عقود الزبرجد على مسند الإمام أحمد

السيوطي

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ الحمد لله الذي خصّ هذه الأمة بالإسناد والإعراب، والصلاة والسلام على سيدنا محمد والآل والأصحاب. وبعد: فقد أكثر العلماء قديماً وحديثاً من التصنيف في إعراب القرآن، ولم يتعرضوا للتصنيف في إعراب الحديث سوى إمامين: أحدهما الإمام أبو البقاء العكبري، فإنه لما ألّف إعراب القرآن المشهور أردفه بتأليف لطيف في إعراب الحديث، أورد فيه أحاديث كثيرة من مسند أحمد وأعربها، إلاّ أنه لاختصاره، ونزرة ما أورده فيه من النزر القليل، لا يروي الغليل، ولا يشفي العليل. والثاني الإمام جمال الدين بن مالك، فإنه ألّف في ذلك تأليفاً خاصاً بصحيح البخاري، يسمى "التوضيح لمشكلات الجامع الصحيح". وقد استخرت الله تعالى في تأليف كتاب في إعراب الحديث، مستوعب جامع، وغيث على رياض كتب المسانيد والجوامع هامع، شامل للفوائد البدائع شافٍ. كافلٍ بالنقول والنصوص كاف، أنظم فيه كُلّ فريدة، وأسفر فيه النظام عن وجه

مقدمة

الخريدة وأجعله على مسند أحمد مع ما أضمّه إليه من الأحاديث المزيدة، وأرتّبه على حروف المعجم في مسانيد الصحابة، وأنشيء له من بحار كتب العربية كلَّ سحابة. واعلم أن لي على كلّ كتاب من الكتب المشهورة في الحديث تعليقة، وهي الموطأ، ومسند الشافعي، ومسند أبي حنيفة، والكتب الستة ولم يبق إلا مسند أحمد. ولم يمنعني من الكتابة عليه إلاّ كبر حجمه جداً، وعدم تداوله بين الطلبة كتداول الكتب المذكورة، وقدّرت التعليقة عليه تجيء في عدة مجلدّات، والتعاليق التي كتبتها لا تزيد التعليقة منها على مجلد. فلما شرح الله صدري لتصنيف هذا الكتاب، عرّفته بمسند أحمد، عوضاً مما كنت أرومه عليه من التعليقة، ولكونه جامعاً لغالب الحديث المتكلّم على إعرابه. فإن شئت فسّمه "عقود الزبرجد على مسند أحمد" وإن شئت فقل "عقود الزبرجد في إعراب الحديث" ولا تتقيد. والله أسأل أن يجعله خالصاً لوجهه الكريم، موجباً للفوز بجنات النعيم، إنه البرّ الرحيم ... مقدمة اعلم أن كثيراً من الأحاديث رواها الرواةُ بالمعنى، فزادوا فيها ونقصوا، ولحنوا، وأبدلوا الفصيح بغيره، ولهذا تجد الحديث الواحد يروى بألفاظ متعددة، منها ما يوافق الإعراب والفصيح، ومنها ما يخالف ذلك. وقد قال الحافظ فتح الدين بن سيد الناس: "إذا ورد الحديث على وجهين ما يوافق الفصيح وما يخالفه، فالموافق للفصيح هو لفظ النبي صلى الله عليه وسلم لأنه لم يكن ينطق إلاّ بالفصيح"، وقد نقل هذا الكلام عن المزني. قال أبو عاصم العبادي- من متقدمي أصحابنا- في طبقاته: "قال المزني: لا يروى في الحديث خطأ، فإن النبي صلى الله عليه وسلم أفصح العرب، فلا يجوز أن يروي خطأ".

وقال أبو الحسن بن الضائع- بالضاد المعجمة- في شرح الجمل: "تجويز الرواية بالمعنى هو السبب عندي في ترك الأئمة كسيبويه وغيره الاستشهاد على إثبات اللغة بالحديث، واعتمدوا في ذلك على القرآن وصريح النقل عن العرب. ولولا تصريح العلماء بجواز النقل بالمعنى في الحديث لكان الأولى في إثبات فصيح اللغة كلام النبي صلى الله عليه وسلم، لأنه أفصح العرب". قال: "وابن خروف يستشهد بالحديث كثيراً فإن كان على وجه الاستظهار والتبرك بالمروي فحسن، وان كان يرى أن من قبله أغفل شيئاً وجب عليه استدراكه فليس كما رأى". وقال أبو حيان في شرح التسهيل: "قد أكثر ابن مالك من الاستدلال بما وقع في الأحاديث على إثبات القواعد الكلية في لسان العرب، وما رأيت أحداً من المتقدمين والمتأخرين سلك هذه الطريقة غيره. على أن الواضعين الأوّلين لعلم النحو المستقرئين للأحكام من لسان العرب كأبي عمرو بن العلاء، وعيسى بن عمر، الخليل، وسيبويه من أئمة البصريين، والكسائي، والفراء، وعلي بن المبارك الأحمر، وهشام الضرير من أئمة الكوفيين، لم يفعلوا ذلك. وتبعهم على هذا المسلك المتأخرون من الفريقين وغيرهم من نحاة الأقاليم، كنحاة بغداد وأهل الأندلس. وقد جرى الكلام في ذلك مع بعض المتأخرين الأذكياء فقال: إنما ترك العلماء ذلك لعدم وثوقهم أن ذلك لفظ الرسول صلى الله عليه وسلم، إذ لو وثقوا بذلك لجرى مجرى القرآن في إثبات القواعد الكلية. وإنما كان ذلك لأمرين: أحدهما: أن الرواة جوّزوا النقل بالمعنى فتجد قصة واحدة قد جرت في زمانه صلى الله عليه وسلم لم تقل بتلك الألفاظ جميعها. نحو ما روي من قوله "زوجتكها بما معك من القرآن" "ملكتكها بما معك", "خذها بما معك" وغير ذلك من الألفاظ الواردة في هذه القصة، فنعلم يقيناً أنه صلى الله عليه وسلم لم يلفظ بجميع هذه الألفاظ، بل لا نجزم أنه قال بعضها. إذ يحتمل أنه قال لفظاً مرادفاً لهذه الألفاظ غيرها، فأتت الرواة بالمرادف، ولم تأت بلفظه صلى الله عليه وسلم، إذ المعنى هو المطلوب، ولاسيما مع تقادم السماع، وعدم ضبطه بالكتابة، والاتكال على الحفظ، والضابط منهم من ضبط المعنى، وأما ضبط اللفظ فبعيد جداً، لاسيما في الأحاديث الطوال. وقد قال سفيان

الثوري: إن قلت لكم إني أحدثكم كما سمعت فلا تصدقوني، إنما هو المعنى. ومن نظر في الحديث أدنى نظر علم العلم اليقين أنهم إنما يروون بالمعنى. الأمر الثاني: أنه وقع اللحن كثيراً فيما روي من الحديث، لأن كثيراً من الرواة كانوا غير عرب بالطبع، ولا يعلمون لسان العرب بصناعة النحو، فوقع اللحن في كلامهم، وهم لا يعلمون ذلك. وقد وقع في كلامهم وروايتهم غير الفصيح من لسان العرب، ونعلم قطعا غير شك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان أفصح الناس، فلم يكن ليتكلم إلاّ بأفصح اللغات وأحسن التراكيب وأشهرها وأجزلها, وإذا تكلم بلغة غير لغته فإنما يتكلم بذلك مع أهل تلك اللغة على طريق الإعجاز، وتعليم الله ذلك له من غير معلم. وابن مالك قد أكثر من الاستدلال بما ورد في الأثر، متعقباً بزعمه على النحويين، وما أمعن النظر في ذلك. "وابن المصنف رحمه الله كأنه موافق لأبيه في استدلاله بما روي في الحديث، فإنه يذكره على طريقة التسليم". وقد قال لنا قاضي القضاة بدر الدين بن جماعة. وكان ممن أخذ عن ابن مالك- قلت له: يا سيدي هذا الحديث رواية الأعاجم، ووقع فيه من روايتهم ما يعلم أنه ليس من لفظ الرسول. فلم يجب بشيء. قال أبو حيان: "وإنما أمعنت الكلام في هذه المسألة لئلا يقول مبتديء: ما بال النحويين يستدلون بقول العرب وفيهم المسلم والكافر، ولا يستدلون بما روي في الحديث بنقل العدول كالبخاري ومسلم وأضرابهما. فمن طالع ما ذكرناه أدرك السبب الذي لأجله لم يستدل النحاة بالحديث". انتهى كلام أبي حيان. وقال القاضي عياض في شرح مسلم: قال الشعبي: "إذا وقع في الحديث اللحن البينّ يعرب". وقاله أحمد بن حنبل. قال: "لأنهم لم يكونوا يلحنون". وقال النسائي: "إن كان شيئاً تقوله العرب فلا يغيّر، وإن لم يكن من لغة قريش، لأنه عليه الصلاة والسلام كان يكلم الناس بألسنتهم، وإن كان لا يوجد في كلام العرب فرسول الله صلى الله عليه وسلم لا يلحن". فصل [في عزو الأقوال إلى أصحابها] قد أوردت جميع كلام أبي البقاء معزوّا إليه، ليعُرف قدر ما زدته عليه، وتتبعت ما ذكره أئمة

فائدة [هل يتعدى "سمع" إلى مفعولين؟]

النحو في كتبهم المبسوطة من الأعاريب للأحاديث، فأوردتها بنصهّا معزوّة إلى قائلها، لأن بركة العلم عزو الأقوال إلى قائلها، ولأن ذلك من أداء الأمانة، وتجنب الخيانة، ومن أكبر أسباب الانتفاع بالتصنيف، لا كالسارق الذي خرج في هذه الأيام فأغار على عدة كتب من تصانيفي، وهي المعجزات الكبرى، والخصائص الصغرى، ومسالك الحنفاء، وكتاب الطيلسان وغير ذلك، وضمّ إليها أشياء من كتب العصريين، ونسب ذلك لنفسه من غير تنبيه على هذه الكتب التي استمد منها، فدخل في زمرة السارقين، وانطوى تحت ربقة المارقين، فنسأل الله تعالى حسن الإخلاص والخلاص، والنجاة يوم يقال للمعتدين لات حين مناص. وقد رمزت على كل حديث رمز من أخرجه من أصحاب الكتب الستة المشتهرة، وإن لم يكن فيها ولا في المسند صرّحت بذكر من أخرجه من أصحاب الكتب المعتبرة. فائدة [هل يتعدى "سمع" إلى مفعولين؟] يتكرر كثيرا في الحديث قول الراوي "سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " وقد اختلف هل يتعدّى "سمعت" إلى مفعولين؟ فجّوزه الفارسي، لكن لابد أن يكون الثاني مما يُسْمَع، نحو: سمعت زيداً قال كذا. فلو قلت: سمعت زيداً أخاك، لم يجز. والصحيح تعدّيه إلى مفعول واحد، وما وقع بعده منصوباً فعلى الحال، والأول على تقدير مضاف، أي سمعت قول رسول صلى الله عليه وسلم، لأن السمع لا يقع على الذوات، ثم بيّن هذا المحذوف بالحال المذكور، وهي يقول، وهي حال مبيّنة، ولا يجوز حذفها. وقال الزمخشري في قوله تعالى: {سَمِعْنَا مُنَادِياً} [آل عمران: 193] تقول سمعت رجلاً

فائدة [في قولنا "رضي الله عنه" و"رضوان الله عليه"]

يتكلم، فتوقع الفعل على الرجل، وتحذف المسموع، لأنك وصفته بما يسمع، أو جعلته حالا منه، فأغناك عن ذكره. ولولا الوصف أو الحال لم يكن منه بدّ وأن يقال: سمعت كلامه. وقال الطيبي: الأصل في "سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ": سمعتُ قول رسول الله، فأخّر القول وجُعل حالاً ليفيد الإبهام والتبيين. وهو أوقع في النفس من الأصل. في قولنا "رضي الله عنه" و "رضوان الله عليه" فائدة [في قولنا "رضي الله عنه" و"رضوان الله عليه"] سئل الإمام أبو محمد بن السِّيد البطلْيوسي عن قولنا: "رضي الله عنه ورضوان الله عليه هل "عليه" هنا مبدلة من "عنه" كما يتبدل بعض الحروف من بعض، فيسوغ فيها على وعن، أم ليست مبدلة؟ فأجاب: ليست "على" هاهنا ببدل من "عن" التي حكم "رضي" أن يتعدى بها، بدليل أن "عليه" قد صارت خبراً عن المبتدأ، ولو كانت بدلاً من "عن" لكانت من صلة الرضوان، ولم يصح أن يكون خبرا عنه، وعن مضمنّة في الكلام، كأنه قال: رضوان الله عنه سابغ عليه، أو واقع عليه، ونحو ذلك (¬1). ¬

_ (¬1) فائدة [في إعراب غير] سئل ابن الحاجب عن إعراب "غير" في قولهم: هذا الحديثُ لا نعلمُ أحداً رواه عن فلان غير فلان؟ أينصب غير أم يرفع؟. فأجاب بما نصّه: إن جعلت "نعلم" متعدياً إلى مفعولين أحدهما "أحداً" والثاني "رواه"، كما نقول: ما أظن أحداً رواه غيرُ فلان، وهو الظاهر، فالفصيح الرفع على البدل من الضمير المرفوع المستتر في "رواه" العائد على أحد، لأنه المنفي في لا نعلم. ويجوز نصبه على الاستثناء، وهي قراءة ابن عامر، ولا يجوز أن يرفع على أن يكون فاعلاً برواه، لأن في "رواه" ضمير فاعل عائد على أحد، فلا يستقيم أن يرفع به فاعل آخر. فإن جعلت "نعلم" بمعنى نعرف المتعدي إلى واحد، كان "رواه" صفة له، كأنك قلت: لا نعرف راوياً غير فلان، تعينّ النصب، جعلته بدلاً أو استثناء، كقولك: ما أكرمت أحداً راوياً غير زيد. فلا يجوز في "غي" إلاَّ النصب. نقلته من خط ابن الضائع في تذكرته، وهو نقله من خط ابن الحاجب.

مسند أبي بن كعب رضي الله عنه

مُسند أُبَّيْ بن كَعْب رضي الله عنه 1 - حديث "ففضت عرقا وكأنما أنظر إلى الله فَرَقا" [في التمييز]. [عَرَقًا وفَرَقا] هما منصوبان على التمييز. فالأوّل محّوِل عن الفاعل، والأصل: ففاض عرقي، فحّول الإسناد إلى ضمير المتكلم، وانتصب عرقاَ على التمييز. قال ابن مالك في شرح التسهيل: "ممّيز الجملة ما ذكر بعد جملة فعلية مبهمة النسبة. وإنما أطلق على هذا النوع بخصوصه مع أن كلّ تمييز فضلة يلي جملة، لأن لكلّ واحد من جزأي الجملة في هذا النوع قسطاً من الإبهام يرتفع بالتمييز، بخلاف

غيره، فإن الإبهام في أحد جزأي جملته، فأطلق على مميزه مميّز مفرد، وعلى هذا النوع مميّز جملة. والأكثر أن يصلح لإسناد الفعل إليه مضافاً إلى المجهول فاعلا، كقولك في: طاب زيدٌ نفساً، و {اشْتَعَلَ الرَّاسُ شَيْباً}: طابت نفس زيد، واشتعل شيب الرأس". وقال الزمخشري في المفصّل: هذه التمييزات مزالة عن أصلها، إذ الأصل وصف النفس بالطّيب، والعرق بالتصبب، والشيب بالاشتعال، وأن يقال: طابت نفسُه، وتصبب عرقهُ، واشتعل شيبُ رأسي، لأن الفعل في الحقيقة وصف في الفاعل. والسبب في هذه الإزالة قصدهم إلى ضرب من المبالغة والتأكيد. قال ابن يعيش في شرحه: "ومعنى المبالغة أن الفعل كان مسنداً إلى جزء منه، فصار مسنداً إلى الجميع، وهو أبلغ في المعنى. والتأكيد أنه لما كان يفهم منه الإسناد إلى ما هو منتصب [به]، ثم أسند في اللفظ إلى زيد تمكّن المعنى، ثم لما احتمل أشياء كثيرة، وهو أن تطيب نفسه بأن تنبسط ولا تنقبض، وأن يطيب لسانه بأن يعذب كلامه، وأن يطيب قلبه بأن يصفا انجلاؤه، بُيّن المراد من ذلك بالنكرة التي هي فاعل في المعنى، فقيل طاب زيدٌ نفساً، وكذا الباقي. فهذا معنى قوله: والسبب في هذه الإزالة قصدهم إلى ضرب من المبالغة والتأكيد". انتهى وأما الثاني فليس محّولاً عن شيء، وإنما هو مبيّن لجهة التشبيه، نحو: أنت

الأسدُ شجاعةً، والبحرُ كرماً، والخليفةُ هيبةً. وفي أوّل هذا الحديث عند مسلم "فسُقِطَ في نفسي من التكذيب ولا إذْ كنتُ في الجاهلية": [معنى سُقِط] قال القاضي عياض: "معنى سُقِطَ في نفسي لما أي أعزته حيرة ودهشة". قال الهروي في قوله تعالى: {وَلَمَّا سُقِطَ فِي أَيْدِيهِمْ}: "أي تحيّروا وندموا، يقال للنادي المتحيرّ على فِعْلٍ فعله: سُقط في يده. وهو كقوله: قد حصل في يده من هذا مكروه". انتهى. وقال أبو حيان في البحر: "ذكر بعض النحويين أن قول العرب "سُقِطَ في يده" فعل لا يتصرف، فلا يستعمل منه مضارع ولا اسم فاعل ولا مفعول. وكان أصله متصرفاَ. تقول!: سَقَط الشيء إذا وقع من علو، فهو في الأصل متصّرف لازم ... وسُقط مبني للمفعول، والذي أوقع موقع الفاعل هو الجار والمجرور، كما تقول: جُلِسَ في الدار، وضحِكَ من زيد. وقيل: سُقِط يتضمن معقولاً وهو هاهنا المصدر الذي هو الإسقاط، كما يقال: ذُهِبَ بزيد". قال أبو حيان: "وصوابه وهو هنا ضمير المصدر الذي هو السقوط، لأن سُقِطَ ليس مصدره الإسقاط، وليس نفس المصدر هو المفعول الذي لم يُسَّم فاعلُه، بل هو ضميره. وقوله: "ولا إذْ كُنْتُ في الجاهلية". قال أبو البقاء: "تقديره ولا أشكل علىَّ حال القرآن إذْ أنا في الجاهلية كإشكال هذه القصّة علىَّ.

وقال التوُّرِبشْتي في شرح المصابيح: قيل فاعل "سقط " محذوف، أي فوقع في نفسي من التكذيب ما لمَ أقدر على وصفه، ولم أعهد بمثله ولا إذْ كنتُ في الجاهلية. وقال الطّيبىّ في شرح المشكاة: "قد أحسن هذا القائل وأصاب في هذا التقدير، ويشهد له قوله: "فلما رأى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم ما غشيني" أي من التكذيب. فَ "مِنْ" على هذا بيانية. والواو في "ولا إذْ كنتُ" لما تستدعى معطوفاَ عليه، و"لا" المؤكدة توجب أن يكون المعطوف عليه منفياً، وهو هذا المحذوف. وهذا أسدّ في العربية من جعل "ولا إذْ كنتُ" صفة لمصدر محذوف، كما قدّره المظهري، حيث قال: "يعنى وقع في خاطري من تكذيب النبي صلى الله عليه وسلم في تحسينه لشأنهما تكذيب أكثر من تكذيبي إياه قبيل الإسلام، لأن واو العطف مانعة، ولو ذهب إلى الحال لجاز على التعسّف". قال: "وذكر المظهري أن "عرقاً وفرقاً" منصوبان على التمييز، والظاهر أن يكون "فرقاً" مفعولاً له، أوحالا، لأنه لا يجوز أن يقال: انظر فرقي". قال: "وقوله: "فَرَدَدْتُ إليه أنْ هَوِّن على أمتي". يجوز أن تكون "أنْ " مفسّرة، لما في رددتُ من معنى القول، ويجوز أن تكون مصدرية، وإن كان مدخوله أمراً. وجوّز ذلك صاحب الكشاف نقلا عن سيبويه".

2 - حديث اللقطة "فإن جاء صاحبها وإلا استمتع بها".

وقوله: "ولك بكُلِّ رَدَّةٍ مسألةٌ تسْألُنيها". " تَسْألُنيها" صفة مؤكدة لمسألة، كقوله تعالى: {وَلا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ} أي مسألة ينبغي لك أن تسألها، وأنك لا تخيب فيها. انتهى. 2 - حديث اللُّقَطَة "فإنْ جاء صاحِبُها وإلاّ استَمْتِعْ بها". قال ابن مالك في توضيحه: "تضمَّن هذا الحديث حذف جواب "إنْ " الأولى وحذف شرط "إنْ " الثانية، وحذف الفاء من جوابها، فإن الأصل: فإنْ جاء، صاحبُها أخذها وإلا يجئ فاسْتمتعْ بها". 3 - حديث: "يغسلُ ما مَسَّ المرأةَ منه". قال أبو البقاء: -وهو أول حديث ذكره في إعرابه-: ""ما" بمعنى الذي، وفاعل "مسَّ " مضمر فيه يعود على الذي، والذي وصلتها مفعول "يغسل"، و" المرأةَ" مفعول "مسَّ ". ولا يجوز أن ترفع "المرأة" بمسَّ على معنى ما مسَّت المرأةُ لوجهين: أحدهما: أن تأنيث المرأة حقيقي، ولم يفصل بينها وبن الفعل فلا وجه لحذف التاء.

4 - حديث موسى والخضر

والثاني: أن إضافة المسّ إلى الرجل وإلى أبعاضه حقيقة، قال تعالى: {أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ} وإضافة المسّ إليها في الجماع تجوّز". انتهى. 4 - حديث موسى والخضر: قال أبو البقاء: "قوله: "أنَّى بأرضك السلام". في "أنّى" ها هنا وجهان: أحدهما: من أين، كقوله تعالى: {أَنَّى لَكِ هَذَا} فهي ظرف مكان.

و"السلام" لما مبتدأ. والظرف خبر عنه. والثاني: هي بمعنى كيف، أي كيف بأرضك السلام؟ ووجه هذا الاستفهام أنه لما رأى ذلك الرجل في قفر من الأرض استبعد علمه بكيفية السلام. فأما قوله "بأرضك" فموضعه نصب على الحال من السلام، والتقدير: من أين استقرَّ السلام كائناً بأرضك؟ ". وقوله: "موسى بني إسرائيل": أي أنت موسى بني إسرائيل؟ فأنت مبتدأ، وموسى خبره. وقوله: "فكلموهم أن يحملوهما فعُرف الخضر فحملوهما". المعنى أن موسى والخضر ويوشع قالوا لأصحاب السفينة هل تحملوننا؟ فعرفوا الخضر فحملوهم. فجمع الضمير في "كلموهم " على الأصل، وثنّى "يحملوهما" لأنهما المتبوعان، ويوشع تبع لهما. ومثله قوله تعالى: {إِنَّ هَذَا عَدُوٌّ لَكَ وَلِزَوْجِكَ فَلا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَى} فثنى ثم وحد لما ذكرنا. وقوله: "قومٌ حملونا". أي هؤلاء قوم، أوهم قوم. فالمبتدأ محذوف. وقوم خبره. وقوله: "فأخذَ برأسه". في الباء وجهان أحدهما: هي زائدة، أي أخذ رأسه. والثاني: ليست زائدة، لأنه ليس المعنى أنه تناولت رأسه ابتداء، وإنما المعنى أنه جرّه إليه برأسه ثم اقتلعه. ولو كانت زائدة لم يكن لقوله "اقتلعه" معنى زائد على أخذه. وقوله: "لَوددْنا لو صبرَ". "لو" هنا بمعنى "أنْ " الناصبة للفعل، كقوله تعالى:

{وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ} {وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُون}. وقد جاء بأنْ لا قوله تعالى: {أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تَكُونَ لَه}. و"صبر" بمعنى يصبر، أي وددنا أن يصبر". انتهى كلام أبى البقاء. قلت: وبقى فيه أشياء منها قوله: "موسى بني إسرائيل": فيه إضافة العلم وهو"موسى" إلى بني إسرائيل. والقاعدة النحوية أن العلم لا يضاف لاستغنائه بتعريف العلمية عن تعريف الإضافة، إلا أنه جاء إضافة العلم قليلاً في قول الشاعر: علا زيْدُنا يومَ النَّقا رأسَ زَيْدِكُم فأوّل على أنه تُخُيّل فيه التنكير لوقوع الاشتراك في مسمَّى هذا اللفظ، وكذا يؤول في هذا الحديث. قال ابن الحاجب: "شرط الإضافة الحقيقية تجريد المضاف من التعريف". قال الرضي: "فإن كان ذا لام حذفه لامه، وإن كان علماً نكّر بأن يجعل واحداً من جملة من سمّي بذلك اللفظ ... قال: وعندي أنه يجوز إضافة العلم مع بقاء تعريفه، إذ لا منع من اجتماع التعريفين كما في النداء، نحو: يا هذا، ويا عبد الله. وذلك إذا أضيف العلم إلى ما هو متصف به معنى، نحو: زيدُ الصدّق، ونحو ذلك. وإن لم يكن في الدنيا إلا زيد واحد. ومثله قولهم: مُضمرُ الحمراء، وأنمارُ الشّاء وزيدُ الخيل. فإن الإضافة

فيها ليست للاشتراك المتفق ... انتهى. وقوله: "ما نَقَصَ عِلْمي وعلمُك مِنْ عِلْمِ الله إلا كنقرةِ هذا العصُفورِ مِنْ هذا البحْر" ليس هذا الاستثناء على ظاهره، لأن علم الله لا يدخله النقص، فقيل "نقص" بمعنى أخذ، وهو توجيه حسن، فيكون من باب التضمين، ويكون التشبيه واقعاً على الآخذ لا على المأخوذ منه. وقيل المراد بالعلم المعلوم بدليل دخول حرف التبعيض، لأن العلم القائم بذات الله تعالى صفة قديمه لا تتبعض، والمعلوم هو الذي يتبعض. وقيل هو من باب قول الشاعر: ولا عَيْبَ فيهم غيرَ أنّ سيوفهُم بهنّ فُلولٌ مِنْ قِراع الكتائب لأن نقر العصفور لا يُنقص البحر. وقيل "إلا" بمعنى "ولا"، أي ولا كنقرة هذا العصفور. كما قيل بذلك في قوله تعالى: {لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ إِلاَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ}، أي ولا الذين ظلموا. لكن قال أبو حيان في البحر: "إن إثبات "إلا" بمعنى "ولا" لا يقوم عليه دليل. وقوله: "إني على عِلْم من عِلْم الله". "على" هنا للاستعلاء المجازي. وقوله: "فبينما هُمْ في ظلِّ صَخْرة في مكانٍ ثَرْيان". قال ابن مالك في توضيحه:

5 - حديث: "فرج سقف بيتي" الحديث.

"هو بلا صرف، وفيه شاهد على أن منع أصرف، فَعْلان ليس مشروطا بأن يكون له مؤنث على فَعْلى، بل شرطه ألا تلحقه تاء التأنيث، ويستوي في ذلك مالا مؤنث له من قبل المعنى "لَحْيان" ومالا مؤنث له من قبل الوضع كـ"ثَرْيان"، وما له مؤنث على فَعْلى في اللغة المشهورةكـ"سَكْران"". انتهى. وقال الكرمانى: "اللام في قوله (لَوَدِدْنا) جواب قسم محذوف. و (لوصَبَر) في تقدير المصدر، أي والله لوددنا صبر موسى. وهذا حكم كلّ فعل وقع مصدّراً بلو بعد فعل المودّة. قال الزمخشرى في قوله تعالى: {وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ} ودّوا إدهانك. و (يُقَصّ) بصيغة المجهول. و (مِنْ أمرهما) مفعول ما لم يسمّ فاعله". [انتهى كلام الكرمانى]. 5 - حديث: "فُرِجَ سَقْفُ بيتي" الحديث. وفيه "ثم جاء بطَسْتٍ مِنْ ذَهَب مملوءاً حِكْمةً وإيماناً فأفْرغَها في صدري". قال أبو البقاء: ""مملوءًا" بالنصب على الحال. وصاحب الحال "طَسْت" لأنه وإن كان نكرة فقد وصف بقوله "مِنْ ذَهَب" فقرب من المعرفة ويجوز أن يكون حالا من الضمير في الجار، لأن تقديره بطَسْتٍ كائنِ من ذهب أو مصوغ من ذهب، فنقل الضمير من اسم الفاعل إلى الجار. ولو روي بالجَر جاز على الصفة. وأما "حكمة

6 - حديث: "أتدري أي آية في كتاب الله معك أعظم".

وإيمانا" فمنصوبان على التمييز". قال: "والطَّسْت مؤنث ولكنه غير حقيقي، فيجوز تذكير صفته حملاً على معنى الإناء" انتهى. 6 - حديث: "أتَدري أي آيةٍ في كتابِ الله مَعكَ أعْظَمُ". قال أبو البقاء: "لا يجوز في "أيّ" هاهنا إلا الرفع على الابتداء و"أعظم" خبره. و"تدرى" معلّق عن العمل، لأن الاستفهام لا يعمل فيه الفعل الذي قبله، وهو كقوله تعالى: {لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصَى} ". وفي حديث عمران بن حصين "أتدرون أيُّ يوم ذاك": "أيّ " مبتدأ، و"ذاك " خبره. وقيل "ذاك " المبتدأ، و"أيّ " الخبر. ولا يجوز نصبه بتدرون البتة".انتهى. 7 - حديث: "أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن سورة وعده أن يعلمه إياها، فقال أبيّ: "فقلت: السورةَ التي قلت لي". قال أبو البقاء: "الوجه النصب على تقدير اذكر لي السورة، أو علمني. والرفع

8 - حديث: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمنا إذا أصبحنا أصبحنا على فطرة لإسلام، وكلمة الإخلاص، وسنة نبينا صلى الله عليه وسلم، وملة أبينا إبراهيم حنيفا مسلما وما كان من المشركين".

غير جائز إذ لا معنى للابتداء هنا". 8 - حديث: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمنا إذا أصْبَحْنا أصْبَحْنا على فِطْرَةِ لإسلام، وكلمة الإخلاص، وسنّة نبيّنا صلى الله عليه وسلم، وملّة أبينا إبراهيم حنيفاً مسلماً وما كان من المشرَكين". قال أبو البقاء: "تقديره: يعلّمنا إذا أصبحنا أن نقول أصبحنا على كذا، فحذف القول للعلم به، كما قال تعالى: {وَالْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ سَلامٌ عَلَيْكُم} أي يقولون سلام عليكم". قال الشيخ عز الدين بن عبد السلام في أماليه: "على" إذا استعملت نحو قوله تعالى: {أُولَئِكَ عَلَى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ} تدل على الاستقرار والتمكن من ذلك المعنى، لأن الجسم إذا علا شيئاً تمكن منه، واستقر عليه". 9 - حديث "كأيّنْ تقرأ سورةَ الأحزاب أو كأيِّن تعدُّها؟ قال: ثلاثا وسبعين آية. قال: قط". [كأيّن وقط] قال أبو البقاء: "أمّا "كأيّنْ" فاسم بمعنى كم. وموضعها نصب بتقرأ أو تعد. وقوله "ثلاثاً وسبعين" منصوب بتقدير أعدّها ثلاثاً وسبعين، فهو مفعول ثانٍ. وأما "قطّ" فاسم مبنى على الضم، وهو للزمان الماضي خاصة. ومنهم من يضمّ القاف، ومنهم

من يفتح القاف ويخفف الطاء ويضمّها. ولا وجه لتسكينها هنا. والتقدير: ما كانت كذا قط". انتهى. قلت: في "كأيِّن" خمس لغات. قال ابن مالك في الكافية الشافية: وفي كأيِّنْ قيل كائِنْ وكَإنْ وهكذا كَيَن وكأيِنْ فاسْتَبِنْ وقال في شرحها: "أصلها "كأيِّنْ " وهي أشهرها، وبها قرأ السبعة إلا ابن كثير. ويليها "كائِنْ" وبها قرأ ابن كثير، والبواقي لم يقرأ بشيء منها في السبع. وقرأ الأعمش وابن مُحيصن "وكأيِنْ" بهمزة ساكنة بعد الكاف وبعدها ياء مكسورة خفيفة، وبعدها نون ساكنة في وزن "كَعْيِنْ" ولا أعرف أحداً قرأ باللغتين الباقيتين". وقال ابن الأثير في النهاية في هذا الحديث: "قوله "أقط " بألف الاستفهام. أي أحَسْب. قال: ومنه حديث حيْوة بن شُرَيح: "لقيت عقبة بن مسلم فقلت له: بلغني أنك حدّثت عن عبد الله بن عمرو بن العاص أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول إذا دخل المسجد: "أعوذ بالله العظيم وبوجهه الكريم وسلطانه القديم من الشيطان الرجيم" قال: أقط؟ قلت: نعم". وقال الأندلسي في شرح المفصَّل: "قط" مخففة ومشدّدة. فالمخففة معناها. حَسْب، وهي مسكنّة مبنيّة لوقوعها موقع فعل الأمر. والمشدّدة معناها ما مضى من الزمان. وبُنيت لأنها أشبهت الفعل الماضي، إذ لا تكون إلا له، ولأنها تضمنت معنى

10 - حديث: "أنهم جمعوا القرآن في مصاحف في خلافة أبي بكر، وكان رجال يكتبون، ويمل عليهم .. ".

"في"، لأن حكم الظرف أن يحسن فيه "في"، ولماّ لم يحسن ظهوره هنا مع أنه اسم زمان دل على أنها مضمنة لها، وحرِّكت لالتقاء الساكنين، وضمّت لأنها أشبهت "مُنْذُ" لأنها في معناها، فإذا قلت: ما رأيتُه قطُّ، فمعناه: ما رأيته منذُ كنت. انتهى. 10 - حديث: "أنهم جمعوا القرآن في مصاحف في خلافة أبي بكر، وكان رجال يكتبون، وُيمِلُّ عليهم .. ". قال أبو البقاء: "يُملُّ" لما بضمِ الياء لا غير، وماضيه أمَلَّ. وفي القرآن "أولا يَسْتطيع أنْ يُملَّ هو". وفيه لغة أخرى: أمْلى يُمْلي، ومنه قوله تعالى: {فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ}. قلت: ذكر أن أملَّ يُمِلّ لغة الحجازيين، وأمْلى يُمْلي لغة [تميم]. 11 - حديث: "لمّا كان يومُ الفتْح قال رجل: لا قُريْشَ بعْدَ اليوم". قلت: هو من مشاهير الأحاديث التي تكلمت النحاة على تخريجها، لدخول "لا" فيه على المعرفة، وبنائها معها على الفتح، وذلك على خلاف القاعدة. ومثله قول عمر بن الخطاب "قضية ولا أبا حسنٍ لها" في أشياء أخر. ونسوق كلام النحاة في ذلك. قال ابن مالك في شرح الكافية: "يُتَأوَّل العلم بنكرة فيجعل اسم لا مركباً

معها إن كان مفردًا, كقول الشاعر: أرى الحاجاتِ عنْدَ أبي خُبيْبٍ نكِدْن ولا أميَّة في البلاد وكقول آخر: لا هَيْثَمَ الليلةَ للمطيِّ ومنصوباً بها إن كان مضافاً، كقولهم: قضيةٌ ولا أبا حسن لها. ولابدَّ من نزع الألف واللام مما هما فيه، ولذلك قالوا: ولا أبا حسنٍ، ولم يقولوا: ولا أبا الحسن. فلو كان المضاف مضافاً إلى ما يلازمه الألف واللام [كعبد الله] لم يجز فيه هذا الاستعمال. وللنحويين في تأويل العلم المستعمل هذا الاستعمال قولان: أحدهما أنه على تقدير إضافة "مِثْل" إلى العلم، ثم حُذف "مِثْل" فخلفه المضافُ إليه في الإعراب والتنكير. والثاني أنه على تقدير: لا واحد من مسمّيات هذا الاسم. وكلا القولين غير مرضي، أما الأول فيدل على فساده أمران: أحدهما التزام العرب تجرد المستعمل ذلك الاستعمال من الألف واللام، ولو كانت إضافة "مثل" منوية لم يحتج إلى ذلك. الثاني: إخبار العرب عن المستعمل ذلك الاستعمال بمثل، كقول الشاعر: تُبكّي على زيْدٍ ولا زيْدَ مِثْلهُ برئ من الحُمَّى سليمُ الجوانح

فلو كانت إضافة "مثل" منوية لكان التقدير: ولا مثل زيد مثله. وذلك فاسد. وأما القول الثاني فضعفه بينِّ لأنه يستلزم أن لا يستعمل هذا الاستعمال إلاّ علم مشترك فيه كزيد، وليس ذلك لازماً، كقولهم: لا بَصْرَةَ لكم، ولا قُريْشَ بعد اليوم، وكقول النبي صلى الله عليه وسلم: "إذا هلك كسرى فلا كسرى بعده". وإنما الوجه في هذا الاستعمال أن يكون على قصد: لا شيء يصدق عليه هذا الاسم كصدقه على المشهور به، فضمّن العلم هذا المعنى، وجُرِّد لفظُه مما ينافي ذلك. انتهى كلام ابن مالك في شرح الكافية. وقال في شرح التسهيل: قد يؤوّل العلم بنكرة، فيركبّ مع "لا" إن كان مفرداً، وينصب بها إن لم يكن مفرداً، فالأوّل كقول النبي صلى الله عليه وسلم: "إذا هلك كسرى فلا كسرى بعده، وإذا هلك قيصر فلا قيصر بعده" وكقول الشاعر: أرى الحاجات عند أبي خُبيبٍ نكدْن ولا أميَّة بالبلاد وكقول الراجز: إنَّ لنا العُزَّى ولا عُزَّى لكم والثاني نحو: "قضيةٌ ولا أبا حسنٍ لها". لما أوقعوا العلم موقع نكرة جرّدوه من الألف واللام إذ كانتا فيه، كقوله: ولا عُزَّى لَكم. أو فيما أضيف إليه كقولهم: ولا أبا حسن. فلو كان العلم "عبد الله" لم يعامل بهذه المعاملة للزوم الألف واللام، وكذا عبد الرحمن على الأصحّ لأن الألف واللام لا ينزعان منه إلا في النداء. وقدّر قوم العلم المعامل بهذه المعاملة مضافاً إليه حذف مضافه وأقيم العلم مقامه في الإعراب والتنكير، كما فُعل بأيدي سبأ في قولهم: "تفرّقوا أيدي سبأ" يريدون مثل أيدي سبأ، فحذفوا المضاف وأقاموا المضاف إليه مقامه في النصب على الحال. وقدّره آخرون

بلا مسمَّى بهذا الاسم، أو بلا واحد من مسمّيات هذا الاسم. ولا يصحّ واحد من التقديرات الثلاثة على الإطلاق. أما الأول فممنوع من ثلاثة أوجه: أحدهما: ذكَر "مثْل" بعده كقول الشاعر: تبكى على زَيْدٍ ولا زيْدَ مِثْله فتقدير"مثل" قبل زيد مع ذكر"مثل" بعده وصفاً أو خبراً يستلزم وصف الشيء بنفسه، أو الاخبار عنه بنفسه وكلاهما ممتنع. الثاني: أن المتكلم بذلك إنما يقصد نفي مسمَّى العلم المقرون بلا، فإذا قدّر"مثل" لزم خلاف المقصود، لأن نفي مثل الشيء لا تعرّض فيه لنفي ذي المثل. الثالث: أن العلم المعامل بها قد يكون انتفاء مثله معلوماً لكل أحد فلا يكون في نفيه فائدة نحو: لا بصرة لكم. [وأما التقدير الثاني والثالث فلا يصح اعتبارهما مطلقا، فإنّ] من الأعلام المعاملة بذلك ماله مسمّيات كثيرة كأبي حسن، وقيصر. فتقدير ما كان هكذا بلا مسمَّى لهذا الاسم أو بلا واحد من مسمّياته لا يصح لأنه كذب. فالصحيح أن لا يقدّر هذا النوع بتقدير واحد، بل يقدّر ما ورد منه بما يليق به وبما يصلح له، فيقدر"لا زيد مثله" بلا واحد من مسميات هذا الاسم مثله، ويقدّر"لا قُريش بعد اليوم" بلا بطن من بطون قريش بعد اليوم، ويقدّر"لا أبا حسن لها" و"لا كسرى بعده" و"لا قيصر بعده" بلا مثل أبي حسن، ولا مثل كسرى ولا مثل قيصر، وكذا لا أمية ولا عُزَّى. ولا يضرّ في ذلك عدم التعرّض لنفي المثل. فإن سياق الكلام يدلّ على القصد. انتهى. وقال الرضيّ: أعلم أنه قد يؤول العلم المشتهر ببعض الخلال بنكرة فينصب بـ "لا" التبرئة، وينزع منه لام التعريف إن كان فيه، نحو: "لا حسنَ" في الحسن البصري،

12 - حديث: "إن مطعم ابن آدم جعل مثلا للدنيا، وإن قزحه وملحه، فانظروا إلى ما يصير".

و"لا صَعِقَ" في الصَّعق. أو مما أضيف إليه نحو: "لا أمرأ قيس" و"لا ابنَ زبير". ولا تجوز هذه المعاملة في لفظي عبد الله وعبد الرحمن، إذ الله والرحمن لا يطلقان على غيره تعالى حتى يقدّر تنكرهما قال: لا هيثمَ الليلةَ للمطيّ وقال: أرى الحاجاتِ عند أبي خُبيبٍ نكدْنَ ولا أميةَ في البلاد ولتأويله بالمنكر وجهان: إما أن يقدر مضاف هو"مثل"، فلا يتعرف بالإضافة لتوغله في الإبهام، وإنما يجعل في صورة المنكر بنزع اللام، وإن كان المنفي في الحقيقة هو المضاف المذكور، الذي لا يتعرف بالِإضافة إلى أي معرف كان، لرعاية اللفظ وإصلاحه. ومن ثمّ قال الأخفش على هذا التأويل يمتنع وصفه لأنه في صورة النكرة، فيمتنع وصفه بمعرفة، وهو معرفة في الحقيقة فلا يوصف بنكرة. وإما أن يجعل العلم لاشتهاره بتلك الخلة كأنه اسم جنس موضوع لإفادة ذلك المعنى، لأن معنى "قضية ولا أبا حسن لها": ولا فَيْصلَ لها، إذ عليّ رضي الله عنه كان فيصلا في الحكومات على ما قال النبي صلى الله عليه وسلم: "أقضاكم عليّ" فصار اسمه كالجنس المفيد لمعنى الفصل والقطع، كلفظ الفيصل، وعلى هذا يمكن وصفه كالمنكر. وهذا كما قالوا: "لكل فرعون موسى"، أي لكل جبّار قهّار، فيصرف موسى وفرعون لتنكيرهما بالمعنى المذكور. انتهى. 12 - حديث: "إن مَطْعَمَ ابْنِ آدمَ جُعِلَ مثلا للدُّنيا، وإنْ قزَّحَهُ وملَّحَهُ، فانظروا إلى ما يصير".

13 - حديث: "جاءت الراجفة تتبعها الرادفة".

قلت: "ما" موصولة وعائدها محذوف، لأنه جُرّ بمثل الحرف الذي جرّ الموصول به، والتقدير: إلى ما يصير إليه، ونظر به يتعدى. 13 - حديث: "جاءت الرّاجفةُ تتْبعُها الرادفة". قلت: هذه الجملة الفعلية حال من الراجفة. وقوله: "جاء الموت بما فيه". جملة الجار والمجرور حال من الموت، والباء للمصاحبة. وقوله: "أرأيتَ إن جَعَلْتُ صَلاتي كلّها عليك". "أرأيت" هنا بمعنى أخبرني. وقوله: "إذنْ يكْفِيَك الله ما أهمّك مِنْ دنياك وآخرتِك". "إذن" هنا للجواب والجزاء معا، وهي ناصبة للفعل لاستيفائها الشروط من التصدّر وغيره. 14 - حديث: "مثلي في النبيين كمثل رجل بنى دارا فأحْسَنها وأكْمَلَها وتركَ فيها مَوْضِعَ لَبِنَةٍ لم يَضَعْها، فجعل الناسُ يطوفون بالبنيان ويعجبون منه ويقولون: لو تمَّ موضعُ اللبنة". قلت: "جعل" لها معان: أحدها: الشروع في الفعل، كأنشأ وطفق، ولها اسم مرفوع وخبر منصوب، ولا يكون غالبا إلا فعلا مضارعا مجرّدا من أنْ، وهي في هذا الحديث بهذا المعنى. قال ابن مالك: وقد يجيء جملة فعلية مصدرة بإذا كقول ابن

15 - حديث: "قال معبد: أي رسول الله، يخشى على من شبهه".

عباس: "فجعل الرجل إذا لم يستطع أن يخرج أرسل رسولا". الثاني: بمعنى اعتقد، فتنصب مفعولين نحو: {وَجَعَلُوا الْمَلائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثاً}. الثالث: بمعنى صيرّ، فتنصب مفعولين أيضاً، نحو: {فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُوراً}. الرابع: بمعنى أوجد وخلق، فتتعدى إلى مفعول واحد، نحو: {وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّور}. الخامس: بمعنى أوجب، نحو: جعلتُ للعامل كذا. السادس: بمعنى ألقى، كجعلتُ بعض متاعي على بعض. 15 - حديث: "قال مَعْبَد: أيْ رسولَ الله، يُخْشى علىَّ مِنْ شبهه". قال أبو البقاء: "أيْ" بفتح الهمزة وتخفيف الياء، مقلوب "يا" وهو حرف نداء. 16 - حديث شرح الصدر. قال أبو البقاء: "قوله: فرجعتُ بها أغدو بها رقّةً على الصغير ورحمةً للكبير" تقديره ذا رقة وذا رحمة. وهو منصوب على أنه خبر أغدو، وهى من أخوات

17 - حديث: "إذا كان يوم القيامة كنت إمام النبيين وخطيبهم وصاحب شفاعتهم غير فخر".

كان، فحذف المضاف ونصب المضاف إليه". قلت: ويجوز أن يكون النصب على الحال. 17 - حديث: "إذا كان يومُ القيامة كنتُ إمام النبيين وخطيبهم وصاحب شفاعتهم غير فخر". قلت: "كان" في أول الحديث تامة بمعنى وجد. و"يومُ القيامة" بالرفع فاعلها. و"كان" الثانية ناقصة. والتاء اسمها. و"إمام" خبرها وقوله "غير فخر" منصوب على الحال. قال التوربشتي: "إمام النبيين" بكسر الهمزة. والذي يفتحها وينصبه على الظرف لم يصب. وقال الرافعي في تاريخ قزوين: "قوله وصاحب شفاعتهم" يجوز أن يقال معناه: وصاحب الشفاعة العامة بينهم. ويجوز أن يريد وصاحب الشفاعة لهم". 18 - حديث: "يوشك الفراتُ أن يحْسرَ عنْ جبل من ذهب". قال ابن مالك: "اقتران خبر "أوشك" بأنْ أكثر من تجريده منها، بعكس كاد، كقوله: ولو سُئِلَ الناسُ التراب لأوشكوا ... إذا قيل هاتوا أن يَملُّوا وَيمْنَعُوا

19 - حديث: "صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم الصبح فقال: شاهد فلان؟ فقالوا: لا".

ومثال التجريد قوله: يُوشِكُ مَنْ فَرَّ مِنْ مَنِيَّتِه ... في بَعْضِ غِرَاتِه يُوافِقُها قال: "واختص كاد وأوشك باستعمال مضارعهما. وسائر أفعال المقاربة لزمت لفظ الماضي". قلت: ففي الحديث شاهد للأمرين معاً. 19 - حديث: "صلّى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم الصُّبح فقال: شاهدٌ فلان؟ فقالوا: لا". قال أبو البقاء: "يريد الهمزة فحذفها للعلم بها. وهو مرفوع بأنه خبر مقدّم. و"فلان" مبتدأ، ويجوز أن يكون "شاهد" مبتدأ لأن همزة الاستفهام فيه مرادة. ولو ظهرت لكان مبتدأ البتة، و"فلان" فاعل يسدّ مسدّ الخبر". انتهى. قلت: الحديث أخرجه أبو داود والنسائي وابن ماجه بلفظ "أشاهد" بإثبات الهمزة فعرف أن إسقاطها من تصرّف الرواة. وقوله: "صلّى بنا". قال الطّيبي: "أي أمَّنا. والباء إما للتعدية أي جعلنا مصلين خلفه، أو للحال أي صلى ملتبساً بنا".

20 - حديث الصدقة.

وقوله: "ولو يعلمون ما فيهما لأتوهما ولو حبْوا". يحتمِل أن يكون من باب حذف كان واسمها بعد لو وهو كثير، والتقدير: ولوكان الإتيان حبوًا. ذكره الطّيبي قال: "ويجوز أن يكون التقدير: ولو أتوهما حابين، تسمية بالمصدر مبالغة". قوله: "وإنّ الصف الأول على مثل صفّ الملائكة". قال الطيبي: "قوله "على مثْل " خبر إنّ، والمتعلق كائن". 20 - حديث الصدقة. قوله: "فلما جمع إليّ ماله لم أجد عليه فيه إلاّ ابنة مخاض، فأخبرته أنها صدقته فقال: ذاك ما لا لَبَنَ فيه ولا ظَهْر". قلت: الإشارة بذاك وهو صيغة المذكر إلى ابنة مخاض وهي مؤنث. وكذا ضمير "فيه" عائد إليه. لأنه قد ينزل المؤنث منزلة المذكر على إرادة معنى الشخص. وقوله: "وقد عرضتُ عليه ناقةً فتيةً سمينةً ليأخذها، فأبى وردّها عليّ، وها هي ذه قد جئتُك بها". قال ابن مالك في شرح التسهيل: "تفصل هاء التنبيه من اسم الإشارة المجرد بأنا وأخواته كثيراً كقولك: ها أنا ذا، وها نحن أولاء إلى ها هن أولاء. ومنه قول السائل عن وقت الصلاة "ها أنا ذا يا رسول الله" وقوله تعالى: {هَا أَنْتُمْ أُولاءِ تُحِبُّونَهُمْ} " انتهى.

وفي حديث جابر في الذي اخترط سيفه: "فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فقال لي: مَنْ يمنَعُك منّي؟ قلت: الله. فها هو ذا جالساً". وفي حديث جُليبيب فقال: "يا رسول الله ها هو ذا إلى جنب سبعة قد قتلهم ثم قتلوه". وقال الأندلسي في شرح المفصل: "وأما قولهم "ها أنا" ونحوه، فـ"ها" عند سيبويه داخله على الأسماء المضمرة. وعند الخليل مع الأسماء المبهمة في التقدير، على أنهم أرادوا أن يقولوا "هذا أنا" فجعلوا أنا بين ها وذا". وقال السيرافي:" "ها" في هذه الحروف للتنبيه، والأسماء بعدها مبتدآت، والخبر أسماء الإشارة ذا ونحوه. وإن شئت جعلت أنت ونحوه الخبر والإشارة هي الاسم". قال: "وإنما يقول القائل: "ها أنا ذا" إذا طُلب رجلٌ لم يُدْر أحاضر هو أم غائب، فيقول المطلوب: ها أنا ذا، أي الحاضر عندك". قال ابن الأنباري: "إنما يجعلون المكنىّ بين "ها" و"ذا " إذا أرادوا القريب في الأخبار، فمعنى ها أنا ذا ألقى فلاناً: قد قرب لقائي إياه. قال: وقول العامة "هو ذا لقي فلاناً" خطأ عند جميعِ العلماء، لأن العرب إذا أرادت هذا المعنى قالوا: ها هو ذا يلقى فلاناً، وها أنا ذا ألقى فلاناً. وأنشد قول أمية:

مسند أبي بن مالك رضي الله عنه

لبيكُما لبيكُما ... ها أنا ذا لديكمُا. انتهى. وقال في موضع آخر: قولك "ها أنا ذا" إنما يقع جواباً لمن طلب إنساناً شك في أنه حاضر أم غائب، فتقول مجيباً له: "ها أنا ذا"، ولا تقول مبتدئا "ها أنا" فتعرف بنفسك، لأنك إذا أشرت إلى نفسك بـ "ذا" فالإخبار "أنا" بعده لا فائدة فيه". انتهى. قوله: "فإن تطوّعت بخير". هو على الأصل. وجاء قوله تعالى: {وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً} بالنصب على إسقاط الخافض. مسند أبيّ بن مالك رضي الله عنه 21 - حديث "مَنْ أَدْركَ والِدَيْهِ أو أَحَدَهُما ثُمَّ دَخَلَ النَّارَ مِنْ بَعْدُ فأبْعَدَهُ الله وأَسْحَقَه". قال ابن مالك في شرح الكافية: "إذا كان جواب الشرط ماضياً لفظاً لا معنى لم يجز اقترانه بالفاء إلا في وعد أو وعيد، لأنه إذا كان وعداً أو وعيداً حَسُنَ أن يقدَّر ماضي المعنى، فعومل معاملة الماضي حقيقة. مثاله قوله تعالى: {وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَكُبَّتْ

مسند أحمر بن جزء

وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ}. ويجوز أن تكون الفاء عاطفة، ويكون التقدير: ومن جاء بالسيّئة فكبّت وجوههم في النار فيقال لهم: هل تجزون؟ انتهى. والحديث من قبيل الوعيد، فلذلك اقترن بالفاء". مسند أحمر بن جَزْء 22 - حديث "إنْ كُنَّا لنأوي لِرسول الله صلى الله عليه وسلم [ممّا]، يُجافي مِرْفَقَيه عَنْ جَنْبَيْه [إذا سجد] ". (إنْ) هنا المخففة من الثقيلة. واللام في لنأوي لام الإبتداء الفارقة بينها وبين إن النافية. ومثله في حديث زياد بن لبيد "ثَكِلَتْكَ أمُكً ابنَ أمّ لبيد إنْ كُنْتُ لأراك مِنْ أفقَهِ رَجُلٍ بِالمدينة". وفي حديث أبي سعيد] الخُدري ["إنْ كانَ النبي مِنَ الأنْبياء لَيُبْتَلَى بالْقَمْلِ حتّىِ يَقْتُلَه، وإنْ كان النبي من الأنبياء لَيُبْتَلى بالفقر، وإنْ كانوا لَيفْرحُونَ بِالبلاَء كما تفْرحُون بِالرَخاء". وفي حديث سؤال القبر "قَدْ عَلِمْنا إنْ كُنْتَ لَمُؤْمناً".

مسند أسامة بن زيد رضي الله عنهما

وفى حديث أنس "إنَّكُم لَتَعْمَلُون أعمالاً هي أدقُّ في أعيُنِكُم مِنَ الشّعر إنْ كُنَّا لَنَعُدُّها على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم من المُوبقات". وفي حديث عائشة "إن كان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم ليُصلّي الصُّبح". وفي حديث بُريدة "بُعِثْتُ أنا والساعةَ جَميعاً إنْ كادَتْ لَتَسْبِقُتي". مسند أسامة بن زَيْد رضي الله عنهما 23 - حديث "قُلتُ: يا رسولَ الله، إنَّكَ تَصومُ حتَّى لا تكاد تُفْطِرُ، وتُفْطِرُ حتى لا تكاد تصوم إلاّ يومين. قال: أيّ يومين؟ ". قال أبو البقاء: "تقديره أيُّ يومين هما؟ فحذف الخبر للعلم به. ويجوز النصب على تقدير أيَّ يومين أصوم؟ أو أيَّ يومين أُديمُ صومهما؟ والرفع أقوى". انتهى. وفي رواية النسائي في هذا الحديث "حتى لا تكاد أن تفطِر" بإثْبات "أنْ"، وإسقاطها كما في رواية أحمد أفصح.

24 - حديث "فقال عبد الله بن أبي: لا أحسن من هذا".

24 - حديث "فقال عبد الله بن أُبيّ: لا أحسن من هذا". قال أبو البقاء: "فيه وجهان: أحدهما: الرفع أنه خبر لا، والإسم محذوف، تقديره لا شَيء أحْسنُ من هذا. والثاني: النصب وفيه وجهان أحدهما: أنه صفة لاسم لا المحذوف، و (مِنْ) خبر لا، ويجوز أن يكون الخبر محذوفاً، وتكون (من) متعلقة بأحسن، أي لا شيء أحسنَ من كلام هذا في الكلام أو في الدنيا. والثاني: أن يكون منصوباً بفعل محذوف تقديره: ألا فعلتَ أحسنَ مِنْ هذا؟ وحذف همزة الإستفهام لظهور معناها". انتهى. قال القاضي عياض: "وروي (لأحْسَنُ مِنْ هذا) بالقصر من غير ألف. قال: وهو عندي أظهر، وتقديره: أحسنُ مِنْ هذا أن تقعدَ في بيتك ولا تأتنا". ثم قال أبو البقاء: "وفيه ولقد اصطلح أهْلُ هذه البُحَيرةِ أن يتوّجوه فيعصبونه بِالعصابة. الوجه في رفع (فيعصبونه) أن يكون في الكلام مبتدأ محذوف تقديره: فهم يعصبونه، أو فإذا هم يعصبونه. ولو روي (يعصبوه) بحذف النون لكان معطوفاً على (يتوّجوه). وهو صحيح المعنى". انتهى. وقوله في أول الحديث "ركب على حمارٍ على إكافٍ على قطيفةٍ". قال الكرماني: "فان قلت: قال النحاة لا تتعدد صِلاتُ الفعل بحرف واحد. قلت: الثالث بدل عن الثاني، وهو عن الأول. فهما في حكم الطرح قال: وقوله إنْ كان حقّاً يصحّ تعلّقه بما قبله، وهو (أحسنُ مما تقول) وبما بعده وهو (لاتؤذنا به في مجالسنا) ".

25 - حديث "قد كنت أنهاك عن حب يهود".

25 - حديث "قَدْ كُنْتُ أنهاكَ عَنْ حُبِّ يَهود". قال الكرماني: "هذا اللفظ مع اللام ودون اللام معرفة. والمراد به اليهوديون، ولكنهم حذفوا ياء النسبة، كما قالوا: زنجي وزنج، للفرق بين المفرد والجماعة. وقال السَّخاوي في شرح المفصَّل: " (يهود) و (مجوس) علمان، ودخول الألف واللام فيهما في قولهم: اليهود والمجوس، كان لمّا حذفت ياء النسبة عوضاً منها. يدل على ذلك قول الشاعر: فَرَّتْ يَهودُ وأَسْلمتْ جِيرانَها ... صَمِّي لما فَعَلَتْ يهودُ صمامِ وقال في موضع آخر: اختلف في (يهود) فمن قال بأنه أعجمي صرفه لأنه من الأعجمي الذي تكلمت به العرب وأدخلت فيه الألف واللام، فكان مثل الدّيباج والإبْريسَم. وأما قول الشاعر: فرَّت يهودُ .... البيت. فيهود فيه اسم قبيلة، والمانع له من الصرف التأنيث والعلمية. ومن قال إنه عربي، وأنه من هاد يهود إذا رجع، لم يصرف إذا سمي به، لأنه على مثال (يقوم). 26 - حديث قال: "رُويداً أَيُّها الناسُ عليكُم السَّكينة". قال أبو البقاء: "الوجه أن ينصب (السكينة) على الإغراء، أي الزموا السكينة

كقوله تعالى: {عَلَيكُم أَنفُسَكُم}. ولا يجوز الرفع لأنه يصير خبراً، وعند ذلك لا يحسن أن تقول (رويداً أيُّها النّاس) لأنه لا فائدة فيه". انتهى. وقال الرضي: " (رُويداً) في الأصل تصغير (إرْواداً) مصدر (أَرْوِدْ) أي أرفُق، تصغير الترخيم، أي أرفُق رِفْقاً. وإن كان تصغيراً قليلاً. ويجوز أن يكون تصغير (رَوْد) بمعنى الرفق، عدّي إلى المفعول به مصدراً أو اسم فعل لتضمنه الإمهال وجعله بمعناه. ويجيء على ثلاثة أقسام: أولها: المصدر، وهو أصل الباقيين، نحو (رُويدَ زَيْدٍ) بالإضافة إلى المفعول، كـ {ضَرْبَ الرِّقابِ} و (رُويداً زَيْد اً) كضرْباً زَيْداً. الثاني: أن يجعل المصدر بمعنى اسم الفاعل، إما صفة للمصدر نحو (سِرْ سَيرْاً رُوَيْداً) أي مروداً، أو حالاً، نحو (سيروا رُويداً) أي مُرْوِدين. ويجوز أن يكون صفة مصدر محذوف. وقوله تعالى: {أَمْهِلْهُم رُويداً} 1 يحتمل المصدر وصفة المصدر والحال. الثالث: أن يُنقل المصدر إلى اسم الفعلِ لكثرة الإستعمال، بأن يُقام المصدر مُقام الفعل، ولا يقدَّر الفعل قبله، نحو (رُويدَ زَيْدًا) بنصب (زيدًا). وإنما فتح رعاية لأصل الحركة الإعرابية. وقولهم (رُويدَكَ زَيْداً) يحتمل أن يكون اسم فعل والكاف حرف، وأن يكون مصدراً مضافاً إلى الفاعل كما مرّ. انتهى. وقال الزمخشري في المفصَّل: "في (رُويد) أربعة أوجه هو في أحدها مبني وهو إذا كان اسماً للفعل، وهو فيما عداه معرب، وذلك أن يقع صفة كقولك: ساروا سيراً

27 - حديث " قلت: يا رسول الله الصلاة. قال: الصلاة أمامك ".

رُويدًا. وحالاً كقولك: ساروا رُوَيْداً. ومصدرا في معنى إرواداً مضافاً كقولك: رُويدَ زَيْدٍ". انتهى. 27 - حديث " قُلتُ: يا رسولَ الله الصَّلاة. قال: الصلاةُ أمامَك ". قال أبو البقاء: "الوجه النصب على تقدير: أتريد الصلاة، أو أتصلي الصلاة؟ " انتهى. وقال القاضي عياض: "هو بالنصب على الإغراء. ويجوز الرفع على إضمار فعل، أي حانت الصلاة، أو حضرت. وقوله (الصلاةُ) بالرفع و (أمامكَ) خبره". وقال ابن مالك: "يجوز في قوله (يا رسول الله الصلاة) النصب بإضمار فعل ناصب تقديره اذكر أو أقم أو نحو ذلك. والرفع بإضمار حضرت أو حانت أو نحو ذلك". 28 - حديث "أَلاَّ شَقَقْتَ عَنْ قَلْبِه". قلت: أَلاّ بفتح الهمزة والتشديد حرف للتحضيض مثل هلاّ. وذكر المالقي في رصف المباني: "أنها الأصل، وهلاّ مبدلة منها، أبدلت الهاء من الهمزة. قال: ولا تنعكس القضية لأن إبدال الهمزة هاء أكثر من إبدال الهاء همزة، والحمل على الأكثر أولى".

29 - حديث "إن رجلا قال: يا رسول الله، إني أعزل عن امرأتي. قال: ولم؟ قال: شفقا على ولدها. فقال: إن كان ذلك فلا، ما ضار ذلك فارس والروم".

29 - حديث "إن رَجُلاً قال: يا رسول الله، إني أَعْزِلُ عَن امرأتي. قال: ولمَ؟ قال: شَفَقاً على وَلَدِها. فقال: إنْ كان ذلك فَلا، ما ضارَ ذلك فارسَ والرُّوم". قال أبو البقاء: "التقدير: فلا تعزل لأجل هذا الغرض، [فإن فارس والروم يَطؤون نساءهم وهُنَّ يُرْضِعْنَ فما يضرّهم [. فلا هي تمام الجواب، ثم قال: ما ضارَ ذلك فارس". 30 - حديث "لَمْ يَأتِني جبريلُ منذُ ثلاث". قال أبو البقاء: "هو بضم الذال، و (ثلاثٌ) بالرفع لا غير، لأنه ذكر ذلك لقدر مدّة الإنقطاع، أي أمدُ ذلك ثلاثُ ليال. ومنذُ لها موضعان: أحدهما: أن تكون للحاضر بمعنى (في)، فتكون حرف جر تجرّ ما بعدها، كقولك: أنت عندنا منذُ اليوم أي في اليوم. والثاني: أن تذكر لبيان المدّة، لا غير، كقولك: ما رأيته منذُ يومان، وإنْ ذكرتها لابْتداء مدة الإنقطاع كقولك: ما رأيته منذُ يومُ الجمعة، رفعت أيضاً، على تقدير أولُ ذلك يومُ الجمعة. ويجوز الجرّ على ضعف بمعنى (مِنْ) ". انتهى. 31 - حديث "قُمتُ على باب الجَنَّةِ فإذا عامَّةُ مَنْ دخَلَها المساكينُ وإذا أَصْحابُ

32 - حديث الطاعون "وإذا وقع بأرض وانتم بها فلا تخرجوا، لا يخرجكم إلا فرارا منه".

الجد محبوسون". قال أبو البقاء: " (إذا) هنا للمفاجأة، وهي ظرف مكان والجيّد هنا أن ترفع (المساكين) على أنه خبر (عامة من يدخلها) وكذلك رفع (محبوسون) على أنه الخبر. و (إذا) ظرف للخبر. ويجوز أن تنصب (محبوسين) على الحال، وتجعل (إذا) خبراً. والتقدير: فبالحضرة أصحاب الجدّ. فيكون (محبوسين) حالاً، والرفع أجود. والعامل في الحال (إذا) أو ما يتعلق به من الإستقرار. و (أصحاب) صاحب الحال". انتهى. 32 - حديث الطاعون "وإذا وَقَع بِأرْض واَنتُم بِها فَلا تَخْرُجوا، لا يُخرجكم إلاّ فراراً منه". قال النووي: "روي (إلا فراراً) بالرفع والنصب، وكلاهما مشكل [من حيث العربية والمعنى. قال القاضي: وهذه الرواية ضعيفة عند أهل العربية مفسدة للمعنى] لأنّ ظاهرها المنع من الخروج لكل سبب إلا للفرار، وهذا ضد المراد. وقال بعضهم لفظة (إلا) هنا غلط من الراوي، وصوابه حذفها، كما هو المعروف في الروايات. ووجّه طائفة النصب فقالوا: هو حال، وكلمة (إلا) للإيجاب لا للإستثناء. وتقديره لا تخرجوا إذا لم يكن خروجكم إلا فراراً منه". وقوله في الرواية الأخرى "إذا سمعتمُ به بأرض". قال الطيبي: "الباء الأولى زائدة على تضمّن سمعتم معنى أخبرتم و (بأرض) حال، أي واقعاً في أرض".

33 - حديث "إنما يرحم الله من عباده الرحماء".

33 - حديث "إنَّما يرحمُ الله مِنْ عِبادِه الرُّحماء". قال أبو البقاء: "يجوز في (الرحماء) النصب على أن تكون (ما) كافّة كقوله تعالى: {إنِّما حَرَّم عَليْكُم المَيْتَة}، والرفع على تقديرِ] إنّ [، الذي يرحمه الله، وأفرد على معنى الجنس، كقوله تعالى: {كَمَثلِ الذيِ اسْتَوْقَدَ ناراً} ثم قال: {ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ}. قال: وقد أفردت هذه المسألة بالكلام، وذكرت في (ما) وجوهاً كثيرة في جزء مفرد. وقال غيره: (مِنْ) في قوله (مِنْ عِبادِه) بيانيّة، وهي حال من المفعول قدّمت". مسند أسامة بن شريك رضي الله عنه 34 - حديث "أَتيتُ النبيّ صلى الله عليه وسلم وأصحابُه عِنْدَه كأنَّما على رؤوسِهم الطَّير". قالت أبو البقاء: "يجوز أن تجعل (ما) كافّة فترفع الطير بالابتداء، و (على رؤوسهم)

الخبر. وبطل عمل (كأنّ) بالكفّ. ويجوز أن تجعل (ما) زائدة وتنصب الطير بكأنّ، و (على رؤوسهم) خبرها. قال: وفيه "فإنَّ الله لم يَضعْ داء إلاّ وضَعَ له دواء غيرَ داء واحد الهرم". قال: لا يجوز في (غير) هنا إلاّ النصب على الإستثناء من داء. أمّا (الهرم) لما فيجوز فيه الرفع على تقدير هو، والجر على البدل من (داء) المجرور بغير، والنصب على إضمار أعني". وقوله "فكان أُسامةُ يقول حين كَبِر: ترون لي من دواء". [قال أبو البقاء]: "يجوز في (ترون) فتح الراء وضمهّا، والتقدير أترون؟ ولكنه حذف همزة الإستفهام لظهور معناها. ولابدَّ من تقديرها لأمرين: أحدهما أنه تحقق أنهم لم يعرفوا له دواء. والثاني أنه زاد فيه (مِنْ)، و (مِنْ) تزاد في النفي والإستفهام والنهي". انتهى. قلت: وقوله "يا رسولَ الله نَتَداوى؟ " قال: "نعم" على حذف همزة الإستفهام، أي أنتداوى؟. وقوله (وسألو عن أشياء، علينا حرج في كذا وكذا؟) على حذف الهمزة أيضاً، أي أعلينا؟ وقوله (قال: عباد الله) على حذف حرف النداء؟ أي يا عباد الله.

مسند أسامة بن عمير الهذلي أبي المليح رضي الله عنهما

وقوله "وضَعَ الله الحرَجَ إلاّ امرأ اقْتَرض مسلماً ظلماً فذلك الذي حَرجِ" فيه حذف المستثنى منه، أي عن عباده إلا امرأ، أو عنكم. وقوله "قالوا: ما خير ما أعُطى الناس؟ ". (ما) الأولى استفهامية لا غير. والثانية إمّا موصولة أو نكرة موصوفة. وجملة (أعُطى الناس) صلة أو صفة. وعائد الموصول أو الموصوف محذوف والتقدير: أي شيء خير الذي أعطيه الناس؟ أو خير شيء أعُطيه الناس؟ مسند أُسامة بن عُمَيْر الهُذَليّ أَبي الملَيح رضي الله عنهما 35 - حديث "فَأَمَر رسولُ الله صلى الله عليه وسلم مُنادِيَه أن الصلاة في الرّحال". قال أبو البقاء: "يجوز في (أنّ) الفتح على تقدير: ينادى بأنّ الصلاة في الرحال، أي ينادى بذلك. والكسر على تقدير: فقال إنَّ الصلاة، لأن النداء قول. ومنه قوله تعالى {فَنادَتهُ الملائِكَةُ} ثم قال: {إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ}، قرىء بالفتح والكسر".

مسند أبي رافع مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم

مسند أبي رافع مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم واسمه أسلم رضي الله عنه 36 - حديث "فقال أفّ لك" وفى حديث ابن عباس "فجاء ينفضُ ثَوبه ويقول: أفّ وتُف". قال الشيخ بهاء الدين بن النحاس في التعليقة: " (أف) اسم أتضجر أو تضجرت. وفيه سبع لغات: ضمّ الفاء وفتحها وكسرها من غير تنوين، وبتنوين، هذه ست،. والسابعة (أفّي) بألف ممالة بعد الفاء وهي التي تخلصها العامة ياء". وعن ابن القطاع إف بكسر الهمزة. وحكاها أيضاً ابن سيدة في المحكم، وهي مبنية على كل لغة لكونها اسم فعل. وحكى الأزهري عن ابن الأنباري (أفّي لك) بإضافته إلى ياء المتكلم، فمن ضمّ فللإتباع، ومن كسر فعلى أصل التقاء الساكنين، ومن فتح فطلباً للتخفيف، والتنوين فيها في جميع الأحوال للتنكير. قال الزمخشري: "وتلحق به التاء منوّناً". قال ابن يعيش: "وأما (أفة) بتاء التأنيث فلا أعرفها، وإن كانت وردت فما أقلّها، وإن كان القياس لا يأباها". وقال السَّخاوي: "هي اسم للفعل. قال أبو علي: وهو في الأصل مصدر من

37 - حديث "إنا آل محمد لا تحل لنا الصدقة".

قولهم أفَّةً وتُفَّةً أي نَتَناً. فلما صار إسماً للفعل الذي هو أتكرّه وأتضجر بُني، ويخفف فيقال (أفْ) بسكون الفاء، ومنهم من يفتحها مع التخفيف". قال الجوهري:"ويقال أُفّاً وتُفَّاً وهو إتباع له". وقال ابن سيدة: "الأُفّ الوسخ الذي حول الظفر، والتُّفّ الذي فيه، وقيل الأُف وسخ الأذن، والتفّ وسخ الأظفار، ثم استعمل ذلك عند كل شيء يتضجر منه. وقيل الأًفّ القلة، والتفّ منسوق على أُفّ ومعناه كمعناه". انتهى. 37 - حديث "إنّا آلَ مُحَمَّدٍ لا تَحِلُّ لَنا الصَّدَقَة". قال أبو البقاء: " (آلَ) منصوب بإضمار أعني أو أخصّ، وليس بمرفوع على أنه خبر إنّ، لأنّ ذلك معلوم لا يحتاج إلى ذكره. وخبر إن قوله (لا تحل لنا الصدقة) ومنه قول الشاعر: نَحْنُ بَني ضَبَّةَ أصحابُ الجَمَل. وهو كثير في الشعر". انتهى. وقال الشيخ بهاء الدين بن النحاس في التعليقة: "هذا الاسم المنصوب يشبه المنادى وليس بمنادى، وهو منصوب بفعل مضمر لا يجوز إظهاره، كما لم يجز ظهوره مع المنادى، وموضع هذا الإسم مع الفعل الناصبة نصب على الحال، لأنه لما كان في التقدير: إنّا أخصّ أو أعني، فكأنه قال إنّا نفعل كذا مخصوصين من بين الناس

38 - حديث "أما إنك لو سكت لناولتني ذراعا فذراعا ما سكت".

أو معنيين، فالحال من فاعل نفعل لا من اسم إنّ، لئلا يبقى الحال بلا عامل، وأكثر الأسماء دخولاً في هذا الباب (بنو فلان) نحو: نَحْنُ بَني ضَبَّةَ أَصْحابُ الجَمَلْ، و (مَعْشَر) مضافة نحو "إنّا معاشِرَ الأنبياء لا نُورث"، وإنَّا معاشِرَ الصعَّاليكِ لا طاقةَ لنا بالمروءة، وأهلُ البيت نحو "رَحْمَةُ الله وبركاتُه عَليكُم أهل البَيت" و (آلُ فلان) نحو قولهم: نحْنُ آلَ فلانٍ كُرَماء" انتهى. وقال الشيخ جمال الدين بن هشام في تذكرته من ألغاز باب الإبتداء: نَحْنُ بَناتِ طارقْ ... نَمشى على النَّمارِقْ (بَناتِ) بالنصب على الإختصاص، والخير نمشي. 38 - حديث "أما إِنَّكَ لَوْ سَكَتَّ لناولتني ذراعاً فَذِراعاً ما سَكَتَّ". قال الطيّبي في شرح المشكاة: "الفاء فيه للتعاقب، كما في قوله (الأمثل فالأمثل). و (ما) في (ما سكتّ) للمدة". 39 - حديث "لا أُلفِينَّ أحَدَكُمْ مُتَّكِئاً عَلى أريكَتِه". قال القرطبي في المفهم: "أي لا يفعلنّ أحدكم ذلك فأجده على تلك الحال. وهذا مثل قول

مسند أسيد بن حضير رضي الله عنه

العرب: لا أرينَّك ها هنا أي لا تكن هنا فأراك". وقد تكرر مثل هذا في الحديث، ومنه حديث أبي هريرة "لا أُلفِينَّ أحَدكُمْ يجيء يَوْمَ القِيامَةِ عَلى رَقَبتِه بعيرٌ له رُغَاء". وقال زين العرب في شرح المصابيح: " (مُتَّكِئاً) مفعول ثان". وقال الطّيبي في شرح المشكاة: "نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم نفسه عن أن يجدهم على هذه الحالة، والمراد نهيهم عن أن يكونوا عليها، فإنهم إذا كانوا عليها وجدهم كذلك، فهو من باب إطلاق المسبب على السبب". قوله (يَأتيه الأمر مِنْ أمري مِما أمرْتُ به أو نَهيتُ عَنْهُ فيقولُ: لا أَدري). قال المُظهري: " (مما أمًرْتُ بِه) بدل من أمري. وقال الطّيبي: "يجوز أن يُراد بقوله (الأمر مِنْ أمري) الأمر الذي هو بمعنى الشأن. ويكون (مما أمرت به أو نهيتُ عنه) بياناً للأمر الذي هو الشأن لأنه أعمّ من الأمر والنهى. وقوله (فيقول لا أدري) مرتب على يأتيه، والجملة كما هي حال أخرى من المفعول، ويكون النهي منصبّاً على المجموع، أي لا ألفينَّ أحدكم وحاله أنه متكىء ويأتيه الأمر فيقول لا أدري". انتهى. مسند أًسَيد بن حُضَير رضي الله عنه 40 - حديث "بينَما هو يقرأ في الليل سورة البَقرةِ وفَرسُه مربوطةٌ إذْ جالت الفرسُ

مسند أسيد بن ظهير رضي الله عنه

فسكتَ فسكَنتْ " إلى أن قال " فلمَّا أصبح حدَّثَ النبيَّ صلى الله عليه وسلم فقال: اقرا يا بْنَ حُضَير، اقرا يا بْنَ حُضَير. فقال: أشفقت يا رسولَ الله أن تَطأ يحي". قوله (اقرأ) ليس أمراً له بالقراءة في الحال، وإنّما هو تصوير لتلك الحالة، فهو كحكاية الأمر في الحال الماضية. قال النووي: " (اقرأ) معناه كان ينبغي أن تستمر على القراءة وتغتنم ما حصل لك من نزول السكينة والملائكة، فتستكثر من القراءة التي هي سببه". وقال الطيبي: "يريد أن (اقرأ) لفظ أمر طلب للقراءة في الحال، ومعناه تحضيض وطلب للإستزادة في الزمان الماضي، أي هلاّ زدت. كأنه صلى الله عليه وسلم استحضر تلك الحالة العجيبة الشأن فأمره تحريضاً عليه. والدليل على أن المراد من الأمر الإستزادة وطلب دوام القراءة والنهى عن قطعها قوله في الجواب (أَشفقتُ يا رسول الله) أي خفت إن دُمْتُ عليها أن تطأ الفرسُ ولدي يحي". انتهى مسند أسَيْد بن ظُهير رضي الله عنه 41 - حديث "الصلاةُ في مسجدِ قباء كَعمْرة".

مسند الأسود بن سريع رضي الله عنه

قال أبو البقاء: "الجيّد في (قباء) الصرف، ووزنه فُعال، ومنهم أن لا يصرفه ويجعله اسماً للبقعة مؤنثاً". مسند الأسود بن سريع رضي الله عنه 42 - حديث "هاتِ ما امْتَدَحْتَ بِهِ رَبَّك". قال الرِضى: " (هاتِ) من أسماء الأفعال. هاتِ بمعنى أَعْطِ، ويتصرّف بحسب المأمور إفراداً وتثنيةً وجمعاً وتذكيراً وتأنيثاً. تقول: هاتِ، هاتِيا، هاتُوا، هاتِي، هاتِيا، هاتِين. وتصرّفه دليل فعليته، تقول هاتِ لا هاتيت، وهاتِ إنْ كان بك مهاتاة، وما أُهاتيك أي ما أعاطيك". قال الجوهري: "لا يقال منه هاتَيْتُ ولا يُنْهَى منه. فهو على ما قال ليس بتام التصرف". وقال الخليل: "أصل هاتِ آت من آتى يُؤتي إيتاء، فقلبت الهمزة هاء. ومن قال هو اسم فعل قال لحوق الضمائر به لقوة مشابهته لفظاً للأفعال. ويقول في نحو مهاتاة وهاتيت إنه مشتق من هاتي كأحاشي من حاشى، وبَسْمَلَ من بِسم الله". انتهى.

مسند الأشعث بن قيس الكندي رضي الله عنه

مسند الأشْعَث بن قَيْس الكندي رضي الله عنه 43 - حديث "لا يَشْكرُ الله مَنْ لا يَشْكُر النّاس". قال أبو البقاء: "الرفع في (يشكر) في الموضعين لا يجوز غيره لأنّه خبر وليس بنهي ولا شرط. و (مَنْ) بمعنى الذي". انتهى. وقال ابن الأثير في النهاية: "معناه إنّ الله لا يقبل شكر العبد على إحسانه إليه إذا كان العبد لا يشكر إحسان الناس ويكفر معروفهم، لاتصال أحد الأمرين بالأخر. وقيل معناه إنّ مَنْ كان مِنْ طبعه وعادته كفران نعمة الناس وترك الشكر لهم كان من عادته وطبعه كفر نعمة الله وترك الشكر له. وقيل معناه إنّ من لا يشكر الناس كمن لا يشكر الله وإن شكره. كما تقول: لا يحبّني من لا يحبّك. أي إنّ محبّتك مقرونة بمحبتي، فمن أحبني يحبك، ومن لم يحبّك فكأنه لم يحبّني. وهذه الأقوال مبنيّة على الرفع في اسم الله تعالى ونصبه". انتهى.

44 - حديث "كان بيني وبين رجل خصومة في شيء فاختصمنا إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: شاهداك أو يمينه".

وقال الحافظ أبو الفضل العراقي في أماليه: "المعروف المشهور في الرواية النصب في اسم الله تعالى، وفي الناس، ويشهد لذلك حديث النّعمان بن بشير " ومَنْ لَمْ يَشْكُرْ لِلناسِ لَمْ يَشْكُر الله"، رواه عبد الله بن أحمد في زوائد المسند. وذكر القاضي أبو بكر بن العربي أنّه روى برفعهما ونصبهما، ورفع أحدهما ونصب الآخر، فهذه أربعة أوجه". انتهى. 44 - حديث "كانَ بَيْني وبَين رَجُلٍ خُصومةٌ في شيء فاخْتَصَمْنا إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم، فقال: شاهِداك أو يَمينه". قال القاضي عياض: "كذا الرواية، وارتفع (شاهداك) بفعل مضمر"، قال سيبويه: "معناه ما قال شاهداك". قلت: أو على أن التقدير لك إقامة شاهديك أو طلب يمينه فحذف الإقامة والطلب وأقيم المضاف إليهما مقامه فارتفع، وحذف الخبر للعلم به. وقال الكرماني: "أي المثبت أو الحجة شاهداك، أو شاهداك هو المطلوب". قوله "لَفِيَّ والله نَزَلَتْ". قال ابن مالك: "فيه شاهد على توسّط القسم بين

45 - حديث "فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: بينتك أنها بيرك وإلا فيمينه".

جزأي الجواب، وعلى أنّ اللام يجب وصلها بمعمول الفعل الجوابي المقدّم، وخلو الفعل منها ومن قبول قد إن كان ماضياً، كما يجب خلوّ المضارع منها ومن قبول نون التوكيد إذا قدّم معموله، كقوله تعالى: {ولَئِنْ مُتُّمْ أو قُتِلْتُم لإلَى الله تحْشرون} ". 45 - حديث "فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: بَيّنَتك أَنها بيرك وإلاّ فَيَمينه". قال أبو البقاء: " (بيّنَتَك) بالنصب على تقدير هات أو أحضر، و (أنّها) بالفتح لا غير، والكسر خطأ فاحش، وقوله (وإلاّ فيمينه) يجوز فيه النصب على تقدير: وإلا فاسْتَوفِ يَمينَه، والرفع على تقدير: وإلاّ فَلَك يمينه، على الإبتداء والخبر". وقال الكرمانى: "يجوز في (بيّنتك) الرفع أي المطلوب بيّنتك". مسند الأغَرّ المُزَنيِّ رضي الله عنه 46 - حديث "إنَّه لَيُغانُ على قلبي". قال الطيبي: "اسم إنّ ضمير الشأن، والجملة بعده خبر له، ومفّسره، والفعل مسند إلى الظرف، وموضعه رفع بالفاعليّة".

مسند أمية بن مخشي الخزاعي رضي الله عنه

مسند أميَّة بن مَخْشِيّ الخُزاعي رضي الله عنه 47 - حديث "بِسمِ الله أَوَّلَه وآخِرَه". قال أبو البقاء: "الجيد النصب فيهما، والتقدير عند أوله وعند آخره، فحذف عند وأقام المضاف إليه مقامه. ويجوز أن يكون التقدير ألاقي بالبسملة أوّله وأخره، ويجوز الجر على تقدير في أوله وآخره". مسند أنس بن مالك (رضي الله عنه) 48 - حديث الشفاعة، قوله: "يُجْمَعُ المُؤْمِنُونَ يَوْمَ القيامة فَيُلْهَمُونَ ذلك". قال أبو البقاء: (ذلك) إشارة إلى المذكور بعده، وهو حديث الشفاعة. ويجوز أن

يكون قد جرى ذكره قبل، فأشار بذلك إليه، ثم ذكر بعد منه طائفة. وقوله: "فيقولون لو اسْتَشْفَعْنا على رَبِّنا". عدّى (استشفعنا) بعلى، وهي في الأكثر تتعدّى بإلى، لأن معنى استشفعت توسلت، فتتعدى بإلى، ومعناها أيضاً استعنت، يقال: استشفعتُ إليه واستعنتُ عليه، وتحمّلت عليه بمعنى واحد. ومن هذا قول الشاعر: إذا رَضيَتْ عَلىَّ بنو قُشَيرٍ ... لَعمرُ أبيكَ أعجبني رضاها فعدّاه بعلى. قال أبو عبيدة: "إنما ساغ ذلك لأن معناه أقبلت علىّ". انتهى. قلت: في رواية للبخاري "لو استشفعنا إِلى ربّنا" بإلى على الأصل. قال الكرماني: وجواب "لو" محذوف، أو هي للتمني. وقال الطيبي: "لو" هي المتضمنة للتمني والطلب. وقوله (فَيُريحَنا) منصوب بأن المقدّرة بعد الفاء الواقعة جواباً للو. وقوله: (أأنت آدم) من باب: أنا أبو النجم وشِعْري شِعْري ثم قال أبو البقاء: وقوله: "لَسْتُ هُنَاكمُ": (هنا) في الأصل ظرف مكان وقد استعملت للزمان، ومعناها هاهنا عند، أي لست عند حاجتكم أنفعكم، والكاف والميم لخطاب الجماعة.

وقوله: "فيستحي ربَّه من ذلك" الأصل فيستحي من ربّه فحذف (من) للعلم بها، كقوله تعالى: {وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلاً} أي من قومه. ويجوز أن لا يكون فيه حذف، ويكون المعنى يخشى ربَّه أو يخاف ربَّه، لأن الاستحياء والخشية بمعنى واحد. وقوله: "ولكن ائتوا موسى عَبْدٌ" تقديره: هو عبد. ولو نصب جاز على البدل أو على الحال، والرفع أفخم. وقوله: "ائتوا عيسى عَبْد الله" الرفعِ فيه أجود كما رفع ما قبله على التعظيم، ويجوز النصب على الصفة. وقوله: "ائتوا محمداً صلى الله عليه وسلم عَبْداً غفر الله له" فنصب هاهنا على البدل أو الحال أو على إضمار أعني، ولو رفع كما رفع (عَبْدٌ كلّمه الله) لجاز. وقوله: "أنتظر أُمتِي تَعْبُرُ الصِّراط" التقدير: أنتظر أمتي أن تعبر، فأن والفعل في تقدير مصدر موضعه نصب بدلاً من أمتي بدل اشتمال، ولما حذف (أن) رفع الفعل، ونصبه جائز. وقوله: "فالخَلْقُ مُلْجَموُنَ في العَرَق" يجوز أن يكون المعنى أنهم في العرق ملجمون بغيره، فيكون (في العرق) خبرًا عن الخلق، و (مُلْجَمون) خبراً آخر.

49 - حديث الغار، قوله: "إنه كان لي والدان فكنت أحلب لهما في إنائهما فآتيهما، فإذا وجدتهما راقدين قمت على رؤوسهما كراهية أن أرد سنتهما في رؤوسهما حتى يستيقظان متى استيقظا".

ويجوز أن يكون (في) بمعنى الباء، ويكون العرق ألجمهم. هذا كلُّه كلام أبي البقاء وقوله: "فَاحْمَدُهُ بِمَحامِدَ لا أقدر عليه الآن". قال النووي: هكذا هو في الأصول "لا أقدر عليه" وهو صحيح، ويعود الضمير في (عليه) إلى الحمد. وقوله في الرواية الأخرى: "لستُ لها". قال الطيبي: اللام متعلقة بمحذوف. واللام هي التي في قولك: أنت لهذا الأمر، أي كائن له ونختص به. وعلى هذا قوله: "أنا لها" وقوله: "ليس ذلك لك". 49 - حديث الغار، قوله: "إِنَّهُ كانَ لي والدان فكُنْتُ أَحْلِبُ لَهمُا في إنائِهما فآتيهما، فإذا وَجْدتُهما راقِدَيْن قُمْتُ عَلى رُؤُوسِهما كرَاهِيةَ أنّ أَرُدِّ سِنَتَهمُا في رُؤوسهما حتّى يستيقظان متى استيقظا". قال أبو البقاء: هكذا وقع في هذه الرواية "حتى يستيقظان" بالنون، وفيه عدة أوجه: أحدها: أن يكون ذلك من سهو الرواة، وقد وقع ذلك منهم كثيراً، والوجه حذفها بحتى، لأن معناها إلى أن يستيقظا، وتتعلق بقمت. والثاني: أن يكون ذلك على ما جاء في شذوذ الشعر، كقوله:

50 - حديث الأوعية، قوله: "فالرصاص والقارورة، قال: ما بأس بهما".

أَنْ تقرآنِ عَلى أسْماء وَيحكُما ... مِنيّ السَّلامَ وأَنْ لا تُخْبِرا أَحَدا والثالث: أن يكون على حذف مبتدأ، أي حتى هما يستيقظان. وقوله: "متى استيقظ" تقديره: سقيتهما. ويجوز أن يكون المعنى أؤخر أو أنتظر أي وقت استيقظا. انتهى. 50 - حديث الأوعية، قوله: "فالرصاص والقارورة، قال: ما بأس بهما". قال أبو البقاء: جعل اسم (ما) نكرة والخبر جار ومجرور، والأكثر في كلامهم أن يقدّم هاهنا الخبر، فيقال: ما بهما بأس. وتقديم المبتدأ جائز لأن البأس مصدر، وتعريف المصدر وتنكيره متقاربان. وقد قالوا: "لا رجلٌ في الدار". فرفعوا بلا النكرة. و (ما) قريب منها. ويجوز أن يحمل (ما) على (لا). 51 - حديث "لا تَزالُ جَهَنَّمُ تقول "هَلْ مِنْ مَزيد" حتى يَضَعَ فيها رَبُّ العِزَّةِ قَدَمه، فتقول: "قَطْ قَطْ وعِزَّتِك". قال الأندلسي في شرح المفصّل: (قَطْ) المخففة معناها حَسْب، وهي مبنية على السكون لوقوعها موقع فعل الأمر، وتدخلها نون الوقاية حرصاً على إبقاء سكونها. قال:

52 - حديث "قوموا فلأصلي لكم".

امتلأ الحَوْضُ وقال قَطْني وربما حذفت نون الوقاية منها، مثله في عني ومني. وإنما لم تُبنَ حَسْب وإن كانت في معناها لأنها لم توضع في أول أحوالها وضع الفعل كما فُعل بقط، لأنك تصرفها فتقول أحسبني الشيء إحساباً، وهذا حَسْبُك أي كافيك، فلما تصرّف بهذه الوجوه دون قَط أُعرب ولم يُبْنَ، وتنون قَطْ هذه في التنكير لأنها بمنزلة صَهْ ومَهْ. 52 - حديث "قوموا فلأصلّي لكم". قال أبو البقاء: لم يقل (بكم) لأنه أراد من أجلكم لتقتدوا بي. انتهى. وقال إن مالك في التوضيح: يروي قوله (فلأصلّي) بحذف الياء وبثبوتها مفتوحة وساكنة، واللام عند ثبوت الياء مفتوحة لام كي، والفعل بعدها منصوب بأن مضمرة، وأن الفعل في تأويل مصدر مجرور، واللام ومصحوبها خبر مبتدأ محذوف، والتقدير: قوموا فقيامكم لأصلي لكم. ويجوز على مذهب الأخفش أن تكون الفاء زائدة، واللام متعلقة بقوموا، واللام عند حذف الياء لام الأمر، ويجوز فتحها على لغة سُليم، وتسكينها بعد الفاء والواو وثُمّ على لغة قريش، وحذف الياء علامة الجزم. وأمر المتكلم نفسه بفعل مقرون باللام فصيح قليل في الاستعمال، ومنه قوله تعالى: {وَلْنَحْمِلْ خَطَايَاكُمْ}.

53 - حديث "مر النبي صلى الله عليه وسلم بتمرة مسقوطة".

وأمّا في رواية من أثبت الياء ساكنة فيحتمل أن تكون اللام لام كي وسكنت الياء تخفيفاً، وهي لغة مشهورة، أعني تسكين الياء المفتوحة، ومنه قراءة الحسن {وذروا ما بَقِيْ من الرّبا} وقرىء {فَنَسيْ} و {ثانيْ اثنين} بالسكون. ويحتمل أن تكون اللام لام الأمر وثبتت الياء في الجزم إجراء للمعتل مجرى الصحيح، كقراءة قُنْبُل .. {إنه من يتقيْ ويصبر}. وقال الزركشي: قال ابن السّيد: يرويه كثير من الناس بالياء، ومنهم من يفتح اللام ويسكن الياء ويتوهمونه قَسَما، وذلك غلط، لأنه لا وجه للقسم، ولو كان لقال فلأصلينّ، بالنون. وإنما الرواية الصحيحة (فلأصلّ) على معنى الأمر. والأمر إن كان للمتكلم والغائب كان باللام أبدا، وإذا كان للمخاطب كان بلام وغير لام. قوله: "وصَفَفْتُ أنا واليتيم وراءه". قال الزركشي: بنصب اليتيم ورفعه. ويروى "وصففت واليتيم" من غير توكيد. والأول أفصح، إذ لا يعطف غالباً على الضمير المرفوع إلاّ مع التأكيد، كقوله تعالى: {اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ}. 53 - حديث "مرّ النبي صلى الله عليه وسلم بِتمْرَةٍ مسقوطة".

54 - : حديث "ما صليت وراء إمام قط أخف صلاة".

قال الكرماني: القياس أن يقال سَاقطة، لكنه قد يجعل اللازم كالمتعدّي بتأويل، كقراءة من قرأ {وعُموا وصُمّوا} بلفظ المجهول. التيمي: هي كلمة غريبة لأن المشهور أن (سقط) لازم، على أن العرب قد تذكرِ الفاعل بلفظ المفعول وبالعكس إذا كان المعنى مفهوماً. ويجوز أن يقال جاء (سُقِط) متعدياَ أيضاً بدليل قوله تعالى: {سُقِطَ فِي أَيْدِيهِم}. قال الخطابي: "يأتي المفعول بمعنى الفاعل كقوله تعالى: {كَانَ وَعْدُهُ مَاتِيّاً} أي آتيا". [انتهى]. وقال ابن مالك: (مسقوطة) بمعنى مُسقَطة، ونظيره مرقوق بمعنى مُرَقّ أي مسترق، عن ابن جني، ومثله أيضاً رجل مفؤود أي جبان، ولا فعل له، [إنما يقال بمعنى مرض فؤاده لا بمعنى جبن. وكما جاء مفعول ولا فعل له جاء فُعِلَ ولا مفعول له] كقراءة النخعي {ثم عُمُوا وصُمُّوا} ولم يجيء مَعْمِيّ ولا مَصمُوم استغناء بأعْمى وأَصَمّ. 54 - : حديث "ما صَلَّيْتُ ورَاء إمامٍ قَطّ أَخَفَّ صَلاةً". قال الكرماني: (أخفّ) صفة للإِمام. و (صلاة) تمييز له. وقوله: "وإنْ كانَ لَيَسْمَعُ بكاء الصبي" أصله: وإنّه كان، مخفف وفيه ضمير الشأن.

55 - حديث: "إن النبي صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر كانوا يفتتحون الصلاة بالحمد لله رب العالمين".

55 - حديث: "إن النبيَّ صلى الله عليه وسلم وأَبا بكرٍ وعمرَ كانوا يَفْتَتِحُونَ الصَّلاةَ بالحمدُ لله ربّ العالمين". قال الزركشي والكرماني: (الحمدُ) بضم الدال على سبيل الحكاية. 56 - حديث: "لقد رأيتُ الآنَ مُنْذُ صَلَّيْتُ لَكمُ الَجنَّةَ والنّار". قال الكرماني: فإن قلت (الآن) للحال، و (رأيتُ) للماضي، فكيف يجتمعان؟ قلت: دخول (قد) عليه قرّبه إلى الحال. فإن قلت: فما قولك في (صَلَّيتُ) فإنه للمضيّ البتة؟ قلت: قال ابن الحاجب: كل مخبر أو منشئ فقصده الحاضر، فمثل (صليت) يكون للماضي الملاصق للحاضر. أو أريد بالآن ما يقال عرفاً إنه الزمان الحاضر، لا اللحظة الحاضرة الغير المنقسمة المسماة بالحال. فإن قلت: (منذ) حرف أو اسم؟ قلت: جاز الأمران. فإن كان اسماً فهو مبتدأ وما بعده خبر، والزمان مقدّر قبل (صليت). وقال الزجاجبعكس ذلك. قوله: "فَلَمْ أَرَ كالْيَومِ في الخير والشرّ". قال الطيبي: الكاف في موضع الحال. وذو الحال المفعول به، وهو الجنة والنار. والمعنى: لم أر الجنة والنار في الخير والشر يوماً من الأيام مثل ما رأيت اليوم. أي رأيتها رؤية جليّة ظاهرة مثبتاً في مثل هذا الجدار، ظاهراً خيرها وشرّها. ونحوه قولِ الشاعر: حتى إذا الكلاّبُ قالَ لها ... كاليومِ مَطْلوباً ولا طَلَبا

57 - حديث "يؤتي بالرجل يوم القيامة من أهل الجنة، فيقول له: يا بن آدم كيف وجدت منزلك؟ فيقول: أي رب خير منزل".

57 - حديث "يُؤْتَي بالرَّجلِ يَوْمَ القِيامةِ مِنْ أَهلِ الجنَّة، فيقولُ له: يا بْنَ آدم كيفَ وَجَدْتَ مَنْزِلَك؟ فيقول: أيْ رب خيْرَ مَنزِل". قال أبو البقاء: النصب هو الوجه، أي وجدته خيرَ منزل. 58 - حديث "إن رسول الله صلى الله عليه وسلم صَعِدَ أُحُداً فَتَبِعَه أبو بكر وعمرُ وعثمانُ فرَجَفَ بهم، فقال: اسكُنْ نَبيٌّ وصدّيقٌ وشَهيدان". قال أبو البقاء: تقديره: عليك نبي، وقد جاء مفسّرًا في حديث آخر. 59 - حديث "لا عَدْوَى ولا طِيْرة". قال ابن مالك في شرح التسهيل: "أكثر ما يحذف الحجازيون خبر لا مع إلاّ نحو: لا إله إلاّ الله". ومن حذفه دون إلاّ قوله تعالى: {قَالُوا لا ضَيْر} وقوله صلى الله عليه وسلم: "لا ضَرَرَ ولا ضِرار" و "لا عدوى ولا طيرة".

60 - حديث "إنه الإيمان حب الأنصار وإنه النفاق بغضهم".

60 - حديث "إنّه الإيمان حُبّ الأنْصارِ وإنَّهُ النِّفاقُ بُغْضُهم". قال أبو البقاء: " (إنَّ) المؤكدة، والهاء فيها ضمير الشأن مثل قوله تعالى: {فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الأبْصَارُ} 7 وليست ضميراً عائداً على مذكور قبله، إذ ليس في الكلام ذلك. و "الإِيمان حبّ الأنصار" مبتدأ وخبر، وهو خبر إن كأنه قال: إنّ الأمر والشأن الإِيمان حبّ الأنصار. ويروى (آية الإيمان) وهو ظاهر". انتهى. وقال الحافظ ابن حجر: " (آية) بهمزة ممدودة وياء تحتية مفتوحة وهاء تأنيث. و (الإِيمان) مجرورة بالإضافة. هذا هو المعتمد في ضبط هذه الكلمة في جميع الروايات في الصحيحين والسنن والمستخرجات والمسانيد. والآية العلامة". قال: "وما ذكره أبو البقاء من أنه بهمزة مكسورة ونون مشدّدة وهاء، و (الإيمان) بالرفع، تصحيف منه". قلت: ويؤيد ذلك أن في رواية النسائي "حبّ الأنصار آية الإيمان". و (الأنصار) أصله جمع ناصر كأصحاب وصاحب. أو جمع نصير كأشراف وشريف. صار علماً عليهم بتسمية النبي صلى الله عليه وسلم.

61 - حديث "إني لأول الناس تنشق الأرض عن جمجمتي يوم القيامة ولا فخر".

61 - حديث "إنّي لأوَّلُ الناسِ تَنْشَقُ الأرض عن جُمْجُمَتي يَوْمَ القِيامةِ ولا فَخْرٌ". كان مقتضى اللفظ (عن جمجمته) لكنه جاء على نسق الضمير في (إني) على حدّ قول الشاعر: أنا الرَّجُلُ الضَّرْبًّ الذي تَعْرِفُونَني وقوله: "ولا فخر". قال الطيبي: حال مؤكدة، أي أقول هذا ولا فخر. 62 - حديث "إنَّ الشَّيْطانَ يَجْري مِن ابْنِ آدمَ مَجْرَى الدَّم". قال الطيبي: "عدّى (يجري) بمن على تضمنه معنى التمكن، أي يتمكن من الإنسان في جريانه مجرى الدم. وقوله (مجرى الدم) يجوز أن يكون مصدراً ميمياً، وأن يكون اسم مكان". 63 - حديث "إِن اسْتَطَعْتَ أَنْ تُصْبحَ وتُمسِيَ لَيْسَ في قَلْبِكَ غِشٌّ لأَحَدٍ مِن المسُلمين فَافْعَل". قال الطيبي: (تصبح) أي تدخل في وقت الصبح. و (ليس) حال تنازع فيه الفعلان. والمراد بهما الديمومة. وقوله (فافعل) جزاء. كناية عما سبق في الشرط من المعنى. أي إن فعلت ما نصحتك به فقد أتيت بأمر عظيم.

64 - حديث "قدم علي على النبي خيالها من اليمن، فقال: بما أهللت؟ ".

64 - حديث "قَدِمَ عَليٌّ على النبيِّ خيالها من اليمن، فقال: بِما أَهْلَلْتَ؟ ". قال ابن مالك في توضيحه: شذ ثبوت الألف في (بما أهللت) لأن (ما) استفهامية مجرورة، فحقّها أن تحذف ألفها فرقاً بينها وبين الموصولة. هذا هو الكثير نحو {لِمَ تَلْبِسُون} و {بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ} و {فِيمَ أَنْتَ مِنْ ذِكْرَاهَا}. ونظير هذا الحديث قوله صلى الله عليه وسلم: "ليأتينّ علَى الناَس زمان لا يبالي المرء مما أخذ المال أمن حلال أم من حرام". وقول سهل بن سعد وقد امتروا في المنبر ممّ عوده "إني لأعرف مما عوده". ونظير ثبوت الألف في الأحاديث المذكورة ثبوتها في {عَمَّا يتساءلون} في قراءة عكرمة وعيسى. ومن ثبوتها في الشعر قول حسان: على ما قام يَشْتمُني لئيمِّ ... كخِنْزيرٍ تَمرّغَ في رَمادِ وقول عمر بن أبي ربيعة: عَجَبا ما عَجبْتُ ممّا لو ابْصَر ... تَ خَليلي ما دُونه لَعجِبْتا

65 - حديث "ولا تنقشوا في خواتيمكم عربي".

لمقالِ الصًّفِيِّ فِيمَ التَجنّي ... ولما قد دعوتَنا وهَجَرْتا وفي عدول حسّان عن (علام يقوم يشتمني) وعدول عمر عن (ولماذا) مع إمكانهما دليل على أنهما مختاران لا مضطران 65 - حديث "ولا تَنْقُشُوا في خَواتيمكم عربي". قالت أبو البقاء: "إنما رفع (عَربي) لأنه حكاية لقوله (محمد رسول الله) فهو على الحكاية. أي لا تنقشوا ما صورته عربي". قلت: رواه النسائي بلفظ (عربياً) بالنصب. ويمكن أن يكون في رواية أحمد منصوباً، ولكنه كتب بغير ألف، كما قدرناه في موضع آخر من هذا الكتاب. 66 - حديث "وأَيْمُنُ الذي نَفْسي بيده لو رَأَيْتم ما رَأَيتُ لَضحِكْتُم قليلاً ولَبكيتم كثيراً". قال ابن يعيشْ في شرح المفصل: " (اَيْمُن الله) اسم مفرد موضوع للقسم مأخوذ من اليمن والبركة، كأنهم أقسموا بيمن الله وبركته، وهو مرفوع بالابتداء وخبره محذوف للعلم به، كما كان كذلك في لَعَمْرُ الله. وتقديره: آيْمن الله قسمي أو يميني

67 - حديث "إنه أنزلت علي آنفا سورة" وفي حديث جرير "ذكرك آنفا".

ونحوهما. وفتحت الهمزة منه لأنه غير متمكن، لا يستعمل إلا في القسم وحده، فضارع الحرف بقلة تمكنه، ففتح تشبيهاً بالهمزة اللاحقة لام التعريف، وذلك فيه دون بناء الاسم لشبه الحرف، ويؤكد حال هذا الاسم في مضارعته الحرف أنهم قد تلاعبوا به فقالوا مرة اَيْمُن الله، بالفتح، ومرة اِيمُن الله بكسر الهمزة، ومرة اَيْمُ الله بحذف النون، ومرّة اِيمُ الله بالكسر، ومرة مُ الله، ومرة مَ الله، ومرة مُنِ ربي، ومرة مُنُ ربي". وقال في النهاية: " (ايمُ الله) من ألفاظ القسم، كقولك: لَعمُر الله وعَهْدُ الله. وفيها لغات كثيرة: وتفتح همزتها وتكسر، وهمزتها همزة وصل، وقد تقطع". انتهى. 67 - حديث "إنه أنزلت عليَّ آنفا سورة" وفي حديث جرير "ذكرك آنفا". قال أبو البقاء: " (آنفا) منصوب على الظرف، تقديره ذكرك زماناً آنفا، أي قريباً من وقتنا، حذف الموصوف وأقام الصفة مقامه. ويجوز أن يكون حالاً من ضمير الفاعل، أي ذكرك مستأنفاً لذكرك. ومنه قوله تعالى: {مَاذَا قَالَ آنِفاً} ". انتهى. ومثله حديث "إلاّ الذي سارَّني به جبريلُ آنفا". وحديث "هل قرأَ أَحدٌ منكم معي آنفا"،

68 - حديث "تلك صلاة المنافق، يجلس يرقب الشمس حتى إذا اصفرت قام فنقر أربعا لا يذكر الله فيها إلا قليلا".

وحديث "عرضت علي الجنة والنار آنفا في عرض هذا الحائط". وقال أبو حيان: " (آنفا) منصوب على الحال، تقديره مؤتنفاً مبتدئاً. قالَ: وأعربه الزمخشري ظرفاً، أي الساعة، ولا أعلم أحداً من النحويين عدّه من الظروف". انتهى. 68 - حديث "تلك صلاةُ المنافقِ، يَجْلسُ يرقُبُ الشَّمْسَ حتى إِذا اصْفَرَّتْ قام فنَقَر أَرْبَعاً لا يذكر الله فيها إلاّ قليلا". قال الطيبي: (تلك) إشارة إلى ما في الذهن من الصلاة المخصوصة، والخبر بيان ما في الذهن. و (يجلس ...) إلى آخره جملة مستأنفة بيان للجملة السابقة. ويجوز أن تكون حالاً. و (الشمس) مفعول (يرقب)، و (إذا) ظرف معمول بدل اشتمال من الشمس، كقوله تعالى: {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ إِذِ انْتَبَذَتْ}.يعني يرقب وقت اصفرار الشمس. وعلى هذا (قام) استئناف. ويجوز أن يكون (إذا) للشرط، و (قام) جزاؤه. والشرطية استئنافية. وقال الشيخ ولي الدين العراقي: "الإشارة بـ (تلك) إلى صلاة العصر التي تؤخر إلى اصفرار الشمس، وكأنه كان تقدم ذكرها من لفظ النبي صلى الله عليه وسلم أو بحضرته، فأعاد الإشارة إليه".

69 - حديث "يتبع الميت ثلاث أهله وماله وعمله، فيرجع اثنان ويبقى واحد".

69 - حديث "يَتْبَعُ الميّتَ ثلاثٌ أَهْلُه ومالهُ وعَملُه، فيرجعُ اثنان ويبقى واحد". قال أبو البقاء: الوجه أن يقال (ثلاثة)، لأن الأشياء المذكورة مذكرات كلها، ولذلك قال: "فيرجع اثنان ويبقى واحدا" فذكرّ. والأشبه أنه من تغيير الرواة من هذا الطريق. ويحتمل أن يكون الوجه فيه ثلاث عُلَق، والواحدة عُلْقة، لأن كلاًّ من هذه المذكورات علقة، ثم إنّه ذكرّ بعد ذلك حملاً على اللفظ بعد أن حمل الأوّل على المعنى. ومنه قوله تعالى: {وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صَالِحاً} بتأنيث الأول وتذكير الثاني. قلت: رواه البُخاري ومسلم والترمذي والنسائي بلفظ (ثلاثة)، وكذا هو في النسخة التي عندي من المسند. 70 - حديث "لا يُؤْمِنُ أَحَدُكُم حتّى يحبَّ لأخيه ما يحبُّ لِنَفْسِه". قال الحافظ ابن حجر: " (يحبَّ) بالنصب، لأن (حتى) جارة، فأَنْ بعدها مضمرة، ولا يجوز الرفع على أن (حتى) عاطفة، لأن المعنى غير صحيح، إذ عدم الإيمان

71 - حديث "سألت الله عز وجل أيما إنسان من أمتي دعوت عليه أن يجعلها له مغفرة".

ليس سبباً للمحبّة". 71 - حديث "سألتُ الله عز وجل أَيّما إنسانٍ مِنْ أُمّتي دَعَوْتُ عليه أن يَجْعلَها له مغفرة". قال أبو البقاء: " (أيّما) يجوز النصب على معنى سببته، وما بعده تفسيرٌ له، والرفع على الابتداء وما بعده خبر". 72 - حديث "كان يَدْخُلُ الخَلاء". قال ابن الحاجب وغيره هو منصوب على الظرفية، لأن (دخل) من الأفعال اللازمة، بدليل أن مصدره على فُعول، وما كان مصدره على فُعول فهو لازم. ولأنه نقيض خرج، وهو لازم فيكون هو أيضاً كذلك. واختار قومٌ أنه مفعول به. وعن سيبويه أنه منصوب بإسقاط الخافض. وجعله الجرمي من الأفعال المتعدية تارة بنفسها وتارة بحرف الجر. وقال أبو حيان: " (دخل) يتعدّى عند سيبويه لظرف الزمان المختص الحقيقي بغير واسطة في، فإن كان مجازياً تعدّى إليه بواسطة في، نحو: دخلتُ في الأمر".

73 - حديث "لغدوة في سبيل الله أو روحة خير من الدنيا وما فيها".

73 - حديث "لَغَدْوةٌ في سَبيل الله أو رَوْحَةٌ خَير من الدنيا وما فيها". قال الزركشي: (الغدوة) بالفتح المرة من غدا يغدو. و (روحة) بالفتح المرة من راح يروح. أي الخرجة الواحدة في هذا الوقت من أول النهار وآخره في الجهاد. أي ثواب ذلك في الجنة خير من الدنيا. 74 - حديث "مَنْ نَسِىَ صَلاةً أَوْ نامَ عَنْها". قال الطيبي: ضمت (نام) معنى غفل، أي غفل عنها يا حال نومه. قوله: "فكفّارتها". قال الطيبي: "الكفارة عبارة عن الفعلة أو الخصلة التي من شأنها أن تكفّر الخطيئة، وهي فعّالة للمبالغة كقتّالة وضرّابة، وهي من الصفات الغالبة في الاسمية". 75 - حديث "العيادَةُ فُواقُ ناقَة". قال الطيبي: (فُواق) خبر المبتدأ، أيَ زمان العيادة مقدار فواق ناقة. 76 - حديث "لَبَّيْكَ عُمْرةً وحَجًّا". قال أبو البقاء: النصب بفعل محذوف

77 - حديث "كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي في نعليه".

تقديره أريد عمرةً وحجا، أو نويت عمرةً وحجا. 77 - حديث "كان النبي صلى الله عليه وسلم يُصَلّي في نَعْلَيه". قال ابن مالك: (في) هنا بمعنى باء المصاحبة، كقوله تعالى: {فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِه}. 78 - حديث الإِسراء، قوله: "قالوا مَرْحَباً بِه وأَهْلاً". هما منصوبان بفعل مضمر وجوباً، أي صادفت رُحباً، بضم الراء، أي سعة، ووجدت أهلاً، فاستأنس. وقال القاضي عياض والنووي: " (مرحبا) نصب على المصدر، وهو لفظ استعملته العرب وأكثرت منه، تريد به البرّ وحسن اللقاء. ومعناه صادفت رُحباً وسعةً وبِرّاً". وقال الزركشي: "هو منصوب بفعل لا يظهر. وقيل على المصدر. وقال الفراء: معناه رحب الله بك، كأنه وضع موضع الترحيب". قوله: "فلمّا مرَّ جِبرْيلُ بالنبي صلى الله عليه وسلم بإِدريس". قال الكرماني: "الباء الأولى

للمصاحبة، والثانية للإِلصاق". قوله: "ونعْمَ المجَيء، جاء". قال المظهري: "المخصوص بالمدح محذوف، وفيه تقديم وتأخير، تقديره: جاء فنعم المجيء مجيئه". وقال ابن مالك في توضيحه: فيه شاهد على الاستغناء بالصلة عن الموصول، أو بالصفة عن الموصوف، في باب نِعْمَ، لأنها تحتاج إلى فاعل هو المجيء، وإلى مخصوص معناها، وهو مبتدأ مخبر عنه بنِعْم وفاعلها، وهو في هذا الكلام وشبهه موصول أو موصوف بجاء، والتقدير: ونعْمَ المجيء الذي جاء، أو نعم مجيء جاء. وكونه موصولاً أجود لأنه مخبر عنه، وكون المخبر عنه معرفة أولى من كونه نكرة. قوله: "أَصَبْتَ الفِطْرةَ أَنْتَ وأُمَّتُك". قال الكرماني: "فإن قلت كيف تقدّر العامل هنا، إذ لا يصح أن يقال أصبت أمتُك؟ قلت: يقدر على وجه ينصبُّ إلى صحة المعنى، كما يقال في قوله تعالى: {اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ} " إن تقديره: ولتسكن زوجُك. قوله: "قَدْ والله راوَدْتُ بني إسرائيل". قال الكرماني: فإن قلت (قد) حرف لازم دخوله على الفعل. قلت: هو داخل عليه، والقسم مقحم بينهما لتأكيده. قوله: "بيت المقدس". قال أبو علي الفارسي: لا يخلو إما أن يكون مصدراً أو مكاناً، فإن كان مصدراً كان كقوله تعالى: {إِلَيْهِ مَرْجِعُكُم} ونحوه من المصادر.

وإن كان مكاناً فمعناه بيت المكان الذي جعل فيه الطهارة، أو بيت مكان الطهارة". وقال الزجاج: "أي بيت المكان الذي يطهر فيه من الذنوب". قوله: "فإذا أنا بابني الخالة". قال الأزهري: "قال ابن السكيت: يقال هما ابنا عمّ ولا يقال ابنا خال، ويقال هما ابنا خالة ولا يقال ابنا عمة". قوله: "إذا هو قد أُعطي شَطر الحسن". قال الطيبي: "بدل من الأول في معنى بدل الاشتمال". قوله: "مسنداً ظهره". قال الطيبي: "منصوب على الحال. وروي بالرفع على حذف المبتدأ". قوله: "يدخلُه كلَّ يَوْمٍ سبعون ألفَ مَلَكٍ إذا خرجوا منه لم يعودوا فيه آخر ما عليهم". قال النووي: "قال صاحب المطالع: (آخر) برفع الراء ونصبها، فالنصب على الظرف، والرفع على تقدير ذلك آخر ما عليهم من دخوله. قال: والرفع أَوْجَه". قوله: "كُتبت له حسنة". قال الطيبي: " (كتبت) مبني للمفعول، والضمير فيه راجع إلى قوله (حسنة). و (حسنةً) وضعت موضع المصدر، أي كتبت الحسنة كتابة واحدة، وكذا (عشرا) وكذا (شيئاً) منصوبان على المصدر". قوله: "فشُقّ من النَّحرْ إلى مَراقِّ البطن". قال الجوهري:" [مراق]، لا واحد لها". وقال

79 - حديث "رصوا صفوفكم وقاربوا بينها وحاذوا بالأعناق، فوالذي نفسي بيده إني لأرى الشيطان يدخل من خلل الصف كأنها الحذف".

الواحدي: "واحدها مَرَق". 79 - حديث "رُصُّوا صُفُوفَكُم وقارِبوا بَيْنَها وحاذُوا بالأَعْناق، فوالذي نَفْسي بيده إني لأرى الشَّيطانَ يَدْخُلُ مِنْ خَلَلِ الصفّ كأَنَّها الحَذَف". قال المظهري في شرح المصابيح: الضمير في (كأنها) راجع إلى مقدر، أي جعل نفسه شاة أو ما عزة كأنها الحذف. وقال الطيبي في شرح المشكاة: الضمير إذا وقع بين شيئين أحدهما مذكر والآخر مؤنث يجوز تذكيره وتأنيثه، كما في قولهم: من كانت أمَّك، ومن كان أمَّك. وهنا الحَذَف مؤنث، والشيطان شُبّه بها، فيجوز تأنيث الضمير باعتبار الحَذَف وتذكيره باعتبار الشيطان. 80 - حديث "ما مِنْ أَحدٍ يومَ القِيامة غَنِيّ ولا فَقير إلاّ وَدَّ أَنما كان أُوتي مِنَ الدّنيا قوتا". قال أبو البقاء: (مِنْ) زائدة. و (غني) بالرفع صفة لأحد على الموضع، لأن الجار والمجرور في موضع رفع. ونظيره قوله تعالى: {مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ} بالرفعٍ

81 - حديث "كان لا تشاء أن تراه من الليل مصليا إلا رأيته".

على الموضع وبالجر على اللفظ. ويجوز في الحديث (غنيٍ ولا فقيرٍ) بالجر على اللفظ أيضاً. 81 - حديث "كان لا تشاء أَنْ تَراه مِنَ الليل مُصَلِّياً إلاّ رأَيْتَه". قال المظهري: " (لا) بمعنى ليس، أو بمعنى لم، أي لست تشاء أولم تكن تشاء، أو تقديره لا زمان تشاء". وقال الطيبي: "لعل هذا التركيب من باب الاستثناء على البدل، وتقديره على الإثبات أن يقال: إن تشأ رؤيته متهجداً رأيته متهجداً، وإن تشأ رؤيته نائماً رأيته نائماً، يعني كان أمره قصداً لا إسراف ولا تقصير". 82 - حديث "الصَّلاةَ وما مَلكَتْ أَيْمانكُم". هو منصوب على الإغراء. قال ابن مالك في شرح الكافية: "معنى الإغراء إلزام المخاطب العكوف على ما يحمد العكوف عليه من مواصلة ذوي القربى والمحافظة على عهود المعاهدين، ونحو ذلك. كقولك لمن تغريه برعاية الخلة وهي المودّة: الخلّةَ الخلِّةَ. أي إلزام الخلة. والثاني من الاسمين بدل من اللفظ بالفعل. وكذا المعطوف كقولك لمن تغريه بالذبّ والحميّة: الأهلَ والولدَ. أي الزم الذبّ عنهم. وقد يجاء باسم المغرى به مع التكرار مرفوعاً، قال الشاعر:

83 - حديث "اللهم إني أشهد أنك أنت الله لا إله إلا أنت أحدا صمدا ".

إِن قَوْماً مِنْهمُ عُميرٌ وأشبا ... هـ عُمَيْرٍ ومنهُمُ السَّفّاحُ لجَديرونَ بِالوفاء إذا قا ... ل أَخُو النًجدةِ السِّلاحُ السِّلاحُ 83 - حديث "اللهمَّ إنّي أَشْهَدُ أَنَّك أَنْتَ الله لا إِلهَ إِلاّ أَنْتَ أَحَداً صَمَدا ". قال الطيبي: " (أحداً صمداً) منصوبان على الاختصاص، كقوله: {شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ} إلى قوله: {قَائِماً بِالْقِسْطِ}. وروي مرفوعان معرّفان صفتان لله". 84 - حديث "إنَّ الحَمْدَ لله وسُبْحانَ الله ولا إِله إِلاّ الله والله أَكْبرُ تُساقِطُ ذُنَوبَ العَبْدِ كما يتساقطُ وَرَقُ الشجَّر". قال الطيبي: (تُساقط) بضم التاء. وقوله: (كما يتساقط) إن جعل صفة مصدر محذوف لم تبق المطابقة بين المصدرين، وإن جعل حالاً من الذنوب استقام، ويكون تقديره: تساقط الذنوب، مشبهاً تساقطها بتساقط الورق. 85 - حديث "قُلت: يا رسولَ الله وَلَدَتْ أُمُّ سُلَيم، قال: الله أكبر، ما وَلَدَت؟ قلت:

86 - حديث "إن رجلين من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم خرجا من عند

غُلاماً. قال: الحَمْدُ لله، هاتِه". سئل أبو محمد بن السِّيد البطليوسي عن قولهم: "ما ولد لفلان؟ ولم يقولوا: مَنْ ولد لفلان؟ فأجاب بأن هذا توهمّ من السائل، وأن (مَن) أكثر استعمالاً وأذهب في القياس". انتهى. وقوله: (غلاماً) بالنصب لأنه جواب ما المنصوبة بولدت، على حدّ قوله تعالى: {مَاذَا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قَالُوا خَيْرًا}. وقوله: (هاته) يحتمل أن تكون هاء السكت، وأن تكون هاء المفعول، فيستدل به على أن (هات) فعل. وقوله في الطريق الآخر "لعلّ أم سُلَيم ولدت". الظاهر أن (لعل) للاستفهام كقوله تعالى: {وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى}. وقال النبي صلى الله عليه وسلم لبعض الأنصار وقد خرج إليه مستعجلاً: "لعلَّنا أعجلناك". 86 - حديث "إنّ رَجُلَين مِنْ أَصْحاب النبيِّ صلى الله عليه وسلم خرَجا مِنْ عند

87 - حديث "أما ترضى أن تكون لهم الدنيا ولنا الآخرة".

رسول الله صلى الله عليه وسلم في ليلة مُظلمة ومعهما مِثلُ المِصباحَينِ يُضيئانِ بينَ أيديهما". قال الكرماني: "قال الزمخشري: (أضاء) إما متعدّ بمعنى نوّر، وإما غير متعدّ بمعنى لَمعَ". قال: "فقوله: (بين أيديهما) مفعول فيه إن كان فعل الإضاعة لازماً، ومفعول به إن كان متعديًا". 87 - حديث "أما تَرْضَى أَنْ تكونَ لهم الدُّنيا ولَنا الآخِرة". ليست (أما) هذه الاستفتاحية، وإنما هي (ما) النافية دخلت عليها همزة الاستفهام. ولهذا قال عمر في الجواب: "بلى". ومثله حديث "أما يخشى أحدُكم إذا رفع رأسه في الصلاة أن لا يرجع إليه بصره". وحديث "أما يخشى الذي يرفع رأسه قبل الإمام أن يحوّل الله رأسه رأس حمار". وحديث "أنه رأى رجلاً شعثاً فقال: أما كان يجد هذا ما يسكِّن به رأسه". قالت ابن هشام في المغني: زاد المالقي لِـ (أَمَا) معنى ثالثاً، وهو أن تكون حرف عرض بمنزلة لولا، فتختص بالفعل، نحو: أما تقوم، أما تقعد، وقد يُدّعى

88 - حديث "لما ثقل رسول الله صلى الله عليه وسلم جعل يتغشاه الكرب. فقالت فاطمة: واكرب أبتاه. فلما مات قالت: يا أبتاه، أجاب ربا دعاه، يا أبتاه من ربه ما أدناه".

في ذلك أن الهمزة للاستفهام التقريري مثلها في: ألم، وألا، وأنّ (ما) نافية. 88 - حديث "لما ثَقُلَ رسَولُ الله صلى الله عليه وسلم جَعلَ يتغشَّاه الكَرْب. فقالت فاطمة: واكَرْبَ أَبَتاه. فلما مات قالت: يا أَبتاه، أجاب ربّاً دَعاه، يا أبتاه مِنْ رّبه ما أدناه". قال الزركشي: "رواه مبارك بن فضالة عن ثابت (واكرباه) ". وقال الطيبي: " (يا أبتاه) أصله يا أبي، فالتاء بدل من الياء لأنهما من حروف الزوائد، والألف للندبة لمدّ الصوت، والهاء للسكت". قال: وقوله: " (مَنْ جَنّةُ الفِرْدَوس) وقع مَنْ موصولة، وفي بعض النسخ وقعت جارة. والأول أنسب لأنه من وادي قولهم: وامَنْ حفر بئر زمزماه". 89 - حديث "لمَّا قَدِمَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم المدينةَ أَتاه المهاجرون فقالوا: يا رسولَ الله ما رأينا قوماً أَبْذَلَ مِنْ كثيرٍ ولا أَحْسَنَ مواساةً من قليلٍ من قَوْمٍ نَزَلْنا بَيْنَ أَظْهُرِهم". قال الطيبي: الجاران والمجروران- أعنى قوله: (من كثير ومن قليل) - متعلقان بالبذل والمواساة. وقوله (من قوم) صلة لأبذل وأحسنَ على سبيل التنازع، وقوم هو المفضّل.

90 - حديث "إذا تزوج العبد فقد استكمل نصف دينه فليتق الله في النصف الآخر".

90 - حديث "إِذا تَزَوَّجَ الْعَبْدُ فَقَد اسْتكْمَلَ نِصْفَ دينه فَلْيَتَّقِ الله في النِّصفِ الآخر". قال الطيبي: قوله: (فقد استكمل) يحتمل أن يكون جواباً للشرط، و (فليتق الله) عطف عليه. ويجوز أن يكون الجواب الثاني والأول عطف على الشرط، فعلى هذا السبب مركب والمسبب مفرد. فالمعنى أنه معلوم أن التزوج نصف الدين، فمن حصّل هذا فعليه بالنصف الباقي. وهذا أبلغ لما يؤذن أنه مقرر ومعلوم أن التزوج يحصّن نصف الدين. وعلى الوجه الآخر إعلام بذلك فلا يكون مقرراً. وعلى الأوّل السبب مفرد والمسبب مركب. وفيه إعلام أن التزوج سبب لاستكمال نصف الدين المترتب عليه تقوى الله تعالى. 91 - حديث "اللهُمَّ إِنَّكَ إنْ تَشا لا تُعْبَد بَعْدَ اليوم". قلت: الفصيح في مثل هذا جزم (تعبدْ) جواباً للشرط، وجملة الشرط وجوابه خبر إنّ. ومثله قوله تعالى: {إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلا يَلِدُوا}. وقد يرفع كقول الشاعر:

92 - حديث "من يشتري العبد؟ فقال: يا رسول الله، إذن والله تجدني كاسدا".

يا أقرعُ بْنَ حابسٍ يا أقرعُ ... إنّك إنّ يُصْرَعْ أخوك تُصْرَعُ وقال الكرماني: "مفعول (إن تشا) محذوف، وهو نحو: إنّ تشا هلاكَ المؤمنين. إذ (لا تعُبدْ) في حكم المفعول، والجزاء محذوف". 92 - حديث "مَنْ يَشْتري العبد؟ فقال: يا رسول الله، إذن والله تجِدَني كاسدا". فيه الفصل بين إذن والفعل بالقسم وهو شائع مغتفر. 93 - حديث "لَوْ خَرَجْتُم إِلى ذَوْدٍ لَنا فَشَرِبْتُم مِنْ أَلْبانِها". قلت: فيه حذف جواب لو، أي لنفعكم أو لشفيتم. قال ابن يعيش: "قد يحذف جواب (لو) كثيراً. قال تعالى: {وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ} الجواب محذوف تقديره أي لرأيت سوء منقلبهم، {وَلَوْ أَنَّ قُرْآناً سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَال} أي لكان هذا القرآن. ومن ذلك (لَوْ ذاتُ سِوارٍ لَطَمْتني) لم يأت بجواب، والمراد لانتصفْتُ. وذلك كلّه للعلم بموضعه. وقال أصحابنا إن حذف الجواب في هذه الأشياء أبلغ في المعنى من إظهاره،

94 - حديث "إنه صلى الله عليه وسلم أتي بالبراق فاستصعب عليه، فقال له جبريل: أبمحمد تفعل هذا؟ فو الله ما ركبك أحد قط أكرم على الله منه. قالت: فأرفض عرقا".

لأن الإِبهام أوقع في النفس". 94 - حديث "إنه صلى الله عليه وسلم أُتي بالبُراقِ فاسْتَصْعَبَ عليه، فقال له جبريل: أبمحمد تفعلُ هذا؟ فو الله مَا رِكِبَكَ أَحدٌ قطُّ أكرم على الله منه. قالت: فأرْفَض عَرَقا". [عرقا] هو منصوب على التمييز المحوّل عن الفاعل. 95 - حديث "آتي بابَ الجنَّةِ فأَسْتَفتحُ، فيقولُ الخازِنُ: مَنْ؟ فأقول: مُحَمّد. فيقول: بِكَ أُمِرْتُ أَنْ لا أفتح لأحدٍ قَبْلَك". قال الطيبي: " (بك) متعلق بأمرت، والباء للسببيّة قدّمت للتخصيص. المعنى: بسببك أمرت بأن لا أفتح لغيرك لا بشيء آخر. ويجوز أن يكون صلة للفعل، و (أن لا أفتح) بدلاً من الضمير المجرور، أي أمرت بأن لا أفتح لأحدٍ غيرك". اهـ. 96 - حديث "وإذا صلَّى جالِساً فصلُّوا جُلوساً أجمعون". قال الزركشي: [أجمعون] هو تأكيد لضمير الفاعل في قوِله (فصلوا). ويروى

97 - حديث "من صلى الضحى ثنتي عشرة ركعة بنى الله له قصرا في الجنة".

(أجمعين) وفيه وجهان، أحدهما: أن يكون حالاً أي مجتمعين، أو تأكيدًا لقوله (جلوساً). ولا يجيء عند البصريين لأن ألفاظ التأكيد معارف. 97 - حديث "مَنْ صَلَّى الضُّحى ثنْتي عَشْرةَ رَكْعَةً بَنَى الله له قَصْراً في الجنّة". قال الحافظ زين الدين العراقي في شرح الترمذي: "يحتمل أن يكون (الضحى) مفعول صلَّى، أقي صلاة الضحى. و (ثنتي عشرة) تمييز. ويحتمل أن يكون مفعول صلّى قوله (ثنتي عشرة ركعة) وأن يكون (الضحى) ظرفاً، أي من صلِّى وقت الضّحى". 98 - حديث "إنّي لأَخْشاكُم لله". قال الطيبي: (لله) مفعول لأخشاكم. وأفَعْلَ لا يعمل في الظاهر إلاّ في الظرف. قال: "وقوله: "ولكنّي أصومُ وأفْطِر" المستدرك منه مقدّر، أي أخشاكم لله فينبغي أن أقوم في العبادة إلى أقصى غايتها، لكني أقصد فيها فأصوم وأفطر وأصلي وأنام.

99 - حديث "أنه صلى الله عليه وسلم قال: يا معاذ بن جبل".

وقوله: "فَمَنْ رَغِبَ عن سُنّتي" الفاء متعلقة بمحذوف، أي لكني أفعل ذلك لأبين للناس الطريقة المثلى والسنة العظمى، فمن رغب عنها فليس مني. و (مِنْ) في (مِنّي) إيصالية كما في قوله تعالى: {الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْض}. وقوله: "مَنْ لم يوتر فليس منّا" أي فليس بمتصل بنا وبهدينا وطريقتنا. وقول الشاعر: فإني لستُ منك ولستَ منّي" انتهى. 99 - حديث "أنه صلى الله عليه وسلم قال: يا معاذ بْنَ جَبَل". هو بنصب (ابن) لا غير، ويجوز في (معاذ) الضمّ والفتح. قال ابن مالك في شرح الكافية: "يجوز في العلم المضموم في النداء أن يفتح إذا وصف بابن متصل مضافاً إلى علم نحو: يا زَيْدَ بْنَ عَمْرو. ولا يمتنع الضمّ، وهو عند المبردّ أولى من الفتحً". وقال الأبَّدَي في شرح الجزولية: الضمّ على أصله يا النداء، ونصب الابن

100 - حديث: "من كذب علي متعمدا فليتبوا مقعده من النار".

على النعت، لأنه لا يستعمل في الخبر إلاّ نعتاً فكذا يكون في النداء، والفتح على التركيب وجعلهما اسماً واحداً، وكأن حرف الإعراب على هذا في آخر النعت. وقوله: "ما مِنْ أحدٍ يَشْهَدُ أنْ لا إِله إلاّ الله وأنّ محمداً رسول الله صِدْقا مِنْ قلبه إلاّ حرَّمَه الله على النار". قال الكرماني: "هو استثناء من أعمّ الصفات، أي ما أحد يشهد كائناً بصفة إلاّ بصفة التحريم". وقوله: "أَفَلا أً خبرُ بِه الناسَ فيَسْتبْشِروا". هو منصوب في جواب العرض. وروي (فيستبشرون) بالرفع، أي فهم يستبشرون، كقوله تعالى: {وَلا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ}. 100 - حديث: "من كذب عليّ متعمدًا فليتبوا مقعدَه من النّار". قال في "النهاية": تكررت هذه اللفظة في الحديث، ومعناها لينزل منزلته من النار، يقال: بَوَّأهُ اللهُ منزلاً: أسكنة إيّاه، وتبوأت منزلاً اتّخذته.

101 - حديث (لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ولده ووالده والناس أجمعين).

وقال الخطابي: لفظه أمر ومعناه الخبر، كقوله تعالى: (من كان في الضلالة فليمدد له الرحمن مدًّا)، يريد أن الله يبوِّئه مقعده من النار. وقال ابن بطّال: هو بمعنى الدعاء أي بوأه الله، وقال الطيبي: الأمر بالتبوء تهكم وتغليظ، وقال الكرماني: يحتمل أنْ يكون الأمر على حقيقته بأن يكون معناه: ومن كذب فليأمر نفسه بالتبوء ويلزم عليه، قال: قلقوله (يتبوأ) تجويهات أربعة: قال الحافظ وأولها أولاها، قال الطيبي: فيه إشارة إلى معنى القصد في الذنب وجزائه، أي كما أنه قصد في الكذب التعمد، فليقصد في جزائه التبوّء. 101 - حديث (لا يُؤْمِنُ أحدكم حتى أكون أَحَبَّ إليه مِنْ وَلَدِه ووالِده والناسِ أجمعين). قال الكرماني: "أحبّ " أفعل التفضيل بمعنى المفعول: وهو مع كثرته على خلاف القياس، إذ القياس أن يكون بمعنى الفاعل، وفصل بينه وبين معموله بقوله "إليه"، لأن الممتنع الفصل بأجنبي، مع أن الظرف يتوسع فيه". 102 - حديث (سُئِلَ عَنْ وَقْتِ صَلاةِ الصُّبْحِ فأَمَرَ بلالا حينَ طَلَعَ الفَجْرُ فَأَقامَ الصَّلاةَ، ثم أسفر الغدَ).

103 - حديث (بعثت أنا والساعة كهاتين).

قال أبو البقاء: "هو منصوب على الظرف، أي أسفر بالصلاة في الغد". 103 - حديث (بُعثتُ أنا والساعةَ كهاتين). قال أبو البقاء: "لا يجوز فيه إلا النصب، والواو فيه بمعنى مع، والمراد به المقاربة، ولو رفع لفسد المعنى، [لأنه كان يكون تقديره: بُعثتُ أنا وبعثت الساعة، وهذا فاسد في المعنى] إذ لا يقال بُعثت الساعة، ولا في الوقوع لأنها لم توجد بعد". انتهى. وفي حديث آخر (بُعِثْتُ والسّاعةَ كهاتين). قال ابن السِّيد في مسائله: "النصب والرفع جائزان في "الساعة"؛ النصب على تأويل مع، والرفع بالعطف على الضمير في "بُعِثَت" والنصب فيه أحسن، لأن المضمر المرفوع يقبح العطف عليه حتى يؤكد. ألا ترى أنه يقبح أن تقول: قمتُ وزيد. وهذا مشهور عند النحويين تغني شهرته عن الإطالة فيه". وقال القاضي عياض في الحديث الأول: "الأحسن رفع الساعة عطفاً على ما لم يسمّ فاعله في "بُعثتُ"، ويجوز النصب على المفعول معه، أي بعثت مع الساعة، كقولهم: جاء البردُ والطيالسةَ، أو على فعل مضمر يدلّ عليه الحال، أي فأعدّوا الطيالسة. ويقدّر هنا فانتظروا الساعة".

104 - حديث (فلما نظروا إليه قالوا: محمد والخميس).

وقوله: وقال القرطبى: قد اختار بعضهم النصب بناءً على التشبيه، أي إن التشبيه وقع بملاصقة الأصبعين واتصالهما، واختار آخرون الرفع بناء على أن التشبيه وقع بالتفاوت الذي بين رؤوسهما". وقوله: "كهاتين" حال، أي مقترنين. قال القرطبي: "فعلى النصب يقع التشبيه بالضم، وعلى الرفع يحتمل هذا ويحتمل أن يقع بالتقارب الذي بينهما في الطول". 104 - حديث (فَلَمَّا نَظَرُوا إلَيْه قالُوا: مُحَمّدٌ والخَميس). قال في النهاية: " "محمدٌ" خبر مبتدأ محذوف، أي هذا محمد". وقال الكرماني: "أي جاء محمد". وقال الزركشي: "والخميس" بالرفع عطفاً على محمد، وبالنصب على المفعول معه". 105 - حديث (جاءَ أَعْرابيٌّ فَبال في المسْجِدِ، فقال الصَّحابةُ: مَهْ مَهْ). قال الجوهري: "هي كلمة مبنيَّة على السكون، وهي اسم سمي به الفعل، والمعنى اكفف. يقال مَهْمَهْتُه إذا زجرتُه، فإن وصلت نوّنت فقلت: مَهٍ مَهٍ". وقال الداودي: "أصل هذه الكلمة ما هذا، كالإنكار، فطرحوا بعض اللفظ فقالوا"مه "، فصّيروا الكلمتين كلمة".

106 - حديث "ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان".

106 - حديث "ثلاثٌ مَنْ كُنَّ فيه وَجَدَ حَلاوةَ الإيمان". قال الكرماني: " "ثلاث" مبتدأ. وجاز الابتداء بالنكرة لأن التنوين عوض من المضاف إليه، فالتقدير ثلاث خصال، أو لأنه صفة موصوف محذوف، وهو مبتدأ بالحقيقة أي خصال ثلاث، أو لأن الجملة الشرطية صفة، والخبر على هذا التقدير هو "أن يكون"، إذ على التقديرين الأولين الشرطية خبر، و"أن يكون " هو بدل من ثلاث أو بيان. فأما "مَنْ" فهو مبتدأ، والشرط والجزاء معاً خبره، أو الشرط فقط على اختلاف فيه. و "مَنْ" إما شرطية وإما موصولة متضمنة لمعنى الشرط، و"وجد" بمعنى أصاب، ولهذا عُدّي لمفعول واحد. وقوله "كنّ " أي حصلن، فهي تامة. وقوله "أن يكون الله ورسوله أحب إليه": "أحبَّ" منصوب خبر "يكون". فإن قلت: لِم ما ثنّي "أحب" حتى يطابق خبر "يكون" اسمها؟ قلت "أفَعْلَ" إذا استعمل بـ "مِنْ " فهو مفرد مذكر لا غير، ولا تجوز المطابقة. وقوله "وأن يحبّ المرء" بنصب "المرءَ" لأنه مفعول، وفاعله الضمير الراجع إلى "مَنْ ". و"لا يحبه إلا للهِ" جملة حالية تحتمل بياناً لهيئة الفاعل أو المفعول، أوكليهما معاً. قوله "أن يعود في الكفر" فإن قلت: المشهور عاد إليه معدَّى بكلمة الانتهاء لا بآلة الظرف. قلت: قد ضمّن فيه معنى الاستقرار، كأنه قال: يعود مستقراً فيه". انتهى.

107 - حديث "إذا جاء أحدكم الصلاة فليمض على هيئته، فليصل ما أدرك وليقض ما سبقه".

107 - حديث "إذا جاء أحَدُكُم الصلاةَ فلْيمْض على هَيْئَتِه، فلْيُصلِّ ما أدرك ولْيقْضِ ما سُبقه". قال أبو البقاء: "هكذا ضبطوه على ما لم يسمَّ فاعله، والوجه فيه أنه أراد سُبِق به، فحذف حرف الجر، وعدّي الفعل بنفسه، وهو كثير في اللغة". 108 - حديث "ما مِنْ مُسْلِم يغرسُ غرساً أو يَزْرَعُ زَرْعاً فيأكل منه إنسان أو طيرٌ أو بهيمةٌ إلا كانت له صدقة". قال الطيبي: "الرواية برفع "صدقة" على أن "كانت" تامة". 109 - حديث "ما أعددت لها مِنْ كبير عملٍ صلاةٍ ولا صَوْم". قال أبو البقاء: "يروونه بالجر على البدل من "عمل"، أو من "كبير".

110 - حديث "إن الله لغني أن يعذب هذا نفسه".

110 - حديث "إنَّ الله لَغنيٌّ أنْ يُعذِّبَ هذا نَفْسه". قلت: هو على تقدير عن. 111 - حديث "يا أَنْجَشَة رُويدَكَ سَوْقَكَ بالقَوارير". قال أبو البقاء: "الوجه النصب برُويد، والتقدير: أمهل سوقَك، والكاف حرف للخطاب وليست اسماً و "رويد" يتعدّى إلى مفعول واحد". وقال ابن مالك في توضيحه: " "رويد" هنا اسم فعل بمعنى أرود، أي أمهل، والكاف المتصلة به حرف خطاب، وفتحة داله بنائية. ولك أن تجعل "رويد" مصدراً مضافاً إلى الكاف، ناصباً "سوقك" وفتحة داله على هذا إعرابية".وقال النووي: " "رويدك" منصوب على الصفة لمصدر محذوف أي [سُقْ] سوقاً رويداً، ومعناه الأمر بالرفق [بهن]، و "سَوْقك" منصوب بإسقاط الجارِّ، أي ارفق في سوقك بالقوارير". وقال الأندلسي في شرح المفصل: "تلحق الكاف "رويد" إذا كان اسم فعل، وإذا كان مصدراً، لما فيها من معنى الأمر في هذين الوجهين، والكاف في الأمر حرف خطاب بمنزلتها في "ذاك" وإنما دخلت لتبيّن من تعني إذا خفت اللبس بمن لا تعني؛ وتحذفها إذا لم تخف لبسا". وذهب بعض النحويين إلى أن هذه الكاف في

112 - حديث "ما من رجل مسلم يموت له ثلاثة من ولده لم يبلغوا الحنث إلا أدخل الله عز وجل أبويهم الجنة بفضل رحمته إياهم".

موضع رفع، ومنهم من قال هي في موضعِ نصب. والقولان باطلان، أما الأول فلأن الكاف لو كانت فاعلة لما جاز حذفها، وأيضا فإن جميع هذه الأسماء التي في معنى الأمر، لا يبرز منها الفاعل نحو: حَذار زيداً. وأما الثاني فلأن "إرواد" الذي هو الأصل لا يتعدّى إلا إلى واحد، ولو كانت الكاف منصوبة لكنت عديته إلى مفعولين. ثم الذي يدلّ على أن الكاف لا موضع لها من الإِعراب أصلاً أنها لو كان لها محل لكنت تؤكدّها فتقول رويدك نفسُك، بالرفع إن كانت مرفوعة، وبالنصب إن كانت منصوبة، وبالجرّ إن كانت مجرورة. وحيث لم يجز ذلك دلّ على أنها حرف. وإن كان "رُوَيد" مصدراً وأضفته إلى الكاف، فالكاف هنا اسم لأنك تقيم الظاهر مقامه، فتقول: رُويدَك، مثل: رُويدَ زَيْدٍ، لأن المصدر يضاف، فعلى هذا الوجه تقول رُويدَك نفسِك، فتؤكد الكاف لأنه اسم، ويجوز أن ترفع التأكيد على أن تجعله للضمير المرفوع. وأما قول العرب: رُويدَك نَفْسَك، في الأمر، فإن الكاف حرف خطاب، و"نفسك" مفعول. انتهى. 112 - حديث "ما مِنْ رجل مُسْلم يموتُ له ثلاثةٌ مِنْ وَلَدِه لم يَبْلُغوا الحِنْثَ إلا أدْخَلَ الله عزّ وجَلَّ أبوَيْهمُ الجَنّةَ بفضْل رحمتِه إياهم". قال أبو البقاء: " "من" زائدة، و "رجل" مبتدأ: [وما بعده]، إلى قوله "لم يبلغوا الحنث" صفة للمبتدأ. والخبر قوله "إلا أدخل الله أبويهم الجنة". فإن قيل الخبر هنا جملة وليس فيها ضمير يعود منها إلى المبتدأ، فالجواب: إن الرجل المسلم الذي هو المبتدأ هو أحد أبوي المولود، وهو المذكور في خبر المبتدأ، فقد وضع الظاهر موضع المضمر لغرض، وهو

إضافة اللام إليه، فهو كقوله تعالى: {إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ}. وقال الحافظ ابن حجر: "الضمير في "رحمته" راجع إلى الله. وفي "إياهم" إلى الأولاد، أي بفضل رحمة الله للأولاد". وقال ابن القين: "قيل إن الضمير في "رحمته" للأب في قوله "ما من رجل مسلم" لكونه كان يرحمهم في الدنيا، فيجازى بالرحمة في الآخرة". قال ابن حجر: "والأوّل أولى، ويؤيده أن في رواية ابن ماجة "بفضل رحمة الله إياهم". وقال الكرماني: الظاهر أن المراد بقوله "إياهم" جنس المسلم الذي مات أولاده، لا الأولاد، أي بفضل رحمة الله لمن مات لهم. قال: وإنما جمع باعتبار أنه نكرة في سياق النفي يفيد العموم". وقال ابن حجر: "وهذا الذي زعم أنه ظاهر ليس بظاهر، بل في غير هذه الطريق ما يدلّ على أن الضمير للأولاد؛ ففي حديث عمرو بن عبْسة عند الطبراني "إلا ادْخَلَهُ الله بِرَحْمتِه هو وإياهُم الجنّة". وفي حديث أبي ثعلبة الأشجعي عنده "أَدْخَلَهُ الله الجنَّةَ بفَضْل رحمتِه إياهما". قاله بعد قوله "مَنْ ماتَ لَهُ وَلَدان" فوضح بذلك أن الضمير في قوله "إياهَم" للأولاد لا للآباء.

113 - حديث "أتانا رسول الله صلى الله عليه وسلم في دارنا فاستسقى، فحلبنا له شاة لنا ثم شبته من ماء بئرنا".

113 - حديث "أتانا رسول الله صلى الله عليه وسلم في دارنا فاسْتَسْقى، فَحَلبْنا لَه شاةً لنا ثُمّ شُبْتُه مِنْ ماءِ بِئْرِنا". قال الكرماني: "فإن قلت استعمل هنا بـ "مِنْ " وروي في موضع آخر بالباء. قلت: المعنيان صحيحان، وقد يقوم حرف الجرّ مقام أخيه". قوله: "ثم قال: الأَيْمَنون الأَيْمَنون". قال الزركشي: "كذا بالرفع بتقدير مبتدأ مضمر، أي المقدّم". 114 - حديث "وإنْ وَجَدْناهُ لَبَحْرا". قال الخطابي: " "إنْ " هنا نافية، واللام في "لبحرا" بمعنى إلا، أي ما وجدناه إلا بحرا، والعرب تقول: إنْ زيدٌ لعاقلٌ، أى ما زيدٌ إلا عاقل، والبحر من نعوت الخيل. قال الأصمعي: فرسٌ بحر إذا كان واسع الجري". قلت: هذا الذي أعربه الخطابي مذهب كوفي، وذلك لأنه أخذ عن ثعلب، وهو من أئمة الكوفيين. والبصريون يقولون في هذا: إنّ "إنْ" مخففة من الثقيلة، واللام لام الابتداء دخلت للفرق بين "إنْ" المخففة و"إنْ" النافية. قال أبو حيان: "الكوفيون يرون أنّ "إنْ" هي النافية، واللام بمعنى إلا وهذا باطل،

115 - حديث "إذا أقرض أحدكم قرضا فأهدى إليه أو حمله فلا يقبلها".

لأن اللام لا تعرف في كلامهم بمعنى إلا". وقال ابن مالك: "قولهم إن اللام بمعنى "إلا" دعوى لا دليل عليها، ولو كانت بمعنى "إلا" لكان استعمالها بعد غير "إنْ" من حروف النفي أولى، لأنها أنصّ على النفي من "إنْ"، فكان يقال: لم يقمْ لزيدٌ، ولن يقعدَ لعمروٌ، بمعنى لم يقمْ إلا زيدٌ، ولن يقعد إلا عمرو. وفي عدم استعمال ذلك دليل على أن اللام لم يقصد بها إيجاب، وإنما قصد بها التوكيد كما قصد مع التشديد". 115 - حديث "إذا أَقْرَضَ أَحَدُكُم قَرْضاً فأَهْدى إليه أو حَمَلَهُ فلا يَقْبَلْها". قال الطيبي: "القَرْض" اسم للمصدر، والمصدر في الحقيقة الإقراض، ويجوز أن يكون هاهنا بمعنى المقروض، فيكون مفعولا ثانياً لأقرض، والأوّل مقدّر كقوله تعالى: {مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً} والضمير الفاعل في "فأهدى" عائد إلى المفعول المقَدّر. والضمير في "لا يقبلها" راجع إلى مصدر أهدى. وقوله "فأهدى" عطف على الشرط، وجوابه "فلا". 116 - حديث "هذا جَبَلٌ يُحبُّنا ونُحِبُّه". قال الأندلسي: "قال سيبويه: حدثنا يونس أن العرب تقول "هذا أنت تقول كذا". لم يُرد بقوله "هذا أنت" أن يعرفه بنفسه، ولكنه أراد أن ينبهه، كأنه قال: الحاضر عندنا أنت، والحاضر القائل كذا وكذا [أنت] ".

117 - حديث "من السنة إذا تزوج البكر أقام عندها سبعا".

وقال السيرافي: "وقولهم "هذا زيدٌ يفعل كذا": "يفعل" في موضع الحال عند البصريين، هذا زيدٌ فاعلاً. وعند الكوفين هو منصوب على أنه خبر هذا". انتهى. وفي حديث الشفاعة: "هذه الأنبياء قد جاءتك يسألون". وفي حديث النحر: "هذا يومٌ يُشتهى فيه اللحم" وقوله: "اللهمّ إنَّي أحرّم ما بين جبليها مثل ما حرّم به إبراهيم مكة" قال الكرماني: فإن قلت لفظ "به" زائد. قلت: لا، بل "مثل" منصوب بنزع الخافض، أي أحرّم بمثل ما حرّم به، أو معناه أحرّم بهذا اللفظ وهو"أحرّم" مثل ما حرّم به إبراهيم". 117 - حديث "مِنَ السُّنَّةِ إذا تَزوَّجَ البكرَ أقَام عِنْدَها سَبْعاً". قال الطيبي: "يجوز أن يكون قوله "من السنة" خبراً، وما بعده في تأويل المبتدأ، أي من السنة إقامة الرجل عند البكر إذا تزوجها سبعاً".

118 - حديث "قوموا إلى جنة عرضها السماوات والأرض".

118 - حديث "قوموا إلى جَنَّةٍ عَرْضُها السماوات والأرض". قال الطيبي: "عدّاه بـ "إلى" لإرادة معنى المسارعة، كما في قوله تعالى: {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ} 119 - حديث "لم يُصَدَّقْ نَبِيّ من الأنبياء ما صدقت". قال الطيبي: " "ما" فيه مصدرية". 120 - حديث "قولُ أُمّ حارثة لرسول الله صلى الله عليه وسلم: قد عَرَفْتَ مَنْزِلَةَ حارثة منيّ فإنْ يكُ في الجَنَّةِ اصبر وأحتسب، وإن تكن الأخرى ترى ما أصنع". قال ابن مالك: "حقّ الفعل إذا دخلت عليه "إنْ" وكان ماضياً بالوضع، أو بمقارنته "لم" أن ينصرف إلى الاستقبال نحو {إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لأَنْفُسِكُم} {فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَاذَنُوا}. وإن كان قبل دخول "إنْ" صالحاً للحال والاستقبال تخلّص له بدخولها، نحو {إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ}. وقد يراد المضيّ بما دخلت عليه "إنْ" فلا يتأثر بها، ويستوي في ذلك الماضي بالوضع نحو {إِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ} والمضارع نحو {إِنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ}. ومنه:

"فإن يكُ في الجنةِ اصْبرْ واحْتسِب". والأصل "يكون" ثم جزم فصار "يكنْ" ثم حذف نونه لكثرة الاستعمال فصار "يكُ". وهذا الحذف جائز لا واجب. ولذلك جاء الوجهان في كتاب الله نحو {وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} {وَلَمْ يَكُنْ جَبَّاراً عَصِيّاً}. ولو ولي الكاف ساكن عادت النون نحو {لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ} ولوجوب عود النون قبل الساكن لم يجئ الفعلان في الحديث المذكوِر بالحذف، بل حذفت نون الأول لعدم ساكن بعده، وثبتت نون الثاني لإيلائه ساكنا. ولا يستصحب الحذف قبل ساكن إلا في ضرورة، كقول الشاعر: فَإنْ لَمْ تَكُ المِرْآةُ أبْدَتْ وَسامَةً فَقدْ أَبْدتِ المِرْآةُ جَبْهَةَ ضَيْغَم و"ترى" من قول أم حارثة "وإن تكن الأخرى ترى ما أَصنع" مضارع راء بمعنى رأى، والكلام عليه كالكلام على قول أبي جهل "متى يراك الناس". وكما جُوّز رفع "يراك" لإهمال "متى" وتشبيهها بـ "إذا"، كذلك يجوز رفع "يرى" لأنه جواب، والجواب قد يرفع، وإن كان الشرط مجزوم اللفظ، كقراءة طلحة بن سليمان {أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكُكُمُ الْمَوْتُ} وكقول الراجز: إنّك إنْ يُصْرَعْ أخوُكَ تصْرَعُ". انتهى. وقوله: "أصابهُ سَهْم عريب". يروى بالإضافة وعدمها على الصفة لسهم، ونظيره

121 - حديث "كتاب الله القصاص".

في ذلك "غرّة عبد أو أمة" و"برد حِبَرة" و"حلة سِيَراء". قوله: "أوَ هَبِلْتِ أوَ جَنَّةٌ واحدةٌ هي؟ ". قال الرافعي في تاريخ قزوين: "الواو فيهما مفتوحة، وهي واو الابتداء دخلت عليها همزة الاستفهام، الأولى على التوبيخ، والثانية على الإنكار". قوله: "إنها جنان". قال الطيبي: "هو ضمير مبهم تفسيره ما بعده، ويجوز أن يكون الضمير للشأن". 121 - حديث "كتابُ الله القِصاصُ". قال الزركشي: "مرفوعان على الابتداء والخبر. ويجوز نصبهما على وجهين أحدهما: أنه مما وضع فيه المصدر موضع الفعل، أي كتب الله القصاص، كقوله تعالى: {كِتَابَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ}. والثاني: أنه إغراء، ويكون القصاص بدلا، أو منصوباً بفعل، أو مرفوعاً خبرِ مبتدأ محذوف. ولا يجوز هذا الوجه في الآية، أعني يمتنع أن يكون "كتاب الله" منصوباً بـ "عليكم" المتأخر عنه. 122 - حديث "فكُنّا نَراهُ يَمْشي بَين أظهرنا رَجُلاً مِنْ أَهْل الجنَّة". قال النووي: "روي "رجلا" و"رجلٌ" وكلاهما صحيح، الأوّل على البدل من الهاء

123 - حديث "إن حقا على الله أن لا يرتفع شيء من الدنيا إلا وضعه".

في نراه، والثاني على الاستئناف". 123 - حديث "إنّ حَقاً على الله أَنْ لا يرتَفعَ شيءٌ مِن الدُّنيا إلا وَضَعه". قال الطيبي: " "على الله" متعلق بـ "حقاً"، و"أنْ لا يرتفع" خبر إنّ، و"أَنْ" مصدرية فتكون معرفة والاسم نكرة من باب القلب، أي إن عدم الارتفاع حقّ على الله. ويمكن أن يقال "على الله" صفة "حقاً" أي حقاً ثابتاً على الله تعالى". 124 - حديث "انْطَلِقُوا باسمِ الله وبِالله على مِلَّةِ رَسولِ الله". قال الطيبي: "ليس الجارَّان متعلقين بالفعل، بل هما حالان، كأنه قال انطلقوا متبركين باسم الله مستعينين بالله ثابتين على ملة رسول الله". 125 - حديث "هؤلاء خطباء أمتك الذين يقولون [ما لا يفعلون] ". قال الطيبي: "الذين" بدل من قوله "خطباء"، ويجوز أن يكون صفة له، لأنه لا توقيت فيه على عكس قوله: ولقد أمرُّ على اللئيم يَسُبُّني. ويجوز أن يكون منصوباً على الذم وهو الأوجه.

126 - حديث "إن الله لا يظلم مؤمنا حسنة يعطى بها في الدنيا ويجزى بها في الآخرة".

126 - حديث "إنَّ الله لا يَظْلِمُ مؤمِناً حَسَنَة يُعطَى بها في الدنيا ويُجْزَى بها في الآخرة". قال الطيبي: "لا يظلم" أي لا ينقص، وهو يتعدى إلى مفعولين أحدهما: "مؤمناً" والآخر "حسنة". والباء في قوله "يعطى بها" إن حملت على السببية فيحتاج إلى مقدر أي يعطي بسببها حسنة، وإن حملت على البدل فلا. وأما الباء في "يجزى بها" فهي للسببية". قوله (وأمّا الكافرُ فَيُطْعَمُ بحَسَناتِه) قال: "اعلم أن "أما" التفصيلية تقتضي التعدد لفظاً أو تقديرا، وقرينتها هنا الكلام السابق، والقرينتان واردتان على التقابل، فيقدر في كلّ من القرينتين ما يقابل الأخرى". 127 - حديث "دَخَلَ رَجُلٌ والنبي صلى الله عليه وسلم مُتِّكِيٌ بَين ظَهرانَيْهم". قال في الفائق: "يقال أقام فلان بين أظهر قومه، وبين ظهرانيهم، أي بينهم، وإقحام لفظ الظهر ليدل على أن إقامته بينهم على سبيل الاستظهار بهم، والاستناد إليهم، وكأن معنى التثنية فيه أن ظهراً منهم قدّامه وآخر وراءه، فهو مكنوف من جانبيه. هذا أصله ثم كثر حتى استعمل في الإقامة بين القوم مطلقا، وإن لم يكن مكنونًا. وأما

128 - حديث "عرضت على أجور أمتي حتى القذاة يخرجها الرجل من المسجد".

زيادة الألف والنون بعد التثنية فإنما هي للتأكيد، كما تزاد في نحو"نفساني" في النسبة إلى النفس، ونحوه". وقال القاضي عياض: "قال الأصمعي: العرب تقول "نحنُ بَيْنَ ظَهْرَيْكُم" على لفظ الاثنين، و"ظهرانيْكم". قال الخليل: أي بينكم. قال غيره: والعرب تضع الاثنين موضع الجمع". وقال الكرماني: "النون مفتوحة لا غير". قوله (قال: اللهمّ نَعَمْ). قال الكرماني: "الجواب هو "نعم"، وذكر لفظ "اللهمّ" للتبرك، وكأنه استشهد بالله في ذلك تأكيداً لصدقه". وقال المُطَرِّزي في المعرب: "قد يؤتي بـ"اللهم" توكيداً للجواب، ودليلاً على الندرة". وقال الطيبي: "قد يؤتى بـ "اللهمّ" قبل "إلا" إذا كان المستثنى عزيزاً نادراً، وكان قصدهم الاستظهار بمشيئة الله في إثبات كونه ووجوده، أي إنه بلغ من الندرة حدّ الشذوذ". وقوله (أنشدك بالله). أي أسألك بالله. 128 - حديث "عُرِضَتْ علىَّ أجور أمتي حتى القذاةُ يخرجها الرجلُ من المسجد". قال الشيخ ولي الدين العراقي: ""القذاةُ" بالرفع عطفاً على قوله "أجور أمتي". ويجوز فيه الجر بتقدير: حتى أجرِ القذاةِ، ثمِ حذف المضاف وأبقى المضاف إليه على إعرابه. ويجوز فيه النصب بتقدير: حتى رأيت القذاة". وقال الطيبي: "لابدّ هنا من تقدير مضاف، أي أجور أعمال أمتي وأجر القذاة،

129 - حديث "شهدت وليمتين من نساء رسول الله صلى الله عليه وسلم، فما أطعمنا خبزا ولا لحما. قلت: فمه؟ قال: الحيس.

أو أجر إخراج القذاة. ويحتمل الجرّ و"حتى" بمعنى إلى. وحينئذ التقدير: إلى أجر إخراج القذاة. و"يخرجها من المسجد" جملة مستأنفة للبيان. والرفع عطفاً على أجور، والتقدير ما مرَّ. و"حتى" يحتمل أن تكون هي الداخلة على الجملة فحينئذ التقدير: حتى أجر القذاة يخرجها. على الابتداء والخبر". 129 - حديث "شَهدْتُ وليمَتَيْن مِنْ نِساءِ رسول الله صلى الله عليه وسلم، فما أطعمنا خُبزاً ولا لحماً. قلت: فمه؟ قال: الحَيْس. قال أبو البقاء: "أراد "فما" ولكنه حذف الألف وجعل الهاء بدلا منها، كما قالوا "هنه" في "هنا". ولا يقال إنه حذف الألف لكونه استفهاما كما حذفت في قوله تعالى: {مِمَّ خُلِقَ} لأن ذلك إنما يجيء في المجرور، فأما المنصوب والمرفوع فلا". 130 - حديث "لقد أُخِفْتُ في الله وما يُخافُ أَحد". قال الطيبي: ""أخفت" ماضي مجهول من أخاف بمعنى خوّف. وقوله "وما يُخاف أحد" حال، أي خُوّفت في دين الله وحدي. وقوله: "ولقد أتت عليّ ثلاثون من بين ليلة ويوم" تأكيد للشمول، أي ثلاثون يوماً وليلة متواترات لا ينقص منها شيء من الزمان".

131 - حديث "أما إن كل بناء وبال على صاحبه إلا ما لا إلا ما لا".

131 - حديث "أما إنَّ كُلَّ بناء وبَالٌ على صاحِبه إلا ما لا إلا ما لا". قال الحافظ أبو الفضل العراقي: "يعني إلا ما لابدَّ منه". 132 - حديث "الدجّال، وإنَّ بين عَيْنَيْه مكتوب كافر" وفي نسخة "مكتوباً كافر". قال ابن مالك في توضيحه: "إِذا رفع "مكتوب" جعل اسم إنّ محذوفاً، وما بعد ذلك جملة من مبتدأ وخبر في موضع رفع خبراَ لإنّ، والاسم المحذوف إما ضمير الشأن وإما ضمير عائد على الدجّال. ونظيره - إن كان المحذوف ضمير الشأن - قوله صلى الله عليه وسلم في بعض الرِوايات: "وإنّ لنفسك حقّ " وقوله صلى الله عليه وسلم - بنقل من يوثق بنقله -: "إن من أشد الناس عذابا يوم القيامة المصورون".

133 - حديث "هل من أحد يمشي على الماء إلا ابتلت قدماه".

وقول بعض العرب: "إنّ بك زيدٌ مأخوذ". رواه سيبويه عن الخليل. ومنه قول رجل للنبي صلى الله عليه وسلم: "لعلّ نزعها عرق" أي لعلَّها. ونظائره في الشعر كثيرة. وإذا كان الضمير ضمير الدّجال فنظيره رواية الأخفش: "إنّ بك مأخوذ أخواك" والتقدير: إنّك بك مأخوذ أخواك، ونظيره من الشعر قوله: فليتَ دفعتَ الهمَّ عنّي ساعة ... فبتنا على ما خيّلتْ ناعِمَي بالِ أراد فليتك. ومثله قول الآخر: فلو كُنْتُ ضَبيّاً عَرَفتَ قَرابَتي ... ولكنَّ زنْجيٌ عَظيمُ المشافِر أراد: ولكنك زنجي. ويروِى "ولكن زنجياً" على حذف الخبر. ومن روى "مكتوباً" فيحتمل أن يكون اسم إن محذوفاً على ما تقررّ في رواية الرفع، و"كافر" مبتدأ، وخبره "بين عينيه " و"مكتوبا" حال، أو يجعل "مكتوبا" اسم إنّ و"بين عينيه" خبرا و"كافر" خبر مبتدأ، والتقدير: هو كافر. ويجوز رفع "كافر" وجعله ساداً مسدّ خبر إنّ، كما يقال: إن قائماً الزيدان. وهذا مما انفرد به الأخفش". انتهى. 133 - حديث "هل مِنْ أَحَدٍ يَمشي على الماء إلا ابْتَلَّتْ قَدَماه". قال الطيبي: "استثناء من أعمّ عام الأحوال، تقديره: يمشي في حال من الأحوال إلا في حال ابتلال قدميه".

134 - حديث "من عال جاريتن حتى تبلغا جاء يوم القيامة أنا وهو كهاتين".

134 - حديث "مَنْ عالَ جاريتن حتّى تَبْلُغا جاء يَوْمَ القيامة أنا وهو كهاتين". قال الشيخ أكمل الدين في شرح المشارق: "في الكلام تقديم وتأخير، فإن في "جاء" ضميراً يعود إلى "مَنْ". وقوله "هو" تأكيد له وقوله "أنا" معطوف عليه. وتقديره: هو وأنا، ثم قدّم إما لكونه صلى الله عليه وسلم أصلا في تلك الخصلة، أو قدّم في الذكر لشرفه". قلت: ليس هذا الإعراب بسديد لأن تقديم المعطوف على المعطوف عليه لا يجوز، والأولى أن يجعل "أنا" مبتدأ، و"هو" معطوف عليه، و"كهاتين" الخبر. والجملة حالية بدون الواو نحو: {اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوّ}. 135 - حديث "إنّ رَجُلاً قال: يارسول الله كيف يحشرُ الكافر على وَجْهه يَوْمَ القيامة؟ قال: أليس الذي أمشاه على رجليه في الدنيا قادرٌ على أن يُمشيه على وجهه يوم القيامة". قال الطيبي: "قادر" مرفوع على أنه خبر "الذي" واسم "ليس" ضمير الشأن". 136 - حديث "لِكُلِّ أمة أمينٌ وإنَّ أميننا أيتها الأمة أبو عبيدة".

137 - حديث "قول سراقة: يانبي الله مرني بم شئت".

قال القاضي عياض: "هو بالرفع على النداء، والأفصح أن يكون منصوباً على الاختصاص". 137 - حديث "قول سُراقة: يانَبِيَّ الله مُرْنِي بمَ شِئْت". قال ابن مالك: "فيه شاهد على إجراء "ما" الموصولة مجرى "ما" الاستفهامية في حذف ألفها إذا جُرّت، لكن بشرط كون الصلة "شاء" وفاعلها". 138 - حديث "لا تُشَدِّدوا على أَنْفُسِكُم فَيُشدِّدَ الله عليكم". قال الطيبي: ""فيشدّد" نُصِبَ على جواب النهي. والفاء في قوله "فإن قوماً" سبب للفعل المنهي المسبب عنه الشدّة. والفاء في قوله "فتلك بقاياهم" للتعقيب. و"تلك" إشارة إلى ما في الذهن من تصوّر جماعة باقية من أولئك المشددين. و"الخبر" بيان له. كما في قوله تعالى: {هَذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِك}. 139 - حديث "أَصْبَحَ رَسول الله صلى الله عليه وسلم عَروساً".

140 - حديث "قال النبي صلى الله عليه وسلم يوم بدر: من ينظر ما فعل أبو جهل؟ فانطلق ابن مسعود فوجده قد ضربه ابنا عفراء حتى برد، فأخذ بلحيته فقال: أنت أبا جهل؟ ".

قال الزركشي: ""العروس" نعت يستوي فيه الرجل والمرأة، يقع عليهما مدّة بناء الرجل بها". 140 - حديث "قال النبي صلى الله عليه وسلم يوْمَ بَدر: مَنْ يَنْظُرُ ما فَعَلَ أبو جهل؟ فانْطَلَقَ ابن مسعودٍ فَوجَدَهُ قد ضَربه ابنا عفراءَ حتى بَرَد، فأخذَ بِلحْيته فقال: أَنْتَ أبا جهل؟ ". قال الزركشي: "كذا الرواية في البخاري من رواية زهير، وهو يصح على النداء، أي أنت المقتول الذليل يا أبا جهل، على جهة التقريع والتوبيخ". قال القاضي: "أو على لغة القصر في الأب، ويكون خبر المبتدأ". وقال الداودي: "يحتمل معنيين أحدهما: أن يكون استعمل اللحن ليغيظ أبا جهل كالمصغر له، أو يريد أعني أبا جهل". وردّهما السفاقسي لأن تغييظه في مثل هذه الحالة لا معنى له، ثم النصب بإضمار "أعني" إنما يكون إذا تكررت النعوت. قال الزركشي: "ولا يردّان، أما الأول فإنه أبلغ في التهكم. وأما الثاني فليس التكرار شرطاً في القطع عند جمهور النحويين، وإن أوهمته عبارة ابن مالك في كتبه". قال القاضي: "ورواه الحُميدي: "أنت أبو جهل" وكذا ذكره البخاري من رواية يونس". 141 - حديث "مَنْ أجوَدُ جُوداً". قال الطيبي: "مَنْ" الاستفهامية مبتدأ. و"أجود" خبره، و"جودا" تمييز مزال عن

142 - حديث أحد، قوله "لا تشرف يصيبك سهم".

الأصل. وفيه وجهان: أحدهما: أن "أجود" أفْعَل من الجودة، أي أحسن جودا وأبلغه. والثاني: أنه من الجود الكرم، أي من الذي جوده أجود، فيكون إسنادا مجازياً، كما في قولك: جِدْ جدَةً. وقوله: "الله أجودُ جوداً ثم أنا أجود بني آدم، وأجوده من بعدي رجل علم عِلْماً فنشره" الضمير في "أجوده" راجع إلى بني آدم، على تأويل الإنسان أو للجود. 142 - حديث أُحد، قوله "لا تشرفْ يُصيبُكَ سَهم". قال الزركشي: "كذا لهم بالرفع، وهو الصواب. وعند الأصيلي "يُصبْكَ" بالجزم، وخطّؤوه، وهو قلب للمعنى إذ لا يستقيم أن تقول: إن لا تشرف يصبك، ولكن جوّزه الكوفيون". قوله (تَنْقُزان القِرَب). بضم القاف. قال القاضي عياض: "ضبطه الشيوخ، بنصب الباء، وفيه بُعد، إلا على تقدير نزع الخافض أي بالقرب. وقيل صوابه بالرفع على الابتداء، كأنه قال: والقِرَبُ على متونهما. وروي "تُنْقِزان" بضم التاء وكسر القاف، ويستقيم على هذا نصب "القِرَب" أي إنهما لسرعتهما في السيّر تتحرك القرب على ظهورهما وتضطرب". 143 - حديث "أَقْرِئْ قَوْمَكَ السَّلامَ فَإنَّهم ما علمتُ أعِفَّةٌ صُبُر". قال أبو البقاء: "أعفة" مرفوع، خبر إنّ. وفي "ما" وجهان أحدهما: هي

144 - حديث "هذا أول طعام أكله أبوك من ثلاثة أيام".

مصدرية، والتقدير إنهم في علمي أعفّة. والثاني: زمانية تقديره إنهم مدّة علمي فيهم أعفة. ولا يجوز النصب بـ"علمت" لأنه لا يبقى لـ"إنّ" خبر". 144 - حديث "هذا أَوَّلُ طَعامٍ أَكَلَهُ أَبوكِ مِنْ ثلاثةِ أَيَّام". قال أبو البقاء: "هكذا في هذه الرواية. ودخول "من" لابتداء غاية الزمان جائز عند الكوفيين ومنعه أكثر البصريين". قال: "والأقوى عندي مذهب الكوفيين". قال: "وفي بعض الروايات "منذ ثلاث" وهذا لا خلاف في جوازه". انتهى. وقال ابن مالك في شرح التسهيل: "هذا الحديث من الأدلة على استعمال "من" لابتداء غاية الزمان. وكذا قوله في حديث الاستسقاء: "فمُطِرنا مِنْ جُمعةٍ إلى جمعة" وقول أنس: "فلم أَزَلْ أحبُّ الدُّباءَ من يومئذٍ" وقول عائشة: "لم يجلسْ عندي من يومِ قيل فيَّ ما قيل". وكلّها في صحيح البخاري". انتهى. 145 - حديث نكاح زينب، قوله "فلما رأَيْتُها عَظمَتْ في صَدْري حتَّى ما أستطيع أَنْ أَنْظُرَ إليها أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكرها". قال أبو البقاء: "أنَّ" بالفتح، وتقديره لأن النبي صلى الله عليه وسلم ذكرها.

146 - حديث "أنه صلى الله عليه وسلم رمى الجمرة ثم نحر البدن، والحجام جالس، ثم حلق أحد شقيه الأيمن".

146 - حديث "أنه صلى الله عليه وسلم رمى الجَمْرةَ ثُمَّ نَحَرَ البُدْن، والحَجَّامُ جالس، ثم حَلَق أَحدَ شقيه الأيمنَ". قال أبو البقاء: "الأيمن" بالنصب بدل من "أحد"، أو على إضمار أعني. والرفع جائز على تقدير هو الأيمن". 147 - حديث الجمل "فلما نَظَر الجَمَلُ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أَقْبَلَ نَحْوَهُ حتى خَرَّ ساجداً بين يديه، فأخذ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم بِناصيته أذلّ ما كانت قط حتى أدخله في العمل". فيه استعمال "قط " غير مسبوقة بنفي، وقد كثر ذلك في الحديث. وقال ابن مالك في التوضيح: "في حديث حارثة بن وهب: "صلى بنا النبي صلى الله عليه وسلم ونحن أكثر ما كنا قط" v، فيه استعمال "قط" غير مسبوقة بنفي، وهو مما خفي على كثير من النحويين، لأن المعهود استعمالها لاستغراق الزمان الماضي بعد نفي نحو: ما فعلت ذلك قط، وقد جاءت في هذا الحديث دون نفي، وله نظائر". انتهى. وفي حديث جابر "ما من صاحبِ إبلٍ لا يَفْعَلُ فيها حقَّها إلا جاءت يوم القيامة أكثر ما كانت قط". وفي حديث سمرة بن جندب في صلاة الكسوف "فقام بنا كأطولِ ما قام بنا في صلاةٍ قط، ثم ركع كأطول ما ركعَ بنا في صلاة قط، ثم سجَدَ بنا كأطولِ ما سجد بنا في صلاة قط".

148 - حديث "أصابت الناس سنة على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم".

148 - حديث "أصابت الناس سنَةٌ على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم". قال الأبذي في شرح الجزولية: "إطلاق السّنة على عام القحط من باب العَلَم بالغلبة. ومثله في حديث سعد "وسألتُه أن لا يُهلك أمتي بالسنة فأعطانيها". قوله (فادع الله يَغِثْنا). قال الزركشي: "بفتح الياء وبالجزم على الجواب، ومنهم من ضمّ الياء ورفع الفعل، من الإغاثة والغوث وهو الإجابة. وروى في الموطأ "يَغيثُنا" بفتح الياء وبالرفع. وعلى هذا فجواب الأمر محذوف أيَ يُحْيِك ويُحْيِ الناس". وقوله "اللهمّ اسقنا" يجوز فيه قطع الهمزة ووصلها، لأنه ورد في القرآن ثلاثياً ورباعياً. قوله (ما نرى في السماء من سحاب ولا قَزَعةً). قال الزركشي: "بالنصب

والجر". وقال الرضيّ الشاطبي: "الفقهاء يقولونه بالنصب والتنوين، يتوهمونه قناة من القنوات، وليس كذلك". وقال الطيبي: "قناة" نصب على الحال أو المصدر، على حذف المضاف وإقامة المضاف إليه مقامه، أي مثل القناة أو سيلان القناة في الدوام والاستمرار والقوة والمقدار". قوله "اللهمّ أغِثنا". قال القرطبي: "كذا رويناه بالهمزة، وهي للتعدية، ومعناه هب لنا غيثاً. وقال بعضهم: صوابه "غِثنا" لأنه من "غاث". قال وأما "أغثنا" فإنه من الإغاثة وليس من طلب الغيث". قال القرطبي: "والصواب الأول". قوله (ولا علينا). قال الطيبي: "عطف جملة على جملة، أي أمطر حوالينا ولا تمطر علينا. ولو لم تكن الواو لكان حالا". قال: "وفي إدخال الواو هنا معنى لطيف، وذلك أنه لو أسقطها كان مستقيا للآكام وما معها فقط، ودخول الواو ويقتضي أن طلب المطر على المذكورات ليس مقصودا لعينه، ولكن ليكون وقاية من أذى المطر، فليست الواو مخلصة للعطف، ولكنها للتعليل، وهو كقولهم "تجوعُ الحُرَّةُ ولا تأكلُ بثَدْيَيها"، فإن الجوع ليس مقصوداً لعينه، ولكن لكونه مانعاً عن الرضاع بأجرة، إذ كانوا يكرهون ذلك". قوله (قال فَأَقْلَعَتْ). قال الكرماني: "فإن قلت: فما وجه تأنيث الفعل؟ قلت: تأنيثه إما باعتبار السحابة، أو باعتبار السحاب". قوله (ورسول الله صلى الله عليه وسلم قائماً يخطب). قال الزركشي: "كذا بنصب قائماً على الحال من "يخطب". ويروى بالرفع على الخبر". قوله "اللهمَّ حَوالَيْنا". قال الزركشي: "هو ظرف متعلق بمحذوف، أي أمطر

149 - حديث "أن رجلا قال يارسول الله: متى الساعة قائمة؟ ".

حوالينا". وقال الكرماني: "هو ظرف، أي أمطر في الأماكن التي في حولنا ولا تمطر علينا". وقال الحافظ ابن حجر: "فيه حذف تقديره: اجعل أو أمطر". وقال الطيبي: "حوله وحوليه وحواليه بمعنى، وإنما أوثر "حوالينا" لمراعاة الازدواج مع قوله علينا، نحو {وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَأٍ بِنَبَأٍ}. قوله (فادع الله يَحْبسها عنا). قال ابن مالك: "يجوز في "يحبسها" الجزم على جعله جواباً للدعاء، لأن المعنى إن تدعه يحبسْها، وهو أجود، والرفع على الاستئناف أي فهو يحبسُها والنصب على إضمار "أَنْ " كأنه قال ادع الله أن يحبسَها، ومثله قراءة الأعمش {وَلا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ}، وقول بعض العرب "خذ اللّصَّ قبلَ يأخذَك". وقال الطيبي: "الضمير فيه للسحاب فإنها جمع سحابة". 149 - حديث "أنّ رجلا قال يارسول الله: متى الساعةُ قائمة؟ ". قال الزركشي: "يجوز في "قائمة" الرفع والنصب". 150 - حديث "لا يتمنَّينَّ أَحَدُكُم الموتَ لِضُرٍّ نَزَلَ به، فإنْ كان لابُدَّ مُتمنّياً .. ".

151 - حديث "إذا تقرب إلي العبد شبرا تقربت إليه ذراعا، وإذا تقرب إلي ذراعا تقربت منه باعا".

قال الكرماني: "قوله "لابدّ" حال، وتقديره: إن كان أحدكم فاعلا حالة كونه لابدّ له من ذلك". 151 - حديث "إذا تقرَّبَ إليَّ العَبْدُ شِبراً تَقرَّبتُ إليه ذِراعاً، وإذا تَقَرّب إليَّ ذِراعاً تَقَرّبت منه باعاً". قال الكرماني: "فإن قلت استعمل التقربّ أولاً بـ "إلى"، وثانياً بمن، فما الفرقُ بينهما؟ قلت: الأصل "مِنْ" واستعمالها بـ "إلى" لقصد معنى الانتهاء، والصلات تختلف بحسب المقصود". 152 - حديث "لا تقومُ السَّاعَةُ على أحدٍ يقولُ الله الله". قال النووي: "هو برفع اسم الله تعالى. وقد يغلط فيه بعض الناس فلا يرفعه". وقال القرطبي: "صوابه بالنصب، وكذلك قيدناه عن محققي من لقيناه، ووجهه أن هذا مثل قول العرب: "الأسدَ الأسدَ" و"الجدارَ الجدارَ" إذا حذروا من الأسد المفترس والجدار المائل. وهو منصوب بفعل مضمر تقديره احذر. وقد قيده بعضهم "الله الله " بالرفع على الابتداء وحذف الخبر، وفيه بعد". انتهى. 153 - حديث "نَهى عن بَيْعِ الثِّمارِ حتّى تُزْهي، قيل: وما تُزهي؟ ".

154 - حديث "نهى عن بيع الحب حتى يفرك".

قال الطيبي: "يجوز أن يكون "تزهي" حكاية قول الرسول صلى الله عليه وسلم. أي ما معنى قولك: "حتى تزهي"؟ أو وضع الفعل موضع المصدر، أي قيِل ما الزهو، ونحوه قول الشاعر: وقالوا ما تشاءُ فقُلْتُ ألهو 154 - حديث "نَهى عن بَيْعِ الحَبِّ حتَى يفرك". قال البيهقي في سننه: "إن كان بخفض الراء على إضافة الإفراك إلى الحب وافق رواية من قال: "حتى يشتد". وإن كان بفتح الراء ورفع الياء على إضافة الفرك إلى ما لم يسمّ فاعلُه خالف رواية من قال فيه: "حتى يشتد" واقتضى تنقيته عن السنبل حتى يجوز بيعه. قال: "ولم أر أحداً من محدّثي زماننا ضبط ذلك، والأشبه أن يكون "يَفرِك" بخفض الراء [لموافقة] معنى من قال فيه:"حتى يشتد". 155 - حديث: "أرأيت إنْ مَنَعَ الله الثَمرةَ، بِمَ يأخُذُ أَحدُكُم مالَ أخيه؟ ". قال الكرماني: "أرأيت" في معنى أخبرني. وفيه نوعان من التصرّف: إطلاق الرؤية وإرادة الإخبار، وإطلاق الاستفهام وإرادة الأمر". وقال أبو حيان: "كون "أرأيت" بمعنى أخبرني نصَّ عليه سيبويه وغيره، وهو

156 - حديث "إن رجلا جاء إلى الصلاة وقد حفزه النفس، فقال: الله أكبر، الحمد لله حمدا كثيرا طيبا".

تفسير معنى لا تفسير إعراب، لأن أخبرني يتعدّى بعن، و"أرأيت" يتعدّى بنفسه لمفعول صريح، وإلى جملة استفهامية هي في موضع المفعول الثاني، ويقع بعده جملة الشرط، ويتنازع هو وفعل الشرط في ما بعده، فأعمل الثاني على رأي البصريين، وحذف مفعول "أرأيت" الأول، ومفعوله الثاني هو جملة الاستفهام، وربط هذه الجملة الاستفهامية بالمفعول المحذوف في "أرأيت" مقدّر، وجواب الشرط محذوف لدلالة ما قبله عليه، تقديره فأخبروني". انتهى. وقال الطيبي: "أرأيت" معناه أخبرني من إطلاق السبب على المسبّب، لأن مشاهدة الأشياء طريق إلى الإخبار عنها، والهمزة فيه مقرّرة، أي قد رأيت ذلك فأخبرني به". قوله: "بمَ يأخُذُ أحَدُكُم". قال الطيبي: "مثل قولهم "فيمَ" و"علامَ" و"حتّامَ" في حذف الألف عند دخول حرف الجر على ما الاستفهامية. ولما كانت ما الاستفهامية متضمنة للهمزة، ولها صدر الكلام ينبغي أن يقدّر أبم يأخذ، والهمزة للإنكار، فالمعنى لا ينبغي أن يأخذ أحدكم مال أخيه عفواً. 156 - حديث "إن رجلاً جاء إلى الصلاة وقد حَفَزَه النَّفس، فقال: الله أَكْبر، الحمدُ للهِ حَمْداً كثيراً طيبّاً". قال البيضاوي: "حمداً" نصب بفعل مضمر دلّ عليه الحمد، ويحتمل أن يكون

157 - حديث "مر على النبي صلى الله عليه وسلم بجنازة فأثنوا عليها خيرا، فقال: وجبت، ثم مر بأخرى فأثنوا عليها شرا، فقال: وجبت، فقيل: يا رسول الله، قلت لهذا وجبت ولهذا وجبت. قال: شهادة القوم، المؤمنون شهداء الله في الأرض".

بدلاً منه جارياً على محلّه. و"طيبّاً" وصف له". وقوله: "لم يقُل بأساً". قال الطيبي: "يجوز أن يكون مفعولا به، أي لم يتفوَّه بما يؤخذ عليه، أو مفعولا مطلقاً، أي لم يقل قولا يشدّد عليه. و (أيُّهم يرفعُها): مبتدأ وخبر في موضع نصب، أي يبتدرونها ويستعجلونها أيهم يرفعها". 157 - حديث "مُرَّ على النبيّ صلى الله عليه وسلم بجنازة فأَثْنَوا عليها خيراً، فقال: وَجَبَتْ، ثم مُرَّ بأخرى فأثنوا عليها شراً، فقال: وجَبَتْ، فقيل: يا رسول الله، قلت لهذا وجَبَتْ ولهذا وجَبَتْ. قال: شهادةُ القوم، المؤمنون شُهداءُ الله في الأرض". قال الكرماني: "شهادةُ القوم" مبتدأ، وخبره محذوف، أي موجبة شرعاً أو معرفة لثبوتها. وروي بالنصب، أي وجبت بشهادتهم". وقال عياض: "ضبطه بعضهم "شهادةُ" بالرفع، على خبر مبتدأ مضمر، أي هي، ثم استأنف الكلام فقال "القومُ المؤمنون شهداءُ الله في الأرض". وضبطه بعضهم "شهادة القوم" على الإضافة، فـ"المؤمنون" رفع بالابتداء، و"شهداءُ" خبره. و"القوم" خفض بالإضافة. و"شهادة" على هذا خبر مبتدأ محذوف، أي سبب قولي هذا شهادة القوم. ورواه بعضهم "المؤمنين" نعت للقوم، ويكون "شهداء" على هذا خبر مبتدأ محذوف أي هم شهداء الله. ويصح نصب "شهادة" بمعنى من أجل شهادة القوم. ومن روى "القومُ" مرفوعاً كان مبتدأ، و"المؤمنون"وصفهم".انتهى.

158 - حديث سؤال القبر، قوله: "إن العبد إذا وضع في قبره".

وقال السُهيلي: "إن كانت الرواية بتنوين الشهادة فهو على إضمار المبتدأ، أي هي شهادة، و"القوم" رفع بالابتداء، و"المؤمنون" نعت له أو بدل، وما بعده خبر. وفي هذا ضعف لأن المعهود من كلام النبوة حذف المنعوت نحو "المؤمنون تتكافأ دماؤهم" و"المؤمنون هينون لينون" و"المؤمنُ غِرٌّ كريم". لأن الحكم متعلّق بالصفة فلا معنى للموصوف". قال: "ويحتمل وجهاً آخر، وهو أن يرتفع "القوم" بالشهادة لأنها مصدر، ويرتفع "المؤمنون" بالابتداء، إذ قد أجازوا إعمال المصدر عمل الفعل، فلا بُعد في عمله هنا في القومِ منوّنا، كما تقول: يعجبني ضربٌ زيدٌ عمراً. ويحتمل وجهاً ثالثاً، وهو أن يكون "القوم" فاعلا بإضمار فعل، كأنه قال هذه شهادة، ثم قال "القوم" أي شهد القوم". انتهى. 158 - حديث سؤال القبر، قوله: "إنَّ العَبْدَ إذا وُضِعَ في قَبْرِه". قال الطيبي: "شرط، "أتاه" جزاؤه، والجملة خبر إنَّ. و"إنّه ليسمع قرع نعالهم" إما حال، بحذف الواو، كأحد الوجهين في قوله تعالى: {وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ

كَذَبُوا عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّة} أي ووجوههم، ونحو: كلّمته فوهُ إلىِ فيّ، ذكره شارح اللباب. أو يكون جواباً للشرط على إضمار الفاء، فيكون "أتاه" حالاَ من فاعل "يسمع" و"قد" مقدّرة. ويحتمل أن يكون "إذا" ظرفاً محضاً، وقوله "إنّه" تأكيد لقوله "إن العبد" كقوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ إِنَّا لا نُضِيع} في أحد الوجهين. قوله (فيُقْعِدانه). قال التوربشتي: "في حديث البراء "فيُجْلِسانِه" وهو أولى اللفظين بالاختيار، لأن الفصحاء إنما يستعملون القعود في مقابلة القيام، فيقولون القيام والقعود، ولا تسمعهم يقولون القيام والجلوس، يقال قعد الرجل عن قيامه، وجلس عن ضجعه واستلقائه. وحكي أن النضر بن شميل دخل على المأمون عند مقدمه مرو، فمثل وسلّم، فقال له المأمون: اجلس، فقال: يا أمير المؤمنين: أمضطجع فأجلس؟ قال: فكيف أقول؟ قال: قُل اقعد. فعلى هذا المختار من الروايتين هو الإجلاس، لما أشرنا إليه من دقيق المعنى وفصيح الكلام، وهو الأحقّ والأجدر ببلاغة الرسول صلى الله عليه وسلم. ولعلّ من روى "فيقعدانه" ظن أن اللفظين ينزلان من المعنى منزلة واحدة. ومن هذا الوجه أنكر كثير من السلف رواية الحديث بالمعنى، خشية أن يزلّ في الألفاظ المشتركة فيذهب عن المعنى المراد جانباً". انتهى قوله: "قد بَدَّلَكَ الله بهِ مَقْعَداً في الجنَّة". فيه دخول الباء على المتروك، واشتهر أنه المعروف لغة. [رأي أبي حيان في دخول الباء على المتروك] قال أبو حيان في شرح التسهيل: "هذه المسألة غلط فيها كثير من المصنفين في العلوم، ومن الشعراء، فيدخلون الباء على مالا يصح دخولها عليه في لسان العرب، وينصبون ما تدخل عليه في لسان العرب، ففي المنهاج لأبي

زكرياء النووي: "ولو أبدل ضادا بظاء لم يصحّ في الأصحّ". يعني في قوله: {وَلا الضَّالِّينَ} ولو جرى كلامه على اللسان العربي لقال: "ولو أبدل ظاء بضاد" أي جعل بدل الضاد ظاء، فالمنصوب هو الذي يصير عوضا، وما دخلت عليه الباء هو الذي يكون معوَّضاً منه. وهذا جار في هذه المادة من أَبْدَل وبدَّل وتبدَّل، المنصوب هو المعوّض الحاصل، وما دخلت عليه الباء هو المعوّض منه الذاهب. فإذا قلت: أبدلتُ ديناراً بدرهمٍ، فمعناه: اعتضتُ ديناراً عوض الدرهم، فالدينار هو الحاصل المعوّض، والدرهم هو الخارج عنك المعوّض منه. وهذا عكس ما يفهم العامة، وكثير ممّن يعاني العلوم. وعلى ما ذكرناه جاء كلام العرب، قال الشاعر: تَضْحَكُ منيّ أُخْتُ ذاتِ النِّحْييَن. أبْدَلَكِ الله بلوْنٍ لَوْنين سَوادَ وَجْهٍ وَبيَاضَ عينين ألا ترى كيف أدخل على المعوَّض منه الباء، وهو قوله "بلونٍ" ونصب "لونين" وهو المعوّض. وقال تعالى: {وَمَنْ يَتَبَدَّلِ الْكُفْرَ بِالإِيمَانِ}. وقال تعالى: {وَبَدَّلْنَاهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ} وقال تعالى: {أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ} وقال تعالى: {وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ} أي يستبدل بكم قوما غيركم. وقال تعالى: {عَسَى رَبُّنَا أَنْ يُبْدِلَنَا خَيْراً مِنْهَا} تقديره: أن يبدلنا بها خيراً منها، فحذف "بها" أي بالجنة التي طيف بها. وقال تعالى: {فَأَرَدْنَا

أَنْ يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْراً مِنْهُ زَكَاةً} أي يبدلهما به. وعلى هذا نظم علماء الشعراء، قال أبو تمام: تبدَّلَ غاشيهِ بريم مُسَلِّمٍ ... تَردَّى رداءَ الحُسْنِ وَشْيا مُنَمْنَما وبالحَلْي إنْ قامت ترُّنمَ فوقها ... حماما إذا لاقى حماماً ترنَّما وبِالخَدْلَةِ السّاقِ المخدَّمةِ الشَّوى ... قَلائصُ يَتْلُون العَبَنَّى المُخَدَّما وقد يجوز حذف حرف الجر لدلالة المعنى على العوض والمعوّض منه، قال تعالى: {فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ} أي بسيئاتهم حسنات. وقال تعالى: {فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا قَوْلاً غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ} وقال تعالى: {يَوْمَ تُبَدَّلُ الأَرْضُ غَيْرَ الأَرْضِ} أي بغير الأرض. وقد يقع موقع الباء التي تدخل على المعوّض منه "بعد" وهي دالّة على سبق المعوّض منه وذهابه بالعوض، قال الشاعر: وبُدِّلْتُ قَرْحاً دامياً بَعْدَ ... صِحَّةٍ لَعلَّ منايانا تَحوَّلْنَ أبْؤُسا معناه: وبدّلت قرحاً دامياً بعد صحة أي عُوّضت بدل الصحة قرحاً. وأصل أبدل وبدّل أن يتعدّى لاثنين منصوبين ولثالث بالباء، ألا ترى كيف صرّح بذلك في قوله: أَبدلكِ الله بلَونٍ لَوْنينْ وفي قوله: {وَبَدَّلْنَاهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ} وقد جرت عادة النحويين أن يقولوا: "أبدلت كذا بكذا" ولا يذكرون المفعول الأوّل، وأيضا فليس المعنى عليه، لأنك إذا قلت: أبدلت هذا الحرف بهذا الحرف، لا يريدون أبدلتك هذا الحرف بهذا الحرف، على أنه لا يبعد أن يكون أصله هكذا، ثم حذف المفعول الأوّل، وكثر حذفه في

اصطلاحهم حتى صار نسياً لا يراد معناه بوجه. انتهى. وقد ألف في هذه المسألة الإمام أبو سعيد فرج بن قاسم بن لُبَ الغرناطي رسالة حسنة، ولا بأس بإيرادها هنا لتستفاد، قال: الحمد لله الذي جعل العلوم الشرعية مناهل صافيةً تورد، ومصابيح نيِّرةً توقد، وقيّض لها حملة مجالسها عليهم تُعقد، وأحاديثها لديهم تنشد، وزيفها لديهم ينقد، وضالتها عليهم تنشد، والصلاة والسلام على نبيِّه ورسوله أفضل صلاة تامة، وأزكى سلام سرمديّ مؤبَّد. وبعد فإني سئلت عن مسألة تعيين محل دخول الباء من مفعولي بدَّل وأبدلوما يراجع إليهما في المادّة. وكان الذي حمل السائل على السؤال عن ذلك أنه سمع بعض علماء اللسان ينكر مثل قول القائل: فعمّا قليل يبدّل العُسْرُ باليُسْر، يزعم أنه لحن، خارج عن كلام العرب، وأن صواب الكلام يبدّل اليُسر بِالعسر، أَي يجعل اليُسر بديل العُسْرِ وعِوَضه. قال: فإنما تدخل الباء بعد هذا الفعل أبدا على المتروك، ويجرّد الحاصل منها، فهو الذي يقام مقام الفاعل على اللزوم. فصوّبت للسائل ذلك المقال، وأنكرت ذلك الإنكار. فسألني تقييد المسألة ببسط وبيان، فقلت في الجواب، والله سبحانه المستعان: إن لأفعال هذه المادة في الاستعمال أربعة أوجه: أحدها: أن يقصد بالتبديل أو الإبدال تغيير الشيء بنقله وتحويله، فيتعدى إلى اسمين منقول ومنقول إليه، ومحل دخول الباء في هذا الوجه إنما هو العوض الحاصل، ويجرّد المتروك لأنه المغيّر، فإنما تريد أخلفت هذا بذاك ونسخته به، وعلى هذا يصح ما أنكره المنكر. قال ثعلب: "التبديل تغيير الصورة إلى غيرها" وقال

الفراء: "كل ما غيّر عن حاله فهو مبدَّل، وقد يجوز التخفيف" وقال ابن النحاس: "بدّلت خاتمي أي غيّرته" وقال الزمخشري في قوله تعالىِ: {يَوْمَ تُبَدَّلُ الأَرْضُ غَيْرَ الأَرْضِ}: "التبديل هو التغيير، كقولك: بدّلتُ الحلْقة خاتما، إذا أذبتها وسويتها خاتما، فنقلتها من شكل إلى شكل، قال: فهو تغيير في الصفات. قال: وقد يكون في الذوات كقولك: بدّلتُ الدراهم دنانير". وقال في قوله تعالى: {بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَّهِ كُفْراً}: "كأنهم غّيروا شكرها الواجب عليهم إلى الكفر، لما وضعوا الكفر مكانه". ومما يدخل تحت ترجمة التغيير قوله تعالى: {لا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ} {فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلاً} {لا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ} {يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلامَ اللَّهِ} {ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَذَا أَوْ بَدِّلْهُ قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِي} {فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَ مَا سَمِعَهُ فَإِنَّمَا إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ} {أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ}. ومما جاء من هذا مع دخول الباء على الحاصل قول حبيب: بِسَيْبِ أبي العبّاسِ بُدّلَ أزلُنا ... بخفْضٍ وصِرْنا بَعْدَ جَزْرٍ إلى مَدِّ فأدخل الباء على الحاصل حين رفع المتروك. ومنه قول أبي الطيّب: أبْلَى الأجِلَّةَ مُهْري عند غيرِكُمُ ... وبُدِّلَ العُذْرُ بالفُسطاطِ والرَّسَنُ يقول: طال مقامي عند غيركم لأنه أكرمني، ولم يسأم مثواي عنده، حتى بلي

جُلُّ مهري بطول مكثه على ظهره، وتعوّض منزل الفسطاط من عذاره ورسنه. وقوله أيضا من قصيدة يمدح بها كافورا، وكان أسود: مَنْ لبيضِ المُلوكِ أنْ تُبْدل الـ ... لونَ بِلَوْنِ الأستاذ والَسَحْناءِ يقولَ: من للبيض من الملوك أن يُبدلوا ألوانهم بلون هذا الممدوح وسحنائه. ومنه قول المعرّي: يقولُ إنَّ زماناً يَسْتقيدُ لهم ... حتى يُبَدَّل من بُؤْسٍ بنعماءِ أي حتى يعوَّض من هذه بهذه. وقد يدخل هذا البيت في الوجه الثالث بعد هذا بتقدير: حتى يبدلهم، ومن هذا الوجه البيت الواقع في السِّير، وقصيدة عديّ بن زيد العبّادي وهو قوله: وبُدِّلَ الفَيْجُ بالزُّرافةِ والـ ... أيامُ جُوْنٌ جَمٌّ عَجائِبُها وذلك أن الفيج في البيت هو المنفرد في مشيه، والزّرافة الجماعة، يعني بها الكتائب التي ذكر في القصيدة قبل هذا في قوله: ساقتْ إليها الأسبابُ جُنْدَ بني الـ ... أحرار فُرسانُها مواكبُها حتى رآها الأقوالُ من طَرَفِ الـ ... مَنْقَلِ مُخْضرَّةً كتائِبُها ويريد بالفيج سيف بن ذي يزن الحميري، لأنه خرج بنفسه حتى قدم على قيصر فشكا إليه حال أهل اليمن، فلم يشكه، فأتى النعمان فذهب معه فأدخله على كسرى فشكا إليه، فأصحبه جيشا، كما ذكر صاحب السيَّر. فبدَّل الواحد بالجماعة. وإنْ أراد بالفيج معنى الرسول، كما قال بعض اللغويين، فإن سيفاً كان رسول أهل اليمن.

ثم قد يأتي محل الباء مجرداً منصوباً وهو كثير، كقوله تعالى: {يَوْمَ تُبدَّلُ الأرْضُ غَير الأرْض} وكقوله: {بَدَّلُوا نِعْمَةَ الله كُفْرا} وقوله: {فأولئك يُبدِّلُ الله سَيّئاتِهم حَسنَات}. قال الغزنوي في الآية الأولى: "غير" مفعول ثانٍ، أو يقدر بغير الأرض. وقد كثر هذا في استعمال النحاة، في كلام سيبويه وغيره. قال سيبويه: مصليق ومصاليق، أبدلوا السن صادا. وقال في لغة من يقول في الفصد الفزد: إِن تحركت الصّاد لم تبدل فهذا مثل الآية: {ويَومَ تُبدَّلُ الأرْض} لكنه حذف الثاني اختصارا. وهو قد يحذف كما قيل في قوله تعالى: {إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ} قال مكي: "أن يبدّل دينكم بما أتاكم به". وفي قوله تعالى: {وَإِذَا شِئْنَا بَدَّلْنَا أَمْثَالَهُمْ تَبْدِيلاً} قال الغزنوي: أي أمثالهم ممن يكفر النعم بمن يشكرها. وهو أحد وجهي الآية. الوجه الثاني: أن يقصد بالتبديل أو الإبدال جعل شيء مكان شيء وبدلا منه. فأصل الاستعمال في هذا الوجه تجريد الحاصل ودخول الباء على المتروك، لأنك تريد جعلت هذا بديل هذا وعوضاً منه. فمن هذا قول امرىء القيس: سَنُبْدِلُ إنْ أبْدلْتِ بالودّ آخَرَا وقول معن بن أوس: وكنتُ إذا ما صاحبٌ رامُ ظنّةً ... وبدل سُوءاً بالذي كان يفْعلُ قلبتُ لَهُ ظهْر المِجَنِّ ولَمْ أدُمْ ... على ذاك إلا ريثما أتحوّلُ

والغالب على هذا الوجه في الاستعمال جرّ المتروك بمن، فتقول: أبدلت كذا من كذا. وعليه جرت عادة النحويين في باب البدل. أو يأتي بـ "مكان" أو "بعد" كقوله تعالى: {وَإِذَا بَدَّلْنَا آيَةً مَكَانَ آيَةٍ} وقوله: {ثُمَّ بَدَّلَ حُسْناً بَعْدَ سُوءٍ}. وقد يحذف اختصاراً كقوله تعالى: {وَإِذَا شِئْنَا بَدَّلْنَا أَمْثَالَهُمْ تَبْدِيلاً} على أحد الوجهين فيها، أي أهلكناهم وجئنا بأمثالهم في الخلق غير عاصين، فالتقدير بدّلنا منهم أمثالهم. الوجه الثالث: أن ترد البنية مؤدّية معنى أعطى مُعطَى شيئا عوض شيء، وذلك المعطى هو محل تعاقب العوضين، فيطلب الفعل ثلاثة يتعدى إليها، إلى الآذن المأخوذ منه بنفسه، والى المعطى المأخوذ كذلك، وإلى المتروك بالباء. كقوله تعالى: {وبَدَّلْناهُمْ بِجنَّتيْهم جنَّتين}، وكقول القائل: أبْدلكِ الله بلوْنٍ لَوْنينْ سوادَ وَجْهٍ وبَياضَ عَيْنين وقام مقام الباء في هَذا ما يؤدي معناها كقوله تعالى: {وليُبدِّلنَّهم مِنْ بَعْد خَوْفِهم أمْنا}. ومنه قول القائل: وبُدّلتُ قرْحا دامياً بعد صحّةٍ وقد تحذف الباء مع محلها اختصاراً لفهم المعنى، كقوله تعالى: {عَسَى رَبُّنَا أَنْ يُبْدِلَنَا خَيْراً مِنْهَا}. أي أن يبدلنا بها خيراً منها.

وقد يضمّن الفعل في هذا الوجه معنى النقل والتحويل، فيتعدى تعدّيه، ومنه قول حبيب بعد قوله: بسيب أبي العباس ..... البيت المتقدم. غَنِيتُ بهِ عَمَّنْ سِواهُ وبُدِّلتْ ... عِجافاً ركابي عن سُعَيْدٍ إلى سَعْدِ أي نقلَت عن هذا إلى هذا. ولا يمتنع في هذا الوجه أن تقول: بدّلتك من كذا بكذا. فتدخل الباء على العوض الحاصل، أي جعلتك تتعّوض كما سيأتي في مثل: تَعَوَّضَ بالحِجارة مِنْ حُجورِ. وقد تقدم الكلام في بيت المعري: حتى تبَّدل مِنْ بُؤسٍ بِنَعْماءِ الوجه الرابع: أن يقصد معنى التعوض أو الاستعاضة، فيكون المعنى أخذت كذا عن كذا أو استخذته، فيتعدى الفعل في هذا الوجه إلى شيئين ينصب أحدهما وهو الحاصل المأخوذ، ويجرّ المتروك بالباء وهو المأخوذ عنه. كقوله تعالى: {ومَنْ يتَبدَّل الكُفْرَ بالإِيمان} أي يتعوض، وكقوله: {ولا أنْ تبدَّلَ بهنَّ مِنْ أزواج} و"من" زائدة دخلت على المنصوب. وكقوله تعالى: {أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ} أي تستعيضون. وقد يغني عن الباء ما يؤدي معناها، كقوله تعالى: {وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ} وقد تحذف مع مجرورها، كقوله تعالى: {وَيَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ} أي بكم. وربما جرّ الحاصل بالباء والمتروك بمن عند قصد التعوّض، ومنه قول المعري: إذا الفتى ذَمَّ عَيْشاً في شَبيبتِه ... فما يقولُ إذا عَصْرُ الشَّباب مضى وقد تعوَّضْتُ مِنْ كُلً بمشبهه ... فما وجدت لأيّامِ الصبا عوضا

ومنه قول القائل يرثي ابناً صغيراً. تعوّضَ بالحجارَةِ مِنْ حُجُور ... وبانَ عن الُّترْيبِ إلى الُّترابِ ومن أبيات الحماسة: وهَلْ هي إلا مِثْلُ عِرْسٍ تبَدّلتْ ... على رَغْمِها مِنْ هاشمٍ في مُحارب يعني أنها نكحت في هاشم وفارقتهم فنكحت في محارب. وجاء بـ"في" في موضع الباء لمقاربة ما بينهما، والفعل في هذا الوجه مطاوع الفعل في الوجه الذي قبله. تقول: أبدلت الشيء بالشيء، فتبدَّله. فهذه أربعة أوجه على أربعة مقاصد، تتعيّن الباء في المقصد الأوّل المعوّض الحاصل، ويجوز دخولها عليه في بعض المواضع في الثالث والرابع على ما ظهر من التفصيل. ثم قد يمكن ردّ ما ذكر من أمثلة الباء في الوجه الثاني إلى الوجه الثالث بحذف المفعول الأول، كأنه قال في بيت امرىء القيس: سنبدل محلك من نفوسنا إن أبدلت موضعنا من نفسك. وكأنه قال في بيت معن بن أوس: وبدَّلَ سُوءاً بالذي كان يَفْعَلُ ومما يحتمل التنزيل على الوجهين الأول والثاني قوله تعالى: {فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا قَوْلاً غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ}. قال الزمخشري: أي وضعوا مكان "حطة" قولا غيرها. فأشار معنى الوجه الثاني. كما قال تعالى: {وَإِذَا بَدَّلْنَا آيَةً مَكَانَ آيَةٍ}. وقال الغزنوي: "قولا" مفعول ثانٍ، أو قالوا قولا. فأرشد بجعله مفعولا ثانيا إلى كونه داخلا في الوجه الأولّ، بحذف أول المفعولين اختصاراً. ويكون هذا الثاني على

إضمار الباء أو دونها، أي بدّلوا القول الذيِ أمروا به بقول غيره، أو بدّلوا القول قولا غيره، كما قال تعالى: {بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَّهِ كُفْراً}. وأرشد بجعله على إضمار فعل والقول إلى أنهما كلامان بتفصيل بعد إجمال، أي بدّلوا وغيّروا قالوا قولا غير الذي قيل لهم. فإن اطرد التأويل فيما يجد من أمثلة الباء في الوجه الثاني خرج ذلك عن مداخل الباء. ثم يتعلق بهذه الأوجه مسألة في الإبدال والتبديل بالنظر إلى افتراقهما أو اتفاقهما في المعنى. وقد فرّق ثعلب بينهما فقال: الإبدال: تنحية جوهرة واستئناف أخرى. وأنشد لأبي النجم: عَزْلَ الأَمير لِلامير المُبْدَلَ قال: ألا تراه نحّى جسماً وجعل مكانه آخر. والتبديل: تغيير الصورة إلى غيرها والجوهرة بعينها وهو نحو قول الفرّاء، قال في التفسير بدّلت معناه غيّرت، وكل ما غيّر عن حاله فهو مبدَّل، بالتشديد، وقد يجوز بالتخفيف، وليس بالوجه. وإذا جعلت الشيء مكان الشيء قلت أبدلته، كقولك: أبدل هذا الدرهم، أي أعطني مكانه، وبدّلْ جائز فهما متقاربان. قال الفارسي: "بدّل وأبدل متقارِبان كنزّل وأنزل. وقال في تفرقة من فرَّق ليست بشيء. قال تعالى: {وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً} فالخوف ليس بقائم في حال الأمان، يريد على قراءة التثقيل. وقد تأوّلها الفراء على معنى: يجعل سبيل الخوف أمنا. وقال الزمخشري في قوله تعالى: {بدَّلوا نِعْمةَ اللهِ كُفْراً} أي شُكْر نعمة الله

لما وضعوا الكفر مكان الشكر الذي وجب عليهم، فكأنهم غيّروا الشكر إلى الكفر وبدّلوه تبديلا. يعني إنّ ما يقوم مقام الشيء بأن يجعل محله كأنه هو بضرب من التغيير. وذكر المطرّز عن ثعلب عن سلمة بن عاصم النحوي عن الفراء: أبدلت الخاتم بالحلقة إذا نحيت هذا وجعلت هذا مكانه. وبدّلت الخاتم [بالحلقة]، إذا أذبته وسويته [حلقة]، وبدّلت الحلقة بالخاتم إذا أذبتها وجعلتها خاتماً. قال ثعلب: وحقيقته أن بدّلت إذا غيّرت الصورة إلى صورة غيرها والجوهرة بعينها. وأبدلت إذا نحيت الجوهرة وجعلت مكانها جوهرة أخرى، ومنه قوله: نحَّى السَّديس وانْتحى لِلْمعدلِ ... عَزْلَ الأمير للأمير المُبْدَلِ قال: ألا ترى أنه قد نحّى جسما وجعل مكانه جسماً غيره. قال المطرّز: عرضت الكلام على المّبرد فاستحسنه. وقال لي: قد بقيت لي عليه فاصلة أخرى على أحمد بن يحي. قلت: وماهي؟ أعزّك الله. قال: هي أن العرب قد جعلت بدّلت بمعنى أبدلت، وهو قوله تعالى: {فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ} [ألا ترى أنه قد أزال السيئات وجعل مكانها حسنات]. قال: وأما شرط أحمد بن يحي فهو معنى قوله تعالى: {بَدَّلْنَاهُمْ جُلُوداً غَيْرَهَا}. فهذه [هي] الجوهرة بعينها، وتبديلها تغيير صورتها إلى غيرها، لأنها كانت ناعمة فاسودّت بالعذاب فردّت صورة جلودهم الأولى كلما نضجت تلك الصورة، فالجوهرة واحدة والصور مختلفة. وفي كلام الفراء في ما مثّل به دخول الباء على الحاصل، وتوجّه الفعل على المتروك، كما جعله أبو النجم مبدلا. انتهى الكلام على أقسام المسألة، والحمد لله وحده.

وقد وقفت على فصل في هذا الغرض لأثير الدين أبي حيّان مجتلب من شرحه لتسهيل ابن مالك، رأيت تقييده هنا، وبيان ما فيه، بحول الله تعالى. وساق كلام أبي حيان الذي قدّمته أوّل الحديث برّمته، ثم قال: وقد اجتمعت فيه أشياء جملة: التهجّم بالتخطئة، وعدم اطراد العلة، والقصور في الاطلاع، وخلط الأقسام في الاستدلال، والتناقض في المقال. أما التخطئة بالتهجم فلأنه غلّط كثيراً من المصنفين في العلوم والشعراء وهم في ذلك على صواب. وأما انكسار العلة فلأنه جعل علة دخول الباء كون المحل معوضاً منه ذاهبا، وعلة التجرد منها كونه عوضا حاصلا، وقد ظهر مما تقدم نقلا من كلام الأئمة وسماعا من كلام العرب أن التبديل يكون بمعنى التغيير، وبمعنى القلب والتحويل. ومن المعلوم أن المغير والمحّول إنما هو المعوض منه الذاهب، وقد سلفت شواهد ذلك. وكيف يطرد له ذلك في مثل قوله تعالى: {يَوْمَ تُبَدَّلُ الأَرْضُ غَيْرَ الأَرْضِ} وإنما معناه تحول هذه الأرض إلى غيرها، أو تغير حالها. ومثل ذلك قول جرير: أبُدِّلَ الليلُ لا تَسْري كواكِبُه ... أمْ طالَ حتى حَسِبْتُ النَّجْم حَيْرانا أي أبدّل الليل غير الليل، لأنه قد عاد له بقوله: "أم طال" أي أم بقي لكنه طال. وأما القصور في الاطلاع فلأنه لم يقف على كلام الأئمة في معنى التغيير والقلب على شهرته وكثرة شواهده. وقد استشهد بطريقته بنظم بعض علماء الشعر كأبيات حبيب، وغابت منه شواهد القرآن، ومن شعر حبيب وأبي الطيب والمعري

وغيرهم ما هو كثير صريح في خلاف قوله. وأما خلطه الأقسام فلأنه جعل أبدل وبدّل وتبدل واستبدل المتوجه على العوض خاصة. وعليهما مع محلهما الذي تعاقبا عليه، كلّ ذلك على سواء في التعدي الذي وصفه. وقد ظهر في التقييد بون ما بين بدّل وأبدل وسائر الأبنية سماعاً من العرب، ونقلا من كلام علماء اللسان. وكذلك البون الذي بين بدّل وأبدل متوجهن على العوضين خاصة، أو عليهما مع محلهما. وتأمل هنا كلام الزمخشري في قوله تعالى: {وَلا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ} قال: وقيل هو أن يعطي رديئا ويأخذ جيدا. وعن السُّدّي أن يجعل شاة مهزولة مكان سمينة، يعني الوصي في مال اليتيم. قال: وهذا ليس بتبدّل إنما هو تبديل، يقول: إن المعنى على هذا القول لا تبدلوا خبيثكم بطيب اليتامى. والآية إنما فيها التبديل. وقد يتضمن معنى الأخذ لما يأخذ بما يترك، والوصيّ لم يأخذ الخبيث إنما أخذ الطيب. وفي هذا الكلام من الزمخشري تسليم دخول الباء مع التبديل على المأخوذ الحاصل. وأردت الفرق بين التبدل والتبديل في ذلك، ولم يتفق للمقيد مثال من السماع في محل النزاع إلا آية. آخر كلامه، وهي حجة لخصومه. وأما التناقض فلأنه ساق كلامه على التزام دخول الباء على العوض الذاهب وتجريد الحاصل، ثم ختمه بقوله تعالى: {يَوْمَ تُبَدَّلُ الأَرْضُ غَيْرَ الأَرْضِ} وقال: أي بغير الأرض، جاعلاً الآية من القبيل الذي ذكر، وألزم فيها ما التزم، وهي على العكس من قوله، وصريحة في مخالفة رأيه، وشاهدة على تقديرِه للباء لصحة مذهب من صرّح بتخطئته. وليتأمل مأخذه في الآية: {فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا قَوْلاً غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ} حيث جعل المفعولين مذكورين على سقوط الباء من "قول" وهو المفعول

الثاني عنده، و"غير" هو الأول، فإنه مأخذ بعيد. وقد مرّ من كلام غيره فيها ما هو جلّي ظاهر. وهكذا طريقته في تقدير الآية: {يُبدِّلُ الله يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ} أي بسيئاتهم، فإنه مع كونه على مخالفة مقتضى الآية الأخرى: {يوْم تُبدَّلُ الأرْضُ} مخالف لكلام الأئمة واستعمالهم، ودعوى وضع الشيء غير موضعه. فليتأمل أيضا عدم استبعاده في إبدال الحروف بعضها من بعض أن يكون الأصل: أبدلتك هذا الحرف بهذا الحرف، وإنه لبعيد. والذي لا يبعد في ذلك الغرض أن يقدر أبدلت الكلمة هذا الحرف في هذا الآخر، لأن الكلمة هي محل التعاقب، وهذا الوجه الذي أشار إليه هو الذي طرقت احتماله إلى ما جاء من بدّل أو أبدل مع الباء داخلة على العوض الذاهب في الوجه الثاني كما سبق. وهنا انتهى القول في المسألة، والحمد لله وحده. [رجع السيوطي إلى حديث سؤال القبر] قوله (فذكر لنا أنه يُفسحُ له في قبره سبعون ذراعاً) قلت: كذا في الرواية "سبعون" بالواو، على أنه النائب عن الفاعل. قال الشيخ بهاء الدين في التعليقة: "إذا اجتمع فضلات وليس فيها مفعول مُسَرَّح، اختلف النحاة فيها، فمنهم من قال: يجوز إقامة أيها شئت على السواء، ومنهم من قال برجحان بعضها. ثم اختلفوا؛ فقال المغاربة وبعض المشارقة المصدر المختص أرجح، وعللوه بأن الفعل وصل إليه بنفسه، ولا كذلك المفعول المقيد". وقال ابن معط: "المفعول المقيد أولى ثم بعده المصدر. ثم لم يتعرضوا لما بعد ذلك. والذي ظهر لي أن الأولى إقامة المفعول المقيد، ثم ظرف المكان، ثم ظرف الزمان، ثم المصدر المختص. وذلك المفعول المقيد لا يحتاج إلى مجاز في كونه

مفعولا به، وغيره يحتاج إلى التوسّع فيه بجعله مفعولا، فكان المفعول المقيد أولى من غيره لذلك". انتهى. وقال الطيبي: "الأصل يفسح له قبره مقدار سبعين ذراعاً، فجعل القبر ظرفاً للسبعين، وأسند الفعل إلى سبعين مبالغة". قوله (فيقال له: لا دَرَيْتَ ولا تَلَيْت). قال أبو البقاء: "لا درَيت " بفتح الراء لا غير، من دَرى يدري، مثل رمى يرمي". انتهى. وقال الخطابي: "قوله "ولا تليت" هكذا يرويه المحدثون، وهو غلط، والصواب "ولا ائتَلَيْت" على وزن افتعلت، من قولك ما ألوت هذا الأمر، أي ما استطعته. وقال صاحب الفائق: "معناه ولا اتَّبعت الناس بأن تقول شيئا يقولونه، وقيل لا قرأت، فقلبت الواو ياء للمزاوجة" وقال ابن بطال: "الكلمة من بنات الواو، لأنها من تلاوة القرآن، لكنها لما كانت مع "دريت" تكلم بها بالياء ليزدوج الكلام، ومعناه الدعاء عليه، أي لا كنت داريا ولا تاليا". وقال ابن بري: "من روى "تليت" فأصله "ائتليت" بالهمز، فحذفت تخفيفا، فذهبت همزة الوصل، وسهلت لمزاوجة "دريت". وقال الطيبي: "يجوز أن يكون من قولهم: تلا فلان تلو غير عاقل، إذا عمل عمل الجهّال، أي لا علمت ولا جهلت، يعني هلكت فخرجت من القبيلين". وقال الجوهرى: "اتْلَت الناقةُ إذا تلاها ولدها. ومنه قولهم: لا دريت ولا أتْليت، يدعو عليه بأن لا تُتْلى إبله، أي لا يكون لها أولاد". وقال الأزهرى: "يروى "ولا ائْتليْت " يدعو عليه". وفي فتح الباري: "قال ثعلب "ولا

159 - حديث (اعتدلوا في السجود ولا يبسط أحدكم ذراعيه انبساط الكلب).

تليت لعله تلوت، أي لا فهمت ولا قرأت القرآن. والمعنى لا دريت ولا اتبعت من يدري. وإنما قاله بالياء لمؤاخاة "دريت". وقال ابن السكيت: "قوله "ولا تليت" إتباع ولا معنى له. وقيل صوابه "ولا ائْتَليْت " بزيادة همزة قبل المثناة بوزن افتعلت [من قولهم: ما ألوت أي ما استطعت، حكى ذلك عن الأصمعي] وبه جزم الخطابي. وقال الفرّاء: "أي قصّرت، كأنه قيل: لا دريت ولا قصّرت في طلب الدراية، ثم أنت لا تدري". وقال الأزهري: "الألو" يكون بمعنى الجهد، وبمعنى التقصير، وبمعنى الاستطاعة" وحكى ابن قتيبة [عن يونس بن حبيب] أن صواب الرواية "ولا أتليت " بزيادة ألف وتسكين المثناة، كأنه يدعو عليه بأن لا يكون له من يتبعه، وهو من الإتلاء. يقال: ما أتْلت إبله أي لم تلد أولاداً يتبعونها. وقال: قول الأصمعي أشبه بالمعنى، أي لا دريت ولا استطعت أن تدري قوله (يَسْمعُها مَنْ يليه غيرَ الثقلين). قال الطيبي: "غير" منصوب على الاستثناء". 159 - حديث (اعتدلوا في السجود ولا يَبْسُط أحدُكم ذراعيه انبساط الكلب). قال القرطبي: "هو مصدر على غير حدّه، وفعله ينبسط، لكن لما كان انبسط

160 - حديث (جاء رجل فقال: يارسول الله إني أصبت حدا فأقمه علي).

من بسط جاء المصدر عليه، كقوله تعالى: {وَاللَّهُ أَنْبَتَكُمْ مِنَ الأَرْضِ نَبَاتاً} " وقال الكرماني: " أي لا يبسط فينبسط انبساط الكلب، مثل قوله تعالى: {وَاللَّهُ أَنْبَتَكُمْ مِنَ الأَرْضِ نَبَاتاً}. وقال بعضهم انبسط بمعنى بسط، كقوله اقتطع وقطع". وروي "ولا ينبسط". 160 - حديث (جاء رَجُلٌ فقال: يارسول الله إني أصبتُ حدّاً فأقِمْهُ عليّ). قال الطيبي: "فإن قلت: ما الفرق بين معنى "على" في قوله "فأقمه عليّ" و"في" في قوله "فأقمْ فيّ كتاب الله"؟ قلت: الضمير في قوله "فأقمه" يرجع إلى الحد، فحسن لذلك معنى الاستعلاء. و"كتاب الله" في قوله "فأقمْ فيّ كتاب الله" يراد به الحكم، فهو يوجب "في" بمعنى الاستقرار فيه، وكونه ظرفا مستقرا فيه أحكام الله ... " 161 - حديث (ليس في الخَضْراوات صَدَقة). قال ابن فلاح في المغني: "فَعْلاء أفعْل نحو حمراء وصفراء لا يجمع بالألف والتاء، كما لم يجمع مذكرّها بالواو والنون، لأن المؤنث تابع للمذكر في الجواز والمنع، ولأن الصفة ثقيلة لكونها مشتقة من الفعل، وهذا الجمع ثقيل، فجمعها يوجب زيادة في الثقل، فلذلك رفض جمعها. قال: وأما "الخضراوات" في هذا الحديث فإنه كالاسم، إذ كان صفة غالبة لا يذكر معها الموصوف". انتهى. وقال ابن الأثير في النهاية: "قياس ما كان على هذا الوزن من الصفات أن لا

162 - حديث: "أتي بقدر فيها خضرات" بكسر الضاد، أي بقول، واحدها خضرة".

يجمع هذا الجمع، وإنما يجمع به ما كان اسماً لا صفة نحو: صحراء وخنفساء. قال: وإنما جمع هذا الجمع لأنه قد صار اسماً لهذه البقول لا صفة. تقول العرب لهذه البقول "الخضراء" لا تريد لونها. قال: ومنه الحديث التالي. 162 - حديث: "أتي بقدر فيها خَضِرات" بكسر الضاد، أي بقول، واحدها خضِرَة". وقال الرضي: "أجاز ابن كيسان جمع فَعْلاء أفْعل وفَعْلى فَعْلان بالألف والتاء، ومنعه الجمهور. فإن غلبت الاسمية على أحدهما جاز اتفاقا كقوله عليه السلام: "ليس في الخضراوات صدقة". 163 - حديث (اطلبوا العلم ولو بالصين). قال الرضي: "قد تدخل الواو على أن المدلول على جوابها بما تقدم، ولا تدخل إلا إذا كان ضد الشرط المذكور أولى بذلك المقدّم، الذي هو كالعوض عن الجزاء من ذلك الشرط، كقولك: أكرمه وإنْ شتمني. فالشتم بعيد من إكرامك الشاتم، وضدّه وهو المدح أولى بالإكرام. وكذلكَ قوله "اطلبوا العلم ولو بالصين". والظاهر أن الواو الداخلة على كلمة الشرط في مثله اعتراضية. ونعني بالجملة الاعتراضية ما يتوسط بين أجزاء الكلام متعلقاً به معنى مستأنفاً لفظاً على طريق الالتفات، كقوله: فأنت طلاقٌ - والطلاقُ أَليَّة- وقوله: يرى كُلَّ مَنْ فيها- وحاشاكَ- فانيا وقد يجيء بعد تمام الكلام، كقوله عليه السلام "أنا سيّد ولد آدم ولا فخر"،

فتقول في الأوّل: زيدٌ وإن كان غنياً بخيل، وفي الثاني: زيدٌ بخيل وإن كان غنياً. فجواب الشرط في مثله مدلول الكلام، أي إذا كان غنياً فهو بخيل، فكيف إذا افتقر، والجملة كالعوض من الجواب المقدّر، كما تقرر، ولو أظهرته لم تذكر الجملة المذكورة ولا الواو الاعتراضية، لأن جواب الشرط ليس جملة اعتراضية. وقال الجنزي: هو واو العطف، والمعطوف عليه محذوف، وهو ضدّ الشرط المذكور، الذي قلنا إنه [هو] الأولى بالجزاء المذكور. فالتقدير عنده: زيدٌ إن لم يكن غنياً وإن كان غنياً فبخيل. وقد تقرر أنه يجوز حذف المعطوف عليه مع القرينة، لكن يلزمه أن يأتي بالفاء في الاختيار، فتقول: زيدٌ وإن كان غنياً فبخيل، لأن الشرط لا يلغى بين المبتدأ والخبر اختيارا. وأما على ما اخترنا من أن الواو اعتراضية فيجوز، لأن الاعتراضية تفصل بين أي جزأين من الكلام كانا بلا تفصيل إذا لم يكن أحدهما حرفا. وعن الزمخشري أن الواو في مثله للحال، فيكون الذي هو كالعوض عن الجزاء عاملا في الشرط نصبا على أنه حال، كما عمل جواب "متى" عند بعضهم في "متى" النصب على أنه ظرفه، ومعنى الحال والظرف متقاربان. ولا يصح اعتراض الجنزي عليه، فإن معنى الاستقبال الذي في "إنْ" يناقض معنى الحال الذي في الواو، لأن حالية الحال باعتبار عامله مستقبلاً كان العامل أو ماضيا نحو: اضربه غدا مجرداً، وضربته أمس مجردا، واستقبالية شرط "إنْ" باعتبار زمان المتكلم، فلا تناقض بينهما". انتهى. وقال أبو حيان: "الذي يظهر لي أن الواو الداخلة على الشرط في مثل: أقوم وإنْ قُمتَ، وأَضْربُ زيدا وانْ أحسن إليك، للعطف، لكنها لعطف حال على حال محذوفة يتضمنها السابق، تقديره: أقومُ على كل حال وإنْ قمت، أَضربُ زيداً على كل حال وإن أحسن إليك، أي وفي هذه الحال. وكذلك حكمنا إذا دخلت على نحو:

"أعطوا السائل ولو جاء على فرس" "رُدّوا السائل ولو بِظِلْف" "أولمْ ولو بشاة". المعنى: أعطوه كائنا مِنْ مَنْ كان ولو جاء .. ، أوْلم على كل حال ولو بشاة، ردّوه بشيء ولو بظلف. ولا تجيء هذه الحال إلا منبهة على ما كان يتوهم أنه ليحس مندرجاً تحت عموم الحال المحذوفة فأدرج تحته، ألا ترى أنه لا يحسن: أعطي السائل ولو كان فقيراً، ولا أضرب زيداً وإن ما .. " انتهى. ومن أمثلة ذلك حديث "لا تمنع المرأة زوجها وإن كانت على ظهر قَتَب" وحديث "إذا أراد أحدكم من امرأته حاجة فليأتها ولو كانت على تنُّور" وحديث "إنّ الله يحبُّ السَّماحة ولو على تمرات، ويحب الشَّجاعة ولو على قتل حية" وحديث "بعْها وِلو بضَفير" وحديث "أَلا خمرْتَهُ ولو أن تَعْرُضَ عليه عوداً" وحديث "تصدَّقْنَ ولو من حُليّكن". قال الطيبي: "لو" في هذا الحديث للمبالغة". وحديث "إذا صلى أحدُكم فليستتر لصلاته ولو بسهم". وحديث "إذا أتى أحدكم أهلَه فلْيُطْرِفْهم ولو

حجارة". وحديث "لا تبتعه وان أعطاكه بدرهم". وحديث "اغتسل يوم الجمعة ولو كأساً بدينار". وحديث "التمس ولو خاتما من حديد" قال التوربشتى: "هذا للمبالغة". وحديث "اعتزلوهم ولو أن تعضَّ بأصل شجرة". قال الطيبي: "هذا شرط تعقب به الكلام تتميماً ومبالغة، أي اعتزل الناس اعتزالاً لا غاية بعده، ولو قنعت فيه بعضّ أصل الشجر فإنه خير لك". وحديث "تسّحروا ولو بجرعة من ماء". وحديث "تعشوا ولو بكفّ من حَشَف". وحديث "لا تحقرن من المعروف شيئاً ولو أن تُعْطى صِلَة الحبْل، ولو أن تعطي شِسْع النَّعل، ولو أن تُفْرغ من دلوك في إناء المستسقي، ولو أن تنحيّ الشيء من طريق الناس يؤذيهم، ولو أن تلقى أخاك ووجهك إليه منطلق، ولو أن تأتي أخاك فتسلم عليه، ولو أن تؤنس الوحشان في الأرض". وحديث "من بنى

164 - حديث (اتخذ خاتما من فضة نقشه محمد رسول الله).

لله مسجدا ولو مفْحص قطاة بنى الله له بيتا في الجنة". وحديث "بلّغوا عني ولو آية". وحديث "أفي الوضوء إسراف؟ قال نعم وإنْ كُنت على نهر جارٍ". 164 - حديث (اتخذ خاتماً من فضّة نقشُه محمدٌ رسولُ الله). قال الكرماني: "نقشه" مبتدأ، و"محمد رسول الله" جملة خبره. فإن قلت: أين العائد في الجملة إلى المبتدأ؟ قلت: إذا كان الخبر عن المبتدأ فلا حاجة إلى العائد، هو في تقدير المفرد، أي الكلمة مثلا، كأنه قال: نقشه هذه الكلمة، وإعراب أمثاله يكون بحسب المنقول لا بحسب المنقول إليه". وقال الحافظ زين الدين العراقي: "قوله "رسولُ الله" صفة لقوله "محمد" لا خبر له، ويكون خبر المبتدأ محذوفاً، أي صاحبه أو مالكه رسول الله". 165 - حديث (كان أبو طلْحةَ أكثرَ أنصاريّ بالمدينة مالا). قال الزركشي: "نصب "أكثر" نصب خبر كان، و"مالا" نصبٌ على التمييز".

166 - حديث (أنه رأى عبد الرحمن بن عوف وعليه وضر من صفرة، فقال: مهيم).

وقال الكرماني: "فإن قلت: القياس يقتضي أن يقال أكثر الأنصار. قلت: أراد التفضيل على التفصيل، أي أكثر من كل واحد من الأنصار". قوله (وكان أحبّ الأموال إليه بَيْرُحا). قال التيمي: "بيرُحا" بالرفع اسم كان، و"أحبَ" بالنصب خبرها، ويحوز العكس". قال الزركشي: "والأوّل أحسن، لأن المحدّث عنه "بيرحا" فينبغي أن تكون هي الاسم". ثم قال التيمي: "وجاء مقصوراً، كذا المحفوظ، ولا يظهر فيه إعراب". قال الكرماني: "أي فهو كلمة واحدة، لا مضاف ومضاف إليه. قال: ويجوز أن يمدّ في اللغة". وقال عياض: "رواية المغاربة بضم الراء في الرفع وبفتحها في النصب وبكسرها في الجر مع الإضافة إلى حاء على حرف المعجم". قوله (بخ). قال الداودي: "هي كلمة تقال عند المدح، وللرفق بالشيء، وتكرّر للمبالغة". وقال النووي: "قال أهل اللغة يقال "بخ" بإسكان الخاء وتنوينها مكسورة". وحكى القاضي عياض الكسر بلا تنوين. وحكى الأصمعي التشديد فيه. قال القاضي: "وروي بالرفع. وإذا كررت فالاختيار تحريك الأوّل منوّناً وإسكان الثاني". وقال ابن دريد: "معناه تعظيم الأمر وتفخيمه. وسكنت الخاء فيه كسكون اللام في هَلْ وبَلْ. ومن نوّنه شبّهه بالأصوات كصه ومه". وقال ابن السكيت: "بخ بخ وبه به بمعنى واحد" قوله (ذلك مالٌ رابح). معناه ذو ربح، كـ"الابن" و"تامر". وقيل: هو فاعل بمعنى مفعول أي مربوح فيه. 166 - حديث (أنّه رأى عبد الرَّحمن بن عَوْف وعليه وضَرٌ من صُفْرة، فقال: مَهْيَم).

167 - حديث "فرأيت الماء ينبع من تحت أصابعه حتى توضؤوا من عند آخرهم".

قال أبو البقاء: " [مهيم] هو اسم للفعل، والمعنى ما يمّمْت، أي ماقصدت؟ وقيل تقديره ما وراءك؟ " انتهى. وقال ابن الجوزي: "معناه ما حالك؟ ". وقال ابن مالك في التوضيح: "مهيم" اسم فعل بمعنى أخبرني". وقيل هي كلمة يمانية وفي حديث البخاري في قصة إبراهيم وسارة "فأتته وهو قائم يصلى، فأومأ بيده مهيا" وفي رواية ابن السكن: "والقياس مَهْين بالنون بدلاً من الميم". قال الزركشي: "وكأنه لما سمعه منوّناً ظن التنوين نوناً". 167 - حديث "فرأيت الماء ينبعُ من تحت أصابعه حتى توضؤوا مِنْ عند آخرهم". قال العلامة شمس الأئمة الكرماني في شرح البخاري: "حتى" للتدريج. و"من" للبيان، أي توضأ الناس، حتى توضأ الذين هم عند آخرهم وهو كناية عن جميعهم. و"عند" بمعنى في. لأن "عند" وإن كانت للظرفية الخاصة، لكن المبالغة تقتضي أن تكون لمطلق الظرفية، فكأنه قال الذين هم في آخرهم". وقال النووي: "مِنْ" في "مِنْ عند آخرهم" بمعنى إلى، وهي لغة. قال الكرماني: "وُرود "مِنْ" بمعنى إلى شاذ لم يقع في فصيح الكلام، ثم إنّ "إلى" لا يجوز أن تدخل على عند. ثم إن ما بعد "إلى" مخالف لما قبلها، فيلزم خروج "من عند آخرهم" عنه. وقال التيمي: "المعنى توضؤوا كلّهم حتى وصلت النوبة إلى الآخر".

168 - حديث (نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم {ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر} مرجعه من الحديبية).

وقال الحافظ ابن حجر: "ما قاله الكرماني في تعقبه على النووي من أن "إلى" لا تدخل على "عند" لا يلزم مثله في "من" إذا وقعت بمعنى إلى. وعلى توجيه النووي يمكن أن يقال "عند" زائدة". وقال الكرماني في موضع آخر في هذا الحديث: "كلمة "من" هنا بمعنى إلى، وهي لغة، والكوفيون يجيزون مطلقاً وضع حروف الجر بعضها مقام بعض". 168 - حديث (نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم {لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ} مرجعه من الحديبية). قال أبو البقاء: "بالنصب للمرجع، مصدر مثل الرجوع، والتقدير: نزلت عليه وقت رجوعه، فحذف المضاف وأقام المضاف إليه مقامه". 169 - حديث "إن الله تعالى وكّل بالرحم ملكاً يقول: أيْ ربّ نُطْفة، أيْ ربّ علقة، أيْ رب مُضْغة". قال الكرماني: " [نُطفة] بالرفع خبر مبتدأ محذوف، أي هذه نطفة. وبالنصب أي جعلت أنا المنيَّ نطفة في الرحم، أو صار نطفة، أو خلقت أنا نطفة. وقوله: "فإذا أراد أن يقضي خلقه قال أذكر أم أنثى شقيّ أم سعيد؟ " فإن قلت: "ذكر" مبتدأ أو خبر؟ قلت: مبتدأ. وقد تخصصّ بثبوت أحدهما إذ السؤال فيه عن التعيين،

170 - حديث "عجبت للمؤمن إن الله تعالى لم يقض له قضاء إلا كان خيرا له".

فصلح الابتداء به. وروي "أذكراً" بالنصب أي أتريد أو أتخلق؟ فإن قلت: أم المتصلة ملزومة بهمزة الاستفهام فأين هي؟ قلت: مقدّرة وجوباً، ووجودها في قرينتها يدل عليه". 170 - حديث "عَجبتُ للمؤمن إنّ الله تعالى لم يَقْض له قضاء إلا كان خيراً له". قال أبو البقاء: "الجيد "إنّ" بالكسر على الاستئناف. ويجوز الفتح على معنى في أن الله، أومن أن الله". 171 - حديث (مُرَّ على النبي صلى الله عليه وسلم ببدنة، فقال: ارْكَبْها، قالوا: إنها بَدَنَة. قال: وإِنْ). قال النووي: "هكذا في جميع النسخ "وإنْ" فقط، أي وإن كانت بدنة". 172 - حديث (قَدِمَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم المدينة وأنا ابن عشر، وكُنَّ أمَّهاتي يَحْثُثْنني على خدمته) الحديث. قال أبو البقاء: "النون في "كنّ" حرف يدل على جمع المؤنث، وليست اسمًا

مضمراً، لأن "أمهاتي" هو اسم كان، فلا يكون لها اسمان، ونظير النون هنا الواو في قوله: أكلوني البراغيث، والنون في قول الشاعر: ولكنْ دِيافيٌ أبوه وأمّهُ ... بِحَوْرانَ يعْصِرْن السَّليطَ أقاربه وقوله في الحديث (الأيمن فالأيمن) منصوب بفعل محذوف تقديره: قدّموا الأيمن فالأيمن" انتهى. وقال ابن مالك في توضيحه: "اللغة المشهورة تجريد الفعل من علامة تثنية وجمع عند تقديمه على ما هو مسند إليه، استغناء بما في المسند إليه من العلامات نحو: حضر أخواك، وانطلق عبيدُك وتبعهم إماؤك، ومن العرب من يقول: حضر أخواك وانطلقوا عبيدُك وتبعتهم إماؤك. والسبب في هذا الاستعمال أن الفاعل قد يكون غير قابل لعلامة تثنية ولا جمع كـ"من" فإذا قصدت تثنيته أو جمعه، والفعل مجرد، لم يُعلم القصد. فأراد أصحاب هذه اللغة تمييز فعل الواحد عن غيره. فوصلوه عند قصد التثنية والجمع بعلامتيهما، وجرّدوه عند قصد الإفراد، فرفعوا اللبس، ثم التزموا ذلك فيما لا لبس فيه ليجري الباب على سنن واحد. وعلى هذه اللغة قول من روى "كُنّ نساءُ المؤمنات يشهدن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الفجر" وقول أنس "فكنّ أمهاتي يحثثنني" وقوله صلى الله عليه وسلم "يتعاقبوِن فيكم ملائكة"، وقول الشاعر: رأيْنَ الغواني الشيبَ لاحَ بعارضي ... فَأعْرضْنَ عنّي بالخدُودِ النَّواضرِ

173 - حديث (دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم المسجد وحبل ممدود بين ساريتين) الحديث.

وقال النووي: "ضبط "الأيمن فالأيمن" بالنصب على تقدير: أعط الأيمن، وبالرفع على تقدير: الأيمنُ أحقّ". وقال الزركشي: "يجوز رفعه على الابتداء وخبره محذوف، أي أولى، والنصب بتقدير اسقوا". 173 - حديث (دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم المسجدَ وحبلٌ ممدودٌ بين ساريتين) الحديث. قال ابن مالك في توضيحه: "لا يمتنع الابتداء بالنكرة على الإطلاق، بل إذا لم يحصل بالابتداء بها فائدة، نحو: رجلٌ تكلّم، وغلامٌ احتلم، وامرأةٌ حاضت. فمثل هذا من الابتداء بالنكرة يمنع لخلوّه من الفائدة، إذ لا تخلو الدنيا من رجل يتكلم ومن غلام يحتلم ومن امرأة تحيض. فلو اقترن بالنكرة قرينة تتحصّل بها الفائدة، جاز الابتداء بها. فمن القرائن التي تتحصل بها الفائدة الاعتماد على واو الحال كقولك: انطلقتُ وسبعٌ في الطريق، وأتيتُ فلانا ورجلٌ يخاصمُه. ومنه {وَطَائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ} ومنه "دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم وحبلٌ ممدود" وقول عائشة "دخل رسوله الله صلى الله عليه وسلم وبُرْمَةٌ على النار" ومنه قول الشاعر:

174 - حديث "ذهبت بعبد الله بن أبي طلحة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حين ولد، ورسول الله صلى الله عليه وسلم في عباءة يهنا بعيرا له، فقال: هل معك تمر؟ فقلت: نعم. فناولته تمرات فألقاهن في فيه، فلاكهن ثم فغر فا الصبي فمجه في فيه، فجعل

سريْنا ونجمٌ قد أضاء فمذ بدا ... مُحيّاك أخفى ضَوؤه كُلَّ شارق وكذا الاعتماد على "إذا" المفاجأة، نحو: انطلقتُ فإذا سبعٌ في الطريق، ومنه قول بعض الصحابة "إذا رجُلٌ يصلي". انتهى. قوله: "ليُصلِّ أحدُكم نشاطه". قال أبو البقاء: "أي مدة نشاطه، فحذف الظرف وأقام المصدر مقامه". وقال الأشرفي في شرح المصابيح: "يجوز أن يكون "نشاطه" بمعنى الوقت، وأن يراد به الصلاة التي نشط لها". وقال الطيبي: "يجوز أن يكون نصبه على المصدر من حيث المعنى، يعني انشطوا في صلاتكم النشاط الذي يليق بحالكم". 174 - حديث "ذَهبْتُ بعَبْد الله بنْ أبي طلْحة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حين وُلد، ورسولُ الله صلى الله عليه وسلم في عباءة يهْنا بعيراً له، فقال: هل معك تمر؟ فقلت: نعم. فناولته تمرات فألقاهنّ في فيه، فلاكهن ثم فغر فا الصبيّ فمجهّ في فيه، فجعل الصبيّ يتلمظه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: حب الأنصار التمر". قال النووي: [حبّ] روي بضمّ الحاء وكسرها. فالكسر بمعنى المحبوب كالذِّبح بمعنى المذبوح. وعلى هذا فالباء مرفوعة، أي محبوبُ الأنصار التمر. وأما من ضمّ الحاء فهو

175 - حديث "لبيك حقا حقا، تعبدا ورقا".

مصدر، وفي الباء على هذا وجهان: النصب وهو الأشهر، والرفع؛ فمن نصب فتقديره: انظر حُبَّ الأنصار التمر، فينصب التمر أيضاً. ومن رفع قال هو مبتدأ حذف خبره، أي حبّ الأنصار التمر لازم، أو هكذا، أو عادة من صغرهم". 175 - حديث "لبَّيْك حقَّاً حقَّا، تعبُّداً ورقاً". قال في النهاية: "حقا" مصدر مؤكد لغيره، أي إنه أكّد به معنى ألْزَمُ طاعتك، الذي دلّ عليه لبّيْك، كما تقول: هذا عبْدُ الله حقاً، فتؤكده به. وتكريره لزيادة التأكيد. و"تعبّداً" مفعول له". 176 - حديث "أما إنكم في صلاة ما انتظرتموها". قال ابن مالك في شرح الكافية: "يجوز كسر "إنّ" بعد "أَما" مقصوداً بها معنى "ألا" الاستفتاحية. وإن قصد بها معنى حقا فتحت". وقال في شرح التسهيل: "روى سيبويه نحو أما إنك ذاهب، بالكسر على جعل "أما" استفتاحية بمنزلة ألا، والفتح على جعل "أما" بمعنى حقا. وتكون "أما" مع الفتح على مرادفة الاستفتاح أيضاً، وما بعدها مبتدأ خبره محذوف، كأنه قال أما معلوم أنك ذاهب. وقد يقع بين "أما" و"إن" يمين فيجوز أيضا الفتح على مرادفة "أما" "حقا"، والكسر على مرادفتها "ألا" ذكر ذلك سيبويه". انتهى. 177 - حديث "حَسْبُك مِنْ نساء العالمين مَرْيَمُ بنتُ عِمْران .. " الحديث. قال الطيبي: "حَسبُك" مبتدأ، و"من نساء العالمين" متعلق به، و"مريم" خبره،

178 - حديث "وما رياض الجنة؟ قال: حلق الذكر".

والخطاب إما علم أو لا نساء. أي كافيك معرفتك فضلهن من معرفة سائر النساء. 178 - حديث "وما رياضُ الجنة؟ قال: حلق الذكر". قلت: في النهاية "حِلَق" بكسر الحاء وفتح اللام. جمع حَلْقة، مثل قَصْعة وقصَع. وقال الجوهري: "جمع الحَلقة حَلَق بفتح الحاء على غير قياس. وحكى عن أبي عمرو أن الواحد حَلَقة بالتحريك والجمع حَلَق بالفتح. وقال ثعلب: "كلّهم يجيزه على ضعفه". وقال أبو عمرو الشيباني: " ليس في الكلام حَلَقة بالتحريك إلا جمع حالق". 179 - حديث "يقولُ الله لأهْوَن أهل النار عذاباً يوم القيامة، لو أنَّ لك ما في الأرْض مِنْ شيء". قال الطيبي: "أي لو ثبت. لأن "لو" يقتضي الفعل الماضي، وإذاَ وقعت "أن" المفتوحة بعد "لو" كان حذف الفعل واجباً، لأن ما في "أن" من معنى التحقيق والثبات مُنزَّل منزلة الفعل المحذوف.

180 - حديث (مر على امرأة وهى تبكي على قبر، فقال لها: اتقي الله واصبري، فقالت له: إليك عني، فإنك لاتبالي مصيبتي).

وقوله: "فأَبَيْت إلا أنْ تُشرك بي" استثناء مفرّغ. وإنما حذف المستثنى منه مع أنه كلام موجب لأنّ في الإباء معنى الامتناع، فيكون نفيا معنى، أي ما اخترت إلا الشرك". 180 - حديث (مرَّ على امْرأة وهى تبكي على قبر، فقال لها: اتّقي الله واصْبري، فقالت له: إليْك عنّي، فإنك لاتُبالي مُصيبتي). " إليك" اسم فعل بمعنى تنحَّ. وفي حديث المغيرة بن شعبة "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أكل طعاماً ثم أقيمت الصلاة، [فقام] وقد كان توضأ قبل ذلك. فأتيته بماء ليتوضأ منه فانتهرني وقال: وراءك" وفي حديث أبي هريرة "أقيمت الصلاةُ وعُدّلت الصفوفُ قياماً فخرج إلينا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما قام في مُصلاّه ذكر أنه جُنُب، فقال لنا مكانكم، ثم رجع فاغتسل". قال الزمخشري في المفصّل: "من أسماء الفعل: دُونَك زيدا أي خذه، وعندك عمراً أي الزمه، ومكانك إذا قلت تأخر وحذّرته شيئاً خلفه، وأمامك إذا حذَّرته من بين يديه شيئاً، أو أمرته أن يتقدّم، ووراءك أي انظر إلى خلفك إذا أبصرته شيئاً". وقال الأندلسي: "موضع هذا الباب للمبالغة، لأن من شأن العرب إذا أرادت معنى زائداً على ما يعطيه اللفظ غّيرته وأزالته عن موضعه المعهود، كما تراهم يفعلون في ضارب وضرّاب وراحم ورحمان. وفيه أيضاً اختصار وإيجاز إلا أنه لا يخلو عن توسّع وتجوّز. أما الاختصار فلأن الأصل في قولك: "دونك زيدا": خُذ من دونك زيداً، فحذف

حرف الجر والفعل، وضمّن الظرف معناهما. وأما التجّوز فلأنهم حذفوا أحد اللفظين وجعلوا الآخر نائباً منابه وسادا مسدّه. وإقامة الشيء مقام غيره وحلوله في غير محلّه تجّوز وتوسّع. ثم الألفاظ المستعملة فيه ثلاثة ضروب: عليك وإليك، وظروف المكان نحو عندك ووراءك وأمامك وباقي أسماء الجهات الست، ومصادر نحو حِذْرَك وحذارك. ثم قولك "أمامك" يحتمل وجهين: أن يريد ادْنُ، أو احذر. فإن أردت ادْنُ فلا يتعدّى، وإن أردت احذر تعدّى. فيكون اللفظ واحداً والمراد به مختلف، والقرائن هي الفارقة المفهمة. ويقال في إعرابه إغراء، وفي المنصوب به منصوب بالإِغراء. وإذا ارتفع ما بعد هذه الحروف أو الظروف خرجت عن الإغراء، كقولك: عليك الدَّينُ، وأمامك الجزاءُ. ومن أحكام هذا الأصل أن لا يُغْري به غائب. فمن ذلك: عليك عمراً، ووراءك انظر، وهو ظرف. ومكانك أي الزمه- وهو ظرف. وإليك بمعنى تنح. ووراءك انظر. وهذه المجرورات بمنزلة صَهْ ومَهْ، ولا يقع إلا في الأمر. أما ما روي أنه إذا قيل إليك، فقال: إليَّ، فهذا شاذ مخالف لقياس العرب، ولا يجوز علىَّ زيداً ولا دوني عمراً، إلا أن يريد بعليّ أوْلِني، فيقول: عليّ زيداً، فتوسعت العرب في هذا، فعدَّته مرة إلى المتكلم بحرف الجر، ومرّة إلى المخاطب. ولم يقع توسّع في دونك وعندك. فلا يقولون دوني ولا عندي". انتهى. وقال الرضي: "من أسماء الأفعال الظروف وشبهها. فعندك ودونك ولديك بمعنى خُذ. والأصل: عندك زيدٌ فخذه، وكذا لديك زيدٌ ودونك زيدٌ، برفع ما بعدها على الابتداء. فاقتصر من الجملة الاسمية والفعلية بعدها على الظرف، فكثر استعماله حتى صار بمعنى خُذ فعمل عمله. وهذه الظروف مبنية على الفتح لأنه الحركة التي استحقها في الأصل حين

مسند أوس الثقفي رضي الله عنه

كانت ظروفاً، فوراءك أي تأخر، وأمامك أي تقدّم أو احذر من جهة أمامك. ويجوز أن يقال هما باقيان على الظرفية، إذ هما لا ينصبان مفعولا، كعندك ولديك، فيكون التقدير استقرّ وراءك وأمامك. وكذا مكانك أي الزم مكانك. ويقال: عليك زيداً أي خذه. كان الأصل عليك أخذه. ويقال إليك عني، والأصل ضمّ عملك إليك وتنحّ عني، فاختصر كما ذكرنا". مسند أوس الثقفي رضي الله عنه 181 - حديث: "كيف تعرض صلاتنا عليك وقد أرمت". قال المزني: هكذا يروي المحدثون بسكون التاء لتأنيث العظام، أو رمَّتْ أي صارت رميمًا، قال والصواب تشديد التاء. وقال غيره إنما هو أرَمَتْ بوزن ضرَبَتْ، وأصله أرْمَمْتَ أي بَلِيتَ، فحذف إحدى الميمين، كما قالوا في حسست أحسست. وقيل إنما هو ارْمَتَّ بتشديد التاء على أنه أدغم إحدى الميمين في التاء. قال ابن الأثير في النهاية: وهذا قول ساقط لأن الميم لا تدغم في التاء أبدًا. وقيل يجوز أن يكون أُرِمَتْ بضم الهمزة بوزن أُمِرَت من قولهم: أرمت الإبل في رم، إذا تناولت العلف وقلعته من الأرض. وقال ابن الأثير: أصل هذه الكلمة من رمّ الميت وأرمّ إذا بلي، والرمة العظم

182 - حديث: "قراءة القرآن ألف درجة".

البالي، والفعل الماضي للمتكلم والمخاطب: أرممت وأرمت، بإظهار التضعيف، وكذا كل فعل مضعف فإنه يظهر فيه التضعيف معها، تقول في شدّ: شددت، وفي أعدّ أعددت، وإنّما ظهر التضعيف لأن تاء المتكلم والمخاطب متحركة ولا يكون ما قبلها إلاّ ساكنًا، فإذا كان ما قبلها ساكنًا، وهي الميم الثانية، التقى ساكنان، فإن الميم الأولى سكنت لأجل الإدغام، ولا يمكن الجمع بين ساكنين، ولا يجوز تحريك الثاني لأنه وجب سكونه لأجل تاء المتكلم والمخاطب، فلم يبق إلا تحريك الأول، وحيث حرك ظهر التضعيف، والذي جاء في هذا الحديث بالإدغام، وحيث لم ييظهر التضعيف فيه على ما في الرواية، احتاجوا أن يشددوا التاء، ليكون ما قبلها ساكنًا، حيث تعذر تحريك الميم الثانية، أو يتركوا القياس في التزام سكون ما قبل تاء المتكلم والمخاطب. فإن صحت الرواية ولم تكن محرفة فلا يمكن تحريكه إلا على لغة بعض العرب فإن الخليل زعم أن ناسًا من بكر بن وائل يقولون: ردّتُ، وكذلك مع جماعة المؤنث يقولون: ردّن ومرّن، يريدون: رددتُ ورددتَ ورددن ومررن، قال كأنهم قدروا الإدغام قبل دخول التاء والنون، فيكون لفظ الحديث: (أرَمَّت) بتشديد الميم وفتح التاء. قال وكذلك ما وقع في صحيح البخاري في حديث أُحد من رواية البراء: (رأيت النساء يشدّن في الخبر ..) هكذا جاء فيه بدال واحدة، والذي في كتاب الحميدي يشددن بدالين، والذي جاء في غيرهما يسند بالسين المهملة والنون، قال فإن في الكلمة على ما في البخاري. وكثيرًا ما تجيء أمثالها في كتب الحديث، وهو قبيح في العربية، فيمكن تخريجه على اللغة المذكورة، فيكون لفظ الحديث يشتدّن. انتهى. 182 - حديث: "قراءة القرآنِ ألفُ درجةٍ".

مسند أيمن بن خريم رضي الله عنه

قال الطيبي: (ألف درجة) خبر لقوله (قراءة القرآن) على تقدير المضاف، أي: ذات ألفِ درجة، ليصحّ الحَمْلُ، كما في قوله تعالى: (هم درجات) [آل عمران: 163] أي ذوو درجات. مسند أيمن بن خُرَيْم رضي الله عنه 183 - حديث: "قام رسول الله صلى الله عليه وسلم خطيبًا فقال: يا أيها الناسُ عدلتْ شهادةُ الزورِ إشراكًا بالله". قال ابن مالك في شرح الكافية: إذا قلت أيها الرجل، فأيها والرجل كاسم واحد، وأيّ مدعو، والرجل نعت له ملازم، لأن أيّا مبهم، لا يستعمل بغير صلة، إلا الجزاء والاستفهام، فلما لم يوصل ألزم لتبينه كما كان تبيين الصلة. وها حرف تنبيه، فإذا قلت: يا أيها الرجل: لم يصلح في الرجل إلا الرفع لأنه المنادى حقيقة، وأيّ يتوصل بها إليه. وإن قصدت مؤنثًا زيدت التاء، كقوله تعالى: (يا أيَّتها النّفسُ المطمئنّةُ) [الفجر: 27]. وأجاز المازنيُّ نصب صفة "أي" قياسًا على صفة غيره من المناديات المضمومة.

مسند البراء بن عازب رضي الله عنه

مسند البراء بن عازب رضي الله عنه 184 - حديث: "إنَّ الأُلى قد بغوا علينا". قال الكرماني: هو من الألفاظ الموصولات، لا من أسماء الإشارة. وقال الزركشي: ليس يتزن هكذا، وإنما هو أن الأولى هم قد بغوا، هذا على روايته بالقصر، إما على إرادة مؤنث الأولى أي الجماعة السابقة، وإما على أنها موصولة بمعنى الذين، ويكون خبر إنّ محذوفًا تقديره: إنّ الذين بغوا علينا ظالمون. وقد قيل إن صوابه أولاء ممدودة التي لإشارة الجماعة، وبه يصح المعنى والوزن. انتهى. 185 - حديث: "زيِّنوا القرآنَ بأصواتكم". قال البيضاوي: قيل إنه من المقلوب، ويدل على أنه روي أيضًا بلفظ: (زيِّنوا

186 - حديث: "رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم على بغلة، وإن أبا سفيان آخذ بزمامها".

أصواتكم بالقرآن)، ونظيره في كلام العرب قولهم: عرضتُ الناقةَ على الحوض، والمفروض هو: الحوض على الناقة، ويجوز أن يجري على ظاهره. 186 - حديث: "رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم على بغلة، وإنَّ أبا سفيان آخذٌ بزمامِها". قال ابن مالك في توضيحه: وقوع إنَّ بعد واو الحال، وهو أحد المواضع التي يستحق فيها كسر إنّ، ونظيره قوله تعالى: (كما أخرجك ربّك من بيتك بالحقّ وإنَّ فريقًا من المؤمنين لكارهون) [الأنفال: 5]. ومن نظائره الشعرية قول الشاعر: سُئِلْتُ وإنّي موسرٌ غيرُ باخلٍ ... فجدْت بما أغنى الذي جاء سائلا 187 - حديث: "حقًّا على المسلمين أن يغتسلوا يوم الجمعة". قال الحافظ زين الدين العراقي في "شرح الترمذي": إن قلت: لم نصب (حقًّا) في أول الحديث؟ قلت: هو مصدر لفعل محذوف تقديره حُقَّ حقًّا، كقوله صلى الله عليه وسلم: عَمْدًا فعلته. وقال الطيبي: حقًّا مصدر مؤكد أي حق ذلك حقًّا، فحذف الفعل وأقيم المصدر

188 - حديث: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أقبل من سفر قال: آيبون تائبون عابدون لربنا حامدون".

مقامه، و (أن يغتسلوا) فاعل، وكان من حقه أن يؤخر بعد الكلام توكيدًا له، فقدمه اهتمامًا بشأنه. وقوله: (وليمسّ) عطف على معنى الجملة السابقة إذْ فيه تتمة من الأمر أي ليغتسلوا وليمسّوا. 188 - حديث: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أقبل من سفر قال: آيِبون تائبون عابدون لربِّنا حامدون". قوله: (آيبون) خبر مبتدأ محذوف أي مقدر أي نحن. وقوله (لربنا) يجوز أن يتعلق بقوله عابدون، لأن عمل اسم الفاعل ضعيف فيقوى، أو بحامدون ليفيد التخصيص، أي نحمده لا غيره، وهذا أولى لأنه كالخاتمة للدعاء. 189 - حديث الصوم: "قالتْ: خيبةً لك". قال الكرماني: هو مفعول مطلق يجب حذف عامله. وقال بعض النحاة إذا كان بدون اللام يجب نصبه، وإذا كان مع اللام جاز نصبه. 190 - حديث: "المؤذنُ يُغْفَرُ له مدَّ صوتِه".

191 - حديث: "فما رأيت أهل المدينة فرحوا بشيء قط فرحهم به".

قال أبو البقاء: الجيد عند أهل اللغة مدى صوته، وهو ظرف مكان، وأما (مدَّ صوته) فله وجه، وهو محتمل شيئين: أحدهما: أن يكون تقديره: مسافة مدّ صوته، والثاني: أن يكون المصدر بمعنى المكان، أي ممتد صوته، وهو منصوب لا غير. وفي المعنى على هذا وجهان: أحدهما: معناه: لو كانت ذنوبه تملأ هذا المكان لغفرت له، وهو نظير قوله صلى الله عليه وسلم، إخبارًا عن الله تعالى: "لو جئتني بقُراب الأرض خطايا .. " أي ما يملؤها من الذنوب. والثاني يغفر له من الذنوب ما فعله في زمان مقدر بهذه المسافة. 191 - حديث: "فما رأيت أهلَ المدينة فرِحوا بشيءٍ قطُّ فرَحَهم به". قال أبو البقاء: هو منصوب لا غير، والتقدير: فرحوا فرحًا مثلَ فرحهم فحذف المصدر وصفته، وأقيم المضاف إليه مقامه. 192 - حديث سؤال القبر: "ولمّا يلحد". قال الطيبي: (لمّا) بمعنى لم، إلا أن فيها ضربًا من التوقع، قدل على نفي اللحد فيما مضى، وعلى توقعه فيما يستقبل.

وقوله: (فيخرج كأطيب) صفة موصوف محذوف وهو فاعل يخرج، أي يخرج منها رائحة كأطيب نفحة من نفحة مسك. وقوله: (من أنت فوجهك الوجه يجيء بالخير) مثل قوله: أنا أبو النجم وشعري شعري، والجملة الفعلية بعده استئنافية، لما سرّه بتلك البشارة قال له: إني لا أعرفك من أنت حتى أجازيك بالثناء والمدح، فوجهك هو الكامل في الحسن والجمال، وحق لمثل هذا الوجه أن يجيء بالخير، ويبشر بمثل هذه البشارة، فعلى هذا (من أنت) مضمّن المدح مجملاً، والفاء لتعقيب البيان بالمجمل، وعلى عكس هذا قول الشقي: من أنت، فوجهك الوجه. وقوله: (فينادي منادٍ من السماءِ أنْ صدق عبدي فأفرشوه من الجنة) قوله: (فينادي) لا يجوز أن تكون مفسرة لما في ينادي من معنى القول، وأن تكون مصدرية مجرورة لأن صدق والمنادى فأفرشوه والفاء مثلها في قوله تعالى: (لإيلافِ قريشٍ) [قريش: 1] إلى قوله: (فَلْيَعْبُدوا)، وهي جواب شرط محذوف، فأفرشوا بألف القطع، أي فاجعلوا له فراشًا من فُرُش الجنة، ولم نجد الأفرش على هذا المعنى في المصادر، وإنما هو أفرش أي أقلع عنه وأقفل، فأفرش بهذا اللفظ إذن على ثلاثة من باب القياس الذي ألحق الألف بثلاثي، ولو كان من باب الثلاثي لكان من حقه أن يروى بألف الوصل، والمعنى ابسطوا له، ولم نجد الرواية إلاّ بالقطع. وقوله: (فيأتيه من رَوْحِها) أي فيأتيه روحها، على مذهب الأخفش، أو بعض روحها، أو شيء من روحها، فلم يُؤْتَ به إلا لقصد أنه مما لا يقادر قدره، ولا يوصف كنهه. هذا كلام الطيبي. قوله: (فيقول هاتاه) قال في النهاية: هذه كلمة تقال في الأبعاد، وقد تقال للتوجع، فتكون الهاء الأولى مبدلة من همزة آه، وهو الأليق بمعنى هذا الحديث.

193 - حديث: "لما توفي إبراهيم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن له مرضعا في الجنة".

وقال القرطبي في "التذكرة": هي حكاية صوت المبهور من تعب أو جَرْي أو حمل ثقيل. وقال الطيبي: هذه الكلمة يقولها الحائر في الكلام من الخوف والدهشة. قوله: (المزربه) قال التوربشتي: المحدثون يشددون الباء منها، والصواب تخفيفه، وإنما يشدد الباء إذا أبدلت الهمزة من الميم في الأزربه. 193 - حديث: "لما تُوفي إبراهيم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إنَّ له مرضعًا في الجنّة". قال الخطابي: يُروى لفظ المرضع على وجهين: أحدهما بفتح الميم، مصدر أي رضاعًا، والثاني: بضم الميم، أي من يتم رضاعه في الجنة، يقال امرأة مرضع بلا (هاء)، أو مرضعة إذا بنيت الاسم من الفعل، قال الكرماني: أي إذا كان بمعنى الحدوث فبالهاء، وإذا كان بمعنى الثبوت، أي من شأنه ذلك، فبدونه، كما يقال: حائض وحائضة، وقال تعالى: (تذهل كل مرضعة) [الحج: 2]. 194 - حديث: "إذا رفع رأسه من الركوع قاموا قيامًا حتى يروْنه قد سجد". قال ابن مالك فيه إشكال، لأن حتى فيه بمعنى إلى أنْ، والفعل مستقبل بالنسبة إلى القيام، فحقه أن يكون بلا نون، لاستحقاقه النصب، لكنه جاء على لغة من يرفع الفعل بعد أنْ، حملاً على (ما) أختها، كقراءة مجاهد: "أراد أن يتمُّ الرضاعة" [البقرة: 233]

195 - حديث: "من صلى صلاتنا ونسك نسكنا فقد أصاب النسك، ومن نسك قبل الصلاة فإنه قبل الصلاة ولا نسك له".

بضم الميم، وإذا جاز ترك إعمالها ظاهرة، فترك إعمالها مضمرة أولى بالجواز. 195 - حديث: "من صلى صلاتنا ونسك نسكنا فقد أصاب النسك، ومن نسك قبل الصلاة فإنه قبل الصلاة ولا نسك له". قال الكرماني: فإنْ قلت: الجزاء نفس الشرط فما وجهه؟ قلت هو كقوله: (ومن كانت هجرتُه إلى دنيا يصبُها أو امرأةٍ يتزوجها، فهجرته إلى ما هاجر) إن مثل هذا التركيب يراد لازمه، فالمراد هنا عدم الاعتداء به، أي: من نسك قبل الصلاة فلا اعتداد بنسكه، ولفظ: (ولا نسك له)، كالتوضيح والبيان. قوله: (وأحببت أن يكون شأني أول). قال الزركشي: (أول) بالرفع والنصب. وقال الكرماني: في بعض الروايات (أول) بدون إضافة مفتوحًا ومضمومًا، أما الضم فلأنه من الظروف المقطوعة عن الإضافة نحو: قبلُ وبعدُ، وأما الفتح فلأنه من المضاف إلى الجملة، فيجوز أن يقال إنه مبنيّ على الفتح، أو إنه منصوب، وعلى التقديرين فهو خبر الكَوْن. قوله: (شاة لحم) قال الطيبي: الإضافة للبيان، كخاتم فضة، لأن الشاة شاتان: شاة يأكل لحمَها الأهلُ، وشاة نسك يُتَصَدق بها لله تعالى. 196 - حديث: "كان أولَ ما قدم المدينة". ققال الزركشي وغيره: بنصب (أول) خبر كان، أي أول زمن قدومه، وما مصدرية.

197 - حديث: "دعاء القوم رغبة ورهبة إليك".

قوله: (وإنما أول صلاةٍ صلّاها صلاة العصر): قال الزركشي: بنصب أو بتقدير فعل، أي صلى، وقد ثبت ذلك في بعض الروايات. وصلاة العصر: بالنصب على البدلية. وأعربه ابن مالك بالرفع، قال الزركشي: والضمير في قوله (صلاها) للقبلة، أي صلى إليها. وقال ابن حجر: في الكلام مقدر لم يذكر لوضوحه، أي أول صلاة صلاها متوجهًا إلى الكعبة صلاة العصر. وقوله: (فداروا كما هم)، قال الكرماني: ما: موصولة، وهم: مبتدأ وخبره محذوف، نحو عليه، أي داروا مشبهين لحال الذي كان متقدمًا على حال دورانهم، وداروا على الحال الذي هم عليه. ومثل هذه الكاف تسمّى بكاف المقارنة، أي دورانهم مقارنًا لحالهم. قوله: (وكانت اليهود قد أعجبهم إذ كان يصلي قبل بيت المقدس وأهل الكتاب): قال الكرماني: فاعل أعجب هو رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإذ: هو هنا للزمان المطلق، أي أعجبهم زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي نحو بيت المقدس، (وأهل الكتاب) بالرفع عطف على اليهود. 197 - حديث: "دعاء القوم رغبة ورهبة إليك". فإلى يمنع أي هو يتعلق بالأول، وأما الرهبة فإنما يتعدى بمن، والأصل رغبة

198 - حديث قتل أبي رافع، قوله: "مالك".

إليك، ورهبة منك. وقال الكرماني: فإن قلت: الرهبة تستعجل بمن، يقال: رهبة منك، قلت: إليك متعلق، أي هو متعلق برغبة، وأعطى الرهبة حكمها، والعرب كثيرًا تفعل ذلك كقوله: ورأيت بعلكِ في الوغى ... متقلدًا سيفًا ورمحا وقوله: علفتها تبنًا وماءً باردًا. وقوله: (لا ملجأ ولا منجى منك إلا إليك): فيه خمسة أوجه، مثل لا حول ولا قوة إلا بالله، ثم إنْ كانا مصدرين، يتنازعان في (منك) وإن كانا مكانين فلا، إذ اسم المكان لا يعمل، وتقديره لا ملجأ منك إلى أحد، ولا ملجأ إلا إليك. 198 - حديث قتلِ أبي رافع، قوله: "مالك". قال الكرماني: ما للاستفهام مبتدأ، ولك خبره، قال: وقوله (لأمِّك الويلُ) القياس أن يقال على أمك الويل. قوله: (فما برحت حتى سمعت نعايا أبي رافع) قال الخطابي: هكذا روي، وإنما حق الكلام أن يقال: نعاي أبا رافع، أي انعوا أبا رافع، يقال: نعاه فلان، أي انعه، كقولهم: دراك فلان، أدركوا، وكذا قال ابن بطال، جعل دلالة الأمر فيه علامة لجر آخره بغير تنوين كما قالت العرب من أدركها دراكها، ومن قطمت قطام.

مسند بريدة بن الحصيب الأسلمي

وذكر سيبويه أنه يطرد هذا في الأفعال الثلاثية كلها، وأنه يقال فيها فَعال بمعنى افعل، نحو صَناعِ ونَزالِ، أي اصنع وانزلْ. قال الزركشي: وهذا إنما يصح لو قال: نعايا أبا رافع، بالنصب. وقال الكرماني: إنّ (نعا) من أسماء الأفعال، وقد جمع على نحو خطايا شاذا، ويحتمل أن يكون جمع نعيّ أو ناعية. مسند بريدة بن الحصيب الأسلمي 199 - حديث: "حرمةُ نساءِ المجاهدين على القاعدين كحرمة أمّهاتهم". سئل الإمام أبو محمد بن البطليوسي عن لفظة أمهات، جمع ما هي؟ فإن كانت جمع أم، فلأي شيء دخلت الهاء فيها؟ وإن كانت فيها لغة أخرى فجمعت هذا الجمع عليها، فبيّنها متطولاً، لأنّ متوهمًا توهم أن واحدتها أمهة مثل حُمّرة، ودخلها التقليل، فهل ذلك صحيح أم لا؟ وهل هذا الجمع في بني آدم والبهائم أو في أحدها؟ وكذلك أمّ، وإن قيل إن الهاء زائدة، فلم زيدت وقيل لها أُمَّت؟ بيّنه موفقًا مأجورًا. فأجاب: الذي ذهب إليه جمهور النحويين والعلماء بالتصريف منهم أنّ الهاء في أمهات زائدة، ووزنها عندهم فعلّهات، وأما الواحدة منها فالمشهور أن يقال أمّ وأمّة، ولا يكادون يقولون أمهة، والغالب على أمة بالتأنيث، أن يستعمل في النداء كقولهم: يا أمة لا تفعلي، وتاء التأنيث فيها معاقبة يا الإضافة، لا تجتمع معها، وقد جاءت في الشعر مستقلة في غير النداء، أنشد الطوسي:

تقَبَّلتها عن أمّةٍ لك طالما ... تُنُوزِعَ في الأسواق عنها خمارُها وقد حكى اللغويون أمهة بالهاء وأنشدوا: أمَّهتي خِنْدِفُ وإلياسُ أبي أي ووزنها عندهم فعلهة، وذهب بعضهم إلى أن الهاء في أمهات وأمهة أصلية، وذكر ابن جني أنه مذهب أبي بكر بن السراج، ووزنها عنده فعّلة، بمنزلة ترّهة وأبّهة، ويقوى ذلك أن صاحب العين حكى: تأمهت أمّا ووزنه تفعّلت. وجمهور النحويين مخالفون لهذا الرأي، ومعتقدون أن أمًّا وأمّاتٍ الأصل وأنّ الهاء زيدت فرقًا بين من يعقل وما لا يعقل، فيقولون فيمن يعقل أمهات، وفي مالا يعقل أمّات، قال الله تعالى: (ما هنّ أمّهاتُهم)، وقال الراعي: كانت نجائب مُنْذِرٍ ومحرِّق ... أماتهنّ وطَرْقُهُنَّ فَحيلا هذا هو الأثر في الاستعمال، وقد جاء عكس ذلك، قال ذو الرمة: سوى ما أصاب الذئبَ منه وسُرْبَةٌ ... أطافتْ به من أمهات الجوازِلِ يعني القطا، وقال جرير: لقد ولد الأُخَيْطِلَ أمُّ سوءٍ ... مُقَلَّدَةٌ من الأمّاتِ عارا وليس في حكاية صاحب العين (تأمهت أمّا) دليل على أن الهاء أصل من وجهين:

أحدهما: أن كتاب العين مطعون عليه، معيب عند كبراء البصريين لا يرونه حجة فيما يتفرد به ولا يوجد في غيره، لأن فيه خطأ كثيرًا الخ ... والوجه الثاني: أنه لو صح قولهم (تأمهت أمّا) لم يدلّ على أن الهاء أصلية، لأنّا قد وجدنا العرب ربّما صرّفوا من الكلمة المزيد فيها فعلا فحذفوا الزيادة كقولهم في تصريف الفعل من الشمال: شملت الريح، وربما تركوا الزيادة في الفعل على حالها، كقولهم في تصريف الفعل من القلنسوة: تقلنس الرجل، ومن المسكين تمسكن، فتركوا الميم والنون وهما زائدتان، فوزن تقلنس تفعنل، ووزن تمسكن تمفعل، فإذا كان هذا معلومًا من هذا منهم، لم ينل أن يكون تأمهت من هذا الباب، فتكون الهاء زائدة كزيادتها في أمهة، ويكون وزن تأمهت تفعلهت. فإن قائل قال: أمهة: إن الهاء هي الأصل، ووزنها فعّلة، وتكون أمّ محذوفة منها، فتكون بمنزلة شفة وسعة وعضة. فالجواب أن هذا يبطل من وجوه: منها أن هذا التوهم لو كان صحيحًا لكانت الميم في أمّ مخففة، ولم تكن مشددة، لان تشديد الميم يوجب أن يكون وزن أمّ فُعْل، لام الفعل منها ميم، ولام الفعل من أمهة على هذا الرأي هاء، يدل هذا على أن أمًّا ليست محذوفة من أمهة، ويشهد بصحة ذلك قول أم بثينة الأشعرية: وما كنت أمًّا، فهذا يدل على أن الميم من أم مضاعفة، ومنها أن حروف الزوائد، والهاء أحدها، إنما سماها النحويون حروف الزوائد، ولم يسمع أنها حروف الحذف، وإن كان منها ما يحذف في بعض المواضع، لأن الأغلب عليها أن تزاد، لا أن تحذف، فنسبت إلى حروف الزيادة التي هي أغلب عليها، وإذا جاء منها حرف يحتمل الزيادة والحذف، لزم أن يحكم عليه بالزيادة التي هي أمّ الباب فيه، حتى يقوم دليل على الحذف الذي هو أقلّ حاليْه. هذا هو محض القياس وطريقه.

ومنها أن الذين تكلموا في الاشتقاق، لا نعلم أحدًا منهم جعل الأم مشتقة من أم، وإن قال بعضهم إنها مشتقة من أمَّ يؤُمُّ، إذا قصد، سميت بذلك لأن ولدها يؤمها ويتبعها. وقال بعضهم: سميت أمّا لأنها أصل الولد، وأم كل شيء أصله، كما قالوا لمكة أم القرى، وقالوا لفاتحة الكتاب أم القرآن، ويقال فلان أم القوم وأمير القوم، إذا كان مَفْزَعًا لهم، وأصلاً يرجعون إليه ويقسمون به، قال ابن مقبل يمدح عثمان بن عفان رضي الله عنه: وملجإ مهروئين يُلفي به الحيا ... إذا جلّفت كحلٌ هو الأم والأبُ وقد سمّى الله تعالى النارَ أمّ الكافر، لأنها مجمع الكفار ومقرهم فقال: (فأمُّه هاوية) [القارعة: 9] وقال العجاج: ما عندهم من الكتاب أمُّ أي أصل يرجعون إليه، فهذا كله يدل أن أصل هذه الكلمة عندهم الأم دون الأمهة. وأما قولك هل لزيادتها نظير في كلام العرب، فإن الهاء المزيدة نوعان: نوع متفق على زيادته، ونوع مختلف فيه: فمن المتفق عليه زيادة الهاء في الندبة كقولهم: وازيداه، وفي الإنكار كقولهم لزيدنيه، وفي الوقف كقوله تعالى: (ما أغنى عني مالِيَهْ) [الحاقة: 28]. ومن المواضع المختلف فيها قولهم: هجرع للطويل، وهبلع للكثير الأكل وامرأة

200 - حديث: "جعل للجدة السدس إذا لم يكن دونها أم".

هوكلة للعظيمة الوركين، فإن الأخفش ذهب إلى أن هذه الهاءات زوائد، وجعل الهجرع مشتقًّا من الجرع، وهو مثل من قليل، وهبلع مشتقًّا من البلع. والذي عليه أكثر الناس أن الهاء في هذه الألفاظ أصل، ويؤيد ذلك أن أبا العباس ثعلب حكى الهجرع أي هذا أهجرع من هذا، أي أطول. وأما قولهم أهرقت الماء، فالهاء فيه زائدة عند جمهور أهل التصريف، وزعموا أنها زيدت عوضًا عن ذهاب حركة عين الفعل، لأن الأصل أُريقت أو أُرْوِقتْ على الخلاف في ذلك. وزعم بعض ضعفاء النحويين أنها أصل، وحملهم على ذلك قولهم في معناه هرقت، وكذلك قال ابن قتيبة في بعض كلامه، لأنه أدخل هذه الكلمة في باب فعلت وأفعلت، وهذا غلط، إنما الهاء في هرقت بدل من الهمزة في أرقت، ويدل على أنّ أهرقت ليس وزنه فعلت كما قال هؤلاء الجاهلون بالتصريف قولهم في اسم الفاعل منه مُهَرِيق بالياء، واسم المفعول مُهَراق بالألف، ولو كان وزنه أفعلت لقالوا مُهْرِق ومُهْرق كما تقول من أكرمت مُكْرِم ومُكْرَم، ولم يكن للياء والألف فيهما مدخل، فدل هذا على أن أصلها مريق، وهذا بَيِّنٌ جدًّا. 200 - حديث: "جعل للجدّة السدسَ إذا لم يكن دونها أمّ". قال الطيبي: دون هنا بمعنى قُدّام، لأن الحاجب كالحاجز بين الوارث والموروث، أنشد في الكشاف:

201 - حديث: "من استعملناه على عمل فرزقناه فما أخذ بعد ذلك فهو غلول".

تريك القذى من دونها وهو دونَها أي: قُدّامها. 201 - حديث: "من استعملناه على عملٍ فرزقناه فما أخذ بعد ذلك فهو غلولٌ". قال الطيبي: قوله (ما أخذ جزاء الشرط)، وما موصولة، والعائد محذوف، وهو خبره، وجيء بالفاء لتضمنه معنى الشرط، ويجوز أن يكون نكرة موصوفة. 202 - حديث: "إني فعلتُه عمدًا يا عمر". قال الطيبي: "الضمير المنصوب بمعنى اسم الإشارة، والمشار إليه المذكور من الصلوات الخمس بوضوء واحد، والمسح على الخفين. و (عمدًا) تمييز أو حال من الفاعل، قدم اهتمامًا لمشروعية المسألتين في الدين. 203 - حديث: "أنه دخل المسجد فإذا صوت رجلٍ يقرأ فقال: أتقوله مُرائيًا". قال الأندلسي في شرح المفصل: أي أتظنه، فأعمل القول عمل ظنّ لوجود شروطه.

204 - حديث: "السلام عليكم دار قوم مؤمنين وإنا إن شاء الله بكم لاحقون".

204 - حديث: "السلام عليكم دار قوم مؤمنين وإنّا إن شاء الله بكم لاحقون". قال الكمال ابن الأنباري في كتاب الإنصاف: ذهب الكوفيون إلى أنّ إنْ الشرطية تقع بمعنى إذْ، واستدلوا بهذا الحديث، أي إذْ شاء الله، لأنه لا يجوز الشك في اللحاق بهم. ومنع البصريون ذلك وقالوا: الحديث جاء على طريق التأديب للعباد ليتأدبوا بذلك كما قال الله تعالى: (ولا تقولنَّ لشيءٍ إنّي فاعلٌ ذلك غدًا إلاّ أنْ يشاءَ الله" [الكهف: 23]. وقال البطليوسي في مسائله: تقع إذا مكان إنْ، وإنْ مكان إذا، لما بينهما من التداخل والمضارعة، والشيئان إذا تضارعا فقد يستعمل كل واحد منهما مكان الآخر، فمما استعملت فيه إذا مكان إنْ قول أوس بن حجر: إذا أنتَ لم تعرضْ عن الجَهل والخنا ... أصبت حليمًا أو أصابك جاهلُ وهذا من موضع إنْ، لأنه يمكن أن يعرض ويمكن أنه لا يعرض. ومما استعملت فيه إنْ مكان إذا قوله صلى الله عليه وسلم حين وقف على القبور: (السلام عليكم دار قوم مؤمنين وإنّا إنْ شاء الله بكم لاحقون)، وقوله تعالى: (لتدْخُلُنَّ المسجد الحرام إن شاء الله آمنين) [الفتح: 27] ونحوه قول الشاعر: فإنْ لا يكنْ جسمي طويلاً فإنني ... له بالفِعال الصالحاتِ وَصولُ

مسند بسر بن جحاش القرشي رضي الله عنه

وعلى هذا ينبغي أن يحمل قول الحارث لبنيه: (فوالله لئن قدر الله عليّ ليعذبني عذابًا شديدًا) إذا جعلت (قدر) من القدرة لا من القَدْر الذي يراد به التضييق، ولا من القَدضر الذي يراد به القضاء، فيصبح حمله على القدرة بخلاف قول من أنكر ذلك. انتهى. وقال النووي: (دار) منصوب على النداء، أي يا أهل دار، فحذف المضاف، وأقام المضاف إليه مقامه، وقيل منصوب على الاختصاص. قال صاحب المطالع: ويجوز جره على البدل من الضمير في (عليكم). مسند بُسْر بن جَحّاش القرشي رضي الله عنه 205 - حديث: "قال الله تعالى: يا ابن آدم أنَّى تُعْجِزُني وقد خلقتك من مثل هذه حتى إذا سوّيتك وعدَلْتُك مشيت بين بُرْدَيْن وللأرض منك وَئيد فجمعْت ومنعْتَ حتى إذا بَلَغَت التَّراقيَ قلت أتصدقُ وأنَّى أوانُ الصّدقة". (أنّى) قال في البسيط مشترك بين الاستفهام والشرط، وبنيت لتضمنها حرفيهما، تقول في الاستفهام أنّى زيد؟ أي أين زيد، وفي التنزيل (أنّى لك هذا) [آل عمران: 37] أي من أين لك هذا؟ ودليل كونها بمعنى أين قول الشاعر: مِنْ أين عشرون لنا مِنْ أنَّى فمقابلتها لأين، تدل على أنّها بمعنى أين، وأما قول الكميت:

أنّى ومن أين آبَك الطربُ ... من حيثُ لا صبوةٌ ولا رِيَبُ فيجوز أن تكون بمعنى كيف، ويجوز أن تكون بمعنى أين، وكررت للتأكيد، ومنه اختلاف اللفظين. وأما قوله تعالى: (فاتوا حرثكم أنّى شئتم) [البقرة: 223] فقيل إنها بمعنى كيف شئتم. وقال بعضهم يحتمل أن أصلها "أينا" بألف كقوله: بمعشر ولوا أين أخينا ثم إنها قلبت الياء نونًا وأدغمت في النون بعدها فصارت أنّى. وقال الرضي: لها ثلاثة معان، استفهامية كانت أو شرطية، أحدها: أين إلاّ إذا أتى مع الاستفهام، أي مع مِنْ في الاستعمال إما ظاهرة كقوله: من أين عشرون لنا من أنّى، أو مقدرة نحو: (أنّى لك هذا) أريد: من أنّى أي من أين. ولا يقال أنى زيد، بمعنى أين زيد، وإنما جاز إضمار مِنْ لأنها تدخل في أكثر الظروف التي لا تتصرف، أو يقل تصرفها نحو: من عند ومن بعد ومِنْ أين ومن قبله ومَنْ أمامه ومن لدنه، فصار مثل في، فجاز أن تضمر في الظروف إضمارها. ويجيء "أنّى" بمعنى "كيف" نحو (أنّى تؤفكون) [الأنعام: 95، يونس: 34، فاطر: 3، غافر: 62]، ويجيء بمعنى متى، وقد أول قوله تعالى: (أنّى شئتم) على الأوجه الثلاثة. ويجيء بمعنى متى وكيف إلا وبعده فعل. وقوله: (حتى إذا سويتك) قال ابن مالك: انفردت إذا بدخول حتى الجارة عليها، قال الأخفش في قوله تعالى: (حتّى إذا جاءوها) [الزمر: 71، 73] إنّ إذا جرّ بحتى. وقال أبو حيان في "الارتشاف": إذا دخلت حتى على إذا التي تقتضي جوابًا فأجاز الزمخشري أن تكون حرف ابتداء وأن تكون جارة لإذا. وقال محب الدين الغزولي في كتاب البديع: من زعم أن محل إذا جر فزعمه باطل، لأن إذا ظرف محض لا ينجر ألبتة. وقال ابن

مسند بلال رضي الله عنه

هشام في المغني: الجمهور على أن إذا لا تخرج عن الظرفية، وأن حتى في نحو ذلك حرف ابتداء، داخل على الجملة بأسرها، ولا عمل له. وقال أبو البقاء: ليس لحتّى هنا عمل، وإنما أفادت معنى الغاية، كما لا تعمل في الجمل. وقال أبو حيان: كان بعض الأذكياء يستعمل مجيء هذه الجملة الشرطية بين إذا وجوابها بعد حتى، ويقول: كيف يكون حتى غاية وبعدها جملة الشرط فقلت: الغاية في الحقيقة هو ما ينسبك من الجواب مرتبًا على فعل الشرط بالتقدير المعنوي الإعرابي، في آية الزمر مثل (وسيق الذين كفروا إلى جهنّم زمرًا) [الزمر: 71] إلى أنْ تفتح أبوابها وقت مجيئهم فينقطع السوق. قال ابن قاسم في "شرح التسهيل": ويجوز أن يخرج على أن حتى بمعنى الفاء كما قدرها النحويون في قولهم: سرتُ حتّى أدخلُ المدينة، برفع "أدخل" وتقدير كونه قد وقع، والتقدير: سرت فدخلت. قال في "البسيط": كأنك قلت في: اجلس حتى إذا جاء زيد أعطيتك، اجلس فإذا جاء زيد. انتهى. قوله: (وللأرض منك وئيد) جملة حالية بالواو، ووئيد: مبتدأ، وللأرض: خبر، ومنك في موضع نصب على الحال، وأصله لو تأخر صفة وئيد، فلما قدم نعت النكرة عليها صار حالاً. مسند بلال رضي الله عنه 206 - حديث: "ومن ابتدع بدعةَ ضلالةٍ".

مسند تميم بن أوس رضي الله عنه

قال الأشرفي في "شرح المصابيح": يروى بالإضافة، ويجوز أن ينتصب نعتًا ومنعوتًا. مسند تميم بن أوس رضي الله عنه 207 - حديث: "من قال لا إله إلا الله واحدًا أحدًا صمدًا لم يتخذْ صاحبةً ولا ولدًا ولم يكن له كفُوا أحد، عشر مرات، كتبت له أربعون حسنة". قال ابن مالك في "شرح التسهيل": أكثر ما يحذف الحجازيون خبر لا مع إلاّ نحو: لا إلهَ إلاّ الله. وفي أمالي الشيخ عز الدين بن عبد السلام: قال سيبويه في كلمة الشهادة: الله خبر المبتدأ، والمبتدأ هو لا واسمها. وقال أبو علي: (لا) يصح أن يكون فيه الثلاثة الأوجه: الأول: أنّ (لا) لا تعمل إلا في منفي، وهذا مثبت، فلو كان خبرًا لعملت فيه، وهي لا تعمل فيه. الثاني: أنّ (لا) لا يعمل إلا في نكرة، وهذا معرفة، فلو كان خبرًا لعملت فيه، وينبغي أن يحمل كلام سيبويه على أنه أشبه الخبر لحصول الفائدة عنده فسمّي خبرًا، لا أنه خبر في نفسه، وإلا لزم أن يخبر عن أفراد الجنس كلها بأنها واحد، وذلك محال، ويصح أن يكون بدلا من الضمير في كائن، الذي هو الخبر المحذوف، ويصح أن يكون بدلاً من اسم لا، فإذا أردت أن تحلّه محل المبدل تأخذ معنى الكلام وتقول: بطل إلا الله، فتقدر (لا) بمعنى بطل، لأن البطلان بمعنى النفي، إلا أن هذا استثناء مفرغ في

الموجب، وهو لا يجوز، فإذا أردت أن تنطق به على وجه جائز فتقول: ما وجد إله إلاّ الله، لأن هذا هو معنى النفي، ثم تحذف المبدل، وتقيم البدل مقامه فتقول: ما استحق العبادة إلاّ الله. ولك أن تجعله صلة لاسم (لا)، ويكون (إلاّ) بمعنى غير، ويكون تقدير الكلام: لا إله باستحقاق في الوجود غير الله، كما في قوله تعالى: (لو كان فيهما آلهةٌ إلاّ اللهُ ..) [الأنبياء: 22] والمراد بالإله هذا المعبود، فلا بدّ من أن تضمن الصفة وهي باستحقاق، وإلاّ لا يصح النفي لتحقق من عبد في الوجود من الأصنام وغيرها. انتهى. وقال أبو حيّان: إله مبني مع "لا" في موضع رفع على الابتداء، والخبر مقدر، قال: واعترض صاحب المنتخب على النحويين في تقديرهم الخبر في (لا إله إلا الله) بقولهم: (لنا) أو (في الوجود) وقال نفي الحقيقة مطلقة أعم من نفيها مقيدة، فإنها إذا نفيت مقيدة كان نفيًا للحقيقة، وإذا انتفت الحقيقة، انتفت مع كل قيد، أما إذا نفيت مقيدة بقيد مخصوص لم يلزم نفيها مع قيد آخر. قال وأجاب أبو عبد الله محمد بن أبي الفضل المُرْسي في "ري الظمآن" فقال: هذا كلام من لا يعرف لسان العرب، فإنّ إله في موضع المبتدأ على قول سيبويه وعند غيره اسم لا، وعلى التقديرين فلا بدّ من خبر للمبتدأ أو للا، فما قاله من الاستغناء عن الإضمار فاسد. وأما قوله إذا لم يضمن كان نفيًا للإلهية، فليس بينًا، لأن نفي الماهية هي نفي الوجود، لأنّ الماهية لا تتصور عندنا إلاّ مع الوجود، فلا فرق بين لا ماهية ولا وجود، وهذا مذهب أهل السنة خلافًا للمعتزلة، فإنهم يثبتون الماهية عرية من الوجود وهو فاسد. وقولهم في كلمة الشهادة "إلا هو" في موضع رفع بدلا من (لا إله) ولا يكون خبرًا

للا، لأن (لا) لا تعمل في المعارف، ولو قلنا إن الخبر للمبتدأ وليس للا فلا يصح أيضًا لما يلزم عليه من تنكير المبتدأ وتعريف الخبر. انتهى. واستشكل أبو حيان كون اسم الله بدلاً من إله، قال لا يمكن، أي لأنه لا يمكن فيه تكرار العامل لو قلت لا قوة لم يجز، واختار أنه بدل من الضمير المستكن في الخبر المحذوف العائد على اسم لا، فإذا قلت لا رجل إلاّ زيد، فالتقدير لا كائن أو موجود إلاّ زيد، فزيد بدل من الضمير في الخبر، لا من الرجل، قال: ولولا تصريح النحويين أنه بدل الموضع من اسم لا لتأولنا كلامهم على أنهم يريدون بقولهم: بدل من اسم لا، أي بدل من الضمير العائد على اسم لا. وقال بعضهم: لا يجوز فيه النصب هنا، لأن الرفع يدل على الاعتماد على الثاني والمعنى على ذلك، والنصب يدل على الاعتماد على الأول، وردّ بأنه لا فرق بين: ما قام القوم إلاّ زيد، وإلاّ زيدًا، من حيث أنّ زيدًا استثني من جهة المعنى وإنما الفرق من حيث الإعراب، فأعربوا الأول بدلاً، والثاني استثناء، والبدل أولى. انتهى. وقال الرضي: وأما نحو قولك: لا إله إلاّ الله، ولا فتى إلاّ عليّ، ولا سيف إلاّ ذو الفقار، فالنصب على الاستثناء في أضعف منه في نحو: لا أحد فيها إلاّ زيدًا، لأن العامل فيه - وهو خبر لا - محذوف، إمّا قبل الاستثناء وإمّا بعده، وفي نحو: لا أحد فيها إلاّ زيدًا ظاهر وهو خبر لا. قال ابن فلاح في المغني: أهل الحجاز يحذفون خبر لا كثيرًا، فيقولون: لا بأسَ، ولا أهلَ، ولا مالَ، ولا حولَ ولا قوةَ، ومنه كلمة التوحيد: لا إلهَ إلا الله، ولا سيفَ إلاّ ذو الفقار، ولا فتى إلاّ علي، وإنما حذف للعلم به وهو مراد، فهو في حكم المنطوق، أو أن عموم النفي أغنى عن ظهوره، ولا يصح أن يكون الاسم المستثنى في (لا إلهَ إلا الله) ونحوه خبرًا، لثلاثة أوجه أحدها: أنه خاص والإخبار بالعام عن الخاص يجعل القضية كاذبة كقولك: الحيوان إنسان. الثاني: أنه معرفة و (لا) لا تعمل في المعارف. والثالث: أنه مستثنى من مذكور، فلا يصح جعله خبرًا عنه.

فإن قيل: فهل يصح أن يكون مبتدأ والخبر ما تقدم؟ قلنا: زعم بعضهم ذلك، وذكر أن الكلام مستقل بالإفادة من غير تقدير، فالله مبتدأ، ولا إله الخبر، وتقديره: الله إله، وفائدة الاستثناء إثبات الإلهية لله تعالى، ونفيها عمّا عداه، ونظيره عنده: لا منطلق إلاّ زيد، في إثبات الانطلاق لزيد ونفيه عما عداه، وهذا باطل لوجهين: أحدهما: أنه مستثنى من مذكور، مخرج عنه، وإخراجه يدل على مغايرته له، والخبر صفة قائمة بالمخبر عنه، غير مغايرة له، لأنه أمر يخصّه وإنما الإخبار يصحّ في الاستثناء المفرغ، الذي ليس بمخرج من مذكور، وأما قياسه على: لا منطلق إلاّ زيد، قلنا زيد ليس بمستثنى من منطلق حتى يمتنع جعله خبرًا عنه، بخلاف النزاع. الوجه الثاني: أن (لا) تنصب الاسم، وترفع الخبر في أصل وضعها، فلا يخلو في صورة النزاع إما أن يقدر لها خبر أو لا، لا جائز أن لا يقدر، لأن ذلك إبطال لوضعها، لأن من قال بحذف خبرها يقول بتقديره حملاً على الأعم الأغلب وإذا لزم تقديره بطل قول القائل بعدم التقدير، وذلك ما أردنا، ولأنه إذا لم يقدر يكون الخبر مفردًا، والخبر المفرد تجب مطابقته للمخبر عنه في الإعراب، وهو إما منصوب على قول بعضهم، وإمّا مبني على الفتح على قول بعضهم، وذلك يمنع كونه خبرًا لعدم مطابقته للمبتدأ في الإعراب، فثبت امتناع كونه مبتدأ وإثبات تقدير الخبر. انتهى كلام ابن فلاح. ومثل ذلك حديث: (لا حِمى إلا لله ولرسوله) وحديث: (لا حليمَ إلاّ ذو عَثْرَةٍ ولا حَكَم إلاّ ذو تجربةٍ) وحديث: (لا صلاةَ إلاّ بفاتحة الكتاب، لا صلاة لجار المسجد إلاّ في المسجد) وحديث: (لا نِكاح إلاّ بوليّ) وحديث: (اللهم لا خيرَ

إلا خيرك، ولا إلهَ غيرك). وقوله: (ولم يكن له كفوا أحد) قال الشيخ بهاء الدين بن النحاس في التعليقة: فرّق سيبويه بين تقديم الظرف والمجرور وتأخيره، فاختار تقديمه إذا كان مستقرًا نحو: ما كان فيها أحد خير منك، وتأخيره إذا كان لغوًا نحو: ما كان أحد خيرًا منك فيها. وعلى هذه القاعدة يستعمل إعراب قوله تعالى: (ولم يكن له كفوًا أحدٌ) [الإخلاص: 4] حيث كان (له) ليس مستقرًا، لأن الخبر (كفوًا)، فاضطرب إعراب الجماعة لهذه الجملة. فقال الكوفيون: إنّ (له) خبر (يكن)، و (كفوًا) حال من الضمير المستكن في (له) بناء على مذهبهم في أن الظرف الناقص إذا تمّ بالحال جاز أن يقع خبرًا، وقاسوه على جواز الإخبار بالخبر الذي لا يتم إلاّ بالصفة كقوله تعالى: (بل أنتم قوم تجهلون) [النمل: 55]، وقوله تعالى: (بل أنتم قوم عادون) [الشعراء: 166]، وغير ذلك من الآي ونحوها. وفرّق البصريون فأجازوا الإخبار بما لا يتم إلاّ بالصفة، ومنعوا الإخبار بما لا يتم إلا بالحال، لأن الصفة من تمام الموصوف، والحال فضلة، فلا يلزم من جواز ما هو من تمامه جواز ما هو فضلة. وقال البصريون: إن خبر يكن إنما هو (كفُوًا) وليس (له) بخبر، فأورد عليهم تقديمه في أفصح كلام وأَعْرَبِهِ مع كونه ليس بمستقر، وأجيب عن ذلك بأنه وإن كان ليس بمستقر فإنه جار مجرى المستقر لافتقار الكلام إليه ليكون عائدًا من الخبر المعطوف على خبر (الله الصمد)، ولو خلا الكلام من لم يبق له تعليق بما قبله، فهو كالمستقر في الحاجة إليه. قال الزمخشري: هذا الظرف وإن كان لغوًا في الآية إلا أنه لكونه أهم وأجدر

بالعناية واجب التقديم، من قبل أن السورة في تنزيه البارئ سبحانه عن الثاني والكفؤ، فكان للظرف المتعلق بالضمير الراجع إلى الاسم من المكانة واعتماد الكلام عليه، ووجوب صرف العناية إليه شأن من الشأن. وقال في "كشّافه": فإن قلت: الكلام العربي الفصيح، أن يؤخر الظرف الذي هو غير مستقرّ، ولا يقدم، وقد نصّ سيبويه على ذلك في كتابه، فما باله مقدمًا في أفصح الكلام وأعربه؟ قلت: هذا الكلام إنما سيق لنفي المكافأة عن البارئ عز وجل، وهذا المعنى مصبّه ومركزه هو هذا الظرف، فكان لذلك أهم شيء وأعناه، وأحقّه بالتقديم وأحراه. انتهى. ولم يوافق المبرد سيبويه على استحسان تقديم المستقر، وتأخير اللغو، بل جوز تقديم اللغو كالمستقر، مستشهدًا بهذه الآية الكريمة، وقد ذكرنا الجواب عن التقديم بما فيه كفاية، فلا دليل له في ذلك. وأعربها بعضهم على أن (له) هو الخبر، و (كفوًا) حال من "أحد" لتقدمه عليه، لأنه كان نعتًا له لو تأخر. وقيل بل كفوًا حال من "أحد"، لا على كونه صفة فتقدم. وعلى كلا الوجهين يكون قولنا إنّ كفوًا هو الخبر، فما العامل في (له)؟ قيل العامل فيه "يكن"، وقيل العامل كفوًا، وقيل بل العامل فيه الاستقرار، لأنه كان صفة لـ "كفوًا" لو تأخر، فلما تقدم انتصب على الحال، فيحل فيه الاستقرار. وقد أعربه بعض البغداديين على أن في (يكنْ) ضمير الشأن، وما بعده الخبر، و"كفوًا" حال. وهذا من التعسف أظهر من أن يحتاج إلى الكلام عليه. انتهى ما في التعليقة. وقال أبو حيان: اختار سيبويه أن يكون "كفوًا" خبرًا مقدمًا، ولم يجعل المجرور في محل الخبر، واعترض عليه المبرد فقال سيبويه يختار أن يكون المجرور والظرف خبرًا إذا تقدم، وقد تقدم هنا ولم يجعله خبرًا، وأجاب مكي عن هذا الاعتراض بأن

قال: سيبويه لم يمنع إلغاء الظرف، بل يصح أن يكون خبرًا على اختيار سيبويه، ويكون (كفوًا) حالاً من النكرة وهو (أحد) لتقدمه عليها، فلا يبقى للمبرد على سيبويه أدنى حجة، ووافقه على ذلك ابن عطية وأبو البقاء. وقال الزمخشري أيضًا في الجواب عن سيبويه: الكلام العربي الفصيح يقتضي أن الظرف الذي هو لغو لا يكون إلاّ مؤخرًا، ولم يأت الظرف هنا لغوًا، وإنما سيق لنفي المكافأة عن ذات البارئ سبحانه، وهذا المعنى محطّه ومركزه هذا الظرف، فكان لذلك أهم شيء وأعناه بالتقديم، وأحقه وأحراه. قال أبو حيان: ويرتفع هذا السؤال من أصله، بأن الظرف المتقدم على النكرة إنما يختار أن يكون خبرًا إذا صلح لذلك نحو: ليس فيها أحد خير منك، لأن (فيها) يصلح أن يكون خبرًا على حدة، لأنه تام، و (له) لا يصلح أن يكون خبرًا لكان، بل هو متعلق "بكفوًا" أو تقدم على "كفوًا" للاهتمام به، لأنه فيه ضمير البارئ تعالى، فالمجرور هنا ناقص لا يصلح أن يكون خبرًا لكان، قال وعلى هذا يبطل سؤال المبرد، وإعراب مكي وابن عطية، وسؤال الزمخشري وجوابه، ويصح كلام سيبويه لأنه إنما اختار الخبرية مع التقدم في الظرف التام لأنه مثل بقوله: ما كان فيها أحد خيرًا منك، إذا جعلت (فيها) مستقرًا، ولم يجعل على حدّ قولك: فيها زيد قائم، أجريت الصفة ونصبت. فتقول: ما كان فيها أحد خيرًا منك، لأنّك إذا أردت الإلغاء كان التأخير أحسن، وإذا أردت أن يكون مستقرًا كان تقديمه أحسن، والتقديم والتأخير، والإلغاء والاستقرار عزيز جيد كثير، قال الله تعالى: (ولم يكن له كُفُوًا أحدٌ) انتهى. قوله: (واحدًا واحدًا) قال القرطبي: الأحد والواحد وإن رجعا إلى أصل واحد لغةً، فقد افترقا استعمالاً وعرفًا، وذلك أنّ الهمزة من (أحد) منقلبة عن الواو من (وحد) كما قال النابغة:

مسند ثابت بن الضحاك رضي الله عنه

كأنّ رحلي وقد زال النهار بنا ... يوم الجليل على مستأنسٍ وَحِدِ (وحد) فيها من الوحدة، وهي راجعة إلى نفي التعدد والكثرة، غير أن استعمال العرب فيهما مختلف، فإن الواحد عندهم أصل العدد من غير تعرض لنفي ما عداه، والأحد يثبت مدلوله ويتعرض لنفي ما سواه، ولهذا أكثر ما استعملته العرب في النفي فقالوا: ما فيها أحد، (ولم يكن له كُفُوًا أحد) ولم يقولوا هنا (واحد)، فإن أرادوا الإثبات قالوا: رأيت واحدًا من الناس، ولم يقولوا هنا (أحدا). انتهى. وفرق ثعلب بين واحد وأحد بأن (واحد) يدخله الإفراد والتثنية والجمع و (أحد) لا يدخله ذلك. وفي "النهاية": قال الأزهري: الفرق بين الواحد والأحد أن الأحد بني لنفي ما يذكر معه من العدد، تقول: ما جاءني من أحد، والواحد اسم بني لمفتتح العدد، تقول: جاءني واحد من الناس، ولا تقول: جاءني أحد، فالواحد منفرد بالذات في عدم المثل والنظير، والأحد منفرد بالمعنى. مسند ثابت بن الضحاك رضي الله عنه 208 - حديث:" من حلف على يمين بملة غيرِ الإسلام كاذبًا فهو كما قال". قال الشيخ أكمل الدين في "شرح المشارق": غير الإسلام: بالجر صفة لملة،

مسند ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم رضي الله عنه

وكاذبًا، نصب على الحال من الضمير في حلف. وقال القرطبي: هو حال لازمه كقوله تعالى: (وهو الحقُّ مصدِّقًا) [البقرة: 91]، لأن من عظّم ملةً غير الإسلام كان كاذبًا في تعظيمه ذلك، دائمًا في كل حال وكل وقت، ولا ينتقل عن ذلك. ولا يصلح أن يقال إنه يعني بكونه كاذبًا في المحلوف عليه، لأنه يستوي في ذمّة كونه صادقًا أو كاذبًا إذا حلف بملة غير الإسلام، لأنه إنما ذمّ الشرع من حيث أنه حلف بتلك الملة الباطلة معظمًا لها على نحو ما يعظم به ملة الإسلام الحق، فلا فرق بين أن يكون صادقًا أو كاذبًا في المحلوف عليه. انتهى. قوله: (ومن ادّعى دعوى كاذبة ليستكثر بها لم يزده الله إلاّ قلة، ومن حلف على يمين صبر فاجرة). قال القرطبي: كذا صحت الرواية في أصل مسلم، بهذا الكلام، مقتصرًا على جملة الشرط، من غير ذكر جملة الجزاء، فيحتمل أنه عطف على من التي قبلها، فكأنه قال: ومن حلف يمينًا فاجرة كان كذلك، أي لم يزده الله بها إلا قلة. قال عياض: ويحتمل أن يكون الجزاء محذوفًا، ويكون تقديره: غضب الله عليه، أو عاقبه، أو نحو ذلك، كما في الحديث الآخر: (لقي الله وهو عليه غضبان) وذكر الصبر وقد أجراه صفة على اليمين، وهي مؤنثة لأنه قصد المصدر. انتهى. مسند ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم رضي الله عنه 209 - حديث: "استقيموا ولن تحصوا".

210 - حديث: "إن الله زوى لي الأرض مشارقها ومغاربها، وسيبلغ ملك أمتي ما زوي لي منها".

قال القرطبي: ولن تحصوا: إخبار واعتراض بين المعطوف والمعطوف عليه، كما اعترض (ولن تفعلوا) بين الشرط والجزاء. 210 - حديث: "إن الله زوى لي الأرض مشارقها ومغاربها، وسيبلغ ملك أمتي ما زُوِي لي منها". قال الطيبي: توهم بعض الناس أنّ (مِنْ) في (منها) للتبعيض، وليس كذلك، بل هي للتفصيل لا تناقض الجملة، ومعناه أن الأرض زويت لي جملتها مرة واحدة، ثم هي تفتح لأمتي جزءًا فجزءًا، حتى يصل ملك أمتي إلى كل أجزائها. قوله: (وإني سألتُ ربي لأمتي أن لا يهلكوا بسنةٍ عامة، ولا يسلط عليهم عدوًا من سوى أنفسهم". قال الطيبي: عدوّا من سوى: أي كائنًا من سوى أنفسهم. وقال ابن مالك في "شرح الكافية": سوى: اسم يستثنى به، ويجر ما يستثنى به بإضافته إليه، ويعرب هو تقديرًا بما يعرب به لفظًا، خلافًا لأكثر البصريين في ادّعاء لزومها النصب على الظرفية، وعدم التصرف، وإنما اخترتُ خلاف ما ذهبوا إليه لأمرين: أحدهما: إجماع أهل اللغة على أن معنى قول القائل: قاموا سواك، وقاموا

غيرك، واحد، وأنه لا أحد منهم يقول: إنّ (سوى) عبارة عن مكان أو زمان، وما لم يدل على مكان أو زمان فبمعزل عن الظرفية. والثاني: أنّ من حكم بظرفيتها حكم بلزوم ذلك، وأنها لا تتصرف، والواقع في كلام العرب شعرًا ونثرًا خلاف ذلك: فإنها قد أضيف إليها، وابتدئ بها، وعمل فيها نواسخ الابتداء وغيرها من العوامل اللفظية، فمن ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم: (سألت ربي أن لا يسلط على أمتي عدوًا من سوى أنفسهم)، وقوله عليه السلام: (ما أنتم في سواكم من الأمم إلاّ كالشعرة البيضاء في جلد الثور الأسود). وقول الشاعر: وكلُّ من ظنَّ أن الموت مخطِئُهُ ... معلُّلُ بسواء الحقّ مكذوبُ ومن الإسناد إليها مرفوعة بالابتداء قول الشاعر: وإذا تباع كريمة أو تشترى ... فسواك بائعُها وأنتَ المشتري وقال آخر في رفعها بليس: لئِنْ تَكُ ليلى ليس بيني وبينها ... سوى ليلةٍ إني إذًا لصبورُ وقال آخر في نصبها بإنّ:

وجانِبْ بحال السّلم من شئتَ واعلمنْ ... بأنَّ سوى سُؤْلاكَ في الحرب أجْنَبُ وقال آخر في وقوعها فاعلة: ولم يبقَ سوى العُدْوا ... نِ دِنَّاهم كما دانوا وقال آخر في الإضافة إليها: إنني والذي يحُجُّ له النا ... سُ بجدْوَى سواك لم أثِقِ وقال آخر: يا سحر لا يحلى بعيني أبدًا ... فؤادُ سواك مُذْ سواكَ بدا وقوله: (أعطيتك لأمتك) قال الطيبي: اللام فيه هي التي في قوله سابقًا: (سألت ربي لأمتي) أي أعطيت سُؤْلك لدعائك أمتك، والكاف هو المفعول الأول. وقوله: (أنْ لا يهلكَهم) هو المفعول الثاني كما في قوله: (سألتُ ربي أن لا يهلكَها) هو المفعول الثاني، وجواب لو ما يدل عليه قوله: (وأن لا أسلط)، وحتى: معنى كي، أي لكي يكون بعض أمتك يُهلك بعضًا. وقال في "النهاية": في الحديث: (سألتُ الله أن لا يهلكَ أمتي بسنة عامة) أي بقحط عام، يعم جميعهم، والباء في (بعامة) زائدة زيادتها في قوله تعالى: (ومن يرد فيه بإلحاد بظلم) [الحج: 25]، ويجوز أن لا تكون زائدة وقد أبدل عامة من سنة بإعادة العامل، تقول: مررت بأخيك بعمرو، ومنه قوله تعالى: (قال الملأ الذين استكبروا من قومه

211 - حديث: "إذا أصاب أحدكم الحمى فإن الحمى قطعة من النار، فليطفئها بالماء".

للذين استُضعِفوا لمن آمن منهم) [الأعراف: 75]. انتهى. وقوله: (ولن تحصوا)، كقوله تعالى: (فإن لم تفعلوا ولن تفعلوا فاتّقوا ...) [البقرة: 24]، وكأنه صلى الله عليه وسلم أمرهم بالاستقامة لله، وهي شاقّة جدًّا، تداركه بقوله: ولن تحصوا، رحمة ورأفة من الله تعالى على هذه الأمة. 211 - حديث: "إذا أصاب أحدكم الحمّى فإنّ الحمّى قطعةٌ من النار، فليطفئها بالماء". قال الطيبي: قوله: (فالحمّى قطعة) جواب لقوله: (إذا أصاب) والفاء في (فليطفئها) مترتبة على الجواب، والتقدير: إذا أصاب أحدكم الحمى، فليعلم أن الحمّى قطعة من النار فليطفئها، كقوله تعالى: (من كان عدوًّا لله وملائكته ورسله ..) الآية، أي فليعلم أنّ الله عدو له، ويجوز أن يكون الجزاء فليطفئها. وقوله: (فإن الحمى) معترضة كما في قول الشاعر: ليس الجمالُ بمئزرٍ فاعلمْ وإنْ رُدّيتَ بُرْدا وقوله: (فليستنقِعْ في نهرٍ جارٍ) الفاء فيه للتعقيب، لأن النقع هو الإطفاء، كما في قوله تعالى: (فتوبوا إلى بارئكم فاقتلوا أنفسكم) [البقرة: 54].

212 - حديث: "من يتكفل لي أن لا يسأل الناس شيئا".

212 - حديث: "من يتكفل لي أن لا يسأل الناس شيئًا". قال الطيبي: أنْ: مصدرية، والفعل معها مفعول (يتكفّل) أي من يلتزم على نفسه عدم السؤال. مسند جابر بن سَمُرَة رضي الله عنه 213 - حديث: "أتى النبيَّ صلى الله عليه وسلم بفرسٍ مُعْرَوْرَى فركبه .. ". قال أهل اللغة: اعروريتُ الفرسَ إذا ركبته عريانًا فهو معرورى، قالوا: ولم يأت افعوعل يتعدى إلا بقولهم: اعروريت الفرس، واحلوليت الشيء. 214 - حديث: "لا يزال الدينُ قائمًا حتى تقومَ الساعةُ أو يكونَ عليكم اثنا عشر خليفةً". قال الرضي: قوله: (أو يكون عليكم) قيدناه على من يوثق بتقييده بالنصب، ويكون (أو) بمعنى إلى أنْ، كقوله: فقلتُ له لا تبكِ عينُك إنّما ... نحاولُ ملكًا أو نموتَ فنُعْذَرا

215 - حديث: "كان للنبي صلى الله عليه وسلم خطبتان يجلس بينهما يقرأ القرآن ويذكر الناس".

قال: وقد دل على هذا قوله في الرواية الأخرى: (لا يزال هذا الأمر عزيزًا إلى اثني عشر خليفةً). 215 - حديث: "كان للنبي صلى الله عليه وسلم خطبتان يجلس بينهما يقرأ القرآن ويذكّر الناسَ". قال البيضاوي: يقرأُ القرآن: صفة ثانية للخطبتين، والراجع محذوف والتقدير: يقرأ فيهما. (ويذكر الناس): عطف عليه داخل في حكمه. مسند جابر بن عبد الله رضي الله عنه 216 - حديث: "ذكاةُ الجنين ذكاةُ أمه". قال في "النهاية": يُروى هذا الحديث بالرفع والنصب، فمن رفع جعله خبر المبتدأ الذي هو (ذكاة الجنين)، فيكون ذكاة الأم هي ذكاة الجنين، فلا يحتاج إلى ذبح مستأنف، ومن نصب كان تقدير الكلام: ذكاة الجنين كذكاة أمه، فلما حذف الجار نصب، أو على تقدير: يذكي تذكية مثل ذكاة أمه، فلما حذف المصدر، أقام

المضاف إليه مقامه، فلا بد عنده من ذبح الجنين إذا خرج حيًا. ومنهم من يرويه بنصب الذكاتين، أي ذكوا الجنين ذكاة أمه. انتهى. وقد ألف ابن جني في إعراب هذا الحديث رسالة قال فيها: قد تنوع القول في هذا الحديث، وأولاها بالصواب وأجراها على مقاييس العربية وصناعة الإعراب، ما ذهب إليه أبو حنيفة من أن تقديره: ذكاة الجنين مثل ذكاة أمه، فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه، فأعرب حينئذ إعرابه، ومثل ذلك في حذف المضاف كثير، وذلك أن قوله (ذكاة الجنين) مبتدأ محتاج إلى خبر، وخبره إذا كان مفردًا - أعني غير الجملة - فلا بدّ أن يكون هو المبتدأ في المعنى بما ذكرنا، وذلك قولك للنائب عنك: قبضُك قبضي، وعقدُك عقدي، أي قَبْضي قبضُك، وعقدي عقدك، أي قبْضك يقوم مقام قبضي، وعقدك يقوم مقام عقْدي لو عقدت، فثبت قبض مخاطبك وعقده حقيقة، وقبضك وعقدك أي مجازًا لا حقيقة، بل تكون منفية عنك. فعلى هذا كان يجب أن يكون معنى قوله عليه السلام: (ذكاة الجنين ذكاة أمه) إثبات الذكاة للجنين ونفيها عن الأم، وليس الأمر عند أحد كذلك، إنما الأمر عند أبي حنيفة أنهما جميعًا واجبتان، وعند غيره أن ذكاة الأم قد أغنت عن ذكاة الجنين، وليس أحد يوجب بهذا الخبر الذكاة للجنين دون الأم، فعلمت أنه لو أريد المعنى الذي ذهب إليه من خالف أبا حنيفة، لكان لفظ الخبر: ذكاة أم الجنين ذكاته، فقوله صلى الله عليه وسلم: (ذكاة الجنين ذكاة أمه) لا يصرف له لما قدمناه وأخرناه، إلا أنه إلى أنّ معناه: ذكاة الجنين مثل ذكاة أمه في الوجوب والإهلال، وهذا متناه في وضوحه. وأما رواية من روى هذا الخبر (ذكاةُ الجنين ذكاةَ أمه)، فيضعف في القياس، وذلك أنه لا يخلو أن ينصب (ذكاةَ أمه) بشيء ملفوظ أو بشيء مقدر غير ملفوظ به،

وليس في اللفظ ما يصلح أن ينصب (ذكاةَ أمه) إلاّ المقدر الذي هو (ذكاةُ الجنين)، فإن علقت ذكاة أمه بنفس ذكاة الجنين، كان (ذكاة أمه) في صلتها أو من تمامها، وإذا كانت من تمامها بقي المبتدأ الذي هو (ذكاة الجنين) مبتدأ لا خبر له، لأنه يصير تقديره: ذكاة الجنين ذكاة مثل ذكاة أمه، فيحتاج إلى خبر، ولو زدت خبرًا لوجب أن يقال: ذكاة الجنين ذكاة أمه واجبه، فتحذف الخبر لطول الكلام، ودلالته عليه، فيصير كقولك: ضربك زيدًا ضرب عمرو جعفرًا، أي ضربك زيدًا مثل ضرب عمرو جعفرًا كائن أو واقع، فتحذف المصدر، وتقيم صفته - وهي مثل مقامه، فيصير تقديره: ضربك زيدًا ضرب عمرو جعفرًا كائن، ثم تحذف الخبر لطول الكلام ودلالته عليه فيصير: ضربك زيدا ضرب عمرو جعفرًا، فكذلك تقدير الخبر: ذكاة الجنين ذكاة مثل ذكاة أمه واجبة، ثم يصير: ذكاة الجنين ذكاة أمه، فهذا - اي إنْ ذهب إليه ذاهب - كان فيه بعض الضعف والصنعة لكثرة الحذف، ألا ترى أنه يُحذف مضاف بعد موصوف، ويُحذف معهما أيضًا الخبر، وليس كذلك قوله سبحانه: (فشاربون شربَ الهيم) [الواقعة: 55]، لأنه - وإن كان معناه: فشاربون شربًا مثل شرب الهيم - فإنه إنما حذف الاسمين - لعمري - إلا أنه لم يحذف معهما خبر المبتدأ، وكلما كثر الحذف كان أقبح. فإن قلت: فإنّ حذف الخبر قد كثر في القرآن والشعر، فهلاّ حملت هذا الموضع على ذلك أيضًا؟ قيل: إذا انضم إلى حذف الخبر حذف شيئين مقدرًا أحدهما بعد صاحبه، لم يكن كأن يحذف الخبر وحده، وعلى أنه إن ارتكب أحد هذا - آل هذا بمعناه إلى ما قدمناه من وجوب ذكاة الجنين كذكاة أمه، ألا ترى أن التقدير قد أصاره إلى أنه بمعنى: ذكاة الجنين كذكاة أمه واجبة أو لازمة، ولا بد إذا نصبت ذكاة أمه بنفس ذكاة الجنين من هذا التقدير، وإذا لم يكن منه بدّ علمت به صحة قول أبي حنيفة في وجوب ذكاة الجنين للتحليل لوجوب ذكاة أمه، فهذا إن كان الناصب لذكاة أمه ما

في ظاهر اللفظ من الوضوح بحيث تراه. وأما إنْ كان الناصب لذكاة أمه ليس موجودًا في اللفظ، ولم يحمله على أنه في صلة المصدر الذي هو (ذكاة الجنين)، فإنه يصير تقديره: ذكاة الجنين وقت ذكاة أمه، ثم يحذف الوقت المضاف إلى الذكاة على ما تقدم، ويقيم مقامه فيقال: ذكاة الجنين ذكاة أمه، فيجرى مجرى قولك: لقاؤك زيدًا مقدمَ الحاج، وزيارتك عبد الله خفوقَ النجم، أي لقاؤك إيّاه وقت مقدم الحاج، وزيارتك وقت خفوق النجم، فتحذف المضاف الذي هو الظرف، ويقام المضاف إليه - وهو المصدر- مقامه، ومثله في حذف الوقت مع المصدر وإرادته قول الشاعر: وما هي إلاّ في إزارٍ وعلقةٍ ... مُغارَ ابنِ همّامٍ على حيِّ خثعما أي: وقت إغارة ابن همام على حيِّ خثعم، ولا بد من تقدير حذف المضاف هنا، لأنك إن لم تفعل ذلك - وجعلت مغار ابن همام وقتًا لا مصدرًا - لم يستقم، لأنك قد عديت (مغار ابن همام) إلى الظرف الذي هو (على حيّ خثعم)، واسم الزمان والمكان لا يتعدى واحد منهما إلى شيء من الظروف ولا حروف الجر، إنما ذلك للمصدر دونهما، وهذا جليّ. وكان هذا الوجه في نصب (ذكاة أمه) أقرب ماخذًا من الأول، وعلى أيهما حملت، فالأمر واحد في وجوب ذكاة الجنين، ألا ترى أنه لا بدّ للظرف الذي هو (وقت ذكاة أمه)، لجريه خبرًا عن المبتدأ الذي هو: (ذكاة الجنين) - من شيء يتعلق به، والظرف متى جرى صلة أو صفة أو حالاً أو خبرًا تعلق بالمحذوف، وتضمنه إن لم يكن بعده ظاهر يرتفع به ضميره، فيصير تقديره: ذكاة الجنين كائنة أو واجبة أو واقعة وقت ذكاة أمه، ثم يحذف اسم الفاعل ويقام الظرف

217 - حديث الغسل

مقامه، فيقال ذكاة الجنين وقت ذكاة أمه، كقولك: قيامك وقت قيام عمرو، أي كائن أو واقع وقت قيام عمرو، ثم يحذف اسم الفاعل ويقام الظرف مقامه، وإذا صار به التقدير إلى هذا، علمت وجوب ذكاته على حد وجوب ذكاة أمه، أي إذا ذكّيت أمه أغنى ذلك عن ذكاته لأنها تقع وقت ذكاة الأم. قيل: تقدم إفساد هذا المعنى في حالة الرفع بما يعرض فيه من التجوز وغيره فاكتفينا به عن إعادته. وأما من تأوّله على أن تقديره: ذكاة الجنين كذكاة أمه، فلما حذف حرف الجر انتصب، فلا وجه للاعتداد به لسقوطه لأول وهلة، ألا ترى أنه يجب من هذا أن يجوز: زيد عمرًا، أي زيد كعمرو، فلما حذف حرف الجرّ انتصب (عمرًا) وما هذه حاله، فلا وجه للتشاغل به، ولو لامس هذه المسألة من صناعته الإعراب لما أمكن ظهورها، وبدو معناها. هذا آخر كلام ابن جني. 217 - حديث الغسل ألف الشيخ جمال الدين بن هشام في إعرابه رسالة قال فيها: قول جابر: (كان يكفي من هو أوفى منكَ شعرًا وخيرٌ منك) الظاهر أن خيرًا مرفوع عطفًا على أوْفى للخبرية عن هو، أي كان يكفي من هو أوفى وخير، كما تقول: أحبّ من هو عالم وعامل، والجملة من المبتدأ والخبر صلة الموصول، والموصول والصلة مفعول يكفي. ويقع في النسخ ويجري على ألسنة الطلبة بنصب خير، وقد ذكر أنه خرج على سبعة أوجه:

أحدها: أن يكون عطفًا على المفعول وهو (مَنْ). الثاني: أن يكون بتقدير كان، مدلولاً عليها بكان المذكورة أولاً، أي وكان خيرًا. الثالث: على تقدير يكفي، مدلولاً عليها بيكفي المذكورة. الرابع: على إلغاء (من هو) فيكون (أوفى) مفعولاً، و (خيرًا): معطوفًا عليه. الخامس: على إلغاء (من هو أوفى). السادس: على تقدير: وأكثر خير. السابع: على العطف على (مَنْ)، فإنه يؤدي لمغايرة المعطوف لمن وقعت عليه (من)، ويصير بمنزلة كان يكفي زيدًا وعمرًا، فيكون الذي هو أوفى غير الذي هو خير، وليس المراد ذلك. وأما تقدير "كان" فباطل من وجهين: أحدهما: أن حذف كان مع اسمها، وبقاء خبرها لا يجوز بقياس إلاّ بعد إنْ ولو وإمّا، ثم قال سيبويه لا تقل: عبد الله المقتول، بتقدير: كن عبد الله المقتول، وخالف المحققون في تخريج الكسائي قوله تعالى: (انتهوا خيرًا لكم) [النساء: 171] على تقدير: يكن الانتهاء خيرًا لكم. الثاني: أنّا إذا قدرنا كان مدلولاً عليها بالأولى قدرنا مرفوعها الأول كما أنك إذا قلت: (علفتُها تبنًا وماءً) لا تقدر وسقاها غيري، بل وسقيتها وذلك لأن الفعل والفاعل كالشيء الواحد، فتقدير أحدهما مستلزم لتقدير الآخر بعينه، فعلى هذا، إذا قدرت "كان" الأولى قدرت فاعلها فيصير: وكان هو أي الصاع، وأما تقدير (يكفي) فإنه يؤذن أيضًا بالتغاير، كما أنك إذا قلت: كان يكفي الفقيه ويكفي الزاهد، أذن

بذلك، وسببه أن يكفي الثاني إنما هو لمجرد التوكيد، فذكره بمنزله لو لم يذكر، وهو لو لم يذكر أذن العطف بالتغاير، فكذلك إذا ذكر. وأما إلغاء (من هو) أو إلغاء (من هو أوفى) فباطلان من وجهين: أحدهما: أن زيادة الأسماء لا تجوز عند البصريين، وكذلك زيادة الجمل، ثم إنّ الكوفيين يجيزون ذلك، إنما يجيزونه حيث يظهر أن المعنى مفتقر إلى دعوى الزيادة كما في قول لبيد: إلى الحول اسم ثمّ السلامِ عليكما فإنهم قالوا: اسم: زائد، لأنه يقال: السلام على فلان، ولا يقال: اسم السلام عليك، فادّعوا زيادة ذلك لهذا المعنى، وهو مقصود فيما نحن بصدده. وقد يقال إنّ أفسد هذين الوجهين الوجه المدّعى فيه زيادة (من هو) خاصة، فإنّ ذلك لا يجيزه أحد، لأن المبتدأ يبقى بلا خبر، والموصول بلا صلة، ويجاب بأن دعوى زيادة الاسم لا تخرجه عن استحقاقه لما يطلبه على تقدير عدم الزيادة. الثاني: أنه إذا كان زائدًا امتنع العطف عليه، لأنه يصير بمنزلة ما لم يذكر، والعطف عليه يقتضي الاعتداد به وتقدم جوابه فتناقضا. وأما تقدير (أكثر) فباطل، لأن أفعل التفضيل لم يحذف في كلامهم باقيًا معموله، لضعفه في العمل، وجموده، لأنه لا يثنى ولا يجمع ولا يؤنث. وأما عطفه على (شَعْرًا) فإنه أقرب من جميع ما ذكر، لأن (أوفى) بمعنى أكثر، فكأنه قيل: أكثر منك شعرًا وخيرًا، إلا أن ذلك يأباه ذكره (منك) بعد (خيرًا)، ألا ترى

218 - حديث الاستخارة، قوله: (اللهم إني أستخيرك بعلمك وأستقدرك بقدرتك).

أنك إذا قلت: كان يكفي من هو أكثر منك علما وعبادة لم يحتج إلى قولك (منك) ثانيًا؟ وقد يتكلف جواز هذا الوجه على أنه يجعل (منك) الثانية مؤكدة للأولى. هذا آخر كلام ابن هشام. 218 - حديث الاستخارة، قوله: (اللهم إني أستخيرك بعلمك وأستقدرك بقدرتك). قال الطيبي: الباء فيهما يحتمل أن تكون للاستعانة كما في قوله: (بسم الله مَجراها ومرساها) [هود: 41]. أي أطلب خيرك مستعينًا بعلمك فإني لا أعلم فيم خيّرتني، وأطلب منك القدرة، فإني لا حول ولا قوة لي إلا بك. وأن تكون للاستعطاف كما في قوله تعالى: (ربِّ بما أنعمت علي ..) [القصص: 17]، أي أطلب منك الخير بحقّ علمك وقدرتك الشاملين. وقوله: (ويسمّي حاجته): يجوز أن يكون حالاً من فاعل (يقلْ)، أي فليقل هذا الكلام مسميًا حاجته، أو عطفًا على (ليقل) على التأويل لأنه بمعنى الآمر. 219 - حديث: "ليس البرّ الصيام في السفر".

220 - حديث: "إن الموت فزع".

قال القرطبي: (من) هنا زائدة لتأكيد النفي، وقيل للتبعيض وليس بشيء. وقال القاضي عياض: روى (ليس من البر) (ليس البر أن تصوموا في السفر)، وكلاهما بمعنى واحد، و (من) هنا عند بعض أهل العربية زائدة، وأبى ذلك سيبويه، ورأى أن (مِنْ) في قوله: ما جاءني من أحد: تأكيد لاستغراق النفي إذْ يحتمل قوله: ما جاءني أحد، وإنه جاء أكثر، وإذا قال (من أحد) لم يقع احتمال. انتهى. 220 - حديث: "إنَّ الموتَ فزعٌ". قال البيضاوي: هو مصدر جرى مجرى الوصف للمبالغة، أو فيه تقدير، أي: الموت ذو فزع، ويؤيد الثانية رواية: (إنَّ للموتِ فزعًا). 221 - حديث: "قاتل الله اليهودَ، إنّ الله حرَّم شحومهما، جَملوه ثم باعوه فأكلوا ثمنه". قال الطيبي والكرماني: الضمير راجع إلى الشحوم على تأويل المذكور أو إلى الشحم الذي في ضمن الشحوم. 222 - حديث: "رأيتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يرمي على راحلته يومَ النحر ويقول: لتأخذوا

223 - حديث: "قلنا لا نكنيك أبا القاسم ولا كرامة".

مناسككم فإني لا أدري لعلي لا أحُجُّ بعد حجتي هذه". قال القرطبي: صح روايتنا فيه (لنا) بلام الجر المفتوحة، و (نا) ضمير الجمع وهو الأفصح، وروى (ليأخذوا) بكسر اللام للأمر بالياء المثناة من فوق، وهو لغة شاذة، وقد قرأ بها رسول الله صلى الله عليه وسلم (فبذلك فليفرحوا) [يونس: 58]. 223 - حديث: "قلنا لا نَكْنيك أبا القاسم ولا كرامة". قال الكرماني بالنصب، أي: ولا نكرمك كرامة. 224 - حديث: "إنّ أخوفَ ما أخاف على أمتي عملُ قوم لوط". قال الطيبي: أضاف أفعل إلى ما، وهي نكرة موصوفة ليدل على أنه إذا استقصى الأشياء للخوف شيئًا بعد شيء، لم يجد أخوف من فعل قوم لوط.

225 - حديث: "يسألوني عن الساعة وإنما علمها عند الله".

225 - حديث: "يسألوني عن الساعة وإنّما علمُها عند الله". قال الطيبي: (وإنما علمها عند الله): حال مقررة لجهة الإشكال، أنكر عليهم سؤالهم، وأكده بقوله: وإنما علمها عند الله. وقوله: (أقسم بالله): مقرر له، يعني: يسألوني عن القيامة الكبرى، وعلمها عند الله، وما أعلمه هو القيامة الصغرى. 226 - حديث: "لقد جئتكم بها بيضاء نقيةً". قال الطيبي: حالان مترادفان من الضمير المفسر بالملة. وقوله: (لو كان موسى حيًا ما وسعه إلاّ اتباعي) حال متداخلة من الضمير في (بيضاء). 227 - حديث: "لا يموتنّ أحدُكم إلاّ وهو يحسنُ الظن بالله". قال الطيبي: نهى أن يموتوا على غير حالة حسن الظن، وذلك ليس بمقدورهم بل المراد الأمر بتحسين الظن، ليوافى الموت وهو عليه. انتهى. ونظيره: (ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون) [آل عمران: 102]

228 - حديث: "لا تدعوا على أنفسكم ولا على أولادكم لا توافقوا ساعة إجابة".

228 - حديث: "لا تَدعوا على أنفسكم ولا على أولادكم لا توافقوا ساعة إجابة". قال الطيبي: قوله: (لا توافقوا) نهى الداعي، وعلة النهي أي لا تدعوا أي لا توافقوا ساعة إجابة فتندموا. قوله: فيستجيبَ: نصب على أنه جواب النهي، من قبيل: لا تدْنُ من الأسد يأكلْك، على مذهب الكسائي. ويحتمل أن يكون مرفوعًا أي: فهو يستجيب. 229 - حديث: "أنّ عمر بن الخطاب جاء يوم الخندق فقال يا رسول الله ما كدت أنْ أصليَ العصر حتى كادت الشمسُ تغربُ". قال ابن مالك: تضمّن هذا الحديث وقوع خبر كاد مقرونا بأن، وهو مما خفي على أكثر النحويين، أعني وقوعه في كلام لا ضرورة فيه، والصحيح جواز وقوعه، إلا إنّ عدم وقوعه مقرونًا بأنْ أكثر وأشهر من وقوعه مقرونًا، ولذلك لم يقع في القرآن إلاّ غير مقرون بأن نحو: (وما كادوا يفعلون) [البقرة: 71]، (لا يكادون يفقهون) [النساء: 78]، (يكاد سنا برقه يذهب بالأبصار) [النور: 43]. ولا يمنع عدم وقوعه في القرآن مقرونًا بأنْ، من استعماله قياسًا لو لم يرد به

سماع. لأن السبب المانع من اقتران الخبر بأنْ في باب المقاربة هو دلالة الفعل على الشروع نحو طفق وجعل، فإنّ (أنْ) تقتضي الاستقبال، وفعل الشروع يقتضي الحال، فتنافيا، وما لا يدل على الشروع كعسى وأوشك وقرب وكاد، فمقتضاه مستقبل، فاقتران خبره بأنْ يؤكده، فإنها تقتضي الاستقبال، وذلك مطلوب، ومانعه مغلوب. فإذا انضم إلى هذا التعليل استعمال فصيح، ونقل صحيح كما في الحديث المذكور، وفي قول أنس: (ما كدنا أن نصلَ إلى رحالنا)، وقول بعض الصحابة: (والبرمة بين الأثافي قد كادت أن تنضج)، وقول جبير بن مطعم: (كاد قلبي أن يطير)، تأكد الدليل ولم يوجد إلى مخالفته سبيل. وقد اجتمع الوجهان في قول عمر: (ما كدت أن أصلي العصر ..) أي (حتى كادت الشمسُ تغربُ) وفي قول النبي صلى الله عليه وسلم: (كاد الحسب يغلب القدر، وكاد الفقرُ أن يكون كفرًا)، ومن الشواهد الشعرية في هذه المسألة قول الشاعر: أبيتم قبول السلم منا فكدتم ... لدى الحرب أن تغنوا السيوف عن السَّلِّ وهذا الاستعمال مع كونه في شعر ليس بضرورة، ليتمكن مستعمله من أن يقول: لدى الحرب تغنون السيوف عن السل. وأنشد سيبويه: فلم أرَ مثليها خُباسةَ واحدٍ ... ونهنهتُ نفسي بعد ما كدتُ أَفْعَلهْ

وقال: أراد (بعد ما كدت أن أفعله)، فحذف أنْ، وأبقى عملها، وفي هذا إشعار بالمراد، أي اقتران كاد بأنْ، لأن العامل لا يحذف ويبقى عمله إلاّ إذا اطرد ثبوته. انتهى. وقال الكمال ابن الأنباري في كتاب "الإنصاف": لا يستعمل (أنْ) مع (كاد) في اختيار، ولذلك لم يأتي في القرآن، ولا في كلام فصيح، فأما الحديث (كاد الفقر أن يكونَ كفرًا)، فإنْ صحَّ، فزيادة (أنْ) من كلام الراوي، لا من كلامه صلى الله عليه وسلم، لأنه أفصح من نطق بالضاد. انتهى. وفي حديث مسلم في الذي قاتل قتالاً شديدًا، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (هو من أهل النار، فكاد بعض المسلمين أنْ يرتابَ): قال النووي: هكذا في الأصول، فأثبتت أنْ مع كاد، وهو جائز لكنه قليل. وفي حديث مسلم في بنيان الكعبة، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (فكان الرجلُ إذا هو أراد أن يدخلها يدَعَونَه يرتقي حتى إذا كاد أن يدخلَها دفعوه فسقط): قال النووي: هكذا في النسخ كلها: كاد الرجل أن يدخلَ، ففيه حجة بجواز دخول أنْ بعد كاد، وقد كثر ذلك، وهي لغة فصيحة، ومن الأشهر عدمه.

230 - حديث: "لو بعت من أخير تمرا، فأصابته جائحة فلا يحل لك أن تأخذ منه شيئا".

230 - حديث: "لو بعت من أخير تمرًا، فأصابته جائحة فلا يحل لك أن تأخذ منه شيئًا". قال الطيبي: فلا يحل: وقع جواب لو، فإما أن يحمل فيقال: إنّ لو بمعنى إنْ، وإما أن يقدر الجواب: تمرًا فملكه لا تأخذ منه شيئًا فلا يحلّ لك. 231 - حديث: "بينا أنا أمشي إذ سمعتُ صوتًا". قول زين العرب في "شرح المصابيح": بَيْنَ: ظرف لمتوسط في زمان أو مكان حسب المضاف إليه، إذْ تضاف إلى ما يتوسط فيه منهما، وتقتضي تعدد المضاف إليه نحو: جئناه بين العشاءين، وجلست بين القوم، وإذا عطف المتعدد بعضه على بعض. عطف بالواو دون الفاء، فيمتنع جلست بين زيد فعمرو، لأن الفاء تؤذن بالانتقال، فيصير: كجلست بين عمرو. وإذا قصد إضافتها إلى أوقات مضافة إلى جملة، حذفوا الأوقات وعوضوا عنها الألف أو "ما"، وحكي ما كان يضاف إليه الأوقات بعدها، نحو بينا أو بينما نحن نفعل كذا إذْ طلع علينا فلان، وهي منصوبة بعامل من الجملة الواقع نسبتها فيه، كطلع في المثال. وقيل الجملة قائمة مقام الأوقات المحذوفة كما في: (واسأل القرية) [يوسف: 82] وزيادة الألف أو ما لتعيين أنّ (بين) مضافة إلى الجملة. وقال الجوهري: زيادة الألف من إشباع الفتحة، وفيه نظر. ولم ير الأصمعي

دخول إذْ وإذا في الفعل المتوسط فصيحًا نحو: بينا نحن نفعل كذا إذ طلع زيد، إذا يبقى الظرفان بلا عامل ظاهر، لأن إذْ وإذا مضافان إلى ما بعدهما، والمضاف إليه لا يعمل فيما قبله، فيجب تقدير إذْ وإذا بفاجأتُ أو وجدتُ اتفاقًا طلوع فلان في الوقت الذي نفعل كذا، حتى ينتصب كلا الظرفين به، كما يقدر فاجأت في نحو: خرجت فإذا السبع بالباب، وارتكاب شيء يلزم منه تقدير فعل من غير ضرورة ممتنع. وردّ ابن الحاجب قول الأصمعي بأن المفاجأة معنى مقصود، يجب عند قصدها الإتيان بفعلها أو بما يدل عليها من إذْ وإذا، ولا يظهر فعلها معها، لأنهما إذا كانتا للمفاجأة يجب حذف فعلهما. قال بعض الفضلاء من المعاصرين: وفيه نظر، لأن الإشكال إنما يرتفع إذا كان المقتضى بينما فاجأت دون طلع. أقول: ويمكن أن يمنع أن المقتضى طلع، والمانع منه موجود، والصواب عندي أنه إذا لم يكن الفعل مقترنًا بكلمة المفاجأة أن يحكم باقتضاء بينما، وإن اقترن بها حكم بأن المقتضى لها معنى المفاجأة. وقال الزمخشري: إذا زيدت إذْ وإذا فيه في موضع رفع بالابتداء، وبين خبره بتقدير: استقر إلى طلوع فلان بين أوقات فعلنا. قيل: عليه يلزم أن لا يكون إذا المفاجأة مع كونها مقصودة منها هنا. وأن تقع إذ مبتدأة أو مصدرية ممتنع، وليس هذا مثل قولنا: نهار زيد صائم، في إثبات حكم زيد لظرفه المضاف إليه، لأنه يقع مبتدأ في الجملة. ومال ابن مالك إلى قول الأصمعي إذ قال: ويجيء إذا المفاجأة، وتركها بعد بين وبينما أقيس من ذكرها، لأن المعنى المستفاد معها بتركها، وكلاهما مروي عن العرب نثرًا ونظمًا، ومن أمثلة تركها قول الشاعر: فَبَيْنا نحن نرقُبُهُ أتانا

ومن أمثلة ذكرها قول عمر رضي الله عنه: (بينا نحن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم إذْ طلع علينا رجل). وحكى السيرافي أن بعضهم يجعلها ظرف مكان، وأن بعضهم يجعلها زائدة، قال: والمختار عندي الحكم بحرفيتها، أقول: يريد أنهما حرفان للمفاجأة، وجاز كونهما مشتركين بين الاسم والحرف كمنذ، وهذا الذي اختاره هو مذهب الأخفش أيضًا، وعلى هذا يكون العامل في (بينما) في حديث عمر: طلع، ثم العامل في (عند) خبر المبتدأ المقتضى وقد حدث ليبين إذا قيل فيها بينا أو بينما الاختصاص بالزمان والظرفية والإضافة إلى الجمل. ومعنى الحديث وتقديره: بين أوقات نحن جالسون فيها عنده عليه السلام، فاجأنا أو وجدنا اتفاقًا طلوع هذا الرجل. انتهى كلام زين العرب. وقال القرطبي: (بينا) هذه هي بين الظرفية زيدت عليها الألف لتكفها عن عملها الذي هو الخفض، كما زيدت عليها أيضًا ما لذلك، وما بعدهما مرفوع بالابتداء في اللغة المشهورة، ومنهم من خفض ما بعد الألف على الأصل. قال الشاعر: بينا تعانقه الكماة وروغه ... يومًا أتيح له جريء سلفعُ روى بخفض (تعانقه) ورفعه، وعلى هذا فالألف والميم ليستا للكف، لكن

232 - حديث: "قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: أتزوجت؟ قلت: نعم قال: أبكرا أم ثيبا؟ قلت: لا، بل ثيب".

لتمكّن النطق، وقد ذهب بعض النحويين إلى أنها للتأنيث في الوجهين، وهي عنده مثل (كثيرون). وقال الكرماني: (بينا) أصله (بين) فأشبعت الفتحة، فصارت ألفًا وهو من الجواب إذا كان مجردًا من كلمة المفاجأة، وإلا فمعنى المفاجأة المتضمنة هي إياها، ويحتاج إلى جواب يتم به المعنى، وقيل اقتضى جوابًا لأنه ظرف يتضمن المجازاة، والأفصح في جوابه أن يكون فيه إذ وإذا خلافًا للأصمعي، والمعنى: أنه في أوقات المشي فاجأني السماع، فإذا الملك الذي جاءني بحراء جالس على كرسي. قال الزركشي في "التنقيح": (جالس) بالرفع على الخبرية، ويجوز النصب على الحال والخبر محذوف، أي حاضر، أو نفس (إذا)، إذا قلنا إنها ظرف مكان. وقد أجازوا في: خرجت فإذا زيد جالس، الرفع والنصب، وقال النووي: في الأصول (جالسًا) منصوب على الحال. قوله: (حتى هويت إلى الأرض) قال النووي: هكذا هو في الرواية: هويت، وهو صحيح، يقال: هوى إلى الأرض وأهوى إليها، لغتان، أي سقط، وقد غلط وجهل من أنكر (هوى)، وزعم أنه لا يقال إلاّ (أهوى). قوله: (فجئثت منه رُعبًا)، قال البيضاوي: (رعبًا) نصب على المفعول لأجله. 232 - حديث: "قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: أتزوجت؟ قلت: نعم قال: أبكرًا أم ثيبًا؟ قلت: لا، بل ثيب".

قال أبو البقاء: قوله: أبكرًا؟ تقديره: أتزوجت بكرًا؟، وقوله: (بل ثيب) يروونه بالرفع، ووجهه بل هي ثيب، أو بل زوجتي ثيب، ولو نصب لجازم كان أحسن. قلت: وكذا هو بالنصب في أكثر الطرق. ثم قال: وقوله: (وترك عليه جوارٍ): يقع في الرواية بالكسر والتنوين، والصحيح جواريَ بفتح الياء، كقوله تعالى: (ولكلٍّ جعلنا مواليَ) [النساء: 33]، والمنقوص في النصب تفتح ياؤه. قلت: وروى (قال: بكر أم ثيب) بالرفع، قال الزركشي: خبر مبتدأ محذوف، أي زوجتك. وقوله: (لا بل ثيب) سقت (لا) في أكثر طرق الحديث، واقتضى على قوله: فقلت ثيبًا، وهو الصواب، فإن الاستفهام بالهمزة وأمْ لا يجاب بلا، قال ابن هشام في المغني: أم المتصلة التي تستحق الجواب إنما يجاب بالتعيين، لأنها سؤال عنه، فإذا قيل: أزيد عندك أم عمرو؟ قيل في الجواب زيد أو قيل عمرو؛ ولا يقال لا، ولا نعم. وفي رواية البخاري: (هل تزوجت بكرًا أم ثيبًا؟) قال ابن مالك: فيه شاهد على أن هل قد تقع موقع الهمزة المستفهم بها عن التعيين، فتكون أو بعدها متصلة غير منقطعة، لأن استفهام النبي صلى الله عليه وسلم جابرًا لم يكن إلا بعد علمه بتزوجه إما بكرًا وإما ثيبًا، وطلب منه الإعلام بالتعيين كما كان يطلبه بأي، فالموضع موضع الهمزة لكن استغنى عنها بهل، وثبت بذلك أن أم المتصلة قد تقع بعد هل كما تقع بعد الهمزة. وقوله: (فهلاّ جاريةً): قال الزركشي: منصوب بفعل مضمر، أي هلاّ تزوجت جاريةً، لأن هلاّ من الأدوات المختصة بالأفعال. وقوله: (فإذا قدمت فالكيسَ الكيسَ): قال الزركشي: بنصبها على الإغراء.

233 - حديث: "إذا وضع الميت في قبره مثلت له الشمس عند غروبها فيجلس عند يمينه".

233 - حديث: "إذا وُضِع الميتُ في قبره مثلتْ له الشمسُ عند غروبها فيجلسُ عند يمينه". قال الطيبي: عند غروبها: حال من الشمس، لا ظرف لمثِّلت، ويمسح: حال من الضمير في يجلس، أي يجلس ماسحًا. 234 - حديث: "بينما نحن نصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم، إذْ أقبلت غيرٌ تحملُ طعامًا، فالتفتوا إليها حتى ما بقي مع النبي صلى الله عليه وسلم إلاّ اثني عشر رجلاً". قال الكرماني: فإن قلت: الاستثناء مفرغ فيجب رفعه، لأن إعرابه على حسب العامل؟ قلت: ليس مفرغًا، إذْ هو مستثنى من ضمير (بقي) العائد إلى المصلي، فيجوز فيه الرفع والنصب. قال: وقد جاء الرفع في بعض الروايات، أو يقال إنّ (اثني عشر) أعطي له حكم أخواته التي هي ثلاثة عشر، إذ الأصل فيه البناء لتضمنه الحرف، قال في "المفصل": الأصل في العدد المنيف على العشرة أن يعطف الثاني على الأول فيقال: ثلاثة وعشرة، فمُزِج الاسمان وصُيِّرا واحدًا وبُنِيا، ولم يتعرض لاستثناء الاثني عشر منه، والمستثنى منه محذوف، وتقديره ما بقي أحد إلا عدد كانوا اثني عشر رجلاً، أو إلا طائفةً أعني اثني عشر. 235 - حديث: "اشتركنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في الحج والعمرة كل سبعة في بَدَنَة".

236 - حديث: "لا يؤمن عبد حتى يؤمن بالقدر خيره وشره، حتى يعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، وأن ما أخطأه لم يكن ليصيبه".

قال القرطبي: (مع) هذه متعلقة بمحذوف تقديره: كاثنين مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا يصح أن يكون متعلقًا بـ (اشتراكنا)، لأنه يلزم أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم واحدًا من سبعة يشتركون في بدنة، وأنهم شاركوه في هديه، والنقل الصحيح بخلاف ذلك. 236 - حديث: "لا يؤمن عبدٌ حتى يؤمنَ بالقدر خيره وشرّه، حتى يعلمَ أنّ ما أصابه لم يكن ليُخْطِئه، وأن ما أخطأه لم يكن ليصيبه". (حتى) الأولى غاية (يؤمن) الأولى، و (حتى) الثانية إما بدل من حتى الأولى، وهو الظاهر، وإما غاية يؤمن الثانية. وقوله: (لم يكن) قال الطيبي: قال بعض المغاربة: فائدة دخول كان المبالغة في نفي الفعل الداخلة هي عليه لتصله بوجهة نفيه عمومًا باعتبار الكون، وخصوصًا باعتبار الخبر، فهو نفي مرتين. 237 - حديث: "إذا سمعتَ الأذانَ فأجِبْ ولو حَبْوًا أو زحفًا". قال أبو البقاء: تقديره: ولو أتيت زحفًا حبوًا، وهو مصدر في موضع الحال، أي حابيًا أو زاحفًا.

238 - حديث: "كلوا لحم الصيد وأنتم حرم ما لم تصيدوه أو يصاد لكم".

238 - حديث: "كلوا لحم الصيد وأنتم حُرُمٌ ما لم تصيدوه أو يصادَ لكم". قال الشيخ ولي الدين العراقي في "شرح سنن أبي داود": هكذا الرواية أو يصاد، بالألف، وهي جائزة على لغةٍ، ومنه: إذا العجوزُ غضبت فطَلِّقِ ... ولا ترضَّاها ولا تَمَلَّقِ وقال الطيبي: قوله (أو يصطاد لكم) بعد قوله: (ما لم تصيدوه) فيه إشكال، لأن الظاهر يقتضي الجزم، وغاية ما يتكلف فيه أن يقال: إنه عطف على المعنى، فإنه لو قيل: ما لا تصيدونه أو يصاد لكم لكان ظاهرًا، فيقدر هذا المعنى. 239 - حديث قتل كعب بن الأشرف، قوله: "ما رأيت كاليوم ريحًا أطيب .. ". قال أبو البقاء: هذا الكلام فيه حذف تقديره: ما رأيت ريحًا كريح اليوم، فحذف المضاف وأقام المضاف إليه مقامه، وقيل الكاف هنا اسم تقديره: ما رأيت

240 - حديث: "أولوها له يفقهها".

مثل ريح هذا اليوم ريحًا. و (ريحًا) هنا تمييز وأراد باليوم الوقت الذي هو فيه، وهو كثير في كلام العرب. 240 - حديث: "أوِّلوها له يفقهْها". قال أبو البقاء: يفقه: مجزومة على جواب الأمر، فتدغم الهاء في الهاء. 241 - حديث الرؤيا، قوله: "فقال: أبو بكر فلْأُعبِّرْها". قال أبو البقاء: يجوز أن يروى بسكون اللام على أنها لام الأمر، ويكون قد أمر نفسه كقوله تعالى: (اتبعوا سبيلنا ولنحملْ خطاياكم) [العنكبوت: 12]، ويجوز - على هذا الأمر - أن تكسر اللام كأنك بدأت بها، لأن الفاء زائدة للعطف والجيد إسكانها، ويجوز أن تجعلها لام كي، فتكسرها ألبتة وتفتح الراء. 242 - حديث: "إليَّ أيها الناس هلمَّ إليَّ أنا رسولُ الله". قال الرضي: مما جاء متعديًا ولازمًا (هلمّ) بمعنى أقبل، فيتعدى بإلى، قال تعالى: (هلمّ إلينا) [الأحزاب: 18]، وبمعنى أحضر، نحو قوله تعالى: (هلمّ شهداءكم) [الأنعام: 150].

وهو عند الخليل هاء التنبيه ركب معها لُمَّ، أمر من قولك: لمَّ الله شعثه، أي جمع نفسك إلينا في اللازم، واجمع غيرك في المتعدي، فلما غير معناه عند التركيب لأنه جاء بمعنى أقبل أو احضر بعدما كان بمعنى اجمع، صار كسائر أسماء الأفعال المنقولة عن أصلها، فلم يتصرف فيه أهل الحجاز مع أن أصلها التصرف، لنقله عند التركيب قال تعالى: (هلم شهداءكم) ولم يقل هلموا. وقال الكوفيون: أصله أمّ وهلا، كلمة استعجال، فغيّر إلى هل لتخفيف التركيب، ونقل ضمة الهمزة إلى اللام، وحذفت كما هو القياس في نحو قد أفلح، إلا أنه ألزم هذا التخفيف لثقل التركيب. وبنو تميم يصرفونه نظرًا إلى أصله - وليست بالفصيحة - فيقولون هلمّ هلمّا هلمّوا هلمّي هلممنَ، وقد يقال: هلمّ لك مبينًا باللا/ إجراء له - وإن لم يكن في الأصل مصدرًا - مجرى أخواته من أسماء الأفعال التي تبيّن بحرف الجر، نظرًا إلى أصلها الذي هو المصدر، نحو قوله تعالى: (هيهات هيهات لما توعدون) [المؤمنون: 36]، أي بعدًا. وفي "البسيط": في تركيب هلمّ مذهبان: مذهب أهل البصرة أنها مركبة من ها التي للتنبيه ولمّ من لمّ الله شعثه أي أصلح وجمع ما تفرق من أموره، ومعناها: لمّ نفسك إلينا، أي قربها إلينا، وحذفت الألف إما لأن الأصل في اللام السكون قبل الإدغام، لأن أصل الفعل المم، فنقلت حركة الميم إلى اللام، وحذفت الهمزة، وأدغمت الميم في الميم، وإما أنّه غير بالنقل من الفعل إلى جعله اسمًا للفعل غير بالحرف إشعارًا بأنه حذف لأجل التركيب طلبًا للتخفيف. ومذهب أهل الكوفة أنها مركبة من (هلّ) التي هي: زجر وأمّ أي اقصد، ومعناها عجل ما قصدت، فنقلت ضمة الهمزة إلى اللام، وقد قلت ومن قدح في قولهم أن الاستفهام لا معنى له هنا فوهم، لأن (هل)) ليست للاستفهام وإنما حركة آخرها لالتقاء

الساكنين، وخص بالفتح لثقل التضعيف مع التركيب، والاعتراض على المذهبين في دعوى التركيب بثلاثة أوجه: أحدها: أن دعوى التركيب تحتاج إلى دليل، ولا دليل يدل عليه، بخلاف (حَيَّهَل) فإنهما لما استعملا اسمي فعل في معناهما أمكن الحكم عليهما بالتركيب عند اجتماعهما. الثاني: أن الكلمة الثانية على المذهبين فعل أمر، فدعوى نقل الفعل الذي يظهر فيه ضمير المأمور إلى كونه اسمًا للفعل لا يظهر فيه ضمير المأمور على خلاف الأصل. الثالث: أن ضمّ حرف التنبيه أي نقل أمر لا يوجب إخراجه عن حقيقته قياسًا على دخوله على غيره لأنه يقتضي التنبيه على تحقق ما أخرجه عن بعده من غير نقل وضم (هل) الدالة على الزجر والحث إلى فعل أمر لا معنى له، فالأولى أن يكون كلمة مفردة، وفيها لغتان. الأولى: لأهل الحجاز أنها بلفظ واحد مع المذكر والمؤنث والمثنى والجمع لأنها اسم للفعل فلا يبرز فيها ضمير الفاعل، وبهذه اللغة نزل القرآن. والثانية: لغة بني تميم أنه فعل يتصرف تصرّف الفعل، فيقال: هلمّ يا رجل، وهلمّا يا رجلان، وهلموا يا رجال، وهلمي يا امرأة، وهلممن يا نسوة. وقال ابن يعيش: إن بني تميم وإن أجروها مجرى الفعل في اتصال الضمائر بها فهي عندهم اسم للفعل بدليل إجماعهم على فتح الميم من هلمّ، واختلافهم في المضاعف نحو (ردّ) وفروعهنّ، فمنهم من يتبع الضم الضم والكسر الكسر والفتح الفتح ومنهم من يكسر على كل حال ومنهم من يفتح على كل حال، فلو كانت (هلمّ) فعلاً لسلكت بها مسلك المضاعف من الإتباع والكسر، والجواب عن هذا أن أهل

243 - حديث: "إن جابرا قد صنع لكم سؤرا فحي هلاكم".

البلدين حكموا عليها بالتركيب كما تقدم فلزمت الفتح لثقل التركيب. وبذلك فارقت المضاعف الذي لا تركيب فيه، ولغة بني تميم تقوي التركيب إذْ لا يكون فعلاً إلا بالتركيب، ويضعف كونه اسم فعل لمنافاة الفعل لاسم الفعل: إذْ لا يمكن الحكم عليه بكونه فعلاً واسم فعل، فيكون على لغة أهل الحجاز اسم فعل غير مركب، وعلى لغة بني تميم فعلاً مركبًا. ويقال بأن ركب أي لما ركب حذفت له بالتركيب معنى غير هلم المفردين، فلذلك صار اسم فعل وبقي على اتصال ضمائر المرفوع البارز من خصائص الأفعال، فلذلك حكم عليه بالفعلية لوجود خصائصه فيه، وتأتي متعدية وغير متعدية، وفي التنزيل: (هلم شهداءَكم) أي أَحْضِرُوا، وهلمّوا إلينا أي أقبلوا إلينا وتعالوا. وحكى الأصمعي: هلمّ إلى كذا، فيقال: لا أهلم إليه، وهلمّ كذا، فيقال: لا أهلمه، يتعدى بنفسه وبإلى، وفتحت همزة المتكلم في المضارع وإن كان لفظه رباعيًا نظرًا إلى أصله قبل التركيب وهو ثلاثي، وهو شاذ لأن الأصل بعد التركيب غير مراد فالقياس ضمة الهمزة، انتهى. 243 - حديث: "إنّ جابرًا قد صنع لكم سؤرًا فحيّ هلاكم". قال النووي: هو بتنوين (هلا)، وقيل بلا تنوين على وزن (على)، ويقال حيّ هل، ومعناها: عليكم بكذا، أو ادع بكذا. قال أبو عبيدة وغيره: وقيل معناها أعجل به، وقال الهروي: معناه: هات، انتهى. وقال ابن يعيش في شرح المفصل: مركب من حيّ وهل، وهما صوتان معناهما

244 - حديث: "قتل أبوهما معك يوم أحد".

الحث والاستعجال، وجمع بينهما وسمي بهما للمبالغة، وكان الوجه أن لا ينصرف كحضرموت وبعلبك إلا أنه وقع موقع فعل الأمر فبني كصه ومه، فيه لغات، وتارة يستعمل (حيّ) وحده نحو: حي على الصلاة، وتارة (هلا) وحدها، واستعمال (حي) وحده أكثر من استعمال (هلا) قال في البسيط: فيه سبع لغات: حيَّهَل، بفتح الياء المشددة والهاء واللام كخمسة عشر، وحيهلاً، بالتنوين لإرادة التنكير، وحيهلا، بالألف من غير تنوين، وحيهلْ بسكون اللام، وحيهْلَ، بسكون الهاء وفتح اللام، وحيهْلا، بسكون الهاء وألف من غير تنوين، وحيهْلاً بسكون الهاء والتنوين وإسكان الهاء كراهة اجتماع الحركات. قال: وذهب أبو علي إلى أن كل واحد منهما ضمير، استصحابًا لحالة الإفراد، واجتماعهما لا يقتضي خلع الضمير عنهما، وذهب غيره إلى أن فيهما جميعًا ضميرًا واحدًا لأنهما صارا بمنزلة الكلمة الواحدة، وجاء متعديًا بنفسه كحيهل الثريد أي ائته وأحضره، وبإلى والباء كحيهلا إلى كذا، أي سارع وبادر إليه، وبعلى كحيهلا على كذا أي أقبل إليه، انتهى. 244 - حديث: "قتل أبوهما معك يوم أحد". قال الطيبي: لا يجوز أن يتعلق (معك) بقتل، قال في الكشاف في قوله تعالى: (ودخل معه السجن فتيان) مع تدل على معنى الصحبة واستحداثها، تقول خرجت مع الأمير، تريد مصاحبًا له، فيجب أن يكون دخولهما السجن مصاحبًا له وفي

245 - حديث: "نهى عن بيع الحيوان نسيئة اثنين بواحد، ولا بأس به يدا بيد".

قوله تعالى: (فلما بلغ معه السعي) [الصافات: 102] إلى الحد الذي يقدر فيه على السعي، قيل: (مع) من قبيل "مع" السبب، وكذلك التقدير هنا، فلما قتل يوم أحد قيل: مع من؟ قيل: معك. و (شهيدًا) تمييز، ويجوز أن يكون حالاً مؤكدة، لأن السابق في معنى الشهادة. 245 - حديث: "نهى عن بيع الحيوان نسيئةً اثنين بواحد، ولا بأس به يدًا بيد". قال أبو البقاء: قوله: اثنين، فيه وجهان: أحدهما: هو بدل من الحيوان بدل اشتمال تقديره: نهى عن بيع اثنين من الحيوان بواحد، فيكون موضعه جرًّا، والثاني: موضعه نصب على الحال، أي نهى عن بيع الحيوان متفاضلاً. ويروى بالرفع على أنه مبتدأ و (بواحد): خبره كأنه قال: كل اثنين بواحد، وتكون الجملة حالاً، ونظيره: خلق الله الزرافة يديها أطولَ من رجليها، ويداها أطولُ من رجليها، بالرفع والنصب انتهى. وفي شرح المفصل لابن يعيش، الحيوان أصله: حَيَيان، فأبدلوا من الياء الثانية واوًا كراهية التضعيف، هذا مذهب سيبويه. وذهب أبو عثمان إلى أنه غير مبدل وأن الواو فيه أصل وإن لم يكن منه فعل. وقال ابن مالك في شرح الكافية: يقتضي جمود الحال فيما دل على الفاعل كبعه يدًا بيد، وكلمته فمًا بفم أي متكافئين ومتشافهين.

246 - حديث: "فجعلن ينزعن حليهن وقلائدهن وقرطهن وخواتيمهن يقذفون في ثوب بلال يتصدقن به".

246 - حديث: "فجعلن ينزعن حُلِيَّهنَّ وقلائدهن وقرطهنَّ وخواتيمهنّ يقذفون في ثوب بلال يتصدقن به". قال أبو البقاء: هذه الرواية (يقذفون) والصواب: يقذفن، قال وإنما ذكر الضمر في (به) لأنه أراد الحال، لأن المذكور كله مال وحلي فحمل على المعنى، ويجوز أن يعود الهاء إلى معنى الشيء المذكور، ومثله: (نسقيكم مما في بطونه) [النحل: 66] أي بطون المذكور، وقال الحطيئة: لزغبٍ كأولاد القطا راثَ خلفها ... على عاجزاتِ النَّهْضِ حُمْر حواصلُه أي حواصل المذكور، ولم يؤنثه حملاً على عاجزات وقال آخر: مثل الفراخ نُتِّفت حواصلُه 247 - حديث: "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فعليه الجمعة يوم الجمعة إلا مريض ... ".

قال الطيبي: يوم الجمعة ظرف للجمعة على أن يقدر مضاف أي صلاة الجمعة وقوله: إلا مريض: رفع على الاستثناء من الكلام الموجب على التأويل، أي: من يؤمن بالله فلا يترك الجمعة إلا مريض، فهو بدل من الضمير المستكن في (يشرك) الراجع إلى (من)، ونظيره حديث: "تُعرض أعمالُ الناس في كلّ جمعة فيغفر لكل عبد مؤمن إلاّ عبد .. " تقديره: لا يحرك أحد من الغفران إلا عبد ومنه: (فشربوا منه إلا قليلاً) [البقرة: 249]، قال في الكشاف: أي فلم يطيقوه إلا قليل، انتهى. قلت: قد وقع السؤال عن هذا من سنين، وكتبت فيه رسالة وهي هذه: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى، وقع السؤال عن حديث: "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فعليه الجمعة يوم الجمعة إلا مريضٌ أو امرأة أو مسافر أو حميل أو مملوك" رواه الدارقطني من حديث جابر بن عبد الله، فإن هذا الاستثناء من كلام تام موجب، فيكون ما بعد إلا واجب النصب فما وجه رفعه؟، وخاض الناس في توجيه ذلك، والذي عندي في الجواب أن هذه الكلمات الواقعة بعد إلا منصوبة ولكن كتبت بلا ألف، وهذا ذكره الأئمة في الأحاديث الكثيرة، قال النووي في "شرح مسلم" في حديث ابن عباس في الإسراء: (وأُرِيَ مالكًا خازنَ النار) وقع في أكثر الأصول (مالك بالرفع)، وهذا قد ينكر فيقال: هذا لحن لا يجوز في العربية، ولكن عنه جواب حسن وهو أن لفظة "مالك" منصوبة ولكن أسقطت الألف في الكتابة، وهذا يفعله المحدّثون كثيرًا فيكتبون (سمعت أنس) بغير ألف، ويقرءونه بالنصب، فكذلك ما قد كتبوه بغير ألف ويقرءونه بالنصب، فهذا إن شاء الله تعالى أحسن ما يقال فيه. وقال أيضا في الحج: قوله: وقّت رسول الله صلى الله عليه وسلم لأهل المدينة ذا الحليفة، ولأهل

248 - حديث: "من حلف أن لا يقوم من آخر الليل فليوتر أوله، ومن طمع أن يقوم في آخره فليوتر الليل".

الشام الجحفة، ولأهل نخلة قرن، هكذا وقع في أكثر النسخ (قرن) بغير ألف بعد النون، وهو مصروف أنه اسم جبل ويقرأ منونًا وإنما حذفوا الألف منه كما جرت عادة بعض المحدثين يكتبون: سمعتُ أنسً بغير ألف ويقرأ بالتنوين. وقال القرطبي في شرح مسلم في كتاب النكاح في قول عائشة رضي الله عنها: (كان صداقه لأزواجه ثنتي عشرة أوقية ونَشًّ ..) قوله: (وَنَشًّ): هو معرب منون غير أنه وقع هنا نشّ على لغة من يقف على المنون بالسكون بغير ألف. وقال الشيخ ولي الدين العراقي في سنن أبي داود قوله: (سمعت سعيد الخدري) كذا في أصلنا بغير ألف قد يتوهم أنه غير مصروف، وليس كذلك إذ لا مانع له من الصرف وهو اصطلاح، ولبعضهم أن يستغني عن كتابة الألف بخط التخفيف فتحتين فوق آخر الكلمة، لكن قد يغفل الكاتب تلك الفتحتين فيقع في الإبهام. وقال أيضًا في حديث عمر بن ميمون: (قدم علينا معاذ بن جبل اليمن فسمعت تكبيره مع الفجر، رجل أجش الصوت ...) يجوز في قوله: رجل أجش الصوت، النصب على الحال والرفع على أنه خبر مبتدأ محذوف، وقد ضبطنا في أصلنا بالوجهين قوله: أجش الصوت، وأما قوله: رجل، فهو مكتوب في أصلنا بغير ألف، فإما أن يكون مرفوعًا أو منصوبًا، وكتبه بغير ألف، وكثير من النساخ يفعل ذلك. 248 - حديث: "من حلف أن لا يقوم من آخر الليل فليوتر أوله، ومن طمع أن يقوم في آخره فليوتر الليل". قال الشيخ أكمل الدين: "مِنْ" في قوله: من آخر الليل، يجوز أن تكون للتبعيض

249 - حديث: "ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم الفرش فقال: فراش للرجل، وفراش لامرأته، والثالث للضيف والرابع للشيطان".

ويجوز أن تكون زائدة لأنه في غير الموجب وهو الظاهر بدليل سقوطها في قوله: ومن طمع أن يقوم آخره. 249 - حديث: "ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم الفُرُشَ فقال: فراشٌ للرجل، وفراشٌ لامرأته، والثالث للضيف والرابع للشيطان". وقع هنا الابتداء بالنكرة في قوله: فراش، وذلك لأنها وقعت في معرض التقسيم كقوله: فيومٌ علينا ويومٌ لنا ... ويومٌ نُساءُ ويومٌ نُسَرْ وقال الطيبي: فراش: مبتدأ مخصصة محذوف يدل عليه قوله: والثالث للضيف، أي فراش واحد كاف للرجل. 250 - حديث: "أيَّ حينٍ توترُ؟ قال: أوَّلَ". قال أبو البقاء: أيّ: بالنصب بتوتر وتقديره: أتوتر آخر الليل أم أوله؟ فقال: أول الليل: وانتصابه على الظرفية.

251 - حديث: "قضى النبي صلى الله عليه وسلم بالعمرى أنها لمن وهبت له".

251 - حديث: "قضى النبي صلى الله عليه وسلم بالعُمْرى أنها لمن وهبت له". قال أبو البقاء: أنّ هنا مفتوحة، تقديره بأنها. 252 - حديث: "من صام رمضان وستًّا من شوال فكأنما صام السنة كلها". قال النووي: قوله: (ستًا) صحيح ولو قال: (ستة) بالهاء جاز أيضًا. قال أهل اللغة: يقال خمسًا وستًا، وخمسة وستة، وإنما يكتبون إثبات الهاء في المذكر إذا ذكروه بلفظه صريحًا فيقولون: خمسة وستة أيام ولا يجوز ست أيام فإذا حذفوا الأيام جاز الوجهان: حذف الهاء فيه من المذكر إذا لم يذكر بلفظه، قوله تعالى: (يتربّصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرًا) أي عشرة أيام. وقال أبو حيان: إذا كان المعدود مذكّرًا وحذفته فلك فيه وجهان: أحدهما - وهو الأصل - أن يبقى العدد على ما كان عليه لو لم يحذف المعدود، فتقول صمت خمسة، تريد خمسة أيام وهو الفصيح، ويجوز أن تحذف منه تاء التأنيث. حكى الكسائي عن أبي الجراح: صمنا من الشهور خمسًا، ومعلوم أن الذي يصام من الشهر إنما هي الأيام وكذلك قوله: وإلاّ فسيري مثلَ ما سار راكبٌ ... تيَمَّمَ خمسًا ليس في سيره أمَمْ

يريد خمسة أيام، وعلى ذلك ما جاء في الحديث: ثم أتبعه ستًّا من شوال، وجاء عليه قوله تعالى: (أربعة أشهر وعشرًا) [البقرة: 234]، وقوله تعالى: (إن لبثتم إلا عشرًا) [طه: 103] انتهى. وقال في "الارتشاف": قال بعضهم: ما حكاه الكسائي لا يصح عن فصيح ولا يلتفت إليه، وتظافر النقل: ثم أتبعه ستًّا من شوال، بحذف التاء يريد ستة أيام. وقال الشيخ تقي الدين السبكي في كتاب "إبراز الحكم": الأقسام أربعة: أحدها: أن يكون المعدود مذكرًا عاقلاً فلم يسمع فيه عند عدم الإضافة إليه إلاّ ثبوت التاء كحاله عند الإضافة، وما اقتضاه كلام ابن عصفور من ثبوت لغة فيه بحذف التاء عند عدم الإضافة بعيد، وهو لم يصرح به، ولا يجوز إثباته إلا بنقل صريح، واستعمال القرآن بخلافه. الثاني: أن يكون المعدود أيامًا ولياليها جميعًا، فههنا المسموع حذف التاء عند حذف المعدود كحاله عند الإضافة إلى الليالي والأيام تابعة، ويجوز على ما قاله سيبويه في خمسة عشر إثبات التاء. الثالث: أن يكون المعدود الأيام مجردة عن الليالي، فيجوز حذف التاء فصيحًا كما حكاه الكسائي وصح به الحديث في ست من شوال، والظاهر أنه يجوز إثبات التاء أيضًا، وصرح به أبو حيان وقال: إنه فصيح، وقد يستشهد له بقوله تعالى: (وسبعةٍ إذا رجعتم تلك عشرة كاملة) [البقرة: 196] فأثبت التاء في هذين الموضعين والمعدود الأيام وهي محذوفة، ولا يقال إن تقدمها في الآية كذكرها مع المعدود. الرابع: أن يكون المعدود مذكرًا غير عاقل من غير الأيام، فإن لم يعطف عليه مؤنث ولا عطف على مؤنث فحكمه حكم العاقل، فتدخل التاء، قال تعالى: (فخذ أربعة من الطير) [البقرة: 260] وإن عطف على غيره أو عطف عليه غيره كقولك: عندي ست عشرة من ناقة وجمل، أو بين جمل وناقة - قال ابن مالك: فيجعل الحكم لمؤنثها

253 - حديث: "معاذ الله أن يتحدث الناس أني أقتل أصحابي".

قدمته أو أخرته إذا انفصل المميز وكان مما لا يعقل، وهذا الحكم فيه نظر؛ لم غلب المؤنث هنا؟ ولعله بالقياس على الأيام لاشتراكها في عدم العقل وغلبت الليالي وهي مؤنثة على الأيام فكذلك هذا. ولنا أن نقول: الليالي إنما غلبت على الأيام لسبقها في التاريخ، فأطلق على اليوم بليلته ليلة، ولا كذلك ههنا. وقال ابن السكيت: يقال: صمنا خمسًا من الشهر، فيغلبون الليالي على الأيام إذا لم يذكروا الأيام، وكذلك أقمنا عنده عشرًا وعشرة أيام، فإذا قالوا: أقمنا عنده عشرًا بين يوم وليلة غلبوا التأنيث. وتقول: له خمس من الإبل وإنْ عنيت أجمالاً لأن الإبل مؤنثة، وكذلك له خمس من الغنم وإن عنيت أكباشًا لأن الغنم مؤنث. وقد قال أبو حيان: لا فرق بين الأيام وغيرها، وهذا عجيب، انتهى ما أورده ابن السبكي. 253 - حديث: "معاذ الله أن يتحدث الناس أني أقتل أصحابي". قال ابن مالك في شرح التسهيل: كثرت نيابة المصدر عن الفعل في الدعاء لقوة دلالته عليه نحو: معاذ الله وغفرانك. 254 - حديث: "اللهم وليديه فاغفر". قال الرضي: تدخل الفاء على ما هو جزاء مع تقدم كلمة الشرط نحو: إنْ لقيته فأكرمه، وبدونها نحو: زيد فاضل فأكرمه، وتعريفه بأن يصلح تقدير أداة الشرطية قبل

255 - حديث: "من كن له ثلاث بنات يمونهن ويرحمهن ويكلفهن وجبت له الجنة ألبتة".

الفاء، وجعل مضمون الكلام السابق شرطها، فالمعنى في مثالنا: إذا كان كذا فأكرمه، قال تعالى: (أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين قال فاخرج) [ص: 77 - 78] أي: إذا كان عندك هذا الكبر فاخرج، و (قال رب فانظرني) [ص: 79] انظرني أي: إذا كنت لعنتني فانظرني، (قال فإنك من المنظرين) [ص: 80]، أي إذا اخترت الدنيا على الآخرة فإنك من المنظرين، قال بعزتك، أي إذا أعطيتني هذا بعزتك لأغوينهم، انتهى. كذا هذا الحديث تقديره: اللهم إن كنت غفرت لسائر أعضائه فاغفر ليديه. وفي "الارتشاف" قال في "الترشيح": زيدًا فاضرب: دخلت الفاء هنا لما في الكلام من معنى الشرط ومعناه يَدِقّ، فإذا قلت: زيدًا فاضرب، فكأن قائلاً قال لك: أنا لا أضرب زيدًا ولكن أضرب عمرًا، فقلت أنت مجيبًا له: فاضرب عمرًا ثم قلت: زيدًا فاضرب، جعلت تقديم الاسم بدلاً من اللفظ بالشرط كأنك قلت: فإن كان الأمر على ما وصفت فاضرب زيدًا وكذلك على عمرو فانزل، انتهى. 255 - حديث: "من كنَّ له ثلاثُ بناتٍ يمونهنّ ويرحمهنّ ويكلفهنّ وجبتْ له الجنة ألبتة". قال أبو البقاء: وقع في هذه الرواية (من كنّ) بالتشديد للنون، والوجه: من كان له أو من كانت له، والوجه في الأولى أن تجعل النون علامة مجردة للجمع وليست اسمًا مضمرًا، وقيل هي اسم مضمر وهو فاعل وثلاث بدل منه، ومن هذا قولهم: أكلوني البراغيث.

256 - حديث: "فأيما رجل من أمتي أدركته الصلاة فليصل".

256 - حديث: "فأيُّما رجلٍ من أمتي أدركته الصلاة فلْيُصلِّ". قال في "التنقيح": أي: مبتدأ في معنى الشرط، و (ما) زائدة لتوكيد الشرط، وجملة أدركته: في موضع خفض صفة لرجل، والفاء في فليصل جواب الشرط. وقال الكرماني: زيد لفظة (ما) على (أيّ) لزيادة التعميم وقوله: (وبعثت إلى الناس كافّة) قال الكرماني: أي جميعًا، وهو مما يلزم النصب على الحالية واستهجن إضافتها نحو: كافّتهم. وقال الطيبي: كافة: يجوز أن تكون مصدرًا، أي أرسلت رسالة عامة لهم، لأنها إذا شملتهم فقد كفتهم أن يخرج عنها أحد منهم، وأن يكون حالاً إما من الفاعل والتاء على هذا للمبالغة كتاء الرواية والعلاّمة، وإما من المجرور أي مجموعتين، وفي رواية: وبعثت إلى الناس عامة، قال ابن فرحون في إعراب العمدة: يصح أن يكون حالاً من الناس أي معممين بها، ومن ضمير الفاعل أي: بعثت معممًا للناس، أو نعتًا لمصدر محذوف أي: بعثةً عامةً، أو مصدرًا: إعمامًا فيه، وعدّها بعضهم من ألفاظ التوكيد، قال ابن هشام: وهو غريب، والتاء فيها بمنزلتها في النافلة يصلح مع الذكر والمؤنث، أو هي للمبالغة كعلاّمة ونسّابة. 257 - حديث: "يا معاذُ أفتّانٌ أنت". قال الكرماني: هو صفة واقعة بعد الاستفهام رافعة لظاهر فيجوز أن يكون مبتدأ

258 - حديث: "هو أي داء أدوى من البخل".

و (أنت) ساد مسد الخبر، وأن يكون أنت مبتدأ وهو خبره. وقوله: "فلولا صليت بسبّح اسم ربك الأعلى" أي فهلاّ. 258 - حديث: "هو أيّ داءٍ أدوى من البخل". قال القاضي عياض: كذا يرويه المحدّثون غير مهموز، والصواب: أدوأ بالهمزة لأنه من الداء، والفعل منه داء يداء، ومثله نام ينام، فهو داء مثل جاء، وغير المهموز من دَوِيَ الرجل إذا كان به مرض باطن في جوفه مثل سَمِعَ فهو دوٍ. 259 - حديث: "قول عمر: يا رسول الله أعليك أغار". قال الكرماني: فإن قلت: القياس أن يقال: أمنك أو بك أغار عليها، قلت: لفظ عليك ليس متعلقًا بقوله أغار، بل معناه أمستعليًا عليك أغار عليها مع أن كون انقياس ذلك ممنوع ولا محذوف فيه. 260 - حديث: "أما بعدُ فإنّ خيرَ الحديث كتابُ الله وخيرَ الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشرّ الأمور محدثاتُها".

261 - حديث: "أنا وأبي وخالي من أصحاب العقبة".

قال الطيبي: روي "شرَّ الأمور" بالنصب عطفًا على اسم إنّ وبالرفع عطفًا على محل إنّ مع اسمها. 261 - حديث: "أنا وأبي وخالي من أصحاب العَقَبة". قال ... : كذا وقع وكأنه نصب على الحال بواو "مع" مثل: استوى الماءُ والخشبةَ. 262 - حديث: "إنَّ رجلاً قال يا رسولَ الله: إني نذرتُ ... إلى: ... فتح الله عليك مكة أن أصليّ في بيت المقدس ركعتين قال: صلِّ ههنا ... إلى قوله: شأنَك إذن". قال الطيبي: شأنَك منصوب على المفعول به، أي النذر شأنك، إذن: جواب وجزاء أي: إذا أبيت أن تصلي ههنا فافعل ما نذرت به. 263 - حديث: "فقلت النجاءَ فقد قتل اللهُ أبا رافع". قال الكرماني: النجاءَ: منصوب على أنه مفعول مطلق، ومعناه الإسراع. وقال الطيبي: النجاء بالمد مصدر نجا إذ أسرع، ونصبه على المصدر أي أنجو

264 - حديث: "حي على أهل الوضوء".

النجاء أو على الإغراء. 264 - حديث: "حيّ على أهل الوضوء". قيل الصواب: حيّ على الوضوء، وهي كلمة استعجال نحو حيّ على الصلاة، وقيل المحفوظ في هذا على الوضوء فتحرف (اللفظ) ووجه القاضي عياض الرواية الأولى بأن يكون (أهل) منصوبًا على حذف حرف النداء أي: حيّ على الوضوء يا أهلَ الوضوء. 265 - حديث: "بين العبد وبين الكفر تركُ الصلاة". قال الطيبي: ترك الصلاة مبتدأ والظرف خبره، ومتعلقه محذوف، وقدم ليفيد الاختصاص. 266 - حديث: "إنّ أحسن ما دخل الرجلُ على أهله إذا قدم من سفر من أول الليل". قال البيضاوي: (ما) موصولة والراجع إليه محذوف والمراد به الوقت الذي يدخل فيه الرجل على أهله، وأهله منصوب بنزع الخافض، وإيصال الفعل إليه على سبيل

267 - حديث: "ما كان عند هذا ما يسكن به رأسه".

الاتساع. ويحتمل أن تكون (ما) مصدرية على تقدير مضاف أي: إنّ أحسن دخول الرجل على أهله دخوله أول الليل. قال الطيبي: والأحسن أن تكون موصوفة أي: إنّ أحسن أوقات دخول الرجل فيها أهله أول الليل، وإذا هنا مرفوعة محلاً خبرًا لإنّ. 267 - حديث: "ما كان عند هذا ما يُسَكِّنُ به رأسَه". قال الطيبي: ما: نافية، وهمزة الإنكار مقدرة. 268 - حديث: "إبليس يجيءُ أحدَهم فيقولُ فعلت كذا وكذا فيقول ما صنعتَ شيئًا ويجيء أحدهم فيقول ما تركته فرقت بينه وبين أهله فيدنيه ويقول: نعم أنت". قال أبو البقاء: معناه: نعم أنت صنعت شيئًا وأنت مُقَدَّم عندي. وقال الطيبي: أي: نِعْمَ العونُ أنت. 269 - حديث: "إنّ الشيطان قد يئس أن يعبدَه المصلّون ولكن في التحريش بينهم".

270 - حديث: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر فهبت ريح شديدة فقال: هذه لموت منافق، فما قدمنا المدينة إذا هو قد مات عظيم من عظماء المنافقين".

قال أبو البقاء: تقديره: شغله في التحريش بينهم، أو همّه، والمعنى: أنه لا يزيّن لهم عبادته ولكن يرغبهم في التحريش بينهم. 270 - حديث: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفرٍ فهبّت ريحٌ شديدة فقال: هذه لموت منافق، فما قدمنا المدينة إذا هو قد مات عظيمٌ من عظماء المنافقين". قال أبو البقاء: إذا: للمفاجأة، وهي ظرف مكان عند المحققين، و (هو): ضمير الشأن، إذْ لم يتقدم قبله ظاهر يرجع إليه، وهو مبتدأ وما بعده خبر. 271 - حديث: "ويلٌ للأعقاب من النار". قال الزركشي: جاز الابتداء بـ (ويل) وإن كان نكرة لأنه دعاء، وللأعقاب: خبره، ومن النار: في موضع رفع صفة لويل بعد الخبر. ومنع أبو البقاء وغيره تعلقه بويل من أجل الفصل بينهما بالخبر. وقال ابن فرحون: هو متعلق بمتعلق الخبر، قال وهو لا يتعلق بصفة الويل إذا جعلت الخبر للأعقاب لأنه لا يفصل بين الصفة والموصوف بالخبر ولا بالمصدر

نفسه، لأن المصدر لا يفصل بينه وبين متعلقه بالخبر، قال، ومن لابتداء الغاية أو بمعنى في، وعلى قول من فسر الويل بأنّه وادٍ في جهنم تكون للتبعيض. وقال الكرماني: المشهور أن اللام تستعمل في الخير و "على" في الشر نحو: (لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت) [البقرة: 286] قلت هي هنا للاختصاص نحو: (وإن أسأتم فلها) [الإسراء: 7] (ولهم عذاب أليم) [البقرة: 10]. قال الرضي: من أسماء الأصوات ما قام مقام المصادر فنصب المفعول المطلق عند قطع الفعل الناصب عنه نحو: آهًا منك أي توجعًا، وواهًا أي طيبًا، وأفًّا لك أي كراهة. قال والأصوات القائمة مقام المصادر يجوز إعرابها نصبًا إلاّ أن يكون على حرفين ثانيهما حرف مدّ نحو: ويحَ زيد وويلَه، وذلك أن آهًا وويهًا يجوز إبقاؤها على البناء الأصلي نحو: أفٍ لكما، والظاهر أن ويلك وويحك من هذا الباب وأصل كلها (وَيْ) على ما قال الفراء جيء بلام الجر بعدها مفتوحة مع الضمير نحو ويلك وويله ثم خلط اللام بوَيْ حتى صارت لام الكلمة كما خلطوا اللام بيا في قوله: إذا الدّاعي الثوّبُ قال يا لا فصار معربًا بإتمامه ثلاثيًا فجاز أن تدخل بعدها لام أخرى نحو: ويلاً لك لصيرورة اللام لام الكلمة ثم نقل إلى باب المبتدأ فقيل: ويل له، انتهى. وقال أبو حيان: ويل: مصدر لأفعل له، وقيل فعل وألولا.

272 - حديث: "من قال حين يسمع النداء: اللهم رب هذه الدعوة .. الحديث .. ".

272 - حديث: "من قال حين يسمع النداء: اللهم ربَّ هذه الدعوة .. الحديث .. ". قال ابن النحاس في "التعليقة": اختلفت الناس أي النحاة في الميم من (اللهم) فذهب البصريون إلى أنها عوض من ياء في أوله كأن أصله (يا الله) فحذفنا ياءً وعوضنا عنها الميم ولذلك أثبتناها مشددة لما كانت عوضًا من حرفين، والدليل على أنها عوض عدم الجمع بينهما في اختيار الكلام. وقال الكوفيون: ليست عوضًا، وقال الفراء: الميم من (أمّنا بخير) كان أصله: يا الله أمنا بخير، فأبقينا اسم الله والميم وحذفنا الباقي، وهذا الذي ذكره دعوى لا دليل عليها. قوله: (ربّ هذه الدعوة التامة): قال الشيخ أكمل الدين يجوز أن تكون التامة صفة موضحة، ويجوز أن تكون صفة مادحة، قال: وقوله: والصلاة القائمة: يجوز أن تكون بيانًا للدعوة التامة بطريق العطف، وقوله: والفضيلة: يجوز أن تكون تفسيرًا للوسيلة ويجوز أن تكون منزلة أخرى. قوله: (وابعثه مقامًا محمودًا الذي وعدته، حلت له شفاعتي يوم القيامة) قال الشيخ أكمل الدين ثم قال الحافظ ابن حجر: مقامًا: نصب على الظرفية، أي ابعثه يوم القيامة فأقمه مقامًا، أو ضمّن ابعثه معنى أقمه، أو على أنه مفعول به ومعنى ابعثه

273 - حديث: "أنه أخذ بيد مجذوم فوضعها في القصعة وقال: كل باسم الله ثقة بالله".

أعطه، أو على الحالية أي ابعثه ذا مقام. والذي وعدته: بدل من (مقامًا) أو عطف بيان أو خبر مبتدأ محذوف، ولا يجوز كونه صفة للنكرة. وفي رواية النسائي: (وابعثه المقام المحمود) بالألف واللام فيصل وصفه بالموصول. قلت: وفي روايته ورواية الترمذي: (إلاّ حلّت له ...) بزيادة (إلا)، وهي مشكلة، لأن مَنْ شرطية، و"قال": فعل الشرط، و"حلّت": جزاؤه، ولا يقترن بإلا، وتأويلها: أنه جملة على معنى: لا يقول ذلك أحد إلاّ حلّت. قال الكرماني: ما وجه نصب (مقامًا) لامتناع أن يكون مفعولاً لأنه غير مبهم فلا يجوز أن يقدّر فيه: في، قلت، يجوز أن يلاحظ في البعث معنى الإعطاء فيكون مفعولاً ثانيًا له أو نيابة المبهم فله حكمه. ثم إن النحاة جوّزوا مثل: رميت مرمى زيد وقتلت مقتل زيد وهذا مثله. قال الزمخشري في الكشاف: هو منصوب على الظرف أي بمعنى أن يبعثك يوم القيامة فيقيمك مقامًا محمودًا، أو ضمّن "يبعثك" معنى "يقيمك"، ويجوز أن يكون حالاً بمعنى: يبعثك ذا مقام محمود. قوله: (الذي وعدته): إما صفة للمقام إنْ قلنا المقام المحمود صار عَلَمًا لذلك المقام، أو نُصِب على المدح أو رُفِع بتقدير: أعني، أو: هو. 273 - حديث: "أنّه أخذ بيد مجذومٍ فوضعها في القصعة وقال: كل باسم الله ثقةً بالله".

274 - حديث: الشجرتين: قوله: "فإذا شجرتين".

قال الطيبي: عن بعضهم أن (ثقة منصوب) على الحال وصاحبها محذوف أي: كل معي واثقًا بالله، ويحتمل أن يكون من كلام الراوي حالاً من فاعل قال، وأن يكون مفعولاً مطلقًا أي: كل، ثم استأنف بقوله: أثِقُ ثقةً بالله. 274 - حديث: الشجرتين: قوله: "فإذا شجرتين". قال الطيبي: كذا في صحيح مسلم بالنصب، وروي بالرفع وهو معتبر، وتقدير النصب: فوجدت شجرتين نابتتين بشاطئ الوادي، وهو كمسألة: كنت أظنّ أن العقربَ أشدُّ لسعةً من الزنبور فإذا هو إيّاها. قال شارح "اللباب": إنّما جوزوا الإتيان بالضمير المنصوب لأن إذا المفاجأة تدلّ على الوجدان. قوله: على الظرف، قال الطيبي: على حال أي اجتمعتما مطلقين على. 275 - حديث: "إنّ لكل نبيٍّ حوارِيًّا". قال الزركشي: قال الزجاج: هو منصرف لأنه منسوب إلى حوارٍ وليس كبخاتي وكواسي لأن واحده بختي وكوسي.

276 - حديث: "فينزل عيسى فيقول أميرهم: تعال صل لنا، فيقول لا إن بعضكم على بعض أمراء تكرمة الله هذه الأمة".

276 - حديث: "فينزلُ عيسى فيقولُ أميرهم: تعال صلِّ لنا، فيقول لا إنَّ بعضكم على بعضٍ أمراءُ تكرمةَ الله هذه الأمة". قال النووي: هو نصب تكرمة على المصدر أو على أنه مفعول. وقال البيضاوي: هو نصب على المفعول لأجله، والعامل محذوف، والمعنى: شرع الله أن يكون إمام المسلمين منهم تكرمةً لهم وتفخيمًا لشأنهم، أو على أنه مصدر مؤكد لمضمون الجملة التي قبله. 277 - حديث الأعرابي الذي اخترط سيفه: قوله: "فها هو ذا جالس". قال الزركشي: بالرفع عند الجمهور على جعل ذا متصلة فيكون جالس خبر المبتدأز وقال السهيلي: خبر بعد خبر، أو بدل، أو خبر مبتدأ مضمر، وذا: بدل من هو، وجالس: الخبر، وروي بالنصب على الحال على جعل ذا خبرًا لمبتدأ كما تقول: هذا زيد قائمًا. 278 - حديث الكسوف: قوله: "فانصرف وقد آضتِ الشمسُ". قال القرطبي: أي عادت إلى حالتها الأولى، قال: واختلف النحويون في

279 - حديث: "كل مولود يولد على الفطرة حتى يعرب عنه لسانه فإذا عبر عنه لسانه إما شاكرا وإما كفورا".

(اضا) هل هو من أخوات كان فيحتاج إلى اسم وخبر أو إنما يتعدى إلى مفعولين واحد بحرف الجر على قولين، وهذا الحديث يدل على أنها مما يتعدى إلى مفعول واحد بحرف جر غير أنه حذف هنا. 279 - حديث: "كل مولود يولد على الفطرة حتى يعربَ عنه لسانُه فإذا عبر عنه لسانه إمّا شاكرًا وإمّا كفورًا". قال أبو البقاء: شاكرًا أو كفورًا حالان والعامل فيهما محذوف، والتقدير: يبين إما شاكرًا وإما كفورًا، أو يوجد، وتكون الحالة دالة على المحذوف، والغرض منه أنه إذا بلغ ووُخِذ بكفره وأثيب بشكره، ويجوز أن يكون الخبر محذوفًا ويكون (شاكرًا وكفورًا) معمول (عبّر عنه)، أي: إذا بلغ شاكرًا أو كفورًا اعتُدَّ عليه بذلك، ويفيد أنه قبل البلوغ غير مكلف. 280 - حديث: "الناسُ غاديان فمبتاعٌ نفسَه فمعتقُها وبائعٌ نفسَه فموبقُها". قال أبو البقاء: تقديره: أحدهما مبتاع والآخر بائع. 281 - حديث: "كلُّ دمٍ يفوح مسكًا".

282 - حديث: "قضى رسول الله بالشفعة في كل شركة لم تقسم ربعة أو حائط".

قال أبو البقاء: في نصبه وجهان: أحدهما: هو تمييز تقديره: يفوح مسكه كقول الشاعر: تضوّع مسكًا بطنُ نعمانَ أنْ مشت ... به زينب في نسوةٍ عطراتِ ومنه: (طبن لكم عن شيء منه نفسًا) [النساء: 4]، و (وضاق بهم ذرعًا) [هود: 77]، والثاني: أن يكون حالاً ويكون التقدير: يفوح مثلَ مسكٍ، أو طيبًا. 282 - حديث: "قضى رسول الله بالشُّفعة في كلّ شركة لم تقسم رَبْعةٍ أو حائطٍ". قال أبو البقاء: ربعة بالجر بدل من شركة، يراد بالشركة هنا المشترك فيه، ويجوز أن يكون التقدير: هي كل ذات شركة: قوله: فإذا وضعت الحدود وصرفت الطرق: قال ابن مالك: أي خلصت وبينت، واشتقاقه من الصِّرف، وهو الخالص من كل شيء. 283 - حديث: "اقتتل غلامان ... الحديث". قوله: فقال المهاجرون يا للمهاجرين وقال الأنصار يا لَلأنصاري: هذه لام

284 - حديث دين والد جابر، قوله: "فكلت ليس العجوة".

الاستغاثة الداخلة على المستغاث، وهي مفتوحة. قوله: فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: دعوى الجاهلية: قال أبو البقاء: هو مصدر لفعل محذوف تقديره: أتدعون دعوى الجاهلية؟ على وجه الاستفهام والتوبيخ، ولذلك قالوا في الجواب: لا، ولا يحسن أن يكون التقدير: هذه دعوى الجاهلية، لأنه لو كان كذلك لم يقولوا: لا. وقوله: فقال: لا بأس: أي لا بأس في هذه الدعوى، ولينصر الرجل أخاه ظالمًا أو مظلومًا: تقديره ظالمًا كان، وهو خبر كان. 284 - حديث دين والد جابر، قوله: "فكِلْتُ ليس العجوةَ". قال أبو البقاء: ليس: استثناء، واسمها مضمر فيها، والعجوة: خبرها والتقدير: ليس بعضُه العجوةَ. قوله: وبقي التمر كما هو: قال الكرماني: ما: موصولة، و"هو" مبتدأ خبره محذوف، أو زائدة أي كمثله. 285 - حديث: "ديارَكم تُكتَبْ آثارُكم". قال أبو البقاء: نصب دياركم على تقدير: عليكم دياركم أو اسكنوا دياركم، وتكتبْ: مجزوم على الجواب.

286 - حديث: "ينزل عيسى ابن مريم فيقول أميركم: تعال صل بنا، فيقول: لا، إن بعضكم على بعض أميرا لتكرمة الله هذه الأمة".

286 - حديث: "ينزلُ عيسى ابن مريم فيقول أميركم: تعال صلّ بنا، فيقول: لا، إن بعضكم على بعض أميرًا لتكرمةِ الله هذه الأمة". قال أبو البقاء: أميرًا: هنا حال، وعلى بعض: خبر إنّ وصاحب الحال الضمير في الجار، والعامل فيها الجار لنيابته عن الاستقرار وإن كان قد روي: أميرٌ: فهو خبر إنّ، ومثل الوجه الأول قوله تعالى: (طوافون عليكم بعضكم على بعض) [النور: 58] والجملة مبتدأ وخبر. 287 - حديث سؤال القبر، قوله: "فيراهما كلاهما". قال أبو البقاء: في بعض الروايات: كلاهما، بالألف، وهو خطأ، والصواب: كليهما بالياء لأنه توكيد للمنصوب، وهي مضافة إلى الضمير فيكون بالياء في النصب، والجر لا غير. قال: قال ابن النحاس في "التعليقة": للعرب في (كلا) ثلاث لغات: فمنهم من يجعلها بالألف في الرفع وبالياء في النصب والجر مع المظهر والمضمر أيضًا، ومنهم من يفرق بين حاليها في المظهر والمضمر فيجعلها مع المظهر بالألف على كل حال كاللغة الأولى، ويجعلها مع المضمر بالألف رفعًا وبالياء جرًا ونصبًا كاللغة الثانية، وهذه التفرقة هي اللغة الفصحى.

288 - حديث: قوله: "قم فصله".

288 - حديث: قوله: "قم فصلِّهْ". قال أبو البقاء: هذه الهاء تزاد في الوقت ساكنة وتسمّى هاء السكت وتزداد في كل فعل معتل إذا أردت الوقف. 289 - حديث: "من أكل من هذه الشجرة فلا يغشانا في مسجدنا". قال الكرماني: فإن قلت: لم أثبت الألف في (يغشانا)؟ قلت: إما لأنه أجرى المعتل مجرى الصحيح كما في قوله: ولا ترضّاها ولا تملّقِ، وإما أن يكون الألف مولده من عن إشباع الفتحة بعد سقوط الألف الأصلية بالجزم، وإما أنه خبر بمعنى النهي وروي: "فلا يغشنا". 290 - حديث: "أيُّما امرئ من المسلمين حلف عند منبري هذا على يمين كاذبة يستحقُّ بها حقَّ مسلمٍ أدخله الله النارَ على سواكٍ أخضرَ". قال أبو البقاء: تقديره: وإنْ حلف على سواك فحذف لدلالة الأولى عليه، انتهى.

291 - حديث: "إن رجلا من أسلم جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فاعترف بالزنا فأعرض عنه حتى شهد على نفسه أربع مرات".

قلت: وقوله: (على يمين) على: زائدة، أي حلف يمينًا. 291 - حديث: "إنّ رجلاً من أسلم جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فاعترف بالزنا فأعرض عنه حتى شهد على نفسه أربع مرات". قال أبو البقاء: أربع: منصوب نصب المصادر، وأصله مرات أربعًا، ثم أضيف العدد إلى المعدود نحو: ضربته ثلاث ضربات، أي ضربات ثلاثًا، فقدم وأضيف، وإذا أضيف صفة المصدر انتصب المصدر ومثله: صلى أربعًا أو أربع ركعات. 292 - حديث: "من ترك ديْنًا أو ضِياعًا فإليَّ وعليَّ". قال أبو البقاء: هو بفتح الضاد، وهو في الأصل ضاع يضيع، وليس للكسر هنا معنى، انتهى. قال في "النهاية": الضياع: العيال، وأصله مصدر ضاع يضيع ضياعًا فسمى العيال بالمصدر كما تقول: من مات وترك فقرًا، أي فقراء، وإن كسرت الضاد كان جمع ضائع كجائع وجياع. مسند جابر بن عتيك رضي الله عنه 293 - حديث: "ما تعدّون الشهادةَ؟ قالوا: قتل في سبيل الله".

294 - حديث: "كنت في الوفد من عبد القيس فنهاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الشرب في الأوعية التي سمعتم: الدباء والحنتم والنقير والمزفت".

قلت: هو خبر مبتدأ محذوف مقدّر أي: هي قتْل، لو جاء على طبق السؤال لقيل: قتلاً في سبيل الله، أي: نعدّها قتلاً، ونظير الأول قوله تعالى: (وإذا قيل لهم ماذا أنزل ربكم قالوا أساطيرُ الأولين) [النحل: 24]، ونظير الثاني: (وقيل للذين اتقوا ماذا أنزل ربكم قالوا: خيرًا) [النحل: 30]، أي: أنزل خيرًا. وقوله: الشهادة سبع سوى القتل في سبيل الله، ليست سوى هنا استثناء، إذْ لا يحتاج إلى إخراج وإنما هي صفة فهي مرفوعة. "والمرأة تموت بجُمْع شهيدة": قال في "النهاية": هي التي تموت وفي بطنها ولد، وقيل التي تموت بكرًا، والجُمع: بالضمّ بمعنى المجموع كالذُّخْر بمعنى المذخور، وكسر الكسائي الجيم والمعنى أنها ماتت من شيء مجموع فيها غير منفصل عنها من حمل أو بكارة ومنه الحديث الآخر: "امرأة ماتت بجمع لم تطمث دخلت الجنة" وهذا يريد به البكر، ومنه حديث امرأة العجاج: إني منه بجمع أي عذراء لم تفتضّ، انتهى، فالباء للمصاحبة وهي ومجرورها في موضع الحال. 294 - حديث: "كنتُ في الوفد من عبد القيس فنهاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الشرب في الأوعية التي سمعتم: الدُّبَّاءِ والحَنْتَم والنَّقيرِ والمُزَفَّتِ". قال أبو البقاء: يجوز الجر على البدل من الأوعية، والرفع على تقدير: هي.

295 - حديث: "دعا بأن يظهر عليهم من غيرهم ولا يهلكهم بالسنين فأعطيها، ودعا بأن لا يجعل بأسهم بينهم فمنعنيها".

295 - حديث: "دعا بأن يُظهَر عليهم من غيرهم ولا يهلكهم بالسنين فأعطيها، ودعا بأن لا يجعل بأسهم بينهم فمنعنيها". قال أبو البقاء: الظاهر أن يقول: فمنعها، كما قال فأعطيها، ويكون ذلك كله من الراوي، والتقدير في قوله: قال: فمنعنيها، فأسند الكلام إلى الرسول وأضمر القول كما قال تعالى: (والملائكة يدخلون عليهم من كل باب * سلام) [الرعد: 23، 24]. أي يقولون: سلام. مسند جبير بن مُطْعِم رضي الله عنه 296 - حديث: "أنا محمد وأنا أحمد وأنا الحاشر الذي يحشر الناس على قدمي وأنا الماحي الذي يمحى بي الكفر". أي بالضمير في قدمي وبي على نسق أنا، ولو جيء على نسق الذي لقيل: على قدمه وبه. 297 - حديث: "الله أكبر كبيرًا والحمد لله كثيرًا وسبحانَ الله بكرة وأصيلاً".

298 - حديث: "وإنما بنو هاشم وبنو المطلب شيئا واحدا".

قال القاضي عياض: قيل: كبيرًا على إضمار الفعل، أي كبرت كبيرًا، حال مؤكدة نحو قولك: هو عبد الله شجاعًا، وزيد أبو محمد عطوفًا. 298 - حديث: "وإنّما بنو هاشم وبنو المطلب شيئًا واحدًا". قال أبو البقاء: هكذا في الرواية بالنصب وهو خطأ من الراوي، والوجه الرفع على أنه خبر (بنو) وليس هنا خبر عنه، انتهى. وقال ابن الأثير: الرواية المشهورة فيه (شيء واحد) بالشين المعجمة، ورواه يحيى بن معين: سِيّ واحد، بالسين المهملة أي مثل، يقال هما سِيّان أي مِثْلان. 299 - حديث: "فعَلِقت الأعراب يسألونه حين اضطرّوه إلى سَمُرَة". قال ابن مالك: فيه شاهد على موافقة عَلِقَ لطَفِقَ معنىً وحكمًا كقوله: أراك علقت تظلمُ من أجرْنا ... وظلمُ الجارِ إذلالُ المجيرِ قوله: (لو كان لي عدد هذه العضاه نعما): قال الزركشي: منصوب خبر كان أو على التمييز، ورواه أبو داود بالرفع اسم كان وعدد: خبرها.

300 - حديث: "إن كان لكم من الأمر شيء فلأعرفن ما منعتم أحدا أن يطوف بهذا البيت أي ساعة شاء من ليل أو نهار".

300 - حديث: "إنْ كان لكم من الأمر شيء فلأعرفنّ ما منعتم أحدًا أن يطوف بهذا البيت أيّ ساعة شاء من ليل أو نهار". قال أبو البقاء: قوله: ما منعتم: ما: فيه مصدرية، أي فلأعرفنّ منعكم أي ينتهي ذلك إلى يوم القيامة، فإن ذلك غير جائز لكم في الدنيا فيعاقبكم الله، والغرض من هذا الحديث إعلامكم أن ذلك لا ينطوي عنه صلى الله عليه وسلم فخوفهم منه. قلت: وفي نسخة: فلا أعرفني ما أجدكم ببعير على رقبته، وهو من باب نَهْي الإنسان نفسَه بتأويل. وقوله: (أن يطوف) بدل من أحد بل اشتمال، وأي ساعة نصب على الظرف، وفي رواية الترمذي: أيّة ساعة بتأنيث أيّ، ومن: للبيان. 301 - حديث: "من يكلؤنا الليلة لا نرقدُ عن صلاة الفجر". قال أبو البقاء: التقدير: لئلا نرقد، فلما حذف اللام وأنْ رفع الفعل، ويجوز أن يروى بالنصب على أن يكون جواب الاستفهام كما قال تعالى: (من ذا الذي يقرض الله قرضًا حسنًا فيضاعفَه له) [البقرة: 245] إلا أنه حذف الفاء كما قال الشاعر: من يفعل الحسناتِ اللهُ يشكرُها

مسند جرير بن عبد الله البجلي رضي الله عنه

ويجوز أن يكون في موضع نصب على الحال، يكلؤنا غير راقدين، فيكون حالاً مقدرة، أي: يكلؤنا فيفضي إلى تيقظنا وقت صلاة الفجر. مسند جرير بن عبد الله البَجَلي رضي الله عنه 302 - حديث: "لا ترجعوا بعدي كفارًا يضرِبُ بعضُكم رقابَ بعض". قال أبو البقاء: هذا الحديث يرويه المحدّثون غير محقق وفيه كلام يحتاج إلى بسط، وذلك أن قوله: يضرب: إذا رفعته كان موضع الجملة نصبًا لـ (كفارا) فيكون النهي عن كفرهم وضرب بعضهم رقاب بعض فأيهما فعلوا فقد وجد النهي عنه، إلا أنهما إذا اجتمعا كان النهي أشد. وقال بعض العلماء: النهي يكون عن الصفة الثانية، ونظيره قول الرجل لزوجته: إن كلمت رجلاً طويلاً فأنت طالق، فكلمت رجلاً قصيرًا لم تطلق فكذا إذا رجعوا كفارًا ولم يضرب بعضهم رقاب بعض، وهذا القول فيه بعد، وذلك أن الكفر قد عُلِم النهي عنه بدون أن يضرب بعضهم رقاب بعض ويجوز أن يروى: يضربْ، بالجزم على تقدير شرط مضمر، أي: إن ترجعوا كفارًا يضربْ بعضكم رقاب بعض، والنظير هذا الحديث قوله تعالى: (فهبْ لي من لدنك وليًّا يرثُني) [مريم: 5، 6] بالرفع والجزم، إلاّ أن أكثر المحققين من النحويين لا يجيزون الجزم في مثل هذا الحديث لأنه يصير المعنى: أن لا ترجعوا كفارًا يضرب، وهذا ضد المعنى، بل لو

قال: لا ترجعوا بعدي كفارًا تسلموا وتوادوا، كان الجزم مستقيمًا، لأن التقدير: إن لا ترجعوا كفارًا تسلموا، ونظير ذلك قوله: لا تَدْنُ من الأسد تنج أي إن لا تدن، فجعل التباعد منه ليس سببًا في السلامة، فإن قلت: فلم لا يقدر، إن تدن، بغير (لا) قيل: ينبغي أن يكون المقدر من جنس الملفوظ به، وقد ذهب قوم إلى جواز الجزم هنا على هذا التقدير، وعليه يجوز الجزم في هذا الحديث. قيل ليس المراد من هذا الحديث النهي عن الكفر بل النهي عن الاختلاف المؤدي إلى القتل، فعلى هذا يكون يضرب: مرفوعًا، ويكون تفسيرًا للكفر المراد بالحديث، انتهى. وقال الكرماني: يضرب مرفوع على أنه جملة مستأنفة مبينة بقوله: لا ترجعوا، أو وصف كاشف، إذا الغالب من الكفار ذلك، وكونه مجزومًا بإن جواب النهي ظاهر على مذهب من يجوز: لا تكفر تدخل النار، ورجع هنا مستعمل استعمال صار معنًى وعملاً أي لا تصيروا بعدي كفارًا. وقال ابن مالك في توضيحه: مما خفي على أكثر النحويين استعمال رجع كصار معنى وعملا، ومنه الحديث: لا ترجعوا بعدي كفارًا، أي لا تصيروا، وقول الشاعر: قد يرجع المرء بعد المقت ذا مِقَةٍ ... بالحِلْم فادْرا به بغضاء ذي إحَنِ ويجوز في ضرب: الرفع والجزم. انتهى. وقال مُغْلَطاي: من جزم أول على الكفر، ومن رفع لا يجعله متعلقًا بما قبله بل حالاً أو مستأنفًا. وقال القاضي عياض: الرواية: يضربُ، بالرفع، كذا رواه المتقدمون

303 - حديث: "إنكم ترون ربكم عيانا كما ترون هذا القمر لا تضامون في رؤيته".

والمتأخرون، والصواب هو وبه يصحّ المقصود هنا، وضبطه بعض العلماء بالسكون وهو إحالة للمعنى، والصواب الضم. وقال الشيخ أكمل الدين في "شرح المشارق": يضرب: بالرفع، وفيه وجوه: أحدها: أن تكون الجملة صفة لـ (كفارًا) أي لا ترجعوا بعدي كفارًا متّصفين بهذه الصفة يعني: ضرب بعضكم رقاب آخرين. الثاني: أن يكون حالاً من ضمير لا ترجعوا أي لا ترجعوا بعدي كفارًا حال ضرب بعضكم رقاب بعض. الثالث: أن يكون جملة استثنائية كأنه قيل: كيف يكون الرجوع كفارًا؟ فقال: يضرب بعضكم رقاب بعض. فعلى الوجه الأول يجوز أن يكون معناه لا ترجعوا عن الدين بعدي فتصيروا مرتدين مقاتلين يضرب بعضكم رقاب بعض بغير حقّ على وجه التحقيق، وأن يكون لا ترجعوا كالكفار المقاتل بعضًا على بعض على وجه التشبيه بحذف أداته، وعلى الثاني يجوز أن يكون معناه: لا تكفروا حال ضرب بعضكم رقاب بعض لأمر يعرض بينكم باستحلال القتل بغير حقّ، وأن يكون لا ترجعوا حال المقاتلة كذلك كالكفار في الانهماك في تهييج الشر وإثارة الفتن بغير إشفاق منكم على بعض في ضرب الرقاب. وعلى الثالث يجوز أن يكون معناه: لا يضرب بعضكم رقاب بعض بغير حقّ فإنه فعل الكفار، وأن لا يضرب بعضكم رقاب بعض كفعل الكفار. وروي مجزوم الباء على أنه بدل من "لا ترجعوا" وأن يكون جزاء الشرط مقدمًا على مذهب الكسائي، أي فإن رجعتم يضرب بعضكم رقاب بعض، قال: وقد ذكروا له في الشروح وجوهًا أعرضت عنها لبعد المناسبة. انتهى. 303 - حديث: "إنكم ترون ربَّكم عيانًا كما ترون هذا القمر لا تضامّون في رؤيته".

304 - حديث: "من يحرم الرفق يحرم الخير".

قال الخطابي: يروى على وجهين: بفتح التاء وتشديد الميم من الضم وأصله تتضامون حذفت إحدى التاءين، وبضمّ التاء وتخفيف الميم من الضم زاد غيره: وأصله تضيمون فألقيت فتحة الياء على الضاد فصارت الباء ألفًا لانفتاح ما قبلها. وقال الطيبي: عيانا: يجوز أن يكون مصدرًا مؤكدًا أو حالاً مؤكدة إما من المفعول أي معاينين أو معايَنًا. وقال ابن الأثير: توهم بعضهم أن الكاف في قوله: كما ترون كاف التشبيه للمرئي، وإنما كاف التشبيه للرؤية وهي فعل الرائي. 304 - حديث: "من يُحْرَمِ الرفق يُحْرَمِ الخير". قال الشيخ أكمل الدين: الحرمان يتعدى إلى مفعولين، يقال: حرمت الرجل العطية حرمانًا، والمفعول الأول الضمير العائد إلى مَنْ، والثاني هو الرفق، والألف واللام لتعريف الحقيقة، وفي الخير للعهد الذهني والمعهود هو الخير المقابل للرفق وهو خير كثير. 305 - حديث: "تصدق رجل من ديناره من درهمه من ثوبه من صاع بُرِّه من صاع تمره ... حتى قال ولو بشقِّ تمرة".

قال أبو البقاء: يحتمل وجهين: أحدهما أن يكون أراد الشرط، أي: إنْ تصدق رجل ولو بشيء حقير من ماله أثيب، وحذف حرف الشرط وجوابه للعلم به كما قال تعالى: (إنّ لك ألا تجوع فيها ولا تعرى) [طه: 118] تقديره: إن أقمت على الطاعة. والوجه الثاني: أن يكون محمولاً على الدعاء فكأنه قال: رحم الله امرءًا تصدق كما قالوا: امرءًا اتقى الله، أي: رحم الله، وجعل الفاعل وهو قوله: وهو "رجل" مفسرًا للمنصوب المحذوف. ويحتمل وجها ثالثا: وهو أن يكون على الخبر، أي تصدق رجل من غيركم بكذا وكذا فأثيب، والغرض منه حثّهم على الصدقة وأن غيرهم تصدق بمثل ذلك فأثيب فحكمهم كحكمه. انتهى. قال الطيبي: قوله تصدق: لعل الظاهر ليتصدق رجل، ولام الأمر للغائب محذوف، ولو حمل تصدق على الفعل الماضي لم يساعد عليه قوله ولو بشق تمرة، وجل، نكرة وضعت موضع الجمع المعرف فأفاد الاستغراق في إفراده وإن لم يكن في سياق النفي، ومن ثم لزم (مِنْ) في الحديث مرارًا ولم يعطف، أي ليتصدق رجل من ديناره ورجل من درهمه وهلم جرا، ومِنْ: في ديناره يجوز أن تكون تبعيضية منصوبة المحل، وديناره ودرهمه تفسيرًا، أي: ليتصدق ببعض ما عنده من هذا الجنس، وأن تكون ابتدائية متعلقة بالفعل فالإضافة في ديناره ودرهمه بمعنى اللام. قال ابن مالك في شرح الكافية: قد يقصد العطف مع حذف العاطف كقوله صلى الله عليه وسلم: تصدق رجل من ديناره من درهمه من صاع تمره. وحكى أبو عثمان عن أبي زيد أنه سمع: أكلت خبزًا لحمًا تمرًا، أراد: ولحمًا وتمرًا، ومثله قول الشاعر:

306 - حديث: "بينا هو يخطب إذ عرض له في الخطبة فقال يدخل عليكم من هذا الباب أو من هذا الفج من خير ذي يمن".

كيف أصبحتَ كيف أمسيتَ ممّا ... يغرسُ الودَّ في فؤاد الكريم أراد قول: كيف أصبحت وكيف أمسيت فحذف المضاف وحذف العاطف. وقوله: من سنّ في الإسلام سنة حسنة فله أجرها: قال التوربشتي: صوابه فله أجره والضمير يعود إلى مَنْ أي له أجر عمله وأجر من عمل بسنته، قال وظن بعضهم أن الضمير راجع إلى السنة ووهم فيه. وقال الطيبي: ثبت في الرواية: أجرها، وجواب ما قال أن الإضافة يكفي في اشتقاقها أدنى ملابسة فإن السنة الحسنة لمّا كانت سببًا في ثبوت أجر عاملها أضيف الأجر إليها بهذه الملابسة كما إذا رأيت بناءً رفيعًا فقلت: هذا بناء الأمير أولى، أو أن المضاف محذوف، أي: فله أجر عملها، فيكون من إضافة المصدر إلى المفعول. 306 - حديث: "بينا هو يخطبُ إذْ عرض له في الخطبة فقال يدخل عليكم من هذا الباب أو من هذا الفجّ من خير ذي يمن". قال أبو البقاء: قوله: عرض له: تقديره: عرض له أن يقال كذا ثم حذفه وهذا كقوله تعالى: (ثم بدا لهم من بعد ما رأوا الآيات) [يوسف: 35] أي بدا لهم رأي أو قول. وقوله: من خير ذي يمن: ذو: هنا بمعنى صاحب، وإنما أفرد لأنه أراد من خير فريق صاحب يمن، وأراد بالصاحب الأهل الملازم والساكن كقوله تعالى: (أولئك أصحابُ الجنة هم فيها خالدون) [البقرة: 72] ويجوز أن يكون "ذو" زائدة كما قال الكميت:

307 - حديث: "صيام ثلاثة أيام من كل شهر صيام الدهر أيام البيض صبيحة ثلاثة عشرة وأربع عشرة وخمس عشرة".

إليكم ذوي آل النبي وقال الشماخ: أطار بسالة عنه خصالاً ... وأدمج دمجَ ذي شَطَنٍ بديعِ 307 - حديث: "صيام ثلاثة أيامٍ من كل شهرٍ صيام الدهر أيام البيض صبيحة ثلاثة عشرة وأربع عشرة وخمس عشرة". قال الطيبي: روينا اللفظ عن متقني مشايخنا برفع أيام وصبيحة على إضمار مبتدأ كأنه قال: هي أيام البيض عائدًا على ثلاثة أيام، وصبيحة ترفع على البدل من أيام المتقدمة، هذا أولى ما يوجه في إعرابها. 308 - حديث: "الخيلُ معقودٌ بنواصيها الخيرُ الأجرُ والمغنم". قال أبو البقاء: "الأجر والمغنم" بدلان من الخير، أو خبر مبتدأ محذوف أي:

309 - حديث: "بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله ... الحديث .. ".

هو الأجر والمغنم. 309 - حديث: "بني الإسلام على خمسٍ: شهادة أن لا إله إلا الله ... الحديث .. ". قال أبو البقاء: يجوز شهادة بالجر وكذلك ما بعده على البدل من خمس، وبالرفع على تقدير هي، وبالنصب على إضمار يعني. 310 - حديث: "قلت أبايعك على الإسلام، فشرط عليّ والنصح لكل مسلم". قال الكرماني: والنصح: بالجر عطفًا على الإسلام، ومثله يسمى بالعطف التلقيني، ويعني لقنه رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يعطف والنصح على الإسلام وذلك كقوله تعالى: (إني جاعلك للناس إمامًا قال ومن ذرّيتي) [البقرة: 124]، ويجوز نصبه عطفًا على مقدر، أي شرط علي الإسلام والنصح. 311 - حديث: "بايعت النبي صلى الله عليه وسلم على السمع والطاعة فلقنني فيما استطعت والنصح لكل مسلم". قال القرطبي: روينا قوله: فيما استطعت بفتح التاء على مخاطبته إيّاه وعلى هذا

مسند جعدة بن خالد بن الصمة الجشمي رضي الله عنه

فيكون من قول النبي صلى الله عليه وسلم مخاطبًا به فلا يحتاج جرير إلى التلفظ بهذا القول. ورويناه بضم التاء للمتكلم، وعلى هذا فيكون النبي صلى الله عليه وسلم أمره أن ينطق بهذا اللفظ فكأنه قال له قل فيما استطعت، وعليه فيحتاج جرير إلى النطق بذلك امتثالاً للأمر. مسند جَعْدة بن خالد بن الصِّمَّة الجُشَمي رضي الله عنه 312 - حديث: "أُتي النبي صلى الله عليه وسلم برجل، فقالوا هذا أراد أن يقتلك فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: لَمْ تَرَعْ ولو أردت ذلك لم يسلطك الله عليّ". قال أبو البقاء: حقيقة (لم) أنها تدخل على لفظ المستقبل فترد معناه إلى الماضي كقولك: لم يقم زيد، معناه: ما قام، فعلى هذا قوله: لم ترَعْ، أي روّعت، ومعلوم أنه قد ارتاع قبل ذلك، وإنما ذكر الماضي والمراد به المستقبل كما قال تعالى: (ويوم ينفخ في الصور ففزع من في السماوات) [النمل: 87]، أي فيفزع، وكذلك تقول: إنْ قمت قمت، أي إنْ تقم، ويجوز أن يكون الكلام على حقيقته ويكون المعنى: إنك لم تُفْزعْ فزعًا يتعقبه ضرر بك من جهتي لأني أعفو عنك، واعلم أنك لا تقدر على إنفاذ ما أردت. مسند جندب بن عبد الله بن سفيان البجلي رضي الله عنه 313 - حديث: "هل أنتِ إلاّ أصبع دمِيتِ وفي سبيل الله ما لقيتِ".

314 - حديث: "من صلى الصبح فهو ذمة الله عز وجل فلا يطلبنكم الله من ذمته بشيء فإنه من يطلبه من ذمته بشيء يدركه ثم يكبه على وجهه في نار جهنم".

قال الكرماني: دميت: صفة للأصبع المستثنى من أعم عام الصفة، أي ما أنت بأصبع موصوفة بشيء إلا بأن دميت، كأنها لما توجعت خاطبها على سبيل الاستعارة أو الحقيقة معجزة مسلية لها، أي تثبّتي فإنك ما ابتليت بشيء من الهلاك والقطع سوى أنك دميتِ ولم يكن ذلك هَدْرًا بل كان في سبيل الله ورضاه. وقال الزركشي: ما: موصولة بمعنى الذي، أي الذي لقيته محسوب في سبيل الله. وقال النووي: الرواية المعروفة بكسر التاء وبعضهم أسكنها. 314 - حديث: "من صلى الصبح فهو ذمّة الله عز وجل فلا يطلبنكم الله من ذمته بشيء فإنه مَنْ يطلبه من ذمته بشيء يدركه ثم يكبّه على وجهه في نار جهنم". قال أبو البقاء: يجوز في (يكبه) ثلاثة أوجه: أحدها ضمّ الباء على أنه مستأنف أي هو يكبُّه، كقوله تعالى: (وإنْ يقاتلوكم يولُّوكم الأدبارَ ثم لا ينصرون) [آل عمران: 111]. والثاني: فتح الباء على أنه مجزوم معطوف على جواب الشرط. والثالث: كسر الباء جزمًا أيضًا، وجاز فتح الباء وكسرها لالتقاء الساكنين كقولك: مدَّه ومدِّه، ودليل الجزم قوله تعالى: (وإن تتولوا يستبدلْ قومًا غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم) [محمد: 38] انتهى.

مسند الحارث بن حسان البكري رضي الله عنه

وقال غيره: يقال: كبّه إذا صرعه، وأكبّ هو على وجهه، ثلاثيّة متعدّ ورباعيّة لازم وهو من النوادر. وقال الشيخ أكمل الدين: قوله: (فلا يطلبنّكم الله): ظاهره النهي عن مطالبة الله إياهم بشيء من عهده، لكن المعنى على نهيهم عما يوجب مطالبته تعالى إياهم بنقض عهده. وقال الطيبي: الضمير في ذمته يجوز أن يعود إلى الله تعالى وإلى مَنْ. مسند الحارث بن حسان البكري رضي الله عنه 315 - حديث واقد، قوله: "فمرت به سحابتان سود فنودي منها". قال أبو البقاء: المفرد يكون واحدا وجمعا ويذكر ويؤنث، قال تعالى: (أقلت سحابًا ثقالاً) [الأعراف: 57] فجاء (ثقالا) على الجمع، ثم أعاد الضمير إليه على لفظ الواحد في قوله: (فسقناه)، وقال تعالى: (يزجي سحابًا ثم يؤلف بينه) [النور: 43] فـ (بين) يقتضي الجمع ثم جعل الضمير مذكرًا، ففي هذا الحديث ثنى السحاب، وقد استعمله على الإفراد، ويجوز أن يكون الواحد جمعًا ثم ثنّاه كما قالوا: إبلان لقيطتين من الإبل، فعلى هذا يكون قوله: سود، حمل على الجمع، وقد يقال سحابة وسحاب مثل تمرة وتمر، فيكون جنسًا فيجيء الجمع على معناه. مسند الحارث بن عبد الله بن أوس الثقفي 316 - حديث: أنّ عمر قال له: "أديت عن يديك سألتني عن شيء سألت عنه رسول

مسند حبة بن خالد الخزاعي رضي الله عنه

الله صلى الله عليه وسلم لكني ما أخالف". قال ابن الجوزي: معنى (أديت عن يديك) ذهبتا. مسند حَبَّة بن خالد الخُزاعي رضي الله عنه 317 - حديث: "لا تيأسا من الرزق ما تهززت رؤوسكما". هو كقوله: قطعت رؤوس الكبشين، قال ابن مالك في شرح التسهيل: يختار في المضافين إلى متضمنهما لفظ الإفراد على لفظ التثنية ولفظ الجمع على لفظ الإفراد، وذلك أنهم استثقلوا اثنتين في شيئين هما كشيء واحد لفظا ومعنى فعدلوا إلى غير لفظ التثنية فكان الجمع أولى لأنه شريكهما في الضم، ولذلك جاء القرآن نحو: (فقد صغت قلوبكما) [التحريم: 4] و (فاقطعوا أيديهما) [المائدة: 38]، وفي الحديث: أزرةُ المؤمن إلى أنصاف ساقيه، وجاء لفظ الإفراد أيضًا في الكلام الفصيح ومنه الحديث: (ومسح أذنيه ظاهرهما وباطنَهما) ولم يجئ لفظ التثنية إلا في الشعر.

مسند حارثة بن وهب الخزاعي رضي الله عنه

مسند حارثة بن وهب الخُزاعي رضي الله عنه 318 - حديث: "صلى بنا النبي صلى الله عليه وسلم ونحن أكثر ما كنا قطّ وآمنه بمنى ركعتين". قال ابن مالك: فيه استعمال قط غير مسبوقة بنفي، وهو ما خفي على كثير من النحويين، لأن المعهود استعمالها لاستغراق الزمان الماضي بعد نفي نحو: ما فعلت ذلك قط، وقد جاءت في هذا الحديث دون نفي وله نظائر انتهى. وقال ابن هشام في المغني: من أعطى الشيء حكم المشبه له في لفظه دون معناه قول بعض الصحابة: قصرنا الصلاة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم أكثر ما كنا قط وآمنه فأوقع قط بعد ما المصدرية كما تقع بعد ما النافية. وقال الرضي: معنى قط الوقت الماضي عمومًا وتختص بالنفي، وربما استعمل بدون النفي نحو: كنت أراه قط، أي: دائمًا، وقد استعمل بدونه لفظًا لا معنى نحو: هل رأيت الذئب قطّ وقال الكرماني: فإن قلت شرطه أن يستعمل بعد النفي، قلت: ويختص بالنفي وربما استعمل بدون النفي نحو: كنت أراه قط، أي: دائمًا، وقد استعمل بدونه لفظًا. قلت: أولا: لا يلزم ذلك وساق كلام ابن الحاجب، وثانيا: أنه بمعنى أبدًا على سبيل المجاز وثالثًا: ما يقال إنه متعلق بمحذوف أي ما كنّا أكثر من ذلك قط، ويجوز أن تكون "ما" نافية خبر المبتدأ أو أكثر منصوبًا على أنه خبر كان والتقدير: ونحن ما كنّا

319 - حديث: "صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم الظهر والعصر بمنى أكثر ما كان الناس وآمنه ركعتين".

قط في وقت أكثر منا في ذلك الوقت ولا آمن منا فيه، وجاز إعمال ما بعد "ما" في ما قبلها إذ كانت بمعنى ليس، كما جاز تقديم خبر ليس عليه. وقوله: وآمنه: قال الكرماني: بالرفع ويجوز النصب بأن يكون فعلاً ماضيًا وفاعله الله، وضمير المفعول النبي صلى الله عليه وسلم، والتقدير: وآمن الله نبيه حينئذ. قال الحافظ ابن حجر: ولا يخفى بُعْد هذا الإعراب. قلت: هذا ذكره الأشرفي، وقال الطيبي: إنه مستضعف جدّا، وقال المظهري: ما: مصدرية ومعناه الجمع لأن ما أضيف إليه أفعل يكون جمعًا وآمنه: عطف على أكثر، والضمير فيه راجع إلى (ما)، والواو في قوله: ونحن: للحال، والمعنى صلى بنا والحال أنّا أكثر أكواننا في سائر الأوقات عددًا وأكثر أكواننا في سائر الأوقات أمْنًا، وإسناد الأمن إلى الأوقات مجاز. 319 - حديث: "صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم الظهر والعصر بمنى أكثر ما كان الناس وآمنه ركعتين". قال أبو البقاء: أكثر وآمن: منصوبان نصب الظرف، والتقدير: زمن أكثر، فحذف المضاف وأقام المضاف إليه مقامه، أي أكثر كون الناس، وأما آمنه بالهاء فعائدة على آمن الناس، وهو مفرد، ويجوز أن يعود على الكون الذي أضيف أكثر إليه، وهو أوجه. 320 - حديث: "ألا أنبئكم بأهل الجنة كلُّ ضعيف متضعَّف".

مسند حبان بن بح الصدائي رضي الله عنه

قال أبو البقاء: كل: مرفوع لا غير، أي هم كل ضعيف، وقال ابن الجوزي: متضعّف: بفتح العين، وهو الذي يستضعفه الناس. مسند حِبّان بن بُحٍّ الصّدائي رضي الله عنه 321 - حديث: "جعل أصابعه في الإناء فانفجر عيونًا". قال أبو البقاء: عيونًا: تمييز، وأصله: فانفجرت عيون الماء، وهو مثل قولهم: تصبب زيد عرقًا، ويجوز أن يكون المعنى: فصار الإناء عيونًا، مثل قوله: (وفجّرنا الأرض) [القمر: 12]. مسند حجّاج الأسلمي رضي الله عنه 322 - حديث: "قلت يا رسول الله: ما يُذْهِبُ عني مَذَمّة الرَّضاع قال: غُرَّةٌ عبدٍ أو أمةٍ". قال أبو البقاء: غرة: يرتفع بفعل محذوف تقديره يذهب ذلك عنك.

مسند حذيفة بن أسيد رضي الله عنه

مسند حذيفة بن أسيد رضي الله عنه 323 - حديث: "لا تقومُ الساعة حتى ترون عشرَ آيات: طلوعَ الشمس من مغربها ... إلى أنه قال: وثلاثةَ خسوف: خسف بالمغرب ... الحديث". قال أبو البقاء: أمّا عشر وثلاثة فالنصب لا غير، وأما طلوع وخسف فيجوز فيه الرفع على تقدير "هي" والنصب على البدل من "عشر وثلاث". وفي هذا الحديث (حتى ترون) بالنون لا وجه له لأن حتى هنا بمعنى إلى أنْ. مسند حذيفة بن اليمان رضي الله عنهما 324 - حديث الدجال: "إنّما أدركن واحدٌ منكم". قال أبو البقاء: إمّا: مركب لأنها إن الشرطية زيدت عليها ما، وقوله: فمن أدرك

325 - حديث: "لا تقوم الساعة حتى يكون أزهد الناس بالدنيا لكع بن لكع".

ذلك، والإشكال في إلحاق النون لفظ الماضي لأن حكمها أن تلحق المستقبل، فإن كانت هذه الرواية محفوظة فوجهها أنه لمّا أريد بالماضي المستقبل ألحق به نون التوكيد تنبيهًا على أصله، ولا يجوز أن يكون النون هذا ضمير جماعة المؤنث لأمرين: أحدهما: أنه لم يتقدم في هذا الحديث جماعة مؤنث يرجع هذا الضمير إليه. والثاني: أنه رفع ما بعده وهو قوله: واحدٌ منكم، وهذا مفرد مذكر. وقوله: (يقرؤه كلّ مؤمن كاتب وغير كاتب) يجوز جر كاتب على الصفة لمؤمن، ورفعه صفة لكل أو بدلاً منه. 325 - حديث: "لا تقومُ الساعة حتى يكون أزهدُ الناس بالدنيا لُكَع بن لكع". قال الطيبي: هو غير منصرف للعدل والصفة. وقال الزمخشري في الفائق: هو معدول عن ألكع وأصله أن يكون للنداء كـ (فُسَق وغُدَر). 326 - حديث: "ما صليتَ ولو مِتَّ مِتَّ على غير الفطرة التي فطر الله عليها محمدًا صلى الله عليه وسلم". قال ابن مالك: في قوله: ولو متّ متّ: شاهد على وقوع الجواب موافقًا للشرط

لفظًا ومعنىً لتعلق ما بعده به وهو أحد المواضع التي يعرض فيها للفضلة توقف الفائدة عليها، فيكون لها بذلك من لزوم الذكر ما للعمدة، ومنه قوله تعالى: (إن أحسنتم أحسنتم لأنفسكم) [الإسراء: 7]، فلولا (على إخلاء جواب لو المثبت من اللام، وهو مما يخفى على أكثر الناس مع أنه في مواضع من كتاب الله تعالى نحو: (لو شئت أهلكتهم من قبل وإياي) [الأعراف: 155]، و (أن لو نشاء أصبناهم بذنوبهم) [الأعراف: 100] و (أنطعم من لو يشاء الله أطعمه) [يس: 47]. قلت: قد يثبت اللام في رواية المسند، ثم قال ابن مالك: وفي قوله على غير الفطرة التي فطر الله عليها محمدًا صلى الله عليه وسلم وجهان: أحدهما: أن يكون الأصل على غير الفطرة التي فطرها، والضمير ضمير الفطرة وهو منصوب نصف المصدر ثم حذف لكونه منصوبًا بفعل كما يقول عرفتُ العطيّة التي أعطيتها، أي أعطيت زيدًا، والملامة التي لمت عمرًا. والثاني: أن يكون الأصل على غير الفطرة التي فطر الله عليها ثم حذفت (على) والمجرور بها لتقدم مثلها قبل الموصول، وفيه ضعف لعدم مباشرتها إياه وعدم تعلقها بمثل ما تعلقت به في الصلة، فلو باشرتها وتعلقت بمثل ما تعلقت به في الصلة زال الضعف كقولك: سلمت على الذي سلم زيد، ومثل هذا في الضعف قوله: (ويشرب مما تشربون) [المؤمنون: 33] فإن قلت: الجار الذي قبل ما مثل الذي بعدها مباشر لها ومتعلق بمثل ما تعلق به في الصلة قلت: قد ثبت لفظ (عليها) في رواية أحمد ولفظه: ولو متّ وهذه صلاتُك لمتّ على غير الفطرة التي فطر الله عليها محمدًا صلى الله عليه وسلم.

327 - حديث: "لا تشربوا في آنية الذهب والفضة ولا تأكلوا في صحافها".

327 - حديث: "لا تشربوا في آنية الذهب والفضة ولا تأكلوا في صحافها". قال الكرماني: فإن قلت: القياس التثنية في صحافها، قلت: الضمير عائد إلى الفضة ويلزم منه حكم الذهب بطريق الأولى كقوله تعالى: (والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها) [التوبة: 34] وقوله: ما نالهم في الدنيا أي الكفار والممات يدل عليه. 328 - حديث: "أنّ رجلاً حضره الموت فأوصى أهله إذا أنا متّ فاجمعوا حطبًا ثم أوقدوا فيه نارًا حتى إذا أكلت لحمي وخلص إلى عظمي". قال أبو البقاء: قوله: خلص بغير تاء يحتمل وجهين: أحدهما: أن يكون أراد الأكل لدلالة الفعل عليه، والثاني: أنه ذكّر النار لأن تأنيثها غير حقيقي أو أراد حرق النار أو عبّر بها عن العذاب. وقوله: (قال: فلِمَ فعلت؟ قال: خشيتك)، قال الكرماني: خشيتك: مرفوع بأنه مبتدأ محذوف الخبر أو بالقلب، وروي بالنصب على نزع الخافض أي لخشيتك. وقال الزركشي: روي بالنصب والجرّ، والنصب أصلي عن ابن مالك، وكأن الكسر بتقدير مِنْ كما ثبت في رواية.

329 - حديث: "إنه صلى الله عليه وسلم أشرك بين المسلمين: البقرة عن سبعة".

329 - حديث: "إنّه صلى الله عليه وسلم أشرك بين المسلمين: البقرةُ عن سبعةٍ". قال أبو البقاء: يجوز فيه رفع على معنى فقال: البقرة عن سبعة، والنصب على تقدير جعل البقرة عن سبعة. 330 - حديث الشفاعة عنه وعن أبي هريرة رضي الله عنه: "إنّما كنتُ خليلاً مِنْ وراءُ وراءُ". قال أبو البقاء: الصواب "وراءُ" بالضم، لأن تقديره: من وراء ذلك أو من وراء آخر، فلما حذف المضاف إليه بناه على الضم كقبلُ وبعدُ، فإن كان الفتح محفوظًا احتمل أن تكون الكلمة مركبة مثل: شذرَ مذرَ، وسقطوا بينَ بينَ. انتهى. وقال الأندلسي في شرح المفصل: (وراءُ) كقبلُ وبعدُ إذا أريد بها الغاية وأفردت عن الإضافة حتى صارت كبعض الكلمة بنيت وحركت بالضم قال الشاعر: ولم يكن لقاؤك إلاّ من وراء وراء

وقال النووي: المشهور في قوله: من وراء وراء بالفتح بلا تنوين، ويجوز عند أهل العربية بناؤها على الضم، قال: وقد جرى هذا في كلام ابن الحافظ أي الخطاب بن صعبة والإمام الأديب أبي اليمن الكندي فرواهما ابن دحية بالفتح وادعى أنه الصواب فأنكره الكندي وادّعى أن الضم هو الصواب وكذا قاله أبو البقاء الصواب الضم لأن تقديره من وراء أو من ورائي آخر، قال فإن صحّ الفتح قبل وقد أفادني هذا الطرف الشيخ الإمام أبو عبد الله محمد بن أمية أدام الله نعمه عليه وقال الفتح صحيح وتكون الكلمة مؤكدة كشذر مذر وشغر بغر وسقطوا بين بين فركبها وبناها على الفتح، قال: وإن ورد منصوبًا منونًا جاز جوازًا جيدًا. انتهى. وقال القرطبي: صحيح الرواية فيه بالمد والفتح في الهمزتين وكأنه مبني على الفتح لتضمنه الحرف كما قالت العرب: هو جاري بيت بيت أي بيتي إلى بيته فكأنه قال في الحديث من وراء وراء ونحوه خمسة عشر وسائر الأعداد المركبة ومنه قولهم: هي همزة بين بين وآتيك صباح مساء ويوم يوم وتركوا البلاد حيث بيث نحو ذلك، وقد زعم بعض النحويين المتأخرين الصواب الضم فيهما واستدل على ذلك بما أنشده الجوهري في الصحاح: إذا أنا لم أؤْمن عليك ولم يكن ... لقاؤك إلاّ من وراءُ وراءُ قال القرطبي: ولا شك في أنّ السماع في هذا البيت بالضم فيهما، ووجهه ما نبه عليه الأخفش حيث قال: يقال: لقيته من وراءُ فترفعه على الغاية كقولك: من قبلُ ومن بعدُ فنبه على أن "وراءُ" الأولى إنما بنيت لقطعها عن الإضافة، وأما الثانية فيحتمل أن تكون كالأولى على تقدير حذف مِنْ لدلالة الأولى عليها، ويحتمل أن تكون الثانية تأكيدًا لفظيًا للأولى، ويجوز أن تكون بدلاً منها أو عطف بيان، وقد وجدت في أصل شيخنا أبي الصبر أيوب بن محمد النهري السبي من وراءَ وراءَ بتكرار من وفتح الهمزتين، وكان رحمه الله قد اعتنى بهذا الكتاب غاية الاعتناء، وقيده تقييدًا حسنًا،

331 - حديث: "لا تكونوا إمعة".

ولا يصح أن يقال إن ذلك ينافي الوجه الأول لوجود مِنْ المضمنة في الوجه الأول وإنما محله على أن "وراء" قطعت عن الإضافة ولم يقصد مضاف بعينه فصارت كأنها اسم علم وهي مؤنثة فيجتمع فيها التعريف والتأنيث فتمنع الصرف. وقال الجوهري: "وراء" مؤنثة لأنهم قالوا في تصغيرها: وريئة وعلى هذا فهمزتها ليست للتأنيث لأن همزة التأنيث لا تقع ثالثة، وقد وجدت في بعض المعلقات بخط معتبر قال الفراء: تقول العرب: فلان يكلمني من وراءَ وراءَ، بالنصب على الظرف، ومن وراءَ وراءُ: تجعل الأولى ظرفًا والثانية غاية، ومن وراءُ وراءُ: تجعلها غايتين، ومن وراء وراء: تضيف الأولى إلى الثانية وتمنع الثانية من الجر ومن وراء وراء بالبناء. وحكى ثعلب عن بعض الناس الضم، قالوا: من وراء وراء بالتنوين فيهما. انتهى. قوله: تمرّ كمرّ الطير وشدِّ الرجال: قال أبو البقاء: شد: هنا مجرورة معطوف على المجرور قبله والتقدير: وكشدِّ الرجال ثم استأنف فقال: تجري بهم أعمالهم أي: سرعتهم على قدر أعمالهم. 331 - حديث: "لا تكونوا إمّعةً". قال في النهاية: هو بكسر الهمزة وتشديد الميم، والهاء للمبالغة وهمزته أصلية، ولا يستعمل ذلك في النساء فلا يقال: امرأة إمعة. وقال الزمخشري في الفائق: وزنه فعَّلة ولا يجوز الحكم عليه بزيادة الهمزة لأنها ليست في الصفات إفعلة. وقوله: يقولون إنْ أحسن الناسُ الخ، قال الطيبي: هو بيان وتفسير للإمّعة على

332 - حديث: "أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بعضلة ساقي وقال هذا موضع الإزار فأسفل فإن أبيت فأسفل".

نحو قول الشاعر: الألمعيّ الذي يظنّ بك الظْ ... ظَنَّ كأنْ قد رأى وقد سَمِعا وقوله: وطنوا لأنفسكم أن تحسنوا، أي: أيها الناس إن تحسنوا متعلق بقوله وطّنوا، وجواب الشرط محذوف يدل عليه: إن تحسنوا وطّنوا على الإحسان أنفسكم إن أحسن الناس أن تحسنوا وإن أساءوا فلا تظلموا لأن عدم الظلم إحسان. 332 - حديث: "أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بعضلةِ ساقي وقال هذا موضعُ الإزار فأسفلُ فإن أبيتَ فأسفلُ". قال أبو البقاء: قوله: (فأسفل) الأولى مرفوعة لأنها عطف على (موضع) تقديره: هذا موضع إزار فمكان أسفل ولا يجوز نصبه على الظرف إذ ليس هنا ما يكون هذا ظرفًا له، وإنما أراد نفس المكان، وكذلك أسفل الثانية مرفوعة والتقدير: فإن أبيت فهو أسفل. 333 - حديث: "ضرب لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أمثالاً واحد وثلاثةٌ ... الحديث". قال أبو البقاء: واحد وما بعده بالرفع وتقديره: هي واحدٌ، ولو نصب لجاز على تقدير أن يكون بدلاً من (أمثالاً).

334 - حديث الساعة: "ولكن أخبركم بشرائطها".

334 - حديث الساعة: "ولكن أخبرُكم بشرائطها". قال أبو البقاء: هو جمع شروط وهو المعلق على الشرط كقولك: الطلاق مشروط الوقوع بالدخول مثلاً، وكذلك الساعة مشروطة بكذا وكذا أي إذا وجدت تلك الأشراط وجدت الساعة فقلبت الواو ياء في الجمع كعرقوب وعراقيب. 335 - حديث الفتنة: "قلت يا رسول الله الهدنةُ على دَخَن ما هي؟ قال: لا ترجعُ قلوبُ الناس على الذي كانت عليه". قال أبو البقاء: يرجع هنا مرفوع وفيه وجهان: أحدهما هو مستأنف لا موضع للجملة وهو تفسير للدخن على المعنى، والثاني: هو في موضع رفع أي هي لا ترجع، فأنْ هنا مخففة من الثقيلة ونظير ذلك قوله: (أفلا يرون أن لا يرجع إليهم قولاً) (¬1) [طه: 89]. 336 - حديث: "تعرضُ الفتنُ على القلوب عرض الحصير فأيُّ قلبٍ أنكرها نكتت في قلبه نكتةً بيضاء وأيّ قلب أُشْرِبها نَكَتَتْ فيه نكتةً سوداءَ حتى يصير القلبُ على قلبين: أبيضَ مثل الصفا لا تضرُّه فتنةٌ ما دامت السموات والأرض والآخر أسودَ مربدًّا مُخْجَيًا". ¬

_ (¬1) بلفظ (ألاّ) بدل (أن لا).

وقوله: لا أبا لك: قال القربي: اللام فيه مقحمة وكذا في قولهم: لا يد لفلان بهذا الأمر، ولا تريد العرب بهذا الكلام نفي الأبوة حقيقة وإنّما هو كلام جرى على ألسنتهم كالمثل، ولقد أبدع البديع حين قال في هذا المعنى: يوحشني اللفظُ [...] كلُّه ودُّ ... ويُكْرَهُ الشيءُ ما من فعله بُدُّ هذه العرب تقول: "لا أبا لك"، للشيء إذا أهمّ، و"قاتله الله"، ويريدون به الذم، و"ويل أمّه"، للأمر إذا أتمّ، والاعتبار في هذا أن تنظر إلى القول وقائله فإن كان وليًّا فهو الولاء وإن أخشن، وإن كان عدوًّا فهو البلاء وإن أحسن. وقال صاحب التجريد: هذه الكلمة تذكرها العرب للبحث على فعل الشيء ومعناها أن الإنسان إذا كان له أب وحزبه أمر ووقع في شدة عاونه أبوه ورفع عنه الكلّ فلا يحتاج من الجِدّ والاهتمام إلى ما يحتاج إليه في حالة الانفراد وعدم الأب المعاون، فإذا قيل: لا أب لك فمعناه: جِدَّ في هذا الأمر وشَمِّرْ وتأهبْ تأهبَ من ليس له معاون. وقال ابن فلاح في مغنيه: وأمّا قولهم: لا أب لك ففيه ثلاث لغات: لا أب لك، وعليه قول الشاعر: أبي الإسلامُ لا أبَ لي سواه فيكون حذف الألف يدل على بناء النكرة معها على الفتح، و"لك": يحتمل أن يكون خبرًا أو صفة على اللفظ أو المحل أو بيانًا لا خبرًا ولا صفةً أي: أعني لك. واللغة الثانية: لا أبا لك، قال الشاعر:

قال أبو البقاء: قوله: (حتى يصير القلب) هنا جنس في معنى القلوب. وقوله: على قلبين: خبر يصير أي ينقسم قسمين. وقوله: أبيض منصوب كما نصب أسود مربدًّا مخجيًا، ووجه النصب أن يكون بدلاً من قوله: على قلبين وكأنه قال: حتى تصير القلوب أبيض وأسود، ولو روى الجميع بالرفع جاز على تقدير: بعضها أبيض وبعضها أسود، ولو روى الجميع بالرفع جاز على تقدير: بعضها أبيض وبعضها أسود، ولو روي بالجر على البدل من قلبين جاز أي على قلب أبيض وقلب أسود مربدًّا. انتهى. وقال القرطبي: قوله على قلبين أبيض: أي قلب أبيض فحذف الموصوف للعلم به وإقامة الصفة مقامه. وقال النووي: مربدًّا: منصوب على الحال. وقال القرطبي: قيد بثلاثة تقييدات: مربادّ مفعال من اربادّ مثل: مصفارّ من اصفارّ ومربدّ مثل: مسودّ ومحمرّ من اربدّ واسودّ واحمرّ، ومربئد بالهمزة وكأنه من اربأد لغة، وقال بعض اللغويين: احمرّ الشيء فإذا قوي قيل: احمأرّ بالهمزة فعلى هذا تكون تلك الروايات صوابًا كلّها. وفي رواية: تعرض الفتن على القلوب كالحصير عودًا عودًا. قال القرطبي: قيد بثلاثة تقييدات: بفتح العين المهملة والذال المعجمة وبضم العين ودال مهملة وفتح العين ودال مهملة فمعنى الأول: سؤال الإعادة كما يقال: غَفْرًا غفرًا أي: اللهم اغفر اللهم اغفر، ومعنى الثاني: أنّ الفتن تتوالى واحدة بعد أخرى كنسيج الحصير عودًا بإزاء عودٍ أو كما تناول القضبان للناسج عودًا بعد عود، ومعنى الثالث قريب من هذا يعني أنّ الفتنة كلما مضت عادت كما يفعل ناسج الحصير كلما فرغ من موضع عود عاد إلى مثله، والمعنى الثاني أمكن وأنسق بما كتبته. انتهى.

يا تيمُ تيمَ عديٍّ لا أبا لكم وفيها ثلاثة أوجه: أحدها: أنها مثل الأولى والاسم مقصور نكرة مثل فتى، والفتحة مقدّرة على الألف، والثاني: أنك أضفت الاسم المنفي إلى المجرور، واللام لتأكيد الإضافة، والاسم على هذا الوجه معرب لأنه مضاف إلى ما بعد اللام وهو مجرور بالإضافة لا باللام عند بعضهم لأنها زائدة، وعند بعضهم الجرّ باللام لأن حرف الجر لا يعلق عن العمل وإن كان زائدًا بدليل لست بزيد وسيفًا، وفي اللام مع الحكم بزيادتها تأكيد الإضافة وتهيئة دخول لا على المضاف لفصلها بين المضاف والمضاف إليه فكأنه نكرة، فثبوت الألف في المضاف يدل على أنه غير معتدّ بها وأنها مقحمة وتهيئتها لدخول (لا) على المضاف يدل على الاعتداد بها وإنما خصت اللام بتأكيد الإضافة دون غيرها من حروف الجر فلا يقال: لا أبا فيها، لأن الإضافة هنا بمعنى اللام فأباك بمعنى أبا لك، فهي وإن لم تكن موجودة بمنزلة الموجودة إذ هي المؤكدة لمعنى الإضافة لإفادتها الملك والتخصيص في غير الإضافة. وقدح ابن الحاجب على الإضافة وقال: لا يجوز أن يكون مضافًا لأنه لو كان مضافًا لكان معرفة، ولو كان معرفة لوجب رفعه وتكريره، وعنده أنه نكرة إلا أنه أعرب لأنه أشبه المضاف لمشاركته له في أصل معناه، وهي نفي نسبة الأبوة أي المذكورة بعد اللام، ولا فرق عنده بين: لا أبَ لك، ولا أبا لك في التنكير، والاعتراض عليه أنّا نقول: إنما يجب رفع المعرفة بعد لا وتكريرها إذا قصد تعريفها، فأمّا إذا كانت نكرة في المعنى فلا يلزم ذلك، ألا ترى إلى قوله: (لا هيثمَ الليلةَ للمَطِيّ) كيف

عملت فيه "لا" لمّا كان في تقدير النكرة، فكذلك هنا إنما لم يرفع ولم يكرر لأنه في تقدير: لا مثلَ أبيك. وأما تسويته بين: لا أبَ لك، ولا أبا لك فضعيف لأن الأول نكرة لعدم ما يدل على الإضافة، وأما الثاني فقد وجد فيه ما يدل على الإضافة، فلو سوينا بينهما لكان الدال على الإضافة في تقدير العدم، والأصل صيانة الكلام عن الزيادة ما أمكن حمله على محمل صالح، فثبت أن ما صار إليه سيبويه ومن تابعه هو الحق. اللغة الثالثة: لا أباك بغير لام قال: . .... .... ... وأيّ كريمٍ لا أباكِ يُخَلَّدِ وقال آخر: أبالْمَوتِ الذي لا بدَّ أني ... ملاقٍ لا أباكِ تُخَوِّفيني وهذه أضعفها، وتوجهها أنها في تقدير التنكير كما تقدم، وأن اللام حذفت وهي مرادة، في حكم المنطوق به. انتهى.

337 - حديث: "احصوا لي كم يلفظ الإسلام".

337 - حديث: "احصوا لي كم يلفظ الإسلامَ". قال النووي: هو بفتح الياء المثناة من تحت، والإسلام منصوب مفعول "يلفظ" بإسقاط حرف الجرّ أي: يلفظ بالإسلام، وكم: هنا استفهامية، وتفسيرها محذوف تقديره: كم شخصًا يلفظ بالإسلام، وفي بعض الأصول تلفّظ بتاء مثناة من فوق وفتح اللام والفاء المشددة. وقال القرطبي: عدّاه بنفسه لمّا حذف الباء في رواية، وفي أخرى بثبوت الباء لأنه محمول على "تكلم" المتعدي بحرف الجرّ فكأنه قال: عدد أي كم تكلم بالإسلام. قوله: (ونحن ما بين الستمائة إلى السبعمائة) قال النووي: كذا وقع في مسلم، وهو مشكل من جهة العربية، وله وجه وهو أن تكون مائة في الموضعين مجرورة على أن تكون الألف واللام زائدتين فلا اعتداد بدخولهما وفي رواية غير مسلم: ستمائة إلى سبعمائة، وهذا ظاهر لا إشكال فيه من جهة العربية. 338 - حديث الإسراء قوله: "ثم رجعا عَوْدَهما على بدئهما". قال أبو حيان في "الارتشاف": رجع عَوْدَه على بدئه عند الكوفيين نصب على المصدر، أي عاد عوده على بدئه، وأجاز بعضهم نصبه على المفعول أي: ردّ عوده على بدئه، وأمّا عند أصحابنا فعلى الحال على التقديرات الثلاث في: (كلمته فاه إلى فيّ) على اختلاف قائليها، وإذا انتصب على الحال لم يجز تقديم المجرور عليه

339 - حديث: "من سن خيرا فاستن به كان له أجره ومن أجور من يتبعه غير منتقص من أجورهم شيئا".

لأنه من جملته، وإن كان مفعولاً جاز، ويجوز رفع عوده فاعلاً برجع أو مبتدأ خبره (على بدئه) وعلى هذين يجوز تقديمه على عوده. وقال الرضي: قولهم: على بدئه متعلق بعوده أو يرجع، والحال مؤكدة، والبدء مصدر بمعنى الابتداء جعل بمعنى المفعول أي عائد على ما ابتدأه. ويجوز أن يكون عوده مفعولاً مطلقًا لرجع أي: رجع على بدئه عوده المعهود، كأنه عهد منه أن لا يستقر على ما ينتقل إليه بل يرجع إلى ما كان عليه قبل، فيكون نحو قوله تعالى: (وفعلت فعلتك التي فعلت) [الشعراء: 19]. وقال أبو علي الفارسي: إن هذا المصدر منصوب على أنه مفعول مطلق للحال المقدر، أي: رجع عائدًا عوده، وهو مضاف إلى الفاعل وقاله السخاوي في شرح المفصل. 339 - حديث: "من سنّ خيرًا فاستُنَّ به كان له أجرُه ومن أجور من يتبعُه غيرَ منتقَصٍ من أجورهم شيئًا". قال أبو البقاء: شيئًا: منصوب وفيه وجهان: أحدهما: هو واقع موقع المصدر كقوله تعالى: (لا يضرّكم كيدهم شيئًا) [آل عمران: 120]، الثاني: أن يكون مفعولاً به، فعلى هذا يكون قوله: من أجورهم شيئًا: فيه وجهان: أحدهما: يتعلق بمنتقص، والثاني: يكون صفة لشيء قدمت فصارت حالاً.

340 - حديث: "إن حوضي لأبعد من أيلة من عدن".

340 - حديث: "إنّ حوضي لأبعدُ مْنْ أيْلةَ مْنْ عَدَنٍ". قال أبو البقاء: وقع في هذه الرواية من عدن، وهو صحيح، لأنّ "أبعد" أفعل يحتاج إلى من، ومن الأولى تتعلق بأبعد، ومن عدن يتعلق بأيلة، أي أبعد من أيلة بعيدة من عدن، فالجار والمجرور حال من أيلة. وقوله فيه: (ليست لأحد غيركم): يجوز جرّ غير على الصفة لأحد أو على البدل منه، ونصبه على الاستثناء. انتهى. وقال الشيخ أكمل الدين في "شرح المشارق": قوله: من عدن بدل من أيلة بتكرير العامل، ويجوز أن يكون تقديره: من أيلة إلى عدن ومن عدن إلى أيلة لبيان الطول والعرض حذف للاختصار، قلت: وما قاله أبو البقاء هو الصواب. 341 - حديث: "من قال لا إله إلا الله ابتغاءَ وجه الله ختم له بها دخل الجنة، ومن صام يومًا ابتغاء وجه الله ختم له بها". قال أبو البقاء: إنّما أنّث الضمير لأنه أراد العبادة أو الخصلة أو النية الصالحة. 342 - حديث: "أما رأيت العارض الذي عرض له قُبيلُ". قال أبو البقاء: هو تصغير قبل، ويراد به في مثل هذا قرب الزمان، وهو مبني على الضم كما أن مكبره كذلك لقطعه عن الإضافة.

343 - حديث: "فلما رآني قال: قم يا نومان".

343 - حديث: "فلما رآني قال: قمْ يا نومان". قال ابن مالك في "شرح الكافية": خصّوا بالنداء أسماء لا تستعمل في غيره إلا في ضرورة، من ذلك يا نومان ويا ملأمان بمعنى يا عظيم اللؤم، ويا مكرمان بمعنى يا عظيم الكرم، ويا نومان بمعنى يا كثير النوم، وهذه صفات مقصورات على السماع بإجماع. 344 - حديث: "فأقول ربّ أُصَيْحابي أصيحابي". قال بعضهم: هذا تصغير الخبر وهو التعطف. فائدته: قال النووي: المشهور في استعمال حذيفة بن اليمان بالنون من غير ياء بعدها وهو لغة قليلة والصحيح اليماني بالياء. مسند حسّان بن ثابت رضي الله عنه 345 - حديث: "لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم زوّارات القبور". قال الشيخ جلال الدين المحلي في "شرح المنهاج": الدائر على ألسنة الناس ضم زاي زوارات جمع زوار جمع زائرة سماعًا لا قياسًا.

مسند الحسن بن علي رضي الله عنه

مسند الحسن بن علي رضي الله عنه 346 - حديث: "إنْ كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليبعثه ويعطيه الراية فلا ينصرفُ حتى يفتحَ له". قال أبو البقاء: الصواب فتح اللام ورفع الفعل، وإنْ مخففة من الثقيلة والأصل: إنّه كان. 347 - حديث القنوت قوله: "ولا يَعِزُّ من عاديت" رواه البيهقي هو بكسر العين، وغلط بعض أعلام العصر فقال: إنه بضمّها من باب نصر ينصُر وهو غلط صريح. وعزّ لها ثلاث استعمالات: يكون بمعنى ضد الذلّ، وهذه مضارعها بالكسر، وبمعنى الصعوبة وهذه مضارعها بالفتح، وبمعنى المغالبة نحو (وعزَّني في الخطاب) [ص: 23] وهذه هي التي مضارعها بالضم، وقد ألفت في المسألة مؤلفًا وتكلمت فيها آنفًا وهي مودعة في الفتاوى.

مسند الحكم بن حزن رضي الله عنه

مسند الحكم بن حزن رضي الله عنه 348 - حديث: "قدِمتُ على رسول الله صلى الله عليه وسلم سابعَ سبعةٍ أو تاسعَ تسعةٍ". قال أبو البقاء: الجيد النصب على الحال، والمعنى: أحد سبعة أو أحد تسعة كقوله تعالى: (إذ أخرجه الذين كفروا ثاني اثنين) ويجوز الرفع على تقدير: وأنا سابعُ سبعةٍ فيكون خبر مبتدأ محذوف، والجملة حال. مسند حكيم بن حزام رضي الله عنه 349 - حديث: "أسلمت على مات سلف لك من خير". قال الكرماني: أي مع ما سلف لك أو مستعليًا. مسند حنظلة بن الربيع الكاتب 350 - حديث: "يا حنظلةُ ساعةً وساعةً".

مسند خارجة بن حذافة رضي الله عنه

قال أبو البقاء: يجوز النصب على معنى تذْكُرُ ساعةً وتلهو ساعة، والرفع على تقدير: لنا ساعةٌ، ولله ساعةٌ. انتهى. وقوله (رَايَ عينٍ): قال الزمخشري في الفائق: منصوب بإضمار نرى، ومثله: حمدًا لله. وقوله (وفي الذكر): قال الطيبي: عطف على خبر كان الذي هو (عندي). مسند خارجة بن حُذافة رضي الله عنه 351 - حديث: "إن الله أمركم بصلاةٍ هي خيرٌ لكم من حُمُر النعم الوتر". قال الطيبي: (الوتر) يحتمل أن يكون مجرورًا بدلاً من صلاة، وأن يكون مرفوعًا خبر مبتدأ محذوف. مسند خالد بن الوليد رضي الله عنه 352 - حديث الضب، قوله: "فقالت امرأة [من] الحضور". قال الكرماني: فإن قلت الحضور جمع الحاضر، فلا مطابقة بين الصفة

مسند خباب بن الأرت رضي الله عنه

والموصوف في التأنيث، قلت: بعد تسليم أنه جمع لفظ المذكر، المطابقة حاصلة؛ إنه جمع الحاضر الذي هو بمعنى ذي الحضور، فهو مصدر بمعنى الحاضرات، ولوحظ صورة الجمع في اللفظين، إذ لا يلزم من الإسناد المذكور التأنيث. قال الجوهري في "صحاحه": قوله تعالى: (إنّ رحمة الله قريب من المحسنين) [الأعراف: 56] لم يقل قريبة، لأن ما لا يكون تأنيثه حقيقيًا يجوز تذكيره. قوله: (أحرام الضب؟) قال الكرماني: هو نحو أقائم زيد، يجوز فيه الأمران. مسند خبّاب بن الأرتّ رضي الله عنه 353 - حديث: "شكونا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حرّ الرمضاء فلم يشكنا". قال الشيخ بهاء الدين بن النحاس في "التعليقة": هو ماضي أشكيته إذا أزلت شكايته، والهمزة فيه للسلب، كأعربت معدته إذا أزلت فسادها وأعجمت الكتاب إذا أزلت عجمته بالنقط.

354 - حديث: "ما أنفق المؤمن من نفقة إلا أجر فيها إلا نفقة في هذا الشراب".

354 - حديث: "ما أنفق المؤمنُ من نفقة إلاّ أُجِر فيها إلاّ نفقةً في هذا الشراب". قال الطيبي: (نفقة) منصوب على الاستثناء من الكلام الموجب، إذ المستثنى منه مستثنى من كلام منفي، فيكون موجبًا، وهذا للتحقير. 355 - حديث: "قُتِل مصعب بن عمير يومَ أحد، فلم يتركْ إلاّ نمرةً، كنا إذا غطينا بها رأسه خرجت رجلاه، وإذا غطّى رجليه بدا رأسُه". قال ابن مالك: المشهور وإذا غطينا رجليه، ولا إشكال فيه. وفي بعض النسخ المعتمد عليها: (وإذا غطّى رجليه) وفيه إشكال ظاهر، لأن غطّى يقتضي مرفوعًا، ولم يذكر بعده غير (رجليه) فكان حقّه الرفع، والوجه في نصبه أن يكون (غطى) مسندًا إلى ضمير النمرة على تأويل كفن، وتضمين غطى معنى كسى، أو إلى ضمير الميت، وتقدير (على) جارة لرجليه، أو إلى ما دلّ عليه (غطى) من المصدر، فإن نيابة المصدر عن الفاعل مع وجود المفعول به جائز عندي وعند الأخفش والكوفيين، ولكن بشرط أن يلفظ به مخصصًا، أو ينوي ويدل على تخصيصه قرينة، وقرينة التخصيص هنا موجودة، وهي وصف الراوي النمرة بعدم الشمول والافتقار إلى جذبها من علو وسفل، فحصل بذكر التغطية تخصيص. 356 - حديث: "قد كان من قبلكم لَيُمْشَطَنَّ بمشاطِ الحديدِ ما دون عظامِه". قال ابن مالك: فيه شاهد على وقوع الجملة القسمية خبرًا، لأنّ التقدير: قد

مسند دكين بن سعيد رضي الله عنه

كان من قبلكم والله ليمشطنّ، وهذا في خبر (كان) غريب، وإنما يكثر في خبر المبتدأ كقوله تعالى: (والذين هاجروا في الله من بعد ما ظلموا لنبوئنهم في الدنيا حسنة). وقوله صلى الله عليه وسلم: (ليهلكنّ ثم لا يكون قيصر)، وفي هذا حجّة على الفراء في منعه أن يقال: زيد ليفعلنّ. وقال الزركشي: يقال مُشْطٌ ومِشاط كرمح ورماح، وخُفّ وخِفاف، وزُجّ وزِجاج. قال الصغاني في "شوارد اللغات": ولم يذكر الجوهري في الجمع إلاّ أمشاط. مسند دُكَيْن بن سعيد رضي الله عنه 357 - حديث: "أنه صلى الله عليه وسلم قال لعمر: قم فأعطهم، فقال عمر: يا رسول الله سمعٌ وطاعةٌ". قال أبو البقاء: في هذه الرواية بالرفع، ووجهه أنه حذف الخبر والتقدير عندي سمع وطاعة، وأنا ذو سمع وطاعة. قوله: (قال شأنكم) بالنصب على الإغراء، أي افعلوا شأنكم. مسند رافع بن خَديج رضي الله عنه 358 - حديث: "ما أنهر الدم وذُكِر اسمُ الله عليه فكلوا ليس السنَّ والظفرَ"،

359 - حديث: "نهى عن المزابنة التمر بالتمر".

وحديث: "ما من الناس أحدٌ إلاّ أخطأ أو همّ بخطأ ليس يحيى بن زكريا" وحديث: "يطبع المؤمن على كل خلق ليس الخيانةَ والكذبَ". قال ابن مالك في "شرح الكافية": من أدوات الاستثناء ليس، وهي على فعليتها وعملها، إلا أن المرفوع بها لا يكون إلاّ مستترًا، لأنهم قصدوا أن لا يليها (إلاّ) لأنها أصل أدوات الاستثناء، والمستثنى بها واجب النصب لمقتضى الخبرية. ومن الاستثناء بها قوله صلى الله عليه وسلم: (يطبع المؤمن على كل خلق ليس الخيانة والكذب)، أي ليس بعض خلقه الخيانة والكذب هذا التقدير الذي يقتضيه الإعراب، والتقدير المعنوي: يطبع على كل خلق إلاّ الخيانة والكذب. انتهى. وقد ذكروا أن هذه المسألة كانت سبب قراءة سيبويه النحو، وذلك أنه جاء إلى حماد بن سلمة يكاتب الحديث، فاستملى منه قوله صلى الله عليه وسلم: (ليس من أصحابي أحد إلاّ ولو شئت لأخذت عليه ليس أبا الدرداء) فقال سيبويه: ليس أبو الدرداء، فصاح به حماد: لحنت يا سيبويه، إنما هذا استثناء، فقال: والله لأطلبنّ علمًا لا تلحنني معه، ثم مضى ولزم الأخفش وغيره. 359 - حديث: "نهى عن المزابنة التمر بالتمر". قال أبو البقاء: يجوز فيه الجر على البدل، والنصب على إضمار أعني، والرفع على إضمار هي بيع التمر بالتمر.

360 - حديث: "الحمى من فور جهنم فأبردوها بالماء".

360 - حديث: "الحمى من فور جهنم فأبردوها بالماء". قال أبو البقاء: الصواب وصل الهمزة وضم الراء، والماضي برد، وهو متعدّ يقال: برد الماء حرارة جوفي، وقال الشاعر: وعطّل قلوصي في الركاب فإنّها ... ستبرد أكبادًا وتبكي بواكيا انتهى. وحكى القاضي عياض في "المشارق": فتح الهمزة وكسر الراء والماضي أبرد وحكاها الجوهري، وهي لغة رديئة. 361 - حديث القسامة. قوله: "استحقوا صاحبكم أو قتيلَكم بأيمانٍ خمسين منكم". قال أبو البقاء: (خمسين) بدل من (أيمان)، قال: وقوله (فتبرئكم يهود بخمسين يمين) الصواب (يمينًا) بالنصب، لأنه تمييز للعدد، ولا وجه للجرّ، و (منكم) نعت لأيمان، وليس المراد بالأيمان خمسين على الإضافة، لأن المعتبر عدد الأيمان لا عدد الحالفين. 362 - حديث: "إن جبريلَ أو ملكٌ جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ما

مسند ربيعة بن كعب الأسلمي رضي الله عنه

تعدُّون من شهد بدرًا فيكم". قال أبو البقاء: كذا وقع في هذه الرواية (ملكٌ) بالرفع، والجيد النصب عطفًا على اسم إنّ، وأمّا الرفع فله وجهان: أحدها: أن يكون مبتدأ و"جاء" خبره، وخبر إنّ محذوف دل عليه (جاء)، أو ملك جاء. والثاني: تخريجه على مذهب الكوفيين فإنهم يجيزون العطف على موضع إنّ. وقوله: (ما تعدُّون من شهد بدرًا): ما: هنا اسم استفهام، والتقدير: أيّ قوم تعدون أهل بدر فيكم. وقوله: (خيارنا) بالنصب، لأنه جواب منصوب، والتقدير: نعدهم خيارنا وإنما استفهم بما لأنه أراد صفة من يعقل، فهو كقوله تعالى: (والمحصنات من النساء إلاّ ما ملكت) [النساء: 24]، وقوله (خيارُنا) الثاني مرفوع البتة أي هم خيارنا. مسند ربيعة بن كعب الأسلمي رضي الله عنه 363 - حديث: "كنت أخدم رسول الله صلى الله عليه وسلم نهاري أجمع حتى يصلي العشاء الآخرة، فأجلس ببابه واقول: لعلّها أن تحدث لرسول الله صلى الله عليه وسلم حاجةٌ".

مسند رفاعة بن رافع الزرقي رضي الله عنه

قال أبو البقاء: (أن) هنا مع الفعل في تأويل المصدر، وخبر (لعلّ) محذوف تقديره: لعلّ القصة أو الخصلة ذات حدوث، فحذف المضاف وأقام المضاف إليه، وإنما دعى إلى ذلك أن القصة ليست حدوثًا. مسند رفاعة بن رافع الزُّرَقي رضي الله عنه 364 - حديث: "جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم قريشًا فقال: هل فيكم مِنْ غيرِكم؟ قالوا: لا، إلاّ ابن أختنا". قال أبو البقاء: في (مِنْ) وجهان: أحدهما: هي زائدة، والتقدي: هل فيكم غيركم؟ والثاني: ليست زائدة، بل صفة لموصوف محذوف، أي أحد من غيركم، كقوله تعالى: (ومن أهل المدينة مردوا على النفاق) [التوبة: 101] أي قوم مردوا، وعلى كلا الوجهين الكلام تام. وقولهم في الجواب: (إلا ابن أختنا) يجوز الرفع فيه على البدل، والنصب على أصل الاستثناء. 365 - حديث: "قال رجل وراءه: ربنا لك الحمد حمدًا كثيرًا طيّبًا".

قال أبو البقاء: في انتصاب (حمدًا) وجهان: أحدهما: هو حال موطئة، أي لك الحمد طيبًا، والعامل في الحال الاستقراء في ذلك، أي في (لك)، ونظيره قوله: (قرآنًا عربيًّا). الثاني: أن ينتصب على المصدر، أي نحمدك حمدًا، ولك الحمد: دالة على الفعل المقدر. انتهى. وقوله: (مباركًا) قال الطيبي: الضمير في (فيه) راجع إلى الحمد. وقوله: (لقد رأيت بضعة وثلاثين ملكًا يبتدرونها أيّهم يكتبها) قال الزركشي: أيهم: مبتدأ، يبتدرونها: خبر، ويجوز في (أي) الاستفهامية والموصولية، كما في قوله تعالى: (يبتغون إلى ربهم الوسيلة أيهم أقرب) [الإسراء: 57]، فعلى الأول في موضع نصب بيبتدرون، كما جوّز أبو البقاء نصبه في الآية بيبتغون وإن لم تكن فعلاً قلبيًّا، وعلى الثاني أي: يبتدروا من يكتب منه، أي فيكون بدلاً من يبتدرون ومثله قوله: فبات الناس يدوكون أيهم يعطاها. وقال في "فتح الباري": أيهم: رويناه بالرفع، وهو مبتدأ خبره (يكتبها). قال الطيبي وغيره تبعًا لأبي البقاء في إعراب قوله تعالى: (يلقون أقلامهم أيهم يكفل مريم) قال: وهو في موضع نصب، والعامل فيه ما دل عليه (يلقون)، و (أيّ) استفهامية والتقدير: يقول فيهم أيهم يكتبها، ويجوز في (أيهم) النصب، بأن يقدر المحذوف: ينظرون أيهم.

366 - حديث: "ما تعدون أهل بدر فيكم".

وعند سيبويه (أي) موصولة، والتقدير: يبتدرون الذي هو يكتبها أولُ، وأنكر جماعة منهم البصريون ذلك. وقال السهيلي: روى (أول) بالضم على البناء، لأنه ظرف قطع عن الإضافة، كقبلُ وبعدُ، أي يكتبها أول من غيره، وبالنصب على الحال. وقال الكرماني: أول مبني على الضم بأن حذف منه المضاف إليه وتقديره: أولهم، يعني كل واحد منهم يسرع ليكتب هذه الكلمات قبل الآخر، ويصعد بها إلى حضرة الله تعالى لعظم قدرها. وفي بعضها (أولَ) بالفتح. قال الجوهري: أصل أول (أوأل) على أفعل، مهموز الوسط، فقلبت الهمزة واوًا وأدغم. وقيل أصله (ووّل) على وزن فوعل، قلبت الواو الأولى همزة. وإذا جعلته صفة لم تصرفه تقول: لقيته عامًا أول، وإذا لم تجعله صفة صرفته نحو: رأيته عامًا أولاً. وقال ابن السكيت: تقول: ما رأيته منذ عام أول، برفع أول على جعله صفة لعام كأنه قال: أول من عامنا، وبنصبه على جعله كالظرف، كأنه قال: قبل عامنا. وإذا قلت ابدأ بهذا أول، ضممته على الغاية، وإن أظهرت المحذوف نصبته فقلت: ابدأ به أولَ فعلِك. 366 - حديث: "ما تعُدُّون أهل بدرٍ فيكم". قال ابن مالك: في هذا الحديث شاهد على أن (عدّ) قد يوافق (ظنّ) في المعنى والعمل، فـ (ما) من قوله (ما تعدون أهل بدر) استفهامية في موضع نصب مفعول ثان، و (أهل بدر) مفعول أول، وقدم المفعول الثاني لأنه مستفهم به، والاستفهام له صدر الكلام، وإجراء عدّ مجرى ظنّ معنىً وعملاً مما أغفله أكثر النحويين، وهو كثير في

367 - حديث": "اللهم لا قابض لما بسطت، ولا باسط لما قبضت، ولا هادي لمن أضللت، ولا مضل لمن هديت، ولا معطي لما منعت، ولا مانع لما أعطيت، ولا مقرب بما باعدت، ولا مباعد لما قربت".

كلام العرب، ومن شواهده قول الشاعر: فلا تعدد المولى شريكك في الغنى ... ولكنّما المولى شريكُك في العُدْمِ ومثله: لا أعدُّ الإقتارَ عُدْمًا ولكنْ ... فَقْدُ مَنْ قد فقَدْتُهُ الإعدامُ ومثله: لا تعددِ المرءَ خِلاًّ قبلَ تجربةٍ ... فَرُبَّ ذي ملقٍ في قلبه إحَنُ 367 - حديث": "اللهم لا قابضَ لما بسطت، ولا باسط لما قبضت، ولا هاديَ لمن أضللت، ولا مضلَّ لمن هديت، ولا معطي لما منعت، ولا مانع لما أعطيت، ولا مقرّب بما باعدت، ولا مباعد لما قرَّبْتَ". قال ابن فلاح في "المغني": من أمثلة "لا" واسمها في التنزيل: (لا ريبَ فيه) [البقرة: 2]، (لا ملجأ من الله إلا إليه) [التوبة: 118]، (لا عاصمَ اليوم من أمر الله) [هود: 43]، (لا تثريب عليكم اليوم) [يوسف: 92]، ولا يجوز في جميع الصور أن يتعلق الجار والمجرور والظرف بالمنفي، لأنه كان يجب تنوينه، لأنه يصير اسم "لا" مطولاً، بل (فيه) و (من الله) متعلقان بمحذوف، إمّا خبرًا أو صفة، والخبر محذوف، واليوم يتعلق بالخبر أو الصفة على تقدير حذف الخبر وهو (من أمر الله) و (عليكم).

مسند رفاعة بن عرابة الجهني رضي الله عنه

وأما (لا بشرى يومئذ للمجرمين) [الفرقان: 22] فيحتمل أن يكون مبنيًا مع (لا)، والظرف متعلق بالمجرمين، ويحتمل أن يتعلق بـ (بشرى)، ولم ينون لأنها لا تنصرف. وما يحتمل الأمرين من قولك: لا مرورَ بزيد، ولا نزول على عمرو، ولا أمر بالمعروف، إنْ تعلق حرف الجر بالمنفي وجب تنوينه، لأنه صار مطولاً والنفي خاص لتقييده بالمتعلق بعده، وعدم تضمنه حرف تنوينه، لأن صار مطولاً والنفي خاص لتقييده بالمتعلق بعده، وعدم تضمنه حرف الاستغراق، وإن لم يتعلق بالمنفي، كان النفي عامًّا لتضمنه حرف الاستغراق. انتهى. وقال أبو حيان في "البحر": في قوله تعالى: (لا ريبَ فيه) [البقرة: 2]: جوزوا في قوله (فيه) أن يكون خبرًا لـ (لا) على مذهب الأخفش، وخبر "لا" مع اسمها على مذهب سيبويه، وأن يكون صفة والخبر محذوف، وأن يكون من صلة (ريب) يعني أن يُضمَر عامل من لفظ ريب فيتعلق به، لا أن يكون متعلقًا بنفس (لا ريب) إذْ يلزم إذْ ذاك إعرابه لأنه يصير اسم لا مطولاً كقوله: لا ضارب زيدًا عندنا. قال: والذي نختاره أن الخبر محذوف، لأن الخبر في باب (لا) العاملة عمل إنّ إذا علم لم يلفظ به بنو تميم، وكثير حذفه عند أهل الحجاز. انتهى. مسند رِفاعة بن عَرابَة الجُهني رضي الله عنه 368 - حديث: "من ذا الذي يستغفرني فأغفر له". قال أبو البقاء: في (أغفر) وجهان: الرفع على تقدير فأنا أغفر له، والنصب

مسند رويفع بن ثابت رضي الله عنه

على جواب الاستفهام، ونظيره: (من ذا الذي يقرض الله قرضًا حسنًا فيضاعفَه) [البقرة: 254] قرئ بالرفع والنصب. وقوله: (فأستجيب له فأعطيه) مثله، وقال الحافظ زين الدين العراقي في شرح الترمذي: روي بنصب الأفعال الثلاثة ورفعها، قال وليست السين في قوله (فأستجيب له) للطلب، وإنما المعنى فأجيب، كقوله تعالى: (أجيبَ دعوة الداعي) [البقرة: 186]. مسند رويفع بن ثابت رضي الله عنه 369 - حديث: "لعلَّ الحياة ستطولُ بك". قال الطيبي: السين للتأكيد في الاستقبال، والباء للإلصاق، والفاء في (فأَخْبِرْ) جزاء لشرط محذوف، والتقدير: لعل الحياة ستمتد ملتصقًا بك مشتهرًا، فإذا طالت الحياة فأخبر. مسند الزبير بن العوام رضي الله عنه 370 - حديث: "إنّا لا نورَثُ، ما تركنا صدقةٌ". قال أبو البقاء: (ما) بمعنى الذي، والفعل صلة، والعائد محذوف، أي ما

تركناه، و (صدقة) مرفوع لا غير خبر الذي. انتهى. وقال ابن مالك في "توضيحه": (ما) بمعنى الذي، و (تركنا) صلة، والعائد محذوف، و (صدقة) خبر، هذا على رواية من رفع، وهو الأجود لسلامته من التكلف، ولموافقته رواية من روى: (ما تركنا فهو صدقة). وأما النصب فالتقدير فيه: ما تركنا مبذول صدقة، فحذف الخبر وبقي الحال كالعوض منه، ونظيره: (ونحن عصبةً) [يوسف: 8] بالنصب. وقال النووي: هو برفع (صدقة) و (ما) بمعنى الذي، أي الذي تركناه فهو صدقة. قال وإنما نبهت على هذا لأن بعض جهلة الشيعة يُصحِّفه. وقال القرطبي: جميع الرواة لهذه اللفظة في الصحيحين وغيرهما يقولون (لا نورث) بالنون، وهي نون جماعة الأنبياء، و (صدقة) مرفوع على أنه خبر المبتدأ الذي هو (ما تركنا)، والكلام جملتان: الأولى فعلية والثانية اسمية، لا خلاف بين المحدثين في هذا، وقد صحّفه بعض الشيعة فقال (لا يورث) -بالياء-، ما تركنا صدقة، بالنصب، وجعل الكلام جملة واحدة، على أن يجعل (ما) مفعولاً لم يسم فاعله، و (صدقة) ينصب على الحال، ويكون معنى الكلام: إن يتركه صدقةً لا يورث ويورث سائر أمواله. انتهى. وقال الباجي في "شرح الموطأ" وكان من أهل العلم بالحديث، إلا أنه لم يكن قرأ عربية، فناظر يومًا في هذه المسألة أبا عبد الله بن المعلم، وكان إمام الإمامية، وكان مع ذلك من أهل العلم بالعربية، فاستدل ابن شاذان على أنّ الأنبياء لا يورثون بهذا الحديث، فقال له ابن المعلم: أمّا ما ذكرت من هذا الحديث فإنما هو (صدقة) نصب على الحال، فيقتضي ذلك أن ما تركه النبي صلى الله عليه وسلم على وجه الصدقة لا يورث عنه،

371 - حديث: قال ابن الأثير في "النهاية" في حديث الزبير: "فتلقاه رسول الله صلى الله عليه وسلم كفة كفة".

ونحن لا نمنع هذا، وإنما نمنع ذلك فيما تركه على غير هذا الوجه، واعتمد هذا الوجه، واعتمد هذه النكتة العربية لما علم أنّ ابن شاذان لا يعرف هذا الشأن، ولا يفرق بين الحال وغيره. فلما عاد الكلام إلى ابن شاذان قال له: لا شك عندي وعندك أن فاطمة رضي الله عنها من أفصح العرب، وأعلمهم بالفرق بين قولنا: (ما تركنا صدقةٌ)، و (ما تركنا صدقةً)، وكان كذا ابن عباس بن عبد المطلب - وهو ممن يستحق الميراث لو كان موروثًا -، وكان عليّ بن أبي طالب من أفصح قريش وأعلمهم بذلك، وقد طلبت فاطمة ميراث أبيها، فأجابها أبو بكر الصديق رضي الله عنه بهذا اللفظ على وجه فَهِمَتْ منه أنه لا شيء لها، فانصرفت عن الطلب، وفهم العباس وعليّ وسائر الصحابة، ولم يعرض واحد منهم لهذا الاعتراض، وكذلك أبو بكر الصديق المحتج به، والمتعلق به، لا خلاف أنه من فصحاء العرب العالمين بذلك، لم يورد من هذا اللفظ إلاّ ما يقتضي المنع، ولو كان اللفظ لا يقتضي المنع ما أورده، ولا تعلق به، فإن كان النصب يقتضي ما تقوله، فادعاؤك ما قلت باطل، وإن كان الرفع الذي يقتضيه فهو المروي، وادعاء النصب فيه باطل. 371 - حديث: قال ابن الأثير في "النهاية" في حديث الزبير: "فتلقّاه رسول الله صلى الله عليه وسلم كَفّة كفّةَ". أي مواجهة، وهما مبنيان على الفتح. 372 - حديث شراج الحرة قوله: "أنْ كان ابنَ عمّتِك".

مسند زياد بن نعيم الحضرمي رضي الله عنه

قال أبو البقاء: (أن) بفتح الهمزة، والتقدير لأن كان ابن عمتك تحكم له عليّ أو تقدمه، ولا يجوز الكسر إذ الشرط هنا لا معنى له. انتهى. وذكر الكرماني أنه روي بالكسر أيضًا. وقال الزركشي: (أن) بفتح الهمزة، أي قضيت له لأن كان كذلك، وقيل إنها تفسيرية مثلها في قوله تعالى: (أنْ كان ذا مال وبنين) [القلم: 14]. و (ابن) منصوب لأنه خبر كان، واسمها ضمير مستتر. مسند زياد بن نعيم الحضرمي رضي الله عنه 373 - حديث: "أربعًا فرضهنّ الله في الإسلام، فمن جاء بثلاثٍ لم يغنين عنه شيئًا حتى يأتيَ بهنّ جميعًا: الصلاةُ والزكاة وصيام رمضان وحج البيت". قال أبو البقاء: وقع في هذه الرواية (أربعًا) بالنصب، والتقدير: فرض الله أربعًا، فأضمر الفعل الأول لدلالة الثاني عليه، كقوله تعالى: (والقمرَ قدرناه منازل) [يس: 39] على قراءة من نصب. ولو رفع على الابتداء لجاز على ضعف لأنه نكرة، وليس في الكلام ما يصح أن يقدر مبتدأ، ليكون (أربع) خبرًا عنه. والجيد رفع (الصلاة) وما بعدها أي هنّ الصلاة، ولو نصب على إضمار أعني جاز، ولو جرّ على البدل من الضمير في (بهنّ) جاز. مسند زيد بن خالد رضي الله عنه 374 - حديث: "صلّى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاةَ الصبح على أثر سماء

مسند زيد بن أرقم رضي الله عنه

كانت من الليل". قال الطيبي: قوله (كانت من الليل) صفة سماء، وأنَّث الراجع باعتبار اللفظ. وقوله (أصبح من عبادي مؤمن بي) في (أصبح) ضمير الشأن، و (من) للتبعيض، وهو مبتدأ وما بعده خبر له، والجملة خبر أصبح مبنية للضمير، ويحتمل أن يكون اسمه (مؤمن) و (من عبادي) خبره، و (من) فيه بيانية، وفيه قلب من حيث المعنى كقوله: عرضتُ الناقةَ على الحوض. مسند زيد بن أرقم رضي الله عنه 375 - حديث: "كيف أنعمُ وصاحب القرن قد التقم القرن" إلى أن قال: "قولوا: حسبنا الله ونعم الوكيلُ". قال الشيخ سعد الدين التفتازاني في "المطول": قوله (ونعم الوكيل) إما عطف على الجملة الأولى والمخصوص محذوف، كما في قوله تعالى: (نعم العبدُ) [ص: 30 - 44] فيكون من عطف الجملة الإنشائية على الاسمية الإخبارية، وإمّا على تضمين (حسبنا الله) معنى الفعل، وقال: الجيد في قوله تعالى: (وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل) [آل عمران: 173] أي قالوا ونعم الوكيل، فيحتمل أن يقدر مثله هذا.

376 - حديث الأضاحي: "بكل شعرة حسنة".

376 - حديث الأضاحي: "بكل شعرة حسنة". قال الطيبي: الباء بمعنى في ليطابق قوله في السؤال: (ما لنا في هذه الأضاحي) فأجاب: في كل شعرة حسنة. 377 - حديث: "تركت فيكم ما إنْ تمسّكتم به ... ". قال الطيبي: (ما) موصولة، والجملة الشرطية صلتها. 378 - حديث: "لولا أن لا تدافنوا لدعوت الله أن يسمعكم من عذاب القبر ما أسمع". قال الطيبي: (أنْ يُسْمِعكم) مفعول ثان لقوله (دعوت) على تضمين سألت، و (الذي) مفعول (أن يسمعكم)، و (من عذاب القبر) بيان له، حال منه مقدم عليه. ومعنى (لولا أن لا تدافنوا) أنهم لو سمعوا ذلك لتركوا التدافن حذرًا من عذاب القبر. أو يشتغل كلّ بخُوَيصَتِه حتى يفضي بهم إلى ترك التدافن قاله التوربشتي. انتهى. قلت: والذي يخطر لي أن (لا) زائدة، وأن معناه: لولا أن تموتوا من سماعه، فإن القلوب لا تطيق سماعه، فيصعق الإنسان لوقته، فكنّى عن الموت بالتدافن،

مسند زيد بن ثابت رضي الله عنه

ويرشد إليه قوله في الحديث الآخر: (لو سمعه الإنسانُ لَصَعِق)، أي مات، وفي مسند أحمد: (لولا أن تدافنوا) بإسقاط (لا)، وهو يدل على زيادتها في تلك الرواية. مسند زيد بن ثابت رضي الله عنه 379 - حديث: "اللهمَّ فاطر السموات والأرض، عالمَ الغيب والشهادة، ذا الجلال والإكرام". قال ابن فلاح في "المغني": أجاز المبرد وصف (اللهمّ) قياسًا على وصفه لو كان معربًا، فكذا مع عوضها، وحمل عليه قوله تعالى: (قل اللهمَّ مالكَ الملك) [آل عمران: 26] و (اللهم فاطرَ السموات والأرض) [الزمر: 46]، و (اللهمَ ربَّنا) [المائدة: 114]، ومنعه سيبويه لبعده بالتركيب عن التمكن المقتضي للوصف مع ضعف وصف المنادى وكذلك منعه الأصمعي، ويحمل مثل هذا على البدل أو على نداء ثان. وقال الرضي: لا يوصف (اللهمّ) عند سيبويه، كما لا يوصف أخواته، أي الأسماء المختصة بالنداء نحو: يا هناه، ويا نومان، وقل، وقد أجاز المبرد وصفه لأنه بمنزلة يا الله، وقد استشهد بقوله تعالى: (قل اللهم فاطرَ السموات والأرض) وهو عند سيبويه على النداء المستأنف، ولا أرى في الأسماء المختصة بالنداء مانعًا من الوصف، بل السماع مفقود فيها. انتهى. وقال في "الارتشاف": ذهب الخليل وسيبويه إلى أنه لا يجوز وصف (اللهمّ)،

380 - حديث: "أما بادئ بدء فإني أحمد الله".

وذهب المبرد والزجاج إلى جواز وصفه، وإذا وصف عندهما بمفرد جاز فيه الرفع والنصب. وفي "النهاية": تستعمل (اللهمّ) على ثلاثة أنحاء: أحدها: أن يراد به النداء المحض كقولهم: اللهمّ ارحمنا. الثاني: أن يذكره المجيب تمكينًا للجواب في نفس السائل، يقول لك القائل: أزيد قائم؟ فتقول: اللهمّ نعم، أو اللهم لا. الثالث: يستعمل دليلاً على الندرة وقلة وقوع المذكور كقولك: أنا لا أزورك اللهمّ إذا لم تدعني، ألا ترى أن وقوع الزيارة مقرونًا بعدم الدعاء قليل؟ انتهى. 380 - حديث: "أما بادئ بدء فإني أحمد الله". قال صاحب "البسيط": قولهم: أفعل هذا بادي بدا، وبادئ بدء، فالاسم الأول على وزن فاعل، وياؤه ساكنة في موضع نصب، والاسم الثاني جاء على وزن فعل، وعلى وزن فعيل، وفي أصله وجهان: أحدهما: أنه من بدا يبدو إذا ظهر، أي ظاهرًا، وهذا ضعيف لأنه قد جاء مهموزًا في حديث ابن ثابت: (أما بادئ بدء فإني أحمد الله). والوجه الثاني (وهو المشهور): أن أصله الهمز إلا أن الاسم الأول خفف بتسكين الهمز وقلبها ياء، وأما الاسم الثاني ففي الذي على وزن فعل وجهان: أحدهما أن أصله (بداء) على وزن فعال، فحذفت الهمزة تخفيفًا وبقيت الألف الزائدة ووزنه (فعا) أو أنه قصر بحذف ألف المد، وخففت الهمزة ألفًا لانفتاح ما قبلها، ووزنه فعل.

381 - حديث: "كان الناس في عهد النبي صلى الله عليه وسلم يتبايعون الثمار، فإذا جذ الناس، وحضر تقاضيهم، قال المبتاع إنه أصاب الثمر الدمان أصابه مرض، أصابه قشام".

وفي الذي على وزن فعيل وجهان: أحدهما أنه قصر بحذف الياء، وخففت الهمزة بانكسار ما قبلها، والثاني أن الهمزة حذفت تخفيفًا، وبقيت الياء الزائدة، وفيه لغات أخر: إحداها: بادئ بدء على وزن (فعل) كما في حديث زيد بن ثابت. والثانية: بادئ بدء، بهمز الثاني دون الأول. والثالث: بادي بدي على وزن (فعيل) على الأصل، وفيه وجهان: أحدهما: أنه معرب منصوب على الحال، لأن تخفيف الهمز لا يوجب البناء، وأما سكون يائه في موضع النصب فلكثرة استعماله جرى مجرى المثل كقولهم: أعطِ القوسَ باريها، وعلى هذا الوجه يكون الأول مضافًا إلى الثاني. والثاني: أنه مبني مركب، وعلة بنائه تضمن حرف العطف، ولذلك أسكنت ياؤه كسكونها في قالي قلا، ومعديكرب، وهو في موضع النصب على الحال، أي أفعله متقدمًا على فعله كل شيء. 381 - حديث: "كان الناس في عهد النبي صلى الله عليه وسلم يتبايعون الثمار، فإذا جَذَّ الناس، وحضر تقاضيهم، قال المبتاعُ إنه أصاب الثمر الدمان أصابه مرض، أصابه قشام". قال الكرماني: أصابه ثالثًا بدل من أصابه ثانيًا، وهو بدل من الأول. وقوله: (عاهات) خبر للمبتدأ المحذوف، أي مدة الأمور الثلاثة عاهات. وقوله: (يحتجون بها) جمع نظرًا إلى أن لفظ المبتاع جنس صالح للقليل والكثير.

مسند السائب بن خلاد رضي الله عنه

وقوله: (فإمّا لا تتبايعوا) أصله: فإن لا تتركوا هذه المبايعة، فزيد كلمة (ما) للتأكّد، فأدغم النون في الميم، وحذف الفعل، ويجوز إمالة (لا) لتضمنها الجملة، وإلا فالقياس أن لا تمال الحروف، أليس قد تكتب (لا) هذه بلام وياء، وتكون (لا) ممالة، ومنهم من يكتبها بالألف ويجعل عليها فتحة محرفة علامة الإمالة، فمن كتب بالياء اتبع لفظ الإمالة، ومن كتب بالألف اتبع أصل الكلمة. انتهى. وقال ابن مالك في توضيحه: في قوله (فإما لا) شاهد على أن حرف الشرط قد يحذف بعده مقرونًا بما كان واسمها وخبرها المنفي بـ (لا) نافية. فإن الأصل: فإن كنتم لا تفعلون فلا تبايعوا، ومثله قوله صلى الله عليه وسلم: (إمّا لا فأعِنّي على نفسك بكثرة السجود)، أي إن كنت لا بدّ لك من ذلك فأعني، ومن ذلك قول الزاجر: أمرعتِ الأرضُ لوَ انَّ مالا لو أنّ نوقًا لك أو جِمالا أو ثلّةً من غنمٍ إمّا لا أي إن كنت لا تملكين إبلاً. انتهى. وقال أبو حيان في شرح التسهيل: لا يحذف (لا) الفعل مع المكسورة معوضًا منه (ما) إلا في هذه. مسند السائب بن خلاد رضي الله عنه 382 - حديث: "ما من شيء يصيب المؤمن حتى الشوكة تصيبه إلاّ كتب له بها حسنة".

مسند السائب بن يزيد رضي الله عنه

قال أبو البقاء: يجوز (حتى الشوكة) بالجر بمعنى إلى، أي: لو انتهى ذلك إلى الشوكة. وبالنصب على تقدير: يجد الشوكة، أو مع الشوكة. وبالرفع على جواز فيه، وفيه وجهان: أحدهما: هو معطوف على الضمير في يصيب، والثاني هو مبتدأ أي: حتى الشوكة تشوكه. مسند السائب بن يزيد رضي الله عنه 383 - حديث: "كان الصاع على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم مدٌّ وثلث". قال ابن مالك: الأجود فيه جعل اسم كان ضمير الشأن، ويكون الصاع مبتدأ، و (مد وثلث) خبره، والجملة خبر كان، ويجوز أن يكون (مدّ) خبر مبتدأ محذوف، والجملة خبر كان، والتقدير: كان الصاع قدره مدّ وثلث. مسند سَبْرة بن معبد الجهني رضي الله عنه 384 - حديث: "علموا الصبي الصلاةَ ابن سبع، واضربوه عليها ابن عشر". قال أبو البقاء: (ابن) بالنصب فيهما، وفيهما وجهان:

مسند سراقة رضي الله عنه

أحدهما: هو حال من الصبي، والمعنى إذا كان ابن سبع، وإذا كان ابن عشر، أو علموه صغيرًا واضربوه مراهقًا. والثاني: أن يكون بدلاً من الصبي ومن الهاء في (اضربوه). مسند سُراقة رضي الله عنه 385 - حديث: "ألا أدلّك على أفضل الصدقة، ابنتك مردودة إليك، ليس لها كاسب غيرك". قال في "النهاية": أراد ألا أدلك على أفضل أهل الصدقة، فحذف المضاف. وقال الطيبي: يمكن أن تقدر صدقة تستحقها ابنتك في حال ردّها عليك وليس لها كاسب غيرك، وهما حالان إما هيئة مبينتان أو متداخلتان. مسند سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه 386 - حديث: " ... أتصدقُ بمالي؟ قال لا، الشطر؟ قال لا، قال الثلث والثلث كثير". قال في "النهاية": نصب الشطر والثلث بفعل مضمر، أي: أهب الشطر وكذا قال

387 - حديث: "كان جدار المسجد عند المدينة ما كادت الشاة أن تجوزها".

الزمخشري في "الفائق". وقال في "التسهيل": الخفض أظهر من النصب، لأن النصب بإضمار فعل، والخفض مردود على قوله (بمالي). وقوله: (الثلث والثلث كثير) جوز القاضي في الثلث الأول نصبه ورفعه، فالنصب على الإغراء أو بفعل مضمر أي: أعْطِ الثلث واقتصر عليه، والرفع على أنه فاعل فعل مقدر أي: يكفيك الثلث، أو على أنه مبتدأ حذف خبره أي: الثلث كافيك، أو خبر محذوف المبتدأ أي: المشروع الثلث. وقال الكرماني: قوله: (فالشطر) بالجر أو بالرفع، وكذا فالثلث، وأما الثلث الآخر فبالنصب، وذكر مثل ما قال عياض. قلت: رواه أبو داود بلفظ: (قال فبالشطر، قال فبالثلث) وهو يؤيد رواية الجر. قوله: (إنك أنْ تدع ورثتك أغنياءَ خيرٌ) روي بفتح أن وكسرها. قال النووي: وكلاهما صحيح، وقال الزمخشري في الفائق (أن تذر) مرفوع المحل على الابتداء أي: تركك أولادك أغنياء خير، والجملة بأسرها خبر إنّ. وقال الأشرفي: لا يجوز أن يجعل (انْ) حرفًا للشرط، لأنه يبقى الشرط بلا جزاء، فإنه لا يجوز جعل قوله (خير) جزاء له، وكثيرًا ما يصحف فيه أهل الزمان. وقال الطيبي: إذا صحت الرواية فلا التفات إلى من لم يجوز حذف الفاء إذا كانت الجملة اسمية بل هو دليل عليه. 387 - حديث: "كان جدار المسجد عند المدينة ما كادت الشاةُ أنْ تجوزَها".

388 - حديث: "ارموا وأنا معكم كلكم".

قال الكرماني: فإن قلت خبر كاد فعل مضارع بغير أنْ، فما قولك في قوله (أنْ تجوزها؟) قلت: قد تدخل أنْ على خبرها كما تحذف من خبر عسى، إذ هما أخوان يتقارضان. فإن قلت: ما معنى التركيب، إثبات جواز الشاة أو نفيه؟ قلت: اختلفوا في كاد إذا دخل عليه النفي، هل هو للنفي أو للإثبات، والموافق للحديث الإثبات، وهو قول سهل بن سعد: كان بين مصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين الجدار ممرّ الشاة، وللقواعد النحوية لأنه كسائر الأفعال على الأصح. 388 - حديث: "ارمُوا وأنا معكم كلكم". قال الزركشي: بالجر، تأكيد للضمير المجرور. 389 - حديث: "بايعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم بيدي هذه، وأخرج لنا كفَّه كفٌّ ضخمةٌ". قال أبو البقاء: كذا وقع في هذه الرواية بالرفع، ووجهه أنه حذف المبتدأ أي: هي كفٌّ ضخمة، والنصب أوجه على البدل. 390 - حديث: "ألا أخبركم بأشدَّ حرًّا منه يوم القيامة؟ هذينك الرجلين".

391 - حديث خيبر، قوله: "فقال رجل: يا رسول الله أو أهريقها ونغسلها قال: أو ذاك".

قال أبو البقاء: أمّا (أشدّ) فهو هنا مفتوح لأنه لا ينصرف وليس بمضاف إنه نصب (حرًّا) بعده، وهو كقوله تعالى: (أو أشدَّ ذكرًا) [البقرة: 200] (وأشدَّ قوةً) [غافر: 82] وهو منصوب على التمييز. وأما قوله: (هذينك) ففيه وجهان: أحدهما: أنه بدل من قوله (بأشدّ)، والثاني: أنه منصوب بإضمار أعني. وأما الكاف في (ذينك) فحرف للخطاب كالتي في قوله تعالى: (فذانك برهانان) [القصص: 32]. 391 - حديث خيبر، قوله: "فقال رجل: يا رسول الله أو أهريقها ونغسلها قال: أو ذاك". قال القرطبي: بسكون الواو. وقوله: (إنّه مجاهد مجاهد) قال القرطبي: الرواية المشهورة الصحيحة بكسر الهاء فيهما وضم الدال وتنوينها فيهما، وضم الميم. ورُوي: يجاهد مجاهد، بفتحها كلها إلا مجاهد فإنها بالكسر على أن يكون فعلاً ماضيًا، والثاني جمعًا لا نظير له في الآحاد فلم يصرفه، والصواب الأول. قوله: (أهريقوها واكسروها) قال القرطبي: (ها) في (هريقوها) للّحوم، وفي (اكسروها) للقدور، وإنْ لم يجر لهما ذكر، لكنهما تدل عليهما الحال.

392 - حديث: "أيما رجل وامرأة توافقا فعشرة ما بينهما ثلاث ليال فإن أحبا أن يتزايدا أو يتتاركا تتاركا".

قال النووي: قوله: (قلّ عربي نشأ بها مثله) بالنون والهمز في آخره أي: شبّ وكبر، و (بها) بمعنى فيها، والضمير للحرب أو الأرض أو بلاد العرب. انتهى. وروي (عربيّا) بالنصب، قال السُّهيلي: و (مثله) فاعل (قلّ) و (عربيًّا) منصوب على التمييز لأنّ في الكلام معنى المدح نحو: عظم زيد رجلاً، وقلّ ذا أربا. و (قلّ) وزنها: (فعل) لقولهم في اسم الفاعل (قليل). وروي (مشى) بميم مفتوحة، فعل ماض من المشي، قال القاضي: وأكثر رواة البخاري عليه، وعند بعضهم (مُشابِهًا بوزن (مقابلاً)) اسم فاعل من الشبه، أي: مشابهًا بصفات الكمال في القتال. وقد يكون منصوبًا بفعل محذوف أي: رأيته مشابهًا، أو معناه: قلّ عربي يشبهه في هذه الصفات. وقال القرطبي: يحتمل أن يعود الضمير في (بها) على الشهادة والحالة الحسنة التي مضى بها إلى الله تعالى، قال: وهذا يعضده المعنى ومساق الكلام. 392 - حديث: "أيُّما رجل وامرأة توافقا فعشرة ما بينهما ثلاثُ ليالٍ فإن أحبّا أن يتزايدا أو يتتاركا تتاركا". قال الكرماني: فإن قلت: ما وجه التركيب؟ قلت: بعض الجزاء محذوف، وفي مخرج أي لصح، فإن أحبّا أن يتناقضا تناقضا، وإن أحبّا أن يتزايدا في الأجل تزايدا. مسند سَلمة بن نفيل السَّكوني رضي الله عنه 393 - حديث: "ولستم لابثون بعدي إلا قليلاً".

394 - حديث: " .. الآن جاء القتال" وحديث: "الآن نقروهم ولا يقرونا".

قال أبو البقاء: كذا وقع في هذه الرواية، وهو سهو لأنه خبر (ليس) ولا يمكن أن يجعل مبتدأ إذ لا خبر له. وقوله: (إلاّ قليلاً) يجوز أن يكون التقدير إلاّ زمنًا قليلاً، وأن يكون لُبْثًا قليلاً. 394 - حديث: " .. الآنَ جاء القتالُ" وحديث: "الآن نَقْرُوهم ولا يَقْرُونا". قال السيرافي: معنى (الآن) أنه الزمان الذي يقع فيه كلام المتكلم، وهو الزمان الذي هو آخر ما مضى وأول ما يأتي من الأزمنة. وقال الأندلسي في "شرح المفصل": الفرق بين الزمن والآن: أنّ الزمان: ماله مقدار يقبل التجزئة، و (الآن) لا مقدار له، فالآن ما كان من الأزمنة متوسطًا بين الماضي والمستقبل، وهو اسم للوقت الحاضر. وزعم الفرّاء أن أصله من قولك: آن الشيء يئين إذا أتى وقته كقولك: آن لك أن تفعل، فأدخلوا عليه الألف واللام، وأبقوه على ما كان عليه من الفتح كقولهم: (عن قيل وقال) أدخل الخافض عليهما وبقاؤهما على الفتح الذي كانا عليه. وله قول آخر: إن أصله (أوان) ثم حذفوا الواو فبقي (آن) كما قالوا (رياح وراح) للخمر، وردّ عليه القول الأول بأن الألف واللام إن كانت بمعنى الذي لم يصح دخولها على الفعل إلاّ: إلى ربه صوت الحمار اليجدع. وإن كانت للتعريف فقد خرج عن الفعلية إلى الاسمية، فوجب أن لا يعتبرهما كان عليه. ولا يجوز أن يكون نقل وفيه ضمير المصدر أو غيره لأنه يكون محكيًّا ولا يصحّ دخول اللام عليه. وأما تشبيهه له بـ (قال وقيل)

فلا يصحّ لأنه هناك محكيّ، فإن كان (الآن) محكيًّا وجب أن لا يدخل عليه لام التعريف. وقوله: إن أصله (أوان) فذلك مما لا يدل - لو سلم له - على بنائه. والصحيح أن يقال: إن (الآن) اسم بدليل دخول حرف الجر عليه، ووجود اللام فيه. وقيل إن أصله (أون) قلبت الواو ألفًا ثم حذفت لالتقاء الساكنين، وهذا بعيد لأن الواو التي في كنف الألف لا تقلب كما في الجواد والسواد. وقد اتفق النحاة على بناء (الآن) واختلفوا في علته. فقال المبرِّد وابن السّراج: إنه خالف نظائره لأنه نكرة في الأصل استعمل من أول وضعه بلام التعريف، وأصل لام التعريف وحكم الأسماء أن تكون منكورة شائعة في الجنس ثم يدخل عليها ما يعرفها من لام أو إضافة، فلما خالف سائر الأسماء بوقوعه معرفة في أول أحواله، ولزم موضعًا واحدًا بني، وهو اختيار الزمخشري. وقال الزجاج: بني لتضمنه معنى حرف الإشارة. وقال أبو علي: بني لتضمنه لام التعريف لأنه استعمل معرفة وليس علمًا، والألف واللام فيه زائدتان. وقال السيرافي: لحقه شبه الحرف للزومه لهذا الموضع من الأسماء، لأن الحروف لازمة لمواضعها التي وقعت فيها في أوليتها غير زائلة عنها، واختاروا الفتح لأنه أخف، وأشكل بالألف فأتبعوه الألف التي قبله كما أتبعوا ضمة الدال ضمة الميم في "مُنْذُ"، أو فتحة الهمزة ولم يعتدوا بحجز الألف، أو حملاً على أين وأيّان. وقال الخوارزمي: إنما بني لأنه لزمه النصب بلزوم الظرفية إياه، وصار بمنزلة اللام من رجل، والدال من زيد، والإعراب لا يكون كذلك، وبني على الفتح لأنه في الأصل ظرف، وحقّ الظرف أن يكون بهذه الصورة من قبل العامل وبالبناء ذهب منه كون هذه الصورة من قبل العامل فبقي له الصورة. انتهى. وقال ابن مالك في "شرح التسهيل": مسمّى (الآن) الوقت الحاضر جميعه كوقت

مسند سلمان الفارسي رضي الله عنه

فعل الإنسان حال النطق به أو الحاضر بعضه كقوله تعالى: (فمن يستمع الآن يجد له شهابًا رصدًا) [الجن: 9]، وكقوله: (الآن خفف الله عنكم) [الأنفال: 66]، وكقول النبي صلى الله عليه وسلم: (تصدقوا فيوشك الرجل أن يمضي بصدقته فيقول الذي أعطيها: لو جئت بها بالأمس لأخذتها، وأما الآن فلا حاجة لي بها) ومثله قول علي رضي الله عنه: (كان ذلك والإسلام قليل، وأما الآن فقد اتسع نطاق الإسلام)، وظرفيته غالبة، وليست ظرفية لازمة بل وقوعه ظرفًا أكثر من وقوعه غير ظرف. ومن وقوعه غير ظرف قول النبي صلى الله عليه وسلم وقد سمع: (هذا حجر رمي به في النار منذ سبعين خريفًا، فهو يهوي في النار، فالآن حين انتهى إلى قعرها) فالآن: هنا في موضع رفع بالابتداء و (حين انتهى) خبره، وهو مبني لإضافته إلى جملة مصدرة بفعل ماض. انتهى. مسند سلمان الفارسي رضي الله عنه 395 - حديث: "رباطُ يومٍ وليلةٍ أفضلُ من صيام شهر وقيامِه صائمًا لا يفطرُ، وقائمًا لا يفترُ". قال أبو البقاء: (صائمًا وقائمًا) حالان، وصاحب الحال محذوف دالّ عليه قوله: (من صيام شهر وقيامه) والتقدير: أن يصوم الرجل شهرًا، أو يقومه صائمًا وقائمًا.

396 - حديث: "ولا نكتفي بدون ثلاثة أحجار ليس فيها رجيع ... ".

396 - حديث: "ولا نكتفي بدون ثلاثة أحجار ليس فيها رجيع ... ". قال الطيبي: (ليس فيها رجيع) صفة مؤكدة لأحجار. مسند سمرة بن جندب رضي الله عنه 397 - حديث المنام قوله: "فانطلقت إلى ثقب مثل التنور أعلاه ضيقٌ وأسفله واسع يتوقد تحته نارًا". قال ابن مالك: نصب (نارًا) على التمييز، وأسند (يتوقد) إلى ضمير عائد على الثقب كما يقول: مررت بامرأة تتضوع من أردانها طيبًا. وعلامة انتصاب التمييز بفعل أن يصلح إسناد الفعل إليه مضافًا إلى المجعول فاعلاً كقولك في (تتضوع من أردانها طِيبًا): يتضوع طيبُها من أردانها، وكقولك في: طاب زيد نفسًا: طابت نفسُ زيدٍ، وهذا الاعتبار صحيح في (يتوقد تحته نارًا) بأن يقال: يتوقد نارُه تحته، فصحّ نصب (نارًا) على التمييز. ويجوز أن يكون فاعل (يتوقد) موصلاً بـ (تحته) فحذف وبقيت الصلة دالة عليه لوضوح المعنى، والتقدير: يتوقد الذي تحته نارًا، أو: يتوقد ما تحته نارًا، و (نارًا) أيضًا تمييز. ونظير هذا التقدير قول الأخفش في: (وإذا رأيت ثم رأيت نعيمًا وملكًا كبيرًا) [الإنسان: 20]

إن أصله: وإذا رأيت ما ثمّ. وحذف الموصول لدلالة صلته عليه مما انفرد به الكوفيون ووافقهم الأخفش، وهم في ذلك مصيبون، ومن دلائل إصابتهم قوله تعالى: (وقولوا آمنا بالذي أنزل إلينا وأنزل إليكم) [العنكبوت: 46] والأصل: بالذي أنزل إلينا والذي أنزل إليكم، لأن الذي أنزل إلينا ليس هو الذي أنزل إلى من قبلنا، ولذلك أعيدت (ما) بعد (ما) في قوله تعالى: (قولوا آمنا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل إلى إبراهيم) [البقرة: 136]. ومن حذف الموصول مستغنى عنه بصلته قول حسان رضي الله عنه: أمن يهجو رسول الله منكم ... ويمدحه وينصره سواء يريد: أمن يهجو رسول الله منكم أيها المشركون، ومن يمدحه منّا وينصره سواء. ومثله قول الآخر: ما الذي دأبُه احتياطٌ وحزمٌ ... وهواه أطاع، يستويان يريد: ما الذي دأبه احتياط وحزم، والذي هواه أطاع يستويان وأحسن ما يستدل به على الحكم قوله صلى الله عليه وسلم: (مثل المهجّر كالذي يهدي بدنةً، ثم كالذي يهدي بقرة، ثم كبشًا، ثم دجاجةً، ثم بيضةً). فإن فيه حذف الموصول وأكثر الصلة ثلاث مرات، لأن التقدير: ثم كالذي يهدي كبشًا، ثم كالذي يهدي دجاجة، ثم كالذي يهدي بيضة. وإذا جاز حذف الموصول وأكثر الصلة، فأن يحذف الموصول وتبقى الصلة بكمالها أحقّ بالجواز وأولى. قوله: (كان مما يكثر أن يقول): قال الطيبي: (مما يكثر) خبر كان، و (ما)

موصولة، و (يكثر) صلته، والضمير راجع إلى (ما) و (أن يقول) فاعل يكثر، و (هل رأى أحد منكم) هو المقول. وقوله: (فجعل كلما جاء ليخرج رمى في فيه بحجر). قال ابن مالك: تضمن هذا الحديث وقوع خبر (جعل) الإنشائية جملة فعلية مصدرة بـ (كلما) وحقه أن يكون فعلاً مضارعًا كغيرها من أفعال المقاربة، فيقال: جعلت أفعل كذا، ولا يقال: جعلت كلما شئت فعلت كذا، ولا نحو ذلك قال الشاعر: وقد جعلتُ إذا ما قمتُ يثقلني ... ثوبي فأنهضُ نهضَ الشارب الثمل فما جاء هكذا فهو موافق للاستعمال المطرد، وما جاء بخلافه فهو منبه على أصل متروك، وذلك أن أفعال الإنشاء، وسائر أفعال باب المقاربة مثل كان في الدخول على مبتدأ وخبر، فالأصل أن يكون خبرها مثل كان في وقوعه مفردًا، وجملة فعلية وظرفًا، فترك الأصل والتزم الخبر فعلاً مضارعًا، ثم نبّه شذوذًا على الأصل المتروك بوقوعه مفردًا في: عسيت صائمًا، وما كدت آثبًا، وبوقوعه جملة اسمية في قوله: وقد جعلت قلوصُ بني سهيل ... من الأكوار مرتعُها قريبُ وبوقوعه جملة من فعل ماض مقدم عليه (كلما) في: (جعل كلما جاء ليخرج)، وفي (إذا) في قول الصاحب في الحديث الآخر: (فجعل الرجلُ إذا لم يستطع أن يخرج

أرسل رسولاً). وقول أنس في حديث الاستسقاء: (فما جعل يشير بيده إلى ناحية السماء إلا تعرضت) فيه غرابة، لأن أفعال الشروع إن صاحبها نفي كان مع خبرها نحو: جعلت لا ألهو. وقد ندر في هذا الحديث دخوله على جعل، وسهّل ذلك أن معنى (ما جعل يفعل) و (جعل لا يفعل) واحد. قوله: (وإذا حولَ الرجل من أكثر ولدان رأيتهم قطّ). قال الكرماني: فإن قلت: قال ابن مالك: جاز استعماله في المثبت والنحاة غفلوا عن ذلك. قلت: شرط (قط) أن لا يستعمل إلاّ في الماضي، فما وجهه هنا؟ قال الكرماني: ويحتمل أنه اكتفى بالنفي الذي يلزم من التركيب، إذ معناه: ما رأيتهم أكثر من ذلك، أو يقال إنّ النفي مقدّر. وقال الطيبي: أصل التركيب: وإذا حول الرجل ولدان ما رأيت ولدانًا قطّ أكثر منهم، يشهد له قوله: (لم أر روضة قطّ أعظم منها) ولما أن كان التركيب يفهم بمعنى النفي جاز زيادة مِنْ وقط التي تختص بالماضي المنفي. وقوله: (شطر) مبتدأ، و (كأحسن) خبره، والكاف زائدة، والجملة صفة أو حال. قوله: (الذي يُشقُّ رأسه فكذّاب). قال ابن مالك: فيه شاهد على أن الحكم قد يستحق لجر العلة، وذلك أن

398 - حديث: "لا يتعاطى أحدكم أسير أخيه فيقتله".

المبتدأ لا يجوز دخول الفاء على خبره إلا إذا كان بمن الشرطية أو ما أشبهها في العموم واستقبال ما يتم به المعنى نحو: الذي يأتيني فمكرم، إذ لم يقصد إتْيًا مُعيّنًا، فـ "الذي" على هذا التقدير بمنزلة (مَنْ) في العموم واستقبال ما بعدها، فجاز أن تدخل الفاء على خبرها لشبهه بجواب الشرط، فلو كان المقصود معيّنا زالت مشابهته (مَنْ) وامتنع دخول الفاء على الخبر كما يمتنع دخولها على أخبار المبتدءات المقصود بها التعيين نحو: زيد مكرم، فلو قلت: فمكرم، لم يجز. فكذلك يجوز: الذي يأتيني فمكرم إذا قصدت بـ (الذي يأتيني) معيّنًا، لكن (الذي يأتيني) عند قصد التعيين شبيه في اللفظ بـ (الذي يأتيني) عند قصد العموم، فيجوز دخول الفاء على خبره حملاً على الشبيه، وإن لم تكن العلة موجودة فيه. ويدل على أن العرب تعتبر مثل هذا، بناؤها (رقاشِ) وشبهه من أعلام الإناث المعدولة لشبهها بـ (نَزالِ) وشبهه من أسماء الأفعال. فإجراء الموصول المعين مجرى العام في إدخال الفاء على خبره كإجراء (رقاشِ) مجرى (نزالِ) في البناء، فهذا سبب إجازة دخول الفاء في قوله: (الذي رأيته يشقّ رأسه فكذاب). ونظير قوله تعالى: (وما أصابكم يوم التقى الجمعان فبإذن الله) [آل عمران: 166] فإنّ مدلول (ما) معيّن، ومدلول (أصابكم) ماض، إلا أنه روعي فيه الشبه اللفظي. فإنّ لفظ (ما أصابكم يوم التقى الجمعان) كلفظ (وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم) [الشورى: 30]، فأجريا في مصاحبة الفاء مجرى واحدًا. 398 - حديث: "لا يتعاطى أحدُكم أسيرَ أخيه فيقتلُه". قال أبو البقاء: الصواب (لا يتعاطَ) بغير ألف لأنه نهي. وقوله: (فيقتله)

399 - حديث: "إذا توضأ يوم الجمعة فبها ونعمت ... ".

منصوب في جواب النهي، ويجوز رفعه على معنى: فهو يقتله، وقد وقع في هذه الرواية (يتعاطى) بالألف، والأشبه أنه سهو، وإن وجد في كل الطرق هكذا فيؤول على وجهين: أحدهما: أن يكون نفيًا في اللفظ وهو نهي في المعنى كقوله تعالى: (لا تسفكون دماءكم) [البقرة: 84]، والثاني: أن يكون أشبع فتحة الطاء، فنشأت منها الألف كقوله: إذا العجوز غضبت فطلق ... ولا ترضاها ولا تملق 399 - حديث: "إذا توضأ يوم الجمعة فبها ونِعْمَتْ ... ". اختلف في مرجع الضمير في قوله: (فبها ونعمت) على أقوال: أحدها: ما قاله الأصمعي: معناه: فبالسنّة أخذ ونعمت الخصلة أو الفعلة ونحو ذلك. والثاني: قال أبو موسى المديني وابن الأثير في النهاية: الباء في (فبها) متعلقة بفعل مضمر، أي فبهذه الخصلة أو الفعلة - يعني الوضوء - ينال الفضل ونعمت، أي ونعمت الخصلة أو الفعلة، فحذف المخصوص بالمدح. الثالث: قال المنذري: فبالرخصة أخذ. الرابع: قال الحافظ زين الدين العراقي: أي فبطهارة الوضوء حصل الواجب في التطهر للجمعة، وهذه التاء في (ونعمت) هي تاء التأنيث الساكنة. قال ابن العربي: ومن الغفلة من يرفع التاء، وهو لحن، فلا تلتفتوا إليه.

400 - حديث: "على اليد ما أخذت حتى تؤدي".

400 - حديث: "على اليد ما أخذت حتى تؤدي". قال الطيبي: (ما) موصولة مبتدأ، و (على اليد) خبره، والراجع محذوف، أي ما أخذته، والإسناد إليها مجاز، والفعل لصاحبها. 401 - حديث: "إذا أتى أحدكم على ماشية". (أتى) متعدّ بنفسه، قال الطيبي: وعداه بـ (على) لتضمنه معنى (ترك). 402 - حديث: "أنه صلى الله عليه وسلم صلى على امرأة ماتت في نفاسها فقام وسطها". ضبطه ابن السَّمين وغيره بسكونها، وبه جزم النووي. وقال أهل اللغة: كل ما كان يبين بعضه من بعض كوسط الصف، والقلادة، والسبحة، وحلقة الناس، ونحو ذاك فهو وسْط بالإسكان، وما كان مُصْمَتًا لا يبين بعضه من بعض كالدار، والساحة والراحة فهو وَسَط بفتح السين. قال الأزهري: وقد أجازوا في المفتوح الإسكان، ولم يجيزوا في الساكن الفتح. انتهى. وقال الأندلسي في "شرح المفصل": أما وسَط ووسْط بالتحريك وبالسكون فظرف المكان منه هو المتحرك الذي يقع فيه الفعل كقولك: حفرت وسَط الدار، تريد حفرت بئرًا وسَط الدار، فالمكان المعبّر عنه بوسَط محفور فيه وليس المحفور، وإذا

403 - حديث: "من ملك ذا رحم محرم فهو حر".

أردت أن تُوقع الحفر على جميع المكان الذي يتوسط طرفي صحن الدار، حتى كأنك قسمت الصحن ثلاثة أقسام متساوية، ثم أردت أن تخبرك أنك أوقعت الحفر على جميع القسم المتوسط، لم يجز أن يُسكَّن بل يجب أن يستعمل المفتوح السين، لأنك إذا استغرقت المكان بالحفر فهو (مفعول به)، لا (فيه)، وقد شرطوا في (وسْط) ساكن الأوسط، أن لا يقع إلاّ على مكان هو مفعول فيه، فلو قلت: زرعت وسط الدار، لم يجز الإسكان، لأن الزرع واقع من نفسه، ولم يقع بشيء آخر، فيكون للوسط طرفان، فالاسم منه -الذي هو بتحريك السين - لا ينصبه الفعل، ولا يصل إليه إلا بحرف الجرّ، تقول: جلست وسَطَ الدار، أي: في موضع من الوسط، لأن (الوسْط) بالسكون، يقع على كل من في (الوَسَط) بالتحريك، وهو بالتحريك جزء لجميع ما يحويه حيطان الدار، فلا تقول حفرت وسط الدار، إلا أن تريد عموم ما يقع عليه الاسم. قال في الحواشي: (وَسْط) بسكون السين ظرف، وبحركتها اسم، فلو قلت: ضربته وسط رأسه، ولو قلت: وسط رأسه، فضرب رأسه، لأن الوسَط بالتحريك: الحرم، والوسْط - بالسكون - في ذلك الحرم. قال ابن كيسان: (الوسَط) في كلام العرب بالتحريك اسم للشيء الذي لا ينفك من الشيء المحيط به جوانبه، كوسط الرأس، ووسط الدار، وأما الشيء المحاط به فهو (وسْط) بالسكون، وهو الذي يصلح مكانه (بَيْن) تقول: دراهمك وسْط ثيابك، أي: بينها، وهو الظرف، فأقام مقامه (بين). ولو قلت: احتجم وسَط رأسه، لم يقع في موضعه (بين). ولو قلت: قعد وسْط القوم، وقع بموضعه (بين)، فهذا الفرق بينهما. وإن شئت (وسْط) بالسكون مثل داخل الدائرة، وبالتحريك مثل مركز الدائرة. انتهى. 403 - حديث: "من ملك ذا رحم مَحْرَمٍ فَهْوَ حرٌّ".

404 - حديث: "من حدث عني بحديث وهو يرى أنه كذب فهو أحد الكاذبين".

قال أبو البقاء: عادة الفقهاء المولعين بالتدقيق، يوردون على هذا الحديث وأمثاله إشكالاً وهو أن (مَنْ) مبتدأ يحتاج إلى خبر وخبره (فهو حرّ) و (هو) لا يعود على (مَنْ) بل على المملوك، فتبقى (مَنْ) لا عائد عليها. وهذا عند المحققين من النحويين ليس بشيء، وذلك أنّ خبر (مَنْ) هو (مَلَك)، وفي (مَلَك) ضمير يعود على (مَنْ)، وقوله: (فهو حرّ) جواب الشرط، وجواب الشرط يجوز أن يخلو من عائد على أداة الشرط، أو على الاسم الذي في حيز الشرط، مثاله: من يأتني أكرم زيدًا، وكذلك قوله: زيد إنْ يقمْ أكرمْ. فزيد هنا بمنزلة (مَنْ) في مثاله الأول. وأما حاجة الكلام إلى جواب الشرط فليس كحاجة المبتدأ إلى الخبر، بل هي حاجة ماله جواب إلى جواب، ألا ترى أن قولك: لولا زيد لأكرمتك، فلولا مفتقرة إلى جوبا، وجوابها ليس بخبر لاسمها. وقد قيل: تقدير الحديث: من مَلَك ذا رحم فهو حر بملكه. فحذف للعلم به. انتهى. 404 - حديث: "من حدّث عني بحديث وهو يرى أنّه كذبٌ فهو أحد الكاذبين". قال الشيخ أكمل الدين: (يرى) يجوز فيه فتح الياء وضمّها، ومعنى المضموم الظنّ، ومعنى المفتوح العلم. وقوله: (أنه كذب) سدّ مسدّ المفعولين. وقيل: المضموم يستعمل هنا بمعنى الوهم والتخييل نحو: أرى أنّ زيدًا منطلق، ومثل هذا المعنى: أزيد هنا. وفيه نظر، لأنه لا يجوز لأحد أن يدّعي الرؤية بمجرد الوهم والتخييل، فالحق أن يكون مفتوحًا بمعنى العلم. ويجوز أن يكون من الكاذبين لفظ تثنية ولفظ جمع.

405 - حديث: "كيف تقول في الضب؟ فقال: أمة مسخت من بني إسرائيل، فلا أدري أي الدواب مسخت".

وقال الطيبي: قوله: (أحد الكاذبين) من باب قولك: العلم أحد اللسانين، والخال أحد الأبوين. 405 - حديث: "كيف تقول في الضبِّ؟ فقال: أمَّةٌ مسخت من بني إسرائيل، فلا أدري أيَّ الدواب مسخت". قال أبو البقاء: قوله: (أمة مسخت) هو مبتدأ وما بعده الخبر، فإن قيل: فـ (أمة) نكرة، فكيف يُبتدأ بها؟ قيل: فيه جوابان أحدهما: أن (مسخت) نعت لـ (أمة) و (من بني) خبره، والنكرة إذا وصفت جاز الابتداء بها. والثاني أن (مسخت) الخبر، لأن (أمة) وإن كانت نكرة فقد أفاد الإخبار عنها فهو في المعنى كقوله: مسخت أمة. وأما قوله: (أيّ الدواب) فهو منصوب بـ (لا أدري) لأن الاستفهام لا يعمل فيه ما قبله، وفي انتصابه وجهان: أحدهما: هو حال تقديره: مسخت الأمة على وصف كذا، كما تقول: كيف جئت؟ أي ماشيًا أم راكبًا. والثاني: أن يكون مفعولاً، ويكون (مسخت) بمعنى صيرت أي: لا أدري أصيرت ضبًّا أم غيره. مسند سَوادة بن الربيع 406 - حديث: "مُرْ بنيك فلْيُقَلِّموا أظافيرهم لا يعبطوا بها ضروع مواشيهم". قال في "النهاية": المراد: أن لا يعبطوا، فحذف أن وأعملها مضمرة، وهو قليل.

مسند سهل بن الحنظلية رضي الله عنه

ويجوز أن تكون لا ناهية بعد أمر، فحذف النون للنهي. مسند سهل بن الحنظلية رضي الله عنه 407 - حديث هوازن قوله: (.. على بكرة أبيهم". قال البيضاوي: يقال: جاء القوم على بكرة أبيهم، أي جاءوا بأجمعهم، بحيث لم يبق منهم أحد، و"على" هنا بمعنى (مع). مسند سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه 408 - حديث اللعان، قوله: "وإن جاءت به أُحَيْمَرَ". قال الزركشي: كذا وقع غير منصرف، والصواب صرفه تصغير "أحمر". قوله: (يا رسول الله: ظلمتها إن أمسكتها، هي الطلاق وهي الطلاق وهي الطلاق) هو على حدّ قولهم: رجل عدل، فإما أن يكون أوقع المصدر موقع اسم الفاعل، أي: هي طالق، أو على حذف مضاف أي ذات الطلاق. 409 - حديث: "نهى عن بيع التمر بالتمر، إلا أنه رخّص في العرايا أن تباع بخرصها تمرًا يأكلها أهلها رُطَبًا".

410 - حديث: "كنت أتسحر في أهلي ثم تكون سرعة بي أن أدرك صلاة الفجر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم".

قال الطيبي: (تمرًا) يحتمل أن يكون حالاً مقدرة، ويؤيده قوله: (يأكلونها رطبًا) فإن (رطبًا) حال. 410 - حديث: "كنت أتسحّر في أهلي ثم تكون سرعة بي أن أدرك صلاة الفجر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم". قال الزركشي: (سرعة)، بالنصب خبر مقدم، وبالرفع في لغة من جوز الإخبار - في باب كان - عن النكرة بالمعرفة. قال القاضي عياض: هي بضم السين ورفع آخره على اسم كان. وقال الكرماني: (سرعة) بالرفع اسم كان، وهي إما تامة ولفظ (بي) متعلق بسرعة، أو ناقصة و (بي) خبره، أو (أن أدرك) خبره، التقدير: لأن أدرك، وبالنصب خبر كان والاسم ضمير يرجع إلى ما يدل عليه لفظ السرعة، أي: تكون السرعة سرعة حاصلة بي لأدرك الصلاة، أو يكون حالاً، أو صفة أو نصب على الاختصاص. 411 - حديث: "كان الناس يصلون مع النبي صلى الله عليه وسلم وهم عاقدي أزرهم من العفر على رقابهم". قال ابن مالك: ونظيره قول صاحبة المزادتين: (عهدي بالماء أمس، هذه

412 - حديث: "كانت فينا المرأة تجعل على أربعاء في مزرعة لها سلقا ... ".

الساعة، ونَفْرُنا خُلوفًا) قال: اعلموا وفقكم الله أن (عاقدي أزرهم) و (خلوفًا) منصوبان على الحال، وهما حالان سدتا مسدّ الخبرين المسندين إلى (هم) و (نفرنا). وتقدير الحديث الأول: وهم مؤتزرون عاقدي أزرهم. وتقدير الثاني: ونفرنا متروكون خلوفًا. ونظير هذين الحديثين (ونحن عصبةً) [يوسف: 14] بالنصب، وهي قراءة تُعزى إلى علي بن أبي طالب، وتقديرها: ونحن معه عصبةً، أو: ونحن نحفظه عصبةً. وهذا النوع من سدّ الحال مسدّ الخبر مع صلاحيتها لأن تجعل خبرًا شاذّ لا يكاد يستعمل، ومنه قول الزَّبَّاء: ما لِلْجِمال مشيُها وَئيدا ... أجَنْدَلاً يحملن أم حديدا فالوجه الجيد فيما كان من هذا القبيل الرفع بمقتضى الخبرية، والاستغناء عن تقدير خبر، وإنما يحسن سدّ الحال مسدّ الخبر إذا لم يصلح جعل الحال خبرًا: ضربي زيدًا قائمًا، وأكثر شري للسويق ملتوتًا، فلو جعل (قائمًا) خبرًا لـ (ضربي) و (ملتوتًا) خبرًا لـ (أكثر شربي) لم يصحّ فلذلك نصبا على الحال. وأما الأمثلة التي تقدمت، فجعل ما نصب فيها على الحال خبرًا صحيح لا ريب في صحته، فلذلك كان النصب ضعيفًا. 412 - حديث: "كانت فينا المرأة تجعل على أربعاءَ في مزرعةٍ لها سِلْقًا ... ". قول الزركشي: انتصب (سلقًا) على المفعولية، وعند الأصيلي بالرفع، ووجّهه

413 - حديث: "جاءت امرأة ببردة، فأخذها النبي صلى الله عليه وسلم محتاج إليها".

القاضي بأنه مفعول ما لم يسمّ فاعله بتُجْعل على أن تضم التاء منه، أو ليجعل على أربعاء في مزرعة، ثم استأنف فقال: لها سلق، أو يكون (سلق) مبتدأ وخبره لها ويكون. 413 - حديث: "جاءت امرأةٌ ببردةٍ، فأخذها النبي صلى الله عليه وسلم محتاج إليها". قال الكرماني: (محتاجًا) بالنصب، وروي بالرفع خبر مبتدأ محذوف، أي: وهو، والجملة في موضع الحال، قال: ويمكن أنه كتب على اللغة الربيعية، وهي أنهم يكتبون المنصوب بدون الألف. 414 - حديث: "يا أبا بكرٍ ما منعك حين أشير إليك لم تُصَلِّ". قال الكرماني: فإن قلت: هو مثل (ما منعك ألا تسجد) [الأعراف: 12]، وثمة صح أن يقال: (لا) زائدة، فما قولك هنا؟ إذْ لم لا تكون زائدة؟ قلت: (منعك) مجاز عن (دعاك) حملاً للنقيض على النقيض. قال السكاكي: والتعليق بين الصارف عن فعل الشيء والداعي إلى تركه يحتمل أن يكون (منعك) مرادًا به (دعاك).

415 - حديث: "ليدخلن الجنة من أمتي سبعون ألفا في سكون آخذ بعضهم بعضا".

قوله: (وكان أبو بكر لا يكاد يلتفت في الصلاة). قال ابن مالك: ويدخل ناف على (كاد) لنفي خبرها، ونفي مقاربته نحو: (إذا أخرج يده لم يكد يراها) [النور: 40]. ويدخل لنفي شموله إيقاع الفعل نحو: (لا يكادون يفقهون حديثًا) [النساء: 78]، ومنه: (كان أبو بكر لا يكاد يلتفت في الصلاة فالتفت). 415 - حديث: "ليدخلنّ الجنة من أمتي سبعون ألفًا في سكون آخذ بعضُهم بعضًا". قال النووي: هكذا هو في معظم الأصول سكون بالواو، و (آخذ) بالرفع، ووقع في بعض الأصول (متماسكين) بالياء، و (آخذًا) بالألف، وكلاهما صحيح. 416 - حديث: "أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى". قال الكرماني: أي: نازلاً مني منزلته، والباء زائدة.

417 - حديث: "حديث الحوض: "ليرد علي أقوام أعرفهم ويعرفوني ثم يحال بيني وبينهم".

417 - حديث: "حديث الحوض: "لَيَرِدُ علي أقوامٌ أعرفهم ويعرفوني ثم يحال بيني وبينهم". قال ابن مالك: فيه شاهد على وقوع المضارع المثبت المستقل جواب قسم غير مؤكد بالنون، وفيه غرابة، وهو مما زعم أكثر النحويين أنه لا يجوز إلاّ في الشعر، كقول الشاعر: لعمري ليجزى الفاعلون بفعلهم ... فإيّاك أن تعنى بغير جميل والصحيح أنه كثير في الشعر، قليل في النثر. 418 - حديث: "وفي القوم رجلٌ لا يدع شاذّةً ولا فاذّةً إلا اتبعها". قال عياض: أنّث الكلمة على معنى الغنمة، ويشبه الخارج بشاذة الغنم، ومعناه: أنه لا يدع أحدًا، على طريق المبالغة. قال ابن الأعرابي: يقال: فلان لا يدع شاذة ولا فاذة. إذا كان شجاعًا لا يلقاه أحدًا إلا قتله. وقال القرطبي: (الشاذة) الخارج عن الجماعة، و (الفاذة) المنفرد، وأنّث الكلمتين على جهة المبالغة كما قالوا: علاّمة ونسّابة. 419 - حديث: "التمس ولو خاتَمًا من حديد".

مسند شداد بن أسامة الهادي رضي الله عنه

قال القرطبي: (لو) فيه للتقليل، قال: وفي رواية: (ولو خاتم) بالرفع، أي ولو حضر خاتم. قوله: (زوجتكها بما معك من القرآن): قال الكرماني: ظاهره أنّ الباء للتعويض، ومنعه الحنفية، وقالوا: الباء للسببية، أي زوجتكها بسبب ما معك من القرآن. وقوله في الحديث: (إني قد وهبت من نفسي): قال النووي: هي من زيادات (مِنْ) في الموجب على رأي الأخفش والكوفيين. مسند شدّاد بن أسامة الهادي رضي الله عنه 420 - حديث: "خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم في إحدى صلاتي العشيّ الظهر أو العصر". قال أبو البقاء: بالجرّ على البدل من (إحدى)، ويجوز الرفع على تقدير: هي صلاة الظهر، والنصب على إضمار أعني. مسند شدّاد بن أوس رضي الله عنه 421 - حديث: "أنا خير قسيم لمن أشرك بي، من أشرك بي شيئًا فإن عملَه قليلُه وكثيرُه لشريكه الذي أشرك به".

422 - حديث: "وأسألك من خير ما تعلم".

قال أبو البقاء: (قليله وكثيره) بالنصب على البدل من العمل وإن شئت على التوكد، ويجوز الرفع على الابتداء و (لشريكه) خبره، والجملة خبر إنَّ. 422 - حديث: "وأسألك من خير ما تعلم". قال الطيبي: (ما) موصولة أو موصوفة، والعائد محذوف، و (مِنْ) يجوز أن تكون زائدة عند من يزيدها في الإثبات، أو بيانية والمبيّن محذوف، أي أسألك شيئًا هو خير ما تعلم. أو تبعيضية. 423 - حديث: "إنّ أخوف ما أخاف عليكم الرياء والشهوة الخفية". قال عبد الغافر الفارسي في "مجمع الغرائب": ذكر فيه الأزهري وجهًا لطيفًا وهو أنه انتصب (الشهوة) على أنه مفعول معه، والواو بمعنى مع، كأنه قال: أخوف مع أخاف عليكم الرياء مع الشهوة الخفية، ومعنى ذلك أنه يري الناس أنه تارك للمعاصي والشهوة ويخفي الشهوة لما في قلبه، فإذا خلا بنفسه عملها في خفية. مسند الشريد رضي الله عنه 424 - حديث أنه صلى الله عليه وسلم قال له: "هل معك من شعر أمية شيءٌ؟ قال: نعم، قال: هِيهِ".

قال الكرماني: (هيه) كلمة استزادة منونًا وغير منون مبنيًّا على الكسر. قال النووي: قال أهل اللغة: يقال في استزادة الشيء أي الحديث (إيه) إذا استزاده من حديث وعمل (إيه) بكسر الهمزة. قال الجوهري: (إيهِ) سمّى به الفعل لأنّ معناه الأمر، تقول للرجل إذا استزدته من حديث وعمل (إيه) بكسر الهمزة. قال ابن السكيت: هي لاستزادة من حديث أو عمل مقصود، وهي مبنية على الكسر، فإن وصلت نونته فقلت: (إيهٍ) حديثًا، أي: زدنا من هذا الحديث فإن أردت الاستزادة من حديث غير مقصود نونت فقلت: (إيهٍ)، لأن التنوين للتنكير. وأما (إيها) بالنصب فمعناها الكفّ والأمر بالسكوت. وقال ابن الشجري: إذا قلت (إيهِ) فإنما تأمره بأن يزيدك من الحديث المعهود بينكما كأنك قلت: هات الحديث. وإذا قلت: (إيهٍ) بالتنوين كأنك قلت: هات حديثًا ما، لأن التنوين تنكير، فأما إذا أسكتّه وكففته فإنك تقول (إيها) عنّا. قال النووي: رواه الجمهور من المتقدمين والمتأخرين (جاهد) بكسر الهاء وتنوين الدال (مجاهد) بضم الميم وتنوين الدال. قال القاضي: وجمع بين اللفظتين تأكيدًا. قال ابن الأنباري: العرب إذا بالغت في التوكيد وأعربوه بإعرابه فيقولون: جاد مجد، وليل لائل، وشعر شاعر ونحو ذلك. قال القاضي: رواه بعضهم: (جاهد) بفتح الهاء والدال على أنه فعل ماض (مجاهد) بفتح الميم ونصب الدال بلا تنوين. قال النووي: والأول أصح.

425 - حديث: "يا نعايا العرب" وفي رواية: "يا نعيان العرب".

425 - حديث: "يا نعايا العرب" وفي رواية: "يا نُعْيانَ العرب". قال الزمخشري: في نعايا ثلاثة أوجه: أحدهما: أن يكون جمع نعي وهو المصدر كصفيّ وصفايا. والثاني: أن يكون اسم جمع كما جاء في أخيه وأخايا. والثالث: أن يكون جمع نعاء التي هي اسم الفعل، والمعنى: يا نعايا العرب جئن فهذا وقتكنّ وزمانكنّ، يريد أن العرب قد هلكت. والنعيان مصدر بمعنى النعي، وقيل أنه جمع ناعٍ كراعٍ ورعيان. والمشهور في العربية أن العرب كانوا إذا مات منهم شريف أو قتل، بعثوا راكبًا إلى القبائل لينعوه يقال: نعاءِ فلانًا أو يا نعاءِ العربَ، أي هلك فلان أو هلكت العرب بموت فلان، فنعاءِ من نعيت مثل نظارِ ودراكِ تقول: نعاءِ فلانًا معناه انعِ فلانًا كما تقول: دراكِ فلانًا أي أدْرِكْ. فأما قوله: يا نعاءِ العربَ مع حرف النداء، فالمنادى محذوف تقديره: يا هذا انعِ العربَ، أو يا هؤلاء انعوا العربَ بموت فلان كقوله تعالى: (ألا يا اسجدوا) [النمل: 25] أي: يا هؤلاء اسجدوا. مسند صفوان بن أمية رضي الله عنه 426 - حديث: "أنه صلى الله عليه وسلم استعار منه يوم حنين أدراعًا، فقال: أغصبًا يا محمدُ؟ قال: بل عارِيَّةٌ مضمونة".

مسند صفوان بن عسال رضي الله عنه

قال أبو البقاء: قوله: (أغصبًا) هو منصوب على المصدر، ويجوز أن يكون حالاً أي: أتأخذها غصبًا، ويجوز أن يكون مفعولاً له أي: أتأخذها للغصب. وقوله: (بل عاريَّة) مرفوع، أي: بل هي عارية، ولو نصب جاز أي: أخذتها عاريّة، ويكون حالاً. مسند صفوان بن عسال رضي الله عنه 427 - حديث: "كان يأمرنا إذا كنّا سَفْرًا أن لا ننزع خفافنا ثلاثة أيام ولياليهن إلا من جنابة، ولكنْ من بولٍ وغائط ونوم". قال القاضي أبو بكر بن العربي في "شرح الترمذي": قوله: (إذا كنّا سفرًا) يعني مسافرين، وهي كلمة تقال للواحد والجمع والذكر والأنثى كالعدل والرضى والزور ونحوه. وقوله: (ولكن) حرف من حروف النسق، وهي تختص بالاستدراك بعد النفي غالبًا، وربما يستدرك بها الإثبات فتختصّ بالجملة دون المفرد، وعلى هذا ففي لفظ الحديث إشكال، لأن قوله: (أمرنا أن لا ننزعَ خفافنا إلاّ من جنابة) نفي معقب باستثناء، فيصير إيجابًا، وقوله بعد ذلك: (لكنْ) استدراك من إيجاب بمفرد، وذلك خلاف ما تقدم، وفيه نظر، ومعناه بعد تأمل وتمكن مقر في رسالة: "ملجئة المتفقهين إلى معرفة غوامض النحويين"، وتقريبه: أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن لا نمسك خفافنا في

428 - حديث: "قال يهودي لصاحبه: اذهب بنا إلى هذا النبي".

السفر مدة ثلاثة أيام ولياليهن المرخص فيهن الإمساك عند الجنابة لكن عند البول والغائط والنوم. انتهى. وقال الطيبي: (سَفْرًا) جمع مسافر كـ (تَجْر) جمع تاجر، وصَحْب جمع صاحب. وحقّ (لكنْ) أن تخالف ما بعدها لما قبلها نفيًا وإثباتًا تحقّقًا أو مآلاً، فالمعنى: أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ننزع خفافنا في الجنابة لكن لا ننزع ثلاثة أيام ولياليهنّ من بول أو غائظ وغيرهما إذا كنا سفرًا. فعلى هذا يلزم رد هذه الرواية على ما ذهب إليه التوربشتي بأن هذا ميل إلى المعنى دون اللفظ. قال ابن جني في قوله تعالى: (وما يخدعون إلا أنفسهم) [البقرة: 9] على قراءة عبد السلام بن شداد: هذا من أسد مذاهب العربية، وذلك أنه في موضع ملك فيه المعنى عنانات الكلام، فيأخذه إليه، ويصرفه بحسب مأثوره. انتهى. قلت: لفظ رواية (ولكنْ) بالواو، وقال ابن الخباز: ذكر البصريون أن لكنْ تزول عن العطف إذا دخلت عليها كقوله تعالى: (ولكن لا تعلمون) [الأعراف: 38]. 428 - حديث: "قال يهوديٌّ لصاحبه: اذهب بنا إلى هذا النبي". قال الطيبي: الباء في (بنا) بمعنى المصاحبة. قال: وقوله: (ولا تمشوا ببريء إلى ذي سلطان): الباء في (بريئ) للتعدية. وقوله: (خاصةً أن لا تعدوا في السبت) (عليكم): خبر لـ (أن لا تعدوا)، وقيل:

مسند الصعب بن جثامة الليثي رضي الله عنه

كلمة إغراء، و (أن لا تعدوا) مفعول أي الزموا واحفظوا ترك الاعتداء. و (خاصةً) منون حال، و (اليهود) معمول لفعله، أي: أخصّ اليهود خصوصًا. وفي بعض طرق الحديث (يهود) مضمومًا بلا لام على أنه منادى. انتهى. مسند الصعب بن جَثَّامة الليثي رضي الله عنه 429 - حديث: "إنّا لم نردَّه عليك إلاّ أنّا حُرُمٌ". قال الزركشي: (إنّ) الأولى مكسورة الهمزة لأنها ابتدائية، والثانية مفتوحة لأنه حذف منها لام التعليل، والأصل: إلاّ لأنّا، و (حرم) بضم الحاء والراء أي محرمون. والمشهور عند المحدثين فتح الدال من (نردّ)، وهو خلاف مذهب المحققين من النحاة وهو ضمّ الدال من كل مضعف مجزوم، أو موقوف اتصل به ضمير المذكر مراعاة للواو المتولدة عن ضمّة الهاء، ولم يحفلوا بالهاء لخفائها، وكأنهم أرادوا كما فتحوها مع هاء التأنيث مراعاة للألف. وقال ابن الأثير: لك في هذا النوع ثلاثة أوجه: فتح الدال. وردّه محققو شيوخنا من أهل العربية، وقالوا هذا غلط من الرواة، والصواب على مذهب سيبيوه في مثل هذا من المضاعف إذا دخلت الهاء أن يضم ما قبلها من الأمر ونحوه من المجزوم مراعاة للواو التي توحيها ضمّة لخفاء الهاء، فكأن ما قبلها ولي الواو، ولا يكون ما قبلها أي قبل الواو إلاّ مضمومًا، وهذا في المذكر، وأمّا المؤنث مثل: لم تردّها، فمفتوح الدال مراعاة للألف. وقال النووي بعد حكايته: أما (ردّها) ونظائره من المؤنث ففتحة الهاء لازمة

430 - حديث: "لا حمى إلا لله ولرسوله".

بالاتفاق. وأما "ردّه" ونحوه للمذكر ففيه ثلاثة أوجه: أفصحها وجوب الضم كما ذكر القاضي. والثاني: الكسر، وهو ضعيف. والثالث الفتح، وهو أضعف منه وممكن، ذكره ثعلب في الفصيح، لكن غلطوه، أي غلطوه لكونه أوهم فصاحته، ولم ينبّه على ضعفه. 430 - حديث: "لا حِمى إلاّ لله ولرسولِه". قال الكرماني: هو بدون التنوين، وروي بالتنوين على أنّ (لا) بمعنى ليس. مسند طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه 431 - حديث: "رأيتُ فيما يرى النائمُ كأنّي على باب الجنة إذا أنابهما". قال أبو البقاء: (إذا) هنا للمفاجأة، وهي ظرف مكان، والتقدير: فاجأني رؤيتهما، والتقدير في الإعراب: فبالمكان هما، وأكثر ما تستعمل بالفاء كقولك: خرجت فإذا زيد، وقد جاءت بغير فاء في جواب الشرط كقوله تعالى: (وإن تصبهم سيئة بما قدّمت أيديهم إذا هم يقنطون). قوله: (فلما بينهما أبعدُ): اللام هنا لام الابتداء، و (ما) بمعنى الذي وموضعها

432 - قال النووي: برفع (ثائر) صفة لرحل، وقيل يجوز نصبه على الحال.

رفع مبتدأ، و (أبعد) خبره. 432 - قال النووي: برفع (ثائر) صفة لرحل، وقيل يجوز نصبه على الحال. قال: وقوله: (إلاّ أن تطوع): المشهور فيه تشديد الطاء على إدغام إحدى التاءين فيها. وقال ابن الصلاح: هو محتمل التشديد والتخفيف على الحذف، قال أصحابنا وغيرهم من العلماء: هو استثناء منقطع، معناه: لكن يستحبّ لك أن تطوع. وجعله بعض العلماء استثناء متصلاً. قوله: (أفلح إنْ صدق): قال الزركشي: فيه ثلاثة أقوال: أحدها: أنه أخبر بفلاحه، ثم أعقبه بالشرط المتأخر لنبّه على أنّ سبب فلاحه صدقه. الثاني: أنه فعل ماض أريد به مستقبل. والثالث: تقدمه على حرف الشرط والنية به التأخير، كما أنّ النية في قول: (إنْ صدق) التقديم، والتقدير إنْ صدق أفلح. مسند طلق بن عليّ رضي الله عنه 433 - حديث: "لا وتران في ليلة".

مسند عامر بن ربيعة رضي الله عنه

قلت: كذا ورد، وكان مقتضى القاعدة العربية: لا وترين في ليلة، لأن اسم (لا) يبنى على ما ينصب به، فيبنى المفرد على الفتح نحو: لا رجلَ في الدار، والمثنى والجمع على الياء نحو: لا رجلين عندك، ولا مسلمِين عندك. وتخريج هذا الحديث على أنه على لغة من يجري المثنى بالألف في كل حال، ومنه قراءة من قرأ: (إنْ هذان لساحران) [طه: 63]، وقول الشاعر: قد بلغا في المجد غايتاها ونظير هذا الحديث حديث أبي سعيد: (لا صاعا تمرٍ بصاعٍ، ولا صاعا حنطة بصاع، ولا درهمان بدرهم) كذا في المسند. مسند عامر بن ربيعة رضي الله عنه 434 - حديث: "رأيتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لا أحصي يتسوّك وهو صائم". قال الطيبي: (يتسوك) ثاني مفعولي (رأيت) لأنه في الحقيقة، و (ما) موصوفة، و (لا أحصي) صفتها، وهي بحذف يتسوك، أي: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم متسوكًا مدة لا أقدر على عدّها.

435 - حديث

435 - حديث: قال ابن مالك في "توضيحه": قول عامر بن ربيعة: (إنْ كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يبعثنا ومالنا طعام إلا الكفّ من التمر) في غريب الحديث. وقول عبد الله بن يسر: (إنْ كنا فرغنا في هذه الساعة)، وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (وَايْمُ الله إنْ كان لخليقًا للإمارة وإنْ كان من أحبّ الناس إليّ)، وقول معاوية: (إنْ كان من أصدق هؤلاء يعني كعب الأحبار)، وقول نافع: (كان ابن عمر يعطي عن الكبير والصغير، حتى إن كان يعطي عن بنيّ). وقول عائشة: (إن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحب التيَّمُّن) في جامع المسانيد. تضمنت هذه الأحاديث استعمال (إنْ) المخففة المتروكة العمل عاريًا ما بعدها من اللام الفارقة لعدم الحاجة إليها، وذلك لأنه إذا خففت (إنّ) صار لفظها كلفظ (إن) النافية، فيخاف اللبس، أي التباس الإثبات بالنفي عند ترك العمل، فألزموا تالي ما بعد المخففة اللام فرقًا بين النفي والإثبات تحو: إن علمتك لفاضلاً. فاللام هنا لازمة، إذْ لو حذفت مع كون العمل متروكًا، وصلاحية الموضع للنفي لم يتبيّن

الإثبات، فلو لم يصلح للنفي جاز ثبوت اللام وحذفها كهذه الأحاديث، ومنه قول الشاعر: أنا ابنُ أباةِ الضَّيْم من آل مالك ... وإنْ مالكٌ كانت كرامَ المعادن وقول الآخر: إنْ كنت قاضي نحبي يوم بينكم ... لو لم تَمُنُّوا بوعد غيرَ توديعِ وقد أغفل النحويون جواز حذف اللام عند الاستغناء عنها بكون الموضع غير صالح للنفي. وجعلوها عند ترك العمل لازمة على الإطلاق ليجري الباب على سنن واحد. وحاملهم على ذلك عدم الاطلاع على شواهد السماع، فبيّنت إغفالهم، وأثبت الاحتجاج عليهم لا لهم. وأزيد على ذلك أن اللام الفارقة، إذا كان بعد ما ولي (إن) نفي، واللبس مأمون، فحذفها واجب كقول الشاعر: إن الحقُّ لا يخفى على ذي بصيرة ... وإنْ هو لم يعدمْ خلافَ معاند وقوله: أما إنْ علمتُ الله ليس بغافل ... لهان اصطباري أنْ بُليتُ بظالم وقال الشيخ بهاء الدين بن النحاس في التعليقة: في حديث عامر بن ربيعة المبدأ

مسند عبادة بن الصامت رضي الله عنه

به لم يأت باللام الفارقة بعد (إن) المخففة الملغاة لمّا كان المعنى لا يُلْبِس، ومثله قول الشاعر: إن وجدت الكريم يمنع أحيا ... نًا وما إنْ بذا يُعَدُّ بخيلا وأبيات أخر ترك في جميعها اللام لفهم المعنى. انتهى. قلت: الحديث أخرجه أحمد بلفظ: (لقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يبعثنا في السرية ما لنا زاد إلاّ السلف من التمر): إن ذلك من تصرف الرواة. وقال أبو حيان في "شرح التسهيل": حذف اللام فيما روى: (إن كان النبي صلى الله عليه وسلم يحب الحلو والعسل) والمعنى على الإثبات، ولا يحتمل النفي، لأنه قد علم من حالة النبي صلى الله عليه وسلم. مسند عبادة بن الصامت رضي الله عنه 436 - حديث: "ما على الأرض من نفس تموت ولها عند الله خير، تحبُّ أن ترجع إلاّ القتيل في سبيل الله عز وجل، فإنه يحبُّ أن يرجع فيقتل مرةً أخرى". قال أبو البقاء: قوله: (من نفس) في موضع رفع بالابتداء، و (تموت) في موضع جرّ صفة لـ (نفس) على اللفظ، أو في موضع رفع على الموضع. وقوله: (ولها عند الله) يجوز أن تكون (الواو) للحال، وصاحب الحال الضمير

437 - حديث: "لقد أعطاني الله حتى لو أطعمت أهل الجنة ما نقص ما عندي شيئا".

في (تموت)، ويجوز أن تكون الجملة صفة لنفس أيضًا كما قال تعالى: (وعسى أن تكرهوا شيئًا وهو خيرٌ لكم) [البقرة: 216]. وأما (تحبُّ) فهو في موضع خبر (ما)، إمّا نصبًا على رأي أهل الحجاز، أو رفع على اللغة التميمية، وعلى هذا تكون الجملة قد تمت، فيكون قوله: (إلا القتيل) واردًا بعد تمام الكلام، فلك أن ترفعه على البدل من (نفس) وأن تنصبه على أصل باب الاستثناء. وقوله: (أن يرجع فيقتل) كلاهما منصوب، لأن الثاني معطوف على الأول و (فيقتل) بالرفع ضعيف. 437 - حديث: "لقد أعطاني الله حتى لو أطعمتُ أهل الجنة ما نقص ما عندي شيئًا". قال أبو البقاء: انتصاب (شيئًا) على المصدر كقوله تعالى: (لا يضركم كيدهم شيئًا) [آل عمران: 120] وهو كثير، وهو من وضع العام موضع الخاص. 438 - حديث: "من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه".

439 - حديث: "لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب".

قال الكرماني: فإن قلت: الشرط ليس سببًا للجزاء، بل الأمر بالعكس قلت: مثله يؤول بالإخبار، أي: من أحبّ لقاء الله أخبره الله بأنّ الله أحب لقاءه، وكذلك الكراهة. 439 - حديث: "لا صلاةَ لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب". 440 - وحديث أبي سعيد: "أمرنا نبيُّنا صلى الله عليه وسلم أن نقرأ بفاتحة الكتاب وما تيسّر". 441 - وفي حديث تميم: "من قرأ بمائة آيةٍ كتب له قنوت ليلة". قال الأندلسي في "شرح المفصل": قولهم: قرأت السورة وقرأت بالسورة: من باب حذف الجار وإيصال الفعل، ومثله: سميته محمدًا، وبمحمد. وقيل: إنّ الباء زائدة والفعل من قسم المتعدي. وقال أبو الحسن بن أبي الربيع في "شرح الإيضاح": قولهم: قرأت بالسورة: الأصل فيه أن يصل بنفسه ويقال: قرأت السورةَ، فزيد حرف الجر لأنّ (قرأت) في معنى (تلوت)، و (تلوت) لا يتعدى إلاّ بنفسه، فقياس (قرأت) أن لا يتعدى إلاّ بنفسه. وقال أبو جعفر بن الزبيد في تعليقه على كتاب سيبويه: قال ابن الطراوة: إنّ للباء معنى في ذلك لا يكون بطرحها، لا تؤذن بالملازمة لماهية فيه. قال الشاعر: سود المحاجر لا يقرأن بالسُّوَرِ

أي: لا يلزمن ذلك لزوم الحرائر لتبذلهنّ وما يتوكد من الكيد عليهنّ. وقال أبو حيان: خرّج الشلوبين (قرأت بالسورة) على أنّ الباء للإلصاق، أي: التزمت قراءتي بالسورة. وقال ابن القيم في "البدائع": قولهم: قرأت الكتاب ونحوه يتعدى بنفسه، وأما (قرأت بأم القرآن)، وقرأت بسورة كذا، وحديث: (لا صلاةَ لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب) ففيه نكتة بديعة، قلّ من يتفطّن لها وهي أنّ الفعل إذا عدّى بنفسه فقلت: قرأت سورة كذا اقتضى اقتصارك عليها تخصيصها بالذكر وأمّا إذا عدّى بالباء فمعناه: لا صلاة لم لم يأت بهذه السورة في قراءته أو في صلاته في جملة ما يقرأ به، وهذا لا يعطي الاقتصار عليها، بل يشعر بقراءة غيرها معها، وتأمل قوله في الحديث: "يقرأ في الفجر بالمائة)، أي المائة، كيف تجد المعنى؟ أنه يقرأ فيما يقرأ به بعد الفاتحة بهذا العدد. وكذا قوله: قرأ بالأعراف وسورة قاف ونحو هذا، وإنما هو تعدية الفاتحة، وتأمل كيف لم يأت بالباء في قوله: (قرأ سورة النجم فسجد) الحديث، ولم يقل بسورة النجم، لأنه لم يكن في صلاة، فقرأها وحدها. وكذا قوله: (قرأ على الجنّ سورة الرحمن، وعلى أبي سورة لم يكن) ولم يقل بسورة، ولم يأت بالباء إلاّ في قراءة في الصلاة. قال: وإن شئت قلت هو مضمّن معنى صلى بسورة كذا، وقام بسورة كذا، وعلى هذا فيصبح هذا الإطلاق، وإن أتى بها وحدها قال: وهذا أحسن من الأول، إلا أنه

442 - حديث: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال وحوله عصابة".

لا يقال بالباء إذا قرأها خارج الصلاة. انتهى. 442 - حديث: "أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال وحولَه عصابة". قال الطيبي: جملة حالية، (وحوله) بالنصب لأنه ظرف، وهو خبر (عصابة). والعصابة - بكسر العين -: الجماعة من العشرة إلى الأربعين، ولا واحد لها من لفظها، وجمعها عصائب. وقوله: (ولا تأتون ببهتان) هو مصدر بهت بمعنى كذب عليه كذبة أبهتته. وقوله: (تفترون من بين أيديكم وأرجلكم) قال الهروي: أصل هذا كان بيعة النساء، وكنّى به عن نسبه المرأة الولد الذي تزني به أو تلتقطه إلى زوجها، ثم لمّا استعمل في بيعة الرجال احتيج إلى حمله على غير ما ورد فيه أولا. 443 - حديث: "من قال أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا عبده ورسوله، وأن عيسى عبد الله ورسوله وكلمته ألقاها إلى مريم، وروح منه .. ". قال الطيبي: الإضافة في (منه) للتشريف. روي أنّ عظيمًا من النصارى سمع قارئًا يقرأ: (وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه) [النساء: 171] قال لفقيه: هذا دين النصارى. يعني هذا يدل على أن عيسى بعض منه. فأجاب علي بن الحسين بردّ أورده صاحب كتاب النظائر: أن الله تعالى يقول أيضًا: (وسخّر لكم ما في السموات وما في الأرض جميعًا منه) [الجاثية: 13]، فلو أريد بقوله:

444 - حديث:" الذهب بالذهب". الحديث.

(وروحٌ منه) معناه: بعض منه، أو جزء منه، لكان قوله ههنا: (جميعًا منه) معناه: بعض منه، أو جزء منه، فأسلم النصراني. ومعنى الآية أنه تعالى سخّر هذه الأشياء كائنة منه، وحاصلة من عنده يعني أنه مكونها وموجدها بقدرته وحكمته. وقوله: (وإنّ الجنة وإن النارَ حق) أخبر عنهما بقوله: (حقّ) وهو مصدر، مبالغة في حقيقته، وأنهما عين الحق، كقولك: زيد عدل. وقوله: (أدخله الله الجنة على ما كان عليه من العمل): التعريف في (العمل) للعهد، والإشارة به إلى الكبائر، والدليل عليه أمثال قوله: (وإنْ زنى وإنْ سرق) في حديث أبي ذرّ. وقوله: (على ما كان) حل كما في قول الحماسي: فواللهِ لا أنسى قتيلاً رُزِئْتُهُ ... بجانب قُوسى ما بقيتُ على الأرضِ على أنّه تعفو الكلوم وإنّما ... نُوكّل بالأدنى وإنْ جلَّ ما يمضي قال أبو البقاء: (على) وما يتصل بها حال، أي: ما أنسى هذا الرزء في حال الكلوم، أي حال مخالفة لحال غيري في استدامة الحزن. فالمعنى: من شهد لا إله إلا الله يدخل الجنة في حال استحقاقه العذاب بموجب أعماله من الكبائر، أي حال هذا مخالفة للقياس في دخول الجنة. انتهى ما في شرح المشكاة. 444 - حديث:" الذهب بالذهب". الحديث. قال الطيبي: انتصاب: (مثلاً بمثل) و (يدًا بيد) على الحال والعامل متعلق الجار

445 - حديث: "البكر بالبكر جلد مائة".

الذي هو قوله (بالذهب) وصاحبها الضمير المستكن فيه، أي الذهب مباع بالذهب متماثلين مقبوضين يدًا بيد، ونظيره، مررت بزيد وعمر راكبين. 445 - حديث: "البِكْرُ بالبكر جلدُ مائةٍ". قال الطيبي: (البكر بالبكر) مبتدأ، و (جلد مائة) خبره، أي حدّنا البكر جلد مائة. 446 - حديث: "بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على السمع والطاعة". قال الطيبي: عدّى (بايعنا) بعلى لتضمنه معنى عاهده، وعلى في قوله (وعلى أثَرَةٍ) ليست صلة المبايعة بل هي متعلقة بمقدر، أي بايعناه على أن نصبر على أثرة علينا. وقوله: (لا يخاف في الله لومة لائم) حال، إما من فاعل نقول أي: غير خائفين، أو استئناف.

447 - حديث: "خمس صلوات افترضهن الله".

وقوله: (برهان) مبتدأ، و (عندكم) خبره، و (من الله) متعلق بالظرف أو حال أي: حاصل عندكم كائنًا من الله، أي من دين الله. 447 - حديث: "خمسُ صلوات افترضهنّ الله". قال الطيبي: (خمس صلوات) مبتدأ، و (افترضهن) صفة، والجملة الشرطية بعده خبر، وهي قوله: (من أحسن وضوءهن) الخ. وقوله: (فإن له على الله عهدًا أن يغفر له) قال الطيبي: (أن يغفر) على حذف الباء، فإنّ العهد في معنى الوعد كما يقال: وعد بكذا. مسند عبد الله بن جعفر رضي الله عنه 448 - حديث: "رأيتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يأكل القثاءَ بالرطبِ". قال الكرماني: الباء للمصاحبة والملاصقة.

مسند العباس عم النبي صلى الله عليه وسلم ورضي الله عنه

مسند العباس عم النبي صلى الله عليه وسلم ورضي الله عنه 449 - حديث حنين، قوله: "هذا حين حمي الوطيس". قال الطيبي: (هذا) مبتدأ والخبر محذوف، و (حين) مبني لإضافته إلى المبني، متعلق باسم الإشارة، أي هذا القتال حين اشتدّ الحرب. وقوله: (حمي الوطيس) من فصيح الكلم، ولم يسمع من أحد قبل النبي صلى الله عليه وسلم. وقوله: (يا لبيك) المنادى محذوف، أي يا قوم. وقوله: (ما هو إلا أن رماهم) يعني ليس انهزامهم سوى رميهم بالحصيات، ويحتمل أن يكون الضمير عبارة عن الأمر والشأن، ويكون المستثنى هو منه، أي من الضمير. مسند عبد الله بن الزبير رضي الله عنه 450 - حديث، قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اسق يا زبيرُ، ثم أرسل الماء. فقال الأنصاريُّ: إنّه ابن عمّتك".

مسند عبد الله بن زيد رضي الله عنه

قال ابن مالك: يجوز في (أنّ) الكسر والفتح لأنها واقعة بعد كلام معلل بمضمون ما صدّر بها، وإذا كسرت قدّر قبلها الفاء، وإذا فتحت قدر قبلها اللام، والكسر أجود، وقد ثبت الوجهان في قوله تعالى: (ندعوه أنه هو البر الرحيم) [الطور: 28]. مسند عبد الله بن زيد رضي الله عنه 451 - حديث: "رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في المسجد مستلقيًا". قال ابن السيد: كذا رواه أهل الحديث (مستلقيًا)، وأنكره بعض النحويين وقال: إنما استلقى إذا رقد على قفاه، ولا يقال استلقى، ومن قال استلقى فالوجه فيه أن يكون بمعنى ألقى، وجيء استفعل بمعنى أفعل قليل عزيز، ولم يريد إلا في ألفاظ معدودة، كاستوقد نارًا، أي أوقد، واستجاب بمعنى أجاب. 452 - حديث الوضوء، قوله: "فمسح برأسه".

قال القرطبي: الباء في (برأسه) للتعدية التي يجوز حذفها وإثباتها كقولك: مسح برأس اليتيم ومسح رأسَه، وسميت النبي بمحمد، ومحمدًا، ولا يصح أن تكون للتبعيض خلافًا للشافعي، لأن المحققين من أئمة النحو البصريين، وأكثر الكوفيين أنكروا ذلك، ولأنها لو كانت للتبعيض لكان قولك: مسحت رأسه، كقولك: مسحت بعض رأسه، ولو كان كذلك لما حسُنَ أن يقول: مسحت ببعض رأسه ولا برأسه بعضه، لأنه كان يكون تكريرًا، ولا مسحت رأسه كله، لأنه كان يكون مناقضًا له، ولو كانت للتبعيض لما جاز إسقاطها، فإنه يقال: مسحت برأسه، ومسحت رأسه، بمعنى واحد. انتهى. وقال النووي في شرح المهذب: نقل أصحابنا عن بعض أهل العربية أن الباء في (وامسحوا برءوسكم) [المائدة: 6] للتبعيض. وقال جماعة منهم: إذا دخلت الباء على فعل يتعدى بنفسه كانت للتبعيض كقوله تعالى: (وامسحوا برءوسكم)، فإن لم يتعدّ فللإلصاق كقوله تعالى: (وليَطَّوَّفوا بالبيت العتيق) [الحج: 29]. وقال ابن الخباز في "شرح الدرة": الباء تزاد مع المنصوب كقوله تعالى: (وامسحوا برءوسكم). وقال بعض الفقهاء هي للتبعيض وهو غير معروف. وقال الفارسي في "التذكرة": الباء في (وامسحوا برءوسكم) معناها الإلصاق. وقول بعض النحويين إنها للتبعيض له وجه، وذلك أنه رأى هذه التي تستعمل كالقلم والقدّوم ونحوها إنما العمل في هذه الأسماء ببعضها لا بجميعها فقال: الباء للتبعيض.

مسند عبد الله بن عباس رضي الله عنه

وقال المالقي في "رصف المباني": الصحيح أن الباء في ذلك للإلصاق. وقال صاحب البسيط: لم يذكر أحد من النحويين أن الباء للتبعيض، وقيل تكون له نحو: مسحت بالمنديل، ومسحت المنديل، وأخذت زمام الناقة وأخذت بزمامها. انتهى. قلت: فتلخص أن في هذه الباء أربعة أوجه: للإلصاق وللتبعيض، وللتعدية، وزائدة. مسند عبد الله بن عباس رضي الله عنه 453 - حديث: "نزلت هذه الآية ورسول الله صلى الله عليه وسلم متواريًا بمكة: ولا تجهرْ بصلاتك". قال أبو البقاء: هكذا وقع في هذه الرواية، والوجه فيه أن قوله: (ورسول الله) مبتدأ، و (بمكة) خبره، و (متواريًا) حال من الضمير المقدّر في الجار، والعامل فيه الجار أو الاستقرار الذي دلّ عليه الجار أي: ورسول الله صلى الله عليه وسلم مستقر بمكة متواريًا. 454 - حديث: "من همَّ بحسنة فلم يعملها كتبت له حسنة".

455 - حديث: "اللهم اجعل في قلبي نورا، وفي بصري نورا، وفي سمعي نورا، وعن يميني نورا، وخلفي نورا، وأعظم لي نورا".

قال أبو البقاء: يجوز في (حسنة) وجهان: أحدهما: الرفع على أن يكون هو القائم مقام الفاعل أي: كتب له حسنة، وليس في هذا ذكر الحسنة المهتم بها، بل معناه إثابة الله على همّه بالحسنة بأن كتب له حسنة، وليس المعنى كتبها له. والثاني: النصب على معنى كتبت الخصلة التي هم بها حسنة، وانتصابها على الحال أي: أثبتت له مُثابًا عليها. ويجوز أن يكون مفعولاً به، لأن المعنى كتب الله له حسنة أي أثبت له حسنة، أو صيّرها حسنة، وهذا هو القول في (عشر) و (واحدة). 455 - حديث: "اللهم اجعل في قلبي نورًا، وفي بصري نورًا، وفي سمعي نورًا، وعن يميني نورًا، وخلفي نورًا، وأَعْظِمْ لي نورًا". قال الطيبي: فإن قلت: كيف عدّى الفعل في الثلاثة الأول بفي، وفي الاثنين بعدها بعن، وفي الأربعة الباقية بنفسه؟ قلت: سألوا نحوه صاحب "الكشاف" في قوله تعالى: (ثم لآتينهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم) [الأعراف: 17] وأجاب: المفعول فيه الذي إليه الفعل نحو تعديته إلى المفعول به، فلما اختلفت حروف التعدية في ذلك اختلفت في هذه، وكانت لغة تؤخذ ولا تقاس، وإنما يفتّش عن صحة موقعها، يقولون: جلس عن يمينه، وعلى يمينه، وعن شماله، وعلى شماله، قلنا معنى على يمينه: أنه تمكن من جهة اليمين تمكن المستعلى عليه، ومعنى عن يمينه: جلس

456 - حديث التسبيح، قوله: "عشر خصال".

متجاوزًا عن صاحب اليمين، منحرفًا عنه، غير ملاصق له، وكذا ما نحن بصدده. خصّ القلب والبصر والسمع بفي الظرفية، لأن القلب مقر الفكر في آلاء الله ونعمائها ومكانها معدنها. والبصر شارح آيات الله المنصوبة والمبثوثة في الآفاق والأنفس. والأسماع مرائي أنوار وحي الله ومحط آياته المنزلة على أنبياء الله. و (اليمين والشمال) خُصّا بعن للإيذان بأنه تجاوز الأنوار عن قلبه وبصره وسمعه إلى عن يمينه وشماله من الخلق، وعزلت (فوق وتحت وأمام وخلف) من الجار لتشهد استنارته وإنارته من الله والخلق. 456 - حديث التسبيح، قوله: "عشْرَ خصال". قال التوربشتي: من نصبه فالمعنى: خذها، أو دونك عشر خصال، مفعول تنازعت عليه الأفعال قبله. ومعنى قوله: أفعل بك عشر خصال: أصيرك ذا عشر خصال، والمراد بها التسبيحات لأنها فيما سوى القيام عشر عشر. وقال الطيبي: معنى قوله: (ألا أفعل بك) ألا أقول، بما أن فعلته تصير ذا عشر خصال، والعشر سبب لمغفرة الذنوب بأسرها. قوله: (أوله وآخره، قديمه وحديثه) إلى آخره: بدل من قوله: (ذنبك). وقوله: (أن تصلي) خبر مبتدأ محذوف، أي: المأمور به هو أن تصلي. 457 - حديث: "ماتت شاة لسودة فقالت: يا رسول الله، ماتت فلانة، تعني الشاةَ".

458 - حديث: "من لعن شيئا ليس له بأهل رجعت اللعنة عليه".

قال ابن مالك في "شرح التسهيل": فلان وفلانة يكنى بها عن أعلام أولي العلم، ودعتهم الحاجة إلى الكناية عن أعلام البهائم المألوفة، فكنوا عن مذكرها بفلان، وعن مؤنثها بالفلانة، فزادوا الألف واللام فرقًا بين الكنايتين. وذكر الجوهري مثله. قال النووي في "تهذيب الأسماء واللغات": وقد ورد في هذا الحديث (فلانة) تعني الشاة، بغير ألف ولام، هكذا في النسخ المعتمدة وهذا تصريح بجوزاه. فيهما لغتان. 458 - حديث: "من لعن شيئًا ليس له بأهل رجعت اللعنة عليه". قال الطيبي: (ليس له): صفة (شيئًا) واسمه ضمير راجع إليه، والضمير في (له) راجع إلى مصدر (لعن). وفي (عليه) أي في (على) تضمين (رجعت) معنى اشتملت. 459 - حديث: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجودَ الناس بالخير، وكان أجودُ ... ". بالرفع على المشهور، إمّا على أنه اسم كان وخبرها محذوف، وهو نحو: أخطب ما يكون الأمير في يوم الجمعة، أو هو مبتدأ مضاف إلى المصدر، وهو (ما يكون) و (ما) مصدرية، وخبره (في رمضان) تقديره: أجود أكوانه في رمضان، والجملة بكمالها خبر كان، واسمها ضمير عائد على رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وروي بالنصب على أنه خبر كان، وتعقب بأنه يلزم منه أن يكون خبرها اسمها. وأجيب بجعل اسم كان ضمير النبي، وأجود: خبرها، ولا يضاف إلى (ما) بل تجعل (ما) مصدرية نائبة عن ظرف الزمان، والتقدير: وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم مدة كونه في رمضان أجود منه في غيره. وقال ابن الحاجب في "أماليه": الرفع في (أجود) الثاني هو الوجه، لأنك إن جعلت في (كان) ضميرًا يعود إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن (أجود) بمجرده خبرًا، لأنه مضاف إلى (ما يكون)، فهو كون، ولا يستقيم الخبر بالكون عما ليس بكون، ألا ترى أنك لا تقول: زيد أجود ما يكون. فيجوز أن يكون إما مبتدأ خبره قوله: (في رمضان) من قولهم: أخطب ما يكون الأمير قائمًا. وإن نصبت جعلت (في رمضان) هو الخبر كقولهم: جرى في الدار، لأن المعنى الكون الذي هو أجود الأكوان حاصل في هذا الوقت، فلا يتعين أن يكون من باب: أخطب ما يكون الأمير قائمًا. انتهى. وقال النووي: الرفع أشهر، والنصب جائز، وذكر أنه سأل شيخه ابن مالك، فخرج الرفع من ثلاثة أوجه، والنصب من وجهين، ثم وقفت على كلام ابن مالك في ذلك فقال: (أجود) المسؤول عنه في رفعه ثلاثة أوجه: أحدها: أن يكون اسم كان مضافًا إلى (ما) المصدرية الموصولة بـ (يكون)، وتكون هنا تامة رافعة فاعل مستكنّ عائد على رسول الله صلى الله عليه وسلم. و (في رمضان) خبر كان، والتقدير: وكان أجود كون رسول الله صلى الله عليه وسلم في رمضان. وفي هذا إيجاز بليغ تستعمل العرب أمثاله كثيرًا عند قصد المبالغة، وذلك أن (أجود) أفعل التفضيل مضاف إلى الكون، فهو إذن كون، لأن أفعل التفضيل لا يضاف إلاّ إلى ما هو بعضه، ويلزم كونه يكون أكوانه صلى الله عليه وسلم كلها متصفة بالجود، وأجودها كونه رمضان، كما لزم ذلك في قول بعض العرب: أخطب ما يكون الأمير قائمًا. وهو من باب وصف المعاني بما يوصف به الأعيان كقولهم: شِعرٌ شاعرٌ، وجهادٌ جاهدٌ، وموتٌ مائتٌ، وآيةٌ مبصرةٌ،

وجودُك أجودُ من جوده. والثاني: أن يكون اسم (كان) ضميرًا عائدًا على رسول الله صلى الله عليه وسلم، و (أجود) مضاف إلى (ما يكون) على ما تقدم، وهو مبتدأ خبره (في رمضان) والجملة خبر كان، وهو أيضًا من وصف المعاني بما يوصف به الأعيان. والثالث: أن يجعل اسم كان ضميرًا راجعًا إلى الجود الذي تضمنه الأول، كما رجع الضمير إلى الصفة في قول الشاعر: إذا نُهِيَ السفيهُ جرى إليه ... وخالف والسفيهُ إلى خلافِ والتقدير على هذا: وكان جود أجود كونه في رمضان، وأجود: مبتدأ، وفي رمضان: خبره، والجملة خبر كان. ويجوز أن ينصب (أجود)، وفي نصبه وجهان: إما أن يجعل اسم كان ضمير النبي صلى الله عليه وسلم، ويجعل (أجود) خبرها، ولا يضاف إلى (ما)، بل يجعل (ما) مصدرية نائبة عن ظرف الزمان، ويكون التقدير: وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم مدة كونه في رمضان أجود منه في غير رمضان. وفي هذا الوجه استعمال أفعل التفضيل منكّرًا غير مصاحب لـ (مِنْ) وهو قليل الوقوع. والثاني من وجهي النصب: أن يجعل اسم كان ضميرًا عائدًا على الجود الذي تضمنه (أجود) الأول، ويجعل (أجود) الثاني خبر كان مضافًا إلى (ما)، وهي نكرة موصوفة، و (في رمضان) يتعلق بكان، والتقدير: وكان جوده في رمضان أجود شيء كائن. انتهى.

قال الشيخ ولي الدين العراقي فيما وجد بخطه: لا يتعين على هذا الوجه أن يجعل اسم كان ضميرًا عائدًا على الجود، بل يمكن أن يكون عائدًا على النبي صلى الله عليه وسلم وتقديره: وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم في رمضان أجود شيء كائن. فإن قلت: يلزم على ذلك أن لا يكون في غير رمضان كذلك، قلت: وكذا التقدير يلزم على التقدير الذي قدره الشيخ. وقال ابن الربيع في "شرح الإيضاح" (في أواخر باب الابتداء): مسألة تقول: زيد أحسن ما يكون يوم الجمعة: فيوم الجمعة خبر لأحسن، والجملة خبر لزيد. وإذا رفعت (يوم الجمعة)، فيكون التقدير: أحسن أكوانه يوم الجمعة، كأنه قال: أحسن أيامه يوم الجمعة، كما قالوا: نهاره صائم. فإذا قلت: أحسن ما يكون في يوم الجمعة، فيكون المجرور خبرًا لأحسن والجملة خبر لزيد، وعلى هذا جاء الحديث: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان)، فقوله: (في رمضان) خبر لأجود، والجملة خبر لكان، واسم كان مضمر يعود إليه عليه السلام. وقال شيخنا سراج الدين البُلْقيني: ويجتمع من كلام ابن الحاجب وابن مالك في وجه الرفع أوجه. انتهى. وقال الكرماني: (أجود) بالرفع لأنه اسم كان، وخبره محذوف حذفًا واجبًا، إذ هو نحو: أخطب ما يكون الأمير قائمًا. ولفظة (ما) مصدرية، أي: أجود أكوان الرسول، (في رمضان) في محل الحال، واقع موقع الخبر الذي هو حاصل. و (حين يلقاه): حال من الضمير الموجود في (حاصل) المقدر، فهو حال عن حال، ومثلها يسمّى بالحالين المتداخلتين، ومعناه: كان أجود أوانه حاصل في رمضان عند الملاقاة. ويحتمل في (كان) ضمير الشأن، فيكون المعنى: كان الشيء أجود أكوانه حاصل في رمضان عند الملاقاة.

460 - حديث: "يا بني لا ترموا الجمرة حتى تطلع الشمس".

وقيل الوقت مقدر كما في: مَقْدَم الحاج، أي: كان أجود أوقات أكوانه وقت كونه في رمضان، وإسناد الجود إلى أوقاته صلى الله عليه وسلم على سبيل المبالغة كإسناد الصوم إلى النهار في نحو: نهاره صائم. قال: وقوله: (حين يلقاه) يحتمل كون الضمير المرفوع لجبريل والمنصوب للرسول، وبالعكس. قوله: (فيدارسه القرآن) بالنصب للقرآن لأنه المفعول الثاني للمدارسة، إذ الفعل المتعدي إذا نقل إلى باب المفاعلة يصير متعدّيًا إلى اثنين نحو: جاذبته الثوب، ومعناه: أنهما يتناوبان في قراءة القرآن كما هو عادة القراء بأن يقرأ هذا عشر والآخر عشر، أو أنهما يتشاركان في القراءة حتى يقرآ معًا. قوله: (فلَرسولُ الله صلى الله عليه وسلم) قال الزركشي: اللام جواب قسم مقدر. وقال الحافظ ابن حجر: الفاء للسببية، واللام للابتداء زيدت على المبتدأ تأكيدًا، أو هي جواب قسم مقدّر. 460 - حديث: "يا بَنِيَّ لا ترموا الجمرة حتى تطلعَ الشمسُ". قال ابن فلاح في المغني: مما ألحق بصيغة الجمع قوله عليه السلام لأغلمة بني عبد المطلب: (يا بنيّ لا ترموا جمرة العقبة حتى تطلع الشمس)، وقول الشاعر: زعمتْ تُماضِرُ أنني إمّا أمُتْ ... يسْدُدْ أُبَيْنُوها الأصاغِرُ خَلَّتِي

461 - حديث: "سبحان الله عدد خلقه، وسبحان الله رضى نفسه، وسبحان الله زنة

ومذهب البصريين أنه تصغير أبْنى على وزن أفْعل كأضحى، وهو اسم للجمع، مذهب الكوفيين أنه تصغير ابن مثل أدْل، ووزنه فعْل. ومذهب أبي عبد الله أنه تصغير بنين. وقال صاحب "النهاية": قد اختلف في هذه اللفظة: فقيل هي تصغير أبْنى كأعمى وأعيمى، وهو اسم مفرد يدل على الجمع، وقيل إنّ ابنًا يجمع على أبناء مقصورًا وممدودًا، وقيل هي تصغير ابن وفيه نظر. وقال أبو عبيد: هي تصغير بنيّ جمع ابن مضافًا إلى النفس، فهذا يوجب أن يكون صيغة اللفظة في الحديث أُبَيْنِيّ بوزن سُرَيْجِيّ. وقال ابن الحاجب في "أماليه": الأولى أن يقال إنه تصغير بنيّ مجموعًا، وكان أصله بنين، لأنه يكون أضفته إلى ياء المتكلم فصار بنوي في الرفع، وبنيّ في النصب والجرّ، فوجب أن يقلب الواو ياء ويدغم على ما هو قياسها في مثل قولك: ضاربيّ، وكذلك النصب والجر، ولذلك كان لفظ ضاربيّ في الأحوال الثلاث سواء، كرهوا اجتماع الياءات والكسرة فقلبوا اللام إلى موضع الفاء أبينيّ،، وليس في هذا الوجه إلا قلب اللام إلى موضع الفاء. وهو قريب لما ذكرناه من الاستثقال، وقلب الواو المضمومة همزة، وهو جائز قياسًا، وهذا أولى من قول من يقول إنه تصغير أبناء ردًّا إلى الواحد وروعي مشاكلة الهمزة لأنه لو كان تصغيرًا لقيل أبينائي، ولم يردّ إلى الواحد، لأن (أفعالاً) من جمع القلة فيصغر من غير ردّ كقولك: أحيمال، وهو أيضًا أولى من قول من قال: إنه جمع للأبناء صغّر وجمع بالواو والنون لأنه لا يعرف ذلك مفردًا، فلا ينبغي أن يحمل الجمع عليه، ولأنه لا يجمع أفعل اسمًا جمع التصحيح. انتهى. 461 - حديث: "سبحان الله عدد خلقه، وسبحان الله رضى نفسه، وسبحان الله زنة

عرشه، وسبحان الله مداد كلماته". سئلت قديمًا عن وجه نصب (زنة عرشه) فأجبت بأنه نصب على الظرف، فاستغربه جاهلون، وخلطوا فيما ليس لهم به علم، فألفت في ذلك تأليفًا سميته: رفع السِّنَة في نصب الزِّنَة، وها هو ذا: بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله الذي لا تأخذه سنة ولا نوم، ولا يقدر لعرشه زنة، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الذي نزل عليه أفصح الحديث وأحسنه وبعد، فقد سئلت عن وجه النصب في قوله صلى الله عليه وسلم: (سبحان الله وبحمده، زنة عرشه ورضى نفسه وعدد خلقه ومداد كلماته)، والجواب عندي أن هذه الكلمات الأربع منصوبات على تقدير الظرف، والتقدير: قدرَ زنة عرشه، وكذا البواقي، فلما حذف الظرف قام المضاف إليه مقامه في إعرابه، فهذا الإعراب هو المتجه المطرد السالم من الانتقاض. وقد ذكر السائل أنه هل يصحّ أن يكون منصوبًا على الحال أو المصدر أو على حذف الخافض؟ وأقول: أمّا النصب على المصدر فقد ذكره المظهري في "شرح المصابيح" قال: (عدد خلقه) منصوب على المصدر، أي: أعدّ تسبيحه وتحميده بعدد خلقه، وبمقدار ما يرضاه خالصًا، وبثقل عرشه ومقداره بمقدار كلماته. وسبقه إلى ذلك الأشرفي في شرحه قال: (عددَ خلقه) وكذلك ما بعده منصوب على المصدر أي: سبحته تسبيحًا يساوي خلقَه عند التعداد، وزنة عرشه ومداد كلماته في المقدار يوجب رضى نفسه. انتهى.

فإن أراد بذلك أنه نفسه مصدر، وأنه منصوب على أنه مفعول مطلق فلا يخفى ما فيه، فإنه لا يكون مصدرًا للتسبيح كما هو واضح، بل يكون مصدرًا لفعل من الزنة، ويكون التقدير: سبحان الله أزِنُهُ زنةَ عرشه، ولا يخفى فساد هذا التقدير، لأنه ليس المراد إنشاء وزن التسبيح، بل المراد إنشاء قول التسبيح، والمعنى: أقول سبحان الله قولاً كثيرًا مقدار زنة عرشه في الكثرة والعظم. وعلى تقدير فعل الزنة يكون المعنى: أزن التسبيح زنة عرشه، وهو ظاهر الفساد. ثم إذا قدّر في الأخرى: أعدّه عدد خلقه، كما أفصح به المظهري، أدّى إلى أن المعنى: أنشأ عدّ التسبيح، وليس مرادًا، بل المراد: قوله قولاً عدد خلقه. ثم لا يمكنه ذلك في رضى نفسه، فإن قيل: أُرْضيه رضى نفسه، قلنا حينئذ يعود الضمير على غير التسبيح، وهو في أزنه وأعدّه عائد على التسبيح، فيختل التناسق في الكلمات، ثم لا يمكن ذلك في (مداد كلماته) بلا مرية. ويبقى على كلام المظهري تعقّبان: أحدهما: أنّ عددًا لو كان مصدرًا لم يجئ بالفك لأنه مصدر عدّ بالتشديد كردّ وسدّ قال تعالى: (إنّما نعدُّ لهم عدًّا) [مريم: 84]. والثاني: أنه قال منصوب على المصدر، ثم قال: أي أعدّ تسبيحه بعدد خلقه، فأدخل الباء، وليس هذا شأن المصدر الذي هو مفعول مطلق. لا يقال: ضربت زيدًا بضرب في موضع ضربته ضربًا. ثم قال: وبمقدار ما يرضاه، وبثقل عرشه ومقداره بمقدار كلماته، وهذا كله يبطل القول بأنه منصوب على المصدر، ويؤول إلى نزع الخافض أو الظرفية، فإن النصب على الظرفية ونزع الخافض متقاربان، فإن الظرف منصوب على إسقاط الخافض الذي هو (في)، غير أنه باب مطرد، والنصب بنزع الخافض في غير الظرف غير مطرد، فاتجه بذلك أنه منصوب على الظرف بتقدير (قدر) وقد صرّح بذلك الخطابي في "معالم السنن" فقال: وقوله: (ومدادَ كلماتِه) أي قدر ما يوازنها في العدد والكثرة.

وقال ابن الأثير في "النهاية": (ومداد كلماته) أي مثل عددها، وقيل قدر ما يوازنها في الكثرة عيارَ كيْل أو وَزْن أو ما أشبهه، وهذا تمثيل يراد به التقريب. انتهى. فأشار بقوله: (مِثْل) إلى المصدر أو الوصف، وبقوله: (وقيل قدر) إلى الظرف. وقال الشيخ أكمل الدين في "شرح المشارق": قوله: (عدد خلقه) أي: عدد العدد خلقه، وزنة عرشه: أي بمقدار عرشه، ورضى نفسه: أي غير منقطع. فأشار إلى أن لكل واحدة إعرابًا على حدة: الأولى مصدر، والثانية ظرف، والثالثة حال، ولا شك أن تساوي الكل في الإعراب حيث أمكن أولى، وتقدير (قدر) في كل منها صحيح، فاتجه نصب الكل على الظرف بتقدير (قدر). فإن قيل: لم يصرح أحد بأن قدرًا ينصب على الظرف قلت: ذلك لعدم اطلاعك في أمهات الكتب، وقد صرّح الخطيب التبريزي والمرزوقي كلاهما في شرح الحماسة في قول الشاعر: فسايرْتُه مقدار ميلٍ وليتني وقوله: هل الوجد إلاّ أن قلبي لو دنا ... من الجمر قيد الرمح لاحترق الجمر بأنّ نصب (مقدارَ) و (قيدَ)، كلاهما على الظرف. و (قيد) بمعنى قدر. وقال ابن يسعون في "شرح شواهد الإيضاح" في قول الفرزدق: ما زال مذ عقدت يداه إزاره ... فسما وأدرك خمسة الأشبار

يجوز نصب (خمسة الأشبار) نصب الظرف بـ (سما) بتقدير مضاف أي: فسما مقدار خمسة الأشبار. وقال جماعة في حديث (إنّ موسى سأل ربّه أن يدنيه من الأرض المقدسة رَمْيَةَ الحجر) إنّ (رميةَ) نصب على الظرف بتقدير (قدر) أي: قدر رمية الحجر. وقال الطيبي في "شرح المشكاة"، في حديث (فضلُ الصلاة التي يستاك لها على الصلاة التي لا يستاك لها سبعين ضعفًا): قوله: (سبعين) مفعول مطلق أو ظرف، أي يفضل مقدار سبعين. وقال أبو البقاء في حديث: (من فارق الجماعة شبرًا): منصوب، أي: هو منصوب على الظرف، والتقدير: قدر شبر. وقال الطيبي في حديث (من تقرب إليّ شبرًا تقربت منه ذراعًا ومن تقرّب إليّ ذراعًا تقربتُ منه باعًا)، (شبرًا وذراعًا وباعًا) منصوبات في الشرط والجزاء على الظرفية، أي: من تقرب إليّ بمقدار شبر. وقال أيضًا في حديث: (من ظلم شبرًا من أرض): المفعول به محذوف و (شبرًا) يجوز أن يكون مفعولاً مطلقًا، أي ظُلْمَ شبرٍ، أو مفعولاً فيه أي: مقدار شبر. وقال أيضًا في حديث: (أنه صلى الله عليه وسلم أقطع الزبير حضْرَ فرسه) نصب (حضر) على حذف مضاف، أيّ قدر ما يعدو عدوة واحدة. ثم إن المسألة منصوصة في كتب النحو. قال ابن مالك في "التسهيل": الصالح للظرفية القياسية ما

دلّ على مقدار. وقال في "ألفيته": وقد ينوب عن مكان مصدر ... وذاك في ظرف الزمان يكثر وقال ابن هشام في "توضيحه": ينوب المصدر عن الظرف إذا كان معينًا لمقدار نحو: انتظرتك حلبَ ناقة. وقال أبو حيان في "شرح التسهيل": قال الصفار في شرح الكتاب: اعلم بأن المصدر إذا استعمل في معنى الظرف جاز أن يضاف إلى الفعل، تقول: آتيك رَيْثَ قام زيد، أي: قدر بطء قيامه، فلما خرجت إلى الظرف جاز فيها ما جاز في الظرف. ثم إنّ نصب (زنة) بخصوصها على الظرفية منصوص عليه من سيبويه وأئمة النحو، قال ابن مالك في "شرح التسهيل": من الجاري مجرى ظرف المكان باطراد مصادر قامت مقام مضاف إليها تقديرًا نحو قولهم: هو قربَ الدار، ووزنَ الجبل وزنته، والمراد بالاطراد أن لا تختص ظرفيته بعامل كاختصاص ظرفية المشتق من اسم الواقع فيه. انتهى. وقال في "الارتشاف": فرق سيبويه بين وزن الجبل وزنة الجبل، فمعنى وزن الجبل ناحية توازنه أي يتقابله، أي قريبة منه كانت أو بعيدة. وزنة الجبل حذاءه، أي متصلة به، وكلاهما مبهم يصل إليهما الفعل، وينتصب ظرفًا. انتهى. وقد قال التوربشتي شارح المصابيح: في هذا الحديث (زنةَ عرشه) ما يوازيه في التقدير، يقال: هو زنة الجبل حذاءه في الثقل والوزانة. انتهى. وهذا منه إيماء إلى تخريج الحديث على الظرفية، وقد خرجوا على الظرفية ما

هو أبلغ من ذلك: روي أن معاوية استعمل ابن أخيه عمرو بن عتبة بدل أبي سفيان على صدقات كلب، فاعتدى عليهم، فقال ابن العدّاء الكلبي: سعى عقالاً فلم يترك لنا سبدًا ... فكيف لو قد سعى عمرو عقالَيْنِ قال ابن الأثير في "النهاية": نصب (عقالا) على الظرف، أراد مدة عقال، والعقال صدقة عام. وقال ابن يعيش في "شرح المفصل": من المنصوب على الظرف قولهم: سير عليه ترويحتين، وانشطر به نحر جزورين، والمراد مدة ذلك، والترويحتين تثنية، الترويحة واحد التراويح في الصلاة. وقال أبو البقاء: قوله صلى الله عليه وسلم: (لِيُصَلِّ أحدُكم نشاطه) إنه منصوب على تقدير الظرف، أي: مدة نشاطه، فحذف المضاف وأقام المصدر مقامه. وقال الأشرفي في "شرح المصابيح": يجوز أن يكون (نشاطه) بمعنى الوقت، وأن يراد به الصلاة التي نشط لها. فإن قلت: فما تقول في نصبه على الصفة للمصدر؟ قلت: هذا ذكره طائفة، وأقول لا يخلو إمّا أن يجعل صفة للمصدر المذكور وهو (سبحان)، أو لمقدر. فأمّا الأول فيعكر عليه الفصل بينه وبين موصوفه بقوله: (وبحمده) وذلك ضعيف أو ممنوع، مع أن عندي في جواز وصف (سبحان) وقفة، فإنه غير منصرف، ولم يستعمل إلاّ علمًا للتسبيح منصوبًا، ولم يتصرف فيه بشيء. وأما الثاني وهو أن يجعل التقدير: سبحان الله تسبيحًا زنة عرشه، ففيه وقفة من وجوه:

الأول: أنه تقدير ما لا حاجة إليه، لأن المصدر مصرح به في اللفظ، فأي حاجة إلى تقدير مصدر آخر؟ الثاني: المصدر المذكور منصوب بفعل مقدر، فإذا قدر منصوب آخر، لزم منه تقدير ثلاثة: فعل المصدر الظاهر، والمصدر المقدر، وفعل آخر له، لأن الفعل الواحد لا ينصب مصدرين، ولا ضرورة تدعو إلى ذلك. الثالث: أن الكلام لا يصحّ إلاّ بتقدير شيء آخر، لأنّ التسبيح ليس نفس الزنة، فيكون التقدير: مثل زنة عرشه، وإذا آل الأمر إلى تقدير "مثل" فالمراد المثلية في المقدار، فرجع إلى ما قلناه من الظرفية، وخصوصًا أن قوله: (رِضى نفسه) لا يصح فيه تقدير المِثْلية، ولهذا قال الأشرفي: يساوي خلقه عند التعداد، وزنة عرشه في المقدار، ويوجب رضى نفسه، فأخرجه عن حيّز المساواة. وتقدير (قدر) صحّ فيه، أي قدرًا يبلغ رضى نفسه. فإن قلت بقي وجه إبطال الحال، قلت: إذا قدر أسبح أو أقول سبحان الله موازنًا لعرشه، فإن جعل حالاً من الفاعل نافره كون "زنة عرشه" وما بعده جاريًا على (سبحان) لا على قائله. أو من المفعول نافره أن المفعول هنا مطلق، والمعهود مجيء الحال من المفعول به. ولا يمكن كونه من المضاف إليه، كما لا يخفى ولا يطرد التقدير بالمشتق في (مداد كلماته) كما هو ظاهر. فبطل الحال، وبقي من الوجوه الممكنة في إعرابه أربعة: أحدها: أن يجعل مفعولاً به لفعل أو وصف مقدر، أي: يبلغ زنة عرشه، أو: بالغًا زنة عرشه. الثاني: أن يكون القول مقدرًا، و (سبحان الله) مفعول أول، و (زنة عرشه) مفعول ثان على لغة من يجري القول مجرى الظنّ بلا شرط. الثالث: أن يكون خبرًا لكان مقدرة هي واسمها ضمير راجع إلى التسبيح.

462 - حديث: "إنك يا سعد أن تدع".

وتقدر إما بصيغة مفعول له على جعل الرضى بمعنى الإرضاء كقولك: سبّحت ابتغاء وجه الله. وكلها لا يعول عليها، والعمدة على الأول، والله أعلم. 462 - حديث: "إنّك يا سعدُ أنْ تدعَ". قال أبو البقاء: الهمزة مفتوحة، وهي (أن) الناصبة للفعل، وموضع المصدر على وجهين: أحدهما: هو بدل الاشتمال أي: إنّ تركك. والثاني: أن يكون في موضع رفع بالابتداء، و (خير) خبره. وفي رواية: (إنّك إنْ تركت ولدك أغنياءَ خير ...). قال ابن مالك: وفيه حذف الفاء والمبتدأ معًا من جواب الشرط، فإن الأصل: إن تركت ورثتك أغنياء فهو خير. وهو مما يزعم النحويون أنه مخصوص بالضرورة، وليس مخصوصًا بها، بل يكثر استعماله في الشعر ويقلّ في غيره، ومنه قراءة طاووس: "ويسألونك عن اليتامى قل أصلح لهم خير" أي أصلح لهم فهو خير.

وهذا، وإن لم يصرح فيه بأداة الشرط، فإنّ الأمر مضمّن معناها، فكأنّ ذلك بمنزلة التصريح بها في استحقاق جواب، واستحقاق اقترانه بالفاء لكونه جملة اسمية. ومن شواهده الشعرية قول الشاعر: أَأُبَيُّ لا تبعدْ وليس بخالدٍ ... حَيٌّ، ومن تصب المنونُ بعيدُ ومثل حذف المبتدأ مقرونًا بفاء الجواب حذفه مقرونًا بواو الحال في قول عمر بن أبي سلمة: (رأيتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي في ثوبٍ واحدٍ مشتملٌ به في بيت أم سلمةَ) ثبت برفع (مشتمل). وقوله في الرواية الأخرى: (أن تذر ورثتك أغنياء فخيرٌ): قال الطيبي: إمّا خبر بعد خبر، أو صفة أغنياء، أي: ملتبسون بخير. وقوله: (إنك لن تنفق نفقةً تبتغي بها وجه الله إلاّ أجرت عليها) قال الكرماني: فإن قلت الفعل كيف وقع استثناء؟ والاستثناء هل هو متصل أو منفصل؟ قلت: تقديره: إلاّ في حالة أجرت عليها، أي لن تنفق نفقة تبتغي بها وجه الله في حال من الأحوال إلاّ وأنت في حال مأجوريتك عليها، أو تقديره: إلاّ نفقة أُجِرْت عليها. فالمستثنى اسم، والاستثناء متصل. (حتى اللقمة تجعلها في في امرأتك) قال أبو البقاء: الوجه النصب في اللقمة عطفًا على نفقة، ولو رفع جاز على أنه مبتدأ و (تجعلها) الخبر. وقال الطيبي: يجوز في (اللقمة) النصب عطفًا على نفقة، وأظهر من ذلك أن

463 - حديث: "مالك عن فلان".

تنصبها على إضمار فعل، لأن الفعل قد اشتغل بضميره وهذا كقولهم: أكلت السمكة حتى رأسها أكلته. وقد أجازوا في (رأسها) الرفع والنصب والجر، وأوضح هذه النصب لا غير. وقال القاضي عياض: رُوِيَ (في فَمِ) وهي لغة قليلة، وحذف الميم في الإضافة أصوب. ورُوي (حتى ما تجعل) قال الزركشي والكرماني: (يجعل) بالرفع، و (ما) كافة، كفت حتى عن عملها. 463 - حديث: "مالك عن فلان". قال الكرماني: أي: أيّ شيء حصل لك أعرضك عن فلان، أو عداك عن فلان. قوله: (فوالله إني لأراه مؤمنًا) روي بفتح الهمزة بمعنى أعلمه وبضمّها بمعنى أظنّه. قوله: (قال أو مسلمًا) قال النووي وغيره: هو بسكون الواو لا فتحها، فقيل هي للتنويع، وقيل للتشريك، وأنه أمره أن يقولهما معًا لأنه أحوط. ويرد هذا رواية ابن الأعرابي في معجمه في هذا الحديث: (فقال: لا تقل مؤمن، قل مسلم) فوضح أنهما للإضراب، وليس معناه الإنكار، بل المعنى أن إطلاق (المسلم) على من يختبر حاله الخبرة الباطنة أولى من إطلاق (المؤمن)، لأن الإسلام معلوم بحكم الظاهر، قاله

النووي ملخصًا. وروي لكسر الهمزة وفتح الباء على أنها همزة وصل له فعل أمر من القبول وبفتح الهمزة وقطعها وكسر الباء من الإقبال. وروي (قبالاً) بالنصب على المصدر، أي إقبالاً قتالاً. وقال الزركشي: أو سكون الواو على الإضراب كأنه قال: بل مسلمًا. قوله (أقبل) أي: سعد. قوله: (إني لأعطي الرجل وغيره أحبّ إليّ) قال الكرماني: (غيره) مبتدأ، و (أحبّ). (قتالاً) أي أشار مني فيما أقول مرة بعد مرة كأنك تقاتل. وقال القرطبي: قد غلط من فتحها وأقال المعنى، لأنه صلى الله عليه وسلم لم يرد استفهامه، وإنما أشار له إلى القسم الآخر المختص بالظاهر، الذي يمكن أن يدركه، فجاء بـ (أو) للتنويع. (أحبّ) خبره والجملة حالية. و (خشية) منصوب بأنه مفعول لأعطي سواء فيه رواية التنوين مع تنكيره، وتقدير لفظه (مِنْ)، أي: خشيةً من أن يكبّه الله، ورواية الإضافة مع تعريفه، لأنه مضاف إلى (أن) مع الفعل. ويجوز في المفعول له التعريف والتنكير، والمفعول الثاني لأعطي محذوف، أي: أعطيه أيّ شيء كأنه. وعلى جعل المتعدي إلى اثنين كالمتعدي إلى واحد، أي: أوجد هذه الحقيقة.

464 - حديث: "من ادعى غير أبيه، وهو يعلم أنه غير أبيه فالجنة عليه حرام".

وقوله: (مخافة أن يكبّه الله)، قال النووي وغيره: بفتح أوله وضمّ الكاف، وهو شاذ من النوادر على عكس القاعدة المشهور، فإن المعروف أن يكون الفعل اللازم بغير الهمزة، والمتعدي بالهمزة، وههنا عكسه؟ فإنّ (أكبّ) لازم، و (كبّ) متعدّ. قال النووي: والضمير في (يكبه) لا يعود على المعطى. وقال القرطبي: الرواية: (تكبّه) بفتح الباء وضم الكاف، مركب ثلاثي، ولا يجوز فيه غيره، لأنّ رباعيّه لازم، ولم يأت في لسان العرب إلاّ كلمات قليلة يقال: أكبّ الرجلُ، وكببتُه، وأقشع الغيمُ، وقشعته الريحُ، وأنسل الشيء الطائر، ونسلتُه أنا، وأنزفت البئرُ: قلّ ماؤها. ونزفتُها أنا. 464 - حديث: "من ادّعى غير أبيه، وهو يعلمُ أنّه غيرُ أبيه فالجنة عليه حرامٌ". قال الشيخ أكمل الدين: عدّى (ادّعى) بـ (إلى) لتضمنه معنى انتسب. وقال النووي: (محمدًا) نصب على البدل من الضمير في (سمعته). وقال القرطبي: الضمير في (سمعته) ضمير المصدر الذي دلّ عليه (سمعته)، أي: سمعت سمعًا، كما تقول العرب: ظننته زيدًا قائمًا، وهذا الوجه أحسن ما يقال فيه. ويجوز أن يكون الضمير عائدًا على معهود متصوّر في نفوسهم، و (محمد) بدل منه. انتهى. 465 - حديث: "إنّها أيامُ أكلٍ وشرْبٍ".

466 - حديث: "رأيت عن يمين رسول الله صلى الله عليه وسلم وعن شماله يوم أحد رجلين يقاتلان كأشد القتال".

قال أبو البقاء: الأفصح الأقيس فتح الشين، وهو مصدر مثل الأكل، وأما ضمّ الشين وكسرها ففيه لغتان في المصدر أيضًا، والمحققون على أن الضمّ والكسر اسمان للمصدر لا مصدر، وقد قرئ في قوله تعالى: (فشاربون شرب الهيم) [الواقعة: 55] بالأوجه الثلاثة، وتوجيهها ما ذكرنا. 466 - حديث: "رأيتُ عن يمين رسول الله صلى الله عليه وسلم وعن شماله يوم أحد رجلين يقاتلان كأشدّ القتال". قال الطيبي: الكاف فيه زائدة تأكيدًا. 467 - حديث: "من تصبح كل يوم سبع تمرات عجوة، لم يضرّه في ذلك اليوم سم ولا سحر". قال ابن مالك: يجوز في (تمرات عجوة) الإضافة وتركها، فمن أضاف فلا إشكال، لأن تمرات مبهمة، يحتمل كونها من العجوة ومن غيرها، فإضافتها إلى العجوة إضافة عام إلى خاص، وهو مقتضى القياس، ونظيره: ثياب خزّ، وحبات برّ.

468 - حديث: "المدينة خير لهم لو كانوا يعلمون".

ومن لم يضف (تمرات) نوّن، وجاء بـ (عجوة) أيضًا مجرورًا على أنه عطف بيان، ويجوز نصبه على التمييز. قوله: (لم يضره) قال الكرماني: يرفع الراء فيها. وقال الشيخ أكمل الدين في "شرح المشارق": (تصبّح) تفعّل، أي شرب الصبوح، والأصل فيه شرب الغداة، وقد يستعمل في الأكل لأن شرب اللبن عند العرب بمنزلة الأكل. 468 - حديث: "المدينة خير لهم لو كانوا يعلمون". قال الطيبي: (لو) إنْ كانت امتناعية فجوابها محذوف، دلّ عليه ما قبله، هذا إذا كان يجري (يعلمون) مجرى اللازم، أي: لو كانوا من أهل العلم والمعرفة لعرفوا ذلك، وما فارقوا المدينة. وإذا قدّر مفعوله كان المعنى: لو علموا ذلك لما فارقوا المدينة. وإنْ كانت بمعنى (ليت) فلا جواب لها. 469 - حديث: "لوْ أنَّ ما يقلُّ ظُفُرٌ مما في الجنة بدا لتزخرفتْ له ما بين خوافق السموات والأرض". قال الطيبي: (ما) موصولة، والعائد محذوف، أي: ما يقله، و (ما بين خوافق) فاعل لـ (تزخرفت)، وإنما أنث باعتبار الأماكن، كما في قوله تعالى: (أضاءت ما حوله) [البقرة: 17] في وجه.

470 - حديث: "استأذن عمر بن الخطاب على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعنده نسوة من قريش يكلمنه ويستكثرنه، عالية أصواتهن".

470 - حديث: "استأذن عمر بن الخطاب على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعنده نسوةٌ من قريش يكلّمنه ويستكثرنه، عالية أصواتهنّ". قال الزركشي: بنصب (عالية) ورفعه. قوله: (فقلن: نعم أنت أفظّ وأغلظ من رسول الله صلى الله عليه وسلم) قال الزركشي: أفعل التفضيل قد يجيء لا للمشاركة في أصل الفعل كقولهم: أمّا العسل أحلى من الخل. وقال الكرماني: الأفظّ: إما بمعنى الفظّ، وإما باعتبار القدر الذي في النبي صلى الله عليه وسلم من إغلاظه على الكفار وعلى المنتهكين لحرمات الله. قوله: (فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إيه يا ابن الخطاب) قال السفاقسي: ضبط بكسرة واحدة، أي: كفّ عن لومهنّ، وذلك أنه بالكسر والتنوين: لا تبتدئنا، وبغير تنوين: كفّ عن حديث عهدناه. وقال الكرماني: (إيه) بكسر الهمزة كلمة استزادة، وهي اسم فعل، تقول لرجل إذا استزدته من حديث أو عمل: إيهِ: بكسر الهاء، أي: هاتِ، وإن وصلت نونت، فرسول الله صلى الله عليه وسلم استزاد منه توقير جانبه صلى الله عليه وسلم. مسند سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل رضي الله عنه 471 - حديث: "اثبتْ حراءُ أو أحدُ، فإنّما عليك نبيٌّ أو صدِّيقٌ أو شهيدٌ".

472 - حديث: "أشهد لسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من أخذ شبرا من الأرض ... ".

قال ابن مالك في "توضيحه": استعملت (أو) بمعنى الواو. فإنّ معناه: فما عليك إلاّ نبيّ وصدّيق وشهيد. وكذا قوله في حديث ابن عباس: (كل ما شئت واشرب ما شئت ما أخطأتك اثنتان: سرفٌ أو مخيلةٌ)، ونظائرهما عند أمن اللبس قول امرئ القيس: فظلَّ طهاة اللحم من بين منضج ... صفيف شواء أو قدير معجل وقوله الآخر: فقالوا لنا: ثنتان لا بد منهما ... صدور رماح أشرعت أو سلاسل وقوله الآخر: قوم إذا سمعوا الصريخ رأيتهم ... من بين ملجم مهره أو سافع 472 - حديث: "أشهد لسمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من أخذ شبرًا من الأرض ... ".

قال ابن مالك: العرب تقسم بفعل الشهادة، فتجعل له جوابًا كجواب القسم الصريح. مثل قوله تعالى: (قالوا نشهد إنك لرسول الله) [المنافقون: 1] ثم قال: (اتخذوا أيمانهم جنة) [المنافقون: 2] فسمى ذلك القول يمينًا، ومثله قول سعيد بن زيد: (أشهد لسمعت) فأجرى (أشهد) مجرى (أحلف) وجعل جوابه فعلاً ماضيًا مقرونًا باللام دون (قد). ومن النحويين من يزعم أن هذا الاستعمال مخصوص بالشعر ويستشهد بقول امرئ القيس: حلفت لها بالله حلفة فاجر ... لناموا فما إن من حديث ولا صال والصحيح جواز استعماله في أفصح الكلام. ونظير استعماله في هذا الحديث قوله تعالى: (ولئن أرسلنا ريحًا فرأوه مصفرًا لظلوا من بعده يكفرون) [الروم: 51]. ونظيره أيضًا: (فوالله لترك رسول الله صلى الله عليه وسلم الصبح فأناخ). قوله: (ظلمًا) قال الشيخ أكمل الدين في "شرح المشارق": نصبه على أنه مفعول له، أو حال من الفاعل، أي: من أخذ حال كونه ظالمًا أو صفة لمصدر محذوف أي: أخذًا ظلمًا، والضمير المستتر في (طُوِّقَه) القائم مقام الفاعل يعود إلى (من) والبارز إلى السير.

قوله: (طُوِّقَهُ من سبع أرَضين): سئل أبو القاسم الزجاجي: ما العلة في تحريك (أرضين) ولم يحركوا (خمسين) في العدد؟ فأجاب: العلة في ذلك أن الأرض مؤنثة بلا خلاف، ويقال في تصغيرها: أُرَيْضة، وما كان على ثلاثة أحرف من الأسماء المؤنثة ساكن الوسط مفتوح الأول نحو: صفحة وجفنة وضربة، فإذا جمع السلامة فتح الأوسط منه فقيل: صفحات وجفنات وضربات وأرضات، ثم لما قالوا: أرَضون. فجمعوها بالواو والنون تشبيهًا لها بمائة، وثبة، وعزة وبابها، لأنها مؤنثة، تلا أنها مؤنثة وإن لم تكن مثلها في النقصان، لأنهم قد يشبهون الشيء بالشيء وإن لم يكن مثله في جميع أحواله، حركوا وسطها بالفتح كما يحركونه مع الألف والتاء، لأنه هو الأصل، فقالوا: أرَضون، ففتحوا كما قالت: أرَضات، ففتحوا، لأن ذلك هو الأصل، وهذا داخل عليه. فأمّا (خمسون) فليس مثل (أرضين) في شيء، لأنه اسم مبني للجمع من لفظ خمسة، ولا واحد له من لفظه ينطق به، وإنما هو بمنزلة ثلاثين من ثلاثة، وأربعين من أربعة، ولم يجمع خمسة في العدد خمسات، ثم يدخل الواو والنون عليها، كما قيل في أرض أرضات، ثم أدخل الواو والنون عليها، فدلت على حركتها. قال سيبويه: قلت للخليل: لم قالوا: الأهْلون، فأسكنوا الهاء ولم يحركوها كما حركوا أرضين؟ فقال: لأن الأهل مذكر، فأدخلوا الواو والنون فيه على ما يستحقه، ولم يحتج إلى تحريكه إذ ليس بمؤنث يجمع في بعض الأحوال بالألف والتاء، فيحرك لذلك. قال سيبويه: فقلت له: فلم قالوا: أهَلات، فحركوا حين جمعوا بالألف والتاء، قال المخَبَّلُ السعدي: وهم أهَلاتٌ حول قيس بن عاصم ... إذا أدلجوا بالليل يدعون كوثرا

473 - حديث: "الكمأة من المن".

فقال سيبويه: كأرضات، ففتحوا لذلك، قال سيبويه: ومنهم من يقول: أهلات، فتسكن الهاء، وهو أقيس، والتحريك في كلامهم أكثر، وهذا من الشواذ، والذي يحكي حكاية ولا يجعل أصلاً، أعني جمع أهل أهلات. انتهى. 473 - حديث: "الكَمْأةٌ من المنّ". قال الخطابي: هو مهموز، العامة لا تهمزه. وقال ابن بري: حكى ثعلب: (كَمْأة) بإلقاء حركة الهمزة على الميم. وقال عبد اللطيف البغدادي: فيها من العربية أمر غريب: كمء مفرد كمأة جنس بخلاف ما عليه جمهور الكلام مثل: تمرة وتمر، وشجرة وشجر، فإن الهاء للمفرد، وحذفها للجنس. مسند سفيان بن أسيد الحضرمي رضي الله عنه 474 - حديث: "كبرت خيانة أن تحدث أخاك حديثًا هو لك مصدِّقٌ وأنت له كاذب". قال الطيبي: (أن تحدث) فاعل (كبرت)، وأنّث الفعل له باعتبار المعنى، لأنه نفس الخيانة، وفيه معنى التعجب كما في قوله تعالى: (كبر مقتًا عند الله) [غافر: 35].

مسند سلمة بن سلامة بن وقش الأنصاري رضي الله عنه

قال في "الكشاف": هذا من أفصح الكلام وأبلغه في معناه قصد في كبر التعجب من غير لفظه، ومعنى التعجب تعظيم الأمر في قلوب السامعين، لأن التعجب لا يكون إلاّ من شيء خارج عن نظائره وأشكاله. مسند سلمة بن سلامة بن وقش الأنصاري رضي الله عنه 475 - حديث البعث، قوله: "لا يرون أنَّ بعثًا كائنًا بعد الموت". قال أبو البقاء: وقع في هذه الرواية (كائنًا) بالنصب، ووجهه أن يجعل صفة لـ (بعث) و (بعد الموت) خبر، ويجوز أن يكون التقدير: أنّ بعثًا بعد الموت كائنًا، فيكون (كائنًا) حالاً من الضمير في الظرف وقد قدّمه، ولو روي بالرفع جاز. مسند سلمة بن الأكوع رضي الله عنه 476 - حديث: "كنا نصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا توارت بالحجاب". قال سيد الناس في "شرح الترمذي": أعاد الضمير في (توارت) إلى الشمس، ولم يجر لها ذكر، إحالة على فهم السامع، وما تعطيه قوة الكلام، كما قال تعالى: (حتى توارت بالحجاب) [ص: 32] أيضًا وإن لم يجر للشمس ذكر.

477 - حديث: "من حمل علينا السلاح فليس منا".

ووقع في رواية الترمذي: (إذا غربت الشمس وتوارت بالحجاب) وهما كلمتان إحداهما تفسير الأخرى. 477 - حديث: "من حمل علينا السلاح فليس منّا". قال الطيبي: (علينا) يجوز أن يتعلق بالفعل، و (السلاح) نصب على نزع الخافض، يقال: حمل عليه في الحرب حملة. ويجوز أن يكون حالاً و (السلاح) مفعول، يقال: حملت الشيء أحمله حملاً أي: حمل السلاح علينا لا لنا. والأول أوجه، لأن قوله: (فليس منّا) جزاء الشرط، وعلى الثاني لا فائدة فيه، لأنه يعلم كل أحد أنّ عدو المسلمين ليس منهم. 478 - حديث الحديبية، قوله: "فبايعته أوّل الناس". قال أبو البقاء: فيه ثلاثة أوجه أحدها: أنه حال، أي: بايعته متقدمًا. والثاني: أن يكون صفة لمصدر محذوف تقديره: مبايعة أول مبايعة الناس. والثالث: أن يكون ظرفًا، أي: قبل الناس. قوله: (بايع يا سلمةُ، قلت: قد بايعتك يا رسول الله في أول الناس). قوله: (واليوم يومُ الرضع): قال السهيلي: بالرفع فيهما وبنصب الأول ورفع الثاني، حكى سيبويه: اليوم يومك، على جعل (اليوم) ظرفًا في موضع خبر الثاني، لأن ظروف

الزمان يخبر بها عن زمان مثلها إذا كان الظرف متسعًا ولا يضيق عن الثاني. قوله: (يا صباحاه): قال الكرماني: هو منادى مستغاث والألف للاستغاثة، والهاء للسكت، كأنه نادى الناس استغاثة بهم في وقت الصباح أي وقت الغارة، وحاصله أنها كلمة يقولها المستغيث. وقال القرطبي: هاؤه ساكنة، وهو شبيه المنادى المندوب وليس به، ومعناه الإعلام بهذا الأمر المبهم الذي دهمهم في الصباح. قوله: (إلى شعب فيه ماء يقال له ذا قَرَدٍ): قال أبو البقاء: وقع في هذه الرواية (ذا) بالألف، والوجه الرفع كما قال تعالى: (يقال له إبراهيم) [الأنبياء: 60]، ويبعد أن يجعل (له) في موضع رفع قائمًا مقام الفاعل، ويكون (ذا) مفعولاً، لأنّ (ذا) مفعول صحيح فلا يقام مقام الفاعل غيره. فإن كانت الروايات كلها كذا جاز أن يكون سمّاه (ذا قرد) في كلّ حال. انتهى. وقال النووي: في أكثر النسخ المعتمدة (ذا قرد) بالألف، وفي بعض (ذو قرد) بالواو، وهو الوجه. قوله: (فألحق رجلاً منهم وأصكه بسهم في نغض كتفه) قال القرطبي: (ألحق وأصك) مضارعان ومعناهما المضي. قوله: (يا ثكلته أمه): قال القرطبي: (يا) للنداء، والمنادى محذوف، ويشبه أن يكون (مَنْ) الموصولة متعلقة بـ (ثكلته أمه) كأنه قال: يا من ثكلته أمه، فحذفها للعلم بها، ويحتمل غير هذا، وهذا أشبه.

قوله: (أكوعُه بكرةَ؟ قلت: نعم يا عدوَّ نفسك أكوعُك بكرةَ) قال النووي: هو برفع العين أي: أنت الأكوع الذي كنت بكرة هذا النهار، ولهذا قال: نعم. و (بكرة) منصوب غير منون، قال أهل العربية: يقال أتيته بكرةً بالتنوين إذا أردت باكرًا في غير معيّن، فإذا أردت بكرة في يوم بعينه قلت: أتينه بكرةَ، غير منصرف، لأنه من الظروف غير المتمكنة. وقال القرطبي: الضمير في (أكوعه) يعود على المتكلم على تقدير الغيبة كأنه قال: أكوع الرجل المتكلم، وقد فهم هذا سلمة حيث أجابه بقوله: (أكوعُك بكرةَ) فخاطبه بذلك. و (بكرة) منصوب غير منون، على الظرف، لأنه لا ينصرف للتعريف والتأنيث، لأنه أريد بها بكرة معينة، وكذلك (غدوة)، وليس ذلك بشيء من ظروف الأزمنة سواهما فيما علمت. انتهى. وقال: (ألا سابقَ للمدينة) قال القرطبي: قيدناه مفتوحًا بغير تنوين لأنها (لا) التبرئة زيدت عليها همزة الاستفهام وأشربت معنى التمني كقوله: ألا طِعانَ ألا فرسانَ عادية ويجوز الرفع على أن تكون (ألا) استفتاحًا، ويكون (سابق) مبتدأ خبره محذوف تقديره: ألا منّا سابق أو نحوه. قوله: (إنّ الأُلى قد بغوا علينا): قال القرطبي: كذا سمعت الرواية (الأُولى) بالقصر، مؤنث الأول، ويكون معناه في إعادة المبايعة بالرجعة علينا. ويحتمل أن يكون (الألى) هي الموصولة بمعنى (الذين) ويكون خبر (إنّ)

479 - حديث: "فما اشتكيتها حتى الساعة".

محذوفًا تقديره: إنّ الذين بغوا علينا ظالمون. وقيل هذا تصحيف من بعض الرواة، وأن صوابه (أولاء) ممدودة، التي لإشارة الجماعة، وهذا أصحّ من جهة المعنى والوزن. انتهى. قوله: (فقال عمر يا نبي الله لولا متعتنا به) قال القرطبي: أي: هلاّ دعوت أن تمتّعنا ببقائه. قلت: يشير إلى أن (لولا) حرف تحضيض بمعنى (هلاّ). فقال علي: أنا الذي سمتني أمي حيدره ... كليث غابات كريه المنظره قال ابن الجوزي: (المنظرة) بمعنى المنظر، والهاء زائدة. وقال القرطبي: الهاء في (حيدره) و (المنظره) زائدة للاستراحة. 479 - حديث: "فما اشتكيتها حتى الساعةِ". قال الزركشي: بالجر، وقال الكرماني: فإن قلت (حتى) للغاية، حكم ما بعدها خلاف ما قبلها، فيلزم الاشتكاء زمان الحكاية. قلت: (الساعة) بالنصب، وهي للعطف، والمعطوف داخل في المعطوف عليه وتقديره: فما اشتكيتها زمانًا حتى الساعة، نحو: (أكلت السمكة حتى رأسَها) بالنصب.

480 - حديث أسلم: "يا لها الله وعنك عفو الله لها أما والله ما قلته ولكن الله قاله".

480 - حديث أسلم: "يا لها الله وعنك عفو الله لها أما والله ما قلته ولكن الله قاله". قال الشيخ بهاء الدين السبكي في "عروس الأفراح": إذا ولي المسندُ إليه حرف النفي نحو: ما أنا قلت هذا، أي: لم أقله مع أنه مقول لغير، فإنه يفيد نفي الفعل عنك وثبوته لغيرك، فلا تقول ذلك إلاّ في شيء ثبت أنه مقول، وتريد نفي كونك قائلاً له، ومنه اسم الفاعل نحو قوله تعالى: (وما أنت بهاد العمي) [الروم: 53 والنمل: 81]، وفي الفعل قوله صلى الله عليه وسلم: (ما أنا حملتكم ولكنّ الله حملكم)، وقال المتنبي: وما أنا أسقمت جسمي به ... ولا أنا أضرمت في القلب نار أنه ليس هو الجالب للسقم بل غيره جلبه، ولذلك لا يصحّ: ما أنا فعلت ولا أحد غيري، لمناقضة منطوق النافي مفهوم الأول، ولا يقال: ما أنا رأيت أحدًا من الناس، ولا ما أنا ضربت إلاّ زيدًا، بل يقال: ما رأيت أنا أحدًا من الناس، و: ما ضربت أنا إلا زيدًا، لأن المنفي في الأول الرؤية الواقعة على كل أحد، وفي الثاني الضرب الواقع على سوى زيد، وسبق أن ما يفيد التقديم ثبوته لغير المذكور هو ما نفي عن المذكور، فيكون الأول مقتضيًا، لأن إنسانًا غير المتكلم ضرب غير زيد وكلاهما محال. 481 - حديث: "من استمع إلى حديث قوم وهم له كارهون صُبَّ في أذنيه الآنُك". قال الشيخ أكمل الدين: الواو في قوله (وهم) للحال، وذو الحال فاعل استمع، والذي سوّغ ذلك تضمنها ضميره، ويجوز أن يكون صفة للقوم، والواو لتأكيد لصوق

482 - حديث: "من رأى منكم رؤيا فليقصها أعبرها له".

الصفة بالموصوف، فإن الكراهة خاصة لهم لا محالة، ونظيره قوله تعالى: (ويقولون سبعة وثامنهم كلبهم) [الكهف: 22]. والآنك وزنه أفعل، ولم يجئ فعل على البناء إلا هذا اللفظ وأسد، وقيل وزن الآنك فاعل لا أفعل، وهو أيضًا شاذ. انتهى. 482 - حديث: "من رأى منكم رؤيا فليقصَّها أعبرْها له". قال الشيخ أكمل الدين: فليقصّها: يجوز فيه فتح الصاد وضمها، وقوله أعْبُرْها: بسكون الراء جواب الأمر، ويجوز فيه الرفع على الاستئناف أيضًا كما في قوله: (فهب لي من لدنك وليًّا * يرثني) [مريم: 5 - 6] قرئ بالسكون والرفع. 483 - حديث: "قضى في امرأتين بغُرَّة عبد أو أمة". رواه الجمهور بتنوين "غرّة" وما بعده بدل منه، وروي بالإضافة. قوله: كيف أغرم من لا أكل ولا شرب، قال ابن جني: لا: بمعنى لم، أي لم يأكل ولم يشرب. 484 - حديث: "الحجُّ مرة". قال الطيبي: مرة خبر المبتدأ، أي واحدة، فإن زاد فهو تطوّع. 485 - حديث: "من تعلّم كتاب الله ثمّ اتبع ما فيه هداه الله من الضلالة". قال الطيبي: ضمّن "هدى" معنى "أمن"، فعدّاه بمِنْ إلى المفعول الثاني، أي

486 - حديث: "اتقوا الحديث إلا ما علمتكم".

أمنه الله من ارتكاب المعاصي والانحراف عن الصراط المستقيم. 486 - حديث: "اتّقوا الحديث إلا ما علمتكم". قال الطيبي: يجوز أن يراد بالحديث الإثم، فالمضاف محذوف أي احذروا رواية الحديث عني، وأن يكون فعيلاً بمعنى مفعول، وعني متعلق به، والاستثناء منقطع، المعنى: احذروا من الحديث عني، لكن لا تحذروا مما تعلمون، وقوله: من كذب علي متعمدًا، حال من المستثنى في كذب الراجع إلى مَنْ. 487 - حديث وفد عبد القيس، قوله: "مرحبًا بالوفد غيرَ خزايا ولا ندامى". غير بالنصب على الحال، وروي بالكسر على الصفة للقوم، قال النووي: والمعروف الأول، وخزايا جمع خزيان، وندامى قال الخطابي: كان أصله نادمين جمع نادم، لأن ندامى إنما هو جمع ندمان، أي النادم في اللهو، فكأنه خرج على الإتباع، كما قالوا: العشايا والغدايا، والغداة جمعها الغدات، لكنه أتبع، وقال القاضي عياض: ندامى جمع نادم على غير قياس إتباعًا لخزايا، قال ابن قتيبة: وعادة العرب إذا ضمّت حرفًا إلى حروف، فربّما أجروه على بنيته، ولو أفرد لتركوه على جهته الأولى، ومن ذلك قولهم: إني لآتيه بالغدايا والعشايا، فجمعوا الغداة غدايا لمّا ضمّت إلى العشايا. قال الفرّاء: وأرى قوله في الحديث: "ارجعن مأزوراتٍ غيرَ مأجوراتٍ"، من هذا، ولو أفرد لقيل موزورات، قال غيره: يقال في النادم ندمان، فعلى هذا يكون

الجمع جاريًا على الأصل لا على جملة الاتباع، وقوله: إن هذا الحيّ، قال ابن الصلاح: الذي يختر نصبه على الاختصاص، ومن ربيعة: خبر أنّ، ومعناه أنّ هذا الحي من ربيعة، ووافقه النووي. قوله: ولا نخلص إليك في شهر الحرام، قال النووي: كذا هو في الأصول كلها، بإضافة شهر إلى الحرام، والقول فيه كالقول في نظائره، من قولهم: مسجد الجامع، وصلاة الأولى، ومنه قوله تعالى: (بجانب الغربي) [القصص: 44] (ولدار الآخرة) [النحل: 30]، فعلى هذا مذهب الكوفيين، هو من إضافة الموصوف إلى صفته، وهو جائز عندهم، وعلى مذهب البصريين لا تجوز هذه الإضافة، فهو على حذف في الكلام للعلم به، تقديره: شهر الوقت الحرام، وكذا رواية الشهر بالحرام، أي أشهر الأوقات الحرم، قوله: "فمرنا بأمرٍ فعلٍ" بالتنوين فيهما بلا إضافة، قاله النووي، وقوله: "فنخبرْ به من وراءنا" بفتح مَنْ مفعول ونصب وراءنا على الظرف، ونخبر بالجزم جوابًا للأمر، وبالرفع على أنه صفة ثانية لأمر، وقوله: "ندخل به الجنة"، روي بالوجهين أيضًا، وروي بحذف الواو على أنه بدل بعد جواب. وقوله: شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله، وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وتعطوا الخمس، قال الزركشي: نصب تعطوا بتقدير أنْ، وكأنّه عطف مصدر على مصدر، وقال الكرماني: الواو العاطفة إذا كان المعطوف عليه اسمًا، تقدّر أنْ الناصبة بعدها، قوله: لا تشربوا في الدُّباء والنقير، قال الكرماني: فإن قلت لا يستعمل الشرب بفي، قلت: معناه لا تشربوا منهما منتبذين، قوله: وأخبروا بهنّ من وراءكم، قال الحافظ ابن حجر: بفتح مَنْ وهو الموصول، وقال الزركشي: بفتح مَنْ في رواية البخاري، وبكسرها في رواية ابن قتيبة، قال النووي: وهما يرجعان إلى معنى واحد.

488 - حديث: "الطواف بالبيت مثل الصلاة، إلا أن الله أباح فيه الكلام".

488 - حديث: "الطواف بالبيت مثل الصلاة، إلاّ أن الله أباح فيه الكلام". قال الطيبي: يجوز أن يكون الاستثناء متصلاً، أي الطواف كالصلاة في الشرائط وفي الطهارة وغيرها، إلا في التكلم، ويجوز أن يكون منقطعًا أي الطواف مثل الصلاة، لكن رخص لكم في التكلم فيه. 489 - حديث: حديث: "ائتوني بكتاب". قال الكرماني: هو من باب الحذف، أي بأدوات الكتاب، نحو: (واسأل القرية) [يوسف: 82]، وقوله: أكتبْ لكم كتابًا: مجزوم جوابًا للأمر، ويجوز الرفع بالاستئناف، وقوله: لا تضلوا بعده، نفي وحذف منه النون، لأنه بدل من جواب الأمر، وقد جوّز بعضهم تعدد جواب الأمر من غير حرف عطف. وقوله: قوموا عني: أي قوموا مبتعدين عني، وهو يستعمل باللام أيضًا، نحو: (قوموا لله قانتين) [البقرة: 238]، وبإلى نحو: (إذا قمتم إلى الصلاة) [المائدة: 6] وبالباء نحو: قام بأمر كذا، وبغير صلة: قام زيد، وتختلف المعاني بحسب الصلات، لتضمّن كل صلة معنى يناسبها. 490 - حديث: مرّ رسول الله صلى الله عليه وسلم بحائط من حيطان المدينة، فسمع

صوت إنسانين يعذَّبان في قبورهما. قال ابن مالك في "توضيحه": فيه شاهد على جواز إفراد المثنى معنى، إذا كان جزء ما أضيف إليه اثنين، نحو أكلت رأس شاتين، وجمعه أجود نحو: (فقد صغت قلوبكما) [التحريم: 4] والتثنية مع أصالتها قليلة الاستعمال، وقد اجتمعت التثنية والجمع في قول الراجز: ومَهْمَهَيْنِ قذفينْ مَرْتَيْن ... ظَهراهما مثلُ ظهور التُرْسَيْن فإن لم يكن المضاف جزء ما أضيف إليه، فالأكثر مجيئه بلفظ التثنية، نحو: استلّ الزيدان سيفهما، وإن أُمِن اللبس جاز جعل المضاف بلفظ الجمع، وفي: "يعذّبان في قبورهما" شاهد على ذلك، وكذا قوله صلى الله عليه وسلم لعليّ: إذا أخذتما مضاجعكما، وقوله: إنهما يعذبان وما يعذبان في كبير، قال ابن مالك: فيه استعمال في دالة على التعليل، وهو مما خفي على أكثر النحويين مع وروده في القرآن والحديث والشعر القديم، فمن الوارد في القرآن قوله تعالى: (لولا كتابٌ من الله سبق لمسكم فيما أخذتم عذاب عظيم) [الأنفال: 68]. وقوله تعالى: (ولولا فضل الله عليكم ورحمته في الدنيا والآخرة لمسكم في ما أفضتم فيه عذاب عظيم) [النور: 14]، ومن الوارد في الحديث: عذبت امرأة في هرة حبستها، وقوله: ومن مات في الطاعون فهو شهيد، ومن مات في البطن فهو شهيد، فإن "في" في كل ذلك بمعنى الباء الدالة على السببية، ومن الوارد في الشعر القديم قول جميل:

فليت رجالاً فيك قد نذروا دمي ... وهموا بقتلي يا بُثَيْنَ لَقُوني وقول أبي خراش: لوى رأسه عني ومال بوُدِّهِ ... أغانيجُ خودٍ كان فينا يزورها قوله ثم دعا بعسيب، قال الشيخ ولي الدين العراقي في "شرح أبي داود": الأقرب في إعرابه أن الباء للسببية، والمفعول محذوف، أي دعا رجلاً بسبب إحضار عسيب، ويحتمل أنه مثل دعا يزيدًا، أي دعا عسيبًا على طريق التوسع، ثم أدخلت عليه الباء. قوله: فشقه باثنين، قال النووي: الباء زائدة لتوكيد، والنصب على الحال. قوله: لعله أن يخفف عنهما، قال في "التنقيح": لعله: مثل "كاد" في أن الغالب يجرد خبرها من أنْ، كقوله تعالى: (لعلكم تفلحون) [البقرة: 189، آل عمران: 130]، وقال الكرماني: شبه لعل بعسى، فأتى بأنْ في خبره، قلت: نظيره حديث: ثم لعله أن ينبتَ فيثمرَ في ليلته، وقال ابن مالك في توضيحه: يجوز في لعله أن يخفف عنهما إعادة الضميرين إلى الميت، باعتبار كونه إنسانًا، وباعتبار كونه نفسًا، ونظيره في جعل أمرين متضادين لشيء واحد، قوله تعالى: (وقالوا لن يدخل الجنة إلا من كان هودًا أو نصارى) [البقرة: 111]، فأفرد اسم كان باعتبار لفظة مَنْ، وجمع الخبر باعتبار المعنى، ويجوز كون الهاء من لعله ضمير الشأن وكون الضمير من: "يخفف عنهما" ضمير النفس، وجاز كون الهاء أن تفسير ضمير الشأن بأن ومثلها مع أنْ في تقدير مصدر لأنها في حكم جملة لاشتمالها على مسند ومسند إليه، ولذلك سدّت مسد مطلوبي حسب وعسى في نحو: (أم حسبتم أن تدخلوا الجنة) [آل عمران: 142] و (عسى أن تكرهوا شيئًا) [البقرة: 216] ويجوز في قول الأخفش أن تكون زائدة مع كونها ناصبة، نظيرها بزيادة الباء من كونها جارة، ومن

491 - حديث: "أعوذ بكلمات الله التامات من شر كل شيطان وهامة ومن كل عين لامة".

تفسيرها ضمير الشأن بأن وصلتها، قول عمر: فما هو إلا أن سمعت أبا بكر تلاها فعقرت حتى ما تقلّني رجلاي، انتهى. وقال الطيبي: الظاهر أن يكون الضمير فيما يفسّره ما بعده، ولا يكون ضمير الشأن، كقوله تعالى: (إن هي إلا حياتنا الدنيا) [الأنعام: 29]، قال صاحب "الكشاف": هذا ضمير لا يعلم ما يعني به إلاّ بما نقلوه من بيانه وأصله: إن الحياة إلا حياتنا الدنيا، ثم وضع "هي" موضع الحياة، لأن الخبر يدلّ عليها، ومنه: (هي النفس ما حمّلتها تتحمل). والرواية بتثنية الضمير لا يستدعي إلا هذا التأويل. 491 - حديث: "أعوذ بكلمات الله التامات من شر كل شيطان وهامّة ومن كل عين لامّة". قال في "النهاية": أراد ذات لمم، ولذلك لم يقل: ملمة من ألممت بالشيء، وقيل "لامة" للازدواج. 492 - حديث: "ما رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يتحرّى صيام يوم فضّله على غيره إلا هذا اليوم". قال المظهري: فضله: بدل من قوله صيام يوم، والتقدير يتحرّى فضل صيام يوم على غيره، قال الطيبي: هذا المبدل هنا ليس في حكم المتنحي لاستدعاء الضمير ما يرجع إليه نحو قولك: زيدًا رأيت غلامه رجلاً صالحًا، ويروي فضّله بتشديد الضاد، وقيل هو بدل من يتحرّى والحمل على الصفة أولى، لأن قوله هذا اليوم مستثنى ولا بد من مستثنى منه وليس ههنا إلا قوله "يوم" وهو نكرة في سياق النفي يفيد العموم، فالمعنى ما رأيته يتحرّى صيام يوم من الأيام صفته أنه مفضّل على غيره إلاّ صيام هذا

493 - حديث: "رحم الله أم إسماعيل، لو تركت زمزم لكانت عينا معينا".

اليوم، ومنه قوله: ما من يوم أحبّ إلى الله أن يتعبّد له فيها من عشر ذي الحجة، وقوله: هذا الشهر عطف على قوله: هذا اليوم، ولا يستقيم إلاّ بالتأويل، إما أن يقدّر في المستثنى "منه" وصيام شهر فضّله على غيره، وهو الكف التقدير، وإما أن يقدر في الشهر أيامه يومًا فيومًا موصوفًا بهذا الوصف. 493 - حديث: "رحم الله أم إسماعيل، لو تركت زمزمَ لكانت عينًا معينًا". قال الزركشي: بفتح الميم، وفي وزنه وجهان: أحدهما مفعل من عانه يعينه إذا رآه بعينه، وأصله معيون، حذفت الواو فبقي مثل مبيع ومسبي، والثاني فعيل من المعن وهو المبالغة، ومنه أمعنا في الشيء، وسمي الماعون ماعونًا. 494 - حديث: "قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة وهم يُسْلِفون في الثمار السنة والسنتين". قال الطيبي: السنة منصوب إمّا على نزع الخافض، أي إلى السنة، وإما على المصدر، أي إسلاف السنة. 495 - حديث: "صومي عن أمِّك". قال ابن مالك في "شرح التسهيل": "عن" فيه بمعنى البدل. 496 - حديث: "قال لبَرِيرة: لو راجعتِيه".

497 - حديث: "لو كان لابن آدم واديان من مال، لابتغى لهما ثالثا".

قال الطيبي: لو: إما امتناعية على معنى: لو راجعتيه لكان خيرًا لك، أو بمعنى التمني أي: أودّ رجوعك، والرواية في راجعتيه بإثبات الياء لإشباع الكسرة. 497 - حديث: "لو كان لابن آدم واديان من مال، لابتغى لهما ثالثًا". قال الكرماني: فإن قلت الابتغاء لا يستعمل باللام، قلت هذا متعلّق بقوله ثالثًا أي: ثالثًا لهما، أي مثلثهما، وقال الرضيّ: لو: موضوعة لشرط مفروض وجوده في الماضي مقطوع بعدمه فيه لعدم جزأيه، وقد يستعمل في المستقبل بمعنى أنْ، وقد يكون للاستمرار كقوله صلى الله عليه وسلم: لو أن لابن آدم واديين لابتغى لهما ثالثًا. 498 - حديث: "لا يخلون رجلٌ بامرأة إلا ومعها ذو محرم". قال النووي: هذا استثناء منقطع، لأنه متى كان معهما محرم، لم يبق خلوة، فتقدير الحديث: لا يقعدنّ رجل مع امرأة إلا ومعهما محرم. 499 - حديث: "بعث النبي صلى الله عليه وسلم بسَحَرَ من جَمْع". قال القرطبي: هو بغير صرفه وهو الصواب، لأنه سحر معين. 500 - حديث: "ما من عبد مؤمن إلاّ وله ذنب يقتاده الفينة بعد الفينة". قال في "النهاية": أي الحين بعد الحين، والساعة بعد الساعة، يقال: لقيته

501 - حديث: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجمع بين صلاتي الظهر والعصر إذا كان على ظهر سير".

فينةً، والفينة، وهو مما تعاقب عليه التعريفان، يقال العَلَمِيُّ واللاميُّ كشَعوب والشَّعوب، وسَحَر والسَّحَر. 501 - حديث: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجمع بين صلاتي الظهر والعصر إذا كان على ظهر سير". قال الكرماني: لفظ "ظهر" مقحم كما في الحديث: خير الصدقة ما كان عن ظهر غِنى، والظهر قد يزاد في مثله إشباعًا للكلام وتوكيدًا كأن مسيرة النبي صلى الله عليه وسلم مستندًا إلى ظهر قوي من الراحلة ونحوها، وقال الخطابي في حديث خير الصدقة ما كان عن ظهر غنى، لفظ الظهر يزاد في مثل هذا إشباعًا للكلام. 502 - حديث: "كل ما شئت والبس ما شئت ما أخطأك اثنتان: سرف أو مخيلة". قال الطيبي: "ما" للدوام، أي لك من المباحات ما شئت مدة تجاوز الخصلتين عنك. 503 - حديث: "أنه صلى الله عليه وسلم اتخذ خاتمًا فلبسه، فقال: شغلني هذا عنكم، منذ اليوم، إليه نظرةٌ وإليكم نظرةٌ، ثم ألقاه". قال الطيبي: إليه يتعلق بنظرة، والخبر محذوف أي له نظرة إليه، ولي نظرة إليكم، والجملتان مبينتان، لقوله "شغلني"، وقوله: "منذ اليوم" هو ظرف شغلني، مضاف إلى جملة حذف صدرها تقديره: منذ كان اليوم هكذا، هكذا قاله الدارقطني،

504 - حديث: "أنه قال في المعتكف، هو يعتكف الذنوب".

والمشهور أن "منذ" مبتدأ وما بعده خبره، لأن معنى قولك منذ يوم الجمعة، ومنذ يومان: أول المدّة يوم الجمعة، وجميع المدّة يومان، فعلى هذا الجملة مستأنفة على طريق السؤال والجواب. 504 - حديث: "أنه قال في المعتكف، هو يعتكف الذنوب". قال الطيبي: الذنوب نصب على نزع الخافض، أي يحتبس عن الذنوب. 505 - حديث: "اغتسلوا يوم الجمعة، واغسلوا رؤوسكم وإن لم تكونوا جنبًا". قال الكرماني: فإن قلت لِمَ لمْ يطابق بين خبر كان واسمها، قلت: يستوي في لفظ الجنب المفرد والمثنى والجمع، قال تعالى: (وإن كنتم جنبًا فاطّهروا) [المائدة: 6] وقال الحافظ ابن حجر: معناه اغتسلوا يوم الجمعة إن كنتم جنبًا للجنابة، وإن لم تكونوا جنبًا للجمعة، وقوله: واغسلوا رؤوسكم: من عطف الخاص على العام للتنبيه على أن المطلوب الغسل التام يوم الجمعة لئلا يظن أنه إفاضة الماء دون خلّ الشعر مثلاً يجزئ في غسل يوم الجمعة. قوله: فأصيبوا من الطيب، قال الكرماني: من: للتبعيض قائم مقام المفعول، أي استعملوا بعض الطيب. 506 - حديث: "ما العملُ في أيامٍ أفضلُ منها في هذه". قال الزركشي: العمل مبتدأ، وفي أيام متعلق به، وأفضل خبر المبتدأ ومنها متعلق بأفضل، والضمير عائد إلى العمل بتقدير الأعمال كقوله تعالى: (أو الطفل

الذين لم يظهروا على عورات النساء) [النور: 31]، قوله: ولا الجهاد إلا رجل خرج يخاطر بنفسه، قال الزركشي: فيه وجهان: أحدهما أن الاستثناء متصل: أي عمل رجل، لاستثناء من العمل، والثاني أنه منقطع، أي لكل رجل يخرج مخاطرًا بنفسه فلم يرجع بشيء أفضل من غيره. وقال ابن مالك في "توضيحه": في هذا الحديث إشكال من وجهين: أحدهما عود ضمير مؤنث في (منها) إلى العمل وهو مذكر، والثاني استثناء رجل من الجهاد وإبدال منه مع تباين جنسيهما، فأما الأول: فوجهه أن الألف واللام في العمل لاستغراق الجنس، فصار بهما فيه عموم مصحح لتأوله بجمع كغيره من أسماء الجنس المقرونة بالألف واللام الجنسية، ولذلك يستثنى منه: نحو: (إن الإنسان لفي خسر، إلا الذين آمنوا) [العصر: 1]، ويوصف بما يوصف به الجمع كقوله تعالى: (أو الطفل الذين لم يظهروا) [النور: 31]، وكقول بعض العرب: أهلك الناس الدرهم البيض والدينار الحمر، فلما جاز أن يوصف بما يوصف به الجمع، لما حدث فيه من العموم، كذلك يجوز أن يعاد إليه ضمير، كضمير الجمع، فيقال: الدينار بها هلك كثير من الناس لا به في تأويل الدنانير، وما العمل في أيام أفضل منها في هذه الأيام، لأنه في تأويل الأعمال، ويجوز أن يكون أنّث ضمير العمل لتأويله بحسنة كما أوّل الكتاب بصحيفة من قال: أتته كتابي، وأما الثاني فالوجه فيه أنه على تقدير: ولا الجهاد إلاّ جهاد رجل، ثم حذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه، والأصل: أوَلا الجهادُ؟، لأن قائل ذلك مستفهم لا مخبر، وظهور المعنى يسوّغ الهمزة، كما سوغه في قوله صلى الله عليه وسلم: وإنْ زنى وإنْ سرق، فإن الأصل فيه أو إنْ زنى أو إنْ سرق؟ انتهى. قوله في الرواية الأخرى: (ما من أيام العملُ الصالحُ فيهن أحبُّ إلى الله تعالى من هذه الأيام العشر)، قال الطيبي: العمل مبتدأ، وفيهن متعلق به، والخبر أحبّ،

507 - حديث: "المسألة أن ترفع يديك حذو منكبيك".

والجملة خبر ما، ومن الأولى زائدة، والثانية متعلقة بأفضل. 507 - حديث: "المسألة أن ترفع يديك حذو منكبيك". قال الطيبي: المسألة مصدر بمعنى السؤال، والمضاف محذوف ليصح الحمل أي أحب السؤال وطريقة رفع اليدين. 508 - حديث: "خمس دعوات يستجاب لهن: دعوة المظلوم حتى ينتصر، ودعوة الحاج حتى يصدر، ودعوة المجاهد حتى يفرغ، ودعوة المريض حتى يصح". قال الطيبي: "حتى" في القرائن الأربع، بمعنى قولك سرت حتى مغيب الشمس، لأن ما بعدها غير داخل فيما قبلها، فدعوة المظلوم مستجابة إلى أن ينتصر، وكذا الباقي، فإن قلت هذا يوهم أن دعاء هؤلاء الأربع لا يستجاب بعد ذلك، وكذا دعاء الغائب إلى أن يحضر، قلت نعم، لكن الأسباب مختلفة فيكون سبب الإجابة حينئذ أمر آخر غير المذكور. 509 - حديث: "أعوذ بعزتك الذي لا إله إلا أنت الذي لا تموت". قال الكرماني: يروى بلفظ الغائب وبلفظ الخطاب، فإن قلت: فما العائد للموصول؟ قلت: إذا كان المخاطب نفس المرجوع إليه، يحصل الارتباط، وكذلك

510 - حديث: "من أصبح مطيعا لله في والديه، أصبح له بابان مفتوحان من الجنة".

المتكلم نحو: أنا الذي سمتني أمي حيدره. 510 - حديث: "من أصبح مطيعًا لله في والديه، أصبح له بابان مفتوحان من الجنة". قال القرطبي: قوله: من الجنة: يجوز أن يكون صفة أخرى لقوله (بابان) وأن يكون حالاً من الضمير في (مفتوحان). 511 - حديث: "إن الله خلق إسرافيل منذ يوم خلقه صافًّا قدميه". قال الطيبي: منذ: هنا حرف جر بمعنى في، وقال المظهري: صافًّا: حال من إسرافيل لا من ضميره المنصوب، ومنذ يوم: ظرف لـ "صافًّا" وليس بمعنى في، والمعنى أن الله خلق إسرافيل صافًّا قدمه من أول مدة خلقه، قال الدار الحديثي: اتفقوا على أن منذ ومذ إنما يدخلان أسماء الزمان، ثم قالوا: إنْ أريد ابتداء الزمان الماضي الذي انتهاؤه ما أنت فيه يكونان للابتداء، نحو ما رأيته منذ يومين أو مذ سنة كذا، أي انتفى الرؤية من ابتداء يومين أنا في آخرهما، وليس المعنى "في" وإن قال به بعض، لأن المفهوم منهما نفي الرؤية في مدة معينة أنت في آخرها، مقصودًا به ابتداؤها وانتهاؤها. 512 - حديث: "أُمِر النبي صلى الله عليه وسلم أن يسجد على سبعة أعضاء ولا يكفت شعرًا ولا ثوبًا". قال الكرماني: فإن قلت قوله ولا يكفت أهو منصوب عطفًا على يسجد، أو

513 - حديث: "أمرت أن أسجد على سبعة أعظم: على الجبهة ... ".

مرفوع؟ قلت: أكثر الروايات النصب فهو أيضًا مأمور به. 513 - حديث: "أمرت أن أسجد على سبعة أعظم: على الجبهة ... ". قال الكرماني: فإن قلت: ثبت في الدفاتر النحوية، أنه لا يجوز جعل حرف جر واحد بمعنى واحد صلة لفعل واحد مكررًا، وهنا قد جاءت مكررة، قلت: الثانية بدل من الأولى التي في حكم الطّرح، أو الأولى متعلق بنحو "حاصلاً"، أي أسجد على الجبهة حال كون السجود على سبعة أعضاء. 514 - حديث: "أنّه عقّ عن الحسن والحسين كبشًا كبشًا". قال الطيبي: إذا لم يكن الفعل متعديًا، كان "كبشًا" منصوب بنزع الخافض والتكرير باعتبار الولدين، أي عقّ عن كل واحد بكبش. 515 - حديث: "لا هجرةَ ولكنْ جهادٌ". قال الطيبي: هو عطف على محل مدخول "لا".

516 - حديث: "أنا ممن قدم النبي صلى الله عليه وسلم المزدلفة في ضعفة أهله".

516 - حديث: "أنا ممَّن قدم النبي صلى الله عليه وسلم المزدلفة في ضَعَفَة أهله". قال ابن مالك في "توضيحه": جمع ضعيف على ضَعَفة غريب، ومثله خبيث على خَبَثَة. 517 - حديث: "إنك مقدم على أقوام أهل كتاب، فليكنْ أولَ ما تدعوهم إليه عبادةُ الله". قال الكرماني والزركشي: (أوّل) بالنصب خبر كان، و"عبادة الله" مرفوع اسمها. قوله: فإن هم أطاعوا لك بذلك، قال الشيخ أكمل الدين في شرح المشارق: أصله فإن أطاعوا لك، أطاعوا لك، حذف الفعل الأول وجوبًا لوجود المفسّر، فصار الضمير المتصل منفصلاً، وعدّى أطاعوا باللام وإن كان متعديًا بنفسه لتضمنه معنى انقادوا لك. قوله: فإياك وكرائم أموالهم، قال ابن قتيبة: منصوب بفعل مضمر لا يجوز إظهاره، ولا يجوز حذف الواو. قوله: واتّق دعوة المظلوم فإنه ليس بينها وبين الله حجاب، قال القرطبي: الرواية الصحيحة فإنه بضمير المذكر، على أن يكون ضمير الأمر والشأن ويحتمل أن يعود على مذكر الدعوة، فإنّ الدعوة دعاء، وروي (فإنها) بالتأنيث وهو عائد على لفظ الدعوة، وقال أكمل الدين: قوله: واتّق: معطوف على عامل إياك المحذوف وجوبًا، لأن تقديره: اتّق نفسك أن تتعرّض لكرائم أموالهم.

518 - حديث: "ولم يمنعه أن يأمرهم أن يرملوا الأشواط كلها".

518 - حديث: "ولم يمنعه أن يأمرهم أن يرملوا الأشواط كلها". قال الزركشي: أن يرملوا: في موضع مفعول (يأمرهم) الأشواط: نصب على الظرف، و"كلها" تأكيد له، والتقدير: ولم يمنعه من أمرهم بالرمل، وقوله: إلا الإبقاء عليهم: بالرفع فاعل يمنعه، ويجوز النصب على أنه مفعول لأجله، ويكون في "يمنعه" ضمير عائد إلى النبي صلى الله عليه وسلم، هو فاعله. 519 - حديث: "العائدُ في هبته كالعائد في قيئه". قال الكرماني: فإن قلت: القياس أن يقال العائد إليها، قلت معناه العايد إلى الموهوب في هبته، كما يقال: تعاود القوم في الحرب وغيره، أي عاد كل فريق إلى صاحبه فيها، قال تعالى: (أو لتعودنَّ في ملتنا) [الأعراف: 88] أي لتعودنّ إلينا في ملّتنا. 520 - حديث: "قول أبي بكر: حسبُك كذاك مناشدتَك ربّك". قال الشيخ عز الدين بن عبد السلام في "أماليه": ما نصب المناشدة هنا؟ إنْ قلت على المصدر لا يستقيم لك المعنى ويصير الكلام منسجمًا، قال: والجواب أنه انتصب على المفعول، وكذلك تستعمل في اللغة بمعنى دع وأنشدوا عليه: تقول وقد تزاحمت المطايا ... كذاك القول إنَّ عليك عَيْنا

521 - حديث: "ألحقوا الفرائض بأهلها، فما بقي فهو لأولى رجل ذكر".

وهذا من المجاز الغالب لا بالوضع الأصلي، كما غلب على جملة (أرأيت) معنى أخبرني، كذلك غلب على "كذلك" معنى دع، وقال القاضي عياض والنووي: ضبطوا مناشدتك بالرفع والنصب وهو الأشهر، فمن رفعه جعله فاعلاً بحسبك، ومن نصبه فعلى المفعول بما في حسبك من معنى الفعل من اكْتَفِ. وقال ابن الأثير في النهاية: حديث: كذاك لا تدع علينا، أي حسبكم، وتقديره: دع فعلك وأمرك كذاك، والكاف الأولى والثانية زائدتان للتشبيه والخطاب، والاسم "ذا"، واستعملوا الكلمة كلها استعمال الاسم الواحد في غير هذا المعنى، يقال رجل كذاك، أي خسيس واشتر لي غلامًا، ولا تشتره كذاك: أي دنيئًا وقيل حقيقة "كذاك" أي: مثل ذاك، ومعناه الزم ما أنت عليه ولا تتجاوزه، والكاف الأولى منصوبة الموضع بالفعل المضمر، ومنه حديث أبي بكر يوم بدر: يا نبيّ الله كذاك، أي حسبك الدعاء، انتهى. 521 - حديث: "ألحقوا الفرائض بأهلها، فما بقي فهو لأولى رجل ذكر". قال السهيلي: (ذكر) صفة لأولى لا لرجل. 522 - حديث: "لا يخلون رجل بامرأة، ولا تسافرن امرأة إلا ومعها محرم". قال الكرماني: هذا استثناء من الجملتين لا من الجملة الأخيرة، قال: وهذا الاستثناء منقطع، لأنه متى كان معها محرم لم تبق خلوة، فتقديره: لا يقعدنّ رجل مع امرأة إلا ومعهما محرم، فإن قلت الواو تقتضي معطوفًا عليه، قلت: الواو للحال، أي لا يخلون في حال إلا في مثل هذه الحال.

523 - حديث: "لا تمار أخاك ولا تمازحه ولا تعده موعدا فتخلفه".

523 - حديث: "لا تمار أخاك ولا تمازحه ولا تعده موعدًا فتخلفه". قال الطيبي: قوله: فتخلفه، إن روي منصوبًا كان جوابًا للنهي على تقدير أن يكون سببًا عما قبله، وإنْ روي مرفوعًا كان المنهي الوعد المستعقب للإخلاف، أي لا تعده موعدًا فأنت تخلفه، على أنه جملة خبرية معطوفة على إنشائية. 524 - حديث: "البقرة سبعةً". قال الطيبي: سبعة منصوب بتقدير، أعني بيانًا لضمير الجمع. 525 - حديث: "من لم يجد النعلين فليلبس الخفين، ومن لم يجد إزارًا فليلبس سروايل المحرم". قال الكرماني: فإن قلت ما وجه وقوع المحرم هنا، قلت هو مرفوع فاعل (فليلبس)، وروي (المحرم) باللام الجارة التي للبيان، أي هذا الحكم للمحرم كاللام التي في وهبت لك. 526 - حديث: "أن النبي صلى الله عليه وسلم لما قدم مكة، استقبله أغيلمة بني هاشم".

527 - حديث: "من سمع المنادي فلم يمنعه من اتباعه عذر - قالوا: وما العذر، قال: خوف أو مرض - لم تقبل منه الصلاة التي صلى".

قال الخطابي: هو تصغير غلمة، وكان القياس غليمة، لكنهم ردّوه إلى أفعلة، فقالوا أغيلمة كما قالوا أصيبية في تصغير صبية، وقال الجوهري الغلام جمعه غلمة وتصغيرها أغيلمة على غير مُكَبَّرِه، وكأنهم صغّروا أغلمة وإن كانوا لم يقولوا. 527 - حديث: "من سمع المناديَ فلم يمنعه من اتباعه عذرٌ - قالوا: وما العذر، قال: خوف أو مرض - لم تقبل منه الصلاة التي صلى". قال الأشرفي: لم تقبل خبر للمبتدأ، وهو قوله من سمع المنادي، وما توسط بينهما من السؤال والجواب اعتراض من الراوي. 528 - حديث: "التمسوها في العشر الأواخر من رمضان، ليلة القدر في تاسعة تبقى، في سابعة تبقى، في خامسة تبقى، ... ". قال الكرماني: الضمير في التمسوها مهم، يفسره ليلة القدر، كقوله تعالى: (فقضاهن سبع سماوات) [فصلت: 12]، وهو تمييز ضمير الشأن، ومفسّره لا بد أن يكون جملة، وهذا مفرد، فإن قلت لم وصف العشر بلفظ الجمع وهو الأواخر. قلت: لعله أراد الأعشار كما يقال الدرهم البيض، أو أيام العشر الأواخر، فوصف به باعتبار الأيام، وقوله في تاسعة بدل من العشر وتبقى صفة لتاسعة. وقال ابن مالك: هي ليلة إحدى وعشرين، وقوله في سابعة تبقى: هي ليلة ثلاث وعشرين، وفي خامسة تبقى: هي ليلة خمس وعشرين، على طريقة العرب في التاريخ إذا جاوزوا نصف الشهر، فإنّما يؤرخون بالباقي منه لا بالماضي.

529 - حديث: "كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا نزل جبريل بالوحي، فكان مما يحرك به لسانه وشفتيه، وفي لفظ كان يعالج من التنزيل شدة، وكان مما يحرك شفتيه".

529 - حديث: "كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا نزل جبريل بالوحي، فكان مما يحرّك به لسانه وشفتيه، وفي لفظ كان يعالج من التنزيل شدة، وكان مما يحرّك شفتيه". قال ثابت السرقسطي: المراد كان كثيرًا ما يفعل ذلك، قال وورودهما في هذا كثير، ومنه حديث الرؤيا: (كان مما يقول لأصحابه: من رأى منكم رؤيا) ومنه قول الشاعر: وإنّا لمما نضرب الليث ضربة ... على وجهه تلقي اللسان من الفم وقال غيره: إنّ "من" إذا وقع بعدها "ما"، كانت بمعنى ربّما، وهي تطلق على القليل والكثير، وفي كلام سيبويه مواضع من هذا، منها قوله: والحكم أنهم مما يحذفون كذا. ومنه حديث البراء: كنا إذا صلينا خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم مما يحب أن يكون عن يمينه، وقال ابن عصفور: من أقسام "ما" التي تتصل بمن الجارة فتصير بمعنى ربّ، نحو: وإنا لمما نضرب الليث ضربة ... وقال ابن هشام في "المغني": ذكر ابن الشجري أن ما الكافة تتصل بمن كقول أبي حيّة: وإنّا لمما نضرب الليث ضربة ... والظاهر أن ما مصدرية، وأن المعنى مثله في (خلق الإنسان من عجل) [الأنبياء: 37].

530 - حديث: "رأيت النار فلم أر كاليوم منظرا، ورأيت أكثر أهلها النساء".

وقوله: وضنت علينا والضنين من البخل فجعل الإنسان والبخيل مخلوقين من العجل والبخل مبالغة. 530 - حديث: "رأيت النار فلم أر كاليوم منظرًا، ورأيت أكثر أهلها النساءُ". سئل الإمام أبو محمد بن السيد البطليوسي عن هذا الحديث فأجاب: هذه بمنزلة قول العرب ما رأيت كاليوم رجلاً، وهو كلام فيه لبس وإشكال، ويفتح فيه للسائل سؤال، لأن الرجل والمنظر لا يصحّ تشبيههما باليوم، ولكنه خرج مخرج كلام العرب في محاوراتها، وجرى مجرى ما تستعمله العرب في مجازاتها، والنحويون يقولون: معناه ما رأيت كرجل أراه اليوم رجلاً، ولم أر كمنظر رأيته اليوم منظرًا، وتلخيصه ما رأيت كرجل اليوم رجلاً، ولم أر كمنظر اليوم منظرًا، فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه، بمنزلة قوله تعالى: (أو عجبتم أن جاءكم ذكر من ربكم على رجل منكم) [الأعراف: 63]، أي على لسان رجل، وقوله: (الحج أشهر معلومات) [البقرة: 197]، أي أشهر الحج، ولا بد من تقدير هذه المحذوفات لأن الذكر لم يجئ على الرجل وإنما جاء على لسانه، ولأن الحج ليس بالأشهر، جاز إضافة الرجل والمنظر إلى اليوم لوجودها فيه، كما يضاف الشيء إلى ما يلتبس به ويتّصل ونظيره قول جرير: يا صاحبيَّ دنا الرحيلُ فسيرا ... لا كالعشية زائرًا ومزورا

أو في المنظر وجهان: أحدهما أن يريد المكان المنظور إليه، لأن المنظر يكون المكان ويكون مصدر نظر، كقوله: نظرت فلم تنظر بعينك منظرا أي نظرًا ينفعك. والوجه الثاني: أن يريد بالمنظر الشيء المنظور إليه، فيكون من المصادر الموضوعة موضع المفعولات كقولهم: درهم ضرب الأمير، وثوب نسج اليمن، أما قوله: فرأيت أكثر أهلها النساء، قد تنازع في معناه قديمًا، ذهب قوم إلى أن الرؤية ههنا رؤية علم، واحتجّوا بأنها قد تعدّت إلى مفعولين، ورؤية العين إنما تتعدى إلى مفعول واحد. وأنكر ذلك أهل السنة، وقالوا إنما هي رؤية عين، قالوا: وسياق الكلام على ذلك، لأنه قال: ورأيت النار فلم أر كاليوم منظرًا، فعدّى الرؤية إلى مفعول واحد، وكان ذلك في صلاة الكسوف، وفي الحديث عندنا ثلاثة أوجه: أحدها أن تكون الرؤية لمعنى الظن، وذلك لائق بمعنى هذا الحديث جدًا، كأنه قال: أبصرت فظننت أكثر أهلها النساء لكثرة من رأيت فيها منهنّ، والعرب تستعمل الرؤية بمعنى الظن وبمعنى العلم، والثانية علمية كأنه قال: إنهم يظنونه بعيدًا ونعلمه قريبًا، قال تعالى: (إنهم يرونه بعيدًا ونراه قريبًا) [المعارج: 6، 7]. فالرؤية الأولى هي رؤية العين، كما ظن من أنكر ذلك من أصحابنا، ويكون المعنى أنه لما رأى النار بعينه، علم حينئذ وتحقق أن أكثر أهلها النساء، وهذا كالرجل تقع عينه على الشيء، فيكون بذلك سببًا لأن يعلم حقيقته، فهذا تأويل صحيح "بعيد" عما توهمه من ظنّ أنه إذا جعلها رؤية علم فقد وافق المعتزلة. والوجه الثالث: أن تكون رؤية عين ويجعلها، أي يجعل النساء بدلاً من أكثر، فيكون بمنزلة قول القائل: رأيت الرجل زيدًا، لأن البدل يحتاج المبدل منه، كاحتياج أحد المفعولين في باب العلم أي المفعول الثاني كأنه قال: فرأيت

531 - حديث: "أريت النار، أكثر أهلها النساء يكفرن ... ".

النساء اللواتي من أكثر أهل النار ... انتهى. وقال الأندلسي في "شرح المفصل": قد يفهم النفي من ألفاظ كثيرة في كلامهم: نحو: لله درّه فارسًا، ومررت برجل أي رجل، وسبحان الله، واعجبوا لزيد، وويل أمه رجلاً، ويا منه رجلاً، ولم أر كاليوم منظرًا، ويالك فارسًا، وغير ذلك، وفي رواية البخاري: فلم أر منظرًا كاليوم قطّ أفظع، قال الحافظ ابن حجر: أي لم أر منظرًا مثل منظر رأيته اليوم، فحذف المرئيّ وأدخل التشبيه على اليوم لبشاعة ما رأى فيه وبعده عن المنظر المألوف، وقيل الكاف هنا اسم، وتقديره ما رأيت مثل منظر هذا اليوم منظرًا، ومنظر تمييز. وقال الزركشي: روي برفع أفظع ونصبه، وجوّز الخطابي وجهين: أن يكون بمعنى فظيع كأكبر كبير، وأن يكون أفعل التفضيل على بابه، أي منه ثم حذف. 531 - حديث: "أُرِيت النار، أكثر أهلها النساء يكفرن ... ". قال الكرماني: أريتُ بضم الهمزة وضم التاء، وهو بمعنى التبصر، والضمير هو القائم مقام المفعول الأول، والنار التي أكثرها النساء هو المفعول الثاني، والموصول بصلته صفة لازمة للنار، لا صفة محضة، إذ ليس المراد تخصيص نار بهنّ، و"يكفرن" استئناف كلام، كأنه جواب سؤال سائل، لم يا رسول الله، وفي بعض الروايات: أريت النار فرأيت أكثر أهلها النساء بزيادة (فرأيت) وفي بعضها رأيت النار أكثر أهلها النساء بدون فرأيت، وهو بفتح أكثر والنساء، فيكون أكثر بدلاً من النار، والنساء هو المفعول الثالث، وأرأيت بمعنى أعلمت بضمها، فيكون أكثر مبتدأ والنساء خبره، والجملة الاسمية حال بدون الواو، نحو قوله تعالى: (اهبطوا بعضكم لبعض عدو) [البقرة: 136]. وفي بعضها "بكفرهن" والباء للسببية وهي متعلقة بأكثر أو بفعل الرؤية

532 - حديث: "كأني به أسود أفحج يقلعها حجرا حجرا".

المقيدة، قال وقوله: قيل: أيكفرن بالله، قال: يكفرن العشير لم يعدّ كفر العشير بالباء، كما عدّى الكفر به لأنه ليس لمتضمّن المعنى الاعتراف بخلافه. وقوله: ويكفرن الإحسانَ، كأنه بيان لقوله: يكفرن العشير، إذ المراد كفران إحسان العشير لا كفران ذاته، واللام في العشير إما للعهد وإما للجنس وإما للاستغراق. قال وقوله: إن أحسنت، وفي بعضها: لو أحسنت، فإن قلت "لو" لامتناع الشيء لامتناع غيره، فكيف صح هنا هذا المعنى، قلت: هو بمعنى إنْ، أي لمجرد الشرطية، ومثله كثير، ويحتمل أن يكون من قبيل: "نعم العبد صهيب لو لم يخف الله لم يعصه"، بأن يكون الحكم ثابتًا على النقيض والطرف المسكوت عنه أولى من المذكور. والدهر منصوب على الظرفية، وهو بمعنى الأبد، والمراد عمر الرجل أي مدّة عمره، ويحتمل أيضًا مدة بقاء الدهر مطلقًا على سبيل الفرض مبالغة في كفرهن وسوء مزاجهنّ. 532 - حديث: "كأني به أسود أفحجَ يقلعُها حجرًا حجرًا". قال الكرماني: كأني به أي ملتبسين به، والضمير للبيت، و"أسود" مبتدأ ويقلعها: خبر، والجملة حال بدون الواو، والضمير لقالع البيت، وسياق الكلام يدلّ عليه، وأسود خبر مبتدأ محذوف، وروى أسود منصوبًا على الذم والاختصاص، فإن قلت شرط النصب على الاختصاص أن لا يكون نكرة، قلت: قال الزمخشري: في قوله تعالى: (قائمًا بالقسط) [آل عمران: 18] إنه منصوب على الاختصاص، وهو عبارة عن "الأسود" فهو مجرور، وجاز إبدال المظهر من المضمر الغائب، نحو ضربته زيدًا، انتهى. وقال الطيبي: حكى التوربشتي أنهما حالان من خبر كان، وإن لم يكن فهو مشبه به، وإذا قيّد منصوبه أو مرفوعه بالحال كان تقييدًا باعتبار معناه الذي أشبه الفعل، قال

الطيبي: وفيه نظر لأنهما إذا كانا حالين من خبر كان وذو الحال إما المستقر المرفوع أو المجرور، ولا يجوز الأول لأن المعنى يأباه كل الإباء، فتعيّن الحمل على الثاني، فالعامل هو متعلق الخبر. وقال المظهري: هما بدلان من الضمير المجرور، وفتحا لأنهما غير منصرفين، وعلى التقدير يلزم إضمار قبل الذكر، والأولى أن يقال إنه ضمير مبهم تفسيره ما بعده على أنهما كقوله تعالى: (فقضاهن سبع سماوات) [فصلت: 12] وهو تمييز. وقال الشيخ ولي الدين السبكي في كتابه: (نيل العلا في العطف بلا): قد استعملت في كلامي: وكأني بك، لأن الناس يستعملونه، ولا أدري هل جاء في كلام العرب أم لا، إلا أن في الحديث: "كأني به" فإن صح فهو دليل الجواز، وفي كلام بعض النحاة ما يقتضي منعه، وقال أبو علي الفارسي في "القصيريات" في قولهم: كأنك بالدنيا، ولم تكن: إن الكاف للخطاب والباء زائدة، والمعنى كأن الدنيا لم تكن، وكذلك صنع في كأني بكذا لم يكن، انتهى ما ذكره السبكي. وقد ألف الإمام جمال الدين بن هشام في إعراب هذا الحديث رسالة وها أنا أسوقها هنا للاستفادة، قال: بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله حمدًا يوافي نعمه، ويكافئ مزيده، اختلف في: (كأنّك بالدنيا لم تكن وبالآخرة لم تزل) في مواضع، أحدها: في تعيين دليله. والثاني: في معنى كأنّ. والثالث: في توجيه الإعراب، فأمّا قائله فاختلف فيه على قولين: أحدهما: أنه صلى الله عليه وسلم، والثاني: أنه الحسن البصري، وقد خبر بهذا جماعة منهم الشيخ أبو عبد الله محمد بن عمرون الحلس في "شرح المفصل"، وأبو حيان في "شرح التسهيل". وأما معنى كأنّ، فاختلف فيه أيضًا على قولين، أحدهما للكوفيين: زعموا أنها

حرف تقريب، وليس فيها معنى التشبيه إذ المعنى على تقريب زوال الدنيا، وتقريب وجود الآخرة، وجعلوا من ذلك كأنك بالشتاء مقبل، وكأنك بالفرج آت، وهذا يستعمله الناس في محاوراتهم، ويقصدونه كثيرًا ويقولون كأنك بفلان قد جاء، والثاني للبصريين: زعموا أنها حرف تشبيه مثلها في: كأن زيدًا أسد، ولم يثبت مجيئها للتقريب أصلاً، والمعنى كأنّ حالتك في الدنيا حالة لم تكن فيها، وكأنّ حالتك في الدنيا حال من لم يزل بها، فالمشبّه والمشبه به الحالتان لا الشخص، والفعل الذي هو الجنس، وإيضاح هذا أنّ الدنيا لما كانت إلى اضمحلال وزوال، وكان وجود الشخص بها كلا وجود، وأن الآخرة لما كانت إلى بقاء ودوام، كان الشخص كأنه لم يزل فيها، ولا شكّ أن المعنى المشهور لكأنّ هو التشبيه، فمهما أمكن الحمل عليه لا ينبغي العدول عنه، وقد أمكن على وجه ظاهر فابتغى المصير إليه. وأما توجيه الإعراب، وهو الذي يسأل عنه، فاضطربت أقوال النحويين اضطرابًا كثيرًا، والذي يحضرني الآن من ذلك أقوال: أحدها للإمام أبي علي الفارسي، زعم أن الأصل كأنّ الدنيا لم تكن، والآخرة لم تزل، ثم جيء بالكاف حرفًا لمجرد الخطاب لا موضع لها من الإعراب، كما أنها مع اسم الإشارة كذلك، وكذلك هي في قول: أبصرك زيدًا، أي: أبصر زيدًا فالكاف حرف لا مفعول، لأن أبصر إنما يتعدى إلى واحد، وجيء بالياء زائدة في اسم كأن، كما زيدت في أصل المبتدأ، وهذا القول اشتمل أمرين مخالفين للظاهر، وهما: إخراج الكاف عن الاسمية إلى الحرفية، وإخراج الباء عن التعدية إلى الزيادة. والقول الثاني لأبي الحسن بن عصفور، وهو قول قبسه من قول الفارسي زعم أن الكاف حرف خطاب، اتصلت بكأن فأبطلت إعمالها وأزالت اختصاصها، ولهذا أدخلت على الجملة الفعلية، والباء في بالدنيا وبالآخرة زائدة، كما زيدت في المبتدأ الذي لم يدخل عليه كأنّ، وقد مثلنا، والذي حمله على زعمه زوال إعمالها وأنه لم تثبت زيادة الباء في اسم كأنّ، ويثبت زيادتها في المبتدأ، وقد اشتمل قوله على أربعة

أقوال منها: الأمران اللذان استلزمهما إلغاء كأنّ وقد شرحناهما، ومنها دعواه إلغاء كأنّ، ولم يثبت ذلك إلا إذا اقترنت بما الزائدة، كما في قوله تعالى: (كأنما يساقون) [الأنفال: 6] ودعواه أن الباء حرف تكلم، كما أن الكاف حرف خطاب، وهو لم يصرح بهذا ولكنه يلزمه لأنه لا يمكنه أن يدعي أنه اسمها لأنه قد ادّعى إلغاءها، ولا يمكنه أن يدّعي أنه مبتدأ لأمرين: أحدها: أن الياء ليست من ضمائر الرفع، وإنما هي من ضمائر النصب والجر كما في قولك: أكرمني غلامي، والثاني: أنها لو كانت مبتدأ لكان ما بعدها خبرًا لها، ولو قيل مكان: كأني بك تفعل، أنا تفعل، لم ترتبط الجملة بالضمير، وقد استقر أن الجملة المخبر لها لا بد لها من رابط يربطها، ومنها أنه صرح بأنها قد دخلت على الجملة الفعلية في قولهم: كأني بك تفعل، فلما دخلت الباء على الضمير المرفوع انقلبت ضمير جر، ويدعي أن الباء متعلقة بتفعل، فإن ادّعى الأول فالجملة اسمية لا فعلية وبطل قوله إنها دخلت على الجملة الفعلية وإن ادّعى الثاني فلا يجوز في العربية أن تقول: عجبت مني ولا عجبت منك، ولا يكون الفاعل ضميرًا متصلاً بالفعل، والمفعول ضميرًا عائدًا إلى ما عاد إليه ضمير الفاعل، وقد تعدى إليه الفعل بالجر، ولهذا زعم أبو الحسين في قوله: هون عليك فإن الأمور ... بكف الإله مقاديرُها أن "على" اسم منصوب بهوّن، لا حرف متعلق بهوّن، لأن الكاف على التقدير الأول مخفوضة بإضافة على ولا عمل فيها البتّة، وعلى التقدير الثاني منصوبة الموضع بالفعل، ولا يجوز تعدي فعل المضمر المتصل إلى ضميره المتصل، وينبغي له أن يقول بذلك مثل قوله تعالى: (أمسك عليك زوجك) [الأحزاب: 37] وفي هذا الموضع مباحث

ليس هذا موضعها لأن فيها خروجًا عن المقصود. والقول الثالث لجماعة من النحويين أن الكاف اسم كأن (ولم يكن) الخبر، والباء ظرفية متعلقة بيكن إن قدّرت تامة، وبمحذوف هو الخبر إن قدّرت ناقصة، وعلى هذا القول فالتاء في تكن للخطاب لا للتأنيث، وضميرها للمخاطب لا للدنيا، وكذا البحث في لم تزل، وعلى القولين الأولين الأمر بالعكس، التاء للتأنيث والضميران للدنيا والآخرة، وهذا القول خير من القولين قبله، والمعنى كأنك لم تكن في الدنيا وكأنك لم تزل في الآخرة. والقول الرابع لابن عمرون: إن الكاف اسم كأن، وبالدنيا وبالآخرة خبران، وكل من جملتي لم تكن ولم تزل في موضع نصب على الحال، وإنما تمت الفائدة بهذا الحال، والفضلات كثيرًا ما يتوقف عليها المعنى المراد من الكلام، كقولهم ما زلت بزيد حتى فعل ذلك في الحال، وكقوله تعالى: (فما لهم عن التذكرة معرضين) [المدثر: 49] فما: مبتدأ، ولهم: الخبر والتقدير: أي شيء يستقر لهم، ومعرضين حال من الضمير المجرور باللام ولا يستغني الكلام عنه، لأن الاستفهام في المعنى عنه لا عن غيره، وخطر لي وجه ظننت أنه أجود الأقوال وهو أن الكاف اسم كأن، ولم تكن الخبر، وبالدنيا في موضع الحال من اسم كأنّ، والعامل في الحال العامل في صاحبها وهو كأن، كما عملت في رطبًا ويابسًا من قوله: كأنّ قلوبَ الطير رطبًا ويابسًا ... لدى وكرها العُنَّابُ والحشف البالي المعنى كأنك في حالة كونك في الدنيا لم تكن: أي بها، وكأنك في حالة كونك في الآخرة لم تزل: أي بها، وهذا عكس قول ابن عمرون، فإن قلت يدل على صحة ما قاله من أن الجملة لم يكن ولم يزل حالية أنه قد روي كأنك بالدنيا ولم تكن،

وبالآخرة ولم تزل، والجملة الحالية تقترن بالواو، بخلاف الجملة الخبرية، وما في كأنك بالشمس وقد طلعت، قلت إن سلم ثبوت الرواية فالواو زائدة، كما قال الكوفيون في قوله تعالى: (إن الذين كفروا ويصدون عن سبيل الله والمسجد الحرام الذي جعلناه للناس سواء العاكف فيه والباد) [الحج: 25] يصدون: هو الخبر والواو زائدة، وكما قال أبو الحسن في قوله تعالى: (ولما ذهب عن إبراهيم الروع وجاءته البشرى) أي وجاءته البشرى جواب لما، والواو زائدة وفي قوله تعالى: (حتى إذا جاءوها وفتحت أبوابها) أن فتحت جواب إذا والواو زائدة، إلى غير ذلك، وأما (كأنك بالشمس وقد طلعت) فلا نسلم ثبوته وهو مشكل على قولي وقوله، إذ لا يصح على قوله أن تكون الشمس خبرًا عن اسم كأنّ والتقدير: كأنك مستقر بالشمس، لا يصح على قولي أن تكون "قد طلعت" خبرًا عن اسم كان لعدم الضمير، فإذا كان لا يخرج على قولي ولا على قوله، فما وجه إيراده على ما قلته، فإن قلت فلم عدلت عما قاله من أن الظرف خبر والجملة حال إلى عكس ذلك، قلت لوجهين: أحدهما: أن على ما قلته يكون الخبر محط فائدة، وعلى ما قاله يكون محط الفائدة الحال كما تقدم شرحه، ولا شك أن كون الخبر محط الفائدة أولى. والثاني: أن العرب قالت: كأنك بالشتاء مقبل وكأنك بالفرج آت، فلفظوا بالمفرد الحال محل الجملة مرفوعًا لا منصوبًا، نعم قول ابن عمرون متجه في قول الحريري: كأني بك تنحط إلى القبر وتنفط، فهذا لا ينبغي أن يعدل فيه عن تخريجه، فيكون الظرف خبرًا وينحط حالاً عن ياء المتكلم لعدم الرابط، على أن المطرزي خرجه على أن الأصل: كأني أبصرك، ثم حذف الفعل لدلالة المعنى عليه، فانفصل الضمير وزيدت الباء في المفعول، ولا شك أن فيه تكلفًا من وجهين: إضمار الفعل وزيادة الباء مع إمكان الاستغناء عن ذلك، ثم يكون قوله: "تنحط" حالاً من الكاف لا خبرًا والفائدة متوقفة عليه، إذ لو صرح بالمحذوف فقيل كأني أبصرك لم يتم المراد، فما قاله ابن عمرون أولى لسلامته من هذا التكلف،

533 - حديث: "خطبنا ابن عباس في يوم زرع".

ولا يلزم من نفي قول ابن عمرون في هذا الموضع أنه يحمل عليه: كأنك بالدنيا لم تكن، لأن ذاك تركيب آخر مغاير لهذا التركيب، ومثل قول الحريري قولهم: كأني بك تفعل كذا، انتهى ما أورده ابن هشام. 533 - حديث: "خطبنا ابن عباس في يوم زرع". قال الكرماني: فإن قلت: اليوم أهو بالإضافة إلى الزرع، أو بالتنوين على أنه موصوف، قلت: الإضافة ظاهرة، ويحتمل الوصف بأن يكون معناه يوم ذي زرع، أو يقال الزرع صفة مشبهة كصلاة في قوله: قل الصلاة في الرحال، قال الكرماني: بالنصب أي صلوا الصلاة وأدوها في الرحال، وبالرفع أي الصلاة رخصة في الرحال. قوله: كرهت أن أؤثمكم فتجيئون تدوسون الطين، قال الزركشي: كذا بالرفع، ثبات النون وهو تقدير مبتدأ، أي فأنتم تجيئون، ويجوز أن يكون معطوفًا على "أؤثمكم"، ونصبه على لغة من يرفع الفعل بعد أن حملا على "ما" أختها، كقراءة مجاهد: (لمن أراد أن يتم الرضاعة) [البقرة: 233] بضم الميم، وفي لفظ: كرهت أن أخرجكم فتمشون في الطين، قال ابن مالك: على تقدير فأنتم تمشون، ويجوز أن يكون معطوفًا على "أن أخرجكم" وترك نصبه على لغة من يرفع الفعل بعد أن حملا على ما أختها فيكون الجمع بين اللغتين في كلام واحد، بمنزلة قولك: ما زيد قائمًا ولا عمرو منطلق، فيجتمع في كلام واحد بين اللغتين: الحجازية واللغة التميمية، ومثله قول سعد: لقد اصطلح أهل اليمن على أن يتوجوه فيعصبونه، والكلام على (فيعصبونه) كالكلام على فتشمون.

534 - حديث: "صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم ذات ليلة".

534 - حديث: "صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم ذات ليلة". قال الكرماني: أي في ليلة ولفظ ذات: مقحم، وقال الزمخشري: هو من باب إضافة المسمى إلى اسمه، وقال الطيبي: "ذات يوم" ظرف بمعنى الاستقرار في الخبر، وذات يجوز أن يكون صلة، وذات يوم يفيد من التوكيد ما لا يفيده لو لم يذكر لئلا يوهم التجوز أي مطلق الزمان، نحو قولك: رأيت نفس زيد، وقولك رأيت زيدًا نفسه، فذات من ظروف الزمان التي لا تتمكن، تقول: لقيته ذات ليلة وذات غداة وذات عشاء وذات مرة، وحمل التأنيث فيها على الحالة، انتهى. وفي حديث إبراهيم: ثنتين منهن في ذات الله، قال الزركشي أي في الله وكذا قول خبيب: وذلك في ذات الإله وإن يشأ ... يباركْ على أوصال شلو ممزَّعِ 535 - حديث: "أن هلال بن أمية قذف امرأته بشريط بن سحماء فقال النبي صلى الله عليه وسلم البينة أو حدًّا في ظهرك". قال الزركشي والكرماني: بنصب البينة على إضمار فعل أحضر البينة، ويروى برفعهما. وقال التوربشتي: أي أقم البينة وقوله: أو حدًّا، وفي رواية وإلاّ حدّ، والتقدير إن لم تقم البينة فيثبت حدّ في ظهرك، وقال ابن مالك: تضمن هذا الحديث حذف فعل ناصب البينة وحذف فعل الشرط بعد (إنْ لا)، وحذف الجواب والمبتدأ معًا، والأصل أحضر البينة وإن لا تحضرها فجزاؤك حدّ في ظهرك. والنحويون لا يعترفون

536 - حديث: "لينتهين أقوام عن ودعهم الجماعات".

بمثل هذا الحذف في غير الشعر، أعني حذف فاء الجواب إذا كان جملة اسمية أو طلبية وقد ثبت في ذلك هذا الحديث فبطل تخصيصه بالشعر لكن الشعر به أولى، وقال الكرماني: فإن قلت ما معنى "في"؟ قلت: هو كقوله تعالى: (ولأصلبنكم في جذوع النخل) [طه: 71] أي حيث أنها بمعنى كلمة الاستعلاء. 536 - حديث: "لينتهينَّ أقوامٌ عن وَدْعِهم الجماعات". قال عياض والقرطبي: ثم زعمت النحاة أن العرب أماتوا مصدر "ودع" وماضيه، والنبي صلى الله عليه وسلم أفصح، قال القرطبي وقد قرأ ابن أبي عبيدة: (ما ودعك ربك) [الضحى: 3] مخفّفًا أي ما تركك، والأكثر في الكلام ما أثر عن النحويين، انتهى، وقال القاضي عياض في موضع آخر: النحاة ينكرون أن يأتي منه ماض أو مصدر، قالوا وإنما جاء منه المستقبل والأمر لا غير، وقد جاء الماضي في قوله: "وكان ما قدموا لأنفسهم أكثر نفعًا من الذي وَدَعوا"، وقوله: ليت شعري عن خليلي ما الذي ... غاله في الحبّ حتى ودعه وقال ابن الأثير في "النهاية": النحاة يقولون إن العرب أماتوا ماضي "يدع" ومصدره واستغنوا عنه بترك، والنبي صلى الله عليه وسلم أفصح، وإنما يحمل قولهم على قلة استعماله، فهو شاذ في الاستعمال صحيح في القياس، وقال التوربشتي: لا عبرة فيما

537 - حديث: "دية أصابع اليدين والرجلين سواء عشرة من الإبل لكل أصبع".

قاله النحاة، فإن قول النبي صلى الله عليه وسلم هو الحجة القاضية على كل ذي فصاحة. 537 - حديث: "دية أصابع اليدين والرجلين سواء عشرة من الإبل لكل أصبع". قال أبو البقاء: وقع في هذه الرواية عشرة بالتاء وهو خطأ، والصواب عشر لأن الإبل مؤنثة، والتاء لا تثبت في العدد مع المؤنث. 538 - حديث: "إلا أن الله أعانني عليه فأسلم". قال أبو البقاء: يروى بالفتح على أنه فعل ماض، قال فأسلم شيطاني أي: انقاد لأمر الله، ويروى بالرفع أي: فأنا أسلم منه، وهو فعل مستقبل ويحكى به الحال. 539 - حديث: "إن أول ما خلق الله القلم، فقال له: اكتبْ، قال ما أكتبُ؟ قال: اكتب القدر". سئل أبو محمد بن السيد البطليوسي: هذا الحديث، وهل القلم فيه مرفوع أم منصوب فأجاب: الوجه فيه الرفع، وما أعلم أحدًا رواه منصوبًا، وقد رأيت قومًا ينصبونه ويجعلونه مفعولاً بخلق، وذلك خطأ لأن المراد بالأحاديث الواردة في القلم ... فمن ذلك حديث القطان، عن سفيان الثوري، عن هشام، عن مجاهد قال: ذكرت لابن عباس قومًا يقولون بالقدر فقال: إن الله تعالى كان عرشه على الماء قبل أن يخلق سماء، ثم خلق، فكان أول شيء خلقه القلم، فإنها يجري الناس على أمر مفروغ

معه، ومن ذلك حديث أبي الضحى في تفسير قوله تعالى: (ن والقلم وما يسطرون) [القلم: 1] قال أول شيء خلق الله القلم، فقال له اكتب، فقال وما أكتبُ، قال القدر، فجرى القلم بما هو كائن إلى يوم القيامة، فقد صرح في هذين الحديثين بأن القلم أول مخلوق وأن الغرض من ذلك تقديمه على سائر المخلوقات، ولا يسوغ في هذين الحديثين أن يجعل القلم مفعولاً، كما توهم المتوهم في الحديث المذكور فينبغي أن يرفع فيكون خبر إنّ وتستقيم الأحاديث، فإن قال قائل: من أين زعمت أن من نصب القلم واعتقد أنه مفعول بخلق، لزم على قوله أن يضم اسم أنّ وهو الضمير الذي يسميه الكوفيون المجهول، ووجب أن يكون ظرفًا لا منصوبًا، ويلزم على قوله أن تسقط الفاء من قوله تعالى: "فقال له اكتب" كأنه قال: أول ما خلق الله القلم قال له اكتب، فيفسر الحديث من وجهين: أحدهما: دخول الفاء في قوله: فقال له اكتب، لأنه لا مدخل للفاء ههنا على مذهب. والثاني: أنه لا يكون في الحديث إخبار بأن القلم أول المخلوقات، وإنما فيه إخبار بأن الله تعالى قال له اكتب حين خلقه، فيصير الحديث فاسد الإعراب لسائر الأحاديث الواردة في القلم، ولا يصح نصب القلم في هذا الحديث إن ثبتت به رواية مصححة، إلا على أن تنصب خبر إنّ وأخواتها، وهي لغة بعض العرب، يقولون: إن زيدًا قائمًا، وليت عمرًا مقبلاً، وعلى هذه اللغة جاء قول الشاعر: إذا اسودَّ جنح الليل فلتأت ولتكن ... خطاك خفافًا إنَّ حراسَنا أُسْدا فإن صحت روايته بنصب القلم فينبغي أن تحمل على هذه اللغة، وأما على أنه مفعول بخلق ففاسد في المعنى والإعراب، انتهى.

540 - حديث: "خمس كلهن فاسقة".

وقال زين العرب في "شرح المصابيح": القلم مرفوع، وإن صحّت رواية النصب كان على لغة من ينصب خبر إنّ، ذكرها ابن السيد وعلى أنه خبر "كان" مقدّرة، أي أول ما خلق الله كان القلم، وهو رأي الكسائي، نقله عنهما ابن مالك ومفعول خلق ضمير محذوف، والقدر نصب بفعل مقدّر دل عليه ما قبله، انتهى. وقال الطيبي زاد على ابن السيد، لو صحت الرواية بالنصب لم تمنع الفاء من تنزيل الحديث على ذلك المعنى، وذلك أن يقدر قبل فقال (أمره بالكتابة) فقال اكتب، فيكون هو العامل في الظرف والجملة مفسرة للضمير. 540 - حديث: "خمس كلهن فاسقة". قال أبو البقاء: كذا وقع في هذه الرواية بالتاء، ووجهه أنه محمول على المعنى، لأن المعنى كل منهن فاسقة الحية والعقرب، ويجوز أن يكون ألحق التاء للمبالغة، كقولهم رجل نسّابة وراوية وخليفة، ولو حمل على اللفظ لقال كلهن فاسق كما قال تعالى: (وكلهم آتيه يوم القيامة فردًا) [مريم: 95]. 541 - حديث غسل النبي صلى الله عليه وسلم: "نشدتك الله وحظّنا من رسول الله". قال أبو البقاء: في هذه الرواية: "وحظنا" بالواو والأشبه أن يكون منصوبًا، ويكون التقدير: وأعطنا حظّنا ونحو ذلك، وهو كقولهم رأسَك والجدارَ.

542 - حديث: "صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الخوف بذي قرد صفا خلفه".

542 - حديث: "صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الخوف بذي قرد صفًّا خلفَه". قال أبو البقاء: صفًا بالنصب على تقدير جعل صفًّا، فيكون مفعولاً به ويجوز أن يكون حالاً، والتقدير صفّهم صفًّا خلفه. 543 - حديث: "التحيات المباركات الصلوات الطيبات لله". قال الأندلسي في "شرح المفصل": حمل الشافعي هذا على حذف الواو العاطفة وهي مرادة في المعنى، كقول الشاعر: فأصبحن ينشرن آذانهن ... في الطرح طرفًا شمالاً يمينا أراد شمالاً ويمينًا، وروى أبو زيد: أكلت سمكًا لحمًا تمرًا، وقال البيضاوي: رواية ابن مسعود: التحياتُ لله والصلواتُ الطيباتُ بحرف العطف، فيحتمل أن يكونا معطوفين على التحيات، وأن يكون التحيات مبتدأ وخبره محذوف، يدل عليه عليك والطيبات معطوف عليها، والواو الأولى لعطف الجملة على الجملة، والثانية لعطف المفرد على المفرد. وفي حديث ابن عباس لم يذكر العاطف أصلاً وزاد المباركات وأخر فيه، فتكون صفات، قال: واختاره الشافعي لأنه أفقه. قوله: السلام عليك أيها النبي، قال الطيبي: التعريف إما للعهد والتقدير: أي ذلك السلام الذي وجه إلى الأنبياء المتقدمة موجّه إليك أيها النبي، والسلام الذي وجه إلى الأمم السالفة من الصلحاء علينا وعلى إخواننا، وإما للجنس: أي حقيقة السلام الذي يعرفه كل أحد، أنه ما هو وعمّن يصدر وعلى من ينزل عليك وعلينا، وإما للعهد الخارجي إشارة إلى قوله تعالى: (وسلام على عباده الذين اصطفى) [النمل: 59] قال: وأما

544 - حديث: "أمني جبريل عند البيت مرتين، فصلى بي الظهر حين زالت الشمس".

رواية سلام عليك بالتنكير فالأصل سلمت سلامًا عليك، ثم حذف الفعل وأقيم المصدر مقامه، وعدل عن النصب إلى الرفع على الابتداء، للدلالة على ثبوت المعنى واستقراره. 544 - حديث: "أمّني جبريل عند البيت مرتين، فصلى بي الظهر حين زالت الشمس". قال الشيخ ولي الدين العراقي، تقديره: فصلى بي الظهر، قال ويحتمل أن يكون الظهر منصوبًا على الظرف، ويكون المراد به الوقت المخصوص لا الصلاة المعروفة ولا يكون فيه مضاف محذوف، ويكون قوله حين زالت الشمس بدلاً منه، والأول أقرب إلى الفهم، قال: وقوله: صلى به الفجر فأسفر، الظاهر عود الضمير إلى جبريل، ومعنى أسفر دخل في السفر بفتح السين والفاء، وهو بياض النهار ويحتمل عود الضمير إلى الصبح أي أسفر الصبح في وقت صلاته، أو على الموضع أي أسفر الموضع في وقت صلاته، ويوافقه رواية الترمذي ثم صلى الصبح حين أسفرت الأرض، انتهى. 545 - حديث: "نُعِيَتْ إليَّ نفسي". قال الطيبي: ضمن النعي معنى الانتهاء وعدّى بإلى أي: أنهى إليّ نعي نفسي كما نقول: أحمد إليك فلانًا.

546 - حديث: "ألم ألقاكم على تلك الحال".

546 - حديث: "ألم ألقاكم على تلك الحال". قال أبو البقاء: بألف في هذه الرواية، والصواب ألم ألقَكم، بغير ألف مجزومًا بلم. 547 - حديث: "قام رسول الله صلى الله عليه وسلم يومًا يصلي فخطر خطرة". قال أبو البقاء: كذا في هذه الرواية، والأشبه أن الأصل فخطرت له خطرة إلاّ أن حذف التاء سهّل لأن التأنيث غير حقيقي. 548 - حديث: "وأنا أخشى أن يكون بي جُنُنٌ". قال أبو البقاء: أصله جنون بالواو فحذفت تخفيفًا لدلالة الضمة عليها، قال الشاعر يصف ناقة: مثل النعامة كانت وهي سالمةٌ ... أذناء ختى زهاها الحين والجنن وأذناء: ذات أذن، وزهاها: استخفّها. 549 - حديث: "من فارق الجماعة شبرًا فمات إلاّ مات ميتةً جاهلية".

قال الكرماني: إلا مات: مستثنى من الاستفهام الإنكاري، أي ما فارق أحد الجماعة وما قعد، قال ابن مالك: جاز ذلك كقول الشاعر: فوالله ما نلتم وما نيل منكم ... بمعتدلٍ وفقٍ ولا متقارب وإلاّ زائدة، قال الأصمعي: تقع إلاّ زائدة كقوله: حراجيجُ ما تنفكُّ إلا مناخة ... على الخسف أو نرمي بها بلدًا قفرا و"ميتة" بالكسر للحالة والهيئة. تم الجزء الأول من كتاب عقود الزبرجد، ويليه إن شاء الله الجزء الثاني وأوله حديث خير نساء ركبن الإبل ...

550 - حديث "خير نساء ركبن الإبل صالح نساء قريش أحناه على ولد في صغر، وأرعاه على بعل ذات يد".

550 - حديث "خيرُ نساءٍ ركبن الإبلَ صالحُ نساءِ قريش أحْناهُ على ولدٍ في صِغَر، وأرعاه على بَعْلٍ ذاتِ يد". قال ابن جِنِّي في الخصائص: من باب الحمل على المعنى قولهم: هو أحسن الصبيان وأجمله، أفرد الضمير لأن هذا موضع يكثر فيه الواحد كقولك: هو أحسن فتى في الناس. قال ذو الرمّة: ومَيَّةُ أحسنُ الثَّقَليْنِ وَجْهًا ... وسالِفَةً وأحْسَنُهُ قَذالا فأفرد الضمير مع قدرته على جمعه. وقال الكرماني: القياس أن يقال: أحناهنّ، لكن العرب قبل لا يتكلمون في مثله إلا فردًا، ولعله باعتبار المذكور أو باعتبار لفظ النساء.

وقال البيضاوي: ذكّر الضمير على تأويل أحنى هذا الصنف، أو مَنْ تركب الإبل أو يتزوج أو نحوها. وقال الطيبي: فإن قلت: أي فرق بين قول أحناهُ وأحناهنّ، قلت: الأول دلّ على الجنسية، وهو من يعرف كل أحد من العرف مَنْ هم، فالقصد الأول فيه المعنى، والذات تابعة، كأنه قيل فيه: هذا الجنس الذين فاقوا الناس في الشرف هذا الجيل، ولذلك عدل عن ذكر العرب إلى الصفة المميزة من قوله: (ركبن الإبل) لزيادة الاختصاص، ولو قيل أحناهنّ كانت الذات مقصودة، والمعنى تابعًا لها، فلم يكن بذلك. وقال الزركشي: اعلم أن الأفصح في جمع التكسير إن كان جمع كثرة أن يكون للواحدة المؤنثة نحو، الجذوع تنكسر، وإن كان جمع قلة أن يكون الضمير للجماعة المؤنثة نحو: الأجذاع ينكسرون قال تعالى: (منها أربعةٌ حُرُمٌ) [التوبة: 36] لمّا أعاد الضمير إلى "انثا عشر"، وقال تعالى: (فلا تظلموا فيهنّ أنفسكم) [التوبة: 36]. لما عاد إلى الأربعة. ودون ذلك في الفصاحة أن يكون مفردًا مذكرًا نحو: هذا أحسن الفتيان وأجمله، ومنه هذا الحديث. انتهى. وفي التعليق على كتاب سيبويه، للإمام جعفر بن الزبير، قال الفارسي: إن إيقاع ضمير الواحد ضمير الجمع يقاس فصيحًا إذا كان الاسم المجموع واقعًا موقع مفرد كقولهم: هو أجمل الفتيان وأحسنه، وأكرم بني أبيه وأنبله، إذ الفتيان وبنو في موضع فتى وابن، لأن العرب تقول: هو أجمل فتى وأكرم ابن، وظاهر كلامه أنه حيث وجد هذا كان، وحيث يعدم ذلك كان رديئًا. ونقده عليه السهيلي بأن قال: ذلك لا يطّرد، ألا ترى أنه ورد في الخبر المجمع عليه عنه عليه السلام: (خير نساء ركبن الإبل

551 - حديث "فرض صدقة رمضان نصف صاع من بر أو صاع من شعير أو صاع من تمر".

صوالح قريش أحناه على ولد وأرعاه على زوج في ذات يد) والنساء هنا في موضع مفرد، فلو روعي ذلك كما قال لقال: أحناها وأرعاها، إذ مفرد ذلك امرأة، وهو مؤنث، والاستشهاد بالحديث ضعيف لأن الرواة يروون بالمعنى. وقال الأستاذ أبو علي الفارسي، لا يلزمه هذا لأنه إنما قال: إنّ ذلك فصيح حيث يكون الجمع المضمر له إضمار الواحد في موضع مفرد، حيث يفقد ذلك فصيحًا، فلا يلزمه أن يطّرد ذلك في كل موضع. انتهى. 551 - حديث "فَرَضَ صدقةَ رمضانَ نصفَ صاعٍ من بُرٍّ أو صاعٌ من شعيرٍ أو صاعٌ من تمرٍ". قال أبو البقاء: كذا في هذه الرواية: أو صاع بالرفع، والجيد النصب عطفًا على نصف، ونصف منصوب بفرض، وفي نصبه وجهان: أحدهما، أن يروى (نصف صاع) بالرفع وهو الأوجه إذا رفعتَ صاعًا. والثاني: أن ينصب نصفًا ويكون التقدير: أو قال صاع، فيحمل (فرض) على معنى القول، ويحكى بها الجملة بعدها، ويجوز أن يكون التقدير على الشك من الراوي، كأن الراوي قال: أو قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (صاع) على الشك. [552]- حديث "خيرُ يومٍ تَحْتَجِمونَ فيه سبعَ عشرةَ وتسع عشرة وإحدى وعشرين".

553 - حديث "أحب الدين إلى الله الحنيفية السمحة".

قال أبو البقاء: (خير) أصلها أفعل، وهي تضاف إلى ما هي بعض له، وتقديره: خير أيام، فالواحد هنا في معنى الجمع، وقوله: (سبع عشرة) وما بعده جعله مؤنثًا، والظاهر يعطى أن يكون مذكّرًا، لأنه خبر عن (يوم) والوجه في تأنيثه أنه حمله على الليل لأن التاريخ به يقع، واليوم تبع له، ولهذا قال: (إحدى) على معنى الليلة. وفيه وجه ثان، وهو أنه يريد باليوم الوقت ليلاً أو نهارًا، كما يقال: يوم بدر، ويوم الجمل، ويوم الفجار، ثمّ أنّث على أصل التاريخ، ومن ذلك قوله تعالى: (ومن يُوَلِّهم يومئذ دبره) [الأنفال: 16]، ومنه قول الشاعر: يا حبّذا العَرَصاتُ يو ... مأ في ليالٍ مُقْمِراتِ واليوم لا يكون في الليالي إلا إذا أردت به الوقت. وفيه وجه ثالث: وهو أنه يكون أراد به يوم سبع عشرة ويوم تسع عشرة فحذف المضاف، ومثله حديث (مَنْ صام رمضانَ وأتبعهُ بستّ من شوال) أي: بأيام ليال، وأما قوله: (وإحدى وعشرين) ففي هذه الرواية (عشرين) بالنصب، والجيّد أن يكون مرفوعًا. 553 - حديث "أحبُّ الدينِ إلى الله الحنيفية السّمحةُ". قال الكرماني: أحب: بمعنى المحبوب لا بمعنى المحب، فإن قلت: لا مطابقة بين المبتدأ والخبر لأن المبتدأ مذكر والخبر مؤنث، قلت: الملّة الحنيفية كأنها غلبت عليها الاسمية حتى صارت علمًا، أو أن أفْعَلَ التفضيل المضاف لقصد الزيادة على من أضيف إليه يجوز فيه الإفراد والمطابقة.

554 - حديث "لما نزلت: "وأنذر عشيرتك الأقربين" صعد على الصفا فنادى: يا بني عبد مناف لبطون قريش".

554 - حديث "لما نزلت: "وأنذر عشيرتك الأقربين" صعد على الصّفا فنادى: يا بني عبد مناف لبطون قريش". قال الطيبي: اللام فيه بيان كما في قوله تعالى: (لِمَنْ أراد أن يتمَّ الرَّضاعة) [البقرة: 233] كأنه قيل: لمن قيل لبطون قريش. وقوله: (أرأيتكم) أي أخبروني: المضير المتّصل المرفوع من الخطاب التام والضمير الثاني لا محلّ له من الإعراب، وهو كالبيان للأول، لأن الأول بمنزلة الجنس الشائع للمخاطبين، فيستوي فيه التذكير والتأنيث والإفراد والجمع، فإذا أريد بيانه بأحد هذه الأنواع بيّن فيه، فأتى في الحديث بعلامة الجمع بيانًا للمراد. وقوله: (ما جرَّبْنا كذبًا) ضمّن (جرّب) معنى (ألفى) فعدّى بعلى، أي ما ألفينا عليك قولًا مجربين لك تكذب فيه أم لا. 555 - حديث "أنّ النّبي صلى الله عليه وسلم صلّى بالمدينة سبعًا وثمانيًا الظهرَ والعصرَ والمغربَ والعشاءَ". قال الكرماني: فإن قلت بم انتصب الظهر وما بعده؟ قلت: إمّا بدل أو بيان أو نصب على الاختصاص أو على نزع الخافض، أي للظهر.

556 - حديث "أن يمنح أحدكم أخاه خير له من أن يأخذ عليه خرجا معلوما".

وقوله: (فقال أيوب لعلّه في ليلة مطيرة، قال: عسى)، قال الكرماني: فإن قلت: ما اسم (عسى) وخبره؟ قلت: محذوفان، تقديره: عسى ذلك يكون في الليلة المطيرة. 556 - حديث "أنْ يمنح أحدُكم أخاه خيرٌ له من أن يأخذَ عليه خرجًا معلومًا". قال الزركشي: يروى بكسر (أنْ) وفتحها. 557 - حديثه "أنّه صلى الله عليه وسلم قال لمسيلمةَ: لو سألتني هذه القطعة ما أعيطتُكَها ولنْ تَعْدُ أمرَ الله فيك". قال الكرماني: القياس: (لن تعدو)، والجزم بـ (لن) لغة خطّأها الكسائي. وقال الزركشي: هو بنصب (تعدو) وكلام السفاقسي يقتضي أن الرواية بالجزم على لغة من يجزم بلن. مسند عبد الله بن عَتيك الأنصاري رضي الله عنه 558 - حديث "مَنْ خرج من بيتِه مجاهدًا في سبيلِ اللهِ فخرَّ عن دابّته فمات، أو مات حتفَ أنفِه فقد وقعَ أجرُه على الله. واللهِ إنّها لكلمةٌ ما سمعتُها من أحدٍ من العربِ قبلَ رسول الله صلى الله عليه وسلم".

مسند عبد الله بن عمر رضي الله عنه

مسند عبد الله بن عمر رضي الله عنه 559 - حديث "صلاةُ الليلِ مثنى مثنى". 560 - حديث "يصلّي أحدكم مثنى مثنى". 561 - حديث "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي من الليل مَثْنى مثنى". قال الشيخ جمال الدين بن هشام في تذكرته: الأعداد التي تجتمع في الذكر قسمان: قسم يؤتى به ويصح أن يضم بعضه إلى بعض، ولذلك يؤتى به نحو قوله تعالى: (فصيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجعتم) [البقرة: 196]، ألا ترى إلى قوله تعالى: (تلك عشرةٌ كاملةٌ) [البقرة: 196] وكذلك (وواعدنا موسى ثلاثين ليلة وأتمناها بعشر) [الأعراف: 142] بدليل (فتمّ ميقاتُ ربه أربعين ليلةً) [الأعراف: 142]. وقال الشاعر: تجمَّعْنَ من سبتٍ ثلاثًا وأربعًا ... وواحدةً حتى تممْنَ ثمانِيا

وقسم يؤتى به للتقسيم لا ليضم بعضه إلى بعض، وإنما هو موضوع لمعنى الانفراد، ولاختصاص وصفه بحال دون حال، وذلك أحاد وموحد إلى رباع ومربع، فيقال: ادخلوا آحاد آحاد، ومثنى مثنى، أي واحدًا واحدًا، أو اثنين اثنين. قال أبو طاهر حمزة، ولذلك لا يجيء اللفظ منه منفردًا غير مقترن، فلا يقال ادخلوا الآحاد، ولا اقعدوا مثنى، حتى يمتنع بغيره لتكراره في حالة، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (صلاةُ الليلِ مثنى مثنى) أي ثنتين ثنتين، وكذلك قوله تعالى: (فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع) [النساء: 3]، المراد بها الانفراد لا الاجتماع، وذلك بحسب من يريد من العدة ما شاء. وكذلك قوله تعالى: (أولي أجنحةٍ مثنى وثلاث ورباع) [فاطر:1]، أي منهم جماعة ذوو جناحين، وجماعة ذوو ثلاثة ثلاثة وجماعة ذوو أربعة أربعة. انتهى. وقال الطيبي: قوله: مَثْنَى مثنى، أتى بالثاني تأكيدًا، لأن الأول مكرر المعنى، ولذلك امتنع عن الصرف. قال في "الكشاف": وإنّما لم ينصرف لتكرار العدل فيها، قال الزجاج: أحدهما أنه معدول عن اثنين اثنين، والثاني أنه عدل في حال التكرار. وزعم سيبويه أن عدم الصرف للعدل والصفة. انتهى. وقال الشيخ بهاء الدين بن النحاس في "التعليقة": مَثْنى: غير منصرف لأنه معدول وصفة، أما عدله فهو معدول عن لفظ العدد مكررًا، قال الجوهري: إذا قلت: جاءت الخيل مثنى مثنى، فالمعنى اثنين اثنين، أي يجاءوا مزدوجين. وقال المهدوي في تفسيره في قوله تعالى: (أولي أجنحةٍ مثنى وثلاث ورباعَ) [فاطر: 1].

فإن قيل تكريرهم لهذا المعنى للعدول يشعر بأنه معدول عن غير مكرر، كما جاء في الخبر: (صلاة الليل مثنى مثنى) فالجواب أن تكرير مثنى للمبالغة في التوكيد، فكأنه قيل صلاة الليل اثنتان اثنتان اثنتان اثنتان فكرر أربع مرات لأن مثنى بمنزلة اثنين مرتين، وهذا التكرير بمنزلة ضربت زيدًا زيدًا، فإذا كررت اثنين اثنين فالتكرير معنوي، لقصدك اثنين بعد اثنين، ولو كان لفظيًا كان سقوطه وثبوته واحدًا، ولا شبهة في أن المعنى يتفاوت بخلاف مثنى الثاني في الخبر، وجاز تكرير مثنى وإن قبح تكرير (اثنان) أربع مرات لأن مثنى أقصر، لأنه مفرد، وإن كان للمبالغة فلا ينفي ما ذكرنا من أنه معدول عن المكرر. وقال أبو علي في "الإغفال": لا يوهمنا قول النحويين أنه معدول عن اثنين اثنين أنهم يريدون بمثنى العدل عنهما، إنما ذلك تفسير اللفظ المعدول عنها كما يوهمون، أي يعتبرون قولهم هو خير رجل في الناس، وهما خير اثنين في الناس، أن المعنى هما خير اثنين إذا كان الناس اثنين، وخير الناس إذا كان الناس رجلاً رجلاً، فكذلك يريدون بقولهم: (مثنى) المعدول عن اثنين اثنين، أنه مراد به اثنين لا على اللفظين جميعًا، وإنما المعدول عنه لا يكون إلا اسمًا مفردًا كالمعدول، ألا ترى أن جميع المعدولات أسماء مفردة كما أن المعدول عنها كذلك؟. قال الشيخ بهاء الدين: لقد بيّن الشيخ أبو علي كلّ البيان هنا. لأن العدل نوع من الاشتقاق، فلا يكون من كلمتين. وأما عبشمي وعبقسي فمن القلّة بحيث لا ننظر إليه، وإن اشتقّ بعض أهل اللغة من كلمتين فليس تحقيقًا عند أهل النظر. وأمّا الوصف فهذا المعدول لزم الوصفية، إذ لا يقال: جاءني ثلاث، إنما يقال: جاءني رجال ثلاث، وإنما امتنعوا من أن يجروه غير صفة لأنه معدول عن مكرر، وكما لا يجوز جاءني ثلاثة ثلاثة لأنه لا يكون إلا تابعًا لمثنى فكذلك ثلاث، فلما لم يقع إلاّ تابعًا، وصفًا أو غير وصف، كقولك خرج القوم مثنى، فكذلك قال النحاة إنه صفة، واعتدّ فيه بالوصفية فصارت سببًا، فهذا هو القول المنصور في منع صرف (مثنى) وبابه.

562 - حديث: "إن يكن هو فلن تسلط ... ".

وقيل إنه عدل في اللفظ والمعنى، فكأنّ فيه عدلين: أما عدل اللفظ فذكر في القول الأول، وأما عدل المعنى فتغير المدة المحصورة بلفظ الاثنين إلى أكثر من ذلك. ومنهم من قال إنه عدله وقع من غير جهة العدل، لأن باب العدل المعارف وهذه نكرات. وقيل إنه معدول وجمع لأنه بالعدل صار أكثر من المدة الأولى. وقال الزّجاج: فيه علتان: العدل، وأنه عدل عن تأنيث. وقال أهل الكوفة: مثنى لامتناعه من الألف واللام، وليست بشيء، لأن من النكرات ما لا يدخله لام التعريف كأين، انتهى. 562 - حديث: "إنْ يكَّنْ هو فلن تُسَلَّطَ ... ". قال البيضاوي: (إن يكن هو) الضمير للرجال، وهو خبر كان، واسمه مستكنّ فيه، وكان حقّه أن يكنّه فوضع المرفوع المنفصل موضع المنصوب المتصل، عكس قوله (لولاه). ويحتمل أن يكون (هو) تأكيد للمستكن، والخبر محذوف على تقدير: إنْ يكن هو هذا. قال الطيبي: ويجوز أن يقدر: إن يكن هو الرجال، وهو ضمير فصل، أو هو مبتدأ، والرجال خبر كان، أو هو مبتدأ وخبره محذوف، والجملة خبر كان. 563 - حديث: "الدَّجالُ إن يخرجْ من غضبةٍ يَغضبُها". قال الطيبي: قيل (يغضبها) في موضع الجر صفة (غضبة)، والضمير في موضع النصب، أي أنه يغضب فيخرج بسبب غضبة.

564 - حديث: "باب أمتى الذي يدخلون منه الجنة عرضه مسيرة الراكب المجود ثلاثا".

564 - حديث: "بابُ أمّتى الذي يدخلون منه الجنة عرضُه مسيرةُ الراكبِ المجَوِّدِ ثلاثًا". قال الطيبي: (المجوّد) يحتمل أن يكون صفة الراكب، والمعنى، الذي يجود ركض الفرس، وأن يكون المضاف إليه والإضافة لفظية أي: الفرس الذي يجود في عدوه. 565 - حديث: "الذي تفوته صلاة العصر فكأنّما وُتِرَ أهله وماله". قال النووي: روي بنصب الاثنين ورفعهما، والنصب هو الصحيح المشهور الذي عليه الجمهور. وقال ابن الأثير في "النهاية": يروى بنصب الأهل ورفعه، فمن نصب جعله مفعولاً ثانيًا لـ (وتر) وأضمير فيها مفعول ما لم يسمّ فاعله عائدًا إلى (الذي)، ومن رفع لم يضمر، وأقام الأهل مقام ما لم يسمّ فاعله، لأنهم المصابون المأخوذون، فمن ردّ النصب إلى الرجل نصبهما، ومن ردّه إلى الأهل والمال رفعهما. قال الشيخ أكمل الدين بعد ذكر ذلك: قيل ويجوز أن يكون النصب على التمييز أي: وُتِر من حيث الأهل نحو: غُبِنَ رأيه، وألم نفسه، وعليه قوله تعالى: (إلاّ من سفه نفسَه) [البقرة: 130] نصبه على وجه. وقال بعضهم: إنه منصوب على نزع الخافض: أي: وُتِرَ في أهله وماله، فلما حذف الخافض انتصب.

566 - حديث: "مثل المنافق مثل الشاة العائرة بين الغنمين".

وقال القاضي أبو بكر بن العربي: إن رفعت فعلى البدل من الضمير في (وُتِر) فتلخص أن في الرفع وجهين، وفي النصب ثلاثة أوجه. 566 - حديث: "مثل المنافق مثلُ الشاةِ العائرةِ بين الغنمين". قال الزمخشري في "المفصّل": قد يثنّى الجمع على تأويل الجماعتين والفرقتين، أنشد أبو زيد: لنا إبلان فيهما ما علمتمُ وفي الحديث: (مثل المنافق كالشاةِ العائرة بين الغنمين) وأنشد أبو عبيدة: لأصبح الحيّ أوبادًا ولم يجدوا ... عند التفرّقِ في الهَيْجا جِمالَيْنِ قال الأندلسي في "شرحه": تثنية الجمع ليس بقياس، وقد يعرض في بعض المعاني ما يحوج إلى تثنية الجمع كما في الحديث، لا يمكن التمييز بمجرد الجمع، فيستحب عند ذلك تثنية الجمع. 567 - حديث: "يا أهلَ الجنة خلودٌ لا موت".

568 - حديث: "بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله".

قال أبو البقاء: في هذه الرواية (خلود) بالرفع، وجاء في موضع آخر بالنصب على تقدير: اخلدوا خلودًا، والرفع على تقدير لكم خلود، أو هذا خلود، و (لا موت) يجوز فيه الفتح على معنى لا موت عندكم أو لكم، والرفع على أنه معطوف على خلود، أو على تقدير: غير موت. 568 - حديث: "بُنِي الإسلام على خمسٍ: شهادة أن لا إله إلا الله". قال الزركشي: شهادة بالجر على البدل من الخمس، ويجوز الرفع، أي: أحدهما شهادة. وقال ابن حجر: يجوز الرفع على حذف الخبر، والتقدير: منها شهادة، أو على حذف المبتدأ والتقدير: أحدها. وقال الكرماني: (شهادة) وما عطف عليه مجرور بأنه بدل من خمس بدل الكلّ من الكلّ، أو مرفوع بأنه مبتدأ محذوف وهي هي، و (أنْ) في (أن لا إله إلا الله). و (خمس) في بعض الروايات بالتاء، فتقديره: خمسة أشياء أو أركان أو أصول، وفي بعضها بدون التاء، فتقديره: خمس دعائم أو قواعد أو خصال، وههنا دقيقة جليلة نطلعك عليها وهو أن أسماء العدد إنما يكون تذكيرها بالتاء وتأنيثها بسقوط التاء إذا كان المميز مذكورًا، أما إذا لم يذكر فيجوز فيها الأمران، صرح بها النحاة، وذكرها النوويّ في "شرح مسلم" في حديث (من صام رمضان وستًّا من شوّال)، ففي هذا الحديث يجوز من جهة النحو التاء وعدمها.

569 - حديث: "إن شئت حبست أصلها".

و (إقام) أصله (إقْوام) حذف الواو فصار (إقام)، وقد يعوض التاء فيقال: إقامة، أو الإضافة نحو: إقامة الصلاة. و (الإيتاء) يتعدى إلى مفعولين، أو إيتاء الزكاة مستحقها فحذف أحد المفعولين. 569 - حديث: "إنْ شئت حبَّسْت أصلَها". قال أبو البقاء: الجيد بالتشديد، وكذا يقال في الوقت، وأما التخفيف فمعناه: منعت وضيقت. 570 - حديث: "وكان تمرُهم دونَ". قال أبو البقاء: كذا وقع في هذه الرواية، ويحتمل وجهين، أحدهما: أن يكون أضمر في (كان) الشأن، والجملة مفسّرة له في موضع نصب، والثاني أن يكون بفتح النون وأراد: دون غيره في الجودة، فحذف المضاف إليه وأبقى حكم الإضافة، ومنه قوله تعالى: (ومنّا دون ذلك) [الجن: 11]، وكذا في الحديث، المراد: وكان تمرهم دون ذلك. 571 - حديث: "مثلُكم ومثل اليهود والنصارى كرجلٍ استعمل عُمّالاً فقال: من يعمل لي من صلاة الصبح إلى نصف النهار على قيراط قيراط؟ فعملت اليهود، ثم قال: من يعمل لي من نصف النهار إلى صلاة العصر على قيراطٍ قيراطٍ؟ فعملت النصارى، ثم قال: من يعمل لي من صلاة العصر إلى مغرب الشمس على قيراطين قيراطين؟

ألا فأنتم الذين يعملون من صلاة العصر إلى مغرب الشمس". قال ابن مالك: تضمّن هذا الحديث استعمال مِنْ) في ابتداء غاية الزمان أربع مرات، وهو ممّا خفي على كثير من النحويين فمنعوه تقليدًا لسيبويه في قوله: وهو ممنوع لمخالفة النقل الصحيح والاستعمال الفصيح. ومن شواهد صحة هذا الاستعمال قوله تعالى: (لمسجد أسس على التقوى مِنْ أول يوم أحقُّ أن تقوم فيه، فيه رجالٌ) [التوبة: 108]. فبهذا استشهد الأخفش على أن (مِنْ) تستعمل لابتداء غاية الزمان. ومن شواهد هذا الاستعمال أيضًا قوله صلى الله عليه وسلم: (أرأيتكم ليلتكم هذه فإن على رأس سنة منها ..). وقول عائشة: (جلس رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يجلس عندي من يوم قيل فيَّ ما قيل). وقول أنس: (لم أزلْ أحبُّ الدُّبَّاءَ مِنْ يومئذ).

572 - حديث: "إنما مثلكم واليهود والنصارى كرجل استعمل عمالا".

وقول بعض الصحابة: (فمُطِرْنا من جمعة إلى جمعة)، ومن شواهده الشعرية قول النابغة: تُخُيّرْنَ من أزمان يوم حليمةٍ ... إلى اليوم قد جُرِّبْنَ كلَّ التجارِبِ ومثله: وكلُّ حسامٍ أخلصته قُيُونَهُ ... تُخُيِّرْنَ من أيام عادٍ وجُرْهُمِ 572 - حديث: "إنّما مثلكم واليهودِ والنصارى كرجلٍ استعمل عمّالاً". قال ابن مالك: تضمّن هذا الحديث العطف على ضمير الجرّ بغير إعادة الجار، وهو ممنوع عند البصريين إلا يونس وقطرب والأخفش. والجواز أصح من المنع لضعف احتجاج المانعين، وصحة استعماله نثرًا ونظمًا. ومن مؤيدات الجواز قوله تعالى: (... وصدٍّ عن سبيل الله وكفر به والمسجدِ الحرامِ) [البقرة: 217]ـ فجرّ (المسجد) بالعطف على الهاء المجرور بالباء. وقراءة حمزة: (واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام) [النساء: 1] بالخفض، قال: ولو روى

573 - حديث: "لا حسد إلا في اثنتين: رجل آتاه الله مالا ... ".

(واليهودُ) بالرفع لجاز على تقدير: ومثل اليهود، ثم يحذف المضاف، ويعطى المضاف إليه إعرابه. قوله: (مالنا أكثر عملا وأقل عطاءً): قال الزركشي: بنصب (أكثر) و (أقلّ) على الحال، كقوله تعالى: (فمالهم عن التذكرة معرضين) [المدثر: 49]. وقال الكرماني: بالرفع والنصب. 573 - حديث: "لا حسدَ إلا في اثنتين: رجلٍ آتاه الله مالاً ... ". قال أبو البقاء: يجوز الجرّ في رجل على أن يكون بدلاً من (اثنتين) أي خصلة رجلين، والنصب بإضمار (أعني) والرفع على تقدير: إحداهما خصلة رجل، لا بد من تقدير الخصلة لأن (اثنتين) هما خصلتان. 574 - حديث: "يكون في أمتي خسفٌ ومسخٌ وقذفٌ في أهلِ القدر". قال الطيبي: قوله: (في أهل القدر) بدل البعض من قوله: (في أمتي) بإعادة العامل وانتصابه على الحال، والعامل فعل محذوف دل عليه قرينة الحال، أي أعرفها. 575 - حديث: "أبعثها قيامًا مقيدةً سنّةَ محمد صلى الله عليه وسلم". قال البيضاوي: (قيامًا) مصدر بمعنى قائمة، وانتصابه على الحال، أي انحرها، و (سُنَّةَ) منصوب بعامل مضمر على أنه مفعول به، والتقدير: فاعلاً متّبعًا سنّة. وقال: أو مصدر دلّ على فعله مضمون الجملة السابقة.

576 - حديث: "من مات وعليه صيام شهر فليطعم عنه مكان كل يوم مسكينا".

وقال التوربشتي: لا يصحّ أن يجعل في (قيامًا) ابعثها لأن البعث إنّما يكون قبل القيام، واجتماع الأمرين في حالة واحدة غير ممكن. قال الطيبي: يحتمل أن يكون حالاً مقدرة، فيجوز تأخيره عن العامل. وقال الكرماني: أو يضمّن (ابعثها) معنى أقمها. وقال الزركشي: (سنة) نصب على الاختصاص. 576 - حديث: "من مات وعليه صيامُ شهرٍ فليُطعِمْ عنه مكان كلّ يومٍ مسكينًا". قال الحافظ زين الدين العراقي في "شرح الترمذي": كذا في رواية الترمذي بالنصب وكان وجهه إقامة الصرف مقام المفعول كما يقام الجار والمجرور مكانه. وقد قرئ: (ليجزيَ قومًا بما كانوا يكسبون). وفي رواية ابن ماجة (مسكين) بالرفع على الصواب. انتهى. 577 - حديث: "إنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم مرّ على رجلٍ من الأنصارِ وهو يعظُ أخاه في الحياءِ ... " ولمسلم: "مرّ برجل ... ". قال الحافظ ابن حجر: (مرّ) بمعنى اجتاز، يعدّى بعلى وبالباء. 578 - حديث: "إنّه سُئِل عن الماء وما ينوبه من السباع".

579 - حديث: "أمرت أن أقاتل الناس ... ".

قال الطيبي: (وما ينوبه) مجرور عطف على (الماء) على سبيل البيان نحو: أعجبني زيد وكرمه. 579 - حديث: "أمرت أن أقاتل الناس ... ". قال الكرماني: أي أقاتل، وحذف الجار من (أنْ) كثير سائغ مطّرد. 580 - حديث: "اللهم ارحم المحلّقين، قالوا: والمقصرين يا رسول الله ... ". قال الكرماني: فإن قلت علام عطف (والمقصرين) وشرط العطف أن يكون المعطوفان في كلام متكلم واحد؟ قلت: تقديره: قل وارحم المقصرين أيضًا، ويسمّى مثله بالعطف التلقيني، كما في قوله تعالى: (إني جاعلك للناس إمامًا قال ومن ذريتي) [البقرة: 124]. 581 - حديث: "يا معشرَ النساء تصدّقن فإني رأيتكنّ أكثرَ أهل النار". قال النووي: هو بنصب (أكثر) إمّا على أن هذه الرؤية تتعدى إلى مفعولين، وإمّا على الحال على مذهب ابن السّراج وأبي علي الفارسي وغيرهما ممّن قال إنّ أفْعَلَ لا يتصرفُ بالإضافة.

582 - حديث: "إن أبر البر أن يصل الرجل أهل ود أبيه".

وقيل: هو بدل من الكاف في (رأيتكنّ). وأما قولها: وما لنا أكثر من أهل النار؟ فمنصوب إمّا على الحكاية وإمّا على الحال. انتهى. وقال السبتي في "شرح التسهيل": لم يقع أفعل التفضيل حالاً إلا فيما سمع كقراءة امرأة لرسول الله صلى الله عليه وسلم: وما لنا أكثر أهل النار. 582 - حديث: "إنّ أبرَّ البرّ أن يصلَ الرجلُ أهلَ وُدِّ أبيه". قال الشيخ أكمل الدين في "شرح المشارق": (أبرّ البرّ) من قبيل جلّ جلاله وجد جده، يجعل الجدّ جادًا، وإسناد الفعل إليه، وجعل الجلال جليلاً، وإسناد الفعل إليه، فيجعل البرّ بارًّا، ويبتني منه أفعل التفضيل، وكذا كلّ ما كان من هذا القبيل، مثل: إن أفضل الفضل، وأفجر الفجور. 583 - حديث: "كلُّ شيءٍ بقدرٍ حتّى العجز والكيس". قال التّوربشتي -واستحسنه الطيبي-: يروى (العجز والكيس) بالرفع فيهما عطفًا على (كلّ)، وبالخفض عطفًا على (شيء). والأوجه أن يكون (حتّى) في الكسر حرف خفض بمعنى إلى. ومعنى الحديث يقتضي الغاية، لأنه أراد بذلك أنّ أكساب العباد وأفعالهم كلها بتقدير خالقهم حتى الكَيْس الذي يوصل صاحبه إلى البغية، والعجز الذي يتأخر به عن درك البغية. 584 - حديث "خَصْلتان معلّقتان في أعناق المؤذنين للمسلمين صلاتُهم وصيامُهم".

585 - حديث: "ما من أيام أعظم عند الله ولا أحب فيهن العمل من هذه الأيام العشر".

قال الطيبي: (معلقتان) صفة لـ (خصلتان) و (للمسلمين) خبر للمبتدأ الموصوف، و (صلاتهم وصيامهم) بيان للخصلتين أو بدل منه. 585 - حديث: "ما من أيامٍ أعظمُ عند الله ولا أحبُّ فيهنّ العمل من هذه الأيام العشر". 586 - وحديث: "ما من أيامٍ أحبُّ إلى الله فيها الصوم من أيامِ العشر". قال ابن مالك في "شرح الكافية": لا يرفع أفعل التفضيل في اللغة المشهورة اسمًا ظاهرًا، لأنّ شبهه باسم الفاعل ضعيف من قبل أنه في التنكير لا يؤنث ولا يثنى ولا يجمع، بخلاف اسم الفاعل والصفة المشبهة به، فإن أدّى ترك رفعه الظاهر إلى فصل المبتدأ بين أفعل والمفضل عليه يخلص من ذلك بجعل فاعل أفعل بشرط كونه سببًا كالصوم بالنسبة إلى الأيام في قوله عليه السلام: (ما من أيام أحب إلى الله فيها الصوم في أيام العشر ..). وإنما اشترط كون الظاهر سببًا لأن ذلك يجعله صالحًا للقيام مقام المضمر، فإنّ الاستغناء بالظاهر البيّن عن المضمر كثير، ولأن كونه سببًا على الوجه المستعمل يجعل أفعل التفضيل واقعًا موقع الفعل، وذلك أن قولك: ما من أحد أحسن في عينه الكحل من زيد، يقوم مقامه: ما من أحد يحسن في عينه الكحل كزيد، فيرتفع ارتفاع الظاهر بأفعل هذا لوقوعه موقع فعل بمنزلة إعمال اسم الفاعل الموصول به الألف واللام وذلك المعنى لأن وصل الألف واللام به أوجب تقديره بفعل. وقال الأندلسي في "شرح المفصّل": الأصل في الحديث: ما من أيام أحب إلى الله فيها الصوم منه إليه في عشر ذي الحجّة، فحذف الضمير في (منه) العائد إلى الصوم، واكتفى بذكر الصوم، وأوقع (مِنْ) على عشر ذي الحجة، وهي في الأصل واقعة على ضمير الصوم.

587 - حديث: "فيما سقت السماء والعيون والبعل العشر".

587 - حديث: "فيما سقت السماءُ والعيون والبَعْل العُشْر". سئل محمد بن السيد البطليوسي عن هذا الحديث فأجاب بما نصّه: رأيتك أعزك الله قد رفعت (البعل) وضبطه ضبط تصحيح، ولست أشك في أن أصلك وقع فيه (البعل) مرفوعًا. فأدخل عليك الاستعمال في الحديث، وأحوجك إلى السؤال عن إعرابه، واستدعاء ما قاله اللغويون في تفسير (البعل). وهذه رواية لا أعرفها، ولا سمعت بها قبل كتابك، وإنما الرواية: (والبعلِ) بالخفض عطفًا على (ما) من قوله: (في ما سقت السماء) هكذا رواه الناس وفسره المفسرون. فإن كان وقع في كتابك مرفوعًا فأصلحه، فإنه غلط من ناسخ الكتاب، وغفلة من القارئ وليس برواية. ويدلك على أنه مخفوض رواية من روى: وفي ما سقت السماء والعيون أو كان عَثَرِيًا العُشْر، فذكر العثريّ مكان البعل، وهما بمعنى واحد. كذا قال أبو حنيفة في "النبات"، وغيره من المحدثين واللغويين، لا أحفظ في ذلك خلافًا. قال أبو حنيفة في "كتاب النبات": إذا لم يشرب الحبّ ماء غير ماء السماء من الأمطار فهو العِذْي –الذال ساكنة- وهو أيضًا العَثَرِيّ – الياء شديدة مجراة- والبعل مثله، عن الأحمر، وأنشد لعبد الله بن رواحة: هنالك لا أبالي نخلَ سَقْيٍ ... ولا بعلٍ وإن عَظُمَ الإتاءُ

وقال غير أبي حنيفة: البعل ما شرب بعروقه من الأرض من غير سقي أو غيره. وهذا أشبه بالحديث من قول أبي حنيفة، لأنه سمّى ما تسقيه السماء بعلاً وفرّق بينهما. فهذا ما حضرني من الجواب عمّا سألت عنه. وقال ابن السيد: فاعترض هذا السائل في هذا الجواب. فقال: وقفت أعزّك الله على ما ذكرت في أمر البعل، وظهر لي شيء أورده عليك لا على جهة التعنيت والاعتراض، حاشاك الله من ذلك، وتلك سجيّة لم تعرف من خلقي مع من دون الألفاء فكيف مع الجملة من المشيوخاء، وذلك خرجه البخاري، وأنت تعلم أن مثل هذا لا يلزم مني؛ لأنّا إن فعلنا ذلك تناقضت ألفاظ الحديث، وتناقضُ كلام أهل اللغة أولى من تناقضها، والدليل على ما أقوله ما روي عن عمرو بن هرمز عن محمد بن عبد الرحمن أن في كتاب النبي صلى الله عليه وسلم وكتاب عمر في الصدقة (.. ما كان عَثَرِيًّا يسقيه السماء والأنهار وما كان يسقى من بعل ففيه العشر) فجاء لفظ الحديث كما ترى في (العَثَري) وفصل بينه وبين البعل في الصفة لا في الحكم. وهذا هو الوجه لا محالة لأن لفظ حديث الموطأ يدل عليه قوله صلى الله عليه وسلم: (في ما سقت السماءُ والعيون والبعْل العشر) فكونهما نوعين أولى إن شاء الله. وروى ابن جريج عن موسى بن عقبة عن نافع عن ابن عمر أنه قال: (ما كان بعلاً أو سقي بالعين أو كان عَثَرِيًّا يسقى بالمطر ففيه العُشْر) وهذا كالأول، فلا وجه مع هذا لكلام أبي حنيفة في جعله الألفاظ الثلاثة بمعنى واحد، أعني: البعل والعِذْي والعَثَرِيّ، لأن التفسير – على علمك – إذا ورد في الحديث، فلا معنى للاشتغال بغيره إلا أن يجيء الخَلَف بزيادة. وقلت بعقب ذلك - أعزك الله – أنك لا تحفظ في ذلك خلافًا، فهذا الذي حملني على ما ذكرته متعدّيًا ذلك الفضل في أن تقذف عليه قناع الستر فإن خجل من هذا. وأما بيت الأنصاري فإن أبا حنيفة استشهد به على لفظ السّقي، وذكره أبو عبيدة في

الشرح، ولم يبين المعنى الذي احتيج به من أجله، غير أنه يظهر عند الفاضل أنه جعله للفظ البعل فقط. وهذا البيت –أعزك الله- لا أفهم إعرابه، لأني قلت: إن البعل الشجر بعينه، فلم جاء به مجرورًا وحقّه أن يقول: ولا بعلاً، عطفًا على (نخل سَقْيٍ) ووزن البيت قائم، وإن قلت إنّ التقدير: لا أبالي بنخل السقي ولا بنخل البعل، فأقول حينئذ إنّ البعل ههنا البقعة التي يغذي نباتها وشجرها بما فيها من الرطوبة، وإليه أشار القاضي. وفي "المنتقى": وقد كان هذا المعنى في نفسي مذ زمان، وما رأيت قوله إلاّ مذ أول من أمس، وأقول ما قاله صاحب "كتاب العين": إن البعل الأرض التي لا يصيبها المطر إلا مرّة في العام، فأوجب أنّ البعل اسم واقع على الأرض كما يقع على الشجر، فإن لم يجز لي هذا ولا هذا، فبين لي ما يظهر إليك في هذا كلّه. وأسألك بما أرعاه من ذمامك أن حملت هذا مني إلى على وجهه، وما خاطبتني به من مدرجة فأجعلها على كتابك تحت ختمك لئلا يقرأها غيري. وقال في "التلقين": فإن كان شربه سيحًا أو بعلاً أو من ماء السماء فلا يتوجّه ههنا أن يقال إنّ البعل هو الشجر بعينه، وأبو محمد هذا من أهل اللسان، ولولا أني أخاف أن أكثر عليك لجلبت لك من ألفاظ الحديث ما وقع في السنن للدارقطني وغيره، ولكن لا وجه لهذا، وأحبّ من أن تبيّن لي ما أراد سلامة بن جندل بقوله: إذا ما علونا ظهرَ بعلٍ عريضةٍ ... تخال عليها قَيْضَ بيضٍ مُفَلَّقِ قال ابن السيد: فراجعته بما هذه نسخته: وأتاني كتابك الخطير مضمّنًا من جميل برّك وجزيل شكرك ما أدريه ولا أمتري فيه، وقد

علم الله أني أراك من صفوة الإخوان، ونخبة الخلان، ووقفت على المدرج طيّه، فرأيتك قد قصدت ما لم أقصده وسبق إليك ظنك ما لم أرده، فإني لم أرد بقولي (إني لا أحفظ خلافًا في ذلك) إني لا أحفظ خلافًا في البعل والعَثَرِيّ، وكيف أريد ذلك وقد قلت لك إنّ غير أبي حنيفة فرّق بين البعل والعثري، وإن قوله: من فرق بينهما أشبه بالحديث من قول أبي حنيفة، وإنما أردت عنه، ولم أتعرض لكلام جميع اللغويين في لفظ البعل، ولو أردت ذلك لأوردت عليك ما ذكرت في كتابك وما لم تذكره، ولكني لمّا رأيتك قد رفعت (البعل) في الحديث، وصممت عليه، وسألتني عن إعرابه، إنّما أشكل عليك إعرابه من أجل اعتقادك برفع (البعل) فقلت لك: إني لا أحفظ خلافًا في خفضه. ولو صحّ عندي أنه روي مرفوعًا لم يتعذّر عليّ توجيه رفعه، ولكنّ القرآن والحديث لا يسوغ للمؤمن أن يتأولهما على ما يجوز في اللغة إذا لم ترد باللفظ رواية من أئمتنا من أهل السنة، فإذا صحّت الرواية بشيء طلب له حينئذ التأويل. وقد تأملت الأحاديث التي ضمنتها كتابك فلم أرك حكيت عن أحد أنه روى (البعل) مرفوعًا، بل الأحاديث المشددة التي ذكرتها تدلّ على الخفض. ولقد أوهمني كلامك أن القاضي رواه مرفوعًا، فطلبت كتابه "المنتقى"، فوجدته قد فسّر الحديث بما يقتضيه الخفض كما فعل أبو عمر بن عبد البر وغيره، وليس فيما ذكرته شيء يوجب رفع (البعل) إلا ما ذكرته عن صاحب "كتاب العين". وما حكيته من كلام عبد الوهاب فذلك ما لا يلتفت إليه، لأن عبد الوهاب لم ينصّ على أن (البعل) روي في الحديث مرفوعًا، وهذه هي النكتة التي كنا نريد أن تجدها مرويّة، فإن كنت قد وجدت الرفع مرويًّا عن بعض الأئمة المعول عليهم فاجعله رواية غريبة، وإن كنت ليس عندك في ذلك منّي أكثر من أنك وجدته مرفوعًا في كتابك، وتريد أن تخرج له وجهًا بتتبع كلام اللغويين، فأنت ترى ما في ذلك. وإن كنت رويته مرفوعًا عن بعض الفقهاء المغفلين الذين لا يفرقون بين المرفوع والمخفوض، فليس يجب أيضًا أن تلتفت إليه ما لم تجد في ذلك نصًّا لإمام مشهور قد سمعته وتكلمه في رفعه.

588 - حديث المواقيت "هن لهن ولمن أتى عليهن من غير أهلهن".

وأما بيت سلامة بين جندل فالرواية فيه ليست على ما ذكرت، وإنّما وقع في شعر سلامة: إذا ما علونا ظهر نشزٍ كأنّما ... على الهام منّا قَيْضُ بيضٍ مُفَلّقِ وهكذا أنشده ابن النحاس في كتاب المفضليات والأصمعيات. ورواه بعضهم: ظهر نعل عريضة بالنون. والنعل الأرض التي حرّت حجارتها، وبذلك فسّر الحديث: (إذا ابتلّت النّعالُ فصلُّوا في الرحال). وأنشد قول امرئ القيس: كأنّهم حرشفٌ مبثوث ... بالجوِّ إذ تبرقُ النّعالُ 588 - حديث المواقيت "هنّ لهنّ ولمن أتى عليهنّ من غير أهلهنّ". قال ابن مالك: الضمير الأول والضمير الثالث والضمير الرابع عائدة على المواقيت، فلا إشكال فيهنّ، لأن كل ضمير عائد على جمع ما لا يعقل، فالتعبير عنه في الرفع والاتصال بنحو: فعلت وفعلن، وفي الرفع والانفصال بنحو هي وهنّ، وفي النصب والجرّ بنحو، عرفتها وعرفتهنّ، إلا أن فعلن وهنّ وعرفتهنّ: أولى بالعدد القليل، وفعلت، وهي، وعرفتها: أولى بالعدد الكثير.

فلذلك يقال: الأجذاع انكسرن، وهن منكسرات، وعرفتهن لأن الأجذاع جمع قلة. ويقال: الجذوع انكسرت، وهي منكسرة، وعرفتها، لأنّ الجذوع جمع كثرة. هذا على الأفصح والعكس جائز. وبالأفصح جاء قوله: (هنّ لهنّ ولمن أتى عليهن من غير أهلهنّ). ولو جاء بغير الأفصح لكان: هي ولمن أتى عليها من غير أهلها. وبالأفصح أيضًا جاء القرآن، أعني قوله تعالى: (منها أربعة حرم ذلك الدين القيم فلا تظلموا فيهن أنفسكم) [التوبة: 36] فقيل (منها) في ضمير اثني عشر، و (فيهنّ) في ضمير أربعة. وأما الضمير من قوله (لهنّ) فكان حقّه أن يكون هاء وميمًا، فيقال: هنّ لهم، لأن المراد أهل المواقيت، واللائق بهم ضمير الجمع المذكر، ولكنه أنّث باعتبار الفرق والزُّمَر والجماعات. وسبب العدول عن الظاهر تحصيل التشاكل للمجاورين، كما قيل في بعض الأدعية المأثورة: (اللهمّ ربّ السماوات وما أظللن، وربّ الأرضين وما أقللن، وربّ الشياطين وما أضللن). واللائق بضمير الشياطين أن يكون واوًا، فجعل نونًا قصدًا للمشاركة. والخروج عن ال أصل لقصد المشاكلة كثير. ومنه: (لا دريتَ ولا تليتَ) و (أخذه ما قدُم وما حَدُث)، والأصل: تلوْتَ وحَدَثَ، ونظائر ذلك كثير. انتهى.

589 - حديث: "نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقيم الرجل من مقعده ويجلس فيه".

وسئل الشيخ جمال الدين بن هشام عن هذا الحديث فقال: الجواب من وجهين: أحدهما: أنّ الأصل هنّ لهم، وإنما عدل عن ضمير المذكرين إلى ضمير المؤنثات لقصد التناسب. والثاني: أنه على حذف مضاف أي: هنّ لأهلهنّ، أي هذه المواقيت لأهل هذه البلدان، يدل على ذلك قوله: ولمن أتى عليهنّ من غير أهلهن. فصرح بالأهل ثانيًا، ونظيره في حذف المضاف –وهو لفظ (أهل) - (واسأل القرية) [يوسف: 82]. 589 - حديث: "نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقيم الرجل من مقعده ويجلس فيه". قال الكرماني: (ويجلس فيه) عطفًا على (يقيم)، وكلّ واحد منهما منهيّ عنه، ولو صحّ الرواية بالرفع لكان الكل المجموع منهيًّا. قوله: (قلت لنافع الجمعةَ): قال الزركشي: نصب إسقاط الخافض، أي في الجمعة. قوله: (الجمعةُ وغيرُها): قال الكرماني: مرفوعان، أي متساويان في النهي، أو منهيّ الإقامة فيهما منصوبان أي: في يوم الجمعة وفي غيرها. 590 - حديث: "إن الله لا يعذب بدمعٍ ولا بحزنِ القلب، ولكن يعذّب بهذا – وأشار إلى لسانه – أو يرحمُ". قال ابن بطّال: يحتمل معنيين: أو يرحم إن لم ينفّذ الوعيد فيه، أو يرحم من قال خيرًا واستسلم لقضاء ربه.

591 - حديث "اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وترا".

قال الكرماني: وإن صحّ الرواية بالنصب يكون (أو) بمعنى (إلى أنْ) يعني: يعذب إلى أن يرحمه الله، لأن المؤمن لا بد أن يدخل الجنة آخرًا. 591 - حديث "اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وِتْرًا". قال الكرماني: (آخر) يحتمل أن يكون مفعولاً به، وأن يكون مفعولاً فيه، لأن الجعل يتعدى إلى مفعولين وإلى مفعول. 592 - حديث "قول الملك في النوم لعبد الله بن عمر: لن تُرَعْ لن تُرَعْ". قال ابن مالك: (لن) يجب انتصاب الفعل بعدها، وقد وليها في هذا الكلام بصورة المجزوم، والوجه فيه أن يكون سكّن عين (تراع) للوقف، ثم شبهه بسكون الجزم فحذف الألف قبله كما يحذف قبل سكون المجزوم، ثم أجرى الوصل مجرى الوقف. ومن حذف الساكن لسكون ما بعده وقفًا قول الراجز: أقبل سيلٌ جاء من عند الله ... يحرِدُ حرد الجنة المُغِلَّهْ ويجوز أن يكون السكون سكون جزم على لغة من يجزم بـ (لن)، وهي لغة حكاها الكسائي. انتهى.

593 - حديث "كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل".

593 - حديث "كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل". قال الطيبي: (أوْ) فيه يجوز أن تكون للتخيير والإباحة، والأحسن أن تكون بمعنى (بلْ) شبه الناسك السالك أولاً بالغريب، ثم ترقى وأضرب عنه بقوله: (أو عابر سبيل) لأن الغريب قد يسكن في بلاد الغربة ويقيم فيها بخلاف ابن السبيل. 594 - حديث "لا تدخلوا على هؤلاء المعذَّبين إلا أن تكونوا باكين فإن لم تكونوا باكين فلا تدخلوا عليهم لا يصيبكم ما أصابهم". قال الزركشي: كذا برفع (يصيبُكم) والوجه الجزم، لكنه يخرّج على لغة. 595 - حديث: "من استعاذ بالله فأعيذوه". قال الطيبي: جعل المظهري متعلق (استعاذ) محذوفًا، و (بالله) حالاً، أي من استعاذ بكم متوسلاً بالله. ويمكن أن يكون (بالله) صلة (استعاذ)، والمعنى: بالله من استعاذ فلا تتعرضوا له، بل أعيذوه وادفعوا عنه الشر، فوضع (أعيذوه) موضعه مبالغة. وقوله: (فإن لم تجدوا ما تكافئوه) سقطت النون من غير جازم ولا ناصب. 596 - حديث "إنما بقاؤكم فيمن سلف قبلكم من الأمم كما بين صلاة العصر إلى غروب الشمس".

597 - حديث "إن بلالا ينادي بليل".

قال الكرماني: فإن قلت: القياس أن يقال: وغروب الشمس، بالواو، لأن (بينَ) يقتضي دخوله على متعدد، قلت: المراد من الصلاة وقت الصلاة، وله أجزاء، فكأنه قال: بين أجزاء وقت صلاة العصر. 597 - حديث "إنّ بلالاً ينادي بليلٍ". قال الكرماني: الباء للظرفية، أي: في ليل. 598 - حديث "من حالت شفاعتُه دون حدٍّ". قال الطيبي: أي قدامه. 599 - حديث "لا يتحرّى أحدُكم فيصلي عند طلوع الشمس ولا عند غروبها". قال الزركشي: قول (لا يتحرى) قال السهيلي: هو على الخبر، ويجوز الخبر عن مستقر الشريعة، أي لا يكون في الشريعة. وقوله (فيصلي) بالرفع والنصب، وأما النصب فلمخالفة الثاني الأول، كما تقول لمن يأتيك ولا يحدثك، لا تأتينا فتحدثنا، لأن النفي واقع على الثاني دون الأول، وأما الرفع فعلى نفيها جميعًا، وهو مثل قوله تعالى: (لا تفتروا على الله كذبًا فيُسْحِتكم) [طه: 61].

600 - حديث "إذا وضع عشاء أحدكم وأقيمت الصلاة فابدأوا بالعشاء، ولا يعجل حتى يفرغ منه".

وقال ابن خروف: يجوز في (فيصلي) ثلاثة أوجه: الجزم على العطف، أي: لا يتحرى ولا يصلي، والرفع على القطع، أي لا يتحرى وهو يصلي، والنصب على جواب النهي أي: لا يكون قصد فصلاة، والمعنى: لا يتحرى مصليًا. وقال الكرماني: قوله (فيصلي) بالنصب، وهو نحو (ما تأتينا فتحدثنا) في أن يراد به نفي التحري والصلاة كليهما، وأن يراد نفي الصلاة. قال الطيبي: (لا يتحرى) هو نفي بمعنى النهي، و (يصلي) منصوب بأنه جواب ويجوز أن يتعلق بالفعل المنهي، فالفعل المنهي معلل في الأول، والفعل المعلل منهي في الثاني، والمعنى على الثاني: لا يتحرى أحدكم فعلاً يكون سببًا لوقوع الصلاة في زمان الكراهة، وعلى الأول كأنه قيل: لا يتحرى، فقيل: لمَ تنهانا عنه؟ فأجيب: خيفةَ أن تصلّوا أوان الكراهة. 600 - حديث "إذا وضع عشاء أحدكم وأقيمت الصلاة فابدأوا بالعشاء، ولا يعجل حتى يفرغ منه". قال الطيبي: فإن قلت (الأحد) إذا كان في سياق النفي يستوي فيه الواحد والجمع، وفي الحديث في سياق الإثبات، فكيف وجه الأمر إليه تارة بالجمع وأخرى بالإفراد؟ قلت: جمع نظرًا إلى لفظ (كُمْ) وأفرد نظرًا إلى لفظ (الأحد) والمعنى: إذا وضع عشاء أحدكم فابدءوا أنتم العشاء، ولا يعجل هو حتى يفرغ معكم منه. 601 - حديث "لا يقبل صلاة بغير طهور". قال الحافظ ابن حجر في "شرح الترمذي": في بعض الروايات الصحيحة (من غير

602 - حديث "رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ركب راحلته ثم يهل حين تستوي به راحلته، وروي حتى تستوي به راحلته".

طهور) فيحتمل أن يكون فيه (من) التبيين، نظير التي في الجملة الأخرى وهي قوله: (ولا صدقة من غلول). ويحتمل أن يكون (من) فيه مرادفة الباء كما في قول يونس بن حبيب النحوي في قوله تعالى: (من طرف خفي) [الشورى: 45]. وممّا يؤكد هذا ههنا صحة الروايتين معًا تارة بالباء وتارة بمِنْ، والقصة واحدة، فدلّ على الترادف. انتهى. 602 - حديث "رأيتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم ركب راحلته ثم يُهِلُّ حين تستوي به راحلته، وروي حتّى تستوي به راحلته". قال ابن مالك: هذا الموضع صالح لحين وحتى، أما صلاحيته لحين فظاهرة، وأمّا صلاحيته لحتى فعلى أن يكون قصد حكاية الحال، فأتى بحتّى مرفوعًا بعدها الفعل، كقراءة نافع: (وزلزلوا حتى يقولُ الرسول) [البقرة: 214]، وكقولة بعض العرب: مرض فلان حتّى لا يرجونه، على تقدير: مرض فإذا هو لا يرجى. وكذا تقدير الحديث: ثم يهلّ فإذا هي مستوية راحلته، والمعنى أن إهلاله مقارن لاستواء راحلته به، كما أن انتفاء رجاء المريض مقارن للحال التي انتهى إليها. ولو نصب (يستوي) لم يجز، لأنه يستلزم أن يكون التقدير: ثم يهلّ إلى أن تستوي به راحلته، وهو خلاف المقصود، إلا أن يريد: يهلّ بلا قطع حتى تستوي راحلته، فيقطع قطع استراحة مردفًا بإهلال مستأنف. فذلك جائز.

603 - حديث: "إن ابن عبد الله بن عمر قال لأبيه: أقم فإني لا إيمنها أن ستصد عن البيت ... ".

603 - حديث: "إن ابن عبد الله بن عمر قال لأبيه: أقم فإنّي لا إيمَنُها أن ستصدَّ عن البيت ... ". قال ابن مالك: يجوز كسر حرف المضارعة إذا كان الماضي على فعل ولم يكن حرف المضارعة ياء نحو (تعلم)، وللياء من الكسر ما لغيرها إن كانت الفاء واوًا أو كان ماضيه (أبى) نحو يبجل وييبى. وعلى هذه اللغة جاء (لا إيمنها). والضمير في (إيمنها) عائد على الجماعة التي قصدت الحج، فإن مشاهدتها تغني عن ذكرها. وفي (ستصدّ) أيضًا ضمير مرفوع عائد على الجماعة، ولا يجوز أن يكون الضمير من (إيمنها) ضمير القصّة، لأن عامل ضمير الشأن والقصة لا يكون إلا ابتداء أو بعض نواسخه و (إيمن) مغاير لذلك. 604 - حديث "الوترُ ركعةٌ من آخر الليل". قال الطيبي: (من آخر الليل) خبر موصوف، أي ركعة منشأة من آخر الليل، آي آخر وقتها آخر الليل. 605 - حديث "سبحان الله هي صلاة الملائكة". قال الطيبي: (هي) ضمير فصل وعماد. 606 - حديث: "إنّ أحدكم إذا مات عرض عليه مقعده بالغداة والعشيّ، إن كان من أهل

الجنة فمن أهل الجنة، وإن كان من أهل النار فمن أهل النار". قال التوربشتي: التقدير: إنْ كان من أهل الجنة فمقعد من مقاعد أهل الجنة يعرض عليه. وقوله: (حتى يبعثك الله إليه) الضمير يرجع إلى المقعد، ويجوز أن يعود إلى الله. وقال الطيبي: يجوز أن يكون المعنى: إن كان من أهلها فيبشّر بما لا يكتنه كنهه، لأن هذا المنزل طليعة تباشير السعادة الكبرى والشقاة العظمى، لأن الشرط والجزاء إذا اتّحدا أدلُّ على الفخامة كقولهم: من أدرك الضمان فقد أدرك، أي فقد أدرك المرعى. الضمان موضع كثير العشب. والضمير في (يبعثك الله إليه) إمّا أن يرجع إلى المقعد، فالمعنى: هذا مقعدك حتى تبعث إلى مثله من الجنة والنار كقوله تعالى: (هذا الذي رزقنا من قبلُ) [البقرة: 25] أي مثل الذي. أو يرجع إلى الله أي: هذا الآن مقعدك إلى يوم القيامة أي المحشر، فترى عند ذلك كرامة أو إهانة تنسى عنده هذا المقعد. قال "صاحب الكشاف": في قوله تعالى: (وإنّ عليك لعنتي إلى يوم الدين) [ص: 78] أي أنك مذموم مدعوّ عليك باللعنة إلى يوم الدين، فإذا جاء ذلك اليوم عذّبت بما تنسى اللعن معه.

607 - حديث: "من كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته".

607 - حديث: "من كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته". قال الشيخ أكمل الدين في "شرح المشارق": يحتاج فيه إلى بيان معنى كان، لأنه يأتي لتقرير الاسم على صفة الخبر في الزمان الماضي إما دائمًا كقوله تعالى: (وكان الله بكل شيء عليمًا) [الأحزاب: 40] أو منقطعًا نحو: كان زيد قائمًا. ويأتي بمعنى المصدر أي بمعنى صار كقوله تعالى: (وكان من الكافرين) [ص: 74]، ويأتي فيه ضمير الشأن نحو: كان زيد منطلق، أي: كان الشأن زيد منطلق. وتأتي زائدة كقولك: إنّ من أفضلهم كان زيدًا، وتأتي تامة كقوله تعالى: (وإن كان ذو عسرة) [البقرة: 280]. وإذا عرف هذا فلا شك أنّ (كان) في الحديث لا يصحّ أن تكون زائدة، ولا أن يكون فيه ضمير الشأن، ولا أن تكون بمعنى (صار)، فبقي أن تكون إمّا تامّة، وإمّا لتقرير الاسم على صفة الخبر، والثاني لا يصح على تقدير الدوام، إذ ليس معناه أنّ من كان في الزمن الماضي في حاجة أخيه دائمًا لا ينقطع كان الله في حاجته، ولا على تقدير الانقطاع، إذ ليس معناه: من كان في حاجة أخيه في الزمان الماضي، وانقطع عن ذلك كان كذا. فتعيّن أن تكون تامّة، أي من وجد في حاجة أخيه. لكن (كان) التامة تقتضي جواز السكوت على اسمه وهنا لو سكتّ على قوله (من كان) لا يصحّ، ولو صحّ فيه لم يصحّ: وجد الله في حاجته. والذي يظهر أن (كان) الأولى المراد بها السعي، لأن السعي في الحاجة تقتضي الكون فيها ظرفية مجازية، وبالعكس فيكون ذكر اللازم وإرادة الملزوم، وهو كناية.

608 - حديث "إن النبي صلى الله عليه وسلم أقطع الزبير بين العوام حضر فرسه".

و (كان) الثانية بمعنى قضى، أي: من سعى في حاجة أخيه قضى الله حاجته، وذكر بلفظ (كان) بطريق المشاكلة. انتهى. 608 - حديث "إن النبي صلى الله عليه وسلم أقطع الزبير بين العوام حَضْرَ فرسِه". قال الرضي: قد يقام المصدر المضاف إليه مقام المضاف الذي هو مكانٌ نحو: مشيت غلوة سهم، ورمية نشابة، أي مسافة غلوة سهم. قال: ومنه الحديث: (أقطع النبي صلى الله عليه وسلم الزبير حضر فرسه). 609 - حديث: "كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يصلي بعد الجمعة حتى ينصرفَ فيصلي ركعتين في بيته". قال الطيبي: قوله: (فيصلي) عطف من حيث الجملة لا التشريك – على (ينصرف) أي: لا يصلي بعد الجمعة حتى ينصرف، فإذا انصرف يصلي ركعتين. ولا يستقيم أن يكون منصوبًا عطفًا عليه، لما يلزم منه أن يصلي بعد الركعتين الصلاة. ونظيره في العطف قوله تعالى: (تقاتلونهم أو يسلمون) على تقدير: أو هم يسلمون. قال ابن الحاجب: الرفع على الاشتراك بين (يسلمون) و (تقاتلونهم) على معنى التشريك بينهما في عامل واحد، أو على الابتداء بجملة معربة إعراب نفسها غير مشترك بينهما وبين ما قبلها في عامل واحد. 610 - حديث: "إن العبد إذا نصح لسيده ... ".

611 - حديث "اللهم متعنا بأسماعنا وأبصارنا وقوتنا ما أحييتنا واجعله الوارث منا".

قال الطيبي: يقال نصحته ونصحت له، واللام مزيدة للمبالغة. 611 - حديث "اللهم متعنا بأسماعنا وأبصارنا وقوتنا ما أحييتنا واجعله الوارث منا". قال ابن فلاح في "المغني": يحتمل عود الضمير ثلاثة أوجه: أحدها: يعود إلى مصدر (متعنا)، أي واجعل التمتع بهذه الأعضاء في استعمالها في طاعتك. والثاني: يعود إلى الأسماع والأبصار. ووحد الضمير باعتبار المذكور بدليل رواية: (واجعل ذلك الوارث منا) والمعنى على هذا: متعنا بها في حياتنا، واجعل ثوابها الوارث أي الباقي لنا بعد الموت لبقاء الوارث. الثالث: أنه يعود إلى مصدر الجعل، و (منّا) المفعول الثاني، والمعنى: اجعل الوارث منا الذي يقتدي بنا في استعمال هذه الجوارح في طاعتك من نسلنا. وفيه إشارة إلى طلب الذرية الصالحة، وهذا أقوى من الوجه الثاني، لأن فيه مجازين: أحدهما عود الضمير الواحد على الجمع، والثاني: جعلها وارثة بالتأويل. انتهى. 612 - حديث "أرأيتكم ليلتكم هذه فإنّ على رأس مائة سنة منها لا يبقى ممن هو على ظهر الأرض أحد". قال الكرماني: (أرأيتكم) بهمزة الاستفهام، وفتح الراء والخطاء، والرؤية بمعنى الإبصار، و (كم) حرف لا محلّ له من الإعراب. و (ليلتكم) مفعول به، واسم إنّ ضمير الشأن. وقال أبو حيان في "البحر"، في قوله تعالى: (قل أرأيتكم) [الأنعام: 40]، قال الفراء: للعرب في

(أرأيت) لغتان ومعنيان: أحدهما أن تسأل الرجل: أرأيت زيدًا، أي بعينك، فهذه مهموزة وثانيهما أن تقول: (أرأيت) وأنت تقول: أخبرني، فههنا تترك الهمزة إن شئت، وهو أكثر كلام العرب، يومئ إلى ترك الهمزة (إن شئت) للفرق بين المعنيين). انتهى. وإذا كانت بمعنى أخبرني جاز أن تختلف التاء مفتوحة كحالة الواحد المذكر، ومذهب البصريين أن التاء هي الفاعل، وما لحقها حرف خطاب يدل على اختلاف المخاطب. ومذهب الكسائي أن الفاعل هو التاء، وأن أداة الخطاب اللاحقة في موضع المفعول الأول، ومذهب الفراء أن التاء حرف خطاب كهي في أنت، وأن أداة الخطاب بعده هي في موضع الفاعل استعيرت ضمائر النصب للرفع، وكون (أرأيت) و (أرأيتك) بمعنى أخبرني هو تفسير معنى لا تفسير إعراب، نصّ عليه سيبويه وغيره من أئمة العربية لأن أخبرني يتعدى بعن كقوله: أخبرني عن زيد، و (أرأيت) يتعدى لمفعول صريح وإلى جملة استفهامية هي في موضع المفعول الثاني كقولك: أرأيت زيدًا ما صنع؟ انتهى. وقال ابن الشجري في "أماليه": ورد عليّ سؤال من الموصل عن العلة الموجبة لفتح التاء في (أرأيتكم) وهو لجماعة، والجواب: أما فتح التاء في (أرأيتكم) وأخواته فقد علمت أنك إذا قلت: رأيت يا رجل. فتحت التاء، وإذا قلت: رأيت يا فلانة. كسرت التاء، وإذا خاطبت اثنين أو اثنتين أو جماعة ذكورًا أو إناثًا ضممتها فقلت: رأيتما ورأيتم ورأيتنّ. فقد ثبت واستقر أن التذكير أصل التأنيث وأن التوحيد أصل التثنية والجمع. فلما خصوا

613 - حديث: "أراني أتسوك بسواك".

الواحد المذكر المخاطب بفتح التاء ثم جردوا التاء من الخطاب وانفردت به الكاف في (أرأيتك) وأخواته ألزموا التاء الحركة الأصلية – وذلك لما ذكرته لك من كون الواحد أصلاً للاثنين والجماعة -، وكون المذكر أصلا للمؤنث. انتهى. 613 - حديث: "أراني أتسوَّك بسواكٍ". قال الطيبي: (أتسوّك) ثالث مفاعيل، (أراني) بحذف أن ورفع الفعل كقوله: ألا أيّهذا اللائمي أحضر الوغى والمفعول الأول ضمير المرفوع المستتر في الفعل، والثاني المنصوب البارز، وقد تقرر جواز أن يكون الفاعل والمفعول في باب علمت واحدًا، و (في المنام) ظرف، أي: رأيت نفسي في المنام متسوكًا. 614 - حديث: "كان المسلمون حين قدموا المدينةَ يجتمعون فيتحيَّنون الصلاةَ ليس ينادى لها". قال ابن مالك: فيه شاهد على استعمال (ليس) حرفًا لا اسم لها ولا خبر، أشار إلى ذلك سيبويه، وحمل عليه قول بعض العرب: ليس الطيب إلا المسك، بالرفع وأجاز في قولهم: ليس خلق الله، حرفية ليس وفعليتها على أن يكون اسمها ضمير الشأن، والجملة بعدها خبر، وأن جوّز الوجهان في (ليس ينادى) فغير ممتنع.

615 - حديث "مهل أهل المدينة".

615 - حديث "مُهلّ أهل المدينة". قال أبو البقاء: هو بضم الميم لا غير – وهو مصدر بمعنى الإهلال، كالمدخل والمخرج بمعنى الإدخال والإخراج. 616 - حديث "لا تدخلوا على هؤلاء المعذبين إلا أن تكونوا باكين، أن يصيبكم مثل ما أصابهم". قال أبو البقاء: (أنْ) مفتوحة وهي الناصبة للفعل المضارع وموضعها نصب على المفعول له أي مخافة أن يصيبكم. وقال قوم: تقديره لئلا يصيبكم. قلت: صرح في رواية بقوله: إني أخشى أنْ يصيبكم. وقال الطيبي: المعنى لا تدخلوا مساكنهم في حال من الأحوال إلا في حال كونكم باكين. 617 - حديث: "إنَّ بين يدي الساعة ثلاثون دجّالاً كذّابًا". قال أبو البقاء: كذا وقع في هذه الرواية (ثلاثون) بالرفع والوجه (ثلاثين) بالنصب لأن (إنّ) قد وليها الظرف – فيكون الظرف خبرها و (ثلاثون) اسمها. قال تعالى: (إنّ لدينا أنكالاً) [المزمل: 12] ووجّه أن يكون اسم (إنّ) محذوفًا وهو ضمير الشأن. أي "إنّه" ويكون الجملة في

618 - حديث "إن المسيح الدجال أعور عين اليمنى".

موضع رفع خبر (إنّ). ونظير ذلك حديث (إنّ لكل نبيء حواريّ) بالرفع أي: إنّه لكل نبي. 618 - حديث "إنّ المسيح الدجال أعور عين اليمنى". قال الكرماني: أي: عين الجهة اليمنى. 619 - حديث: "هنّ من الشجرة شجرة لا يسقط ورقها وإنّما مثل المؤمن فحدثوني ما هي". قال الكرماني: (ما) مبتدأ و (هي) خبر والجملة قائمة مقام المفعولين للتحدث. 620 - حديث "اجعلوا في بيوتكم من صلاتكم". قال الزركشي: (مِنْ) للتبيعض. وقال الكرماني: أي بعض صلاتكم وهو مفعول الجَعْل، وهو متعدٍّ إلى واحد كقوله تعالى: (وجعل الظلماتِ والنورَ) [الأنعام:1]، وقال بعضهم ورد الحديث في النافلة، لأنها إذا كانت في البيت كان أبعد من الرياء. و (من) زائدة كأنه قال: اجعلوا صلاتكم النافلة في بيوتكم. وقال الطيبي: (مِنْ) في (صلاتكم) تبيعضية، وهو مفعول أول لاجعلوا والثاني (في

621 - حديث "لبيك إن الحمد لك".

بيوتكم)، أي اجعلوا بعض صلاتكم التي هي النوافل مؤداة في بيوتكم فقدم الثاني للاهتمام بشأن البيوت، إذ من حقها أن يجعل لها نصيب من الطاعات. 621 - حديث "لبّيك إن الحمدَ لك". قال أبو البقاء: الكسر أجود لأنه يحصل منه عموم استحقاق الحمد لله سبحانه سواء لبّى أم لم يلبّ. ويجوز الفتح على تقدير: (لبيك) لأن الحمد لك – وهذا ضعيف لوجهين، أحدهما: أنّ تعليل التلبية بالحمد غير مناسب لخصوصها، والثاني: أنه يصير الحمد مقصورًا على التلبية. انتهى. وقال الخطابي: الاختيار في "إنّ" الكسرة لأنه أعم وأوسع. وقال ثعلب: من كسر فقد عمّ، ومن فتح فقد خصّ. وقال الكرماني: أي معنى الكسر، إن الحمد والنعمة لك على كل حال، ومعنى الفتح لبيك لهذا السبب. قوله (والنعمة) المشهور فيه النصب، وجوّز القاضي فيه الرفع على الابتداء والخبر محذوف. قال ابن الأنباري: وإن شئت جعلت خبر (إنّ) محذوفًا تقديره: إنّ الحمد لك والنعمة مستقرة لك. قال الكرماني: وحاصله أن النعمة، والشكر على النعمة كليهما لله تعالى. وكذا يجوز في "الملك" أيضًا وجهان. 622 - حديث "لبَّيْك وسَعْدَيْك".

قال القاضي عياض: معنى (لبّيك) إجابة لك بعد إجابة. وقيل: لزومًا لطاعتك وطوعًا بعد لزوم، و (سعديك) أي: إسعادًا لك بعد إسعاد. وقيل: لبيك مداومة لك على طاعتك و (وسعديك) أي: مساعدة أوليائك عليها. وقال سيبويه: معناه: قربًا منك ومتابعة لك، ومن ألبّ فلان على كذا، إذا داوم عليه ولم يفارقه، وأسعد فلان فلانًا على أمره وساعده، قال: وإذا استعمل في حق الله تعالى فمعناه لا أنأى عنك في شيء تأمرني به وأنا متابع أمرك وإرادتك. وقال غيره: (لبيك) لفظ مثنى عند سيبويه ومن تبعه. وقال يونس: هو اسم مفرد، وألفه إنما انقلبت بالضمير كـ (لدى) و (على)، ورُدَّ بأنها قُلِبت ياءً مع المظهر، وعن الفراء: هو منصوب على المصدر وأصله: لَبًّا لك، فثنى على التأكيد. أي: إلْبابًا بعد إلْباب – وهذه التثنية ليست حقيقية – بل هي للتكثير والمبالغة ومعناها: إجابة بعد إجابة لازمة. قال الأنباري: ومثله (حنانيك) أي: تحنينًا بعد تحنين وقيل: (لبيك) اتجاهي ومقصدي إليك، مأخوذ من قولهم: داري تلبّ دارك أي: اتجاهها. وقيل معناه محبين لك. مأخوذ من قولهم: امرأة لبة، أي محبة – وقيل: إخلاصي لك- من قولهم: حب لباب. أي خالص، وقيل: أنا مقيم على طاعتك – من قولهم: لبّ الرجل بالمكان، إذا أقام به، وقيل: قربًا منك – من الإلباب وهو القرب – وقيل: خاضعًا. وقال أبو حيان في "الارتشاف": ذهب سيبويه والجمهور إلى أن (لبيك) تثنية (لبّ) كما أن (حنانيك) تثنية (حنان). وذهب يونس إلى أنه اسم مفرد، قلبت ألفه بالإضافة إلى المضمر، كما في عليك. ولم يسمع لبًا وسمع لب، ونصبه نصب المصدر كأنه قال: إجابة.

وزعم ابن مالك إلى أنه اسم فعل وهو فاسد لإضافته، ويضاف إلى الظاهر نحو: لبى زيد، سعدى زيد، وإلى ضمير الغائب، قالوا: لبيه، ودعوى الشذوذ فيهما باطلة. والناصب في لبيك من غير لفظه، أي: أجب إجابتك. وكأنه من ألب بالمكان، إذا أقام به. وأما (سعديك) فلا يستعمل وحده بل تابعًا للبيك، ويجوز استعمال (حنانيك) وحده، والتقدير: سعد إسعادًا لأمرك. وأما (حنانيك) فالتقدير: تحنن حنانيك، أي تحنن بعد. والناصب في هذين من لفظهما، بخلاف (لبيك). والجمهور على أن هذه تثنية يراد بها التكثير، ومزاولة الفعل لا شفع الواحد. وذهب بعض النحاة إلى أنها تثنية تشفع الواحد. والكاف في (لبيك) و (سعديك) و (حنانيك) الواقع موقع الفعل. وقال الرضي: أصل (لبيك) ألبّ لك إلْبابين، أي: أقيم لخدمتك وامتثال أمرك، ولا أبرح عن مكاني، كالمقيم في الموضع، والتثنية للتكرير كما في قوله تعالى: (ثم ارجع البصر كرّتين) [الملك: 4]، والمعنى إلْبابًا كثيرًا متتاليًا، فحذف الفعل، وأقيم المصدر مقامه، وحذف زوائده، ورد إلى الثلاثي، ثم حذف حرف الجر من المفعول، وأضيف المصدر إليه، كل ذلك ليفرغ المجيب بالسرعة من التلبية، فيتفرغ الإسماع حتى تمتثله. ويجوز أن يكون من لبّ بالمكان، بمعنى ألب، فلا يكون محذوف الزوائد. وأما قولهم: لبى يلبي، فهو مشتق من (لبيك) لأن معنى لبى: قال: لبيك – كما أن معنى سبّح، قال: سبحان الله، وسلّم وبَسْمَل، قال: سلام عليك، وبسم الله. و (سعديك) مثل (لبيك) أي: أسعدك، أي: أعينك إسعادين –إلا أن أسعد يتعدى بنفسه بخلاف ألبّ. وقال ابن يعيش في "شرح المفصل": وأما (لبيك) و (سعديك) فهما مثنيان ولا يفرد منهما شيء، ولا يستعملان إلا مضافين لما فيهما من إرادة معنى التكثير، فكل ما تضمن لفظ التثنية ما ليس له في الأصل من معنى التكثير لزم طريقة واحدة لينبئ عن ذلك المعنى فلبيك

623 - حديث: "البيعان بالخيار ما لم يتفرقا أو يختارا".

مأخوذ من قولهم: ألب بالمكان إذا أقام به، وألب على كذا، إذا أقام عليه ولم يفارقه. و (سعديك) مأخوذ من المساعدة والمتابعة، فإذا قال الإنسان: لبيك. فكأنه قال: دوامًا على طاعتك، وإقامةً عليها مرة بعد مرة، وكذلك (سعديك) أي: مساعدة بعد مساعدة، ومتابعة بعد متابعة، فهما اثنان مثنيان، وهما منصوبان على المصدر بفعل مضمر تقديره من غير لفظه، بل من معناه، كأنك قلت في (لبيك): داومت وأقمت، وفي (سعديك): تابعت وطاوعت وليس من قبيل: سقيًا لك، ورعيًا، وأسعد سعديك، إذ ليس لهذه المصادر أفعال مستعملة تنصبها، إذ كانت غير متصرفة، ولا هي مصادر معروفة، كسقيًا ورعيًا، فأما قولهم: لبى يلبي، فهو فعل مشتق من لفظ (لبيك)، كما قالوا: سبحل وحمدل، من سبحان الله والحمد لله. وذهب يونس إلى أن (لبيك) اسم مفرد غير مثنى، وأن الياء فيه كالياء التي في (عليك) و (لديك)، وأصله لَبَّبَ، ووزنه فَعْلَلَ، ولا يكون فعّل، لقلة فعّل في الكلام، وكثرة فعلل، فقلبت الباء التي هي لام لبب ياء هربًا من التضعيف فصار (لبّي)، ثم أبدلت الياء ألفًا لتحركها وانفتاح ما قبلها، فصارت (لبا). ثم أضيفت إلى الكاف في (لبيك) فقلبت الألف ياء كما في لدى وإلى إذا وصلتهما بالضمير فقلت إليك ولديك. 623 - حديث: "البَيِّعان بالخيار ما لم يتفرّقا أو يختارا". قال الطيبي: الظاهر أن (أو) في قوله (أو يختارا) مثلها في قولك: لألزمنّك أو تعطيني حقي، أي: إلا أن يختارا. 624 - حديث: "البيّعان بالخيار ما لم يتفرّقا أو يقول أحدهما للآخر اخترْ".

625 - حديث "من ضرب غلاما له، حدا لم يأته".

قال الحافظ ابن حجر: كذا في جميع الطرق بإثبات الواو في (تقول)، وفي إثباتها نظر، لأنه مجزوم عطفًا على قوله: (ما لم يتفرقا) فلعل الضمة: أشبعت كما أشبعت الياء في قراءة من قرأ (إنّه من يتقي ويصبرْ) [يوسف: 90] ويحتمل أن يكون بمعنى: إلاّ أن، فيقرأ حينئذ بنصب اللام وبه جزم النووي وغيره. 625 - حديث "من ضرب غلامًا له، حدًّا لم يأته". قال الطيبي: (لم يأته) صفة (حدًّا) والضمير المنصوب راجع إليه أي: لم يأتي موجبَه، فحذف المضاف. 626 - حديث "أكثرُ ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يحلف لا ومقلِّبِ القلوب". قال الطيبي: (أكثر) مبتدأ و (ما) مصدرية والوقت مقدر، و (كان) تامة، و (يحلف) حال سدّ مسدّ الخبر. وقوله (لا ومقلب القلوب) معمول لقوله: (يحلف) بهذا القول، ولا نفي للكلام السابق، و (مقلب القلوب) إنشاء قسم. ونظيره قولك: أخطب ما يكون الأمير قائمًا. 627 - حديث "من كان قاضيًا فقضى بالعدل فبالحَرِيّ أن يتقلب كَفافًا". قال الطيبي: قوله (فقضى) عطف على الشرط، وقوله (فبالحريّ) جوابه. و (حريّ) إن كان اسم فاعل فهو مبتدأ خبره (أن يتقلب) والياء زائدة نحو: بحسبك درهم، أي: الخليق والجدير، كونه يتقلب منه كفافًا هذا إن جعلته اسم فاعل أي (حريّ)، وإن جعلته مصدرًا

628 - حديث "فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم صدقة الفطر صاعا من تمر".

فهو خبر والمبتدأ ما بعده، والباء تتعلق بمحذوف كونه متقلبًا ثابتًا بالاستحقاق. 628 - حديث "فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم صدقة الفطر صاعًا من تمرٍ". قال الكرماني: (صاعًا) بالنصب على أنه خبر كان محذوفًا أو مذكورًا على سبيل الحكاية مما في لفظ الحديث. وقال الحافظ ابن حجر: انتصب (صاعًا) على التمييز أو أنه مفعول ثان. 629 - حديث "أليس حسبُكم سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم – إن حُبِس أحدكم عن الحجِّ طاف بالبيت". قال القاضي عياض: ضبطناه بالنصب على الاختصاص، أو على إضمار فعل، أي: تمسكوا أو شبهه، وخبر (حسبكم) في قوله (طاف بالبيت). ويصح الرفع على خبر حسبكم أو الفاعل، بمعنى الفعل فيه، ويكون ما بعدها تفسيرًا للسنة. وقال السهيلي: من نصب فالكلام أمر بعد أمر – كأنه قال: اكتفوا الزموا سنة نبيكم كما قال: يا أيّها المائحُ دلوي دونكا

630 - حديث "لا تلبسوا القمص ولا العمائم ولا السراويلات ولا البرانس ولا الخفاف إلا أحد لا يجد النعلين فليلبس الخفين".

فدلوي منصوب عندهم بإضمار فعل الأمر – و"دونك" أمر آخر. 630 - حديث "لا تلبسوا القمص ولا العمائم ولا السراويلات ولا البرانس ولا الخفاف إلا أحدٌ لا يجد النعلين فليلبس الخفين". قال ابن المنير: فيه استعمال (أحد) في الإثبات وقد خصوه بضرورة الشعر. قال: والذي يظهر لي بالاستقراء أنه لا يستعمل في الإثبات إلا إن كان يعقب النفي. 631 - حديث "كنتَ أنت تجيء به". قال الطيبي: الأنسب أن يكون (أنت) مبتدأ، و (تجيء) خبره، والجملة خبر كان، وقدم الفاعل المعنوي للتخصيص أي: أنت تجيء به لا غيرك. 632 - حديث "لا ينقُش أحدٌ على نقش خاتمي". قال الطيبي: قوله (نقش خاتمي) يجوز أن يكون حالاً من الفاعل، لأنه نكرة في سياق النفي، وصفة مصدر محذوف – أي: نقشًا كائنًا على نقش خاتمي، أو مماثلاً به، أو نقشًا مقيسًا على نقش خاتمي.

633 - حديث "الأضحى يومان بعد يوم الأضحى".

633 - حديث "الأضحى يومان بعد يوم الأضحى". قال الطيبي: الأضحى هذا جمع أضْحاة كأرْطاة وأرطى أي: الأضاحي بعد يوم الأضحى يومان. 634 - حديث "من أعتق شِرْكًا له في مملوكٍ فعليه عتقُه كُلِّهِ". قال الزركشي: بالجر تأكيدًا للضمير المضاف أي: عتق العبد كلِّه. قوله: فأُعطي شركاؤُه حصصهمن قال الزركشي: أُعطي مبني للمفعول. وشركاؤُه: مرفوع نائب عن الفاعل، هذا هو المشهور في الرواية، ومنهم من بنى أعطى للفاعل ونصب (شركاؤه) على المفعولية. قوله: إلا فقد عتق منه، قال الزركشي: بفتح العين والتاء ولا يبنى للمفعول إلا بهمزة التعدية، فيقال: أعتق، وهي رواية هنا. 635 - حديث "ما حقّ امرئ مسلم له شيء يوصي فيه يبيت ليلتين إلا ووصيّته مكتوبة عنده". قال الطيبي والكرماني: (ما) نافية، و (له شيء) صفة و (يوصي فيه) صفة لشيء، و (يبيت ليلتين) صفة ثالثة، والمستثنى خبر.

636 - حديث "بينما أنا أطوف بالكعبة فإذا رجل آدم سبط الشعر".

وقال الزركشي: (يبيت) كأنه على حذف "أنْ" كقوله تعالى: (ومن آياته يريكم البرق) [الروم: 24] ويجوز أن لا يحذف، ويكون (يبيت) صفة لمسلم. ومفعول (يبيت) محذوفًا أي: مريضًا. 636 - حديث "بينما أنا أطوف بالكعبة فإذا رجلٌ آدم سبط الشعر". قال ابن مالك: الفاء في قوله (فإذا) زائدة كالأولى من قوله تعالى: (فبذلك فليفرحوا) وكالفاء التي قبل ثمّ في قول زهير: فثُمَّ إذا أصبحتُ أصبحتُ غاديًا قوله (يهراق رأسه ماء) يأتي فيه ما في حديث أم سلمة، كانت تهراق الدماء وسيجيء في مسندها. قوله: (فإذا رجلٌ أحمرُ أعورُ عينِه اليمنى – كأنّها عنبة طافيةٌ). قال الزركشي: هو بجر (عينه اليمنى) على الإضافة – و (طافية) خبر كان. ورواه الأصيلي برفع (عينه اليمنى) فقال: عينه كأنها كذا، ويجوز رفعه على البدل من الضمير في أعور الراجع إلى الموصوف، وهو بدل البعض من الكل.

قال السهيلي: ولا يجوز أن يرتفع بالصفة، كما ترفع الصفة المشبهة بالفاعل، لأن أعور لا يكون إلا نعتًا لمذكّر، ويجوز أن تكون عينه مرتفعة بالابتداء وما بعدها الخبر. وقوله (كأنها عنبة طافية)، عنبة: بالنصب على اسم كأن، والخبر فيها مقدر محذوف، وإنما يجوز في إنّ وكأن أنْ تحذف الخبر إذا أوقعتها على النكرات، فإذا أوقعتها على المعرفة لم يجز الحذف وأنشد سيبويه: إنَّ مَحَلاًّ وإنَّ مُرْتَحَلا أي: إنّ لنا محلاًّ، فكأنه قال في الحديث: كأن في وجهه، ولم يجز الحذف مع المعرفة إلا نادرًا بقرينة حال كقوله عليه السلام للمهاجرين: أتوفّون ذلك، يعني للأنصار. قالوا: نعم، قال فإن ذلك، أي: فإنَّ ذلك يشكر لكم. ومن رواه (عنبةٌ طافيةٌ) بالرفع فهو جائز ولكن بتخفيف النون من كأن، ويروى (أعور عينه اليمنى) بخفض العين، فهو من باب قولهم حسن وجهه، بإضافة الصفة إلى الوجه مع إضافة الوجه إلى الضمير، وهو بعيد في القياس، لأنه جمع بين طرفي نقيض –نقل الضمير إلى الصفة مع بقائه في اللفظ مضافًا إلى الوجه. وإنما الأصل أن يكون الوجه مرفوعًا مع الهاء، أو منصوبًا أو مخفوضًا مع نقل الضمير إلى الصفة، وقد منعها الزجاجي، وزعم أن جميع الناس خالفوا فيها سيبويه، وسيبويه لم يجزها قياسًا، وإنما أخبر أنها جاءت في الشعر وأنشد:

637 - حديث "أن رجلا قال: يا رسول الله، أي الليل أجوبه".

كُمَيْتا الأعالي جَوْنتا مُصْطَلاهما واعترف سيبويه برداءة هذا الوجه، وقد وجدناه في غير الشعر، ذكره أبو علي القالي –وهو ثقة- (في صفة) النبي صلى الله عليه وسلم: شثن الكفين طويل أصابعه، وقال: هكذا رويته بالخفض. وذكر الهروي وغيره في حديث أم زرع: صغر ردائها وملء كسائها. وقوله: طائفة بالهمزة ودونها، فمن همزها جعلها من طفا يطفو، إذا علا ولم يرسب، وأبدلوا الواو ياء في فاعِلةٍ منه لوقوعها بعد الكسرة، كما أبدلت في "لاغية" ونحوه، انتهى ما أورده الزركشي. 637 - حديث "أنّ رجلاً قال: يا رسول الله، أيُّ الليلِ أجْوَبُه". قال في النهاية: (أجوب) أي أسرع إجابة، كما يقال: أطوع من الطاعة، وقياس هذا أن يكون من جاب، لا من أجاب، لأن ما زاد على الفعل الثلاثي لا يبنى منه أفْعَل من كذا، إلا في أحرف جاءت شاذة. وقال الزمخشري في "الفائق": كأنه في التقدير من: جابت الدعوة، بوزن فعلت بالضم، كطالت، أي: صارت مستجابة، كقولهم: في فقير وشديد كأنهما من فَقُرَ وشَدُدَ. وليس ذلك بمستعمل، ويجوز أن يكون من جِبْت الأرضَ إذا قطعتها بالسير، على معنى أمضى دعوة وأنفذ إلى مظانّ التقبل والإجابة.

638 - حديث "فما خفي عليكم من شأنه فليس يخفى عليكم أن ربكم ليس بأعور".

638 - حديث "فما خفي عليكم من شأنه فليس يخفى عليكم أن ربكم ليس بأعور". قال الكرماني: (ما) شرطية، أي: إن خفي عليكم بعض شأنه، فلا يخفى عليكم أن ربكم ليس بأعور. والثاني بدل من الأول. أي: لا يخفى عليكم أنه ليس مما يخفى، أنه ليس بأعور. أو استئناف. 639 - حديث "نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن يبيع بعضكم على بيعِ بعضٍ، ولا يخطب الرجلُ على خطبة أخيه". قال الكرماني: و (لا يخطب) بالنصب، و (لا) زائدة، وبالرفع نفيًا، وبالكسر نهيًا بتقدير: قال، مقدّرًا عطفًا على نهي أي: نهى وقال لا يخطب. 640 - حديث "نهى عن الإقران". قال القاضي عياض: كذا في أكثر الروايات، وصوابه القِران، لأن فعله ثلاثي. 641 - حديث "الوقتُ الأولُ من الصلاة رضوانُ الله". قال الطيبي: (الوقت) مبتدأ (ومن الصلاة) بيان للوقت و (رضوان الله) خبر، إما بحذف

642 - حديث "من اقتضى كلبا ليس بكلب ماشية أو ضارية".

المضاف، أي: الوقت الأول سبب رضوان الله، أو على المبالغة، وأن الوقت الأول عين رضى الله، كقولك: رجلٌ صَوْم، ورجلٌ عَدْل. 642 - حديث "من اقتضى كلبًا ليس بكلب ماشيةٍ أو ضاريةٍ". قال الكرماني: فإن قلت: حق اللفظ أن يقال: ضارٍ، مثل قاضٍ، بدون التأنيث، وبدون التحتية. قلت: (ضارية) صفة للجماعة الصائدين أصحاب الكلاب المعتادة للصيد، فسمّوا ضارية استعارة – أو من باب التناسب للفظ ماشية، نحو: لا دريت ولا تليت، ونحو: بالغدايا والعشايا. قال: ورواية (إلا كلب ضاري)، إلاّ بمعنى غير، صفة لكلب، لتعذر الاستثناء، ويجوز أن ينزل النكرة منزلة المعرفة، فيكون استثناء. فإن قلت: القياس "كلبًا ضاريًا"، قلت: هو من إضافة الموصوف إلى صفة البيان، نحو: شجر الأراك، وقيل: لفظ (ضار) صفة للرجل الصائد، أي: إلاّ كلب الرجل المعتاد للصيد، فإن قلت: حقه حذف الياء منه، قلت: إثبات الياء في المنقوص لغة. انتهى. وقال عياض والنووي: روي (ضاري) بالياء، و (ضارٍ) بحذفها، و (ضاريًا) بالألف بعد الياء منصوبًا، فأما الأخير فهو ظاهر الإعراب، وأما الأولان: فهما مجروران عطفًا على ماشية، ويكون من إضافة الموصوف إلى صفته كماء البارد، ويكون ثبوت الياء في (ضاري) على اللغة القليلة في إثباتها في المنقوص من غير ألف ولام، والمشهور حذفها، أي: كلب تعود بالصيد، وقيل: إن (ضار) هنا صفة للرجل الصائد صاحب الكلاب المعتادة فسماه (ضاريًا) استعارة.

643 - حديث "اجتنبوا الموبقات: الشرك بالله"

وقوله: نقص من عمله كل يوم قيراطان، وفي رواية: قيراطين، قال الكرماني: (نقص) جاء لازمًا ومتعديًا باعتبار اشتقاقه من النقصان والنقص. 643 - حديث "اجتنبوا الموبقاتِ: الشركُ بالله" قال الزركشي: يجوز نصب (الشرك) ورفعه، وكذا ما بعده، فالرفع على خبر مبتدأ مضمر، أي: هي أو منها، والنصب على البدل. 644 - حديث "أيُّما امرئٍ قال لأخيه كافرٌ، فقد باء بها أحدُهما". قال النووي: ضبطنا قوله (كافر) بالرفع والتنوين على أنه خبر مبتدأ محذوف. وقال القرطبي: صواب تقييده (كافر) بالتنوين على أن يكون خبر مبتدأ محذوف، أي: أنت كافر، أو هو كافر، وربما قيده بعضهم (كافر) بغير التنوين، فجعله منادى مفردًا، محذوف النداء، وهو خطأ، لأن حرف النداء لا يحذف مع النكرات، ولا مع المبهمات، إلا فيما جرى مجرى المثل، نحو قولهم: (أطْرِقْ كَرا) و (اقعدْ مجنونُ) وفي حديث موسى (ثوبي حجرُ) وهو قليل. قال: والهاء في "بها" راجع إلى التكفيرة الواحدة – أي: هي أقل ما يدل عليها لفظ كافر، ويحتمل أن يعود إلى الكلمة. 645 - حديث "أنه قال في حَجّة الوداع"

646 - حديث "من توضأ على طهر كتب له عشر حسنات".

قال النووي: المعروف في الرواية فتح الحاء. وقال الهروي وغيره من أهل اللغة: المسموع من العرب في واحدة الحجّ (حِجَّة) بكسر الحاء، قالوا: والقياس فتحها لكونها اسمًا للمرة الواحدة وليست عبارة عن الهيئة حتى تكسر، قالوا: فيجوز الكسر بالسماع، والفتح بالقياس. قوله: وَيْحَكم أو وليَكم، قال القاضي عياض: هما كلمتان، استعملتهما العرب بمعنى التعجب والتوجع. قال سيبويه: (وَيْل) كلمة لمن وقع في هلكة، وويح ترحّم، وحكي عنه فيها زجر لمن أشرف على الهلكة. وقال غيره: ولا يراد بها الدعاء بإيقاع الهلكة، ولكن الترحم والتعجب. 646 - حديث "من توضأ على طُهْرٍ كتب له عشر حسنات". قال الشيخ ولي الدين العراقي: أي: مع طهر، فـ (على) معناها هنا المصاحبة كقوله تعالى (وآتى المال على حبِّه) [البقرة-177] 647 - حديث "من صبر على لأوائها كنت له شفيعًا أو شهيدًا يوم القيامة". قال القاضي عياض: ذكر بعض شيوخنا أن (أو) هنا للشك من الراوي، والأظهر عندنا أنّها ليست للشك، لأنه جماعة من الصحابة رووه هكذا. ويبعد اتفاق جميعهم أو رواتهم

648 - حديث "من استطاع أن يموت بالمدينة فليمت بها".

على الشك، وتطابقهم عليه، بل إما أن يكون للتقسيم، أي: لبعضهم شهيدًا، ولبعضهم شفيعًا، أو تكون بمعنى الواو. 648 - حديث "من استطاع أن يموت بالمدينة فليمتْ بها". قال الطيبي: هذا أمر بالموت بها، وليس ذلك من استطاعته، بل هو إلى الله تعالى، ولكنه أمر بلزومها، والإقامة بها، بحيث لا يفارقها فيكون ذلك سببًا لأن يموت فيها، فأطلق المسبب وأراد السبب. كقوله تعالى (فلا تموتُنَّ إلا وأنتم مسلمون) [البقرة-132]. 649 - حديث "الغار". قال الطيبي: قوله (صالحة) صفة أخرى لـ (أعمالاً). قوله (أرعى عليهم) ضمن (أرعى) معنى الإنفاق، وعدّاه بعلى أي: أُنفق عليهم راعيًا الغنيمات، وكذا ضمن (رحت) معنى رددت، أي: إذا رددت الماشية من المرعى إلى موضع بيتها، و (بدأت) جواب (إذا)، و (أسقيهما) إما حال أو استئناف بيان للعلة. وقوله (حتى يرون)، بإثبات النون، فيكون حكاية الحال الماضية، كقولك: شربت الإبل حتى نحى بطنه، وفي بعضها بإسقاطه، وقوله (أنه كانت)، الضمير للشأن والمذكور في التفسير مؤنث وهذا يدل على جواز ذلك. قوله: (كأشد ما يحب الرجال النساء). يجوز أن يكون صفة مصدر محذوف، و (ما)

650 - حديث "إذا مشت أمتي المطيطاء".

مصدرية، أي: أحبها حبًّا مثل أشد حب الرجال النساء. أو حالاً، أي: أحبها مشابهًا حبي أشد حب الرجال النساء. ونظيره قوله تعالى: (يخشون الناس كخشيةِ الله أو أشدَّ خشيةً) [النساء: 77]. قوله: (اللهمَّ فإنْ كنت). الفاء في (فإنْ) عطف على مقدر، أي: اللهم فعلت ذلك فإن كنت تعلم أني. ويجوز أن يكون (اللهم) مقحمة والمعطوف عليه لتأكيد الابتهال والتضرع إلى الله تعالى، فلا يقدر معطوف عليه، وهو الوجه. قوله: ذلك البقر، (ذلك) إشارة إلى البقر باعتبار السواد للري، كما يقال: ذلك الشخص فعل كذا، قال النابغة: نُبِّئْتُ نُعْمَى على الهِجران عاتبةً ... سَقْيًا ورَعْيًا لذاك العاتِب الزاري وأنت الضمير الراجع إلى البقر باعتبار جمعية الجنس. 650 - حديث "إذا مشت أمَّتي المُطَيْطاء". قال الزمخشري: هي من المصغّرات التي لم يستعمل لها مكبّر، نحو: كعيت وكميت وكالمغيطاء. 651 - حديث "الأيدي ثلاثٌ: فيدُ الله هي العُلْيا، ويد المعطي التي تليها، ويد السائل السفلى". استدلّ به ابن الأنباري على جواز تثنية المختلفي المعنى وجمعه.

مسند عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه

مسند عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه 652 - حديث "إنهم كانوا عبادًا يعبدوني". قال أبو البقاء: كذا وقع في هذه الرواية بنون واحدة والأصل يعبدونني. إذ لا سبب لحذف النون، ويحتمل وجهين، أحدهما: أن تشدد النون فتكون كقوله تعالى: (أتحاجوني في الله) [الأنعام – 80] فتدغم النون في النون، والثاني أن تكون النون خفيفة فيكون قد حذف إحدى النونين. ومثله حديث أبي هريرة – رضي الله عنه – (إني لي قرابةً أصلهم ويقطعوني)، وحديث عقبة (فننزل بقوم لا يقرونا) الأصل يقروننا، حذفت نون الرفع لتوالي نونين. وحديث عائشة (هل أصبح عندكم شيء تطعمونيه) والأصل: تطعموننيه، ويجوز في هذا وجه ثالث وهو أن يكون مجزومًا على جواب الاستفهام، كقولك: أين بيتك أزرك. انتهى. وقال ابن مالك في توضيحه: حذف نون الرفع في موضع الرفع لمجرد التخفيف ثابت

653 - حديث "لا صام من صام الأبد".

في الكلام الفصيح نثره ونظمه، فمن ثبوته في النثر، قوله في حديث عقبة (لا يقرونا)، وقول ابن عباس ومن معه في الركعتين بعد العصر (بلغنا أنكِ تُصَلّيهما) وقول مسروق لعائشة: "تأذني له"، يعني حسان. والأصل لا يقروننا، وتصلينهما، وتأذنين له، وسبب هذا الحذف كراهية تفضيل النائب على المنوب عنه، وذلك أن النون نائب عن الضمة، والضمة قد حذفت لمجرد التخفيف. كقراءة أبي عمرو بتسكين: (ما يُشْعِرْكم) [الأنعام: 109]، و (يأمُرْكم) [البقرة: 76] و (ينصرْكم) [آل عمران: 160]، وكقراءة غيره: (وبعولتْهن) [البقرة: 228] و (رُسُلْنا لديهم) [الزخرف: 80] بتسكين التاء واللام. فلو لم تعامل بما عوملت الضمة من الحذف لمجرد التخفيف لكان في ذلك تفضيل للنائب على المنوب عنه. ومن حذفها لمجرد التخفيف قراءة يحيى بن الحارث الذِّماري: (قالوا ساحران تظاهرا) [القصص: 48] والأصل: قالوا أنتما ساحران تتظاهران، فحذف المبتدأ ونون الرفع، وأدغم التاء في الظاء. ومنه حديث "لا تدخلوا الجنّة حتى تؤمنوا ولا تؤمنوا حتّى تحابّوا" وقول وفد عبد القيس: "فأصبحوا يعلِّمونا كتاب الله". 653 - حديث "لا صام من صام الأبد". قال القاضي عياض: يحتمل أن يكون ذلك على وجه الدعاء، ويحتمل أن يكون (لا)

654 - حديث "أمرت بيوم الأضحى عيدا جعله الله لهذه الأمة".

هنا بمعنى لم، كما قال (فلا صدّق ولا صلّى) [القيامة: 31]. 654 - حديث "أمرت بيوم الأضحى عيدًا جعله الله لهذه الأمّة". قال الطيبي: (عيدًا) منصوب بفعل مضمر يفسره ما بعده أي، جعله عيدًا. 655 - حديث "حوضي مسيرةُ شهرٍ ماؤُه أبيضُ من اللّبن". قال ابن مالك في "شرح الكافية": ظاهره أنّ فيه شذوذًا، إذ كان حقه لكونه من باب أفعل المبني للفاعل، أن يقال فيه: أشدّ بياضًا، فإن حُمل على الشذوذ كان نظير قولهم: هو أسود من حنك الغراب، ونظيره قول الراجز: جاريةٌ في درعها الفضفاض ... أبيضُ من أخت بني إباضِ وجائز أن يكن أبيض مبنيًا من قولهم: باض الشيءُ الشيءَ بيوضًا إذا فاقه في البياض. فالمعنى على هذا أن غلبة ذلك لغيره من الأشياء المبيضة أكثر من غلبة بعضها على بعض. وأبيض بهذا الاعتبار أبلغ من أشد بياضًا، ويجوز أن يكون (مِنْ) المذكورة بعد أبيض متعلقة بمحذوف دلّ عليه أبيض المذكور والتقدير: ماؤه أبيض أصفى، أو أخلص من اللبن، وإلى هذين التأويلين أشرت بقولي في الكافية.

وشذَّ نحو قولهم أبيضُ من ... كذا وشبهه بتأويلٍ قَمِنْ انتهى. وقال الأندلسي في "شرح المفصل": لا يجوز بناء أفْعَل من الألوان، لأنّ فعلها على أكثر من ثلاثة أحرف نحو: أبيض وأحمر، وقال الكوفيون: يجوز في البياض والسواد، لأنهما أصلا الألوان وقد جاء في الشعر في قوله: أبيضُ من أختِ بني إباضِ وقوله: فأنت أبيضُهم سِرْبالَ طَبّاخِ وهذا ضعيف. أمّا جعل البياض والسواد أصلين –فدعوى لا دليل عليها، ولو سلم ذلك، فلا يلزم منه جواز ذلك فيهم، وأمّا ما جاء في الشعر فمؤول إما بأنّ معنى (من) فيها الصفة، ولا يراد بأفعل فيه المبالغة. وكان بعض المتأخرين يقول: إن (أبيض) هنا هي الصفة التي يوصف بها في قولك: ثوب أبيض. انتهى. وقد ورد في كثير من طرق الحديث بلفظ: (ماؤه أشد بياضًا من اللبن، وأحلى من العسل). وبهذا يعرف أن الأول من تصرف الرواة.

656 - حديث "أتى رجل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أقرني، قال: اقرأ ثلاثا من ذات (ألر). الحديث".

656 - حديث "أتى رجلٌ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم فقال: أقْرِني، قال: اقرأ ثلاثًا من ذات (ألر). الحديث". قال أبو البقاء: كذا وقع في هذه الرواية، والأصل (أقرئني) بهمزة بعد الراء. والهمزة الأولى مفتوحة لأن ماضيه (أقرأ)، من حذف الهمزة الأخيرة فقد خفف الهمزة من (أقرأ) فصيرها ألفًا، فصارت مثل أعطى ثم حذفها في الأمر، وقد حكاها أبو زيد. 657 - حديث: "قالوا: يا رسولَ الله ما نقدرُ على شيءٍ لا نفقةٍ ولا دابَّةٍ ولا متاعٍ". قال أبو البقاء: (نفقة) وما بعده بالجر بدلاً من (شيءٍ) ولو جاء منصوبًا جاز على تقدير: لا نجد. 658 - حديث "إني أعطيتُ أمِّي حديقةً حياتَها". قال أبو البقاء: أي: مدّة حياتها، فحذف الظرف، ونصب (حياتها) نصب الظرف. 659 - حديث "تعلوهم نارُ الأنيار". قال أبو البقاء: "كذا وقع في هذه الرواية، ويريد بذلك جمع (نار)، وألف نار مبدلة من واو كقولك: (تنوّرت بالنار)، ومنه النور والأنوار. وتجمع النار على نيران، وأصل الياء واو، أبدلت ياء لسكونها وانكسار ما قبلها، مثل: ريح ورياح، والأشبه أنه حمل الأنيار على

660 - حديث "وإن لزورك عليك حقا".

النيران حيث شاركتها في الجمع كما قال بعض أهل اللغة في جمع ريح أرياح لمّا رآهم قالوا: رياح، حكى ذلك ابن جني في بعض كتبه. انتهى. وقال ابن الأثير في "النهاية": هكذا يروى، ولم أجده مشروحًا، فإن صحت الرواية، فيحتمل أن يكون معناه: نار النيران، جمع النار على أنيار، وأصلها أنوار، لأنها من الواوي كما جاء في ريح وعيد، أرياح وأعياد، وهما من الواوي. وقال البيضاوي: وإضافة النار إليها للمبالغة، كأن هذه النار لإفراط إحراقها، وشدة حرّها، تفعل بسائر النيران ما تفعل النار بغيرها. 660 - حديث "وإنَّ لزَوْرِكَ عليك حقًّا". (الزَّوْر) في الأصل مصدر وضع موضع الاسم هو الزائر، كصوم ونوم بمعنى صائم ونائم. وقد يكون اسم جمع كزائر، كركب وراكب، وصحب وصاحب. وبه جزم الكرماني. قوله: (وإنّ من حسبك أن تصوم من كل شهر ثلاثة أيام) قال الكرماني: (من) تبعيضية، ويحتمل أن تكون زائدة، على مذهب الكوفية، وروي بإسقاطها. قوله: (وما كان صيام نبيّ الله داود؟ قال: نصف الدهر). قال الزركشي: بالنصب على الأفصح، وفي الرواية الأخرى: (وإنّ بحسبك أن تصوم من كل شهر ثلاثة أيام). قال ابن يعيش في "شرح المفصل": تزاد الباء في المبتدأ في موضع واحد، وهو قولهم: بحسبك أن تفعل الخير، ومعناه: حسبك فعل الخير، والجار والمجرور في موضع رفع بالابتداء. قال: ولا نعلم مبتدأ دخل عليه حرف جر في الإيجاب غير هذا الحرف، واختار شيخنا

العلامة الكافيجي: أن هذا من زيادة الباء في الخبر، وهو الأوجه، لأن أن وصلتها أعرف فهي أولى بالابتدائية. والمسألة مبسوطة في "حاشية المغني". وفي (ذي القد) لابن جني. قال أبو علي: قولهم: بحسبك أن تفعل كذا، ليس من قولهم: حسبك يتم الناس، وإنما هي التي في قولك: فإن حسبك الله، والدليل عليه ظهور خبرها، وتلك التي في قولهم: حسبك يتم الناس، هي التي قال أبو عمرو فيها: إنها مبنية مع إضافتها إلى الكاف. والوجه الثالث أن تكون صفة في قولهم: مررت برجل حسبك من رجل. وقال السّخاوي في "شرح المفصل": تأتي حسْب على وجوه، كقولك: حسبك درهمان، فهو مرفوع بالابتداء، والدرهمان: فاعل، ولا خبر له لأن حسب بمعنى الأمر قولهم: حسبك يتم الناس، بجزم الجواب. قال أبو عمر: الضمة في حسبك ضمة بناء. قال أبو عمرو فيها: إنها مبنية مع إضافتها إلى الكاف. والوجه الثالث: أن تكون صفة في قولهم: مررت برجل حسبك من رجل. وقال السخاوي: الضمة في حسبك ضمة بناء وقالوا: الكاف في موضع الخفض، وهي في المعنى مفعول، ولم تمنع الإضافة البناء، كما لم تمنعه في: ضربت أيُّهم قام. وقال المازني: (حسبك) مبتدأ و (درهمان) خبره، وخالفه النحاة في ذلك. ومن وجوهها: مررت برجل حسبك من رجل. فهي في هذا نكرة، ولا اعتداد بإضافتها، ولذلك وصف بها النكرة. ولا معنى للأمر فيها، لأن الصفة لا تكون أمرًا، ومنها قولهم: إن ظلمتني فإنّ حسبي الله، فهي في هذا الوجه معرفة، فاسم الله خبر إن، وليست بأمر لأنّ إنّ لا تدخل على ذلك.

661 - حديث "لما كسفت الشمس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم نودي أن الصلاة جامعة".

661 - حديث "لما كُسفت الشمس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم نودي أن الصلاة جامعة". قال الكرماني: بتخفيف (أن) فهي مفسّرة، وبتشديدها فيكون خبر (أنّ) محذوفًا على رواية من نصب (جامعة) نحو: حاضرة. ومن رفع (جامعة) فهي الخبر. وقال بعض الفقهاء: جاز فيه رفع الكلمتين على الابتداء، والخبر فهي الخبر، ونصبهما (الصلاة) على الإغراء، و (جامعة) على الحال، ورفع الأول ونصب الثاني وبالعكس. وقال الحافظ ابن حجر، (الصلاة) بالنصب على الإغراء و (جامعة) بالنصب على الحال. أي: احضروا الصلاة في حال كونها جامعة، أي: جماعة. وقيل برفعهما على أن (الصلاة) مبتدأ. و (جامعة) خبره. ومعناه: ذات جماعة وقيل (جامعة) صفة، والخبر محذوف تقديره: فاحضروها. 662 - حديث "كفى إثمًا أن تحبسَ عمّن تملك قوته". قال النووي: (قوته) مفعول تحبس. قلت: هو من باب التنازع، وأعمل الأول، وترك الإضمار في الثاني. وقال المظهري: (أن تحبس) مبتدأ و (كفى) خبره مقدمًا عليه مثل: بئس رجلاً زيد، أو خبر مبتدأ محذوف و (إثمًا) تمييز. 663 - حديث "أحيٌّ والداك؟ قال: نعم، قال: ففيهما جاهد".

664 - حديث "لتأتين على أمتي كما أتى على بني إسرائيل حذو النعل بالنعل".

قال الكرماني: الجار والمجرور متعلق بمقدر وهو جاهد، والمذكور مفسر له، لأن ما بعد الفاء الجزائية لا يعمل فيما قبلها، والتقدير: إن كان لك أبوان فجاهد فيهما، ومعناه: خصصهما بالجهاد. وقال الطيبي: (فيهما) متعلق بالأمر، قدم الاختصاص، والفاء الأولى جزاء شرط محذوف، والثانية جزائية لتضمن الكلام معنى الشرط، أي: إذا كان الأمر على ما قلت فاختص المجاهدة بهما، فحذف الشرط وعوض منه تقديم المفعول المفيد الاختصاص ضمنًا. وقوله (فجاهد) جيء به مشاكلة. 664 - حديث "لتأتينَّ على أمتي كما أتى على بني إسرائيل حذو النعل بالنعل". قال الطيبي: عدى (تأتينّ) بعلى لمعنى الغلبة المؤدية إلى الهلاك. وقال المظهري: (حذْو النّعل) منصوب على المصدر. وفاعل (لتأتينّ) مقدّر يدل عليه سياق الكلام. والكاف منصوب على المصدر. وقال الأشرفي: الكاف هو الفاعل، والمعنى: لتأتين عليهم مثل ما أتى على بني إسرائيل. وقوله: لكان قال الطيبي: اللام فيه جواب (إنْ) على تأويل (لو) كما أنْ لو تأتي بمعنى إنْ (وحتّى) هي الداخلة على الجملة الشرطية. 665 - حديث "أفضلُ ما قلته أنا والنبيون من قبلي: لا إله إلا الله وحده لا شريك له". قال الشُّلُوبِين: هذا مما فيه الخبر نفس المبتدأ في المعنى، فلم تحتج الجملة إلى ضمير. وقال ابن مالك في "شرح التسهيل": من الإخبار عن مفرد بجملة اتّحدت به معنى قوله صلى الله عليه وسلم: أفضل ما قلته أنا والنبيون من قبلي لا إله إلا الله.

666 - حديث "من قتل دون ماله فهو شهيد".

666 - حديث "من قُتِل دون ماله فهو شهيدٌ". قال القرطبي: (دونَ) في أصلها ظرف مكان، بمعنى أسفل وتحت، وهو نقيض فوق، وقد استعملت في هذا الحديث بمعنى لأجل السببية وهو مجاز وتوسع. وقال الطيبي: (دون) ههنا بمعنى قُدّام كقول الشاعر: تريك القذى دونَها وهي دونَه 667 - حديث "إنّ امرأتين أتتا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفي أيديهما سواران". قال الطيبي: كان من الظاهر أن يقال أسورة لجمعه اليد والمعنى: إنه في يد كلّ منهما سواران. قال والضمير في قوله (فأدّيا زكاته). بمعنى اسم الإشارة كما في قوله تعالى: (لا فارضٌ ولا بكرٌ عوان بين ذلك) وقول الشاعر: فيها خطوطٌ من سوادٍ وبَلَقْ ... كأنه في الجلد توليعُ البَهَقْ

668 - حديث "خير الدعاء دعاء يوم عرفة".

668 - حديث "خير الدعاء دعاءُ يوم عرفة". قال الطيبي: الإضافة فيه: يجوز أن تكون بمعنى اللام، أي دعاء خصّ بذلك اليوم. وقوله: (خير ما قلت)، بمعنى: خير ما دعوت، بيان له، فالدعاء له قوله: لا إله إلا الله ... الخ. ويجوز أن تكون الإضافة بمعنى في، فعلى هذا يعمّ الدعاء بأي شيء دعا، فيكون قوله: وخير مما قلت. عطفًا على قوله خير الدعاء، لا على البيان، بل يجري على المغايرة والعموم. 669 - حديث "لا يتوارثُ أهل ملَّتين شتَّى". قال الطيبي: (شتّى) حال من فاعل يتوارث، أي مختلفين ويجوز أن يكون صفة للملتين، أي ملتين متفرقتين. 670 - حديث "قال رجلٌ يا رسول الله إنَّ لي ذوي أرحام، أصل ويقطعون، وأغفر ويظلمون، وأحسن ويسيئون، أفأكافؤهم؟ قال لا، إذن تتركون جميعًا". 671 - حديث: "إنَّ رجلاً سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم: أيُّ الإسلام خير؟ قال: تطعم الطعام، وتقرأ السلام على من عرفت ومن لم تعرف".

672 - حديث "أن رجلا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أفضل الأعمال، فقال: الصلاة، قال: ثم مه؟ قال الصلاة".

قال ابن حجر: فإن قيل (الإسلام) مفرد: وشرط (أيّ) أن تدخل على متعدّد، أجيب: بأن فيه حذفًا. والتقدير: أي خصال الإسلام. قال: (وتطعم) في تقدير المصدر أي: أن تطعم. ومثله (تسمع بالمعيدي خيرٌ من أن تراه). وتقرأ بلفظ مضارع القراءة بمعنى تقوله. قال أبو حاتم السمعاني: تقول: اقرأ عليه السلام. ولا تقول: اقرأه السلام، إلا في لغة سوء، فإذا كان مكتوبًا قلت: أقرئه السلام، أي: اجعله يقرؤه. 672 - حديث "أنّ رجلاً سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أفضل الأعمال، فقال: الصلاة، قال: ثم مهْ؟ قال الصلاة". قلت: أراد (ثمّ ما). قال ابن يعيش: الألف يكره الوقف عليها لخفائفها، فيبدل منها الهاء لتقاد بها في المخرج، وأنشد: قد أقبلت من أمْكِنَهْ من ههنا ومن هُنَهْ

673 - حديث "ألا إن دية الخطأ شبه العمد ما كان بالسوط والعصا مائة من الإبل".

673 - حديث "ألا إنّ ديةَ الخطأ شبهَ العَمْدِ ما كان بالسّوط والعصا مائةٌ من الإبل". قال الطيبي: فيه وجوه من الإعراب، أحدهما: أن يكون (شبه العمد) صفة (الخطأ) وهو معرفة، وجاز لأن (شبه العمد) وقع بين الضدين، وثانيها: أن يراد (بالخطأ) الجنس فهو بمنزلة النكرة، و (ما) على التقديرين: إما موصولة أو موصوفة، بدلاً أو بيانًا. وثالثها: أن يكون (شبه العمد) بدلاً من (الخطأ) و (ما كان) بدلاً من البدل، وعلى هذا يجوز أن يكون التابع والمتبوع معرفتين أو نكرتين أو مختلفتين. وقوله (مائة) خبر إنّ. 674 - حديث "من نظر إلى أخيه نظرةً تخيفه، أخافه الله يوم القيامة". قال الطيبي: قوله (تخيفه) يجوز أن يكون حالاً من فاعل (نظر)، وأن يكون صفة للمصدر على حذف الراجع أي: بها. 675 - حديث "ما أبالي ما أتيتُ إنْ أنا شربتُ تِرْياقًا ... الحديث". قال الطيبي: (ما) الأولى نافية، والثاني موصولة، والراجع محذوف، والموصول مع الصلة مفعول (أبالي)، و (إنْ أنا شربت) شرط جزاؤه محذوف يدل عليه ما تقدم. 676 - حديث "إنّه لموصوفٌ في التوراة ببعض صفته في القرآن، يا أيها النبيُّ إنا أرسلناك شاهدًا". قال الطيبي: (شاهدًا) حال مقدرة من الكاف أو من الفاعل، أي: مقدرًا أو مقدرين شهادتك على من بُعِثْتَ إليهم.

677 - حديث "أربع من كن فيه كان منافقا خالصا".

قوله: (سميتك المتوكل ليس بفظّ)، (ليس بفظ): إما صفة أو حال، إما من المتوكل أو من الكاف في (سميتك) أو من الفاعل، فعلى فيه التفات. قوله: (ولن يقبضه الله حتى يقيم به الملة العوجاء بأن يقولوا: لا إله إلا الله)، (بأن يقولوا) متعلق بقوله (يقيم). 677 - حديث "أربعٌ من كنَّ فيه كان منافقًا خالصًا". قال الكرماني: (أربع) مبتدأ، بتقدير: أربع خصال، أو: خصال أربع، وإلا فهو نكرة صرفة، والشرطية خبره، ويحتمل أن يكون صفة. (وإذا ائتمن خان ...) الخ خبره بتقدير: أربع كذا هي الخيانة عند الائتمان. ونحوه. 678 - حديث "إنّ الله لا يقبض العلم انتزاعًا". قال الطيبي والكرماني: هو مفعول مطلق عن معنى يقبض، نحو: رجع القهقرى، و (ينتزعه) صفة مبيّنة للنوع ومعناه: أنّ الله لا يقبض العلم من بين الناس على سبيل أن يرفعه من بينهم إلى السماء، أو يمحوه من صدورهم بل يقبضه بقبض أرواح العلماء. وقوله: (حتّى إذا لم يبق عالمًا. (حتّى): ابتدائية، دخلت على الجملة. و (إذا) ظرفية والعامل فيها اتّخذ. ويجوز أن تكون شرطية. فإن قلت: (إذا) للاستقبال ولم يقلب المضارع ماضيًا، فكيف يجتمعان؟ قلت: (لم) جعل البقاء ماضيًا، و (إذا) جعل نفي البقاء

679 - حديث "مروا أبناءكم بالصلاة لسبع سنين واضربوهم عليها لعشر سنين".

مستقبلاً. أو يقال: تعارضا وتساقطا. فيبقى على أصله وهو المضارع. أو تعاد لا فيفيد الاستقرار. انتهى. وقال الشيخ أكمل الدين: (انتزاعًا) منصوب على أنه مفعول مطلق تقدم على فعله وهو (ينتزعه)، و (ينتزعه) حال من الضمير في (يقبض) كذا قيل. وقيل: هو في معنى المفعول حالاً من المفعول. و (ينتزعه) جواب عما يقال: ممن ينتزع العلم؟ ونجوز أن يكون (انتزاعًا) مفعول (يقبض) من غير لفظة وينتزعه في محل صفته. 679 - حديث "مُروا أبناءكم بالصلاة لسبع سنين واضربوهم عليها لعشر سنين". قال الطيبي: (مُرُوا) أصله اؤمروا حذفت همزته تخفيفًا فلما حذف فاء الفعل لم يحتج إلى همزة الوصل لتحريك الميم. 680 - حديث "إنّ أطيب ما أكلتم من كسبكم فكلوه هنيئًا". قال أبو حيان في "النهر": انتصاب (هنيئًا) على أنه نعت لمصدر محذوف. أي: فكلوه أكلاً هنيئًا. أو على أنه حال من ضمير المفعول، هكذا أعربه الزمخشري وغيره. وهو قول مخالف لأئمة العربية لأنه عند سيبويه وغيره منصوب بإضمار فعل لا يجوز إظهاره. فعلى ما قاله أئمة العربية يكون (هنيئًا) من جملة أخرى غير قوله (فكلوه) ولا تعلُّق له به من حيث الإعراب، بل من حيث المعنى. انتهى. وقال ابن الشجري في "أماليه": يقال: هناه الطعام يهنيه ولقد هَنُؤ. والمصدر: الهنؤ

فهو هَنِيءٌ. وهنيء اسم الفاعل من هَنُؤَ، كظريف من ظَرُفَ. ويحتمل أن يجعل معدولاً عن هانئ من قولك: هنأ يهنأ فهو هانئ هنيئًا حال وقعت موقع الفعل بدلاً من اللفظ كما وقع المصدر في قولهم: سَقْيًا له ورَعْيًا بدلاً من اللفظ بسقاه الله ورعاه، فلا يجوز ظهور الفعل معه، لأنه قائم مقامه، فصار عوضًا منه، [وهذا عند أبي علي حال. وأما الأول فهو كما عدل رحيم وعليم من راحم وعالم] فقوله: (هنيئًا) لا تعلق له بأشرب من قولهم: اشرب هنيئًا، لأنه وقع موقع ليهنك أو هناك أو هنؤ. التقدير: ليهنك شربك، أو هناك شربك، أو هنؤ شربك. قال: ويدل على كونه بدلاً من الفعل كما قبلهما على الموضع الواحد كقوله: "أظْفَرَهُ الله فَلْيَهْنَا له الظَّفَرُ". فهذا بمنزلة: فهنيئًا له الظفر. وقوله تعالى: (كلوا واشربوا هنيئًا) حيث أجري بلفظ الإفراد على الجمع، فقال: (هنيئًا)، ولم يقل: هنيئين، فأفرد بعد لفظ الجمع، لأن (هنيئًا) ناب عن الفعل فصار بدلاً من اللفظ به، والفعل لا يجمع، فكذلك ما ناب عنه، قال: وإذا ثبت أن (هنيئًا) بدل من هنؤ أو هناك أو ليهنأك، لم يكن حالاً من المضمر في (اشرب)، كما أن الفعل الذي هو بدل عنه لا يكون كذلك. قال: ووجه كون (هنيئًا) بدلاً من الفعل من جهة القياس أن الحال مشبهة للظرف من حيث كان مفعولاً فيها، كما أن الظرف مفعول فيه، فمن حيث وقعت الظروف في الأمر العام، وغيره بدلاً من الفعل في قولهم: إليك ووراءك وعليك زيدًا، ودونك عَمْرًا. وقال أبو حيان في "الارتشاف": قال سيبويه: هنيئًا مريئًا، صفتان نصبوهما نصب

681 - حديث "إذا مات الرجل بغير مولده قيس له من مولده إلى منقطع أثره في الجنة".

المصادر المدعو بهما بالفعل غير المستعمل إظهاره للدلالة في الكلام عليه، كأنهم قالوا: ثبت ذلك هنيئًا، أو هنأه هنيئًا. ففي تقدير "ثبت"، يكون حالاً مبنية، وفي تقدير: هنأة. حال مؤكدة وأجاز أبو البقاء العكبري أن يكونا مصدرين جاءا على وزن فعيل: كالمهيل والنكير، ومريئًا تابع لهنيء. وزعم بعضهم أن مريئًا يستعمل وحده غير تابع لهنيء وذهب الفارسي إلى أن (مريئًا) انتصب انتصاب (هنيئًا). التقدير عنده: ثبت مريئًا. انتهى. 681 - حديث "إذا مات الرجلُ بغير مولده قِيسَ له من مولده إلى منقطع أثره في الجنة". قال الطيبي: (في الجنة) متعلق بـ (قيس). 682 - حديث "مَنْ وَلِيَ يتيمًا له مالَه فلْيَتَّجِرْ فيه". قال الطيبي: الأصل (فليتّجر به) كقولك: كتبته بالقلم، لأنه عدّة للتجارة ومستقرّها كقوله تعالى: (وأصلح لي في ذرّيّتي) [الأحقاف: 15] أي: أوقع الصلاح فيهم. 683 - حديث "الوسيلة". قوله: (وأرجو أن أكون أنا هو). قال الطيبي: قيل هو خبر "كان" وضع بدل إيّاه إقامة للضمير المرفوع المنفصل مقام المنصوب المنفصل. ويحتمل أن لا يكون (أنا) للتأكيد، بل يكون مبتدأ و (هو) خبره، والجملة خبر (أكون). ويكون أن يقال: أن هذا الضمير وضع موضع اسم الإشارة، أي: أكون ذلك العبد كما في قول رؤبة:

684 - حديث "اللهم اشف عبدك ينكا لك عدوا".

فيها خطوط من سوادٍ وبلقْ ... كأنّه في الجلد توليع البهق قيل له: إن أردت الخطوط فقل: كأنها، وإن أردت السواد والبلق فقل: كأنهما، فقال: أردت كأنّ ذلك. انتهى. 684 - حديث "اللهم اشف عبدك ينكا لك عدوًّا". قال الطيبي: (ينكأ) مجزوم على أنه جواب الأمر. ويجوز الرفع على تقدير: اشف عبدك فإنه ينكأ. وقوله: ويمشي لك إلى صلاة، قيل: يجوز أن يكون مجزومًا بالحذف، لأنه نحو قراءة من قرأ (إنّه من يتَّقي ويصبرُ) [يوسف: 90] بإثبات الياء. 685 - حديث "أنّه صلى الله عليه وسلم تلا قول الله في إبراهيم: (ربّ إنهن أضللن كثيرًا من الناس) الآية، وقال عيسى: (إن تعذِّبْهم فإنهم عبادُك) ". قال القاضي عياض: قال بعضهم: قوله: "قال" هو اسم للقول لا فعل، يقال: قال قولاً، وقال قيلاً، كأنه قال: وتلا قول عيسى. وقال القرطبي: هو مصدر معطوف على قوله: وتلا قول الله فكأنه قال: وتلا قول عيسى. 686 - حديث "إنّ المقسطين عند الله على منابرَ من نورٍ عن يمينِ الرحمنِ – وكلتا يديه يمينٌ – الذين يعدِلون في حكمهم وأهليهم وما وَلَّوْا".

687 - حديث "إن أول الآيات خروجا طلوع الشمس من مغربها، وخروج الدابة على

قال الطيبي: قوله (عند الله) خبر (إنّ)، أي: إنّ المقسطين مقرّبون عند الله. و (على منابر) يجوز أن يكون خبرًا بعد خبر، وحالاً من الضمير المستقر في الظرف. و (من نور) صفة منابر، صفة مخصصة لبيان الحقيقة، و (عن يمين الرحمن) صفة أخرى لمنابر مثبتة، ويجوز أن يكون حالاً بعد حال على التداخل. وقوله: (الذين يعدلون)، يحتمل وجوهًا من الإعراب: أن يكون خبرصا لإنَّ، ويكون قوله: (وكلتا يديه يمين) معترضة بين اسم إنّ وخبره، صيانة لجلال الله وعظمته عمّا لا يليق به. وأن يكون صفة للمقسطين على تأويل ذوات لها إقساط. وأن يكون بدلاً، أو نصبًا على المدح أو رفعًا عليه. وأن يكون استئنافًا كأنه قيل: من هؤلاء؟ فقيل: هم الذين يعدلون. وقال الشيخ أكمل الدين: قوله: (على منابر) خبر (إنّ). و (عند الله) يجوز أن يكون متعلقًا بالمقسطين، أي: المقسطين عند الله يستقرون على منابر من نور، ويجوز أن يكون متعلقًا بقوله (على منابر)، أي: على منابر جعلت عند الله عنديّة مكانية، لا عندية مكان، وقوله: (عن يمين الرحمن) يجوز أن يكون حالاً من الضمير المستكن في جعلت المقدر في (عند الله) أو البارز في جعلوا المقدر في (على منابر) وقوله: (الذين يعدلون) خبر بعد خبر لإنّ، ويجوز أن يكون صفة للمقسطين، إما صفة كاشفة وإما صفة مادحة. انتهى. وقال المظهري: قوله (وما وَلُوا). بفتح الواو وضم اللام المخففة أصله: (وَلِيُوا). على وزن (عَلِمُوا)، نقلت ضمة الياء إلى اللام وحذفت لالتقاء الساكنين. 687 - حديث "إنّ أوّل الآياتِ خروجًا طلوع الشمسِ من مغربها، وخروجُ الدّابّةِ على

688 - حديث "بلغوا عني ولو آية وحدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج".

الناس ضحى، وأيهما ما كانت قبل صاحبتها فالأخرى على أثرها قريبا. قال الشيخ أكمل الدين: (ما) في قوله (ما كانت) موصولة أي: التي كانت. و (ضحى) نصب على الظرف بإعراب تقديري، و (قريبا) نصب على التمييز عن النسبة في الإضافة تشبيها بفعيل بمعنى مفعول أو لأن تأنيث الأخرى غير حقيقي، وفيه نظر لأن الإسناد إلى ضميره فلا فرق إذن بينه وبين الحقيقي. انتهى. 688 - حديث "بلغوا عني ولو آية وحدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج". قال الزركشي في تخريج "أحاديث الرافعي" (لو) في قوله (ولو آية) للتقليل مسارعة في تبليغ ما يقع للراوي. وقال القاضي أبو الفرج النهرواني في "كتاب الجليس" قوله: (ولا حرج) يحتمل وجهين: أحدهما أن يكون خبرا، يعني لفظا ومعنى، والثاني: أن يكون معناه النهي: أي: ولا تتحرجوا. قال: ونصب (الحرج) في هذا الموضع هو الواجب لأن القصد نفي الجنس ولو نون لكان له وجه كقوله: من صد عن نيرانها ... فأنا ابن قيس لا براح

مسند عبد الله بن مالك ابن بحينة (رضي الله عنه)

وقال الشيخ عز الدين بن عبد السلام في "أماليه": قال بعض العلماء الواو في قوله: (ولا حرج) لكماله، ومعناه: حدثوا ما لم يكن حرج، أي: كذب. وقال بعضهم: معناه ولا حرج عليكم في ترك الحديث. وأنّ الأمر في قوله: حدّثوا، ليس للإيجاب والأول أحسن. فائدة: قال ابن ماكولا: ابن العاصي: بإثبات الياء على الأصح ولكن العامة قد لهجت بحذفها منه. وقال القاضي أبو جعفر النحاس: سمعت علي بن سليمان يقول: سمعت أبا العباس المبرد يقول: لا يجوز إلا (ابن العاصي) بإثبات الياء. وهو مخالف لقول جميع النحويين: يجوز حذف الياء، لأنك تقول: عاص، ثم تأتي بالألف واللام بعد الحذف. وذكر أبو جعفر محمد بن إدريس معاذ الجرجاني في كلامه على كامل المبرد: وجدت بخط الآمدي، قال أبو بكر، قال أبو العباس هو عمرو بن العاصي بإثبات الياء، لأنه اعتصى بالسيف، أي: أقام السيف مقام العصا، وليس هو من العصيان. انتهى. وقال النووي في "شرح مسلم": الفصيح في (العاصي) إثبات الياء، ويجوز حذفها، وهو الذي يستعمله معظم المحدثين، أو كلّهم. وقال الذهبي في "العذب السلسل": (العاصي) غلب عليه حذف يائه، وهو فصيح كما ورد في الكتاب العزيز: كالمتعالِ والتَّلاقِ. مسند عبد الله بن مالك ابن بُحَيْنَة (رضي الله عنه)

689 - حديث عبد الله ابن بحينة: "الصبح أربعا".

689 - حديث عبد الله ابن بحينة: "الصُّبحَ أربعًا". قال ابن مالك في توضيحه: (الصبح أربعًا) منصوبان بفعل مضمر. إلا أن (الصبح) مفعول به، و (أربعًا) حال. وإضمار الفعل في مثل هذا مطّرد، لأن معناه مشاهد، فأغنت مشاهدة معناه عن لفظه. وفي هذا الاستفهام معنى الإنكار. ونظيره قولك لمن رأيته، وهو يقرأ القرآن ضاحكًا: تضحك وشبه ذلك كثير. انتهى. قلت: قد رواه النسائي بلفظ فقال: أتصلي الصبح أربعًا؟ فعُلِم أن حذف الفعل في رواية البخاري من تصرف الرواة. وقال الكرماني: (الصبح) بالنصب، أي: أتصلي الصبح أربع ركعات؟ و (أربعًا) منصوب على البدلية. وبالرفع. أي: الصبح تصلي أربعًا؟ والاستفهام للإنكار التوبيخي. فائدة: قال ابن فرحون في "إعراب العمدة": استثنى المحدثون من قولنا إذا وقع (ابن) بين علمين تحذف ألفه في الخط، أما إذا نسب الابن إلى أمه، كعبد الله ابن بحينة، فيكتبون (ابن) بالألف حتى يعلم أن النسبة إلى مؤنث. مسند عبد الله بن مسعود رضي الله عنه

690 - حديث "حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو الصادق المصدوق: أن خلق أحدكم ... ".

690 - حديث "حدّثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو الصادق المصدوقُ: أنَّ خلق أحدكم ... ". قال أبو البقاء: لا يجوز في (أن) هنا إلا الفتح، لأنها وما عملت فيه معمول (حدثنا)، ولو كسرت لصار مستأنفًا منقطعًا عن (حدثنا)، فإن قلت: اكسر واحمل قوله حدثنا على "قال"، قيل: هذا خلاف الظاهر، ولا يترك الظاهر إلى غيره، إلا لدليل مانع من الظاهر، ولو جاز مثل هذا لجاز في قوله تعالى: (أيعدكم أنّكم إذا مِتُّمْ)، الكسر لأن معنى (يعدكم) يقول لكم. انتهى. قال الزركشي ورد عليه القاضي شمس الدين الخولي وقال: الكسر واجب لأنه الرواية، ووجهه على الحكاية، كقول الشاعر: سمِعْتُ الناسُ يَنْتَجِعون غَيْثًا برفع الناس. وقال الطيبي: قوله: (وهو الصادق المصدوق)، الأولى أن تجعل هذه الجملة اعتراضية – لا حالية، لتعمّ الأحوال كلها، وأن يكون المراد من عادته ودأبه ذلك، فما أحسن موقعه هنا. قال: وقوله: (إنّ أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون). (حتّى) هي الناصبة. و (ما) نافية. ولفظ (يكون) منصوب بحتى، (وما) غير مانعة لها من العمل، (والفاء من

691 - حديث "إياكم وهاتان الكعبتان الموسومتان اللتان تزجران".

(فيسبق) للتعقيب: وضمن (يسبق) معنى يغلب فعدّاه بعلى. قال: وقوله: (يكتب أجله ورزقه وشقي أو سعيد). كان من حق الظاهر أن يقال: وشقاوته وسعادته، فعدل إما حكاية لصورة ما يكتبه، لأنه يكتب: شقي أو سعيد، والتقدير: إنه شقي أو سعيد، فعدل لأن الكلام مسوق إليهما، والتفصيل وارد عليهما. 691 - حديث "إيّاكم وهاتان الكعبتان الموسومتان اللتان تزجران". قال أبو البقاء: وقع في هذه الرواية (هاتان) ما بعده بالرفع، والقياس أن ينصب الجميع عطفًا على (إياكم)، كما تقول: إياك والشَّرَّ، أي: جنب نفسك الشر، والمعنى تجنبوا هاتين. فأما الرفع فيحتمل ثلاثة أوجه، أحدها، أن يكون معطوفًا على الضمير في (إياكم)، أي: إياكم أنتم وهاتان. كما قال جرير: فإيّاكَ أنتَ وعبد المسيـ ... ـــحِ أن تقربا قبلةَ المسجدِ والثاني: أن يكون مرفوعًا بفعل محذوف تقديره: (لتجتنب هاتان).

692 - حديث "إن اليهود قالوا: سلوه في الروح، فقال بعضهم: لا تسألوه – لا يجيء فيه بشيء تكرهونه".

والثالث: أن يكون منصوبًا بالألف على لغة (بَلْحارث) في جعل التثنية بالألف في كل حال كقوله: قد بلغا في المجدِ غايتاها 692 - حديث "إنّ اليهود قالوا: سَلُوه في الرُّوح، فقال بعضهم: لا تسألوه – لا يجيء فيه بشيء تكرهونه". في "التنقيح" للزركشي قال السهيلي: النصب فيه بعيد لأنه على معنى أن، ويجوز الجزم على جواب النهي نحو: لا تدن من الأسد تسلم. وجوّز أبو القاسم بن الأبرش: الرفع على القطع، أي: لا يجيء فيه شيء تكرهونه. وقال الكرماني: (لا يجيء) بالرفع، استئناف. والمعنى على الجزم أيضًا صحيح، بمعنى إن لا تسألوه لا يجيء بمكروه. وقال ابن حجر: هو في روايتنا بالجزم على جواب النهي، ويجوز النصب، والمعنى: لا تسألوه خشية أن يجيء منه شيء ويجوز الرفع على الاستئناف.

693 - حديث "قلت: يا أبا عبد الرحمن أية ساعة زيارة هذه".

693 - حديث "قلت: يا أبا عبد الرحمن أيَّة ساعةِ زيارةٍ هذه". قال أبو البقاء: يجوز رفع (أية) ونصبها، فالرفع على الابتداء، و (هذه) خبرها. والنصب على الظرف، و (هذه) مبتدأ، والخبر محذوف تقديره: هذه الزيارة، أو هذه الجيئة في أيّة ساعة. ويجوز أن يكون الخبر (أية ساعة) وهو ظرف زمان، وقع خبرًا عن المصدر. 694 - حديث "فقالت أجملُهُنَّ امرأةً". قال أبو البقاء: (امرأة) تمييز، كما تقول: زيد أفضلهم أبًا وأحسنهم وجهًا. وكذلك كل نكرة تقع بعد أفْعَل المضافة. 695 - حديث اللّعان: "فقال: فإنْ أحدُنا رأى مع امرأتِه رجلاً". قال أبو البقاء: (أحدنا) مرفوع بفعل محذوف يفسره (رأى)، ولا يكون مبتدأ، لأن (إنْ) الشرطية لا معنى لها في غير الفعل ومنه قوله تعالى: (إن امرؤٌ هلك) [النساء: 176] (وإن امرأةٌ خافت) [النساء: 127] (وإن أحدٌ من المشركين) [التوبة: 6].

696 - حديث "قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم في دية الخطأ عشرين بنت مخاص، وعشرين بني مخاض ذكور".

696 - حديث "قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم في دية الخطأ عشرين بنت مخاص، وعشرين بني مخاضٍ ذكورُ". قال أبو البقاء: أما نصب (عشرين) ففيه وجهان. أحدهما: أن يكون أراد (الباء) فحذفها، فتعدى إليه الفعل بنفسه كما قالوا: أمرتك الخير، أي: قضى بعشرين. والثاني: أن يكون حمل قضى على جعل وصيّر. وأما (بنت مخاض) و (ابنة لبون) و (حقة) و (جذعة) فتمييز كله. وأما قوله: (وعشرين بني مخاص) فلا يكون تمييزًا، لأنه جمع، وانتصابه على البدل من (عشرين). وأما قوله (ذكور) فالوجه أن يكون مرفوعًا على إضمار: هي ذكور وأما جره، فلا وجه له، ولو روي بالنصب كان وجهًا حسنًا، وهي صفة مؤكدة لبني. 697 - حديث "فلو كنت برَمَيْلةِ مصرَ لأريتكم قبورهما". قال أبو البقاء: القياس: قبريهما، ولكنّه جمع، إما لأن التثنية جمع، وإما لأنه جمع كل ناحية من نواحي القبر. 698 - حديث "ما من نبي بعثه الله في أمّةٍ إلاّ كان له من أمته حواريُّون ثم إنّها تخلُفُ من بعدههم خُلُوفٌ .. الحديث".

699 - حديث "حي على الطهور المبارك والبركة من الله تعالى".

قال أبو البقاء: قوله (إنّها) راجع للأمة أو للأصحاب، أو للأنبياء لتقدم (من نبيّ)، ويجوز أن يكون ضمير القصة كما قال تعالى: (فإنّها لا تعمى الأبصار) [الحج: 46]. 699 - حديث "حَيّ على الطَّهور المباركِ والبركةِ من الله تعالى". قال أبو البقاء: (البركة) مجرور عطفًا على (الطّهور) وخصّه بالبركة، لما فيه من الزيادة والكثرة من القليل، ولا معنى للرفع. 700 - حديث "إنَّ من شرار الناس من تدركه الساعة وهم أحياء". قال أبو البقاء: أفرد الضمير حملاً على لفظ (مَنْ) ثم جمعه على معناها، كما في قوله تعالى: (بلى من أسلم وجهه لله)، ثم قال: (فلا خوف عليهم) [البقرة: 128]. 701 - حديث "ما من عبدٍ يؤدِّي زكاة ماله إلاّ جعل له شجاعٌ أقْرَعُ". قال أبو البقاء: كذا وقع في هذه الرواية (شجاع) بالرفع والأكثر النصب. ووجه الرفع أنه جعل (شجاعًا) هو القائم مقام الفاعل، والمال المقدر مفعولاً ثانيًا كما قالوا: أعطى درهم

702 - حديث "سألت النبي صلى الله عليه وسلم: أي العمل أحب لله؟ قال: الصلاة على وقتها. قلت: ثم أي؟ قال: بر الوالدين. قلت: ثم أي؟ قال: الجهاد في سبيل الله. وفي لفظ، قال: الصلاة لوقتها".

زيدًا لأن اللبس مأمون. ويجوز أن يكون (شجاعًا) هنا هو القائم مقام الفاعل ولا يقدر له مفعول ثان كما تقول: وكّل به شجاع. 702 - حديث "سألتُ النبي صلى الله عليه وسلم: أيُّ العملِ أحبُّ للهِ؟ قال: الصلاةُ على وقتها. قلت: ثم أيّ؟ قال: برُّ الوالدين. قلت: ثم أيّ؟ قال: الجهاد في سبيل الله. وفي لفظٍ، قال: الصلاةُ لوقتِها". قال الكرماني: استعمال (على) وإن كان القياس (في وقتها) بالنظر إلى إرادة الاستعلاء على الوقت، والتمكن على أدائها في أي جزء من أجزائها، مع أن حروف الجر يقوم بعضها مقام الآخر. وأما (اللام) فهو مثل اللام في قوله تعالى: (فطلِّقوهنّ لعدّتهنّ) [الطلاق: 1] أي: مستقبلات لعدتهن، وفي قولهم: لقيته لثلاث بقين من الشهر. وتسمى بلام التأقيت والتأريخ. وقال القرطبي: هذه لام التأقيت كما قال تعالى: (أقم الصلاة لدلوك الشمس) [الإسراء: 78] (وأقم الصلاة لذكري) [طه: 14]. أي عند ذلك. قوله: "ثم أيّ). قال أبو الفرج: (أيّ) هو بالتشديد والتنوين كذا سمعته من ابن الخشاب وقال لا يجوز إلا تنوينه لأنه اسم معرب غير مضاف. قال الزركشي: هذا إذا وصلته بما بعده، فإن وقفت عليه فبالإسكان. وقال الفاكهاني: ينبغي، أو يتعين هنا أن لا ينون، لأنه موقوف عليه في كلام السائل، ينتظر الجواب منه عليه السلام.

703 - حديث "والذي لا إله غيره هذا مقام إبراهيم الذي أنزلت عليه سورة البقرة".

وقال ابن فرحون: قوله: (الصلاة على وقتها) يحتمل أن يكون خبر مبتدأ محذوف. أي: أحبُّ العملِ الصلاةُ، ويدل على ذلك السؤال. وأن يكون مبتدأ، أي: الصلاةُ لوقتها أحبُّ إلى الله. وكذا الجملتان بعده. وقوله: (على وقتها). يحتمل أن يتعلق بأحبّ المحذوف، وفيه بعد، لأن المعنى ليس عليه، لأنك تقول: أحبّ إليّ، ولا تقول: أحبّ عليّ؛ وأن يتعلق بحال من الصلاة على قول من يجيز عمل الابتداء في الحال، وبما في (أحب) من معنى الفعل، على قول من يجيز أن العامل في الحال غير العامل في صاحبها، ويكون التقدير: أحب العمل الصلاة مؤداة على وقتها، أو بنفس الصلاة، (لأنه) مصدر فيه رائحة الفعل. انتهى. وقال الطيبي: (ثمّ) في قوله: (ثمّ أيّ) مرتين للدلالة على تراخي الرتبة، لا لتراخي الزمان. 703 - حديث "والذي لا إله غيره هذا مقام إبراهيمَ الذي أنزلت عليه سورة البقرة". قال ابن مالك: فيه شاهد على جواز تلقي القسم بمبتدأ غير مقرون باللام، دون استطالة، وهو نادر. ونظيره قول أبي بكر: يا رسول الله، والله أنا كنت أظلم منه. فلو وجدت استطالة لم يعد نادرًا كقول الشاعر:

704 - حديث "أقرانيها النبي صلى الله عليه وسلم فاه إلى في".

وربّ السماوات العلى وبروجِها ... والأرض وما فيها المقدّر كائنُ 704 - حديث "أقْرانيها النبي صلى الله عليه وسلم فاهُ إلى فِيَّ". قال ابن مالك: فيه ثلاثة أوجه، أحدها: أن يكون الأصل: جاعلاً فاه إلى فِيَّ. فحذف الحال، وبقي معموله كالعوض منه. والثاني: أن يكون الأصل: من فيه إلى فيّ، فحذف مِنْ وتعدى الفعل بنفسه، فنصب ما كان مجرورًا. والثالث: أن يكون مؤولاً بمتشافهين، كما يؤول: بعته يدًا بيد، بحاضرين. انتهى. وقال الرضي: قولهم: كلمته فاه إلى فيّ. منصوب على الحال أي: مشافهًا، أو على المصدر، أي: مشافهة. وقال الكوفيون: هو مفعول به، أي جاعلاً فاه إلى فيَّ. وقال الأخفش: هو منصوب بتقدير: (مِنْ) أي: مِنْ فيه إلى فِيَّ. وقال أبو حيان في "الارتشاف": كلمته فاه إلى فيّ، منصوب على الحال، لأنه واقع موقع مشافهًا وزعم الفارسي: أنه حال نائبة مناب (جاعلاً) ثم حذف، وصار العامل كلمته. وقال: هذا مذهب سيبويه. وذهب السيرافي: إلى أنه اسم وضع موضع المصدر الموضوع موضع الحال. ومعناه: كلّمته مشافهة، فوضع (فاه إلى فيّ) موضع (مشافهة)، ومشافهة موضع مشافهًا.

705 - حديث "إذا كنتم ثلاثة فلا يتناجى رجلان دون الآخر، أجل أن يحزنه".

وذهب الأخفش إلى أن أصله: مِنْ فيه إلى فيَّ. وقالت العرب: كلمته فوه إلى فيّ. وهو مبتدأ خبره ما بعده. وقال الفراء: أكثر كلام العرب بالرفع، والنصب مقول صحيح. وقال سيبويه: (إلى) في قوله: (إلى فيّ) تبيين كـ (لك) في: سقيا لك. انتهى. 705 - حديث "إذا كنتم ثلاثةً فلا يتناجى رجلان دون الآخر، أجْلَ أن يُحْزِنَهُ". قال الزركشي: أيْ: من أجل، وقد يتكلم به مع حذف (مِنْ) كقول الشاعر: أجْلَ أنَّ اللهَ قد فَضَّلكم 706 - حديث "أيُّ الذنبِ أكبرُ؟ قال: أنْ تدعوَ لله ندًّا وهو خلقك". قال الطيبي: الواو فيه للحال. قال: وقوله: (ثمّ أيّ) التنوين فيه عوض عن المضاف إليه. وأصله: ثم أيُّ شيء من الذنوب أكبر بعد الكفر. وقوله: فأنزل الله تصديقها. الضمير راجع إلى المسألة أو الأحكام أو الواقعة، و (تصديقها) مفعول له، أي: فأنزل الله هذه الآية تصديقًا لها. انتهى.

707 - حديث "أتسخر بي وأنت الملك؟ ".

707 - حديث "أتسخرُ بي وأنت الملكُ؟ ". قال النووي: الأفصح الأشهر أن يقال: سخرت منه، وقد قال بعض العلماء: إنما جاء بالباء لإرادة معناه كأنه قال: أتهزأ بي؟ 708 - حديث "إنّ في الصلاة شُغْلاً". قال القرطبي: اكتفى بذكر الموصوف عن الصفة فكأنه قال: شغلاً كافيًا أو مانعًا من الكلام وغيره. 709 - حديث "اجتمع عند البيت ثقفيان وقُرَشيّ، كثيرةٌ شحمُ بطونِهم، قليلةٌ فقهُ قلوبِهم". قال الزركشي: بالرفع على الصفة، وفيه تأنيث (الشحم) و (الفقه) أضيف إلى المؤنث، وهم البطون والقلوب، والتأنيث يسري من المضاف إليه إلى المضاف. وقد يكون تأنيث (كثيرة) و (قليلة) لتأول الشحم بالشحوم، والفقه بالفهوم. 710 - حديث "ما منكم من أحدٍ إلاّ وقد وُكِّل به قرينه من الجن، قالوا: وإيّاك يا رسول الله. قال: وإيّايَ".

711 - حديث "يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر، وأحصن للفرج. ومن لم يستطع فعليه بالصوم".

قال الطيبي: اللائق في الإيتاء بهذا الضمير المنفصل أن يكون بصفة المرفوع المنفصل فيقال: وأنت يا رسول الله؟ فيقول صلى الله عليه وسلم: وأنا. ولكن إقامة كلّ واحد من ضميري المرفوع والمنصوب المنفصلين مقام الآخر سائغ، فمن الأول قوله صلى الله عليه وسلم: (من خرج إلى تسبيح الضحى لا يُنْهِضُهُ إيّاه) والقياس: إلاّ هو. ومن الثاني قوله صلى الله عليه وسلم، في حديث الوسيلة: (وأرجو أن أكون أنا هو) وقوله صلى الله عليه وسلم: (إلاّ أنّ الله أعانني فأسلم)، يروى بالرفع على المضارع، وبالفتح على الماضي. 711 - حديث "يا معشرَ الشّباب من استطاع منكم الباءة فلْيتزوجْ، فإنّه أغضُّ للبصر، وأحصنُ للفرج. ومن لم يستطع فعليه بالصّوم".

قال الزركشي: قيل إنه من أمر الغائب. وسهله تقدم المغرَى به في قوله: (من استطاع منكم) فأشبه إغراء الحاضر. وقال ابن عصفور: الباء زائدة في المبتدأ، ومعناه الخبر لا الأمر، أي: وإلا فعليه الصوم. وقيل: هو من أمر الحاضر المخاطب، والمعنى: دلّوه على الصوم، أي: أشيروا عليه بالصوم. انتهى. وقال الأندلسي في "شرح المفصل": الإغراء لا يكون إلا للمخاطب بأن يقام بعض الظروف مقام الأمر للمخاطب خاصة. لكونه أخص، فإنه يكون بغير لام، وأمر غيره من الغائب والمتكلم يحتاج إلى اللام فيه، فلا يقام الظرف مقام شيئين: أعني اللام والفعل على أنه قد جاء: (فإن لم يستطع فعليه بالصوم). وإنما حسن في هذا الحديث لتقدم الخطاب في أول الحديث (عليكم بالباءة) فكأنه قال: (فمن لم يستطع منكم)، فالغائب في الخبر في معنى المخاطب. وقال في موضع آخر: الإغراء إنما يكون مع الخطاب، فلا يجوز: عليه زيدًا. فأما ما يحكى عن بعض العرب: عليه رجلاً ليسني. فشاذ، وأما: فعليه بالصوم، فلأن المعنيّ بعض المخاطبين، من كان ترك الاستطاعة لا يعمّهم، ومنهم مستطيع وغير مستطيع، فلم يمكن الخطاب بالإغراء، فأغرى الذي لا يستطيع، ودله على الصوم، بلفظ الغيبة ليكسر منه دواعي الجماع فكأنه في موضع: فمن لم يستطع فدلوه على الصوم. وقال في موضع آخر: قوله عليه السلام: فعليه بالصوم، أسهل من قولهم: عليه رجلاً ليسني، لأنه قد جرى للمأمور ذكر، فصار بالذكر الذي جرى له كالحاضر، فأشبه أمره كأمر الحاضر انتهى.

وقال المازري في "شرح مسلم": فيه إغراء بالغائب. ومن أصول النحاة أن لا يغرى بغائب، وقد جاء شاذًّا قول بعضهم كعليه رجلاً ليسني، على جهة الإغراء. وقال القاضي عياض بعد أن حكاه: هذا الكلام سبقه إليه غيره، ولكن على قائليه فيه أغاليط، أحدها: قولهم: وهو لفظ أبي محمد بن قتيبة وأبي القاسم الزّجّاجي، وصوابه: لا يجوز إغراء الغائب، أو لا يغرى غائب، فأما الإغراء بالشاهد والغائب فجائز، وهكذا نصّ أبو عبيدة في هذا الحديث، وكذلك كلام سيبويه وما بعده ممن إليه هذا الشأن. قالوا: وإنما يؤمر بمثل هذا الحاضر والمخاطب، ولا يجوز: دونه زيدًا ولا: عليه زيدًا، وأنت تريد غير المخاطب، لأنه ليس بفعل، ولا تصرّف تصرّفه، وإنما جاز للحاضر لما فيه من معنى الفعل ودلالة الحال، فأما الغائب فلا يوجد ذلك فيه لعدم حضوره، وعدم معرفته بالحالة الدالة على المراد. وثانيها: عدّ قولهم: عليه رجلاً ليسنى. من إغراء الغائب، وقد جعله سيبويه والسّيرافي منه، ورأوه شاذًا. قال القاضي: والذي عندي أنه ليس المراد بها حقيقة الإغراء، وإن كانت صورته، فلم يرد هذا القائل تبليغ هذا الغائب، ولا أمره بإلزام غيره. وإنما أراد الإخبار عن نفسه بقلة مبالاته بالغائب، وأنه غير متأت (له منه) ما يريد، فجاء بهذه الصورة تدل على ذلك. ونحوه قولهم: إليك عني. أي: اجعل شغلك بنفسك عني. ولم يرد أن يغريه به، وإنما مراده، دعني وكن كمن شغل عني. وثالثها: عدّهم هذه اللفظة في الحديث من إغراء الغائب، والصواب أنه ليس في هذا الحديث إغراء الغائب جملة، والكلام كله والخطاب للحضور الذين خاطبهم صلى الله عليه وسلم بقوله: (من استطاع منكم الباءة ...) فالهاء هنا ليست للغائب، وإنما هي لمن خصّ من

712 - حديث "نضر الله امرءا سمع حديثا فبلغه كما سمعه".

الحاضرين لعدم الاستطاعة، إذ لا يصح خطابه بكاف الخطاب، لأنه لم يتعين منهم، ولإبهامه بلفظة (من) وإن كان حاضرًا، وهذا النحو كثير في القرآن كقوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم القصاص في القتلى) إلى قوله: (فمن عفي له من أخيه شيء) [البقرة: 178] وقوله: (كتب عليكم الصيام) إلى قوله: (فمن تطوع خيرًا فهو خير له [البقرة 183 - 184]، وقوله: (ومن يقنت منكن لله ورسوله وتعمل صالحًا نؤتها أجرها مرتين) [الأحزاب: 31]، فهذه الهاءات كلها ضمائر للحاضر لا للغائب، ومثله لو قلت لرجلين: من قام الآن فله درهم، فهذه الهاء لمن قام من الحاضرين. انتهى كلام القاضي عياض. قال القرطبي: وهو حسن جيد. 712 - حديث "نضَّر الله امرءًا سمع حديثًا فبلّغه كما سمعه". قال الطيبي: (كما سمعه) إمّا حال من فاعل (بلغه) أو من مفعول له. وإما مفعول مطلق، و (ما) موصولة أو مصدرية. قوله: (ثلاث لا يغل عليهن قلب مسلم). قال في النهاية والفائق: (عليهن) في موضع الحال، تقديره: لا يغل كائنًا عليهن. وإنما انتصب عن النكرة لتقدمه.

713 - حديث "أنزل القرآن على سبعة أحرف".

وقوله: (تحيط من ورائهم). (مَنْ) موصولة مفعول. قال الطيبي: ويحتمل أن تكون جارة. 713 - حديث "أُنزِل القرآنُ على سبعة أحرف". قال الطيبي: (على) فيه ليس بصلة أنزل القرآن كما في قوله تعالى: (أنزل على عبده الكتاب)، بل هو حال. وقوله: (لكل آية منها ظهر). جملة اسمية، صفة لسبعة، والراجح في منها للموصوف. وكذا قوله: (ولكل حدّ مطلع) صفة له، العائد محذوف. 714 - حديث "لِيَلِنِي منكم أولو الأحلام والنُّهى". قال النووي: قوله: (ليلني بكسر اللام وتخفيف النون من غير ياء قبلها، ويجوز إثبات الياء مع تشديد النون على التوكيد.

715 - حديث "أول ما يقضى بين الناس يوم القيامة في الدماء".

وقال الطيبي: من حق هذا اللفظ أن يحذف منه الياء، لأنه على صفة الأمر، وقد وجد بإثبات وسكونها في سائر كتب الحديث، والظاهر أنه غلط. 715 - حديث "أول ما يقضى بين الناس يوم القيامة في الدماء". قال الرضي: مذهب البصريين أن (أول) أفعل. ثم اختلفوا على ثلاثة أقوال: جمهورهم على أنه من تركيب وول كددن. ولم يستعمل هذا التركيب إلا في (أول) ومتصرفاته. وقال بعضهم: أصله (أَاوَل) من (أَأَلَ) أي: رجع، لأن كل شيء يرجع إلى أوله، فهو أفعل معنى مفعول، فقلبت الهمزة في الوجهين واوًا قلبًا شاذًّا. وقال الكوفيون: هو (فوعل) من (وأل) فقلبت الهمزة إلى موضع الفاء، وقال بعضهم: (فوعل) من تركيب (وول) فقلبت الواو الأولى همزة، وتصريفه كتصريف أفعل التفضيل، واستعماله بمن مبطلان لكونه فوعلا، تقول: زيدًا أول من غيره، وهو أولهم، وهم الأول، وإذا لم يكن مع اللام والإضافة دخل فيه التنوين، كقول علي: (أحمده أولاً باديًا). ويجوز [حذف المضاف إليه من (أول) وبناؤه على الضمير إذا كان مؤولاً بظرف] الزمان نحو: على أيِّنا تعدو المنيَّةُ أوَّلُ

716 - حديث: "أمسينا وأمسى الملك لله والحمد لله".

أي: أول أوقات عدوها. ويقال: ما لقيته مذ عام أولُ، برفع أول، صفة لعام. أي عام أول من هذا العام. وبعض العرب يقول: مذ عام أولَ، (بفتح أول) وهو قليل. حكى سيبويه أنهم جعلوه ظرفًا، كأنه قيل: مذ عام قبل عامك. 716 - حديث: "أمسينا وأمسى الملك لله والحمد لله". قال المظهري: (والحمد لله) عطف على (أمسينا)، و (أمسى) إذا دخل في المساء، و (أمسى) إذا صار، أي: دخلنا في المساء وصرنا نحن وجميع الملك لله، (وجميع الحمد لله). وقال الطيبي: الظاهر أنه عطف على قوله: (الملك لله)، ويدل عليه قوله بعد: (له الملك وله الحمد). وقوله: (وأمسى الملك لله) حال من أمسينا إذا قلنا إنه فعل تام. ومعطوف على (أمسينا) إذا قلنا إنه ناقص. والخبر محذوف لدلالة الثاني عليه. أو خبر والواو فيه كما في قول الحماسي: فأمسى وهو عُرْيانُ

717 - حديث "أنه صلى الله عليه وسلم لما رأى (من الناس) إدبارا قال: اللهم سبعا كسبع يوسف".

قال أبو البقاء: (أمسى) هنا ناقصة، والجملة بعدها خبر لها فإن قلت: خبر كان مثل خبر المبتدأ، وخبر المبتدأ لا يجوز أن تدخل عليه الواو. قيل: الواو إنما دخلت في خبر كان، لأن اسم كان يشبه الفاعل وخبرها يشبه الحال. وقوله: (ولا إله إلا الله) عطف على قوله: (الحمد لله) على تأويل: وأمسى الفردانية والوحدانية مختصين بالله. انتهى. 717 - حديث "أنّه صلى الله عليه وسلم لمّا رأى (من الناسِ) إدبارًا قال: اللهم سبعًا كسبع يوسف". قال ابن مالك: روي (سبعًا) بالنصب و (سبع) بالرفع. والنصب فيه هو المختار، لأن الموضع موضع فعل دعاء، فالاسم الواقع فيه بدل من اللفظ بذلك الفعل، فيستحق النصب، والتقدير في هذا الموضع المخصوص: (اللهم ابعث عليهم سبعًا) أو (سلط عليهم سبعًا)، والرفع جائز على إضمار مبتدأ، أو فعل رافع. وقال الكرماني: (سبع) مرفوع بأنه خبر مبتدأ محذوف، أي: البلاء المطلوب نزوله عليهم سبع سنين. أو مبتدأ خبره محذوف، أي: سبع كسبع يوسف مطلوب، أو بإضمار فعل. نحو: ليكن سبعٌ، وكان تامّة. أو منصوب بتقدير فعل، نحو: اجعل

718 - حديث "وما أحد أحب إليه المدح من الله".

سنيهم سبعًا. أو: ليكنْ سبعًا. 718 - حديث "وما أحدٌ أحبّ إليه المدحُ من الله". قال الكرماني: (أحبّ) بالنصب، وروي بالرفع. و (المدح) فاعله. وهو مثل مسألة الكحل (ما من أحد أغير من الله). جوز ابن السيد في (أغير) الرفع والنصب. إن جعلت (ما) تميمية رفعت، أو حجازية نصبت. و (من) زائدة مؤكدة في الموضعين. ويجوز إذا فتحت الراء من (أغير) أن يكون في موضع خفض على الصفة (لأحد) على اللفظ، وكذا يجوز إذا رفعت أن يكون صفة لـ (أحد) على الموضع، والخبر محذوف في الوجهين، أي: (موجود). 719 - حديث: "كانت لي بئرٌ في أرض ابن عمٍّ لي فقال لي: شهودَك". قال الكرماني: بالنصب أي: أقم وأحضر، وكذا قوله: (قال: فيمينَه). أي: فاطلبْ. وروي بالرفع فيها، أي: فالمثبت لدعواك الشهودُ، أو فالحجة القاطعة بينكما يمينُه. قوله: (قلت يا رسول الله إذن يحلف). قال السهيلي: هو بالنصب لا غير – لأنه

720 - حديث: "ولابنة الابن السدس تكملة الثلثين".

صدّر بإذن، ولا تلغى إذا صدرت. قال الزركشي: وكلام ابن خروف في "شرح سيبويه" يقتضي أن الرواية بالرفع، فإنه قال: من العرب من لا ينصب بها مع استيفاء الشروط. وذكر الحديث (النووي). (قلت: قال النووي في "شرح مسلم": يجوز النصب والرفع، وذكر الإمام أبو الحسن بن خروف في "شرح الجمل": أن الرواية فيه الرفع. وقوله: ومن حلف على يمينِ صبْر. قال النووي: هو بإضافة (يمين) إلى (صبر). 720 - حديث: "ولابنة الابنِ السُّدس تكملة الثّلثين". قال الطيبي: (تكملة) إما مصدر مؤكد، لأنك إذا أضفت السدس للنصف فقد كملته ثلثين. ويجوز أن يكون حالاً مؤكدة. 721 - حديث: "لا يمنعنَّ أحدُكم أذانَ بلالٍ من سحوره، فإنّه يؤذن بليل ليرجع قائمُكم، ولينبّه نائمكم". قال القاضي عياض: (قائمكم) و (نائمكم) منصوبان على المفعولية، أي: لينبّه

722 - حديث "لا يكتسب عبد مالا حراما فيتصدق به فيقبل منه، ولا ينفق منه فيبارك له فيه".

نائمكم للصلاة، ويرجع من قد قام إلى الاستراحة بنومة السحر. و (يرجع) بكسر الجيم مخففة، ولا وجه لتشديده، لأنه متعد بنفسه، فلا يحتاج إلى تعدية. وقال الكرماني: (ليرجع) إما من الرجوع، وإما من الرَّجْعن و (قائمكم) إما مرفوع أو منصوب. 722 - حديث "لا يكتسبُ عبدٌ مالاً حرامًا فيتصدّق به فيُقبل منه، ولا ينفق منه فيبارك له فيه". قال الطيبي: قوله (فيتصدق) عطف على (يكتسب). وقوله (فيقبل) مرفوع عطف على (فيتصدّق) أي: لا يوجد الكسب الحرام المتعقب للتصدق والقبول. قوله: (ولا ينفق منه) عطف على قوله: فيتصدق على تقدير المعطوف لا الانسحاب. و (فيبارك) نصب على الجواب. وكذا قوله: (ولا يتركه) عطف على (فيتصدق). 723 - حديث: "جاء رجلٌ إلى ابن مسعودٍ فقال: قرأتُ المفصَّل الليلة في ركعة. فقال: هذًّا كهذِّ الشعر". قال الزركشي: هو منصوب على المصدر.

724 - حديث: "لا يجعل أحدكم للشيطان شيئا من صلاته يرى أن حقا عليه أن لا ينصرف إلا عن يمينه".

وقال الكرماني: هو منصوب بفعل مقدر وهو (تَهذُّ). 724 - حديث: "لا يجعل أحدُكم للشيطان شيئًا من صلاتِه يرى أنّ حقًّا عليه أن لا ينصرف إلاّ عن يمينه". قال الكرماني: (يرى) بيان للجعل، أو استئناف، فإن قلت: (أن لا ينصرف) معرّفة، إذ تقديره: عدم الانصراف. صرح الزمخشري بتعريف مثله، فكيف وقع خبرًّا لأنّ واسمه نكرة؟ قلت: إما لأن النكرة المخصوصة كالمعرفة، أو أنه من باب القلب، أي: يرى عدم الانصراف حق عليه. وفي بعضها (أن) بغير التشديد. فهي إما مخففة من الثقيلة. و (حقًّا) مفعول مطلق وفعله محذوف. أي: قد حق حقًّا. و (أن لا ينصرف) فاعل الفعل المقدر، وإما مصدرية. 725 - حديث: "وغِلَظُ القلوب في الفدّادين عند أصول أذْناب الإبل حيث يطلعُ قَرنا الشيطانِ في ربيعةَ ومُضَرَ". قال النووي: قوله (في ربيعة ومضر) بدل من الفَدّادين، أي: القوة في ربيعة ومضر الفَدّادين. 726 - حديث "سُئِل النبي صلى الله عليه وسلم عن الوسوسة". قال القرطبي: وزنها (فَعْلَلَة) وهي حقيقية مشعرة بالتحرك والاضطراب كالزلزلة والقلقلة والحقحقة.

727 - حديث: "مالي واللدنيا".

727 - حديث: "مالي واللدنيا". اللام في (الدنيا) مقحمة للتأكيد إنْ كانت الواو بمعنى مع. وإنْ كانت للعطف فتقديره: مالي و (الدنيا) معي. 728 - حديث: "آخرُ من يدخلُ الجنة رجلٌ فهو يمشي مرّةً ويكبو أخرى". قال الطيبي: (الفاء) يجوز أن تكون تفصيلية. أبهم أولاً دخوله الجنة، (ثم فصّل كيفية دخوله فيها ثانيًا، وأن تكون لتعقيب الأخبرا، وأن تقدم ما بعدها على ما قبلها في الوجود فوقعت موقع ثم في هذا المعنى. كأنه قيل: أخبركم عقب هذا القول حاله في المشي قبل دخوله الجنة). وقوله: (لقد أعطاني الله شيئًا) جواب قسم محذوف. وقوله: (فيقول: أي رب أدْنِنِي من هذه الشجرة فلأستظلّ بظلها)، (الفاء) تعليلية، واللام مزيدة للتأكيد، وعكسه. وقوله: (هذه) منصوب المحل بفعل يفسره ما بعده، أي: هذه أسألك. وقوله: (لا أسألك غيرها) حال تنازع فيه (أستظل) و (أشرب)، أو استئناف. 729 - حديث: "فقال سدَدْناها عنك يا أميةُ فواللهِ لقد سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:

730 - حديث: "بئسما لأحدكم أن يقول: نسيت آية كيت وكيت، بل نسي واستذكر القرآن فإنه أشد تفصيا على صدور الرجال من النعم من عقلها".

إنّهم قاتليك". قال الكرماني: القياس يقتضي أن يقال: (قاتلوك)، فتأويله: إنهم يكونون قاتليك. وروي (قاتلتك). أي: الطائفة القاتلة لك. 730 - حديث: "بئسما لأحدكم أن يقول: نسيتُ آية كيت وكيت، بل نُسِّيَ واستذكر القرآن فإنه أشدُّ تفَصِّيًا على صدور الرجال من النعم من عُقُلها". قال الزركشي: انتصاب (تفصيًا) على التمييز كقوله تعالى: (خيرٌ مستقرًّا وأحسن مقيلاً) [الفرقان: 24]. وقال القاضي عياض: يروى (من عقلها) وهو الأصل، وبعقلها، فالباء بمعنى (من) كقوله تعالى: (عينًا يشرب بها عباد الله) [الإنسان: 6]، و (في عقلها) وهي راجعة إلى معنى أيضًا، وبمعنى الباء. وقال القرطبي: (من) على أصل ما يقتضيه اللفظ من معنى التعدي والباء و (في) بمعنى (من). أو يكون معناهما المصاحبة والظرفية.

731 - حديث "لا يحل دم امرئ مسلم شهد أن لا إله إلا الله".

وفي رواية (من عقله) بتذكير ضمير النعم فإنه يذكر ويؤنث. 731 - حديث "لا يحل دم امرئٍ مسلمٍ شهد أن لا إله إلا الله". قال الطيبي: (مسلم) صفة مقيدة لـ (امرئ) و (شهد) مع ما هو متعلق به صفة ثانية جاءت للتوضيح والبيان. أو حال جيء به مقيدًا للموصوف مع صفته إشعارًا بأن الشهادة هي العمدة في حقن الدم. وقوله: (المفارق للجماعة) صفة مؤكدة للتارك. 732 - حديث: "ما من حاكم يحكم بين المسلمين – إلى قوله – في مَهْواةٍ أربعين خريفًا". قال الطيبي: (أربعين) مجرور والمحل صفة مهواة، أي: مهواة عميق، فكنى عنه بأربعين. 733 - حديث: "المؤمن مَالَف". قال الطيبي: يحتمل أن يكون مصدرًا على سبيل المبالغة، كرجل عَدْل، أو اسم مكان، أي: يكون مكان الألفة ومنشأها ومنه إنشاؤها، وإليه مرجعها.

734 - حديث: "الجنازة متبوعة لا تتبع".

734 - حديث: "الجنازة متبوعة لا تتّبعُ". قال الطيبي: قوله: (لا تتّبع) صفة مؤكدة، أي: متبوعة غير تابعة. مسند عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق رضي الله عنهما 735 - حديث: "من كان عنده طعام اثنين فليذهب بثالث وإن أربع فخامس أو سادس". قال ابن مالك: هذا الحديث قد تضمن حذف فعلين، وعاملي جر باق عملاهما بعد (إنْ)، وبعد الفاء، وهو مثل ما حكى يونس من قول العرب: مررت بصالح، إن لا صالح فطالح. على تقدير: إن لا أمر بصالح فقد مررت بطالح، فحذف بعد (إنْ) أمُرّ، والباء، وأبقى عملهما. وهكذا الحديث المذكور حذف منه بعد إنْ والفاء فعلان وحرفا جر باقٍ عملهما. والتقدير: من كان عنده طعام اثنين

فليذهب بثالث. وإن قام بأربعة فليذهب بخامس أو سادس. ومن بقاء الجر بالحرف المحذوف قوله صلى الله عليه وسلم: (صلاةُ الرجل في الجماعة تضعّف على صلاته في بيته وسوقه خمسًا وعشرين ضعفًا). أي: بخمس. وقوله: (أقربهما منك بابًا). في جواب من قال: إلى أيّهما أهدي. وقوله صلى الله عليه وسلم: (فضلُ الصلاة بالسواك على الصلاة بغير سواك سبعين صلاة) أراد إلى أقربهما وبسبعين. انتهى. وقال الزركشي في "التنقيح": قيده بعضهم بالجر في الجميع بتقدير: وإنْ كان عنده طعام أربع فليذهب بخامس أو سادس. فحذف المضاف وأبقى عمله، والرفع أحسن على حذف المضاف، وإقامة المضاف إليه مقامه. وقال الكرماني: روي بجرها فتقديره: وإن كان عنده طعام أربع فيذهب بخامس أو سادس. ويرفعهما فالتقدير: أيضًا كذلك لكن بإعطاء المضاف إليه وهو رابع إعراب المضاف، وهو (طعام). وبإضمار مبتدأ للفظ خامس. وقوله في الحديث: (قالت: لا وقرّة عيني لهنّ الآن أكثر منها). قال الداودي: أرادت بقرّة عينها النبي صلى الله عليه وسلم، فأقسمت به. و (لا) زائدة. ولها نظائر مشهورة. ويحتمل أنها نافية وثَمَّ محذوف. أي: لا شيء غير ما أقول وهو عيني لهي أكثر منها.

736 - حديث: "جاء رجل مشعان بغنم يسوقها، قال له النبي صلى الله عليه وسلم: بيعا أم عطية".

736 - حديث: "جاء رجلٌ مُشْعانُ بغنم يسوقها، قال له النبي صلى الله عليه وسلم: بَيْعًا أم عطية". قال الزركشي والكرماني: منصوبان على المصدرية بفعل مضمر أي: أتبيع بيعًا، وروي بالرفع خبرًا لمبتدأ محذوف. أي: أهذه بيع وقوله: (بل بيع) أي: بل هي بيع. قوله: (فأكلنا أجمعون). قال الزركشي: وهكذا وقع مرفوعًا تأكيدًا للضمير من (أكلنا) من غير فاصل. وأجاز ابن درستويه حالية أجمعين، وعليه يجوز النصب. مسند عبد الرحمن بن أبي عميرة رضي الله عنه. 737 - حديث: "ما من نفس مسلمة يقبضها ربّها تحب أن ترجع إليكم وأنّ لها الدنيا وما فيها غير الشهيد". قال الطيبي: (وأن لها). ويجوز أن يكون معطوفًا على (أن يرجع). وأن يكون حالاً إنْ روي بكسر (إنَّ). و (غير الشهيد) بدل من فاعل (يحب).

مسند عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه

مسند عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه 738 - حديث "ثلاثةٌ تحت العرش يوم القيامة: القرآن يحاجُّ العباد له ظهر وبطن". قال الطيبي: (العباد) يحتمل أن يكون مفعولاً به لـ (يحاجّ) أي: يخاصم فيما صنعوه. وأن يكون نصبًا على نزع الخافض: أي: يحاجّ عن العباد. كما في حديث: (يحاجّان عن أصحابهما). وقوله: (له ظهر وبطن)، جملة اسمية وقعت حالاً من ضمير القرآن في الخبر بلا واو. مسند عبد الرحمن بن سمرة رضي الله عنه

739 - حديث: "وإذا حلفت على يمين فرأيت غيرها خيرا منها".

739 - حديث: "وإذا حلفت على يمين فرأيت غيرها خيرًا منها". قال الزركشي: فإنْ قيل: الحلف باليمين لا على اليمين. قلنا: (على) فيه وجهان: أحدهما: أنها بمعنى الباء، ففي رواية النسائي: (إذا حلفت بيمين). الثاني: أنها على بابها، وسمي المحذوف عليه يمينًا لتلبسه باليمين، والتقدير: على شيء مما تحلف عليه. انتهى. قال القرطبي: يجوز أن يقال: إن (على) صلة، وتنصب يمين على أنه مصدر ملاق في المعنى، لا في اللفظ. مسند عبد الرحمن بن يعمر رضي الله عنه 740 - حديث: "الحجُّ عرفةُ". قال البيضاوي: مبتدأ وخبر على تقدير حذف المضاف من الطرفين. أي: ملاك

مسند عبد الله بن مغفل رضي الله عنه

الحج أو معظم أركانه وقوف عرفة. وقال الطيبي: التعريف في (الحج) للجنس وخبره معرفة فيفيد الحصر كقوله تعالى: (ذلك الكتاب) [البقرة: 2]، وقولهم: حاتمُ الجودِ. مسند عبد الله بن مغفل رضي الله عنه 741 - حديث: "وأيُّما قوم اتّخذوا كلبًا ليس بكلب حرث أو صيد أو ماشية نقصوا من أجورهم كل يوم قيراط". قال أبو البقاء: هكذا وقع في هذه الرواية (قيراط) بالرفع، والصواب (قيراطًا) بالنصب لأن (نقصوا) قد تضمن ضميرًا يقوم مقام الفاعل، وهو الواو، "فقيراطًا" هو المفعول الثاني، وأما الرفع فوجّه على أنه خبر مبتدأ محذوف، أي قَدَرُ النقص قيراطٌ، وهو على بعده جائز. 742 - حديث: "من أحبَّهم فبحبِّي أحبَّهم". قال الطيبي: أي: بسبب حبّه إيّاي أحبّهم.

مسند عبد المطلب بن ربيعة رضي الله عنه

مسند عبد المطلب بن ربيعة رضي الله عنه 743 - حديث: "إنّ هذه الصدقة إنّما هي أوساخُ الناس". قال الطيبي: إن الثانية وقعت في حيز خبر (إن). وهي مكسورة، كما وقع إنّ المكسورة في قوله تعالى: (إنّ الذين آمنوا وعملوا الصالحات إنّا لا نضيع) [الكهف: 30]. ذهب أبو البقاء إلى أن (إنَّ) جاءت مقحمة، مؤكدة للأولى، والتقدير: إنّ الذين آمنوا لا نضيع. وذهب صاحب "الكشاف" إلى أن الخبر أولئك. و"إنّا لا نضيع .. إلخ معترض. وكذلك ما نحن فيه، فإنّ خبر إنّ (لا تحل) لمحذوف، و (إنّما أوساخ الناس) معترضة أو (إنّ) مقحمة للتأكيد، وحمل (أوساخ الناس) على ضمير القصة، أي: الصدقات، وارد على التشبيه نحو: زيد آته قوله، فقال: علي: أنا أبو حسن القوم. قال القاضي عياض: كذا رويناه بالإضافة، وبالواو، ووجهه ظاهر، أي: أنا عالم القوم وذو رأيهم. ورويناه عن أبي بحر: أنا أبو حسنٍ، وبالتنوين وبعده (القومُ) بالرفع. أي: أنا من علمتم رأيه أيها القوم. وقال النووي: وهذا ضعيف، لأن حرف النداء لا يحذف في نداء القوم ونحوه،

مسند عتبة بن عبد السلمي رضي الله عنه

قال: (روي: "أبو حسنٍ بالتنوين – القَرْمُ": بالراء مرفوع على النعت، وهو السيد، واصله: فحل الإبل. قال النووي: وهذا أصح الأوجه في ضبطه. مسند عتبة بن عبد السلمي رضي الله عنه 744 - حديث: "ما من عبد يخرج من بيته إلى غُدُوٍّ أو رواح إلى المسجد إلاّ كانت خُطاه: خطوةً كفارةً وخطوة درجة". قال أبو البقاء: الجيد نصب (خطوة) على أن يكون خبر كان، وكفارة نعت لخطوة. ولو رفع على أنه مبتدأ، وكفارة خبره جاز، وهذا جائز وإن كانت (خطوة) نكرة، لأن التقدير: خطوة منها كفارة، وخطوة منها درجة، فحذف الصفة للعلم بها، ويجوز أن يكون (خطوة) مع تنكيرها في موضع: بعضها كفارة وبعضها درجة.

مسند عثمان بن أبي العاص الثقفي رضي الله عنه

مسند عثمان بن أبي العاص الثقفي رضي الله عنه 745 - حديث: "هل من سائل فأعطيَه، هل من داعٍ فأستجيبَ له". قال أبو البقاء: الجيد نصب هذه الأفعال، لأنها جواب الاستفهام، فهي كقوله تعالى: (فهل لنا من شفعاءَ فيشفعوا) [الأعراف: 53]. ويجوز الرفع على تقدير مبتدأ، أي: فأنا أعطيه أو فأنا (أجيبه). 746 - حديث: "أنت إمامُهم واقْتَدِ بأضْعَفِهم". قال الطيبي: (واقتد بأضعفهم) جملة إنشائية عطفت على (أنت إمامهم)، وهي خبرية على تأويل: أمّهم، عدل إلى الاسمية دلالة على الثبات. مسند عثمان بن حُنَيْف رضي الله عنه

747 - حديث: "اللهم إني أسألك وأتوجه إليك بنبيك محمد نبي الرحمة".

747 - حديث: "اللهمَّ إنّي أسألك وأتوجّه إليك بنبيّك محمدٍ نبيّ الرحمة". قال الطيبي: الباء في (بنبيك) للتعدية. قوله: (يا محمدُ إنّي توجهتُ بك إلى ربّي). قال الطيبي: الباء في (بك) للاستعارة. قوله: (لتقضيَ لي حاجتي). قال الطيبي: فإن قلت ما معنى (لي) و (في). قلت: معنى (لي) كما في قوله: (رب اشرح لي صدري) [طه: 25]؛ أجْمَلَ أولاً ثم فصّل ليكون أوقع. ومعنى (في) كما في قول الشاعر: يجْرحْ في عراقيبها نَصْلي أي: أوقع القضاء في حاجتي، واجعلها مكانًا له، ونظير الحديث قوله تعالى: (وأصلح لي في ذرّيّتي) انتهى.

مسند عثمان بن عفان رضي الله عنه

قلت: لفظ الترمذي: إنّي توجّهت إلى ربّي في حاجتي هذه لتقضى لي. قوله: (اللهم فشفِّعْه فيَّ). قال الطيبي: أي اقبل شفاعته في حقّي. والفاء عطف على قوله: (أتوجّه إليك بنبيّك). أي: اجعله شفيعًا لي فشفعه. وقوله: (اللهم) معترضة. مسند عثمان بن عفان رضي الله عنه 748 - حديث: "من أسرّ سرية ألبسه الله رداءً منها. إنْ خيرًا فخيرٌ، وإن شرًّا فشرٌّ". قال أبو حيان في "شرح التسهيل": قولهم: (الناس مجزيون بأعمالهم إنْ خيرًا فخير، وإن شرًّا فشرّ). و (الحرّ مقتول بما قتل به إنْ سيفًا فسيف، وإنْ خنجرًا فخنجر). انتصاب (خيرًا) و (سيفًا) و (خنجرًا) على تقدير: إن كان العمل خيرًا أو شرًّا. وإن كان المقتول به سيفًا أو خنجرًا، ويجوز رفعهما على أنهما اسم كان، أي: إنْ كان في أعمالهم خير، وإن كان في أعمالهم (شر). وإن كان معه سيف. أو كان

749 - حديث: "ما من مسلم تحضره صلاة مكتوبة فيحسن وضوءها وخشوعها، إلا كانت له كفارة لما قبلها من الذنوب، ما لم يأت كبيرة، وذلك الدهر كله".

معه خنجر. ويجوز الرفع على أنه فاعل لكان التامة. وقال ابن فلاح في "المغني": يجوز في هذه المسألة وما شاكلها أربعة. أجودها نصب الأول، على أنه خبر مبتدأ محذوف، على القياس في حذف المبتدأ بعد فاء الجزاء. أي: إن كان عمله خيرًا (فجزاؤه خير). والثاني: رفع الأول ونصب الثاني. وهو أضعفها على تقدير: إنْ كان في عمله خير كان جزاؤه خيرًا. والثالث: رفعهما. والرابع: نصبهما، وهما متوسطان. لأن رفع الثاني، ونصب الأول قوي. ورفع الأول، ونصب الثاني ضعيف. 749 - حديث: "ما من مسلم تحضره صلاةٌ مكتوبة فيحسن وضوءها وخشوعها، إلاّ كانت له كفّارةً لما قبلها من الذنوب، ما لم يأتِ كبيرةً، وذلك الدّهرَ كلَّه". قال أبو البقاء: يجوز فيه النصب على تقدير: وذلك في الدهر كلّه. فحذف حرف الجر، ونصبه على الظرف، وموضعه رفع خبر ذلك. ويجوز رفعه على تقدير: وذلك حكم الدهر كله، فحذف المضاف وأقام المضاف إليه مقامه. وقال الطيبي: الواو في قوله: (وذلك الدهر) للحال وذو الحال المستتر في خبر كانت وهو قوله: كفارة، والمشار إليه إما تكفير الذنوب، وإما معنى (ما لم يأت كبيرة)، أي: عدم إثبات كبيرة في الدهر كله. والوجه هو الأول. وانتصب (الدهر) (ظرفًا لمقدر). أي: وذلك مستمر في جميع الدهر.

750 - حديث: "ما رأيت منظرا قط إلا والقبر أفظع منه".

750 - حديث: "ما رأيتُ منظرًا قطُّ إلاّ والقبرُ أفْظَعُ منه". قال الطيبي: الواو للحال والاستثناء مفرغ. أي: ما رأيت منظرًا، وهو ذو هول، وفظاعة، إلاّ والقبر أفظع منه. وعبر بالمنظر عن الموضع مبالغة، فإنه إذا نفي الشيء مع لازمه ينتفي الشيء بالطريق البرهاني. 751 - حديث: "لا يتوضأُ رجلٌ فيحسن وضوءه ويصلي الصلاةَ، إلاّ غُفِر له ما بينه وبين الصلاة حتّى يصلِّيَها". قال الكرماني: (إلاّ غفر له) استثناء من رجل، أي: لا يتوضأ رجل إلا رجل غفر له. أو من أعم عام الأحوال. أي: لا يتوضأ رجل في حال إلا في حال المغفرة، وحتى (غاية) يحصل المقدر العامل في الظرف، إذ الغفران لا غاية له. مسند عرفجة الأشجعي رضي الله عنه

752 - حديث: "من أراد أن يفرق بين المسلمين وهم جميع، فاضربوه بالسيف كائنا من كان".

752 - حديث: "من أراد أن يُفَرِّق بين المسلمين وهم جميعٌ، فاضربوه بالسيف كائنًا من كان". قال أبو البقاء: (كائنًا) حال من الهاء في (اضربوه) اي: فاضربوه شفيعًا ووضيعًا وغير ذلك. و (من كان) استفهام، أي: أيّ رجل كان. ويجوز أن يكون المراد به الصفة كما تقول: (مررت برجل أيّ رجل). وقال الشيخ أكمل الدين في "شرح المشارق": الواو في قوله: (وهم جميع) للحال. وقوله: (كائنًا) (منصوب) على أنه حال من ضمير المفعول من قوله: (فاضربوه)، و (مَنْ) مرفوع المحل على أنه فاعل (كائنًا) وكان تامة. أو على أنه خبر كان. أي فاضربوه من كان كائنًا، ويكون (من) (وما بعده بدلاً من) ضمير الفاعل، أي: فاضربوه من كان كائنًا، على إفادة (من) معنى العموم. مسند العداء بن خالد رضي الله عنه

753 - حديث: "كتب لي النبي صلى الله عليه وسلم: هذا ما اشتراه العداء بن خالد من محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم -بيع المسلم المسلم".

753 - حديث: "كتب لي النبيُّ صلى الله عليه وسلم: هذا ما اشتراه العداءُ بن خالد من محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم -بَيْعَ المسلمِ المسلمَ". قال التيمي: (بيعَ المسلمِ) نصب على أنه مصدر من غير فعله، لأنّ معنى البيع والشراء متقاربان، ويجوز الرفع على كونه خبر المبتدأ المحذوف. و (المسلم) الثاني: منصوب بوقوع فعل البيع. مسند عَدِيّ بن عميرة رضي الله عنه 754 - حديث: "من استعملناه منكم على عمل فكتَمَنا مخيطًا فما فوقه صار غُلُولاً". قال الشيخ أكمل الدين: الضمير في (استعملناه) يعود على (مَنْ)، وقوله: (على عمل) يتعلق باستعملناه. و (نصب (مخيطًا) على أنه بدل من ضمير المتكلم بدل الاشتمال، أي: كتم مخيطًا لنا).

755 - حديث "أيحسب أحدكم متكئا على أريكته يظن أن الله لم يحرم شيئا إلا ما في القرآن".

حديث العِرْباض رضي الله عنه 755 - حديث "أيَحْسَبُ أحدكم متكئًا على أريكته يظنُّ أنّ اللهَ لم يُحَرِّم شيئًا إلاّ ما في القرآن". قال الأشرفي: (يظنّ) بدل من (يحسب)، بدل الفعل من الفعل، وقوله: (ألا وإنّي قد أمرت ووعظت ونهيت عن أشياء مثل القرآن أو أكثر). قوله: (عن أشياء) متعلق بالنهي فحسب، ومتعلق الأمر والوعظ محذوف، أي أمرت ووعظت بأشياء. وقال الطيبي: الهمزة في (أيحسب) للإنكار، والواو في (وإنّي) للحال، والمعنى: أيحسب أحدكم أنّ الله حصر المحرمات في (القرآن)، والحال، أني قد حرمت وأحللت، ووعظت. فأقحم حرف التنبيه المتضمن للإنكار بين الحال وعاملها. وقال المظهري: (أو) في قوله: (أو أكثر) ليس للشك، لترقبه الزيادة طورًا بعد طور.

756 - حديث: "إني عبد الله مكتوب لخاتم النبيين وإن آدم لمنجدل في طينته".

قال الطيبي: مثلها في قوله تعالى: (إلى مائة ألف أو يزيدون) [الصافات: 147] [أي: بل يزيدون]. 756 - حديث: "إني عبدُ الله مكتوبٌ لخاتم النبيين وإنّ آدمَ لمنجَدِلٌ في طينته". قال الزمخشري في "الفائق": انجدل مطاوع جدله، إذا ألقاه على الأرض، وأصله الإلقاء على الجدالة، وهي الأرض الصلبة، وهذا على سبيل إنابة فعل مناب فعل، والجار الذي هو (في) ليس يتعلق بمنجدل. و (إنما) هو خبر ثان، لأن الواو مع ما بعدها في محل النصب على الحال من (مكتوب). والمعنى كتبت خاتم الأنبياء في الحال الذي آدم مطروح على الأرض حاصل في أثناء الخلقة بما يفرغ من صورته [وإجراء الروح]. قال الطيبي: يعني لا يجوز إجراء منجدل على (أن) يكون مطاوعًا لجدل، لما يلزم منه، (أو) يكون آدم (منفصلاً) من الأرض الصلبة. بل هو ملقًى عليها. ولا يجوز أن يكون (في) متعلقًا بمنجدل، لما يلزم منه أن يكون المنجدل مظروفًا في طينته، وإنما هو ظرف له، وهو حاصل فيه.

757 - حديث: "لا يبلغ العبد أن يكون من المتقين".

حديث عطيّة السعدي رضي الله عنه 757 - حديث: "لا يبلغُ العبدُ أن يكون من المتّقين". قال الطيبي: (أن يكون من المتقين) ظرف (يبلغ) على تقدير مضاف، أي: درجة المتقين. مسند عقبة بن الحارث النَّوْفلي 758 - حديث: "كيف وقد قيل؟ ". قال الطيبي: (كيف) سؤال عن الحال، و (قيل) حال، وهما يستدعيان عاملاً يعمل فيهما. يعني كيف تباشرها وتفضي إليها وقد قيل إنك أخوها، إنّ ذلك بعيد

مسند عقبة بن عامر رضي الله عنه

من ذوي المروءة والورع. مسند عقبة بن عامر رضي الله عنه 759 - حديث: "ليس من اللهو إلا ثلاثٌ: تأديب الرجل فرسَه وملاعبتُه أهلَه، ورميُه بقوسِه ونبلِه". قال الخطابي: يريد ليس المباح من اللهو إلا ثلاث. (انتهى). قلت: وفيه حذف اسم (ليس) وهو ممنوع عند النحاة، وقد روي هذا الحديث بلفظ: (كل شيء يلهو به الرجل باطل إلا رميه بقوسه، وتأديبه فرسه، وملاعبته أهله، فإنه من الحق). وهذه الرواية لا إشكال فيها، وبها يعرف أن الأول من تصرف الرواة. 760 - حديث: "ما من مسلم يتوضأُ فيحسنُ وضوءه، ثم يقوم فيصلّي ركعتين مُقبلٌ عليهما بقلبه ووجهه إلا وجبتْ له الجنة".

761 - حديث: "لهو أشد تفلتا من المخاض في العقل".

قال النووي: هكذا هو في الأصول (مقبل). أي: وهو مقبل. وقال الطيبي: (مقبل) وجد في الأصول بالرفع، وروي (مقبلاً) بالنصب على الحال. وكونه مرفوعًا مشكل، لأنه إما صفة (مسلم) على أن (من) زائدة، (وفيه بعد للفواصل. وإما خبر مبتدأ محذوف، فيكون حالاً). وفيه بعد أيضًا لخلوه عن الواو والضمير، اللهم إلا أن يقال: إن المبتدأ المقدر كالملفوظ. فحينئذ يكون من قبيل: كلمته فوه إلى فيَّ. والوجه أن يضرب عن هذه الحال صفحًا، ويقال: هو فاعل تنازع فيه يقوم، ويصلي، على سبيل التجريد، كقوله: فَلَئِنْ بقيت لأرحلن بغزوة ... تحوي الغنائم أو أموت كريمُ أي: أموت كريمًا. فجعل الحال (فاعلاً) للفعل على التجريد، وعليه قراءة عمير: (فإذا انشقت السماء فكانت وردةٌ كالدهان) [الرحمن: 37] بالرفع بمعنى: فجعلت السماء وردة، فالمعنى: (فصلى) مقبل مُتناهٍ في إقباله على الركعتين بسرّ أسرّه ومنه [ما قرئ]: (فهب لي من لدنك وليًّا * يرثني ويرث من آل يعقوب) [مريم: 5 - 6] انتهى. 761 - حديث: "لهو أشدُّ تفلُّتًا من المخاض في العُقُلِ".

762 - حديث: "ما جاء بكم؟ قالوا: صحبتك رسول الله، أحببنا أن نسير معك".

قال أبو البقاء: (تفلّتًا) منصوب على التمييز كقوله تعالى: (أشدُّ منّا قوَّةً) [فصلت: 15] و (أحسنُ مقيلاً) [الفرقان: 24] وما أشبه. 762 - حديث: "ما جاء بكم؟ قالوا: صحبتُك رسولَ الله، أحببنا أن نسير معك". قال أبو البقاء: (صحبتك) فاعل جاء بنا مقدرًا، ورسول الله منصوب بـ (صحبتك) لأن المصدر يعمل عمل الفعل و (أحببنا) مستأنف. ويجوز أن يكون (صحبتك) مبتدأ و (أحببنا) الخبر والعائد محذوف، أي: (أحببنا) من أجلها. 763 - حديث "يومُ عرفةَ، ويومُ النَّحرِ وأيام التشريق عيدنا أهلَ الإسلام". قال أبو البقاء: (أهلَ) بالنصب على إضمار أعني أو أخصّ، ويجوز الجرّ على البدل من الضمير المجرور بـ (عيد) كأنه قال: عيدُ أهلِ الإسلام. 764 - حديث: "من توضّأ فأحسن الوضوءَ ثمّ صلّى (غير) ساهٍ ولا لاهٍ غُفر له". قال أبو البقاء: (غير) منصوب على الحال والعامل صلّى.

765 - حديث: "ألا أعلمك خير سورتين".

حديث "من تعلّق فلا أتمّ الله له، ومن تعلّق ودعةً فلا ودع الله له". 765 - حديث: "ألا أعلّمُك خيرَ سورتين". قال الطيبي: الإضافة دلّت على أنك إذا تقصيت القرآن المجيد إلى آخره، (سورتين سورتين) ما وجدت في باب الاستعاذة خيرًا منهما. 766 - حديث: "أحقُّ الشّروط أنْ توفوا به ما استحللتم به الفروج". قال الطيبي: (أحق) مبتدأ، خبره (ما استحللتم) وقوله: (أنْ توفوا) بدل من الشروط. 767 - حديث: "إيّاكم والدّخولَ على النساء". نصب على التحذير. قوله (الحمو الموت)، قال الزركشي: أي: لقاؤه الموت. 768 - حديث: "أنسابُكم هذه ليستْ بمَسَبَّةٍ على أحد، كلُّكم بنو آدمَ طَفَّ الصّاعُ بالصّاعِ".

مسند علي بن أبي طالب رضي الله عنه

قال الطيبي: (طفّ الصّاع بالصّاع) يجوز بالنصب على أنه حال مؤكدة نحو: زيد أبوك عطوفًا، فإن ذكر بني آدم يدل على النقصان لكونهم من التراب، وبالرفع على أنه بدل أو خبر بعد خبر، والباء في (بالصاع) (للحال) أي: طف الصاع مقابلاً بمثله من النقصان. قوله: (وكفى بالرجل) (بالرجل): فاعل كفى والتمييز محذوف أي: نقصًا. قوله: (أن يكون بذيئًا) بيان للتمييز كقوله: كفى بالمرء إثمًا أن يحدث بكل ما سمع. مسند علي بن أبي طالب رضي الله عنه 769 - حديث: "فجعل يَعْنقُ على بعيره والناس يضربون الإبلَ يمينًا وشمالاً".

770 - حديث: "اشف أنت الشافي لا شفاء إلا شفاؤك شفاء لا يغادر سقما".

قال أبو البقاء: منصوبان على الظرف، أي: في يمين وشمال. 770 - حديث: "اشْفِ أنت الشّافي لا شفاءَ إلاّ شفاؤك شفاء لا يغادر سقمًا". قال أبو البقاء: (شفاء) مبني مع "لا" على الفتح، والخبر محذوف، أي: لا شفاءَ لنا. و (شفاؤك) مرفوع بدلاً من موضع (لا شفاء) ومثله: لا إله إلا الله، و (شفاء) بالنصب مصدر (اشف)، وبالرفع هو شفاء. انتهى. وقال الطيبي: (شفاء) يجوز أن يكون مصدرًا كقوله: اشف، والجملتان معترضتان. وأن يكون مصدرًا (لفعل) مضمر، أي: اشف شفاء. وهذا أنسب للنظم، و (أنت الشافي) جملة مستأنفة على سبيل الحصر لتعريف الخبر، والجملة الثانية مؤكدة للأولى وهما ممهدتان للثالثة. 771 - حديث: "إنّ هذه أيامُ أكلٍ وشرب فلا يصومها أحد".

772 - حديث: "أن تكبرا الله أربعا وثلاثين".

قال أبو البقاء: كذا وقع في الرواية، والوجه: فلا يصمها، أو يصومنّها. ووجه هذه الرواية أن تضم الميم ويكون لفظ لفظ الخبر، ومعناه الأمر، كقوله تعالى: (والمطلّقات يتربّصن) [البقرة: 228]، و (والوالدات يرضعن) [البقرة: 233]. 772 - حديث: "أنْ تُكبِّرا الله أربعًا وثلاثين". قال أبو البقاء: نصب (أربع) نصب المصادر، لأنه في الأصل مضاف إلى المصدر، كقولك: كبّرت الله أربع تكبيرات. وهكذا (كل) ما جاء من الأعداد على هذا المعنى. 773 - حديث: "لا يحِلُّ للخليفة من مال الله إلاّ قصعتان، قصعةٌ يأكلُها ... ". قال أبو البقاء: (قصعة) مرفوع على أنه خبر مبتدأ محذوف، أي: إحداهما قصعة، ويجوز نصبه على بعد، ويكون تقديره: أعني قصعة. 774 - حديث: "مات رجلٌ من أهل الصُّفّة وترك دينارين، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كَيّتان".

775 - حديث: "إني وإياك وهذان وهذا الراقد في مكان واحد يوم القيامة".

قال أبو البقاء: أي: هما كيّتان له، ولو جاء بالنصب كان له وجه، أي: ترك كيّتين. 775 - حديث: "إنّي وإيّاك وهذان وهذا الراقد في مكانٍ واحد يوم القيامة". قال أبو البقاء: وقع في هذه الرواية (هذان) بالألف وفيه وجهان، أحدهما: أنه عطف على موضع اسم (إنّ) قبل الخبر، لأن موضع اسم (إنّ) رفع تقديره: أنا وأنت وهذان، وعليه حمل الكوفيون قوله تعالى: (والصّابئون) [المائدة: 69]، وحكوا عن العرب: إنّ زيدًا وأنتم ذاهبون. والثاني: أن يكون على لغة من يجري المثنى بالألف في كل حال وعليه حمل قوله تعالى: (إنّ هذان لساحران) [طه: 63]. فعلى هذين الوجهين يكون خبر (إنّ) قوله: في مكان واحد، ويجوز أن يكون قوله: (في مكان) خبر (إني وإيّاك)، ويكون (هذان) مبتدأ و (هذا) معطوف عليه، والخبر محذوف تقديره (كذلك). انتهى. (وقوله: فقام إلى شاةٍ لنا بكى فحلبَها). وقال ابن مالك في "توضيحه" لغة بني الحارث بن كعب يلزمون المثنى

776 - حديث: "رفع القلم عن ثلاث: عن الصبي حتى يبلغ، وعن النائم حتى يستيقظ وعن المجنون حتى يفيق".

وما جرى مجراه، الألف في الأحوال كلها، لأنه عندهم بمنزلة المقصور، ومن لغتهم أيضًا قصر الأب والأخ، كقول ابن مسعود لأبي جهل: (أنت أبا جهل). وعلى لغتهم قرأ غير أبي عمرو: (إنّ هذان لساحران). ومن شواهد هذه اللغة قول بعض الصحابة: (وفرَّقَنا اثنا عشر رجلا)، لأن (اثني عشر) حال من النون والألف. وقول أم رومان: (بينا أنا مع عائشة (جالستان) (فجالستان) حال، وكان حقه لو جاء على اللغة المشهورة أن يكون بالياء لكنه جاء على اللغة الحارثية. ومما جاء عليها قوله عليه السلام: (إيّاكم وهاتان (الكعبتان) الموسومتان). وقوله عليه السلام: (إنّي وإيّاكَ وهذان وهذا في مكان واحد يوم القيامة). ومنها قول الراجز: طاروا عَلاهنَّ فَشُلْ علاها ... واشدد بمثنى حقبٍ حَقْواها 776 - حديث: "رُفِع القلم عن ثلاثٍ: عن الصبيّ حتّى يبلغَ، وعن النائم حتّى يستيقظ وعن المجنون حتّى يفيقَ". قال الشيخ تقي الدين السُّبْكِيّ في كتاب "إبراز الحكم": هذه غايات مستقبلة

المغيّا (بها)، و (هو) قوله (رفع) ماضي، والماضي لا يجوز أن تكون غايته مستقبلة، فلا تقول: سرت أمس حتى تطلع الشمس غدًا، لأن مقتضى الفعل ماضيًا كون أجزاء المغيّا جميعًا ماضية والغاية ظرف المغيّا، ويستحيل أن يكون المستقبل ظرفًا للماضي، لأن الآن بينهما. والغاية إمّا داخلة في المغيّا (فتكون) ماضية أيضًا، وإمّا خارجة عنه مجاوزة له، فيصح أن يكون الآن غاية للماضي، وإمّا أن تكون منفصلة حتى يكون المنفصل المستقبل عن الماضي غاية له، فكيف قال: رفع القلم عن الصبي حتى يبلغ. قال: وهذا السؤال أنا حركته، وجوابه بالتزام حذف، أو مجاز حتى يصح الكلام، فيحتمل أن يقدر رفع القلم عن الصبي فلا يزال مرتفعًا حتى يبلغ. أو: فهو مرتفع (حتى يبلغ) فيبقى الفعل الماضي على حقيقته، والمغيّا محذوف به ينتظم الكلام، ويحتمل أن يقال ذلك في الغاية وهي قوله: حتى يبلغ، والمعنى بلوغه، لأن هذا إخبار عن حكم يستدعي حكم الله به في الأزل، وأنه رفع عن كل من ثبت له حكم الصبي في وقت ما حتى بلوغه، فيشمل ذلك من كان صبيًا وبلغ [في الماضي ومن هو صبي الآن ويبلغ في المستقبل، ومن يصير صبيًّا ويبلغ بعد ذلك].

777 - حديث: "ما عندنا من كتاب نقرأه إلا كتاب الله غير هذه الصحيفة".

وهذه الاحتمالات كلها في التقدير إمّا في التجوز في الفعل الثاني أو الفعل الأول، أو الحذف، راجعة إلى معنى واحد هو الحكم برفع (القلم) إلى الغاية المذكورة، وقد (رواه) ابن ماجة بلفظ (يرفع) بصيغة الفعل المضارع، فلا يرد السؤال على هذه الرواية. فإن قلت: (فقوله) تعالى: (وزلزلوا حتى يقولَ الرسولُ) [البقرة: 214] قرئ بنصب (يقول) وهي منصوبة بتقدير: "أنْ)، و (أنْ) تخلص الفعل للاستقبال. فالجواب: أن هذا وإنْ قدّر مستقبلاً فهو ماض في الزمان، والمعنى: حتى قال الرسول. انتهى. 777 - حديث: "ما عندنا من كتابٍ نقرأه إلاّ كتابَ الله غيرَ هذه الصّحيفة". قال الكرماني: (غيرَ) حال أو استثناء آخر، وحرف العطف مقدر، كما قال الشافعلي في التحيات المباركات: تقديره: (والصلوات). وفي الرواية الأخرى: ما عندنا إلا ما في القرآن إلا فهمًا يعطى رجل في كتابه. قال الكرماني: فإن قلت: (إلاّ فهمًا) هو استثناء، إذ هو مثبت، والاستثناء من الإثبات منفي. قلت: هو منقطع، أي: لكن الفهم عندنا، أو حرف العطف مقدر، أي: وفهمًا. انتهى.

778 - حديث: "أوشك أن تستحل أمتي فروج النساء والحرير".

وقال التوربشتي: أخبر أنه ليس عنده شيء سوى القرآن، ثم استثنى استثناء أراد به استدراك معنى اشتبه عليهم. فعرفه فقال: إلاّ فهمًا يعطي رجل في كتابه. أن التفاوت في (المعلوم) لم يوجد من قبل البلاغ، وإنما وقع من قبل الفهم. وقال الطيبي: لو ذهب إلى إجراء المتصل مجرى المنقطع على عكس قول الشاعر: وبلدةٍ ليس بها أنيسُ ... إلاّ اليعافيرُ وإلاّ العيسُ فيؤول قوله: إلا يعطي فهمًا، بقوله: ما يستنبط من كلام الله (تعالى) بفهم رزقه الله، لم يستبعد، فيكون المعنى: ليس عنده شيء قطّ إلاّ ما في القرآن وما في الفهم من الاستنباط منه، فيلزم أن لا شيء خارج عنه، كما قال تعالى: (ولا رطبٍ ولا يابس إلا في كتاب مبين) [الأنعام: 59]، وهذا (فن) غريب وأسلوب عجيب. انتهى. 778 - حديث: "أوشكَ أن تستحلَّ أمّتي فروجَ النساء والحريرَ".

779 - حديث: "من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه".

كذا رواه ابن عساكر في "تاريخه": وقد رأيت في تذكرة العلامة شمس الدين بن الصائغ عن النجيري أحد أئمة اللغة، أنه قال: فيما كتبه على غريب الحديث لأبي عبيد، لا يقال: أوشك أن يجيء، ولكن يوشك أن يجيء. انتهى. فيحتمل أن يكون هذا الحديث مما غيرته الرواة، ويؤيده أن جميع الأحاديث جاءت بلفظ (يوشك)، ولم يجء (أوشك) إلا في هذا الحديث فقط، ولا أحفظ له ثانيًا. 779 - حديث: "من حسن إسلام المرء تركُه ما لا يعنيه". قال الطيبي عن بعضهم: إن (مِنْ) في قوله: (مِنْ حُسن) تبعيضية، ويجوز أن تكون بيانية. 780 - حديث: "إنّ في الجنّة لسوقًا ما فيها شراءٌ ولا بيعٌ إلاّ الصّور". قال الطيبي: الاستثناء منقطع، ويجوز أن يكون متّصلاً، بأن يجعل تبديل الصفات، من جنس البيع والشراء. 781 - حديث: "نعم الرجلُ الفقيهُ في الدّين إن احتيجَ إليه نَفع، وإنْ استُغْنِيَ عنه أغنى نفسه". قال الطيبي: (الفقيه) هو المخصوص بالمدح، و (في الدين) متعلق به، أي: الذي فقه في الدين. والجملة الشرطية يجوز أن تكون حالاً من الضمير في الفقيه، وأن تكون صفة للفقيه إذا جعل التعريف للجنس نحو:

782 - حديث: "إنما مثل أمتي الغيث لا يدرى آخره خير أم أوله، أو كحديقة أطعم منها فوج عاما، ثم (أطعم) منها فوج عاما لعل آخرها فوجا أن يكون أحسنها".

ولقد أمرُّ على اللئيم يسبُّني والظاهر أن يكون جملة مستأنفة بيانًا لاستحقاقه المدح. 782 - حديث: "إنّما مثلُ أمّتي الغيثُ لا يُدرى آخرُه خيرٌ أم أوّلُهُ، أو كحديقةٍ أطعمَ منها فوجٌ عامًا، ثم (أطعم) منها فوجٌ عامًا لعلّ آخرَها فوجًا أن يكون أحسنَها". قال الطيبي: (أو) هذه مثلها في قوله تعالى: (أو كصيِّبٍ من السّماء) [البقرة: 19] في أنها مستعارة للتساوي في غير الشك. و (فوجًا) منصوب على التمييز، و (أن يكون) خبر (لعل)، وأدخل فيها أنْ تشبيهًا للَعَلّ بعسى. واسم (يكون) يحتمل أن يكون (ضميرًا) عائدًا إلى آخرها. 783 - حديث: "ارْجعن مأزوراتٍ غير مأجوراتٍ". قال ابن يعيش في "شرح المفصل": المشاكلة من الألفاظ في مطلوبهم، ألا ترى

784 - حديث: "دية شبه العمد أثلاثا ثلاث وثلاثون".

أنهم قالوا: (أخذه ما قدُم وحدُث"، فضموا فيهما، ولو انفرد لم يقولوا إلاّ حدث مفتوحًا. ومنه الحديث (ارجعن مأزورات) والأصول موزورات، فقلبوا الواو ألفًا مع سكونها ليشاكل (مأجوارت)، ولو انفرد لم يقلب. وكذلك أميل (ضحاها) من قوله تعالى: (والشمس وضحاها) [الشمس: 1] ولو انفرد لم يمل، لأنه من ذوات الواو، وإنما أميل لازدواج الكلام حين اجتمع مع ما يمال وهو يخشاها وجلاها. 784 - حديث: "ديةُ شبه العمدِ أثلاثًا ثلاثٌ وثلاثون". قال الطيبي: (دية شبه العمد) مبتدأ، و (ثلاث وثلاثون) خبره، وقد وقع التمييز وهو قوله: (أثلاثًا) بينهما كما يقال: التصريف لغةً (التغيير) مثلاً. أو نصب على تقدير أعني، وهذا قوله: خمس وعشرون، خبر مبتدأ محذوف، و (أثلاثًا) تمييز، وقوله: (في الخطأ) من قول الراوي: أي: قال علي في شأن الخطأ: دية الخطأ خمس وعشرون. 785 - حديث الزكاة قوله: "وليس في تسعين ومائةٍ شيءٌ حتى تتِمَّ مائتي درهم". قال الطيبي: الفاعل ضمير (الرِّقَة) و (مائتي) حال. أي: بالغة مائتي. كقوله تعالى: (فتم ميقات ربه أربعين ليلة) [الأعراف: 142].

786 - حديث: "ألا أعلمك كلمات لو كان عليك مثل جبل أحد دينا".

وقوله: (في الغنم في كل أربعين شاة شاة). قال الطيبي: (شاة) مبتدأ، و (في الغنم) خبره. و (في كل أربعين) بدل من (في الغنم) بإعادة الجار، وليس (شاة) هنا تمييز. مثله في قوله: في كل أربعين درهمًا درهم. لأن "درهمًا" بيان مقدار الواحد من أربعين، ولا يعلم هذا من الرقة، فتكون شاة هنا (لمزيد) التوضيح. 786 - حديث: "ألا أعلِّمُك كلماتٍ لو كان عليك مثلُ جبلِ أحد ديْنًا". قال الطيبي: (دينًا) يحتمل أن يكون تمييزًا عن اسم كان لما فيه من الإبهام. و (عليك): خبره مقدّمًا عليه. وأن يكون (دَيْنًا) خبر كان و (عليك) حال من المستتر في الخبر. والعامل معه الفعل المقدر. ومن جوّز إعمال (كان) في الحال فظاهر على مذهبه. 787 - حديث: "من ملك زادًا وراحلةً تُبْلِغُه إلى بيت الله ولم يَحجَّ". قال البيضاوي: إنما وحّد الضمير في (تبليغِه) والمرجوع إليه شيئان، لأنهما في معنى الاستطاعة والمعتبر هو المجموع. ويجوز أن يكون الضمير للراحلة، ويكون تقييدها (يُغْنيه) عن تقييد الزاد. قوله: (فلا عليه أن يموت يهوديًّا أو نصرانيًّا).

788 - حديث: "سمعته أذناي، ووعاه قلبي من رسول الله صلى الله عليه وسلم: الناس تبع لقريش".

قال الطيبي: (أو) بمعنى الواو، كما في قوله تعالى: (عُذْرًا أو نُذْرًا)، والمعنى أن وفاته على هذه الحالة، ووفاته على اليهودية والنصرانية سواء. [في ما فعله]. 788 - حديث: "سمعته أذناي، ووعاه قلبي من رسول الله صلى الله عليه وسلم: الناس تبعٌ لقريش". قلت: هذا من باب التنازع، وقد أعمل الأول، وأضمر في الثاني المفعول. 789 - حديث: "ما منكم من أحدٍ، ما من نفسٍ منفوسةٍ إلاّ كتب مكانُها من الجنة والنار، إلاّ وقد كتبت شقيةٌ أو سعيدةٌ". قال الكرماني: هذا نوع من الكلام الغريب يحتمل أن يكون (ما من نفس) بدل من (ما منكم)، و (إلا) ثانيًا بدل من (إلاّ) أولاً. وأن يكون من باب اللّف والنشر، وأن يكون تعميمًا بعد تخصيص. إذ الثاني في كل منهما أعم من الأول. ومكانها بالرفع. والواو من (والنار) بمعنى أو، وشقية بالرفع. أي: هي شقية. ولفظ (إلا) في المرة الثانية في رواية مع الواو وفي رواية بدونها. وقال الزركشي: (شقية أو سعيدة) بالرفع على تقدير هي، وروي (بنصبهما).

790 - حديث: "خير نسائها مريم، وخير نسائها خديجة".

790 - حديث: "خيرُ نسائِها مريمُ، وخيرُ نسائها خديجة". قال الزركشي: هذا ظاهره مشكل على قاعدة من العربية، فإنه ظاهر في جواز: زيد أفضل إخوته. وقد اتفقوا على منعه، وفيه وجهان: أحدهما: أن يجعل خيرًا بمعنى خير لا على جهة التفضيل. وثانيهما: وهو الأصح أن الضيمر راجع (للدنيا)، كما تقول: زيد أفضل (أهل) الدنيا. ويجوز على تقدير مضاف محذوف، أي خير نساء (زمانها)، فيعود الضمير على مريم. وإنما جاز أن يرجع الضمير للدنيا، وإنْ لم يجر لها ذكر (لأنه) يفسره الحال والمشاهدة، ومعنى ذلك أن كل واحدة منهما خير (نساء) عالمها (في وقتها). انتهى. [قلت: وقد ورد بلفظ: مريم خير نسائها عالمها]. وقال الكرماني: فإن قلت ما مرجع الضمير في (نسائها)؟ وهل يكون الخبر متعدّدًا؟ قلت: نقلوا أن وكيعًا فسر الضمير بالأرض. وقال النووي: أي خير نسائها، أي: نساء الأرض في عصرها، ويحتمل أن

791 - حديث: "من فرق بين والدة وولدها فرق الله بينه وبين أحبته يوم القيامة".

يراد بالأول نساء بني إسرائيل، وبالثاني نساء العرب، أو تلك الأمة، وهذه الأمة. 791 - حديث: "من فرَّق بين والدةٍ وولدِها فرّق الله بينه وبين أحبّته يوم القيامة". قال الأشرفي: لم يفرق في الحديث بين الوالدة والولد بلفظ (بين) وفرق في أجزائه حيث كرّر (بين) الثاني ليدل على عظم هذا الأمر، وأنه كما لا يجوز التفريق بينهما في اللفظ فكيف التفريق بين ذواتيهما. قال الطيبي: قال الحريري في "درة الغواص": ومن أوهامهم أن يدخلوا بين المظهرين، وهو وهم، وإنما أعادوا بين المضمر والمظهر قياسًا على المجرور بالحرف كقوله تعالى: (تساءلون به والأرحام) [النساء: 1]، لأن المضمر المتصل متصل كاسمه، فلا يجوز العطف على جزء الكلمة بخلاف المظهر لاستقلاله. 792 - حديث: "إنّه لعهدُ النبيّ الأمّيّ إليّ: أنْ لا يحبّني إلا مؤمنٌ ولا يبغضني إلا منافق". قال القرطبي: الضمير في أنه ضمير الأمر والشأن، والجملة بعده تفسيره له. و (أنْ) هي الناصبة للفعل، ويحتمل أن تكون المخففة من الثقيلة. وكذلك روى (يحبني) بفتح الباء وضمها. وكذلك (يبغضني) لأنه معطوف عليه.

793 - حديث: "لم يكن يحجزه عن القرآن شيء ليس الجنابة".

793 - حديث: "لم يكن يحجزه عن القرآن شيء ليس الجنابة". قال الخطابي: معناه غير الجنابة. قال: وحرف ليس له ثلاثة مواضع: أن تكون بمعنى الفعل، وهو يرفع الاسم وينصب الخبر، كقولك: رأيت عبد الله ليس زيدًا. ينصب به كما ينصب بلا. ويكون بمعنى غير كقولك: ما رأيت أكرم من عمرو ليس زيد، أي: غير زيد، وهو يجر ما بعده. انتهى. وقال الزركشي في "تخريج أحاديث الرافعي": ليس هنا بمعنى (غير). وقال البزار: إنها بمعنى (إلا)، ويؤيده رواية ابن حبان: إلاّ الجنابة، وفي رواية له: ما خلا الجنابة. وقال الشيخ ولي الدين العراقي في "شرح أبي داود": ضبطنا لفظ الجنابة في أصلنا بالنصب. وله توجيهان: أحدهما: أنه (ليس) هي الناسخة. واسمها ضمير راجع للبعض المفهوم (مما) تقدم، ولفظ (الجنابة) هو الخبر، والتقدير: ليس بعض ذلك الشيء الجنابة. أنها حرف ناصب للمستثنى بمعنى (إلا)، ويدل عليه قوله في رواية (ابن ماجة): إلا الجنابة وقد أثبت بعضهم هذا المعنى (لليس)، والصحيح إنكاره، وأن ما ورد من ذلك يحمل على أنها ناسخة بالتقدير المتقدم. ويمكن في قوله: ليس الجنابة، بالرفع على أن يكون (الجنابة) اسم ليس وخبرها محذوف تقديره: ليس الجنابة من ذلك. انتهى.

794 - حديث: "وضع عمر على سريره، فتكنفه الناس، فلم يرعني إلا رجل قد أخذ بمنكبي فقال: وأيم الله إن كنت لأظن ليجعلك الله مع صاحبيك، وذلك أني كنت أكثر أن أسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ذهبت أنا وأبو بكر وعمر، ودخلت أنا وأبو بكر وعمر، وخرجت أنا وأبو بكر وعمر، وفعلت أنا وأبو بكر وعمر، وانطلقت أنا وأبو بكر وعمر، [فإن كنت ليجعلنك الله معهما] ".

794 - حديث: "وضع عمرُ على سريره، فتكنَّفه الناس، فلم يَرُعْني إلاّ رجلٌ قد أخذ بمنكبي فقال: وأيْمُ الله إن كنتُ لأظنُّ ليجعلك اللهُ مع صاحبيك، وذلك أني كنت أكثر أن أسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ذهبت أنا وأبو بكر وعمر، ودخلت أنا وأبو بكر وعمرُ، وخرجت أنا وأبو بكر وعمر، وفعلت أنا وأبو بكر وعمر، وانطلقت أنا وأبو بكر وعمر، [فإن كنت ليجعلنّك الله معهما] ". (وقع في رواية البخاري: كنت وأبو بكر وعمر، وفعلت وأبو بكر وعمر، وانطلقت وأبو بكر وعمر.). فقال ابن مالك في "توضيحه": فيه صحة العطف على ضمير الرفع المتصل غير مفصول بتوكيد أو غيره، وهو مما لا يجيزه النحويون في (النثر) إلاّ على ضعف، ويزعمون أن بابه الشعر، والصحيح: جوازه نظمًا ونثرًا. ومنه قول عمر: كنت وجاري من الأنصار. انتهى. وقد تبين وجود (الفصل) في هذه الرواية بـ (أنا). فعرف أن الذي في البخاري من تصرف الرواة. 795 - حديث: "للمسلم على المسلم ستُّ خصالٍ بالمعروف".

796 - حديث: "ستر ما بين أعين الناس وعورات بني آدم إذا دخل أحدهم الخلاء يقول: باسم الله".

قال الطيبي: (بالمعروف) صفة بعد صفة لموصوف محذوف يعني: للمسلم على المسلم ستّ خصال لينة متلبسة بالمعروف. 796 - حديث: "سترُ ما بين أعين الناس وعورات بني آدم إذا دخل أحدُهم الخلاءَ يقولُ: باسم الله". قال الطيبي: (سِتْر) مبتدأ، والخبر (أن يقول). و (ما) موصولة مضاف إليها وصلتها الظرف. 797 - حديث: "من ترك موضع شعرة من جنابة لم يصبها ماء فعل الله به كذا وكذا من النّار". قال الطيبي: قوله (من جنابة) متعلق بـ (ترك)، و (لم يصبها) صفة (موضع شعرة)، أنّث الضمير باعتبار المضاف إليه. وقوله: (كذا وكذا)، كناية عن العدد، مثل: (كم)، كما أن (كيت وكيت) كناية عن (الحال) والقصة. 798 - حديث: "لا يؤمن عبدٌ حتى يؤمنَ بأربع". قال الطيبي: (حتّى) هنا للتدريج، كما في قوله صلى الله عليه وسلم: (إنّ الرجلَ ليصدقُ حتى يكتبَ عند الله صِدِّيقًا). يعني: لا يعتبر التصديق بالقلب حتى يتمكن منه التصديق

799 - حديث "دعاء الافتتاح".

إلى أن يبلغه إلى هذه الأوصاف الأربعة. (وقوله: (يشهدُ أن لا إله إلا الله، وأني رسول الله بعثني بالحقّ) (بعثني) استئناف، كأنه قيل: لم يشهد بذلك؟ فأجيب: بعثني بالحق.) ويجوز أن يكون حالاً مؤكدة، أو خبرًا بعد خبر (أشهد أن لا إله إلا الله وأنّ محمدًا رسول الله). 799 - حديث "دعاء الافتتاح". قال الطيبي: قوله: (أنا بكَ وإليك). أي: بك وجدت، وإليك أنتهي. أي: أنت (المبتدأ والمنتهى). وقيل. أنا بك أعتمد، وإليك أتوجه. وقوله: (تباركت): لا (تستعمل) هذه الكلمة إلا لله تعالى. وقوله: (لا منجا). مقصور لا يجوز أن يمد أو يهمز. و (لا ملجأ) الأصل فيه الهمز، ومنهم من يلين همزته، ليندرج مع (منجى). قوله: (واعترفت بذنبي) حال مؤكدة (مقررة) مضمون الجملة السابقة. 800 - حديث: "البخيلُ من ذكرت عنده فلم يصلّ علي". كذا الرواية، وأورده الطيبي بلفظ: البخيل الذي ذكرت عنده، وقال: الموصول

801 - حديث: "إن الله وتر يحب الوتر، فأوتروا يا أهل القرآن".

الثاني مزيد مقحم بين الموصول وصلته، كما في قراءة زيد بن علي: (الذي خلقكم والذين من قبلكم). [البقرة: 21]. 801 - حديث: "إن الله وترٌ يحبُّ الوتر، فأوتروا يا أهل القرآن". قال التوربشتي: الفاء جزاء شرط محذوف. كأنه قال: إذا هديتم إلى الله إن الله وتر يحب الوتر فأوتروا. 802 - حديث: "أمّا ناقتُك فانحرها، وأمّا كيت وكيت، فمن الشيطان". قال الزمخشري في "المفصل": (كيت) و (ذيت)، مخففان من كية وذية، وكثير من العرب يستعملونهما على الأصل، ولا يستعملان إلا مكررتين، وقد جاء فيهما الفتح والكسر والضم، والوقف عليهما كالوقف على بنت وأخت. قال الأندلسي: وبنيا لأنهما كنايتان عن الجمل، والجمل مبنية فبُنيت تشبيهًا لها بما كني عنها. والتاء فيهما بدل من لام الاسم، وليست تاء تأنيث، كما كانت في (كية) و (ذية)، إلا أنهم يخصون بهذا (التعويض) المؤنث. فتخصيصهم إياه ذلك دليل على التأنيث. وكذا التاء في بنت وأخت. قال أبو العباس: وهما (كنايتان) عن الحديث (المدمج). وقال ابن مالك في "شرح الكافية": الكناية عن الحديث بكيت وكيت أو ذيت

803 - حديث: "إن هذين حرام على ذكور أمتي".

وذيت، بفتح التاء وكسرها، والفتح أشهر. وقد تفتح التاء وتشدد الياء. و (قد) قال السيرافي: في (كيت) و (ذيت) إذا خفّفا ثلاث لغات، وإذا شدّدا (فالفتح لا غير). 803 - حديث: "إنّ هذين حرامٌ على ذكور أمّتي". قال ابن مالك في شرح الكافية: أراد: استعمال (هذين) فحذف الاستعمال، وأقام (هذين) مقامه، فأفرد الخبر. وقال الطيبي: قيل القياس: (حرامان) إلا أنه مصدر لا يثنى ولا يجمع. والتقدير: كل واحد منما حرام، فأفرد لئلا يتوهم الجمع. 804 - حديث الظعينة: "لتخرجنّ الكتاب، أول لتلقينّ الثياب". قال الزكرشي، كذا الرواية، المشددة تجتمع مع (الياء) وصواب العربية (لَتُلْقِنَّ) بحذف الياء، لأن النون المشددة تجتمع مع الياء الساكنة، فتحذف لالتقاء الساكنين. وقال الكرماني: روي بكسر الياء وفتحها، فإن قلت: يقتضي أن يحذف الياء، ويقال: (لتُلْقِنّ). قلت القياس ذلك، وإذا صحت الرواية بالياء، فتؤول الكسرة بأنها

مسند عمار بن ياسر رضي الله عنه

مناسبة لماشكلة (لتُخْرِجِنَّ) طريقة (الالتفات من الخطاب) إلى الغيبة. وروي بفتح القاف، ورفع (الثياب). مسند عمار بن ياسر رضي الله عنه 805 - حديث: "ألا أحدثكم بأشقى الناس رجلين". قال أبو البقاء: منصوب على التمييز كما تقول: هذا أشقى الناس رجلاً، وجاز تثنيته وجمعه، مثل قوله تعالى: (بالأخسرين أعمالا) [الكهف: 103]، وكما قالوا: نعم رجلين الزيدان، ونعم رجالاً الزيدون و (هم) أفضل الناس رجالاً. 806 - حديث: "أصابتني جنابة ولا ماء".

807 - حديث: "إن طول صلاة الرجل، وقصر خطبته مئنة من فقهه".

قال الزركشي: يجوز فيه النصب بلا تنوين، وبه مع التنوين وعلى الأول اقتصر "ابن دقيق العيد" وقال: الخبر محذوف، أي: لا معي أو عندي موجود. 807 - حديث: "إنَّ طولَ صلاةِ الرجل، وقصرَ خطبته مئِنَّةٌ من فقهه". قال المازَرِي: قال الأصمعي: سألني شعبة عن هذا الحرف فقلت: هو كقولك علامة ومحلقة ومحذرة. قال الأزهري: هو مفْعلة، وميمه ليست بأصلية. وقال القاضي عياض: قال لي أبو الحسن –شيخنا-: الميم في (مِئِنَّة) أصلية، ووزنها فعلّة، من (مأنت) إذا شعرت، وقاله أبوه أبو مروان. وقال النّووي: الأكثرون على أنها زائدة. وقال في "النهاية": حقيقتها أنها مفعلة من معنى (أنّ) التي للتحقيق والتأكيد، غير مشتقة من لفظها، لأن الحروف لا يشتق منها، وإنما ضمنت حروفها دلالة على أن معناها فيها ولو قيل: إنها اشتقت من لفظها بعد ما جعلت اسمًا لكان قولاً، ومن أغرب ما قيل فيها أن الهمزة بدل من ظاء المظنة. والميم في ذلك كله زائدة. وجعلها أبو عبيدة كلها أصلية. 808 - حديث: "تمعّكت فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يكفيك الوجه والكفين". قال ابن مالك في "توضيحة": في جرّ (الوجه) وجهان: أحدهما: أن يكون

الأصل: يكفيك مسح الوجه والكفين، فحذف المضاف وبقي المجرور به على ما كان عليه. والثاني: أن يكون الكاف حرف جر زائد كما هو في (ليس كمثله شيء) [الشورى: 11] أي: ليس مثله شيء، لا بد من الحكم بزيادته، لأن عدم زيادته يستلزم ثبوت مثل لا شيء مثله وذلك محال. ومثل كان (كمثله) كاف (كأمثال اللؤلؤ المكنون) [الواقعة: 23] والكاف في قوله: لواحق الأقرابِ فيها كالمقَقْ يريد: فيها المقق، أي: الطول. ويجوز على هذا الوجه رفع الكفين عطفًا على موضع (الوجه)، فإنه فاعل. وإن رفع (الوجه) وهو الجيد المشهور، فالكاف ضمير المخاطب. ويجوز في (الكفين) حينئذ الرفع بالعطف وهو الأجود، والنصب على أنه مفعول معه. انتهى. وقال الزركشي: يروى: الوجه والكفان، بالرفع وبالجر وبالنصب على المفعول به. وقال الحافظ ابن حجر: يروى بالرفع فيهما على الفاعلية، وبالنصب على المفعولية فيهما، إمّا بإضمار: أعني، أو التقدير: يكفيك أن تمسح الوجه والكفين، أو بالرفع في (الوجه) على الفاعلية، وبالنصب في (الكفين) على أنه مفعول معه.

809 - حديث: "اللهم بعلمك الغيب وقدرتك على الخلق أحيني ما علمت الحياة خيرا لي".

809 - حديث: "اللهم بعلمك الغيبَ وقدرتِك على الخلق أحيني ما علمت الحياة خيرًا لي". قال الطيبي: الباء للاستعطاف. أي: أنشدكَ بحق علمك. وقوله: و (أسألك خشيتك) عطف على محذوف – و (اللهم) معترضة، وقوله: (من غير ضراء مضرة)، قال الطيبي: متعلق الظرف مشكل ولعله متصل بالقرينة الأخيرة، وهي قوله: (والشوق إلى لقائك) ويجوز أن يتصل بقوله: (أحيني ما علمت الحياة خيرًا لي). مسند عمر بن الخطاب رضي الله عنه 810 - حديث: "أيرقد أحدنا وهو جنب؟ قال: نعم". قال ابن يعيش في "شرح المفصل": الفتح في (نعم) والكسر لغتان فصيحتان،

811 - حديث: "من نام عن حزبه فقرأه فيما بين صلاة الفجر وصلاة الظهر، كتب له كأنما قرأه من الليل".

إلا أن الفتح كثير في كلام العرب. وقد جاء الكسر في كلام النبي صلى الله عليه وسلم، وجماعة من الصحابة، منهم عمر وعلي والزبير وابن مسعود. وذكر الكسائي: إنّ أشياخ قريش يتكلمون بها مكسورة، وحكي عن أبي عمرو قال: لغة كِنانة: نِعَم، بالكسر. وفي "المفصل" للزمخشري، وفي قراءة عمر بن الخطاب وابن مسعود قالوا: نعم، وحكي أن عمر سأل قومًا عن شيء فقالوا: نعم، بالفتح فقال عمر: إنّما النّعم الإبل، فقولوا نعم. 811 - حديث: "من نام عن حزبه فقرأه فيما بين صلاة الفجر وصلاة الظهر، كتب له كأنّما قرأه من الليل". قال الطيبي: (كتب له) جواب الشرط، و (كأنما) صفة مصدر محذوف، أي: أثبت أجره في صحيفة عمله إثباتًا، مثل إثباته حين قرأه من الليل. 812 - حديث: "إنّ أخوفَ ما أخاف على أمتي كلُّ منافقٍ عليم اللسان". قال أبو البقاء: (أخوف) اسم (إنّ) و (ما) هنا نكرة موصوفة، والعائد محذوف تقديره: (إن أخوف شيء أخافه على أمتي كل)، و (كلّ) خبر (إنّ)، وفي الكلام تجوز لأن (أخوف) هنا للمبالغة، وخبر (إنّ) هو اسمها في المعنى، فكلّ منافق أخوف) هنا وليس كلّ أخوف منافقًا. بل المنافق مخوف ولكن جاء به على المعنى. 813 - حديث: "قال: إنّي صائمٌ، قال: وأيَّ الصيام تصوم؟ قال: أول الشهر

814 - حديث: "فإذا أنا برباح غلام رسول الله صلى الله عليه وسلم قاعدا على أسكفة المشربة".

وآخره، قال: إنْ كنت صائمًا فصم الثلاث عشرة، والأربع عشرة، والخمس عشرة". قال أبو البقاء: (أيّ) هنا منصوبة بـ (تصوم) والزمان معها محذوف تقديره: أيّ زمانِ الصّوم تصوم. ولذلك أجاب بقوله: (أول الشهر)، ولو لم يرد حذف المضاف لم يستقم، لأن الجواب يكون على وفق السؤال فإذا كان الجواب بالزمان كان السؤال عن الزمان. ولا يجوز أن لا يقدر في السؤال حذف مضاف بل تقديره في الجواب، ويقدر: صيام أول الشهر. وقوله: (الثلاث عشرة)، وما بعدها أدخل الألف واللام على الاسم الأول من المركب، وهو القياس، والتقدير: الليلة الثلاث عشرة، والمراد يوم الليلة الثلاث عشرة، لأن الليلة لا تصام. انتهى. وقال ابن مالك: أراد اليوم الثلاث عشرة ليلة، وكذا في الباقي، (فحذف المضاف، ولولا ذلك لقال: الثلاثة عشرة، وكذا في الباقي) لأنّ الصوم يوم لا ليلة. 814 - حديث: "فإذا أنا برباح غلام رسول الله صلى الله عليه وسلم قاعدًا على أُسْكُفَّةِ المشربة". قال أبو البقاء: (إذا) هذه ظرف مكان، ومعناها المفاجأة و (أنا) مبتدأ، وفي الخبر وجهان: أحدهما: برباح، والتقدير: فإذا أنا بصرت برباح، و (إذا) على هذا منصوبة. والثاني: الخبر هو (فإذا) لأنه مكان، وظرف المكان يكون خبرًا عن الجئة، و (برباح) في موضع المفعول.

815 - حديث حمار: "لا تلعنوه فوالله ما علمت إنه يحب الله ورسوله".

وأما (قاعدًا) فحال من رباح والعامل فيه ما تتعلق به الباء. 815 - حديث حمار: "لا تلعنوه فوالله ما علمت إنّه يحبُّ الله ورسوله". قال أبو البقاء: في المعنى وجهان، أحدهما أن (ما) زائدة، أي: فوالله علمت أنه، والهمزة على هذا مفتوحة لا غير. والثاني: أن لا تكون بزائدة، ويكون المفعول محذوفًا، أي: ما علمت عليه أو منه سوءًا، ثم استأنف فقال: إنّه يحب الله ورسوله فالهمزة على هذا مكسورة. وقال الكرماني: فإن قلت (ما) موصولة لا نافية فكيف وقع جوابًا للقسم، قلت جوابه: إنه يحب الله، وهو خبر مبتدأ محذوف، أي: هو ما علمته منه، والجملة معترضة بين القسم وجوابه، وقال الزركشي: معناه: الذي علمت و (أنه) مفتوحة، وهي وما بعدها في موضع مفعول (علمت). وقال المظهري: (ما) موصولة، وإنّ مع اسمه وخبره سد مسد مفعولي (علمت) لكونه مشتملاً على المنسوب والمنسوب إليه، والضمير في (إنّه) يعود إلى الموصولة، والموصول مع صلته خبر مبتدأ محذوف تقديره: هو الذي علمت، والجملة جواب القسم، قال الطيبي: وفيه تعسف. وفي "مطالع الأنوار" يعني: فوالله الذي علمته إنّه يحب الله ورسوله، فعلى هذا (عَلِمَ) بمعنى عَرَفَ، و (إنّه) خبر الموصول. وفيه أيضًا: أو يجعل (ما) نافية والتاء للخطاب على طريق التقرير له، ويصح على هذا كسر (إنّه) وفتحها، والكسر على جواب القسم، وفيه أن (ما) صلة تأكيد، أي: لقد علمت.

816 - حديث: "من كان ملتمسا ليلة القدر فليلتمسها في العشر الأواخر وترا".

قال الطيبي: وكأن جعل (ما) نافية أظهر لوجوب اقتضاء القسم أن يتلقى بحرف النفي، وأن واللام بحذف الموصولة، ولأن الجملة القسمية جيء بها مؤكدة لمعنى النهي، ومقرره للإنكار، ويؤيده رواية "شرح السنة": (فوالله ما علمت إلاّ أنه يحب الله ورسوله). لأن معنى الحصر في هذه الرواية بمنزلة الخطاب من تلك الرواية لإرادة الرد ومزيد الإنكار). 816 - حديث: "من كان ملتمسًا ليلةَ القدر فلْيلتمسْها في العشر الأواخر وترًا". قال أبو البقاء: انتصاب (وترًا) على الصفة لظرف محذوف تقديره: فليلتمسها في زمان وتر، يعني: في الليالي الأفراد، (ويجوز أن يكون نعتًا لمصدر محذوف، أي: التماسًا وترًا) ويجوز أن يكون هذا المصدر في موضع الحال. أي موترًا. 817 - حديث "الذهب بالورق ربًا إلاّ ها وها". قال ابن مالك: (ها) اسم فعل بمعنى (خذ)، فحقه أن لا يقع بعد (إلا)، كما لا يقع بعدها (خذ)، وحيث أوقع بعد (إلا) فيجب تقدير قول قبله يكون محكيًا فكأنه قيل: (ولا الذهب بالذهب) إلا مقولاً عنده من المتبايعين ها وها.

قال الطيبي: فإذن محله النصب منه على الحال، و (المستثنى) منه مقدر يعني: بيع الذهب بالذهب وباقي جميع الحالات إلا حال الحضور والتقابض، فكنى عن التقابض بـ (ها وها)، لأنه لازمه. وقال القاضي عياض والنووي: في (ها وها) لغتان المد والقصر، والمد أفصح وأشهر، وأصله: هاك، فأبدلت المدة من الكاف، ومعناه: خذ هذا، ويقول صاحبه مثله، والمدة مفتوحة، ويقال أيضًا بالكسر، ومن قصره وزنه وزن (خف)، يقال للواحد (ها) كخف، وللاثنين هاءا كخافا. وللجميع هاؤا كخافوا. وللمؤنثة هاءك. ومنهم من لا يثني ولا يجمع على هذه اللغة، ولا يغيرها في التأنيث يقول في الجميع: ها. قال السيرافي: كأنهم جعلوها صوتًا كصه، ومن ثنى وجمع قال للمؤنثة هاك، وهاء لغتان، ويقال في لغة بالمد وكسر الهمزة للمذكر، وللأنثنى (هائي) بزيادة ياء، وأكثر (أهل) اللغة ينكرونها بالقصر. وغلط الخطّابي وغيره من المحدثين في رواية القصر وإن كانت قليلة. قال القاضي: وفيه لغة أخرى هاءك بالمد والكاف. انتهى. وقال الأندلسي في "شرح المفصل": (هاء) اسم فعل بمعنى خذ وتناول، وفيها لغات. الأولى: (ها) وحدها مع زيادة الكاف وتصريفها هاك إلى هاكنّ. الثانية: أن تضع الهمزة موضع الكاف. ولم توضع الهمزة موضع كاف الخطاب في موضع إلا مع (ها) وحدها، ثم (تصرفت) تصرف الكاف فتقول: (هاءا) في التثنية. و (هاؤا) في

818 - حديث عمر: "ليس بي إياكم أيها الرهط".

الجمع، و (هاؤم)، وللمؤنثة (هاءِ) بكسر الهمزة، وبجمعها (هاؤنّ) وهذه أجود لغاتها وبها ورد القرآن. الثالثة: منهم من يكسر الهمزة مثل عاط والأصل (هائي) مثل: فاعل ثم تقول: هائيا وهاؤا. الرابعة: يجمعون بين الهمزة والكاف كأنه جمع بين العوض والمعوض منه، فيصرفون الكاف ويبقون الهمزة مفتوحة على كل حال فيقول هاءَك إلى هاءَكُنَّ. الخامسة: (هَا) بسكون الهمزة مثل خف، وللاثنين هاءا، وللجماعة: هاؤُا. 818 - حديث عمر: "ليس بي إيّاكم أيها الرهط". قال ابن جرير في "تهذيب الآثار": أخشى أن يكون غلطًا من الراوي، لأنه غير معروف من كلام العرب نصب الاسم بليس، وإنما المعروف نصب الخبر ورفع الاسم بها، والصواب في ذلك: ليس بي أنتم أيها الرهط، ولكنا تركنا ذلك اتباعًا لرواية الحديث. انتهى. قلت: يخرج على أن اسم ليس ضمير الشأن مستتر فيها والجار والمجرور لغو و (إياكم) الخبر على حد قول الشاعر: ليس إيّايَ وإياكَ ولا أخشى رقيبًا 819 - حديث: "النية". قوله: (إنما الأعمال) قال زين العرب: (إنما) لحصر الحكم في المذكور

بعدها، ونفيه عما عداه، فهي بمعنى ما النافية المذكور بعدها إلا نحو: (إنما إلهكم الله) [طه: 98]، أي: ما إلهكم إلا الله، فهي بحرف إنّ التي للتحقيق تثبت الحكم للمذكور، وبلفظة (ما) تنفيه عما عداه. واعترض عليه بمنع كون ما للنفي، وإلا لصدرت، وأيضًا "إنّ" لها الصدر، فكيف يجتمعان؟ فالأولى أن تجعل ما زائدة للتأكيد كهي في ليتما وأخواتها. وإنّ لتأكيد الإثبات، وتضاعف التأكيد يفيد القصر، والمعنى: ليست الأعمال حاصلة إلا بالنية. ولا بد هنا من إضمار، لأنه لم يرد نفي ذات الإعمال، لثبوتها حتمًا وصورة من غير اقتران النية بها، وإنما المراد نفي صحتها أو نفي فضيلتها، وكمالها، لكن إضمار الصحة أولى لأنه أقرب إلى نفي الذات، من إضمار الفضيلة، لأن نفي الصحة مستلزم لنفي جميع الصفات التي للذات. كما أن نفي الذات مستلزم لذلك. ولا كذلك نفي الفضيلة، والتقدير: إنما صحة الأعمال واعتبارها بالنيات. واللام في (الأعمال) إما للعموم، ويكون قد خصّ بالبعض (بالإجماع) (أو) للمعهود من الشرع، قيل: وهي العبادات لعدم اقتصار غيرها إلى النية. انتهى. وقال الطيبي: قول الشيخ محيي الدين (إنما) موضوعة للحصر تثبت المذكور وتنفي ما عداه مستقيم، إذا لم يتعرض في قوله أنّ (إنّ) للإثبات، و (ما) للنفي، كما صرح به الأكثرون، وهو غير مستقيم، لأن (ما) ليست نافية بل هي كافة مؤكدة. روى صاحب "المفتاح" عن علي بن عيسى الربعي أن إفادة الحصر من (إنّما) كانت لتأكيد إثبات المسند للمسند إليه، ثم لما اتصلت بما المؤكدة لا النافية على

ما يظنه من لا وقوف له بعلم النحو، ضاعف تأكيد (ما) فناسب أن يضمن معنى القصر. قوله: (بالنيات). قال الكرماني: الباء للمصاحبة وقيل للاستعانة. وقال ابن فرحون: في "إعراب العمدة": هي للسبب. أي: إنّما الأعمال ثابت ثوابها بسبب النيات، ويحتمل الإلصاق، لأن كل عمل يلتصق به نيته. وقال الحافظ ابن حجر: يحتمل أن تكون المسببة بمعنى أنها مقومة للعمل، فكأنها سبب في إيجاده، ولا بد من محذوف يتعلق به الجار والمجرور فقيل: تكمل، وقيل: تصح، وقيل تستقر. وقال شيخ الإسلام سراج الدين البُلْقيني: الأحسن تقدير ما يقتضي أنّ الأعمال تتبع النية لقوله في الحديث: فمن كانت هجرته إلى الله .. الخ. وعلى هذا يقدر المحذوف كونًا مطلقًا من اسم فاعل أو فعل. قلت: مع أن الأصل والغالب أنه لا يقدر إلا الكون المطلق. وقال الطيبي: كل من (الأعمال والنيات) جمع محلّى باللام الاستغراقية فإما أن يحملا على عرف اللغة فيكون الاستغراق حقيقيًا، أو على عرف الشرع، لا سبيل إلى اللغوي، لأنه ما بعث إلا لبيان الشرع، فكيف يتصدى لما لا جدوى له فيه، فحينئذ عمل: إنما الأعمال بالنيات على ما اتفق عليه أصحابنا، أي: ما الأعمال محسوسة بشيء من الأشياء كالشروع فيها والتلبس فيها بالنيات. فإن قيل: لم خصصت متعلق الخبر، والظاهر العموم كمستقر أو حاصل. فالجواب: إنه حينئذٍ يكون بيانًا للغة، لا إثباتًا لحكم الشرع، وقد سبق بطلانه. وقال الحافظ ابن حجر في "شرح البخاري": الظاهر أنّ الألف واللام في النيات معاقبة للضمير، والتقدير: إنما الأعمال بنياتها.

وقال ابن فرحون: (الألف واللام) في (الأعمال) للعهد في العبارات المفتقرة إلى نية، وفي (النيات) للعهد أيضًا لأن المراد ما يختص بتلك الأعمال دون غيرها). (وقال الراغب: النية تكون مصدرًا أو اسمًا من نويت). قوله: (وإنّما لكل امرئٍ ما نوى). (الامرئ) الرجل، وفيه لغتان: امرِئ نحو زبرج، ومَرْء نحو فَلْس. ولا جمع له من لفظه، وهو من الغريب، لأن عينه تابع للامه في الحركات دائمًا. وإنما قال الله تعالى: (إن امرؤٌ هلك) [النساء: 176] (ما كان أبوك امْرَأَ سوء) [مريم: 18] (لكل امرئ منهم) [النور: 11] [عبس: 37]، وفي مؤنثه أيضًا لغتان امرأة ومَرْأة. وفي هذا الحديث استعمال اللغة الأولى منهما في كلا النوعين إذْ قال: (لكل امرئ)، و (إلى امرأة) وهما من الأسماء العشرة التي بدئت بهمزة وصل. وقال ابن فرحون: (ما) في قوله: (ما نوى). موصولة و (نوى) صلتها، والعائد محذوف، أي: ما نواه. ومحل الصلة مع الموصول مبتدأ، والخبر في المجرور. ويجوز أن يكون موصوفة، أي شيء نواه. ويجوز أن تكون مصدرية والتقدير: لكل امرئ جزاء نيته. قوله: (فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله). قيل: القاعدة تَغايُرُ الشرطِ والجزاءِ، فلا يقال مثلاً: من أطاع (الله) أطاع (الله). وإنما يقال: من أطاع نجا. وقد وقعا في هذا الحديث متّحدين.

وأجيب: بأن التغاير يقع تارة باللفظ، وهو الأكثر، وتارة بالمعنى، ويفهم ذلك من السياق. ومن أمثلته قوله تعالى: (ومن تاب وعمل صالحًا فإنّه يتوب إلى الله متابًا) [الفرقا،: 71] و (هو مؤول) على إرادة المعهود المستقر في النفس، كقولهم: أنت أنت أي: الصديق الخالص. وهم هم، أي: الذين لا يقدر قدرهم. أو (هو مؤول) على إقامة السبب مقام المسبب لاشتهار السبب. وقال ابن مالك: قد يقصد بالخبر المفرد بيان الشهرة وعدم التغير، فيتّحد بالمبتدأ لفظًا كقول الشاعر: خليلي خليلي دون ريبٍ وربّما وقوله: أنا أبو النجم وشعري شعري أي: خليلي من لا أشك في صحة خلته، ولا يتغير في حضوره وغيبته. وشعري على ما ثبت في النفوس من جزالته والتوصل به من (المراد) إلى غايته. قال: وقد يفعل مثل هذا بجواب الشرط كقولك: من قصدني فقد قصدني. أي: فقد قصد من عرف بإنجاح قاصده. ومنه قوله عليه السلام: (فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله).

وقال غيره: إذا اتحد لفظ المبتدأ والخبر، أو الشرط والجزاء، علم منهما المبالغة إمّا في التعظيم، وإما في التحقير. وقال الرضي: الخبر إمّا أن يغاير المبتدأ لفظًا أو لا. والثاني يذكر للدلالة على الشهرة أو عدم التغير كقوله: أنا أبو النجم وشعري شعري أي: هو المشهور المعروف بنفسه لا بشيء آخر كما يقال مثلاً: شعري مليح. وتقول: أنا أنا. أي ما تغيرت عما كنت. وقال الزركشي في "التنقيح": لا بد في الحديث من تقدير، لأن الشرط والجزاء، والمبتدأ لا بد من تغايرهما. وهنا قد اتّحدا، فالتقدير: فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله نية وقصدًا فهجرته إلى الله ورسوله حكمًا وشرعًا. قاله ابن دقيق العيد في "شرح العمدة": وفيه نظر فإن المقدر حينئذ حال مبيّنة، فكيف تحذف ولهذا منع الزيدي في "شرح الجمل" جعل (بسم الله) متعلقًا بحال محذوفة، أي: ابتدئ متبرّكًا (كما قاله). قال: لأن حذف الحال لا يجوز فالأولى أن يكون نيّة وقصدًا، نصبًا على التمييز. ويجوز حذفه إذا دلّ عليه دليل كقوله تعالى: (إن يكن منكم عشرون صابرون) [الأنفال: 65] أي: رجلاً. ويمكن تأويله على إرادة المعهود المستقر في النفوس من غير ملاحظة حذف كقولك: أنت أنت، أي: الصديق الذي لا يتغير. وقول الشاعر: أنا أبو النجم وشعري شعري

أو أنه مؤول على إقامة السبب مقام المسبب لاشتهار السبب، أي: فقد استحق الثواب العظيم المستقر للمهاجرين. وفيه وضع الظاهر موضع المضمر، فإن الأصل: فهجرته إليهما، وفيه وجهان: أحدهما: قصد (الالتذاذ) بذكره، ولهذا لم يعد في الجملة الثانية وهو قوله: (ومن كانت هجرته إلى دنيا) إعراضًا عن تكرير لفظ (الدنيا). وثانيهما: عدل عن ذلك لئلا يجمع بينهما في ضمير واحد. وقال زين العرب: الفاء في قوله: (فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله)، أي: من قصد بالهجرة القربة إلى الله تعالى لا يخلطها بشيء من أعراض الدنيا فهجرته إلى الله ورسوله، قيل: فهجرته مقبولة عندهما، وأجره واقع على الله تعالى. فإن قلت: الشرط سبب للجزاء، والسبب غير المسبب وقد اتّحدا هنا. قلت: الخبر في الجزاء محذوف، كما مرّ آنفًا من أن التقدير: (مقبولة) ونحو ذلك. وفيه نظر إذ لا دلالة على الخبر المحذوف، والأولى في الجواب ما قال الفاضل ابن مالك وساق كلامه المتقدم ثم قال: واعلم أن (إلى الله) في الشرط يجوز كونه خبر كان، ويجوز تعلقه بهجرته، فـ"كان" حينئذ تامة. فأما الجزاء فإلى الله، لا يتعلق بهجرته. قوله: (ومن كانت هجرته إلى دنيا). قال التميمي في "شرح البخاري": هي تأنيث الأدنى ليس بمنصرف، لاجتماع الوصفية ولزوم حرف التأنيث. وقال ابن مالك في "التوضيح": (دنيا) في الأصل مؤنث أدنى، وأدنى أفعل

تفضيل، وأفعل التفضيل إذا ذكر لزم الإفراد، والتذكير، وامتنع تأنيثه وتثنيته وجمعه، ففي استعمال (دنيا) بتأنيث، مع كونه منكرًا إشكال، (فكان حقها أن تستعمل باللام كالكبرى والحسنى). قال: إلا أنها خلعت عنها الوصفية، وأجريت مجرى ما لم تكن وصفًا قط: مما وزنه فعلى كرجعى و (بهمى)، ومن وروده منكرًا مؤنثًا قوله: لا تعجبنك دنيا أنت تاركها ... كم نالها من أناس ثم قد ذهبوا ومما عومل معاملة (دنيا) في الجمع بين التنكير والتأنيث، والأصل أن لا يكون، قول الشاعر: وإن دعوت إلى جلى ومكرمة ... يومًا سراة كرام الناس فادعينا فإن الجلّى في الأصل مؤنث الأجلّ، ثم خلعت عنه الوصفية، وجعل اسمًا للحادثة العظيمة، فجرى مجرى الأسماء التي لا وصفية لها في الأصل. قال الكرماني: والدليل على جعل (الدنيا) اسمًا قلب الواو ياء، لأنه لا يجوز القلب إلا في فُعْلى الاسمية. وقال بعضهم المشهور في (دنيا) القصر بلا تنوين، وحكي تنوينها. قال ابن جني: وهي نادرة، وعزاه ابن دحية إلى رواية الكشميهني وضعفها، وحكى عن ابن مغول أن أبا ذر الهروي في آخر أمره كان يحذف كثيرًا من رواية الكشميهني حيث ينفرد، لأنه لم يكن من أهل الكتاب أي: العلم.

820 - حديث: "اللهم زدنا ولا تنقصنا وأكرمنا ولا تهنا، وأعطنا ولا تحرمنا".

وقال الكرماني: قوله: (إلى دنيا) هو إما متعلق بالهجرة إن كان لفظ (كانت) تامة، وهو خبر لـ (كانت) إن كانت ناقصة. قال: وقوله: (إلى ما هاجر إليه)، إما أن يكون متعلقًا بالهجرة، والخبر محذوف، أي: هجرته إلى ما هاجر إليه غير مقبولة أو غير صحيحة، وإما أن يكون خبر (فهجرته). والجملة خبر المبتدأ الذي هو (من كانت). وأدخل الفاء في الخبر لتضمن المبتدأ معنى الشرط. انتهى. قال الحافظ ابن حجر: وهذا الثاني هو الراجح. قلت: لأن الأصل عدم الحذف، ولا يعدل إليه ما استغني عنه. ثم قال الكرماني: فإن قلت: المبتدأ والخبر بحسب المفهوم متّحدان فما الفائدة في الإخبار؟ قلت: لا اتحاد، إذ الجزء محذوف، وهو: فلا ثواب له عند الله، والمذكور مستلزم له دالّ عليه، أو فهي هجرة قبيحة خسيسة، لأن المبتدأ والخبر وكذا الشرط والجزاء إذا اتحدا صورة يعلم منه التعظيم نحو: أنا أنا، وشعري شعري، ومن كانت هجرته إلى الله ورسوله، فهجرته إلى الله ورسوله، والتحقير نحو: فهجرته إلى ما هاجر إليه. 820 - حديث: "اللهم زدنا ولا تنقصنا وأكرمنا ولا تهنا، وأعطنا ولا تحرمنا". قال الطيبي: عطف النواهي على الأوامر للتأكيد وحذف نون المفعولات في بعض الألفاظ، إرادة لإجرائها مجرى: (فلان يعطي ويمنع)، مبالغة وتعميمًا. وقال المظهري: قوله: (ولا تهنّا) أصله: ولا تهوننا، فنقلت كسرة الواو إلى الهاء، وحذفت الواو لسكونها، وسكون النون الأولى، ثم أدغمت النون في النون الثانية.

821 - حديث: "اللهم إني أسألك من صالح ما تؤتي الناس من المال والأهل والولد غير الضال ولا المضل".

821 - حديث: "اللهم إني أسألك من صالح ما تؤتي الناس من المال والأهل والولد غير الضال ولا المضل". قال الطيبي: (من) الأولى زائدة على مذهب الأخفش، ويجوز أن تكون بمعنى التبعيض، و (من) الثانية بيان (ما). وقوله: (غير الضال) مجرور، بدل من كل واحد من الأهل والولد على سبيل البدل، (والضال) هنا يحتمل أن يكون للنسبة أي: غير ذي ضلال. 822 - حديث: "تمعددوا واخشوشنوا". قال ابن يعيش في شرح المفصل: (تمعدد) أي: صار على خلق معد. قال الراجز: ربيته حتى إذا تمعددا ... كان جزائي بالعصا أن أجلدا والميم فيه أصل. ووزنه تفعّل، ولو كانت الميم فيه زائدة لكان وزنه تمفعل. ولا يعرف تمفعل في كلامهم. فأما قولهم: تمسكن، إذا أظهر المسكنة. وتمدرع، إذا لبس المدرعة، (وتمندل) إذا لبس المنديل، وهو قليل من قبيل الغلط. فكأنهم اشتقوا من لفظ الاسم كما يشتقون من الجمل: نحو حوقل وبسمل، (والجيد)

823 - حديث: "إذا وسع الله عليكم فأوسعوا، صلى رجل في رداء وإزار وقميص في إزار وقباء".

تسكّن وتدرع وتندّل. قال أبو عثمان: هو أكثر كلامهم، أي كلام العرب. انتهى. وقد ورد في حديث. 823 - حديث: "إذا وسع الله عليكم فأوسِعوا، صلى رجل في رداء وإزار وقميص في إزار وقباء". قال ابن مالك: تضمن هذا الحديث فائدتين، إحداهما: ورود الفعل الماضي بمعنى الأمر، وهو (صلى رجل)، والمعنى: ليصل رجل. ومثله من كلام العرب، اتقى الله امرؤ فعل خيرًا أثيب عليه. والمعنى: ليتق وليفعل. ولكونه بمعنى الأمر جيء بعده بجواب مجزوم كما يجاء بعد الأمر الصريح، وأكبر مجيء الماضي بمعنى الطلب في الدعاء نحو: نصر الله من والاك، وخذل من عاداك. والفائدة الثانية: حذف حرف العطف. فإنّ الأصل: صلى رجل في إزار ورداء، أو في إزار وقميص، أو في إزار وقباء، فحذف حرف العطف مرتين لصحة المعنى بدونه. ونظير هذا الحديث في تضمن الفائدتين قول النبي صلى الله عليه وسلم: "تصدق امرؤ من ديناره بدرهم، من صاع بره، من صاع تمره". 824 - حديث: "لو غيرُك قالها يا أبا عبيدة". قال الزركشي: خلاف الجارة، فإن (لو) خاصة بالفعل وقد يليها اسم مرفوع

825 - حديث: "إني رأيته في النار في بردة غلها".

معمول المحذوف (يفسره) ما بعده، كقولهم: لو ذات سوار لطمتني. ومنه هذا، وجواب (لو) محذوف، وفي تقديره وجهان: أحدهما: لو قالها غيرك لأدبته باعتراضه عليّ في مسألة اجتهادية وافقني عليها الأكثر. والثاني: لو قالها غيرك لم أتعجب منه، وإنما العجب من قولك مع فضلك. 825 - حديث: "إني رأيته في النار في بردة غلَّها". قال النووي: أي: من أجلها وبسببها. 826 - حديث: "لوددت أن كل شيء عملناه بعده نجونا منه كفافًا". قال الطيبي: (كفافًا) نصب على الحال من الضمير، أي: نجونا منه في حالة كونه لا يفضل علينا. أو من الفاعل أي مكفوفًا عنا شره. 827 - حديث: "من يبكى عليه يعذبْ". قال النووي: هكذا هو في الأصول، وهو صحيح، وتكون (من) بمعنى الذي ويجوز على لغته أن تكون شرطية، ويثبت حرف العلة. ومنه قول الشاعر: ألم يأتيك والأنباء تنمي

828 - حديث: "من ينح عليه يعذب بما ينح عليه".

828 - حديث: "من ينح عليه يعذب بما ينح عليه". قال الشيخ أكمل الدين: روي (يعذب) بالجزم على أنه جزاء الشرط. وبالرفع على أنه خبر مبتدأ محذوف، أي: يعذب. والباء للسببية، و (ما) موصولة أو مصدرية. 829 - حديث: "ما منكم من أحد يتوضأ". قال الطيبي: (من) الثانية زائدة، والأولى بيانية مجرورة، والمجرور حال على ضعف. وقوله: (إلاّ فتحت له أبواب الجنة الثمانية يدخل من أيها شاء). قال الطيبي: الأظهر أن (يدخل) استئنافية لصحة قيام ليدخل موقعها. 830 - حديث: "واعجبًا لك يا ابن عباس". قال ابن مالك: (وا) في قوله: (واعجبًا لك). إذ نون اسم فعل لمعنى أعجب. ومثله (واهًا)، و (وي). وجيء بعده تعجبًا توكيدًا. وإذا لم ينون، فالأصل فيه (واعجبي)، فأبدلت الكسرة فتحة والياء ألفًا كما فعل في (يا أسفي ويا حسرتي).

وفيه شاهد على استعمال (وا) في منادى غير مندوب، كما يرى المبرد، ورأيه في هذا صحيح. قوله: (لا يغرنّك هذه التي اعجبها حسنُها حبُّ رسولِ الله إيّاها). قال الزركشي: قال أبو القاسم بن الأبرش: (حب رسول الله) معطوف على (حسنها) بغير واو كقولهم: أكلت تمرًا زبيبًا أقِطًا. وحذف حرف العطف جائز. ويؤيده رواية مسلم بالواو. وقال السهيلي في "نتائج الفكر": بلغني عن بعض مشايخنا الجلّة أنه جعله من باب حذف حرف العطف، أي: وحبّ رسول الله، وبلغ الاستحسان بالسامعين لذلك إلى أن علقوه في الحواشي من كتاب الصحيح، وليس كذلك ولكنه يرتفع على البدل من الفاعل الذي في أول الكلام. وهو: (لا يغريك هذه) فهذه فاعل، و (التي) نعت لصلته. و (حب) بدل اشتمال كما تقول: (أعجبني يوم الجمعة صومٌ فيه). و (سرني زيدٌ حبُّ الناس له). قال الزركشي: وعلى هذا فحب مرفوع. وهو ما حكاه القاضي عن النحاة. قال: ضبطه بعضهم بالنصب على إسقاط الخافض. (وقال في موضع آخر: الرفع على أنه عطف بيان، أو بدل اشتمال، أو على حذف واو العطف). وقال القاضي: يقرأ (حسنها) بالنصب (مفعول من أجله) و (حب) فاعل تقديره: أعجبها حبُّ رسول الله صلى الله عليه وسلم إياها لأجل حسنها.

831 - حديث: "إن عمر بن الخطاب بينا هو يخطب إذ جاءه رجل فناداه عمر أية ساعة هذه".

وقيل: (حسنها) مرفوع و (حبّ) كذلك على البدلية نحو: أعجبني زيد علمه. وهو فاسد، لأن الضمير الذي مع أعجبها منصوب، لا يصح بدل الحسن منه ولا الحبّ، لأنهما لا يعقلان. فيصح: أن يتعجبا، نعم (يجوز أن يكونا بدل غلط لكنه شاذ). انتهى. 831 - حديث: "إن عمر بن الخطاب بينا هو يخطب إذْ جاءه رجل فناداه عمر أيّة ساعة هذه". هي بتشديد التحتية، والتاء للتأنيث، أي: يستفهم بها. قال الكرماني: فإن قلت: قال تعالى: (وما تدري نفس بأي أرض تموت) [لقمان: 34] بدون التاء فما وجهه قلت: الأمران جائزان. يقال: أي امرأة جاءتك، وأية امرأة جاءتك. قال الزمخشري: وقولي: بأية أرض. وشبه سيبويه تأنيث (أي) بتأنيث (كل) في قولهم: كلهن. قوله: (قال: إني شغلت). قال في الصحاح: يقال: شغلت عنك بكذا على مفعول ما لم يسم فاعله. قوله: (فلم أزد على أن توضأت، فقال: والوضوء أيضًا). قال النووي: هو بالنصب، أي: توضأت الوضوء فقط. قال الأزهري وغيره: فيه الرفع والنصب، فالرفع على أنه مبتدأ، والخبر محذوف،

تقديره: الوضوء مقتصر عليه. والنصب على أنه مفعول بإضمار فعل تقديره: اختص الوضوء دون الغسل. فالواو عوض من همزة الاستفهام كما قرأ ابن كثير: (قال فرعون وآمنتم به) (¬1) [الأعراف: 123]. وقال ابن السيد: روي بالرفع على لفظ الخبر والصواب الوضوء بالمد على لفظ الاستفهام كقوله تعالى: (آلله أذن لكم) [يونس: 59] ويجوز النصب، أي: اخترت الوضوء. وقال السهيلي: اتفقت الرواة على رفعه، لأن النصب يخرجه عن معنى الإنكار لفعل الوضوء، فلو نصب لتعلق الإنكار بنفس الوضوء، ولكنه قال: آلوضوء أي: أفرد الوضوء والاقتصار عليه ضيعك أيضًا. وقال الحافظ ابن حجر: في الوضوء في روايتنا بالنصب، أي: والوضوء أيضًا اقتصرت عليه. وجوز القرطبي الرفع على أنه مبتدأ وخبره محذوف، أي: والوضوء أيضًا مقتصر عليه. والظاهر أن الواو عاطفة. وقال القرطبي: هي عوض من همزة الاستفهام كقراءة ابن كثير: (قال فرعون وآمنتم به). وقوله أيضًا: قال الحافظ ابن حجر: ألم يكفك أنه فاتك فضل التبكير إلى الجمعة حتى أضفت إليه ترك الفعل المرغب فيه. وقال الشيخ جمال الدين بن هشام وقد سئل عن إعراب قول القائل: وقال أيضًا: ¬

_ (¬1) وهي في القرآن الكريم بلا واو.

اعلم أن (أيضًا) مصدر أأض وأأض فعل مستعمل وله معنيان: أحدهما: رجع، فيكون تامًا. قال صاحب "المحكم": وأأض إلى أهله، رجع إليهم. وكذا قال ابن السكيت، وغيرهما، وهذا هو المستعمل مصدره هنا. والثاني: صار، فيكون ناقصًا عاملاً عمل كان. ذكره ابن مالك وغيره، وأنشدوا قول الشاعر: ربيته حتى إذا تمعددا ... وآض نهضًا كالحصانِ أجردا ... كان جزائي بالعصا أن أُجْلَدا (ورواه الجوهري: وصار نهدًا). وانتصاب (أيضًا) في المثال المذكور ليس على الحال من ضمير (قال) كما توهمه جماعة من الناس، فزعموا أن التقدير: قال أيضًا، أي: راجعًا إلى القول. وهذا لا يحسن تقديره، إلا إذا كان هذا القول إنّما صدر من القائل بعد صدور القول السابق، حتى يصح أن يقال: إنه قال راجعًا إلى القول بعد ما فرغ منه، وليس ذلك بشرط في استعمال (أيضًا). ألا ترى أنك تقول: قلت اليوم كذا وقلته أمس أيضًا، (وكذلك تقول: كتبت اليوم وكتب أمسِ). قال: والذي يظهر لي أنه مفعول مطلق، حذف عامله، أو حال حذف عاملها وصاحبها، وذلك أنك قلت: قال فلان، ثم استأنفت جملة، فقلت: أرجع إلى الأخبار رجوعًا، ولا أقتصر على ما قدمت، فيكون مفعولاً مطلقًا، والتقدير: أخبر أيضًا، أو

832 - حديث: "لم يصبه البلاء كائنا ما كان".

أحكي أيضًا، فيكون حالاً من ضمير المتكلم فهذا هو الذي يستمر في جميع المواضع. ومما يؤنسك بما ذكرته من أن العامل محذوف، أنك تقول: عنده قال وأيضًا علم، فلا يكون قبلها مما يصلح للعمل فيها، فلا بد حينئذ من التقدير، وعلى ذلك قال الشاطبي وقد ذكر أنه لا يدغم الحرف إذا كان تاء متكلم أو تاء مخاطب أو منونًا أو مشدّدًا، ككنتُ ترابًا، أنت، واسعٌ عليم، وأيضًا: تمّ ميقاتُ، مثلاً. قال أبو شامة: قوله (أيضًا)، أي: أمثل النوع الرابع ولا أقتصر على تمثيل الأنواع الثلاثة. وهو مصدر أأض. إذا رجع. انتهى كلامه. وأيضًا على تقدير: حال من ضمير أمثل الذي قدره. واعلم أن هذه الكلمة إنما تستعمل مع ذكر شيئين بينهما توافق، ويمكن استغناء كل منهما عن الآخر، فلا يجوز: جاء زيد أيضًا. إلا أنْ يتقدم ذكر شخص آخر، أو تدل عليه قرينة، ولا جاء زيد ومضى عمر أيضًا لعدم التوافق. واختصم زيد وعمرو أيضًا، لأن أحدهما لا يستغني عن الآخر. انتهى كلام ابن هشام. 832 - حديث: "لم يصبه البلاءُ كائنًا ما كان". قال الطيبي: (كائنًا) حال من الفاعل، والعامل (لم يصبْه) هذا هو الوجه، وذهب المظهري إلى أنه حال من المفعول. وقال: أي في حال ثباته وبقائه، (ما كان) أي: ما دام باقيًا في الدنيا. قال المرزوقي: الحال قد يكون فيها معنى الشرط كما أن الشرط فيه معنى الحال، فالأول: لأفعلنه كائنًا ما كان، أي: إن كان هذا وإن كان هذا. والثاني: كقول عمرو بن مَعْدِيكَرِب:

833 - حديث: "كيف بك إذا خرجت".

ليس الجمال بمئزر ... فاعلم وإن رُدِّيتَ بُرْدا أي: ليس جمالك بمئزر (مردي) معه بردا. وهذا المعنى لا يستقيم على قول المظهري. لأن المعنى: (لم يصبه البلاء إن كان البلاء هذا وإن كان هذا). 833 - حديث: "كيف بك إذا خرجت". قال المظهري: أي: كيف حالك. قال الطيبي: يجوز أن يقدر كيف نراك، والباء زائدة في المفعول، وأن يقدر كيف يصنع بك. وقوله: (بك). حال من الفاعل، و (تعدو بك قلوصك)، حال من فاعل (خرجت). 834 - حديث: "أنّ عمر قال: مالنا وكرمك". قال ابن مالك: فيه شاهد على وجوب نصب المفعول معه بعد الضمير المجرور في نحو: (مالك وزيدًا)، و (ما شأنك وعمرًا)، و (حسبك وأخاك درهم). وإنما وجب نصب ما ولي الواو (في هذه المسألة)، وشبهها لأنه يتلوها ضمير

835 - حديث: "صل في هذا الوادي المبارك وقل: عمرة في حجة".

مجرور، ولا يجوز العطف عليه، إلا بإعادة الجار، فلو كان بدل الضمير ظاهرًا جاز الجر والنصب، نحو: ما لزيد والعرب بسبها. وأجاز الأخفش والكوفيون العطف على الضمير المجرور دون إعادة الجار فيجوز على مذهبهم: مالنا وكرمِك، بالجر. وروى الأخفش في: (فحسبك والضحاك سيف مهند)، الجر على العطف، والنصب على كونه مفعولاً معه، والرفع بالابتداء وحذف الخبر. وقوله: (إنّما كنّا رائينا به المشركين). يروى بياءين وبهمزة وياء، ومعناه: أظهرنا لهم القوة ونحن ضعفاء فجعل ذلك رياء، لأن المرائي يظهر غير ما هو عليه، ومن رواه بياءين حمله على رياء، والأصل (روأ) فقلبت الهمزة ياء لفتحها وكسر ما قبلها، وحمل الفعل على المصدر، وإن لم توجد الكسرة، كما قالوا في آخيت، وأخيت، حملاً على يواخي ومواخاة، والأصل: يؤاخي ومؤاخاة، قلبت الهمزة واوًا لفتحها بعد ضمة، وفعل ذلك بهمزة الفعل الماضي، وإن لم توجد الضمة ليجري على سنن المضارع والمصدر. انتهى. وقال القاضي (عياض): (رائينا) بالهمز فاعَلْنا من الرؤية: أي: أريناهم بذلك أنا أشدّ. 835 - حديث: "صل في هذا الوادي المبارك وقل: عمرة في حجة". قال الزمخشري: الوجه الرفع، ويجوز النصب على حكاية اللفظ، أي: قل جعلتها عمرة.

836 - حديث: "ما هو إلا أن رأيت الله شرح صدر أبي بكر للقتال".

وقال الخطابي: (في) إما بمعنى مع، كأنه قال: عمرة معها حجة وإما أن يراد: عمرة مدرجة في حجة وذلك القران. 836 - حديث: "ما هو إلا أن رأيت الله شرح صدر أبي بكر للقتال". قال الطيبي: المستثنى منه غير مذكور. أي: ليس شيئًا من الأشياء إلا علمي بأنّ أبا بكر محق، ونحوه قوله تعالى: (ما هي إلا حياتنا الدنيا) [الجاثية: 24]، هي ضمير مبهم يفسره ما بعده. 837 - حديث: "مرَّ بجنازة فأُثْنِي عليها خيرًا". قال الحافظ ابن حجر: كذا وقع في جميع الأصول بالنصب، وغلط من ضبط (أُثْنِيَ) بفتح الهمزة على البناء للفاعل، فإنه في جميع الأصول مبني للمفعول. قال ابن السني: والصواب بالرفع، وفي نصبه بعد في اللسان. وقال ابن مالك: أمره سهل، لأن (خيرًا) صفة لمصدر حذف، وأقيمت صفته مقامه فنصبت، لأن (أثنى) مسند إلى الجار والمجرور والتفاوت بين الإسناد إلى المصدر، والإسناد إلى الجار والمجرور قليل. وقال ابن بطال: الجار والمجرور أقيم مقام المفعول الأول و (خيرًا) مقام الثاني وهو جائز، وإن كان المشهور عكسه.

838 - حديث خصومة علي والعباس، وقوله: "فانطلقت معه حتى أدخل على عمر".

وقال النووي: هو منصوب بنزع الخافض أي: أثنى عليها بخير. 838 - حديث خصومة علي والعباس، وقوله: "فانطلقت معه حتى أدخل على عمر". قال ابن مالك: الرفع جائز والنصب هو الراجح. قوله: (فقال: يا مالِ)، يريد يا مالك على الترخيم، كما يقال في حارث: يا حارِ، ويجوز ضم اللام وكسرها. قوله: (ها لك). قال الزركشي: فيه حذف، أي: يأذن. قوله: تئدكم. قال الزركشي: يريد على رسلكم، كأنه مصدر نادر ليتئد، وأصله في هذا الفعل: اتّأد يتئد على وزن افتعل من التؤدة، وهي السكون، وهو نصب على المصدر، ومعناه: اسكنوا، والتقدير: تئدوا تئدكم، كما يقال: سيروا سيركم. وقال القاضي عياض: تئد بفتح التاء. للقابسي وعن الأصيلي: تئدكم بكسرها، وقال كذا لأبي زيد. وقال أبو زيد: هي كلمة لهم. وعند بعض الرواة (تئدكم) برفع الدال. وقال لنا الأستاذ أبو القاسم النحوي: صوابه (يئديكم) اسم الفعل من (اتأد) وحكاه عن أبي علي الفارسي. قال أبو علي: وأراه من التؤدة. قال القاضي: فالياء في تئديكم مسهلة من الهمز، والتاء مبدلة من واو لأنه في الأصل واوي.

839 - حديث: "حضرت أبي حين أصيب فأثنوا عليه وقالوا: جزاك الله خيرا فقال: راغب وراهب".

وفي المحكم: (تئدك) بمعنى: اتئد، اسم للفعل (كرويد) وكأن وصفه غير لكونه اسمًا للفعل لا فعلاً، فالتاء بدل من الواو، كما كانت في التؤدة، والياء بدل من الهمزة قلبت منها قلبًا لغير علة. 839 - حديث: "حضرتُ أبي حين أصيب فأثنوا عليه وقالوا: جزاك الله خيرًا فقال: راغب وراهب". قال القرطبي: هذا خبر مبتدأ محذوف، أي: أنتم على هذين الحالين أو مبتدأ خبره محذوف، أي: منكم راغب، ومنك راهب. وقيل: تقديره أنا راغب في الاستخلاف لئلا يضيع المسلمون. وراهب منه لئلا يفرط المستخلف ويقصر. وقال النووي: أي: الناس صنفان. وقيل: أراد إني راغب فيما عند الله وراهب من عذابه، فلا أعول على ما أثنيتم به عليّ. 840 - حديث: "إنه لم يُهلِكْ أهلَ الكتاب (إلا أنه لم يكن بين صلاتهم فصل) ". قال الطيبي: (أهل الكتاب) بالنصب مفعول، وفاعله ما بعد إلا، أي: لم يهلكهم شيء إلا عدم الفصل بين الصلاتين، وإن استعمل في الماضي معنى ليدل على استمرار هلاكهم في جميع الأزمنة، واستعمال هلك بمعنى (أهلك). قال الجوهري: تقول: هلكه هلكًا بمعنى أهلكه. 841 - حديث: "أنه استأذن النبي صلى الله عليه وسلم في العمرة فأذن له وقال: يا أخي لا تنسنا من

842 - حديث: "لا تشتروا وإن بدرهم".

دعائك، قال عمر: ما أحبُّ أنَّ لي بها ما طلعت عليه الشمس". قال الكرماني: هذه الباء تسمى الباء البدلية، وباء المقابلة نحو: اعتضت بهذا الثوب خيرًا منه. ومنه قول عمرو بن تغلب: فوالله ما أحبّ أن لي بكلمة رسول الله صلى الله عليه وسلم أو مقابلها. ومنه قوله صلى الله عليه وسلم: ما أحب أن لي الدنيا وما فيها بهذه الآية: (يا عبادي الذين أسرفوا) [الزمر: 53]. الآية. وفي لفظ: فقال عمر: كلمة ما أحبّ أن لي بها الدنيا. قال الطيبي: (كلمة) نصب قال على معنى تكلّمه. 842 - حديث: "لا تشتروا وإنْ بدرهمٍ". قال الكرماني: أي: وإن كان بدرهم، فحذف الشرط، والحذف عند القرينة جائز. 843 - حديث: "الأذان".

قال الأندلسي: من التأكيد اللفظي، قوله في الأذان: (الله أكبر الله أكبر)، وفي الإقامة: (قد قامت الصلاة قد قامت الصلاة). وفي الحديث الآخر: (فهي خداج فهي خداج). وفي الحديث الآخر: (فنقلوا بعيرًا بعيرًا). قال وإنما كرر الجملة الاسمية في: فهي خداج، ليتمكن المعنى، لئلا يغفل عن مراده. وتكرار كلمة (الأذان) و (الإقامة) للمبالغة في الإعلام والتعظيم. وقال الطيبي: ذكر في "المفصل" أفعل يضاف إلى نحو ما يضاف إليه، أي: وله معنيان: أحدهما: أن يراد أنه زائد على المضاف إليه في (الخصلة). التي هو وهم وشركاء فيها. والثانية: أن يوجد مطلقًا له الزيادة فيها إطلاقًا ثم يضاف، لا للتفضيل على المضاف إليهم بل لمجرد التخصيص كما يضاف ما لا تفضيل له. وذلك نحو قولهم: الناقص والأشجُّ أعدلا بني مروان. وقوله: أن يوجد مطلقًا له الزيادة فيها. (الإطلاق) يحتمل معنيين أحدهما: وهو الظاهر أن أفعل قطع عن متعلقه قصدًا إلى نفس الزيادة إيهامًا للمبالغة نحو: فلان يعطي ويمنع. أي: يوجد حقيقتهما، وإفادته للمبالغة من حيث أن الموصوف تفرد بهذا الوصف، وانتهى أمره فيه إلى أن لا يتصور له من مشاركة فيه، ولهذا السر قال أولاً: ثم أتبعه بقوله إطلاقًا. وثانيهما: وعليه كلام شارح اللباب أن يراد بالزيادة الزيادة على الغير، لكن على

مسند عمران بن حصين رضي الله عنه

العموم فإن معنى قوله (أعدلا بني مروان) أفعل التفضيل عليهم لأن المروانية كلهم جَوَرة، لكن التعريف أنه من بني مروان (كأنه قال: الأشج أعدل الناس، وهذا الأعدل من بني مروان) والاحتمال الأول أولى، وعليه يحمل كل ما جاء في وصف الباري تعالى من نحو: أكبر وأعلم، لأنه لا ينبغي أن يتوهم في وصفه المبارك المشارك. قال في "النهاية" و"الغريبين": إن الراء في (أكبر) ساكنة في الأذان، والصلاة، كما سمع موقوفًا غير معرب في مقاطعة كقولهم: حيّ على الصلاة حيّ على الفلاح، والمعنى هلموا إليها وأقبلوا وتعالوا مسرعين، ولما كان (حيّ) بمعنى أقبل عدّي، فإن "أقبل" يعدى بعلى، يقال (أقبل) عليه بوجهه. وقال تعالى: (وأقبلوا عليهم ماذا تفقدون) [يوسف: 71]، قال: وقوله: إذا قال المؤدن: الله أكبر، إذا شرطية. وقوله: فقال أحدكم: الله أكبر. عطف على الشرطية، وجزاء الشرط قوله آخر الحديث: دخل الجنة. وقوله: ثم قال حي على الصلاة، قال: لا حول ولا قوة إلا بالله .. إلخ، والمعطوفات بثم مقدرات بحرف الشرط والفاء، ويجوز أن يكون (فقال): جوابًا لشرط. وكذا قال في المعطوفات. وإنما وضع الماضي موضع المستقبل لتحقيق الموعود. انتهى. مسند عمران بن حصين رضي الله عنه

844 - حديث: "فقال بشر بن كعب: مكتوب في الحكمة: إن منه وقارا".

844 - حديث: "فقال بشر بن كعب: مكتوب في الحكمة: إنَّ منه وقارًا". قال أبو البقاء: (إنّ) مكسورة لا غير، لأنها مستأنفة وليست معمولة المكتوب، لأن مكتوبًا من كلام الراوي يعلم به أن صورة المكتوب في الحكمة (وقار). 845 - حديث: "إن فلانًا لا يفطر نهارًا الدهرَ". قال أبو البقاء: (الدهر) منصوب وفيه وجهان: أحدهما: هو بدل من نهار، فكأنه قال: لا يفطر الدهر، وذكر النهار هنا لفائدة، وهو أنه لو قال: لا يفطر الدهر، لدخل فيه الليل والنهار بمقتضى الظاهر. فلما قال: نهارًا، بان أنه أراد نهار الدهر. الثاني: ينتصب بفعل محذوف تقديره: يصوم الدهر، وهو شارح لمعنى: لا يفطر نهارًا. 846 - حديث: "إنّ رجلاً أعتق ستةً مملوكين له عند موته لم يكن له مالٌ غيرهم، فدعاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فجزّأهم ثلاثًا".

847 - حديث: "أصابتني جنابة ولا ماء".

قال أبو البقاء: الجيد تنوين (ستة) ويكون (مملوكين) نعتًا له، والإضافة ضعيفة، لأن المميز هنا جمع صحيح والأصل في المميز المضاف إليه أن يكون بلفظ جمع موضوع للقلة، وقد يقع موقعه جمع الكثرة، كقولك: ثلاثة أفلس وثلاثة رجال. وأما قوله: (فجزّأهم ثلاثًا) فالظاهر يقتضي ثلاثة، لأن التقدير: ثلاثة أجزاء. ووجه حذف التاء أن يقدر ثلاث فرق الواحد فرقة. ولو قدرت ثلاث قطع جاز، كما قال تعالى: (وقطعناهم اثنتي عشرة أسباطًا أممًا) [الأعراف: 160]، اثنتي عشرة قطعة، ثم أبدل منه أسباطًا. و (غيرُهم) بالرفع نعت لمال. والنصب على الاستثناء. 847 - حديث: "أصابتني جنابةٌ ولا ماء". قال ابن دقيق العيد: حذف الخبر، أي موجود أو عندي. 848 - حديث: "كان الله ولم يكن شيءٌ قبلَه". قال الطيبي: (ولم يكن) حال، وعلى مذهي الكوفي خبر، والمعنى يساعد. إذ التقدير: كان الله في الأزل منفردًا متوحدًا، وهو مذهب الأخفش، فإنه جوز دخول

849 - حديث (المرأة والمزادتين) – قوله: "وقعنا تلك الوقعة".

الواو في خبر كان، نحو: كان زيد وأبوه قائم، على جعل الجملة خبرًا مع الواد، تشبيهًا بالحال. 849 - حديث (المرأةِ والمزادتين) – قوله: "وقعنا تلك الوَقعة". قال أبو البقاء: (تلك) في موضع نصب بوقعنا نصب المصادر، و (الوقعة) بدل من (تلك) أو عطف بيان فهي منصوبة لا غير. قوله: فكان أول من استيقظ فلان، (فلان) اسم كان، و (أول) خبرها، و (من) نكرة موصوفة، فيكون (أول) نكرة أيضًا، لإضافته إلى النكرة، أي: أول رجل استيقظ. وقوله: قالت: عهْدِي بالماءِ أمسِ هذه الساعة. (عهدي) مبتدأ، و (بالماء) يتعلق به. و (أمس) ظرف لعهدي، و (هذه الساعة) بدل من (أمسِ) بدل بعض من كلّ. وخبر المبتدأ محذوف، تقديره: عهدي بالماء حاصل، ونحو ذلك. ويجوز أن يكون (أمس) خبر (عهدي)، لأن المصدر يخبر عنه بظرف الزمان. وقال ابن مالك: أصله: في مثل هذه الساعة، فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه، ونظيره في حذف المضاف وإقامة المضاف إليه مقامه، قلنا لمسروق: سله أكان عمر يعلم من الباب، أي: يعلم من مثل الباب. وقوله: (ونفرُنا خلوفًا). قال ابن مالك: بالنصب على الحال، وهي حال سدت مسد الخبر والتقدير: ونفرنا متروكون خلوفًا.

ثم قال أبو البقاء: وقوله: (فإنْ كان المسلمون بعد يغيرون)، (إنْ) هنا مخففة من الثقيلة، واسمها محذوف أي: إنه كان. وقوله: (فقالتْ يومًا لقومها ما أدري إنّ هؤلاءِ يدَعونكم عمدًا) الجيد أن يكون (إنّ هؤلاء) بالكسر على الاستئناف، ولا يفتح على إعمال (أدري) فيه، والمعنى: أن المسلمين قد تركوا الإغارة رعاية لكم. ويكون المفعول ما أدري محذوفًا، أي: ما أدري لماذا تمتنعون من الإسلام، أو نحو ذلك. وقوله: (فكان آخرَ ذلك أنْ أعطى)، (آخر) بالنصب أقوى على أنه خبر "كان" مقدم، و (أنْ أعطى) في موضع رفع اسم كان لأنّ (أنْ) والفعل أعرف من الاسم المفرد، ويجوز رفع (آخر) ونصب (أن أعطى) لأن كليهما معرفة. وقد جاء القرآن بهما، نحو قوله تعالى: (فما كان جواب قومه إلا أن قالوا) [النمل: 56]، بالرفع والنصب، انتهى كلام أبي البقاء. وقوله: (فقلنا لها: أين الماءُ؟ قالت: أيهات أيهات). قال النووي: هكذا هو في الأصول، وهو بمعنى: هيهات هيهات. ومعناه البعد من المطلوب، واليأس منه، كما قالت بعده: لا ماء لكم، (أي: ليس لكم ماء) حاضر ولا قريب، وفي هذه اللفظة بضع عشرة لغة. وقال القرطبي: كذا روي هنا بالهمز في أولها، وبالتاء في آخرها، وروي "أيهاه"

بالهاء في آخرهما، وهي هيهات المذكورة في قوله تعالى: (هيهات هيهات لما توعدون) [المؤمنون: 36] وأبدلت الهاء همزة، ومعناها البعد، والهاء في آخرها للوقف، وقيل: هي مركبة من هي للتأسف، وهاه للتأوه، فقلبت الهاء في الأصول تاء ثم حكرت بالفتح والضم والكسر، وهي اسم من أسماء الأفعال فتارة تقدر ببعد، كما قيل قول الشارع: فهيهات هيهات العقيق وأهله أي: بعد العقيق وأهله، وتارة تقدر: ببعد، الذي هو المصدر كما قيل في قوله تعالى: (هيهات هيهات لما توعدون) أي: بعدًا بعدًا للذي توعدون. انتهى. وقوله: كان من أمره ديت ديت. قال النووي: قال أهل اللغة: هو بمعنى كيت وكيت، وكذا وكذا. وقال القرطبي: كيت وكيت، كلمة يعبر بها عن الجمل الكثيرة والحديث عن الأمر الطويل، ومثلها: ذيت وذيت. قال ثعلب: كان من الأمر كيت وكيت، وكان من فلان ذيت وذيت، فكيت كناية عن الأفعال، وذيت إخبار عن الأسماء.

مسند عمرو بن العاص رضي الله عنه

مسند عمرو بن العاص رضي الله عنه 850 - حديث: "ألا كان مفزعكم إلى الله ورسوله". قال أبو البقاء: (ألاّ) مفتوحة مشددة، وإذا وليها الماضي كانت توبيخًا، وإنْ وليها المستقبل كانت تحضيضًا، ومثلها: هلاّ ولولا ولوما. 851 - حديث: "إنّ هذا القرآن أنزل على سبعة أحرف، فأيَّ ذلك قرأتم فقد أصبتم". قال أبو البقاء: (أيّ) منصوب بقرأتم وهي شرطية، ومثله قوله تعالى: (أيًّا ما تدعوا) [الإسراء: 110] فأيًّا منصوب بتدعوا، وكذا حديث أم أيوب: (أيَّها قرأتَ أجزأك). قال: وأجاز قوم الرفع في مثل هذا على أنه مبتدأ، و"قرأت" نعت له، وأجزأك الخبر. 852 - حديث: "إنّ أفضلَ ما نعدُّ شهادةُ أنْ لا إلهَ إلاّ اللهُ".

قال أبو البقاء: (شهادة) مرفوع لا غير، لأنه خبر (إنّ) تقديره: إنّ أفضل الأشياء (شهادة أن لا إله إلا الله). و (ما) بمعنى الذي. و (نعدّ) صلتها، والعائد محذوف. أي: نعدّه، ولا يجوز أن ينصب شهادة بنعدّ لأنه يصير من صلة الذي، فيحتاج إلى خبر، وليس في اللفظ خبر، ولا لتقديره معنى. قوله: (ابسط يمينك فلأبايعك). قال القرطبي: بكسر اللام وإسكان العين على الأمر، أي: أمر المتكلم لنفسه، والفاء جواب لما تضمنه الأمر – الذي هو ابسط- من الشرط. ويصح أن يكون اللام لام كي، وينصب أبايعك. وتكون اللام سببية. وقال الطيبي: لعل التقدير أنا أبايعك، وأقحم اللام توكيدًا، أو التقدير: لأبايعَك تعليلاً للأمر، والفاء مقحمة، ويحتمل أن تكون اللام مفتوحة، فيكون التقدير: فإنّي لأبايعك. والفاء للجزاء، كقولك: ائتني فإنّي أكرمك. انتهى. قوله: تشترط بماذا؟ قال النووي: هكذا ضبطناه (بما) بإثبات الباء فيجوز أن تكون زائدة للتوكيد كما في نظائرها. ويجوز أن تكون على تضمين (تشترط) معنى (تحتاط) أي: تحتاط بماذا. وقال الطيبي: حق ماذا أن يتقدم على (يشترط)، إلا أنه حذف (ماذا) قبل (يشترط)، وجعل المذكور تفسيرًا له. قوله: (أما علمت). قال الطيبي: الهمزة فيها معنى النفي، و (ما) نافية فإذا اجتمعتا دلّا على

853 - حديث: "فوالله ما أدري أحبا ذلك أم تألفا".

(التقرير) لا سيما وقد أتبعا بقوله: علمت، إيذانًا بأن ذلك أمر مقرر لا نزاع فيه، ولا ينبغي أن يرتاب فيما يتلوهما. 853 - حديث: "فواللهِ ما أدري أحُبًّا ذلك أم تألُّفًا". قال أبو البقاء: منصوبان، مفعول لهما، أي: لا أدري هل ذلك لمحبة أو لتألفه إياي. قلت: في (النسخة): أحبًّا كان ذلك، فيكون خبر كان. 854 - حديث: "نعما بالمال الصالح للمرء الصالح". قال ابن مالك في "شرح الكافية": (ما) في نعما وبئسما نكرة بمعنى شيء، وموضعها نصب على التمييز والفاعل مضمر، إلى هذا ذهب الزمخشري وكثير من المتأخرين، وظاهر قول سيبويه أن فاعل نعم (ما)، وأنه اسم تام معرفة وندر تمامها معرفة هنا، كما ندر تمامها في باب التعجب. قال ابن خروف: وتكون (ما) تامة معرفة بغير صلة نحو: دققته دقًا نعما. قال سيبويه: أي: نعم الدق، ونعما هي: أي نعم الشيء أبداؤها، فحذف المضاف وهو الإبداءة وأقام ضمير الصدقات مقامه، ونعما صنعت، وبئسما فعلت. أي: نعم الشيء شيء صنعت. هذا كلام ابن خروف، معتمدًا على كلام سيبويه.

وسبقه إلى ذلك السيرافي، ويقوي تعريف ما (بعد) نعم كثيرة الاقتصار عليها في نحو: غسلته غسلاً نعما، والنكرة التالية نعم لا يقتصر عليها، فإن التمييز يرفع إبهام المميز، و (ما) تساوي المضمر في الإبهام فلا يكون تمييزًا. انتهى. قال الشيخ جمال الدين بن هشام في "تذكرته": إذا وقعت لفظة (ما) بعد نعم وبئس، فإمّا أن يقع بعدها مفرد أو جملة: فإن وقع بعدها مفرد نحو: بئسما تزويج ولا مهر، فقيل: (ما) في موضع نصب على التمييز والفاعل مستتر، وقيل: في موضع رفع على الفاعلية. وهي معرفة تامة، وقيل: لا موضع لها، وهي مركبة مع الفعل وما بعدها الفاعل، وهذا أردأ الأقوال، لأن نحو (تزويج) في: "بئسما تزويج" و (فنعما هي) [البقرة: 271]، لم يثبت بدون "ما" فاعلاً. ثم لو كان نحو "هي" فاعلاً لزم استتاره، ووجب تمييزه بنكرة تفسّره. وإن وقع بعدها جملة، فقيل: (ما) في موضع رفع على الفاعلية وقيل: رفع على أنها المخصوص. وقيل: تمييز. فعلى الأول قيل: إنها معرفة تامة، وما بعدها صفة لمخصوص محذوف. أي: نعم الشيء شيء هو كذا وكذا. وقيل: معرفة ناقصة، وما بعدها صلة. (وقيل: حرف مصدري وما بعدها أيضًا صلة). والموضع للمجموع. وعلى الثاني: قول واحد وهو أن قبلها (ما) أخرى تمييز حذفت و (ما) هذه موصولة والجملة بعدها صلة. قال: وحذف المخصوص أولى من حذف التمييز، وإذا كان يجيز كون (ما) تمييزًا فليجعلها هذه المذكورة.

855 - حديث: "خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي يده كتابان فقال: أتدرون ما هذان الكتابان؟ قلنا: لا يا رسول الله إلا أن تخبرنا".

وعلى الثالث: ثلاثة مذاهب، كما في الأول ثلاثة. قيل: الجملة صفة للنكرة. وقيل صفة المخصوص حذف، وقيل صلة لـ (ما) أخرى حذفت وهي المخصوص. فالأقوال سبعة. انتهى. وقال الطيبي: (ما) في نعما غير موصولة ولا موصوفة. قال ابن جني: (ما) في نعما منصوبة لا غير، والتقدير: نعم شيئًا المال الصالح، والباء زائدة. مثلها في: كفى بالله. وإنما قلنا: ليست بموصولة ولا موصوفة لتعين الأولى بالصلة والثانية بالصفة. والمراد الإجمال ثم التبيين، فما هنا بمنزلة تعريف الجنس في: نعم الرجل، فإنه إذا قرع السمع أولاً مجملاً ذهب بالسمع كل مذهب، ثم إذا بيّن تمكن في ذهنه فضله تمكنًا وأخذ بمجامع القلب. انتهى. وقال الأندلسي في "شرح المفصل"، يقال: نِعْما بسكون العين، ونِعِمّا بكسرها وتشديد الميم، لأن سكون الميم بالإدغام أوجب تحريك العين. 855 - حديث: "خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي يده كتابان فقال: أتدرون ما هذان الكتابان؟ قلنا: لا يا رسول الله إلاّ أنْ تخبرَنا". قال الطيبي: هذا استثناء منقطع. أي لا نعلم، ولكن إذا أخبرتنا نعلم، كأنهم طلبوا بالاستدراك إخباره إيّاهم، ويجوز أن يكون متّصلاً مفرغًا، أي: لا نعلمه بسبب من الأسباب إلا بإخبارك. قوله: فقال للذي في يده. أي: لأجله. قوله: ثم أجمل على آخرهم. ضمن (أجمل) معنى أوقع فعدى بعلى، أي: أوقع الإجمال [على ما انتهى إليه التفصيل] ويجوز أن يكون حالاً أي: أجمل في حال

مسند عمرو بن يثربي رضي الله عنه

وقوع أنها التفصيل إلى آخرهم. ومن عادة الحسّاب أن يكتبوا الأشياء مفصلات ثم يوقعوا في آخره. فذلك يرد التفصيل إلى الجملة. قوله: "فلا يزاد فيهم"، جواب شرط محذوف. أي: إذا كان الأمر على (ما تقدم) من التفصيل والتعيين والإجمال بعد التفصيل في الصك فلا يزاد ولا ينقص. انتهى. مسند عمرو بن يثربي رضي الله عنه 856 - حديث: "إن لقيتها نعجة تحملُ شفرة وزنادًا بخَبْتِ الجَمِيش فلا تمسها". قال في النهاية: (الخبت) الأرض الواسعة، و (الجميش) الذي لا نبات فيه، كأنه جمش، أي حلق. وقال الزمخشري في "الفائق": (خبت) علم لصحراء بين مكة والحجاز قال: زعم العواذلُ أنَّ ناقة جندب ... بجبوب خبت عرِّيَتْ وأجَمَّتِ وامتناع صرفها للتأنيث والعلمية، ويجوز أن تصرف بسكون الوسط، و (الجميش) صفة لها، فعيل بمعنى مفعول من الجمش وهو الحلق، كأنها حلق نباتها. ويجوز أن يضاف خبت إلى الجميش، والجميش النبات.

مسند عمرو بن عبسة السلمي رضي الله عنه

وقال في القاموس: (الخبت) المتسع من بطون الأرض، والجميش: المكان لا نبات فيه، وصحراء بناحية مكة. فحصل من ذلك ثلاثة أقوال: أحدها: أن (خبت الجميش) في الحديث: اسم جنس لكل أرض واسعة لا نبات بها. والثاني: أن (خبت) علم لأرض مخصوصة وصف بالجميش أو أضيف إليه. والثالث: أن الجميش هو العلم أضيف إليه الخبت إضافة العام إلى الخاص وهذا عندي أرجح. مسند عمرو بن عبسة السلمي رضي الله عنه 857 - حديث: "من قاتل في سبيل الله فواقَ ناقة". قال أبو البقاء في نصب (فواق) وجهان. أحدهما: أن يكون ظرفًا تقديره: وقت فواق. أي: وقتًا مقدرًا بذلك. والثاني أن يكون جاريًا مجرى المصدر، أي: قتالاً مقدّرًا بفواق.

858 - حديث أوقات الكراهة، قوله: "ثم أقصر عن الصلاة، فإن حينئذ تسجر جهنم".

858 - حديث أوقات الكراهة، قوله: "ثم أقصر عن الصلاة، فإنّ حينئذٍ تُسْجَرُ جهنم". قال الطيبي: في اسم إنّ وجهان: أحدهما: تسجر على إضمار أنْ، كقوله تعالى: (ومن آياته يريكم البرق) [الروم: 24]. والثاني: ضمير الشأن المحذوف من إنّ المكسورة المثقلة كقول الشاعر: فلا تخذل المولى وإنْ كان ظالمًا ... فإنّ به تنأى الأمور وتقربُ التقدير: فإنه به، وله في الأحاديث نظائر. قوله: (ما منكم رجل يقرب وضوءه فتمضمض واستنشق فينتثر إلاّ خرجت خطايا وجهه). قال الطيبي: المستثنى منه مقدر، أي: ما منكم رجل يتصف بهذه الصفة كائن على حال من الأحوال إلا على هذه الحالة. وعلى هذا المعنى ينزل سائر الاستثناء وإن لم يصرح بالنفي فيها، لكونها في سياق النفي بواسطة ثم العاطفة. قوله: (فإنْ قام فصلى فحمد الله وأثنى عليه ومجّده بالذي هو أهله، وفرّغ قلبه لله، إلا انصرف من خطيئته كهيئة يوم ولدته أمه). قال الطيبي: إنْ شرطية، والضمير المرفوع بعدها، رافعه فعل مضمر يفسره ما بعده، فلما حذف أبرز الضمير المستكن فيه، وجواب الشرط محذوف وهو المستثنى

859 - حديث: "أقرب ما يكون الرب من العبد في جوف الليل الآخر".

منه، أي: فلا ينصرف في شيء من الأشياء إلا من خطيئته كهيئة يوم ولدته أمه، وجاز تقدير النفي لما مر أن الكلام في سياق النفي. هذا مذهب صاحب "الكشاف"، وأما ابن الحاجب فيجوزه في الإثبات كما يقال: قرأت إلا يوم الجمعة. ونظير هذا الشرط قول الحماسي: وإن هو لم يحمل على النفس ضيمها ... فليس إلى حسن الثناء سبيلُ 859 - حديث: "أقرب ما يكون الربُّ من العبد في جوف الليل الآخر". قال الطيبي: يحتمل أن يكون قوله (في جوف الليل) حالاً من الرب، أي: قائلاً في جوف الليل يدعوني فأستجيب له، سدت مسد الخبر. أو من العبد، أي: قائمًا في جوف الليل داعيًا مستغفرًا، على نحو قولك: ضربي زيدًا قائمًا. ويحتمل أن يكون خبرًا لأقرب. وقوله: (الآخر) صفة لجوف على أن ينصف الليل ويجعل لكل نصف جوف. والقرب يحصل في جوف النصف الثاني. فابتداؤه من المثال الأخير. مسند عمرو بن عوف رضي الله عنه

860 - حديث: "فوالله ما الفقر أخشى عليكم".

860 - حديث: "فوالله ما الفقرَ أخشى عليكم". قال أبو البقاء: (الفقر) منصوب بأخشى، تقديره: ما أخشى عليكم الفقر. والرفع ضعيف، لأنه يحتاج إلى ضمير يعود عليه. وإنما يجيء ذلك في الشعر. وتقدير ذلك: ما الفقر أخشاه عليكم. أي: ما الفقر مخشيًّا عليكم، وهو ضعيف. 861 - حديث: "ليسَ لعرق ظالمٍ حقٌّ". (قال الزركشي رحمه الله: يروى بتنوين (عرق) و (ظالم) نعت له، وهو راجع إلى صاحبه، ويروى بغير تنوين على الإضافة، [فيكون الظالم صاحب العرق]. 862 - حديث: "إنّ الدِّينَ ليأرِزُ إلى الحجاز كما تأرِزُ الحيَّةُ إلى جحرها، وليعقلنَّ الدين من الحجاز معقل الأرْوِيَّة من رأس الجبل". قال الطيبي: (ليعلقن) جواب للقسم، والجملة معطوفة على خبر إنّ على تقدير: أقسم بالله. و (الدين) مظهر وضع موضع المضمر. ويجوز أن يكون العطف للجملة ومعقل مصدر بمعنى العقل. ويجوز أن يكون اسم مكان.

مسند عوف بن مالك رضي الله عنه

مسند عوف بن مالك رضي الله عنه 863 - حديث: "لا يقصُّ إلاّ أميرٌ أو مأمورٌ أو مختالٌ أو مرائي". قال الطيبي: قوله: (لا يقص)، ليس بنهي بل هو نفي وإخبار أن هذا الفعل ليس بصادر إلا عن هؤلاء، ولو حمل على النهي الصريح، لزم أن يكون المختال مأمورًا. مسند عياض بن حمار رضي الله عنه 864 - حديث: "الخطبة الطويلة". قوله: (وأهل النار خمسة: الضعيف الذي لا زبر له، الذين هم فيكم تبع لا يبتغون أهلاً ولا مالاً). قال الأشرفي: (الذي) في الأول بمعنى (الذين) للجمع كقوله: وإن الذي حانت بفلج دماؤهم ... هم القوم كل القوم يا أم خالد

مسند فضالة الليثي رضي الله عنه

و (الذين) الثاني بيان له أو بدل منه. قال الطيبي: وصف الضعيف باعتبار لفظه تارة بالمفرد، وباعتبار الجنس تارة أخرى بالجمع. وقوله: (تبع)، مرفوع على أنه فاعل الظرف، أو مبتدأ خبره الظرف، والجملة خبر (هم) وروي بالنصب على أنه حال من الضمير المستتر في الخبر. قوله: (والخائن الذي لا يخفى له طمع وإن دق الأمانة) (الطمع) هنا مصدر بمعنى المفعول. قوله: (ورجل لا يصبح ولا يمسي إلا وهو يخادعك عن أهلك ومالك). (عن) هنا للسببية، أي: يخادعك بسبب أهلك، كقوله تعالى: (فأزلهما الشيطان عنها) [البقرة: 36]. قال في الكشاف: أي: حملهما على الزلة بسببها. قوله: (وذكر البخل والكذب). قال التوربشتي: أقام المصدر مقام اسم الفاعل. قوله: (والشنظير). قال الطيبي: هو مرفوع عطفًا على رجل، أو منصوب عطفًا على البخل والكذب. مسند فضالة الليثي رضي الله عنه

865 - حديث: "حافظ على العصرين – ولم تكن من لغتنا – قلت: وما العصران؟ قال: صلاة قبل طلوع الشمس وصلاة قبل غروبها".

865 - حديث: "حافظ على العصرين – ولم تكن من لغتنا – قلت: وما العصران؟ قال: صلاة قبل طلوع الشمس وصلاة قبل غروبها". قال الشيخ أكمل الدين: كأنه من باب التغليب، غلب العصر على الفجر، فسمي العصرين، لأن رعاية العصر أشد من حيث الاشتغال بمصالحهم. مسند الفضل بن العباس رضي الله عنه 866 - حديث: "الصلاة مثنى مثنى، تشهد في كل ركعتين وتضرع وتخشع وتمسكن". قال الحافظ زين الدين العراقي في "شرح الترمذي"، المشهور في هذه الرواية أن هذه الألفاظ أفعال مضارعة حذف منها إحدى التاءين ويدل عليه قوله في رواية أبي داود (تشهد). ووقع في بعض الروايات بالتنوين في هذه الألفاظ على الاسمية، وهو تصحيف من بعض الرواة لما فيه من الابتداء بالنكرة التي لم توصف. وأيضًا فلا يتقيد قوله: وتخشع وما بعده يكون ذلك في كل ركعتين، ولا يكون الكلام تامًّا بعدم الخبر المفيد، إلا أن يكون قوله: (تشهد) بيانًا لقوله: مثنى مثنى وتخشع وتخضع وتمسكن. وقال أبو موسى المديني: يجوز أن يكون أمرًا وخبرًا. انتهى.

مسند قبيصة بن المخارق رضي الله عنه

فعلى الاحتمال الأول يكون (تشهد) وما بعده مجزومًا على الأمر، وفيه بعد لقوله بعد ذلك (ترفع يديك) فالظاهر أنه خبر. انتهى. وقال التوربشتي: وجدنا الرواية فيهن بالتنوين (لا غير) وكثير ممن لا علم لهم بالرواية يردونها على لفظ الأمر ونراها تصحيفًا. وقال الطيبي: (الصلاة) مبتدأ و (مثنى مثنى) خبر، والأول تكرير والثاني تأكيد له. و (تشهد في كل ركعتين) خبر بعد خبر كالبيان لـ (مثنى مثنى). أي: صلاة ذات تشهد في كل ركعتين، وكذا المعطوفات، ولو جعلت أوامر اختلّ النظم وذهبت الطراوة والطلاوة. وأما قوله: (ثم ترفع يديك) فعطف على محذوف، أي: إذا فرغت منها فسلم، ثم ارفع يديك سائلاً حاجتك، فوضع الخبري موضع الطلبي. وقال صاحب "النهاية": (تمسكن) تفعل من السكون والميم زائدة قال: والقياس أن يقال: تسكن، وهو الأكثر والأفصح، وقد جاء على الأول أحرف قليلة. قالوا: تمدرج، وتمنطق، وتمندل. مسند قبيصة بن المُخارق رضي الله عنه

867 - حديث: "يأكله صاحبه سحتا".

867 - حديث: "يأكلُه صاحبه سحتًا". قال أبو البقاء: هو حال، أي مُحرّمًا. وفي حديث مسلم: فما سواهن من المسألة يا قبيصة سحتًا. قال عياض والنووي: كذا في جميع نسخ مسلم، وفيه إضمار، أي: (اعتقده سحتًا). أو يؤكل سحتًا. ورواه غير مسلم: (سحت) وهو واضح. مسند قتادة بن ملحان رضي الله عنه 868 - حديث: "كان يأمر بصيام أيام البيض". قال أبو البقاء: (الأيام) مضافة إلى (البيض)، لأن (البيض) هي الليالي لابيضاضها بالقمر من أول الليل إلى آخره. ولا يجوز (الأيام البيض) لأن الأيام كلها بيض، وإنما التقدير: (أيام) الليالي البيض.

مسند قدامة بن عبد الله رضي الله عنه

مسند قدامة بن عبد الله رضي الله عنه 869 - حديث: "لا ضربَ ولا طردَ ولا إليك إليك". قال الطيبي: أي: لا ضرب هناك ولا طرد ولا قول إليك، وهي أحوال مترادفة، و (إليك) هنا من أسماء الأفعال معناه: تنحَّ عني. مسند قُرَّة بن إياس المزني رضي الله عنه 870 - حديث: "إنْ كنتم لا بدّ آكليهما". قال الطيبي: جملة (لا بدّ) معترضة بين اسم كان وخبره. قوله: (فأميتوهما طبخًا). قال أبو البقاء: إن شئت جعلته مصدرًا في موضع الحال، أي: أميتوهما

مسند قيس بن عمرو الأنصاري رضي الله عنه

مطبوخين. وإن شئت جعلت (أميتوهما) بمعنى اطبخوهما طبخًا، فيكون مصدرًا مؤكدًا. مسند قيس بن عمرو الأنصاري رضي الله عنه 871 - حديث: "رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلاً يصلي بعد صلاة الصبح ركعتين، فقال: أصلاة الصبح مرتين". قال الطيبي: منصوب بفعل مضمر ينكر عليه فعله، أي: أتصلي بعد صلاة الصبح وليس بعدها صلاة. مسند كعب بن مالك رضي الله عنه 872 - حديث تخلفه عن غزوة تبوك. قوله: "وما أحبُّ أنّ لي بها مشهدَ بدر".

873 - حديث: "بل الدم الدم والهدم الهدم".

قال الزركشي: الباء بمعنى البدل. قوله: "فلم يزل يتمادى بي، حتى اشتد الناس الجدَّ". قال الزركشي: ضبط برفع (الناس) على أنه فاعل، ويكون الخبر منصوبًا على إسقاط الخافض، أو نعت لمصدر محذوف، أي: اشتد الناس الاشتداد الجد، وعند ابن السكيت: بالناس، وهو الصواب. قوله: "وقد كان كافيك ذنبَك استغفار رسول الله صلى الله عليه وسلم". بنصب الياء من (كافيك)، خبر كان، واسمها (استغفار)، و (ذنبك) منصوب بإسقاط الخافض. قوله: "ونهى عن كلامنا أيها الثلاثةُ". بالرفع وموضعه نصب على الاختصاص. وحكى سيبويه: اللهم اغفر لنا أيتها العصابة. قوله: "والله ما يزال يبكي لدن أنْ كان من أمرك ما كان". قال أبو البقاء: (لدن) مبنية على السكون، وهي مضافة إلى ما بعدها و (أنْ) مصدرية، أي: من لدن حدوث أمرك. قال: وقوله: (أنْ أنخلع من مالي صدقةً)، (صدقة) مصدر، إما منصوب بـ (أنخلع)، لأن معناه: أتصدق، أو في موضع الحال، أي: متصدقًا. 873 - حديث: "بل الدمُ الدمُ والهدمُ الهدمُ". قال أبو البقاء: يجوز فيه الرفع، والتقدير: بل دمي دمُكم، وهدمي هدمكم، أي: من قصدني قصدكم، والنصب على تقدير: احفظوا الدم والهدم، وكرر ذلك

874 - حديث: "قم فاقضه".

توكيدًا، والمعنى أصاحبكم وأحفظكم كما أحفظ دمي وأصاحبه. 874 - حديث: "قم فاقضه". قال الزركشي: بكسر الهاء ضمير الغريم، وليست للسكت وإلا سكنت. حديث: "ما ذئبان جائعان أرسلا في غنم بأفسد لها من حرص المرء على المال والشرف لدينه". قال الطيبي: (ما) بمعنى ليس، و (ذئبان) اسمها، و (جائعان) صفة له، و (أرسلا في غنم) الجملة في محل الرفع على أنها صفة، و (بأفسد) خبر ما، والباء زائدة، و (أفسد) أفعل التفضيل، أي: بأشد إفسادًا، والضمير في (أنها) للغنم، واعتبر فيه الجنسية فلهذا أنث. وقوله: (من حرص المرء)، هو المفضل عليه لاسم التفضيل. وقوله: (على المال)، متعلق بالحرص والشرف عطف على المال، والمراد به الجاه. وقوله: (لدينه)، اللام فيه للبيان، كما في قوله تعالى: (لمن أراد أن يتم الرضاعة) [البقرة: 233] كأنه قيل: يرضعن لمن؟ قيل: لمن أراد. وكذلك هنا كأنه قيل: بأفسد لأي شيء؟ قيل: لدينه.

مسند كعب بن عاصم الأشعري رضي الله عنه

مسند كعب بن عاصم الأشعري رضي الله عنه 875 - حديث: "ليس من امبرّ امصيام في السفر". قال السخاوي في "شرح المفصل": في هذا الحديث يجوز أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم تكلم بذلك لمن كانت هذه لغته أو تكون هذه لغة الراوي التي لا ينطق غيرها، لأن النبي صلى الله عليه وسلم أبدل اللام ميمًا. قال الأزهري: والوجه أن لا يثبت الألف في الكتابة لأنها ميم جعلت كالألف واللام. مسند كعب بن عُجْرة رضي الله عنه 876 - حديث: "أطعم ثلاثة أصوع". قال النووي: الآصع جمع صاع وقد ثبت استعمال (الآصع) في هذا الحديث من كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكذلك هو المشهور في كلام الصحابة والعلماء بعدهم، وفي

877 - حديث: "معقبات لا يخيب قائلهن دبر كل صلاة مكتوبة ثلاث وثلاثون تسبيحة".

كتب اللغة، وكتب النحو والتصريف، ولا خلاف في جوازه وصحته، وأما ما ذكره ابن مكي في كتابه (تشقيق اللسان): أن قولهم في جمع الصاع (آصع) لحن من خطأ العوام، وأن صوابه (أصوع) فغلط منه وذهول. وعجب قوله هذا مع اشتهار اللفظة في الحديث، واللغة العربية وأجمعوا على صحتها، وهو من باب المقلوب، قالوا: فيجوز في جمع (صاع) آصع، وفي دار آدر، أو هو باب معروف في كتب العربية، لأن فاء (آصع) صاد، وعينها واو، فقلبت الواو همزة ونقلت إلى موضع الفاء، ثم قلبت الهمزة حين اجتمعت هي وهمزة الجمع فصار (آصعا) ووزنه عندهم (أعفل)، وكذلك القول في (آدر) ونحو. 877 - حديث: "معقبات لا يخيب قائلهن دبر كل صلاة مكتوبة ثلاث وثلاثون تسبيحة". قال الطيبي: قوله: (معقبات) يحتمل أن يكون صفة مبتدأ أقيمت مقام الموصوف، أي: كلمات معقبات، و (لا يخيب) خبر، و (دبر كل صلاة) ظرف، يجوز أن يكون خبرًا بعد خبر وأن يكون متعلقًا (بقائلهن لا يخيب)، ويحتمل أن يكون (لا يخيب قائلهن) صفة (معقبات)، و (دبر) صفة أخرى، أو خبرًا آخر، أو متعلقًا بقائلهن، و (ثلاث) خبرًا آخر، ويجوز أن يكون خبر مبتدأ محذوف. أي: هي ثلاث وثلاثون. والجملة بيان.

مسند لقيط بن عامر رضي الله عنه

مسند لقيط بن عامر رضي الله عنه 878 - حديث لقوله: "لعمرُ إلهك". قال الرضي: كل مبتدأ في الجملة القسمية متعين للقسم نحو: لعمري وأيمن الله، يجب حذف خبره، فإن تعينه للقسم دلّ على تعين الخبر المحذوف، أي: لعمري ما أقسم به، وجواب القسم ساد مسد الخبر المحذوف. والعمر وبمعنى ولا يستعمل مع اللام إلا المفتوحة، لأن القسم موضع التخفيف لكثرة استعماله. وقال في "النهاية": قوله: (لعمر إلهك)، هو قسم ببقاء الله ودوامه، وهو رفع بالابتداء، والخبر محذوف تقديره: لعمر الله قسمي، أي: ما أقسم به واللام للتوكيد، فإن تأت باللام نصبته نصب المصادر فقلت: عمر الله وعمرك الله: أي: بإقرارك (لله) وتعميرك له بالبقاء. قوله: أما مررت بوادي قومك مجدبًا ثم مررت به يهتز خضرًا. قال الطيبي: (يهتز) جملة حالية، و (خضرًا) نصب على التمييز.

مسند مالك بن الحويرث رضي الله عنه

قوله: فتسلكون جمرًا من النار يطأ أحدكم الجمرة فيقول: حسن، فيقول ربك: وإنه. قال في "النهاية": أي وإنه كذلك. أو: إنه على ما تقول. وقيل: (إنّ) بمعنى نعم، والهاء للوقف. مسند مالك بن الحويرث رضي الله عنه 879 - حديث: "صلوا ما رأيتموني أصلي". قال الطيبي: (ما) نكرة موصوفة. أي: صلوا صلاةً كصلاةٍ رأيتموني أصليها. مسند مالك بن يسار رضي الله عنه 880 - حديث: "إذا سألتم الله تعالى فاسألوه ببطون أكفكم". قال الطيبي: الباء للآلة، ويجوز أن تكون للمصاحبة.

مسند محمود بن الربيع الأنصاري رضي الله عنه

مسند محمود بن الربيع الأنصاري رضي الله عنه 881 - حديث: "إنّ عتبان بن مالك قال: يا رسول الله إنها تكون الظلمة والسيل". قال الزركشي: الضمير في (إنها) ضمير الشأن والقصة، زاد الكرماني: تامة لا يحتاج إلى خبر. قوله: ((أفعل) يا رسول الله في بيتي مكانًا). قال الزركشي: انتصب (مكانًا) على الظرف، وإن كان محدودًا لتوغله في الإبهام فأشبه خلْفًا وأمامًا. وقد قالوا: هو بين مكان كذا فنصبوه على الظرف. ويجوز أن يكون مفعولاً به على إسقاط الخافض. ونظيره الوجهان في قوله تعالى: (إذ انتبذت من أهلها مكانًا شرقيًّا)، أي: في مكان. انتهى. وقوله: (أتخذه مصلى). قال الزركشي: يجوز فيه الجزم على جواب الأمر، كأنه قال: إن تفعل أتخذه (مصلى). والرفع على أحد الوجهين: إما نعتًا لـ (مكانًا) أو على الانقطاع مما قبله وجعله خبرًا مستأنفًا.

مسند محمود بن لبيد الأشهلي رضي الله عنه

ونظيره قوله تعالى: (فهب لي من لدنك وليًّا يرثُني) [مريم: 5]، قرئ بالرفع والجزم. مسند محمود بن لبيد الأشهلي رضي الله عنه 882 - حديث: "ما جاء بك يا عمرو أحدَبًا على قومك أو رغبة في الإسلام". قال أبو البقاء: (حدبًا ورغبةً) انتصبا على المفعول له، أي: جئت للحدب والرغبة. ويجوز أن يكونا حالين. أي: حادبًا وراغبًا. وقوله (بل رغبة)، يجوز رفعه، أي: جاء بي رغبة، ونصبه على المفعول له. مسند مرداس الأسلمي رضي الله عنه 883 - حديث: "يذهب الصالحون الأولُ فالأولُ". قال أبو البقاء: يجوز رفعه على الصفة أو البدل، ونصبه على الحال وجاز ذلك وإن كان فيه الألف واللام، لأن الحال ما يتخلص من المكرر، لأن التقدير: ذهبوا (مترتبين). انتهى.

مسند المسور بن مخرمة ومروان بن الحكم رضي الله عنهما

قال الزركشي: وهل الحال الأول أو الثاني أو المجموع منهما، خلاف كالخلاف في: هذا حلو حامض، لأن الحال أصلها الخبر. وقال الطيبي: الفاء للتعقيب، ولا بد من تقدير، أي: الأول منهم فالأول من الباقين منهم هكذا حتى ينتهي إلى الحثالة، والأول بدل من (الصالحون). قوله: (ويبقى حثالة)، يروى حفالة بالفاء، والثاء والفاء يتعاقبان كثيرًا، كجدث، وجدف، وثوم وفوم. قوله: (لا يباليهم الله بالة). قال الكرماني: ليس (بالة) مصدر البالي، وإنما هو اسم لمصدر. وقال البيضاوي: أصله بالِيةٌ مثل: عافته عافية، فحذفت الياء تخفيفًا، كما حذفوا من لم أبل، ويقال: ما بليته، وما باليت به، أي: لم أكترث به. مسند المسور بن مخرمة ومروان بن الحكم رضي الله عنهما 884 - حديث صلح الحديبية: قوله: "إن خالدَ بن الوليدِ في خيلٍ لقريش طليعةً".

قال أبو البقاء: (طليعة) حال من الضمير في (خيل)، ولا يجوز أن يكون حالاً من لفظ (خالد)، لأن (أنّ) لا تعمل في الحال والتقدير: إن خالدًا كائن في خيل أو مستقر، فالعامل في الحال الاستقرار. قوله: (فقال للناس: حَلٍ حَلْ) هو بفتح الحاء المهملة وسكون اللام زجرًا للناقة إذا حملتها على السير، يقال لها: حَلْ، ساكنة اللام، فإذا كررت وقلت: حلٍ حلْ، كسرت لام الأول منونًا، وسكنت لام الثانية، كقولك: بخٍ بخْ، وصَهٍ صَهْ. قوله: (أيْ غُدَر أي غدر)، ووزنه من بناء المبالغة، وهو من الأسماء المختصة بالنداء، وهو منقول من غادر. قوله: (قد سهل لكم)، أي من أمركم. قال الكرماني: هو فاعل سهل، ومن زائدة أو تبعيضية، أي: سهل بعض أمركم. قوله: (قد والله أوفى الله ذمتك). قال الكرماني: فإن قلت: كان القياس أن يقال: والله قد أوفى الله، قلت: القسم محذوف والمذكور مؤكد. قوله: (ويْلَمِّه مسعر حرب). قال ابن مالك: أصل (ويلمه): وي لأمه، فحذفت الهمزة تخفيفًا، لأنه كلام كثر استعماله، وجرى مجرى المثل، ومن العرب من يضم اللام، وفي ضمها وجهان: أحدهما: أن يكون ضم اتباع للهمزة كما كسرت الهمزة اتباعًا للأم في قراءة من قرأ: (فلأمه الثلث) [النساء: 11] ثم حذفت الهمزة، وبقي تابع حركتها على ما كان عليه.

مسند المسيب بن حزن رضي الله عنه

والثاني: أن يكون الأصل (ويل) لأنه بإضافة (ويل) إلى الأم تنبيهًا على ثكلها وويلها لفقده، والأول أجود ليتخذ معنى المكسور. و (وي) من أسماء الأفعال بمعنى أعجب، واللام متعلقة به ونصب (مسعر حرب) على التمييز. انتهى. مسند المسيب بن حزن رضي الله عنه 885 - حديث: "أيْ عمْ، قل: لا إله إلا الله، كلمة الشهادة، أشهد لك بها عند الله". قال القرطبي: أحسن ما نقيد به (كلمة) النصب، على أن تكون بدلاً من لا إله إلا الله. ويجوز رفعها على إضمار المبتدأ، و (أشهد) مجزوم على جواب الأمر، أي: إن تقل أشهد. وقال الكرماني: (أي) حرف نداء و (كلمة) نصب على البدلية أو على الاختصاص. وقال الزركشي: يجوز الرفع أي: هي كلمة، و (أشهد) في موضع نصب صفة لـ (كلمة). وقوله: (آخر ما كان) نصب على الظرف.

مسند مطيع بن الأسود رضي الله عنه

مسند مطيع بن الأسود رضي الله عنه 886 - حديث: "لا يقتل رجل من قريش بعد العام صبرًا أبدًا". قال أبو البقاء: (صبرًا) مصدر في موضع الحال، أي: لا يقتل مصبرًا، أي: محبوسًا، و (أبدًا) ظرف. وقال سليمان بن خلف النحوي في كتابه "الدرة الأدبية في نصرة العربية": لو روي لا يقتل حرّ أفسد المعنى، لاقتضائه أنه لا يقتل قرشي وإن ارتدّ، ولا إذا قتل، بل رفعًا، وانصرف التأويل إلى الإخبار، أنها لا يرتدّ أحد منها عن الإسلام فيستحق القتل، نقله ابن الضائع في تذكرته. مسند معاذ بن أنس الجهني رضي الله عنه 887 - حديث: "أيُّ المجاهدين أعظمُ أجرًا؟ قال: أكثرُهم لله ذكرًا". قال أبو البقاء: (أيّ) مبتدأ واستفهام، و (أعظم) خبره و (أجرًا) تمييز، وكذا (أكثرهم).

888 - حديث: "من ترك أن يلبس صالح الثياب، وهو يقدر عليه تواضعا لله تعالى".

888 - حديث: "من ترك أن يلبس صالح الثياب، وهو يقدر عليه تواضعًا لله تعالى". قال أبو البقاء: (أن يلبس) مفعول (ترك)، أي: ترك لبس صالح الثياب، وهو يقدر جملة في موضع الحال، و (تواضعًا) يجوز أن يكون مفعولاً له، للتواضع، وأن يكون مصدرًا في وضع الحال، أي: متواضعًا. 889 - حديث: "الجفاء كلُّ الجفاء، والكفر والنفاق من سمع منادي الله ينادي بالصلاة يدعو إلى الفلاح ولا يجيبه". قال أبو البقاء: (الجفاء) في الأصل مصدر وهو هنا مبتدأ، و (كل الجفاء) توكيد، و (الكفر والنفاق) معطوفان على الجفاء، و (من سمع) خبر المبتدأ، ولا بد فيه من حذف مضاف، أي: إعراض من سمع، لأن (مَنْ) جثّة بمعنى شخص أو إنسان والجفاء ليس بالإنسان، والخبر يجب أن يكون هو المبتدأ في المعنى والإعراض جفاء. 890 - حديث: "من تخطّى رقاب الناس يوم الجمعة اتُّخِذ جسرًا من جهنم". قال الحافظ زين الدين العراقي: المشهور في رواية هذا الحديث (اتّخذ) على بنائه للمفعول، بضم التاء وكسر الخاء بمعنى أنه يُجعل جسرًا على طريق جهنم ليوطأ ويُتَخطّى كما تخطى رقاب الناس. ويجوز أن يكون على البناء للفاعل. والأول أظهر وأوفق للرواية.

مسند معاذ بن جبل رضي الله عنه

وقد ذكره صاحب "مسند الفردوس" بلفظ: (من تخطى رقبة أخيه المسلم، جعله الله يوم القيامة جسرًا على باب جهنم للناس). قال الطيبي: قوله: (إلى جهنم) صفة جسر أي: (جسرًا ممتدًّا) إلى جهنم. مسند معاذ بن جبل رضي الله عنه 891 - حديث: "وأنْ يُعطى الرجل ألفَ دينارٍ فيتسخَّطَها". قال أبو البقاء: (الجيد النصب) عطفًا على (يُعْطى) ويجوز الرفع. 892 - حديث: "من مات هو يشهد أن لا إله إلا الله صادقًا من قلبه". قال أبو البقاء: هو حال من الضمير في (يشهد). 893 - حديث: "من لقي الله لا يشركُ به شيئًا". قال أبو البقاء: (شيئًا) مفعول (يشرك)، ومنه قوله تعالى: (ولا يشرك بعبادة ربه أحدًا) [الكهف: 110] ويجوز أن يكون في موضع المصدر وتقديره: لا يشرك به إشراكًا، كقوله تعالى: (لا يضركم كيدهم شيئًا) [آل عمران: 120] أي: ضررًا.

894 - حديث: "مفاتيح الجنة شهادة أن لا إله إلا الله".

894 - حديث: "مفاتيح الجنة شهادةُ أن لا إله إلا الله". قال الطيبي: (مفاتيح الجنة) مبتدأ، و (شهادةُ) خبره، وليس بينهما مطابقة من حيث الجمع والإفراد، وهو من وادي قول الشاعر: ومعي جياعًا جعل الناقة الضامر من الجوع كأنّ كل جزء من المعي بمنزلة معي واحد من شدة الجوع، وكذلك جعلت الشهادة المستتبعة للأعمال الصالحة التي هي (كأسنان) المفاتيح كل جزء منها بمنزلة مفتاح واحد. 895 - حديث: "انظروا فستجدونه راعيًا مِعْزى أو مُكْلِبًا". قال أبو البقاء: (راعيًا) حال من الهاء، و (تجد) هنا من وجدان الضالة، فيتعدى إلى مفعول واحد. و (معزى) منصوب براع ومثله (مكلبًا). 896 - حديث: "من كان آخرُ كلامه لا إله إلا الله". قال أبو البقاء: (آخر) بالرفع اسم كان، و (لا إله إلا الله) في موضع نصب خبرها ويجوز العكس.

897 - حديث: "من غزا فخرا ورياء".

897 - حديث: "من غزا فخرًا ورياءً". قال أبو البقاء: يجوز أن يكون مفعولاً له، وأن يكون مصدرًا في موضع الحال، ومثله في حديثه أيضًا: بكى جشعًا. 898 - حديث: "مُلِئَ جنانًا". قال أبو البقاء: يجوز أن يكون تمييزًا لأن (الملء) للمكان يكثر أنواعه (فيتميز) بعضها، ويجوز أن يكون مفعولاً ثانيًا، لأنك تقول: ملأت الإناء كذا، فيكون مفعولاً به. 899 - حديث: "أنّه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أفضل الإيمان فقال: أن تحبَّ لله وتعمل لسانك في ذكر الله، قال: وماذا يا رسول الله؟ قال: وأنْ تحبّ للناس ما تحبُّ لنفسك". قال الطيبي: قوله: (وماذا) أي: وماذا أصنع بعد ذلك. (وماذا) يجوز أن يكون منصوبًا بأصنع، بمعنى: أي شيء أصنع، وأن يكون مرفوعًا بالابتداء بمعنى: أيّ شيء أصنعه، فعلى الأول يكون قوله: (أن تحب للناس) منصوبًا، وعلى الثاني مرفوعًا.

900 - حديث: "ولا تتركن صلاة مكتوبة متعمدا".

900 - حديث: "ولا تتركنَّ صلاةً مكتوبةً متعمِّدًا". قال أبو البقاء: (متعمدًا) حال، وصاحب الحال الضمير في (تتركنّ). 901 - حديث: "ولا ترفعْ عصاك عنهم أدبًا". قال أبو البقاء: مفعول له تقديره: اضربهم تأديبًا، أي: للتأديب. 902 - حديث: "سألته أن لا يهلك أمتي غرقًا". قال أبو البقاء: يجوز أن يكون تمييزًا، وأن يكون في موضع الحال، وأن يكون مفعولاً له. وقوله: (أن لا يلبسهم شيعًا) هو حال من الهاء في (يلبسهم). 903 - حديث: "فقلت: حمى أو طاعونًا". قال أبو البقاء: هما منصوبان بفعل محذوف تقديره: فليسلط الآن أو فيلقي. 904 - حديث: "فأخبر بها معاذُ عند موته تأثُّمًا". قال الطيبي: (تأثمًا) مفعول له.

905 - حديث: "يا معاذ أتدري ما حق الله على العباد؟ قال: الله ورسوله أعلم. قال: يعبد الله ولا يشرك به شيء".

وفي النهاية، أي: تجنبًا للإثم. وقال المظهري: تأثم الرجل إذا فعل فعلاً يخرج به من الإثم وكذلك تحنَّث ألقى الحنث عن نفسه، وتحرج ألقى الحرج عن نفسه. وقال الزمخشري في "المفصل": يجيء تفعّل بمعنى التجنب كقولك: تحوَّب وتأثّم وتهجّد وتحرّج، أي: تجنب الحوب والإثم والهجود والحرج. قال الأندلسي: ومنه تلوّم، أي: انتظر انتظار من يجتنب الملامة. 905 - حديث: "يا معاذُ أتدري ما حقُّ الله على العباد؟ قال: الله ورسوله أعلم. قال: يُعْبَدُ الله ولا يُشْرَكُ به شيءٌ". قال النووي: هكذا ضبطناه (يعبد) بضم المثناة تحت، و (شيء) بالرفع وهذا ظاهر. وقال الشيخ أبو عمرو بن الصلاح: وقع في الأصول (شيئًا) بالنصب، وهو صحيح على الترديد في قوله: "يعبد الله ولا يشرك به" من وجوه ثلاثة: أحدها: (يعبد) بفتح الياء التي هي للمذكر الغائب، أي: يعبد الله ولا يشرك به شيئًا. وقال: هذا أوجه الأوجه. والثاني: (تعبد) بفتح المثناة فوق التي للمخاطب على التخصيص لمعاذ لكونه المخاطب والتنبيه على غيره.

906 - حديث: "لا تجلس حتى يقبل قضاء الله ورسوله".

والثالث: (يعبد) بضم أوله ويكون (شيئًا) كناية عن المصدر، ولا عن المفعول به، أي: لا يشرك به إشراكًا ويكون الجار والمجرور هو القائم مقام الفاعل. قال: وإذا لم يعين الرواة شيئًا من هذه الوجوه، فحق على من يروي هذا الحديث هنا أن ينطق بها كلها واحدًا بعد واحد، ليكون آتيًا بما هو (المقول) منها في نفس الأمر جزمًا. انتهى. 906 - حديث: "لا تجلس حتى يقبل قضاء الله ورسوله". قال الزركشي: برفع (قضاء) على خبر مبتدأ مقدر، أي: هذا قضاء الله. وبالنصب على الاختصاص، أو على المصدر أو على المفعول بفعل مضمر: اقض قضاء الله. 907 - حديث: "أخبرني بعملٍ يدخلني الجنة ويباعد من النار". قال التوربشتي: الجزم فيهما على جواب الأمر غير مستقيم رواية ومعنى. قال الطيبي: أما الرواية فغير معلومة، وأما المعنى فاستقامته ما ذكره القاضي البيضاوي. قال: وإن صح الجزم فيه كان جزاء الشرط محذوفًا، تقديره: أخبرني إن عملته يدخلني الجنة، والجملة الشرطية بأسرها صفة لـ (عمل)، أو جوابًا للأمر، وتقديره: أن إخبارَ الرسول صلى الله عليه وسلم لما كان وسيلة إلى عمله، وعمله ذريعة إلى دخول الجنة، كان الإخبار سببًا بوجه ما إلى إدخال العمل إياه الجنة.

وقال المظهري: إذا جعل (يدخلني) جواب الأمر، يبقى (بعمل) غير موصوف، والنكرة غير الموصوفة لا تفيد. والجواب أن التنكير فيه للتفخيم أو النوع، أي: بعمل عظيم أو معتبر في الشرع، بقرينة قوله: (سألتني عن عظيم)، ولأن مثل معاذ رضي الله عنه لا يسأل من مثله صلى الله عليه وسلم، بما لا جدوى له، واعلم أن في هذا مذهبين: أحدهما: مذهب الخليل وهو أن يجعل الأمر بمعنى الشرط وجواب الأمر جزاء. وثانيهما: مذهب سيبويه أن الجواب جزاء الشرط محذوف وعلى التقدير التركيب من باب إقامة السبب الذي هو الإخبار مقام المسبب الذي هو (العمل)، لأن العامل هو المسبب ظاهرًا لا الإخبار، لأن الإخبار إنّما يكون سببًا للعمل إذا كان المخاطب مؤمنًا معتقدًا موافقًا كقوله تعالى: (قل لعبادي الذين آمنوا يقيموا الصلاة) [إبراهيم: 31]. قال ابن الحاجب: (يقيموا) جواب (قل)، أي: قل لعبادي يقيمون (الصلاة)، وما اعترض عليه من أن الإقامة ليست بلازمة لقوله: ليست بشيء، فإن الجواب لا يقتضي الملازمة العقلية، وإنما يقتضي الغلبة، وذلك حاصل، فإن أمر الشارع صلوات الله عليه وسلامه للمؤمن بإقامة الصلاة يقتضي إقامة الصلاة منه غالبًا. قوله: (قال: لقد سألت عن عظيم). قال المظهري: أي: عن شيء عظيم، مشكل متعسر الجواب، لأن معرفة العمل الذي يدخله الجنة من علم الغيب، وعلم الغيب لا يعلمه إلا الله. قال الطيبي: ذهب إلى أنّ (عظيم صفة موصوف محذوف، أي: عن سؤال عظيم، والأظهر أن يقال: إنّ الموصوف أمر، ويعني به العمل، لأن قوله: تعبد الله .. إلى آخره، استئناف وقع بيانًا لذلك الأمر.

قوله: (ألا أدلك على أبواب الخير؟) قال الطيبي: التعريف في (الخير) للجنس، ويحتمل أن يكون للعهد الخارجي، وهو ما يعلم من قوله: (تعبد الله ... إلى آخره). قوله: (الصدقة تطفئ الخطيئة)، وصلاة الرجل في جوف الليل، ثم قرأ: (تتجافى جنوبهم) [السجدة: 16]. قال البيضاوي: قوله: (وصلاة الرجل) مبتدأ، خبره محذوف، أي: صلاة الرجل في جوف الليل كذلك، أي: تطفئ الخطيئة، أو هي أبواب الخير، والأول أظهر لاستشهاده صلى الله عليه وسلم بالآية، وهي متضمنة للصلاة والإنفاق. قال الطيبي: ويعضده تقييد القرينتين السابقتين، أعني: الصوم والصدقة بفائدتين زائدتين، وهي الجنة وإطفاء الخطيئة، لأن الظاهر أن يقال: أبواب الخير: الصوم والصدقة لا غير، وصلاة الرجل في جوف الليل، فلما بدأ بهما يجب أن يقيد هذا بما يناسبهما كما قدره القاضي، والأظهر أن يقدر: الخير شعار الصالحين كما وقع في "جامع الأصول" ويفيد فائدة مطلوبة زائدة على القرينتين. وهي أنهما كما أفادتا في "جامع الأصول" ويفيد فائدة مطلوبة زائدة على القرينتين، وهي أنهما كما أفادتا المباعدة عن النار فتفيد بهذه الإدخال في الجنة، وثم الاستشهاد بالآية، لأن قرة العين كناية عن السرور والفوز التام، وهو مباعدة النار ودخول الجنة. انتهى. قلت: وعندي أن يعرب (الصوم) خبر مبتدأ محذوف، أي: هي الصوم، أو مبتدأ خبره محذوف، أي منها الصوم و (الصدقة) و (صلاة الرجل) كلاهما عطف عليه.

908 - حديث: "لا تشرك بالله شيئا وإن قتلت أو حرقت".

وقوله: جنة خبر مبتدأ مقدر، أي: هو، وكذا قوله: (تطفئ) خبر مقدر، أي هي. قوله: (ألا أدلك برأس الأمر وعموده). قال الطيبي: عُدّي (أدلك) في هذه القرينة بالباء وهو يُعدّى بعلى كما في (قوله) أول الحديث مضمنًا معنى الإخبار. قلت: هو في مسند أحمد والترمذي بلفظ: (ألا أخبرك برأس الأمر). قوله: (فأخذ بلسانه). قال الطيبي: الباء زائدة، والضمير راجع إلى النبي صلى الله عليه وسلم. قوله: (وهل يَكُبُّ الناسَ على وجوههم إلا حصائدُ ألسنتهم). قال الطيبي: (الحصائد) جمع حصيدة، فعيلة بمعنى مفعولة من حَصَد، إذا قطع الزرع، وهذا من إضافة اسم المفعول إلى فاعله، أي: (محصودات الألسنة) والاستثناء مفرغ لأن الاستفهام بمعنى النفي، والتقدير: لا يكب الناس شيء من الأشياء إلا حصائد ألسنتهم من الكلام. انتهى. 908 - حديث: "لا تشرك بالله شيئًا وإن قتلت أو حُرِّقت". قال الطيبي: شرط جيء به للمبالغة وفيه إضمار، أي: وإن عرضت للقتل والتحريق. وقوله: (وإيّاك والمعصية) تحذير وتعميم بعد التخصيص. قوله: (فإن بالمعصية يحل سخط الله) اسم (إنّ) ضمير الشأن حذف من إن المكسورة المثقلة كقول الشاعر:

909 - حديث: "ما من مسلمين يتوفى لهما ثلاثة إلا أدخلهما الله الجنة بفضل رحمته إياهما".

فلا تخذل المولى وإن كان ظالمًا ... فإنّ به تنأى الأمور وترأبُ والتقدير: فإنّه به، وقيل: لا يحذف لأن المقصود من الكلام المصدر به هو التعظيم والفخامة، فلا يلائمه الاختصار، وفيه نظر، لأنه لو كان كما قيل لوجب أن لا يحذف أصلاً، وقد حذف اسم كاد في قوله تعالى: (كاد يزيغ قلوب فريق منهم) [التوبة: 117]. وأما قول ابن الحاجب: وحذفه منصوبًا ضعيف، قد ضعفوه أيضًا، كيف وقد جاء في الكلام الفصيح في قوله صلى الله عليه وسلم في أوقات الكراهية: (أقصر عن الصلاة فإنّ حينئذ تسجرُ جهنم). أخرجه مسلم، أي: فإن الأمر والشأن حينئذ. وقوله: (ولا ترفع عصاك عنهم أدبًا). أدبًا مفعول له، أو فيه إضمار، أي: أضربهم تأديبًا إلى أن يتأدبوا أدبًا، على ما قدر الزجاج في قوله تعالى: (والله أنبتكم من الأرض نباتًا) [نوح: 17] أي أنبتكم من الأرض إنباتًا فتنبتون نباتًا. انتهى. 909 - حديث: "ما من مسلمين يتوفى لهما ثلاثةٌ إلا أدخلهما الله الجنة بفضل رحمته إياهما". قال الطيبي: قوله: (إياهما) تأكيد للضمير المنصوب في (أدخلهما)، قلت: والمتبادر إلى الذهن أنه مفعول المصدر المضاف إلى فاعله، وهو رحمته. 910 - حديث: "كأغَزَر ما كنت".

911 - حديث: "الغزو غزوان ... إلى قوله: فإن نومه ونبهه أجر كله".

قال الطيبي: الكاف زائدة، و (ما) مصدرية، والوقت مقدر والضمير في (فإنها) راجع إلى (النكبة). 911 - حديث: "الغزو غزوان ... إلى قوله: فإن نومه ونبهه أجر كله". قال الطيبي: (كله) نعت مبتدأ، و (أجر) خبره، ولا يصح أن يكون (كله) تأكيد لـ (أجر) على ما لا يخفى. والمعنى: أن كلا من ذلك أجر. 912 - حديث: "من عادى لله وليًّا فقد بارزه بالمحاربة". قال الطيبي: قوله: (لله) لا يجوز أن يتعلق بـ (عادى) فهو إما متعلق بقوله (وليًا) أو صفة له (مقدم) فصار حالاً منه. 913 - حديث: "إنّ الشيطان ذئب الإنسان كذئب الغنم". قال الطيبي: (كذئب) صفة للشيطان لأنه بمنزلة النكرة، كما في قوله تعالى: (كمثل الحمار يحمل أسفارًا) [الجمعة: 5]. ويجوز أن يكون حالاً منه. والعامل معنى التشبيه. مسند معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه

914 - حديث: "من يرد الله به خيرا يفقه في الدين".

914 - حديث: "من يرد الله به خيرًا يفقه في الدين". قال الحافظ ابن حجر: (يفقّهْ) بالجزم، لأنه جواب الشرط. وقوله: (إنّما أنا قاسمٌ والله يعطي). قال الكرماني: يصح أن يكون (والله يعطي) جملة معطوفة وأن يكون جملة حالية، والحصر على هذا في الجزء الأخير، والمعنى: ما أنا قاسم إلا في حال إعطاء الله لا في حال غيره. وقوله: (ولن تزال هذه الأمة قائمة على أمر الله لا يضرُّهم من خالفهم حتى يأتيَ أمرُ الله). (حتى) غاية لقوله: (لن تزال)، فإن قلت: حكم ما بعد الغاية مخالف لما قبلها، فيلزم منه أن يوم القيامة لا تكون هذه الأمة على الحق، وهو باطل. قلت: المراد من الدين الحق التكاليف، ويوم (القيامة)، ليس زمان التكاليف. أو يقال: ليس المقصود منه معنى الغاية بل مذكور لتأييد التوكيد نحو قوله: (ما دامت السماوات والأرض) [هود: 108]. فإن قلت: يحتمل أن يكون غاية لقوله: "لا يضرهم" بل هو أولى، لأنه أقرب: قلت: نعم، وذلك إمّا أن يكون ذكره لتأكيد عدم المضرة. كأنه قال: لا يضرهم من خالفهم أبدًا، وعبر بقوله: "إلى يوم القيامة". وهو كقوله: "لا يذوقون

915 - حديث: "لا تحلفوا في المسألة، فوالله لا يسألني أحد منكم شيئا فتخرج له مسألته مني شيئا وأنا له كاره فيبارك (له فيما أعطيته) ".

فيها الموت إلا الموتةَ الأولى) [الدخان: 56] يعني: لا يضرهم إلا يوم القيامة. ولما لم (يكن) المضرة يوم القيامة، قال: (لا يضرهم). فإن قلت: فهل يجوز تنازع الفعلين في (حتى) فيتعلق بهما. قلت: لا محذور فيه. 915 - حديث: "لا تحلفوا في المسألة، فوالله لا يسألني أحد منكم شيئًا فتخرج له مسألته مني شيئًا وأنا له كاره فيبارك (له فيما أعطيته) ". قال الأشرفي: (فيبارك) بالنصب بعد الفاء على معنى الجمعية، أي: لا يجمع إعطائي أحدًا (شيئًا)، وأنا كاره في ذلك العطاء، ويبارك الله في ذلك الذي أعطيته إيّاه. ونظيره قوله صلى الله عليه وسلم: (لا يموت لمسلم ثلاثة من الولد فيلج النار) بالنصب. وقال الطيبي: الحديث نظير قوله تعالى: (ما عليك من حسابهم من شيء وما من حسابك عليهم من شيء فتطردَهم) [الأنعام: 52]، في وجه الإعراب لا في المعنى، لأن معناه الطرد المسبب في الحساب منفي عنك، فكيف تطردهم، فالمنفي الفعل المعلل.

916 - حديث: "من أحب أن يتمثل له الرجال قياما".

وفي الحديث (نفي) المنفي إذا عدم السؤال الملح المخرج سبب للبركة، فيفهم منه أن السؤال الملح سبب لعدم البركة، ولو روي بالرفع لم يفتقر إلى هذا التكلف، وجعله سببًا أو مسببًا، بل يكون رفعًا على الاشتراك، كقوله تعالى: (ولا يؤذن لهم فيعتذرون) [المرسلات: 36]. 916 - حديث: "من أحبَّ أن يتمثل له الرجال قيامًا". قال الطيبي: (قيامًا) يجوز أن يكون مفعولاً مطلقًا لما في التمثل من معنى القيام. وأن يكون تمييزًا لاشتراك الممثل بين المعنيين. 917 - حديث: "أما إني لم أستحلفكم تهمةً لكم". قال أبو البقاء: (تهمة) منصوب على أنه مفعول له، أي: لأجل التهمة، أو مصدر في موضع الحال، أي: متّهمًا. وقوله: (وما كان أحدٌ بمنزلتي من رسول الله صلى الله عليه وسلم أقلَّ عنه حديثًا مني). قال أبو البقاء: (أحد) اسم كان و (بمنزلتي) نعت لأحد، و (أقلّ) خبر كان، و (حديثًا) تمييز، وهو فعيل مصدر بمعنى التحديث، وأما (عن) فيتعلق بمحذوف تقديره: أقل رواية أو تحديثًا عنه، فلما حذف فسّر بـ (حديثًا). ويجوز أن يكون (عنه)

مسند معقل بن يسار رضي الله عنه

نعتًا لحديث، أي: حديثًا كائنًا عنه، فتقدّم فصار حالاً. مسند معقل بن يسار رضي الله عنه 918 - حديث: "ما من عبد يسترعيه الله رعيةً فلم يحطْها بنصيحة لم يجد رائحة الجنة". قال الكرماني: (إلا) مقدر، أي: إلا لم يجد، صرّح به في بعض الروايات. والخبر محذوف، أي: ما من عبد كذا إلا حرم الله عليه الجنة. و (لم يجد) استئناف كالمفسر له، أو (ما) ليست للنفي. وجاز زيادة (من) للتأكيد في الإثبات عند بعض النحاة. 919 - حديث: "من قرأ (يس) ابتغاء وجه الله غفر له ما تقدم من ذنبه فاقرءوها عند موتاكم". قال الطيبي: الفاء جواب شرط محذوف، أي: إذا كان قراءة (يس) بالإخلاص لمحو ذنوبه السالفة فاقرءوها على من شارف الموت حتى يسمعها ويجريها على قلبه فيغفر له ما أسلف. مسند معيقب رضي الله عنه

920 - حديث: "إن كنت فاعلا فواحدة".

920 - حديث: "إن كنت فاعلاً فواحدة". قال أبو البقاء: يجوز النصب على تقدير: فافعل واحدة، والرفع على تقدير: فواحدة جائزة. وقال الزركشي: يجوز النصب على إضمار افْعَلْ بتقدير: فامسحْ واحدة، أو نعتًا لمصدر محذوف، والرفع على الابتداء، أو إضمار الخبر، أي: فواحدة تكفيه أو كافية. ويجوز أن يكون المبتدأ هو المحذوف و (واحدة) الخبر، تقديره: فالمشروع أو الجائز واحدة. مسند المغيرة بن شعبة رضي الله عنه 921 - حديث: "فمكث طويلاً". قال أبو البقاء: (طويلاً) نعت لمصدر محذوف، أي: مكثًا طويلاً، ويجوز أن يكون نعتًا لظرف محذوف، أي: زمنًا طويلاً.

922 - حديث: "من نيح عليه (بكسر النون ماض مبني للمفعول) يعذب".

922 - حديث: "من نيح عليه (بكسر النون ماض مبني للمفعول) يعذَّب". بالجزم والرفع على أن (مَنْ) شرطية أو موصولة. (بما ينح عليه) بالباء الموحدة فيكون (ما) ظرفية، ذكره الزمخشري. وقال الطيبي: الباء في (بما ينح عليه) يجوز أن تكون سببية، و (ما) مصدرية وأن يكون الجار والمجرور حالاً، و (ما) موصولة، أي: يعذب ملتبسًا بما ندب عليه من الألفاظ. 923 - حديث: "كان إذا ذهب المذهبَ أبعد". قال الشيخ ولي الدين العراقي في "شرح أبي داود": وهو بفتح الميم وإسكان الذال المعجمة، وفتح الهاء (مَفْعَل) من الذهاب ويطلق على معنيين: أحدهما: المكان الذي يذهب إليه، والثاني: المصدر، يقال: ذهب ذهابًا ومذهبًا، فيحتمل أن يراد المكان، فيكون التقدير: إذا ذهب في المذهب، لأن شأن الظروف تقديرها بفي، ويحتمل أن يراد المصدر، أي: إذا ذهب مذهبًا، فعرّف المصدر لأن المراد ذهاب خاص. قال: والاحتمال الأول هو المنقول عن أهل الغريب. قال أبو عبيدة وغيره، وجزم به في "النهاية" تبعًا للهروي، ويوافق الاحتمال الثاني في رواية الترمذي: أي حاجتها به إلى المذهب، فإنه يتعين فيها أن يراد بالمذهب المصدر.

مسند المقداد بن الأسود رضي الله عنه

مسند المقداد بن الأسود رضي الله عنه 924 - حديث: "لا يبقى على ظهر الأرض بيتُ مدر ولا وبر إلاّ أدخله كلمة الإسلام بعزّ عزيل أو ذل ذليل". قال الطيبي: فاعل (أدخله) الله تعالى، ولم يجر له ذكر بدليل تفصيله بقوله: إمّا (يعزهم فيجعلهم) من أهلها أو (يذلهم) فيدينون لها. و (كلمة): منصوبة مفعولة، والضمير المنصوب ظرف. وقوله: (بعزّ عزيز) حال والفاء في (فيدينون) جواب لشرط محذوف أي: إذا كان كذلك فتكون الغلبة لدين الله طوعًا أو كرهًا. مسند المقدام بن معد يكرب رضي الله عنه 925 - حديث: "ما أكل أحدٌ طعامًا قطُّ خيرًا من أن يأكل من عمل يده".

926 - حديث: "ألا إني أوتيت الكتاب ومثله معه".

قال أبو البقاء: (خيرًا) منصوب على الصفة لطعام. 926 - حديث: "ألا إني أوتيتُ الكتابَ ومثلَه معه". قال الطيبي: (معه) صفة لـ (مثله)، لأن المثل متوغل في الإبهام، لا يتعرف بالإضافة، فمعناه: أوتيت مثل الكتاب مصاحبًا مع الكتاب. وقوله: (ألا يوشك رجل شبعان على أريكته). قال البيضاوي: (على أريكته) متعلق بمحذوف في حيز الحال، أي: متكئًا أو جالسًا. وقال الطيبي: يجوز أن يكون بعد صفة لرجل، فتكون الصفة الثانية تكميلاً للذم، لأن الأولى تدل على الدعة والبطر، والثانية على التكبر والتجبر، ويجوز أن يكون حالاً من (رجل)، لاتصافة بشبعان فيكون (تتميمًا) ومبالغة في بطره، وأشره. وقوله: (ألا وإن ما حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل ما حرّم الله). قيل: يحتمل أن يكون من كلام الراوي. قال الطيبي: والأظهر أنه من كلامه صلى الله عليه وسلم، على سبيل التجريد (منبهًا على أن من أثر رسول الله) حقيق بأن يستقل بأحكامه سوى ما أنزله الله. (فالواو) في (وإنما) للحال من قوله: (رجل شبعان)، والعامل (يوشك) وهي مقدرة لجهة الإشكال. أي: تقول والحال ما ذكر. انتهى.

927 - حديث: "فثلث للطعام".

927 - حديث: "فثلث للطعام". قال الطيبي: (ثلث) مبتدأ، أي: ثلث منه، والإضافة مقدرة بقرينة قوله: (ثلث لنفسه). مسند النعمان بن بشير رضي الله عنه 928 - حديث: "قال: كلهم أعطيتهم كما أعطيته". قال أبو البقاء: في (كلهم) وجهان: الرفع على الابتداء و (أعطيتهم) وما عمل فيه الخبر، والنصب على تقدير: أعطيت كلهم، فحذف الفعل، وفسره بقوله (أعطيتهم). ولا يجوز أن ينتصب (كلهم) بأعطيتهم، لأن (أعطيتهم) قد تعدى إلى مفعولين، وهما الضمير ومثل. فأما قوله في الرواية الأخرى (أكلّ بنيك عملت مثل هذا) فالصواب فيه نصب (أكلّ) بعملت، لأنه لم يشتغل عنه بضميره، والرفع بعيد، وإنما موضعه الشعر، وعلى ذلك نص سيبويه. 929 - حديث: "ألا وإنَّ لكل ملكٍ حمىً".

930 - حديث: "ألستم في طعام وشراب ما شئتم".

قال الكرماني: الواو عاطفة على مقدر يعلم مما تقدم، أي: ألا إن الأمر كما تقدم، وإن لكلِّ ملكٍ حمىً، فجاء بالواو إشعارًا (بأن بين الجملتين مناسبة، إذ هو بالحقيقة تشبيه للحرام بالحمى، والمشتبه بما حوله)، ولا بدّ فيه من مشاركة بينهما. 930 - حديث: "ألستم في طعام وشراب ما شئتم". قال الطيبي: (ما شئتم) صفة مصدر محذوف، أي: ألستم منغمسين في طعام وشراب مقدر ما شئتم من التوسعة، فما موصولة، ويجوز أن تكون مصدرية. مسند نقادة الأسدي رضي الله عنه 931 - حديث: "اللهم اجعل قوتَ فلانٍ يومَ يومَ". قال أبو البقاء: التقدير: قوت يوم، فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه على جره، (يوم) الثاني تكرير له، ويجوز أن يكون (يومَ يومَ) وركبهما وبناها على الفتح، كما قالوا: لقيته صباحَ مساءَ، وسقطوا بينَ بينَ، وإن ورد يومًا بالنصب والتنوين جاز وكان جيدًا. انتهى.

مسند النواس بن سمعان رضي الله عنه

وقال الأندلسي في "شرح المفصل": للعرب في مثل هذا وجهان: منهم من يضعف، فيقول: صباح مساء، ويوم يوم، ومنهم من يبنيهما لتضمنها الحرف، ولا يبني إلا ما دام ظرفًا، فإن قلت: أتيتك في كل صباح ومساء، لم يجز غير الإضافة، لأنه ليس بظرف ولا حال، والأصل فيه الإضافة، ولذلك يظهر الجر في بعض اللغات، قال الشاعر: ولولا يومُ يومٍ ما أردنا ... جزاءَك والقروضُ لها جزاءُ وذكر بعض النحويين: ما لقيته يومُ يومُ، بالضم فيهما وهو نادر شاذ، جعل يوم الأول بمعنى مدة، وبنى الثاني لقطعه عن الإضافة مثل قبل وبعد، وبنى الأول حيث فعله بمنزلة منذ. ولا يقال: ما رأيته شهر شهر، وإنما هذا في اليوم لأنه عامّ يستعمل في الأوقات كلها، لأنه في معنى الوقت. انتهى. مسند النواس بن سمعان رضي الله عنه 932 - حديث: "غيرُ الدجال أخوفُني عليكم". قال: سئل الشيخ جمال الدين بن مالك عن هذا الحديث، فأجاب: الكلام على

لفظه ومعناه، أما لفظه فلتضمنه إضافة (أخوف) إلى ياء المتكلم مقرونة بنون الوقاية، وهو إنما يعتاد من الفعل المتعدي، لأن هذه النون تصون الفعل من محذورات، لأن لأفعل التفضيل شبهًا بالفعل، وخصوصًا بفعل التعجب، فجاز أن تدخله النون المذكورة، كما لحقت اسم الفاعل في قوله: أمُسْلِمُني إلى قومي شَراحي هذا أجود ما يقال في هذا اللفظ عندي. ويجوز أن يكون الأصل في (أخوفني عليكم)، أخوف لي. ثم أبدلت اللام نونًا كما أبدلت في (لعل) و (علَّ) فقيل: لعنَّ، وعنَّ، وفي رفنّ بمعنى رفل، وهو الفرس الطويل الذنب. قلت: يؤيد هذا ما أخرجه أحمد عن أبي داود قال: (بينما النبي صلى الله عليه وسلم يخطب إذ قام أعرابي فقال: يا رسول الله، أكلتنا الضبع، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: غير ذلك أخوف لي عليكم، حين تصب عليكم الدنيا صبًّا). ثم قال: وأما معناه فأظهر الاحتمالات فيه أن يكون (أخوف) من أفعل التفضيل

المصوغ من فعل المفعول كقولهم: (أشغل من ذات النِّحْيَيْن) و (أزهى من ديك)، وأعنى بحاجتك، و (أخوف ما أخاف على أمتي الأئمة المضلون)، فكلها مأخوذة من فعل المفعول فالمعنى عليه، فمعنى (أخوف ما أخاف على أمتي الأشياء التي أخافها على أمتي أحقها بأن يُخاف الأئمة المضلون، فتوجيه الحديث بجعله من هذا القبيل، بأن يكون تقديره: غير الدجال أخوف مخافتي عليكم، ثم حذف المضاف إلى الياء، فاتصل بها (أخوف) معمودة بالنون على ما تقرر. ويحتمل أن يكون (أخوف) من أخاف بمعنى خوَّف، ولا يمنع من ذلك كونه غير ثلاثي، فإنه على أفعل، ولا فرق عند سيبويه بين الثلاثي والذي على وزن أفعل في التعجب والتفضيل، صرح بذلك في مواضع من كتابه. فيكون (أخوف) المذكور من (أخاف). والمعنى: غير الدجال أشد موجبات خوفي عليكم، ثم اتصل بالياء معمودة بالنون على ما تقرر. ويحتمل أن يكون من باب وصف المعاني بما يوصف به الأعيان على سبيل المبالغة، كقولهم في الشعر الموصوف بالجزالة، وكمال الفصاحة: شعر شاعر، ثم يفضل شعر على شعر بذلك المعنى،، فيقال: هذا الشعر أشعر من هذا. وكذلك يقال: موت مائت، وعجب عاجب، وخوف خائف، وسعي رابح، وتجارة رابحة، وعمل خاسر. ثم يقال: خوف فلان أخوف من خوفك، وهذا العجب أعجب من ذلك. ومنه قول الشاعر: يداك يدٌ خيرُها يرتجى ... وأخرى لأعدائها غائظهْ

فأما التي يرتجى خيرُها ... فأجودُ جودًا من اللافِظَهْ وأما التي يتقى شرُّها ... فنفسُ العدوِّ بها غائظَهْ فنصب (جودًا) بأجود على التمييز، وذلك موجبٌ لكونه فاعلاً معنى؛ لأن كل منصوب على التمييز بأفعل التفضيل فاعل في المعنى، ونصبه علامة على فاعليته، وجرّه علامة على أنَّ أفعل بعض منه؛ ولهذا إذا قلت: زيد أحسن عبدًا، كان معناه: الإعلام بأن عبده فاق عبيد غيره في الحسن. وإذا قلت: أحسن عبدٍ – بالجر – كان معناه: الإعلام بأن زيدًا بعض العبيد الحسان، وأنه أحسنهم. وإذا ثبت ذلك فحمل الحديث على هذا المعنى يوجب أن يكون تقديره: (خوفُ غير الدجال أخوف خوفي عليكم)، ثم حذف المضاف إلى (غير)، وأقيم هو مقام المحذوف، وحذف (خوف) المضاف إلى الياء، وأقيمت هي مقامه، فاتصل أخوف بالياء معمودة بالنون على ما تقرر. ويحتمل أن يكون (أخوف) فعلاً مسندًا إلى واو، وهو ضمير عائد على غير الدجال؛ لأن من جملة ما يتناوله غير الدجال (الأئمة المضلون)، وهم ممن يعقل، فغلب جانبهم، فجيء بالواو، ثم اجتزئ (بالضمة)، وحذفت الواو، كما قال الشاعر: فيا ليت الأطبَّا كانُ حَوْلي ... وكان مع الأطباءِ الأُساةُ

أراد (كانوا) فحذف الواو، واكتفى بالضمة، انتهى. وقال الشيخ عز الدين بن عبد السلام في "أماليه": قوله: (غير الدجال أخوفني عليكم)، ما نصب (غير)؟، وأيضًا فإن (أخوف) اسم، وهي لا تضاف إلى معرفة إلا إذا كان مثنى، وهذا ضمير مفرد، والجواب أن الذي نصب (غير) فعل مضمر يدل عليه الظاهر، (تقديره: أخاف غير الدجال، فيكون من باب الإضمار إذ دلّ عليه الظاهر) وأما أفعل فإضافته من الشواذ نحو قوله: (إن شر الناس من ودعه الناس اتقاء شره، و (ودع) شاذ)، انتهى. قوله: (قلنا يا رسول الله ما لُبْثُه في الأرض؟ قال: أربعين يومًا). قال أبو البقاء: هكذا في هذه الرواية، والوجه فيه أن يقدر: يلبث أربعين، أو يقيم أربعين. ويدل على ذلك قوله: ما لبثه؟ قال ابن مالك في "توضيحه": الأكثر في جواب الاستفهام بأسمائه مطابقة اللفظ والمعنى. وقد يكتفى بالمعنى في الكلام الفصيح. فمن مطابقة اللفظ والمعنى قوله تعالى (فَمَنْ رَبُّكُمَا يَا مُوسَى * قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كل شيء خلقَه) [طه: 49، 50]، و {وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى * قَالَ هِيَ عَصَايَ} [طه: 17، 18]، و {قُلْ لِمَنِ الْأَرْضُ وَمَنْ فِيهَا إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ* سيقولون لله} [المؤمنون: 84، 85]، وكذا: {فسَيَقُولُونَ لِلَّهِ} [يونس: 31] بعد (مَن) الثانية والثالثة، وهى قراءة أبي عمرو.

ومن الاكتفاء بالمعنى قوله صلى الله عليه وسلم: (أربعين يوماً) حين قيل له: ما لبثه في الأرض؟ فأضمر (يلبث) ونصب به (أربعين)، ولو قصد تكميل المطابقة لقيل: (أربعون يوما)، بالرفع لأن الاسم المستفهم به في موضع رفع. وفي الحديث أن بعض الصحابة سئل كم اعتمر النبي صلى الله عليه وسلم؟ قال: أربع. كذا وقع في بعض نسخ الصحيح برفع أربع، وفي بعضها بالنصب، والرفع والنصب في (أربع) بعد السؤال عن الاعتمار جائزان، إلا أن النصب أقيس وأكثر نظائر. ويجوز أن يكون كُتِب على لغة ربيعة، وهو منصوب في اللفظ، ويجوز أن يكون المكتوب بلا ألف منصوبًا غير منون، على نية الاضافة، كأنه قال: أربع عُمَر، فحذف المضاف إليه، وترك المضاف على ما كان عليه من حذف التنوين، ليستدل بذلك على قصد الإضافة. وله نظائر منها قراءة ابن محيصن (لا خوفُ عليهم) [يونس: 62] بضم الفاء دون تنوين، على تقدير: لا خوف شيء. وروى بعض الثقات من قول العرب: سلامُ عليكم، بضم الميم دون تنوين. ومنها على أصح المذهبين قول الشاعر: أقول لما جاءني فخره ... سبحان من علقمة الفاخر أراد: (سبحان الله)، فحذف المضاف إليه، وترك المضاف على ما كان عليه. قوله: (فتتبعُه كنوزُها كيعاسيبِ النحل). قال الأشرفي: قوله: (كيعاسيب) حال من الدجال، ويمكن أن يكون حالاً من الكنوز، أي: كائنة كاليعاسيب، وهو كناية عن سرعة اتباعه، أي: تتبعه الكنوز بالسرعة.

قوله: (فبينما هم على ذلك إذ بعث الله المسيح). قوله: (فبينما هم كذلك إذ أوحى الله إلى عيسى أني قد أخرجت عبادًا من عبادي لا يدان لك بقتالهم). قال الطيبي: أي لا قدرة ولا طاقة، ومعنى التثنية تضعيف (القوة) ويقال: مالي بهذا الأمر يدٌ ولا يدان. (قول الحجاج: يا حرس اضربا عنقه، ومنه قوله تعالى: (ألقيا في جهنم) [ق: 24] انتهى، وقال الشاعر: وحُمِّلْتُ زفرات الضحى فأطقتها ... وما لي بزفرات العشيّ يدان وقال ابن فلاح في "المغني": إذا أدخلت "لا" على المثنى النكرة بُنِي عند سيبويه نحو: لا مسلمين لك، ولا غلامين لك. وأما إذا قلت: لا غلامي لك، فهو مثل: لا أبا لك، في الإضافة وحذف النون لها. انتهى. قلت: ومنه قوله في الحديث: لما نزل (فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله) [البقرة: 279] قالوا: لا يدي لنا بمحاربة الله ورسوله. وأما قوله في هذا الحديث: (لا يدان) بالألف، فإما على لغة من يجري المثنى بالألف على كل حال، أو يكون "لا" بمعنى ليس، ونظيره حديث: (لا وتران في ليلة).

حديث: (ضرب الله مثلاً صراطًا مستقيمًا). قال الطيبي: (صراطًا) بدل من (مثلاً)، لا على إهدار المبدل كقولك: رأيت غلامه رجلاً صالحًا. إذ لو أسقطت غلامه لم يتبين. وقوله: (وعلى جنبتي الصراط سوران). (سوران) مبتدأ، و (على جنبتي) خبره، والجملة حال من (صراطًا). وقوله: (فيهما أبواب مفتحة) الجملة صفة لـ (سوران). وقوله: (وعلى الأبواب ستور مرخاة)، والجملة حال من ضمير (الأبواب) في (مفتحة). ووضع الظاهر موضع الضمير الراجع إلى صاحبها. وقوله: (على رأس الصراط داع) الجملة معطوفة على (وعلى جنبتي الصراط). قوله: (يا أيها الناس) صفة لـ (داع). وقوله: (ولا تعودوا) عطف على (أدخلوا الصراط) على الطرد والعكس، لأنه مفهوم كل مهما مقرر لمنطوق الآخر وبالعكس. و (فوق ذلك) عطف على (رأس الصراط) المشار إليه بذلك الصراط. وقوله: (فكلما أراد الإنسان أن يفتح شيئًا من تلك الأبواب قال: ويحك) و (كلما) ظرف يستدعي الجواب، وهو قوله: قال: وشيئًا، أي: قدرًا يسيرًا منها، و (ويحك) زجر

933 - حديث: "كأنهما غمامتان أو ظلتان أو كأنهما فرقان".

له عن تلك التهمة، وهي كلمة توجع، يقال لمن وقع في هلكة لا يستحقها. انتهى. 933 - حديث: "كأنهما غمامتان أو ظلتان أو كأنهما فَرَقان". قال القرطبي: هذا يدل على أن (أو) ليست للشك، لأنه مثل السودتين بالثلاثة الأمثال، ويحتمل أن يكون (أو) بمعنى الواو، كما قال الكوفي: وأنشدوا عليه: جاء الخلافةَ أو كانت له قدرًا ... كما أتى ربَّه موسى على قدَرِ وأنشدوا: وقد زعمت ليلى بأني فاجرٌ ... لنفسي تقاها أو عليها فجورُها وقالوه: في قوله تعالى: (أو كصيب من السماء) [البقرة: 19]. قال البصريون: إنها بمعنى الإباحة قال: شبهوهم بكذا أو كذا، وهذا الخلاف جاء في هذا الحديث، لأنها أمثال معطوفة بأو، فهي مثل: (أو كصيب) انتهى. مسند نعيم بن هزّال رضي الله عنه

934 - حديث: "كان ماعز بن مالك في حجر أبي فأصاب جارية من الحي، فقال له أبي: ائت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره بما صنعت لعله يستغفر لك – يريد بذلك – رجاء أن يكون له مخرجا".

934 - حديث: "كان ماعز بن مالك في حجر أبي فأصاب جارية من الحي، فقال له أبي: ائت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره بما صنعت لعلّه يستغفر لك – يريد بذلك – رجاء أن يكون له مخرجًا". قال الطيبي: اسم (يكون) ضمير يرجع إلى المذكور، وخبره (مخرجًا) و (له) ظرف آخر، كما في قوله تعالى: (ولم يكن له كفوًا أحدٌ) [الإخلاص: 4]. المعنى يكون: إتيانك وإخبارك رسول الله مخرجًا لك. وقوله: (فيمن) الفاء فيه جزاء شرط محذوف، أي: إذا كان كما قلت: (فيمن زنيت). قوله: (فأمر به أن يرجم)، (أن) بدل اشتمال من الضمير في (به). قوله: (فأخرج به إلى الحرة)، عدّي (أخرج) بالهمزة وبالباء توكيدًا، كما في قوله تعالى: (تنبت بالدّهن) [المؤمنون: 20]. قوله: (فما رُجم وجد من الحجارة فجزع مشتدًا ... إلى آخر الحديث). قال الطيبي: الفاءات المذكورة بعد (لما) إلى قوله: (فقتله)، كل واحدة تصلح للعطف، إما على الشرط، أو على الجزاء، إلا قوله: (فوجد) فإنه لا يصلح، لأن يكون عطفًا على الجزاء. وقوله: (فقال: هلا تركتموه) يصلح للجزاء، وفيه إشكال، إذ لا تدخل الفاء في جواب (لمّا) على اللغة الفصيحة، وقد يجوز أن يقدر الجزاء، ويقال تقديره: لما رجم

مسند واثلة رضي الله عنه

وكان كيت وكيت علمنا حكم الرجم وما يترتب عليه. وحينئذ لا يكون الفاءات للعطف. مسند واثلة رضي الله عنه 935 - حديث: "إنّ للمسلم حقًّا إذا رآه أخوه أن يتزحزح له". قال الطيبي: (أن يتزحزح) بيان لـ (حقًّا) أو بدل. مسند يوسف بن عبد الله بن سلام رضي الله عنه 936 - حديث: "ما على أحدكم إن وجد أن يتخذ ثوبين ليوم الجمعة". قال الطيبي: (ما) بمعنى ليس واسمه محذوف. و (أن يتخذ) متعلق به، و (على أحدكم) خبره، و (إنْ وجد) معترضة، ويجوز أن يتعلق (على) بالمحذوف، والخبر (أن يتخذ)، كقوله تعالى: (ليس على الأعمى حرج .. إلى قوله .. أن تأكلوا من بيوتكم) [النور: 61] المعنى: ليس على أحد حرج في أن يتخذ ثوبين.

مسند يزيد بن الأسود رضي الله عنه

مسند يزيد بن الأسود رضي الله عنه 937 - حديث: "أنه صلى فرأى رجلين لم يصليا مع القوم فقال: عليّ بهما". قال الطيبي: (عليّ) متعلقة بمحذوف، و (بهما) حال. أي: قيل: عليّ اتيا (بهما)، أو اسم فعل، و (بهما) متعلق به، أي: أحضرهما عندي. مسند يزيد بن الأخنس رضي الله عنه 938 - حديث: "فيقول رجل: لو أن الله أعطاني مثل ما أعطى فلانًا فأقومَ به". قال أبو البقاء: (فأقوم) بالنصب لأنه جواب لو، وهي هنا للتمني كقوله تعالى: (لو أن لنا كرّةً فنتبرأ منهم) [البقرة: 167]. مسند يعلى بن مُرّة رضي الله عنه

939 - حديث: "ما أحسسنا منه شيئا حتى الساعة".

939 - حديث: "ما أحسسنا منه شيئًا حتى الساعة". قال أبو البقاء: يجوز الجر بمعنى إلى كقوله تعالى: (ليسجننه حتى حين) [يوسف: 35]، والنصب على معنى: ولا الساعة، فتكون بمنزلة الواو، أي: ما (أحسسنا) منه قبل ذلك ولا الساعة. مسند يزيد بن رُكانة رضي الله عنه 940 - حديث: "طلقت امرأتي البتّة". قال الكرماني: هو نصب على المصدر، قال النحاة: (وهو) بقطع الهمزة على خلاف القياس. وقال الرضي: تقول: لا أفعلنه البتة، أي: قطعت بالفعل وجزمت به قطعة واحدة، والمعنى: أنه ليس فيه تردد بحيث أجزم به، ثم يبدو لي، ثم أجزم به مرة أخرى فيكون قطعتان أو أكثر، بل هو قطعة واحدة، لا يثنى فيها النظر، وكذا قولهم:

مسند أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه

أفعله البتة، أي: جزمت بأن تفعله، وقطعت به قطعة، (فالبتة): بمعنى القول المقطوع به، وكأن اللام فيها في الأصل للعهد، أي القطعة المعلومة مني التي لا تردد فيها، قال: وهذا المصدر مفعول مطلق بيانًا للنوع. وفي حديث ابن عباس عند الترمذي: (من قبض يتيمًا من بين المسلمين إلى طعامه وشرابه، أدخله الله الجنة ألبتة). قال العراقي في "شرحه": قوله (البتة) منصوب على المصدر، والمراد به القطع بالشيء. قال الجوهري: يقال: لا أفعله بتة، ولا أفعله البتة لكل أمر لا رجعة فيه. وقال الشيخ بدر الدين الدماميني في "حاشية المغني" وفي "اللباب": وقطع همزته بمعزل عن القياس، لكنه مسموع. قال: وهذا شيء لم أره في غيره، ولا أعلم من أين أخذه، فينبغي الاعتناء بتحريره فإنه غريب. انتهى. مسند أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه

941 - حديث: "ما أذن الله لعبد في شيء أفضل من ركعتين يصليهما".

941 - حديث: "ما أذن الله لعبد في شيء أفضل من ركعتين يصليهما". قال أبو البقاء: (أفضل) لا ينصرف، وهو في موضع جر صفة لـ (شيء) وفتحته نائبة عن الكسرة. 942 - حديث: "قلت: يا نبي الله أرأيت الصيام ماذا هو؟ قال: فرض مُجْزَى". قال أبو البقاء: كذا وقع في هذه الرواية بالألف وضم الميم، وصوابه (مَجزيٌّ) بفتح الميم وبياء مشددة، أي: مقابل هذه الرواية بالأجر كقولك: المرء مجزيّ بعمله. وقوله: ((قلت: يا نبي الله، أو نبي كان آدم)، وقع في هذه الرواية بالرفع، والوجه: النصب على أن يكون جعل كان زائدة، أي أنبي آدم؟. وإن جعلته مبتدأ، وجعلت في كان ضميرًا يعود عليه، ونصب (آدم) على أنه خبر كان، فهو جائز على ضعف، وقد جاء في الشعر مثله، أنشد سيبويه: فإنك لا تبالي بعد حول ... أظبي كان أمك أم حمارُ انتهى.

943 - حديث: "إن الله قد أعطى كل ذي حق حقه، فلا وصية لوارث، الولد للفراش، وللعاهر الحجر، وحسابهم على الله".

قوله: (أرأيت الصدقة ما هي؟). قال الطيبي: (الصدقة) مبتدأ، و (ماذا) بمعنى أي شيء، والجملة الاستفهامية خبر بالتأويل. قلت: الصواب أن (الصدقة) بالنصب مفعول أول لـ (أرأيت)، وجملة الاستفهام في موضع المفعول الثاني، كقولك: أرأيت زيدًا ما صنع. 943 - حديث: "إن الله قد أعطى كلَّ ذي حق حقَّه، فلا وصيةَ لوارثٍ، الولدُ للفراش، وللعاهرِ الحجر، وحسابُهم على الله". قال الطيبي: الضمير في (حسابهم) إذا رجع إلى (العاهر) بحسب الجنسية جاز إذا أريد الحد، وإذا أريد مجرد الحرمان فلا، ويمكن أن يقال: إنه راجع إلى ما يفهم من الحديث من الورثة والعاهر، كأن في المعنى: أن الله تعالى هو الذي قسم أنصباء الورثة بنفسه، فأعطى بعضًا الكثير، وبعضًا القليل، وحجب البعض وحرم البعض، ولا يعرف حساب ذلك وحكمته إلا الله تعالى، فلا تبدلوا النص بالوصية للوارث والعاهر. فعلى هذا قوله: (وحسابهم على الله) حال من مفعول (أعطى)، وعلى الأول من الضمير المستتر في الخبر في قوله: (وللعاهر الحجر).

944 - حديث: "من أوى إلى فراشه طاهرا".

944 - حديث: "من أوى إلى فراشه طاهرًا". (أوى) بالقصر لازم، وبالمد متعدّ، يقال: أويت إلى المنزل، وآويت غيري، وقد اجتمعا في قوله صلى الله عليه وسلم: (أمّا أحدهم فأوى إلى الله فآواه الله). قوله: (لم ينقلب ساعة من الليل يسأل الله تعالى خيرًا إلا أعطاه إياه). قال الطيبي: (يسأل الله) حال من فاعل (ينقلب)، وقوله (إلا أعطاه) حال أيضًا من فاعل (يسأل)، وجاز لأن الكلام في سياق النفي، يعني لا يكون للسائل حال من الأحوال، إلا كونه معطى إياه أي: ما طلب، فلا يخيب. هذا على أن يكون المفعول الأول ضمير السائل. وأما إذا قدم المفعول الثاني على الأول اهتمامًا بشأن الخبر، فيجوز أن يكون صفة لـ (خيراً)، أو حالاً عنه، لاتصافه بقوله: (من خير الدنيا والآخرة). والمعنى لم يكن يتجاوز هذا الدعاء الجامع لخير الدارين من الاستجابة إلى الخيبة. 945 - حديث: "يا سعدُ إن كنت خلقت للجنة فما طال من عمرك وحسن من عملك فهو خير". قال الطيبي: فإن قلت: كيف جيء بالمشكوك وقوعه شرطها؟ و (سعد) من العشرة المبشرين بالجنة قطعا. قلت: (إنْ) فيها كما في قوله تعالى: {ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين} [آل عمران: 139] فهي وإن كانت صورتها صورة الشرطية، لكن

946 - حديث: "إنك إن تبذل الفضل خير لك".

معناها للتعليل، و (ما) في قوله: (فما طال) مصدرية، والوقت مقدر. ويجوز أن تكون موصولة، والمضاف محذوف، أي الزمان الذي طال عمرك فيه، والفاء في (فهو خير لك) داخلة على الخبر لتضمن المبتدأ معنى الشرط، والجملة جزاء لقوله: (إن كنت خلقت)، و (من) في قوله: (من عملك) زائدة على مذهب الأخفش، ويجوز أن تكون تبعيضية، أي حسن بعض عملك. 946 - حديث: "إنك إن تبذل الفضل خيرٌ لك". قال الطيبي: (أن تبذل الفضل) مبتدأ، و (خير) خبر، أي: بذل الزيادة على قدر الحاجة خير لك. 947 - حديث: "ما من رجل يلي عشرةً فما فوق ذلك إلا أتى الله مغلولًا يدُه إلى عنقه يوم القيامة". قال الطيبي: (يده) يحتمل أن يكون مرفوعًا بـ (مغلولاً) ويحتمل أن يكون مبتدأ، و (إلى عنقه) خبره والجملة إمّا مستأنفة، أو حال بعد حال، وحينئذ (يوم القيامة) إما ظرف (أتى) وهو الأوجه أو لـ (مغلولاً). 948 - حديث: "من اقتطع حق امرئ مسلم إلى قوله: وإنْ قضيبٌ من أراك". قال النووي: كذا في أكثر الأصول، وفي كثير منها (وإن قضيبًا) على أنه خبر كان المحذوفة، أو أنه مفعول لفعل محذوف وتقديره: وإن اقتطع قضيبًا.

949 - حديث: "ثلاثة كلهم (ضامن) على الله".

949 - حديث: "ثلاثةٌ كلهم (ضامنٌ) على الله". قال الطيبي: عدي بعلى تضمينًا لمعنى الوجوب على سبيل الوعد. وقال الخطابي: (ضامن) أي: مضمون فاعل بمعنى مفعول، كماءٍ دافق، أي: مدفوق، ويحتمل أن معناه: ذو ضمان كلابن وتامر. 950 - حديث: "من خرج من بيته متطهرًا إلى صلاة مكتوبة فأجره كأجر الحاجّ". قال الطيبي: قوله (إلى صلاة) حال، أي: قاصدًا إلى المسجد لأداء الفرائض. قال: وإنما قدرنا القصد حالاً ليطابق الحج، لأن القصد الخاص. وقوله: لا ينصبه إلا إياه. قال الأشرفي: قوله (إياه) ضمير منصوب منفصل وقع موقع المرفوع المنفصل كما وقع المرفوع المنفصل موقع المنصوب في قوله: (وأرجو أن أكون أنا هو). وقال الطيبي: يمكن أن يقال هنا: هذا من الميل إلى المعنى دون اللفظ، فمعنى (لا ينصبه إلا إياه)، (لا يقصد) ولا يطلب إلا إيّاه. قال في "الكشاف" في قوله تعالى: (فشربوا منه إلا قليل) [البقرة: 249] في قراءة الرفع، هذا من ميلهم مع المعنى والإعراض عن اللفظ جانبًا، وهو باب جليل من علم

951 - حديث: "أي الدعاء أسمع؟ قال: جوف الليل الأخير".

العربية، فلما كان فشربوا منه في معنى فلم يطيعوه، إلا قليل منهم. ونحو قول الفرزدق: لم يدع من المال إلا مُسْحَتًا أو مجلَّفُ كأنه قال: لم يبق من المال إلاّ مسحت أو مجلف. انتهى. 951 - حديث: "أي الدعاء أسمع؟ قال: جوف الليل الأخير". قال الطيبي: قوله: (جوف الليل) إنما يستقيم جوابًا إذا أضمر في السؤال اسم زمان، كما فعله صاحب "النهاية" حيث قال: أي الساعات أسمع؟ أي: أوفق لاستماع الدعاء فيه، وأولى بالاستجابة، وهو من باب (نهاره صائم وليله قائم) أو يضمر في الجواب الدعاء كما فعل التوربشتي. قال: قوله: (جوف الليل) أي: دعاء جوف الليل، فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه فصار مرفوعًا. وروي (جوف) بالنصب على الظرف، أي: الدعاء جوفَ الليل، ويجوز فيه الجر على مذهب من يرى حذف المضاف، وترك المضاف إليه على إعرابه، وأما الأخير فعلى الأحوال الثلاثة يتبع (جوف الليل) في إعرابه.

952 - حديث: "لتنقضن عرى الإسلام عروة عروة".

952 - حديث: "لتنقضنّ عرى الإسلام عروةً عروةً". قال أبو البقاء: بالنصب على الحال، والتقدير: ينقض متتابعًا، كقولهم: دخلوا الأولَ فالأولَ، معناه شيئًا بعد شيء، ولهذا يحسن أن يجعل جواب: كيف تنقض؟. 953 - حديث: "ما ضلَّ قومٌ بعد هدى كانوا عليه إلاّ أوتوا الجدل". قال الطيبي: (أوتوا) حال، و (قد) مقدرة، والمستثنى منه أعم الأحوال وصاحبها الضمير المستتر في خبر كان، والمعنى: ما ضل قوم مهديون كائنين على حال من الأحوال إلا على إيتاء الجدل. 954 - حديث: "ما من أمتي أحدٌ إلاّ وأنا أعرفه يوم القيامة، قالوا: يا رسول الله من رأيت ومن لم ترَ؟ قال: من رأيت ومن لم أر غرًّا محجَّلين من آثار الوضوء". قال أبو البقاء: على تقدير: أراهم غرًّا محجّلين، أو: يأتون غرًّا. 955 - حديث: "إنّ بلالاً أخذ في الإقامة فلمّا أنْ قال: قد قامت الصلاة، قال النبي صلى الله عليه وسلم: أقامها الله وأدامها". قال الطيبي: (لمّا) شرطية تستدعي فعلاً، فيكون التقدير: لما انتهى إلى أنْ

956 - حديث: "كان إذا فرغ من طعامه قال: الحمد لله كثيرا مباركا فيه غير مكفي ولا مودع ولا مستغنى عنه ربنا".

قال. وقد اختُلف أمتعدّ أم لازم؟ فمن يجعله لازمًا يجعل المقول مصدرًا، ومن يجعله متعديًا فالمقول (عنده) مفعول به. انتهى. قلت: لا حاجة إلى مقدره، بل (أنْ) زائدة بعد لمّا، و (قال) فعلها كقوله تعالى: (ولمّا أن جاءت رسلنا) [العنكبوت: 33]. 956 - حديث: "كان إذا فرغ من طعامه قال: الحمدُ لله كثيرًا مباركًا فيه غير مكفي ولا مودع ولا مستغنى عنه ربنا". قال الكرماني: (غير مكفي) بالرفع والنصب، والضمير راجع إلى الطعام الدال عليه سياق الكلام، أو إلى (الحمد)، و (ربنا) منصوب على النداء، أو مرفوع الخبر مبتدأ [محذوف، وقال بعضهم: الضمير يعود إلى (الله)، و (ربنا) مبتدأ] وخبره (غير مكفي)، فباعتبار مرجع الضمير ورفع (غير) ونصبه ورفع (ربنا) ونصبه تكثير التوجيهات. انتهى. وقال الزركشي: (ربّنا) منصوب على المدح أو الاختصاص أو النداء، كأنه يقول: يا ربّنا حمدنا ودعانا، أو مرفوع على أنه خبر، كأنه قال: ذلك ربّنا أو هو أو إنك ربنا، ويجوز فيه الجر على البدل من (الله) في الحمد لله. وقال السفاقسي: بدل من الضمير في (عنه). 957 - حديث: "خمس بخٍ بخٍ سبحان الله .. الحديث". قال في "النهاية":هي كلمة تقال عند المدح والرضى بالشيء، وتكرر للمبالغة،

958 - حديث: "عرض علي ربي ليجعل لي بطحاء مكة ذهبا".

وهي مبنية على السكون، فإن وصلت كسرت ونونت، [وبخبخت بالرجل، إذا قلت له ذلك معناه تفخيم الأمر وتعظيمه]، وقد كثر مجيئها في الحديث، وعدّها الرضي في أسماء الأصوات، وقال إنه في الوصل يخفف وينون مكسورًا، وربما شدّد منونًا مكسورًا. 958 - حديث: "عرض عليّ ربي ليجعلَ لي بطحاءَ مكةَ ذهبًا". قال الطيبي: (بطحاء) تنازع فيه (عرض) و (ليجعل) أي: عرض عليّ بطحاء ليجعلها لي ذهبًا. 959 - حديث: "إنّ أغبط أوليائي عندي". قال الطيبي: (أفعل) هنا بني للمفعول، أي: أحقّ أوليائي بأن يُغبط ويُتمنى مثل حاله. 960 - حديث: "وعدني ربي أن يدخل الجنة من أمتي سبعين ألفًا لا حساب عليهم ولا عذاب، مع كل ألفٍ سبعون ألفًا وثلاث حثيات". قال الأشرفي: قوله: (وثلاث حثيات) يحتمل النصب عطفًا على قوله: (سبعين ألفًا)، والرفع عطفًا على قوله: (سبعون ألفًا)، والرفع أظهر في المبالغة، إذ التقدير: مع كل ألف سبعون ألفًا وثلاث حثيات. بخلاف النصب.

961 - حديث: "أنه سئل هل يتناكح أهل الجنة؟ فقال: نعم دحما دحما".

961 - حديث: "أنه سُئل هل يتناكح أهل الجنة؟ فقال: نعم دَحْمًا دَحْمًا". قال في "النهاية": انتصابه بفعل مضمر، أي: يدعون دَحْمًا دَحْمًا، والتكرر للتأكيد. وهو بمنزلة قولك: لقيتهم رجلاً رجلاً، أي: دحمًا بعد دحم. مسند أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه 962 - حديث: "إنّ رجلاً قال: يا رسول الله أخبرني بعملٍ يدخلني الجنة". قال الزركشي: برفع اللام وهو في موضع جر صفة لقوله: (بعمل). وفي فتح الباري يجوز الجزم جوابًا للأمر، وردّه بعض شراح "المصابيح"، لأن قوله (بعمل) يصير غير موصوف، مع أنه نكرة فلا يفيد، وأجيب بأنه موصوف تقديرًا لأنّ التنكير للتعظيم فأفاد، وبأن جزاء الشرط محذوف، والتقدير: إنْ عملته يدخلني الجنة. قوله: (فقال القومُ ماله ماله؟). قال ابن بطال: هو استفهام، وتكرار الكلمة للتأكيد. قوله: (فقاتل النبي صلى الله عليه وسلم: أرِبَ ماله؟).

قال الزركشي: (أرب) فعل ماض بوزن علم من أرب الرجل يأرب، أي: إذا احتاج فسأل عن حاجته، ثم قال: ماله، أي: أيّ شيء به، وقيل: تفطن من أرب إذا عقل، فهو أريب، وقيل هو دعاء، أي سقطت آرابه، أي: أعضاؤه، ولا يريد وقوعه به كتَرِبت يده. والثانية: (أرِبٌ ماله) بكسر الراء وضم الباء منونًا، اسم فاعل لحذر ومعناه صادق فَطِنٌ يسأل عما يعنيه، أي: هو أرِبٌ، فحذف المبتدأ، ثم قال: ماله؟، أي: ما شأنه؟. والثالثة: بفتح الهمزة والراء وضم الباء منونًا كحَمَلٌ، معناه: حاجة جاءت به. قال الأزهري: وهو خبر مبتدأ محذوف (أو مبتدأ خبره محذوف)، أي: له أرَبٌ. وتكون (ما) زائدة للتقليل. أي: له حاجة يسيرة، وفي سائر الوجوه هي استفهامية. وقيل: (ماله) إعادة لكلامهم على جهة الإنكار. والرابعة: (أرَبَ) بفتح (الجميع) رواه أبو داود. قال القاضي: لا وجه له. قال ابن الجوزي: أرب، أي: حاجة، و (ما) صلة. قوله: (وتصل ذا رحمك). قال المازري في "شرح مسلم": ينبغي أن يتأمل هذا مع قول النحاة أن لفظة (ذا) إنما يضاف إلى الأجناس فلعل الإضافة ههنا مقدر انفصالها. والإضافة بمعنى تقدير الانفصال موجودة.

مسند أبي بردة هانئ بن نيار رضي الله عنه

وقال القاضي عياض: لفظة (ذا) و (ذي) و (ذو) عند أهل العربية، إنما تضاف إلى الأجناس، ولا تضاف عندهم لغيرها من الصفات والمضمرات والأفعال والأسماء المفردات، لأنها في نفسها لا تنفكّ عن الإضافة، وقد جاءت مفردةً، ومضافة إلى مفرد، وإلى فعل، ومجموعةً ومثناةً، وكلّه عندهم شاذ كقولهم: ذو (يزن) والأذواء، وقالوا: أفعل كذا بذي سلم، وتقدير هذا عندهم على الانفصال، أي: الذي له كذا والذي يسلم كذلك. وقوله: ذا رحمك، أي: الذي رحمه معك أو يشاركك فيها، ونحوه، ومعنى (ذو) صاحب. قال القرطبي: قوله: (وتصل ذا رحمك) يعني قرابتك، وعلى هذا فتكون القرابة جنسًا مضافًا إلى (ذي) فإن حكمها أن يضاف إلى الأجناس، وهذا أولى من قول من قال: إن الرحم هنا اسم عين، وإنها هنا بمنزلة قولهم: ذو نواس، [وذو يزن، وذو رعين]، وقد ندر ذو عبس، لأن هذه أسماء أعلام لا أسماء أجناس. انتهى. مسند أبي بردة هانئ بن نيار رضي الله عنه

963 - حديث: "لا تذهب الدنيا حتى تكون للكع بن لكع".

963 - حديث: "لا تذهبُ الدنيا حتى تكونَ للُكَعٍ بنِ لُكع". قال أبو البقاء: هو مصروف هنا، لأنه نكرة، وإنْ كان معدولاً عن لاكع، ولذلك دخلت عليه اللام في قوله صلى الله عليه وسلم ابن لُكَع. مسند أبي برزة رضي الله عنه 964 - حديث: "فقالت أمها: أجُلَيْبِيبُ إنِيه". قال أبو البقاء: جماعة من المحدثين يخطئون في هذا اللفظ، والصواب فيه وجهان. أحدهما: (أجُلَيْبيبُ نيه) وحقيقة أنه تنوين كسر، وأشبعت كسرته فنشأ منها الياء، ثم زيدت الهاء ليقع الوقف عليها. والوجه الثاني: (أجُلَيْبيبُ إنِيهِ) فإنيه كلمة منفصلة مما قبلها، قال الشاعر: بينما نحن واقفون بفلج ... قالت الدُّلَحُ الرِّواءُ إنِيهِ

والغرض من ذلك كله الاستفهام على طريقة الإنكار، وقد ذكر ذلك كله سيبويه في كتابه، وسمعت هذا كله في الحديث من شيخنا أبي محمد بن الخشاب. انتهى. وقال الزمخشري في "المفصل": من أصناف الحرف حرف الإنكار، وهي زيادة تلحق الآخر على طريقين. أحدهما: على طريقة أن يلحق وحدها بلا فاصل كقولك: (أزيد نيه). والثاني: أن يفصل بينها وبين الحرف الذي قبلها وأن تكون مزيدة كالتي في قولهم: ما إن فعل، فيقال: أزيدًا إنيه. قال ابن يعيش في "شرحه": هذه الزيادة حرفٌ من حروف المد، كالزيادة اللاحقة للنُّدبة. وذلك على معنيين: أحدهما: أن ينكر وجود ما ذكر وجوده، ويبطِله كرجل قال: (أتاك زيد)، وزيد ممتنعٌ إتيانُه، فينكره لبطلانه عنده. والوجه الآخر أن ينكر أن يكون على خلافِ ما ذُكر، كقوله: (أأتاك زيد)، فتنكر سؤاله عن ذلك، وزيد من عادته أن يأتيه. ومن العرب من يزيد بين الأول، وهذه الزيادة زيادة تفصل بينهما، وتلك الزيادةُ (إن) التي تزاد للتأكيد في نحوِ ما إن فعل. كأنهم أرادوا زيادة علم الإنكار للبيان والإيضاح، فزادوا أيضًا (إن) توكيدًا لذلك المعنى، وذلك كقولك في جواب (ضربت زيدًا): (أزيدًا إنيه)، أبقيت الاسم على حاله من الإعراب، وزدت بعده (إن) لما ذكرناه، ثم كسرت النون لالتقاء الساكنين على حد الكسر في التنوين، فحرف المد زائد للإنكار، و (إن) للتأكيد، والهاء لبيان حرف المد، وحرف النفي، أي: في الأول للإنكار، والهاء للوقف انتهى.

وقوله في هذا الحديث: نعم وكرامة يا رسول الله ونعمة عيني. قال القرطبي: الرواية (نعمة) بضم النون وفيها لغات. (نعمة) بفتح النون، ونعم عيني، ونعم، ونعمى، ونعامى، ونعيم، ونعام. وكل ذلك بمعنى واحد، بمعنى أنعم عينه، (أريها ما يسرّها) وهي منصوبة على المصدر. قال الرضي: مما يشبه أن يكون قياسًا مصدر عطف على الجملة بالواو، والمراد تأكيد المعطوف عليه وتبيينه كما يقول المجيب للطالب: نعم ونعمة عيني، أي: أفعل وأنعم عينك إنعامًا، أي: أقرّها، فحذف الزوائد، وأضافه إلى المفعول، أو نعمت عينك نعمة، أي: قرّة. وقال أبو حيان في "الارتشاف": من المصادر المنتصبة على إضمار الفعل المتروك إظهاره فيما نصّ عليه سيبويه قولك: أفعل ذلك وكرامة ومسرة ونعمة عين، وحبًّا ونعام عين، كأنك قلت: وأكرمك كرامة، وأسرك مسرة، ولا يكون: أفعل ذلك وكرامة، إلا جوابًا لما قال: أفعل كذا أتفعل كذا فقلت: أفعله وأكرمك بفعله كرامة، وأسرك مسرة، ولا يستعمل كرامة إلا مع مسرة وكذا نعمى عين بعد (حبًّا). ولا يقال: مسرة وكرامة ولا نعمى عين، و (حبًّا وكرامة) اسم موضع المصدر الذي هو الإكرام، وكذا نعمة عين، ونعام عين، وهو بفتح النون وضمها وكسرها، وهما اسمان بمعنى الإنعام لما كانت بمعنى المصدر ذكرت مع المصدر. وفي كتاب "التمهيد": وقدر (الفعل) الناصب لها باعتبار الزيادة الدالة على المعنى. قوله: (شأنَك بها) نصب على الإغراء.

965 - حديث: "اعزل الأذى عن طريق المسلمين".

965 - حديث: "اعزل الأذى عن طريق المسلمين". قال الطيبي: قوله: (انتفع به) روي مجزومًا جوابًا للأمر، ومرفوعًا صفة لـ (شيء). 966 - حديث: "وكان لا يبالي بتأخير العشاء". كذا في رواية البخاري بالباء، وفي رواية أبي داود: (لا يبالي تأخير العشاء) بدون باء، وكلاهما صحيح. قال في "النهاية": يقال: ما باليته وما باليت به. أي: لم أكترث به. 967 - حديث: "غزوتُ مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ستّ غزواتٍ، أو سبع غزوات أو ثمانيَ". قال ابن مالك في "شرح التسهيل": ضبطه الحفاظ في كتاب البخاري بفتح الياء بلا تنوين. والأصل (أو ثماني غزوات) فحذف المضاف إليه، وأبقى المضاف على هيئته التي كان عليها قبل الحذف. مسند أبي بصرة الغفاري رضي الله عنه

968 - حديث: "إن الله زادكم صلاة فصلوها فيما بين صلاة العشاء إلى الصبح الوتر الوتر".

968 - حديث: "إنّ الله زادكم صلاةً فصلّوها فيما بين صلاة العشاء إلى الصبح الوترُ الوترُ". قال أبو البقاء: فيه وجهان: النصب على تقدير: صلوا الوترَ، فكرر فاستغنى عن الفعل، ويجوز أن يكون التقدير: عليكم الوتر، وكرر توكيدًا، ويجوز أن يكون التقدير: زادكم، أو أعني الوتر. والثاني: الرفع على تقدير: هي الوتر، وكرر توكيدًا. مسند أبي بكر الصديق رضي الله عنه 969 - حديث: "أنّه حمل الحسن وقال: وا بأبي شبهُ النبي صلى الله عليه وسلم، ليس شبيهٌ بعلي". قال ابن مالك في "شرح التسهيل": كذا ثبت في صحيح البخاري برفع (شبيه) بناء على أن (ليس) حرف عطف كما يقول الكوفيون، كما يقال: بأبي شبيه بالنبي لا شبيه بعلي. ويجوز أن يكون (شبيه) اسم (ليس) وخبرها ضمير متصل حذف استغناء عن لفظه بنيته. وقال الكرماني: قوله: (بأبي)، أي: هو مفدى بأبي، أو هو قسم، وتقديره: لهو.

970 - حديث الصدقة

وقال الطيبي: يحتمل أن يكون التقدير: هو مفدى بأبي شبيه، فيكون خبرًا بعد خبر، أو أفديه بأبي، فعلى هذا (شبيه) خبر مبتدأ محذوف. 970 - حديث الصدقة: قوله: "فمن سألها على وجهها". قال الطيبي: (على وجهها) حال من المفعول الثاني في (سبيلها)، أي: سبيلها كائنة على الوجه المشروع من غير تعدّ. قوله: (في أربع وعشرين ... إلى آخر الحديث) استئناف لقوله: (هذه فريضة الصدقة)، كأنه أشار بهذا إلى ما في الذهن ثم أتى به بيانًا له. قوله: (في أربع وعشرين من الإبل مما دونها من الغنم من كل خمس شاة). قال الطيبي: (من) التي في الغنم ظرف مستقر، لأنه بيان لشاة توكيدًا. كما في قوله: (في خمس ذود من الإبل)، والتي في كل خمس لغو، ابتدائية متصلة بالفعل المحذوف، أي: ليعط في أربع وعشرين شاة كائنة من الغنم لأجل كل خمس من الإبل. قال الكرماني: فكلمة (من) في (من الغنم) إما زائدة وإما بيانية، وإما ابتدائية واقعة خبرًا لمبتدأ. أي: الزكاة في كذا ثابتة من الغنم. وقال القاضي عياض: يروى بإسقاط (من) في الغنم وبإثباتها وكلاهما صواب، فمن أثبتها أجاز زكاتها من الغنم، و (مِنْ) للبيان، لا للتبعيض وعلى إسقاطها (الغنم)

مبتدأ، والخبر مضمر في قوله (أربع وعشرين) وما بعده، وإنما قدم الخبر لأن الغرض بيان الأقدار التي تجب فيها الزكاة. وقوله: (بنت مخاص أنثى). قال الطيبي: وصفها بالأنثى تأكيدًا، كما قال تعالى: (نفخةٌ واحدة) [الحاقة: 13] أو لئلا يتوهم أن البنت هنا، و (الابن) في ابن لبون، كالبنت في بنت طبق، والابن في ابن آوى يشترك فيه الذكر والأنثى. قوله: (إلاّ ما شاء المصدق). قال الطيبي: الاستثناء متصل ويحتمل أن يكون منقطع المعنى، لا يخرج (الذكر) الناقص والمعيب، لكن يخرج ما شاء المصدق من السليم والكامل. قوله: (ولا يجمع بين متفرق، ولا يفرق بين مجتمع خشية الصدقة). قال الطيبي: (خشية الصدقة) مفعول له تنازع فيه قوله: (ولا يجمع ولا يفرق)، فإذا نسب إلى الساعي وجب أن يقال: خشية أن تقل، وإذا نسب إلى المالك وجب أن يقال: خشية أن يكثر. قوله: وفي صدقة الغنم في سائمتها إذا كانت أربعين إلى عشرين ومائةٍ شاةٌ. قال الكرماني: لفظ (في سائمتها) بدل من قوله: (وفي صدقة الغنم) بإعادة

971 - حديث: "إن أبا بكر قال لعمر: وما عسيتهم أن يفعلوا بي".

الجار، فإن قلت: لا يجوز أن يكون (شاة) مبتدأ و (في صدقة الغنم) خبره، لأن لفظ (الصدقة) يأباه، فما وجه إعرابه؟ قلت: لا نسلم، ولئن سلمنا فلفظ (في صدقة) متعلق بفرض، أو كتب مقدرًا، أي: فرض في صدقتها شاة، أو كتب في شأن صدقة الغنم هذا، وهو إذا كانت أربعين الخ ... (وحينئذ) يكون (شاة) خبر مبتدأ محذوف، أي: فزكاتها شاة، أو بالعكس، أي: ففيها شاة. قال التيمي: (شاة) وقع بالابتداء، و (في صدقة الغنم) في موضع الخبر، وكذلك شاتان، والخبر محذوف. قوله: (فإذا كانت سائمةُ الرجل ناقصةً من أربعين شاةً واحدة). قال الزركشي: (ناقصة) بالنصب، خبر كان، و (شاة) نصب على التمييز، و (واحدة) وصف لها. وقال الكرماني: (واحدة) إما منصوب بنزع الخافض، أي: بواحدة، وإمّا حال من ضمير (ناقصة) وروي بشاة واحدة بالجر. 971 - حديث: "إن أبا بكر قال لعمر: وما عسيتهم أن يفعلوا بي". قال ابن مالك: فيه شاهد على صحة تضمين فعل معنى فعل آخر، وإجرائه مجراه في التعدي، فإن (عسى) في هذا الكلام قد ضمنت معنى حسب، وأجريت مجراها في التعدي، فنصبت ضمير الغائبين على أنه مفعول أول، ونصب (أن يفعلوا)

مسند أبي بكرة رضي الله عنه

تقديرًا على أنه مفعول ثان. وكان حقه أن يكون عاريًا من (أنْ) كما لو كان بعد حسب ولكن جيء بأن لئلا يخرج (عسى) بالكلية عن مقتضاها، ولأن (أنْ) قد تسد بصلتها مسد مفعولي حسب، فلا يستبعد مجيئها بعد المفعول الأول بدلاً منه، وسادّة مسدّ ثاني مفعوليها ويجوز جعل تاء عسيتم حرف خطاب والهاء والميم اسم (عسى) والتقدير: عساهم أن يفعلوا بي، وهذا وجه حسن، وهو نظير رأي الفراء في كون (تاء) أرأيتكم حرف خطاب، وفاعل رأى الكاف والميم. مسند أبي بكرة رضي الله عنه 972 - حديث: "إذا التقى المسلمان حمل أحدهما على أخيه السلاح فهما في جوف جهنم". قال الطيبي: قوله: (حمل أحدهما) حال وقد مقدرة، والمعنى: إذا التقى المسلمان حاملاً. 973 - حديث: "رُبَّ مبَلَّغٍ أوعى من سامع". قال الكرماني: للتقليل لكنه كثر في الاستعمال للتكثير بحيث غلب على الحقيقة، كأنها صارت حقيقة فيه، و (مبلّغ) بفتح اللام أي: مبلغ إليه. فحذف الجار والمجرور كما يقال (المشترك) ويراد المشترك فيه، و (أوعى) أفعل التفضيل من الوعي،

974 - حديث: "كما تكونوا يولى عليكم".

وقع صفة لمبلغ وسامع، أي: سامع مني، ولا بد من هذا القيد، لأن المقصود ذلك، ومن خصائص (ربّ) أنها لا تدخل إلا على نكرة ظاهرة أو مضمرة، فالظاهرة يلزمها أن تكون موصوفة بمفرد أو جملة، ومنها أن الفعل الذي يسلطه على الاسم يجب تأخره عنها، لأنها لإنشاء التعليل، ولها صدر الكلام، وفعله يجيء محذوفًا في الأكثر، ومنها أن فعلها يجب أن يكون ماضيًا، وهنا فعله محذوف، وهو نحو كان أو علمت ووجد ولقيت، وهي حرف عند البصريين، اسم عند الكوفيين. وقال الزركشي في "التنقيح": الذي تتعلق به (رب) محذوف تقديره: يوجد أو يضاف، وأجاز الكوفيون كون (رب) اسمًا مرفوعًا بالابتداء فعلى هذا يكون (أوعى) خبرًا له. قال: وقوله في الحديث: (أليس يومَ النحر) نصب على خبر ليس، أي: أليس اليومُ يومَ النحر، ويجوز الرفع على أنه اسمها والتقدير: أليس يومُ النحر هذا اليومَ، وعلى هذا التقدير، قال: أليس ذو حجة، يعني أليس ذو حجة هذا الشهر. وقوله: (أليس بالبلدة الحرام). قال الكرماني: فإن قلت: (البلدة) مؤنث فما حكم (الحرام). قلت: لفظ الحرام اضمحل منه معنى الوصفية وصار اسمًا. 974 - حديث: "كما تكونوا يولى عليكم". قال الأنباري في ... وقال الطيبي: الكاف في (كما) مرفوع المحل على الابتداء والخبر (يولى).

975 - حديث: "ويخرجون من كان في قلبه ما يزن ذرة من إيمان".

975 - حديث: "ويخرجون من كان في قلبه ما يزن ذرة من إيمان". قال أبو البقاء: (ذرة) منصوب بـ (يزن) على أنه مفعول به، لأن تقديره (لا يساوي في القدر بعوضةً). 976 - حديث: "إنْ كان أحدكم مادحًا لا محالة فليقلْ: أحسب كذا وكذا، إن كان يرى أنه كذلك، وحسيبُه الله". قال الكرماني: جملة (وحسيبه الله) اعتراضية. وقال الطيبي: هي من تتمة المقول، والجملة الشرطية حال من فاعل (فليقل). وقال الشيخ أكمل الدين: جملة (حسيبه الله) في موضع الحال وقوله: (ولا أزكّي على الله أحدًا) معطوف عليه. 977 - حديث: "كل الذنوب يغفر الله منها ما شاء إلا عقوقُ الوالدين". قال الطيبي: (مِنْ) في (منها) منصوبة المحل مفعول (يغفر) مجازًا و (ما شاء) يدل عليه. ويجوز أن يتعلق بـ (يغفر) وتكون ابتدائية. مسند أبي بهيسة رضي الله عنه

978 - حديث: "يا نبي الله ما الشيء الذي لا يحل منعه قال: أن تفعل الخير خير لك".

978 - حديث: "يا نبي الله ما الشيءُ الذي لا يحلُّ منعه قال: أن تفعل الخير خيرٌ لك". قال أبو البقاء: (أنْ) مفتوحة الهمزة مصدرية، وموضعها رفع بالابتداء، و (خير) خبره، ومثله قوله تعالى: (وأن تصوموا خيرٌ لكم) انتهى. وقال الطيبي: (أنْ) المصدرية، أي: إنّ فعل الخير خير لك. وتطبيقه على السؤال: ما الشيء الذي لا يحل منعه أن يقال: هو فعل الخير الذي تدعو إليه نفسك الزكية، فإنه لا يحل لك منعه. مسند أبي ثعلبة الخشني رضي الله عنه 979 - حديث: "إنّ أحبَّكم إليّ وأقربَكم مني في الآخرة محاسنُكم أخلاقًا". قال أبو البقاء: أكثر ما يجيء في الحديث: (أحاسنكم أخلاقًا)، وهو جمع

أحسن، مثل: أبطح وأباطح، وقد جعل أفعل هنا صفة غالبة فجمعت جمع الأسماء مثل: أفكل وأفاكل، وأما في هذا الحديث فقد ورد (محاسنكم)، وفيه أوجه: أحدها: أنه جمع محسن، فـ (أخلاقًا) على هذا يجوز أن يكون مفعولاً به، كما تقول: فلان يحسّن خلقه، ويجوز أن يكون تمييزًا مثل: المحسنين أعمالاً، ومنه قوله تعالى: (هل ننبئكم بالأخسرين أعمالاً) [الكهف: 103]، ويجوز أن يكون (محاسنكم) جمعًا لا واحد له من لفظه، كما قالوا: مشابه وليس واحده مشبهًا بل: شبه، كذا ههنا يكون، الواحد (أحسن)، وجعل الميم في الجمع عوضًا من الهمزة، ويكون (أخلاقًا) تمييزًا لا غير، وكذلك: (مساوئكم أخلاقًا). انتهى. وقال ابن مالك في "شرح الكافية": لأفعل التفضيل ثلاثة أحوال: الأول: حال تجرده من الإضافة واللام، وحقه ملازمة الإفراد والتذكير. والثاني: حال تعريف بالألف واللام، ولا بد له حينئذ من مطابقة ما هو له، فيقال: زيد الأفضل، والزيدان الأفضلان، والزيدون الأفضلون، وهند الفضلى، والهندات الفضليات أو الفضل. والثالث: حال الإضافة إلى معرف1، وهو فيها على ضربين: أحدهما: أن يضاف مرادًا به معنى المجرد. والثاني: أن يضاف مراداً به معنى المعرف بالألف واللام. فالمراد به معنى المجرد يجوز أن يوافقه في ملازمة الإفراد والتذكير وأن يوافق المعرف بالألف واللام في ملازمة المطابقة لما هو له. وقد اجتمع الأمران في قول النبي صلى الله عليه وسلم: (ألا أخبركم بأحبكم إلي وأقربكم مني مجالسًا يوم القيامة أحاسنكم أخلاقًا). انتهى.

وقال الأندلسي في "شرح المفصل"، قوله عليه السلام (بأحبكم) من ترك الجمع، و (أحاسنكم) من الجمع و (مجالس) منصوب على التمييز (يوم القيامة) على الظرف، والعامل فيه إمّا فعل، وإما معنى الفعل المفهوم من هذا الكلام من رفع الدرجة. قال: واعلم أن لفظة أفعل تستعمل على معنيين: أحدهما: هي فيه بمنزلة فاعل، نحو: الناقصُ والأشجُّ أعدلا بني مروان. أي: عادلا بني مروان. والآخر: المقصود منه التفضيل على من يشاركه في أصل تلك الصفة التي جرى التفضيل فيها. قال: وقد اجتمع الأمران في هذا الحديث، فقوله: (ألا أخبركم بأحبكم إلي وأقربكم) من المعنى الثاني. وقوله في بقية الحديث: (ألا أخبركم بأبغضكم إلي وأبعدكم مجالس مني مساوئكم أخلاقًا). من المعنى الأول. فإن الظاهر أنه أراد غير المفاضلة كأنه قال: بغيضكم، فإنه عليه السلام ما كان يبغض أحدًا من أصحابه وأمته، وهم المخاطبون بهذا الكلام، فالأولى أن يحمل هذا الشطر من الحديث على أن (أفعل) فيه من المعنى الأول. وجاء به لازدواج الكلام، ومقابلة الشطر الثاني بالأول كقوله تعالى: (وهو خادعهم) [النساء: 142] انتهى. وقال البيضاوي: أفعل التفضيل إذن بمعنى أن المراد به زائد على المضاف

إليهم في الخصلة التي هو وهم متشاركون فيها، جاز فيه الإفراد والتذكير في الحالات كلها وتطبيقها لما هو وصف له لفظًا ومعنى. وقد جمع الوجهان في الحديث، فأفرد (أحبّ) (أبغض) وجمع (أحاسن) و (مساوئ) في رواية من روى (أساوئكم) بدل (مساوئكم) وهو جمع (مسوء) كمحاسن جمع (محسن)، وهو إما مصدر ميمي نعت به ثم جمع، أو اسم مكان يعني الأمر الذي فيه السوء، فأطلق على المنعوت به مجازًا، و (أخلاقًا) نصب على التمييز. قال الطيبي: قال الدار الحديثي: وأراد بغيضكم وبأحبكم التفضيل و (إلاّ) يكون المخاطبون بأجمعهم مشتركين في البغض والمحبة. قال الحاجبي: تقديره: بأحب المحبوبين منكم، وأبغض المبغوضين منكم. ويجوز إطلاق العام وإرادة الخاص للقرينة. وقال الطيبي: إذا جعل الخطاب خاصا بالمؤمنين، فكما لا يجوز (أبغضكم) لا يجوز (بغيضكم) لاشتراكهم في المحبة. والقول ما ذهب إليه ابن الحاجب لأن الخطاب عام يدخل في البر والفاجر. وقوله: (الثرثارون) إما بدل من (مساوئكم أخلاقًا)، فيلزم أن تكون في الأوصاف أسوأ الأخلاق، لأن المبدل كالتمهيد، والتوطئة، وإما رفع على الذم على أنه خبر مبتدأ محذوف، فيكون أشنع وأبلغ. وقال ابن الصائغ في "تذكرته": يلزم على الحديث أن يكون المخاطبون

مسند أبي جحيفة رضي الله عنه

محبوبين مبغوضين مقربين مبعدين، وهو غير جائز، ووجه الملزوم أنه أضاف الأحب والأبغض إلى المخاطبين، فيلزم أن يكونوا مشتركين في أصل ما أضيف إليه من المحبة والبغضاء، والجواب: أن المضاف إليه في هذه المواضع يجب أن يكون مختصًّا في أصل المعنى الذي دل عليه أفعل، فيكون في قوله (أحبكم) أحب المحبوبين منكم، وكذلك في الباقي. ويجوز أن يقدر مضاف محذوف كأنه قيل: أحب محبوبكم، وكذا في الباقي، ويكون الدليل على ذلك ما علم من لغتهم من أنهم لا يطلقون أفعل التي للمفاضلة، إلا على ذلك. انتهى. مسند أبي جحيفة رضي الله عنه 980 - حديث: "خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالهاجرة فأتى بوضوء فتوضأ فصلى بنا الظهر والعصر وبين يديه عنزة والمرأة والحمار يمرون من ورائها". قال ابن مالك: المشكل من هذا الحديث قوله: (والمرأة والحمار يمرون). فأعاد ضمير الذكور العقلاء على مؤنث ومذكر غير عاقل. والوجه فيه أنه أراد: والمرأة والحمار وراكبه، فحذف الراكب لدلالة الحمار عليه، مع نسبة مرور مستقيم إليه،

مسند أبي الجهيم بن الحارث بن الصمة رضي الله عنه

ثم غلب تذكير الراكب المفهوم على تأنيث المرأة وعقلهما على بهيمية الحمار، فقال: (يمرون). ومثل يمرون المخبر به عن مذكور ومعطوف محذوف، وقوع (طليحان) في قول بعض العرب: (راكب البعير طليحان)، يريد: راكب البعير والبعير طليحان. مسند أبي الجهيم بن الحارث بن الصمة رضي الله عنه 981 - حديث: "لو يعلم المار بين يدي المصلي ماذا عليه لكان أن يقف أربعين خريفًا خيرًا له من أن يمر بين يديه". قال الحافظ زين الدين العراقي: في رواية البخاري (خيرًا) بالنصب على أنه خبر كان، وفي رواية الترمذي (خير) بالرفع، على أنه اسم كان، و (أن يقف) الخبر. قال ابن العربي: (روي) برفع (خير) ونصبه. قال: وهاتان الجملتان يكونان معرفان بالإضافة. قال: والثانية التي هي (خير له) أعرف من الأولى. قال العراقي: وفيما قاله نظر، وذلك لأن قوله: (أن يقف) في تأويل: وقوفه، ووقوفه أعرف من (خير له) لصراحة الإضافة فيه، وإن كان معنى وقوفه وقوفًا له. انتهى. وقال ابن فرحون: يجوز أن يجعل (ذا) في هذا الحديث موصولة (وعليه) صلته، وأن تجعل زائدة، والتقدير: ما عليه فيكون (ما) مبتدأ و (عليه) خبره. وقال الطيبي: (بين يدي المصلي) ظرف للمار، وقوله: (ماذا عليه) سدّ مسدّ المفعولين ليعلم، وقد علق عمله بالاستفهام.

مسند أبي جمعة رضي الله عنه

مسند أبي جمعة رضي الله عنه 982 - حديث: "تغدَّينا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعنا أبو عبيدة بن الجراح فقال: يا رسول الله: أحدٌ خيرٌ منا، أكلنا معك، وجاهدنا معك، قال: نعم، قوم بعدكم يؤمنون بي ولم يروني". قال أبو البقاء: التقدير: هل أحدٌ، أو: أأحدٌ فحذف حرف الاستفهام لظهور معناه، قال الشاعر: ثم قالوا تحبّها قلت: بَهْرًا ... عدد القطر والحصى والتراب أي: أتُحِبُّها. مسند أبي الجعد رضي الله عنه

983 - حديث: "من ترك ثلاث جمع تهاونا".

983 - حديث: "من ترك ثلاث جمع تهاونًا". قال أبو البقاء: منصوب على أنه مفعول له، ويجوز أن يكون مصدرًا في موضع الحال أي متهاونًا. مسند أبي حميد الساعدي رضي الله عنه 984 - حديث: "لأعرفن ما جاء الله رجل ببقرة لها خوارٌ". قال التيمي: أي: لأرينكم غدًا على هذه الحالة، فلأعرفنكم بها، واللام جواب قسم مقدر، ولا أعرفن بحرف النفي، أي: ما ينبغي أن تكونوا على هذه الحالة فأعرفكم بها. (وما جاء الله) في موضع نصب، و (ما) مصدرية. أي: مجيء رجل إلى الله. انتهى. زاد الكرماني: أو (ما) موصوفة، أي: رجلاً جاء الله، ورجل فاعل لنحو: يجيء، أو خبر مبتدأ. وقول أبي حميد الساعدي في آخر الحديث: (بصر عيني وسمع أذني). قال الزركشي: بسكون الصاد والميم، وفتح الراء والعين عند أكثرهم. قال سيبويه: العرب تقول: سمع أذني زيد أو رأي عيني، تقول ذلك بضم آخرها.

مسند أبي الدرداء رضي الله عنه

قال القاضي عياض: وأما الذي في هذا الحديث فوجهه النصب على المصدر، لأنه لم يذكر المفعول بعده. مسند أبي الدرداء رضي الله عنه 985 - حديث: "هل أنتم تاركوا لي صاحبي". قال أبو البقاء: الوجه (تاركون) لأن الكلمة ليست مضافة، لأن حرف الجر منع الإضافة، والأشبه أن حذفها من غلط الرواة. انتهى. قلت: ومثله حديث عوف بن مالك (هل أنتم تاركوا امرأتي). وقال ابن مالك في "توضيحه": في هذا شاهد على جواز الفصل دون ضرورة بجار ومجرور بين المضاف والمضاف إليه، إن كان الجار متعلقًا بالمضاف. والفصل بالظرف كذلك، ومنه قول الشاعر: فَرِشْنِي بخير لا أكوننْ ومِدْحَتِي ... كناحِتِ يومًا صخرةٍ بعَسيلِ

986 - حديث: "فرغ الله إلى كل عبد من خلقه من خمس: من أجله ورزقه وأثره وشقي أم سعيد".

وقال القرطبي: في هذا وجهان: أحدهما: أن يكون استطال الكلمة فحذف النون، كما تحذف من الموصول كقوله تعالى: (وخضتم كالذي خاضوا) [التوبة: 69]. والثاني: أن يكون مضافًا وفصل بين المضاف والمضاف إليه بالجار والمجرور عناية بتقديم لفظ الإضافة، وفي ذلك جمع إضافتين إلى نفسه كل ذلك تعظيمًا للصديق، ونظيره قراءة ابن عامر (قتلَ أولادهم شركائِهم) [الأنعام: 137] بنصب (أولادَهم) وخفض (شركائِهم)، وفصل بين المتضايفين بالمفعول. 986 - حديث: "فرغ الله إلى كلّ عبدٍ من خلقه من خمسٍ: من أجله ورزقه وأثره وشقي أم سعيد". قال أبو البقاء: لا يجوز فيه إلا الرفع على تقدير: (وأهو شقيٌّ)، ولو جرّ عطفًا على ما قبله لم يجز لأنه لو قلت: (فرغ من شقي أم سعيد)، لم يكن له معنى. انتهى. قال الطيبي: (فرغ) يستعمل باللام، يقال: فرغ لكذا، واستعماله بإلى إما للتضمين، أو يكون حالاً، أي: تقدير ما في الأزل من تلك الأمور إلى تدبير العبد بإبدائها، ويجوز أن تكون إلى بمعنى اللام، يقال: هداه إلى كذا أو لكذا. و (مِنْ) في (من خلقه) صلة (فرغ)، أي: من خلقه، ومما يختص به، وما لابد منه من الأجل والعمل وغيرهما، و (من خمس) عطف عليه، ولعل سقوط الواو من الكاتب، ويمكن

987 - حديث: "كيف يستخدمه وهو لا يحل له، أم كيف تورثه وهو لا يحل له".

أن يقال: إنه بدل منه، بإعادة الجار، والوجه أن يذهب إلى أن خلقه بمعنى مخلوقه. و (من) فيه بيانية، و (من) في (من خمس) متعلق بـ (فرغ) أي فرغ إلى كل عبد كائن من مخلوقه من خمس. انتهى. 987 - حديث: "كيف يستخدمه وهو لا يحلُّ له، أم كيف تورثه وهو لا يحلّ له". قال الأشرفي: الضمير المرفوع في قوله: (وهو لا يحلّ له) عائد إلى مصدر (يستخدمه) و (يورثه) الدالين عليه، أي: كيف يستخدمه والاستخدام لا يحلّ، أم كيف تورثه والتوريث لا يحل له. وقال الطيبي: (أم) في قوله: (أم كيف تورثه) منقطعة، إضراب عن إنكار إلى أبلغ منه. 988 - حديث: "وجدت الناس أخبُر تَقْلِه". قال الأندلسي في "شرح المفصل": أي: وجدتهم مقولاً فيهم هذا القول، ومعناه أني جربت الناس فما منهم إلا من إذا اطلعت على سريرته وجربته واختبرته وانكشف لك باطنه بغضته واجتنبته، كأن قال: وجدت الناس مأمورًا بتجربتهم وبغضهم ونظيره في تقرير القول: جاءوا بمَذْقٍ، هل رأيت الذئب قَطْ

989 - حديث: "إن أحسن ما زرتم به الله في مساجدكم وقبوركم البياض".

أي مقول عنده ذلك، أو مستفهم منه. وقال صاحب "البسيط": قد وقعت الجملة الأمرية وجوابها موقع المفعول الثاني لوجدت في قول أبي الدرداء: (وجدت الناس أخبر تقله)، ويحتمل تأويله على وجهين: أحدهما: وجدت الناس مقولاً فيهم: أخبر تقله، فيكون محكيًّا والمعنى أنك إذا خبرت الناس قليتهم فأخرجه بلفظ الأمر ومعناه الخبر. والثاني: وجدت سبب بغض الناس خبرتهم، أو وجدت الناس مأمورًا بخبرتهم وبغضهم. انتهى. 989 - حديث: "إنّ أحسنَ ما زرتم به الله في مساجدكم وقبوركم البياض". قال الطيبي: (ما) يجوز أن تكون موصوفة أو موصولة والعائد محذوف أي: أحسن شيء زرتم الله فيه البياض. 990 - حديث: "من سلك طريقًا يطلبُ فيه علمًا، سلك الله به طريقًا إلى الجنة". قال الطيبي: الضمير المجرور في (به) عائد إلى (مَنْ) والباء للتعدية، أي: يوفقه أن يسلك طريقًا إلى الجنة. ويجوز أن يرجع الضمير إلى (العلم) والباء سببية، ويكون (سلك) بمعنى سهل، والعائد إلى (مَنْ) محذوف. والمعنى سهل الله له بسبب العلم طريقًا من طرق الجنة. فعلى الوجه الأول (سلك) من السلوك يعدى بالباء، وعلى الثاني السلك، والمفعول محذوف كقوله تعالى: (يسلكه عذابًا صعدًا) [الجن: 17] قيل: (عذابًا) مفعول ثان. وعلى التقديرين نسب (سلك) إلى الله تعالى على طريق المشاكلة.

991 - حديث: "يقول الله: أنا الله لا إله إلا إنا".

وقوله: (وإنّ الملائكة لتضع أجنحتها) جملة معطوفة على الجملة الشرطية، وكذا الجمل التي بعدها المصدرة بـ (إنّ). وقوله: (رضًا لطالب العلم) مفعول له، وليس فاعلاً لفاعل المعلل فيقدر مضاف. أي: إرادة رضا. 991 - حديث: "يقولُ الله: أنا الله لا إله إلا إنا". قال الطيبي: قوله: (أنا الله)، على أسلوب قوله: (أنا أبو النجم)، أي: أنا المعروف بالوحدانية المشهور بها. أو المعبود، و (لا إله إلا أنا) حال مؤكدة لمضمون هذه الجملة. 992 - حديث: "أوصاني خليلي صلى الله عليه وسلم أن لا تشرك بالله شيئًا". قال الطيبي: (أن) مفسرة، لأن في (أوصى) معنى القول. 993 - حديث: "ربُّنا الله الذي في السماء". قال الطيبي: (ربنا) مبتدأ، و (الله) خبره، و (الذي) صفة مادحة، عبارة عن مجرد علو شأنه ورفعته، لا عن المكان. وقوله: (كما رحمتك في السماء)، (ما) كافة مهيئة لدخول الكاف على الجملة الأشبهية ما فيه اختلاف بما لا اختلاف فيه، وذلك أن أمر الله غير

994 - حديث: "دعوة المرء المسلم لأخيه بظهر الغيب مستجابة".

مختص بالسماء دون الأرض، لكن الرحمة من شأنها أن تختص بالسماء دون الأرض، لأنها مكان المعصومين بخلاف الأرض، ولذلك أتى بالفاء الجزائية. أي: إذا كان كذلك فاجعل رحمتك في الأرض. 994 - حديث: "دعوةُ المرء المسلم لأخيه بظهر الغيب مستجابة". قال الطيبي: (ظهر) مقحم، وموضعه نصب على الحال من المضاف إليه، لأن (الدعوة) مصدر أضيف للفاعل، ويجوز أن يكون ظرفًا للمصدر. وقوله: (مستجابة) خبر لها. وقوله: (عند رأسه ملك) جملة مستأنفة مبنية للاستجابة. قوله: (ولك بمثل ذلك) الباء في (بمثل) زائدة في المبتدأ، كما في قولك: بحسبك درهم. 995 - حديث: "ما طلعتْ شمسٌ ولا غربت إلاّ وبجنبها ملكان". قال الطيبي: استثناء مفرغ والواو للحال، والمستثنى منه أعم عام الأحوال. وقوله: (ملكان) يجوز أن يكون فاعل الجار والمجرور على رأيٍ، أو مبتدأ، والجار والمجرور خبره. 996 - حديث: "من حفظ على أمتي أربعين حديثًا". قال الطيبي: ضمّن (حفظ) معنى رقب فدعاه بعلى، يقال: احفظ علي عنان

997 - حديث: "ما من ثلاثة من قرية لا يؤذن ولا تقام فيها الصلاة إلا استحوذ عليهم الشيطان".

فرسي ولا تغفل عني، ويجوز أن يكون حالاً من الضمير المرفوع العائد إلى (مَنْ) في (مَنْ حفظ). 997 - حديث: "ما من ثلاثة من قرية لا يؤذَّن ولا تقام فيها الصلاة إلا استحوذ عليهم الشيطان". قال في "النهاية": هذه اللفظة، أي: (استحوذ) أحد ما جاء على الأصل من غير إعلال خارجة عن أخواتها. مسند أبي ذر رضي الله عنه 998 - حديث: "قلت: يا رسول الله: الصلاة؟ قال: خير موضوع". قال أبو البقاء: تقديره: ما فضل الصلاة؟ فحذف للعلم به، يدل عليه قوله فيما بعد: فأيهما أفضل؟. انتهى. وقال الخطابي في كتاب "إصلاح الألفاظ": قوله: (خير موضوع) يروى على وجهين:

أحدهما: أن يكون (موضوع) نعتًا لما قبله، يريد أنها خيرٌ حاضر. والوجه الآخر: أن يكون (الخير) مضافًا إلى (الموضوع)، يريد أنها أفضل ما وضع من الطاعات، وشرع من العبادات. وقوله: (أيُّ الأنبياء كان أوَّلُ). قال أبو البقاء: بالضم مبني لقطعه عن الإضافة. قال: قوله: (قلت يا رسول الله: ونبيٌّ كان) الجيد أن ينصب (نبي). وقوله: (جمًّا غفيرًا). قال في "النهاية": جاءت الرواية (جم الغفير)، قالوا: والصواب (جمًّا غفيرًا): جاء القوم جمًّا غفيرًا. أي: مجتمعين كثيرين. قال: والذي أنكر من الرواية صحيح، فإنه يقال: جاؤوا بالجم. (وقال ابن فلاح في "المغني": قد ترد الصفة لازمة نحو: يا أيها الرجل وجاؤوا الجم) الغفير، ثم حذف الألف واللام. وإضافته من باب: (الصلاة الأولى)، و (مسجد الجامع)، وأصل الكلمة من الجموم والجمة، وهو الاجتماع والكثرة. و (الغفير) من الغفر وهو التغطية والستر، فجعلت الكلمتان في موضع الشمول والإحاطة، ولم ينقل عن العرب (الجماء) إلا موصوفًا، و (هو) منصوب على المصدر كـ (طرًّا) و (قاطبةً). فإنها أسماء وضعت موضع المصدر. انتهى.

999 - حديث إسلام أبي ذر.

999 - حديث إسلام أبي ذر. قوله: "فانطلقنا حتى نزلنا على خال لنا ذو مال وذو هيئة". قال أبو البقاء: كذا وقع في هذه الرواية، والوجه أن يقدر له مبتدأ أي: هو ذو مال. انتهى. قوله: (فتضعف رجلاً منهم). قال ابن الجوزي: أي: رأيته ضعيفًا. وقوله: (في ليلةٍ قمراء إضْحيان). قال الزمخشري في "الفائق": هي (إفعلان) بكسر الهمزة. قال وهذا الوزن مما قل في كلامهم. 1000 - حديث: "الصعيد الطيب وَضوء المسلم". قال الطيبي: بفتح الواو وهو الماء، وفي الكلام تشبيه، أي: الصعيد الطيب كالماء في الطهارة. قوله: (وإنْ لم يجد الماء عشر سنين). قال الطيبي: هذا من الشرط الذي يقطع عنه جزاؤه لمجرد المبالغة. 1001 - حديث: "ليت شعري متى تخرج نارٌ من اليمن، من جبل الوراق تضيء منها

أعناق الإبل بروكًا ببصرى كضوء النهار". قال ابن فلاح في "المغني": قولهم (ليت شعري) فيه وجهان: أحدهما: أنه بمعنى ليتني أشعر بما يجاب بهذا القول كقولك: علمت من أبوك، أي علمت ما يجاب به هذا الاستفهام فأشعر هو الخبر، و (ناب) شعري عن أشعر، والياء المضاف إليها (شعري) نابت عن اسم (ليت). وموضع الاستفهام وما بعده النصب بالمصدر، فهو داخل في صلته، إلا أنه معلق عن العمل لأن بمعنى علمت وهو مضاف إلى الفاعل. والوجه الثاني: أن الخبر محذوف لازم حذفه لنيابة غيره عنه، وهو معمول المصدر، فيصير بمنزلة: (لولا زيد لأكرمتك) ولا يجوز أن تكون الجملة الواقعة بعد (شعري) خبرًا لعدم العائد. انتهى. وفي "الإفصاح": الجملة الاستفهامية بعد (شعري) في موضع الخبر. قال سيبويه: وبحسبه أن شعري بمعنى معلوم، فالجملة نفس المبتدأ في المعنى فلا يحتاج إلى ضمير. ومن الناس من جعل الجملة معمولة لشعري وأضمر الخبر، أي: موجود ثابت. وقيل: الجملة معمولة لشعري وسدّت مسدّ الخبر. وقال ابن مالك: التزم حذف الخبر في (ليت شعري) مردفًا باستفهام لأنه بمعنى: ليتني أشعر.

1002 - حديث: "غفرا يا أبا ذر".

وقال أبو حيان: (شعري) هنا معلقة، والجملة الاستفهامية بعدها في موضع نصب بالمصدر، والخبر ملتزم الحذف، والتقدير: ليت شعري بكذا ثابت أو موجود أو واقع. وعن الزجاج: أن خبر (ليت) في هذا النحو في المبتدأ والخبر، فموضع الجملة الاستفهامية رفع لأنها خبر (ليت)، كأنه قال: علمي واقع بكيفية ذلك، ثم حذف، وأضافه اتساعًا. قال: وما قاله الزجاج هو مذهب المبرد، ولا يصح، لأنه يؤدي إلى وقوع الجملة غير الخبرية خبرًا لليت. ولا يجوز ذلك. وأيضًا: فإن الجملة الواقعة خبرًا ليست المبتدأ في المعنى فلا بد من رابط يربط المبتدأ بالخبر ولا رابط، فلا يجوز أن يكون خبرًا. انتهى. 1002 - حديث: "غَفْرًا يا أبا ذر". قال أبو البقاء: هو مصدر (غفر)، والتقدير: غفر الله لك يا أبا ذر غَفرًا. 1003 - حديث: "الحبُّ في الله". قال الطيبي: (في) ههنا بمعنى اللام في قوله: (من أحب لله للإخلاص) إلا أنه أبلغ، أي: الحب في جهته ووجهه، كقوله تعالى: (والذين جاهدوا فينا) [العنكبوت: 69] أي: في حقنا، ومن أجلنا ولوجهنا خالصًا.

1004 - حديث: "بل تنقاد معهم حيث قادوك، وتنساق معهم حيث ساقوك، ولو عبد أسود".

1004 - حديث: "بل تنقاد معهم حيث قادوك، وتنساق معهم حيث ساقوك، ولو عبد أسود". قال أبو البقاء: هو فاعل لفعل محذوف تقديره: ولو قادك عبد أسود، وقد تقدم قبله ما يدل عليه. 1005 - حديث: "يا أبا ذر كيف تصنع إذا أخرجت من المدينة، قلت: السَّعة والدَّعة". قال أبو البقاء: الجيد النصب على تقدير: آتي السعة والدعة، لأنه جواب قوله: (كيف تصنع؟)، فكأنه قال: أصنع السعة والدعة. ويدل عليه في تمام الحديث حين قال له: (كيف تصنع إن أخرجت من مكة، فقال: إلى السعة والدعة). فكأنه قال: أذهب إلى السعة والدعة. وهذا إعمال الفعل أيضًا، إلا أنه عداه بحرف الجر. قوله: (قال: أوْ خيرٌ من ذلك)، التقدير: أو صنيعك خير من ذلك ثم فسره بقوله: (تسمع وتطيع). ولو نصب على تقدير: تصنع خيرًا من ذلك، جاز. 1006 - حديث: "كيف أنت وأئمةٌ من بعدي يستأثرون بهذا الفيء". قال أبو البقاء: يجوز رفع (أئمة) على أنه مبتدأ، و (من بعدي) صفة له، و (يستأثرون) الخبر، وكان الرفع أجود لأنه ليس قبله فعل، فتكون الواو بمعنى مع فيتقوى

1007 - حديث: "انتهيت إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو جالس في ظل الكعبة، فلما رآني قال: هم الأخسرون ورب الكعبة".

الفعل فينصب. ويجوز النصب على تقدير: كيف تصنع أنت مع أئمة هذه صفتهم؟. فيكون مفعولاً معه. انتهى. وقال أبو حيان في "الارتشاف": إذا تقدم الواو جملة متضمنة معنى الفعل، وبعد الواو اسم لا يتعذر عليه العطف نحو: (كيف أنت وزيد)، يرجح فيه العطف، ويجوز النصب، نص عليه سيبويه ومنعه بعض المتأخرين. قال سيبويه: زعموا أنّ ناسًا يقولون: كيف أنت وزيدًا وما أنت وزيدًا، وهو قليل في كلام العرب، كأنه قال: كيف تكون وزيدًا، كأنه قال: كيف تكون وزيدًا، و (كان) المقدرة نص أبو علي وغيره على أنها التامة، وهو اختيار الشلوبين، فيكون (كيف) في موضع نصب على الحال، وزعم بعضهم أنها مخرجة عن أصلها إلى السؤال عن الحال، والصحيح أن (كان) ناقصة، و (كيف) في موضع الخبر، والتقدير: أي شيء تكون مع زيد. وإليه ذهب ابن خروف. انتهى. وقال الطيبي: (كيف)، سؤال عن الحال، وعامله محذوف، أي: كيف تصنع، و (أئمة) مفعول معه، و (يستأثرون) جملة حالية، والعامل هو المحذوف. 1007 - حديث: "انتهيتُ إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو جالسٌ في ظل الكعبة، فلما رآني قال: هم الأخسرون وربِّ الكعبة". قال الشيخ زين الدين العراقي: فيه الابتداء بالمضمر من غير تقدم ظاهر يدل عليه إذْ كان متخيلاً في الذهن.

1008 - حديث: "إن العبد المسلم ليصلي الصلاة يريد بها وجه الله".

وقال الطيبي: (هم) ضمير مبهم يفسره ما بعده من الخبر، كقولك: هي العرب تقول ما شاءت. 1008 - حديث: "إن العبد المسلم ليصلي الصلاة يريد بها وجه الله". قال الطيبي: (يريد بها وجه الله) حال إما من الفاعل أو المفعول، أي خالصًا لله، أو خالصة له. وقوله: (فتهافتُ عنه ذنوبه). أصله: تتهافت، سقطت منه إحدى التائين. 1009 - حديث: "كيف بك إذا كانت عليك أمراء يميتون الصلاة". قال الطيبي: (كيف) يسأل بها عن الحال، أي: ما حالك، و (كيف بك) مبتدأ وخبر، والباء زائدة في المبتدأ. أي: كيف أنت، أي: حالك، و (عليك) خبر (كان). 1010 - حديث: "دعاني رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يشترط علي أن لا تسأل الناس شيئًا". قال الطيبي: (عليّ) بالتشديد، و (أنْ) مفسرة داخلة على النهي، لما في (يشترط) من معنى القول. ويجوز أن تكون مصدرية.

1011 - حديث: "من تقرب إلي شبرا تقربت منه ذراعا، ومن تقرب إلي ذراعا تقربت منه باعا".

1011 - حديث: "من تقرّب إلي شبرًا تقربت منه ذراعًا، ومن تقرّب إليّ ذراعًا تقرّبت منه باعًا". قال الطيبي: (شبرًا)، و (ذراعًا)، و (باعًا) في الشرط والجزاء منصوبات على الظرفية، أي: من تقرب إلي مقدار شبر. وقوله: (من أتاني يمشي أتيته هرولةً). (يمشي) و (هرولة) حالان. ويجوز أن يكون (هرولة) مفعولاً مطلقًا، لأنه نوع من الإتيان نحو: رجعت القهقرى. لكن الحمل على الحال أولى، لأن (يمشي) حال لا محالة. وقوله: (لو أتيتني بقراب الأرض خطايا أتيتك بقرابها مغفرةً). (خطايا) و (مغفرة) تمييزان. 1012 - حديث: "كانوا على أتقى قلب رجل واحد". قال البيضاوي: أي: على تقوى أتقى قلب رجل، أو على أتقى قلب رجل واحد. قال الطيبي: ولا بدّ من هذا التقدير ليستقيم أن يقع (أتقى) خبرًا لكان. قوله: (إنما هي أعمالُكم).

1013 - حديث: "قلت: يا رسول الله ألا تستعملني؟ فضرب بيده على منكبي ثم قال: يا أبا ذر إنك ضعيف، وإنها أمانة".

قال المظهري: (أعمالكم) تفسير لضمير في قوله: (إنما هي). وقال الطيبي: يمكن أن يرجع الضمير إلى ما يفهم من قوله: أتقى قلب رجل وأفخر قلب رجل، وهي الأعمال الصالحة و (السيئة)، ويشهد له لفظه (إنما) فإنها تستدعي الحصر. 1013 - حديث: "قلت: يا رسول الله ألا تستعملني؟ فضرب بيده على منكبي ثم قال: يا أبا ذر إنك ضعيف، وإنها أمانة". قال الطيبي: تأنيث الضمي في (إنها) باعتبار الإمارة المستفادة من معنى قوله: (ألا تستعملني). 1014 - حديث: "كنت مخاصرًا النبي صلى الله عليه وسلم يومًا إلى منزلة فسمعته يقول: غير الدجال أخوف على أمتي من الدجال، قلت: أي شيء أخوف على أمتك من الدجال، قال: الأئمة المضلين". قال أبو البقاء: قوله: (غير الدجال أخوف) ظاهر اللفظ يدل على أن غير الدجال هو الخائف؛ لأنك إذا قلت: زيدًا أخوف على كذا، دل على أن زيدًا هو الخائف. وليس معنى الحديث على هذا، وإنما المعنى إني أخاف على أمتي من غير الدجال، أكثر من خوفي منه، فعلى هذا يكون فيه تأويلان:

1015 - حديث: "من كان منكم صائما من الشهر ثلاثة أيام فليصم الثلاث البيض".

أحدهما: أن (غير) مبتدأ و (أخوف) خبر مبتدأ محذوف، أي: غير الدجال أنا أخوف على أمتي منه. والثاني: أن يكون (أخوف) على النسب، أي: غير الدجال ذو خوف شديد على أمتي، كما تقول: فلانة طالق. أي ذات طلاق. وقوله: (الأئمة المضلين) كذا وقع في هذه الرواية بالنصب، والوجه فيه أن يكون التقدير: من تعني بغير الدجال؟ فقال: أعني الأئمة. وإن جاء بالرفع كان تقديره: الأئمة المضلون أخوف من الدجال، أو غير الدجال الأئمة. انتهى. 1015 - حديث: "من كان منكم صائمًا من الشهر ثلاثةَ أيامٍ فلْيصم الثلاثَ البيضَ". قال الطيبي: هذا على حذف المضاف، أي: أيام الثلاث البيض، وأكثر ما تجيء الرواية (الأيام البيض)، والوجه أن يقال: أيام البيض، بالإضافة، لأن (البيض) من صفة الليالي. 1016 - حديث: "قلت: يا رسول الله ما آنية الحوض؟ قال: والذي نفسي بيده لآنيتُه أكثر من نجوم السماء". قال أبو البقاء: الإشكال فيه أنه سأل بـ (ما) عن الآنية فأجابه بالعدد، وحقيقة

السؤال ب (ما) أن تتعرف بها حقيقة الشيء لا عدده. وفيه جوابان: أحدهما: أن يكون تقديره: ما عدد آنية الحوض؟ فحذف المضاف وجاء الجواب على ذلك، وأن عددها غير محصور بل هي أكثر من نجوم السماء. والثاني: أن يكون الرسول صلى الله عليه وسلم لم يعلم الآنية من أي شيء هي، فعدل عن سؤاله إلى بيان كثرتها. وفي ذلك تفخيم لأمرها وتنبيه على تعظيم شأنها. ومثل ذلك قوله تعالى: (وما رب العالمين) [الشعراء: 23] فقال: (رب السموات والأرض) [الشعراء: 24] فعدل عن حقيقة جواب السؤال إلى ما هو معلوم يحصل به الغرض. وفي آخر هذا الحديث: (آنية الجنة من شرب منها لم يظمأ آخرَ ما عليه). قوله: (آخر ما عليه) منصوب على الظرف، والتقدير: لم يظمأ أبدًا، وقد جاء في حديث آخر بهذا اللفظ. والمعنى: لم يظمأ ذلك الشارب إلى آخر مدة بقائه، ومعلوم أنه يبقى أبدًا، فيكون معناه لم يظمأ أبدًا. انتهى. وكذا قال البطليوسي في "أجوبة المسائل": الوجه فيه النصب على الظرف. وهو كقوله في الحديث الآخر: (لم يظمأ بعدها أبدًا) فهذا يفسر ما أشكل من ذلك الحديث، وحقيقة تقديره: لم يظمأ آخر ما عليه أن يبقى. والعرب تستعمل (الآخر) تريد به معنى الأبد كقول الشاعر: أما لك عمرٌ إنما أنت جثّةٌ ... إذا هي لم تقتل تعش آخر الدهر انتهى.

1017 - حديث: "ألا أدلك على كنز من كنوز الجنة: لا حول ولا قوة إلا بالله".

1017 - حديث: "ألا أدلك على كنز من كنوز الجنة: لا حول ولا قوة إلا بالله". قال أبو البقاء: يحتمل موضع (لا حول) الجر بدلاً من (كنز) والنصب على تقدير: أعني، والرفع على تقدير: هو. انتهى. وقال ابن فلاح في "المغني": يجوز في (لا حول ولا قوة إلا بالله) خمسة أوجه: أحدهما: بناء الاسمين على الفتح، فيكون كل واحد جملة مستقلة، وخبرها محذوف. أي: لا حول لنا أو في الوجود ولا قوة لنا في الوجود. والجار والمجرور يتعلق بالخبر، والواو لعطف جملة على جملة، ومثله قوله تعالى: (لا بيعٌ فيه ولا خلال) [إبراهيم: 31]. الثاني: فتح الأول وتنوين الثاني عطفًا على لفظ الأول و (لا) زائدة ومثله قول الشاعر: لا نسبَ اليوم ولا خُلّة

الثالث: بناء الأول على الفتح ورفع الثاني بالعطف على محل الأول، لأن (لا) زائدة، أو أن الثانية بمعنى ليس ومثله قوله: لا أمَّ لي إنْ كان ذاك ولا أبُ الرابع: رفعهما جميعًا إما على مناسبة الجواب للسؤال، لأنه جواب سؤال مكرر. فإذا قيل: هل رجل في الدار أو امرأة. جوابه المطابق له: لا رجل في الدار ولا امرأة، بالرفع. أو كراهية توهم الكلمات معًا، وليس في كلامهم ذلك التركيب، أو على أنها بمعنى ليس فيهما، أو على مذهب المبرد فيهما، حيث أجاز رفع النكرة بعدها، أو على أن الأولى بمعنى (ليس) والثانية على مذهب المبرد أو على العكس، ومثله: (لا ناقة لي في هذا ولا جمل). الخامس: رفع الأول على أنها بمعنى (ليس) أو على مذهب المبرد، وبناء الثاني على الفتح ومثله قوله تعالى: (لا لغوٌ فيها ولا تأثيمٌ) [الطور: 23]. فهذه خمسة أوجه من جهة اللفظ، وتزيد عليها من حيث التقدير. أما الاستثناء

1018 - حديث: "ونصرت بالرعب، فيرعب العدو، وهو مني مسيرة شهر".

في قوله: (إلا بالله) فإنه على قياس قول الشافعلي يرجع إلى الجملتين لأن العطف بالواو يصيِّرهما بمنزلة الجملة الواحدة. وههنا هو في المعنى يرجع إليهما، فأشبه ما يقال أن الحول والقوة لما كان معناهما واحدًا صار كأنه تكرار، فصح رجوع الاستثناء إليهما لكون معناهما واحدًا. انتهى. 1018 - حديث: "ونصرت بالرعب، فيرعب العدو، وهو مني مسيرة شهر". قال أبو البقاء: (مسيرة) بالرفع على أنه مبتدأ، و (مني) خبره، والتقدير: بيني وبينه مسيرة شهر، ومثله قول العرب: هو مني فرسخان، ويحتمل النصب على تقدير: هو مني على مسيرة شهر. فلما حذف الجر نصب. انتهى. 1019 - حديث: "سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن كل شيء حتى سألته عن مسح الحصى، قال: واحدة أو دع". قال أبو البقاء: الجيد أن يكون (واحدة) منصوبًا، أي: امسح مسحة واحدة.

1020 - حديث: "أي مسجد وضع في الأرض أول".

أو افعل ذلك مرة واحدة. ولو رفع على أن يكون خبر مبتدأ محذوف، أي: الجائز مرة واحدة لكان وجهًا. 1020 - حديث: "أيُّ مسجدٍ وضع في الأرض أوّلُ". قال أبو البقاء: الوجه أن يضم (أول) ضمة بناء، كما قالوا: بدأ بهذا أول، وإنما لقطعه عن الإضافة، كما بنيت قبلُ وبعدُ، والتقدير أوّلُ كل شيء. قول أبي ذر: (لله أبوك إنْ كذبتُك). قال أبو البقاء: التقدير: ما كذبتُك. و (لله أبوك) في حكم القسم. وقوله: (فوجب لي أجره: فاعل وجب، والمعنى: أن صوم ثلاثة أيام يضاعف ثوابه حتى كأني صمته كلَّه. قوله: (إيهًا). قال الأندلسي: من أسماء الأفعال (إيه) وتكون على ضربين بمعنى الاستزادة في الحديث، كأنه قال: حدّثنا أو زدْنا حديثًا، وإذا أريد التنكير ينون ويكسر. وبمعنى الكف عن الحديث فينون ويفتح، فيقال: (إيهًا) للفرق بين طلب الحديث، وطلب السكوت.

1021 - حديث: "فإن عاد كان حقا على الله أن يسقيه من طينة الخبال".

وقال الرضي: من أسماء الأفعال (إيهًا) أي: كفّ عن الحديث واقطعه ويستعمل لمطلق الزجر، ويجوز أن يكون صوتًا قائمًا مقام المصدر معربًا منصوبًا كسقيًا ورعيًا، وتبدل همزة (إيه) و (إيهًا) هاء، فيقال: (هيه) و (هيهًا). ويجوز أن يكون اسم فعل مبنيًّا فالتنوين إذن كما في (صه)، وكذا كل تنوين بعد المفتوح من هذه الأسماء، يحتمل الوجهين نحو رويدًا وحيهلاً وويهًا. وجوز ابن السري في (إيها) الفتح من غير تنوين على قلة، وأوجب غيره تنوينه، أي: كذا يقال: إيهًا عنّا. 1021 - حديث: "فإنْ عاد كان حقًّا على الله أن يسقيَه من طينة الخبال". ومثله حديث: (... كان حقًّا على الله أن يغفر له). قال أبو البقاء: (حقًا) خبر (كان) مقدم على اسمها، واسمها (أنْ) ومعمولها، أي: كان السقي والغفران له حقًّا على الله. كقوله تعالى: (وكان حقًا علينا نصرُ المؤمنين) [الروم: 47] (أكان للناس عجبًا أن أوحينا) [يونس: 2].

1022 - حديث: "عرضت علي أمتي بأعمالها حسنة وسيئة".

1022 - حديث: "عرضت علي أمتي بأعمالها حسنةً وسيئة". قال أبو البقاء: قوله: (بأعمالها) في موضع نصب على الحال، أي: ومعها أعمالها، أو متلبسة بأعمالها، كقوله تعالى: (يوم ندعو كلَّ أناسٍ بإمامهم) أي: وفيهم إمامهم أو معهم. (حسنةً) و (سيئةً) حالان من الأعمال. 1023 - حديث: "من فارق الجماعة شبرًا". قال أبو البقاء: هو منصوب على الظرف، والتقدير: قدر شبر. 1024 - حديث: "يصبح على كل سلامى من أحدكم صدقة". قال الطيبي: في اسم (يصبح) وجوه: أحدهما: قوله: (صدقة) أي: تصبح الصدقة واجبة على كل سلامى. والثاني: (من أحدكم) على مذهب من يرى زيادة (مِنْ) في الإثبات، والظرف خبره، و (صدقة) فاعل على الظرف، أي: يصبح أحدكم واجبًا على كل مفصل منه صدقة.

1025 - حديث: "سألته: هل رأيت ربك؟ فقال: قد رأيته نورا أنى أراه".

والثالث: اسمه ضمير الشأن، والجملة الاسمية بعده مفسرة، و (من أحدكم) صفة (كل سلامى). قوله: (وإنّ بكل تسبيحة صدقة، وكل تكبيرة صدقة، وكل تحميدة صدقة، وكل تهليلة صدقة). قال النووي: روينا (صدقة) فيما عدا الأول بالرفع على الاستئناف، والنصب عطفًا على أنه بكلّ تسبيحة صدقة. قوله: (وأمرٌ بالمعروف صدقة، ونهي عن المنكر صدقة) استدل به النحاة على الابتداء بالنكرة. 1025 - حديث: "سألته: هل رأيت ربك؟ فقال: قد رأيته نورًا أنّى أراه". قال أبو البقاء: في هذه الرواية (نورًا) بالنصب، والوجه فيه أنه جعل (نورًا) بدلاً من الهاء، أي: رأيت نورًا، ثم استأنف أي: أنّى أراه؟. أي: كيف أرى الله، وثم نور يمنعني، فالهاء في (رأيته) للنور وفي (أراه) لله تعالى، ويروى (نورٌ) بالرفع، تقديره: ثَمَّ نورٌ فكيف أرى الله؟. انتهى. وقال القرطبي: رفع (نور) على فعل مضمر تقديره: غلبني نور، أو حجبني نور، و (أنى أراه؟) استفهام على جهة الاستبعاد. 1026 - حديث: "ما من مسلم ينفق من كل مال له زوجين إلى أن قال: إن كانت

1027 - حديث: "إن المكثرين هم المقلون يوم القيامة إلا من أعطاه الله خيرا فنفخ فيه يمينه وشماله و (بين) يديه ووراءه".

رجالاً فرجلين، وإن كانت إبلاً فبعيرَيْن". قال أبو البقاء: التقدير: إن كانت أمواله التي ينفق منها رجالاً أو إبلاً، وقد دلّ على هذا التقدير قوله: (من كلّ مالٍ له). و (رجلين) و (بعيرين) منصوب على تقدير: فينفق رجلين. 1027 - حديث: "إنّ المكثرين هم المقلّون يوم القيامة إلاّ من أعطاه الله خيرًا فنفخ فيه يمينَه وشمالَه و (بين) يديه ووراءه". قال أبو البقاء: كلّ ذلك منصوب على الظرف. انتهى. وقوله في الحديث: تعاله. قال الزركشي: الهاء هنا للوقف. وقوله: (قال: بشر أمتك أنه من مات لا يشرك بالله شيئًا دخل الجنة قلت: يا

جبريل: وإنْ سرق وإنْ زنى قال: نعم). قال الكرماني: حرف الاستفهام فيه مقدر وتقديره: أدخل الجنة وإن سرق وإن زنى، والشرط حال. وقال ابن مالك في "التوضيح" قد كثر حذف الهمزة إذا كان معنى ما حذفت منه لا يستقيم إلا بتقديرها كقوله تعالى: (وتلك نعمة) [الشعراء: 22]. قال أبو الفتح وغيره (أراد: أو تلك نعمة). ومن ذلك قراءة ابن محيصن (سواء عليهم أنذرتهم) [البقرة: 6] بهمزة واحدة، وقراءة أبي جعفر (سواء عليهم أستغفرت لهم) [المنافقون: 6] بهمزة وصل. ومن حذف الهمزة لظهور المعنى قول الكميت: طربت وما شوقًا إلى البِيض أطربُ ... ولا لعبًا مني وذو الشَّيْب يلعب أراد: أوَ ذو الشيب يلعب؟ ومثله قول الآخر: فأصبحت فيهم آمنًا لا كمعشر ... أتوني وقالوا من ربيعةَ أو مضر

ومن حذف الهمزة في الكلام الفصيح قوله صلى الله عليه وسلم: (يا أبا ذر، عيرته بأمه؟). أراد: أعيرته بأمه. وقوله صلى الله عليه وسلم: (أتاني جبريل فبشرني أنه من مات لا يشرك بالله شيئًا دخل الجنة. قلت: وإن سرق وإن زنى؟). أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم: أوَ إنْ سرق. ومنه حديث ابن عباس: (أنَّ رجلاً قال: إن أمي ماتت وعليها صوم شهر، فأقضيه؟). وفي بعض النسخ (أفاقضيه). وفي حديث أبي هريرة: (أن الحسن أخذ تمرة من تمر الصدقة فجعلها فى فيه، فنظر إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخرجها من فيه وقال: أما علمت؟)، وفي بعض النسخ: (ما علمت؟) وأصله (أما علمت). فإنّ (أما) هذه مركبة من همزة الاستفهام، و (ما) النافية. وأفاد تركيبهما التقرير والتثبيت، فحذفت همزة إلاستفهام، لأن ألمعنى لا يستقيم إلا بتقدير (ما). ومن حذف الهمزة قبل (ما) النافية ما أنشد البطليوسي من قول الشاعر: ما ترى الدهر قد أباد معدا ... وأباد القرون من قوم عاد انتهى.

1028 - حديث: "رأيت أبا ذر وعليه حلة وعلى غلامه مثله".

1028 - حديث: "رأيت أبا ذرٍّ وعليه حلّةٌ وعلى غلامه مثلُه". قال أبو البقاء: إنما ذكر الضمير وهو للحلّة، لأن (الحلة) ثوب فحمله على معناها. قلت: ويحتمل عود الضمير إلى (أبي ذر) أي: مثل ما عليه. وقوله: (فعيرته بأمه). قال الزركشي: فيه رد على ابن قتيبة في إنكاره تعديته بالبناء، والصحيح أنهما لغتان، وإسقاط الباء أفصح. وقال القرطبي: يقال: عيرته كذا، بغير باء، والعامة تقوله بالباء، والأولى كلام العرب، قال النابغة: وعيّرتني بنو ذبيان خشيته ... وما عليّ بأن أخشاك من عار قوله: (إخوانَكم خولَكم). قال أبو البقاء: بالنصب، أي: احفظوا (إخوانكم) ويجوز الرفع على معنى: هم إخوانكم، والنصب أجود. وقال الزركشي: رواه البخاري في باب (حسن الخلق): هم إخوانكم، وهو يرجح تقدير الرفع.

1029 - حديث: "قلت يا رسول الله: سبقنا أصحاب الدثور سبقا بينا".

وقال الكرماني: فإن قلت أصل الكلام أن يقال: خولكم إخوانكم، لأن المقصود وهو الحكم على الخول بالأخوة. قلت: التقديم إما للاهتمام ببيان الأخوة، وإمّا لحصر الخول على الإخوان، أي: ليسوا إلا إخوانًا. التيمي كأنه قال: هم إخوانكم، ثم أراد إظهار هؤلاء الإخوان، فقال: خولكم. 1029 - حديث: "قلت يا رسول الله: سبقنا أصحاب الدثور سبقًا بيِّنًا". قال أبو البقاء: (الدثور) وصف للأموال، والأثر فيه أن يستعمل مفردًا وصف به الواحد أو أكثر، وقد جاء هنا على الجمع، يقال: مال دثْر، ومالان دثْر، وأموال دثْر. و (سبقًا) منصوب على المصدر. وقوله: (تسبح خلاف كل صلاة)، أي: خلف كل صلاة، ومنه قوله تعالى: (فرح المخلفون بمقعدهم خلاف رسول الله) [التوبة: 81]. 1030 - حديث: "بايعني خمسًا وأوثقني سبعًا، وأشهدَ الله عليّ تسعًا". قال أبو البقاء: (خمسًا) و (سبعًا) و (تسعًا) كلها منصوبة على المصدر أي: خمس بيعات أو مرات.

1031 - حديث: "إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ستة أيام ثم اعقل يا أبا ذر ما يقال لك بعد".

1031 - حديث: "إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ستة أيامٍ ثم اعقل يا أبا ذر ما يقال لك بعد". قال أبو البقاء: (ستة) منصوب على تقدير: اصبر ستة أيام ثم اعقل بعد، أي: افهم ما أقول لك في اليوم السابع. 1032 - حديث: "يا أبا ذر هل تدري فيما تنتطحان". قال أبو البقاء: الأشبه أن (ما) استفهام، والوجه أن يكون بغير ألف، فإن كان ذلك من تخليط الرواة، فينبغي أن يقال بغير ألف، وإن حفظ هذا عن النبي صلى الله عليه وسلم كان من الشذوذ، وقد جاء في الشعر: على ما قام يشتمني لئيمٌ ... كخنزير تمرَّغ في رماد ولا يجوز أن يكون بمعنى الذي لانه قد عُدِّي الفعل إليه بفي. قال: ومثله حديث ابن عباس رضي الله عنه: قدم عليٌّ من اليمن، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: (بما أهللت) والصواب: بمَ أهللت؟، بغير ألف، لأن (ما) التي

1033 - حديث: "ومن دعا رجلا بالكفر أو قال: عدو الله، وليس ذلك إلا حار عليه".

للاستفهام يحذف ألفها مع حرف الجر، ليفرق بينها وبين (ما) الخبرية، التي بمعنى (الذي)، قال تعالى: (فلم تقتلون) [البقرة: 91]، (مم خلق) [الطارق: 5]، (عم يتساءلون) [النبأ: 1] (فيم أنت من ذكراها) [النازعات: 43]. قال: ولعل إثبات الألف من تغيير الرواة، وهكذا كل موضع يشبهه. 1033 - حديث: "ومن دعا رجلاً بالكفر أو قال: عدوَّ الله، وليس ذلك إلاّ حار عليه". قال النووي: هذا الاستثناء قيل إنه واقع على المعنى، وتقديره: ما يدعوه أحد إلا حار عليه، ويحتمل أن يكون معطوفًا على الأول، وهو قوله: (ليس من رجل أدعى لغير أبيه، وهو يعلمه إلا كفر) فيكون الاستثناء جاريًا على اللفظ، وضبطنا (عدوّ الله) على وجهين: الرفع على أنه خبر مبتدأ أي: هو عدو الله، والنصب على النداء، أي: يا عدو الله، وهو أرجح. انتهى. 1034 - حديث: "والمُنَفِّق سلعتَه بالحلف الكاذب". قال القرطبي: الرواية في (المُنَفِّق) بفتح النون، وكسر الفاء مشددة، وهي

1035 - حديث: "ما أظلت الخضراء ولا أقلت الغبراء من ذي لهجة أصدق ولا أوفى من أبي ذر".

مضاعف (نَفَق) البيع ينفق نَفاقًا: إذا خرج ونَفِذَ، وهي ضد كَسَدَ غير أن (نَفَق) المخفف لازم، فإذا شدد عُدِّي للمفعول، ومفعوله هنا (سلعته). وقد وصف (الحلف) وهي مؤنثة بـ (الكاذب) وهو وصف مذكر، وكأنه ذهب بالحف مذهب (القول) فذكره، أو مذهب المصدر، وهو مثل قولهم: أتاني كتابه فمزقتها. ذهب بالكتاب مذهب الصحيفة. 1035 - حديث: "ما أظلَّت الخضراءُ ولا أقلّت الغبراءُ من ذي لهجةٍ أصدقَ ولا أوفى من أبي ذر". قال الطيبي: (من) في (من ذي لهجة) زائدة، و (ذي لهجة) معمول (أقلت)، وقد تنازع فيه العاملان، فأعمل الثاني وهو مذهب البصريين، وهذا دليل ظاهر لهم. 1036 - حديث: "إنّ الناس يحشرون على ثلاثة أفواجٍ راكبين طاعمين كاسين ... فوجٍ يمشون ويسعون، وفوج تسحبهم الملائكة". قال أبو البقاء: (فوجٍ) الأول بالجر على البدل مما قبله، و (راكبين) نعت له، ويجوز أن يروى (فوجٌ) بالرفع، أي: يحشر منهم فوج، ويكون (راكبين) حالاً. وأما (فوج) الثاني والثالث فالرفع فيه أقرب من رفع الأول لأنه ليس هناك مجرور يقوي جره. 1037 - حديث: "ما للشياطين من سلاحٍ أبلغُ في الصالحين من النساء إلاّ المتزوجون".

قال أبو البقاء: (أبلغ) يجوز أن يفتح ويكون في موضع جر صفة لـ (سلاح) على اللفظ، وأن يرفع صفة له على الموضع لأن (من) زائدة ومثله قوله تعالى: (ما لكم من إله غيره) [الأعراف: 59 - 65 - 73 - 85] يقرأ بالرفع والجر. وأما قوله: (إلا المتزوجون) هكذا وقع في هذه الرواية بالرفع، والأشبه أن يكون منصوبًا لأنه استثناء من غير نفي. ووجه الرفع أن يكون على الاستئناف والاستثناء المنقطع، أي: لكن المتزوجون مطهرون. وقال ابن مالك في "توضيحه": حق المستثنى بإلا من كلام تام موجب أن ينصب مفردًا كان أو مكملاً معناه بما بعده. فالمفرد نحو: (الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين) [الزخرف: 67]، والمكمل معناه بما بعده (إنا لمنجوهم أجمعين * إلا امرأته قدرنا إنها لمن الغابرين} [الحجر: 59 - 60]. ولا يعرف أكثر المتأخرين من البصريين في هذا النوع إلا النصب، وقد أغفلوا وروده مرفوعًا بالابتداء ثابتَ الخبر ومحذوفه، فمن الثابت الخبر قول عبد الله بن قتادة: (أحرموا كلهم إلا أبو قتادة لم يحرم)، فإلاّ بمعنى (لكنْ) و (أبو قتادة) مبتدأ، و (لم يحرم) خبره. ونظيره من كتاب الله تعالى قراءة ابن كثير وأبى عمرو: (ولا يلتفت منكم أحد إلا امرأتُك إنه مصيبها ما أصابهم) [هود: 81] و (امرأتك) مبتدأ، والجملة بعده خبره، ولا يصح أن تجعل (امرأتك) بدلاً من (أحد)، لأنها لم تَسْرِ معه، فيتضمنها ضمير المخاطبين، ودل على أنها لم تسر معه قراءة النصب، فإنها أخرجتها من أهله الذين أمر أن يسري بهم. فإذا لم تكن في الذين سُرِيَ بهم لم يصح أن تبدل من فاعل (يلتفت) لأنه بعض ما دل عليه الضمير المجرور بمن. وتكلف بعض النحويين الإجابة عن هذا بأن قال: لم يسر بها ولكنها شعرت بالعذاب

فتبعتهم ثم التفتت فهلكت. وعلى تقدير صحة هذا فلا يوجب ذلك دخولها في المخاطبين بقوله (ولا يلتفت منكم). وهذا والحمد لله بين، والاعتراف بصحته متعين. ومن المبتدأ الثابت الخبر بعد (إلا) قوله صلى الله عليه وسلم: (ما للشياطين من سلاح أبلغ في الصالحين من النساء إلا المتزوجون، أولئك المطهرون المبرؤون من الخنا). وجعل ابن خروف من هذا القبيل قوله تعالى: (إلا من تولى وكفر فيعذبه الله العذاب} [الغاشية: 23] ومن الابتداء بعد إلا محذوف الخبر قوله صلى الله عليه وسلم: (ولا تدري نفس بأي أرض تموت إلا اللهُ)، أي: لكن الله يعلم بأي أرض تموت كل نفس. ومن ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: (كل أمتي معافى إلا المجاهرون). أي: لكن المجاهرون بالمعاصي لا يعافون. وبمثل هذا تأول الفراء قراءة بعضهم: {فشربوا منه إلا قليلٌ منهم} [البقرة: 249] أي: إلا قليلٌ منهم لم يشربوا. وللكوفيين في هذا الذي يفتقر إلى تقدير مذهب آخر وهو أن يجعلوا (إلا) حرف عطف، وما بعدها معطوف على ما قبلها. انتهى. وقال الرضي: مذهب سيبويه جواز وقوع (إلا) صفة مع صحة الاستثناء. قال: يجوز في قولك: ما أتاني أحد إلا زيد، أن يكون (إلا زيد) بدلاً، وصفة، وعليه أكثر المتأخرين تمسكًا لقوله:

1038 - حديث: "ما أحب أن سكون لي مثل أحد ذهبا".

وكلُّ أخٍ مفارقُه أخوه ... لعمرُ أبيك إلاّ الفرقدان وقوله عليه السلام: (كلهم هلكى إلا العالمون، والعالمون كلهم هلكى إلا العاملون، والعاملون كلهم هلكى إلا المخلصون). وقال الكسائي: تقدير البيت: إلا أن يكون الفرقدان، وهو مردود، لأن الحرف الموصول لا يحذف إلا بعد الحروف التي تذكر في نواصب المضارع. 1038 - حديث: "ما أحبُّ أن سكون لي مثل أحد ذهبًا". قال الكرماني: (مثل) إما اسم (يكون)، و (ذهبًا) تمييز وإما حال تقدم على الاسم. 1039 - حديث: "ما أحبُّ أنه يحوَّل لي ذهبًا". قال ابن مالك: تضمن هذا الحديث استعمال (حوّل) بمعنى صيّر، وعاملة عملها، وهو استعمال صحيح خفي على أكثر النحويين، والموضع الذي يليق به أن يذكر فيه باب ظن وأخواتها، لأنها تقتضي مفعولين هما في الأصل مبتدأ وخبر،

وقد جاءت في هذا الحديث مبنية لما لم يسم فاعله، فرفعت أول المفعولين، وهو ضمير عائد إلى (أحد)، ونصبت ثانيهما وهو (الذهب)، فصارت ببنائها لما لم يسم فاعله جارية مجرى (صار) في رفع ما كان مبتدأ ونصب ما كان خبرًا، وهكذا حكم (ظن) وأخواتها، وكذا حكم ما صيغ منها على صيغة المطاوعة كارتدّ وتحوّل، فإنها بزيادة التاء تجدد له حذف ما كان فاعلاً وجعل أول المفعولين فاعلاً، وجعل ثانيهما خبرًا منصوبًا، كما تجدد مثل ذلك في (حوّل) إذا بني لما لم يسم فاعله كقولك في: حوّل الله طائفة من اليهود قردةً، وتحوّلت طائفة من اليهود قردة. فحوّل جار مجرى صير في نصب مفعولين هما في الأصل مبتدأ وخبر، و (تحوّل) و (حُوِّل) جاريان مجرى صار في رفع المبتدأ ونصب الخبر، وقد خفي هذا المعنى على من أنكر على الحريري قوله في الخمر: وما شيءٌ إذا فسدا .. تحول غيه رشدا زكيُّ الأصل والده .. ولكن بئسما ولدا انتهى. قوله: (وقليل ما هم) [ص: 24]. قال الكرماني: (هم) مبتدأ، و (قليل) خبره، و (ما) زائدة أو صفة. قوله: (قال مكانك) أي: الزم مكانك. قوله: (قلت: يا رسولَ الله، الذي سمعت). قال الكرماني: خبر مبتدأ محذوف، أي: ما الذي سمعت.

1040 - حديث: "ما يسرني أن عندي مثل أحد ذهبا تمضي علي ثالثة وعندي منه دينار إلا شيء أرصده لدين إلا أن أقول به في عباد الله هكذا وهكذا".

1040 - حديث: "ما يسرُّني أن عندي مثلَ أحدٍ ذهبًا تمضي عليّ ثالثة وعندي منه دينارٌ إلا شيء أرصده لدين إلاّ أن أقول به في عباد الله هكذا وهكذا". قال الكرماني: (إلاّ شيء) استثناء من (دينار)، و (إلا أن أقول) من فاعل (يسرني). 1041 - حديث: "ما أحبُّ أنَّ لي ذاك عندي ذهبًا". قال أبو البقاء: (ذهبًا) منصوب على التمييز، والتقدير: لو أن لي مثل أحد ذهبًا. 1042 - حديث: "ما من رجل يموت فيترك غنمًا أو إبلاً أو بقرًا لم يؤد زكاتها إلا جاءته يوم القيامة أعظم ما تكون وأسمنه". قال أبو البقاء: (أعظمَ) و (أسمنَ) هنا حالان. 1043 - حديث: "إن خليلي عهد إليّ أنْ أيُّما ذهب أو فضة أُوكِي عليه فهو جمر على صاحبه".

1044 - حديث: "لهذا عند الله أخير يوم القيامة من ملء الأرض مثل هذا".

قال أبو البقاء: يحتمل أن يكون (أنْ) هنا زائدة، وقد جاء في الرواية الأخرى بغير (أنْ)، ويحتمل أن تكون المخففة من الثقيلة، أي: أنه أيّما. و (أيّما) مبتدأ، و (أوكِيَ عليه) الخبر. قلت: ويحتمل أن تكون تفسيرية، لأن (عهد) فيه معنى القول دون حروفه. 1044 - حديث: "لهذا عند الله أخيرُ يوم القيامة من ملء الأرض مثل هذا". قال أبو البقاء: لفظة (أخير) يريد بها (خير) التي للتفضيل، لأنه وصلها بمنْ، كقولك: زيد خير من عمرو. فيجوز أن يكون السهو من الراوي، والصواب خير. ويجوز أن يكون أخرج الكلمة على أصلها مثل أفضل. انتهى. 1045 - حديث: "ألا أخبرك يا عبد الله بن جابر بأخير سورة في القرآن؟ قال: بلى. قال: الحمد لله رب العالمين". رواه البيهقي في شعب الإيمان. 1046 - حديث قول اليهود في عبد الله بن سلام: "أعلمنا وابن أعلمنا وأخيرنا وابن أخيرنا". رواه البخاري. 1047 - حديث ابن عباس: "أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد حمل قثم بين يديه، والفضل خلفه، فأيهم أشر وأيهم أخير".

1048 - حديث أنس: "لا يأتي عليكم زمان إلا الذي بعده أشر منه".

رواه البخاري. قال الكرماني: فيه (الأشر) و (الأخير) لغة فصيحة. 1048 - حديث أنس: "لا يأتي عليكم زمانٌ إلا الذي بعده أشرُّ منه". رواه البخاري. قال الكرماني: هذا دليل من قال باستعمال (الأخير) و (الأشر). قال الزركشي: جاء على الأصل، فإنه أفعل تفضيل، ويروى (شرّ منه). 1049 - حديث أبي سعيد: "إنّ من أشر الناس عند الله منزلة يوم القيامة الرجل يفضي إلى امرأته وتفضي إليه ثم ينشر سرَّها". رواه مسلم. قال القاضي عياض: هكذا وقعت الرواية (أشرّ) بالألف. وأهل النحو يقولون: لا يجوز (أشرّ) و (أخير)، وإنما يقال: هو خير منه وشر منه. قال: وجاءت الأحاديث الصحيحة باللغتين جميعًا، وهو حجة في جوازهما جميعًا، وأنهم لغتان. 1050 - حديث أنس: "أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يشرب الرجل قائمًا، قيل: فالأكل، قال: ذاك أشر وأخبث".

مسند أبي رمثة رضي الله عنه

رواه مسلم. قال النووي: هكذا وقع في الأصول (أشرّ) بالألف، وهي لغة، وإن كانت قليلة الاستعمال. قال: ولهذا نظائر مما لا يكون معروفًا عند النحويين، وجاريًا على قواعدهم وقد صحت به الأحاديث فلا ينبغي رده (إذا ثبت) بل يقال: هذه لغة قليلة الاستعمال، ونحو هذا من العبارات وسببه أن النحويين لم يحيطوا إحاطة مطبقة بجميع كلام العرب ولهذا يمنع بعضهم ما ينقله غيره عن العرب كما هو معروف. انتهى. مسند أبي رِمْثة رضي الله عنه 1051 - حديث: "أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وهو يخطب يقول: يد المعطي العليا أمك وأباك وأختك وأخاك، وأدناك أدناك". مسند أبي زيد عمرو بن أخطب رضي الله عنه 1052 - حديث: "كان هذا يومًا الطعامُ فيه كريهٌ".

مسند أبي سعيد الخدري رضي الله عنه

قال أبو البقاء: (هذا) اسم (كان) و (يومًا) ظرف لـ (هذا). والجيد أن يكون (يومًا) خبر (كان) لأنه أراد بـ (هذا) الذبح. وهو مصدر وظرف الزمان يجوز أن يكون خبرًا عن المصدر. وقوله: (الطعام فيه كريه) مبتدأ وخبر في موضع صفة لـ (يوم) وهذا مثل قولك: كان الذبح يوم الجمعة الذي فيه الطعام كريه. مسند أبي سعيد الخدري رضي الله عنه 1053 - حديث: "ما من رجل يخرج من بيته متطهرًا فيصلي مع المسلمين الصلاة ثم يجلس في المجلس ينتظر الصلاة الأخرى ألا إن الملائكة تقول: اللهم اغفر له". قال أبو البقاء: وقع في هذه الرواية (ألا إنّ الملائكة) وعلى هذا لا يكون الكلام قبله تامًّا، و (ما) لا بد لها من خبر. وليس في الكلام لها خبر، ويجوز أن يكون الخبر محذوفًا لدلالة ما بعده عليه، وتقديره: إلاّ غفر له، ثم فسر ذلك بقوله: (ألا إن الملائكة)، وإن جاء في رواية أخرى: (إلاّ أنّ الملائكة) على الاستثناء كان الخبر تامًّا.

1054 - حديث: "ما منكن امرأة تقدم ثلاثة من ولدها إلا كان لها حجاب من النار".

1054 - حديث: "ما منكن امرأة تقدم ثلاثة من ولدها إلا كان لها حجاب من النار". قال الكرماني: (امرأة) مبتدأ و (تقدم) صفة (امرأة)، ومنكن حال منهم مقدم عليها. وخبر المبتدأ الجملة التي بعد آلة الاستثناء، لأنه مفرّغ على حسب العوامل، فإن قلت: كيف وقع الفعل مستثنى قلت: على تقدير الاسم، أي: ما امرأة تقدم إلا كان، و (حجاب) يروى بالنصب خبر كان والاسم مضمر. أي: التقديم، وبالرفع على أن كان تامة. وقوله: (قالت امرأة: واثنين). قال الزركشي: منصوب بتقدير فعل دل على السياق أي: ومن قدم اثنين وكذا قوله: قال: واثنين. 1055 - حديث: "أمَ والله إن أحدكم ليخرج بمسألته من عندي يتأبطها وما هي له إلا نار". 1056 - حديث: "أم والله لو شئتم لقلتم فصدقتم: أتيتنا مكذبًا فصدقناك". قال الزمخشري في "المفصل": (أمَا) حرف تنبيه، ويحذفون الألف منها فيقولون: أمَ والله. قال الأندلسي في "شرحه": إنما حذفت الألف منها لكثرة الاستعمال مع أنها معلومة. إذ هي من مقدمات القسم وطلائعه، فيحذفها اعتمادًا على ما عرف من موضعها بوقوع القسم بعدها.

1057 - حديث: "ليس فيما دون خمس ذود من الإبل صدقة".

وقال الخوارزمي: (ألَا) و (أما) للتنبيه والتحقيق، وهما مركبتان من همزة الاستفهام و (لا) أو (ما) النافية. وقال الأندلسي: الفرق بين (أما) و (ألا)، أنّ (أما) للحال، و (ألا) للاستقبال. 1057 - حديث: "ليس فيما دون خمس ذودٍ من الإبل صدقةٌ". قال الزركشي والقرطبي: هو بالإضافة على المشهور، ومنهم من يرويه بالتنوين على البدل، والصحيح في الرواية إسقاط الهاء من (خمس) لأن الذود مؤنث لا واحد له من لفظه. إنما يقال: ناقة وبعير وأثبتها بعضهم على التذكير، وهذا على الخلاف في (الذود)، هل يطلق على الإناث أو على الذكور. وقال الكرماني: روي بالتاء في (خمس) نظرًا إلى أنّ (الذود) يطلق على المذكر والمؤنث، وتركوا القياس في الجمع، ما قالوا: ثلثمائة، وقيل: إنما جاز لأنه في معنى الجمع، كقوله: (تسعة رهط) [النمل: 48] لأن فيه معنى الجمعية. وقال الزين بن المنير: إضافة (خمس) إلى (ذود) وهو مذكر، لأنه يقع على المذكر والمؤنث. وإضافته إلى الجمع لأنه يقع على المفرد والجمع، وأما قول ابن قتيبة: إنه يقع على الواحد فقط، فلا يدفع ما نقله غيره أنه يقع على الجمع. وقال القرطبي: قوله: (من الإبل)، بيان للذود، وأنكر ابن قتيبة أن يراد بالذود الواحد. وقال: لا يصح أن يقال: خمس ذود، كما لا يصح أن يقال: خمس ثوب. وغلّطه العلماء في ذلك، وقد نص اللغويون على أن (الذود) يكون واحدًا.

وقال أبو حاتم السجستاني: تركوا القياس في الجمع فقالوا: (خمس ذود) لخمس من الإبل، كما قالوا: ثلثمائة وأربعمائة، على غير قياس، (والقياس مئين مئات ولا يكادون يقولون): ثلاث ذود و (عشر) ذود. قال القرطبي: وهذا صريح في أن للذود واحدًا من لفظه، والأشهر ما قاله المتقدمون: أنه لا ينطلق على الواحد. وقال الحافظ زين الدين العراقي في "شرح الترمذي": المشهور في الرواية (خمس ذود) بإضافة الخمس إلى الذود، ورواه بعضهم بقطعه عن الإضافة على البدل (خمس ذودٍ) بتنوين (خمسٍ). وسبب ذلك اختلافهم في (الذود) هل هو مفرد أو اسم جمع؟ فمن جعله مفردًا أنكر الإضافة، كما لا يقال: خمسُ ثوبٍ، وإنما يقال: خمسةُ أثوابٍ. فذهب أبو حاتم السجستاني إلى أنه مفرد، فقال: إنهم تركوا القياس في الجمع، فقالوا: ثلاث ذود لثلاث من الإبل، وأربع ذود، وعشر ذود، على غير قياس، ما قالوا: ثلثمائة وأربعمائة، والقياس مئين، ومئات. ولا يكادون يقولون بذلك. وقال ابن قتيبة: ذهب قوم إلى أنّ (الذود) واحد، وذهب آخرون إلى أنه جمع، واختار أنه جمع. وقال ابن القواس في "شرح الدرة": من عطف البيان المطابق لمتبوعه في التنكير قوله عليه السلام: (ليس فيما دون خمسٍ ذودٍ صدقة)، بتنوين (خمس) وهو قليل.

1058 - حديث: "إن الناس لكم تبع".

1058 - حديث: "إن الناس لكم تبعٌ". قال الطيبي: أي تابعون، فوضع المصدر موضعه مبالغة نحو: رجل عدْل. قوله: (وإن رجالاً يأتونكم) عطف على (إنّ الناس). قوله: (يتفقهون في الدين) جملة استئنافية لبيان علة الإتيان، أو حال من الضمير المرفوع في (يأتونكم) وهو أقرب إلى الذوق، والتعريف في (الناس) لاستغراق الجنس، والتنكير في (رجلاً) للنوع، أي: رجالاً صفت نيّاتهم، وخلصت عقائدهم يضربون أكباد الإبل لطلب العلم. قوله: (فإذا أتوكم) في تصديره بإذا الحقيقية تحقيق للوعد. قوله: (فاستوصوا بهم خيرًا) الاستيصاء: قبول الوصية، وبمعنى التصية أيضًا. وتعدى بالباء، يقال: استوصيت زيدًا بعمرو خيرًا. أي: طلبت زيدًا أن يفعل بعمرو. وحدّ التوربشتي والبيضاوي حقيقة استوصوا به: اطلبوا. قال الطيبي: وهو من باب التجريد، أي: لجرد كل واحد منكم شخصًا من نفسه يطلب منه الوصية في حق الطالبين. 1059 - حديث: "من رأى منكرًا إن استطاع أن يغيرَه بيده فليفعلْ، فإنْ لم يستطعْ فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان".

1060 - حديث: "إذا أتى أحدكم أهله ثم بدا له أن يعود فليتوضأ بينهما وضوءا".

1060 - حديث: "إذا أتى أحدكم أهله ثم بدا له أن يعود فليتوضأ بينهما وضوءًا". قال الشيخ ولي الدين العراقي في "شرح أبي داود": (أي: بين الوطئين)، فأعاد الضمير على المفهوم من (المعيّن) وإن لم يقع التصريح به. 1061 - حديث: "إن أهل الجنة لينزلون الغرف – إلى أن قال: قالوا: يا رسول الله تلك منازل الأنبياء لا يبلغها غيرهم قال: بلى والذي نفسي بيده رجالٌ آمنوا بالله وصدقوا المرسلين". قال الشيخ أكمل الدين: قوله: (رجال)، أي: منازل رجال، فحذف المضاف، وأقيم المضاف إليه مقامه وأعرب بإعرابه، كذا في بعض الشروح، وفيه نظر، لأنه (بلى) مختصة بإيجاب المنفي، وليست تلك المنازل منتفية. والأولى أن يجعل فاعل فعل محذوف من جنس المذكور. أي: بلى يبلغها رجال. 1062 - حديث: "إذا أسلم العبد فحسن إسلامه". قال الكرماني: هو عطف على (أسلم) وجواب الشرط (يكفّر الله عنه كل سيئة كان زلفها). وقوله: (وكان بعد ذلك القصاصُ). قال: هو مرفوع، اسم كان، ويجوز أن تكون (كان) تامة. وقوله: (الحسنةُ بعشرِ أمثالها) مبتدأ وخبر، والجملة استئنافية.

1063 - حديث: "فما أنتم بأشد لي مناشدة في الحق، قد تبين لكم من المؤمن يومئذ للجبار، إذا رأوا أنهم قد نجوا في إخوانهم، يقولون ربنا إخواننا كانوا يصلون معنا".

وقوله: (إلى سبعمائة ضعف) متعلق بمقدر، أي: منتهيًا إلى سبعمائة، فهو منصوب على الحال. 1063 - حديث: "فما أنتم بأشدَّ لي مناشدةً في الحق، قد تبين لكم من المؤمن يومئذ للجبار، إذا رأوا أنهم قد نجوا في إخوانهم، يقولون ربنا إخواننا كانوا يصلون معنا". قال الكرماني: (قد تبين) جملة حالية، و (من المؤمن) صلة (أشدّ) و (للجبار) و (في إخوانهم) كلاهما متعلق بمناشدة مقدرة. أي: ما طلبكم مني في الدنيا في شأن حق يكون ظاهرًا لكم، أشد من طلب المؤمنين من الله في الآخرة في شأن نجاة إخوانهم من النار. فإن قلت: المؤمن مفرد، فلم جمع الضمير؟ قلت: باعتبار الجمع المراد من لفظ الجنس، فإن قلت: السياق يقتضي أن يكون (وإذا رأوا) بدون الواو قلت: (في إخوانهم) مقدم عليه حكمًا، وهذا خبر مبتدأ محذوف، أي: وذلك إذا رأوا نجاة أنفسهم. ويقولون: هو استئناف كلام، وهذا غاية الجهد في تحليل هذا التركيب. انتهى. قال الطيبي: (بأشد) خبر (ما)، و (مناشدة) منصوب على التمييز و (في الحق) ظرف له، و (قد تبين) حال، إما من الضمير في (أشد) وإما من (الحق)، و (من المؤمنين) متعلق أفعل، أي: بأشد مناشدة منكم فوضع المظهر موضع المضمر، و (لله) متعلق بـ (مناشدة). قوله: هؤلاء عتقاء الرحمن أدخلهم الجنة بغير عمل عملوه ولا خيرٍ قدموه. قوله: (حتى أنَّ بعضهم ليكاد أنْ يتقلب). قال النووي: هكذا في الأصول بإثبات (أنْ)، وهو لغة.

1064 - حديث: "ألا رجل يتصدق على هذا فيصلي معه".

قوله: (فجيء بهم ضبائر ضبائر). قال النووي: هو منصوب على الحال. 1064 - حديث: "ألا رجل يتصدق على هذا فيصلي معه". قال الطيبي: (ألا) فيه للعرض، كما تقول: ألا تنزل فتصيب خيرًا. وقوله: (فيصلي) منصوب لوقوعه جوابه، وقيل: الهمزة في (ألا) للاستفهام، و (لا) بمعنى ليس، وعلى هذا (فيصلي) مرفوع عطفًا على الخبر. قال: وكان هذا الوجه أولى، ونظيره قول الشاعر: ألا موت لذيذ الطعم يأتي ... فينقذني من الموت الكريه 1065 - حديث: "الذهبُ بالذهب، والفضة بالفضة، والتمر بالتمر، والبُرُّ بالبر، والشعير بالشعير، والملح بالملح، سواء بسواء، مثلاً بمثل". قال الزركشي: (جوّز أبو البقاء فيه وفي (وزنًا بوزن) وجهين: أحدهما: أن يكون مصدرًا في موضع الحال، أي: الذهب يباع بالذهب موزونًا بموزون. والثاني: أن يكون مصدريًا مؤكدًا، أي: يوزن وزنًا. قال: وكذلك الحكم في قوله [مثلاً بمثل]. انتهى).

1066 - حديث: "من رآني فقد رأى الحق فإن الشيطان لا يتكونني".

1066 - حديث: "من رآني فقد رأى الحق فإن الشيطان لا يتكوَّنُني". قال الكرماني: أي: لا يتكلف كونًا مثل كوني، فإن قلت: التكوّن لازم فما وجهه؟ قلت: لزومه غير لازم، أو معناه: لا يتكون كوني محذوف المضاف وأوصل المضاف إليه بالفعل. 1067 - حديث: "إذا أيقط أهله من الليل فصليا جميعًا". قال الطيبي: (جميعًا) حال مؤكدة من فاعل (فصلينا) على التثنية، لا الإفراد. فإذا أريد تقييده بفاعله يقدر: فصلّى وصلَّتْ جميعًا، فهو قريب من التنازع. 1068 - حديث: "بعث عليٌّ إلى النبي صلى الله عليه وسلم بذهبية". قال الخطابي: إنما أنثها على نية القطعة من الذهب، وقد يؤنّث الذهب في بعض اللغات. قوله: (فقسّمها بين أربعة نفر: (بين) عيينة بن بدر، وأقرعَ بن حابس). قال ابن مالك: في قوله: (وأقرعَ بن حابس) بلا ألف ولام شاهد على أن ذا الألف واللام من الأعلام الغالبية قد ينزعان عنه في غير نداء ولا إضافة، ولا ضرورة، وهو مما خفي على أكثر النحويين، ومنه ما حكى سيبويه من قول بعض العرب: (هذا يوم اثنين مباركًا فيه).

1069 - حديث: "كان النبي صلى الله عليه وسلم يخرج يوم الفطر والأضحى إلى المصلى، فأول شيء يبدأ به الصلاة".

1069 - حديث: "كان النبي صلى الله عليه وسلم يخرج يوم الفطر والأضحى إلى المصلى، فأولُ شيء يبدأ به الصلاةُ". قال الطيبي: (يبدأ) صفة مؤكدة لـ (شيء)، و (أول شيء) وإن كان مخصّصًا فهو خبر، لأن (الصلاة) أعرف منه. فهو كقوله تعالى: (إنّ خير من استأجرت القوي الأمين) [القصص: 26]. 1070 - حديث: "اطلبوا ليلة القدر في العشر الأواخر". قال ابن الحاجب: يقال: (العشر الأول)، ولا يقال: (العشر الأخر) ويقال: (العشر الأواخر)، ولا يقال: (العشر الأوائل) فهذه أربع مسائل: إثباتان، ونفيان يستدل عليها: أما الأولى: فلأن مفرد العشر الأولى، والأولى تأنيث الأول، وجمع أفعل فعل قياسًا مطردًا كالفُضلى والفضل، فوجب أن يصح العشر الأول، كما تقول: النساء الأول. الثانية: لا يقال: (العشر الأخر) لأن الأخر جمع أخرى، وأخرى تأنيث أخر، ومدلوله وصف لمغاير لتقدم ذكره، وإن كان متقدمًا في الوجود صار نسيًا منسيًا، فتقول: مررت بزيد ورجل آخر. فلا يفهم من ذلك إلا وصفه المغاير لتقدم ذكره، وهو زيد. حتى صار معناه أحد شيئين، ولا يفهم من ذلك كونه متأخرًا موجودًا. ومن ثم لم يقولوا: ربيع الآخَر، بفتح الخاء، ولا جمادى الأخرى، لعلمهم بانتفاء دلالة ذلك

على مقصودهم، لأن المقصود التأخر الوجودي، فعدلوا إلى ربيع الآخِر، بكسر الخاء، وإلى جمادى الآخرة، حتى يحصل الدلالة على مقصودهم في التأخر الوجودي. إذا ثبت ذلك فليس المقصود بالعشر الأواخر، إلا التأخر الوجودي، فلو قالوا: العشر الأخر، لكان جمعًا لأخرى التي لا دلالة لها على التأخر الوجودي فلم يستقمْ أن يقال: الأخر، لما أدى إلى خلاف المقصود في الدلالة، فوجب أن لا يصح العشر الأخر، لما تقرر. الثالثة: يقال: العشر الأواخر، لأنه (إذا) بطل تقدير مفردها، بالأخرى – لما تقرر – وجب أن يقدّر بما فيه دلالة على التأخر الوجودي وهو (الآخرة)، كما قالوا في جمادى الآخرة، والدار الآخرة، وإذا كان مفردها مقدَّرًا بالآخرة وجب أن يصح الأواخر، لأن فاعله يجمع على فواعل قياسًا مطردًا. الرابعة: لا يقال (العشر الأوائل) لأن مفرده الأولى ولا تجمع (الأولى) على (الأوائل) وإنما تجمع على (الأول) كما تقدم، و (الأوائل) جمع أول. ومفرد (العشر) مؤنث تقديره: الأولى، فلا يجوز أن يجمع على (الأوائل) فوجب أن يمتنع (العشر الأوائل). فإن قلت: في حديث الإفك: (وأمرُنا أمرُ العرب الأول) مخفوضًا نعتًا للعرب، ومفرده إنسان، لأن واحد العرب مذكر يعقل فكان يجب أن يكون ممتنعًا. قلت: الرواية الكثرى: (وأمرنا أمر العرب الأوَلُ) على الإفراد مرفوعًا نعتًا لقوله: (أمر)، وهو الصحيح، وجاءت هذه الرواية ووجهت على أن يقدر العرب اسم جمع تحته جموع كل واحد عرب أو جماعة، فيصير مفرده بهذا التقدير يجوز أن يقدر

1071 - حديث: "يلقى في النار وتقول: هل من مزيد، حتى يأتيها تبارك وتعالى فيضع قدمه عليها فتنزوي، وتقول: قدي قدي".

الأولى، لأن العرب أو الجماعة على الصفة المؤنثة، فهذا التقدير جاز أن يقال للعرب الأول. ولهذا التعسف كانت الرواية الشهرى أقعد، لأن الضعيفة تستلزم جواز (الرجال الأول) بعين التوجيه المذكور في (العرب الأول) وهو بعيد. قال: واعلم أن (الأواخر) في جمع آخر مخالف في الزنة كقولهم (الأواخر) في جمع (أخر) وزنه أفاعل، فهمزته زائدة، والواو فاء الكلمة التي كانت ساكنة بعد همزة (آخر) فقلبت في المفرد (ألفًا) لسكونها بعد همزة، وقلبت في الجمع واوًا لاجتماع الهمزتين المتحركتين بالفتح (كأوادم)، فالأولى همزة أفعل، والثانية فاء الكلمة، وأمّا (الأواخر) جمع (الآخرة) فوزنه فواعل، فالهمزة الأولى فاء الكلمة، والواو الثانية الألف الزائدة التي بعد الهمزة في الآخرة انقلبت واوًا في فواعل جمع فاعلة قياسًا مطّردًا. انتهى. 1071 - حديث: "يلقى في النار وتقول: هل من مزيد، حتى يأتيها تبارك وتعالى فيضع قدمه عليها فتنزوي، وتقول: قدي قدي". 1072 - حديث: "إذا دخلتم على المريض فنفّسوا له في أجله". قال الطيبي: (في أجله) متعلق بـ (نفّسوا) مضمنًا معنى التطميع، أي: طمّعوه في طول أجله، واللام للتأكيد. قال: قوله: (يطيب بنفسه) الباء في (بنفس) زائدة في الفاعل، ويجوز أن يكون للتعدية، وفاعله ضمير عائد إلى اسم (إنّ)، ويساعد الأول رواية: (ويطيب نفسه).

1073 - حديث: "لما كان عند مغيربان الشمس".

1073 - حديث: "لما كان عند مُغَيْرِبان الشمس". قال في "النهاية": أي: وقت مغيبها، يقال: غربت الشمس تغرب غروبًا ومغيربانًا، وهو مصغر على غير مكبره، كأنهم صغروا (مغربانًا). 1074 - حديث: "اعتكف رسول الله صلى الله عليه وسلم عشر الأول". قال الزركشي: كذا ثبت، ومنهم من ضم الهمزة، وفي رواية: (العشر الأول) وهو الوجه. وقوله: (فاعتكف العشر الأوسط) هكذا أكثر الروايات، وقيل: إنّه جاء على لفظ (العشر)، فإنه مذكر. وروي (الوُسُط) بضم الواو والسين جمع واسط كنازل ونُزُل. وقال الطيبي: فإن قلت: لم خولف بين الأوصاف فوصف (العشر الأول) و (الأوسط) بالمفرد، و (الآخر) بالجمع. قلت: تصور في كل ليلة من العشر الأخير ليلة القدر، (فجمع)، ولا كذلك في العشرين. قوله: (إن الذي تطلب أمامك). قال الكرماني: بنصب الميم مرفوع بأنه خبر الكلمة المشبهة، أي: مطلوبك الذي هو ليلة القدر قدامك. وقوله: (تصديق رؤياه) بالرفع، أي: أثر الطين والماء على جبهته هو تصديق رؤياه.

1075 - حديث: "أنت مني بمنزلة هارون من موسى".

1075 - حديث: "أنت مني بمنزلة هارون من موسى". قال الرضي: قد يقوم مع آلة الشبه قرينة تدل على الحدث المعين فيتعلق بها جارّان وذلك قوله صلى الله عليه وسلم: (أنت مني بمنزلة هارون من موسى). وقال: ولقد نزلت فلا تظني غيره ... مني بمنزلة المحب المكرم وتقول: مأمولي مني بمنزلة الثريا من المتناول. أي: (بعيد مني) بعدها منه. وقال الكرماني والطيبي: تسمى هذه بمن الاتصالية. [إعراب: (أنت مني بمنزلة هارون من موسى) ذكره الرضي في باب الحال، عند قوله الكائن: وكل ما دل على هيئة صح أن يقع حالاً، وقد نفي لهذا تتمة في الضمان من جهة الحكمة في تقدير الجار، والأول على الوصل الضعيف، ومراده التشبيه، وقد تركه البعض]. 1076 - حديث: "خصلتان لا يجتمعان في مؤمن البخل وسوء الخلق". قال الطيبي: (خصلتان لا يجتمعان) مبتدأ موصوف، والخبر محذوف، أي: فيما

1077 - حديث: "أيما مسلم كسا مسلما ثوبا على عري، كساه الله من خضر الجنة".

أحدثكم به خصلتان وهو لا يجتمعان كقوله تعالى: (سورة أنزلناها وفرضناها) [النور: 1] أي: فيما أوحينا إليك. و (البخل وسوء الخلق) مبتدأ. 1077 - حديث: "أيُّما مسلم كسا مسلمًا ثوبًا على عُرْي، كساه الله من خضر الجنة". قال الطيبي: من إقامة الصفة مقام الموصوف أي: ثيابها الخضر. 1078 - حديث: "لا يخرجُ الرجلان يضربان الغائط كاشفان عورتهما، يتحدّثان فإنّ الله يمقت على ذلك". قال أبو البقاء: هكذا وقع في هذه الرواية بالرفع، ووجهه أن يكون التقدير، وهما كاشفان، وإنْ رُوِي (كاشفين) كان حالاً. قلت: رواه أبو داود (كاشفين) بالنصب، ورواه النسائي (كاشفان) بالرفع. وقوله: (على ذلك). قال الشيخ ولي الدين العراقي: أي: لأجل ذلك، فـ (على) هنا للتعليل، كقوله تعالى: (ولتكبروا الله على ما هداكم) [البقرة: 185]. قال: وفي رواية أبي داود (عورة) بالإفراد، وفي رواية النسائي (عورتيهما) بالتثنية، (وهما جائزان، فإنه إذا أضيف شيئان إلى ما تضمنهما جاز الإفراد والتثنية والجمع) فلو رُوي (عوراتهما) كان جائزًا أيضًا.

1079 - حديث: "لتتبعن سنن الذين من قبلكم شبرا بشبر وذراعا فذراعا".

وقال الطيبي: (الغائطَ) نصب بنزع الخافض أي: يضربان للغائط، ويحتمل أن يكون ظرفًا، أي: يضربان في الغائط، أي: الأرض المطمئنة، فحذف المفعول لدلالة الظرف عليه. و (يضربان) و (يتحدثان) صفتا الرجلين. لأن التعريف فيه للجنس، أي: رجلان من جنس الرجال، ويجوز أن يكونا خبرين لمبتدا محذوف، أي: (هما) يضربان ويتحدثان، استئناف أو حال على بعد، و (كاشفين) حال مقدرة من ضمير (يضربان)، ولو جعل حالاً من ضمير (يتحدثان) لم تكن مقدرة. 1079 - حديث: "لتتبعن سنن الذين من قبلكم شبرًا بشبر وذراعًا فذراعًا". قال أبو حيان في "الارتشاف": الغالب في الحال أن تكون مشتقة، ويغني عن الاشتقاق أمور: منها أن يدل على ترتيب نحو: ادخلوا رجلاً رجلاً، أي مرتبين، وعلمته الحساب بابًا بابًا أي مفصلاً. وفي نصب الثاني خلاف، ذهب الزجاج إلى أنه توكيد، وذهب ابن جني إلى أنه صفة للأول، وذهب الفارسي إلى أنه منصوب بالأول. والذي اختاره: أنه وما قبله منصوبان بالعامل قبله؛ لأن مجموعهما هو الحال. ولو ذهب ذاهب إلى أن نصبه إنما هو بالعطف على تقدير حذف الفاء، فإن المعنى بابًا فبابًا، وأول فأول، لكان مذهبًا حسنًا عاريًا من التكلف. وزعم أبو الحسن: أنه لا يجوز أن يدخل حرف العطف في شيء من هذه

1080 - حديث: "تصدقن فإني أريتكن أكثر أهل النار".

المكررات إلا الفاء، لا تقول: بابًا وبابًا ثم بابًا. انتهى. 1080 - حديث: "تصدقن فإني أُريتكنّ أكثرَ أهل النار". قال الطيبي: (أريتكن) بمعنى أُخبرت وأُعلمت، فهو يتعدى إلى ثلاثة مفاعيل: ضمير المتكلم المتصل به، والثاني ضمير المخاطب وهو (كنّ)، والثالث قوله: (أكثر). وقوله: (ما رأيت من ناقصات عقل)، (من ناقصات) صفة موصوفة محذوف، أي: ما رأيت أحدًا من ناقصات، و (من) مزيدة استغراقية لمجيئها بعد النفي. ومن ثم قيل: (من إحداكنّ)، و (من) متعلقة بـ (أذهب) والمفضل عليه مفروض مقدر، ويحتمل أن يكون (من) بيان (ناقصات) على سبيل التجريد، كقولك: رأيت منكن أسدًا، جرد (من) إحداكن ناقصات، ووصفها بالجمع على طريقة (شهابًا رصدًا) [الجن: 9]، و (أذهب) لمطلق الزيادة، صفة موصوف محذوف، أي: ما رأيت أحدًا، و (أذهب) صفة (أحد). وقوله: (فذلك من نقصان عقلها) إشارة إلى الحكم المذكور، والكاف فيه للخطاب العام، وإلا لقال: فذلكن، لأن الخطاب مع النساء. انتهى. 1081 - حديث: "إن أكثر ما أخاف عليكم ما يخرج الله لكم من بركات الأرض".

قال الكرماني: فإن قلت: لفظ (ما يخرج) لا يصح جعله خبرًا للأكثر، قلت: فيه إضمار نحو: ما أخاف بسببه عليكم أو مما يخرج. قوله: (إنّ هذا المالَ خضرةٌ حلوةٌ). قال التيمي: التأنيث فيهما باعتبار المعنى، وهو ما يشتمل عليه المال من أنواع زهرات الدنيا. وقال الخطابي وتبعه الزركشي: تأنيث الخبر تنبيه على أن المبتدأ مؤنث، والتقدير: إن صورة هذا المال حسنة المنظر مونقة تعجب الناظر. فلذلك أنّث اللفظين. وقال ابن بطال: لم يأت خضرة على الصفة، وإنما أتى على سبيل التنبيه كأنه قال: هذا المال كالبقلة الخضرة، وتقول: إنّ هذا السجود حسنة، كأنك قلت: هو خصلة حسنة. قال الكرماني: هذه ثلاثة أوجه في تقرير التأنيث في اللفظين، وله وجه رابع: وهو أن تكون التاء للمبالغة نحو: رجل راوية وعلامة. وعبّر في موضع آخر عن الثالث بقوله: إنه صفة لموصوف محذوف، نحو: بقلة خضرة. قوله: (إلاّ أكل الخضرة). قال التوربشتي: نصب على أنه مفعول (يقتل)، والاستثناء مفرغ من المثبت لقصد التعميم فيه، ونظيره: قرأت إلا يوم كذا. وقال الطيبي: الأظهر أنّ الاستثناء منقطع لوقوعه في الكلام المثبت، وهو غير جائز إلا بالتأويل، ولأن ما يقتل حبطًا بعض ما ينبت الربيع، لدلالة (مِنْ) التبعيضية عليه، ويجوز أن يكون الاستثناء متصلاً، لكن يجب التأويل.

1082 - حديث: "ما يكون عندي فلن أدخره عنكم".

المعنى: من جملة ما ينبت الربيع شيئًا يقتل آكله إلا الخضر منه إذا اقتصد فيه آكله وتحرى دفع ما يؤديه إلى الهلاك. والباء في قوله: (أو يأتي الخير بالشر) صلة (يأتي). 1082 - حديث: "ما يكون عندي فلن أدخره عنكم". قال الطيبي: (ما) موصولة متضمنة معنى الشرط فلذلك صح دخول الفاء في خبره. قوله: (وما أعطي أحد عطاءً خيرًا وأوسعَ من الصبر به). قال الطيبي: (عطاء) بمعنى مُعطى أو شيئًا، و (خيرًا) صفته. وقال الزركشي: (أحد) نائب عن الفاعل، (عطاء) مفعوله الثاني، (خيرًا) صفة لـ (عطاء)، و (أوسع) عطف عليه. وقال الكرماني: (خيرًا بالنصب صفة، وبالرفع خبر مبتدأ محذوف، أي: هو خير). 1083 - حديث: "ليس فيما أقلّ من خمسة أوسق صدقة". قال الزركشي: (ما) زائدة، و (أقل) في موضع جر، إلا أنه لا ينصرف، ويؤيده قوله بعده: (ولا في أقل من خمسة من الإبل صدقة). ومنهم من قيده برفع (أقلّ). 1084 - حديث: "ثلاثةٌ يضحك الله إليهم: الرجل إذا قام بالليل يصلي".

1085 - حديث: "إن رجلا رغسه الله مالا وولدا فلما حضره الموت دعا بنيه فقال: أي أب كنت لكم؟ قالوا: خير أب".

قال الطيبي: (إذا) هنا متمحض للظرفية، وهو بدل من الرجل، كما في قوله تعالى: (واذكر في الكتاب مريم إذ انتبذت من أهلها) [مريم: 16] و (الرجل) موصوف ثلاثة رجال أي: رجال ثلاثة يضحك الله منهم وقت قيام الرجل (بالليل)، فوضع الظرف مقام (الرجل) مبالغة على منوال قولهم: أخطب ما يكون الأمير قائمًا. أي: أخطب أوقاته، والأخطبية ليست للأوقات إنما هي للأمير. 1085 - حديث: "إنّ رجلاً رغسه الله مالاً وولدًا فلما حضره الموت دعا بنيه فقال: أيَّ أبٍ كنت لكم؟ قالوا: خير أب". قال أبو البقاء: الصواب نصب (أي) على أنه خبر (كنت)، وجب تقديمه لكونه استفهامًا. وأما قوله: (خير أب) فالجيد نصب (خير) على تقدير: كنت خير أب، ليكون موافقًا لما هو جواب عنه، والرفع جائز على معنى: أنت خير أب. قوله: (فما تلافاه أن رحمه). قال الكرماني: (ما) موصولة، أي: الذي تلافاه هو الرحمة، أو نافية، وكلمة الاستثناء محذوفة على مذهب من يجوز حذفها أو المراد: [ما تلافي عدم الاستئثار بأن رحمه، أو لأن رحمه]. 1086 - حديث: "بينما أنا نائم رأيت الناس يعرضون وعليهم قمُصٌ منها ما يبلغ الثدي، ومنها ما يبلغ دون ذلك ومر عليّ عمر بن الخطاب وعليه قميص يجرّه فقالوا: ما أوّلت ذلك يا رسول الله قال: الدين".

1087 - حديث: إن في الجنة لشجرة يسير الراكب الجواد أو المضمر السريع مائة عام لا يقطعها".

قال الزركشي: بالنصب، ويجوز الرفع. 1087 - حديث: إنّ في الجنة لشجرة يسيرُ الراكب الجواد أو المضمر السريع مائة عام لا يقطعها". قال الزركشي: هو بنصب الجواد، وفتح الميم الثانية من (المضمر)، ونصب الراء. وضبطه الأصيلي بضم (المضمر)، و (الجواد) صفة للراكب، فيكون على هذا بكسر الميم الثانية، وقد يكون على البدل. 1088 - حديث: "رأيتُ أنَّ في ذراعي سوارين من ذهب فكرهتهما فنفختهما فطارا فأوَّلتهما: هذان الكذّابان". قال أبو البقاء: إنما رفع (هذان الكذابان) لأن أراد ففسرت ما رأيت، ثم استأنف فقال: هما هذان، فحذف المبتدأ لدلالة الكلام عليه، أو يكون التقدير: تأويلهما هذان. 1089 - حديث: "سمع الله لمن حمده اللهم ربنا الحمدُ ملء السموات، وملء الأرض، وملء ما شئت من شيء بعد، أهلَ الثناء والمجد، أحقُّ ما قال العبد، وكلنا لك عبد، لا مانع لما أعطيت، ولا معطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجد منك الجد". قال ابن سيد الناس في "شرح الترمذي": كان ابن خالويه يرجح فتح الهمزة من (ملء). [والزجاج يرى الرفع فيها، وكلاهما جائز.

قال: والوجه النصب] في (أهل) على أنه منادى مضاف، حذف حرف ندائه، ويجوز رفعه على تقدير: أنت أهل، و (أحق) مرفوع بالابتداء وخبره (لا مانع لما أعطيت)، و (كلنا لك عبد) جملة معترضة بين المبتدأ والخبر، ويجوز أن يكون قوله: (أحقّ ما قال العبد) خبرًا لما قبله، أي: قوله: ربنا لك الحمد ...) إلى آخره، أحق ما قال العبد. قال النووي: معنى (سمع) أجاب، أي: من حمد متعرضًا لثوابه، استجاب الله له وأعطاه ما تعرض له، فقولوا: ربنا ولك الحمد، (ليحصل) ذلك. وقال: لفظ (ربّنا) على تقدير إثبات الواو، متعلق بما قبله تقديره: سمع الله لمن حمده يا ربنا فاستجاب حمدنا ودعاءنا ولك الحمد على هدايتنا. وقال الكرماني: يحتمل أن يكون السماع بمعناه المشهور، فإن قلت: فلا بدّ أن يستعمل بمن لا باللام، قلت: معناه: سمع الحمد لأجل الحامد منه. ثم لفظ (ربنا) لا يمكن أن يتعلق بما قبله، لأنه كلام المأموم وما قبله كلام الإمام، بدليل (فقولوا)، بل هو ابتداء كلام (ولك الحمد) حال منه، أي: أدعوك، والحال أن الحمد لك لا لغيرك، فإن قلت: هل يكون عطفًا على أدعوك قلت: لا، لأنها إنشائية وهذه خبرية. قال البغوي في "شرح السنة": قيل: الواو في قوله: (ولك الحمد) واو العطف على مضمر متقدم. وقال القاضي عياض: روي (ربنا لك الحمد) بلا واو، و (ربنا ولك الحمد) بالواو.

وقال: فعلى إثبات الواو يكون قوله (ربنا) متعلقًا بما قبله، تقديره: سمع الله لمن حمده، يا ربنا فاستجب حمدنا ودعاءنا ولك الحمد. قال الطيبي: هذه الرمزة مفتقرة إلى مزيد كشف، وبيان ذلك أن قوله: (سمع الله لمن حمده) وسيلة، و (ربنا لك الحمد) طلب، وفيه التفات من الغيبة إلى الخطاب، فإذا روي بالعاطف تعلق (ربنا) بالأولى، ليستقيم عطف الجملة الخبرية على مثلها، وإذا عزل عن الواو تعلق (ربنا) بالثانية، فإذن لا يجوز عطف الإنشائي على الخبري. وتقديره على الوجه الأول: يا ربنا قبلت في الدهور الماضية حمد من حمدك من الأمم السالفة، ونحن نطلب منك الآن قبول حمدنا، ولك الحمد أولاً وآخرًا، فأخرجت الأولى على الجملة الفعلية، وعلى الغيبة، وخص اسم الله الأعظم بالذكر. والثانية على الاسمية وعلى الخطاب لإرادة الدوام، ولمزيد النجاح المطلوب، فعلى هذا في الكلام التفاتة واحدة، وعلى الأول التفاتتان من الخطاب إلى الغيبة، ومنه إلى الخطاب. ثم قال الطيبي: قوله: (من شيء بعد)، أي: بعد ذلك، وهو صفة لشيء. و (أهل الثناء) يجوز فيه النصب على المدح، والرفع على أنه خبر مبتدأ محذوف، أي: أنت أهل الثناء. وكذا: (أحق ما قال)، أي: لما قال، أو يكون التقدير: المذكور من الحمد الكثير أحق ما قال العبد. ويجوز أن يكون (أحق ما قال العبد) مبتدأ، وقوله: (اللهم) خبره، و (ما) في قوله: (ما قال العبد) موصوفة، أي: أحق شيء قاله العبد، وروي: (حق ما قال)، قيل: هذا هو كلام تام واقع على سبيل الاستئناف. وقوله: (وكلنا لك عبد)، على هذا تذييل. وقوله: (منك الجد) فيه أقوال:

1090 - حديث: "ألا تأمنوني وأنا أمين من في السماء يأتيني خبر السماء صباح مساء".

قال الزمخشري في "الفائق": (مِنْ) فيه مثله في قوله تعالى: (ولو نشاء لجعلنا منكم ملائكة في الأرض) [الزخرف: 60] أي: بدلكم فـ (مِنْ) بمعنى بدل، والمعنى، أن المحظوظ لا ينفعه حظّه أي: بدل طاعتك وعبادتك. قال التوربشتي: أي: لا ينفع ذا الغنى غناه عندك، وإنما ينفعه العمل بطاعتك، وعلى هذا فمعنى (منك) عندك، ويحتمل وجهًا آخر، أي: لا يسلمه من عذابك غناه. وقال المظهري: أي: لا يمنعه غناه من عذابك إن شئت به عذابًا. انتهى. 1090 - حديث: "ألا تأمنوني وأنا أمين من في السماء يأتيني خبر السماء صباحَ مساءَ". قال ابن يعيش في "شرح المفصل": يقال: آتيه صباحَ مساءَ، والأصل: صباحًا ومساءً، فركبوهما اسمًا واحدًا وبني لتضمنه معنى الحرف، وهو الواو، كأنك قلت: صباحًا ومساءً. فلما حذفت الواو، بنيا لذلك، وليس المراد صباحًا بعينه، ولو أضفت: صباحَ مساءٍ، لجاز، كأنك نسبته إلى المساء، أي: صباحًا مقترنًا بالمساء. وجازت إضافته إليه لتصاحبهما، فإن دخل عليه حرف الجر، لم يكن إلا مضافًا مخفوضًا، وبطل البناء، نحو: آتيك في كل صباحٍ ومساءٍ، لأنه بدخول حرف الجر، خرج عن باب الظروف، وتمكن في الاسمية، فلم يُبْنَ، لأن هذه الأسماء إنما تبنى إذا كانت حالاً أو ظرفًا، لأنه حال ينقص تمكنهما، فلم تقدر فيهما الواو. 1091 - حديث: "من قرأ سورة الكهف في يوم الجمعة أضاء له النورُ ما بين الجمعتين".

1092 - حديث: "قال موسى: يا رب علمني شيئا أذكرك به".

قال الطيبي: (أضاء) يجوز أن يكون لازمًا، وقوله: (بين الجمعتين) ظرف، ويجوز أن يكون متعديًا والظرف مفعول به، وعلى الوجهين فسّر قوله تعالى: (فلما أضاءت ما حوله) [البقرة: 17]. 1092 - حديث: "قال موسى: يا رب علمني شيئًا أذكرك به". قال الطيبي: (أذكرك) خبر مبتدأ محذوف استئنافًا، أي: أنا أذكرك ولا يجزم جوابًا للأمر لعطف قوله: (أو أدعوك به)، ويجوز الجزم، وعطف (أو أدعوك) بالجزم على منوال قوله: فلسنا بالجبال ولا الحديدا 1093 - حديث: "عدد رمل عالج". قال في "النهاية": هو ما تراكم من الرمل ودخل بعضه في بعض. قال الطيبي: فعلى هذا لا يضاف (الرمل) إلى (عالج) لأنه وصف له. وذهب المظهري إلى أن (عالج) موضع فأضاف. 1094 - حديث: "الله أكبر كبيرًا". قال في النهاية: (كبيرًا) منصوب بإضمار فعل كأنه قال: أكْبِر كبيرًا، وقيل: هو

1095 - حديث: "أربع سمعتهن من النبي صلى الله عليه وسلم فأعجبنني وآنقنني: أن لا تسافر المرأة ... ".

منصوب على القطع من اسم الله تعالى. 1095 - حديث: "أربعٌ سمعتهن من النبي صلى الله عليه وسلم فأعجبنني وآنقنني: أن لا تسافر المرأة ... ". قال الكرماني: بالرفع لا غير، و (أنْ) هي المفسرة، (لا) النافية. قوله: (ولا صوم يومين). قال الكرماني: فإن قلت: ما إعرابه قلت: (صوم) اسم (لا) و (يومين) خبره، أي: لا صوم في هذين اليومين، أو يكون (صوم) مضافًا إلى يومين، وتقديره: لا يصوم صومهما، أو تقديره: لا صوم يومين ثابت أو مشروع. 1096 - حديث: "أبشروا فإن من يأجوج ومأجوج ألف ومنكم رجل". قال النووي: هكذا هو في الأصول، والروايات: (ألف) و (رجل) بالرفع فيهما، وهو صحيح، وتقديره: أنه بالهاء التي هي ضمير الشأن، وحذفت الهاء وهو جائز معروف. 1097 - حديث: "أنه سئل العزل فقال: لا عليكم أن لا تفعلوا". قال البغوي في "شرح السنة": قال المبرد: معناه لا بأس عليكم أن لا تفعلوا.

1098 - حديث: "أنكم ترون ربكم كما ترون القمر ليلة البدر".

وقال الكرماني: قال المبرد: (لا) في (لا تفعلوا) زائدة أي: لا بأس عليكم في فعله. وأما من لم يجوز العزل فقال: (لا) نفي لما سألوه، و (عليكم ألا تفعلوا) كلام مستأنف مؤكد له. 1098 - حديث: "أنكم ترون ربكم كما ترون القمر ليلة البدر". قال أبو علي الفارسي في "تذكرته" وكان معتزليًا: الرؤية علمية لا بصرية، فقيل له: لو كان كذلك لتعدت إلى مفعولين، وهي هنا متعدية لواحد، فأجاب إنها متعدية إلى مفعولين، وما ذكر ههنا سد مسد المفعول الثاني، أو أضمر المفعول الثاني، أي: ترونه متيقنًا، انتهى. ورُدَّ الوجهان: أما الأول: ففيه جعل الكلام متجوزًا فيه، وإذا وجدنا سبيلاً إلى الحقيقة لم نتكلف المجاز. وأما الثاني: فلأن الأصل عدم الحذف، وإذا صح الكلام بغير الحذف لم تتكلف، وأيضًا فإن حذف أحد المفعولين في أفعال القلوب بلا دليل لا يجوز بالإجماع. 1099 - حديث: "إذا شك أحدكم في صلاته فلم يدر". قال الطيبي: قوله: (إتمامًا) إما مفعول له، أو حال من الفاعل، أي: صلى ما شك فيه حال كونه متمًا لأربع.

1100 - حديث: "أعوذ بك من غلبة الدين وقهر الرجال".

1100 - حديث: "أعوذ بك من غلبة الدين وقهر الرجال". قال الطيبي: (قهر الرجال) إما أن تكون إضافته إلى الفاعل، أي: قهر الدائنين إيّان، وغلبتهم عليه بالتقاضي، وليس له ما يقضي دينه، أو إلى المفعول، بأن (لا) يكون له أحد يعاونه على قضاء ديونه من رجاله وأصحابه ومن المسلمين. 1101 - حديث: "من لا يرحم الناسَ لا يرحمه الله". قال أبو البقاء: الجيد أن تكون (مَنْ) بمعنى الذي، فيرفع الفعلان، وإن جعلت شرطًا فجزم الفعلان جاز. 1102 - حديث: "يخلص المؤمنون من النار فيُحبسون على قنطرة بين الجنة والنار حتى إذا هُذِّبوا ونُقُّوا". قال الطيبي: (نقّوا) تفسير لقوله: (هذبوا)، وأدخل واو العطف بين المفسر والمفسر. قوله: (فلأحدهم أهدى بمنزله في الجنة).

1103 - حديث: "أبردوا بالظهر في الحر فإن شدة الحر من فوح جهنم".

قال الطيبي: (هدى) لا يتعدى بالباء بل باللام وإلى، فالوجه أن يضمن معنى اللصوق، أي: ألصق بمنزله هاديًا إليه. 1103 - حديث: "أبردوا بالظهر في الحر فإن شدة الحر من فوح جهنم". قال أبو البقاء: يقال: (فوح) و (فيح) وكلاهما قد ورد، وهو من (فاحت الريح) تفوح وتفيح. وقال الطيبي: (مِنْ) إما ابتدائية، أي: شدة الحر نشأت وحصلت من فيح جهنم، أو تبعيضية، أي: بعض منها، وهو الأوجه، وكذا قوله الحمى من فيح جهنم. 1104 - حديث: "خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في أضحى". قال الكرماني: هو منصرف. 1105 - حديث: "في قوله تعالى: (وفرش مرفوعة) [الواقعة: 34]، قال: ارتفاعها لكما بين السماء والأرض". قال الطيبي: أدخل لام الابتداء في الخبر، والكاف اسم، وأصل هذه اللام أن تقع في الابتداء، ووقوعها في الخبر جائز، وأنشدوا:

1106 - حديث: "أوه عين الربا فلا تقربنه".

أم الحليس لعجوزٌ شهربهْ 1106 - حديث: "أوَّهْ عين الربا فلا تقربنّه". قال القاضي عياض: رويناه بالقصر وتشديدًا الواو وسكون الهاء، وقيل بمدّ الهمزة، قالوا: ولا يمد إلا لبعد الصوت، وقيل: بسكون الواو وكسر الهاء، ومن العرب من يمدّ الهمزة، والواو تجعل بعدها واوين اثنين فتقول: آووه، وكله بمعنى التذكير والتحزّن، ومنه (إنّ إبراهيم لأوّاهٌ) [التوبة: 114]. 1107 - حديث: "من يتجر على هذا فيصلي معه". قال في "النهاية": الصواب: يأتجر، لأنه من الأجر، ولا يجوز (يتجر) بالإدغام، لأن الهمزة لا تدغم في التاء، وكذلك حديث الأضاحي: (كلوا وادّخروا وائتجروا) أي: تصدقوا طالبين بذلك، ولا يجوز (اتّجروا) بالإدغام. وكذلك حديث الزكاة: (ومن أعطاها مؤتجرًا بها).

1108 - حديث: "يوشك أن يكون خير مال المسلم غنم يتبع بها شعف الجبال ومواقع القطر يفر بدينه من الفتن".

وإن صحّ في الرواية (يتّجر) فيكون من التجارة لا الأجر، كأنه بصلاته معه قد حصل لنفسه تجارة، أي: مكتسبًا. 1108 - حديث: "يوشكُ أن يكون خير مال المسلم غنم يتبع بها شعف الجبال ومواقع القطر يفر بدينه من الفتن". قال ابن مالك في "التوضيح": (يوشك) مضارع (أوشك) وهو أحد أفعال المقاربة، فيقتضي اسمًا مرفوعًا وخبرًا منصوب المحل، لا يكون إلا فعلًا مضارعًا مقرونًا بأنْ، ومنه قول الشاعر: إذا المرء لم يغش الكريهة أوشكت ... حبال الهوينى بالفتى أن تقطعا ولا أعلم تجرده من "أنْ" إلا في قول الشاعر: يوشك من فر من منيته ... في بعض غراته يوافقها وفيما رواه أبو داود والترمذي وابن ماجة عن المقدام بن معد يكرب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (يوشك الرجل متكئًا على أريكته يحدث بحديث من حديثي، فيقول: بيننا وبينكم كتاب الله).

وقد يسند إلى (أن) والفعل المضارع، فيسد ذلك مسد اسمها وخبرها. وفي هذا الحديث شاهد على ذلك. ويجوز في (خير) و (غنم) رفع أحدهما على أنه اسم (يكون)، ونصب الآخر على أنه خبره. ويجوز رفعهما على أنهما مبتدأ و (خير) في موضع نصب خبر ليكون، واسمه ضمير الشأن، لأنه كلام تضمن تحذيرًا وتعظيمًا لما يتوقع. وتقديم ضمير الشأن قبوله لمعناه. انتهى. قال الحافظ ابن حجر: وردت الرواية بنصب (خير) ورفع (غنم) وعكسه ولم يرفعها. وقال الكرماني: يجوز في (خير مال المسلم غنم) وجهان: نصب (خير) ورفعه، ونصبه هو الأشهر في الرواية، وهو خبر يكون مقدم عليه، ولا يضر كون الاسم وهو (غنم) نكرة لأنها موصوفة بقوله: (يتبع بها). أما الرفع فبأنْ يقدّر في كون ضمير الشأن، ويكون (خيرُ مال المسلم غنمٌ) مبتدأ وخبرًا، وقد روي (غنمًا) بالنصب. وقوله: (يفرّ بدينه) إما جملة حالية، وذو الحال هو الضمير المستقر في (يتبع)، ويحتمل أن يكون هو المسلم، ويجوز الحال من المضاف إليه نحو: (أن اتبع ملة إبراهيم حنيفًا) [النحل: 123]. فإن قلت: إنما يجعل حالاً من المضاف إليه إذا كان جزءًا منه، وأما اتحاد الخير بالمال فظاهر. أو جملة استئنافية على تقدير جواب سؤال يقتضيه المقام، و (الباء) في (بدينه) للسببية.

1109 - حديث: "إن أول زمرة تدخل الجنة يوم القيامة صورة وجوههم مثل صورة القمر ليلة البدر، والزمرة الثانية على لون أحسن كوكب دري في السماء، لكل رجل منهم زوجتان على كل زوجة سبعون حلة، يرى مخ ساقها من وراء لحومهم أو دمائهم أو حللهم".

و ((من) في قوله: (من الفتن) ابتدائية. انتهى. 1109 - حديث: "إن أول زمرة تدخل الجنة يوم القيامة صورةُ وجوههم مثل صورة القمر ليلة البدر، والزمرة الثانية على لون أحسن كوكب درّي في السماء، لكل رجل منهم زوجتان على كل زوجة سبعون حلة، يرى مخ ساقها من وراء لحومهم أو دمائهم أو حللهم". قال أبو البقاء: هكذا وقع في هذا الطريق وهو مشكل من ثلاثة أوجه: أحدها: تذكير ضمير الجمع وهو للمؤنث. والثاني: قوله: (أو دمائهم أو حللهم)، وهذا الموضع لا يليق به الواو، لأن كل واحدة منهن تسترها هذه الأشياء الثلاثة. والثالث: أنه أفرد الضمير في (ساقها) وجمع فيما بعد ذلك. والوجه فيه: أن نزَّل المؤنث منزلة المذكر على ما جرت به العادة في صيانة المؤنث. وأما (أو) فيجوز أن تكون بمعنى الواو، ويجوز أن يراد بها أن بعضهن كذا، ويشير إلى التفضيل. وأما إفراد الضمير فيرجع إلى الواحدة أو إلى الجماعة، وأوقع المفرد موقع الجمع. 1110 - حديث: "حتى يتمنى الأحياءُ الأمواتَ". قال التوربشتي: (الأحياء) رفع بالفاعلية، وفي الكلام حذف، أي: يتمنون حياة الأموات، أو كونهم أحياء، وإنما يتمنون ذلك ليروا ما هم عليه من الخير والأمن ويشاركوهم.

1111 - حديث: "فينظر وجهه في خدها أصفى من المرآة".

ومن زعم أن الصواب فيه (الإحياء) بالنصب من الإفعال، وفاعل (يتمنى) الأموات. (فقدا) حال. 1111 - حديث: "فينظرُ وجهه في خدها أصفى من المرآة". قال الطيبي: (أصفى) حال من (خدّها). 1112 - حديث: "الصّعود جبل في النار يتصعد فيه خمسين خريفًا، ويهوي به كذلك فيه أبدًا". قال الطيبي: (فيه) زيد توكيدًا، ومن أمثلة سيبويه فيما زيد توكيدًا: عليك زيد حريص عليك، وفيك زيد راغب فيك. 1113 - حديث: "إن الأعضاء تكفر اللسان تقول: نشدك الله فينا". قال في "النهاية": (النّشدة) مصدر (نشدته)، تقول: نشدتك الله وبالله، كما قالوا: دعوت زيدًا ويزيد، أو لأنهم ضمّنوه معنى ذكرت، تقول نشدتك نشدة، وتعديته إلى مفعولين إما لأنه بمنزلة دعوت، حيث قالوا: نشدتك الله، وإما نشدتك، فقيل: إنه حذف منه التاء وأقامها مقام الفعل، وقيل: هو بناء مرتجل كقعدك الله، وعمرك الله .. قال سيبويه: قولهم: عَمْرَك اللهَ وقِعْدَك الله، هو له نِشْدَك الله، وإن لم يُتكلّم بنشدك الله، ولكن زعم الخليل أن مثل هذا تمثيل تمثل به. ولعل الراوي قد حرفه عن ننشدك الله، أو أراد سيبويه والخليل قلة مجيئه في الكلام لا عدمه، أو لم يبلغهما مجيئه في الحديث، فحذف الفعل الذي هو أنشدك، ووضع المصدر موضعه مضافًا إلى الكاف، الذي كان مفعولاً أوّلاً. انتهى.

1114 - حديث: "خطب النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إن الله عز وجل خير عبدا بين الدنيا وبين ما عنده، فاختار ما عند الله، فبكى أبو بكر الصديق، فقلت في نفسي: ما يبكي هذا إن يكن الله خير عبدا".

1114 - حديث: "خطب النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إن الله عز وجل خير عبدًا بين الدنيا وبين ما عنده، فاختار ما عند الله، فبكى أبو بكر الصديق، فقلت في نفسي: ما يبكي هذا إن يكن الله خيَّر عبدًا". قال الزركشي: (إنْ يكن) بكسر الهمزة على أنها شرطية وجوّزه السفاقسي، والمعنى: ما يبكيه لأجل أن يكن الله خير عبدًا. وقال الكرماني: (إن يكن) شرطُ جزاء، جزاؤه محذوف يدل عليه السياق، أو (إنْ) بمعنى إذْ، وفي بعضها (أن) بفتح الهمزة. فإن قلت: لم جزم؟ قلت: قال المالكي: في قول الرسول صلى الله عليه وسلم: (لن ترع) فيه إشكال ظاهر لأن (لن) يجب انتصاب الفعل بها، وقد وليها في هذا الكلام بصورة الجزم، والوجه فيه أن يقال: سكن عين الفعل، أي: (تراعْ) للوقف، ثم شبه بسكون الجزم، فحذف الألف قبله كما يحذف قبل سكون المجزوم، ثم أجرى الوصل مجرى الوقف، فيوجه ما نحن فيه بمثله. قوله: (إنَّ من أمَنِّ الناس عليَّ في صحبته وماله أبا بكر". قال الزركشي: (أبا بكر) بالنصب اسم (إنّ)، ويروى: أبو بكر، بالرفع، قال ابن بري: وهو يجوز إذا جعلت (مِنْ) صفة لشيء محذوف تقديره: إن رجلاً أو إنسانًا من أمنّ الناس، فيكون اسم (إنّ) محذوفًا، والجار والمجرور في موضع الصفة، وقوله: (أبو بكر) هو الخبر، و (من) زائدة على رأي الكسائي، والصحيح أنها على بابها، واسم إنّ محذوف، أي: إنّه، والجار والمجرور بعده خبر مبتدأ مضمر. أي: هو.

1115 - حديث: "إن أعظم الأمانة عند الله يوم القيامة يفضي الرجل إلى امرأته وتفضي إليه ثم يفشي سرها".

وقال الطيبي: رواية مسلم بالرفع، وهو مشكل. وقال المظهري: فيه أوجه: أن تكون (مِنْ) مزيدة على مذهب الأخفش، وقيل: إنّ هنا بمعنى نعم: فقوله: (أبو بكر) مبتدأ، و (من أمنّ الناس) خبر، وقيل: اسم إنّ ضمير الشأن. 1115 - حديث: "إنّ أعظم الأمانة عند الله يوم القيامة يفضي الرجل إلى امرأته وتفضي إليه ثم يفشي سرها". قال الأشرفي: لا بد من تقدير مضاف، أي: أعظم خيانة الأمانة. وقوله: (الرجل) خبر (إنّ)، وفيه تقدير مضاف، أي: خيانة الرجل. قوله: (ولكن أخوة الإسلام). في رواية الأصيلي: (ولكن خوة الإسلام). قال ابن مالك: الأصل (ولكن أخوة) فنقلت حركة الهمزة إلى النون وحذفت الهمزة على القاعدة المشهورة فصار (ولكن خوة الإسلام) فعرض بعد ذلك استثقال ضمة بين كسرة وضمة، فسكن النون تخفيفًا فصار (ولكن خوة الإسلام) وسكون النون بعد هذا العمل غير سكونه الأصلي وتبينه بذلك في تخفيفه مرتين همزته لفظًا وخطًّا. قوله: (لكنا هو الله ربي) [الكهف: 38] فإن أصله لكن ربي، فنقلت حركة الهمزة، وحذفت فصار لكننا فاستثقل توالي النونين متحركتين، فسكن أولهما وأدغم في الثاني، ومنه قول الشاعر:

وتقلينني لكنَّ إياك لا أقلي أراد: لكن أنا إيّاك لا أقلي، ثم عمل به ما ذكر. والحاصل بـ (ولكن)، ثلاثة أوجه: سكون النون وثبوت الهمزة بعدها مضمومة، وضم النون وحذف الهمزة، وسكون النون وحذف الهمزة. فالأول: أصل، والثاني: فرع، والثالث: فرع الفرع. انتهى. وقال الكرماني: فإن قلت: (أخوة) مبتدأ فما خبره، قلت: محذوف وهو نحو أفضل. قوله: (لا تبقين في المسجد باب). قال الكرماني: بلفظ المجهول وروي بلفظ المعلوم أيضًا، فإن قلت: كيف نهى الباب عن البقاء وهو غير مكلف؟ قلت: هو كناية، لأن عدم البقاء لازم للنهي عن الإبقاء فكأنه قال: لا تبقوه حتى لا يبقى. وهو مثل قولهم: لا أرينك ههنا، أي: لا تقعد عندي حتى لا أراك وقوله: (إلا سدّ باب أبي بكر) فإن قلت: الفعل ههنا وقع مستثنى ومستثنى منه، فكيف ذلك؟ قلت: التقدير: إلاّ بابًا سدّ فالباب الموصوف المحذوف هو المستثنى أولاً، والمستثنى منه ثانيًا. أو هو استثناء مفرّغ تقديره: لا تبقين باب بوجه من الوجوه إلا بوجه السد إلا بابه، وحاصله لا يبقين باب غير مسدود إلا بابه رضي الله عنه. انتهى. وقال الزركشي: (إلاّ باب أبي بكر) بالنصب والرفع.

1116 - حديث: "يقول الله تعالى: "أخرجوا من كان في قلبه مثقال حبة من خردل من إيمان".

وقال الشيخ أكمل الدين: قوله (إلا سدّ) صفة موصوف محذوف، أي: إلا باب أبي بكر فإنه لا يسدّ. 1116 - حديث: "يقول الله تعالى: "أخرجوا من كان في قلبه مثقالُ حبة من خردل من إيمان". قال الكرماني: فإن قلت: هل يجوز أن يعلق بفعل واحد حرفا جر من جنس واحد، وهو الكلمة الابتدائية يعني (من خردل) و (من إيمان)، قلت: يجوز، و (من خردل) يتعلق بحاصلة، أي: حبة حاصلة من خردل، و (من إيمان) متعلق بحاصل آخر. أو بقوله: من كان. 1117 - حديث: "أنه صلى الله عليه وسلم أرسل إلى رجل، فجاء ورأسه يقطر، فقال: لعلنا أعجلناك". قال ابن مالك في "توضيحه" وقال الكرماني: لعل قد جاء لإفادة التحقيق فمعناه: قد أعجلناك. وقوله: (إذا أعجلت أو أقحطت فعليك الوضوء). قال الزركشي والكرماني: برفع (الوضوء) مبتدأ خبره ما قبله، وبالنصب مفعول (عليك) لأنه اسم فعل نحو: عليك زيدًا، أو معناه: فالزم الوضوء. وقال القرطبي: الرواية بضم همزة (أُقْحِطتَ) وكسر الحاء مبنيًّا لما لم يسم فاعله، ولعله إتباع لأعجلت، فإنه لا يقال في هذا إلا أقْحَطَ الرجل، إذا لم ينزل بالفتح.

1118 - حديث: "ويح عمار".

1118 - حديث: "ويح عمار". قال الكرماني: هو بنصب الحاء لا غير، ونصبه بإضمار فعل. وقال النهاية: هو منصوب على المصدر وقد يرفع ويضاف ولا يضاف يقال ويحَ زيد وويحًا له، وويحٌ له. وفي رواية: ويْسَ ابن سمية. قال: وهو مثل ويح وحكمها حكمها. 1119 - حديث:" من رضي بالله ربًّا ... إلى أن قال: وأخرى يرفع الله بها العبد". قال الطيبي: (وأخرى) صفة موصوف محذوف وهو مبتدأ، و (يرفع الله) خبره، أو منصوب على إضمار فعل، أي: أبشرك ببشارة أخرى، وقوله (يرفع الله) صفة أو حال، وقيل: أي: وخصلة أخرى. 1120 - حديث: "أنا سيد ولد آدم يوم القيامة ... إلى قوله: وما من نبي يومئذ آدمَ فمن سواه". قال الطيبي: (نبي) نكرة وقعت في سياق النفي وأدخل عليه (مِنْ) الاستغراقية، فيفيدا استغراق الجنس، و (آدم) بدل أو بيان من محله، والفاء في (فمن) تفصيلية، وآثرها على الواو التي للترتيب على منوال قولهم: الأمثل فالأمثل، ومَنْ: موصولة، و (سواه) صلته، وصح لأنه ظرف. 1121 - حديث: "إني أوشك أن أُدْعى فأجيب، وإني تاركٌ فيكم الثقلين: كتابَ الله

1122 - حديث: "وتذيفون فيه من القطيعاء".

وعترتي، كتابَ الله حبلاً ممدودًا من السماء إلى الأرض وعترتي: أهلَ بيتي". قال أبو البقاء: أما (كتاب الله وعترتي) الأولين فبدلان من (الثقلين) وأما (كتاب) الثاني فهو بدل من (كتاب) الأول، وجوز ذلك وحسنه ما اتصل به من زيادة المعنى، وهو قوله: (حبلاً ممدودًا). وكذلك (عترتي: أهل بيتي)، ونصب (حبلاً ممدودًا) على أنه حال أو مفعول ثانٍ لـ (تاركٌ)، ولو رُوِي: (كتابُ الله حبلٌ ممدود) جاز على أنه مستأنف. 1122 - حديث: "وتذِيفون فيه من القُطَيْعاء". قال القاضي عياض: رويناه بالدال المهملة والذال المعجمة، وبضم التاء المهملة، ثلاثيّ، وكلاهما صحيح بمعنى. وقال بعض المحققين: صوابه: (تَدِيفون) إذا أهملت، أو (تذيفون) إذا أعجمت، كله ثلاثي وخلاف هذه الرواية، وهو خطأ، لأنه ثلاثي، وغيره قد حكى أذاف فالرواية صحيحة. وقال ابن دريد: دفت الدواء وغيره بالماء أدوفه، بإهمال الدال وقال غيره: دفت أديفه. 1123 - حديث: "فأقولُ لهم: أما النسبُ فقد عرفت، ولكنكم أحدثتم بعدي، وارتددتم القهقرى".

1124 - حديث: "أرأيت هذه الأمراض التي تصيبنا ما لنا بها؟ قال: كفارات".

1124 - حديث: "أرأيت هذه الأمراض التي تصيبنا ما لنا بها؟ قال: كفارات". قال أبو البقاء: فيه وجهان: أحدهما: هو مبتدأ والخبر محذوف، أي: لكم كفارات، والثاني: خبر مبتدأ، أي: هو كفارات. وقوله: (وإنْ شوكة) تقديره: وإنْ كان شوكة، كقولهم: إنْ خيرًا فخيرٌ. 1125 - حديث: "أيَّ شيءٍ تركتم عبادي يصنعون". (أيّ) منصوب بيصنعون، وكذلك: أيّ شيء يطلبون، وههنا يلزم تقدم المفعول على الفعل لأجل الاستفهام. 1126 - حديث:" الماء طهور". قال الرضي: التنوين في كل اسم متمكن غير علم يفيد التمكين والتنكير معًا، ومعنى تنكير الشيء شياعه في أمته، وكونه بعضًا مجهولاً من جملة إلا في غير الموجب، نحو: ما جاءني رجل، فإنه لاستغراق الجنس، فكل اسم دخله اللام لا يكون فيه علامة هي كونه بعضًا من كل، إذ تلك العلامة هي التنوين وهو لا يجامع اللام، فينظر في ذلك الاسم، فإن لم يكن معه قرينة لا حالية ولا مقالية دالة على أنه بعض من كل، كقرينة الشرى الدالة على المشتري بعض من قولك: اشتر اللحم، ولا دلالة على أنه بعض معين كما في قوله تعالى: (أو أجدُ على النار هدىً) [طه: 10] فهي

مسند أبي سعيد الزرقي رضي الله عنه

اللام التي جيء بها للتعريف اللفظي، والاسم المحلى بها لاستغراق الجنس سواء كان مع علامة الواحدة، كالضربة، أو مع علامة التثنية أو الجمع كالضربتين والعلماء، أو مجردًا عن جميع تلك العلامات كالضرب والماء. وإنما وجب حمله على الاستغراق، لأنه إذا ثبت كون اللفظ دالاً على ماهية خارجة فإما أن يكون لجميع أفرادها أو لبعضها، ولا واسطة بينهما في الوجود الخارجي، بل يمكن تصورها في الذهن خالية عن الكلية والبعضية، لكن كلامنا في المشخصات الخارجية، لأن الألفاظ موضوعة بإزائها، لا في الذهنية، فإذا يكن للبعض لعدم دليلها، أي: التنوين، وجب كونه للكلّ، فعلى هذا قوله صلى الله عليه وسلم: (الماء طاهر)، أي: كل الماء، و (النوم حدث)، أي: كل النوم، إذ ليس في الكلام قرينة البعضية لا مطلقة ولا معينة، فالمفرد في مثله يعم جميع المفرد، والمثنى يعم جميع المثنى، وهكذا حال المفرد والمثنى والجمع في غير الموجب، قال عليه السلام: (لا تحرَّم الإملاجة)، أي: كل واحد واحد من هذا الجنس. وكذا الإملاجان، أي: كل اثنين اثنين من هذا الجنس. مسند أبي سعيد الزُّرَقي رضي الله عنه 1127 - حديث: "إنّ ما يُقَدّر في الرحم فسيكن". قال أبو البقاء: في هذه الرواية بغير واو وهو خطأ، لأن الفاء جواب الشرط،

مسند أبي سفيان بن حرب رضي الله عنه

والسين تمنع مع عمل الفاء فيما بعدها، ففيه إذن شيئان مانعان من الجزم البتة. مسند أبي سفيان بن حرب رضي الله عنه 1128 - حديث هرقل: قوله: "ودعا بالترجمان". قال الكرماني: الباء زائدة للتوكيد، كقوله تعالى: (ولا تلقوا بأيديكم) [البقرة: 195] لأن (دعا) متعدّ بنفسه. قوله: (أيُّكم أقربُ نسبًا بهذا الرجل). قال الحافظ ابن حجر: ضمن (أقرب) معنى (أقعد) فعداه بالباء، ووقع في رواية مسلم: (من هذا الرجل)، وهو على الأصل. وقال الكرماني: فإن قلت (أقرب) أفعل التفضيل، لا بد أن يستعمل بأحد الوجوه الثلاثة: الإضافة، واللام، ومِنْ، ههنا مجرد عنها، ثم إن معنى القرب لا بد أن يكون من شيء فأين صلته، قلت: كلاهما محذوفان، أي: أيكم أقرب من النبي صلى الله عليه وسلم من غيركم. قوله: (فإنْ كذبني فكذّبوه).

قال التيمي: (كذب) يتعدى إلى مفعولين، يقال: كذبني الحديثَ، ونظيره صدق. هما من غرائب الألفاظ، فعّل بالتشديد يقتصر على مفعول واحد، فَعَل بالتخفيف يتعدى إلى مفعولين. قوله: (ثم كان أوله). قال الزركشي: يجوز رفعه على اسم كان ونصبه. وقال ابن حجر: الرواية بالنصب على الخبر، ويجوز رفعه على الاسمية. قوله: (فهل قال هذا القولَ منكم أحدٌ قطُّ قبلَه؟). قال الحافظ ابن حجر: استعمل (قطّ) بغير أداة النفي وهو نادر، منه قولهم: صلينا أكثر ما كنا قط وآمنه ركعتين. ويحتمل أن يقال: إن النفي مضمّن فيه، كأنه قال: هل قال هذا القول أحد، أو لم يقله أحد قط. وقال الكرماني: الاستفهام حكمه حكم النفي. قال: وروي (مثله) بدل (قبله) فيكون منصوبًا من هذا القول. قوله: (فهل كان في آبائه من ملك) يروى بمن الجارة و (ملك) بكسر اللام صفة مشبهة بمن الموصولة، و (ملك) فعل ماض. قوله: (فأشراف الناس اتبعوه؟). قال ابن حجر: فيه إسقاط همزة الاستفهام وهو قليل، وفي رواية: (أيتبعه أشراف الناس). قوله: (فهل يرتدّ أحدٌ منكم سخطةً) بالنصب مفعول لأجله. قوله: (ولم يكن كلمة أدخل فيها شيئًا غير هذه الكلمة).

قال الكرماني: (غير) إمّا منصوب لـ (شيئًا)، وإما مرفوع صفة لـ (كلمة)، فإن قلت: كيف يكون صفة لهما وهما نكرة، وهو مضاف إلى المعرفة قلت: كلمة (غير) لا تتعرف بالإضافة، إلا إذا اشتهر المضاف بمغايرة المضاف إليه، وهنا ليس كذلك. قوله: (كيف كان قتالُكم إيّاه). قال الكرماني: هو أفصح من (قتالكموه) باتصال الضمير، فلذا فصله. وقال ابن مالك في "توضيحه": في هذا الحديث استعمال ثاني الضميرين منفصلًا مع إمكان استعماله متصلًا. والأصل أن لا يستعمل المنفصل إلا عند تعذر المتصل، وذلك أخصر وأبين، لأن المتصل لا يعرض معه لبسٌ. وإذا علمت هذه القاعدة لزم أن يُعتذر عن جعل منفصل في موضع لا يتعذر فيه المتصل، فإن كان الفعل من باب كان واتصل به ضمير رفع جاز في الضمير الذي يليه الاتصال، نحو: صديقي كنتَه، والانفصال نحو: كنت إياه. والاتصال عندي أجود، والانفصال عند أكثر النحويين أرجح، ومن الاتصال قوله صلى الله عليه وسلم لعمر: (إن يكُنْه فلن تسلّط عليه، وإن لا يكنه فلا خير لك في قتله)، وقول الشاعر: فإن لا يكنها أو تكنه فإنه ... أخوها غذته أمه بلبانها قلت: ورد في هذا الحديث من طريق آخر بلفظ: (إن يكن هو فلست صاحبه، إنما صاحبه عيسى، وإن لا يكن هو فليس لك أن تقتل رجلاً من أهل الذمة). ثم قال ابن مالك: وإذا تعلق بعامل واحد ضميران متواليان، واتفقا في الغيبة،

وفي التذكير أو التأنيث، وفي الافراد أو التثنية أو الجمع، ولم يكن الأول مرفرعًا، وجب كون الثاني بلفظ الانفصال، نحو: أعطاه إياه، وأعطاها إياها. ولو قيل: أعطاهوه، بالاتصال لم يجز، لما في ذلك من اشتغال المثلين، فلو اختلفا جاز الاتصال والانفصال، نحو: أنا لَهُمَاهُ قَفْوُ أكرم والدِ ومن الانفصال قوله صلى الله عليه وسلم: (إلا أدخله الله الجنة بفضل رحمته إياهم)، وقول الصحابة للذي قال يا رسول الله أكسنيها: (ما أحسنت سألتها إياه)، ولو قيل: سألتهاه، لجاز. وفي حديث سهل بن سعد: (فأعطاه إياه). وإذا اختلف الضميران في الرتبة، وقدم أقربهما رتبة، جاز أيضًا، والاتصال أجود، كقول المرأة لرسول الله صلى الله عليه وسلم: (لأكسوكَها). وقول الرجل له صلى الله عليه وسلم (اكسنيها)، وقول الخضر عليه السلام: (إني على علم، الله علمنيه)، و (أنت على علم علمكه الله). وسيبويه يَرى الاتصال في هذه الأمثله ونحوها واجبًا، والانفصال ممتنعًا، والصحيح جوازه. ومنه الحديث: (فإن الله ملَّكَكم إياهم، ولو شاء لملكهم إياكم). قوله: (حين يخالط بشاشة القلوب).

قال الزركشي وابن حجر: هكذا روي بالنصب على المفعولية، و (القلوب) بالإضافة، أي يخالط الإيمان انشراح الصدور، وروي: (بشاشتُه القلوبَ) بالضم، و (القلوب) مفعول، أي: يخالط بشاشته الإيمان، وهو شرحه القلوب التي تدخل فيها. قوله: (وسألتك بما يأمرهم). قال الزركشي: فيه إثبات الألف مع (ما) الاستفهامية وهو قليل. قوله: (من محمدٍ رسول الله)، (من) فيه لابتداء الغاية والمكان. قاله أبو حيان. قوله: (عظيم الروم). قال الزركشي: بالجرّ بدل مما قبله، ويجوز فيه الرفع والنصب على القطع. قوله: (أسلم تسلم يؤتك الله). قال الكرماني: (يؤتك)، إما جواب ثان للأمر، وإما بدل، أو بيان للجواب الأول. قوله: (ويا أهل الكتاب). قال ابن حجر: الواو داخلة على مقدر معطوف على قوله: (أدعوك) والتقدير: أدعوك بدعاية الإسلام، وأقول لك ولأتباعك امتثالاً لقول الله: (يا أهل الكتاب). قوله: (إنّه يخافه). قال الزركشي وابن حجر: بالكسر استئنافًا للتعليل، ويجوز على ضعف فتحها على أنه مفعول لأجله، وضعف لوجود اللام في الخبر في رواية أخرى. قوله: (كان ابن الناطور صاحبَ إيليا). قال القاضي عياض: بالنصب على الاختصاص، أو الحال لا على خبر كان، لأن خبرها (أسقفا)، أو قوله: (يحدث) أو (هرقل) وهو أوجه.

قال الزركشي: ويجوز أن يكون خبر كان، ويكون (أسقفًا) خبرًا ثانيًا. فإن قيل: هل يجوز رفع (صاحب) على الصفة، قيل: لا، لأن ما قبله معرفة، و (صاحب إيليا) نكرة، والإضافة لا تُعرّفه، لأنها في تقدير الانفصال. وقال ابن حجر: يجوز رفعه على الصفة، والإضافة التي فيه تقوم مقام التعريف، وقول من زعم إنها في تقدير الانفصال في مقام المنع. قوله: (وهرقل) قال الزركشي: بفتح اللام معطوف على (إيليا) وموضعها خفض بالإضافة. وقال ابن حجر: استعمل (صاحب) في معنيين: مجازي وحقيقي، لأنه بالنسبة إلى (إيليا) أمير وذاك مجاز، وبالنسبة إلى هرقل تابع وذاك حقيقة. قوله: (سُقُفًا) بضم السين والقاف، ويروى (أسقفًا) وهو منصوب على أنه خبر كان، و (يحدث) خبر بعد خبر. وقال ابن حجر: ويروى (سقِف) بكسر القاف، مبني لما لم يسم فاعله، أي: قدم. قال في "العُباب": (سقّفته) بالتشديد جعلته (أسقفًا) ذكره الزركشي. قوله: (وكان هرقل حَزَّاءً ينظر في النجوم). يحتمل أن يكون جملة (ينظر) خبرًا ثانيًا، وأن يكون تفسيرًا لما قبله، ذكره ابن حجر. قوله: هل (مُلك هذه الأمة)، قد ظهر لأكثر الرواة بضم الميم وسكون اللام، وروي بفتح الميم وكسر اللام، وروي: (يملك) فعل مضارع. وقال القاضي عياض: وأراها ضمة الميم اتصلت بها فتصحفت، ووجهه السهيلي في "أماليه"، بأن هذا يملك مبتدأ، وخبر، أي: هذا المذكور يملك هذه

الأمة، قد جاء النعت بدل المنعوت ثم حذف المنعوت قال الشاعر: لو قلت ما في قومها لم تيثم ... يفضُلها في حسبٍ ومَيْسَمِ أي: ما في قومها أحد يفضلها، وهذا إنما هو في الفعل المضارع، لا في الماضي، قاله ابن السراج. وقال الشيخ سراج الدين البلقيني: يجوز أن يكون المحذوف هو الموصول على رأي الكوفيين، أي: هذا الذي يملك. على أن الكوفيين يجوزون استعمال الإشارة بمعنى الاسم الموصول فيكون التقدير: الذي يملك، من غير حذف كقوله: نجوت وهذا تحملين طليقُ أي: هذا الذي تحملينه طليق. قال ابن حجر: لكن اتفاق الرواة على حذف الياء في أوله دال على ما قاله عياض. قال: على أنني رأيت في أصل معتمد بباء موحدة في أوله، وتوجيهها أقرب من

1129 - حديث: "إنه صلى الله عليه وسلم قال: "والله لا يؤمن أحدكم، والله لا يؤمن أحدكم، قيل: يا رسول الله، ومن؟ ".

توجيه الأول، لأنه حينئذ يكون الإشارة بهذا إلى ما ذكره من نظيره في حكم النجوم، والباء متعلقة بظهر، أي: هذا الحكم بملك هذه الأمة التي تختتن. 1129 - حديث: "إنه صلى الله عليه وسلم قال: "والله لا يؤمن أحدكم، والله لا يؤمن أحدكم، قيل: يا رسول الله، ومن؟ ". قال الكرماني: الواو عطف على مقدر، أي: سمعنا قولك وما عرفنا من هو. مسند أبي شريح رضي الله عنه 1130 - حديث أبي شريح الخزاعي: "سمعت أذناي وأبصرت عيناي رسول الله صلى الله عليه وسلم حين تكلم". قال ابن مالك: في هذا الحديث تنازع الفعلين مفعولاً واحدًا، وإيثار الثاني بالعمل، أعني (أبصرتْ عيناي)، لأنه لو كان العمل لـ (سمعت) لكان التقدير: سمعت أذناي النبي صلى الله عليه وسلم، وكان يلزم على مراعاة الفصاحة أن يقال: وأبصرته. فإذا أخَّر المنصوب وهو مقدم في النية، بقيت الهاء متصلة بـ (أبصرت)، ولم يجز حذفها، لأن حذفها يوهم غير المقصود، فإن سمع الحذف مع العلم بأن العمل للأول حكم بقبحه، وعُدّ من الضرورات. ومن تنازع الفعلين، وجعل العمل للثاني قوله تعالى: (آتوني أفرغ عليه قطرًا) [الكهف: 96]. وفي الحديث المذكور شاهد على أنه قد يتنازع منصوبًا واحدًا فعلاً فاعلين متباينين، فيستفاد من (سمعت أذناي، وأبصرت عيناي النبي صلى الله عليه وسلم)

جواز: أطعم زيدٌ وسقى محمدٌ جعفرًا. وأكثر النحويين لا يعرفون هذا النوع من التنازع، ونظيره قول الشاعر: أضْنَتْ سعاد وأضنت زينب عمرا ... ولم ينل منهما عينًا ولا أثرا وفي الحديث المذكور أيضًا اكتفاء (سمع) بالمفعول الأول مقدرًا، مع أنه اسم ما لا يدرك بالسمع، والأصل خلاف ذلك. وحسَّن الحذفَ دلالةُ (حين تكلم) على المحذوف، كما حسّنه في قوله تعالى: (هل يسمعونكم) دلالة (إذ تدعون) [الشعراء: 72]، فلنا أن نجعل التقدير: هل يسمعون دعاءكم، فحذف المضاف، وهو من مدركات السمع، أقيم المضاف إليه مقامه، ولنا أن نجعل التقدير: إذ تدعون مقامه. وكذا الحديث لنا أن نقدر: سمعت أذناي كلام النبي صلى الله عليه وسلم، ولنا أن نقدر: سمعت أذناي النبي صلى الله عليه وسلم متكلمًا. انتهى. قوله: (فليكرم ضيفه جائزَتَه). قال الكرماني: فإن قلت: بم انتصب؟. قلت: مفعول ثان للإكرام، لأنه في معنى الإعطاء، أو هو كالظرف، أو منصوب بنزع الخافض. قوله: (قالوا: وما جائزتُه يا رسول الله؟ قال: يوم وليلة). فإن قلت: كيف جاز وقوع الزمان خبرًا عن الجثة؟ قلت: إما باعتبار أن له حكم الظرف، وإما مضاف مقدر، أي: زمان جائزته يوم وليلة. انتهى.

1131 - حديث: "ومن قتل له قتيل فهو بخير النظرين".

وفي الرواية الأخرى: (جائزته يوم وليلة). قال السهيلي: من رفع فعلى المبتدأ، أي: جائزته تكليف يوم وليلة، أو إتحاف يوم وليلة. وأما النصب فعلى بدل الاشتمال، أي: يكرة جائزة ضيفه يومًا وليلة. ونصب (يومًا) على الظرف. قوله: (والضيافةُ ثلاثةُ أيام). قال الزركشي: يجوز في (ثلاثة) الرفع والنصب. 1131 - حديث: "ومن قتل له قتيل فهو بخير النظرين". قال الكرماني: فإن قلت: الحيُّ يقتلُ لا القتيل، لأن قتل القتيل محال، قلت: المراد القتيل بهذا القتل، لا بقتل سابق. وكذا حديث: (من قتل قتيلاً فله سلبُه). وكذا قوله تعالى: (هدى للمتقين) [البقرة: 2]. قوله: (إن مكة حرمها الله، ولم يحرمها الناس، فلا يحل لامرئ يؤمن بالله واليوم الآخر أن يسفك بها دمًا ولا يعضد بها شجرة). قال الشيخ أكمل الدين: قوله: (ولا يعضد) بالرفع ابتداء كلام وفاعله (امرؤ) وعطفه على (لا يحلّ) بأن يكون تقديره: إن مكة حرمها الله فلا يعضد بها امرؤ شجرة، ويجوز أن يكون منصوبًا، و (لا) زائدة، وتقديره: وأنْ يعضد. قوله: (فإنْ أحدٌ ترخّص). أي: فإن ترخص أحد ترخص، وجب حذفه لئلا

مسند أبي سعيد بن المعلى رضي الله عنه

يجتمع المفسِّر، كما في قوله تعالى: (وإن أحد من المشركين استجارك) [التوبة: 6] انتهى. مسند أبي سعيد بن المعلى رضي الله عنه 1132 - حديث: "ما من الناس (أحدٌ) أمَنُّ علينا في صحبته وذات يده من أبي بكر". قال أبو البقاء: (أحد) اسم (ما)، و (من الناس) وصف لـ (أحد) في الأصل، قدّم فصار حالاً. و (أَمَنّ) منصوب خبر (ما)، ويجوز رفعه على لغة بني تميم. مسند أبي شريح الكعبي رضي الله عنه 1133 - حديث: "إياكم والجلوسَ على الصّعدات، فمن جلس منكم على الصعيد، فلْيُعْطِه حقّه، قلنا: وما حقُّه؟ قال: غضوض البصر".

مسند أبي عسيب رضي الله عنه

قال أبو البقاء: (غضوض) يحتمل وجهين: أحدهما: أن يكون جمع (غضّ)، وجاز أن يجمع المصدر لتعدد فاعليه أو لاختلافه. والثاني: أن يكون واحدًا مثل: القعود، والجلوس، والشكور. مسند أبي عسيب رضي الله عنه 1134 - حديث: "أن عمر قال: يا رسول الله إنا لمسئولون عن هذا يوم القيامة قال: نعم إلا من ثلاثة: خرقة كفّ بها الرجلُ عورته، أو كسرة سدّ بها جوعته، أو حجرًا يتدخل فيه من الحرّ والقرّ". مسند أبي طلحة رضي الله عنه 1135 - حديث: "لا يدخل الملائكة بيتًا فيه كلبٌ ولا تصاوير". قال الطيبي: قوله: (ولا تصاوير) معطوف على قوله (كلب)، ومن حق الظاهر أن

1136 - حديث: "أقرئ السلام فإنهم ما علمت أعفة صبر".

يكرر (لا) ويقال: لا كلب ولا تصاوير، ولكن لما وقع في سياق النفي جاز كقوله تعالى: (ما أدري ما يُفْعَل بي ولا بكم) [الأحقاف: 9]، وفيه من التأكيد أنه لو لم يذكر (لا) لاحتمل أن المنفي الجمع بينهما، نحو قولك: ما كلمت زيدًا ولا عمرًا، ولو حذفت لجاز أن تكلم أحدهما، لأن الواو للجمع وإعادة (لا) لإعادة الفعل. 1136 - حديث: "أقرئ السلام فإنهم ما علمتُ أعِفَّةٌ صُبُرٌ". قال الطيبي: (أعفّة) خبر (إنّ) و (ما علمت) معترضة، و (ما) موصولة والخبر محذوف، أي: الذي علمت منهم أنهم كذلك. مسند أبي عياش الزُّرَقي رضي الله عنه 1137 - حديث: "من قال إذا أصبح: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير. كعدل رقبة .. الحديث". قال الشيخ أكمل الدين: أداة الحصر في كلمة التوحيد لقصر الصفة على الموصوف قصر إفراد، لأن معناه: الألوهية منحصرة على الله الواحد في مقابلة من يدعي إشراك غيره معه. وليس بقصر قلب لأن أحدًا من الكفرة لم ينفها عن الله، وإنما أشركوا غيره معه في الألوهية. وقوله: (وحدَه) حال مؤكدة بمعنى: منفردًا في الألوهية.

قوله: (لا شريكَ له)، بيان لذلك. وقال في موضع آخر: حال يجوز أن تكون منتقلة ومؤكدة، وهي أولى. وقوله: (لا شريك) بيان أن ليس المراد بالوحدة التي تقابل الكثرة، بل المراد الوحدة التي تقابل نفي الشركة، هي مبدأ الوحدة المقابل للكثرة، فتأمل. فإنه معنى غريب، انتهى. وقال ابن دقيق العيد عن بعض المشهورين في عصره: اتفقت النحاة على أن محل (إلاّ) في هذه الكلمة محل (غير)، والتقدير: لا إله غير الله. كقول الشاعر: وكلُّ أخٍ مفارقُه أخوه ... لعمرُ أبيك إلا الفرقدان أي: غير الفرقدين. وقال تعالى: (لو كان فيهما آلهةٌ إلا اللهُ لفسدتا). قال: والذي يدل على الصحة أنّا لو حملنا (إلاّ) على الاستثناء لم يكن قولنا: (لا إله إلا الله) توحيدًا محضًا، فإن تقدير الكلام: لا إلهَ مستثنى عنهم، ولا يكون نفيًا لآلهة لا يستثنى عنهم الله، بل عند من يقول بدليل الخطاب يكون إثباتًا لذلك، وهو كفر، ولما أجمعت العقلاء على أنه يفيد التوحيد المحض وجب حمل (إلاّ) على معنى (غير). انتهى. وقال الشيخ عز الدين بن عبد السلام في أماليه: للنحاة في (وحدَه) مذهبان: أحدهما: أنه مصدر فيكون العامل فيه فعلاً مضمرًا تقديره: نوحده.

الثاني: أنه حال، فيكون العامل أيضًا مضمرًا تقديره: نعبده وحده، كما يقال: لا إله إلا الله مخلصين. وللشيخ تقي الدين السبكي تأليف يسمى (الوحدَة في معنى (وحْدَهُ))، قال فيه: مذهب جمهور النحويين منهم سيبويه والخليل: أنه اسم موضوع الحال، كأنه قال: إيحادًا، وإيحادًا موضع موحَّدًا، واختلف هؤلاء إذا قلت: رأيت زيدًا وحده، فالأكثرون يقدرونه في حال إيحادي له بالرؤية، ويعبرون عن هذا بأنه حال من الفاعل. والمبرد يقدّره: حالاً من المفعول (لا) الفاعل. وقال: إنه حال من المفعول ليس إلاّ، لأنهم إذا أرادوا الفاعل قالوا: مررت به وحدي. ومنهم من يقول: (وحدَه) مصدر موضوع موضع الحال وهؤلاء يخالفون الأولين في كونه اسم مصدر. فمن هؤلاء من يقول: إنه مصدر على حذف حروف الزيادة، أي: إيحاده، ومنهم من يقول: إنه مصدر لم يوضع له فعل. وذهب يونس وابن هشام: إلى أنه منتصب انتصاب الظروف، فجرى مجرى (عنده)، فجاء زيد وحده، تقديره: جاء زيد على وحده، ثم حذف الحرف، ونصب على الظرف. فقولنا: (لا إله إلا الله وحده)، معناه أنا أفردناه بالوحدانية، وإذا قلت: حمدت الله وحده، أو ذكرت ربك وحده، فمعناه وتقديره عند سيبويه: موحِّدًا إياه بالحمد والذكر على أنه حال من الفاعل، والحاء في (موحّدًا) مكسورة، وعلى رأي ابن طلحة (موحِّدًا) هو، والحاء مفتوحة. وعلى رأي هشام معناه: حمدت الله وذكرته على انفراده. فهذه التقادير الصناعية الثلاثة، والمعنى لا يختلف إلاّ اختلافًا يسيرًا.

مسند أبي قتادة رضي الله عنه

فإذا جعلناه من (أوحد) الرباعي فمعناه موحّدًا بالمعنيين المتقدمين، وإذا جعلناه من (وحد) الثلاثي، فمعناه: منفردًا بذلك، وعلى الأول جامد، والذاكر أفرده بذلك، وعلى الثاني هو انفرد بذلك. والعامل في الحال حمدت وذكرت، وصاحب الحال الاسم المنصوب على التعظيم، أو الضمير الذي في حمدت وذكرت على القولين، وإذا قلت: الحمد لله وحده، فالعامل في الحال المستقر المحذوف الذي هو الخبر في الحقيقة وهو العامل في الجار والمجرور، وصاحب الحال (الله). و (وحده) حال. وإن جعلتها ظرفًا فالمعنى: الحمد لله على انفراده. فلم يختلف المعنى اختلافًا مخلاًّ بالمقصود. وإذا قلنا: لا إله إلا الله وحده، فإما أن نقول: معناه على انفراده، إن جعل ظرفًا، أو منفردًا بالوحدانية، أو مفردًا بها على الاختلاف في تقدير الحال، وصاحب الحال الضمير في كائن العائد على الله تعالى، والعامل في الحال كائن. وقال ابن دقيق العيد في إعراب (لا شريكَ له) وجهان: أحدهما: أن يكون (له) خبرًا يتعلق بما يتعلق به المجرورات إذا كانت أخبارًا. والثاني: أن يكون (له) صفة فيتعلق بمحذوف أيضًا. ويكون في محله وجهان ولا يتعلق بـ (شريك)، لأنه حينئذ مطول فلا يبنى. مسند أبي قتادة رضي الله عنه

1138 - حديث: "لاها الله إذن يعمد إلى أسد من أسد الله يقاتل عن الله وعن رسوله فيعطيك سلبه".

1138 - حديث: "لاها الله إذن يعمدُ إلى أسد من أسد الله يقاتل عن الله وعن رسوله فيعطيك سلبه". اعلم أن أئمة اللغة العربية أطبقوا على أن قوله (إذن) في هذا الحديث من تصحيف الرواة، وأن صوابه: (لاها الله ذا) ونازعهم ابن حجر، وقد ألّفت فيه كراسة سميتها: (الإذن في توجيه لاها الله إذن)، وها أنا أسوقه هنا ليستفاد. بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى حديث: (لاها الله إذن) تكلم عليه أئمة اللغة العربية قديمًا وحديثًا، وذكروا أنه تصحيف من الرواة، وأن صوابه: (لاها الله إذا). قال الخطابي في "معالم السنن": هكذا يروونه، وإنما هو في كلامهم: لاها الله ذا، والهاء: بدل من الواو، كأنه قال: لا والله يكون ذا. وقال المازني: لاها الله ذا يميني. وقال أبو زيد: (ذا) زائدة، وفيها لغتان: المد والقصر. قالوا: ويلزم الجر بعدها كما يلزم بعد الواو. وقال الجوهري: (ها) للتنبيه، وقد يقسم بها يقال: لاها الله ما فعلت، وقولهم: لاها الله ذا، أصله: لا والله هذا، ففرقت بين هذا وذا، وتقديره: لا والله ما فعلت هذا. وقال القاضي عياض في شرح "مسلم" في قول عائشة في حديث بريرة: (لاها

الله إذن، إلا أن يكون الولاء لي) هكذا يقول المحدثون هذا اللفظ بمدها، و (إذا) بألف، وصوابه: (لاها الله ذا). كذا قال إسماعيل القاضي، وحكاه عن المازني وغيره من أهل اللسان بالقصر وحذف الألف من (ذا). قالوا: وغيره خطأ. قالوا: ومعناه: ذا يميني. وصوب أبو زيد وغيره القصر والمد. قال: و (ذا) صلة في الكلام، وليس فى كلامهم (لاها الله إذن) وفي البارع، قال أبو حاتم: يقال: لاها الله ذا، في القسم، والعرب تقوله بالهمز، والقياس تركه، والمعنى: لا والله هذا ما أقسم به، فأدخل اسم (الله) بين (ها) و (ذا). انتهى. وقال ابن القواس في شرح "ألفية ابن معطي": في (ذا) من قولهم: (لاها الله ذا) قولان: أحدهما للخليل: وهو أن (ذا) من جملة المقسم عليه، والتقدير: والله للأمر هذا، فحذف المبتدأ واللام الرابطة وقدم (ها) وفصل بينها وبين اسم الإشارة. ثانيهما للأخفش: وهو أن (ذا) في محل الجر، إما بدل من اسم الله، والمقسم عليه محذوف، بدليل إتيانهم به بعد نحو: لاها الله ذا لقد كان كذا، وإما صفة لاسم الله، أي: لا والله الحاضر، كما قال تعالى: (وهو معكم) [الحديد: 4] وقول أبي بكر رضي الله عنه في قتيل أبي قتادة: لا (ها) الله إذن، لا يعمد إلى أسد من أسد الله. الظاهر أن (إذن) من تصحيف الرواة، إنما يقال (ذا)، لا (إذن). انتهى.

وقال الحافظ أبو الفرج بن الجوزي في "جامع المسانيد" في حديث أنس: خطب النبي صلى الله عليه وسلم على جليبيب امرأة من الأنصار إلى أبيها، فقال: حتى أستأمر أمها، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: فقم إذن. فانطلق الرجل إلى امرأته، فذكر ذلك لها، فقالت: لاها الله إذن، ما وجد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا جليبيبًا ... الحديث. قال ابن الجوزي: قوله: (لاها الله إذن) كذا روي والصواب: لاها الله ذا، والمعنى: لا والله. وقال أبو البقاء في "إعراب الحديث": الجيد: لاها الله ذا، والتقدير: هذا والله، فأخّر (ذا). ومنهم من يقول: (ها) بدل من همزة القسم المبدلة من الواو، و (ذا) مبتدأ، والخبر محذوف، أي: هذا ما أحلف به، وقد روي في الحديث (إذن) وهو بعيد، ويمكن أن يوجد له وجه تقديره: لا والله لا أزوجها إذن. انتهى. وقال ابن مالك في "شرح التسهيل": يفصل هاء التنبيه من اسم الإشارة المجرد بأنا وأخواته، كقولك: ها أنذا، وها نحن أولاء، وقد يفصل بغير ذلك، وزعم الخليل أن من ذلك ها الله ذا. وقال في "توضيحه": في (لاها الله) شاهد على جواز الاستغناء عن واو القسم، بحرف التنبيه، ولا يكون هذا الاستغناء إلا مع (الله)، وفي اللفظ بـ (ها الله) أربعة أوجه:

(أحدهما: أن يقال: (ها لله)، بـ (ها) تليها اللام). والثاني: أن يقال: (ها الله) بألف ثابتة قبل اللام، وهو شبيه بقولهم: التقت حلقتا البطان. بألف ثابتة بين التاء واللام. والثالث: أن يجمع بين ثبوت الألف وقطع همزة (الله). والرابع: أن تحذف الألف، وتقطع همزة الله. والمعروف في كلام العرب: ها الله ذا. وقد وقع في هذا الحديث (إذنْ)، وليس ببعيد. انتهى. وقال الكرماني: المعنى صحيح أيضًا على لفظ (إذن) جوابًا وجزاءً، وتقديره: والله إذن لا يكون. وقال صاحب "المفهم": الرواية المشهور (ها) بالمد والهمز و (إذن) بالهمز والتنوين التي هي حرف جواب، وقد قيده بعضهم بقصرها، وإسقاط الألف من (إذًا) فتكون (ذا) صلة، وصوبه جماعة من العلماء منهم القاضي إسماعيل والمازني وغيرهما. وقال النووي في "شرح مسلم" في حديث بريدة: هكذا هو في النسخ، وفي روايات المحدثين: لاها الله إذن، بمد قوله: (ها) وبالألف في (إذًا). قال المازني وغيره من أهل العربية: هذان لحنان، وصوابه: لاها الله ذا، بالقصر في (ها)، وحذف الألف من (إذا).

قالوا: وما سواه خطأ، قالوا: ومعناه: (ذا يميني). وكذا قال الخطابي وغيره: إن الصواب: لاها الله ذا، بحذف الألف. وقال أبو زيد النحوي وغيره: يجوز القصر والمد في (ها)، وكلهم ينكرون الألف في (إذًا)، ويقولون صوابه (ذا)، قالوا: وليست الألف من كلام العرب. قال أبو حاتم السجستاني: جاء في القسم: لاها الله ذا، والعرب تقول بالهمز، والقياس تركه. قال: ومعناه: لا والله هذا ما أقسم به، فأدخل (اسم الله) بين (ها) و (ذا). انتهى. وقال الزركشي في "التنقيح": يروى (ها) ممدودًا ومقصورًا، وهي قسم، و (إذن) منون، حرف جواب يقتضي التعليل، وفيه حذف، أي: يجوز أو لا يعدل. وقال جماعة من أئمة النحاة: هذا فيه لحنان: مد (ها)، وإثبات الألف في (ذا) والصواب: لاها الله ذا، بالقصر في (ها)، وحذف الألف من (إذًا) غير منون. وقالوا: إن (هذا) التي للإشارة فصل بينها وبين هاء التنبيه باسم الله تعالى. وفي "لمع ابن جني": (ها اللهِ ذا) فتجريها الاسم، لأنها صارت بدلاً من الواو، وقيل تقديره: لاها ذا، متعذرًا وغير ممكن، فذا مبتدأ، والخبر محذوف. وقال الرضي في "باب الإشارة": وتفصل هاء التنبيه عن اسم الإشارة المجردة عن اللام والكاف تعويلاً على العلم باتصالها به لكثرة استعمالها معه. وذلك بـ (أنا)

وأخواته كثيرًا، نحو: ها أنذا، وها أنتم أولاء، وها هو ذا، وبغيرها قليلاً كقولهم في القسم: لاها الله ذا ما فعلت. وقال في باب القسم: وتختص لفظة (الله) بتعويض (هاء) أو همزة الاستفهام من الجار، وكذا يعوض من الجار فيها قطع همزة الله في الدرج، فكأنها حذفت للدرج، ثم ردت عوضًا من الحرف. وجار الله جعل هذه الأحرف بدلاً من الواو، ولعل ذلك لاختصاصها بلفظة (الله) كالتاء، فإذا جئت بهاء التنبيه بدلاً فلا بد أن تجى بلفظة (ذا) بعد المقسم به، نحو: لا ها الله ذا، وأي ها الله ذا. والظاهر أن حرف التنبيه من تمام اسم الإشارة قدم على لفظ المقسم به عند حذف الحرف ليكون عوضًا منها. وإذا دخلت (ها) على (الله) ففيه أربعة أوجه، أكثرها إثبات ألف (ها) وحذف همزة الوصل من (الله) فيلتقي ساكنان: ألف ها، واللام الأولى من (الله)، وكان القياس حذف الألف، لأن مثل ذلك إنما يغتفر في كلمة واحدة كالضالين، أما في كلمتين، فالواجب الحذف نحو: ذا الله، وما الله، إلا أنه لم يحذف في الأغلب ههنا ليكون كالتنبيه على كون ألف ها من تمام ذا، فإن (ها الله ذا) بحذف ألف (ها) ربما يوهم أن الهاء عوض عن همزة (الله) كهرقت في أرقت، وهياك في إياك. والثانية: وهي المتوسطة في القلة والكثرة: ها الله ذا، بحذف ألف (ها) للساكنين كما في (ذا الله) و (ها الله). والثالثة: وهي دون الثانية في الكثرة: إثبات ألف (ها) وقطع همزة (الله) مع كونها في الدرج، تنبيهًا على أن حق (ها) أن يكون مع (ذا) بعد (الله)، فكأن الهمزة لم تقع في الدرج.

والرابعة: حكاها أبو علي، وهي أقل الجميع: (هأ لله)، بحذف همزة الوصل وفتح ألف (ها) للساكنين، بعد قلبها همزة، كما في (الضألين ودأبة). قال الخليل: (ذا) من جملة جواب القسم، وهو خبر لمبتدأ محذوف أي: الأمر ذا، أو فاعل، أي: ليكونن ذا، أو لا يكون ذا، أو لا أفعل بدل من الأول، ولا يقاس عليه، فلا يقال: ها الله أخوك، أي: لأنا أخوك، ونحوه. وقال الأخفش: (ذا) من تمام القسم، أما صفة لله، أي: الله الحاضر الناظر، أو مبتدأ محذوف الخبر: أي ذا قسمي، فبعد هذا: إما أن يجيء الجواب أو يحذف مع القرينة. انتهى. وقال ابن يعيش في "شرح المفصل": أما قولهم: (لاها الله ذا) فـ (ها) للتنبيه، وهي عوض من حرف الجر، و (ذا) إشارة. قال الخليل: وهو من جملة المقسم به، كأنه صفة لاسم الله، والمعنى: لا والله الحاضر، نظرًا إلى قوله تعالى: (وهو معكم أين ما كنتم) [الحديد: 4]، وقوله: (ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم) [المجادلة: 7]، والجواب محذوف، والتقدير: إن الأمر لكذا وكذا. قال المبرد: أما (ذا) فهو الشيء الذي يقسم به، والتقدير: لا والله هذا ما أقسم به، فحذف الخبر. وقال الأخفش: هو من جملة الجواب، وهو خبر مبتدأ محذوف، والتقدير: لا والله للأمر ذا. ويجوز في ألف (ها) وجهان: أحدهما: إثبات الألف، وإن كان بعدها ساكن،

إذا كان مدغمًا فهو كدابة وشابة. والوجه الثاني: أن تحذف الألف حين وصلتها وجعلتها عوضًا من الواو، كما فعلت ذلك في هلمّ، وتقول: ها لله. وبعضهم يحتج بأنّ (ها) على حرفين، فكان تقدير المنفصل، كقولك: يخشى الراعي، ويغزو الجيش، فتحذف الألف والواو، لأن بعدهما المدغم، وهو منفصل من (ها)، والمنفصل إذا حذف منه حرف المد لالتقاء الساكنين، لم يقع به اختلال، كما لو حذفها من الكلمة الواحدة. إذ اجتماع الساكنين في الكلمة الواحدة يقع لازمًا، فيختل بناء الكلمة، وليس كذلك في الكلمتين. وقال القرطبي بعد حكاية ما أورده القاضي عياض: ويظهر لي أن الرواية المشهورة صواب، وليست بخطأ، ووجه ذلك أن هذا الكلام قسم على جواب إحداهما للأخرى، وههنا هي التي يعوض بها عن باء القسم، فإن العرب تقول: أألله لأفعلن، ممدودة الهمزة، ومقصورتها. ثم إنهم عوضوا من الهمزة (ها)، فقالوا: ها الله، لتقارب مخرجيهما، كما قد أبدلوها منها في قولهم: لِهَنَّكَ، وهَيّاكَ. ولما كانت الهاء بدلاً من الهمزة وفيها المد والقصر، فالهاء تمد وتقصر، كما حكاه أبو زيد، وتحقيقه أن الذي مدّ مع الهاء كأنه نطق بهمزتين، أبدل من أخراهما ألفًا استثقالاً لاجتماعهما، كما تقول: ألله، والذي قصر كأنه نطق بهمزة واحدة، فلم يحتج إلى المد، كما تقول: ألله. وأما (إذنْ) فهي بلا شك حرف جواب وتعليل، وهي مثل التي وقعت في قوله

صلى الله عليه وسلم وقد سئل عن (بيع) الرطب بالتمر، فقال: أينقص الرطب إذا يبس فقالوا: نعم. قال: فلا، إذن. فلو قال: فلا والله إذن، لكان مساويًا لهذه من كل وجه. لكنه لم يحتج إلى القسم فلم يذكره. وقد بينا تقرير المعنى ومناسبته واستقامته، واستيفاء منه معنى، ووضعًا من غير حاجة إلى ما تكلفه من سبق حكاية كلامه من النحويين من التقدير البعيد المخرج للكلام عن البلاغة. وأبعد من هذا كله، وأفسد أن جعلوا (ها) للتنبيه و (ذا) للإشارة، وفصلوا بينهما بالمقسم به، وهذا ليس قياسًا فيطّرد، ولا فصيحًا فيحمل عليه كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا مرويًّا برواية ثانية، وما وجد للعذيري من ذلك فإصلاح منه، أو من غيره، ممن اغتر بما حكي عمن سبق ذكرهم من اللغويين، والحق أولى مطلوب، والتمسك بالقياس المنقول أجل مصحوب، فالصحيح رواية المحدثين، والله خير معين. وقول أبي زيد: ليس في كلامهم: (لاها الله إذن) شهادة على نفي فلا تسمع، ثم نعارضه بنقل أبي حاتم أنه يقال: لاها الله، وليس كل ما يقتضيه القياس نوعًا يجب وجود جميع أشخاصه وضعًا. انتهى. وقال الطيبي: ثبت في الرواية: (لاها الله إذن)، فحمله بعض النحويين على أنه تغيير من بعض الرواة، لأن العرب لا تستعمل (لا ها الله) بدون (ذا)، وإن سلم استعماله بدون (ذا) فليس هذا موضع (إذن)، لأنها حرف جزاء، والكلام هنا على ما

يقتضيه، فإن مقتضى الجزاء أن لا يذكر (لا) في قوله: (لا يعمد) بل كان يقول: إذن يعمد إلى أسد .. إلى آخره، ليصبح جوابًا لطالب السلب. قال: والحديث صحيح المعنى، وهو كقولك لمن قال لك: افعل كذا، فقلت: والله إذن لا أفعل كذا. فقلت: والله لا أفعل، فالتقدير: والله إذن لا يعمد إلى أسد ... الخ. ويحتمل أن تكون (إذن) زائدة، كما قال أبو البقاء إنها زائدة في قول الحماسي: إذن لقام بنصري معشرٌ خُشُن في جواب قوله: لو كنتُ من مازنٍ لم تستبح إبلي قال: والعجب من الذين يعتنون بشرح الحديث، ويقدم نقل بعض الأدباء على أئمة الحديث وجهابذته، وينسبون إليهم الغلط، والتصحيف. ولا أقول: إن جهابذة المحدثين أعدل وأتقن في النقل، إذ يقتضي المشاركة بينهم، بل أقول: لا يجوز العدول عنهم في النقل إلى غيرهم. انتهى. وقال أبو جعفر الغرناطي، نزيل حلب: استرسل جماعة من القدماء في هذا

الإشكال إلى أن جعلوا المخلص منه أن اتهموا الأثبات بالتصحيف، وقالوا: الصواب: (لا ها الله ذا)، باسم الإشارة. قال: ويا عجبًا من قوم يقبلون التشكيك على الروايات الثابتة، ويطلبون لها تأويلاً. وجوابهم: أن (ها الله) لا تستلزم اسم إشارة كما قال ابن مالك، وأما جعل (لا يعمد) جواب (فارضة) وهو سبب الغلط، وليس بصحيح ممن زعمه، وإنما هو جواب شرط مقدر يدل عليه قوله: (صدق فارضة)، فكأن أبا بكر قال: إذا صدق في أنه صاحب السلب إذن لا يعمد إلى السلب فيعطيك حقه، فالجزاء على هذا صحيح، لأن (صدق) سبب أن لا يفعل ذلك، وقال: هذا واضح لا تكلف فيه. انتهى. قال الحافظ ابن حجر في "شرح البخاري": وهو توجيه حسن، والذي قبله أقعد. قال: ويؤيد كثرة وقوع هذه الجملة في كثير من الأحاديث، منها ما وقع في حديث عائشة في قصة بريرة، لما ذكرت أن أهلها يشترطون الولاء قالت: فأقرتها. فقلت: لا ها الله إذن. ومنها ما وقع في قصة جليبيب: أن النبي صلى الله عليه وسلم خطب عليه امرأة من الأنصار إلى أبيها، فقال: حتى أستأمر أمها، قال: (فنعم إذن)، فذهب إلى امرأته، فذكر لها ذلك، فقالت: لا ها الله إذن، وقد منعناها فلاناً ... الحديث. صححه ابن حبان من حديث أنس. ومنها ما أخرجه أحمد في الزهد قال: قال مالك بن دينار للحسن: يا أبا سعيد لو لبست مثل عباءتي هذه.

ووقع أيضًا في كثير من الأحاديث في سياق الإثبات بقسم وبغير قسم، فمن ذلك في قصة جليبيب: (فنعم إذن). ومنه حديث عائشة رضي الله عنها في قصة صفية لما قال صلى الله عليه وسلم: (أحابستنا هي) وقالوا: إنها طافت بعدما أفاضت، قال: فلتنفر إذن. وفي رواية: فلا إذن. ومنها حديث عمرو بن العاص وغيره في سؤاله عن أحب الناس، فقال: عائشة، قال: لم أعْنِ النساء، قال: فأبوها إذن. ومنها حديث ابن عباس في قصة الأعرابي الذي أصابته الحمى، فقال: كل حمى تفور على شيخ كبير تزيده القبور. قال: فنعم إذن. ومنها ما أخرجه (الحاكمي) من طريق سفيان، قال لقيت لبطة بن الفرزدق فقلت: أسمعت هذا الحديث من أبيك، قال: أي ها الله إذن، سمعت أبي يقول: فذكر قصته. ومنها ما أخرجه عبد الرزاق عن ابن جريج قال: قلت لعطاء: أرأيت لو أني فرغت من صلاتي فلم أرض كمالها أفلا أعود لها قال: بلى ها الله إذن. قال: والذي يظهر من تقدير الكلام بعد أن يتقرر أن (إذن) حرف جواب وجزاء. كأنه كأنه قال: إذن والله لا نعطيك، إذن والله لا نشترط إذن والله لا ألبسه، وأخر الجواب في الأمثلة كلها.

1139 - حديث: "إذا أتيتم الصلاة فعليكم السكينة".

وقد قال بن جرير في قوله تعالى: (أم لهم نصيب من الملك فإذا لا يؤتون الناس نقيرًا) [النساء: 53] فلا يؤتون الناس إذن، وجعل ذلك جوابًا عن عدم النصب بها، مع أن الفعل مستقبل. وذكر أبو موسى المديني في "المغيث": له في قوله تعالى: (وإذن لا يلبثون خلفك إلا قليلاً) [الإسراء: 76] (إذن) قيل: هو اسم بمعنى الحروف الناصبة، وقيل: أصله (إذا) الذي هو من ظروف الزمان، وإنما نوّن للفرق ومعناه: حينئذٍ، أي: إن أخرجوك من مكة فحينئذ لا يلبثون خلافك إلا قليلاً. وإذا تقرر ذلك أمكن حمل ما ورد من هذه الأحاديث عليه، فيكون التقدير: لا والله، ثم أراد بيان السبب في ذلك فقال لا يعمد ... إلى آخره. والله أعلم. انتهى. 1139 - حديث: "إذا أتيتم الصلاة فعليكم السكينة". قال الزركشي: هو بالرفع على الابتداء والخبر، وبالنصب على الإغراء، أي: الزموا السكينة. وروي: فعليكم بالسكينة، وفي إدخال الباء في هذه الرواية إشكال، لأنه متعد بنفسه كقوله تعالى: (عليكم أنفسكم) [المائدة: 105]. قوله: (فما أدركتم فصلوا). قال الكرماني: الفاء جزاء شرط محذوف، أي: إذا تبين لكن ذلك فما أدركتم فصلوا. 1140 - حديث: "إنا أصَدَّنا حمارَ وحش". بوصل الألف وتشديد الصاد، أصله: اصتدنا واصطدنا، افتعل مع الصيد،

1141 - حديث: "إنما هي طعمة أطعمكموها الله".

فأدغمت التاء أو الطاء في الصاد، وروي: اصطدنا وصدنا وأصدنا بفتح الهمزة، وتخفيف الصاد، و (أُصدنا) بضم الهمزة، أي: عرض لنا صيد. وفي هذا الحديث: (وهو قائل السقيا). قال الزركشي: اسم فاعل من (القول) ومن (المقايلة) أيضًا، والأول هو المراد هنا، و (السقيا) مفعول بفعل مضمر، كأنه قال: اقصدوا السقيا. وقال الكرماني: (قائل) اسم فاعل من القيلولة أي: وفي عزمه أن يقيل بالسقيا. قلت: ويؤيده رواية النسائي: وهو قائل بالسقيا. 1141 - حديث: "إنما هي طعمةٌ أطعمكموها اللهُ". 1142 - حديث: "مرت جنازة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: مستريح ومستراح منه". قال أبو البقاء: التقدير: الناس أو الموتى مستريح ومستراح منه. 1143 - حديث: "سرنا مع النبي صلى الله عليه وسلم فقال بعض القوم: يا رسول الله لو عرّست بنا".

1144 - حديث: "الآيات بعد المائتين".

قال الكرماني: جواب (لو) محذوف، نحو: لكان أسهل علينا، أو هو للتمني. 1144 - حديث: "الآياتُ بعد المائتين". قال الطيبي: مبتدأ وخبر. 1145 - حديث: "أسوأ الناس سرقةً الذي يسرق في صلاته". قال الطيبي: (سرقةً) تمييز. 1146 - حديث: "ثلاثٌ من كل شهر ورمضانُ إلى رمضانَ فهذا صيام الدهر كله". قال الطيبي: دخل الفاء في الخبر لتضمن المبتدأ معنى الشرط، وذلك أن (ثلاث) مبتدأ و (من كل شهر) صفته، أي ثلاثة أيام يصومها الرجل من كل شهر صيام الدهر كله، وإنما طرح التاء اعتبارًا بالليل. وقوله: (صيامُ يوم عرفة احتسب على الله أن يكفر ...) عداه بـ (على) الذي للوجوب على سبيل الوعد، مبالغة لحصول الثواب. 1147 - حديث: "أرأيت إنْ قتلت في سبيل الله مقبلاً غيرَ مدبر".

1148 - حديث: "خير الخيل الأدهم الأقرح الأرثم المحجل ثلاث".

قال الطيبي: (غير مدبر) حال مؤكدة، مقررة لما يرادفها ونحوه في الصفة قولك: أمس الدابر لا يعود. قوله: (أيُكَفِّرُ الله عني خطاياي؟ قال: نعم، إلا الدين). قال الطيبي: فإن قلت: (الدين) ليس من جنس الخطايا فكيف يستثنى منه فالجواب: أنه منقطع، أي: لكن الدين لا يكفر، لأنه من حقوق الآدميين. ويحتمل أن يكون متصلاً على تقدير حذف المضاف، أي: خطيئة الدين، أو بجعل من باب قوله تعالى: (يوم لا ينفع مال ولا بنون * إلا من أتى الله بقلب سليم) [الشعراء: 88 - 89] فيذهب إلى أن أفراد جنس الخطيئة قسمان متعارف، فيخرج بالاستثناء أحد قسميه مبالغة في التحذير من الدين. 1148 - حديث: "خيرُ الخيل الأدهم الأقرح الأرثم المحجلُ ثلاثٍ". قال أبو البقاء: في هذه الرواية ثلاث بالجر، والصواب أن يرفع، فيكون التقدير: المحجل ثلاث منه و (ثلاث) مرفوع بـ (المحجل) ولا يجوز جره، لأنهم أجمعوا على أنه لا يجوز إضافة ما فيه الألف واللام إلى النكرة ولو كان (المحجل الثلاث) لجاز الجر.

مسند أبي مالك الأشعري رضي الله عنه

مسند أبي مالك الأشعري رضي الله عنه 1149 - حديث: "أربعٌ في أمتي من أمر الجاهلية لا يتركونهن". قال الطيبي: (في أمتي) و (من أمر الجاهلية) و (لا يتركونهن) يحتمل وجوهًا من الإعراب، أحسنها أن يكون (في أمتي) خبرًا لـ (أربع) أي: خصال أربع كائنة في أمتي، و (من أمر الجاهلية) و (لا يتركونهن) حالان من الضمير المتحول إلى الجار والمجرور. 1150 - حديث: "ولينزلن أقوام إلى جنب علم يروح عليهم بسارحة لهم يأتيهم لحاجة، فيقولون: ارجع إلينا غدًا". قال الكرماني: الباء في (بسارحة) زائدة في الفاعل، نحو (كفى بالله شهيدًا) [الرعد: 43] وهو مفعول به بالواسطة، والفاعل مضمر، وهو الراعي، بقرينة المقام إذ (السارحة) لا بد لها من الراعي، روي (سارحة) بحذف الباء وفاعل (يأتيهم) إما للآتي أو الراعي أو المحتاج أو الرجل والسياق يشعر بذلك، وفي بعض المخرجات (يأتيهم رجل لحاجة) تصريحًا بلفظ رجل. وروي تأتيهم بتاء الخطاب.

1151 - حديث: "وسبحان الله والحمد لله تملآن أو تملأ ما بين السموات والأرض".

1151 - حديث: "وسبحانَ الله والحمد لله تملآن أو تملأ ما بين السموات والأرض". قال النووي: ضبطناه بالتاء المثناة من فوق في (تملآن) أو (تملأ)، فالأول: ضمير مؤنثتين غائبتين، والثاني: ضمير هذه الجملة من الكلام. وقال "صاحب التحرير": يجوز تملآن بالتأنيث والتذكير على إرادة النوعين أو الذكرين، قال: وأما تملأ فمذكر على إرادة المذكر. مسند أبي مسعود عقبة بن عمرو الأنصاري رضي الله عنه 1152 - حديث: "أدعو رسول الله صلى الله عليه وسلم خامسَ خمسةٍ". قال أبو البقاء: (خامسَ خمسةٍ) منصوب على الحال، والتقدير: أحد خمسة، كما قال تعالى: (ثانيَ اثنين) [التوبة: 40]. وقال الزركشي: الجيد النصب على الحال، ويجوز الرفع على أنه خبر مبتدأ محذوف، والجملة حال.

1153 - حديث: "ومن قرأ بالآيتين من سورة البقرة في ليلة كفتاه".

1153 - حديث: "ومن قرأ بالآيتين من سورة البقرة في ليلة كفتاه". قال الشيخ أكمل الدين: الباء في قوله: (بالآيتين) زائدة. واللام للعهد. 1154 - حديث: "فإن كانوا في القراءة سواءً". قال أبو البقاء: (سواء) خبر كان، والضمير اسمها، وأفرد لأنه مصدر، والمصدر لا يثنى ولا يجمع، ومنه قوله تعالى: (سواء عليهم) [البقرة: 6] أي: ليسوا سواء، والتقدير: مستوين. وقع المصدر موضع اسم الفاعل. 1155 - حديث: "من صلى بالناس فليخفف فإن فيهم المريضَ والضعيف وذا الحاجة". وفي رواية القابسي: (وذو الحاجة)، ووجهه بأنه عطف على موضع اسم (إنّ) قبل دخولها، أو على الضمير الذي هو في الخبر المقدر، أو هو استئناف، ذكره الزركشي وابن حجر. 1156 - حديث: "إن منكم منفرين، فأيكم ما صلى بالناس فليتجوّزْ". قال الكرماني: (ما) زائدة، وزيادتها مع (أيّ) الشرطية كثيرة، وفائدتها التأكيد، وزيادة التعميم. وقال الطيبي: (ما) صلة مؤكدة لمعنى الإبهام في (أيّ)، و (صلى) فعل شرط، و (فليتجوز) جوابه.

1157 - حديث: "إن مما أدرك الناس من كلام النبوة: إذا لم تستح فاصنع ما شئت".

1157 - حديث: "إنّ مما أدرك الناس من كلام النبوة: إذا لم تستح فاصنع ما شئت". قال الكرماني: (الناس) بالرفع، والعائد محذوف، وبالنصب، والعائد ضمير الفاعل، أي: مما أدركه الناس، أو مما بلغ الناس، والجملة الشرطية اسم إنّ على تقدير القول، أو خبره على تأويل من التبعيضية بلفظ البعض، ولفظ (فاصنع) إما أمر بمعنى الخبر أو أمر تهديد. 1158 - حديث: "من ههنا جاءت الفتن نحو المشرق". قال الكرماني: (نحو المشرق) بيان أو بدل لـ (ههنا). 1159 - حديث: "للهُ أقدرُ عليك منك عليه". قال الطيبي: علق العمل باللام الابتدائية، ولله مبتدأ و (أقدر) خبره، وعليك صلة أقدر، و (منك) متعلق أفعل. وقوله: (عليه) لا يجوز أن يتعلق بقوله: (أقدر)، لأنه أخذ ماله، لا بمصدر مقدر عند قوله: (منك)، أي: من قدرتك، كما ذهب إليه المظهري لأن المعنى يأباه. بل هو حال من الكاف، أي: أقدر منك حال كونه قادرًا عليه، أو يتعلق بمحذوف على سبيل البيان كأنه لما قيل: لله أقدر عليك منك، قيل: قدرتك على ما قيل عليه كما في قوله تعالى: (فلما بلغ معه السعي) [الصافات: 102].

مسند أبي موسى الأشعري رضي الله عنه

قال في "الكشاف": (معه) لا يخلو إما أن يتعلق بـ (بلغ) أو بـ (السعي)، أو بمحذوف، ولا يصح تعلقه بـ (بلغ) لاقتضائه بلوغهما معًا حدّ السع. ولا بـ (السعي) لأن صلة المصدر لا تتقدم عليه، فبقي أن يكون بيانًا، كأنه لما قال: فلمّا بلغ معه الحدّ الذي يقدر فيه على السعي: قيل: مع من؟ قال: مع أبيه. وهذا أسلوب غريب يقرب في التفضيل من قولهم: العسل أحلى من الخلّ. انتهى. مسند أبي موسى الأشعري رضي الله عنه 1160 - حديث: "إذا مرت بك جنازة يهودي أو نصراني أو مسلم فقوموا لها". قال أبو البقاء: خاطب في الابتداء الواحد، ثم عاد إلى الجمع، إما لأنه كان وحده، أو كان المعظَّم من دونهم، لما وصل إلى الحكم الذي هو القيام عمّ، إما ليعلم من كان معه أن الحكم عام، أو ليأمر أبو موسى مَنْ يكون معه وقت مرور الجنازة به أن يفعلوا ذلك. 1161 - حديث: "ثم أمر لنا بثلاث ذودٍ". قال أبو البقاء: الصواب تنوين (ثلاثٍ)، وأن يكون (ذود) بدلاً من (ثلاث)

1162 - حديث: "أعظم الناس أجرا في الصلاة أبعدهم فأبعدهم ممشى".

وكذلك (خمس ذود)، ولو أسقطت التنوين وأضفت لتغير المعنى، لأن العدد المضاف غير المضاف إليه، فيلزم أن يكون: ثلاث ذود تسعة أبعرة، لأن أقلّ الذود ثلاثة أبعرة. 1162 - حديث: "أعظم الناس أجرًا في الصلاة أبعدُهم فأبعدهم ممشى". قال الكرماني: الفاء في (فأبعدهم) للاستمرار، نحو: الأمثل فالأمثل، و (ممشى) اسم مكان. 1163 - حديث: "قال: والله إنْ قلتها". قال أبو البقاء: (إن) بكسر الهمزة بمعنى (ما) النافية، أي: ما قلتها. ولا فرق بين أن تكون بعدها إلا أو لا، قال تعالى: (إن عندكم من سلطان بهذا) [يونس: 68] أي: ما عندكم. 1164 - حديث: "بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا موسى ومعاذًا إلى اليمن، فقال لهما: يسروا ولا تعسروا ... الحديث". قال أبو البقاء: إن قيل: المخاطب اثنان، فكيف قال: (يسّروا) على الجمع؟ قيل: فيه أجوبة:

1165 - حديث: "أي الإسلام أفضل؟ قال: من سلم المسلمون من لسانه ويده".

أحدها: أنه خاطب الاثنين بخطاب الجمع، لأن الاثنين جمع في الحقيقة، إذ الجمع ضم شيء إلى شيء، ومنه قوله تعالى: (وهل أتاك نبأ الخصم إذ تسوروا المحراب * إذ دخلوا على داود ففزع منهم، قالوا: لا تخف خصمان) [ص: 21 - 22] وعلى هذا المعنى حمل قوله تعالى: (فإن كان له إخوة) [النساء: 11] يريد اثنين. الثاني: أن الاثنين هنا أميران، والأمير إذا قال شيئًا توبع فيه، فيؤول الأمر إلى الجمع. الثالث: أنه أراد أمرهما وأمر من يوليانه، فلما كان لا بد من استعانتهما بغيرهما، نزل ذلك الغير موجودًا معهما، وخاطب الجمع. 1165 - حديث: "أيُّ الإسلام أفضل؟ قال: من سلم المسلمون من لسانه ويده". قال أبو البقاء: لا بد في الحديث من تقدير: ولك فيه تقديران: أحدهما: أن يكون التقدير: أي خصال الإسلام أفضل؟ فقال: من سلم، أي: خصلة من سلم. ولا بد من ذلك ليكون الجواب على وفق السؤال. والثاني: أن يكون التقدير: أيّ ذوي الإسلام؟ فيكون قوله: (من سلم) غير محتاج إلى تقدير انتهى. قال ابن حجر: ويؤيد الثاني رواية مسلم: (أي المسلمين أفضل؟) قال: فإن قلت: لم جرّد أفضل ههنا عن العمل؟ أجيب: بأن الحذف عند العلم به جائز، والتقدير: أفضل من غيره. 1166 - حديث: "ثلاثة لهم أجران: رجل من أهل الكتاب آمن بنبيه".

1167 - حديث: "لا أحد أصبر على أذى يسمعه من الله، يدعون له ندا وولدا وهو يرزقهم ويعافيهم".

قال الكرماني: (ثلاثة) مبتدأ، و (لهم أجران) خبره، و (رجل) بدل من (ثلاثة) والجملة صفته، فإن قلت: إذا كان بدلاً، أهو بدل البعض أو بدل الكل؟ قلت: بالنظر إلى كل رجل بدل البعض، وبالنظر إلى المجموع بدل الكل. 1167 - حديث: "لا أحد أصبرُ على أذىً يسمعه من الله، يدّعون له ندًّا وولدًا وهو يرزقهم ويعافيهم". قال الكرماني: (من الله) صلة لقوله (أصبر). وإنما جاز الفصل بينهما لأنه بغير أجنبي. وقال الطيبي: (يسمعه) صفة (أذى)، و (من الله) متعلق بقوله: (أصبر) لا بـ (يسمعه). ويدعون ... إلى آخره بيان للكلام السابق. قال: وفي الكلام إشكال، وذلك أنك إذا قلت: زيد أجرأ من عمرو، فإنه يلزم منه فضل جرأة زيد على جرأة عمرو، فإذا نفيته فقلت: ما زيد بأجرأ من عمرو، لزم منه إما نقص زيد أو مساواتها، وكذا ههنا، ولكن القصد إلى أن الله أصبر من كل أحد، فكيف ذلك؟ والجواب: المراد هنا نفي ذات المفضل وقلعه من سنيحه، فإذا انتفت ذاته انتفت المساواة والنقصان بالطريق الأولى، ألا تراهم يقولون في مثل قولك ما زيد إلا شاعرًا، أنّ (ما) دخلت على زيد فنفت الذات. فلمّا لم يكن النزاع فيها توجه النفي إلى ما فيه النزاع من صفاته، والقصد هنا إلى نفي الذات، وليس النزاع إلا فيه، فلا يلزم المساواة ولا النقصان، فإن الغرض نفي الموصوف، وإنما ضمت إليه الصفة ليؤذن الغرض نفي الموصوف، وإنما ضمت إليه الصفة ليؤذن بأن انتفاء الموصوف أمر محقق لا نزاع فيه، وبلغ من تحققه إلى أن هناك كالشاهد على نفي الصفة كما تقول في قوله:

1168 - حديث: "من مر في شيء من مساجدنا أو أسواقنا بنبل فيأخذ على نصالها".

ولا ترى الضب بها ينجحر أي: لا حب هناك، فيكون الانجحار إذ لو وجد لوجد. وقوله: (يسمعُه) تتميم للمبالغة. انتهى. 1168 - حديث: "من مر في شيء من مساجدنا أو أسواقنا بنبلٍ فيأخذ على نصالها". قال الكرماني: فإن قلت (النبل) ليس مرورًا كما في قولك: مررت بزيد، فما معنى الباء؟ قلت: معناه المصاحبة، أي: مرّ مصاحبًا للنبل. وأما الذي في (بزيد) فهو للإلصاق، فإن قلت الأخذ لا يعدى لـ (على) فما وجهه؟ قلت: ضمن معنى الاستعلاء للمبالغة. وقوله: (لا يعقر) بالجزم جواب الأمر، وبالرفع استئنافًا. وقوله: (بكفه) متعلق بقوله: (فليأخذ) انتهى. 1169 - حديث المواقيت. قوله: "ثم أمر بلالاً فأقام الظهر، حين زالت الشمس، حتى قال القائل: انتصف النهار، وهو أعلم".

1170 - حديث: "من أحب دنياه أضر بآخرته".

قال الشيخ ولي الدين العراقي: أي: أنه صلى الظهر في وقت يشك فيه هل انتصف النهار أم لا، وأصله: أانتصف النهار، فحذف الاستفهام، وهو جائز. ويدل لكونه على سبيل الاستفهام قوله في رواية الدارقطني وأبي عوانة: (والقائل يقول: انتصف النهار أو لم). وفي رواية للدارقطني والبيهقي: (والقائل يقول: قد زالت الشمس أو لم تزل). ويوافقه قوله في هذا الحديث: (في الصبح): فقلنا: أطلعت الشمس؟ فصرح بهمزة الاستفهام. فإن قلت: ينافي ذلك قوله في رواية مسلم: (والقائل يقول: قد انتصف النهار). قلت: لا منافاة، فإنه يصح تقدير الهمزة مع قدْ، فيقال: أقد انتصف النهار؟ فليست رواية مسلم صريحة في جزم القائل بذلك، فردُّها إلى الرواية المصرحة بالاستفهام متعين. انتهى. قلت: الرواية الأولى: أنه حذف منها همزة الاستفهام سهوًا. فإن القاعدة: أنه إذا دخلت همزة الاستفهام على فعل أوله همزة الوصل تقرّ همزة الاستفهام مفتوحة، وتحذف همزة الوصل للاستغناء بهمزة الاستفهام عن اجتلابها، ومنه قوله تعالى: (أصطفى البنات) [الصافات: 153]، (أَفْترى على الله كذبًا) [سبأ: 8]، (أتَّخذتموهم سخريًّا) [ص: 63]، (أتّخذتم عند الله عهدًا) [البقرة: 80]، وهذا واضح معروف. 1170 - حديث: "من أحبّ دنياه أضرّ بآخرته". قال الطيبي: الباء فيه للتعدية، وكذا في القرينة الأخرى. 1171 - حديث: "كان كثيرًا مما يرفع رأسه".

1172 - حديث: "خسفت الشمس، فقام النبي صلى الله عليه وسلم فزعا، فأتى المسجد فصلى بأطول قيام وركوع وسجود رأيته قط يفعله". ولفظ النسائي: "يفعله في صلاة قط".

قال الطيبي: (مما) بيان لـ (كثير) وهو خبر (كان)، أي: كثيرًا رفعُ رأسِه، و (ما) مصدرية، ويجوز أن تكون (من) مزيدة. وقوله: (أنا أمنة أصحابي) يحتمل وجهين: أن يكون مصدرًا مبالغة، نحو قولهم: رجل عدل، أو جمعًا، فيكون من باب قوله تعالى: (شهابًا رصدًا) [الجن: 9]، أي: راصدين، وقوله تعالى: (إن إبراهيم كان أمة قانتًا) [النحل: 120] فجعل صلى الله عليه وسلم أمناء لأصحابه بمنزلة الجماعة. 1172 - حديث: "خُسفت الشمسُ، فقام النبي صلى الله عليه وسلم فزعًا، فأتى المسجد فصلى بأطول قيام وركوع وسجود رأيته قطّ يفعله". ولفظ النسائي: "يفعلُه في صلاة قطّ". قال الكرماني: إن حرف النفي مقدر قبل رأيته كما في قوله تعالى: (تفتؤ تذكر يوسف) [يوسف: 89]. وإمّا أن (أطول) فيه معنى عدم المساواة، أي: ما لم يساو قطّ قيامًا رأيته يفعله. أو (قطّ) بمعنى حسْب، أي: صلى في ذلك اليوم فحسب بأطول قيام رأيته أو أنه بمعنى أبدًا. 1173 - حديث: "الخازن الأمين يعطي ما أمر به كاملاً موفورًا طيبة به نفسُه".

1174 - حديث: "مثل المسلمين واليهود والنصارى ... إلى قوله: حتى إذا كان حين صلاة العصر".

قال الزركشي: مرفوعان: مبتدأ وخبر، ويروى: طيبًا بها نفسه، بنصب (طيبًا) على الحال من ضمير (الخازن) ورفع (نفسه) لأن اسم الفاعل يرفع كالفعل. وقوله: (أحد المتصدقين) يروى بلفظ المثنى وبلفظ الجمع. قال الطيبي: هو خبر (الخازن)، وهو نحو قولهم في المبالغة: القلم أحد اللسانين، والخال أحد الأبوين. 1174 - حديث: "مثل المسلمين واليهود والنصارى ... إلى قوله: حتى إذا كان حين صلاة العصر". قال الزركشي: يجوز في (حين) الرفع والفتح. قوله: (واستكملوا أجر الفريقين كلاهما). قال الكرماني: هو بالألف على لغة من يجعل المثنى في الأحوال الثلاثة بها. 1175 - حديث: "ولكم أنتم أهل السفينة هجرتان". قال الزركشي: بنصب (أهل) على الاختصاص، ويصح الجر على البدل من الضمير. 1176 - حديث: "مثل القلب كريشة ملقاة بأرض فلاة تقلبها الرياح ظهرًا لبطن". قال الطيبي: لفظ (أرض) مقحمة في ذكر الفلاة غنية عنها، وهو كقولك: أخذت بيدي، ونظرت بعيني، تقريرًا ودفعًا للتجوز، وأن يتوهم متوهم خلافه، ولا يسلك إلا في أمر خطير، و (يقلبها) صفة أخرى لـ (ريشة).

1178 - حديث: "على كل مسلم صدقة، قالوا: فإن لم يجد؟ قال: فيعمل بيديه

وقال المظهري: (ظهرًا) بدل بعض من الضمير في (تقلبها)، واللام في (البطن) بمعنى إلى، كقوله تعالى: (مناديًا ينادي للإيمان) [آل عمران: 193]. ويجوز أن يكون (ظهرًا لبطن) مفعولا مطلقًا، اي: يقلبها تقليبًا مختلفًا، وأن يكون حالاً أي: تقلبها مختلفة، أي: وهي مختلفة. انتهى. قال ابن مالك: وفيه شاهد على ما ذهب إليه الأخفش من جواز أن يبدل من ضمير الحاضر بدل كل من كل، فيما لا يدل على إحاطة، وعليه حمل الأخفش: (ليَجْمَعَنَّكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَا رَيْبَ فِيهِ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ) [الأنعام: 12]. ويشهد لصحته قول الشاعر: وشوهاء تعدو بي إلى صارخ الوغى ... بمستلئم مثل الفنيق المُرَجَّل أما بدل البعض أو الاشتمال وبدل الكل الدال على الإحاطة، فإنه جائز بالإجماع. قوله: (وإني والله إن شاء الله لا أحلف على يمين). قال الطيبي: (لا أحلف) جواب القسم، و (إن شاء الله) معترضة، والقسمية خبر إنّ، و (على يمين) مصدر مؤكد لقوله (أحلف). 1178 - (*) حديث: "على كل مسلم صدقةٌ، قالوا: فإن لم يجد؟ قال: فيعملُ بيديه ¬

(*) قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة: كذا بالمطبوع، قفز بالترقيم من 1176 إلى 1178

1179 - حديث: "اشفعوا فلتؤجروا".

وينفع نفسه ويتصدقُ". قال الزركشي: مرفوع في المواضع الثلاثة عن ابن مالك. قوله: (تعين ذا الحاجة الملهوف). قال الطيبي: (الملهوف) نصب نعتًا لـ (ذا). 1179 - حديث: "اشفعوا فلتؤجروا". قال الكرماني: فإن قلت: ما هذه الفاء؟ قلت: هي الفاء السببية التي ينتصب بعدها الفعل المضارع، واللام بالكسر بمعنى كي، وجاز اجتماعهما، لأنهما أمر واحد، أو الجزائية لكونها جوابًا للأمر أو زائدة على مذهب الأخفش، أو هي عاطفة على (اشفعوا)، واللام للأمر أو على مقدر، أي: اشفعوا لتؤجروا، نحو: (وإياي فارهبون) [البقرة: 40]. فإن قلت: ما فائدة اللام؟ قلت: اشفعوا تؤجروا، في تقدير: إن تشفعوا تؤجروا، والشرط متضمن للسببية، فإذا ذكرت اللام فقد صرحت بالسببية. وقال الطيبي: الفاء واللام مقحمان للتأكيد، لأنه لو قيل: اشفعوا تؤجروا، صحّ جوابًا للأمر.

1180 - حديث: "من صام الدهر ضيقت عليه جهنم".

1180 - حديث: "من صام الدهر ضيقت عليه جهنم". قال في "النهاية": حمل بعضهم هذا الحديث على ظاهره، وجعله عقوبة لصائم الدهر، وفيه بعد، لأنه بالجملة قربة، وقد صامه جماعة من الصحابة والتابعين، فما يستحق فاعله تضييق جهنم عليه. وذهب آخرون إلى أن (على) ههنا بمعنى (عن): أي ضيقت عنه فلا يدخلها، و (عن) و (على) يتداخلان. ومنه حديث أبي سفيان: (لولا أن يأثروا علي الكذب لكذبت) أي يرووا عني. ومنه حديث زكاة الفطر: (على كل حر وعبد صاع). قيل: (على) بمعنى (عن)، لأن العبد لا تجب عليه الفطرة، وإنما تجب على سيده، وهو في العربية كثير. 1181 - حديث: "وإني والنذير العريان فالنجاءَ". قال الكرماني: بالنصب على أنه مفعول مطلق، أي: الإسراع، وفيه المدّ والقصر. وقال الطيبي: هو مصدر (نجا) إذا أسرع، ونصب إما على المصدر، أو على الإغراء. 1182 - حديث: "اثنان فما فوقهما جماعة". قال الطيبي: (اثنان) مبتدأ، صفة لموصوف محذوف، ويجوز أن يخفض بالعطف، فإن الفاء للتعقيب، والمعنى: اثنان وما يزيد عليهما على التعاقب، واحدًا بعد واحد بعد جماعة، نحو قولك: الأمثل فالأمثل، والأفضل فالأفضل.

1183 - حديث: "جنتان من فضة آنيتهما وما فيهما".

وقولك: بعته بدرهم فصاعدًا. 1183 - حديث: "جنتان من فضة آنيتهما وما فيهما". قال الكرماني: (جنتان) خبر مبتدأ محذوف، أي: هما جنتان، فإنهما إشارة إلى ما في قوله تعالى: (ومن دونهما جنتان) [الرحمن: 62] وتفسير له. و (آنيتهما) مبتدأ، و (من فضة) خبره، ويحتمل أن يكون فاعل فضة كما قال ابن مالك في قولهم: (مررت بواد أثل كله)، أن (كله) فاعل (الأثل) بالمثلثة، أي جنتان مفضض آنيتهما. قوله: (وما بين القوم وبين أن ينظروا إلى ربهم إلا رداء الكبرياء على وجهه في جنة عدن). قال النووي: أي: والناظرون في جنة عدن، فهي ظرف للناظر. وقال القرطبي: (في جنة عدن) متعلق بمحذوف في موضع الحال من (القوم)، كأنه قال: كائنين في جنة عدن. وقال الطيبي: (على وجهه)، حال من (رداء الكبرياء) والعامل معنى لبس. وقوله: (في الجنة) متعلق بمعنى الاستقرار في الظرف. 1184 - حديث: "إن أعظم الذنوب عند الله أن يلقاه بها عبد بعد الكبائر أن يموت رجل وعليه دين لا يدع قضاء". قال الطيبي: (أن يلقاه) خبر (إنّ)، و (أن يموت) بدل منه، لأنك إذا قلت: إن أعظم الذنوب عند الله موت الرجل وعليه دين، استقام ولأن لقاء العبد ربه إنما هو بعد الموت، و (رجل) مظهر أقيم مقام العبد.

1185 - حديث: "قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم بخمس كلمات".

1185 - حديث: "قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم بخمس كلمات". قال الطيبي: فيه ثلاثة أوجه من الإعراب: أحدها: أن يكون (فينا)، و (بخمس) حالين مترادفين أو متداخلين، وذلك أن يكون الثاني حالاً من الضمير المستتر في الحال الأول، أي: قام خطيبًا فينا مذكرًا بخمس كلمات. وثانيها: أن يكون (فينا) متعلقًا بـ (قام) بأن يضمن معنى (خطب)، والثاني حال، أي: خطب قائمًا مذكرًا بخمس. و (قام) في الوجهين بمعنى القيام. وثالثها: أن يعلق (بخمس) بـ (قام) ويكون (فينا) بيانًا، كأنه لما قيل: قام بخمس، فقيل: في حق من؟، أجيب: في حقنا، وفي جهتنا، فعلى هذا: قام بالأمر، أي: تشمّر له وتجلّد. قال التوربشتي: وهم يطلقون الكلمة، ويعنون به الجملة المركبة المفيدة، ولهذا يسمون القصيدة كلمة. وإحدى الكلمات: أن الله لا ينام. والثانية: ولا ينبغي له أن ينام. والثالثة: يخفض القسط ويرفعه. والرابعة: يرفع إليه عمل الليل قبل عمل النهار، وعمل النهار قبل عمل الليل. والخامسة: حجابه النور. 1186 - حديث: "إن الله خلق آدم من قبضة قبضها".

1187 - حديث: "في ساعة الجمعة وهي ما بين أن يجلس الإمام إلى أن تنقضي الصلاة".

قال الطيبي: (من) إذا كان متعلقًا بـ (خلق) تكون ابتدائية، أي: ابتداء خلقه من قبضة، وإذا كان حالاً من (آدم) تكون بيانية. 1187 - حديث: "في ساعة الجمعة وهي ما بين أن يجلس الإمام إلى أن تنقضي الصلاة". قال الطيبي: أصل الكلام يقتضي أن تقترن لفظة (بين) بظرفي الزمان، فيقال: بين أن يجلس وبين أن ينقضي، إلا أنه أتى بـ (إلى) لتعين أن جميع الزمان المبتدئ من الجلوس إلى انقضاء الصلاة تلك الشريفة، و (إلى) هذه مقابلة (من) في قوله تعالى: (ومن بيننا وبينك حجاب) [فصلت: 5] فإن (من) هناك لتحقيق الابتداء، فيلزم منه الانتهاء، كما أن (إلى) هنا لتحقيق الانتهاء فيلزم منه الابتداء. قال في "الكشاف": لو قيل: بيننا وبينك حجاب، لكان المعنى أن حجابًا حاصل وسط الجهتين. فأمّا بزيادة (من) فالمعني أن الحجاب ابتداء منا وابتداء منك، فالمسافة المتوسطة لجهتنا متوسعة بالحجاب لا فراغ فيها. وقال ابن مالك في "شرح التسهيل": وقد تكون (بين) ظرف زمان، كما تكون ظرف مكان، فمن ذلك حديث ساعة يوم الجمعة: (هي ما بين خروج الإمام، وانقضاء الصلاة). وقال أبو حيان في "الارتشاف": زعم ابن مالك أن بين قد تكون ظرف زمان واستدل على ذلك بلفظ جاء في الأثر، على عادته في إثبات القواعد النحوية، مما روى من ذلك.

مسند أبي هريرة رضي الله عنه

مسند أبي هريرة رضي الله عنه 1188 - حديث: "والذي نفس محمَّد بيده لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي ولا نصراني ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت به إلا كان من أصحاب النار". قال الطيبي: قوله (والذي نفس محمد بيده) في البيان من أسلوب التجريد، لأنه صلى الله عليه وسلم جرد من نفسه الزكية من يسمى محمدًا، وهو هو. وأصل الكلام: والذي نفسي، ثم التفت من الغيبة إلى التكلم في قوله: (لا يسمع بي). ويقال: فلان سمع بفلان إذا بلغ إليه خبره، والباء يحتمل أن تكون زائدة، أي: لا يسمعني، فقد جاء: سمعتك وسمعت فلانًا، ويحتمل أن يكون بمعنى (من) يقال: سمعت من فلان، فتكون الباء كما في قوله تعالى: (عينًا يشرب بها عباد الله) [الإنسان: 6].

قال المظهري: وفيه نظر؛ لأن المعنى لا يساعد عليه، فإن سمعني وسمع مني يقتضيان كلامًا أو قولاً من جانب الرسول، وليس المعنى عليه. قال صاحب الكشاف في قوله تعالى: (سمعنا مناديًا ينادي للإيمان) [آل عمران: 193]، تقول: سمعت رجلاً يقول كذا، وسمعت زيداً يتكلم. فتوقع الفعل على الرجل، وتحذف المسموع، لأنك وصفته بما يسمع، أو جعلته حالاً عنه، فأغناك عن ذكره، ولولا الوصف أو الحال لم يكن منه بدّ، والأظهر أن يضمن (يسمع) معنى أخبر، فيعدى بالباء، كقوله تعالى: (ما سمعنا بهذا في آبائنا الأولين) [القصص: 36]، أي: ما أخبرنا سماعًا، وهو آكد. لأن الإخبار أعم من أن يكون سماعًا أو غير سماع، فالمعنى: ما أخبر برسالتي أو ببعثتي أحد ولم يؤمن، إلا كان من أصحاب النار. و (أحد) إذا استعمل في النفي يكون لاستغراق جنس العقلاء، ويتناول القليل والكثير، والذكر والأنثى، كقوله تعالى: (فما منكم من أحد عنه حاجزين) [الحاقة: 47] و (لستن كأحد من النساء) [الأحزاب: 32] وتقول: مافي الدار أحد، لا واحد، ولا اثنان فصاعدًا لا مجتمعين ولا متفرقين. وقوله: (من هذه الأمة) صفة (أحد) و (يهودي) إما بيان، أو بدل من (أحد). و (من) في (من هذه الأمة) إما للبيان، أو للتبعيض، وعلى التقديرين هو مرفوع المحل، فعلى أن يكون للتبعيض معناه: لا يسمع بي أحد وهو بعض هذه الأمة يهودي، والإشارة بهذه إلى ما في الذهن، و (الأمة) بيان له، و (الأمة) حينئذ أمة الدعوة. وعلى أن يكون للبيان: فلفظة (هذه) تكون إشارة إلى أمة اليهود والنصارى

وهم هم كقوله تعالى: (ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير) [آل عمران: 104]. فسره صاحب الكشاف بالوجهين. فإن قلت: كيف يجعل (من) التبعيضية اسمًا؟ قلت: هو مجاز عن متعلق معناه. قال صاحب "الكشاف" في قوله تعالى: (حاش لله) [يوسف: 31]، حاش: حرف من حروف الجر، وضعت موضع التنزيه والبراءة، والدليل عليه قراءة: (حاشا لله) بالتنوين، وإنما ترك على بنائه ولم يعرب مراعاة للأصل الذي هو الحرفية، ألا ترى إلى قولهم: جلست عن يمينه، كيف تركوه غير معرب على أصله؟ فإن قلت: كيف عطف (ولا نصراني) على (يهودي) وهو منتف، والكلام الفصيح في العطف بلا: أن يكرر لفظة (لا) كقوله تعالى: (فلا صدق ولا صلى) [القيامة: 31]. قلت (يهودي) في حيز النفي لكونه فاعلاً للفعل المنفي، كقوله تعالى: (ما أدري ما يفعل بي ولا بكم) [الأحقاف: 9]. والأمة هنا أمة الدعوة، بدليل قوله صلى الله عليه وسلم: (ولم يؤمن بي)، واللام للاستغراق أو للجنس أو للعهد، والمراد بها أهل الكتاب. ويعضد الأخير وصف الأحد باليهودي والنصراني، لأن لفظ (ثم) موضوع حينئذ للتراخي، دال على أن الإيمان بما أرسل به نبينا صلى الله عليه وسلم مهما صدر من الكافر وحصل منه فإنه ينفعه، ويمحي منه ما سلف في كفره، وإن تراخى ذلك الإيمان عن أول سماعه

وتقدير الاستثناء: لا يسمع بي أحد من هذه الأمة ثم لم يؤمن بالذي أرسلت به فيكون له حال من الأحوال إلا أن كان من أصحاب النار. قال الطيبي: والوجه أن يقال: إن (ثم) هذه للاستبعاد، كما في قوله تعالى: (ومن أظلم ممن ذكر بآيات ربه ثم أعرض عنها) [السجدة: 22] يعني: ليس أحد أظلم ممن بينت له آيات الله الظاهرة والباطنة، ودلائله الباهرة، فعرفها ثم أنكرها. أي: بعيد ذلك عن العاقل، كما تقول: وجدت مثل تلك الفرصة ثم لم تنتهزها. فالمعنى: ما أبعد الذي له عقل أن يسمع بي يهودي ونصراني، بعد انتظارهما بعثتي، واستفتاحهما الكفرة بنصرتي، ثم لما بعثت لم يؤمن بي. فعلى هذا التقدير يختص الحديث بأهل الكتاب، ولا يحتاج إلى التكلف في نسبته إلى غيرهم، كما عليه كلام الشارحين. فإن قلت: في الحديث (السماع) و (الإيمان) كلاهما منفيان، فيلزم على هذا من لم يسمع ولم يؤمن يكون من أصحاب النار، وهو على خلاف قوله تعالى: (وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا) [الإسراء: 15]. فكان من حق الظاهر أن يقول: يسمع ولا يؤمن. قلنا: لما تقرر أن (ثم) للاستبعاد رجع حاصل الاستثناء إلى قولنا: لا يحصل هذا الاستبعاد المذكور في حق يهودي أو نصراني، فيكون له حال من الأحوال إلا إذا كان من أصحاب النار، فالمنفي السماع الذي لم يترتب عليه الإيمان، لأنه المستبعد، وفهم منه أن السماع الذي يترتب عليه الإيمان يكون حكمه بالعكس، ونظيره قوله تعالى: (لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي ولا تجهروا له بالقول

كجهر بعضكم لبعض أن تحبط أعمالكم) [الحجرات: 2] في أحد وجهيه، وهو أن يكون الفعل المعلل منهيا، لا أن يكون الفعل المنهي معللا، فاعرف. انتهى ما في شرح المشكاة. وأقول: قد ورد الحديث في مسند أحمد بلفظ: "لا يسمع بي أحد من هذه الأمة ولا يهودي ولا نصراني ... " فعلم أن في الرواية الأولى حذفًا من الرواة، والمراد (بهذه الأمة) العرب. وفي مسند أحمد أيضًا من حديث أبي موسى: "من سمع بي من أمتي أو يهودي أن نصراني فلم يؤمن بي لم يدخل الجنة". وقد ورد علنا من نحو عشرين سنة سؤال من الإسكندرية صورته: قد روي في صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "والذي نفس محمد بيده لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي أو نصراني ثم يموت ولم يمؤن بالذي أرسلت به إلا كان من أصحاب النار". قال النووي في شرحه: قوله: (من هذه الأمة)، أي: ممن هو موجود في زمني وبعدي إلى يوم القيامة، فكلهم ممن يجب عليه الدخول في طاعته، وإنما ذكر اليهودي والنصراني تنبيهًا على من سواهما، فإذا كان هذا شأنهم مع أن لهم كتابًا، فغيرهم ممن لا كتاب له أولى. قال السائل: وقد أشكل هذا الحديث من جهة التنزيل المقصود منه على القواعد النحوية، فإن المقصود من الحديث أنه من سمع بنبينا عليه الصلاة والسلام ممن شملته بعثته العامة ثم مات غير مؤمن بما أرسل به كان من أصحاب النار.

وفي تنزيل لفظ الحديث على هذا المقصود قلق، وهذا الإشكال يعرض كثيرًا في غير لفظ الحديث كقولك: ما جاءني زيد إلا أكرمته، وما أحسنت إلى لئيم إلا أساء إليّ. وما أنعمت على عمرو إلا شكر، وأمثال ذلك كثير في الكتاب والسنة وكلام العرب، والغرض في الجميع أن يكون الواقع بعد (إلاّ) مرتبًا مضمونة على مضمون ما بعد حرف النفي، أي: مهما جاءني زيد أكرمته، ومهما أحسنت إلى لئيم أساء وهكذا في سائر الأمثلة التي بهذه المثابة، وتطبيق اللفظ على هذا الغرض غير متأتٍ بحسب الظاهر، فإنه غاية ما يتخيل في هذا الاستثناء، أن يكون مفرغًا باعتبار الأحوال، فتكون الجملة الواقعة بعد (إلا) في محل نصب على أنها حال من الفاعل أو من المفعول المتقدم ذكره، أي: ما جاءني زيد إلا في حال كوني مكرمًا له، وما أحسنت إلى لئيم إلا في حال كونه مسيئًا. وهذا مشكل، فإن الحال مقيدة لعاملها ومقارنة له، وليس الإكرام مقيدًا بمجيء زيد بحسب المقصود، ولا مقارنُا له في الزمن، وكذا بقية الأمثلة. فإن قلت: اجعل الحال مقدرة، أي: ما جاءني زيد إلا في حال كوني مريدًا لإكرامه، وما أنعمت على عمرو إلا في حال كونه مريدًا للشكر. قلت: هذا وإن كان في نفسه معنى ممكن الاستقامة، فهو غير مفيد للغرض المصوغ لهذا الكلام، إذ المقصود وقوع مضمون ما بعد النفي، ولا يلزم من إنعامك على عمرو في حال إرادته للشكر أن يكون الشكر وقع بالفعل مرتبًا على الإنعام عليه، لجواز تخلف متعلق الإرادة الحادثة عنها. وكذا في بقية الأمثلة، فقد ظهر امتناع جعل ما بعد (إلاّ) حالاً، لا من قبيل الحال المحققة، ولا من قبيل الحال المقدرة، ولا مساغ لغير الحال فيه فيما يظهر.

وفي الحديث إشكال من جهة أخرى، وهو أنه تقدم الاستثناء الواقع فيه جمل، فإن أعدته إلى الجميع وبنينا على أن العامل في المستثنى ما قبل (إلا) من فعل أو معناه بواسطتها - كما يراه البصريون - لزم اجتماع عوامل على معمول واحد، وهو باطل على ما تقرر في علم النحو، وإن أعدته إلى الجملة الأولى فقط، لزم الخلف في الخبر، وذلك أن التقدير حينئذ: لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي أو نصراني إلا إذا كان من أصحاب النار. وكم من يهودي ونصراني يسمع به بعد البعثة ولا يكون من أصحاب النار، بأن يسلم ويموت على الإسلام، وإن جعلته راجعًا إلى ما بعد الجملة الأولى فقط على ما فيه صارت الجملة الأولى لا تعرض فيها إلى الاستثناء، فيلزم الخلف، إذ كثير من اليهود والنصارى يسمع به بعد البعثة، هذا آخر السؤال. فكتبت في الجواب ما نصّه: قال ابن مالك في " التسهيل " في تقرير القاعدة التي من أفرادها هذا الحديث: ويليها - أي: (إلا) - في النفي فعل مضارع بلا شرط، وماض مسبوق بفعل أو مقرون بقد. وقال في شرحه: مثال المضارع ما كان زيد إلا يفعل كذا، وما خرج زيد إلا يجر ثوبه، وما زيد إلا يفعل كذا. ومثال الماضي مسبوقًا بفعل: قوله تعالى: (وما يأتيهم من رسول إلا كانوا به

يستهزئون) [الحجر: 11] ومقرونًا بقد قول الشاعر: ما المجد إلا قد تبين أنه ... ببذل وحلم لا يزال مؤثلا قال: وإنما أغنى اقتران الماضي بقد عن تقدم فعل، لأن قد تقربه من الحال، فيكون بذلك شبيهًا بالمضارع، وإنما كان المضارع مستغنيًا عن شرط، لأنه شبيه بالاسم. وإنما ساغ تقديم الفعل مقرونًا بالنفي لجعل الكلام بمعنى: كلما كان كذا، فكان فيه فعلان، كما كان مع كلما، فلو قلت: ما زيد إلا قام، لم يجز، لأنه ليس مما ذكر، وعلة ذلك أن المستثنى لا يكون إلا اسمًا أو مؤولاً باسم، والماضي المجرد من (قد) بعيد من شبه الاسم، وأما قولهم: أنشدك بالله إلاّ فعلت، فإنه في معنى النفي، كقولهم: شرا أهر ذا ناب، أي: ما أسألك إلا فعلك. انتهى. وقال أبو البقاء: في قوله تعالى: (وما يأتيهم من رسول إلا كانوا به يستهزئون): إن الجملة حال من ضمير المفعول في (يأتيهم)، وهي حال مقدرة، ويجوز أن تكون صفة لـ (رسول) على اللفظ أو الموضع، انتهى. فعلم من ذلك تخريج الحديث على الوجهين، والأرجح الحالية لأمرين: أحدهما أن وقوع ما بعد (إلا) وصفًا لما قبلها رأي ضعيف في العربية، بل قال ابن

مالك: إنه لا يعرف لبصري ولا لكوفي، وإن الزمخشري تفرد بذلك، وإن ما أوهم ذلك فمؤول على الحال. وكأن أبا البقاء تابعه في ذلك الزمخشري. الثاني: أن الحالية تطرد في جميع الأمثلة، والوصفية لا تطرد، بل تختص بما إذا كان الاسم السابق نكرة كما في الحديث. أما نحو: ما جاءني زيد إلا أكرمته، فلا يمكن فيه الوصفية، كما لا يخفى، فعلم بذلك ترجيح الحالية، وأنها مقدرة كما صرح به أبو البقاء، وما أورده السائل من عدم الملازمة، وجواز تخلف متعلق الإرادة الحادثة عنها، فهو وإن كان كلاما صحيحًا في نفسه إلا أنه لا يقدح في التخريج، ولو روعي هذا المعنى، لم يكد يصح لنا حال مقدرة، وكم من قاعدة نحوية قررت ثم لم يبال بمخالفتها للقاعدة العقلية، فإن كلاًّ من النحو والفقه معقول من منقول، كما ذكر ذلك ابن جني، فتارة يلاحظ فيهما الأمر العقلي، وتارة يلاحظ الأمر النقلي، على أن ما ذكر من الترتيب وما أورد عليه من عدم الملازمة، إنما يتجه لو كان الترتيب المذكور عقليًا لا يتخلف، وليس الأمر كذلك، فإن الترتيب الذي في الحديث شرعي لا عقلي، والذي في الأمثلة أيضًا ليس بعقلي، بل عاديّ خاص، أي بحسب عادة المتكلم، أو من تعلق به فعله، ومثل ذلك يكتفى به في الحال المقدرة. وأمر آخر: وهو أن ما ذكر في وجه الترتيب تفسير معنى، وما ذكر في تقرير الحال تفسير إعراب، وهم يفرقون بين تفسير المعنى وتفسير الإعراب، ولا يلتزمون توافقهما كما وقع ذلك كثيرًا لسيبويه والزمخشري وغيرهما. وأما الإشكال الثاني ففي غاية السقوط، لأن الجمل السابقة ليست مستقلة، بل

جملة: (ثم يموت ولا يؤمن) مرتبطة بالجملة الأولى على أنها قيد فيها، و (ثم) هنا واقعة موقع الفاء، فإنها لمجرد الربط لا التراخي كما في قوله: . . . . . . . ... جرى في الأنابيب ثم اضطرب وفي بعض طرق الحديث: "لا يسمع بي أحد يهودي ولا نصراني فلم يؤمن بي إلا كان من أهل النار". فعلم أن جملة (فلم يؤمن) مرتبطة بالأولى، وفاء الربط تصير الجملتين في حكم جملة واحدة كما قرره النحاة في باب العطف في مسألة: (الذي): الذي يطير فيغضب زيد الذباب، فقوله: إن أعدته إلى الجملة الأولى لزم الخَلَف .. إلى آخره، مدفوع بأنه إذا أعيد إليها مقيدة بمضمون ما بعدها لا يلزم ما ذكر، والله أعلم. هذا آخر ما كتبته إذ ذاك. وقال الرضي: اعلم أن أصل (إلا)، أن تدخل على الاسم، وقد يليها في المفرغ فعل مضارع، إما خبر مبتدأ، كقولك: ما زيد إلا يقوم، وما الناس إلا يعبرون، أو حال، نحو: ما جاءني زيد إلا يضحك، أو صفة، نحو: ما جاءني منكم رجل إلا يقوم ويقعد، ويجوز أن يكون هذا حالاً لعموم ذي الحال، وإنما شرط التفريغ: أن تكون (إلا) ملغاة عن العمل على قول، أو عن التوصيل بها إلى العمل على قول آخر، فيسهل دفعها عما تقتضيه من الاسم، لانكسار شوكتها بالإلغاء. وشرط كونه مضارعًا لمشابهته الاسم. وأما الماضي، فيجوز أن يليها في المفرغ بأحد قيدين: وذلك إما باقترانه بقد، نحو: ما الناس إلا قد عبروا، وذلك لتقريبها له من الحال المشبهة للاسم.

وإما تقدم ماض منفي، نحو: قولك: ما أنعمت عليه إلا شكر، وما أتيته إلا أتاني، وعنه عليه السلام: "ما أيس الشيطان من بني آدم إلا أتاهم من قبل النساء"، وذلك إذا قصد لزوم تعقيب مضمون ما بعد (إلاّ)، لمضمون ما قبلها. وإنما جاز أن يليها الماضي مع هذا القصد، لأن هذا المعنى هو معنى الشرط والجزاء، في الأغلب، نحو: إن جئتني أكرمتك، وإنما قلت: في الأغلب، لأنه قد لا يكون مضمون الجزاء متعقبًا لمضمون الشرط، بل يكون مقارنًا له في الزمان، نحو: إن كان هناك نار كان احتراق، وإن كان هناك احتراق فهناك نار، وإن كان الإنسان ناطقًا فالحمار ناهق، لكن التعقيب المذكور هو الأغلب، فلما كان تعقب مضمون ما بعد (إلاّ) لمضمون ما قبلها هو المراد، وكان حرف النفي مع (إلا) يفيد معنى الشرط والجزاء، أعني لزوم الثاني للأول، جاز أن يعتبر معنى الشرط والجزاء مع حرف النفي، وإلا فيصاغ ما قبل (إلا) وما بعدها صوغ الشرط والجزاء، وذلك إما بكونهما ماضيين، نحو: ما زرتني إلا أكرمتك، أو مضارعين نحو: ما أزورك إلا تزورني، ومثل هذا هو الغالب في الشرط والجزاء، أعني كونهما ماضيين أو مضارعين، فجاز كون الماضي الذي بعد (إلا) ههنا مجردًا عن (قد) والواو مع أنه حال، وذلك لكونه متضمنًا معنى الجزاء، فيكون (إلا) على هذا المعنى المذكور إما ماضيًا أو مضارعًا مجردًا، وجاز أن ينظر أيضًا أن ينظر إلى كون مثل هذا الفعل حالاً في الحقيقة، وإن كان فيه معنى الجزاء، فيؤتى به ماضيًا أو مضارعًا مع الواو، نحو: ما زرته إلا وأكرمني، ولا أزوره إلا ويكرمني، وإنما اطرد الواو مع هذا النظر لكون هذا الحال غير مقترن مضمونه بمضمون عامله، كما هو الغالب في الحال، نحو: ما جاءني زيد راكبًا، ولفظه أيضًا منفصل عن العامل بـ (إلا)، فجاز أن يستظهر مطردًا في ربط مثل هذه الحال بعاملها لفظًا، بحرف الربط، أي: الواو فمن ثم اطرد نحو: ما أزوره إلا ويكرمني، وندر: قمت وأصك عينه.

1189 - وحديث: "ما من أمير عشرة إلا يؤتى به يوم القيامة مغلولا لا يفكه إلا العدل، وما من رجل قرأ القرآن ثم نسيه إلا لقي الله يوم القيامة وهو أجذم".

ويجيء في الماضي مع الواو أيضًا، نحو: ما زرته إلا وقد زارني، ولا يجوز الاقتصار على قدْ، فلا يقال: ما زرته إلا قد زارني، لأنك إن نظرت إلى معنى الجزاء الذي يستفاد من مثل هذا الحال، فالجزاء لا يتجرد عن الفاء، إلا إذا كان مع (قد)، وإن نظرت إلى الحال الذي هو أصله فليس فيه حرف الربط المذكور. وإنما قلنا: إن الأغلب مقارنة مضمونه بمضمون عامله، لأنه قد يجيء بخلاف ذلك، كقولهم: خرج الأمير معه صقر صائدًا به غدًا. وهذا أيضًا من حيث التأويل مقارن، إذ المعنى: عازمًا على الصيد، وكذا معنى الحديث: (ما أيس الشيطان من بني آدم من جهة غير النساء، إلا عازمًا على إتيانهم من قبلهن)، جعلوا المعزوم عليه المجزوم به، كالواقع الحاصل. انتهى. ومن وقوع المضارع بعد (إلا) حديث أبي هريرة رضي الله عنه: (لا يتوضأ أحدٌ فيحسن وضوءه، ويسبغُه ثم يأتي باب المسجد، لا يريد إلا الصلاة إلا يستبشر الله به كما يستبشر أهل الغائب بطلعته). ومن نظائر هذا الحديث، حديث الجمعة: (في يوم الجمة ساعة لا يسأل فيها عبد شيئًا إلا أتاه الله إياه). 1189 - وحديث: "ما من أمير عشرة إلا يؤتى به يوم القيامة مغلولاً لا يفكه إلا العدل، وما من رجل قرأ القرآن ثم نسيه إلا لقي الله يوم القيامة وهو أجذم". 1190 - وحديث: "لا يكيد أهل المدينة أحدٌ إلا انماع كما ينماع الملح في الماء".

1191 - وحديث: "ما لقيك الشيطان قط سالكا فجا إلا سلك فجا غير فجك".

1191 - وحديث: "ما لقيك الشيطان قط سالكًا فجًّا إلا سلك فجًّا غير فجك". 1192 - وحديث: "لا يبقى باب في المسجد إلا سُدّ إلا باب أبي بكر". 1193 - وحديث: "أنه لم يكن نبي إلا وقد وصف الدجال لأمته". 1194 - وحديث: "ما منكن امرأة لها ثلاثة من الولد إلا كانوا لها حجابًا من النار". 1195 - وحديث: "ما يصيب المؤمن من وصب ولا نصب ولا هم ولا حزن، ولا أذىً ولا غم، حتى الشوكة يشاكها إلا كفر الله من خطاياه". 1196 - وحديث: "ما من مسلم يدعو الله بدعوة ليس فيها إثم، ولا قطيعة رحم، إلا أعطاه الله بها إحدى ثلاث: إما أن يعجل له دعوته وإما أن يذخرها له في الآخرة، وإما أن يصرف عنه من السوء مثلها". 1197 - وحديث: "لا يصوم عبد يومًا في سبيل الله إلا باعد الله بذلك اليوم النار عن وجهه سبعين خريفًا". 1198 - وحديث: "لا يسمع صوت المؤذن جن ولا إنس ولا شيء إلا شهد له يوم القيامة". 1199 - وحديث: "ما بعث الله بنبي ولا استخلف خليفة إلا كانت له

1200 - وحديث: "ما جاءني جبريل قط إلا أمرني بالسواك".

بطانتان ... " الحديث. 1200 - وحديث: "ما جاءني جبريل قط إلا أمرني بالسواك". 1201 - وحديث: "إن الله لم يضع داء إلا وضع له شفاء". 1202 - وحديث: "ليس منكم أحد إلا وقد وكل به قرين من الشيطان". 1203 - وحديث عبد الله بن بسر المازني مرفوعًا: " ما من أمتي أحد إلا وأنا أعرفه يوم القيامة". 1204 - وحديث: "ما من عبد مؤمن تصدق بصدقة من طيب إلا وهو يضعها في كف الرحمن". انتهى الجواب. 1205 - حديث: "ما من مسلم سلم علي إلا رد الله عليه روحي، حتى أرد عليه السلام". استشكل هذا الحديث، فإن ظاهرة مفارقة الروح في بعض الأوقات، وهو مناف للأحاديث الواردة في حياة الأنبياء، وقد خرجته على أنّ قوله: (رد الله علي) جملة حالية، وقاعدة العربية أن جملة الحال إذا صدّرت بفعل ماض قدرت فيها قَدْ، كقوله تعالى: (أو جاءوكم حصرت صدورهم) [النساء: 90] أي: قد حصرت، وكذا هنا تقدر،

1206 - حديث: "تفتح أبواب الجنة يوم الاثنين ويوم الخميس، فيغفر لكل عبد لا يشرك بالله شيئا، إلا رجل كانت بينه وبين أخيه شحناء".

والجملة ماضية سابقة على السلام الواقع من كل أحد، و (حتى) ليست للتعليل بل مجرد عطف بمعنى الواو، فصار تقدير الحديث: ما من أحد يسلم علي إلا وقد رد الله علي روحي قبل ذلك فأرد عليه. وإنما جاء الإشكال من ظن أن الجملة (رد الله) بمعنى الحال أو الاستقبال، وظن أنّ (حتى) تعليلية، وليست كذلك. ثم بعد أن خرجت هذا التخريج، رأيت هذا الحديث مخرّجًا في كتاب (حياة الأنبياء) للبيهقي، بلفظ: (وقد ردّ الله علي روحي)، فصرح فيه بلفظ: (وقد)، فترى أن رواية سقوطها محمولة على إضمارها، وأنّ حذفها من تصرف الرواة. 1206 - حديث: "تفتح أبواب الجنة يوم الاثنين ويوم الخميس، فيغفر لكل عبد لا يشرك بالله شيئًا، إلا رجل كانت بينه وبين أخيه شحناء". قال الطيبي: قوله: (لا يشرك بالله) صفة (عبد)، وقوله: (إلا رجل) الظاهر فيه النصب لأنه استثناء من كلام موجب، ويمكن أن يقال: الكلام محمول على المعنى، أي: لا يبقى ذنب أحد إلا ذنب رجل. ونحوه قال الفرزدق: ... ... ... لم يدع ... من المال إلا مسحتًا أو مجلَّفُ كأنه قال: لم يبق من المال إلاًّ مُسْحتًا أو مجلف. وقوله تعالى: (فشربوا منه إلا قليل منهم) [البقرة: 249] أي: فلم يطيعوه إلا قليل.

1207 - حديث: "لتؤدن الحقوق إلى أهلها يوم القيامة".

1207 - حديث: "لتؤدن الحقوق إلى أهلها يوم القيامة". قال التوربشتي: هو على بناء المجهول، و (الحقوق) مرفوع. وزعم بعضهم ضم الدال. ونصب (الحقوق)، والفعل مسند إلى الجماعة الذين خوطبوا به. قلت: هذا أظهر، بل متعين، لأنه لو كان مسندًا إلى الحقوق لقيل: لتؤدّين الحقوق، بقلب الألف من (لتؤدى) ياء مفتوحة عند الاتصال بنون التوكيد، كما تقول: أخشنّ. 1208 - حديث: "يقول العبد: مالي، وإن ما له من ماله إلاّ ثلاث". قال الطيبي: (ما) موصولة، و (من ماله) متعلق بالصلة، و (ثلاث) خبر، وإنما أنثه على تأويل المنافع. 1209 - حديث: "إن الدنيا ملعون ما فيها، إلا ذكر الله، وما والاه، وعالم ومتعلم". قال الأشرفي: قوله: (وعالم ومتعلم) مرفوع في النسخ، والقاعدة العربية تقتضي أن يكون عطفًا على (ذكر الله)، فإنه منصوب من المستثنى الموجب. وقال الطيبي: في جامع الترمذي بالرفع، وفي سنن ابن ماجة: (عالمًا أو متعلمًا) بالنصب، وهو الظاهر، والرفع على التأويل، كأنه قيل: الدنيا مذمومة لا يحمد مما فيها إلا ذكر الله تعالى وعالم أو متعلم. ونظيره قوله تعالى: (والذين هم لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم). [المؤمنون: 5 - 6].

1210 - حديث: "كلمتان خفيفتان على اللسان، ثقيلتان في الميزان، حبيبتان إلى الرحمن، سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم".

قال في الكشاف: ضمّن (حافظون) معنى النفي، كما ضمن في قولهم: نشدتك بالله إلا فعلت، معنى ما طلبت منك إلا فعلك. 1210 - حديث: "كلمتان خفيفتان على اللسان، ثقيلتان في الميزان، حبيبتان إلى الرحمن، سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم".

قال الكرماني: (كلمتان)، أي: كلامان، والكلمة تطلق على الكلام كما يقال: كلمة الشهادة، و (الحبيبتان) المحبوبتان بمعنى المفعول، لا بمعنى الفاعل. فإن قلت: الفعيل بمعنى المفعول، لا سيما إذا كان موصوفه مذكورًا معه، يستوي فيه المذكر والمؤنث، فما وجه لحوق علامة التأنيث؟ قلت: التسوية بينهما جائزة لا واجبة، لوجوبها في المفرد لا في المثنى، أو أنثها لمناسبة الخفيفة والثقيلة، لأنهما بمعنى الفاعلة لا المفعولة، وهذه التاء لنقل اللفظ من الوصفية إلى الاسمية، وقد يقال: هي فيما لم تقع بعد، تقول: خذ ذبيحتك - للشاة التي لم تذبح – وإذا وقع عليها الفعل فهي ذبيح. و (سبحان) مصدر لازم النصب بإضمار الفعل وهو للتسبيح، والعلم على نوعين: علم شخص، وعلم جنس الذي للمعنى. فإن قلت: قالوا لفظ (سبحان) واجب الإضافة، فكيف الجمع بين العلمية والإضافة؟ قلت: ينكر ثم يضاف، كما قال الشاعر: علا زيدنا يوم النقا رأس زيدكم فإن قلت: (وبحمده) معطوف، فما المعطوف عليه؟ قلت: الواو للحال، وتقديره: سبحت الله متلبِّسًا بحمدي له من أجل توفيقه لي للتسبيح، ونحوه.

ويحتمل أن يكون (الحمد) مضافًا إلى الفاعل، والمراد من الحمد لازمه مجازًا، وهو ما يوجب الحمد من التوفيق ونحوه، أو لعطف الجملة على الجملة، نحو: والتشبث بحمده. انتهى. وقال الزركشي: (كلمتان) خبر مقدم، و (خفيفتان) و (ثقيلتان) صفة له، والمبتدأ قوله: (سبحان الله وبحمده) وما بعده، وإنما قدم الخبر على المبتدأ لقصد تشويق السامع إلى المبتدأ كقوله: ثلاثة تشرق الدنيا ببهجتها ... شمس الضحى وأبو إسحاق والقمر قال السكاكي: وكون التقديم يفيد التشويق حقه تطويل الكلام في الخبر. وإلا لم يحسن ذلك الحسن، لأنه كلما كثر بذكر أوصافه الجارية عليه ازداد شوق السامع إلى المبتدأ. انتهى. وقال القرطبي: (سبحان الله) علم لمصدر سبح، وقع موقعه فنصب نصبه، وهو لا ينصرف للتعريف، والألف والنون الزائدتين، كعثمان، ومعناه البراءة لله من كل نقص وسوء، وهو في الغالب مما لا ينفصل عن الإضافة، وقد جاء منفصلاً عنها في قول الأعشى شاذًّا: أقول لما جاءني فخره ... سبحان من علقمة الفاخر وقد أشربه في هذا البيت معنى التعجب، فكأنه قال: تعجبًا من علقمة، هذا قول حذاق النحويين وأئمتهم.

وقد ذهب بعضهم إلى أن (سبحان) جمع (سباح) من سبّح في الأرض إذا ذهب فيها سبحًا وسبحانًا، وهذا كحساب وحسبان، وقيل جمع سبيح للمبالغة من التسبيح كقضيب وقُضبان، وهذان القولان باطلان، بدليل عدم صرفه، كما ذكرناه من بيت الأعشى. وقوله: (وبحمده) متعلق بفعل محذوف دل عليه التسبيح، أي: بحمده سبحته. أي: بتفضله وهدايته، هذا قولهم، وكأنهم لاحظوا أن الحمد هنا بمعنى الشكر. قال: والذي يظهر لي وجه آخر، وهو إبقاء معنى الحمد على أصله، وتكون الباء باء السبب، ويكون معناه: إنك موصوف بصفات الكمال والجلال، سبحك المسبحون، وعظمك المعظمون. انتهى. وقال القاضي عياض: يقال: إن التسبيح مأخوذ من قولهم: سبح الرجل في الأرض، إذا ذهب، ومنه قيل للفرس الجواد سابح. قال تعالى: (كل في فلك يسبحون) [الأنبياء: 33] فكان التسبيح على هذا المعنى بمعنى التعجب من المبالغة في الجلال والعظمة، والبعد عن النقائص. انتهى. وقد ألف أستاذنا شيخ الإسلام كمال الدين بن الهمام رحمه الله في إعراب هذا الحديث رسالة وهي هذه: الحمد لله، اللهم صل على سيدنا محمد عبدك ونبيك ورسولك محمد وآله وسلم. وبعد: فقد دخلت علي امرأة بورقة ذكرت أن رجلاً دفعها إليها، يسأل الجواب عما فيها، فإذا فيها: سؤال عن إعراب قوله صلى الله عليه وسلم: "كلمتان خفيفتان على اللسان، ثقيلتان في الميزان، حبيبتان إلى الرحمن: سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم".

هل (كلمتان) مبتدأ، و (سبحان الله) الخبر، أو قلبه؟ وهل قول من عيّن (سبحان الله) للابتداء لتصرفه صحيح أم لا؟ وهل الحديث مما تعدد فيه الخبر أم لا؟ فكتب العبد الضعيف على قلة البضاعة، وطول الترك، وعجلة الكتابة في الوقت ما نصه: الوجه الظاهر أن (سبحان الله) ... إلى آخره، الخبر لأنه مؤخر لفظًا، والأصل عدم مخالفة اللفظ محله، إلا لموجب يوجبه، وهو من قبيل الخبر المفرد بلا تعدد، لأن كلاًّ من (سبحان الله) مع عامله المحذوف الأول، والثاني مع معموله الثاني، إنما أريد لفظه، والجمل الكثيرة إذا أريد لفظها فهي من قبيل المفرد الجامد، ولذا لا تتحمل ضميرًا ولأنه محطّ الفائدة بنفسه بخلاف عكسه، فإنه إنما يكون محطًّا باعتبار وصفه. ألا ترى في عكسه يكون الخبر (كلمتان)، ومن البيّن أن ليس متعلق الغرض الإخبار من النبي صلى الله عليه وسلم عن (سبحان الله) .. إلى آخره، بأنهما (كلمتان). بل بملاحظة وصفه، أعني: (خفيفتان)، (ثقيلتان)، (حبيبتان)، فكان اعتبار (سبحان الله) .. إلى آخره خبرًا أولى. فهو مثال هجّيرى أبي بكر لا إله إلا الله، ونحوه، ما أوردوه مثالاً للإخبار بالجملة التي أريد لفظها. وأما منع كونه خبرًا أو مبتدأ بسبب لزوم نصب (سبحان الله) فإنما يصدر ممن لم يفهم معنى قوله: إنما أريد بالجملة لفظها، وعلامة إعراب الخبر في مثله ورد، وهو الرفع في محله. فالحاصل أن كلاًّ من حيث العربية يجوز، وأما من حيث الأولوية بالنظر إلى

المعنى، فـ (كلمتان) مبتدأ موصوف بالأوصاف المختصة، ولفظ (سبحان الله) وما بعده، خبر. وأما جعل (سبحان الله) معرفة، فإن أراد به حال كونه مرادًا به معناه، فصحيح، وتعريفه بالإضافة، وهو ما إذا كان المتكلم ذاكرًا مسبحًا، وإن أراد به حال كونه أريد به مجرد لفظه، على معنى أن الكلمتين الموصوفتين بتعلق حب الله تعالى بهما، هاتان اللفظتان اللتان هما (سبحان الله) صادرتان من مريد معناهما، وهو تنزيه الله تعالى فلا. فإن أنواع المعارف محصورة وليس هو منها، إذ لم يرد على هذا التقدير معنى الإضافة، ولا خصوص النسبة التي باعتبارها يحصل التعريف، فإن ادعى أنه من قبيل العلم، بناء على أن كل لفظ وضع ليدل على نفسه كما وضع ليدل على غيره، كما ذكره ابن الحاجب فليسلم أنه على صحة تقرير هذه الدعوى، لم يعط لهذا الوضع حكم الوضع للدلالة على غيره، ولذا لم يقل أحد بأن كل لفظ مشترك، وهو لازم من جعل كل لفظ وضع ليدل على نفسه، كما وضع ليدل على غيره. فعلم أن إعطاء اسم المعرفة والنكرة والمشترك، وسائر الألقاب الاصطلاحية باعتبار الوضع للدلالة على غيره، والله سبحان أعلم، ثم دفعت الرقعة للمرأة، ثم بعد أن مضى على (هذا) نحو خمسة أشهر، سمعت أن بعض الإخوان ذهب بجوابي هذا مقترنًا بثلاثة أجوبة لأهل العصر، مخالفة لجوابي وجواب رابع للذاهب، إلى بعض ملوك الدنيا، لما كان من أهل العلم والفهم في الاصطلاحات، ليوقفه خطأ المخطئ، وإصابة المصيب. وحاصل ذلك اتفاقهم على أن الوجه الذي رجحوه جعلوه متعينًا، بناء على أن محط الفائدة يتعين أن يكون (سبحان الله) ... إلى آخره.

ومنهم من ذكر أوجهًا لإبطال قلبه، منها أن (سبحان الله) لزم الإضافة إلى مفرد فجرى مجرى الظروف، والظرف لا يقع إلا خبرًا، ولأنه ملزوم النصب، ولأنه مركب من معطوف ومعطوف عليه. وهذه الأوجه الثلاثة يستثقل بدفعها على ما في بعضها من التحكم ما ذكرناه، من أن الكلام الواقع خبرًا إنما أريد به لفظه، ومن أمثلتهم في ابتدائية المتعاطفين إذا أريد مجرد اللفظ: (لا حول ولا قوة إلا بالله كنز من كنوز الجنة). ومنها أن (سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم) كلمة، إذ المراد بالكلمة في الحديث اللغوية، فلو جعل مبتدأ لزم المراد اعتبار (سبحان الله وبحمده) كلمة، و (سبحان الله العظيم) كلمة بالمجموع كما يصح أن يعبر عنه بكلمة، كذلك يصح أن أعني: (سبحان الله وبحمده) و (سبحان الله العظيم) مما يستقل ذكرًا تامًّا، ويفرد بالقصد إليه، وبقوله، اعتبر كلمة، وعبر عنها بكلمتين، على أن ما ذكره غير لازم على تقدير جعل (سبحان الله) الخبر، كما هو لازم على تقدير جعله مبتدأ، لأنه كما لا يصح أن يخبر عما هو بكلمة بأنه كلمتان، كذلك لا يخبر عما هو كلمتان بما هو كلمة. فإن الحاصل على تقدير كون (كلمتان) المبتدأ، أن الكلمتين (اللتين) هما: كذا وكذا، هما الكلمة التي هي: (سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم). وبجوابنا اندفع عن الشقين، لا بما قيل في جوابه أن (سبحان الله ...) الخ، تضمن عطفًا فيقوم مقام المعدد، ويخبر عنه بكلمتين، وهذا إن أريد به الكائن في (وبحمده) فهو على تقدير كونه خبرًا محضًا، وإلا فإن جعل (سبحان الله) نقل إلى الإنشاء، وإن كان

إخبارًا، صيغ كصيغة العقود، كبعث، و (بحمده) مع متعلقة خبرًا لم يكن عطفًا عليه، لأن إنشاء على تقدير حذف المضاف، أي: العاطف، أي: (وسبحان الله)، وهو قليل، ومختلف فيه. وعلى تقدير صحتهما لا يندفع السؤال، فإن السائل قال: المراد بالكلمة اللغوية. فالمجموع من (سبحان الله ... الخ) آخر لكل كلمة، ومعلوم أن وجود العطف في أثناء الكثير، لا يمنع من إطلاق لفظ كلمة عليه. أترى قولنا: له كلمة شاعر، يعنون القصيدة، لا يصح إلا أن يكون قصيدة لم يقع في مجموعها عطف؟ أنى يكون هذا! وحينئذ فالمجموع من المتعاطفين كلمة، فلا يخبر عنه بأنه كلمتان، ويعود السؤال، فلا يفيد إلا أن يعود إلى جواب الفقير إن شاء الله تعالى. ومنها أن جعل المبتدأ (سبحان الله .. الخ) يفوت نكتة، وهي إرادة حصر الخبر في المبتدأ، وأنت لا يخفى عنك أن الحصر إما أن يكون بالأداة، أو بتقديم الخبر أو المعمول، والتقديم إنما هو في جعل (سبحان الله وبحمده) المبتدأ، وكلمتان الخبر، فيصير من قبيل: تميمي أنا، لا في جعل (كلمتان) المبتدأ، و (سبحان الله) الخبر، وهو مراده، إذ لا تقديم فيه، وإذا لم يكن تقديم، فإنما يجيء الحصر في المعرف بلام الجنس للاستغراق لزومًا عقليًا كقولنا: العالم زيد، إذا جعلنا (العالم) مبتدأ، واليمين على المدّعى عليه، فيفيد أنه لا يمين على غيره، بسبب جعل الكل عليه، لأنه ليس وراء الكل شيء. وكأنه ذهب عليه أن المذكور في الحديث: الكلمتان الخفيفتان الحبيبتان: سبحان الله .. الخ. وليس بمثله بعجيب على الإنسان، كما ذهب على الذاهب بجوابي ليرى غلطه، وأني جعلت كون الفائدة في جعل (سبحان الله) مبتدأ، باعتبار

وصف الخبر لا نفسه وجهًا كرد ابتدائية (سبحان الله .. الخ)، ما ورد عليه لزوم عدم صحة: زيد رجل صالح، وأنا لست من هذا، وإنما جعلته، كما هو صريح في كتابي وجه مرجوحيته، وأولوية كونه خبرًا فليرجع إلى نظر الكتابة، غير أن النفس إذا ملئت بقصد الرد، يقع لها نحو هذا السهو في الحس. وإذا كان المذكور في الحديث (كلمتان) بلا تعريف جنس استغراقي لم يكن حصر، بل المراد الإخبار (سبحان الله وبحمده .. الخ) عن الكلمتين الموصوفتين، كما ارتضاه الكاتبون، وجعله العبد الضعيف أولى الوجهين، أو عن (سبحان الله وبحمده) بأنهما حبيبتان إلى الرحمن، ثقيلتان في الميزان، والمعنى: أن اللفظ الذي عهدتموه وتقولونه: وهو (سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم) له من المقدار عند الله أنهما كلمتان ثقيلتان في الميزان، حبيبتان إلى الرحمن. ولا يخفى أنه لم يرد مطلق ثقل ما ومحبة ما، لأن ذلك معلوم للمؤمنين، غير مجهول لهم في كل ذكر لله، هذا وغيره أنه كذلك، فلو أريد ذلك لم يكف الجملة الخبرية كلها مجددة فائدة عند السامعين، سواء جعلت (سبحان الله) مبتدأ، أو خبرًا بل هي حينئذ بمنزلة: النار حارة، ونحوه، ومثله يجب صون كلام البلغاء عنه. فكيف بالنبي صلى الله عليه وسلم، سواء جعلت زيادة الفائدة شرطًا لكون الجملة كلامًا، أو لم تجعله، فإن الذي لا يشترطه لا يقول إنه قد حصل فائدة زائدة، إلا أنه لا يشترطها في مسمى الكلام اصطلاحًا، وحينئذ وجب كون المراد زيادة ثقل وزيادة محبة، مما يلزم علم كل مؤمن يعلم أن للذكر ثوابًا. وإذن ظهر أن كلاًّ من (ثقيلتان حبيبتان) و (سبحان الله وبحمده) يصلح محطّ فائدة تكون بها خبرًا، ويزداد جعل (سبحان الله) مبتدأ قدم خبره بنكتة بلاغية، لأجلها قدم الخبر، وهي التشويق إلى المبتدأ، وكلما طال الخبر حسن هذا النوع، لأنه كلما أطال

الحديث بذكر الأوصاف، ازداد الشوق إلى المحدث عنه بها، كما هو في الحديث الكريم، حيث قال: (كلمتان خفيفتان على اللسان، ثقيلتان في الميزان، حبيبتان إلى الرحمن). فإن النفس كثر شوقها بذلك إلى سماع المحدَّث عنه بها، فلم يجئ (سبحان وبحمده سبحان الله العظيم)، إلا والنفس في غاية الشوق إلى سماعه، فهو مثل قوله: ثلاثة تشرق الدنيا ببهجتها ... شمس الضحى وأبو إسحاق والقمر وهذا ما ذكره السلف الذين أعربوا (سبحان الله) مبتدأ، ولم يرتضِ من وجّه سمعَه من أهل عصرنا بمثل ما أسمعتك، وأستغفر الله من شغلي سمعك بمثله، ولولا ما فيه من كون محط الفائدة فيه يكون باعتبار الوصف الخبر كما أسلفته في الجواب، لكان أولى من جعل (كلمتان) مبتدأ. وعسى أن يكون رجوعي عنه أولى لأن مراعاة مثل هذه النكتة البلاغية هو الظاهر من تقديم الخبر حينئذ، فلا يعدل عنه بعد ظهور بطلان انحصار محطّ الفائدة في (سبحان الله) [وبهذا تم ما يتعلق بالحديث. بقي أنه وقع في نفي كون (سبحان الله)] إذا أريد لفظه معرفة، لأن المعارف أنواعها محصورة، وليس هو منها، كما هو مسطور في أصل جوابي، فارجع إليه. ثم قلت: فإن ادعى أنه يكون من قبيل العلم بناء على أن كل لفظ وضع ليدل على نفسه، كما وضع ليدل على غيره، فليعلم أنه على تقدير صحة هذه الدعوى، لم يعط بهذا الوضع حكم الوضع لغيره. وكذا صرح بأنه لا يصيّر كل لفظ مشتركًا، وهو لازم من وضع كل لفظ ليدل على نفسه، ووضع ليدل على غيره، فاعترض ذلك الأخ عليه بأنه من قبيل العلم.

قال الرضي: وهو عندهم من قبيل المنقول، لأنه نقل من مدلول هو معنى إلى مدلول اللفظ، ولا يخفى عليك أن حاصل هذا الاعتراض لم يزد على نسبة ما ذكرت أنه مما يقال. وخفي عليه أنني أنقله عن خلق، غير أن لي فيه بحثًا مكتتبًا من نحو عشرين سنة، مع القائلين به، فبناء عليه ذكرت. وحاصل ذلك البحث كتبته عند نقل المحققين قول ابن الحاجب في المنتهى: أكثر ما يطلق اللفظ على مدلول مغاير، وقد يطلق والمراد اللفظ، نحو: زيد مبتدأ، و (ز ي د) لأنهم لو وضعوا له أدى إلى (سيب التسلسل، ولو سلم فنفسه أولى، يعني لو سلم التسلسل أن لا يلزم) التسلسل لو وضعوا له، فإذا أمكن أن يطلق والمراد به نفسه كان أولى. انتهى. وذكر هنا أن موضوع فخلق لي فيه هذا، وهو أن الحاجة هنا ليست إلا مجرد التعبير عن اللفظ، وقد حصل بنفسه، فإن أمكن بطريق المجاز كان أولى، لأنه بطريق الوضع يثبت به معنى الاشتراك، والمجاز خير منه. ويناقش هذا بأنا إذا قلنا: زيد كذا وكذا، قبل ذلك الخبر يبادر إرادة معنى غير لفظ، إلى أن يذكر المسند، فيرى غير صالح إلا للفظ فيحكم به حينئذ للقرينة الملازمة للمسند، فتبادر معنى على التعيين من مجرد الإطلاق ظاهر في عدم تعدد الوضع للمعاني المتعددة، لأن لازم ذلك بحسب الأصل والغالب التردد والتوقف. وقد أمكن جعله مجازًا علاقة الاشتراك في الصورة، فيكون كإطلاق لفظ الفرس عل المثال المنقوش في الحائظ، فبناء على بحثي هذا معهم، قلت في أصل جوابي:

1211 - حديث: "خلق الله التربة يوم السبت، وخلق الجبال يوم الأحد .. الحديث".

فليعلم أنه على تقدير صحة هذه الدعوى، يعني لو تنزلنا عن هذا وقلنا إنه وضع لنفسه لا يوصف باعتبار هذا الوضع (أي: الدعوى)، بكونه معرفة ولا نكرة، بل الألقاب الاصطلاحية إنما يوصف بها اللفظ باعتبار الوضع للمعنى المغاير، لأن ذلك الوضع هو القصدي، وأما هذا الوضع فقد صرح بأنه لا يكون اللفظ به مشتركًا، فلما تعدد الوضع للمعاني المحتملة، ولم يكن مشتركًا علم أنه لم يعتبر في إطلاق الألقاب الاصطلاحية، إلا الوضع القصدي. ثم هذا لا ينفي تعين المعنى والعلم به، لأن المنفي الوصف الاصطلاحي، وهو لا يقتضي عدم تعيين المعنى، أرأيت لو لم يسم كل نوع باسم خاص أصلاً، كما كان عند العرب قبل حدوث الاصطلاح، أما ما كان يصح مبتدأ فكان، ولذا جعلنا (سبحان الله) مرادًا مجرد لفظه مبتدأ مع نفي الحكم عليه بأنه معرفة ولا نكرة، كما ذكرنا، لأن صحة الابتدائية، والحديث محدث عنه إنما يقتضي تعيين معناه كليًّا، كان ذلك المفهوم أو جزئيًّا لا تسمية. وكم نكرة يتعين معناها في الاستعمال، فتصير كمعنى المعرفة، لا يتفاوتان إلا في أصل الوضع، والله سبحانه وتعالى أعلم. 1211 - حديث: "خلق الله التربة يوم السبت، وخلق الجبال يوم الأحد .. الحديث". قال ابن الحاجب في أماليه: قولهم: (خلق الله السموات)، من قال: إن الخلق هو المخلوق، فواجب أن يكون (السموات) مفعولاً مطلقًا، لبيان النوع. إذ حقيقة

المصدر المسمى بالمفعول المطلق: أن يكون اسمًا لما دل عليه فعل الافعل المذكور. وهذا كذلك، لأنه بناء على أن الخلق هو المخلوق، فلا فرق بين قولك: خلق الله خلقًا، وبين قولك: (خلق الله السموات) إلا ما في الأول من الإطلاق، وفي الثاني من التخصيص، فهو مثل قولك: قعدت قعودًا، وقعدت القرفصاء، فإن أحدهما للتأكيد، والثاني لبيان النوع، وإن استويا في حقيقة المصدرية، وهذا أمر مقطوع به، بعد إثبات أن المخلوق هو الخلق. ومن قال: إن المخلوق غير الخلق، وإنما هو متعلق الخلق، وجب أن يقول: إن (السموات) مفعول به، مثله في قولك: ضربت زيدًا، ولكنه غير مستقيم، لأنه لا يستقيم أن يكون المخلوق متعلق الخلق، لأنه لو كان متعلقًا له، لم يخل أن يكون المتعلق قديمًا أو مخلوقًا، فإن كان مخلوقًا تسلسل وكان باطلاً، وإن كان قديمًا فباطل، لأنه لم يجب أن يكون متعلقه معه، إذ خلق ولا مخلوق محال، فيؤدي إلى أن تكون المخلوقات أزلية، وهو باطل، فصار القول بأن الخلق غير المخلوق يلزم منه محال، وإذا كان اللازم محالاً فملزومه كذلك، فثبت أن الخلق هو المخلوق. وإنما جاء الوهم لهذه الطائفة من جهة أنهم لم يعهدوا في الشاهد مصدرًا إلا وهو غير جسم، فتوهموا أنه لا مصدر إلا كذلك، فلما جاءت هذه أجسامًا، استبعدوا مصدريتها لذلك، ورأوا تعلق الفعل فحملوه على المفعول به. ولو نظروا حق النظر لعلموا أن الله تعالى يفعل الأجسام، كما يفعل الأعراض،

1212 - حديث: "إذا أوى أحدكم إلى فراشه فلينفضه بداخلة إزاره، فإنه لا يدري ما خلفه عليه".

فنسبتها الى خلقه واحدة، فإذا كان كذلك وكان معنى المصدر ما ذكرناه، وجب أن تكون مصادر، وليست هذه المسألة وحدها بالتي حملوا فيها أمر الغائب على الشاهد. بل أكثر مسائلهم التي يخالفون فيها، كمسألة الرؤية، وعذاب القبر، وأشباههما. انتهى كلام ابن الحاجب. وقال الشيخ جمال الدين بن هشام: وقد سبق ابن الحاجب إلى هذا القول الشيخ عبد القاهر، فقال: إن انتصاب (الزمان) في قولهم: خلق الله الزمان، على أنه مفعول مطلق، لا على أنه مفعول به، وهذا هو التحقيق، لأن حقيقة المفعول به ما أوقعت به كقولك: ضربت زيدًا، فهذا يستدعي أن يكون ذلك الشيء موجودًا أولاً، ثم توقع أنت به الفعل، ولهذا سميته مفعولاً به، أي: فعل به فعل. وحقيقة المفعول المطلق أنه الشيء الذي أوجده الفاعل كضربت ضربًا، فإن الضرب هو عين ما أوجد بك، ومن ثم سمي مفعولاً مطلقًا، لأنك تطلق عليه قولك مفعولك مفعول ولا يحتاج أن تقول: به، ولا فيه، ولا نحو ذلك من القيود، انتهى. 1212 - حديث: "إذا أوى أحدكم إلى فراشه فلينفضه بداخلة إزاره، فإنه لا يدري ما خلفه عليه". قال الزمخشري في الفائق: (ما) مبتدأ، و (يدري) معلق عنه لتضمنه معنى الاستفهام. قوله: (ثم ليقل: باسمك ربي وضعت جنبي). قال جماعة من المتأخرين: يستدل بهذا على أن متعلق البسملة يقدر فعلاً ماضيًا

مؤخرًا مناسبًا، لما جعلت التسمية مبتدأ له، لما جنح إليه صاحب الكشاف، فيقدر في (باسم الله) عند القراءة: أقرأ، وعند السفر: أرتحل، لا كما قال البصريون: إنه يقدر: ابتدائي كائن باسم الله. قوله: (وبك أرفعه). قال الشيخ تقي الدين السبكي: فكرت في ذلك عند الاضطجاع، فأردت أن أقول: إن شاء الله، في (أرفعه)، لقوله تعالى: (وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ) [الكهف: 23 - 24] ثم قلت في نفسي: إن ذلك لم يرد في الحديث في هذا الذكر المقول عند النوم، ولو كان مشروعاً لذكره النبي صلى الله عليه وسلم، الذي أوتي جوامع الكلم. فتطلبت فرقاً بينه وبين كل ما يخبر به الإنسان من الأمور المستقبلة المستحب فيها ذكر المشيئة. ولا يقال: إن (أرفعه) حال، وليس بمستقبل لأمرين: أحدهما: أن لفظه وإن كان كذلك، لكنا نعلم أن رفع جنب المضطجع ليس حال اضطجاعه. والثاني: أن استحباب المشيئة عام فيما ليس بمعلوم الحال أو المضي. وظهر لي أن الأولى الاقتصار على الوارد في الحديث في الذكر عند النوم بغير زيادة، وأن ذلك ينبه على قاعدة يفرق بها بين تقدم الفعل على الجار والمجرور، وتأخره عنه، فإنك إذا قلت: أرفع جنبي باسم الله، كان المعنى الإخبار الرفع، وهو عمدة الكلام، وجاء الجار والمجرور بعد ذلك تكملة ذلك. وإذا قلت: باسم الله أرفع جنبي، كان المعنى الإخبار بأن الرفع كائن باسم

1213 - حديث: "لا يشير أحدكم إلى أخيه بالسلاح فإنه لا يدري أحدكم لعل الشيطان ينزع في يده فيقع في حفرة من النار".

الله وهو عمدة الكلام. فافهم هذا السر اللطيف، وتأمله في جميع موارد كلام العربية، تجده يظهر لك شرف كلام المصطفى صلى الله عليه وسلم، وملازمة المحافظة على الأذكار المأثورة عنه، وإياك أن تنظر إلى الإطلاق أن الجار والمجرور فضلة في الكلام، وتأخذه على الإطلاق، بل تأمل موارد تقدمه وتأخره في الكتاب والسنة، وكلام الفصحاء، وتفهم هذه القاعدة الجليلة التي يفهم منها اللفظ والمعنى. واعلم أنه لا بد من المحافظة على قواعد العربية، وعلى فهم معنى كلام العرب ومقاصدها، وقواعد العربية تقتضي أن الجار والمجرور فضلة في الكلام لا عمدة، وأن الفعل هو المخبر به والاسم هو المخبر عنه، فهذا أصل الكلام ووضعه، ثم قد يكون ذلك مقصود المتكلم، وقد لا يكون على هذه الصورة، فإنه قد يكون المخبر عنه والمخبر به معلومين أو كالمعلومين، ويكون محط الفائدة، في كونه على الصفة المستفادة من الجار والمجرور، كما نحن فيه، فإن المضطجع ووضع جنبه معلوم، ورفعه كالمعلوم. وإنما قلنا كالمعلوم ولم نقل: معلوم، لأنه قد يموت، انتهى. قوله: (فاحفظها بما تحفظ به الصالحين). قال الطيبي: الباء مثلها في: كتبت بالقلم، و (ما) موصولة مبهمة، وبيانها ما دل عليه صلتها. 1213 - حديث: "لا يشير أحدكم إلى أخيه بالسلاح فإنه لا يدري أحدكم لعل الشيطان ينزع في يده فيقع في حفرة من النار".

1214 - حديث: "صنفان من أهل النار لم أرهما: قوم معهم سياط كأذناب البقر، ونساء كاسيات عاريات".

قال الطيبي: قوله: (لا يشير) خبر في معنى النهي. وقوله: (لعل الشيطان) مفعول (يدري)، ويجوز أن يكون (يدري) نازلاً منزلة اللازم، فنفى الدراية عنه رأسًا، ثم استأنف بقوله: (لعل). وقوله: (في يده) حال من الضمير في (ينزع) معناه: يرمي به كائنًا في يده. والفاء في قوله: (فيقع) فصيحة. 1214 - حديث: "صنفان من أهل النار لم أرهما: قوم معهم سياط كأذناب البقر، ونساء كاسيات عاريات". قال الطيبي: (صنفان) مبتدأ، و (لم أرهما) خبره. وقوله: (قوم) و (نساء) بيان أو بدل لقوله: (صنفان) وما بعدهما صفات لهما. وذكر قوله: (لا يدخلن الجنة) صفة للنساء، ولم يذكر للرجال مثلها، اختصارًا وإيجازًا. وقوله: (كاسيات عاريات) أثبت لهن الكسوة ثم نفاها، لأن حقيقة الاكتساء ستر العورة، فإذا لم يتحقق الستر فكأنه لا اكتساء، ومنه قول الشاعر: خلقوا وما خلقوا لمكرمة ... فكأنهم خلقوا وما خلقوا رزقوا وما رزقوا سماح يد ... فكأنهم رزقوا وما رزقوا 1215 - حديث: "رغم أنف من أدرك أبويه عند الكبر أحدُهما أو كلاهما، فلم يدخل الجنة".

1216 - حديث: "أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد".

قال الطيبي: قوله: (عند الكبر) بالإضافة، و (أحدهما أو كلاهما) مرفوعان، وروى: (عنده) بالهاء، و (كليهما) بالنصب، وعلى الرواية الأولى: (عند الكبر) ظرف في موضع الحال، برفع ما بعده، فـ (أحدهما) مرفوع بالظرف، و (كلاهما) معطوف على (أحدهما). وقال الأشرفي: يجوز أن يكون (أحدهما) خبر المبتدأ المحذوف، أي: مدرك أحدهما. فإن من أدرك شيئًا فقد أدركه الشيء. وهذه الجملة بيان لقوله: (من أدرك أبويه). 1216 - حديث: "أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد". قال الشيخ بهاء الدين بن النحاس في التعليقة: هو من باب: أكثر شربي السويقَ مَلتوتًا، وأخطبُ ما يكون الأمير قائمًا، فـ (أكثر) و (أخطب) مبتدأ، وأفعل التفضيل مضاف إلى ما بعده، وهو في (أكثر) مضاف إلى صريح المصدر، وفي (أخطب) مضاف إلى (ما) بعده. وهو في (أخطب) مضاف إلى ما يكون، وهو مؤول بالمصدر، تقديره: كون الأمير، وفي إضافة (أخطب) إلى الكون، نوع تجوّز، لأن أفعل لا يضاف إلا إلى ما هو بعضه، وليس الخطابة بعض الكون، فقدروا لذلك حذف مضاف، أي: أخطب أوقات كون الأمير، وليست الخطابة أيضًا بعض الأوقات، لكن لما كانت لا تقع إلا في الأوقات جازت إضافتها إليها، كما في قوله تعالى: (بل مكر الليل والنهار) [سبأ: 33] لما كان المكر واقعًا فيهما.

ومن النحاة من أعرب (أكثر) وأخطب (فاعلاً) بفعل مضمر تقديره: يقع، أو ثبت. والذين قالوا: بأنه مبتدأ، اختلفوا: هل يحتاج إلى تقدير خبر أم لا؟، فقال بعضهم: ليس ثم تقدير خبر لوقوع المبتدأ هنا موقع الفعل، كما في قولهم: أقائم الزيدان؟. وقال الكسائي وهشام والفراء وابن كيسان: إنّ (قائمًا) و (ملتوتًا) حال، وهي بنفسها خبر لا سادة مسده. ثم قال الثلاثة الأولون: إنما نصب على الحال، وإن كان خبرًا لما لم يكن المبتدا. ألا ترى: أن الملتوت هو السويق لا لا الشرب، والقائم هو الأمير لا الكون. فلما كان خلاف المبتدأ انتصب على الخلاف، لأن الخلاف عندهم يوجب النصب. وقال ابن كيسان: إنما أغنت الحال عن الخبر لشبهها بالظرف، والذين قالوا بتقدير خبر اختلفوا في كيفية تقديره، ومكانه، فذهب البصريون في المشهور عنهم إلى تقديره قبل ملتوت وقائم، واختلفوا في كيفيته، فقال الأكثرون: تقديره: إذ كان قائمًا، إن أردت الماضي، وإن كان قائمًا، إن أردت المستقبل. وقال بعضهم: تقديره بعد قائم، والتقدير: ثابت أو موجود، أو ما أشبه ذلك، و (قائمًا) عندهم حال من الأمير سادّة مسد الخبر، والعامل فيها المبتدأ. وقال ابن خروف: مذهب سيبويه أن الحال لا يسد مسد الخبر إلا إذا كانت منصوبة مع صلاحية المعنى. وإذا كانت فعلاً، أو بالواو، فلا. وجوز الأخفش ما أجازه سيبويه، وإذا كانت فعلاً، وأجاز الفراء ما أجازا، وإذا كانت بالواو.

ونقل ابن مالك: أن مذهب الفراء منع وقوع الحال المذكورة فعلاً فرارًا من كثرة مخالفة الأصل، لأن سدّ الحال مسدّ الخبر خلاف الأصل، (ووقوع الفعل موقع الحال خلاف الأصل) فتكثر المخالفة، وما ذكره موجود في الجملة الاسمية، وقد جوزه. وذكر ابن عصفور أن الذي يمنعه الفراء، الفعل المضارع المرفوع، وعلله بأن النصب كالذي في لفظ المفرد عوض من التصريح بالشرط، والمستقبل المرفوع ليس في لفظه ما يكشف مذهب الشرط. قال ابن النحاس: وهذا يقتضي أن يمنع الفراء أيضًا الجملة الاسمية، لأنها لا يظهر في لفظها النصب أيضًا. وشاهد مجيء الحال جملة اسمية هذا الحديث، وهو قوله صلى الله عليه وسلم: (أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد). وقول الشاعر: خير اقترابي من المولى حليف رضا ... وشر بعدي عنه وهو غضبان انتهى. وقال الرضي: إذا كانت الحال المذكورة جملة اسمية، فعند غير الكسائي يجب معها واو الحال، نحو: ضربي زيدًا وعبدُ الله قائم. قال النبي صلى الله عليه وسلم: " أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد "، إذ الحال فضلة، وقد وقعت موقع العمدة، فيجب معها علامة الحالية، إذ كل واقع غير موقعه ينكر. وجوز الكسائي تجردها عن الواو، لوقوعها موقع خبر المبتدأ، فتقول: ضربي زيدًا أبوه قائمٌ، كما في قوله: كلمته فوه إلى فيّ.

1217 - حديث: "إياك واللو فإن اللو تفتح عمل الشيطان".

قال ابن مالك: قوله: (وهو ساجد)، جملة حالية سدت مسد خبر المبتدأ، ونظيره ضربي زيدًا قائمًا، التزمت العرب حذف خبر هذا المبتدأ، وتنكير (قائمًا)، وجعلت المبتدأ عاملاً في مفسر صاحب الحال، ويشهد بأن تنكير كان المقدرة تامة، و (قائمًا) حال من فاعله، التزام العرب تنكير (قائمًا)، وإيقاع الجملة الاسمية المقرونة بواو الحال موقعه في هذا الحديث، فالمبتدأ فيه مؤول بمفسر صاحب الحال، يعني بالمصدر المقدر، لأن لظفه ما يكون مؤول بالكون، والتقدير: أقرب الكون كون. انتهى. وقال الطيبي: التركيب من الإسناد المجازي، أسند القرب إلي الوقت، وهو للعبد، مبالغة. فإن قلت: أين المفضل عليه ومتعلق أفعل في الحديث؟ قلت: محذوف، وتقديره: إن للعبد حالتين في العبادة: حالة كونه ساجدًا لله تعالى، وحالة كونه متلبسًا بغير السجود، فهو في حالة سجوده أقرب إلى ربه من نفسه في غير تلك الحالة. ويدل عليه التصريح به في قول علي رضي الله عنه: (الناس بزمانهم أشبه منهم بآبائهم). أي: الناس في فسادهم واقترافهم رذائل الأخلاق، أشبه بزمانهم من أنفسهم بآبائهم في الصورة والهيئة، أو في اقتباسهم مكارم الأخلاق. انتهى. 1217 - حديث: "إياك واللو فإن اللو تفتح عمل الشيطان". قال القاضي عياض: إدخال الألف واللام على (لو) غير جائز عند أهل العربية، إذ (لو) حرف، وهما لا يدخلان على الحروف. قال الزركشي: وهذا عجيب، فإن الحروف يجوز أن يسمى بها، وتجري الأسماء

في الإخبار عنها، وقبول علامات الاسم، فأصل (لو) حرف امتناع، فإذا سمي بها زيد فيها واوٌ أخرى ثم أدغمت وشددت. وقال الكرماني: لما أرادوا إعرابها جعلوها اسمًا بالتعريف، ليكون علامة لذلك، وبالتشديد ليصير متمكنًا، قال الشاعر: ألام على لو ولو كنت عالمًا ... بأذناب لوٍ لمْ تفُتْني أوائله وسئل الشيخ تقي الدين السبكي عن هذا الحديث، كيف دخل الألف واللام على (لو) وهي حرف؟ فألف فيه تأليفًا سماه: "بين من أقسطوا ومن غلوا: في حكم من يقول: لو". قال فيه: اعلم أنها لا يدخلها الألف واللام إذا بقيت على الحرفية، أما إذا سمي بها فقد صارت اسمًا. وقد تكلم النحاة في التسمية بالحروف، في حروف الهجاء، وحروف المعاني، و (لو) هذه من حروف المعاني، فقد يسمى بها، وقد سمت العرب بهذه الكلمة أعني (لو) التي هي حرف، فإذا أرادوا ذلك، قالوا: هذه لوٌّ، وكتبت لوًّا، فيضمّون إلى الواو واوًا أخرى، ويشدّدون، قال الشاعر: إن ليتًا وإن لَوًّا عناءُ

وقال آخر: وقدما أهلكت لوٌّ كثيرًا ... وقبل اليوم عالجها قدار فانظر كيف جعلها اسم (إن) في البيت الأول، وفاعلاً في البيت الثاني، وكلاهما شددها، وهي اللغة الفصيحة. وحكى سيبويه: أن بعض العرب يهمز، يعني يجعل بدل الواو الملحقة همزة، فيقول: لَوْء، مثل نَوْء، على أن جعلها فاعلة والإخبار عنها، نحو ذلك لا يختص بحالة التسمية بها. بل قد تكون وهي مبنية على حرفيتها، كقوله في الحديث الآخر: (لا تقل لو فإن لو تفتح عمل الشيطان) بدون دخول الألف واللام فيه. فقد جعل (لو) اسم إنّ، لكن ذلك إخبار لفظي يكون في الاسم والفعل والحرف، فتقول: زيد ثلاثي، وضرب فعل ثلاثي، ومن ثنائي، أي: ألفاظها. فإذا قلت: إياك ولو، فإن لو. فمقصودك الحرف، وقد حكيته، وأخبرت عن لفظه. وإذا سميت به رجلاً وأخبرت عنه فالإخبار عن معناه، وهو ذات الرجل. وإذا جعلته اسمًا للكلمة التي هي حرف، وأخبرت عنه، فالإخبار عنه، إخبرا عن الحرف المسمى بذلك. فيرجع الإخبار في الحديثين إلى شيء واحد، ولكن في أحدهما عن اللفظ على سبيل الحكاية، وفي الآخر عن المعنى المسمى بذلك اللفظ.

1218 - حديث: "لما خلق الله آدم ونفخ فيه الروح عطس ... الحديث".

والرابع أن ذلك المعنى لفظ، فلا يفترقان إلا في أن الإشارة إلى معهود، حال التسمية إلى معهود. وفي العموم عند دخول الألف واللام. وعليك أن تفهم الفرق بينهما في ذلك، وعدم الفرق فيما سواه، فإنه قد يخفى، وهذا الحكم الذي قلناه في التسمية بـ (لو)، جاز فيها، وفي (أو)، وليس في الكلام غيرهما في هذا الحكم، لأن أولهما حرف مفتوح، وثانيهما حرف علة. وقال ابن الأثير في النهاية: في (إياك واللو) يريد قول المتندم على الغائب، لو كان كذا، لقلت وفعلت. وكذلك قول المتمني، لأن ذلك من الاعتراض على المقادير. والأصل فيه (لو) ساكنة الواو، وهي حرف من حروف المعاني، يمتنع بها الشيء لامتناع غيره، فإذا سمي بها زيد فيها واو أخرى، ثم أدغمت وشدّدت حملاً على نظائرها من حروف المعاني، انتهى ما أورده السبكي. 1218 - حديث: "لما خلق الله آدم ونفخ فيه الروح عطس ... الحديث". قوله: (إلى ملأٍ منهم جلوس). قال الطيبي: يحتمل أن يكون بدلاً، فيكون من كلام الله تعالى، ويحتمل أن يكون حالاً، فيكون من كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم بيانًا لكلام الله. وهو إلى الحال أقرب منه إلى البدل، يعني: قال الله تعالى: (أولئك) مشيرًا به إلى ملأ منهم.

1219 - حديث: "كيف أنتم إذا نزل فيكم ابن مريم، وأمكم منكم".

قوله: (عمرَ أربعين) مفعول (كتبت له أن يعمر)، هذا بالظرف أشبه منه بالمصدر. قوله: (أنت وذلك) نحو قولهم: (كل رجل وضيعته)، أي: أنت مع مطلوبك مقرونان. 1219 - حديث: "كيف أنتم إذا نزل فيكم ابن مريم، وأَمَّكم منكم". قال الطيبي: الضمير في (أمكم) لعيسى، و (منكم) حال، أي: يؤمكم عيسى حال كونه من دينكم. 1220 - حديث: "ليس من الإنسان شيءٌ لا يبلى إلاّ عظمًا واحدًا". قال الطيبي: قيل: هو منصوب لأنه استثناء من موجب، لأن قوله: (ليس شيء من الإنسان لا يبلى) نفي النفي، ونفي النفي إثبات، فيكون تقديره: كل شيء يبلى إلا عظمًا فإنه لا يبلى. ويحتمل أن يكون منصوبًا على أنه خبر (ليس) لأن اسمه موصوف، كقولك: ليس زيد إلا قائمًا. 1221 - حديث: "إن حوضي لأبعدُ من عدن من أيلة". قال الطيبي: (من) الأولى متعلقة بـ (أبعد) والثانية متعلقة ب (بُعد) مقدر، أي:

1222 - حديث: "إن أول زمرة يدخلون الجنة على صورة القمر ... الحديث".

أبعد أيلة من عدن. 1222 - حديث: "إن أول زمرة يدخلون الجنة على صورة القمر ... الحديث". قوله: (على صورة أبيهم آدم). قال الطيبي: ليس بدلاً من قوله: (على خلق رجل واحد)، بل يكون خبر مبتدأ محذوف، إن كان (خلق) بالضم، وإن كان بالفتح حسن الإبدال. 1223 - حديث: "إن أدنى مقعد أحدكم من الجنة أن يقول له: تمنَّ". قال الطيبي: (أن يقول) خبر (إنّ)، والمعنى: إنّ أدنى منزلة أحدكم في الجنة أن ينال أمانيه كلها بحيث لا يبقى له أمنية. 1224 - حديث: "سَيحان وجيحان والفرات والنيل كل من أنهار الجنة". قال الطيبي: (سيحان) مبتدأ، و (كل) مبتدأ ثان، والتقدير: كل منها. و (من أنهار الجنة) خبر المبتدأ الثاني، والجملة خبر الأول، و (من) إما ابتدائية أي: ناشئة منها، أو اتصالية، أو تبعيضية. 1225 - حديث: "سوق الجنة". قوله: (ما يرون أصحاب الجنة الكراسي بأفضل منهم مجلسًا). قال الطيبي: (يرون) من الأراة على بناء المفعول، أو بمعنى يظنون. قوله: (فيقول: بلى، فسعة مغفرتي بلغت بك منزلتك). (فسعة) عطف على

1226 - حديث وفاة موسى

مقدر، أي: بلى غفرت لك، فبلغت بسعة مغفرتي. قوله: (فنأتي سوقًا قد حفت به الملائكة فيه ما لم تنظر العيون إلى مثله). قال المظهري: (ما) موصولة، والموصول مع صلته يحتمل أن يكون منصوبًا بدلاً من الضمير المنصوب المقدر العائد إلى (ما) في قوله: (قوموا إلى ما أعددت لكم من الكرامة)، ويحتمل أن يكون في محل الرفع على أنه خبر مبتدأ محذوف، أي: المعدّ لكم ما لم تنظر العيون إلى مثله. قال الطيبي: والوجه أن تكون (ما) موصوفة بدلاً من (سوقًا)، أو إبهامية تريد الشيوع في (سوقًا) المفخم بالتنكير، أو صلة للتأكيد، كالتي في قوله تعالى: (فبما نقضهم) ويكون (قد حفت به الملائكة) وقوله (لم تنظر العيون) صفة له. وقوله: (ليس يباع فيها) حال من (ما) في قوله: (فيحمل لنا ما اشتهينا)، والضمير في (يباع) عائد إليه. وقوله (فيقبل الرجل ذو المنزلة المرتفعة فيلقى من هو دونه). الضمير المجرور في (عليه) يحتمل أن يرجع إلى (مَنْ) فيكون الروع مجازًا عن الكرامة، لما هو عليه من اللباس، وأن يرجع إلى الرجل ذي المنزلة، فالروع بمعنى الإعجاب، وضمير المفعول فيه عائد إلى (مَن). 1226 - حديث وفاة موسى:

1227 - حديث: "بعثت من خير قرون بني آدم قرنا حتى كنت من القرن الذي كنت فيه".

قوله: "فضع يدك على متن ثور فما توارت يدك من شعرة، فإنك تعيش بها سنة". قال البيضاوي: هكذا في صحيح مسلم، ولعل الظاهر: مما وارت يدك بالرفع، وأخطأ بعض الرواة، ويدل عليه قوله في الرواية الأخرى: (فله ما غطت يده بكل شعرة سنة). قال: ويحتمل أن يكون (يدك) منصوبًا بنزع الخافض، وفي (توارت) ضمير، وإنما أنثه لكونه مفسرًا بالشعرة. وقال الطيبي: قوله: (من شعرة) بيان (ما) والضمير فيه راجع إلى (متن ثور)، وأما ما وارت يده، وهو قطعة منه، فأنثه باعتبار القطعة التي توارت بيدك، أو تحت يدك. 1227 - حديث: "بعثت من خير قرون بني آدم قرنًا حتى كنت من القرن الذي كنت فيه". قال الطيبي: (الفاء) في قوله: (قرنًا) للترتيب في الفضل على سبيل الترقي من الآباء من الأبعد إلى الأقرب فالأقرب، كما في قولك: خذ الأفضل فالأكمل، واعمل الأحسن فالأجمل، وقوله تعالى: (والصافات صفا * فالزاجرات زجرا * فالتاليات ذكرا) وعلى أن الطوائف الصافات ذوات فضل، والزاجرات أفضل. زقوله: (حتى كنت) غاية (بعثت)، والمراد بالبعث تقليبه في أصلاب الآباء أبًا فأبًا، قرنًا فقرنًا، حتى ظهر في القرن الذي وجد فيه.

1228 - حديث: "لما خلق الله آدم مسح ظهره".

1228 - حديث: "لما خلق الله آدم مسح ظهره". قال الطيبي: (بين عينيه) ثاني مفعولي (جعل)، أي جعل. وبيضاء علامة بين عينيه، ويجوز أن يكون (جعل) بمعنى خلق، وحينئذ يكون (بين عينيه) ظرفًا له، و (كم) مفعول قدم لكونه استفهامًا، أي: كم سنة جعلت عمره .. (أربعين) ثاني مفعولي (زد) كقوله تعالى: (وقل رب زدني علما) [طه: 114]. قال أبو البقاء: (زاد) يستعمل لازمًا كقولك: زاد الماء، ومتعديًا إلى مفعولين، كقولك: زدته درهما، وقوله تعالى: (فزادهم الله مرضا) [البقرة: 10]. و (من عمري) صفة (أربعين) تقدم، فصار حالاً. 1229 - حديث: "يوشك أن يضرب الناس أكباد الإبل". قال الطيبي: (أن يضرب) في موضع الرفع، اسم لـ (يوشك)، والمسند والمسند إليه أغنيا عن الخبر. 1230 - حديث: "إن سورة في القرآن ثلاثون آية شفعت لرجل". قال الطيبي: (في القران) نصب صفة لاسم (إن)، و (ثلاثون) خبر له. و (شفعت) خبر بعد خبر، أو استئناف.

1231 - حديث: "قالوا يا رسول الله: متى وجبت لك النبوة؟ قال: وآدم بين الروح والجسد".

1231 - حديث: "قالوا يا رسول الله: متى وجبت لك النبوة؟ قال: وآدمُ بين الروح والجسد". قال الطيبي: قوله: (وآدم) جواب لقولهم: (متى وجبت؟)، أي وجبت في هذه الحالة، فعامل الحال وصاحبها محذوفان. 1232 - حديث: "بعثت لأتم مكارم الأخلاق". قال الطيبي: هو من إضافة الصفة إلى الموصوف كقولهم: برد قطيفةٍ، وأخلاق ثيابٍ. 1233 - حديث: "صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته فإن غُمَّ عليكم فأكملوا شعبان ثلاثين". قال في النهاية: في (غمّ) ضمير الهلال، ويجوز أن يكون (غمّ) مسندًا إلى الظرف، أي فإن كنتم مغمومًا عليكم فأكملوا. 1234 - حديث: "إياكم أن تتخذوا قبور أنبيائكم منابر".

قال ابن مالك في شرح الكافية: الشائع في التحذير أن يراد به المخاطب، وقد يكون للمتكلم كقول من قال: "إياي وأن يحذف أحدكم الأرنب". أي: نَحِّ عني حذف الأرنب، ونح حذف الأرنب عن حضرتي. وقال في توضيحه في قول عمر: (إياي ونعم ابن عوف) شاهد على تحذير الإنسان نفسه، وهو بمنزلة أن يأمر نفسه. ونظيره: إياي أن يحذف أحدكم الأرنب، وقال ابن النحاس في التعليقة: هذا قول عمر رضي الله عنه، قال شيخنا ابن عمرون: هذا وإن كان تقديره: باعدني عن حذفها عني، فإن المراد النهي عن حذفها لا غير لأن الحذف لا يحل الصيد إذا قتل. والغالب قتل الأرنب بالحذف، ولو قال: لا تحذفوا الأرنب لم يكن فيه من المبالغة في النهي ما في هذا الكلام. قال: ومما نبه عليه سيبويه: أنه لا يجوز في هذا المعطوف أن يقال بغير واو نحو: إياك والشر. قال ابن عمرون: لأن الفعل المقدر لا يتعدى إلى اثنين فلا بد من الواو في الثاني، وقد جاء حذفها في الشعر فإن أبدلت الواو بمن نحو: إياك من الأسد، وإياي من أن يحذف، جاز إن تعدى الفعل بمن، ويجوز حينئذ في إياك من أن يحذف أحدكم الأرنب حذف من منها حرف الجر يحذف من أنّ وأنْ قياسًا مطّردًا. قلت: وعلى هذا يخرّج إيّاي أن تتخذوا، أي: من أن تتخذوا. وقال ابن فلاح في المغني: إنما نهى عمر عن حذف الأرنب بالعصا لأنها إذا ماتت بحذف العصا لم تحل، والتحذير للمخاطبين لا له وفي تقديره وجهان: أحدهما للزَّجاج: أن التقدير إيّاي وإيّاكم أن يحذف أحدكم الأرنب فحذف إياكم لدلالة أحدكم عليه. والثاني: أنه لا حاجة إلى تقدير إياكم لأنه قد علم أن التحذير للمخاطبين من

قوله: أحدكم: وإنما ذكر نفسه وإن لم يكن داخلاً في التحذير مبالغة في زجرهم عن حذفها كأنه قال: باعدوني عن مشاهدة حذفها. قال: ولا بد مع الاسم الثاني من حرف العطف أو حرف الجر، نحو قوله عليه الصلاة والسلام: "إياك وما يعتذر منه وإياك والغيبة"، ولا يجوز إياك الأسد، لأنه لا يجوز حذف حرف العطف وحرف الجر من مثل هذا، (حذف الجر منه فيقال: إياك أن تحذف ولا يجوز حذفه من المصدر فلا يقال: إياك الحذف، لأن الحذف معها قياس مطرد لطولها بعلتها وأما حذف حرف العطف معها فلا يجوز كغيرها). (وأما إياك وأن تحذف الأرنب، وإياك من أن تحذف، فإنه يجوز حذف حرف الجر منه، فيقال إياك أن تحذف، ولا يجوز حذفه من المصدر فلا يقال: إياك الحذف، لأن الحذف معها قياس مطرد لطولها بصلتها وأما حذف حرف العطف معها فلا يجوز كغيرها). وقال الفارسي في التذكرة: لا يجوز إياك الأسد، بخلاف إياك أن تفعل، فإن سيبويه أجازه إذا أردت إياك أحذر مخافة أن تفعل، ثم حذف المضاف وصح نيابة الثاني عنه في هذا التركيب ونحوه من حيث هو مصدر، بخلاف إياك الأسد. فأما (إياك المراء) فإنه لم يجز مع أنه مصدر لأن الذي سوغ هناك الحذف الطول، ألا تراهم قالوا: (هو أهل أن يفعل، فأعملوا فيه ما في أهل من معنى الفعل ولم يجيزوا) هو أهل الفعل. قال ابن هشام في تذكرته: وتقديره: إياك أن تفعل بالمخافة، يقتضي أن نصبه عند

1235 - حديث: "حديث المجامع".

سيبويه على أنه مفعول له، والذي وجدناه في كلام النحاة أنه منصوب أو مخفوض على إسقاط (من)، ومن ثم لم يجز في (إياك المراء) لأن الجار لا يحذف من المصدر الصريح. 1235 - حديث: "حديث المجامع". قوله: فقال: "يا رسول الله، ما أحدٌ أحوجَ مني ". قال أبو البقاء: (أحوج) بالنصب خبر (ما) في لغة الحجاز، وقوله: (فضحك وقال: خذها) كذا وقع في هذه الرواية، فإن صحت فهي محمولة على المعنى، لأن العرق زنبيل وهو بمعنى القفة. وقوله في الرواية الأخرى: (تصدق بهذا، قال: على أفقر منا). قال الطيبي: هو محذوف همزة الاستفهام، تقديره: أعلى أفقر منا؟، وفي لفظ لمسلم فقال: أتصدق بهذا، قال أفقر منا. قال القاضي عياض: رويناه بالنصب على إضمار الفعل وتقديره: أتجد أفقر، أو أنعطي أفقر. قال: وقد يصح رفعه على خبر المبتدأ أي: أحد أفقر منا، أو من يتصدق عليه أفقر منا. وقوله: هل تجد ما تعتق رقبة، قال النووي والقرطبي: رقبة نصب على البدل من (ما) الموصوفة وهي مفعول تجد.

1236 - حديث: "يأتي يوم القيامة كأغذ ما كانت وأكبره وأسمنه".

1236 - حديث: "يأتي يوم القيامة كأغَذِّ ما كانت وأكبرِه وأسمنِه". قال أبو البقاء: الجر في (أكبر) و (أسمن) وما بعده أجود لأنه يعطف على لفظ (أغذ)، ويجوز نصبه عطفًا على الكاف فإن موضعها نصب على الحال. وقوله: (حتى يُبطَح لها) هو بالنصب لا غير، لأن معناه: إلى أن يبطح. 1237 - " كل عمل ابن آدم يضاعف الحسنة عشر أمثالها ". قال أبو البقاء: في (عشر) وجهان: أحدهما: النصب على تقدير: تضاعف الحسنة عشر أمثالها، أي: تصير، فهو مفعول ثان. والثاني: الرفع على أنه مبتدأ، وخبره هذه الجملة مفسرة بمعنى التضعيف. وقال البيضاوي: لما أراد بقوله: (كل عمل) الحسنات من الأعمال، وضع الحسنة في الخبر موضع الضمير الراجع إلى المبتدأ. قال: والاستثناء في قوله (إلا الصوم)، من كلام غير محكي دلّ عليه ما قبله، والمعنى أن الحسنات يضاعف جزاؤها من عشر أمثالها إلى سبعمائة إلا الصوم، فإن ثوابه لا يقدر، ولذلك يتولى الله جزاءه بنفسه. وقال الطيبي: يمكن أن يقال: إنه مستثنى من (كل عمل ابن آدم) وهو مروي عن الله، يدل عليه قوله تعالى، ولما لم يذكر في صدر الكلام أورده في وسطه بيانًا.

1238 - حديث: "ويضرب جسر على جهنم فأكون أول من يجيز، وفيها كلاليب".

1238 - حديث: "ويضرب جسر على جهنم فأكون أول من يجيز، وفيها كلاليب". قال أبو البقاء: كذا وقع في هذه الرواية ويمكن تأويله على أحد شيئين: أحدهما: تقديره ويجيزها، يعني جهنم، فحذف المضاف واكتفى بالمضاف إليه. والثاني: أن يكون الجسر محمولاً على البقعة، لأنه بقعة. والجيد: أن يحمل على معنى الصراط. والصراط يذكر ويؤنث على معنى الطريق، وهي تذكر وتؤنث. 1239 - حديث: "يسترق السمع فيلقيها إلى ما تحته ثم يلقيها إلى الآخر إلى ما تحته". قال أبو البقاء: (ما) ههنا بمعنى (مَنْ). 1240 - حديث مجالس الذكر: "قالوا لا، أيْ رب". قال أبو البقاء: كان الظاهر يقضي أن يقولوا: (أيْ ربَّنا) لأن الألفاظ كلها قالوا

1241 - حديث: "خير يوم طلعت عليه الشمس يوم الجمعة".

ويقولون. والوجه في الإفراد أن يكون التقدير: فيقول كل منهم: أي رب، ونظيره قوله تعالى: (والذين يرمون المحصنات) [النور: 24] ثم قال: (فاجلدوهم)، أي: فاجلدوا كل واحد منهم منهم ثمانين، فحذفت (كل) للعلم بها، ويجوز أن يكون الجمع لاتفاق كلمتهم كالملك الواحد. 1241 - حديث: "خير يوم طلعت عليه الشمس يوم الجمعة". قال القرطبي: خير وشر يستعملان للمفاضلة ولغيرها فإذا كانتا للمفاضلة فأصلها أخير وأشر، على وزن أفْعَل، وقد نطق بأصلهما، ففي الحديث: "تعارفون يوم القيامة سبعين أمةً، أنتم أخيرهم) ثم أفعل إن قرنت بمن كانت نكرة، ويستوي فيها المذكر والمؤنث، والواحد والاثنان والجمع، وإن لم تقترن بها لزم تعريفها بالإضافة، أو بالألف واللام. وأما إذا لم يكونا للمفاضلة فهما من جملة الاسماء كما قال تعالى: (إن ترك خيرًا) [البقرة: 180] (ويجعل الله فيه خيرا كثيرا) [النساء: 19]. وهي في هذا الحديث للمفاضلة، غير أنها مضافة لنكرة موصوفة. قوله: "وفيها ساعة لا يوافقها عبد مسلم وهو قائم يصلي يسأل الله شيئًا ... ". قال الكرماني: الجمل الثلاث حالات متداخلة ومترادفة. وقال الطيبي: كلها صفات لـ (مسلم)، ويجوز أن يكون (يصلي): حالاً من (مسلم) لاتصافه بـ (قائم)، ويسأل: حال مترادفة، أو متداخلة.

1242 - حديث: "مثلي كمثل رجل استوقد نارا".

1242 - حديث: "مثلي كمثل رجل استوقد نارًا". قال الطيبي: أي: أوقد، ولكن الأول أبلغ كعفّ واستعفف. قوله: (فلما أضاءت ما حولها). قال الطيبي: يقال أضاءت النار، وأضاءت غيرها، يتعدى ولا يتعدى، فإن جعل متعديًا يكون (ما حولها) مفعولاً به، وإن جعل لازمًا يكون (ما حولها) فاعلاً على تأويل الأماكن، ويجوز أن يكون فاعله ضمير النار، و (ما حولها) ظرف، فيجعل حصول إشراق النار في جوانبها بمنزلة حصولها نفسها منها مبالغة. وفي رواية مسلم: (ما حولها) فيكون الضمير راجعًا إلى النار، وفي رواية البخاري: (ما حوله) الضمير راجع إلى المستوقد. قوله: (فأنا آخذ بحجزكم)، الفاء فيه فصيحة كما في قوله تعالى: (أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتًا فكرهتمون) [الحجرات: 12]، فإنه تعالى لما سأل بقوله: (أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتًا). فأجابوا: لا، قال: فإذا كان كذلك فكرهتموه. وكذلك أنه صلى الله عليه وسلم، لما بين مثله ومثل الناس كأنه قيل: إذا صح هذا التمثيل وأنا مثل المستوقد وأنتم كالفراش تقحمون في النار فأنا آخذ بحجزكم. وقوله: (هلم على النار) فمحله النصب على الحال من فاعل (آخذ)، أي: آخذ بحجزكم قائلاً (هلم) عن النار.

1243 - حديث: "أحد أحد".

قوله: (فتغلبونّي)، النون مشددة منه، لأن أصله فتغلبونني، فأدغم إحدى النونين في الأخرى، والفاء سببية على التعكيس، كالكلام في: (فالتقطه آل فرعون ليكون لهم عدوا وحزنًا) [القصص: 8]، وتقديره: أنا آخذ بحجزكم لأخلصكم عن النار، فعكستم وجعلتم الغلبة مسببة عن الأخذ. 1243 - حديث: "أحدٌ أحدٌ". قال الزمخشري في "الفائق": أراد أحد وحد، فقلبت الواو همزة كما قيل: أحد وإحدى وآحاد. 1244 - حديث: "ولكنّ الكبرَ من بطر الحق وغمط الناس". قال الخطابي: معناه: ولكن الكبر كبرُ من بطر، فأضمر كقوله تعالى: (ولكنَّ البر من آمن بالله) [البقرة: 137]، أي: (ولكنّ البرّ بر من آمن بالله). قلت: ويجوز أن يقدر المضاف في الأول، أي: ولكن ذا الكبر من بطر، كما قال تعالى: وقيل مثله في الآية وقد ذكره ابن الأثير في هذا الحديث مع قول الخطابي. قال أبو حيان في البحر: البر معنى من المعاني، فلا يكون خبره الذوات إلا ؤمجاز، فإما أن يجعل البر هو نفس من آمن على طريق المبالغة، والمعنى: ولكن البر أي: البار. وإما أن يكون على حذف من الأول، أي: ولكن ذا البر، قاله الزجاجي، أو من الثاني أي: بر من آمن.

1245 - حديث قصة إبراهيم والكافر

1245 - حديث قصة إبراهيم والكافر: قوله: "ثلاث كذبات "، قال أبو البقاء: الجيد فيه فتح الذال لأن مفرده اسم لا صفة، وقوله: (إنْ على الأرض مؤمنٌ غيري وغيرُك) (إنْ) هنا بمعنى (ما)، و (غير) يجوز فيها النصب على أصل باب الاستثناء، والرفع على الصفة أو البدل. 1246 - حديث: (قوله: بينا نحن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ طلع علينا رجل). قال الطيبي في شرح المشكاة وفي اللباب: كان الأصمعي لا يستفصح إلا طرحهما، أي يطرح إذ وإذا في جواب بينا وبينما، وأنشد: فبينا نحن نرقبه أتانا لأن الظهر أن العامل في (بينا) هو الجواب، كما في (إذا) الزمانية على الصحيح، فيلزم تقدم ما في صلة المضاف إليه على المضاف. قال شارحه: بينا وبينما، ظرفان متضمنان لمعنى الشرط، فلذلك اقتضيا جوابًا. والقياس أن لا يكون (إذْ) في جوابه، فعلى هذا يكون (أتانا) عاملاً في (بينا) مع أنه مضاف إليه لا يتقدم على المضاف، وفيه نظر. وقال الطيبي: فيقال لا ريب أن عمر وأبا هريرة رضي الله عنهما كانا أفصح من الشاعر، وقد أتيا بـ (إذْ) في الحديث، فحينئذ يكون العامل معنى المفاجأة في (إذا) كما قدره صاحب الكشاف في قوله تعالى: (وإذا ذكر الذين من دونه إذا هم يستبشرون) [الزمر: 45]،

العامل في (إذا) المفاجأة تقديره: وقت ذكر الذين من دونه فاجئوا وقت الاستبشار، فمعنى الحديث: وقت حضورنا في مجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم فاجأنا وقت طلوع ذلك الرجل، فحينئذ (بينا) ظرف لهذا المقدر، و (إذا) مفعول بمعنى الوقت، فلا يلزم إذا تقدم معمول المضاف إليه على المضاف. وقد ساعد هذا قول صاحب اللباب بعد ذلك بقوله: والعامل فيهما الجواب إذا كان مجردًا من كلمتي المفاجأة وإلا فمعنى المفاجأة المتضمنة هما إياه قوله: (هما) أي إذ وإذا، و (إياه) أي ذلك المعنى، ويدل على تضمنهما معنى الشرط، الإتيان بصريح الفاء في الجواب في قوله: (بينا يضحكهم فطعنه النبي - صلى الله عليه وسلم – رواه أبو داود عن أسيد بن حضير. قوله: (الإيمانُ أن تؤمن بالله). قال الطيبي: هذا يوهم التكرار وليس كذلك، فإن قوله: أنْ تؤمن بالله مضمّن معنى أن تعترف به، ولهذا عدّاه بالباء. وقوله: (وتصوم رمضان)، قال ابن العربي: تقديره تصوم فيه أو تصوم صومه فهو مفعول فيه أو مفعول مطلق. وقوله: (وتحجّ البيت إن استطعت إليه) أي: إلى البيت، أو إلى الحج، لدلالة تحجّ عليه، وهو متعلق بـ (سبيلاً) لأنه بمعنى موصل ومبلغ و (سبيلاً) مفعول به لا تمييز. قوله: (أن تعبد الله كأنك تراه)، قال الكرماني: فإن قلت ما محلّ كأنك من الإعراب، قلت: حال من الفاعل، أي: تعبد الله مشبهًا بمن تراه. قوله: (فإنك إن لا تراه فإنه يراك)، قال أبو البقاء: كذا وقع في هذه الرواية (إنْ لا تراه) بالألف والوجه حذفها لأن (إن) لا تحتمل هنا من وجوه (إن) المكسورة إلاّ

الشرطية وهي جازمة، ويمكن تأويله على أنه أشبع فتحة الراء فنشأت الألف، وليست من نفس الكلمة، ويجوز أن يكون جعل الألف في الرفع عليها حركة مقدرة، فلما دخل الجازم حذف تلك الحركة فبقيت الألف ساذجة من الحركة، كما يكون الحرف الصحيح ساكنًا في الجزم، وعلى هذين الوجهين حمل قوله تعالى: (إنه من يتقي ويصبر) [يوسف: 90] بإثبات الياء على قراءة ابن كثير. وكذلك قول الشاعر: إذا العجوز غضبت فطلق ... ولا ترضاها ولا تملق وقال ابن هشام في تذكرته: جاء في باب الجوازم إما أنه حملاً على (إذا) نحو قراءة طلحة: (فإما تريْنَ من البشر أحدًا) [مريم: 26]، حكاها في المحتسب (ومنه الحديث). وقال ابن مالك في توضيحه في حديث البخاري في قول أبى جهل لعنه الله لصفوان: (متى يراك الناس قد تخلفت، وأنت سيد أهل الوادي، تخلفوا معك). تضمن هذا الخطاب ثبوت ألف (يراك) بعد (متى) الشرطية. وكان حقها أن تحذف فيقال: (متى يرَكَ)، كما قال الله تعالى: (إنْ ترنِ) [الكهف: 39] وفي ثبوتها أربعة أوجه: أحدها أن يكون مضارع (راء) بمعنى (رأى) كقوله: إذا راءنى أبدى بشاشة وجهه ...

ومضارعه (يرَاءُ) فجزم فصار (يرا)، ثم أبدلت همزته ألفًا، فثبتت في موضع الجزم، كما ثبتت الهمزة التي هي بدل منها. ومثله (أم لم ينبا) [النجم: 36]، في وقف حمزة وهشام. الثاني: أن يكون متى شبهت بإذا فأهملت، كما شبهت إذا بمتى فأعملت، كقوله صلى الله عليه وسلم لعلي وفاطمة رضي الله عنهما: (إذا اتخذتما مضجعكما فكبرا أربعًا وثلاثين، وسبحا ثلاثًا وثلاثين، وتحمّدا ثلاثًا وثلاثين) وهو في النثر نادر، وفي الشعر كثير. ومن تشبيه متى بإذا وإهمالها قول عائشة رضي الله عنها: (إن أبا بكر رجل أسيف، وإنه متى يقوم مقامك لا يسمع الناس). ونظير حمل متى على إذا وحمل إذا على متى حملهم إنْ على لوْ في رفع الفعل بعده، وحملهم لوْ على إنْ في الجزم بها. فمِنْ رفع الفعل بعد إنْ حملاً على لوْ، قراءة طلحة: (فإما تريْنَ من البشر أحدا) [مريم: 26]، بسكون الياء وتخفيف النون، فأثبت نون الرفع من فعل الشرط بعد إنْ مؤكدة، حملاً لها على لو. ومن الجزم بلو حملاً على إنْ قوله: لو يشأ طار به ذو ميعة وقوله:

تامت فؤادك لو يحزنْك ما صنعت زالوجه الثالث: أن يكون أجرى المعتل مجرى الصحيح، فأثبت الألف واكتفى بتقدير حذف الضمة التي كان ثبوتها منويًا في الرفع. ونظيره قول الشاعر: وتضحك مني شيخة عبشمية ... كأنْ لم ترى قبلي أسيرًا يمانيَا وقوله: ولا ترضاها ولا تملق ومن هذا على الأظهر، قوله - صلى الله عليه وسلم -: "من أكل من هذه الشجرة فلا يغشانا"، وجعل الكلام بمعنى النهى جائز. وأكثر من يجرى المعتل مجرى الصحيح فيما في آخره ياء أو واو كقراءة قنبل: (إنه من يتقي ويصبر) [يوسف: 90]، وقول الشاعر:

ألم يأتيك والأنباء تنمي وقول عائشة رضي الله عنها: (إن يقمْ مقامك يبكي). وقوله - صلى الله عليه وسلم - في إحدى الروايتين: (مروا أبا بكر فلْيصلي بالناس). وقول الشاعر: هجوت زبان ثم جئت معتذرا ... من هجو زبان لمْ تَهْجُو ولم تدع والوجه الرابع: أن يكون من باب الإشباع، فتكون الألف متولدة عن إشباع فتحة الراء بعد سقوط الألف الأصلية جزمًا، وهي لغة معروفة، أعني إشباع الحركات الثلاث وتوليد الأحرف الثلاثة بعدها. كقراءة أبي جعفر: (سواء عليهم آستغفرت لهم) [المنافقون: 6] بمد الهمزة، ومثله رواية أحمد بن صالح عن ورش (مالكي يوم الدين إياك نعبدو) [الفاتحة: 4] بإشباع ضمة الدال، وقراءة

الحسن: (سأوريكم دار الفاسقين) [الأعراف: 145]، بإشباع ضمة الهمزة، وقول الشاعر: ومن ذم الرجال بمنتزاح وقوله: فظلا يخيطان الوراق عليهما وحكى الفراء عن بعض العرب: (أكلت لحمًا شاةٍ)، يريد: لحمَ شاةٍ، فأشبع فتحة الميم وتولدت الألف من إشباع الفتحة. وقال الكرماني: فإن قلت: (فإنه يراك)، لا يصح جزاء الشرط لأنه ليس مسبّبًا عنه. قلت: إما أن يقدر: فإن لم تكن تراه فاعتبر، أو اعتبر أنت، أو أخبرنا بأنه يراك. كما يقال في: أكرمتني فقد أكرمتك أمس. أن المراد: إنْ تعتدّ بإكرامك فاعتدّ بإكرامي، أو فإن تخبر بذلك فأخبر بهذا وهو قول النحوي، و (إمّا) أن تقدر: فإن لم تكن تراه فلا تفعل، فإنه يراك من رؤيته مستلزمة لأن لا تفعل عنه، يعني أنه مجاز في كونه جزاء والمراد لازمه وهو قول البيانيّ. وقال الطيبي: وأما تقدير الشرط والجزاء فهو أن يقال: إن لم تعبد الله كأنك تراه فاعبد الله كأنك تراه. وتحرير المعنى: فإن لم تكن تراه كذلك أي مثل تلك الرؤية المعنوية فكن بحيث أنه يراك. وقيل: التقدير فإن لم تكن تراه فلا تغفل فإنه يراك. والأولى أن نضرب عن هذا المجال صفحًا، ونأخذ في منهل آخر، فنقول: (كأنك) إما مفعول مطلق، أو حال من الفاعل، والثاني أوجه، لأنه يحصل به للعابد حالات ثلاث،

كما إذا قلت: كأن زيدا قائم، وتصور له حالات القعود والانتصاب والقيام، فتشبه حالة الانتصاب بالقيام، لأنك بإدخال (كأن) توهم أن له حالة غير القيام، كما إذا رأى الناظر شخصًا من بعيد مترددًا بين قيامه وقعوده، ثم خيل له أنه إلى القيام أقرب فقال: كأنه قائم، أي شبه انتصابه بالقيام. كذلك في الحديث: للعبد بين يدي مولاه حالات ثلاث إحداها: حالة اشتغاله بالعبادة على سنن يسقط القضاء، من حفظ شرائطها وأركانها وهيئاتها. وحالة تمكنه من الإخلاص في القصد، وأنه بمرأى من مولاه، وهو مراقب لحركاته وسكناته، وحالة مشاهدته واستغراقه في بحار المكاشفة، وإليه لمح قوله صلى الله عليه وسلم: (وجعلت قرة عيني في الصلاة) و (أرحنا بها يا بلال)، فشبه الحالة الثانية التي هي المراقبة بحال المكاشفة التي هي من خواص سيد المرسلين في الدنيا، ووجه التشبيه حصول الاستلذاذ بالطاعة، والراحة بالعبادة، وانسداد مسالك الالتفات إلى الغير باستيلاء أنوار الكشف عليه. فقوله: فإن لم تكن تنزل من مقام المكاشفة إلى مقام المراقبة، فينبغى أن يقدر: فاعلم قولي: إنه يراك. قوله: (متى الساعةُ) مبتدأ وخبر. قال المظهري: (ما) نافية، بمعنى لست أنا أعلم منك ياجبريل بعلم القيامة. قال الطيبي: فإن قلت: من حق الظاهر أن يقول: فالمسؤول عنه ليرجع الضمير إلى اللام. قلت: كما يقال: سألت عن زيد المسألة، يقال: سألته عن المسألة، فالضمير المرفوع راجع إلى اللام، والمجرور إلى الساعة. واعلم أن الضمير في (عنها) راجع إلى الساعة، فلا بد من تقدير مضاف في السؤال والجواب، نحو وقت وأيان.

وقوله: (في خمس لا يعلمهن إلا الله). قال الطيبي: أي علم وقت الساعة داخل في جملة خمس، وحذف متعلق الجار سائغ، كما في قوله تعالى: (في تسع آيات) [النمل: 12]، أي: اذهب إلى فرعون بهذه الآية في جملة تسع آيات، ويجوز أن يتعلق بـ (أعلم) يعني: ما المسئول عنه بأعلم من السائل فى خمس أي في علم الخمس. وقال الكرماني: هو خبر مبتدأ محذوف، أي علم وقت الساعة في جملة خمس أو متعلق (بأعلم). قال وقوله: ثم تلا (إن الله عنده علم الساعة)، الآية بالنصب بفعل محذوف نحو أعني الآية أو أقرأ، وبالرفع مبتدأ وخبره محذوف، أي: الآية مقروءة إلى آخرها (وبالجر) أي: إلى الآية إلى مقطعها وتمامها. وقال زين العرب: قوله: "في خمس" قيل (في) بمعنى مع، واضطرب في وجه تعلقه بما قبله، فقيل هو جملة مستأنفة، أي: الساعة في خمس، أي: حاصلة في خمس. أو من جملة خمس أو هي معدودة في خمس. وقيل التقدير: تجد علم الساعة في خمس، أو ذكر الله ذلك في خمس. والمراد بخمس: (خمس كلمات) أي (جمل). إذ الكلمة قد تطلق على الكلمات. وقوله: (الآية) منصوبة بتقدير أعني وهو قول المؤلف. وأما الرسول عليه السلام فقد قرأ الآية. وقوله: (فإنه جبريل)، الفاء جواب شرط مقدر، أي: إذا كنت كذلك، أي غير دار فإنه الخ. وقوله: (أتاكم) جملة مستأنفة، و (يعلمكم) جملة حالية، أي على عزم التعليم،

1247 - حديث: "آية المنافق ثلاث: إذا حدث كذب وإذا وعد أخلف، وإذا ائتمن خان".

أو مفعول له بتقدير اللام. وقال الطيبي: الفاء في (فإنه) جزاء شرط محذوف تقديره: أما إذا فوضتم العلم إلى الله وإلى رسوله، فإنه جبريل، على تأويل، أي: تفويضكم ذلك سبب الإخبار بأنه جبريل، وقرينة الشرط المحذوف قولهم: (الله ورسوله أعلم). وقوله: (إذا تطاول رعاة الإبل البهم) قال القاضي عياض والنووي: يروى برفع البهم وجره نعتًا للرعاة، أو الإبل. 1247 - حديث: "آية المنافق ثلاث: إذا حدث كذب وإذا وعد أخلف، وإذا ائتمن خان". قال الكرماني: فإن قلت: الآية مفردة، فالظاهر أن يقال الآيات ثلاث. قلت إما أن يقال: كل من الثلاث بعضُ آية حتى إذا اجتمعت تكون آية واحدة. فعلى الأول، المراد منها جنس الآية، وعلى الثاني، وهو أن يقال كل من الثلاث آية حتى اجتمعت تكون آية واحدة. فإن قلت: الجمل الشرطية بيان لثلاث أو بدل، لكن يصح أن يقال: الآية إذا

1248 - حديث: "خياركم محاسنكم قضاء".

حدّث كذب فما وجهه؟ قلت: معناه آية المنافق كذبه عند تحدّثه مثل قوله تعالى: (فيه آيات بينات مقام إبراهيم، ومن دخله كان آمنًا) [آل عمران: 97]، على أحد التوجيهات (وائتمن) بصيغة المجهول، وفي بعض الروايات بتشديد التاء، وهو بقلب الهمزة الثانية منه واوًا، وإبدال الواو ياء وإدغام الياء في التاء. 1248 - حديث: "خياركم محاسنكم قضاءً". قال النووي: قالوا معناه ذو المحاسن، سمّاهم بالصفة. قال القاضي عياض: وقيل هو جمع محسن بفتح الميم وأكثر ما يجيء أحاسنكم جمع أحسن. قال الطيبي: (محاسن)، جمع محسن وهو إما مصدر ميمي نُعت به ثم جمع، أو اسم مكان. 1249 - حديث: "جاءكم رمضان شهرٌ مباركٌ". قال أبو البقاء: (شهر) بدل من رمضان، ويجوز أن يكون خبر مبتدأ محذوف، أي هو شهر مبارك.

1250 - حديث: "إن الناس معادن، خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا فقهوا".

1250 - حديث: "إن الناس معادن، خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا فقُهوا". قال أبو البقاء: الجيد هنا ضم القاف من فقُه يفقه إذا صار فقيهًا، كظَرُف يظرف فهو ظريف. وهو لازم لا مفعول له. وأما فقِه بكسر القاف يفقَه بالفتح، فهو بمعنى فهِم الشيء فهو متعدّ. 1251 - حديث: "إن لله تسعةً وتسعين اسمًا مائة إلاّ واحدًا ". قال أبو البقاء: (مائة): يروى بالنصب، وهو بدل من تسعة وتسعين، وبالرفع على تقدير هي مائة. وأما قوله: (إلاّ واحدًا)، فنصب على الاستثناء، ويرفع على أن تكون (إلا) بمعنى (غير) فيكون صفة لمائة كقوله تعالى: (لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا) [الأنبياء: 22]. وقال السهيلي: (اسمًا)، بالنصب على التمييز، ويروى بالجر على من يجعل الإعراب في النون ويلزم الجمع الياء، كقول الشاعر: ................. وقد جاوزت حد الأربعينِ

1252 - حديث: "استوصوا بالنساء خيرا".

وعلى هذا فإذا قلت تسعين، فعلامة النصب فيه هي فتحة النون وانحذف للإضافة التنوين من تسعين، ومائة منصوب بدلاً من تسعين. قال: وروي مائة إلا واحدة، فأنّث الاسم لأنه كلمة لأن الاسم بمعنى التسمية كما زعم بعضهم. قال سيبويه: الكلمة اسم وفعل وحرف، فجعل الاسم كلمة ولا يكون الاسم بمعنى التسمية أبدًا. وقال الطيبي: أنّث واحدة ذهابًا إلى معنى التسمية أو الصفة أو الكلمة. قال: وقوله: (هو الله) مبتدأ وخبر. (الذي لا إله إلا هو) صفته، و (الرحمن) إلى آخره خبر بعد خبر، والجملة مستأنفة، والضمير، إما للأسماء وذكره نظرًا إلى الخبر، وإما المسمى الدال عليه قول (الله)، وإما للشأن، فعلى هذا (الله) مبتدأ، و (الذي لا إله إلا هو) خبر، والجملة خبر الأول، ويجوز أن يكون الرحمن خبره، والموصول مع الصلة صفة (الله). 1252 - حديث: "استوصوا بالنساء خيرًا". قال أبو البقاء: المعنى: أوصيكم بالرفق بهن، فاستوصوا، أي: اقبلوا وصيتي، فعلى هذا في نصب (خيرًا) وجهان، أحدهما: هو مفعول استوصوا، لأن المعنى: افعلوا بهن خيرًا. والثاني: معناه اقبلوا وصيتي، وائتوا في ذلك خيرًا، فهو منصوب بفعل محذوف

1253 - حديث: "منزلنا إذا فتح الله الخيف إن شاء الله".

كقوله تعالى: (ولا تقولوا ثلاثة انتهوا خيرا لكم) [النساء: 171]، أي انتهوا عن ذلك وائتوا خيرًا لكم. قال: ونظيره قوله في حديث يعلى: استوص به معروفًا كما وصيت: (هو مفعول به على تقدير افعل به معروفًا)، ويجوز أن يكون نعتًا لمصدر محذوف، أي استيصاء معروفًا. وقال الكرماني: أي تواصوا أيها الرجال في حق النساء بالخير. ويجوز أن تكون الباء للتعدية والاستفعال بمعنى الإفعال، نحو الاستجابة. وقال البيضاوي: الاستيصاء قبول الوصية، والمعنى أوصيكم بهن خيرًا، فاقبلوا وصيتي فيهنّ. وقال الطيبي: الأظهر أن السين للطلب مبالغة، أي اطلبوا الوصية من أنفسكم في حقهن بخير، ويجوز أن يكون من الخطاب العام، أي ليستوص بعضكم من بعض في حقهن. قوله: (وإن أعوج شيء في الضلع أعلاه)، قال الكرماني: فإنْ قلت: العوج من العيوب فكيف يصح منه أفعل التفضيل، قلت: إنه أفعل الصفة، أو إنه شاذ، أو الامتناع عند الالتباس بالصفة، فحيث تميز عنه بالقرينة جاز البناء منه. 1253 - حديث: "منزلنا إذا فتح الله الخيفُ إن شاء الله".

1254 - حديث: "إذا أقيمت الصلاة فلا تأتوها وأنتم تسعون، ولكن ائتوها وأنتم تمشون وعليكم السكينة".

قال القرطبي: (الخيف)، مرفوع على أنه خبر المبتدأ الذي هو منزلنا، ومفعول (فتح) محذوف تقديره: إذا فتح الله السير إلى مكة. 1254 - حديث: "إذا أقيمت الصلاة فلا تأتوها وأنتم تسعون، ولكن ائتوها وأنتم تمشون وعليكم السكينة". قال الحافظ زين الدين العراقي في شرح الترمذي: المشهور في الرواية: رفع السكينة على أن قوله: (وعليكم السكينة) جملة في موضع الحال. قال صاحب المفهم: إنه نصب على الإغراء أي: الزموا السكينة. وقال الطيبي: قوله: (وأنتم تسعون)، حال من ضمير الفاعل، وهو أبلغ في النهي من: لا تسعوا. والفاء في قوله: (فما أدركتم)، جواب شرط محذوف أي: إذا أتيتم ما هو أولى بكم فما أدركتم فصلوا. 1255 - حديث: "إذا قال الرجل هلك الناس فهو أهلكُهم".

1256 - حديث: "والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه".

قال النووي: روي على وجهين رفع الكاف وفتحها، والرفع أشهر، ومعناه: أشدّهم هلاكًا. وأما رواية الفتح فمعناها: هو جعلهم هالكين لا أنهم هلكوا في الحقيقة. 1256 - حديث: "والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه". قال الشيخ أكمل الدين: (ما) بمعنى المدة، أي مدة كون العبد في عون أخيه. ووضع المظهر موضع المضمر، إيذانًا بأن كون الرجل في عون أخيه عبودية تعبّد بها الربَّ، فإذا كان في موضع المضمر يجوز أن تكون (ما) موصولة، وتقديره: والله في عون العبد الذي كان في عون أخيه. ويجوز أن تكون زائدة، وتقديره: والله في عون العبد الذي هو في عون أخيه. 1257 - حديث: "نعم المُنيحة اللِّقْحَةُ منيحةً" قال أبو البقاء: (المنيحة) واللقحة: هي المخصوصة بالمدح، و " منيحة " منصوب على التمييز توكيدًا، ومثله:

فنعم الزادُ زادُ أبيك زادا وقوله: (والشاةُ الصَّفِيُّ) معطوف على اللقحة. وقال الطيبي: قوله (تغدو) صفة لـ (منيحة)، إما تمييز أي: مميزة عن الملبنة المطلقة، أو صفة مدح وهو أرجح الوجهين، لقوله: (نعم). وقوله: (بإناء)، إما خبر (تغدو) أو حال، إذا كانت ناقصة، أي: تغدو ملتبسة بملء إناء. وقال الكرماني: لم تدخل التاء على الصفي لأنها إما فعيل أو فعول، يستوي فيه المذكر والمؤنث. وقال ابن مالك: تضمن هذا الحديث وقوع التمييز بعد فاعل (نعم) ظاهرًا، وهو مما منعه سيبويه، فإنه لا يجيز أن يقع التمييز بعد فاعل نِعْمَ وبئس إلا إذا أضمر الفاعل كقوله تعالى: (بئس للظالمين بدلاً) [الكهف: 50]. وأجاز المبرد وقوعه بعد الفاعل الظاهر، وهو الصحيح، ومن نمع وقوعه بعد الفاعل الظاهر يقول: إن التمييز فائدة المجيء به رفع الإبهام ولا إبهام إلا بعد الإضمار فتعيّن تركه مع الإظهار. وهذا الكلام تلفيق عارٍ من التحقيق، فإن التمييز بعد الفاعل الظاهر وإن لم يرفع

إبهامًا، فإن التوكيد به حاصل فيسوغ استعماله، كما ساغ استعمال الحال مؤكدة نحو: (ولى مدبرًا) [النمل:10]، و (يوم أبعث حيا) [مريم: 33]، مع أن الأصل فيها أن تبين كيفية مجهولة، فكذا التمييز أصله أن يرفع به إبهام، نحو: له عشرون درهمًا، ثم يجاء به بعد ارتفاع الإبهام قصدًا للتوكيد، نحو: عندي من الدراهم عشرون درهمًا، ومنه قوله تعالى: (إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرًا) [التوبة: 36]. وقول أبي طالب: ولقد علمت بأن دين محمد ... من خير أديان البرية دينا فلو لم ينقل التوكيد بالتمييز بعد إظهار فاعل "نعم" و"بئس" لساغ استعماله قياسًا على التوكيد به مع غيرهما. فكيف وقد صح نقله، وقرر فرعه وأصله. ومنه قول امرأة عبد الله بن عمر تعنيه: (نعم الرجل من رجلٍ لم يطأ لنا فراشًا ولم يغش لنا كنفًا). ومن شواهد الموافقة للحديثين المذكورين، قول جرير: تزود مثل زاد أبيك فينا ... فنعم الزاد زاد أبيك زادا

1258 - حديث: "ما لقيت من عقرب لدغتني البارحة".

وقوله: والتغلبيون بئس الفحل فحلهم ... فحلا وأمهم زلاء منطيق وقول الآخر: نعم الفتاة فتاة هند لو بذلت ... رد التحية نطقًا أو بايماء 1258 - حديث: "ما لقيت من عقرب لدغتني البارحة". قال أبو البقاء: (ما) هنا استفهام بمعنى التعظيم، وهو في موضع نصب (بلقيت). أي: أي شيء لقيت. فما ههنا، مثل قوله تعالى: (ما أصحاب اليمين) [الواقعة: 27] و (ما القارعة) [القارعة: 2]. قال الطيبي: يجوز أن تكون للتعجب، أي أمرًا عظيمًا. وأن تكون موصولة والخبر محذوفًا، أي الذي لقيت لم أصفه لشدته. 1259 - حديث: "لا تقوم الساعة حتى تخرج نار من أرض الحجاز تضيء أعناق

1260 - حديث: "يعقد الشيطان على قافية رأس أحدكم ثلاث عقد بكل عقدة يضرب عليك ليلا طويلا".

الإبل ببُصرى". قال أبو البقاء: (أعناق) بالنصب، و (تضيء) هنا متعدّ، والفاعل النار، أي: أن تجعل على أعناق الإبل ضوءًا. قال الشاعر: أضاءت لنا النار وجهًا أغرَّ ... ملتبسًا بالفؤاد التباسا ولو روي بالرفع، لكان له وجه. أي: تضيء أعناق الإبل به، كما جاء في الحديث الآخر: (أضاءت له قصور الشام). 1260 - حديث: "يعقد الشيطان على قافية رأس أحدكم ثلاث عقد بكل عقدة يضرب عليك ليلاً طويلاً". قال أبو البقاء: (ليلاً)، مفعول (يضرب) كأنه قال: يصير وهو مثل قوله

1261 - حديث: "من أفطر يوما من رمضان في غير رخصة رخصها الله له، فلن يقبل منه الدهر كله".

تعالى: (فضربنا على آذانهم)، أي: أنمناهم. ويجوز أن يكون ظرفًا، لأن يضرب بمعنى ينيم. أي: ينيمك في ليل طويل. وقال القاضي عياض: رواية الأكثر عند مسلم بالنصب على الإغراء ومن رفع (عليك ليل طويل)، فعلى الابتداء والخبر أو بإضمار فعل، أي: بقي عليك. وقال القرطبي: الرفع أولى من جهة المعنى، لأنه أمكن في الغرور من حيث إنه يخبره عن طول الليل ثم يأمره بالرقاد بقوله فارقد. وحينئذ يكون قوله فارقد سائغًا. وقال الكرماني: (ليل) مبتدأ، وعليك: خبره، أي: باق عليك، أو فاعل فعل محذوف، أي: بقي عليك ليل، والجملة مقول القول محذوف، أي: يضرب كل عقده قائلاً هذا الكلام. وقال الطيبي: (عليك) إما خبر (ليل) أي: ليل طويل باق عليك، أو إغراء، أي: عليك بالنوم أمامك ليل. فالكلام جملتان والثانية كالتعليل للأولى. 1261 - حديث: "من أفطر يوماً من رمضان في غير رخصة رخصها الله له، فلن يقبل منه الدهر كله". قال أبو البقاء: يجوز فيه الرفع على تقدير: لن يقبل منه صوم الدهر، فحذف

1262 - حديث: "سمع سامع بحمد الله وحسن بلائه علينا. ربنا صاحبنا، وأفضل علينا. عائذا بالله من النار ربنا".

المضاف كقوله تعالى: (الحج أشهر معلومات) [البقرة: 197] أي حج أشهر معلومات. والنصب على تقدير: فلن يقبل منه الصوم الدهر، فهو منصوب على الظرف. 1262 - حديث: "سمع سامع بحمد الله وحسن بلائه علينا. ربنا صاحبنا، وأفْضِل علينا. عائذًا بالله من النار ربَّنا". قال أبو البقاء: أي: ربنا، وهذا القول هو الذي سمعه سامع، و (صاحبنا) سؤال، (وعائذًا بالله) يجوز أن يكون مصدرًا على فاعل كما قالوا: العافية والعقبة، فكأنه قال: أعوذ بالله عياذًا. ويجوز أن يكون اسم فاعل حالاً، أي تقول ذلك عائذًا بالله. وقال النووي: روي بالوجهين، فتح الميم وتشديدها وكسرها مع التخفيف، وهو أمر بلفظ الخبر. وحقيقته ليسمع السامع. قال الطيبي: إذا روي (سمع) بالتشديد، قالوا وفي (حسن بلائه) العطف. وإذا روي بالتخفيف تكون بمعنى مع، لأن حسن البلاء، غير مسمع بل هو مبلغ، وكلاهما قريب من خطاب العام. وقال البيضاوي: (عائذًا) نصب على المصدر، أي: أعوذ عياذًا، أقيم اسم الفاعل مقام المصدر، كما في قولهم: قم قائمًا، أو على الحال من الضمير المرفوع في (يقول) أو (أستجير) ويكون من كلام الراوي.

1263 - حديث: "سبعة يظلهم الله في ظله – قوله: وشاب نشا في عبادة الله".

قال الطيبي: يريد أن (عائذًا) إذا كان مصدرًا، يكون من كلام الرسول صلى الله عليه وسلم، وإذا كان حالاً كان من كلام الراوي. قال: وجوز النووي أن يكون حالاً من كلام الرسول، حيث قال: أي أقول هذا في حال استعاذتي، واستجارتي من النار. قال الطيبي: والأرجح هذا؛ لئلا يلزم خرم النظم، وذكر ابن الأثير في النهاية: أنه روي بالرفع، أي أنا عائذ. 1263 - حديث: "سبعة يظلهم الله في ظله – قوله: وشاب نشا في عبادة الله". قال النووي: أي نشأ ملتبسًا بها، ومصاحبًا لها أو ملتصقًا بها. وقال القرطبي: هي باء المصاحبة. قال: ويحتمل أن يكون بمعنى "في" كما يكون (في) بمعنى الباء. (ورجل قلبه معلق بالمساجد). قال الكرماني أي: بالمساجد وحروف الجر بعضها يقوم مقام بعض. قوله: (رجلان تحابا في الله)، قال الكرماني: كلمة (في) قد تجيء للسببية كما ورد في الحديث: (في النفس مائة من الإبل) أي بسبب قتل النفس.

1264 - حديث: "من أصبح منكم اليوم صائما؟ قال أبو بكر أنا".

قال: وقوله: (واجتمعا عليه)، أي على حبّ الله، يعني كأن سبب اجتماعهما حب الله، واستمرّا عليه حتى تفرقا من مجلسهما، فإن قلت: التفاعل هو الإظهار أنّ أصل الفعل حاصل له وهو منتف ولا يريد حصوله نحو تجاهلت. قلت: قد تجيء لغير ذلك، نحو باعدته فابتعد. قوله: (ورجل تصدق أخفى) قال الزركشي: كذا (أخفى) فعل ماض، وضبطه الآمدي (إخفاء) بكسر الهمزة ممدودًا مصدرًا وهو نعت لمصدر محذوف، أي صدقة إخفاء أو حال: أي مخفيًا. وقال الكرماني: (أخفى) بلفظ الماضي، وهو جملة حالية بتقدير (قد) وبلفظ المصدر، أي مخفيًا. وقوله: (حتى لا تعلم شمالُه) بالرفع، نحو: مرض حتى لا يرجونه، وبالنصب نحو: سرت حتى تغيبَ الشمس. 1264 - حديث: "من أصبح منكم اليوم صائمًا؟ قال أبو بكر أنا". قال الشيخ أكمل الدين: اسم أصبح ضمير يعود إلى (مَنْ) وخبره (صائمًا)، ويجوز أن تكون تامة فيكون (صائمًا) حالاً. أي: من دخل في الصبح صائمًا، و (من) في كلا الوجهين للبيان و (اليوم) نصب على الظرفية. 1265 - حديث: "إن العبد ليتكلم بالكلمة من رضوان الله لا يلقي لها بالاً".

1266 - حديث: "نحن الآخرون السابقون يوم القيامة بيد أنهم أوتوا الكتاب من قبلنا".

قال الشيخ أكمل الدين: اللام في (الكلمة) إما لتعريف الجنس، فيكون قوله: (لا يلقي لها بالاً) حال من الضمير في ليتكلم، أي: ليتكلم بالكلمة حال كونها من رضوان الله وحال كونه لا يلقي لها بالاً. وإما زائدة: أي ليتكلم بكلمة، ويكونان صفتين كقوله: ولقد أمر على اللئيم يسبني ويجوز على الوجه الأول أيضصا أن يكونا صفتين. وقال الطيبي: (من) في (من رضوان الله)، بيانية، حال من الكلمة وكذا قوله: (لا يلقي لها بالاً). 1266 - حديث: "نحن الآخرون السابقون يوم القيامة بيد أنهم أوتوا الكتاب من قبلنا".

قال الكرماني: قال أبو عبيد: لفظة (بيد) تكون بمعنى "غير" وبمعنى "على" وبمعنى "من أجل" وكله صحيح هنا. وقال في فتح الباري: (بيد) بموحدة ثم تحتية ساكنة مثل غَيْر وزنًا ومعنًى وإعرابًا، وبه جزم الخليل والكسائي ورجحه ابن سيدة. وروى ابن أبي حاتم في مناقب الشافعي عن الربيع عنه أن معنى (بَيْد): من أجل، كذا ذكره ابن حبان والبغوي عن المزني عن الشافعي، وقد استبعده عياض. ولا بعد فيه، بل معناه أنا سبقنا بالفضل إذ هدينا للجمعة مع تأخرنا في الزمان، بسبب أنهم ضلوا عنها مع تقدمهم. ويشهد له: رواية: (لأنهم أوتوا الكتاب من قبلنا). وقال الداودي: هي بمعنى على أو مع. قال القرطبي: إن كانت بمعنى غير، فنصب على الاستثناء، وإن كانت بمعنى مع، فنصب على الظرف الزماني. وقال الطيبي: هي للاستثناء من باب تأكيد المدح بما يشبه الذم والمعنى: نحن السابقون بالفضل غير أنهم أوتوا الكتاب من قبلنا. ووجه التأكيد فيه ما أدمج فيه من معنى النسخ، لأن الناسخ هو السابق في الفضل وإن كان متأخرًا في الوجود. وقال ابن مالك في توضيحه: (بيد) بمعنى (غير)، والمشهور استعمالها متلوة بأنْ نحو: بيد أنهم أوتوا الكتاب. ومنه قول الشاعر: بيد أن الله قد فضلكم ... فوق من أحكأ صلبًا بإزار وقول الراجز:

عمدًا فعلت ذاك بَيْدَ أني ... إخال لو هلكت لم تُرِنِّي وروي في الحديث: (بيد كلُّ أمةٍ أوتوا الكتاب من قبلنا)، والأصل فيه (بيد أنّ كل أمة)، فحذفت (أن) وبطل عملها، وأضيفت (بيد) إلى المبتدأ والخبر اللذين كانا معمولي "أن". وهذا الحذف في "أن" نادر، لكنه غير مستبعد في القياس، على حذف (أنْ) فانهما أختان في المصدرية وشبيهان في اللفظ. وقد حمل بعض النحويين على حذف (أن) قول الزبير رضي الله عنه: فلولا بنوها حولها لخطبتها ومما حذف فيه (أنْ) واكتفي بصلتها قوله تعالى: (ومن آياته يريكم البرق) [الروم: 24]، والأصل: أن يريكم، لأن الموضع موضع مبتدأ خبره (ومن آياته). ومثله قوله صلى الله عليه وسلم: "لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر تحد على ميت فوق ثلاث". وقوله صلى الله عليه وسلم: "لا يحل لامرأة تسأل طلاق أختها". أراد: أن تحد، وأن تسال. والمختار في (بيد) أن تجعل حرف استثناء، ويكون التقدير: (إلا كل أمة أوتوا الكتاب من قبلنا)، على معنى (لكنْ)، لأن معنى إلاّ مفهوم منها، ولا دليل على اسميتها.

وقال: قوله: فغدًا اليهودُ وبعد غد النصارى. قال ابن مالك: فيه وقوع ظرف الزمان خبر مبتدأ هو من أسماء الجثث. والأصل أن يكون المخبر عنه بظرف الزمان من أسماء المعاني، كقولك: غدا التأهبُ، وبعد غد الرحيل. فلو قيل: غدًا زيدٌ، وبعد غدٍ عمرو، لم يجز. فلوكان معه قرينة تدل عليه، أي اسم معنى جاز، كقولك: قدومُ زيدٍ اليوم وعمرو غدًا، أي: وقدوم عمرو، فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه لوضوح المعنى. فكذلك يقدر قبل اليهود والنصارى مضافان من أسماء المعاني، ليكون ظرف الزمان خبرًا عنهما، فالمراد - والله أعلم-: فغدًا تعييد اليهود وبعد غد تعييدُ النصارى. وعلى ذلك قول الراجز: أكُلُّ عام نَعَمٌ تحوونه أراد: أكل عام إحراز نعم. وقال القرطبي: (غدًا) هنا منصوب على الظرف وهو متعلق بمحذوف تقديره: اليهود يعظمون غدًا. وكذا قوله (بعد غد) ولا بد من هذا التقدير، لأن ظروف الزمان لا تكون خبرًا عن الجثة. قال ابن حجر: وما قاله ابن مالك أوجه.

1267 - حديث: "لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا ولا تؤمنوا حتى تحابوا".

وقال الكرماني: (غدًا) ظرف متعلق إما بالخبر وإما بالمبتدأ، أو معناه: الاجتماع في غد، وللنصارى في بعد غد. وفي بعض الروايات: (فغدٌ) بالرفع، فإن قلت المبتدأ نكرة صرفة، ومعه على الظرف، والقواعد النحوية تأباه. قلت: هو في حكم المضاف ونحوه، أي: غدًا الجمعةُ، وغدُ بعد غدٍ النصارى. وقال القرطبي: روي فغدٌ لليهود وبعد غدٍ للنصارى بالرفع على المبتدأ وخبرها في المجرورين بعدهما، وروي كذلك بالنصب بناء على أنهما ظرفان غير مكملتين و (الأول) أولى لأنهما قد أخبر عنهما هنا فقد خرجا عن الظرفية. وقوله: (نحن الآخرون من أهل الدنيا). قال الطيبي: (ال) في الآخرون موصولة و (من أهل الدنيا)، حال من الضمير في الصلة. وقوله: (المقضي لهم) صفة (الآخرون)، والضمير في (لهم) راجع إلى اللام، لأن المعنى: الآخرون الذين يقضي لهم قبل الناس. 1267 - حديث: "لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا ولا تؤمنوا حتى تحابوا". قال ابن مالك في شرح التسهيل: ونَدَر حذف النون مفردة في الرفع نظمًا ونثرًا.

1268 - حديث: "إذا قرأ ابن آدم السجدة فسجد اعتزل الشيطان يبكي يقول: يا ويلتا".

قال في الشرح: مثال حذفها في النظم قول الراجز: أبِيتُ أسْرِي وتَبِيتِي تَدلُكِي ... وَجهَكِ بالعَنْبَرِ والمِسْك الذكي وقال أبو طالب: فإن يَكُ قومٌ سَرَّهم ما صنعتم ... سَيَحتَلِبُوها لاقِحًا غير باهِل ومثال حذفها نثرًا قول النبي صلى الله عليه وسلم: "لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابوا". وقال ابن هشام في تذكرته: قد تعمل (لا) حملاً على (لم) كما في مثل: "لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا"، في أحد القولين. وقال النووي: الرواية لا تدخلون الجنة بإثبات النون، ولا تؤمنوا بحذف النون، وهي لغة معروفة صحيحة. وقال القرطبي: ولا تؤمنوا بإسقاط النون، والصواب إثباتها، لأن (لا) نفي لا نهي. 1268 - حديث: "إذا قرأ ابن آدم السجدة فسجد اعتزل الشيطان يبكي يقول: يا ويلتا".

1269 - حديث: "إن أول الناس يقضى عليه يوم القيامة ثلاثة: رجل استشهد فأتي به".

قال القرطبي: (الألف) في (يا ويلتا)، للندبة والتفجع. وقال الطيبي: (يبكي ويقول) حالان من فاعل (اعتزل)، مترادفان أو متداخلان. وفي النهاية: (الويل) الحزن والهلاك، ومعنى النداء فيها: يا حزني ويا هلاكي احضر فهذا أوانك، كأنه ناداه لما عرض له من الأمر الفظيع. 1269 - حديث: "إن أول الناس يقضى عليه يوم القيامة ثلاثة: رجل استشهد فأتي به". قال الأشرفي: (يقضى) صفة للناس وهو نكرة معنىً، أي: أول الناس يقضى عليه يوم القيامة رجل. قوله: (فعرفه نعمه فعرفها، قال فما عملت). قال الطيبي: (الفاء) في (فعرفه) للتعقيب، وفي (فعرفها) للتبيين، وفي (فما عملت) جزاء شرط محذوف هو مقول القول، أي: إذا كان مقررًا عندك أن تلك النعمة الموجبة للشكر مني فما عملت في حق تلك النعمة. 1270 - حديث: "طهور إناء أحدكم إذا ولغ فيه الكلب أن يغسله سبعًا".

1271 - حديث: "ورجل بايع رجلا بسلعة بعد العصر".

قال الطيبي: (طهور إناء أحدكم) مبتدأ، و (إذا) ظرف معمول للمصدر، والخبر (أن يغسله) كما أنّ (إذا) في قوله تعالى: (والنجم إذا هوى)، ظرف للقسم، وليس بشرط ونحو: آتيك إذا احمرّ البسر. 1271 - حديث: "ورجل بايع رجلاً بسلعة بعد العصر". قال القرطبي: رويناه: (باع سلعته) بغير ياء، ورويناه بالياء، فعلى الياء يكون (بايع) بمعنى ساوم، كما في الرواية الأخرى (ساوم)، فكأنه بايع، وتكون (الباء) بمعنى (عن) كما قال الشاعر: فإن تسألوني بالنساء فإنني ... بصير بأدواء النساء طبيب (أي عن النساء)، وعلى إسقاطها يكون معنى (بايع) باع فيتعدى بنفسه، و (سلعة) مفعول. قوله: (ورجل بايع)، إما لا يريد إلا للدنيا، فإن أعطاه منها وفى، وإن لم يعطه لم يف. قال القرطبي: هكذا الرواية، (وفى) مخفف الفاء، و (يف) محذوف الواو

1272 - حديث: "صلاة الرجل في الجماعة تضعف على صلاته في بيته وفي سوقه خمس وعشرين ضعفا".

مخففًا، وهو الصحيح هنا رواية ومعنى لأنه يقال: وفى بعهده يفي وفاءً والوفاء ممدودًا ضد الغد، وأما: وفّى المشدد الفاء فهو بمعنى توفية الحق وإعطائه، يقال: وفّاه يوفّيه توفية. ومنه قوله تعالى: (وإبراهيم الذي وفّى) [النجم: 37]، أي قام بما كلفه من الأعمال كخصال الفطرة وغيرها. 1272 - حديث: "صلاة الرجل في الجماعة تضعف على صلاته في بيته وفي سوقه خمسٍ وعشرين ضعفًا". قال الزركشي: كذا وقع في الصحيحين بخفض خمس على تقدير الباء، كقول: إذا قل أيُّ الناس شرُّ قبيلةٍ ... أشارت كليبٍ بالأكف الأصابعُ أي: أشارت إلى كليب. قال ابن مالك في التسهيل: وأصله بخمسة وكأنه على تأويل الخبر بالدرجة كما في الرواية الأخرى. وقال الكرماني: فإن قلت: مميزه مذكر وهو الضعف فتجب التاء فما وجه حذفها؟

1273 - حديث: "تفضل صلاة الجمع صلاة أحدكم وحده بخمس وعشرين جزءا".

قاعدة التاء وإسقاطها إنما هي فيما إذا كان المميز مذكورًا، أما لم يكن فيستوي فيه التاء وعدمها. وهنا مميز الجنس غير مذكور فجاز الأمران. 1273 - حديث: "تفضُلُ صلاة الجمع صلاةَ أحدكم وحدَه بخمس وعشرين جزءًا". قال الكرماني: الإضافة فيه بمعنى في لا بمعنى اللام. 1274 - حديث: "الشهداء خمسٌ". قال الزركشي: كذا وقع، وأصله (خمسة) ويجوز الوجهان لأنه جمع. وقال الكرماني: فإن قلت: القياس يقتضي أن يقال خمسة، قلت: المميز إذا كان غير مذكور، جاز في لفظ العدد وجهان. قوله: "المطعون والمبطون والغريق وصاحب الهدم والشهيد في سبيل الله". قال الطيبي: فإن قلت: خمس خبر للمبتدأ والمعدود بعده بيان له، فكيف يصح في الخامس، فإنه حمل الشيء علي نفسه فكأنه قال: الشهيد هو الشهيد. قلت: هو من باب:

1275 - حديث: "إذا وسد الأمر إلى غير أهله فانتظر الساعة".

أنا أبو النجم وشعري شعري وقال الكرماني: الأولى أن يقال: المراد بالشهيد القتيل فكأنه قال: الشهداء كذا وكذا والقتيل في سبيل الله. قوله: "ومن مات في الطاعون فهو شهيد". قال الشيخ أكمل الدين: يجوز أن يكون (في الطاعون) حالاً. أي: مات كائنًا في مرض الطاعون. ويجوز أن يكون في معنى السبب، أي بسبب الطاعون. وكذا قوله: "ومن مات في البطن". 1275 - حديث: "إذا وسِّد الأمر إلى غير أهله فانتظر الساعة". قال صاحب النهاية: (إلى) هنا بمعنى اللام، أو ضمن معنى (أسند). وقال الكرماني: كان حقه أن يقال لغير أهله فأتى بكلمة (إلى) لتدل على تضمن معنى الإسناد. فإن قلت: (إذا) هنا هل تضمّن معنى المجازاة أم لا؟ قلت: الظاهر لا. والفاء في فانتظر الساعة للتفريغ أو جواب شرط محذوف، أي إذا كان الأمر فانتظر الساعة. 1276 - حديث: "لا يموت لمسلمٍ ثلاثةٌ من الولد فيلج النار" وفي لفظ:

"فتمسّه النار إلا تحلّةَ القسم". قال ابن الحاجب في أماليه: هو محمول على الوجه الثاني في قولك ما تأتينا فتحدثنا، ولا يستقيم على الوجه الأول لأن معنى الأول: أن يكون الفعل الأول سببًا للثاني كقولك: ما تأتينا فتحدثنا، أي: لو أتيتنا. وليس علة قوله: (لا يموت لأحد)، لأنه يؤدي الى عكس المعنى المقصود، ويصير المعنى: إن موت الأولاد سبب لمس النار. والمقصود ضد معنى المذكور، وإذا حمل على الوجه الثاني، وهو أن الغرض الثاني لا يكون عقب الأول، أفاد الفائدة المقصودة بالحديث: إذ يصير المعنى: إن مس النار لا يكون عقب موت الأولاد، وهو المقصود. فإنه إذا لم يكن المسّ مع موت الأولاد، وجب دخول الجنة إذ ليس بين الجنة والنار منزلة أخرى في الآخرة، فثبت أن الخبر لا يمكن حمله إلا على الوجه الثاني لا على الوجه الأول. وقال الأشرفي: (الفاء) إنما تنصب المضارع بتقدير أنْ إذا كان بين ما قبلها وما بعدها سببية، ولا سببية هنا، إذ لا يجوز أن يكون موت الأولاد سببًا لولوج أبيهم النار، فالفاء بمعنى الواو التي للجمعية وتقديره: لا يجتمع لمسلم موت ثلاثة

من الأولاد وولوجه النار. ونظيره: "ما من عبد يقول باسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء فيضرَّه" بالنصب. وتقديره لا يجتمع لعبد هذه الكلمات ومضرة شيء إياه. وقال الطيبي: إن كانت الرواية بالنصب، فلا محيد عن ذلك، والرفع يدل على أنه لا يوجد الولوج عقب الموت للأولاد إلا مقدارًا يسيرًا. ومعنى فاء التعقيب ههنا كمعنى المضي في: (ونادى أصحاب الجنة) [الأعراف: 44] في أن يكون ما سيكون بمنزلة المعاين. وقال ابن حجر: وهذا تلقاه جماعة عن الطيبي وأقروه عليه وفيه نظر، لأن السببية حاصلة بالنظر إلى الاستثناء، لأن الاستثناء بعد النفي إثبات، فكأن المعنى أن تخفيف الولوج مسبب عن موت الأولاد، وهو ظاهر لأن الولوج عام، وتخفيفه يقع بأمور منها موت الأولاد بشرطه. قال: وما ادعاه من أن الفاء بمعنى الواو التي للجمع فيه نظر. قال: ووجدت في (مشارق الأنوار) للشيخ أكمل الدين: المعنى أن الفعل الثاني لم يحصل عقب الأول فكأنه نفى وقوعهما بصفة أن يكون الثاني عقب الأول، لأن المقصود نفي الولوج عقب الموت. قال الإمام بدر الدين في تذكرته:

قوله: (فتمسّه النار)، منصوب على معنى نفي اجتماع موت الثلاثة ومس النار. وهو كقولك ما تأتينا فتحدثنا وله أربعة معان: معنيان يجب فيهما النصب، وآخران يجب فيهما الرفع. فالأول من وجهي النصب: نفي الحديث لانتفاء الإتيان الذي هو سببه، ولا يجوز تقدير هذا الوجه هنا وإلا كان موت الأولاد سببًا لمس النار كقوله تعالى: (لا يقضى عليهم فيموتوا) [فاطر: 36]، لأن القضاء عليهم سبب الموت. الثاني من وجهي النصب: أن لا يجتمع أن يموت لأحد من المسلمين ثلاثة من الولد وتمسه النار. فإذا مات له ثلاثة من الولد، لزم أن لا تمسه النار فوجب أن يدخل الجنة، لأنه لا بد بعد الموت من الجنة أو النار، والأول من وجهي الرفع نفي كل واحد من الاثنين، والحديث نفي الأول وإثبات الثاني، أي: فأنت تحدثنا كقوله: ألم تسأل الربع القواء فينطقُ أي: فهو ينطق. إذا عرفت هذا، علمت أن الرفع لا يجوز في الحديث بحال إفساد المعنى على كل من الوجهين، وأن النصب مختص بالمعنى الثاني، وإلا كان صلى الله عليه وسلم نافيًا لأن يموت لأحد من المسلمين ثلاثة من الولد وهو باطل. قال: وقوله: (إلا تحلةَ القسم) في نصبه وجهان:

1277 - حديث: "لا يموت لإحداكن ثلاثة من الولد فتحتسبه إلا دخلت الجنة".

أحدهما: على المصدر، والثاني: مفعول لأجله، أي لا تمسه النار لتعذيب ولغيره من الأشياء، إلا لتحلة القسم، وهذا أظهر، والمعنى عليه. وفي هذا الاستثناء وجهان: أحدهما: أنه متصل على أن كل واحد تمسه النار، فالكافر تمسه النار للعذاب والمؤمن تمسه تحلة القسم، وإبراره لا غير. والثاني: أنه منقطع، لأن المؤمن لا تمسه النار، والمعنى لا تمسه النار لكن تحلة القسم لا بد منها وذلك بورودها. قال القاضي عياض: قوله: (إلا تحلة القسم) محمول على الاستثناء عند الأكثر، وعبارة عن القلة عند بعضهم. يقال: ما ضربه إلا تحليلاً، إذا لم يبالغ في الضرب قدر أن يصيبه منه مكروه، وقيل (إلاّ) بمعنى الواو، أي لا تمسه النار كثيرًا ولا قليلاً ولا مقدار تحلة القسم. وقد جوز الأخفش مجيء إلا بمعنى الواو، وجعل منه قوله تعالى: (لا يخاف لدي المرسلون إلا من ظلم) [النمل: 10]. وقال الكرماني: فإن قلت ما المستثنى منه؟ قلت: (تمسه النار)، لأنه في حكم البدل من (لا يموت) فكأنه قا ل: لا تمس النار من مات له ثلاثة إلا بقدر الورود. 1277 - حديث: "لا يموت لإحداكن ثلاثةٌ من الولد فتحتسبه إلا دخلت الجنة".

1278 - حديث: "للصائم فرحتان يفرحهما".

قال الطيبي: ليس هذه (الفاء) كما في (فَيْلج) بل للتسبيب للموت، وحرف النفي منصّب على السبب والمسبب بها. 1278 - حديث: "للصائم فرحتان يفرحهما". قال الكرماني: أصله يفرح الصائم بهما، فحذف الجار وأوصل الضمير كما في قوله تعالى: (فليصمه) [البقرة: 185] أي فليصم فيه، أو هو مفعول مطلق، فأصله يفرح الفرحتين فجعل الضمير بدله، نحو: عبد الله أظنه منطلق. 1279 - حديث: "جف القلم بما هو كائن". قال الطيبي: لم نجد هذا اللفظ مستعملاً على هذا الوجه فيما انتهى إلينا من كلام العرب، إلا في كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأراها من الألفاظ المستعارة التي لم يهتد إليها البلغاء، فاقتضتها الفصاحة النبوية. قوله: (فاختص على ذلك أو ذر)، قال البيضاوي: (أو) للتسوية، ومعناه: أن الأمرين سواء، فإن ما قدر كائن لا محالة. وقال الطيبي: (على) متعلق بمحذوف هو حال من المستكن في (اختص)؛ والمعنى اختص في حال عرفانك أن القلم جف ما هو كائن، فيكون حالك مخالفًا

1280 - حديث: "أنه صلى الله عليه وسلم قال لبلال حدثني بأرجى عمل عملته في الإسلام".

لحال المؤمنين، أو ذر الاختصاء، وأذعن وأسلم لقضاء الله؛ فعلى هذا يكون الأول للتهديد، وروى (فاختصر) بالراء، فعلى هذا يكون (على) متعلقًا به على تضمين (اختصر) معنى (اقتصر)، أي اقتصر على ما ذكرت لك، واترك الاختصار، وارض بقضاء الله، أو ذر ما ذكرته، وامض لشأنك واختص، فعلى هذا يكون الثاني للتهديد على عكس السابق، و (أو) على التقديرين للتخيير. 1280 - حديث: "أنه صلى الله عليه وسلم قال لبلالٍ حدثني بأرجى عمل عملتَه في الإسلام". قال البيضاوي: (أرجى) من أسماء التفضيل التي بنيت للمفعول، نحو قولك: فلان أشهر من فلان، فإن قياس (أفعل) أن لا يبنى للمفعول، وقد بنيت هذه له. فإن العمل مرجو به الثواب وعلو الدرجة، ويجوز أن تكون إضافته إلى العمل، لأنه هو السبب الداعي للرجاء، فيكون المعنى: حدثني بما أنت أرجى من نفسك به من أعمالك. قوله: (ما عملت عملاً أرجى عندي أني لم أتطهر طهورًا في ساعة من ليل أو نهار إلا صليت).

1281 - حديث: "أوصاني خليلي صلى الله عليه وسلم بثلاث، لا أدعهن حتى أموت: صوم ثلاثة أيام من كل شهر".

قال الكرماني: (أني) بفتح الهمزة و (من) مقدرة قبلها لتكون صلة أفعل التفضيل، وجاز الفصل بين أفعل وصفته بالظرف. وقوله: في ساعة ... قال ابن حجر بالتنوين وخفض (ليل) على البدل. 1281 - حديث: "أوصاني خليلي صلى الله عليه وسلم بثلاث، لا أدعهن حتى أموت: صوم ثلاثة أيام من كل شهر". قال الزركشي: (صوم بالجر)، بدل من قوله بثلاث وبالرفع خبر لمبتدأ مضمر، وكذا قوله: وصلاة الضحى ونوم على وتر. 1282 - حديث جريج قوله: "في وجوه الميامين". هو جمع مؤمن بكسر الميم. قال ابن الجوزي: إثبات الياء فيه غلط والصواب (ميامِن) بحذفها. قال ابن حجر: وخرج على إشباع الكسرة، وحكى غيره جوازه، وفي التنقيح يجمع على ميامين. والمحدثون يقولون: ميامين، ولا يصح إلا على إشباع الكسرة فتصير ياء، كمطفل ومطافل ومطافيل.

1283 - حديث: "لا تشد الرحال".

1283 - حديث: "لا تشد الرحال". قال الكرماني: بلفظ النفي بمعنى النهي، فإن قلت لم عدل عن النهي إليه، قلت لإظهار الرغبة في وقوعه أو بحمل السامع على الترك، أبلغ حمل بألطف وجه. قوله: "إلا إلى ثلاثة مساجد". قال الكرماني: الاستثناء مفرغ، فإن قلت: فتقدير الكلام، لا تشد الرحال إلى موضع، فيلزم أن لا يجوز السفر إلى مكان غير المستثنى، حتى لا يجوز السفر لزيارة إبراهيم الخليل عليه السلام ونحوه، لأن المستثنى منه في المفرغ لا بد أن يقدر أعم العام. قلت: المراد بأعم العام، ما يناسب المستثنى، نوعًا ووضعًا كما إذا قلت: ما رأيت إلا زيدًا، كان تقديره: ما رأيت رجلاً أو واحدًا إلا زيدًا، لا ما رأيت شيئًا أو حيوانًا إلا زيدًا، فهنا تقديره: لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد. قال: أي لا تشد إلى مسجد إلا إلى ثلاثة. قال: وقد وقع في هذه المسألة في عصرنا مناظرات كثيرة في البلاد الشامية وصنف فيها رسائل من الطرفين. قوله: (المسجد الحرام)، قال الكرماني: بالجر على البدل من ثلاثة، وبالرفع مبتدأ محذوف.

1284 - حديث: "سؤال القبر".

تابع مسند أبي هريرة 1284 - حديث: "سؤال القبر". قوله: (فيجلس في القبر غيرَ فزع). قال الطيبي: (غير فزع)، (فزع) صفة مشبهة. قوله: (وما هذا الرجل). (ما) استفهام، مبتدأ، و (هذا الرجل) الصفة والموصوف خبره، و (ما) يسأل به عن الوصف، ولذلك سماه ووصفه، أي صاحب ذلك الاسم المفخم المشتهر لا يخفى على كل أحد، وهو أنه رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقوله: (رسول الله) يحتمل أن يكون خبرًا، و (جاءنا) جملة استئنافية مبينة للجملة الأولى، أو أن يكون صفة، و (جاءنا) خبرًا، والأول أوجه. وذكر ضمير النار في (إليه) لتأويل العذاب وأنثها في قوله: (يحطم بعضها بعضًا) نظرًا إلى اللفظ. 1285 - حديث: "إذا صلى أحدكم فلا يضع نعليه عن يمينه ولا عن يساره فيكونَ عن يمين صاحبه". قال الطيبي: (فيكون) بالنصب جواب النهي.

1286 - حديث: "من سره أن يكتال بالمكيال الأوفى إذا صلى علينا أهل البيت فليقل ... ".

1286 - حديث: "من سره أن يكتال بالمكيال الأوفى إذا صلى علينا أهل البيت فليقل ... ". قال الطيبي: (أهل البيت)، مجرور بدلاً من الضمير المجرور في علينا، كما في قوله: على حالة لو أن في القوم حاتمًا ... على جوده لضنَّ بالماء حاتمُ ويجوز أن يكون منصوبًا بتقدير: أعني. وقوله: (إذا صلى أحدكم) شرط، جزاؤه (فليقل)، فالشرط مع الجزاء جواب الشرط الأول. ويجوز أن تكون (إذا) ظرفًا، والعامل (فليقل)، على قول من ذهب إلى أن ما بعد الفاء الجزائية يعمل فيما قبله، كما في قوله تعالى: (لإيلاف قريش) [قريش: 1]، فإنه معمول لقوله: (فليعبدوا) [قريش: 3]. 1287 - حديث: "وأومأ أنْ كما أنتم". قال الطيبي: (أنْ) مفسرة، لأن في (أومأ) معنى القول، ويجوز أن تكون مصدرية، والجار محذوف، أي أشار إليهم بالكون على حالهم. 1288 - حديث: "أسرعوا بالجنازة فإن تك صالحة فخير تقدمونها إليها".

1289 - حديث: "لا تصروا الإبل".

قال ابن مالك: أنث الضمير العائد على الخبر وهو مذكر، وكان القياس (إليه) لكن المذكر يجوز تأنيثه إذا أول بمؤنث، كتأويل الخير الذي تقدم إليه النفس الصالحة بالرحمة أو بالحسنى أو باليسرى، كقوله تعالى: (للذين أحسنوا الحسنى وزيادة) [يونس: 26]، وكقوله: (فسنيسره لليسرى) [الليل: 7]. ومن إعطاء المذكر حكم المؤنث باعتبار التأويل، قوله صلى الله عليه وسلم في إحدى الروايتين: "فإنَّ في إحدى جناحيه دواءً والأخرى شفاءً"، والجناح مذكر، ولكنه من الطائر بمنزلة اليد، فجاز تأنيثه مؤولاً بها. ومن تأنيث المذكر لتأويله بمؤنث قوله تعالى: (من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها) [الأنعام: 160]، فأنَّث عدد الأمثال وهي مذكرة لتأويلها بحسنات. وقال الكرماني: قوله: (فخير) خبر مبتدأ محذوف أي: فهو خير، أو مبتدأ خبره محذوف أي: فيها خير، أو فهناك خير. 1289 - حديث: "لا تصروا الإبل". قال القاضي عياض والنووي: المشهور في الرواية ضم التاء وفتح الصاد ونصب الإبل بوزن (تزكّوا) من يصرِّي يصرى تصرية. وروي بفتح التاء وضم الصاد من

1290 - حديث الجمعة: " ... وفي آخر ثلاث ساعات منها ساعة من دعا الله فيها استجيب له".

الصرورى (لا تصر الإبل)، بضم التاء بغير واو بعد الراء، ورفع الإبل على ما لم يسم فاعله من الصرّ أيضًا والصحيح الأول. قال القرطبي: أصل (تصروا) تصريوا، استثقلت الضمة على الياء فنقلت إلى ما قبلها، لأن واو الجمع لا يكون ما قبلها مضمومًا، فانقلبت الياء واوًا، فاجتمع ساكنان، فحذفت الواو الأولى وبقيت واو الجمع، لا يكون ما قبلها إلا مضمومًا، فانقلبت الياء واوًا فاجتمع ساكنان، فحذفت الواو الأولى وبقيت واو الجمع. هذا أحسن ما قيل في هذا، وإجرائه على غير قياس التصريف. قوله: وإن سخطها ردها وصاعًا من تمر. قال الكرماني: فإن قلت: الرد بعد الأخذ فما معنى الرد في الصاع، قلت هو من قبيل: علفتها تبنًا وماء باردًا ... بأن يقال: إن ثَمَّ إضمار: أي: وسقيتها، أو يجعل علفتها مجازًا عن فعل شامل للعلف والسقي نحو أعطيتها. 1290 - حديث الجمعة: " ... وفي آخر ثلاث ساعات منها ساعةٌ من دعا الله فيها استُجيب له".

1291 - حديث: "في كل كبد رطبة أجر".

قال الطيبي: (في) هنا تجريدية، إذ الساعة في نفس آخر الساعات كما في قولك: في البيضة عشرون رطلاً من حديد، والبيضة نفس الأرطال. 1291 - حديث: "في كل كبد رطبة أجر". قال الكرماني: فإن قلت: لم أنث رطبة؟ قلت: لأن الكبد مؤنث سماعي، فإن قلت: الكبد ليست ظرفًا للأجر، فما معنى كلمة الظرفية؟ قلت: تقديره: الأجر ثابت في إرفاء أو في رعاية كل حي. أو الكلمة للسببية كما قال بعضهم: في النفس المؤمنة مائة إبل، أي بسبب قتل النفس المؤمنة. 1292 - حديث: "نهى عن الصلاة نصف النهار". قال الطيبي: (نصف) ظرف للصلاة على تأويل أن يصلي. 1293 - حديث: "نبني صومعتك من ذهب، قال: لا، إلا من طين". قال ابن مالك: فيه شاهد على حذف المجزوم بلا التي للنهي، فإن مراده، لا تبنوها إلا من طين.

1294 - حديث: "إن أول ما يحاسب به العبد صلاته إلى قوله: انظروا هل لعبدي من تطوع فيكمل بها".

1294 - حديث: "إن أول ما يحاسب به العبد صلاته إلى قوله: انظروا هل لعبدي من تطوع فيكمِّلُ بها". قال الطيبي: أنث ضمير التطوع نظرًا إلى معنى الصلاة، والظاهر نصبه على جواب الاستفهام على أنه من كلام الله تعالى، وتؤيده رواية فكملوا بها فريضته، وهو عطف على انظروا. 1295 - حديث: "لو كان لي مثل أحد ذهبًا ما يسرني أن لا يمر علي ثلاثٌ وعندي منه شيء". قال ابن مالك: تضمن هذا الحديث ثلاثة أوجه: أحدها، وهو أسهلها، وقوع التمييز بعد "مثل" ومنه قول الشاعر: ولو مثل ترب الأرض درًّا وعسجدا ... بذلت لوجه الله كان قليلَا والثاني: وقوع جواب "لو" مضارعًا منفيًا بما، وحق جوابها أن يكون ماضيًا مثبتًا، نحو: لو قام لقمت، أومنفيًّا بلمْ نحو: لو قام لم أقم. ولنا في وقوع المضارع في هذا الحديث جوابان: أحدهما: أن يكون وضع موضعه وهو شرط، كقوله تعالى: (لو يطيعكم في كثير من الأمر لعنتم) [الحجرات: 7]، والأصل: لو أطاعكم. فكما وقع "يطيع " موقع "أطاع" وهو شرط، وقع

"يسرني" موقع "سرني" وهو جواب. والثاني: أن الأصل: ما كان يسرني، فحذف "كان" وهو جواب "لو"، وفيه ضمير هو الاسم، و"يسرني" خبر. وحذف "كان " مع اسمها وبقاء خبرها كثير في نثر الكلام ونظمه. فمن النثر قوله - صلى الله عليه وسلم -: "المرء مجزيٌّ بعمله، إن خيرًا فخيرٌ وإن شرًّا فشر"، أي: (إن كان عمله خيرًا فجزاؤه خير، وإن كان عمله شرا فجزاؤه شر". ومن النظم قول الشاعر: لا تقربن الدهر آل مطرف ... إنْ ظالمًا أبدًا وإنْ مظلوما أي: إن كنت ظالمًا فيهم، وإن كنت مظلومًا. وأشبه شيء بحذف "كان" قبل "يسرني"، حذف "جعل" قبل "يجادلنا" في قوله تعالى: (فلما ذهب عن إبراهيم الروع وجاءته البشرى يجادلنا في قوم لوط) [هود: 74]، أي: جعل يجادلنا في قوم لوط، لأن "لمّا" مساوية للَوْ في استحقاق جواب بلفظ الماضي، فلما وقع المضارع في موقع الماضي دعت الحاجة إلى أحد أمرين: إما تأويل المضارع بماض، وإما تقدير ماض قبل المضارع، وهو أولى الوجهين. الثالث: وقوع "لا" بين " أن " و "يمر" والوجه فيه أن تكون "لا" زائدة، كما في قوله تعالى: (ما منعك ألا تسجد) [الأعراف: 12] أي: ما منعك أن تسجد، لأنه امتنع من ثبوت السجود لا من انتفائه.

1296 - حديث: "من قال حين يصبح وحين يمسي: سبحان الله وبحمده مائة مرة لم يأت أحد يوم القيامة بأفضل مما جاء به، إلا أحد قال مثل ما قال أو زاد عليه".

وكذا "ما يسرني أن لا يمر"، معناه: ما يسرني أن يمر، و "لا" زائدة. وقوله: (إلاّ شيء أرصده لدين). قال الطيبي: استثناء من قوله: (شيء) وجاز لأن المستثنى منه مطلق عام، والمستثنى مقيد خاص. ووجه رفعه: أن المستثنى منه في سياق النفي في جواب لو، على معنى أنه يجوز أن يحمل (لا) في (أن لا يمر) على النفي، وأن تحمل بألا على الصفة. 1296 - حديث: "من قال حين يصبح وحين يمسي: سبحان الله وبحمده مائة مرة لم يأت أحد يوم القيامة بأفضل مما جاء به، إلا أحدٌ قال مثل ما قال أو زاد عليه". قال الشيخ أكمل الدين: في الكلام حذف يدل عليه سياقه، وتقديره والله أعلم: لم يأت أحد يوم القيامة بأفضل مما جاء به أو بمثله إلا أحد قال مثل ما قال أو زاد عليه، ليكون قائل الزائد آتيًا بأفضل، والقائل مثل ما قال بالمثل. ولولا التقدير، لزم أن يكون الآتي بالمثل آتيًا بأفضل وليس كذلك. قال: والأصل أن يستعمل أحد في النفي وواحد في الإثبات، وقد يستعمل أحدهما مكان الآخر، وعلى هذا الحديث. قلت: الأولى أن يجعل (أو) بمعنى الواو، أي قال مثل ما قال وزاد عليه وحينئذ لا يحتاج إلى تقدير. وقال الطيبي: الاستثناء قوله: (إلا أحد) منقطع، والتقدير: لم يأت أحد

1297 - حديث: "لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن، ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن".

بأفضل مما جاء به، ولكن رجل قال مثل ما قاله، فإنه يأتي بمساويه، ولا يستقيم أن يكون متصلاً إلا على التأويل. نحو قوله: وبلدةٍ ليس بها أنيس ... إلا اليعافير وإلا العيس 1297 - حديث: "لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن، ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن". قال ابن مالك رحمه الله: هذا من باب حذف الفاعل، فإن الضمير لا يرجع إلى الزاني، بل الفاعل مقدر دل عليه ما قبله أي: ولا يشرب الشارب. قال الزركشي: ورواه بعضهم بكسر الباء على النهي بقوله: إذا كان مؤمنًا فلا يفعل. 1298 - حديث: "ما من أيام العملُ أحبُّ إلى الله أن يتعبد له فيها من عشر ذي الحجة". قال الطيبي: لو قيل: (أن يتعبد) مبتدأ و (أحب) خبره، و (من) متعلقة بـ (أحب)،

1299 - حديث: "ما يصيب المسلم من نصب ولا وصب إلى قوله: حتى الشوكة يشاكها".

لزم الفصل بين (أحب) ومعموله بأجنبي، فالوجه أن يقرأ (أحب) بالفتح ليكون صفة (أيام)، و (أن يتعبد) فاعله، (ومن) متعلق بـ (أحب)، والفصل لا يكون بأجنبي. وهو مثل قولك: ما رأيت رجلاً أحسن في عينه الكحل من عين زيد. وخبر (ما) محذوف. قال الطيبي: لو ذهب إلى أن (أحبّ) خبر (ما)، وأن (أن يتعبد) متعلق بأحب بحذف الجار، فيكون المعنى: ما من أيام أحب إلى الله بأن يتعبد له فيها من عشر ذي الحجة، لكان أولى من حيث اللفظ والمعنى. أما اللفظ فظاهر، وأما المعنى فإن سَوْق الكلام لتعظيم الأيام وتفخيمها، والعبادة تابعة لها لا عكسه، وعلى ما ذهب إليه القائل، يلزم العكس مع ارتكاب ذلك التعسف. 1299 - حديث: "ما يصيب المسلم من نصبٍ ولا وصبٍ إلى قوله: حتى الشوكة يُشاكها". قال المظهري: يجوز رفع (الشوكة) على الابتداء، والخبر (يشاكها) وجرها على أن (حتى) عاطفة، أو بمعنى الضمير في (يشاكها) مفعوله الثاني، والمفعول الأول مضمر أقيم مقام الفاعل. المعنى: حتى الشوكة يشاك المسلم تلك الشوكة. 1300 - حديث: "أكثروا ذكر هادم اللذات".

قال المظهري: (الموتِ) بالجر عطف بيان وبالرفع خبر مبتدأ محذوف وبالنصب على تقدير أعني. حديث الموت: قوله: (فيخرج كأطيب ريح المسك). قال الطيبي: (الكاف) صفة مصدر محذوف، أي تخرج خروجًا مثل ريح المسك، يفق فارقها، وقد فاق على سائر أرواح المسك. قوله: (فلهم أشدُّ فرحًا)، اللام للابتداء مؤكدة و (هم) مبتدأ و (أشد) خبره، نحو قوله تعالى: (لهو خير للصابرين) [النحل: 126]. ولا يبعد أن تكون اللام جارة، أي: لهم فرح أشد فرحًا، نحو قوله تعالى: (أو أشد خشيةً) [النساء: 77]، والفاء داخلة على الجملة، كما في قوله تعالى: (فروح وريحان) [الواقعة: 89]، لكنها جزائية، وهذه للتعقيب. وقوله: (بغائبه) متعلق بمحذوف، و (يقدم) حال من (غائبه) أي من فرح أحد بغائبه حال قدومه. وقوله: (ذهب به) لابد من تقدير الفاء، كما في قول الشاعر: من يفعل الحسنات اللهُ يشكرُها

1301 - حديث: "لا يبولن أحدكم في الماء الدائم الذي لا يجري ثم يغتسل منه".

أي إذا كان الأمر كما قلت: إنه مات ولم يلتحق بنا، ذهب به. وقوله: (إلى أمه الهاوية الهاوية)، بدل أو عطف بيان لأمه. 1301 - حديث: "لا يبولنّ أحدكم في الماء الدائم الذي لا يجري ثم يغتسل منه". قال ابن مالك في توضيحه: يجوز في "ثم يغتسل" الجزم عطفًا على "يبولن"، لأنه مجزوم الموضع ب "لا" التي للنهي ولكنه بني على الفتح لتوكيده بالنون. ويجوز الرفع على تقدير: ثم هو يغتسل فيه. والنصب على إضمار "أنْ"، وإعطاء "ثم" حكم واو الجمع. ونظيره في جواز الأوجه الثلاثة قوله تعالى: (ومن يخرج من بيته مهاجرًا إلى الله ورسوله ثم يدركْه الموت) [النساء: 100]. فإنه قرئ بجزم "يدركه" ورفعه ونصبه. والجزم هو المشهور والذي قرأ به السبعة. وأما الرفع والنصب فشاذان. وقال النووي في شرح مسلم: الرواية (يغتسل) مرفوع أي لا يبل ثم هو يغتسل منه. وذكر شيخنا أبو عبد الله بن مالك أنه يجوز أيضًا جزمه عطفًا على موضع يبولنّ ونصبه بإضمار (أنْ) وإعطاء ثم حكم واو الجمع. فأما الجزم فظاهر، وأما النصب فلا يجوز لأنه يقتضي أن النهي عنه الجمع بينهما دون إفراد أحدهما، وهذا لم يقله أحد بل البول فيه منهي عنه، سواء أراد الاغتسال فيه أو منه أم لا.

وقال الكرماني: لا يقتضي الجمع، إذ لا يريد بتشبيه (ثم) بالواو المشابهة من جميع الوجوه، بل هو في جواز النصب بعده فقط. سلمنا، لكن لا يضر، إذ كون الجمع منهيًّا يعلم من هنا، وكون الإفراد منهيًّا يعلم من دليل آخر بقوله تعالى: (ولا تلبسوا الحق بالباطل (وتكتموا) الحق) [البقرة: 42]، على تقدير النصب. وقال ابن مالك: هذا التعليل الذي علل به النووي امتناع النصب ضعيف، لأنه ليس فيه أكثر من كون هذا الحديث لا يتناول النهي عن البول في الماء الراكد بمفرده، وليس يلزم أن يدل على الأحكام المتعددة بلفظ واحد فيؤخذ النهي عن الجمع من هذا الحديث ويؤخذ النهي عن الإفراد من حديث آخر. وقال القرطبي في شرح مسلم: الرواية الصحيحة: (يغتسلُ) برفع اللام، ولا يجوز نصبها، إذ لا ينصب بإضمار (أنْ) بعد (ثم)، وبعضُ الناس قيده: "ثم يغتسلْ" مجزومة اللام على العطف على: "لا يبولنّ"، وهذا ليس بشيء، إذ لو أراد ذلك لقال: ثم لا يغتسلنّ، لأنه إذ ذاك يكون عطف فعل على فعل، لا عطف جملة على جملة، وحينئذ يكون الأصل مساواة الفعلين في النهي عنهما، وتأكيدهما بالنون الشديدة، فإن المحل الذي تواردت عليه شيء واحد، وهو الماء؛ فعدوله عن (ثم لا يغتسلن) إلى (ثم يغتسل) دليل على أنه لم يرد العطف، وإنما جاء: (ثم يغتسل) على التنبيه على مثال الحال. ومعناه إذًا: أنه إذا بال فيه قد يحتاج إليه، فيمتنع عليه استعماله لما أوقع فيه من البول، وهذا مثل قوله - صلى الله عليه وسلم -: "لا يضربْ أحدكم امرأته ضرب الأمة ثم يضاجعُها"،

برفع (يضاجعها)، ولم يروه أحد بالجزم؛ ولا يتخيله فيه، لأن المفهوم منه: أنه نهاه عن ضربها؛ لأنه يحتاج إلى مضاجعتها في ثاني حال، فتمتنع عليه لما أساء من معاشرتها، فيتعذر المقصود لأجل الضرب. وتقدير اللفظ: ثم هو يضاجعها، وثم هو يغتسل. وقال الحافظ ابن حجر: قد تعقب كلام القرطبي بأنه لا يلزم من تأكيد النهي أن يعطف عليه نهي آخر غير مؤكد لاحتمال أن يكون التأكيد في أحدهما. وقال البيضاوى في شرح المصابيح: ثم يغتسل فيه عطف على الصلة. قال الطيبي فى شرح المشكاة: لعله امتنع من العطف على (يبولن)، وارتكب هذا التعسف للاختلاف بين الإنشائي والخبري والمعنى عليه أظهر، فيكون (ثم) مثل الواو في (لا تأكل السمك وتشرب اللبن) أي لا (يكن منك أكل السمك وشرب اللبن) أي لا تجمع بينهما لأن الاغتسال في الماء الدائم وحده غير منهي، أو مثل الفاء فى قوله تعالى: (ولا تطغوا فيه فيحل عليكم غضبي) [طه: 82]، أي لا يكن من أحد البول فى الماء الموصوف، ثم الاغتسال فيه، فثم استبعادية، أي يبعد من العاقل الجمع بين هذين الأمرين. فإن قلت: علام تعتمد في نصب يغتسل حتى يتمشى لك هذا المعنى. قلت: إذا قوي المعنى لا يضرّ الرفع، لأنه حينئذ من باب (أحضرُ الوغى). وقوله: (الذى لا يجري)، صفة مؤكدة للدائم. ذكره النووي وابن دقيق العيد والبيضاوي وغيرهم.

1302 - حديث: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسكت بين التكبير والقراءة إسكاتة – أحسبه هنئة".

وقال الشيخ ولي الدين العراقي: الذي يظهر لي أنه إنما أتى بقوله: (الذي لا يجري) بعد (الدائم)، لأن الدائم من الأضداد يطلق على الجاري أيضًا كما نقله القاضي عياض في المشارق والأنباري. قلت: قد وقعت على كتاب الأنباري: الاضداد، فوجدته قاله فيه. 1302 - حديث: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسكت بين التكبير والقراءة إسكاتة – أحسبه هنئة". قال القاضي عياض: رواية الجمهور بهاء مضمومة وهمزة. وقال النووي: بتشديد الياء بلا همزة تصغير (هنة) أي قليلاً من الزمان ويقال هنيهة أيضًا. وقال الكرماني: (هنيّه) بضم الهاء وفتح النون وتشديد التحتية بغير همز، وهي تصغير (هنة) أصلها (هنوة) وهي كلمة كناية، ومعناها شيء، فلما صغّرت قلبت الواو ياء وأدغمت في الياء. ومن همز فقد أخطأ. وروي هنهة بإبدال الياء الثانية هاء، أي يسكت شيئًا قليلاً بينهما. قوله: (فقلت: بأبي وأمي يا رسول الله). قال في النهاية: الباء متعلقة بمحذوف إما اسم: فيكون تقديره: أنت مفدّى بأبي وأمي، وإما فعل: فالتقدير: فديتك بأبي، وحذف تخفيفًا لكثرة الاستعمال، وعلم المخاطب به. قوله: (إسكاتك بين التكبير والقراءة ما تقول؟) قال المظهري في شرح المصابيح: (إسكاتك) بالنصب على أنه مفعول فعل مقدر، أي

1303 - حديث: "لا يقبل الله صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ".

أسألك إسكاتك ما تقول فيها، أو في إسكاتك ما تقول، فنصب على نزع الخافض، وفي رواية: أرأيت سكوتك. قال الشيخ تاج الدين الفاكهاني: روايتنا في (أرأيت) بضم التاء. قال ابن فرحون: هذا غريب. فإن جميع ما جاء من أرأيت بمعنى أخبرني في القرآن، التاء فيه مفتوحة. قوله: (اللهم باعد بيني وبين خطاياي). قال الكرماني: فإن قلت: لم كرر لفظ الـ (بين) ههنا ولم يكرر بين المشرق والمغرب، قلت: إذا عطف على المضمر أعيد الخافض. 1303 - حديث: "لا يقبل الله صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ". قال أبو حيان: (أحد) هنا بمعنى واحد، وليس هو المقصود على النفي وشبهه في نحو قام أحد، والفرق بينهما، أن أصل هذا، أي المقصود على النفي همزة وحاء ودال، والآخر واو وحاء ودال، الهمزة فيه بدل من واو. وقال ابن فرحون: يجب هنا تقدير حتى بإلى التي للغاية، أي إلى أن يتوضأ ولا يجوز تقديرها بـ (إلاّ أن يتوضأ)، لأنه يصير مفهومه: أنه لو صلى قبل الوضوء ثم توضأ قبلت، فيفسد المعنى بتقديرها. 1304 - حديث: "اللهم اشدد وطأتك على مضر اللهم اجعلها عليهم سنين كسنيّ يوسف".

قال البيضاوي: الضمير في (اجعلها) للوطأة أو للأيام، وإن لم يسبق لها ذكر، لما دل عليه المفعول الثاني الذي هو (سنين): جمع السنة التي هي بمعنى القحط، وهي من الأسماء الغالبة كالبيت والكتاب. وقال الزركشي: قوله: كسني يوسف بالتشديد، وجاء على اللغة الغالبة من إجراء السنين مجرى الجمع المذكر في الإعراب فيما قبل النون وسقوطها عند الإضافة وتخفيف الياء. قيده النووي وغيره. وقال الكرماني: (اجعلها)، أي الوطأة كالسنين التي كانت في زمان يوسف مقحطة، وجمع السنة بالواو والنون شاذ من جهة أنه ليس لذوي العقول، ومن جهة تغير مفرده بكسر أوله. ولهذا جعل بعضهم حكمه حكم المفردات في جعل نونه معقب الإعراب كقول الشاعر: دعاني من نجد فإنّ سنينَه ... لعبن بنا شيبا وشيَّبْننا مُرْدا وقال ابن فرحون: يجيء (جعل) بمعنى (صيّر) فيتعدى لمفعولين، وبمعنى (خلق) نحو (وجعل الظلمات والنور) [الأنعام: 1]، وبمعنى (سمّى) نحو: (وجعلوا الملائكة الذين هم عند الرحمن إناثًا) [الزخرف: 19]، وبمعنى (ألقى) نحو: (ويجعل الخبيث بعضه على بعض) [الأنفال: 37]، ومنه الحديث "إذا توضأ أحدكم فليجعل في أنفه ماء". أي فليلق، ويجوز أن يكون بمعنى صيّر، أي فليصير في أنفه ماء.

1305 - حديث: "لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك".

1305 - حديث: "لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك". قال البيضاوي: (لولا) كلمة تدل على انتفاء الشيء لثبوت غيره، و (لا) نافية، فدل الحديث على انتفاء الأمر لثبوت المشقة، لأن انتفاء النفي ثبوت، فيكون الأمر منفيًّا لثبوت المشقة. 1306 - حديث: "من حج هذا البيت – فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه". قال الطيبي: (الفاء) في قوله: (فلم يرفث) عاطفة على الشرط وجوابه (رجع)، أي صار، والجار والمجرور خبر له. ويجوز أن يكون حالاً، أي: صار مشابهًا لنفسه في البراءة عن الذنوب في يوم ولدته أمه. و (كيوم) بالفتح والكسر جائز. 1307 - حديث: "شر ما في الرجل شحٌّ هالعٌ وجبن خالع". قال الطيبي: (هالع)، أي: ذو هلع، كيوم عاصف، وليل نائم، ويحتمل أن يكون (هالع) بمكان (خالع) للازدواج. وقال الطيبي: يحتمل أن يحمل على الإسناد المجازى، فيسند إلى الشح ما هو

مسند إلى صاحبه مبالغة.

مسند إلى صاحبه مبالغة. 1308 - حديث: "أيُّ الصدقة أعظم". قال الزركشي: (أيّ) مبتدأ، وأعظم خبره. قوله: (أنْ تصدّق وأنت صحيحٌ شحيح ولا تهمل). قال الزركشي: فيه ثلاثة أوجه: الرفع والنصب والإسكان. وقال الطيبي: (ولا تهمل) عطف على تصدق، وكلاهما خبر مبتدأ محذوف. أي: أفضل الصدقة أن تصدق. 1309 - حديث: "لا تقوم الساعة حتى يكثر فيكم المال فيفيضُ، حتى يُهِمّ ربَّ المال من يقبل صدقته". قال الزركشي: بضم الياء وكسر الهاء من الهم، وهو الحزن، يقال أهمّه، إذا أحزنه، و (ربّ المال بالنصب) مفعول، و (من يقبل) هو الفاعل. ومنهم من قيده بضم الهاء من (همّ)، بمعنى قصد، ورب المال مرفوع فاعل ومن يقبل، مفعول، أي يقصده وهذا حكاه عياض والنووي وغيرهما، وليس بشيء والمعنى على الأول. وقال النووي: الأول أجود وأشهر. قوله: (وحتى يعرضه فيقول الذي يعرضه عليه لا أرب لي فيه).

1310 - حديث: "العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما".

قال الزركشي: (فيقول) بالنصب عطفًا على ما قبله. 1310 - حديث: "العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما". قال ابن السني: (إلى) بمعنى (مع) أي: العمرة مع العمرة. 1311 - حديث: "الصلواتُ الخمس والجمعة إلى الجمعة ورمضان إلى رمضان مكفرات لما بينهن إذا اجتنب الكبائر". قال الطيبي: قوله: (والجمعة)، المضاف محذوف، أي صلاة الجمعة منتهية إلى الجمعة، وصوم رمضان منتهيًا إلى صوم رمضان، و (مكفرات) خبر عن الكل، و (لما بينهن) معمول لاسم الفاعل، ولذا دخلت اللام فيه، و (إذا اجتنب) شرط وجزاؤه دل عليه ما قبله. 1312 - حديث: "لا يصوم أحدكم يوم الجمعة إلاّ يومًا قبله أو بعده". قال الكرماني: فإن قلت: ما وجه هذا الكلام إذ لا يصح استثناء (يومًا) من (يوم الجمعة)، ولا يصح أيضًا جعله ظرفًا ليصوم. قلت: هو ظرف ليصوم المقدر، أو (يومًا)، منصوب بنزع الخافض وهو باء المصاحبة أي بيوم.

1313 - حديث: "لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد".

1313 - حديث: "لا صلاةَ لجار المسجد إلا في المسجد". قال ابن الدهان في الغرة: هذا الحديث يقررة جماعة بكامله، وهذا نقض لما أصلناه من أن الصفة لا يجوز حذفها والتقدير عندي: لا كمالَ صلاةٍ، فحذف المضاف وأقام المضاف إليه مقامه. 1314 - حديث: "ما من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - أحدٌ أكثر حديثًا عنه مني إلاّ ما كان من عبد الله بن عمرو فإنه كان يكتبُ ولا أكتبُ". قال الكرماني: (أكثر) بالنصب ويحتمل الرفع أيضًا، وهو أفعل التفضيل وجاز وقوع المفاضلة بينه وبين لفظ (مني) لأنها ليست أجنبية. فإن قلت: (إلاّ ما كان) أهو استثناء متصل أم منقطع؟ قلت: يحتمل الانقطاع، أي: لكن الذي كان من عبد الله – أي الكتابة – لم يكن مني، والخبر محذوف بقرينة باقي الكلام. ويحتمل الاتصال نظرًا إلى المعنى، إذ (حديثًا) وقع تمييزًا والتمييز كالمحكوم عليه، فكأنه قال: ما أحد حديثه أكثر من حديثي إلا أحاديث حصلت من عبد الله. 1315 - حديث: "الإيمان بضع وسبعون شعبة فأفضلها قول لا إله إلا الله". قال الطيبي: فإن قلت: ما معنى الفاء في (فأفضلها).

1316 - حديث: "فلما قدم جاءه بالألف دينار".

قلت: هي جزاء محذوف، كأنه قيل: إذا كان الإيمان ذا شعب. 1316 - حديث: "فلما قدم جاءه بالألف دينار". قال ابن مالك: في وقوع "دينار" بعد "الألف" ثلاثة أوجه: أحدها، وهو أجودها، أن يكون أراد (بالألف) ألف دينار، على إبدال (ألف) المضاف من المعرف بالألف واللام، ثم حذف المضاف، وهو البدل، لدلالة المبدل منه عليه، وأبقى المضاف إليه على ما كان عليه من الخبر كما حذف المعطوف المضاف، وترك المضاف إليه على ما كان عليه من الخبر قبل الحذف، في نحو: ما كل سوداء تمرة ولا بيضاء شحمة. وفي الحديث الآخر: "ثم قام فقرأ العشر آيات" يحمل أيضا على أن المراد: فقرأ العشر عشرآيات، على البدل، ثم حذف البدل وبقي ما كان مضافًا مجرورًا. ومن حذف البدل المضاف لدلالة المبدل منه عليه، ما جاء في جامع المسانيد، من قول النبي - صلى الله عليه وسلم: "خير الخيل الأدهم الأقرح الأرثم المحجل ثلاث". أي: المحجل محجل ثلاث، وهذا أجود من أن يكون على تقدير: المحجل في ثلاث. ومن حذف البدل المضاف لدلالة المبدل منه عليه قول الراجز: الآكل المال اليتيم بطرا ... يأكل نارًا وسيصلى سقرا

أراد: الآكل المالَ مال اليتيم. ومثله قول الشاعر: المال ذي كرم تنمي محامده ... ما دام يبذله في السر والعلن أراد: المال مال ذي كرم. وقد يحذف المضاف باقيًا عمله، وإن لم يكن بدلاً، كقوله عليه السلام: "فضل الصلاة بالسواك على الصلاة بغير سواك سبعين صلاة". أي: فضل سبعين صلاة. ويجوز أن يكون الأصل: بسبعين صلاة، فحذفت الباء وبقي عملها. الوجه الثاني: أن يكون الأصل: جاءه بالألف الدينار، والمراد بالألف الدنانير، فأوقع المفرد موقع الجمع كقوله تعالى: (أو الطفل الذين لم يظهروا) [النور: 31] ثم حذفت اللام من الخط لصيرورتها بالإدغام دالاً، فكتب على اللفظ كما كتب (وللدار الآخرة) في "الأنعام" على صورة (ولدار الآخرة) [الأنعام: 32]. الوجه الثالث: أن يكون الألف مضافًا إلى دينار، والألف واللام زائدتان فلذلك لم يمنعا من الإضافة.

1317 - حديث: "لا يلدغ المؤمن من الجحر مرتين".

ذكر جواز هذا الوجه أبو علي الفارسي، وحمل عليه قول الشاعر: تولي الضجيع إذا تنبه موهنا ... كالأقحوان من الرشاش المستقي قال أبو علي: أراد (رشاش المستقي)، فزاد الألف واللام، ولم يمنعا من إلاضافة. ولقوله "فقرأ العشر آيات" من هذا الوجه الثالث نصيب، أعني كون الألف واللام زائدتين غير مانعتين من الإضافة. 1317 - حديث: "لا يلدغ المؤمن من الجحر مرتين". قال الخطابي: يروى على النهي بالسكون وكسر الغين لالتقاء الساكنين، وعلى الخبر بالرفع. 1318 - حديث: "إنكم في زمان من ترك عُشْر ما أمر به هلك". قال الطيبي: الجملة الشرطية صفة الزمان، والراجع محذوف أي من ترك منكم فيه. 1319 - حديث: "الساعي على الأرملة والمسكين كالقائم لا يفتر". قال الكرماني: (لا يفتر) صفة لقائم كقوله:

1320 - " حديث: "من تعلم علما مما يبتغي به وجه الله لا يتعلمه إلا ليصيب به عرضا من الدنيا".

ولقد أمر على اللئيم يسبني ... . . . . . 1320 - " حديث: "من تعلم علمًا مما يبتغي به وجه الله لا يتعلمه إلا ليصيب به عرَضًا من الدنيا". قال الطيبي: قوله: (لا يتعلمه) حال، إما من فاعل (تعلّم) أو من مفعوله لأنه تخصص بالوصف، ويجوز أن يكون صفة أخرى لـ (علمًا). 1321 - حديث: "إذا نودي للصلاة أدبر الشيطان له ضراط". قال الكرماني: قوله: (له ضراط) جملة اسمية وقعت حالاً بدون الواو، وهو ليس بضعيف، لحصول الارتباط. وقد ورد في القرآن، قال تعالى: (اهبطوا بعضكم لبعض عدو) [البقرة: 36 - الأعراف: 24]. وقوله: (حتى يظلَّ الرجل إنْ يدري كم صلى). قال أبو البقاء: لاصواب في (إنْ) هنا الكسر وتكون نافية بمعنى (ما)، أي يظل لا يدري كم صلى كقوله تعالى: (وإن أدري لعله فتنة) [الأنبياء: 111]. وقال غيره: وهي موافقة لرواية (لا يدري).

1322 - حديث: "يكون في آخر الزمان دجالون كذابون يأتونكم من الأحاديث بما لا تسمعوا فإياكم وإياهم لا يضلونكم ولا يفترونكم".

قال عياض: وروي بالفتح. قال ابن عبد البر: وهي رواية أكثرهم. قال القرطبي: وليست بشيء إلا مع رواية (يضلّ) بالضاد، فيكون إنْ مع الفعل بتأويل المصدر، ومفعول (يضل) (إنْ يدري) بإسقاط حرف الجر، أي: يضل عن درايته وينسى عدد ركعاته. قال: وهذا أيضًا فيه بعد. قال الطيبي: كرر حتى خمس مرات، أولاهن والرابعة والخامسة بمعنى كي، والثانية والثالثة دخلتا على الجملتين الشرطيتين وليستا للتعليل. 1322 - حديث: "يكون في آخر الزمان دجالون كذابون يأتونكم من الأحاديث بما لا تسمعوا فإياكم وإياهم لا يضلونكم ولا يفترونكم". قال الطيبي: النون مانعة من أن يكون جوابًا للأمر، ففيه وجهان أحدهما: أن يكون إخبارًا، فكأنه لما قيل: احذروا أنفسكم عنهم، واحذروهم أن يتعرضوا لكم، قيل: ماذا يكون بعد هذا الحذر؟ فأجيب لا يضلونكم، كقوله تعالى: (عليكم أنفسكم لا يضركم) [المائدة: 105] إذا قرئ بالرفع على إرادة الإخبار. وثانيهما: أن يكون خبرًا بمعنى النهي، كقوله تعالى: (وإذ أخذنا ميثاق بني إسرائيل لا تعبدون إلا الله) [البقرة: 83].

1323 - حديث: "الصوم لي وأنا أجزي به، يذر طعامه وشرابه وشهوته من أجلي".

وهذا أبلغ من صريح النهي، كأن المطلوب قد حصل، وهو يخبر عن حصوله، فيكون النهي تأكيدًا للأمر، كأنه قيل: احذروهم ولا تتعرضوا، لما إن تعرضتم له يضلونكم كقوله تعالى: (واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة) [الأنفال: 25]، وقوله تعالى: (فلا يصدنك عنها من لا يؤمن بها) [طه: 16]. 1323 - حديث: "الصوم لي وأنا أجزي به، يذر طعامه وشرابه وشهوته من أجلي". قال في النهاية: أي: من أجلي، وأصله من جزاي فحذفت النون وخفف الكلمة وكثيرًا ما يرد هذا. 1324 - حديث: "يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار". قال القاضي عياض: فيه حجة لمن صحح إظهار ضمير الجمع والتثنية في الفعل إذا تقدم وحكموا فيها قول من قال من العرب وهم بنو الحارث: أكلوني البراغيث. وعليه حمل الأخفش شوقه تعالى: (وأسروا النجوى الذين ظلموا) [الأنبياء: 3]، وأكثر النحاة يأبون هذا – وهو مذهب سيبويه – ويتأولون هذا ومثله، ويجعلون الاسم بعده بدلاً من الضمير، ولا يرفعونه بالفعل، كأنه قال: لما أسروا النجوى، قال: من هم؟ قال: الذين ظلموا. وقال القرطبي: الواو في قوله: (يتعاقبون) علامة الفاعل المذكر المجموع على

1325 - حديث: "كل مولود يولد على الفطرة حتى يكون أبواه هما اللذان يهودانه وينصرانه".

لغة بني الحارث، وهم القائلون: أكلوني البراغيث، وهي لغة فاشية عليها حمل الأخفش قوله تعالى: (وأسروا النجوى الذين ظلموا). وقد تعسف بعض النحاة في تأويلها وردها للبدل وهو تكلف مستغنى عنه، فإن تلك اللغة مشهورة ولها وجه من القياس واضح. قال الحافظ ابن حجر: وقد توارد جماعة من الشراح على أن حديث الباب من هذا القبيل ووافقهم ابن مالك، وناقشه أبو حيان قائلاً: إن هذه الطريق اختصرها الراوي، وقد أخرجه البزار بلفظ: "إن لله ملائكةً يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار". وهو عند البخاري في بدء الخلق بلفظ: "الملائكةُ يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار". وعند النسائي بلفظ: "إن الملائكة يتعاقبون فيكم" فقرئ بخط أبي حيان. قلت: "قد سبق أبا حيان إلى هذا الاستدراك السهيلي". وأما ابن مالك فإنه سمى هذه اللغة في تصانيفه لغة: (يتعاقبون فيكم ملائكة) وتبعه الرضي على ذلك بعد أن كان النحاة يسمونها: لغة أكلوني البراغيث. 1325 - حديث: "كل مولود يولد على الفطرة حتى يكون أبواه هما اللذان يهودانه وينصرانه". قال الأندلسي في شرح المفصل: فيه أوجه: أحدها: أن يكون (أبواه) مبتدأ و (هما) مبتدأ ثان، و (اللذان) خبرها، والجملة

في موضع خبر (أبواه)، أو أبواه وما بعده في موضع خبر كان، واسم كان مضمر فيها يعود على المولود ومثله قول الشاعر: إذا ما المرء كان أبوه عبس ... فحسبُك ما تريد إلى الفخار الثاني: أن يكون في (يكون) ضمير المولود و (أبواه) مبتدأ، و (هما) فصلاً وخبر (أبواه) (اللذان) بصلتها، والجملة أيضًا في موضع خبر كان. الثالث: أن يكون في كان ضمير الشأن والجملة خبرها، و (هما) يحتمل الوجهين هنا أيضًا. الرابع: أن ينصب (اللذين) على خبر كان ويكون (هما) فصلاً لا غير، واسم كان (أبواه) فإن ثنيت على إضمار المولود في كان، قلت: كل مولودين يولدان على الفطرة حتى يكون أبواه، وحتى يكونوا في الجمع. وتفرد على قول من جعل اسم كان (أبواه). وعلى من جعل في كان ضمير الشأن، لأنه لا يثنى ولا يجمع. وقال ابن هشام الخضراوي: في الحديث عندئذ أن يجوز أن يكون (على الفطرة) حالاً من الضمير، و (يولد) في موضع الخبر و (حتى) بمعنى: إلا أن المنقطع، كأنه قال: إلا أن يكون أبواه يهودانه والمعنى: لكن أبواه يهودانه. وفي فتح الباري: ذكر ابن هشام في المغني، عن ابن هشام الخضراوي: أنه جعل هذا الحديث شاهدًا لورود حتى للاستثناء. وذكر بلفظ: كل مولود يولد على الفطرة، حتى يكون أبواه هما اللذان يهودانه وينصرانه.

1326 - حديث: "ما من مولود إلا يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه كما تنتج البهيمة بهيمة جمعاء هل تحسون فيها من جدعاء".

وقال: ولك أن تخرجه على أن فيه حذفًا، أي: يولد على الفطرة، ويستمر على ذلك، حتى يكون، يعني: فتكون الغاية على ما بها. وقال صاحب المغني في موضع آخر: إلا أنه ضمّن يولد معنى (ينشأ) مثلاً. قال الحافظ ابن حجر: وقد وجدت الحديث في تفسير ابن مردويه من طريق الأسود بن سريع بلفظ: (ليست نسمةٌ تولد إلا ولدت على الفطرة، فما أنْ يزال عليها حتى يبين عنها لسانُها". (وهو) يؤيد الاحتمال المذكور. قال: واللفظ الذي ساقه الخضراوي لم أره في الصحيحين، ولا غيرهما، إلا عند مسلم، ما من مولود إلا يولد على الفطرة حتى يعرب عنه لسانه، وفي مستخرج أبي نعيم: "ما من مولود يولد في بني آدم إلا يولد على الفطرة حتى يكون أبواه يهودانه". 1326 - حديث: "ما من مولود إلا يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه كما تنتج البهيمة بهيمةً جمعاء هل تحسّون فيها من جدعاء". قال الطيبي ثم الكرماني: (من) زائدة، و (مولود) مبتدأ، و (يولد) خبره. وتقديره: ما من مولود يوجد على أمر من الأمور إلا على الفطرة، والفاء: إما للتعقيب، وإما للسببيه، أو جزاء شرط مقدر، أي: إذا تقرر ذلك من تغير كان بسبب أبويه، إما بتعليمهما إياه، أو ترغيبهما، أو كونه تبعًا لهما في الدين. و (تنتج) على بناء المفعول، قال الجوهري: نتجت الناقة على ما لم يسم

1327 - حديث: "خير الصدقة ما كان عن ظهر غنى".

فاعله، تنتج نتاجًا. ولفظ (كما) إما حال من الضمير المنصوب في (يهودانه)، أي: يهودان المولود بعد أن خلق على الفطرة تشبيهًا بالبهيمة التي جدعت بعد أن خلقت سليمة. وإما صفة مصدر محذوف، أي يغيرانه تغييرًا مثل تغييرهم البهيمة السليمة. والأفعال الثلاثة تنازعت في (كما) على التقديرين، و (بهيمة) مفعول ثان لقوله (تنتج). و (هل تحسون) صفة أو حال، أي: بهيمة مقولاً فيها هذا القول. أي: كل من نظر إليها قال هذا القول لظهور سلامتها. 1327 - حديث: "خير الصدقة ما كان عن ظهر غنى". قال الخطابي: (الظهر) قد يزاد في مثل هذا إشباعًا للكلام. وقال البغوي: أي: غنى يستظهر به على النوائب التي تنوبه. وقال التوربشتي: هو مثل قولهم: هو راكب متن السلامة، ونحوه من الألفاظ التي يعبر بها عن التمكن من الشيء والاستعلاء عليه. وقال بعضهم: (عن) للسببية، (والظهر) زائد. أي خير الصدقة ما كان سببها غنى في المتصدق. 1328 - حديث: "ما من يوم يصبح العباد إلا ملكان ينزلان، فيقول أحدهما: اللهم أعط منفقًا خلفًا، ويقول الآخر: اللهم أعط ممسكًا تلفًا". قال الطيبي: ((ما) بمعنى ليس، و (يوم) اسمه، و (من) زائدة، و (يصبح العباد) صفة لـ (يوم)، و (ملكان) مستثنى من محذوف هو خبر (ما).

1329 - حديث: "إن خياركم أحسنكم قضاء".

المعنى: ليس يوم موصوف بهذا الوصف ينزل فيه أحدٌ إلا ملكان يقولان: كيت وكيت. فحذف المستثنى منه، ودل عليه بوصف الملكين ينزلان. ونظيره في مجيء الموصوف مع الصفة بعد إلا في الاستثناء المفرغ قولك: ما اخترت إلا رفيقًا منكم. التقدير: ما اخترت منكم أحدًا إلا رفيقًا، وهو من أمثلة (كتاب المفتاح). قال الكرماني: (في حديث: "ما من يوم يصبح العباد فيه الخ"). فإن قلت: ما المستثنىمنه، قلت خبر (ما) محذوف وهو "يقول أحدهما"، أي: ليس يوم موصوف بكذا، ينزل أحد إلا ملكان. فحذف المستثنى منه بقرينة دلالة وصف الملكين عليه. قال: وقوله في الثاني: (أعْطِ) مشاكلة للأول إذ التلف لا يعطى. 1329 - حديث: "إن خيارَكم أحسنُكم قضاءً". قال الكرماني: في (خياركم) يحتمل أن يكون مفردًا بمعنى المختار وأن يكون جمعًا. فإن قلت: (أحسن) كيف يكون خبرًا له لأنه مفرد؟، قلت: أفعل التفضيل المضاف، المقصود به الزيادة، جائز فيه الإفراد والمطابقة لمن حوله. وقوله في الحديث: (أوفيتني، أوفى الله بك) إن قلت كان القياس في مقابلته أوفاك الله.

1330 - حديث: "إن العبد ليتكلم بالكلمة ينزل بها في النار أبعد ما بين المشرق والمغرب".

قلت: زيد الباء في المفعول توكيدًا. 1330 - حديث: "إن العبد ليتكلم بالكلمة ينزل بها في النار أبعدَ ما بين المشرق والمغرب". قال الشيخ أكمل الدين: الباء في (بها) للسببية، و (أبعد) إما منصوب على أنه صفة لمصدر محذوف، معناه: نزولاً أبعد، أو مجرور، على أنه صفة للنار الواقعة موقع المنكّر. والمعنى: أبعد قعرًا، و (ما) موصول، والظرف صلته، ومعناه أبعد من البعد الذي بين المشرق والمغرب. 1331 - حديث: "إنما ورث هذا المال كابرًا عن كابرٍ". قال الطيبي: هو حال. وقال الشيخ أكمل الدين: هو منصوب بنزع الخافض أي ورث هذا المال عن كبير ورثه عن كبير. ومثله قولهم: وروى هذا الحديث ثقة عن ثقة، عدلاً عن عدل. [وقال الصفار في شرح كتاب سيبويه: في قوله: زيد سادة كابرًا عن كابر. (عن كابر) متعلق بسادة، أي آباؤه ورثوا السيادة عن آبائهم، ولا يصح تعلقها بكابر، لأنه يصير المعنى: أنهم سادوا آباءهم في السيادة، وفاقوا عليهم، والكلام ليس موضوعًا لذلك، لأن فيه انتقاصًا لآبائهم، وموضوع الكلام مدح زيد، والانتقاص بالانتقاص بالآباء ليس مدحًا للأبناء].

1332 - حديث: "إنهم قالوا: إنا نجد في أنفسنا ما يتعاظم أحدنا أن يتكلم به، قال: وقد وجدتموه؟ قالوا: نعم".

فإن قلت: فـ (كابرًا) نصب على ماذا؟ فالجواب أنه على الحال من الواو في سادة. فإن قلت: فكان ينبغي أن يكون جمعًا ولا يكون بلفظ الإفراد: قلت: هو اسم جمع لا مفرد، كالحامل والباقر والسامر، قال تعالى: (مستكبرين به سامرًا تهجرون) [المؤمنون: 67]. فإن قلت: هل يجوز أن يكون من باب وضع المفرد موضع الجمع، فالجواب، أنه لا يجوز، لأن ذلك إنما يكون في الضرورة. 1332 - حديث: "إنهم قالوا: إنا نجد في أنفسنا ما يتعاظم أحدنا أن يتكلم به، قال: وقد وجدتموه؟ قالوا: نعم". قال القرطبي: كذا صحت الرواية، (وقد) بالواو ومعنى الكلام الاستفهام، فيحتمل أن تكون همزة الاستفهام محذوفة، والواو للعطف، فيكون التقدير: أو قد وجدتموه؟ ويحتمل أن تكون الواو عوض الهمزة كما قرأ قنبل عن ابن كثير: (قال فرعون وآمنتم) [الأعراف: 123]، قال أبو عمرو الداني: هي عوض من همزة الاستفهام، وهذه الواو مثلها، والضمير في وجدتموه عائد على التعاظم الذي دل عليه يتعاظم. 1333 - حديث: "لا يزال الناس يتساءلون، حتى يقولون: هذا الله خلق كل شيء فمن خلقه".

1334 - حديث: "من يقم ليلة القدر إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه".

قال النووي: روي (يقولون) بالنون، و (يقولوا) بغير نون، وكلاهما صحيح، وإثبات النون مع الناصب لغة قليلة ذكرها جماعة من محققي النحويين، وجاءت متكررة في الأحاديث الصحيحة. قال زين العرب: (هذا) مبتدأ، و (الله) عطف بيان لهذا، و (خلق الخلق) خبر هذا. وقال الطيبي: قيل (هذا) يعرب على وجهين: أحدهما: أن يكون مفعولاً، والمعنى: حتى يقال هذا القول، والآخر: أن يكون مبتدأ حذف خبره، أي: هذا القول أو قولك: (هذا الله) مبتدأ وخبر، أو (هذا) مبتدأ و (الله) عطف بيان، و (خلق) خبره. وأولى الوجوه أنه مبتدأ حذف خبره، لكن تقديره أن يقال: هذا مقرر أو مسلّم، وهو أن الله (خلق الخلق)، فما تقول في (الله)؟ فعلى هذا الفاء، رتبت ما بعدها على ما قبلها. وقوله: (الله خلق الخلق) بيان لقوله: هذا مسلّم، وما بعده بيان له، لأن الفاء تدفعه. ووجه آخر: وهو أن يقدر: هذا القول مفردًا، فوضع (خلق الله الخلق) موضع القول، كقوله تعالى: (وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض) [البقرة: 11]. 1334 - حديث: "من يقم ليلة القدر إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه".

قال ابن مالك في توضيحه: تضمن هذا الحديث قول عائشة رضي الله عنها: "إن أبا بكر رجل أسيف، متى يقم مقامك رَقَّ"، وقوع الشرط مضارعًا والجواب ماضيًا لفظًا لا معنى. والنحويون يستضعفون ذلك، ويراه بعضهم مخصوصًا بالضرورة. والصحيح الحكم بجوازه مطلقًا لثبوته في كلام أفصح الفصحاء، وكثرة صدوره عن فحول الشعراء، كقول نهشل بن ضمرة: يا فارس الحى يوم الروع قد علموا ... ومدره الخصم لا نكسا ولا ورعا ومدرك التبل والأعداء تطلبه ... وما يشأ عندهم من تبلهم منعا وكقول أعشى قيس: وما يرد من جميع بعد فرَّقَه ... وما يرد بعد من ذي فرقة جمعا وكقول حاتم: وانك مهما تعط بطنك سؤله ... وفرجك نالا منتهى الذم أجمعا

وكقول رؤبة: ما يلق في أشداقه تلهما ... إذا أعاد الزأد أو تنهما ومثله: إن تستجيروا أجرناكم وإن تهنوا ... فعندنا لكم الإنجاد مبذول ومثله: متى تأته ألفيته متكفلا ... بنصرة مذعور وترفيه بائس ومثله: إن تصرمونا وصلناكم وإن تصلوا ... ملأتم أنفس الأعداء إرهابا ومما يؤيد هذا الاستعمال قوله تعالى: (إن نشأ ننزل عليهم من السماء آية فظلت أعناقهم) [الشعراء: 4]، فعطف على الجواب الذي هو (ننزل عليهم) (ظلت) وهو ماضي اللفظ، ولا يعطف على الشيء غالبًا إلا ما يجوز أن يحل محله، وتقدير حلول (ظلت) محل (ننزل): إن نشا ظلت أعناقهم لما ننزل خاضعين.

ولهذا الاستعمال أيضا مؤيد من القياس، وذلك أن محل الشرط أصله للتقدير، ومحل الجواب غير مختص بذلك، ويجوز أن يقع فيه جملة اسمية وفعل أمر أو دعاء أو فعل مقترن بـ "قد" أو حرف تنفيس أو بـ"لن" أو بـ "ما" النافية. فإذا كان الشرط والجواب مضارعين وافقا الأصل، لأن المراد منهما الاستقبال، ودلالة المضارع عليه موافقة للوضع، وما وافق الوضع أصل لما خالفه. وإذا كانا ماضيين خالفا الأصل، وحسنهما وجود التشاكل. وإذا كان أحدهما مضارعًا والآخر ماضيًا حصلت الموافقة من وجه، والمخالفة من وجه آخر. وتقديم الموافق أولى من تقديم المخالف؛ لأن المخالف نائب عن غيره، والموافق ليس مستقبل المعنى، فهو ذو تغيير في اللفظ دون المعنى، على تقدير كونه في الأصل مضارعًا، فردته الأداة ماضي اللفظ ولم تغير معناه. وهذا هو مذهب المبرد. أوهو ذو تغيير في المعنى دون اللفظ، على تقدير كونه في الأصل ماضي اللفظ والمعنى، فغيرت الأداة معناه دون لفظه، وهذا هو المذهب المختار. وإذا كان ذا تغيير فالتأخر أولى به من التقدم، لأن تغيير الأواخر أكثر من تغيير الأوائل. قلت: الحديث رواه البخاري أيضًا بلفظ: "من قام ليلة القدر"، فعرف أن ذلك من تصرف الرواة، والأليق بما ينسب إلى لفظ النبوة ما وافق الفصيح.

1335 - حديث: "نعم الرجل".

وكذا قال الحافظ ابن حجر: عندي في الاستدلال بهذا الحديث نظر لأنني أظنه من تصرف الرواة بالمعنى. 1335 - حديث: "نعم الرجل". قال الأندلسي في شرح المفصل: قال ابن برهان: العامة تذهب في (نعم) و (بئس) إلى أنهما للاقتصاد في المدح والذم، ومذهب العربية خلاف ذلك. وكان شريك بن عبد الله قاضيًا على الكوفة، فذكر علي بن أبي طالب رضي الله عنه، فقال له جليس له من بني أمية: نعم الرجل عليٌّ، فأغضبه قوله، وقال له: ألِعَليٍّ تقوله: نعم الرجل عليّ، فأمسك القائل حتى سكن غضب شريك، ثم قال له: يا أبا عبد الله، ألم يقل الله تعالى: (فقدرنا فنعم القادرون) [المرسلات: 23]، (ولقد نادانا نوح فلنعم المجيبون) [الصافات: 75]، (نعم العبد إنه أواب) [ص: 30، 44]. قال شريك: بلى، قال: أفلا ترضى لعلي ما رضيه الله لنفسه ولأنبيائه، فتنبه على موضع غلطه. 1336 - حديث: "شر الطعام طعام الوليمة يدعى لها الأغنياء ويترك الفقراء". قال الزركشي: جملة (يدعى) في موضع الحال من (طعام الوليمة)، فلو دُعِي إليه عامًّا لم يكن شر الطعام.

1337 - حديث: "إن الله تجاوز عن أمتي عما حدثت به أنفسها".

وقال البيضاوي: (مِنْ) مقدرة، أي: من شر الطعام كما يقال: شر الناس من أكل وحده، أي من شرهم. وقال البيضاوي: التعريف في الوليمة للعهد الخارجي، إذ كان من عادتهم دعوة الأغنياء وترك فقرائهم، (ويدعى .. الخ: استئناف بيان لكونها شر الطعام، فلا يحتاج إلى تقدير (من). وقوله: (ومن ترك الدعوة فقد عصى الله ورسوله) حال، والعامل (يدعى). يعني: يدعى الأغنياء لها، والحال أن الإجابة واجبة، فيجيب المدعو، ويأكل شر الطعام. 1337 - حديث: "إن الله تجاوز عن أمتي عما حدثت به أنفسها". قال القاضي عياض والنووي والقرطبي: ضبط العلماء (أنفسها) بالنصب والرفع، وهما ظاهران، إلا أن النصب أشهر وأظهر، على أنه مفعول (حدثت). وفي (حدثت) ضمير فاعل عائد على الأمة، ويدل عليه قوله: "إن أحدنا يحدث نفسه". قال الطحاوي: وأهل اللغة يقولون: (أنفسُها) يرفعون السين، على أنه فاعل (حدثت). يريدون بغير اختيارها كما في قوله تعالى: (ونعلم ما توسوس به نفسه) [ق: 16].

1338 - حديث: "كخ كخ أما شعرت أنا لا نأكل الصدقة".

وقال الشيخ أكمل الدين في شرح المشارق: ضبط قوله: (أنفسها) بالرفع والنصب، والرفع أظهر، والنصب أشهر، ووجه محادثة المرء نفسه، المسماة عند البلغاء بالتجريد. وفي رواية البخاري: "إن الله تجاوز عن أمتي ما وسوست به صدورها". رواه الأصيلي وغيره بالضم. وفي رواية لأحمد: (تجوّز لأمتي) بالبناء للمفعول. 1338 - حديث: "كخ كخ أما شعرت أنا لا نأكل الصدقة". قال القاضي عياض: يقال: بفتح الكاف وكسرها وسكون الخاء وكسرها معًا. وبالتنوين مع الكسر، وبغير تنوين، وهي كلمة لزجر الصبيان عن الشيء يأخذونه ليتركوه. قال الداودي: هي كلمة أعجمية عربتها العرب بمعنى (بئس). 1339 - حديث: "ما أسفل الكعبين من الإزار ففي النار". قال الطيبي والكرماني: (ما) موصولة، و (بعض) صلته محذوف وهو (كان)، و (أسفل) منصوب خبره. ويجوز أن يرفع (أسفل)، أي: ما هو أسفل، أي: الذي هو (أسفل)، وعلى التقديرين: (أفعل) يجوز أن يكون فعلاً ماضيًا.

1340 - حديث: "إذا شرب الكلب في إناء أحدكم".

وقال الزركشي: (من) الأولى لابتداء الغاية، والثانية للبيان. 1340 - حديث: "إذا شرب الكلب في إناء أحدكم". قال الكرماني: ضُمِّن (شرب) معنى (ولغ)، فعدّي تعديته. وقوله: "وعَفِّروه الثامنة". قال ابن فرحون: أي: في الثامنة، فهو نصب على تقدير الخافض، ويجوز أن يكون بدلاً من الضمير، أي: عفروا الثامنة. 1341 - حديث: "إنَّ رجلاً رأى كلبًا يأكل الثرى من العطش". قال الكرماني: (يأكل) إما صفة أو حال، لا مفعول ثان، لأن الرؤية بمعنى الإبصار. وقوله: "فجعل يغرف له": (جعل) هنا بمعنى طَفِقَ. وقوله: (فشكر الله له): يقال: شكرت له وشكرته، وباللام أفصح. وقوله: (فأدخله الجنة): (الفاء) تفسيرية، نحو: (فتوبوا إلى بارئكم فاقتلوا أنفسكم) [البقرة: 54]. 1342 - حديث: "كل كلم يكلمه المسلم في سبيل الله يكون يوم القيامة كهيئتها إذا طعنت".

1343 - حديث: "من آتاه الله مالا فلم يؤد كاته مثل له ماله يوم القيامة شجاعا أقرع".

قال الكرماني: (يكلمه) أي: يكلم به: فحذف الجار، وأوصل المجرور إلى الفعل. و (المسلم) هو مفعول ما لم يسم فاعله، وأعاد الضمير في (كهيئتها) إلى (الكلم) مؤنثًا باعتبار الجراحة. فإن قلت: ما وجه التأنيث في (طعنت)، والمطعون هو المسلم؟ قلت: أصله طعن بها، وقد حذف الجار، ثم أوصل الضمير المجرور إلى الفعل، وصار المنفصل متصلاً. وفي رواية مسلم: (إذا طعنت). فإن قلت (إذا) للاستقبال ولا يصح المعنى عليه، قلت: هو هنا لمجرد الظرفية إذ هو بمعنى إذْ، وقد يتعارضان، أو هو لاستحضار صورة الطعن، إذ الاستحضار كما يكون بصريح لفظ المضارع، كما في قوله تعالى: (الله الذي يرسل رياحًا فتثير سحابًا) [الروم: 48] يكون أيضًا بما في معنى المضارع، كما فيما نحن فيه. 1343 - حديث: "من آتاه الله مالاً فلم يؤد كاته مثل له ماله يوم القيامة شجاعًا أقرع". قال السهيلي: هو بالنصب على الحال، أي: في مثل هذه الحال. وقال الطيبي: هو نصب مجرى المفعول، أي: صور له ماله شجاعًا أقرع.

1344 - حديث: "تبلغ الحلية من المؤمن حيث يبلغ الوضوء".

ضُمّن (مثّل) معنى التصير، أي: صيّر ماله على صورة شجاع. قال الكرماني: وروي بالرفع، خبر مبتدأ محذوف، أي: والمصور شجاع. ورأيت في مجاميع الشيخ شمس الدين القماح بخطه ما نصه: سئل الشيخ جمال الدين بن مالك عن قوله صلى الله عليه وسلم: (إلا جاء كنزه يوم القيامة شجاع أقرع). فأجاب: فاعل (جاء)، (الكانز)، (كنزه) مبتدأ، و (شجاع أقرع) خبره، والجملة حالية، لأن الجملة الابتدائية المشتملة على ضمير ما قبلها تقع حالاً، واقترانها بالواو كثير، وقد جردت منه في قوله تعالى: (اهبطوا بعضكم لبعض عدو) [البقرة: 36]. ويجوز جعل (كنزه) فاعل (جاء) و (شجاع) خبر مبتدأ محذوف، والجملة في موضع الحال، أي: جاء وهو شجاع، أو صورته شجاع، ولا بعد فيه، لأن فيه حذف المبتدأ والواو. إذ الاهتمام بهذه الواو، أقل من الاهتمام بالفاء المقترنة بمبتدأ جواب شرط، وقد حذفا معًا في قوله: أبيُّ لا تبعد فليس بخالد ... حيٌّ ومن تصب الحمامُ بعيدُ فهو بعيد فحذف الفاء وهي ألزم من الواو. 1344 - حديث: "تبلغ الحلية من المؤمن حيث يبلغ الوضوء".

1345 - حديث: "أقيمت الصلاة وعدلت الصفوف قياما، فقال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم مكانكم".

قال الطيبي في شرح المشكاة: ضمن (تبلغ) معنى تمكن، وعدّي بمن، أي: تتمكن من المؤمن الحلية مبلغًا يتمكنه الوضوء منه. 1345 - حديث: "أقيمت الصلاة وعدّلت الصفوف قيامًا، فقال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم مكانكم". قال أبو البقاء: (قيامًا) حال من الصفوف، و (مكانكم) اسم نائب عن الأمر، أي: الزموا مكانكم وقفوا، كقوله تعالى: (مكانكم أنتم وشركاؤكم) [يونس: 28]. 1346 - حديث: "من هم بحسنة فلم يعملها كتبت له حسنة". قال أبو البقاء: (حسنة) بالرفع على أنه مفعول (كتبت)، كما تقول: أثبتت له حسنة، أي: حدثت له. وبالنصب على أنه المفعول الثاني، أي: كتبت له همته حسنة، وكذلك في باقي الحديث. 1347 - حديث: "فإن لم يكن له مال استسعى العبدَ في ثمن رقبته غيرَ مشقوق عليه". قال أبو البقاء: (غير) هنا منصوبة على الحال، وصاحب الحال (العبد) والعامل فيهما (سعى)، والتقدير: سعى العبد مرفهًا أو مسامحًا.

1348 - حديث: "الفضة بالفضة وزنا بوزن" الحديث.

1348 - حديث: "الفضة بالفضة وزنًا بوزن" الحديث. قال أبو البقاء: انتصاب (وزنًا) فيه وجهان: أحدهما: أنه مصدر في موضع الحال، والتقدير: تباع الفضة بالفضة وزنًا، أي: موزونًا بموزون. والثاني: أن يكون مصدرًا، أي: توزن وزنًا، فيكون مصدرًا مؤكدًا دالاًّ على الفعل المحذوف، كما قالوا: فلان شربَ الإبل، أي: شرب شرب الإبل، وكذلك في قوله: مِثْلاً بمثل. 1349 - حديث: "من قال سبحان الله كتبت له عشرين حسنة، ومن قال: الله أكبر فمثل ذلك". قال أبو البقاء: يجوز الرفع في (مثل) على أن يكون الخبر محذوفًا أي: فله مثل ذلك. والنصب على تقدير: فيعطى مثل ذلك. 1350 - حديث: "مر رجل بجِذْل شوك، فقال: لأميطنَّ هذا أنْ لا يعقر". قال أبو البقاء: التقدير: لأن لا يعقر، (فأن) هذه هي الناصبة للفعل، والمعنى: كي لا يعقر.

1351 - حديث: "إذا اكتحل أحدكم فليكتحل وترا".

1351 - حديث: "إذا اكتحل أحدكم فليكتحل وترًا". قال أبو البقاء: في انتصاب (وترًا) وجهان: أحدهما: هو حال، أي: موترًا. والثاني: أن يكون صفة لمحذوف، أي: اكتحالاً وترًا. 1352 - حديث: "لا يؤمن العبد الإيمانَ كله حتى يترك الكذب في المزاحة". قال أبو البقاء: (الإيمان) مصدر معرّف، كما تقول: قمت القيام الذي تعرف. و (كله) توكيد له. 1353 - حديث: "إنه نهى عن القيل والقال". قال أبو البقاء في كتاب التيمن: يروى بالجر والتنوين على أنهما اسمان، وبالحكاية على أنه من قبيل التسمية بالجمل، نحو: تأبط شرًا. وقال بعضهم: هو من حكاية ألفاظ الأفعال مع دخول عوامل الأسماء عليها، كما قالوا: هذا شأنه من شُبَّ إلى دبَّ. وقال في الإعراب: الذي يظهر لي عند أهل اللغة أن تكون الكلمتان اسمين معربين بوجوه الإعراب ويدخلهما الألف واللام. والمشهور في هذا الحديث بناؤهما على الفتح، على أنهما فعلان ماضيان،

1354 - حديث: "جاء ناس إلى النبي صلى الله عليه وسلم فسألوه: إنا نجد في أنفسنا ما يتعاظم أحدنا أن يتكلم به".

فعلى هذا يكون التقدير: نهى عن قول: قيل وقال، وفيهما ضمير فاعل مستتر، ولو روي: عن قيلٍ، بالجر والتنوين جاز. وقال الرضي: قوله (نهى عن قيل وقال) هما محكيان، والمعنى: نهى عن قول: قيل وقال كذا، وقال فلان كذا، يعني: كثرة المقالات. 1354 - حديث: "جاء ناس إلى النبي صلى الله عليه وسلم فسألوه: إنا نجد في أنفسنا ما يتعاظم أحدنا أن يتكلم به". قال الطيبي: قوله: (إنا نجد في أنفسنا) واقع موقع الحال، أي: سألتموه مخبرين أنا نجد، أو قائلين، على احتمال فتح الهمزة وكسرها، والكسر أوجه حتى يكون بيانًا للمسئول. و (تعاظم) تفاعل بمعنى المبالغة، لأن زيادة اللفظ لزيادة المعنى، فإن الفعل الواحد إذا جرى بين اثنين يكون مزاولته أشق من مزاولته وحده. وقوله: (أحدنا). قال المظهري: المروي (أحدنا) برفع الدال، ومعناه: يجد أحدنا التكلم به عظيمًا، ويجوز النصب، أي: يعظم ويشق التكلم به على أحدنا. قوله: (أو قد وجدتموه؟) قال الطيبي: الهمزة للاستفهام، والواو للعطف على مقدر، أي: حصل ذلك، وقد وجدتموه، تقريرًا وتأكيدًا. والمعنى: حصل ذلك الخاطر، أو مصدر يتعاظم.

1355 - حديث: "من جاء مسجدي هذا لم يأت إلا لخير يتعلمه".

1355 - حديث: "من جاء مسجدي هذا لم يأت إلا لخير يتعلمه". 1356 - حديث: "لا صلاة بعد الإقامة إلا المكتوبة". قال أبو البقاء: الوجه هو الرفع، على البدل من موضع: (لا)، والنصب ضعيف، ومثل ذلك (لا إله إلا الله). 1357 - حديث: "عليك السمع والطاعة في عسرك ويسرك ومنشطك ومكرهك". قال أبو البقاء: بالرفع على أنه مبتدأ وما قبله الخبر، وهذا اللفظ لفظ الخبر، ومعناه الأمر أي: اسمع، وأطع على كل حال. وإن جاء في بعض الروايات منصوبًا فهو على الإغراء، كقوله تعالى: (عليكم أنفسكم) [المائدة: 105]. 1358 - حديث: "كفى بالمرء كذبًا أن يحدث بكل ما سمع". قال القرطبي: الباء في (بالمرء) زائدة هنا على المفعول، وفاعل (كفى): (أن يحدث)، وقد تزاد هذه الباء على فاعل (كفى) كقوله تعالى: (وكفى بالله شهيدًا) [النساء: 79]، و (كذبًا) و (شهيدًا) منصوبان على التمييز. 1359 - حديث: "يحشر الناس يوم القيامة ثلاثةَ أصناف".

1360 - حديث: "ليختصمن كل شيء يوم القيامة حتى الشاتين فيما انتطحتا".

قال أبو البقاء: انتصاب (ثلاثة) على الحال، وهو نعت في الأصل، أي: أصنافًا ثلاثة، ثم قدم العدد وأضافه، فجرى مجرى المضاف إليه في انتصابه. 1360 - حديث: "ليختصمنّ كل شيء يوم القيامة حتى الشاتين فيما انتطحتا". قال أبو البقاء: الصواب (حتى الشاتان) أي: تختصم الشاتان، فهو معطوف على (كل)، ووقع في هذه الرواية بالنصب، فإن صحت، فالوجه فيه أن يكون التقدير: حتى ترى اختصام الشاتين، فحذف الفعل والمضاف، وأقام المضاف إليه مقامه، و (في) تتعلق بالاختصام المحذوف، و (ما) بمعنى الذي، أي: في الشيء الذي انتطحتا من أجله، ويجوز أن يكون (الشاتين) جر على تقدير: إلى الشاتين. 1361 - حديث: "ما لعبدي المؤمن عندي جزاء إذا قبضت صفيّه من أهل الدنيا ثم احتسبه إلا الجنة". قال أبو البقاء: يجوز في (الجنة) الرفع على البدل من (جزاء)، والنصب على أصل باب الاستثناء، كقوله تعالى: (ما فعلوه إلا قليل منهم) [النساء: 66] بالرفع والنصب.

1362 - حديث: "أرأيت أنه وضع في يدي سواران من ذهب فقطعتهما".

1362 - حديث: "أرأيت أنه وضع في يدي سواران من ذهب فقطعتهما". قال في النهاية: هكذا روي متعديًا حملاً على المعنى، لأنه بمعنى كسرتهما وحطمتهما، والمعروف: قطعت به أو منه. 1363 - حديث: "ما من بني آدم مولود إلا يمسه الشيطان". قال الطيبي: يحتمل أن يكون (ما) بمعنى: ليس، بطل عملها لتقديم الخبر على المبتدأ، و (إلاّ) لغو، لأن الاستثناء مفرغ، والمستثنى حال من الضمير المستتر في الظرف. والوجه أن يقال: إن (مولودًا) فاعل الظرف لاعتماده على حرف النفي، والمستثنى منه عام الوصف، يعني: ما يوجد مولود متصف بشيء من الأوصاف إلا بهذا الوصف، كأنه – صلى الله عليه وسلم - يرد من زعم أن بعض بني آدم لا يمسه الشيطان، فهو من مس القلب. 1364 - حديث: "غزوت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم سبع غزوات أو ثماني". قال ابن مالك في توضيحه: الأجود أن يقال: سبع غزوات أو ثمانيًا، بالتنوين؛ لأن لفظ "ثمان" وإن كان كلفظ "جوار" في أن ثالث حروفه ألف بعدها حرفان، ثانيهما ياء، فهو يخالفه في أن "جواري" جمع، و "ثماني" ليس بجمع. واللفظ بهما في الرفع والجر سواء.

ولكن تنوين "ثمان" تنوين صرف، كتنوين "يمان"، وتنوين "جوار" تنوين عوض، كتنوين "أعم". وإنما يفترق لفط "ثمان" ولفظ "جوار" في النصب، فإنك تقول: رأيت جواري ثمانيًا، فتترك تنوين "جوار" لأنه غير منصرف- وقد استغنى عن تنوين العوض بتكمل لفظه- وتنون "ثمانيًا" لأنه منصرف، لانتفاء الجمعية. ومع هذا، ففي قوله "أو ثماني"، بلا تنوين ثلاثة أوجه: أحدها: وهو أجودها، أن يكون أراد: أو ثماني غزوات، ثم حذف المضاف إليه وأبقى المضاف على ما كان عليه قبل الحذف، وحسن الحذف دلالة ما تقدم من مثل المحذوف، ومثله قول الشاعر: خمس ذود أوست عوضت منها ... وهذا من الاستدلال بالمتقدم على المتأخر، وهو في غير الإضافة كثير. الوجه الثاني: أن تكون الإضافة غير مقصودة، وترك تنوين "ثمان" لمشابهته "جواري" لفظًا ومعنى. أما اللفظ فظاهر. وأما المعنى فلأن "ثمانيًا" وإن لم يكن له واحد من لفظه، فإن مدلوله جمع. وقد اعتبر مجرد الشبه اللفظي في "سراويل" فأجري مجرى "سرابيل" فلا يستبعد إجراء "ثمان" مجرى "جوار". ومن اجرائه مجراه قول الشاعر: يحدو ثماني مولعا بلقاحها ......

1365 - حديث: "وليبصق عن يساره أو تحت قدمه فيدفنها".

الوجه الثالث: أن يكون في اللفظ" ثمانيًا" بالنصب والتنوين، إلا أنه كتب على اللغة الربيعية، فانهم يقفون على المنون المنصوب بالسكون، فلا يحتاج الكاتب على لغتهم إلى ألف، لأن من أثبتها في الكتابة لم يراع إلا جانب الوقف، فإذا كان يحذفها في الوقف كما يحذفها في الوصل لزمه أن يحذفها خطًا. ومن المكتوب على لغة ربيعة: (إن الله حرم عليكم عقوق الامهات، ووأد البنات، ومنع وهات)، أي: ومنعًا وهات، فحذف الألف لما ذكرت لك. ولحذفها هنا سبب آخر لا يختص بلغة، وهو أن تنويق "منعًا" أبدل واوًا وأدغم في الواو، فصار اللفظ بعين تليها واو مشددة، كاللفظ (يعول) وشبهه، فجعلت صورته في الخط مطابقة للفظه، كما فعل بكلم كثيرة في المصحف. ويمكن أن يكون الأصل: ومنع حق وهات، فحذف المضاف إليه وبقيت هيئة الإضافة. 1365 - حديث: "وليبصق عن يساره أو تحت قدمه فيدفنها". قال الكرماني: هو بالنصب، لأنه جواب الأمر، وبالرفع أي: فهو يدفنها، وبالجزم عطفًا على الأمر. 1366 - حديث: "إذا كان يوم الجمعة وقفت الملائكة على باب المسجد يكتبون الأول فالأول". قال الزركشي: نصب على الحال، أي: مترتبين، وجاز مجيئها معرفة على

1367 - حديث: "ابغني أحجارا أستنقض بها".

الشذوذ كقراءة بعضهم: (ليخرجن الأعز منها الأذل) [المنافقون: 8]. 1367 - حديث: "ابغني أحجارًا أستنقض بها". قال في التنقيح: (ابغني) بهمزة وصل، أي: اطلب لي، فإذا قلت (أبغني) بقطع الألف كان معناه: أعنّي على الطلب. يقال: بغيته الشيء طلبته، وأبغيته أعنته على طلبه، والأول المراد بالحديث. وقال الكرماني: (أستنقض) مجزوم جواب الأمر ومرفوع بأنه استئناف. 1368 - حديث: "أنا سيد الناس يوم القيامة – فلما رأى أصحابه لا يسألونه قال: ألا تقولون كيفَه؟ قالوا: كيفه؟ ". قال القاضي عياض: هذه الهاء: هاء السكت – عند أهل العربية – الملحقة في الوقف، وهي تلحق الأسماء والأفعال والحروف، لثلاث علل: لصحة الحركة التي قبلها آخر الكلمة، نحو: غلاميهْ وكتابيهْ ولم يتسنهْ على قول بعضهم، وأينهْ وكيفهْ، أو لتمام الكلام المنقوص نحو: عمّه ولِمَهْ، وقِهْ، أو للحاجة عند مد الصوت في النداء والندبة. وفي رواية: "ألا تقولون كيف هو". وقال النووي: قوله (كيفه)، أثبتوا الهاء في حالة الدرج، وفيه وجهان، حكاهما صاحب التحرير وغيره: أحدهما: أن من العرب من يجري الدرج مجرى الوقف، والثاني: أن الصحابة

1369 - حديث: "فقال الذئب: هذا استنقذتها مني، فمن لهذا يوم السبع، يوم لا راعي لها غيري".

قصدوا اتباع لفظ النبي صلى الله عليه وسلم الذي ختم عليه. فلو قالوا: كيف؟ لما كانوا سائلين عن اللفظ الذي ختم عليهم. 1369 - حديث: "فقال الذئب: هذا استنقذتها مني، فمن لهذا يوم السبع، يوم لا راعي لها غيري". قال ابن مالك: يجوز في "هذا" من قوله "هذا استنقذتها" ثلاثة أوجه: أحدها: أن يكون منادى محذوفًا منه حرف النداء، وهومما منعه البصريون وأجازه الكوفيون. وإجازته أصح، لثبوتها في الكلام الفصيح، كقول ذي الرمة: إذا هملت عيني لها قال صاحبي ... بمثلك هذا لوعة وغرام ومثله قول الآخر: ذا ارعواء فليس بعد اشتعال الر ... أس شيبًا الى الصبا من سبيل

وكقول بعض الطائيين: إن الألى وصفوا قومي لهم فبهم ... هذا اعتصم تلق من عاداك مخذولا ومثله قول الآخر: نولي قبل نأي داري جمانا ... وصليني كلما زعمت تلانا أراد: وصليني الآن ياتا، أي: يا هذه. والثاني: أن يكون "هذا" في موضع نصب على الظرفية مشارًا به إلى اليوم، والأصل: هذا اليوم استنقذتها مني. والثالث: أن يكون "هذا" في موضع نصب على المصدرية، والأصل: هذا الاستنقاذ استنقذتها مني. والأصل في قوله "يوم السبع": يوم السبع، بضم الباء، فسكنها على لغة بني تميم، فإنهم يسكنون العين المضمومة من الأسماء والأفعال. وكذلك يفعلون بالعين المكسورة، فيقولون في "نمِر وإبِل": "نمْر وإبْل". قوله: (فإني أؤمن بذلك وأبو بكر وعمر). قال الطيبي: الفاء جزاء شرط محذوف، أي: إذا كان الناس يستغربون ذلك ويتعجبون منه، فإني لا أستغربه وأؤمن به.

1370 - حديث: "دينار تنفقه في سبيل الله، ودينار تنفقه في رقبة، ودينار تصدق على مسكين، ودينار تنفقه على أهلك، فأعظمها أجرا الذي أنفقته على أهلك".

1370 - حديث: "دينارٌ تنفقه في سبيل الله، ودينارٌ تنفقه في رقبة، ودينارٌ تصدّق على مسكين، ودينار تنفقه على أهلك، فأعظمها أجرًا الذي أنفقته على أهلك". قال الطيبي: (دينار) مبتدأ، و (تنفقه) صفته، وما بعده معطوف عليه، والخبر جملة قوله: (أعظمها أجرًا الذي) .. الخ. 1371 - حديث: "لا تختصوا ليلة الجمعة بقيام ولا يوم الجمعة بصيام". قال الطيبي: (يوم) نصب مفعول به، كقوله: (ويوم شهدناه) والاختصاص لازم ومتعد، وفي الحديث متعد. قال ابن مالك: المشهور في (اختص) أن يكون موافقًا لـ (خصّ) في التعدي إلى مفعول وبذلك جاء قوله تعالى: (يختص برحمته من يشاء) [البقرة: 105]، وقول عمر بن عبد العزيز: (ولم يختص قريبًا)، وقد يكون (اختصّ) مطاوع (خصّ) فلا يتعدى كقولك: خصصتك بالشيء فاختصصت به. 1372 - حديث: "ليس صلاة أثقل على المنافقين من الفجر والعشاء". قال ابن مالك: في الحديث إشكال:

1373 - حديث: "كل سلامى من الناس عليه صدقة".

وهو أن يقال: "ليس" من أخوات "كان" فيلزم أن تجري مجراها، في أن لا يكون اسمها نكرة إلا بمصحح، كالتخصيص، وتقديم ظرف، كما يلزم ذلك فى الابتداء. والجواب أن يقال: قد ثبت أن من مصححات الابتداء بالنكرة وقوعه بعد نفي، فلا يستبعد وقوع اسم " كان" المنفية نكرة محضة، كقول الشاعر: إذا لم يكن أحد باقيًا ... فإن التأسي دواء الأسى وأما"ليس" فهي بذلك أولى، لملازمتها النفي، فلذلك كثر مجيء اسمها نكرة محضة، ك "صلاة" في الحديث المذكور، وكقول الشاعر: كم قد رأيت وليس شيء باقيا ... من زائر طرقَ الهوى ومزور وفي "ليس صلاة أثقل على المنافقين"، شاهد على استعمال "ليس" للنفي العام المستغرق به الجنس، وهو مما يغفل عنه. ونظيره قوله تعالى: (ليس لهم طعام إلا من ضريع) [الغاشية: 6]. 1373 - حديث: "كل سلامى من الناس عليه صدقة". قال ابن مالك: والمعهود في "كل" مضافًا إلى نكرة من خبر وضمير وغيرهما،

أن يجيء على وفق المضاف إليه، كقوله تعالى: (كل نفس ذائقة الموت) [آل عمران: 185] و (إن كل نفس لما عليها حافظ) [الطارق: 4]، وقد يجيء على وفق "كل" كقوله صلى الله عليه وسلم: "كل سلامى عليه صدقة"، فذكر الضمير موافقة لـ "كل" لأنه مذكر. ولوجاء به على وفق "سلامى" لأنثه لأنها مؤنثة، ولو فعل ذلك لكان أولى. وقال الطيبي: (كل سلامى) مبتدأ، و (من الناس) صفته، (عليه صدقة) الجملة خبر، والراجع إلى المبتدأ الضمير المجرور في الخبر. قوله: (كل يوم تطلع فيه الشمس): قال الكرماني: (كل يوم) بالنصب ظرف لما قبله، وبالرفع مبتدأ. والجملة بعده خبر، والعائد يجوز حذفه. قوله: (يعدل بين الناس صدقة). قال الكرماني: فاعل (يعدل) الشخص أو المكلف وهو مبتدأ على تقدير: العدل، نحو: (تسمع بالمعيدي خير من أن تراه)، وقوله تعالى: (ومن آياته أنك ترى الأرض) [فصلت: 39] (ومن آياته يريكم البرق) [الروم: 24]. وكذا قوله: (وتميط الأذى عن الطريق صدقة). وقال الطيبي: (يعدل) على تأويل: أن يعدل، و (صدقة) خبره، و (ينصره) عطف.

1374 - حديث: "والذي نفسي بيده وددت أني أقاتل في سبيل الله فأقتل، ثم أحيا ثم أقتل".

قوله: (والكلمة الطيبة صدقة عليه)، وكل هذه الجمل أخبار كقوله: (كل يوم تطلع فيه الشمس)، والرواجع من الأخبار محذوفة، أي: يعدل فيه مثلاً. 1374 - حديث: "والذي نفسي بيده وددت أني أقاتل في سبيل الله فأقتل، ثم أحيا ثم أقتل". قال ابن مالك: فيه شاهد على وقوع الفعل الماضي جواب قسم، عاريًا من "قد" واللام دون استطالة، وفيه غرابة، لأن ذلك لا يكاد يوجد إلا في ضرورة أو في كلام مستطال. فمن الوارد في ضرورة قول الشاعر: تالله هان على السالين ما ذهبت ... به نفوس أبت إلا الهوى دينا ومن الوارد في كلام مستطال قول الله تعالى: (والسماء ذات البروج) إلى قوله: (قتل أصحاب الأخدود). قلت: في بعض روايات البخاري: "لوددت" بإثبات اللام، فعلم أن حذفها من تصرف الرواة. 1375 - حديث: "يضحك الله إلى رجلين قتل أحدهما الآخر يدخلان الجنة".

1376 - حديث: "من أنفق زوجين في سبيل الله".

قال الطيبي والكرماني: عدّي بـ (إلى) لتضمنه معنى الإقبال، يقال: ضحك إلى فلان، إذا توجهت إليه بوجه طلق، وأنت عنه راض. 1376 - حديث: "من أنفق زوجين في سبيل الله". قال التوربشتي: يجوز أن يراد بالتثنية تكرير الإنفاق مرة بعد أخرى، بأن يتعود ذلك ويجعله دأبًا، كقوله تعالى: (ثم ارجع البصر كرتين) [الملك: 4]. قال الطيبي: هذا هو الوجه، قوله: (دعاه خزنة الجنة كل خزنة باب: أي فل هلمّ). قال في النهاية: أي: فلان، وقد اختلف الجمهور هل هو ترخيم فلان، والجمهور على أنه ليس ترخيمًا له، ولو كان ترخيمًا لفتحوها أو ضموها. قال سيبويه: ليست ترخيمًا، وإنما هي صيغة ارتجلت في النداء. وقد جاء في غير النداء للضرورة. قال: في لجة أمسك فلانا عن فلِ

1377 - حديث: "من صام يوما ابتغاء وجه الله، بعده الله من جهنم كبعد غراب طار وهو فرخ حتى مات هرما".

فكسر اللام للقافية. وقال الأزهري: ليس بترخيم فلان، ولكنهما كلمة على حدة، فبنو أسد يوقعونها على الواحد والاثنين والجمع والمؤنث، بلفظ واحد، وغيرهم يثني ويجمع ويؤنث. وقال قوم: إنه ترخيم فلان، فحذفت النون للترخيم، والألف لسكونها، وتفتح اللام وتضم على مذهبي الترخيم. وقال الرضي: قد جاء اسمًا، ولا تستعمل في غير النداء، وهي (فل) و (فله)، وليس (فل) ترخيم فلان، وإلا لم يجز في المذكر إلا (يا فلا)، ولو كان ترخيم فلان، لقيل في المؤنث، يا فلان، بحذف تاء فلانة. وقال الشيخ أكمل الدين في شرح المشارق: (فل) بسكون اللام عند الأكثر، وروي بفتحها وضمها. قوله: (كل خزنة باب)، بدل من (خزنة الجنة) بدل كل، و (أي) حرف نداء، و (هلم) يجيء متعديًا، كما في قوله تعالى: (قل هلم شهداءكم) [الأنعام: 150]، ولازمًا كما في الحديث، ومعناه: أقبل. 1377 - حديث: "من صام يومًا ابتغاء وجه الله، بعده الله من جهنم كبعد غراب طار وهو فرخ حتى مات هرمًا". قال الطيبي: (طار) صفة (غراب) و (وهو فرخ) حال من الضمير في (طار)، و (حتى مات) غاية الطيران، و (هرمًا) حال من فاعل (مات) مقابل لقوله: (وهو فرخ). 1378 - حديث: "اختبأتُ دعوتي شفاعةً لأمتي، فهي نائلة منهم من مات لا يشرك

1379 - حديث: قوله صلى الله عليه وسلم لليهود: "إني سائلكم عن شيء فهل أنتم صادقوني".

بالله شيئًا". قال الأشرفي: (من مات) في محل نصب على أنه مفعول لـ (نائلة). وقوله: (لا يشرك بالله) نصب على الحال من فاعل (مات)، أي شفاعتي نائلة من مات من أمتي غير مشرك بالله شيئًا. 1379 - حديث: قوله صلى الله عليه وسلم لليهود: "إني سائلكم عن شيء فهل أنتم صادقوني". قال ابن مالك: كذا في ثلاثة مواضع في أكثر النسخ، ومقتضى الدليل: أن تصحب نون الوقاية الأسماء المعربة المضافة إلى ياء المتكلم، لتقيها خفاء الإعراب. فلما منعوها ذلك كان كأصل متروك، فنبهوا عليه في بعض الأسماء المعربة المشابهة للفعل، كقول الشاعر: وليس بمعييني، وفي اليأس ممتع ... صديق إذا أعيا على صديق وكقول الآخر: وليس الموافيني ليرفد خائبا ... فإن له أضعاف ما كان أملا

1380 - حديث الموقف، قوله: "وهو آخر أهل الجنة دخولا الجنة".

ومنه قوله - صلى الله عليه وسلم -: "فهل أنتم صادقوني". ولما كان لأفعل التفضيل شبه بفعل التعجب اتصلت به النون المذكورة أيضًا في قوله - صلى الله عليه وسلم -: "غير الدجال أخوفني عليكم"، والأصل فيه: أخوف مخوفاتي عليكم، فحذف المضاف الى الياء، وأقيمت هي مقامه، فاتصل (أخوف) بها مقرونة بالنون، كما اتصل (معيي) و (الموافي) بها في البيتين المذكورين. 1380 - حديث الموقف، قوله: "وهو آخرُ أهل الجنة دخولاً الجنة". قال الكرماني: (دخولاً) إما تمييز، وإما بمعنى: الداخل حال. قوله (فما عسيتم)، ما استفهامية، و (أن تسأل) خبر عسى، و (إن أعطيت ذلك)، أي: التقدم إلى باب الجنة، جملة معترضة، وفي بعضها"لا تسأل" بزيادة لفظ "لا" وأما نافية، ونفي النفي إثبات، أي: عسيت أي تسأل غيره. قوله: (فإذا بلغ بابها فرأى زهرتها وما فيها من النضرة والسرور فسكت). قال الكرماني: فإن قلت: ما جواب (إذا بلغ بابها)؟، قلت: محذوف، أي: إذا بلغ تحيّر فسكت. قوله: (ويحك)، منصوب بفعل مضمر، نحو: الزم الله، و (ويح) كلمة رحمة، و (ويل) كلمة عذاب. وقيل: هما بمعنى واحد. قوله: (ما أعذرك)، فعل التعجب. قوله: (أليس) قد أعطيت العهد والميثاق.

1381 - حديث: "ذهب أهل الدثور من الأموال بالدرجات العلى".

قال الشيخ عز الدين بن عبد السلام في أماليه: الفرق بين (العهد) و (الميثاق) و (اليمين)، أن العهد هو إلزام والتزام سواء كان فيه يمين أو لم يكن، والميثاق: هو العهد المؤكد باليمين، واليمين معروفة. 1381 - حديث: "ذهب أهل الدثور من الأموال بالدرجات العلى". قال الكرماني: قوله: (من الأموال)، بيان لـ (الدثور) وتأكيد أو وصف، لأن (الدثور) يجيء بمعنى الكثرة. قوله: (تسبحون وتحمدون وتكبرون خلف كل صلاة ثلاثًا وثلاثين). قال الزركشي: هذا من باب التنازع المتعدد، وهو تنازع ثلاثة أفعال في اثنين: ظرف ومصدر. وقوله: (حتى يكون منهن كلِّهن) بكسر اللام تأكيد للضمير المجرور. وقوله: (ثلاثًا وثلاثين). قال الزركشي: كذا أثبت في أكثر الروايات، وروي: ثلاث وثلاثون، بالرفع وهو الوجه. وقال الحافظ ابن حجر: وجه الأول بأن اسم كان محذوف، والتقدير: حتى يكون العدد منهن كلهن ثلاثًا وثلاثين. وقال الطيبي: فإن قلت: ما معنى الأفضلية في قوله: (لا يكون أحد أفضل منكم) مع قوله: (إلا من صنع مثل ما صنعتم)، فإن الأفضلية تقتضي المساواة؟. قلت: هو من باب قوله:

1382 - حديث: "من اغتسل يوم الجمعة غسل الجنابة".

وبلدة ليس بها أنيس ... إلا اليعافير وإلا العيس يعني إن قدر أن المثلية تقتضي الأفضلية فتحصل الأفضلية. وقد علم أنها لا تقتضيها، فإذن لا يكون أفضل منكم. وقوله: (سمع إخواننا أهل الأموال بما عملنا) عدّى بالباء، لتضمنه معنى الإقبال، و (أهل الأموال) بدل من (إخواننا). 1382 - حديث: "من اغتسل يوم الجمعة غسل الجنابة". قال الزركشي: نصب على المصدر لـ (اغتسل) والأصل: مثل غسل الجنابة، فحذف المضاف. وقال الحافظ ابن حجر: هو نعت لمصدر محذوف، أي: غسلاً كغسل الجنابة، وهو كقوله تعالى: (وهي تمر مر السحاب) [النمل: 88]، (تعالى الله). 1383 - حديث: "العجماء جُبارٌ".

1384 - حديث: "لا يتمنى أحدكم الموت إما محسنا فلعله يزداد، وإما مسيئا فلعله يستعتب".

قال الكرماني: لا بد من تقدير مضاف، ليصح ربط الخبر بالمبتدأ، نحو: فعل العجماء جبار. قلت: لفظ رواية النسائي: (العجماء جرحها جبار) وضبط بفتح الجيم على المصدر لا غير. 1384 - حديث: "لا يتمنى أحدكم الموت إما محسنًا فلعله يزداد، وإما مسيئًا فلعله يستعتب". قال ابن مالك: أصله: إما يكون محسنًا وإما يكون مسيئًا، فحذف "يكون" مع اسمها مرتين، وأبقى الخبر. وأكثر ما يكون ذلك بعد "إنْ"و "لو". وفي قوله: "فلعله يزداد"شاهد على مجىء "لعل" للرجاء المجرد من التعليل. وأكثر مجيئها في الرجاء إذا كان معه تعليل، نحو قوله تعالى: (واتقوا الله لعلكم تفلحون). 1385 - حديث: "طوبى لعبد آخذ بعنان فرسه في سبيل الله أشعث رأسُه مغبرَّة قدماه".

1386 - حديث: "هلك كسرى ثم لا يكون كسرى بعده، وقيصر ليهلكن ثم لا يكون قيصر بعده".

قال الكرماني: (أشعث) بالجر، صفة لـ (عبد) و (رأسه) فاعل، وروي بالرفع. قوله: (إن كان في الحراسة كان في الحراسة، وإن كان في الساقة كان في الساقة). قال الكرماني: فإن قلت: ما فائدة هذه الملازمة والحال أن الشرط والجزاء متحدان. قلت: فائدته التعظيم، نحو: "فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله، فهجرته إلى الله ورسوله". أي: إن كان في الساقة فهو في أمر عظيم، والمراد منه لازمه، نحو فعليه أن يأتي بلوازمه ويكون مشتغلاً بحمله أو قلة ثوابه. وقال الشيخ أكمل الدين: (طوبى) مصدر من طاب، ومحله النصب أو الرفع، وهو أدل على الثبوت، نحو (سلام عليكم)، ولام الجر للبيان كما في قوله: سقيًا لك. وقال الطيبي: (طوبى) مصدر على وزن فُعْلى من الطيب، كبشرى وزلفى، ومعنى قولهم: طوبى لك، وطوباك، على الإضافة، أصبت خيرًا على الدعاء، وفي محلها وجهان: النصب والرفع كقولك: طيبًا لك، وطيبٌ لك، وسلامًا لك، وسلامٌ لك. 1386 - حديث: "هلك كسرى ثم لا يكونُ كسرى بعده، وقيصر ليهلكنَّ ثم لا يكونُ قيصرُ بعده".

1387 - حديث: "أنفق بلال، ولا تخش من ذي العرش إقلالا".

قال الكرماني: يروى (قيصر) بعد النفي بالتنوين تنكير العلم، وكذا في (كسرى) لأن امتناع صرفه للعجمة والعلمية. 1387 - حديث: "أنفقْ بلال، ولا تخش من ذي العرش إقلالاً". قال الطيبي: الذي يقتضيه مراعاة السجع، أن يوقف على إقلالا، بغير ألف، وإن كتب بالألف، أو يغير إلى (بلالا) ليزدوجا، كما في قولك: آتيك بالغدايا والعشايا، وقوله: ارجعن مأزورات غير مأجورات. 1388 - حديث: "ما نقصت صدقةٌ من مال". قال الطيبي: (من) هذه تحتمل أن تكون زائدة، أي: ما نقصت صدقة مالاً. ويحتمل أن تكون صلة لـ (نقصت)، والمفعول الأول محذوف أي: ما نقصت شيئًا من مال. 1389 - حديث: "ليس شيءٌ أكرمَ على الله من الدعاء". قال الطيبي: (أكرم) بالنصب خبر (ليس). 1390 - حديث: "ثلاثةٌ دعوتهم لا تردّ: الصائم حين يفطر".

1391 - حديث: "رأس الكفر نحو المشرق".

قال الطيبي: (الصائم)، بدل من (دعوتهم) على حذف المضاف، أي: دعوة الصائم، ودعوة الإمام، بدليل عطف المظلوم عليه، وبنصبهما حال من ضمير الدعوة. كذا قيل، والأولى أن تكون خبرًا لقوله: (ودعوة المظلوم)، وقطع هذا القسم عن أخويه لشدة الاعتناء بشأنه. ونظير هذا الوجه قوله: "ويقول الرب، وعزتي لا يضرنك" إلى قوله: ويفتح، لأن هذا حينئذ يستقيم على الوجه الأول. 1391 - حديث: "رأس الكفر نحو المشرق". قال الزركشي: بنصب (نحو) لأنه ظرف وهو خبر، نحو: خلفك زيد. 1392 - حديث: "إذا وقع الذباب في شراب أحدكم فليغمسه ثم لينزعْه، فإنّ في إحدى جناحيه داءً والآخر شفاء". قال الزركشي: بنصب (داء) اسم إنّ، وإنما قال: (إحدى)، لأن الجناح يذكر ويؤنث، فإنهم قا لوا في جمعه: أجنحة، وأجنح، فأجنحة جمع المذكر كقذال وأقذلة، وأجنح جمع المؤنث كشمال وأشمل. 1393 - حديث: "ألا أدلك على كلمة من تحت العرش من كنوز الجنة". قال الطيبي: (من تحت العرش) صفة (كلمة)، ويجوز أن تكون (من) ابتدائية، أي: ناشئة من تحت العرش، وبيانية، أي: كائنة من تحت العرش ومستقرة فيه.

1394 - حديث الشفاعة، قوله: "فرفع إليه الذراع".

وأما من الثانية فليست إلا بيانية، فإذا ذهب إلى أن الجنة تحت العرش، والعرش سقفها، جاز أن يكون (من كنز الجنة) بدلاً من (تحت العرش). وقوله: (يقول الله أسلم عبدي)، جزاء شرط محذوف، أي: إذا قال العبد هذه الكلمة يقول الله. 1394 - حديث الشفاعة، قوله: "فرفع إليه الذراع". قال الزركشي: قيل: صوابه (رفعت) فإن الذراع مؤنث، إلا أنه جائز، فإنه غير حقيقي. قلت: وخصوصًا مع الوصل بإليه. قوله: (نفسي نفسي). قال الكرماني: أي: نفسي هي التي تستحق أن يشفع لها، إذ المبتدأ والخبر، إذا كانا متحدين، فالمراد بعض لوازمه، أو مبتدأ، والخبر محذوف. 1395 - حديث: "هل عسيت إنْ فعلتُ ذلك بك أن تسأل غيره". قال الطيبي: (أن تسأل) خبر (عسى) و (إن فعلت ذلك) معترض بينهما. قوله: (تمنى من كذا). قال المظهري: (من) فيه للبيان، يعني: تمنى من كل جنس ما يستثنى منه. قال الطيبي: نحوه: (يغفرْ لكم من ذنوبكم) [نوح: 4]، ويحتمل أن تكون (من) زائدة

1396 - حديث: "لو أخذت الخمر غوت أمتك".

في الإثبات على مذهب الأخفش. وقوله: (أقبل يذكر ربه)، بدل من الجملة السابقة على سبيل البيان، و (ربه) تنازع فيه الفعلان. 1396 - حديث: "لو أخذت الخمر غوت أمتك". قال ابن مالك: يظن بعض النحويين أن لام جواب (لو) في نحو: لو فعلت لفعلت، لازمة، والصحيح جواز حذفها في أفصح الكلام المنثور، كقوله تعالى: (لو شئت أهلكتهم من قبل) [الأعراف: 155]، وكقوله تعالى: (أنطعم من لو يشاء الله أطعمه) [يس: 47]. ومنه قول رجل لرسول الله صلى الله عليه وسلم: "وأظنها لو تكلمت تصدقت". 1397 - حديث: "اغتسل موسى عليه السلام (- قوله: ثوبي حجر) ". قال الزركشي: بضم الراء على أنه منادى مفرد، حذف منه حرف النداء على الشاذ، كقوله: (أطْرِقْ كرا)، والقياس: أن لا يحذف مع النكرات ولا مع المبهم. وقال ابن مالك في شرح الكافية: الأكثر أن لا يحذف الحرف في اسم

1398 - حديث: "اللهم بك أصبحنا".

الجنس المعين، وقد يحذف في الكلام الفصيح كقول النبي صلى الله عليه وسلم – مترجمًا عن موسى عليه السلام: (ثوبي حجر)، وكقوله صلى الله عليه وسلم: "اشتدي أزمةُ تنفرجي". والبصريون يرون هذا شاذًّا لا يقاس عليه، والكوفيون يقيسون عليه. قوله: (فطفق بالحجر ضربًا). قال الطيبي: قوله (بالحجر)، متعلق بخبر (طفق)، أي: طفق يضرب الحجر ضربًا. قوله: (والله إنّ بالحجر ندبًا ستة أو سبعة)، فـ (الستة) بيان وتفسير لاسم إنّ. 1398 - حديث: "اللهم بك أصبحنا". قال الطيبي: الباء متعلق بمحذوف وهو خبر (أصبح) ولا بد من تقدير مضاف، أي: أصبحنا ملتبسين بنعمتك، أو بذكرك. وقوله: (وبك نحيا وبك نموت)، حكاية عن الحال الآتية، يعني يستمر حالنا على هذا، وفي جميع الأوقات وسائر الساعات. 1399 - حديث: "إن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا الإنسان تزوج قال: بارك الله لك". قال الطيبي: (إذا) الأولى شرطية، والثانية: ظرفية. قوله: (بارك الله لك) جواب الشرط.

1400 - حديث: "ولا أقول إن أحدا أفضل من يونس بن متى".

1400 - حديث: "ولا أقول إنّ أحدًا أفضلُ من يونس بن متّى". قال ابن مالك: فيه استعمال "أحد" في الإيجاب، لأن فيه معنى النفي، وذلك أنه بمعنى: لا أحد أفضل من يونس. والشيء قد يعطى حكم ما هو في معناه وإن اختلفا في اللفظ. فمن ذلك قوله تعالى: (أولم يروا أن الله الذي خلق السماوات والأرض ولم يعي بخلقهن بقادر) [الأحقاف: 33]، فأجري في دخول الباء على الخبر مجرى: (أو ليس الذي خلق السماوات والأرض بقادر)، لأنه بمعناه. ومن إيقاع (أحد) في الإيجاب المؤول بالنفي قول الفرزدق: ولو سئلت عني نوار وأهلها ... إذا أحد لم تنطق الشفتان فأوقع (أحدًا) قبل النفي، لأنه بعده بالتأويل، كأنه قال: إذا لم ينطق منهم أحد.

1401 - حديث: "أي العمل أفضل عند الله قال: إيمان بالله والجهاد وحج مبرور".

1401 - حديث: "أيُّ العمل أفضلُ عند الله قال: إيمان بالله والجهاد وحجٌّ مبرور". قال الطيبي: هي أخبار مبتدأ محذوف، فإن قلت: لم لا تحملها على الابتداء محذوفة الأخبار؟ قلت: يأبى التنكير في الإيمان ذلك، على أن المقدر في الكل أفضل الأعمال، وهو أعرف من (حج مبرور)، ومن (إيمان بالله)، فأجرى الجهاد مجراهما مراعاة للتناسب. 1402 - حديث: "يأتي على الناس زمان لا يبالي المرء ما أخذ من الحلال أم من الحرام". قال الطيبي: يجوز أن تكون (ما) موصوفة أو موصولة، والضمير المجرور راجع إليها و (من) زائدة على مذهب الأخفش، و (ما) منصوب على نزع الخافض، أي: لا يبالي بما أخذ من المال، و (أم) متصلة، ومتعلق (من) محذوف، والهمزة قد سلب عنها معنى الاستفهام، وجردت لمعنى الاستواء. فقوله: (أمن الحلال أم من الحرام) في موضع الابتداء، و (لا يبالي) خبر مقدم، يعنى الأخذ من الحلال ومن الحرام مستو عنده، لا يبالي بأيهما أخذ، ولا يلتفت إلى الفرق بين الحلال والحرام، كقوله تعالي: (سواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم) أي سواء عليهم إنذارك وعدمه.

1403 - حديث: "يؤذيني ابن آدم يسب الدهر وأنا الدهر، بيدي الأمر أقلب الليل والنهار".

1403 - حديث: "يؤذيني ابن آدم يسب الدهر وأنا الدهر، بيدي الأمر أقلب الليل والنهار". قال النووي: (أنا الدهر) بالرفع، وقيل بالنصب على الظرف، أي: أنا باق أبدًا. والموافق لقوله: (إن الله هو الدهر)، الرفع. وقال الزركشي: كان أبو بكر بن داود الظاهري يراه بالفتح نصبًا على الظرف أي: أنا طول الدهر بيدي الأمر. وكان يقول: لو كان بالرفع لصار اسمًا من أسماء الله تعالى، وقد جوز النصب جماعة منهم النحاس. وقال عياض: نصبه بعضهم على الاختصاص، والظرف أصح. وقال الطيبي: روي نصب (الدهر)، أي أنا أقلب الليل والنهار في الدهر، والرفع أولى، لأنه لا طائل تحته على تقدير النصب، أما معنى فلأنه لا فائدة في قوله: (أنا أقلب الليل والنهار في الدهر)، لأن الكلام مسوق للرد على الساب والإنكار عليه. وأما لفظًا، فلأن تقديم الظرف إما للاهتمام أو الاختصاص، ولا يقتضي المقام ذلك؛ لأن الكلام مفرغ في شأن المتكلم، لا في الظرف، ولهذا عرف الخبر باللام لإفادة الحصر، فكأنه قيل: (أنا أقلب الليل والنهار لا ما تنسبونه إليه). وقيل: (الدهر) الثاني غير الأول، وإنما هو مصدر بمعنى الفاعل، ومعناه أنا الدهر المصرف المدبر المفيض لما يحدث. وقيل: فيه إضمار المضاف، والتقدير: أنا مقلب الدهر والمتصرف فيه.

1404 - حديث: "ليأتين على الناس زمان لا يبقى أحد إلا أكل الربا".

1404 - حديث: "ليأتينّ على الناس زمان لا يبقى أحدٌ إلا أكل الربا". قال الطيبي: المستثنى صفة لـ (أحد)، والمستثنى منه أعم عام الأوصاف، إلا الأكل. 1405 - حديث: "لا يبعْ بعضكم على بيع بعض". قال الطيبي: ضمن (البيع) معنى الغلبة والاستعلاء فعداه بعلى. قال في المغرب: باع عليه إذا كان على كره منه. 1406 - حديث: "ثلاثة أنا خصمُهم". قال البيضاوي: (الخصم) مصدر خصمته أخصمه، نعت به للمبالغة كالعدل والصوم. قوله: (رجل أعطى بي ثم غدر). قال الطيبي: (أعطى) يقتضي مفعولاً. وقوله: (بي) أي: موثقًا بي. 1407 - حديث: "من اغتسل ثم أتى الجمعة فصلى ما قدر له، ثم أنصت حتى يفرغ

1408 - حديث: "من تصدق بعدل تمرة من كسب طيب فإن الله يقبلها بيمينه".

من خطبته ثم يصلي معه، غفر له ما بينه وبين الجمعة الأخرى وفضل ثلاثة أيام". قال الشيخ أكمل الدين: قوله: (ثم يصلي) معطوف على (يفرغ) لزيادة مناسبة بينهما. وقوله: (غفر له يحتمل أن يكون جزاء الشرط وأن يكون دعاء له، وحينئذ يكون المشروط الإخبار باستحقاقه لذلك). ونظيره في ذلك: حديث: "من أخذ أموال الناس يريد أداءها، أداها الله عنه، ومن أخذها يريد إتلافها أتلفه الله"، يحتمل أن يكون واحدة من الجملتين جزاء الشرط، أو خارجة مخرج الدعاء له والدعاء عليه. وقوله: (وفضل) بالرفع معطوف على (فيما بينه)، ويجوز أن يكون مرفوعًا بفعل مقدر، أي وزيد ثلاثة أيام من أيام العبادة، يعني ثوابها. وقال النووي: هو بنصب (فضل) على الظرف، وكذا قوله في الرواية الأخرى، (وزيادة ثلاثة أيام) منصوب على الظرف. 1408 - حديث: "من تصدق بعدل تمرة من كسب طيب فإن الله يقبلها بيمينه". قال الشيخ أكمل الدين: (الكسب) في الحديث بمعنى المكسوب. وقوله: (ولا يقبل الله إلا الطيب)، جملة معترضة بين الشرط والجزاء لتؤيد ما قبله. 1409 - حديث: "أيما رجل جحد ولده وهو ينظر إليه، احتجب الله وفضحه في الأولين والآخرين على رؤوس الخلائق".

1410 - حديث: "إخوانكم جعلهم الله تحت أيديكم".

قال الطيبي: قوله (في الأولين) يحتمل أن يكون ظرفًا للفضيحة، و (على رؤوس الخلائق) حالاً من الضمير المنصوب، ويحتمل أن يكون حالاً مؤكدة. 1410 - حديث: "إخوانكم جعلهم الله تحت أيديكم". قال الطيبي: (إخوانكم) فيه وجهان: أحدهما: خبر مبتدأ محذوف، أي مماليككم إخوانكم، ويجوز أن يكون مبتدأ، (وجعلهم الله) خبره. 1411 - حديث: "نعما للمملوك أن يتوفاه الله بحسن عبادة ربه وطاعة سيده". قال الطيبي: في (نعما) ثلاث لغات: كسر النون وإسكان العين، وكسرها، وفتح النون وكسر العين. و (ما) في (نعما) نكرة غير موصولة ولا موصوفة بمعنى شيء، و (أن يتوفاه) مخصوص بالمدح، تقديره: نعم شيء للمملوك يوفيه الله إياه. 1412 - حديث: "بعث النبي صلى الله عليه وسلم أبان على سرية". قال ابن مالك: ليس فيه إشكال، لأن "أبان" علم على وزن أفعل، فيجب أن لا ينصرف. وهو منقول من "أبان" ماضي "يبين". ولو لم يكن منقولا لوجب أن يقال فيه "أبين" بالتصحيح. وفي روايته مفتوح النون شاهد على خطأ من ظن أن وزنه "فعال"، إذ لو كان كذلك لنون لأنه على ذلك التقدير عار من سبب ثان للعلمية. قوله: (قال أبان وأنت بهدايا وبر).

1413 - حديث: "من تطهر في بيته ثم مضى إلى بيت من بيوت الله ليقضي فريضة من فرائض الله، كانت خطوتاه إحداها تحط خطيئة والأخرى ترفع درجة".

قال الكرماني: أي ملتبس بهذا القول، أوقائل بهذا. 1413 - حديث: "من تطهر في بيته ثم مضى إلى بيت من بيوت الله ليقضي فريضة من فرائض الله، كانت خطوتاه إحداها تحط خطيئة والأخرى ترفع درجة". قال الشيخ أكمل الدين: (خطوتاه) اسم كان و (إحداها) بدل منه، و (تحط خطيئة) خبره. 1414 - حديث: "أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر ذخرًا بله ما أطلعتم عليه". قال الكرماني: (ذخرًا) منصوب متعلق بـ (أعددت) و (بله)، بفتح الموحدة، وسكون اللام، وفتح الهاء، معناه: دَعْ. ويقال: معناه سوى، أي: غير ما ذكر الله لكم في القرآن. الخطابي: كأنه يريد به: دع ما اطلعتم عليه فإنه سهل يسير في جنب ما ادخرته لكم. ويقال أيضًا بمعنى أجل. وحكى الليث أنه قال: بمعنى: فضل، كأنه يقول: هذا الذي غيبته عن علمكم فضل ما أطلعتم عليه منها. الصغاني: اتفقت جميع نسخ الصحيح على: (من بله)، والصواب إسقاط كلمة (من) منه. وقال ابن مالك في توضيحه: المعروف استعمال (بله) اسم فعل بمعنى: اترك،

ناصبًا لما يليه بمقتضى المفعولية، كقول الشاعر: تمشي القطوف إذا غنى الحداة بها ... مشي الجواد فبله الجلة النجبا واستعماله مصدرًا بمعنى "الترك"، مضافًا إلى ما يليه. والفتحة في الأول بنائية، وفي الثاني إعرابية، وهو مصدر مهمل الفعل، ممنوع التصرف. وندر دخول "من" عليه زائدة في هذا الحديث. وقال صاحب البسيط: المشهور في استعمال (بَلْهَ) وجهان: أحدهما: أن يكون اسمًا للفعل مسماه دع، فينتصب المفعول وهو مبني، والثاني: أن يكون مصدرًا مضافًا إلى مفعوله بمعنى الترك، وهو معرب على هذا الوجه، وهو من المصادر التي لا فعل لها، إلا على رأي العبدي. وعن الأخفش أنها حرف جر يستثنى منها بمنزلة حاشا وعدا، وقيل: اسم بمعنى سوى. وقال ابن هشام في المغني: (بله) منصوب على ثلاثة أوجه، اسم لدع، ومصدر بمعنى الترك، واسم مرادف لكيف، وما بعدها منصوب على الأول، ومخفوض على الثاني، ومرفوع على الثالث. وفتحها بناء على الأول والثالث، وإعراب على الثاني. ومن الغريب ورودها في هذا الحديث معربة مجرورة بـ (من)، وخارجة عن المعاني الثلاثة، وفسرها بعضهم بغير، وهو ظاهر، وبهذا يتقوى ما بعدها من ألفاظ الاستثناء.

1415 - حديث: "لا يفترق البيعان إلا عن تراض".

1415 - حديث: "لا يفترق البيّعان إلا عن تراض". قال الطيبي: قوله: (عن تراض) صفة مصدر محذوف، والاستثناء متصل، أي: لا يتفرقان إلا تفرقًا صادرًا عن تراض. 1416 - حديث: "من قذف مملوكه وهو بريء لما قال، جلد يوم القيامة إلا أن يكون كما قال". قال الطيبي: الاستثناء مشكل، لأن قوله: (وهو بريء) يأباه (اللهم) إلا أن يؤول قوله: (وهو بريء). أي: يعتقد ويظن براءته، ويكون العبد كما قال في الواقع، لا ما اعتقده، فحينئذ لا يجلد، لكونه صادقًا فيه. 1417 - حديث: "لأن يلج أحدكم بيمينه في أهله آثَمُ له عند الله من أن يعطى كفارته". قال الطيبي: (آثم) إن كان بمعنى اسم الفاعل فإنه لا يتعدى، كما في قولهم: الناقص والأشج أعدلا بني مروان، ولا يستبعد أن يقال: إنه من باب قولهم: الصيف أحر من الشتاء.

1418 - حديث: "يمينك على ما يصدقك على صاحبك".

1418 - حديث: "يمينك على ما يصدقك على صاحبك". قال الطيبي: (يمينك) مبتدأ، و (على ما يصدقك) خبره، أي: لا يقع واقع عليه لا تؤثر فيه التورية. 1419 - حديث: "من لا يرحم لا يرحم". قال القاضي عياض: ضبطهم فيه بالضم على الخبر، وقال أبو البقاء: الجيد أن تكون (من) بمعنى الذي فيرتفع الفعلان، وإن جعلت شرطًا تجزمهما جاز. وقال السهيلي: حمله على الخبر أشبه بسياق الكلام، لأنه مردود على قول الرجل: إن لي عشرة من الولد ما قبلت منهم أحدًا، أي: الذي يفعل هذا الفعل لا يرحم. ولو جعلها شرطًا، لانقطع الكلام مما قبله بعض الانقطاع، لأن الشرط وجوابه كلام مستأنف، ولأن الشرط إذا كان بعده بفعل منفي، فأكثر ما ورد منفيًا بلم، لا بلا، كقوله تعالى: (ومن لم يؤمن بالله) [الفتح: 13]، (ومن لم يتب) [الحجرات: 11]، وإن كان الآخر جائزًا، كقول زهير: .... ... ... ومن لا يظلم الناس يُظْلَمِ

1420 - حديث: "لأنا بهم أو ببعضهم أوثق مني بكم أو ببعضكم".

وقال الشيخ أكمل الدين في شرح المشارق: روي بالسكون والرفع، أما السكون فيهما فعلى الشرط والجزاء، وأما الرفع في الأول فبجعل (من) موصولة، ويجرد الفعل حينئذ عن العوامل اللفظية، وكذلك في الثاني، أو على أنه خبر مبتدأ محذوف، أي فهو لا يرحم. وقوله: (من لا يرحم) على كل واحد من التقديرين يوجه على معنيين، أحدهما: أن ينزل الفعل المتعدي منزلة اللام، أي من لا يكون من أهل الرحمة كما في قوله تعالى: (هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون) [الزمر: 9]. والثاني: أن يكون كنّى به عن الفعل مع مفعول، أي: من لا يرحم الناس. وقد عرف ذلك في المعاني، ويؤيد هذا الوجه رواية جابر: "من لا يرحم الناس لا يرحمه الله". 1420 - حديث: "لأنا بهم أو ببعضهم أوثقُ مني بكم أو ببعضكم". قال المظهري: (أنا) مبتدأ، و (أوثق) خبره، و (مني) صلة أوثق، والباء في (بهم) مفعوله، و (أو) عطف على (بهم)، والباء في (بكم) مفعول فعل مقدر يدل عليه (أوثق) و (أو) في (أو ببعضكم) عطف على بكم، أو متعلق أيضًا إذ هو في قوة الوثوق وزيادة، فكأنه فعلان جاز يعمل في مفعولين، أو بآخر دل عليه الأول، والمعنى: وثوقي واعتمادي بهم أو ببعضهم أكثر من وثوقي بكم أو ببعضكم. 1421 - حديث: "لا تصوم المرأة وبعلُها شاهدٌ إلا بإذنه".

1422 - حديث: "قسم النبي صلى الله عليه وسلم بيننا تمرا أصابني منه خمس، أربع تمرة وحشفة".

قال السفاقسي: صوابه لا تصم لأنه نهي، والنهي يجزم الفعل فيلتقي ساكنان فتحذف الواو. وقال الزركشي: يجوز الرفع على أنه خبر بمعنى النهي. 1422 - حديث: "قسم النبي صلى الله عليه وسلم بيننا تمرًا أصابني منه خمس، أربع تمرة وحشفة". قال الكرماني: فإن قلت: القياس: أربع تمرات، قلت: إن كانت الرواية برفع تمرة فمعناه كل واحد من الأربع تمرة وأما بالجر فهو شاذ على خلاف القياس نحو: ثلاثمائة وأربعمائة. 1423 - حديث: "إذا زنت أمة أحدكم فليجلدها الحدَّ". قال الطيبي: (الحد) مفعول مطلق، أي فليجلدها الحد المشروع. 1424 - حديث: "من يرد الله به خيرًا يصب منه". قال أبو الفرج: عامة المحدثين يقرؤونه بكسر الصاد يجعلون الفعل لله، وسمعت أبا محمد بن الخشاب يفتحه وهو أحسن وأليق. 1425 - حديث: "أرأيتم لو أن نهرًا بباب أحدكم يغتسل منه كل يوم خمس مرات، هل يبقى من درنه قالوا لا". قال القرطبي: صحت الرواية بفتح ياء (يبقى) مبني وبإثبات (من) وبتمام وبتمام الكلام

1426 - حديث: "من أشد أمتي لي حبا ناس يكونون بعدي يود أحدهم لو رآني بأهله وماله".

على (درنه) من غير شيء ويحمل على أن (من) زائدة على الفاعل لأن الكلام قبلها موجب فكأنه قال: هل يبقى درنه. قال: وقد تخيل بعض الناس أن في الكلام حذفًا، فقال (هل يبقى من درنه شيء)، ولا تعضده الرواية ولا القانون النحوي. 1426 - حديث: "من أشد أمتي لي حبًّا ناسٌ يكونون بعدي يود أحدهم لو رآني بأهله وماله". قال المظهري: الباء في (بأهله) باء التصديق، كما في قولهم: بأبي أنت وأمي، يعني يتمنى أحدهم أن يكون مفديًا بأهله وماله، لو اتفق رؤيتهم إياي ووصلوهم إلي. وقال الطيبي: (لو) هنا كما في قوله تعالى: (ربما يود الذين كفروا لو كانوا مسلمين) [الحجر: 2]، فلابد لقوله: (يود) من مفعول، فـ (لو) مع ما بعده نزل منزلته، كأنه قيل: يود أحدهم ويحب ما يلازم. قوله: (لو رآني بأهله)، أي يفدي أهله وماله ليراني. 1427 - حديث: "خلق الله الخلق فلما فرغ منه قامت الرحم فأخذت فقال: مهْ". قال الكرماني: (مه) اسم فعل معناه اكفف وانزجر وقيل (ما) للاستفهام حذفت ألفها ووقف عليها بهاء السكت. وقال ابن مالك: أصل (مه) في هذا الموضع (ما) الاستفهامية حذفت ألفها ووقف عليها بهاء السكت، والشائع أن لا يفعل ذلك بها إلا وهي مجرورة.

1428 - حديث: "يد الله ملأى لا تغيضها نفقة سحاء الليل والنهار".

ومن استعمالها هكذا غير مجرورة، قول أبي ذؤيب: (قدمت المدينة ولأهلها ضجيج بالبكاء كضجيج الحجيج أهلوا بالإحرام، فقلت: مه. فقيل لي: هلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم). ومثله قول الحجاج لليلى الأخيلية: ثم مه، قالت: ثم لم يلبث أن مات. وحكى الكسائي أن بعض كنانة يقولون: مَعِنْدَك؟ و: مَصنعت؟ فيحذفون الألف دون جر، ولا يصلون الميم بهاء السكت لعدم الوقف. وفي الاقتصار على الميم في (معندك) و (مصنعت)، دليل على أن الهاء في قول أبي ذؤيب والحجاج هاء سكت لا بدل من الألف كما زعم الزمخشري، لأنها عوملت معاملة المتصلة بالمجرور من السقوط وصلاً والثبوت وقفًا، ولو كانت بدلاً من الألف لجاز أن يقال في الوصل: مه عندك، و: مه صنعت. 1428 - حديث: "يد الله ملأى لا تغيضها نفقةٌ سحّاء الليل والنهار". قال القاضي عياض: ضبطنا (سحّاء) على القاضي أبي علي وغيره بالمد على الوصف، وعند أبي بحر سحًّا على المصدر، وانتصب الليل والنهار على الظرف. (السّحّ) الصب الدائم، ولا يقال في المذكر فيه أفعل، ومثله: ديمَةٌ هطلاء، لا يقال في مذكره هطل. ووقع عند الطبري: لا يغيضها سحُّ الليل والنهار، بالإضافة، ورفعه على الفاعل، واليد مؤنثة، ووصفها بملأى هو الصواب وغيره خطأ.

ورواه بعضهم (ملاء) مثل ديماء، قيل يصح هذا على نقل الهمزة. وقال النووي: ضبطوا سحّاء بوجهين، أحدهما: سحًّا بالتنوين على المصدر وهذا هو الأصح الأشهر. والثاني: (سحاء) بالمد على الوصف ووزنه (فعلاء) صفة لليد. و (الليل والنهار) في هذه الرواية منصوبان على الظرف. وقال القرطبي: (سحاء) بالمد والهمز والرفع على أنه خبر بعد خبر، والليل والنهار في هذه الرواية منصوبان على الظرف متعلقان بما في (سحاء) من معنى الفعل، وهي الرواية المشهورة. وروي: (سحًّا) منصوبًا منونًا على أنه مصدر صدره محذوف يدل عليه قوة الكلام، كأنه قال سحّ سحًّا. ويجوز أن يكون من باب قوله: ما إن يمسَّ الأرض إلا منكبٌ ... منه وحرفُ الساق طيُّ المحمل وروي لا يغيضها سحُّ الليل والنهار، برفع سح على أنه فاعل يغيضها، وخفض الليل والنهار بالإضافة على التوسع، كما قالوا: يا سارقَ الليلةِ أهلَ الدار. وقال الطيبي: يجوز أن يكون (ملأى)، و (تغيضها)، و (سحاء)، و (أرأيتم) على تأويل مقول فيه، أخبار مترادفة لـ (يد الله) وأن تكون الثلاثة الأخيرة وصفًا لملأى، وأن يكون (أرأيتم) استئنافًا، والهمزة للتقرير.

1429 - حديث: "ما من نبي من الأنبياء إلا أعطي ما مثله آمن عليه البشر".

و (عرشه على الماء) حال من ضمير (خلق)، وكذا (وبيده الميزان) منه أو من الضمير في (خبر) كان؛ لأن في اسم كان خلافًا، هل يقع منه حال أم لا؟ وقال النووي: روي (ملآن)، وقالوا: هذا غلط من رواه، وصوابه (ملأى) بلا نون. قال الطيبي: إن أرادوا هذه الرواية نقلاً فلا نزاع، أو معنىً لعدم مطابقة الخبر المبتدأ تأنيثًا وتذكيرًا فلا، لأن معنى (يد الله): إحسانه وإفضاله، فاعتبر المعنى وذكر، أنشد صاحب الكشاف: تبيت نعمى على الهجران عاتبة ... سقيًا ورعيًا لذاك العاتب الزاري وقال الكرماني: يروى (سحًّا)، بلفظ المصدر، ويروى بالمد خبرًا آخر. وقوله: (وعرشه على الماء) جملة حالية عن فاعل (لم ينقص). 1429 - حديث: "ما من نبي من الأنبياء إلا أعطي ما مثلَه آمن عليه البشرُ". قال الكرماني: فإن قلت: الإيمان تستعمل بالباء وباللام لا بعلى، قلت: فيه تضمن معنى الغلبة، أي مغلوبًا عليه. مع أن حروف الجر يقام بعضها مقام بعض. قال الطيبي: لفظ (عليه) هو حال، أي مغلوبًا عليه في التحدي والمباراة، أي: ليس نبي إلا قد أعطاه الله من المعجزات الشيء الذي صفته أنه إذا شوهد اضطرّ الشاهد إلى الإيمان به.

1430 - حديث: "خلق الله الرحمة في مائة جزء".

قال (ومن) الأولى زائدة والثانية بيانية و (ما) في (ما مثله) موصولة، وهي ثاني مفعولي (أعطى)، و (مثله) مبتدأ، و (آمن) خبره، والجملة صلة الموصول، والراجع إلى الموصول ضمير (عليه). قوله: وإنما كان الذي أوتيت وحيًا، قال الكرماني: (إنما) للحصر ومعجزته ما كانت منحصرة في القرآن. قلت: المراد: النوع المختص به أو أعظمها وأفيدها، فإنه يشتمل على الدعوة والحجة. 1430 - حديث: "خلق الله الرحمة في مائة جزء". قال الكرماني: فإن قلت: ما معنى كلمة الظرفية والمعنى صحيح بدونها قلت: إما أن يقال: إنها زائدة كما في قوله: وفي الرحمن للضعفاء كافٍ أي: الرحمن لهم كاف، أو هي متعلقة بمحذوف وفيه نوع مبالغة، حيث جعلها مظروفًا لها، يعني هو بحيث لا يفوق عليها شيء. 1431 - حديث: "وكونوا عباد الله إخوانًا". قال الطيبي: يجوز أن يكون (إخوانًا) خبرًا بعد خبر، وأن يكون هو الخبر،

1432 - حديث: "إن الله يغار، وغيرة الله أن لا يأتي المؤمن ما حرم الله".

و (عباد الله) منصوب على الاختصاص. وقال الزركشي: انتصب (عباد الله) على النداء وحذف حرفه، و (إخوانا) خبر كان، ويجوز أن يكونا خبرين، ويجوز أن يكون (عباد الله) خبر (كان) وما بعده حال. 1432 - حديث: "إن الله يغار، وغيرة الله أن لا يأتي المؤمن ما حرّم الله". قال النسائي: في جميع نسخ الصحيح: (أن لا يأتي) والصواب: (أن يأتي). قال الكرماني: (لا) زائدة نحو: (ما منعك أن لا تسجد) (¬1) [الأعراف: 12]. وقال الطيبي: هو مبتدأ وخبر بتقدير اللام، أي: غيرة الله ثابتة لأجل أن لا يأتي. 1433 - حديث:"من سأل الناس أموالهم تكثّرًا فإنما هي جمر فليستقلّ منه أو ليستكثر". قال الشيخ أكمل الدين: (أموالهم) بدل اشتمال من الناس، أي من سأل أموال الناس، و (تكثرًا) مفعول، أي لأن يكثر ماله، لا للفقر والاحتياج. ويجوز أن يكون حالاً بمعنى متكثرًا، و (تفعل) بمعنى (استفعل)، وضمير هي يعود إلى المسألة ويجوز أن يعود إلى الأموال. ¬

_ (¬1) بلفظ (ألاّ) بدل (أن لا).

1434 - حديث: "من سلك طريقا يلتمس فيه علما سهل الله له به طريقا إلى الجنة".

قوله: (فليستقلّ منه أو ليستكثر)، أمر بتهديد كقوله: (من شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر) [الكهف: 29]. 1434 - حديث: "من سلك طريقًا يلتمس فيه علمًا سهّل الله له به طريقًا إلى الجنة". قال الشيخ أكمل الدين: (يلتمس) وما يتعلق به يجوز أن يكون صفة لطريق ويجوز أن يكون حالاً من فاعل (سلك) وضمير (له) يعود إلى (من)، وضمير (به) إلى السلوك المفهوم من (سلك) أو إلى الالتماس المفهوم من (يلتمس). 1435 - حديث: "وأفضل الصيام بعد شهر رمضان شهر الله المحرم". قال النحاس: دخلت الألف واللام في المحرم دون غيره من الشهور، وجاء من الشهور ثلاثة مضافات: شهر رمضان وشهرا ربيع، والباقي غير مضافات. وقال الصلاح الصفدي: رأيت الفضلاء قد كتبوا بعض الشهور بشهر كذا، وبعضهم لم يذكروا معه شهرًا، وطلبت الخاصة في ذلك فلم أجدهم أتوا بشهر إلا مع شهر يكون أوله حرف راء، وهو شهر ربيع وشهر رجب وشهر رمضان. ولم أدر العلة في ذلك ولا وجه المناسبة، لأنه كان ينبغي أن يحذف لفظ شهر من هذه لأنه يجتمع في ذلك راءان.

قلت: قد تعرض للمسألة من المتقدمين ابن درستويه فقال في الكتاب المتمم: الشهور كلها مذكرة إلا جمادى وليس شيء منها يضاف إليه شهر إلا شهرا ربيع وشهر رمضان، قال تعالى: (شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن) [البقرة: 185]، وقال الراعي: شهرَيْ ربيع ما تذوق لبونهم ... إلا حموضًا وخمةً ودويلاَ فما كان من أسمائها اسمًا للشهر أو صفة قامت مقام الاسم فهو الذي لم يجز أن يضاف الشهر إليه ولا يذكر معه كالمحرم. إنما معناه: الشهر المحرم وهو من الأشهر الحرم وكصفر وهو اسم معرفة كزيد من قولهم: صفر الإناء يصفر صفيرًا إذا خلا، و (جمادى) وهي معرفة وليست بصفة وهي من جمود الماء، و (رجب) وهو اسم معرفة مثل صفر وهو من قولهم: رجبت الشيء أي أعظمته، لأنه أيضًا من الأشهر الحرم، و (شعبان) وهو صفة بمنزلة عطشان من التشعب والتفرق، و (شوال) وهو صفة جرت مجرى الاسم وصارت معرفة، وفيها تشول الإبل. و (ذو القعدة) وهو صفة قامت مقام الشهر من القعود عن التصرف، كقولك: هذا الرجل ذو الجلسة، فإذا حذفت الرجل قلت: ذو الجلسة. و (ذو الحجة) مثله مأخوذ من الحج. وأما الربيعان ورمضان فليست بأسماء للشهور ولا صفات لها، فلا بد من إضافة شهر إليها

1436 - حديث: "أرأيتم لو أن نهرا بباب أحدكم يغتسل منه كل يوم خمس مرات ما تقول ذلك يبقي من درنه".

كقولك: شهر ربيع وشهر رمضان. ويدلك على ذلك أن رمضان (فعلان) من الرمضاء كقولك: الغليان. وليس الغليان بالشهر ولكن الشهر شهر الغليان وجعل رمضان اسمًا معرفة للرّمضاء فلا يصرف لذلك. فأما رواة الحديث فيرون أنه اسم من أسماء الله، وربيع إنما هو للغيث وليس الغيث بالشهر ولكن الشهر شهر غيث، وصار ربيع اسمًا للغيث معرفة كزيد. فإذا قلت: شهر ربيع الأول والآخر، صفتان لشهر وإعرابهما كإعرابه، ولا يكونان صفة لربيع، ولو كانا كذلك لكانا نكرتين ولكن مضافًا إلى معرفة وصار به معرفة. 1436 - حديث: "أرأيتم لو أن نهرًا بباب أحدكم يغتسل منه كل يوم خمس مرات ما تقول ذلك يبقي من درنه". قال ابن مالك: حكم العدد من ثلاثة إلى عشرة في التذكير، ومن ثلاث إلى عشر في التأنيث، أن يضاف إلى أحد جموع القلة الستة، وهي أفعل، وأفعال، وفعلة، وأفعلة، والجمع بالألف والتاء، وجمع المذكر السالم. فإن لم يجمع المعدود بأحد هذه الستة جيء بدله بالجمع المستعمل كقولك: ثلاثة سباع، وثلاثة ليوث. ومنه قول أم عطية: "جعلنا رأس بنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم – ثلاثة قرون". فإن كان للمعدود جمع قلة، وأضيف إلى جمع كثرة لم يقس عليه، كقوله تعالى: (ثلاثة قروء) [البقرة: 228]، فأضيفت "ثلاثة" إلى "قروء" وهو جمع كثرة مع ثبوت" أقراء"، وهو جمع قلة. ولكن لا عدول عن الاتباع عند صحة السماع. ومن هذا القبيل قول حمران: "ثم أدخل يمينه في الإناء ... ثلاث مرار". فإن "مرارًا"

جمع كثرة، وقد أضيف إليه "ثلاث" مع إمكان الجمع بالألف والتاء، وهو من جموع القلة، ف" ثلاث مرار" نظير "ثلاثة قروء". وأما قوله - صلى الله عليه وسلم -: "يغتسل فيه كل يوم خمس مرات" فوارد على مقتضى القياس، لأن الجمع بالألف والتاء جمع قلة. وأما قول عائشة رضي الله عنها: "ثم صب على رأسه ثلاث غرف" فالقياس عند البصريين أن يقال: ثلاث غرفات، لأن الجمع بالألف والتاء جمع قلة، والجمع على"فُعَل" عندهم جمع كثرة. والكوفيون يخالفونهم، فيرون "فُعَلًا" و" فِعَلاً" من جموع القلة. ويعضد قولهم قول عائشة: "ثلاث غرف"، وقول الله تعالى (فأتوا بعشر سور) [هود: 13]. ويعضد قولهم في" فِعل" قوله تعالى: (أن تأجرني ثماني حجج) [القصص: 27]، فإضافة "ثلاث" إلى "غرف" و "عشر" إلى "سور"، و "ثماني" إلى "حجج" مع إمكان الجمع بالألف والتاء دليل على أن "فُعَلاً" و "فِعَلاً" جمعا قلة، للاستغناء بهما عن الجمع بالألف والتاء. والحاصل أن "ثلاث غرف" إن وجه على مذهب البصريين، ألحق بـ"ثلاثة قروء"، وإن وجه على مذهب الكوفيين فهو وارد على مقتضى القياس. وأما قوله - صلى الله عليه وسلم: "ما تقول: ذلك يبقي من درنه؟ " ففيه شاهد على إجراء فعل القول مجرى فعل الظن على اللغة المشهورة، والشرط أن يكون فعلاً مضارعًا مسندًا إلى المخاطب، متصلاً باستفهام، نحو:

متى تقول القلص الرواسما ... يحملن ام قاسم وقاسما ومنه الحديث المذكور، لأنه قد تقدم فيه "ما" الاستفهامية ووليها فعل القول مضارعًا مسندًا إلى المخاطب، فاستحق أن يعمل عمل فعل الظن. فـ"ذلك" في موضع نصب مفعول أول، و"يبقى" في موضع نصب مفعول ثان، و "ما" الاستفهامية في موضع نصب بـ" يبقي" وقدم لأن الاستفهام له صدر الكلام. والتقدير: أي شيء تظن ذلك الاغتسال يبقي من درنه. ومن إجراء فعل القول مجرى فعل الظن على اللغة المشهورة قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: (آلبر تقولون بهن)، أي: البر تظنون بهن. وفي رواية عائشة: (آلبر ترون بهن) ومعنى "تقولون": تظنون، و"البر": مفعول أول و" بهن": مفعول ثان. وهما في الأصل مبتدأ وخبر. وقال الطيبي: (لو الامتناعية تقتضي أن تدخل على الفعل الماضي وأن تجاب، والتقدير: لو ثبت نهر بباب أحدكم يغتسل فيه كل يوم لما بقي من درنه شيء، فوضع الاستفهام موضعه تأكيدًا وتقريرًا، إذ هو متعلق الاستخبار، أي: خبروني هل يبقى لو كان كذا). وقوله: (فذلك مثل الصلوات الخمس). قال الطيبي ثم قال الكرماني: (الفاء) فيه جواب شرط محذوف، أي: إذا أمرتم بذلك وصح عندكم فهو مثل الصلوات.

1437 - حديث: "آية المنافق ثلاث: وإن صلى وصام وزعم أنه مسلم".

1437 - حديث: "آية المنافق ثلاث: وإن صلى وصام وزعم أنه مسلم". قال الطيبي: هذا الشرط اعتراض وارد للمبالغة لا يستدعي الجواب. 1438 - حديث:" المسلم من سلم الناس من لسانه ويده، والمؤمن من أمنه الناس على دمائهم وأموالهم". قال الطيبي: التعريف في المسلم والمؤمن للجنس. قال ابن جني: من عادتهم أن يوقعوا على الشيء الذي يختصونه بالمدح اسم الجنس، ألا تراهم كيف سموا الكعبة بالبيت وكتاب سيبويه بالكتاب. وقال الراغب: كل اسم فرع فإنه يستعمل على وجهين: أحدهما: دلالته على المسمى، فصلاً بينه وبين غيره. والثاني: لوجود المعنى المختص به وذلك هو الذي يمدح به. 1439 - حديث: "فقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم بديتها على العاقلة، وفي جنينها غرّة عبد أو أمة".

1440 - حديث: "لقد ظننت أن لا يسألني عن هذا الحديث أحد أول منك".

قال أبو البقاء: التقدير: وقال في جنينها غرة فحذف القول للعلم به. 1440 - حديث: "لقد ظننت أن لا يسألني عن هذا الحديث أحدٌ أوَّلَ منك". قال أبو البقاء: نصب (أول) هنا على الحال في معنى لا يسألني أحد سابقًا لك، وجاز نصب الحال من النكرة لأنها في سياق النفي، فتكون عامة كقولهم: ما كان أحدٌ مثلك، وما في الدار أحدٌ خيرًا منك. وقال الزركشي: روي (أول) بالرفع والنصب، فالرفع على الصفة أو البدل من أحد، والنصب على الظرفية. وقال القاضي عياض: على المفعول الثاني لظننت. وقوله: (لما رأيت من حرصك على الحديث) قال الكرماني: (ما) موصولة والعائد محذوف، و (من) بيانية أو مصدرية، و (من) تبعيضية مفعول رأيت، أي لرؤيتي بعض حرصك. وقوله: (أسعد الناس من قال لا إله إلا الله ... الحديث). قال الكرماني: فإن قلت: المشرك والمنافق لا سعادة لهما، وأفعل التفضيل يدل على الشركة، قلت: الأفعل بمعنى الفعيل بمعنى سعيد الناس كقولهم: (الناقص والأشج عدلا بني مروان) يعني: عادلا بني مروان، أو هو بمعناه الحقيقي المشهور. والتفضيل بحسب المراتب، أي هو أسعد الناس ممن لم يكن في هذه المرتبة

1441 - حديث: "ما أخرجكما من بيوتكما هذه الساعة، قالا: الجوع الجوع، قال: والذي نفسي بيده لأخرجني الذي أخرجكما".

من الإخلاص المؤكد البالغ غايته. وأيضًا فإن الكفار يدخلون في شفاعة النبي للاستراحة من هول الموقف، لكن المؤمن المخلص أكثر سعادة بها. وقوله: (من قلبه). قال الكرماني: يجوز أن يتعلق بقوله (خالصًا) أو بقوله (قال)، والظاهر الثاني. فإن تعلق بقال فلغو وإلا فمستقر إذ تقديره حينئذ: ناشئًا من قلبه، فإن كان لغوًا، فلا محل له من الإعراب، أو مستقرًا فمنصوب على الحال. 1441 - حديث: "ما أخرجكما من بيوتكما هذه الساعة، قالا: الجوع الجوع، قال: والذي نفسي بيده لأخرجني الذي أخرجكما". قال أبو البقاء: التقدير لقد أخرجني، كقول امرئ القيس: حلفتُ لها بالله حلفة فاجر ... لناموا فما إنْ من حديث ولا صال وهو جواب قسم محذوف. 1442 - حديث: "من صام رمضان إيمانًا واحتسابًا". قال أبو البقاء: في نصبه وجهان أحدهما: هو مصدر في موضع الحال، أي من صام مؤمنًا محتسبًا كقوله تعالى: (يأتينك سعيًا) [البقرة: 260]، أي ساعيات.

والثاني: هو مفعول لأجله، أي: للإيمان والاحتساب ونظيره في الوجهين (اعملوا آل داود شكرًا) [سبأ: 13]. قال الكرماني: فإن قلت: بم انتصب (إيمانًا واحتسابًا)، قلت: مفعول له أو تمييز، فإن قلت: هل يصح أن يكون حالاً بأن يكون المصدر في معنى اسم الفاعل، أي مؤمنًا محتسبًا قلت: يصح بكلفة في توجيهه. فإن قلت: شرط التمييز أن يقع موقع الفاعل نحو: طاب زيد نفسًا، اطّراد هذا الشرط ممنوع، ولئن سلمناه فهو أهم من أن يكون فاعلاً بالفعل أو بالقوة فهو في معنى إضافة الإيمان. قال وقوله: (غفر له ما تقدم من ذنبه)، (من) متعلقة بغفر، أي غفر من ذنبه ما تقدم، فهو منصوب على المحل، أو هي مبينة لما تقدم فهو مرفوع المحل، لأن ما تقدم هو مفعول ما لم يسم فاعله. وقال ابن مالك في شرح التسهيل: إذا كان الظرف اسم شهر غير مضاف إليه شهر كقولك: اعتكفت رمضان، فلجميع أجزائه قسط من العمل لأن كل واحد من أعلام الشهر إذا أطلق فهو بمنزلة ثلاثين يومًا. ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم: "من صام رمضان إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه"، ولم يقل: من قام شهر رمضان، إذ لو قال ذلك لاحتمل أن يريد جميع الشهر وأن يريد بعضه، كما قال تعالى: (شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن) [البقرة: 185].

1443 - حديث: "إن الله جعل الحق على لسان عمر".

وإنما الإنزال في ليلة منه وهي ليلة القدر. وأجرى أبو الحسن بن خروف أعلام الأيام مجرى أعلام الشهور، فجعل قول القائل: سير عليه الخميس مقصورًا على التعميم، وقوله: سير عليه يوم الخميس محتملاً للتعميم والتبعيض، وفيما رآه نظر. ومثل رمضان وغيره من أعلام الشهور المجردة في استحقاق التعميم: الأبد والدهر، والليل والنهار، معرفة بالألف واللام، فإذا قيل: كان ذلك الأبد أو الدهر فلا يصلح أن يراد به غير التعميم إلا من قصد المبالغة مجازًا، كما يقول القائل: أتاني أهل الدنيا، وإنما أتاه ناس منهم. قال سيبويه: ومما لا يكون العمل فيه من الظروف إلا متصلاً من الظرف كله قولك: سير عليه الليل والنهار والدهر والأبد. ثم قال: ولا تقول لقيته الدهر والأبد وأنت تريد يومًا فيه، ولا لقيته الليل وأنت تريد لقاءه في ساعة دون الساعات، هذا نصّه. قلت: ومن أمثلة ذلك في الحديث في الأبد: لا صام من صام الأبد. وفي الدهر: من صام الدهر ضيقت عليه هكذا. ولو أحسنت إلى إحداهن الدهر ثم رأين منك سيئًا، قالت ما رأيت منك خيرًا قط. و (في الليل والنهار): (يد الله ملأى لا يغيضها نفقة سحّاء الليل والنهار). وفي أعلام الأيام على رأي ابن خروف: "من صام من شهر حرام الخميس والجمعة والسبت كتب له عبادة سنتين". 1443 - حديث: "إن الله جعل الحق على لسان عمر".

1444 - حديث ماعز قوله: "فما نلتما من عرض أخيكما آنفا أشد".

قال الطيبي: ضمّن جعل معنى أجرى فعدّاه بعلى. 1444 - حديث ماعز قوله: "فما نلتما من عرض أخيكما آنفًا أشدُّ". قال المظهري: (ما) الموصولة مع صلتها مبتدأ وأشد خبره والعائد محذوف أي: ما نلتماه. 1445 - حديث: "فنعم المرضعة وبئست الفاطمة". قال المظهري: لفظة (نعم وبئس) إذا كان فاعلهما مؤنثًا جاز إلحاق تاء التأنيث وجاز تركها فلم يلحقها هنا في نعم وألحقها في بئست. وقال الطيبي: وجاز تركها فلم تلحقها، وإنما لم يلحقها لأن المرضعة مستعارة للإمارة، وهي وإن كانت مؤنثة إلا أن تأنيثها غير حقيقي وألحقها ببئس لكون الإمارة حينئذ داهية دهياء. 1446 - حديث: "إن قعر جهنم لسبعين خريفًا". قال ابن مالك في شرح التسهيل: إنه استدل به من قال على أن (إنّ) تنصب الجزأين، ومنه قول الشاعر: إذا اسودّ جُنْحُ الليل فلْتأتِ ولتكُن ... خطاك خِفافا إنّ حُرّاسنا أسْدا

ولا حجة في ذلك لإمكان رده إلى ما أجمع على جوازه بأن يحمل الحديث على أن القعر فيه مصدر: قعرت الشيء إذا بلغت قعرة، وهو اسم إن، و (لسبعين خريفًا): مخبر به ظرف. وقال النووي: وقع في بعض الأصول (سبعون بالواو) وهو ظاهر وفيه حذف تقديره: إن مسافة قعر جهنم سير سبعين سنة. ووقع في معظم الأصول والروايات لسبعين بالياء، وهو صحيح أيضًا: أما على مذهب من يحذف المضاف ويبقي المضاف إليه على جره فيكون التقدير سير سبعين خريفًا. وأما على أن قعر جهنم مصدر، يقال: قعرت الشئ إذا بلغت قعره، ويكون سبعين ظرف زمان وفيه خبران، والتقدير: إن بلوغ قعر جهنم لكائن في سبعين خريفًا. وقال الرضي: المروي: إن قعر جهنم لسبعون خريفًا أو إن في قعر جهنم لسبعين خريفًا. وقال القرطبي: الأجود رفع (لسبعون) على الخبر، وبعضهم يروونه (لسبعين)، يتأول فيه الظرف وفيه بعد. وقال الشلوبين في شرح الجزولية: استدل الكوفيون على أن (إنّ) تنصب الجزأين بقوله صلى الله عليه وسلم: "إن قعر جهنم لسبعين خريفًا". والجواب: إن تقديره: لعميق أولها. و (سبعين خريفًا) ظرف زمان نائب مناب عميق أولها، وللدلالة عليه من جهة المعنى.

حديث: "ألا سائل يعطى ألا داع يجاب، ألا سقيمَ يستشفي فيُشْفى، ألا مذنبَ يستغفر فيغفر له". قلت: (ألا) هذه ليست التي للاستفتاح، ولا التي للعرض والتحضيض، ولا التي تختص بالفعل، بل هي المركبة من همزة الاستفهام ولا النافية للجنس. قال الأندلسي: وقد تكون ألا المركبة من همزة الاستفهام، و (لا)، ويكون لها حينئذ معنيان: الإنكار والتوبيخ، والثاني التمني، ولا يتغير حكمها ولا عملها عما كانت عليه قبل التركيب. وقال ابن مالك في شرح التسهيل: إذا اقترنت همزة الاستفهام بلا في غير تمن وعرض، فلها مع مصحوبها من تركيب وعمل ما كان لها قبل الاقتران، نحو: ألا رجلَ في الدار، بالفتح، قال الشاعر: ألا طِعانَ ألا فُرسانَ عاديةٌ ... وقال: ألا ارعواءَ لمنْ ولّتْ شبيبَتُه ... وأكثر وقوع هذا النوع إذا لم يقصد تمَن ولا عرض في توبيخ وإنكار. وزعم الشلوبين: أنه لا يقع لمجرد الاستفهام عن النفي دون إنكار وتوبيخ، ورد على الجزولي إجازة ذلك. والصحيح أن ذلك جائز، لكنه قليل.

1447 - حديث قتل خبيب: قوله: "حتى أجمعوا قتله".

ومثال ووردها في تمن قوله: ألا عُمْرَ ولّى مستطاع رجوعُه ... فيرْأبَ ما أثْأت يد الغفلات فنصب يرأب لأنه جواب تمَن مقرون بالفاء. ويجوز إجراء "لا" مجرى ليس فيما لا يقصد به تمَن من مواضع إعمالها إن لم يقصد التنصيص على العموم. وقال في شرح الجزولية: إذا قصد بألا التمني امتنع الإلغاء عند سيبويه لا عند المازني والمبرد. 1447 - حديث قتل خبيب: قوله: "حتى أجمعوا قتله". قال أبو البقاء: (أجمع) الأمر يتعدى بنفسه إلى واحد، ولا يحتاج إلى حرف جر. ومنه قوله تعالى: (فأجمعوا أمركم وشركاءكم) [يونس: 71]، وقال الحارث: أجمعوا أمرهم بليل فلما ... أصبحوا أصبحت لهم ضوضاء قوله: (لولا أن تظنوا ما بي جزع). قال القاضي عياض: الوجه: (جزعًا) مفعول ثان لتظنوا، و (ما) بمعنى الذي مفعول أول، وليست (ما) نافية إلا إذا صحت رواية الرفع في جزع.

1448 - حديث: "قصة أبي طالب: (لولا تعيرني قريش) ".

1448 - حديث: "قصة أبي طالب: (لولا تعيرني قريش) ". قال أبو البقاء: (لولا) هذه يقع بعدها الاسم، وقد جاء الفعل بعدها، و (أنْ) معه مقدرة أي: لولا أن تعيرني قريش. وإذا حذفت (أن) فمن العرب من يرفع الفعل المذكور، ومنهم من ينصبه بتقدير (أنْ)، ويدل عليه، أي أن (لولا) هذه هي التي تقتضي الاسم، أن لها جوابًا قوله: (لأقررت بها عينك). 1449 - حديث: " من أطاعني فقد أطاع الله، ومن يعصيني فقد عصى الله ". قال أبو البقاء: فيه وجهان: أحدهما: أن يجعل (مَنْ) بمعنى الذي فلا يجزم. أي: أن الذي يطيعني يطيع الله، فالماضي بمعنى المستقبل. والثاني: أن تكون شرطية، ولكنه أثبت الياء في يعصيني إما للإشباع، أو قدر الحركة على الياء وحذفها بالجازم فبقيت لا حركة عليها مقدرة. وأما (مَنْ) التي في باقي الحديث فشرطية. 1450 - حديث: " كل أهل الجنة يرى مقعده من النار فيقول: لولا أن الله

1451 - حديث: "إذا كان النصف من شعبان فأمسكوا عن الصوم حتى يكون رمضان".

هداني فيكون له شكر ". قال أبو البقاء: (شكر) في هذه الرواية مرفوع، ووجهه أن يكون قوله: (فيكون) بمعنى (يحدث) وهي كان التامة، و (شكر) فاعلها، ولو روي بالنصب لكان خبر كان. 1451 - حديث: "إذا كان النصف من شعبان فأمسكوا عن الصوم حتى يكون رمضان". قال أبو البقاء: أي حتى يجيء، كقول الشاعر: إذا كان الشتاء فأدفئوني ... 1452 - حديث: "ما من صاحب ذهب ولا فضة لا يؤدي منها حقها". قال التوربشتي: أنث الضمير ذهابًا إلى المعنى، إذ لم يرد بها الشيء الحقير، بل جملة وافية من الدراهم والدنانير، وإما على تأويل الأموال، وإما عودًا به إلى الفضة، فإنها أقرب كما قال تعالى: (والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها) [التوبة: 34]. قوله: (صفحت له صفائح). قال الطيبي: (صفائح) يروى مرفوعًا بـ (صفحت)، ومنصوبًا على أنه مفعول ثان، وفي

الفعل ضمير الذهب والفضة، وأنث: إما بالتأويل السابق، وإما على التطبيق بينه وبين المفعول الثاني الذي هو قوله: (فأحمي عليها من نار جهنم). قال في الكشاف: فإن قلت: ما معنى قوله: (يحمى عليها في نار جهنم) (¬1). قوله: (فيرى سبيله): قال الطيبي: الضمير المرفوع فيه قائم مقام الفاعل، و (سبيله) ثاني مفعوليه. وقال النووي: ضبطناه بضم الياء وفتحها، وبرفع لام (سبيله) ونصبها. قوله: (قيل: يا رسول الله فالإبل) قال الطيبي: الفاء متصل بمحذوف، أي عرفنا حكم النقدين، فما حكم الإبل؟ قوله: (بطح لها) قال التوربشتي: روي (بطح له) بالتذكير، وهو خطأ رواية ومعنى، لأن الضمير المرفوع في الفعل لصاحب الإبل، والمجرور للإبل فلا يستقيم، لأن المبطوح المالك، لا الإبل. قال الطيبي: أما التمسك بالرواية فمستقيم، وأما بالمعنى فلا، ولا يجوز أن يذكر الضمير لإرادة الجنس أو للتأويل المذكور، وأنشد ابن جني: مثل الفراخ نُتِفَت حواصلُه. على أنه يجوز أن يرجع الضمير إلى صاحب الإبل ويكون الجار والمجرور قائمًا ¬

_ (¬1) الكلام في هذا الموضع مبتور في أ، ب، ج، والآية من سورة التوبة 35. انظر الكشاف 2/ 187 تجد قوله: (وهلا قيل: يحمى، من قولك حمى الميسم وأحميته، ولا تقول: أحميت على الحديق؟ قلت: معناه أن النار تحمى عليها، أي توقد ذات حمى وحر شديد، من قوله: (نار حامية). ولو قيل: يوم تحمى لم يعط هذا المعنى ..)

1453 - حديث: "ألا أخبركم بخيركم من شركم".

مقام الفاعل، كما في قوله تعالى: (يسبح له فيها بالغدو والآصال * رجال) [النور: 36 - 37]. قوله: (أوفر ما كانت). قال الطيبي: (أوفر) مضاف إلى (ما) المصدرية، والوقت مقدر، وهو منصوب على الحال من المجرور (للإبل)، وجاز وقوعه حالاً، ولا يمنعها إضافته إلى المعرفة، لأن الإضافة فيه غير محضة، بدليل قولهم: مررت برجل أفضل الناس. وإن كان لصاحب الإبل فهو خبر مبتدأ محذوف على الاستئناف. وقوله: (لا يفقد منها فصيلاً واحدًا) أيضا حال، إما مترادفة إن كان صاحب الحال الضمير في (بطح)، أو متداخلة إن كان صاحب الضمير المستتر في (كانت) التامة الراجع إلى الإبل، لوجود الضمير في (منها). وقوله: (تظافره) أيضا حال مترادفة ومتداخلة على التقديرين، لوجود ضمير المذكر والمؤنث. ويجوز أن تكون استئنافًا، كأنه لما قيل: بطح صاحب الإبل لإبله حال كونها قوية تامة، مع جميع فصلانها، غير فاقدة منها شيئًا - اتجه السائل أن يقول: لم بطح لها؟ أجيب: لتطأه إلى آخره. وعلى هذا حكم قوله: (كلما) مر عليه أخراها رد عليه أولاها في الحالية والاستئنافية، أي تطؤه دائمًا. 1453 - حديث: "ألا أخبركم بخيركم من شركم". قال الطيبي: (من شركم) حال أي أخبركم بخيركم مميزًا من شركم.

1454 - حديث: "تجدون من خير الناس أشدهم كراهية لهذا الأمر حتى يقع فيه".

1454 - حديث: "تجدون من خير الناس أشدّهم كراهيةً لهذا الأمر حتى يقعَ فيه". قال الطيبي: (من خير الناس) ثاني مفعولي (تجدون) والأول قوله: (أشدهم)، ولما قدم المفعول الثاني أضمر في الأول الراجع إليه، كقولك: على الثمرة مثلها زبدًا. ويجوز أن يكون المفعول الأول (خير الناس) على مذهب من يجيز زيادة (مِنْ) في الإثبات. وقوله: (حتى يقع فيه) يحتمل وجهين: أحدهما: أن تكون غاية (تجدون) أي تجدون خير الناس أشدهم كراهة حتى يقع فيه، فحينئذ لا يكون خيرهم. والثاني: أنها غاية (أشد) أي يكرهه حتى يقع فيه، فحينئذ يعينه الله عليه فلا يكرهه. 1455 - حديث: "ويل للأمراء". قال الطيبي: (ويل) مبتدأ و (للأمراء) خبره. 1456 - حديث: "من خير معاش الناس لهم رجل ممسك عنانَ فرسِه في سبيل الله يطير على متنه". قال الطيبي: (يطير) إما صفة بعد صفة أو حال من الضمير في (ممسك).

1457 - حديث: "إذا اشتد الحر فأبردوا عن الصلاة".

قوله: (كلما سمع)، صفة طار عليه، طار جواب (كلما) و (موضع) جوابه حال من فاعل يطير. قوله: (يبتغي القتل والموت مظانه)، (مظانه) اشتمال من الموت فيكون مفعولاً به على الاتساع كقوله: (ويوم شهدناه)، وذهب الشارحون إلى أنه منصوب على الظرفية من قوله: (يبتغي). 1457 - حديث: "إذا اشتد الحر فأبردوا عن الصلاة". قال القرطبي والقاضي عياض: كلاهما في شرح مسلم وابن سيد الناس في شرح الترمذي، والشيخ ولي الدين العراقي في شرح سنن أبي داود، (عن) هنا بمعنى الباء فإنها تأتي بمعناها كما تأتي الباء بمعنى عن في قوله تعالى: (فاسأل به خبيرًا) [الفرقان: 59]. قالوا: وقد تكون (عن) هنا زائدة، أي أبردوا الصلاة يقال: أبردوا كذا إذا فعله في برد النهار. زاد العراقي: وقال بعضهم هو على تضمين (أبردوا) معنى أخروا، وحذف مفعوله، تقديره: أخروا أنفسكم عن الصلاة. وقيل معناه: تأخروا عنها مبردين وهو مثل الذي قبله إلا أنه ضمّن أبردوا معنى فعل قاصر لا يحتاج إلى تقدير مفعول، وهو تأخروا. قال القاضي عياض: وأما الرواية الأخرى: "أبردوا عن الحر في الصلاة" فبيّن المعنى، أي افعلوا في الصلاة وأقصروا بها عن الحر.

قال الشيخ ولي الدين العراقي في مجموع له ومن خطه نقلت: هذا جاز على أصل معنى (في) وهو الظرفية لكن فيه حذف وتقدير، وهو خلاف الأصل. قال: والذي أقوله: إن (في) هنا يحتمل ثلاثة أوجه غير ما ذكره القاضي، أحدها: أن تكون للتعليل، فيكون التقدير: أبردوا عن الحر لأجل الصلاة كما في قوله تعالى: (فذلكن الذي لمتنني فيه) [يوسف: 32]، وقوله: (لمسكم في ما أفضتم فيه عذاب) [النور: 14]. الثاني: أن تكون بمعنى الباء، كما في قوله: (أبردوا عن الصلاة) أي بالصلاة، وكقول زيد الخيل: ويركب يوم الروع منا فوارسٌ ... يصيرون في طعن الأباهر والكلى أي: بطعن الأباهر. الثالث: أن يكون من باب القلب نحو: عرض الحوضَ على الناقة. قال الكرماني: فإن قلت: ما الفرق بين: أبردوا عن الصلاة وأبردوا بالصلاة، قلت: الباء هو الأصل وأما عن ففيه تضمين معنى التأخير، أي تأخروا عنها مبردين. وقيل هما بمعنى واحد، و (عن) تطلق بمعنى الباء كما يقال: رميت عن القوس، أي بها. وقوله: (فأذن لها بنفسين، نفس في الشتاء ونفس في الصيف).

1458 - حديث: "من منح منحة بصدقة راحت صبوحها وغبوقها".

قال الزركشي: بالجر فيهما على البدل. وقوله: (أشدُّ ما تجدون من الحر). قال الزركشي: بالكسر، على البدل من نفس، وبالرفع على أنه خبر مبتدأ محذوف، أي فهو، وبالنصب مفعولاً، بتجدون بعده. وقال الكرماني: (أشد) بالجر بدلاً أو بيانًا، وبالرفع أي هو أشدّ، محذوف المبتدأ، أو أشدّ ما تجدون من الحر منه، محذوف الخبر. وقال الطيبي: جعل (أشدّ) مبتدأ خبره محذوف أولى من عكسه لدلالة رواية البخاري، وأما الفاء في الخبر فللإضافة أشدّ إلى (ما) الموصولة أو الموصوفة. 1458 - حديث: "من منح منحةً بصدقة راحت صبُوحها وغَبوقها". قال النووي: هما منصوبان على الظرف، والصبوح بفتح الصاد: الشرب أو النهار، والغبوق بفتح الغين: الشرب أو الليل. قال: وقال القاضي عياض: هما مجروران على البدل من قوله صدقة، ويصح نصبهما على الظرف. وقال الشيخ أكمل الدين: الضمير في (غدت) وراحت للمنحة وبصدقة في موضع الحال. 1459 - حديث: "لو يعلمُ الناس ما في النداء والصف الأول، ثم لا يجدوا إلا أنْ

1460 - حديث: "كان إذا دخل في الصلاة رفع يديه مدا".

يستهموا عليه لاستهموا". قال الكرماني: روي (ثم لا يجدوا) فإن قلت: ما الموجب لحذف النون، قلت: جوز بعضهم حذف النون بدون الناصب والجازم. قال ابن مالك: حذف نون الرفع في موضع الرفع لمجرد التخفيف ثابت في الكلام الفصيح نثره ونظمه. وقال الطيبي: أتى بثم المؤذنة بتراخي رتبة الاستهام عن العلم. وقال ابن عبد البر: الضمير في عليه يعود إلى الصف الأول وهو أقرب مذكور هذا أوجه الكلام. وقال غيره: يعود على معنى الكلام المتقدم فإنه مذكور مقول، ومثله قوله تعالى: (ومن يفعل ذلك يلق أثامًا) [الفرقان: 68]، أي ومن يفعل المذكور. وهذا أولى من الأول، لأنه راجع إلى الصف، وبقي النداء ضائعًا لا فائدة له. 1460 - حديث: "كان إذا دخل في الصلاة رفع يديه مدًّا". قال ابن سيد الناس في شرح الترمذي: يجوز أن يكون المد مصدرًا مختصًّا، والمصدر المختص ما كان مفسر النوع نحو: مشى القهقرى، وقعد القرفصاء واشتمل على الصّماء، فإن القهقرى نوع من المشي، والقرفصاء نوع من القعود، والصماء نوع من

1461 - حديث: "إن الله حبس عن مكة الفيل، وسلط عليهم رسوله والمؤمنين، ألا وإنها لم تحل لأحد قبلي".

المشي، والصماء نوع من أنواع الاشتمال. أو حالاً من (رفع) وإن كان مأخوذًا من مدّ النهار وهو ارتفاعه فيكون مصدرًا في المعنى نحو: قعدت جلوسًا، وقمت وقوفًا. 1461 - حديث: "إن الله حبس عن مكة الفيل، وسلط عليهم رسوله والمؤمنين، ألا وإنها لم تحل لأحد قبلي". قال الكرماني: فإن قلت (ألا) لها صدر الكلام فما المعطوف علىه بالواو، والمناسب أن يقال بدونها نحو: (ألا إنهم هم المفسدون) [البقرة: 12]. قلت هو عطف على مقدر أي: ألا إن الله حبس عنها وإنها لم تحل. قوله: (ألا وإنها ساعتي هذه حرام). قال: (حرام) خبر لقوله: (إنها)، فإن قلت: ما بال الخبر ليس مطابقًا للمبتدأ، قلت: لفظ حرام وإن كان في الأصل صفة مشبهة، لكنه اضمحلت وصفته لغلبة الاسمية فتساوى التذكير والتأنيث فيه، أو أنه مصدر يستوي فيه المذكر والمؤنث. قوله: (فقال العباس: إلا الإذخر). قال: يجوز رفعه على البدل مما قبله، ونصبه على الاستثناء لكونه واقعًا بعد النفي. قال ابن مالك في توضيحه: يجوز فيه الرفع على البدل مما قبله، والنصب وهو المختار، لكن الاستثناء وقع متراخيًا عن المستثنى منه، فبعدت المشاكلة بالبدلية، ولكون الاستثناء أيضًا عرض في آخر الكلام، ولم يكن مقصودًا.

1462 - حديث: "لأن يمتلئ جوف رجل قيحا حتى يريه".

وقال الكرماني: مثل هذا يسمى بالاستثناء التلقيني، فإن قلت: ليس في كلام العباس ما يستثنى إلا (الإذخر) منه فما المستثنى منه؟ قلت: مثله ليس مستثنى بل هو تلقيني بالاستثناء فكأنه قال: قل يا رسول الله لا يختلى ولا يعضد شجرها إلا الإذخر. وأما الواقع في لفظ الرسول فهو ظاهر أنه استثناء من كلامه السابق. وقوله: (إلا الإذخر) مرتين، الثاني توكيد للأول. 1462 - حديث: "لأن يمتلئ جوف رجل قيحًا حتى يريه". قال أبو الفرج: روي بإسقاط (حتى)، فنرى جماعة من المبتدئين ينصبون (يريه) جريًا على العادة في قراءة الحديث الذي فيه (حتى). وليس ههنا ما ينصب. سمعته من ابن الخشاب. قال الزركشي: رواه الأصيلي بالنصب على بدل الفعل من الفعل، وإجراء إعراب (يمتلئ) على (يريه). 1463 - حديث الذئب، قوله: "إن رأيتُ كاليوم". قال الزمخشري في الفائق: أي: ما رأيت أعجوبة كأعجوبة اليوم، فحذف الموصوف وأقام الصفة مقامه وحذف المضاف وأقام المضاف إليه مقامه. 1464 - حديث: "يقولون الكرْم، وإنما الكَرْم قلبُ المؤمن".

1465 - حديث: "لا تصحب الملائكة رفقة فيها كلب ولا جرس".

قال الكرماني: (الكرم) مبتدأ خبره محذوف أو بالعكس أي يقولون شجر العنب الكرم. 1465 - حديث: "لا تصحب الملائكة رفقةً فيها كلب ولا جرس". قال الطيبي: عطف قوله: (ولا جرس) على قوله: (فيها كلب) وإن كان مثبتًا لأنه في سياق النفي. 1466 - حديث: "قال لي النبي صلى الله عليه وسلم يا أبا هرّ". قال ابن بطال: هذا ليس من باب الترخيم، وإنما هو نقل اللفظ من التصغير والتأنيث، إلى التكبير والتذكير. 1467 - حديث: "إذا هلك كسرى فلا كسرى بعده وإذا هلك قيصر فلا قيصر بعده". قال الكرماني: فإن قلت: اسم (لا) إذا كان معرفة وجب التكرير، قلت: هو علم نكرة، أو (لا) بمعنى ليس أو مؤول نحو: (قضية ولا أبا الحسن لها) أو مكرر إذ حاصله لا قيصر ولا كسرى. 1468 - حديث: "كان إبراهيم أول الناس ضيف ... الحديث".

1469 - حديث: "من لعق العسل ثلاث غدوات في كل شهر".

قال الطيبي: قوله: (ضيّف الضيف)، هو خبر كان، و (أول الناس) ظرف له، وكذا ما بعده. ويحتمل أن يكون (أول الناس) خبر كان، و (ضيّف) يكون مؤولاً بمصدر وقع تمييزًا، أي: أول الناس تضييفًا أو تقدير المميز، ويكون الفعل المذكور بيانًا، و (ضيّف الضيف) مجاز باعتبار ما يؤول إليه. 1469 - حديث: "من لعق العسل ثلاث غدوات في كل شهر". قال الطيبي: (في كل شهر) صفة غدوات، أي غدوات كائنة في كل شهر. 1470 - حديث: "من رآني في المنام فقد رآني حقًّا". قال الكرماني: فإن قلت: الشرط ينبغي أن يكون غير الجزاء، قلت: ليس هو الجزاء حقيقة بل لازمه نحو: فليستبشر فإنه قد رآني، فأخبره بأن رؤيته حق ليست أضغاث أحلام ولا تخيلات الشيطان. ومثله قوله صلى الله عليه وسلم: "إن تطعنوا في إمارته فقد كنتم تطعنون في إمارة أبيه قبله"، فيؤول بإخبار أي: إن طعنتم فيه فأخبركم بأنكم طعنتم في أبيه، أو بلازمها أو بلازمه عند البيانية أي: إن طعنتم فيه تأثمتم بذلك.

1471 - حديث: "من اضطجع مضجعا لم يذكر الله فيه كان عليه ترة يوم القيامة .. الحديث".

1471 - حديث: "من اضطجع مضجعًا لم يذكر الله فيه كان عليه ترة يوم القيامة .. الحديث". قال الطيبي: روى (كانت) بالتأنيث، ورفع (ترة)، فينبغي أن تؤول في مرجع الضمير من (كانت) مؤنثًا، أي: الاضطجاعة والقعدة، و (ترة) مبتدأ والجار والمجرور خبره، والجملة خبر (كان). وأما على رواية التذكير ونصب (ترة) فظاهر، والجار والمجرور متعلق بترة. وقوله: (إلا على قاموا عن أنتن جيفة) استثناء مفرغ، التقدير: ما يقومون قيامًا إلا هذا القيام وضمّن قاموا معنى التجاوز فعدّي بـ (عن). وقال ابن الأثير: الهاء في (ترة) عوض من الواو المحذوفة مثل: وعد وعِدة، ويجوز رفعها ونصبها على اسم كان وخبرها. 1472 - حديث: "إن لله ملائكةً يطوفون في الطرق يلتمسون أهل الذكر، فإذا وجدوا قومًا يذكرون الله تنادوا: هلموا إلى حاجتكم". قال الكرماني: قوله: (هلموا) ورد على اللغة التميمية حيث لا يقولون باستواء الواحد والجمع فيه. قوله: (فيحفونهم بأجنحتهم)، قال المظهري: (الباء) للتعدية، يعني: يديرون أجنحتهم حول الذاكرين. وقال الطيبي: الظاهر أنها للاستعانة كما في قولك: كتبت بالقلم.

1473 - حديث:" الله الذي لا إله إلا هو إن كنت لأعتمد بكبدي على الأرض من الجوع".

1473 - حديث:" اللهِ الذي لا إله إلا هو إنْ كنت لأعتمد بكبدي على الأرض من الجوع". قال الزركشي: بالجر حذف منه حرف القسم، وجوز فيه النصب. قال ابن جني: إذا حذفت حرف القسم نصبت الاسم بعده بالفعل المقدر. تقول: الله لأذهبن، ومن العرب من يجر اسم الله مع حذف حرف الجر، فيقول: اللهِ لأذهبن، لكثرة الاستعمال. 1474 - حديث: "ما أنزل الله من السماء من بركةٍ إلا أصبح فريقٌ من الناس بها كافرين ينزل الله الغيث فيقولون بكوكب كذا وكذا". قال الطيبي: بكوكب متعلق بمحذوف يدل عليه قوله: (ينزل الله الغيث) أي ينزل الغيث بسبب كوكب. 1475 - حديث: "إن الله خلق الرحمة يوم خلقها مائةَ رحمة فأمسك عنده تسعًا وتسعين وأرسل في خلقه كلهم رحمةً واحدةً فلو يعلمُ الكافر بكلّ الذي عند الله من الرحمة لم ييأس من الجنة، ولو يعلم المؤمن بالذي عند الله من العذاب لم يأمن من النار". قال الكرماني: فإن قلت: (لو) لانتفاء الأول لانتفاء الثاني، صرح به ابن الحاجب في قوله تعالى: (لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا) [الأنبياء: 22]، كما يعلم انتفاء التعدد بانتفاء الفساد، وليس في الحديث كذلك، إذ فيه انتفاء الثاني وهو انتفاء الرجاء لانتفاء

1476 - حديث: "كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم – في مسير فنفدت أزواد القوم – إلى أن قال: (حتى ملأ القوم أزودتهم) ".

الأول، كما في: لو جئتني لأكرمتك، فإن الإكرام منتف لانتفاء المجيء، وبالنظر إلى الذهن لانتفاء الأول لانتفاء الثاني، فإننا نعلم انتفاء المجيء بانتفاء الإكرام ويستدل به عليه. وكذا في الآية انتفاء الفساد لانتفاء التعدد، ونعلم انتفاء التعدد بانتفاء الفساد. والمقصود من الحديث: أن الشخص ينبغي أن يكون بين الخوف والرجاء. 1476 - حديث: "كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم – في مسير فنفدت أزواد القوم – إلى أن قال: (حتى ملأ القوم أزودتهم) ". قال القرطبي: هكذا الرواية، وصوابه: مزاودهم فإنها هي تملأ بالإزادة وهي جمع زاد مسمى المزواد أزودة باسمها لأنها تجعل فيها على عادتهم في تسمية الشيء باسم الشيء إذا جاوره أو كان منه بسبب، وقد عبر عنها في الرواية الأخرى بالأوعية. قوله: (فقال: أشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله لا يلقى الله بها غير شاك فيحجب عن الجنة). قال القرطبي: رويناه بنصب فيحجب ورفعها، فالنصب بإضمار (أنْ) بعد الفاء في جواب النفي وهو الأظهر والأجود، وفي الرفع إشكال لأنه يرتفع على أن يكون خبر المبتدأ محذوفًا تقديره فهو يحجب، وهو نقيض المقصود فلا يستقيم المعنى حتى تقدر لا النافية، أي فهو لا يحجب، ولا تحذف لا النافية في مثل هذا. وقال الطيبي: الباء في (بها) يجوز أن تكون سببية أو استعانة أو حالاً، وقوله: (غير شاكّ) مرفوع صفة (عبد) عطفًا على الجملة السابقة والنفي منصب عليهما معًا. 1477 - حديث: "كنا قعودًا حول النبي صلى الله علىه وسلم".

قال النووي: قال أهل اللغة: يقال قعدنا حوله وحوليه وحواليه وحواله بفتح الحاء واللام في جميعها، أي على جوانبه قالوا: ولا يقال حوالِيه بكسر اللام. قوله: (ومعنا أبو بكر وعمر). قال النووي: بفتح العين في اللغة المشهورة ويجوز تسكينها في لغة، وهي للمصاحبة. قال صاحب المحكم: (مع) اسم معناه الصحبة وكذلك مع الكاف، أي بإسكان العين، غير أن المحركة تكون اسمًا وحرفًا والساكنة لا تكون إلا حرفًا. قال اللحياني: قال الكسائي: ربيعة وتميم يسكنون فيقولون معْكم ومعْنا، فإذا جاءت الألف واللام وألف الوصل اختلفوا، فبعضهم يفتح العين وبعضهم يكسرها نحو: مع القوم ومع ابنك، أما من فتح فبناه على قولك: كنا معًا ونحن معًا، فلما جعلها حرفًا، وأخرجها عن الاسم حذف الألف وترك العين على فتحها، وهذه لغة عامة العرب، وأما من سكن ثم كسر عند ألف الوصل فأخرجه مخرج الأدوات مثل: هل وبل. قوله: (فقال: ما هاتان النعلان يا أبا هريرة؟ قلت: هاتين نعلا رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثني بهما). قال النووي: هكذا هو في جميع الأصول بنصب (هاتين هما نعلا) فنصب هاتين بإضمار (يعني) وحذف (هما) التي هي المبتدأ للعلم به. وقوله: بعثني بهما، بالتثنية، ووقع في كثير من الأصول أو أكثرها (بها) من غير ميم، وهو صحيح أيضًا. ويكون الضمير عائدًا إلى العلامة، فإن النعلىن كانتا علامة. قوله (فخررت لاستي).

قال القرطبي: أي على استي، كما قال تعالى: (يخرون للأذقان) [الإسراء: 107]، أي عليها. قوله (بأبي أنت وأمي)، معناه أنت مفدّى، أو أفديك بأبي وأمي. وقال الطيبي: الباء في (بأبي) متعلقة بمحذوف، قيل: هو اسم فيكون ما بعده مرفوعًا، تقديره: أنت مفدّى بأبي، وقيل: فعل، وما بعده منصوب، أي فديتك بأبي وأمي، وحذف المقدر تخفيفًا لكثرة الاستعمال، وعلم المخاطب به. قال: وقوله في أول الحديث: (فخشينا أن تقطع دوننا) حال من الضمير المستتر في (تقطع)، أي فخشينا أن تصاب بمكروه متجاوزًا عنا، كقوله تعالى: (وادعوا شهداءكم من دون الله) [البقرة: 23]. (الكشاف): ومعنى (دون) أدنى مكان من الشيء، ومنه الشيء الدون، واستعير للتفاوت في الأحوال والرتب، فقيل: زيد دون عمرو في الشرف والعلم، ثم اتسع فيه واستعمل في كل تجاوز حدًّا إلى حد. وقوله: (فخشينا أن تقطع دوننا، ففزعنا) عطف أحد المترادفين على الآخر إرادة الاستمرار، مثل ما في قوله تعالى: (كذبت قبلهم قوم نوح فكذبوا عبدنا) [القمر: 9]. قوله: (فقال: أبو هريرة) أي فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - لأنت أبو هريرة؟، فعلى هذا أبو هريرة خبر مبتدأ محذوف، والهمزة في المبتدأ يحتمل أن تكون على حقيقتها، أي التقرير أو التعجب.

1478 - حديث: "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يؤذي جاره".

1478 - حديث: "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يؤذي جاره". قال النووي: هكذا وقع في الأصول يؤذي بالياء في آخره ورويناه في غير مسلم (فلا يؤذ) بحذفها، وهما صحيحان، فحذفها للنهي وإثباتها على أنه خبر يراد به النهي، فيكون أبلغ. ومنه قوله تعالى: (لا تضارُّ والدة) [البقرة: 233] على قراءة من رفع، وقوله صلى الله عليه وسلم: (لا يبيع أحدكم على بيع أخيه) ونظائره كثيرة. قوله: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه). قال القرطبي: (الضيف) يقال على الواحد والجمع، ويجمع أيضًا على أضياف وضيوف وضيفان، والمرأة ضيف وضيفة. 1479 - حديث: "لكل نبي دعوة مستجابة". قال القرطبي: أي مجابة، والسين زائدة، يقال أجاب واستجاب، قال: ... ... فلم يستجبه عند ذاك مجيبُ أي لم يجبه. 1480 - حديث: "يدخل الجنة من أمتي سبعون ألفًا زمرة واحدة". قال النووي: روي زمرة واحدة بالنصب والرفع.

1481 - حديث: "الإيمان يمان والفقه يمان والحكمة يمانية".

1481 - حديث: "الإيمان يمانٍ والفقه يمانٍ والحكمة يمانية". قال الشيخ تقي الدين بن الصلاح: هو بتخفيف الياء عند جماهير أهل العربية، لأن الألف مزيدة فيه عوض من ياء النسب المشددة فلا يجمع بينهما. قال ابن السيد في كتابه الاقتضاب: حكى المبرد وغيره أن التشديد لغة وهذا غريب. قال النووي: قد حكى الجوهري وصاحب المطالع وغيرهما من أهل العلم عن سيبويه أنه حكي عن بعض العرب أنهم يقولون اليماني بالياء المشددة وأنشد لامية العجم بن خلف: يمانيا يظل يشد كيرا ... وينفخ دائما لهب الشواظ 1482 - حديث: "أنه قال للحسن حُزُّقَّة حزقة ترقَّ عينَ بقَّة". قال في النهاية: (حزقة) مرفوع على أنه خبر مبتدأ محذوف تقديره أنت حزقة، و (حزقة) الثانية كذلك، أو خبر مكرر. ومن لم ينون (حزقة) أراد يا حزقة، فحذف حرف النداء وهو من الشذوذ، كقولهم: أطرِقْ كَرَا، لأن حرف النداء يحذف من العلم المضموم والمضاف. وقال ابن الجوزي: قوله: (عين بقة) أي يا صغير العين. 1483 - حديث: "إذا قضى الله الأمر في السماء ضربت الملائكة بأجنحتها خضعانًا لقوله كأنه سلسلة على صفوان".

1484 - حديث: "المستبان ما قالا فعلى البادئ".

قال الطيبي: (خضعانًا) إذا كان جمعًا كان حالاً، وإذا كان مصدرًا جاز أن يكون مفعولاً مطلقًا لما في ضرب الأجنحة من معنى الخضوع، أو مفعولاً له؛ وذلك لأن الطائر إذا استشعر خوفًا أرخى جناحه مرتعدًا. والضمير في (كأنه) راجع إلى قوله: (لقوله) و (كأنه) حال منه. وقوله: (الحق) منصوب على أنه صفة مصدر محذوف، تقديره: قال جبريل: قال الله القول الحق. ويحتمل الرفع بتقدير: قوله الحق. 1484 - حديث: "المستبّان ما قالا فعلى البادئ". قال الطيبي: (ما) شرطية، وقوله: (فعلى البادئ) جزاء أو موصولة و (فعلى البادئ) خبره والجملة سببية. 1485 - حديث: "بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم". قال الطيبي: (بحسب امرئ) مبتدأ، والباء فيه زائدة. قوله: (أن يحقر) خبره، أي حسبه وكافيه من خلال الشرور تحقير أخاه. 1486 - حديث: "بدأ الإسلام غريبًا وسيعود غريبًا كما بدأ". قال القرطبي: كذا الرواية بهمزة بدأ وفيه نظر وذلك أن (بدأ) مهموز يتعدى إلى مفعول كقوله تعالى: (كما بدأنا أول خلق نعيده) [الأنبياء: 104].

1487 - حديث: "لقد رأيتني في الحجر وقريش تسألني عن مسراي، فسألتني عن أشياء من بيت المقدس لم أثبتها فكربت كربة ما كربت مثله".

قال صاحب الأفعال: يقال بدأ الله الخلق بدءًا وأبدأهم خلقهم، و (بدأ) في الحديث لا يقتضي مفعولاً فظهر الإشكال، قال: ويرتفع الإشكال بأن يحمل (بدأ) الذي في الحديث على (طرأ)، فيكون لازمًا كما قد اتفق للعرب في كثير من الأفعال تتعدى حملاً على صيغة، ولا تتعدى حملاً على أخرى، كما قالوا: رجع زيد ورجعته وفغر فاه، وفغر فوه، وهو كثير. قال: وقد سمعت من بعض أشياخي إنكار الهمزة وزعم أنه (بدأ) بمعنى ظهر غير مهموز. وهذا فيه بعد من جهة الرواية والمعنى. فأما الرواية بالهمزة فصحيحة النقل عمن يعتمد على علمه وضبطه. وأما المعنى: فبعيد عن مقصود الحديث، فإن مقصوده أن الإسلام نشأن في أول أمره في آحاد الناس، وقلة ثم انتشر وظهر، وأنه سيلحقه من الضعف والاختلاف حتى لا يبقى إلا في آحاد وقلة". 1487 - حديث: "لقد رأيتني في الحجر وقريش تسألني عن مسراي، فسألتني عن أشياء من بيت المقدس لم أثبتها فكربت كربة ما كربت مثله". قال النووي: الضمير في مثله يعود على معنى الكربة وهو الكرب الغم أو الهم أو الشيء. 1488 - حديث: "إذا أتى أحدكم الغائط فلا يستقبل القبلة ولا يستدبرها ولا يستطيب بيمينه". قال النووي في شرح أبي داود: هكذا هو في عامة النسخ، (ولا يستطيب) بالياء،

1489 - حديث: "إن أول ما يسأل عنه العبد يوم القيامة من النعيم أن يقال: ألم أصح جسمك".

وهو صحيح، وهو نهي بلفظ الخبر، كقوله تعالى: (لا تُضار والدة) [البقرة: 233]، وكقوله - صلى الله عليه وسلم -: "لا يبيع أحدكم على بيع أخيه"، ونظائره، وهذا أبلغ في النهي، لأن خبر الشارع لا يتصور خلافه، وأمره قد يخالف، فكأنه قيل: عاملوا هذا النهي معاملة الخبر الذي لا يقع خلافه. 1489 - حديث: "إن أولَ ما يسأل عنه العبد يوم القيامة من النعيم أن يقال: ألم أصِحَّ جسمَك". قال الطيبي: (ما) في (ما يسأل) مصدرية و (أن يقال) خبر (إنّ) أي: أول سؤال العبد هو: (أن يقال له إلى آخره). 1490 - حديث: "هو الطهور ماؤه الحلُّ ميتته". قال الشيخ تقي الدين ابن دقيق العيد: أنهى بعضهم وجوه إعرابه إلى قريب من عشرين وجهًا، في كثير منها تكلف وإضمار لا تظهر الدلالة عليها، وأقربها أربعة أوجه: الأول: أن يكون (هو): مبتدأ، و (الطهور) مبتدأ ثانيًا، خبره: (ماؤه)، والجملة من هذا القبيل، أي: من هذا المبتدأ الثاني، وخبره خبر المبتدأ الأول. الثاني: أن يكون (هو) مبتدأ، و (الطهور) خبره، و (ماؤه) من بدل الاشتمال،

1491 - حديث: "فإن أحدكم لا يدري أين باتت يده".

وفي هذا الوجه بحث دقيق. الثالث: أن يكون (هو) ضمير شأن، و (الطهور ماؤه): مبتدأ وخبر. ولا يمنع من هذا تقدم ذكر البحر في السؤال، لأنه إذا قصد الإناء وعدم إعادة الضمير في قوله: هو على البحر صح هذا الوجه وهذا كما قالوا في: (هو الله أحد) [الإخلاص: 1]، ضمير شأن مع ما روي من تقدم ذكر الله تعالى في سؤال المشركين حيث قالوا: انسب لنا ربك. الرابع: أن يكون (هو) مبتدأ، و (الطهور) خبر، و (ماؤه) فاعل لأنه قد اعتمد على عامله بكونه خبرًا. ويترجح الوجه الثالث بأن لضمير الشأن في محاسن الكلام شأنًا عند أهل البيان، وكأن السبب فيه أن يشعر بالجملة الآتية إشعارًا كليًّا فتتشوف النفس إلى التفسير بعد الإبهام، فإذا أتى به قبلته قبول الطالب لمطلوبه. قوله في أول الحديث: (أفنتوضأ بماء البحر). قال الشيخ ولي الدين العراقي: (الباء) فيه بمعنى (من) ويدل عليه رواية من ماء البحر. 1491 - حديث: "فإن أحدكم لا يدري أين باتت يده". ذكر ابن طيفور والأبذي شارح الجزولية أن (بات) في هذا الحديث بمعنى صار. وقد استشكل هذا التركيب من جهة أن انتفاء الدراية لا يمكن أن يتعلق بلفظ (أين

1492 - حديث: "احتج آدم وموسى فقال موسى: أنت آدم الذي خلقك الله بيده".

باتت يده) ولا بمعناه، لأن معناه الاستفهام، ولا يقال إنه لا يدرى الاستفهام، فقالوا: معناه لا يدري تعيين الموضع الذي باتت فيه يده، فيكون فيه حذف مضاف محذوف وليس استفهامًا وإن كانت صورته الاستفهام. وهذا الإشكال والجواب يطرد في كل ما علق من أفعال القلوب عن العمل فيما بعده الاستفهام. وقد قال سيبويه في قولك: علمت أزيد عندك أم عمرو، إن معناه: علمت الذي هو عندك من هذين الرجلين وتممه ابن الحاجب بأن المعنى: علمت جواب ذلك. 1492 - حديث: "احتج آدم وموسى فقال موسى: أنت آدم الذي خلقك الله بيده". قال الطيبي: الظاهر أن يقال (خلقه) ليعود إلى الموصول، لكن عدل إلى الخطاب مطابقة لقوله أنت كقوله: أنا الذي سمتني أمي حيدرة أي سمته. قوله: (فحج آدم موسى) هو برفع آدم فاعلاً، أي غلبه بالحجة، وحرفه بعض الملحدين فجعله بنصب آدم وموسى فاعل. 1493 - حديث: "إن الدين يسر".

قال الكرماني: معناه: (إما ذو يسر) وإما أنه يسير على سبيل المبالغة نحو: أبو حنيفة فقه، أي لشدة اليسر وكثرته كأنه نفسه. وقال الطيبي: (يسر) خبر (إن) وضع موضع اسم المفعول مبالغة. وقوله: (ولن يشادّ الدين إلا غلبه)، كذا رواه الأكثر من رواة البخاري، بإضمار الفاعل في (يشادّ) للعلم به. و (الدين) منصوب على المفعولية. وقال صاحب المطالع: أكثر الروايات برفع: (الدين) على أن (يشادّ) مبني لما لم يسم فاعله. وعارضه النووي: بأن أكثر الروايات بالنصب. قال ابن حجر: ويجمع بين كلاميهما بأنه بالنسبة إلى روايات المغاربة والمشارقة. قال: ورواه ابن السكن بلفظ: (ولن يشادّ الدين أحدٌ إلا غلبه)، وكذا هو في طريق هذا الحديث عند الإسماعيلي وأبي نعيم وابن حبان وغيرهم. قال الزركشي: وليس في الدين على هذا إلا النصب. وقال الطيبي: أما بناء المفاعلة في (يشاد) ليس للمفاعلة، بل للمبالغة، نحو طارقت النعل، وهو من جانب المكلف. ويحتمل أن يكون للمغالبة على سبيل الاستعارة، والمستثنى منه أعم عام الأوصاف، أي لم يحصل، ولم يستقر ذلك على وصف من الأوصاف إلا على وصف المغلوبية.

1494 - حديث: "يقولون: إن أبا هريرة يكثر والله الموعد".

وقوله: (فشددوا)، الفاء جواب شرط محذوف أي إذا بينت لكم ما في المشادة من الوهن فسددوا وقاربوا، تأكيدًا للتشديد من حيث المعنى. 1494 - حديث: "يقولون: إن أبا هريرة يكثر والله الموعد". قال الكرماني: فإن قلت: الموعد إما مصدر وإما زمان وإما مكان، وعلى التقادير لا يصح أن يخبر به عن الله، قلت: لا بد من إضمار أو مجاز لا يصعب عليك تقديره. 1495 - حديث: "المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل". 1496 - حديث: "إذا سألتم الله فاسألوه الفردوس فإنه أوسط الجنة وأعلى الجنة وفوقه عرش الرحمن". قال الزركشي: قيده الأصيلي بضم القاف، أي أعلاه، والجمهور: أنه بالنصب على الظرف، ولم يصحح ابن قرقور تقييد الأصيلي، وقال: إنه وهم والضمير في (فوقه) يوهم عَوْدَه إلى (الفردوس)، وقال السفاقسي بل هو راجع للجنة كلها. ورأيت في تفسير الشيخ شمس الدين ابن النقاش ما نصبه؟ قال: ... 1497 - حديث: "ما رأيت مثل النار نام لها ربها". قال الطيبي: (مثل) هنا كما في قولهم: مثلك لا يبخل و (نام لها ربها) حال، هذا إذا لم يكن (رأيت) من أفعال القلوب، وأما إذا كان منها فيكون (نام لها ربها) مفعولاً ثانيًا له.

1498 - حديث: "قال رجل: يا رسول الله إن فلانة تذكر من كثرة صلاتها وصيامها وصدقتها، غير أنها تؤذي جيرانها".

1498 - حديث: "قال رجل: يا رسول الله إن فلانة تذكر من كثرة صلاتها وصيامها وصدقتها، غير أنها تؤذي جيرانها". قال الطيبي: (تذكر) على بناء المفعول مسند إلى ضمير (فلانة). و (من) في (من كثرة صلاتها) لابتداء الغاية، أي تذكر من أجل هذه. والقرينة الثانية ليس فيها (من) فالفعل مسند إلى ضمير (فلانة) و (قلة) نصب على نزع الخافض. و (غير أنها) منصوب على أنه استثناء منقطع بمعنى لكن. 1499 - حديث: "يا نساء المسلمات لا تحقرنّ جارة لجارته ولو فرسن شاة". قال أبو محمد بن السيد البطليوسي في المسائل: اختلف الرواة فيه، فرواه بعضهم برفع النساء ورواه بعضهم بنصبه والاختيار الرفع على طريق ارتفاع المنادى المفرد في قولك: يا زيد ويا عمرو، ويجوز يا مسلمات، ويجوز في المسلمات الرفع صفة على اللفظ والنصب صفة على الموضع كقولك: يا زيد العاقل برفع العاقل ونصبه، إلا أن جمع المذكر السالم يستوي نصبه وخفضه على ما عرف في صناعة النحو، ولا يستحيل ارتفاع المنادى وإن كان غير علم، قال تعالى: (يا جبالُ أوبي معه والطيرَ) [سبأ: 10]. وأما من روى: (يا نساءَ) بالنصب وأضافهن إلى المسلمات، فهو بمنزلة قول العرب: مسجد الجامع، وصلاة الأولى، وقوله تعالى: (ولدارُ الآخرة) [يوسف: 109] (وحب الحصيد) [ق: 9] ونحو ذلك مما أضيف فيه الموصوف إلى الصفة في اللفظ.

فالبصريون يتأولون ما جاء من هذه الأشياء على حذف الموصوف وإقامة صفته مقامه. والتقدير عندهم: مسجد اليوم الجامع، وصلاة الساعة الأولى من زوال الشمس، و (لدار الآخرة): أي: الحياة الآخرة، لأن الإنسان له حياتان، وحب النبات الحصيد، ويا نساء الجماعات المسلمات، ونحو ذلك من التقدير إنما يفعلون ذلك لأنهم لا يجيزون إضافة الموصوف إلى صفته. وأما الكوفيون فلا يقدرون فيها شيئًا محذوفًا ويقولون: إنما جازت إضافة الموصوف إلى صفته لاختلاف الألفاظ، لأن العرب قد تحمل الشيء على لفظه لا على معناه كقولهم: كتب لي فلان ثلاث سجلات، فيؤثرون العدد على اللفظ والواحد سجل مذكر. وقال في موضع آخر من الكتاب: سئل الإمام أبو الوليد بن رشد عن هذا الحديث، فأجاب بأن قال: أكثر الشيوخ يروون الحديث بنصب النساء وخفض المؤمنات على حكم المنادى المضاف ووجه ذلك أن خطاب النبي صلى الله عليه وسلم توجه إلى نساء بأعيانهن، أقبل بندائه عليهن، فصحت الإضافة على معنى المدح لهن والترفيع لأقدارهن كما تقول: يا رجال القوم، ويا فوارس العرب، فيكون المعنى: يا خيّرات المؤمنات، وهو معنى صحيح يصح به الكلام على ظاهره دون تفسير ولا إضمار ويتضمن المدح، وهو زيادة فائدة في الحديث. ورواه بعض الشيوخ برفع النساء على المنادى المفرد ورفع المؤمنات على النعت للنساء على اللفظ ونصبها على الموضع وقال: المعنى يا أيها النساء، وممن ذهب إلى ذلك وقال: إن الإضافة لا تجوز، ابن عبد البر، ومعنى ما ذهب إليه أنه لا يجوز ولا يصح أن يضاف الشيء إلى بعضه، لا يقال: قرأت قرآن الأم، ولا رأيت رجل اليد، وإنما يصح: رأيت يد الرجل، وقرأت أم القرآن. فكذلك يصح أن يقال: رأيت مؤمنات النساء، ولا يصح أن يقال: رأيت نساء المؤمنات، هذا آخر كلام ابن رشد، وهو قول حسن، والذي عليه جمهور النحويين:

أنه من باب قولهم: صلاة الأولى ومسجد الجامع. وقال ابن مالك في التوضيح: في حديث: "كن نساء المؤمنات يشهدن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الفجر)، فيه إضافه الموصوف إلى الصفة عند أمن اللبس، لأن الأصل: كن النساء المؤمنات. وهو نظير (حبة الحمقاء) و (دار الآخرة) و (مسجد الجامع) و (صلاة الأولى). وقال القاضي عياض: في قوله (يا نساء المؤمنات) ثلاثة أوجه: أشهرها وأصحها: نصب (النساء) وجر (المسلمات) على الإضافة، وهو من باب إضافة الموصوف إلى صفته، ولا بد عند البصريين من تقدير نحو: يا نساء الأنفس المسلمات، أو الجماعات المسلمات، وقيل: تقديره: يا فاضلات المسلمات. والثاني: رفع (النساء) على النداء، ورفع المسلمات على أنه صفة على اللفظ. والثالث: رفع (النساء) وكسر التاء من المسلمات، على أنه منصوب على الصفة على المحل، نحو: يا زيد العاقل، برفع (زيد) وبنصب (العاقل). قال الكرماني: وقوله: (لجارتها) متعلق بمحذوف أي: لا تحقرن جارة هدية مهداة لجارتها. وقال القرطبي: (لو) في قوله: (ولو فرسن شاة) للتعليل، قال: وعادة العرب إذا أعيت في تعليل شيء ذكرت في كلامها ما لا يكون مقصودًا، ومنه هذا الحديث، وقوله: (ولو ظلفًا محرقًا) وقوله صلى الله عليه وسلم: "من بنى لله مسجدًا ولو مثل مفحص قطاة" وذلك القدر لا يكون مسجدًا. ومنه قول امرئ القيس:

1500 - حديث السهو: قوله: "صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم".

من القاصرات الطرف لو دبَّ محولٌ ... من الذّرِّ فوق الإتب منها لأثَّرا ونحوه كثير في كلامهم. 1500 - حديث السهو: قوله: "صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم". قال التوربشتي: (أمّنا)، يدخل فيه حرف التعدية، فيفيد معنى قولنا: أمنا فجعلنا من المؤتمين بصلاته. وقوله: (صلى لنا) أقام اللام مقام الباء، ومن اللام الجارة ضرب يورد أيضًا لتعدية الفعل، ويصح أن يراد به: صلى من أجلنا، لما يعود إليهم من فائدة الجماعة، ويصيبهم من البركة بسبب الاقتداء به. قوله: (كل ذلك لم يكن). قال الطيبي: هذا أشمل من أن لو قيل: لم يكن كل ذلك، لأنه من باب تقوى الحكم، فيفيد التأكيد في المسند والمسند إليه، بخلاف الثاني إذ ليس فيه تأكيد أصلاً، فيصح أن يقال: لم يكن كل ذلك، بل بعضه، كما تقرر في البيان. وهذا القول من رسول الله صلى الله عليه وسلم رد على ذي اليدين في موقع استعمال الهمزة وأم، وليس بجواب، لأن السؤال بالهمزة وأم، هو عين تعيين أحد المستويين، وجوابه تعيين أحدهما، يعني: كل ذلك لم يكن، فكيف يسأل بالهمزة وأم؟، ولذلك بين السائل بقوله: (قد كان بعض ذلك)، أنه طبق المفضل وأوقعهما في موقعهما.

1501 - حديث: "لن ينجي أحدكم عمله، قالوا: ولا أنت يا رسول الله، قال: ولا أنا إلا أن يتغمدني الله برحمته".

1501 - حديث: "لن ينجي أحدكم عمله، قالوا: ولا أنت يا رسول الله، قال: ولا أنا إلا أن يتغمدني الله برحمته". قال الكرماني: فإن قلت: هذا الاستثناء متصل أو منقطع؟ قلت: منقطع، ويحتمل أن يكون متصلاً، من قبيل قوله تعالى: (لا يذوقون فيها الموت إلا الموتة الأولى) [الدخان: 56]. 1502 - حديث: "إذا انتعل أحدكم فليبدأ باليمنى، وإذا نزع فليبدأ باليسرى، لتكون اليمنى أولهما تنعل وآخرهما تنزع". قال الطيبي: (أولهما) متعلق بقوله (تنعل)، وهو خبر (كان)، وذكره على تأويل العضو، ويحتمل الرفع على أنه مبتدأ، و (تنعل) خبره، والجملة خبر كان. 1503 - حديث: "لا يمشي أحدكم في نعل واحد، لينعلهما جميعًا أو ليحفهما جميعًا". قال الحافظ زين الدين العراقي: الظاهر عود الضمير إلى النعلين، قال ابن عبد البر: أراد القدمين وهما لم يتقدم لهما ذكر، ولو أراد النعلين، لقال: لينتعلهما جميعًا، أو ليحف منهما جميعًا. قال: وَهَذَا مشهور من لغة العرب، ويتكرر فِي القرآن كَثِيرًا، أن يأتي بضمير ما لم يتقدم ذكره، لما يدل عليه فحوى الخطاب.

1504 - حديث: "من أعتق رقبة مؤمنة أعتق الله بكل عضو منه عضوا من النار حتى يعتق فرجه بفرجه".

قال العراقي: وما ذكرناه أولى، ويدل عليه رواية مسلم: "أو ليخلعهما". وأيضًا فإنه يقال: نعلت النعل وانتعلته، كما حكاه الجوهري، قال: ولا حاجة حينئذ إلى عود الضمير على ما لم يتقدم له ذكر. 1504 - حديث: "من أعتق رقبة مؤمنة أعتق الله بكل عضو منه عضوًا من النار حتى يعتق فرجه بفرجه". قال الحافظ زين الدين العراقي: حرف الغاية في قوله: (حتى يعتق فرجه)، يحتمل أن تكون الغاية هنا الأعلى والأدنى، فإن الغاية تستعمل في كل منهما، فيحتمل أن يراد هنا الأدنى لشرف أعضاء العبادة عليه، كالجبهة واليدين ونحو ذلك، ويحتمل أن يراد الأعلى، فإن حفظه أشد على النفس. 1505 - حديث: "انتدب الله لمن خرج في سبيله لا يخرجه إلا إيمان بي وتصديق برسلي". قال ابن مالك في التوضيح: تضمن هذا الحديث ضمير غيبة، مضافًا إليه "سبيل" وضميري حضور، أحدهما في موضع جر بالباء، والآخر في موضع جر بإضافة "رسل" إليه. وكان اللائق في الظاهر أن يكون بدل الياءين هاءان، فيقال: انتدب الله لمن خرج في سبيله، لا يخرجه إلا إيمان به وتصديق برسله. فلو قيل هكذا لكان مستغنيًا عن

تقدير وتأويل. لكن مجيئه بالياء يحوج التأويل، لأن فيه خروجه من غيبة إلى حضور، على تقدير اسم فاعل من "القول" منصوب على الحال، محكيّ به النافي والمنفي وما يتعلق به. كأنه قال: انتدب الله لمن خرج في سبيله قائلاً: لا يخرجه إلا إيمان بي، والاستغناء بالمقول الغائب عن القول المحذوف - حالاً وغير حال -كثير. ويجوز أن تكون الهاء من " في سبيله" عائدة على "من" و"لسبيله" نعت محذوف، كأنه قيل: انتدب الله لمن خرج في سبيله المرضية، التي نبه عليها بقوله: (إلا من شاء أن يتخذ إلى ربه سبيلا) [الفرقان: 57] وبقوله: (إنا هديناه السبيل) [الإنسان: 3]. فإن النعت يحذف كثيرًا إذا كان مفهومًا من قوة الكلام، كقوله تعالى: (إن الذي فرض عليك القرآن لرادك إلى معاد) [القصص: 85]. أي: إلى معاد تحبه. وقوله: (وكذب به قومك) [الأنعام: 66]، أي: قومك المعاندون. ثم أضمر بعد "سبيله" قول حكى به ما بعد ذلك، لا موضع له من الإعراب. انتهى قول ابن مالك. وتعقبه الشيخ شهاب الدبن بن المرحل بأن حذف الحال لا يجوز، والأولى أنه من باب الالتفات. قال الزركشي: والرواية في البخاري برفع (إيمان) و (تصديق) على أنه فاعل (يخرجه)، والاستثناء مفرغ. وقال الطيبي والكرماني: المستثنى منه أعم عام الفاعل، أي لا يخرجه مخرج إلا الإيمان والتصديق، وفي رواية مسلم والإسماعيلي: "إلا إيمانًا" بالنصب.

مسند أبي واقد الليثي رضي الله عنه

قال النووي: هو مفعول له، وتقديره: لا يخرجه المخرج إلا الإيمان والتصديق. وقوله: (فهو علي ضامن)، قال القرطبي: بمعنى مضمون كما قالوا: ماء دافق، أي: مدفوق، ولا عاصم أي: معصوم، وقيل: معناه ذو ضمان. وقوله: (أو أرجعَه) بفتح الهمزة ثلاثي متعد، قال الله تعالى: (فإن رجعك الله) [التوبة: 83]، وحكى ثعلب: أرجع يرجع رباعيًا. وقوله: (أو) داخلة بالنصب عطفًا على أرجعه. فائدة: (انتدب) بالنون، رواه الأصيلي بياء تحتية مهموزة، بدل النون من المأدبة، قال الحافظ ابن حجر وهو تصحيف. مسند أبي واقد الليثي رضي الله عنه 1506 - حديث: "يعمدون إلى أليات الغنم". قال أبو البقاء: اللام مفتوحة في الجمع لا غير، لأنها اسم مثل: جفنة وجفنات. 1507 - حديث: "أنه صلى الله عليه وسلم قال لنسائه في حجته: هذه ثم ظهور الحصر".

مسند رجال لم يسموا رضي الله عنهم

قلت: (هذه) خبر (هي) مقدر، أو (ظهور) منصوب بالزمن مقدر، وقد صرح بهذين المقدرين في حديث أبي هريرة: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، لما حج بنسائه قال: إنما هي هذه ثم الزمن ظهور الحصر". مسند رجال لم يسموا رضي الله عنهم 1508 - حديث: "إن تبتم فليكن شعاركم حم لا ينصرون". قال الخطابي: بلغني عن ابن كيسان النحوي أنه سأل أبا العباس أحمد بن يحيى عن هذا الحديث، فقال: معناه الخبر، ولو كان بمعنى الدعاء لكان مجزومًا، أي: لا ينصروا، إنما إخبار، كأنه قال: والله لا ينصرون قال: وقد روي عن ابن عباس أنه قال: (حم) اسم من أسماء الله، فكأنه حلف بالله أنهم لا ينصرون. وقال ابن الأثير في النهاية: قيل: معناه: اللهم لا ينصرون، ويريد به الخبر لا الدعاء، لأنه لو كان دعاء لقال: لا ينصروا، مجزومًا، فكأنه قال: والله لا ينصرون. وقيل إن السور التي في أولها (حم) سور لها شأن، فنبه أن ذكرها لشرف منزلتها، مما يستظهر به على استنزال النصر من الله. وقوله: (لا ينصرون) كلام مستأنف، كأنه حين قال: قولوا: حم، قيل: ماذا يكون إذا قلناها؟ فقال: لا ينصرون. وقال البيضاوي: أي: علامتكم التي تعرفون بها هذا الكلام، و (حم لا ينصرون)، معناه: بفضل السور المفتتحة بحم ومنزلتها من الله لا ينصرون. 1509 - حديث: "فإنه رُبَّ مبلَّغٍ أوعى من سامع".

1510 - حديث: "كيف رأيتم كرامة إخوانكم لكم، وضيافتهم إياكم قالوا: خير إخوان".

قال أبو البقاء: (أسعد) هنا نعت لـ (مبلغ) مجرور، ولكنه فتح لأنه لا ينصرف. والذي يتعلق به (رب) محذوف تقديره: يوجد أو يصاب. وأجاز الكوفيون: (أسعد) بالرفع، وبنوه على رأيهم في أن (رب) اسم مرفوع بالابتداء فيكون (أسعد) خبرًا له. 1510 - حديث: "كيف رأيتم كرامة إخوانكم لكم، وضيافتهم إياكم قالوا: خير إخوان". قال أبو البقاء: تقديره: وجدناهم إذ رأيناهم خير إخوان. 1511 - حديث: " إنما هلك أهلُ الكتاب أنه لم يكن لصلاتهم فصل". قال أبو البقاء: الوجه فتح (أنه) لأن التقدير، لأنه، فهو مفعول له، ولو كسرت لصار مستأنفًا غير متعلق بما قبله، والمعنى على اتصاله به. 1512 - حديث " إذا كان أحدكم في صلاة، فلا يرفع بصره إلى السماء أنْ يلتمعَ بصرُه ". قال أبو البقاء: التقدير: مخافة أن يلتمع بصره. فهو كقوله تعالى: (يبين الله لكم أن تضلوا) [النساء: 186]، أي: مخافة أن تضلوا أو كراهية، والكوفيون يقدرونه: لئلا يلتمع بصره، والمعنى واحد. انتهى.

1513 - حديث: "أسوأ السرقة الذي يسرق صلاته".

1513 - حديث: "أسوأ السرقة الذي يسرق صلاته". قال الطيبي: (أسوأ السرقة) مبتدأ، و (الذي يسرق) خبره على حذف المضاف، أي سرقة الذي، ويجوز أن تكون (السرقة) جمع سارق، كفاجر وفجرة. 1514 - حديث: "إن العبد إذا سبقت له منزلة من الله لم يبلغها بعمله، ابتلاه الله حتى يبلغه المنزلة". قال الطيبي: (حتى) هنا يجوز أن تكون للغاية، وأن تكون بمعنى كي. 1515 - حديث: "إن الفراسيَّ قال: يا رسول الله أسأل؟ قال: لا وإن كنت لا بد فاسأل الصالحين". قال الطيبي: قوله: (وإن كنت) عطف على محذوف، أي: لا تسأل الناس، وتوكل على الله على كل حال، وإن كان لابد لك من سؤال فاسأل الصالحين، وخبر (كان) محذوف، و (لابد) معترضة مؤكدة بين الشرط والجزاء. 1516 - حديث: "ما رُئِي الشيطان يومًا هو فيه أصغرَ ولا أحقرَ ولا أغيظَ منه يوم عرفة".

1517 - حديث: "إما لا فأعني على نفسك بكثرة السجود".

قال الطيبي: (هو فيه أصغر) الجملة صفة (يوما) و (منه) متعلق بأفعل، والضمير للشيطان، أي الشيطان في يوم عرفة أبعد من مراده من نفسه في سائر الأيام. وقوله: (إلا ما رئي يوم بدر) مستثنى من هذه الجملة. وقوله: (إلا لما يرى) مستثنى من قوله: (وما ذاك) وهذه الجملة معترضة بين المستثنى والمستثنى منه، مؤكدة لمضمون الجملة. 1517 - حديث: "إما لا فأعني على نفسك بكثرة السجود". قال أبو البقاء: سمعت هذه الكلمة من العرب ممالة وهي مستعملة في معنى الشرط، وجوابها محذوف، والتقدير هنا: إلا تترك سؤالك شفاعتي فأعني. وكل موضع تستعمل فيه، فعلى هذا المعنى. انتهى. وقال ابن الأنباري: قولهم: افْعَلْ هذا (إمّا لا) معناه: افعله إنْ كنت لا تفعل غيره. فدخلت (ما) صلة لإن، كما قال تعالى: (فإمّا تَرَيِنَّ من البشر) [مريم: 26] فاكتفوا بلا عن الفعل، كما تقول العرب: إن زارك فزره وإلا فلا. وقال ابن الأثير في النهاية: أصل هذه الكلمة (إنْ) و (ما)، فأدغمت النون في الميم، و (ما) زائدة في اللفظ لا حكم لها. وقد أمالت العرب (لا) إمالة خفيفة، قال:

1518 - حديث الرقية بالفاتحة، قوله: "فلعمري لمن أكل برقية باطل لقد أكلت برقية حق".

والعوام يتبعون [؟ يشبعون] إمالتها فتصير ألفها ياء وهو خطأ. ومعناها إن لم تفعل هذا فليكن هذا. انتهى. وقد تكررت في الحديث وفي صحيح مسلم فقال ابن عباس: (إما لا فاسأل فلانة الأنصارية) وفي حديث بريدة عند مسلم في المعترفة بالزنا، فقالت: "يا رسول الله لعلك تردني كما رددت ماعزًا، فوالله إني لحبلى، قال: إما لي فاذهبي حتى تلدي". وفي حديث أبي طلحة عند مسلم: "اجتنبوا مجالس الصعدات، فقلنا: إنما قعدنا لغير بأس قال: إما لا فأدوا حقها". 1518 - حديث الرقية بالفاتحة، قوله: "فلعمري لمن أكل برقية باطل لقد أكلت برقية حق". قال الطيبي: (من) شرطية، واللام موطئة للقسم، والثانية جواب القسم ساد مسد الجزاء. 1519 - حديث: "دعوا الحبشة ما ودعوكم واتركوا الترك ما تركوكم". قيل: قلما يستعملون الماضي من (ودع) إلا ما روي في بعض الأشعار كقوله: ليت شعري عن خليلي ما الذي ... غاله في الحب حتى ودعه

مسند أسماء بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنها

ويحتمل أن يكون الحديث: ما وادعوكم، أي: سالموكم، فسقطت الألف من قلم بعض الرواة. قال الطيبي: ولا افتقار إلى هذا مع وروده في التنزيل نحو: (ما ودعك ربك وما قلى) [الضحى:3]، وقرئ بالتخفيف، ولأن لفظ الازدواج ورد العجز على الصدر، فجوز لذلك. جاء في كلامهم: إني لآتيه بالغدايا والعشايا. وقوله: (ارجعن مأزورات غير مأجورات). قال المظهري: كلام النبي صلى الله عليه وسلم متبوع لا تابع، بل فصحاء العرب عن آخرهم بالإضافة إليه ناقل. وأيضا فلغات العرب مختلفة، منهم من انقرضت لغته. فأتى بها صلى الله عليه وسلم. مسند أسماء بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنها 1520 - حديث: "ما من شيء لم أكن أريته إلا رأيته في منامي". قال الكرماني: فإن قلت: هذا من أي نوع من الاستثناء وكيف وقع الفعل مستثنى. قلت: هذا استثناء مفرغ. وقال النحاة: كل مفرغ متصل، ومعناه: كل شيء لم أكن أريته من قبل مقامي رأيته في مقامي هذا، و (رأيته) في موضع الحال، وتقديره: ما من

شيء لم أكن أريته كائناً في حال من الأحوال إلا في حال رؤيتي إياه. قال وقوله: (في منامي) يحتمل المصدر والزمان والمكان. قال: وقوله: (حتى الجنة) بالنصب فـ (حتى) عاطفة، عطفت الجنة على الضمير المنصوب في (أريته)، وفي بعضها بالجر فهي جارة، ويحتمل الرفع على أن (حتى) ابتدائية، أي: حتى الجنة مرئية، فهو نح: أكلت السمكة حتى رأسها، في جواز الأوجه الثلاثة فيه. وقال الحافظ ابن حجر: رويناه بالحركات الثلاث في الجنة والنار. وقوله في أول الحديث: (قلت: آية). قال الكرماني: بهمزة الاستفهام وحذفها، خبر مبتدأ محذوف، أي: هي آية. وقوله: (فأوحي إلي أنكم تفتنون في قبوركم مثل أو قريب، لا أدري أي ذلك قالت أسماء، من فتنة المسيح الدجال). قال الكرماني: (مثل أو قريب) هما بغير تنوين مضافان إلى (فتنة المسيح). فإن قلت: فكيف جاز الفصل بينهما وبين ما أضيفا إليه بأجنبي وهو قوله: لا أدري أي ذلك قالت أسماء؟. قلت: هي جملة معترضة مؤكدة لمعنى الشك المستفادة من كلمة "أو" والمؤكدة للشيء لا تكون أجنبية منه فجاز، كما في قوله: يا تيمُ تيمَ عدي

فإن قلت فهل يصح أن يكون لشيء واحد مضافان؟ قلت: ليس ههنا مضافان بل مضاف واحد، وهو أحدهما لا على التعيين، ولئن سلمنا فتقديره: مثل فتنة المسيح أو قريب فتنة المسيح، فحذف أحد اللفظين منهما، لدلالة الآخر عليه نحو قوله: بين ذراعي وجبهة الأسد فإن قلت: فما توجيهه على لفظ (مِنْ) قبل لفظ (فتنة)،و (من) لا تتوسط بين المضاف والمضاف إليه في اللفظ؟. قلت: لا تسلم امتناع إظهار حرف الجر بينهما إذ أن بعضهم جوزوا التصريح بما هو مقدر من اللام ومن وغيرها في الإضافات، وهو مثل قولهم: لا أبالك. ولئن سلمنا، فهما ليسا بمضافين إلى الفتنة المذكورة على هذا التقدير، بل مضافان إلى الفتنة المقدرة، والمذكورة: هو من فتنة، وهو بيان لذلك المقدر. فإن قلت: وفي بعض الروايات (قريباً) بالنصب والتنوين فما وجهه؟ قلت: يكون حينئذ صلة له، ويقدر لفظ (قريباً) ليكون المثل مضافاً إليه. فإن قلت: لفظ (أي) مرفوعة أو منصوبة؟ قلت: الرواية المشهورة الرفع، وهو مبتدأ وخبره: (قالت أسماء)، وضمير المفعول محذوف، وفعل الدراية معلق بالاستفهام، لأنه من أفعال القلوب إن كانت (أي) استفهامية. ويجوز أيضًا أن يكون مبتدأ مبنيّاً على الضم على تقدير حذف صدر صلته، والتقدير: لا أدري أي ذلك هو قالته أسماء. وأما توجيه النصب، فبأن يكون مفعول (لا أدري)، إن كانت موصولة، أو مفعول

(قالت)، إن كانت مجرى (أيْ) استفهامية أو موصولة، انتهى. وفي تذكرة ابن هشام: سألني الشيخ يومًا: لم اشترطوا في جواز حذف المضاف، وإبقاء المضاف إليه على جره أن يكون المحذوف معطوفًا على مضاف مثله نحو: ما كل سوداء تمرة، ولا بيضاء شحمة، واشترطوا في جواز حذف المضاف إليه وإبقاء المضاف على حاله أن يعطف عليه مضاف إلى مثل ذلك المحذوف، كحديث: (أوحي إليّ أنكم تفتنون في قبوركم مثل أو قريبًا من فتنة الدجال)، وقول بعض العرب: قطع الله يد ورجل من قالها، ولا يشترطون ذلك فيما إذا حذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه، نحو: (واسأل القرية) [يوسف: 82]، (وأشربوا في قلوبهم العجل) [البقرة: 93]. أو حذف المضاف إليه ولم يبق المضاف على ما كان عليه، نحو: (لله الأمر من قبل ومن بعد) [الروم: 4]. فقلت: لأنك في المسألتين الأوليين أبقيت أثر المحذوف فإنك ناظر إليه وطالب لتعينه، فاحتجت إلى ما يبينه لك. وفي المسألتين الأخريين جعلت المحذوف نسيًا منسيًا، ولم تبق شيئًا من أحكامه بل أعرضت عن النظر إليه جملة واحدة، فقال: هذا الجواب الذي ظهر لي. وقال ابن مالك في توضيحه: الرواية المشهورة في هذا الحديث "مثلَ أو قريبًا". وأصله: مثل فتنة الدجال، فحذف ما كان "مثل" مضافًا إليه، وترك (هو) على الهيئة التي كان عليها، وصلح للدلالة من أجل مماثلته له لفظًا ومعنىً. والمعتاد في صحة مثل هذا الحذف أن يكون مع إضافتين، كقول الشاعر: أمام وخلف المرء من لطف ربه ... كوالئُ تزوي عنه ما كان يحذر

ومن وروده بإضافة واحدة كالوارد في الحديث، قول الراجز: مه عاذلي فهائما لن أبرحا ... بمثل أو أحسن من شمس الضحى أراد: بمثل شمس الضحى أو أحسن من شمس الضحى. والوجه في رواية من روى " قريبَ" بلا تنوين أن يكون أراد: تفتنون مثل فتنة الدجال أو قريب الشبه من فتنة الدجال، فحذف الضاف إليه "قريب" وبقي هو على الهيئة التي كان عليها قبل الحذف. وهذا الحذف فى المتأخر لدلالة المتقدم عليه قليل، انتهى. قوله: (يقال ما علمك). قال الكرماني: هو بيان لقوله: (تفتنون) ولهذا لم تدخل الواو عليه. وقوله: (قد علمنا إن كنت لموقنًا). قال الزركشي: هو بكسر (إنْ) مخففة من الثقيلة، ولزمت اللام للفرق بينهما وبين النافية. وحكى السفاقسي: فتح (أن) على جعلها مصدرية أي: علمنا كونك موقنًا، ورده بدخول اللام عليه، ثم قيل: المعنى: أنت موقن، كقوله تعالى: (كنتم خير أمة) [آل عمران: 110] أي: أنتم. قال القاضي عياض: والأظهر أنها على بابها والمعنى: أنك كنت موقنًا. قوله: (قد علمنا إن كنت لموقنًا).

وقال أبو حيان في شرح التسهيل: اختلف النحويون في هذه اللام، فذهب سيبويه والأخفش سعيد بن مسعدة، والأخفش علي بن سليمان، وأكثر نحاة بغداد ومن أئمة بلادنا أبو الحسن بن الأخضر إلى أنها لام الابتداء التي كانت مع المشددة لزمت للفرق، وهو اختيار ابن عصفور، وابن مالك، وذهب الفارسي وأبو عبد الله أبي العافية والشلوبين، وأبو الحسن بن الربيع، إلى أنها ليست لام إنّ المشددة التي للابتداء، بل هي لام أخرى اجتلبت للفرق، وإذا كانت مجتلبة للفرق، ولم تكن اللام التي توجب التعليق، لم يمنع مانع من فتح (إن) إذا وقعت بعد (علمت). قال: وإذا فتحت لم يحتج إلى اللام، لأنها إذ ذاك لا تلتبس بأن النافية، فيحتاج إلى الفرق، قال: وإن شئت أثبت اللام على طريق التأكيد. قال: ومن دخول (علمت) على (إنْ) المخففة من الثقيلة، ما جاء في الحديث المشهور: (قد علمنا إنْ كنت لموقنًا) بكسر (إنْ) على مذهب أبي الحسن، وبفتحها على مذهب غيره والصحيح الكسر. وقال أبو حيان أيضًا: بعد هذا ثمرة الخلاف تظهر في دخول علمت وأخواتها، فإن كانت للفرق لم تعلق، وإن كانت لام الابتداء علقت، ولهذا اختلف ابن الأخضر وابن أبي العافية في الحديث المشهور: "قد علمنا إن كنت لموقنًا"، كما اختلف فيه الأخفش الصغير والفارسي، فقال الأخفش: لا يجوز إلا الكسر، وقال الفارسي: لا يجوز إلا الفتح، وكذا قال ابن أبي العافية، وقال ابن الأخضر: قد ثبتت اللام في الرواية بلا شك، وهي لا تكون مع المفتوحة أصلاً، كما لا تكون مع (إن) هو الأصل. فلما فتحت بسبب (علمت) أبقيت اللام إشعارًا بأصلها، ورد عليه بأن هذا بعيد، لأن (علمت) لا تدخل إلا على ما كان قبلها في موضع الابتداء، فإذا دخلت غيرت ذلك، ولم يستقروا على الأصل.

1521 - حديث: "جئت يوما والنوى على رأسي، فلقيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه نفر من الأنصار، فدعاني ثم قال: إخ إخ ليحملني خلفه".

قال أبو حيان: والمذهبان متكافئان، وكذا قال الشلوبين والخضراوي، لأنه إن هي لام الابتداء، كان ثباتها واجبًا، وإن قلنا: غيرها، كان ثباتها نوعًا من المجاز والتوسع، والقول بالحقيقة أولى. انتهى. وقال أبو الحسن بن الربيع في شرح الإيضاح: ذهب أبو علي الفارسي وابن أبي العافية والأستاذ أبو علي: إلى أن هذه اللام دخلت للفرق خاصة، وليست لام الابتداء، وإنما هي عوض التي دخلت للفرق بين النفي والإيجاب فيلزم من هذا أن يكون في قوله صلى الله عليه وسلم: (قد علمنا أن كنت لموقنًا) مفتوحة، ولا تكون مكسورة، لأن المكسورة، لا تقع بعد (علمت) إلا مع لام الابتداء، وهذه ليست لام الابتداء فلا تكسر. وذهب الأخفش وابن الأخضر وابن ملكون إلى أنها لام الابتداء، ولزمت للفرق، لبقاء اللام في قوله صلى الله عليه وسلم: (قد علمنا إن كنت لموقنًا) إذ لو كانت للفرق خاصة، لزالت عند فتح (أن) على قولهم، لدخول (علمت)، لأن المفتوحة لا تكون نفيًا، فيدخل اللام للفرق. وفي هذا الحديث: أنه خطب فقال: (أما بعد). قال الكرماني: فإن قلت كلمة (أما) لابد لها من أخت فما هي، إذا وقعت بعد الثناء على الله كما هو العادة في الخطب، قلت: الثناء والحمد المقدم عليه، كأنه قال: أما الثناء على الله فكذا، وأما بعد فكذا، ولا يلزم في سماعه أن يصرح بلفظة (أما) بل يكفي ما يقوم مقامه. 1521 - حديث: "جئت يومًا والنوى على رأسي، فلقيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه نفر من الأنصار، فدعاني ثم قال: إخ إخ ليحملني خلفه".

1522 - حديث: "ألا أخبركم بشراركم المشاؤون بالنميمة المفرقون بين الأحبة الباغين البرآء العنت".

قال الكرماني: (إخ) بكسر الهمزة، والمعجمة صوت إناخة البعير، قال في المفصل: (نخّ) مشددة مخففة صوت إناخة، و (إخ) مثله. انتهى. وفي البارع: قال أبو علي: قال أبو بكر: يقولون للجمل: (إخ) بكسر الهمزة ليبرك، ولا يقولون: أنخت الجمل، إنما يقولون: أنخته. 1522 - حديث: "ألا أخبركم بشراركم المشاؤون بالنميمة المفرقون بين الأحبة الباغين البرآء العنت". قال في النهاية: (البرآء والعنت) منصوبان مفعولان لباغين. يقال بغيت فلانًا خبرًا، وبغيتك الشيء، طلبته لك. 1523 - حديث: "أوحى الله إليّ أنكم تفتنون في القبور قريبًا أو مثل فتنة الدجال". كذا في المسند، قال أبو البقاء: (قريبًا) منصوب نعتًا لمصدر محذوف، أي: افتتانًا قريبًا من فتنة الدجال، ولذلك قال: (أو مثل) فأضافه إلى الفتنة. وقوله: (لا أدري أيّ ذلك قالت). (أيّ) منصوب بـ (قالت)، لا بقوله: (لا أدري) لأن الاستفهام لا يعمل فيه ما قبله إلا حرف الجر. انتهى. وقال الطيبي: صفة مصدر محذوف، أي: فتنة قريبة، وذلك كما في قوله تعالى: (إن رحمة الله قريب من المحسنين) [الأعراف: 56].

1524 - حديث: "لا تحصي فيحصي الله عليك، ولا توعي فيوعي الله عليك".

1524 - حديث: "لا تحصي فيحصيَ الله عليك، ولا توعي فيوعيَ الله عليك". قال الزركشي: كلاهما بالنصب، لأنه في جواب النهي. وقال الكرماني: إسناد الإحصاء والإيعاء إلى الله من باب المشاكلة. مسند أسماء بنت عميس رضي الله عنها 1525 - حديث: "بئس العبد عبد طمع يقوده". قال الأشرفي: تقديره: ذو طمع، ويمكن أن يجعل قوله: (طمع) فاعل (يقوده) متقدمًا على فعله، على مذهب الكوفيين. قال الطيبي: هذا أقرب من الأول لما يلزم فيه وصف المعاني، أي: وصف الوصف، لأن قوله: (يقوده) على هذا - صفة (طمع) وهو صفة (عبد). والأشبه أن يكون (طمع) مبتدأ، و (يقوده) خبره، أي طمع عظيم يقوده نحو: شرٌّ أهَرَّ ذا ناب، والجملة صفة (عبد). ومثل ذلك قوله: (بئس العبد عبد هوى يضله). مسند حمنة بنت جحش رضي الله عنها

1526 - حديث المستحاضة: " فقال لها: سآمرك بأمرين أيهما فعلت ... ".

1526 - حديث المستحاضة: " فقال لها: سآمرك بأمرين أيهما فعلت ... ". قال أبو البقاء: (أيهما) منصوب لا غير، والناصب له (فعلت). وقوله (طهرت واستنقأت) وقع في هذه الرواية بالألف، والصواب: (استنقيت)، لأنه من نقي الشيء، وأنقيته إذا نظفته، ولا وجه فيه للألف ولا للهمزة. وقوله: (فصلى أربعًا وعشرين ليلة وأيامَها). فـ (أيامها) منصوب عطفًا على (أربعًا) أو على (ثلاث)، والضمير فيه يرجع إلى الليالي. مسند خولة الأنصارية رضي الله عنها 1527 - حديث: "إن رجالاً يتخوّضون في مال الله بغير حق، فلهم النار يوم القيامة". قال الطيبي: (فلهم النار) خبر إنّ، وأدخل الفاء لأن اسمها نكرة موصوفة بالفعل. مسند الربيع بنت معوذ بن عفراء رضي الله عنها 1528 - حديث: "أتيت النبي صلى الله عليه وسلم بقناع به رطب وأجرٍ زغب". قال أبو البقاء: الصواب الذي لا يعدل عنه أن يروى (وأجر) بكسر الراء، لأنه

1529 - حديث: "من كان أصبح صائما فليتم صومه".

جمع جرو، وهو الصغير من القثاء والرمان ونحوهما وجمعه (أجرٍ)، مثل: دلو وأدل وحِقْو وأَحْقٍ، وكان الأصل: أجرو. مثل فلس وأفلس، فأبدلت الضمة كسرة فانقلبت الواو ياء فرارًا من ثقل الواو بعد الضمة. 1529 - حديث: "من كان أصبح صائمًا فليتمّ صومه". قال الشيخ أكمل الدين: يجوز أن تكون (كان) زائدة، لأن قوله (أصبح) أفاد معناه، ويجوز أن لا يكون، والظاهر أنه صدر أول اليوم، فهي زائدة، وإن كان في أثنائه فهي غير زائدة. مسند عائشة رضي الله عنها 1530 - حديث: "لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك". قال الشيخ عز الدين بن عبد السلام: لا يصح تشبيه ذاته بثنائه، لأنهما في غاية التباين، وتخريجه: إن في الكلام حذفًا، والتقدير: ثناؤك المستحق، كثنائك على نفسك، فحذف المضاف من المبتدأ، فصار الضمير المجرور مرفوعًا. وقال الطيبي: (ما) في قوله: (كما أثنيت) يجوز أن تكون موصوفة، وأن تكون موصولة، والكاف مثله كالمثل في قوله: (ليس كمثله شيء) [الشورى: 11]، وقوله: (فإن آمنوا

1531 - حديث:" إن امرأة قالت يا رسول الله، إن أمي افتلتت نفسها ".

بمثل ما آمنتم به) [البقرة: 137]، وقول القبعثري: مثل الأمير يحمل على الأدهم والأشهب، أي أنت الذات التي لها صفات الجلال والإكرام. 1531 - حديث:" إن امرأة قالت يا رسول الله، إن أمي افتلتت نفسها ". قال أبو البقاء: يجوز رفعه على أنه نائب عن الفاعل، كما تقول: أذهبت نفسه، ونصبه على التشبيه بالمفعول، كما تقول: سُلِب زيدٌ ثوبه. انتهى. وقال في النهاية: يروى بنصب (النفس) ورفعها، ففي النصب: افتلتها الله نفسها، فعدى إلى مفعولين، كما يقال: افتلته الشيءَ، واستلبته إياه، ثم بني الفعل لما لم يسم فاعله، فتحول المفعول الأول مضمرًا وبقي الثاني منصوبًا، وتكون التاء الأخيرة ضميرًا لـ (الأم). أي افتلتت هي نفسها. وأما الرفع فيكون متعديًا إلى مفعول واحد، أقامه مقام الفاعل، وتكون التاء للنفس: أي أخذت نفسها فلتة. انتهى.

1532 - حديث: "الخراج بالضمان".

وقال القاضي عياض: أكثر روايتنا فيه بالنصب. وقال الكرماني: نصب (نفسها) على التمييز، أو مفعول ثان بمعنى سلبت. قوله: (وأظن لو تكلمت تصدقت). قال ابن مالك: فيه شاهد على أن (لو) قد تعلق بها أفعال القلوب، ومثله قول عمر: (إني أرى لو رجعت هؤلاء على قارئ واحد لكان أمثل). قوله: (أفلها أجر إن تصدقت عنها؟). 1532 - حديث: "الخراج بالضمان". قال في النهاية: الباء في (بالضمان) متعلقة بمحذوف تقديره: الخراج مستحق بالضمان، أي: بسببه. 1533 - حديث: "لم أعقل أبويّ إلا وهما يدينان الدين". قال الكرماني: هو منصوب بنزع الخافض، يقال: دان بكذا ديانة، وتدين تدينًا، ويحتمل أن يكون مفعولاً به، ويدين بمعنى يطيع، ولكن فيه تجوز من حيث جعل الدين كالشخص المطاع. 1534 - حديث: " نعم المرءُ كان عامرُ ". قال أبو البقاء: (المرء) فاعل (نعم)، و (عامر) مخصوص بالمدح، و (كان)،

1535 - حديث: " نهى عن قتل جنان البيوت إلا الأبتر وذو الطفيتين".

يجوز أن تكون زائدة، ويجوز أن تكون الجملة من (نعم) والمرفوعين بعدها خبر (كان)، ويكون في كان ضمير الشأن، كما تقول: "نعم الرجل زيد" و" زيد نعم الرجل كان " ليس من ضمير الشأن، لأن ضمير الشأن مُصَدَّر على الجملة، وإنما ينبغي أن تكون على هذا اسم كان مضمرا فيهًا وهو (عامر)، وتكون الجملة المتقدمة خبرًا لها مقدّمًا. ونظير زيادة (كان) ههنا زيادتها في التعجب كقولك: ما كان أحسن زيدًا. 1535 - حديث: " نهى عن قتل جنان البيوت إلا الأبتر وذو الطفيتين". قال أبو البقاء: وقع في هذه الرواية: (وذو الطفيتين)، بالواو، وهو مرفوع، والقياس أن يكون هو و (الأبتر) منصوبين، لأنه استثناء من موجب أو منفي في المعنى. ولكن المقدر في المعنى منصوب، لأن التقدير: لا تقتلوا جنان البيوت إلا الأبتر. فأما الرفع، فوجه- على شذوذه - أن يقدر له ما يرفعه، والتقدير: لكن يقتل ذو الطفيتين والأبتر. على هذا يجوز نصبه على أصل باب الاستثناء، ورفعه على ما قدرنا. ومثل هذا قول الفرزدق: وعضُّ زمانٍ يا ابنَ مروانَ لم يدعْ ... من المال إلا مُسحتًا أو مُجَلَّفُ فـ (مجلف) مرفوع على تقدير: بقي مجلف، و (مسحتًا) بالنصب على أصل الباب، ويروى (مسحت) بالرفع على ما قدرنا. وفي لفظ آخر: (أمر بقتل الأبتر وذي الطفيتين) بالوجه، و (ذي) معطوف على لفظ (الأبتر)، ويروى: (ذو) بالواو عطفًا على موضع (الأبتر).

1536 - حديث: " إن أبا بكر رجل أسيف وإنه متى يقوم مقامك لا يسمع الناس ".

والتقدير: أمر بأن يقتل الأبتر وذو الطفيتين. 1536 - حديث: " إن أبا بكر رجل أسيف وإنه متى يقوم مقامك لا يسمعُ الناس ". قال أبو البقاء: وقع في هذه الرواية (يقوم) بالواو. والوجه حذفها وإسكان الميم، لأن (متى) هنا شرط، وجوابه: (لا يسمع الناس). ولا معنى للاستفهام هنا، إلا أنه قد جاء في الشعر مثل ذلك شاذًّا. ووجهه: أن الواو تحذف لالتقاء الساكنين، وإذا أدغمت الميم في الميم التي بعدها جاز وقوع الواو قبلها. كما قالوا: تُمودّ. الثوب، وقالوا: هو أُصَيِّم، وفي الألف: الحاقة والدابة. انتهى. وقال ابن هشام في تذكرته: في هذا الحديث إهمال (متى) حملاً على (إذا). 1537 - حديث موت النبي صلى الله عليه وسلم: "فقال عمر: أوَ إنها لفي كتاب الله". قال أبو البقاء: الصواب: فتح الواو والهمزة للاستفهام، كقوله تعالى: (أو كلما عاهدوا عهدًا) [البقرة: 100] والواو هنا عاطفة وإسكانها ضعيف، وليست (أو) التي للشك، لأن تلك لا تقع إلا عاطفة. وقد قرئ في الشاذ (أوْ كلما عاهدوا) بسكون الواو، وذلك من تسكين المفتوح، لثقل الحركة على الواو، وليست على هذا الوجه للعطف، بل هي في معنى المفتوحة. ذكره ابن جني. 1538 - حديث: " ما أكثر ما تذكرُها حمراءُ الشدقين ".

1539 - حديث: "فأسوة ما لك بنا ".

قال أبو البقاء: يجوز أن يكون بالرفع على معنى: هي حمراء، وليس المعنى تذكرها في حال حمرة شدقيها، إذ لو كان كذلك، لكان النصب على الحال أولى. 1539 - حديث: "فأسوةٌ ما لك بنا ". قال أبو البقاء: (ما) هنا زائدة، والتقدير: فأسوة لك بنا، ويجوز أن تكون استفهامًا، وتكون (ما) نافية، والتقدير: أفما لك بنا أسوة. وجاز الابتداء هنا بالنكرة، لأنه مصدر في معنى الفعل، أي تأسّ بنا. 1540 - حديث: "إني من أتقاهم وأدّاهم للأمانة". قال الحافظ زين الدين العراقي في شرح الترمذي: فيه إشكال من حيث استعمال أفعل التفضيل من فعل رباعي، وإنما يستعمل من الثلاثي كما هو معروف، والذي يقع في الأصول ويضبطه أهل الحديث في هذا الحرف، أنه بفتح الهمزة من غير مد، وتشديد الدال. وضبطه الجوهري، وعلى كل من الأمرين، فهو مشكل من حيث كونه رباعيًا، لأنه من أدّى يؤدّي، وقد سمع منه في التعجب ألفاظ على غير قياس. قال أبو حيان في الارتشاف: ومن المسموع منه مما همزته للنقل قولهم: ما آتاه للمعروف وما أعطاه للدراهم، وما أولاه بالمعروف، وما أصنعه لكذا. قال: ومن المسموع مما همزته ليست للنقل قولهم: ما أخطأه، وما أصوبه، وما أيسره، وما أعدمه، وما أوحش الدار، وما أسرفه، وما أفرط جهله، وما أضله، وما أضوأه. قال خطاب: قد يتعجبون من اللفظ الرباعي على غير قياس في قولهم: ما

1541 - حديث: "ستة لعنهم الله، وكل نبي مجاب الدعوة".

أعطاه، وما أولاه، وما آتاه للمعروف، ولكنها شاذة تحفظ، ولا يقاس عليها. وأما ابن مالك، فحكى عن سيبويه والمحققين من أصحابه جواز التعجب من الرباعي المزيد، وصححه ابن هشام الخضراوي، وحكاه الأخفش عن الأخفش. وقال أبو حيان: إن جمهور البصريين على المنع، وفصل ابن عصفور بين أن تكون الهمزة للنقل، فلا يجوز أو لا تكون للنقل فيجوز. وأنكره ابن الحاج، وقال: إن هذا التفصيل لم يذهب إليه نحوي، وباب أفعل التعجب، وأفعل التفضيل، كلاهما واحد. 1541 - حديث: "ستة لعنهم الله، وكل نبي مجاب الدعوة". قوله: (لعنهم الله) فيه وجهان، أحدهما: أنه إنشائي دعا عليهم، فيكون (وكل نبي مجاب) حالاً من (لعنهم)، والجملة معترضة بين الحال وصاحبها. وثانيهما: أنه إخباري استئناف، كأنه لما قيل: (لعنتهم)، سئل فماذا بعد؟ فأجيب: (لعنهم الله)، فتكون الثانية مسببة عن الأولى. ويحتمل العكس، وذلك أنه حين قال: (لعنتهم)، سأل سائل لماذا؟ فأجاب: لأنه (لعنهم الله) فعلى هذا يكون قوله: (وكل نبي مجاب)، معترضًا بين البيان والمبين، يعني: من شأن كل نبي أن يكون مستجاب الدعوة. قال التوربشتي: ولا يصح عطف (وكل نبي مجاب الدعوة) على فاعل (لعنتهم)، وصححه الأشرفي لوجود الفاعل، وإن لم يؤكد بالضمير، وفيه نظر. فإن قلت: لم لا يجوز أن يكون (مجاب) صفة لا خبرًا؟ قلت: يلزم من ذلك أن لا يكون بعض الأنبياء مجاب الدعوة، ومنه فر التوربشتي، وأبطل رواية الخبر في (مجاب). انتهى.

1542 - حديث: "أنه صلى الله عليه وسلم خرج ليلة من جوف الليل، فصلى في المسجد رجال بصلاته فأصبح الناس فتحدثوا".

وأقول: هذا اللازم ممنوع، لأنها صفة موافقة للواقع لا مفهوم لها. وقوله: (والمستحل من عترتي ما حرم الله). قال الطيبي: (من) ابتدائية متعلقة بالفعل. ويجوز أن تكون بيانية بـ (المستحل). 1542 - حديث: "أنه صلى الله عليه وسلم خرج ليلة من جوف الليل، فصلى في المسجد رجال بصلاته فأصبح الناس فتحدثوا". قال الكرماني: (أصبح) تامة لا تحتاج إلى خبر. وقوله: (فإنه لم يخف علي مكانكم). قال الكرماني: (المكان) إما مصدر ميمي بمعنى الكون، أي: لم يخف علي كونكم في المسجد، فهو حقيقة، وإما أنه لفظ مقحم كما يقال: مجلس فلان أمرني بكذا، فهو من باب المجاز بالزيادة، وإما أنه كناية عنهم، لأن مكان الشخص لازم له، وإما أن المراد بالمكان المكانة والمرتبة، أي: لم يخف علي حالكم عند الله من حب الطاعة. 1543 - حديث: "إن بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم قلن: أيّنا أسرع بك لحوقًا قال أطولكنّ يدًا". قال الكرماني: فإن قلت: لمَ لمْ يقل أيتنا بتاء التأنيث، قلت: قال في الكشاف في سورة لقمان: وشبه سيبويه تأنيث (أيّ) بتأنيث (كلّ) في قوله: كلتهن أي ليست بفصيحة. فإن قلت: القياس أن يقول (طولاكن يداً) بلفظ الفعلى، قلت: جاز في مثله

1544 - حديث: "كان يعجبه التيمن في تنعله وترجله في شأنه كله".

الإفراد والمطابقة، لمَنْ أفعل التفضيل له. وقال الزركشي: (لحوقًا) منصوب على التمييز، وكذا قوله: (يدًا). (أطولكنّ) مرفوع على أنه خبر مبتدأ محذوف، أي: أسرعكن بي لحوقًا أطولكن. قوله: (فأخذوا قبضته يذرعونها). قال الكرماني: فإن قلت: أتي بلفظ جمع المذكر فما وجهه؟ قلت: اعتبر معنى الجمع، أو عدل إليه تعظيماً لشأنهن، كقول الشاعر: وإن شئت حرمت النساء سواكم وقال الحافظ ابن حجر: وقوله: (أطولكن)، يناسب ذلك، وإلا لقال: طولاكن. قلت: في رواية النسائي: (فأذن قبضته فجعلن يذرعنها) وهو القياس، وما عداه من تفسير الرواة. قوله: (فعلمنا بعد أنما كانت طول يدها الصدقة). قال الزركشي: (الصدقة) بالرفع اسم كان، و (طول يدها) بالنصب خبرها. 1544 - حديث: "كان يعجبه التيمن في تنعله وترجله في شأنه كله". قال الطيبي: قوله: (في شأنه كلّه) بدل من قوله: (في تنعله) وما بعده بإعادة العامل، وهو كبدل الكل من الكل. وقال الكرماني: فإن قلت ما وجهه؟ قلت: فيه غموض، فإن ظاهره البدل بإعادة العامل، ولا يصح أن يكون بدل الكل من الكل، لأن الثاني أعم من هذه الثلاث. ولا بدل البعض، لأنه ليس بعضًا من المتقدم، ولا بدل الاشتمال، إذ شرطه

أن يكون بينهما ملابسة بغير الجزئية والكلية، وههنا الشرط منتف، ولا بدل الغلط، لأنه لا يقع فى فصيح الكلام. فإن قلت: فما قولك فيه؟ قلت: هو بدل الاشتمال. ومرادهم بانتفاء الكلية والجزئية بينهما هما المذكورتان فى بدل الكل وبدل البعض، وهو أن لا يكون الثاني عين الأول، ولا بعض الأول، وهذا بعكس ذلك، إذ الأول بعض الثاني، أو هو بدل الغلط وقد ورد في الكلام الفصيح قليلاً، ولا منافاة بين الغلط والبلاغة، أو هو بدل الكل من الكل، إذ الطهور مفتاح أبواب العبادات كلها، والترجل يتعلق بالرأس والتنعل بالرجل، فكأنه شمل جميع الأعضاء من الرأس الى القدم، فهو كبدل الكل من الكل، أو هو قسم آخر خامس لا بدل الأربعة على ما بينه بعض النحاة متمسكين بـ (نظرت إلى القمر كله). وبقوله: نضر الله أعظمًا دفنوها ... بسجستان طلحةَ الطلحاتِ وإن أمكن الجواب عنهما، وسموه بدل الكل من البعض، أو يقدر لفظ (يعجبه التيمن) قبل لفظ (في شأنه) فيكون بدل الجملة أو هو عطف على ما تقدم، بتقدير الواو، كأنه قال: وفي شأنه، عطفًا للعام على الخاص؛ وقد جوز بعض النحاة تقدير الواو العاطفة، إذا قامت قرينة عليه، أو هو متعلق بيعجبه لا بالتيمن، أي: يعجبه في شأنه كله التيمن فى هذه الثلاث، أي: لا يترك التيمن فيها: في سفره وحضره وفراغه وشغله ونحو ذلك. انتهى.

وقال الحافظ ابن حجر: وقع في هذه الرواية: (وفي شأنه) بإثبات الواو، وفي رواية مسلم تقديم (في شأنه كله) على قوله: (في تنعله) فيكون بدل البعض من الكل. حديث: "إنما كان منزلٌ ينزله النبي صلى الله عليه وسلم. تعني المحصَّب". كذا في البخاري. قال ابن مالك في توضيحه: في رفع (المنزل) ثلاثة أوجه: أحدها: أن يجعل "ما" بمعنى (الذي) واسم "كان" ضمير يعود على "المحصب"، فإن هذا الكلام مسبوق بكلام ذكر فيه (المحصب). فقالت أم المؤمنين رضي الله عنها: إن الذي كانه المحصب منزل ينزله رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ثم حذف خبر (كان) لأنه ضمير متصل كما يحذف المفعول به إذا كان ضميرًا متصلاً ويستغنى بنيته. كقولك: زيد ضرب عمرو، تريد: ضربه عمرو. ومن حذف الضمير المتصل خبرًا لـ (كان) قول الشاعر: فأطعَمَنا من لحمها وسنامها ... شواء، وخير الخير ما كان عاجله. أراد: وخير الخير الذي كان عاجله. ومثله قول الآخر: أخ مخلص واف صبور محافظ ... على الود والعهد الذي كان مالك أراد: الذي كانه مالك، و "الذي" وصلته مبتدأ، وقد أخبر عنه بخمسة أخبار متقدمة. ومثل هذا البيت في الاكتفاء بنية الخبر عن لفظه قول الشاعر:

شهدت دلائل جمة لم أحصها ... أن المفضل لن يزال عتيق أراد: لن يزاله. وأجاز أبو علي الفارسي أن يكون من هذا القبيل قول الشاعر: عدو عينيك وشانيهما ... أصبح مشغول بمشغول على أن يكون التقدير: أصبحه مشغول بمشغول. وأجاز أيضا أن تكون "أصبح" زائدة. ومما يتعين كونه من هذا النوع قول النبي - صلى الله علىه وسلم: "أليس ذو الحجة؟ " بعد قوله: "أي شهر هذا"، والأصل: أليسه ذو الحجة؟ ويمكن أن يكون مثله قول أبي بكر رضي الله عنه: (بأبي شبيه بالنبي ... ليس شبيه بعلي). الوجه الثاني: أن تكون (ما) كافة، ويكون (منزل) اسم (كان) وخبرها ضمير عائد على (المحصب)، فحذف الضمير، واكتفي بنيته على نحو ما تقرر في الوجه الأول. لكن في الوجه الأول تعريف الاسم والخبر، وفي هذا الوجه تعريف الخبر وتنكير الاسم، إلا أنه نكرة مخصصة بصفتها، فسهل ذلك كما سهل في قول الشاعر: قفي قبل التفرق يا ضباعا ... ولايك موقفٌ منك الوداعا

1545 - حديث: "إذا أنفقت المرأة من طعام بيتها غير مفسدة، كان لها أجرها بما أنفقت، ولزوجها والخازن مثل ذلك ولا ينقص بعضهم أجر بعض شيئا".

ف "منك" صفة لـ " موقف" قربته من المعرفة، وسهلت كون الخبر " الوداعا". على أنه لو كان اسم "كان" نكرة محضة، وخبرها معرفة محضة لم يمتنع، لشبههما بالفاعل والمفعول. الثالث: أن يكون "منزل" منصوبًا في اللفظ، إلا أنه كتب بلا ألف على لغة ربيعة، فإنهم يقفون على المنصوب المنون بالسكون وحذف التنوين بلا بدل، كما يفعل أكثر العرب في الوقف على المرفوع والمجرور. وإنما كتب المنون المنصوب بالألف، لأن تنوينه يبدل في الوقف ألفًا، فروعي جانب الوقف كما روعي في "أنا" فكتب بألف لثبوتها وقفًا، ولم يبالوا بحذفها وصلاً، وكما روعي في "مسلمة" ونحوه، فكتب بالهاء لثبوتها وقفًا، ولم يبالوا بثبوتها في الوصل تاء. وكما روعي في "به" و"له" ونحوهما، فكتبا بلا ياء ولا واو كلما يوقف عليهما. ولوروعي فيهما جانب الوصل لكتبا بياء وواو. فمن لم يقف على المنون المنصوب بالألف، استغنى عنها في الخط، لأنها على لغته ساقطة وصلاً ووقفًا. انتهى. 1545 - حديث: "إذا أنفقت المرأة من طعام بيتها غير مفسدة، كان لها أجرها بما أنفقت، ولزوجها والخازن مثل ذلك ولا ينقص بعضهم أجر بعض شيئًا". قال الكرماني: (شيئاً) مفعول لينقص، و (أجر) منصوب بنزع الخافض، أي: من أجر، أو هو مفعول أول لـ (ينقص)، لأنه ضد زاد، وهو متعد إلى مفعولين، قال تعالى: (فزادهم الله مرضاً) [البقرة: 10]، وفي رواية مسلم: (من غير أن ينقص من أجرهم شيئًا).

1546 - حديث:" إذا نعس أحدكم وهو يصلي فليرقد حتى يذهب عنه النوم فإن أحدكم إذا صلى وهو ناعس لا يدري لعله يستغفر فيسب نفسه".

قال النووي: كذا الرواية بالنصب على تقدير فعل ناصب، أي من غير أن ينقص الزوج من أجر المرأة والخازن شيئًا. وقوله: (غير مفسدة)، بالنصب على الحال. 1546 - حديث:" إذا نعس أحدكم وهو يصلي فليرقد حتى يذهب عنه النوم فإن أحدكم إذا صلى وهو ناعس لا يدري لعله يستغفر فيسب نفسه". قال ابن مالك في توضيحه: يجوز في "فيسب" النصب جوابًا ل "لعل"، فإنها مثل "ليت" في اقتضائها جوابًا منصوبًا، وهو مما خفي على أكثر النحويين. ونظير جواز الرفع والنصب في "فيسب نفسه" جوازهما في (لعله يزكى * أو يذكر فتنفعَه الذكرى) [عبس: 3 - 4] نصبه عاصم ورفعه الباقون. قال الطيبي: والنصب أولى، لأن المعنى: لعله يطلب من الله الغفران لذنبه ليصير مزكّى، فيتكلم بما يجلب الذنب فيزيد العصيان على العصيان، وكأنه قد سب نفسه. وقال الكرماني: فإن قلت: لعل معناه الترجي، فكيف صح هنا؟ قلت: الترجي فيه عائد إلى المصلي، لا إلى المتكلم به، أي لا يدري أمستغفر أم ساب مترجيًا للاستغفار، وهو فى الواقع بضد ذلك، واستعمل بمعنى المتمكن من الاستغفار والسب، لما أن المرتجي بين حصول المرجو وعدمه، فمعناه لا يدري أيستغفر أم يسب، وهو متمكن منهما على السوية.

1547 - حديث: "لولا قومك حديث عهدهم بكفر لزدت البيت على قواعد إبراهيم".

وقال الطيبي: (لا يدري) مفعوله محذوف، أي لا يدري ما يفعل، وما بعده مستأنف بيان والفاء في (فيسب) للسببية كاللام في: (فالتقطه آل فرعون ليكونَ لهم عدوًا وحزنًا) [القصص:8]. 1547 - حديث: "لولا قومك حديثٌ عهدُهم بكفر لزدت البيت على قواعد إبراهيم". قال ابن عصفور في شرح المقرب: مذهب جمهور النحويين أنه لا يجوز إظهار خبر المبتدأ الواقع بعد (لولا) لسدّ طول الكلام بالجواب مسده. وذهب بعضهم إلى التفصيل، فزعم أن الخبر يلزم حذفه، إذا كان معنى الكلام دالاً عليه نحو: لولا زيد لأكرمتك، ألا ترى أن المعنى: لولا زيد مانع من إكرامك لأكرمتك، ولولا زيد حاضر معنا لأكرمتك، فإن لم يدل عليه معنى الكلام التزم إظهاره، وجعل من ذلك هذا الحديث. فالجملة التي هي: (حديث عهدهم بكفر) في موضع خبر الاسم الواقع بعد (لولا)، ولم يحذف، لما لم يكن المعنى دالاًّ عليه. والصحيح أن الخبر ملتزم حذفه وأنه لا يكون إلا من قبيل ما يشهد له معنى الكلام بعد الحذف، لأن أبا الحسن الأخفش حكى أن العرب قد التزمت إضماره، ولم يجئ ما ظاهره أن الخبر غير محذوف إلا هذا الحديث وقول الفُرَيْعة بنت همّام: فوالله لولا اللهُ تخشى عواقبُه ... لحرّك عن هذا السرير جوانبُه وقول الآخر:

فلولا سلاحي عند ذاك وغلمتي ... لأبتُ وفي نفسي مآثرُ تستبرْ فأما الحديث: فيتخرج على أن يكون قوله صلى الله عليه وسلم: (حديث عهدهم بكفر) جملة اعتراض، فصل بها بين (لولا) وجوابها، لما فيه من التنديد والتبيين، ويكون الخبر محذوفًا، وكأنه قال: لولا قومك لزدت البيت على قواعد إبراهيم، ولا ينبغي أن تجعل التي هي: (حديث عهدهم بكفر) في موضع نصب على الحال، لأن أبا الحسن الأخفش حكى عن العرب أنهم لا يأتون بعد الاسم الواقع بعد (لولا) بالحال كما لا يأتون بالخبر، وجعل السبب في ذلك أن خبر في المعنى هذا إن ثبت أن لفظ هذا الحديث هو لفظ رسول الله صلى الله عليه وسلم وأما إن كان لفظ من نقل حديثه بالمعنى، وليس بفصيح، فالأوجه التمسك به في الاستدلال على جواز إظهار خبر المبتدأ الواقع بعد (لولا). وأما قول الفريعة: فالجملة أيضًا اعتراض بين (لولا) وجوابها والخبر محذوف، وكأنها قالت: لولا الله لحرك من هذا السرير جوانبه، أي: لولا الله مانع لتحريك جوانب السرير، لحركت منه جوانبه، وبين بجملة الاعتراض السبب الذي كان لأجله الامتناع من تحريك جوانب السرير، وهو: خشية عواقب الله سبحانه. والآخر: أن يكون (تخشى عواقبه) على إضمار (أن) ويكون بدل اشتمال من اسم الله. وأما البيت الآخر فخرجه أبو الفتح على أن يكون متعلقًا بسلاحي، بما فيه من معنى الفعل، لأن السلاح يقوى به، فكأنه قال: لولا قوتي عند ذاك، والظرف يعمل فيه اللفظ، بما فيه من معنى الفعل. ومن الناس من حمل الحديث والبيتين على أن يكون خبر الاسم المبتدأ

الواقع بعد (لولا) فيها مثبتًا مذهبه على الأصل، وجعل شذوذًا في الحديث وضرورة في البيتين. وما ذكرناه من التأويلين أولى، حتى لا يخرج (لولا) عما التزم فيها من حذف خبر الاسم المبتدأ الواقع بعد (لولا)، انتهى كلام ابن عصفور. وقد زعم قوم أنه خبر، أي: إن ورد خبر بعد (لولا) كان شذوذًا، أو ضرورة، وهي منبهة على الأصل. وقال شيخنا أبو الحسن بن أبي الربيع: أجازوا: لولا زيد قائم لأكرمتك، ولولا زيد جالس لأكرمتك، وهذا الذي اختاروه لم يثبت بالسماع، والمنقول: لولا جلوس زيد، ولولا قيام زيد. انتهى. وقال أبو الحسن بن أبي الربيع في شرح الإيضاح: ذهب البصريون إلى أن الخبر بعد (لولا) لا يظهر. على هذا جرى كلام المتقدمين، ومن الناس من ذهب إلى أنه إذا كان موجودًا أو ما جرى مجراه لا يظهر، وإذا كان غير ذلك لزم الظهور، لأنه لا دليل عليه، وما لا دليل عليه كيف يحذف، فأجازوا: لولا زيد جالس لأكرمتك، واستدلوا على ذلك بقوله صلى الله عليه وسلم: (لولا قومكِ حديثو عهد بكفر لأقمت البيت على قواعد إبراهيم) ويقول علقمة بن عبدة: فوالله لولا فارس الجون منهم ... لآبوا خزايا والإيابُ حبيبُ فجعل (منهم) الخبر وظهر، لأنه لو حذف لم يكن عليه دليل. قالوا: فيلزم عن هذا أن يقال: لولا زيد جالس لأتيت. والمتقدمون من النحويين يمنعون ذلك ويقولون: لا تقول العرب: لولا زيد جالس، إنما تقول: لولا جلوس زيد لأتيت، ولا يكون الخبر إلا موجودًا أو ما جرى مجراه.

وأما قوله صلى الله عليه وسلم: (لولا قومك حديثو عهد بكفر)، فليست الرواية الصحيحة: (لولا حدثان)، وإذا صحت هذه الرواية فيمكن فيها التأويل وكأنه قال: لولا قومك لأقمت البيت على قواعد إبراهيم. ثم جاء: (حديثو عهد بكفر) جملة منقطعة، كأنه جواب لمن يقول: ما شأن قومهما؟ كما تقول: لولا زيد لأتيت المسجد، هو يشتم الناس، كأنه جواب لمن قال: وما شأن زيد حتى منعك الإتيان؟ فتقول: هو يشتم الناس، والشيء احتمل إذا لم يقم منه دليل. وأما بيت علقمة: فيحتمل عندي أن يكون "منهم" متعلقًا بـ (فارس)، والتقدير: لولا هذا العظيم منهم، فوضع مكانه (فارس الجون)، والجون اسم فرس، فقد صح أن خبر المبتدأ بعد (لولا) لا يظهر. انتهى. وقال ابن مالك في التوضيح: تضمن هذا الحديث ثبوت خبر المبتدأ بعد "لولا" أعني قوله "لولا قومك حديثو عهد بكفر". وهو مما خفي على النحويين إلا الرماني والشجري. وقد يسرت لي في هذه المسألة زيادة على ما ذكراه، فأقول وبالله أستعين: - إن المبتدأ المذكور بعد "لولا" على ثلاثة أضرب: مخبر عنه بكون غير مقيد، ومخبر عنه بكون مقيد لا يدرك معناه عند حذفه، ومخبر عنه بكون مقيد يدرك معناه عند حذفه. فالأول، نحو: لولا زيد لزارنا عمرو؛ فمثل هذا يلزم حذف خبره، لأن المعنى: لولا زيد، على كل حال من أحواله لزارنا عمرو، فلم تكن حال من أحواله أولى بالذكر من غيرها، فلزم الحذف لذلك لما فيه، أي في الجملة من الاستطالة المحوجة إلى الاختصار. والثاني: وهو المخبر عنه بكون مقيد، ولا يدرك معناه إلا بذكره، نحو: لولا زيد غائب لم أزرك، فخبر هذا النوع واجب الثبوت، لأن معناه يجهل عند حذفه. ومنه قوله صلى الله عليه وسلم:

(لولا قومك حديثو عهد بكفر) أو (حديث عهدهم بكفر)، فلو اقتصر في مثل هذا على المبتدأ لظن أن المراد: لولا قومك على كل حال من أحوالهم لنقضت الكعبة، وهو خلاف المقصود، لأن من أحوالهم بعد عهدهم بالكفر فيما يستقبل. وتلك الحال لا تمنع من نقض الكعبة وبنائها على الوجه المذكور. ومن هذا النوع قول زهير: لولا زهير جفاني كنت منتصرًا ... ولم أكن جانحًا للسلم إذ جنحوا ومثله: لولا ابن أوس نأى ما ضيم صاحبُه ... يومًا ولا نابه وهْنٌ ولا حذر والثالث: وهو المخبر عنه بكون مقيد يدرك معناه عند حذفه، كقولك: لولا أخو زيد ينصره لغلب، ولولا صاحب عمرو يعينه لعجز، ولولا حسن الهاجرة يشفع لها لهجرت. فهذه الأمثلة وأمثالها يجوز فيها إثبات الخبر وحذفه، لأن فيها شبهًا بـ "لولا زيد لزارنا عمرو"، وشبهًا بـ " لولا زيد غائب لم أزرك" فجاز فيها ما وجب فيهما من الحذف والثبوت. ومن هذا النوع قول أبي العلاء المعري في وصف سيف: فلولا الغمد يمسكه لسالا وقد خطأه بعض النحويين انتهى. قلت: الحديث أخرجه البخاري بألفاظ متعددة منها: (لولا حدثان قومك بالكفر) لفعلت. ومنها: (لولا حداثة قومك بالكفر لنقضت البيت) وهذا على القاعدة المشهورة.

ومنها: (لولا أن قومك حديث عهدهم بالجاهلية) وهذا كاللفظين المذكورين، لأن (أن) المفتوحة ومعموليها في تقدير مفرد مقدر مبتدأ فتقديره: لولا حداثة قومك، أو لولا حدثان قومك، لأن المصدر الذي يقدر به (أنّ) يؤخذ من لفظ خبرها على ما صرحوا. و (حديث عهدهم) هو خبر (أنّ) مقدر المصدر منه، وعرف من هذا أن اللفظ الأول من تصرف الرواة بالمعنى. كما أشار إليه ابن عصفور وابن أبي الربيع، وأن لفظ النبوة إنما هو على الجادة، والله أعلم. وفي بعض الروايات: (لولا أن قومك حديث عهدهم) بالإضافة مع حذف الواو من حديث، قال المطرزي: وهو لحن. والصواب: (حديثو عهد) بواو الجماعة من الإضافة.

1548 - حديث: " كان [؟ صلى] رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو شاكي".

1548 - حديث: " كان [؟ صلى] رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو شاكي". قال ابن مالك في التوضيح: ثبوت الياء في الوقف له وجه صحيح، قرأ به ابن كثير في (هاد)، و (وال)، و (واق)، و (باق)، والوقف بحذف الياء أقيس وأكثر في كلام العرب، ولا يجوز في الوصل إلا الحذف. ومن أثبتها في الوقف فله أن يثبتها في الخط مراعيًا لحال الوقف كما روعيت في (أنا) و (لكنا هو الله ربي) [الكهف: 38]. وله أن يحذفها مراعيًا للوصل، وهو الأجود. 1549 - حديث: "السواك مطهرة للفم". قال الكرماني والمظهري: إما مصدر ميمي بمعنى اسم الفاعل من التطهير، أي مطهر للفم، وإما بمعنى الآلة، وكذا (المرضاه) أي محصل لرضى الله. قال: ويجوز أن تكون بمعنى المفعول أي مُرْضٍ للرب. وقال الطيبي: يمكن أن يقال إنها مثل الولد مبخلة مجبنة، أي السواك مظنة للطهارة ورضا الرب. وقال زين العرب: (مطهرة ومرضاة) بالفتح، كل منهما مصدر بمعنى الطهارة، والمصدر يجيء بمعنى الفاعل، أي مطهر للفم ومرض للرب، أو باقيان على مصدريتهما، أي سبب لطهارة والرضا. و (مرضاة) جاز كونها بمعنى المفعول، أي مرض للرب.

1550 - حديث: "إن أبا سفيان رجل شحيح، وإنه لا يعطيني ما يكفيني وبني، قال: خذي ما يكفيك وبنيك بالمعروف".

وسئل ابن هشام عن هذا الحديث: كيف أخبر عن المذكر بالمؤنث، فأجاب: ليست التاء في مطهرة للتأنيث، وإنما هي (مفعلة) الدالة على الكثرة كقوله: (الولد مبخلة مجبنة) أي محل ليحصل البخل والجبن لأبيه بكثرة. قال: فقيل لي: استدل بعض أهل الكفر بهذا الحديث على أن السواك يجوز تأنيثه. فقلت: هذا غلط ويلزمه أن يستدل بـ (الولد مبخلة مجبنة) على جواز تأنيث الولد، ولا قائل به، انتهى. وقال النووي: (مطهرة) بكسر الميم وفتحها، كل ما يتطهر به، أي محصل لرضا الله. 1550 - حديث: "إن أبا سفيان رجل شحيح، وإنه لا يعطيني ما يكفيني وبنيَّ، قال: خذي ما يكفيك وبنيك بالمعروف". رواه بهذا اللفظ أبو داود، وفيه العطف على الضمير المتصل المنصوب من غير فاصل. فإن قولها (بني) معطوف على الياء في (يكفيني). وقوله صلى الله عليه وسلم: (وبنيك)، معطوف على الكاف في يكفيك، وهو جائز في العربية، وأورد الطيبي هنا قول الحريري في درة الغواص: فإن قلت: كيف جاز العطف على الضمير المرفوع والمنصوب من غير تكرير، وامتنع العطف على المضمر المجرور إلا بالتكرير؟ فالجواب: أنه لما جاز أن تعطف ذانك الضمير على الاسم الظاهر، جاز أن يعطف عليهما، ولما لم يجز أن يعطف المضمر على الظاهر إلا بتكرير الجار في قولك: مررت بزيد وبك، لم يجز أن

1551 - حديث: " ما من يوم أكثر من أن يعتق الله فيه عبدا من النار من يوم عرفة ".

يعطف الظاهر على المضمر إلا بتكريره أيضًا. 1551 - حديث: " ما من يوم أكثرُ من أن يعتق الله فيه عبدًا من النار من يوم عرفة ". قال أبو البقاء: (أكثر) مرفوع وصفًا ليوم على الموضع، لأن تقديره: (ما يوم)، و (من) زائدة، و (عبدًا) نصب (بيعتق)، والتقدير: ما يوم أكثر عتقًا من هذا اليوم، ويكون (عبدًا) على هذا جنسًا في موضع الجمع أي: من أن يعتق عبيدًا. ويجوز أن يكون التقدير: أكثر عبدًا يعتقه الله، (فعبدًا) منصوب على التمييز بأكثر و (من) زائدة، وموقعه نعت لعبد. انتهى. وقال القرطبي: روينا (أكثر) رفعًا ونصبًا، فرفعه على التميمية ونصبه على الحجازية، وهو في الحالين خبر لا وصف، والمجروران بعده مبنيان. فـ (من يوم عرفة) يبين الأكثرية مما هي فيه، و (من أن يعتق) يبين المميز، وتقديره الكلام: ما من يوم أكثر من يوم عرفة عتقًا من النار. وقال الطيبي: (ما) بمعنى ليس واسمه يوم، ومن زائدة و (أكثر) خبره، و (من) الثانية أيضًا زائدة (من يوم عرفة) متعلق (بأكثر)، أي: ليس يوم أكثر إعتاقًا منه من يوم عرفة. 1552 - حديث: "كانت ضِجعة رسول الله صلى الله عليه وسلم أدَمًا حشوها ليف". قال في النهاية: (الضجعة) بالكسر: من الاضطجاع، وهو النوم، كالجِلسة من الجلوس، وبفتحها المرة الواحدة. والمراد: ما كان يضطجع عليه، فيكون في

1553 - حديث: "سبحانك اللهم وبحمدك".

الكلام مضاف محذوف، تقديره: كانت ذات ضجعته، أو ذات اضطجاعه فراش أدم. 1553 - حديث: "سبحانك اللهم وبحمدك". قال الخطابي في معالم السنن: قوله (وبحمدك) دخول الواو فيه: أخبرني ابن خلاد وقال: سألت الزجاج عن ذلك فقال: معناه سبحانك اللهم وبحمدك سبّحتك. وقال الطيبي: قول الزجاج يحتمل وجهين: أحدهما، أن يكون الواو للحال، والثاني أن يكون عطف جملة فعلية على مثلها، إذ التقدير: أنزهك تنزيهًا، وأسبّحك تسبيحًا مقيدًا بشكرك. وعلى التقديرين: (اللهم) معترضة، والجار والمجرور، أعني بحمدك، إما متصل بفعل مقدر والباء سببية، أو حال من فاعله، أو صفة لمصدر محذوف، كقوله تعالى: (نسبح بحمدك) [البقرة: 30]، أي نسبح بالثناء عليك، أو نسبح ملتبسين بشكرك، أو نسبح تسبيحًا مقيدًا بشكرك. المعنى: لو لم يوجد الحمد، لم يصدر الفعل، إذ كل حمد من المكلف يستجلب نعمة متجددة، ويستصحب توفيقًا إليها. قوله: (ولا إله غيرك). قال ابن مالك في شرح الكافية: حذف الخبر في باب (لا) إذا كان لا يجهل، يكثر عند الحجازيين، ويلتزم عند التميميين. فإن كان يجهل عند حذفه وجب ثبوته عند جميع العرب، ومنه قوله تعالى: (لا ريب فيه) [البقرة: 2]، (لا علم لنا)، (لا مقام لكم) [الأحزاب: 13].

1554 - حديث: "وإنا وإياه في لحاف واحد".

وقوله صلى الله عليه وسلم: (لا أحد أغيرُ من الله) و (لا إله غيرك). 1554 - حديث: "وإنا وإياه في لحاف واحد". قال الحافظ صلاح الدين العلائي في كتابه: (الفصول المفيدة في الواو المزيدة): اختلفوا في أنه هل يجوز نصب المفعول معه في موضع لم يتقدم فيه قبل الواو عامل أصلاً، والجمهور على أنه لا يجوز بناء على المختار أن الناصب له الفعل، أو معناه بواسطة الواو وإيصالها العمل إليه. ومن قال إن الواو هي الناصبة كالجرجاني، يجوز نصبه حيث لم يتقدم عامل. قال ابن بزيزة: وقد جاء في صحيح مسلم قوله صلى الله عليه وسلم: (أنا وكثرة المال أخوفني عليكم من قلته)، وفي حديث عائشة رضي الله عنها: (وأنا وإياه في لحاف واحد). قال العلائي: لا يلزم أن يكون الحديث الأول بنصب (كثرة) إلا أن تكون الرواية مضبوطة كذلك، بخلاف قول عائشة، فإن الضمير متعين النصب فيحتمل أن يقدر فيه فعل يصح به الإعراب. دل عليه سياق الكلام مثل (أنا وإياه) ونحو ذلك. 1555 - حديث: "استأذنته في دخول أبي القعيس، فقال: ائذني له فإنه عمج". قال في النهاية: يريد: عمك من الرضاعة، فأبدل كاف الخطاب جيمًا، وهي لغة قوم من اليمن. قال الخطابي: إنما جاء من بعض النقلة، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان لا يتكلم

1556 - حديث: "وما رأيته أكثر صياما منه في شعبان".

إلا باللغة العالية. قال في النهاية: وليس كذلك، فإنه قد تكلم بكثير من لغات العرب، منها قوله: "ليس من امْبر أمْصيامٌ في امسفر"، وغير ذلك. وفي حديث ابن مسعود: (فلما وضعت رجلي على مُذَمَّر أبي جهل قال: (اعل عنِّج) أراد: عني، وهي لغة قوم يقبلون في الوقف جيمًا. 1556 - حديث: "وما رأيته أكثر صيامًا منه في شعبان". قال الزركشي: بالنصب، وروي بالخفض. قال السهيلي: وهو وهم وربما بني اللفظ على الخط مثل أن يكون رآه مكتوبًا بميم مطلقة على مذهب ومن رأى الوقف على المنون المنصوب بغير ألف فتوهمه مخفوضًا لا سيما وصيغة أفعل تضاف كثيرًا فتوهمها مضافة وإضافتها هنا لا تجوز قطعًا. انتهى. وقال الطيبي: (أكثر) ثاني مفعولي (رأيت) والضمير في (منه) راجع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم و (في شعبان) متعلق بـ (صيامًا). المعنى: كان صيامه في شعبان أكثر من صيامه في غيره. 1557 - حديث: "خلق الله كل إنسان من بني آدم على ستين وثلثمائة مفصل فمن كبر الله، وحمد الله، وهلل الله وسبح الله، عدد تلك الستين والثلاثمائة سلامى".

1558 - حديث: "دعي رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى جنازة صبي من الأنصار فقلت: طوبى له عصفور من عصافير الجنة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أو غير ذلك".

قال القاضي عياض: كذا رويناه، وصوابه في العربية والثلاثمائة السلامى. وقال النووي: قد يقال وقع هنا إضافة ثلاث إلى مائة مع تعريف الأول وتنكير الثاني، والمعروف لأهل العربية عكسه، وهو تنكير الأول وتعريف الثاني، وقد سبق الجواب عن هذا في حديث حذيفة: أتخاف علينا ونحن ما بين الستمائة. 1558 - حديث: "دعي رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى جنازة صبي من الأنصار فقلت: طوبى له عصفور من عصافير الجنة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أوَ غيرُ ذلك". قال الزمخشري في الفائق: الهمزة للاستفهام والواو عاطفة على محذوف، و (غير) مرفوع بعامل مضمر تقديره: أوقع هذا وغير ذلك. ويجوز أن يكون (أو) التي لأحد أمرين، أي الواقع أو غير ذلك. قال الطيبي: ويجوز أن يكون (أو) بمعنى (بل)، لأنه صلى الله عليه وسلم لم يرض بقولها، فأضرب عنه وأثبت ما يخالفه لما فيه من الحكم بالغيب. 1559 - حديث: "لو أخذتم إهابها فدبغتموه". قال المظهري: جواب (لو) محذوف، أي: لكان حسنًا. وقال التوربشتي: (لو) هذه بمعنى (ليت) والذي لاقى بينهما أن كل واحدة من الكلمتين في معنى التقدير ومن ثم أجيبتا بالفاء. 1560 - حديث: "كانوا يصلون العتمة فيما بين أن يغيب الشفق إلى ثلث الليل".

1561 - حديث: "أي الصلوات كانت أحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يواظب عليها".

قال الطيبي: يشكل توجيه (إلى) لأن الظاهر أن يقال فيما بين مغيب الشفق وثلث الليل، اللهم أن يتحمل فيقدر لمغيب الشفق آخرًا ليخصص بها وليجعل "إلى" حال من فاعل (يصلون) أي: يصلون فيما بين هذه الأوقات منتهين إلى ثلث الليل. 1561 - حديث: "أي الصلوات كانت أحبّ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يواظب عليها". قال أبو البقاء: (أي) مبتدأ وفي (كانت) ضمير أيتها يرجع إلى الصلاة، و (أحب) خبر كان، وكان مع معموليها خبر (أي)، و (أن يواظب) في موضع نصب (بأحب). أي: يحب المواظبة. وقولها: (فما لم يكن يدع صحيحًا ولا مريضًا فركعتين قبل الفجر). (ما) بمعنى (الذي) مبتدأ، (ولم يكن) صلته، وفيه ضمير هو اسمها، و (يدع) خبرها. والتقدير: (يدعه)، و (صحيحًا)، و (مريضًا) حالان من ضمير يدع، أي كان يفعله على كل حال. وقولها: (فركعتين) خطأ من الرواة، والواجب: فركعتان، لأنه خبر الموصول، ولا معنى للنصب هنا، وهذا مثل قولك: أما زيد فمنطلق، وأما الذي عندنا فكريم. 1562 - حديث: "فرضت علي الصلاة ركعتين ركعتين". قال الكرماني: فإن قلت: بم انتصب (ركعتين) قلت: بالحالية، فإن قلت: ما

1563 - حديث: "لا يصيب المؤمن شوكة فما فوقها".

حكم ركعتين الثاني، قلت: هو تكرار اللفظ الأول، وهما بالحقيقة عبارة عن كلمة واحدة نحو مثنى، وذلك نحو (المزّ) القائم مقام الحلو والحامض. 1563 - حديث: "لا يصيب المؤمن شوكة فما فوقها". قال أبو البقاء: (ما) بمعنى الذي، أو نكرة موصوفة منصوب على الظرف، وهو إما صلة لما أو صفة كقوله تعالى: (بعوضة فما فوقها) [البقرة: 26]. وقال الطيبي: يحتمل وجهين: فوقها في العطف أو في الحقارة والفاء للتعقيب على التوالي. 1564 - حديث: "إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي وهي بينه وبين القبلة على فراش أهله اعتراضَ الجنازة". قال الزركشي: منصوب نعتًا لمصدر محذوف، أي معترضة مثل اعتراض الجنازة، بدليل قوله في الرواية الأخرى: (معترضة). 1565 - حديث: "إن لي جارين، قالت أيهما أهدي، قال: أقربهما منك بابًا". قال أبو البقاء: (أقربهما) بالجر على تقدير: إلى أقربهما، ليكون الجواب كالسؤال، ويجوز الرفع على تقدير: هو أقربهما، والنصب على تقدير: صِلِي أقربَهما، و (بابًا) تمييز.

1566 - حديث: "فناداني ملك الجبال يا محمد: ذلك فيم شئت".

قلت: ولفظ رواية البخاري، قال: إلى أقربهما. وقال الكرماني: فإن قلت: أفعل التفضيل لا يستعمل إلا بأحد وجوه ثلاثة، فهنا كيف استعمل بوجهين منها؟ قلت: لم يستعمل إلا بالإضافة، وأما (من فهو صلة القرب، كما يقال قرب من كذا. 1566 - حديث: "فناداني ملك الجبال يا محمد: ذلك فيم شئت". قال أبو البقاء: ينبغي أن يكون في موضع نصب على تقدير: " أفعل ذلك "، لأن الملك كان مأمورًا أن يفعل ما يشاء رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويجوز أن يكون في موضع رفع على تقدير: لك ذلك. 1567 - حديث: " إن الله ليؤيد حسانًا". قال أبو البقاء: (حسّان) يجوز صرفه على أنه مشتق من الحسن، والنون فيه أصلية، وكذا جاء في هذه الرواية. ويجوز أن لا يصرف على أن يشتق من الحس، فتكون النون فيه مع الألف زائدتين. انتهى. وقال ابن يعيش في شرح المفصل: القياس يقتضي زيادة النون في حسّان وأن

1568 - حديث: "من اشترى من يهودي طعاما فأعطى درعا له رهنا".

لا ينصرف حملاً على الأكثر. ويجوز أن يكون مشتقًا من الحس فتكون النون أصلاً وينصرف. 1568 - حديث: "من اشترى من يهودي طعامًا فأعطى درعًا له رهنًا". قال أبو البقاء: (رهنًا) مصدر في موضع الحال، أي: أعطاه إياه راهنًا. ويجوز أن يكون نعتًا لدرع، وأن يكون نصبًا على المصدر، أي رهنها رهنًا، وأن يكون مفعولاً، وأن يكون تمييزًا. 1569 - حديث: "فضل الصلاة بالسواك على الصلاة بغير سواك، سبعين صلاةً". قال أبو البقاء: كذا وقع في هذه الرواية، والصواب: سبعون، والتقدير: فضل سبعين، لأنه خبر (فضل) الأول. وقال الطيبي: (سبعين) مفعول مطلق أو ظرف أي يفضل مقدار سبعين. 1570 - حديث: "دخلت العشر". قال أبو البقاء: إنما أنثت لأنها أرادت: ليالي العشر، لأن الليالي لم يؤرخ بها. 1571 - حديث بدء الوحي: قوله: "أولُ ما بدئ به رسول الله صلى الله عليه وسلم من الوحي الرؤيا الصالحة".

قيل: (من) للتبعيض، أي من أقسام الوحي، وقيل لبيان الجنس ورجحه القزاز. (والصالحة)، قال الكرماني: إما صفة موضحة للرؤيا لأن غير الصالحة تسمى بالحلم، كما ورد: (الرؤيا من الله والحلم من الشيطان) وإما صفة مخصصة، أي: الرؤيا الصالحة لا السيئة ولا الكاذبة المسماة بأضغاث أحلام. قوله: (لا يرى رؤيا) قال الكرماني: بغير تنوين كحبلى. قوله: (ثم حبب إليه الخلاء) بفتح أوله والمد أي الخلوة. وقوله: (فكان يخلو بغار حراء)، فيه الكسر والفتح والمد والقصر، والتذكير والتأنيث، والصرف والمنع. وقال الخطابي: يلحنون فيه ثلاث لحنات، يفتحون حاءه وهي مكسورة، ويقصرون ألفه وهي ممدودة، ويميلونها، لا تسوغ الإمالة لأن الراء سبقت الألف مفتوحة. زاد التيمي: ويتركون صرفه وهو مصروف في الاختيار لأنه اسم جبل. قال الكرماني: وهذا من الغرائب لأنه أربعة أحرف، ولحن فيه أربع لحنات بعدد كل حرف لحنة. وقوله: (فيتحنث)، قيل: الثاء أصل، أي يلقي الحنث في نفسه بالتعبد. وقوله: (مثله تحوّب وتأثّم)، أي ألقى الحوب والإثم عن نفسه. قال الخطابي: وليس في الكلام (تفعّل) إذا ألقى الشيء عن نفسه غير هذه الثلاثة، والباقي بمعنى تكسب. وزاد غيره: تحرّج وتنجس إذا فعل فعلاً يتحرج به عن الحرج والنجاسة.

وقيل: (الثاء) بدل من (الفاء)، وقد روي بها في سيرة ابن هشام: (يتحنف) أي يتبع دين الحنيفية، أي: دين إبراهيم عليه السلام، وعلى هذا فهو القياس، وإبدال الفاء ثاء كثير في كلامهم. وقوله: (الليالي). قال الكرماني: نصب على الظرف، والعامل فيه يتحنّث لا التعبد، وإلاّ فسد المعنى، فإنّ التحنّث لا يختص بالليالي، بل هو مطلق التعبّد، وكذا قال النووي. و (ذوات العدد) منصوب على الصفة لليالي، وعلامة نصبه كسر التاء. وقوله: (حتى جاءه الحق). قال الزركشي: أي الأمر الحق، فيكون صفة لموصوف محذوف. قوله: (فجاءه الملك). قال الحافظ ابن حجر: هذه الفاء تسمى التفسيرية وليست التعقيبية، لأن مجيء الملك ليس بعد مجيء الوحي حتى يعقب به، بل هو نفسه. ولا يلزم من هذا التقرير أن يكون من باب تفسير الشيء بنفسه، بل التفسير عين المفسر به من جهة الإجمال، وغيره من جهة التفصيل. وقال الكرماني: هذه الفاء تسمى بالفاء التفسيرية نحو قوله تعالى: (فتوبوا إلى بارئكم فاقتلوا أنفسكم) [البقرة: 54] إذ القتل نفس التوبة، وتسمى بالفاء التفصيلية أيضًا، لأن مجيء الملك إلخ: تفصيل للمجمل الذي هو مجيء الحق ولا شك أن المجمل تفسيره المفصل. وقوله: (ما أنا قارئ)

قال الزركشي: قيل:" ما " استفهامية، والصحيح أنها نافية واسمها (أنا)، و (بقارئ) الخبر، إذ لو كانت استفهامية لما حسن دخول الباء في خبرها. قلت: قد حكي عن الأخفش جوازه، وأنشد عليه: ألا هل أخو عيش لذيذ بدائم ... وقال أبو شامة: هو في الأول محمول على الامتناع، وفي الثاني على الإخبار بالنفي المحض، وفي الثالث على الاستفهام. قال الحافظ ابن حجر: ويؤيده أنه روي في الثالث بلفظ: "كيف أقرأ". وقوله: (ما أنا بقارئ). قال النووي: معناه: لأ أحسن القراءة، فما نافية هذا هو الصواب. وحكى القاضي عياض: فيها خلاف بين العلماء، منهم من جعلها نافية، ومنهم من جعلها استفهامية، وضعفوه بإدخال الباء في الخبر. وقال القاضي عياض: ويصحح قول من قال: استفهامية، رواية من روى: (ما أقرأ) ويصح أن تكون (ما) في هذه الرواية أيضًا نافية. وقال الزركشي: وقوله" (فغطني حتى بلغ مني الجهد) قال النووي: يجوز نصب الدال ورفعها، فعلى النصب: بلغ جبريل مني الجهد. وعلى الرفع: بلغ الجهد مني مبلغه وغايته.

قال: وممن ذكر الوجهين في نصب الدال ورفعها، صاحب التحرير وغيره. وقال الزركشي: هو بفتح الجيم: المشقة، وجوز الضم، فإما أن يكونا بمعنيين، أو بالضم بمعنى الطاقة، ويكون المعنى: بلغ الملك وسعه وطاقته من غطّه. وعلى هذا التأويل يكون بالنصب مفعولاً، أي بلغ الملك الجهد وعلى الأول يكون مرفوعًا فاعلاً، وحذف المفعول. أي بلغ مني الجهد مبلغًا. وقال ابن حجر: روي بالفتح والنصب، أي: بلغ مني غاية وسعي، وبالضم والرفع، أي: بلغ مني الجهد مبلغه. وقال الطيبي: أي صار بسبب ذلك – أي تلك الغطّة – يضطرب فؤاده. وقال الكرماني: على الرفع معناه: بلغ الجهد مبلغه، فحذف مبلغه؛ وعلى النصب: معناه: بلغ مني الجهد. وقال التوربشتي: لا أرى الذي روى بنصب الدال إلا قد وهم فيه أو جوّزه بطريق الاحتمال، فإنه إذا نصب الدال، عاد المعنى إلى أنه غطه حتى استفرغ قوته في ضغطه وجهد جهده بحيث لم يبق فيه مزيد، وهذا قول غير سديد، فإن البنية البشرية لا تستدعي استيفاء القوة الملكية لا سيما في مبدأ الأمر. وقال الطيبي: لا شك أن جبريل في حال الضغط لم يكن على صورته الحقيقية التي تجلى بها عند سدرة المنتهى، فيكون استفراغ جهده بحسب صورته التي تجلّى به غطّه. وإذا صحّت الرواية اضمحل الاستبعاد. وقوله: (فرجع بها). قال ابن حجر: الضمير للآيات أو القصة. قوله: (فقالت له خديجة: كلا).

قال الكرماني: معناها النفي والإبعاد. وقوله: (إنك لتصل الرحم): قال الزركشي: بكسر إن على الابتداء. قوله: (وتكسب المعدوم). قال القاضي عياض: أكثر الرواية وأفصحها بفتح التاء المثناة، ومعناها: تعطي الناس ما لا يجدونه عند غيرك، فحذف أحد المفعولين. يقال: كسبت الرجل مالاً وأكسبته بمعنى، وقيل: معناه تكسب المال المعدوم وتصيب منه ما لا يصيب غيرك؛ وكانت العرب تتمادح بكسب المال لا سيما قريش. وقال في النهاية: كسبت مالاً، وكسبت زيدًا مالاً أي أعنته على كسبه، أو جعلته يكسبه. فإن كان من الأول فتريد أنك تصل إليه كل معدوم، وبناء الكلام يتعذر لبعده عليك، وإن جعلته متعديًا إلى اثنين فتريد أنك تعطي الناس الشيء المعدوم عندهم، وتوصله إليهم، وهذا أولى القولين، لأنه أشبه ما قبله في باب التفضل والإنعام، إذ لا إنعام في أن يكسب هو لنفسه مالاً كان معدوما عنده، وإنما الإنعام أن يوليه غيره، أي لا يكسبه لنفسه. وباب الحظ والسعادة في الإكساب غير باب التفضل والإنعام. وقال في النهاية في حرف العين: يقال: فلان يكسب المعدوم، إذا كان مجدودًا محظوظًا: أي يكسب ما يحرمه غيره. وقيل: أرادت يكسب الناس الشيء المعدوم الذي لا يجدونه مما يحتاجون إليه. وقيل: أرادت بالمعدوم، الفقير الذي صار من شدة حاجته كالمعدوم نفسه، فيكون (تكسب) على التأويل الأول

وقيل: أرادت بالمعدوم الفقير الذي صار من شدة حاجته كالمعدوم نفسه، فيكون (تكسب) على التأويل الأول متعديًا إلى مفعول واحد هو المعدوم، كقولك: كسبت مالاً، وعلى التأويل الثاني والثالث يكون متعديًا إلى مفعولين، تقول: كسبت زيدًا مالاً أي أعطيته. فمعنى الثاني: يعطي الناس الشيء المعدوم عندهم، فحذف المفعول الأول. ومعنى الثالث: يعطي الفقير المال، فيكون المحذوف المفعول الثاني. وفي رواية الكشميهني: (وتُكسب) بضم أوله وعليه قال الخطابي: الصواب (المعدم) بلا واو أي الفقير، لأن المعدوم لا يكسب. قوله: (فانطلقت به): الباء للمصاحبة. قال الكرماني: أي انطلقا لأن الفعل اللازم إذا عدي بالباء يلزم منه المصاحبة فيلزم ذهابهما بخلاف ما عدي بالهمزة نحو: أذهبته، فإنه لا يلزم ذلك. قوله: حتى أتت ورقة بن نوفل بن عبد العزى ابن عم خديجة. قال النووي: هو بنصب (ابن عم)، ويكتب بالألف لأنه بدل من ورقة، ولا يجوز جره، فإنه يصير صفة لعبد العزى وليس كذلك. ولا كتابته بغير ألف لأنه لم يقع بين علمين. وقال الكرماني: الحكم بكونه بدلاً غير لازم لجواز أن يكون صفة أو بيانًا له. قوله: (يا ابن عم): قال الزركشي: يجوز فيه الأوجه المشهورة في المنادى المضاف. قوله: يا ليتني فيها جذَعًا:

قال أبو البقاء: كذا وقع في الرواية، والوجه: جذع لأنه خبر ليتني، ويضعف أن يكون (فيها) الخبر لقلة الفائدة، وهكذا هو في الشعر: يا ليتني فيها جذع ... أخبُّ فيها وأضع وللنصب وجه: وذلك أن يجعل (فيها) الخبر، و (جذعًا) حال، وتكون الفائدة من الحال. انتهى. وقال الزركشي: المشهور فيه النصب، إما على الحال، والخبر مضمر، أي يا ليتني فيها حي أو موجود كالجذع، وإما على أن (ليت) تنصب الجزأين. وقال الخطابي: على خبر كان المضمرة، أي يا ليتني أكون، لأن ليت شغل بالمكني. قال القاضي عياض: وهذا على طريقة الكوفيين. وقال السهيلي: النصب على الحال، إذا جعلت (فيها) خبر ليت، والعامل في الحال ما يتعلق به الجار من الاستقرار. ومن رفع فالجار متعلق بما فيه من معنى الفعل، كأنه قال يا ليتني شاب. وقال القاضي عياض: وقع للأصيلي بالرفع، وهو خلاف المشهور. وقال ابن بري: المشهور عند أهل اللغة والحديث في هذا – كأبي عبيدة وغيره – (جذع) بسكون العين، ومنهم من يرفعه على أنه خبر. وروي بالنصب بفعل محذوف، أي جعلت فيها جذعًا. قال الزركشي: وضمير (فيها) راجع للنبوة أو الدعوة أو الدولة.

وقال النووي: يعود على أيام النبوة ومدتها. وقال القرطبي: صحت الرواية فيه بالنصب، ورواه ابن ماهان (جذعٌ) مرفوعًا على خبر (ليت)، ونصبه من أحد ثلاثة أوجه: أوّلها: أنّه خبر (كان) مقدَّرة؛ أي: يا ليتني أكون فيها جذعًا، وهذا على رأي الكوفيّين كما قالوا في قوله تعالى: (انتَهُوا خيرًا لكم) [النساء: 171]،أي يكن خيرًا لكم؛ ومذهب البصريّين أنّ (خيرًا) إنّما انتصب بإضمار فعل دلّ عليه (انتهوا)، والتقدير: انتهوا وافعلوا خيرًا. وثانيها: أنّه حال، وخبر (ليت) في المجرور، فيكون التقدير: ليتني كائن فيها، أي: مدّةَ النبوّة في هذه الحال. وثالثها: أن تكون (ليت) أُعمِلتْ عمل (تمنيت)، فنصبت اسمين، كما قاله الكوفيون، وأنشدو عليه: يا ليتَ أيّام الصبا رواجعا وهذا فيه نظر. وقال ابن مالك في توضيحه: في قوله: (يا ليتني) يظن أكثر الناس أن "يا" التي تليها "ليت" حرف نداء، والمنادى محذوف. فتقدير قول ورقة على هذا: يا محمد، ليتني كنت حيا. وتقدير قوله تعالى: (يا ليتني كنت معهم) [النساء: 73]. وهذا الرأي عندي ضعيف، لأن قائل هذا، أي: "يا ليتني" قد يكون وحده، فلا يكون معه منادى ثابت ولا محذوف، كقول مريم علىها السلام: (يا ليتني مت قبل هذا) [مريم: 23]، ولأن الشيء إنما يجوز حذفه مع صحة المعنى بدونه إذا كان الموضع الذي ادعي فيه حذفه

مستعملاً فيه ثبوته، كحذف المنادى قبل أمر أو دعاء، فانه يجوز حذفه لكثرة ثبوته، فإن الآمر أو الداعي يحتاجان إلى توكيد اسم المأمور والمدعو بتقديمه على الأمر والدعاء. واستعمل كثيرًا حتى صار موضعه منبهًا عليه إذا حذف، فحسن حذفه لذلك. فمن ثبوته قبل الأمر: (يا آدم اسكن) [البقرة: 35]، (يا إبراهيم أعرض) [هود: 76]، (يا يحيى خذ الكتاب بقوة) [مريم: 12]، (يا بني إسرائيل)، (يا مالك ليقض علينا ربك) [الزخرف: 77]، وقول الراجز: يارب هب لي من لدنك مغفره ومن حذف المنادى المأمور قوله تعالى في قراءة الكسائي: (ألا يا اسجدوا) [النمل: 25]، أراد: ألا يا هؤلاء اسجدوا. ومثال ذلك في الدعاء قول الشاعر: ألا يا اسلمي يا دار مي على البلى فحسن حذف المنادى قبل الأمر والدعاء اعتياد ثبوته في محل ادعاء الحذف، بخلاف "ليت" فإن المنادى لم تستعمله العرب قبلها ثابتًا، فادعاء حذفه باطل، لخلوه من دليل. فتعين كون "يا" التي تقع قبلها لمجرد التنبيه مثل "ألا" في نحو: ألا ليت شعري هل أبيتن ليلة ... بواد وحولي إذخر وجليل ومثل هذا في قوله تعالى: (ها أنتم أولاء تحبونهم) [آل عمران: 119].

وفي قول السائل عن أوقات الصلاة: (ها أنا ذا يا رسول الله). وقد يجمع بين "ألا" و"يا" توكيدًا، كلما جمع بين "كي" واللام ومعناهما واحد في قول الشاعر: أردت لكيْمَا أن تطير بقِربتي ... وسهل ذلك اختلاف اللفظين. ومثل "يا" الواقعة قبل "ليت" مجرد كونها للتنبيه "يا" الواقعة قبل "حبذا" في قوله: يا حبذا جبل الريان من جبل وقبل "رُبَّ" في قوله: يا رب سارٍ بات ما توسدا وقوله "إذ يخرجك قومك" استعمل فيه "إذ" موافقة لـ "إذا" في إفادة الاستقبال. وهو استعمال صحيح، غفل عن التنبيه عليه أكثر النحويين، ومنه قوله تعالى: (وأنذرهم يوم الحسرة إذ قضي الأمر) [مريم: 39]، وقوله تعالى: (وأنذرهم يوم الآزفة إذ القلوب لدى الحناجر كاظمين) [غافر: 18]، وقوله تعالى: (فسوف يعلمون * إذ الأغلال في أعناقهم) [غافر: 70 - 71].

وكما استعملت "إذا" بمعنى "إذْ"، كقوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا لا تكونوا كالذين كفروا وقالوا لإخوانهم إذا ضربوا في الأرض أو كانوا غزى لو كانوا عندنا ما ماتوا وما قتلوا) [آل عمران: 156]. وكقوله تعالى: (ولا على الذين إذا ما أتوك لتحملهم قلت لا أجد ما أحملكم عليه) [التوبة: 92]، وقوله تعالى: (وإذا رأوا تجارة أو لهوا انفضوا إليها) [الجمعة: 11]. لأن "لو كانوا عندنا ما ماتوا وما قتلوا"، و"لا أجد ما أحملكم عليه" مقولان فيما مضى. وكذا الانفضاض المشار إليه واقع فيما مضى. فالمواضع الثلاثة صالحة لـ"إذْ"، وقد قامت "إذا" مقامها. انتهى. وقال شيخ الإسلام سراج الدين البلقيني: لم يغفل النحاة ذلك بل منعوا وروده وأولوا ما ظاهره ذلك. وقالوا في مثل ذلك: استعمل الصيغة الدالة على الماضي لتحقق وقوعه فأنزلوه منزلته. ويقوي ذلك أن في رواية البخاري: (حين يخرجك قومك)، قال: وعند التحقيق، ما ادعاه ابن مالك فيه ارتكاب مجاز، وما ذكره غيره فيه ارتكاب مجاز، ومجازهم أولى لما يبنى عليه من أن إيقاع المستقبل في صورة الماضي تحقيقًا لوقوعه واستحضارًا للصورة الآتية في هذه دون تلك. ثم قال: وأما قول ابن مالك في قول النبي صلى الله عليه وسلم: (أو مخرجي هم)، فالأصل فيه وفي أمثاله: تقديم حرف العطف على الهمزة كما تقدم على غيرها من أدوات الاستفهام نحو: (كيف تكفرون) [البقرة: 28] و (فما لكم في المنافقين) [النساء: 88]، (فأي الفريقين

أحق بالأمن) [الأنعام: 81]، (فأنى تؤفكون)، (فأين تذهبون) [التكوير: 26]، (أم هل تستوي الظلمات والنور) [الرعد: 16] فالأصل أن يجاء بالهمزة بعد العاطف كما جيء بعده بأخواتها، فكان ينبغي أن يقال في (أفتطمعون) [البقرة: 75] وفي: (أو كلما) [البقرة: 100] وفي (أثم إذا وقع) [يونس: 51]: (فأتطمعون) (وأكلما) و (ثم أإذا وقع)، لأن أدوات الاستفهام جزء من جملة الاستفهام، وهي معطوفة على ما قبلها من الجمل، والعاطف لا يتقدم على جزء مما عطف، ولكن خصت الهمزة بتقديمها على العاطف تنبيهًا على أنها أصل أدوات الاستفهام، فأرادوا التنبيه عليه فكانت الهمزة بذلك أولى لأصالتها في الاستفهام. وقد غفل الزمخشري عن هذا المعنى فادعى أن بين الهمزة وحرف العطف جملة محذوفة معطوفًا عليها بالعاطف ما بعده، وفي هذا من التكلف ومخالفة الأصول ما لا يخفى، وقد تقدم في كلامي على (ياليتني): أن المدعي حذف شيء يصح المعنى بدونه لا تصح دعواه حتى يكون موضع ادعاء الحذف صالحًا للثبوت، ويكون الثبوت مع ذلك أكثر من الحذف، وما نحن بصدده بخلاف ذلك، فلا سبيل إلى تسليم الدعوى. وقد رجع الزمخشري عن الحذف إلى ترجيح الهمزة على أخواتها بتكميل التصدير. والأصل في "أو مخرجى هم" أو مخرجوي". فاجتمعت واو ساكنة وياء ساكنة، فأبدلت الواو ياء وأدغمت في الياء، وأبدلت الضمة التي كانت قبل الواو كسرة تكميلاً للتخفيف، كما فعل باسم مفعول "رميت" حين قيل فيه: مرميّ، وأصله: مرموي. ومثل "مخرجي" من الجمع المرفوع المضاف إلى ياء المتكلم قول الشاعر:

أودى بنيَّ وأودعوني حسرة و"مخرجي" خبر مقدم، و "هم" مبتدأ مؤخر. ولا يجوز العكس، لأن "مخرجي" نكرة، فإن إضافته إضافة غير محضة، إذ هو اسم فاعل بمعنى الاستقبال، فلا يتعرف بالإضافة. وإذا ثبت كونه نكرة لم يصح جعله مبتدأ لئلا يخبر بالمعرفة عن النكرة دون مصحح. ولو روي "مخرجي" مخفف الياء على أنه مفرد لجاز، وجعل مبتدأ، وما بعده فاعل سد مسد الخبر، كما تقول: أمخرجي بنو فلان، لأن "مخرجي" صفة معتمدة على الاستفهام، مسندة إلى ما بعده لأنه وإن كان ضميرًا فهو منفصل. والمنفصل من الضمائر يجري مجرى الظاهر. ومنه قول الشاعر: أمنجز أنتم وعدًا وثقت به ... أم اقتفيتم جميعًا نهج عرقوب ومن هذا القبيل قول النبي - صلى الله عليه وسلم: (أحي والداك)، والاعتماد على النفي كالاعتماد على الاستفهام. ومنه قول الشاعر: خليلي ما واف بعهدي أنتما ... إذا لم تكونا لي على من أقاطع انتهى ما ذكره ابن مالك.

وقال الكرماني: لا يجوز هنا أن يقدر تقديم حرف العطف على الهمزة لأن (أو مخرجي هم؟) جواب ورد على قوله: (إذ يخرجك قومك) على سبيل الاستبعاد والتعجب، فيكف يستقيم العطف؟ ولأن هذه إنشائية وتلك خبرية، والحق أن الأصل: (أمخرجي هم؟) فأريد مزيد استبعاد وتعجب فجيء بحرف العطف على مقدر تقديره: أمعاديّ هم ومخرجيّ هم. وأما إنكار الحذف في مثل هذه المواضع فمستبعد لأن مثل هذه الحذوف من حلية البلاغة لاسيما الأمارة قائمة عليها، والدليل عليها ههنا وجود العاطف، ولا يجوز العطف على المذكور فيجب أن يقدر بعد الهمزة ما يوافق المعطوف تقريرًا للاستبعاد. انتهى. وقال أبو حيان في شرح التسهيل: الوصف في أقائم الزيدان، أن لا يثنى ولا يجمع، نص عليه كثيرون من النحاة، ولأنه تمكن في الفعلية بسبب الاستفهام والنفي، ولا تستعمله العرب إلا هكذا. وقال القاضي أبو محمد بن حوط الله: هكذا غلط بدليل ما جاء في قوله صلى الله عليه وسلم: (أو مخرجي هم). قال ابن هشام الخضراوي: قلت لأبي محمد: (يكون كـ (يتعاقبون فيكم ملائكة)، فسكت. قال ابن هشام: إن لم يكثر فهكذا وجهه، وإن كثر فعلى التقديم والتأخير يعني: على أن يكون الوصف خبرًا مقدمًا، وما بعده مبتدأ، انتهى. قوله: (وإن يدركني قومك). قال الزركشي وغيره: (إن) شرطية والذي بعده مجزوم. قوله: (أنصرك نصرًا مؤزرًا) بهمزة من (الأزر) وهو القوة، وأنكر القزاز أن يكون في اللغة مؤزرًا من الأزر.

1572 - حديث: "كنت أغتسل أنا والنبي صلى الله عليه وسلم من إناء واحد من جنابة".

وقال أبو شامة: يحتمل أن يكون من الإزار. أشار بذلك إلى تشميره في نصرته، قال الأخطل: قومٌ إذا حاربوا شدوا مآزرهم وقال القاضي عياض: كذا جاءت الرواية "مؤزرًا". قال بعضهم: أصه (مؤازر) لأنه من وازرت، أي عاونت. قال: ويحتمل أن الألف سقطت إما على التأويل إذ لا أصل لمؤزر في الكلام. قال القاضي عياض: ويظهر لي أنه صحيح على ما جاءت به الرواية، وأنه أولى، والشيء بالمعنى، والمراد: نصرًا قويًّا، مأخوذ من (الأزر) وهو القوة قال تعالى: (اشدد به أزري) [طه: 31] قيل: قوتي، وقيل: ظهري. ومنه: تأزر النبت إذا اشتد وطال، ولو كان ما ذهب إليه هذا القائل لكان صواب الكلام (مؤزّرًا) بكسر الزاي. وبعد أن ظهر هذا وجدت معناه معلقًا عن بعض المشايخ ووجدته للخطابي وهو صحيح، انتهى. قوله: (لم يلبث ورقة أن توفي). قال الكرماني: (أن توفي) بدل اشتمال من ورقة أي لم يلبث وفاته. 1572 - حديث: "كنت أغتسل أنا والنبي صلى الله عليه وسلم من إناء واحد من جنابة".

1573 - حديث: "إن هذا أمر كتبه الله على بنات آدم فاقضي ما يقضي الحاج غير أن لا تطوفي بالبيت".

قال الكرماني: فإن قلت كيف جاز أن يتعلق جاران لفعل واحد، قلت: ليس متعلقًا بفعل واحد إذ الأولى متعلقة بمقدر، كقولنا: آخذين الماء من إناء واحد، أو مستعملين منه فهي ظرف مستقر، والثانية لغو، وجاز إذ كانا بمعنيين مختلفين، فإن الثانية بمعنى لأجل الجنابة ومن جهتها، والأولى لمحض التعدية. 1573 - حديث: "إن هذا أمر كتبه الله على بنات آدم فاقضي ما يقضي الحاج غير أن لا تطوفي بالبيت". قال الكرماني: بنصب (غير)، فإن قلت تقدير الكلام غير عدم الطواف، وليس صحيحاً، إذ المقصود نقيضه. قلت: (لا) زائدة، و (تطوفي) منصوب أو (أن) مخففة من الثقيلة وفيه ضمير الشأن، و (لا تطوفي) مجزوم. 1574 - حديث: "كان يأمرني فأتزر". قال الكرماني: فإن قلت: لا يجوز الإدغام فيه عند التصريف. قال صاحب المفصل: وقول من قال "أتزر" خطأ؟. قلت: قول عائشة وهي من فصحاء العرب حجة في جوازه فالمُخَطِّئ مُخْطِئ أو أنه وقع من الرواة عنها. وقال الزركشي في التنقيح: اشتهر بالتشديد. قال المطرزي: هو عامي، والصواب: أأتزر بهمزتين الأولى للمتكلم والثانية فاء افتعل، وقد نص الزمخشري على خطأ من قال (أتّزر) بالإدغام. وأما ابن مالك، فحاول تخريجه على وجه يصح، وقال: إنه مقصور على

1575 - حديث: "ما يبكيك يا هنتاه".

السماع كاتّزر واتّكل. ومنه قراءة ابن محيصن: (فليؤد الذي اتّمنَ) [البقرة: 283] بألف وصل وتاء مشددة. وقال ابن حجر: نقل الإدغام عن مذهب الكوفيين وحكاه الصغاني في مجمع البحرين. وقال ابن مالك في توضيحه: ما كان على وزن "افتعل" مما فاؤه واو أوياء فإبدال فائه تاء لازم في اللغة المشهورة، نحو: اتّصل يتّصل، واتّسر يتّسر. فالتاء في "اتصل " بدل من واو، وفي "اتسر" بدل من ياء. فإن كانت فاء ما وزنه افتعل همزة، أبدلت ياء بعد همزة الوصل مبدوءًا بها، نحو ايتمر وإيتمار، وألفًا بعد همزة المتكلم، نحو: آتمر. وسلمت فيما سوى ذلك، نحو: يأتمر ائتمارًا فهو مؤتمر. وقد يشبه هذا النوع بما فاؤه واو فيجيء بتاء مشددة قبل العين، لكنه مقصور على السماع، كاتزر، واتكل. ومنه قراءة ابن محيصن: (فليؤد الذي إتّمن أمانته) بألف وصل وتاء مشددة. 1575 - حديث: "ما يبكيك يا هنتاه". قال ابن فلاح في المغني: مما لم تستعمله العرب إلا في النداء قولهم: يا هناه بمعنى يا رجل قال امرؤ القيس: وقد رابني قولها يا هناه ... ويحك ألحقت شرًّا بشر

1576 - حديث: "كيف يأتيك الوحي".

وهي كناية عن النكرات، واختلف في أصلها، فمنهم من قال: (الهاء) بدل من (واو) منقلبة عن (ياء) وهي لام الكلمة بدليل (هنيهة) وهي بمنزلة (سنة) و (عضة) في كون لامها تارة واوًا وتارة هاء، وقيل: الهاء للسكت، والألف منقلبة عن لام الكلمة إجراء للوصل مجرى الوقف، بدليل (هن) و (هنة)، وتقول في المؤنث: يا هنتاه. لأنه يقال: (هنة) بفتح، و (هنت) بسكونها، وفي تثنية المذكر: يا هنتايه، وفي جمعه: يا هنوناتية قالوا: والنون للجمع، ولم تتغير الألف لانفتاح نون الجمع. وفي تثنية المؤنث يا هنتيان، فالألف والنون للتثنية والياء بدل من ألف هناه، لانكسار نون التثنية، وانكسرت الهاء لمجاورتها الياء، وفي جمعها: يا هناتوه، وقلبت الألف واوًا لانضمام تاء الجمع، انتهى. وقال الزركشي: (يا هنتاه) أي: يا هذه. وتفتح النون وتسكن وتضم الهاء الأخيرة وتسكن وأصله من الهن، يكنى به عن النكرة كشيء والأنثى (هنة) فإذا وصلتها بالهاء قلت: يا هنتاه، وأصل هائه السكون لأنها للسكت. لكنهم قد شبهوها بالضمائر في ثبوتها في الوصل، وضموها وقيل معناه: يا بلهاء عن مكايد الناس. 1576 - حديث: "كيف يأتيك الوحي". قال الكرماني: إسناد الإتيان إلى الوحي من باب المجاز، ومثله، تارة يسمى بالمجاز العقلي وتارة بالمجاز في الإسناد. وأصله: كيف يأتيك حامل الوحي، فأسند إلى الوحي للملابسة التي بين الحامل والمحمول، وتارة يسمى استعارة بالكناية، أي شبه الوحي برجل مثلاً، وأضيف إلى المشبه الإتيان الذي هو من خواص المشبه به. وقوله: (مثل صلصلة الجرس) منصوب، نعت لمصدر محذوف أي إتيانًا مثل، وروي (في مثل) بإثبات (في) ورجحت لأن الصلصلة حينئذ للوحي بمنزلة القراءة للقرآن في فهم الخطاب. وأما على إسقاط (في)، فمعناه يرجع للذي ذكره ثانيًا وهو تمثل الملك له فيكلمه.

1577 - حديث: "كنت أغتسل أنا والنبي صلى الله عليه وسلم من إناء واحد، من قدح يقال له الفرق".

وقال الطيبي: (مثل) يجوز أن يكون مفعولاً مطلقًا والأحسن أن يكون حالاً، أي يأتيني الوحي مشابهًا صوته كصلصلة الجرس. وقوله: (يتمثل لي الملك رجلاً). قال الكرماني: (رجلاً) منصوب، إما بالمصدرية أي يتمثل مثل رجل، وإما بالمفعولية على تضمين يتمثل معنى (اتخذ)، أي اتخذ الملك رجلاً مثالاً. وإما بالحالية، فإن قلت: الحال لابد أن يكون دالاًّ على الهيئة، والرجل ليس بهيئة، قلت: معناه هيئة رجل، فإن قلت: ليس التمثل في حال هيئة الرجل، ومن شرط الحال أن يكون حالاً عند صدور الفعل، قلت: يكون حالاً مقدرة وذلك كثير، وإما بالتمييز. انتهى. وقال ابن السيد: هو حال موطئة على تأويل الجامد بمشتق، أي: مرئيًا محسوسًا. وقوله: (وإن جبينه ليتفصد عرقًا)، منصوب على التمييز، لأنه توضيح بعد إبهام، وتفصيل بعد إجمال. ذكره الكرماني. و (يتفصد) صفة مبالغة من الفَصْد وهو قطع الرق لإسالة الدم لأن باب التفعيل يدل عليهما. فائدة: حكى العسكري في تصحيفه عن بعض شيوخه أنه صحّفه (ليتقصّد) بالقاف. وقد وقع في هذا التصحيف الحافظ ابن طاهر فرد عليه المؤتمن السّاجي بالفاء. قال: فأصر على القاف، ذكره ابن حجر في فتح الباري. 1577 - حديث: "كنت أغتسل أنا والنبي صلى الله عليه وسلم من إناء واحد، من قدح يقال له الفرق".

1578 - حديث: "أهريقوا علي الماء من سبع قرب".

قال الكرماني: (والنبي) يحتمل أن يكون مفعولاً معه وأن يكون عطفاً على الضمير المرفوع المتصل. فإن قلت كيف يكون عطفاً ولا يصح أن يقال: أغتسل والنبي – صلى الله عليه وسلم - بضمير المتكلم. قلت: يقدر مناسبه مما يصح، وهو من باب تغليب المتكلم على الغائب، كما غلّب في قوله تعالى: (اسكن أنت وزوجك الجنة) [البقرة: 35] المخاطب على الغائب وتقديره: اسكن أنت ولتسكن زوجك. وقوله: (من إناء واحد من قدح)، (مِنْ) الأولى ابتدائية والثانية بيانية، والأولى أن يكون (قدح) بدل من (إناء) بتكرار حرف الجر في البدل. انتهى. 1578 - حديث: "أهريقوا علي الماء من سبع قرب". قال ابن التين: هو بإسكان الهاء، ونقل عن سيبويه أنه قال: أهراق يهريق اهرياقًا، مثل: استطاع يسطيع اسطياعًا بقطع الألف وفتحها في الماضي وضم الياء في المستقبل، وهي لغة في أطاع يطيع، فجعلت السين والهاء عوضًا من ذهاب الحركة عن عين الفعل. قال: وروي بفتح الهاء ووجه بأنها مبدلة من الهمزة، لأن أصل هراق أراق، ثم اجتلبت الهمزة وسكنت الهاء عوضًا عن حركة عين الفعل، فتحريك الهاء على إبقاء البدل والمبدل منه، وله نظائر. وقال الجوهري: هراق الماء يهريقه، بفتح الهاء هراقة بالكسر، أي صبه، وأصله: أراق يريق إراقة وأصل يريق يأريق وإنما قالوا: أنا أهريق وهم لا يقولون أنا أأريقه لاستثقالهم الهمزتين، وقد زال ذلك بعد الإبدال. وفيه لغة أخرى أهرق الماء

1579 - حديث: "عقرى حلقى".

يهرقه إهراقًا، على أفعل يفعل إفعالاً، قد أبدلوا من الهمزة الهاء ثم ألزمت فصارت كأنها من نفس الحرف، ثم أدخلت الألف بعد الهاء وتركت الهاء عوضًا من حذفهم حركة العين. وفيه لغة ثالثة: أهراق يهريق إهراقًا فهو مهريق. وقال ثعلب في فصيحه: (هرقت الماء فأنا أهريقه، بضم الألف وفتح الهاء، فإذا أمرت قلت: هرق ماءك، وكذا أرقت الماء فإنها أريقه، وإذا أمرت قلت: أرق ماءك، وهو الأصل). 1579 - حديث: "عقرى حلقى". قال ابن فلاح في المغني: يقولون: عقرًا حلقًا أي: عقر الله جسده أي جرحه وأصاب حلقه وجع، وربما قالوا: عقرى حلقى بغير تنوين، وهو من المصادر التي يجب إضمار فعلها لكثرة الاستعمال، ومثله سقْيًا ورعيًا في الدعاء له، وخيبة وجدعًا وبؤسًا وبعدًا وسحقًا في الدعاء عليه. والخيبة عبارة عن عدم المطلوب، والجدع قطع الأنف والأذن واليد والشفة، والبؤس الفقر، والسحق البعد، انتهى. وقال الأزهري: قال أبو عبيدة (عقرى حلقى) معناه عقرها الله وحلقها، أي عقر جسدها وأصابها بوجع في حلقها هذا على ما يرويه المحدثون والصواب: عقرًا حلقًا، أي مصدرين بالتنوين فيهما على مذهب العرب في الدعاء على الشيء من غير إرادة وقوعه. قال شمر: قلت لأبي عبيدة: لم لا تجيز (عقرى)؟ فقال: لأن (فعلى) يجيء نعتًا ولم يجئ في الدعاء، وهذا دعاء، فقلت: روى ابن شميل عن العرب (مُطَّيْرى)، وعقرى أخف منها، فلم ينكره. هذا آخر كلامه.

1580 - حديث: "بئسما عدلتمونا بالكلب والحمار، لقد رأيتني ورسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي وأنا مضطجعة بينه وبين القبلة".

وقال صاحب المحكم: يقال المرأة عقرى حلقى، حلق شعرها أو أصابها في حلقها بالوجع، قال: عقرى هنا مصدر كدعوى. وقيل: معناه تعقر قومها وتحلقهم بشؤمها. أي هو جمع عقير وهو مثل جريح وجرحى لفظًا ومعنى. قال: وقيل: العقرى الحائض. انتهى. وقيل: عقرى عاقرا لا تلد، وحلقى، أي مشؤومة. قال الأصمعي: أصبحت أمة حالقًا، أي ثاكلاً. قال النووي: وعلى الأقوال كلها، هي كلمة اتسعت فيها العرب فصارت تطلقها ولا تريد حقيقة معناها التي وضعت له كتربت يداه وقاتله الله. وقال: إن المحدثين يروونه بالألف التي هي ألف التأنيث، ويكتبونه بالهاء ولا ينونونه. وقال الزمخشري: هما صفتان للمرأة المشؤومة، أي أنها تعقر قومها وتحلقهم أي تستأصلهم من شؤمها عليهم، ومحلها الرفع على الخبرية أي هي عقرى حلقى، ويحتمل أن يكونا مصدرين على (فعلى) بمعنى العقر والحلق كالشكوى للشكو وقيل الألف للتأنيث مثلها في غضبى وسكرى. 1580 - حديث: "بئسما عدلتمونا بالكلب والحمار، لقد رأيتُني ورسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي وأنا مضطجعة بينه وبين القبلة". قال الكرماني: (رأيتني) بضم التاء، وكون الفاعل والمفعول ضميرين كشيء واحد من خصائص أفعال القلوب. فإن قلت: إن كانت الرؤية بمعناها الأصلي فلا يجوز حذف أحد مفعوليه، وإن كانت بمعنى الإبصار فلا يجوز اتحاد الضميرين. قلت: قال الزمخشري: في قوله تعالى: (ولا تحسبن الذين قتلوا فى سبيل الله

1581 - حديث: "شبهتمونا بالحمر والكلاب".

أمواتًا)، جاز حذف أحدهما لأنه مبتدأ فى الأصل فيحذف كالمبتدأ. فإن قلت: هذا مخالف لقوله في المفصل وفي سائر مواضع الكشاف: لا يجوز الاقتصار على أحد مفعولي الحسبان. قلت: روي أيضًا عنه أنه إذا كان الفاعل والمفعول عبارة عن شيء واحد جاز الحذف، فأمكن الجمع بينهما بأن القول: يجوز الحذف فيما إذا اتحد الفاعل والمفعول بمعنى، والقول بعدمه فيما إذا كان بينهما الاختلاف، والحديث من القسم الأول، إذ تقديره: رأيت نفسي معترضة، وهذا من دقائق النحو، إذ أعطى الرؤية التي بمعنى الإبصار حكم الرؤية التي من أفعال القلوب. قال: وقوله: (بئسما عدلتمونا)، (ما) نكرة موصوفة مفسرة لفاعل بئس. والمخصوص بالذم محذوف وهو نحو: عدلكم. 1581 - حديث: "شبهتمونا بالحمر والكلاب". قال ابن مالك: المشهور تعدية "شبه" إلى مشبه ومشبه به دون باء، كقول امرئ القيس: فشبهتهم في الآل حين ذهابهم ... حدائق دوم أو سفينا مقيرا ويجوز أن يعدى إلى الثاني بالباء، فيقال: شبهت كذا بكذا، ومنه قول أم المؤمنين رضي الله عنها: "شبهتمونا بالحمر والكلاب". ومنه قول الشاعر:

1582 - حديث: "إني لأعلم إذا كنت علي راضية وإذا كنت علي غضبى".

ولها مبسم يشبه بالإ ... غريض بعد الهدو عذب المذاق وقد كان بعض المعجبين بارائهم يخطئ سيبويه وغيره من أئمة العربية في قولهم: "شبه كذا بكذا"، ويزعم أن هذا الاستعمال لحن، وأنه لا يوجد في كلام من يوثق بعربيته، والواجب ترك الباء. وليس الذي زعم صحيحًا، بل سقوط الباء وثبوتها جائز، وسقوطها أشهر في كلام القدماء، وثبوتها لازم في عرف العلماء. انتهى. 1582 - حديث: "إني لأعلم إذا كنت علي راضية وإذا كنت عليَّ غضبى". قال ابن مالك: (إذا) هنا وقعت مفعولاً لأعلم، وخرجت عن الظرفية. قال ابن هشام في المغني: الجمهور على أن (إذا) لا تخرج عن الظرفية وهي في الحديث ظرف (أعلم) محذوفًا وتقديره: شأنكِ ونحوه كما تعلقت إذ بالحديث في قوله تعالى: (هل أتاك حديث موسى) [النازعات: 15]، (هل أتاك حديث ضيف إبراهيم المكرمين * إذ دخلوا عليه) [الذاريات: 24 - 25]. 1583 - حديث: "لا صلاة بحضرة طعام ولا وهو يدافعه الأخبثان". قال الأشرفي في هذا الحديث: لا أحققه. قال الطيبي: يمكن أن يقال: إن (لا) الأولي لنفي الجنس، (وبحضرة طعام)

1584 - حديث: "كن نساء المؤمنات يشهدن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الفجر".

خبرها، و (لا) الثانية زائدة للتأكيد، والواو عطف الجملة. وقوله: (هو) مبتدأ، و (يدافعه) خبر، وفيه حذف، تقديره: ولا صلاة حين هو يدافعه الأخبثان فيها، يعني: الرجل يدفع الأخبثين حتى يؤدي الصلاة، والأخبثان يدفعانه عن الصلاة، ويجوز أن يحذف اسم (لا) الثانية وخبرها. وقوله: (هو يدافعه) حال، أي ولا صلاة للمصلي وهو يدافعه الأخبثان، ويؤيده رواية: (لا يصلي وهو يدافع الأخبثين). 1584 - حديث: "كن نساء المؤمنات يشهدن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الفجر". قال ابن فلاح في المغني: اللغة المشهورة تجريد الفعل من علامة تثنية وجمع عند تقديمه على ما هو مسند إليه استغناء بما في المسند إليه من العلامات نحو: حضر أخواك، وانطلق عبيدُك، وتبعهم إماؤك. ومن العرب من يقول: حضرا أخواك وانطلقوا عبيدُك وتبعتهم إماؤك. والسبب في هذا الاستعمال: أن الفاعل قد يكون غير قابل لعلامة تثنية ولا جمع كـ (مَنْ) فإذا قصدت تثنيته أو جمعه، والفعل مجرد، لم يُعلم القصد. فأراد أصحاب هذه اللغة تمييز فعل الواحد من غيره، فوصلوه عند قصد التثنية والجمع بعلامتيهما، وجرّدوه عند قصد الإفراد، فرفعوا اللبس، ثم التزموا ذلك فيما لا لبس فيه ليجري الباب على سنن واحد. وعلى هذه اللغة قول من روى: (كُنّ نساءُ المؤمنات). وفي إضافة نساء إلى المؤمنات شاهد على إضافة الموصوف إلى الصفة عند أمن اللبس، لأن الأصل: (كن النساءُ المؤمناتُ). وهو نظير حبة الحمقاء، ودار الآخرة، ومسجد الجامع، وصلاة الأولى، انتهى.

1585 - حديث: "أنه صلى الله عليه وسلم أراد أن يعتكف، فلما انصرف فإذا أخبية خباء عائشة وخباء حفصة وخباء زينب، فقال: ألبر تقولون بهن".

وقال الزركشي: يجوز في (نساء) وجهان: النصب على أنه خبر كان، وقوله: (يشهدن) خبر ثان. والرع على أنه بدل من الضمير في كان، أو فاعل على لغة أكلوني البراغيث. وقال الكرماني: فإن قلت: (صلاة الفجر) أهو مفعول به أو مفعول فيه، أي يشهدان المسجد في الفجر. قلت: يصح أن تكون مشهودة أو مشهودًا فيها. والمعنيان صحيحان. وقوله: (لا يعرفهن أحد من الغلس). قال الطيبي والكرماني: (من) ابتدائية. 1585 - حديث: "أنه صلى الله عليه وسلم أراد أن يعتكف، فلما انصرف فإذا أخبية خباء عائشة وخباء حفصة وخباء زينب، فقال: ألبرّ تقولون بهنّ". قال الكرماني: (أخبية) مبتدأ وخبره محذوف نحو: حاضرة أو مضروبة و (ألبر) بهمزة الاستفهام مجرى الظن في العمل، والمفعول الثاني: (بهن) إذ تقديره: ملتبسًا بهن. قال الزركشي: ويجوز في (ألبر) الرفع على الحكاية وفي الرواية الأخرى: (ما حملكن على هذا البر). قال الزركشي: بالرفع على الاستفهام، و (ما) استفهامية لا نافية. وقال الكرماني: (ما) استفهامية، و (ألبر) بهمزة الاستفهام مبتدأ خبره محذوف، أو نافية و (البر) فاعل حمل، وقوله (أترعوها فلا أراها) بالرفع والجزم. 1586 - حديث: "أنها سئلت: ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يصنع في بيته، قالت: كان يكون

1587 - حديث: "صنع رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا فترخص فيه فتنزه عنه قوم فقال: ما بال قوم يتنزهون عن الشيء أصنعه".

في مهنة أهله". قال الكرماني: فإن قلت: ما فائدة تكرار لفظ الكون؟ قلت: الاستمرار، وبيان أنه صلى الله عليه وسلم كان يداوم عليها. فإن قلت: ما اسم كان؟ قلت: ضمير الشأن وتقديره: كان الشأن يكون كذا، فإن قلت: الشأن المراد إما ماض أو مستقبل، فما التلفيق بينهما؟ قلت: ماض، وذكر بلفظ المضارع استحضارًا وإرادة للاستمرار. 1587 - حديث: "صنع رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئًا فترخص فيه فتنزه عنه قوم فقال: ما بال قوم يتنزهون عن الشيء أصنعه". قال الأشرفي: (أصنعه) في موضع النصب على الحال من (الشيء)، ويجوز أن يكون مجرورًا وصفًا له، لأنه منكر معنى، كقوله صلى الله عليه وسلم: (يأتيه الأمر من أمري) أي: أمر من أموري. قال الطيبي: وفيه بحث، لأن التعريف في (الشيء) للعهد وهو إشارة إلى قوله: (شيئًا). وهو فعل مخصوص تنزهوا عنه. فالحال أولى. وقوله: (يتنزهون) صفة (أقوام) وفي معناها الحال في قولك: مالك قائمًا؟. وقوله: (ما لكم لا ترجون لله وقارًا) [نوح: 13]. وقوله: (والله) وقع موقع (وقد خلقكم أطوارًا) [نوح: 14] فإنه حال من الضمير في: (لا ترجون) مقررة لجهة الإشكال، أي ما لكم غير آملين لله وقارًا والحالة هذه كذلك. (فما لكم) أي ما بالهم يتنزهون وأنا بين أظهرهم وأعلم بالله منهم؟ فهذه الفاء نظيرتها في قوله تعالى: (أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم) [آل عمران: 114].

1588 - حديث: "لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم على شيء من النوافل أشد تعهدا من ركعتي الفجر".

قوله: (وأشدهم خشية) قال الطيبي والأشرفي: في القياس (أخشاهم له)، لأن التوصل بأشد إنما يكون في الممتنع، وهذا الفعل غير ممتنع بناء (أفعل) منه. قال الطيبي: هو كقوله تعالى: (أو أشد خشية) [النساء:77] وفيه مبالغة. 1588 - حديث: "لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم على شيء من النوافل أشد تعهدًا من ركعتي الفجر". قال الطيبي: (على شيء) متعلق بتعاهد. ويجوز تقدم معمول التمييز عليه. والظاهر أن خبر (لم يكن) (علي شيء)، أي لم يكن يتعاهد علي شيء من النوافل. (وأشد تعاهدًا) حال أو مفعول مطلق على تأويل أن يكون التعاهد متعاهدًا، كقوله تعالى: (يخشون ربهم) [الزمر: 23] و (يخشون الناس كخشية الله أو أشد خشية) [النساء: 77] على الوجهين. 1589 - حديث: "أنه قال: ضعوني ماء في المخضب". قال الكرماني: فإن قلت القياس أن يقال ضعوا لي باللام لا بالنون، لأن الماء مفعول ولا يتعدى إلى مفعولين. قلت: ضمن الوضع معنى الإيتاء أو لفظ الماء تمييز عن المِخْضَب. فقدم عليه إن جوزنا التقديم وهو منصوب بنزع الخافض.

1590 - حديث: "كان إذا سمع المؤذن يتشهد قال: وأنا وأنا".

1590 - حديث: "كان إذا سمع المؤذن يتشهد قال: وأنا وأنا". قال الطيبي: عطف على قول المؤذن (أشهد) على تقدير العامل، لا الانسحاب إلى وأنا أشهد كما تشهد، والتكرير في (أنا) راجع إلى الشهادتين. 1591 - حديث: "كان الناس ينتابون الجمعة من منازلهم والعوالي، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لو أنكم تطهرتم ليومكم هذا". قال الزركشي: يجوز أن يكون (لو) للتمني، فلا جواب لها، أو للشرط فجوابها محذوف. 1592 - حديث: "كان يصلي جالسًا فيقرأ وهو جالسٌ، فإذا بقي من قراءته نحوًا كذا". قال ابن مالك: من روى (نحو من كذا)، بالرفع فلا إشكال في روايته، وإنما الإشكال في رواية من روى (نحوًا) بالنصب. وفيه وجهان: أحدهما: أن تكون (مِنْ) زائدة، ويكون التقدير: فإذا بقي قراءته نحوًا. ف "قراءته" فاعل "بقي". وهو مصدر مضاف إلى الفاعل ناصب "نحوًا" بمقتضى المفعولية. وزيادة "مِنْ" على هذا الوجه لا يراها سيبويه، لأنه يشترط في زيادتها شرطين: أحدهما: تقدم نهي أو نفي أو استفهام. والثاني: كون المجرور بها نكرة. والأخفش لا يشترط ذلك، وبقوله أقول، لثبوت زيادتها دون الشرطين نثرًا ونظمًا. فمن النثر قوله تعالى: (يحلون

فيها من أساور) و (آمنوا به يغفر لكم من ذنوبكم) [الأحقاف: 31]. ومن النظم قول عمر بن أبي ربيعة: وينمى لها حبها عندنا ... فما قال من كاشح لم يضر وقال جرير: لما بلغت إمام العدل قلت لهم ... قدكان من طول إدلاجي وتهجيري ومثله: وكنت أرى كالموت من بين ساعة ... فكيف ببين كان موعده الحشر ومثله: يظل به الحرباء يمثل قائمًا ... ويكثر فيه من حنين الأباعد والوجه الثاني: أن يجعل "من قراءته" صفة لفاعل "بقي" قامت مقامه لفظًا ونوى ثبوته، ويجعل "نحوًا" منصوبًا على الحال. والتقدير: فإذا بقي باق من قراءته نحوًا من

1593 - حديث: "أنه صلى الله عليه وسلم دخل إلى المسجد فأوجعه البرد، فقال: ادن مني، قلت: إني حائض، فقال: وإن".

كذا. وهذا الحذف يكثر قبل "مِنْ" لدلالتها على التبعيض. ومنه قوله - صلى الله عليه وسلم: (حتى يكون منهن ثلاثًا وثلاثين). ومنه على أحد الوجهين قوله تعالى: (ولقد جاءك من نبإ المرسلين) [الأنعام: 34]. وتقدير الفاعل المحذوف باسم فاعل الفعل ك "باق" بعد "بقي" و "جاءٍ" بعد "جاء" أولى من تقدير غيره، لدلالة الفعل عليه معنى ولفظًا. ولا يفعل هذا الحذف غالبًا دون صفة مقرونة بـ "مِنْ" إلا بعد نفي أو نهي. ومن وقوعه بعد النهي قراءة هشام: (ولايحسبن الذين قتلوا فى سبيل الله) [آل عمران: 169]. معناه: ولا يحسبنّ حاسب. ومثله قوله - صلى الله عليه وسلم: (ولا تناجشوا، ولا يزيدن على بيع أخيه، ولا يخطبن على خطبة أخيه). ومثل ذلك، وإن لم يكن بصيغة النهي: (نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يقيم الرجل من مجلسه ويجلس فيه). ومثله: (نهى رسول - صلى الله عليه وسلم - عن بيعتين: عن اللماس والنباذ، وأن يشتمل الصماء، وأن يحتبي في ثوب واحد). ومن حذف الفاعل بعد النفي قوله - صلى الله عليه وسلم -: (لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن، ولا يشرب الخمرحين يشربها وهو مؤمن). 1593 - حديث: "أنه صلى الله عليه وسلم دخل إلى المسجد فأوجعه البرد، فقال: ادن مني، قلت: إني حائض، فقال: وإنْ". قال الشيخ ولي الدين العراقي في شرح أبي داود: أي: وإن كنت حائضًا، وهو كقوله:

1594 - حديث: "دخل علي النبي صلى الله عليه وسلم وعندي جاريتان تغنيان بغناء بعاث، ودخل أبو بكر فانتهرني، وقال: مزمارة الشيطان عند النبي صلى الله عليه وسلم".

قالت بنات العم يا سلمى وإن ... كان فقيرًا معدمًا قالت: وإنْ 1594 - حديث: "دخل علي النبي صلى الله عليه وسلم وعندي جاريتان تغنيان بغناء بعاث، ودخل أبو بكر فانتهرني، وقال: مزمارة الشيطان عند النبي صلى الله عليه وسلم". قال الكرماني: الهمزة مقدرة قبل (مزمارة). وقوله: (فأقامني وراءه خدي على خده). قال الكرماني: جملة اسمية حالية، فإن قلت: حقق لي هذه المسألة الزمخشري في الكشاف تارة يجعلها حالاً بدون الواو فصيحًا، وأخرى ضعيفًا. قلت: إذا أمكن وضع مفرد مقامها استفصحه كقوله تعالى: (اهبطوا بعضكم لبعض عدو) [النور: 36]، أي اهبطوا متعادين، وههنا أيضا ممكن، إذ تقديره: أقامني متلاحقين. قوله: (دونكم يا بني أرفدة). قال الكرماني: هي كلمة للإغراء بالشيء والمغرى به محذوف، أي ألزموا ما أنتم فيه وعليكم به. وقال القرطبي ثم الزركشي: نصب على الظرف بمعنى الإغراء، والمغرى به محذوف دلت الحال عليه، وهو لعبهم بالحراب، والتقدير: دونكم اللعب.

1595 - حديث: "إني امرأة أستحاض".

قوله: (حتى إذا مللت قال: حسبك قلت: نعم). قال الكرماني: الاستفهام مقدر: أي أحسبك، والخبر محذوف، أي أكافيك هذا القدر؟ وكذا قال النووي والقرطبي: إن همزة الاستفهام مقدرة بدليل قولها: قلت: نعم. وقوله في الحديث الآخر: (دعهم أمْنًا بني أرفدة). قال الخطابي: (أمنًا) أقيم مقام الصفة نحو: رجل صوم أي صائم، وقد يكون معناه: ائمنوا أمنًا ولا تخافوا أحدًا ليس لأحد أن يمنعكم ونحوه. وقال الزركشي: (بني أرفدة) إما منادى وإما مفعول مطلق لفعل أمر مشتق منه، وإما منصوب على الاختصاص، وإما حال بمعنى آمنين وإما بدل من المضمر. 1595 - حديث: "إني امرأة أستحاض". قال ابن دقيق العيد: يقال: استحيضت المرأة مبنيًّا للمفعول. ولم يبن هذا الفعل للفاعل كما في قولهم نفست المرأة ونتجت الناقة. 1596 - حديث: "اللهم صيبًا نافعًا". قال الطيبي: (صيّبًا) نصبه بفعل مضمر أي استقاء. وقال الكرماني: (صيّبًا) منصوب بمقدر، أي اجعله، وروي (صيْبًا) أي: أصيبه.

1597 - حديث: "والله ما من أحد أغير من الله أن يزني عبده".

قال الحافظ ابن حجر: (نافعًا) صفة للصيب. 1597 - حديث: "والله ما من أحد أغيرُ من الله أن يزنيَ عبدُه". قال الزركشي: برفع (أغير) على جعل (ما) تميمية فيكون خبرًا للمبتدأ الذي هو (أحد) وبنصبه على جعلها حجازية، و (من) زائدة مؤكدة و (أحد) اسم ما، ويجوز إذا فتحت الراء من (أغير) أن يكون في موضع خفض على الصفة لأحد على اللفظ. وكذلك إذا رفعت أن يكون صفة لأحد على الموضع والخبر محذوف في الوجهين، كأنه قيل: ما أحد أغير من الله موجود. وقال الكرماني: (أن يزني) متعلق بأغير، وحذف الجار وهو (في) أو (على). وفي رواية: (إن من أحد أغير من الله). قال القرطبي: (إن) نافية بمعنى (ما) و (من) زائدة على اسم (إن) و (أغير) بالنصب خبر (إن) النافية فإنها تعمل عمل (ما) عند الحجازيين. وعلى التميمية هو مرفوع على أنه خبر المبتدأ الذي هو (أحد). 1598 - حديث: "أنها سألت النبي صلى الله عليه وسلم أيعذّب الناس في قبورهم فقال: عائذًا بالله من ذلك". قال ابن السيد: هو منصوب على المصدر الذي يجيء على فاعل، أي مثل فاعل. كعوفي عافية، أو على الحال المؤكدة النائبة مناب المصدر، والعامل فيه محذوف، كأنه قال: أعوذ بالله عائذًا، وروي بالرفع، أي أنا عائذ.

1599 - حديث: "الصلاة أول ما فرضت ركعتان".

قال سيبويه: والنصب على الحال أكثر في كلامهم أي أقول قولي عائذًا بالله. وقال الرضي: من المحذوف عامله وجوبًا، صفات قائمة مقام المصدر نحو: هنيئًا لك أي هناءة، وعائذًا بك أي عياذًا، وهي مثل: قم قائمًا، وتعال جائيًا. والفرق بينهما أن الأول لم يستعمل ناصبه، بخلاف الثاني، وقد قيل في هذا إنه نصب على الحال المؤكدة، كما قيل في: قم قائمًا. وقال أبو حيان في الارتشاف: وينوب عن المصدر اللازم إضمار ناصبه، صفات نحو: عائذًا بك، وأقائمًا وقد قعد الناس، والصحيح أن انتصابها انتصاب المصادر، وجاءت على (فاعل)، ومن العرب من يقول: عائذ بالله بضمير مبتدأ أي: أنا عائذ بالله. 1599 - حديث: "الصلاة أول ما فرضت ركعتان". قال الكرماني: (أول) بالرفع على أنه بدل من (الصلاة) أو مبتدأ ثان، ويجوز النصب على الظرف أي في (أول). و (ركعتان) روي بالألف على أنه خبر المبتدأ، وبالياء على أنه حال سادّ مسدّ الخبر، ومثله قول الشاعر: الحرب أول ما تكون فتية ... تسعى ببزتها لكل جهول 1600 - حديث: "أنه صلى ركعتين بين النداءين ولم يكن يدعهما أبدًا".

1601 - حديث: "هو لها صدقة".

قال الحافظ ابن حجر: تقرر في كتب العربية أن (أبدًا) تستعمل للمستقبل وأما الماضي فيؤكد بقطّ. قال: ويجاب عن الحديث المذكور بأنها ذكرت على سبيل المبالغة إجراء للماضي مجرى المستقبل، كأنّ ذلك دأبه لا يتركه. 1601 - حديث: "هو لها صدقة". قال ابن مالك: يجوز في " صدقة" الرفع على أنه خبر "هو"، و"لها" صفة قدمت فصارت حالاً، كقوله: (والصالحات عليها مغلقًا بابُ) فلو قصد بقاء الوصفية لقال: "والصالحات عليها باب مغلق". وكذا الحديث، لو قصدت فيه الوصفية ب "لها" لقيل: هو صدقة لها، ويكون " لها"في موضع رفع. ويجوز أن ينصب "صدقة" على الحال، ويجعل الخبر "لها". 1602 - حديث: "من كل الليل أوتر رسول الله صلى الله عليه وسلم من أوله وأوسطه وآخره". قال الطيبي: (من) الأولى يجوز أن تكون تبعيضية منصوبة بـ (أوتر)، و (من) الثانية بدل منها، لأن الليل إذا قسم ثلاثة أقسام يكون لكل قسم منها جزء، ويجوز أن تكون الثانية بيانًا لمعنى البعضية، ويجوز أن تكون الأولى ابتدائية، والثانية بيانًا لـ (كل). وهذا أوجه. ويعتبر في الكل الإفراد بمنزلة اللام الاستغراقية، والثانية بدل، أو بيان.

1603 - حديث: "فقال هذا مكان عمرتك".

1603 - حديث: "فقال هذا مكان عمرتك". قال الزركشي: المشهور رفع (مكان) على الخبر، أي: عوض عمرتك التي تركتيها لأجل حيضتك. وروي بالنصب على الظرف. وقال بعضهم: لا يجوز غيره، والعامل محذوف تقديره: هذه كائنة مكان عمرتك، أو مجعولة مكانها. ورجح القاضي عياض الرفع لأنه لم يرد به الظرف والمكان، وإنما أراد به عوض عمرتها الفائتة وقضاء عنها. وقال السهيلي: (الوجه) النصب على الظرف لأن العمرة ليست بمكان العمرة الأولى. ولكن إن جعلت بمعنى العوض والبدل مجازًا أي هذه بدل عمرتك جاز الرفع. 1604 - حديث: "أمر بكبش أقرن يطأ في سواد وينظر في سواد". قال الطيبي: (في) هنا تجريد كقوله تعالى: (لقد كان لكم في رسول الله أسوة) [الأحزاب: 21]. وقوله: (في البيضة عشرون رطلاً)، كذلك قوله: (يطأ في سواد)، معناه يطأ في الأرض بسواد قوائمه. جعل السواد ظرفًا ومحلاًّ لوطئه، وهو صفة القوائم. وكذلك جعل المنظور فيه سواد العين، وهو الناظر نفسه. 1605 - حديث: "أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل عام الفتح من كدا وخرج من كُدا".

1606 - حديث: "إنها قالت يا رسول الله: وأفضل العمل أفلا نجاهد؟ قال: لكن أفضل الجهاد حج مبرور".

قال الخطابي: المحدثون قلما يقيمون هذين الاسمين، وإنما هما من كَداء وكُدى، قال الشاعر: أنت ابن معتلج البِطا ... حِ كُدَيِّها وكدائِها وقال التيمي: (كداء) بفتحها والمد والتنوين، و (كُدَيّ) بضمها والقصر والتنوين. وقيل: كديّ بضمها وشدة الياء على التصغير. وقال النووي: العليا عند الجماهير بفتحها وبالمد، وقيل بالقصر، والسفلى بضمها وبالقصر. قال: وأما كُديّ بضمها وشدة الياء فهو طريق الخارج إلى اليمن. وليس هو من هذين الطريقين في شيء وهذا قول الأكثر. 1606 - حديث: "إنها قالت يا رسول الله: وأفضلُ العمل أفلا نجاهد؟ قال: لكن أفضل الجهاد حجٌ مبرور". قال الحافظ ابن حجر: اختلف في ضبط (لكن) فالأكثر بضم الكاف خطاب للنسوة. قال القابسي: وهو الذي تميل إليه نفسي، وفي رواية الجموي بكسر الكاف وزيادة ألف قبلها بلفظ الاستدراك. قال الزركشي: (وأفضل) على الوجهين مرفوع على أنه مبتدأ (وحج مبرور) خبره.

1607 - حديث: "إني ذاكر لك أمرا ولا عليك أن لا تعجلي حتى تستأمري أبويك".

قال: ويجوز تشديد (لكنَّ) مع كسر الكاف فيكون (أفضل) منصوبًا على أنه اسمها. قلت: لفظ رواية النسائي: (قال لا ولكن حج مبرور). أي أحسن الجهاد وأجمله حج مبرور. 1607 - حديث: "إني ذاكرٌ لكِ أمرًا ولا عليك أن لا تعجلي حتى تستأمري أبويك". قال الكرماني: (ولا عليك) أي لا بأس عليك في عدم التعجيل، أو (لا) زائدة، أي ليس عليك التعجيل. وقال ابن مالك في شرح الكافية: من حذف اسم (لا) للعلم به قولهم: لا عليك، يريدون لا بأس عليك. 1608 - حديث: "الصلاة جامعة". قال المظهري: (الصلاة) مبتدأ، و (جامعة) خبر. يعني: الصلاة تجمع الناس في المسجد، ويجوز أن يكون التقدير: الصلاة ذات جماعة، أي تصلي جماعة لا منفردًا كسنن الرواتب. فالإسناد مجازي، كـ (طريق سائر، ونهر جار). 1609 - حديث: "أما بعدُ، ما بالُ أناسٍ يشترطون شروطًا ليست في كتاب الله". قال ابن مالك: "أما" حرف قائم مقام أداة الشرط، والفعل الذي يليها، فلذلك

يقدرها النحويون بـ "مهما يكن من شيء" وحق المتصل بالمتصل بها أن تصحبه الفاء، نحو: (فأما عاد فاستكبروا في الأرض) [فصلت: 15]. ولا تحذف هذه الفاء غالبًا إلا في شعر، أومع قول أغنى عنه مقوله، نحو: (فأما الذين اسودت وجوههم أكفرتم) [آل عمران: 106]. أي: فيقال لهم: أكفرتم. ومن حذفها في الشعر قول الشاعر: فأما القتال لا قتال لديكم أراد: فلا قتال لديكم، فحذف الفاء لإقامة الوزن. وقد خولفت القاعدة في هذا الحديث، ومثله قوله صلى الله عليه وسلم: (أما موسى، كأني انظر إليه إذا انحدر في الوادي) وقول عائشة: (وأما الذين جمعوا بين الحج والعمرة طافوا طوافًا واحدًا)، وقول البراء بن عازب: (أما رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يول يومئذ). فعلم بتحقيق عدم التضييق، وأن من خصه بالضرورة مقصر في فتواه، وعاجز عن نصرة دعواه. وقال المظهري في شرح المصابيح: هاتان الكلمتان يقال لهما فعل الخطاب، وأكثر استعمالها بعد تقدم قصة أو حمد الله تعالى وصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، والأصل أن يقال: أما بعد قول الله تعالى، و (بعد) أضيفت إلى شيء، ولم يقدم عليه حرف جر، فهو منصوب على الظرف، وإذا قطع عنه المضاف إليه بني على الضم والفاء لازمة لما بعد (أمّا) من الكلام لما فيها من معنى الشرط.

1610 - حديث الإفك: "قوله: يا رسول الله أهلك ولا نعلم إلا خيرا".

قال الطيبي: قوله: (وإنما الولاء لمن أعتق) حال من قوله: (يشترطون) مقررة لجهة الإشكال كقوله تعالى: (ونحن نسبح بحمدك) حيث وقعت لإنكار ما سبق من قوله: (أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء). 1610 - حديث الإفك: "قوله: يا رسول الله أهلك ولا نعلم إلا خيرًا". قال القاضي عياض: (أهلك) بالنصب على الإغراء أي: الزم أهلك أو أمسك. قال الكرماني: روي بالرفع أي: هي أهلك أو: أهلُك غير مطعون عليها. ونحوه قولها: (آذن ليلة بالرحيل). قال الكرماني: بالجر والنصب حكاية عن قولهم: (الرحيل) منصوبًا على الإغراء. قولها: (وأمرنا أمر العرب الأول). قال عياض: بضم الهمزة وكسر اللام على الجمع صفة للعرب لا للأمر. وقال ابن الحاجب: الرواية المشهورة الإفراد. ومنه قولك: الرجال الأخر. قال: ووجه رواية الجمع أن يقدر اسم جمع تحته جموع كل واحد عرب أو جماعة فتصير مفردة بهذا التقدير. قولها: (أقول ماذا). قال الكرماني: فإن قلت: الاستفهام يقتضي الصدارة. قلت: هو متعلق بفعل مقدر بعده.

1611 - حديث: "فإن الله لا يمل حتى تملوا".

1611 - حديث: "فإن الله لا يمل حتى تملوا". قال التوربشتي: إسناد الملال إلى الله تعالى على طريقة الازدواج والمشاكلة، والعرب تذكر إحدى اللفظتين موافقة للأخرى وإن خالفتها معنى. قال تعالى: (وجزاء سيئة سيئة مثلها) [الشورى: 40]، وقال الشاعر: ألا لا يجهلن أحد علينا ... فنجهلَ فوق جهل الجاهلينا أراد: فنجازيه بجهله ونعاقبه على صنيعه. ووجه آخر وهو: أن الله لا يمل أبدًا وإن مللتم، وذلك نظير قولهم: فلان لا ينقطع حتى ينقطع خصمه، أي: لا ينقطع بعد انقطاع خصمه، بل يكون على ما كان عليه قبل ذلك. 1612 - حديث الهجرة: "قولها: لقلّ يوم كان يأتي على النبي صلى الله عليه وسلم لا يأتي فيه بيتَ أبي بكر". قال الكرماني: اللام جواب قسم محذوف و (قلّ) فعل ماض وفيه معنى النفي، أي: ما يأتي يوم عليه إلا يأتي فيه بيت أبي بكر. وقال أبو علي الفارسي في الشيرازيات: (قلّ) على ضربين: أحدهما: أن يراد به خلاف كثُر، والآخر: أن يراد به النفي، فهذا الضرب يجري مجرى النفي. وحكى بعض البغداديين أنهم قالوا: أتيت بلادًا قلما تنبت إلا الكرّات والبصل. أي لا تنبت،

1613 - حديث: "لقد رأيتنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وما لنا طعام إلا الأسودان".

(فقلّ) على هذا نفي. ولما كان معناه هذا أدخلوا عليه (ما) الكافة فجعلوها تلي الفعل ولم تكن تليه قبل. قالوا: قلما يقوم زيد، يريدون: ما يقوم زيد، فأدخلوا (قلّ) وإن كانت مثالاً ماضيًا من (أن يكون) مسندًا إلى فاعل، وجعلوه كحرف نفي. انتهى. قوله: (هذا رسول الله مقبلاً متقنعاً). قال الطيبي: حالان مترادفتان أو متداخلتان، والعامل معنى اسم الإشارة. قال الزجاج: إذا قلت: هذا زيد قائمًا، إن قصدت أن تخبر به من لم يعرف زيدًا لم يجز، لأنه لا يكون زيدًا إلا ما دام قائمًا، فإذا زال عنه القيام فليس بزيد. وإنما: هذا زيد قائمًا، لمن يعرف زيدًا، فيعمل في الحال التنبيه، أي انتبه لزيد في حال قيامه، وأشير إلى زيد في حال قيامه، لأن (هذا) إشارة إلى ما حضر، وقال: هذا من لطيف النحو وغامضه. قوله: (أخرج ما عندك). قال الكرماني: هو على لغة من يقول: (ما) عامة للعقلاء ولغيرهم وروى: من عندك. قوله: (قال: الصحبةُ يا رسولَ الله، قال: الصحبةُ)، قال الكرماني: (الصحبة) بالنصب، أي: أنا أريد الصحبة، أو أطلب الصحبة، وبالرفع، أي مرادي أي مطلوبي. وكذا لفظ (الصحبة) الثانية بالنصب، أي: أنا أريد أو أطلب الصحبة أيضًا. أو ألزم صحبتك. وبالرفع أي: مطلوبي أيضًا الصحبة أو الصحبة مبذولة. قوله: (صبح ثلاث). قال الزركشي: نصب على الظرف. 1613 - حديث: "لقد رأيتنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وما لنا طعامٌ إلا الأسودان".

قال الشيخ بهاء الدين بن النحاس في التعليقة: أجمع النحاة على أنه إذا اتفق اللفظان والمعنيان جاز التثنية، كرجلين وزيدين، وإن اختلف اللفظان وقف على السماع، كالقمرين، وإن اختلف المعنيان، هل يجوز التثنية أم لا؟ اختلف في ذلك فذهب بعضهم إلى جواز ذلك ومنهم من منعه. وذهب جماعة من متأخري المغاربة وغيرهم إلى أنهما إذا اتفقا في المعنى الموجب للتسمية، جازت التثنية وإن اختلفا في المعنى فلا، كالأسودين في الماء والتمر، لما سمي كل واحد منهما بذلك لسواده، والأحمرين في الخمر واللحم، أو الخمر والزعفران، لما سمي كل واحد منهما بذلك لحمرته. وقال ابن فلاح في المغني: اختصت أفعال باب ظن وأخواتها بالجمع بين ضميري الفاعل والمفعول، ويكون ذلك في المتكلم، ومنه: (لقد رأيتُنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم)، وفي المخاطب نحو: وجدتك عالمًا، أي: وجدت نفسك. وفي الغائب نحو: زيد رآه عظيمًا، أي: رأى نفسه، وفي التنزيل: (أنْ رآه استغنى) [العلق:7]، أي: رأى نفسه، (فلا تحسبنهم بمفازة) [آل عمران: 188] أي: فلا يحسبن أنفسهم. وإنما اختصت هذه الأفعال بهذا الحكم دون غيرها لوجهين، أحدهما: أن تعلقها فيه للعلم والظن والشك، لأن تعلقها بالمفعول الثاني لا بالأول على الحقيقة، لأن الثاني هو الذي يقع فيه العلم والظن والشك فكأن الأول غير موجود، بخلاف: ضربتني فإن المفعول هو تعلق الفعل، فلا يتوهم وجوده. والوجه الثاني: أن كون الفاعل والمفعول في هذه الأفعال كشيء واحد حملاً على الأكثر وجودًا. فإن علم الإنسان وظنه بأمور نفسه أكثر وقوعًا من علمه بغيره وظنه بغيره.

وأما غيرها من الأفعال، فالأعم الأغلب. ولم يقو المضمر على دفع هذا اللبس لقيام الغالب، فأبدلوا المفعول بالنفس فقالوا: ضربت نفسي، وضربت نفسك، وفي ذلك وجهان: أحدهما: إيذان بالعدول عن الأعم الأغلب. والثاني: أنها نزلت منزلة الأجنبي، لأن فيها زيادة لفظ ليس بالمضمر، ولذلك تخاطب مخاطبة الأجنبي، قال: أقول للنفس تأساءً وتعزية ... إحدى يديّ أصابتني ولم ترد وقال ابن مالك في توضيحه: في قول عائشة: (لقد رأيتنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وما لنا من طعام إلا الأسودان، وقول حذيفة: لقد رأيتني أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم: (نتوضأ من إناء واحد). شاهدان على إجراء (رأى) البصرية مجرى (رأى) القلبية، في أن يجمع لها بين ضميري فاعل ومفعول لمسمى واحد. كـ (رأيتنا ورأيتني)، وكان حقه أن لا يجوز: أبصرتُنا وأبصرتُني، لكن حملت رأى البصرية على رأى القلبية لشبهها بها لفظًا ومعنىً. ومن الشواهد الشعرية على ذلك قول قطري بن الفجاءة: ولقد أُراني للرماح دريئة ... من عن يميني تارة وأمامي

1614 - حديث: "ما رأيت أحدا الوجع عليه أشد من رسول الله صلى الله عليه وسلم".

وقول عنترة: فرأيتُنا ما بيننا من حاجزٍ ... إلا المِجَنُّ ونصلُ أبيضَ مفصلِ انتهى. قلت: قد كثر ورود ذلك في الأحاديث، منها حديث سعد بن أبي وقاص: (لقد رأيتني سابع سبعة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وما لنا طعام إلاّ ورق الحبلة). وحديث علي: (لقد رأيتني مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وإني لأربط الحجر على بطني من الجوع). 1614 - حديث: "ما رأيتُ أحدًا الوجعُ عليه أشدُّ من رسول الله صلى الله عليه وسلم". قال الطيبي: (الوجع) مبتدأ وخبره (أشد)، والجملة بمنزلة المفعول الثاني لـ (رأيت)، لأنها من دواخل المبتدأ والخبر. والخبر قد يكون جملة. المعنى: ما رأيت أحدًا أشد وجعًا من رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال الطيبي: (الوجع) مبتدأ وخبره (أشد)، والجملة بمنزلة المفعول الثاني لـ (رأيت)، لأنها من دواخل المبتدأ والخبر. والخبر قد يكون جملة. المعنى: ما رأيت أحدًا أشدّ وجعًا من رسول الله صلى الله عليه وسلم. 1615 - حديث: "ليس من أحدٍ يقع الطاعون فيمكث في بلده صابرًا محتسبًا يعلم أنه لا يصيبه إلا ما كُتِب له إلا ما كان". قال الطيبي: قوله: (ليس من أحد) الجملة بيان لقوله: (جعله رحمة للمؤمنين)، و (من) زائدة، و (يقع الطاعون) صفة لأحد والراجع محذوف، أي: يقع في بلده. و (فيمكث) عطف على (يقع)، و (صابرًا ومحتسبًا) حالان من فاعل (يمكث) وكذا (يعلم) وإلا خبر (ليس).

1616 - حديث: "سئل النبي صلى الله عليه وسلم بما أفضلت الحمر، فقال: وبما أفضلت السباع". رواه الدارقطني.

1616 - حديث: "سئل النبي صلى الله عليه وسلم بما أفضلت الحمر، فقال: وبما أفضلت السباع". رواه الدارقطني. قال الشيخ شمس الدين بن الصائغ في تذكرته: الواو عاطفة على مضمر تقديره: نعم، ومثله قولك: وفقيه، في جواب من قال: زيد شاعر، أي: نعم هو كذلك وفقيه. وقوله تعالى: (ويقولون سبعة وثامنهم كلبهم) [الكهف: 22]، تقديره: نعم وثامنهم. قلت: وقد صرح بذلك في رواية الترمذي ولفظه فقال: (نعم وبما أفضلت السباع). 1617 - حديث: "إن أم حبيبة وأم سلمة ذكرتا كنيسة رأينها". قال أبو البقاء: وقع في هذه الرواية (رأينها) وهو ضمير جمع المؤنث، فيكون أجرى الاثنين مجرى الجمع. 1618 - حديث: "فإن خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم كان القرآن". قال أبو البقاء: اسم (كان) مضمر فيها يرجع إلى (الخلق)، و (القرآن) خبر (كان) منصوب. وقولها: (فلما أسنّ وأخذ اللحم)، يجوز نصب (اللحم) على أنه مفعول

1619 - حديث: "لخلوف فم الصائم"

(أخذ) ورفعه على معنى: أخذ اللحم منه مأخذه. 1619 - حديث: "لخُلوف فم الصائم" قال أبو البقاء: الخاء مضمومة لا غير، وهو مصدر خلف فوه يخلف، إذا تغيرت ريحه. وهو مثل: قعد قعودًا، وخرج خروجًا، والفتح خطأ. 1620 - حديث: "تقطع اليد في ربع دينار فصاعدًا". قال أبو البقاء: هو منصوب على الحال، والتقدير: فيزيد صاعدًا، انتهى. وقال ابن الحاجب في أماليه: قولهم: أخذته بدرهم فصاعدًا، هذا إنما يكون في أشياء متعددة أشتري أقلها وبعضها بدرهم، وبعضها بأكثر، فذكر أقل الأثمان أولاً، ثم أتبع ذكر الزائد منصوبًا على أن المعنى: فذهب الثمن في بعضه زائدًا على الدرهم، واختصر الكلام لكثرته وعلمهم به، ولو خفضت لم يستقم لما فيها من التعقيب على العطف، فيؤدي إلى أن يكون الثمن في وقت أكثر من وقت البيع. وأيضًا لو سلم من التعقيب أدى إلى أن يكون الثمن زائدًا، فيفسد المعنى من حيث أن يصير الثمنان كشيء واحد، وليس هو المراد، وإنما المراد ما تقدم. ولا تستقيم الواو لا خفضًا ولا نصبًا، أما الخفض فلفساد الجمع بين الثمنين كشيء واحد، والنصب لما فيها من الجمعية، وغرض المتكلم أن يتبع ذلك الثمن ثمنًا آخر. وهذا إنما يحصل بالفاء. وأما (ثم) فقد جاءت قليلاً لما فيها من معنى الاتباع إلا أن الفاء أولى منها لأمرين: أحدهما: أنها أخفّ. والآخر: أن في (ثمّ) دليل المهلة ولا حاجة إليه.

1621 - حديث: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم كلما كان ليلتها يخرج من آخر الليل إلى البقيع، فيقول: السلام عليكم دار قوم مؤمنين وأتاكم ما توعدون غدا مؤجلون".

1621 - حديث: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم كلما كان ليلتها يخرج من آخر الليل إلى البقيع، فيقول: السلام عليكم دار قوم مؤمنين وأتاكم ما توعدون غدًا مؤجلون". قال الطيبي: قوله: (كلما) ظرف فيه معنى الشرط لعمومه، وجوابه: (يخرج) وهو العامل فيه، والجملة خبر (كان) وهو حكاية معنى قولها لا لفظها الذي تلفظت به. قال: وقوله: (مؤجلون) إعرابه مشكل، وإن حمل على الحال المؤكدة من واو (توعدون) على حذف الواو، والمبتدأ كان فيه شذوذان، ويجوز حمله على الإبدال من (ما توعدون) أي أتاكم مؤجلونه أنتم. وقال ابن مالك: في قول عائشة: (أقول ماذا) شاهد على أن (ما) الاستفهامية إذا ركبت مع (ذا) تفارق وجوب التصدير، فيعمل فيها ما قبلها رفعًا ونصبًا. فالرفع كقولهم: كان ماذا، والنصب كقول عائشة رضي الله عنها: أقول ماذا. وأجاز بعض العلماء وقوعها تمييزًا، كقولك لمن قال: عندي عشرون. عشرون ماذا؟ قولها: (وكنت ما كنت غضبًا). قال الكرماني: هو نحو قولهم: أخطب ما يكون الأمير قائمًا. 1622 - حديث: "كنت أدخل البيت فأضع ثوبي وأقول إنما هو زوجي". قال الطيبي: العطف على التقدير: أي إنما هو أبي والآخر زوجي، ويجوز أن يكون هو ضمير الشأن، أبي وزوجي مدفونان. 1623 - حديث: "أنها رأت أرادت أن تعتق مملوكين لها زوج".

1624 - حديث: "كان صداقه صلى الله عليه وسلم لأزواجه ثنتي عشرة أوقية ونش".

قال الطيبي: قوله: (لها زوج)، في إعرابه إشكال. وفي رواية: (لها زوجين). وهو صفة لـ (مملوكين)، والضمير لعائشة إن يقدر أحدهما زوج الآخر، أو بينهما زواج، ويجوز أن يكون الضمير للجارية، لما يفهم من قوله: (مملوكين) في هذا السياق، فحينئذ يجوز أن يكون (زوج) مبتدأ، والجار والمجرور خبره، وأن يكون عامله لاعتماده على الموصوف، ويؤيده ما في بعض الروايات: (مملوكة لها زوج). 1624 - حديث: "كان صداقه صلى الله عليه وسلم لأزواجه ثنتي عشرة أوقيةً ونشّ". قال القرطبي: (نش) هو معرب منون، غير أنه وقع هنا (نش) على لغة من يقف على المنون بالسكون بغير ألف. وقال الطيبي: قوله (ونش) بالرفع على تقدير: ومعها نش، أو يزاد نش، وبالنصب عطفًا على (أوقية). 1625 - حديث: "أقيلوا ذوي الهيئات عثراتِهم إلا الحدود". قال البيضاوي: إن أريد (العثرات) صغائر الذنوب، وما يندر عنهم من الخطايا، فالاستثناء منقطع. أو الذنوب مطلقًا، وبالحدود ما يوجبها فالاستثناء متصل. 1626 - حديث: "ادرءوا الحدود عن المسلمين ما استطعتم، فإن الإمام إنْ يخطئ في العفو خيرٌ من أن يخطئ في العقوبة". قال الطيبي: (أنْ) في (أن يخطئ) مصدرية، وهو خبر (إن)، أي: إن الإمام خطؤه في العفو خير من خطئه في العقوبة. 1627 - حديث: "أنهم قالوا لابن الدغنّة، مُرْ أبا بكر فليعبد ربَّه في بيته".

1628 - حديث: "اللهم من ولي من أمر أمتي شيئا فشق عليهم".

قال الكرماني: فإن قلت: لا معنى للفاء هنا قلت تقديره: مر أبا بكر ليعبد ربه، فليعبد ربه. وكذا قول عمر: (ادع الله فليوسع على أمتك). كان يقتضي الظاهر أن يقال ادع الله أن يوسع، وتقديره: ادع الله ليوسع فليوسع. فكرر لفظ الأمر الذي هو بمعنى الدعاء للتأكيد. انتهى. 1628 - حديث: "اللهم من وَلِيَ من أمر أمتي شيئًا فشقّ عليهم". قال الطيبي: قوله: (من أمر أمتي) بيان، (شيئًا). قدمت فصارت حالاً. 1629 - حديث: "إذا أراد الله بالأمير خيرًا جعل له وزيرَ صدق". قال الطيبي: أصله: وزير صادق، ثم (وزير صدق) على الوصف به، ذهابًا إلى أنه نفس الصدق، ثم أضيف لمزيد الاختصاص به. ولم يرد بـ (الصدق): الاختصاص بالقول فقط، بل بالأفعال والأقوال. قال الراغب: يعبر عن كل فعل، ظاهرًا أو باطنًا بالصدق، ويضاف إليه ذلك الفعل الذي يوصف به، نحو (في مقعد صدق) [القمر: 55] وقدم صدق. وعلى عكس ذلك: وزير شهرة. 1630 - حديث: "من أعمر أرضًا ليست لأحد فهو أحقّ". قال الكرماني: فإن قلت: المستعمل (عمر) بدون الهمز. قلت: جاء أعمر الله

1631 - حديث: "كان يكون علي الصوم من رمضان، فما أستطيع أن أقضيه إلا في شعبان، من الشغل برسول الله صلى الله عليه وسلم".

بك منزلك. فمعناه: من أعمر أرضًا بالإحياء فهو أحق بها من غيره. وحذف متعلق أفعل التفضيل للعلم به. وقال في التنقيح: (أعمر) بضم الهمزة أجود من الفتح. وقال القاضي: كذا وقع رباعيًّا، والصواب عمر ثلاثيًا. قال تعالى: (وعمروها أكثر مما عمروها) [الروم: 9]، إلا أن يريد أنه جعل فيها: عمّارًا. وقال ابن بطال: ذكر صاحب العين: أعمرت الأرض وجدتها عامرة، وليس هو بمراد هنا. وإنما يجيء هنا الثلاثة، ويمكن أن يكون: من اعتمر أرضًا، وسقطت التاء من الأصل. 1631 - حديث: "كان يكون عليّ الصوم من رمضان، فما أستطيع أن أقضيَه إلا في شعبان، من الشغل برسول الله صلى الله عليه وسلم". قال ابن مالك في شرح التسهيل: (من) فيه للتعليل، أي: يمنعني الشغل من أجل رسول الله صلى الله عليه وسلم. 1632 - حديث أم زرع: "قولها: زوجي لحمُ جمل غثّ". قال الزركشي: يجوز في (غث) الرفع وصفًا للحم، والجر وصفًا لـ (جمل). وقولها: (لا سهل) فيه ثلاثة أوجه: الفتح بلا تنوين، والرفع والجر مع التنوين، وإعرابها بالرفع على خبر مبتدأ مضمر. أي: لا هو. والنصب على إعمال (لا) مع حذف الخبر، أي: لا سهل فيه، والجر على الصفة لـ (جمل). وقولها: (ولا سمين) بالرفع صفة لـ (لحم). وبالجر صفة لـ (جمل).

قولها: (زوجي لا أبث خبره، إني أخاف أنْ لا أذره). قيل: الهاء عائدة على الخبر، أي: إنه لطوله وكثرته، إن ذكرته لم أقدر على إتمامه. وإليه ذهب ابن السكيت. وقال غيره: إنها عائدة على (الزوج)، وكأنها خشيت فراقه إن ذكرته. وتكون (لا) زائدة. وقولها: (زوجي كليل تهامة لا حرّ ولا قرّ، ولا مخافة سآمة). يجوز في الأربعة الفتح على أنها مبنية مع (لا) والخبر محذوف، أي: لا حر فيها. وكذا ما بعده، ويجوز الرفع. قال أبو البقاء: وكأنه أشبه بالمعنى، أي: ليس فيه حر فهو إما اسم (ليس) وخبرها محذوف. ويقوي الرفع ما فيه من التكرير. قولها: (زوجي إذا دخل فَهِد)، بكسر الهاء وفتح الدال، فعل ماض، أي: نام وغفل عن معائب البيت التي يلزمني إصلاحها، مشتق من الفهد لاتصافه بوصفه، فإن الفهد يوصف بكثرة النوم، ويحتمل أنه هنا اسم. ويكون خبر المبتدأ مضمرًا أي: فهذا كقوله: (الحمو الموت). قولها: (إذا خرج أَسِدَ) بكسر السين وفتح الدال، فعل ماض، أي: فَعَلَ فِعْل الأسد، لمدحه بالشجاعة. قولها: (زوجي المسُّ مسُّ أرنب، والريحُ ريح زرنب)، في (المس) و (الريح) ضمير مجرور محذوف، أي: منه، إذ لا بدّ من رابط، كقولهم: السمن منوان بدرهم. أي: منه، هذا إذا لم نقل: إن (أل) نائبة عن الضمير.

1633 - حديث: "ما من مصيبة تصيب المسلم إلا كفر الله بها عنه حتى الشوكة يشاكها".

قولها: (زوجي مالك وما مالك؟)، (ما) استفهامية بمعنى التعظيم مبتدأ وما بعده خبر. قولها: (عكومها رداح)، قيل: لا يجوز أن يكون (رداح) خبر لـ (عكومها)، لأنه مفرد و (عكومها) جمع عِكْم، كجلد وجلود، بل هو خبر لمبتدأ مضمر. أي: كل عظم منها رداح. وتعقب بأنه مصدر كالذهاب والطلاق، فيجوز أن يكون خبرًا، أو يكون على طريق النسبة، كقوله تعالى: (السماء منفطر به) [المزمل: 18]، أي: ذات انفطار. قولها: (طوع أبيها، وطوع أمها، وملء كسائها، وغيظ جارتها) في هذا من الألفاظ دليل لسيبويه في إجازته: مررت برجل حسن وجهه، خلافًا للمبرد والزجاج. قولها: (والأوطاب تمخض)، هو من نادر جمع الوطب، والمشهور: (وطاب) في الكثرة، و (أوطب) في القلة. قولها: (وأراح عليّ نعمًا ثريّا): حقه أن يقول ثرية، ولكن وجهه أن كل ما ليس بحقيقي التأنيث، لك فيه وجهان في إظهار علامة تأنيثه في الفعل واسم الفاعل والصفة، وتركها. 1633 - حديث: "ما من مصيبة تصيب المسلم إلا كفّر الله بها عنه حتى الشوكة يُشاكها". قال الكرماني: (يشاكها) بالضم لما لم يسم فاعله. قال الكسائي: يقال: شكت الرجل، أي: أدخلت في جسده شوكة، وشيك هو يشاك.

1634 - حديث: "ليأتين على القاضي العدل يوم القيامة يتمنى أنه لم يقض بين اثنين في تمرة".

فإن قلت: هو متعدّ إلى مفعول واحد، فما هذا الضمير؟ قلت: هو من باب وصل الفعل، أي: يشاك بها، فحذف الجار وأوصل الفعل الضمير. (الشوكة) مبتدأ، و (يشاكها) خبره. ورواية الجر ظاهرة، والضمير في (يشاكها) مفعوله الثاني، والمفعول الأول مضمر، أي: يشاك المسلم تلك الشوكة. 1634 - حديث: "ليأتينّ على القاضي العدل يوم القيامة يتمنى أنه لم يقض بين اثنين في تمرة". قال الطيبي: (يوم القيامة) قيل: هو فاعل (ليأتين)، و ((يتمنى)) حال من المجرور. والأوجه أن يكون حالاً من الفاعل، والراجع محذوف، أي: يتمنى فيه. ويجوز أن يكون (يوم القيامة) منصوبًا على الظرف، أي ليأتين عليه يوم القيامة من البلاء ما يتمنى أنه لم يقض، فإذن (يتمنى) بتقدير: ((أن))، وقد عبر عن السبب بالمسبب، لأن البلاء سبب التمني. 1635 - حديث: "كيف تجدك". قال الزركشي: بالتاء المثناة في أوله، أي: كيف ترى نفسك من مرضك وهو من (وجدت) بمعنى (علمت)، ولذلك عداها إلى ضمير المخاطب، تقديره: كيف تجد نفسك، ولا يستعمل ذلك إلا مع هذه الأفعال القلبية خاصة، ولا يقال: ضربتُني ولا تضربُك، وإنما يقال: ضربت نفسي، وتضرب نفسك، ويقال: وجدتُني، وتجدُك، وظننتُني، وتظنُّك. وقال الطيبي: (تجد) من أفعال القلوب، ولذلك تجد فيه الفاعل والمفعول، و (كيف) سؤال عن الحال، أي: على أي حال تجد نفسك.

1636 - حديث: "بل أنا وارأساه".

1636 - حديث: "بل أنا وارأساه". قال الكرماني: أي أضرب أنا عن حكاية وجع رأسك وأسبقك بوجع رأسي، إذ لا بأس وأنت تعيش بعدي. قال: وقولها: (واثكلياه) مندوب، إما المصدر فاللام مكسورة، وإما (الثكلى) صفة، فاللام مفتوحة. 1637 - حديث: "كان إذا اشتكى نفث على نفسه بالمعوذات". قال المظهري: حقه أن يقول بالمعوذتين، لأنهما سورتان، ولكن أتى بلفظ الجمع، إما على إجراء التثنية مجرى الجمع، أو لأنها تعني (المعوذات) هاتين السورتين، وكل ما يشبههما من الآيات. 1638 - حديث: "أذهب الباس ربَّ الناس". قال الكرماني: هو منادى مضاف. و (لا شفاء إلا شفاؤك)، حصرتا تأكيدًا لقوله: (أنت الشافي)، لأن خبر المبتدأ إذا كان معرفًا باللام أفاد الحصر، لأن الدواء لا ينفع إذا لم يخلق الله فيه الشفاء. و (شفاء لا يغادر سقمًا) مكمل لقوله: (اشف)، والجملتان معترضتان بين الفعل والمفعول المطلق. وقال الزركشي: (لا شفاء) بالبناء على الفتح، والخبر محذوف، أي: لا شفاء لنا، و (إلا شفاؤك) مرفوع بدلاً من موضع (لا شفاء). ومثله: (لا إله إلا الله)، و (شفاء) بالنصب مصدر (اشف)، وبالرفع على أنه خبر مبتدأ، أي: هو شفاء.

1639 - حديث: "من يلي من هذه البنات شيئا فأحسن إليهن كن له سترا من النار".

1639 - حديث: "من يلي من هذه البنات شيئًا فأحسنَ إليهنّ كن له سترًا من النار". قال الكرماني: (شيئًا) منصوب بنزع الخافض أي: بشيء. 1640 - حديث: "إذا أكل أحدكم فنسي أن يذكر الله في طعامه، فليقل باسم الله أوله وآخره". قال الطيبي: أي: آكل أوله وآخره باسم الله ويكون الجار والمجرور حالاً من فاعل الفعل المقدر. 1641 - حديث: "جاء أعرابيٌّ إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: تقبّلون الصبيان فما نقبّلهم، فقال: أو أملكُ لك أن نزع الله من قلبك الرحمة". قال الزركشي: بفتح الواو على أن الهمزة للاستفهام التوبيخي، ومعناه النفي، أي: لا أملك، أي: لا أقدر أن أضع الرحمة في قلبك، ولم يضعها الله فيه. رواه مسلم. و (أملك) بغير ألف الاستفهام. وقال الكرماني: الهمزة للاستفهام، والواو للعطف على مقدر بعدها، نحو: يقول: (وأنْ نزع) بفتح الهمزة مفعول (أملك)، أي: لا أملك النزع وإلا ما كنت أنزعه، أو حرف الجر مقدر، أي: لا أملك لك شيئًا، لأن نزع الله الرحمة من قلبك. وروي بكسرها. 1642 - حديث: "الملائكة تحدث في العنان الأمر يكون في الأرض، فتستمع

1643 - حديث: "كان يأتي علينا الشهر ما توقد فيه نار إلا أن نؤتى".

الشياطين الكلمة فتُقِرُّها في أذن الكاهن". قال الزركشي: بضم أوله، وكسر القاف، وقيل: إنه بضم القاف، وفتح أوله. لأن كل فعل متعد مضعف، بالضم وصححه السفاقسي. وقال الطيبي: قوله: (يكون في الأرض)، يحتمل أن يكون حالاً من (الأمر)، أو صفة له على تأويل إرادة الجنس كقوله: ولقد أمرُّ على اللئيم يسبُّني ... وقوله: (قرّ الزجاجة) مفعول مطلق. 1643 - حديث: "كان يأتي علينا الشهر ما توقد فيه نار إلا أنْ نؤتى". قال المظهري: أي: لا نطبخ إلا أن نؤتى، فحينئذ توقد النار. ولو قيل: (أن نؤتى) منصوب بنزع اللام، على أنه مفعول له، لكان وجهًا حسنًا، لا غبار عليه، أي: لا نوقد لشيء من الأشياء إلا أن نؤتى، ولا حملنا على ذلك إلا إتيان اللحم، وإنما لم نقل إنه منصوب على المفعول مطلقًا، بل قيدنا بنزع الخافض لفقدان الشرط، وهو انتفاء كونه فعلاً لفاعل الفعل المعلل. قال الطيبي: ظاهره يشعر بأنه استثناء منقطع، والأظهر أن يكون متصلاً، لأن:

1644 - حديث: "شخص بصر النبي صلى الله عليه وسلم ثم قال: في الرفيق الأعلى".

(أن نؤتى) مصدر والوقت مقدر، فيكون المستثنى منه المجرور في (فيه) العائد إلى (الشهر)، ويجوز أن يكون مستثنى مما يفهم من قوله: (إنما هو التمر والماء). والمعنى: ما المأكول إلا تمر وماء، إلا أن نؤتى بلحم، فحينئذ يكون المأكول لحمًا. 1644 - حديث: "شخص بصر النبي صلى الله عليه وسلم ثم قال: في الرفيق الأعلى". قال الكرماني: هو متعلق بمحذوف يدل عليه السياق، نحو: أدخلوني فيهم، وفي رواية: (اللهم الرفيق الأعلى). قال الزركشي: منصوب بإضمار فعل: أي: أختار، ويجوز رفعه على أنه مبتدأ محذوف، أي: اختياري. 1645 - حديث: "فهذا أوان وجدت انقطاع أبهري". قال الزركشي: فيه الضم على خبر المبتدأ، وهو (هذا)، والنصب على الظرف، وقيل: لا يجوز فيه إلا ذلك، وبني لإضافته إلى مبني، وهو الفعل الماضي، لأن المضاف والمضاف إليه كالشيء الواحد. 1646 - حديث: "ما رأيت النبي صلى الله عليه وسلم مستجمعًا ضاحكًا". قال الطيبي: (ضاحكًا) وضع موضع ضحكًا، على أنه نصب على التمييز، وإن كان مشتقًّا، كقولهم: لله درّه فارسًا، أي: ما رأيته مستجمعًا من جهة الضحك. قال في المقرب: استجمع السيل، اجتمع من كل موضع، واستجمعت للمرء أموره، اجتمع له ما يحبّه. وهو لازم كما ترى. واستجمع الفرس جريًا، نصب على التمييز، وأما قول الفقهاء: مستجمعًا شرائط الصحة فليس بثابت.

1647 - حديث: "كنت أغتسل أنا والنبي صلى الله عليه وسلم من إناء واحد ونحن جنبان".

1647 - حديث: "كنت أغتسل أنا والنبي صلى الله عليه وسلم من إناء واحد ونحن جنبان". قال النووي: هذا جاء على أحد اللغتين في الجنب، أنه يثنى ويجمع، واللغة الأخرى أن يقال: رجل جنب ورجلان جنب، ورجال جنب، ونساء جنب. بلفظ واحد. قال تعالى: (وإن كنتم جنبًا) [المائدة: 6]، وهذه اللغة أفصح وأشهر. 1648 - حديث:" الدنيا دار من لا دار له، ولها يجمع من لا عقل له". قال الطيبي: قدم الظرف على عامله في قوله: (ولها يجمع) دلالة على أن الجمع للدار الآخرة، التزود وهو محمود، ويحتمل أن يكون (لها) مفعول به لـ (يجمع) كقولك: لزيد ضربت، فإن المفعول بغير واسطة إذا قدم على الفعل جاز اقتران اللام لضعف العمل إذ ذاك. 1649 - حديث: "إياك ومحقرات الذنوب فإن لها من الله طالبًا". قال الطيبي: هو من باب التجريد كقوله: وفي الرحمن للضعفاء كافٍ. 1650 - حديث: "كان يذكر الله على كل حياته". قال الشيخ ولي الدين العراقي: (على) هنا بمعنى (في)، وهو للظرفية كما في قوله تعالى: (ودخل المدينة على حين غفلة) [القصص: 15]، أي: في حين غفلة، (واتبعوا ما تتلو الشياطين على ملك سليمان) [البقرة: 102]، أي: زمن ملكه.

1651 - حديث: "إن أول ما يكفأ كما يكفأ الإناء الخمر".

1651 - حديث: "إن أول ما يُكفأ كما يُكفأ الإناء الخمرُ". قال الطيبي: خبر إن (الخمر)، والكاف في (كما يكفأ)، صفة مصدر محذوف: يعني ما يكفأ في الإسلام إكفاء ما في الإناء الخمر. 1652 - حديث: "لا يجوز شهادة خائن ولا خائنة ولا القانع لأهل البيت". قال الطيبي: اللام هنا بمعنى مع، فيكون حالاً من (القانع) والقائل الشهادة، أي: لا يجوز شهادة القانع، مقارنة لأهل البيت، ويجوز أن يكون صفة للقانع، واللام موصولة، وصلة الشهادة محذوفة، أي: لا يجوز شهادة الذي يقنع مع أهل البيت. 1653 - حديث: "مثل الذي يقرأ القرآن وهو حافظٌ له مع السفرة الكرام". قال الكرماني: فإن قلت: (مثل) مبتدأ و (مع السفرة) خبره، ولا ربط بينهما. وكذا في قوله: (ومثل الذي يقرؤه وهو يتعاهده وهو عليه شديد أجران). قلت: لفظ المثل زائد، والمثل بمعنى المثيل، يعني شبيهه مع السفرة، فكيف به؟. 1654 - حديث: "كان إذا اشتكى إنسان الشيء منه أو كانت به قرحة قال بأصبعه باسم الله بتربة أرضنا بريقة بعضنا ليشفي سقيمنا". قال البيضاوي: قوله: (بأصبعه) في موضع الحال من فاعل (قال)، و (بتربة أرضنا) خبر مبتدأ محذوف أي: هذه، والباء متعلقة بمحذوف خبر ثان أو حال منها، العامل فيها معنى الإشارة، والتقدير: قال النبي صلى الله عليه وسلم مشيرًا بأصبعه باسم الله هذه تربة

1655 - حديث: "عشر من الفطرة: قص الشارب ... " الحديث.

أرضنا معجونة بريقة بعضنا، قلنا هذا القول، أو صنعنا هذا الصنيع ليشفي سقيمنا. قال الطيبي: وعلى هذا (باسم الله) إلخ ... مقول للقول صريحًا، ويمكن أن يقال: إن قوله (باسم الله) حال أخرى متداخلة، أو مترادفة على تقدير: قال متبركًا باسم الله، ويلزم منه أن يكون مقولاً، والقول الصريح: هذه تربة أرضنا. 1655 - حديث: "عشرٌ من الفطرة: قصُّ الشارب ... " الحديث. قال الشيخ ولي الدين العراقي: يجوز أن يكون (عشر) مبتدأ و (من الفطرة) خبره، و (قص الشارب) وما بعده بدل من عشر أو خبر لمبتدأ محذوف أي: هو. ويجوز أن يكون (قص الشارب) مبتدأ، و (عشر) خبر مقدم، و (من الفطرة) في موضع الصفة له. قوله: (وانتقاص الماء). قال الزمخشري في الفائق: انتقاص الماء أن يغسل مذاكيره ليرتد البول. فإن أريد بالماء البول، فيكون المصدر مضافًا إلى المفعول، وإن أريد به الماء الذي يغسل به فيكون مضافًا إلى الفاعل على معنى التعدية، والانتقاص يكون متعديًا ولازمًا. 1656 - حديث: "سبّوح قدّوس". قال النووي: هما بفتح السين والقاف وضمهما، والضم أفصح وأكثر. قال الجوهري: كان سيبويه يقولهم بالفتح. وقال الجوهري: كل اسم على فعّول، فهو مفتوح العين، أي: الأول إلا السبوح والقدوس، فإن الضم فيهما أكثر.

1657 - حديث: "كان إذا خرج من الخلاء قال: غفرانك".

قال القرطبي: وهما مرفوعان على خبر المبتدأ المضمر تقديره: أنت. قال القاضي عياض: وقيل فيه: سبوحًا قدوسًا على تقدير: أسبح، أو أذكر أو أعظم، أو أعبد. 1657 - حديث: "كان إذا خرج من الخلاء قال: غفرانك". قال في النهاية: هو مصدر منصوب بفعل مضمر تقديره: أطلب غفرانك. قال النووي في شرح المهذب: (غفرانك) منصوب بتقدير: أسألك غفرانك. والوجهان مقولان في قول الله تعالى: (غفرانك ربنا) [البقرة: 285]، والأول أجود. 1658 - حديث: "فأشار أن لا تلدّوني قلنا: كراهية المريض الدواء". قال أبو البقاء: (كراهية) بالرفع خبر مبتدأ محذوف، أي: هذا الامتناع كراهية. ويحتمل أن يكون بالنصب على أنه مفعول له، أي: نهانا لكراهية الدواء، أو مصدر، أي: كره كراهية الدواء. قال عياض: الرفع أوجه من النصب. 1659 - حديث: "زوجي كليل تهامة، لا حرّ ولا قرّ ولا مخافة ولا سآمة".

1660 - حديث عاشوراء: "فلما نزل رمضان، كان هو الفريضة".

قال أبو البقاء: يجوز في هذه الأسماء كلها الفتح على أنها مبنية مع (لا)، والخبر محذوف. مثل: فأنا ابن قيسٍ لا براحُ ويقوي الرفع ما فيه من التكرير. 1660 - حديث عاشوراء: "فلما نزل رمضان، كان هو الفريضة". قال أبو البقاء: يجوز في (الفريضة) الرفع على أن يكون (هو) مبتدأ و (الفريضة) خبره، والجملة في موضع نصب على أنه خبر كان، والنصب على أن يكون (هو) فصلاً لا موضع له، و (الفريضة) خبر (كان)، ومثله قوله تعالى: (إن كان هذا هو الحق من عندك) يقرأ بالرفع والنصب على ما ذكرنا. 1661 - حديث: "إن في العجوة العالية شفاءً وإنها ترياقٌ أول البكرة".

1662 - حديث: "ادعوا لي بعض رفقائي قلت: أبو بكر قال: لا، قلت: ابن عمك عليا قال: لا".

قال أبو البقاء: الصواب: (ترياق) بالرفع والتنوين على أنه خبر (إنّ)، و (أولَ) بالنصب على أنه ظرف، أي: في أول البكرة، ويعضد ذلك حديث الزبير: (من تصبّح بسبع تمرات عجوة مما بين لابتيها، لم يضره ذلك اليوم سمّ ولا سحر) وطريق لها أيضًا من جنس حديث الزبير وهو: (عجوة العالية أول البكرة على ريق النفس). وقال الطيبي: قوله: (أول البكرة) ظرف للخبر على تأويل أنها نافعة للسم، كقوله تعالى: (وهو الذي في السماء إله) [الزخرف: 84]، أي: معبود فيها، وهذه الجملة معطوفة على الأولى، إما أنه على سبيل البيان، أو على أنه عطف الخاص على العام. 1662 - حديث: "ادعوا لي بعض رفقائي قلت: أبو بكر قال: لا، قلت: ابن عمك عليًّا قال: لا". قال أبو البقاء: كذا وقع في هذه الرواية، رفع (أبو بكر) ونصب (عليّ). ووجهه أن يقدر في الأول: المدعو أبو بكر أو المطلوب أو هو، وفي الثاني: أدعو. انتهى. وقال الحاكم في المستدرك: قد تواترت الأخبار أن اسم (أبي طالب) كنيته قال: ووجد بخط علي بن أبي طالب الذي لا شك فيه، وكتبه: علي بن أبو طالب. وقال محمد بن جرير الطبري: وذكر هذا الخط، كان (علي) أفضل وأفصح من أن يلحن، وإن كان كتبه كذلك، فيبقى أن يكون، لأن العرب تغفل ذلك في كتابتها

وكلامها، فتجعل مكان الواو ياء، ومكان الياء واوًا فتقلب. ولذلك قرأ بعضهم: (الحي القيام)، والصوم والصيام والصوام في أشكال لذلك كثيرة، فقس أن جُعل مكان الياء من أبي واو. وقد فعلوا أكثر من ذلك، فكتبوا الصلاة وهي ألف بواو، وكذا الزكاة. وأما الذين قالوا إن ذلك اسمه فخطأ، فإن اسمه عبد مناة. انتهى. وقال الزمخشري في الفائق: كتب النبي صلى الله عليه وسلم لوائل بن حجر: من محمد رسول الله إلى المهاجر بن أبو أمية، ترك في حال الجر على لفظه في حال الرفع لأنه اشتهر بذلك فجرى مجرى المثل الذي لا يغيّر، وكذلك قولهم: علي بن أبو طالب ومعاوية بن أبو سفيان. انتهى. وقال أبو بكر بن طلحة، في شرح الجمل: إنما كتب بالواو على الأصل، لأن أصل (أب): أبو، والقراءة فيه على غير الخط. ونظيره قوله تعالى: (الذي اؤتمن). قال: هذا أحسن ما رأيت أن ينزل عليه. وقال: وكذا قال ابن خروف في شرح سيبويه. قال: وقراءته بالخفض على الأصل. وقال الأستاذ أبو منصور: تكلم النحاة في رفع كنية أبيه في موضع الإضافة، فقالوا: لما جعلت رسمًا أجراها مجرى اسم واحد. وقال ابن هشام في تذكرته: من كتب وكتبه علي بن أبو طالب، ومعاوية بن أبو سفيان، ففيه أقوال، أحدها: ما ظهر لي أنه كتب على أصل لام الكلمة ولا ينطق به، لو تكلم به إلا بالياء، كما كتبت: الصلوة، والربو بالواو. والثاني: أن الواو في ذلك حشو، وأن الآخر طالب وأن الضمة والفتحة والكسرة تقع على الياء، لاختلاط الأب بما بعده، وكونه غير مضاف، وذلك لأن أبا طالب وأبا

1663 - حديث: "فلما سمع أبو بكر حسه ذهب ليتأخر فأومأ إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم أن قم كما أنت".

سفيان وأبا عمرو بن العلاء ليس لهم اسم غير ذلك. ومن قال: عبد مناة وصخر وزبان فقد غلط. والثالث: أنه لا أصل للواو خطًّا لا لفظًا، إنما هي واو كتبت بخط المصاحف، قائمة منتصبة معرفة تعريف الواو فظن أنها واو. حكى ذلك ابن الأنباري: أي: في كتاب المصاحف. والرابع: أنه على الحكاية، فكأن الرفع سابق في الأسماء، وهذه يغلب عليها الرفع فكتبت عليه، أي: الشخص الذي يقال له: أبو طالب. 1663 - حديث: "فلما سمع أبو بكر حسّه ذهب ليتأخر فأومأ إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم أن قم كما أنت". قال الأندلسي في شرح المفصل: قولهم: كن كما أنت فيه وجهان: أحدهما: أن تكون (ما) بمعنى الذي، والكاف حرف خطاب، وبعض الصلة محذوف، أي أنت عليه. والثاني: أن تكون كافة، وخبر المبتدأ محذوف أي: كما أنت كائن. ولو كان حرفًا لم يمتنع، لأن الحروف تكفّ بـ (ما). فإن قلت: ما معنى هذا التركيب؟ قلت: (ما موصولة)، و (أنت) مبتدأ، وخبره محذوف، أي: عليه أو فيه، والكاف للتشبيه، أي: كن مشابهًا لما أنت عليه. أي: يكون حالك في المستقبل مشابهًا لحالك في الماضي. أو الكاف زائدة، أي: الزم الذي أنت عليه وهو الإقامة، ومن هذا قول الشاعر: كما الحبطات شر بني تميم

1664 - حديث: "كان رجل يدخل على أزواج النبي صلى الله عليه وسلم مخنث".

1664 - حديث: "كان رجل يدخل على أزواج النبي صلى الله عليه وسلم مخنث". قال أبو البقاء: (مخنث) نعت لـ (رجل)، و (يدخل) خبر (كان). ويجوز تقديم الخبر على صفة المبتدأ. ويجوز أن تكون (كان) التامة، ويكون (يدخل) و (مخنث) صفتين لـ (رجل). 1665 - حديث: "ذاكِ جبريلُ". قال أبو البقاء: الجيد كسر الكاف لأن عائشة هي المخاطبة، والكاف تكون أبدًا في مثل هذا على قدر المخاطب إن كان مذكرًا فتحت، وإن كان مؤنثًا كسرت، وكذلك تثنى وتجمع على قدر المخاطب. ولو فتح الكاف في هذا الحديث جاز، لأن المؤنث إنسان فيكون التذكير راجعًا إلى معناه. 1666 - حديث: "لقد أذكرني كذا وكذا آية كنت أسقطتها". قال القرطبي: قال ابن السيد البطليوسي: (كذا وكذا)، كناية عن الأعداد حقه أن ينصب. قال: وإذا قال له: عندي كذا وكذا درهمًا، فهي كناية عن الأعداد المضافة إلى المفرد من مائة إلى تسعمائة. ولا يجيز البصريون إضافة (ذا) إلى ما بعد، لأن المبهم لا يضاف. انتهى. 1667 - حديث: "يحشر الناس يوم القيامة حفاةً عراةً غرلاً، قلت: يا رسولَ الله

1668 - حديث: "إذا ذهب أحدكم إلى الغائط فليذهب معه بثلاثة أحجار يستطيب بها".

النساء والرجال جميعًا ينظر بعضهم إلى بعض". قال الطيبي: (النساء والرجال) مبتدأ. و (جميعًا) حال ساد مسد الخبر، أي: مختلطون، ويجوز أن يكون الخبر (ينظر بعضهم إلى بعض)، وهو العامل في الحال قدم اهتمامًا كما في قوله تعالى: (والأرض جميعًا قبضته) [الزمر: 67]. وفيه معنى الاستفهام. 1668 - حديث: "إذا ذهب أحدكم إلى الغائط فليذهب معه بثلاثة أحجار يستطيب بها". قال الطيبي: (يستطيب) بالرفع مستأنف لأصله، والباء الأولى للتعدية، والثانية للآلة، كما في قولك: ضربت بالسوط. 1669 - حديث: "كان لا يرقد فيستيقظ إلا تسوك". قال الطيبي: (فيستيقظ) يجوز فيه الرفع للعطف ويكون النفي منصبًا عليهما معًا، والنصب جوابًا للنفي كقوله تعالى: (فتطردهم فتكونَ من الظالمين) [الأنعام: 52]. فإنه جواب لقوله: (وما من حسابك عليهم من شيء) [الأنعام: 52] لأن الاستيقاظ مسبوق بالنوم كأنه مسبب عنه. 1670 - حديث: "إنما كان يجزئُك أن رأيته أن تغسل مكانه".

1671 - حديث: "كان يغتسل من أربع".

قال القرطبي: (أن رأيته) بفتح الهمزة روايتنا، ووجهها أنها مفعول بإسقاط حرف الجر تقديره: لأن رأيته، أو من أجل. وهي مع الفعل بتأويل المصدر. وكذلك (أن تغسل) مفتوحة أيضًا على تأويل المصدر، وهو الفاعل بـ (يجزئك). 1671 - حديث: "كان يغتسل من أربع". قال الطيبي: (من) فيه لابتداء الغاية، أي: ابتداء اغتساله من جهة أربع. 1672 - حديث: "ما غرت على امرأة ما غرت على خديجة". قال الطيبي: (ما) الثانية يجوز أن تكون مصدرية وموصولة، أي: ما غرت مثل غيرتي، أو مثل الذي غرتها. مسند ميمونة رضي الله عنها 1673 - حديث: "ما لك شعِثًا رأسُك". قال أبو البقاء: (ما) اسم استفهام مبتدأ، و (لك) خبره. و (شعثًا) حال من الضمير في (لك)، أي: ما لك استقررت شعثًا و (رأسك) مرفوع (شعث).

مسند أم جندب الأزدية رضي الله عنها

مسند أم جندب الأزدية رضي الله عنها 1674 - حديث: "قلت يا رسول الله إن ابني هذا ذاهب العقل فادع له، قال ائتني بماء". قال أبو البقاء: وقع في هذه الرواية (ائتني) بغير ياء بعد التاء، والوجه إثباتها، لأنه أمر للمرأة، فهو مثل قولك: (ارمي يا مرأة). وإنما تحذف في خطاب المذكر، وقد يتكلف تصحيح هذا بأن تجري المرأة مجرى إنسان أو مخاطب كما قال الشاعر: قامت تبكيه على قبره ... من لي من بعدك يا عامر تركتني في الحي ذا غربة ... قد ذل من ليس له ناصر أرادت: إنسانًا ذا غربة، وكان القياس: ذات غربة. ويجوز أن يكون قد اكتفي بالكسرة عن الياء لدلالتها عليها.

مسند أم حبيبة رضي الله عنها

مسند أم حبيبة رضي الله عنها 1675 - حديث: "إني كنت عن هذا لغنية". قال ابن مالك: فيه دخول لام الابتداء على خبر كان من أجل أنها واسمها وخبرها خبر (إنّ). وفيه شذوذ، لأن خبر (إنّ) إذا كان جملة فعلية، فموضع اللام منها صدرها نحو: (وإن ربك ليعلم ما تكن صدورهم) [النمل: 74]، وإذا كانت اسمية جاز تصديرها باللام كقول الشاعر: إن الكريم لمن يرجوه ذو جدة ... ولو تعذر إيسارٌ وتنويل وتأخيرها كقول الآخر: فإنك من حاربته لمحاربٌ ... شقيٌّ، ومن سالمته لسعيد فكان موضع اللام من (كنت عن هذا لغنية)، صدر الجملة. لكن منع من ذلك كونه فعلاً ماضيًا متصرفًا. ومنع من مصاحبتها أول المعمولين كونه ضميرًا متصلاً،

1676 - حديث: "فلا تعرضن علي بناتكن ولا أخواتكن".

فتعينت مصاحبتها ثاني المعمولين مع أن (كان) صالحة لتقدير السقوط لصحة المعنى بدونها. فـ (كان غنية) بهذا الاعتبار خبر (إنّ) فتصحبه اللام لذلك. 1676 - حديث: "فلا تعرضن عليّ بناتكن ولا أخواتكن". قال الزركشي: ضبط بكسر الضاد وتشديد النون خطاب لأم حبيبة وسكون الضاد، وتخفيف النون خطاب لجماعة النسوة. مسند أم سلمة رضي الله عنها 1677 - حديث: "أنّ امرأة كانت تهراقُ الدماء على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم". وفي لفظ: (تهراق الدم). رواهما أبو داود. قال ابن مالك في شرح التسهيل: هذا من زيادة (أل) في التمييز. والأصل: تهراق دماؤها، فأسند الفعل إلى ضمير المرأة مبالغة. وصار المسند إليه منصوبًا على التمييز، ثم أدخل عليه حرف التعريف زائدًا. وقال الأندلسي في شرح المفصل: الأصل: تهراق دماؤها، فلما جعلت المرأة

هي المهراقة مبالغة ورفع ضميرها (تهراق). نصب (الدماء) على التشبيه بالمفعول به، وعلى جهة البيان، بحقيقة المهراق، ومثله قول جرير: فلو ولدت قفيرة جرو كلب ... لسُبَّ بذلك الجرو الكلابا لما أضمر السب، وجعله المسبوب مبالغة واتساعًا في كثرة وقوع الفعل، وأخرج الكلاب على التفسير لبيان حقيقة المسبوب، نصب على التشبيه بالمفعول به. وقال ابن الحاجب في أماليه: يجوز في (الدماء) الرفع والنصب. أما الرفع: فعلى البدل من الضمير في (تهراق) كأنه قيل: تهراق دماؤها. فجعل الفعل أولاً لها ثم أبدل، كما تقول: أعجبني الجارية وجهها، وحذف الضمير للعلم به. وأما النصب: فوجهه أن يكون بفعل مقدر كأنه لما قيل: تهراق، قيل: ما تهريق؟ فقال: تهريق الدماء، مثل لبيك، يريد في التقدير، وإن اختلفا في الإعراب. ومثله كثير في كلامهم. ويجوز أن يكون منصوبًا على التمييز وإن كان معرفة، كما ينتصب مثل قولك منه: مهراق الدماء، كقولك: زيدٌ حسن الوجهَ. ويجوز أن يكون منصوبًا على توهم التعدي إلى مفعول آخر، كأن المعنى: جعلها غيرها مهريق الدماء. انتهى. وقال صاحب النهاية: قوله (تهراق) كذاجاء على ما لم يسم فاعله، أي: تهراق هي، و (الدم) منصوب على التمييز وإن كان معرفة، وله نظائر. أو يكون أجري مجرى: نُتج الفرس مهرًا، ونُفِست المرأة غلامًا. ويجوز رفع (الدم) على تقدير: تهراق دماؤها، وتكون الألف واللام بدلاً من الإضافة كقوله تعالى: (أو يعفو الذي بيده عقدة النكاح) [البقرة: 237] أي نكاحها.

1678 - حديث: "فإذا هي قراءة مفسرة حرفا حرفا".

وقال أبو حيان في شرح التسهيل: اختلفوا في تشبيه الفعل اللازم بالفعل المتعدي، كما شبه وصفه باسم الفاعل المتعدي، فأجاز ذلك بعض المتأخرين. فنقول: زيد قد تفقأ الشحم، أصله: زيد تفقأ شحمه، فأضمرت في (تفقأ)، ونصبت (الشحم) تشبيهًا بالمفعول، واستدل بما روي في الحديث: (كانت امرأة تهراق الدماء). ومنع من ذلك الأستاذ أبو علي الشلوبين. قال: لا يكون ذلك إلا في الصفات وأسماء الفاعلين والمفعولين. وقد تأولوا الحديث على أنه إسقاط حرف الجر، أو على إضمار فعل. أي: بالدماء، أو يهريق الله الدماء منها، وهذا هو الصحيح، إذ لم يثبت ذلك من لسان العرب. انتهى. 1678 - حديث: "فإذا هي قراءة مفسرة حرفًا حرفًا". قال أبو البقاء: نصبها على الحال أي مرتلة نحو: أدخلتم رجلاً رجلاً، أي مترتبين. 1679 - حديث: "فازدادت عليهم كرامةً". قال أبو البقاء: هي تمييز، أي: ازدادت كرامتها، مثل: طيب به نفسًا. 1680 - حديث: "ذيول النساء شبر. قلت: إذن تبدو أقدامهن، قال: فذراعًا". قال أبو البقاء: رفع (شبر) على أنه خبر المبتدأ، ونصب (ذراعًا) بفعل محذوف، أي: فليجعلنه ذراعًا.

1681 - حديث: "إنما يكفيك أن تحثين على رأسك ثلاث حثيات من ماء ثم تفيضي على جسدك".

1681 - حديث: "إنما يكفيك أن تحثين على رأسك ثلاث حثيات من ماء ثم تفيضي على جسدك". كذا رواه النسائي، وفيه إهمال (أن) من النصب، حملاً على أختها (ما) المصدرية. 1682 - حديث: "فبما يشبه الولد". قال الزركشي: فيه إثبات الألف مع (ما) وهو خلاف الفصيح، وأنه من تغيير الرواة، وقد حذفت من بعض النسخ. 1683 - حديث: "يا رب كاسيات في الدنيا عاريات في الآخرة". قال أبو البقاء: الجيد جر (عاريات) على أنه نعت للمجرور بـ (ربّ) وأما الرفع فضعيف لأن (ربّ) ليست اسمًا يخبر عنه، بل هي حرف جر. وأجاز قوم الرفع وهو عندنا على تقدير حذف مبتدأ. أي: هن عاريات. وقال ابن مالك في توضيحه: أكثر النحويين يرون أن معنى "رب" التقليل، وأن معنى ما يصدر بها المضي. والصحيح أن معناها في الغالب التكثير، نص على ذلك سيبويه، ودلت شواهد النثر والنظم عليه. فأما نص سيبويه فقوله في باب "كم": (واعلم أن "كم" اسم، و"رب" غير اسم. فجعل معنى "رب" معنى "كم"الخبرية،

ولا خلاف في أن معنى "كم" التكثير، ولا معارض لهذا الكلام في كتابه، فصح أن مذهبه كون "رب" للتكثير لا للتقليل. وأما الشواهد على صحة ذلك فمنها نثر ومنها نظم. فمن النثر قول النبي - صلى الله عليه وسلم - " يا رب كاسية في الدنيا عارية يوم القيامة"، فليس المراد أن ذلك قليل، بل المراد أن الصنف المتصف بهذا من النساء كثير. ولذلك لو جعلت "كم" موضع "رب" لحسن. ونظائره كثيرة. ومن شواهد هذا من النظم قول حسان: رب حلم أضاعه عدم الـ ... مال وجهل غطى عليه النعيم وقول ضابئ البرجمي: ورب أمور لا تضيرك ضيرة ... وللقلب من مخشاتهن وجيب وقول عدي بن زيد: رب مأمول وراج أملا ... قد ثناه الدهر عن ذاك الأمل واحترزت بقولي: "في الغالب " من استعمالها فيما لا تكثير فيه، كقوله:

ألا رب مولود وليس له أب ... وذي ولد لم يلده أبوان يعني عيسى وآدم عليهما السلام. والصحيح أيضًا أن ما يصدر بـ "رب" لا يلزم كونه ماضي المعنى، بل يجوز مضيه وحضوره واستقباله. وقد اجتمع الحضور والاستقبال في: "يا رب كاسية في الدنيا عارية يوم القيامة). وقد اجتمع المضي والاستقبال في ما حكى الكسائي من قول بعض العرب بعد الفطر لاستكمال رمضان: رب صائمة لن تصومه، ورب قائمة لن تقومه. وقد انفرد الاستقبال في قول أم معاوية: يا رب قائلة غدًا ... يا ويح أم معاويه وقول الآخر: فان أهلك فرب فتى سيبكي ... على مهذب رخص البنان وقول الراجز: يارب يوم لي لا أظلله ... أرمض من تحت وأضحى من عله

ومع ذلك فالمضي أكثر من الحضور والاستقبال. ومن شواهده قول امرئ القيس: ألا رب يوم لك منهما صالح ... ولا سيما يوم بدارة جلجل وقال الأندلسي في شرح المفصل: اعلم أن أصل (رب) للتقليل، ثم يعرض لها المجاز للمبالغة وغيرها، فتحمل على (كم) في التكثير، ويحمل عليها. أيضًا (كم) في التقليل، وذلك لا يخرجها عن حقيقة أصل وضعها، حتى تجعل للتقليل والتكثير معًا، لأن المجاز عارض. هذا كما أن الذم قد يستعمل في موضع المدح كقولهم: ما أشعره قاتله الله. ولا يخرج ذلك عن الحقيقة. وقال القاضي عياض: أكثر الروايات بخفض (عارية) على الوصف. وقال غيره: الأولى الرفع. وقال السهيلي: الأحسن عند سيبويه الخفض على النعت، لأن (ربّ) عنده حرف جر تلزم صدر الكلام. ويجوز الرفع على إضمار مبتدأ، والجملة في موضع النعت، أي: هي عارية، والفعل الذي يتعلق به (رب) محذوف. واختار الكسائي أن يكون (رب) اسمًا مبتدأ، والمرفوع خبرها. وإليه كان يذهب شيخنا ابن الطراوة. انتهى. وقوله أول الحديث: (استيقظ النبي صلى الله عليه وسلم ذات ليلة). قال الكرماني: أي: في ليلة ولفظ "ذات" مقدم للتأكيد. الزمخشري: هو من باب إضافة المسمى إلى اسمه. الجوهري: أما قولهم: ذات مرة، وذو صباح فهو من باب ظروف الزمان التي لا تتمكن. تقول: لقيته ذات يوم وذات ليلة.

وقوله: (سبحان الله)، العرب تقوله في ذلك في مقام التعجب، وقال بعض: إنه من ألفاظ التعجب. وقوله: (ماذا أنزل الليلة من الفتن؟)، (ما) استفهامية متضمنة لمعنى التعجب والتعظيم. ويحتمل أن تكون نكرة موصوفة، والليلة بالنصب. انتهى. وقال ابن هشام في المغني: (ماذا) تأتي في العربية على أوجه، أحدها: أن تكون (ما) استفهامًا. و (ذا) إشارة نحو: ماذا التواني. والثاني: أن تكون (ما) استفهامًا و (ذا) موصولة نحو: ألا تسألان المرء ماذا يحاول ... الثالث: أن تكون (ماذا) كله استفهامًا على التركيب كقولك: لماذا جئت؟ الرابع: أن يكون (ماذا) كله اسم جنس بمعنى شيء، أو موصولاً بمعنى الذي، على خلاف في تخريج قول الشاعر: دعي ماذا علمت سأتّقيه ... الخامس: أن تكون (ما) زائدة و (ذا) للإشارة كقوله: أنورًا سرع ماذا يا فروق ...

1684 - حديث: "أن امرأة قالت: يا رسول الله، إن ابنتي توفي عنها زوجها وقد اشتكت عينها".

السادس: أن يكون (ما) استفهامًا و (ذا) زائدة. واختاره جماعة منهم ابن مالك في نحو: ماذا صنعت. 1684 - حديث: "أنّ امرأة قالت: يا رسول الله، إن ابنتي توفي عنها زوجها وقد اشتكت عينها". قال الزركشي: يجوز ضم النون على أن (العين) هي المشتكية، وفتحها، ويكون في (اشتكى) ضمير الفاعل، وهي المرأة الحادّة. وقد رجح الأول بما وقع في رواية (عيناها). قولها: (ثم تؤتى بدابة حمار أو شاه) بدل من دابة. قولها: (قلّما تفتض بشيء إلا مات). قال الطيبي: (ما) في (قلّما) مصدرية، ويجوز أن تكون كافة. قولها: (فحشوا عينها) أصله: (حَشُيُوا) بوزن عَمِلوا فاستثقلت الضمة على الياء فحذفت. واجتمع ساكنان الياء والواو، فحذفت الياء لاجتماع الساكنين وضمت الشين لتصبح العين. قولها: (فلا أربعةَ أشهرٍ وعشرًا). قال الزركشي: لا: نفي للكلام السابق، ويجب الوقف عليه، لأنه نهي عن الرخصة التي سألت. ثم أكد ثانيًا، فقال: أربعة أشهر وعشرًا، وهو منصوب بفعل مضمر، أي: لتكتمل أو لتقعد. 1685 - حديث: "الذي يشرب في آنية الفضة إنما يجرجر في جهنم بطنه نارًا".

1686 - حديث: "كان يأمرني أن أصوم ثلاثة أيام من كل شهر أولها الاثنين والخميس".

قال النووي: المشهور في (النار) النصب، فالفاعل ضمير الشارب، والنار المشروب. يقال: جرجر فلان الماء، إذا جرعه جرعًا بصوت. أي: كأنما يجرع نار جهنم، وأما بالرفع فمجاز، لأن نار جهنم لا تجرجر في جوفه حقيقة. وقال الزركشي: روي بالنصب والرفع، فمن نصب جعل الجرجرة بمعنى الصبّ أي، إنما يصب في بطنه نار جهنم، ومن رفع فالجرجرة الصوت وفي رواية (يجرجر نارًا من جهنم) وهو يقوي رواية النصب. وقال ابن السيد: من رفع فعلى خبر (إنّ)، وجعل (ما) بمعنى الذي، كأنه قال: الذي يجرجر في بطنه نار جهنم. ومن نصب، جعل (ما) صلة. لأن قوله تعالى: (إنما صنعوا كيد ساحر) برفعه ونصبه على الوجهين. قال: ويجب إذا جعلت (ما) بمعنى الذي أن تكتب منفصلة من (أن). 1686 - حديث: "كان يأمرني أن أصوم ثلاثة أيام من كل شهر أولها الاثنين والخميس". قال الأشرفي: القياس من جهة العربية: الاثنان بالألف مرفوعًا على أنه خبر للمبتدأ الذي هو (أولها). لكن يمكن أن يقال: جعل اللفظ المثنى علمًا لذلك اليوم، فأعرب بالحركة لا بالحرف. أو يقال: تقديره: أولهما يوم الاثنين، فحذف المضاف، وأبقي المضاف إليه على حاله.

1687 - حديث: "شكوت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أني أشتكي".

وقال الطيبي: يمكن أن يقال: إن (أولها) منصوب. وكذا (الاثنين) بفعل مضمر، أي: أولها الاثنين. 1687 - حديث: "شكوت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أني أشتكي". قال الطيبي: (أني أشتكي) مفعول (شكوت مرضي). 1688 - حديث: "لا يحرم من الرضاع إلا ما فتّق الأمعاء من الثدي". قال الطيبي: (ما) في قوله: (إلا ما فتق) موصولة، وضمير الفاعل حال مقدرة، كقوله تعالى: (وتنحتون الجبالَ بيوتًا) [الأعراف: 74]، أي: حال كونه ممتلئًا في الثدي فائضًا منها، ولو قيل: من الثدي، لم يفد هذه الفائدة. مسند أم شريك رضي الله عنها 1689 - حديث: "أمرنا أن نخرج الحيّض يوم العيدين". قال ابن مالك: في هذا الحديث اليوم المضاف إلى العيدين، وهو في المعنى مثنى. ولو روي بلفظ التثنية، على الأصل، وبلفظ الجمع - لأمن اللبس - لجاز. ففيه

وفي أمثاله ثلاثة أوجه: فمن الوارد بالإفراد ما في حديث الوضوء من قول الراوي: (ومسح أذنيه ظاهرهما وباطنهما). ومنه ما حكى الفراء من قول بعض العرب: (أكلت رأس شاتين). ومنه قول الشاعر: حمامة بطن الواديين ترنمي ... . . . . . . ومن الوارد بلفظ التثنية قول الشاعر: فتخالسا نفسيهما بنوافذ ... كنوافذ العبط التي لا ترقع) ومن الوارد بلفظ الجمع قوله تعالى (ربنا ظلمنا أنفسنا) [الأعراف: 23] و (إن تتوبا إلى الله فقد صغت قلوبكما) [التحريم: 4]، وقوله - صلى الله عليه وسلم: (أزرة المؤمن إلى أنصاف ساقيه). وقد اجتمعت التثنية والجمع في قول الراجز: ومهمهين قذفين مرتين ... ظهراهما مثل ظهور الترسين ويلحق بهذا توحيد خبر المثنى المعبر عنه بواحد، كالتعبير عن الأذنين والعينين بحاسة، فإجراء هذا النوع مجرى الواحد جائز، كقوله - صلى الله عليه وسلم: (من أفرى الفرى أن يرى عينيه ما لم تر) ولو راعى اللفظ لقال: ما لم تريا. ومثل الحديث قول الشاعر:

1700 - حديث: "أنه صلى الله عليه وسلم دخل على عائشة فقال: أعندكم شيء؟ قالت: لا، إلا شيء بعثت به إلينا نسيبة".

وكأن في العينين حب قرنفل ... أوسنبلا كحلت به فانهلت 1700 - (*) حديث: "أنه صلى الله عليه وسلم دخل على عائشة فقال: أعندكم شيء؟ قالت: لا، إلا شيء بعثت به إلينا نسيبة". قال ابن مالك: فيه شاهد على إبدال ما بعد (إلا) من محذوف، لأن الأصل: لا شيء عندنا إلا شيء بعثت به. 1701 - حديث: "نهى النبي صلى الله عليه وسلم ولا تمس طيبًا". قال الكرماني: (ولا تمس طيبًا) إلا أدنى طهرها. أي في أول طهرها. وقولها: (نبذة منصوب بفعل مقدر، أي: تمس نبذة، أو بدل عن (طيبًا). مسند أم عطية رضي الله عنها 1702 - حديث: "أن حفصة قالت لها: أسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت: بأبي نعم". قال ابن مالك في توضيحه: فيه أربعة أوجه، أحدهما: سلامة الياء، الثاني: ¬

(*) قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة: كذا بالمطبوع، قفز بالترقيم من 1689 إلى 1700

1703 - حديث: "لا تحد امرأة على ميت فوق ثلاث، إلا على زوج أربعة أشهر وعشرا".

ليس في أصل المحقق [؟؟]. والثالث: سلامة الهمزة وإبدال الياء ألفًا. والرابع: إبدال الهمزة ياء والياء ألفًا. 1703 - حديث: "لا تحدّ امرأة على ميت فوق ثلاث، إلا على زوج أربعة أشهر وعشرًا". قال الطيبي: الاستثناء في قوله: (إلا على زوج) متصل إذا جعل قوله: (أربعة أشهر) منصوبًا بمقدر بيانًا لقوله: (فوق ثلاث) أي أعني أو أذكر، فهو من باب قولك: ما اخترت إلا منكم رفيقا؛ لكون ما بعد (إلا) مستثنى، فيقدم المفسر أي: أعني أربعة أشهر إلا على زوج، أو من باب قولك: ما ضرب أحد أحدَا إلا زيد عمرَا، وإذا جعل معمولاً بفعل مضمر، كان منقطعًا. فالتقدير: لا تحد امرأة على ميت فوق ثلاث، لكن تحد على زوج أربعة أشهر وعشرًا. مسند أم فروة رضي الله عنها 1704 - حديث: "أفضل الأعمال الصلاة لوقتها". قال الطيبي: اللام للتأكيد، وليس كما في قوله: (قدمت لحياتي) [الفجر: 24]، أو وقت حياتي، لأن الوقت مذكور، ولا كما في قوله (فطلقوهن لعدتهن) [الطلاق:1] أي: قبل عدتهن، لذكر لفظه الأول، فيكون تأكيدًا.

مسند أم قيس بنت محصن الأسدية رضي الله عنها

مسند أم قيس بنت محصن الأسدية رضي الله عنها 1705 - حديث: "أنها أتت النبي صلى الله عليه وسلم بابنٍ لها قد أعلقت عليه من العذرة". قال الخطابي: أكثر المحدثين يروونه هكذا، والصواب رواية سفيان: أعلقت عنه. قال ابن العربي: يقال: أعلقت عن الصبي: إذا عالجته من العذرة، وذلك بأن تحنكه بالإصبع، أي: ترفع حنكه بإصبعك. وقال غيره: قد يجيء (على) بمعنى (عن)، كقوله تعالى: (إذا اكتالوا على الناس يستوفون) [المطففين: 2]، أي: عنهم. وقوله: (علام تدغرن أولادكنّ بهذا العلاق) بفتح العين. وفي رواية: (الأعلاق). قال بعضهم: وهو الصواب، لأنه مصدر: أعلقت عنه، وقال ابن الأثير: يجوز أن يكون العلاق هو الاسم منه. مسند أم كلثوم القرشية رضي الله عنها

1706 - حديث: "إني قد أهديت إلى النجاشي حلة وأواق من مسك".

1706 - حديث: "إني قد أهديت إلى النجاشي حلة وأواقٍ من مسك". قال أبو البقاء: الوجه (وأواقيّ)، بفتح الياء وتشديدها، لأن الواحدة (أوقيّة) بالتشديد، وقد سمع بتخفيف الياء. قالوا: أوقية وأواقي، وعلى (كلا) الوجهين ينبغي أن يكتب بالياء، ويفتح في الوصل، لأنه منصوب معطوف على "حلة"، ولا وجه لحذف الياء بحال. فإن قيل: لم لا يكون مبتدأ والخبر محذوف، والتقدير: ومعهما أواق، فعند ذلك يجوز أن تكتب بغير ياء؟. قيل: هذا إضمار وتأويل لا يحتاج إليه، لضعفه في المعنى؛ لأنك إذا قدرت ذلك لم يلزم أن تكون (الأواقي) هدية من الرسول صلى الله عليه وسلم، كما كانت (الحلة) منه، بل يجوز أن تكون صحبت الحلة، ولم تكن هدية. 1707 - حديث: "ولم أسمعه يرخص في شيء مما يقول الناس كذب". قال الطيبي: (كذب) مرفوع على أنه خبر مبتدأ محذوف مقول للقول. و (مما يقول) بيان لقوله: (في شيء)، أي: في شيء من أقوال الناس هو كذب. وإن روي منصوبًا، كان مفعولاً مطلقًا، أي: يقول قولاً كذبًا. وإن روي مجرورًا كان صفة أخرى لـ (شيء). مسند أم معبد رضي الله عنها 1708 - حديث: "فإنك تعلم خائنة الأعين".

مسند أم هانئ رضي الله عنها

قال في الكشاف: الخائنة صفة للنظرة، أو مصدر بمعنى الخيانة، العافية بمعنى المعافاة، ولا يحسن أن يراد الخائنة من (الأعين)، لأن قوله: (وما تخفي الصدور) لا يساعد عليه. قال الطيبي: يريد أنه لا يجوز أن يجعل الإضافة محضة، بل تكون إضافة العامل إلى معموله، ليناسب قرينته في العمل، كأنه قيل: يعلم نظرة الأعين وخيانتها وما تخفي الصدور. مسند أم هانئ رضي الله عنها 1709 - حديث: "دخل علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: عندك شيء؟ فقلت: لا إلا كسر يابسة وخل". قال الطيبي: المستثنى منه محذوف، والمستثنى بدل منه، ونظيره: (ما أقفر بيت من أدم فيه خل)، (من أدم) متعلق بـ (أقفر) وقوله: (فيه خل) صفة (بيت) وقطّ فصل بين الموصوف والصفة بأجنبي، ولا يجوز. ويمكن أن يقال إنه حال، وذو الحال على تقدير الموصوفية، أي: بيت من البيوت.

مسند امرأة من غفار رضي الله عنها

مسند امرأة من غفار رضي الله عنها 1710 - حديث: "فوالله لنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الصبح". قال أبو البقاء: تقديره: لقد نزل، وهو جواب القسم، كقول امرئ القيس: حلفت لها بالله حلفة فاجر ... لناموا فما إن من حديث ولا صال وقولها: (إلى الصبح) أي: إلى صلاة الصبح ليصليها. أحاديث مرسلة لم يقف على صحابتها، ولا على أسانيدها، وآثار 1711 - حديث: "أنا أفصح العرب بيد أني من قريش". قال ابن النحاس في التعليقة: غير أني من قريش. وقيل: معناه: على أني من قريش. 1712 - حديث: "يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله، ينفون عنه تحريف الغالين". قال الطيبي: يحتمل أن تكون (من) تبعيضية، في موضع فاعل (يحمل)،

1713 - حديث: "الفكاهة مقودة إلى الأذى".

و (عدوله) بدل منه، وأن تكون بيانية على طريقة: لقيني منك الأسد. جر من الخلف الصالح العدول، وهم كقوله تعالى: (ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير). وقوله: (ينفون)، إما حال من الفاعل، أو استئناف، وهو الأوجه. كأنه قيل: (لم اختص هؤلاء بهذه المنقبة العلية؟ فأجيب: لأنهم يحمون مشارع الشريعة، ومتون الروايات من تحريف الذين يغلون في الدين. 1713 - حديث: "الفكاهة مقودة إلى الأذى". قال ابن يعيش في شرح المفصل: قالوا: مشورة وهي مفعلة من الشورى وهو شاذ، والقياس: "مشارة" كـ"مقالة"، وهي مفعلة من الشورى كمقالة ومعانة. وقالوا: وقع الصيد في (مصيدتنا)، وقالوا: مقودة وهي مفعلة من القود، وفي الحديث: "الفكاهة مقودة إلى الأذى"، وقرأ قتادة: (لمَثُوبة) [البقرة: 103] وهي "مفعلة" من الثواب، والقياس: "مثابة". وحكى أبو زيد: "هذا شيء مطيبة للنفس"، و"هذا شراب مبولة"، فهذا في الاسم كـ"استحوذ"، و"أغيلت المرأة" في الفعل، كأنهم أخرجوا بعض المعتل عن أصله تنبيهًا عليه، ومحافظة على الأصول المغيرة. وكان المبرد لا يجعل ذلك من الشاذ، لأنه كان لا يعل إلا ما كان مصدرًا جاريًا على الفعل. فأما ما صيغ منها اسمًا لا تريد به مكانًا من الفعل، ولا زمانًا، ولا مصدرًا كـ "مقودة"، وجميع ما كان من ذلك، فإنه على الأصل لبعده من الفعل، انتهى. 1714 - حديث: "قال ابن هشام في تذكرته: من ندبة المضاف ما رواه المبرد في كتابه متشابه القرآن: (أن النبي صلى الله عليه وسلم استسقى ربه عز وجل على المنبر وقال: يا أبا طالباه، لو رأيت ابن أخيك على المنبر إذ تقول:

1715 - حديث: "قال ابن الشجري في أماليه: قال أبو عبيدة في حديث النبي صلى الله عليه وسلم: " إن المهاجرين قالوا: يا رسول الله، إن الأنصار قد فضلونا، إنهم آوونا وفعلوا بنا وفعلوا، فقال: ألستم تعرفون ذلك لهم؟ قالوا: بلى، قال: فإن ذلك".

وأبيض يستسقى الغمام بوجهه ... ثمال اليتامى عصمة للأرامل ولم يقل: لسررت بذلك، ففي ذلك ثلاثة مسائل: ندبة المضاف، والندبة إليها لعدم اللبس، وحذف جواب (لو) اللهم إلا أن تجعل للتمني، ووجه رابع: وهو عدم كناية المتكلم عن نفسه، ولم يقل: لو رأيتني. انتهى. 1715 - حديث: "قال ابن الشجري في أماليه: قال أبو عبيدة في حديث النبي صلى الله عليه وسلم: " إن المهاجرين قالوا: يا رسول الله، إن الأنصار قد فضلونا، إنهم آوونا وفعلوا بنا وفعلوا، فقال: ألستم تعرفون ذلك لهم؟ قالوا: بلى، قال: فإن ذلك". قوله: "فإن ذلك"، معناه: فإن ذلك مكافأة منكم لهم، أي معرفتكم بصنيعهم وإحسانهم مكافأة لهم. فقوله عليه السلام: "فإن ذلك" يريد به هذا المعنى صلى الله عليه وسلم. قال أبو عبيدة: وهذا اختصار من كلام العرب، يكتفى منه بالضمير، لأنه قد علم ما أراد به قائله. وروى أن رجلاً جاء إلى عمر بن عبد العزيز فجعل يمت بقرابته، فقال عمر: فإن ذاك. ثم ذكر حاجته فقال: لعل ذاك. لم يزده على أن قال: فإن ذاك ولعل ذاك. أي: إن ذاك كما قلت، ولعل حاجتك أن تقضى. وقال ابن الرقيات: بكرت علي عواذلي ... يلحينني وألومهنه ويقلن شيب قد علا ... ك وقد كبرت فقلت: إنّه

1716 - حديث: "ظلم دون ظلم".

أي: إنه قد كان ما يقلن. انتهى كلام أبي عبيدة. 1716 - حديث: "ظلم دون ظلم". قال الكرماني: (دون) بمعنى غير، يعني: أنواع الظلم مختلفة متغايرة، وإما بمعنى الأدنى يعني: بعضها أشد في المظلمية وسوء عاقبتها. 1717 - حديث: "نعم العبد صهيب لو لم يخف الله لم يعصه". قال الشيخ عز الدين بن عبد السلام: له أربعة أجوبة: الأول: أن (لو) تستعمل بمعنى أن، ولا يلزم أنه خاف وعصى، كما يفهم من (لو) إذا قلنا: لو لم يقم زيد ما قام عمرو، أنهما قاما، لأن (لو) لا تفيد ذلك. الثاني: أن (لو) في لغة العرب لمجرد الارتباط فقط وإنما غلب عليها الاستعمال في ارتباط العدم بالوجود. الثالث: أن الجواب محذوف تقديره: لو لم يخف الله لخرقت له العادة، فإن العادة أن العصيان لا ينتفي إلا عند وجود الخوف، فيدل الكلام بمفهومه على أنه خاف وما خرقت له عادة، ويدل عليه منطوق اللفظ، والعرب تحذف إذا دل الدليل. الرابع: أن المسببات على قسمين: ماله سبب واحد، ماله سببان فأكثر، ففي الأول يصدق لو انتفى هذا السبب، لانتفى المسبب بخلاف الثاني. فكأنه يقول: النفي معصيته سببان: الإجلال والخوف، فلو انتفى الخوف، لثبت المسبب بالسبب

1718 - حديث: "قال ابن فلاح في المغني: "وأما قوله عليه الصلاة والسلام في صفة المهدي: إنه قرشي يمان ليس من ذوي ولا ذوو".

الآخر، وهذا يلزم منه تخصيص قول النحاة، لأنهم يقولون: لا يصدق قوله على هذا التقدير، إلا فيما اتحد سببه. ومن هذا هرب صاحب الجواب الثالث. والرابع أرجح من جهة المعنى. 1718 - حديث: "قال ابن فلاح في المغني: "وأما قوله عليه الصلاة والسلام في صفة المهدي: إنه قرشي يمانٍ ليس من ذوي ولا ذوو". فإما رفع الثاني نسقًا على مجرور حرصًا لإزالة اللبس عند السامع لأنه إن ألبس اللفظ الأول لم يلتبس الثاني، أي: هو من الأذواء، وهم ملوك اليمن، ذو يزن، وذو جدن وذو فائش، وذو الكلاع. 1719 - حديث: "المؤمنون هيّنون ليّنون، كالجمل الأنِف". قال في النهاية: هما تخفيف الهيّن والليّن، وهيّن فيعل، من الهون، كما يقال: مصدور، ومبطون، للذي يشتكي صدره وبطنه، وإنما جاز شاذًّا. ويروى الآنف بالمدّ وهو بمعناه. 1720 - حديث: "وقال الزمخشري في المفصل: تقلب ألف ما الاستفهامية هاء، جاء في حديث أبي ذؤيب: قدمت المدينة ولأهلها ضجيج بالبكاء كضجيج الحجيج، أهلّوا بالإحرام، فقلت: مه، فقيل: قد قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم".

1721 - حديث: "قال ابن القواس في شرح الدرة: قد جاء بدل المضمر الغائب مثل قوله عليه السلام، لعمر رضي الله عنه: (لا ولكن انحرها إياها) ".

قال الخوارزمي: إنما قلبت ألف (ما) هاء، استعظامًا للواقعة العجيبة على أسرع حال. 1721 - حديث: "قال ابن القواس في شرح الدرة: قد جاء بدل المضمر الغائب مثل قوله عليه السلام، لعمر رضي الله عنه: (لا ولكن انحرها إياها) ". 1722 - حديث: "حزقة حزقة، ترق عين بقة". قال في النهاية: (حزقة) مرفوع على أنه خبر مبتدأ محذوف، تقديره أنت حزقة، و (حزقة) الثاني كذلك، أو أنه خبر مكرر. ومن لم ينون (حزقة) فحذف حرف النداء وهو في الشذوذ، كقولهم: أطرِقْ كَرَا، لأن حرف النداء إنما يحذف من العلم المضموم أو المضاف، و (ترق) بمعنى: اصعد، و (عين بقة) كناية عن صغر العين. 1723 - حديث: "اغزوا قزوين فإنه من أعلى أبواب الجنة". قال الرافعي: يجوز رد الكناية إلى الغزو، ويجوز ردها إلى (قزوين)، والتذكير على تقدير الصرف إلى البلد والموضع. 1724 - حديث: "ومن زنى مم بكر فاصفعوه". قال ابن الأثير في النهاية: قوله: (مم بكر) لغة أهل اليمن يبدلون لام التعريف ميمًا، فعلى هذا تكون راء (بكر) مكسورة من غير تنوين، لأن أصله من البكر، فلما أبدل اللام ميمًا بقيت الحركة بحالها، كقولهم: بلحارث، في بني الحارث، يكون قد استعمل البكر في موضع الإبكار.

1725 - حديث: "قول عمر: أيما رجل بايع آخر فإنه لا يؤمر واحد منهما تغرة أن يقتلا".

قال: والأشبه أن يكون (بكر) نكرة منونة، وقد أبدلت النون ميمًا، لأن النون الساكنة إذا كان بعدها باء قلبت في اللفظ ميمًا، نحو: (منبر) و (عنبر)، فيكون التقدير: من زنى من بكر فاصفعوه. 1725 - حديث: "قول عمر: أيّما رجلٍ بايع آخر فإنه لا يؤمَّر واحد منهما تغِرَّة أن يقتلا". قال في النهاية: التغرة: مصدر غرّرته، وهي من التغرير، كالتعلة من التعليل، وفي الكلام مضاف محذوف، تقديره: خوف تغرّة أن يقتلا، أي: خوف وقوعهما في القتل، فحذف المضاف الذي هو (الخوف)، وأقام المضاف إليه الذي هو (تغرة) مقامه، وانتصب على أنه مفعول له. ويجوز أن يكون قوله: (أن يقتلا) بدلاً من (تغرة)، ويكون محذوفًا كالأول، ومن أضاف (تغرّة) إلى (أن يقتلا) فمعناه: خوف تغرّته قتلهما. 1726 - حديث: "إذا نشأت بحرية ثم تشاءمت فتلك عين غديقة". قال في النهاية: الضمير في (نشأت) للسحابة فتكون (بحرية) منصوبة، أو (للبحرية) فتكون مرفوعة. 1727 - حديث: "قول عروة: أما إنّ جبريل نزل فصلى أمام رسول الله صلى الله عليه وسلم". قال ابن مالك: (أما) حرف استفتاح بمنزلة (ألاَ)، ولا إشكال في فتح همزة (أمام) بل في كسرها. لأن إضافة (أمام) معرفة، والموضع موضع الحال، فيوجب

1728 - حديث ابن أبي مليكة: "كاد الخيران يهلكا".

جعله نكرة بالتأويل، كغيره من المعارف الواقعة أحوالاً، كأرسلها العراك، وجاؤوا قضّهم بقضيضهم. 1728 - حديث ابن أبي مليكة: "كاد الخيّران يهلكا". قال السفاقسي: كذا وقع بغير نون، وكأنه نصب بتقدير: أنْ، ورواه بعضهم: أن يهلكا، بلا حذف على الأصل. 1729 - حديث القاسم بن محمد: "كان في بريرة ثلاث سنن، أرادت عائشة أن تشتريها، فتعتقها، فقال أهلها: ولنا الولاء". قال الكرماني: فإن قلت: لا تدخل الواو بين القول والمقول، قلت: هذا عطف على مقدر، أي: قال أهلها: نبيعها ولنا الولاء. قوله: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لو شئت)، شرطية، هو جواب (لو) والياء حاصلة من إشباع الكسرة. قوله: (وأعتقت فخيّرت في أن تقرّ تحت زوجها). قال الكرماني: بكسر القاف وفتحها. وجوز السفاقسي فيه ثلاثة أوجه: هذان، وتخفيف الراء، و (قرّ) إذا جلس. 1730 - حديث: قال ابن الأثير في النهاية في الحديث: "الحجامة على الريق فيها شفاء وبركة فمن احتجم فيوم الأحد والخميس كذَباك". معنى (كذباك)، أي: عليك بهما، يعني اليومين المذكورين.

قال الزمخشري: هذه كلمة جرت مجرى المثل في كلامهم، ولذلك لم تتصرف، ولزمت طريقة واحدة، في كونها فعلاً ماضيًا معلقًا بالمخاطب وحده، وهي في معنى الأمر، كقولهم في الدعاء: رحمك الله، أي: ليرحمك الله. والمراد بالكذب الترغيب والبعث من قول العرب كذبته نفسه، إذا أمنته الأماني، وخيلت إليه من الآمال ما لا يكاد يكون، وذلك مما يرغب الرجل في الأمور، ويبعثه على التعرض لها، ويقولون في عكسه: صدقته نفسه، وحببت إليه العجز والكد في الطلب. أي: ليكذباك، ولينشطاك على الفعل، ويبعثاك عليه. وقال ابن السكيت: كأن (كذب) هنا إغراء، أي: عليك بهذا الأمر، وهي كلمة نادرة جاءت على غير قياس. ومنه حديث عمر: (كذب عليكم الحج، كذب عليكم العمرة، كذب عليكم الجهاد، ثلاثة أسفار كذبن عليكم)، معناه الإغراء: أي عليكم بهذه الأشياء الثلاثة. وكان وجهه النصب على الإغراء، ولكنه جاء شاذًّا مرفوعًا. وقيل: معناه: إن قيل: لا حج عليكم، فهو كذب. وقيل: معناه: وجب عليكم الحج. وقيل: معناه الحث والحض. يقول: إن الحج ظن بكم حرصًا عليه ورغبة فيه، فكذب ظنه. وقال الزمخشري: معنى (كذب عليكم الحج) على كلامين، كأنه قال: كذب الحج، عليك الحج، أي: ليرغبك الحج، هو واجب عليك، فأضمر الأول لدلالة الثاني عليه. ومن نصب (الحج) فقد جعل (عليك) اسم فعل، وفي (كذب) ضمير (الحج). وقال الأخفش: (الحج) مرفوع بكذب، ومعناه نصب، لأنه يريد أن يأمره بالحج، كما يقال: أمكنك الصيد، يريد ارمه. ومنه حديث عمر (كذبتك الظهائر) أي عليك بالمشي فيها، وهي شدة الحر،

وفي رواية: (كذب عليك الظواهر)، جمع ظاهرة، وهي ما ظهر من الأرض وارتفع. ومنه حديثه الآخر (أن عمرو بن معديكرب شكا إليه المعص فقال: كذب عليك العسل، يريد العسلان، وهو مشي الذئب: أي عليك بسرعة المشي. و (المعص) بالعين المهملة: التواء في عصب الرجل. ومنه حديث علي: (كذبتك الحارقة) أي عليك بمثلها. انتهى. وهذا آخر الكتاب، والحمد لله وحده، والصلاة والسلام على نبي الرحمة، وآله وصحبه أجمعين، وذلك في شهر صفر سنة ثمانين وثمانمائة. اللهم اغفر لكاتبه ومؤلفه وقارئه ولكل المسلمين. والحمد لله رب العالمين. كتبه أصغر الناس جِرْمًا، وأكبرهم جُرْمًا، غفر الله له ولوالده يوم العرض عليه، وغفر الله جل وعلا لمن قال: (آمين).

§1/1