عظمة القرآن وتعظيمه وأثره في النفوس في ضوء الكتاب والسنة

سعيد بن وهف القحطاني

المقدمة

بسم الله الرحمن الرحيم المقدمة إن الحمد لله، نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه، وعلى آله وأصحابه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وسلم تسليماً كثيراً. أما بعد: فهذه رسالة مختصرة في ((عظمة القرآن الكريم، وتعظيمه، وأثره في النفوس)) بيّنت فيها بإيجاز: كل ما يحتاجه المسلم من معرفة كتاب الله تعالى، وعظمته، وتعظيمه، وصفاته، وتأثيره في النفوس، والأرواح، والقلوب، وفضائله، وفضائل قراءته، وتعلمه، وتعليمه، ومدارسته، وآداب تلاوته، وتدبّره، والعمل به، وفضل العاملين به، وأخلاقهم، والأمر بتعاهده، ومراجعته، وقرنت ذلك بالأدلة من الكتاب والسنة، فما كان من صواب فمن الله الواحد المنَّان، وما كان من خطأ أو تقصير: فمني ومن الشيطان، والله بريء منه ورسوله - صلى الله عليه وسلم - (¬1). ¬

(¬1) اقتداء بما قاله عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه -. أخرجه أبو داود، كتاب النكاح، باب فيمن تزوج ولم يسمِّ صداقاً حتى مات، برقم 2116، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود، 2/ 397، وانظر: كتاب الروح، لابن القيم، ص 30.

وقد استفدت كثيراً من تقريرات وترجيحات شيخنا الإمام عبد العزيز بن عبد الله ابن باز، رفع الله منزلته، وغفر له، وجزاه عني وعن المسلمين خيراً. وقد قسمت البحث إلى عدة مباحث على النحو الآتي: المبحث الأول: مفهوم القرآن العظيم. المبحث الثاني: القرآن العظيم أنزل في شهر رمضان. المبحث الثالث: عظمة القرآن الكريم وصفاته. المبحث الرابع: تأثير القرآن في النفوس والقلوب جاء على أنواع. المبحث الخامس: تدبر القرآن العظيم. المبحث السادس: فضل تلاوة القرآن اللفظية. المبحث السابع: فضل قراءة القرآن في الصلاة. المبحث الثامن: فضل تعلم القرآن وتعليمه، ومدارسته. المبحث التاسع: فضل حافظ القرآن العامل به. المبحث العاشر: فضائل سور معينة مخصصة. المبحث الحادي عشر: وجوب العمل بالقرآن وبيان فضله. المبحث الثاني عشر: الأمر بتعاهد القرآن ومراجعته. المبحث الثالث عشر: آداب تلاوة القرآن العظيم. المبحث الرابع عشر: أخلاق العامل لله بالقرآن.

المبحث الخامس عشر: أخلاق العامل للدنيا بالقرآن. المبحث السادس عشر: أخلاق معلم القرآن. والله أسأل أن يجعل هذا العمل القليل مباركاً، نافعاً، خالصاً لوجهه الكريم، مقرّباً لمؤلفه، وقارئه، وناشره من الفردوس الأعلى، أعلى جنات النعيم،، وأن ينفعني به في حياتي وبعد مماتي، وأن ينفع به كلَّ من انتهى إليه؛ إنه سميع مجيب، قريب، خير مسؤول، وأكرم مأمول، وهو حسبنا ونعم الوكيل، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم، وبارك على خيرته من خلقه، وأمينه على وحيه، نبينا وإمامنا وأسوتنا محمد بن عبد الله، وعلى آله، وأصحابه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. أبو عبد الرحمن سعيد بن علي بن وهف القحطاني حرر بعد ظهر يوم الأربعاء 19/ 6/1428هـ.

المبحث الأول تعريف القرآن العظيم:

المبحث الأول: تعريف القرآن العظيم القرآن كلام الله: حروفه، ومعانيه، منزل غير مخلوق، منه بدأ وإليه يعود، وهو المعجزة العُظمى، المتعبّد بتلاوته، المبدوء في المصحف بفاتحة الكتاب المختوم بسورة الناس، تكلم الله به، وسمعه جبريل من الله تعالى، وسمعه محمد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من جبريل، وسمعه الصحابة من محمد - صلى الله عليه وسلم - (¬1)، قال الله تعالى: {وَإِنَّهُ لَتَنزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِين * نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأَمِين * عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنذِرِين *بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُّبِين} (¬2). ¬

(¬1) انظر: مناهل العرفان في علوم القرآن للزرقاني، 1/ 19، ومباحث في علوم القرآن، للشيخ مناع خليل القطان، ص 17 وما بعدها، ودراسات في علوم القرآن، لبكر إسماعيل، ص 10. (¬2) سورة الشعراء، الآيات: 192 - 195 ..

المبحث الثاني: القرآن العظيم أنزل في شهر رمضان

المبحث الثاني: القرآن العظيم أنزل في شهر رمضان القرآن أنزله الله تعالى في شهر رمضان، كما قال - عز وجل -: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ} (¬1) وكان هذا الإنزال في ليلة القدر في العشر الأواخر من رمضان كما قال سبحانه وتعالى: {إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْر} (¬2)، وقال - عز وجل -: {إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِين} (¬3). ولأهمية هذا القرآن العظيم والاهتمام به في رمضان وغيره، فقد كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يعرضه على جبريل في كل عام مرة في شهر رمضان، وعرضه في العام الذي توفي فيه مرتين (¬4). وهذا يؤكد الأهمية العظمى بالقرآن في رمضان وفي غيره. ¬

(¬1) سورة البقرة، الآية:185. (¬2) سورة القدر، الآية: 1. (¬3) سورة الدخان، الآية: 3. (¬4) البخاري، كتاب فضائل القرآن , باب كان جبريل يعرض القرآن على النبي - صلى الله عليه وسلم -، برقم 4997، ورقم 4998.

المبحث الثالث: عظمة القرآن الكريم وصفاته:

المبحث الثالث: عظمة القرآن الكريم وصفاته له صفات عظيمة يعجز البشر عن حصرها، ولكن منها الصفات الآتية: 1 - كتاب عام للعالمين: {تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا} (¬1). 2 - المعجزة العظمى، الذي تحدَّى الله به الإنس والجن على أن يأتوا بمثله، أو بعشر سور من مثله، أو سورة واحدة، فعجزوا مجتمعين ومتفرقين عن الإتيان بشيء من ذلك، قال الله - عز وجل -: {قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَن يَأْتُواْ بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا} (¬2)، وقوله تعالى: {أَمْ يَقُولُونَ تَقَوَّلَهُ بَل لاَّ يُؤْمِنُون* فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِّثْلِهِ إِن كَانُوا صَادِقِين} (¬3)،وبعد هذا التحدّي عجزوا أن يأتوا بمثله، فمدَّ لهم في الحبل وتحدَّاهم بعشر سور مثله: {أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُواْ بِعَشْرِ سُوَرٍ مِّثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ وَادْعُواْ مَنِ اسْتَطَعْتُم مِّن دُونِ الله إِن كُنتُمْ صَادِقِين} (¬4) فعجزوا، فأرخى لهم في الحبل، وتحدّاهم بسورة مثله، قال الله تعالى: {أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّثْلِهِ وَادْعُواْ مَنِ اسْتَطَعْتُم مِّن دُونِ الله إِن كُنتُمْ صَادِقِين} (¬5). ¬

(¬1) سورة الفرقان، الآية: 1. (¬2) سورة الإسراء، الآية: 88. (¬3) سورة الطور، الآيتان: 33، 34. (¬4) سورة هود، الآية: 13. (¬5) سورة يونس، الآية: 38.

3 - هدى للمتقين

وقد سمع هذا التحدِّي من سمع القرآن وعرفه الخاص والعام، ولم يتقدم أحد على أن يأتي بسورة مثله من حين بعث النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى هذا اليوم (¬1) وإلى قيام الساعة، والقرآن يشتمل على آلاف المعجزات؛ لأنه مائة وأربع عشرة سورة، وقد وقع التحدي بسورة واحدة، وأقصر سورة في القرآن سورة الكوثر، وهي ثلاث آيات قصار، والقرآن يزيد بالاتفاق على ستة آلاف آية ومائتي آية، ومقدار سورة الكوثر من آيات أو آية طويلة على ترتيب كلماتها له حكم السورة الواحدة، ويقع بذلك التحدي والإعجاز؛ ولهذا كان القرآن يُغني عن جميع المعجزات الحسِّية والمعنوية؛ لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد، وإعجازه في وجوه كثيرة: الإعجاز البلاغي والبياني، والإخبار عن الغيوب بأنواعها، والإعجاز التشريعي، والإعجاز العلمي الحديث؛ ولهذا قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((ما من الأنبياء نبي إلا أُعطي من الآيات على ما مثله آمن البشر، وإنما كان الذي أُتيته وحياً أوحاه الله إليَّ، فأرجو أن أكون أكثرهم تابعاً يوم القيامة)) (¬2). 3 - هدى للمتقين: {الم * ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِين} (¬3). 4 - هدى للناس جميعاً: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ ¬

(¬1) انظر: الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح لابن تيمية، 4/ 71 - 77، والبداية والنهاية لابن كثير، 6/ 95. (¬2) متفق عليه: البخاري، كتاب فضائل القرآن، باب كيف نزل الوحي، برقم 4981، ومسلم، كتاب الإيمان، باب وجوب الإيمان برسالة نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - إلى جميع الناس، برقم 152. (¬3) سورة البقرة، الآية: 1 - 2.

5 - يهدي للتي هي أقوم:

وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ} (¬1). 5 - يهدي للتي هي أقوم: {إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يِهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا * وأَنَّ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا} (¬2). 6 - روحٌ وحياةٌ: {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِّنْ أَمْرِنَا مَا كُنتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلاَ الإِيمَانُ} (¬3). 7 - نور: يهدي به الله من يشاء من عباده: {وَلَكِن جَعَلْنَاهُ نُورًا نَّهْدِي بِهِ مَنْ نَّشَاء مِنْ عِبَادِنَا} (¬4)، {يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءكُم بُرْهَانٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَأَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُّبِينًا * فَأََمَّا الَّذِينَ آمَنُواْ بِالله وَاعْتَصَمُواْ بِهِ فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مِّنْهُ وَفَضْلٍ وَيَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ صِرَاطًا مُّسْتَقِيمًا} (¬5). 8 - فرقان: {تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا} (¬6). 9 - شفاء لما في الصدور وهدى ورحمة للمؤمنين: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءتْكُم مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِّمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِين} (¬7)، {وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاء وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ وَلاَ ¬

(¬1) سورة البقرة، الآية: 185. (¬2) سورة الإسراء، الآيتان: 9 - 10. (¬3) سورة الشورى، الآية: 52. (¬4) سورة الشورى، الآية: 52. (¬5) سورة النساء الآيتان: 174 - 175. (¬6) سورة الفرقان، الآية: 1. (¬7) سورة يونس، الآية: 57.

10 - القرآن تبيان لكل شيء

يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إَلاَّ خَسَارًا} (¬1)، {قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاء وَالَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى أُوْلَئِكَ يُنَادَوْنَ مِن مَّكَانٍ بَعِيد} (¬2). 10 - القرآن تبيانٌ لكل شيء: {وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِين} (¬3). 11 - لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه: {وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيز * لاَ يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلاَ مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيد} (¬4). 12 - تكفَّل الله بحفظه: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُون} (¬5). 13 - كتابٌ واضحٌ مبين: {قَدْ جَاءكُم مِّنَ الله نُورٌ وَكِتَابٌ مُّبِين * يَهْدِي بِهِ الله مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلاَمِ وَيُخْرِجُهُم مِّنِ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيم} (¬6). 14 - أُحْكِمَتْ آياته: {الَر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ خَبِير} (¬7). 15 - فُصِّلت آياته: {كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِّقَوْمٍ يَعْلَمُون * بَشِيرًا وَنَذِيرًا ¬

(¬1) سورة الإسراء، الآية:82. (¬2) سورة فصلت، الآية: 44. (¬3) سورة النحل، الآية: 89. (¬4) سورة فصلت، الآية: 1. (¬5) سورة الحجر، الآية: 9. (¬6) سورة المائدة، الآية: 16. (¬7) سورة هود، الآية: 1.

16 - تذكرة لمن يخشى

فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ فَهُمْ لاَ يَسْمَعُون} (¬1). 16 - تذكرةٌ لمن يخشى: {مَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى * إِلاَّ تَذْكِرَةً لِّمَن يَخْشَى * تَنزِيلاً مِّمَّنْ خَلَقَ الأَرْضَ وَالسَّمَوَاتِ الْعُلَى} (¬2). 17 - ما تَنَزَّلت به الشياطين: {وَمَا تَنَزَّلَتْ بِهِ الشَّيَاطِين * وَمَا يَنبَغِي لَهُمْ وَمَا يَسْتَطِيعُون * إِنَّهُمْ عَنِ السَّمْعِ لَمَعْزُولُون} (¬3). 18 - آياتٌ بيِّناتٌ في صدور أهل العلم: {بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ} (¬4). 19 - ذِكْرٌ وقرآنٌ مبين: {إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُّبِين * لِيُنذِرَ مَن كَانَ حَيًّا وَيَحِقَّ الْقَوْلُ عَلَى الْكَافِرِين} (¬5). 20 - أحسن الحديث: {الله نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُّتَشَابِهًا مَّثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ الله ذَلِكَ هُدَى الله يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاء وَمَن يُضْلِلْ الله فَمَا لَهُ مِنْ هَاد} (¬6). 21 - عليٌّ حكيم: {وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيم} (¬7). ¬

(¬1) فصلت، الآيات: 2 - 4. (¬2) سورة طه، الآيات: 2 - 4. (¬3) سورة الشعراء، الآيات: 209 - 212. (¬4) سورة العنكبوت، الآية: 49. (¬5) سورة يس، الآيتان: 69 - 70. (¬6) سورة الزمر، الآية: 23. (¬7) سورة الزخرف، الآية: 4.

22 - بصائر للناس

22 - بصائرُ للناس: {هَذَا بَصَائِرُ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّقَوْمِ يُوقِنُون} (¬1). 23 - قرآنٌ مجيدٌ: {وَالْقُرْآنِ الْمَجِيد} ((¬2). 24 - قرآنٌ كريمٌ: {إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيم*فِي كِتَابٍ مَّكْنُون * لاَّ يَمَسُّهُ إِلاَّ الْمُطَهَّرُون*تَنزِيلٌ مِّن رَّبِّ الْعَالَمِين} (¬3). 25 - لو أنزله الله على الجبال لخشعت، وتصدَّعت من خشيته تعالى: {لَوْ أَنزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَّرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُّتَصَدِّعًا مِّنْ خَشْيَةِ الله وَتِلْكَ الأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُون} (¬4). 26 - يهدي إلى الحقِّ وإلى طريقٍ مستقيم، ومصدِّقٌ لما بين يديه: {قَالُوا يَا قَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا كِتَابًا أُنزِلَ مِن بَعْدِ مُوسَى مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلَى طَرِيقٍ مُّسْتَقِيم} (¬5). 27 - يهدي إلى الرُّشد: {إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا*يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ} (¬6). 28 - في لوحٍ محفوظ: {بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَّجِيد * فِي لَوْحٍ مَّحْفُوظ} (¬7). 29 - القرآن وصيَّة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقد أوصى به في عدة أحاديث منها الأحاديث الآتية: ¬

(¬1) سورة الجاثية، الآية: 20. (¬2) سورة ق، الآية: 2. (¬3) سورة الواقعة، الآيات: 77 - 80. (¬4) سورة الحشر، الآية: 21. (¬5) سورة الأحقاف، الآية: 30. (¬6) سورة الجن، الآيتان: 1 - 2. (¬7) سورة البروج، الآيتان: 21 - 22.

الحديث الأول: حديث عبد الله بن أبي أوفى - رضي الله عنه -،فقد سُئل: هل أوصى رسول لله - صلى الله عليه وسلم -؛قال: ((أوصى بكتاب الله - عز وجل -)) (¬1). والمراد بالوصية بكتاب الله: حفظه حِسَّاً ومعنىً، فيُكرم، ويُصان، ويُتّبع ما فيه، فَيُعمل بأوامره، ويجتنب نواهيه، ويداوم على تلاوته، وتعلُّمه، وتعليمه، ونحو ذلك (¬2). الحديث الثاني: حديث جابر رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا في صفة حجة النبي - صلى الله عليه وسلم -، وفيه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال في خطبته في عرفات: (( ... وقد تركت فيكم ما لن تضلُّوا بعده إن اعتصمتم به: كتاب الله، وأنتم تُسألون عني فماذا أنتم قائلون؟)) قالوا: نشهد أنك قد بلغت، وأديت ونصحت، فقال بأصبعه السبابة يرفعها إلى السماء وينكتها إلى الناس: ((اللهم اشهد، اللهم اشهد، اللهم اشهد ... )) (¬3). الحديث الثالث: حديث ابن عباس رضي الله عنهما: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خطب الناس في حجة الوداع فقال: ((إن الشيطان قد يئس أن يعبد بأرضكم، ولكن رضي أن يُطاع فيما سوى ذلك مما تحاقرون من أعمالكم فاحذروا، إني قد تركت فيكم ما إن اعتصمتم به فلن تضلُّوا أبداً: كتاب الله وسنة نبيه ... )) (¬4). ¬

(¬1) متفق عليه: البخاري، كتاب الوصايا، باب الوصايا، برقم 2740، ومسلم، كتاب الوصية، باب ترك الوصية لمن ليس له شيء يوصي فيه، برقم 1634. (¬2) فتح الباري، لابن حجر، 9/ 67. (¬3) مسلم، كتاب الحج، باب حجة النبي - صلى الله عليه وسلم -، برقم 1218. (¬4) الحاكم، 1/ 93، وصححه ووافقه الذهبي، وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب، 1/ 124، وفي الأحاديث الصحيحة، برقم 472.

30 - والقرآن العظيم: من ابتغى الهدى من غيره أضله الله

الحديث الرابع: حديث زيد بن أرقم - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لهم في غدير خم [بين مكة والمدينة] (¬1)، وفيه: (( ... وأنا تارك فيكم ثقلين: أولهما كتاب الله فيه الهدى والنور [هو حبل الله من اتبعه كان على الهدى، ومن تركه كان على الضلالة] فخذوا بكتاب الله واستمسكوا به))، فحث على كتاب الله، ورغَّب فيه ... )) (¬2). الحديث الخامس: حديث أبي ذر - رضي الله عنه -، قال: قلت: يا رسول الله أوصني قال: ((أوصيك بتقوى الله؛ فإنه رأس الأمر كلِّه))، (قلت: يا رسول الله زدني، قال: ((عليك بتلاوة القرآن وذكر الله؛ فإنه نورٌ لك في الأرض وذخرٌ لك في السماء)) (¬3). فقد جاءت هذه الأحاديث تدل على أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أوصى بكتاب الله تعالى في عِدَّةِ مواقف: في خطبة عرفات، وفي خطبة أيام منى، وفي خطبته في غدير خم بين مكة والمدينة، وعند موته - صلى الله عليه وسلم -، وهذا يدل على أهمية كتاب الله - عز وجل -. 30 - والقرآن العظيم: من ابتغى الهُدى من غيره أضلّه الله، وهو حبل الله المتين، ونوره المبين، والذكر الحكيم، وهو الصراط المستقيم، وهو الذي لا تزيغ به الأهواء، ولا تلتبس به الألسنة، ولا تتشعَّب معه الآراء، ولا يشبع ¬

(¬1) اسم لفيضة على ثلاثة أميال من الجحفة، غدير يقال له: غدير خم. [شرح النووي على صحيح مسلم]. (¬2) مسلم، كتاب فضائل الصحابة - رضي الله عنهم -، باب من فضائل علي بن أبي طالب - رضي الله عنه -، برقم 2408. (¬3) ابن حبان في صحيحه مطولاً، برقم 361، 2/ 78، وحسنه الألباني لغيره في صحيح الترغيب والترهيب، 2/ 164، برقم 1422.

منه العلماء، ولا يملّه الأتقياء، ولا يخلق على كثرة الردِّ، ولا تنقضي عجائبه، من عَلِم علمه سبق، ومن قال به صدق، ومن حكم به عدل، ومن عمل به أُجِر، ومن دعا إليه هُدِيَ إلى صراط مستقيم (¬1). ¬

(¬1) انظر: الترمذي، برقم 2906، وكل ما جاء في هذا الأثر فمعناه صحيح حتى ولو لم يأتِ في حديث، لكن المعنى تدل عليه عموم الأدلة من الكتاب والسنة.

المبحث الرابع: تأثير القرآن في النفوس والقلوب جاء على أنواع:

المبحث الرابع: تأثير القرآن في النفوس والقلوب جاء على أنواع: النوع الأول: تأثير القرآن في القلوب والنفوس كما جاء في القرآن الكريم القرآن العظيم مُؤثِّر في القلوب والنفوس والأرواح؛ لأنه كلام العليم الخبير بما يصلح هذه القلوب والنفوس في الدنيا والآخرة، ومن هذا التأثير ما يأتي: 1 - تأثيره على علماء أهل الكتاب وغيرهم من أهل العقول، قال الله تعالى: {وَإِذَا سَمِعُواْ مَا أُنزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُواْ مِنَ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِين} (¬1). 2 - الذين أوتوا العلم من قبله يتأثَّرون به، قال الله تعالى: {قُلْ آمِنُواْ بِهِ أَوْ لاَ تُؤْمِنُواْ إِنَّ الَّذِينَ أُوتُواْ الْعِلْمَ مِن قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ سُجَّدًا * وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَا إِن كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولا * وَيَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا} (¬2). 3 - الذين أنعم الله عليهم إذا تتلى عليهم آيات الرحمن خرُّوا سُجَّداً وبُكِيّاُ: قال تعالى: {أُوْلَئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ الله عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ مِن ذُرِّيَّةِ آدَمَ وَمِمَّنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ وَمِن ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْرَائِيلَ وَمِمَّنْ هَدَيْنَا وَاجْتَبَيْنَا إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَن خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا} (¬3). 4 - من علامات الإيمان التأثر بالقرآن وزيادة الإيمان، قال تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ ¬

(¬1) سورة المائدة، الآية: 83. (¬2) سورة الإسراء، الآيات: 107 - 109. (¬3) سورة مريم، الآية: 58.

5 - المؤمنون الصادقون في إيمانهم، الخائفون من ربهم تقشعر جلودهم عند قراءة القرآن

زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُون} (¬1). 5 - المُؤمنون الصادقون في إيمانهم، الخائفون من ربهم تقشَعِرُّ جلودهم عند قراءة القرآن، قال سبحانه: {اللهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُّتَشَابِهًا مَّثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللهِ ذَلِكَ هُدَى اللهُ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاء وَمَن يُضْلِلْ اللهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَاد} (¬2). 6 - الصادقون مع الله تخشع قلوبهم لذكر الله، قال - عز وجل -: {أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ الله وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلاَ يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُون} (¬3). وعن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - قال: ((مَا كَانَ بَيْنَ إِسْلَامِنَا وَبَيْنَ أَنْ عَاتَبَنَا اللهُ بِهَذِهِ الْآيَةِ {أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللهِ} إِلَّا أَرْبَعُ سِنِينَ)) (¬4)، وثبت أيضاً من حديث عامر بن عبد الله ابن الزبير رضي الله عنهما أن أباه أخبره أنه لم يكن بين إسلامهم وبين أن أنزلت هذه الآية يعاتبهم الله بها إلا أربع سنين (¬5). النوع الثاني: تأثير القرآن في القلوب والنفوس كما جاء ذلك في سنة النبي - صلى الله عليه وسلم -: وجاءت الأحاديث تدل على خشوع النبي - صلى الله عليه وسلم - وتأثُّره بقراءة القرآن ¬

(¬1) سورة الأنفال، الآية: 2. (¬2) سورة الزمر، الآية: 23. (¬3) سورة الحديد، الآية: 16. (¬4) مسلم، كتاب التفسير، باب في قوله تعالى: {أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ الله}، برقم: 3027. (¬5) ابن ماجه، كتاب الزهد، باب الحزن والبكاء، برقم 4192، وحسنه الألباني في صحيح سنن ابن ماجه، 3/ 369.

الكريم ومن ذلك: 1 - أَمَرَ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - أن يُقرأ عليه القرآن فبكى، فعن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه -، قال: قال لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((اقرأ عليَّ القرآن))،قال: فقلت: يا رسول الله أأقرأ عليك وعليك أنزل؟ فقال: ((إني أشتهي أن أسمعه من غيري))، وفي لفظ للبخاري: ((فإني أحب أن أسمعه من غيري))، فقرأت عليه النساء حتى إذا بلغت: {فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن كُلِّ أمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاء شَهِيدًا} (¬1)، وفي لفظ للبخاري: ((فقال حسبك الآن))، فرفعت رأسي، أو غمزني رجلٌ فرفعت رأسي، فرأيت دموعه تسيل))، وفي لفظ للبخاري: ((فالتفت إليه فإذا عيناه تذرفان)) (¬2). 2 - وعن أنس بن مالك - رضي الله عنه -:أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال لأبيّ بن كعب: ((إن الله - عز وجل - أمرني أن أقرأ عليك))، قال: آلله سمَّاني لك؟ قال: ((الله سمَّاك لي))، قال فجعل أُبيّ يبكي))، وفي رواية: ((إن الله أمرني أن أقرأ عليك: {لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا} (¬3) قال: وسمَّاني لك؟ قال: ((نعم)) قال: فبكى (¬4). ¬

(¬1) سورة النساء الآية: 41. (¬2) متفق عليه: البخاري، كتاب التفسير، باب {فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن كُلِّ أمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاء شَهِيدًا}، برقم 4582، وكتاب فضائل القرآن، باب من أحب أن يسمع القرآن من غيره، برقم 5049، وباب قول المقرئ للقارئ: حسبك، برقم 5050، وباب البكاء عند قراءة القرآن، برقم 5055، ورقم 5056، مسلم، كتاب صلاة المسافرين، باب فضل استماع القرآن، وطلب القراءة من حافظه للاستماع، والبكاء عند القراءة والتدبر، برقم 800. (¬3) سورة البينة، الآية: 1. (¬4) مسلم، كتاب صلاة المسافرين، باب استحباب قراءة القرآن على أهل الفضل والحُذَّاق فيه وإن كان القارئ أفضل من المقروء عليه، برقم 245 - (799) و246 - (799).

3 - وعن عائشة رضي الله عنها في حديث طويل ذكرت فيه صلاة النبي - صلى الله عليه وسلم - بالليل وأنه بكى مرات، قالت: ((فجاء بلال يؤذنه بالصلاة فلما رآه يبكي، قال: يا رسول الله لم تبكي وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟ قال: ((أفلا أكون عبداً شكوراً؛ لقد نزلت عليَّ الليلة آية ويل لمن قرأها ولم يتفكر فيها {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ ... } (¬1) الآية كلها (¬2). 4 - عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - تلا قول الله - عز وجل - في إبراهيم: {رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِّنَ النَّاسِ فَمَن تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي} (¬3) الآية، وقال عيسى - عليه السلام -: {إِن تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيم} (¬4) الآية. فرفع يديه وقال: ((اللهم أمتي أمتي))، وبكى فقال الله - عز وجل -: ((يا جبريل اذهب إلى محمد وربُّك أعلم فسله ما يبكيك؟ فأتاه جبريل - عليه السلام - فسأله، فأخبره رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بما قال وهو أعلم، فقال الله: يا جبريل! اذهب إلى محمد فقل: إنا سنرضيك في أمتك ولا نسوؤك)) (¬5). ¬

(¬1) سورة آل عمران، الآية 190. (¬2) ابن حبان في صحيحه، برقم 620، وقال شعيب الأرنؤوط في تحقيقه لصحيح ابن حبان: ((إسناده صحيح على شرط مسلم))، وقال الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة برقم 86: ((وهذا إ سناد جيد)). (¬3) سورة إبراهيم، الآية: 36. (¬4) سورة المائدة، الآية: 118. (¬5) مسلم، كتاب الإيمان، باب دعاء النبي - صلى الله عليه وسلم - لأمته، وبكائه شفقة عليهم، برقم 202.

النوع الثالث: تأثير القرآن الكريم على القلوب والأرواح والنفوس

5 - وعن أبي ذر - رضي الله عنه -،قال: قام النبي - صلى الله عليه وسلم - بآية حتى أصبح يردِّدها، والآية: {إِن تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيم} (¬1) (¬2)، ولم يكن النبي - صلى الله عليه وسلم - يبكي بشهيق ورفع صوت، كما لم يكن ضحكه قهقهةً، ولكن كانت تدمع عيناه حتى تهملان، ويسمع لصدره أزيز، وكان بكاؤه: تارة رحمة للميت، وتارة خوفاً على أمَّتِهِ وشفقة عليها، وتارة خشيةً لله تعالى، وتارة عند سماع القرآن، وهو بكاءُ اشتياقٍ ومحبةٍ وإجلالٍ (¬3) (¬4). النوع الثالث: تأثير القرآن الكريم على القلوب والأرواح والنفوس كما جاء في الآثار عن السلف الصالح: 1 - ثبت عن جبير بن مطعم - رضي الله عنه -:أنه قال: ((سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقرأ في المغرب بالطُّور، فلمَّا بلغ هذه الآية: {أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُون* أَمْ خَلَقُوا السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ بَل لاَّ يُوقِنُون * أَمْ عِندَهُمْ خَزَائِنُ رَبِّكَ أَمْ هُمُ الْمُصَيْطِرُون} (¬5) كاد قلبي أن يطير [وذلك أول ما وقر الإيمان في ¬

(¬1) سورة المائدة، الآية: 118. (¬2) أخرجه: النسائي، كتاب الافتتاح، باب ترديد الآية، برقم 1010، وابن ماجه، كتاب إقامة الصلوات، باب ما جاء في القراءة في صلاة الليل، برقم 1350، وأحمد، 1/ 241، وصححه البوصيري في مصباح الزجاجة، 1/ 242، وحسنه الألباني في صحيح ابن ماجه، 1/ 401. (¬3) زاد المعاد لابن القيم، 1/ 183. (¬4) وانظر المواضع التي بكى فيها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في كتاب رحمة للعالمين للمؤلف، ص82 - 93، فقد جمعت مما صح من بكائه - صلى الله عليه وسلم - ستة عشر موضعاً وغيرها كثير. (¬5) سورة الطور، الآيات: 35 - 37.

قلبي])) (¬1). وهذا من أعظم البراهين على تأثير القرآن في القلوب. 2 - ذُكِر عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - أنه صلى بالجماعة صلاة الصبح، فقرأ سورة يوسف فبكى حتى سالت دموعه على ترقوته، وفي رواية: أنه كان في صلاة العشاء، فيدل على تكريره منه، وفي رواية أنه بكى حتى سُمِعَ بكاؤه من وراء الصفوف (¬2). 3 - وذُكِر أنه قدم أُناس من أهل اليمن على أبي بكر الصديق - رضي الله عنه -، فجعلوا يقرؤون القرآن ويبكون فقال أبو بكر الصديق - رضي الله عنه -: ((هكذا كنَّا، ثم قست القلوب)) (¬3). 4 - وذُكِرَ عن أبي رجاء قال: رأيت ابن عباس وتحت عينيه مثل الشراك (¬4) البالي من الدموع (¬5). والذي جعل النبي - صلى الله عليه وسلم - يبكي من خشية الله تعالى، هو علمه بالله تعالى، وأسمائه، وصفاته، وعظمته، وعلمه بما أخبر الله به من أمور الآخرة؛ ولهذا كان أبو هريرة - رضي الله عنه - يقول: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلاً ولبكيتم كثيراً))،وفي لفظ: قال: قال أبو القاسم - صلى الله عليه وسلم -: ¬

(¬1) متفق عليه: البخاري، كتاب التفسير، سورة الطور، بابٌ: حدثنا عبد الله بن يوسف، برقم 4854، وما بين المعقوفين من الطرف رقم 4023 من كتاب المغازي، وأخرجه مسلم، بنحوه، كتاب الصلاة باب القراءة في الصبح، برقم 463. (¬2) ذكره النووي في التبيان في آداب حملة القرآن، ص69. (¬3) أبو نعيم في حلية الأولياءـ، 1/ 34، وذكره النووي في التبيان في آداب حملة القرآن، ص69. (¬4) الشراك: هو السير الرقيق الذي يكون في النعل على ظهر القدم، [التبيان للنووي، ص168]. (¬5) ذكره الإمام النووي التبيان في آداب حملة القرآن، ص69.

((والذي نفسي بيده لو تعلمون ما أعلم لبكيتم كثيراً ولضحكتم قليلاً)) (¬1). وعن أنس - رضي الله عنه - قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلاً ولبكيتم كثيراً)) (¬2). وعن أبي ذر - رضي الله عنه - في حديث طويل عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وفيه قوله - صلى الله عليه وسلم -: (( ... والله لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلاً ولبكيتم كثيراً، وما تلذذتم بالنساء على الفُرُشات، ولخرجتم إلى الصُّعُداتِ تجأرون إلى الله ... )) (¬3). وهكذا أصحابه - رضي الله عنهم - وأتباعهم بإحسان: علمهم بالله تعالى وبما أخبر به عن الدار الآخرة جعلهم يخشون الله تعالى ويتأثرون بكلامه - عز وجل -. ¬

(¬1) البخاري، كتاب الرقاق، باب قوله - صلى الله عليه وسلم -: ((لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلاً ولبكيتم كثيراً))، برقم 6485. (¬2) متفق عليه: البخاري، كتاب الرقاق، باب قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((لو تعلمون ما أعلم، لضحكتم قليلاً ولبكيتم كثيراً))، برقم 6486، وأطرافه في البخاري، 93 ذكرت هناك، ومسلم كتاب الفضائل، باب توقيره، - صلى الله عليه وسلم - وترك إكثار سؤاله عما لا ضرورة إليه، برقم 1337. (¬3) ابن ماجه، كتاب الزهد، باب الحزن والبكاء، برقم 4190، وحسنه الألباني في صحيح ابن ماجه، 3/ 368، وفي سلسلة الأحاديث الصحيحة، برقم 1722.

المبحث الخامس: تدبر القرآن العظيم: علاج لجميع أمراض القلوب والأرواح:

المبحث الخامس: تدبر القرآن العظيم: علاج لجميع أمراض القلوب والأرواح لا شك أن تدبُّر القرآن الكريم هو العلاج الأعظم للقلوب، والحث على التدبر جاء على أنواع: النوع الأول: حض القرآن الكريم على التدبر: 1 - قال الله تعالى: {أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ الله لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفًا كَثِيرًا} (¬1)، فقد أمر الله تعالى بتدبر كتابه، وهو التأمُّل في معانيه، وتحديد الفكر فيه، وفي مبادئه وعواقبه، ولوازم ذلك؛ فإن تدبر كتاب الله مفتاحٌ للعلوم والمعارف، وبه يُستنتج كل خير، وتُستخرج كل العلوم، وبه يزداد الإيمان في القلب، وترسخ شجرته؛ فإنه يُعرِّف بالرب المعبود وماله من صفات الكمال، وما ينزَّه عنه من صفات النقص، ويُعرِّف الطريق الموصل إليه، وصفة أهلها، ومالهم عند القدوم عليه، ويعرِّف العدو الذي هو العدو على الحقيقة والطريق الموصلة إلى العذاب، وصفة أهلها، وما لهم عند وجود أسباب العقاب، وكلما ازداد العبد تأملاً فيه ازداد: علماً، وعملاً, وبصيرة (¬2). 2 - قال الله تعالى: {كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُوا الأَلْبَاب} (¬3)،فهذا الكتاب فيه خيرٌ كثيرٌ، وعِلْم غزير، فيه كل هدى من ¬

(¬1) سورة النساء، الآية: 82. (¬2) تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان، للسعدي، ص189 - 190. (¬3) سورة ص، الآية: 29.

النوع الثاني: حض النبي - صلى الله عليه وسلم - على تدبر القرآن:

ضلالة، وشفاء من كل داء، ونور يُستضاء به في الظلمات، وكل حكم يحتاج إليه المكلَّفون، وهذا كله من بركته والحكمة من إنزاله؛ ليتدبر الناس آياته، وفي هذه الآية: الحثُّ على تدبر القرآن، وأنه من أفضل الأعمال، ومن فضائل التدبر: أنَّ العَبْدَ يصل به إلى درجة اليقين، والعلم بأن القرآن كلام الله تعالى؛ لأنه يراه يصدق بعضه بعضاً ... (¬1). 3 - قال الله تعالى: {أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا} (¬2)، فَهلاَّ يتدبر هؤلاء المعرضون لكتاب الله ويتأمَّلونه حق التأمُّل؛ فإنهم لو تدبروه لدلهم على كل خير ولحذَّرهم من كل شر، ولملأ قلوبهم من الإيمان، وأفئدتهم من الإيقان؛ ولأوصلهم إلى المطالب العالية، والمواهب الغالية ... {أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا} أي قد أُغْلِقَ على ما فيها من الشر، وأقفلت فلا يدخلها خير أبداً، هذا هو الواقع ... (¬3). النوع الثاني: حض النبي - صلى الله عليه وسلم - على تدبر القرآن: ما ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - من ترغيب في القرآن، وبيان فضائله، وبيان فضائل حافظ القرآن، يستفاد منه الحث على تدبر القرآن. وقد جاء تدبر القرآن من فعله - صلى الله عليه وسلم - أيضاً في أحاديث كثيرة ومنها: 1 - حديث حذيفة - رضي الله عنه -، قال: صليت مع النبي - صلى الله عليه وسلم - ذات ليلة فافتتح البقرة، فقلت: يركع عند المائة، ثم مضى يصلي، فقلت: يُصلِّي بها في ¬

(¬1) انظر: تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان، للسعدي، ص190وَص712. (¬2) سورة محمد، الآية: 24. (¬3) انظر: تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان، للسعدي، ص788.

النوع الثالث: حث الصحابة - رضي الله عنه - على تدبر القرآن:

ركعة، فمضَى، فقلت: يركع بها، ثم افتتح النساء فقرأها، ثم افتتح آل عمران فقرأها، يقرأ مترسِّلاً، إذا مرَّ بآية تسبيح سبَّح، وإذا مرَّ بسؤالٍ سأل، وإذا مرَّ بتعوّذ تعوّذ ... )) (¬1). 2 - حديث عوف بن مالك - رضي الله عنه -،قال: قمت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليلة فقرأ سورة البقرة، لا يَمُرُّ بآية رحمة إلا وقف فسأل، ولا يمر بآية عذاب إلا وقف وتعوذ ... )) (¬2). 3 - عن أبي جحيفة - رضي الله عنه -، قال: قالوا: يا رسول الله نراك قد شبت قال: ((قد شيَّبتني هود وأخواتها)) (¬3)، وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال أبو بكر: يا رسول الله قد شبت قال: ((شيَّبتني: هود، والواقعة، والمرسلات، وعم يتساءلون، وإذا الشمس كوِّرت)) (¬4). وهذا يدل على كمال تدبره - صلى الله عليه وسلم - للقرآن حق التدبر. النوع الثالث: حث الصحابة - رضي الله عنه - على تدبر القرآن: 1 - قال أمير المؤمنين عثمان - رضي الله عنه -: ((لو طَهُرَتْ قلوبكم ما شبعتم من كلام ربكم)) (¬5). ¬

(¬1) مسلم، كتاب صلاة المسافرين، باب استحباب تطويل القراءة في صلاة الليل، برقم772. (¬2) أبو داود، كتاب الصلاة، باب ما يقول الرجل في ركوعه وسجوده، برقم 873، واللفظ له، والنسائي، كتاب التطبيق، باب نوع آخر من الذكر في الركوع، برقم 1048، وصححه الألباني في صحيح أبي داود،1/ 247،وفي صحيح النسائي، 1/ 342. (¬3) الترمذي، في الشمائل المحمدية، برقم 42، وصححه الألباني في مختصر الشمائل، ص40. (¬4) الترمذي، في الشمائل المحمدية، برقم 41، وصححه الألباني في مختصر الشمائل، ص40. (¬5) رواه الإمام أحمد في زوائد الزهد، ص128.

النوع الرابع: حث العلماء على تدبر القرآن وتعظيمهم لذلك:

2 - وقال عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه -: ((من أحب القرآن فهو يحب الله ورسوله)) (¬1). 3 - وقال خبَّاب بن الأرتِّ - رضي الله عنه -: ((تقرَّبْ إلى الله ما استطعت واعلم أنك لن تتقرب بشيء أحبّ إليه من كلامه)) (¬2). 4 - وقال عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه -: ((من أراد العلم، فليقرأ القرآن؛ فإن فيه علم الأولّين والآخرين)) (¬3). 5 - وقال الحسن بن علي رضي الله عنهما: ((إنَّ من كان قبلكم رأوا القرآن رسائل من ربهم، فكانوا يتدبَّرونها بالليل، ويتفقَّدونها في النهار)) (¬4). النوع الرابع: حث العلماء على تدبر القرآن وتعظيمهم لذلك: لا شك أن من أحبَّ القرآن تدبَّره، وأقبل على التلذّذ بتلاوته، وهذا دليل على محبته للمتكلِّم به سبحانه؛ ولهذا قال أبو عبيد رحمه الله: ((لا يسأل عبدٌ نفسه إلا بالقرآن، فإن كان يحب القرآن فهو يحب الله ورسوله)) (¬5). وقد تكلم العلماء رحمهم الله تعالى في الحث على تدبر القرآن العظيم، ومن أبرز من حث على ذلك من الأئمة ابن القيم رحمه الله في كتبه، فقد ¬

(¬1) رواه الطبراني في المعجم الكبير، برقم 8658،وقال الهيثمي في مجمع الزوائد،7/ 165: ((رجاله ثقات)). (¬2) رواه الحاكم، وصححه ووافقه الذهبي، 2/ 441. (¬3) مصنف بن أبي شيبة، 10/ 485، والمعجم الكبير للطبراني، 9/ 136، وشعب الإيمان للبيهقي، 2/ 332. (¬4) التبيان للنووي، ص 28. (¬5) مسند ابن الجعد، برقم 1956.

ذكر رحمه الله: أنّ تدبر القرآن مع الخشوع عند قراءته هو المقصود والمطلوب، فبه تنشرح الصدور، وتستنير القلوب، قال رحمه الله: ((إذا أردت الانتفاع بالقرآن فاجمع قلبك عند تلاوته، وسماعه، وألقِ سمعك، واحْضُر حضور من يخاطبه به من تكلم به، منه إليه، فتمام التأثير موقوف على: مؤثر مقتضٍ، ومحلٍ قابلٍ، وشرطٍ لحصول الأثر، وانتفاء المانع الذي يمنع منه، وقد تضمن ذلك كله قوله تعالى: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيد})) (¬1). فقوله: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى} إشارة إلى ما تقدم من أول السورة إلى ها هنا، وهذا هو المؤثر. وقوله: {لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ} القلب الحي، وهذا هو المحل القابل، كما قال الله تعالى: {لِيُنذِرَ مَن كَانَ حَيًّا} (¬2). وقوله تعالى: {أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ} أي وجّه سمعه وأصغى حاسة سمعه إلى ما يقال له، وهذا شرط التأثر بالكلام. وقوله تعالى: {وَهُوَ شَهِيد} أي شاهد القلب حاضر غير غائب، واستمع كتاب الله، وشاهد القلب والفهم ليس بغافل ولا ساهٍ، وهذا إشارة إلى المانع من حصول التأثير، وهو سهو القلب وغيبته عما يقال له، والنظر فيه، وتأمله. فإذا حصل المؤثر: وهو القرآن، والمحل القابل: وهو القلب الحي، ¬

(¬1) سورة ق، الآية: 37. (¬2) سورة يس، الآية: 70.

ووجد الشرط: وهو الإصغاء، وانتفى المانع: وهو اشتغال القلب وذهوله عن معنى الخطاب وانصرافه عنه إلى شيء آخر حصل الأثر، وهو: الانتفاع، والتذكر (¬1). فلا بد من تدبر القرآن، وتعقّله، والتفكر في معانيه وقد أمر الله بذلك. قال الإمام ابن القيم رحمه الله: ((القرآن حياة القلوب، وشفاء لما في الصدور ... فبا لجملة فلا شيء أنفع للقلب من قراءة القرآن بالتدبر، والتفكر ... وهذا الذي يورث المحبة، والشوق، والخوف، والرجاء، والإنابة، والتوكل، والرضا، والتفويض، والشكر، والصبر، وسائر الأحوال التي بها حياة القلب وكماله. وكذلك يزجر عن جميع الصفات والأفعال المذمومة التي بها فساد القلب وهلاكه فلو علم الناس ما في قراءة القرآن بالتدبر لاشتغلوا بها عن كل ما سواها))؛ فإن العبد إذا قرأه بالتدبر حتى مرَّ بآية وهو محتاج إليها في شفاء قلبه كررها ولو مائة مرة، ولو ليلة، فقراءة آية بتفكُّرٍ وتفهُّمٍ خير من قراءة ختمةٍ بغير تَدَبُّرٍ وتفَهُّمٍ، وأنفع للقلب، وأدعى إلى حصول الإيمان، وذوق حلاوة الإيمان والقرآن، وهذه كانت عادة السلف يردِّد أحدهم الآية إلى الصباح، وقد تقدم أنه ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قام بآية يُردِّدُها إلى الصباح وهي قوله تعالى: {إِن تُعَذِّبْهُمْ ¬

(¬1) انظر: الفوائد لابن القيم، ص5، ص6، ص156، وانظر: فوائد في تدبر القرآن، في تفسير السعدي، 2/ 112وَ 7/ 70.

فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيم} (¬1). وقد أخبر الله تعالى في القرآن: أن أهل العلم هم الذين ينتفعون بالقرآن، فقال تعالى: {وَتِلْكَ الأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلاَّ الْعَالِمُون} (¬2) وفي القرآن الكريم بضعة وأربعون مثلاً (¬3)،وقد كان بعض السلف الصالح، وهو عمرو بن مرة: إذا مرَّ بِمَثَلٍ من أمثال القرآن ولم يفهمه يبكي ويقول: ((لست من العالمين)) (¬4)،ولابد لمن تدبر القرآن أن يجاهد بقلبه وفكره؛ لينال هذا العلم العظيم، وقد قال يحيى بن أبي كثير: ((لا يُنال العلم براحة الجسم)) (¬5)،ولا ينال العلم إلا بهجر اللذات وتطليق الراحة، ولا ينال درجة وراثة النبوة مع الراحة (¬6)، ولا شك أن التأمل في القرآن هو: تحديد ناظر القلب إلى معانيه وجمع الفكر على تبصره، وتعقله، وهو المقصود بإنزاله، لا مجرد تلاوته بلا فهم، قال الله تعالى: {كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُوا الأَلْبَاب} (¬7)،وقال تعالى: ¬

(¬1) انظر: مفتاح دار السعادة، 1/ 553 - 554، والآية من سورة المائدة، آية: 118. (¬2) سورة العنكبوت، الآية: 43. (¬3) أعلام الموقعين، لابن القيم، 1/ 163 - 211، جمع رحمه الله جميع الأمثال في القرآن هناك، وانظر: مفتاح دار السعادة لابن القيم، 1/ 226. (¬4) مفتاح دار السعادة، لابن القيم، 1/ 226. (¬5) صحيح مسلم، برقم 175 - (612) .. (¬6) ابن القيم، في مفتاح دار السعادة، 1/ 446. (¬7) سورة ص، الآية: 29.

وليحذر المسلم من هجر القرآن؛ فإن هجره خمسة أنواع

{إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُون} (¬1). وينبغي للإنسان أن يبتعد عن مفسدات القلب الخمسة التي تحول بينه وبين التدبر، وتحول بينه وبين كل خير، وهي: التمنِّي، وخلطة الناس، والتعلق بغير الله تعالى، وكثرة الطعام أو المحرمات، وكثرة النوم؛ فإنها مفسدات للقلوب (¬2). والتدبر للقرآن والعمل به هو المقصود من إنزاله. ولهذا قيل: ذهاب الإسلام على يدي أربعة أصناف من الناس: صنف لا يعملون بما يعلمون، وصنف يعملون بما لا يعلمون، وصنف لا يعملون ولا يعلمون، وصنف يمنعون الناس من التعلم (¬3). وليحذر المسلم من هجر القرآن؛ فإن هجرهُ خمسة أنواع: النوع الأول: هجر سماعه والإيمان به والإصغاء إليه. النوع الثاني: هجر العمل به والوقوف عند حلاله وحرامه، وإن قرأه وآمن به. النوع الثالث: هجر تحكيمه والتحاكم إليه في أصول الدين وفروعه. النوع الرابع: هجر تدبُّره وتفهّمه، ومعرفة ما أراد المتكلم به منه. النوع الخامس: هجر الاستشفاء به والتداوي به من جميع أمراض ¬

(¬1) سورة الزخرف، الآية: 3. (¬2) انظر: مدارج السالكين لابن القيم، 1/ 451 - 459. (¬3) مفتاح دار السعادة، لابن القيم، 1/ 490.

القلوب، والأجساد ... وكل هذا داخل في قوله تعالى: {وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا} (¬1)، وإن كان بعض الهجر أهون من بعض (¬2). ¬

(¬1) سورة الفرقان، الآية: 30. (¬2) انظر: الفوائد لابن القيم، ص5، ص6، ص156، وتفسير السعدي، 2/ 112، و 7/ 80.

المبحث السادس: فضل تلاوة القرآن اللفظية:

المبحث السادس: فضل تلاوة القرآن اللفظية تلاوة كتاب الله تعالى على نوعين: تلاوة حُكْمِيَّة: وهي تصديق أخباره، وتنفيذ أحكامه بفعل أوامره، واجتناب نواهيه، وهي العمل بالقرآن (¬1)، وتلاوة لفظية: وهي قراءته، وجاء في فضل هذا النوع فضائل كثيرة، منها: 1 - أمر الله النبي - صلى الله عليه وسلم - بتلاوة القرآن: {إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هَذِهِ الْبَلْدَةِ الَّذِي حَرَّمَهَا وَلَهُ كُلُّ شَيْءٍ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِين * وَأَنْ أَتْلُوَ الْقُرْآنَ} (¬2). من قرأ حرفاً فله به عشر حسنات؛ لحديث عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه -، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((من قرأ حرفاً من كتاب الله فله به حسنة والحسنة بعشر أمثالها، لا أقول: (الم) حرف، ولكن: ألف حرف، ولام حرف، وميم حرف)) (¬3). وقد عدَّ بعض العلماء أحرف القرآن الموجودة في المصحف في القراءة الموجودة، فكان عدد حروفه ((ثلاثمائة ألف حرف وأحد عشر ألفاً ¬

(¬1) سيأتي الحديث عن التلاوة الحكمية في مبحث العمل بالقرآن. (¬2) سورة النمل، الآيتان: 91، 92. (¬3) الترمذي، كتاب فضائل القرآن، باب ما جاء فيمن قرأ حرفاً من القرآن ما له من الأجر، برقم 2910، وصححه الألباني في صحيح الترمذي، 3/ 164. 2 - وانظر في شرح هذا الحديث: مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية، 12/ 103 - 105.

3 - القرآن يشفع لأصحابه

ومئتان وخمسون حرفاً، وحرف (311251))) (¬1)، فانظر كم لمن قرأ هذه الأحرف من الأجر العظيم، والثواب الكثير. 3 - القرآن يشفع لأصحابه ويحاج عنهم يوم القيامة؛ لحديث أبي أمامة - رضي الله عنه -، قال سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: ((اقرؤوا القرآن؛ فإنه يأتي يوم القيامة شفيعاً لأصحابه، اقرؤوا الزهراوين (¬2):البقرة وآل عمران؛ فإنهما تأتيان يوم القيامة كأنهما غمامتان (¬3) أو كأنهما غيايتان، أو كأنهما فرقانٍ (¬4) من طير صواف (¬5) تُحاجَّان عن أصحابهما، اقرؤوا سورة البقرة؛ فإن أخذها بركة وتركها حسرة، ولا تستطيعها البطلة)) (¬6) (¬7). 4 - درجات صاحب القرآن في الجنة على حسب ما يعمل به من القرآن ويقرؤه؛ لحديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((يُقال لصاحب القرآن: اقرأْ وارتَقِ، ورتِّل كما كنت تُرتِّل في الدنيا فإن منزلتك عند آخر آية تقرأُها)) (¬8). ¬

(¬1) التذكار في أفضل الأذكار، للإمام محمد بن أحمد بن فرح القرطبي الأندلسي، المتوفى سنة 671، ص23. (¬2) الزهراوان: المنيرتان. النهاية في غريب الحديث، لابن الأثير، 2/ 321. (¬3) الغمامة، والغياية: كل شيء أظل الإنسان فوق رأسه، كالسحابة وغيرها. [النهاية في غريب الحديث لابن الأثير، 3/ 403، وشرح النووي على صحيح مسلم، 6/ 90]. (¬4) فرقان: حزقان، قطعان [النهاية 3/ 44، و 1/ 378]. (¬5) صواف: باسطات أجنحتها في الطيران، [النهاية، 3/ 38]. (¬6) البطلة: السحرة، [النهاية، 1/ 136]. (¬7) مسلم، كتاب صلاة المسافرين، باب فضل قراءة القرآن وسورة البقرة، برقم 804. (¬8) أبو داود، كتاب الصلاة، باب استحباب الترتيل في القراءة، برقم 1464،والترمذي، كتاب فضائل القرآن، باب، برقم 2914،والنسائي في الكبرى، كتاب فضائل القرآن، باب الترتيل، برقم 8056،وقال الألباني في صحيح سنن أبي داود،1/ 403: ((حسن صحيح)).

5 - الصيام والقرآن يشفعان للعبد يوم القيامة

5 - الصيام والقرآن يشفعان للعبد يوم القيامة؛ لحديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((الصيام والقرآن يشفعان للعبد يوم القيامة، يقول الصيام: أي ربِّ منعته الطعام والشهوات بالنهار فشفعني فيه، ويقول القرآن: منعته النوم بالليل فشفعني فيه))، قال: ((فيشفعان)) (¬1). ¬

(¬1) أحمد في المسند، 2/ 174، والحاكم، 1/ 554، وقال الألباني في صحيح الترغيب والترهيب، 1/ 579: ((حسن صحيح)).

المبحث السابع: فضل قراءة القرآن في الصلاة:

المبحث السابع: فضل قراءة القرآن في الصلاة 1 - قراءة آية واحدة في الصلاة خير من حمر النعم؛ لحديث أبي هريرة - رضي الله عنه -، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((أيُحِبُّ أحَدُكُمْ إذا رجع إلى أهله أن يجد فيه ثلاثَ خَلِفَاتٍ (¬1) عظامٍ سمانٍ؟))،قلنا: نعم. قال: ((ثلاث آيات يقرأُ بهنَّ أحدكم في صلاته خير له من ثلاثِ خلفاتٍ عظامٍ سمان)) (¬2). وقد ذكر العلماء عدد آيات القرآن الكريم في المصحف الموجود المقروء بالألسنة: ستة آلاف آية، ومئتا آية، وآية (6201) (¬3)، وقد ذكروا الاتفاق على أن القرآن يزيد على ستة آلاف ومائتي آية (¬4). 2 - من قرأ في صلاته في ليلة مائة آية كتب من القانتين؛ لحديث أبي هريرة - رضي الله عنه -، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((من حافظ على هؤلاء الصلوات المكتوبات لم يُكتَبْ من الغافلين، ومن قرأ في ليلة مائة آية لم يُكتَب من الغافلين أو كُتب من القانتين)) (¬5). ¬

(¬1) خلفات: الواحدة خلفة: وهي الحامل من النوق إلى أن يمضي عليها نصف أمدها، ثم هي عشراء، وهي من أعز أموال العرب [النهاية في غريب الحديث، 2/ 68، وشرح النووي على صحيح مسلم، 6/ 88]. (¬2) مسلم، كتاب صلاة المسافرين، باب فضل قراءة القرآن في الصلاة، برقم 802. (¬3) التذكار في أفضل الأذكار، للإمام محمد بن أحمد القرطبي، الأندلسي، ص23. (¬4) انظر: استخراج الجدال من القرآن الكريم، لابن نجم ص100، وفتح الباري، لابن حجر، 6/ 582، ومناهل العرفان للزرقاني، 1/ 336، 1/ 231، 232. (¬5) ابن خزيمة، 2/ 180، والحاكم، 1/ 108، وقال: ((صحيح على شرط الشيخين))، وقال بغير شك: ((في ليلة مائة آية كتب من القانتين))، وابن نصر في قيام الليل، ص164. وصححه الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة، برقم 643، ورقم 657، وفي تعليقه على صحيح ابن خزيمة، 2/ 180.

3 - من قام بعشر آيات لم يكتب من الغافلين

3 - ومن قام بعشر آيات لم يكتب من الغافلين، ومن قام بألف آية كتب من المقنطرين؛ لحديث عبد لله بن عمرو رضي الله عنهما، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: ((من قام بعشر آيات لم يكتب من الغافلين، ومن قام بمائة آية كتب من القانتين، ومن قام بألف آية كُتِبَ من المقنطرين)) (¬1) (¬2). 4 - من قرأ بمائة آية في ليلة كُتب له قنوت ليلةٍ؛ لحديث تميم الداري - رضي الله عنه -، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((من قرأ بمائة آية في ليلة كُتب له قنوت ليلة)) (¬3). 5 - لا غبطة أعظم وأكمل إلا في اثنتين؛ لحديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، قال: ((لا حسد (¬4) إلاّ في اثنتين: رجل آتاه الله القرآن فهو يقوم به آناء الليل وآناء النهار (¬5)، ورجل آتاه الله مالاً فهو ينفقه آناء الليل وآناء النهار)) (¬6). ¬

(¬1) المقنطرين: أعطي قنطاراً من الأجر، النهاية في غريب الحديث، 4/ 113. (¬2) أبو داود، كتاب الصلاة، باب تحزيب القرآن، برقم 1398، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود، 1/ 387. (¬3) النسائي، في عمل اليوم والليلة، برقم 717،والدارمي،2/ 556،وأحمد، 4/ 103، والطبراني في الكبير، 2/ 50، برقم 1252، وصححه الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة، برقم 644، وفي صحيح الجامع برقم: 6468. (¬4) لا حسد: الحسد: تمني زوال النعمة عن صاحبها، وهذا حرام، وأما الحسد المذكور في هذا الحديث: فهو الغبطة، وهي أن يتمنى أن يكون له مثل ما لغيره من غير أن يزول عنه [شرح النووي، 6/ 96، وفتح الباري لابن حجر، 1/ 200]. (¬5) آناء الليل، وآناء النهار: ساعات الليل، وساعات النهار. (¬6) متفق عليه: البخاري، كتاب فضائل القرآن باب اغتباط صاحب القرآن، برقم 5025، ومسلم، كتاب صلاة المسافرين، باب فضل من يقوم بالقرآن، ويعلمه، برقم 815، واللفظ له.

6 - من نام عن حزبه فقرأه قبل صلاة الظهر كتب له من الليل

6 - من نام عن حزبه فقرأه قبل صلاة الظهر كُتب له من الليل؛ لحديث عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((من نام عن حزبه أو شيء منه فقرأه فيما بين صلاة الفجر وصلاة الظهر كُتب له كأنما قرأه من الليل)) (¬1). ¬

(¬1) مسلم، كتاب صلاة المسافرين، باب جامع صلاة الليل، برقم 747.

المبحث الثامن: فضل تعلم القرآن وتعليمه، ومدارسته:

المبحث الثامن: فضل تعلُّم القرآن وتعليمه، ومدارسته 1 - قراءة آيتين أو تعلم آيتين خيرٌ من ناقتينِ عظيمتينِ، ومن أعدادهنّ من الإبل؛ لحديث عقبة بن عامر - رضي الله عنه -، قال: خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ونحن في الصُّفَّةِ (¬1) فقال: ((أيكم يحبُّ أن يغدوَ كل يوم إلى بُطحان (¬2) أو إلى العقيق فيأتي منه بناقتين كوماوينِ (¬3) في غير إثمٍ ولا قطيعةِ رحمٍ؟))، فقلنا: يا رسول الله نُحبُّ ذلك. قال: ((أفلا يغدو أحدكم إلى المسجد فيعلم أو يقرأ آيتين من كتاب الله - عز وجل - خير له من ناقتين، وثلاثٌ خير له ثلاثٍ، وأربعٌ خير له من أربعٍ، ومن أعدادهِنَّ من الإبل)) (¬4). 2 - خير الناس وأفضلهم من تعلَّم القرآن وعلّمه؛ لحديث عثمان بن عفان - رضي الله عنه -، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، قال: ((خيركم من تعلم القرآن وعلمه))، وفي لفظ: ((إن أفضلكم من تعلم القرآن وعلمه)) (¬5). 3 - أربعُ نِعَمٍ عظيمة لمن وفقه الله لمدارسة القرآن في المساجد؛ لحديث أبي هريرة - رضي الله عنه -، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في حديث طويل وفيه: (( ... وما ¬

(¬1) أهل الصفة: هم فقراء المهاجرين، ومن لم يكن له منزل يسكنه، فكانوا يأوون إلى موضع مظلل في مسجد المدينة، يسكنونه. [النهاية، 3/ 37]. (¬2) بطحان، والعقيق: من أودية المدينة: [النهاية، 1/ 135، و3/ 278]. (¬3) كوماوين: مثنى كوماء: وهي الناقة العظيمة، مشرفة السنام عاليته. [النهاية في غريب الحديث، 4/ 211]. (¬4) مسلم، كتاب صلاة المسافرين، باب فضل قراءة القرآن في الصلاة، برقم: 0803 (¬5) البخاري، كتاب فضائل القرآن، باب خيركم من تعلم القرآن وعلمه، برقم 05027.ورقم 05028

4 - أربع فضائل لمن وفقه الله للقعود مع قوم يذكرون الله تعالى

اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتابه ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده، ومن بطَّأ به عمله لم يسرع به نسبه)) (¬1) (¬2). 4 - أربعُ فضائل لمن وفقه الله للقعود مع قومٍ يذكرون الله تعالى؛ لحديث أبي هريرة وأبي سعيد رضي الله عنهما، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((لا يقعد قوم يذكرون الله - عز وجل - إلا حفَّتهم الملائكة، وغشيتهم الرحمة، ونزلت عليهم السكينة، وذكرهم الله فيمن عنده)) (¬3). 5 - وجوب إخلاص قراءة القرآن وتعلُّمه لله - عز وجل -؛ لحديث عمران بن حصين - رضي الله عنه -: أنه مرَّ على قاصٍّ يقرأُ ثم سأل، فاسترجع، ثم قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: ((من قرأ القرآن فليسأل الله به، فإنه سَيَجِيءُ أقوامٌ يقرؤون القرآن، يسألون به النَّاس)) (¬4). ¬

(¬1) من بطأ به عمله لم يسرع به نسبه: أي من أَخَّره عمله السيئ وتفريطه في العمل الصالح لم ينفعه في الآخرة شرف النسب. [النهاية في غريب الحديث، 1/ 134]. (¬2) مسلم، كتاب الذكر والدعاء، باب فضل الاجتماع على تلاوة القرآن، وعلى الذكر، برقم 2699. (¬3) مسلم، كتاب الذكر والدعاء، باب فضل الاجتماع على تلاوة القرآن، وعلى الذكر، برقم، 2700. (¬4) الترمذي، كتاب ثواب القرآن، باب حدثنا محمود بن غيلان، برقم 2917،وحسنه الألباني في صحيح سنن الترمذي،3/ 66،وفي سلسلة الأحاديث الصحيحة، برقم 0257.

المبحث التاسع: فضل حافظ القرآن العامل به:

المبحث التاسع: فضل حافظ القرآن العامل به 1 - التالي لكتاب الله العامل به يُوفَّى أجره ويزيده الله من فضله؛ لقوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ الله وَأَقَامُوا الصَّلاَةَ وَأَنفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلاَنِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَّن تَبُور * لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُم مِّن فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُور} (¬1). 2 - مثل المؤمن الذي يقرأ القرآن كمثل الأترجّة؛ لحديث أبي موسى الأشعري - رضي الله عنه -، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((مثل المؤمن الذي يقرأ القرآن مثل الأترُجة ريحها طيب وطعمها طيب، ومثل المؤمن الذي لا يقرأ القرآن مثل التمرة لا ريح لها وطعمها حلو، ومثل المنافق الذي يقرأُ القرآن مثل الريحانة ريحها طيب وطعمها مرّ، ومثل المنافق الذي لا يقرأ القرآن مثل الحنظلة (¬2) ليس لها ريح وطعمها مرّ)) (¬3). 3 - الماهر بالقرآن مع السفرة الكرام البررة؛ لحديث عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((الماهر بالقرآن مع السفرة الكرام البررة (¬4) ¬

(¬1) سورة فاطر، الآيتان: 29 - 30. (¬2) الحنظلة: واحد الحنظل، وهو نبات معروف شديد المرارة، له فوائد طبية عديدة. [انظر: تاج العروس، مادة ((حنظل))]. (¬3) متفق عليه: البخاري، كتاب فضائل القرآن، باب فضل القرآن على سائر الكلام، برقم 5020، ومسلم، كتاب صلاة المسافرين، باب فضيلة حافظ القرآن، بلفظه، برقم 0797. (¬4) السفرة الكرام البررة: السفرة: جمع سافر، ككاتب وكتبة، والسافر: الرسول، والسفرة: الرسل؛ لأنهم يسفرون إلى الناس برسالات الله، وقيل: السفرة: الكتبة، والبررة: المطيعون، من البر، والماهر: الحذق الكامل الحفظ، الذي لا يتوقف ولا يشق عليه القراءة لجودة حفظه. [شرح النووي على صحيح مسلم، 6/ 332] وقيل: (السفرة: هم الملائكة). [النهاية 2/ 371].

4 - درجات حافظ القرآن في الجنة

والذي يقرأ القرآن ويتتعتع فيه وهو عليه شاق له أجران))، ولفظ البخاري: ((مثل الذي يقرأ القرآن وهو حافظ له مع السفرة الكرام البررة، ومثل الذي يقرأ القرآن ويتعاهده وهو عليه شديد له أجران)) (¬1). والماهر أجره أكثر، وأفضل، وأما الذي يتتعتع فيه: فهو الذي يتردَّد فيه لضعف حفظه، فله أجران: أجر بالقراءة، وأجر بتعتعته في قراءته ومشقته)) (¬2). 4 - درجات حافظ القرآن في الجنة؛ لحديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((يُقال لصاحب القرآن: اقرأ وارتقِ ورتِّل كما كنت تُرتِّل في الدنيا؛ فإن منزلتك عند آخر آية تقرأُها)) (¬3). 5 - يُحلَّى صاحب القرآن بتاج وحُلَّة الكرامة ويرضى الله عنه؛ لحديث أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((يَجِيءُ القرآن يوم القيامة فيقول: يا رب حلِّه فيُلبس تاج الكرامة، ثم يقول: يا ربِّ زده فيُلبس حلّة الكرامة، ثم ¬

(¬1) متفق عليه: البخاري، كتاب التفسير، باب سورة عبس، برقم 4937، ومسلم، كتاب صلاة المسافرين، باب فضل الماهر بالقرآن والذي يتتعتع فيه، برقم 798. (¬2) قال القاضي: ((يحتمل أن يكون معنى كونه مع الملائكة أن له في الآخرة منازل يكون فيها رفيقاً للملائكة السفرة لا تصافه بصفتهم من حمل كتاب الله تعالى، ويحتمل أن يراد: أنه عامل بعملهم، وسالك مسلكهم)). [شرح النووي، 6/ 332]. (¬3) أبو داود، برقم 1464، والترمذي، برقم 2914، وقال الألباني في صحيح سنن أبي داود، 1/ 403: ((حسن صحيح)).

6 - من إجلال الله إكرام حامل القرآن غير الغالي فيه والجافي عنه

يقول: يا ربّ ارضَ عنه فيرضى عنه، فيقال: اقرأ وارقَ وتُزاد بكل آية حسنة)) (¬1). 6 - من إجلال الله إكرام حامل القرآن غير الغالي فيه والجافي عنه؛ لحديث أبي موسى الأشعري - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((إنَّ من إجلال الله إكرام ذي الشيبة المسلم، وحامل القرآن غير الغالي فيه والجافي عنه، وإكرام ذي السلطان المقسط)) (¬2). 7 - حافظ القرآن العامل به من أولياء الله المختصين به؛ لحديث أنس بن مالك - رضي الله عنه -، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((إنَّ لله أهلين من الناس))، قالوا: يا رسول الله: من هم؟ قال: ((هم أهل القرآن (¬3) أهل الله وخاصته)) (¬4). 8 - حامل القرآن يُعطَى الملك بيمينه، والخلد بشماله، ويُوضَع على رأسه تاج الوَقار، ويُكسَى والداه حلتين لا تقوم لهما الدنيا وما فيهما؛ لحديث أبي هريرة - رضي الله عنه -، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((يَجِيءُ القرآن يوم القيامة كالرجل الشاحب يقول لصاحبه: هل تعرفني؟ أنا الذي كنت أسهر ¬

(¬1) الترمذي، كتاب ثواب القرآن، باب فيمن قرأ حرفاً من القرآن ما له من الأجر، برقم 2915، وقال الترمذي: ((هذا حديث حسن صحيح))،وحسنه الألباني في صحيح سنن الترمذي، 3/ 165. (¬2) أبو داود، كتاب الأدب، باب في تنزيل الناس منازلهم، برقم 4843، وحسنه الألباني في صحيح سنن أبي داود، 3/ 189. (¬3) أهل الله وخاصته؛ أي أولياؤه المختصون به. (¬4) ابن ماجه، في المقدمة، باب فضل من تعلم القرآن وعلمه، برقم 215، وصححه الألباني في صحيح ابن ماجه، 1/ 90، وفي صحيح الترغيب والترهيب، 2/ 168.

9 - القرآن يشهد لصاحبه يوم القيامة

ليلك وأظمئ هواجرك، وإنَّ كلّ تاجر من وراء تجارته، وأنا لك اليوم من وراء كل تاجر، فَيُعطَى الملك بيمينه، والخلد بشماله، ويُوضَع على رأسه تاج الوقار، ويُكسى والداه حلتان لا تقوم لهما الدنيا وما فيهما، فيقولان: يا ربِّ أنَّى لنا هذا؟ فيُقال لهما: بتعليم ولدكما القرآن)) (¬1). 9 - القرآن يشهد لصاحبه يوم القيامة، ويدخل السرور عليه؛ لحديث بريدة عن أبيه - رضي الله عنه -،قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((يجيء القرآن يوم القيامة كالرجل الشاحب (¬2)،فيقول: أنا الذي أسهرت ليلك وأظمأت نهارك)) (¬3). ذكر السندي رحمه الله: أن القرآن: ((كأنه يجيء على هذه الهيئة؛ ليكون ¬

(¬1) أخرجه الطبراني في المعجم الأوسط [مجمع البحرين بزوائد المعجمين، 6/ 116، برقم 3469]، وذكر طرقه الألباني، وشاهد عن بريدة بتمامة عند ابن أبي شيبة، 10/ 492، قلت: وأخرجه الدارمي أيضاً مطولاً عن بريدة، 2/ 324، برقم 3394، قال الألباني عن حديث أبي هريرة في سلسلة الأحاديث الصحيحة، برقم 2829: ((الحديث حسن أو صحيح؛ لأن له شاهداً من حديث بريدة بن الحصيب مرفوعاً بتمامة .. )). [وعن بريدة، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((من قرأ القرآن وتعلمه وعمل به أُلبس يوم القيامة تاجاً من نور ضوؤه مثل ضوء الشمس ويُكسى والداه حُلَّتَين لا يقوم بهما الدنيا، فيقولان بمَ كسينا هذا فيقال بأخذ ولدكما القرآن)). [الحاكم، 1/ 1568، وحسنه الألباني لغيره في صحيح الترغيب والترهيب2/ 169]. قلت: وانظر لزيادة الفائدة في التخريج: الذكر والدعاء والعلاج بالرقى للمؤلف، 1/ 30 - 31. (¬2) الشاحب: متغيِّر اللون، والجسم العارض: من سفرٍ، أو مرضٍ، أو نحوهما. [النهاية في غريب الحديث، 2/ 448]. (¬3) ابن ماجه، كتاب الأدب، باب ثواب القرآن، وحسنه الألباني في صحيح ابن ماجه، 3/ 239، والحاكم، 1/ 556، وصححه. وقال الألباني في صحيح الترغيب والترهيب 2/ 169: ((حسن لغيره)).

10 - يرفع الله بالقرآن العاملين به، ويضع به من أعرض عنه

أشبه بصاحبه في الدنيا، أو للتنبيه له على أنه كما تغيَّر لونه في الدنيا؛ لأجل القيام بالقرآن كذلك القرآن؛ لأجله في السعي يوم القيامة حتى ينال صاحبه الغاية القصوى في الآخرة)) (¬1). 10 - يرفع الله بالقرآن العاملين به، ويضع به من أعرض عنه؛ فعن نافع بن عبد الحارث أنه لقي عمر بعسفان وكان عمر يستعمله على مكة، فقال: من استعملت على أهل الوادي؟ فقال: ابن أبزى قال: ومن ابن أبزى؟ قال: مولىً من موالينا، قال: فاستخلفت عليهم مولى؟ قال: إنه قارئ لكتاب الله - عز وجل -، وإنه عالمٌ بالفرائض، قال عمر: أما إنَّ نبيكم - صلى الله عليه وسلم - قد قال: ((إن الله يرفع بهذا الكتاب أقواماً ويضع به آخرين)) (¬2). ¬

(¬1) شرح السندي على سنن ابن ماجه، 4/ 238، المطبوع مع سنن ابن ماجه. (¬2) مسلم، كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب فضل من يقوم بالقرآن ويعلمه، برقم 817.

المبحث العاشر: فضائل سور معينة مخصصة:

المبحث العاشر: فضائل سور معينة مُخَصَّصَة وردت السنة بفضائل سور معينة مخصصة من القرآن الكريم، ومنها ما يأتي: 1 - فضائل سورة الفاتحة: ثبت في فضائل سورة الفاتحة أحاديث، منها الأحاديث الآتية: الفضل الأول: أعظم سورة في القرآن العظيم؛ لحديث أبي سعيد بن المُعلَّى - رضي الله عنه - قال: كنت أُصلِّي في المسجد فدعاني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلم أجبه، فقلت: يا رسول الله إني كنت أُصلي في المسجد، فقال: ((ألم يقل الله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَجِيبُواْ لله وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم} (¬1) ثم قال: ((لأعلِّمَنَّك سورة هي أعظم سورة في القرآن قبل أن تخرج من المسجد))، ثم أخذ بيدي فلما أراد أن يخرج قلت له: ألم تقل: ((لأُعَلِّمَنَّكَ سورة هي أعظم سورة في القرآن))؛ قال: ((الحمد لله رب العالمين)) هي السبع المثاني والقرآن العظيم الذي أوتيته)) وفي لفظ: ((لأُعَلِّمَنَّكَ أعظم سورة في القرآن))، وفي لفظ: ((ألا أعلمك أعظم سورة في القرآن؟)) (¬2). الفضل الثاني: لا تصح الصلاة إلا بفاتحة الكتاب، وهذا يدل على عظيم فضلها، فهي ركن من أركان الصلاة فعن عبادة بن الصامت - رضي الله عنه -، قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب)) (¬3). ¬

(¬1) سورة الأنفال، الآية: 24. (¬2) البخاري، كتاب التفسير، باب ما جاء في فاتحة الكتاب، برقم 4474، 4647، ورقم 4703، وفي كتاب فضائل القرآن، باب فضل فاتحة الكتاب، برقم 5006. (¬3) متفق عليه: البخاري، كتاب الآذان، باب وجوب القراءة، للإمام والمأموم في الصلوات كلها، برقم 756، ومسلم كتاب الصلاة، باب وجوب قراءة الفاتحة في كل ركعة، برقم: 394.

الفضل الثالث: من صلى صلاة لم يقرأ فيها بفاتحة الكتاب

الفضل الثالث: من صلى صلاةً لم يقرأ فيها بفاتحة الكتاب فهي خداجٌ، وسمّاها الله صلاةً؛ لحديث أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((من صلَّى صلاة لم يقرأ فيها بأم القرآن فهي خداج)) ثلاثاً، غير تمام، فقيل لأبي هريرة: إنا نكون وراء الإمام، فقال: اقرأ بها في نفسك فإني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: ((قال الله تعالى: ((قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين ولعبدي ما سأل)) فإذا قال العبد: ((الحمد لله رب العالمين))، قال الله تعالى: ((حَمِدَنِي عبدي))، فإذا قال: ((مالك يوم الدين))، قال الله: ((مجَّدني عبدي))، وقال مرة: ((فوَّض إليَّ عبدي)) فإذا قال: ((إياك نعبد وإياك نستعين))، قال: هذا بيني وبين عبدي، ولعبدي ما سأل؛ فإذا قال: ((اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين))، قال: هذا لعبدي ولعبدي ما سأل)) (¬1). الفضل الرابع: سورة الفاتحة هي الشافية بإذن الله تعالى؛ لحديث أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه -، قال: انطلق نفر من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - في سفرةٍ سافروها، حتى نزلوا على حيٍّ من أحياء العرب فاستضافوهم فأبوا أن يُضيفوهم، فلُدِغَ سيِّد ذلك الحي فسعوا له بكل شيء، لا ينفعه شيء، فقال بعضهم: لو أتيتم هؤلاء الرهط الذين نزلوا لَعَلَّهُ أن يكون عند بعضهم شيء؟ فأتوهم فقالوا: يا أيها الرهط إن سيدنا لُدِغ، وسعينا له بكل شيء لا ¬

(¬1) مسلم، كتاب الصلاة، باب وجوب قراءة الفاتحة في كل ركعة، برقم 395.

2 - فضل سورة البقرة وآل عمران:

ينفعه، فهلِ عند أحد منكم من شيء؛ فقال بعضهم: نعم، والله إني لأرقي ولكن والله لقد استضفناكم فلم تضيِّفونا، فما أنا براقٍ لكم حتى تجعلوا لنا جُعلاً، فصالحوهم على قطيع من الغنم، فانطلق يتفل عليه ويقرأ: {الْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين} فكأنما نشط من عقالٍ، فانطلق يمشي وما به قلبةٌ (¬1)،قال: فأوفوهم جُعْلَهم الذي صالحوهم عليه، فقال بعضهم: اقسموا، فقال الذي رقى: لا تفعلوا حتى نأتي النبي - صلى الله عليه وسلم - فنذكر له الذي كان فننظر ماذا يأمرنا، فقدموا على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فذكروا له فقال: ((وما يدريك أنها رقية؟))، ثم قال: ((قد أصبتم اقسموا واضربوا لي معكم سهماً))، فضحك النبي - صلى الله عليه وسلم -))،وفي لفظ لمسلم: ((فتبسم))،وفي لفظ للبخاري، أنه قرأ بأم الكتاب، وقال: ((فأمر لنا بثلاثين شاة، وسقانا لبناً))،وفي لفظ للبخاري من حديث ابن عباس: ((إن أحق ما أخذتم عليه أجراً كتاب الله)) (¬2)،وفي لفظ لمسلم: ((فجعل يقرأ أم القرآن ويجمع بزاقه ويتفل فبرأ الرجل)) (¬3). 2 - فضل سورة البقرة وآل عمران: جاء في فضل سورة البقرة وآل عمران أحاديث على النحو الآتي: ¬

(¬1) قَلَبة: أي ألم وعلة. [النهاية في غريب الحديث والأثر، مادة (قلب)]. (¬2) برقم 5737. (¬3) متفق عليه: البخاري، كتاب الإجارة، باب ما يُعطى في الرقية على أحياء العرب بفاتحة الكتاب، برقم 2276، وكتاب فضائل القرآن، باب فضل فاتحة الكتاب، برقم 507، وكتاب الطب، باب الشروط بالرقية بفاتحة الكتاب، برقم 5737،وباب النفث في الرقية، برقم 5749، ومسلم، كتاب السلام، باب جواز أخذ الأجرة على الرقية بالقرآن والأذكار، برقم 2201.

الفضل الأول: سورة البقرة وآل عمران تحاجان عن أصحابهما

الفضل الأول: سورة البقرة وآل عمران تحاجّان عن أصحابهما؛ لحديث أبي أمامة - رضي الله عنه - وفيه: ((اقرؤوا الزهراوين: البقرة وآل عمران؛ فإنهما تأتيان يوم القيامة، كأنهما غمامتان، أو كأنهما غيايتان أو كأنهما فرقان من طير صواف تحاجان عن أصحابهما، اقرؤوا سورة البقرة؛ فإن أخذها بركة وتركها حسرة ولا تستطيعها البطلة)) (¬1). الفضل الثاني: الشيطان ينفر من البيت الذي تقرأ فيه سورة البقرة؛ لحديث أبي هريرة - رضي الله عنه -، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((لا تجعلوا بيوتكم مقابر، إن الشيطان ينفر من البيت الذي تُقرأ فيه سورة البقرة)) (¬2). الفضل الثالث: في سورة البقرة أعظم آية في كتاب الله تعالى، وهي آية الكرسي؛ لحديث أُبيّ بن كعب - رضي الله عنه -،قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((يا أبا المنذر أتدري أيُّ آية من كتاب الله معك أعظم؟))، قال: قلت: الله ورسوله أعلم، قال: ((يا أبا المنذر أتدري أيُّ آية من كتاب الله معك أعظم؟)) قال: قلت: ((الله لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ)) (¬3) قال: فضرب في صدري وقال: ((والله لِيَهنِكَ العلم (¬4) أبا المنذر)) (¬5). ¬

(¬1) مسلم، برقم 804، وتقدم تخريجه في فضل تلاوة القرآن اللفظية. (¬2) مسلم، كتاب صلاة المسافرين، باب استحباب صلاة النافلة في بيته، وجوازها في المسجد، برقم 780. (¬3) سورة البقرة، الآية: 255. (¬4) ليهنك العلم: أي ليكن العلم هنئاً لك. [تعليق محمد فؤاد عبد الباقي على صحيح مسلم، 1/ 556]. (¬5) مسلم، كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب فضل سورة الكهف وآية الكرسي، برقم 810.

الفضل الرابع: آية الكرسي من قرأها عند النوم

الفضل الرابع: آية الكرسي من قرأها عند النوم عندما يأوي إلى فراشه في الليل: ((لن يزال عليه من الله حافظ ولا يقربه شيطان حتى يصبح))، كما ثبت ذلك في قصة أبي هريرة مع الشيطان، وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: (( ... أما إنه صدقك هو كذوبٌ)) (¬1). الفضل الخامس: خواتيم سورة البقرة: الآيتان من آخرها، من قرأهما في ليلة كفتاه؛ لحديث أبي مسعود - رضي الله عنه -، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((الآيتان من آخر سورة البقرة، من قرأهما في ليلة كفتاه)) (¬2) (¬3). الفضل السادس: من قرأ بحرف من خواتيم البقرة، والفاتحة أُعطيه؛ لحديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: بينما جبريل قاعد عند النبي - صلى الله عليه وسلم - سمع نقيضاً (¬4) من فوقه فرفع رأسه، فقال: ((هذا باب من السماء فُتِح اليوم لم يُفتح قطُّ إلا اليوم، فنزل منه ملك فقال: هذا ملك نزل إلى الأرضِ لم ينزل قطّ إلا اليوم، فسلّم وقال: أبشر بنورين أوتيتهما لم يُؤتَهما نبيُّ قبلك: فاتحة الكتاب وخواتيم سورة البقرة، لن تقرأ بحرفٍ منهما إلا ¬

(¬1) البخاري، كتاب الوكالة، بابٌ إذا وكّل رجلاً فترك الوكيل شيئاً فأجازه الموكلِّ فهو جائز، وإن أقرضه إلى أجل مسمى جاز، برقم 2311، وفي كتاب بدء الخلق، باب صفة إبليس وجنوده، برقم 3275، وفي كتاب فضائل القرآن، باب سورة البقرة، برقم 05010. (¬2) كفتاه: قيل: كفتاه من قيام الليل، وقيل: من الشيطان، وقيل: من الآفات، والشر والمكروه ويحتمل من الجميع. [شرح النووي 6/ 340]. (¬3) مسلم، كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب فضل الفاتحة وخواتيم سورة البقرة، والحث على قراءة الآيتين من آخر سورة البقرة، برقم 807. (¬4) نقيضاً: أي صوتاً كصوت الباب إذا فتح.

الفضل السابع: الآيتان من آخر سورة البقرة لا تقرآن في بيت ثلاث ليال فيقربه شيطان

أُعطيته)) (¬1). وقد ثبت من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - في حديث طويل وفيه: (( ... فأنزل الله - عز وجل -: {لاَ يُكَلِّفُ الله نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا: ((قال: نعم)) رَبَّنَا وَلاَ تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِنَا ((قال: نعم)) رَبَّنَا وَلاَ تُحَمِّلْنَا مَا لاَ طَاقَةَ لَنَا بِهِ ((قال: نعم)) وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَآ أَنتَ مَوْلاَنَا فَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِين} ((قال: نعم)) (¬2). وفي حديث ابن عباس رضي الله عنهما في هذه المواضع: ((قال: قد فعلت)) (¬3). الفضل السابع: الآيتان من آخر سورة البقرة لا تقرآن في بيتٍ ثلاث ليالٍ فيقربه شيطان؛ لحديث النعمان بن بشير - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((إن الله كتب كتاباً قبل أن يخلق السموات والأرض بألفي عام، أنزل منه آيتين ختم بهما سورة البقرة لا يقرآن في دارٍ ثلاث ليالٍ فيقربها شيطان)) (¬4). الفضل الثامن: آية الكرسي من سورة البقرة من قرأها في بيته لا يقربه شيطان؛ لحديث أبي أيوب الأنصاري - رضي الله عنه -: أنه كان له سهوة فيها ¬

(¬1) مسلم، كتاب صلاة المسافرين، باب فضل الفاتحة وخواتيم سورة البقرة .. ،برقم 806. (¬2) مسلم، كتاب الإيمان، باب تجاوز الله تعالى عن حديث النفس والخواطر بالقلب إذا لم تستقر، وبيان أنه لم يكلف إلا ما يطاق ... ، برقم 125 من حديث أبي هريرة. (¬3) مسلم، برقم 126، في الكتاب والباب السابقين. (¬4) الترمذي، كتاب ثواب القرآن، باب ما جاء في آخر سورة البقرة، برقم 2882، وصححه الألباني في صحيح الترمذي، 3/ 154.

الفضل التاسع: من قرأ آية الكرسي من سورة البقرة في الصباح والمساء أجير من الجن

تمرٌ، فكانت تجيء الغول فتأخذ منه، فأخذها ليذهب بها إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فحلفت أن لا تعود، فتركها وأخبر النبي - صلى الله عليه وسلم -، بأنها قالت: لا تعود، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((كذبت وهي معاودة للكذب))، ثم عادت ثلاث مرات، فجزم أن يذهب بها إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في المرة الآخرة، فقالت: ((إني ذاكرة لك شيئاً، آية الكرسي اقرأها في بيتك، فلا يقربك شيطان ولا غيره))، فجاء إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -، فقال: ((ما فعل أسيرك؟))، فأخبره بما قالت، قال: ((صدقت وهي كذوب)) (¬1). الفضل التاسع: من قرأ آية الكرسي من سورة البقرة في الصباح والمساء أجير من الجن؛ لحديث أُبيّ بن كعب - رضي الله عنه -، أنه كان له جرين تمر فكان يجده ينقص فحرسه ليلة فإذا هو بمثل الغلام المحتلم فسلم عليه فردَّ عليه السلام، فقال: أجني أم أنسي؟ فقال: بل جني، فقال: أرني يدك؟ فأراه، فإذا يد كلب وشعر كلب، فقال: هكذا خلق الجن؟ فقال: لقد علمت الجنّ أنه ليس فيهم رجل أشدَّ مني، قال: ما جاء بك؟ قال: أُنبئنا أنك تحب الصدقة، فجئنا نصيب من طعامك، قال: ما ينجينا منكم؟ قال: تقرأ آية الكرسي من سورة البقرة؟ قال: نعم، قال: إذا قرأتها غُدوة أجرت منا حتى تمسي، وإذا قرأتها حين تمسي أجرت منا حتى تصبح، فغدوت إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأخبرته بذلك، فقال: ((صدق ¬

(¬1) الترمذي، كتاب ثواب القرآن، باب ما جاء في فضل سورة البقرة، وآية الكرسي، برقم2880، وصححه الألباني في صحيح سنن الترمذي، 3/ 153.

الفضل العاشر: قد ثبت في الحديث أن من قرأ آية الكرسي من سورة البقرة

الخبيث)) (¬1). الفضل العاشر: قد ثبت في الحديث أن من قرأ آية الكرسي من سورة البقرة دبر كل صلاة لم يمنعه من دخول الجنة إلا أن يموت (¬2). 3 - فضل سورة الكهف جاء في فضل سورة الكهف أحاديث على النحو الآتي: الفضل الأول: من حفظ عشر آيات من سورة الكهف عُصِم من الدجال؛ لحديث أبي الدرداء - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((من حفظ عشر آيات من أول سورة الكهف عُصم من الدجال))،وذُكرَ في رواية ((من آخر الكهف)) (¬3). الفضل الثاني: من قرأ سورة الكهف يوم الجمعة أضاء له من النور ما بين الجمعتين؛ لحديث أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((من قرأ سورة الكهف يوم الجمعة أضاء له من النور ما بينه وبين الجمعتين)) (¬4). الفضل الثالث: نزول السكينة بقراءة سورة الكهف؛ لحديث البراء - رضي الله عنه -، قال: كان رجل يقرأ سورة الكهف وعنده فرس مربوط بشطنين (¬5) ¬

(¬1) الحاكم، 1/ 562، وصحح إسناده، ووافقه الذهبي، وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب، 1/ 273، وعزاه إلى النسائي، والطبراني، وقال: ((إسناد الطبراني جيد)). (¬2) النسائي في عمل اليوم والليلة برقم 100، وابن السني، برقم 121، وصححه الألباني في صحيح الجامع،5/ 339،وفي سلسلة الأحاديث الصحيحة، برقم 972، 2/ 697. (¬3) مسلم، كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب فضل سورة الكهف وآية الكرسي، برقم 809. (¬4) الحاكم، 2/ 368، وصحح إسناده، والبيهقي، 3/ 349، وصححه الألباني في إرواء الغليل، 3/ 93، برقم 626، وفي صحيح الترغيب والترهيب، 1/ 209. (¬5) شطنين: تثنية شطن، وهو الحبل الطويل، وإنما ربطه بشطنين؛ لقوته، وشدته.

4 - فضل سورة الفتح

فتغشاه سحابة فجعلت تدور وتدنو، وجعل فرسه ينفر منها، فلما أصبح أتى النبي - صلى الله عليه وسلم -، فذكر ذلك له، فقال: ((تلك السكينة (¬1) تنزّلت للقرآن)) (¬2)، وسمعت شيخنا الإمام ابن باز رحمه الله: يقول: ((المراد بالسكينة خلق من خلق الله، من جنس الملائكة وهم نوع من الملائكة، وطائفة منهم)) (¬3). 4 - فضل سورة الفتح؛ لحديث عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، وفيه: ((لقد أُنزل عليَّ الليلة سورة لَهِيَ أحَبُّ إليَّ مما طلعت عليه الشمس))، ثم قرأ: {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُّبِينًا} (¬4). 5 - فضل سورة الملك: جاء في فضلها أحاديث منها ما يأتي: الفضل الأول: تشفع لصاحبها حتى يُغفر له؛ لحديث أبي هريرة - رضي الله عنه -، ¬

(¬1) السكينة: قد قيل في معنى السكينة هنا أشياء، المختار منها أنها شيء من مخلوقات الله تعالى فيه طمأنينة ورحمة ومعه الملائكة، والله أعلم. [شرح النووي على صحيح مسلم، 6/ 330]، قلت: وفي حديث أسيد بن حضير حينما كان يقرأ سورة البقرة من الليل، فجالت فرسه، ورأى مثل الظلة فيها أمثال السرج، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((تلك الملائكة كانت تستمع لك)). [البخاري برقم 5018 ومسلم، برقم 796] وسمعت شيخنا ابن باز يقول: السكينة نوع من أنواع الملائكة، وطائفة منهم. (¬2) متفق عليه: البخاري، كتاب فضائل القرآن باب فضل الكهف، برقم 5011، ورقم 4839، ورقم: 3614، ومسلم، كتاب صلاة المسافرين، باب نزول السكينة لقراءة القرآن، برقم 795. (¬3) سمعته أثناء تقريره على صحيح البخاري، الحديث رقم 5011، بتاريخ، 30/ 10/1417هـ. (¬4) البخاري، كتاب فضائل القرآن، باب فضل سورة الفتح، برقم 5012، 4177.

الفضل الثاني: سورة تبارك هي المانعة من عذاب القبر

عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((إن سورة من القرآن ثلاثون آية شفعت لرجل حتى غُفِر له، وهي سورة تبارك الذي بيده الملك)) (¬1). وعن جابر - رضي الله عنه -، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان لا ينام حتى يقرأ ((ألم تنزيل))، و ((تبارك الذي بيده الملك)) (¬2). الفضل الثاني: سورة تبارك هي المانعة من عذاب القبر؛ لحديث عبد الله - رضي الله عنه -: ((سورة تبارك هي المانعة من عذاب القبر))، هذا لفظ أبي الشيخ في طبقات الأصبهانيين (¬3)، ولفظ الترمذي من حديث ابن عباس رضي الله عنهما وفيه: ((هي المانعة، هي المنجية من عذاب القبر)) (¬4). ¬

(¬1) الترمذي، كتاب ثواب القرآن، باب ما جاء في فضل سورة الملك، برقم 2891، واللفظ له، والحاكم، 2/ 498، وصحح إسناده، ووافقه الذهبي، وقال الإمام الترمذي: ((هذا حديث حسن))،وحسنه الألباني في صحيح سنن الترمذي،3/ 157. (¬2) الترمذي، كتاب ثواب القرآن، باب ما جاء في فضل سورة الملك، برقم 2892، وصححه الألباني في صحيح سنن الترمذي،3/ 157. (¬3) كما ذكره الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة، برقم 1140. (¬4) الترمذي، كتاب ثواب القرآن، باب ما جاء في فضل سورة الملك، برقم 2890، وحسنه الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة، برقم 1140، وفي صحيح الترغيب والترهيب، 2/ 193، وانظر: صحيح سنن الترمذي،3/ 156، ورواه الحاكم في المستدرك، 2/ 498 عن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - موقوفاً عليه، بلفظٍ وفيه: ((فهي المانعة تمنع من عذاب القبر، ... ))، وقال الحاكم: ((صحيح الإسناد))، ووافقه الذهبي، قال الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة، 3/ 131 أثناء كلامه على الحديث 1140: ((وهو في حكم المرفوع))، ثم قال: ((ويشهد له حديث ابن عباس ... )) أي المذكور آنفاً في المتن بلفظ: ((هي المانعة، هي المنجية من عذاب القبر)). [سبق تخريجه في الترمذي، برقم 2890].

6 - فضل سورة {قل يا أيها الكافرون} تعدل ربع القرآن

6 - فضل سورة ((قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ)) تعدل ربع القرآن؛ لحديث أنس بن مالك - رضي الله عنه - يرفعه إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -، وفيه: (( ... ومن قرأ ((قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ)) عُدِلت له بربع القرآن، ومن قرأ ((قُلْ هُوَ الله أَحَدٌ)) عُدِلت له بثلث القرآن)) (¬1). ولحديث ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي - صلى الله عليه وسلم -،وفيه: (( ... وقُلْ هُوَ الله أَحَدٌ)) تعدل ثلث القرآن، و ((قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ)) تعدل ربع القرآن)) (¬2). 7 - فضل سورة {قُلْ هُوَ الله أَحَد}: ثبت في فضل سورة الإخلاص أحاديث تدل على أنها: تعدل ثلث القرآن؛ منها ما يأتي: حديث أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - أن رجلاً سمع رجلاً يقرأ: {قُلْ هُوَ الله أَحَد} يردِّدها، فلما أصبح جاء إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فذكر له ذلك، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((والذي نفسي بيده إنها لتعدل ثلث القرآن))،وفي لفظ للبخاري: ((أن رجلاً قام في زمن النبي - صلى الله عليه وسلم - يقرأ من السحر {قُلْ هُوَ الله أَحَد} لا يزيد عليها فلما أصبح أتى الرجل النبي - صلى الله عليه وسلم -)).الحديث (¬3). ¬

(¬1) الترمذي، كتاب ثواب القرآن، باب ما جاء في إذا زلزلت، برقم 2893، وحسنه الألباني في صحيح سنن الترمذي،3/ 158. (¬2) الترمذي، كتاب ثواب القرآن، باب ما جاء في إذا زلزلت، برقم 2894،وصححه الألباني في صحيح سنن الترمذي،3/ 158،وفي صحيح الترغيب والترهيب، 2/ 195. (¬3) البخاري، كتاب فضائل القرآن، باب فضل {قُلْ هُوَ الله أَحَد}، برقم 5013، 5014، 5015.

8 - فضل المعوذات:

وحديث أبي الدرداء عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((أيعجز أحدكم أن يقرأ في ليلة ثلث القرآن؟)) قالوا: وكيف يقرأ ثلث القرآن؟ قال: ((قل هو الله أحد تعدل ثلث القرآن)) (¬1). 8 - فضل المعوذات: ثبت في فضل المعوذات أحاديث، منها ما يأتي: الفضل الأول: المعوذات شفاء ويستشفى بها؛ لحديث عائشة رضي الله عنها: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان إذا اشتكى يقرأ على نفسه بالمعوذات، وينفث، فلما اشتد وجعه كنت أقرأ عليه، وأمسح بيديه رجاء بركتها)) (¬2). الفضل الثاني: يتحصن بها المسلم عند النوم؛ لحديث عائشة رضي الله عنها قالت: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا أوى إلى فراشه كل ليلة جمع كفيه ثم نفث فيهما، فقرأ فيهما {قُلْ هُوَ الله أَحَد}، و {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَق}، و {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاس} ثم يمسح بها ما استطاع من جسده يبدأ بهما على رأسه ووجهه، وما أقبل من جسده، يفعل ذلك ثلاث مرات)) (¬3). ¬

(¬1) مسلم، كتاب صلاة المسافرين، باب فضل قراءة {قُلْ هُوَ الله أَحَد}، برقم 811، وجاء في صحيح مسلم أيضاً معنى ذلك، برقم 812 من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -، وقصة الذي ((كان أميراً على سرية، وكان يقرأ {قُلْ هُوَ الله أَحَد} ويختم بها صلاته))، وقال: لأنها صفة الرحمن فأنا أحب أن أقرأ بها، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((أخبروه أن الله يحبه))، مسلم، برقم 813. (¬2) متفق عليه: البخاري، كتاب فضائل القرآن، باب فضل المعوذات، برقم 5016، ومسلم، كتاب السلام، باب رقية المريض بالمعوذات والنفث، برقم 2192. (¬3) البخاري، كتاب فضائل القرآن، باب فضل المعوذات، برقم 5017.

الفضل الثالث: مما يدل على فضلها أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - بقراءتها دبر كل صلاة

الفضل الثالث: مما يدل على فضلها أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - بقراءتها دبر كل صلاة؛ لحديث عقبة بن عامر - رضي الله عنه -، قال: ((أمرني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن أقرأ بالمعوذات دبر كل صلاة)) (¬1). الفضل الرابع: من قرأها في الصباح والمساء كفته من كل شيء؛ لحديث عبد الله بن خبيب - رضي الله عنه - قال: خرجنا في ليلة مطيرة وظلمة شديدة نطلب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يُصلِّي لنا، قال: فأدركته فقال: ((قل))، فلم أقل شيئاً، ثم قال: ((قل))، فلم أقل شيئاً، قال: ((قل))، فقلت: ما أقول؟ قال: {قُلْ هُوَ الله أَحَد} والمعوِّذتين حين تمسي، وحين تصبح - ثلاث مرات - تكفيك من كل شيء)) (¬2). وهذه الأحاديث الثلاثة وترجمة البخاري رحمه الله بقوله: ((باب فضل المعوذات)) تدل على أنه يطلق اسم المعوذات على سورة الإخلاص والمعوذتين، كما أشار الحافظ ابن حجر رحمه الله إلى ذلك في فتح الباري (¬3). ¬

(¬1) أبو داود، كتاب الصلاة، باب: في الاستغفار، برقم 1523 واللفظ له، والنسائي، كتاب السهو، باب الأمر بقراءة المعوذات بعد التسليم من الصلاة، برقم 1336، والترمذي، كتاب فضائل القرآن، باب ما جاء في المعوذتين، برقم 2903، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود، 1/ 417، وفي غيره. (¬2) أبو داود، كتاب الأدب، باب ما يقول إذا أصبح، برقم 5082، والترمذي، كتاب الدعوات، باب، برقم 3575، واللفظ له، والنسائي في الاستعاذة، باب، برقم 5443، وحسنه الألباني في صحيح سنن أبي داود، 3/ 249، وفي صحيح سنن الترمذي، 3/ 468. (¬3) فتح الباري، لابن حجر، 9/ 62.

9 - فضل المعوذتين:

9 - فضل المعوّذتين: جاء في فضل المعوذتين أحاديث منها ما يأتي: الفضل الأول: المعوذتان لم يُرَ مثلهن؛ لحديث عقبة بن عامر - رضي الله عنه -، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((ألم تر آيات أُنزلت الليلة لم يُرَ مثلهن قط: {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَق}، و {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاس} (¬1). الفضل الثاني: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يتعوذ بهن؛ لحديث أبي سعيد - رضي الله عنه -، قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يتعوذ من الجان وعين الإنسان، حتى نزلت المعوذتان فلما نزلتا: أخذ بهما وترك ما سواهما)) (¬2). الفضل الثالث: ما تعوَّذ مُتعَوِّذٌ بمثلهما؛ لحديث عقبة بن عامر - رضي الله عنه -، قال: بينا أنا أسير مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بين الجحفة وأبواء إذ غشيتنا ريح وظلمة شديدة، فجعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يتعوّذ: {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَق}، و: {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاس}، ويقول: ((يا عقبة تعوذ بهما فما تعوّذ متعوذ بمثلهما))، وقال: وسمعته يؤمُّنا بهما في الصلاة (¬3) (¬4). ¬

(¬1) مسلم، كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب فضل قراءة المعوذتين، برقم 814. (¬2) الترمذي، كتاب الطب، باب ما جاء في الرقية بالمعوذتين، برقم 2058، وابن ماجه، كتاب الطب، باب من استرقى من العين، برقم: 3511، والنسائي، كتاب الاستعاذة، باب الاستعاذة من عين الجان، برقم 5509، وصححه الألباني في صحيح النسائي، 3/ 472، وفي صحيح الترمذي، 2/ 405، وفي غيرهما. (¬3) أبو داود، كتاب الصلاة، باب في المعوذتين، برقم 1462، 1463، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود، 1/ 403. (¬4) وقد جاء فضل بعض السور غير ما تقدم، ومن ذلك ما يأتي: 1 - عن عائشة رضي الله عنها قالت: ((كان النبي - صلى الله عليه وسلم - لا ينام على فراشه حتى يقرأ بني إسرائيل والزمر)) [الترمذي، برقم 2920، وصححه الألباني في صحيح الترمذي، 3/ 167، وفي سلسلة الأحاديث الصحيحة، برقم 641]. عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((من سره أن ينظر إلى يوم القيامة كأنه رأي العين فليقرأ: {إذا الشمس كورت}، و {إذا السماء انفطرت}، و {وإذا السماء انشقت} الترمذي والحاكم، وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب، 2/ 194، برقم 1476.

المبحث الحادي عشر: وجوب العمل بالقرآن وبيان فضله

المبحث الحادي عشر: وجوب العمل بالقرآن وبيان فضله العمل بالقرآن هو الغاية الكبرى من إنزاله؛ لقول الله - عز وجل -: {كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُوا الأَلْبَاب} (¬1)، وهذا العمل: هو التلاوة الحكمية للقرآن (¬2). فالعمل بالقرآن: هو تصديق أخباره، واتباع أحكامه: بفعل جميع ما أمر الله به فيه، وترك جميع ما نهى الله عنه: ابتغاء مرضاة الله، وخوفاً من عقابه، وطمعاً في ثوابه؛ ولهذا سار السلف الصالح على ذلك - رضي الله عنهم -. فكانوا يتعلمون القرآن، ويصدقون به، وبأخباره، بجميع ما جاء فيه، ويطبقون أحكامه تطبيقاً، عن عقيدةٍ راسخةٍ. قال أبو عبد الرحمن السُّلمي رحمه الله: ((حدثنا الذين كانوا يُقرئوننا القرآن: عثمان بن عفان، وعبد الله بن مسعود رضي الله عنهما وغيرهما: أنهم كانوا إذا تعلَّموا من النبي - صلى الله عليه وسلم - عشر آيات لم يتجاوزوها حتى يتعلموها وما فيها من العلم والعمل، قالوا: فتعلمنا: القرآن والعمل جميعاً)) (¬3). وهذا النوع هو الذي عليه مدار السعادة والشقاوة، قال الله تعالى: ¬

(¬1) سورة ص، الآية: 29. (¬2) تقدم أن تلاوة كتاب الله على نوعين: النوع الأول: تلاوة لفظية، وتقدمت في أوائل هذا المبحث. النوع الثاني: تلاوة حكمية، وهي تصديق أخباره، واتباع أحكامه، وهو هذا. (¬3) أثر صحيح: رواه ابن جرير بلفظه في تفسيره، 1/ 80 [طبعة أحمد شاكر]، وقال الشيخ أحمد شاكر: ((هذا إسناد صحيح متصل)).

{فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلاَ يَضِلُّ وَلاَ يَشْقَى * وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى * قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنتُ بَصِيرًا * قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنسَى * وَكَذَلِكَ نَجْزِي مَنْ أَسْرَفَ وَلَمْ يُؤْمِن بِآيَاتِ رَبِّهِ وَلَعَذَابُ الآخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقَى} (¬1)، وقال الله تعالى: {كَذَلِكَ نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنبَاء مَا قَدْ سَبَقَ وَقَدْ آتَيْنَاكَ مِن لَّدُنَّا ذِكْرًا * مَنْ أَعْرَضَ عَنْهُ فَإِنَّهُ يَحْمِلُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وِزْرًا * خَالِدِينَ فِيهِ وَسَاء لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حِمْلاً} (¬2). وعن سمرة - رضي الله عنه - قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ... يكثر أن يقول لأصحابه: ((هل رأى أحد منكم رؤيا؟))، قال: فَيُقَصُّ عليه ما شاء الله أن يُقصَّ، وإنه قال ذات غداة: ((إنه أتاني الليلة آتيان وإنهما ابتعثاني وإنهما قالا لي: انطلق، وإني انطلقت معهما ... ))، الحديث وفيه (( ... فانطلقنا حتى أتينا على رجل مضطجع على قفاه ورجل قائم على رأسه بفهرٍ أو صخرة فيشدخ به رأسه، فإذا ضربه تدهده الحجر))، وفي رواية: ((وإذا هو يهوي بالصخرة لرأسه فيثلغ رأسه فيتدهده الحجر ها هنا فيتبع الحجر فيأخذه فلا يرجع إليه حتى يلتئم رأسه وعاد رأسه كما هو، ثم يعود عليه فيفعل به مثل ما فعل مرة الأولى، قال قلت لهما: سبحان الله ما هذان؟ قال: قالا لي: انطلق ... ))، الحديث وفي آخره (( ... أما الرجل الذي أتيت عليه يثلغ ¬

(¬1) سورة طه، الآيات: 123 - 127. (¬2) سورة طه، الآيات: 99 - 101.

رأسه بالحجر فإنه الرجل يأخذ القرآن فيرفضه وينام عن الصلاة المكتوبة))، وفي لفظ: ((والذي رأيته يشدخ رأسه فرجل علَّمَهُ الله القرآن فنام عنه بالليل ولم يعمل فيه بالنهار ... )) (¬1). وعن جابر - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((القرآن مشفَّعٌ، وماحِلٌ (¬2) مصدَّق، من جعله إمامه قاده إلى الجنة، ومن جعله خلف ظهره ساقه إلى النار)) (¬3). وعن أبي مالك الأشعري - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وفيه: (( ... والقرآن حجة لك أو عليك)) (¬4)، فيجب العمل بالقرآن. ¬

(¬1) البخاري، كتاب الجنائز، بابٌ: حدثنا موسى بن إسماعيل، برقم 386، وفي كتاب الفتن، باب تعبير الرؤيا بعد صلاة الصبح، برقم 7047، وألفاظه من الموضعين. (¬2) ماحِل: خصمٌ مجادل. [النهاية في غريب الحديث، مادة ((محل))]. (¬3) ابن حبان في صحيحه، 1/ 331، برقم 124، وقال الهيثمي: ((رجاله ثقات))، مجمع الزوائد، 1/ 171، وقال شعيب الأرناؤوط في تحقيقه لصحيح ابن حبان، 1/ 332: ((إسناده جيد))، وذكر عن ابن مسعود - رضي الله عنه - أنه قال: ((القرأن شافِعٌ مشفّعٌ، وماحِلٌ مصدَّق، فمن جعله أمامه قاده إلى الجنة، ومن جعله خلفه ساقه إلى النار))،ذكر نحوه الهيثمي في مجمع الزوائد، 1/ 171 موقوفاً عن ابن مسعود، وعزاه إلى البزار، وقال: ((وفي رجاله المعلى الكندي، وقد وثقه ابن حبان)). وأخرجه الطبراني في الكبير مرفوعاً، برقم 10450، قال في مجمع الزوائد، 7/ 164: ((وفيه الربيع بن بدر وهو متروك))، وأخرجه موقوفاً على ابن مسعود الطبراني في الكبير، برقم 8655، وعبد الرزاق في المصنف، برقم 6010، وقال شعيب الأرنؤوط عن هذا الموقوف في تحقيقه لجامع العلوم والحكم، 2/ 27: ((وإسناده صحيح)). (¬4) مسلم، كتاب الطهارة، باب فضل الوضوء، برقم 223.

المبحث الثاني عشر: الأمر بتعاهد القرآن ومراجعته:

المبحث الثاني عشر: الأمر بتعاهد القرآن ومراجعته جاءت الأحاديث الصحيحة تأمر بتعاهد القرآن، ومنها الأحاديث الآتية: 1 - حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((إنما مثل صاحب القرآن كمثل صاحب الإبل المُعَقَّلَةِ، إن عاهد عليها أمسكها وإن أطلقها ذهبت))، وفي لفظٍ لمسلم: ((وإذا قام صاحب القرآن فقرأه بالليل والنهار ذكره وإذ لم يقم به نسيه)) (¬1). 2 - حديث أبي موسى الأشعري - رضي الله عنه -،عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((تعاهدوا هذا القرآن فو الذي نفس محمد بيده لهو أشدُّ تفلتاً من الإبل في عقلها)) (¬2). 3 - حديث عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((بئسما لأحدهم أن يقول: نسيت آية كيت وكيت؛ بل نُسِّيَ، واستذكروا القرآن فإنه أشدُّ تفصِّياً من صدور الرجال من النعم [بعُقلها])) (¬3)، وفي لفظ لمسلم: ((بئسما للرجل أن يقول: نسيت سورة كيت وكيت، أو نسيت آية كيت وكيت، بل هو نُسِّيَ)) (¬4). ¬

(¬1) متفق عليه: البخاري، كتاب فضائل القرآن، باب استذكار القرآن وتعاهده، برقم 5031، ومسلم، كتاب صلاة المسافرين، باب الأمر بتعاهد القرآن، برقم 789. (¬2) متفق عليه: البخاري، كتاب فضائل القرآن، باب استذكار القرآن وتعاهده، برقم 5033، ومسلم، كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب الأمر بتعاهد القرآن، برقم 791، واللفظ لمسلم. (¬3) قوله: من النعم بعقلها: النعم: أصلها الإبل، والبقر، والغنم، والمراد هنا الإبل خاصة؛ لأنها التي تعقل. [شرح النووي، 6/ 325]. (¬4) متفق عليه: البخاري، كتاب فضائل القرآن، باب استذكار القرآن وتعاهده، برقم 5032، ومسلم، كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب الأمر بتعاهد القرآن، برقم 790، ما بين المعقوفين من صحيح مسلم.

4 - حديث عائشة رضي الله عنها أن النبي - صلى الله عليه وسلم - سمع رجلاً يقرأ من الليل فقال: ((يرحمه الله، لقد أذكرني كذا وكذا. آية كنت أسقطتها من سورة كذا وكذا))، وفي لفظ: ((كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يستمع قراءة رجل في المسجد، فقال: ((رحمه الله لقد أذكرني آية كنت أُنسيتها)) (¬1). والصحابة - رضي الله عنهم - أتقنوا القرآن؛ لمراجعتهم له كثيراً، وقراءتهم له في الصلاة، وأكتفي بمثالين يدلان على عظيم عناية أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - بالقرآن على النحو الآتي: المثال الأول: قال عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه -: ((والله الذي لا إله غيره ما أُنزلت سورة من كتاب الله إلا أنا أعلم أين أنزلت، ولا أُنزلت آية من كتاب الله إلا أنا أعلم فيما أُنزلت، ولو أعلمُ أحداً أعلمَ منِّي بكتاب الله تبلغه الإبل لركبت إليه)) (¬2). المثال الثاني: تذاكر معاذ بن جبل وأبو موسى الأشعري رضي الله عنهما، فقال معاذ: يا عبد الله (¬3) كيف تقرأ القرآن؟ قال: أتفوّقه تفوُّقاً (¬4) قال: فكيف تقرأ ¬

(¬1) مسلم، كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب الأمر بتعاهد القرآن، برقم 788. (¬2) البخاري، كتاب فضائل القرآن، باب القُرَّاء من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم -، برقم 5002. (¬3) أبو موسى الأشعري: اسمه عبد الله بن قيس. (¬4) تفوقاً: أي ألازم قراءته: ليلاً ونهاراً، شيئاً بعد شيء، وحيناً بعد حين، مأخوذ من فواق الناقة: وهو أن تحلب ثم تترك ساعة حتى تدر ثم تحلب، هكذا دائماً. [انظر: فتح الباري لابن حجر، 8/ 62].

أنت يا معاذ؟ قال: أنام أول الليل فأقوم وقد قضيت جزئي من النوم، فأقرأ ما كتب الله لي، فأحتسب نومتي كما أحتسب قومتي))،وفي رواية، فقال معاذ لأبي موسى: ((كيف تقرأ القرآن؟ قال: قائماً، وقاعداً، وعلى راحلتي، وأتفوَّقه تفوَّقاً))،قال: ((أَمَّا أنا فأقوم وأنام، فأحتسب نومتي كما أحتسب قومتي)) (¬1). ¬

(¬1) متفق عليه: البخاري، واللفظ له، كتاب المغازي، باب بعث أبي موسى ومعاذ إلى اليمن قبل حجة الوداع، برقم 4341، 4342، و4344و 4345، ومسلم، كتاب الجهاد، بابٌ في الأمر بالتيسير وترك التعسير، برقم 1733.

المبحث الثالث عشر: آداب تلاوة القرآن الكريم وتعظيمه

المبحث الثالث عشر: آداب تلاوة القرآن الكريم وتعظيمه آداب تلاوة القرآن كثيرة من أهمها الآداب الآتية: الأدب الأول: معرفة أوصاف هذا القرآن العظيم؛ فإنه كلام الله - عز وجل -، وهو حبله المتين، وصراطه المستقيم، والذكر المبارك، والنور المبين، وهو كلام الله: حروفه، ومعانيه، تَكَلَّم به على الوصف اللّائق بجلاله، وسمعه جبريل من رب العالمين، وسمعه محمد - صلى الله عليه وسلم - من جبريل حينما نزل به على قلبه ليكون من المنذرين بلسان عربي مبين، وسمعه الصحابة من النبي - صلى الله عليه وسلم -، مُنَزَّلٌ من الله تعالى غير مخلوق، منه بدأ وإليه يعود، وهو كتاب عام للثقلين إلى يوم الدين، وهو المعجزة العظمى، هُدىً للناس جميعاً، وهو روح وحياة، وشفاء لما في الصدور، وهدى ورحمة للعالمين، وتبيان لكل شيء، كتاب واضح مبين، لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد، تكفّل الله بحفظه وأحكم آياته، وفصَّلها، تذكرة لمن يخشى، أحسن الحديث، ذكرٌ وقرآنٌ مبين، يهدي للتي هي أقوم ويبشر المؤمنين بالأجر العظيم، ويُحذِّر الكافرين من العذاب الأليم، يهدي إلى الحق وإلى الرشد، وهو القرآن الكريم المجيد العظيم، وفي أم الكتاب عليٌّ حكيم، وما تنَزَّلت به الشياطين، وهو في لوح محفوظ، وهو مُصَدِّقٌ لما بين يديه من الكتب ومهيمن عليها، لو أنزله الله على الجبال لتصدعت من خشية الله تعالى، وهو وصية رسول الله - صلى الله عليه وسلم -،وغير ذلك من أوصاف هذا الكتاب المبارك، وهذه الأوصاف وغيرها مما لم يذكر تدل على وجوب تعظيم هذا القرآن، والتأدب عند تلاوته، والابتعاد عند قراءته عن

الأدب الثاني: إخلاص النية لله تعالى؛ لأن تلاوة القرآن من أعظم العبادات لله - عز وجل -

اللعب، والغفلة (¬1). الأدب الثاني: إخلاص النية لله تعالى؛ لأن تلاوة القرآن من أعظم العبادات لله - عز وجل -، وقد قال الله - عز وجل -: {فَاعْبُدِ الله مُخْلِصًا لَّهُ الدِّين} (¬2)، وفي ذلك أحاديث منها الأحاديث الآتية: 1 - عن جابر - رضي الله عنه -، قال: دخل النبي - صلى الله عليه وسلم - المسجد فإذا فيه قوم يقرؤون القرآن، قال: ((اقرؤوا القرآن وابتغوا به وجه الله - عز وجل -، من قبل أن يأتي قوم يقيمونه إقامة القدح (¬3) يتعجَّلونه (¬4)، ولا يتأجَّلونه)) (¬5)، وفي لفظ لأحمد وأبي داود: قال جابر - رضي الله عنه -: خرج علينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ونحن نقرأُ القرآن وفينا الأعرابي والعجمي (¬6) فاستمع فقال: ((اقرَؤوا فكل حسنٌ (¬7)، وسيجيء أقوامٌ يُقيمونه كما يُقام القدح يتعجَّلونه ولا ¬

(¬1) انظر: ما تقدم في صفات القرآن العظيم في المبحث الثالث. (¬2) سورة الزمر، الآية: 2. (¬3) يقيمونه إقامة القدح: أي يصلحون ألفاظه وكلماته، ويتكلفون في مراعاة مخارجه وصفاته كما يقام القدح: وهو السهم: أي يبالغون في عمل وإصلاح القراءة كمال المبالغة؛ لأجل الرياء والسمعة، والمباهاة والشهرة، [عون المعبود شرح سنن أبي داود، 3/ 59]. (¬4) يتعجلونه ولا يتأجلونه: أي يتعجلون ثوابه في الدنيا فيطلبون به أجر الدنيا، ويسألون به الناس، ((ولا يتأجلونه)) بطلب الأجر في الآجل في الآخرة العُقبى، بل يؤثرون العاجلة على الآجلة، ويتواكلون ولا يتوكَّلون. [عون المعبود شرح سنن أبي داود، 3/ 59]. (¬5) أحمد في المسند، 3/ 357، وفي المحقق، 23/ 144، برقم 14855. (¬6) العجمي: أي غير العربي من الفارس، والرومي، والحبشي: كسلمان، وصهيب، وبلال، قاله الطيبي. (¬7) اقرؤوا فكل حسن: أي اقرؤوا كلكم فكل واحدة من قراءتكم حسنة مرجوة الثواب إذا آثرتم الآجلة على العاجلة، ولا عليكم أن لا تقيموا ألسنتكم إقامة القدح وهو السهم قبل أن يراش [عون المعبود، 3/ 59].

يتأجلونه)) (¬1)، وفي هذا الحديث رفع الحرج، وبناء الأمر على التيسير في الظاهر، وتحرِّي الحسبة والإخلاص في القراءة، والتفكر في معاني القرآن والغوص في عجائب أمره (¬2). 2 - حديث سهل بن سعد الساعدي - رضي الله عنه -، قال: خرج علينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوماً ونحن نقترِئُ، فقال: ((الحمد لله، كتاب الله واحد، وفيكم الأحمر، وفيكم الأبيض، وفيكم الأسود، اقرؤوه قبل أن يقرأه أقوامٌ يقيمونه كما يُقوَّمُ السَّهْمُ، يُتَعَجَّلُ أَجْرُهُ وَلا يُتأجَّلُهُ)) (¬3). 3 - حديث عمران بن حصين - رضي الله عنه -،أنه مرّ على قاصٍّ يقرأُ ثم سأل، فاسترجع ثم قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: ((من قرأ القرآن فليسأل الله به؛ فإنه سيجيء أقوام يقرؤون القرآن يسألون به الناس)) (¬4). 4 - حديث أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه -، وفيه: (( ... وإن من شرِّ الناس رجلاً ¬

(¬1) أحمد، 23/ 415،برقم 15273،وأبو داود، كتاب الصلاة، باب ما يجزئ الأمي والأعجمي من القراءة، برقم 830، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود، 1/ 234، وقال محققو المسند، 23/ 144، 416،برقم 14855،ورقم 15273: ((إسناده صحيح رجاله ثقات رجال الشيخين)). (¬2) عون المعبود شرح سنن أبي داود، 3/ 59. (¬3) أبو داود، كتاب الصلاة، باب ما يجزئ الأمي والأعجمي من القراءة، برقم 831، وقال الألباني في صحيح سنن النسائي، 1/ 234: ((حسن صحيح)). (¬4) الترمذي، برقم 2917،وحسنه الألباني في صحيح سنن الترمذي،3/ 66،وتقدم في فضل تعلم القرآن وتعليمه، وانظر: مسند أحمد، برقم 12484،عن أبي سعيد - رضي الله عنه -.

فاجراً جريئاً يقرأ كتاب الله ولا يرعوي (¬1) إلى شيء منه))، وفي لفظ: (( ... ثم يكون خلف يقرؤون القرآن لا يعدو تراقيَهم، ويقرَؤوا القرآن ثلاثة: مؤمن، ومنافق، وفاجر))، وفُسِّر: المنافق كافر به، والفاجر يتآكل به، والمؤمن يؤمن به (¬2). 5 - حديث عبد الرحمن بن شبل - رضي الله عنه -،قال سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: ((اقرؤوا القرآن ولا تغلوا فيه (¬3)، ولا تجفوا عنه (¬4)، ولا تأكلوا به (¬5)، ولا تستكثروا به (¬6) (¬7)). 6 - حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في الثلاثة الذين أوّل من تُسعّر بهم النار وفيه: (( ... ورجل تعلَّم العلم وعلَّمه، وقرأ القرآن فأُتي به فعرّفه نعمه فعرفها، قال: فما عملت فيها؟ قال: تعلمت العلم وعلمته وقرأت فيك القرآن، قال: كذبت ولكنك تعلمت العلم، ليُقال عالم، وقرأت القرآن ليُقال: هو قارئ فقد قيل، ثم أُمر به فسحب على ¬

(¬1) لا يرعوي: لا ينكف ولا ينزجر إلى شيء من ذلك. [انظر: النهاية]. (¬2) أحمد، 17/ 421، برقم 11319، ورقم 11340، ورقم 11374، و 18/ 107، برقم 11549، وحسنه محققو المسند في هذه المواضع كلها؛ لكثرة طرقه. (¬3) لا تغلوا فيه: من الغلو وهو التجاوز عن الحد. (¬4) ولا تجفوا عنه: ألا تبعدوا عن تلاوته، فلا إفراط ولا تفريط. (¬5) ولا تأكلوا به: أي بالقرآن. (¬6) ولا تستكثروا به: أي لا تستكثروا به المال. (¬7) أحمد في المسند، 24/ 288، برقم 15529، قال محققو المسند: ((حديث صحيح، وهذا إسناد قوي، ورجاله ثقات))، وقال الحافظ ابن حجر في الفتح، 9/ 101: ((وسنده قوي)).

الأدب الثالث: أن يقرأ بقلب حاضر، وبتدبر ما يقرأ ويتفهم معانيه

وجهه حتى ألقي في النار)) (¬1). 7 - حديث جندب - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: ((من سمّع سمع الله به، ومن يرائي يرائي الله به)) (¬2). 8 - حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((قال الله تبارك وتعالى: أنا أغنى الشركاء عن الشرك، من عمل عملاً أشرك معي فيه غيري تركته وشركه)) (¬3). الأدب الثالث: أن يقرأ بقلب حاضر، وبتدبر ما يقرأ ويتفهّم معانيه، ويتخشَّع عند ذلك قلبه، ويستحضر بأن الله تعالى يخاطبه في هذا القرآن؛ لأن القرآن كلام الله - عز وجل -. قال الله تعالى في الأمر والحث على التدبر: {أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا} (¬4)، ويجعل فكره مع القرآن، ويمنعه من الشرود، والمتأثر بالقرآن: يفرح إذا تلا آيات الترغيب، ويبكي ويحزن عند تلاوة آيات العذاب والإنذار، ويقف؛ ليعرف ما المراد مما يقرأ، ويطهِّر أدوات التلاوة مما عَلِقَ بها من الذنوب بالتوبة: وهي السمع، والبصر، واللسان، والقلب من الشهوات، والشبهات (¬5). ¬

(¬1) مسلم، كتاب الإمارة، باب من قاتل للرياء والسمعة استحق النار، برقم 1905. (¬2) متفق عليه: البخاري، كتاب الرقاق، باب الرياء والسمعة، برقم 6499، ومسلم، كتاب الزهد، باب من أشرك في عمله غير الله، برقم 2986. (¬3) مسلم، كتاب الزهد، باب من أشرك في عمله غير الله، برقم 2985. (¬4) سورة محمد، الآية: 24. (¬5) وقد تقدم البحث في التدبر في المبحث الخامس، ص 24 من هذا الكتاب

الأدب الرابع: أن يقرأ على طهارة؛ لأن هذا من تعظيم كلام الله تعالى

الأدب الرابع: أن يقرأ على طهارة؛ لأن هذا من تعظيم كلام الله تعالى، فالمستحب لقارئ القرآن أن يقرأه على طهارة من الحدث الأصغر؛ لأنه يجوز له القراءة عن ظهر قلب في الحدث الأصغر، أما الحدث الأكبر فلا ولا آية؛ لحديث علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - قال: ((كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يُقرئنا القرآن على كل حال ما لم يكن جنباً))، وفي لفظ: ((كان يخرج من الخلاء فيقرئنا القرآن، ويأكل معنا اللحم، ولم يكن يحجبه - أو قال - يحجزه عن القرآن شيء سوى الجنابة)) (¬1)؛ ولحديثه - رضي الله عنه -، أنه توضأ ثم قال: هكذا رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - توضأ ثم قرأ شيئاً من القرآن، ثم قال: ((هذا لمن ليس بجنب فأما الجنب فلا، ولا آية)) (¬2). وإذا قرأ من عليه حدث أصغر فلا يمس القرآن، وإنما يقرأ عن ظهر قلب؛ لحديث عمرو بن حزم، وحكيم بن حزام، وابن عمر - رضي الله عنهم -: ((لا يمس القرآن إلا طاهر)) (¬3)، وأما قراءة ¬

(¬1) الترمذي، كتاب الطهارة، باب ما جاء في الرجل يقرأ القرآن على كل حال ما لم يكن جنباً، برقم 146، وأبو داود، كتاب الطهارة، باب في الجنب يقرأ القرآن، برقم 229، والنساء، كتاب الطهارة، باب حجب الجنب من قراءة القرآن، برقم 265، وابن ماجه، كتاب الطهارة وسننها، باب ما جاء في قراءة القرآن على غير طهارة، برقم 594، وأحمد، 1/ 184، وغيرهم، وقال الحافظ ابن حجر في التلخيص الحبير، 1/ 139: ((صححه ابن السكن، وعبد الحق، والبغوي))، وسمعت ابن باز أثناء شرحه لبلوغ المرام، الحديث رقم 124 يقول: ((حديث حسن وله شواهد))، وحسنه الأرناؤوط في تحقيقه لجامع الأصول، 4/ 304، وانظر فتح الباري لابن حجر، 1/ 348، وشرح عمدة الفقه لابن تيمية (الطهارة) 1/ 386. (¬2) أحمد في المسند، برقم 882، وصحح إسناده هنا أحمد شاكر، وقال العلامة ابن باز رحمه الله في الفتاوى الإسلامية، 1/ 239: ((إسناده جيد))، وانظر: الفتاوى الإسلامية أيضاً، 1/ 222. (¬3) مالك في الموطأ: كتاب القرآن، باب الأمر بالوضوء لمن مس القرآن، برقم 1، والدارقطني في سننه، كتاب الطهارة، باب في نهي المحدث عن مس القرآن، برقم 431، 433،والحاكم،1/ 397، وصححه الألباني بشواهده، في إرواء الغليل، 1/ 158.

الأدب الخامس: يستاك عند قراءة القرآن؛ لحديث علي - رضي الله عنه -

القرآن للحائض والنفساء فالصواب من قولي أهل العلم: أنه يجوز للحائض والنفساء أن تقرأ القرآن بدون مسٍّ للمصحف؛ لأن الحديث في منعها من قراءة القرآن ضعيف (¬1)؛ ولأن قياس الحائض والنفساء على الجنب ليس بظاهر؛ ولأن الجنب وقته قصير، وبإمكانه أن يغتسل في الحال؛ لأن مدته لا تطول، وإن عجز عن الماء تيمَّم، وصلَّى وقرأ، أما الحائض والنفساء فيحتاج ذلك إلى وقت طويل ربما نسيت فيه ما حفظت من القرآن، وربما احتاجت إلى تدريس القرآن للنساء؛ ولأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لعائشة رضي الله عنها: ((افعلي ما يفعل الحاج غير أن لا تطوفي بالبيت حتى تطهري))،ومن أفضل أعمال الحج قراءة القرآن، ولم يقل لها: لا تقرئي القرآن، وقد أباح لها أعمال الحاج كلها، فدل ذلك كله على أن الصواب جواز قراءة الحائض والنفساء القرآن عن ظهر قلب بدون مس للمصحف (¬2). الأدب الخامس: يستاك عند قراءة القرآن؛ لحديث علي - رضي الله عنه -، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((إن العبد إذا تسوَّك ثم قام يصلي قام الملك خلفه فيستمع لقراءته، فيدنو منه - أو كلمة نحوها - حتى يضع فاه على فيه، ¬

(¬1) وهو قوله: ((لا تقرأ الحائض ولا الجنب شيئاً من القرآن))، الترمذي، برقم 131، وابن ماجه برقم 595، وضعفه الألباني في إرواء الغليل، 1/ 206، برقم 192، وضعفه ابن باز في الفتاوى الإسلامية، 1/ 239، وفي غيرها. (¬2) انظر: الفتاوى الإسلامية وما رجحه ابن باز فيها، 1/ 239، وحجة النبي - صلى الله عليه وسلم - للألباني، ص 69.

الأدب السادس: لا يقرأ القرآن في الأماكن المستقذرة

فما يخرج من فيه شيء من القرآن إلا صار في جوف الملك، فطهِّروا أفواهكم للقرآن)) (¬1)، وعن علي - رضي الله عنه - قال: ((إن أفواهكم طرق القرآن فطيِّبوها بالسواك)) (¬2). الأدب السادس: لا يقرأ القرآن في الأماكن المستقذرة، أو في مَجْمَعٍ لا يُنصت فيه للقراءة؛ لأن قراءته في مثل ذلك إهانة للقرآن وهو كلام الله - عز وجل -، ولا يجوز أن يقرأ القرآن في بيت الخلاء، ونحوه مما أُعِدَّ للتبوُّل، أو التغوُّط؛ لأنه لا يليق بالقرآن الكريم. الأدب السابع: يستعيذ بالله من الشيطان الرجيم عند إرادة التلاوة؛ لقول الله تعالى: {فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِالله مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيم} (¬3). وأما البسملة: فإن كان ابتدأ قراءته من أثناء السورة اكتفى بالاستعاذة بدون بسملة، وإن كان من أول السورة فيبسمل في بداية كل سورة إلا سورة التوبة؛ فإنه ليس في أولها بسملة. ¬

(¬1) أخرجه البزار، ص60 وقال: لا نعلمه عن علي بأصح من هذا الإسناد، قال الألباني: ((قلت: وإسناده جيد، رجاله رجال البخاري، وفي الفضل كلام لا يضر، وقال المنذري في الترغييب والترهيب: رواه البزار بإسناد جيد لا بأس به، وحسنه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب، 1/ 91، وانظر: سلسلة الأحاديث الصحيحة، 3/ 314، برقم 1213. (¬2) ابن ماجه، كتاب الطهارة وسننها، باب السواك، برقم 291، وصححه الألباني في صحيح ابن ماجه، 1/ 53، وفي سلسلة الأحاديث الصحيحة، برقم 1213. (¬3) سورة النحل، الآية: 98.

الأدب الثامن: يحسن صوته بقراءة القرآن الكريم، ويترنم به

الأدب الثامن: يُحسِّن صوته بقراءة القرآن الكريم، ويترنَّم به، للأحاديث الآتية: 1ـ حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((ما أَذِنَ (¬1) الله لشيءٍ ما أذِنَ لنبيِّ أن يتغنَّى (¬2) بالقرآن))، ولفظ مسلم: ((ما أذِنَ الله لشيء ما أذِنَ لنبيِّ حَسَن الصوت يتغنّى بالقرآن))، وفي لفظ لمسلم: ((ما أذِنَ الله لشيءٍ ما أذِنَ لنبيٍّ يتغنَّى بالقرآن يجهر به)) (¬3). 2 - حديث أبي موسى الأشعري - رضي الله عنه -، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال له: ((يا أبا موسى لقد أوتيت مزماراً من مزامير (¬4) آل داود))، وفي لفظٍ لمسلم: ((لو رأيتني وأنا أستمع لقراءتك البارحة؟ لقد أوتيت مزماراً من مزامير آل داود)) (¬5). 3 - حديث البراء بن عازب رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ¬

(¬1) ما أذن الله: ما استمع الله لشيء ما استمع لنبي يتغنى بالقرآن. [شرح النووي على صحيح مسلم، 6/ 325، وجامع الأصول لابن الأثير، 2/ 485]. (¬2) يتغنى بالقرآن: يحسن صوته به، يجهر به. [شرح النووي، 6/ 326]. قال الحافظ ابن حجر في الفتح، 7/ 71: ((والمعروف عند العرب: أن التغني الترجيع بالصوت)). (¬3) متفق عليه: البخاري، كتاب فضائل القرآن، باب من لم يتغنَّ بالقرآن، برقم 5053، ومسلم، كتاب صلاة المسافرين وقصرها، برقم 792. (¬4) مزمار: قال النووي رحمه الله: ((المراد بالمزمار هنا: الصوت الحسن، وأصل الزمر الغناء، وآل داود: هو داود نفسه، وآل فلان قد يطلق على نفسه، وكان داود حسن الصوت جداً)). [شرح النووي على صحيح مسلم، 6/ 328]. (¬5) متفق عليه: البخاري، كتاب فضائل القرآن، باب حسن الصوت بالقرآن للقرآن، برقم 5048، ومسلم، كتاب صلاة المسافرين وقصرها، برقم 793.

((زيّنوا القرآن بأصواتكم)) (¬1). قال الإمام النووي رحمه الله: ((قال القاضي: أجمع العلماء على استحباب تحسين الصوت بالقراءة، وترتيلها، قال أبو عبيد: والأحاديث في ذلك محمولة على التحزين والتشويق)) (¬2) (¬3). 4 - حديث سعد بن أبي وقاص - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((ليس منا من لم يتغنَّ بالقرآن)) (¬4). 5 - حديث أبي لبابة، قال سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: ((ليس منا من لم يتغن بالقرآن))، فقيل لابن أبي مليكة: يا أبا محمد أرأيت إذا لم يكن حسن الصوت؟ قال: يحسِّن ما استطاع (¬5). ¬

(¬1) أخرجه أبو داود، كتاب الصلاة، باب استحباب الترتيل في القراءة، برقم 1468،والنسائي، كتاب الصلاة، باب تزيين القرآن بالصوت، برقم 1016،وصححه الألباني في صحيح أبي داود،1/ 404. (¬2) قال: (( ... واختلفوا في القراءة بالألحان: فكرهها مالك والجمهور؛ لخروجها عما جاء القرآن له من الخشوع، والتفهم، وأباحها أبو حنيفة وجماعة من السلف؛ للأحاديث؛ ولأن ذلك سبب للرقة وإثارة الخشية، وإقبال النفوس على استماعه، قلت [القائل النووي] قال الشافعي في موضع: أكره القراءة بالألحان، وقال في موضع: لا أكرهها، قال أصحابنا: ليس له فيها خلاف وإنما هو اختلاف حالين: فحيث كرهها: أراد إذا مطَّط وأخرج الكلام عن موضعه، أو مدَّ غير ممدود، وإدغام ما لا يجوز إدغامه، ونحو ذلك، وحيث أباحها: إذا لم يكن فيها تغيير لموضوع الكلام، والله أعلم)). [شرح النووي على صحيح مسلم، 6/ 328] وانظر: فتح الباري لابن حجر، 7/ 72. (¬3) شرح النووي، 6/ 328. (¬4) أبو داود، كتاب الصلاة، باب استحباب الترتيل في القراءة، برقم 1469، وصححه الألباني في صحيح أبي داود، 1/ 404. (¬5) أبو داود، كتاب الصلاة، باب استحباب الترتيل في القراءة، برقم 1471، وقال الألباني في صحيح سنن أبي داود، 1/ 405: ((حسن صحيح)).

الأدب التاسع: يرتل القرآن ترتيلا

وسمعت شيخنا الإمام ابن باز رحمه الله يقول: ((والتغني بالقرآن: يجهر به ويُحسّن به صوته حتى يستفيد هو ويستفيد الناس، فالمؤمن يجاهد نفسه يخشع ويُخشِّع من حوله، ((ليس منا من لم يتغنَّ بالقرآن))،وهذا يدل على الوعيد لمن لم يتغن بالقرآن، وهو مثل قوله - صلى الله عليه وسلم -: ((من غشنا فليس منّا)) فيه الوعيد الشديد لمن لم يتغنَّ بالقرآن؛ لأن الله أنزل القرآن للتدبر والعمل {ليدّبروا آياته} ولم يقل: ليقرؤوا، فقليل بتدبر خير من كثير بلا تدبر)) (¬1). 6 - حديث البراء بن عازب رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقرأ: {وَالتِّينِ وَالزَّيْتُون} في العشاء، وما سمعت أحداً أحسن صوتاً منه، أو قراءةً))، وفي لفظ عن عدي، قال: سمعت البراء يُحدِّث عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه كان في سفر فصلَّى العشاء الآخرة فقرأ في إحدى الركعتين: {وَالتِّينِ وَالزَّيْتُون})) (¬2) (¬3). الأدب التاسع: يُرتِّل القرآن ترتيلاً؛ لقول الله تعالى: {وَرَتِّلِ ¬

(¬1) سمعته أثناء تقريره على صحيح البخاري، الحديث رقم 5023. (¬2) سورة التين، الآية: 1. (¬3) متفق عليه: البخاري، كتاب الأذان، باب الجهر في العشاء، برقم 767، وفي باب القراءة في العشاء، برقم 769، وفي كتاب التفسير، باب حدثنا حجاج، برقم 4952، وفي كتاب التوحيد، باب قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((الماهر بالقرآن مع السفرة الكرام البررة، وزينوا لقرآن بأصواتكم))، برقم 7546، ومسلم، كتاب الصلاة، باب القراءة في العشاء برقم 464.

الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً} (¬1). والترتيل مصدر رتّل الكلام: أحسن تأليفه. وهو في الاصطلاح: قراءة القرآن على مُكثٍ وتفهّمٍ من غير عجلةٍ، وهو الذي نزل به القرآن. فيقرأ القرآن: بِتَلَبُّثٍ في قراءتِهِ، وتمهّلٍ فيها، ويفصل الحرف عن الحرف الذي بعده، وفي ذلك عون على تدبُّرِ القرآن وتفهُّمِهِ، ومرتبة الترتيل أفضل مراتب القراءة. وعن أنس - رضي الله عنه -، قال قتادة: سألت أنس بن مالك عن قراءة النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: كان يمدُّ مداًّ: ثم قرأ: {بِسْمِ الله الرَّحْمَنِ الرَّحِيم} يمدّ ((بسم الله))، ويمد بالرحمن، ويمد بالرحيم (¬2) (¬3). وعن أم سلمة رضي الله عنها أنها ذكرت قراءة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ((بِسْمِ الله ¬

(¬1) سورة المزمل، الآية 20. (¬2) قال ابن حجر في فتح الباري، 9/ 91: ((المدّ عند القراءة على ضربين: أصلي وهو إشباع الحرف الذي بعده: ألف، أو واو، أو ياء، وغير أصلي، وهو ما إذا أعقب الحرف الذي هذه صفته همزة: وهو متصل ومنفصل، فالمتصل ما كان من نفس الكلمة، والمنفصل ما كان بكلمة أخرى، فالأول يؤتى فيه: بالألف، والواو، والياء ممكنات من غير زيادة، والثاني يزاد في تمكين الألف والواو، والياء، زيادة على المد الذي لا يمكن النطق بها إلا به من غير إسراف، والمذهب الأعدل أنه يمدَّ كل حرف منها ضعفي ما كان يمد أولاً، وقد يزاد على ذلك قليلاً، وما فرط فيه فهو غير محمود، والمراد من الترجمة الضرب الأول)).قلت: الضرب الأول: المد الطبيعي الأصلي ضابطه في المد يمد حركتين كل حركة بمقدار قبض الإصبع أو بسطها، والضرب الثاني المد غير الأصلي وهو نوعان: متصل يمد أربع حركات ومنفصل: يمد أربع حركات كذلك ويجوز قصره فيمد حركتين. (¬3) البخاري، كتاب فضائل القرآن، باب مدّ القراءة، برقم 5045، 5046.

الرَّحْمَنِ الرَّحِيم * الْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين * الرَّحْمنِ الرَّحِيم * مَلِكِ يَوْمِ الدِّين. يُقطِّع قراءته آية آية. قال أبو داود: ((سمعت أحمد يقول: ((القراءة القديمة مالك يوم الدين))، ولفظ الترمذي: ((الْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين))، ثم يقف ((الرَّحْمنِ الرَّحِيم)) ثم يقف ... )) (¬1). وعن عبد الله بن مغفل - رضي الله عنه - قال: رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم فتح مكة على ناقته وهو يقرأ سورة الفتح يُرجِّع)) (¬2)، وقال: لولا أن يجتمع الناس ¬

(¬1) أبو داود، كتاب الحروف والقراءات، برقم 4001، والترمذي، كتاب القراءة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، باب في فاتحة الكتاب، برقم 2927، وأحمد، 6/ 302، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود، 1/ 493، وصحيح سنن الترمذي، 3/ 169. (¬2) الترجيع: هو تقارب ضروب الحركات في القراءة، وأصله الترديد، وترجيع الصوت ترديده في الحلق، وقد فسره، لفظ معاوية بن قرة (آاْ أ) قال الحافظ في الفتح: ((بهمزة مفتوحة بعدها ألف ساكنة ثم همزة أخرى))، وقيل: يحتمل أن هذا حصل من هز الناقة، وقيل: يحتمل أنه أشبع المد في موضعه فحدث ذلك. قال الحافظ ابن حجر: ((وقد ثبت الترجيع في غير هذا الموضع فأخرج الترمذي في الشمائل، والنسائي، وابن ماجه، وابن أبي داود واللفظ له من حديث أم هانئ قالت: كنت أسمع صوت النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو يقرأ وأنا نائمة على فراشي يرجِّع القرآن))،والذي يظهر أن في الترجيع قدراً زائداً على الترتيل، فعند ابن أبي داود من طريق أبي إسحاق عن علقمة قال: ((بتُّ مع عبد الله بن مسعود، فنام ثم قام، فكان يقرأ قراءة الرجل في مسجد حيه لا يرفع صوته ويسمع من حوله ويرتل ولا يرجع))،وقيل: ((معنى الترجيع تحسين التلاوة لا ترجيع الغناء؛ لأن القراءة بترجيع الغناء تنافي الخشوع الذي هو مقصود التلاوة)) [فتح الباري لابن حجر،9/ 92]. ولكن رأى شيخنا ابن باز في قول معاوية بن قرة (آاْآ) أن هذا الظاهر فيه أنه وهم من بعض الرواة في تفسير الترجيع؛ لأن هذه الأحرف لا تدل على معنى، والمقصود من ترديد القراءة الفائدة والخشوع، فالترجيع: هو ترديد القراءة))، وقال رحمه الله: ((معنى ترجيع القراءة: أي ترديد القراءة {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُّبِينًا. إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُّبِينًا. إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُّبِينًا} للخشوع والتدبر وهذا هو معنى الترجيع في القراءة، وكان - صلى الله عليه وسلم - يسرد القراءة إلا في بعض الأحوال، وقد قام ليلة بآية: {إِن تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيم} فالترجيع سنة عند الحاجة فقط)). [سمعته أثناء تقريره على صحيح البخاري، الحديث رقم 4281.

حولي لرجَّعت كما رجَّع))، وفي لفظ للبخاري: ((رأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقرأ وهو على ناقته أو جمله، وهي تسير به وهو يقرأ سورة الفتح أو من سورة الفتح قراءة ليّنة يقرأ وهو يرجع))، وفي رواية: (( ... ثم قرأ معاوية [بن قرة] يحكي قراءة ابن مغفل، وقال: لولا أن يجتمع الناس عليكم، لرجَّعت كما رجع ابن مغفل يحكي النبي - صلى الله عليه وسلم -، فقلت لمعاوية كيف كان ترجيعه؟ قال: آآ آثلاث مرات)) (¬1)، وفي الحديث ملازمة النبي - صلى الله عليه وسلم - للعبادة؛ لأنه حالة ركوبه الناقة وهو يسير لم يترك العبادة بالتلاوة، وفي جهره بذلك إرشاد إلى أن الجهر بالعبادة قد يكون في بعض المواضع أفضل من الإسرار، وهو عند التعليم وإيقاظ الغافل ونحو ذلك (¬2). وعن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - أن رجلاً قرأ المفصل في ركعة، فقال له: ((هذّاً كهذّ الشعر؟ لقد عرفت النظائر التي كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقرن بينهن، فذكر عشرين سورة من المفصل: سورتين من آل حم في كل ركعة (¬3)، وفي ¬

(¬1) متفق عليه: البخاري، كتاب المغازي، باب ركز النبي - صلى الله عليه وسلم - الراية يوم الفتح، برقم 4281، وكتاب فضائل القرآن، باب الترجيع، برقم 5047، ورقم 7540، ومسلم، كتاب صلاة المسافرين، باب ذكر قراءة النبي - صلى الله عليه وسلم - سورة الفتح يوم فتح مكة، برقم 794. (¬2) فتح الباري لابن حجر، 9/ 92. (¬3) متفق عليه: البخاري، كتاب الآذان، باب الجمع بين السورتين في ركعة والقراءة بالخواتيم، وبسورة قبل سورة، وبأول سورة، برقم 775، ومسلم، كتاب صلاة المسافرين، باب ترتيل القرآن واجتناب الهذِّ، برقم 275 - (722).

الأدب العاشر: إذا مر القارئ بآية رحمة سأل الله من فضله

لفظ: ((كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يقرأهن اثنتين اثنتين في كل ركعة))، وقال: ((عشرون سورة من أول المفصل على تأليف ابن مسعود آخرهن من الحواميم ((حم)) الدخان، و ((عم يتساءلون)) (¬1)،وفي لفظ لمسلم: ((عشرون سورة في عشر ركعات من المفصل في تأليف عبد الله)) (¬2)، وفي لفظ لمسلم: (( ... هذاً كهذ الشعر، إن أقواماً يقرؤون القرآن لا يجاوز تراقيهم، ولكن إذا وقع في القلب فرسخ فيه نفع، وإنَّ أفضل الصلاة: الركوع والسجود، إني لأعلم النظائر التي كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقرن بينهن)) (¬3). فيستحب للقارئ التالي لكتاب الله تعالى أن يرتل وهذا هو الأفضل أن يرتِّل، ولا بأس بالسرعة التي ليس فيها إخلال باللفظ: بإسقاط بعض الحروف، أو إدغام ما لا يصح إدغامه، وهذه قراءة الحدر: وهو إدراج القراءة وسرعتها، ولابد فيه من مراعاة أحكام التجويد، ومن المدّ والتشديد، والقطع، والوصل؛ وليحذر فيه من بتر حرف المد وذهاب الغنة. فإن حصل إخلال باللفظ في هذه القراءة فهي حرام؛ لأنها تغيير للقرآن (¬4). الأدب العاشر: إذا مرَّ القارئ بآية رحمة سأل الله من فضله، وإذا مر بآية عذاب استعاذ بالله تعالى، وإذا مرّ بآية فيها سؤال سأل؛ لحديث ¬

(¬1) البخاري، كتاب فضائل القرآن، باب تأليف القرآن، برقم 4996، ورقم 5053. (¬2) مسلم، برقم 276 - (722)، وتقدم. (¬3) مسلم، برقم275 - (722) وتقدم. (¬4) انظر: مجالس شهر رمضان، للعثيمين، ص153.

الأدب الحادي عشر: يقرأ القرآن على ترتيب المصحف، فيقرأ الفاتحة

حذيفة - رضي الله عنه -، قال صليت مع النبي - صلى الله عليه وسلم - ذات ليلة فافتتح البقرة، فقلت يركع عند المائة، ثم مضى يصلي، فقلت: يصلي بها في ركعة، فمضى فقلت: يركع بها، ثم افتتح النساء فقرأها، ثم افتتح آل عمران فقرأها، يقرأ مترسلاً، إذا مرَّ بآية تسبيح سبح، وإذا مرَّ بسؤال سأل، وإذا مرّ بتعوذ تعوّذ ... )) (¬1). الأدب الحادي عشر: يقرأ القرآن على ترتيب المصحف، فيقرأ الفاتحة، ثم البقرة، ثم آل عمران، ثم ما بعدها على الترتيب، إلا فيما ورد الشرع باستثنائه، كصلاة الصبح يوم الجمعة؛ فإن الأفضل أن يقرأ في الأولى سورة السجدة، وفي الثانية سورة الإنسان، وفي صلاة العيد: في الأولى (ق)، والثانية (اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ)، وركعتي سنة الفجر، في الأولى: (قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ)، وفي الثانية (قُلْ هُوَ الله أَحَد)، وكذلك من السنة قراءة هاتين السورتين في ركعتي الطواف، وفي السنة الراتبة لصلاة المغرب بعدها، وكذلك ركعات الوتر: في الأولى: (سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى)، وفي الثانية: (قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ)، وفي الثالثة: (قُلْ هُوَ الله أَحَدٌ)، ولو خالف الترتيب فقرأ سورة لا تلي الأولى، أو قرأ سورة قبلها جاز، ولكن الأفضل القراءة على ترتيب المصحف، أما القراءة في الصلوات الخمس؛ فإن الأفضل أن لا يقرأ القرآن من أوله إلى آخره على ترتيب المصحف، بل يعمل بسنة النبي - صلى الله عليه وسلم - من قوله وفعله (¬2). ¬

(¬1) مسلم، برقم 772، وتقدم تخريجه في التدبر للقرآن. (¬2) سمعت هذا المعنى من شيخنا عبد العزيز بن باز رحمه الله. وانظر: المغني لابن قدامة، 2/ 280، بدائع الفوائد لابن القيم، 3/ 989، وصلاة المؤمن للمؤلف، 1/ 196 - 200.

الأدب الثاني عشر: يجهر بالقرآن ما لم يتأذ أحد بصوته:

وأما قراءة السورة من آخرها إلى أولها فممنوع منعاً مؤكداً؛ فإنه يذهب بعض ضروب الإعجاز، ويزيل حكمة ترتيب الآيات. قال الإمام النووي رحمه الله: ((وروى ابن أبي داود عن الحسن: أنه كان يكره مخالفة ترتيب المصحف، وبإسناد صحيح عن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه -، أنه قيل له: ((إن فلاناً يقرأ القرآن منكوساً؟ فقال: ((ذلك منكوس القلب)) (¬1). وأما تعليم الصبيان من آخر المصحف إلى أوله فحسن ليس من هذا الباب؛ فإن ذلك قراءة متفاصلة في أيام متعددة، مع ما فيه من تسهيل الحفظ عليهم، والله أعلم (¬2). الأدب الثاني عشر: يجهر بالقرآن ما لم يتأذَّ أحد بصوته: دلت الأحاديث في تحسين الصوت بالقرآن، وفي الترتيل والترنيم بالقرآن، والتغني به على استحباب رفع الصوت والجهر بالقرآن، كما دلت أحاديث أخرى على الحث على الإسرار بالقرآن؛ فكانت الأحاديث في ذلك على نوعين: النوع الأول: استحباب الجهر برفع الصوت بالقرآن: جاء في هذا النوع من الأحاديث المذكورة آنفاً في الأمر بتزيين الصوت بالقرآن وتحسينه، كقوله - صلى الله عليه وسلم -: ((ما أذن الله لشيء ما أذن لنبي حسن الصوت يتغنى بالقرآن يجهر به)) (¬3)، وقول النبي - صلى الله عليه وسلم - لأبي موسى: ¬

(¬1) التبيان في آداب حملة القرآن، للنووي، ص79. (¬2) انظر: المرجع السابق، ص79. (¬3) متفق عليه: البخاري، برقم 5053، ومسلم، برقم 792، وتقدم في الأدب الثامن: تحسين الصوت بالقرآن.

((لقد رأيتني وأنا أستمع لقراءتك البارحة؟ لقد أوتيت مزماراً من مزامير آل داود)) (¬1)،وقوله - صلى الله عليه وسلم -: ((زينوا القرآن بأصواتكم)) (¬2).وغير ذلك مما تقدم في الترغيب في تحسين الصوت بالقراءة، وعن أبي موسى - رضي الله عنه -،قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((إني لأعرف أصوات رُفقة الأشعريين بالقرآن حين يدخلون بالليل وإن كنت لم أرَ منازلهم حين نزلوا بالنهار ... )) (¬3). وسمعت شيخنا ابن باز رحمه الله يقول: ((كان لهم أصوات حسنة بالقرآن - رضي الله عنهم -)) (¬4). وعن عائشة رضي الله عنها قالت: أبطأتُ على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليلة بعد العشاء، ثم جئتُ فقال: ((أين كنتِ؟))، قلت: كنت أستمع قراءة رجل من أصحابك لم أسمع مثل قراءته وصوته من أحدٍ، قالت: فقام وقمت معه حتى استمع له، ثم التفت إليَّ فقال: ((هذا سالم مولى أبي حذيفة، الحمد لله الذي جعل في أمتي مثل هذا)) (¬5). وعن جابر رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((إن من أحسن الناس ¬

(¬1) متفق عليه: البخاري برقم 5048، ومسلم، برقم 793. وتقدم في الأدب الثامن. (¬2) أبو داود، برقم 468، والنسائي، برقم 1016، وصححه الألباني في صحيح أبي داود، 1/ 404، وتقدم في الأدب الثامن. (¬3) متفق عليه: البخاري، كتاب المغازي، باب غزوة خيبر، برقم 4232، ومسلم، كتاب فضائل الصحابة، باب من فضائل الأشعريين - رضي الله عنهم -، برقم 2499. (¬4) سمعته أثناء تقريره على صحيح البخاري، الحديث رقم 4232. (¬5) ابن ماجه، كتاب إقامة الصلوات، بابٌ في حسن الصوت بالقرآن، برقم 1338، وصححه الألباني في صحيح ابن ماجه، 1/ 398.

النوع الثاني: الجهر بالقراءة وإخفاؤها

صوتاً بالقرآن الذي إذا سمعتموه يقرأ حسبتموه يخشى الله)) (¬1). وفي إثبات الجهر بالقرآن أحاديث كثيرة. النوع الثاني: الجهر بالقراءة وإخفاؤها: جاء في ذلك أحاديث منها حديث عقبة بن عامر الجهني - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((الجاهر بالقرآن كالجاهر بالصدقة، والمسر بالقرآن كالمسر بالصدقة)) (¬2). وعن أبي سعيد - رضي الله عنه -، قال: اعتكف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في المسجد فسمعهم يجهرون بالقراءة، فكشف الستر وقال: ((ألا إن كُلَّكم مناجٍ ربَّه فلا يؤذينَّ بعضكم بعضاً ولا يرفع بعضكم على بعض في القراءة))،أو قال: ((في الصلاة)) (¬3). فعلى هذا دلت الأحاديث على النوعين: فجاءت الأحاديث في النوع الأول باستحباب رفع الصوت بالقراءة، والآثار في ذلك عن الصحابة والتابعين: من أقوالهم، وأفعالهم فأكثر من أن تُحصر، وأشهر من أن تُذكر (¬4). ¬

(¬1) ابن ماجه، كتاب إقامة الصلاة، بابٌ في حسن الصوت بالقرآن، برقم 1339، وصححه الألباني، في صحيح ابن ماجه، 1/ 398. (¬2) أبو داود، كتاب الصلاة، باب في رفع الصوت بالقراءة في صلاة الليل، برقم 1333، والترمذي، كتاب ثواب القرآن، باب حدثنا محمود بن غيلان، برقم 2919، والنسائي، كتاب الزكاة، باب المسر بالصدقة، برقم 2561،وصححه الألباني، في صحيح سنن أبي داود، 1/ 365،وفي صحيح سنن الترمذي،3/ 166،وفي غيرهما. (¬3) أبو داود، كتاب الصلاة، باب في رفع الصوت بالقراءة في صلاة الليل، برقم 1332. (¬4) انظر: التبيان للإمام النووي، ص86.

وجاء في النوع الثاني أحاديث وآثار تدل على استحباب الإسرار وخفض الصوت بالقراءة. والجمع بين هذين النوعين أن القارئ إذا خاف الرياء، أو السمعة، أو يتأذَّى مصلون، أو نيام بجهره، أو خاف إعجاباً، أو يلبَّس على من يقرأ أو غير ذلك من أنواع القبائح فالإسرار بالقراءة والإخفاء بها أفضل. أما من لم يخفْ شيئاً من ذلك فالجهر بالقراءة له أفضل، ويستحب له ذلك؛ لأن العمل في الجهر أكثر؛ ولأن فائدته تتعدَّى للسامعين؛ ولأنه يوقظ قلب القارئ، ويجمع همه إلى الفكر، ويصرف سمعه إلى التدبر، ويطرد النوم ويزيد في النشاط، ويطرد الشيطان، فإن كانت القراءة بحضور من يستمع إليه، تأكد استحباب الجهر (¬1). قلت: ويدل على هذا الجمع حديث عبد الله بن أبي قيس رحمه الله عن عائشة رضي الله عنها أنه سألها في حديث طويل، وفيه أنه سألها عن قراءة النبي - صلى الله عليه وسلم -، فقال: ... فقلت: كيف كانت قراءته: أكان يسر بالقراءة أم يجهر؟ قالت: ((كل ذلك قد كان يفعل: قد كان ربما أسر، وربما جهر))، قال: فقلت: الحمد لله الذي جعل في الأمر سعةً ... )) (¬2). ¬

(¬1) انظر: التبيان في آداب حملة القرآن، للنووي، ص2 - 87، وآداب تلاوة القرآن وتأليفه للحافظ جلال الدين السيوطي المتوفى 911هـ، المطبوع مع أخلاق حملة القرآن لمحمد بن الحسين الآجري، المتوفى، 360هـ، ص110. (¬2) الترمذي، كتاب الصلاة، باب ما جاء في قراءة الليل، برقم 449، وفي كتاب ثواب القرآن، باب ما جاء كيف كانت قراءة النبي - صلى الله عليه وسلم -، برقم 2924، وأبو داود، كتاب الصلاة، باب في وتر النبي - صلى الله عليه وسلم -، برقم 1437، والنسائي، صلاة الليل، باب كيف القراءة بالليل، برقم 1662، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود، 1/ 395، وفي صحيح سنن الترمذي، 3/ 168، وفي غيرهما. وانظر: أحاديث في الباب: صحيح سنن أبي داود، برقم 1327 - 1333.

الأدب الثالث عشر: يستحب للقارئ في غير الصلاة استقبال القبلة

وعن أبي قتادة - رضي الله عنه -، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لأبي بكر: ((يا أبا بكر مررت بك وأنت تصلّي تخفض صوتك؟))، قال: قد أسمعت من ناجيتُ يا رسول الله!، قال: ((ارفع قليلاً))، وقال لعمر: ((مررت بك وأنت تصلِّي رافعاً صوتك؟))، قال: يا رسول الله أُوقظ الوسنان (¬1)، وأطرد الشيطان! قال: ((اخفض قليلاً)) (¬2). الأدب الثالث عشر: يُستحب للقارئ في غير الصلاة استقبال القبلة؛ لحديث أبي هريرة - رضي الله عنه -، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((إن لكل شيء سيداً، وإن سيد المجالس قبالة القبلة)) (¬3). ولو قرأ قائماً، أو جالساً، أو راكباً، أو مضطجعاً، أو في فراشه جاز له ذلك ولا حرج (¬4)،قال الله تعالى: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لِّأُوْلِي الألْبَاب * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ الله قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىَ ¬

(¬1) الوسنان: النائم الذي ليس بمستغرق في نومه. [النهاية، 5/ 186]. (¬2) أبو داود، كتاب الصلاة، باب رفع الصوت بالقراءة في الصلاة، برقم 1329، والترمذي كتاب الصلاة، باب ما جاء في القراءة بالليل، برقم 447، وصححه الألباني في صحيح الترمذي، 1/ 254، وفي صحيح سنن أبي داود، 1/ 364. (¬3) الطبراني في الأوسط، [مجمع البحرين، 5/ 278، برقم 3062]، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد، 8/ 59: ((رواه الطبراني في الأوسط، وإسناده حسن))، وحسنه الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة، 6/ 300، برقم 2645، وفي صحيح الترغيب والترهيب، 3/ 107، برقم 3085. (¬4) انظر: التبيان في آداب حملة القرآن للنووي، ص63.

جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ ... } الآيات (¬1). وقد كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يقرأ القرآن في حجر عائشة، قالت رضي الله عنها: ((كان يتكئ في حجري (¬2) وأنا حائض، ثم يقرأ القرآن)) (¬3). وقد كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يذكر الله على كل أحيانه، وثبت عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه كان يقرأ القرآن على راحلته؛ لحديث عبد الله بن مغفل - رضي الله عنه - قال: رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم فتح مكة على ناقته وهو يقرأ سورة الفتح يُرجِّع، وقال: لولا أن يجتمع الناس حولي لرجَّعت كما يرجِّع)) (¬4). وقد قال معاذ - رضي الله عنه - لأبي موسى: ((كيف تقرأ القرآن؟ قال: قائماً وقاعداً، وعلى راحلتي، وأتفوّقه تفوَّقاً)) (¬5). وسمعت شيخنا ابن باز رحمه الله يقول في تقريره على حديث عبد الله بن مغفل في قراءة النبي - صلى الله عليه وسلم - سورة الفتح على راحلته، قال: ((وهذا يدل على أن المسلم يقرأ القرآن أينما كان إلا في الحمام: فيقرأ على دابته، وعلى سيارته، ¬

(¬1) سورة آل عمران، الآيات: 190 - 191. (¬2) حجري: الحجر: الثوب والحِضْن، وحَجْر الإنسان وحِجْرُه – بالفتح والكسر -: حِضْنُهُ .. [النهاية في غريب الحديث، 1/ 342، ولسان العرب، 4/ 166]. (¬3) متفق عليه: البخاري، كتاب الحيض، باب قراءة الرجل في حجر امرأته وهي حائض، برقم 297، وبرقم 75492، ومسلم، كتاب الحيض، باب جواز غسل الحائض رأس زوجها وترجيله، وطهارة سؤرها والاتكاء في حجرها وقراءة القرآن فيه، برقم 301. (¬4) متفق عليه: البخاري، برقم 4281، ومسلم، برقم 794، وتقدم تخريجه. (¬5) متفق عليه: البخاري، برقم 4341 - 4345،ومسلم، برقم 1733، وتقدم تخريجه.

الأدب الرابع عشر: حسن الاستماع من المستمع للقرآن

وفي فراشه)) (¬1). الأدب الرابع عشر: حسن الاستماع من المستمع للقرآن، ينبغي للمستمع لتلاوة القرآن من غيره: أن يُنْصِت، ويحسن الاستماع: سواء كان ذلك من القارئ المُشَاهَد، أو من الإذاعة، أو غير ذلك، ويتأدَّب كذلك بالآداب السابقة، وقد نُقل عن الليث بن سعد رحمه الله، أنه قال: ((يقال: ما الرحمة إلى أحدٍ بأسرع منها إلى مستمع القرآن؛ لقول الله تعالى: {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُواْ لَهُ وَأَنصِتُواْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُون} (¬2) ولعلَّ من الله واجبة)) (¬3). فإذا كان هذا الثواب لمستمع القرآن، فكيف بتاليه؟ (¬4). الأدب الخامس عشر: سجود تلاوة القرآن الكريم للقارئ والمستمع: 1 - فضل سجود التلاوة عظيم؛ لحديث أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((إذا قرأ ابن آدم السجدة فسجد اعتزل الشيطان يبكي يقول: يا ويله [وفي رواية يا ويلي] أُمر ابن آدم بالسجود فسجد فله الجنة، وأُمرت بالسجود فأبيت فلي النار)) (¬5)، وهذا الحديث فيه الحث على ¬

(¬1) سمعته أثناء تقريره على صحيح البخاري، الحديث رقم 5034. (¬2) سورة الأعراف، الآية: 204. (¬3) الرعاية، لمكي بن أبي طالب القيسي، ص52،دار الكتب العربية بدمشق، وانظر: التذكار في أفضل الأذكار، للعلامة محمد بن أحمد القرطبي، المتوفى 671هـ، ص126. (¬4) انظر: المرجع السابق، ص126. (¬5) مسلم، كتاب الإيمان، باب إطلاق اسم الكفر على من ترك الصلاة، برقم 81.

2 - سجود التلاوة سنة مؤكدة على الصحيح للتالي والمستمع

سجود التلاوة والترغيب فيه. 2 - سجود التلاوة سنة مؤكدة على الصحيح للتالي والمستمع (¬1)؛ لحديث عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - قال: قرأ النبي - صلى الله عليه وسلم - النجم بمكة فسجد بها فما بقي أحد من القوم إلا سجد، غير شيخ أخذ كفَّاً من حصى أو تراب ورفعه إلى جبهته [فسجد عليه] وقال يكفيني هذا، فرأيته بعد ذلك قُتِلَ كافراً [وهو أمية بن خلف]))، وفي رواية: ((أول سورة أنزلت فيها سجدة {وَالنَّجْمِ}، فسجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وسجد من خلفه ... )) الحديث (¬2). ¬

(¬1) اختلف العلماء رحمهم الله في حكم سجود التلاوة: فذهب أبو حنيفة وأصحابه ومن وافقهم إلى أن سجود التلاوة واجب؛ لقول الله تعالى: {فَمَا لَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ * وَإِذَا قُرِئَ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنُ لا يَسْجُدُونَ} [سورة الانشقاق، الآيتان: 20، 21]، وقالوا: هذا ذم ولا يذم إلا على ترك واجب؛ ولأنه سجود يفعل في الصلاة فكان واجباً كسجود الصلاة، واختار هذا القول شيخ الإسلام ابن تيمية في الفتاوى، 23/ 152 - 162 وقيل: هو رواية عن الإمام أحمد، انظر: الإنصاف مع المقنع والشرح الكبير، 4/ 210. وذهب الإمام أحمد، والإمام مالك، والإمام الشافعي، وهو قول عمر بن الخطاب وابنه عبد الله رضي الله عنهما إلى أن سجود التلاوة ليس بواجب بل سنة مؤكدة. انظر: شرح النووي على صحيح مسلم، 2/ 431، و5/ 78، والمغني لابن قدامة، 3/ 364. وسمعت الإمام عبد العزيز بن عبد الله ابن باز أثناء تقريره على بلوغ المرام، على الحديث رقم 362، يقول: (( ... وهو سنة مؤكدة لفعله - صلى الله عليه وسلم -)). (¬2) متفق عليه: البخاري واللفظ له. كتاب سجود القرآن، باب ما جاء في سجود القرآن وسنتها، برقم 1067،وبرقم 1070،وفي كتاب مناقب الأنصار، باب ما لقي النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه من المشركين بمكة، برقم 3853، والمغازي، باب قتل أبي جهل، برقم 3972، وكتاب التفسير سورة والنجم، باب {فَاسْجُدُوا لله وَاعْبُدُوا}، برقم 4863، والألفاظ جمعت بينها من بعض هذه الروايات. وأخرجه مسلم، في كتاب المساجد، باب سجود التلاوة، برقم 576.

وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: ((سجد النبي - صلى الله عليه وسلم -[بالنجم]، وسجد معه المسلمون، والمشركون، والجن، والإنس)) (¬1). وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: ((كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يقرأ علينا السورة فيها السجدة فيسجد ونسجد معه، فنزدحم حتى ما يجد أحدنا لجبهته موضعاً يسجد عليه)) ولفظ مسلم: ((أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يقرأ القرآن، فيقرأ سورة فيها سجدة ونسجد معه ... )) الحديث (¬2). وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: سجدنا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - في {إِذَا السَّمَاءُ انشَقَّتْ}، و {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ} (¬3). وهذه الأحاديث تدل على أهمية سجود التلاوة ومشروعيته المؤكدة وعناية النبي - صلى الله عليه وسلم - به، ولكن دلت الأدلة الأخرى على عدم الوجوب، فقد ثبت أن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - قرأ يوم الجمعة على المنبر بسورة النحل حتى إذا جاء السجدة نزل فسجد وسجد الناس، حتى إذا كانت الجمعة القابلة قرأ بها حتى إذا جاء السجدة قال: ((يا أيها الناس إنما نمر بالسجود فمن سجد فقد أصاب، ومن لم يسجد فلا إثم عليه)) ولم يسجد عمر - رضي الله عنه - ¬

(¬1) البخاري، كتاب سجود القرآن، باب ما جاء في سجود القرآن وسنتها، برقم 1071،وكتاب التفسير، سورة النجم، باب {فَاسْجُدُوا لله وَاعْبُدُوا}، برقم 4862. (¬2) متفق عليه: البخاري، كتاب سجود القرآن، باب من سجد لسجود القارئ، برقم1075، وباب ازدحام الناس إذا قرأ الإمام السجدة، برقم 1076، وباب من لم يجد موضعاً للسجود مع الإمام مع الزحام، برقم 1079، ومسلم، كتاب المساجد، باب سجود التلاوة، برقم 575. (¬3) مسلم، كتاب المساجد، باب سجود التلاوة، برقم 108 - (578).

3 - سجود المستمع إذا سجد القارئ، وإذا لم يسجد لم يسجد

وفي لفظ: ((إن الله لم يفرض علينا السجود إلا أن نشاء)) (¬1). ومن أوضح الأدلة على أن سجود التلاوة سنة مؤكدة وليس بواجب حديث زيد بن ثابت - رضي الله عنه - قال: ((قرأت على النبي - صلى الله عليه وسلم - {وَالنَّجْمِ} فلم يسجد فيها)) (¬2). ورجّح الإمام النووي والحافظ ابن حجر، وابن قدامة - رحمهم الله - أن حديث زيد بن ثابت هذا محمول على بيان جواز عدم السجود، وأنه سنة مؤكدة وليس بواجب؛ لأنه لو كان واجباً لأمره بالسجود ولو بعد ذلك (¬3)، وقال الحافظ ابن حجر: ((وأقوى الأدلة على نفي الوجوب حديث عمر المذكور في هذا الباب)) (¬4)، وتعقبه الإمام عبد العزيز ابن باز - رحمه الله -فبين ((أن أقوى منه وأوضح في الدلالة على عدم وجوب سجود التلاوة: قراءة زيد بن ثابت على النبي - صلى الله عليه وسلم - سورة النجم فلم يسجد فيها، ولم يأمره النبي - صلى الله عليه وسلم - بالسجود، ولو كان واجباً لأمره به)) (¬5). 3 - سجود المستمع إذا سجد القارئ، وإذا لم يسجد لم يسجد؛ ¬

(¬1) البخاري، كتاب سجود القرآن، باب من رأى أن الله - عز وجل - لم يوجب السجود، برقم 1077. (¬2) متفق عليه: البخاري، كتاب سجود القرآن، باب من قرأ السجدة ولم يسجد، برقم 1072، 1073 ومسلم، كتاب المساجد، باب سجود التلاوة، برقم 577. (¬3) انظر: شرح النووي على صحيح مسلم، 5/ 81، والمغني لابن قدامة، 2/ 365، وفتح الباري لابن حجر، 2/ 555. (¬4) فتح الباري، 2/ 558. (¬5) حاشية الإمام عبد العزيز بن عبد الله ابن باز على فتح الباري لابن حجر، 2/ 558.

لحديث ابن عمر رضي الله عنهما قال: ((كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يقرأ علينا السورة فيها السجدة فيسجد ونسجد معه فنزدحم حتى ما يجد أحدنا لجبهته موضعاً يسجد عليه)) (¬1)، وقال ابن مسعود - رضي الله عنه - لتميم بن حَذْلم - وهو غلام - فقرأ عليه سجدة فقال: ((اسجد فأنت إمامنا فيها)) (¬2)، فالمستمع الذي ينصت للقارئ ويتابعه في الاستماع يسجد مع القارئ إذا سجد وإذا لم يسجد فلا (¬3). أما السامع الذي لا يقصد سماع القرآن وإنما مرَّ فسمع القراءة وسجد القارئ، فإنه لا يلزمه السجود، قيل لعمران بن حصين - رضي الله عنه -: الرجل يسمع السجدة ولم يجلس لها، قال: ((أرأيت لو قعد لها؟)) كأنه لا يوجبه عليه (¬4). وقال سلمان الفارسي - رضي الله عنه -: ((ما لهذا غدونا)) (¬5)، وقال عثمان ¬

(¬1) متفق عليه: البخاري، برقم 1075، ومسلم، برقم 575، وتقدم تخريجه. (¬2) البخاري، كتاب سجود القرآن، باب من سجد لسجود القارئ، رقم الباب 8، قبل الحديث رقم1075، قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري،2/ 556: ((وصله سعيد بن منصور)). (¬3) انظر: فتح الباري لابن حجر، 2/ 558، والمغني لابن قدامة، 2/ 366، والشرح الممتع لابن عثيمين، 4/ 131. (¬4) البخاري معلقاً، كتاب سجود القرآن، باب من رأى أن الله - عز وجل - لم يوجب السجود، قبل الحديث رقم 1087، وذكر الحافظ ابن حجر في فتح الباري أنه وصله ابن أبي شيبة بمعناه، ثم صحح إسناده ابن حجر في الفتح، 2/ 558. (¬5) أخرجه البخاري معلقاً في الكتاب والباب السابقين، وذكر ابن حجر أنه طرف من أثر وصله عبد الرزاق قال: مرَّ سلمان على قوم قعود فقرؤوا السجدة فسجدوا، فقيل له فقال: ((ليس لهذا غدونا))، قال الحافظ في الفتح، 2/ 558: ((وإسناده صحيح)).

4 - عدد سجدات القرآن ومواضعها، خمس عشرة سجدة

- رضي الله عنه -: ((إنما السجدة على من استمعها)) (¬1)، وأما المستمع بقصدٍ فقال ابن بطال: ((وأجمعوا على أن القارئ إذا سجد لزم المستمع أن يسجد)) (¬2). فقد فرَّق بعض العلماء بين السامع والمستمع بما دلت عليه هذه الآثار (¬3). 4 - عدد سجدات القرآن ومواضعها، خمس عشرة سجدة (¬4) في المواضع الآتية: الموضع الأول: آخر سورة الأعراف، عند قوله تعالى: {وَلَهُ يَسْجُدُونَ} (¬5). الموضع الثاني: في الرعد عند قوله تعالى: {وَظِلالُهُم بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ} (¬6). ¬

(¬1) البخاري معلقاً في الكتاب والباب السابقين، وذكر الحافظ في الفتح، 2/ 558 أن عبد الرزاق وصله، وابن أبي شيبة قال: والطريقان صحيحان. (¬2) فتح الباري، لابن حجر، 2/ 556،وانظر: نيل الأوطار للشوكاني، 2/ 309. (¬3) انظر: فتح الباري، لابن حجر، 2/ 558، وقال الإمام النووي - رحمه الله - في حكم سجود التلاوة للسامع: ((وهو سنة للقارئ والمستمع له، ويستحب أيضاً للسامع الذي لا يسمع لكن لا يتأكد في حقه تأكده في حق المستمع المصغي))، شرح النووي على صحيح مسلم، 5/ 78. (¬4) اختلف العلماء في عدد سجدات التلاوة: فقيل: خمس عشرة سجدة، وهو رواية عن الإمام أحمد وبعض أصحاب الشافعي وهو الصواب. وقيل: أربع عشرة سجدة وهو المشهور في مذهب الإمام أحمد، وهو رواية عن الشافعي وأبي حنيفة، لكن الحنابلة أسقطوا سجدة ص، والأحناف أسقطوا السجدة الثانية من الحج، وقيل: إحدى عشرة سجدة، وهو رواية عن الإمام مالك ومن تبعه. انظر: شرح النووي على صحيح مسلم، 5/ 81، والمغني لابن قدامة، 2/ 352، والمقنع والشرح الكبير ومعهما الإنصاف، 4/ 220، والشرح الممتع، لابن عثيمين، 4/ 134. (¬5) سورة الأعراف، الآية: 206. (¬6) سورة الرعد، الآية: 15.

الموضع الثالث: في النحل عند قوله تعالى: {وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} (¬1). الموضع الرابع: في الإسراء عند قوله تعالى: {وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا} (¬2). الموضع الخامس: في سورة مريم عند قوله: {خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا} (¬3). الموضع السادس: في سورة الحج عند قوله تعالى: {إِنَّ الله يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ} (¬4). الموضع السابع: في سورة الحج عند قوله تعالى: {وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} (¬5). الموضع الثامن: في سورة الفرقان عند قوله تعالى: {وَزَادَهُمْ نُفُورًا} (¬6). الموضع التاسع: في سورة النمل، عند قوله تعالى: {رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ} (¬7). الموضع العاشر: في سورة {الم} السجدة، عند قوله تعالى: {وَهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ} (¬8). ¬

(¬1) سورة النحل، الآية: 50. (¬2) سورة الإسراء، الآية: 109. (¬3) سورة مريم، الآية: 58. (¬4) سورة الحج، الآية: 18. (¬5) سورة الحج، الآية، 77. (¬6) سورة الفرقان، الآية: 60. (¬7) سورة النمل، الآية: 26. (¬8) سورة السجدة، الآية: 15.

الموضع الحادي عشر: في سورة ص، عند قوله: {وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ} (¬1). الموضع الثاني عشر: في سورة فصلت، عند قوله تعالى: {وَهُمْ لا يَسْأَمُونَ} (¬2). وهذا قول الجمهور من العلماء، وقال الإمام مالك - رحمه الله - وطائفة من السلف، بل عند قوله تعالى: {إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ} (¬3). الموضع الثالث عشر: في آخر سورة النجم، عند قوله تعالى: {فَاسْجُدُوا لله وَاعْبُدُوا} (¬4). الموضع الرابع عشر: في سورة الانشقاق عند قوله تعالى: {وَإِذَا قُرِئَ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنُ لا يَسْجُدُونَ} (¬5). الموضع الخامس عشر: في آخر سورة العلق عند قوله تعالى: {وَاسْجُدْ ¬

(¬1) سورة ص الآية:24، وسجدة ص ثبت بها الحديث عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: ((ليس (ص) من عزائم السجود، وقد رأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - يسجد فيها))، [صحيح البخاري، كتاب سجود القرآن، باب سجدة ص، برقم 1061، وكتاب أحاديث الأنبياء، باب {وَاذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُودَ ذَا الأَيْدِ إِنَّهُ أَوَّابٌ}، برقم 3422] ومعنى ص ليس من عزائم السجود: ((أي ما وردت العزيمة على فعله كصيغة الأمر مثلاً، بناء على أن بعض المندوبات آكد من بعض عند من لا يقول بالوجوب))، فتح الباري لابن حجر، 2/ 552.وسمعت الإمام عبد العزيز بن عبد الله ابن باز-رحمه الله- أثناء تقريره على بلوغ المرام، الحديث رقم 363 يقول: ((هذا الحديث يدل على ثبوت سجدة ((ص))،والصواب أنه يُسجد بها في الصلاة وخارجها، أما ما قاله ابن عباس رضي الله عنهما فهو من اجتهاده، وقد دل على سجدة ((ص)) فعل النبي - صلى الله عليه وسلم - وكفى)). (¬2) سورة فصلت، الآية: 38. (¬3) سورة فصلت، الآية: 37. (¬4) سورة النجم، الآية: 62. (¬5) سورة الانشقاق، الآية: 21.

5 - سجود التلاوة في الصلاة الجهرية ثابت

وَاقْتَرِبْ} (¬1). وسجدتا سورة الحج جاء فيهما خبر خالد بن معدان - رضي الله عنه - قال: ((فضلت سورة الحج بسجدتين)) (¬2)، وجاء في خبر عقبة بن عامر، وزاد: ((فمن لم يسجدهما فلا يقرأهما)) (¬3). 5 - سجود التلاوة في الصلاة الجهرية ثابت؛ لحديث أبي هريرة - رضي الله عنه - أنه صلى بأصحابه صلاة العشاء فقرأ: {إِذَا السَّمَاءُ انشَقَّتْ} فسجد، فقيل له: ما هذه؟ قال: ((سجدت فيها خلف أبي القاسم - صلى الله عليه وسلم -، فلا أزال أسجد فيها حتى ألقاه)) (¬4). 6 - صفة سجود التلاوة، من قرأ آية سجدة أو كان يستمع لها، فإنه ¬

(¬1) سورة العلق، الآية: 19. (¬2) ذكره الحافظ في بلوغ المرام، برقم 366، وعزاه إلى أبي داود في المراسيل، وسمعت سماحة العلامة ابن باز - رحمه الله - يقول أثناء تقريره على هذا الخبر: ((لا بأس بإسناده عند أبي داود، وأيد ذلك ما بعده)). (¬3) الترمذي، كتاب الجمعة، باب ما جاء في السجدة في الحج، برقم 578، قال الترمذي: ليس إسناده بذاك القوي. وأخرجه أبو داود، كتاب سجود القرآن، باب تفريع أبواب السجود، برقم 1402، والحديث حسنه الألباني في صحيح سنن أبي داود، 1/ 388، وفي صحيح الترمذي، 1/ 319 وضعف الحافظ ابن حجر إسناده في البلوغ، وسمعت الإمام عبد العزيز ابن باز - رحمه الله - يقول: ((يُعضد بالمرسل قبله، وابن كثير أنكر تضعيفه؛ لأن ابن لهيعة صرح بالسماع، والمعروف عند العلماء ضعف ابن لهيعة مطلقاً، لكن يعضد حديثه مرسل أبي داود، فيرفع الحديث إلى درجة الحسن المقبول الذي يحتج به)). وقال: ((عدد السجدات خمس عشرة سجدة: ثلاث في المفصل: النجم والانشقاق، والعلق، وسجدتان في الحج، وعشر مجمع عليها، والصواب سنية الجميع))، سمعت ذلك من سماحته أثناء تقريره على بلوغ المرام، الحديث رقم 366، 367. (¬4) متفق عليه: البخاري، كتاب الأذان، باب الجهر في العشاء، برقم 766، وباب القراءة في العشاء بالسجدة، برقم 678، ومسلم، كتاب المساجد، باب سجود التلاوة، برقم 578.

يستحب له أن يستقبل القبلة ويكبر، ويسجد ثم يقول دعاء السجود، ثم يرفع من السجود بدون تكبير، ولا تشهد، ولا سلام (¬1)؛لحديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: ((كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقرأ علينا القرآن، فإذا مرَّ بالسجدة كبَّر وسجد وسجدنا معه)) (¬2). وإذا كان سجود التلاوة في ¬

(¬1) اختلف أهل العلم هل يشترط لسجود التلاوة ما يشترط لصلاة النفل: من الطهارة من الحدث والنجس، وستر العورة، واستقبال القبلة أم لا يشترط ذلك؟ رجح الإمام النووي أنه يشترط ذلك، ورجح الإمام شيخ الإسلام ابن تيمية أن ذلك لا يشترط كما كان ابن عمر يفعل، [صحيح البخاري في كتاب سجود القرآن، باب سجود المشركين مع المسلمين رقم الباب 5]، لكن قال: ((هي بشروط الصلاة أفضل ولا ينبغي أن يخل بذلك إلا بعذر))،انظر: شرح النووي على صحيح مسلم،5/ 82، وفتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية، 23/ 165 - 170 ورجح عدم الاشتراط ابن القيم في تهذيب السنن،1/ 53 - 56، وسمعت سماحة الإمام عبد العزيز ابن باز - رحمه الله - يرجح أن الطهارة لسجود التلاوة لا تجب وإن كان ذلك خلاف ما عليه الجمهور، لأنها مستحبة لأسباب تقع في القراءة، والقراءة لا تجب لها الطهارة، فما كان من توابع القراءة فكذلك وقول الجمهور ليس بحجة فلا تلزم موافقتهم بغير دليل. سمعته من سماحته - رحمه الله - أثناء تقريره على بلوغ المرام، الحديث رقم 369 عندما سئل هل تشترط الطهارة لسجود التلاوة؟ وانظر للفائدة في معرفة الخلاف: المغني لابن قدامة، 2/ 358، ونيل الأوطار للشوكاني،2/ 313، وقال: ((أما ستر العورة والاستقبال فقيل إنه معتبر اتفاقاً))، وفتح الباري لابن حجر، 2/ 553 - 554، وسبل السلام للصنعاني، 2/ 379، والشرح الممتع لابن عثيمين، 4/ 126، وفتاوى ابن باز، 11/ 406 - 415. (¬2) أبو داود، كتاب سجود القرآن، باب في الرجل يسمع السجدة وهو راكب أو في غير صلاة، برقم 1413، وقال الحافظ ابن حجر في بلوغ المرام: ((إسناده لين))، وضعفه الألباني في إرواء الغليل، برقم 472، وأخرجه الحاكم في المستدرك عن عُبيد الله، 1/ 222، وقال صحيح على شرط الشيخين، ووافقه الذهبي، ولكن الحاكم لم يذكر التكبير في النسخة الموجودة عندي، وسمعت الإمام عبد العزيز بن عبد الله ابن باز – رحمه الله – يقول: ((يتقوى الحديث برواية الحاكم، فتكون التكبيرة عند السجود فقط إلا إذا كان في الصلاة فإنه يكبر مع كل خفض ورفع))، سمعته أثناء تقريره – رحمه الله – على بلوغ المرام، الحديث رقم 369، وهكذا الشوكاني في نيل الأوطار، رأى ثبوته عن عبيد الله المصغر، 2/ 311، والصنعاني في سبل السلام، 2/ 386.

7 - الدعاء في سجود التلاوة

الصلاة، فإنه يكبر حين يسجد وحين ينهض من السجود؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يكبر في الصلاة في كل خفض ورفع (¬1)، وقد قال - صلى الله عليه وسلم -: ((صلوا كما رأيتموني أصلي)) (¬2)، وإذا قرأ السجدة في الصلاة في آخر السورة، فإن شاء ركع، وإن شاء سجد ثم قام فقرأ شيئاً من القرآن ثم ركع، وإن شاء سجد ثم قام فركع من غير قراءة)) (¬3). 7 - الدعاء في سجود التلاوة، يدعو بمثل دعائه في سجود الصلاة، وقد ثبت عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول في سجود القرآن بالليل [يقول في السجدة مراراً] (¬4): ((سجد وجهي للذي خلقه [وصوَّره] (¬5) وشقَّ سمعَه وبصرَه، بحوله وقوته [فتبارك الله أحسن الخالقين] (¬6)) (¬7). وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: جاء رجل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول ¬

(¬1) رجح هذا كله الإمام ابن باز في مجموع فتاوى ومقالات متنوعة،11/ 406 - 410، وانظر: المختارات الجلية من المسائل الفقهية للسعدي، ص49. (¬2) البخاري، برقم 595، وتقدم تخريجه. (¬3) نقله ابن قدامة في المغني، 2/ 369. (¬4) من سنن أبي داود، برقم1414. (¬5) من سنن البيهقي، 2/ 325. (¬6) من المستدرك للحاكم، 1/ 220. (¬7) أبو داود، كتاب سجود القرآن، باب ما يقول إذا سجد، برقم 1414، والترمذي، كتاب الجمعة، باب ما جاء ما يقول في سجود القرآن، برقم 580، والنسائي، كتاب التطبيق، باب نوع آخر، برقم 1129، وأحمد، 6/ 217، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود، 1/ 265.

الأدب السادس عشر: معرفة الابتداء والوقف:

الله، إني رأيت البارحة فيما يرى النائم كأني أصلي إلى أصل شجرة، فقرأت السجدة فسجدْتُ، فسَجَدَتِ الشجرةُ لسجودي، فسمعتها تقول: ((اللهم اكتب لي بها عندك أجراً، وضع عني بها وزراً، واجعلها لي عندك ذخراً، [وتقبَّلْها مني كما تقبَّلْتها من عبدك داود])). قال ابن عباس رضي الله عنهما: ((فرأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - قرأ سجدة ثم سجد، فسمعته يقول في سجوده مثل ما أخبره الرجل عن قول الشجرة)) (¬1). ويشرع في سجود التلاوة ما يشرع في سجود الصلاة (¬2). والصواب أن سجود التلاوة يجوز في الأوقات المنهي عن الصلاة فيها؛ لأنه من ذوات الأسباب (¬3). الأدب السادس عشر: معرفة الابتداء والوقف: ينبغي للقارئ إذا ابتدأ من وسط السورة أو وقف على غير آخرها أن يبتدئ من أول الكلام المرتبط بعضه ببعض وأن يقف على الكلام المرتبط ولا يتقيَّد بالأعشار والأجزاء؛ فإنها قد تكون ¬

(¬1) الترمذي، كتاب الجمعة، باب ما جاء ما يقول في سجود القرآن، برقم 579، وابن ماجه، كتاب إقامة الصلاة، باب سجود القرآن، برقم 1053، وعنده (اللهم احطط) بدلاً من ((اللهم اكتب))،ما بين المعقوفين من سنن الترمذي، وحسنه الألباني في صحيح سنن الترمذي،1/ 180، وصحيح سنن ابن ماجه، 1/ 173. (¬2) مجموع فتاوى ومقالات متنوعة، للإمام عبد العزيز بن باز،11/ 407،وانظر: الشرح الممتع، 4/ 144. (¬3) شرح النووي على صحيح مسلم، 5/ 82، ونيل الأوطار للشوكاني، 2/ 313، ومجموع فتاوى ابن باز، 11/ 291.

في وسط الكلام المرتبط كالجزء الذي في قوله تعالى: {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ} (¬1)، وفي قوله تعالى: {وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي} (¬2)،وفي قوله تعالى: {فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ} (¬3)، وقوله تعالى: {وَمَن يَقْنُتْ مِنكُنَّ لله وَرَسُولِهِ} (¬4)، وفي قوله تعالى: {وَمَا أَنزَلْنَا عَلَى قَوْمِهِ مِن بَعْدِهِ مِنْ جُندٍ مِّنَ السَّمَاء} (¬5)، وفي قوله تعالى: {إِلَيْهِ يُرَدُّ عِلْمُ السَّاعَةِ} (¬6)، وفي قوله تعالى: {وَبَدَا لَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا عَمِلُوا} (¬7)، وفي قوله: {قَالَ فَمَا خَطْبُكُمْ أَيُّهَا الْمُرْسَلُون} (¬8)، كقوله تعالى: {وَاذْكُرُواْ الله فِي أَيَّامٍ مَّعْدُودَاتٍ} (¬9)، وقوله تعالى: {قُلْ أَؤُنَبِّئُكُم بِخَيْرٍ مِّن ذَلِكُمْ} (¬10)؛ فكل هذا وشبهه ينبغي أن لا يبتدأ به ولا يوقف عليه؛ فإنه متعلق بما قبله، ولا يغترنَّ بكثرة ¬

(¬1) سورة النساء، الآية: 24. (¬2) سورة يوسف، الآية: 53. (¬3) سورة النمل، الاية: 65. (¬4) سورة الأحزاب، الآية: 31. (¬5) سورة يس، الآية: 28. (¬6) سورة فصلت، الآية: 47. (¬7) سورة الجاثية، الآية: 33،. (¬8) سورة الذاريات، الآية: 31. (¬9) سورة البقرة، الآية: 203. (¬10) سورة آل عمران، الآية: 15.

الأدب السابع عشر: إلزام النفس بالآداب الجميلة

الغافلين له من القراء الذين لا يراعون هذه الآداب، ولا يفكرون في هذه المعاني؛ وليمتثل ما روى الحاكم أبو عبد الله بإسناده عن الفضيل بن عياض - رضي الله عنه - قال: ((لا تستوحش طرق الهدى لقلة أهلها، ولا تغترنَّ بكثرة الهالكين، ولا يضرك قلة السالكين))؛ ولهذا المعنى قال العلماء: قراءة سورة قصيرة بكاملها أفضل من قراءة بعض سورة طويلة بقدر القصيرة؛ فإنه قد يخفى الارتباط على بعض الناس في بعض الأحوال. وقد روى ابن أبي داود بإسناده عن عبد الله بن أبي الهذيل التابعي المعروف - رضي الله عنه - قال: كانوا يكرهون أن يقرؤوا بعض الآية ويتركوا بعضها)) (¬1). الأدب السابع عشر: إلزام النفس بالآداب الجميلة فأول ذلك أن يخلص في طلبه لله - عز وجل - كما ذكرنا، وأن يأخذ نفسه بقراءة القرآن في ليله ونهاره، في الصلاة وغيرها، وينبغي له أن يكون حامداً لله، ولنعمه شاكراً، وله ذاكراً، وعليه متوكلاً، وبه مستعيناً، وإليه راغباً، وبه معتصماً، وللموت ذاكراً، وله مستعداً، وينبغي له أن يكون خائفاً من ذنبه، راجياً عفو ربه، ويكون الخوف في صحته أغلب عليه، إذ لا يعلم بما يختم له، ويكون الرجاء عند حضور أجله أقوى في نفسه لحسن الظن بالله تعالى، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((لا يموتن ¬

(¬1) التبيان في آداب حملة القرآن، للنووي، ص92 - 93.

أحدكم إلاّ وهو يُحسن الظن بالله تعالى)) (¬1)، أي أنه يرحمه ويغفر له. وينبغي له أن يكون عالماً بأهل زمانه، متحفظاً من سلطانه، ساعياً في خلاص نفسه، [ونجاته]، مقدماً بين يديه ما يقدر عليه من عرض دنياه، مجاهداً لنفسه في ذلك ما استطاع. وينبغي له أن يكون أهم أموره عنده: الورع في دينه، واستعمال تقوى الله تعالى ومراقبته فيما أمر به ونهاه عنه، وقال ابن مسعود: ((ينبغي لقارئ القرآن أن يُعرف بليله إذا الناس نائمون، وبنهاره إذا الناس مفطرون، وببكائه إذا الناس يضحكون، وبصمته إذا الناس يخوضون، وبخشوعه إذا الناس يختالون، وبحزنه إذا الناس يفرحون)) (¬2). وقال عبد الله بن عمرو: ((لا ينبغي لحامل القرآن أن يخوض مع من يخوض، ولا يجهل مع من جهل، ولكن يعفو ويصفح لحق القرآن؛ لأن في جوفه كلام الله تعالى)) (¬3). وينبغي له أن يأخذ نفسه بالتصاون عن طرق الشبهات، ويقل الضحك والكلام في مجالس القرآن وغيرها بما لا فائدة فيه، ويأخذ نفسه بالحلم والوقار. ¬

(¬1) مسلم، كتاب الجنة، باب الأمر بحسن الظن بالله تعالى، برقم 2877. من حديث جابر - رضي الله عنه -. (¬2) رواه ابن أبي شيبة في المصنف، 8/ 305، والبيهقي في شعب الإيمان، برقم 1795. (¬3) ذكره القرطبي في مقدمة تفسيره،1/ 21.

الأدب الثامن عشر: مدة ختم القرآن

وينبغي له أن يتواضع للفقراء، ويتجنب التكبر والإعجاب، ويتجافى عن الدنيا وأبنائها إن خاف على نفسه الفتنة، ويترك الجدال والمراء، ويأخذ نفسه بالرفق والأدب. وينبغي له أن يكون ممن يُؤمن شره، ويُرجى خيره، ويسلم من ضره، وأن لا يسمع ممن نمَّ عنده، ويصاحب من يعاونه على الخير، ويدله على الصدق ومكارم الأخلاق، ويزينه ولا يشينه (¬1). الأدب الثامن عشر: مدة ختم القرآن ختم القرآن نعمة عظيمة كُبرى لمن ابتغى بذلك وجه الله تعالى؛ لأن قراءة الحرف الواحد بحسنة والحسنة بعشر أمثالها؛ لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((من قرأ حرفاً من كتاب الله فله به حسنة والحسنة بعشر أمثالها، لا أقول: (الم) حرف، ولكن ألف حرف، ولام حرف، وميم حرف)) (¬2). وقد عدَّ بعض العلماء حروف القرآن الموجودة في المصحف في القراءة الموجودة، فبلغ عدد حروفه: ((ثلاثمائة ألف حرف وأحد عشر ألف ومئتان وخمسون حرفاً وحرف (311251))) (¬3)، فإذا كان على كل حرف واحد حسنة والحسنة بعشر أمثالها فكم يكون لتالي القرآن من ¬

(¬1) انظر: التذكار في أفضل الأذكار، للقرطبي، 84 - 85. (¬2) الترمذي، برقم: 2910، وصححه الألباني في صحيح الترمذي، 2/ 321، وتقدم تخريجه في فضل تلاوة القرآن الكريم. (¬3) التذكار في أفضل الأذكار، للإمام محمد بن أحمد بن فرح القرطبي الأندلسي، ص23.

الحسنات؟ وهذا فضل الله يؤتيه من يشاء وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم - لأصحابه: ((أيكم يحبُّ أن يغدوَ كل يوم إلى بطحان أو إلى العقيق فيأتي منه بناقتين كوماوين في غير إثم ولا قطيعة رحمٍ؟))، فقال أصحابه: يا رسول الله نحب ذلك!، قال: ((أفلا يغدو أحدكم إلى المسجد فيعلم أو يقرأ آيتين من كتاب الله - عز وجل - خير له من ناقتين، وثلاث خير له من ثلاث، وأربع خير له من أربع ومن أعدادهن من الإبل)) (¬1). وقد ذُكر الاتفاق بين أهل العلم على أن القرآن الموجود بيننا يزيد على ستة آلاف آية ومئتي آية (¬2). وقد ذكر بعض علماء أهل الإسلام عدد آيات القرآن الكريم في المصحف الموجود المقروء بالألسنة: أنها ستة آلاف آية ومئتي آية وآية (¬3) (6201)، فإذا كانت القراءة لكل آية خير من ناقة عظيمة، فكم يكون لتالي القرآن كله من الأجر العظيم؟ ولا شك أن الإبل هي حمْر النعم، التي هي أغلى الأموال عند العرب وقد ثبت عندي أن هناك من الجمال ما يسام باثني عشر مليون [أي اثنا عشر ألف ألف] وبلغني أن هناك أيضاً من الإبل ما سيم بسبعة عشر مليون [أي سبعة عشر ألف ألف] وقراءة آية واحدة خير من واحدة من هذه الإبل العظيمة وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء. ¬

(¬1) مسلم، برقم: 803، وتقدم تخريجه في فضل تعلم القرآن وتعليمه. (¬2) استخراج الجدال من القرآن الكريم، لابن نجم، ص100، وفتح الباري لابن حجر، 6/ 582، ومناهل العرفان للزرقاني، 1/ 336، و1/ 231، 232. (¬3) التذكار بأفضل الأذكار، للقرطبي، ص23.

وقد جاءت الأحاديث الصحيحة تبين أكثر وقتٍ يُختم فيه القرآن، وأقل وقت يُختم فيه كذلك، فحدد النبي - صلى الله عليه وسلم - لعبد الله بن عمرو رضي الله عنهما عندما سأله في كم يختم القرآن؛ وكان كل ما حدَّدَ له وقتاً وزمناً قال: يا رسول الله إني أقوى من ذلك، وفي بعض الألفاظ: إني أطيق أكثر من ذلك، ففي صحيح البخاري ومسلم أنه قال له: ((اقرأ القرآن في كل شهر))، قال: إني أطيق أكثر من ذلك، فما زال يراجع النبي - صلى الله عليه وسلم - حتى قال له: ((في ثلاث))، وفي بعض الألفاظ: ((اقرأه في سبع ولا تزد على ذلك))، هذا من ألفاظ البخاري، وفي لفظ لمسلم: ((اقرأ القرآن في كل شهر))، ثم راجعه فقال: ((فاقرأه في عشر))،قال: يا نبي الله إني أطيق أفضل من ذلك، قال: ((فاقرأه في كل سبع ولا تزد على ذلك ... ))، قال عبد الله بن عمرو رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا: ((بعد ذلك فليتني قبلت رخصة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وذاك أني كبرت سني، فكان يقرأ على بعض أهله السُّبع من القرآن بالنهار، والذي قرأه يعرضه بالنهار ليكون أخف عليه بالليل)) (¬1). وثبت في سنن أبي داود أن عبد الله بن عمرو رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا سأل النبي - صلى الله عليه وسلم -: في كم يقرأ القرآن؟ قال: ((في أربعين يوماً))، ثم قال: ((في شهر))، ثم قال: ((عشرين))، ثم قال: ((في خمس عشرة))، ثم قال: ((في عشرٍ))، ثم قال: ((في ¬

(¬1) متفق على هذه الألفاظ: البخاري، برقم: 1131، في ثمانية عشر موضعاً منها: رقم 197، 1975، 1976، 1977، 1978، 1980، 5052 - 5054، 6134، ومسلم، برقم 81 - (1159) - 83 - (1159) ورقم 86 - (1159)، وتقدم تخريجها في صيام التطوع.

سبع)) (¬1)، وفي لفظٍ لأبي داود: إني أقوى من ذلك؟ قال: ((لا يفقه من قرأ القرآن في أقل من ثلاث))، وفي لفظ لأبي داود أيضاً: ((إقرأه في ثلاث)) (¬2). فهذه الروايات تدل المسلم على أنه لا ينبغي له أن يترك ختم القرآن أكثر من أربعين يوماً، وفي ألفاظ البخاري ومسلم: ((شهر))، ولا يختم في أقل من ثلاث))، هذا هو الأفضل؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((لا يفقه من قرأ القرآن في أقل من ثلاث))، وكونه يختم في كل أسبوع ختمة خيرٌ كثير وثوابٌ عظيم مع التدبر لما يقرأ وهذا هو أغلب فعل الصحابة - رضي الله عنهم -، فإن قوي، وازدادت رغبته ختم في كل ثلاثة أيام (¬3)، والله تعالى المعين منزل الرغبة للخير في قلوب من يشاء من عباده، وقد قال الله تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ الله أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو الله وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ الله كَثِيرًا} (¬4)،وقال تعالى: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا} (¬5) (¬6). ¬

(¬1) أبو داود، كتاب الصلاة، باب تحزيب القرآن، برقم 1395، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود، 1/ 386. (¬2) أبو داود، كتاب الصلاة، باب في كم يقرأ القرآن، برقم 1390، ورقم 1391، وصححهما الألباني في صحيح سنن أبي داود، 1/ 385. (¬3) أبو داود، كتاب الصلاة، باب في كم يقرأ القرآن، برقم 1390، ورقم 1391، وصححهما الألباني في صحيح سنن أبي داود، 1/ 385. (¬4) سورة الأحزاب، الآية: 21. (¬5) سورة الحشر، الآية: 7. (¬6) وقد ذكر الإمام النووي رحمه الله وغيره من الأئمة أن عادة السلف في ختم القرآن على النحو الآتي: 1 - كان بعضهم يختم في كل شهرين ختمة. 2 - والبعض في كل شهر ختمة. 3 - والبعض في عشر ليال ختمة. 4 - وعن بعضهم في كل ثمان. 5 - وعن الأكثرين في كل سبع ليالٍ. 6 - وبعضهم في كل ستة. 7 - وعن بعضهم في كل خمس. 8 - وعن بعضهم في كل أربع. 9 - وعن بعضهم في كل ثلاث ليال ختمة. 10 - وعن بعضهم في كل ليلتين. 11 - وختم بعضهم في كل يوم وليلة ختمة. 12 - ومنهم من كان يختم في كل يوم وليلة ختمتين. 13 - ومنهم من كان يختم في كل يوم وليلة ثلاثاً. وختم بعضهم ثمانِ ختمات أربعاً بالليل وأربعاً بالنهار، ثم ذكر رحمه الله أمثلة من أسماء من يفعل ذلك من الصحابة أو التابعين أو من بعدهم في كل نوع من هذه الأنواع. [التبيان في آداب حملة القرآن، للنووي ص46 - 50]. قلت والأفضل أن لا يختم القرآن في أقل من ثلاثة أيام كم تقدم.

وقد ثبت عن أنس بن مالك - رضي الله عنه -: أنه كان إذا ختم القرآن جمع أهله ودعا (¬1). ¬

(¬1) قال الإمام النووي رحمه الله: ((روى ابن أبي داود بإسنادين صحيحين عن قتادة التابعي الجليل، صاحب أنس - رضي الله عنه -، قال: ((كان أنس بن مالك - رضي الله عنه - إذا ختم القرآن جمع أهله ودعا))، قال: وروى بأسانيده الصحيحة عن الحكم بن عتيبة التابعي الجليل، قال: أرسل إليّ مجاهد، وعَبْدة بن لبابة فقالا: إنا أرسلنا إليك؛ لأنا أردنا أن نختم القرآن، والدعاء مستجاب عند ختم القرآن، وفي بعض الروايات الصحيحة أنه كان يقال: الرحمة تنزل عند خاتمة القرآن وروى بإسناده الصحيح عن مجاهد، قال: كانوا يجتمعون عند ختم القرآن، ويقولون تنزل الرحمة)). [التبيان في آداب حملة القرآن ص126]. قلت: فينبغي أن لا ينكر على من فعل ذلك بعد هذه الآثار، وقد سمعت شيخنا ابن باز رحمه الله يذكر أن ذلك ثبت عن أنس - رضي الله عنه - وبعض السلف، وذكر أنه لا بأس بذلك.

المبحث الرابع عشر: أخلاق العامل لله بالقرآن:

المبحث الرابع عشر: أخلاق العامل لله بالقرآن حامل القرآن ينبغي له أن يستعمل تقوى الله في السر والعلانية، باستعمال الورع في مطعمه ومشربه وملبسه ومسكنه، بصيراً بزمانه وفساد أهله، فهو يحذرهم على دينه، مقبلاً على شأنه، مهموماً بإصلاح ما فسد من أمره، حافظاً للسانه، مميزاً لكلامه، إن تكلَّم تكلَّم بعلمٍ إذا رأى الكلام صواباً، وإن سكت سكت بعلم إذا كان السكوت صواباً، قليل الخوض فيما لا يعنيه، يخاف من لسانه أشد مما يخاف عدوه، يحبس لسانه كحبسه لعدوه؛ ليأمن شره وشر عاقبته، قليل الضحك مما يضحك منه الناس لسوء عاقبة الضحك، إن سُرَّ بشيء مما يوافق الحق تبسم، يكره المزاح خوفاً من اللعب، فإن مزح قال حقاً، باسط الوجه، طيب الكلام، لا يمدح نفسه بما فيه، فكيف بما ليس فيه؟ يحذر نفسه أن تغلبه على ما تهوى مما يسخط مولاه، لا يغتاب أحداً، ولا يحقر أحداً، ولا يسب أحداً، ولا يَشْمَتُ بمصيبته، ولا يبغي على أحد، ولا يحسده، ولا يسيء الظن بأحد إلا لمن يستحق، يحسد بعلمٍ، ويظن بعلمٍ، ويتكلم بما في الإنسان من عيب بعلمٍ، ويسكت عن حقيقة ما فيه بعلمٍ، وقد جعل القرآن والسنة والفقه دليله إلى كل خلق حسن جميل، حافظاً لجميع جوارحه عما نهي عنه، إن مشى مشى بعلمٍ، وإن قعد قعد بعلم، يجتهد ليسلم الناس من لسانه ويده، لا يجهل؛ فإن جُهِلَ عليه حَلِمَ، لا يظلم، وإن ظُلِمَ عفا، لا يبغي، وإن بُغِيَ عليه صبر، يكظم غيظه ليرضي ربه ويغيظ عدوه، متواضع في نفسه، إذا قيل له الحق قبله من صغير أو كبير،

يطلب الرفعة من الله، لا من المخلوقين، ماقتاً للكبر، خائفاً على نفسه منه، لا يتآكل بالقرآن، ولا يحب أن يقضي به الحوائج، ولا يسعى به إلى أبناء الملوك، ولا يجالس به الأغنياء ليكرموه، إن كسب الناس من الدنيا الكثير بلا فقه ولا بصيرة، كسب هو القليل بفقه وعلم، إن لبس الناس الليِّن الفاخر، لبس هو من الحلال ما يستر به عورته، إن وُسِّع عليه وسع، وإن أُمْسِكَ عليه أمسك، يقنع بالقليل فيكفيه، ويحذر على نفسه من الدنيا ما يطغيه، يتَّبع واجبات القرآن والسنة، يأكل الطعام بعلم، ويشرب بعلم، ويلبس بعلم، وينام بعلم، ويجامع أهله بعلم، ويصطحب الإخوان بعلم، ويزورهم بعلم، ويستأذن عليهم بعلم، ويُسلِّم عليهم بعلم، ويجاور جاره بعلم، يلزم نفسه برَّ والديه: فيخفض لهما جناحه، ويخفض لصوتهما صوته، ويبذل لهما ماله، وينظر إليهما بعين الوقار والرحمة، يدعو لهما بالبقاء، ويشكر لهما عند الكبر، لا يضجر بهما، ولا يحقرهما، إن استعانا به على طاعة أعانهما، وإن استعانا به على معصية لم يعنهما عليها، ورفق بهما في معصيته إياهما بحسن الأدب؛ ليرجعا عن قبيح ما أرادا مما لا يحسن بهما فعله، يصل الرحم، ويكره القطيعة، من قطعه لم يقطعه، ومن عصى الله فيه أطاع الله فيه، يصحب المؤمنين بعلم، ويجالسهم بعلم، من صحبه، نفعه حسن المجالسة لمن جالس، إن علَّم غيره رفق به، لا يُعنِّف من أخطأ ولا يخجِّله، رفيق في أموره، صبور على تعليم الخير، يأنس به المتعلم، ويفرح به المجالس، مجالسته تفيد خيراً، مؤدب لمن جالسه بأدب القرآن والسنة، وإذا أصيب بمصيبة، فالقرآن

والسنة له مؤدِّبان؛ يحزن بعلم، ويبكي بعلم، ويصبر بعلم، يتطهر بعلم، ويصلي بعلم، ويزكي بعلم ويتصدق بعلم، ويصوم بعلم، ويحج بعلم، ويجاهد بعلم، ويكتسب بعلم، وينفق بعلم، وينبسط في الأمور بعلم، وينقبض عنها بعلم، قد أدبه القرآنُ والسنةُ، يَتصفَّح القرآن؛ ليؤدِّب به نفسه، لا يرضى من نفسه أن يؤدي ما فرض الله عليه بجهل، قد جعل العلم والفقه دليله إلى كل خير. إذا درس القرآن فبحضور فهم وعقل، همته إيقاع الفهم لما ألزمه الله: من اتباع ما أمر، والانتهاء عما نهى، ليس همته متى أختم السورة؟ همته متى أستغني بالله عن غيره؟ متى أكون من المتقين؟ متى أكون من المحسنين؟ متى أكون من المتوكلين؟ متى أكون من الخاشعين؟ متى أكون من الصابرين؟ متى أكون من الصادقين؟ متى أكون من الخائفين؟ متى أكون من الراجين؟ متى أزهد في الدنيا؟ متى أرغب في الآخرة متى أتوب من الذنوب؟ متى أعرف النعم المتواترة؟ متى أشكره عليها؟ متى أعقل عن الله الخطاب؟ متى أفقه ما أتلو؟ متى أغلب نفسي على ما تهوى؟ متى أجاهد في الله حق الجهاد؟ متى أحفظ لساني؟ متى أغض طرفي؟ متى أحفظ فرجي؟ متى أستحي من الله حق الحياء؟ متى أشتغل بعيبي؟ متى أصلح ما فسد من أمري؟ متى أحاسب نفسي؟ متى أتزود ليوم معادي؟ متى أكون عن الله راضيا؟ متى أكون بالله واثقا؟ متى أكون بزجر القرآن متعظا؟ متى أكون بذكره عن ذكر غيره مشتغلا؟ متى أحب ما أحب؟ متى أبغض ما أبغض؟ متى أنصح لله؟ متى أخلص له عملي؟ متى أقصر أملي؟ متى

أتأهب ليوم موتي وقد غيب عني أجلي؟ متى أعمر قبري، متى أفكر في الموقف وشدته؟ متى أفكر في خلوتي مع ربي؟ متى أفكر في المنقلب؟ متى أحذر مما حذرني منه ربي. فالمؤمن العاقل إذا تلا القرآن استعرض القرآن، فكان كالمرآة، يرى بها ما حسن من فعله، وما قبح منه، فما حذَّره مولاه حَذِرَه، وما خوَّفه به من عقابه خافه، وما رغَّبه فيه مولاه رغب فيه ورجاه، فمن كانت هذه صفته، أو ما قارب هذه الصفة، فقد تلاه حق تلاوته، ورعاه حق رعايته، وكان له القرآن شاهداً وشفيعاً وأنيساً وحرزاً، ومن كان هذا وصفه، نفع نفسه ونفع أهله، وعاد على والديه، وعلى ولده كل خير في الدنيا وفي الآخرة (¬1). ¬

(¬1) انظر: أخلاق حملة القرآن، للحافظ أبي بكر محمد بن الحسين بن عبد الله الآجري المتوفى، 360هـ، ص 36 - 40.

المبحث الخامس عشر: أخلاق العامل للدنيا بالقرآن:

المبحث الخامس عشر: أخلاق العامل للدنيا بالقرآن من قرأ القرآن للدنيا ولأبناء الدنيا، فإن من أخلاقه أن يكون حافظاً لحروف القرآن، مضيِّعاًلحدوده، متعظِّماً في نفسه، متكبِّراً على غيره، قد اتخذ القرآن بضاعة، يتآكل به الأغنياء، ويستقضي به الحوائج، يُعظِّم أبناء الدنيا ويحقر الفقراء، إن علَّم الغني رفق به طمعاً في دنياه، وإن علَّم الفقير زجره وعنَّفه؛ لأنه لا دنيا له يطمع فيها، يستخدم به الفقراء، ويتيه به على الأغنياء، إن كان حسن الصوت، أحب أن يقرأ للملوك، ويصلِّي بهم؛ طمعاً في دنياهم، وإن سأله الفقراء الصلاة بهم، ثقل ذلك عليه؛ لقلة الدنيا في أيديهم، إنما طلبه الدنيا حيث كانت، ربض عندها، يفخر على الناس بالقرآن، ويحتج على من دونه في الحفظ بفضل ما معه من القراءات، وزيادة المعرفة بالغرائب من القراءات، التي لو عقل لعلم أنه يجب عليه أن لا يقرأ بها، فتراه تائهاً متكبِّراً، كثير الكلام بغير تمييز، يعيب كل من لم يحفظ كحفظه، ومن علم أنه يحفظ كحفظه طلب عيبه متكبراً في جلسته، متعاظماً في تعليمه لغيره، ليس للخشوع في قلبه موضع، كثير الضحك والخوض فيما لا يعنيه، يشتغل عمن يأخذ عليه بحديث من جالسه، هو إلى استماع حديث جليسه أصغى منه إلى استماع من يجب عليه أن يستمع له، فهو إلى كلام الناس أشهى منه إلى كلام الرب - عز وجل -، لا يخشع عند استماع القرآن ولا يبكي، ولا يحزن، ولا يأخذ نفسه بالفكر فيما يتلى عليه، وقد ندب إلى ذلك، راغب في الدنيا وما قرب منها، لها يغضب ويرضى، إن قصَّر رجل في حقه، قال: أهل القرآن لا يُقَصَّر في

حقوقهم، وأهل القرآن تُقضَى حوائجهم، يستقضي من الناس حق نفسه، ولا يستقضي من نفسه ما لله عليها، يغضب على غيره، زعم لله، ولا يغضب على نفسه لله لا يبالي من أين اكتسب، من حرام أو من حلال، قد عظمت الدنيا في قلبه، إن فاته منها شيء لا يحل له أخذه، حزن على فوته لا يتأدب بأدب القرآن، ولا يزجر نفسه عن الوعد والوعيد، لاهٍ غافل عما يتلو أو يتلى عليه، همته حفظ الحروف، إن أخطأ في حرف ساءه ذلك؛ لئلا ينقص جاهه عند المخلوقين، فتنقص رتبته عندهم، فتراه محزوناً مغموماً بذلك، وما قد ضيعه فيما بينه وبين الله مما أمر به القرآن أو نهى عنه، غير مكترثٍ به، أخلاقه في كثير من أموره أخلاق الجهال، الذين لا يعلمون، لا يأخذ نفسه بالعمل بما أوجب عليه القرآن إذ سمع الله - عز وجل - قال: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا} (¬1)، فكان من الواجب عليه أن يلزم نفسه طلب العلم لمعرفة ما نهى عنه الرسول - صلى الله عليه وسلم - فينتهي عنه، قليل النظر في العلم الذي هو واجب عليه فيما بينه وبين الله - عز وجل -، كثير النظر في العلم الذي يتزين به عند أهل الدنيا ليكرموه بذلك، قليل المعرفة بالحلال والحرام الذي ندبه الله إليه، ثم رسوله ليأخذ الحلال بعلم، ويترك الحرام بعلم، لا يرغب بمعرفة علم النعم، ولا في علم شكر المنعم، تلاوته للقرآن تدل على كبره في نفسه، وتزين عند السامعين منه، ليس له خشوع، فيظهر على جوارحه، إذا درس القرآن، أو درسه عليه ¬

(¬1) سورة الحشر، الآية: 7.

غيره، همته متى يقطع، ليس همته متى يفهم، لا يتفكر عند التلاوة بضروب أمثال القرآن، ولا يقف عند الوعد والوعيد، يأخذ نفسه برضا المخلوقين، ولا يبالي بسخط رب العالمين، يحب أن يعرف بكثرة الدرس، ويظهر ختمه للقرآن ليحظى عندهم، قد فتنه حسن ثناء من جهله يفرح بمدح الباطل، وأعماله أعمال أهل الجهل، يتبع هواه فيما تحب نفسه، غير متصفِّح لما زجره القرآن عنه، إن كان ممن يقرئ، غضب على من قرأ على غيره، إن ذكر عنده رجل من أهل القرآن بالصلاح كره ذلك، وإن ذكر عنده بمكروه سره ذلك، يسخر بمن دونه، ويهمز بمن فوقه يتتبع عيوب أهل القرآن؛ ليضع منهم، ويرفع من نفسه، يتمنى أن يخطئ غيره ويكون هو المصيب، ومن كانت هذه صفته فقد تعرض لسخط مولاه الكريم، وأعظم من ذلك، أن أظهر على نفسه شعار الصالحين بتلاوة القرآن، وقد ضيع في الباطن ما يجب لله، وركب ما نهاه عنه مولاه، كل ذلك بحب الرياسة والميل إلى الدنيا قد فتنه العجب بحفظ القرآن، والإشارة إليه بالأصابع، إن مرض أحد من أبناء الدنيا أو ملوكها، فسأله أن يختم عليه سارع إليه وسر بذلك، وإن مرض الفقير المستور، فسأله أن يختم عليه ثقل ذلك عليه يحفظ القرآن ويتلوه بلسانه، وقد ضيع الكثير من أحكامه، أخلاقه أخلاق الجهال، إن أكل فبغير علم، وإن شرب فبغير علم، وإن لبس فبغير علم، وإن جامع أهله فبغير علم، وإن نام فبغير علم، وإن صحب أقواماً أو زارهم، أو سلم عليهم، أو استأذن عليهم، فجميع ذلك يجري بغير علم من كتابٍ أو سنةٍ، وغيره ممن يحفظ جزءاً

من القرآن مطالب لنفسه بما أوجب الله عليه من علم أداء فرائضه، واجتناب محارمه، وإن كان لا يؤبه له ولا يشار إليه بالأصابع، قال محمد بن الحسين: ((فمن كانت هذه أخلاقه صار فتنة لكل مفتون؛ لأنه إذا عمل بالأخلاق التي لا تحسن بمثله، اقتدى به الجهال، فإذا عيب الجاهل، قال: فلان الحامل لكتاب الله فعل هذا، فنحن أولى أن نفعله، ومن كانت هذه حاله، فقد تعرض لعظيم، وثبتت عليه الحجة، ولا عذر له إلا أن يتوب، وإنما حداني على ما بيَّنتُ من قبيح هذه الأخلاق؛ نصيحة مني لأهل القرآن ليتخلَّقوا بالأخلاق الشريفة، ويتجانبوا الأخلاق الدنيئة، والله يوفقنا وإياهم للرشاد (¬1). ¬

(¬1) انظر: أخلاق حملة القرآن، للآجري، 43 - 46.

المبحث السادس عشر: أخلاق معلم القرآن:

المبحث السادس عشر: أخلاق مُعَلِّم القرآن أوَّل ما ينبغي لمعلِّم القرآن أن يقصد بتعليمه رضى الله تعالى: يرجو ثوابه، ويخشى عقابه. وينبغي له: أن لا يقصد بتعليمه غرضاً من أغراض الدنيا، أو صرف وجوه الناس إليه، أو نحو ذلك. ينبغي لمن علمه الله كتابه، فأحب أن يجلس في المسجد، أو في غيره من الأماكن الطاهرة، يقرئ القرآن لله، يغتنم قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «خيركم من تعلم القرآن وعلمه» (¬1)، فينبغي له أن يستعمل من الأخلاق الشريفة ما يدل على فضله وصدقه، وهو أن يتواضع في نفسه إذا جلس في مجلسه، ولا يتعاظم في نفسه، والأفضل أن يستقبل القبلة في مجلسه. ويتواضع لمن يُلَقِّنه القرآن، ويقبل عليه إقبالاً جميلاً. وينبغي له أن يستعمل مع كل إنسان يلقنه ما يصلح لمثله، إذا كان يتلقن عليه الصغير والكبير والحدث، والغني والفقير، فينبغي له أن يوفي كل ذي حق حقه، ويعتقد الإنصاف إن كان يريد الله بتلقينه القرآن: فلا ينبغي له أن يقرب الغني ويبعد الفقير، فإن فعل هذا فقد جار في فعله، فحكمه أن يعدل بينهما، ثم ينبغي له أن يحذر على نفسه التواضع للغني والتكبر على الفقير، بل يكون متواضعاً للفقير، مقرباً لمجلسه متعطفاً عليه، يتحبب إلى الله بذلك. ¬

(¬1) البخاري، برقم 5027، 5028، وتقدم تخريجه في فضل تعلم القرآن.

وقد قال الله تعالى للنبي الكريم محمد - صلى الله عليه وسلم -: {وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلاَ تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} (¬1)، وأحق الناس باستعمال هذا بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أهل القرآن إذا جلسوا لتعليم القرآن يريدون به الله - عز وجل -. وينبغي لمن يُلَقِّن إذا قُرئ عليه أن يحسن الاستماع إلى من يقرأ عليه، ولا يشتغل عنه بحديث ولا غيره، فبالحري أن ينتفع به من يقرأ عليه، وكذلك ينتفع هو أيضاً، ويتدبر ما يسمع من غيره، وربما كان سماعه للقرآن من غيره له فيه زيادة منفعة وأجر عظيم، ويتناول قول الله - عز وجل -: {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُواْ لَهُ وَأَنصِتُواْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُون} (¬2)، فإذا لم يتحدث مع غيره وأنصت إليه أدركته الرحمة من الله، وكان أنفع للقارئ عليه. وينبغي لمن قرأ عليه القرآن فأخطأ عليه أو غلط، أن لا يُعنِّفه وأن يرفق به، ولا يجفو عليه، ويصبر عليه. فمن كانت هذه أخلاقه انتفع به من يقرأ عليه، وينبغي لمن كان يقرئ القرآن لله أن يصون نفسه عن استقضاء الحوائج ممن يقرأ عليه القرآن، وأن لا يستخدمه ولا يكلفه حاجة يقوم بها، والأفضل له إذا عرضت له حاجة أن يكلفها لمن لا يقرأ عليه ويصون القرآن عن أن يقضى له به الحوائج، فإن عرضت له حاجة سأل مولاه الكريم قضاءها، فإذا ابتدأه أحد من إخوانه ¬

(¬1) سورة الكهف، الآية: 28. (¬2) سورة الأعراف، الآية: 204.

من غير مسألة منه فقضاها، شكر الله؛ إذ صانه عن المسألة والتذلل لأهل الدنيا، وإذ سهّل الله له قضاءها، ثم يشكر من أجرى ذلك على يديه؛ فإن هذا واجب عليه. وهذه نصيحة لأهل القرآن؛ لئلا يبطل سعيهم، إن هم طلبوا به شرف الدنيا حرموا شرف الآخرة، إذ يتلونه لأهل الدنيا طمعاً في دنياهم، أعاذ الله حملة القرآن من ذلك، فينبغي لمن يجلس يقرئ المسلمين أن يتأدب بأدب القرآن يقتضي ثوابه من الله - عز وجل -، يستغني بالقرآن عن كل أحد من الخلق، متواضع في نفسه ليكون رفيعاً عند الله (¬1). ويحذر كل الحذر من قصده الكثرة بكثرة المشتغلين عليه، والمختلفين إليه. ويحذر من كراهيتِهِ قراءة أصحابه على غيره، ممن يُنتفع به، وهذه مصيبة ابتلي بها بعض المُعَلِّمين الجاهلين، وهي تدل على سوء النية، وعلى عدم إرادته بتعليمه وجه الله تعالى. وينبغي أن يتخلق بالمحاسن التي وردت في الشرع والخصال الحميدة، والشِّيم المرضيَّة. وينبغي أن يلازم ذكر الله تعالى في الصباح، والمساء، والأحوال والأوقات التي جاءت عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، ويذكر الله ذكراً كثيراً. ¬

(¬1) انظر: أخلاق حملة القرآن للآجري، 55 - 66.

وينبغي له أن يراقب الله تعالى في سرِّه وعلانيته، ويرفق بمن يقرأ عليه، ويبذل النصيحة له، ويذكر له فضيلة ذلك؛ ليكون سبباً في نشاطه، ويحب له ما يحب لنفسه، ويكره له ما يكره لنفسه، ويؤدِّب المتعلِّم على التدرّج بالآداب المرضيَّة، ويكون حريصاً على تعليمه، ويقدِّم في تعليم المتعلمين إذا ازدحموا: الأوَّل، فالأوَّل، ولا يمتنع من تعليم أحد لكونه غير صحيح النية. وينبغي له: أن يصون يديه في حال تعليمه عن العبث، وعينيه عن تفريق نظرهما من غير حاجة، وأن يكون مجلسه واسعاً (¬1). وصلّى الله على نبيّنا محمد، وعلى آله، وأصحابه، ومن اتبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وسلَّم تسليماً كثيراً. ¬

(¬1) انظر: التبيان في آداب حملة القرآن، للنووي، ص 35 - 42.

المصادر والمراجع

المصادر والمراجع 1 - أخلاق حملة القرآن، للحافظ أبي بكر محمد بن الحسين بن عبد الله الآجري المتوفى، 360هـ، الطبعة 1407هـ - دار الكتاب العربي بيروت لبنان. 2 - آداب تلاوة القرآن، تأليف الحافظ جلال الدين السيوطي المتوفى 911هـ، المطبوع مع أخلاق حملة القرآن لمحمد بن الحسين الآجري، المتوفى، 360هـ، الطبعة الأولى 1407هـ - دار الكتاب العربي بيروت لبنان. 3 - إرواء الغليل في تخريج أحاديث منار السبيل، للعلامة محمد ناصر الدين الألباني، المكتب الإسلامي، بيروت، لبنان. 4 - استخراج الجدال من القرآن الكريم، لابن نجم، تحقيق الدكتور زاهر بن عواض الألمعي، الطبعة الثانية 1401هـ، الناشر المحقق. 5 - أعلام الموقعين عن رب العالمين، لابن القيم محمد بن أبي بكر بن القيم الجوزية، ت 751، تحقق محمد محيي الدين عبد الحميد، الطبعة الأولى 1407هـ، المكتبة العصرية، صيدا - بيروت. 6 - الإنصاف لمعرفة الراجح من الخلاف، لعلي بن سليمان المرداوي، المطبوع مع المقنع والشرح الكبير، تحقيق الدكتور عبد الله بن عبد المحسن التركي، دار هجر للطباعة والنشر. 7 - بدائع الفوائد للإمام ابن القيم الطبعة المصرية، نشر مكتبة القاهرة، الطبعة التي طبعتها مكتبة الرياض الحديثة. 8 - البداية والنهاية، للحافظ إسماعيل بن عمر بن كثير، ت: 747هـ، تحقيق الدكتور عبد الله بن عبد المحسن التركي، مركز البحوث والدراسات العربية والإسلامية بدار هجر.

9 - بلوغ المرام، للحافظ أحمد بن علي بن حجر العسقلاني مع حاشية سماحه الشيخ ابن باز رحمه الله، مراجعة عبد العزيز بن إبراهيم بن قاسم، الطبعة الثانية، دار الامتياز للنشر. 10 - تاج العروس من جواهر القاموس، محمد مرتضى الحسيني الزبيدي، تحقيق: عبد الستار أحمد فراج، طبعة مطبعة حكومة الكويت، 1391 هـ. 11 - التبيان في آداب حملة القرآن، للنووي، تحقيق عبد القادر الأرناؤوط، الطبعة الأولى 1403هـ، مكتبة دار البيان. 12 - التذكار في أفضل الأذكار، للإمام محمد بن أحمد القرطبي، الأندلسي، تحقيق بشير محمد عيون، الطبعة الثالثة 1407هـ، مكتبة البيان، دمشق، ومكتبة المؤيد، الطائف، المملكة العربية السعودية. 13 - الترغيب والترهيب من الحديث الشريف، للإمام زكي الدين عبد العظيم بن عبد القوي المنذري، ت 656 هـ، تحقيق محيي الدين ديب مستو، سمير أحمد العطار، يوسف على بدوي، الطبعة الثانية، 1417 هـ، دار ابن كثير، دمشق، بيروت. 14 - تعليق ابن باز على نسخته من بلوغ المرام. 15 - تفسير الطبري (جامع البيان عن تأويل آي القرآن)، للإمام أبي جعفر محمد بن جرير الطبري، ت 315 هـ، تحقيق محمود وأحمد محمد شاكر، الطبعة الثانية، بدون تاريخ، دار المعارف بمصر. 16 - التلخيص الحبير في تخريج أحاديث الرافعي الكبير، للحافظ أحمد بن علي بن محمد العسقلاني، 773هـ، توزيع رياسة إدارات البحوث العلمية. 17 - تهذيب السنن، لابن قيم الجوزية، المطبوع مع معالم السنن للخطابي، بتحقيق أحمد محمد شاكر، ومحمد حامد الفقي بدون تاريخ، دار المعرفة، بيروت.

18 - تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان، للعلامة عبد الرحمن بن ناصر السعدي، الطبعة الأولى ت 1376هـ، تحقيق عبد الرحمن بن معلا اللويحق، مؤسسة الرسالة. 19 - جامع الأصول من أحاديث الرسول، لأبي السعادات المبارك بن محمد بن الأثير الجزري، ت656 هـ، تحقيق عبد القادر الأرناؤوط، الطبعة الثانية، 1453 هـ، دار الفكر، بيروت، لبنان. 20 - جامع البيان عن تأويل آي القرآن، لأبي جعفر محمد بن جرير الطبري ت 310هـ، تحقيق محمود محمد شاكر، توزيع دار التربية والتراث، مكة المكرمة. 21 - الجامع الصحيح (سنن الترمذي)، تحقيق أحمدمحمد شاكر، وأتمه إبراهيم عطوة عوض، المكتبة الإسلامية. 22 - جامع العلوم والحكم في شرح خمسين حديثاً من جوامع الكلم، للإمام الحافظ زين الدين أبي الفرج عبد الرحمن بن أحمد بن رجب الحنبلي، ت 795 هـ، تحقيق شعيب الأرناؤوط، الطبعة الأولى، 1411 هـ، مؤسسة الرسالة، بيروت، لبنان. 23 - الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح، لشيخ الإسلام أبي العباس تقي الدين أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني، ت 728 هـ، تحقيق د. علي بن حسن بن ناصر ود. عبد العزيز إبراهيم العسكر ود. حمدان بن محمد الحمدان، الطبعة الأولى، 1414 هـ، دار العاصمة، الرياض، المملكة العربية السعودية. 24 - حاشية الإمام السندي على سنن النسائي، للعلامة عبد الهادي السندي، ت 1138 هـ، المطبوع مع سنن النسائي بعناية عبد الفتاح أبو غدة، الطبعة

الثانية، 1406 هـ، دار البشائر الإسلامية، بيروت، لبنان. 25 - حاشية الإمام عبد العزيز ابن باز على فتح الباري لابن حجر، المطبوع من فتح الباري، الطبعة سلفية. 26 - حجة النبي - صلى الله عليه وسلم -، لمحمد ناصر الدين الألباني، الطبعة الخامسة، 1399 هـ، بيروت، المكتب الإسلامي. 27 - حلية الأولياء وطبقات الأصفياء، للحافظ أبي نعيم أحمد بن عبد الله الأصفهاني، ت 435 هـ، بدون تاريخ، دار الكتب العربية، بيروت، لبنان. 28 - دراسات في علوم القرآن، لمحمد بكر إسماعيل، دار المنار، ط2، 1419 هـ - 1999 م. 29 - رحمة للعالمين، للمؤلف، الطبعة الأولى 1427هـ، توزيع مؤسسة الجريسي بالمملكة العربية السعودية، الرياض. 30 - الرعاية، لمكي بن أبي طالب القيسي، تحقيق أحمد حسن فرحات، دار الكتب العربية بدمشق. 31 - الروح في الكلام على أروح الأموات والأحياء، للإمام شمس الدين أبي عبد الله محمد بن أبي بكر ابن قيم الجوزية، ت 751 هـ، تحقيق د. بسام علي العموش، الطبعة الأولى،1406 هـ، دار ابن تيمية، الرياض، المملكة العربية السعودية. 32 - زاد المعاد في هدي خير العباد، للإمام شمس الدين أبي عبد الله محمد بن أبي بكر ابن قيم الجوزية، ت 751 هـ، تحقيق شعيب الأرناؤوط وعبد القادر الأرناؤوط، الطبعة الأولى، 1399 هـ، مؤسسة الرسالة، بيروت، لبنان. 33 - الزهد، للإمام أحمد بن حنبل، مطبعة أم القرى بمكة المكرمة، عام 1357هـ.

34 - سبل السلام الموصل إلى بلوغ المرام، للإمام محمد بن إسماعيل الأمير الصنعاني، تحقيق محمد صبحي حسن حلاق، الطبعة الأولى عام 1418هـ، دار ابن الجوزي، الدمام، المملكة العربية السعودية. 35 - سلسلة الأحاديث الصحيحة، للشيخ محمد ناصر الدين الألباني، الطبعة الرابعة 1498هـ، المكتب الإسلامي، بيروت. 36 - سلسلة الأحاديث الضعيفة، للشيخ محمد ناصر الدين الألباني، الطبعة الرابعة 1398هـ، المكتب الإسلامي بيروت. 37 - سنن ابن ماجه، محمد بن يزيد بن ماجه القزويني، الطبعة الأولى عام 1420هـ، دار السلام للنشر والتوزيع، الرياض، المملكة العربية السعودية. 38 - سنن أبي داود، لسليمان بن الأشعث السجستاني، ت 275 هـ، تحقيق محمد محيي الدين عبد الحميد، بدون تاريخ، دار الفكر، بيروت، لبنان. 39 - سنن الترمذي، لأبي عيسى محمد بن عيسى بن سورة، ت 279 هـ، تحقيق أحمد محمد شاكر، الطبعة الثانية، 1398 هـ، مطبعة مصطفى البابي الحلبي، القاهرة، مصر. 40 - سنن الدارقطني، علي بن عمر أبو الحسن الدارقطني البغدادي، تحقيق: السيد عبد الله هاشم يماني المدني، دار المعرفة - بيروت، 1386 - 1966م. 41 - سنن الدارمي، عبد الله بن عبد الرحمن الدارمي، ت 255 هـ، طبعة 1404 هـ، تحقيق عبد الله بن هاشم اليماني، توزيع الرئاسة العامة لإدارة البحوث العلمية والإفتاء، الرياض، المملكة العربية السعودية. 42 - السنن الكبرى، للإمام الحافظ أبي بكر أحمد بن الحسين بن على البيهقي، ت 458 هـ، بدون تاريخ، دار المعرفة، بيروت، لبنان. 43 - سنن النسائي، لأبي عبد الرحمن أحمد بن شعيب، ت 303 هـ، بشرح الحافظ

جلال الدين السيوطي، ت 911 هـ، وحاشية السندي، ت 1138 هـ، الطبعة الأولى، 1406 هـ، اعتنى به ورقمه عبد الفتاح أبو غدة، الطبعة الثانية، 1406 هـ، دار البشائر الإسلامية، بيروت، لبنان. 44 - شرح السندي على سنن ابن ماجه، المطبوع مع سنن ابن ماجه، الطبعة الأولى، 1416هـ، دار المعرفة، بيروت، لبنان. 45 - الشرح الممتع، لابن عثيمين، الطبعة الثالثة، 1415هـ، مؤسسة آسام للنشر، المملكة العربية السعودية. 46 - شرح النووي على صحيح مسلم، مراجعة خليل الميس، دار القلم، بيروت، لبنان. 47 - شرح صحيح مسلم للنووي، لمحيي الدين أبي زكريا يحيى بن شرف النووي، ت 676 هـ، تحقيق لجنة من العلماء بإشراف الناشر، الطبعة الثالثة، بدون تاريخ، دار القلم، بيروت، لبنان. 48 - شرح العمدة، لابن تيمية، قسم كتاب الصيام، تحقيق زيد بن أحمد النثيري، الطبعة الأولى 1417هـ، دار الأنصاري للنشر والتوزيع، ت 5586245. 49 - شعب الإيمان، للإمام أبي بكر أحمد بن الحسين البيهقي، ت 458 هـ، تحقيق أبي هاجر محمد السعيد بسيوني زغلول، الطبعة الأولى، 1410 هـ، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان. 50 - الشمائل المحمدية، لمحمد بن عيسى بن سَوْرة بن موسى بن الضحاك، الترمذي، أبي عيسى، ت279هـ، مؤسسة الكتب الثقافية، بيروت، الطبعة الأولى، 1412هـ. 51 - صحيح ابن حبان بترتيب ابن بلبان، للإمام أبي حاتم محمدبن أحمدبن حبان البستي، ت354 هـ، رتبه الأمير علاء الدين علي بن سليمان بن بلبان الفارسي، ت 739 هـ، تحقيق شعيب الأرناؤوط، الطبعة الثانية، 1414

هـ، مؤسسة الرسالة، بيروت، لبنان. 52 - صحيح ابن خزيمة، للإمام أبي بكر محمد بن إسحق بن خزيمة السلمي النيسابوري، ت 311 هـ، تحقيق محمد مصطفى الأعظمى، طبعة 1390 هـ، المكتب الإسلامي، بيروت، لبنان. 53 - صحيح ابن ماجه، للعلامة محمد ناصر الدين الألباني، مكتبة المعارف للنشر والتوزيع. الرياض، المملكة العربية السعودية. 54 - صحيح البخاري، لأبي عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري، ت 256 هـ، طبعة 1414 هـ، دار الفكر، بيروت، لبنان. وطبعة 1315 هـ، المكتبة الإسلامية، إستانبول، تركيا، والنسخة المطبوعة مع فتح الباري، ترقيم محمد فؤاد عبد الباقي، وإشراف محب الدين الخطيب، بدون تاريخ، مكتبة الرياض، المملكة العربية السعودية. 55 - صحيح الترغيب والترهيب، للعلامة محمد ناصر الدين الألباني، الطبعة الأولى، 1412 هـ، المكتب الإسلامي، بيروت، لبنان. 56 - صحيح الجامع الصغير، للعلامة ناصر الدين الألباني، الطبعة الأولى، 1388 هـ، المكتب الإسلامي، بيروت، لبنان. 57 - صحيح سنن ابن ماجه باختصار السند، لمحمد ناصر الدين الألباني، الطبعة الأولى، 1407 هـ، المكتب الإسلامي، بيروت، لبنان. 58 - صحيح سنن أبي داود باختصار السند، لمحمد ناصر الدين الألباني، الطبعة الأولى، 1409، المكتب الإسلامي، بيروت، لبنان. 59 - صحيح سنن الترمذي باختصار السند، لمحمد ناصر الدين الألباني، الطبعة الأولى، 1408 هـ، المكتب الإسلامي، بيروت، لبنان. 60 - صحيح سنن النسائي باختصار السند، لمحمد ناصر الدين الألباني، الطبعة

الأولى، 1409 هـ، المكتب الإسلامي، بيروت، لبنان. 61 - صحيح مسلم، لأبي الحسين مسلم بن الحجاج القشيري االنيسابوري، ت 261 هـ، تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي، بدون تاريخ، دار إحياء التراث العربي، بيروت، لبنان. 62 - صلاة المؤمن، للمؤلف (سعيد بن علي بن وهف القحطاني)، توزيع مؤسسة الجريسي، بالمملكة العربية السعودية، الرياض. 63 - عمل اليوم والليلة، لأحمد بن شعيب النسائي، دراسة وتحقيق: د. فاروق حمادة، الرئاسة العامة للإفتاء، الرياض، 1406هـ، الطبعة الثانية، مؤسسة الرسالة بيروت. 64 - عمل اليوم والليلة، للحافظ أبي بكر أحمد بن محمد الدينوري المعروف بابن السني، ت 265 هـ، تحقيق بشير محمد عيون، الطبعة الأولى، 1407 هـ، مكتبة دار البيان، دمشق، سورية. 65 - عون المعبود شرح سنن أبي داود، لأبي الطيب محمد شمس الحق العظيم آبادي، الطبعة الثالثة 1399هـ، دار الفكر. 66 - فتاوى ابن باز في الحج والعمرة، لعبد العزيز بن عبد الله بن باز. 67 - فتاوى إسلامية، جمع وترتيب، محمد بن عبد العزيز المسند، الطبعة الأولى، 1412 هـ، دار الوطن، الرياض، المملكة العربية السعودية. 68 - فتح الباري بشرح صحيح البخاري، للحافظ أحمد بن علي بن حجر العسقلاني، ت 852 هـ، ترقيم محمد فؤاد عبد الباقي وإشراف محب الدين الخطيب، بدون تاريخ، مكتبة الرياض، المملكة العربية السعودية. 69 - فتح الباري بشرح صحيح البخاري، للحافظ أحمد بن علي بن حجر العسقلاني 852هـ، أشرف على مقابلة نسخه المطبوعة والمخطوطة عبد العزيز بن

عبد الله بن باز، نشر مكتبة الرياض الحديثة. 70 - الفوائد، لمحمد بن أبي بكر أيوب الزرعي أبو عبد الله، دار الكتب العلمية، بيروت، ط2، 1393هـ - 1973م. 71 - قيام الليل، وقيام رمضان، لمحمد بن نصر المروزي، طبعة لاهور، 1320هـ. 72 - الكتاب المصنف في الأحاديث والآثار، للإمام الحافظ عبد الله محمد بن أبي شيبة، توزيع إدارات البحوث العلمية والإفتاء .. 73 - كشف الأستار عن زوائد البزار، للهيثمي، تحقيق: حبيب الرحمن الأعظمي، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط2، 1404هـ. 74 - لسان العرب، للإمام أبي الفضل جمال الدين بن مكرم بن علي بن منظور، ت 711 هـ، الطبعة الثالثة، 1414 هـ، دار صادر، بيروت، لبنان. 75 - مباحث في علوم القرآن، لمناع القطان، مكتبة المعارف للنشر والتوزيع، ط3، 1421هـ - 2000م. 76 - مجالس شهر رمضان، للعلامة محمد بن صالح بن عثيمين رحمه الله، تحقيق أشرف عبد المقصود، الطبعة الأولى 1416هـ، مكتبة أضواء السلف، الرياض، المملكة العربية السعودية. 77 - مجمع البحرين في زوائد المعجمين، للحافظ نور الدين علي بن أبى بكر الهيثمي، تحقيق عبد القدوس بن محمد نذير، الطبعة الثانية، 1415 هـ، مكتبة الرشد، الرياض، المملكة العربية السعودية. 78 - مجمع الزوائد ومنبع الفوائد، للحافظ نور الدين على بن أبي بكر الهيثمي، ت 807 هـ، الطبعة الثالثة، 1402 هـ، دار الكتاب العربي، بيروت، لبنان. 79 - مجموع الفتاوى لشيخ الإسلام ابن تيمية، جمع وترتيب عبد الرحمن بن القاسم، أشرف على طباعته المكتب السعودي بالمغرب.

80 - مجموع فتاوى ورسائل فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين، الطبعة الأولى 1423هـ، جمع فهد بن ناصر بن إبراهيم السليمان، دار الثريا للنشر. 81 - مجموع فتاوى ومقالات متنوعة، للعلامة عبد العزيز بن عبد الله بن باز، جمع وترتيب د. محمد بن سعد الشويعر، الطبعة الأولى 1408 هـ، الرئاسة العامة لإدارات البحوث والعلمية والإفتاء، المملكة العربية السعودية. 82 - المختارات الجلية من المسائل الفقهية، للسعدي ت 1376هـ، المؤسسة السعيدية بالرياض، المملكة العربية السعودية. 83 - مختصر الشمائل المحمدية، للإمام أبي عيسى محمد بن سورة الترمذي، ت 279 هـ، اختصره محمد ناصر الدين الألباني، الطبعة الأولى، 1415 هـ، المكتبة الإسلامية، عمان، الأردن. 84 - مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين، للإمام أبي عبد الله محمد بن أبي بكر بن أيوب بن قيم الجوزية تحقيق محمد حامد الفقي، الطبعة بدون تاريخ، مكتبة السنة المحمدية، ومكتبة تيمية، القاهرة. 85 - المستدرك على الصحيحين، للإمام الحافظ أبي عبد الله محمد بن عبد الله الحاكم النيسابوري، بدون تاريخ، دار المعرفة، بيروت، لبنان. 86 - مسند ابن الجعد، علي بن الجعد بن عبيد أبو الحسن الجوهري (ت 230 هـ)، تحقيق عامر أحمد حيدر، مؤسسة نادر، بيروت، ط1، 1410هـ/ 1990م. 87 - مسند الإمام أحمد بشرح أحمد شاكر، للإمام أحمد بن محمد بن حنبل، شرحه وضع فهارسه أحمد محمد شاكر، بدون تاريخ، دار المعارف، مصر. 88 - مسند الإمام أحمد بن حنبل الشيباني، النسخة المحققة، تحقيق مجموعة من أهل العلم أشرف على التحقيق الدكتور عبد الله بن عبد المحسن التركي،

مؤسسة الرسالة، بيروت- لبنان. 89 - مصباح الزجاجة في زوائد ابن ماجه، لشهاب الدين البوصيري (ت 840هـ)،ط1، بيروت، دار الجنان، 1406هـ. 90 - المعجم الأوسط، للطبراني، المجموع في مجمع البحرين في زوائد المعجمين، مكتبة الرشد، الرياض. 91 - المعجم الكبير، للحافظ أبي القاسم سليمان بن أحمد الطبراني، تحقيق حمدي عبد المجيد السلفي، الطبعة الثانية، بدون تاريخ، وزارة الأوقاف والشئون الدينية بالجمهورية العراقية. 92 - المغني، لموفق الدين أبي محمد عبد الله بن أحمد بن محمد بن قدامة المقدسي، تحقيق د. عبد الله بن عبد المحسن التركي ود. عبد الفتاح محمد الحلو، الطبعة الأولى، هجر للطباعة والنشر. 93 - مفتاح دار السعادة، للعلامة الإمام شمس الدين أبي عبد الله محمد بن أبي بكر ابن قيم الجوزية، ت 751 هـ، تخريج علي بن حسن بن علي بن عبد الحميد، الطبعة الأولى، 1416 هـ، دار ابن عفان، الخبر، المملكة العربية السعودية. 94 - المقنع والشرح الكبير مع الإنصاف، تحقيق الدكتور عبد الله بن عبد المحسن التركي، الطبعة الأولى 1416هـ، دار الهجر. 95 - مناهل العرفان في علوم القرآن، لعبد العظيم الزرقاني، بدون تاريخ، دار إحياء الكتب العربية في علوم القرآن. 96 - موطأ الإمام مالك، للإمام مالك بن أنس، ت 179 هـ، تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي، بدون تاريخ، دار إحياء الكتب العربية، عيسى البابي الحلبي وأولاده.

97 - النهاية في غريب الحديث والأثر، للإمام أبي السعادات المبارك بن محمد بن الأثير الجزري، ت 606 هـ، تحقيق طاهر أحمد الزاوي ومحمود محمد الطناحي، بدون تاريخ، المكتبة العلمية، بيروت، لبنان. 98 - نيل الأوطار، للشوكاني، تحقيق أحمد محمد السيد ومحمود إبراهيم بزّال، الطبعة الأولى 1419هـ، دار الكلم الطيب، دمشق، بيروت.

§1/1