علم الرجال نشأته وتطوره من القرن الأول إلى نهاية القرن التاسع
محمد بن مطر الزهراني
مقدمة
عِلْمُ الرِّجَال نَشْأَتُهُ وُتَطَوُّرُهُ من القرْنِ الأوَّل إلى نهاية القَرْنِ التَّاسع تَأْليف د. محمَّد بن مَطَر الزَّهْراني بسم الله الرحمن الرحيم المقدمة: إن الحمد لله نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيِّئات أعمالنا، من يهدهِ الله فلا مُضِلَّ له، ومن يُضْلِلْ فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا الله حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} ، {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا الله الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامِ إِنَّ الله كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً} ، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا الله وَقُولُوا قَوْلاً شَدِيداً يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ الله وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً} . أما بعد: فإنه لما أُسند إليَّ تدريس مادتي "تدوين السنة" و "رواة الحديث وطبقاتهم" لطلاب السنة الأولى بكلية الحديث بالجامعة الإسلامية بالمدينة النبوية، ألفيت هاتين المادتين لتلازمهما تكمّل
على الفهم الصحيح والعمل بما علم ثم نشر علمه وبثه في الأمة. ثالثاً: حاولت قدر المستطاع التقيد بمفردات منهج المادة المقرر على طلاب كلية الحديث إلا أن مقتضيات التأليف والتصنيف اضطرتني أحياناً لبعض الإضافات أو الزيادات أو التوسع أحياناً في بعض الفقرات. كما حاولت جهدي أن لا أترك فقرة من المنهج دون دراسة إلا أنني تركت فقرتين من الممفردات قصداً، وهما: الأولى: تفسير المستشرقين للفتنة التي ورد ذكرها في قول ابن سيرين: "كانوا لا يسألون عن الإسناد حتى وقعت الفتنة". والثانية: موقف الخوارج والشيعة من عدالة الصحابة رضي الله عنهم وكان تركي لها للأسباب الآتية: 1- بالنسبة لتفسير المستشرقين فكان سقوطه وعدم صحته واضحاً بحيث لا يساوي تسويد الصفحات بالرد عليه لاسيما وهم قد تناقضوا فيه. ثم إن فضيلة شيخنا الدكتور أكرم العُمري قد كشف عوار ذلك التفسير بما لا مزيد عليه وذلك في كتابه "بحوث في تاريخ السنة" (51 - 52) . 2- أما موقف الخوارج والشيعة من عدالة الصحابة فأهملت الرد عليه للأسباب الآتية: 1- إن التنزل لمناقشة مثل هذه الآراء يعني وضع الصحابة في
قفص الاتهام ونسلم به جدلاً ثم ننشغل بعد ذلك بالدفاع ورد الشبهات بدلاً من أن نشغل أنفسنا بتقرير منهجهم وبيان مكانتهم في الأمة كما وردت في الكتاب والسنة وإجماع الأمة. 2- إنهم لا يحتاجون مع تزكية الله عز وجل لهم ورسوله صلى الله عليه وسلم إلى تزكية أحد فضلاً عن دفاعه عنهم. 3- إن سلفنا من علماء السنة لم يسودوا صفحات كتبهم بالرد على موقف هؤلاء المبتدعة من الصحابة، بل اكتفوا بسرد النصوص الواردة في تزكيتهم من الكتاب والسنة وإجماع الأمة وبيان فضلهم وجهادهم ثم انشغلوا بتقرير منهجهم في العلم والعمل. انظر عن ذلك مثلاً: ما كتبه ابن أبي حاتم في مقدمة "الجرح والتعديل"، والخطيب البغدادي في "الكفاية" باب ما جاء في تعديل الله ورسوله للصحابة، وما كتبه الحافظ ابن حجر في مقدمة "الإصابة"، فضلاً عن صنيع صاحبي "الصحيح" الإمامين البخاري ومسلم حين خصصا في كتابيهما كتاباً لذكر ما ورد في فضائل الصحابة ومناقبهم وغير ذلك من الكتب. 4- إن من منهج السلف عندما يضطرون للرد على مثل هؤلاء الطوائف أن ينقلوا المعركة إلى عُقر دارهم، فيهتكوا أستارهم ويفضحوا باطلهم ويبينوا فساد وعوار منهجهم، ولا ينشغلوا برد ما يثيرونه من شكوك أو يروجونه من شبهات إلا في أضيق نطاق. والله تعالى أسأله أن يجعل عملي هذا خالصاً لوجهه الكريم
ويتقبله مني، والحمد لله أولاً وآخراً، وصلى الله وسلم على أشرف خلق الله محمد رسول الله. المؤلف د. محمد بن مطر الزهراني في العشرين من شهر جمادى الأول من شهور سنة أربع عشرة بعد الأربع مئة وألف المدينة النبوية حرسها الله
إحداهما الأخرى في بيان جهود سلف هذه الأمة في خدمة هذا الدين وخدمة السنة النبوية على وجه الخصوص، وبما أن موضوعاتها المبينة في المنهج المقرر على طلاب الكلية لا يجمعها أو جُلّها كتاب واحد - فيما أعلم -، فعقدت العزم على جمع مفرداتها من مختلف الكتب التي اعتنت بذلك من كتب المتقدمين أو كتب المتأخرين. وقد يسر الله لي بمنه وفضله أن انتهيت منذ سنتين من جمع مفردات منهج مادة تدوين السنة فأخرجته في كتاب بعنوان "تدوين السنة النبوية نشأته وتطوره من القرن الأول إلى نهاية القرن التاسع الهجري"، وقد تقيدت فيه بمفردات المنهج حسب الإمكان ولذلك جاءت موضوعاته في شكل نبذ مختصرة وليست مستوعبة لكل الموضوعات التي يمكن أن تدخل تحت العنوان. وها أنا الآن أتقدم بإخراج الكتاب الثاني في هذا الموضوع، والذي يعد مكملاً للكتاب الأول وسميته "علم الرجال نشأته وتطوره من القرن الأول إلى نهاية القرن التاسع الهجري" جمعت فيه مفردات منهج مادة "رواة الحديث وطبقاتهم" المقرر على طلاب السنة الأولى بكلية الحديث، وقد جاء الكتاب في مقدمة وتمهيد وخمسة أبواب فيها أربعة عشر فصلاً تحتها واحد وخمسون مبحثاً. وبعد: فهناك أمور أُحِبُّ أن أُنَبِّه عليها في هذه المقدمة تتمة للفائدة: أولاً: إن قواعد علوم الحديث أو ما يسمى بمصطلح الحديث، والتي منها ما يتعلق بالرواية ومنها ما يتعلق بالدراية، كانت ثمرة لتطور التدوين في متون السنة والتصنيف في علم الرجال وجهود السلف في
ذلك. وقد مر التصنيف في مصطلح الحديث بعدة مراحل: المرحلة الأولى: عندما كانت قواعده تتناقل إما مشافهة وإما منثورة في مصنفات شتَّى، وذلك طيلة القرون الثلاثة الأولى، إذ لم يوجد - فيما أعلم - مصنف واحد يجمع تلك القواعد في هذه القرون الثلاثة، وإنما وجد بعضها منثوراً في مثل: "الرسالة" للإمام الشافعي، وكتاب "التمييز" للإمام مسلم، وكذلك في مقدمة "صحيحه"، وفي كتب معرفة الرجال والعلل، وكتب الجرح والتعديل المختلفة وغيرها. المرحلة الثانية: محاولة جمع هذه القواعد في كتاب واحد أو في كتب، وهذه المرحلة امتدت من أوائل القرن الرابع إلى نهاية القرن الخامس تقريباً، ومن أهم هذه الكتب: 1- المحدث الفاصل لأبي محمد بن خلاد الرامهرمزي (ت 360 هـ) . 2- معرفة علوم الحديث لأبي عبد الله الحاكم (ت 405 هـ) . 3- الكفاية لأبي بكر الخطيب البغدادي (ت 463 هـ) . وغيره من كتبه الأخرى. وتميزت هذه المؤلفات بسرد الراويات والأسانيد ثم استخلاص القواعد منها، وذكر من قال بها أو ذهب إليها من السلف. المرحلة الثالثة: ما بعد القرن الخامس، وهي مرحلة جمع
القواعد من كتب من تقدم من الأئمة بدون ذكر الأسانيد أو الروايات، ثم محاولة إعادة ترتيبها وتهذيبها، ومن أبرز المؤلفات في ذلك كتاب "مقدمة في علوم الحديث" للحافظ أبي عمرو ابن الصلاح (ت 643 هـ) وما تفرع منها من اختصار أو تنكيت أو نظم أو شرح وغير ذلك. ثانياً: إنه من خلال معايشتي لجهود سلف هذه الأمة في خدمة هذا الدين أثناء عملي في كتابي "تدوين السنة"، و "علم الرجال" لاحظت الأمور الآتية: 1- إن الإخلاص لله كان رائدهم في كل ما قاموا به من الأعمال وما بذلوه من جهود، حيث كان ذلك كله ابتغاء وجه الله عز وجل وذبّاً للكذب عن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم. 2- إن حياتهم وأوقاتهم كلها كانت إما في طلب علم أو عمل عبادة أو نشر للعلم وجهاد في سبيل الله، فما كانوا يرون الراحة إلا في طلب العلم والعمل به ثم نشره بين الناس. 3- إنهم لم يكونوا يبتغون بأعمالهم منصباً دنيويّاً أو جاهاً عند ذي سلطان أو التكثر من الأموال، بل كانوا يفرون من ذلك كله فرار الصحيح من المجذوم، وما كان الغرور والعجب والكبر والرياء ليجد إلى قلوبهم سبيلاً فضلاً من الله ونعمة، بل كان الاحتساب لله رائدهم، وإظهار العلم وإخفاء العمل هديهم. 4- إنهم كانوا في طلب العلم يتدرجون وفق برنامج علمي وعملي سليم، فيبدأون بالتعبد والتأدب أولاً، ثم يشرع الطالب بعد ذلك في طلب العلم على أهله المعروفين مخلصاً نيته في طلبه حريصاً
تمهيد
التمهيد: أولاً: الإسناد وأهميته: أ- تعريف الإسناد: قال الحافظ بدر الدين بن جماعة (ت 733 هـ) : "السند: هو الإخبار عن طريق المتن، وهو مأخوذ: إما من السند وهو ما ارتفع وعلا من سفح الجبل لأن المسند - بكسر النون - يرفعه إلى قائله. أو من قولهم: فلان سند أي معتمد، فسمي الإخبار عن طريق المتن سنداً لاعتماد الحفاظ في صحة الحديث وضعفه عليه. وأما الإسناد فهو رفع الحديث إلى قائله، والمحدثون يستعملون السند والإسناد لشيء واحد". وقال: "وقبله المتن: فهو في اصطلاح المحدثين ما ينتهى إليه غاية السند من الكلام، وهو مأخوذ إما من المماتنة وهي المباعدة في الغاية لأن المتن غاية السند، أو من المتن وهو ما صلب وارتفع من الأرض، أو من تمتين القوس بالعصب وهو شدها به وإصلاحها" 1 اهـ. بتصرف يسير. وقال الحافظ الحسين بن عبد الله الطيبي (ت 743 هـ) :
"والسند: إخبار عن طريق المتن، من قولهم فلان سند أي معتمد، فسمي سنداً لاعتماد الحفاظ في صحة الحديث وضعفه عليه". والإسناد: رفع الحديث إلى قائله. فعلى هذا السند والإسناد يتقاربان في معنى الاعتماد". وقال قبله: "المتن: هو ما اكتنف الصلب من الحيوان وبه شبه المتن من الأرض، ومَتُنَ الشيءُ قَوِيَ متنُه، ومنه حبل متين، فمتنُ كل شيء ما يتقوم به ذلك الشيء، كما أن الإنسان يتقوم بالظهر ويتقوى به. فمتن الحديث ألفاظه التي تتقوم بها المعاني. واختلف في متن الحديث، أهو قول الصحابي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا وكذا أو هو قول الرسول صلى الله عليه وسلم فحسب، والأول أظهر لما تقرر من أن السنة إما قول أو فعل أو تقرير". 1 اهـ. ب: أهمية الإسناد: للإسناد مكانته وأهميته في الإسلام، إذ الأصل في ذلك تلقي الأمة لهذا الدين عن الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين، وهم تلقوه عن رسول رب العالمين محمد صلى الله عليه وسلم، وهو تلقى عن رب العزة والجلال
بواسطة أو بغير واسطة كما هو معلوم من أقسام الوحي. وكذلك ما صح عن ابن عباس أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "تَسْمَعُون ويُسْمَع مِنْكُمْ وَيُسْمَعُ مِمَّنْ يَسْمَعُ مِنْكُمْ". 1 وللدلالة على أهمية ومكانة الإسناد من الإسلام، أذكر فيما يلي طائفة من أقوال السلف رحمهم الله: 1- روى الإمام مسلم بسنده عن محمد بن سيرين قال: "الإسناد من الدين ولولا الإسناد لقال من شاء ما شاء". 2 2- وبإسناده إلى محمد بن سيرين أيضاً قال: "إن هذا العلم دين فانظروا عمن تأخذون دينكم".3 وذلك لأن الإسناد وسيلة لتمييز الأحاديث الصحيحة من الضعيفة مما يترتب عليه معرفة أحكام أو تعاليم الدين.
3- وأخرج مسلم أيضاً بإسناده إلى الإمام عبد الله بن المبارك أنه قال: "بيننا وبين القوم القوائم" يعني الإسناد. 1 4- وأخرج ابن حبان عن سفيان الثوري قال: "الإسناد سلاح المؤمن، إذا لم يكن معه سلاح فبأيِّ شيءٍ يقاتل". 2 5- وبإسناده إلى شعبة قال: "كل حديث ليس فيه (حدثنا) و (أخبرنا) فهو مثل الرجل بالفلاة معه البعير ليس له خطام". 3 6- أخرج الخطيب بسنده إلى أبي بكر محمد بن أحمد (ت 331 هـ) قال: "بلغني أن الله خص هذه الأمة بثلاثة أشياء لم يعطها مَنْ قبلها من الأمم: الإسناد والأنساب والإعراب". 4 7- وقال الحافظ السيوطي: قال أبو علي الحسين بن محمد الجياني الغساني (ت 498 هـ) : "خص الله تعالى هذه الأمة بثلاثة أشياء لم يعطها مَنْ قبلها: الإسناد والأنساب والإعراب". 5 8- وقال الحافظ أبو محمد بن حزم (ت 456 هـ) : "نقل الثقة عن الثقة يبلغ به النبي صلى الله عليه وسلم مع الاتصال، نقل خص الله عز وجل به المسلمين، دون سائر أهل الملل كلها. وأما مع الإرسال والإعضال فمن هذا النوع كثير من نقل اليهود بل هو أعلى
ما عندهم إلا أنهم لا يقربون فيه من موسى عليه السلام كقربنا فيه من محمد صلى الله عليه وسلم ... وأما النصارى فليس عندهم من صفة هذا النقل إلا تحريم الطلاق وحده فقط على أن مخرجه من كذَّاب قد صحَّ كذبه، ثم قال: وأما النقل بالطريق المشتملة على كذَّاب أو مجهول العين فكثير في نقل اليهود والنصارى" اهـ ملخصاً. 1 9- وقال أبو حاتم الرازي رحمه الله (ت 277 هـ) : "لم يكن في أمة من الأمم منذ خلق الله آدم أمناء يحفظون آثار الرسل إلا في هذه الأمة". فقال له رجل: يا أبا حاتم ربما رووا حديثاً لا أصل له ولا يصح. فقال: "علماؤهم يعرفون الصحيح من السقيم، فروايتهم ذلك للمعرفة ليتبين لمن بعدهم أنهم ميزوا الآثار وحفظوها"، ثم قال: "رحم الله أبا زرعة كان والله مجتهداً في حفظ آثار رسول الله صلى الله عليه وسلم". 2 10- روى الخطيب البغدادي (ت 463 هـ) بإسناده إلى أبى العباس محمد بن عبد الرحمن الدغولي قال: سمعت محمد بن حاتم بن المظفر يقول: "إن الله أكرم هذه الأمة وشرفها وفضلها
بالإسناد، وليس لأحد من الأمم كلها قديمهم وحديثهم إسناد، وإنما هي صحف في أيديهم، وقد خلطوا بكتبهم أخبارهم، وليس عندهم تمييز بين ما نزل من التوراة والإنجيل مما جاءهم به أنبياؤهم، وتمييز بين ما ألحقوه بكتبهم من الأخبار التي أخذوها عن غير الثقات. وهذه الأمة إنما تَنُصّ الحديث من الثقة المعروف في زمانه المشهور بالصدق والأمانة عن مثله حتى تتناهى أخبارهم، ثم يبحثون أشد البحث حتى يعرفوا الأحفظ فالأحفظ، والأضبط فالأضبط، والأطول مجالسة لمن فوقه ممن كان أقل مجالسة. ثم يكتبون الحديث من عشرين وجهاً وأكثر حتى يهذّبوه من الغلط والزلل، ويضبطوا حروفه ويعدّوه عداً، فهذا من أعظم نعم الله تعالى على هذه الأمة نستوزع الله شكره هذه النعمة ونسأله التثبيت والتوفيق لما يُقرب منه ويُزْلف لديه، ويمسكنا بطاعته إنه ولي حميد. فليس أحد من أهل الحديث يحابي في الحديث أباه ولا أخاه ولا ولده، وهذا علي بن عبد الله المديني - وهو إمام الحديث في عصره -، لا يُروى عنه حرف واحد في تقوية أبيه بل يُروى ضد ذلك، فالحمد لله على ما وفقنا ". 1 11- وقال أبو عبد الله الحاكم ت (405 هـ) : "فلولا الإسناد وطلب هذه الطائفة له وكثرة مواظبتهم على حفظه لدرس منار الإسلام ولتمكن أهل الإلحاد والبدع منه بوضع الأحاديث وقلب الأسانيد، فإن الأخبار إذا تعرَّت عن وجود الأسانيد فيها كانت بُتْراً".
ثم ذكر بإسناده إلى عتبة بن أبي حكيم أنه كان عند إسحاق بن أبي فروة وعنده الزهري، قال: فجعل ابن أبي فروة يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقال له الزهري: قاتلك الله يا ابن أبي فروة، ما أجرأك على الله، ألا تسند حديثك تحدثنا بأحاديث ليس لها خُطُم ولا أزمة". 1 وقال شيخ الإسلام أبو العباس ابن تيمية (ت 728 هـ) : "وعلم الإسناد والرواية مما خص الله به أمة محمد صلى الله عليه وسلم، وجعله سلماً إلى الدراية، فأهل الكتاب لا إسناد لهم يأثرون به المنقولات، وهكذا المبتدعون من هذه الأمة أهل الضلالات، وإنما الإسناد لمن أعظم الله عليه المنة أهل الإسلام والسنة، يفرقون به بين الصحيح والسقيم، والمعوج والقويم" 2اهـ. ثانياً: بدء استعمال الإسناد والسؤال عنه: تقدم في الفقرة السابقة عند الكلام عن أهمية الإسناد أن الأصل في ذلك تلقي الأمة الدين كله عن الصحابة وهم تلقوه عن رسول الله وهو تلقاه عن رب العزة والجلال. وقال الحافظ أبو عبد الله الذهبي (ت 748 هـ) : في ترجمة أبي بكر الصديق رضي الله عنه: وكان أول من احتاط في قبول الأخبار، فروى ابن شهاب عن قبيصة بن ذؤيب: "أن الجدة جاءت إلى أبي بكر تلتمس أن تورث، فقال: ما أجد في كتاب الله شيئاً وما علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر
لك شيئاً، ثم سأل الناس فقام المغيرة فقال: حضرت رسول الله صلى الله عليه وسلم يعطيها السدس، فقال له: هل معك أحد فشهد محمد بن مسلمة بمثل ذلك، فأنفذه لها أبو بكر". 1 وقال في ترجمة عمر رضي الله عنه: "وهو الذي سن للمحدثين التثبت في النقل، وربما كان يتوقف في خبر الواحد إذا ارتاب". "فروى الجريري، عن أبي نضرة، عن أبي سعيد الخدري قال: كنت في مجلس من مجالس الأنصار، إذ جاء أبو موسى كأنه مذعور، فقال: استأذنت على عمر ثلاثاً فلم يؤذن لي فرجعت، فقال: ما منعك؟ قلت: استأذنت فلم يؤذن فرجعت، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا اسْتأذَنَ أَحَدكُمْ ثَلاثاً فَلَمْ يُؤْذَنْ لَهُ فَلْيَرْجِعْ"، فقال: والله لتقيمن عليه بينة، أمنكم أحد سمعه من النبي صلى الله عليه وسلم فقال أبي بن كعب: والله لا يقوم معك إلا أصغر القوم، فكنت أصغر القوم فقمت معه فأخبرت عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ذلك". 2 وقال الحافظ ابن حجر (ت 852 هـ) : "فقد جاء في بعض طرقه أن عمر قال لأبي موسى: أما إني لم أتهمك، ولكني أردت أن لا
يتجرأ الناس على الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم". 1 وقال الحافظ أبو حاتم بن حبان (ت 354 هـ) :"وتبع عمر على ذلك التثبت عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه باستحلاف من يحدثه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإن كانوا ثقات مأمونين ليعلمهم توقي الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم". ثم قال: "وهذان أول من فتش عن الرجال في الرواية وبحثا عن النقل في الأخبار ثم تبعهما الناس على ذلك ... وتشديدهم فيها على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كان منهم ذلك توقياً للكذب عليه ممن بعدهم لا أنهم كانوا متهمين في الرواية". 2 هذه النصوص تدل دلالة واضحة على أن التحري والتوقي في رواية الحديث والسؤال عن الإسناد قد بدأ في فترة مبكرة، لكن كثرة السؤال عن الإسناد والتفتيش عنه ازدادت بعد وقوع فتنة عبد الله بن سبأ اليهودي وأتباعه في آخر خلافة عثمان بن عفان رضي الله عنه، ولم يزل استعمال الإسناد ينتشر ويزداد السؤال عنه مع انتشار أصحاب الأهواء بين المسلمين وكثرة الفتن التي قد تحمل على الكذب حتى أصبح الناس لا يقبلون حديثاً بدون إسناد حتى يعرف رواته ويعرف حالهم. وفيما يلي من النصوص دلالة واضحة على ذلك: 1- روى الإمام مسلم بإسناده إلى مجاهد قال: "جاء بشير بن كعب العدوي إلى ابن عباس فجعل يحدث ويقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجعل لا يأذن لحديثه ولا ينظر إليه فقال:
يا ابن عباس مالي لا أراك تسمع لحديثي أحدثك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا تسمع، فقال: إنا كنا مرة إذا سمعنا رجلاً يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، ابتدرته أبصارنا وأصغينا إليه بآذاننا، فلما ركب الناس الصعب والذلول لم نأخذ من الناس إلا ما نعرف". 1 2- وروى بسنده أيضاً إلى محمد بن سيرين قال: "لم يكونوا يسألون عن الإسناد، فلما وقعت الفتنة قالوا: سموا لنا رجالكم، فينظر إلى أهل السنة فيؤخذ حديثهم، وينظر إلى أهل البدع فلا يؤخذ حديثهم". 2 3- وعن يعقوب بن شيبة قال: "سمعت علي بن المديني يقول: كان محمد بن سيرين ممن ينظر في الحديث ويفتش عن الإسناد، لا نعلم أحداً أول منه ... ". 3 4- روى الإمام أحمد عن جابر بن نوح قال: "أخبرنا الأعمش عن إبراهيم النخعي قال: إنما سُئل عن الإسناد أيام المختار". 4
5- وروى الحافظ أبو محمد بن خلاد الرامهرمزي (ت 360 هـ) بسنده إلى الإمام الشعبي عن الربيع بن خثيم قال: من قال لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد فله كذا وكذا، قال الشعبي: فقلت: من حدَّثك قال: عمرو بن ميمون، فلقيت عمرو ميمون وقلت: من حدَّثك فقال: أبو أيوب صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال يحيى بن سعيد القطان: وهذا أول ما فتش عن الإسناد. 1 6- وروى ابن أبي حاتم بإسناده إلى خالد بن نزار قال: سمعت مالكاً يقول: "أول من أسند الحديث ابن شهاب الزهري" (ت 124 هـ) . 2
ثالثاً: ظهور علم الرجال وبدء التصنيف فيه: كان ظهور علم الرجال نتيجة لتطور استعمال الإسناد وانتشاره وكثرة السؤال عنه، وكلما تقادم الزمن كثرت الوسائط في الأسانيد وطالت، فاحتيج إلى بيان أحوال تلك الوسائط والتمييز بينها ولاسيما مع ظهور البدع والأهواء وكثرة أصحابها، لذلك نشأ علم الرجال الذي هو ميزة لهذه الأمة على سائر الأمم، وقد جاء التأليف فيه متأخر عن تدوين الأحاديث. 1 ولم تظهر كتب الرجال - فيما وقفت عليه - إلا من بعد منتصف القرن الثاني الهجري. وأقدم ما وقفت على ذكره من هذه الكتب: كتاب "التأريخ" تأليف الليث بن سعد (ت 175 هـ) ، و "التأريخ" للإمام عبد الله بن المبارك (ت 181 هـ) 2، وذكر الإمام الذهبي: أن للوليد بن مسلم (ت 195 هـ) كتاباً في تاريخ الرجال 3، ثم تتابع التأليف في ذلك كما سيأتي بيانه في الباب الأول من هذا البحث. وقد كان الكلام في الرواة وبيان أحوالهم قبل التأليف فيه يتناقل مشافهة يتلقاه العلماء بعضهم عن بعض جيلاً بعد جيل. 1- قال الحافظ ابن رجب (ت 795 هـ) : "ابن سيرين (ت 110 هـ) رضي الله عنه هو أول من انتقد الرجال وميز الثقات من غيرهم ... ".
وقال يعقوب بن شيبة: "قلت ليحيى بن معين: تعرف أحداً من التابعين كان ينتقي الرجال كما كان ابن سيرين ينتقيهم؟ فقال برأسه، أي: لا". وقال يعقوب أيضاً: "وسمعت علي بن المديني يقول: كان ابن سيرين ممن ينظر في الحديث ويفتش عن الإسناد، لا نعلم أحداً أول منه، ثم كان أيوب (ت 131 هـ) ، وابن عون (ت 150) ، ثم كان شعبة (ت 160 هـ) ، ثم كان يحيى بن سعيد - القطان - (ت 198 هـ) ، وعبد الرحمن بن مهدي (ت 198) . قلت لعلي: فمالك بن أنس فقال: أخبرني سفيان بن عُيينة قال: ما كان أشد انتقاء مالك للرجال". 1 2- وقال أبو عبد الله الذهبي (ت 748 هـ) : "فأول من زكَّى وجرح عند انقراض عصر الصحابة: الشعبي (ت 103 هـ) ، وابن سيرين (ت 110 هـ) ونحوهما، وحفظ عنهم توثيق أُناس وتضعيف آخرين فلما كان عند انقراض عامَّة التابعين في حدود الخمسين ومئة، تكلم طائفة من الجهابذة في التوثيق والتضعيف، كالأعمش (148 هـ) وشعبة بن الحجاج (ت 160 هـ) ومالك بن أنس (ت 179 هـ) . 3- بعد أن ذكر ابن حبان تفتيش الصحابة عن الرجال قال: "ثم أخذ مسلكهم واستن بسنتهم واهتدى بهديهم فيما
استنوا من التيقظ في الروايات جماعة من أهل المدينة من سادات التابعين منهم: سعيد بن المسيب (ت 93 هـ) ، والقاسم بن محمد بن أبي بكر (ت 106 هـ) ، وسالم بن عبد الله بن عمر (ت 106 هـ) ، وعلي بن الحسين بن علي (ت 93 هـ) ، وأبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف (ت 94 هـ) ، وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود (ت 98 هـ) ، وخارجة بن زيد ابن ثابت (ت 99 هـ) ، وعروة بن الزبير بن العوام (ت 94 هـ) ، وأبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام (ت 94 هـ) ، وسليمان بن يسار (ت بعد سنة مئة) . فجَدُّوا في حفظ السنن والرحلة فيها، والتفتيش عنها والتفقه فيها ولزموا الدين ودعوة المسلمين. ثم أخذ عنهم العلم وتتبع الطرق وانتقاء الرجال ورحل في جمع السنن جماعة بعدهم منهم: الزهري (ت 124 هـ) ، ويحيى بن سعيد الأنصاري (ت 144 هـ) ، وهشام بن عروة بن الزبير (ت 145 هـ) ، وسعد بن إبراهيم (ت 125 هـ) ، في جماعة معهم من أهل المدينة، إلا أن أكثرهم تيقظاً، وأوسعهم حفظأً وأدومهم رحلة وأعلاهم همة الزهري رحمة الله عليه". ثم قال: "ثم أخذ عن هؤلاء مسلك الحديث وانتقاد الرجال وحفظ السنن والقدح في الضعفاء جماعة من أئمة المسلمين والفقهاء في الدين منهم: سفيان بن سعيد الثوري (ت 161 هـ) ، ومالك بن أنس (ت 179 هـ) ، وشعبة بن الحجاج (ت 160 هـ) ، وعبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي (ت 156 هـ) ، وحماد بن سلمة (ت 167 هـ) ، والليث بن سعد (ت 175 هـ) ، وحماد بن زيد (ت 179 هـ) في جماعة
معهم، إلا أن من أشدهم انتقاء للسنن وأكثرهم مواظبة عليها، حتى جعلوا ذلك صناعةً لهم لا يشوبونها بشيء آخر ثلاثة: مالك والثوري وشعبة". وقال: "ثم أخذ عن هؤلاء بعدهم الرسم في الحديث والتنقير عن الرجال والتفتيش عن الضعفاء والبحث عن أسباب النقل جماعة منهم: عبد الله بن المبارك (ت 181 هـ) ، ويحيى بن سعيد القطان (ت 198 هـ) ووكيع بن الجراح (ت 197 هـ) ، وعبد الرحمن بن مهدي (ت 198 هـ) ومحمد بن إدريس الشافعي (ت 204 هـ) في جماعة معهم، إلاَّ أن من أكثرهم تنقيراً عن شأن المحدثين وأتركهم للضعفاء والمتروكين حتى جعلوا هذا الشأن صناعة لهم لم يتعدوها إلى غيرها مع لزوم الدين والورع الشديد والتفقه في السنن رجلان: يحيى بن سعيد القطان، وعبد الرحمن بن مهدي". وقال: "ثم أخذ عن هؤلاء مسلك الحديث والاختيار وانتقاء الرجال في الآثار حتى رحلوا في جمع السنن إلى الأمصار، وفتشوا المدن والأقطار، وأطلقوا على المتروكين الجرح وعلى الضعفاء القدح، وبينوا كيفية أحوال الثقات والمدلسين والأئمة والمتروكين حتى صاروا يقتدى بهم في الآثار وأئمة يسلك مسلكهم في الأخبار، جماعة منهم: أحمد بن حنبل رضي الله عنه (ت 241 هـ) ، ويحيى بن معين (ت 233 هـ) ، وعلي بن المديني (ت 234 هـ) ، وأبو بكر بن أبي شيبة (ت 235 هـ) ، وإسحاق بن إبراهيم الحنظلي (ت 238 هـ) ، وعبيد الله بن عمر القواريري (ت 235 هـ) ، وزهير بن حرب أبو خيثمة (ت 234 هـ) في جماعة من أقرانهم.
إلا أن من أورعهم في الدين وأكثرهم تفتيشاً عن المتروكين، وألزمهم لهذه الصناعة على دوام الأوقات: أحمد بن حنبل، ويحيى بن معين، وعلي بن المديني رحمة الله عليهم أجمعين". ثم قال: "ثم أخذ عن هؤلاء مسلك الانتقاد في الأخبار وانتقاء الرجال في الآثار جماعة منهم: محمد بن يحيى الذهلي (ت 258 هـ) ، وعبد الله بن عبد الرحمن الدارمي (ت 255 هـ) ، وأبو زرعة عبيد الله بن عبد الكريم الرازي (ت 264 هـ) ، ومحمد بن إسماعيل البخاري (ت 256 هـ) ، ومسلم بن الحجاج (ت 261 هـ) ، وأبو داود سليمان ابن الأشعث (ت 275 هـ) في جماعة من أقرانهم أمعنوا في الحفظ، وأكثروا في الكتابة، وأفرطوا في الرحلة، وواظبوا على السنة والمذاكرة والتصنيف والمدارسة، حتى أخذ عنهم من نشأ بعدهم من شيوخنا هذا المذهب، وسلكوا هذا المسلك، ولولاهم لدرست الآثار، واضمحلَّت الأخبار، وعلا أهل الضلال والهوى، وارتفع أهل البدع والعمى، فهم لأهل البدع قامعون، وبالسنن شأنهم دامغون" 1. اهـ. ملخصاً. في هذا النص يلخص لنا الإمام الحافظ أبو حاتم محمد بن حبان البستي رحمه الله تعالى (ت 354 هـ) تلك المراحل التي مر بها هذا العلم الجليل الذي ميز الله به أمة محمد صلى الله عليه وسلم على سائر الأمم، وهو علم الرجال أو الجرح والتعديل، وذلك من حين النشأة، وهو السؤال عن الإسناد والتثبت في الرواية في عصر الصحابة الكرام رضوان الله عليهم، ومروراً بتلك المراحل المختلفة من البحث
والتحري عن أحوال الرواة وحفظ وضبط المروي في كل عصر إلى زمانه رحمه الله تعالى، وذلك مع الإشارة إلى ما امتاز به علماء ونقاد كل جيل من تلك الأجيال المتعاقبة، وتطور خدمتهم للسنة سنداً ومتناً رحمهم الله جميعاً.
الباب الأول: كتب الرجال حسب ظهورها إلى نهاية القرن الخامس
الباب الأول: كتب الرجال حسب ظهورها إلى نهاية القرن الخامس تمهيد: اتَّبع المصنفون الأوائل في علم الرجال أساليب متعددة في تآليفهم مما أدى إلى تنوع مصنفاتهم. فمنها: 1- كتب الطبقات التي شملت: طبقات الصحابة والتابعين وتابعيهم وتبعهم. 2- كتب معرفة الصحابة: وهي خاصة بتراجم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ورضي عنهم. 3- كتب الجرح والتعديل: وقد اهتمت ببيان درجة توثيق الرجال أو تضعيفهم، سواء منها ما اقتصر على الضعفاء أو اقتصر على الثقات أو جمع بينهما. وهذه الأنواع من المصنفات ظهرت في الفترة الواقعة ما بين أواخر القرن الثاني ومنتصف القرن الثالث الهجري تقريباً ثم كثرت وتوسعت بعد ذلك. 4- كتب تواريخ المدن التي اقتصرت على تراجم الرواة في بلدة معينة، وقد ظهرت منذ النصف الثاني من القرن الثالث الهجري. 5- كتب معرفة الأسماء وتمييزها: وقد ظهرت متأخر نسبياً عما قبلها، وذلك عندما كثر عدد الرواة وتشابهت أسماؤهم وكناهم
وأنسابهم فاحتيج إلى التمييز بين المتشابه والمؤتلف والمختلف والمتفق والمفترق منهم. 6- كتب الرجال المذكورين في مصنف أو مصنفات معينة 1: وهذه المصنفات نظراً لتأخر ظهورها، وأن التوسع فيها وانتشارها كان من بعد القرن الخامس الهجري، لذلك أفردتها في باب مستقل وهو الباب الثاني من هذا البحث. اقتصَرْتُ في هذا الباب على كتب الرجال المصنفة في القرون الخمسة الأولى للأمور الآتية: أ- إن هذه المصنَّفات هي أصول كتب الرجال المؤلفة فيما بعد القرن الخامس الهجري. ب- إن المؤلفات من بعد القرن الخامس جُلها إن لم تكن كلها إما ترتيب لكتب السابقين أو تذييل عليها أو ناقلة عنها، أو اختصار أو تهذيب لها ونحو ذلك. ج- إنه لا يكاد يوجد ترجمة - فيما أعلم - لأحد من رواة القرون المفضلة - عصر الرواية - ليس له ترجمة في أحد هذه المصنفات إلا أن يكون مجهولاً أو نحو ذلك.
الفصل الأول: كتب الطبقات
الفصل الأول: كتب الطبقات المبحث الأول: تعريف الطبقة مع بيان نشأة علم الطبقات وفائدة معرفته ... المبحث الأول: تعريف الطبقة مع بيان نشأة علم الطبقات وفائدة معرفته أ- تعريف الطبقة: من أجود وأشمل ما وقفت عليه في تعريف الطبقة لغة ما كتبه الأستاذ محمود شاكر في مقدمة تحقيقه لكتاب "طبقات فحول الشعراء" لابن سلام الجمحي، حيث قال: "والذي لا شك فيه أن هذا اللفظ من كلام العرب قديماً للدلالة على معانٍ مختلفة، ولما جاء عصر التدوين صار له مجاز آخر عند المؤلفين والكاتبين، حتى انتهى إلى زماننا هذا بمعنى مشهور مألوف. ومادة (طبق) تؤول أكثر معانيها في لسان العرب إلى تماثل شيئين إذا وضعت أحدهما على الآخر ساواه وكانا على حذوٍ واحد فقيل منه: تطابق الشيئان إذا تساويا وتماثلا. وسموا كل ما غطى شيئأ (طبقاً) لأنه لا يغطيه حتى يكون مساوياً له، ثم لا يغطيه حتى يكون فوقه، فسموا مراتب الناس ومنازل بعضهم فوق بعض (طبقات) 1. ولما كانت كل مرتبة من المراتب لها حال ومذهب سموا
الحال المميزة نفسها طبقة. فقالوا: فلان من الدنيا على طبقات شتى؛ أي: على أحوال شتى، وهذا المعنى أشد وضوحاً في حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: "أَلا إِنَّ بَنِي آدَمَ خُلِقُوا عَلَى طَبَقَاتٍ شَتَّى، فَمِنْهُمْ مَنْ يُولَدُ مُؤْمِناً وَيَحْيَا مُؤْمِناً وَيَمُوتُ مُؤْمِناً، وَمِنْهُمْ مَنْ يُولَدُ كَافِراً وَيَحْيَا كَافِراً وَيَمُوتُ كَافِراً، وَمِنْهُمْ مَنْ يُولَدُ مُؤْمِناً وَيَحْيَا مُؤْمِناً وَيَمُوتُ كَافِراً، وَمِنْهُمْ مَنْ يُولَدُ كَافِراً وَيَحْيَا كَافِراً وَيَمُوتُ مُؤْمِناً" الحديث. 1 وهذا بيان عن مذاهب الناس وأحوالهم في حياتهم، لا عن مراتبهم ومنازلهم. وقد وجدت هذا اللفظ في خبر آخر تعين عليه اللغة، فقد روى القاضي ابن أبي يعلى (ت 526 هـ) بإسناده إلى عباس بن محمد الدوري (ت 271 هـ) أنه قال: "انتهى علم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى ستة نفر، من الصحابة رضي الله عنهم: عمر بن الخطاب، وعلي ابن أبي طالب، وعبد الله بن مسعود، وأبي بن كعب، ومعاذ بن جبل، وزيد بن ثابت، فهؤلاء طبقات الفقهاء.
وأما الرواة فستة نفر أيضاً: أبو هريرة، وأنس بن مالك، وجابر بن عبد الله، وعبد الله بن عمر، وأبو سعيد الخدري، وعائشة رضي الله عنهم. وأما طبقات أصحاب الأخبار والقصص فستة نفر: عبد الله بن سلام، وكعب الأحبار، ووهب بن منبه، وطاووس اليماني، ومحمد بن إسحاق بن يسار، ومحمد بن عمر الواقدي. وأما طبقات التفسير فستة أيضاً: عبد الله بن عباس، وسعيد بن جبير، ومجاهد، وقتادة، والضحاك بن مزاحم، والسدي. وأما طبقات خُزَّان العلم: فالأعمش، ومالك بن أنس، وعبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي، وسفيان الثوري، ومسعر بن كدام، وشعبة ابن الحجاج. وأما طبقات الحفاظ فستة نفر: أحمد بن محمد بن حنبل، ويحيى بن معين، وعلي بن المديني، وأبو زرعة الرازي، ومحمد بن إسماعيل البخاري، ومسلم بن الحجاج. 1 فَبَيِّنٌ جداً أنه سمَّى كل واحد من الستة (طبقة) ، وسمى كل ستة نفر جميعاً: إما طبقات الفقهاء، وإما طبقات الرواة، وإما طبقات التفسير ... إلى آخر ما سمى، وبَيِّنٌ أنّه يعني بتسمية كل واحد منهم (طبقة) أنه رأس متميز في الفقه أو الرواية أو التفسير أو الحفظ". 2 اهـ. ملخصاً بتصرف يسير.
أما تعريف الطبقة في اصطلاح المحدثين فهو: قوم تقاربوا في السن والإسناد أو في الإسناد فقط، بأن يكون شيوخ هذا هم شيوخ الآخر أو يقاربوا شيوخه، وقد يكون الراوي في طبقة باعتبار مشابهته لها من وجه ومن طبقة أخرى لمشابهته لها من وجه آخر، كأنس بن مالك وشبهه من أصاغر الصحابة، هم مع العشرة في طبقة الصحابة، وعلى هذا الصحابة كلهم طبقة باعتبار اشتراكهم في الصحبة، وباعتبار آخر هو النظر إلى الفضل والسابقة في الإسلام - هم عدة طبقات كما ذكر الحافظ ابن سعد في "طبقاته" والحاكم في "معرفة علوم الحديث". 1 ب- نشأة علم الطبقات وتطوره: تقسيم تراجم الرواة على الطبقات تقسيم إسلامي أصيل، والأصل فيه: ما رواه عمران بن حصين رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "خَيْرُ أُمَّتِي قَرْنِي، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ" قال عمران: فلا أدري أذكر بعد قرنه قرنين أو ثلاثة ... الحديث. 2 وقد نشأ هذا العلم وتطور على أيدي علماء الحديث منذ القرن الثاني الهجري، ولم يقتصر فيه على تقسيم الرواة على الطبقات بحسب لقائهم للشيوخ، سواء كان عاماً بمعنى الجيل أو القرن كما فعل كلٌّ من:
1- بحشل الواسطي (ت 292 هـ) في "تاريخ واسط". 2- أبو حاتم بن حبان البستي (ت 354 هـ) في كتابيه "الثقات" و "مشاهير علماء الأمصار". 3- أبو عبد الله الحاكم (ت 405 هـ) في "تاريخ نيسابور". حيث جعل هؤلاء الرواة على أربع طبقات: الصحابة، التابعون، أتباع التابعين، تبع الأتباع. أو كان بصورة أدق في التقسيم كما فعل كل من: 1- محمد بن سعد الزهري (ت 230 هـ) في "طبقاته الكبرى". 2- خليفة بن خياط العصفري (ت 240 هـ) في "طبقاته". 3- أبو عبد الله الحاكم في كتابه "معرفة علوم الحديث". حيث قسم هؤلاء الرواة إلى عدة طبقات بحسب لقائهم للشيوخ لكن بصورة أدق، فمثلاً من لقي كبار الصحابة من التابعين يعد طبقة أولى، ومن لقي من دونهم يعد طبقة ثانية، ومن لقي صغارهم يعد طبقة ثالثة، وهكذا 1.لم يقتصر المحدثون على تقسيم الرواة
بحسب الشيوخ بل تطور استعماله عند علماء الحديث إلى معان أخرى كالفضل والسابقة كما في الصحابة أو الحال والمنزلة كما تقدم ذكر ذلك في كلام عباس الدوري، وكل هذه التقسيمات يشملها معنى الطبقة في لسان العرب، كما سبق الإشارة إلى ذلك في التعريف. وقد استمر التأليف على الطبقات يتسع ويتطور حتى نهاية القرن التاسع الهجري. كما امتدَّ استعمال نظام الطبقات إلى كتب التراجم الأخرى: كـ "طبقات القراء" لخليفة بن خياط (ت 240 هـ) ، و "طبقات الفقهاء" لأبي إسحاق الشيرازي (ت 476 هـ) ، و "طبقات الصوفية" لأبي عبد الرحمن السلمي (ت 412 هـ) ، و "طبقات فحول الشعراء" لمحمد سلاّم الجمحي (ت 232 هـ) ، و "طبقات النحويين" لأبي بكر الزبيدي (ت 379 هـ) وغير ذلك. ج- فائدة معرفة علم الطبقات: قال الحافظ العراقي (ت 806 هـ) : "ومن المهمات معرفة طبقات الرواة، فإنه قد يتفق اسمان في اللفظ فيظن أن أحدهما الآخر فيتميز ذلك بمعرفة طبقتهما إن كانا من طبقتين، فإن كانا من طبقة واحدة فربما أشكل الأمر، وربما عرف ذلك بمن فوقه أو دونه من الرواة، فربما كان أحد المتفقين في الاسم لا يروي عمن روى عنه الآخر، فإن اشتركا في الراوي الأعلى وفيمن روى عنهما فالإشكال حينئذ أشد، وإنما يميز ذلك أهل الحفظ
والمعرفة، ويعرف كون الراويين أو الرواة من طبقة واحدة بتقاربهم في السن وفي الشيوخ الآخذين عنهم، إما بكون شيوخ هذا هم شيوخ هذا أو تقارب شيوخ هذا من شيوخ هذا في الأخذ، وبسبب الجهل بمعرفة الطبقات غلط غير واحد من المصنفين، فربما ظن راوياً راوياً آخر غيره، وربما أدخل راوياً في غير طبقته". 1 وقال الحافظ السخاوي (ت 902 هـ) : "وفائدته الأمن من تداخل المشتبهين كالمتفقين في اسم أو كنية أو نحو ذلك، وإمكان الاطلاع على تبيين التدليس والوقوف على حقيقة المراد من العنعنة لمعرفة الحديث المرسل أو المنقطع وتمييزه عن الحديث المسند، وبينه وبين التأريخ عموم وخصوص وجهي، فيجتمعان في التعريف بالرواة وينفرد التأريخ بالحوادث والطبقات بما إذا كان في البدريبن مثلاً من تأخرت وفاته عمن لم يشهدها لاستلزامه تقديم المتأخر الوفاة". 2
المبحث الثاني: طبقات الرواة في عصر الرواية
المبحث الثاني: طبقات الرواة في عصر الرواية اتفق علماء الحديث على اعتبار القرون الثلاثة الأولى للهجرة - القرون المفضلة - هي عصر الرواية وبعضهم يدخل أهل المائة الرابعة كذلك في عصر الرواية - وإن كان استعمال الإسناد والتأكيد عليه قد استمر إلى ما بعد القرن الخامس تقريباً - ويؤيد هذا الاتفاق ما جاء في النصوص الآتية: 1- عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يَأْتِي عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ فَيَغْزُو فِئَامٌ مِنَ النَّاسِ فَيَقُولُونَ: فِيكُمْ مَنْ صَاحَبَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم؟ فَيَقُولُونَ: نَعَمْ، فَيُفْتَحُ لَهُمْ، ثُمَّ يَأْتِي عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ فَيَغْزُو فِئَامٌ مِنَ النَّاسِ فَيُقَالُ: هَلْ فِيكُمْ مَنْ صَاحَبَ أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَيَقُولُونَ: نَعَمْ، فَيُفْتَحُ لَهُمْ، ثُمَّ يَأْتِي عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ فَيَغْزُو فِئَامٌ مِنَ النَّاسِ فَيُقَالُ: هَلْ فِيكُمْ مَنْ صَاحَبَ مَنْ صَاحَبَ أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَيَقُولُونَ: نَعَمْ، فَيُفْتَحُ لَهُمْ". 1 2- وعن عمران بن حصين رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "خَيْرُ أُمَّتِي قَرْنِي، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ".
قال عمران: فلا أدري أذكر بعد قرنه قرنين أو ثلاثة: ثم يكون بعدهم قَوْم يَشْهَدُونَ وَلا يُسْتَشْهَدُونَ، وَيَخُونُونَ وَلا يُؤْتَمَنُونَ، وَيَنْذُرُونَ وَلا يوفُونَ، وَيَظْهَرُ فِيهِمُ السِّمَنُ". 1 3- وعن بريدة الأسلمي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "خَيْرُ هَذِهِ الأُمَّةِ الْقَرْنُ الَّذِينَ بُعِثْتُ أَنَا فِيهِمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ يَكُونُ قَوْمٌ تَسْبِقُ شَهَادَتُهُمْ أَيْمَانَهُمْ، وَأَيْمَانُهُمْ شَهَادَتَهُمْ". 2 4- قال الحافظ ابن حبان البستي (ت 354 هـ) : "إني أملي في ذكر من حمل عنه العلم كتابين: كتاباً أذكر فيه الثقات من المحدثين، وكتاباً أبين فيه الضعفاء والمتروكين، وأبدأ منهما بالثقات، نذكر من صحب رسول الله صلى الله عليه وسلم واحداً واحداً على المعجم، إذ هم خير الناس قرناً بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم نذكر بعدهم التابعين الذين شافهوا أصحاب رسول الله في الأقاليم كلها على المعجم، إذ هم خير الناس بعد الصحابة قرناً، ثم نذكر القرن الثالث الذين رأوا التابعين وأذكرهم على نحو ما ذكرنا الطبقتين الأوليين، ثم نذكر القرن الرابع الذي رأوا أتباع التابعين على سبيل من قبلهم، وهذا
القرن ينتهي إلى زماننا هذا" 1 انتهى. 5- وقال الحافظ أبو عبد الله الذهبي (ت 748 هـ) : "فالحد الفاصل بين المتقدم والمتأخر هو رأس سنة ثلاث مائة". 2 وقال أيضاً: "ومن هذا الوقت - أواخر المائة الرابعة من الهجرة - تناقص الحفظ، وقلَّ الاعتناء بالآثار، وركن العلماء إلى التقليد، وكان التشيع والاعتزال والبدع ظاهرة بالعراق، لاستيلاء آل بُوَيْه ثَمَّ، وبمصر والشام والمغرب، لاستيلاء بني عُبيد الباطنية نسأل الله العافية". 3 فمن هذه النصوص يمكن حصر طبقات الرواة الرئيسة في عصر الرواية في الطبقات الآتية: الأولى: الصحابة رضوان الله عليهم. الثانية: التابعون. الثالثة: أتباع التابعين. الرابعة: تبع الأتباع. الطبقة الأولى: الصحابة الكرام رضي الله عنهم:
قال الإمام ابن أبي حاتم (ت 327 هـ) : "فأما أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فهم الذين شهدوا الوحي والتنزيل وعرفوا التفسير والتأويل، وهم الذين اختارهم الله عز وجل لصحبة نبيه صلى الله عليه وسلم ونصرته وإقامة دينه وإظهار حقه، فرضيهم له صحابة، وجعلهم لنا أعلاماً وقدوة، فحفظوا عنه صلى الله عليه وسلم ما بلغهم عن الله عز وجل وما سن وشرع، ووعوه وأتقنوه، ففقهوا في الدين وعلموا أمر الله ونهيه ومراده" انتهى ملخصاً. 1 وسيأتي مزيد تفصيل عن هذه الطبقة في الفصل الثاني من هذا الباب بإذن الله. الطبقة الثانية: التابعون: يقال للواحد منهم: تابع وتابعي: وهو من لقي واحداً من الصحابة. 2 وقال الخطيب: "التابعي: من صحب الصحابي". 3 واشترط ابن حبان أن يكون عند رؤيته للصحابي في سن من يحفظ، وهو نظير اشتراط التمييز في الصحابي عند رؤيته لرسول الله. 4
أهمية معرفة التابعين: قال الحافظ ابن أبي حاتم (ت 327 هـ) : فخلف من بعد الصحابة التابعون، الذين اختارهم الله عز وجل لإقامة دينه وخصهم بحفظ فرائضه وحدوده وأمره ونهيه ... فحفظوا عن الصحابة ما نشروه وبثوه من الأحكام والسنن والآثار ... فأتقنوه، وعلموه، وفقهوا فيه، فكانوا من الإسلام والدين ومراعاة أمر الله عز وجل ونهيه بحيث وضعهم الله عز وجل ونصبهم له، إذ يقول الله تعالى: {وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ} 1، فصاروا برضوان الله عز وجل لهم وجميل ما أثنى عليهم بالمنزلة التي نزههم بها عن أن يلحقهم مغمز أو تدركهم وصمة لتيقظهم وتحرزهم وتثبتهم، ولأنهم البررة الأتقياء الذين ندبهم الله عز وجل لإثبات دينه، وإقامة سننه وسبله، فلم يكن لاشتغالنا بالتمييز بينهم معنى، إذ كنا لا نجد منهم إلا إماماً مبرزاً مقدماً في الفضل والعلم ووعي السنن وإثباتها، ولزوم الطريقة واحتذائها، ورحمة الله ومغفرته عليهم أجمعين، إلا ما كان ممن ألحق نفسه بهم ودلسها بينهم ممن ليس يلحقهم ولا هو في مثل حالهم لا في فقه ولا علم ولا حفظ ولا إتقان" 2 اهـ ملخصاً. وقال أبو عبد الله الحاكم (ت 405 هـ) : " وهذا نوع - يعني معرفة التابعين - يشتمل على علوم كثيرة، فإنهم على طبقات في الترتيب، ومهما غفل الإنسان عن هذا العلم لم يُفَرِّق بين الصحابة والتابعين ثم لم يفرق أيضاً بين التابعين وأتباع التابعين ... وقد ذكرهم
رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله: "خَيْرُ أُمَّتِي قَرْنِي، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ... " فخير الناس قرناً بعد الصحابة من شافه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وحفظ عنهم الدين والسنن وهم - الصحابة - قد شهدوا الوحي والتنزيل". 1 وقال الحافظ أبو عمرو بن الصلاح (ت 643 هـ) : " هذا - معرفة التابعين - ومعرفة الصحابة أصل أصيل يرجع إليه في معرفة المرسل والمسند". 2 طبقات التابعين: قال أبو عبد الله الحاكم: وهم خمس عشرة طبقة، آخرهم من لقي أنس ابن مالك من أهل البصرة، ومن لقي عبد الله بن أبي أوفى من أهل الكوفة، ومن لقي السائب بن يزيد من أهل المدينة، ومن لقي عبد الله بن الحارث بن جزء من أهل مصر، ومن لقي أبا أمامة الباهلي من أهل الشام". 3 وقال الحافظ زين الدين العراقي (ت 806 هـ) : " ثم إن التابعين طباق، فجعلهم مسلم في كتاب "الطبقات" - مطبوع - ثلاث طبقات، وكذا فعل محمد بن سعد في "الطبقات"، وربما بلغ بهم أربع طبقات" اهـ. 4 وكذلك فعل خليفة بن خياط في "طبقاته" مثل ما فعل ابن
سعد. 1 وقد قسمها الحافظ ابن حجر في مقدمة "تقريب التهذيب". 2 إلى أربع طبقات هي: الأولى: كبار التابعين. الثانية: الطبقة الوسطى من التابعين. الثالثة: طبقة تليها جُلّ روايتهم عن كبار التابعين كالزهري وقتادة. الرابعة: الطبقة الصغرى من التابعين. المخضرمون من التابعين: قال الحافظ زين الدين العراقي (ت 806 هـ) : "المخضرمون من التابعين - بفتح الراء - وهم الذين أدركوا الجاهلية وحياة رسول الله صلى الله عليه وسلم وليس لهم صحبة". وقال صاحب "الصحاح": "لحم مخضرم - بفتح الراء - لا يدرى من ذكر هو أو من أنثى، والمخضرم أيضاً الشاعر الذي أدرك الجاهلية والإسلام مثل: لبيد الشاعر". 3 فكذلك المخضرمون مترددون بين الصحابة للمعاصرة وبين التابعين لعدم الرؤية". 4 قال ابن الصلاح (ت 643 هـ) : "وذكرهم – أي المخضرمين - الإمام مسلم فبلغ بهم عشرين نفساً منهم: أبو عمرو بن إياس الشيباني، وسويد بن غفلة الكندي، وعمرو بن ميمون الأودي، وعبد خير الخيواني، وأبو عثمان النّهدي، وأبو رجاء العطاردي،
وغيرهم". ثم قال: "وممن لم يذكره مسلم: أبو مسلم الخولاني عبد الله بن ثوب، والأحنف بن قيس، وغيرهم". 1 وقال الحافظ السخاوي: "بلغ بهم الإمام مسلم عشرين، ومغلطاي أزيد من مائة، ومن طالع "الإصابة" لشيخنا وجد منهم خلقاً، وأفردهم البرهان الحلبي الحافظ (ت 841 هـ) في جزء سماه "تذكرة الطالب المعلم فيمن يقال إنه مخضرم" 2 - مطبوع -. من أكابر التابعين "الفقهاء السبعة" من أهل المدينة: قال أبو عمرو بن الصلاح: " ... وهم سعيد بن المسيب، والقاسم بن محمد، وعروة بن الزبير، وخارجة بن زيد، وأبو سلمة بن عبد الرحمن، وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة، وسليمان بن يسار. وروينا عن الحافظ أبي عبد الله الحاكم أنه قال: "هؤلاء الفقهاء السبعة عند الأكثر من علماء الحجاز". 3 وروينا عن ابن المبارك قال: "كان فقهاء أهل المدينة الذين يُصْدرون عن رأيهم سبعة". فذكر هؤلاء، إلا أنه لم يذكر أبا سلمة بن عبد الرحمن، ذكر بدله سالم بن عبد الله بن عمر. "وروينا عن أبي الزناد تسميتهم في كتابه عنهم، فذكر هؤلاء، إلا
أنه ذكر أبا بكر بن عبد الرحمن بدل أبي سلمة وسالم". 1 أفضل التابعين: ورد عن الإمام أحمد بن حنبل أنه قال: "أفضل التابعين سعيد بن المسيب"، فقيل له: فعلقمة والأسود؟ فقال: "سعيد بن المسيب وعلقمة والأسود". وعنه قال: "أفضل التابعين: قيس وأبو عثمان وعلقمة ومسروق، هؤلاء كانوا فاضلين ومن علية التابعين". 2 وقال أبو عمرو بن الصلاح (ت 643 هـ) : "وأعجبني ما وجدته عن الشيخ أبي عبد الله بن خفيف الزاهد الشيرازي في كتاب له قال: اختلف الناس في أفضل التابعين: فأهل المدينة يقولون: سعيد بن المسيب، وأهل الكوفة يقولون: أويس القرني، وأهل البصرة يقولون: الحسن البصري". 3 وقال الحافظ زين الدين العراقي (ت 806 هـ) : "والصواب ما ذهب إليه أهل الكوفة لما روى الإمام مسلم في "صحيحه" من حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إِنَّ خَيْرَ التَّابِعِينَ رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ: أُوَيْسٌ" 4 الحديث. وقد يحمل ما ذهب إليه أهل المدينة وأحمد أيضاً - من تفضيل سعيد بن المسيب على سائر التابعين - أنهم أرادوا فضيلة العلم
لا الخيرية الواردة في الحديث والله أعلم" 1 اهـ. وقال الحافظ البلقيني (ت 805 هـ) : "والأحسن في تفضيل التابعين أن يقال: من حيث الزهد والورع: أويس القرني، ومن حيث حفظ الخبر والأثر: سعيد بن المسيب". 2 وقال ابن الصلاح: "وبلغنا عن أبي بكر بن أبي داود قال: سيدتا التابعين من النساء: حفصة بنت سيرين، وعمرة بنت عبد الرحمن، وثالثتهما - وليست كهما - أم الدرداء والله أعلم". 3 قال البلقيني: "المراد: أم الدرداء الصغرى التابعية، اسمها هجيمة، ويقال: جهيمة". 4 فوائد: الأولى: قال أبو عبد الله الحاكم (ت 405 هـ) : "وطبقة تعد في التابعين ولم يصح سماع أحد منهم من الصحابة: منهم إبراهيم بن سويد النخعي، وإنما روايته الصحيحة عن علقمة والأسود، ولم يدرك أحداً من الصحابة، وليس هذا بإبراهيم بن يزيد النخعي الفقيه. وبكير بن عبد الله بن الأشج لم يثبت سماعه من عبد الله بن الحارث ابن جزء، وإنما روايته عن التابعين. وبكير بن أبي السمط لم يصح له عن أنس رواية، وإنما أسقط قتادة من الوسط. وثابت بن عجلان
الأنصاري لم يصح سماعه من ابن عباس، وإنما يروي عن عطاء وسعيد بن جبير عن ابن عباس. وسعيد بن عبد الرحمن الرقاشي وأخوه واصل أبو حرة لم يثبت سماع واحد منهما من أنس. وطبقة عدادهم عند الناس في أتباع التابعين وقد لقوا الصحابة منهم: أبو الزناد عبد الله بن ذكوان وقد لقي عبد الله بن عمر وأنس بن مالك وأبا أمامة بن سهل. وهشام بن عروة وقد أدخل على عبد الله بن عمر وجابر بن عبد الله. وموسى بن عقبة وقد أدرك أنس بن مالك وأم خالد بنت خالد بن سعيد بن العاص". 1 الثانية: قال السيوطي (ت 911 هـ) : "وعد من التابعين طبقة وهم صحابة، إما غلطاً: كالنعمان وسويد ابني مقرَّن المزني عدهما الحاكم في الإخوة 2 من التابعين، وهما صحابيان معروفان. أو لكون ذلك الصحابي من صغار الصحابة يقارب التابعين في كون روايته أو غالبها عن الصحابة كما عد مسلم من التابعين: يوسف بن عبد الله بن سلام، ومحمود بن لبيد" 3 اهـ. الثالثة: قال الحافظ البلقيني (ت 805 هـ) : "فائدة: أول التابعين موتاً أبو زيد معمر بن زيد، قتل بخرسان وقيل: بأذربيجان سنة ثلاثين، وآخرهم موتاً خلف بن خليفة توفي سنة
ثمانين ومائة". 1 الرابعة: قال الحافظ أبو عبد الله الذهبي (ت 748 هـ) : "وفي هذا الزمان - زمان آخر التابعين وأول عصر الأتباع - ظهر بالبصرة: عمرو بن عبيد العابد، وواصل بن عطاء الغزال، ودعوا الناس إلى الاعتزال والقول بالقدر، وظهر بخرسان: الجهم بن صفوان ودعا إلى تعطيل الرب عز وجل وخلق القرآن، وظهر بخرسان في قبالته: مقاتل بن سليمان المفسر وبالغ في إثبات الصفات حتى جسَّم. فقام على هؤلاء علماء التابعين وأئمة السلف، وحذروا من بدعهم، وشرع الكبار في تدوين السنن وتأليف الفروع وتصنيف العربية، ثم كثر ذلك في أيام الرشيد وكثرت التصانيف وألفوا في اللغات، وأخذ حفظ العلماء ينقص، ودونت الكتب واتكلوا عليها، وإنما كان قبل ذلك علم الصحابة والتابعين في الصدور، فهي كانت خزائن العلم لهم رضي الله عنهم" 2 اهـ. الطبقة الثالثة: أتباع التابعين:
قال الحافظ ابن أبي حاتم (ت 327 هـ) : "ثم خلف التابعين تابعو التابعين، وهم خلف الأخيار وأعلام الأمصار في دين الله عز وجل ونقل سنن رسول الله صلى الله عليه وسلم وحفظه وإتقانه، والعلماء بالحلال والحرام، والفقهاء في أحكام الله عز وجل، وفروضه وأمره ونهيه، فكانوا على مراتب أربع: الأولى: فمنهم الثبت الحافظ الورع المتقن الجهبذ الناقد للحديث، فهذا الذي لا يختلف فيه، ويعتمد على جرحه وتعديله، ويحتج بحديثه وكلامه في الرجال. الثانية: ومنهم العدل في نفسه، الثبت في روايته، الصدوق نقله، الورع في دينه، الحافظ لحديثه المتقن فيه، فذلك العدل الذي يحتج بحديثه ويوثق في نفسه. الثالثة: ومنهم الصدوق الورع الثبت الذي يَهِمُ أحياناً، وقد قبله الجهابذة النقاد، فهذا يحتج بحديثه. الرابعة: ومنهم الصدوق الورع المغفل الغالب عليه الوهم والغلط والسهو، فهذا يكتب من حديثه الترغيب والترهيب والزهد والآداب، ولا يحتج بحديثه في الحلال والحرام". ثم قال: "وخامس قد ألصق نفسه بهم ودلسها بينهم ممن ليس من أهل الصدق والأمانة ومن قد ظهر للنقاد والعلماء بالرجال أولي المعرفة منهم الكذب، فهذا يترك حديثه وتطرح روايته" 1 اهـ. وقال الحافظ ابن حبان (ت 354 هـ) : " ... خير الناس قرناً بعد
التابعين من لا يكون بينهم وبين أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا قرناً واحداً، وهم أتباع التابعين الذين شافهوا من شافه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى حفظوا عنهم العلم والآثار، وكثرت عنايتهم في جمع الأخبار، وأمعنوا في طلب الأحكام والتفقه فيها، وضبط أقاويل السلف فيما لم يرد فيه سنة مع الاستنباط الصحيح من الدلائل الواضحة في الأصول التي هي مفزع العالم في الأحوال ورد سائر الفروع إلى ما تقدم من الأصول، حتى حفظ الله جل وعلا بهم الدين على المسلمين وصانه عن ثلب القادحين، وجعلهم أعلى من يقتدى بهم في الأمصار، ويرجع إلى أقاويلهم في الآثار" اهـ ملخصاً. 1 فائدة معرفة "أتباع التابعين": قال أبو عبد الله الحاكم: "النوع الخامس عشر من علوم الحديث، وهو معرفة أتباع التابعين، فإن غلط من لا يعرفهم يعظم أن يعدهم الطبقة الرابعة، أو لا يميز فيجعل بعضهم من التابعين - كما قدمنا ذكره - وقد ذكرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما رواه عمران بن حصين عنه، فقال: "خَيْرُ النَّاسِ الْقَرْنُ الَّذِي بُعِثْتُ فِيهِمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ يَنْشَأُ قَوْمٌ يَشْهَدُونَ وَلا يُسْتَشْهَدُونَ، وَيَحْلِفُونَ وَلا يُسْتَحْلَفُونَ، وَيَخُونُونَ وَلا يُؤْتَمَنُونَ، يَفْشُو فِيهِمُ السِّمَنُ". 2 قال أبو عبد الله: "فهذه صفة أتباع التابعين، إذ جعلهم النبي صلى الله عليه وسلم خير الناس بعد الصحابة والتابعين المنتخبين، وهم الطبقة الثالثة بعد النبي صلى الله عليه وسلم، وفيهم جماعة من أئمة المسلمين وفقهاء الأمصار، مثل: مالك
بن أنس، وأبو عمرو الأوزاعي، وسفيان الثوري، وشعبة بن الحجاج العتكي، وابن جريج المكي وغيرهم. ثم يعد فيهم أيضاً جماعة من تلامذة هؤلاء الأئمة الذين ذكرناهم مثل: يحيى بن سعيد القطان وقد أدرك أصحاب أنس، وعبد الله بن المبارك وقد أدرك جماعة من التابعين، ومحمد بن الحسن الشيباني ممن روى "الموطأ" عن مالك وقد أدرك جماعة من التابعين، وإبراهيم بن طهمان الزاهد وقد أدرك جماعة من التابعين، وفي هذه الطبقة جماعة يشتبه على المتعلم أساميهم فتوهمهم من التابعين لنسب يجمعهم أو غير ذلك مما يشتبه على غير المتبحرين في هذا العلم مثل: إبراهيم بن محمد بن سعد بن أبي وقاص لم يسمع من أحد من الصحابة، وربما نسب إلى جده فيتوهمه الراوي الحديث - إبراهيم بن سعد بن أبي وقاص - وهو تابعي كبير عنده عن أبيه وغيره من الصحابة ومنهم: حفص بن عمر بن سعد القرظ، وسعد صحابي، وحفص لم يسمع من جده ولا غيره من الصحابة، وربما نسب إلى جده فيتوهمه الواهم أنه تابعي. ومنهم: الحسين بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب رضوان الله عليهم، وهو الذي يعرف بحسين الأصغر الذي يروي عنه عبد الله بن المبارك وغيره، وربما قال الراوي: عن حسين بن علي عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم، فيشتبه على من لا يتحقق أنه مرسل ويتوهمه من التابعين وليس كذلك.
ومنهم: سليمان الأحول وهو سليمان بن أبي مسلم المكي، وربما روي عنه عن ابن عباس، فيتأمل الراوي حاله، فيقول: هذا كبير - وهو خال عبد الله بن أبي نجيح - لا ينكر أنه يلقى الصحابة، وليس كذلك، فإنه من الأتباع ورواياته عن طاووس عن ابن عباس. ومنهم: سليمان بن عبد الرحمن الدمشقي، وعداده في المصريين، صاحب حديث الضحية، كبير السن والمحل، روى عنه عمرو بن الحارث وشعبة والليث، وقد قيل عنه عن البراء بن عازب، فإذا تأمل الراوي محله وسنه وجلالة الرواة عنه لا يستبعد كونه من التابعين، وليس كذلك، فإن بينه وبين البراء: عبيد بن فيروز. ومنهم: سليمان بن يسار الذي يروي عن سليمان بن بلال وابن أبي ذئب، وهذا شيخ من أهل المدينة يقال له: صاحب المقصورة، فربما خفي على من ليس هذا العلم من صنعته، ويروي رواية أتباع التابعين عنه فيتوهمه: سليمان بن يسار مولى ميمونة سابع الفقهاء السبعة". ثم قال: "فقد ذكرنا هذه الأسامي ليستدل بها على جماعة من أتباع التابعين لم نذكرهم، ويعلم بذلك أن معرفة الأتباع نوع كبير من هذا العلم" 1 اهـ ملخصاً.
الطبقة الرابعة: تبع الأتباع: أخرج ابن حبان البستي (ت 354 هـ) بسنده إلى بريدة الأسلمي رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "خَيْرُ هَذِهِ الأُمَّةِ الْقَرْنُ الَّذِينَ بُعِثْتُ فِيهِمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ يَكُونُ أَقْوَامٌ تَسْبِقُ شَهَادَتُهُمْ أَيْمَانَهُمْ، وَأَيْمَانُهُمْ شَهَادَتَهُمْ". ثم قال: "هذه اللفظة "ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ" في الرابعة: تفرد بها حماد ابن سلمة وهو ثقة مأمون، وزيادة الألفاظ عندنا مقبولة عن الثقات".1 ثم قال رحمه الله - في نهاية كتابه "الثقات" -: "قد أملينا ما حضر من ذكر تبع الأتباع على حسب ما منَّ الله عز وجل به من التوفيق لذلك وله الحمد، على حسب ما ذكرنا مَنْ
قبلهم من الطبقات الثلاث، فربما تقدم موت إنسان ذكرته من هذه الطبقة أو تأخر موته وبينهما مائة سنة أو أكثر، فأدخلناهم في قرن واحد لطبقة واحدة لاستوائهما في اللقي، وكل من بينه وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم رجل واحد أدخلناه في كتاب التابعين سواء تأخر موته أو تقدم، وكل من بينه وبين رسول الله في اللقى رجلان أدخلناه في كتاب تبع التابعين - بعد أن يكون ثقة - وكل من كان بينه وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثة أنفس في اللقي أدخلته في كتاب تبع الأتباع هذا". 1 وقد ذكر أيضاً في مقدمة كتاب "الثقات": أن الطبقة الرابعة هذه تمتد إلى شيوخه حيث قال: "ثم نذكر القرن الرابع الذين رأوا أتباع التابعين على سبيل من قبلهم، وهذا القرن ينتهي إلى زماننا هذا". 2
المبحث الثالث: من أشهر المصنفات في الطبقات
المبحث الثالث: من أشهر المصنفات في الطبقات تنوعت مصنفات العلماء في الطبقات، فمنها: ما اقتصر على طبقات الصحابة مثل: "طبقات من روى عن النبي صلى الله عليه وسلم من أصحابه" للهيثم بن عدي (ت 207 هـ) أو على طبقات التابعين كما فعل أبو حاتم الرازي (ت 277 هـ) في كتابه "طبقات التابعين"، ومنها ما جمع بين الصحابة والتابعين كما في كتاب "طبقات الصحابة والتابعين" للإمام مسلم (ت 261 هـ) - مطبوع - ومنها ما اقتصر فيه على طبقات المحدثين في بلدة واحدة مثل "طبقات المحدثين بأصبهان" لأبي الشيخ بن حيان (ت 369 هـ) ، و "طبقات الهمذانيين" لأبي الفضل صالح بن أحمد الهمذاني (ت 384 هـ) ، ومنها ما تناول طبقات المحدثين عامة كما فعل الحافظ محمد بن سعد (ت 230 هـ) في "طبقاته الكبرى"، وكذلك خليفة بن خياط (ت 240 هـ) وغيرهما، وهذا النوع هو الأكثر في كتب الطبقات، ومن أشهرها: 1 1- الطبقات لمحمد بن عمر الواقدي (ت 207 هـ) وهو أقدم مصنف في الطبقات. 2
2- طبقات من روى عن النبي صلى الله عليه وسلم من أصحابه للهيثم بن عدي (ت 207 هـ) ، وله أيضاً طبقات الفقهاء والمحدثين. 1 3- الطبقات الكبرى لمحمد بن سعد كاتب الواقدي (ت 230 هـ) - مطبوع -. 4- الطبقات لعلي بن عبد الله المديني (ت 234 هـ) وهو في عشرة أجزاء. 2 5- الطبقات لإبراهيم بن المنذر أبي إسحاق الحزامي (ت236 هـ) 6- الطبقات لخليفة بن خياط (ت 240 هـ) مطبوع. 7- الطبقات لأبي القاسم محمود بن إبراهيم بن سميع الدمشقي (ت 259 هـ) . 4 8- الطبقات لعبد الرحمن بن إبراهيم بن عمرو الدمشقي
الملقب دحيم (ت 245 هـ) . 1 9- الطبقات للإمام مسلم (ت 261 هـ) ، مطبوع. 10- الطبقات لأبي بكر محمد بن عبد الله بن عبد الرحيم البرقي (ت 249 هـ) . 2 11- طبقات التابعين لأبي حاتم محمد بن إدريس الرازي (ت 277) . 3 12- الطبقات لأبي زرعة الدمشقي عبد الرحمن بن عمرو النصري (ت 281 هـ) . 4 13- طبقات الأسماء المفردة من الصحابة والتابعين وأصحاب الحديث لأبي بكر أحمد بن هارون البرذعي البرديجي 5 (ت 301 هـ) 14- طبقات المحدثين بأصبهان لأبي الشيخ عبد الله بن
محمد بن جعفر بن حيان الأنصاري الأصبهاني (ت 369 هـ) مطبوع. 15- الطبقات لأبي عمر محمد بن العباس بن حيوة الخزاز - بالمعجمة ثم زايين بينهما ألف - (ت 382 هـ) . 1 16- طبقات الهمذانيين لأبي الفضل صالح بن أحمد التميمي الهَمَذاني (ت 384 هـ) . 2 17- طبقات الرجال لأبي الفضل علي بن الحسين الفلكي (ت 429 هـ) . 3 18- طبقات المحدثين لأبي القاسم عبد الرحمن بن منده (ت 470 هـ) . 4
المبحث الرابع: تعريف موجز بكتاب الطبقات لمحمد بن سعد
المبحث الرابع: تعريف موجز بكتاب "الطبقات" لمحمد بن سعد اسمه: عنوان النسخة المطبوعة: "الطبقات الكبرى"، وذكره الذهبي والعراقي باسم: "الطبقات الكبير". 1 مؤلفه: قال عنه الحافظ أبو عبد الله الذهبي: " ... الحافظ العلامة الحجة أبو عبد الله محمد بن سعد بن منيع الهاشمي مولاهم، كاتب الواقدي ومصنف "الطبقات الكبير" في بضعة عشر مجلداً، و "الطبقات الصغير"، ولد بعد الستين ومائة، وطلب العلم في صباه ولحق الكبار، توفي ببغداد سنة (230 هـ ") . منهج ابن سعد فى كتابه "الطبقات الكبرى" 2: يمكن تقسيم كتاب "الطبقات الكبرى" إلى الأقسام الآتية 3:
الأول: السيرة النبوية: وقد استغرقت من النسخة المطبوعة مجلدين، ويتلخص منهجه في هذا القسم فيما يلي: 1- سلك فيه منهج مدرسة ابن إسحاق في دراسة السيرة حيث يقدم للأحداث والأخبار بجمع أسانيده إليها ثم يعقب بقوله: "دخل حديث بعضهم في حديث بعض قالوا". 1 وكثيراً ما يفعل ذلك في أسانيد شيخه: محمد بن عمر الواقدي. 2 2- لم يقتصر فيه على ما أخذه عن شيخه الواقدي، بل استقى من مصادر أخرى كثيرة، حيث أكثر الرواية عن نيف وستين شيخاً معظمهم من المحدثين الذين اهتموا بسيرة النبي صلى الله عليه وسلم وسيرة الصحابة
والتابعين، وهناك شيوخ آخرون، إلا أنه لم يكثر عنهم.1 3- يسوق الخبر الرئيس عن الغزوة، فيرويه عن مجموعة الرواة الذين ذكرهم في أول حديثه عن الغزوات ثم يكمل الحديث بروايات مفردة من مصادر متعددة، يسوقها بأسانيدها، وإذا عاد لرواية الجماعة يقدم ذلك بقوله: "قالوا ... ". 2 4- إذا بدأ في الحديث عن غزوة جديدة، فإنه لا يعيد الأسانيد مجموعة كما يفعل شيخه الواقدي، وإنما يعطف على الأسانيد السابقة بقوله: "ثم غزوة كذا ... ". 3 الثانى: طبقات الصحابة: وقد قسمهم - رحمه الله - باعتبار سابقتهم في الإسلام وفضلهم إلى خمس طبقات 4، وهي: الأولى: من شهد بدراً من المهاجرين والأنصار. الثانية: من لهم إسلام قديم ولم يشهدوا بدراً ومن شهد أحداً.
الثالثة: من أسلم بعد أحد وقبل فتح مكة. الرابعة: مسلمة الفتح ومن أسلم بعد الفتح. الخامسة: من توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم أحداث الأسنان مثل الحسن والحسين وعبد الله بن الزبير وعبد الله بن عباس ... ". 1 ثم رتب من ترجمهم في كل طبقة على الأنساب، مبتدئاً برهط رسول الله صلى الله عليه وسلم من بني هاشم ثم بقية فروع قريش، وهكذا سائر القبائل من العدنانية ثم القحطانية. وقد أعاد تراجم بعض الصحابة بحسب المدن التي نزلوا بها عندما يترجم لعلماء كل مدينة - كما سيأتي بيانه - لكنه يختصر الترجمة عندما يعيد ذكرها. الثالث: طبقات من بعد الصحابة من التابعين ومن بعدهم إلى عصره: ويختلف عدد طبقاتهم من بلد إلى آخر، فبينما نجده بلغ بهم في المدينة سبع طبقات نجده جعلهم في مكة خمس طبقات، وفي الكوفة تسع طبقات، وفي البصرة ثمان طبقات، وهكذا ... سار على هذا المنوال في تعداد الأمصار الإسلامية آنذاك. أما التابعين فقد جعلهم من ثلاث إلى أربع طبقات 2، لكن التمييز بين طبقات التابعين وأتباع التابعين ومن بعدهم في "طبقات ابن سعد" عسير إلا على من له معرفة ودربة واسعة بالرجال، لأنه
يسرد طبقاتهم جميعاً بتعاقب ولم يفصل بينهم كما فعل في تمييز الصحابة عن غيرهم. 1 وفي هذا القسم نجد ابن سعد يقدم لتراجم علماء كل بلد بذكر من نزل ذلك البلد من الصحابة رضي الله عنهم ممن سبق أن ترجمهم في قسم طبقات الصحابة، لكنه يعيد تراجمهم مختصرة. 2 أسلوبه في تراجم الرواة: اهتم ابن سعد بتراجم الصحابة والتابعين والأتباع من المتقدمين فيطيل تراجمهم ويفصل أخبارهم - أكثر من اهتمامه بتراجم المعاصرين له، ولعل سبب ذلك يعود إلى أثر الصحابة والتابعين في الرواية مما يجعل لأحوالهم وأخبارهم والتعريف بهم أهمية فائقة. 3 ومما يهتم به ابن سعد في الترجمة: أ- ذكر نسب الراوي من جهة أبيه وربما من جهه أمه أحياناً، ويرجع بذلك إلى ما قبل الإسلام، لذلك كان كتابه غنيّاً بعلم الأنساب مما يدل على تضلعه في هذا العلم. ب- ذكر أبناء وبنات المترجم مع ذكر أمهاتهم وسرد أنسابهن. ج- يذكر - في الغالب - كنية الرجل ولقبه كما يذكر المهنة التي كان يزاولها والمناصب الإدارية أو القضائية التي تولاها، كما يذكر رحلاته إلى الأمصار الأخرى، وربما كرر ترجمته بحسب
الأمصار التي ارتحل إليها. د- في كثير من التراجم يقدم ابن سعد معلومات دقيقة عن الراوي من حيث صفاته الخَلْقية والخُلُقية أو أحواله الدالة على مكانته العلمية أو على عقيدته كما يذكر بعض شيوخه وتلاميذه. هـ- يستعمل ابن سعد ألفاظ الجرح والتعديل في تراجم من بعد الصحابة كقوله: "ثقة، ثبت، حجة، كثير الحديث"، وقوله: "فيه ضعف، ضعيف ليس بشيء، ليس بذاك"، ونحو ذلك. 1
ما امتازت به "طبقات" محمد بن سعد على "طبقات" معاصره خليفة بن خياط (ت 420 هـ) 1: 1- جعل ابن سعد الصحابة خمس طبقات في حين جعلهم خليفة طبقة واحدة، والسبب هو: أن ابن سعد اعتبر في تقسيمهم سابقتهم في الإسلام وفضلهم، أما خليفة بن خياط فلم يعتبر شرطاً سوى كونهم صحابة اشتركوا في صحبتهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم. 2- يطيل ابن سعد الترجمة - غالباً - وخاصة في طبقات الصحابة والتابعين. 2 3- يستعمل محمد بن سعد ألفاظ الجرح والتعديل ويذكر بعض تلاميذ وشيوخ المترجم وبعض أخباره وأحواله في حين لا نجد شيئاً من ذلك في كتاب خليفة بن خياط. 4-تضمن كتاب محمد بن سعد قسماً خصصه للسيرة والمغازي. أما كتاب خليفة بن خياط فقد خلا من ذلك.
ومما يشترك فيه محمد بن سعد وخليفة بن خياط في كتابيهما ما يلي: 1 1- إن أساس تقسيم الطبقات عندهما - فيما عدا الصحابة - قائم على اعتبار اللقي بين الصحابة والتابعين، فكبار التابعين هم الذين رووا عن كبار الصحابة ذوي السابقة والفضل، وهم الطبقة الأولى من التابعين، أما التابعون الذين رووا عن صغار الصحابة ولم يلقوا كبارهم لعدم لحاقهم بهم فيكونون طبقة ثالثة أو رابعة، وكذلك فإن من روى عن سعيد بن المسيب وغيره من كبار التابعين يكونون الطبقة الأولى من أتباع التابعين ... وهكذا. 2- الاهتمام بالأنساب والرجوع بها إلى ما قبل الإسلام إلا أن هذا قل فيما بعد جيل الصحابة حتى تلاشى في الطبقات المتأخرة، إذ حل مكان النسب إلى القبيلة النسب إلى المدن والمهن ونحو ذلك، وذلك بعد اختلاط العرب بالعجم، وسكناهم المدن والأمصار. 3- ترتيب الصحابة على النسب بدءاً برهط رسول الله صلى الله عليه وسلم من بني هاشم فسائر فروع قريش فالقبائل العدنانية ثم القحطانية. 4- إن كلاً منهما يعيد ذكر الصحابة الذين تفرقوا في الأمصار عندما يترجم لعلماء كل مصر، حيث يقدم لتراجم كل مصر بذكر من نزله من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وإن كان قد سبق ذكرهم في أول الكتاب.
الفصل الثاني: كتب معرفة الصحابة
الفصل الثاني: كتب معرفة الصحابة المبحث الأول: تعريف الصحابي وطرق إثبات الصحبة ... المبحث الأول: تعريف الصحابي وطرق إثبات الصحبة أ- تعريف الصحابي: قال الجوهري (ت 398 هـ) تقريباً: صَحِبَهُ يَصْحَبُهُ صُحْبَةً - بالضم -، وصحابة - بالفتح - وجمع الصاحب: صَحْبٌ، وَصُحْبَةٌ - بالضم - وصِحَاب (مثل جائع وجياع ... والصَحَابة - بالفتح -: الأصحاب، وهي في الأصل مصدر، وجمع الأصحاب أصاحيب". 1 وأخرج الخطيب البغدادي (ت 463 هـ) بسنده إلى أبي بكر محمد ابن الطيب الباقلاني (ت 403 هـ) أنه قال: "لا خلاف بين أهل اللغة أن القول "صحابي" مشتق من الصحبة وأنه ليس بمشتق من قدر منها مخصوص، بل هو جار على كل من صحب غيره، قليلاً كان أو كثيراً ... ، وكذلك يقال: صحبت فلاناً حولاً، ودهراً، وسنة، وشهراً، ويوماً، وساعة، فيوقع اسم المصاحبة بقليل ما يقع منها وكثيره، وذلك يوجب في حكم اللغة إجراء هذا على من صحب النبي صلى الله عليه وسلم ولو ساعة من نهار، هذا هو الأصل في اشتقاق الاسم، ومع ذلك فقد تقرر للأئمة عرف في أنهم لا يستعملون هذه التسمية إلا فيمن كثرت صحبته واتصل لقاؤه، ولا يجرون ذلك على من لقي المرء ساعة ومشى معه خطى وسمع منه
حديثاً، فوجب لذلك أن لا يجري هذا الاسم في عرف الاستعمال إلا على من هذه حاله ... ". 1 وأخرج الخطيب - أيضاً - بسنده عن أحمد بن حنبل أنه قال: "كل من صحب رسول الله صلى الله عليه وسلم سنة أو شهراً أو يوماً أو ساعة أو رآه فهو من أصحابه، له من الصحبة على قدر ما صحبه". 2 وقال أبو عبد الله البخاري (ت 256 هـ) : "ومن صحب النبي أو رآه من المسلمين فهو من أصحابه". 3 وقال الحافظ ابن حجر (ت 852 هـ) : "وقد وجدت ما جزم به البخاري من تعريف الصحابي في كلام شيخه علي بن المديني، فقرأت في "المستخرج" لأبي القاسم ابن منده بسنده قال علي بن المديني: من صحب النبي صلى الله عليه وسلم أو رآه ولو ساعة من نهار فهو من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم". 4 قال الحافظ زين الدين العراقي (ت 806 هـ) - بعد ذكر التعريفات السابقة والاعتراضات عليها -: "فالعبارة السالمة من الاعتراض أن يقال: الصحابي من لقي النبي صلى الله عليه وسلم مسلماً ثم مات على الإسلام، ليخرج بذلك من ارتد ومات كافراً
كعبد الله بن خطل وربيعة بن أمية ومقيس بن ضبابة ونحوهم". 1 وقال الحافظ أبو الفضل أحمد بن علي - المعروف بابن حجر - (ت 852 هـ) : "وأصح ما وقفت عليه من ذلك: "أن الصحابي: من لقي النبي صلى الله عليه وسلم مؤمناً به ومات على الإسلام، فيدخل فيمن لقيه من طالت مجالسته له أو قصرت، ومن روى عنه أو لم يرو، ومن غزا معه أو لم يغز، ومن رآه رؤية ولو لم يجالسه، ومن لم يره لعارض كالعمى. ويخرج بقيد الإيمان من لقيه كافراً ولو أسلم بعد ذلك إذا لم يجتمع به مرة أخرى. وقولنا: "به" يخرج من لقيه مؤمناً بغيره، كمن لقيه من مؤمني أهل الكتاب قبل البعثة. ويخرج بقولنا: "ومات على الإسلام" من لقيه مؤمنأ به ثم ارتد ومات على ردته كعبيد الله بن جحش وكعبد الله بن خطل، ويدخل فيه من ارتد وعاد إلى الإسلام قبل أن يموت، سواء اجتمع به صلى الله عليه وسلم مرة أخرى أم لا، وهذا هو الصحيح المعتمد". 2 وقال: "فلو ارتد ثم عاد إلى الإسلام لكن لم يره ثانياً بعد عوده، فالصحيح أنه معدود في الصحابة لإطباق المحدثين على عد الأشعث بن قيس في الصحابة، وعلى تخريج أحاديثه في الصحاح
والمسانيد، وهو ممن ارتد ثم عاد إلى الإسلام في خلافة أبي بكر". 1 ب- طرق إثبات الصحبة: قال الحافظ أبو عمرو بن الصلاح (ت 643 هـ) : "ثم إن كون الواحد منهم صحابيّاً تارة يعرف بالتواتر، وتارة بالاستفاضة القاصرة عن التواتر، وتارة بأن يُروى عن آحاد الصحابة أنه صحابي، وتارة بقوله وإخباره عن نفسه بعد ثبوت عدالته بأنه صحابي، والله أعلم". 2 وقال زين الدين العراقي (ت 806 هـ) : "المسألة الأولى: فيما تعرف به الصحبة: وذلك إما بالتواتر كأبي بكر وعمر وبقية العشرة في خلق منهم، وإما بالاستفاضة والشهرة القاصرة عن التواتر كعكاشة بن محصن وضمام بن ثعلبة وغيرهما، وإما بإخبار بعض الصحابة عنه أنه صحابي كحممة الدوسي الذي مات بأصبهان مبطوناً فشهد له أبو موسى الأشعري أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم حكم له بالشهادة ذكر ذلك أبو نعيم في "تاريخ أصبهان" 3 وروينا قصته في مسند "أبي داود الطيالسي" 4
و "معجم الطبراني" 1، وإما بإخباره عن نفسه أنه صحابي بعد ثبوت عدالته قبل إخباره بذلك، هكذا أطلق ابن الصلاح تبعاً للخطيب 2، ولا بد من تقييد من أطلق ذلك بأن يكون ادعاؤه لذلك يقتضيه الظاهر، أما لو ادَّعاه بعد مضي مائة سنة من حين وفاته صلى الله عليه وسلم فإنه لا يقبل، وإن كانت قد ثبتت عدالته قبل ذلك" 3 اهـ ملخصاً. وقال الحافظ شهاب الدين بن حجر (ت 852 هـ) : "الفصل الثاني في الطريق إلى معرفة كون الشخص صحابيّاً، وذلك بأشياء: أولها: أن يثبت بطريق التواتر أنه صحابي. ثانيها: الاستفاضة والشهرة. ثالثها: أن يُرْوى عن أحد من الصحابة أن فلاناً له صحبة مثلاً، وكذا عن آحاد التابعين، بناء على قبول التزكية من واحد، وهو الراجح رابعها: أن يقول هو إذا كان ثابت العدالة والمعاصرة: أنا صحابي. وتعتبر المعاصرة بمضي مائة سنة وعشر سنين من هجرة النبي صلى الله عليه وسلم، لقوله في آخر عمره لأصحابه: "أَرَأَيْتَكُمْ لَيْلَتَكُمْ هَذِهِ فَإِنَّ
رَأْسَ مِائَةِ سَنَةٍ مِنْهَا لا يَبْقَى عَلَى وَجْهِ الأَرْضِ مِمَّنْ هُوَ اليَوْمَ عَلَيها أَحَدٌ" رواه البخاري ومسلم 1 من حديث ابن عمر. زاد مسلم من حديث جابر أن ذلكم كان قبل موته صلى الله عليه وسلم بشهر، ولفظه: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول قبل أن يموت بشهر: "أُقْسِمُ بِاللَّهِ مَا عَلَى الأَرْضِ مِنْ نَفْسٍ مَنْفُوسَةٍ اليَومَ يَأْتِي عَلَيْهَا مِائَةُ سَنَةٍ وهِيَ حَيَّةٌ يَومئِذٍ". 2 ولهذه النكتة لم يصدّق الأئمة أحداً ادعى الصحبة بعد الغاية المذكورة، وقد ادعاها جماعة فكُذّبوا، وكان آخرهم رَتَن الهندي..".3
المبحث الثاني: مكانة الصحابة في الإسلام
المبحث الثاني: مكانة الصحابة في الإسلام قال تعالى: {لَقَدْ رَضِيَ اللهُ عَنِ المُؤْمِنِينَ إذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِم} الآية. 1 وقال عز وجل: {وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ المُهَاجِرينَ وَالأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً ذَلِكَ الفَوْزُ العَظيمُ} . 2 وقال سبحانه وتعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِي حَسْبُكَ اللهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ المُؤْمِنينَ} . 3 وقال تبارك وتعالى: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَروا أُولئِكَ هُمُ المُؤْمِنُونَ حَقّاً لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ} . 4 وقال تعالى: {لا يَسْتَوي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الفَتْحِ وَقَاتَلَ أُوْلَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلاً وَعَدَ اللهُ الحُسْنَى وَاللهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ} . 5
وقال تعالى: {لِلْفُقَرَاءِ المُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللهِ وَرِضْوَاناً وَيَنْصُرُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالإِيْمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ المُفْلِحُونَ وَالَّذِينَ جَاؤُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيْمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاً لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ} . 1 عن أبي سعيد الخدري وأبي هريرة رضي الله عنهما قالا: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تَسُبُّوا أَصْحَابِي، لا تَسُبُّوا أَصْحَابِي، فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَو أَنَّ أَحَدَكُمْ أَنْفَقَ مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَباً مَا بَلَغَ مُدَّ أَحَدِهِمْ وَلا نَصِيفَهُ". 2 وعن عمران بن حصين وعبد الله بن مسعود رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "خَيْرُ أُمَّتِي قَرْنِي - وفي حديث ابن مسعود: "خَيْرُ النَّاسِ قَرْنِي" - ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ" 3 الحديث.
وعن البراء رضي الله عنه قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم، أو قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "الأَنْصَارُ لا يُحِبُّهُمْ إِلاَّ مُؤْمِنٌ، وَلا يُبْغِضُهُمْ إِلاَّ مُنَافِقٌ، فَمَنْ أَحَبَّهُمْ أَحَبَّهُ اللَّهُ، وَمَنْ أَبْغَضَهُمْ أَبْغَضَهُ اللَّهُ". 1 وعن أنس بن مالك رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "آيَةُ الإِيمَانِ حُبُّ الأَنْصَارِ، وَآيَةُ النِّفَاقِ بُغْضُ الأَنْصَارِ" 2، وغير ذلك من الآيات الكثيرة التي يطول ذكرها والأحاديث الشهيرة التي يكثر تعدادها، وجميع ذلك يقتضي القطع بتعديلهم ولا يحتاج أحد منهم مع تعديل الله له إلى تعديل أحد من الخلق. وقال الحافظ أبو بكر الخطيب البغدادي (ت 463 هـ) : "عدالة الصحابة ثابتة معلومة بتعديل الله لهم وإخباره عن طهارتهم واختياره لهم"، ثم ساق طائفة من الآيات والأحاديث في ذلك ثم قال: "على أنه لو لم يرد من الله ورسوله فيهم شيء مما ذكرناه لأوجبت الحال التي كانوا عليها من الهجرة والجهاد ونصرة الإسلام وبذل المهج والأموال، وقتل الآباء والأبناء والمناصحة في الدين وقوة الإيمان واليقين، القطع على تعديلهم والاعتقاد لنزاهتهم، وأنهم كافة أفضل من جميع الخالفين بعدهم، والمعدلين الذين يجيئون من بعدهم. هذا مذهب كافة العلماء ومن يعتمد قوله".
ثم روى بسنده إلى أبي زرعة الرازي قال: "إذا رأيت الرجل ينتقص أحداً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فاعلم أنه زنديق، وذلك أن الرسول صلى الله عليه وسلم عندنا حق والقرآن حق، وإنما أدى إلينا هذا القرآن والسنن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وإنما يريدون أن يجرحوا شهودنا ليبطلوا الكتاب والسنة، والجرح بهم أولى، وهم زنادقة". 1 وقال الحافظ أبو عمر بن عبد البر (ت 463 هـ) : "ومن أوكد آلات السنن المعينة عليها والمؤدية إلى حفظها، معرفة الذين نقلوها عن نبيهم صلى الله عليه وآله وسلم إلى الناس كافة، وحفظوها عليه وبلغوها عنه، وهم صحابته الحواريون الذين وعوها وأدوها ناصحين محسنين، حتى كمل بما نقلوه الدين، وثبتت بهم حجة الله تعالى على المسلمين، فهم خير القرون، وخير أمة أخرجت للناس، ثبتت عدالة جميعهم بثناء الله عز وجل عليهم وثناء رسوله عليه الصلاة والسلام، ولا أعدَلَ ممن ارتضاه الله لصحبة نبيه ونصرته ولا تزكية أفضل من ذلك ولا تعديل أكمل منه". 2 وقال الحافظ شهاب الدين ابن حجر (ت 852 هـ) : "اتفق أهل السنة على أن الجميع عدول ولم يخالف في ذلك إلا شذوذ من المبتدعة". 3 وقال الإمام ابن كثير (ت 774 هـ) :
"والصحابة كلهم عدول عند أهل السنة والجماعة، لِمَا أثنى الله عليهم في كتابه العزيز، وبما نطقت به السنة النبوية في المدح لهم في جميع أخلاقهم وأفعالهم، وما بذلوه من الأموال والأرواح بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم رغبة فيما عند الله من الثواب الجزيل الجميل. وأما ما شجر بينهم بعده عليه الصلاة والسلام، فمنه ما وقع عن غير قصد، كيوم الجمل، ومنه ما كان عن اجتهاد كيوم صفين، والاجتهاد يخطئ ويصيب، ولكن صاحبه معذور وإن أخطأ ومأجور أيضاً، وأما المصيب فله أجران اثنان، وكان علي وأصحابه أقرب إلى الحق من معاوية وأصحابه رضي الله عنهم أجمعين". 1 وقال رحمه الله - أيضاً -: "وأفضل الصحابة بل أفضل الخلق بعد الأنبياء عليهم السلام أبو بكر الصديق خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم بعده عمر بن الخطاب، ثم عثمان بن عفان، ثم علي بن أبي طالب رضي الله عنهم أجمعين ثم بقية العشرة، ثم أهل بدر، ثم أهل أحد، ثم أهل بيعة الرضوان يوم الحديبية". 2 وقال الحافظ أبو جعفر الطحاوي (ت 321 هـ) : "ونحب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا نفرط في حب أحد منهم ولا نتبرأ من أحد منهم، ونبغض من يبغضهم وبغير الخير يذكرهم، ولا نذكرهم إلا بخير، وحبهم دين وإيمان وإحسان، وبغضهم كفر
ونفاق وطغيان". 1 وقال أبو محمد بن حزم (ت 456 هـ) : "الصحابة جميعهم في الجنة: قال تعالى: {لا يَسْتَوي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الفَتْحِ وَقَاتَلَ أُوْلَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلاً وَعْدَ اللهُ الحُسْنَى} . 2 وقال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الحُسْنَى أُوْلَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ} . 3 فثبت أن الجميع من أهل الجنة، وأنه لا يدخل أحد منهم النار، لأنهم المخاطبون بالآية السابقة. 4 قال الإمام ابن تيمية (ت 728 هـ) : "ومن أصول أهل السنة والجماعة: سلامة قلوبهم وألسنتهم لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ويقبلون ما جاء به الكتاب والسنة والإجماع من فضائلهم ومراتبهم، فيفضلون من أنفق من قبل الفتح - وهو صلح الحديبية - وقاتل على من أنفق من بعده وقاتل، ويقدمون المهاجرين على الأنصار. ويؤمنون بأن الله قال لأهل بدر - وكانوا ثلاث مائة وبضعة عشر:
"اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ فَقَدْ غَفَرْتُ لَكُمْ". 1 وبأنه لا يدخل النار أحد بايع تحت الشجرة، كما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم 2، بل قد رضي الله عنهم ورضوا عنه، وكانوا أكثر من ألف وأربعمائة. ويشهدون بالجنة لمن شهد له رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجنة كالعشرة وكثابت بن قيس بن شماس 3 وغيرهم من الصحابة. ويؤمنون بأن الخليفة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم أبو بكر، ثم عمر، ثم عثمان، ثم عليّ - رضي الله عنهم أجمعين - ومن طعن في خلافة أحد من هؤلاء الأئمة فهو أضل من حمار أهله ويحبون أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ويتولونهم ويحفظون فيهم وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم. ويتولون أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم أمهات المؤمنين ويؤمنون بأنهن أزواجه في الآخرة. ويتبرؤون من طريقة الروافض الذين يُبغضون الصحابة ويسبونهم، ومن طريقة النواصب الذين يؤذون أهل البيت بقول أو عمل،
ويمسكون عما شجر بين الصحابة. ويقولون: إن هذه الآثار المروية في مساويهم منها ما هو كذب، ومنها ما قد زيد فيه ونقص وغُيِّرَ عن وجهه، والصحيح منه هم فيه معذورون، إما مجتهدون مصيبون وإما مجتهدون مخطئون. وهم مع ذلك لا يعتقدون أن كل واحد من الصحابة معصوم عن كبائر الإثم وصغائره بل تجوز عليهم الذنوب في الجملة، ولهم من السوابق والفضائل ما يوجب مغفرة ما يصدر منهم إن صدر" 1 اهـ ملخصاً. وقال رحمه الله: " فإن القدح في خير القرون الذين صحبوا الرسول صلى الله عليه وآله وسلم قدح فيه عليه السلام، كما قال الإمام مالك وغيره من أئمة العلم: هؤلاء طعنوا في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، إنما طعنوا في أصحابه ليقول القائل: رجل سوء كان له أصحاب سوء، ولو كان رجلاً صالحاً لكان أصحابه صالحين". 2 وقال رحمه الله: " فأما من سب أزواج النبي صلى الله عليه وسلم فقال القاضي أبو يعلى: من قذف عائشة بما برأها الله منه كفر بلا خلاف، وقد حكى الإجماع على هذا غير واحد، وصرح غير واحد من الأئمة بهذا الحكم. فروي عن مالك: من سب أبا بكر جلد، ومن سب عائشة قتل،
قيل له: لِمَ؟ قال: من رماها فقد خالف القرآن، لأن الله تعالى قال: {يَعِظُكُمُ اللهُ أَنْ تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَداً إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} . ثم فصَّل رحمه الله القول في سابِّ الصحابة فقال: "أما من اقترن بسبه دعوى أن عليّاً إله أو أنه كان هو النبي وإنما غلط جبرائيل في الرسالة، فهذا لا شك في كفره بل لا شك في كفر من توقف في تكفيره، وكذلك من زعم منهم أن القرآن نقص منه آيات وكتمت أو زعم أن له تأويلات باطنة تسقط الأعمال المشروعة ونحو ذلك. وأما من سبهم سبّاً لا يقدح في عدالتهم ولا في دينهم مثل وصف بعضهم بالبخل أو الجبن أو قلة العلم أو عدم الزهد ونحو ذلك، فهذا هو الذي يستحق التأديب والتعزير ولا نحكم بكفره بمجرد ذلك، وعلى هذا يحمل كلام من لم يكفرهم. وأما من لعن وقبح مطلقاً فهذا محل الخلاف فيهم لتردد الأمر بين لعن الغيظ ولعن الاعتقاد. وأما من جاوز ذلك إلى أن زعم أنهم ارتدوا بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا نفراً قليلاً لا يبلغون بضعة عشر، أو أنهم فسقوا عامتهم، فهدا لا ريب أيضاً في كفره، لأنه مكذب لما نصه القرآن في غير موضع من الرضى عنهم والثناء عليهم بل من شك في كفر مثل هذا فإن كفره متعين، فإن مضمون هذه المقالة أن نقلة الكتاب والسنة كفارٌ أو فساقٌ، كفر هذا مما يعلم بالاضطرار من دين الإسلام، ولهذا تجد عامة من ظهر عليه شيء من هذه الأقوال، فإنه يتبين أنه زنديق، وعامة الزنادقة يتسترون بمذهبهم.
وبالجملة فمن أصناف السابَّة من لا ريب في كفره، ومنهم لا يحكم بكفره، ومنهم من تردد فيه". 1 ملخصاً.
المبحث الثالث: طبقات الصحابة وأشهر ما صنف فى تراجمهم
المبحث الثالث: طبقات الصحابة وأشهر ما صنف فى تراجمهم أ- طبقات الصحابة: تقدم أن من معاني الطبقة في لغة العرب: الجماعة من الناس يشبه أو يعدل بعضهم بعضاً، وأن من معانيها الحال بعد الحال والمرتبة فوق المرتبة وإذا أمعنا النظر في الكتب التي ذكرت طبقات الصحابة وجدنا أن أصحاب تلك المصنفات قد سلكوا فى ذكر طبقات الصحابة مسلكين، وكلا هذين المسلكين يحتمله معنى الطبقة في لغة العرب وكذلك اصطلاح المحدثين: المسلك الأول: جعلهم كلهم طبقة واحدة. وممن سلك هذا المسلك: 1- خليفة بن خياط العُصفري (ت 240 هـ) في كتابه "الطبقات" - وهو مطبوع -. 2- أسلم بن سهل الواسطي المعروف ببحشل (ت 292 هـ) في كتابه "تاريخ واسط" - وهو مطبوع -. 3- أبو حاتم محمد بن حبان البستي (ت 354 هـ) في كتابه "الثقات" - وهو مطبوع -.
4- أبو عبد الله محمد بن عبد الله الحاكم النيسابوري (ت 405هـ) في كتابه "تاريخ نيسابور". 1 5- أبو الفضل شهاب الدين أحمد بن علي بن حجر العسقلاني (ت 852 هـ) في كتابه "التقريب". 2 وقد راعى هؤلاء المصنفون في جعلهم الصحابة "طبقة واحدة" اشتراك الصحابة في الصحبة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، واعتبار الطبقة فى هذه المصنفات بمعنى "الجيل أو القرن". 3 المسلك الثاني: تقسيم الصحابة إلى عدة طبقات. وممن سلك هذا المسلك: 1- محمد بن سعد كاتب الواقدي (ت 230 هـ) فى كتابه "الطبقات الكبرى" - مطبوع -. 2- أبو عبد الله الحاكم (ت 405 هـ) في كتابه "معرفة علوم الحديث". 4 3- جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي المعروف بابن الجوزي (ت 597 هـ) في كتابه "صفة الصفوة" - وهو مطبوع - وغيرهم.
وقد راعى هؤلاء المصنفون في تقسيمهم الصحابة إلى عدة طبقات معنى آخر يحتمله أيضاً معنى الطبقة في لغة العرب 1، وهو حال الصحابي ومنزلته في الإسلام من حيث فضله وسابقته في الإسلام. وقد اختلفت اجتهادات هؤلاء المصنفين في عدد طبقات الصحابة بهذا الاعتبار، حيث جعلهم محمد بن سعد خمس طبقات 2 في حين جعلهم الحاكم اثنتي عشرة طبقة 3، بينما قلد الحافظ أبو الفرج بن الجوزي ابن سعد في تقسيمه لهم إلى خمس طبقات. 4 ب- من أشهر المصنفات في معرفة الصحابة: لقد اعتنى علماء هذه الأمة عبر عصورها المختلفة بتراجم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعرفة أحوالهم وأخبارهم، وذلك لأنهم خير هذه الأمة وقدوتها بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم. فلم يخل عصر من العصور من التأليف في معرفة الصحابة. ونظراً لصعوبة حصر ذلك أكتفي بذكر أشهر ما صنف في ذلك: 5
1- الصحابة لأبي عبيدة معمر بن المثنى (ت 208 هـ) . 1 2- معرفة من نزل من الصحابة سائر البلدان للإمام علي بن المديني (ت 234 هـ) . 2 3- الصحابة، تأليف: عبد الرحمن بن إبراهيم بن عمرو الدمشقي المعروف بدحيم (ت 245 هـ) . 3 4- تأريخ الصحابة لأبي عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري (ت 256 هـ) . 4 5- الصحابة لأبي زرعة عبيد الله بن عبد الكريم الرازي (ت 264 هـ) . 5
6- الصحابة لأحمد بن سيار المروزي (ت 268 هـ) . 1 7- الصحابة لأبي بكر أحمد بن عبد الله بن عبد الرحيم المعروف بابن البرقي (ت 270 هـ) .2 8- الصحابة لأبي حاتم محمد بن إدريس الرازي (ت 277 هـ) .3 9- الصحابة لأبي جعفر محمد بن عبد الله بن سليمان الحضرمي مطين (ت 297 هـ) . 4 10- الصحابة لأبي منصور محمد بن سعد الباوردي (ت301 هـ) 11- الصحابة للحافظ أبي محمد عبد الله بن أحمد بن موسى الأهوازي الملقب بعبدان (ت 306 هـ) . 6
12- الآحاد لأبى محمد عبد الله بن محمد الجارود (ت307 هـ) 13- الصحابة لأبي بكر عبد الله بن أبي داود السجستاني (ت 316 هـ) . 2 14- معجم الصحابة لأبي القاسم عبد الله بن محمد بن عبد
العزيز البغوي (ت 317 هـ) . 1 15- الصحابة لأبي جعفر محمد بن عمرو بن موسى العقيلي (ت 322 هـ) . 2 16- الصحابة لأبي العباس محمد بن عبد الرحمن الدغولي (ت 325 هـ) . 3 17- الصحابة للقاضي أبي أحمد محمد بن أحمد بن إبراهيم العسال (ت 349 هـ) . 4 18- معجم الصحابة لأبي الحسين عبد الباقي بن قانع الأموي مولاهم (ت 351 هـ) . 5 19- معجم الصحابة لأبي علي سعيد بن عثمان بن سعيد بن السكن البغدادي المصري (ت 353 هـ) . 6
20- الصحابة لأبي حاتم محمد بن أحمد بن حبان البستي (ت 354 هـ) . 1 21- المعجم الكبير للحافظ أبي القاسم سليمان بن أحمد الطبراني (ت 360 هـ) . 2 22- أسماء الصحابة لأبي بكر أحمد بن إبراهيم الإسماعيلي (ت 371 هـ) . 3 23- معرفة الصحابة لأبي أحمد الحسن بن عبد الله العسكري (ت 382 هـ) . 4 24- الصحابة لأبي حفص عمر بن أحمد بن شاهين (ت 385 هـ) . 25- معرفة الصحابة لأبي عبد الله محمد بن إسحاق بن منده الأصبهاني (ت 395 هـ) . 5
26- معرفة الصحابة لأحمد بن علي بن لال الهمداني الشافعي (ت 398 هـ) . 1 27- معرفة الصحابة لأبي نعيم الأصبهاني (ت 430 هـ) . 2 28- معرفة الصحابة لأبي العباس جعفر بن محمد المستغفري (ت 432 هـ) . 3 29- الاستيعاب في معرفة الأصحاب لأبي عمر يوسف بن عبد الله المعروف بابن عبد البر (ت 463 هـ) - مطبوع -. هذه من أشهر المصنفات في معرفة الصحابة إلى نهاية القرن الخامس الهجري 4، وهناك مؤلفات أخرى اشتملت على تراجم كثيرة 1قال ابن نقطة في التقييد: وله معرفة الصحابة ما رأيت شيئاً أحسن منه. طبقات الشافعية (ص: 203) . 2حقق الدكتور محمد راضي جزءاً منه لنيل الدكتوراه من قسم السنة بالدراسات العليا بالجامعة الإسلامية بالمدينة، وقد طبع هذا الجزء في ثلاث مجلدات في مكتبة الدار بالمدينة النبوية. 3الإعلان بالتوبيخ (ص: 93) ، والرسالة المستطرفة (126) . 4استمرت عناية العلماء بتراجم الصحابة بعد القرن الخامس الهجري، فأُلّف في ذلك كتب كثيرة من أهم ما ألف في ذلك إلى نهاية القرن التاسع الهجري:
من الصحابة منها: أولاً: الكتب التي حوت تراجم الصحابة وغيرهم، مثل: 1- الطبقات الكبرى لمحمد بن سعد (ت 230 هـ) - مطبوع -. 2- طبقات خليفة بن خياط (ت 240 هـ) - مطبوع -. 3- التاريخ الكبير للإمام البخاري (ت 256 هـ) - مطبوع -. 4- المعرفة والتاريخ ليعقوب بن سفيان الفسوي (ت 277 هـ) - مطبوع -. 5- التاريخ لأبي بكر بن أبي خيثمة (ت 279 هـ) مخطوط، وغيرها. ثانياً: كتب ألفت في فضائل الصحابة رضي الله عنهم، مثل: 1- فضائل الصحابة للإمام أحمد بن حنبل (ت 241 هـ) ، مطبوع. 2- فضائل الصحابة لأبي عبد الرحمن النسائي (ت 303 هـ) ، مطبوع. 3- فضائل الصحابة لخيثمة بن سليمان الأطرابلسي (ت 343 هـ) مطبوع. وغير ها.
المبحث الرابع: دراسة موجزة لنموذجين من كتب معرفة الصحابة
المبحث الرابع: دراسة موجزة لنموذجين من كتب معرفة الصحابة 1 الأول: الاستيعاب في معرفة الأصحاب: المؤلف: أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر بن عاصم النَّمَري - بفتح النون والميم - الأندلسي القرطبي، قال الحافظ الذهبي: "الإمام العلامة حافظ المغرب شيخ الإسلام صاحب التصانيف الفائقة، ولد سنة (368 هـ) ، وتوفي سنة (463 هـ) رحمه الله رحمة واسعة" 2 منهج ابن عبد البر في كتاب الاستيعاب: وخير من يوضح المنهج المؤلف نفسه رحمه الله تعالى، حيث يقول في خطبة كتابه: "وقد جمع قوم من العلماء في ذلك - معرفة الصحابة - كتباً صنَّفوها، ونظرت إلى كثير مما صنفوه في ذلك وتأملت ما ألَّفوه، فرأيتهم - رحمة الله عليهم - قد طوّلوا في بعض ذلك وأكثروا من تكرار الرفع في الأنساب ومخارج الروايات، وهذا - وإن كان له وجه - فهو تطويل على من أحب علم ما يعتمد عليه من أسمائهم
ومعرفتهم، وهم مع ذلك قد أضربوا عن التنبيه على عيون أخبارهم التي يوقف بها على مراتبهم، رأيت كل واحد منهم قد وصل إليه من ذلك شيء ليس عند صاحبه، فرأيت أن أجمع ذلك وأختصره وأقربه على من أراده، وأعتمد في ذلك على النكت التي هي البغية من المعرفة بهم، وأشير إلى ذلك بألطف ما يمكن، وأذكر عيون فضائل ذي الفضل منهم وسابقته ومنزلته، وأبين مراتبهم بأوجز ما تيسر وأبلغه ليغتنى اللبيب بذلك ويكفيه عن قراءة التصنيف الطويل فيه. وجعلته على حروف المعجم ليَسْهُلَ على من ابتغاه. 1 وأرجو أن يكون كتابي هذا أكبر كتبهم تسمية وأعظمها فائدة وأقلها مؤنة، على أني لا أدعي الإحاطة، بل أعترف بالتقصير الذي هو الأغلب على الناس، وبالله أستعين وهو حسبي ونعم الوكيل".2 ثم قال 3 - رحمه الله -: "ولم أقتصر في هذا الكتاب على ذكر من صحت صحبته ومجالسته، حتى ذكرنا من لقي النبي صلى الله عليه وسلم، ولو لقيه مرة واحدة مؤمناً به، أو رآه رؤية، أو سمع منه لفظة فأدَّاها عنه، واتصل ذلك بنا على حسب روايتنا، وكذلك ذكرنا من وُلِد على عهده من أبوين مسلمين، فدعا له أو نظر إليه وبارك عليه ونحو هذا".
ثم قال 1: "ونبدأ بذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم ونقتصر من خبره وسيرته على النكت التي يجب الوقوف عليها ولا يليق بذي علم جهلها، وتحسن المذاكرة بها لتتم الفائدة للعالم الراغب والمتعلم الطالب فى التعريف بالمصحوب والصاحب، مختصراً ذلك أيضاً، موعباً مغنياً عما سواه كافياً ثم نتبعه ذكر الصحابة باباً باباً على حروف المعجم على ما شرطنا من التقصي والاستيعاب 2 مع الاختصار وترك التطويل والإكثار". وقد نص - رحمه الله - في خطبة كتابه على مصادره التي اعتمدها فقال 3: "واعتمدت في هذا الكتاب على الأقوال المشهورة عند أهل العلم بالسير وأهل العلم بالأثر والأنساب وعلى التواريخ المعروفة التي عليها عوَّل العلماء في معرفة أيام الإسلام وسير أهله ثم ذكر تلك المصادر وأسانيدها إلى مؤلفيها وهم: 1- موسى بن عقبة (ت 141 هـ) . 2- محمد بن إسحاق (ت 150 هـ) . 3- محمد بن عُمر الواقدي (ت 207 هـ) . 4- خليفة بن خياط (ت 240 هـ) .
5- الزبير بن أبي بكر - بكار - (ت 256 هـ) . 6- مصعب بن عبد الله الزبيري (ت 236 هـ) ، وعلي بن محمد المدائني (ت 224 أو 225 هـ) ، وأبو معشر (ت 170 هـ) ، يروي عن ثلاثتهم من كتاب "التاريخ" لابن أبي خيثمة. 7- أبو عبد الله البخاري من "تاريخه الكبير". 8- أبو العباس محمد بن إسحاق السراج (ت 313 هـ) من كتابه "التاريخ". 9- ابن جرير الطبري (ت310 هـ) من كتابه المسمى "ذيل المذيل". 10- أبو بشر الدولابي (ت 320 هـ) من كتابه "المولد والوفاة". 11- أبو علي سعيد بن عثمان بن السكن (ت 353 هـ) من كتابه "الحروف في الصحابة". 12- أبو محمد عبد الله بن محمد بن الجارود (ت 307 هـ) من كتابه "الآحاد". 13- أبو جعفر محمد بن عمرو العُقيلي (ت 322 هـ) من كتابه "الصحابة". ثم قال: "وقد طالعت أيضاً كتاب ابن أبي حاتم الرازي، وكتاب الأزرق إسحاق بن يوسف (ت 195 هـ) ، والدولابي، والبغوي (ت 317 هـ) في الصحابة، وفي كتابي هذا من غير هذه الكتب من منثور الروايات والفوائد والمعلقات عن الشيوخ ما لا يخفى على
متأقل ذي عناية، والحمد لله" 1 اهـ ملخصاً. الثاني: الإصابة في تمييز الصحابة: المؤلف: الحافظ شهاب الدين أبو الفضل أحمد بن علي العسقلاني المعروف بابن حجر المولود سنة (773 هـ) ، والمتوفى سنة (852 هـ) منهج الحافظ ابن حجر فى كتاب "الإصابة": قال 3 - رحمه الله - بعد أن ذكر بعض من جمع تراجم الصحابة قبله: "فجمعت كتاباً كبيراً في ذلك ميَّزت فيه الصحابة من غيرهم، ومع ذلك فلم يحصل لنا من ذلك جميعاً الوقوف على العُشر من أسامي الصحابة 4 بالنسبة إلى ما جاء عن أبي زرعة الرازي قال: "توفي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ومن رآه وسمع منه زيادة على مائة ألف إنسان من رجل وامرأة، كلهم قد روى عنه
سماعاً أو رؤية". 1 ومما يؤيد قول أبي زرعة ما ثبت في "الصحيحين" عن كعب بن مالك في قصة تبوك: "والناس كثير لا يحصيهم ديوان". 2 ثم قال: "وقد كثر سؤال جماعة من الإخوان فى تبييضه، فاستخرت الله تعالى في ذلك ورتبته على أربعة أقسام في كل حرف. 3 فالقسم الأول: فيمن وردت صحبته بطريق الرواية عنه أو عن غيره، سواء كانت الطريق صحيحة أو حسنة أو ضعيفة، أو وقع ذكره بما يدل على الصحبة بأي طريق كان. القسم الثاني: فيمن ذكر في الصحابة من الأطفال الذين ولدوا في عهد النبي صلى الله عليه وسلم لبعض الصحابة من النساء والرجال ممن مات صلى الله عليه وسلم وهو في دون سن التمييز، إذ ذكر أولئك الصحابة إنما هو على سبيل الإلحاق لغلبة الظن على أنه صلى الله عليه وسلم رآهم لتوفر دواعي أصحابه على إحضارهم أولادهم عنده عند ولادتهم ليُحَنِّكَهُم ويسميهم ويبرك عليهم، والأخبار بذلك كثيرة شهيرة.
القسم الثالث: فيمن ذكر في الكتب المذكورة - كتب معرفة الصحابة - من المخضرمين الذين أدركوا الجاهلية والإسلام ولم يرد في خبر قط أنهم اجتمعوا بالنبي صلى الله عليه وسلم ولا رأوه سواء أسلموا في حياته أم لا، وهؤلاء ليسوا من الصحابة باتفاق من أهل الحديث. القسم الرابع: فيمن ذكر في الكتب المذكورة على سبيل الوهم والغلط وبيان ذلك البيان الظاهر الذي يعوّل عليه على طرائق أهل الحديث، ولم أذكر فيه إلا ما كان الوهم فيه بيناً، وهذا القسم الرابع لا أعلم من سبقني إليه". ثم قال رحمه الله: "وقبل الشروع في الأقسام المذكورة أذكر فصولاً مهمة يحتاج إليها في هذا النوع ... " ثم ذكر ثلاثة فصول: الأول: في تعريف الصحابي. والثاني: في الطريق إلى معرفة كون الشخص صحابيّاً. والثالث: في بيان حال الصحابة من العدالة، وقد أطال في هذا الفصل فأجاد وأفاد، ثم ختم مقدمته بذكر فائدة في ذكر أكثر الصحابة فتوى مطلقاً ... 1 وقد ضمن تراجم المترجمين في كتابه المعلومات الآتية - في الغالب -: نسب المترجم، وقد يطيل في نسبه، أشهر تلاميذه، وطائفة من أخباره وما شهده من المغازي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم والفتوحات في عصر الخلفاء الراشدين رضي الله عنهم، أو الحوادث المهمة.
ويشير أحياناً إلى من خرج حديثه من أصحاب الكتب الستة وغيرها، وربما ساق نماذج من مروياته ويذكر سنة وفاة المترجم وما ورد من اختلاف إذا وجد. وقد حوى كتاب "الإصابة" فوائد مهمة وتنبيهات دقيقة قد لا تتوفر في كثير من الكتب الأخرى التي ألفت في معرفة الصحابة، وهو من أجمع كتب معرفة الصحابة، استخلصه مؤلفه من كتب معرفة الصحابة التي ألفت قبله كما أفاد من كتب الجرح والتعديل، وتواريخ المدن، وكتب ضبط الأسماء، وكتب الحديث والتفسير، كما أفاد من كتب الأنساب والأخبار 1 وغيرها.
الفصل الثالث: كتب الجرح والتعديل
الفصل الثالث: كتب الجرح والتعديل المبحث الأول: علم الجرح والتعديل تعريفه وحكمه وتاريخ نشأته ... المبحث الأول: علم الجرح والتعديل، تعريفه، وحكمه، وتاريخ نشأته. أجود وأجمع تعريف وقفت عليه لهذا العلم هو: علمٌ يتعلق ببيان مراتب الرواة من حيث تضعيفهم أو توثيقهم بتعابير فنية متعارف عليها عند علماء الحديث، وهي دقيقة الصياغة ومحددة الدَّلالة مما له أهمية في نقد إسناد الحديث 1. حكم الجرح والتعديل: الكلام في الرجال جرحاً وتعديلاً ثابتٌ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثمَّ عن كثير من الصحابة والتابعين فمن بعدهم، وجُوِّز ذلك تورعاً وصوناً للشريعة لا طعناً في الناس. وكما جاز الجرح في الشهود جاز في الرواة، والتثبت في أمر الدِّين أولى من التثبت في الحقوق والأموال. والأصل في هذا قول الله تبارك وتعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِيْنَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنِبِإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيْبُوا قَوْمَاً بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِيْنَ} 2.
وما روته أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها: أن رجلاً استأذن على النبي صلى الله عليه وسلم فلما رآه قال: "بِئْسَ أخو العَشِيرةِ، بِئْسَ ابن العَشِيرةِ"، فلما جلس تطلَّق له النَّبي صلى الله عليه وسلم في وجهه وانبسط إليه، فلما انطلق قالت له عائشة: يا رسول الله! حين رأيت الرجل قلت كذا وكذا، ثم تطلَّقت في وجهه وانبسطت إليه. فقال صلى الله عليه وسلم: "يا عَائِشَة! مَتَى عَهِدْتني فَحَّاشاً؟ إِنَّ شَرَّ النَّاسِ منزلةً عندَ اللهِ يوم القيامة مَن تَرَكَهُ النَّاسُ اتِّقاءَ شَرِّه" 1. فلهذا افترض الأئمة على أنفسهم الكلام في ذلك. 2 قال أبو بكر محمد بن خلاد الباهلي (ت 240 هـ) : "قلت ليحيى بن سعيد القطان: أما تخشى أن يكون هؤلاء الذين تركت حديثهم خصماءك عند الله يوم القيامة فقال: لئن يكونوا خصمائي أحب إليَّ من أن يكون خصمي رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لي: لِمَ لَمْ تَذُبَّ الكَذِبَ عن حَدِيثِي. 3 وقال الحافظ أبو عمرو بن الصلاح (ت 643 هـ) : "روينا - أو قال: بلغنا - أن أبا تراب النخشبي الزاهد سمع من أحمد بن حنبل شيئاً من ذلك، فقال له: يا شيخ لا تغتب العلماء، فقال له: ويحك هذا نصيحة
وليس هذا غيبة". 1 وقال ابن الصلاح أيضاً: "ثم إن على الآخذ في ذلك أن يتقي الله تبارك وتعالى ويتثبَّت ويتوقَّى التساهل كي لا يجرح سليماً ويَسِم بريئاً بِسِمَةِ سوءٍ يبقى عليه الدهر عارها". 2 وقال الخطيب البغدادي (ت 463 هـ) : "قد أخبر النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم بأنَّ في أمته ممن يجيء بعده كذابين، فحذَّر منهم وأعلمنا أن الكذب عليه ليس كالكذب على غيره، فوجب بذلك النظر في أحوال المحدثين والتفتيش عن أمور الناقلين احتياطاً للدين وحفاظاً للشريعة من تلبيس الملحدين". 3 وقال ابن الصلاح: "أجمع جماهير أئمة الحديث والفقه على أنَّه يشترط فيمن يحتج بروايته أن يكون عدلاً ضابطاً لما يرويه، وتفصيله أن يكون مسلماً بالغاً عاقلاً سالماً من أسباب الفسق وخوارم المروءة، متيقظاً غير مغفل، حافظاً إن حدَّث من حفظه، وضابطاً لكتابه إن حدَّث من كتابه، وإن كان يحدث بالمعنى اشترط فيه مع ذلك أن يكون عالما بما يحيل المعاني، والله أعلم". 4 وقال الحافظ الذهبي: "والكلام في الرواة يحتاج إلى ورعٍ تامٍّ وبراءةٍ من الهوى والميل، وخبرةٍ كاملةٍ بالحديث وعلله ورجاله، ثم نحن نفتقر إلى تحرير عبارات التعديل والجرح وما بين ذلك من
العبارات المتجاذبة، ثم أهم من ذلك أن نعلم بالاستقراء التَّام: عُرْفَ ذلك الإمام الجهبذ واصطلاحه ومقاصده بعباراته الكثيرة". 1 تاريخ نشأة علم الجرح والتعديل: نشأ هذا العلم - الذي هو ميزة تفردت بها أمة محمد صلى الله عليه وسلم على سائر الأمم - مع نشأة علم الرجال وظهوره في أواخر القرن الأول الهجري وبداية القرن الثاني. ولعل أبا عبد الله الحاكم (ت 405 هـ) كان أول من جمع قواعد علم الجرح والتعديل واعتبرها أحد أنواع علوم الحديث 2، إذ لم يتطرق الرامهرمزي إلى ذلك في كتابه "المحدث الفاصل" الذي يعد أول مصنف في علوم الحديث، ثم اهتمَّت كتب المصطلح بعد الحاكم بقواعد علم الجرح والتعديل التي هي عبارة عن ضوابط تمنع الشطط والمغالاة، وتوجِّه المتتبع لهذا العلم إلى معرفة كيفية الإفادة منه بصورة صحيحة. 3 وقد تقدم الكلام عن مراحل نشأة علم الرجال والجرح والتعديل وتطوُّره في الفقرة الثالثة من "التمهيد".
المبحث الثاني: طبقات من يعتمد قوله في الجرح والتعديل
المبحث الثاني: طبقات من يعتمد قوله في الجرح والتعديل قال الحافظ أبو عبد الله الذهبي (ت 748 هـ) : "والكلام في الرواة يحتاج إلى ورعٍ تامٍّ، وبراءةٍ من الهوى والميل، وخبرةٍ كاملةٍ بالحديث وعلله ورجاله. ثم نحن نفتقر إلى تحرير عبارات التعديل والجرح وما بين ذلك من العبارات المتجاذبة. ثم أهم من ذلك أن نعلم بالاستقراء التام عُرْفَ ذلك الإمام الجهبذ واصطلاحه ومقاصده بعباراته الكثيرة". 1 وقال أبو عبد الله الحاكم (ت 405 هـ) : "ذكرت في كتاب "المزكين لرواة الأخبار" 2 أنهم على عشر طبقات في كل عصر منهم أربعة، وهم أربعون رجلاً. فالطبقة الأولى منهم: أبو بكر، وعمر، وعلي، وزيد بن ثابت - رضي الله عنهم -، فإنهم قد جرحوا وعدَّلوا وبحثوا عن صحة الروايات وسقيمها.
والطبقة العاشرة منهم: أبو إسحاق إبراهيم بن حمزة الأصبهاني، وأبو علي النيسابوري، وأبو بكر محمد بن عمر بن سالم البغدادي، وأبو القاسم حمزة بن محمد بن علي الكناني المصري". 1 اهـ وقال الحافظ أبو أحمد عبد الله بن عدي الجرجاني (ت 365 هـ) : "ذكر من استجاز تكذيب من تبين كذبه، من 2 الصحابة والتابعين وتابعي التابعين ومن بعدهم إلى يومنا هذا رجلاً رجلاً. الطبقة الأولى: فمن الصحابة: عمر بن الخطاب، وعلي بن أبي طالب، وعبد الله بن عباس، وأنس بن مالك، وعائشة أم المؤمنين وغيرهم رضي الله عنهم أجمعين. الطبقة الثانية: ومن التابعين: سعيد بن المسيب (ت 94 هـ) ، وسعيد بن جبير (ت 95 هـ) ، وعروة بن الزبير (ت 94 هـ) ، والحسن البصري (ت 110 هـ) ، وعامر الشعبي (ت 103 هـ) وغيرهم. الطبقة الثالثة: ومن تابعي التابعين من الأئمة الذين يسمع قولهم في الرجال: شعبة بن الحجاج (ت 160 هـ) ، وسفيان بن سعيد الثوري (ت 161 هـ) ، وعبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي (ت
157 هـ) ، ومالك بن أنس (ت 179 هـ) ، وعبد الله بن المبارك (ت 181 هـ) ، ويحيى بن سعيد القطان (ت 198 هـ) وغيرهم. الطبقة الرابعة: طبقة بعد تابعي التابعين منهم: وكيع بن الجراح (ت 197 هـ) ، وعبد الرحمن بن مهدي (ت 198 هـ) ، ومحمد بن إدريس الشافعي (ت 204 هـ) ، وسعيد بن منصور (ت 227 هـ) وغيرهم. الطبقة الخامسة: قال: وطبقة بعدهم منهم: أحمد بن حنبل (ت 241 هـ) ، وعلي بن عبد الله بن جعفر المديني (ت 234 هـ) ، ويحيى بن معين (ت 233 هـ) ، وإسحاق بن راهويه (ت 238 هـ) ، وأبو بكر بن أبي شيبة (ت 235 هـ) ، وعبد الرحمن بن إبراهيم دحيم الدمشقي (ت 245 هـ) ، وعمرو بن علي الفلاس (ت 249 هـ) وغيرهم. الطبقة السادسة: قال: وطبقة أخرى تليهم منهم: محمد بن إسماعيل البخاري (ت 256 هـ) ، وأبو زرعة عبيد الله بن عبد الكريم الرازي (ت 264 هـ) ، ومحمد بن إدريس أبو حاتم الرازي (ت 277 هـ) ومحمد بن مسلم بن واره (ت 270 هـ) ، وأبو زرعة عبد الرحمن بن عمرو بن عبد الله النصري الدمشقي (ت 281 هـ) ، وصالح بن محمد الملقب جزرة (ت 293 هـ) ، وموسى بن هارون الحمال (ت 295 هـ) وعبد الله بن أحمد بن حنبل (ت 290 هـ) وغير هم". ثم قال: "وفي هذه الطبقة ممن أدركتهم وكتبت عنهم أو يقاربونهم في الإسناد والمعرفة ومحلهم محل من ذكرت في طبقتهم،
وكلهم يجوز لهم الكلام في الرجال. الطبقة السابعة: أبو عبد الرحمن أحمد بن شعيب النسائي (ت303هـ) ، والحسين بن محمد بن مودود أبو عروبة الحراني (ت 31 هـ) ، وعلي بن سعيد عَلِيَّك الرازي (ت 297 هـ) وغيرهم. وقد ذكرت أسماء من استجاز لنفسه الكلام في الرجال من الصحابة والتابعين ومن بعدهم طبقة طبقة إلى يومنا هذا ... " اهـ ملخصاً. 1 ألَّف الإمام الحافظ أبو عبد الله الذهبي (ت 748 هـ) رسالة لطيفة بعنوان: "ذكر من يعتمد قوله في الجرح والتعديل". 2 فقسَّم المذكورين فيها ثلاثة أقسام بثلاث اعتبارات، ثم جعل كلَّ قسم أقساماً أو طبقات: فقال رحمه الله: "اعلم هداك الله أن الذين قَبِلَ الناس قولهم في الجرح والتعديل على ثلاثة أقسام: 1- قسم تكلموا في أكثر الرواة كابن معين وأبي حاتم الرازي. 2- وقسم تكلموا في كثير من الرواة كمالك وشعبة.
3- وقسم تكلموا في الرجل بعد الرجل كابن عيينة والشافعي. والكلُّ أيضاً على ثلاثة أقسام: 1- قسم منهم متعنِّتٌ في الجرح والتعديل يغمز الراوي بالغلطتين والثلاث، ويليِّن بذلك حديثه، فهذا إذا وثَّق شخصاً فَعُضَّ على قوله بناجذيك وتمسك بتوثيقه، وإذا ضعَّف رجلاً فانظر هل وافقه غيره على تضعيفه، فإن وافقه ولم يوثق ذاك أحد من الحذَّاق فهو ضعيف، وإن وثقه أحدٌ فهذا الذي قالوا فيه: لا يقبل تجريحه إلا مفسراً، يعني: لا يكفي أن يقول فيه ابن معين مثلاً: هو ضعيف، ولم يوضِّح سبب ضعفه، وغيره قد وثَّقه، فمثل هذا يتوقف في تصحيح حديته …، وأبو حاتم (ت 277 هـ) ، وابن معين (ت 233 هـ) ، والجوزجاني (ت 259 هـ) متعنتون. 2- وقسم في مقابل هؤلاء: كأبي عيسى الترمذي (ت 279 هـ) ، وأبي عبد الله الحاكم (ت 405 هـ) ، وأبي بكر البيهقي (ت 458 هـ) متسا هلو ن. 3- وقسم كالبخاري (ت 256 هـ) ، وأحمد بن حنبل (ت 241 هـ) ، وأبي زرعة الرازي (ت 264 هـ) ، وابن عدي (ت 365 هـ) معتدلون منصفون". 1 وقال رحمه الله: "فأول من زكَّى عند انقراض عصر الصحابة: الشعبي (ت 103هـ) وابن سيرين (ت 110 هـ) ونحوهما حُفظ عنهما توثيق أناس
وتضعيف آخرين 1. وسبب قلة الضعفاء في ذلك الزمان قلة متبوعيهم من الضعفاء، إذ أكثر المتبوعين صحابة عدول، وأكثرهم من غير الصحابة بل عامَّتهم ثقات صادقون يَعُون ما يروون، وهم كبار التابعين. فيوجد فيهم الواحد بعد الواحد فيه مقال كالحارث الأعور 2، وعاصم بن ضَمْرة 3 ونحوهما. نعم فيهم عِدَّة من رؤوس أهل البدع، من الخوارج والشيعة والقدرية - نسأل الله العافية - كعبد الرحمن بن مُلْجَم 4، والمختار بن أبي عُبيد الكذاب 5، ومعبد الجهنى 6.
ثم كان في المئة الثانية في أوائلها جماعة من الضعفاء من أوساط التابعين وصغارهم ممن تُكلِّم فيهم من قِبَل حفظهم أو لبدعة فيهم، كعطية العوفي 1، وفرقد السبخي 2، وجابر الجعفي 3، وأبي هارون العبدي 4. فلما كان عند انقراض عامَّة التابعين في حدود الخمسين ومئة تكلَّم طائفة من الجهابذة في التوثيق والتضعيف". 5 اهـ ملخصاً ثم قال - رحمه الله -: "فنشرع الآن بتسمية من كان إذا تكلَّم في الرجال قُبِل قوله ورُجِع إلى نقده، نسوق من يسَّر الله تعالى منهم على الطبقات والأزمنة والله الموفق للسَّداد بمنِّه:
الطبقة الأولى: شعبة بن الحجاج 1 (ت 160 هـ) ، وأبو عمرو عبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي (ت 157هـ) ، وسعيد بن أبي عروبة - مهران - اليشكري (ت 155 هـ) ، وسفيان بن سعيد الثوري (ت 161 هـ) ، وحماد بن زيد بن درهم الجهضمي (ت 179 هـ) وعد في هذه الطبقة سبعة وثلاثين إماماً. الطبقة الثانية: ومنهم عبد الله بن المبارك (ت 181 هـ) ، وجرير بن عبد الحميد الضبي (ت 188 هـ) ، وأبو إسحاق إبراهيم بن محمد بن الفزاري (ت 185 هـ) ، وعبد الله بن وهب المصري (ت 197 هـ) ، ووكيع بن الجراح (ت 197 هـ) وذكر في هذه الطبقة ثمانية وخمسين إماماً ثم قال: وخلائق من أئمة هذا الشأن. الطبقة الثالثة: منهم عبد الرحمن بن مهدي (ت198 هـ) ، وكان هو ويحيى بن سعيد القطان (ت 198 هـ) قد انتدبا لنقد الرجال، وناهيك بهما جلالة ونبلاً وعلماً وفضلاً، فمن جرحاه لا يكاد - والله - يندمل جرحه، ومن وثَّقاه فهو الحجة المقبول، ومَنْ اختلفا فيه اجتهد في أمره، وقد وثقا خلقاً كثيراً وضعَّفا آخرين. ومن هذه الطبقة من حفاظ الحديث: أبو داود سليمان بن داود الطيالسي (ت 204 هـ) ، ويحيى بن آدم (ت 203 هـ) ، ومكي بن
إبراهيم (ت 215 هـ) ، وعبد الرزاق بن همام الصنعاني (ت 211 هـ) ومحمد بن إدريس الشافعي (ت 204 هـ 0) ، وأبو نعيم الفضل بن دُكَين - مصغراً - (ت 218 هـ) } ثم ذكر رحمه الله في هذه الطبقة اثنين وسبعين إماماً وقال: { وخلق يتعذر استقصاؤهم ويتعب إحصاؤهم". 1 الطبقة الرابعة: قال: ومن أئمة الجرح والتعديل بعد مَنْ قدمنا: يحيى بن معين (ت 233 هـ) ، وعلي بن المديني (ت 234 هـ) ، وأحمد ابن حنبل (ت 241 هـ) ، وأبو خيثمة زهير بن حرب (ت 234 هـ) ، ومحمد بن عبد الله بن نمير (ت 234 هـ) ، وأبو بكر بن أبي شيبة عبد الله بن محمد بن إبراهيم (ت 235 هـ) ، وإسحاق بن راهويه (ت 238 هـ) .وعد مئة إمام وثلاثة أئمة ثم قال: وخلق سواهم. الطبقة الخامسة: محمد بن إسماعيل البخاري (ت 256 هـ) ، ومحمد ابن يحيى الذهلي (ت 258 هـ) ، وعبد الله بن عبد الرحمن الدارمي (ت 255 هـ) ، وإسحاق بن منصور الكوسج (ت 251 هـ) ، ويعقوب ابن شيبة السدوسي (ت 262 هـ) ، وأبو زرعة عبيد الله بن عبد الكريم الرازي (ت 264 هـ) ، وأبو حاتم محمد بن إدريس الرازي (ت 277 هـ) ، وأبو داود سليمان بن الأشعث السجستاني (ت 275 هـ) ، ثم ذكر ثمانية وثمانين إماماً ثم قال: وخلق كثير لا
يحضرني ذكرهم، وربما كان يجتمع في الرحلة منهم المئتان والثلاث مئة بالبلد الواحد، فأقلهم حفظاً كأحفظ مَنْ في عصرنا. 1 الطبقة السادسة: محمد بن نصر المروزي الإمام (ت 294 هـ) ، وعبد الله بن أحمد بن حنبل (ت 290هـ) ، ومحمد بن إبراهيم البوشنجي (ت 290 هـ) ، وأبو عيسى محمد بن عيسى الترمذي (ت 279 هـ) ، وأبو عبد الرحمن أحمد بن شعيب النسائي (ت 303 هـ) وذكر في هذه الطبقة أربعة وأربعين إماماً، ثم قال: وأمثال هؤلاء من أولي الحفظ والمعرفة وعُلوِّ الرواية. الطبقة السابعة: أبو بكر محمد بن إسحاق بن خزيمة إمام الأئمة (ت 311 هـ) ، وأبو القاسم عبد الله بن محمد بن عبد العزيز البغوي (ت 317 هـ) ، وأبو بكر أحمد بن هارون البرديجي (ت 301 هـ) وعد في هذه الطبقة أربعة وأربعين إماماً، وختمها بقوله: وخلق سواهم مثلهم أو دونهم في الحفظ بالحرمين، والشام، والعراق، وخراسان، والجبال، وما وراء النهر، والمغرب، والأندلس وأذربيجان، والجزيرة". وهكذا استمر رحمه الله تعالى في ذكر طبقات الحفاظ وأئمة
الجرح والتعديل إلى عصره، فبلغ بهم اثنتين وعشرين طبقة، آخرهم طبقة شيوخه وأقرانه، فذكر منهم: شيخ الإسلام تقي الدين أبو العباس بن تيمية (ت 728 هـ) ، والحافظ جمال الدين يوسف بن عبد الرحمن المزي (ت 742 هـ) ، ومؤرخ دمشق العلامة علم الدين أبو محمد القاسم بن محمد بن يوسف البرزالي (ت 739 هـ) وغيرهم. 1 وإنما اقتصرت هنا على ذكر الطبقات السبع الأُوَل، وذكر نماذج من أعلامها لأنَّها واقعة في عصر الرواية المتفق عليه، وهو الثلاثة قرون الأولى تقريباً.
المبحث الثالث: أنواع كتب الجرح والتعديل وأشهر ما صنف في كل نوع
المبحث الثالث: أنواع كتب الجرح والتعديل، وأشهر ما صنف في كل نوع قال الحافظ أبو عمرو ابن الصلاح (ت 643 هـ) : "ولأهل المعرفة بالحديث فيه - الجرح والتعديل - تصانيف كثيرة: منها ما أفرد في الضعفاء: ككتاب "الضعفاء" للبخاري، و "الضعفاء" للنسائي، و "الضعفاء" للعقيلي وغيرها. ومنها في الثقات فحسب: ككتاب "الثقات" لأبي حاتم بن حبان. ومنها ما جُمِع فيه بين الثقات والضعفاء: ككتاب "التاريخ" للبخاري، و "تاريخ ابن أبي خيثمة" وما أغزر فوائده، وكتاب "الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم الرازي. اهـ 1 وأقدم هذه المصنفات ظهوراً - فيما وقفت عليه -: الجمع بين الثقات والضعفاء، حيث صنف في ذلك إمام أهل مصر في زمانه الليث ابن سعد الفهمي (ت 175 هـ) كتاب "التاريخ" 2، وألَّف إمام
المشرق عبد الله بن المبارك (ت 181 هـ) كتاب "التاريخ" 1 أيضاً، وكذلك ألَّف الوليد بن مسلم (ت 195 هـ) كتاب "التاريخ" 2، وضَمْرَة بن ربيعة (ت 202 هـ) في كتابه "التاريخ" 3، وأبو نعيم الفضل بن دُكين (ت 218 هـ) في كتابه "التاريخ" 4. ثم ظهرت كتب الضعفاء، وأقدم مصنف في ذلك - فيما اطلعت عليه - "الضعفاء" للإمام الناقد يحيى بن سعيد القطان (ت 198 هـ) 5 ثم صنف الحافظ إمام الجرح والتعديل أبو زكريا يحيى بن معين (ت 233 هـ) كتابه "الضعفاء" 6. ثم ظهرت كتب الثقات، وأوَّل من علمته صنف في ذلك الإمام علي بن المديني (ت 234 هـ) في كتابه: "الثقات والمتثبتون" 7. النوع الأول: من أشهر المصنفات التي جمعت بين الثقات والضعفاء 8
1- الطبقات الكبرى لمحمد بن سعد المعروف بكاتب الواقدي (ت 230 هـ) مطبوع. 2- التاريخ 1 ليحيى بن عبد الله بن بكير (ت 231 هـ) . 3- التاريخ 2 لأبي زكريا يحيى بن معين (ت 233 هـ)
مطبوع. 4- التاريخ لأبي بكر عبد الله بن محمد بن أبى شيبة (ت 235 هـ) . 1 5- التاريخ لأبي أحمد محمود بن غيلان المروزي (ت 239 هـ) 6- التاريخ لخليفة بن خياط (ت 240 هـ) مطبوع. 7- العلل ومعرفة الرجال لأبي عبد الله أحمد بن حنبل (ت 241 هـ) برواية ابنه عبد الله، مطبوع. 8- علل الحديث ومعرفة الشيوخ 3 لأبي جعفر محمد بن عبد الله ابن عمار الموصلي (ت 242 هـ) . 9- التاريخ لأبي حفص عمرو بن علي الفلاس (ت 249 هـ) يقع في ثلاثة أجزاء، ثالثها في العلل 4. 10- التاريخ الكبير لأبي عبد الله محمد بن إسماعيل
البخاري (ت 256 هـ) مطبوع. 1 11- التاريخ للمفضل بن غسان الغلابي 2 (ت 256 هـ) . 12- التاريخ لحنبل بن إسحاق بن حنبل الشيباني (ت 273هـ) 13- التاريخ لمحمد بن يزيد بن ماجه القزويني (ت 273 هـ) . 4 14- المعرفة والتاريخ ليعقوب بن سفيان الفسوي (ت 277 هـ) ، مطبوع. 15- التاريخ الكبير لأبي بكر أحمد بن أبي خيثمة زهير بن حرب النسائي الحافظ (ت 279 هـ) . 5
16- التاريخ لأبي عيسى محمد بن عيسى الترمذي. 1 17- التاريخ لأبي زرعة عبد الرحمن بن عمرو النصري الدمشقي (ت 281 هـ) ، مطبوع. 18- التاريخ لأبي العباس أحمد بن علي بن مسلم الأبار (ت 290 هـ) . 2 19- التاريخ لأبي جعفر محمد بن عثمان بن أبي شيبة (ت 297 هـ) . 3 20- التاريخ للحسين بن إدريس الأنصاري الهروي المعروف بابن خُرَّم (ت 301 هـ) . 4 21- التمييز لأبي عبد الرحمن أحمد بن شعيب النسائي (ت 303 هـ) . 5 22- التاريخ لأبي العباس محمد بن إسحاق السراج
الثقفي (ت 313 هـ) . 1 23- الجرح والتعديل لابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد بن إدريس الرازي (ت 327 هـ) ، مطبوع. 24- التاريخ لأبي العرب محمد بن أحمد بن تميم الأفريقي (ت 333 هـ) . 2 25- التاريخ لأبي أحمد محمد بن أحمد بن إبراهيم العسَّال (ت 349 هـ) . 3 26- التاريخ لأبي حفص عمر بن أحمد بن عثمان بن شاهين الواعظ (ت 385 هـ) . 4
27- الإرشاد لأبي يعلى الخليل بن عبد الله الخليلي (ت 446 هـ) مطبوع. 28- التعديل والتجريح لمن أخرج له البخاري في الجامع الصحيح لأبي الوليد سليمان بن خلف الباجي 1 (ت 474 هـ) ، مطبوع. النوع الثاني: من أشهر كتب الضعفاء 2: 1- الضعفاء ليحيى بن سعيد القطان (ت 198 هـ) . 3
2- الضعفاء لأبي زكريا يحيى بن معين (ت 233 هـ) . 1 3- الضعفاء للإمام علي بن عبد الله المديني (ت 234 هـ) ، ويقع في عشرة أجزاء. 2 4- الضعفاء تأليف محمد بن عبد الله بن عبد الرحيم بن سعيد البرقي الزهري (ت 249 هـ) . 3 5- الضعفاء الكبير والصغير أيضاً لأبى عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري (ت 256 هـ) . 4 6- أحوال الرجال لأبي إسحاق إبراهيم بن يعقوب الجوزجاني (ت 259 هـ) ، مطبوع. 7- الضعفاء والمتروكون لأبي زرعة عبيد الله بن عبد الكريم الرازي (ت 264 هـ) ، مطبوع. 8- الضعفاء لأبي حاتم محمد بن إدريس الرازي (ت
277 هـ) . 1 9- الضعفاء والمتروكون لأبي عبد الرحمن أحمد بن شعيب النسائي (ت 303 هـ) ، مطبوع. 10- الضعفاء لأبي محمد عبد الله بن الجارود (ت 307 هـ) . 2 11- الضعفاء لأبى يحيى زكريا بن يحيى بن عبد الرحمن الساجي (ت 307 هـ) . 3 12- الضعفاء لأبى بكر محمد بن إسحاق بن خزيمة (ت 311 هـ) 13- الضعفاء لأبي بشر محمد بن أحمد بن حماد الدولابي (ت 310 هـ) . 5 14- الضعفاء لأبي جعفر محمد بن عمرو العُقيلي (322 هـ) ، مطبوع. 15- الضعفاء لأبي نعيم عبد الملك بن محمد بن عدي
الجرجاني (ت 333 هـ) . 1 16- الضعفاء لأبي العرب محمد بن أحمد بن تميم الأفريقي (ت 333 هـ) . 2 17- كتاب الضعفاء والمتروكين لأبي علي سعيد بن عثمان بن السكن (ت 353 هـ) . 3 18- معرفة المجروحين من المحدِّثين لأبي حاتم محمد بن أحمد بن حبان البستي (ت 354 هـ) ، مطبوع. 19- الكامل في ضعفاء الرجال لأبي أحمد عبد الله بن عدي الجرجاني (ت 365 هـ) ، مطبوع. 20- الضعفاء لأبي الفتح محمد بن الحسين الأزدي4 (ت374 هـ) 21- تسمية ضعفاء المحدثين لأبى أحمد محمد بن محمد بن أحمد الحاكم الكبير (ت 378 هـ) . 5
22- الضعفاء والمتروكون لأبي الحسن علي بن عمر بن مهدي الدارقطني (ت 385 هـ) ، مطبوع. 23- تاريخ أسماء الضعفاء والكذابين لأبي حفص عمر بن أحمد بن شاهين (ت 385 هـ) ، مطبوع. 24- الضعفاء لأبي عبد الله محمد بن عبد الله الحاكم النيسابوري (ت 405 هـ) . 1 25- الضعفاء لأبي نعيم الأصبهاني (ت 430 هـ) ، مطبوع 2. 26- الضعفاء لأبي بكر أحمد بن علي الخطيب البغدادي 3 (ت 463 هـ) . 4 النوع الثالث: كتب الثقات منها:
1- الثقات والمتثبِّتون لأبي الحسن علي بن عبد الله المديني (ت 234 هـ) . 1 2- الثقات لأبي الحسن أحمد بن عبد الله بن صالح العجلي (ت 261 هـ) ، طبع ترتيبه للهيثمي والسبكي. 2 3- الثقات لأبي العرب محمد بن أحمد بن تميم التميمي الأفريقي (ت 333 هـ) . 3 4- الثقات لأبي حاتم محمد بن أحمد بن حبان البستي (ت 354 هـ) مطبوع. 5- مشاهير علماء الأمصار لابن حبان - أيضاً - مطبوع. 6- الثقات لأبي حفص عمر بن بشران بن محمد
السكري (ت 367 هـ) . 1 7- تاريخ أسماء الثقات تأليف أبي حفص عمر بن أحمد بن شاهين الواعظ (ت 385 هـ) ، مطبوع. 2
المبحث الرابع: تعريف موجز بنماذج من كتب الجرح والتعديل
المبحث الرابع: تعريف موجز بنماذج من كتب الجرح والتعديل 1 الأول: التاريخ الكبير: المؤلف: أبو عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري أمير المؤمنين في الحديث، صاحب الجامع الصحيح المولود سنة (194 هـ) ، والمتوفى سنة (256 هـ) رحمة الله عليه. 2 تاريخ تأليف التاريخ الكبير: أخرج الخطيب البغدادي بإسناده إلى أبي جعفر محمد بن أبي
حاتم الوراق - وراق البخاري - قال: "قال أبو عبد الله البخاري: فلما طعنت في ثمان عشرة جعلت أصنِّف قضايا الصحابة والتابعين وأقوالهم وذلك أيام عبيد الله بن موسى، وصنفت كتاب " التاريخ" إذ ذاك عند قبر الرسول صلى الله عليه وسلم في الليالي المقمرة، وقلَّ اسمٌ في "التاريخ" إلاَّ وله عندي قصة، إلا أني كرهت تطويلَ الكتاب". ثم قال: "هؤلاء لمْ يَفهموا كيف صنعتُ كتابي "التاريخ" ولا عرفوه، صنفته ثلاث مرات1، وصنفتُ جميعَ كُتبي ثلاث مرات2. 3 طريقة ترتيبه: رتب البخاري رحمه الله "تاريخه الكبير" على حروف المعجم مراعياً في ذلك الحرف الأول فقط، ثم يرتب الأسماء المشتركة - إذا كثرت - على الأول - أيضاً - من اسم الأب. 4 وقدم المحمدين لشرف اسم رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويقدم في كل
حرفٍ الصحابة على غيرهم وإن خالف ذلك ترتيب أسماء الآباء في الأسماء المشتركة. 1 سياقة التراجم في التاريخ الكبير 2: أ - يذكر اسم الراوي، واسم أبيه وجده، وكنيته، ومنتهى نسبه ونسبته، ولا يطيل في الأنساب غالباً. ب - يذكر بعض شيوخ وتلاميذ الراوي. ج - يذكر نموذجاً من روايته أو أكثر وذلك ليبين مكانة صاحب الترجمة في العلم وخاصة تلك التراجم التي يسرد فيها روايات كثيرة. د - يشير كثيراً إلى عقائد وآراء المترجمين، ومشاركاتهم في الغزوات أو الفتوح وموقفهم من أحداث عصرهم، كالفتنة في زمن عثمان رضي الله عنه ووقعة الحرة مما له أثر على اتجاه الراوي وميوله. هـ - يذكر الوظائف التي اشتغل بها بعض الرواة وخاصة القضاء والولاية. و اهتم البخاري بذكر زمان ومكان لقاء المترجم بشيوخه أو تلاميذه 3، ولذلك ذكر في تراجم الصحابة عدادهم في الأمصار، ومن
مكث منهم في المدينة بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم. كما يذكر رحلات الشيوخ وتنقلهم في الأمصار. ز - كذلك يهتم البخاري بذكر سني الوفيات. ح - يستعمل البخاري ألفاظ الجرح والتعديل - أحياناً - ويلاحظ تورعه عن استعمال الألفاظ الحادة أو التي فيها مبالغة سواء في الجرح أو التعديل فمن ألفاظه في الجرح: "فيه نظر"، "سكتوا عنه" 1، "تركوه"، "منكر الحديث" ونحو ذلك 2.
ومن ألفاظه في التعديل: "ثقة"، "حسن الحديث" ونحو ذلك. عدد تراجم التاريخ الكبير: قال أبو عبد الله الحاكم (ت 405 هـ) : "أخبرني فقيه من فقهائنا عن أبي علي الحسين بن محمد الماسرجسي - رحمنا الله وإياه - أنه قال: قد بلغ رواة الحديث في كتاب "التاريخ" لمحمد بن إسماعيل قريباً من أربعين ألف رجل وامرأة". 1 وقال الحافظ الذهبي (ت 748 هـ) : "تاريخ البخاري يشتمل على نحو من أربعين ألفاً وزيادة، وكتاب "الضعفاء" دون السبع مئة نفس". 2 وقال الشيخ عبد الرحمن المعلمي (ت 1386 هـ) :
"وفي تاريخ البخاري بضعة عشر ألف ترجمة". 1 وبلغ عدد التراجم في النسخة المطبوعة من "تاريخ البخاري": (13308) . 2 الثاني: كتاب الجرح والتعديل: المؤلف: هو الإمام الحافظ الناقد شيخ الإسلام أبو محمد عبد الرحمن بن الحافظ الكبير أبي حاتم محمد بن إدريس بن المنذر التميمي الحنظلي الرازي، ولد سنة (240 هـ) ، ارتحل به أبوه فأدرك الأسانيد العالية، صاحب المصنفات الشهيرة المتنوعة، مات سنة
(327 هـ) . 1 يتكون كتاب الجرح والتعديل من قسمين: الأول: تقدمة المعرفة للجرح والتعديل. 2 والثاني: كتاب الجرح والتعديل. قال عبد الرحمن بن يحيى المعلمي - محقق كتاب الجرح والتعديل -: "كتاب تقدمة المعرفة للجرح والتعديل هو كتاب بمنزلة الأساس أو التمهيد لكتاب "الجرح والتعديل" افتتحه المؤلف ببيان الاحتياج إلى السُّنَّة وأنها هي المبيِّنة للقرآن، ثم بيان الحاجة إلى معرفة الصحيح من السقيم، وأن ذلك لا يتم إلا بمعرفة أحوال الرواة، وأن معرفة الصحيح والسقيم ومعرفة أحوال الرواة إنما يتمكن منها الأئمة النقاد. ثم أشار إلى طبقات الرواة، وذكر نبذة في تنزيه الصحابة وتثبيت عدالتهم، ثم الثناء على التابعين، ثم ذكر أتباعهم، وذكر مراتب الرواة، ثم ذكر الأئمة وسرد بعض أسمائهم، ثم تخلص إلى مقصود الكتاب - التقدمة - وهو شرح أحوال مشاهير الأئمة كمالك بن أنس، وسفيان ابن عيينة، وسفيان الثوري، وشعبة بن الحجاج وغيرهم وساق لكل واحد من الأئمة ترجمة مبسوطة تشتمل على بيان علمه وفضله ومعرفته
ونقده وغير ذلك من أحواله، وجاء في ضمن ذلك فوائد غزيرة جداً في النقد والعلل ودقائق الفن لا توجد في كتاب آخر. 1 اهـ القسم الثاني: كتاب الجرح والتعديل. عن منهجه وترتيبه: قال المؤلف رحمه الله: "وقصدنا بحكايتنا الجرح والتعديل في كتابنا هنا إلى العارفين به العالمين له متأخراً بعد متقدم إلى أن انتهت بنا الحكاية إلى أبي وأبي زرعة رحمهما الله، ولم نحك عن قوم قد تكلموا في ذلك لقلة معرفتهم به، ونسبنا كل حكاية إلى حاكيها والجواب إلى صاحبه، ونظرنا في اختلاف أقوال الأئمة في المسؤولين عنهم فحذفنا تناقض قول كل واحد منهم، وألحقنا بكل مسؤول عنه ما لاق به، وأشبهه من جوابهم. على أنا قد ذكرنا أسامي كثيرة مهملة من الجرح والتعديل كتبناها ليشتمل الكتاب على كل من رُوي عنه العلم رجاء وجود الجرح والتعديل فيهم، فنحن ملحقوها بهم من بعد إن شاء الله تعالى. وخرجنا الأسامي كلها على حروف المعجم وتأليفها، وخرجنا ما كثر منها في الحرف الواحد على المعجم أيضاً في أسماء آبائهم 2
ليسهل على الطالب إصابة ما يريد منها ويتجه لموضع الحاجة إليها إن شاء الله تعالى". 1 عدد تراجمه: قال الشيخ عبد الرحمن المعلمي (ت 1386 هـ) : "الكتاب كبير لعله يحتوي على قريب من عشرين ألف ترجمة". 2 وبلغت تراجم الكتاب حسب ترقيم النسخة المطبوعة في بيروت التي هي صورة عن طبعة حيدر آباد التي حققها الشيخ عبد الرحمن المعلمي (18040) ترجمة. عن مكانة وأهمية كتاب الجرح والتعديل: يقول محققه عبد الرحمن المعلمي: "ألَّف الإمام أبو عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري "تاريخه الكبير"، وكأنه حاول استيعاب الرواة من الصحابة فمن بعدهم إلى طبقة شيوخه، وللإمام البخاري رحمه الله إمامته وجلالته وتقدمه، ولـ "تاريخه" أهميته ومزاياه، لكن "تاريخ البخاري" خال في الغالب من التصريح بالحكم على الرواة بالتعديل والجرح، أحسَّ الإمامان الجليلان أبو حاتم محمد بن إدريس الرازي وأبو
زرعة عبيد الله بن عبد الكريم الرازي وهما من أقران البخاري ونظرائه في العلم والمعرفة والإمامة، أحسَّا بهذا النقص فأحبَّا تكميله - فأقعدا ابن أبي حاتم الرازي يسألهما فيجيبانه -، وحرص ابن أبي حاتم بإرشاد ذينك الإمامين على استيعاب نصوص أئمة الفن في الحكم على الرواة بتعديل أو جرح، وقد حصل في يده ابتداءً: نصوص ثلاثة من الأئمة وهم أبوه، وأبو زرعة، والبخاري. ثم تتبع نصوص الأئمة فأخذ عن أبيه، ومحمد بن إبراهيم بن شعيب ما روياه عن عمرو بن علي الفلاس مما قاله باجتهاده أو يرويه عن مشائخه كيحيى القطان، وعبد الرحمن بن مهدي أو مشايخهم كالثوري وشعبة وغيرهما، وحرص على الاتصال بجميع أصحاب الأئمة أحمد بن حنبل، ويحيى بن معين، وعلي بن المديني، ومحمد بن عبد الله بن نمير وغيرهم. وبالجملة فقد سعى أبلغ سعي في استيعاب جميع أحكام أئمة الجرح والتعديل في الرواة إلى عصره ينقل كل ذلك بالأسانيد الصحيحة المتصلة بالسماع أو القراءة بالمكاتبة". ثم قال: "فهذا الكتاب هو بحق أم كتب هذا الفن ومنه يستمد جميع من جاء بعده، ولذلك قال المزي في خطبة تهذيبه: (واعلم أن ما كان في هذا الكتاب من أقوال أئمة الجرح والتعديل ونحو ذلك فعامته منقول من كتاب "الجرح والتعديل"
لأبي محمد عبد الرحمن بن أبي حاتم الرازي الحافظ ابن الحافظ" 1 اهـ ملخصاً بتصرف. 2 الثالث: كتاب الثقات لابن حبان: المؤلف: هو الإمام الحافظ المجود شيخ خراسان أبو حاتم محمد بن حبان بن أحمد بن حبان التميمي الدارمي البستي صاحب الكتب المشهورة والمصنفات المتنوعة، ولد سنة بضع وسبعين ومئتين، ومات سنة (354 هـ) . 3 منهج ابن حبان فى كتاب الثقات: كثر الكلام عن منهج ابن حبان في كتاب "الثقات" عند المتأخرين، لكنني لم أقف على كلام لأحد من المتقدمين في ذلك أعني ما قبل القرن السادس الهجري. وأولى من يعبر عن منهجه هو نفسه حيث يقول رحمه الله: "إني أملي في ذكر من حمل عنه العلم كتابين: كتاباً أذكر فيه الثقات من المحدثين، وكتاباً أبيِّن فيه الضعفاء والمتروكين، وأبدأ منها بالثقات، فنذكر ما كانوا عليه في الحالات. فأول ما أبدأ في كتابنا هذا ذكر المصطفى صلى الله عليه وسلم، ومولده، ومبعثه، وهجرته إلى أن قبضه الله تعالى إلى جنَّته. ثم نذكر بعده الخلفاء الراشدين المهديين بأيامهم إلى أن قتل
عليٌّ رضي الله عنه. 1 ثم نذكر صحب رسول االله صلى الله عليه وسلم واحداً واحداً على المعجم 2 إذ هم خير الناس قرناً بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم نذكر بعدهم التابعين الذين شافهوا أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في الأقاليم كلها على المعجم 3 إذ هم خير الناس بعد الصحابة قرنا، ثم نذكر القرن الثالث الذين رأوا التابعين فأذكرهم على نحو ما ذكرنا الطبقتين الأوليين. 4 ثم نذكر القرن الرابع الذين رأوا أتباع التابعين على سبيل من قبلهم، وهذا القرن ينتهي إلى زماننا هذا5. ولا أذكر في هذا الكتاب إلا الثقات الذين يجوز الاحتجاج بخبرهم". ثم قال: "فكل من أذكره في هذا الكتاب الأول فهو صدوق
يجوز الاحتجاج بخبره إذا تعرى خبره عن خصال خمس، فإذا وجد خبر منكر عن واحد ممن أذكره في كتابي هذا فإن ذلك الخبر لا ينفك من إحدى خمس خصال: 1- إما أن يكون فوق الشيخ الذي ذكرت اسمه في كتابي هذا في الإسناد رجل ضعيف لا يحتج بخبره. 2- أو يكون دونه رجل واهٍ لا يجوز الاحتجاج بروايته. 3- أو يكون الخبر مرسلاً لا يلزمنا به حجة. 4- أو يكون منقطعاً لا يقوم بمثله حجة. 5- أو يكون في الإسناد رجل مدلس لم يبين سماعه في الخبر من الذي سمعه منه ... ، وربما أذكر في هذا الكتاب الشيخ بعد الشيخ وقد ضعفه بعض أئمتنا ووثقه بعضهم، فمن صح عندي منهم أنه ثقة بالدلائل النيِّرة التي بيَّنتها في كتاب "الفصل بين النقلة" أدخلته في هذا الكتاب لأنه يجوز الاحتجاج بخبره ومن صح عندي منهم أنه ضعيف بالبراهين الواضحة التي ذكرتها في كتاب "الفصل بين النقلة" لم أذكره في هذا الكتاب، لكني أدخلته في كتاب "الضعفاء" 1 لأنه لا يجوز الاحتجاج بخبره. فكل من ذكرته في كتابي هذا إذا تعرى خبره عن الخصال الخمس التي ذكرتها فهو عدل يجوز الاحتجاج بخبره حتى يتبين ضده، إذ لم يكلف الناس من الناس معرفة ما غاب عنهم، وإنما كُلِّفوا
الحكم بالظاهر من الأشياء غير المغيب عنهم. 1 اهـ ملخصاً ويقول - رحمه الله - عن منهجه في سياق التراجم: خير الناس قرناً بعد الصحابة من شَافَهَ أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وحفظ عنهم الدين والسنن، وإنما نملي أسماءهم وما نعرف من أنبائهم من الشرق إلى الغرب على حروف المعجم، إذ هو أدعى للمتعلم إلى حفظه، وأنشط للمبتدئ في وعيه، ولست أعرج في ذلك على تقدم السن ولا تأخره، ولا جلالة الإنسان ولا قدره، بل أقصد في ذلك اللقاء دون الجلالة والسن؛ لأن اللقاء يشملهم جميعاً. غير أنا نذكر ما نعرف من أنسابهم وأقدارهم، وأذكر عند كل شيخ منهم شيخاً فوقه وآخر دونه ليعتبر المتأمل للحفظ بهما فيقيس من وراءهما عليهما". 2 وقال - في آخر الطبقة الرابعة -: "فربما تقدم موت إنسان ذكرته من هذه الطبقة أو تأخر موته وبينهما مئة سنة أو أقل أو أكثر، فأدخلناهما في قرن واحد لطبقة واحدة لاستوائهما في اللقي، وكل من كان بينه وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم رجل واحد أدخلناه في كتاب التابعين سواء تأخر موته أو تقدم، وكل من كان بينه وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلان في اللقي أدخلناه في كتاب تبع التابعين بعد أن يكونوا ثقات، وكل من كان بينه وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثة أنفس في اللقي أدخلناه في كتاب تبع الأتباع هذا، ولم أعتبر برواية المدلسين عنه ولا
الضعفاء".1 آراء العلماء في توثيق ابن حبان للمجاهيل 2: 1- قال الحافظ ابن حجر: "قال ابن حبان: ... إذ الناس على الصلاح والعدالة حتى يتبين منهم ما يوجب القدح، هذا حكم المشاهير من الرواة، فأما المجاهيل الذين لم يروِ عنهم إلا الضعفاء فهم متروكون على الأحوال كلها". قال الحافظ: "وهذا الذي ذهب إليه ابن حبان من أن الرجل إذ انتفت جهالة عينه كان على العدالة إلى أن يتبين جرحه مذهبٌ عجيبٌ الجمهور على خلافه، وهذا مسلكه في كتاب "الثقات"، فإنه يذكر خلقاً ممن نصَّ عليهم أبو حاتم وغيره على أنهم مجهولون، وكأنَّ عند ابن حبان أن جهالة العين ترتفع برواية واحد مشهور، وهو مذهب شيخه ابن خزيمة، ولكن جهالة حاله باقية عند غيره". 3 اهـ ملخصاً 2- وقال الحافظ السيوطي: "وإذا لم يكن في الراوي جرح ولا تعديل وكان كل من شيخه والراوي عنه ثقة ولم يأت بحديث منكر فهو عند ابن حبان ثقة، وفي كتاب "الثقات" له كثير ممن هذه حاله، ولأجل هذا ربما اعترض عليه في جعلهم ثقات من لم يعرف حاله،
ولا اعتراض عليه فإنه لا مشاحة في ذلك". 1 3- قال عبد الرحمن المعلمي: "فابن حبان قد يذكر في الثقات من يجد البخاري سمَّاه في "تاريخه" من القدماء وإن لم يعرف ما روى، وعمن روى، ومن روى عنه، ولكن ابن حبان يشدد وربما تعنت فيمن وجد في روايته ما استنكره، وإن كان الرجل معروفاً مكثراً، والعجلي قريب منه في توثيق المجاهيل من القدماء، وكذلك محمد بن سعد، وابن معين، والنسائي وآخرون غيرهما يوثقون من كان من التابعين أو أتباعهم إذا وجدوا رواية أحدهم مستقيمة بأن يكون له فيما يروي متابع أو شاهد وإن لم يروِ عنه إلا واحد ولم يبلغهم عنه إلاَّ حديث واحد". ثم نقل عن ابن حبان تصريحه بأن الناس على الصلاح والعدالة حتى يثبت القدح، واستغراب ابن حجر لذلك ثم قال: "ولو تدبر - يعني ابن حجر - لوجد كثيراً من الأئمة يبنون عليه، فإذا تتبع أحدهم أحاديث الراوي فوجدها مستقيمة تدل على صدقٍ وضبطٍ ولم يبلغه ما يوجب طعناً في دينه وثَّقَهُ، وربما تجاوز بعضهم هذا كما سلف". 2 اهـ ملخصاً. وقال رحمه الله: "والتحقيق أن توثيقه على درجات: الأولى: أن يصرح به كأن يقول: كان متقناً أو مستقيم الحديث ونحو ذلك.
الثانية: أن يكون الرجل من شيوخه الذين جالسهم وخبرهم. الثالثة: أن يكون من المعروفين بكثرة الحديث بحيث يعلم أن ابن حبان وقف له على أحاديث كثيرة. الرابعة: أن يظهر من سياق كلامه أنه قد عرف الرجل معرفة جيدة. الخامسة: ما دون ذلك. فالأولى لا تقل عن توثيق غيره من الأئمة بل لعلها أثبت من توثيق كثير منهم، والثانية قريب منها، والثالثة مقبولة، والرابعة صالحة، والخامسة لا يؤمن فيها الخلل، والله أعلم". 1 الرابع: كتاب معرفة المجروحين من المحدثين: المؤلف: أبو حاتم محمد بن حبان بن أحمد بن حبان البستي المتوفى سنة (354 هـ) . منهجه في كتابه: 1- قال في خطبة كتابه: "وإني ذاكر ضعفاء المحدثين وأضداد العدول من الماضين ممن أطلق أئمتنا عليهم القدح، وصح
عندنا فيهم الجرح، وأذكر السبب الذي من أجله جُرِح والعلة التي بها قُدِح، ليرفض سلوك الاعوجاج بالقول بأخبارهم عند الاحتجاج، وأقصد في ذلك ترك الإمعان والتطويل، وألزم الإشارة إلى نفس التحصيل". 1 وقال - أيضاً -: "وإنما نملي أسامي من ضُعِّف من المحدِّثين وتكلم فيه الأئمة المرضيون، ونذكر ما يعرف من أنسابهم وأسمائهم، ونذكر عند كل شيخ منهم من حديثه ما يستدل به على وهيٍ في روايته تلك. وأقصد في ذكر أسمائهم المعجم إذ هو أدعى للمتعلم إلى الحفظ وأنشط للمبتدئ في وعيه وأسهل عند البغية لمن أراده". 2 2- قدم ابن حبان لكتابه بمقدمة طويلة ونفيسة - استغرقت خمساً وتسعين صفحة من الكتاب - ومن أهم موضوعاتها: أ- ذكر الأحاديث في الحث على حفظ السنن ونشرها. ب- التغليظ في الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم. ج- ذكر الأمر بجرح الضعفاء واستحباب معرفة الضعفاء من المحدِّثين. هـ- ذكر أول من وقى الكذب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، مع ذكر بعض السبب الذي من أجله منع عمر الصحابة من إكثار الحديث، وقد
أطال في أئمة الجرح الذين وقوا الكذب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، من عصر الصحابة إلى عصره. 1 هـ- ذكر أنواع جرح الضعفاء وقد بلغت هذه الأنواع عشرين نوعاً. 2 و ذكر إثبات النصرة للطائفة المنصورة إلى قيام الساعة وفسرها بأهل الحديث. ز- ختم تلك المقدمة بذكر أجناس من أحاديث الثقات التي لا يجوز الاحتجاج بها عند التفرد، وذكر من ذلك ستة أجناس. 3- غالب تراجم الرواة فيه تتضمن: أ- الاسم واسم الأب ومنتهى النسب أو النسبة. ب- أقوال أئمة الجرح والتعديل في الراوي بالأسانيد، كما يبدي رأيه في معظم التراجم. ج- يذكر عداده في الأمصار وعقيدته أحياناً. د- يختم الترجمة غالباً برواية الأحاديث التي أنكرها عليه المحدثون. هـ- يعد كتاب ابن حبان هذا سجلاً فريداً ومرجعاً هامَّاً في ضعفاء المحدثين، كما جمع كثيراً من الأحاديث الضعيفة والموضوعة، ولذلك اعتمد عليه الأئمة من بعده كابن الجوزي في "موضوعاته"، والذهبي في "الميزان".
الخامس: كتاب الكامل في ضعفاء الرجال: المؤلف: الإمام الحافظ الكبير أبو أحمد عبد الله بن عدي بن عبد الله الجرجاني، ويعرف - أيضاً - بابن القطان صاحب التصانيف الكثيرة المشهورة، ولد سنة (277 هـ) ، توفي سنة (365 هـ) . 1 منهجه فى كتابه: 1- بدأ كتابه رحمه الله بمقدمة نفيسة ومفيدة، ومن أهم ما اشتملت عليه: أ- منهجه فيما ذكر من التراجم. ب- أبواب جامعة في الكذب وتشديد العقوبة فيه، وذكر فيها ثلاثين باباً كلها مفيدة. ج- ذكر من استجاز لنفسه الكلام في الرجال وقبل الناس قولهم من الصحابة والتابعين ومن بعدهم طبقة طبقة إلى زمانه رحمه الله، وذكر فضائلهم والمعنى الذي به يستحقون الكلام في الرجال وتسليم الأئمة لهم بذلك. د- صفة من يؤخذ عنه العلم والنهي عن أخذ العلم عمن لا يرضى عنه، لأن العلم دين وغير ذلك.2 2- قال رحمه الله - في بيان منهجه في كتابه -: "وأنا أذكر في كتابي هذا كل من ذكر بضرب من الضعف، ومن اختلف فيه فجرحه البعض وعدَّله البعض الآخر، ومرجح قول
أحدهما مبلغ علمي من غير محاباة، فلعل من قبَّح أمره أو حسَّنه تحامل عليه أو مال إليه، وذاكر لكل رجل منهم مما رواه ما يضعَّف من أجله، أو يلحقه بروايته له اسم الضعف لحاجة الناس إليها؛ لأقرِّبه على الناظر فيه، وصنفته على حروف المعجم 1 ليكون أسهل على من طلب راوياً منهم، ولا يبقى من الرواة الذين لم أذكرهم إلا من هو ثقة أو صدوق وإن كان ينسب إلى هوىً هو فيه متأوِّل، وأرجو أني أشبع كتابي هذا، وأشفي الناظر فيه، ومضمِّنٌ ما لم يذكره أحد ممن صنَّف في هذا المعنى شيئاً، وسميته كتاب "الكامل في ضعفاء الرجال" ملتمساً في كل ذلك رضى الله عز وجل".2
الفصل الرابع: كتب تواريخ الرجال المحلية
الفصل الرابع: كتب تواريخ الرجال المحلية المبحث الأول: ما المراد بها ومتى ظهرت ... المبحث الأول: ما المراد بها؟ ومتى ظهرت 1- اهتم المحدثون بمعرفة أوطان الرواة وبلدانهم والأمصار التي رحلوا إليها وعدوا ذلك نوعاً من أنواع علوم الحديث، واعتنى كثير منهم بتراجم وأخبار علماء بلده، فظهرت كتب تواريخ الرجال المحلية. 2- قال الحافظ النووي (ت 676 هـ) : "النوع الخامس والستون: معرفة أوطان الرواة وبلدانهم: وهو مما يفتقر إليه حفاظ الحديث في تصرفاتهم ومصنفاتهم، وقد كانت العرب إنما تنسب إلى قبائلها، فلما جاء الإسلام وغلب عليهم سكنى القرى - والمدن - انتسبوا إلى القرى كالعجم". 1 3- وقال الحافظ زين الدين العراقي (ت 806 هـ) : "مما يحتاج إليه أهل الحديث معرفة أوطان الرواة وبلدانهم، فإن ذلك ربما ميَّز بين الاسمين المتفقين في اللفظ فينظر في شيخه وتلميذه الذي روى عنه فربما كانا أو أحدهما من بلد أحد المتفقين في الاسم فيغلب على الظن أن بلديهما هو المذكور في السند، لا سيما إذا لم يعرف له سماع بغير بلده، وأيضاً ربما استدل بذكر وطن الشيخ أو ذكر مكان
السماع على الإرسال بين الراويين إذا لم يعرف لهما اجتماع عند من لا يكتفي بالمعاصرة". 1 4- أما المراد بهذا النوع من كتب الرجال: فهي تلك الكتب التي اعتنت بتراجم الرجال في مدينة معينة كـ "تاريخ بغداد" للخطيب (ت 463 هـ) ، و"تاريخ دمشق" لابن عساكر (ت 571 هـ) ، أو في عدة مدن كـ "طبقات ابن سعد" (ت 230 هـ) ، و"مشاهير علماء الأمصار" لابن حبان (ت 354 هـ) ، و"الإرشاد" للخليلي (ت 446 هـ) ، ومنها ما هو مرتب على الطبقات كـ "طبقات المحدِّثين بأصبهان" لأبي الشيخ ابن حيان (ت 369 هـ) ، أو على الحروف كـ "تاريخ بغداد" للخطيب، و "أخبار أصبهان" لأبي نعيم الأصبهاني (ت 430 هـ) . 5- أما عن تاريخ ظهور هذا النوع من المصنفات فيقول الأستاذ الدكتور أكرم العُمري: "كانت المصنفات الأولى في الرجال شاملة لا تقتصر على رجال مدينة واحدة، ثم ظهر في النصف الثاني من القرن الثالث الاهتمام بالتصنيف في رجال المدينة الواحدة، ومن الطبيعي أن يكون المصنِّف في رجال المدينة من سكانها أنفسهم، ولا شك أن العالم من أبناء المدينة يكون ذا معرفة برجالها لاختلاطه بالمعاصرين له، ونقله عن تلاميذ الذين سبقوه منهم، وهذا يجعله قادراً على التعريف برجال الحديث في بلده أكثر من غيره 2، لذلك فإن التواريخ المحلية غالباً ما تكون أدق في معلوماتها عن علماء البلدة من
المصنفات الشاملة في الرجال، وقد اعتبر التعرف على شيوخ البلدة ورواياتهم من أول ما تجب معرفته على طالب الحديث في ذلك البلد 1") . 2
المبحث الثاني: من أهم المصنفات في تواريخ الرجال المحلية
المبحث الثاني: من أهم المصنفات في تواريخ الرجال المحلية 1: 1- تاريخ مكة لأبي الوليد محمد بن عبد الله بن أحمد بن محمد بن الوليد الأزرقي، مطبوع. 2- تاريخ مكة لمحمد بن إسحاق بن العباس الفاكهي، مطبوع. قال السخاوي: "وكانا - الأزرقي والفاكهي - في المئة الثالثة، والفاكهي متأخر عن الأول قليلاً ظناً". 2 3- التاريخ في رجال الحديث في مرو 3 لأبي علي محمد بن علي بن حمزة الفراهيناني (ت 247 هـ) . 4- أخبار مرو 4 لأبي الحسن أحمد بن سيار بن أيوب المروزي (ت 268 هـ) .
5- تاريخ قزوين 1 لأبي عبد الله محمد بن يزيد بن ماجه القزويني صاحب "السنن" (ت 273 هـ) . 6- تاريخ واسط 2 لأبي الحسن أسلم بن سهل المعروف ببحشل الواسطي (ت 292 هـ) . 7- تاريخ الحمصييِّن 3 لأحمد بن محمد بن عيسى البغدادي، من علماء القرن الثالث الهجري. 8- تاريخ حرَّان 4 لأبي عروبة الحسين بن محمد بن مودود (ت 318 هـ) . 9- طبقات علماء بلخ 5 لعلي بن الفضل بن طاهر البلخي (ت 323 هـ) . 10- طبقات علماء بلخ 6 لأبي إسحاق إبراهيم بن أحمد المستملي (من علماء القرن الرابع) . 11- طبقات علماء أفريقيا وتونس 7 لأبي العرب محمد بن
تميم القيرواني (ت 333 هـ) . 12- تاريخ الرقة 1 لمحمد بن سعيد القشيري (ت 334 هـ) . 13- تاريخ هراة 2 لأبي إسحاق أحمد بن محمد بن ياسين الحداد الهروي (ت 334 هـ) . 14- طبقات العلماء والمحدِّثين من أهل الموصل3، وتاريخ الموصل4 كلاهما لأبي زكريا يزيد بن محمد بن إياس الأزدي (ت 334 هـ) . 15- تاريخ البصرة 5 لأبي سعيد أحمد بن محمد بن زياد المعروف بابن الأعرابي (ت 340 هـ) . 16- تاريخ مصر 6 لأبي سعيد عبد الرحمن بن أحمد بن يونس الصدفي المصري (ت 347 هـ) .
17- طبقات المحدِّثين بأصبهان والواردين عليها 1 لأبي الشيخ عبد الله بن محمد بن جعفر بن حيان الأنصاري (ت 369 هـ) 18- تاريخ داريا 2 لأبي عبد الله عبد الجبار بن عبد الله الخولاني (ت 370 هـ) . 19- طبقات الهمَذَانيين 3 لصالح بن أحمد التميمي الحافظ (ت 374 هـ) . 20- تاريخ إستراباذ، وتاريخ سمرقند 4 كلاهما لأبي سعيد عبد الرحمن بن محمد بن محمد بن إدريس الإستراباذي الحافظ (ت 405 هـ) . 21- تاريخ نيسابور 5 لأبي عبد الله محمد بن عبد الله
الحاكم (ت 405 هـ) . 22- تاريخ بخارى 1 لأبي عبد الله محمد بن أحمد بن محمد بن سليمان البخاري المعروف بغنجار (ت 412 هـ) . 23- تاريخ جرجان 2 لأبي قاسم حمزة بن يوسف السهمي (ت 427 هـ) . 24- أخبار أصبهان 3 لأبي نعيم أحمد بن عبد الله بن إسحاق الأصبهاني (ت 430 هـ) . 25- تاريخ نسف، وتاريخ كش 4 كلاهما لأبي العباس جعفر بن محمد بن المعتز المستغفري (ت 432 هـ) . 26- تاريخ بغداد 5 لأبي بكر أحمد بن علي بن ثابت المعروف بالخطيب البغدادي (ت 463 هـ) .
27- تاريخ أصبهان 1 لأبي القاسم عبد الرحمن بن محمد بن إسحاق بن منده (ت 470 هـ) .
المبحث الثالث: تعريف موجز بـ تاريخ بغداد
المبحث الثالث: تعريف موجز بـ "تاريخ بغداد". 1 المؤلف: هو أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت المعروف بالخطيب البغدادي، قال الذهبي: "الحافظ الكبير الإمام محدِّث العراق والشام، صاحب التصانيف، ولد سنة (392 هـ) ، وتوفي سنة (463 هـ) 2. يعد "تاريخ بغداد" أوسع كتاب في تراجم المشهورين ممن سكن بغداد أو مرَّ بها خلال القرون الثلاثة التي مضت على إنشائها إلى فراغ الخطيب من تأليف "تاريخه" سنة (444 هـ) . طبع في أربعة عشر مجلداً، ويضم سبعة آلاف وثمان مئة وإحدى وثلاثين ترجمة 3، منها خمسة آلاف ترجمة للمحدِّثين.
قدم الخطيب لكتابه بمقدمة طويلة ونفيسة جاءت في (213 صفحة) من النسخة المطبوعة، ومن أهم ما تضمنته: خبر فتح سواد العراق وما فعل عمر رضي الله عنه فيه، خبر إنشاء مدينة السلام - بغداد -، وبعض أخبار مؤسسها أبي جعفر المنصور، ثم ذكر خططها وأحياءها، ثم أهم معالمها كالجوامع والأنهار والجسور وبعض مقابرها ونحو ذلك. وختم مقدمته بتراجم من ورد مكان بغداد قبل تأسيسها ومن مرَّ قريباً منها من الصحابة رضوان الله عليهم، فذكر خمسين صحابيَّاً. ذكر الخطيب في آخر مقدمة "تاريخه" منهجه في كتابه فقال: " ... وهذه تسمية الخلفاء والأشراف والكبراء والقضاة والفقهاء والمحدِّثين والقرَّاء والزهَّاد والصلحاء والمتأدِّبين والشعراء من أهل مدينة السلام الذين ولدوا بها أو بسواها من البلدان ونزلوها، ومن كان بالنواحي القريبة منها، ومن قدمها من غير أهلها وما انتهى إليَّ من معرفة كناهم وأنسابهم ومشهور مآثرهم وأحسابهم، ومستحسن أخبارهم، ومبلغ أعمارهم، وتاريخ وفاتهم وبيان حالاتهم، وما حفظ فيهم من الألفاظ عن أسلاف أئمتنا الحفاظ من ثناء ومدح، وذمٍّ وقدح، وقبول وطرح، وتعديل وجرح، جمعت ذلك كله وألَّفته أبواباً مرتبة على نسق حروف المعجم من أوائل أسمائهم، وبدأت منهم بذكر من
اسمه محمد تبركاً برسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم أتبعته بذكر من ابتداء اسمه حرف الألف وثنيت بحرف الباء، ثم ما بعدها من الحروف على ترتيبها إلى آخرها ليسهل إدراك ذلك على طالبيه". ثم قال: "ولم أذكر من محدِّثي الغرباء الذين قدموا مدينة السلام ولم يستوطنوها سوى من صحَّ عندي أنه روى العلم بها، فأما من وردها ولم يحدِّث بها فإني اطرحت ذكره وأهملت أمره لكثرة أسمائهم وتعذُّر إحصائهم غير نفر يسير عددهم، عظيم عند أهل العلم محلهم، ثبت عندي ورودهم مدينتنا، ولم أتحقق تحديثهم بها فرأيت أن لا أخلي كتابي من ذكرهم لرفعة أخطارهم وعلو أقدارهم. وكل من تقدمت وفاته بدأت بذكره دون غيره ممن مات بعده وإن كان المتأخر أكبر سنَّاً وأعلى إسناداً، إلا أن تتسع ترجمة في بعض الأبواب فأرتب أصحابها على توالي حروف المعجم من أوائل تسمية الآباء، ومن شذَّ عني معرفة تاريخ وفاته ذكرته في أثناء أهل طبقته ممن عاصره، نسأل الله أن يعصمنا من الخطأ والزلل". 1 اهـ ملخصا
الفصل الخامس: كتب معرفة الأسماء وتمييزها
الفصل الخامس: كتب معرفة الأسماء وتمييزها المبحث الأول: كتب الأسماء والكنى والألقاب ... اشتهر بعض الرواة بألقابهم أو كناهم، فورد ذكرهم في الأسانيد تارة بالأسماء وتارة بالكنى وتارة بالألقاب، ولئلا يقع الالتباس ويُظن أن الشخص الواحد المذكور مرة بكنيته وأخرى باسمه هو شخصان، وجدت مصنفات تختص ببيان اسم من عرف بكنيته أو بلقبه أو على العكس تبين كنية أو لقب من عرف باسمه، وهذه هي "كتب الأسماء والكنى والألقاب". وكذلك فإن كثرة رواة الحديث أدى إلى وقوع التشابه والاتفاق في أسمائهم وكناهم ونسبتهم، ومن أجل منع وقوع الالتباس وجدت كتب للتمييز بين المتشابه أو المتفق من الأسماء والكنى والألقاب، وهي كتب: المتفق والمفترق، ولنفس الغرض وجدت كتب المؤتلف والمختلف وكذلك كتب المشتبه. ولا شك أن الممارسة الطويلة وسعة الاطلاع هي التي أكسبت المحدثين خبرة ودراية تمكنهم من التمييز بين الأسماء، وقد تنوعت المصنَّفات في معرفة الأسماء وتمييزها، وتفنَّن المصنِّفون في ذلك كثيراً، فمنها: مصنفات في "الأسماء والكنى والألقاب"، وكان ظهور هذه المصنفات مبكراً جدّاً واكب بداية التصنيف في علم الرجال، مما يدل على بروز مشكلة ضبط الأسماء وتمييزها منذ هذه الفترة المبكرة، ثم بعد حوالي نصف قرن من ظهور هذه المصنفات وُجِدت كتب "المؤتلف والمختلف"، وفي وقت متأخر نسبيّاً أُلِّف في "المتفق والمفترق"، ثم في "المتشابه". 1
المبحث الأول: كتب الأسماء والكنى والألقاب قال الحافظ أبو عمرو بن الصلاح (ت 643 هـ) : "والمراد بهده الترجمة بيان أسماء ذوي الكنى، والمصنف في ذلك يبوَّب كتابه على الكنى مبيناً أسماء أصحابها، وهذا فن مطلوب لم يزل أهل العلم بالحديث يعنون به ويتحفظونه ويتطارحونه فيما بينهم ويتنقصون من جهله". 1 وقال الحافظ العراقي (ت 806 هـ) : "من فنون أصحاب الحديث معرفة أسماء ذوي الكنى، ومعرفة كنى ذوي الأسماء، تنبغي العناية بذلك، فربما ورد ذكر الراوي مرة بكنيته ومرة باسمه فيظنها من لا معرفة له بذلك رجلين، وربما ذكر الراوي باسمه وكنيته معاً فيتوهمه بعضهم رجلين. 2 وقال - أيضاً -: "ومما ينبغي العناية به معرفة ألقاب المحدثين والعلماء ومن ذكر معهم، وربما وَهِمَ العاطل عن معرفة الألقاب فجعل الرجل الواحد اثنين، إذ قد يكون ذكر مرة باسمه ومرة بلقبه، وقع ذلك لجماعة من أكابر الحفاظ، كعلي بن المديني وعبد الرحمن بن يوسف بن خراش وأبي أحمد عبد الله بن عدي، إذ فرقوا بين عبد
الله بن أبي صالح أخي سهيل بن أبي صالح، وبين عباد بن أبي صالح، فجعلوهما اثنين، وليس عباد بأخٍ لعبد الله بل هو لقبه حسبما قاله أحمد بن حنبل ويحيى بن معين وأبو حاتم الرازي وأبو داود السجستاني وموسى بن هارون بن عبد الله البغدادي ومحمد بن إسحاق السراج". 1
أقسام هذا النوع 1: الأول: من سمي بالكنية لا اسم له غيرها وهم ضربان: أ- من له كنية كأبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام المخزومي، أحد الفقهاء السبعة، اسمه: أبو بكر، وكنيته: أبو عبد الرحمن. 2 ومثله أبو بكر بن محمد بن عمرو بن حزم، كنيته: أبو محمد. 3 ب- من لا كنية له غير الكنية التي هي اسمه كأبي بلال الأشعري الراوي عن شريك، وكأبي حَصين - بفتح الحاء المهملة - يحيى بن سليمان الرازي روى عنه جماعة منهم أبو حاتم الرازي.
الثاني: من عُرف بكنيته ولم يعرف أَلَهُ اسم غيرها أم لا؟ كأبي أناس - بالنون - الكناني ويقال الدُئلي، صحابي، وأبي مويهبه مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأبي شيبة الخدري - صحابي - أخي أبي سعيد الخدري، وأبي بكر بن نافع مولى ابن عمر روى عنه مالك وغيره، وأبي النَجيب - بالنون المفتوحة في أوله وقيل بالفوقية المضمومة -مولى عبد الله بن سعد بن أبي سرح، وأبي حريز - أوله مهملة وآخره زاي - الموقفي - والموقف محلة بمصر-1 الثالث: من لُقِّب بكنية وله غيرها، اسم وكنية: كأبي تراب علي ابن أبي طالب، كنيته أبو الحسن، وكأبي الزناد عبد الله بن ذكوان، كنيته أبو عبد الرحمن، وأبو الزناد لقب له، وكأبي الرِجال - بكسر الراء وتخفيف الجيم -: لقب محمد بن عبد الرحمن الأنصاري، كنيته أبو عبد الرحس، وأبي تُميلة - أوله فوقية مضمومة - لقب يحيى بن واضح الأنصاري المروزي، ويكنى أبا محمد، وأبي الآذان: لقب الحافظ عمر بن إبراهيم، وكنيته أبو بكر، وكأبي الشيخ: لقب للحافظ عبد الله بن محمد بن حيان - بالتحتية - الأصبهاني، وكنيته أبو محمد. الرّابع: من له كنيتان أو أكثر، كابن جريج عبد الملك بن عبد العزيز، له كنيتان: أبو خالد وأبو الوليد. الخامس: من اختلف في كنيته: كأسامة بن زيد - حِبُّ رسول الله صلى الله عليه وسلم - قيل: أبو محمد، وقيل: أبو زيد، وقيل: أبو عبد الله أو أبو خارجة.
قال النّوويّ: وخلائق لا يحصون وبعضهم كالذي قبله 1: أي من له أكثر من كنية السادس: من عرفت كنيته واختلف في اسمه: كأبي هريرة الدوسي، قال النووي: عبد الرحمن بن صخر على الأصح من ثلاثين قولاً، وهو أول مكنى 2 بها، وكأبي بصرة الغفاري اسمه: حُميِّل - بضم الحاء المهملة - مصغراً على الأصح وقيل: بالجيم مكبراً، وكأبي جحيفة وهب وقيل: وهب الله، وأبي بردة بن أبي موسى الأشعري، الأكثرون على أن اسمه عامر، وقال ابن معين: اسمه الحارث. السابع: من اختلف في كنيته واسمه معاً، كسفينة مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو لقب له، واسمه: عمير، وقيل: صالح، وقيل: مهران، وكنيته: أبو عبد الرحمن، وقيل: أبو البختري - بالخاء المعجمة -. الثامن: من لم يختلف في كنيته ولا في اسمه، بل عرف بهما معاً كالأئمة: أبي عبد الله مالك بن أنس، وأبي عبد الله محمد بن إدريس الشافعي، وأبي عبد الله سفيان الثوري، وأبي عبد الله أحمد بن حنبل وغيرهم. التاسع: من اشتهر بكنيته دون اسمه مع العلم باسمه عند أهل العلم بالحديث 3 كأبي إدريس الخولاني اسمه: عائذ الله بن عبد الله،
وأبي إسحاق السبيعي اسمه عمرو بن عبد الله، وأبي الضحى اسمه: مسلم بن صُبيح - بضم الصاد المهملة -، وغيرهم. العاشر: من اشتهر باسمه دون كنيته، كطلحة بن عبيد الله، وعبد الرحمن بن عوف، والحسن بن علي، في آخرين كنية كل واحد منهم: أبو محمد، وكالزبير بن العوام، والحسين بن علي، وحذيفة، وسلمان، وجابر، في آخرين كنوا: بأبي عبد الله، وكعبد الله بن مسعود، وعبد الله بن عمر، في آخرين كنوا: بأبي عبد الرحمن. قال الحافظ العراقي: "وفي هذا النوع كثرة لا يحتاج مثله إلى أمثال". 1 من أشهر المصنفات فى الأسماء والكنى والألقاب: 1- كتاب الأسامي والكنى 2 لأبي عبد الله علي بن المديني (ت 234 هـ) . 2- الأسامي والكنى 3 لأبي عبد الله أحمد بن حنبل (ت 241 هـ)
3- الكنى 1 لأبي عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري (ت 256 هـ) 4- الكنى والأسماء 2 لمسلم بن الحجاج النيسابوري (ت 261 هـ) 5- تاريخ أسماء المحدثين وكناهم 3 لأبي عبد الله محمد بن أحمد المقدّمي (ت 301 هـ) . 6- الكنى 4 لأبي عبد الرحمن أحمد بن شعيب النسائي (ت 303 هـ) .
7- الأسماء والكنى 1 لأبي محمد عبد الله بن علي بن الجارود (ت 307 هـ) . 8- الكنى والأسماء 2 لأبي بشر محمد بن أحمد بن حماد الدولابي (ت 310 هـ) . 9- الأسامي والكنى 3 لأبي عروبة الحسين بن مودود الحراني (ت 318 هـ) . 10- الكنى 4 لابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد إدريس الرازي (ت 327 هـ) 11- أسامي من يعرف بالكنى، وكنى من يعرف بالأسماء 5 كلاهما لأبي حاتم محمد بن حبان البستي (ت 354 هـ) . 12- من وافقت كنيته كنية زوجه من الصحابة 6 لأبي
الحسن محمد بن عبد الله بن زكريا بن حيوة (ت 366 هـ) . 13- من وافق اسمه اسم أبيه، ومن وافق اسمه كنية أبيه 1 كلاهما لأبي الفتح محمد بن الحسين الأزدي (ت 374 هـ) . 14- الكنى 2 لأبي أحمد محمد بن محمد بن أحمد النيسابوري الحاكم الكبير (ت 378 هـ) . 15- الأسماء والكنى 3 لأبي عبد الله محمد بن إسحاق بن محمد بن يحيى بن منده الأصبهاني (ت 395 هـ) . 16- فتح الباب في الكنى والألقاب 4 لأبي عبد الله بن منده - أيضاً-.
17- مجمع الآداب في معجم الأسماء والألقاب 1 لأبي الوليد عبد الله بن محمد بن يوسف الفرضي (ت 403 هـ) . 18- الكنى والألقاب 2 لأبي عبد الله محمد بن عبد الله الحاكم النيسابوري (ت 405 هـ) . 19- الألقاب والكنى 3 لأبي بكر أحمد بن عبد الرحمن الشيرازي (ت 411 هـ) . 20- منتهى الكمال في معرفة ألقاب الرجال 4 لأبي الفضل علي بن الحسين الفلكي (ت 427 هـ) . 21- الاستغناء في معرفة الكنى 5 لأبي عمر يوسف بن عبد
البر (ت 463 هـ) . 1 تعريف موجز بكتاب "الكنى والأسماء" 2 لأبي بشر الدولابي: المؤلف: هو الحافظ أبو بشر محمد بن أحمد بن حماد الدولابي، ولد سنة (224 هـ) ، وتوفي سنة (310 هـ) . 3 منهجه فى كتابه: 1- بدأه بذكر اسم رسول الله صلى الله عليه وسلم وكنيته، ثم ذكر الروايات التي فيها النهي عن التكني بكنيته، ثم عقبها بذكر ما ورد في الترخيص في ذلك ... 2- شرع بعد ذلك في ذكر المعروفين بالكنى من الصحابة فبدأ بالعشرة المبشرين بالجنة رضي الله عنهم، ثم رتب الباقين على حروف
المعجم في كناهم معتبراً الحرف الأول فقط، مثلاً: أبو أمامة، أبو إبراهيم، أبو أسيد، أبو براء ... 3- ثم بعد أن فرغ من تراجم الصحابة قال 1: "آخر أخبار الصحابة وأول أخبار التابعين". فابتدأ ذكر المعروفين بكناهم من التابعين فمن بعدهم مرتباً إياهم على حروف المعجم، وقد يرتب الكنية التي يكثر المكنون بها على حروف المعجم في أسماء آبائهم، مثل من يكنون أبا محمد رتبهم على الحرف الأول من أسماء آبائهم، وقد يرتب أحياناً الحرف الذي تكثر فيه الكنى كالعين مثلاً على الحرف الثاني من الكنية، فيقول: حرف الألف في العين، أبو العالية، أبو عاصم، أبو عامر حرف الباء في العين: من كنيته أبو العباس، أبو عبادة. 4- يورد في ترجمة الراوي بعض الروايات عنه وخاصة الروايات التي ورد فيها النص على كنيته وقد يذكر - أحياناً - حال الراوي من حيث الجرح والتعديل، كقوله: أبو فلان ثقة، أبو فلان ضعيف، وهكذا 2 5- لا يذكر وفاة الراوي وإن ذكر ذلك فنادر جدّاً، ولا يقدم معلومات عن الراوي
المبحث الثاني: كتب المؤتلف والمختلف
المبحث الثاني: كتب المؤتلف والمختلف أولاً: تعريف هذا النوع: 1- قال الحافظ ابن الصلاح (ت 643 هـ) : "النوع الثالث والخمسون: معرفة المؤتلف والمختلف من الأسماء والأنساب وما يلتحق بها، وهو ما يأتلف - أي تتفق في الخط صورته - وتختلف في اللفظ صيغته، ثم قال: هذا فن جليل من لم يعرفه من المحدثين كَثُرَ عثاره، ولم يُعدم مُخجِّلاً، وهو منتشر لا ضابط في أكثره يفزع إليه، وإنما يضبط بالحفظ تفصيلاً". 1 ومن أمثلته: سلاّم - بتشديد اللام -، وسلام - بالتخفيف -. زُبيد - بضم أوله -، زَبيد - بالفتح -. حبان - بكسر المهملة بعدها موحدة -، وحيان - بفتح المهملة بعدها تحتية -، وجيان - بالجيم والتحتية -، وحباب - بضم المهملة آخره موحدة -. 2- وقال زين الدين العراقي (806 هـ) : "ثم المؤتلف والمختلف ينقسم إلى قسمين:
أحدهما: ما ليس له ضابط يرجع إليه، وإنما يعرف بالنقل والحفظ وهو الأكثر. والثاني: ما يدخل تحت الضبط، وقد ذكرت من هذا القسم جملة منه تبعاً لابن الصلاح". 1 ثم هذا القسم على قسمين: أحدهما: على العموم من غير تقييد بتصنيف، ويضبط بأن يقال: ليس لهم فلان إلا كذا والباقون كذا، مثل: سلاَّم وسلام جميعهم بالتشديد إلا خمسة. والثاني: مخصوص بما في "الصحيحين" و "الموطأ". 2 ثانياً: من أهم المصنفات في هذا النوع: 1- كتاب تصحيفات المحدثين القسم الثاني: ما يصحف في
الأسماء والصحيح منها 1 لأبي أحمد الحسن بن عبد الله العسكري (ت382 هـ) 2- المؤتلف والمختلف 2 لأبي الحسن علي بن عمر بن مهدي الدارقطني (ت 385 هـ) . 3- المؤتلف والمختلف، ومشتبه النسبة 3 كلاهما لأبي الوليد عبد الله بن محمد بن الفرضي (ت 403 هـ) . 4- المؤتلف والمختلف، ومشتبه النسبة 4 كلاهما لأبي محمد عبد الغني بن سعيد المصري الأزدي (ت 409 هـ) . 5- المؤتلف والمختلف في الأنساب 5 لأبي سعد أحمد بن محمد بن أحمد الماليني (ت 412 هـ) .
6- المؤتلف والمختلف 1 لأبي القاسم يحيى بن علي بن محمد بن إبراهيم الحضرمي المصري المعروف بابن الطحان (ت 416 هـ) . 7- المؤتلف والمختلف في الأسماء 2 لأبي حامد حمد بن محمد بن أحيد بن عبد الله بن ماما المامائي الأصبهاني (436 هـ) . 8- المؤتنف - بالنون - تكملة المؤتلف والمختلف 3 لأبي بكر أحمد ابن علي بن ثابت الخطيب البغدادي (ت 463 هـ) . 9- الإكمال في رفع عارض الارتياب عن المؤتلف والمختلف من الأسماء والكنى والأنساب 4، وتهذيب مستمر الأوهام على ذوي التمني والأحلام 5 كلاهما لأبي نصر علي بن هبة الله بن جعفر الشهير بالأمير ابن ماكولا (ت 478 هـ) على الأرجح
10- تقييد المهمل وتمييز المشكل 1 لأبي علي حسين بن محمد بن أحمد الغساني ثم الجياني (ت 498 هـ) . 11- المؤتلف والمختلف 2 لأبي المظفر محمد بن أحمد الأموي الأبيوردي (ت 507 هـ) . 12- المؤتلف والمختلف من الأسماء 3 لأبي الفضل محمد بن طاهر المقدسي المعروف بابن القيسراني (ت 507 هـ) . ثالثاً: تعريف موجز لكتاب "الإكمال" لابن ماكولا: المؤلف: هو الحافظ أبو نصر على بن هبة الله بن جعفر الشهير بالأمير ابن ماكولا، صاحب التصانيف، ولد سنة (421 هـ) ،
وتوفي على الأرجح سنة (478 هـ) . 1 اسم كتابه: رجَّح الشيخ عبد الرحمن المعلمي محقق كتاب "الإكمال" أن عنوانه: "الإكمال في رفع عارض الارتياب عن المؤتلف والمختلف في الأسماء والكنى والأنساب". منهح ابن ماكولا في كتابه: قال رحمه الله: " ... وبعد فإني نظرت في كتاب أبي بكر أحمد بن علي بن ثابت الخطيب الذي سماه: "تكملة المؤتلف والمختلف لكتاب أبي الحسن علي بن عمر الدارقطني في المؤتلف والمختلف"، ولكتابي عبد الغني بن سعيد الأزدي في "المؤتلف والمختلف، ومشتبه النسبة". ووجدته قد أخل بأشياء كثيرة لم يذكرها، كرر أشياء قد ذكراها أو أحدهما، ونسبهما إلى الغلط في أشياء لم يغلطا فيها، وترك أغلاطاً لهما لم ينبه عليها، ووهم في أشياء مما استدركه سطرها على الغلط، فآثرت أن أعمل في هذا الفن كتاباً جامعاً لما في كتبهم وما شذَّ عنها، وأسقط ما لا يقع الإشكال فيه مما ذكروه، وأذكر ما وهم فيه أحدهم على الصحة، وما اختلفوا فيه وكان لكل قول وجه ذكرته ... ورتَّبته على حروف المعجم، وجعلت كل حرف أيضاً على حروف المعجم 2، وبدأت في كل باب بذكر من اسمه موافق
لترجمته، ثم بمن كنيته كذلك، ثم أتبعته بذكر الآباء والأجداد، وقدمت في كل صنف الصحابة وأتبعتهم بالتابعين وتابعيهم إن كانوا في ذلك الباب، وإلا الأقدم فالأقدم من الرواة، ثم جعلت بعد ذكر من له رواية، الشعراء والأمراء والأشراف في الإسلام والجاهلية، وكل من له ذكر في خبر من الرجال والنساء، وختمت كل حرف بمشتبه النسبة منه ليقرب إدراك ما يطلب فيه، ويسهل على مبتغيه" اهـ ملخصاً. 1
المبحث الثالث: كتب المتفق والمفترق والمشتبه
المبحث الثالث: كتب المتفق والمفترق والمشتبه أولاً: تعريف هذا النوع: قال زين الدين العراقي (ت 806 هـ) :"من أنواع فنون الحديث معرفة المتفق والمفترق وهو: "ما اتفق خطه ولفظه وافترقت مسمياته" وإنما يحسن إيراد ذلك فيما إذا اشتبه الراويان المتفقان في الاسم لكونهما متعاصرين واشتركا في بعض شيوخهما أو في الرواة عنهما". 1 ثانياً: أقسام هذا النوع 2: 1- من اتفقت أسماؤهم وأسماء آبائهم مثل: الخليل بن أحمد ستة رجال سموا بذلك. 2- أن تتفق أسماؤهم وأسماء آبائهم وأجدادهم نحو: أحمد بن جعفر بن حمدان، أربعة متعاصرون في طبقة واحدة. 3- أن تتفق الكنية والنسبة معاً نحو: أبي عمران الجوني رجلان: الأول: بصري وهو: أبو عمران عبد الملك بن حبيب الجوني التابعي المشهور.
والثاني: أبو عمران موسى بن سهل بن عبد الحميد الجوني وهو بصري سكن بغداد. 4- أن يتفق الاسم واسم الأب والنسبة نحو: محمد بن عبد الله الأنصاري رجلان - وقيل أكثر -: الأول: شيخ البخاري: أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن المثنى البصري (ت 215 هـ) . الثاني: أبو سلمة محمد بن عبد الله بن زياد الأنصاري مولاهم البصري. 5- أن تتفق الكنى وأسماء الآباء نحو: أبي بكر بن عياش ثلاثة أشخاص. 6- عكس الذي قبله: وهو أن تتفق أسماؤهم وكنى آبائهم نحو: صالح بن أبي صالح، أربعة كلهم من التابعين. 7- أن تتفق في الاسم فقط، ويقع في السند ذكر الاسم فقط مهملاً من غير ذكر ما يميزه نحو: حماد وسفيان ويتميز ذلك عند أهل الحديث بحسب من أطلق من الرواة عنه فمثلاً: إذا أطلق الرواية عن حماد سليمان ابن حرب أو عارم محمد بن الفضل، فالمراد حماد بن زيد، وإذا كان الذي أطلقه أبو سلمة موسى ابن إسماعيل التبوذكي أو عفان بن مسلم أو الحجاج بن منهال، فالمراد حماد بن سلمة. 1
8- أن يتفقا في النسب من حيث اللفظ ويفترقا من حيث أن ما نسب إليه أحدهما غير ما نسب إليه الآخر نحو: الحنفي والحنفي بلفظ النسب واحد، وأحدهما منسوب إلى القبيلة وهم بنو حنيفة منهم أبو بكر عبد الكبير بن عبد المجيد الحنفي ... والثاني: منسوب إلى مذهب أبي حنيفة، وفيهم كثرة، وبعضهم يفرق بينهما بزيادة ياء تحتية في النسبة إلى المذهب فيقول: حنيفي. ثالثاً: أما المتشابه والمشتبه فيتركب من النوعين قبله 1: وهو أن يتفق الاسمان في اللفظ والخط ويفترقا في الشخص، ويأتلف أسماء أبويهما في الخط ويختلفا في اللفظ أو على العكس نحو: موسى بن علي - بفتح المهملة - كثيرون، وبضمها: موسى بن عُلَيِّ بن رباح المصري، وأبو عَمرو الشيباني - بالمعجمة -، وأبو عمرو السيباني - بالمهملة - تابعيان.. قال ابن الصلاح: وصنف الخطيب الحافظ في ذلك كتابه الذي سماه "تلخيص المتشابه" 2 وهو من أحسن كتبه 3 ومن المتشابه: المتشابهون في الاسم والنسب المتمايزون بالتقديم والتأخير. 4
ويسميه الحافظ العراقي: "المشتبه المقلوب" نحو: يزيد بن الأسود الصحابي الخزاعي، والأسود بن يزيد النخعي التابعي، ومسلم بن الوليد التابعي البصري الراوي عن جندب بن عبد الله البجلي، والوليد بن مسلم الدمشقي صاحب الأوزاعي. 1 قال الحافظ ابن الصلاح: "ألف فيه الخطيب الحافظ كتاباً سماه: "رافع الارتياب في المقلوب من الأسماء والأنساب" ". 2 رابعاً: من أهم المؤلفات في هذا النوع: 1- المتفق والمفترق، والمتفق الكبير 3 كلاهما لأبي بكر محمد بن عبد الله الجوزقي (ت 382 هـ) . 2- المتفق والمفترق 4 لأبي بكر أحمد بن علي بن ثابت الخطيب البغدادي (ت 463 هـ) ، يقع في ستة عشر جزءاً. 3- الموضح لأوهام الجمع والتفريق 5 للخطيب البغدادي.
4- تلخيص المتشابه في الرسم 1 للخطيب أيضاً. 5- تالي التلخيص للخطيب أيضاً، ويقع في أربعة أجزاء، وهو مستدرك على "تلخيص المتشابه" بما فاته وهو كثير الفائدة 2. 3 خامساً: تعريف موجز بكتاب "تبصير المنتبه بتحرير المشتبه" 4
للحافظ ابن حجر: المؤلف: شهاب الدين أبو الفضل أحمد بن علي المعروف بابن حجر العسقلاني ولد سنة (773 هـ) وتوفي سنة (852 هـ) . 1 منهجه في هذا الكتاب: قال رحمه الله تعالى في خطبة كتابه: "أما بعد فإنني لما علَّقت كتاب "المشتبه" الذي لخصه الحافظ الشهير أبو عبد الله الذهبي رحمه الله، وجدت فيه إعوازاً من ثلاثة أوجه: أحدها: وهو أهمها -: تحقيق ضبطه، لأنه أحال في ذلك على ضبط القلم فما شفي من ألم. 2 ثانيها: إجحافه في الاختصار، بحيث أنه يعمد إلى الاسمين المشتبهين إذا كثروا فيقول في كل منهما: فلان وفلان وفلان وغيرهم، وهذا لا يروي الغلة ولا يشفي العِلِّة بل يبقي اللبس على المستفيد كما هو، وكان ينبغي أن يستوعب أقلهما. وثالثهما: وفيه ما لا يرد عليه إلا أن ذلك من تتمة الفائدة، ما فاته من التراجم المستقلة التي لم يتضمنها كتابه مع كونها في أصل ابن ماكولا وذيل ابن نقطة اللذين لخصهما، فاستخرت الله تعالى في اختصار ما أسهب فيه وبسط ما أجحف في اختصاره.
فكل اسم كان شهيراً بدأت به، ولا أحتاج إلى ضبطه، بل أضبط ما يشتبه به بالحروف 1، وكل حرف لم أتعرض له فهو نظير الذي قبله إهمالاً وإعجاماً وحركة وسكوناً. وعبَّرت عن الباء: بالموحدة، وعن التاء: بالمثناة، وعن الثاء: بالمثلثة. وأما الياء آخر الحروف: فبالياء بلا وصف غالباً. وقد ميَّزت ما زدته عليه بقولي في أوله: قلت، وفي آخره: انتهى 2 إلا الضبط فإنه مدمج فتحريت فيه الصواب بجهدي، مع اعترافي بفضل المتقدم، ولم أغير ترتيبه إلا نادراً، ولكني أسرد في كل حرف الأسماء وغيرها على الولاء ثم أسرد الأنساب منفردة متوالية أيضاً، وسميته "تبصير المنتبه بتحرير المشتبه". 3 مصادره: قال رحمه الله: "واعتمدت على نسخة "المصنف" التي بخطه، وعلى الأصول التي نقل هو منها، وعلى غيرها مما غلب على ظني أنه يراجعه حال تصنيفه، كـ "الأنساب" للرشاطي محمد بن عبد الله (ت 542 هـ) ، ولابن السمعاني (ت 562 هـ) ، وكالذيل الذي ذيل به الحافظ منصور بن سُليم الاسكندراني (ت 677 هـ) على ابن نقطة، وكالذيل الذي ذيل به علاء الدين مغلطاي (ت 762 هـ) وهو ذيل كبير لكنه كثير الأوهام والتكرار والإعادة والإيراد لما لا تمس إليه حاجة غالباً". 4
المبحث الرابع: كتب الوفيات
المبحث الرابع: كتب الوفيات أولاً: قال الحافظ أبو عبد الله الذهبى (ت 748 هـ) : "لم يعتن القدماء بضبط سني الوفيات كما ينبغي، بل اتكلوا على حفظهم فذهبت وفيات خلق من الأعيان من الصحابة ومن تبعهم إلى قريب زمان الشافعي، ثم اعتنى المتأخرون بضبط وفيات العلماء وغيرهم، حتى ضبطوا جماعة فيهم جهالة بالنسبة لمعرفتنا لهم، فلذا حفظت وفيات خلق من المجهولين وجهلت وفيات أئمة من المعروفين". 1 وقال الحافظ ابن الصلاح (ت 643 هـ) : "وبلغنا عن أبي عبد الله الحميدي الأندلسي (ت 488 هـ) : أنه قال: ثلاثة أشياء من علوم الحديث يجب تقديم التهمم بها: 1- العلل: وأحسن كتاب وُضِع فيه كتاب الدارقطني. 2- والمؤتلف والمختلف: وأحسن كتاب وضع فيه كتاب ابن ماكولا. 3- وفيات الشيوخ: وليس فيه كتاب. قال ابن الصلاح: فيها غير كتاب ولكن من غير استقصاء وتعميم، وتواريخ المحدثين مشتملة على ذكر الوفيات، ولذلك ونحوه
سميت تواريخ". 1 وقال السخاوي (ت 902 هـ) : " ... وكذا يتبين بمعرفة الوفيات ما في السند من انقطاع أو عضل أو تدليس أو إرسال ظاهر أو خفي للوقوف به على أن الراوي لم يعاصر من روى عنه أو عاصره ولكن لم يلقه لكونه في غير بلده وهو لم يرحل إليها ... ". 2 4- ورغم أن الأهمية الأولى لضبط سني الوفيات هي في معرفة ما في سند الحديث من انقطاع أو عضل أو تدليس أو إرسال ظاهر أو خفي إلا أن هناك فوائد أخرى من معرفة سني الوفيات، إذ تفيد في تمييز المؤتلف والمختلف والمتفق والمفترق من الأسماء والأنساب. 3 ثانياً: استفاد المحدثون من معرفة وفيات الرواة نقد الأسانيد، ومما يدل على ذلك ما يلي: 1- أخرج ابن عساكر بإسناده إلى سفيان الثوري قال: "لما استعمل الرواة الكذب استعملنا لهم التاريخ". 4 2- وبإسناده - أيضاً - إلى حفص بن غياث قال: "إذا اتهمتم الشيخ فحاسبوه بالسنَّين - بفتح النون المشددة تثنية سن وهو العمر 5
- يعني احسبوا سنه وسن من كتب عنه". 1 3- أخرج الخطيب بسنده إلى أبي حسان الزيادي قال: سمعت حسان بن زيد يقول: "لم نستعن على الكذابين بمثل التاريخ، نقول للشيخ: سنة كم وُلِدْتَ فإذا أخبر بمولده عرفنا كذبه من صدقه". قال أبو حسان: "فأخذت في التاريخ، فأنا أعمله من ستين سنة". 2 4- أخرج الخطيب بإسناده إلى أبي بكر بن عياش قال: "كنت بالعراق فأتاني أهل الحديث فقالوا: ههنا رجل يحدث عن خالد بن معدان، فأتيته فقلت: أيَّ سنة كتبت عن خالد بن معدان؟ قال: سنة ثلاث عشرة ومائة، فقلت: أنت تزعم أنك سمعت من خالد بن معدان بعد
موته بسبع سنين، قال إسماعيل: مات خالد سنة ست ومائة". 1 5- وبسنده - أيضاً - إلى أبي عبد الله الحاكم (ت 405 هـ) قال: "لما قدم علينا أبو جعفر محمد بن حاتم الكشي وحدث عن عبد بن حميد، سألته عن مولده فذكر أنه ولد سنة ستين ومائتين، فقلت لأصحابنا: سمع هذا الشيخ من عبد بن حميد بعد موته بثلاث عشرة سنة". 2 6- قال عبد الله بن عبد الرحمن الدارمي: سمعت أبا نعيم الفضل بن دكين وذكر المُعلَّى بن عُرْفان فقال: حدثنا أبو وائل قال: "خرج علينا ابن مسعود بصفين، فقال أبو نعيم: أتُراه بُعِثَ بعد الموت". 3 تالثاً: من أهم المؤلفات في الوفيات: 1- تاريخ وفاة شيوخ البغوي 4 لأبي القاسم عبد الله بن محمد بن عبد العزيز البغوي (ت 317 هـ) .2- الوفيات 5 لأبي الحسين عبد الباقي بن قانع بن مرزوق
البغدادي (ت 351 هـ) . ابتدأه من هجرة المصطفى صلى الله عليه وسلم ووصل به إلى سنة (346 هـ) . 3- تاريخ مولد العلماء ووفياتهم لأبي سليمان محمد بن عبد الله بن أحمد المعروف بابن زبر الربعي الدمشقي (ت 379 هـ) . ابتدأه من السنة الأولى للهجرة إلى سنة (357 هـ) . 1 4- وفيات الشيوخ 2 لأبي الحسن محمد بن العباس بن الفرات (ت 384 هـ) . 5- الوفيات 3 لأبي الفتح محمد بن أحمد بن محمد بن أبي الفوارس البغدادي (ت 412 هـ) . 6- الوفيات 4 لأبي يعقوب إسحاق بن إبراهيم السرخسي ثم الهروي المعروف بالقراب (ت 429 هـ) . 7- السابق واللاحق في تباعد ما بين وفاة راويين عن شيخ
واحد 1 لأبي بكر أحمد بن علي بن ثابت الخطيب البغدادي (ت 463 هـ) . 8- الذيل على تاريخ موالد العلماء ووفياتهم لابن زبر الربعي لأبي محمد عبد العزيز بن أحمد الكتاني الدمشقي (ت 466 هـ) . ابتدأ تذييله من وفيات سنة (338 هـ) إلى وفيات سنة (462 هـ) . 2
9- الوفيات 1 لأبي القاسم عبد الرحمن بن محمد بن إسحاق بن منده (ت 470 هـ) . 10- الوفيات 2 لأبي إسحاق إبراهيم بن سعيد النعماني المصري المعروف بالحبال (ت 482 هـ) . ابتدأه من سنة (375 هـ) ووصل به إلى سنة (456) . 11- الوفيات 3 لأبي الفضل أحمد بن الحسن بن أحمد بن خيرون البغدادي الباقلاني (ت 488 هـ) .ابتدأه من وفيات سنة (406 هـ) إلى وفيات سنة (488 هـ) . 4
المبحث الخامس: كتب معاجم الشيوخ
المبحث الخامس: كتب معاجم الشيوخ أولاً: المراد بهذا النوع من المصنفات: هي تلك الكتب التي تعنى بذكر شيوخ إمام من الأئمة أو عالم من العلماء ممن لقيهم وأخذ عنهم أو أجازوا له. 1 فمنها: ما يكون مرتباً على حروف المعجم ويسمى غالباً "معجم شيوخ فلان". ومنها: ما يكون مرتباً على سني الوفيات، ويسمى غالبأ "مشيخة فلان" أو "وفيات شيوخ فلان". ومنه: ما رُتِّب على البلدان - وهو نادر - كـ "معجم شيوخ أبي يوسف يعقوب بن سفيان الفسوي" (ت 277 هـ)
والأصل في ذلك أن يقوم صاحب المشيخة بجمع أسماء شيوخه بنفسه، وقد يقوم به غيره كما فعل الإمام مسلم بن الحجاج في "رجال عروة وبعض التابعين" 1 وكذلك أبو أحمد بن عدي (ت 365 هـ) في "أسماء شيوخ البخاري في صحيحه". 2 وجُلّ كتب معاجم الشيوخ لم يترجم أصحابُها الشيوخ المذكورين فيها 3 وإنما يذكر اسم الشيخ وكنيته ونسبه ونسبته ثم يسوق من طريقه حديثاً أو حديثين وغالباً ما يكون هذا الحديث من عواليه أو مما ينفرد به، وقليل منهم من يورد أحاديث كثيرة عن شيوخه كما فعل الطبراني في "المعجم الأوسط" فإنه يورد فيه عن كل شيخ عدة أحاديث تكثر أحياناً وتقل أحياناً. ثانياً: من أهم المصنفات في هذا النوع 4: 1- مشيخة أبي يوسف يعقوب بن سفيان الفسوي (ت 277 هـ) . وهو مرتب على البلدان التي دخلها. 5 2- مشيخة 6 أبي عبد الرحمن أحمد بن شعيب النسائي (ت 303 هـ) .
3- معجم شيوخ 1 أبي يعلى أحمد بن علي بن المثنى الموصلي (ت 307 هـ) 4- تاريخ وفيات شيوخ البغوي 2 لأبي القاسم عبد الله بن محمد ابن عبد العزيز البغوي (ت 317 هـ) . 5- مشيخة 3 أبي عبد الله محمد بن مخلد الدوري البغدادي (ت 331 هـ) . 6- معجم شيوخ 4 أبي سعيد أحمد بن محمد بن زياد المعروف بابن الأعرابي (ت 340 هـ) . 7- معجم شيوخ 5 أبي الحسين عبد الصمد بن علي الطستي (ت 346 هـ) . 8- الشيوخ 6 لأبي أحمد محمد بن أحمد بن إبراهيم العسَّال (ت 349 هـ) . 9- مشيخة 7 أبي إسحاق إبراهيم بن محمد بن حمزة
الأصبهاني (ت 353 هـ) . 10- المعجم الأوسط، والمعجم الصغير 1 كلاهما للطبراني أبي القاسم سليمان بن أحمد بن أيوب (ت 360 هـ) . 11- معجم شيوخ 2 أبي أحمد عبد الله بن عدي الجرجاني (ت 365 هـ) . 12- معجم شيوخ 3 أبي الشيخ عبد الله بن محمد بن جعفر بن حيان الأنصاري الأصبهاني (ت 369 هـ) . 13- المعجم في أسامي شيوخ 4 أبي بكر أحمد بن إبراهيم الإسماعيلي (ت 371 هـ) . 14- معجم شيوخ 5 أبي بكر محمد بن إبراهيم المعروف بابن المقرئ (ت 381 هـ) . 15- معجم شيوخ 6 أبي الفتح يوسف بن عمر القواس (ت 385 هـ) .
16- معجم شيوخ 1 أبي عبد الله محمد بن إسحاق بن منده (ت 395 هـ) . 17- معجم شيوخ 2 أبي الحسين محمد بن أحمد بن جميع (ت 402 هـ) . 18- معجم شيوخ 3 أبي عبد الله محمد بن عبد الله الحاكم النيسابوري (ت 405 هـ) . 19- معجم شيوخ 4 أبي القاسم حمزة بن يوسف بن إبراهيم السهمي (ت 427 هـ) . 20- معجم شيوخ 5 أبي ذرعبد بن أحمد بن محمد الهروي (ت 434 هـ) . 21- معجم شيوخ 6 أبي نعيم أحمد بن عبد الله بن إسحاق الأصبهاني (ت 430 هـ) . الباب الثاني: الكتب المصنَّفة في رجال كتبٍ مخصوصة
الباب الثاني: الكتب المصنفة في رجال كتب مخصوصة
الباب الثاني: الكتب المصنفة في رجال كتب مخصوصة الفصل الأول: ما ألف في هذا النوع إلى نهاية القرن السابع الهجري المبحث الأول: ما ألف من ذلك في رجال كتاب مفرد ... المبحث الأول: ما ألف من ذلك في رجال كتاب مفرد 1- التعريف برجال الموطأ 1 لأبي زكريا يحيى بن زكريا بن مزين القرطبي (ت 259 هـ) . 2- التعريف برجال الموطأ 2 لمحمد بن يحيى الحذاء التميمي (ت 416 هـ) . 3- رجال الموطأ، وتسمية من روى الموطأ عن مالك 3 كلاهما لأبي محمد هبة الله بن أحمد المعروف بابن الأكفاني (ت 524 هـ) . 4- أسماء من روى عنهم البخاري في الصحيح 4 لأبي أحمد عبد الله بن عدي الجرجاني (ت 365 هـ) . 5- ذكر أسماء من اشتمل عليه كتاب الجامع الصحيح لمحمد
بن إسماعيل البخاري من التابعين فمن بعدهم إلى شيوخه 1 لأبي الحسن علي بن عمر الدارقطني (ت 385 هـ) . 6- الهداية والإرشاد في معرفة أهل الثقة والسداد الذين خرج لهم البخاري في صحيحه 2 لأبي نصر أحمد بن محمد بن الحسين الكلاباذي (ت 398 هـ) . 7- التعديل والتجريح لمن روى عنه البخاري في الصحيح 3 لأبي الوليد سليمان بن خلف الباجي الأندلسي (ت 474 هـ) . 8- رجال صحيح الإمام مسلم 4 لأبي بكر أحمد بن علي بن منجويه الأصبهاني (ت 428 هـ) . 9- تسمية شيوخ أبي داود 5، في سننه، وتسمية شيوخ النسائي 6 كلاهما لأبي علي الحسين بن محمد الغساني (ت 498 هـ) 10- تسمية شيوخ النساني 7 جمع الشيخ أبي محمد عبد
الله بن محمد بن أسد الجهني. 11- شيوخ أبي عيسى الترمذي في سننه 1 لأبي عبد الله محمد بن عبد العزيز بن محمد بن معاوية الأنصاري الدورقي. 2
المبحث الثاني: ما ألف في الجمع بين رجال الصحيحين
المبحث الثاني: ما ألف في الجمع بين رجال الصحيحين 1- رجال البخاري ومسلم 1 لأبي الحسن علي بن عمر الدارقطني (ت 385 هـ) . 2- أسماء الصحابة التي اتفق فيها البخاري ومسلم وما انفرد به كل منهما 2 للدارقظي - أيضاً -. 3- الجمع بين رجال الصحيحين 3 لأبي نصر أحمد بن محمد بن لحسين البخاري الكلاباذي (ت 398 هـ) . 4- تسمية من أخرجهم الإمامان البخاري ومسلم وما انفرد به كل واحد منهما 4 لأبي عبد الله محمد بن عبد الله الحاكم (ت 405 هـ) . 5- الجمع بين رجال الصحيحين 5 لأبي الفضل محمد بن
طاهر المقدسي المعروف بابن القيسراني (ت 507 هـ) . 6- المُعلِم بأسامي شيوخ البخاري ومسلم 1 لمحمد بن إسماعيل بن خلفون (ت 636 هـ) . 2
المبحث الثالث: ما ألف في الجمع بين رجال الكتب الستة
المبحث الثالث: ما ألف في الجمع بين رجال الكتب الستة 1- شيوخ البخاري ومسلم وأبي داود والترمذي والنساني في مصنفاتهم من الصحابة والتابعين إلى شيوخهم 1 تأليف أبي بكر أحمد بن محمد بن أحمد بن غالب الخوارزمي البرقاني (ت 425) . 2- المعجم المشتمل على ذكر أسماء شيوخ الأئمة النّبل 2 لأبي القاسم علي بن الحسن بن هبة الله المعروف بابن عساكر (ت 571 هـ) . 3- الكمال في معرفة أسماء الرجال 3 لأبي محمد عبد الغني بن عبد
الواحد المقدسي الجماعيلي (ت 600 هـ) . 4- الكمال في معرفة أسماء الرجال 1 لأبي عبد الله محمد بن محمود ابن الحسن بن هبة الله المعروف بابن النجار البغدادي (ت 643 هـ) .2
الفصل الثاني: تهذيب الكمال في أسماء الرجال للحافظ المزي وعناية العلماء به
الفصل الثاني: تهذيب الكمال في أسماء الرجال للحافظ المزي وعناية العلماء به المبحث الأول: تعريف موجز بـ تهذيب الكمال ... المبحث الأول: تعريف موجز بـ "تهذيب الكمال" المؤلف: الإمام الحافظ، محدث الشام جمال الدين أبو الحجاج يوسف بن الزكي عبد الرحمن بن يوسف القضاعي ثم الكلبي الدمشقي، ولد بظهر حلب سنة (654 هـ) ، ونشأ بالمزة، وحفظ القرآن وتفقه، وجمع وصنف الكثير، توفي سنة (742 هـ) . 1 موضوع كتابه وسبب تأليفه: بعد أن ذكر عناية العلماء بالكتب الستة سنداً ومتناً، قال: "وكان من جملة ذلك كتاب "الكمال" الذي صنفه الحافظ أبو محمد عبد الغني ابن عبد الواحد بن علي بن سرور المقدسي - رحمة الله عليه - (ت 600 هـ) في معرفة أحوال الرواة الذين اشتملت عليهم هذه الكتب الستة، وهو كتاب نفيس كثير الفائدة، لكن لم يصرف مصنفه رحمه الله عنايته إليه حق صرفها، ولا استقصى الأسماء التي اشتملت عليها هذه الكتب استقصاءً تامّاً، ولا تتبع جميع تراجم الأسماء التي ذكرها في كتابه تتبعاً شافياً، فحصل في كتابه بسبب ذلك إغفال وإخلال ... فلما وقفت على ذلك أردت تهذيب الكتاب وإصلاح ما وقع فيه من الوهم والإغفال، وأستدرك ما حصل فيه من
النقص والإخلال 1، فتتبعت الأسماء التي حصل منه إغفالها، فإذا هي أسماء كثيرة تزيد على مئاتٍ عديدة من أسماء الرجال والنساء، ثم وقفت على عدة مصنفات لهؤلاء الأئمة الستة غير هذه الكتب الستة ... فإذا هي تشتمل على أسماء كثيرة ليس لها ذكر في الكتب الستة ولا في شيء منها، فتتبعتها تتبعاً تامّاً، وأضفتها إلى ما قبلها، فكان مجموع ذلك زيادة على ألف وسبعمائة اسم من الرجال والنساء، فترددت بين كتابتها مفردة عن كتاب الأصل، ونظمها في سلكه، فوقعت الخيرة على إضافتها إلى كتاب الأصل ونظمها في سلكه وتمييزها بعلامة تفرزها عنه، وهو أن أكتب الاسم واسم الأب أو ما يجري مجراه بالحمرة، وأقتصر في الأصل 2 على كتابة الاسم خاصة بالحمرة". 3 الكتب التي ترجم المزي في "تهذيبه" لرجالها وعلامة كل كتاب: قال رحمه الله: "وجعلت لكل مصنف علامة، فإن تكرر الاسم في أكثر من مصنف واحد اقتصرت على عزوه إلى بعضها في الغالب"، ثم قال:
"فعلامة ما اتفق عليه الجماعة الستة في الكتب الستة: (ع) . وعلامة ما اتفق عليه أصحاب السنن الأربعة في سننهم الأربعة: (4) . وعلامة ما أخرجه البخاري في "الصحيح" (خ) ، وعلامة ما استشهد به في "الصحيح" تعليقاً: (خت) ، وعلامة ما أخرجه في كتاب "القراءة خلف الإمام": (ز) 1، وعلامة ما أخرجه في كتاب "رفع اليدين في الصلاة": (ي) ، وعلامة ما أخرجه في كتاب "الأدب": (بخ) ، وعلامة ما أخرجه في كتاب "أفعال العباد": (عخ) . وعلامة ما أخرجه مسلم في "الصحيح": (م) ، وعلامة ما أخرجه في مقدمة كتابه: (مق) . وعلامة ما أخرجه أبو داود في كتاب "السنن": (د) ، وعلامة ما أخرجه في كتاب "المراسيل": (مد) ، وعلامة ما أخرجه في كتاب "الرد على أهل القدر": (قد) ، وعلامة ما أخرجه في كتاب "الناسخ والمنسوخ": (خد) ، وعلامة ما أخرجه في كتاب "التفرد" - وهو ما تفرد به أهل الأمصار من السنن -: (ف) ، وعلامة ما أخرجه في "فضائل الأنصار": (صد) ، وعلامة ما أخرجه في "مسند حديث مالك بن أنس": (كد) ، وعلامة ما أخرجه في كتاب "المسائل التي
سأل عنها أبا عبد الله أحمد ابن محمد بن حنبل": (ل) . وعلامة ما أخرجه الترمذي في الجامع: (ت) ، وعلامة ما أخرجه في كتاب "الشمائل": (تم) . وعلامة ما أخرجه النسائي في كتاب "السنن": (س) ، وعلامة ما أخرجه في كتاب "عمل اليوم والليلة": (سي) ، وعلامة ما أخرجه في "مسند عليِّ رضي الله عنه": (عس) ، وعلامة ما أخرجه في "مسند حديث مالك بن أنس": (كن) ، وعلامة ما أخرجه في "خصائص أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه": (ص) . وعلامة ما أخرجه ابن ماجه القزويني في كتاب "السنن": (ق) ، وعلامة ما أخرجه في كتاب التفسير: (فق ") . ثم قال رحمه الله: "وقد جعلت على كل اسم كتبته بالحمرة رقماً من الرقوم المذكورة أو أكثر بالسواد ليعرف الناظر إليه عند وقوع نظره عليه من أخرج له من هؤلاء الأئمة وفي أي كتاب من هذه الكتب أخرجوا له ثم أنصُّ على ذلك نصّاً صريحاً 1 عند انقضاء الترجمة أو قبل ذلك على حسب ما تقتضيه الحال". 2 منهح المزي فى ترتيب تراجم كتابه: قال رحمه الله: "وقد كان صاحب الكتاب - المقدسي - رحمه الله ابتدأ بذكر الصحابة أولاً، الرجال منهم والنساء على حدة، ثم ذكر
من بعدهم على حدة، فرأينا ذكر الجميع على نسق واحد أولى؛ لأن الصحابي ربما روى عن صحابي آخر عن النبي صلى الله عليه وسلم فيظنه من لا خبرة له تابعياً فيطلبه في أسماء التابعين فلا يجده، وربما روى التابعي حديثأ مرسلاً عن النبي صلى الله عليه وسلم فيظنه من لا خبرة له صحابياً فيطلبه في أسماء الصحابة فلا يجده ... وقد رتبنا أسماء الرواة من الرجال في كتابنا هذا على ترتيب حروف المعجم في هذه البلاد - بلاد المشرق - مبتدئين بالأول فالأول منها، ثم رتبنا أسماء آبائهم وأجدادهم على نحو ذلك إلا أنا ابتدأنا في حرف الألف بمن اسمه أحمد وفي حرف الميم بمن اسمه محمد لشرف هذا الاسم على غيره. ثم ذكرنا باقي الأسماء على الترتيب المذكور، فإذا انقضت الأسماء ذكرنا المشهورين بالكنى على نحو ذلك، فإن كان في أصحاب الكنى من اسمه معروف من غير اختلاف فيه، ذكرناه في الأسماء، ونبهنا عليه في الكنى، وإن كان فيهم من لا يُعرف اسمه أو من اختُلِفَ في اسمه، ذكرناه في الكنى خاصة، ونبَّهنا على ما في اسمه من الاختلاف في ترجمته، ثم ذكرنا أسماء النساء على نحو ذلك. 1 وربما كان بعض الأسماء يدخل في ترجمتين أو أكثر، فنذكره
في أوْلى التراجم به، ثم نُنَبِّه عليه في الترجمة 1 الأخرى". ثم قال رحمه الله: "وقد ذكرنا في أواخر الكتاب فصولاً أربعةً مهمةً لم يذكر صاحب الكتاب - المقدسي - شيئاً منها، وهي: 1- فصلٌ فيمن اشتهر بالنسبة إلى أبيه أو جدِّه أو أمه أو عمه أو نحو ذلك، مثل: ابن أبجر، وابن الأجلح، وابن الأشوَع، وابن جريج، وابن علية، وغيرهم. 2- وفصلٌ فيمن اشتهر بالنسبة إلى قبيلة أو بلدةٍ أو صناعة أو نحو ذلك، مثل: الأنباري، والأنصاري، والأوزاعي، والزهري، والشافعي، والعَدَني، والمَقَابريِّ، والصَيْرفيِّ، والفلاس، وغيرهم. 3- وفصلٌ فيمن اشتهر بلقب أو نحوه، مثل: الأعرج، والأعمش، وبندار، وغُندر، وغيرهم. ونذكر فيهم وفيمن قبلهم نحو ما ذكرنا في الكنى. 4- وفصلٌ في المبهمات، مثل: فلان عن أبيه، أو عن جده، أو عن أمه، أو عن عمه، أو عن خاله، أو عن رجل، أو عن امرأةٍ، ونحو ذلك، وننبه على اسم من عرفنا اسمه منهم". 2
مصادره فى هذا الكتاب: قال رحمة الله عليه: "واعلم أن ما كان في هذا الكتاب من أقوال أئمة الجرح والتعديل ونحو ذلك، فعامَّتُه منقول من كتاب "الجرح والتعديل" لأبي محمد عبد الرحمن بن أبي حاتم الرازي الحافظ ابن الحافظ، ومن كتاب "الكامل" لأبي أحمد عبد الله بن عدي الجرجاني المحافظ، ومن كتاب "تاريخ بغداد" لأبي بكر أحمد بن علي بن ثابت الخطيب البغدادي الحافظ، ومن كتاب "تاريخ دمشق" لأبي القاسم علي بن الحسن بن هبة الله المعروف بابن عساكر الدمشقي الحافظ". ثم قال: "وقد اشتمل هذا الكتاب على ذكر عامة رواة العلم، وحملة الآثار وأئمة الدين، وأهل الفتوى والزهد والورع والنسك، وعامة المشهورين من كل طائفة من طوائف أهل المعلم المُشار إليهم من أهل هذه الطبقات ولم يخرج عنه منهم إلا القليل، فمن أراد زيادة اطلاع على ذلك، فعليه بعد هذه الكتب الأربعة بكتاب "الطبقات الكبير" لمحمد ابن سعد كاتب الواقدي، وكتاب "التاريخ" لأبي بكر أحمد بن أبي خيثمة زهير بن حرب، وكتاب "الثقات" لأبي حاتم محمد بن حبان البستي، وكتاب "تاريخ مصر " لأبي سعيد عبد الرحمن بن أحمد بن يونس بن عبد الأعلى الصدفي، وكتاب "تاريخ نيسابور" للحاكم أبي عبد الله محمد بن عبد الله النيسابوري الحافظ، وكتاب "تاريخ أصبهان" لأبي نعيم أحمد بن عبد الله بن أحمد الأصبهاني الحافظ، فهذه الكتب العشرة أمهات الكتب المصنفة في هذا الفن". 1
المبحث الثاني: عناية العلماء بـ تهذيب الكمال
المبحث الثاني: عناية العلماء بـ "تهذيب الكمال". أصبح "تهذيب الكمال" من أعظم الكتب المؤلفة في فنه، بل فاق جميع المتقدمين المؤلفين في هذا الباب. وذلك بما تضمنه من سعة في المادة وتنظيم دقيق في أساليب العرض، فضلاً عن التدقيق والتمحيص، لذلك تناوله جملة من الحفاظ والعلماء؛ استدراكاً، أو تقريباً، أو تلخيصاً، أو أساساً لكتب أخرى، وعلى العكس من ذلك لم نجد بعد ظهور "التهذيب" من عني بأصله كتاب "الكمال" للحافظ عبد الغني المقدسي. 1 ومن أهم من اعتنى به من الأئمة والعلماء: أولاً: الإمام أبو عبد الله الذهبي (ت 748 هـ) ، وهو أحد أبرز تلاميذ المزي (ت 742 هـ) اختصر من التهذيب أربعة كتب هي: 1- تذهيب التهذيب: وقد حافظ فيه على ترتيب الأصل وأضاف إلى مختصره ما رآه حَرِيّاً بالإضافة، وعلق على كثير من تراجم الأصل من حيث الرواية وضبط الأسماء والوفيات وبعض أقوال العلماء في المترجمين. انتهى من اختصاره سنة (719 هـ) ، قام صفي الدين أحمد بن
عبد الله الأنصاري الخزرجي سنة (923 هـ) بتلخيصه في كتاب سماه "خلاصة تذهيب تهذيب الكمال في أسماء الرجال" ومن فوائده أنه ضبط كثيراً من الأسماء بالحروف، وهو مطبوع. 1 2- الكاشف في معرفة من له رواية في الكتب الستة. قال الذهبي في مقدمته: "هذا مختصر نافع في رجال الكتب الستة - الصحيحين والسنن الأربعة - مقتضب من "تهذيب الكمال" لشيخنا الحافظ أبي الحجاج المزي، واقتصرت فيه على ذكر من له رواية في الكتب - الستة - دون باقي تلك التواليف التي في "التهذيب"، ودون من ذُكِرَ للتمييز أو كُرِّر للتنبيه" وفرغ من اختصاره في السابع والعشرين من رمضان سنة (720 هـ) . 2 3- المجرد من تهذيب الكمال: اقتصر فيه على رجال الكتب الستة - أيضاً - دون التواليف الأخرى، لكنه رتبه على الطبقات، فجعله في عشر طبقات ثم رتب
رجال كل طبقة على حروف المعجم. 1 4- المقتضب من تهذيب الكمال للمزي. 2 ثانياً: الحافظ علاء الدين مغلطاي بن قليج (ت 762 هـ) : في كتابه "إكمال تهذيب الكمال في أسماء الرجال". 3 استدرك فيه على المزي بعض ما فاته وخاصة فيما يتعلق بـ: 1- المزيد من الجرح والتعديل. 2- ضبط كثير من الأسماء والأنساب. 3- زيادة بعض التراجم فيمن علم عليه بـ "تمييز" وهو الذي اتفق مع بعض المترجمين في الكتاب في الاسم والطبقة، وليس له رواية عند أصحاب الكتب الستة، وغير ذلك من الاستدراكات. 4
ثالثاً: شمس الدين أبو المحاسن محمد بن علي بن الحسن بن حمزة الحسيني الدمشقي (ت 765 هـ) : في كتابه "التذكرة في رجال العشرة". 1 اختصر فيه "تهذيب الكمال" لشيخه المزي، وحذف منه من ليس في الكتب الستة، وأضاف إليهم رجال أربعة كتب هي: 1- موطأ الإمام مالك بن أنس. 2- مسند الإمام محمد بن إدريس الشافعي. 3- مسند الإمام أحمد بن حنبل. 4- مسند أبي حنيفة للحارثي. 2 رابعاً: عماد الدين أبو الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير الدمشقي (ت 774 هـ) في كتابه "التكميل في الجرح والتعديل ومعرفة الثقات والضعفاء والمجاهيل". 3
جمع فيه بين "تهذيب الكمال في أسماء الرجال" للمزي، و "ميزان الاعتدال" للذهبي مع زيادات وتحرير عليهما في الجرح والتعديل. خامساً: سراج الدين أبو علي عمر بن علي بن أحمد الأنصاري المعروف بابن الملقن (ت 804 هـ) في كتابه "إكمال تهذيب الكمال في أسماء الرجال" 1، اختصر فيه "تهذيب الكمال" للمزي مع التذييل عليه برجال ستة كتب هي: 1- مسند الإمام أحمد (ت 241 هـ) . 2- صحيح ابن خزيمة (ت 311 هـ) . 3- صحيح ابن حبان (ت 354 هـ) . 4- سنن الدارقطني (ت 385 هـ) . 5- المستدرك للحاكم (ت 405 هـ) . 6- السنن الكبرى للبيهقي (ت 458 هـ) . سادساً: الحافظ أبو الفضل شهاب الدين أحمد بن علي الشهير بابن حجر (ت 852 هـ) في كتابيه: 2- تهذيب التهذيب. 2- تقريب التهذيب. وهما مطبوعان وسيأتي الحديث عنهما في المبحث الآتي.
المبحث الثالث: تعريف موجز بكتابي التهذيب والتقريب للحافظ ابن حجر (ت 852 هـ)
المبحث الثالث: تعريف موجز بكتابي "التهذيب" و "التقريب" للحافظ ابن حجر (ت 852 هـ) أولاً: تهذيب التهذيب: موضوعه وسبب تأليفه: قال رحمه الله في خطبة كتابه: "أما بعد؛ فإن كتاب "الكمال في أسماء الرجال" الذي ألفه الحافظ الكبير أبو محمد عبد الغني بن عبد الواحد بن سرور المقدسي، وهذّبه الحافظ الشهير أبو الحجاج يوسف بن الزكي المزي من أجل المصنفات في معرفة حملة الآثار وضعاً ... ولا سيما "التهذيب" فهو الذي وفق بين اسم الكتاب ومسماه، وألف بين لفظه ومعناه، بيد أنه أطال وأطاب، ولكن قصرت الهمم عن تحصيله لطوله، فاقتصر بعض الناس على الكشف من الكاشف الذي اختصره منه الحافظ أبو عبد الله الذهبي، ولما نظرت في هذه الكتب وجدت تراجم الكاشف إنما هي كالعنوان تتشوق النفوس إلى الاطلاع على ما وراءه، وفي "التهذيب" عدد من الأسماء لم يعرِّف الشيخ بشيءٍ من أحوالهم بل لا يزيد على قوله: روى عن فلان، روى عنه فلان، أخرج له فلان، وهذا لا يروي الغُلَّة ولا يشفي العلَّة فاستخرت الله تعالى في اختصار "التهذيب" على
طريقة أرجو الله أن تكون مستقيمة". 1 منهجه فيه وعن منهجه في الاختصار قال رحمه الله: "وهو أنني أقتصر على ما يفيد الجرح والتعديل خاصة وأحذف منه ما أطال به الكتاب من الأحاديث التي يخرجها من مروياته العالية من الموافقات والأبدال وغير ذلك من أنواع العلو، فإن ذلك بالمعاجم والمشيخات أشبه منه بموضوع الكتاب، وإن كان لا يلحق المؤلف من ذلك عاب، حاشا وكلا، بل هو والله العديم النظير المطلع النحرير، لكن العمر يسير والزمان قصير، فحذفت هذا جملة، وهو نحو ثلث الكتاب". 2 ثم إن الشيخ رحمه الله قصد استيعاب شيوخ صاحب الترجمة واستيعاب الرواة عنه، ورتب ذلك على حروف المعجم في كل ترجمة، وحصل من ذلك على الأكثر، لكنه شيء لا سبيل إلى استيعابه ولا حصره، وسببه انتشار الروايات وكثرتها وتشعبها وسعتها، فوجد المتعنت بذلك سبيلاً إلى الاستدراك على الشيخ بما لا فائدة فيه جليلة ولا طائلة، فاقتصرت من شيوخ الرجل ومن الرواة عنه - إذا كان مكثراً - على الأشهر والأحفظ والمعروف، فإن كانت الترجمة قصيرة لم أحذف منها شيئاً في الغالب، وإن كانت متوسطة اقتصرت على ذكر الشيوخ والرواة الذين عليهم رقم في الغالب، وإن كانت طويلة اقتصرت على من عليه رقم الشيخين مع ذكر جماعة غيرهم، ولا
أعدل عن ذلك إلا لمصلحة مثل أن يكون الرجل قد عرف من حاله أنه لا يروي إلا عن ثقة فإنني أذكر جميع شيوخه أو أكثرهم كشعبة ومالك وغيرهم، ولم ألتزم سياق الشيخ في الشيوخ والرواة في الترجمة الواحدة على حروف الممعجم لأنه لزم من ذلك تقديم الصغير على الكبير، فأحرص على أن أذكر في أول الترجمة أكثر شيوخ الرجل وأسندهم وأحفظهم إن تيسر معرفة ذلك، إلا أن يكون للرجل ابن أو قريب فإنني سأقدمه في الذكر غالباً، وأحرص على أن أختم الرواة عنه بمن وصف بأنه آخر من روى عن صاحب الترجمة وربما صرحت بذلك وأحذف كثيراً من أثناء الترجمة إذا كان الكلام المحذوف لا يدل على توثيق ولا تجريح، ومهما ظفرت به بعد ذلك من تجريح وتوثيق ألحقته، وأحذف كثيراً من الخلاف في وفاة الرجل إلا لمصلحة تقتضي عدم الاختصار، ولا أحذف من رجال "التهذيب" أحداً، بل ربما زدت فيهم من هو على شرطه، فما كان من ترجمة زائدة مستقلة فإنني أكتب اسم صاحبها واسم أبيه بأحمر، وما زدته في أثناء التراجم قلت في أوله: قلت فجميع ما بعد قلت فهو من زياداتي إلى آخر الترجمة". ثم قال: "وقد ألحقت في هذا المختصر ما التقطته من "تذهيب التهذيب" للحافظ الذهبي، فإنه زاد قليلاً فرأيت أنَّ ضمَّ زياداته تُكمّل الفائدة. ثم وجدت صاحب "التهذيب" حذف عدة تراجم من أصل الكمال ممن ترجم لهم بناءً على أن بعض الستة أخرج لهم فمن لم يقف المزي على روايته في شيء من هذه الكتب حذفه، فرأيت أن
أثبتهم وأنبه على ما في تراجمهم من عوز، وذكرهم على الاحتمال أفيد من حذفهم وزدت تراجم كثيرة أيضاً التقطتها من الكتب مما ترجم المزي لنظيرهم 1 تكملة للفائدة أيضاً".اهـ ملخصاً. 2 ثانياً: تقريب التهذيب للحافظ ابن حجر: سبب تأليفه ومنهجه فيه عن سبب تأليفه ومنهجه فيه يقول المؤلف رحمه الله في خطبة كتابه: "أما بعد؛ فإنني لما فرغتُ من تهذيب "تهذيب الكمال في أسماء الرجال" وقع الكتاب المذكور من طلبة الفن موقعاً حسناً عند المميز البصير، إلا أنه طال إلى أن جاوز ثلث الأصل - والثلث كثير -، فالتمس مني بعض الإخوان أن أجرد له الأسماء خاصة، فلم أوثر ذلك لقلة جدواه على طالبي هذا الفن، ثم رأيت أن أجيبه إلى مسألته وأسعفه بطلبته على وجه يحصل مقصوده بالإفادة، ويتضمن الحسنى التي أشارإليهاوزيادة، وهي: أنني أحكم على كل شخص منهم بحكم يشمل أصح ما قيل فيه، وأعدل ما وصف به بألخص عبارة وأخلص إشارة بحيث لا تزيد كل ترجمة على سطر واحد غالباً، يجمع: اسم الرجل واسم أبيه وجده ومنتهى أشهر نسبته ونسبه، وكنيته ولقبه، مع ضبط ما يشكل من ذلك بالحروف، ثم صفته التي يختص بها من جرح أو تعديل، ثم التعريف بعصر كل راوٍ منهم بحيث يكون قائماً مقام ما حذفته من ذكر شيوخه والرواة عنه إلا من لا يؤمن لبسه، وباعتبار ما ذكرت
انحصر لي الكلام على أحوالهم في اثنتي عشرة مرتبة، وحصر طبقاتهم في اثنتي عشرة طبقة. 1 وذكرت وفاة من عرفت سنة وفاته منهم، وقد اكتفيت بالرقم على أول اسم كلِّ راوٍ إشارة إلى من أخرج حديثه من الأئمة". 2 ثم قال: "وسميته "تقريب التهذيب" والله سبحانه وتعالى أسأل أن ينفع به قارئه وكاتبه والناظر فيه" اهـ ملخصاً. 3
الباب الثالث: أنواع علوم الحديث المتعلقة بشخص الراوي أو اسمه مما لم يسبق ذكره في الباب الأول
الباب الثالث: أنواع علوم الحديث المتعلِّقة بشخص الراوي أو اسمه مما لم يسبق ذكره في الباب الأول الفصل الأول: الأنواع المتعلقة بشخص الراوي المبحث الأول: معرفة الأكابر الرواة عن الأصاغر ... المبحث الأول: معرفة الأكابر الرواة عن الأصاغر أولاً: تعريفه: هو أن يروي الأكبر سنّاً وطبقة أو مكانة وقدراً عمن هو دونه. والأصل في هذا الباب: رواية رسول الله صلى الله عليه وسلم عن تميم الداري 2 حديث الجساسة الذي رواه الإمام مسلم. 3 ثانياً: أقسامه 4: 1- أن يكون الراوي أكبر سناً وأقدم طبقة من المروي عنه كالزهري ويحيى بن سعيد الأنصاري في روايتهما عن مالك، قال السخاوي (ت 902 هـ) : في خلق غيرهما من شيوخه، أفردهم الرشيد العطار (ت 711 هـ) ، في مصنف سماه "الإعلام بمن حدث عن مالك بن أنس الإمام من مشايخه السادة الأعلام" 5، وكأبي القاسم عبيد الله بن أحمد الأزهري أحد شيوخ الخطيب البغدادي (ت 463 هـ) ، روى عن الخطيب في بعض تصانيفه، والخطيب إذ ذاك في عنفوان
شبابه وطلبه. 2- أن يكون الراوي أكبر قدراً من المروي عنه، بأن يكون حافظاً عالماً فقيهاً، والمروي عنه شيخاً راوياً فحسب، كمالك في روايته عن عبد الله بن دينار، وأحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه في روايتهما عن عبيد الله بن موسى العبسي في أشباه لذلك كثيرة. 3- أن يكون الراوي أكبر من الوجهين جميعاً، وذلك كرواية كثير من العلماء والحفاظ عن أصحابهم وتلامذتهم، كعبد الغني الأزدي الحافظ (ت 409 هـ) في روايته عن محمد بن علي الصوري (ت 441 هـ) ، وكرواية أبي بكر أحمد بن محمد البرقاني (ت 425 هـ) عن أبي بكر الخطيب (ت 463 هـ) ، وكرواية الخطيب عن أبي نصر الأمير ابن ماكولا (ت 478 هـ) ، ونظائر ذلك كثيرة. قال ابن الصلاح (ت 643 هـ) : "ويندرج تحت هذا النوع ما يذكر من رواية الصحابي عن التابعي كرواية العبادلة 1 وأبي هريرة وأنس بن مالك ومعاوية ابن أبي سفيان وغيرهم من الصحابة عن كعب الأحبار، وكذلك رواية التابعي عن تابع التابعي مثل رواية الزهري ويحيى ابن سعيد الأنصاري عن مالك وغير ذلك". 2 قال السخاوي (ت 902 هـ) : "ومن ذلك رواية هشام بن عروة ويحيى بن أبي
كثير عن معمر، وكذلك قتادة والزهري ويحيى بن أبي كثير عن الأوزاعي". 1 ثالثاً: أهمية هذا النوع وفائدة معرفته: قال ابن الصلاح: "ومن الفائدة فيه أن لا يتوهم كون المروي عنه أكبر أو أفضل من الراوي نظراً إلى أن الأغلب كون المروي عنه كذلك فيجهل بذلك منزلتهما". 2 وقال الحافظ السخاوي: "وهو نوع مهم تدعو لفعله الهمم العلية والأنفس الزكية، ولذا قيل: لا يكون الرجل محدثاً حتى يأخذ عمن فوقه ومثله ودونه 3، وفائدة ضبطه الخوف من ظن الانقلاب في السند 4، والتنويه من الكبير بذكر الصغير، وإلفات الناس إليه في الأخذ عنه". 5
المبحث الثاني: رواية الآباء عن الأبناء وعكسه
المبحث الثاني: رواية الآباء عن الأبناء وعكسه 1- رواية الآباء عن الأبناء: أولاً: أهميته وفائدة معرفته: قال الحافظ السخاوي (ت 902 هـ) : "هو نوع مهم وفائدة ضبطه الأمن من ظن التحريف الناشئ عنه كون الابن أباً". 1 ثانياً: من أمثلته 2: 1- عن العباس بن عبد المطلب عن ابنه الفضل رضي الله عنهما: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جمع بين الصَّلاتَين في مُزْدلِفة. 3 2- وعن معتمر بن سليمان التيمي قال: حدثني أبي قال: حدثتني أنت عني عن أيوب عن الحسن قال: "ويح" كلمة رحمة. قال ابن الصلاح: "هذا - يعني الإسناد - ظريف يجمع أنواعاً".4
ثالثاً: قال الحافظ زين الدين العراقي (ت 806 هـ) : "روى جماعة عن أبنائهم منهم: أنس بن مالك عن ابنه غير مسمى حديثاً، وروى زكريا بن أبي زائدة عن ابنه حديثاً، وروى يونس بن أبي إسحاق السبيعي عن ابنه إسرائيل حديثاً" ثم ذكر طائفة من العلماء والمحدثين. 1 2- رواية الأبناء عن الآباء: أ- هو ثاني النوعين وهو الجادة: أي الطريق المسلوكة المعروفة. 2 قال الحافظ العراقي (ت 806 هـ) : "ومن أهم هذا النوع ما إذا أبهم اسم الأب أو الجد فلم يسم بل اقتصر على كونه أباً للراوي أو جدّاً له فيحتاج حينئذٍ إلى معرفة اسمه". 3 ب- أقسامه: ينقسم إلى قسمين: أحدهما: رواية الابن عن أبيه دون الجد وهو باب واسع، وذلك نحو رواية أبي العشراء الدارمي عن أبيه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو عند
أصحاب السنن الأربعة. 1 قال ابن الصلاح: "وقد اختلفوا فيه، فالأشهر أن أبا العشراء هو أسامة بن مالك بن قِهْطم، وهو فيما نقلته من خط البيهقى وغيره بكسر القاف، وقيل: قِحطم - بالحاء المهملة -، وقيل: هو عطارد بن بَرْز - بتسكين الراء -، وقيل: بتحريكها أيضاً، وقيل: ابن بَلْزٍ - باللام -، وفي اسمه واسم أبيه من الخلاف غير ذلك، والله أعلم". 2 الثاني: رواية الابن عن الأب عن الجد نحو بهز بن حكيم عن أبيه عن جده، روى بهذا الإسناد نسخة كبيرة حسنة وجده هو معاوية بن حيدة القشيري صحابي. 3 وعمرو بن شعيب عن أبيه عن جده. ج- قال ابن الصلاح: "وله - عمرو بن شعيب - بهذا الإسناد نسخة كبيرة أكثرها فقهيات جياد". 4 وقد اختلف في الاحتجاج بهذه النسخة على أقوال:
أحدها: أنها حجة مطلقاً إذا صح السند إليه. 1 ثانيها: ترك الاحتجاج بها. 2 ثالثها: التفرقة بين أن يفصح بجده أنه عبد الله أو لا 3 فإذا قال: عن جده عبد الله بن عمرو فهو صحيح، وكذلك إذا قال: عن جده قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، ونحو ذلك مما يدل على أن مراده عبد الله لا محمد. رابعها: التفريق بين أن يستوعب ذكر آبائه بالرواية أو يقتصر على أبيه عن جده، فإن صرح بهم كلهم فهو حجة وإلا فلا. 4 د- قال الحافظ ابن الصلاح (643 هـ) : "ومن أطرف ذلك رواية أبي الفرج عبد الوهاب بن عبد العزيز التميمي الفقيه الحنبلي - وكانت له ببغداد في جامع المنصور حلقة للوعظ والفتوى - عن أبيه في تسعة من آبائه نسقاً".
ثم ذكر بإسناده إلى الخطيب البغدادي قال: "حدثنا عبد الوهاب بن عبد العزيز بن الحارث بن أسد بن الليث بن سليمان بن الأسود بن سفيان بن يزيد بن أكَيْنَةَ بن عبد الله التميمي من لفظه قال: سمعت أبي يقول: سمعت أبي يقول: سمعت أبي يقول: سمعت أبي يقول: سمعت أبي يقول: سمعت أبي يقول: سمعت أبي يقول: سمعت أبي يقول: سمعت أبي يقول: سمعت علي بن أبي طالب، وقد سئل عن الحنَّان المنَّان، فقال: الحنَّان: الذي يقبل على من أعرض عنه، والمنَّان الذي يبدأ بالنَّوال قبل السؤال". قال الخطيب البغدادي: "بين أبي الفرج عبد الوهاب وبين علي بن أبي طالب في هذا الإسناد 1 تسعة آباء آخرهم أكَيْنَةَ بن عبد الله وهو الذي ذكر أنه سمع عليّاً رضي الله عنه". هـ- قال أبو الفضل عبد الرحيم بن الحسين العراقي (ت 806 هـ) : "صنف أبو نصر عبيد الله بن سعيد بن حاتم السجزي - الوائلي - (ت 444 هـ) كتاباً في رواية الأبناء عن الآباء، ورواية الرجل عن أبيه عن جده من المعالي، ثم ساق بإسناده إلى أبي القاسم منصور بن محمد العلوي قال: "الإسناد بعضه عوالٍ وبعضه معالٍ، وقول الرجل: حدثني أبي عن جدي من المعال". 2
المبحث الثالث: معرفة الإخوة والأخوات
المبحث الثالث: معرفة الإخوة والأخوات أولاً: أهميته: قال أبو عبد الله الحاكم (ت 405 هـ) : "هذا النوع من هذا العلم معرفة الإخوة والأخوات من الصحابة والتابعين وأتباعهم وإلى عصرنا هذا، وهو علم برأسه عزيز". 1 وقال السخاوي: "وهو نوع لطيف، وفائدة ضبطه: الأمن من ظن من ليس بأخٍ أخاً للاشتراك في اسم الأب أو ظن الغلط". 2 ثانياً: من أمثلة هذا النوع: 1- في الأخوين - كثير - ومنهم: عمر وزيد ابنا الخطاب، وعبد الله وعتبة ابنا مسعود، وهؤلاء صحابة، ومن غير الصحابة: محمد وعبد الله ابنا مسلم بن شهاب الزهري، ووهب وهمام ابنا منبه وغيرهم 2- وفي الثلاثة: من الصحابة: علي وجعفر وعقيل بنو أبي طالب، وسهل وعباد وعثمان بنو حُنيف -بضم الحاء المهملة بعدها نون مصغراً- ومن غير الصحابة: عَمرو - بفتح أوله - وعُمر - بضم أوله -
وشعيب بنو محمد بن عبد الله بن عمرو بن العاص. قال أبو عبد الله الحاكم: "عبد العزيز بن أبى روّاد وجبلة بن أبي روّاد وعثمان بن أبي روّاد إخوة ثلاثة حدثوا عن آخرهم وأعقبوا جماعة من المحدثين، وأبو روّاد اسمه: ميمون". 1 3- وفي الأربعة: سهيل وعبد الله - الملقب عبّاداً - ومحمد وصالح بنو أبي صالح ذكوان السمان. 4- وفي الخمسة: سفيان وآدم وإبراهيم وعمران ومحمد بنو عُيينة الهلالي. 5- وفي الستة: محمد وأنس ويحيى ومعبد وحفصة وكريمة بنو سيرين. 6- وفي السبعة: النعمان ومعقل وعقيل وسويد وسنان وعبد الرحمن وعبد الله بنو مُقرِّن - بضم الميم وفتح القاف وتشديد الراء المكسورة وآخره نون - هم صحابة مهاجرون. 2 ثالثاً: المصنفات في هذا النوع 3:
قال شمس الدين السخاوي (ت 902 هـ) : "صنف فيه من المتقدمين فمن بعدهم: 1- علي بن عبد الله المديني (ت 234 هـ) . 1 2- مسلم بن الحجاج (ت 261 هـ) . 3- أبو داود سليمان بن الأشعث السجستاني (ت 275 هـ) . 4- أحمد بن شعيب النساني (ت 303 هـ) . 5- أبو العباس محمد بن إسحاق السراج (ت 313 هـ) . 6-أبو بكر محمد بن عمر الجعابي (ت 355 هـ) . 7- أبو الحسن علي بن عمر الدارقطني (ت 385 هـ) ، وكتابه خاص بالإخوة من ولد عبد الله وعتبة ابني مسعود رضي الله عنهما. 8- أبو بكر ابن مردويه (ت 404 هـ) ، وكتابه خاص بأولاد المحدثين". 2
الفصل الثاني: أنواع علوم الحديث المتعلقة باسم الراوي
الفصل الثاني: أنواع علوم الحديث المتعلقة باسم الراوي المبحث الأول: معرفة الوحدان ... المبحث الأول: معرفة الوحدان تعريفه: قال الحافظ السيوطي: "وهو من لم يرو عنه إلا واحد، ومن فوائده: معرفة المجهول، إذا لم يكن صحابيّاً فلا يقبل، وقد صنف فيه الإمام مسلم". 1 من أمثلته: عامر بن شهر الهمداني، ووهب بن خنبش - بفتح المعجمة والموحدة وبينهما نون ساكنة - الطائي الكوفي تفرد الشعبي بالرواية عنهما فيما ذكر مسلم 2 وغيره. وحديث عامر بن شهر في "السنن" لأبي داود 3، حديث وهب ابن خنبش عند النسائي 4، وابن ماجه. 5
3- قال الحافظ العراقي (ت 806 هـ) : "وقد زعم الحاكم في كتاب "المدخل إلى كتاب الإكليل" بأن أحداً من هذا القبيل لم يخرج عنه البخاري ومسلم في "صحيحيهما" وتبعه على ذلك البيهقي، وغلَّط الحاكم في ذلك جماعة منهم: محمد بن طاهر والحازمي 1، وذلك بأنهما أخرجا حديث المسيب بن حزن في وفاة أبي طالب مع أنه لا راوي له غير ابنه سعيد 2، وغير ذلك. 3
المبحث الثاني: معرفة الأفراد من أسماء الرواة
المبحث الثاني: معرفة الأفراد من أسماء الرواة أولاً: أهمية هذا النوع: 1- قال الحافظ أبو عمرو ابن الصلاح: "هذا نوعٌ مليح عزيز يوجد في كتب الحفاظ المصنفة في الرجال، مجموعاً ومفرقاً في أواخر أبوابها، وأفرد أيضاً بالتصنيف، وكتاب أحمد ابن هارون البرديجي البردعي (ت 301 هـ) المترجم بـ: "الأسماء المفردة" أشهر كتاب في ذلك. والحق أن هذا فن يصعب الحكم فيه، والحاكم فيه على خطر من الخطأ والانتقاض، فإنه حصر في باب واسع شديد الانتشار". 1 2- وقال الحافظ العراقي: "كتاب البرديجي أول كتاب وضع في جمعها مفردة، وإلا فهي مفرقة في "تاريخ البخاري الكبير"، و "الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم في أواخر الأبواب". 2 3- وقال الحافظ السخاوي: "فهو نوع مليح عزيز بل مهم، لتضمنه ضبطها، فإن جله مما
يشكل لقلة دورانه على الألسنة مع كونه لا دخل له فى المؤتلف ويوجد في كتب الحفاظ المصنفة في الرجال، كـ "الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم لكنه مفرقاً في أواخر أبوابها، وكذا يوجد في "الإكمال" لابن ماكولا منه الكثير. بل أفرده بالتصنيف أبو بكر أحمد بن هارون البرديجى (ت 301 هـ) . 1 ثانياً: من أمثلة هذا النوع 2: 1- في الأسماء: مثل: أجمد - بالجيم - بن عُجْيَان الهمدانى صحابي ذكره ابن يونس. قال ابن الصلاح: "عُجْيَان كنا نعرفه بالتشديد على وزن عُلَيَّان، ثم وجدته بخط ابن الفرات - وهو حجة - عُجْيَان بالتخفيف على وزن سُفْيان". 3 ومثل: تدوم بن صبح الكُلاعي - ويقال فيه: يدوم بالياء التحتية - وصوابه كما قال ابن الصلاح: بالمثناة من فوق ومثل: جبيب بن الحارث صحابي - بالجيم والموحدة مكررة -، وغير ذلك. 2- ومن الكنى المفردة: أبو العُبَيْدَيْن - مصغر مثنى - واسمه معاوية ابن سبرة من أصحاب ابن مسعود، وأبو مُعَيْد - مصغر مخفف الياء التحتية - حفص بن غيلان الهمداني ... وغيرهما.
3- ومن الألقاب: كسَفينة مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم واسمه مهران على خلاف فيه، ومِنْدَل بن علي - بكسر الميم وقيل بفتحها - واسمه عمرو، ومطيّن: هو محمد بن عبد الله الحضرمي، ومشكدانه: هو عبد الله بن محمد بن محمد ... وغيرهم.
المبحث الثالث: من ذكر بأسماء أو صفات مختلفة
المبحث الثالث: من ذكر بأسماء أو صفات مختلفة 1- أهمية ضبط هذا النوع: قال الإمام النووي (ت 676 هـ) : "هو فن عويص تمس الحاجة إليه لمعرفة التدليس 1 - تدليس الشيوخ -". وقال الحافظ السخاوي (ت 902 هـ) : "وفائدة ضبطه الأمن من توهم الواحد اثنين فأكثر، واشتباه الضعيف بالثقة وعكسه". 2 2- ويقع ذلك إما من جماعة من الرواة عنه بحيث يذكره كل واحد منهم بغير ما ذكره الآخر، أو من راوٍ واحد عنه فيذكره مرة بهذا ومرة بذاك، فيلتبس على من لا معرفة عنده بل على كثير من أهل المعرفة والحفظ. 3 3- من أمثلته: أ- محمد بن السائب الكلبي المفسر العارف بالأنساب، أحد الضعفاء:
هو أبو النضر المروي عنه حديث تميم الداري وعدي بن بداء في قصتهما النازل فيها قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ} الآية. 1 وهو حماد بن السائب: الذي يروي عنه حماد بن أسامة حديث "زكاة مَسك - جلد - دباغة" وهو أبو سعيد: الذي يروي عنه عطية العوفي التفسير يدلس به موهماً أنه أبو سعيد الخدري - رضي الله عنه -. ب- سالم الراوي عن أبي هريرة وأبي سعيد الخدري وعائشة وغيرهم - رضي الله عنهم -. هو سالم أبو عبد الله المديني، وهو سالم مولى مالك بن أوس بن الحدثان النصري - بالمهملة -، وهو سالم مولى شداد بن الهاد النصري، وهو سالم مولى النصريين - بالصاد المهملة -، وهو سالم مولى المهري، وسالم سبلان، وسالم أبو عبد الله مولى شداد بن الهاد، وسالم أبو عبد الله الدوسي، وسالم مولى دوس. 2 4- فائدة: قال أبو عمرو بن الصلاح: "والخطيب- البغدادي- (ت 463 هـ) يروي في كتبه عن أبي القاسم الأزهري، وعن عبيد الله بن
أبي الفتح الفارسي، وعن عبيد الله بن أحمد بن عثمان الصيرفي، والجميع شخص واحد من مشايخه. وكذلك يروي عن الحسن بن محمد الخلال، وعن الحسن بن أبي طالب، وعن أبي محمد الخلال، والجميع عبارة عن واحد. ويروي أيضاً عن أبي القاسم التنوخي، وعن علي بن المحسن، وعن القاضي أبي القاسم علي بن المحسن التنوخي، وعن علي بن أبي علي المعدل، والجميع شخص واحد، وله من ذلك كثير والله أعلم ". 1 5- المصنفات في هذا النوع: قال أبو الفضل العراقي (ت 806 هـ) : "وقد صنف في ذلك الحافظ عبد الغني بن سعيد الأزدي كتاباً سماه "إيضاح الإشكال" وصنف فيه أيضاً الخطيب البغدادي كتاباً كبيراً سماه "الموضح لأوهام الجمع والتفريق". 2
المبحث الرابع: المبهمات
المبحث الرابع: المبهمات 1- تعريفه: يراد به معرفة أسماء من أبهم ذكره في الحديث أو في الإسناد من الرجال والنساء. ويستدل على معرفة الشخص المبهم بوروده مسمى في بعض طرق الحديث أو بتنصيص أهل السير على كثير منهم. 1 2- فائدة معرفته: قال شمس الدين السخاوي (ت 902 هـ) : "وهو مهم وفائدة البحث عنه زوال الجهالة التي يرد الخبر معها حيث يكون الإبهام في أصل الإسناد: كأن يقال: أخبرني رجل أو شيخ أو فلان أو بعضهم، لأن شرط قبول الخبر كما علم عدالة راويه، ومن أبهم اسمه لا تعرف عينه فكيف عدالته. وما عداه مما يقع في أصل المتن ونحوه، فمن فوائده أن يكون المبهم سائلاً عن حكم عارضه حديث آخر فيستفاد بمعرفته النسخ وعدمه إن عرف زمن إسلام ذلك الصحابي، وكان قد أخبر عن قصة
قد شاهدها وهو مسلم". 1 3- أقسامه: الأول - وهو أبهمها -: رجل أو امرأة كحديث ابن عباس: أن رجلاً قال: يا رسول الله الحج كل عام ... ؟: هو الأقرع بن حابس، قاله الخطيب 2، وكذا سمي في "مسند أحمد" وغيره 3، وقيل هو سراقة بن مالك، وقيل عكاشة ابن محصن قاله ابن السكن. 4 الثاني: الابن والبنت والأخ والأخوات كحديث أم عطية في غسل بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم بماء وسدر، وهي زينب رضي الله عنها زوجة أبي العاص بن الربيع. وابن اللتبية: الذي استعمله الرسول صلى الله عليه وسلم على الصدقة، فقال: هذا لكم وهذا أُهدِيَ لي - الحديث -، اسمه: عبد الله. الثالث: العم والعمة ونحوهما كرافع بن خديج عن عمه وهو ظُهير - بضم الظاء المعجمة - ابن رافع، وزياد بن علاقة عن عمه: هو قطبة ابن مالك، وغير ذلك. الرابع: الزوج والزوجة كزوج سبيعة الأسلمية: وهو سعد بن خولة، وزوج بَروْع بنت واشق - بفتح الباء الموحدة -: هو هلال بن
مرة. 1 4- المصنفات في هذا النوع: قال العراقي: "وقد صنف في ذلك جماعة من الحفاظ منهم عبد الغني بن سعيد الأزدي (ت 409 هـ) ، والخطيب البغدادي (ت 463 هـ) 2، وأبو القاسم خلف بن عبد الملك بن بشكوال (ت 578 هـ) 3 وهو أكبر كتاب فيه، جمع فيه ثلاثمائة حديث وواحداً وعشرين حديثاً، لكنه على غير ترتيب، ورتب الخطيب كتابه على الحروف في الشخص المبهم، وجملة ما في كتابه مائة وواحد وسبعون حديثأً، واختصره النووي ورتبه على الحروف في راوي الحديث، وهو أسهل للكشف، وزاد فيه بعض الأسماء. 4 وقال السيوطي (ت 911 هـ) : "وجمع الشيخ ولي الدين العراقي (ت 826 هـ) في ذلك كتاباً سماه: "المستفاد من مبهمات المتن والإسناد" جمع فيه كتاب الخطيب وابن بشكوال والنووي مع زيادات أخر ورتبه على الأبواب، وهو أحسن ما صنف في هذا النوع". 5
المبحث الخامس: المنسوبون لغير آبائهم
المبحث الخامس: المنسوبون لغير آبائهم 1- فائدة ضبط هذا النوع: قال الحافظ السخاوي: "هو مهم، وفائدة ضبطه دفع توهم التعدد عند نسبته لأبيه، أو دفع ظن الاثنين واحداً عند موافقة اسميهما واسم أبي أحدهما اسم الجد الذي نسب إليه الآخر كعبد الرحمن بن عبد الله بن كعب بن مالك شيخ للزهري نسبه ابن وهب فقال: عبد الرحمن بن كعب، وهو كذلك اسم راوٍ آخر هو عمٌّ للأول، لكن لم يرو عنه الزهري شيئاً" 1 وغير ذلك. 2- أقسام هذا النوع: الأول: من نسب إلى أمه: منهم: 1- معاذ ومعوذ وعوذ - وقيل عوف بالفاء - بنو عفراء، هي أمهم، وأبوهم الحارث بن رفاعة الأنصاري. 2- بلال بن حمامة المؤذن وحمامة المؤذن وأبو رباح. 3- وسهيل وأخواه سهل وصفوان بنو بيضاء، هي أمهم واسمها دعد، واسم أبيهم: وهب. 4- شرحبيل بن حسنة، هي أمه، وأبوه عبد الله بن المطاع
الكندي 5- عبد الله بن بحينة، هي أمه، وأبوه مالك بن القشب الأزدي الأسدي. 6- سعد بن حبتة - بالمهملة بعدها موحدة ثم فوقية -، هي أمه، وأبوه بحير - بالموحدة ثم المهملة - بن معاوية، جد أبي يوسف القاضي، وهؤلاء كلهم صحابة. من غير الصحابة: 7- محمد بن الحنفية، هي أمه واسمها خولة، وأبوه علي بن أبي طالب رضي الله عنه. 8- إسماعيل بن علية، هي أمه، وأبوه إبراهيم وغيرهما. الثاني: مَنْ نسب إلى جدته: منهم: 1- يعلى بن مُنية - أوله ميم ثم نون - الصحابي. قال الزبير بن بكار وابن ماكولا: مُنية جدته أم أبيه، وأبوه أمية. 2- بشير بن الخصاصية الصحابي، هو بشير بن معبد، والخصاصية هي أم الثالث من أجداده. الثالث: مَنْ نسب إلى جده: منهم: ا- أبو عبيدة بن الجراح، أحد العشرة، هو عامر بن عبد الله بن الجر اح. 2- حمل بن النابغة الهذلي الصحابي، هو حمل بن مالك بن النابغة. 3- مجمع بن جارية الصحابي: هو مجمع بن يزيد بن جارية.
ومن غير الصحابة: 4- ابن جريج: هو عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج. 5- بنو الماجشون: منهم يوسف بن يعقوب بن أبي سلمة. قال أبو علي الغساني (ت 498 هـ) : "هو لقب يعقوب بن أبي سلمة وجرى على بنيه وبني أخيه عبد الله بن أبي سلمة، والماجشون - بكسر الجيم وضم الشين - معناه: الأبيض والأحمر". 6- ابن أبي ذئب: هو محمد بن عبد الرحمن بن المغيرة بن أبي ذئب 7- ابن أبي ليلى: هو محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى. 8- ابن أبي مليكة: هو عبد الله بن عبيد الله بن أبي مليكة. 9- أحمد بن حنبل الإمام هو أحمد بن محمد بن حنبل أبو عبد الله. 10- بنو أبي شيبة: أبو بكر وعثمان والقاسم بنو محمد بن أبي شيبة، وأبو شيبة جدهم واسمه إبراهيم بن عثمان واسطي. 11- أبو سعيد بن يونس صاحب تاريخ مصر: هو عبد الرحمن بن أحمد بن يونس بن عبد الأعلى الصدفي. الرابع: مَنْ نسب إلى غير أبيه لسبب: منهم: 1- المقداد بن الأسود: هو المقداد بن عمرو بن ثعلبة الكندي، كان في حجر الأسود بن عبد يغوث الزهري فتبناه فنسب إليه. 2- الحسن بن دينار: هو الحسن بن واصل، ودينار زوج أمه. 1
المبحث السادس: معرفة النسب التي على خلاف ظاهرها
المبحث السادس: معرفة النسب التي على خلاف ظاهرها 1- قال الحافظ شمس الدين السخاوي: "وأفرد عما قبله - المنسوبين إلى غير آبائهم - لكونه في الأنساب خاصة، وذلك في الأعلام وإن تشابها في المعنى". 1 2- وقال الحافظ العراقي: "قد ينسب الراوي إلى نسبة من مكان أو وقعة به أو قبيلة أو صنعة وليس الظاهر الذي يسبق إلى الفهم من تلك النسبة مراداً، بل لعارض عرض من نزوله ذلك المكان أو تلك القبيلة أو نحو ذلك". 2 3- من أمثلة هذا النوع: أ- أبو مسعود البدري: عقبة بن عمرو الأنصاري الخزرجي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم. ولم يشهد بدراً، لكنه نزل بدراً فنسب إليها. ب- سليمان بن طرخان التيمي: نزل في تيم وليس منهم، وهو مولى بني مرة. ج- أبو خالد الدالاني: يزيد بن عبد الرحمن الأسدي مولى لبني
أسد، نزل في بني دالان بطن من همدان فنسب إليهم. د- أحمد بن يوسف السُّلمي - جليل روى عنه مسلم وغيره -: وهو أزدي عرف بالسلمي لأن أمه كانت سلمية. هـ- مقسم مولى ابن عباس: وهو مولى عبد الله بن الحارث بن نوفل، لزم ابن عباس فقيل له مولى ابن عباس. و يزيد الفقير أحد التابعين: وصف بذلك لأنه أصيب في فقار ظهره. ز- خالد الحذاء: لم يكن حذاءاً، ووصف بذلك لجلوسه إلى الحذائين. 1
المبحث السابع: معرفة الموالي من الرواة
المبحث السابع: معرفة الموالي من الرواة أولاً: أهمية هذا النوع: من المهمات معرفة الموالي من العلماء، وأهم ذلك معرفة الموالي المنسوبين إلى القبائل بوصف الإطلاق، فإن الظاهر في المنسوب إلى قبيلة كما إذا قيل: "فلان القرشي" أنه منهم صليبة، أي نسباً، فبيان من قيل فيه: "قرشي" مثلاً أنه مولى أو صليبة أمر مهم. 1 ثانياً: أقسام الموالي: قال الحافظ أبو عمرو ابن الصلاح: "واعلم أن فيهم من يقال فيه: 1- "مولى فلان" أو "لبني فلان" والمراد به مولى العتاقة وهذا هو الأغلب في ذلك. 2 2- ومنهم من أطلق عليه لفظ "المولى" والمراد به ولاء الإسلام مثل: أبي عبد الله البخاري، فهو محمد بن إسماعيل الجعفي مولاهم نسب إلى ولاء الجعفيين لأن جده أسلم - وكان مجوسيّاً - على يد اليمان بن أخنس الجعفي جد عبد الله بن محمد المُسْنِدي
الجعفي أحد شيوخ البخاري، وكذلك الحسن بن عيسى الماسَرجس مولى عبد الله بن المبارك، إنما ولاؤه له من حيث كونه أسلم -وكان نصرانيّاً- على يديه. 3- ومنهم من هو مولى بولاء الحِلْف والموالاة كمالك بن أنس الإمام ونفره، وهم موالٍ لتيم قريش بالحلف. 4- وهناك قسم رابع في ذلك وهو نحو "مقسم مولى ابن عباس" للزومه إياه، وإلا فهو مولى لعبد الله بن الحارث بن نوفل. 1
الباب الرابع: مدارس العلم في القرنين الأول والثاني الهجريين
الباب الرابع: مدارس العلم في القرنين الأول والثاني الهجريين تمهيد ... تمهيد: أولاً: سبق أن ذكرت في مطلع هذا البحث أن الأصل في هذا الدين تلقي الأمة له عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهم تلقوه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو أوحي إليه من رب العزة والجلال. وبعد وفاته صلى الله عليه وسلم تفرق الصحابة رضي الله عنهم في الأمصار التي تمكنوا من فتحها بالإسلام، وأقبل عليهم الناس ينهلون من علمهم الذي حملوه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكان كل واحد منهم مدرسة متكاملة في الحديث والفقه والقراءة والتفسير وغير ذلك. قال علي بن المديني: "قال مسروق: شاممت أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فوجدت علمهم انتهى إلى ستة نفر منهم: عمر بن الخطاب، وعلي بن أبي طالب، وعبد الله بن مسعود، وأبو الدرداء، وأبي بن كعب، وزيد بن ثابت، ثم شاممت هؤلاء الستة فوجدت علمهم انتهى إلى رجلين منهم: علي وعبد الله" 1 اهـ. وأخرج الخطيب البغدادي بسنده عن مسروق بن الأجدع الهمداني قال: "كان العلماء بعد نبيهم صلى الله عليه وسلم: ستة نفر، الذين يفتون فيؤخذ بفتواهم، ويفرضون فيؤخذ بفرائضهم، ويَسُنُّونَ فيؤخذ بسنَّتهم: عمر ابن الخطاب، وعلي بن أبي طالب، وعبد الله بن مسعود، وأبى بن كعب، وزيد بن ثابت، وأبو موسى الأشعري، ثم قال: فكان من هؤلاء الستة -
بالكوفة ثلاثة - علي وعبد الله وأبو موسى، وثلاثة في سائر الأرض" 1 اهـ. وقال علي بن المديني عن مسروق قال: "شاممت أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكانوا كالإخّاذ، منهم ما يروي الرجل، ومنهم ما يروي الرجلين، ومنهم ما يروي الثلاثة، ومنهم ما يروي الناس، وكان عبد الله بن مسعود ممن يروي الناس". 2 ثم تلقى عن الصحابة هذا الدين والعلم التابعون ثم أتباع التابعين وهكذا تلقت الأمة العلم والدين خلف عن سلف جيلاً بعد جيل، حتى إذا ما دونت الكتب تُلقيت هذه الكتب وتُنوقِلت بين العلماء ولم تزل حتى يرث الله الأرض ومن عليها. ثانياً: أقدم من وقفت على كلامه في مدارس العلم ومراكزه الأولى هما الإمامان: علي بن عبد الله المديني (ت 234 هـ) ، وأبو عبد الرحمن أحمد بن شعيب النسائي (ت 303 هـ) . 3 ثالثاً: قال الإمام علي بن المديني: "لم يكن في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم مَنْ له صحبة يذهبون مذهبه ويفتون بفتواه، ويسلكون طريقته إلا ثلاثة: 1- عبد الله بن مسعود.
2- زيد بن ثابت. 3- عبد الله بن عباس". 1 وقال في موضع آخر: "لم يكن من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أحد له أصحاب يفتون بقوله في الفقه إلا ثلاثة: عبد الله بن مسعود، وزيد بن ثابت، وعبد الله بن عباس 2. في هذين النصين اختار ابن المديني ثلاثة أئمة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهم يمثلون ثلاثة مراكز من مراكز العلم الأولى في الإسلام: أما مكة والمدينة فهما مهبط الوحي ومركز دولة الإسلام الأولى، ومنهما بزغ نور الإسلام وإليهما سيأرز الإيمان في آخر الزمان، وأما الكوفة فهي أول الأمصار تمصيراً في الإسلام اختطت في أول خلافة عمر رضي الله عنه وسير إليها عبد الله بن مسعود ليعلم الناس أمور دينهم". أما اختياره لهؤلاء الأئمة فلأنهم كانوا رؤوساً في القضاء والفتوى والقراءة والفرائض وقد جمعوا بين الرواية والفقه، ونلمح هذا الشرط من صنيعه رحمه الله في اختيار تلاميذهم وتلاميذ تلاميذهم إلى طبقة شيوخه حيث ركز اختياره على من عُرف بالرواية والفقه دون غيرهم. أما الحافظ أبو عبد الرحمن النساني فقد توسع رحمه الله في تلك المدارس من جهتين: الأولى: من حيث ذكره للمدارس ومراكز العلم الأخرى حيث أضاف إلى ما ذكره ابن المديني مدرسة البصرة، والشام، ومصر،
وخراسان. الثانية: أنه ذكر إلى جانب المشهورين بالرواية والفقه في هذه المراكز العلمية الذين اشتهروا بالفقه ولم يكن لهم فى الرواية كبير مشاركة، كمدرسة أبي حنيفة في الكوفة مثلاً وغيرها من النماذج التى ذكرها من أهل مكة أو البصرة والشام وغيرها. 1
الفصل الأول: مدارس العلم ومراكزه الأولى بحسب ما ذكره الإمام ابن المديني
الفصل الأول: مدارس العلم ومراكزه الأولى بحسب ما ذكره الإمام ابن المديني المبحث الأول: الأئمة الذين عليهم مدار الرواية في الأمصار ... المبحث الأول: الأئمة الذين عليهم مدار الرواية في الأمصار قال الإمام علي بن عبد الله المديني (ت 234 هـ) 1: "نظرت فإذا الإسناد يدور على ستة: فلأهل المدينة: 1- ابن شهاب: وهو محمد بن مسلم بن عبد الله بن شهاب، ويكنى أبا بكر، مات سنة (124 هـ) . ولأهل مكة: 2- عَمرو بن دينار: مولى جمح ويكنى أبا محمد، مات سنة (126 هـ) . ولأهل البصرة: 3- قتادة بن دعامة السدوسي، وكنيته أبو الخطاب، مات سنة (117 هـ) . 4- ويحيى بن أبي كثير، ويكنى أبا نصر، مات سنة (132 هـ) باليمامة. ولأهل الكوفة: 5- أبو إسحاق واسمه: عمرو بن عبد الله بن عبيد، مات سنة
(129 هـ) وهو السبيعي. 6- وسليمان بن مهران مولى بني كاهل من بني أسد، ويكنى أبا محمد، مات سنة (148 هـ) ، وكان جميلاً (هو الأعمش) . ثم صار علم هؤلاء الستة إلى أصحاب الأصناف ممن صنَّف. فلأهل المدينة: 1- مالك بن أنس بن أبي عامر الأصبحي، عداده في بني تيم الله، ومات سنة (179 هـ) وسمع من ابن شهاب. 2- ومحمد بن إسحاق بن يسار مولى بني مخرمة، ويكنى أبا بكر، مات سنة (152 هـ) ، وسمع من ابن شهاب والأعمش. ومن أهل مكة: 3- عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج مولى لقريش، ويكنى أبا الوليد، مات سنة (151 هـ) . 4- وسفيان بن عيينة بن ميمون، مولى محمد بن مزاحم أخو الضحاك بن مزاحم الهلالي، ويكنى أبا محمد، مات سنة (198 هـ) ، سفيان لقي ابن شهاب وعَمرو بن دينار وأبا إسحاق والأعمش. ومن أهل البصرة: 5- سعيد بن أبي عروبة مولى بني عدي بن يشكر، وهو سعيد بن مهران، ويكنى أبا النضر مات سنة ثمان أو تسع وخمسين ومئة. 1
6- وحماد بن سلمة - قال: أحسبه مولى لبني سليمان - ويكنى أبا سلمة، مات سنة (167 هـ) . 7- وأبو عوانة: واسمه الوضاح، مولى يزيد بن عطاء الواسطي، مات سنة (175 هـ) . 8- وشعبة بن الحجاج أبو بسطام، مولى الأشافر، مات سنة (160 هـ) . 9- ومعمر بن راشد ويكنى أبا عروة، مولى الحداني، مات باليمن سنة (154 هـ) . سمع من ابن شهاب وعَمرو بن دينار وقتادة، ومن يحيى بن أبي كثير ومن أبي إسحاق. ومن أهل الكوفة: 10- سفيان بن سعيد الثوري، ويكنى أبا عبد الله، مات سنة (161 هـ) . ومن أهل الشام: 11- عبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي، ويكنى أبا عمرو، مات سنة (157 هـ) . 1 ومن أهل واسط: 12- هشيم بن بشير مولى بني سليم، ويكنى أبا معاوية، مات سنة (183 هـ) . 2
ثم انتهى علم الاثني عشر إلى ستة: 1- يحيى بن سعيد القطان، ويكنى أبا سعيد، وهو مولى لبني تيم، ومات سنة (198 هـ) في صفر. 2- ويحيى بن زكريا بن أبي زائدة، ويكنى أبا سعيد مولى لهمْدان، مات سنة (182 هـ) . 3- ووكيع بن الجراح بن مليح بن عدي بن فرس، ويكنى أبا سفيان، مات سنة (197 هـ) . 4- وعبد الله بن المبارك، وهو حنظلي، ويكنى أبا عبد الرحمن، ومات سنة (181 هـ) . 5- وعبد الرحمن بن مهدي الأسدي، ويكنى أبا سعيد، مات سنة (198 هـ) . 6- ويحيى بن آدم، ويكنى أبا زكريا، وهو مولى خالد بن عبد الله ابن أسيد - بالظن مني 1 - مات سنة (203 هـ ") . 2
المبحث الثاني: مدرسة المدينة النبوية
المبحث الثاني: مدرسة المدينة النبوية لا شك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم هو المؤسس الأول لهذه المدرسة بل للدين كله. فكان مسجده مقر قيادته للأمة ديناً ودنيا وعلماً وعملاً، وبعد موته صلى الله عليه وسلم وتفرق الصحابة للجهاد في سبيل الله ونشر الإسلام في أنحاء الأرض لم يبق في المدينة إلا القليل منهم ممن استبقاه الخلفاء الراشدون لمشورتهم ولنشر العلم في المدينة النبوية. وكان من أولئك الصحابي الجليل زيد بن ثابت رضي الله عنه الذي كان كما قال قبيصة بن ذؤيب: "رأساً في الفتوى والقضاء والقراءة والفرائض" 1 كما كان من كتاب الوحي أمام رسول الله صلى الله عليه وسلم، هو الذي انْتُدِبَ لجمع القرآن في زمن أبي بكر الصديق ثم في زمن عثمان رضي الله عنهم أجمعين. ولذلك اعتبره الإمام علي بن المديني من الثلاثة الذين تأسست على أيديهم مدارس العلم الأولى فقال: "لم يكن في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من له صحبة يذهبون مذهبه ويفتون بفتواه ويسلكون طريقته إلا ثلاثة 2: عبد الله بن مسعود، وزيد بن ثابت، وعبد الله بن
عباس. 1 ثم قال رحمه الله: "وأصحاب زيد بن ثابت الذين كانوا يأخذون عنه ويفتون بفتواه، منهم من لقيه، ومنهم من لم يلقه، اثنا عشر رجلاً: 1- سعيد بن المسيب توفي بعد سنة تسعين للهجرة. 2- عروة بن الزبير بن العوام (ت 94 هـ) . 3- قبيصة بن ذؤيب (ت بعد سنة (80 هـ) . 4- خارجة بن زيد بن ثابت (ت 100 هـ) . 5- سليمان بن يسار (ت بعد سنة 100 هـ) . 6- أبان بن عثمان بن عفان (ت 105 هـ) . 7- عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود (ت 94 هـ) . 8- القاسم بن محمد بن أبي بكر (ت 106 هـ) . 9- سالم بن عبد الله بن عمر (ت 106 هـ) . 10- أبو بكر بن عبد الرحمن المخزومي (ت 94 هـ) . 11- طلحة بن عبد الله بن عوف. 12- نافع بن جبير بن مطعم". 2 ثم قال: "فأما من لقيه منهم وثبت عندنا لقاؤه:
سعيد بن المسيب، وعروة بن الزبير، وقبيصة بن ذؤيب، وخارجة بن زيد، وأبان بن عثمان، وسليمان بن يسار. ولم يثبت عندنا من الباقين سماع من زيد فيما ألقي إلينا، إلا أنهم كانوا يذهبون مذهبه في الفقه والعلم. ولم يكن بالمدينة بعد هؤلاء أعلم بهم من: 1- ابن شهاب الزهري. 2- ويحيى بن سعيد الأنصاري (ت 144 هـ) أو بعدها. 3- وأبي الزناد عبد الله بن ذكوان (ت 130 هـ) . 4- وبكير بن عبد الله بن الأشج (ت 120 هـ) . 5- وأبي بكر بن محمد بن حزم (ت 120 هـ ") . 1 وقال: "ثم كان بعد هؤلاء يذهب هذا المذهب ويقوم بهذا الأمر: 1- مالك بن أنس الأصبحي (ت 179 هـ) . 2- وكثير بن فرقد. 3- والمغيرة بن عبد الرحمن المخزومي. 4- وعبد العزيز بن أبي سلمة الماجشون (ت 164 هـ ") . ثم قال: "وعبد الرحمن بن مهدي (ت 198 هـ) يحب ذا الطريق وذهب هذا المذهب ولا يقدم عليه أحداً". 2
المبحث الثالث: مدرسة الكوفة
المبحث الثالث: مدرسة الكوفة وإمامها الصحابي الجليل ذو الهجرتين: عبد الله بن مسعود الذي سيَّره عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى الكوفة ليعلم الناس أمور دينهم ثم أمَّره عثمان رضي الله عنه على الكوفة، وتوفي سنة اثنتين أو ثلاث وثلاثين. قال علي بن المديني: "فأصحاب عبد الله بن مسعود الذين يفتون بفتواه، ويذهبون مذهبه، ويقرؤون بقراءته: 1- علقمة بن قيس النخعي (مات بعد سنة ستين للهجرة) . 2- والأسود بن يزيد النخعي (توفي سنة أربع أو خمس وسبعين) . 3- ومسروق بن الأجدع الهمْداني (توفي سنة اثنين أو ثلاث وستين) 4- عَبيدة - بفتح المهملة - بن عمرو السلماني (المتوفى قبل سنة سبعين) . 5- الحارث بن قيس الجعفي، قتل بصفين، وقيل: مات بعد علي رضي الله عنه.
6- عمرو بن شرحبيل الهمداني (توفي سنة 63 هـ) . ستة عدَّهم إبراهيم النخعي. وأصحاب هؤلاء الستة من أصحاب عبد الله، ممن يقول بقولهم ويفتي بفتواهم: 1- إبراهيم بن يزيد النخعي (توفي سنة 96 هـ) ، وعمره قريب من الخمسين سنة. لقي من هؤلاء: الأسود وعلقمة ومسروق وعَبيدة، ولم يسمع من الحارث بن قيس ولا من عمرو بن شرحبيل، وروى عن همام بن الحارث عنه. 2- وعامر بن شراحيل الشعبي (توفي بعد سنة مائة) سمع منهم كلهم إلا الحارث بن قيس". 1 وقال في موضع آخر: "كان أعلم أهل الكوفة بأصحاب عبد الله بن مسعود وطريقتهم ومذهبهم: إبراهيم النخعي وعامر الشعبي، إلا أن الشعبي كان يذهب مذهب مسروق، يأخذ عن علي وأهل المدينة، وكان إبراهيم يذهب مذهب أصحابه، أصحاب عبد الله هؤلاء". 2 ثم قال رحمه الله: "وكان أعلم النالس بهؤلاء من أهل الكوفة ممن يفتي بفتواهم ويذهب مذهبهم: 1- الأعمش - سليمان بن مهران - (ت 148 هـ) . 2- أبو إسحاق - عمرو بن عبد الله السبيعي - (ت 129 هـ) .
ومن بعد التابعين هؤلاء: سفيان بن سعيد الثوري (ت 161 هـ) ، وكان يذهب مذهبهم ويفتي بفتواهم. ومن بعد سفيان: يحيى بن سعيد القطان، كان يذهب مذهب سفيان الثوري وأصحاب عبد الله بن مسعود". 1 وقال في موضع: "كان أبو إسحاق وسليمان الأعمش أعلم أهل الكوفة بمذهب عبد الله وطريقته، والحكم بن عتيبة (ت 115 هـ) بعد هذين، وكان سفيان بن سعيد أعلم الناس بهذين وبحديثهم وبطريقهم، وكان يحيى بن سعيد يحب سفيان، ويحب هذا الطريق ولا يقدم عليه أحداً". 2
المبحث الرابع: مدرسة مكة
المبحث الرابع: مدرسة مكة وإمامها حبر الأمة وترجمان القرآن ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم: عبد الله بن عباس رضي الله عنهما، مات بالطائف (سنة 68 هـ) ، قال الإمام علي بن المديني (ت 234 هـ) : "وأصحاب ابن عباس الذين يذهبون مذهبه ويسلكون طريقه: 1- عطاء بن أبي رباح (ت 114 هـ) . 2- عكرمة أبو عبد الله البربري (ت 104 هـ) . 3- طاووس بن كيسان (ت 106 هـ) . 4- مجاهد بن جبر (مات بعد المائة بقليل) . 5- أبو الشعثاء جابر بن زيد (ت 93 هـ) . 6- سعيد بن جبير (قتله الحجاج سنة 95 هـ) . فأعلم هؤلاء سعيد بن جبير وأثبتهم فيه". ثم قال: "وكان أعلم الناس بهؤلاء: عَمرو بن دينار، وكان يحب ابن عباس ويحب أصحابه. ثم كان ابن جريج وسفيان بن عيينة يحبان أصحاب ابن عباس ويحبان طريقه.
فسمع ابن جريج من طاووس ومجاهد، ولم يلق منهم جابر بن زيد ولا عكرمة ولا سعيد بن جبير". 1 وقال في موضع آخر: "وكان أصحاب ابن عباس ستة يقولون بقوله ويفتون به ويذهبون مذهبه، هؤلاء الستة: سعيد بن جبير، وجابر بن زيد، وطاووس، ومجاهد، وعطاء، وعكرمة. وكان أعلم الناس بهؤلاء وبطريقهم وبهذا المذهب: عمرو بن دينار، وكان قد لقيهم جميعاً وكان ابن أبي نجيح - عبد الله بن يسار المكي - (ت 131 هـ) ، يذهب هذا المذهب ويفتي بذا الفتيا إلا أنه لقي بعض هؤلاء، ولم يلق بعضهم. وكان أعلم الناس بهؤلاء وبطريقهم ومذهبهم ابن جريج وسفيان بن عيينة". 2
الفصل الثاني: مدارس العلم بحسب ما ذكره الحافظ أبو عبد الرحمن أحمد بن شعيب النسائي (ت 303 هـ)
الفصل الثاني: مدارس العلم بحسب ما ذكره الحافظ أبو عبد الرحمن أحمد بن شعيب النسائي (ت 303 هـ) المبحث الأول: من أهل المدينة ... قال رحمه الله: تسمية فقهاء الأمصار من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن بعدهم 1: المبحث الأول: من أهل المدينة من الصحابة: عمر بن الخطاب، وزيد بن ثابت، وعبد الله بن عمرو، وعائشة. ومن التابعين: سعيد بن المسيب، وعروة بن الزبير، وأبو سلمة بن عبد الرحمن، وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة، وسليمان بن يسار، وخارجة بن زيد بن ثابت، وأبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، وعلي بن الحسين، والقاسم بن محمد بن أبي بكر، وعمر بن عبد العزيز. ومن بعد هؤلاء 2: عبد الله بن يزيد بن هرمز، ومحمد بن مسلم بن شهاب الزهري، وربيعة بن أبي عبد الرحمن المعروف بربيعة الرأي ت 136 هـ، وأبو الزناد عبد الله بن ذكوان ت 130 هـ، ويحيى بن سعيد الأنصاري ت 144 هـ. وبعد هؤلاء: 1- مالك بن أنس الأصبحي. 2- عبد العزيز بن أبي سلمة عبد الله الماجشون ت 164 هـ.
وأصحاب مالك من أهل المدينة: عبد الملك بن عبد العزيز بن عبد الله أبي سلمة بن الماجشون. ومن أهل مصر: 1- عبد الرحمن بن القاسم. 2- وأشهب بن عبد العزيز.
المبحث الثاني: أصحاب عبد الله بن عباس من أهل مكة
المبحث الثاني: أصحاب عبد الله بن عباس من أهل مكة 1- عطاء بن أبي رباح. 2- طاووس بن كيسان. 3- مجاهد بن جبر. 4- وسعيد بن جبير. 5- وجابر بن زيد. 6- وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة. وبعد هؤلاء: عَمرو بن دينار، وبعده: ابن جريج وسفيان بن عيينة. وبعد هؤلاء: مسلم بن خالد الزنجي ت 179 هـ، وليس بالقوي في الحديث، وسعيد بن سالم القداح. وبعد هؤلاء: محمد بن إدريس الشافعي. وأصحاب الشافعي: أبو إبراهيم إسماعيل بن يحيى المزني. وأبو ثور إبراهيم بن خالد ت 240 هـ.
ويوسف بن يحيى البويطي مات في محنة خلق القرآن سنة 231 هـ وأبو الوليد موسى بن أبي الجارود. وعبد الله بن الزبير الحميدي ت 219 هـ. 1
المبحث الثالث: الفقهاء من أهل الكوفة
المبحث الثالث: الفقهاء من أهل الكوفة من الصحابة: علي بن أبي طالب، وعبد الله بن مسعود. ومن فقهاء التابعين: علقمة بن قيس النخعي، والأسود بن يزيد النخعي، وعمرو بن شرحبيل أبو ميسرة الهمْداني، وعَبيدة - بفتح المهملة - بن عمرو السلماني، وشريح بن الحارث بن قيس النخعي القاضي، ومسروق بن الأجدع، وعبد الله بن عتبة ابن مسعود، مات بعد سنة سبعين من الهجرة. وبعد هؤلاء: عامر بن شراحيل الشعبي، وإبراهيم النخعي. وبعد هذين: الحكم بن عتيبة، وحماد بن أبي سليمان، والحكم أثبتهما في الحديث، ومنصور بن المعتمر، والمغيرة بن مقسم. وبعد هؤلاء: ابن شبرمة، وابن أبي ليلى محمد بن عبد الرحمن، وليس بالقوي في الحديث، وأبو حنيفة، وليس بالقوي في الحديث. وبعد هؤلاء: سفيان بن سعيد الثوري، والحسن بن صالح بن حي. وأصحاب أبي حنيفة: زفر بن الهذيل، ويعقوب بن إبراهيم أبو يوسف القاضي، وعافية بن يزيد - القاضي الأودي الكوفي مات بعد
الستين ومائة، وأسيد بن عمرو، وأصحاب سفيان الثوري: عبد الله بن المبارك، ووكيع بن الجراح، وأبو إسحاق إبراهيم بن محمد الفزاري، وعبد الرحمن بن مهدي. وأصحاب الحسن بن صالح: حميد بن عبد الرحمن الرُؤاسي ت 189 هـ، ويحيى بن آدم 203 هـ 1
المبحث الرابع: ومن فقهاء أهل البصرة
المبحث الرابع: ومن فقهاء أهل البصرة من الصحابة: أبو موسى الأشعري، وعمران بن حصين. ومن التابعين: حميد بن عبد الرحمن الحميري، ومطرف بن عبد الله بن الشخير ت 95 هـ. وبعد هؤلاء: الحسن بن أبي الحسن البصريت 110 هـ، ومحمد ابن سيرين ت 110 هـ، وجابر بن زيد، وقد ذكرناه في أصحاب ابن عباس ت 93 هـ، وقيل سنة 103 هـ، وأبو قلابة واسمه: عبد الله بن زيد الجرمي ت 104 هـ، وقيل بعدها. وبعد هؤلاء: أيوب السختياني ت 131 هـ، ويونس بن عبيد ابن دينار العبدي البصري - ت 139 هـ، وعثمان بن مسلم البَتِّي ت 143 هـ. وبعد هؤلاء: عبيد الله بن الحسن القاضي - العنبري البصري ت 68 هـ، وحماد بن زيد ت 179 هـ وقال عبد الرحمن بن مهدي: ما رأيت رجلاً أعلم بالسنة من حماد ابن زيد. وبعد حماد بن زيد: بشر بن المفضل الرقاشي البصري ت 186 هـ أو 187 هـ.
وبعد هؤلاء: معاذ بن معاذ العنبري ت 196 هـ، ومحمد بن عبد الله بن المثنى بن أنس بن مالك - الأنصاري - 215 هـ. وبعد هؤلاء: هلال بن يحي بن مسلم - الرأي - ت 245 هـ.
المبحث الخامس: من فقهاء الشام ومصر وخراسان
المبحث الخامس: من فقهاء الشام ومصر وخراسان 1- من فقهاء الشام: من الصحابة: معاذ بن جبل رضي الله عنه ت 18 هـ، وعويمر - وقيل عامر - بن زيد أبو الدرداء رضي الله عنه، مات في آخر خلافة عثمان رضي الله عنه. وبعد هؤلاء: مكحول أبو عبد الله الشامي. وبعده: سليمان بن موسى الدمشقي الأموي مولاهم. وعبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي، وسعيد بن عبد العزيز - التنوخي الدمشقي - ت 167 هـ. 2- ومن فقهاء أهل مصر: عمرو بن الحارث - ابن يعقوب الأنصاري المصري - مات قبل سنة 150 هـ، والليث بن سعد الفهمي ت 175 هـ. وبعد هؤلاء: عبد الرحمن بن القاسم، وأشهب بن عبد العزيز، وقد ذكرناهما في أصحاب مالك بن أنس. وبعد هؤلاء: الحارث بن مسكين، ومحمد بن عبد العزيز بن عبد
الحكم. 1 ومن فقهاء أهل خرسان: الضحاك بن مزاحم، وقد ذكرناه في أصحاب 2 الثوري. والنضر بن محمد المروزي، وإبراهيم بن ميمون - الصائغ - قتله أبو مسلم الخراساني سنة 131 هـ، وعبد الله بن المبارك ت 181 هـ. وبعد هؤلاء: 1- أحمد بن حنبل ت 241 هـ. 2- وإسحاق بن راهويه ت 238 هـ. 3- ويحيى بن أكثم المروزي ت 242 هـ.
الباب الخامس: نماذج من طبقات ومراتب الرواة عن أعيان الثقات ومن يرجح قوله منهم عند الاختلاف
الباب الخامس: نماذج من طبقات ومراتب الرواة عن أعيان الثقات ومن يرجح قوله منهم عند الاختلاف الفصل الأول: من مدرسة المدينة النبوية المبحث الأول: أصحاب نافع مولى عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما ... المبحث الأول: أصحاب نافع مولى عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما قال الحافظ ابن رجب (ت 795 هـ) : "قسمهم علي بن المديني (ت 234 هـ) تسع طبقات: الطبقة الأولى: أيوب السختياني، وعبيد الله بن عمر، ومالك بن أنس، وعمر بن نافع، قال - ابن المديني -: "فهؤلاء أثبت أصحابه، وأثبتهم عندي أيوب". وسمعت يحيى - القطان - يقول: "ليس ابن جريج بدونهم فيما سمع من نافع". الطبقة الثانية: عبد الله بن عون - ابن أرطبان -، ويحيى بن سعيد الأنصاري، وعبد الملك بن عبد العزيز بن جريج. الطبقة الثالثة: أيوب بن موسى المكي، وإسماعيل بن أمية الأموي، وسليمان بن موسى الأموي الأشدق، وسعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن ابن عوف الزهري. الطبقة الرابعة: موسى بن عقبة (ت 141 هـ) ، ومحمد بن إسحاق (ت 150 هـ) ، وداود بن الحصين (ت 135 هـ) . الطبقة الخامسة: محمد بن عجلان (ت 148 هـ) ، والضحاك بن عثمان، وأسامة بن زيد الليثي (ت 153 هـ) ، ومالك بن مِغْول (ت
159 هـ) على الصحيح، جرير بن حازم. 1 الطبقة السادسة: الليث بن سعد (ت 175 هـ) ، وإسماعيل بن إبراهيم بن عقبة توفي في خلافة المهدي، وسليمان بن مساحق، ومحمد بن عبد الرحمن بن غَنَج - بفتح المعجمة والنون آخره جيم -. الطبقة السابعة: عبد الرحمن بن عبد الله السراج البصري، وسعيد بن عبد الله بن حرب، وسلمة بن علقمة التميمي (ت 139 هـ) ، وعلي -ابن الحكم البُناني - بضم الموحدة وبنونين - (ت 131 هـ) ، والوليد بن أبي هشام. الطبقة الثامنة: أبو بكر بن نافع العدوي المدني مولى ابن عمر، وخليفة بن غالب الليثي أبو غالب البصري، ويونس بن يزيد الأيلي (ت 159 هـ) ، وجويرية بن أسماء (ت 173 هـ) ، وعبد العزيز بن أبي روّاد (ت 159 هـ) ، ومحمد بن ثابت العبدي، وأبو علقمة الفروي عبد الله بن محمد بن أبي فروة الأموي مولاهم عُمِّر مائة سنة (مات سنة 190 هـ) ، وعطَّاف - بتشديد الطاء المهملة - بن خالد بن عبد الله المخزومي توفي قبل الإمام مالك، وعبد الله بن عمر العُمري المدني (ت 171 هـ) ، وحجاج بن أرطأة (ت 145 هـ) ، وأشعث بن سوار (ت 136 هـ) ، وثور بن يزيد (ت 150 هـ) وقيل بعدها. وطبقة تاسعة لا يكتب عنهم: عبد الله بن نافع (ت 154 هـ) ، وأبو أمية بن يعلى، اسمه: إسماعيل، وعثمان - بن مقسم - البُرّي،
وعمر بن قيس سندل - بفتح المهملة وسكون النون آخره لام -". قال الحافظ ابن رجب: "وقد خولف - ابن المديني - في بعض هذا الترتيب، فمن ذلك: تقديم سليمان بن موسى على: موسى بن عقبة، والليث بن سعد، ومالك بن مِغْول، والضحاك بن عثمان، وجويرية، ويونس. وحديث جويرية والليث بن سعد عن نافع مخرج في "الصحيحين"، وسليمان بن موسى قد تكلم فيه غير واحد، ولم يخرجا له شيئاً". ثم قال: "وقد قسم النسائي أصحاب نافع تسع طبقات أيضاً 1: وخالف ابن المديني في بعض ما ذكره ووافقه في بعضه: فوافقه في ذكر الطبقة الأولى، وزاد في الطبقة الثانية: صالح بن كيسان. وزاد في الثالثة: موسى بن عقبة وكثير بن فرقد، وأسقط منها: سعد بن إبراهيم، وسليمان بن موسى. وذكر الطبقة الرابعة: الليث بن سعد، وجويرية بن أسماء، وإسماعيل بن إبراهيم بن عقبة، ويونس بن يزيد، ولم يذكر غيرهم. وزاد في الخامسة: ابن أبي ذئب، وحنظلة بن أبي سفيان، وابن غَنَج - بفتح المعجمة والنون بعدها جيم - محمد بن عبد الرحمن
المصري، وأسقط ذكر أسامة بن زيد وابن مِغْول. وذكر الطبقة السادسة: سليمان بن موسى، وبُرْد بن سنان، وهشام بن الغاز، وابن أبي روّاد. وزاد في السابعة: عبيد الله بن الأخنس، وأسقط منها سعيداً وعلي بن الحكم. وقال في الطبقة الثامنة: عمر بن محمد بن زيد، وأسامة بن زيد، ومحمد بن إسحاق، وصخر بن جويرية، وهمام بن يحيى، وهشام بن سعد. قال: والتاسعة: الضعفاء: عبد الكريم أبو أمية -ابن أبي المخارق- وليث بن أبي سليم، وحجاج بن أرطأة، وأشعث بن سوار، وعبد الله بن عمر العُمري. وذكر طبقة عاشرة، وقال: هم المتروك حديثهم: إسحاق بن عبد الله بن أبي فروة الأموي مولاهم (ت 144 هـ) ، وعبد الله بن نافع، وعمر بن قيس، ونجيح أبي معشر، وعثمان البُريّ، وأبو أمية ابن يعلى، ومحمد بن عبد الرحمن بن المُجَبّر - بضم أوله وفتح الجيم بعدها موحدة مشددة مفتوحة - 1 وعبد العزيز بن عبيد الله الحمصي". 2
المبحث الثاني: أصحاب الزهري
المبحث الثاني: أصحاب الزهري قال الحافظ ابن رجب: "هم خمس طبقات: الطبقة الأولى: جمعت الحفظ والإتقان وطول الصحبة للزهري والعلم بحديثه والضبط له: كمالك، وابن عيينة، وعبيد الله بن عمر العُمري، ومعمر بن راشد، ويونس بن يزيد، وعُقيل بن خالد، وشعيب بن أبي حمزة وغيرهم، وهؤلاء متفق على تخريج حديثهم عن الزهري. الطبقة الثانية: أهل حفظ وإتقان، ولكن لم تطل صحبتهم للزهري، وإنما صحبوه مدة يسيرة، ولم يمارسوا حديثه، وهم في إتقانه دون الطبقة الأولى: كالأوزاعي، والليث بن سعد، وعبد الرحمن بن خالد بن مسافر، والنعمان بن راشد، ونحوهم، وهؤلاء يخرج لهم مسلم عن الزهري. الطبقة الثالثة: قوم لازموا الزهري وصحبوه ورووا عنه، ولكن تكلم في حفظهم: كسفيان بن حسين، ومحمد بن إسحاق، وصالح بن أبي الأخضر، وزمعة بن صالح، ونحوهم. وهؤلاء يخرج لهم أبو داود والترمذي والنسائي، وقد يخرج مسلم لبعضهم متابعة.
الطبقة الرابعة: قوم رووا عن الزهري من غير ملازمة ولا طول صحبة، ومع ذلك تكلم فيهم مثل: إسحاق بن يحيى الكلبي، ومعاوية ابن يحيى الصدفي، وإسحاق بن أبي فروة، وإبراهيم بن يزيد المكي، والمثنى بن الصباح، - ونحوهم، وهؤلاء قد يخرج الترمذي لبعضهم. الطبقة الخامسة: قوم من المتروكين والمجهولين: كالحكم الأيلي، وعبد القدوس بن حبيب، ومحمد بن سعيد المصلوب، وبحر السقاء، ونحوهم. فلم يخرج لهم الترمذي، ولا أبو داود، ولا النسائي، ويخرج لبعضهم ابن ماجه، ومن هنا نزلت درجة كتابه عن بقية الكتب. 1
الفصل الثاني: من مدرسة الكوفة
الفصل الثاني: من مدرسة الكوفة المبحث الأول: أصحاب الأعمش ... المبحث الأول: أصحاب الأعمش قال الحافظ أبو عبد الرحمن النسائي (ت 303 هـ) : "هم سبع طبقات: الطبقة الأولى: يحيى بن سعيد القطان، وسفيان بن سعيد الثوري، وشعبة بن الحجاج. الطبقة الثانية: زائدة بن قدامة الثقفي أبو الصلت الكوفي، وزكريا ابن أبي زائدة، وحفص بن غياث. الطبقة الثالثة: أبو معاوية محمد بن خازم - بمعجمتين - الضرير، وجرير بن عبد الحميد الضبي، وأبو عَوانة وضاح اليشكري، وعثام - بالمثلثة قبلها مهملة - ابن علي بن هُجير - مصغراً - الكوفي. الطبقة الرابعة: قطبة بن عبد العزيز، ومفضل بن مهلهل، وداود الطائي، وفضيل بن عياض، وابن المبارك. الطبقة الخامسة: عبد الله بن إدريس - الأودي الكوفي -، وعيسى ابن يونس بن أبي إسحاق السبيعي، ووكيع بن الجراح، وحميد بن عبد الرحمن الرؤاسي، وعبد الله بن داود بن عامر الهمْداني، والفضل بن موسى، وزهير بن معاوية. الطبقة السادسة: أبو أسامة حماد بن أسامة، وعبد الله بن نمير،
وعبد الواحد بن زياد. الطبقة السابعة: عبيدة بن حميد، وعبدة بن سليمان أبو محمد الكوفي". 1
المبحث الثاني: أصحاب سفيان الثوري
المبحث الثاني: أصحاب سفيان الثوري قال الحافظ ابن رجب (ت 795 هـ) : قال ابن أبي خيثمة: سمعت يحيى بن معين وسئل عن أصحاب الثوري، أيهم أثبت قال: الطبقة الأولى: "هم خمسة: يحيى بن سعيد القطان، ووكيع بن الجراح، وعبد الله بن المبارك، وعبد الرحمن بن مهدي، وأبو نعيم الفضل بن دكين". الطبقة الثانية: "فأما الفريابي محمد بن يوسف، وأبو حذيفة موسى ابن مسعود النهدي، وقبيصة بن عقبة، وعبيد الله بن موسى العبسي، وأبو عاصم النبيل، وأبو أحمد محمد بن عبد الله الزبيري، وعبد الرزاق ابن همام، وطبقتهم، فهم كلهم في سفيان بعضهم قريب من بعض، وهم ثقات كلهم، دون أولئك في الضبط والمعرفة". 1
الفصل الثالث: من أهل مكة والبصرة والشام ومصر
الفصل الثالث: من أهل مكة والبصرة والشام ومصر المبحث الأول: من أهل مكة: أصحاب عمرو بن دينار (ت 126هـ) ... المبحث الأول: من أهل مكة: أصحاب عمرو بن دينار (ت 126هـ) 1- قال أحمد في رواية الأثرم، وعبد الله بن أحمد: "أعلم الناس بعمرو بن دينار ابن عيينة، ما أعلم أحداً أعلم به من ابن عيينة، قيل له: كان ابن عيينة صغيراً؟ قال: وإن كان صغيراً فقد يكون صغيراً كيِّساً". وقال عباس الدوري: "سألت يحيى بن معين عن حديث شعبة عن عمرو بن دينار، والثوري عن عمرو بن دينار، وسفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار قال: ابن عيينة أعلمهم بحديث عمرو بن دينار، وأعلم بعمرو بن دينار من حماد بن زيد". وقال علي بن المديني: "ابن عيينة أعلم بحديث عمرو بن دينار من حماد ابن زيد". 2- قال علي بن المديني: "ابن جريج وابن عيينة من أعلم الناس بعمرو بن دينار". وقال الدارقطني: "أرفع الرواة عن عمرو بن دينار: ابن جريج، وابن عيينة، وشعبة 1، وحماد بن زيد".
المبحث الثاني: من أهل البصرة
المبحث الثاني: من أهل البصرة أولاً: أصحاب ثابت بن أسلم البُناني: قال ابن رجب: وفيهم كثرة وهم ثلاث طبقات: الطبقة الأولى: الثقات كشعبة، وحماد بن زيد، وسليمان بن المغيرة، وحماد بن سلمة، ومعمر - بن راشد -، وأثبت هؤلاء كلهم في ثابت: حماد بن سلمة، كذا قال أحمد وابن معين وابن المديني. الطبقة الثانية: الشيوخ: منهم: الحكم بن عطية، وسهيل بن أبي حزم، وعمارة بن زاذان، ويوسف بن عبدة، وحماد بن يحيى الأبح. قال الإمام أحمد: هؤلاء الشيوخ يخطئون على ثابت، فيروون عنه أحاديث مناكير. الطبقة الثالثة: الضعفاء والمتروكون: قال الحافظ ابن رجب: وفيهم كثرة: كيوسف بن عطية الصفار. وقال أحمد في رواية أبي طالب: "أهل المدينة إذا كان الحديث غلطاً يقولون: ابن المنكدر عن جابر، وأهل البصرة يقولون: ثابت عن أنس، يحيلون عليهما - ابن المنكدر وثابت -". قال ابن رجب: ومراد أحمد بهذا كثرة من يروي عن ابن المنكدر من ضعفاء أهل المدينة، وكثرة من يروي عن ثابت من
ضعفاء أهل البصرة وسيىء الحفظ والمجهولين منهم، فإنه كثرت الرواية عن ثابت من هذا الضرب فوقعت المنكرات في حديثه، وإنما أتي من جهة من روى عنه من هؤلاء. 1 ثانياً: أصحاب قتادة بن دعامة السدوسي (ت 117 هـ) : "قال البرديجي أحمد بن هارون (ت 301 هـ) : شعبة وهشام الدستوائي وسعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن أنس صحيح، فإذا ورد عليك حديث لسعيد ابن أبي عروبة عن قتادة عن أنس مرفوعاً، وخالفه هشام وشعبة، حكم لشعبة وهشام على سعيد". 2 "وقال مرة: إذا اختلفوا في حديث واحد فإن القول فيه قول رجلين من الثلاثة". 3 "وإذا روى حماد بن سلمة وهمام بن يحيى العوذي وأبان بن يزيد العطار البصري، ونحوهم من الشيوخ عن قتادة عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم، وخالف سعيد أو هشام أو شعبة، فإن القول قول هشام وسعيد وشعبة على الانفراد، فإن اتفق هؤلاء الأولون: وهم همام وحماد وأبان على حديث مرفوع، وخالفهم شعبة وسعيد وهشام، أو شعبة وحده أو سعيد وحده أو هشام وحده، توقف عن الحديث لأن هؤلاء الثلاثة: شعبة وهشام وسعيد أثبت من همام وأبان وحماد". 4 قال ابن رجب: مراده أن الحفاظ من أصحاب قتادة ثلاثة:
1- شعبة بن الحجاج. 2- وسعيد بن أبي عروبة. 3- وهشام الدستوائي. والشيوخ من أصحابه مثل: 1- حماد بن سلمة. 2- وهمام بن يحيى العوذي. 3- وأبان بن يزيد العطار، ونحوهم. وأما الذين في روايتهم عن قتادة نكارة أو اضطراب فمنهم: 1- عمرو بن الحارث المصري. 2- جرير بن حازم. 3- يزيد بن إبراهيم التستري، ونحوهم. 1
المبحث الثالث: من أهل الشام ومصر
المبحث الثالث: من أهل الشام ومصر أولاً: من أهل الشام: أصحاب مكحول أبي عبد الله الدمشقي مات سنة بضع عشرة ومائة. قال أبو زرعة الدمشقي: قلت لعبد الرحمن بن إبراهيم - يعني: دحيماً - إن أبا مسهر قال: "أنبل أصحاب مكحول: ثابت بن ثوبان والعلاء بن الحارث". فقدم العلاء بن الحارث لفقهه. قلت له: فيزيد بن يزيد بن جابر فوق العلاء بن الحارث قال: نعم. قلت: فسليمان بن موسى فوق يزيد قال: نعم. قلت: وهو المقدم من أصحاب مكحول قال: نعم. قلت: فمن بعد العلاء بن الحارث قال: زيد بن واقد. قلت: فعبد الرحمن بن يزيد بن جابر قال: بعده. قلت: فمن بعد عبد الرحمن بن يزيد بن جابر من أصحاب مكحول قال: الأوزاعي، وسعيد بن عبد العزيز.
قلت له: سعيد أكثر مجالسة لمكحول من الأوزاعي قال: ذاك بين في حديثه، كأن الأوزاعي ربما غاب. قال أبو زرعة: وكنت أرى أبا مسهر يقدم كل التقديم من أصحاب مكحول ثلاثة: 1- سليمان بن موسى. 2- يزيد بن يزيد بن جابر. 3- العلاء بن الحارث. 1 ثانياً: من أهل مصر: أصحاب يزيد بن أبي حبيب (مات سنة 128 هـ) . قال عبد الله بن أحمد: "سئل أبي عن حيوة بن شريح، وسعيد بن أبي أيوب، ويحيى بن أيوب فقال: حيوة أعلى القوم ثقة، وسعيد بن أبي أيوب ليس به بأس، ويحيى بن أيوب دونهم في الحديث، وكان سيئ الحفظ، وهو دون هؤلاء، وحيوة بن شريح أعلاهم". 2
الخاتمة
الخاتمة: من أهم النتائج في هذا البحث: أولاً: علم الإسناد ونقل الدين ثقة عن ثقة أمر خص الله به أمة محمد صلى الله عليه وسلم. ولذلك قال أبو حاتم محمد بن إدريس الرازي (ت 277 هـ) : "ولم يكن في أمة من الأمم منذ خلق الله آدم أمناء يحفظون آثار الرسل إلا في هذه الأمة". وقال أبو محمد بن حزم (ت 456 هـ) : "نقل الثقة عن الثقة يبلغ به النبي صلى الله عليه وسلم مع الاتصال، نقل خص الله عز وجل به المسلمين دون سائر أهل الملل كلها ... ". وقال أبو علي الغساني (ت 498 هـ) : "خص الله تعالى هذه الأمة بثلاثة أشياء لم يعطها مَنْ قبلها: الإسناد، والإعراب، والأنساب". ثانياً: إن التحري والتثبت في الرواية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم عُرف أول ما عرف عن الصحابة الكرام رضوان الله عليهم. وإن السؤال عن الإسناد والنظر في أحوال الرجال، قد بدأ في وقت مبكر أيضاً، وذلك في عصر التابعين، لِمَا روى الإمام مسلم في
مقدمة "صحيحه" عن ابن سيرين قال: "كانوا لا يسألون عن الإسناد حتى وقعت الفتنة - فتنة ابن سبأ في آخر خلافة عثمان بن عفان رضي الله عنه -، فقالوا: سموا لنا رجالكم، فينظر إلى أهل السنة فيؤخذ حديثهم، وينظر إلى أهل البدع فلا يؤخذ حديثهم". ولِمَا روى يعقوب بن شيبة (ت 262 هـ) عن ابن المديني (ت 234 هـ) ، قال: "كان ابن سيرين ممن ينظر في الحديث ويفتش عن الإسناد". ثالثاً: إن نشأة علم الرجال وجرح الرواة وتعديلهم جاء نتيجة لتطور استعمال الإسناد وانتشاره، وكلما تقادم الزمن كثرت الوسائط وطالت الأسانيد فاحتيج إلى بيان حال هذه الوسائط وتمييزها، فظهرت كتب الرجال في النصف الثاني من القرن الثاني الهجري، وأول من ذكر أنه صنف فيه - فيما وقفت عليه - الإمام الليث بن سعد (ت 175 هـ) والإمام عبد الله بن المبارك (ت 181 هـ) . رابعاً: إن تنوع التصنيف في علم الرجال، من كتب معرفة الصحابة إلى كتب الطبقات إلى كتب الجرح والتعديل إلى كتب التواريخ المحلية، ثم كتب تمييز الأسماء بمختلف أنواعها؛ ليدل على العناية الفائقة والجهود العظيمة والدقة المتناهية التي قام بها علماء هذه الأمة لمعرفة أسماء الرواة وتمييزها وبيان حال كل رجل حتى لا يكاد يوجد راوٍ في القرون الثلاثة الأولى له مشاركة في الرواية إلا وقد عُرف شخصه وبُيِّن حاله. ولذلك كان هذا العلم - علم الرجال - بحق خاصية امتازت بها أمة محمد صلى الله عليه وسلم وهي ميزة خاصة لأهل الحديث في هذه الأمة بخلاف
غيرهم من الطوائف الذين ليس لهم من هذا العلم نصيب. خامساً: نظراً لما للصحابة من مكانة ولعظم منزلتهم في الأمة فقد اعتنى العلماء بأخبارهم وأحوالهم وبيان مكانتهم، وجمع مروياتهم، فألفوا في ذلك كتباً كثيرة متنوعة، منها كتب معرفة الصحابة، وكتب الطبقات، وفي كتب التواريخ، وكتب الفضائل، وكتب المسانيد وغيرها. ولا غرابة في ذلك فهم صفوة الخلق بعد الأنبياء والرسل وقد اختارهم الله عز وجل لصحبة خير الخلق محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم وزكاهم الله ورسوله وأجمعت الأمة على أفضليتهم وخيريتهم، فلم يخالف في ذلك إلا فروخ اليهود وأذنابهم من الروافض والباطنيين الذين هم مرتدون عن دين الإسلام بإجماع الأمة، وهؤلاء لا يعتد بخلافهم ولا ينظر إليه، والصحابة هم نقلة الدين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم صلة الأمة برسولها، وكانوا أمناء في التحمل والأداء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا طريق للأمة لمعرفة ما جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم من الهدى ودين الحق إلا هم، فمن طعن فيهم إنما أراد الطعن في هذا الدين كما قال الإمام أبو زرعة الرازي (ت 264 هـ) : "إذا رأيت الرجل ينتقص أحداً من أصحاب رسول الله فاعلم أنه زنديق، وذلك أن الرسول عندنا حق والقرآن حق، وإنما أدى إلينا هذا القرآن والسنن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإنما يريد هؤلاء أن يجرحوا شهودنا ليبطلوا الكتاب والسنة، الجرح بهم أولى وهم زنادقة". سادساً: إن مدارس العلم ومراكزه الأولى تأسست على أيدي أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في وقت مبكر، حيث كان عبد الله بن
مسعود مؤسس مدرسة الكوفة في العراق، وكان زيد بن ثابت في المدينة النبوية، وعبد الله بن عباس بمكة، وكانت هذه المراكز شاملة لعلم القراءات والتفسير والفقه والحديث رواية ودراية. سابعاً: إن لعلماء الجرح والتعديل خبرة واسعة وتمحيصاً دقيقاً لأحوال الرواة فميزوا بين روايات الراوي في جميع شيوخه وأحواله وأطوار حياته وأماكن رحلاته، حتى ميزوا بين روايات الراوي عن شيخه في زمان دون زمان ومكان دون مكان، ومراتب تلاميذ الشيخ الواحد ومن يقدم من تلاميذه على غيره. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.