرنسية. 6- "ولقد سلَّم اليونان بأن بنية لغتهم اليونانية تبرز الأشكال العام للتفكير الإنساني، لا بل ذهبوا إلى أنها قد تبرز الأشكال العامة للنظام الكوني بأسره. ولقد قاموا تبعا لهذا بملاحظات نحوية، ولكنهم قصروها على لغة واحدة هي اليونانية، وقرروها في صورة فلسفية"1. ولقد نتج عن تقديس آراء نحاة اليونانية التي تلقفها عنهم تلامذتهم اللاتين، الذين أخذ عنهم الأوروبيون المحدثون، أن ظل علماء اللغة، إلى ما قبل ظهور علم اللغة الحديث، يقيمون نظرياتهم اللغوية على أسس منطقية فلسفية. ب- قد تكفي هذه الأمثلة لبيان قصور الفلسفة القديمة التي قامت على أساسها دراسة اللغة عند اليونان والرومان وفي العصور الوسطى، فالنظر في اللغة

_ 1 Bloomfield Leonard Language p 5.

على أساس من "المنطق" الأرسطي أو من أي مذهب فلسفي نظر غير سليم، كما أن دراسة اللغة على أساس من علم النفس دراسة قاصرة غير سليمة. ودراستها على أساس "رياضي" أو "آلي" لا تؤدي إلى النتائج المرجوة. 1- ولكن لا بد من "فلسفة" عامة تقوم عليها دراسة اللغة، ونقصد بالفلسفة هنا مجموعة من المبادئ أو الأصول أو الأسس. ومن الخطأ أن ندرس اللغة مستعينين بفلسفة "خارجية" أي فلسفة مستمدة من غير موضوع الدراسة وهو "اللغة"، أي من الخطأ أن نستعين بفلسفة مفروضة على الموضوع من خارج، أو فلسفة تحقق غرضا آخر غير درس اللغة في ذاتها ومن أجل ذاتها، أو فلسفة قاصرة لا تصلح إلا لبعض جوانب الدراسة. إن هذه "الفلسفة" ينبغي أن تقوم على أساس فهم ماهية اللغة: ما اللغة؟ فيم تستعمل؟ كيف تستعمل؟ متى تستعمل؟ إلى آخر ما يكشف لنا عن حقيقة اللغة. أي أن هذه "الفلسفة" ينبغي أن تستقي عناصرها من طبيعة الأدوار التي تقوم بها في الحياة الإنسانية. 2- إن الباحث اللغوي الحديث يضطر إلى القيام بسلسلة من التجريدات1 على مستويات مختلفة، حتى يسلم وصفه وتحليله وتصح نتائجه. لا بد لعلم اللغة من أن تكون الطرق العامة التي يضعها لدراسة اللغة مرنة كل المرونة، فضلا عن وجوب كونها دقيقة كل الدقة، حتى يتأتى استعمالها عند درس اللغات جميعها. ولقد أنفق علماء اللغة جهودا متوالية حتى توصلوا إلى جملة من الطرق والوسائل التي يصدق عليها هذا الوصف، ولا يزال اللغويون حتى الآن يوجهون عناية كبيرة إلى تحسين هذه الطرق والوسائل وإلى تدقيقها وتبسيطها وإلى الإضافة إليها. ما نوع التجريدات التي يقوم بها علم اللغة في سبيل دراسته؟ وما أسسها وما ميدانها وما مداها؟ من المسلم به أنه لا بد لعلم اللغة، كما أنه لا بد لأي علم، من أن يفرد، أو "يعزل" أو "يجرد" شيئا ما ليدرسه. وماهية اللغة توجب أن يكون ثمة أكثر من مستوى للدراسة. فاللغة من حيث كونها أصواتا يدرسها علم الأصوات اللغوية،

_ 1 Abstractions.

وله وسائله الخاصة به. وتكوين الأصوات في مقاطع وكلمات وجمل على أصوات معينة يدرس تحت اسم المورفولوجيا1 و"النظم"2 أي تحت اسم "النحو". ودراسة اللغة من حيث إنها كلمات تدل على معان، موضوعها علم الدلالة3. ولعلم الدلالة منهجه ووسائله، فهو يعتمد على دراسة الصوت، وعلى الدراسة، ولكنه يدخل في اعتباره عناصر غير لغوية كشخصية المتكلم وشخصية السامعين، وكالحاضرين، وظروف الكلام ... إلخ، وثمة منهج لدراسة المعنى من الناحية الوصفية، ومنهج لدراسة المعنى من الناحية التطورية "انظر الفصل الخاص بعلم الدلالة". 3- أما المسائل العامة، مثل علاقة اللغة بالفكر، واللغة من حيث نشأتها وتطورها، وانقسام اللغة إلى لهجات، وانبثاق "لغة عامة" عن لهجة أو عن مجموعة من اللهجات، فلكل منها اعتباراتها الخاصة التي ينبغي أن تراعى. 4- ومن أهم ما تعنى به الدراسة اللغوية الحديثة التمييز بين دراسة لغة ما في مرحلة معينة من مراحل تطورها، أي دراستها دراسة "وصفية"4 أو "حال استقرارها"5 أو "ثباتها"6 وبين دراستها من الناحية "التاريخية"7، أو "التطورية"8، أو "الحركية"9. 5- ولقد بينت في كتابي "اللغة والمجتمع: رأي ومنهج"10 أن النظرية "الكلاسيكية" في اللغة تقوم على أساس "منطقي" أو "رياضي" أو "نفسي"

_ 1 Morphology. 2 Syntax. 3 Semantics. 4 Descriptive. 5 Synchronistic "Synchronic". 6 Static. 7 Historical. 8 Dynamic. 9 Diachronistios "Diacronie". انظر في ترجمة هذه المصطلحات الستة ص15، 16 من كتابنا "اللغة والمجتمع رأي ومنهج" وبخاصة هامش ص16. 10 ارجع إلى البابين الأول والثاني وهما "وظيفة اللغة" أو "دراسة الوظيفة الاجتماعية للغة".

أو "آلي" تؤدي إلى اعتبار اللغة "مرآة" ينعكس عليها الفكر، أو أداة عاكسة للفكر، أو "مستودعا" للفكر المنعكس، أو وسيلة لتجسيم الفكر أو التعبير عنه، إلى أشباه هذا. أي أن وظيفة اللغة عند أصحاب هذه النظرية هي "التفاهم" أو "توصيل الفكر" أو "التعبير عن الفكر"، ولكن هذ الطريقة لا تمكن من تحليل جميع أشكال "السلوك الكلامي"1 فليس ثمة، "توصيل" للفكر في أنواع كثيرة من "الوظائف الكلامية"2 "كالمونولوج" ولا توصيل للفكر في استعمال اللغة في "السلوك الجماعي"3 كالصلاة والدعاء، وفي استعمال اللغة في المخاطبات الاجتماعية التي تستهدف غاية كلغة التحيات، وفي التلذذ بالأصوات واللعب بها. وذكرت أن الأصح والأدق أن ننظر إلى اللغة على أنها "وظيفة اجتماعية"4، على أنها طريقة من العمل5، ثم بينت بشيء من التفصيل طرق دراسة الوظيفة الاجتماعية للغة.

_ 1 Speech Behaviour. 2 Speech Functions. 3 Choric Behaviour. 4 Social Function. 5 Mode of Action.

علم اللغة انعكاس أو استنباطي

علم اللغة انعكاس أو استنباطي ... 9- علم اللغة انعكاسي 1 أو استبطاني 2: أ- إن علم اللغة يجابه صعوبة لا يواجهها سواه، فهو يدرس اللغة باللغة، أي مستعملا اللغة في تقرير دراسته. فمادة دراسته هي نفسها المادة التي يستعلمها للتعبير عنها لتقريرها. إن العالم اللغوي يستعمل اللغة عن اللغة، والكلمات عن الكلمات. ولما كان الباحث اللغوي عندما يقيم حقائقه مقيدا باللغة التي يصطنعها، فمن هنا كانت الدعوة الدائبة بين المحدثين من علماء اللغة إلى إعادة النظر في "لغتهم"، أي في المصطلحات التي يستعملونها. ومن أبرز الداعين إلى هذا أستاذي المرحوم ج. ر. فيرث3 فقد كان دائم التنبيه في محاضراته ومقالاته وكتبه إلى وجوب تطبيق "الوسيلة الدلالية"4 أي "وسيلة علم الدلالة"4 تاريخيا ووصفيا على "اللغة المستعملة عن اللغة"، فكان يدعو إلى فحص كلمات أساسية مثل phonolgy hponeme language speech conasonant Vowel phonetics ... إلخ5. كما كان دائم التحذير من الوقوع في الوهم الشائع، ألا وهو اعتقاد أن هذا المصطلح أو ذاك له دلالة واحدة عند جميع الكتاب على اختلاف عصورهم، أو حتى عند الكاتب الواحد في جميع ما يكتب، أو أن هذا المصطلح يطابق تمام المطابقة، ما يترجم به عادة في لغة أخرى من اللغات. ب- ليس في الدراسة اللغوية تطابق تام حقيقي في المصطلحات، فالعلم، أي علم، مشروط باللغة التي يؤدى بها فـ Gineral Linguistics في الإنجليزية لا تطابق La Linguistique Generale في الفرنسية، ولا Linguistics تطابق La Linguistiqie وليست Phonetics في الإنجليزية ليست La phonetique الفرنسية،

_ 1 Refixive. 2 lntroversive. 3 J R Firth. 4 The Thechinque of Semantics. 5 انظر مثلا: J R Firth The Semantics of linguistc Science Lingua Volume l 4 sept "1948".

وكلمة Son الفرنسية ليست Sound الإنجليزية في كل حال، Semantics غير La Semantique وهكذا. ليست مصطلحات علم اللغة مصطلحات عالمية، فلا بد من التنبه في كل حال إلى المقصود بالمصطلح في السياق الذي يقع فيه وعند الكاتب الذي يستعمله، إن كلمة مثل Semantique أول نشأتها، كانت تدل على دراسة التغير في معاني المفردات، أي على دراسة المعاني من الناحية التاريخية، ولكن مدلولها الآن يختلف عن هذا، وكذلك الحال في كلمة مثل Phoneme، ومدلولها القديم غير مدلولها المعاصر عند معظم الكتاب. إن علم اللغة الذي يؤدى باللغة الإنجليزية مثلا مقصود به العالم الذي يستعمله في جماعة تتكلم اللغة الإنجليزية. وهكذا فعلم اللغة في البلاد العربية يجب أن يؤدى بالعربية عن العربية، وعن غيرها من اللغات كالإنجليزية أو الألمانية، أو العبرية.

الباب الثاني: علم الأصوات اللغوية

الباب الثاني: علم الأصوات اللغوية مدخل ... عندما أنطق بهذه الكلمات، "علم الأصوات اللغوية" فأنا أقوم بجهود عضلية كثيرة، ثم تنتقل هذه "الأصوات" في الهواء إلى أذن السامع، أو آذان السامعين، وبعد أن تتلقاها طبلة أذن السامع، يقوم السامع بجهود "عقلية" أو "نفسية" لفهم "معاني" هذه الكلمات، ثم من الممكن، لو أتيح للسامع أن يتكلم، أن يصبح "المتكلم". هذا "الصوت الإنساني" وحده هو موضوع علم الأصوات اللغوية.

لمحة تاريخية

1- لمحة تاريخية: شغل اللغويون من قديم بالنظر في الأصوات اللغوية، ولكن ما أوصلهم إليه نظرهم لا يبلغ من الدقة والإتقان ما وصل إليه المحدثون في أوروبا وأمريكا وروسيا. ونقدم فيما يلي عرضا عاما للمحاولات القديمة التي تضمنت ملاحظات عن أصوات بعض اللغات: أ- وإن أقدم ما أثر من ذلك كان لعلماء مجهولين، فأقدم صور الكتابة "أو الخط" يتضمن كل منها إدراكا لأصوات لغة من اللغات؛ إذ تحاول أن تمثلها بعلامات كتابية منظورة. ب- وقد أثر عن اليونان وعن تلامذتهم الرومان وعن الهنود، وعن العرب ملاحظات صوتية كثيرة. والمادة الصوتية المأثورة عن اليونان نجدها في أقوال متناثرة في محاورات أفلاطون، وفي الشعر والخطابة لأرسطو، ونجد أكثرها في كتابات نحوييهم مثل ديونيزيوس ثراكس1، ودونيزيس هاليكارناسوس2. أما الرومان، وهم مقلدون في هذا الميدان كما قلدوا اليونان في أكثر المسائل الفكرية والثقافية، فنجد جانباكبيرا من المادة الصوتية المأثورة عنهم في كتابات نحوييهم مثل بريسكيان3، وترنتيانوس4، وماوروس فيكتورينوس5. ويلاحظ على الآراء الصوتية لقدماء اليونان والرومان أنها تقوم في جملتها على ملاحظات الآثار السمعية التي تتركها الأصوات في الأذن، وهي بهذا تختلف عن الآراء الصوتية لقدماء الهنود والعرب الذي أدركوا الأسس "الفسيولوجية" في تكوين الأصوات المختلفة.

_ 1 Dionysius Thrax. 2 Dionysius Of Halicarnarnassus. 3 Priscian. 4 Terentianus. 5 Maurus Victorinus.

1- لم يفطن اليونان إلى تقسيم أصوات لغتهم إلى القسمين الرئيسيين وهما "الأصوات المهموسة"1 و"الأصوات المجهورة"2 كما فطن إلى ذلك الهنود والعرب. معروف أن من الأصوات ما يكون الوتران الصوتيان في نطقه متباعدين بحيث إن الهواء الخارج من الرئتين لا يتذبذب، أو يتذبذ تذبذبا ضئيلا، فلا يحدث نغمة موسيقية، وذلك كالتاء والثاء والسين، هذا القسم سماه العرب "مهموسا". بينما يحدث في نطق أصوات أخرى أن يتقارب الوتران الصوتيان بحيث يذبذبهما في الهواء الخارج من الرئتين محدثا بذلك نغمة موسيقية"، وذلك كالدال والذال والزاي، هذا القسم الثاني سماه العرب "مجهورا". إن الذي صنعه اليونان هو أنهم صنفوا جانبا من أصوات اللغة اليونانية، وهو الأصوات "المغلقة"3، على أساس "شدة النفس"4 وهكذا أصبحت الأصوات التي يصدق عليها أنها "مهموسة" مقابلة في تصنيفهم للأصوات "الانفجارية النفسية"5 بدلا من أن تكون مقابلة لما يصدق عليها أنها "مجهورة" متوسطة بين "المهموسة" وبين "الانفجارية النفسية". 2- أما تصنيف الأصوات إلى "صامتة"6 وإلى "صائتة"7 فقد أدركه من اليونان والرومان والهنود والعرب. نمثل للصامتة أو "للصوامت" بكل الأصوات العربية فيما عدا "الحركات" و"حروف المد واللين". أما الحركات وحروف المد واللين "كألف "ما" وواو "ذو" وياء "في" فنحن نسميها "صائتة" أو "صوائت". وقد أطلق كل من اليونان والهنود اسما خاصا على كل من هاتين الطبقتين، فاليونان قد سموا ما نعرفه بالصامتة Sumphena، وسموا ما نعرفه بالصائتة

_ 1 Voiceless sounds. 2 Voiced sounds. 3 Mutes ويطلق هذا المصطلح على طبقة "الصوامت الانفجارية" Plosives ولا سيما المهموس منها "مثل K P T" كما تطلق على مجهورها " g - b - d" 4 lntensity Of asperation. 5 Asperates. 6 Consonants. 7 Vowels.

phoneenta. أما العرب فهم، وإن أدركوا أساس هذا التقسيم، إلا أنهم لم يطلقوا على كل قسم اسما يعرف به. ويلاحظ أن اليونان والهنود جميعا قد عرفوا "الصامت" بأنه الصوت الذي لا يتأتى نطقه دون "صائت"، أي أنه "غير مستقل"، بل معتمد على غيره. وعرفوا "الصائت" بأنه الصوت الذي يمكن نطقه وحده فهو مستقل، وهذا التعريف، وإن كان صادقا على أصوات اللغة اليونانية، وعلى أصوات اللغة السنسكريتية، إلا أنه لا يصلح أساسًا عامًّا تصنف بمقتضاه أصوات اللغات جميعا، ففي بعض اللغات كلمات مكونة من صامت واحد، أو صامتين، أو من صامت، وذلك مثل "f" في التشيكوسلوفاكية فهي كلمة، مثل "tz" في الصينية، ومثل "Krk" في اللغة الكرواتية. 3- وقد صنف كل من اليونان والرومان والهنود والعرب أصوات لغتهم حسب "موضع النطق"1 أو حسب "المخارج" إذا استعملنا المصطلح العربي القديم. ولكن تصنيف اليونان وتصنيف الرومان يقومان على ملاحظة الآثار السمعية للأصوات. لا على أسس فسيولوجية كالتصنيفين الهندي والعربي. فالتصنيفان اليوناني والروماني تنقصهما الدقة الواجبة في هذا المجال، أما التصنيفان الهندي والعربي فيقومان على فحص وظائف أعضاء النطق، وعلى تحديد مواضعها بالنسبة لكل صوت، وعلى درجة اتصالها. إلخ. وثمة تشابه كبير بين تصنيف الهنود لأصوات السنسكريتية حسب "المخارج" وبين تصنيف العرب لأصوات العربية على هذا الأساس، ومعروف أن التصنيف الهندي أقدم كثيرا من التصنيف العربي. ومن مظاهر التشابه أن الهنود يرتبون الأصوات ابتداء من أقصاها في الحلق إلى الشفتين ثم يذكرون الأصوات الأنفية، وهذا الترتيب هو الذي نجده عند الخليل بن أحمد الفراهيدي، وعند سيبويه، وهو الذي سار عليه المؤلفون العرب من بعد. 4- وقد أثر عن كل من اليونان والرومان والهنود والعرب تصنيف لأصوات لغتهم حسب "طريقة النطق"2 على خلاف بينها في التفصيلات وفي الأسس التي يقوم عليها كل منها.

_ 1 place Of articultion. 2 Manner Of articulation.

1- فاليونان قسموا ما نسميه بالصوامت إلى "أشباه صائتة"1. وإلى "مغلقة"2. وقد اعتبروا "أشباه الصائتة" متوسطة بين "الصوائت" و"المغلقة"، وعلى أساس أن "أشباه الصائتة"، وإن لم تكون "مقطعا"3 دون الاستعانة بصائت، إلا أنها على أقل يمكن أن تنطق وحدها. 2- أما الهنود فهم يقسمون "الصوامت" إلى مغلقة" و"أشباه صائتة" و"ضيقة"4. وقد أقاموا هذا التقسيم على أساس صوتي هو درجة تقارب أعضاء النطق عند نطق أصوات كل قسم من هذه الأقسام. 3- أما تصنيف العرب لأصوات العربية حسب ما نسميه الآن "طريقة النطق" فهو ذلك التصنيف الذي يرجع إلى سيبويه. والذي توضع الأصوات العربية على أساسه في ثلاث طبقات هي "الشديدة" و"الرخوة" و"ما بين الشديدة والرخوة". "والشديدة" في هذا التصنيف هي الهمزة والقاف، والكاف، والجيم، والطاء، والتاء والدال، والباء والرخوة هي الهاء، والحاء والغين، والخاء، والشين، والصاد والضاد، والزاي، والسين، والظاء، والثاء، والذال، والفاء. أما "ما بين الشديدة والرخوة" فتضم الهمزة، واللام، والميم، والراء، والواو، والألف "كألف "ما". جـ- ذكرنا في صدد الحديث عن الآراء الصوتية المآثورة عن اليونان والرومان شيئا مما أثر عن الهنود والعرب. ويجدر بنا أن نضيف إلى ما ذكرنا عن الهنود أمورا أخرى. الحق أن الآراء الصوتية المأثورة عن الهنود، وأن النحو الهندي عامة، قد أفادا الدراسة اللغوية الحديثة أيما فائدة. ومعرفتا بالسنسكريتية لا تعدو القرن الثامن عشر الميلادي عندما

_ 1 Hemiphona ويقابل هذا المصطلح بالإنجليزية Seme - Vowels. 2 aphona ويقابل هذا المصطلح بالإنجليزية Mutes. 3 syllables. 4 Spirants هذا المصطلح ترجمة تقريبية للمصطلح السنسكريتي الذي أطلقه نحاة الهند على مجموعة الصوامت التي تعرف الآن "بالأحناكية" Fricatives كالفاء، والسين، والزاي Z F S وقد يدخل فيه جماعة "أشباه الصوائت" " مثل Y-W".

كشف عنها سير وليم جونز1 الإنجليزي. كان الكشف عن السنسكريتية حدثا خطير الشأن في تطور الدراسات اللغوية من وجوه كثيرة. فهذا الكشف كان عاملًا هامًّا في إدراك العلاقة بين اللغات الهندية والإيرانية من ناحية. وبين بعض اللغات الأوروبية كاليونانية واللاتينية وما تفرع عنها من ناحية أخرى، وهكذا تطورت فكرة "العلائلات اللغوية" تطورا كبيرا. ولما كشفت السنسكريتية اطلع العلماء الغربيون على آثار نحوية وصوتية لنحاة الهند تبلغ غاية من الدقة في وصف الأصوات بوجه خاص. فاهتمام الهنود بكتبهم المقدسة قد دفعهم إلى وصف لغتهم وصفا دقيقا ولا سيما من الناحية الصوتية. والنحو الهندي يختلف عن النحو اليوناني في أنه لم يبن على أسس من المنطق، فهو قد حاول أن يدرس اللغة السنسكريتية دراسة وصفية في ذاتها ومن أجل ذاتها، ومن هنا كان توفيقه الكبير. ومن كتابات الهنود الصوتية: Rik veda praticakhya فـ atharva - veda praticakya فـ veda praticakya فـ praticakhya وقد ترجم هذه الدراسات إلى الإنجليزية اللغوي الأمريكي و. ج هويتني2 ونشرها في مجلة الجمعية الأمريكية للدراسات الشرقية3، وقد قام الأستاذ الهندي سيد شوار فارما بدراسة قيمة للآراء الصوتية لنحاة الهند القدماء نشرت بالإنجليزية سنة 1929 بعنوان: "دراسات نقدية في الملاحظات الصوتية للنحاة الهنود"4. د- أما العرب فقد أوردنا شيئا من آرائهم الصوتية فيما سبق من كلام. 1- ونكتفي هنا بأن نقول إن كثيرا من ملاحظاتهم الصوتية تستمد من مصادر مختلفة: تستمد من المحاولات التي قاموا بها لوضع الكتابة العربية،

_ 1 William Jones. 2 W. D. Whitney. 3 journal Of American Oriental Studies 1862 article Vol Vll pp 333 -615 Vol lX pp a-49. 4 Siddeshwar Varma Critical Studies ln The Phonehetic Observations of The lndian Grammarians The Royal Asiatic Society Londin 1929 "Printed By Billing And sons Ltd Guildford And Esher".

وللإصلاحات الكثيرة التي أدخلوها عليها، وذلك كالإصلاح المنسوب إلى أبي الأسود الدؤلي والخاص بوضع نقط تمثل الحركات القصيرة والتنوين، وكان ذلك قبل وضع "النحو" العربي، وكالإصلاحات التي تلت هذا والتي أضافت إلى الكتابة العربية علامات لخصائص صوتية أخرى. 2- وفي مقدمة كتاب "العين" للخليل بن أحمد، على خلاف في نسبته إليه، وإن كنا نرجح أن المقدمة من وضعه أو من إيحائه، تصنيف للأصوات العربية حسب موضع النطق. أحس الخليل أنه لا بد، كي يضع معجما جامعا لمفردات اللغة العربية، أن يرتب مواده على أساس معين. وقد اختار ترتيب المواد على أساس "الحروف" التي تتكون منها، واختار أن ترتب "الحروف" على أساس مخارجها، فبدأ من أقصاها في الحلق متقدما إلى الشفتين. ومن المعروف أنه سمى معجمه "بالعين" لأنه كان يرى أن العين هو أقصى الأصوات مخرجا في الحلق، وهذا الرأي خاطئ بطبيعة الحال، فهمزة القطع أقصى مخرجا من العين، وقد أدرك هذا تلميذه سيبويه. 3- وأيًّا ما كان فإن التصنيف المنسوب إلى الخليل لا يبلغ من الدقة والشمول ما يتسم به تصنيف سيبويه لأصوات العربية حسب "المخارج". ولم يقتصر سيبويه على هذا بل صنف الأصوات على أسس أخرى -كما ذكرنا- وأشار إلى الكثير من الخصائص الصوتية المختلفة. أورد سيبويه تصنيفه للأصوات العربية ووصفه لها في باب الإدغام، ومن الغريب أن سيبويه، وهو من تلامذة الخليل، لم يشر في كتابه إلى تصنيف الخليل، وهذا أمر يدعو إلى التساؤل. إن تصنيف سيبويه ووصفه للأصوات العربية دقيقان كل الدقة بالنسبة إلى عصره، وقد تناقلتهما التآليف العربية من بعده، وهما يذكراننا -كما يذكرنا تصنيف الخليل- بكثير مما ورد في كتب الهند. 4- هل أخذ العرب أصول تصنيف الأصوات ووصفها عن الهنود؟ أو هل تأثروا بهم في ذلك، ولا سيما أن ذلك قد ظهر عند العرب دفعة واحدة، وظهر عند

سيبويه "كاملا"؟ ثم إن دوائر البحور الشعرية التي وضعها الخليل صاحب "علم العروض" نجد شبيها لها عند الهنود من قبل. إن أخذ العرب عن الهنود في الميادين الصوتية واللغوية عامة أو تأثرهم بهم أمر محتمل نظرا، ولكنا لا نملك من الأدلة ما يدعونا إلى القطع بأن أخذا أو تأثرا قد حدث في هذا المجال أو ذاك. 5- ولا شك في أن كثيرا من "أصول" النحو العربي تقوم على أسس صوتية وذلك كالتصور الخاص بـ"الحرف"، و"الحرف المتحرك" و"الحرف الساكن"، وكمعاملة "حروف المد واللين" معاملة "السواكن" -مع التسليم بأنها من الطبقة التي ندعوها حديثا "الصوائت"، وليست من تلك التي نطلق عليها "الصوامت"- وكالعلاقة التي تصورها النحاة بين "الحرف" و"الحركة"، وبينه وبين "السكون" ... إلخ، وكتفسير كثير من الآثار "الإعرابية" التي تطرأ على بعض الكلمات ... إلخ. 6- أما العروض كما وضعه الخليل فهو يمدنا بمعلومات صوتية هامة عن تصور "المقطعية" العربية، فالخليل لم يقم نظامه العروضي على أساس الحرف -متحركا أو ساكنا- ليس غير "وإن كان الحرف المتحرك في العربية يكون "مقطعا" بل لجأ إلى نظام من "الأسباب" و"الأوتاد" و"الفواصل" اعتبرها العناصر التي تشترك في تكوين "التفاعيل. ولا يسمح هذا المجال بالإفاضة في بيان جوهر تصورات الخليل. 7- وفي ما يعرف بـ"علم الصرف" معلومات صوتية، فقد حاول الصرفيون -محاولاتهم الأولى ماثلة في كتابه سيبويه- أن يصفوا ما يطرأ على بنية الكلمة العربية المعربة من تغيرات: إما في تصرفاتها المختلفة "من إفراد وتثنية وجمع، وتذكير وتأنيث، وتصغير، ومبالغة، ونسب، وماض ومضارع وأمر ... إلخ"، وإما عند وقوعها في درج الكلام في سياقات صوتية معينة "كالإدغام، والوصل" إلى غير ذلك من المباحث الصرفية. 8- وفي كتب "اللغة" وفي مقدمات معظم المعاجم العربية معلومات عن أصوات اللغة العربية، وإن يكن أكثرها تردادا لكلام الخليل وسيبويه أو لكلامهما معا.

وبعد هؤلاء نجد من أعلام الصوتيات اللغوية في إنجلترا هنري سويت1، ثم والتر ربمان2، وفي الوقت الحاضر نجد دانيال جونز3 وبيتر ماكارثي4، الدكتورة أيدا وارد5، والأستاذ فيرث6. ونجد في فرنسا موريس جرامون7، وفي أمريكا كنث ل. بايك8 وستير تفانت9.

_ 1 Henry Sweet. 2 Walter Ripman. 3 Daniel Jones. 4 Peter Mac Carthy. 5 lda Ward. 6 J. R. Firth. 7 Maurice Grammont. 8 Kenneth L. pike. 9 Sturtevant.

علم الأصوات اللغوية في صورته الحاضرة

2- علم الأصوات اللغوية في صورته الحاضرة: بعد هذا العرض التاريخي السريع الموجز نأخذ في التعريف بعلم الأصوات اللغوية في صورته الحاضرة. أ- ذكرنا في مطلع هذا الفصل أن موضوع علم الأصوات اللغوية هو "الصوت الإنساني الحي"، هذا الصوت الإنساني الذي هو نموذج متكامل من نماذج السلوك الاجتماعي. 1- هذا الصوت يصدر عن "جهاز النطق الإنساني"1، وجهاز النطق الإنساني يشبه آلة موسيقية، أو هو أكمل آلة موسيقية من حيث المرونة، ومن حيث الإمكانيات، أعني من حيث القدرة على إخراج أنواع من الأصوات لا حد لها. وإذا كنا نسمي جانبا من أعضاء الإنسان بجهاز النطق الإنساني فهذه تسمية من وجهة نظر علماء الأصوات اللغوية. وإلا فإن الفم، والأنف، واللسان، والحلق، والرئتين، وسائر الأعضاء التي تشترك في تكوين أصوات اللغة. تؤدي وظائف ربما كانت أهم من ذلك لحياة الإنسان، فهي ضرورية بالنسبة للتنفس، وضرورية بالنسبة للأكل، فمن الناحية البيولوجية ليس لدى الإنسان "جهاز نطق". إن الإنسان استغل بعض أعضائه الموجودة لتأدية أغراض أصلية معينة كي يؤدي بها غرضا آخر اجتماعيا مستحدثا هو "الكلام" "انظر ص64-65". و"الكلام" عبارة عن سلسلة متصلة من الأصوات، اصطلح الناس على اعتبارها، أو على اعتبار مجموعات منها، رموزا لمعان خاصة. 2- وإن دراسة ما يسمى بـ"الحدث الكلامي"2، دون الإشارة إلى معناه، هو موضوع علم الأصوات اللغوية. وإن دراسة الصوت الإنساني الحي أمر على جانب كبير من الصعوبة، فنحن مضطرون لكي نصفه إلى أن نحلله إلى ما يسمى بـ"عناصر الكلام"3، فنحن إذن نقوم بعملية "تجريد". إن تحليل "السلسلة

_ 1 Organ of speech. 2 speecg event. 3 Elements Of speech.

الكلامية" إلى عناصر خاصة أمر تظهر صعوبته لو طلب إلينا أن نصف أصوات لغة لا نفهمها. إذا استمعنا مثلا إلى متكلم بلغة نيجيريا -ونحن نجهل لغته- وطلب منا أن نصف أصوات هذه اللغة وأن نصنفها فسنجد مشقة في معرفة الحدود بين صوت وآخر في السلسلة الكلامية، بل سنجد مشقة في تحديد أوائل الكلمات وخواتيمها. ولما كان "الصوت اللغوي"1 يصدر عن جهاز النطق الإنساني فهو يختلف عن سائر الأصوات التي تحدث عن أسباب أو أدوات أخرى. قد يحدث الصوت في العالم الطبيعي نتيجة لقرع جسم بجسم، أو احتكاك جسم بآخر! أو نفخ في جسم خاص أو لغير ذلك. ومعروف أن دراسة "الصوت"2 عامة موضوعه علم الطبيعة، أما الصوت اللغوي فهو، كما ذكرنا، موضوع علم الأصوات اللغوية. هذا الصوت الذي يحدثه جهاز النطق الإنساني ينتقل في الهواء، ثم تتلقاه أذن السامع، فمن واجب علم الأصوات اللغوية إذن أن يدرس ثلاث مسائل رئيسية: أولاها حركات المتكلم التي تحدث الصوت، أو إحداث المتكلم للصوت، وهذا الفرع يسمى الدراسة الصوتية الفسيولوجية3. وثانيها انتقال الصوت في الهواء، أو الموجات الصوتية، وهذه الدراسة تعرف بالدراسة الصوتية الفيزيقية4، أو بدراسة الموجات الصوتية اللغوية5. أما ثالث المسائل الرئيسية التي على علم الأصوات اللغوية أن يدرسها فهو استقبال أذن السامع للصوت، أو الدور الذي تقوم به طبلة أذن السامع لاستقبال الصوت. وقد وجه علماء الأصوات اللغوية أكبر عنايتهم إلى دراسة المسألة الأولى، ألا وهي: إحداث المتكلم للأصوات، وبذلوا جهودا في دراسة المسألة الثانية -وهي انتقال الأصوات في الهواء- أما المسألة الثالثة، وهي تلقي أذن السامع للأصوات، فلا تزال تنتظر الإفاضة في البحث.

_ 1 Linguistic Sound. 2 Sound. 3 Physiological Phonetics. 4 Physical Phonetics. 5 Acoustic Phonetics.

فعلم الأصوات اللغوية إذن يقنع من العمل الضخم، ألا وهو دراسة "الكلام"، بدراسة الصوت الحي للإنسان وهو يؤدي نشاطه اللغوي، بجانب جد ضئيل هو تحليل السلسلة الكلامية إلى العناصر التي يمكن تجريديها، ثم وصف الطريقة التي يتكون بها كل عنصر من هذه العناصر، وبيان كيفية انتقالها في الهواء، وذكر خصائصها المميزة لها ثم تصنيفها على أسس معينة. ومن هنا كان هذا العلم ذا أهمية جوهرية بالنسبة لسائر فروع علم اللغة، إنه حجر الأساس بالنسبة لأي دراسة لغوية أخرى كالنحو، أو النحو المقارن، أو دراسة المعنى1. 3- هذا العلم يستعين في بعض جوانب دراسته بمعلومات يستمدها من علوم أخرى، كما أنه يستخدم وسائل خاصة به. فهو في وصف جهاز النطق الإنساني يعول على علم التشريح، ولكنه يكتفي من ذلك بالقدر الذي يراه صالحا للوفاء بأغراضه، فالتفصيلات الكثيرة في وصف الأعضاء يستغني عنها هذا العلم عندما تكون غير ذات دلالة بالنسبة إليه. هذا الوصف لجهاز النطق الإنساني من أول ما يبدأ به هذا العلم؛ لأنه يبين لنا إمكانيات كل عضو، وما ينتج عن العلاقات والارتباطات المختلفة بين الأعضاء المختلفة. وقد ذكرنا أن دراسة انتقال الأصوات في الهواء تعتمد اعتمادا كبيرا على علم الطبيعة "الفيزيقا، الفيزياء". ومن الوسائل الهامة التي يلجأ إليها علم الأصوات اللغوية ما يعرف "بالدراسة الصوتية التجريبية"2 أو "الآلية"3 وما يعرف بـ"الكتابة الصوتية"4. 4- ونرى قبل أن نتحدث عن هاتين الوسيلتين أن نعرض رءوس الموضوعات التي يتناولها علم الأصوات اللغوية. أكثر المختصرات الحديثة في هذا العلم تبدأ بمقدمة في تعريف "الكلام"، وفي بيان الفرق بين "الكلمة الملفوظة"5 و"الكلمة المكتوبة"6 وقد تتحدث عن "الكتابة الصوتية" وعن الدراسة "الصوتية التجريبية". ثم تأخذ في وصف جهاز النطق الإنساني، وبعدها تنتقل إلى "تصنيف

_ 1 انظر في هذه الفقرة: Firth: Tongues of Men pp 31-32. 2 Experimental phonetics. 3 lntsrumental phonetics. 4 phonetic Transcrption. 5 Spoken Word. 6 Written Word.

الأصوات"1 إلى "مهموسة" و"مجهورة"، ثم تدرس الأصوات حسب "طريقة النطق"، ثم حسب "موضع النطق"، ثم تنتقل إلى تصنيفها إلى "صائتة" و"صامتة"، ثم تأخذ في التفصيل في دراسة الأصوات الصائتة ثم في دراسة الصامتة. ثم تشرع بعد ذلك في التعرض لما يعرف بخصائص الأصوات، فثمة خصائص أخرى غير ما تتميز به الأصوات من أنها مهموسة أو مجهورة أو ... إلخ، خصائص تلحق بالصوت نتيجة ارتباطه مع غيره في الكلمة وفي الكلام. ومن ذلك دراسة "الارتكاز"2، ودراسة طبيعة الصوت وما يتصف به من "درجة" و"شدة" ودراسة "نغمة" الكلمة والكلام "انظر التعريف بشيء من هذه المسائل في أواخر هذا الفصل". ومن المعروف أنه في ثنايا ذلك كله يلجأ المؤلف إلى تمثيل الصوت أو النطق في الكتابة برموز صوتية خاصة. وقد يلحق ببعض المختصرات قوائم لمفردات يصعب نطقها، ولبعض أسماء الأعلام، ولبعض الكلمات الأجنبية المتداولة في اللغة موضوع الدرس، كل ذلك يكتب بالأبجدية العادية ويمثل بالرموز الصوتية التي تصور النطق الصحيح.

_ 1 Classification of Sounds. 2 Stress.

الدراسة الصوتية الآلية

3- الدراسة الصوتية الآلية: أ- ذكرنا أننا في العصر الحاضر ندرك الأصوات خيرًا من إدراك اليونان والرومان والهنود والعرب لها. ومرجع ذلك إلى جملة أسباب منها أن معلوماتنا عن أعضاء النطق تشريحا وعملا، وعن علم الطبيعة تفوق ما كان يعرفه الأقدمون من ذلك، ومنها: أننا نقارن أصوات لغات كثيرة مختلفة ولا شك في أن خير وسيلة لتحديد خواص موضوع ما، هي -كما يقول موريس جرامون1- أن نقارنه بموضوعات مماثلة ليس لها خواصه نفسها، أو تتصف بها هي نفسها ولكن بدرجة مختلفة. ومن أخص هذه الأسباب وأهمها أننا -حتى لو صح أن آذاننا لا تحسن السماع إحسان القدماء له- أننا نملك من وسائل الملاحظة والفحص والإبانة، ومن وسائل تسجيل ثمار الدراسة ما لم يكونوا يملكون. ولا يزال علماء الأصوات اللغوية، عاكفين على التحسين من وسائلهم، وعلى الإضافة إليها. ب- ونأخذ الآن في التعريف بالوسائل الآلية التي يلجأ إليها علم الأصوات اللغوية. والبحث في هذه الوسائل الآلية وطرق استخدامها موضوعه "الدراسة الصوتية التجريبية"، أو "الدراسة الصوتية الآلية" كما يؤثر بعض العلماء أن يسموا هذا الفرع من فروع علم الأصوات اللغوية، نحن نستطيع الآن أن نلاحظ كل عضو من أعضاء النطق وهو يؤدي وظيفته عن طريق المجاهر، أو عن طريق التصوير بأشعة إكس، أو بغير هاتين الطريقتين، ونستطيع أن نحدد تحديدا مضبوطا موضع كل عضو من الأعضاء التي تشترك في إحداث صوت ما عن طريق ما يسمى بـ"الحنك الصناعي"2، وعن طريق التصوير بأشعة إكس3، كما أننا نستطيع أن نسجل الصوت تسجيلًا آليًّا، وأن نفسر هذا التسجيل من الناحية الصوتية تفسيرا يزيد من معلوماتنا عن هذا الصوت. 1- من أبسط هذه الوسائل الآلية مرآة صغيرة مثبت بها يد طويلة، هذه المرآة تسمى "مجهر الحنجرة"4. يوضع مجهر الحنجرة بصورة خاصة داخل الفم.

_ 1 Maurice Crammont Traite de Phonetique p 34 2 eme ed Pares 1939. 2 Arificial Palate. 3 X Ray Photography. 4 Laryngoscope لمجهر الحنجرة صور كثيرة، وهو في أبسط صورة مرآة صغيرة مستديرة قطرها حوالي ثلاثة أرباع بوصة، مثبت بها يد طويلة، والتقاء اليد بالمرآة يكون زاوية قدرها 120 درجة.

ويضغط على أقصى الحنك الأعلى، ويكيف وضعه بحيث ينعكس ضوء قوي على داخل الحلق فيظهر في المرآة الحنجرة وهذا المجهر يمكن من رؤية الوترين الصوتيين في حالة إخراج "النفس"1 -أي عندما يكونان متباعدين، وهذا الوضع هو الذي يتخذه الوتران الصوتيان عند نطق الأصوات "المهموسة" كالسين- ويمكن من رؤيتهما حال تذبذبهما تذبذبا منغما، أي عندما يتقاربان بدرجة تسمح للهواء المار بينهما أن ينغم، وهذا هو وضعهما عند نطق الأصوات "المجهورة" كالزاي. وهكذا ندرك أن الفارق بين السين والزاي هو أن الأول "مهموس" والثاني "مجهور". 2- وثمة آلة أخرى لإثبات "المجهر" تعرف بآلة تسوندبيرجيت2. هذه الآلة صفحة معدنية مثبت بأحد طرفيها مقبض، وفوق طرف الصحفة المعدنية البعيد عن المقبض كرة معدنية. فإذا وضع المختبر الصفحة المعدنية على أحد جانبي الحنجرة -بحيث تكون الكرة المعدنية إلى الخارج- ثم نطق بصوت مجهور مثل الباء وأتبعه بنطق مهموس هذ الصوت وهو الـ"p" أو بنطق أي مهموس، وجد أن الكرة المعدنية في حالة نطق المجهور تتحرك على الصفحة المعدنية حركات سريعة بينما لا تتحرك في حالة نطق المهموس. وقد ظهر أن هذه الآلة وأمثالها صالحة كل الصلاحية في حالة "الصوامت المجهورة"3 وفي حالة "الصوامت الضيقة"4، ولكنها لا تستجيب دائما استجابة جيدة في حالة "الصوائت المنفتحة"5 وخاصة "الصوائت المتفتحة الأمامية"6 مثل"a". وأيًّا ما كان فمن المستطاع إدراك الجهر بطريقة بسيطة هي وضع الإصبع على "تفاحة آدم"7 فنحس بشيء من الذبذبة إذا نطقنا المجهور مثل "v"، ولا نحس بشيء من ذلك إذا نطقنا المهموس مثل "f".

_ 1 Breath. 2 Zund - Burguets Voice lndicator. 3 Voiced Consonants. 4 Close Vowels. 5 Open Vowels. 6 Front Open Vowels. 7 Adams Apple.

3- ومن الآلات الأخرى -وأكثر استعمالها للتوضيح والتدريس لا للدراسة- آلة شيندلر وهوير1، نسبة إلى صانعيها الألمانيين وهما في جوتنجن Gotting - en وهذه الآلة مفيدة لتوضيح بعض خواص الأصوات "الصائتة". فالصفات المميزة للصوائت تعتمد على شكل الممر المفتوح فوق الحنجرة، هذا الممر الذي يكون فراغا رنانا يغير نوع الصوت الحادث عن ذبذبة الوترين الصوتيين. هذه الآلة تتكون من فراغ رنان أسطواني الشكل، وهذا الفراغ الرنان مفتوح من أحد طرفيه، وهو مجهز بكابس2 له مقبض يخرج من الفراغ الرنان الأسطواني. وكلا الكابس والمقبض مجوف. الكابس لسان يشبه لسان مبسم المزمار، فإذا نفخ في المقبض من طرفه الخارجي فإنه يحدث عن "اللسان"3 صوت موسيقى ذو درجة4 خاصة. ونوع هذا الصوت يتوقف على طول جزء "الفراغ الرنان"5 الواقع خلف الكابس مباشرة، فبتغيير وضع الكابس نحصل على أصوات ذات أنواع متمايزة. وقد لوحظ أن بعض الأصوات الناتجة عن استعمال هذه الآلة تشبه إلى حد كبير بعض الصوائت المشهورة. وواضح أنه يمكن اتخاذ الناي والمزمار للوفاء بالغرض الذي تؤديه هذه الآلة. فمعروف أن المزمار العادي، تختلف الأصوات أو "النغمات" الصادرة عنه لجملة أسباب منها اختلاف وضع الأصابع على الثقوب؛ وذلك لأن الأوضاع المختلفة للأصابع على الثقوب تكبر أو تصغر من حجم الفراغ الرنان. فإذا نفخنا في المزمار وكان الفراغ الرنان كبيرا نتج صوت ذو طبيعة مخالفة لطبيعة الصوت الحادث لو نفخنا بنفس القوة وكان حجم الفراغ الرنان أكبر أو أصغر. هذه الآلات التي تحدثنا عنها آلات أولية، وهي أصلح للتدريس والبيان لا للبحث والدراسة. 4- ولكن من أهم ما يعتمد عليه علم الأصوات في الدرس، وما قد يكمل ملاحظة الأذن والعين، ما يعرف "بالبلاتوجرافيا" أي طريقة "الأحناك الصناعية"6.

_ 1 Spindler Hoyer. 2 Piston. 3 Reed. 4 Pitch. 5 Resonacce chambre. 6 Palatography.

في قدرة أي طبيب أسنان أن يصنع "أحناكا صناعية"1، معدنية أو مطاطية وينبغي أن يكون الحنك الصناعي رقيقا جدا، وأن يطابق فم الشخص الذي سيقوم بالاختبار كل المطابقة حتى يلزم مكانه عند الاستعمال، كما ينبغي أن يزود بقطع بارزة في مقدمته حتى تسهل إزالته من الفم ويستحسن أن يصنع الحنك من مادة سوداء اللون، وإلا وجب تسويد صفحته السفلى، أي المقابلة لظاهر اللسان بصبغ أسود. وعند استخدام "الحنك الصناعي" يضع المختبر على صفحته التي ستقابل ظاهر اللسان مادة جيرية "كالطباشير" مسحوقة سحقا تاما، ثم يدخله في فمه. فإذا نطق المختبر صوتا من الأصوات التي يلتقي فيه اللسان بموضع ما في سقف الحنك، كالشين والكاف، فسنجد أن اللسان يزيل المادة الجيرية في موضع الالتقاء. يخرج المختبر "الحنك الصناعي" بعناية، ثم يفحص الآثار التي تركها اللسان عليه. ويستطيع كذلك أن يصور هذه الآثار فوتوغرافيا، أو أن ينسخها على رسوم تخطيطية للحنك الصناعي، وله كذلك أن يضع الحنك الصناعي بعد إجراء الاختبار داخل إناء زجاجي مضاء، بحيث تظهر صورته على خارجه، وينسخه على ورق، ويحتفظ به لدراسته ومقارنته بغيره. وهذ الرسم، الذي يبين الموضع أو المواضع التي يلتقي فيها اللسان بالحنك الأعلى عند نطق بعض الأصوات، يعرف بـ"رسم الحنك"2. ولكن من الملاحظ أن هذه الطريقة، طريقة الأحناك الصناعية، لا يتأتى استخدامها عند نطق جميع الأصوات، فثمة أصوات تتكون في همزة كهمزة القطع، وهناك أصوات حلقية كالعين والحاء، وهي أصوات لا يكون للسان في تكوينها أثر يذكر. فوسيلة الأحناك الصناعية، ولو أنها وسيلة صالحة وهامة، إلا أن استخدامها مقصور على بعض الأصوات. ثم إنه من الواجب اختيار أصوات معينة أو كلمات خاصة عند استخدام هذه الوسيلة، وإلا لما أمكن أن تؤدي وظيفتها على وجه مرض. فأنا لو حاولت أن النطق كلمة يلتقي فيها اللسان بالحنك الأعلى في أكثر من موضع وكانت هذه المواضع متداخلة لاختلطت الآثار التي يتركها اللسان على

_ 1 Artificial Palates. 2 Palatgram.

الحنك الصناعي. إذن يجب أن تختار الكلمة بحيث لا يلتقي بالحنك فيها إلا صوت واحد، أو صوتان يلتقي اللسان عند نطقهما بموضعين متباعدين من الحنك. 5- ومن الوسائل الآلية الهامة التي يصطنعها علم الأصوات اللغوية ما يعرف بـ"الكيموجراف"1 وللكيموجراف صور كثيرة، وأحدث صورة وأدقها تختلف كثيرا عن أول ما عرف منه، ولا يزال العلماء يدخلون عليه تحسينات وتبسيطات حتى يكون أسهل استعمالا وأكثر إنتاجا. وأبسط تعريف به أن نقول: إنه أسطوانة تتحرك بدرجة منتظمة، وهناك سن تدور حول هذه الأسطوانة، فإذا نطق المتكلم من مكان معين تحركت السن حركات معينة تبعا لطبيعة ما ينطق به. وهذه السن تسجل أثر النطق في خطوط بعضها متموج، وبعضها كثير الذبذبات وهكذا. هذه الخطوط تنقل، وتصور، وتحلل من الناحية الصوتية. فالغرض من الكميوجراف إذن أن تعطي آثارا مدونة تمثل حركات أعضاء النطق المختلفة، والمجهود الذي تبذله، والدور الذي تؤديه، وتمثل شيئا من صفات بعض الأصوات. ومن الملاحظ أن ما نسميه بالأصوات المجهورة كالسين تظهر ممثلة في الكميوجراف بصورة ذبذبات سريعة، أما المهموسة كالخاء: فتظهر بصورة خطوط غير شديدة التذبذب. 6- ومن الأجهزة الحديثة التي يستعين بها علم الأصوات اللغوية "الأوسويلوجراف"2. والأوسويلوجراف يعطي آثارا كتابية تمثل السلسلة الكلامية التي يراد اختبارها. ومما هو جدير بالذكر، أن الآثار الممثلة لأي سلسلة كلامية تكاد تتكون من عدد كبير من عناصر صغيرة لا يتطابق اثنان منها قط كل التطابق، أي أنها شاهد على أنه من النادر أن نجد "قطعا"3 من سلسلة كلامية تظل فيها طبيعة الصوت، وشدته ودرجته على شكل واحد مدة واضحة؛ وذلك لأنه من النادر أن نجد نوع الصوت الذي يمثله الأوسويلوجراف بموجات متتالية بشكل واحد. ولذلك فإن نقطة الانفصال بين صوت وبين الذي يليه في السلسلة الكلامية، لا تطابق أي تغير فجائي في نموذج الآثار التي يعطيها الأوسويلوجراف؛ إذ إن هذه النقطة تكون أي نقطة في مرحلة الانتقال بين الصوتين تُختار على أسس لغوية4.

_ 1 Kymograph. 2 Oscillograph. 3 Sections. 4 Daniel Jones The Phoneme pp 1-2.

7- ذكرنا أن بعض الأصوات لا يتأتى فحص موضع نطقه بطريقة الأحناك الصناعية. وثمة طريقة أخرى تظهر لنا ما يدور في جهاز النطق الإنساني عند نطق أصوات كالحاء والعين وهما حلقيان. فبالاستعانة بالتصوير بأشعة إكس، نستطيع أن نرى شكل الفراغ الحلقي عند نطق هذين الصوتين وما إليهما. كما أن التصوير بأشعة إكس يستعان به لتصوير مواضع اللسان عند نطق الصوائت الخاصة، ويتأتى ذلك بوضع شريط معدني رقيق على ظاهر اللسان. وأيًّا ما كان فإن هذه الطريقة يعتورها شيء من القصور إذ لا بد أن يصور المتكلم من زاوية خاصة، ولا يميل العلماء إلى تصديق دلالتها إلا إذا أيدتها وسائل أخرى. 8- وما دمنا بصدد الحديث عن التصوير بأشعة إكس فلننتقل إلى بيان وجه الاستعانة بالتصوير السينمائي الناطق. عند كلامنا عن الأوسويلوجراف ذكرنا أن تقسيم علماء اللغة للسلسلة الكلامية إلى "عناصر" بقصد الدراسة تقسيم لا يؤيده الواقع الفسيولوجي: فإذا صورنا شخصا ينطق كلمة ما تصويرا سينمائيا ناطقا فإن هذا "المشهد" لا يبدو في "سلبية" أو صورة واحدة بل في عشرات من الصور تصور بالترتيب وبالتفصيل الحركات والأوضاع المختلفة التي تقوم بها أعضاء النطق وغيرها من الأعضاء الإنسانية لنطق هذه الكلمة. هذه الصور تدرس لمعرفة دلالتها الصوتية وسنجد أنه ليس من السهل أن نعثر على "صورة" تمثل أن المتكلم هنا قد فرغ من نطق صوت، وأخذ في نطق الذي يليه، بل سنتبين أن أعضاء النطق تكون أحيانا متهيئة لنطق الصوت التالي قبل أن تفرغ من نطق الصوت السابق. 9- من البديهي أن تستعين الدراسة الصوتية اللغوية بآلات تسجيل الأصوات حتى يتيسر تسجيل نتائج الدراسة والاحتفاظ بها والاستعانة بها في المقارنة وعند التدريس، كما أنه يستعان بها على تسجيل نماذج من الكلام المختلف في البيئات المختلفة. ولا شك أنه لو حفظت تسجيلات علمية دقيقة للغة من اللغات تمثل أنظمتها الصوتية ونطقها مدى قرنين مثلا لكان من اليسير على علماء المستقبل أن يستنتجوا ما يكون قد أصاب بعض الأصوات، أو بعض الخصائص الصوتية من تطورات.

10- ومن المحاولات التي تقوم بها الدراسة الصوتية الآلية الآن تكبير الحفائر التي تكون على أسطوانات الجراموفون بآلة خاصة؛ وذلك لأنه لما كانت الحفائر الموجودة على أسطوانة ما تسجيلا لنطق أصوات معينة، ولما كانت هي نفسها تخرج نفس هذه الأصوات فإن دراستها ذات أهمية كبرى لعلم الأصوات اللغوية. ولكن علماء الأصوات اللغوية لم ينجحوا إلى الآن في تفسير دلالات أمثال هذه الحفائر من الناحية الصوتية تفسيرا مرضيا. 11- وأي "معمل" لدراسة الأصوات اللغوية نجده مذودا بمكتبة من "الأسطوانات" التي سجل عليها خلاصات دراسات صوتية معينة، ودراسات خاصة بأصوات لغات ولهجات كثيرة متنوعة، وأسطوانات مسجل عليها قراءات لنصوص مختارة، نصوص من الأدب الكلاسيكي، ونصوص من اللهجة العامية ... إلخ، والعادة أن يكون لكل أسطوانة "دليل" مدون فيه بالحروف الصوتية النص المسجل على الأسطوانة. وإن إطالة الاستماع إلى هذه الأسطوانات ضرورية لتكوين الأذن المرهفة وهي عنصر أساسي من عناصر الثقافة الصوتية، كما أنه يمكن استخدام بعضها في تعليم الناشئة نطق اللغات الأجنبية. 12- ولا يخلو أي "معمل" لدراسة الأصوات اللغوية من عدد كبير من النماذج والخرائط، فنجد نموذجا لأعضاء النطق مجتمعة من نموذج للحنجرة في أكثر من وضع من الأوضاع. التي تتخذها عند نطق الأصوات المختلفة، ونموذجا للأذن ... إلخ. كما نجد خرائط تمثل أعضاء النطق عند إحداث بعض الأصوات وهذه النماذج والخرائط ذات فائدة كبرى في تدريس علم الأصوات اللغوية. بعد هذا التعريف بما يستخدمه علم الأصوات اللغوية من آلات وأجهزة وما إليها، سواء للبحث أو للتدريس، يجدر بنا أن نذكر أن الأذن السليمة المرهفة المدربة هي المعتمد الأساسي لدارسي الأصوات1.

_ 1 رجعنا في التعريف بالدراسة الصوتية الآلية إلى ما ورد عنها في المراجع الآتية خاصة: D. Jones: English Phonetics. D. Jones: The Phoneme. j. R. Firth: The Tongues of Men Men Watts Co London. j. R. Firth: word Palatograms and Articulation Bulletin of the School of =Oriental

والآن ننتقل إلى الحديث عن وسيلة ضرورية من وسائل هذا العلم، وهي الكتابة الصوتية.

_ =African Studies Xll 3 4 1948. published in Papers nl Linguistics 1934 1951 by J R Firth Oxford University prees 1957 pp 148 155. - J R Firth "With H J Adam" lmproved Techniques in Palaography Bulletin of the School of Oriental African Studies Xlll 3 1950. Alwon Published in "Papers ln Linguisstics By J R Firh pp 173 176. - Leonard Bloomfild: Language pp 75-076. - Bertil Mallmberg La Phonetique pp 103 107 "Que - sais- Je 637 Presses Universit taires De France Paris 1954. - Maurice Grammont Traite de Phonetique.

الكتابة الصوتية

4- الكتابة الصوتية 1: يصطنع علم الأصوات اللغوية وسائل مختلفة لتحقيق غاياته، منها: استعانته ببعض الآلات. وقد عرضنا لهذا الجانب. ومنها: استعانته بنظام خاص من الرموز الكتابية. أ- لما كان علم الأصوات اللغوية هو العلم الذي يحلل ويسجل الأصوات وغيرها من عناصر الكلام، واستعمالها وتوزيعها في الكلام المتصل، فقد وجد أنه لا بد له كي يسجل الأصوات الكلامية تسجيلا كتابيا لا غموض فيه، من استعمال ما يسمى في الاصطلاح "ألف باء صوتية" أو "أبجدية صوتية"2. هذه الألف باء الصوتية عبارة عن مجموعة اصطلاحية من الرموز الكتابية تكون نظاما صالحا لتسجيل أصوات لغة من اللغات تسجيلا دقيقا، ويسمى تسجيل الكلام بهذه "الرموز" كتابة صوتية، والمبدأ العام الذي يراعى في الألف باء الصوتية هو تخصيص حرف واحد "ونريد "بالحرف" هنا الرمز الكتابي" ليس غير لكل "فونيم"3، من فونيمات اللغة موضع الدرس. ولن نحاول الآن التفصيل في تعريف "الفونيم" فالكلام في هذا طويل متشعب، ولعلماء اللغة والأصوات اللغوية نظريات متعددة في تحديد المقصود به، وحسبنا هنا أن نقول إنه يلاحظ في دراسة أي لغة من اللغات أن مجموعة من الأصوات المتمايزة ينبغي اعتبارها كما لو كانت صوتا واحدا من وجهة نظر الكتابة، والنحو، والدلالة. ومثال ذلك أن صوت السين في كلمة "سلا" مختلف عن صوت السين في كلمة "سطا" وأن "الفتحة" التالية في الباء في كلمة "بطر" مختلفة عن صوت الفتحة التالية لصوت الباء في كلمة "برد" ومع ذلك فقد وجد، على أسس لغوية، أن الصوتين الأولين في المثالين الأولين "صوت" أو "فونيم" واحد، كما وجد أن من الملائم للأهداف اللغوية العملية اعتبار فتحتي "برد" و"بطر" كما لو كانتا صوتا واحدا. وإذا استمعنا إلى الكلمات الإنجليزية "Cool - Call - Keeps" لاحظنا أن مخرج صوت الكاف في الكلمة الأولى أمامي بالنسبة لصوت الكاف في الكلمتين الأخيرتين، أي

_ 1 Phonetic Transcription. 2 Phonetic Alphabet. 3 phoneme.

أن كلا من هذه الكافات من الناحية الصوتية الخالصة صوت متميز، ولكنها جميعا تعامل كما لو كانت صوتا واحدا. أمثال هذه الأصوات يسميها الأستاذ دانيال جونز1 عائلة صوتية واحدة، تتكون من صوت أساسي إلى جوار أصوات متصلة به، ويطلق لفظ "الفونيم" على مثل هذه العائلة الصوتية، ويعد الأصوات التي تتكون منها "أفراد" هذه العائلة. أي أنه ليس كل "صوت" مسموع في لغة من اللغات "فونيما" من فونيمات هذه اللغة. ومما يقرب هذا إلى الأذهان أن صوت الصاد مسموع في الإنجليزية في مثل Sun "بمعنى شمس" وSon "بمعنى ابن" ولكنه لا يعد من فونيمات هذه اللغة؛ وذلك لأنه لا يستخدم في الإنجليزية للتفريق بين المعاني، أي أنه لا يوجد في الإنجليزية كلمتان لكل منهما معنى مستقل، وتطابق أصوات إحداهما أصوات الأخرى، إلا أنه يقابل السين في إحداهما الصاد في الثانية، كما نجد في العربية "سبر" مقابلة "صبر"، ولذلك فالصاد في العربية فونيم، والسين فونيم. أما صوت الصاد المسموع في الإنجليزية فهو فرع من الفونيم المعروف بالسين. فلا تحتاج الكتابة الصوتية الممثلة للإنجليزية إلى رمز الصاد بينما تحتاج إليه الكتابة الصوتية الممثلة للعربية. قلنا إن المبدا العام في الكتابة الصوتية العملية هو الاكتفاء باستعمال رموز لتمثيل "الفونيمات"، وهذا يتضمن عدم استعمال رموز لتمثيل الأفراد الثانوية للفونيمات. والواقع أن هذه الأخيرة تحددها في معظم اللغات مبادئ بسيطة يسهل تقريرها منذ البدء، وتقبل على أنها مسلمات في قراءة النصوص الصوتية. والكتابة الصوتية التي تكون مبنية على "حرف واحد لفونيم واحد" تسمى كتابة صوتية واسعة، أو عريضة2. أما تلك التي تزيد رموزا خاصة للأعضاء الفرعية للفونيمات فتسمى "كتابة صوتية ضيقة"3، ويجدر بنا أن نذكر أن "الألف باء الصوتية" لا هي علم الأصوات اللغوية، ولا هي علم الأصوات اللغوية، إنها وسيلة لم يجد علم الأصوات اللغوية غنى عن استعمالها، فبدونها يكون وصف الاستعمالات الكلامية، وتسجيلها بصورة دقيقة، أمرا عسيرا، قليل الجدوى قابلا لخطأ التأويل. ب- وقد يسأل جماعة. لِمَ لَمْ تتخذ الأبجدية العادية وسيلة لتمثيل الأصوات اللغوية؟

_ 1 انظر كتابية السابقين. 2 Broad Trnscription. 3 Narrow Transcription.

الواقع أنه ما من أبجدية من الأبجديات المعروفة تفي بتسجيل الأصوات حق الوفاء، فجلها فيه نقائص وعيوب لا تمكنه من تأدية هذه الغاية. نعم إن المبدأ الذي تقوم عليه الألف باء الصوتية، أي مبدأ "رمز واحد لكل فونيم"، أساس من الأسس التي قام عليها كثير من الأبجديات التقليدية، ولكن هذه لا تحققه تحقيقا ينهض بأغراض الدراسة اللغوية. نعم إنها تختلف فيما بينها في درجة تمثيلها الصادق للأصوات، فالكتابة الإسبانية والكتابة البولندية والبوهيمية والفنلندية خير حظا من كثير من الكتابات التقليدية، حيث شكلها، أو راجعها علماء أدركوا النظام الفونيمي للغتهم، ولكنها جميعا قاصرة، على الرغم من ذلك، عن أن تكون وسيلة عالم الأصوات اللغوية. وإذا نظرنا إلى الكتابة العربية -وهي في هذه الناحية أحسن حظا من كثير من الكتابات- وجدناها مثلا تستعمل حرفًا واحدًا هو الواو "و" دلالة على الفونيم الأول في كلمة "وعى" -وهو يندرج تحت طبقة الصوامت1-، وللدلالة على فونيم، مخالف كل المخالفة، وهو "الصوت الصائت الطويل"2 في كلمة مثل "يقول". كذلك حرف الياء "ي" يمثل الفونيم الأول في كلمة مثل "يسمع"، ويمثل الفونيم الأخير -وهو صوت صائت طويل- في كلمة مثل "القاضي". وإذا انتقلنا إلى الكتابة الإنجليزية وجدنا أنها أبعد من أن تكون كتابة صوتية، إذ إنها تعطي القارئ فكرة دقيقة عن "الترتيب الصوتي"، تلك الفكرة التي يحتاج إليها دارس اللغة الإنجليزية المنطوقة. ولما كانت الإنجليزية تستعمل في كتابتها الحروف اللاتينية، ولما كانت لغات أخرى تستعمل في كتابتها نفس الحروف، فإن الفرنسي مثلا عندما يأخذ في نطق الإنجليزية فهو ينسب إلى الحروف القيم التي تعود أن ينسبها إلى لغته، أي أنه ينسب إليها قيما غير تلك التي ينسبها إليها أصحاب اللغة، وذلك مثل "a" في gate "i" في "Find" و"u" في Tune. نعم إنه من السهل على الأجنبي أن يتعلم هذه القيم الإنجليزية في هذه الكلمات، ولكن الصعوبة تنشأ من أن هذه

_ 1 Consonants. 2 Long - Vowel.

الحروف لا تنسب إليها نفس القيم في كل كلمة إنجليزية أو فرنسية تستعمل فيها: فالقيمة المنسبة لـ"a" في gatte غير تلك المنسبة إليها في كل من fat. any. fall. father. وينتج عن عدم الاطراد هذا، أن الأجنبي، الذي يعتمد اعتمادا كليا على الكتابة العادية، يكون في حالات لا حصر لها عاجزا عن أن يعرف الأصوات التي عليه أن ينطقها، ويخطئ باستمرار نطق الكلمات. ويمكن تجنب مثل هذه الأخطاء في النطق باستعمال "الكتابة الصوتية". ثم إن عدد الحروف التي تتكون منها أي أبجدية من الأبجديات التقليدية لا يكفي لتمثيل الأصوات المستعملة في اللغات المختلفة. ولكن ينبغي أن نقرر أن الكتابات الصوتية لا فائدة من ورائها لأولئك الذين لم يتعلموا تكوين الأصوات التي تمثلها "الحروف الصوتية"1. وإن الناشئ الذي تمكن من تكوين الأصوات المفردة تكوينا بالغ الدقة، يكون مؤهلا لأن يأخذ في تعلم أصوات متتابعة. جـ- وقد بذلت محاولات كثيرة لوضع نظام من الرموز الكتابية الدقيقة الصالحة لتقرير نتائج الدراسة الصوتية وملاحظاتها، فهذه النتائج والملاحظات لا بد أن توضع بصورة مكتوبة، كي يمكن الرجوع إليها، والمناقشة فيها، أو بعبارة أخرى، كي تصبح هذه الدراسة والملاحظات "علما" أو جزءا من علم. وبعض هذ النظم التي اقترحت تبتعد ابتعادا كليا عن العادات التقليدية في الكتابة: 1- ومن أشهر هذه النظم "الكلام المنظور"2 الذي وضعه "بل"3 والسبب الرئيسي في شهرة هذه الطريقة هو أن هنري سويت4 "1845-1921" قد استعملها. ورموز هذه الألف باء الصوتية عبارة عن "رسوم تخطيطية" مبسطة واصطلاحية لأعضاء الكلام عند نطق الفونيمات المختلفة، ذلك أن "بل" رمز لكل

_ 1 Phonetic Letters. 2 Visible Speech. 3 graham Bell. 4 Henry Sweet.

_ 1 Alphabetic Notation.

3- ولكن معظم الألف باءات الصوتية لا تنحو هذا النحو، بل تقوم رموزها على الألف باء اللاتينية التقليدية، مع إدخال تعديلات على بعضها، كإضافة خط أفقي صغير فوق الحروف، أونقطتين فوق بعضها، أو تحوير صور بعض الحروف، ومع إدخال بعض صور "الحروف المكبرة"1 ومع إدخال حروف مأخوذة من الأبجدية اليونانية. ومن هذه الألف باءات ألف باء "لبسيوس"2 المستعملة لكتابة اللغات الإفريقية، وألف باء "لونديل"3 المستعملة لكتابة اللهجات السويدية، وألف باء "بريمر"4 المستعملة لكتابة اللهجات الألمانية، وألف باء "الجمعية الأنثروبولجية الأمريكية"5 المستعملة لكتابة اللهجات الهندية. 4- ومن أشهر صور هذا النوع من الكتابة الصوتية، وأكثره شيوعا "ألف باء الجمعية الصوتية الدولية"6. هذه الألف باء اشترك في تكوينها جهود متوالية لعلماء كثيرين من أهمهم "إليس"7. و"هنري سويت"، و"باسي"8، ودانيال جونز. وضع هنري سويت نظاما بسيطا من الكتابة الصوتية بناه على الألف باء اللاتينية، وسماه "الخط الرومي"9 لاستعماله إلى جوار "الكلام المنظور" الذي وضعه "بل". وعندما اتضحت عند سويت فكرة "الفونيم" أدرك أن "الخط الرومي" من الممكن أن يظل وافيا بالغرض لو بسط تبسيطا كبيرا. ولهذا فقد استعمل سويت صورة مبسطة من هذا الخط تشتمل على رمز واحد لكل فونيم، وسماها "الخط الرومي الواسع أو "العريض"10، ولكن سويت ظل يعتقد أن الصورة الأشد تعقيدا من هذه، أي "الخط الرومي الضيق"11 كان أدق شيئا ما، وأكثر ملاءمة للأغراض العملية.

_ 1 Copital Letters. 2 Lepsius. 3 Lundell. 4 Bremer. 5 American Anthropological Assocition. 6 The Alphabet of the lnternational Phonetic Association. 7 Ellis. 8 Passy. 9 Romic Natation. 10 Broad Romic. 11 Narrow Romic.

ومن "الخط الرومي" الذي وضعه سويت نبتت "ألف باء الجمعية الصوتية الدولية" وهذه الألف باء تتكون من الرموز اللاتينية، وبعض الحروف اليونانية مع عدد من الحروف المصنوعة، وعدد قليل من "العلامات المميزة"1 التي تضاف إلى بعض الحروف. والمبدأ الذي تقوم عليه هذه الألف باء من حيث القيم الصوتية للحروف هو استعمال الحروف العادية لتدل على قيم تقرب من تلك التي تنسب إليها في بعض اللغات الأوروبية الرئيسية، وذلك مثل V. p. t ... إلخ، وإدخال علامات صناعية على بعض الحروف اللاتينية لتمثل فونيمات غير موجودة في اللغات الأوروبية "وذلك كالحرف الذي يمثل الصاد" أو استعمال "العلامات المميزة" لتأدية نفس الغرض، كما تستعمل بعض العلامات المضافة إلى الحروف للدلالة على خصائص بعض الأوات في بعض السياقات الصوتية، كالغنة التي تصحب صوتا صائتا في مواضع ولا تصحبه في سائر المواضع التي يقع فيها. ومعروف أن "الألف باء الصوتية الدولية" لم تضع رموزا لكتابة اللغات الأوروبية وحدها بل وضعت رموزا يتيسر استخدامها بشيء من المرونة والتعديل عند كتابة أصوات أي لغة من اللغات. فقد حصر العلماء الذين قاموا على وضعها جميع الأنواع الصوتية الرئيسية في اللغات المعروفة على سطح الأرض، ورمزوا لكل نوع برمز خاص، أو على الأقل وضعوا إمكانيات الرمز لكل نوع برمز خاص. فكل رمز من رموز هذه الألف باء ليس "صوتا" أو ممثلا لصوت، إنه يمثل "نوعا" صوتيا، فمثلا صوت الباء "P" مستعمل في الإنجليزية والفرنسية كلتيهما، ولكن هذا الصوت في الإنجليزية يختلف عنه في الفرنسية، فهو في الإنجليزية يتبعه نفس شديد، أما في الفرنسية فلا يصحبه هذا النفس. فرمز الـ"p" في هذه الألف باء يمثل نوعا صوتيا عاما يمكن أن يكيفه الدارس فيعطيه بذلك دلالة خاصة، لو كان يدرس الإنجليزية وحدها لاستعمله كما هو لأنه في تعريفه هذا الرمز سيفهم منه أنه يمثل صوتا انفجاريا شفويا مهموسا مصحوبا بنفس، ولو كان يدرس الفرنسية وحدها لاستعمله كما هو؛ لأن تعريفه لهذا الرمز يدل على أنه يمثل صوتا غير مصحوب بنفس. أما لو أراد الدارس النص كتابة على الفارق بين هذين الصوتين لمثل الصوت الإنجليزية بـ"ph" مثلا، ودل على الفرنسي "p" وحده.

_ 1 Diacritical Marks.

إن الكتابة الصوتية وسيلة ضرورية لدارس الأصوات اللغوية، ومن هنا نجد أن محاولتنا الكتابة كتابة كاملة في اللغة وفي علم الأصوات اللغوية ومحاولتنا القيام بدراسات لغوية على أسس من العلم الحديث تقف في سبيلها عقبة هامة، فلا بد من أن يصطلح العلماء المختصون عندنا على "الألف باء صوتية" يصطلح استعمالها عند دراسة العربية، وعند دراسة سواها من اللغات، وعند الكتابة في الميدان اللغوي بوجه عام.

حاجتنا إلى علم الأصوات اللغوية

5- حاجتنا إلى علم الأصوات اللغوية: أ- هذا العلم، علم الأصوات اللغوية، ما موضعه من سائر الدراسات اللغوية؟ إن بعض المحدثين من دارسي العربية في الشرق العربي ممن لم يتصلوا به، وممن اتصلوا به عن بعد، يعدونه ترفا علميا قاصدين بذلك أنه يقدم إلينا معلومات عن أصوات اللغات لا بأس على اللغوي إن هو لم يعرفها، ولا ضرر على الدراسة اللغوية إذا هي أهملتها، أما التخصص في هذا العلم فهو، في رأيهم، كالانصراف إلى جمع التحف الغريبة والطرف النادرة انصرافا لا يقصد من ورائه إلا إشباع لذلة التملك، وإلا المباهاة والمفاخرة. والحق أن هذه نظرة غير سليمة إلى علم هو حجر الأساس لأي دراسة لغوية، إنها نظرة تفصح عن إدراك غير سليم لحقيقة "اللغة"، ثم هي نظرة لا تحسن تقويم تراثنا العربي في الدراسات اللغوية: فقد بينت في صدر هذا الباب أن أوائل الباحثين في العربية كانوا يعرفون لهذه الدراسة قدرها، وأنهم عليها بنوا آراءهم، أو الكثير من آرائهم، في إصلاح الكتابة العربية، وفي وضع العروض والنحو، والصرف، والمعاجم وفي تدوين القراءات القرآنية. ب- وهذا بيان موجز لقيمة هذا العلم، وما يمكن أن يؤديه من خدمات. 1- لا يمكن الأخذ في دراسة لغة ما، أو لهجة ما، دراسة علمية ما لم تكن هذه الدراسة مبنية على وصف أصواتها، وأنظمتها الصوتية. فالكلام أولا، وقبل كل شيء سلسلة من الأصوات، فلا بد من البدء بالوصف الصوتي للقطع الصغيرة، أو للعناصر الصغيرة، أقصد أصغر وحدات الكلمة، هذه الوحدات التي تتألف منها "المقاطع"1 على أنظمة معينة تختلف باختلاف اللغات، المقاطع التي قد يكون بعضها، دون ائتلاف مع غيره، كلمات، والتي تتكون أكثر الكلمات من ائتلاف عدد منها. ما المقاطع التي يأتلف بعضها مع بعض؟ وعلى أي أنظمة صوتية يجري هذا الائتلاف؟ وما الذي يطرأ على بعض الأصوات عندما تأتلف المقاطع في الكلمات؟ ثم ما الذي يحدث عندما تلي الكلمة الكلمة في الكلام

_ 1 Syllables.

المتصل؟ هذا كله، وكثير غيره لا بد من إدراكه قبل الشروع في وصف أية لغة من اللغات. من المحال إذا دراسة بنية الكلمة دون التحقيق الصوتي للعناصر المكونة للكلمات، كما أن دراسة "نظم"1 الكلام قاصرة ما لم يراع فيها دراسة الصور التنغيمية2 مثلا. والدراسة الدلالية3، أي دراسة المعاني لا يمكن أن تثمر ما لم ترتكز على دراسة الصور الصوتية والتنغيمية. 2- ولأفصِّل شيئا ما في بيان كيف أن الدراسة الصوتية جزء أصيل من دراسة المعنى. قد تكون "الفونيمات" المكونة لكلمة مطابقة للفونيمات المكونة لأخرى، أي قد تتطابق كلمتان من حيث الوحدات الصوتية الصغرى المكونة لكل منهما، ولكنا نجد أن موضع "الارتكاز"4 في هذه الكلمة غير موضع الارتكاز في تلك، أو أن إحداهما تنطق بارتكاز في موضع والثانية بلا ارتكاز واضح، ومعنى هذه غير معنى تلك، ومن ذلك في الإنجليزية كلمتا Re,cord و Record: ففونيمات الأولى هي فونيمات الثانية ولكن بينهما خلافا في موضع الارتكاز، فالارتكاز في إحداهما على المقطع الأول، وفي الثانية على المقطع الثاني، وإحدى الكلمتين اسم والثانية فعل. ومعنى هذا أن الارتكاز قد يستعمل استعمالا وظيفيا للتفريق بين المعاني. والأمثلة كثيرة على أن الكلمة الواحدة تدل على أكثر من معنى دون تغيير يلحق بفونيماتها، ولكن بسبب الاختلاف في التنغيم5. وقد يضاف إلى الاختلاف في التنغيم أحيانا الاختلاف في موضع الارتكاز، أو تغيير طول الأصوات الصائتة، أو هذان معا، أو غير ذلك. من هذا كلمة "الله" في العامية المصرية: فهي تنطق بصور كثيرة لكل منها معناها، فأنا عندما أستعملها مريدا إظهار الإعجاب أنطق بها بصورة تختلف عن نطقي إياها عندما أريد التعبير بها عن المعبود الواحد، وأنطقها بصورة مخالفة لهاتين عندما أريدها مرادفا لـ"أيصح هذا؟ أنفعل هذا؟ " فهذه كلمة واحدة من الناحية الفونيمية، ولكن كلا من هذه الصور

_ 1 Syntax. 2 lntonational Forms. 3 Semantic Study. 4 Stress. 5 lntonation.

الثلاث كلمة من حيث المعنى. وكثيرا ما نجد أن العبارة الواحدة تدل على التقرير، وباختلاف نغماتها تدل على الاستفهام، وبنطقها على نغمات أخرى تدل على التعجب وهكذا. وثمة لغات كاليابانية والصينية وبعض لغات أواسط إفريقيا يكثر استعمال التنغيم فيها استعمالا وظيفيا للتفريق بين المعاني. "انظر فيما يلي شيئا من التعريف بـ"الفونيم" تحت الفصل المسمى "الفونولوجيا". 3- وعلم الأصوات اللغوية لا يقتصر على خدمة الدراسة اللغوية "الوصفية" أي لا يقتصر على وصف الأصوات والأنظمة الصوتية الخاصة بلغة ما في فترة معينة من تاريخها. بل يخدم الدراسة اللغوية "التاريخية"1 والدراسة اللغوية "المقارنة"2 كذلك، فهو يقارن بين أصوات لغة معينة في فترة معينة وبين أصوات نفس اللغة في فترة أخرى من فترات تطورها بعد دراستها في هذه الفترة دراسة وصفية، أو بينها وبين أصوات لغة أخرى في عصر خاص من عصور تطورها. إنه لا سبيل إلى قيام "فقه اللغة المقارن"، أو "النحو المقارن"3 دون الاعتماد على الأساس الصوتي، فهذا الجانب من الدراسة اللغوية يظهرنا على التغيرات التي تطرأ على أصوات معينة في لغات متقاربة، ويصل من ذلك إلى شبه "قوانين" تعرف "بالقوانين الصوتية" وإن لم تتصف هذه "القوانين" بما تتصف به القوانين الخاصة بالعلوم التطبيقية من حتمية وجبرية. 4- وإذا كان علم الأصوات اللغوية ضروريا للشروع في تقرير الحقائق اللغوية للغة من اللغات كما قدمنا، فإنه يعين كذلك في وضع أبجديات دقيقة للغات التي ليس لها كتابات حتى الآن، ويعين في إصلاح الأبجديات التقليدية لتكون أدق تمثيلا للنطق. ولا غنى للمعاجم عن الاستعانة بالثقافة الصوتية اللغوية، فالمفروض أن واجب المعاجم لا يقتصر على تبيان معاني "المفردات"، وتطور هذه المعاني، بل يتعداه إلى تمثيل نطق هذه المفردات، وهذا لا يكون إلا باصطناع نظام من الرموز الكتابية يكون أدق تمثيلا للنطق من الأبجدية التقليدية.

_ 1 Historical. 2 Comparative. 3 Comparative Grammar.

6- ثم إن علم الأصوات اللغوية يقدم عونا كبيرا في إجادة نطق اللغة الأصلية وفي تعلم نطق اللغات الأجنبية. بل لقد كان ينظر إلى هذا العلم في أوروبا في العصور الوسطى على أنه الذي يعلم نطق الكلام، الذي يعلم الإلقاء والإنشاء والخطابة، ولكن هذا لا يدخل فيما يدل عليه هذا العلم في صورته الحاضرة. فعلم الأصوات اللغوية باعتباره فرعا من علم اللغة يقدم جملة من الوسائل الصالحة والضرورية لتقرير الحقائق اللغوية، ولكن لا شك أن نتائج هذا العلم يستعان بها في إجادة نطق اللغات، وفي تعلم نطق اللغات الأجنبية، أي أنه يستخدم لتأدية هذه الوظيفة دون أن يكون هذا هو القصد الأساسي منه، أو غرضا من أغراضه من حيث هو علم. من الثابت أن الإنسان إذا تعلم لغة أجنبية فهو يميل، غير واع في معظم الأحيان، إلى أن ينطق أصوات اللغة الأجنبية من خلال أصوات لغته هو، وإلى أن يفرض الأنظمة الصوتية الخاصة بلغته على الأنظمة الصوتية الخاصة باللغة الجديدة. وعلم الأصوات اللغوية يقدم خير عون لإصلاح هذا الخلل. فهو إذ يصل إلى وصف أصوات اللغتين ووصف أنظمتها الصوتية، يمكنه أن يصف لنا طرق العلاج، أو هو يمكن معلمي اللغة الأجنبية من ذلك. وإن علاج النطق في حالة "الصوامت" سهل ميسور إذا قورن بعلاج النطق في حالة الصوائت. قد يظن متعلمو الإنجليزية من العرب أن "التاء" العربية مطابقة "للتاء" الإنجليزية، ولكن الدراسة الصوتية تظهرنا على أن التاء العربية تتميز بأنها "سنية"1، أي أن طرف اللسان في نطقها يعتمد على الأسنان العليا أو على أصولها، وعلى أن "التاء" الإنجليزية تتميز بأنها "لثوية"2، أي أن اللسان في نطقها يعتمد على اللثة لا على الأسنان. و"الراء" العربية كذلك تختلف عن الراء الإنجليزية: فنحن إذا حاولنا أن ننطق التاء في كلمة مثل "take" فنحن ننطق في الأغلب التاء العربية. عن طريق علم الأصوات اللغوية نعلم ما بين تكوين هذين الصوتين من فرق حتى يمكننا بطول المران أن نتحلل من عاداتنا الصوتية فننطق الصوت الأجنبي النطق الصحيح.

_ 1 Dental. 2 Aveolar.

ويلاحظ أنه إذا تيسر لمتعلم لغة أجنبية أن يجيد في وقت قصير نطق "الصوامت" فإنه يجد صعوبة كبيرة في إيجاد نطق "الصوائت"؛ ذلك لأن أي اختلاف يصير في وضع اللسان أو في كل شكل الشفتين ينتج صوتا صائتا. على أن أكبر صعوبة يجدها الآخذ في تعلم نطق لغة غير لغته الأصلية هي محاولته في نطق خصائص الأصوات عندما تأتلف في كلمات، وفي كلام متصل، وذلك كالارتكاز والتنغيم. إن التركيب المقطعي1 في لغة غير التركيب المقطعي في لغة أخرى، ومواضع وقوع الارتكاز في هذه اللغة غير مواضع وقعه في تلك، "وتنغيم" كلمات هذه اللغة وجملها غير تنغيم كلمات تلك وجملها. علم الأصوات اللغوية يصف لنا التركيب المقطعي لكلتا اللغتين، ويبين لنا المواضع التي يقع عليها الارتكاز في كل منهما ودرجات الارتكاز في كل موضع، كما أنه يحدد لنا المواضع التي لا يقع عليها ارتكاز البتة، وهكذا يمهد لنا السبيل إلى التخلي تدريجيا عن فرض "عاداتنا الصوتية"2 على نطق اللغة الجديدة. إن إتقان كلمات لغة أجنبية وجملها أمر شاق. ومن هنا كان الإنجليز أو الفرنسيون عندما يسمعون كثيرا من الألمان يخاطبون بالإنجليزية أو الفرنسية يتوهمون أنهم يعنفونهم أو يهاجمونهم؛ وذلك لأن تتابع المقاطع في الألمانية يخالف ما يجري عليه تتابعها في الإنجليزية أو الفرنسية، كما أن النغمات الدالة على الاستفهام مثلا تختلف في الألمانية عن النغمات الدالة على الاستفهام في الإنجليزية أو الفرنسية، فربما ينطق الألماني الجملة البسيطة؟ How do you do? فيرى الإنجليز فيها شيئا من الإثارة موجها إليه3.

_ 1 Syllabic Structure. 2 Phonetics Habits. 3 انظر فيما يلي تفصيل الكلام عن "الارتكاز" وعن سواه من خصائص الأصوات.

من أسباب تخلف دراستنا اللغوية

6- من أسباب تخلف دراستنا اللغوية: أظن أن هذه العجالة في التعريف بعلم الأصوات اللغوية قد أوضحت مدى تخلفنا عن القدرة على النهوض بدراسات لغوية على أسس من التفهم الحديث للغة ولمناهج دراستها ووسائلها. فلا شك أننا نستطيع أن نكتب نحوا للعربية على الأصول الحديثة دون أن ندرس علم اللغة العام، ومن مباحثه علم الأصوات اللغوية. ولن نستطيع أن ندرس اللهجات العربية الحية، ولا أن نقارن بينها وبين تلك اللهجات القديمة التي روي عنها نتف في بعض الأصول العربية، دون أساس من علم اللغة العام، ومن علم الأصوات اللغوية. ولا شك أن المحاولات التربوية لتبسيط النحو أو لإصلاح الكتابة، أو لغير ذلك مما ليس وصفا علميا للغة إنما هو استفادة من نتائج الوصف العلمي، ولا شك أن هذا نفسه لن يتيسر دون أن نأخذ بالقسط اللازم من هذا العلم. والقراءات القرآنية نفسها يتيسر لدارس الأصوات اللغوية كتابتها بصورة أدق، وتبيان ما بينها من وجوه الخلاف، وتسجيل تلاوتها تسجيلا صوتيا، بحيث يكون تعلمها أبسط وأيسر من أخذها عن طريق كتب التجويد. ونشرع الآن في عرض أهم مسائل علم الأصوات اللغوية عرضا فيه شيء من تفصيل.

النطق

النطق أعضاء النطق ... 7- النطق: أ- أعضاء النطق: 1- أشرنا إلى أن اللغة المنطوقة "أصوات" تكون نظاما خاصا، ويحدثها جهاز النطق الإنساني. هذه "الأصوات" "الكلامية"1 تحدث في الفم، والأنف، والحلق، وتنظم في كلمات وعبارات لتأدية الوظائف التي على اللغة أن تقوم بها. ومن ثم فإن أول واجب على دارس الأصوات، هو معرفة ما يسمى "أعضاء النطق" من حيث تكوينها، ومن حيث كيفية استعمالها في تكوين الأصوات الكلامية، أي من حيث وظائفها. ونرى أن نذكر مما قلناه أن الأعضاء التي جرى الاصطلاح على تسميتها "أعضاء النطق" لا تنحصر وظيفتها في إحداث الأصوات، بل إن لها وظائف أخرى: كالذوق للسان، وكسر الطعام وطحنه للأسنان والأضراس، والشم للأنف، والتنفس لها وللرئتين، إلى غير ذلك مما لا يدخل في دراستنا، فتسمية هذه الأعضاء "أعضاء النطق" تسمية من وجهة نظر علم الأصوات اللغوية "انظر رقم "3" ص64، 65". قلنا إن أول واجب على دارس الأصوات اللغوية هو معرفة أعضاء النطق تكوينا ووظيفة، ولكن هذا لا يعني أنه في حاجة إلى الإلمام بكل التفصيلات التي يقدمها لنا علم "وظائف الأعضاء" وعلم "التشريح" عن أعضاء النطق؛ إذ إن الكثير من هذه المعلومات لا يؤدي له نفعا، ولكن هناك قدرا ضروريا من المعرفة بهذه الأعضاء عليه أن يحصله. هذه المعرفة هي حجر الأساس لوصف الأصوات وصفا علميا وتصنيفها. وليس المقصود أن تكون هذ المعرفة نظرية، أعني معرفة تقتصر على حفظ أسماء أعضاء النطق، ووصف تكوينها، ووظائفها، بل المقصود أن على دارس الأصوات أن ينتقل من هذا إلى أن تكون له، بعد طول مران، قدرة على إحداث

_ 1 انظر فيما يلي الفصل الثامن الخاص بالصوت الكلامي "ص154-159".

أصوات، أي لغة، أو كما كان يقول العرب القدماء على "ذوق" الحروف "و"الحروف" هنا تعني أصوات اللغة". هذه "الأصوات الكلامية"1 تنتجها حركات لأجزاء من الفم والأنف والحلق والرئتين. وليست أعضاء النطق جميعا متحركة، أي قابلة لأن تتحرك، بل معظمها ثابت وقليل منها هو القابل للحركة كاللسان والشفتين. وإذا توصل إنسان إلى السيطرة على "الأنواع العامة"2 للحركة التي تقوم بها هذه الأجزاء، وعلى "الارتباطات"3 التي يمكن أن تكون بين هذه الحركات، فإنه قادر إذًا على نطق أصوات أية لغة؛ لأن أصوات اللغات جميعا تحدثها ارتباطات معينة بين هذه الأعضاء. وإذا توصل إلى خلق وسائل كتابية لتمثيل هذه الحركات، فإنه إذن قادر باصطناعها أن يمثل، كتابة، أصوات أية لغة. وهذه الوسائل نجدها فيما يسمى "بالكتابة الصوتية" Phonetic Transcription -وقد عرضنا لها- وهكذا فإن حرف "b" -كما سنرى على وجه التفصيل- يمثل حركة للرئتين تخرج الهواء إلى أعلى وإلى الخارج خلال الحلق، وخلال الوترين الصوتيين متذبذبين، وإلى الفم، ويبين هذا الرمز كذلك أن "مجرى الهواء" قد آنس في الفم اعتراضا آنيا ولكنه اعتراض تام ناتج عن غلق ممر الهواء إلى الأنف، وغلق ممره خلال الفم عن طريق غلق الشفتين. 2- والآن نأخذ في التعريف بأعضاء النطق الرئيسية حتى نألف أسماءها العربية، وما يقابل هذه الأسماء بالإنجليزية والفرنسية تيسيرا للرجوع إلى ما كتب عن الأصوات اللغوية بهاتين اللغتين. 1- "الحنك"4، "أو "سقف الحنك"5 أو "سقف الفم"5 أو "الحنك الأعلى"5.

_ 1 Speech - Sounds. 2 General Types. 3 Combinations. 4 Palate. بالفرنسية Palais. 5 The roof the mouth.

يقسم الحنك من وجهة نظر الأصوات اللغوية إلى ثلاثة أقسام: 1- "مقدمة الحنك"1 أو "اللثة"2. 2- "وسط الحنك"3 أو "الحنك الصلب"3. 4- "أقصى الحنك"4 أو "الحنك اللين"4. وإليك تعريفا مبسطا بكل قسم من هذه الأقسام: 1- "مقدم الحنك" هو ذلك القسم من سقف الحنك الواقع خلف "الأسنان العليا"5 مباشرة وهو "محدب"6 ومحزز. أما الحد الفاصل بين اللثة وبين ما يليها من الحنك الصلب فهو ذلك الموضع من سقف الحنك الذي ينتهي فيه التحديب ويبدأ التقعر. واللثة من أعضاء النطق الثابتة. 2، 3- أما بقية الحنك فهو يقسم كما ذكرنا إلى "وسط الحنك" أو "الحنك الصلب"، و"أقصى الحنك" أو "الحنك اللين". ويمكن أن يدرك الفارق بين صلابة الجزء الصلب، وليونة الجزء اللين بالنظر في مرآة، أو باللمس باللسان، أو بالإصبع. الحنك الصلب ثابت لا يتحرك، أما الحنك اللين فهو قابل للحركة. قد يرفع الحنك اللين، وقد يخفض. فإذا رفع إلى أقصى ما يمكن فإنه يمس الجدار الخلفي للفراغ الحلقي، وهكذا يمنع مرور الهواء، الخارج من الرئتين، عن طريق الأنف. وكثير من أصوات اللغة العربية يتكون عندما يتخذ الحنك اللين هذا الموضع، مثل أصوات الباء، والتاء والسين، والصاد ... إلخ.

_ 1 Teeth - Ridge Alveli. بالفرنسية Les Alveoles des dents. 2 Gums. 3 Hard Palate. بالفرنسية Palais Dur. 4 Soft Palate Velum. بالفرنسية Voile du Palais Palais Mou. 5 Upper Teeth. بالفرنسية Les Dents Superieures. 6 Convex.

أما إذا خفض الحنك اللين فإن الطريق أمام الهواء الخارج من الرئتين يكون مفتوحا لكي ينفذ من الأنف. ولا يتم نطق النون والميم العربيتين إلا عندما يتخذ الحنك اللين هذا الموضع. أما نهاية الحنك اللين فتسمى "اللهاة"1، ولها دخل في نطق القاف العربية. 2- "الفراغ الحلقي"2، أو "التجويف الحلقي"2. هو الفراغ الواقع بين أقصى اللسان وبين الجدار الخلفي للحلق. 3- وفي أسفل الفراغ الحلقي تقع "الحنجرة"3. وهي تكوِّن الجزء الأعلى من "القصبة الهوائية"4 "وهي الممر المؤدي إلى الرئتين، انظر الكلام على "الوترين الصوتيين" فيما يلي". 4- أما "الغلصمة"5 فهو نوع من اللسان واقع فوق الحنجرة بصورة خاصة لتحمي الحنجرة خلال عملية البلع، ولكن يبدو أنه لا دخل لها في تكوين أي صوت كلامي. 5- الوتران الصوتيان6، أو "الحبال الصوتية": وهما أشبه بشفتين منهما بوترين، ولكن جرى الاصطلاح على هذه التسمية. وهذا التوران ممتدان بالحنجرة أفقيا من الأمام إلى الخلف. وهما من أعضاء النطق المتحركة. ولهما القدرة على اتخاذ أوضاع متعددة تؤثر في الأصوات الكلامية، وهذه الأوضاع أربعة هي:

_ 1 Uvula. بالفرنسية La Luette. 2 Pharynx. بالفرنسية Le Pharynx. 3 Larynx. بالفرنسية Le Layynx. 4 Wind - pipe. 5 Epiglottis. بالفرنسية Epiglotte. 6 Vocal Cords "chords". بالفرنسية Les Cordes Vocales.

1- الوضع الخاص بالتنفس1. 2- وضعهما حالة تكوين "نغمة موسيقية"2. 3- وضعهما حالة "الوشوشة"3. 4- وضعهما حالة تكوين "همزة القطع"4. والآن نتكلم عن كل وضع من هذه الأوضاع بشيء من التفصيل: 1- وضع الوترين حالة التنفس: قد ينفرج الوتران الصوتيان مفسحين مجالا للنفس أن يمر خلالهما دون أن يجابه أي اعتراض، وهذا ما يسمى في الاصطلاح الصوتي بـ"الهمس" "مقابل "الجهر". وتسمى الأصوات التي تنطق عندما يتخذ الوتران هذا الوضع الأصوات "المهموسة"5. ويتخذ الوتران الصوتيان هذه الوضع عند نطق "الصوامت" العربية الآتية: التاء، والثاء، والحاء، والخاء، والسين، والشين، والصاد، والطاء، والفاء، والقاف والكاف، والهاء. 2- وضع الوترين الصوتيين عند إصدارهما نغمة موسيقية: يتضام الوتران الصوتيان بشكل يسمح للهواء المندفع خلالهما أن يفتحهما ويغلقهما بانتظام وبسرعة فائقة. وهذا يسمى تذبذب6 الوترين الصوتيين. هذه الذبذبة تحدث نغمة موسيقية تختلف "درجة"7 "وشدة" باختلاف عدد الحركات

_ 1 Breath. 2 Musical - note Chest - note. 3 Whisper. 4 Glottal Stop. 5 Voiceles Sounds. بالفرنسية Sons Sourds. 6 Vobration. بالفرنسية La Vibration. 7 Pitch. بالفرنسية Hauter.

الإيقاعية ومداها. هذا النغمة الصوتية تسمى في الاصطلاح الصوتي "الجهر"1 كما تسمى الأصوات التي تصحبها هذه النغمة "الأصوات المجهورة"2. والأصوات العربية المجهورة هي "الصوائت" أي ما يسميه نحاة العربية "الحركات"، و"حروف المد واللين" مقصودا بها الألف والواو والياء في مثل قال، صبور، بديع" و"الصوامت" الآتية: الباء، الجيم، الدال، الذال، الراء، الزاي، الضاد، الظاء، الغين، اللام، الميم، النون، الواو "في مثل "وجد"، الياء "في مثل "يرى". 3- أما وضع الوترين حالة "الوشوشة": فهو لا يهمنا كثيرا في دراسة الكلام الطبيعي. 4- وضع الوترين الصوتيين عند تكوين همزة القطع: قد ينطبق الوتران الصوتيان انطباقا تاما فلا يسمحان للهواء بالمرور إلى الفراغ الحلقي مدة انطباقهما، وهذا هو وضعهما حالة "قطع النفس". وعندما ينفرج الوتران، بعد انطباقهما التام مدة، يسمع انفجاري نتيجة لاندفاع الهواء الذي كان مضغوطا فيما دون الوترين الصوتيين. وهذا الصوت هو ما يسميه العرب "همزة القطع". 5- اللسان: يكفي لأغراض الدراسة الصوتية أن يقسم اللسان إلى ثلاثة أقسام: 1- الجزء المقابل للحنك اللين "لأقصى الحنك" في الحالات العادية ويسمى "أقصى اللسان"3 "مؤخر اللسان"3.

_ 1 Voice. بالفرنسية La Voix. 2 Voiced Sounds. بالفرنسية Les Sons Sounores. 3 Back of the tongue. بالفرنسية Le Dos de la Langue.

2- والجزء الذي يقابل الحنك الصلب "وسط الحنك". وفي الأحوال العادية، ويعرف بـ"وسط اللسان"1. 3- والجزء الذي يقابل اللثة ويسمى "طرف اللسان"2. أما "نهاية اللسان"2 "ذلق اللسان"3، أو "ذولقة"3 فهي داخلة في الجزء الذي اصطلح على تسميته بطرف اللسان3. إن اللسان من أعضاء النطق المتحركة، وهو عضو بالغ المرونة. فمن الممكن أن يمس "ذلق" اللسان أي جزء من الحنك الأعلى فيما بين الأسنان وابتداء "الحنك اللين" وكذلك سائر أجزاء اللسان تستطيع أن تمس مواضع مختلفة من الحنك الأعلى. كما أن الجزء الأمامي من اللسان قادر على الحركة إلى الجانبين، وكذلك يرتفع اللسان وينخفض. 6- الشفتان 4: الشفتان من أعضاء النطق المتحركة، وهما تتخذان أوضاعًا مختلفة عند نطق الأصوات المختلفة، ومن الممكن ملاحظة هذه الأوضاع بيسر وسهولة: تنطبق الشفتان فلا تسمحان للهواء بالخروج مدة من الزمن ثم تنفرجان فيندفع الهواء محدثا صوتا انفجاريا كما في نطق الباء. وتستدير الشفتان كما يحدث عند نطق "الضمة". وهما تتخذان وضعا مخالفا في نطق الكسرة العربية، وقد تفتح الشفتان حتى يتباعد ما بينهما إلى أقصى درجة، ويلاحظ أن فتح الشفتين ذو درجات مختلفة، واختلاف درجة فتح الشفتين يؤثر في طبيعة الصوت المنطوق. وهذا يلاحظه الذين يقومون بتدريس لغة أجنبية وخاصة في نطق "الصوائت".

_ 1 front of the Tongue. 2 Blade of the tongue. بالفرنسية La covronne. 3 Tip "point" of the tonge. بالفرنسية La pointe de la langue. أو ما "أصل اللسان" فيقابله في الإنجليزية Root of the tongue وفي الفرنسية a Racine. 4 Lips. بالفرنسية Les Levers.

7- الأسنان 1: وهي من أعضاء النطق الثابتة، وهناك أسنان عليا، وأسنان سفلى، والأسنان تتخذ مواضع يعتمد عليها اللسان عند نطق بعض الأصوات "كما في التاء والدال مثلا". يظهر من هذا التعريف السريع بأعضاء النطق أن أعضاء النطق المتحركة هي: الوتران الصوتيان، والحنك اللين، واللسان، والشفتان، أما سائر أعضاء النطق فثابتة. ويلاحظ أن كل عضو من الأعضاء المتحركة قد يعمل وحده دون الاشتراك مع غيره من الأعضاء المتحركة أو قد يعمل مشتركا مع بعضها.

_ 1 Teeth. بالفرنسية Les Dents.

آلية النطق

ب- آلية النطق 1: 1- تحدث الأصوات في العالم الطبيعي نتيجة قرع بجسم، أو نفخ بجسم أو احتكاك جسمين. إلخ، أما معظم الأصوات الكلامية فيحدثها عمود هوائي متحرك يجري خلال فراغ ضيق في الفم، أو الأنف، أو الحلق. وكون العمود الهوائي متحركا يستلزم وجود باعث على الحركة، وهذا يستلزم كذلك أن تكون نقطة بدء، ونقطة نهاية، وأن يسير في اتجاه خاص. ومن المستطاع التأثير في هذا العمود الهوائي في مواضع أخرى غير مبدئه وغير منتهاه. ولكي يتحرك عمود من الهواء في الفراغات الموجودة في جهاز النطق الإنساني فهو في حاجة إلى ما "يدفعه" أو إلى ما "يجذبه". 1- وقد يعترض مجرى الهواء في موضع أو أكثر فيما بين مصدره ومنتهاه: ويدفع الهواء بأن تنقبض جدران الرئتين فيندفع الهواء خارجهما، ولذلك فالرئتان في هذه الحال مصدر، "مجرى الهواء"، هما مبدأ "العمود الهوائي"، وجميع أصوات اللغة العربية في نطقها الطبيعي، تكون الرئتان هما باعث المجرى الهوائي المتخذ في نطقها.

_ 1 Mechanism of Uttrance.

2- ولكن المجرى الهوائي قد يبدأ في مواضع أخرى، فقد يضغط اللسان على سقف الحنك الأعلى ويحرك إلى الوراء، وهو لا يزال ضاغطا على الحنك فينشأ نوع من "المص"1 ويندفع الهواء إلى الداخل ليملأ الفراغ الجزئي، وهذا هو ما يحدث عندما نرتشف شرابا بواسطة "ماصة". وإذا حدث في هذه الحالة أن يسد الوتران الصوتيان الطريق إلى الرئتين بينما ترفع الحنجرة، فإن الهواء المتجمع في الحلق يضغط ويضطر إلى الخروج عن طريق الفم أو الأنف. وهناك أصوات كلامية في بعض اللغات تحدث عن طريق تحريك العمود الهوائي بهذه الكيفية2. ولما كانت طبيعة الصوت الكلامي تتأثر بالكيفية التي ينشأ بها المجرى الهوائي كان لزاما على دارس اللغة أن يتعرف مصدر المجرى الهوائي في كل صوت كلامي. 3- ثم إن اتجاه المجرى الهوائي يؤثر كذلك في الصوت، والمجرى الهوائي -كما ذكرنا- يمكن تغييره والتأثير فيه في غير مبدئه ومنتهاه. والأعضاء التي تغير المجرى الهوائي وتضبطه إما أنها متحركة وإما أنها ثابتة، وعندما تؤثر هذه الأعضاء المتحركة في مجرى الهواء فنحن نستطيع أن نسميها "نواطق"3، أما الأجزاء الثابتة من أعضاء النطق فيمكن اتخاذها وسائل للدلالة على حركة الأجزاء المتحركة. وعندما يمس عضو من الأعضاء الناطقة المتحركة عضوا آخر من هذه أو أحد الأجزاء الثابتة، فالاصطلاح جار على تسمية موضع التماس "التلاقي"، أو التقارب "موضع النطق"4، وهكذا نستطيع أن نصنف أصوات أي لغة حسب مواضع نطقها، فنقسمها مثلا إلى "شفوية"، و"لثوية"، و"لهوية" و"حنكية"، و"حلقية" و"سنية" ... إلخ. 4- وتأثير الأجزاء المتحركة من أعضاء النطق في المجرى الهوائي يحدث على صور كثيرة: منها أن يغلق الفم والأنف حتى يوقف مجرى الهواء وقفا تاما،

_ 1 Suction. 2 clicks. 3 articulators. 4 point of articulation. في المصطلح العربي القديم "مخرج".

كما يحدث في نطق الباء، والتاء، والدال. وقد يوقف مجرى الهواء وقفا تاما في الحلق وقتا ما، وعندما ينقضي هذا الوقف التام الوقتي يندفع الهواء عن طريق الأنف أو الفم. وعلى هذا الأساس نستطيع تصنيف الأصوات حسب، "طريقة النطق"1 أو "هيئة النطق"1، فنقول مثلا: إن الصوت "انفجاري" أو "احتكاكي" ... إلخ "انظر تفصيل هذا فيما يلي". 5- وقد يعترض مجرى الهواء في الوترين الصوتيين فيحدث عن ذلك ما أشرنا إليه من تذبذب الوترين أو عدم تذبذبهما، وعلى هذا الأساس نصنف الأصوات إلى "مجهورة"2 و"مهموسة"3.

_ 1 Mammer of Aricultion. 2 Voiced. 3 Voiceless.

الصوت الكلامي

8- الصوت الكلامي 1: أ- يمكن أن نستنتج من وصفنا لجهاز النطق الإنساني أنه قادر على إحداث عدد كبير جدا من الأصوات الكلامية، ولكنا نستطيع أن نستنتج كذلك من الملاحظة السريعة غير الدقيقة للغات المختلفة أن كل لغة لا تصطنع إلا عددا محدودا من الأصوات، فنحن في العربية لا نستعمل جميع الأصوات التي يمكن أن يحدثها جهاز نطقنا. ويجب على دارس الأصوات اللغوية، أو علم اللغة بوجه عام، أن تتوافر له القدرة على وصف جميع الأصوات الكلامية الخاصة بأي لغة من اللغات. وكي يؤدي هذا فعليه أن يصطنع منهجا ما لتصنيف الأصوات. من الممكن أن تصنف الأصوات حسب تأثيرها السمعي، أي حسب خواصها السمعية، فنصنفها حسب، "ارتفاعها"، أو "انخفاضها"، أو حسب صفاتها الموسيقية. ووصف التأثير السمعي للأصوات ينتهي بنا إلى أن نطلق عليها أوصافا مثل "لينة" و"خشنة"، و"عذبة" ... إلخ، ولكن هذه الألفاظ لا تتصف بالدقة العلمية الواجبة في مثل هذه الدارسة ولن تفيدنا كثيرا في دراستنا اللغوية. استعملنا مصطلح "الصوت الكلامي" وجمعه "الأصوات الكلامية" دون أن نعرف طبيعته، ويحسن بنا قبل أن نتقدم إلى الحديث عن تصنيف الأصوات على أسس علمية دقيقة، أن نتعرف طبيعة الصوت الكلامي. ب- يكاد يتكون كل نطق أو كل "سلسلة كلامية" من عدد كبير من عناصر صغيرة لا يتشابه اثنان معها. وهذا واضح من الآثار الصوتية التي تسجلها للأصوات بعض الآلات كالأسيلوجراف وأسطوانات الجراموفون. فمن النادر جدا أن نجد قطعا من "سلسلة كلامية" يتماثل الصوت فيها طبيعة، وشدة، ودرجة، أي

_ 1 Speech - Sound وقد اعتمدنا في التعريف بالصوت الكلامي على رأي الأستاذ دانيال جونز Daniel Jones The Phoneme pp 1-3.

من النادر جدا أن نجد "النوع الصوتي"1 الذي تظهر "آثاره الصوتية"2 "في رسم الأسيولوجراف، أو على الأسطوانة" ممثلة بموجات متتابعة نفس التتابع. ولكن تقسيم سلاسل الكلام إلى "أقسام"، أو "قطع" أو "عناصر" نسميها "الأصوات الكلامية" أمر ملائم لتحقيق أغراض الدراسة اللغوية. 1- نعم، إن مواضع الفصل بين الأصوات الكلامية المتتابعة تدل عليها أحيانا تغيرات حادة بارزة في نماذج الآثار الصوتية. ولكن الأغلب أنها "أي مواضع الفصل ... " لا تظهر بوضوح في أمثال هذه الآثار الصوتية. والواقع أنه قد ثبت أن ما نسميه في الدراسات اللغوية "الصوت الكلامي" لا وجود له من وجهة نظر الطبيعة "الفيزياء"، كما ثبت أنه إذا ولي عنصر من العناصر التي نسميها "الصوت الكلامي" عنصرا آخر، فالأغلب أنهما يتداخلان تدريجيا. فقد اتضح أن خواص ما نسميه "الصوت الكلامي" تبدأ عادة في الظهور قبل أن ينتهي "الصوت الكلامي" السابق له، وأنهما يستمران في إظهار خواصهما بعد أن يبدأ الصوت التالي. ولكن ثمة جزءا "متميزا" من "الصوت الكلامي" يعترف بوجوده علم الطبيعة، ولكن هذا الجزء لا يستغرق عادة وقتا يذكر. ومع ذلك فالتصور الخاص "بالسلاسل الكلامية" تصور لا يمكن الاستغناء عنه في البحوث اللغوية. 2- وهذا التصور تبرره الطرق التي يحدث بها الكلام. فالكلام نتيجة أحداث معينة يقوم بها جهاز النطق. فالشفتان واللسان ... إلخ، تتخذ مواضع مختلفة، أو تقوم بحركات مختلفة متتابعة، وهذه الأوضاع والحركات يمكن أن توصف، وأن تصنف. وفيما يلي ترجمة حرفية لشيء من كلام دانيال جونز في هذا الشأن: قال دانيال جونز3: "أما كون الانتقال من صوت كلامي إلى صوت يليه في سلسلة كلامية يتم عادة تدريجيا، فأمر لا وزن له من وجهة النظر اللغوية. لقد أدرك

_ 1 Type of Sound. 2 Sound Tracks. 3 The Phonome p. 2.

"سويت" وغيره من رواد علم الأصوات اللغوية في العصر الحديث أن الانتقال من "صوت" إلى آخر عملية تدريجية وهم في اصطلاحهم قد قالوا: إن الأصوات الكلامية المتوالية يرتبط بعضها ببعض عن طريق "أصوات انتقالية"1 تسمى "المعابر"2 "أو "المزالق"، و"المعبر" "أو"المزلق"، هوالصوت الحادث عن حركة الانتقال بطريقة طبيعية من موضع "أو الموضع الابتدائي" للصوت الكلامي الذي يليه، إنه صوت لا يمكن تجنبه، وليست له دلالة لغوية. وقد يتضمن المعبر أجزاء متعددة من جهاز النطق، وهذه لا تحتاج إلى أن تحدث على التوالي تماما، وهي في الواقع لا تحدث كذلك. وقال:3 "إن موضع الفصل بين صوت كلامي وبين الصوت الذي يليه في السلسلة "الكلامية" يمكن أن يعتبر أي نقطة في "المعبر" يصلح اختيارها على أسس لغوية. وهذه النقطة في معظم الأحوال لا تقابل أي تغير حاد في نموذج "الأثر الصوتي أو الأوسيلوجام"4. وقال دانيال جوانز5: "إن التصور اللغوي الخاص بـ"الصوت الكلامي" يحدده إمكان إزالة قطعة من سلسلة كلامية وإحلال قطعة من سلسلة أخرى محلها، على أن يتوافر في القطعتين أن يحدث تبادلهما تغيير كلمة إلى كلمة أخرى". فالصوت الكلامي عند دانيال جونز هو "أصغر قطة قابلة للتبادل"6 بالشكل الذي أوضحه. ومثَّل لذلك بقوله إن النطق الكلامي لكلمة "as" az يتكون من صوتين كلاميين. فالقطعة التي نمثلها في الكتابة بـ a هي أصغر قطعة ابتدائية يمكن إزالتها، وإحلال قطعة من سلسلة أخرى محلها، وذلك مثل i، وهكذا تكون لدينا كلمة iz. وكذلك فإن القطعة التي نمثلها في الكتابة بـ Z هي أقل قطعة

_ 1 Transitory Sounds. 2 Glides. 3 The Phoneme p 2. 4 وهو الرسم الذي يسجله جهاز الأوسيلوغراف Oseillogram. 5 The Phoneme pp. 2-3. 6 The Phoneme p. 3.

نهائية يمكن إزالتها وإحلال قطعة من سلسلة أخرى محلها وذلك مثل m، وهكذا يتوافر لدينا النطق الكامل لكلمة am1.

_ 1 الخلاف كثير بين علماء اللغة بوجه عام، وعلم الأصوات اللغوية بوجه خاص في تعريف "الصوت الكلامي" تعريفا لا يقبل الطعن من وجه من الوجوه، وهذا هو الشأن في تعريف أمثال "الفونيم" و"الكلمة" و"الجملة" إلخ ... ونورد هنا تعريف دانيال جونز نفسه للصوت الكلامي وهو تعريف ارتضاه في: The Prounciation of Rvssean D Joen and M Trofimov 1924 "Cambridge University Press" وتعريفه للفونيم كما أورده في كتاب Outline of English Phoneme 3 rd ed وقد ارتضت الدكتورة إيدا وارد lda Ward هذين التعريفين وأرودتهما في كتابها: The Phonetics of English Cambridge W Heffer and Sons Reprinted 1998 p 74 قالت إيدا وارد شارحة الفرق بين "الصوت الكلامي" وبين "الفونيم" ناقلة رأي جونز في المرجع الأول: "إن الصوت الكلامي بمعناه الحق هو صوت ذو تكوين عضوي محدد، وطبيعة سمعية محددة، وهو غير قادر على التنوع". وقالت إيدا وارد في تعريف الفونيم: "الفونيم عائلة من الأصوات في لغة من اللغات، وهذه الأصوات مرتبطة في طبيعتها، ومن صفتها أنها لا يقع صوت منها قط في نفس السياق الصوتي في كلمة من الكلمات موضع صوت آخر من نفس العائلة" ومعنى هذا الكلام أن الكافات في Conld Can Keen، أفرد "فونيم" واحد وليست "فونيمات" ثلاثة، إن كلا منها صوت متميز من حيث التكوين ومن حيث الأثر السمعي. ولكن هذه الأصوات الثلاثة مع ذلك، لا يحدث بينها تبادل يغير المعنى.

تصنيف الأصوات

9- تصنيف الأصوات: أ- تقسيم الأصوات إلى صوائت وصوامت: أي صوت كلامي ينتمي إلى قسم من القسمين العامين المعروفين بالصوائت والصوامت. وقبل أن نحدد الأصوات العربية التي يصدق عليها لفظ "صوائت" وتلك التي يصدق عليها لفظ "صوامت" ينبغي أن نسأل: ما الأساس الذي بني عليه تقسيم الأصوات إلى هذين القسمين؟ 1- يحدد الصوت الصائت "في الكلام الطبيعي" بأنه الصوت "المجهور" الذي يحدث في تكوينه أن يندفع الهواء في مجرى مستمر خلال الحلق والفم، وخلال الأنف معهما أحيانا، دون أن يكون ثمة عائق "يعترض مجرى الهواء اعتراضا تاما" أو تضييق لمجرى الهواء من شأنه أن يحدث احتكاكا1 مسموعا2. وأي صوت "في الكلام الطبيعي" لا يصدق عليه هذ التعريف يعد صوتا صامتا، أي أن الصامت هو الصوت المجهور أو المهموس الذي يحدث في نقطة أن يعترض مجرى الهواء اعتراضا كاملا "كما في حالة الباء" أو اعتراضا جزئيا من شأنه أن يمنع الهواء من أن ينطلق من الفم دون احتكاك مسموع "كما في حالة الثاء والفاء مثلا". من التعريفين السابقين يتضح أن الصوائت جميعا مجهورة، أما الصوامت فمنها ما هو مجهور ومنها ما هو مهموس. والأصوات العربية التي يصدق عليها تعريف الصائت هي ما سماه نحاة العربية بالحركات "الفتحة a، والضمة u، والكسرة i" وبحروف المد واللين "مقصودا بها الألف في مثل عدا "aa"، والواو في مثل قالوا "uu"، والياء في مثل القاضي "ii".

_ 1 Friction. 2 D. Jones: Outline p. 22.

من تعريفنا للصائت بأنه مجهور ينتج أن كل الأصوات غير المجهورة "أي المهموسة" تعد صامتة، وذلك مثل السين والشين والفاء إلخ. كما ينتج من تعريفنا للصائت بأنه المجهور الذي لا يعترض مجرى الهواء عند نطقة في الحلق والفم اعتراضا تاما أو ناقصا محدثا لاحتكاك مسموع، أن كل الأصوات التي يعترض فيها مجرى الهواء في الفم -سواء كانت مجهورة أم مهموسة- تكون صامتة، وذلك مثل الباء والتاء واللام والراء، وكذلك ما يعترض مجرى الهواء في تكوينه في الحنجرة مثل همزة القطع وأن كل الأصوات التي لا يمر الهواء في نطقها من الفم -مجهورة أم مهموسة- تدخل في باب الصوامت كذلك وذلك كالميم، وأن همزة القطع مثلا خارجة من الصوائت، ويصدق عليها أنها صامت لأنه يحدث في نطقها أن الهواء يعترض اعتراضا تاما في الحلق "= في الحنجرة"، وأن كل الأصوات التي يحدث في نطقها احتكاك مسموع، كالفاء والسين والزاي تندرج تحت الصوامت. إذًا كل الأصوات المهموسة تدخل تحت طبقة الصوامت، أما المجهورة فبعضها "وهو الذي لا يحدث في نطقه اعتراض كامل لمجرى الهواء أو تضييق له يحدث احتكاكا" يدخل تحت الصوائت، وسائرها ينطوي تحت الصوامت. والصوامت العربية هي: همزة القطع ب- ت- ث- ج- ح- خ- د- ذ- ر- ز- س- ش- ص ض- ط- ظ- ع- غ- ف- ق- ك- ل- م- ن- هـ- و "في مثل ولد" ي" في مثل يترك". 2- يتضح من التعريف الذي قدمناه للصوامت والصوائت أن تعريف قدماء اليونان للصوت "انظر ص " بأنه الصوت الذي لا يتأتى نطقه دون الاستعانة بصوت صائت، تعريف خاطئ، فمن اليسير أن ننطق صوتا صامتا منفردا وحده، ويوجد في لغات كثيرة كلمات تكون من صوامت ليس غير كما في الصوتين "tz" في الصينية، وكذلك الـ"f" في التشكوسلوفاكية كلمة من الكلمات، والمجموعة "Krk" كلمة في اللغة الكرواتية، وفي الإنجليزية from تنطق أحيانا frm.

3- وقد يتضح من تعريفنا للصوائت والصوامت كذلك أنه مبني على أساس فسيولوجي صارم ليس غير، ولكن هذا ليس صحيحا، فالتقسيم إلى صوائت وصوامت مبني في الواقع على اعتبارات سمعية هي الاختلاف بين الأصوات في "وضوحها"1 في السمع، فلقد لوحظ أن بعض الأصوات أشد وضوحا في السمع من بعض، بمعنى أنها تسمع على مسافة أبعد عندما تنطلق بنفس "الطول" و"الارتكاز" و"الدرجة"، والملاحظ أن الأصوات التي توسم بأنها "صوائت" أشد وضوحا في السمع من غيرها من الأصوات الكلامية "عندما تنطق بالطريقة العادية"، وهذا هو السبب الذي من أجله اعتبرت هذه الأصوات طبقة من الطبقتين الرئيسيتين. ويلاحظ أن مقدار "وضوح" الأصوات في السمع يعتمد على "طبيعتها" وينبغي أن يميز من "بروز"2 "ظهور" الأصوات في سلسلة كلامية: "إن "البروز" يعتمد على ارتباط "طبيعية"3 الصوت و"طوله"4 و"ارتكازه"5. وعلى "درجته"6 "= "تنغيمه"7" في حالة الأصوات المجهورة. وإذا تساوى صوت صامت وصوت صائت في "الطول" و"الارتكاز" وكان "التنغيم" الذي ينطق به كلاهما "مستويا"8 فإن الصائت أشد بروزا من الصامت. "والصوائت المنفتحة"9 هي في الجملة أشد بروزا من "الصوائت الضيقة":10 والصوامت المجهورة أشدا بروزا من الصوامت المهموسة، وأصوات اللام والصوامت الأنفية المجهورة أشد بروزا من سائر الصوامت

_ 1 Sonority. 2 Prominence. 3 Quality. 4 Length. 5 Stress. 6 Pitch. 7 lntonation. 8 Level. 9 Open - Vowels. 10 Close - Vowels.

المجهورة. أما الصوامت المهموسة فهي تتصف بقدر من البروز قليل جدا بالقياس إلى الأصوات المجهورة. وما هو جدير بالملاحظة أن الصوات المهموسة يحتاج نطقها إلى قوة من "إخراج النفس"1 "= الزفير"1 أعظم من التي يتطلبها نطق الصوامت المجهورة. ويمكن أن نلمس هذا الفارق في قوة النفس إذا بسطنا الكف أمام الفم ونحن ننطق صامتا مهموسا متلوا بنظيره المجهور مثل ث، ذ/ ت، د/ س، ز ... إلخ. كما أن نطق الصوامت المهموسة يحتاج عادة إلى جهد عضوي أقوى من الذي يستدعيه نطق الصوامت المهجورة. فالصوامت الانفجارية المهموسة "مثل ت، ط، ك" يكون "حبس الهواء"2 فيها أشد إحكاما منه في حالة الانفجارية المجهورة "كالدال، والضاد، والجيم القاهرية، والباء"، كما أن "انطلاق الهواء" "= انفراج الأعضاء"3 في الأولى يكون أشد حدة منه في الثانية. أما "الصوامت الاحتكاكية"4 المهموسة "مثل الفاء والثاء والسين" فتكون "درجة الانفتاح"5 فيها "أي مقدار البعد بين الأعضاء المشتركة في النطق والمحدثة للاحتكاك، أي درجة انفتاح المجرى الهوائي أو سعته" أقل من تلك التي تكون في نطق الاحتكاكية المجهورة "مثل "V"، والذال، والزاي". ب- تقسيم الصوامت حسب طريقة النطق أي حسب حالة ممر الهواء عند موضع النطق: إن الأقسام الرئيسية للصوامت التي تنماز على هذا الأساس هي: 1- الانفجارية "أو المتفجرة" Plosives. 2- الانفجارية الاحتكاكية Affricates. 3- الغناء "= الأنفية" Nasal.

_ 1 Exhalation. 2 Closure. 3 Release. 4 fricatives. 5 Degree of Opening.

4- المنحرفة Lateral. 5- المكررة Rolled. 6- المستلبة "= المستلة"، أو "المفردة" Flapped. 7- الاحتكاكية Fricatives. 8- المتمادة غير الاحتكاكية Frictionless. 9- أشباه الصوائت: "أو: أنصاف الصوائت" Semi - Vowels. 1- الصوامت الانفجارية: تتكون الأصوات الانفجارية بأن يحبس مجرى الهواء الخارج من الرئتين حبسا تاما في موضع من المواضع، وينتج عن هذه الحبس، أو الوقف، أن يضغط الهواء، ثم يطلق سراح المجرى الهوائي فجأة، فيندفع الهواء محدثا صوتا انفجاريا. ومن ثم فالصوت الانفجاري يتكون من 1- حبس "وقف"1 2- "إطلاق"2، 3- صوت يتبع الإطلاق. ومن هنا كان وصف الانفجارية -أحيانا- بأنها "آنية"3 في مقابل غيرها من الأصوات التي يطلق عليها لفظ "متمادة"4. والأصوات "الصوامت" الانفجارية العربية "أي في العربية الفصحى كما تنطق في مصر هذه الأيام" هي: ب، ت، د، ط، ض، ك، ق، همزة القطع. والمواضع التي يوقف فيها مجرى الهواء وقفا تاما عند إحداث هذه الأصوات الانفجارية هي: 1- الشفتان -وذلك بأن تنطبقا انطباقا تاما- في حالة الباء. 2- أصول الثنايا العليا -وذلك بأن يلتقي بها طرف اللسان- في التاء، والدال، والطاء، والضاد.

_ 1 Stop. 2 Release. 3 Momentary. 4 Continuant.

3- أقصى الحنك الأعلى -بأن يلتقي به أقصى اللسان- في حالة الكاف. "وفي حالة الجيم القاهرية في العامية". 4- أدنى الحلق بما في ذلك اللهاة -بأن يلتقي به أقصى اللسان- في حالة القاف. 5- الحنجرة "فتحة" وذلك في همزة القطع. 1- وصف تكوين الأصوات العربية الانفجارية: 1- الباء: يتكون الباء بأن يوقف الهواء وقفا تاما، وذلك بأن تنطبق الشفتان انطباقا كاملا، ويرفع الحنك اللين فلا يسمح بمرور الهواء إلى الأنف، يضغط الهواء مدة من الزمن، وعندما تنفرج الشفتان يندفع الهواء فجأة من الفم محدثا صوتا انفجاريا. ويتذبذب الوتران الصوتيان أثناء النطق. وهكذا يوصف الباء بإيجاز بأنه: صامت مجهور شفوي "= شفتاني" انفجاري1. والنظير المهموس للباء -وهو "p"- ليس من جملة الأصوات العربية، وهو يتكون بنفس الطريقة التي يتكون بها الباء، فيما عدا أن الوترين الصوتيين لا يتذبذبان أثناء نطقه. فالـ"P" صامت مهموس شفوي "= شفتاني" انفجاري2. 2- التاء: يتكون هذا الصوت بأن يوقف مجرى الهواء وقفا تاما، وذلك بأن يلتقي طرف اللسان بأصول الثنايا العليا، ويرفع الحنك اللين فلا يمر الهواء إلى الأنف، يضغط الهواء مدة من الزمن ثم ينفصل العضوان انفصالا فجائيا محدثا صوتا انفجاريا. فالتاء صوت صامت مهموس سني انفجاري3.

_ 1 A Voiced bi - labial Plosive consonant. 2 A Voiceless bi - labial Plosive consonant. 3 A Voiced dental Plosive consonant.

3- والنظير المجهور للتاء هو الدال. وهو يتكون بنفس الكيفية التي يتكون بها التاء إلا أن الوترين الصوتيين يتذبذبان أثناء النطق. فالدال صوت صامت مجهور سني انفجاري1. 4- الطاء: يتكون هذا الصوت كما يتكون التاء إلا أن شكل اللسان مع التاء، ففي حالة النطق بالطاء يرتفع طرف اللسان وأقصاه نحو الحنك ويتقعر وسطه وهذا هو ما أراده نحاة العرب "بالإطباق". فالفرق بين الطاء والتاء أن الأول "مطبق" والثاني "غير مطبق". فالطاء صوت صامت مهموس سني مطبق انفجاري2. 5- الضاد: والنظير المجهور للطاء هو الضاد. فلا فرق بين الضاد والطاء إلا أن الأول مجهور والثاني مهموس، ولا فرق بين الضاد والدال إلا أن الضاد "مطبق" والدال لا إطباق فيه. ولذلك فالضاد صامت مهموس سني مطبق انفجاري3. 6- الكاف: يتكون الكاف بأن يعترض الهواء الخارج من الرئتين اعتراضا تاما، وذلك برفع أقصى اللسان حتى يلتقي بأقصى الحنك الأعلى "= بالحنك اللين" الذي يرفع هو الآخر ليمنع مرور الهواء إلى الأنف، يضغط الهواء ثم يطلق سراح المجرى الهوائي بأن يخفض اللسان فيندفع الهواء خلال الفم محدثا في اندفاعه صوتا انفجاريا. لا يتذبذب الوتران الصوتيان أثناء نطق الصوت. فالكاف صامت مهموس حنكي - قصي انفجاري4.

_ 1 A Voiceless dintal velarized Plosive consonant. 2 A Voiced dental Plosive consonant. 3 A Voiceless dental velarized Plosive consonant. 4 A Voiceless velar Plosive consonant.

والمقابل المجهور للكاف ليس من جملة الأصوات المستعملة في العربية الفصحى هذه الأيام، ولكنه مستعمل في بعض العاميات، وهو المعروف بالجيم القاهرية. فلا فرق بين الكاف وبين الجيم القاهرية "g" إلا أن الكاف مهموسة والجيم القاهرية مجهورة. فالجيم القاهرية صامت مجهور حنكي - قصي انفجاري1. 7- القاف: يتكون هذه الصوت بحبس الهواء الخارج من الرئتين حبسا كليا، وذلك بأن يرتفع أقصى اللسان حتى يلتقي بأدنى الحلق بما في ذلك اللهاة، ولا يسمح للهواء بالمرور خلال الأنف، وذلك برفع الحنك اللين؛ يضغط الهواء مدة من الزمن، ثم يطلق مجرى الهواء بأن يخفض أقصى اللسان فجأة فيندفع الهواء محدثا صوتا انفجاريا. ولا يتذبذب الوتران الصوتيان أثناء نطق الصوت. فالقاف صوت صامت مهموس لهوي انفجاري2. أما النظير المجهور للقاف، الذي يحدث في نفس الموضع وبنفس الكيفية ولكن يتذبذب معه الوتران الصوتيان، فليس من جملة الأصوات العربية الفصحى الآن إلا أنه يسمع في بعض العاميات3. فالنظير المجهور للقاف، وهو الذي يرمز إليه كتابة بـ"G" صوت صامت مجهور لهوي انفجاري4. 8- همزة القطع: 5 يحدث هذا الصوت بأن تسد الفتحة الموجودة بين الوترين الصوتيين، وذلك بانطباق الوترين انطباقا تاما فلا يسمح للهواء بالنفاذ من الحنجرة، يضغط الهواء

_ 1 A Voiced velar Palosive consonant. 2 A Voiceless uvular Plosive consoant. 3 انظر: إبراهيم أنيس: الأصوات اللغوية ص ص 72-74. 4 A Voiced uvuar plosive consonant. 5 The glottal the glottal catch the Glottal Plottal Plosive consonant.

فيما دون الحنجرة، ثم ينفرج الوتران فينفذ الهواء من بينهما فجأة محدثا صوتا انفجاريا. وهمزة القطع لا هي بالمجهورة ولا هي بالمهموسة. فهمزة القطع صوت صامت حنجري انفجاري1. "انظر بعد صفحات الكلام على "حروف القلقلة". 2- نظرية الأصوات الانفجارية: 1- رأينا أن النطق الكامل للصوت الانفجاري يتطلب: 1- اتصالا بين عضوين ينتج عنه وقف المجرى الهوائي وقفا كاملا. 2- ثم انفصال العضويين هذا الانفصال الذي يحدث عنه انفجار الهواء. ولقد لوحظ أنه في حالة الانفجارية المهموسة، لا يسمع شيء إطلاقا في اللحظة التي يوقف فيه المجرى الهوائي "= أي قبل حدوث الانفجار". أما في حالة الانفجارية المجهورة فإنه يسمع شيء من "الجهر" "= ذبذبة الوترين الصوتيين" يختلف مقداره باختلاف الأحوال أثناء وقف المجرى الهوائي. 2- إذا كانت الأصوات الانفجارية جميعا تشترك في أنها في نطقها يوقف الهواء الخارج من الهواء وقفا تاما مدة من الزمن، ثم يظل محدثا صوتا انفجاريا،

_ 1 Laryngal Plosive consonant.

فما الذي يجعل أحدها متميزا من الآخر؟ ما الذي يجعل الباء مثلا متميزا من الكاف ... إلخ؟ أي ما الذي يحدد "طبيعة" الصوت الانفجاري؟ إن طبيعة الصوت الانفجاري تختلف حسب: 1- الموضع الذي يوقف فيه الهواء. فموضع وقف الهواء يحدد شكل المجرى الهوائي الذي يستعمل في تكوين الصوت. فشكل المجرى الهوائي في نطق الكاف -الذي يوقف الهواء فيه عند أقصى الحنك- غير شكل المجرى الهوائي المستخدم فينطق الباء -الذي يوقف فيه الهواء عند الشفتين- وهكذا. 2- كما تختلف طبيعة الصوت الانفجاري حسب تذبذب الوترين الصوتيين أو عدم تذبذبهما. وهذا ينتج عنه أن يكون الانفجاري مجهورا كالجيم القاهرية "g" والباء "b"، أو مهموسا كالباء "P" والكاف "K" مثلا. 3- قد يكون تذبذب الوترين الصوتيين جزئيا، أي لا يستمر طوال الصوت، فقد يبدأ الصوت الانفجاري مهموسا ثم يصبح مجهورا، أو العكس، أي قد يبدأ الصوت الانفجاري مجهورا ثم يصبح مهموسا، وفي هذه الحال يقال أن الصوت "مقلل الجهر" ومن ذلك أن صوت اللام الإنجليزي "وهو صوت مجهور" يبدأ مهموسا في كلمة Clean ثم يستمر مجهورا، كما أن صوت الـ Z "وهو من الأصوات المجهورة" ينتهي مهموسا في كلمة Please الإنجليزية "وذلك قبل الوقف". 4- الانفجارية المهموسة النفسية1، والانفجارية المهموسة غير النفسية2. قد تكون قوة إخراج النفس شديدة حتى إنه بعد إطلاق الانفجاري المهموس يبدو الهواء الخارج بعد الوقف في السمع كأنه هاء. وذلك مسموع في نطق الباء "p" في الكلمة الإنجليزية Park، وقد يمثل هذا النطق للباء في الكتابة "Ph". ولكن ليس من اللازم أن يكون الصوت المستقل الضروري الذي يتبع كل انفجاري مهموس صوتا مهموسا قصيرا؛ إذ من الممكن أن ننطق انفجاريا مهموسا متلوا بصوت صائت كما في المجموعة، "تا"، و"كا" إلخ، بحيث يكون الصائت

_ 1 Aspirated Plosivede Asperates. 2 Unaspirted Plosives.

"والصوائت مجهورة بطبيعة الحال" الصوت الإضافي الضروري للنطق الكامل للانفجاري. فالذي يحدث في هذه الحال أن الصائت يبدأ في نفس اللحظة التي يحدث فيها انفجار الصوت الصامت. كما أنه من الممكن أن ننطق انفجاريا مهموسا متلوا بصامت مجهور بحيث يبدأ جهر المجهور في نفس اللحظة التي يحدث فيها انفجار المهموس -كما في "Pl"- وهكذا ينطق الانفجاري المهموس النطق الكامل دون أن يتبع بصوت مهموس إضافي ضروري. والانفجارية المهموسة التي تنطق بهذه الكيفية، أي التي يتبعها صوت مجهور، صائت كما في المثال الأول، أو صامت كما في المثال الثاني، يبدأ جهره ساعة الانفجار، تسمى "انفجارية مهموسة غير نفسية". 5- حروف "القلقلة": وضع نحاة العرب الأصوات العربية الانفجارية المجهورة في طبقة واحدة سموها "حروف القلقلة". وهذه الأصوات جمعوها في عبارة "قطب جد" "يلاحظ أن القاف التي وصفها النحاة كانت مجهورة وليست مهموسة كما تنطق في الفصحى هذه الأيام. وكذلك شأن الطاء، هي مهموسة في أيامنا، ولكنها كانت مجهورة، أي أن نطقها القديم كان أشبه بنطقنا للضاد. أما الجيم وهي ليست انفجارية في فصحانا، فقد وصفت إذ ذاك بأنها انفجارية". وقد أدرك النحاة أن الخاصية الصوتية التي تشترك فيها هذه المجموعة من الأصوات راجعة لكونها "شديدة" "= انفجارية" و"مجهورة". هذه الخاصية هي هذا "الصوت" الذي يتبع هذه الصوامت عندما تكون "ساكنة" والذي لا يحدث عندما يتبعها صوت صائت قصير "= حركة" أو صوت صائت طويل "= حرف مد ولين". والواقع أنه في هذه الحالة الأخيرة يكون الصائت نفسه الصوت المستقل الضروري الذي يجب أن يتبع الانفجاري عندما تزال العقبة الحابسة للهواء، لما كان جهر الصائت التالي للانفجاري يبدأ لحظة الانفجار.

وقد قرر نحاة العرب كذلك1 أن نطق هذ الأصوات نطقا واضحا حالة الوقف يستدعي جهدا أكبر؛ لأنها لما كانت "شديدة" "= انفجارية" فإن الهواء "المجرى الهوائي" محبوس حبسا تاما، ولما كانت "مجهورة" فإن "النفس" ممنوع من أن يجري معها. ونتيجة لهذا الجهد فإنه يتبعها "صوت" أو "صويت" أو "نبرة" ومن ثم تنتقل هذه الأصوات من الوقف "السكون" إلى "شبه الحركة". وقد لاحظ النحاة أن هذا الصوت الإضافي يختلف درجة باختلاف المتكلمين، وقد حكى أن بعض العرب كانوا يخرجونه أشد عنفا من غيرهم. أما الصوت الإضافي في حالة ماسماه نحاة العرب "حروف القلقلة" فالرأي أنه غير مهموس، أي ليس نفسا، وهذا بناء على الحقائق الآتية: 1- أن النحاة يفرقون بين هذا الصوت الإضافي وبين "النفس" أو "النفخ". 2- أنهم يقررون أنه بسبب هذا الصويت الإضافي تنتقل هذا الأصوات الانفجارية من "السكون" إلى "شبه الحركة". وهم يعنون بهذا أنه تصبح شبيهة شيئا ما "بالحروف المتحركة". ومعروف أن ما يعرف في الاصطلاح العربي "بالحرف المتحرك" هو صوت صامت يتلوه صوت صائت قصير. من هذا نرى أن الصوت الإضافي في حالة "حروف القلقلة" يشبه "بالحركة" أي بالصائت القصيرن ومن البديهيات أن الصوائت مجهورة. والأرجح أن هذا الصوت الإضافي "صوت صائت مركزي ضعيف".

_ 1 انظر مثلا ابن يعيش: شرح المفصل جـ2 ص1446، تحقيق "بأن" Jahn، ليبزج 1882". 2 Weak Central Vowel

وقد ذكر نحاة العربية كذلك أن "حروف القلقلة" تكون غير واضحة عندما لا تنطق النطق الكامل. وتفسير ملاحظتهم هذه، أن الذي يحدث في مثل هذه الحالة هو "تقليل جهر"1 الانفجارية حتى إن هذه الصوامت تصبح انفجارية ضعيفة الهمس b, d etc 2 أو "أصواتا قذفية ضعيفة"3. يقول ابن يعيش: إن هذه الأصوات سميت "حروف القلقلة" لأنك لا تستطيع أن "تقف" عليها إلا بصوت "هو هذا الصائت المركزي الضعيف الذي أشرنا إليه" بسبب شدة "الحصر" و"الضغط" "في نطقها" كما في "الحق" واذهبْ واخلطْ و"اخرجْ". وثمة تفسيرات أخرى لتسمية هذه الأصوات "حروف القلقلة" منها أنها من "قلقلة" بمعنى "حركة" وليس هنا مجال الإشارة إليها4. 6- إن نوع انطلاق المجرى الهوئي، أو الانفجار، مؤثر في طبيعة الصوت الانفجاري. وأهم أنواع انطلاق المجرى الهوائي، أو الانفجار، في حالة الانفجارية: أ- الانطلاق -أو الانفجار- المنحرف 5: وهذا النوع من الانفجار يحدث عندما يكون الانفجاري متبوعا بصوت "منحرف" "كاللام" ففي المجموعة "tl" مثلا كما في Little الإنجليزية، لا يزول اللسان كله عن موضعه الذي يتخذه لنطق الانفجاري "التاء" ولكن الذي يحدث إن إحدى حافتي اللسان تنفرج عن الأسنان العليا، فيخرج الهواء من الانفراج بما يسمى انفراجا منحرفا "وقد تنفرج حافتا اللسان معا".

_ 1 Devoicing. 2 الدائرة الصغيرة أو "السكون"، الموضوع تحت الحرف، رمز اصطلاحي في الكتابة الصوتية يفيد أن الصوت الذي يمثل بالحرف المرقوم بهذه العلامة قد فقد شيئا من جهره. 3 Weak Ejective Sounds. 4 انظر ما كتبناه عن هذه الأصوات في رسالتنا التي نلنا بها درجة الدكتوراه من جامعة لندن، ومنها نسخة على الآلة الكاتبة في كلية الآداب بجامعة الإسكندرية. Acritical Study of the Phonetic Observations of the Arab Grammarians pp 261 - 263. 5 Lateral Realease Lateral Plosion.

ب- الانطلاق -أو الانفجار- الأنفي 1: وهذا النوع من الانفجار يحدث عندما يتبع الصوت الانفجاري بصوت أغن "أنفي" مباشرة "ونقرب بالاصطلاح العربي التقليدي فنقول: عندما يكون الانفجاري "ساكنا" وبعده صوت أغن كالميم أو النون" فإن الانفجاري في هذه الحالة لا ينطق بالكيفية العادية، بمعنى أن انفجاره لا يكون بالشكل العادي. وذلك كالتاء، والطاء، والدال في مثل "متن"، بطن، فدم، عدم "فالتاء والطاء قد ولي كلا منهما صوت النون وهو أنفي، والدال الانفجاري قد وليه صوت الميم وهو أنفي" فالانفجار المسموع في نطق هذه الكلمات لا يتكون نتيجة انطلاق الهواء من الفم، بل يتكون بأن ينطلق الهواء من الأنف، عندما يخفض الحنك اللين استعدادا لنطق الصوت الأغن التالي للصوت الانفجاري، ومن هنا نسمي هذا النوع من الانفجار "الانفجار الأنفي". 3- الصوامت الانفجارية الناقصة 2: ذكرنا أن الانفجاري يتكون من: 1- وقف لمجرى الهواء 2- ثم إطلاق و3- صوت يعقب الإطلاق، ولكن توجد حالات لا تنطق فيه الصوامت الانفجارية النطق الكامل، بمعنى أنه لا يتوافر في كل منها هذه العناصر الثلاثة. وهذا مشاهد في فصحانا عندما يتوالى انفجاريان -أي دون فاصل بينهما من صامت أو صائت- سواء أكان الانفجاري الأول غير الانفجاري الثاني أم كان الأول والثاني مثلين، فالانفجاري الأول في كل من هاتين المجموعتين لا يفجر. 1- ومن أمثلة المجموعة الأولى الباء والتاء في "ابتهاج"، والباء والدال في "عبد" والباء والهمزة في "عبء" والتاء والقاف في "إتقان"، والتاء والباء في "عتب" والدال والباء في "أدبر" والدال والقاف في "ودق" والطاء والباء في "مطبوع"، والطاء والهمزة في و"وطء" والضاد والباء في "قضب"، والكاف والتاء في "اكتواء" والكاف والضاد في "ركض"، والقاف والدال في أقدار" "وفي "مقدور"، والقاف والتاء في "اقتدار " وفي "اقتضاب"، والقاف والتاء في "وقت"،

_ 1 Nasal Relase Nasal Plosion. 2 lncomplete Plosive Consonants.

والهمزة والكاف في "مأكل"، والهمزة والتاء في "مأتى"، والهمزة والباء في "مأبون"، والهمزة والدال في "وأد" فالانفجاري الأول في كل من هذه الكلمات لا يفجر، أي أن العضوين اللذين يقفان الهواء لا ينفرجان لينطلق الهواء قبل أن تأخذ الأعضاء في نطق الانفجاري التالي، بل يكون الوقف اللازم للانفجاري الأول دون أن يتبعه انفجار. ففي "ابتهاج" و"عبد" و"عبء" لا تنفرج الشفتان وهما المكونتان للوقف في حالة الباء ثم تنتقل الأعضاء إلى تكوين الصوت التالي وهو التاء، والدال، والهمزة، بل يتكون كل من هذه الأخيرة والشفتان لا تزالان مغلقتين لتكوين الباء، والهمزة، وهكذا فلا انفجار للباء. أما في "إتقان" و"عتب" و"أدبر" و"دق" و"مطبوع" و"وطء"، و"مضبوط" و"قضب" و"اكتواء" و"ركض" و"أقدار" و"وقت" حيث يكوِّن الوقف اللازم للانفجاري الأول جزء من اللسان يضغط على الأسنان "كما في حالة التاء والدال والطاء والضاد" أو على أقصى الحنك الأعلى "كما في حالة الكاف"، أو على أدنى الحلق بما فيه اللهاة "كما في القاف"، فالذي يحدث أن اللسان لا يغادر موضعه "من الأسنان أو الحنك الأعلى أو أدنى الحنك" الخاص بالانفجار الأول قبل الانتقال إلى تكوين الانفجاري التالي له، بل يظل في موضعه بينما يتكون الانفجاري التالي، وهكذا فلا إطلاق لمجرى الهواء في حالة الانفجاري الأول في كل من هذه الكلمات. أما في "مأكل" و"وأد" حيث يكون الوقف الضروري للهمزة في الحنجرة بانطباق الوترين الصوتيين انطباقا تاما، فإن الوترين الصوتيين لا يتباعدان قبل نطق الكاف والدال، بل يتكون كل من الكاف والدال، والوتران الصوتيان منطبقان، ومن ثم فلا تفجر للهمزة في هاتين الكلمتين. أما الحالة الثانية التي يعد فيها الانفجاري ناقصا فهي عندما يكون الانفجاريان المتواليان مثلين، في كلمة أو كلمتين، فالانفجاريان في هذه الحال يكونان صوتا طويلا و"إطلاقا" واحدا. وذلك كما في، "عبأ" حتى، تعدي، تخطى، توضأ، زكّى، رقّى، سؤال. وكما في اشرب به، محتلك، سد دارك، اضبط طريدا، أبغض ضرا، أملك كريما، لم يرق قوما، لا تسؤ أخاك.

2- الصوامت الانفجارية الاحتكاكية 1: 1- كل صامت انفجاري يمكن أن يكون احتكاكي2 مقابل له، أي احتكاكي يتكون في نفس الموضع الذي يتكون فيه الانفجاري، مع اختلاف في طريقة النطق، فالكاف العربي انفجاري والمقابل الاحتكاكي له هو الخاء. وموضع نطق الكاف هو موضع نطق الخاء، ولكن طريقة نطق الكاف غير طريقة نطق الخاء، ففي الكاف يرفع أقصى اللسان حتى يلتقي بأقصى الحنك بحيث لا يسمح للهواء بالمرور من الفم إلى أن ينفصل العضوان انفصالا فجائيا، "أي بحيث يكون فراغ بين أقصى الحنك وأقصى اللسان يستطيع الهواء أن ينفذ منه". أما في الخاء فيرفع أقصى اللسان حتى يقترب من أقصى الحنك بحيث يكون بينهما فراغ ينفذ منه الهواء محدثا صوتا احتكاكيا. ولذلك فالأصوات الانفجارية أصوات "آنية" أما الأصوات الاحتكاكية فأصوات "متمادة" بمعنى أنه يمكن الاستمرار في نطقها ما أسعف النفس. وانفصال الأعضاء في نطق الصوامت الانفجارية يتفاوت سرعة وبطئا، فإذا كان انفصالها بطيئا بحيث لا يحدث انفجار واضح، بل يسمع عند إطلاق الوقف صامت احتكاكي، سمي الصوت الذي يتكون بهذه الكيفية "انفجاريا احتكاكيا". والصامت "الانفجاري الاحتكاكي" نوع من الانفجار يحدث في تكوينه أن يتبع إطلاق الانفجاري مباشرة بالاحتكاكي المقابل له، أي بالاحتكاكي الذي يتكون في نفس الموضع الذي يتكون فيه الانفجاري. وهذا الصوت الاحتكاكي الذي يعد جزءا جوهريا من الانفجاري الاحتكاكي يسمع لأن الأعضاء المشتركة في نطق الانفجاري تنفصل ببطء. و"للانفجار الاحتكاكي"3 درجات مقابلة لدرجات سرعة انفصال الأعضاء، فإن كان الانفجار الاحتكاكي ضئيلا أدرك الصوت مع الانفجارية، أما إن كان الانفجار الاحتكاكي شديدا بحيث يدرك السامع بوضوح الاحتكاكي المقابل للانفجاري، وصف الصوت بأنه "انفجاري احتكاكي".

_ 1 Affricative Colnsonants Affricates. 2 Fricative. 3 Affrication.

ولما كان كل صوت انفجاري يقابله صوت احتكاكي، أمكن أن ينطق كل صوت انفجاري مقابل له "انفجاري احتكاكي". ومن المعروف أن الأصوات العربية، التي تكون النظام الصوتي لفصحانا هذه الأيام، ليس من جمتلها أصوات انفجارية احتكاكية إلا أن بعض الأصوات الانفجارية الاحتكاكية مسموع في بعض العاميات العربية. 2- تمثيل الانفجارية الاحتكاكية في الكتابة الصوتية: 1- جرت عادة الصوتيين على تمثيل الصوامت الانفجارية الاحتكاكية في الكتابة الصوتية برمز مكون من حرفين1 أولهما الحرف الذي يستعمل لتمثيل الصوت الانفجاري، وثانيهما الحرف الثاني يستعمل لتمثيل الاحتكاكي المقابل له. 3- الصوامت الغناء 2: تتكون الصوامت الغناء بأن يحبس حبسا تاما في موضع من الفم ولكن يخفض الحنك اللين فيتمكن الهواء من النفاذ عن طريق الأنف. ومن أمثال الصوامت الغناء الميم والنون.

_ 1 Digraph 2 Masal Consonants

1- الميم: يحبس الهواء حبسا تاما في الفم بأن تطبق الشفتان انطباقا تاما: يخفض الحنك اللين فيتمكن الهواء الخارج من الرئتين بسبب الضغط من النفوذ عن طريق الأنف، يتخذ اللسان وضعا محايدا1، يتذبذب الوتران الصوتيان. فالميم صامت مجهور شفوي "= شفتاني" أغن2. 2- النون: يوقف الهواء في الفم وقفا تاما بأن يعتمد طرف اللسان على أصول الثنايا العليا، يخفض الحنك اللين، وبهذا يتمكن الهواء الخارج من الرئتين بسبب الضغط من أن ينفذ عن طريق الأنف، يتذبذب الوتران الصوتيان أثناء نطق الصوت. فالنون العربية صامت مجهور سني أغن3. 4- الصوامت المنحرفة 4: تتكون الصوامت "المنحرفة" بوضع عقبة في وسط المجرى الهوائي مع ترك منفذ للهواء عن طريق أحد جانبي العقبة، أو عن جانبيها، ومن هنا كانت تسميتها بالمنحرفة "أو الجانبية" ومن أمثلتها أصوات اللام في العربية، والإنجليزية والفرنسية. 1- اللام العربية: يعتمد طرف اللسان على أصول الثنايا العليا بحيث تنشأ عقبة في وسط الفم مع ترك منفذ للهواء عن إحدى حافتي اللسان، أو عن حافيته، يرفع الحنك الأعلى فلا ينفذ الهواء عن طريق الأنف، يتذبذب الوتران الصوتيان. فاللام العربي صامت مجهور سني منحرف "= جانبي"5.

_ 1 Neutral. 2 Voiced Bi - Labial Nasal Consonant. 3 A Voiced Dental Nasal Consonant. 4 Lateral Consonants. 5 A Voiced Dental Nasal Consonant.

ولقد لاحظ نحاة العربية أن المتكلمين العرب يستعملون نوعين رئيسيين من اللام، اللام المفخمة، واللام المرققة: الأولى كلام "والله" والثانية كلام "لك". وقد ذكروا الظروف التي تحدد نطق اللام مفخمة وتلك التي تحدد نطقها مرققة. إن الشكل الذي يتخذه جسم الإنسان، أي الجزء الرئيسي منه في نطق اللام، عنصر أساسي في تحديد صوت اللام. 2- أما اللام الإنجليزي فهو "لثوي". والإنجليزية، كذلك تستعمل نوعين رئيسيين من اللام، اللام المفخمة وتسمى "Dark L "أي اللام المعتمة أو القاتمة"، واللام المرققة، وتسمى "Clear L" "أي اللام الصافية أو المشرقة". ويتعين نطق اللام في الإنجليزية "مفخمة إذا وقعت قبل أي صوت صامت كما في Field، أو متطرفة كما في Pill و Feel. ويتعين نطقها مرققة إذا وقعت قبل أي صوت صائت، كما في Late أو قبل صوت الياء كما في Million. والفارق بين الأنواع المرققة من اللام وبين الأنواع المفخمة هو فارق في "الرنين" ففي المرققة يرتفع وسط اللسان تجاه الحنك الصلب "= وسط الحنك" فيكون له رنين شبيه برنين "الصوائت الأمامية" "مثل ياء "في". أما في المفخمة فيرتفع أقصى اللسان نحو "الحنك اللين" "= أقصى الحنك" فيكون له رنين شبيه برنين "الصوائت الخلفية" "مثل ألف "قال". 5- الصوامت المكررة 1: تتكون الصوامت المكررة نتيجة لطرقات سريعة متتابعة من عضو مرن: مثل طرف اللسان، كما في الراء العربي "r" أو مثل اللهاة كما في الراء الفرنسي "R". 1- الراء العربي: يتكون صوت الراء العربي بأن تتابع طرقات طرف اللسان على اللثة تتابعا سريعا، ومن هنا كانت تسمية هذا الصوت بالمكرر. "وهذه الطرقات لا تحدثها حركة عضلية واعية من طرف اللسان، فالذي يحدث أن طرف اللسان يوضع سمحًا في موضعه المناسب، ويذبذبه العمود الهوائي".

_ 1 Rolled Consonants.

ويحدث الوتران الصوتيان نغمة عند نطق الراء. فالراء العربي صامت مجهور لثوي مكرر1. 2- الراء الفرنسي: يتكون الصوت الفرنسي الذي يرمز له بـ"R" بأن تذبذب "اللهاة" أي بأن تطرق طرقات سريعة متتابعة" على أقصى اللسان. ويحدث الوتران الصوتيان نغمة موسيقية عند تكوين الصوت. فالراء الفرنسي صامت مجهور لهوي2 مكرر. 6- الصوامت المستلة، أو المستلبة، أو المفردة 3: تتكون الصوامت المستلة "= المستلبة، المفردة" بإحداث طرقة واحدة من عضو مرن، كطرف اللسان، على عضو آخر، كاللثة، بحيث لا يستغرق الاتصال زمنا ملحوظا. ومن أمثلة هذه الأصوات "الراء المستلة". "الراء المستلة" 4: تتكون "الراء المستلة" كما تتكون "الراء المكررة" ولكن ليس فيها إلا طرقة واحدة من طرف اللسان على اللثة. ويحدث الورتان الصوتيان عند نطقها نغمة موسيقية. فهذه الراء صامت مجهور لثوي مستل5. وبعض المتكلمين بالإنجليزية الأدبية يستعملون هذه الراء موضع "الراء الاحتكاكية"6، وخاصة عندما تتواسط هذه الراء صوتين صائتين كما في كلمة veri" very". 7- الصوامت الاحتكاكية 7: 1- تتكون الصوامت الاحتكاكية بأن يضيق مجرى الهواء الخارج من الرئتين في موضع من المواضع بحيث يحدث الهواء في خروجه احتكاكا مسموعا.

_ 1 A Voiced A lveolar Rolled Consonant. 2 A Voiced uvular Rolled Consonant. 3 Flapped Consonants. 4 Flappedr. 5 A Voiced Alveolar Flapped Consonant. 6 Fricative R. 7 Fricative Consonants.

2- والصوامت العربية التي يصدق عليها هذا الوصف هي: المهموس المجهور ف - ث ذ - ظ س ز ص - ش خ غ ح ع هـ وهذا وصف للصوامت العربية الاحتكاكية: 1- الفاء: يتكون الفاء بأن تضغط الشفة السفلى على الأسنان العليا بحيث يسمح للهواء أن يشق طريقه بينهما وخلال الثنايا، يرفع الحنك اللين، فلا يمر الهواء خلال الأنف، لا يتذبذب الوتران الصوتيان. فالفاء صامت مهموس شفوي - سني احتكاكي1. والنظير المجهور للفاء هو "الفاء" "v". وليس من جملة الأصوات العربية، وهو شائع في اللغات الأوروبية. وأخذ يجري على ألسنة المثقفين العرب، ولا سيما عند نطق الأعلام الأوروبية التي تشتمل عليه، مثل "فيينا". ويتكون هذا الصوت كما يتكون الفاء إلا أن الوترين الصوتيين يتذبذبان أثناء نطقه. 2- الثاء: يحدث الثاء بأن يوضع طرف اللسان بين أطراف الثنايا، بحيث يكون هناك منفذ ضيق للهواء، ويكون معظم جسم اللسان مستويا، يرفع الحنك اللين، فلا ينفذ الهواء عن طريق الأنف، ولا يتذبذب الوتران الصوتيان. فالثاء صامت مهموس مما بين الأسنان احتكاكي2.

_ 1 A Voiceless Labio - Dental Fricative Consonant. 2 A Voiceless lnterdental Fricative Consonant.

3- الذال: وهو النظير "المجهور" للثاء. أي أن الذال يختلف عن الثاء في شيء واحد هو أن الوترين الصوتيين يتذبذبان عند نطقه، فهو مصحوب بنغمة موسيقية. فالذال صامت مجهور مما بين الأسنان احتكاكي1. 4- الظاء: يتكون الظاء بنفس الطريق التي يتكون بها الذال، إلا أن شكل اللسان معه غير شكله مع الذال. ففي الظاء "إطباق"3، أي أن اللسان يتخذ نفس الشكل الذي يتخذه في نطق الضاد، والطاء -وقد مر وصفهما- والصاد. فالظاء صامت مجهور مما بين الأسنان احتكاكي مطبق4. والنظير المهموس للظاء ليس من جملة الأصوات العربية، ويمكن تقريبه بأن نقول إنه "مطبق الثاء"، أي أن بين هذا الصوت وبين الثاء ما بين الصاد والسين مثلا. 5- السين: يحدث السين بأن يعتمد طرف اللسان على اللثة بيما يرفع وسط اللسان نحو الحنك الأعلى، ويكون الفراغ بين طرف اللسان وبين اللثة قليلا جدا، يرفع الحنك اللين، ولا يتذبذب الوتران الصوتيان. فالسين صامت مهموس لثوي احتكاكي5.

_ 1 A Voiced lnterdental Fricative Consonant 2 Dentlal 3 A Velarization 3 A Velarization 4 A Voiceded lnterdental Fricative Consonant 5 A Voiceded Blveolar Fricative Consonant

ويلاحظ أن هذا الصوت لا يتأتى نطقه لو فتح الفم، أثناء تكوينه، إلى حد كبير، بل إنه ليحدث في نطق كثيرين للسين أن تتلاقى الأسنان العليا والأسنان السفلى. كما أنه من الممكن أن يتكون السين بأن يعتمد ذلك اللسان، لا على اللثة، ولكن على الأسنان السفلى، أو على الثنايا السفلى، وقد لاحظ ذلك بعض النحاة العرب. 6- الزاي: وهو النظير المجهور للسين. فهو صامت مجهور لثوي احتكاكي1. 7- الصاد: الصاد مطبق السين، أي أنه يتكون بنفس الطريقة التي يتكون بها السين إلا أن فيه "إطباقا". فالصاد صامت مهموس لثوي احتكاكي مطبق2. والنظير المجهور للصاد هو "مطبق" الزاي، أي أنه يتكون كما يتكون الزاي إلا أنه فيه إطباقا. فهذا الصوت صامت مجهور لثوي احتكاكي مطبق3. وهو من جملة أصوات العامية المصرية، وهو الصوت الأول في نطقنا العامي لكلمة "ضابط". 8- الشين: يتكون الشين العربي بأن يرفع "ذلق" اللسان4 و"طرفه" "= ومقدمه"5 نحو مؤخر اللثة، بينما يكون كل الجزء الأساسي من جسم اللسان مرفوعا نحو الحنك الأعلى في نفس الوقت. ويكون الفراغ بين مقدم اللسان ومؤخر اللثة ضيقا، ولكنه أوسع من الفراغ الكائن في نطق السين، وإن كان العمود

_ 1 A Voiced Blade - Alvellar Frica - tive Consonant. 2، 3 A Voiced Blade - Alveolar Velarized Fricative Consonant. 4 Tip of the Tongu. 5 Blade of the Tongu.

الهوائي، فيما بين سائر اللسان والحنك، أضيق من العمود الهوائي بين هذين العضوين في حالة السين. وفي نطق الشين تتقارب الأسنان السفلى والعليا؛ إذ لا يتأتى تكوين هذا الصوت إذا اشتد انفتاح الفم. يرفع الحنك اللين. ولا يتذبذب الوتران الصوتيان. فالشين صامت مهموس لثوي - حنكي احتكاكي1. والنظير المجهور للشين هو النطق العامي للجيم في سوريا وبعض بلاد المغرب، وهو مثل الصوت الأخير في كلمة "rouge" الفرنسية "= روج". أي أنه يتكون تكون الشين ويفترق عنه في أن الوترين الصوتيين في نطقه يحدثان نغمة موسيقية. ويمكن أن يرمز إليه بـ"3" فهذا الصوت صامت مجهور لثوي - حنكي احتكاكي2. أما نطق الجيم الفصحى في مصر النطق المثالي الذي يأخذ به صفوة الأساتذة تلاميذهم3 فنستطيع أن نرمز له بالرمز "d3"، أي أنه صوت صامت مجهور لثوي - حنكي انفجاري - احتكاكي4. 9- الخاء: الخاء في عربيتنا الفصحى، هذه الأيام، يتكون بأن يقرب أقصى اللسان من أقصى الحنك بحيث يكون بينهما فراغ ضيق يسمح للهواء بالنفاذ محدثا احتكاكا، يرفع الحنك اللين، ولا يتذبذب الوتران الصوتيان. فالخاء صامت مهموس حنكي - قصي احتكاكي5

_ 1 A Voiceless Palato - Alveolar Fricative Consonant. 2 A Voiceless Palato - Alveolar Fricative Consonant. 3 من المعروف أن أكثر المثقفين في مصر ينطق الجيم الفصحى كافًا مجهورة "وهو نطقهم للجيم في مثل "جرى". 4 A Voiced Palato - Alveolar Affricative Consonant. 5 A Voiceless Velar Fricative Consonant.

10- الغين: وهو النظير المجهور للخاء. فالغين صامت مجهور حنكي - قصي احتكاكي1. 11- الحاء: يحدث احتكاك هذا الصوت في الفراغ الحلقي أعلى الحنجرة؛ إذ يضيق المجرى الهوائي في هذا الموضع بحيث يحدث مروره احتكاكا، يرفع الحنك اللين، ولا يتذبذب الوتران الصوتيان. فالحاء صامت مهموس حلقي احتكاكي2. 12- العين: وهو النظير المجهور للحاء، أي أن العين يتكون حيث يتكون الحاء، وكما يتكون الحاء إلا أنه تصحبه نغمة موسيقية إذ يتذبذب الوتران الصوتيان عند تكوينه. فالعين صامت مجهور حلقي احتكاكي3. 13- الهاء: الهاء هو صوت النفس الخالص الذي لا يلقى مروره اعتراضا في الفم. وللسان أن يتخذ، في نطق الهاء، أي موضع من المواضع التي يتخذها في نطق "الصوائت"، ومن ثم فمن المستطاع نطق أنواع من الهاء قدر ما يستطاع نطقه من أنواع "الصوائت". ولذلك أمكن اعتبار أصوات الهاء "صوائت مهموسة"4، أي صوائت يصحبها همس لا جهر. والهاء العربي يتكون عندما يتخذ الفم الوضع الصالح لنطق صوت صائت "كالفتحة مثلا"، ويمر الهواء خلال الانفراج الواسع الناتج عن تباعد الوترين

_ 1 A Voiced Velar Fricative Consonant. 2 A Voicelss Phayynga Fricative Consont. 3 A Voiced Phayngal Fricative Consonant. 4 أو "صوائت غير مجهورة" Unvoiced Vowels.

الصوتيين بالحنجرة محدثا صوتا احتكاكيا، يرفع الحنك اللين ولا يتذبذب الوتران الصوتيان. فالهاء العربي صامت مهموس حنجري احتكاكي1 8- الصوامت المتمادة غير الاحتكاكية 2: يطلق هذا المصطلح على بعض صوامت مجهورة تتكون في نفس المواضع الملائمة لتكوين صوامت احتكاكية، ولكن لا يسمع في نطقها احتكاك: إما لأن قوة النفس "= الزفير" في تكوينها أضعف من تلك المستخدمة في نطق الاحتكاكية المقابلة لها، وإما لأن درجة انفتاح الأعضاء عند موضع النطق تكون أوسع منها عند نطق الاحتكاكية المقابلة لها، وإما لاجتماع هذين العاملين. ومن أمثلة الصوامت المتمادة غير الاحتكاكية نطق كثير من الإنجليز للراء الإنجليزية. فالشائع في الراء الإنجليزية أن تنطق "صامتا مجهورا لثويا احتكاكيا، ولكن كثرة من الإنجليز تجعل الفتحة بين "ذلق" اللسان وبين اللثة أوسع شيئا من تلك اللازمة لإحداث الراء الاحتكاكية، وتستخدم قوة زفير أضعف من المستخدمة عادة في تكوين الراء الاحتكاكية، فينتج عن هذا أن الراء التي ينطقونها تكون "متمادة"، أي يدوم نطقها ما أسعف النفس، ولكن لا يسمع معها احتكاك، فتوصف أنها "متمادة غير احتكاكية". 9- أشباه الصوائت 3: يطلق هذا المصطلح على "صوائت انزلاقية"4 يحدث فيها أن تبدأ الأعضاء بتكوين "صائت ضيق"5 "كالكسرة مثلا" ثم تنتقل بسرعة إلى "صائت" آخر أشد "بروزًا"6، ولا يدوم وضع الصائت الأول زمنا ملحوظا.

_ 1 A Voiceless Glottal Fricative Consonant. 2 Frictioness contintants. 3 Semi - Vowels. 4 Vowels - Glides. 5 Close - Vowels. 6 انظر الكلام على "البروز" ص من هذا الكتاب.

والذي يدعو إلى إدراج هذه الأصوات تحت طبقة "الصوامت" هو ما تتميز به من انتقال سريع مع ضعف في قوة النفس "= الزفير". وفي العربية صوتان ينطبق عليهما هذا الوصف هما الواو، مرادا بها مثل واو "وجد" والياء، مراد بها مثل ياء "يزن". 1- الواو: تبدأ أعضاء النطق في اتخاذ الوضع المناسب لنطق نوع من "الضمة" "u"، ثم تترك هذا الوضع بسرعة إلى وضع صائت آخر. وتختلف نقطة البدء اختلافا يسيرا فيما بين المتكلمين وحسب الصائت التالي. تنضم الشفتان، ويرفع أقصى اللسان نحو أقصى الحنك، ويسد الطريق إلى الأنف بأن يرفع الحنك اللين، ويتذبذب الوتران الصوتيان. فالواو "w" شبه صائت مجهور شفوي حنكي - قصي1. 2- الياء: تتكون الياء بأن تأخذ الأعضاء الوضع المناسب لنطق صائت من نوع الكسرة "i" ثم تنتقل منه بسرعة إلى موضع صائت آخر أشد "بروزا". وهذا الانتقال السريع من الكسرة "i" هو الذي يكون الصامت المعروف بالياء. ونستطيع أن نصف بدء هذا الصوت بأن نقول إن وسط اللسان يرفع عاليا تجاه الحنك الصلب "= وسط الحنك" و"تكسر" الشفتان. يسد الطريق إلى الأنف بأن يرفع الحنك اللين، يتذبذب الوتران الصوتيان. فالياء "y" شبه صائت مجهور مكسور "= غير مضموم" حنكي - وسيط2. جـ- تصنيف الصوامت حسب "موضع النطق" 3: 1- عرضنا في خلال وصفنا للأصوات، مصنفة حسب "طريقة النطق"، للأعضاء التي تشترك في تكوين كل صوت، ولوضع تلك الأعضاء، ولقد رأينا أن

_ 1 A Labio - Velar Semi - Vowel. 2 An Unrounded Palatal Seme - Vowels. 3 Place of Articulation.

من هذه الأعضاء وأوضاعها "كحالة الوترين الصوتيين" ما يتخذ أساسا لتصنيف الأصوات إلى "مهموسة" أو "مجهورة" "أو لا مهموسة ولا مجهورة كهمزة القطع"؛ ومنها -كشكل اللسان، وانفتاح الممر إلى الأنف أو انسداده- ما يحدد شكل المجرى الهوائي فيساعد على تصنيف الأصوات من حيث طريقة نطقها "فنقول: هذا الصوت انفجاري، أو منحرف ... إلخ". وورد في تعريفاتنا لتكوين الأصوات تحديد ما كان يسميه العرب "مخرج الحرف"، وما يسميه المحدثون في الغرب "موضع النطق" فعندما نعرف "النون" بأنه صامت مجهور سني أغن"، فإن قولنا: "سني" يحدد "موضع نطق" هذا الصوت، ولكن ليس معنى هذا أنه بالضرورة أن الأسنان وحدها هي "موضع النطق"، فالأسنان يعتمد عليها طرف اللسان بشكل خاص، ولكن إيثارا للإيجاز يدل على موضع النطق بالعضو الثابت -وهو اللثة- الذي يلتقي به طرف اللسان. وكذلك "الراء" توصف حسب موضع النطق بأنها "لثوية"، وليست اللثة وحدها هي الموضع "أو المخرج"، فاللسان شريك اللثة، والتقاؤهما على هيئة مخصوصة هو الذي يحدد "موضع النطق". 2- وفيما يلي مواضع نطق الأنواع الرئيسية للأصوات الأساسية في لغات العالم: 1- الشفتان: ويوصف الصوت بأنه "شفتاني" "كالميم والواو". 2- الشفة السفلى والأسنان العليا: ويوصف الصوت بأنه "شفوي سني" "كالفاء، والفاء". 3- الأسنان: ويوصف الصوت بأنه "سني" "كالتاء والدال والنون واللام". 4- ما بين الأسنان، ويوصف الصوت بأنه "مما بين الأسنان "كالثاء، والذال، والطاء". 5- اللثة: ويوصف الصوت بأنه "لثوي" كالراء الكررة". 6- اللثة ومقدم الحنك الأعلى: ويوصف الصوت بأنه "لثوي حنكي" "كالشين". 7- مقدم الحنك الأعلى: ويوصف الصوت بأنه "حنكي وسيط".

8- أقصى الحنك الأعلى: ويوصف الصوت بأنه "حنكي قصي" "كالكاف، والخاء، والغين". 9- اللهاة: ويوصف الصوت بأنه "لهوي" "كالكاف". 10- الحلق: ويوصف الصوت بأنه "حلقي" "الحاء والعين". 11- الحنجرة: ويوصف الصوت بأنه "حنجري" كهمزة القطع، والهاء". د- تصنيف الصوائت: 1- يتضح من التعريف الذي قدمناه للصوائت أن الصفة الأساسية المميزة للصوائت تقوم على شكل ممر الهواء المفتوح فيما فوق الحنجرة، فهذا الممر يكون صندوقا رنانا يغير من طبيعة الصوت الناتج عن ذبذبة الوترين الصوتيين. فالأشكال المختلفة التي يتخذها هذا الممر تغير طبيعة الصوت على أشكال مختلفة، ومن ثم فهي تسبب ظهرو صوائت متمايزة. واللسان والشفتان هما العضوان الأساسيان اللذان لهما دخل في تغيير شكل الممر الهوائي في حالة الصوائت، ويستطيع المبتدئ أن يلاحظ وضع اللسان في نطق الصوائت المختلفة وذلك بأن ينظر في مرآة، وهو فاتح فمه إلى أقصى ما يستطيع، ثم يأخذ في نطق صوائت مثل ألف "قال"، ثم باء "بيع"، ثم كسرة "من"، ثم كسرة "تبن"، ثم فتحة "صبر"، ثم ضمة "صم". وسيجد أنه في نطق ألف "قال" وضمة "صم"، وفتحة "صبر" يكون الجزء الخلفي من اللسان هو صاحب الشأن الأكبر في تشكيل الممر الهوائي الخاص بكلا هذين الصوتين، أما في نطق ياء "بيع" فإن الجزء "الأمامي" من اللسان يرفع "في اتجاه الحنك الأعلى" إلى درجة كبيرة، وهو أقل ارتفاعا في نطق كسرة "تبن" مثلا. أما في نطق الصوتين الصائتين في الكلمتين العاميتين المصريتين "بيت" و"بيض" فإنه يرفع من اللسان جزء وسط بين أمامية وخلفية. ومن ثم فالصوائت تصنف إلى "أمامية"1 "وخلفية"2 "ووسطى"3

_ 1 Front Vowels. 2 Back Vowels. 3 Central Vowels.

"= وواسطية، ومركزية" حسب الجزء الذي يرفع من اللسان، وتصنف إلى "ضيقة"1 و"نصف ضيقة"2 "= شبه ضيقة" و"نصف مفتوحة"3 "= شبه مفتوحة" و"مفتوحة"4 وذلك حسب درجة رفع اللسان. وهكذا فياء "بيع" "صائت أمامي ضيق"5، وألف "باء" "صائت أمامي نصف مفتوح"6 وألف "قال" "صائت خلفي مفتوح"7، وضمة "صم" "صائت خلفي نصف مفتوح"8، وضمة "بكور" "صائت خلفي ضيق"9، وكسرة "بيت" "في العامية المصرية" "صائت وسطى نصف مفتوح"10. 2- وللشفتين -كما ذكرنا- دخل كبير في تكوين الأصوات الصائتة بالإضافة إلى اللسان. قد "تنضم" الشفتان، أو "تكسران"، أو "تتخذان وضعا محايدا" تنضم الشفتان كما يحدث في نطق "الضمة" و"الضمة الطويلة"، وتكسران في نطق الكسرة والكسرة الطويلة، وتفتحان بصورة محايدة في نطق الفتحتين. ولكل من الضم والفتح والكسر درجات كثيرة. 3- والصوائت العربية الأساسية هي "الفتحة"، و"الكسرة"، و"الضمة" والألف الممدودة اللينة، أو "الفتحة الطويلة" "كما في "قال"، والياء الممدودة اللينة، أو "الكسرة الطويلة" "كما في "بيع" والواو الممدودة اللينة، أو "الضمة الطويلة" "كما في "روح". هـ- الصوائت المركبة 11: 1- من الأصوات ما يوسم بأنه "صائب مركب" فما الفرق بينه وبين ما وصفناه بأنه "صائت"؟ مما يميز "الصائت" من "الصائت المركب" أن أعضاء النطق في تكوين الأول تظل في موضعها الخاص مدة ملحوظة من الزمان.

_ 1 Close Vowel. 2 Half - Close Vowels. 3 Half - Open Vowels. 4 Open Vowels. 5 A Front Close Vowels. 6 A Front Half - open Vowel. 7 A Back Open Vowel. 8 Back Half Open Vowel. 9 A Back Close Vowels. 10 A Central Half - Open Vowels. 11 Diphthongs.

أما "الصائت المركب" فقد جرى العرف على اعتباره ارتباطا من صوتين صائتين ينطقان بحيث يكونان مقطعًا واحدًا لا مقطعين. وهو في واقع الأمر "صوت انزلاقي"1: إنه صوت صائت يتضمن" انزلاقا" مقصودا؛ إذ تبدأ أعضاء النطق متخذة الوضع الخاص بصائت من الصوائت ثم تنتقل مباشرة نحو الوضع الخاص بصائت آخر. ويميز "الصائت المركب" كذلك أنه يتكون من "مقطع"2 واحد، أي أن "الانزلاق" أو "الانتقال"، من الصائت الأول إلى الصائت الثاني ينبغي أن يتم بدفعة واحدة من النفس، أما إذا تم هذا "الانزلاق" بأكثر من دفعة واحدة من النفس فإن السامع يسمع مقطعين اثنين متواليين لا مقطعًا واحدًا: ويسهل إدراك هذا بأن ننطق نطقا بطيئا "الصائت المركب" الإنجليزي "ai" ثم ننطق الصوت الصائت الإنجليزي "a"، وبدفعة جديدة من النفس نتبعه بنطق الصائت الإنجليزي "i" "دون أن نبدأ هذا الصائت بهمزة قطع، وهذا أصعب على أصحاب العربية إذ لا تبدأ كلمة عربية بصوت صائت غير مسبوق بصوت صامت"، سنجد أن نطقنا "لـ "ai" بدفعة واحدة من النفس يكون مقطعا واحدا، وهو "صائت مركب"، أما نطقنا للصائتين بالصورة التي مثلناها ثانية فسنجد أنه يكون مقطعين وهو لذلك ليس "صائتا مركبا". 2- يتضح من وصفنا للصائت المركب أنه يتكون بالبدء من موضع أي صائت والاتجاه إلى موضع صائت آخر، ولما كات الصوائت كثيرة كان عدد "الصوائت المركبة" احتمالا، كبيرا جدا. واللغات تتفاوت في عدد الصوائت المركبة التي تستعلمها، وأغلب المتكلمين الإنجليز يستعملون تسعة صوائت مركبة ليس غير منها تلك التي يرمز إليها بـ"au"،"ei"،"ai". 3- وقد لوحظ أن أحد طرفي "الصائت المركب" يكون عادة أشد "بروزا" أو "جهارة" "انظر تعريفنا لهذا المصطلح ص " من الطرف الآخر. و"الصائت المركب" يسمى "هابطا"3 أو "نازلا"3 إن كان طرفه الأول أبرز أو أشد جهارة من

_ 1 Gliding Sound. 2 Syllable. 3 Dicrescendo Falling.

طرفه الثاني، "أي أنه سمي كذلك باعتبار ما يصير إليه" ويسمى "صاعدا"1 أو "طالعا"1، إن كان طرفه الثاني أبرز أو أشد جهارة من طرفه الأول. وتتصف "الصوائت المركبة" الإنجليزية جميعا بأنها "صوائت مركبة هابطة"2.

_ 1 Crecendo Rising. 2 انظر ما كتبه الدكتور تمام حسان عن الأصوات اللغوية في كتابه "مناهج البحث في اللغة ص59-110 ففيه تفصيلات في وصف الأصوات العربية، مع الاستعانة بالصور والرسوم. ونستدرك هنا إشارة كنا قد أوردناها في هامش ص، ولكنها سقطت سهوا، عند بيان بعض المراجع الخاصة بالدراسة الصوتية الآلية. انظر ما كتبه الدكتور تمام حسان في هذا الشأن في كتابه "مناهج البحث في اللغة": تسجيل الصوت ص71، 72. "البلاتوغرافيا" أو تكنيك الحنك الصناعي ص73-80. الكيمواغرافيا أو تكنيك التعرجات الذبذبية ص80-82. صور الأشعة 82، 83. وقد أورد الدكتور تمام رسوما وصورا فوتغرافية للأحناك ولما يسميه "التعرجات الذبذبية" وصورا بالأشعة، وذلك كأمثلة للآثار التي يقدمها نطق بعض الأصوات والكلمات عند استعمال هذه الوسائل.

عن الأصوات في "الكلام"

10- عن الأصوات في "الكلام": إن "كلام" أي لغة من اللغات ليس مجموعة من الأصوات المفردة؛ نحن لا نتكلم أصواتا كل منها قائم برأسه، نحن نتكلم "كلمات"، و"جملا"، و"فقرات". وإذا كانت كلمات كل لغة وجملها ترتد، من الناحية الصوتية، إلى مجموعة محدودة من "الأصوات"، فليس معنى هذا أن الأصوات في الكلمات أو في الكلام المتصل تحتفظ بخصائصها التي نسبناها إليها عندما وصفنا كل صوت على أنه وحدة مستقلة، تلك كانت عملية تجريد لازمة لوصف العناصر أو الوحدات البسيطة التي تتكون منها الكلمات. ولكن ينبغي ألا يصرفنا هذا عن تلك الحقيقة الهامة، ألا وهي أن الصوت في الكلمة، وفي الجملة وفي الجمل يكتسب خصائص جديدة. إن للأصوات فيما بينها "نحوا" خاصا: إن علاقاتها تحكمها قواعد وأصول معينة، فنجد مثلا أن الصوت الفلاني يدغم في الأصوات الفلانية في مواضع معينة، ونجد أن هذا الصوت ينقلب صوتا جديدا إذا وقع في "سياق صوتي" معين، ونجد أن صوتا ثالثا يحذف إذا توافر فيه وفيما يجاوره من أصوات شروط معينة، وقد يظهر لهذا الحذف أثر ما في سواه من الأصوات المجاورة، ونجد أن المطقع الفلاني إذا وقع في هذا الموقع من الكلمة نطق بقوة نَفَس أكبر، وبجهد من الأعضاء أعنف ... إلخ. وسنتحدث الآن عن بعض الخصائص الصوتية التي تظهر في الكلام المتصل. أ- "البروز" أو "الجهارة" 1: إننا عندما نستمع إلى أي كلام متصل في أي لغة من اللغات ندرك أن عددا من "المقاطع" أو "الكلمات" يكون أشد "بروزا" من سائر الجملة. هذا "البروز" -أو هذه "الجهارة"- يسببه ارتباط وثيق بين "طول"2 الصوت،

_ 1 prominence. 2 Length.

و"ارتكازه"1، و"درجته"2 و"الوضوح"3 الطبيعي للصوت مفردا. ومعنى هذا أن الصوت يكون "بارزا" عندما يكون "أوضح" و"أطول" و"أعلى" "بسبب قوة نفسية أشد" وعندما يتميز من حيث "الدرجة". ومن العسير أن نحكم أي هذه العناصر أهم، فالتأثير العام الذي ندعوه "النبر"4 يرجع في أغلب الأحوال إلى ارتباط اثنين أو أكثر من هذه العوامل. وسنعرِّف فيما يلي بعاملين هامين من هذه العوامل، هي الارتكاز و"الدرجة" أو "التنغيم". ب- الارتكاز 5: 1- الارتكاز هو: درجة قوة النفس التي ينطق بها صوت أو مقطع. وليس كل صوت أو مقطع ينطق بنفس الدرجة، فدرجة قوة النفس في نطق الأصوات والمقاطع المختلفة تتفاوت تفاوتا بينا. إن الصوت -أو المقطع- الذي ينطق بارتكاز أكبر يتضمن طاقة أعظم نسبيا، يتضمن من أعضاء النطق الخاصة جهدا أعنف في النطق بالإضافة إلى زيادة قوة النفس. وهكذا فالصوت -أو المقطع- الذي ينطق بارتكاز أكبر من سواه في كلمة من الكلمات، "يبرز" بروزا" موضوعيا من سائر الأصوات، أو المقاطع، التي يجاورها. وعلى العكس من هذا، عندما تستعمل في نطق صوت، أو مقطع، طاقة أقل نسبيا فهو، تبعا لهذا، أقل برزوا مما يحاوره من الأصوات والمقاطع. 2- وقد جرى الصوتيون على التمييز بين ثلاث درجات رئيسية من "الارتكاز" في الكلام العادي "غير المؤكد"، مع أن الذي يسمع في الكلام أكثر من هذا. هذه الدرجات الثلاث هي:

_ 1 Stress. 2 Pitch. 3 Sonority. 4 Accent. 5 انظر Mac Carthy English Pronunciation pp 150-160 Ward The Phonetics of English pp 165-169 وتحدث الدكتور تمام حسان عن هذه الخاصية تحت اسم "النبر" وأورد النماذج التي تسير عليها العربية في هذا المجال "مناهج البحث في اللغة": ص160-164، ملتزم الطبع والنشر مكتبة الأنجلو المصرية، القاهرة، 1955.

1- "الارتكاز القوي"1، وتسمى المقاطع التي يقع عليها هذا الارتكاز القوي "قوية الارتكاز"2 أو "ارتكازية" "= مرتكزة2 ليس غير. 2- "الارتكاز الضعيف"3 وتسمى المقاطع التي تتصف بهذا الارتكاز "ضعيفة الارتكاز"4 أو "غير ارتكازية "= غير مرتكزة"4. 3- "الارتكاز الثانوية"5 "أو الوسيط"5 وهو درجة من الارتكاز وسط بين الدرجتين السابقتين. في الكلمات العربية التي على وزن "فاعل" مثل "سامع"، "كاتب"، "قارئ"، "حادث"، و"سامح"، يقع ارتكاز قوي على المقطع الأول. وفي الكلمات التي على وزن "مستفعل" يقع الارتكاز القوي على المقطع "تَ"، مثل: "مستفهم"، "مستقبل". وفي الكلمات التي على وزن "مفعول" يقع الارتكاز القوي على المقطع المقابل لـ"عُـ" مثل محبوب، مفهو، مضروب6. 3- وهذه هي وسيلة الدلالة في الكتابة على درجات الارتكاز المختلفة: يدل على المقاطع قوية الارتكاز بوضع العلامة. قبلها مباشرة، ويدل على المقاطع ثانوية الارتكاز بوضع العلامة قبلها مباشرة، أما المقاطع ضعيفة الارتكاز فتترك بلا علامة. وأما الارتكاز الإضافي الذي أتى للتأكيد فيدل عليه بوضع العلامة" ... قبل المقطع الخاص مباشرة. وهذه أمثلة من الإنجليزية7: Photography تنطق بارتكاز قوي على المقطع الأول بمثل هذا هكذا Photograph، وكلمة Photograpy تنطق بارتكاز قوي

_ 1 Strong tress. 2 Strongly Stressed Strssed. 3 Weak stress. 4 Weakly stressed unstressed 5 Secondary stress 6 انظر تفصيلات النماذج العربية في كتاب الدكتور تمام حسان "مناهج البحث في اللغة ص160-164". 7 لم نرمز إلى أصوات الكلمات التي مثلنا بها بالحروف الصوتية الخاصة لأن هذه الحروف غير متوافرة في المطابع العربية.

على المقطع الثاني فيكون تمثل ذلك في الكتابة على هذا الوجه Photography، أما كلمة Photograpic فتنطق بارتكاز متوسط "أو ثانوية" على المقطع الأول وبارتكاز قوي على المقطع الثالث فتمثل كتابة بهذه الصورة: Photographic. 4- عندما يقع ارتكاز على مقطع، أو أكثر، من كلمة من الكلمات، عندما تنطق مفردة، يوصف هذا الارتكاز بأنه "ارتكاز كلمة"1. ولكن هذا الارتكاز غالبا ما يعدل بتأثير ما يسمى "ارتكاز الجملة"2. وهذا يعتمد على الأغلب الأعم على الأهمية النسبية للكلمات في الجملة، كما يعتمد على "الإيقاع"3 كذلك. 5- ومن اللغات ما يعتمد على تغيير موضع الارتكاز لتغيير معنى الكلمة، وفي الإنجليزية مثلا كلمات كثيرة إذا نطقت بارتكاز قوي على المقطع الأول كانت أسماء فإذا نقل الارتكاز القوي على المقطع الثاني صارت أفعالا مثل: أسماء ... أفعال increase ... in,creae compact ... com,pact subject ... sub,ject accent ... ac,cent conduct ... con,duct وفي أمثال هذه الكلمات الإنجليزية يصحب تغيير موضع الارتكاز تغيير في الصوت الصائت في بعض الكلمات، وإطالة طفيفة فيه في كلمات أخر4. جـ- التنغيم5 إن "التنغيم" هو المصطلح الصوتي الدال على الارتفاع "= الصعود" والانخفاض "= والهبوط" في "درجة"6 "الجهر7 في الكلام. وهذا التغير في

_ 1 Word - stress. 2 Sentence - stress. 3 Rhythm. 4 انظر lda Ward pp. 181-184. 5 lntonation. 6 Pitch. 7 voice.

"الدرجة" يرجع إلى التغير في نسبة ذبذبة الوترين الصوتيين، هذه الذبذبة التي تحدث "نغمة"1 موسيقية. ولذلك فالتنغيم يدل على العنصر الموسيقي في الكلام، يدل على "لحن"2 الكلام. ولكل لغة عادتها التنغيمية أو "لحونها"، ونحن عندما نتعلم لغة أجنبية نفرض عاداتنا التنغيمية على اللغة الجديدة، ويصعب علينا أن نتعلم اللحون الجديدة. بل إن "التنغيم" ليختلف من فرد إلى فرد، بين متكلمي لغة من اللغات شيئا من الاختلاف، وإنه ليختلف اختلافا أشد من هذا من إقليم إلى إقليم، فغالبا ما يميز كل إقليم لحن كلام. إن التغييرات الموسيقية في الكلام، التي ندعوها "التنغيم"، تستعملها اللغات المختلفة استعمالات مختلفة. فعن طريق هذه التغييرات يتوسل كثير من اللغات إلى التعبير عن الحالات النفسية المختلفة، وعن المشاعر والانفعالات، فتستعمل تنغيما خاصا لكل من الرضا والغضب، والدهش والاحتقار إلى آخره. ومن اللغات كالفرنسية مثلا، ما يحول معنى الجملة من الدلالة على التقرير إلى الدلالة على الاستفهام بتغيير التنغيم ليس غير. عبارة ll vient عندما تكون تقريرية بمعنى "هو يأتي" تنطق على "نغمة هابطة" أو "لحن هابط"، فإن كانت سؤالا ll vient بمعنى "هل يأتي؟ " نطقت على "نغمة صاعدة". وثمة أبحاث قيمة مفصلة في بيان الأنواع الأساسية من التنغيم التي تتبعها هذه اللغة أو تلك من اللغات التي عني بجلاء هذا الجانب من جوانبها بعض المحدثين من صوتيين3.

_ 1 Tone. 2 Melody الفرق بين "النغمة" و"اللحن" أن النغمة" يتصف بها مقطع من المقاطع، فيوصف المقطع الفلاني من الكلمة الفلانية بأن ينطبق بنغمة "صاعدة:"وذلك بأنه ينطق بنغمة "هابطة"، أو مستوية"، أما "اللحن" فهو ما ينشأ عن ترتيب النغمات المتتابعة في المجموعة الكلامية. 3 من ذلك كتاب: Lilas E Armstrong And lda C Ward A Handbook of English lntonation W Heffer Sons Limited Cambridg Second Edition Rerprinted 1949. وكتاب: Helene N Coustenoble and Lilias E Armstrong Studies ln French lntonation W Hef fer Sons Limited Cambride First Edition Rerprinted 1934. أما فيما يتعلق بالتنغيم في العربية وبوسائل تمثيله كتابة، فانظر: الدكتور تمام حسان: مناهج البحث في اللغة ص164-170.

الفونولوجيا أو علم الأصوات اللغوية الوظيفي

11- الفونولوجيا 1 أو علم الأصوات اللغوية الوظيفي 2: 1- تردد فيما أسلفنا من كلام أن الأصوات التي تستعملها لغة من اللغات إذا كانت محدودة العدد فإن هذا التحديد قائم على أساس تجريدي: فنحن نقول إن: "النون" مثلا صوت أساسي في العربية، ولكن ثمة في الواقع درجات أو "تنوعات" من "النون" بحسب سياقها الصوتي، فالنون في "نهر" من الناحية "الصوتية" الخالصة، أي من حيث تكوينها الفسيولوجي، غير النون في "منك" و"عنك" مثلا، وقد أدرك العرب هذه الظاهرة في النون فسموا النون في مثل "منك" و"عنك" "النون الخفيفة". إن "أصوات" أي لغة من اللغات لا حد لها في واقع الأمر. وإن ما نسميه صوتًا "واحدًا" قد يتردد بنفسه أكثر من مرة في كلمة من الكلمات ولكنه ينطلق في كل مرة بصورة خاصة، فالفتحة الأولى في قولنا: "بَطَرَ" مثلا غير الفتحة الثانية من الناحية الصوتية، وغير الفتحة الثالثة. وثمة اختلافات فردية، بين متكلمي لغة بعينها، مردها إلى اختلافات عضوية أو إلى عادات فردية، ولكن على الرغم مثلا من أن "الصوت الطبيعي" للمرأة "= أي "حس" المرأة" غير "الصوت الطبيعي" للرجل، فإني عندما أسمع صوت امرأة تنطق كلمة "سعادة" أدرك أنها "نفس" الكلمة عندما أسمعها من نطق رجل، وأدرك أنها مكونة من "نفس" الأصوات. ما الذي يجعلنا نتغاضى عن أمثال هذه التنوعات الفردية، أو الراجعة إلى سياق صوتي معين، فنسوي بين الفتحات الثلاث الواقعة في كلمة "بَطَرَ" مثلا، ونرى فيها شيئا واحدا؟ إن هذه الفتحات -وهي مختلفة من حيث تكوينها- متطابقة من حيث "الوظيفة اللغوية" التي تؤديها.

_ 1 Phonology. والدكتور تمام حسان في كتابه "مناهج البحث في اللغة" يترجم هذا المصطلح بـ"التشكيل الصوتي "ص111 مثلا" ويترجم Phonological بـ"تشكيلي" أو "تشكيلية"، ونحن نؤثر استعمال "الفونولوجيا" و"فونولوجي" أو "فونولوجية" حتى يظهر مصطلح عربي محدد مرن. 2 Functional Phonetics.

وهذا "التطابق"، من ناحية، بين "التنوعات" أو "الأفراد" الكثيرة لـ "وحدة صوتية" معينة، هو الذي يرد الاصوت الكثيرة المستعملة في لغة من اللغات "محدودة" وهو الذي يمكننا من "تحليل" السلسلة الكلامية إلى "وحدات" متمايزة من حيث الدلالة اللغوية، وعلى هذا الأساس نعتبر الفتحات الثلاث، المختلفة صوتيًا، في كلمة "بطر" "تنوعات" و "أفرادا" لنفس "الفونيم"1؛ فإن أي واحدة منها لو وضعت مكان وحدة أخرى في أي كلمة من الكلمات العربية لما تغير معناها. 2- إن التصور الخاص بالفونيم، بالمعنى الذي قدمناه، تصور جد حديث في علم اللغة وفي علم الأصوات اللغوية، ولعلماء اللغة وعلماء الأصوات اللغوية نظريات متعددة في تحديد "الفونيم" ولكن هذا التمييز بين الأصوات المحسوسة التي لا حصر لها وبين "الوحدات الوظيفية"2 أمر لاحظه جميع من شغل بهذا الموضوع، على خلاف في الدرجة3. 3- إن "النونات" المختلفة صوتيًا في اللغة العربية لا "تعارض"4 أو لا "تقابل"5 بينها لأننا لا نستطيع أن نغير معنى كلمة بإحلال إحداها محل سواها.

_ 1 phoneme. 2 Functional Units. 3 انظر - D. Jones: The Phoneme. J. R. Firth: The Word "Phoneme" Le Maitre Phonetique, No. 46, 1934. وأعاد الأستاذ فيرث نشر هذا المقال في: Papers In Linguistics' pp. 1-2. W. Freeman Twaddell: On Defining the Phoneme. "Language, Monograhp No. 16: 1935 وأعيد نشر هذا البحث في: Readings In Linguistics: Edited By Martin Joos, pp. 55-80. Morris Swadesh: The Phonemic Priciple: Language, 10 pp. 117-129: 1934. وأعيد نشر هذا المقال في: Readings In Linguistics: pp. 32-37. Bernard Bloch: Phonemic overlapping: American Speedch: 16, pp. 278-284: 1941. وأعيد نشر هذا المقال في: Readings In....: pp. 93-96. Bernard Bloch: A set of Postulates for Phonemic Analysis: "Language", XXIV "1984": 4 pp. 3-36 5 Opposition.

ولكن ثمة "تقابل" في العربية بين التاء و"الدال" مثلا؛ لأننا نقول: "تاء" ثم نحل محل التاء دالا، ولا ندخل أي تغيير آخر على الكلمة، فنقول: "داء"، وهي من كلمات العربية، فالتاء "فونيم" والدال "فونيم". وثمة تقابل في العربية بين "الفتحة" و"الضمة" فكلمة" "كَرَم" اسم في العربية ولكن "كَرُم" فعل، فالفتحة في العربية "فونيم" والضمة "فونيم"، كما أن الكسرة "فونيم" لأننا نقول: "سفر" بمعنى جماعة المسافرين و"سفر" بمعنى الكتاب. 4- إن أزواج الأصوات التي يحدث بينها "تقابل" تختلف في لغة عنها في أخرى عددا ونوعا، ومن هذا أن السين ومجهوره "الزاي" زوج بينه تقابل في العربية، فنحن نقول: "سار" و"زار"، وهذا التقابل نفسه قائم في الفرنسية، فهذه اللغة تميز بين Baisser "بمعنى "أن ينزل" أو "أن يخفض" أو "أن يهدئ" وبين Baiser "بمعنى "أن يقبل" وهذا التمييز لا يقوم إلا على أساس التقابل بين السين والزاي ليس غير. ولكن اللغة الإسبانية، مع أنها تعرف صوت "السين" وتعرف صوت "الزاي"، لا تعرف هذا التقابل الذي يتخذ للتفريق بين المعاني؛ وذلك لأن "السين" و"الزاي" في الإسبانية "فر - ان" من فونيم واحد وليسا "وفنيمين" فالفونيم S ينطق مجهورا، أي ينطق زايا، بطريقة آلية لأنها وقعت قبل صامت مجهور هو الميم، والفونوم S نفسه ينطق مهموسا، أي ينطق في سائر الحالات كما في mesa casa وهكذا فاللغة الإسبانية تعرف الفرق من الناحية الصوتية، الخالصة بين السين والزاي، كما تعرفه العربية والفرنسية مثلا، ولكنها لا تستعمل هذا الفرق من الناحية "الفونولوجية" إنها لا تستعمل هذا الفرق في "نظامها الوظيفي"1، لما كانت لا تعرف "التقابل" بين السين والزاي2. 5- وقد يميز معنى كلمة من كلمة أخرى بغير الوسيلة السابقة: فقد تشترك كلمتان في "الفونيمات" المكونة لكلتيهما، ولكن إحداهما تنطق بلحن "أو تنغيم"

_ 1 Functional System. 2 Bertil Malmberg La phonetique pp 113- 114.

معين، وتنطق الثانية بلحن آخر، ولكل منهما معناها. وهذا كثير في اللغة الصينية وفي بعض لغات وسط إفريقيا. 6- وفي بعض اللغات تتخذ مدة استمرار الصوت، أي "كميته"1، وسيلة مميزة بين المعاني فاللغة "الإستونية"2 مثلا تستعمل ثلاث درجات من طول الصوائت استعمالا وظيفيا: فالصائت الواحد يأتي "قصيرا"، و"طويلا"، و"بالغ الطول"، فالصائت الأول في كلمة Sada قصير "ومعناها "مائة"، ولكنه طويل في Saada "وهي فعل أمر بمعنى "أرسل"، وهو بالغ الطول في saada "وهي مصدر بمعنى الحصول على أو السماح"3. ومن علماء الأصوات اللغوية من يطلق كلمة "تونيم"4 "من tone بمعنى "نغمة" على التنغيم عندما يتخذ وسيلة للتمييز بين المعاني. وكلمة "كرونيم"5 على مدة استمرار الصوت عندما تكون وسيلة مميزة. وأكثر علماء أمريكا يدخلون هاتين الوسيلتين مع "الفونيمات" فيسمون الوسيلة الأولى "فونيم نغمة" "= فونيم نغمي"، والوسيلة الثانية "فونيم مدة" "= فونيم كمي". 7- يتضح مما تقدم أن "التحليل الوظيفي" للأصوات والكلمات مكمل بالضرورة للتحليل الفيزيائي والفسيولوجي للأصوات "والنطوق" عامة، وليس هذا بمغن عن ذاك. هذا التحليل الوظيفي "أي تحديد المميزات الصوتية في لغة من اللغات، هذه المميزات "الفارقة"، ووضع النظام "الفونيمي" للغة، ونظام الخصائص التي تعرض للفونيمات" تسميه الآن الغالبية من علماء اللغة وعلماء الأصوات اللغوية "الفونولوجيا". و"الفونولوجيا" بهذا المعنى وضع أسسها منذ ما يزيد على ثلاثين سنة جماعة من كبار اللغويين هم المعروفون بـ"مدرسة براغ" أو "جماعة براغ"

_ 1 Quantity. 2 Estonian. 3 Bertil Malmberg La Phonetique, p. 90. 4 Toneme. 5 Chroneme.

اللغوية، أشهرهم "تروبتسكوى"1، و"جاكوبسون"2. ولما كانت "الفونولوجيا" تستعمل، من قبل ومن بعد، في غير هذ المعنى "ومن العلماء من يستعملها مرادفة لكلمة Phonetics" فمن اللغويين من يفضل دلالة على هذا التصور الجديد، استعمال كلمة Phonatique "الفونيميا" -وهذا الاستعمال شائع في الولايات المتحدة الأمريكية بوجه خاص- ويقابلها الفرنسية Phonematique، ومنهم من يؤثر استعمال المصطلح الواضح البسيط Functional Phonetics3، ويقابله بالفرنسية Fonctionelle Phonatique ولكن الفصل الحاد بين Phonetics وPhonology وهو فصل دعت إليه ودعمته "مدرسة براغ" إذ اعتبرت العلم الأول علما "طبيعيا" يستخدم وسائل آلية، واعتبرت الثاني "علما لغويا" ينبغي ألا يؤدي بنا إلى اعتبار كل من هذين علما مستقلا لا علاقة له بالآخر. ونحن نرتضي في هذا المقام رأي الأستاذ "برتيل مالمبرج" أستاذ علم الأصوات اللغوية بجامعة "لند"4 بالسويد، الذي ذهب إلى أن

_ 1 N. S. Troubetzkoy ولد تروبتسكوى في 16 إبريل سنة 1890 ومات في الخامس والعشرين من يونيو 1938. وهو روسي الأصل، ولد بموسكو "وكان والده الأمير أستاذا للفلسفة بجامعة موسكو، ومات وهو مدير لهذه الجامعة". هاجر تروبتسكوى "الابن" إلى أوروبا وعين أستاذا بجامعة فيينا. وكان عاملا أساسيا في "جماعة براغ" اللغوية. ونشرت "جماعة براغ" بعد وفاته كتابه المشهور الذي خلفه غير كامل في صورته التي رسمها له وهو: Grundzuge der Phonologie. وقد ترجم هذا الكتاب من الألمانية إلى الفرنسية الأستاذ ج. كانتيو باسم J Cantineau Phonogie " ج. كانتيو Principes De "أصول الفونولوجيا" Paris Librairie C Klincksiek 1949. 2 Roman Jakobson انظر الكتاب القيم المشهور، كتاب كنث ل. بايك: Kenneth L Pike Phonemecs A Techicque for Veducivg Languuages to Writing Univer sity ot Michigan Publications Linguistics Volume lll Ann Arbor Universtiy of Michigan press 1947 "Second printing 1949". 3 انظر محاضرات أندريه مارتينه الأربع التي ألقاها في لندن ونشرت معا: Andre Martinet phonology As Functional Phonetics London 1949. 4 Lund.

دراسة الظواهر "الصوتية"1 والفسيولوجية الخاصة بالكلام الإنساني ينبغي أن تسير موازية للدراسة "الفونولوجية" وقال مالمبرج: "إن الفونولوجيا تقرر عدد التقابلات "= المقابلات" المستعملة وما بينها من علاقات متبادلة. أما علم الأصوات اللغوية التجريبي فهو يحدد، بوسائله المختلفة، الطبيعة الفيزيائية والفسيولوجية لما لوحظ من تميزات. إن الدارس التجريبي لن يعرف ما الذي ينبغي عليه أن يفعله دون تحليل اللغوي للنظم، وللوحدات الوظيفية. ودون التحليل الفيزيائي والفسيولوجي لجميع ظواهر النطق، يجهل اللغوي الطبيعة الحسية للتقابلات "= للمقابلات"المقررة. إن هذين النوعين من الدراسة يعتمد أحدهما على الآخر، وهما متكاملان. ومن العبث أن نحاول أن نقرر أيهما أفضل من أخيه. وتبعا لهذا يحسن تجميع الدارستين معا تحت التسمية العامة التقليدية "علم الأصوات اللغوية"2.

_ 1 "الصوتية" هنا ترجمة غير دقيقة لكلمة accustiques؛ إذ نستعمل الكلمة نفسها ترجمة لـ phone tiques كذلك ولعل السياق هنا يوضح أن المقصود كل ما يتعلق بالصوت "فيما عدا الناحية الفسيولوجية" من انتقال موجاته في الهواء، ووصوله إلى السامع وأثره السمعي إلخ. 2 Malmberg La Phonetiques pp 115-116 وانظر عن "الفونولوجيا" ما يأتي: Charles F Hockett A system of Ddescriptive Phonology Language No 18.3 -211942 وقد أعيد نشر هذا المقال في: Readings ln Linguistics pp 97-108 Charles F Hockett A Manual Of Phonology lnternational Journal Of American Lin guistics XXl 1955.

الباب الثالث: النحو

الباب الثالث: النحو نحن نفكر بجمل ... 1- نحن نفكر بجمل: 1- لا تجري اللغات جميعا على منوال واحد في "تأليف" الألفاظ أو "تركيبها" للتعبير عن "معنى" أو "دلالة" من المعاني أو الدلالات: إن لكل لغة طريقتها -أو طرقها- في "نظم" الكلام. وهذا أمر يلاحظه على وجه بين من يعاني الترجمة: فالنقل من لغة إلى أخرى يطلعنا على ما بين اللغات من خلاف في هذا الميدان. نحن في العربية مثلا نأتي بالموصوف أولا ثم نتبعه الصفة فنقول "المطر الغزير"، ولكن "عقلية" الرجل الإنجليزي عندما تريد التعبير عن هذه "الفكرة" لا تتصور إيراد الكلمة الدالة على "المطر" أولا، إن أول ما تتصوره هو "الصفة"، هو الكلمة الدالة على غزارة المطر فيقول The heavy rain. وهكذا تصدق تلك العبارة التي أوردها ج. فندريس في كتابه "اللغة" وهي قوله: "نحن نفكر بجمل"1. 2- إن كل متكلم بلغة من اللغات تتكون لديه، من تعلمه للغته ومن ممارسته لها، "عادات" أو "نظم" عقلية خاصة فيما يتعلق بتأليف الجمل، وإنه ليألف هذه العادات والنظم، كما يألف نطق أصوات لغته ونماذج مقاطعها، وكلماتها، وتصدر عنه نماذج تأليف الكلمات في جمل بطريقة لا شعورية: إنه لا يتوقف ليتساءل كيف يرد بالنفي على هذا السؤال، ولا كيف يجيب عنه بالإثبات، ولا كيف يكون أسلوب "التعجب"، أو "الأمر"، أو "النهي" ... إلخ، إن كل هذه النظم من تأليف الكلمات يصدر عنه حال إرادته، وهكذا يتم "التفاهم" الإنساني، والاستعمال اللغوي عامة بهذه السرعة التي نعهدها. إن المتكلم العادي لا يدرك العمليات المعقدة والعضوية التي يقوم بها لنطق صوت واحد أو كلمة واحدة، وهو، كذلك، في مجال تأليف الجمل -عندما يتكلم لغته "الأم"- لا يدرك العمليات بالغة التعقيد التي يقوم بها. ولكن المتكلم قد يتعثر، وقد يخطئ خطأ بينا، عندما يتكلم لغة غير لغته، وهو يبذل جهدا "شعوريا" لتأليف الجمل على قدر إتقانه لتلك اللغة، وهذا الجهد يتناقص كلما ازداد إتقانه لها. وهذا راجع إلى تلك الحقيقة المعروفة، وهي أننا لا نجيد لغة من اللغات مثل إجادتنا لغتنا "الأم".

_ 1 اللغة: ص104.

3- كل لغة إذن تعرض "المعاني" بطرق خاصة، ونحن نتلقى هذه المعاني مرتبة بالترتيب الذي يقدمه إلينا الكلام، أي في الصور "أو الأشكال" اللفظية التي يظهر بها الكلام. إن المتكلم العربي عندما يريد أن يعبر عن "إزهار" "الشجرة" مثلا، يقوم في ذهنه بعمليات عقلية ترتد إلى عمليتين أساسيتين: عملية "تحليلية"1 فعملية "تركيبية"2. أما العملية التحليلية فهي تلك التي يميز بها العقل بين عدد معين من العناصر التي تنشأ بينها علاقة معينة، وهي في مثالنا هذا "الشجرة" و"الإزهار". أما عملية التركيب "أو التأليف" فهي تلك التي يركب بها العقل "أو ينظم" أو "يؤلف" بين هذه العناصر المختلفة لتكوين ما يسمى في الاصطلاح "الصورة اللفظية"3 "الشجرة مزهرة". هذا "التركيب" أو "التأليف" هو الذي يوليه علم اللغة عناية كبرى4، ومن هنا كانت أهم صفة للنحو الحديث أن يستبعد كثيرا من الأصول الفلسفية القديمة. يستبعد "التقديرات" العقلية، وما إليها من "تأويل" و"تفسير". إن أهم ما يوصف به النحو الحديث أنه "شكلي"5 أو "صوري"5 إنه ينظر إلى الصورة اللفظية المختلفة التي تعرضها لغة من اللغات ثم يصنفها على أسس معينة، ثم يصف العلاقات الناشئة بين الكلمات في "الجملة" وصفا موضوعيا. وهو "وظيفي" لأنه يقوم كذلك على إدراك "الدور" الذي تقوم به الكلمة في الجملة "انظر بقية هذا الفصل". وقد جرى لغويو الغرب على أن يدرسوا نحو معظم اللغات تحت موضوعين أساسيين هما "المورفولوجيا" و"لبنظم"6. وقد كثر الجدل بين اللغويين فيما يتعلق بجدوى هذا التقسيم، وبتحديد مجال كل قسم من هذين القسمين. ولكن التقسيم التقليدي لا يزال صالحا7.

_ 1 Analytic. 2 Synthetic. 3 Verbal lmage. 4 قال فندريس "اللغة: ص105" نقلا عن "فنك" Fiknk " ... الاختلافات في البنية بين اللغات تنتج من الكيفيات المتنوعة التي تتوقف عليها عملية التأليف". 5 Formal. انظر توضيح هذا فيما بعد من هذا الباب. 6 Syntax. 7 Bloomfielde Language p. 184.

إن "المورفيم" هو "الوحدة النحوية" التي تقوم عليها دراسة "المورفولوجية". و"المورفيم" عند المدرسة الأمريكية "= الولايات المتحدة" خاصة أوسع مجالا من "المورفيم" في نظر أكثر لغويي أوروبا، وهو بهذا، ولغير هذا، مخالف له. وأكثر المحدثين من اللغويين الأمريكيين يتبعون تعريف "بلومفيلد" له في كتابه Language. أما نحن فسنعرِّف "المورفيم" تعريف الأستاذ ج. فندريس له في كتابه "اللغة" وسنسير إلى التعريف الشائع له عند المدرسة الأمريكية في الموضع المناسب. "انظر الكلام الوارد تحت عنوان "المورفولوجيا" فيما يلي من هذا الباب". ولكن نرى أن الأوفق، قبل الشروع في تعريف "المورفولوجيا". أن نمهد ببيان الفروق والصلات بين "التحليل الفونولوجي" للغة و"التحليل النحوي لها".

من التحليل الفونولوجي إلى التحليل النحوي

من التحليل الفونولوجي إلى التحليل النحوي ... 2- من التحليل الفونولوجي إلى التحليل اللغوي 1: 1- إن كثيرا من الموضوعات التي تدرسها "الفونولوجيا" "كالنظام المقطعي للغة" كانت جزءا من مفهوم "النحو" التقليدي، ولم يكن ثمة فاصل في مناهج الدراسة اللغوية وأقسامها بين "الفونولوجيا" و"النحو" فمفهوم "النحو" التقليدي بهذا كان أوسع مجالا من مفهوم "النحو" عندما يكون قسيم "الفونولوجيا". إن كلا "التحليل الفونولوجي" و"التحليل النحوي" تحليل "شكلي"2. والتحليل الفونولوجي ينبغي، في دراسة لغة من اللغات، أن يتم قبل التحليل النحوي لها، كما ينبغي أن يتم دون أي إشارة إلى، أو أي اعتماد على، "الوحدات النحوية" "مثل المورفيمات" و"الكلمات" أو "الفصائل النحوية"3 كالجنس، العدد، والزمن ... إلخ. "انظر التعريف بها فيما يلي". وهكذا تعتبر "الفونولوجيا" الحلقة الوسطى بين مادة النطق "وهي موضوع الدراسة الصوتية باستثناء الدراسة الفونولوجية بطبيعة الحال"، وبين التحليل النحوي4. 2- ولكن ثمة خلافا جوهريا بين نوع التحليل الفونولوجي ونوع التحليل النحوي، كما أن ثمة خلافا بين الوحدات أو العناصر والفصائل الناتجة من هذا التحليل، وتلك الناتجة من ذاك، ومرجع هذا إلى الخلاف في المقاييس عن المعنى الدلالي "انظر التفصيل في هذا الموضوع فيما بعد من هذا الباب". إن "الفونيم" و"المقطع" هما العنصران الأساسيان في التحليل الفونولوجي، و"المورفيم" و"الكلمة" هما العنصران الأساسيان اللذان يدرسها النحو. وإن

_ 1 أساس تعريفنا بهذا الموضوع هو: R H Robins Some Consideration on The Status of Gramar ln Linguistics Archevum Linguisticum Vol ll Fase 2 pp 91-114. 2 انظر توضيح هذا فيما بعد عند الكلام على "النحو الوصفي". 3 روبنز عن: Charles Hockett A System of Descriptive Phonology "Language" Xll pp 3-21 1942. 4 روبنز عن: F. R. Palmer Linguistic Hierarchy Lingua Vll 1958 pp. 225-241.

المورفيم والكلمة. هما نموذجان يترددان في السلسلة الكلامية من طبيعة منفصلة عن طبيعة النماذج المترددة في الكلام والتي تفسر على أساس فونولوجي، وذلك كنماذج، البنية المقطعية1. "= التركيب المقطعي"1. 3- إن الفصائل النحوية والفصائل الفونولوجية تجريدات من المادة الصوتية للنطوق، ولكن علاقة هذه المادة الصوتية تختلف عن علاقة تلك به اختلافا جوهريا. فالتحليل النحوي للغات "الميتة" مثلا يمكن القيام به صورة أكمل من القيام بالتحليل الفونولوجي لها، لما كانت الأخيرة تعتمد على عرض صوتي كامل ودقيق للغة لا يتأتى الحصول عليه إلا في حالات نادرة، كاللغة السنسكريتية التي وصفها بانيتي2 ومن خلفه وصفا دقيقا كاملا. وقد لا تحتفظ الكتابة المأثورة عن أصحاب اللغة الميتة بالسمات النحوية المميزة للغة كما تتكلم "وذلك كالتنغيمات، وبعض الخصائص الصوتية الأخرى"، وفي هذا الحال فإن نحو اللغة من حيث هي نظام من التوصيل ملفوظ ومكتوب يكون ناقصا، ولكن هذا النقص عرضي، فإذا مثلت السمات النحوية الخاصة بطريقة ما في الكتابة استطعنا من النصوص الدقيقة بوجه خاص أن نحلل النظام النحوي للغة دون أن نعرف شيئا عن كيفية نطقها، أو عما تتضمنه الحروف من صفات نطقية. فالنحو يمكن فصله عن المادة الصوتية، أما الفونولوجيا فهو بالضرورة مرتبط، عن طريق الأصوات اللغوية، بالمادة الصوتية3. 4- إن السلسلة الكلامية تتضمن نماذج مطردة، وقيودا مرعية، لا يتأتى تفسيرها بالقواعد "الفونولجية"، وهذا مجتمع في مسألتين هما: 1- التأليف المورفيمي للكلمات. 2- تجميع الكلمات وتنظيمها في أنسجة أطول من الكلمات، وفي جمل.

_ 1 الفقرة "2" عن: Robins Some Considerations p 106. 2 Panini. 3 الفقرة "3" عن روبنز: Some Considerations pp. 103-104.

وهذه التجمعات الأخيرة من أنواع مختلفة. ويلاحظ الدارس أن "الكلمة" تنتمي إلى قائمة من قوائم عدة، وأنها أحيانا تنتمي إلى أكثر من "قائمة"1، وأن "أفراد" هذه القائمة مقيدة في ترتيب وقوعها -على خلاف في الدرجة- بالنسبة إلى بعضها البعض في جمل مكونة من أكثر من كلمة2 أو توجد أساسا، أو ليس غير، في صحبة كلمة من "قائمة" أخرى3. ويجد النحو فيما بعد أن مجموعات من الكلمات في الجمل الطويلة يمكن أن يحل محلها في نفس الجملة كلمة من هذه القائمة أو تلك، وذلك لتكون مقبولة في اللغة موضوع الدرس. ثم إن التتابعات التنغيمية المختلفة، ونماذج الارتكاز، وفترات الوقف توجد أحيانا مع مجموعات من هذا النوع، ولا توجد مع مجموعات من ذلك النوع أو من تلك الأنواع. هذه السمات تكون أسس "التركيب النحوي" "= البنية النحوية" للجمل، وهي علم على "اللغة". ومن الصعب أن نتصور لغة قادرة على أن تقوم بوظيفتها دون أساس نحوي من هذا الطراز. ولو أن التفصيلات تختلف من لغة إلى لغة4. 5- إن ما أشرنا إليه من "القوائم" النحوية، وترتيبات الكلمات في جمل، يقدم الأساس الخاص بأقسام الكلمات، التي هي العناصر المباشرة لتركيب الجمل، كما يقدم الأساس الخاص بـ"الفصائل النحوية"، وذلك المتعلق بـ"بنية الجمل".

_ 1 كلمة "كاتب" مثلا تنتمي إلى قائمة الاسم في مقابل الفعل والحرف، وهي من حيث الصيغة تنتمي إلى قسم من أقسام الاسم هو "اسم الفاعل"، وهي تنتمي إلى قائمة الاسم المذكر في مقابل الاسم المؤنث، و ... إلخ. 2 كل من "ما" و"هذا" اسم في العربية فهما "فردان" ينتميان إلى قائمة عامة واحدة هي قائمة الاسم، ويجوز تكوين جملة من ائتلاف هذين الاسمين فنقول: "ما هذا؟ " والصدارة لما. 3 وذلك مثل أي حرف من حروف النداء في العربية، فهي لا ينادي بها فعل إلا أن سمي به -فلا يسبق حرف من حروف هذه القائمة، قائمة حروف النداء، فردا من أفراد قائمة الفعل، فلا يجوز في العربية: "يا ضرب" أو "يا اضرب" أو "يا يضرب" إلخ. 4 الفقرة 4 عن Robins Some pp 100-101.

وأيا ما كان الحال، في أغلبية اللغات توجد قيود أخرى مطردة، وهذه القيود تتضمن أشكال الكلمات، وترتيبها في جمل. والكلمات في هذه اللغات تقع على هذه الاعتبارات في قسمين كبيرين يسميان عادة "المتغير"1 "= المتصرف"1 و"غير المتغير"2 "= غير المتصرف"، الثابت"2. في الكلمات "المتغيرة" توجد الأقسام المحدودة من العناصر "التغييرية"3 "= التصريفية" التي قد تكون "سوابق" أو حشوا" أو "لواحق"، أو تغييرات داخلية في شكل الكلمة مع أقسام "الأصل" أو "الأرومة" التي قد تقوم وحدها، وقد لا تقوم، بدور الكلمات التامة. وثمة كلمات أخرى لا توجد مع عناصر تغييرية "= تصريفية" بهذه الصورة، وهي الكلمات "غير المتغيرة" "= غير المتصرفة"4. 6- هذا التلخيص للحقائق الأساسية التي تقوم عليها الأسس النحوية يبين أن اللجوء إلى المعنى "كما يفهم عادة، أو إلى المعنى على المستوى "الدلالي" لا ضرورة له، وأنه عندما يصطدم بالشواهد الشكلية يكون مضللا. وفيما عدا ما يصح من أن المادة اللغوية كلها ذات معنى على مستويات مختلفة "هي المستوى الفونولوجي والمستوى النحوي إلخ" فلا لجوء إلى "المعنى" في تقدير الأسس النحوية5. ولا حاجة بنا إلى أن نقول أن هذا لا يتضمن استبعاد اتخاذ المعاني في البدء معالم أو مشيرات في المراحل الأولى من التحقيق النحوي. كما أن ما قلناه من أن التحليل النحوي لا يلجأ إلى المعنى، لا يتضمن أن عرض نظام نحوي ما، ينبغي ألا يقرر أي معان أو "فصائل دلالية"6 ترتبط ارتباطا وثيقا أو ضعيفا بالفصائل الشكلية، ولو أنه من الواضح أن الأفضل أن أمثال هذه المعاني ينبغي أن تقرر في عبارات موضوعية.

_ 1 variable "lnflected". 2 lnvariable. 3 lnflectional. 4 انظر في الفقرة "5": Robins Some pp. 101-102. 5 Robins Some pp. 102-103. 6 Semantic Cateegories

7- رأينا أن النحو يهتم بدراسة العلاقات المطردة والتي تتخذ شكل نماذج بين عناصر في الكلمة هي المورفيمات، وبين الكلمات في الجمل. ولكن "الكلمات" يمكن إدراكها في قاموس وإسناد معان لها، كما أنه يمكن أن يحدد للمورفيمات في حالات كثيرة معان على الرغم من أن هذه المعاني المقررة للكلمات والمورفيمات يحسن اعتبارها تجريدات تحليلية من المعنى الكامل للجملة. ولما كان من الممكن إقامة العناصر والنماذج النحوية دون إشارة إلى المعاني الدلالية1، فعلينا ألا نفترض أن "الوحدات" التي يكون لها معنى قاموسي تكون بالضرورة وحدات نحوية، أو أن العناصر التي يجردها النحو الشكلي تدل بالضرورة على معنى مستقل. ومن المعروف أن كثيرا من الوحدات النحوية لا تدل على معنى دلالي بنفسها "ويمكن أن نمثل من الإنجليزية بمكونات2 مثل tion. ing. al. ize. ولكن لما كانت اللغات تكشف في الواقع عن درجة كبيرة من التطابق بين الوحدات الدلالية، والوحدة النحوية، فقد أغرى هذا عددا كبيرا من اللغويين بربط النحو بجانب اللغة ذي المعنى أو المضمون. إن الكلمات دالة من الناحية النحوية باعتبارها "أفرادا" في أقسام الكلمة المختلفة نتيجة "وظائفها النظمية"3، المختلفة لأفراد أقسام أخرى من الكلمة4.

_ 1 Ronins some p. 112. 2 Formatives. 3 Syntactie Functions. 4 Robins Some pp. 106-108. انظر في الفقرة "7".

النحو الوصفي

النحو الوصفي المورفولوجيا ... 3- النحو الوصفي: أ- المورفولوجيا: 1- إن "الصورة اللفظية" تتضمن عنصرين أساسيين: العنصر الأول هو "المعنى" أو "المعاني" "أي الحقيقة المدركة أو "المتصورة"، وهذا العنصر في قولنا: "الشجرة مزهرة" يتمثل في حقيقة "الشجرة" وفي حقيقة "الإزهار"، هذا العنصر يسمى في الاصطلاح اللغوي الإنجليزي Semanteme1، أما العنصر الثاني فهو "العلاقة" أو "العلاقات" التي تنشأ بين المدركات "أو المعاني"، وهذا العنصر يسمى في الاصطلاح اللغوي "المورفيم"2 Morpheme. والنظر في "المورفيمات" يسمى "لموروفولوجيا، وهذا المصطلح مأخوذ من الكلمة اليونانية morphe بمعنى "شكل" "أو صورة" بالإنجليزية Form". 1- والعنصر "المورفيمي" في "الشجرة مزهرة" يتمثل في العلاقات القائمة بين "الشجرة" و"الإزهار"، فالإزهار مسند إلى الشجرة، وهو مسند إليها بطريق الإثبات "ويقابل هذا الإثبات بطريق النفي الذي يتحقق في العربية بأكثر من صيغة: "الشجرة غير مزهرة"، "الشجرة ليست مزهرة"، "ما الشجرة مزهرة"، "ما الشجرة بمزهرة" ... إلخ" وهو بالإضافة إلى هذا مسند إليها في زمن التكلم "ويقابل هذا الإسناد في أزمنة غير زمن التكلم كالماضي في قولنا: "كانت الشجرة مزهرة" و"أزهرت الشجرة "في العام الماضي"؛ وكالمستقبل في قولنا: "ستزهر الشجرة" و"سوف تزهر الشجرة" ثم إن الإزهار مسند على سبيل "الإفراد" "ويقابل هذا في العربية الإسناد على سبيل التثنية، وعلى سبيل الجمع في قولنا: الشجرتان مزهرتان، و"الشجرات مزهرات "أو "مزهرة"، "مزهرة" مسندة إلى "الشجرات" غير "مزهرة" مسندة إلى "الشجرة" لأنها في الحالة الأولى تتضمن معنى الجمع

_ 1 وذلك من Semantics "علم الدلالة". ويدل عليه بلومفيلد اللغوي الأمريكي الكبير في كتابه Lan - guage "اللغة" بـ Sememe. وقد ترجم الأستاذان الدواخلي والقصاص Semanteme الفرنسية بـ"دال الماهية الجمع: "دوال الماهية"، انظر مثلا ص105 من كتاب "اللغة" لفندريس. 2 يترجم الأستاذان الدواخلي والقصاص كلمة Morpheme الفرنسية بـ"دال النسبة" "الجمع دوال النسبة" انظر مثلا ص105 من كتاب "اللغة" لفندريس. ويترجمه الدكتور محمد مندور بـ"عامل الصيغة". ونحن نؤثر في الوقت الحاضر الإبقاء على كلمة "مورفيم" فهي مع عجمتها أشد مرونة وتصرفا من "دال النسبة" أو "عامل الصيغة".

وتساوي "مزهرات" أما في الحالة الثانية فهي "مفردة"، وهو في الوقت نفسه على سبيل "التأنيث" "ويقابل هذا الإسناد على سبيل التذكير في قولنا: "الشجر مزهر"، وهذا الإسناد كذلك خبري تقريري "ويقابل هذا الاستفهام: "هل الشجرة مزهرة؟ "، و"آلشجرة مزهرة؟ " و"الشجرة مزهرة؟ " والتمني "ليت الشجرة مزهرة" ... إلخ". العنصر الأول الذي أشرنا إليه، عنصر "المعنى" أو "الماهية" أو "الحقيقة" أو "التصور" يدرس عادة تحت اسم "المفردات أو "الدلالة" "انظر الباب الرابع: علم الدلالة"، أما العنصر الثاني عنصر "المورفيمات"، فهو جزء من النظر في النحو، وهو يدرس باسم "المورفولوجيا". 2- وهذا مثال من الفرنسية:1 Les grands arbres du bois ont ete abbattus par bucheron في هذه الجملة أربعة عناصر "قاموسية" تعين على التعبير عن أفكار معينة هي: bucheron, abattre, arbre, grand، ولكن هذه المعاني تظهر في العبارة مخصصة بعلاقات معينة، أولا، الجمع "Led grands arbres" في مقابل المفرد" "le grand arbers" وثانيا المبني للمجهول "out ete abattus" "في مقابل المبني للمعلوم "ont abattus" والفعل يقع في الماضي في مقابل الحاضر "sont abattus" أو المستقبل "seront abattus" وهكذا نتحدث عن "فصائل" أو "تقسيمات" "نحوية"2 خاصة بـ"العدد"، و"البناء للمعلوم" أو البناء للمجهول"، و"الزمن"، وهذه هي المعاني" التي يعبر عنها بطريقة "المورفيمات": فـ Les للجمع في مقابل le للمفرد والرابطة grands arbre Z في مقابل -t- في المفرد grand arbre. 3- ثم إن "المورفيمات" تتخذ كذلك للتعبير عن طراز آخر من المعاني: إنها تتخذ للتعبير عن العلاقات القائمة بين عناصر عبارة، فكلمة Par أداة تدل على أن الفعل مسند للمجهول، وكلمة par هنا في مقابل avec devant, de, a إلخ.

_ 1 انظر 50.Jean Perrot: La Linguistique, p. 2 Grammatical Categories.

2- أقسام المورفيم: "والمورفيمات" ثلاثة أقسام رئيسية:1 الأول، وهو الأغلب أن يكون "المورفيم" عنصرا صوتيا، وهذا العنصر الصوتي قد يكون: صوتا واحدا، أو مقطعا، أو عدة مقاطع. والثاني أن يتكون المورفيم من طبيعة العناصر الصوتية المعبرة عن "المعنى" أو "التصور" "أو "الماهية"، أو من ترتيبها. والقسم الثالث من "المورفيم" هو الوضع الذي يحتله في الجملة كل عنصر من العناصر الدالة على المعنى. وهذا تعريف بكل قسم من هذه الأقسام الثلاثة: 1- المورفيم عنصر صوتي: ندرك من قولنا "ضَرَبَ" و"ضربَت" و"يضربُ" و"يضربون" و"اضرب" و"اضربي" و"ضارب" و"ضاربة"، و"ضاربون" و"ضوارب" "أو ضاربات" إلخ، ندرك من هذه الكلمات جميعا أنها متصلة بمعنى الضرب، فثمة عنصر مشترك بينها هو ض ر ب. ولكننا نجد فضلا عن هذا عددا من العناصر الصوتية المحددة لكون الكلمة فعلا أو اسما، والمحددة كذلك لفصيلتها النحوية من حيث النوع "مذكر أو مؤنث" ومن حيث العدد "مفرد، مثنى، جميع". ومن حيث الشخص "متكلم، مخاطب، غائب". هذه العناصر الصوتية "مورفيمات". "المورفيم" الذي يحدد أن "ضربت" فعل مسند إلى المفردة الغائبة هو الصوت "ت". وفي "يضرب" مورفيم، هو العنصر الصوتي "يـ" "وهو سابقة"2 يحدد أن الفعل مسد إلى المفرد الغائب "في مقابل "تضرب" و"أضرب" و"نضرب"3. وكلمة "يضربون" حدد أنها تدل على أن الضرب واقع على جماعة المذكرين المقطع الأخير " ... ون، "uun" "وهو "لاحقة"4". واشترك في هذه الدلالة مع هذا

_ 1 المرجع السابق. 2 انظر اللغة لفندريس ص104-112. 3 Prefix. 4 Suffix.

المقطع "السابقة" "يـ"، كما أن ثبات النون مورفيم دال على علاقة هذا الفعل بسائر الكلمات في الجملة التي يقع فيها. وكلمة "اضرب" الهمزة المكسورة فيها مورفيم صوتي يدل هو وسكون الباء وحركة الراء على أن الكلمة فعل أمر للمخاطب المفرد المذكر، في مقابل "اضربي" التي تتميز بعنصر مورفيمي جديد هو الياء المحدودة المتطرفة التي حددت أن الأمر هنا للمخاطبة المفردة المؤنثة. الكلمات السابقة جميعا "أفعال"، وتتكون من نفس المادة "ض ر ب" كلمات تحدد "علاقات" أو "مورفيمات" معينة فيها أنها "أسماء". فـ"ضارب" يحدد اسميتها الألف المتوسطة وكسرة الراء "والتنوين"؛ والألف المتوسطة عنصر صوتي زيد في حشو الكلمة "في مقابل الإضافات التي تلحق أول الكلمة فتسبقها ونسميها "سوابق" وتلك التي تلحق آخر الكلمة ونسميها "لواحق": ثم إن "التنوين" وهو عنصر صوتي من صوت واحد، يلحق آخر الكلمة "ن" مورفيم يدل على أن الكلمة "نكرة"، في مقابل "الضارب" الذي يدل على كونها "معرفة" المقطع الأول "ال" الذي أدغم هنا في الضاد فصار "اضـ"، وخلو الاسم من التنوين. ثم تنماز "ضاربة" من "ضارب" بأن في الأولى علامتين "مورفيمين" تحدد أن نوعها وهو مفرد مؤنث، هاتان العلامتان هما فتحة الباء والمقطع "تن" "ـةُ" وهو "لاحقة". ثم إن "ضارب" و"ضاربة" من حيث العدد "مفرد" ويقابل هذا "ضاربان" و"ضاربتان" بزيادة المقطعين الأخيرين "ـان" وتَان" "مع فتح الباء" للدلالة على التثنية مذكرة فمؤنثة، كما يقابل هذا كذلك "ضاربون" و"ضاربات" "أو "ضوارب" بزيادة "ون" وضم الباء في الأول، وبزيادة "ـات" وفتح الباء في الثانية، بإدخال المقطع "وا" حشوا" وفتح الضاد وكسر الراء "في ضوارب". رأينا في هذه الأمثلة أن من المورفيمات عندما يكون "إضافة"1 تلحق الكلمة ما يسمى "سابقة" ومنها ما يكون "لاحقة" ومنها ما يكون "حشوا"2 ومنها

_ 1 Affix. 2 lnfix.

ما يكون جزءا من الكلمة كما في الأمثلة السابقة، ومنها ما يكون كلمة مستقلة كالضمير "هما" في قولنا: "هما قالتا". وقد يتصرف "المورفيم" وهو عنصر صوتي. فـ"ليس" في قولنا: "ليس محمد في الدار" عنصر صوتي وهو كلمة مستقلة، إنه مورفيم يدل على النفي في الماضي، وهو يتصرف فنقول: "ليست فاطمة في الدار"، و"ليست في الدار" و"لستَ ... " و"لستِ ... "، و"ليسا في الدار" و"ليستا في الدار"، "لستما ... " و"ليسوا ... "، و"لسن ... " و"لستم ... " و"لستن في ... ". وهذا هو الشأن في كان وأخواتها: إنها مورفيمات كل منها كلمة مستقلة وهي متصرفة. وما يسمى في العربية "أفعال الشروع" كـ"شرع" و"أخذ" كل منها مورفيم فإنا إذا قلنا: "أخذ محمد يبكي" فـ"أخذ" لا يراد بها معنى الأخذ وحده مستقلا، ويراد من "يبكي" معنى البكاء وحده مستقلا بل إن "أخذ يبكي" كأنها فعل واحد للدلالة على الشروع في البكاء وكل من الفعلين يتصرف وحده، وقد يفصل بين الفعلين بكلمة أو أكثر وقد لا يفصل: يقال: "أخذت أبكي" "أخذنا نبكي" "للمتلكمين"، "أخذنا نبكي" "لجماعة المتكلمين"، "أخذت تبكي"، و"أخذت تبكين" "أخذتما تبكيان" للمخاطبين المذكرين؛ "أخذتما تبكيان" "للمخاطبتين"، "أخذتم تبكون"، "أخذتن تبكين" "أخذ يبكي" "أخذت تبكي"، "أخذا يبكيان"، "أخذتا تبكيان"، "أخذوا يبكون" "أخذن يبكين". قد يتكون "المورفيم" الواحد من عنصرين صوتيين منفصلين، وأشهر مثال على ذلك الدلالة على النفي في الفرنسية بـ ... ne pas فنحن نكون من هذين العنصرين المنفصلين وحدة قائمة بذاتها "فإن" Je ne mange pas "لا آكل" الفرنسية لها من الوحدة ما لـ"nitoimlim" في الأيرلندية"1. عرفنا حتى الآن بـ"المورفيم" عندما يكون عنصرا صوتيا "صوتا واحد، أو مقطعا، أو أكثر من مقطع، أو كلمة مستقلة" يلحق الكلمات "العناصر" الدالة على "المعاني" أو "التصورات".

_ 1 فندريس: اللغة، ترجمة الدواخلي والقصاص ص107.

2- ونأخذ في التعريف بالقسم الثاني من "المورفيمات" وهي التي تتكون من طبيعة العناصر الصوتية الدالة على "المعنى" أو "التصور"، أو من ترتيب هذه العناصر الصوتية. 1- والأمثلة على هذا كثيرة فيما يسمى "تبادل الأصوات الصائتة"1. ومن ذلك في العربية المقابلة بين المفرد وبين جمع التكسير في حالات معينة. فنحن في جمع كلمة "رجل" نقول "رجال" ونحن بهذا لا نضيف عنصرا صوتيا جديدا إلى المفرد، كما رأينا في أمثلة القسم الأول من "المورفيمات": فالقيمة المورفولوجية لكلمة "رجال" يدل عليها بطبيعة أصواتها الصائتة وترتيبها مقابل طبيعة الأصوات الصائتة وترتيبها في مفردها رجل. وهذه مجموعة من "المقابلات" بين الفرد وجمع التكسير، تتحقق فيها القيمة المورفولوجية عن طريق طبيعة العناصر الصائتة وترتيبها، ولذلك فالعناصر الصائتة وترتيبها هي "المورفيمات" في هذه الأحوال: المفرد ... الجمع جمل ... جمال طراز ... طرز خروف ... خراف كبير ... كبار كريم ... كرام طرس ... طروس شمس ... شموس بيت ... بيوت قبر ... قبور

_ 1 Vocalic Ablaut.

2- والمقابلة بين المبني للمعلوم والمبني للمجهول تتم في العربية في حالات كثيرة، عن طريق التغيير في العناصر الصوتية الصائتة ليس غير: مبني للمعلوم ... مبني للمجهول ضَرَبَ ... ضُرِب حَسِبَ ... حُسِب فَتَح ... فُتِح شَدّ ... شُدّ وَعَد ... وُعِد قال ... قِيل باع ... بِيع دعا ... دعي رَمَى ... رُمي سَعَى ... سُعِي أكرَمَ ... أُكرِم انفَصَلَ ... انفُصِل استَخرجَ ... استُخرِج 3- والمقابل بين اسم الفاعل واسم المفعول لا تتم في حالات إلا بهذه الكيفية، كما يظهر من هذه الأمثلة: اسم فاعل ... اسم مفعول مُعطِي ... مُعطَى مُذيع ... مُذاع مُستخرِج ... مُستخرَج

3- ومن أمثلة هذا القسم من "المورفيمات" في الإنجليزية هذه المقابلات بين الإفراد والجمع: المفرد ... الجمع men ... man geese ... goose feet ... foot 5- التنغيم: يقوم "التنغيم" في لغات كثيرة بدور "مورفولوجي" هام: إنه يقوم بنفس الدور الذي يقوم به القسمان السابقان من "المورفيمات" فنجد في بعض اللغات صيغتين متماثلتين من الناحية الصوتية، ولكن كلا منهما تنطق بنغمة مخالفة فيكون لكل منهما معناها. وهذا واضح في كثير من لغات الشرق الأقصى، كالصينية، وفي بعض اللغات الإفريقية. وقد روى فندريس1. أن أصحاب اللغة الفهلية "في إفريقيا الغربية الفرنسية" إذ نطقوا mi warata بنغمة على الفتحة الأخيرة مماثلة نغمة سائر الجملة كان معناها "سأقتل" "أو "أقتل" في الحاضر الدال على العادة" أما إذا نطقت الفتحة الأخيرة بنغمة أعلى صار معنى الجملة "لن أقتل"2. 6- و"الارتكاز" كذلك قد يكون "مورفيما" عندما يستعمل استعمالا وظيفيا للتفريق بين المعاني، وقد عرضنا لهذا بشيء من التفصيل "ص112، الأمثلة في الصفحة الأخيرة". 7- "والوقف" يعد عنصرا مورفولوجيا هاما. و"الصمت" كالوقف يؤدي ما تؤديه "النغمة" أو "الارتكاز" وسوى ذلك من "المورفيمات"، ونستطيع أن ندرك دلالة "الوقف" و"الصمت" من ملاحظة التلاوة القرآنية.

_ 1 اللغة: ص109-101. 2 للأستاذ كنث ل. بايك كتاب بعنوان: "تنغيم الإنجليزية الأمريكية" يبين كيف أن تنغيم الإنجليزية جزء أساسي من نحوها. Kenneth L Pike The lntonation Of Englisg Ann Arbor University of Michigan 1946.

3- والقسم الرئيسي الثالث والأخير من "المورفيمات" هو الموضع الذي تحتله الكلمة" الدالة على "المعنى" أو "التصور" في الجملة ففي بعض اللغات يحدد موضع الكلمة من الجملة علاقتها بسائر الكلمات، ولو تغير موضعها لتغير معنى الجملة، فالموضع في هذه اللغة له قيمة مورفولوجية، والمثال التقليدي الذي تورده الكتب الفرنسية خاصة هو Pierre frappe Paul "بيير يضرب بول" فلو نقلنا Paul "بول" مكان Pierre "بيير" لأصبح "بول" هو الضارب و"بيير" هو المضروب، إن كل كلمة من كلمات هذه الجملة لا يحدد دورها في الجملة أي عنصر صوتي "إلا كلمة frappe التي تتميز بنغمة الصفر في مقابل frappez frappons ... إلخ". ويقابل هذا في اللاتينية Petrus caedit Paulum "بطرس يضرب بول" ففي كلمة Petrus لاحقة هي us وهذه اللاحقة "مورفيم" يدل على أن الاسم في حالة رفع، وفي كلمة Paulum لاحقة um تدل على أن الاسم في حالة نصب، ويجوز في اللاتينية وضع Paulum موضع Petrus مع بقاء المعنى واحدا، ويعين على فهم المعنى في هذه الحال أن كل اسم به لاحقه تحدد حالته الإعرابية1:

_ 1 فندريس: اللغة ص111-112.

النظم أو "التنظيم"

ب- النظم 1 أو "التنظيم": بعد أن يصل اللغوي إلى تحديد الأقسام الشكلية2 الخاصة بالمورفيمات وبالكلمات ينتقل إلى النظر في "نظم الكلام". والنظم يعنى أول كل شيء، بترتيب الكلمات في جمل: أي أنه يدرس الطرق التي تتألف بها الجمل من الكلمات. فدراسة النظم في جوهرها هدفها تحديد القواعد المألوفة في ترتيب الأقسام: "= الطبقات" الشكلية. وللنظم علاقة وثيقة بالمورفولوجيا وذلك لأن التركيبات المورفولوجية في لغة من اللغات عادة ما تحكمها إلى درجة كبرى الترتيبات النظمية. أي الترتيبات التي يتبعها نظم الكلم، ولأن الوحدات التي تبنى منها الجملة تتكون من كلمات على أنها "أي الكلمات" أعضاء من أقسام شكلية "كالاسم، أو الفعل ... إلخ" وهكذا فالأغلب أن يدرس المورفولوجيا و"النظم" الخاصان بلغة من اللغات، معا، وفي بعض الحالات يدرس الاثنان على أنهما طبقة واحدة "أو قسم واحد" من طبقات "= أقسام" الظواهر اللغوية. والنظم يدرس في نفس الوقت تنظيم العبارة البسيطة التي ترد إلى قضية واحدة، وتنظيم العبارة المركبة التي تضم قضايا متعددة3.

_ 1 انظر: John B Carroll the Study Of Language P 24 pp. 46-40. 2 Form Classes. 3 انظر: John B Carroll The Study Of Language P. 24 37040.

منهج المورفولوجيا ومنهج النظم

جـ- منهج المورفولوجيا ومنهج النظم: قد يعين على إدراك منهجي المورفولوجيا والنظم اللذين تتبعهما الدراسة اللغوية الحديثة أن نبدأ بمقارنتهما بالطرق التقليدية التي كانت متبعة في علاج هذين الموضوعين، ثم نأخذ في بيان خصائص المنهجين الحديثين وأوجه الدقة فيهما. وسنلخص هذا الكلام عن الأستاذ جون. ب. كاول1 فإن عرضه لهذه المسألة من أوضح وأبسط ما صادفناه في هذا الشأن. يقول الأستاذ كارول: إن المنهج التقليدي المتبع في دراسة المورفولوجيا و"النظم" هو التحقق من "أقسام الكلام" المختلفة "الاسم، الفعل، ... إلخ" وملاحظة التغيرات التي تطرأ عليها من الناحية الشكلية في الظروف النحوية المختلفة، ووصف ترتيب هذه الأشكال في جمل كاملة طبقا "لمعاني" هذه الجمل. وكان الاعتقاد أن لكل قسم من أقسام الكلام وظيفة محددة: فالأسماء مثلا تدل على "الأشياء" وأحيانا على "الأشخاص"، والأفعال تدل على "الأحداث"، و"الصفات"2 تدل على "الكيفيات". هذه الطريقة ثبتت صلاحيتها عندما طبقت على لغات من العائلة الهندو - أوروبية ولكنها تحتاج إلى تعديلات جوهرية عندما تطبق على لغات معينة تختلف بنيتها3 اختلافا ظاهرا عن النموذج العام لبنية اللغات الهندو - أوروبية. بل

_ 1 John B Carroll The Study Of Language pp. 37-40. 2 Adjectives. 3 Structure.

إن هذه الطريقة تؤدي إلى خلط كثير وإلى نتائج غير متناسقة عندما تطبق على لغات مؤلفة مثل الإنجليزية، فالتصور الخاص بالفعل مثلا ينبغي تعديله عند دراسة الإنجليزية وذلك باعتبار ما إذا كان الدارس ينظر فيما يسمى "الأفعال الروابط"1 مثل be أو semm، أو ينظر في أنواع أخرى من الأفعال مثل happen make hit إذ لا نستطيع اعتبار كل هذه الأفعال دالة على "أحداث"، كما أن هذه الأفعال لا تقع دائما في نفس المواضع في تركيبات الجمل. إن الخطأ الأساسي في الطرق التقليدية في المورفولوجيا والنظم أن المبادئ التي قامت عليها بالإضافة إلى عنايتها باللغة بالتحليل المنطقي إلى أقسام "= فصائل" على أساس المعنى قد أدى إلى معرفة نتائج التحليل مقدما2.

_ 1 Copulative Verbs. 2 للأستاذ ر. هـ. روبنز R H Robins مقال قيم موضوعه. The Objectives of Formal Grammar lndia Linguistics turner Jubilee Volume l 1058 pp 22-30. عرض في للصفة "الشكلية" التي يتميز بها التحليل النحوي الحديث. وهذه خلاصة بعض ما جاء في هذا المقال. يرى أغلب اللغويين في أيامنا أن "النحو"، أو، إن شئنا الدقة، أن "التحليل النحوي" Grammati cal Analysis ينبغي أن يكون "شكليا" Formal إذا أريد له أن يكون جزءا صالحا من الدراسة اللغوية الوصفية Descriptive Linguistics ولكن على الرغم مما يبدو بين هؤلاء اللغويين من إجماع ظاهر فثمة خلافات ظاهرة بعضها ملموس وبعضها ضمني، سواء كانت هذه الخلافات متعلقة بالأسس النظرية، أو كانت جزءا من وصف لغة معينة وتحليلها. ثم عرض الأستاذ روبنز مبادئ ومناهج التحليل النحوي باعتباره جزءا من علم اللغة العام. وأهم ما يحرص عليه التحليل النحوي هو أن يتحرر، وأن تتحرر "الفصائل النحوية"، من الاعتماد اعتمادا كليا صارما على الأقسام التقليدية "للمعنى". وإن هذا الاعتماد قد أوصل أحيانا إلى نتائج غير منطقية. ولكن بقايا المقياس غير الشكلي والتصنيف غير الشكلي لا تزال مائلة حتى اليوم في كثير من التحليلات النحوية ومن الأقوال النظرية. ما الذي يدعو إلى نبذ القياس القائم على "المعنى" في التحليل النحوي؟ يجدر بنا أن نقول أول كل شيء إن كلمة "المعنى" من الكلمات غير الدقيقة في الدراسة اللغوية. وبناء على تفسير من تفسيرات هذه الكلمة، أي المعنى، نقول إن كل ما نقرره لغويا هو تقريرات عن المعنى على مستويات مختلفة متنوعة، ولكن هذا التفسير كذلك يستدعي التمييز الحاد بين المستويات المختلفة، يستدعي فصل المعنى على المستوى النحوي، من المعنى على "المستوى" الدلالي semantic level، كما يستدعي تجنب الشروح الفكرية أو "العقلية" Mentalist على أي مستوى من المستويات. إن "معنى" أي عنصر على أي مستوى من المستويات، ينبغي أن يفسر من حيث كيفية استعماله، ومن حيث علاقته بغيره من العناصر في اللغة موضوع الدرس، كما ينبغي أن يفسر على المستوى الدلالي، من حيث علاقته بالعلم الخارجي، أي من حيث العناصر غير اللغوية التي لها صلة بالمعنى كشخصية المتكلم، وشخصية المخاطب، وسائر ظروف الكلام. وقال الأستاذ روبنز: إن النحو مسألة خاصة بالشكل اللغوي، وإن التحليل النحوي جزء من تحليل "الشكل" النحوي" ولذلك فإن إقامة فصائل نحوية، وإن الوصف النحوي على أساس "المعنى"، كما يفهم بوجه عام، أو على أساس من المعنى على مستويات غير المستوى النحوي، هما نتيجة لهذا غير ذوي شأن بالنحو.

ولقد نجح علم اللغة الحديث في التغلب على هذا الاتجاه العقلي، وفي خلق تحليلات موضوعية للغة. وإن اللغويين ليجابهون صعوبات بالغة في القيام بهذه التحليلات، ولكن أصول المنهج الحديث أصبحت راسخة. إن اللغوي يبدأ تحليله بالوصول إلى "فونيمات" اللغة التي يدرسها، ثم يبحث بعد ذلك عن طرق يقسم بها الكلام المنطوق إلى وحدات "شكلية". وإن كل وحدة شكلية تتكون من مجموعة من الفونيمات، وسيجد مجموعات كبيرة من الفونيمات كثيرة الورود في المادة التي يحللها، ولكنه لا يستطيع الجزم بأن كل هذه المجموعات تكون وحدات حقيقية في اللغة، فربما كان بعض هذه المجموعات يتألف من نهاية وحدة وبدء الوحدة التالية. ولكن من حسن الحظ أن في كل لغة بعض الخصائص "= السمات" "التكوينية"1 من شأنها أن تهدي للوصول إلى الحدود بين الوحدات. فالوحدات في الإنجليزية مثلا تحدها خصائص من "الارتكاز"، و"درجة" جهر الصوت، وخصائص أخرى متعلقة بالسياقات الصوتية. ويستطيع اللغوي بالاهتداء بهذه الخصائص التكوينية وبغيرها من الظواهر أن يحدد ما يسمى "المورفيمات" الخاصة باللغة. وهذا تعريف بلوخ وتراجر2 للمورفيم: "وهما من كبار لغويي المدرسة الأمريكية، وتعريفهما للمورفيم يخالف ما أوردناه من تعريف فندريس". "أي شكل، سواء أكان حرا أم مقيدا، لا يمكن تقسيمه إلى أجزاء أصغر "أي إلى أشكال أصغر" هو مورفيم. وهكذا فالكلمات Person Play man فكلمات كل منها مكون من مورفيم واحد، manly personal played كلمات مركبة لما كان كل منها يحتوي على مورفيم مقيد "al, ed, ly". وبعد تحديد مورفيمات اللغة يأخذ اللغوي في دراسة الطرق التي تأتلف بها المورفيمات في كلمات، والطرق التي تتغير بها المورفيمات في التركيبات النحوية

_ 1 Constructive Features. 2 Bloch And Trager Outline of Linguistic Analysis Blatimore Linguistic society of America 1942 p 52.

المختلفة وهذه الدراسة تعرف باسم المورفولوجيا. ثم يأخذ في دراسة النظم "وقد سبق التعريف به". قال الأستاذ فرايز:1 إن نحو لغة من اللغات يتكون من الوسائل "= الصور" التي تحدد المعاني الخاصة بالبنية2. "ومعاني البنية اللغوية" هي تلك المعاني التي تحملها نماذج من الترتيب واختيار الأقسام الشكلية في مقابل "المعاني القاموسية"3، معاني الأشكال ذاتها، ومن أمثلة "معاني البنية" التي يحددها تركيب الجملة تلك التي تدور على ما إذا كانت الجملة تقريرا، أو استفهاما، أو رجاء إلخ. ومن "معاني البنية" ما يتعلق بالأدوار التي تؤديها العناصر المختلفة المشار إليها "مَن" أو "ماذا" الذي أحدث الحدث ... إلخ"، والزمن النسبي الذي يصدق عنه القول. وإن تقرير "معاني البنية" الخاصة بالجنس، و"زمن الفعل"، و"هيئة الفعل" إلخ جزء من وصف نظام أي لغة من اللغات. ومع ذلك ينبغي أن نتحقق من هذه المعاني ليست إلا معاني "شكلية" و"خاصة بالبنية"4 "انتهى عرض كلام الأستاذ كارول"

_ 1 Charles C Fries The Structure of English an introduction ton the construction of English sentences New York Harcourt Brace 1952 p 56. 2 structural meanings. 3 Lexical Meaning. 4 من الدراسات الحديثة الخاصة بالمورفولوجيا والنظم، غير ما أشرنا إليه، وغير المتداول في الكتب العامة عن "اللغة" وعن علم اللغة. Zelling S Harris From Morpheme to Utterance "Language 22 pp. 161-183 وقد أعيد نشر هذا المقال في: Readings ln Lingustics pp 142-163 ولنفس الكاتب مقال آخر بعنوان: Morpheme Altirnants in linguistic Analysis "language 18 pp 169- 180" Read ings pp 109-115. ولنفس الكاتب مقال آخر بعنوان: Methods in Srtuctural Linguestics Checago Uneversity of CVhicago Press 1951 Eugene A Nida Morphology the descriptive analysis of Words Ann Arbor Universi ty of Michegan Press 1946 George L Trager Hanry Lee Smith An Outline of english Wtructure Norman Okla Battenburg Press 1951.

الفضائل أو الأقسام النحوية

الفضائل أو الأقسام النحوية ... د- الفصائل، أو، الأقسام، النحوية 1: 1- رأينا أن "المورفيمات" تعبر عن "معان" نحوية كالجنس "مذكر: مؤنث، مذكر: مؤنث: محايد"، والعدد "مفرد: مثنى: جمع، مفرد: جمع"، والشخص، "متكلم: مخاطب: غائب، إلخ"، وزمن الفعل "ماض: حاضر: مستقبل ... إلخ" والمكية "= الإضافة أو التبعية" إلخ. هذه المعاني، وأمثالها، تسمى "الفصائل النحوية" وهي متعددة متنوعة مختلفة عددا ونوعا باختلاف اللغات، ولذلك فعلى الباحث ألا يتوقع أن يجد في اللغة الأجنبية التي يدرسها، إن كان يدرس لغة غير لغته، نفس الفصائل النحوية عددا ونوعا: قد يجد في اللغة موضع الدرس فصائل نحوية جديدة. والمعول في تحديد الفصائل، كالمعول في الدرسة النحوية عامة، إنما هو على ما يؤديه الكلام من وظيفة، وعلى الشكل الذي تتخذه الكلمات فيما بينها. كما أن تاريخ اللغات يظهر أن عنصرا من عناصر فصيلة من الفصائل كزمن من أزمان الفعل مثلا قد ينتهي استعماله في عصر من العصور، وقد يظهر زمن فعلى جديد2. ولكن مع أن "الفصائل النحوية" نسبية تبعا للغات فإن "المورفولوجيا العامة" ترى من واجبها أن تصنف هذه الفصائل، وأن تصل إلى "ماهيتها" فذلك أساس معين في تكوين النظرية العامة في اللغة وفي تطورها. قال بلومفيلد: "إن على لغويي المستقبل واجبا هو أن يقارنوا بين الفصائل النحوية الخاصة بلغات مختلفة، وأن يحددوا الخصائص "= السمات" العالمية أو على الأقل تلك المنتشرة انتشارا واسعا"3. ولا يزال علماء اللغة يرددون حتى

_ 1 Grammatical Categories انظر فندريس: اللغة ص 125-154. Johv B Carrlll the Study of Language A Survey of Lnguistics Related Discipline in America Harvard University Press Cambridge Third printing Massachusetts 1959 Printed in the Uuited States of America "Copyright 1953" pp 41-42 Bloomfielde Language p 204 pp 260 273 Margarest Schlauch The Gilft of Tongues pp 251-252. 2 انظر مثالا على هذا في كتاب فندريس: اللغة ص125، 126. 3 Bloomfield Language p. 270.

اليوم هذا الكلام نفسه. فهذا الواجب لم يحقق بعد على الوجه المرجو. يقول جون ب. كارول:1 إن تحديد الفصائل النحوية التي تستعملها لغة ما خطوة هامة في الدراسة اللغوية الوصفية. ومنذ أخذ لغويو العرب يحللون لغات تختلف عن النموذج الهندو - أوروبي وهم يدركون أهمية الفصائل النحوية وصلتها بالتفسير النفسي للأحداث اللغوية. ولكن حتى الآن، لم تسنح الفرصة أمام اللغويين ليعدوا عرضا منهجيا منظما لذلك التنوع في الفصائل النحوية في لغات العالم، وهم عادة يقصرون دراستهم على لغات مختارة. ولكن هذا عمل يجب أداؤه حالا. وإن جانبا كبيرا من المعلومات الخاصة به متوافر ولكنه يحتاج إلى الفحص والتجميع. 2- ونأخذ الآن في الحديث عن فصيلة نحوية هامة هي "الجنس": 1- إن "الجنس" اللغوي يجري على "منطق" خاص بمعنى أن الجنس اللغوي لا يطابق الجنس في الواقع الطبيعي، فالاصطلاح وحده هو الذي ذكر "الهواء" وأنث "الأرض" و"السماء" في العربية. "انظر ما قدمناه عن ذلك عند كلامنا عن وصل النحو بالمنطق ص ". و"الجنس" من الفصائل النحوية الهامة التي تبرز في أكثر اللغات منذ أقدم العصور بروزًا قويًّا: فاستعمال علامات دالة على أن هذا الاسم متميز من ذاك من حيث الجنس أمر كانت تحرص عليه تلك اللغات حرصا بالغا. وأحيانا يكون "الجنس" هو المميز الوحيد بين كلمتين مختلفتين معنى متماثلين من الناحية الصوتية2. 2- ودراسة "الجنس" دراسة تاريخية، تبين أنه، كالأصوات، وكالمعاني مثلا، خاضع للتغير. وتاريخ اللغات الجرمانية والكلتية مثلا يظهر أن الجنس في هذه اللغات خضع لتغيرات عديدة3.

_ 1 John B Carroll The Study of Language p. 42. 2 من ذلك في الفرنسية: Poids "بوا" بمعنى "الوزن" تنطق مثل Poix "بوا" بمعنى "القارة" وإن اختلفتا كتابة، ولكن الأولى مذكرة فيقال: Le Poids والثانية مؤنثة فيقال la Poix وكذلك le pere بمعنى "الأب" لا تتميز من La paire بمعنى "الزوج". من حيث العدد إلا من حيث الجنس. وكذلك la livre بمعنى الكتاب تتميز من la livre بمعنى "الرطل" أو "الجنيه" بالجنس وحده. "فندريس "اللغة" ص127". 3 ذكر فندريس "اللغة ص127، 128" أن من الكلمات الفرنسية التي تنتهي بنهاية مؤنثة ولكن اللغة الفرنسية السليمة تعاملها معاملة الذكر، ما يستعمل مونثا في اللغة الدارجة وذلك مثل exercice "تمرين". orage "عاصفة" ouvrage "عمل". وذكر أن الكلمتين Prophete "نبي" Pape "بابا= رئيس ديني" استعملتا مؤنثتين في العصور الوسطى بسبب ما في آخرهما من نهاية مؤنثة.

3- وواضح أن اللغات لا تسير على نمط واحد في التمييز بين الأسماء من حيث الجنس، فإذا كانت العربية لا تميز إلا بين مذكر ومؤنث، فالإغريقية تقابل المذكر بالمؤنث بـ"المحايد". 1- وإذا نظرنا إلى الأسماء العربية وجدنا أن منها ما لا يدل على تأنيثه أي علامة تصحبه، وأن منها ما يعين على تحديد جنسه علامة تلحقه هي تلك التي نسميها علامة التأنيث: كالهاء في "ثمرة" و"كلمة"، وألف التأنيث في "حبلى"، وألف التأنيث الممدودة في "زرقاء". ولكن هذه العلامات مع ذلك ليست علامات محددة بطريقة قاطعة، فليس كل اسم عربي ينتهي بالهاء مؤنثا، فـ"معاوية" علم على رجل، ونحن نقول: "قال معاوية" لا "قالت معاوية"، وليس كل اسم ينتهي بألف مقصورة مؤنثا فـ"الهوى" و"الجوى" مذكران. وما كل اسم مختوم بألف ممدودة يعامل معاملة المؤنث في لغتنا فـ"الهباء" و"الفناء" و"الغباء" كلمات مذكرة. والاسم المذكر لا تصحبه علامة تحدد تذكيره فإن قلنا إن خلوه من علامة التأنيث هو نفسه علامة، ورد الاعتراض السابق وهو أن بعض الأسماء المذكرة تظهر فيها "علامات" هي من الناحية الشكلية نفس "العلامات" التي تظهر في بعض الأسماء المؤنثة. وحتى العلامات الإعرابية الخاصة التي تصحب بعض الأسماء المؤنثة، كالمنع من الصرف ليست مطردة، فإن منع "حمراء" مثلا من الصرف لا يكون إلا في حالتي عدم إضافتها، وعدم تعريفها بالألف واللام. إن العلامات الشكلية التي تحدد تذكير الاسم أو تأنيثه في العربية تتحدد أساسا في "الإسناد" و"الصفة" فالذي يبين أن "السماء" مذكرة أو مؤنثة هو وصفها كأن نقول: "السماء الصافية" لا "الصافي". أو الإخبار عنها كأن نقول: "أمطرت السماء" لا "أمطر". 2- والفرنسية الحديثة لا يحدد فيها تذكير الاسم أو تأنيثه علامة شكلية تلحق الاسم: إن الأداة والصفة اللتين تصحبان الاسم هما اللتان تختلفان

صيغة تبعا لاختلاف الجنس: فالمذكر تصحبه الأداة، le، يقال soleil "الشمس" وهي مذكرة في الفرنسية"، والمؤنث تصحبه الأداة la، يقال: la fille "الفتاة" غير أن الأداة واحدة قبل الأسماء التي تبدأ بصوت صائت، يقال lnnee lamour, والاسم الأول مذكر والثاني مؤنث، وقد يوصف هذا الاسم أو ذاك بصفة مبهمة الجنس، أي صفة تنتهي بعلامة من العلامات المستعملة للتأنيث ولكنها تصحب بعض الأسماء المذكرة، فلا يعبر عن الجنس شيء في هذه الحال. 3- ويبدو الجنس في صورة خاصة في بعض اللغات الأمريكية والإفريقية: فاللغة الألجلونكية تميز بين جنس حي وجنس غير حي، ولغة الماساي في شرق إفريقيا تستخدم جنسا لما هو كبير قوي في مقابل جنس لما هو صغير ضعيف1.

_ 1 انظر التفصيلات في فندريس اللغة ص131، 132.

عن أصول النحو الصرفي

هـ- عن أصول النحو الصرفي: 1- معاني "الأشكال النحوية" 1: 1- إن لـ"الأشكال النحوية" "معاني" من الناحية النحوية ومن الناحية "المعجمية" "أو "القاموسية"، هذه المعاني تحددها العلاقات المتبادلة بين الأشكال في النظم النحوية القائمة في اللغة. إن معنى "المذكر" في اللغة التي تقسم الاسم إلى مذكر ومؤنث ليس غير، غير معنى المذكر في اللغة التي تقسم الاسم إلى "مذكر" و"مؤنث" و"محايد". والاسم "المفرد" في اللغة التي تتبع "نظاما" ثنائيا في تقسيم الاسم من حيث العدد إلى "مفرد" وإلى "جمع" "الجمع هنا ما زاد على واحد" ذو معنى نحوي غير المعنى النحوي للمفرد في اللغة التي تتبع في تقسيم الاسم من هذه الناحية تقسيما ثلاثيا "مفرد" و"مثنى" و"جمع"، كاللغة العربية: فـ"المفرد" في اللغة الأولى يقابل الجمع الذي يبدأ باثنين فصاعدا. أما في اللغة

_ 1 Linguistics Froms. انظر هذا الكلام ملخص عن J R Firth General Lingustics And escriptive Grammar transactions of the Philo logical Socieety 1951. ونشر هذا المقال مع مقالات الأستاذ فيرث المجموعة بعنوان: Papers ln Linguistics London Oxford University Press 1957 pp. 210228.

الثانية فيقابل "المثنى" ويقابل "الجمع" الذي يبدأ بثلاثة فصاعدا. والمعنى النحوي للمفرد في كلتا هاتين اللغتين غير المعنى النحوي للمفرد في اللغة الفيجية1 التي تميز من الناحية الشكلية بين "مفرد" و"مثنى" و"جمع صغير" و"جمع كبير"2. 2- و"الفصيلة النحوية" نفسها يختلف معناها باختلاف اللغات: فـ"الاسم" فصيلة نحوية يتحدد معناها باعتبار ما تقابله في اللغة موضوع الدرس: فمعنى الاسم في اللغة التي تتبع نظاما نحويا ثلاثيا تنقسم فيه الكلمة إلى "اسم" و"فعل" و"أداة" يختلف عن معنى الاسم في نظام نحوي خماسي تنقسم فيه الكلمة إلى "اسم" و"فعل" و"أداة" و"صفة" و"ضمير"، فمن اللغات ما يميز كلا من الصفة والضمير من "الاسم" و"الفعل" و"الأداة" من الناحية الشكلية. 3- إن "النظام الداخلي للعلاقات" هو أساس الوصف النحوي السليم وهو نظام يقرر المعاني على المستوى النحوي في مصطلحات وظيفية مناسبة للغة موضوع البحث3. إن نموذج "العلاقات المتبادلة"4 بين "العناصر الشكلية"5 للغة من اللغات هو الذي يحتفظ به ويحققه كل متكلم من أهل هذه اللغة جزءا من حياته اليومية6. 2- وصايا للواصف النحوي 7: 1- من المبادئ العامة المقررة في الوصف النحوي أن معاني "الأشكال النحوية"، على المستوى النحوي، وعلى المستوى "المعجمي" "أو"القاموسي" ينبغي أن يحدد بالنسبة لنظام اللغة موضوع البحث8.

_ 1 Fijian. 2 J. R. Firth General Linguistics And Descriptive Grammar p 227 "Papers ln Linguis tics. 3 Firth op cit p. 228. 4 Mutual Relations. 5 Formal Elements. 6 المرجع السابق. 7 هذه الوصايا ملخصة من مقال فيرث السابق. 8 J. R. Firth p. 222.

2- ومن المبادئ العامة المقررة في الوصف النحوي كذلك أن المبدأ الأساسي في وصف "النظام النحوي"1 هو أن يتجنب الباحث أن يدخل مقدما تصنيفات سابقة، وألا يعترف إلا بالأقسام اللغوية التي تعبر عنها اللغة موضوع البحث بطريقة "شكلية" "من هذه الأقسام: الاسم والفعل، إلخ". 3- ثم إنه على الواصف النحوي عندما ينظر في "الأقسام النحوية" التي تعبر عنها اللغة بطريقة شكلية أن يحدد قائمة بعناصر هذه الأقسام، وأن يقرر توزعها، ووظيفتها، ومعناها على المستوى النحوي في مصطلحات خاصة بالنظام النحوي الذي تتبعه اللغة، وفي علاقة ذلك بظروف الاستعمال في الواقع. 4- كما أن على الباحث أن يحدد بعناية "مدى" استعمال هذه الأقسام في اللغة، وأن يبين الوسائل التي تتضح بها في أجلى صورة. 5- وعلى الباحث أن يدخل في اعتباره على الدوام المقاييس المورفولوجية و"النظمية"2، أي أن يدخل في اعتباره "البنية الشكلية"3 والظروف الاجتماعية الكائنة عند نطق الكلام. 6- وعلى الباحث، على الدوام، أن يقيم "هذه الأقسام" على أسس "شكلية" لا "تصورية" أو "فلسفية". 7- وإذا كان "الكلام" المتخصص "أو "اللغة المتخصصة" تتحقق فيها "قواعد" خاصة، وهذا هو الذي يحدث في أغلب الأحوال، فعلى الباحث أن يشير إلى الفروق بين "القواعد" التي تسير عليه اللغة في الكلام العادي المألوف وبين تلك التي تسير عليه اللغة المتخصصة، كلغة الدين، أو لغة السياسة أو لغة الاقتصاد، إلخ. 8- ويحدث في معظم اللغات أن يعامل الكلام "الدخيل"، أي المستعار من لغة أجنبية، معاملة خاصة، ومن ذلك أن الأسماء الأعجمية عندما تدخل العربية "تمنع من الصرف" مثلا، فعلى الباحث أن يتبع "سلوك" الكلام الأجنبي في اللغة التي يدرسها.

_ 1 grammatical System. 2 Syntactical. 3 Formal Structure

9- على الواصف النحوي عندما يعرف "الأقسام النظمية"1 "مثل نظام الفعل" أن يلقي انتباهه للطرق المتنوعة التي يلجأ إليها "الكلام المنطوق" "لتحليل" أو "تركيب" هيئات حالة معقدة. كما أن عليه أن يلقي انتباهه كذلك إلى الظروف الاجتماعية التي تستعمل فيها هذه الأقسام. فإذا كانت اللغة التي يستعملها لغة تستعمل نظاما من الفعل، معقدا فعليه أن يحدد الأحوال التي يتضمنها استعمال الأقسام المختلفة للفعل. وعلى الباحث أن ينتبه إلى عناصر البنية التي لها "وظيفة نظمية"2، وذلك كالنفي، والنهي، والاستفهام، والفصل، إلخ، وأن يستشهد بأمثلة توضح العلاقات القائمة بين هذه العناصر3.

_ 1 Syntactical Categeories. 2 Syntactic Function 3 المرجع السابق pp. 223-224. مما لم نشر إليه من الكتب والبحوث المتصلة النحوية، وتمثل وجهات نظر مختلفة: Jespersen Otto The Philosophy of Grammar First Published Ln 1924 Reprinted 1948 London George Allen Unwin Ltd. Hjelmslev Louis Principes de Grammaire Generle Copenhagen 1928. Firth J. T: Structural Lingustics Transactions of The Philolgical Sociecy of Great Britain 1955 p. 83-103. Mitcell T F Syntagmatic Relations in Linguistic Analysisi Transactions of The Phololgical Society of Great Britain 1958 pp 101-118.

النحو المقارن

4- النحو المقارن: تبرز في الدراسة اللغوية ثلاثة مناهج أساسية للقيام بأنواع أساسية ثلاثة من الدراسة هي: المنهج الوصفي، والمنهج التاريخي، والمنهج المقارن للدراسة الوصفية، والدراسة التاريخية، والدراسة المقارنة. والدراسة الوصفية هي أساس الدراستين التاريخية والمقارنة "انظر ما يلي". وسنتخذ الكلام على "النحو المقارن" سبيلا للتعريف بهذه الدراسات الثلاث. أ- الدراسة اللغوية الوصفية: إن ما يسمى "الدراسة اللغوية الوصفية"1 يختص بفترة محدودة من تاريخ لغة من اللغات مستعملة في مكان محدود. فنحن مثلا لا نستطيع أن ندرس اللغة العربية في تاريخها الطويل دفعة واحدة؛ لأنها لم تكن في تاريخها الطويل "شيئا واحدا" ثابتا ينتقل من جيل إلى جيل دون تغير بأي صورة من صور التغير، وفي أي جانب من جوانب اللغة. لقد درجنا على أن ندرس الأدب العربي دراسة عملية، فتقسيمنا لتاريخ الأدب العربي الطويل إلى مراحل زمنية، وبيئات مكانية بديهية من البديهيات. ولكن كثيرا من دارسي اللغة عندنا لا يميزون بين "الدراسة الوصفية" للغة، و"الدراسة اللغوية التاريخية"2. ولكن "الدراسة اللغوية التاريخية" لا يتأتى قيامها على وجهها العلمي الصحيح دون الدراسة الوصفية للمراحل المختلفة التي مر بها تاريخ اللغة موضوع الدرس. إن النظر في تاريخ اللغة العربية مثلا يظهرنا على معالم أساسية تتخذ شبه "فواصل" بين مرحلة سابقة ومرحلة لاحقة: نعم إن الاستعمال اللغوي غير متوقف أبدا، إنه متغير على الدوام، متغير في الفرد الواحد في مراحل عمره، ومتغير في

_ 1 Descriptive Linguistics. 2 Historical Linguistics.

البيئة الكلامية الواحدة حسب المهنة والحرفة، وحسب الأعمار، وحسب المستوى الاجتماعي ... إلخ، وإنه لمتغير حسب القرى والبلدان التي تضمنها البيئة الكلامية، بل حسب الأحياء في البلدة الواحدة، ولكن الباحث اللغوي يضطر إلى أن يتغاضى عن أمثال هذه التغيرات إذا أراد أن يدرس اللغة دراسة تاريخية، وذلك كما يتغاضى مؤرخ الأدب عن الخلافات والفروق في العصر الواحد في سبيل تحديد عصور أدبية تيسر له تأريخ الأدب. ولكن ليس معنى هذا التغاضي أن الخلافات والفروق داخل العصر الواحد لا تسجل: إنها لتسجل وتقوم بطبيعة الحال، أو يسجل ويقوم أهمها، ولكنها توضع في موضعها الحق، ولا تعوق تقسيم تاريخ اللغة، أو تاريخ الأدب، إلى عصور محددة الأوائل والخواتيم. وليس معنى "انتهاء" عصر لغوي "ابتداء" عصر لغوي تال، أن التغير اللغوي الكبير الذي نتخذه فاصلا بين عصرين يحدث فجأة. وأن الناس يغيرون من لغتهم تغيرا كبيرا في عام أو عامين، فالتغير، كما قلنا، دائم مستمر، ولكن اللغوي، يجد أن بعض مظاهر هذا التغير قد ازدادت وتجمعت في فترة من الفترات لعوامل معقدة سياسية وتاريخية إلخ. بحيث يدعوه المنهج العلمي إلى وضع حد تاريخي عند هذه الفترة. ولكن من المسلم أن "التداخل"، أو "الخصومة" متوافر. أو متوافرة، في معظم الحالات. ب- الدراسة اللغوية التاريخية: قلنا أن "الدراسة اللغوية التاريخية" لا تقوم إلا بعد الفراغ من دراسة المراحل المختلفة التي مر بها تاريخ اللغة دراسة وصفية، ومن النظر في هذه الدراسات الوصفية للمراحل التعاقبية يأتي تدوين تاريخ هذه اللغة صوتيا، وفونولوجيا، ونحويا، وقاموسيا، ودلاليا إلخ. قال بلومفيلد اللغوي الأمريكي الكبير موضحا هذه الحقيقة: إن ظهور التيار التاريخي المقارن، والتيار الفلسفي الوصفي في الدراسة اللغوية في أواخر القرن التاسع عشر يدل على أن الدراسة التاريخية للغة تتوقف درجتها دقة وإتقانا على

دقة الدراسة الوصفية للغة موضوع الدرس وعلى إتقانها. وإن كل تقدم منهجي ليؤيد هذه النتيجة: ومن أمثلة ذلك أن اللغويين الوصفيين أخذوا منذ حوالي 1930 يركزون جهودهم على دراسة "الفونيمات المقطعية "= الجزئية" العليا"1 كدرجة الجهر، والارتكاز، وما إلى ذلك. ولم يكن ذلك قد وصف من قبل وصفا علميا مفصلا بالغ الدقة. ولقد نتج عن العناية بهذه الموضوعات أن أدرك كثير من اللغويين أن كثيرا من جوانب الدراسة التاريخية للغة الإنجليزية ينبغي إعادة دراسته في ضوء هذا التقدم المنهجي الحديث، وفي ضوء نظرية "الفونيم" الحديثة2! إن لغتنا لما تدرس من الناحية التاريخية، وتاريخها طويل متشعب، ولا بد لدراستها تاريخيا، من دراسة عصورها المختلفة دراسة وصفية. إن العربية الفصحى في عصرنا متميزة عن عربية العصر الجاهلي مثلا، وكلتاهما متميزة من عربية العصر العباسي وهكذا. كل عصر من هذه العصور وسواها، باعتباره حلقة في سلسلة التطور التاريخي للغة العربية، يمثل كما يقول دي سوسير "حالة لغوية"3 "= حالة من حالات اللغة". فالدراسة اللغوية التاريخية تمكننا من التغلب على حواجز الزمن من وجوه، فهذه الدراسة هي اقتفاء أثر التطورات والتغيرات من النواحي الفونولوجية، والنحوية، والقاموسية، والدلالية إلخ في لغة واحدة خلال التاريخ، أي أنها دراسة تطور لغة من اللغات باعتباره تطورا بين "حالات لغوية" متتابعة، ومن المسلم به أن هذه الحالات اللغوية قد درست قبلا دراسة وصفية، والدراسة التاريخية تدرسها من الناحية الحركية التطورية4.

_ 1 Supra - Segmental Phonemes. إن النغمة tone في اللغات التي تستعمل التنغيم استعمالا وظيفيا للتفريق بين المعاني تعتبر "فونيما مقطعيا" "= جزئيا "أعلى"، واللغويون يعتبرون "الطول" Length كذلك "فونيما مقطعيا جزئيا" أعلى والطول هو الذي يميز بين الإنجليزية lip "شفة" من leap "= يقفز" والفونيم المقطعي "الجزئي" "الأعلى" عندما يكون فونيم نغمه يسميه جماعة لا سيما في أمريكا "تونيم" toneme, وعندما يكون "فونيم طويل" يسمى، لا سيما في أمريكا، "كرونيم" Chroneme. 2 انظر في هذا John B Carrol The Stuy of Language p. 52. 3 Etat de Langue. 4 Antoine Meillet La Methode Comparative En Linguistique Historique pp 10-11.

جـ- الدراسة اللغوية المقارنة: 1- رأينا أن الدراسة الوصفية للغة محدودة بفترة معينة من تاريخ لغة معينة مستعملة في بيئة معينة، وأن الدراسة التاريخية حركية تطورية تظهرنا على ما يمر به تاريخ لغة ما من تغير. ولكن هذين النوعين من الدراسة لا يفسران الظواهر اللغوية جميعا، فثمة ظواهر لغوية تحتاج إلى منهج خاص، فالتطور اللغوي يظهرنا على أن هذه اللغة أو تلك تنشعب إلى لهجات متعددة، ثم ترتقي إحدى هذه اللهجات أو بعضها إلى مستوى اللغة الأدبية الفصحى، وقد تلحق هذه اللهجات واللغات تطورات وتغيرات كثيرة تبعدها عن أصولها. لا الدارسة الوصفية وحدها تصلح لتفسير هذه الظواهر، ولا تصلح لتفسيرها الدراسة التاريخية وحدها، إن الذي يستخدمه اللغوي في هذه الحال هو "المنهج المقارن"1. ولقد كانت "الدراسة اللغوية المقارنة" هي الشغل الشاغل في القرن التاسع عشر للغويين جميعا، وكانت تسمى "فقه اللغة المقارن"2 "انظر الكلام على هذا الموضوع في الباب الخامس: تاريخ الدراسات اللغوية". 2- إن المنهج المقارن يطبق على مجموعات معينة من اللغات، إنه يطبق على مجموعة اللغات المنتسبة إلى أصل واحد بعيد ثم خضعت في تاريخها الطويل لتطورات طويلة منفصلة. وعندما يوفق اللغوي إلى أن يجمع السمات "= الخصائص" المشتركة بين أمثال هذه المجموعة من اللغات يتمكن من أن ينشئ "النحو المقارن"3 لهذه المجموعة. إن النحو المقارن يهيئ السبيل لتصنيف اللغات حسب خصائصها، ولتجميعها في "عائلات". فبمقارنة "الأصوات" و"الأشكال" المستعملة في مجموعة من اللغات تظهر الأصوات والأشكال التي استحدثتها هذه اللغة أو تلك، كما تتحدد الأصوات والأشكال القديمة التي احتفظت بها هذه أو تلك.

_ 1 Comparative Method. 2 Comparative Philogy. 3 Comparative Grammar.

3- ونتحدث الآن عن طريقة "المقارنة اللغوية". 1- قد ينظر المقارن في لغتين أو أكثر من اللغات المتقاربة، ويقارنهما من حيث ما يتشابهان فيه أو يتطابقان من النواحي الفونولجية، والنحوية والدلالية1. ولكن التشابه من الناحية الفونولجية قد يوجد بين لغتين، أو بين أكثر من لغتين، ولكن لا تقارب بينهما أو بينها. إن هذه المقارنة في هذه الحال لا تؤدي باللغوي إلى أكثر من أن يقرر أن بين هاتين اللغتين، أو أن بين هذه اللغات، هذه التشابهات التي لاحظها2. إن نظم اللغة الإنجليزية الحديثة -وهي كاللاتينية الكلاسيكية من عائلة اللغات "الهندو - أوروبية"- ليظهر مشابه من نظم اللغة الصينية -وهي غير شريكة الإنجليزية في الأصل القريب أو البعيد- أكثر من المشابه القائمة بين الإنجليزية واللاتينية. 2- إن الدراسات اللغوية المقارنة تقوم على دراسة "التقابلات المطردة"3 أو "المنتظمة من حيث "البنية الصوتية"4 بوجه خاص بيان الكلمات المتطابقة أو المتقاربة معنى، هذه الكلمات المأخوذة من لغتين متقاربتين أو من لغات متقاربة. وهذه التشابهات لا تفسر إلا على أن هاتين اللغتين -أو هذه اللغات- تنتميان أو تنتمي، إلى مرحلة أسبق كانا، أو كانت، فيها أشد تقاربًا. نعم إن اللغوي المقارن قد يجد كلمات متقاربة لم يحدث تقابلها إلا عن طريق الصدفة ليس غير. ولكن عندما تكثر المتقابلات وتكثر يكون من غير المقبول أن ندعو هذا محض صدفة. إن بنية الكلمات ذوات المعاني المتطابقة أو المتشابهة في اللغات الرومانية تدل على وجود علاقة بين هذه اللغات، ونحن نعرف تاريخيا أنها متطورة عن اللغة اللاتينية العامية أو "المبتذلة". إن أساس المقارنة يعتمد إلى حد كبير على النظر في الكلمات ذوات المعاني المتطابقة المتقاربة. والمقارن يستبعد الكلمات المستعارة من لغة أخرى.

_ 1 انظر بحث رومان جاكوبسون عن التشابهات الفونولوجية بين اللغات. "وهو ملحق بكتاب تروبتسكوي "principes De Phonologie Jakobson Roman Theori Des Affinites Phonolgiques Entre Les Langues PP 351-365 2 Regular Correspondences. 3 Sound Structure. 4 انظر Meillet Linguistique Historique Et Linguistique Generales pp. 76-77.

ومن بين هذه المفردات التي تظهر "القرابة" أقوى إظهار: الأعداد من 1 إلى 10. أسماء أعضاء الجسم الإنساني: الفعل "يكون" في حالة اللغات الهندو - أوروبية بصفة خاصة. 4- إن المقارن يصل إلى "عائلات لغوية"1" و"عائلات لغوية فرعية"2 حيث تظهر الكلمات المتطابقة أو المتقاربة معنى تقابلات صوتية منتظمة3. يقول مييه: "إن المقارنة تهيئ نظاما من المتقابلات يبني اللغوي على أساسه تاريخ عائلة من اللغات". ومن أسهل الميادين للبدء في الدراسة المقارنة اللغات الرومانية لأننا نعرف أنها مشتقة من "اللاتينية العامية" التي نعرف عنها شيئا كثيرا. 5- وإن الدراسة اللغوية المقارنة تقوم على افتراض أن "التغيرات الصوتية"4 التي تلاحظ بين مجموعة اللغات المقارنة، والتي تلخص آخر الأمر فيما يسمى "القوانين الصوتية" كـ"قانون جزيم"5، تغيرات مطردة، وأنها تعمل في مساحات محددة، وأزمنة محددة. ومن التغيرات الصوتية المطردة في مجموعة اللغات الهند - أوروبية: إن أصوات الكاف "K" قبل الصوائت الأمامية تميل إلى أن تتحول إلى أصوات السين "S" أو أصوات الشين ولكن العكس غير متحقق. وأن صوت الفاء "F" تميل إلى أن تتحول إلى أصوات الهاء "H" ولكن العكس غير متحقق. وأن أصوات التاء "t" تميل إلى أن تتحول إلى الانفجاري الاحتكاكي "ts"6.

_ 1 Language Familis. 2 Sub - Families. 3 Rigular Sound - Correspondences. 4 Phonetic Changes. 5 Grimm,s Law. انظر الباب الخامس من هذا الكتاب وهو بعنوان: تاريخ الدراسات اللغوية. 6 Meillet Lingusitique Hestorique p 15 16 46 47.

6- وتنتهي الدراسة المقارنة بين الكلمات ذوات المعنى المتطابق أو المتقارب بأن يصل المقارن، على أسس معينة. إلى شكل يعده الشكل الأصلي لهذه المجموعة من الكلمات التي قامت المقارنة بينها. وجرت عادة المقارنين على أن يرقموا هذه الكلمة في الكتابة بنجم صغير دلالة على أنها هي الصورة الأصلية، وهم يسمعون هذه الصورة "الشكل المنجوم"1 "أي "الشكل ذو النجمة" أو "المرقوم بنجمة" أو "الكلمة المنجومة"1. وينبغي أن نلاحظ أن هذه الأشكال المنجومة تلخص نظرات المقارن في مجموعة معينة من الكلمات، إن اللغوي المقارن بهذا لا "ينشئ لغة، ولا تعني هذه الأشكال أن الجماعة الأصلية -التي يفترض أنها صاحبت أصل مجموعة اللغات التي تدور بينها المقارنة- كانت تنطقها حقا. 7- ولقد قام اللغويون المقارنون بجهود مشكورة تيسر البحث في تاريخ العائلات اللغوية، وتلخص ما وصلوا إليه من نتائج، فوضعوا مجموعة من "القواميس الاشتقاقية" للمجموعات اللغوية الكبيرة2. 4- ولقد استخدم "المنهج المقارن" للوصول إلى "الصور الأصلية" أو "الصور الوالدة" لمجموعات كثير من اللغات. 1- وكان أكبر جهد بذله اللغويون المقارنون هو ما بذلوه في "إعادة إنشاء" "= إعادة بناء"3 "الصورة الأصلية" للغة "الهندو - أوروبية"4 أو "الهندو - أوروبية الأم"4، وقد نجحوا في ذلك نجاحا فائقا، كما نجحوا في إعادة بناء: الرومانية

_ 1 Srarred form. 2 من ذلك قاموس فالد - بوكورني Walde - Pokorny بالألمانية لعائلة اللغات الهندو - أوروبية وهو في ثلاثة مجلدات وفهرسة في المجلد الثالث. ومن القواميس الإنجليزية المشهورة في هذا المجال القاموس الاشتقاقي الذي وضعه "سكيت" Skeet. أما قاموس "بك" فهو يرتب مادة المترادفات الهندو - أوروبية حسب تصنيفات معينة للمعاني. Carl Darling Buck A Dictionary of Selected Synonyms ln The Principal lndo European Languages A Contriburion To The Histoiry of ldeas Chicago University of Chicago Press XlX 1949. ومن القواميس الاشتقاقية للغات الرومانية قاموس "ديز" وقاموس "ماير - لوبكة" Meyer - Lubke. 3 Reconstruction. 4 Proto - lndo -European Language. قال الأستاذ جون. ب. كارول "The Study p. 50" ومع أن اللغات الهندو - أوروبية قد درست من وجهة النظر المقارنة دراسة لم تحظ بها أي مجموعة أخرى من اللغات فثمة علاقات جديدة كشف عنها=

الأصلية1، أو الأم2، والجرمانية الأصلية، والكليتية الأصلية3، والسلافية الأصلية4. أما تطبيقهم لهذا المنهج في حالة مجموعات أخرى من اللغات فلا يزال في حاجة إلى استكمال ومتابعة. فالجهود التي بذلت لإعادة بناء "اللغة السامية الأصلية"5 أو "الأم" و"الفنلندية - الأوجرية الأصلية"6 و"البانتو الإيطالية"7 أقل مما بذل في حالة إعادة بناء اللغات الأصلية التي أسلفنا الإشارة إليها في المجموعة السابقة. وقد بدأ العلماء المقارنون في إعادة بناء لغات أصلية أخرى8. 2- إن مناهج الدارسة اللغوية المقارنة من الدقة والسلامة والقوة بحيث إنها مكنت "بلومفيلد" من إعادة بناء بعض أشكال ما يسمى "اللغة الألجونكية الأصلية"9 أو "الأم"9، ومكنت "هووف"10 من أن يحدد معالم "اللغة الأوتو - أزتكية"11 الأصلية، وهي لغة مفترضة لمجموعة من اللغات مستعملة في الجنوب الغربي من أمريكا الشمالية وفي بلاد المكسيك12.

_ = البحث الحديث نتيجة لدراسة اللغة الحيثية Hittite وهي لغة كانت تستعمل قديما في آسيا الصغرى، ولدراسة اللغة التجارية Tocharian، وهي لغة كانت تستعمل في وسط آسيا وعرفها اللغويون من مخطوطات مفرقة ترجع إلى القرن السادس الميلادي. وهكذا فخصائص اللغة الهندو - أوروبية الأصلية معروفة الآن على خير وجه. 1 Proto - Romance. 2 Proto - Germanic. 3 Proto - Celtic. 4 Proto - Slavic. 5 Proto - Semitic. 6 Proto - Finno - Ugrian. 7 Proto - Bantu. 8 للتعريف بشجرة اللغات "الهندو - أوروبية" انظر تعليق الأستاذ الدكتور مراد كامل على "الفلسفة اللغوية والألفاظ العربية" لجرجي زيدان "هامش ص24" وانظر كذلك التعريف القيم باللغات السامية، ومنها العربية، الذي علق به الأستاذ الدكتور مراد كامل على كتاب جرجي زيدان السابق "هامش ص25-35". 9 Proto - Algonkian. 10 Benjamin Lee Whorf. 11 Uto - Aztecan. 12 انظر في هذه الفقرة Carroll The Study p. 49.

5- ولكن ما "اللغة الأصلية"، أو "اللغة الوالدة"1 أو "الأم"1 كما تدعى أحيانا؟ إن الصورة "الأصلية" أو "النوع" الأصلي لأي مجموعة من اللغات ليس له وجود محسوس: فلا أحد يستطيع أن يتكلمها، ولا معرفة يقينية لنا -في أغلب الأحوال- بالشعب الذي كان يتكلمها، كما أن معرفتنا بالموطن الذي كان يقطنه ذلك الشعب معرفة تقريبية في معظم الأحوال. والواقع أن هذا النوع من اللغة الذي ندعوه "الصورة الأصلية" أو "الأم" ذو أهمية لبناء اللغويين فـ"اللغة الأصلية" هي لغة ينشئها اللغوي من إعادة فرضية لبناء أصل لمجموعة مترابطة من اللغات، وهذا البناء يقوم على ربط "الأشكال" القديمة التي يتأكد منها مع أشكال أخرى فرضية. وهكذا فالصور الأصلية "أو النوع الأصلي" لمجموعة من اللغات مجموعة "صناعية" وهي تخدم أغراض اللغوي. 6- والواقع أن أهم نتيجة وأبرزها وصل إليها "النحو المقارن" "= الدراسة النحوية المقارنة" لأية مجموعة من اللغات، هي تقرير "صلة القرابة"2 بينها. 1- ما طبيعة هذه "الصلة" وما مداها؟. إن أول ما نذكره في هذا الشأن هو أن "الصلة" "أو"القرابة" اللغوية لا تعني ولا تتضمن "توالدا" أو "أبوة" أو "أمومة" أو "خئولة أو عمومة" ... إلخ بالمعنى الفسيولوجي لهذه المصطلحات. إن الذي يربط بين أمثال هذه اللغات التي تضمها "رابطة القربى" فيما يقال، هو استمرار تاريخي متميز، كهذا الاستمرار التاريخي الماثل بين اللاتينية والفرنسية، وهذه الصلة تختلف من حيث الدرجة بالنسبة لظروف كثيرة. ويقال أحيانا إن هذه اللغة "مشتقة" من تلك؟ فما المقصود بهذا القول؟ إن الملاحظ في كل الجماعات الكلامية أنه لا يحدث في مرحلة من المراحل أن يتفق أو يصطلح جميع المتكلمين على "تغيير اللغة". معروف أن الفرنسية

_ 1 Parent Language. 2 Relationship.

"مشقة" من "اللاتينية العامية1" أو "المبتذلة"، وأن "اللاتينية العامية" مختلفة عن الفرنسية: لم يحدح ثأن اتفق المتكلمون باللاتينية العامية في وقت محدد على أن يكفوا عن الكلام بها وأن يتكملون الفرنسية مثلا2. ولكن تطور "اللاتينية العامية" أدى إلى ظهور صور جديدة لها أخذت تبعد منها شيئا فشيئا. إن كل المصطلحات التي تستعملها الدراسة المقارنة والدائرة حول "الولادة" و"القرابة" و"النسب" مصطلحات مجازية. 2- ومن الملاحظ أن التغيرات الكثيرة التي تطرأ على المفردات قد تبعد لغة من لغة في الظاهروهما في الواقع شديدتا التقارب، أو إحداهما "مشتقة" من الأخرى اشتقاقا مباشرا، فاليونانية الحديثة توصفب أنها مشتقة من اليونانية القديمة على الرغم من أن النسبة المئوية من المفردات اليونانية القديمة المحفوظة في اليونانية الحديثة ضئيلة جدا، بل إن النسبة المئوية للكلمات التركية الأصل في اليونانية الحديثة نسبة جد كبيرة.

_ 1 Valgar Latin. 2 Meillet: Linguistique Historique et Linguisitique generale; pp, 80-81. 3 Comparatisys. 4 Phonetic Laws 5 phonetic Equations 6 Gothic

اضطرابه عوامل عدة منا القياس1 والخطأ أو المبالغة في التقرير، والأخذ في لهجات أخرى، والأخذ من اللهجات "اللغات" الأدبية، والأخذ في فترات مختلفة، و"بعث" كلمات قديمة، والتكوينات "= الصيغ" الشاذة الغريبة2، وعودة كلماتوطنية من لغات أخرى كانت قد استعارتها، والخطأ في تقسيم الكلمات المتصاحبة، ولا سيما الأداء والاسم إلخ. إن "القوانين الصوتية" لا تصدق على تاريخ مجموعة معينة من اللغات، ومن هنا فلا يستطيع اللغوي المقارن أن يطبق "القوانين الصوتية" الصادقة على مجموعة معينة من اللغات، على مجموعة أخرى من اللغات. 8- ومن أعمال المنهج المقارن ومكاسبه: إقامة "العلاقات" أو "وصلات القرابة" اللغوية كما رأينا؛ وإعادة بناء "اللغة الأم"؛ وإقامة الأشكال المتوسطة من اللغات كإعادة بناء "اللاتينية العامية" من اللاتينية الكلاسيكية؛ ومن ذلك تقويم النصوص اللغوية المشكوك فيها.

_ 1 Analogy. 2 Freak Formation. قال الأستاذ: جون ب. كارول في كتابه The Study of Language, p. 49. إن اللغوي الذي يدرس اللغات الهندية الأمريكية من الناحية المقارنة لا يطبق عليها "قوانين صوتية" مأخوذة من القوانين الصوتية التي ثبت أنها "منطبقة" على اللغات الهندية أوربية؛ لأنها مستمدة من دراستها إن ما يستنبطه اللغوي من الدراسة المقارنة للغات الهندو -أوربية، بحيث يكون صالحا للاستخدام عند الدراسة المقارنة لمجموعة أخرى من اللغات، هو "منهج" method ولا شيء سوى المنهج. 3 Inscriptions. 4 Homer

من بعض اللغات التي تربط بينها صلة القربى. وقياسا على هذا إذا زيد صوت W إلى صدر الكلمتين الثانية والثالثة من بيت هوميروس، فصارت الكلمتان wepos; we: pes حصلنا على النموذج الوزني المرتقب. وهكذا نقول إن صوت الـW في هاتين الكلمتين وأمثالهما كان ينطق ايام هوميروس، وعلينا لذلك أن أن ننطقه، ولا نسقطه، فالشاعر يريد ثبوته ونطقه1. 9- ولكن على الرغم مما يقدمه المنهج المقارن من فوائد جلى للدراسة اللغوية، إلى أنه يبدو قاصرا في حالات كثيرة. ومن ذلك مثلا أن "الشبهة" الذي يلاحظ المقارنون بين مجموعة اللغات المدروسة غالبا ما يكون خداعا ولا سيما في موضوع المفردات. فكثيرا ما تعرض كلمات في بعض اللغات متطابقة من حيث الصورة، أو متشابهة لدرجة كبيرة، ولها نفس المعنى، ولكن لا علاقة بينها من الناحية التاريخية، وذلك مثل كلمة bad فمعناها في الإنجليزية هو معناها في الفارسية، ولكن ليس لهذه الكلمة في الأنجليزية علاقة اشتقاقية بنفس المعنى في الفارسية. وهذا المثال خداع بصفة خاصة لأنه مثال فريد، ولا ينتسب إلى أي نوع من أنواع "التقابل" بين الإنجليزية والفارسية2.

_

...............................................................................................................................................

_

1- ويتضح قصور المنهج المقارن كذلك عندما يدرس اللغوي مجموعة كبيرا جدا من اللغات المتقاربة ولكن ليس لهذه اللغات أشكال قديمة محفوظة1.

_ 1 أورد الأستاذ كارول "The Stydy pp. 49-50"مثالا على هذا دراسة الأستاذ الأمريكي "إيزيدور داين" lsidore Dyen الأستاذ بجامعة ييل Yale مجموعة اللغات المعروفة باسم "الملايو - بولونزيا" layo - Polynesia Ma قال الأستاذ كارول: من اليسير التدليل على أن تلك اللغات واللهجات التي تفوق الخمسمائة عدا لغات مترابطة عن طريق المناهج المألوفة للدراسة اللغوية المقارنة. ولكن الأستاذ داين يرجو أن يبين عن طريق الدراسة المقارنة العلاقات التفصيلية بين هذه اللغات والأصول التاريخية لها وذلك ليستدل على طرق الهجرة التي سلكها سكان تلك الجزر في المحيط الهادي من داخل قارة آسيا. وإن مناهج الدراسة اللغوية المعروفة حتى الآن لم تمكن من الوفاء بهذا الغرض. وإن ضخامة المعلومات والحقائق المجموعة في هذه الدراسة، وأكثرها لم يدرس من الناحية الوصفية الدراسة الواجبة، يحتاج إلى دراسة شبه إحصائية، وفضلا عن ذلك فإن نسبة كبيرة من التشابه في كلمات عدد من هذه اللغات واللهجات لم تجئ عن طريق "النسب"، إنما عن طريق الصدفة المحض أو عن طريق أخذ هذه اللغات عن أصل أجنبي واحد، وهذا كله ينبغي أن يقوم تقويمه الحق. ومن الدراسات اللغوية المقارنة التي تجابه أمثال هذه الصعوبات محاولة دراسة اللغات الأصلية في كل من شمال الولايات المتحدة الأمريكية وفي جنوبها، وفي إفريقيا، وآسيا، وأستراليا دراسة مقارنة.

1- قمة الدراسات اللغوية: 1- علم الدلالة، أو دراسة "المعنى" فرع من فروع علم اللغة، وهو غاية الدراسات الصوتية، والفونولوجية، والنحوية، والقاموسية، إنه قمة هذه الدراسات. وإذا كانت الدراسات الصوتية والفونولوجية والنحوية والقاموسية لم ينهض بها عادة إلا اللغويون، فإن النظر في "المعنى" موضوع شارك فيه علماء ومفكرون من ميادين مختلفة، شارك فيه من قديم: الفلاسفة، والمناطقة خاصة، وشارك فيه علماء النفس وعلماء الاجتماع والأنثروبولوجيا حديثا، وأسهم فيه علماء السياسة والاقتصاد، وجماعات من الفنانين والأدباء، والصحفيين وذلك لأن "المعنى" اللغوي من شأنه أن يشتغل المتكلمين جميعا على اختلاف طبقاتهم، ومستوياتهم الفكرية؛ لأن الحياة الاجتماعية تلجئ كل متكلم إلى النظر في معنى هذه الكلمة، أو تلك، أو هذا التركيب أو ذاك، هكذا أدلى كل متكلم تقريبا بدلوه في هذه المشكلة الخطيرة. وقد نجم عن اشتراك اللغويين وغير اللغويين من أصحاب العلوم والأفكار المختلفة، أن ظهرت نظريات كثيرة. ومناهج عدة فيما يتعلق بالمعنى من حيث تحصيله وماهيته، ودراسته. كما نجم عن ذلك خلط كثير، وإساءة فهم لمشكلة "المعنى" حتى لقد ضجر كثير من الغربيين من اللغويين المحدثين من الكلمة الدالة على "المعنى" ومن سوء استعمالها، ومما توقع فيه من مشكلات، ودعا إلى تجنب استعمالها1. ولكن ما من شك في أن تجنب استعمال هذه الكلمة شيء، وبقاء التصور الذي تدل عليه شيء آخر، فكل لغوي يستعمل هذ التصور، والثابت أن علم اللغة لا يتيسر له أن يقوم دون هذا التصور.

_ 1 Allen W. S On The Linguistic Study of Language "An lngaural lnaugural deliv ered in The University of Cambridge on 8 March 1957" Compridge University Press 1957 p. 22.

2- وكما رأينا أن "الأصوات" و"الفونولوجيا" و"النحو" تدرس باعتبارين مختلفين: الاعتبار الأول هو الوصفي الثابت، والاعتبار الثاني هو التاريخي المتحرك المتطور، فكذلك دراسة المعنى: تدرس من الناحية الوصفية، فندرس معاني الكلام في لغة من اللغات في فترة من فترات استعمالها في مكان محدود، وتدرس من الناحية التطورية، فندرس تغير معاني الكلام في لغة من اللغات من عصر إلى عصر من مراحل تاريخها.

الباب الرابع: علم الدلالة أو دراسة المعنى

الباب الرابع: علم الدلالة أو دراسة المعنى قمة الدراسات اللغوية ...

قصور المعنى "القاموسي"

1- قصور المعنى "القاموسي": 1- قد يتصور بعض المبتدئين في الدراسة اللغوية أن "علم الدلالة" أو "دراسة المعنى" مقصور على اللغات التي لم يوضع لها بعد "معاجم" أو "قواميس" فاللغات ذات المعاجم في غنى عن هذه الدراسة؛ لأن "المعاجم" تمدنا بمعاني الكلام. وهذا تصور خاطئ لأن "المعنى القاموسي" أو "المعنى المعجمي" ليس كل شيء في إدراك معنى الكلام، فثمة عناصر "غير لغوية" ذات دخل كبير في تحديد المعنى، بل هي جزء أو أجزاء من معنى الكلام: وذلك كشخصية المتكلم، وشخصية المخاطب، وما بينهما من علاقات، وما يحيط بالكلام من ملابسات وظروف ذات صلة به، كالجو مثلا، أو الحالة السياسية، إلخ. ومن حضور غير المتكلم وغير المخاطب، وعلاقتهم بهما. إن عبارة مألوفة مثل "صباح الخير" قد يكون لها من المعاني عشرة أو أكثر إذا نظرنا إليها من حيث السياقات التي تقع فيها، أي إذا أدخل الدارس في اعتباره العناصر الاجتماعية غير اللغوية التي أشرنا إلى بعضها. وكل هذا لا يتضح على أجلى وجه إلا فيما يسمى "الكلام الحي" الذي نستطيع أن نسجل فيه نطق الكلام، والذي تتضح فيه خصائصه البارزة مثل التنغيم، والارتكاز، والذي نستطيع معه أن نتحقق من شخصيتي المتحادثين أو من شخصيات المتحادثين، وأن نحدد ما بينهما أو ما بينهم من علائق، وأن ندرك الظروف الملابسة للكلام. وخير ما يوضح لنا ارتباط الكلام بما أشرنا إليه من الشخصية والملابسات هو لغة المسرح، فنحن نرقب الأحداث وهي تتتابع، وكل شخصية أمامنا واضحة المعالم محددة مما يتيسر معه أن نفهم معنى كل قول على خير وجه وأدقه1: قد

_ 1 إن لغة الحوار المسرحي لو فصلت عن التمثيل وقرئت مكتوبة لاحتاجت إلى حرص وعناية لفهم المقصود منها. فالحركة والإشارة وتتابع الحوادث، ومشاهدة الشخصيات، وإدراك السياق، كل ذلك وسواه يعين على تفهم المقصود من الكلام عندما تمثل المسرحية.

يستقبل الخادم سيده محييا "صباح الخير" وينطقها بحيث نفهم من نطقه، ومما سبق ذلك من أحداث أنه يشير إلى تلك الطامة الكبرى التي توشك أن تصيب سيده، أو ذلك الموقف الحرج الذي يوشك أن يقيد به نفسه. وقد تصدر هذه العبارة نفسها من خادمة لسيدها، ويصحب نطقها الناعم اللين المنغم على وجه خاص حركات من جسمها تفصح عن الرغبة والإغراء، فلهذه العبارة في هذا الحال معنى غير معنى التحية، إنها دعوة الجنس واشتهاؤه. وقد يوجه هذه "التحية" رئيس لمرءوسه متأفقا متسخطا لأنه تأخر عن عمله، وكان تأخره سببا في خسارة جسيمة، وهكذا من عشرات المعاني التي يحددها مثل ما ذكرنا. فأين أي معنى من هذه المعاني التي أوضحناها من "المعنى القاموسي"؟ إن القاموس يعرفنا أن "صباح الخير! " هي تحية الصباح، وقد يحدد زمان استعمال هذه التحية إن لم تكن مستعملة في تاريخ اللغة من أوله إلى لحظة الدرس، وقد يزيد فيحدد مكان استعمالها، إن كانت مستعملة في بيئة دون بيئة من البيئات الكلامية التي تستعمل هذه اللغة، إن القاموس بطبيعته لا يستطيع أن يحصر جميع السياقات التي تقع فيها هذه العبارة، وكل عبارة، وكل كلمة من كلمات اللغات وعباراتها، وإن فصل فهو لا يفصل إلا في إيراد "أنواع" من دلالات الكلمة أو العبارة، وهكذا يظل تحديد معنى الكلام محتاجا إلى مقاييس وأدوات أخرى غير مجرد النظر في القاموس. إن معنى "الكلام" لا يتأتى فصله بأية حال من الأحوال عن "السياق" الذي يعرض فيه. 2- أما النصوص المدونة في الكتب القديمة مثلا، فإنه يخفى علينا من ظروف قولها أشياء كثيرة، وقد نضطر إلى إعادة تصور بعض ما يمكن تصوره من هذه العناصر، وقد لا نوفق في هذا، وقد نوفق فيه إلى درجة محدودة، ولكن عنصرا هاما يغيب عنا إدراكه وهو "نطق" الكلام، ما يبرزه هذا النطق من معنى أو معان: إن النطق قد يحدد أن الكلام "استفهام" مثلا حيث يحتمل النص المدون وحده أن يكون استفهاما أو تقريرا مثلا، وقد يثبت أن العبارة تفيض سخرية حيث

نفهم من النص المسجل المقطوع الصلة بالحياة أنه تمن أو رجاء ولكن هذا أدعى في الوقت نفسه إلى أن يتخذ علم الدلالة منهجا تاريخيا خاصا لدراسة النصوص القديمة، ولتعقب تطور معاني الكلام، وإنه ليتخذ هذا المنهج، بالإضافة إلى دراسة المعنى من الناحية الوصفية. 3- إن تحديد المعنى أمر على جانب كبير من الصعوبة، وإنا لنلاحظ هذا في استعمالاتنا اليومية للكلام، وإن كثيرا مما يصيبنا في حياتنا من خلافات، ومشقات، والآم، مرجعه أننا لا نعرف بصورة واحدة معنى ما نقوله، أو ما يقال لنا، أو ما نسمعه، أو نقرؤه. فالصعوبة في إدراك المعنى، والخلاف عليه ليسا مقصورين على "اللغة الأدبية" أو "النصوص القديمة" في لغتنا، ولا على لغة أجنبية أخذنا منها بنصيب، إنهما ليعدوان هذا إلى لغتنا التي نستعملها في حياتنا اليومية، والتي لا نجيد من اللغات مثلها. وهذا أمثلة تبين كيف أن تحديد المعاني ليس بالأمر اليسير: 1- كلمة مثل "أول" نراها سهلة واضحة ولا يدور بخلدنا أنها قد تثير جدلا. ولكن ما معنى كلمة أول في قوله تعالى من سورة آل عمران: {إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدىً لِلْعَالَمِينَ، فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا} . نفهم من السياق أن البيت المقصود هو الكعبة المشرفة فهل المقصود أنها أول ما بني على ظهر الأرض؟ لقد ذهب إلى ذلك بعض المفسرين. ونعلم من آيات أخرى أن الله عز وجل أمر سيدنا إبراهيم وابنه إسماعيل ببناء الكعبة وقد كان قبلهما خلق كثير. ولذلك يقول بعض المدققين من المفسرين: إن المقصود بالأولية هنا أن الكعبة أول بيت بني لعبادة الله وحده. فكلمة "أول" البسيطة العادية لما وقعت في تركيب من التركيبات أثارت الخلاف بين علماء اللغة أنفسهم. 2- وكلمة "أم" و"ابن" كلمتان مألوفتان لا يخامرنا شك، أول ما نسمعهما مفردتين، في أنهما يدلان على غير ما نعرف لكل منهما من معنى، ولكن عندما يقول الشاعر القروي رشيد سليم الخوري. والأرض حارت أتلقى الفجر ضاحكة لأمها الشمس أم تبكي ابنها القمرا؟

فالشمس عنده أم الأرض، وجدة القمر، ولن ينص أي قاموس على هذه العلاقة. هذا من المجاز، وليس من اليسير أن يحصر قاموس مجازات اللغة كلها إلا إذا أحصى كلام المتكلمين كلهم في جميع أحوالهم. وفي جميع عصور اللغة، وتوهم ما سيخلقونه من ألوان المجاز، وهذا مستحيل من غير شك. 3- وعندما تقول رابعة العدوية في مخاطبة الذات الإلهية: أحبك حبين حب الهوى ... وحبا لأنك أهل لذاكا فأما الذي هو حب الهوى ... فشغلي بحبك عمن سواكا وأما الذي أنت أهل له ... فكشفك لي الحجب حتى أراكا فلا الحمد في ذا ولا ذاك لي ... ولكن لك الحمد في ذا وذاك فهي تتحدث عن حب خاص بها، وهذا التفصيل في نوع الحب: حب الهوى، وحب الأهلية للحب لن تجد إشارة إليه في أي معجم من معاجم اللغة. هذه زاهدة تتحدث عن تجربة صوفية خاصة بها فالشخصية شخصية المتكلم والتجربة ركنان أصيلان من عناصر كثيرة لازمة لفهم المعنى. وهذا يذكرنا بالعبارة المشهورة عبارة الحلاج وهي: "أنا الحق" كيف نفهم هذه العبارة ما لم ندرس حياة قائلها ونتبين شخصيته ونتعلم تصوفه، ونضع أيدينا على التجارب التي مر بها؟ 4- وكنت من وقت أجدد صلتي بالشعر الجاهلي فقرأت أبيات الأعشى: ولقد شربت الخمر تر ... كض حولنا ترك وكابل كدم الذبيح غريبة ... مما يعتق أهل بابل باكرتها حولي ذوو الـ ... آكال من بكر بن وائل نحن لا نستعمل الآن عبارة "ذوو الآكال" ولو حاولنا أن نفسرها تفسيرا عقليا اعتمادا على أصوات كلمة "آكال" لوقعنا في خطأ بالغ، فهذا منهج شديد الخطورة في تفسير معاني الكلمات: "الآكال" من "الأكل" فهل المقصود أنه شرب الخمر وحوله ناس يأكلون، أو ناس معروفون بولعهم بالأكل؟ أو ناس يبيعون الأكل؟

إن الشعراء يفخرون بأنهم يشربون الخمر مع الأشراف والسادة لا مع المشهورين بكثرة الأكل أو ... إلخ. إن معرفة معنى هذه العبارة يستلزم معرفة أشياء من نظام الحياة العربية الجاهلية، وسيطلعنا هذا على أن "ذوي الآكال" هم الذين لهم أكبر أنصبة من غنائم الحرب، وهم الذين يتولون توزيعها على مستحقيها، فالأعشى كان يباكر الراح مع سادة قبيلته ووجهائها. 5- إن الخلاف على معاني الألفاظ والعبارات كثير في حياتنا، وهو يقع بين أقرب الناس، يقع بين الأخ وأخيه وبين الزوج وزوجته. ونسبة كبيرة من الخلافات الزوجية تقوم لأن الرجل "لم يفهم" المرأة، وهي تعجب لأنه لم يفهمها، ولأن المرأة "لم تفهم" الرجل، وهو يعجب لأن كلماته في نظره بسيطة واضحة كل الوضوح. وهكذا تتردد في أحاديثنا دائما أمثال هذه العبارات: ماذا تقصد؟ ماذا تعني؟ أفصح! أنا لا أفهمك؟ أنت لم تفهمني؟! ما هذا؟! وكثيرا ما نستعمل كلمات لو سئلنا عن فهم معناها بالتفصيل لعجزنا؛ لأنها تحتاج إلى مؤرخ لغوي يبين لنا مأتاها، وفي حالات كثيرة يعجز هذا نفسه عن تحديد أصلها. وذلك كبعض الأمثال التي يفتعل لها بعض اللغويين "تفسيرات". وسوى ذلك من العبارات مما هو من مخلفات حياتنا القديمة. وتناقلناه جيلا بعد جيل، وقد يكون مستعملا أصلا في لغة قديمة مندثرة كان يستعملها أجدادنا ثم نقل إلى اللغة التي حلت محلها إلى أن وصلتنا. 6- والأمثلة كثيرة على الخلافات الخطيرة التي تحدث في مجالات السياسة والفقه والقضاء والاجتماع والتاريخ بناء على فهم الكلمة الواحدة، أو العبارة، بأكثر من صورة: يصدر القانون بعد العناية الفائقة بصياغته صياغة دقيقة منعا للبس، وتصحبه "مذكرة تفسيرية"، ولكن عند التطبيق تثور "إشكالات" وتختلف أحكام القضاة،

فتصدر تفسيرية للتفسيرية، ولكنها قد تخلق إشكالات جديدة أو لا تفلح في حل القديمة. 7- ودراسة الكتب المقدسة والآثار الفكرية الكبيرة خير شاهد على ذلك. القرآن الكريم فُسِّر أكثر من تفسير على مناهج مختلفة، وكثير من آياته يسمح بأكثر من تفسير لهذه اللفظة أو تلك العبارة. ونحن نعلم كيف اختلف شراح أرسطو في فهم بعض نصوصه. إلخ. 8- وهذا يذكرنا بالترجمة. إن الترجمة من لغة إلى لغة تكشف لنا مشكلة المعنى بصورة جلية، وكل من مارس الترجمة الأمينة يدرك هذا لأنه عاناه. إن الكلمة في اللغة لها غير المعنى القاموسي العام، وغير المعنى الذي قد يفهم من السياق، إيحاءات وارتباطات نتجت عن الحياة المشتركة التي حييها أصحاب اللغة، فعندما ننقل من لغة إلى أخرى فكيف نوفق في اصطياد كلمات تعطي إيحاءات الحياة الأخرى وارتباطاتها؟ ويكفينا مثل واحد على هذا. كنا ننظر في تفسير محمد مرمدوك بكثال1 للقرآن الكريم ورأيناه ذهب مذهبا خاصا في نقل كلمة "الله" عز وجل إلى الإنجليزية: لفظ الجلالة يترجم عادة بـ God ولكن "بكثال" لاحظ أن كلمة God لا تثير في ذهن القارئ الإنجليزي ما تثيره كلمة "الله" في ذهن القارئ العربي: فكلمة God في الإنجليزية تؤنث بـ Goddess، وتجمع على Gods، بينما الله، وهو واحد لا شريك له، كلمة ليس لها مثنى ولا جمع، ولا مؤنث، إن التصور الذي تشير إليه كلمة "الله"، سبحانه وتعالى، تصور يقضي على الشرك، بينما كلمة God لا تقضي على هذا التصور، ولم يجد بكثال في الإنجليزية كلمة تقابل كلمة الله في العربية، فاحتفظ بكلمة "الله" في الإنجليزية كما هي، يترجم "بسم الله الرحمن الرحيم" بقوله: ln The name af Allah the Beneficient the Merciful.

_ 1 انظر تعليق رقم 2 من هامش ص31 من: Mohammed Maraduke Pickthall The Meaning of The Glorious Koran An Ex Planatory Translation Published as a Mentor Book 1953 New Yourk U. S. A.

4- كيف نواجه هذا الاختلاف؟ هل نطالب المتكلمين بتحديث معاني ألفاظهم في الكلام؟ إن كثيرا من الشواهد التي سقناها يراعي أصحابها الدقة الكاملة ولم يحل هذا دون حدوث النزاع. ولو أمكنت هذه المطالبة إلى حد ما في اللغة العلمية فكيف تتأتى الاستجابة لها في لغة الشعر مثلا؟ إن الشاعر يعتمد في صناعته اعتمادا كبيرا على قدرة الألفاظ على الايحاء والإثارة. ولن يوجد الفن الشعري إلا مصحوبا بالخلاف في فهم ما يقصده الشاعر، ومن قديم "المعنى في بطن الشاعر" والحق أنه قد يكون كذلك وقد لا يكون. وقد سئل كثير من كبار الشعراء عما يقصدون بقولهم فلم يوضحوا. وبعضهم وافق على أكثر من تفسير. إن للغة الشعرية طبيعة خاصة، وهي كما قلنا، تعتمد اعتمادا كبيرا على الألوان والظلال المختلفة التي تثيرها الكلمات. ونرى، قبل أن نعرِّف بالاتجاهات السياسية في دراسة المعنى أن نعرف لما لا غنى عن التعريف به مما وصل إليه اللغويون المحدثون من بعض النتائج المستمدة من دراسة بعض المسائل الأساسية لفهم مشكلة "المعنى"، وذلك مثل "تحصيل المعنى"، وعملية "توصيل" الكلام و"تغيرات المعنى" إلخ.

تحصيل المعنى

تحصيل المعنى 1: 1- إن الطفل عندما يأخذ في تعلم اللغة، لا يتعلم أصواتها أولا، ثم نحوها، ثم معاني الكلمات والعبارات، وهو لا يسمع اللغة كلمة كلمة، إنه يسمع كلاما متصلا مرتبطا بسياقات خاصة وبكثرة التكرار والتقليد وإرشاد من حوله من المتكلمين تعني بعض الأصوات "الكلمات" عنده شيئا ما. ومن الملاحظ أن الأطفال يدركون معاني الأصوات قبل قدرتهم على إخراج هذه الأصوات. ومن أول ما يحصله الطفل معاني المحسوسات ولا سيما معاني الكلمات الدالة على أعضاء الجسم الإنساني، وعلى الأدوات والموضوعات التي يستعملها. ثم يحين وقت يدرك فيه أن كلمة "عين" مثلا تدل على هذا الجزء من جسمه، وأن "لبن" تعني هذا الذي يرضعه، وأن "حمار" تدل على هذا الجسم الذي يراه من وراء نافذته ويسمع نهيقه. ولكن تحصيل هذه المعاني الحسية نفسها يستغرق منه وقتا، فهو قد يسمى كلا من الخروف والبقرة والحصان "حمارا"، وقد يطلق على أنفه كلمة "عين". ولكنه عندما يتحقق من أن العين "عين"، نراه يطلقها على "عين" أمه أو أخته، وعلى "عين" زائر من الزوار، بل قد يوسع ذلك فيطلقها على "عين" القطة و"عين" الديك مثلا. 2- ولكن تعلم الطفل للمعنى لا يستمر على هذه الصورة البسيطة، فإنه يسمع استعمالات لبعض الكلمات توقعه في الحيرة. إنه يسمع استعمالات مجازية لبعض الكلمة التي تعلمها للدلالة على بعض أجزاء الجسم الإنساني أو بعض الأدوات والموضوعات. وقد تكون الصلة قريبة بين الاستعمالات المجازية وبين ما تعلمه أولا وقد تكون بعيدة.

_ 1 استعنا في عرض هذا الموضوع بما كتبته عنه الأستاذة مارجريت شلاوخ: Margaret Schlauchj: The Gift of Tongues pp 110-113.

إنه تعلم أن" الرجل هي ذلك الجزء من جسمه، ثم يسمع أمثال "رجل الكرسي" و"رجل" المنضدة. و"عين" إنه يسمع عبارات مثل "عين الإبرة" أي هذا الثقب الذي يدخل فيه الخيط، "عين الجمل" إذا كان قاهريا بمعنى "الجوز"، وإذا كان ليبيا فهو يسمع "عين مارة" للدلالة على موضع بعينه. وهو يسمع ما يقابل "أذن الفنجان" أو "يد الفنجان". ونحن نتوسع مع الأطفال في الاستعمالات المجازية. فنسمعهم مجازات غير موجودة في لغتنا. وقد يسأل الطفل عن الجزء المضيء من الراديو مثلا فنجيبه بأنه "عين الراديو" وقد يسر الطفل لذلك ويرضى عنه. فلا قدرة للطفل في هذه السن على التمييز بين الوظائف المختلفة لعالم الحيوان والنبات والجماد. ومما يسهل عليه قبول هذه الاستعمالات المجازية أنه يرى أن كل شيء حوله حي حياته، لكل شيء حوله روح، فمن اليسير عليه أن يتقبل أن يكون لكل شيء أذن وأنف وفم، وركبة ولسان. إلخ. بل إنه أحيانا ليبدأ بالسؤال عن "لسان التفاحة؟! ". وهو قد يتصور أن البرتقالة تراه وتسمعه. وكثيرا ما يستغل الآباء هذه الظاهرة للسيطرة على الطفل، ولتخويفه وضمان طاعته، فنحن نقول له إن "العصفورة" قالت لي عنه كذا وكذا، وإنها تخبرنا بكل ما يفعله وبكل ما يدور في نفسه. وهكذا يرتفع المجاز إلى مستوى الأسطورة، ولكن الأطفال لا يلبثون أن يدركوا هذه "الأكاذيب" في سن مبكرة. 3- إن تسمية كل من قوائم الكرسي "رجلا" مجاز1. وهكذا يسبب التشابه الفيزيقي تحول اسم من الأسماء واضح في أصله ومحدد ومحسوس. لقد حدث "تحول دلالي"2. وقد نتج عن ذلك اتساع استعمال كلمة "رجل" وهذا هو "الاتساع المجازي"3 للكلمات لتشمل مسميات "= موضوعات" جديدة تشبه الأصلية شيئا ما.

_ 1 Metaphor. 2 Semantic Shift. 3 Metaphoric Extension.

إن المجاز يتضمن إدراك مثل هذه التشابهات. وعن هذا الطريق يتسع معنى الكلمات على الدوام ويتغير. ومن الأمثلة الشائعة على هذا1: 1- التوسع في استعمال أسماء أجزاء الجسم في الدلالة على أشياء هي في ذاتها محسوسة ومألوفة وذلك مثل: "أسنان" المشط، أو "أسنان" المنشار، "ذراع" النظارة، "رأس" الفجل أو الخس. "قلب" الخس أو التفاحة أو البرتقالة. 2- وأسماء الحيوان وأعضاؤه تظهر في كثير من الكلمات للدلالة على معان جديدة، وذلك كاستعمال "القرد" في العربية للدلالة على قبيح الوجه، ووصف الإنسان بأنه "كلب" أو "ذئب" أو "نمر" إلخ. 3- ونحن نأخذ من النباتات وأجزائها تعبيرات مثل: "جذر الضرس". 4- كما أن الآلات والأدوات والمخترعات البسيطة قد قدمت أسماء لموضوعات متشابهة في كل مكان. وذلك مثل: "رقبة الزجاج"، و"لسان" القفل، و"سقف" الحلق، و"طبلة" الأذن و"مفاتيح" البيان ... إلخ. 5- إطلاق كلمات دالة على الزمن للدلالة على المكان أو العكس. ومن العسير في حالات كثيرة تحديد الاستعمال الأصلي. والراجح أن أحد استعمالي "قبل" استعمال مجازي بالنسبة للثاني. 6- ونحن نحول كلمات تصف انطباعات حاسة من الحواس الخمس، لتنطبق على انطباعات حاسة أخرى، فنتحدث عن نغمة "حادة" و"صوت ناعم" و"صوت خشن" و"لون صارخ" و"ضحكة مرة".

_ 1 Schlauch The Gift p 111-113.

7- كما أننا ننقل أي لفظ من هذه الألفاظ المادية للدلالة على الحالات النفسية فنصف المرض أو الأسى بأنه "مر". 8- ونحن نستعمل الألوان لتسمية بعض صفات الشخصية أو الخلق فنقول: "أصفر الوجه"، و"أبيض القلب"، و"قلبه أسود". 9- واللغة الروسية تستعمل مشتقات كلمة Krasnyi "= أحمر" صفات للتعبير عن السرور والاستحسان، وليس هذا الاستعمال صلة بالسياسة، فهذا تحول دلالي قديم لا شك أنه متصل بما هو معروف عن الروس -في الريف خاصة- من تفضيل الألوان البراقة وهي مشاهدة بصورة واضحة في التطريز الريفي والأعمال الخشبية الريفية1.

_ 1 المرجع السابق ص113.

توصيل الكلام أو المضمون المنطقي والمضمون النفسي

4- توصيل الكلام أو المضمون المنطقي والمضمون النفسي: 1- كل منا يصدر في كلامه عن عالم خاص به، فكل تجاربه وحياته: قد تتقارب تجارب اثنين وحياتهما. ولكن التطابق التام في جملة التجارب وتفصيلات الحياة أمر مستحيل. ولذلك لا يتعلم شخصان نفس الكلمة في نفس الظروف تماما، وفي نفس الوقت، قد "يسمعانها" معا من نفس الشخص في نفس المكان، وفي أحوال مشتركة ... إلخ، ولكن "استجابة" هذا نحو الكلمة الجديدة لا تكون مطابقة لاستجابة ذاك، نحوها، ومرجع هذا إلى أن لكليهما تكوينه النفسي، وينتج عن هذا أن فهم هذا لهذه الكلمة ستلونه إيحاءات. وظلال من المعاني، غير الإيحاءات وظلال المعاني التي تلون فهم الثاني لنفس الكلمة. وهذا هو ما يعنيه هرمان بول1 بقوله: إن كل خلق لغوي -وكل إعادة للخلق اللغوي- هو من عمل الفرد وأنه ليظل من عمل الفرد. ولكن على الرغم من هذا فإن عمليات "التوصيل" تتكرر وتتكرر في ظروف متشابهة، وينتج عن تكرارها أن يتقارب فكر الجماعة الكلامية لهذه الكلمة أو لتلك العبارة. إن لكل كلمة من الكلمات مضمونا منطقيا ومضمونا، أو ارتباطا، نفسيا. والمضمون "المنطقي". وهو المعنى الذي ينص عليه القاموس في الأغلب، يكون الاشتراك في فهمه واحدا أو شديد التقارب، ولكن المضمون أو الارتباط النفسي يختلف من متكلم لمتكلم اختلافا كبيرا، ولا يمنع هذا من أن يشترك جمهور المتكلمين باللغة في طائفة كبيرة من إيحاءاته ومما يرتبط به من ظلال المعاني. نحن لا نستعمل الكلمة بمعناها المنطقي مفصولا عن مضمونها النفسي، ولا بهذا مفصولا عن ذاك، إن الكلمة عندما تصدر عنا، أو عندما تصل إلى أسماعنا،

_ 1 Hermann Paul.

تتضمن هذا وذاك. عندما أسمع كلمة "الأهرام" فأنا أفهم منها ما يدل على الأبنية الشامخة التي بناها الفراعنة في "الجيزة" من زمن سحيق، وهي تثير في نفسي وفي نفوس غالبية المتكلمين بالمصرية ضربا من الزهو والفخار، هذا معان وظلال من المعان شبه مشتركة، ولكن قد انفرد أنا بتجارب، متعلقة بالأهرام: قد يثير سماعي لهذه الكلمة تلك المتعة الفائقة التي أحسستها عندما زرتها، وأنا طفل، لأول مرة مع والدي، وقد تثير في ذهن آخر ضربا من الأسى والألم لأنه في يوم من أيام زيارته لها عرض له حادث أليم، فما يسمع هذه الكلمة، أو يتذكرها، حتى تنبعث في نفسه تلك الذكرى الأليمة، وهكذا. أمثال هذه الخلافات الفردية في التجربة فيما يتعلق بالكلمات تظهر أنواع الارتباطات المختلفة أو فروقا في المعاني المستدعاة. وبعض الارتباطات يظل شديد الخصوصية والفردية كما ذكرنا، ويكون غيره متطابقا عند أشخاص كثيرين، وهكذا يشيع ارتباطه بالكلمة. 2- ولا شك أن ثمة فروقا في استعمال الكلمات مرجعها إلى نوع الكلام: فرجل العلم يسعى في أن يخلص كلامه من كل ارتباط نفسي، ولكنه بطبيعة الحال، لا يستطيع أن ينجح في هذا كل النجاح، وحتى الرياضي الذي لا يستعمل إلا الرموز الرياضية المجردة مثلا، فإن هذه الرموز يظل لها إيقاع صوتي، ويثير هذا الإيقاع إحساسات في نفس هذا، ويثير غيرها في نفس ذاك، وقد يثير ذلك الإيقاع إحساسات مختلفة باختلاف السامعين أو القارئين، وهكذا. أما الشاعر مثلا فهو يعنى أول ما يعنى بما تثيره الكلمات من إيحاءات ومن ظلال المعاني، وهذا هو شغله الأول.

تغير المعنى

تغير المعنى التغير الانحطاطي أو "الخافض" ... 5- تغير المعنى: 1- يحدث "التطور الدلالي"1 تدريجيا في أغلب الأحوال، ولكنه قد ينتهي آخر الأمر بتغير كبير في المعنى. وإن تغيرات المعنى2 غالبا ما تكون صدى لتغير الميول الاجتماعية، وإن هذه الميول الاجتماعية، أوضح في حالة "التغير الدلالي" منها في حالة "التغير الصوتي". وقد استطاع اللغويون، بعد طول النظر فيما يطرأ على المعاني من تغيرات، في لغات كثيرة، أن يحصروا هذه التغيرات في "أنواع" رئيسية تصدق على جميع اللغات. ونأخذ الآن في التعريف بأنواع التغير الدلالي: 1- التغير الانحطاطي أو "الخافض" 3: هذا النوع من التغير في المعنى يصدق على الكلمات التي كانت دلالتها تعد في نظر الجماعة "نبيلة" "رفيعة" "قوية" نسبيا ثم تحولت هذه الدلالات فصارت دون ذلك مرتبة، أو أصبح لها ارتباطات تزدريها الجماعة. وقد لوحظ أن أكثر الكلمات التي تميل إلى أن تنحط دلالة هي على وجه خاص تلك الدائرة حول الجنس وما يتصل به، حول الزهو الطبقي، وحول ما يثير في الجماعة الكلامية مشاعر كالخجل -كأسماء قطع الملابس الداخلية- والخوف، والذعر إلخ، وحول "الألقاب" وحول ما يثير بطبيعته اشمئزازًا أو نفورا. 1- ومن الكلمات ذات الدلالة القوية أصلا ثم هان شأنها نسبيا، تهديدنا الخصم عند الشجار العادي بـ"القتل" و"كسر الرجلين"

_ 1 Semantic Development. 2 Changes ln Meaning. 3 Pejorative Change. وانظر Schlauch The Gift pp. 117-118 والدكتور إبراهيم أنيس، دلالة الألفاظ ص152، 153.

و"دق الرقبة" ... إلخ. ولا شيء من ذلك يحدث، ولا يعتبر هذا في نظر "القضاء" مثلا شروعا في القتل حقا. 2- ومن الملاحظ أن الملابس الخاصة كثيرا ما تتغير الأسماء الدالة عليها، وما ذلك إلا لأن الاسم الأول يصيبه "الابتذال" وتتعفف عنه الجماعة في جيل من الأجيال فتصطنع اسما آخر له، ثم يصيب الثاني ما أصاب الأول وهكذا. ومن أشهر الأمثلة على ذلك أن كلمة Shirt الإنجليزية أصبحت "غير محترمة" في وقت من الأوقات فحل محلها كلمة Chemise المستوردة من فرنسا ليستر وراءها الإنجليز رقتهم أو خجلهم، وكلمة Chemise يحل محلها أحيانا كلمة Combination، أو أنها تستبعد كلية. و"البنطلون" كان يسمى بالإنجليزية في وقت من الأوقات breaches ثم حلت محل هذه الكلمة كلمة مستعارة هي Pantaloons، ثم اختصرت هذه إلى Pants، وأخيرا قضى على هذه الكلمة trousers. 3- وبعد التغيرات الكبيرة الاجتماعية والسياسية التي شهدتها أوروبا في العصر الحديث فقد كثير من ألقاب الطبقة العليا ما كان لها من بريق نتيجة تعلقها بالنظام الإقطاعي وبالسيادة بوجه عام، وشاع إطلاق كثير من هذه الألقاب على الأشخاص العاديين وذلك مثل Sir وLady في الإنجليزية، وMonsieur وMa dame في الفرنسية، Herr وFrau في الألمانية وSenor وSenora في الإيطالية. وبعد إلغاء الألقاب في مصر الحديثة وتلقيب المواطنين جميعا بلقب "السيد" أصاب الخمول الألقاب القديمة ذات العظمة والبريق مثل "الأمير" و"صاحب السمو الأمير" و"الباشا" و"البك" و"الأفندي"1 إلخ. 4- والموضوعات المثيرة للاشمئزاز والنفور تضفي على ألفاظها ظلالا من الضعة والانحطاط، وتميل الجماعة الكلامية عادة إلى هجر الكلمات الدالة على هذه الموضوعات إلى سواها، ومن ذلك في العربية التغيير المتتابع للكلمة الدالة على "المرحاض".

_ 1 انظر كتابنا اللغة والمجتمع: رأي ومنهج ص48، 49.

وكلمة Slaughter - House الإنجليزية "بمعنى "مذبح" قد هجرت إلى كلمة Abatoir. 2-التغير المتسامي 1: يتضح من اسم هذا النوع من أنواع التغير في المعنى أنه يطلق على ما يصيب الكلمات التي كانت تشير إلى معان "هينة" أو "وضيعة" أو "ضعيفة" نسبيا، ثم صارت تدل في نظر الجماعة الكلامية على معان "أرفع" أو "أشرف، أو "أقوى" إلخ ومن أشهر الأمثلة الموضحة لهذا النوع ما يتعلق بالمستويات الاجتماعية، والفوارق الطبقية. ومن ذلك أن كلمة Marshal "مارشال" الإنجليزية كانت تعني في وقت من الأوقات الغلام الذي يتعهد الأفراس "mares" أي "صبي إسطبل"! وكذلك كلمة Angel كانت تدل على "الرسول" الذي يشبه "موزع البريد" في أيامنا، ثم رفع الفقهاء هذا اللفظ باستعماله للدلالة على الكائن المتوسط بين العقل الإلهي والعقل الإنساني. ومن ذلك في العربية انتقال كلمة "بيت" من الدلالة على المسكن المصنوع من الشعر "إلى "البيت" الضخم الكبير المتعدد "المساكن" الذي نعهده في المدن. 3- التغير نحو التخصص أو "تخصيص المعنى" 2: كثيرا ما يحدث في اللغات جميعا أن "تخصص" ألفاظ كان يستعمل كل منها للدلالة على طبقة عامة من الأشياء، فيدل كل منها على حالة أو حالات خاصة، وهكذا يضيق مجال "الأفراد" الذي كانت تصدق عليه أولا.

_ 1 Meliorative Change. انظر Schlauch The Gift p. 119. و"دلالة الألفاظ" للدكتور إبراهيم أنيس ص154، 155. 2 Narrowing "Restrictions " of Meaning. انظر Schlauch The Gift p. 120. وانظر إبراهيم أنيس: دلالة الألفاظ ص148-150.

ومن ذلك أن الكلمة الروسية Shtraf، وهي مأخوذة من الألمانية، كانت تعني أولا "العقوبة" بوجه عام ثم صارت تدل على معنى "الغرامة المالية" ليس غير. ومن ذلك في الإنجليزية أن كلمة Corpse كانت تستعمل أولا استعمالا مطابقا لاستعمال أصلها اللاتيني وهو كلمة corpus فكانت تدل على "الجسم" إنسانيا كان أو غير إنساني، حيا أو ميتا، ولكن معناها ضيق وخصص فأصبحت الآن لا تدل إلا على جثة الإنسان الميت. وكلمة "الفاكهة" في العربية كان من معانيها "الثمار كلها" ثم خصص هذا المعنى للدلالة على أنواع معينة من الثمار كالتفاح والعنب والموز والخوخ ... إلخ. 4- التغير نحو التعميم، أو "تعميم المعنى" 1: إن تعميم المعنى ضد تخصيصه: فكما رأينا الكلمة التي كانت تدل على أفراد كثيرين ينحصر معناها فتدل على فرد واحد منها مثلا، فكذلك يطرأ على الكلمات التغير المضاد فتستعمل الكلمة التي كانت تدل على فرد مثلا للدلالة على أفراد كثيرين أو على "طبقة" بأسرها. ومن ذلك في الإنجليزية كلمة Barn كانت تدل فيما مضى على "مخزن الشعير" ولكنها الآن تدل على مخزن أي نوع من أنواع الحبوب، وعلى مخزن سوى الحبوب أحيانا. وكلمة Manuscript "مخطوط، أي باليد" غالبا ما يتسع معناها الآن لتشمل المادة المكتوبة على الآلة الكاتبة كذلك، ولو أن هذه الأخيرة يدل عليها أحيانا بكلمة أدق هي Typescript2.

_ 1 Expansion of Meaning Schlaucg The Gift of Tongues p. 121. إبراهيم أنيس: دلالة الألفاظ ص150-152. 2 سجل ميشيل برييل Michel Breal مثلا غريبا من السنسكريتية على تعميم المعنى: تناقله عنه اللغويون: فكلمة go - shtha كانت تعني "حظيرة البقر" ولكن اتسع معناها فصارت تدل على أي نوع من الحظائر، حتى أصبح ممكنا بعد ذلك أن يقال: acava - go - shtha أي "حظيرة - الخيل - البقر" "عن ... The Gift ص121".

ومن الملاحظ في عربية مصر خاصة أن كلمة "الورد" تطلق على الورد الأحمر المعروف نفسه، وهذا هو الأصل في معناها، وتطلق في الوقت نفسه على كل زهر من الزهور، وإن كلمة "عربية" وكانت قاصرة على العربية التي كانت تدفع باليد أو تجرها الخيل، اتسع معناها فصارت تشمل "السيارة" الآلية كذلك. 5- التحول نحو المعاني المضادة: من الملاحظات الصادقة على أكثر اللغات، إن لم يكن عليها جميعا، استعمال كلمة الدلالة على معنى معين، واستعمالها في نفس الوقت للدلالة على عكس هذا المعنى، وقد درس لغويو العربية هذا الجانب من جوانب مفردات لغتنا، ولهم في "الأضداد" كتب كثيرة، ومن ذلك كلمة "الجون" تطلق على الأسود وعلى الأبيض جميعا -ولو أن استعمال هذه الكلمة في عصرنا آخذ في القلة ويكاد أن يكون محدودا بالشعر وبأنواع من النصوص الأدبية- "وهي تدل في أصلها القديم كذلك على الأحمر الخالص"، ومنها "بان" بمعنى فارق وانقطع "وبان" بمعنى ظهر واتضح، ومنها "طرب" بمعنى اضطرب حزنا وبمعنى اضطرب فرحا. وكلمة "الضد" نفسها تدل على "المخالف"، وتدل على "النظير". هذه الظاهرة ظاهرة الأضداد، ملحوظة في أكثر اللغات فما تفسيرها؟ إن الذي عليه أكثر اللغويين أن الكلمة المعبرة عن المعنى وضده سبق استعمالا في الأغلب للدلالة على أحد المعنيين، ثم استعملت للدلالة على المعنى الآخر في عصر تال، وهكذا تصاحب الاستعمالان. ولكن لم اتخذت نفس الكلمة للدلالة على المعنى المضاد، ولم تصطنع كلمة جديدة، أو كلمة سواها؟ مرد ذلك إلى أننا نفكر في كل صفة مع ما يقابلها، فعندما أقول "أبيض" فأنا أفكر "غير واع" في "غير الأبيض" وفي "ضد الأبيض" من الألوان، أي في "الأسود" "إننا نُنحي الضد بينما نكون مدركين له في نفس الوقت على أنه تعريف بالسلب. ولقد عبر جوست تراير1، والعالم الألماني، تعبيرا دقيقا عن هذه الحقيقة بقوله: كل كلمة تلفظ تثير معناها المضاد2.

_ 1 Jost Trier. 2 Schlauch the Gift p. 122. وانظر كلام الأستاذة مارجريت شلاوخ عن التحول الدلالي في كلمة meat "ص123" من كتابها المذكور.

التغيير الدلالي والاستعمال النحوي

التغيير الدلالي والاستعمال النحوي ... 2- التغير الدلالي والاستعمال النحوي: نحن في هذه المرحلة من مراحل تاريخ العربية نستعمل كلمات معينة للتعبير عن معان نحوية، وكل كلمة من هذه يحكم استعمالها شروط معروفة. فنحن نستعمل للاستفهام ما، من، كيف، هل، الهمزة إلخ وللنفي ما، لم، إلخ، وهكذا. وثمة كلمات أساسية في سائر اللغات تستعمل للتعبير عن العلاقات النحوية. أمثال هذه الكلمات عرضة للتغير كسائر مفردات اللغة، والدراسة التاريخية تبين أن أمثال هذه الكلمات قد وصلت، في الأغلب، إلى وظيفتها الحالية عن طريق بعض التغيرات الدلالية. وهذه التغيرات مختلفة نوعا1. 1- فقد يتسع معنى كلمة واحدة محدودة الاستعمال أصلا لتؤدي عمل طبقة بأسرها. ومن ذلك الفعل الإنجليزي do فإنه يحل محل أفعال أخرى كثيرة في الجمل التي تحيل على كلام سابق، فالسؤال: "Does she Play" = "هل تلعب "هي" قد يجاب عنه بـ Mo she does,nt ليس غير دون إيراد الفعل Play الدال على اللعب، وهكذا في الأسئلة التي ترد على هذا المنوال، فتحل كلمة do، أو ما تتصرف إليه حسب السياق، محل الفعل الدال على "الأكل" إن كان السؤال عن الأكل، ومحل الدال على "السفر" إن كان السؤال عن السفر وهكذا. 2- ومن الكلمات المعبرة عن بعض العلاقات النحوية في الإنجليزية، والتي اتسع معناها الحالي عن مجال دلالتها الأصلية، ولكن بوجه آخر غير الوجه الذي لاحظناه في المثال السابق، كلمة more. كانت هذه الكلمة في وقت من الأوقات اسما يدل على مقدار فائض من كمية مادية، ولكن اتسع استعمالها الآن لما صارت، كذلك، وسيلة لجعل صفات أخرى "أسماء تفضيل" وهكذا يقال more beautiful "= أجمل".

_ 1 انظر في هذا الموضوع: Schlauch The Gift pp. 123-124.

3- وهذا مثال من الفرنسية يتخذ فيه التغيير وجها آخر غير الوجهين السابقين: إن الأشكال النحوية للنفي في الفرنسية قد أدت إلى تغيير غريب نجم عنه أن ألفاظا تدل أصلا على معان مثبتة، صارت تدل على أضدادها، أي على معان منفية. ومن ذلك أن التعبيرات الفرنسية التي كانت تعني "ولا خطوة" ne ... pas ,"لا شيء" ne ... rien و"ولا شخص" ne ... pas صارت تستعمل استعمالا خاصا في الر على كثير من الأسئلة ذات الصيغ المعينة يتلخص في حذف الجزء الأول من هذه التعبيرات -وهو كلمة ne وهي الكلمة الدالة على النفي- فيرد كلمة pas "خطوة" personne شخص" أو rien "شيء" وحدها -وهي تدل على الثبوت- ولكن يفهم الفرنسيون من هذه الكلمة معنى النفي، بعد حذف الكلمة الدالة أصلا على النفي! فإذا رد الفرنسي على سؤال بمعنى: "من هناك؟ " وأراد أن يقول ما يقابل: "لا أحد" قال personne أي شخص" أو "أحد". إن مثل هذا الإيجاز، أي حذف جزء من عبارة مركبة واستعمال الباقي للدلالة على معنى الكل، أمر له نظائر في معظم اللغات.

التغير الدلالي والتاريخ الثقافي

3- التغير الدلالي والتاريخ الثقافي 1: من مظاهر التغير الدلالي ما يكشف لنا عن ماضينا الثقافي، وذلك أنه يلاحظ عند أصحاب اللغات المختلفة ميل قوي إلى إطلاق بعض الكلمات المأثورة للدلالة على مسميات جديدة لم يكن لها أي وجود فيما مضي، وذلك كأسماء المخترعات، خاصة، فأكثر أصحاب اللغات يطلقون على الآلة المخترعة في حالات كثيرة، اسما من كلامهم المألوف الذي كان مستعملا قبل ظهور هذا الاختراع، وهذا الاسم يكتسب بهذا معنى جديدا لم يكن له، وقد ينسخ هذا المعنى الجديد المعنى القديم، وفي معظم الأحوال. ومن ذلك كلمة "دبابة" في اللغة العربية: نحن نستعملها في الوقت الحاضر للدلالة على السيارة المصفحة المعروفة، التي تتحرك بطريقة آلية والتي تهجم على صفوف الأعداء، وترمي منها القذائف،

_ 1 Schlauch The Gift pp. 124-126.

والدبابة كلمة قديمة، وكانت تدل على آلة قتالية كذلك، ولكن الآلة القديمة كانت "بدائية" بالقياس إلى الدبابة الحديثة، فالدبابة القديمة آلة تتخذ في الحصار كانوا يدخلون في جوفها، ثم تدفع في أصل الحصن فينقبونه وهم في جوفها1. إن السبب المباشر في هذا النوع من التغير الدلالي هو التغيرات العارضة في العالم الخارجي، لا تغيرات أو عوامل نفسية داخلية، ولكن على الرغم من ذلك يظل للعوامل النفسية أثرها، فمرد استعمال الكلمات القديمة هذا الاستعمال الذي أوضحناه إلى نزعة المحافظة والإبقاء على القديم، هكذا يلاحظ أن كثيرا من المفردات "التكنولوجية" في معظم اللغات مفردات قديمة تغيرت معانيها. ونحن نقول: "أقلعت السفينة" وهذا الفعل من "القلع" بمعنى الشراع "أي نشرت شراعا أو سارت" والسفينة الآن لا "قلع" لها بل تسير بالبخار. ونظير هذا الاستعمال موجود في الإنجليزية فهم لا يزالون يستعملون الفعل to sail حتى عندما يتحدثون عن المراكب البخارية غير ذوات الأشرعة. ومن المجاز القديم الذي لا نزال نستعمله قولنا. "دارت رحى الحرب" وإن تشبيه طحن الحرب بطحن "الرحى" يبدو ساذجا في العصر الحديث، ولكن لا يزال لهذا المجاز أثره، فكأننا لا نبالي بالمعنى الأصلي للرحى إنما نشير إلى إفناء الحرب بوجه عام. والكلمة الدالة على "يد"، والمأخوذة من اللاتينية manus لا تزال في كثير من اللغات الأوروبية تتصدر كلمات كثيرة تدل على منتجات لم تعد تصنع باليد بالعشرات، بل تصنع آليا بالألوف والملايين، ومن ذلك كلمة manuscript وقد مرت، وكلمة mavufactured products "المنتجات الصناعية". وكلمة paper في الإنجليزية تشير إلى طور قديم كان الورق يتخذ فيه من البردي2، لا من لب الخشب كما هو الحال، ومع ذلك فـ paper تدل في إنجليزية عصرنا على الورق.

_ 1 "الدبابة" بمعناها القديم معروفة من العصر الجاهلي، وقد وردت الإشارة إليها في سيرة النبي صلى الله عليه وسلم لابن هشام. 2 Papyrus.

وكلمة pen لا تزال إلى الآن تدل على القلم أو على سن القلم، وكانت أصلا دلالة على "القلم" القديم أي "الريشة" التي كانت تتخذ للكتابة من ريش الطيور. وهكذا فالاشتقاق اليسير في كلمات كثيرة يعيننا على العودة، عن طريق التغير الدلالي، إلى العصور الغابرة1، فإن كثيرا من الكلمات في كل لغة تحفظ أثرا من الحياة القديمة في هذا الجانب أو ذاك من جوانبها.

_ 1 أوردت مارجريت شلاوخ "ص125، 126" هذا المثال من الألمانية، بالإضافة إلى الأمثلة الإنجليزية التي عرضناها: إن الكلمة الألمانية wand "بمعنى حائط: بالإنجليزية: Wall" تظهر أن المساكن المنسوجة أو مساكن "الشعر" كانت قائمة في الأراضي الجرمانية في الأزمنة التاريخية. وهذا الكلمة لا تزال تستعمل في الألمانية للدلالة على حوائط من الحجر والطوب لها هيكل من الحديد والصلب بعيدة كل البعد من بيوت "الشعر" البدائية.

مناهج دراسة المعنى

مناهج دراسة المعنى نشأة علم الدلالة "ميشيل بيرييل" ... 6- مناهج دراسة المعنى 1: قلنا: إن "علم الدلالة" هو قمة الدراسات اللغوية، ولكنه مع ذلك، أحدثها ظهورا. فقد تأخر اهتمام المحدثين من علماء اللغة بمشكلة المعنى اهتماما علميا، يضيف إلى ما كان يتداوله قدماء اللغويين في هذا الشأن. لم تظهر دراسة المعنى إلا بعد أن تم تصنيف تفصيلات "التغير الصوتي" و"التقابلات الصوتية" بزمن طويل. أ- نشأة علم الدلالة "ميشيل بيرييل": إن أول دراسة علمية حديثة خاصة بالمعنى هي تلك التي قام بها ميشيل برييل2 في كتابه: Essai de Semantique سنة 1897. وهذا المصطلح الذي أطلقه برييل على دارسته هذه، وهو كلمة Semantique من وضع برييل نفسه فقد كان على برييل أن يسمي هذه الدراسة باسم يميزها من سائر الدراسات اللغوية. ولكن معنى Semantique عند برييل غير معناها الذي تعرف به الآن عادة، ولو أن اللغويين الآن يعرفون هذا المصطلح تعريفات مختلفة. كانت "المبادئ" أو "الأصول" التي وصل إليها برييل في دراساته هذه مأخوذة كلها، تقريبا، من دراسات اللغات الكلاسيكية: اليونانية، واللاتينية والسنسكريتية. كانت الدراسة الدلالية عند برييل، وبعد برييل بفترة غير قصيرة كما سنرى، مقصورة في الواقع على "الاشتقاق التاريخي". ويبدو أن برييل كان يرى في "الأصول" التي تحكم تغير المعنى خصائص عقلية مجردة وذلك مثل "الحاجة إلى الوضوح". ولكن برييل، ومن خلفه إلى حين، كانوا لا يعنون العناية الواجبة بالجوانب الاجتماعية وغير الاجتماعية للظروف الإنسانية التي يحدث فيها التغير.

_ 1 انظر: Stephean Ullmann The Principles of Semantics Glasgow U w A Glasgow Univer sity Publications No 48. Shlauch The Gift pp. 126-132. 2 Michel Breal.

دراسة تغير المعنى بعد برييل

ب- دراسة تغير المعنى بعد برييل: 2- كان لدراسة برييل أثرها في لفت أنظار اللغويين إلى مشكلة المعنى، أو إلى تغير المعنى بوجه خاص، فازدادت رغبة اللغويين في محاولة إدراك الظروف الخارجية التي تعين على تغير المعنى، فأخذوا يبحثون في تاريخ الحياة الثقافية للشعوب التي يدرسون لغتها بحثا عن الدوافع التي قد يكون من شأنها أن تدفعهم إلى تغيير معنى هذه الكلمة أو تلك. وقد لاحظوا أن ما يتعلق به إعجاب الجماعات وما يتخذونه مثلا عليا، أو أمارة على النبالة والرفعة يختلف باختلاف العصور، ومن السهل تعقب أسباب هذه الاختلافات، ففي العصور الوسطى تجمعت متعلقات النبل والإعجاب حول صورة رجل على صهوة جواد هو "الفارس"، فقد رفعت جماعات أوروبية كثيرة الكلمة اللاتينية العامية الدالة على "حصان" وهي كلمة Caballus وأصبحت أصلا لكلمات كثيرة تشع نبالة، وتبرق رفعة مثل Chivarly "الفروسية" و Cavalier "الفارس". لقد أخذ إدراك اللغويين لضرورة تضمين ما يرتبط بالكلمات وما تستدعيه الكلمات عند دراسة تاريخه وتغير معانيها، ويزداد ويزداد. ومن ذلك أن منهم من أخذ يدرس دلالات مجموعات من الكلمات المترابطة التي تستعمل في ميدان من الميادين، ككلمات هذه اللغة أو تلك المستعملة في "الأخلاق" مثلا، أو في هذ الصناعة أو تلك إلخ. وقد ثبت أن مثل هذه الدراسة توضح كيف أن تداخل الكلمات، وتكرارها، وغيابها، تسبب اتساع بعض الكلمات معنى، وضيق غيرها، واختفاء سوى هذين النوعين1، كما ثبت أن هذه الدراسة لمجموعة المفردات المستعملة في مجال من المجالات خير وأكثر توضيحا من دراسة تاريخ كلمات مفردة مفصولة فصلا صناعيا عن سائر الكلمات التي تصحب استعمالها، أو التي تطورت عنها، أو صارت إليها، أي مفصولة عن الكلمات المترابطة بها استعمالا وتاريخيا.

_ 1 ذكرت الأستاذة مارجريت شلاوخ أن الأستاذ جوست تراير Jost Tier قد صنع هذا الصنيع فيما يتعلق بالكلمات المتصلة بميدان "الذكاء" في نصوص الألمانية العليا القديمة والوسطى. كما ذكرت أن عالما ألمانيا آخر هو الأستاذ و. هروكورت.W Heraucourt قام بدراسة دلالية للكلمات المتعلقة بـ"القيم الأخلاقية عند تشوسر" Chaucer.

كتابات غير اللغويين

جـ- كتابات غير اللغويين: 1- أوجدن وريتشاردز: معنى المعنى كان كتاب برييل هو السباق والموجه، وكان هذا من أسباب تأثيره الكبير، ولقد ظهر بعده بحوالي ست وعشرين سنة كتاب أحدث أضعاف ما أحدثه برييل من تأثير ولا سيما في غير المنقطعين للمسائل اللغوية. هذا الكتاب هو "معنى المعنى" الذي ألفه س. ك. أوجدن وإ. أ. ريتشاردز1 وظهر سنة 1923. ومن اللغويين من يرى أن "معنى المعنى" ليس، كما يوحي اسمه، دراسة خالصة للمعنى من الناحية اللغوية، بل إنه يقدم نظرية في المعرفة "= الإبستمولوجيا"2. وأيا ما كان فإن مؤرخي الدراسات اللغوية يقررون أن هذا الاهتمام السائد بدراسة الدلالة منذ سنوات، ولا سيما في الولايات المتحدة الأمريكية، قد أثاره بوجه خاص كتاب "معنى المعنى". والفائدة الكبرى التي أداها هذا الكتاب أنه وضح أجلى توضيح ما تتصف به مشكلة طبيعة المعنى من تعقيد، وقد ألزم هذا الكتاب مؤلفين آخرين أن يدرسوا مشكلة المعنى من وجهات نظر مخالفة، كما صنع الأستاذ "بردجمان" مثلا. وتفسير أوجدن وريتشاردز للمعنى يقوم على أساس "رياضي" "آلي" المعنى عندهما يرتد إلى أربعة عناصر هي: القصد، والقيمة، والمدلول عليه، والانفعال أو العاطفة3. 2- بردجمان: "منطق الفيزياء الحديثة" ومن الكتابات المشهورة في الحاجة إلى الوضوح الدلالي تلك التي قام بها الأستاذ ب، د، بردجمان وسماها "منطق الفيزياء الحديثة"4. بين الأستاد

_ 1 Chales K. Ogen And lvor A Rnd lvor A Richards The Meaning of Meaning London 1926 Third ed New York Harcount Brace 2 Epistemology. 3 انظر شيئا من التفصيل في "مناهج البحث في اللغة" للدكتور تمام حسان ص242-247. 4 P. W. Bridgman Logic of Modern Physics.

بردجمان للقارئ المبتدئ تلك التغيرات الدلالية التي تطرأ على بعض الكلمات عندما يستعملها المتخصص في موضوع تخصصه. فكلمتان مثل "الزمان" و"المكان" من الكلمات اليومية المألوفة، ولكن لكل من هذين المصطلحين عند الفيلسوف، أو عالم الفيزياء مثلا، دلالة تختلف عن دلالته المألوفة في الأحاديث اليومية. هذه المشكلة، مشكلة المعنى، دفعة الأستاذ بردجمان إلى أن يقترح وسيلة جديدة في "التعريفات" سماها "طريقة العمليات" أو "الإجراءات"1. وهذه الطريقة قد طبقها على أمثلة كثيرة في كتاب ثان له هو "الفرد الذكي والمجتمع"2 مستخرجا بها بعض المفهومات الاجتماعية: وقضية الأستاذ بردجمان هي: "إن التصور مرادف للعمليات "= للإجراءات" التي تختبره بها" وذلك كما تختبر الوزن في المعمل. وعندما طبق بردجمان هذه الطريقة على التصورات الاجتماعية اتضح أن نتائجه كانت مثبطة، فهو يقول لنا: إذا لم تستطع أن تختبر تصورات مثل "الديمقراطية" و"الواجب" بوساطة "عمليات" فيه إذن تصورات "لا قدم لها"، أي أنها تصورات لا معنى لها، ويجب اطراحها. وهكذا لا تبقى آخر الأمر إلا الدوافع المركزة حول "الأنا" دوافع الأفراد الذين يكونون المجتمع. إن بردجمان عندما يتكلم عن علم الدلالة يبالغ في إظهار أهمية "الأنا" ويهون من شأن تعاونه اللازم مع الآخرين3.

_ 1 Operationalism. 2 The lntelligent lndividual And Socieety. 3 ترى الأستاذة مارجريت شلاوخ "ص129" أن كلا من اللغوي والاجتماعي قد يتهم "بردجمان" بالإفراط في التبسيط: فقد تجاهل بردجمان أن علاقة الإنسان بالجماعة علاقة ذات وجهين بطبيعتها، وهذه الطبيعة تتكشف بشكل جديد في كل مرة يتعلم فيها، ويستعمل كلمة جديدة. إن المتكلم، عندما يتكلم، وعندما يسمع، يخدم نفسه كما يخدم السامع. وإن القدرة على التكلم تذوي وتميل إلى الفناء ما لم تمارس في المجتمع. وإن خلق المعاني إنما يتم عن طريق تعاون الفرد والمجتمع.

3- ثورمان أرنولد: "فولكلور الرأسمالية" 1 إن تخصص ثورمان أرنولد يختلف عن تخصص بردجمان، وعن الميادين التي شغل بها أوجدن وريتشاردز نفسيهما؛ إنه من رجال الإدارة الحكومية و"القانون" فالذي دفعه إلى النظر في مشكلة المعنى دوافع مختلفة، وإدراكه لوجه المشكلة، أو لوجوهها، إدراك مختلف. وثورمان أرنولد من الكتاب غير اللغويين الذين يشغف الناس، ولا سيما في الولايات المتحدة الأمريكية، بقراءة كتاباتهم أيما شغف. يدرس ثورمان أرنولد مشكلة "الرموز"، بما فيها الكلمات، ويناقش سلطانها علينا. إنه في كتابه "فولكلور الرأسمالية" يحلل القوة السحرية التي تمتاز بها بعض العبارات الآسرة في اللغة "الإنجليزية الأمريكية" مثل The Founders of This The Conutry "مؤسسو هذا البلد" و The Consititution "الدستور" تحليلا يثير الضحك المر والسخرية، وقضية ثورمان أرنولد أننا يحكمنا من يسيئون استعمال رموزنا، أي يسيئون استعمال ما للكلمات من سلطان، موجهينه الوجهة التي يرضونها. ولكنه لا يقدم اقتراحا لوقف هذه الإساءة اللهم إلا القيام بتمرينات "مقوية" في "تعريفات" الكلمات و"الموضوعات"! 4- ألفرد كورتسبسكي 2: "العلم وسلامة العقل" ألفرد كورتسبسكي من أروج الكتاب غير اللغويين، ومن أبلغهم نفوذا، وهذا راجع إلى عوامل منها صياغته اللفظية البارعة، ومنها إسرافه في الوعود والبشارات، إذ غالى فاعتبر الدراسة الدلالية حلالة جميع العقد، والدواء العالمي للأمراض الإنسانية! يذكر كورتسبسكي قراءه بتلك الحقيقة الأصلية السليمة وهي أن الكلمة رمز، وليست "الشيء"، أي ليست "الموضوع" أو "المسمى" أو "المدلول عليه" كما يذكرهم بأنه من الواجب عليهم وعلى البشر أجمع أن يميزوا تمييزا ناطقا بين مستويات التجربة في المصطلحات التي يستعملونها. يذكرنا كورتسبسكي كذلك بأن أغلب مشكلاتنا الاجتماعية متركزة حول مصطلحات غامضة كثيرة الصور، وهذه المصطلحات تتداخل مع انفعالاتنا تداخلا ينتج عنه أن ردود أفعالنا الدلالية تصبح مختلطة أيما اختلاط. ويرجع كورتسبسكي

_ 1 Thurman Arrold The Folkiore of Capitism. 2 Schlauch p. 130.

الانحرافات الشخصية، القومية، والعالمية إلى "ردود أفعال عصبية، دلالية"1 تستلزم إعادة التربية. ويقول كورتسبسكي: "إن أكثر شقائنا في حياتنا لا ينشأ في الميدان الذي تنطبق عليه كلمة "صادق" أو "كاذب"، بل في الميدان الذي لا تنطبق عليه "إحدى" هاتين الكلمتين، أي في المجال الكبير، مجال الوظيفة النسبية والخلو من المعنى، حيث ينعدم الاتفاق لا محالة". ويصف كورتسبسكي رموزا مثل "النفوذ" بأنها تجريدات بالغة القوة تحكم حيواتنا عن طريق الذين يسيئون استعمالها، أي الذين يبرعون في استعمالها استعمالات مضللة. ويرى كورتسبسكي آخر الأمر، كما رأى ثورمان أرنولد، أن حل مشكلاتنا يتلخص في أن نعثر على من يستعمل رموزنا استعمالا صحيحا. ولكنه لا يقترح أي إجابة على ذلك التساؤل الأساسي الهام وهو: كيف نختار هؤلاء، وكيف سيتصروفون في رموز هامة مثل "النقود". 5- ستيوارت تشيز: "طغوى الألفاظ" 2 ائتلف حول كورتسبسكي مريدون أشهرهم ستيوارت تشيز، وهاياكاوا، وقد أخذ هذان على عاتقيهما نشر "عقيدة" كورتسبسكي وتوضيحها بالأمثلة. وربما فاقت حماسة "تشيز" لـ"التمرينات الدلالية"3 باعتبارها الدواء العالمي الشافي من كل الأمراض حماسة صاحبها كورتسبسكي، وقد أتى تشيز بأمثلة بارعة مقنعة تبين مدى حاجتنا إلى توضيح "الموضوعات" أو "الأشياء"، و"الأسماء" في مجالات مختلفة كالقانون، والاقتصاد، والحكم، والإدارة، والاجتماع، ولكن تشيز يسرف إسراف كورتسبسكي في وعوده إذ يرى أننا حالما نصل إلى تعريفات واضحة للموضوعات والكلمات، وحالما ننحي الكلمات التي لا معنى لها فإننا نصل إلى حل مشكلاتنا الاجتماعية. ومعنى ذلك أن هذه المدرسة ترى أن الدراسة الدلالية -وهي دراسة لغوية في أصلها- ستحل المشكلات الاجتماعية غير اللغوية، كالفقر، والجهل، والحرب ... إلخ!!

_ 1 Neuro - Semantic Reactions. 2 Stewart Chase The Tyranny of Words. 3 Semantic Exercises.

ولكن من مريدي "عقيدة" كورتسبسكي من هو أقل إسرافا في بشارته تلك مثل س. أ. هاياكوا، وإرفنج ج. لي. 6- س. أ. هايكاوا 1: 7- إرفنج ج. لي 2: أكثر هذان الكاتبان من تقديم النصوص الموضحة المفيدة التي يشرحان بها مبادئ ما يسمى "الدلالة العصبية"3. والحق أن كتاب مدرسة كورتسبسكي قد أسهموا شيئا ما فيما يتعلق بوسائل "التعريف". وذلك بكشفهم الحجاب عن بعض الجوانب النفسية الدالة التي كانت قبل متجاهلة. ولكن لا شك أن قراءهم تعتريهم خيبة الأمل أو يصيبهم اليأس عندما يدركون آخر الأمر أن "التحليل الدلالي" لن يحل لهم مشكلاتهم الاجتماعية على أي وجه من الوجوه. ولا شك أنه على اللغوي أن يطرح جانبا مزاعم مدرسة كورتسبسكي التي تعتبر التحليل الدلالي حلا لكل المشكلات، وأن عليه أن يسلم بالأهمية القصوى لدراسة المعنى، وأن ينظر إليها في إطارها الطبيعي فرعا من فروع علم اللغة قد يختلف اللغويون في رسم مناهجه وفي بعض أصوله وتفصيلاته كما يختلفون في سواه. نعم أن الخلط المقصود، وإساءة استعمال الكلمات، والتفنن في تضمينها هذا الإيحاء المخاتل أو ذاك، مسائل تمارسها مجتمعاتنا المتحضرة على نطاق واسع وخاصة في مجالات الدعاية السياسية، والصحافة، والسينما، والتلفزيون. ولكن "معنى" هذا أن "الكلمات" بطبيعتها تحتمل كل هذه الاستعمالات. إن هذا من شأنه أن يوجهنا إلى النظر في طبيعة الاستعمال اللغوي. أما حل المشكلات الناجمة عن سوء استعمال الكلمات خداعا وتضليلا، فليس في طاقة اللغوي ولا هو من ميدانه. ولكن من الواجب الأدبي أن يقدم عالم اللغة العون لرجال الصحافة والاقتصاد والاجتماع وعلماء النفس وسواهم ممن يشغل نفسه بالبحث في حل أمثال هذه المشكلات الاجتماعية والأخلاقية.

_ 1 S. l. Hayakawa. 2 Jrving J. Lee. 3 Neuro - Semantics.

من نظرية اللغويين في علم الدلالة

من نظرية اللغويين في علم الدلالة ... د- من نظريات اللغويين في علم الدلالة: آثرنا أن نتعقب التعريف بظهور الدراسة الدلالية عند ميشيل برييل بالتعريف بالدراسات الدلالية التي قام بها علماء ومفكرون غير لغويين، فهذا النسق من العرض أوضح في إبراز مشكلة المعنى، وتعدد وجوهها، وتعقدها. ونستكمل الآن التعريف بأشهر الدراسات الدلالية التي وضعها لغويون متخصصون. 1- المدرسة الاجتماعية السويسرية الفرنسية "نظرية دي سوسير 1": 1- يعد دي سوسير مؤسس المدرسة الاجتماعية في الدراسات اللغوية. ولقد كان له ولا يزال أثر بالغ في دارسي اللغة ولا سيما المدرسة الفرنسية السويسرية: فكتاب فندريس "اللغة" مثلا متأثر بنظريات دي سوسير، وهذا هو شأن كثير من كتب "مييه"2 ومن كتب سواهما. 2- يبني دي سوسير نظريته الاجتماعية في اللغة على أساس نظرية دوركيم3 الاجتماعية، ودوركيم يعتبر ما يسميه "نشاط الجماعة" أو "النشاط الجماعي" مستقلا عن أي فرد من الأفراد الذين ينتمون إلى المجتمع: إن للفرد عند دوركيم وجودا خاصا به. ودوركيم يقرر أن "الظواهر الاجتماعية"4 ذات وجود خاص بها: واللغة ظاهرة من جملة الظواهر الاجتماعية. ويرى دوركيم أن لخصائص السلوك أو لـ"سماته" وجودا مستقلا، وأن الأنواع العامة للسلوك

_ 1 Ferdinand de saussre Cours De Linguistique Generale. 2 Antoine Meillet. 3 Durkheim. انظر الفصلين الأولين من كتابه Regles de Le Methode de Sociologie. 4 Les Faits Sociaux.

الاجتماعي لا تعدو أن تكون "تعميمات". وإن ما قرره "دوركيم" عن الظاهرة الاجتماعية1 يصدق على "اللغة" في نظرية دي سوسير اللغوية. 3- ويصطنع دي سوسير "ثالوثا" خاصا يتضمن تصورات ثلاثة متكاملة يعبر عنها بهذه المصطلحات: Le Langage وLa Langue وLa Parole2 وفهم هذه التصورات أمر أساسي أولي لفهم نظرية دي سوسير في اللغة. 1- إن ما يسميه دي سوسير Le Langage "اللغة" هو اللغة في أوسع معانيها، أي اللغة باعتبارها ظاهرة إنسانية عامة. 2- أما ما يدعوه La Langue "اللغة المعينة: أي العربية أو الإنجليزية إلخ". فهو يضم على وجه الخصوص نظام المفردات. والنحو في أي عصر من عصور تاريخ لغة معينة. وLangue أي "هذه اللغة" أو تلك"، عند دي سوسير، "جماعية"3. و"اجتماعية"4. قال دي سوسير: إن هذه المجموعة من الكلمات بمعانيها الخاصة، وهذه "الفصائل" أو "التقسيمات" النحوية متضمنة في عقل المتكلم وهي "مستقلة" عن الفرد، وغير قابلة للتغير عند الفرد5. إن La Langue أي "اللغة المعينة" "اجتماعية" في جوهرها ومستقلة عن الفرد، وهي "مستودع العلامات". إن الـ "Langue "= اللغة المعينة" هي مجموع العادات اللغوية التي تتحقق فيما يسميه دي سوسير La Parole "= الكلام"انظر ما يلي". وهي "خارجة"6 عن الفرد. 3- أما التصور الثالث الذي يعبر عنه دي سوسير بكلمة La Parole "الكلام" فيعني به "إظهار" الفرد "للغة" La Langue و"تحقيقه إياها" عن طريق "الأصوات" الملفوظة، أو عن طريق "العلامات" المكتوبة. وما يدعوه "دي سوسير" La Parole "الكلام" "فردي"7. هو واقع تحت سيطرة الفرد.

_ 1 Le Fait Social. 2 يجب التفريق بين استعمال دي سوسير ومن يدينون بنظريته لهذه المصطلحات وبين استعمال سواهم لها في غير ما يريد دي سوسير. 3 Collective. 4 Sociale. 5 Cours De Linguistique Generale p. 37. 6 Externe. 7 Cours pp. 20-32. والفصل الأول من Otto Jespesen Mankind Nation And lndividual From a Linguistic Point of View London 1946. وقد عرب هذا الكتاب زميلي وصديقي الدكتور عبد الرحمن أيوب ونشره بعنوان: "اللغة بين الفرد والمجتمع"، ملتزم الطبع والنشر مكتبة الأنجلو المصرية، مطبعة لجنة البيان العربي، القاهرة 1954.

ويؤثر كثير من اللغويين أن يعتبروا الـ Langue والـ Parole من وسائل وصف اللغة لا مضمونين كلاهما مستقل عن أخيه. 4- يفرق دي سوسير بين ما يسميه "القيمة اللغوية" للكلمة وبين ما يسميه "المقصود" من الكلمة. ويكفي لدراسة القيمة اللغوية في رأيه أن ندرس عنصرين هما "الفكرة" -التي تدعو "صورة سمعية" أو "أصواتا" معينة- "والصورة السمعية" التي تدعو "الفكرة". وإن معنى كلمة من الكلمات عند دي سوسير هو ارتباط متبادل أو "علاقة متبادلة" بين الكلمة، أو "الاسم" وهي "الصورة السمعية" وبين الفكرة. إن الكلمة "علامة لغوية" ونحن عندما نفرق تفريقا أساسيا بين فكرتين فنحن نستعمل لذلك، "علامتين لغويتين" مختلفتين، فالتفكير، دون كلمات "عائم" ويرى دي سوسير أن "العلامة اللغوية" لا تخلق وحدة بين اسم ومسمى، ولكن بين فكرة وصورة سمعية1. و"المقصود"2 يقابل "الرمز"3 أو العلامة"، والعلامة من ناحية أخرى تقابل سائر العلامات الموجودة في اللغة موضوع الدرس، وقيمة كل رمز أو علامة تتوقف على وجود سائر الرموز. وضرب دي سوسير لذلك مثلا بقطعة من ذات الخمسة فرنكات: هذه القطعة يتأتى استبدالها بكمية معينة من شيء كالخبز مثلا، ونستطيع كذلك أن نقارنها بقيمة مماثلة من نفس نظام العملة، كقطعة ذات فرانك واحد مثلا، أو قطعة من عملة أخرى كالدولار. 5- ومما تجدر الإشارة إليه أن "دي سوسير" صاحب فكرة تمييز "الدراسة الوصفية" للغة من "الدراسة التاريخية" بها "وقد عرفنا بهاتين الدراستين

_ 1 انظر التفصيلات في كتاب دي سوسير: Cours pp. 98 pp. 155-169. وانظر تعريف الدكتور تمام حسان برأي دي سوسير هذا في "مناهج اللغة" ص243-246. 2 Signifie. 3 Singigiant.

ص241-245" وقد طبق هذا التمييز عند نظره في المعنى، فحرص على وجوب التفريق بين دراسة المعنى دراسة "وصفية" "ثابتة" أي في مرحلة معينة، أو "حالة" معينة تجرد من تاريخ لغة من اللغات وتدرس بغض النظر عما قبلها وعما بعدها من "مراحل" أو "حالات" وبين دراسة المعنى دراسة "تطورية". 2- المدرسة السلوكية 1 الأمريكية؛ بلومفيلد: 1- إن النظر في اللغة وفي دراستها على أسس من "المذهب السلوكي"2 في علم النفس ظهر وازدهر في الولايات الأمريكية بوجه خاص. وخير ممثل لهذا الاتجاه في الدراسات اللغوية هو بلومفيلد. تأثر بلومفيلد، وأكثر من تبعه من اللغويين في اتجاهه السلوكي، بسلوكية ألبرت بول فايس كما عرضها في كتابه "الأساس النظري للسلوك الإنساني"3. يرى السلوكيون4 أن "السلوك الإنساني"5 يوصف أكمل وصف وأدقه عن طريق اعتبار الظواهر الفسيولوجية وغيرها من الظواهر المادية التي تصحب سلوك الأفراد. ولا يتأتى عندهم دراسة "الظواهر الإنسانية"6 دراسة علمية إلا بهذا الطريق. ولما كانت اللغة "ظاهرة إنسانية" فيصدق على دراستها ما يصدق على دراسة سائر "الظواهر الإنسانية". ولذلك ينبغي عند السلوكيين شرح مصطلحات مثل "الإرادة" و"الشعور" و"الفكرة" و"الانفعال" إلخ، وترجمتها إلى لغة تتضمن حالة فسيولوجية أو "فيزيقية" أو كلتيهما. ولذلك نجد في دراسات بلومفيلد اللغوية مصطلحات مثل

_ 1 Behaviouristic School. 2 Behaviourism. 3 Albert Puaul Weiss A Theoretical Basis of Human Behavioour. ليس هذا الكتاب أحدث ما كتب عن "السلوكية" ولكنه الكتاب الذي بنى عليه بلومفيلد وأكثر من تبعه اتجاههم "السلوكي" في فهم اللغة، وطرق دراستها. 4 Behaviourists. 5 Human Behaviour. 6 Human Phenomena.

Response "= الاستجابة" Substitut Respeonse ""الاستجابة البدلية"، وSub stitute Stimulus "المثير البدلي". وعندما تحدث بلومفيلد عن معنى الكلمة وعن معنى "النطق" عامة قال: إنه ينبغي أن يعرف عن طريق أحداث عملية أي فسيولوجية أو فيزيقية مرتبطة بها، فمعنى "الجوع" مثلا في قولي: "أنا جائع" يعرف بالتقلص العضلي وما يحدث في المعدة من إفرازات، وما قد يصحب ذلك من عطش ... إلخ، ويرى بلومفيلد أن "الأفكار" و"التصورات" كذلك ينبغي أن يعاد وصفها بألفاظ فيزيقية، وحتى "الحب" و"الكره" وما إليهما ينبغي وصفهما بمثل هذه الطريق. ولقد قال بلومفيلد: إننا نستطيع أن نعرف كلمة مثل "الملح" عن طريق عناصره الكيمائية المكونة له. 2- والمثال المشهور الذي أورده "بلومفيلد" هو المثال المعروف بـ"جاك"1، وجيل1، و"التفاحة". نفترض أن "جاك" و"جيل: يسيران في طريق، و"جيل" تستشعر الجوع. ترى جيل تفاحة على شجرة، فتحدث "ضجة" بحنجرتها، ولسانها، وشفتيها: فيقفز جاك من على السور، ويتسلق الشجرة، ويقتطف التفاحة، ويحضرها لجيل، ويضعها في يدها. فتأكل جيل التفاحة. هذه الأحداث المتتابعة موضوع للدارسة من جوانب مختلفة، ولكنا نحن، دارسي اللغة، نميز، بطبيعة الحال، "الحدث الكلامي"2 من سواه من "الوقائع" التي ندعوها "الأحداث العملية"3. وإذا نظرنا إلى هذه الواقعة من هذه الوجهة اتضح أنها تتكون من ثلاثة أقسام. 1- الأحداث العملية السابقة على الحدث الكلامي. 2- الكلام. 3- الأحداث العملية التي تلي الحدث الكلامي. ونبدأ بالأحداث العملية وهي، في هذا المثال ما يسبق الكلام وما يليه:

_ 1 Jack Jill. انظر Blomgield Language pp 20-26. 2 Act of Speech. 3 Practical Events.

الأحداث رقم 1 تتعلق بـ"جيل" بصفة خاصة: لقد كانت جائعة، أي أن بعض عضلاتها كانت متقلصة و ... إلخ، وربما كانت عطشى: فكان لسانها وحلقها جافين. أثرت في عينيها الموجات الضوئية المنعكسة من التفاحة الحمراء. ولقد رأت جاك إلى جوارها، وإن علاقاتها السابقة بجاك تصبح الآن ذات أثر، فلنفترض أنهما أخ وأخت، أو زوج وزوجة. كل هذه الأحداث التي تسبق كلام "جيل" وتخصها، ندعوها "مثيرا"1 "أو "منبها" للمتكلم". أما الأحداث العملية التي تلي كلام "جيل" "وهي رقم 3". فتتعلق بوجه خاص، بالسامع "جاك" وتتكون من إحضاره التفاحة وإعطائها لجيل. هذه الأحداث ندعوها "استجابة"2 السامع. والأحداث التي تلي الكلام تهم "جيل" كذلك، إنها تأخذ التفاحة في قبضة يدها وتأكلها. لا يتصرف كل "جاك" وكل "جيل" بهذ الأسلوب، فلو كانت جيل تعرف من تجاربها السابقة مع جاك أنه لن يستجيب لطلبها فربما آثرت الجوع على أن تطلب إليه قطف التفاحة. وهكذا. لقد قامت جيل في هذه القصة بحركات قليلة في حلقها وفمها أنتجت ضجة قليلة هي "الكلام"، فأخذ جاك يقوم بردود الأفعال3 ولقد أدى أعمالا كانت فوق طاقة جيل، وهكذا حصلت جيل آخر الأمر على التفاحة. "إن اللغة تمكن شخصا من أن يحدث رد فعل3 عندما يتوافر لدى شخص آخر "المثير". وهكذا يرى بلومفيلد أن "تقسيم العمل" "بل تنظيم المجتمع الإنساني كله" إنما تم عن طريق اللغة4. والآن ننظر في القسم الثاني من أقسام هذه القصة وهو "الكلام"، وهذا هو الذي يعنينا نحن دارسي اللغة بصفة خاصة، فنحن لا نهتم بالقسمين الأول والثاني إلا لما لهما من علاقة بالكلام.

_ 1 Stimulus. 2 Response. 3 Rection. 4 Bloomfield p. 24.

وبالاستعانة بالفسيولوجية والفيزياء نستطيع أن ندرك كيف تمت عملية "الكلام" من الناحية الصوتية "وقد فصلنا ذلك في الأصوات اللغوية". 1- لقد قام جهاز نطق "جيل" بحركات عضلية معينة لإصدار هذه الأصوات. والحركات العضلية التي يقوم بها المتكلم تعد "رد فعل" لدافع "مثير" -وهي في قصتنا هذه رؤية جيل للتفاحة وهي جائعة- ورد الفعل في حالتنا هذه ليس رد فعلي "عملي" كأن تحاول جيل من أن تثب من على السور وتحضر التفاحة لنفسها إنه "رد فعل بدلي لغوي"1، أي أن "الكلام" حل محل العمل الذي كان من المحتمل أن يصدر عنها. 2- ثم إن "الموجات الصوتية" الخارجة من فم "جيل" قد جعلت الهواء المحيط يضطرب على شكل موجات مماثلة. 3- وأخيرا طرقت هذه الموجات الصوتية طبلتي أذني جالك، وذبذبتهما، وأثرت هذه الذبذبات على أعصابه. "لقد سمع" جاك "الكلام". ولقد أحدث هذا السماع لدى جاك دافعا أو "مثيرا" فسلك السلوك الذي ذكرناه، كما لو كان جوع جيل ورؤيتها التفاحة قد أثرا فيه ودفعاه إلى السلوك العملي الذي سلكه: إن جاك من حيث هو شخص متكلم "أي ذو قدوة على الكلام وعلى فهم الكلام" ظهر رد الفعل عنده على نوعين مختلفين من المثيرات: أحدهما "المثيرات العملية" "كالجوع ورؤية الطعام" والثاني "المثيرات الكلامية" أو "البدلية" وهي ذبذبات معينة في طبلتي أذنه. ونحن، طلبة اللغة، يعنينا، على وجه الخصوص، "الحدث الكلامي" الذي يبدو هين الشأن في ذاته، ولكنه وسيلة لغايات كبيرة. ونحن نميز اللغة، وهي موضوع دراستنا، من الأحداث "الواقعية" أو العملية"، هذه الأحداث التي ندعوها "المثيرات"2 "وردود الأفعال"3. وإن الكلام، الذي هو هين الشأن، وغير هام في ذاته. ليعد ذا أهمية لأن له "معنى": والمعنى يتكون من الأشياء الهامة التي يتعلق به الكلام أي من الأحداث العملية "التي تكون القسمين الأول والثالث من قصة جاك وجيل والتفاحة". انتهى عرض مثال بلومفيلد.

_ 1 Linguistic Substitute Reaction. 2 Stimule. 3 Reactions.

نخرج من هذا بأن بلومفيلد، مع أن "السلوكية" التي طبقها على اللغة سلوكية "آلية" يدخل في اعتباره بعض العناصر غير اللغوية المتصلة بالكلام، ويعتبرها عنصرا لازما لإدراك معنى الكلام. فالمدرسة السلوكية لا تتجاهل بعض ما نسمية العناصر "الاجتماعية" ولكنها تعبر عنها بمصطلحات خاصة بها: إنها لا تتجاهل في الحقيقة شخصية المتكلم وشخصية السامع وبعض الظروف المحيطة بالكلام: بل إن هذه المدرسة بعنايتها بتحليل المظاهر الفسيولوجية والفيزيقية خاصة قد وجهت عناية اللغويين نحو ربط المعنى بمجالات غير الكلام، مجالات تستلزم التحليل على مستويات خاصة. 3- المدرسة الاجتماعية الإنجليزية؛ ج. ر. فيرث 1: 1- يعتمد هذه الاتجاه من اتجاهات المدرسة الإنجليزية اعتمادا كبيرا على آراء برونسلاو مالينوفسكي العالم الأنثروبولوجي البولندي الذي ترك أثرا كبيرا في كلتا المدرستين الإنجليزيتين الأنثروبولوجية واللغوية. إن دراسات مالينو فسكي قد أدت به إلى نظريات قيمة في اللغة فيما يتعلق بدراسة "الكلام الحي" بوجه خاص: لقد وصل مالينوفسكي إلى أن اللغة ليست كما يرى التعريف التقليدي وسيلة من وسائل توصيل الأفكار والانفعالات أو التعبير عنها، أو نقلها..فمثل هذا لا يعدو أن يكون وظيفة واحدة من وظائف اللغة، ورأى أن اللغة كما يمارسها المتكلمون في أي جماعة من الجماعات إنما هي نوع من السلوك، ضرب من العمل، إنها تؤدي وظائف كثيرة غير التوصيل2.

_ 1 انظر في التعريف بنظرية الأستاذ فيرث، ولا سيما بتصوره المعروف بـ Contetext of Situation "= سياق الحال" كتاباته الآتية: 1- Speech Benn 1930 pp 38-43. 2- The Techneque of Semantics Transactions of the Philogical Society 1935. 3- Linguistics and Functional Pont of View English Studies XVl 1 February 1934. 4- The Use and Distribution of Certain English Soungs English Studies XVll 1 Febru- ary 1935. 5- Tongues of Men Watts Co London 1937 Chapter X. 6- Personality And Language ln Society Socillogiacl Reveew "Journal of the lnstitu- tional Socillgy Lekbury Herefordshie England Vol XLll Section Rwo 1950. 2 شرحنا هذا بالتفصيل في كتابنا: اللغة والمجتمع: رأي ومنهج ص4-10.

2- واستعمل مالينوفسكي ذلك المصطلح Context of Situation "سياق الحال" "= الماجريات". نعم إن كلمة Context "= السياق" كانت متداولة بين اللغويين من قبله ولا تزال متداولة بينهم، ولكن مالينوفسكي أضفى على الاصطلاح "سياق الحال"1 معنى خالصا ليس هنا مجال للتعريف به1، ثم تطور هذا المصطلح تطورا آخر باستعمال الأستاذ فيرث له في دراسته اللغوية، و"سياق الحال" عند الأستاذ فيرث نوع من التجريد من البيئة، أو الوسط الذي يقع فيه "الكلام"، وهذا التجريد يقوم به اللغويون للوفاء بدراستهم. و"سياق الحال" يشمل أنواع النشاط اللغوي جميعا كلاما، وكتابة. وقد رأينا أن "بلومفيلد" السلوكي النزعة يحد "سياق الحال" بظواهر يمكن تقريرها في إطار من "الأحداث العملية". إن "سياق الحال" عند بلومفيلد مادي، ولهذا فهو يتجاهل حقائق لها شأن بالكلام. إن "سياق الحال" أو "الماجري" هو جملة العناصر المكونة للموقف الكلامي "أو للحال الكلامية"، ومن هذه العناصر المكونة للحال الكلامية: 1- شخصية المتكلم والسامع، وتكوينهما "الثقافي" وشخصيات من يشهد الكلام غير المتكلم والسامع -إن وجدوا- وبيان ما لذلك من علاقة بالسلوك اللغوي، ودورهم أيقتصر على "الشهوة" أم يشاركون من آن لآن بالكلام، والنصوص الكلامية التي تصدر عنهم. 2- العوامل والظواهر الاجتماعية ذات العلاقة باللغة والسلوك اللغوي لمن يشارك في الموقف الكلامي كحالة الجو إن كان لها دخل، وكالوضع السياسي، وكمكان الكلام، إلخ. وكل ما يطرأ أثناء الكلام ممن يشهد الموقف الكلامي من انفعال أو أي ضروب من ضروب الاستجابة، وكل ما يتعلق بالموقف الكلامي أيا كانت درجة تعلقه. 3- أثر النص الكلامي في المشتركين، كالاقتناع، أو الألم، أو الإغراء أو الضحك، إلخ.

_ 1 بدأ المصطلح Context of Situation عند الأنثروبولوجيين، ويرجع أصل استعماله إلى مقال للأستاذ أ. م. هوكارت. A M Hocart The British of Jorunal of Psychology 1912.

وهكذا يتضح أن من أهم خصائص "سياق الحال" إبراز الدور الاجتماعي الذي يقوم به "المتكلم" وسائر المشتركين في "الموقف الكلامي". 4- وإن نظرية اللغة التي تقوم على التصور الخاص بـ"سياق الحال" تشمل جميع أنواع الوظائف الكلامية، بمعنى أنها بهذا التصور تستطيع أن تدرس وتفسر جميع أنواع الوظائف الكلامية، وليست مقصورة -كأكثر النظريات القديمة- على إبراز نوع أو أكثر ليس غير من أنواع الوظائف الكلامية. إن المعنى عند الأستاذ فيرث كل مركب من مجموعة من الوظائف اللغوية، وأهم عناصر هذا الكل هو الوظيفة الصوتية، ثم المورفولوجية، والنحوية والقاموسية والوظيفية الدلالية لـ"سياق الحال". ولكل وظيفة من هذه الوظائف منهجه الذي يراعى عند دراستها. والحقيقة أن هذ الطريقة من طرق دراسة المعنى ترسم "تحليلات" عملية للمعنى على مستويات مختلفة. ومما تجدر ملاحظته أن التحليلات اللغوية كلها على المستويات المختلفة ليست المعنى ولا هي دراسة المعنى. فلا بد للوصول إلى المعنى من الربط بين النتائج التي توصل إليها هذه التحليلات جميعا ربطا يدخل في اعتباره سائر عناصر "سياق الحال". وهكذا فالأستاذ فيرث يرى أن الوصول إلى معنى أي نص لغوي يستلزم: 1- أن يحلل النص اللغوي على المستويات اللغوية المختلفة "الصوتية والفونولجية، والمورفولوجية، والنظمية، والمعجمية". 2- أن يبين "سياق الحال" "= الماجريات": شخصية المتكلم، شخصية السامع، جميع الظروف المحيطة بالكلام ... إلخ. 3- أن يبين نوع الوظيفة الكلامية: تمن، إغراء ... إلخ. 4- وأخيرا يذكر الأثر الذي يتركه الكلام، "ضحك، تصديق، سخرية ... إلخ"1.

_ 1 انظر تعريفنا بدراسة الوظيفة الاجتماعية للغة في "اللغة والمجتمع: رأي ومنهج" ص11-17 وانظر دكتور تمام حسان: مناهج البحث في اللغة ص251-279.

إن الدراسة الاجتماعية للدلالة تبعد بطبيعتها عن الثنائية التقليدية، ثنائية الجسد والروح، أو الكلمة والمضمون، إنها تعد الكلام نوعا من السلوك الاجتماعي ذا علاقة بعناصر أخرى غير لغوية.

الباب الخامس: تاريخ الدراسات اللغوية

الباب الخامس: تاريخ الدراسات اللغوية العصور القديمة ... 1- العصور القديمة: أ- قبل عصر النحاة: 1- إن النظر في اللغة قديم جدا قد يرجع إلى وقت أن أخذت الجماعات البشرية في الكلام ثم دق نسبيا بعد نشأة الكتابة، ولكن الدراسة "العلمية" حقا للغة جد حديثة، وتصورات البشر عن اللغة آخذه من نوع مجتمعهم، وتراثهم الثقافي، وخاصة من دينهم، فالإله تحوت عند قدماء المصريين كان قلب "رع" ولسانه، وعن طريقه نطقت وصية الله في الأرض فوجدت الخليفة. واليونان كذلك قد تخيلوا خلقا للغة والكتابة، وكذلك الحال عند الهنود وعند غيرهم من الأمم القديمة. شغل القدماء بالبحث في نشوء اللغة، وفي تعدد اللغات واختلافها، ونجد شواهد على ذلك في "سفر التكوين"، فالإنسان الأول قد اخترع أسماء للحيوان، وقصة بابل تفسر تعدد اللغات. 2- ثم إن اختراع الكتابة، التي تمثل الكلام بأي صورة من الصور، يعتبر نوعا هاما من أنواع النظر في اللغة، وهذا الاختراع حدث هام في تاريخ البشرية: إن هذا الاختراع، مع اختلافات كتابات الجماعات المختلفة، قد دفع بالدراسات اللغوية خطوة كبيرة إلى الإمام، وذلك لأن تمثيل الكلمات الملفوظة برموز كتابية ينطوي على إدراك ماهية المقطع، وذلك في الكتابة المقطعية، وماهية "الصوت" وذلك في الكتابة الألف بائية، وماهية "الكلمة": إنه ينطوي على تجريدها من سلسلة الكلام المنطوق، وينطوي على تحليل هذه السلسلة1.

_ 1 الكتابة الهيروغليفية تعبر عن الكلمات برموز ولكنها لا تعطي أي فكرة عن النطق. والكتابة المقطعية Syl - labic تحمل الكلمة إلى مجموعات أكبر من الأصوات وتعبر بعلامة واحدة على مجموعة من الأصوات كالكتابة المسمارية. أما "الكتابة الألف بائية" أو الأبجدية، وهي أرقى تطورا من الكتابات السابقة، فقد جردت أصواتا أولية تتكون منها اللغة التي تمثلها، وهي تحاول أن ترمز إلى كل صوت من هذه الأصوات الأولية برمز كتابي واحد.

وقد أظهرت الكتابة، كذلك، الفرق بين لغة جيل ولغة الأجيال السابقة عليه. وأحيانا تحتفظ الكتابة بصور قديمة لأن لها صفة مقدسة، وهذه أحوجت إلى تفسيرات، ومن ثم نجد أن قدماء الهنود قد شغلوا منذ وقت بعيد جدا بتحليل أصوات لغتهم السنسكريتية وصورها. ب- الهنود: أثر عن الهنود أصحاب الخط الدافناجري1 الرائع الدقيق نحو وصفي دقيق للغة السنسكريتية لا يعتمد على المنطق شأن النحو اليوناني. وقد وصف "بانيني"2 وهو نحوي هندي عاش في القرن الرابع قبل الميلاد، والقوانين الصوتية والنحوية للغة السنسكريتية وصفا يبلغ درجة كبيرة من الدقة، حتى إنه يُحكى في بعض الروايات أنه تلقى هذا العلم عن طريق الوحي والإلهام. وقد تناولت الأجيال التالية عمله بالشرح والتعليق. ويرى المحدثون من علماء اللغة أن "بانيني" هو خير النحاة الوصفيين القدماء. وقد سبق لنا أن عرفنا بجهود الهنود في مجال الأصوات اللغوية، وبينا أن وصفهم لأصوات لغتهم يفوق وصف اليونان لأصوات لغتهم. جـ- اليونان: أثر عن اليونان القدماء كذلك آراء صوتية لغوية ومحاولات لوصف اللغة اليونانية. وقد سبق أن عرفنا في باب "علم الأصوات اللغوية" بالآراء الصوتية المأثورة عن اليونان، وقارنا بينها وبين ما أثر عن العرب. 1- ولما كان اليونان فلاسفة أكثر من كونهم علماء دين فقد كانت نظريتهم ميتافيزيقية شيئا ما: فلقد تساءلوا عن ماهية اللغة وعن أصلها، وعن ماهية الكلمة، وتساءلوا: هل هناك علاقة طبيعية وضرورية بين الكلمة وبين الشيء الذي ترمز إليه؟ أتعلق

_ 1 Davenagri Script. 2 Panini.

المعاني بالكلمة تعلق بالطبع أم تعلق بالاصطلاح؟ ذهب إلى الرأي الأول بروديكوس1 وسفسطائيو القرن الخامس قبل الميلاد. أما الرواقيون أنصار زينون الذين يردون كل شيء إلى المنطق، فقد رأوا أن النحو ينبغي أن يطابق المنطق، وينبغي أن تطابق "الفصائل" أو "الأقسام" النحوية أقسام المنطق أو "مقولاته"، وفي رأيهم أن ثمة توافقا بين علامة الجمع مثلا وبين فكرة التعدد. هؤلاء أصحاب قياس. وقد رد عليهم أولئك الذين يدخلون في حسابهم ما يشاهد في اللغة من "شذوذ" فقالوا: قد تدل الكلمة الجمع على مفرد، والتقسيم النحوي إلى مذكر ومؤنث ومحايد، لا يطابق التقسيم على أساس "الجنس" في الواقع الطبيعي، واستنتجوا من ذلك أن ليس هناك تطابق لازم بين اللغة والواقع. 2- ومن أمثلة نظر اليونان في "أصل اللغة" أن هيرودت يروي في القرن الخامس قبل الميلاد أن أبسماتيك2 فرعون مصر، وقد أراد أن يعرف أي الأمم أعرق وآصل، عزل طفلين حديثي الولادة وحدهما في حديقة، فلما أخذا في الكلام نطقا بكلمة Bekos وهي الكلمة "الفريغية"3 التي تدل على "خبز". 3- وأفلاطون "427-347ق. م" في محاورته المسماة "كراتيلوس"4، يناقش أصل الكلمات، ويناقش مسألة هامة ظلت تشغل اللغويين والمفكرين أزمنة طوالا هي مسألة العلاقة بين "الأشياء" و"الكلمات" التي تسميها: أهي علاقة طبيعية وضرورية أم أنها لا تعدو أن تكون ثمرة "اصطلاح" الجماعات؟ 5.

_ 1 Prodicus. 2 Pasmmethikus. 3 Phrygian. 4 Cratyllus. 5 يقول بلومفيلد في كتابه Language ص4، 5. إن هذه المحاورة تعطينا لمحة أولى عن مسألة طال الخلاف فيها بين "أصحاب القياس" Analogists وبين "أصحاب التشذيذ" Anomalists: فأصحاب القياس كانوا يعتقدون أن اللغة في أساسها "طبيعية" natural وهي لذلك "منتظمة" "أي "مطردة" القواعد" reguler و"منطقية" logical، أما أصحاب التشذيذ فكانوا ينكرون هذه الأمور، ويشيرون إلى الشواذ الملحوظة في التركيب اللغوي. كان القياسيون يعتقدون أنه من الممكن تتبع أصل الكلمات ومعناها بالنظر في أشكالها، وسموا البحث في هذا، "الاشتقاق" Etymology ومثل بلوميفلد هذه النظرية مصطنعا أمثلة إنجليزية، قال: من الواضح أن كلمة blackbird تتكون من blac وbird فهذا النوع من الطير إذن قد سمي بهذا الاسم =

4- لم يدرس قدماء اليونان سوى لغتهم، ولكنهم سلموا بأن "بنية" لغتهم تجسم الصور العامة للتفكير الإنساني، أو ربما تجسم الصور العامة للنظام الكوني بأسره. فملاحظاتهم النحوية محدودة بلغتهم ومكررة في صورة فلسفية. وهذه الملاحظات النحوية تبلغ كمالها في نحو ديونيزيوس ثراكس1 "القرن الثاني قبل الميلاد"، وفي نحو أبولونيوس ديسكولوس2 في القرن الثاني بعد الميلاد. 5- إن الصفة الغالبة على النحو اليوناني هي الكشف عن قواعد تميز صواب الكلام من خطئه، ثم فرض هذ القواعد، فالنحو اليوناني بهذا الاعتبار نحو تقعيدي تعليمي. ليست الملاحظة الموضوعية الخالصة هي الغالبة إذن، بل الرغبة في التوفيق، بكل وسيلة ممكنة، بين اللغة والمنطق، ووضع كلمات اللغة وتعبيراتها و ... إلخ في قوالب تيسر تعلمها فالنحو اليوناني منطقي تربوي. 6- والحق أن نحويي اليونان قد قاموا كذلك ببعض الملاحظات اللغوية التفصيلية فيما يتعلق ببعض الصور القديمة من اليونانية، وببعض لهجاتها. فالإلياذة والأوديسا كانتا مكتوبتين بلغة يونانية قديمة كانت غير معروفة وقت كبار النحاة، فكان عليهم أن يدرسوا لغتهما، وأن يقابلوا بين نسخها المختلفة لتقويم نصها. وكان أشهر الباحثين في هذا الميدان أريستاخوس3 "ولد حوالي 216ق. م. ومات سنة 144ق. م".

_ = من أجل لونه الأسود، وهذه التسمية صادقة حقا على هذه الطيور فهي "طيور" "وهي "سوداء". وعلى هذا المنوال كان من الممكن أن يستنتج اليونان أن ثمة علاقة بين gooseberry "وهو ثمرة من فصيلة التوت" وبين goose "= إوزة" لأن الكلمة الثانية هي صدر الكلمة الأولى، والواقع أن لا علاقة بينهما إطلاقا سوى هذا الشبه. وأيا ما كان فإن كثيرا من الكلمات الإغريقية، كما هو الحال في الإنجليزية، تستعصي على هذا النوع من التحليل. فكلمة early "= مبكرا" تنتهي بمثل ما تنتهي به كلمة manly "= رجولي" ولكن من الواضح أن الكلمة الثانية مكونة من man "= رجل" مضافا إليها اللاحقة ly أما ما يتبقى من الكلمة الأولى بعد تجريدها من اللاحقة ly فهي باقية غامضة لا تعين في تفسير معنى هذه الكلمة. وكذلك كلمة woman "= امرأة" تشبه كلمة man ولكن المقطع الأول في الأولى وهو wo غامض لا يعين في تحديد معنى الكلمة. في هذه الأحوال وما إليها كان اليونان، وتلامذتهم الرومان، يلجئون إلى الحدس والتخمين، ومن ذلك أنهم قالوا إن الكلمة اليونانية lithos "= حجر" مشتقة من العبارة Lian theein "= الجري الكثير" لأن هذا هو ما "لا" تفعله الحجرة! ثم قال بلومفيلد: إن هذه الاشتقاقات، على أي حال، ترينا أن اليونان قد أدركوا أن الصور الكلامية تتغير على مر العصور. 1 Dionysius Thrax. 2 Apollonius Dyscolus. 3 Aristarchus.

ولما بعد العهد بلغة كبار الأدباء الأثينيين من القرن الرابع اتخذت لغتهم موضوعا خاصا للدراسة. فقد كانت المثل الأعلى للغة الكتابة، وقد جمع بعض متأخري النحاة معلومات قيمة عن الملاحظات اللغوية التفصيلية في هذا الشأن، ومن أشهر هؤلاء هيروديان1 بن أبولونيوس. 7- وقد كان لمدرسة الإسكندرية القديمة فضلها في حفظ الآثار الأدبية اليونانية القديمة بوجه خاص. ففي الإسكندرية التي أصبحت مركز الثقافة اليونانية، كثرت الشروح في القرن الثالث قبل الميلاد على أشعار هوميروس، وأشعار سواه من الشعراء. واهتم لغويو الإسكندرية كذلك بدراسة "مفردات" النصوص، ومن ذلك جمع الألفاظ الصعبة، أو الكلمات الشعرية، أو الكلمات التي تنتمي إلى لهجات خاصة. د- الرومان: كان الرومان تلامذة لليونان في الدراسات اللغوية. وقد سبق أن عرفنا تعريفا مجملا بما أثر عنهم من ملاحظات صوتية "ص -255". وقد أخذت روما تشارك في الدراسات اللغوية منذ القرن الثاني قبل الميلاد. وقد وضع الرومان أنحاء اللغة اللاتينية على غرار النحو اليوناني، ومعنى ذلك أنهم وضعوا لغتهم في الإطارات التي تصورها اليونان للغتهم اليونانية، وهذا خطأ منهجي كبير. ولم يبلغ الرومان من الدقة في وصفهم لغتهم ما بلغه اليونان في وصف اليونانية، بله ما بلغه الهنود في وصف السنسكريتية. ومن مظاهر هذا أننا نواجه كثيرا من الصعوبة في معرفة نطق الرومان للغتهم، "ولا سيما تحديد مواضع الارتكاز" وفي معرفة أوزانهم الشعرية. ومن أشهر النحاة الرومان فارو2 من القرن الأول قبل الميلاد، وقد كتب De Lingua Latian "= عن اللغة اللاتينية" ودوناتوس3 من القرن بعد الميلاد، وقد كتب Ars Grammatica "= صناعة النحو"، وبريسكيان4 من القرن السادس بعد الميلاد.

_ 1 Herodian. 2 Varro. 3 Donatus. 4 Priscian.

العصور الوسطى وعصر النهضة

2- العصور الوسطى وعصر النهضة: أ- العصور الوسطى في الغرب: لم تشهد العصور الوسطى في أوربا خطوات أصيلة في الدراسات اللغوية. وكان الأمر السائد هو تعليم اللغة اللاتينية. وقد نظمت قواعد النحو اللاتيني شعرا في القرن الثالث عشر، ولم يضف علماء هذه العصور شيئا جديدا إلى القواعد اللاتينية التي وصل إليها القدماء، ولكنهم عرضوها بصورة أكثر إتقانا. وفي أواخر العصور الوسطى تحدد اهتمام العلماء والمتعلمين بدراسة اللغة اليونانية. وهكذا استمر التأثر باليونان -الذين أخذ عنهم الرومان القدماء- وبالرومان، ظلت المبادئ والتصورات اللغوية المتداولة هي تلك المبادئ والتصورات القائمة على أساس من المنطق. ب- العصور الوسطى في الشرق العرب 1: 1- نشأت الدراسات اللغوية عند العرب خدمة للقرآن الكريم، فعني المسلمون منذ القرن الأول الهجري بتدقيق الكتابة العربية وتقييد "الحروف" الكتابية بـ"الشكل" صونا لكلام الله عز وجل عن أن يصيبه التحريف. 2- وفي هذا الوقت بدأت المحاولات وتوالت للكشف عن القواعد التي يسير عليها الكلام العربي، ولوضع هذه القواعد في قوالب تتخذ للتعليم. ويبرز في هذه المحاولات اسم أبي الأسود الدؤلي، ومن وليه من نحاة البصرة والكوفة،

_ 1 الغرض من هذه التعريف الخاطف بجهود العرب في ميدان الدارسة اللغوية هو النص على أهم رءوس الموضوعات التي تناولوها بالدرس، ونحيل القارئ على الكتب العربية الحديثة التي تعرف بالعلوم العربية عامة ككتاب "ضحى الإسلام" و"ظهر الإسلام" للأستاذ أحمد أمين ففيهما تعريف بـ"اللغة" و"النحو" و"القراءات القرآنية" ... إلخ، وعلى الكتب المفردة لتأريخ هذه العلوم، أو لدراسة بعض الشخصيات اللغوية الكبرى، أو بعض الاتجاهات اللغوية. "انظر قائمة المراجع العربية في آخر الكتاب".

إلى أن يأتي الخليل بن أحمد الفراهيدي، وللخليل شأن جليل في كثير من جوانب الدراسات اللغوية. فقد استخرج أوزان الشعر العربي وأحكام قوافيه، وخطا بالمحاولات النحوية والصرفية السابقة خطوات كبارا يبدو أثرها في كتاب تلميذه سيبويه، ووضع -أو الأرجح أنه أوحى بطريقة وضع- أول معجم شامل لمفردات العربية وهو المعروف بـ"العين". وقد شارك الخليل في وصف أصوات اللغة العربية، وأتى تلميذه سيبويه بوصف لها أدق من وصفه وأكمل انظر تعريفنا بالآراء الصوتية عند العرب. 3- ثم كان كتاب سيبويه أقدم كتاب وصل إلينا في النحو العربي، والذي اتخذ أساسا لمن وليه من دراسات نحوية. وقد تعددت مدارس النحو ومذاهبه في البلاد العربية والإسلامية المختلفة وفي العصور المختلفة في العراق ومصر، وشمال إفريقيا، والأندلس، وفارس ... وكثرت المتون النحوية النثرية، والشعرية "كألفية ابن مالك" وظهرت الشروح على هذه المتون، والحواشي على الشروح حتى قيل إنه لم ينضج علم من العلوم العربية كما نضج النحو. وقد ساد النحو في العصور المتأخرة الجفاف نتيجة لغلبة التفكير المنطقي عليه. والنحو العربي في مراحله الأولى، متأثر شيئا من التأثير بمنطق أرسطو الذي تأثر به سوى النحو من ألوان النظر اللغوي1.

_ 1 انظر بحث الأستاذ الدكتور إبراهيم بيومي مدكور الذي ألقاه في مؤتمر مجمع فؤاد الأول للغة العربية سنة 1948 بعنوان: "منطق أرسطو والنحو العربي". قال الأستاذ مدكور إن المنطق الأرسطي أثر في النحو العربي من جانبين "أحدهما موضوعي، والآخر منهجي، فتأثر النحو العربي عن قرب أو عن بعد بما ورد على لسان أرسطو في كتبه المنطقية من قواعد نحوية، وأريد بالقياس النحوي أن يحدد ويوضع على نحو ما حدده القياس المنطقي". انظر تفصيلات أخرى في كتاب الأستاذ الدكتور إبراهيم أنيس: من أسرار اللغة ص62-64.

والحق أن من النحاة العرب من لم يكن يميل إلى الإفراط في تغليب المنطق على الدراسات النحوية أو اللغوية بوجه عام1. 4- وكانت عناية علماء العربية بـ"مفردات" الكلام العربي، وكانوا يسمون هذا علم "اللغة" عناية بالغة منذ القرن الأول للهجرة، وظلت هذه العناية متواصلة، فكان جمع المفردات الخاصة بموضوع معين، ككتاب الشجر، أو المطر إلخ، أو جمع المفردات لغربية، كغريب القرآن، وغريب الحديث، وحواشي الكلام، أو جمع "الأضداد" أو التأليف في "الترادف" و"الاشتراك اللفظي"2. وعني العرب من قديم ببيان الكلمات الأعجمية الأصل الدخيلة على الكلام العربي، ونصوا على ما في لغة القرآن الكريم من الأعجمي، ولهم في "المعرب" تصانيف كثيرة من أشهرها كتاب المعرب للجواليقي. ومن عنايتهم بمفردات اللغة تآليفهم في مصطلح العلوم والفنون. وتبلغ هذه العناية ذروتها في المعاجم العامة، ومن المعروف أن أول معجم من هذا النوع وضع في القرن الثاني للهجرة3. 5- ولم يكتف علماء العربية بالكشف عن الأصول التي يصح بمراعاتها الكلام، بل عنوا بالبحث في أسباب فصاحة "الكلمة" وبلاغة الكلام إلخ ... وقد اتصلت البلاغة العربية كما اتصل النحو العربي بالمنطق، وقد أصاب الدراسات البلاغية الجفاف والعقم لما غلب عليها الاتجاه المنطقي الفلسفي.

_ 1 يوضح ذلك المناظرة التي أجراها أبو حيان التوحيدي في كتابه "المقابسات" بعنوان "المنطق اليوناني والنحو العربي" بين أستاذه أبي سعيد السيرافي النحوي وبين متى بن يونس المنطقي في حضرة الوزير ابن الفرات، وفيها ميل أبي حيان لمسلك النحاة. وفي نفس الكتاب رسالة بعنوان "ما بين المنطق والنحو من المناسبة" وهي حديث يجريه أبو حيان بينه وبين أستاذه سليمان المنطقي". انظر الحديث عن دلالة هاتين الرسالتين، ورأي الأستاذ الدكتور إبراهيم أنيس فيما تضمنتاه في كتابه "من أسرار اللغة" ص65-67. 2 انظر تعريف الأستاذ الدكتور إبراهيم أنيس بجهود العرب في هذا الميدان في كتابه "دلالة الألفاظ" ص210-220. 3 انظر تعريف الأستاذ الدكتور إبراهيم أنيس بجهود العرب في دراسة المفردات ووضع المعاجم في الثاني عشر المسمى "كنوز الألفاظ العربية" ص221-246 من كتابه "دلالة الألفاظ".

6- وكان للدراسات النقدية العربية أثرها في الكشف عن بعض أسرار الجمال في العبارة العربية. 7- وقد أثر عن علماء العربية تصورات عامة عن "اللغة"، ونشأنها وحياتها، وعن الصلة بين اللفظ ودلالته1، وعن "القياس اللغوي"2 وممن اهتم بهذا على وجه الخصوص أبو علي الفارسي، وابن جني، ونجد نقولا عن غيرهما في الكتب الملخصة للآراء المختلفة كالمزهر للسيوطي. وقد شغل "علماء الأصول" منذ نشأة التأليف في أصول الفقه بمشكلة معنى الكلمة ومعنى الكلام بوجه خاص لما لذلك من شأن في تحديد الأحكام الشرعية. 8- واهتم علماء العربية بتاريخ الدراسات اللغوية العربية فكانت المعاجم والمؤلفات المشهورة في طبقات اللغويين والنحاة في تلخيص آراء بعض المدارس النحوية. 9- وقد كان للدراسات النحوية العربية أثر في النحاة العبريين، ومن هؤلاء، ابن حيوج. جـ- عصر النهضة وما يليه: 1- في عصر النهضة اتسع أفق الدراسات اللغوية في أوروبا نتيجة عوامل متعددة منها حركة الإحياء للتراث اليوناني والروماني، والحركات الوطنية، ورحلات الكشوف الجغرافية التي وصلت الأوروبيين بلغات كثيرة، وحركة التبشير المسيحي التي صبحت الكشوف الجغرافية. وقد نتج عنها قيام البعوث التبشيرية المسيحية بترجمة الكتب المسيحية المقدسة إلى لغات البلاد المكتشفة، ووضع أنحاء ومعاجم لبعض اللغات، وإن كانت هذه الأعمال غير دقيقة. وقد يسر القيام بكثير من هذه الدراسات ونشرها تقدم فن طباعة الكتب.

_ 1 انظر تعريف الأستاذ إبراهيم أنيس بهذا الموضوع، وبيانه لتأثير العرب ولا سيما ابن جني، بآراء فلاسفة اليونان في هذا الشأن، ص60-63. 2 انظر تعريف الدكتور إبراهيم أنيس بنظرة قدماء العرب إلى القياس اللغوي ص18-22 من كتابه "من أسرار اللغة"، وقارن هذا بما أورده عن موقف مجمع اللغة العربية من القياس ثم بنظرة المحدثين إليه نفس المرجع السابق ص33-48.

2- ومنذ أواخر العصور الوسطى وخلال عصر النهضة وعناية الأوروبيين بآثار كبار الأدباء اليونان والرومان آخذة في الازدياد. وقد أخذ المولعون بتلك النصوص يهتمون بالأسلوب أكثر من اهتمامهم باللغة، وفي هذا العصر بدأ "نقد" النصوص. 3- ثم أخذ لغويو أوروبا في دراسة لغات أخرى غير اللغتين الكلاسيكيتين اليونانية واللاتينية، فدرسوا بعض اللغات السامية وخطوطها كالسريانية والعبرية والعربية والحبشية. ومن أشهر المستشرقين في هذا العصر المستشرق الإيطالي ثيسيوس أمبروجيو1 "1469-1540م"، وليونارد أبلا2 المالطي وقد مات في روما سنة 1605م. ثم إن الرحالة العظيم بيترو دلافالي3 "1586-1652" رحل إلى تركيا وسوريا وفلسطين ومصر والعرق، وجلب معه إلى روما عند عودته من رحلاته كثيرا من المخطوطات القبطية، ومعجما قبيطيا عربيا، "وأنحاء" كثيرة. 4- وشهد القرن السادس عشر والسابع عشر عناية كبرى باللغات الدرافيدية، جنوب الهند. 1- كان البرتغاليون أول الشعوب العربية احتكاكا بالهند. ومعظم الدراسات الأولى في اللغات الهندية -ما عدا لغات شمال الهند- قام بها برتغاليون، أو كتبت بالبرتغالية وكانت واسعة الانتشار في جنوب الهند مدة قرنين من الزمان. 2- وكان لتوماس ستيفنس4 الإنجليزي اليسوعي -وقد عاش في الهند البرتغالية من 1579-1619 آراء منهجية عن اللغات العامية الهندية، وقد كتب أول نحو للهجة الكونكانية5. ولاحظ توماس ستيفنس ملاحظة هامة هي أن بنية اللغات الهندية الكثيرة ذات صلة باليونانية واللاتينية.

_ 1 Theseus Ambrogio. 2 Leonard Abela. 3 Pietro della Valle. 4 Thomas Stephens. 5 Konkani.

3- وقد شارك إيطاليان في دراسة اللغات الهندية حوالي الوقت الذي أسهم فيه توماس ستيفنس بجهوده، هذان الإيطاليان هما ساستي1، وكان في الهند ما بين 1580-1590م، ودي نوبيلي2 "ولد سنة 1577 ومات 1656". 4- وقد شارك الهولنديون والدنيماركيون والإنجليز بدراسات في لغات الهند الجنوبية، وتقدمت هذه الدراسات تقدما كبيرا في القرنين السابع عشر والثامن عشر. 5- أما اللغات السنسكريتية في شمال الهند فقد امتدت إليها أعمال البعثات التبشرية في القرنين السابع عشر والثامن عشر، كما شملت هذه الأعمال نيبال، والتبت، وبورما، والصين.

_ 1 Sassetti. 2 De Nebili.

القرنان الثامن عشر والتاسع عشر

القرنان الثامن عشر والتاسع عشر القرن الثامن عشر ... 3- القرنان الثامن عشر والتاسع عشر: أ- القرن الثامن عشر: 1- في سنة 1777 ابتدع فردريك أوجست ولف1 النقد المقارن للنصوص القديمة واستمرت عنايته به من بعد. وكانت غاية هذا الاتجاه إعادة بناء النصوص الأصلية وتفسيرها، أي أن فردريك ولف لم يمارس الدراسات اللغوية لفائدة اللغة نفسها ولكن لفائدة النصوص، كان يدرس لغة هذا الأديب أو ذاك للكشف عن أسرار عبقريته الأدبية، ولفهمها فهما أسلم. وواضح أن هذه الدراسة كانت قائمة على النصوص المكتوبة، أما اللغة الملفوظة فلم يكن لها دخل في مجال دارسته. ومع ذلك، فهذا الاتجاه في الدراسة اللغوية لم يكن يسعى، كما كانت تسعى الدراسة اللغوية السابقة إلى الكشف عن الطرق الصحيحة من التعبير، وتعليمها، بل كان يسعى إلى إدراك الحالة الحقيقية للغة كما تبدو في النصوص موضع الدراسة. 2- وكان أهم حدث لغوي في القرن الثامن عشر هو كشف سير وليام جونز2 الإنجليزي سنة 1786 للغة السنسكريتية، وللعلاقة بينها وبين اليونانية واللاتينية. وهكذا أخذ العلماء في مقارنة اللغة الهندية والإيرانية والأوروبية "اللاتينية واليونانية والكلتية والجرمانية". كان لهذا الكشف نتائج بالغة الأثر في سير الدراسات اللغوية، وفي النهضة اللغوية الحديثة. نتج عن معرفة اللغة السنسكريتية إدراك العلاقة بينها وبين اللغة اللاتينية وما تفرع عنهما من لغات. وهكذا أخذ العلماء يتكلمون عن مجموعة اللغات التي سموها عائلة اللغات الهندو - أوروبية3. ولكن شيئا أجل من هذا نتج

_ 1 Ferderic - Auguste Wolff. 2 Sir William Jones. 3 إن العلاقة بين اليونانية واللاتينية كانت ملحوظة قبل الكشف عن السنسكريتية ولكن تفصيل العلاقات القائمة بينهما لم يكن مفهوما، فلما دخلت اللغة السنسكريتية في مجال الملاحظة اتضحت العلاقات بين اليونانية واللاتينية =

عن كشف اللغة السنسكريتية، وهو اطلاع لغويي أوروبا وأمريكا على التراث الرائع النحوي والصوتي الذي خلفه العلماء الهنود. وقد ترجم جانب كبير من هذا التراث إلى الإنجليزية والفرنسية والألمانية. ويميل أكثر مؤرخي الدراسات اللغوية الحديثة إلى أعمال النحاة السنسكريتيين هي التي أوقفت النحاة الغربيين على أقدامهم. ولقد اطلع علماء الغرب على نحو للغة السنسكريتية لا يقوم على أسس من الفلسفة والمنطق كنحو اليونان لليونانية ونحو تلامذتهم المخلصين الرومان للاتينية، وكأنحائهم هم أنفسهم للغاتهم الأوروبية، هذه الأنحاء التي تأثروا فيها بالنحو اللاتيني خاصة. كان نحو السنسكريتية، كما يظهر عند بانيني1، وهو سيبويه السنسكريتية "أو سيبويه هو بانيني العربية"، نحوا وصفيا من الطراز الأول. واطلع لغويو الغرب كذلك على وصف الهنود لأصوات السنسكريتية وصفا لا يقوم على الأثر السمعي للأصوت بل يقوم على أسس فسيولوجية. كان إيحاء النحو السنسكريتي لا يزال إيحاء خصبا خلاقا.. وسنرى أن أكبر لغويي القرن التاسع عشر أوائل القرن العشرين في جوهرهم علماء في اللغة السنسكريتية، وذلك مثل وليام هويتني الأمريكي.

_ = ومن ذلك أن الترابط القائم بين الصور الآتية: يوناني ... لاتيني genos ... genus geneos ... generis genea ... geunera لم يكن يؤيد أي استنتاج، فلما ظهرت القائمة السنسكريتية المقابلة لهاتين القائمتين اتضحت لأول لمحة العلاقات القائمة بين هذه اللغات الثلاث، والقائمة السنسكريتية وهي: ganas ganasas ganassu يتضح من النظر في هذه القوائم الثلاث أن صوت الـ"S" في الهندو - أوروبية الأصلية استمر موجودا في السنسكريتية، بينما لم يحفظ في اليونانية واللاتينية إلا في النهاية، وأنه بين صوتين صائتين يظهر في اللاتينية على هيئة صوت الـ"r" بينما يختفي كلية في اليونانية. Warburg Probleme Et Methodes pp. 2-3. 1 Panini.

القرن التاسع عشر

ب- القرن التاسع عشر: دراسة اللغات الهندو - أوروبية واللغات الرومانية: 1- إن مطالع النظرة الحديثة إلى اللغة ودراستها تبدأ في القرن التاسع عشر. وهي مدينة إلى حد كبير بما كان قبل هذا القرن "من عصر النهضة إلى أوائل القرن التاسع عشر"، من جهود، هيأت لها سبل التقدم. فقد كثرت أمم الأرض التي سيطر عليها الغربيون أو احتكوا بها والتي أوفدوا إليها إرسالياتهم الدينية وسفراءهم السياسيين، وكان لهذه الإرساليات ولبعض الأفراد فضل كبير في التعرف على لغة جديدة في جمعها، وإبداء ملاحظات عنها، وكتابة أنحائها، ووضع معاجم لها ... إلخ، ثم كان ما ذكرناه من كشف السنسكريتية وما كان لهذا الكشف من أثر. 2- لقد أخذ "علم اللغة" الحديث في الظهور في مطلع القرن التاسع عشر في صورة "نحو تاريخي مقارن"، واستمر على هذه الصورة زمانا. وقد أدى هذا إلى الكشف عن الخصائص الأساسية للغات الرئيسية في العالم، وإلى دراسة لغات كثيرة وإلى الوصول إلى ما بينها من "نسب". إن القرن التاسع عشر في تاريخ الدراسات اللغوية هو قرن دراسة اللغات الهندو - أوروبية واللغات الرومانية. هذه الدراسات المقارنة قدمت معلومات كثيرة عن التغيرات التي تطرأ على الكلام الإنساني بحيث أمكن الوصول إلى الأصول العامة التي تسير عليها هذه التغيرات. نعم كانت هناك من قبل تأملات تتعلق بطريقة التغيرات اللغوية، ولكنها كانت "تأملات". أي لم تكن مبنية على أساس علمي، ولكن في أواخر القرن التاسع عشر حلت محل هذه التأملات نتائج قائمة على الاستدلال العلمي. 3- ولكن قبل أن نعرف بالنشاط اللغوي في القرن التاسع عشر يجدر بنا أن نشير إلى بعض الأفكار والتصورات العامة التي كان لها تأثير في مناهج أكثر لغويي ذلك العصر، وفي نتائج دراساتهم. إن القرن التاسع عشر هو قرن النزعة التطورية والعلوم الطبيعية، وهو فترة عظيمة من فترات "التأريخ للظواهر"1 المختلفة في الدراسات

_ 1 Historiography.

المختلفة. وكان لنظرية دارون للعلم الطبيعي أثرهما في دراسة التغيرات اللغوية على وجه الخصوص. إن نظرية دارون في التطور قد أثرت في مناهج كثير من العلوم، أو أثرت في مناهج العلوم الفلسفة جميعا، وكانت عند ظهورها بدعة العصر. تأثر بها علماء اللغة كما تأثر بها سواهم. ورأوا فيها -كما رأى غيرهم- حلا لكثير من المشكلات فظهرت حوالي سنة 1870 مناهج جديدة للبحث في اللغة على أساس فلسفة جديدة، أو تصورات عامة جديدة، هي أن طبيعة "التغيرات اللغوية" نفس طبيعة التغيرات التي تحدث في العالم الطبيعي، ولا سيما عالم الحيوان والنبات، وهكذا قال بعض علماء اللغة: إن ما يعرض للغات من تغير إنما هو بفعل "قوانين عمياء". فقد نظر اللغويون إلى اللغات واللهجات على أنها كائنات يمكن تصنيفها حسب أنواعها، ويتأتى حصر أعدادها، وتتطور تطور النباتات والحيوانات. وأنشأ اللغويون "علاقات النسب"1 بين اللغات واللهجات كما هو الحال في التاريخ الطبيعي. 4- كان للغويين الألمان أكبر الفصل في النهوض بهذه الدراسات الخاصة بالتاريخ اللغوي، والمقارنة اللغوية، والتغير اللغوي. 1- ومن أعلامهم فرانز بوب2 "1791-1868" الذي يصفه دلبروك3 "1842-1922" بأنه "خالق" علم الأصوات اللغوية في الألمانية، ولكن الحق أن بوب كان أول "فونولوجي - صوتي"4، وهذا يعني بلغة ذلك العصر، أول من درس الفونولوجيا التاريخية، وما أكبر الفرق بين الأمرين. وقد نشر فوانز بوب سنة 1816 مؤلفه: Systim der Konjugation des Sanskrit "= نظام التصريف في اللغة السنسكريتية".

_ 1 Genealogy. 2 Granz Bopp. 3 Berthold Delbruck. 4 Sound - Ponologist.

2- وثانيهم جاكوب "= يعقوب" جريم1 "1785-1863" "خالق النحو المقارن". 3- وثالثهم بوت2 "1802-1887" الذي أسس النحو الهندو - أوروبي المقارن. هؤلاء الأعلام الثلاثة الذين يسميهم دلبروك "الخالقين الثلاثة" خطوا بالدراسات اللغوية خطوات كبيرة. 4- ولا تنسى أن نذكر فضل راسك3 "1787-1832" وشليشر4 "1821-1868" وماكس موللر5 وسواهم. 5- ولكن نتائج دراسات هؤلاء العلماء لم تحظ بإجماع علماء اللغة، وأثبت خطأ بعضها علماء أحدث كما سنرى، ولكن هناك حقيقة كبرى هامة في تاريخ الدراسات اللغوية التي أدت إليها أبحاث المدرسة الألمانية، وهي اصطناع مناهج في دراسة اللغة أدق من المناهج السابقة عليهم، وكان من نتائج هذه المناهج الجديدة الدقيقة أن فرق علماء اللغة فيما بعد تفريقا بينا بين أمرين كانا يختلطان أكبر اختلاط وهما ما يعرف بـ Phlology , و Linguistics فاستبان أن المقصود من phi - lology "فقه اللغة" هو دراسة الوثائق المكتوبة ولغتها أما Linguistics "علم اللغة" فهو الذي يتخذ موضوعا له دراسة اللغة من حيث اللغة "دراسة اللغة في ذاتها" ومن أجل ذاتها" كما قال دي سوسير فيما بعد سواء كانت هذه اللغة مكتوبة أو غير مكتوبة. 6- وفي سنة 1866 أسست "الجمعية اللغوية الباريسية"6 وأخذت جهود فرنسا تبرز في مجالات الدراسات اللغوية.

_ 1 Jacob Grimm. 2 August Friedrich Pott. سنة مولده التي ذكرناها منقولة عن "يسيرسن" Language ص40، ولكن بلومفيلد ص14 من كتابه Language يحدد سنة 1787 لمولده. 3 Rasmus Kristian Rask. 4 August Schleicher. سنة مولده التي ذكرناها هي التي أشار إليها يسيرسن في كتابه "اللغة" ص71، أما بلومفيلد فقد ذكر في كتابه "اللغة" ص15 أن مولده سنة 1823. 5 Max Muller. 6 La Societe Linguistique De Paris.

7- وفي سنة 1867 كتب العالم الأمريكي الكبير ولمي دويت هويتني1 "1827-1894" كتابه: Language And The Study of Study of Language 12 Lecturea ln Linguistics "= اللغة ودراسة اللغة: اثنتا عشرة محاضرة في علم اللغة". وهو كتاب يعد الآن بالغ القدم ولكنه يعطي وجهة نظر القرن التاسع عشر في فقه اللغة المقارن2. وفي سنة 1874 ظهر كتابه: The Life And Growth of language "حياة اللغة ونموها". وهويتني في جوهره عالم في السنسكريتية، ومن خير الخدمات التي أداها إلى الدراسات اللغوية ترجمته من السنسكريتية إلى الإنجليزية بعض المقالات الخاصة بالأصوات اللغوية. 8- وفي سنة 1880 أصدر هرمان بول3 "1846-1921" بالألمانية كتابه المشهور: "أصول التاريخ اللغوي". وقد أعاد طبع كتابه هذا مرات، وقد اعتبرت الطبعة الخامسة منه "ظهرت سنة 1920" الكتاب المعتمد فيما يتعلق بعلم اللغة التاريخي4. ولكن هذا الكتاب على قيمته يتورط في عيبين كبيرين: أولهما إهمال هرمان بول الدراسة الوصفية للغة، والثاني إصراره على التفسيرات "النفسية". 9- ولكن على الرغم من هذه العناية البالغة بالجانب التاريخي والمقارن التي غلبت على القرن التاسع عشر، فقد وجد في نفس الوقت علماء صرفوا جهدهم إلى التفكير والبحث في بعض المسائل اللغوية العامة.

_ 1 William Dwight Whitney. 2 Comparative Phiology. 3 Hermann Paul. ظهرت سنة 1889 ترجمة من الألمانية إلى الإنجليزية للطبعة الثانية من هذا الكتاب" 1886" قام بها الأستاذ هـ. أ. سترونج. H A Strong Prinicples of History of Language London 1889.

1- فكتب ولهلم فون همبولت1 الألماني "1767-1835" من جملة ما كتب بحثا عن اختلافات الكلام الإنساني ظهر سنة 1836، أي بعد موت مؤلفه بسنة، ويعد هذا البحث أول كتاب كبير عن علم اللغة العام. 2- كما كتب هيمان شتانيتال2 وهو ألماني "1823-1899" وكان من أتباع فون هامبولت المعجبين، كتب كتابات عامة كثيرة عن أصول كثيرة، ونشر سنة 1861 بحثا عن الأنواع الرئيسية للبنية اللغوية. 10- ولكن أهم ما ظهر في علم اللغة العام في أواخر القرن التاسع عشر كتابان كتب أحدهما جورج فون درجابلنتس3 "1840-1893"، وكتب الثاني ولهم فنت4 "1832-1990" ظهر هذان الكتابان في وقت كان الاتجاه الغالب فيه نحو النزعة التاريخية في الدراسة ونحو المقارنة، وتصنيف اللغات على أسس عائلية، أو على أسس بنائية، فلم يكن لهما في وقتهما ما هما أهل له من تأثير. يقول أوتو يسيرسن: "على الرغم من أهمية هذين الكتابين وعلى الرغم من بلوغهما حد الامتياز من وجوه كثيرة إلا أنه لم يكن لهما على البحث اللغوي المعاصر ذلك التأثير الذي كان لبعض من تقدمهما. وأنا شخصيا مدين لأولهما "يقصد جابلنتس" أكثر من ديني لثانيهما "يقصد فنت" بمرات تستعصي على المقارنة، فقد كان فنت "عالم نفس" أكثر منه "عالم لغة"، وكانت صفحاته تبدو لي في أغلب الأحوال أغنى في كلماتها منها في أفكارها الموحية"5. 1- كتاب فون در جابلنش عن علم اللغة ظهر في سنة 1891، ويمتاز بأنه تقل فيه الاستعانة بالتصورات الفلسفية إذا ما قيس بكتاب شتاينتال، الذي سبق أن ذكرناه. 2- أما كتاب ولهلم فنث فهو يعنى فيه عناية كبرى ببيان العلاقة بين الظواهر اللغوية والظواهر النفسية.

_ 1 Wihelm Von Humboldt. 2 Heyman Stintall. 3 Georg Von der Gabelentz. 4 Wihelm Wundt. 5 Jespersen Language p. 98.

11- ومن أعلام اللغويين الإنجليز في القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين، هنري سويت1 "1845-1912". يقول: سويت: إننا أكثر عناية باللغة الحية، وبالدراسة اللغوية الوصفية. ويعد كتابا سويت: Primmer of Spken English "= التمهيد في الإنجليزية الملفوظة" و Handbood of Phonetics "= الموجز في علم الأصوات اللغوية" على غاية من الأهمية في علم الأصوات اللغوية في القرن التاسع عشر. وقد كتب سويت نحوًا للغة الإنجليزية2 وفقه لغة لها على طريقته الخاصة.

_ 1 Henry Sweet. 2 New English Grammar. انظر خطاب سويت الرئاسي المنشور في: Sweet s Collected Papers.

القرن العشرون

4- القرن العشرون 1: 1- بدأ علماء اللغة حوالي نهاية القرن التاسع عشر يتخلصون من طغيان نظرية التطور، فقد أخذ بعضهم ينكر أن تكون التغيرات اللغوية مماثلة للتغيرات التي تحدث في العالم الطبيعي، وقد ساعد على ذلك أمور منها المذهب الجديد الذي طلع به جول جييرون2 "1854-1926" على الناس في "علم اللغة الجغرافي". أخذ العلماء ينظرون إلى اللغة على أنها بنية أو نظام "عناصره المختلفة يعتمد بعضها على بعض، ووجود هذا النظام مهم بالنسبة لفهم كل من التغير اللغوي، واللغة من حيث هي لغة، والدور الذي تقوم به اللغة في المجتمع"3. 2- ثم أظهرت محاضرات فرديناند دي سوسير "1857-1913" التي نشرها تلاميذه سنة 1916 أهمية الفصل القاطع بين اللغة من حيث هي نظام مستقر وبين اللغة من حيث هي تغير لغوي. وبين دي سوسير بوضوح أن كل دراسة من هاتين يجب أن يكون لها مناهجها الخاصة بها. ومن التصورات الجديدة التي أدخلها دي سوسير تمييزه بين "اللغة" من حيث هي لغة، وبين الكلام، أي بين النظام اللغوي الذي تشترك فيه جماعة من الجماعات وبين الاستعمال الفعلي الذي يقوم به المتكلم باللغة لهذا "النظم"4. وهذا يتفق ونظرة مييه إلى اللغة على أنها "ظاهرة اجتماعية". ثم إن دي سوسير يرى أن اللغة "نظام من العلامات"5 التي تتكون من

_ 1 اقتضى سياق العرض أن ندرج في علماء القرن التاسع عشر بعض من أدركوا القرن العشرين مثل سويت، وهرمان بول، وفنت. 2 Jules Gillieron et M Roques Etudes de Geographie Linguistiques Paris 1912. 3 Sommerfelt Recent Trends ln Linguestics Diogeners. 4 Sommerfelt op cit. 5 Syseme de singes.

شيء مسموع ومن تصور مرتبط به ارتباطا لا انفصام له. وهذه العلامات التي تتصف بأنها تحكمية، أو بأنه لا باعث طبيعي عليها، تكتسب قيمتها عن طريق التقابل، فدى سوسير لا ينظر إلى اللغة على أنها جوهر بل ينظر إليها على أنها صورة1. واقترح دي سوسير ضرورة وجود علم جديد يدرس كل نظم العلامات واقترح له اسم "السيمولوجيا" أي علم العلامات. دي سوسير وتأثره بإميل دوركيم: دي سوسير ومن تأثر به من أعلام المدرسة الفرنسية مثل أنطوان مييه، وجرامون، وفندريس "وكان مييه وجرامون تلميذين لدى سوسير عندما كان يحاضر في باريس من "1881-1891" كانوا يقومون بدارستهم اللغوية كأنها من دراسات العلوم الاجتماعية. وقد تأثر دي سوسير وأكثر تلامذته بمذهب إميل دوركيم في علم الاجتماع. ولقد كان إميل دوركيم2 صديقا لفرديناد دي سوسير -كما كان صديقا ومراسلا منتظما للعالم اللغوي بودوان دي كورتناي3. إن دي سوسير السويسري ومجموعة العلماء الفرنسيين، ومجموعة العلماء البراغيين كانوا متأثرين بإميل دوركيم. وكان دوركيم أميل إلى أن يكون "وضعيا"4 فكان "ضد النزعة الفردية"5 وكان من أوائل من نادوا بأن الظواهر الاجتماعية ظواهر من نوع خاص. ومن أشهر مؤلفات دوركيم كتابه: De la Division de Travail Social "= تقسيم العمل الاجتماعي" وكان دوركيم نفسه متأثرا بكارل ماركس6.

_ 1 Sommerfelt op cit. 2 Emile Durkheim. 3 Baudoin de courtenay. 4 Positivist. 5 Anti - lndividualist. 6 Carl Marx.

لقد درجت الفلسفة الدوركيمية على أن تنظر إلى الـ langue "اللغة" باعتبارها متميزة "أو مستقلة" من الـ paole "الكلام". ثم من ذلك الاصطلاح الثالث وهو langage. وتقوم نظرية دي سوسير وتلامذته على ذلك الثالوث وهم يعتبرون الـ Langue "خارجة" بالنسبة إلى الفرد، أما الـ Langage فقد قال دي سوسير: إنه لا يمكن إدراكها بمعنى علمي. وقد عرفنا بهذا الثالوث في باب علم الدلالة "ص -237". كما عرفنا بنظرية دي سوسير في دراسة المعنى " -244". 3- وأخذ اللغويون ينمون أفكار دي سوسير الخاصة بـ"الفونيم". عني بذلك الأمير الروسي المهاجر ن. تروبتسكوى "1890-1938" وتلميذه ومساعده الروسي رومان جاكوبسون "ولد سنة 1896". هذان وأشياعهما ظهروا بتصور جديد هو "الفونولوجيا". وقد ميز تروبتسكوى وجاكوبسون ومساعدوهما بين الفونولوجيا وبين "الفونيتيك" أي علم الأصوات اللغوية في المؤتمر اللغوي الأول الذي عقد في لاهاي سنة 1928. وكان مركز هؤلاء مدينة براغ "انظر تعريفنا للفونولوجيا ص161". 4- أما جماعة "كوبنهاجن" الدانيماركية فتشمل لغويين أشهرهم أوتو يسيرسن، وبدرسن، وهيلمسلف. وهذه الجماعة تنشر دراستها بأكثر من لغة فمنهم من ينشر بالإنجليزية والفرنسية والألمانية ... إلخ. 1- أما يسيرسن فهو مشهور بكتابه "اللغة"1 الذي ظهر لأول مرة سنة 1922، وقد نقلنا عنه مرات، وهو خطوة كبيرة في سبيل تأريخ اللغة، وبكتابه "فلسفة النحو"2، ونحو اللغة الإنجليزية إلى آخر مؤلفاته الكثيرة. ويمتاز يسيرسن بالوضوح وبتقريب النظرات اللغوية المعقدة إلى جمهور كبير. 2- أما بدرسن فهو معروف بكتابه في تاريخ الدراسات اللغوية في القرن التاسع عشر.

_ 1 Language lts Nature Development And Origin. 2 Philosophy of Grammar.

3- وأظهر هيملسلف الدانمركي1 "ولد سنة 1899" بالتعاون في بعض المسائل مع هوج ألدال2 نظرية "دلالية" في اللغة تعرف باسم Glossematics، على أساس أن اللغة شكل أكثر من كونها مادة. واللغة عند هيلمسلف هي "نسق من العلاقات، أما كيفية الإبانة عنها فغير مهمة. ولكن هيلمسلف وجد معارضة شديدة من كثير من علماء اللغة. ويرى الأستاذ فيرث أن نظرية هيلمسلف نظرية مجردة، أنها نظرية منطقية رياضية، وصاحبها قد غالى في المبادئ التي نادى بها دي سوسير، تخريجا وتأويلا واستنباطا وتطبيقا، مغالاة لا توحي بها كتابات دي سوسير. ومع ذلك فنظرية هيلمسلف نظرية "فرنسية" في مصدرها إذا نحن أدخلنا "مدرسة جنيف" في المدرسة الفرنسية. ومع ذلك فإن نظرية هيلمسلف نظرية بارعة في عمومها، وشمولها، ومداها. ولكن هذه النظرية لم تطبق حتى الآن تطبيقا كاملا على لغة من اللغات، ولو اللغة الدنيماركية، لغة صاحبها. وربما كان هذا مما يوحي بأنه من الخير أن تعد هذه النظرية نوعا من "الرياضيات" الخالصة3. 5- في أمريكا: في السنوات الأخيرة قام اللغويون الأمريكيون ببحوث نظرية كثيرة. وقدموا للعلماء مادة اللغات الهندية الأمريكية التي تختلف في بعض الأحوال عن لغات العالم القديمة. ولهم نظرية في البنية اللغوية تتفق مع آراء الأوروبيين في مسائل هامة. وأشهر اللغويين الأمريكيين في القرن العشرين ليونارد بلومفيلد "1881-1949"، وإدوارد سابير "1884-1939".

_ 1 Louis Hejelmslev. 2 H. Uldall. 3 J. R. Firth Applcations of General Linguistics "Transactions of The Philological Socity 1975" p. 2.

1- وكتاب "اللغة" لبلومفيلد هو عمدة الأمريكيين. وبلومفيلد كما ذكرنا من أصحاب نظرية السلوك، والسلوكيون ينكرون أو يكادون ينكرون وجود أي عملية ذهنية، فأراد أن يتخلص من المعنى قدر الإمكان، فعنده أن معنى أي صورة من الصور اللغوية هو الحالة التي ينطق فيها المتكلم بهذه الصورة والأثر الذي يحدثه في السامع. فبلومفيلد يبدأ من الصور اللغوية لا من معاني الصور، وقد كون على أساس مقاييس صورية خالصة نظاما كاملا من الوحدات اللغوية الصغرى "= الفونيمات"، ومن تصرفاتها، ومن الصلات العامة بينها ومن الصور النحوية والنظم وأنواع الجمل. ولكن هذا المنهج لا يصلح عندما يطبق على التطور التاريخي. 2- أما اللغوي الثاني من لغويي أمريكا في القرن العشرين فهو إدوارد سابير. ولم يكن سابير سلوكيا. ولقد اقترح سابير تصنيفا للنظم اللغوية على أساس البنية اللغوية. ويرى سابير أن النظم اللغوية يمكن النظر إليها من ناحيتين: من حيث درجة تركيب1 الكلمات أو درجة استكمالها لهيئتها، وثانيا من حيث "الارتباط الآلي"2 الذي تتحد فيه عناصر الكلمات. ولقد أبرز سابير الصفة الاجتماعية للغة دون أن يهون من أهمية العامل الفردي. 6- مسائل نحاها علم اللغة الحديث من مجال بحثه: أبعد المحدثون من مجال بحثهم -ولو مؤقتا على الأقل- مسائل رأوا أنها لا تتفق مع طبيعة "العلم" التي اتصفت بها الدراسات اللغوية. 1- ومن ذلك التصنيفات العامة للغات. نعم إن ثمة عيوبا في النتائج التي وصل إليها القدماء في هذا الصدد، ولكن هل هذا يدعو إلى اطراحها كلية؟

_ 1 Synthesis. 2 Mechanical Cohesion.

الملاحظ أن المحدثين أخذوا ينفرون من "التعميمات"، وينفقون جهدهم في استقصاء مسائل جزئية، وكاد التعميم عندهم يصبح شرا من الشرور كما قال يسبرسن1. وعنده أنه لا يجوز التسليم بهذا. فمن طبيعة العلم أن يستهدف تعميمات أعرض وأعرض، ومعدلات أشمل وأشمل حتى يصل آخر الأمر إلى "توحيد المعرفة" الذي تحدث عنه هربرت سبنسر2. 2- ومن المسائل العامة التي يميل المحدثون إلى تنحيتها البحث في نشأة اللغة، فالكلام فيها عندهم ضرب من الميتافيزيقا "كما يقول فندريس في كتابه اللغة". 3- وقد أهمل "اللغويون كذلك المشكلات المتعلقة بتقويم3 اللغة، إنهم يرفضون البحث في "تفضيل" صيغة على صيغة، أو كلمة على كلمة، أو البحث في "صحة" الكلام4. 4- أما التفكير في إنشاء "لغة عالمية"5، هذا التفكير الذي ساد في وقت من الأوقات، فهو عند المحدثين ضرب من الرؤى والخيالات، أصحابه حالمون ومثاليون. 7- وضع علم اللغة في أحدث صوره: 1- لم تصبح الدراسة التاريخية السمة الغالبة على الدراسة اللغوية. فالمحدثون يهتمون اهتماما كبيرا بدراسة اللغة بطريقة وصفية ولكنهم لم يهملوا الجانب التاريخي. وإذا كان القرن التاسع عشر هو قرن دراسة اللغات الهندو - أوربية، واللغات الرومانية فقد أخذ بعض العلماء من بعد يهتمون باللغات السامية.

_ 1 Language p. 98. 2 Herbert Spencer. 3 Valuation. 4 Jespersen Language p. 99. 5 lnternational Language.

2- ومن السمات التي تميز علم اللغة في صورته الحديثة أنه تخلص، عند أكثر اللغويين، من الاعتماد على الفلسفة والمنطق. 3- والدراسة اللغوية، ولا سيما دراسة المعنى، متأثرة الآن بالدراسات الاجتماعية. 4- تأثر علم اللغة الحديث بالدراسات النفسية، ولكنه تخلص من سيطرتها على مناهجه، وأخذ ينتفع بحقائق من الدراسات النفسية في تفسير بعض الظواهر اللغوية. 5- أدرك غالبية المحدثين من علماء اللغة أن النظرية التي يقدمها علم اللغة نظرية تطبق في لغات معينة وليست نظرية للعموميات في الوصف اللغوي، إنهم يدركون أن هذه النظرية ينبغي أن تكون مرشدا للتحليل الوصفي للغات، وأن تقدم الأصول الضرورية "للتركيب"1. ويدرك اللغويون أن عليهم أن يتهيئوا لصنع الإطار التركيبي الأساسي لإقامة قناطر بين مختلف اللغات والثقافات2. 6- كما يدرك اللغويون المحدثون أن ثمة نظريات لغوية عامة كثيرة، وأنها ليست جميعا سواء في صلاحيتها للتطبيق العملي، ويدركون أن هذا سبب رئيسي في أن يحتفظوا في أذهانهم بوجهي علم اللغة وهما: علم اللغة العام، "وعلم اللغة التطبيقي"3.

_ 1 J. R. Firth Applications p. 6. 2 Applied Linguistics. 3 انظر J. R. Firth Applications p. 6.

معجم المصطلحات

معجم المصطلحات ...

المراجع

المراجع المراجع الإنجليزية ... المراجع الانجليزية: I 1- Abbott, Nabia: The Rise of The North Arabiac Script and Its Kur'anic Development, With Full Description of the Kur'anic Manuscripts in the Oriental Institute. Chicago, The University of Chicago Press, 1939. 2 - Abercrombie, David: Waht is A letter? "Lingua", vol. II, 1. August, pp. 54 - 63, 1949. 3 - AJP: American Jornol of Philolgy. Baltimore, 1880-. 4 - Allen, W. S.: Pjonetics And Comparative Linguistics. "Archivum Linguisticum, III, 2. 5 - Allen, W. S.: On The Linguistic Study of Languages. An Inaugural Lecture delivered in The University of Cambridge On 8 March 1957. Cambridge university Press, 1957. 6 - American Speech: Baltimore, 1925 -. 7 - Armstrong, Lilas E.: A Handbook of English Intonation W. Heffer & Sons Ltd., Cambridge, Second Edition Reprinted 1949. 8 - Barker, M. L.: A Handbook of German Intonation. Cambridge, 1925. 9 - Benveniste. Emile: Animal Communication And Human Language - Language of The Bees. Diogenes, Number 1. A quarterly Publicaation, Unesco.

10- Bloch, Bernard: Phonemic Overlapping. American "Speech", No. 16, pp. 278 - 284, 1941. 11- Bloch, Bernard: Outline Of Linguistic Analysis. Baltimore, Linguistic Society Of America, 1942. 12 - Bloch, Bernard: A Set of Postulates For Phonemic Anlysis. "Language", XXIV, pp. 3 - 36, 1948. 13 - Bridgman, p. w.: The Intelligent Individual And Society. 14-Bridman, P. W.: Logic Of Modern Physics. 15 - Bloomfield, Leonard: Language. Copyright in U. S. A. 1933. Revised And First Published In Great Britain, 1935; Reprinted London, George Allen And Unwin, 1950. 16 - Bodmar, Fredrick: The Loom of Language. New York, Lancelot Hogben, 1944. 17 - Bulletin Of The School'of Oriental And African Studie: London, 1917. 18 - Buck, Carl Darling: A Dictionary of Selected Synonyms In The Principal Indo-European Languages: AContribution To The History of Ideas. Chicago, University of Chicago Press XIX, 1949. 19-Carroll, John B.: The Study of Language: A Survey of Linguistics And Related Disciplines In America. Harvard University Press, Cambridge, Massachusetts (U. S. A.) 3 rd Printing 1959. (1 st ed. 1953) . 20 - Chase, Stuart: The Tyranny of Words. New York, Harcourt Brace, 1938.

21 - Coustenobl, Helene N. And Armstrong, Lilas E.: Studies In French Intonation. W. Heffer & Sons ltd., Cambridge, First Edition, 1934 22 - Diringer, David: The Alphabet, A Key To The History of Mankind. New York, Philosophical Library, 1948. 23 - Driver, G. R.: Semitic Writing From Pictograph to Alphabet. London, 1948. 24 - Firth, John Rupert: Speech. Been; 1930. 25 - Firth, J. R: The Word'Phoneme. "Le Maitre Phonetique", No. 46, 1934. 26 - Firth, J. R.: The Technique of Semantics Transactions of The Philological Society of Great Britain, 1935. 27 - Firth, J. R.: The Use And Distribution of Certain English Sounds.. "English Studies" XVII, 1 Februry 1935. 28 - Firth, J. R.: The Tongues of Men. Watts And Company, London, 1937. 29-Firth, J. R.: The Semantics of Linguistic Science. "Lingua", Volume I, 4 Sept. 1948. 30-Firth, J. R.: Sounds And Prosdoies. Transactions of The Philogical Society of Great Britain, 1948. 31 -Firth, J. R.: The Technique of Semantics. "Lingua", Volume I, 4 Sept. 1948.

32 - Firth, J. R.: Word-Palatograms And Articulation Bulletin of the School of Oriental And African Studies, (University of London) XII, 3 - 4, 1949. 33 - Firth, J. R.: Improved Techniques in Palatography. Bulletin of the School of Oriental & African Studies, XIII, 3,1956. 34 - Firth, J. R.: Personality And Language In Society. The Sociological Review (Journal of the Institute of Sociology, Ledbury, Hereforshire, England) Vol XLII, Section Two, 195. 35 - General Linguistics And Descriptive Grammar. Transactions of The Philogical Society of Great Britain, 1951. (Republished In. Firth, J. R.: Papers In Linguistics, pp. 216 - 228) . 36 - Firth, J. R.: Transactions of The Philogical Society of Great Britain pp. 83 - 103, 1955. 37 - Firth, J. R.: (Professor Emeritus of General Linguistics, University of London) . Papers In Linguistics 1934 - 1951. London, Oxford University Press, New York, Toronto, 1957. 38 - Fries, Charles C.: The Structure Of English An: Introduction To The Study Of English Sentences. New York, Hacourt, Brace, 1952. 39 - Gairdner, W. H. T.: The Phonetics of Arabic. A Phonetic Inquiry And Practical Manual For The Pronunciation of Classical Arabic And of One Colloquial (The Egyption) London,1925. 40 - Gardiner, A H: The Theory of Speech and Language. Oxford, Clarendon Press, 1932.

41 - Harrell, Richard S. The Phonology Of Colloquial Egyptian Arabic. American Council of Learned Societies - Program in Oriental Langages - Publications Series B - Aids - Number 9. New York, 1957. 42 - Harris, Zelling: From Morpheme To Utterance. "Language", 22, pp. 161 - 183. Readings in Linguistics, pp. 142 - 153. 43 - Harris, Zelling S.: Morpheme Alternants In Linguistic Analysis. "Language", 18, pp. 169- 180. (Readings In Linguistics pp. 109 - 115) . 44-Harris, Zelling S.: Methods In structural Linguistics. Chicago, University of Chicago Press, 1951. 45 - Hocktt, Charles R: A System of Descriptive Phonology. "Language", No. 18, pp. 3 - 21, 1942. 46 - Hocktt, Charles R.: A Manual of Phonology. International Journal of American Linguistics, XXI, 1955. 47-Hockett, C. F.: A Course In Modern Linguistics. New York, 1958. 48 - Hoenigswald, Henry M.: The Principal Step In Comparative Grammar. "Lingua" 26, pp. 357 - 364, 1950. Republished In: Martin. Joos; Readings In Linguistics, pp. 298 - 302. 49 - Hudson - William, T.: A Short Introduction to The Study of Comparative Grammar (Indo- Eurooean) . Cardiff, The University of wales Press Board, 1935.

50 -UAL: International Journal of American Linguistics, New York, 1917 -. 51 - International Phonetic Association: The Principles of The International Phonetic Association London, 1949. 52 - Iordan, lorgu: An Introduction To Romance Linguistics, Its Schools And Scholars. Revised, Translated And in Parts Recast by John Orr, London, Me-thuen, 1937. 53-J A OS: Journal of The American Oriental Society. New York (now New Haven) 1850 -. 54 - Jspersen, Otto: No vial Lexike (International Dictionry) . Librairie Orientaliste, Paul Geuthner, Paris, 1930. 55 - Jspersen, Otto: The System of Grammar. 56 - Jspersen, Otto: How to Teach A Foreign Language. Translated from The Danish.. Original By Sophia Yhlen Olsen Bertel- sen. First Published London 1904, Reprinted ... 1908 ... etc 1947. George Allen & Unwin. 57 - Jspersen, Otto: A Modern English Grammar On Historical Principles. Heidelberg, 1909 -. 58 - Jspersen, Otto: growth An Structure of The Language. Basial Blakwell, Oxford, 1948. 59 - Jspersen, Otto: ? Essentials Of English Grammar. First Published, 1933. Seventh Impression, 1948. London, George Allen & Unwin Ltd. 60 - Jspersen, Otto: Progress In Language. London, 1894.

61 - Jspersen, Otto: The Philosophy Of Grammar. London, George Allen and Unwin Ltd., Reprinted 1948 (First Published in 1924) . 62 - Jspersen, Otto: Mankind, Nation And Individual from a Linguistic Point of Vew. London, 1946. (Oslo 1925) . 63 - Jspersen, Otto: Language: Its Nature, Development And Origin. London, George Allen and Ltd., (1 st Published 1922) . Reprinted 1947. 64 - Jones, Daniel: An Outline of English Phonetics. Sixth Edition, Heffer, Cambridge, 1947. 65 - Jones, Daniel: Chronemes, And Tonemes Acta L' nguistica. 66 - Joos, Dartin: Acoustic Phonetics. "Language Monograpgs" No. 23, 1948. 67 - Joos, Martin: Editor of: Readings In Linguistics: The development of Descriptive Lingustics in America Since 1925. Second Edition, Edited for the Committee on Language Programs. American Council of Learned Societies, New York, 1954 (Lithographed in the U. S. A. by The Art Litho Company, Baltimore, Maryland) . 68 - Korzybski, Alfred: Science And Sanity; An Introduction To Non - Aristotilian System And General Semantics. Lancaster, Science Press, 1933. 69 - Lee, Irving: Language Habits In Human Affairs, An Introduction to General Semantics. New York, Haper, 1941.

70 - Lewis, M. M.: Language In Society. London, Nelson, 1947. 71-Lg: Language: Journal Of The Linguistic Society of America. Baltimore. 1925 -. 72 - Mac Carthy, Peter A. D.: English Pronunciation, A Pratical Handbook for the Foreign Learner. Therd edition, Heffer, Cambridge, 1947. 73 - Malinowski, Bronislaw: The Problem of Meaning In Primitive Language. (Supplement I, pp. 296 - 336 In Ogden And Richards) : The Meaning of Meuing, (1 sted., 1923) . Tenth ed., Routledge and Kegan Paul Ltd., London, 1949. 74 - Malinowski, Bronislaw: Coral Gardens And Their Magic: A Study of The Methods Of Tilling The Soil And Of Agricultural Rites In The Trobriand Islanders. 2 Vol. London, George Allen & Unwin, 1935. 75 - Mandelbaum, David G. (Editor) : Selected Writings of Edward Sapir In Language, Culture, And Personality. Berkeley And Los Angeles, University Of California Press, 1949. 76 - Mitchell, T. F.: The Active participle An Arabic Dialect of Cyrenaica. Bulletin of The School of Oriental and African Studies (University of London) , XIV, Part 1. 1952. 77 - Mitchell, T. F.: An Introduction to Egyption Colloquial Arabic. Geoffry Cumberlege, Oxford University Press, London New York, Torornto, Oxford University Press, Amen House, Lonon 1056. 78 - Mitchell, T. F.: The Language of Buying and Selling in Cyrenaica; A Situational Statement.

Hesperis: Archives Berberes et Bulletin de' institut des Hautes Etudes Marocaines, Annee 1947. Paris, 1957. 79 - Mitchell, T. F.: Syntagmatic Relations in Lingauistic Analysis. Transactions of the Philogical Society of Great Britain, pd. 101 - 118, 1958. 80 - Mitchell, T. F.: Prominence and Syllabication in Arabic. Bulletin of The School of Oriental and African Studies Vol. XXIII, Par 2, 1960. 81 - Mitchell, T. F.: (Reader in Linguistics, School of Oriental and African Studies, University of London) . Colloquial Arabic, The Living Langauge of Egypt. (The Teach Yourself Books) The English Univirsities Press Ltd. London, First Printed 1962. 82 - Modern Philology. Chicago, 1903 -. 83 - Morris, CharlesW.: Sings, Language, And Behavior. New York, Prentice Hall, 1946. 84 - Moritz, B. Arabic Palaeography. Cairo, 1905. 85 - Nida, Eugene A.: Morphology: The Descriptive Analysis of Words. Ann Arbor, University of Michigan Press, 1946. 86 - Ogden, Charles K. And Richards, Ivor: The Meaning of Meaning. London, 1923. 1st ed London 1923. Tenth ed London, Routledge and Kegan Paul Ltd., 1949.

87 - Paget, R. Human Speech. London, 1930. 88 - Palmer, F. R. Linguistics Hierarchy. "Lingua" VII, pp. 225 - 241, 1958. 89 - Palmer, Harold E. The Principles of Language Study London 1921. 90 - Palmer, Harold E. A First Course In English Phonetics Cambridge, 1922. 91 - Palmer, Harold E. English Intonation Cambridge, 1922. 92 - Palmer, Harold E. A Grammar Of Spoken English. Cambridge, 1924. 93 - Palmer, Harold E. The Scientific Study And Teaching Of Languages Yonkers-on-Hudson; World Book Co. 94 - Palmer, Harold E.,; Martin, J. V.; Blandfored M. A.: A Dictionary Of English Pronunciation with American Variants. Cambridge, 1926. 95 - Paul, Hermann: Principles Of The History of Language. Translated from German By H. A. Strong, 2 ed. New York, Macmillan, 1889. 96 - Pedersen, H. Linguistic Science In The Nineteenth Century. English Translation By J. Spargo. Cambridge, Harvard University Press, U. S. A. 1931. 97 - Pei, Mario (Prof. In Columbia University) . The Story of Language. J. B. Lippincott Company, Publishers, Philadelphia.

98 - Pickthall, Mohammed Marmaduke. The Meaning of The Glorious Koran: An Explanatory Translation. Published as a "Mentor Book" New York, U. S. A., 1953. 99 - Pike, Kenneth L. Phonetics, A Critical Analysis of Phonetic Theory and A Technic For the Practical Description of Sounds. Ann Arbor, London, 1944. 100-Pikes KennthL. The Intonation Of English. Ann Arbor: University of Michigan Press, 1946. 101 - Pike, Kennth L. Phonemics, A Technique for Reducing Languages to Writing. University of Michigan Publications, Lingauistics Volume III. Ann Arbor, University Of Michigan Press, 1947 (Second Printing, 1949) . 102 - PMLA: Publications Of The Modern Language Assocition Of America. Baltimore (now Menasha, Wis.) , 1886 -. 103 - Publications of The English Dialect Society. London, 1873. 104-Read, Allen Walker: An Account of The Word "Semantics". "Word", 4: pp. 78 - 97. 105 - Reiss, Samuel: The Rise Of Words And Their Meanings. New York, Philosophical Library, 1950. 106 - Ripman, Walter: English Phonetics And Specimens of English. London, 1933. 107 - Robert, Hall A. (Jr) . The Reconstruction of Proto - Romance. "Language", 26, pp. 6 - 7, 1950. Republished In Martin Joos: Readings In Linguistics, pp. 303, 314.

108-Robins, R. H. The Objectives Of Formal Grammar. "Indian Linguistics", Turner Jubilee, Vol. I, pp. 22 - 30, 1958. 109 - Robins, R. H. Some Considerations On The Status Of Grammar In Linguistics. "Archivum Linguisticum", Vol II, Fasc. 2, pp. 91 - 114. 110 - El Saaran, Mahmoud: A Critical Study of The Phonetic Observations of The Arab Grammarians. Ph. D. Thesis, London University, S.O.A.S., 1951. Typescript, (Library of S.O.A.S. Library of The Faculty of Arts, Alexandria University) . 111 - Sapir. Edward: Language, An Introduction To The Study of Speech. New York, Harcourt, Brace And Company, 1921. 112 - Schlauch, Margaret: (Professor of English, New York University) ; The Gift of Tongues. (Copyright In The U.S.A. First Published in Great Britain 1943) . Third Impression, 1949. London, George Allen & Unwin Ltd. 113-Sommerfelt, ALF: Recent Trends In General Linguistics. "Diogenes" Number 1, English Edition, A quarterly Publication of The International Concil for Philosophy and Humanistic Studies, Unesco. 114 - Sturtevant, Edgar H: An Introduction To Linguistic Science. New Haven, Yale University Press (U.S.A.) 1947. 115 - Swadesh, Morris: The Phonemic Principle. "Language" No. 10, pp. 117 - 129. 1934. 116-TAPA: Transactions Of The Amercan Philological Association. Hartford, Conn. (now Middletown.) , 1871 -.

117- The Modern Language Review: Cambridge, 1906 -. 118- The Quarterly Journal Of Speech: Chicago, 1915 -. 119-Thurman, Arnold: The Folklore of Capitalism. 120 - Trager, George L. & Smith. Henry Lee.: Outline Of English Structure. Norman, Okla, Battenburg Press, 1951. 121 - Troubetzkoy, N. S. Principes De Phonoilogie. Traduit de 1' allemand Par J. Cantineau. Librairie C. Klincksieck, Paric, 1949. 122 - Twaddell, Freeman W. on Defining The Phoneme.:Language" Monograph No. 16, 1935. 123 - Uldall, H. J. Speech And Writing. Acta Linguistica. 124 - Ullmann, Stephan. Words And Their Use. New York, Philosophical Library, 1951. 125 - Ullmann, Stephan. The Principles Of Semantics. Glasgow. Glasgow University Publications, No. 48, 1951. 126 - Varma, Studies In The Phonetics Observations of The Indian Gram- marians. The Royal Asiatic Society; London, 1929. Printed By Billing And Sons Ltd, Guildford And Esher. 127-Vollers, K. The System of Arabic Sounds As Based upon Sibaweihi and Ibn Yaish. Transactions Of the Ninth International Congress of Orientalists, Vol. II, pp. 130 - 154, London, 1893.

128 - Ward, Ida And Westermann. Practical Phonetics for African Languages. 129-Ward.htm'Ida C: The Phonetics Of English. Fourth edition reprinted, Heffer, Cambridge, 1948. 130-Wiess, Albeit Paul: Linguistics And Psychology. "Language" I, pp. 29 - 57; 1925. 131 - Weiss, Albert Paul: A Theoretical Basis of Human Behaviour. Colmbus, Ohio, Adams, 1929. 132 - Whatmough, Joshua: (Professor of Comparative Philology In Harvard University) . Language: A Modern Synthesis. A Mentor Book Published By The New American Library Of World Literature, Inc., New York. First Printing 1957. 133 - Whitney, William Dwght: The Atharva-Veda Praticakhya (Translated from Sanskrit) . Journal of rhe American Orintal Society, Vol. VII, article VIII, pp. 33-615, 1862. 134 - Whitney, W. Dwight: Translation of The Sanskrit: Rik Veda Pratikhya; Atharva-Veda Praticakhya; Taittiriya-Praticakhya: Journal of American Orintal Studies, 1862 Vol. VII airticle VIII pp. 333 - 615. And 1871 Vol. IX, pp. 1 - 469. 135 - Whitney, William. Dwght: The Taittiriya - Praticakhya, With Its Commentary, The Tribhasya- raina: Text, translation, And Notes, journal of The Oriental American Society, Vol. IX, pp. 1 - 469, 1871. 136-Arend,Z. M,: Baudouin de Conrtenay and the Phoneme Idea. "Le Maitre Phonetique", January, 1934.

المراجع الفرنسية

المراجع الفرنسية: 1 - BSL: Bulletin De la Societe De linguistique De Paris. Paris, 1869-. 2 - Breal, Michel: Essai de Semantique. 3 erne edition 1897. (Translated into English by Mrs. H. Cust Under the title "semantics", London, 1900) . 4 erne edition, Paris, 1908. 3 - Brockelman: Precis de linguistque Semetique. Traduit Par W. Marcais & Marcel Cohen. 4 - Brunschvicg, Leon: Heritage De Mots Heritage D' Idees (Bibliotheque De philosophic Contemporaine Fondee Par Felix Alcan) Presses Universitaires De Frances, Paris; 1950. 5 - Burney, Bierre: L" orthographe (Que-Sais-Je? 685) . Presses Universitaires De France; Paris. 1955. 6 - Cantineau, J.: Le Dialecte Arabe De Palmyre Tome I: Grammaire (Memoris De L: Institut Francai De Damas) . Beyrouth, 1934. 7 - Cantineau, J.: Esquissed, une Phonologi de i' Arabe Classique. Bulletin de la Societe Lienguistique de Paris. 8 - Chauchar d, Paul: Le Langage Et La Pensee. (Que-Sais-Je? 608) Presses Unixersitaires De France Paris, 1956.

9 - Comite International Permanent des Linguistes: Bibliographie Linguistiques Des Annees 1939 - 1947; 2 "Vol. Utrecht And Brussels, 1949 - 1950. 10-Dauzat, Albert. La Geographie Linguistique. Paris, Ernest Flammarion, Editeur, (Copyright 1922) . 11 - Dauzat, Albert. Les Noms De Persomnes. Paris, 1-925. 12 - Dauzat, Albert. Les Noms De Lieux: Origine Et Evolution. Librairie Delgrave, (Copyright 1926. 1937) . 13-Dauzat, Albert. Les Patois Evolution; Classification Etude. Paris, 1927. Dixieme edition Remise Au Pint. Paris, Librairie Delgrave, 1938. 14 - Dauzat, Albert. La Vie Du Langage. Evolutions Des Sons Et Des Mots-Phenomenes Psychologiques- Phen- omenes Sociaux - Influences Litteraires. Quatrieme Edition Librairie Armand Colin, Parix 1929. 15 - Dauzat, Albert. Les Argots: Caracteres; Evolution; Influence. Paris. Librairie Delgrave, 1929. 16 - Dauzat, Albert. Histoire De La Langue Francaise. Paris, 1930. 17 - Dauzat, Albert. La Philosophic du Langage. Nouvelle Edition Revue Et Corrigee. Ernest Flammarion, Editeur, Pari, 1932.

18 - De Saussure, Ferdinand: Cours De Linguistique Generale. Quatrieme edition, Payot, 1949. 19 - Feghali, Michel: Syntaxe des parlers Arabes Actuels Du Liban. (Bibiiotheque De L: Ecole Des Langues Orientales Vivantes) . Paris, Imprimerie Nationaie - Librairie Orientaliste Paul Geuthner, 1928. 20 - Fouche, Pierre: Etat Actual du Phonetisme Francais. 21 - Garde, Edouard: La Voix Que-Sais-Je? 627 Presses Universitaires De paris. Paris, 1954. 22 - Gillieron, J. Et Roques, M. Etudes de Geographie Linguistique Paris, 1912. 23 - Grammont, Maurice. Traite De Phonetique. 2 erne ed. Paris, 1939. 24 - Guillaume, Gustave: Temps Et Verbe: Theorie Des Aspects, Des Modes Et Des Temps. Collection Linguitique Publiee par la Societe D. Linguistique De paris-XXVII. Paris, Librairie Ancienne Honore Champion, Editeur Edouard Champion, 1929. 25 - Guirand, Pierre: La Stylistique Que-Sais-Je? 646. Presses Universitaires De Paris, Paris, 1954. 26 - Higounet. Charles: L' Ecriture. Que-Sais-Je? 653. Presses Universitaires De paris, Paris, 1955.

27 - Hjelmselv, Louis. Principes de Grammaire Generale. Copenhagen, 1928. 28 - Jaberg, Karl: 8 Professeur A L: Universite De Berne Aspects Geographiques Du Langage (Aspects Geographiques Du Lan- gage (Avec 19 Cartes) Conferences Faites Au College De France, Decembre 1933. (Societe De Publications Romanes Et Francaises XVIII Paris, Librairie E. Droz, 1936. 29 - Jackobson, Roman: Theorie Des Affinites Phonologiques Entre Les langues. pp. 351 - 365, Troubetzkoy: Principes De Phonologic 30 - Malmberg, Bertil La Phonetique (Que-Sais-je? 637) Presses Universitaires De France, Paris, 1954. 31 - Marcais, Le Dialecte Arabe Parle A Tlemcen. Grammaire, Textes Et Glossaire. Publication, De L: ecole Des Lettres D: Alger-Bulletin De Correspondance Africaine, Tome XXVI. Paris, Ernest Leroux, Editeur, 1902. 32 - Martinet, Andre: Au Sujet des Fondements de La Theorie Linguistique de Louis Hje- lmslev. Bulletin de la societe de Linguistique de paris, 42: 19-42 (Fascuile I, No. 124) . 1946. 33 - Marouzeau, J.: Lexique de la Terminologie Lingustique Francais, Allemand, Anglais. Paris, Librairie Orientsaliste Paul Geunther, 1943. 34 - Marouzeau, J.: Linguistique Ou Science Du Langage. Paris, Librairie Orientaliste, Paul Geunther. 35 - Meillet, Antoine. Les Dialectes Indo - Europeens. Collection Linguistique Publiee Par la Socite De Linguistique De par-is, 2, 2 erne edition, Paris, 1922.

36 - Meillet, Antoine, Et Cohen M; Les Langues Du monde. Collection Linguistique Publiee Par La Societe De Linguistique de Paris, 16. Paris, 1924. 37 - Meillet, Antoine. Le Slave Commu. Collection de Manuels Publiee par 1: Institut d: etudes Slaves, 2, paris, 1924. 38 - Meillet, Antoine. La Methode Comparative En linguistique Historique. Oslo, 1925. 39 - Meillet, Antoine. Introduction a L' etude Comparative Des Langues Indo-Europeennes. 3 erne ed Paris, 1612. 40 - Meillet, Antoine. Linguistique Historiques Et linguistique Generale. Collection Linguistique Publiee par la Societ de linguistique de Paris, VIII. Paris, Librairie Ancienne Honore Champion, Editeur Edouard Champion, 1948. 41 - Pei, Mario: Histoire du langage: Les Origines du Langage - Les Elements Constitutifs du langage - Les Diverses Fonctions Sociales du Langages Les Langues du Monde - La Langue Internationale Traduction du Max Gubler Payot, Paris, 1954. 42 - Perrot, Jean. La Linguisitique (Que-Sais-Je? 570) lere edition, Presses Universitaires De Grance, Paris 1953. 43 - R P: Revue de Phonetique Paris, 1911. 44 - Rousselot, P. Principes de Phonetique Experimentale. Paris, 1897- 1909.

46 - Schrijnen, Jos.: Essai de bibiogi aphie de geographic linguistique generale. (Comite international Permanent de Linguistes) . Nimegue, 1933. 47 - Vendryes, J.: Le Langage: Introduction Linguistique A 1.htm' Histoire. Editions Albin Michel, 22 Rue Huyghens, Paris XlVe, Imprimerie Bussiere a Siant-Amard (Cher) France 1/9/1950. (1 ere Edition. 1923) . 48 - Wartburg, W. V. Evolution Et Structure de La langue Francaise. Troisieme Edition. Revue Et Augmentee. Editions A. Francke S. A., Berne, 1946.

المراجع العربية

المراجع العربية: 1- إبراهيم أنيس "دكتور": الأصوات العربية. نشر مكتبة نهضة مصر بالفجالة "سنة الطبع غير مذكورة، الأرجح أنه صدر سنة 1947". 2- إبراهيم أنيس "دكتور": من أسرار اللغة. نشر مكتبة الأنجلو المصرية، مطبعة لجنة البيان العربي القاهرة. سنة 1951. 3- إبراهيم أنيس "دكتور": موسيقى الشعر. القاهرة. 4- إبراهيم أنيس "دكتور": اللهجات العربية. نشر دار الفكر العربي، مطبعة الرسالة، "سنة الطبع غير مذكورة". طبعة لجنة البيان العربي طبعة ثانية سنة 1952. 5- إبراهيم أنيس "دكتور": دلالة الألفاظ. ملتزم الطبع والنشر مكتبة الأنجلو المصرية، القاهرة، الطبعة الأولى سنة 1958. القاهرة. 6- إبراهيم بيومي مدكور "دكتور": منطق أرسطو والنحو العربي. بحث ألقي في مؤتمر المجمع اللغوي المصري سنة 1948. 7- إبراهيم جمعة: قصة الكتابة العربية. سلسلة اقرأ رقم 53 أبريل سنة 1947 دار المعارف مصر. 8- إبراهيم مصطفى: إحياء النحو. الطبعة الأولى مطبعة لجنة التأليف والترجمة والنشر القاهرة 1937، طبعة تالية بنفس المطبعة 1951. 9- إبراهيم مصطفى: أول من وضع النحو. مجلة كلية الآداب، جامعة فؤاد الأول المجلد العاشر، القسم الثاني ديسمبر 1948.

10- إبراهيم محمد نجا: فقه اللغة العربية القاهرة، دار النيل للطباعة، 1957. 11- إبراهيم اليازجي: لغة الجرائد. القاهرة، مطبعة المعارف 1319هـ. 12- ابن الأنباري، أبو البركات كمال الدين عبد الرحمن بن محمد بن عبيد الله بن أبي سعيد "ولد سنة 512هـ وتوفي 577هـ": أسرار العربية ليدن، طبع أبريل 1303هـ - 1886م. 13- ابن الأنباري، أبو البركات عبد الرحمن بن محمد: الإنصاف في مسائل الخلاف بين النحويين البصريين والكوفيين. نشر جوتولد فيل Gotthold Weil، ليدن 1913. وظهرت له طبعة عربية بتحقيق محمد محيي الدين عبد الحميد، جزان في مجلد، عني بنشره محمد توفيق الكتبي بشارع جوهر القائد "السكة الجديدة" بمصر الطبعة الأولى، مطبعة الاستقامة بالقاهرة 1364هـ - 1945م. 14- ابن الأنباري، أبو البركات كمال الدين عبد الرحمن بن محمد: نزهة الألباء في طبقات الأدباء. قام بتحقيقه الدكتور إبراهيم السامرائي "ساعدت وزارة المعارف العراقية على نشره" مطبقة المعارف، بغداد، 1959. 15- ابن الجزري، شمس الدين أبو الخير محمد بن محمد "المتوفى سنة 833": غاية النهاية في طبقات القراء. عني بنشره ج. برجشتراسر G. Bergstrasser طبع لأول مرة بنفقة الناشر ومكتبة الخانجي بمصر، مطبعة السعادة بجوار محافظة مصر، القاهرة 1351هـ - 1932م. 16- ابن الجرزي، شمس الدين أبو الخير محمد بن محمد الدمشقي: النشر في القراءات العشر. أشرف على تصحيحه ومراجعته فضيلة الأستاذ محمد الضباع شيخ عموم المقارئ بالديار المصرية، المكتبة التجارية الكبرى، مطبعة مصطفى محمد بمصر "سنة الطبع غير مذكورة" وثمة طبعة أخرى في دمشق سنة 1345هـ.

17- ابن جني، أبو الفتح عثمان: الخصائص بتحقيق الأستاذ محمد علي النجار، ثلاثة أجزاء في ثلاثة مجلدات طبع دار الكتب المصرية. الجزء الأول 1371هـ - 1952م، الجزء الثاني 1374هـ - 1955 الجزء الثالث 1376هـ - 1956م. 18- ابن جني، أبو الفتح عثمان: سر صناعة الإعراب بتحقيق لجنة من الأساتذة: مصطفى السقا، محمد الزفزاف، إبراهيم مصطفى، عبد الله أمين: نشر إدارة الثقافة العامة بوزارة المعارف العمومية "إدارة إحياء التراث القديم". ملتزم الطبع والنشر: شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي وأولاده بمصر. جزءان الجزء الأول الطبعة الأولى. شهر محرم 1374هـ - سبتمبر 1954. 19- ابن جني، أبو الفتح عثمان: المنصف. شرح ابن جني لكتاب "التصريف" لأبي عثمان المزني النحوي البصري بتحقيق الأستاذين إبراهيم مصطفى، وعبد الله أمين. إدارة الثقافة العامة بوزارة المعارف العمومية "إدارة إحياء التراث القديم". ملتزم الطبع والنشر مكتبة ومطبعة البابي الحلبي وأولاده بمصر جزءان. الطبعة الأولى أغسطس 1954. 20- ابن خلدون، عبد الرحمن، مقدمة ابن خلدون وهو الجزء الأول من: كتاب العبر ديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر. المكتبة التجارية الكبرى ومطبعتها بمصر. 21- ابن سنان الخفاجي، الأمير أبو محمد عبد الله بن محمد بن سعيد. سر الفصاحة. بتحقيق الأستاذ علي فودة من علماء الأزهر. الطبعة الأولى على نفقة مكتبة الخانجي بمصر المطبعة الرحمانية 1350هـ - 1932م. 22- ابن سيده: المخصص المطبعة الأميرية، القاهرة. 23- ابن سيده: المحكم في اللغة. المطبعة الأميرية، القاهرة.

24- ابن سينا، أبو علي الحسين: أسباب حدوث الحروف نسخه وصححه ووقف على طبعه محب الدين الخطيب "منقول بالفطوغراف عن نسخة المتحف البريطاني رقم 16659 ومعارض نسخة الخزانة التيمورية مجموعة رقم 200" القاهرة، المطبعة السلفية ومكتبتها لصاحبهما محب الدين الخطيب 1352هـ. 25- ابن فارس، أبو الحسن بن زكريا "المتوفى 395هـ" معجم مقاييس اللغة. بتحقيق الأستاذ عبد السلام محمد هارون. ملتزم الطبع والنشر، دار إحياء الكتب العربية، عيسى البابي الحلبي وشركاه، الجزء الأول 1366هـ، الثاني 1367هـ، الثالث؟؟؟ هـ، الرابع 1369هـ. 26- ابن فارس، أبو الحسن أحمد بن زكريا. الصاحبي في فقه اللغة وسنن العرب في كلامها. 27- ابن قاضي شهبة: طبقات النحاة 28- ابن مضاء القرطبي، أبو العباس أحمد بن عبد الرحمن بن محمد: الرد على النحاة. نشره وحققه الدكتور شوقي ضيف المطبعة الأولى دار الفكر العربي القاهرة، مطبعة لجنة التأليف والترجمة والنشر 1366هـ - 1947م. 29- ابن النديم، محمد بن إسحاق: الفهرست نشر جوستاف فلوجيل: Gustav Flugel ليبزج 1871. ومن طبعاته العربية، نشر المكتبة التجارية الكبرى، المطبعة الرحمانية بمصر، القاهرة 1348هـ. 30- ابن هشام، أبو محمد عبد الله بن يوسف الأنصاري: مغني اللبيب عن كتاب الأعاريب. حققه وفصله وضبط غرائبه الأستاذ محمد محيي الدين عبد الحميد - جزءان القاهرة.

31- ابن يعيش، أبو البقاء موفق الدين بن يعيش بن علي: شرح المفصل للزمخشري نشر وتحقيق الأستاذ ج. يان G J han ليبزج سنة 1882. وله طبعة مصرية في عشرة أجزاء، قام على ضبطها وتصحيحها جماعة من علماء الأزهر بأمر مشيخة الجامع الأزهر - عشرة أجزاء - إدارة الطباعة المنيرية، القاهرة. 32- أبو حيان التوحيدي: المقابسات تحقيق وشرح الأستاذ حسن السندوبي القاهرة المطبعة الرحمانية 1347هـ - 1927م. 33- أبو حيان التوحيدي: الإمتاع والموانسة صححه وضبطه وشرح غريبه الأستاذ أحمد أمين، والأستاذ أحمد الزين، القاهرة، مطبعة لجنة التأليف، والترجمة والنشر الجزء الأول 1939، والثاني 1942. 34- أبو هلال العسكري: الفروق اللغوية. 35- أحمد أمين: ضحى الإسلام ثلاثة أجزاء في ثلاثة مجلدات، الجزء الثاني في نشأة العلوم في العصر العباسي. القاهرة مطبعة لجنة التأليف والترجمة والنشر 1935-1946، وطبع طبعات تالية. 36- أحمد أمين: ظهر الإسلام أربعة أجزاء في 4 مجلدات القاهرة مطبعة لجنة التأليف والترجمة والنشر الجزء الأول 1945. 37- أحمد تيمور: تصحيح لسان العرب القاهرة، المطبعة السلفية 1323هـ. 38- أحمد تيمور: أسرار اللغة القاهرة، مطابع دار الكتاب العربي 1954. 39- أحمد تيمور: السماع والقياس القاهرة، مطابع دار الكتاب العربي 1955.

40- أحمد رضا العاملي: مولد اللغة بيروت، دار المكتبة الحياة، بيروت 1956. 41- أحمد عيسى: المحكم في أصول الكلمات العامية القاهرة، مطبعة مصطفى البابي الحلبي 1939م. 42- أحمد محمد شاكر: الشرع واللغة القاهرة، مطبعة المعارف 1944 43- الأزهري: تهذيب اللغة Le Monde Oriental Vol XlV pp. 1- 106- 1920 44- إسرائيل ولفنسون: تاريخ اللغات السامية القاهرة، مطبعة الاعتماد 1929 45- أمين آل ناصر الدين: دقائق العربية الطبعة الأولى بيروت محمد سعيد مسعد 1953. 46- أمين الخولي: فن القول القاهرة، مصطفى البابي الحلبي 1947. 47- أمين الخولي: محاضرات عن مشكلاتنا اللغوية. القاهرة، جامعة الدول العربية، معهد الدراسات العربية العالمية، 1958. 48- أنستاس ماري الكرملي "الأب": أغلاط اللغويين الأقدمين. بغداد، طبعة الأيتام، 1933. 49- إنو ليتمان E Littamann بقايا اللهجات العربية في الأدب العربي مجلة كلية الآداب بجامعة فؤاد الأول، المجلد العاشر، القسم الأول، مايو 1948. 50- أنيس فريحة "دكتور": محاضرات في اللهجات وأسلوب دراستها. ألقاها الدكتور أنيس فريحة على قسم الدراسات العربية العالمية، جامعة الدول العربية 1955، مطبعة الرسالة القاهرة 1374هـ- 1955م. 51- أنيس فريحة "دكتور": نحو عربية ميسرة بيروت، دار الثقافة بيروت 1955.

52- الباقلاني، أبو بكر محمد بن الطيب القاسم البصري "المتوفى سنة 338 هـ": إعجاز القرآن شرح وتعليق الأستاذ محمد عبد المنعم خفاجي، القاهرة، مكتبة ومطبعة محمد على صبيح وأولاده 1370هـ- 1951م. 53- تمام حسان "دكتور": مناهج البحث في اللغة ملتزم الطبع والنشر مكتبة الأنجلو المصرية، القاهرة مطبعة الرسالة 1955. 54- تمام حسان "دكتور": اللغة في المجتمع وهو ترجمة كتاب Language ln Society تأليف م. م. لويس M M Lewis راجع الترجمة الدكتور إبراهيم أنيس -القاهرة. دار إحياء الكتب العربية 1959. 55- الثعالبي، أبو منصور عبد الملك بن محمد: فقه اللغة وسر العربية. نشر المكتبة التجارية الكبرى بمصر مصطفى محمد صاحب المكتبة التجارية الكبرى 1352هـ-1933م وله طبعة أحدث. 56- الجاحظ، أبو عثمان عمر بن بحر: البيان والتبيين. ثلاثة أجزاء في ثلاثة مجلدات بتحقيق وشرح الأستاذ عبد السلام محمد هارون. الطبعة الأولى مطبعة لجنة التأليف والترجمة والنشر، القاهرة: الجزء الأول 1367هـ- 1948م الجزء الثاني 1367هـ- 1948م، الجزء الثالث 1368هـ-1949م. 57- جان بياجيه: اللغة والفكر عند الطفل. ترجمة الأستاذ الدكتور أحمد عزت راجح، ومراجعة الأستاذ أمين مرسي قنديل ملتزم الطبع والنشر، مكتبة النهضة المصرية، القاهرة، الطبعة الأولى 1954. 58- جبر ضومط "أستاذ اللغة العربية وآدابها سابقا في جامعة بيروت الأمريكانية". فلسفة اللغة العربية وتطورها "مقالات في تاريخ اللغة العربية، ونهضة الأقوام المتكلمين بها، وفلسفة

نشوئها وتطورها ووسائل ترقيتها -نشرت في مجلتي المقتطف والهلال بين سنة 1818 وسنة 1928" طبع بمطبعة المقتطف والمقطم بمصر، 1929. 59- جرجي زيدان: الفلسفة اللغوية والألفاظ العربية. في بيروت سنة 1866. طبع طبعة ثانية بها تعديلات وإضافة سنة 1904، ثم طبع طبعة ثالثة دون تغيير سنة 1923. ومنذ سنوات طبع طبعة جديدة "مراجعة وتعليق الدكتور مراد كامل" أستاذ اللغات السامية بجامعة القاهرة -طبع بدار الهلال. "سنة الطبع غير مذكورة". 60- الجواليقي، أبو منصور موهوب بن أحمد بن محمد. المعرب من الكلام الأعجمي على حروف المعجم تحقيق الأستاذ أحمد شاكر، مطبعة دار الكتب المصرية. 61- جوتلف برجشتراسر: التطور النحوي للغة العربية. القاهرة 1929 62- حاجي خليفة: كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون مطبعة الأستانة 1947. 63- حسن عون "دكتور"، اللغة والنحو الطبعة الأولى مطبعة رويال بالإسكندرية سنة 1952. 64- حسين خضر "مفتش الإلقاء والتمثيل بوزارة المعارف". علاج الكلام. سنة الطبع غير مذكورة والأرجح أنها 1952. الناشر مكتبة الصباح بالفجالة م. خلف وولده بمصر. 65- حفني ناصف، مميزات لغات العرب، وتخريج ما يمكن من اللغات العامية عليها. وفائدة علم التاريخ من ذلك. 66- حمزة فتح الله: المواهب الفتحية في علوم اللغة العربية. الجزء الثاني القاهرة، المطبعة الأميرية 1908. 67- الخطابي، أبو سليمان حمد بن محمد بن إبراهيم: بيان إعجاز القرآن رسألة منشورة ضمن: "ثلاث رسائل في إعجاز القرآن للرماني والخطابي وعبد القاهر الجرجاني -في الدراسات القرآنية والنقد الأدبي". حققها وعلق عليه الأستاذ محمد خلف الله والدكتور محمد زغلول سلام. نشر دار المعارف بمصر "سلسلة "ذخائر العرب" رقم 16" سنة الطبع غير مذكورة والأرجح أنها بعد عام 1955.

68- خليل يحيى نامي "دكتور": نشر نقوش سامية قدمية من جنوب بلاد العرب وشرحها. القاهرة، مطبعة المعهد العلمي الفرنسي للآثار الشرقية 1943. 69- الخوارزمي، أبو عبد الله محمد بن أحمد بن يوسف الكاتب. مفاتيح العلوم نشرح. فان فلوتن G Van Vlotem بريل Brill 1895 70- الداني، أبو عمرو عثمان بن سعيد: التيسير في القراءات السبع نشر أوتو برتسل Otto Pretzl ليبزج. ط. استنبول 1930. 71- الداني، أبو عمرو بن عثمان بن سعيد: المقنع في رسم مصاحف الأمصار مع كتاب النقط. نشر أوتو برتسل Otto Pretzl، ليبزج، طبع استنبول 1932. 72- الداني أبو عمرو عثمان بن سعيد بن عمر الأموي المعروف بابن الصرفي، المقرئ: المحكم في نقط المصاحف. عنى بتحقيقه الدكتور عزة حسن، دمشق، وزارة الثقافة والإرشاد القومي في الإقليم السوري 1960. 73- رضي الدين الأستراباذي "المتوفى عام 688هـ": شرح شافية ابن الحاجب. مع شرح شواهده لعبد القادر البغدادي صاحب خزانة الأدب "المتوفى عام 1903هـ" حققهما، وضبط غريبهما، وشرح مبهمهما الأساتذة محمد نور الحسن، محمد محيي الدين عبد الحميد، محمد الزفزاف. أربعة أجزاء. 74- رفائيل نخلة اليسوعي: غرائب اللغة العربية. "نصوص ودروس" الطبعة الأولى حلب 54- الطبعة الثانية المكملة، ط المطبعة الكاثوليكية، بيروت 1960. 75- الرماني، أبو الحسن علي بن عيسى: النكت في إعجاز القرآن. رسالة منشورة ضمن "ثلاث رسائل في إعجاز القرآن. للرماني والخطابي وعبد القاهر الجرجاني" - في الدراسات القرآنية والنقد الأدبي. حققها وعلق عليها الأستاذ محمد خلف الله والدكتور محمد زغلول سلام. نشر دار المعارف بمصر. سلسلة "ذخائر العرب" رقم 16. سنة الطبع غير مذكورة والأرجح أنها بعد عام 1955.

76- الزبيدي: طبقات النحويين واللغويين. بتحقيق الأستاذ محمد أبو الفضل إبراهيم، مطبعة السعادة، القاهرة 1954. 77- السجستاني، ابن أبي داود: كتاب المصاحف نشره مع دراسات أخرى أرثر جفرى Arthur Jeffery ليدن، 1937. 78- السكاكي، يوسف بن أبي بكر محمد بن علي المتوفى 626هـ: مفتاح العلوم: وبهامشه إتمام الدراية لقراء النقاية الجامع لأربعة عشر علما للسيوطي المتوفى 911هـ. القاهرة، المطبعة الأدبية 1317هـ. 79- سيبويه، أبو عمرو بن عثمان بن قنبرة "أو ابن قنبر": كتاب سيبويه. نشرها نفيج درنبورج Hartwing Derenbour باريس 1881-1889. ولكتاب سيبويه طبعة مصرية، المطبعة الأميرية، بولاق. 80- السيرافي أبو سعيد: أخبار النحويين البصريين. تحقيق الأستاذ كرنكو، المطبعة الكاثولوكية 1936م. 81- السيوطي: أبو بكر جلال الدين عبد الرحمن الشافعي "متوفى 911هـ": سبب وضع علم العربية "الرسالة العربية من التحفة البهية والطرفة الشهية" القسطنطينية، مطبعة الجوائب 1302هـ. 82- السيوطي، أبو بكر جلال الدين: الاقتراح في علم أصول النحو. طبع حجر مطبعة المجتباني الدهلي 1312هـ. 83- السيوطي، أبو بكر جلال الدين عبد الرحمن الشافعي "متوفى 911هـ": بغية الوعاة في طبقاة اللغويين والنحاة. الطبعة الأولى على نفقة أحمد ناجي الجمال ومحمد أمين الخانجي وأخيه. عنى بتصحيحه محمد أمين الخانجي بقراءته على الشيخ أحمد بن الأمين الشنقيطي نزيل القاهرة. طبع مطبعة السعادة القاهرة 1326هـ.

84- السيوطي، جلال الدين عبد الرحمن: المزهر في علوم اللغة وأنواعها. شرحه وضبطه وصححه وعنون موضوعاته وعلق حواشيه. محمد أحمد المولى بك، وعلى محمد البجاوي، ومحمد أبو الفضل إبراهيم. جزءان في مجلدين. الطبعة الأولى ملتزم الطبع والنشر دار إحياء الكتب العربية عيسى البابي الحلبي وشركاه بمصر. 85- السيوطي: أبو بكر عبد الرحمن جلال الدين: الإتقان في علوم القرآن الطبعة الأولى، القاهرة 1318هـ. 86- السيوطي، أبو بكر جلال الدين عبد الرحمن: الأشتباه والنظائر في النحو حيدر إباد 1316. 87- شادة، أرتور: علم الأصوات، عند سيبويه وعندنا "محاضرات ألقيت في قاعة الجمعية الجغرافية الملكية" مقال في مجلة "صحيفة الجامعة المصرية" السنة الثانية، العدد الخامس، ص3- 26مايو 1921. 88- شادة، أرتور: رسم لغات أجنبية بالخط العربي وكتابة العربية بحروف أجنبية مقال في مجلة "صحيفة الجامعة المصرية" التي كان يصدرها مجلس اتحاد الجامعة المصرية السنة الثالثة العدد الرابع ص3-8، 1933 المطبعة المتوسطة بالعشماوي بمصر. 89- صالح الشماع: اللغة عند الطفل من الميلاد إلى السادسة -مع مقدمة للدكتور يوسف مراد. دار المعارف، القاهرة 1955 90- طوبيا العنيسي "القس": تفسير الألفاظ الدخيلة في اللغة العربية. 91- عباب محمود العقاد: اللغة الشاعرة، مزايا الفن والتعبير في اللغة العربية. القاهرة مكتبة الأنجلو المصرية 1960. 92- عبد الجبار الأسد آبادي، القاضي أبو الحسن: المغني في أبواب التوحيد والعدل "أملى سنة 425هـ". الجزء السادس عشر. إعجاز القرآن. قوم نصه على نسختين خطيتين الأستاذ أمين الخولي بإشراف الدكتور طه حسين. الجمهورية العربية المتحدة وزارة الثقافة والإرشاد القومي، الإدارة العامة للثقافة، سلسلة "تراثنا"، الطبعة الأولى، مطبعة دار الكتب المصرية 1380هـ/ 1960م.

93- عبد الرحمن محمد أيوب "دكتور": اللغة بين الفرد والمجتمع. تعريب لكتاب أوتو يسبرسن ... Mankind. ملتزم الطبع والنشر مكتبة الأنجلو المصرية، مطبعة البيان العربي، القاهرة 1954. 94- عبد الرحمن محمد أيوب "دكتور": دراسات نقدية في النحو العربي نشر مكتبة الأنجلو المصرية، مطبعة مخيمر. القاهرة 1957. 95- عبد العزيز الأهواني "دكتور": ألفاظ مغربية من كتاب ابن هشام اللخمي في لحن العامة. فصلة من مجلة معهد المخطوطات، المجلد الثالث 1957 مطبعة مصر شركة مساهمة مصرية. 96- عبد العزيز عبد المجيد "دكتور": اللغة العربية أصولها النفسية. وطرق تدريسها، ناحية التحصيل. الجزء الأول، الطبعة الثانية منقحة، ملتزم الطبع والنشر دار المعارف بمصر سنة الطبع غير مذكورة. 97- عبد الفتاح إسماعيل شلبي: في الدراسات القرآنية واللغوية والإمالة في القراءات واللهجات العربية. "رسالة ماجستير نوقشت في كلية دار العلوم" ملتزم النشر والطبع مكتبة نهضة مضر ومطبعتها -الفجالة- مصر الطبعة الأولى 1376هـ/ 1957م. 98- عبد الفتاح إسماعيل شلبي "دكتور": أبو علي الفارسي. مطبعة السعادة -القاهرة. 99- عبد القاهر الجرجاني: دلائل الإعجا -في علم المعاني. صحح أصله الأستاذ الإمام الشيخ محمدعبده والأستاذ الشيخ محمد محمود التركزي الشنقيطي. وقف على تصحي طبعه وعلق حواشيه ناشره السيد محمد رشيد رضا. مطبعة الموسوعات بباب الخلق بمصر. 100- عبد القاهرة الجرجاني. أسرار البلاغة -في علم البيان. علق حواشيه المرحوم السيد الإمام محمد رشيد رضا. الطبعة الثالثة، ط. عيسى البابي الحلبي بمصر 1358هـ/ 1939م.

101- عبد القاهرة الجرجاني: الرسالة الشافية رسالة منشورة ضمن: "ثلاث رسائل في إعجاز القرآن. للرماني والخطابي وعبد القاهر الجرجاني". في الدراسات القرآنية والنقد الأدبي. حققها وعلق عليها الأستاذ محمد خلف الله، الدكتور محمد زغلول سلام. نشر دار المعارف بمصر "سلسلة "ذخائر العرب" رقم 16" سنة الطبع غير مذكورة والأرجح أنها بعد 1955. 102- عبد الواحد بن علي: مراتب النحويين بتحقيق الأستاذ محمد أبو الفضل إبراهيم مطبعة نهضة مصر القاهرة. 103- عبد الله العلايلي: مقدمة لدرس لغة العرب 104- عبد الوهاب حمودة: القراءات واللهجات نشر مكتبة النهضة المصرية، القاهرة، مطبعة السعادة 1368هـ/ 1948م. 105- عبده كحيل. اللغة والنشوء. 106- علي بن سلطان القارئ: المنح الفكرية على متن الجزرية القاهرة 1308هـ. 107- علي عبد الواحد وافي "دكتور": فقه اللغة ظهر سنة 1941، وطبع للمرة الثانية سنة 1944، مطبعة الاعتماد بالقاهرة، وللمرة الثالثة سنة 1950 نشر لجنة البيان العربي بالقاهرة، ثم أعادت لجنة البيان العربي نشره عام 1956. 108- علي عبد الواحد وافي "دكتور": علم اللغة. "صدر لأول مرة سنة 1941، المطبعة السلفية القاهرة ظهرت طبعته الثانية "مزيدة" سنة 1944، نشر مكتبة النهضة المصرية، مطبعة الاعتماد بالقاهرة، وهي الطبعة التي نشير إليها ثم طبع للمرة الثالثة سنة 1950، نشر لجنة البيان العربي بالقاهرة. وظهرت له طبعة رابعة "مزيدة ومنقحة" عام 1377هـ/ 1957م. ملتزم الطبع والنشر مكتبة نهضة مصر بالفجالة، القاهرة. 109- علي عبد الواحد وافي "دكتور": اللغة والمجتمع. صدر سنة 1946 من سلسلة مؤلفات الجمعية الفلسفية التي يشرف على

إصدارها الدكتور علي عبد الواحد وافي رئيس الجمعية، والدكتور عثمان أمين سكرتيرها العام، ملتزم الطبع والنشر دار إحياء الكتب العربية، عيسى البابي وشركاه، القاهرة. أعادت نفس الدار طبع الكتاب للمرة الثانية طبعة مزيدة ومنقحة عام 1951. 110- علي عبد الواحد وافي "دكتور": نشأة اللغة عند الإنسان والطفل. الطبعة الأولى دار الفكر العربي، القاهرة 1947 111- على العناني، ليون محرز، محمد عطية الأبراشي: الأساس في الأمم السامية ولغاتها وقواعد اللغة العبرية وآدابها. 112- على العناني، ليون محرز، محمد عطية الإبراشي: المفصل في قواعد اللغة السريانية وآدابها والموازنة بين اللغات السامية. نشر وزارة المعارف المصرية. 113- لويس شيخو: معرض الخطوط العربية مطبعة اليسوعيين 1885. 114- علي النجدي ناصف، سيبويه إمام النحاة ط. مكتبة نهضة مصر الفجالة، القاهرة. 115- عمر بن قاسم بن محمد الأنصاري، الإمام أبو حفص المشهور بالنشار "من علماء القرن التاسع الهجري" المكرر فيما تواتر من القراءات السبع وتحرر. ويليه: القول المعتبر في الأوجه التي بين السور للأستاذ علي بن محمد الضياع، وبهامشهما، الكافي لأبي عبد الله محمد بن شريح الرعيني الأندلسي. المتوفى سنة 476هـ، مطبعة مصطفى البابي الحلبي وأولاده 1355هـ 1934م. 116- الفارابي، أبو نصر محمد بن محمد: إحصاء العلوم نشر أنجيل جونشالز Angel Gonzalez بلنسية مدريد 1932. 117- الفراء، أوب زكرياء يحيى بن زياد "المتوفى سنة 207هـ". معاني القرآن بتحقيق الأستاذان أحمد يوسف نجاتي، ومحمد على النجار. دار الكتب المصرية، القسم الأدبي، مطبعة دار الكتب القاهرة الجزء الأول 1374هـ/ 1955م.

118- فندريس، ج: اللغ ترجمة كاملة لكتاب Le Langage اضطلع بها الأستاذ عبد الحميد الدواخلي والدكتور محمد القصاص. مطبعة لجنة البيان العربي نشر مكتبة الأنجلو المصرية، القاهرة 1950. 119- فؤاد حسنين علي "دكتور": الهمزة مجلة كلية الآداب، جامعة القاهرة المجلد الثامن. القسم الأول مايو 1946. 120- القالي، أبو علي إسماعيل بن القاسم البغدادي: الأمالي في لغة العرب المطبعة الأمريكية 1324هـ. 121- القفطي: إنباه الرواه بأنباء النحاة تحقي الأستاذ محمد أبو الفضل ط. دار الكتب المصرية 1950 122= المازني النحوي المصري، أبو عثمان: كتاب "التصريف" -"انظر ابن جني "المنصف". 123- مجمع فؤاد الأول للغة العربية مجلة مجمع فؤاد الأول للغة العربية جزء1 أكتوبر 1934. 124- مجمع فؤاد الأول للغة العربية. مجموعة المصطلحات التي أقرها المجمع في الدورات الست الأولى. القاهرة، المطبعة الأمريكية 1942. 125- مجمع فؤاد الأول للغة العربية، تيسير الكتابة العربية- نصوص المذكرات والمناقشات التي دارت حول هذا الموضوع وما اتخذ في ذلك من قرارات، في مؤتمر المجمع سنة 1944. القاهرة، المطبعة الأميرية 1946. 126- مجمع اللغة العربية، القاهرة: مجموعة المصطلحات العلمية والفنية التي أقرها المجمع. القاهرة، الهيئة العامة لشئون المطابع الأميرية 1960. 127- المجمع العلمي العربي في دمشق: أعمال المجمع العلمي العربي عن سنوات 1922، 1923، 1924. دمشق، المطبعة البطريركية الأرثوذكسية 1924م.

128- محمد أحمد خلف الله "دكتور": أحمد فارس الشدياق وآراؤه اللغوية الأدبية محاضرات ألقيت على طلبة قسم الدراسات الأدبية واللغوية سنة 1955. جامعة الدول العربية معهد الدراسات العربية العالمية. مطبعة الرسالة، القاهرة 1955. 129- محمد الخضري: حاشية الخضري على شرح ابن عقيل على ألقية ابن مالك. وبالهامش شرح ابن عقيل. وبأسفل الصلب والهامش تقريرات للشيخ محمد علي بن حسين المالكي. جزءان المكتبة التجارية الكبرى بالقاهرة لصاحبها مصطفى محمد. 130- محمد خلف الله أحمد: معالم التطور الحديث في اللغة العربية وآدابها. الجزء الأول. مصر في القرن التاسع عشر نشر. الجمعية المصرية للدراسات التاريخية طبع دار إحياء الكتب العربية عيسى البابي الحلبي وشركاه بمصر، القاهرة 1961. 131- محمد رضا الشبيبي: أصول ألفاظ اللهجة العراقية. بحث تاريخي أدبي في أصول ألفاظ هذه اللهجة وفي علم اللهجات ووسائل النهوض باللغة. ويلي ذلك معجم بألفاظ اللهجة الشائعة في العراق. "نشر أولا في مجلة المجمع العلمي العراقي ببغداد" مطبعة المجمع العلمي العراقي، بغداد 1376هـ/ 1956م. 132- محمد طاهر بن عبد القادر الكردي، تاريخ الخط العربي القاهرة، المطبعة التجارية الحديثة 1939. 133- محمد العبودي: الأمثال العامية في نجد القسم الأول يشتمل على ألف مثل مرتبة على الحروف. طبع بدار إحياء الكتب العربية" عيسى البابي الحلبي وشركاه، القاهرة 1379هـ/ 1959. 134- محمد على النجار: لغويات. من نشر جماعة الأزهر للنشر والترجمة والتأليف، القاهرة دار الكتاب العربي محمد حلمي المنياوي.

135- محمد قدري لطفي "دكتور": تعليم اللغة القومية ترجمة محمد قدري لطفي. القاهرة مطبعة لجنة التأليف والترجمة والنشر 1944. وهو ترجمة مع شيء من التصرف للفصل الخاص بتعليم اللغة الإنجليزية في مجموعة الإرشادات التي تصدرها وزارة المعارف بإنجلترا للمدرسين. Board of Education London Hanbook of Suggestions for Teachers 1937. 136- محمد المبارك: خصائص العربية ومنهجها الأصيل في التجديد والتوليد القاهرة، جامعة الدول العربية، معهد الدراسات العربية العالمية 1960. 137- محمد مكي: نهاية القول المفيد في علم التجويد. القاهرة 1306هـ. 138- محمد مندور "دكتور". منهج البحث في الأدب واللغة دار العلم للملايين، بيروت. 139- محمود أحمد النشوي: نشأة اللغات وحاجة الأمة للمجمع اللغوي 140- محمود السعران "دكتور": اللغة والمجتمع. رأي ومنهج. المطبعة الأهلية، بنغازي ليبيا 1958 -توزيع "منشأة المعارف" الإسكندرية. 141- مرمرجي الدومينيكي "الأب": المعجمية العربية على ضوء الثنائية والألسنة السامية. 142- مصطفى جواد "دكتور": المباحث اللغوية في العراق. محاضرات ألقاها الدكتور مصطفى جواد على طلبة قسم الدراسات الأدبية واللغوية. معهد الدراسات العربية العالمية جامعة الدول العربية -معهد الدراسات العربية العالمية، مطبعة لجنة البيان العربي، القاهرة 1955. 143- مهدي المخزومي "دكتور": الخليل بن أحمد الفراهيدي -أعماله ومناهجه. بغداد، مطبعة الزهراء 1960م.

144- النويري، شهاب الدين بن أحمد: نهاية الأرب في فنون الأدب ط. دار الكتب المصرية. 145- يوهان فك: العربية. دراسات في اللغة واللهجات والأساليب. نقله إلى العربية وحققه وفهرس له الدكتور عبد الحليم النجار. بتصدير الأستاذ أحمد أمين، وتقديم الدكتور محمد يوسف موسى. الناشر مكتبة الخانجي بمصر مطبعة دار الفكر العربي القاهرة 1370هـ/ 1951م.

محتويات الكتاب

محتويات الكتاب: الموضوع صفحة الإهداء 3 مقدمة 5 مقدمة الطبعة الأولى 15 تمهيد نحن وعلم اللغة 1- دراسة اللغة علم 19 2- علم اللغة في الشرق العربي 26 3- صعوبات في الطريق 31 الباب الأول علم اللغة- موضوعه وماهيته 1- علم اللغة يدرس اللغة 47 2- حول البحث في نشأة اللغة 49 3- اللغة "كلام" 51 4- عن طبيعة اللغة "الكلامط وظيفة إنسانية "غير غريزية" و"غير موزونة" الكلام وظيفة ثقافية مكتسبة 52 5- اللغة نظام من العلامات الاصطلاحية ذات الدلالات الاصطلاحية 57 6- علم اللغة يستعين بعلوم أخرى 62

الموضوع الصفحة 7- علم اللغة وعلم النفس 64 8- الفلسفة اللغوية 66 9- علم اللغة انعكاسي أواستنباطي 71 الباب الثاني علم الأصوات اللغوية 1- لمحة تاريخية 75 2- علم الأصوات اللغوية في صورته الحاضرة 84 3- الدراسة الصوتية الآلية 88 4- الكتابة الصوتية 96 5- حاجتنا إلى علم الأصوات اللغوية 104 6- أسباب تخلف دراستنا اللغوية 109 7- أعضاء النطق 110 - آلية النطق 117 8- الصوت الكلامي 124 9- تصنيف الأصوات 124 10- الأصوات في "الكلام" 156 أ- البروز أو "الجهارة" 156 ب- الارتكاز 157 جـ- التنغيم 159 11- الفونولوجيا أو علم الأصوات اللغوية الوظيفي 161

الموضوع الصفحة الباب الثالث النحو 1- نحن نفكر بجمل 169 2- من التحليل الفونولوجي إلى التحليل النحوي 172 3- النحو الوصفي 177 4- النحو المقارن 197 أ- الدراسة اللغوية الوصفية 197 ب- الدراسة اللغوية التاريخية 198 جـ- الدراسة اللغوية المقارنة 200 الباب الرابع علم الدلالة أو دراسة المعنى 1- قمة الدراسات اللغوية 213 2- قصور المعنى "القاموس" 215 3- تحصيل المعنى 222 4- توصيل الكلام أو المضمون المنطقي والمضمون النفسي 226 5- تغير المعنى 228 1- التغير الانحطاطي أو "الخافض" 228 2- التغير المتسامي 230 3- التغير نحو التخصيص أو "تخصيص المعنى" 230 4- التغير نحو التعميم، أو "تعميم المعنى" 231 5- التحول نحو المعاني المضادة 232

الموضوع الصفحة 6- مناهج دراسة المعنى 237 أ- نشأة علم الدلالة 237 ب- دراسة تغير المعنى بعد برييل 238 جـ- كتابات غير اللغويين 239 د- نظريات اللغويين في علم الدلالة 244 الباب الخامس تاريخ الدراسات اللغوية 1- العصور القديمة 257 2- العصور الوسطى وعصر النهة 262 ب- العصور الوسطى في الغرب 262 جـ- عصر النهضة وما يليه 265 3- القرنان الثامن عشر والتاسع عشر 268 4- القرن العشرون 276 -معجم المصطلحات 283 - المراجع 309 -المراجع الإنجليزية 311 -المراجع العربية 231 -المحتويات 349

§1/1