عصر الخلافة الراشدة محاولة لنقد الرواية التاريخية وفق منهج المحدثين

أكرم العمري

المقدمة

بسم الله الرحمن الرحيم المقدمة الحمد لله الولي المنعم والصلاة والسلام على نبيه وآله وصحبه وسلم. أما بعد .. فإن عصر الخلافة الراشدة امتداد لعصر السيرة النبوية حيث تؤثر القيم الإسلامية على الناس في نشاطهم السياسي والاجتماعي والاقتصادي، وتنعكس على الحكم في علاقته بالأمة من ناحية وبالقوى الخارجية من ناحية أخرى، وتؤثر في اختيار الحاكم وقيم التعامل معه من حيث الطاعة المشروطة بإنفاذ أحكام الشريعة، والحفاظ على وحدة الأمة، والشورى، والقيام بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. والاجتهاد الفردي والجماعي لاستنباط الأحكام من الكتاب والسنة فيما يتعلق بالوقائع الجديدة المتنوعة وخاصة بعد الانسياح في الهلال الخصيب وبلاد إيران ومصر حيث التماس مع حضارات قديمة ونظم اجتماعية واقتصادية عريقة. فلولا الاجتهاد لما أمكن إنزال الأحكام الشرعية على الوقائع القائمة. ولولا الانفتاح العقلي والروح الملهمة لما تمكن الفاتحون من التعامل مع المجتمعات الجديدة، وإكسابها الطابع الإسلامي، مع الاحتفاظ بتقدمها في المدنية والعمران. إن المألوف في التاريخ هو ذوبان الأمم البدوية في الحضارات القوية حتى لو اكتسحها البدو عسكرياً، إذ سرعان ما تنحل عصبتهم وتذوب روح المقاومة فيهم، ويتطبعون بطابع الحياة الجديدة، ولكن ما حدث في التقاء الفاتحين المسلمين مع الأمم الأخرى هو تلاقح وتبادل عميقان، وكان للإسلام بقيمه الروحية والثقافية المنفتحة الأثر الكبير في أحداثهما، وقد مكنت العقيدة الإسلامية والقيم الثقافية المنبثقة عنها المسلمين من الحفاظ على شخصيتهم وقيمهم ولغتهم وأدبهم وطابع حياتهم، وتحويل المجمعات الجديدة التي حكموها وإكسابها الصبغة الإسلامية واللسان العربي الذي صار اللغة الأدبية العامة فضلاً عن كونها لغة الدولة والسياسة

والإدارة، بحيث طغت بعد برهة وجيزة على اللغات واللهجات المحلية. وينظر المسلمون إلى عصر الخلافة الراشدة باعتباره أميز العصور في تاريخهم بعد عصر النبوة حيث تولى الحكم كبار الصحابة المقربين من النبي صلى الله عليه وسلم ممن شهد لهم بالسابقة والفضل والبشارة بدخول الجنة، تعاونهم أعداد من الصحابة الذين نزل القرآن بتعديلهم، وهم الذين مثلوا النخبة القيادة في الفكر والسياسة والإدارة والاقتصاد والفتوح، كما أنهم نقلوا القرآن والسنة إلى الأجيال التالية لذلك كان لابد من تمحيص الأخبار المتعلقة بهم خاصة. ولا شك أن أساليب الحكم والإدارة والتوجيه التي اتبعوها وضحت جوانب النظام الإسلامي وصارت مثالاً يتطلع له المؤمنون في كل الأجيال المتعاقبة، وهم يقيسون أحوال زمانهم به، ويصفونه لبيان الانحراف والظلم وانهيار القيم الخلقية والاجتماعية والسياسية، ويدعون إلى العودة إلى "المثال" الذي تحقق في الخلافة الراشدة. وكان الحكم في العهد النبوي تخالطه النبوة، لكنه لم يعد كذلك في الخلافة الراشدة، فلم يكن توليهم السلطة بأمر من الله أو بوصية من نبيه، بل تم اختيارهم وبيعتهم من قبل المسلمين، بما في ذلك خلافة عمر رضي الله عنه الذي رشحه أبو بكر الصديق رضى الله عنه بعد مشورة الكبار من الصحابة، فلم تكن الخلافة لتنعقد له لولا بيعة الناس له في المدينة، ثم أخذ البيعة له من قبل الولاة على أرجاء الدولة الإسلامية .. وقد طبَّق الخلفاء الأربعة التعاليم الإسلامية في الحكم، فاهتموا بالشورى الفردية والجماعية، لكنهم لم يؤسسوا مجلساً دائماً لها، بل كانت في الغالب تنحصر في المقدمين من الصحابة من ذوي السابقة والخبرة، وكان الجمهور يعترف لهم بهذه المكانة. لكن البيعة للخليفة لم تقتصر عليهم بل تمتد إلى الجمهور الذي يبايع البيعة العامة في المسجد بعد البيعة الخاصة التي يعقدها كبار الصحابة للخليفة. إن أهم المظاهر التي برزت في عصر الخلافة الراشدة تتمثل في تنظيم الإدارة

والجيش والعطاء وتنظيم المناطق المفتوحة وخاصة في خلافة عمر رضي الله عنه. أما أهم الأحداث التي شهدها ذلك العصر فتتمثل في القضاء على حركات الانشقاق وإعادة توحيد الدولة الإسلامية في خلافة أبي بكر الصديق رضي الله عنه، مما مهَّد للحدث البارز الثاني المتمثل في حركة الفتوح الإسلامية التي شغلت العصر، وامتازت بالانسياح السريع في الهلال الخصيب وإيران ومصر، حيث تغلب الفاتحون على الإمبراطوريتين البيزنطية والساسانية وهما أعظم القوى في الأرض في ذلك الزمان، وكانت الغلبة الحضارية المتمثلة في سيادة الإسلام واللغة العربية تزيد على أهمية الانتصار العسكري السريع، لأنها مكنت للإسلام ولغته العربية في الأرض المفتوحة حتى الوقت الحاضر، خلافًا للفتوحات الأخرى التي قادها هانيبال والإسكندر وهولاكو قديماً والتي قامت بها بريطانيا وأسبانيا والبرتغال وهولندا في العصر الحديث، فرغم الانتصار العسكري لهذه القوى إلا أنها لم تتمكن من صهر المناطق المفتوحة في بوتقتها الحضارية وإن تركت فيها آثاراً متباينة العمق. ويعود الأثر العميق الذي أحدثته الفتوح الإسلامية إلى تحول السكان إلى الإسلام عقيدة وشريعة وأخلاقاً، تمتد تعاليمه إلى جوانب الحياة المختلفة، وتؤثر في البنية الثقافية والاجتماعية والاقتصادية .. وكان لقيم التسامح والعدل والمساواة أثر كبير في اجتذاب سكان المناطق المفتوحة وتوحدهم مع الفاتحين. وقد كان الحدث الداخلي المهم يتمثل في أحداث الفتنة التي أودت بحياة الخليفة الراشد الثالث عثمان بن عفان رضي الله عنه وطغت نتائجها على أحداث خلافة علي بن أبي طالب رضي الله عنه الذي واجه المعارضة المتنوعة في الجمل والنهروان وصفين، واستشهد قبل أن تستقر الدولة الإسلامية على حال. ولا شك أن التجربة السياسية التي لم يمض عليها سوى أربعة عقود تمكنت من الصمود أمام العواصف العاتية وخرجت منها مثقلة بتجاربها وخبراتها متطلعة إلى الاستقرار والامتداد والتفاعل مع التطورات الجديدة في العصر الأموي. وقد التزمتُ بتطبيق مناهج المحدثين في نقد الروايات التاريخية إذا تعلقت

بالعقيدة والشريعة، أما الأخبار التي تتناول الفتوحات، وتعيين الولاة والقضاة والموظفين فإنها لا تقتضي إعمال المنهج النقدي الحديثي فيها بل يكفي اتفاق الاخباريين واختلافهم عليها وسلامتها من التناقض والشذوذ، وسلامة القصد عند الرواة لئلا يميلوا بالأخبار نحو خدمة اتجاهاتهم العقدية والسياسة، وهكذا تعامل علماء السلف مع هذه الأخبار، ولو اشترطوا فيها ما اشترطوه في الأحاديث النبوية لما صفا لهم منها إلا القليل، وبذلك يبقى التأريخ علماً مستقلاً له أدواته الخاصة ومناهجه النقدية المتميزة واللهُ من وراء القصد، وهو حسبنا ونعم الوكيل. المؤلف الدكتور أكرم ضياء العمري المدينة المنورة 17 ذو الحجة 1414 هـ

تحليل المصادر

تحليل المصادر

1 - كتب التأريخ

1 - كتب التأريخ: محمد بن اسحق: وكتابه (المبتدأ والمبحث والمغازي) أجود ما كتب في السيرة النبوية، وعقد آخره فصولاً تتعلق بالسقيفة وخلافة أبي بكر والردة وجملة من أخبار عصر الخلافة الراشدة. وقد سرد ابن اسحق في كتابه الآخر (تاريخ الخلفاء) روايات مفصلة عن ذلك العصر، لكن كتابه مفقود، ونجد مقتطفات منه في (تاريخ الطبري) وغيره. خليفة بن خياط: يعتبر تاريخ خليفة بن خياط (ت240 هـ) أقدم تاريخ حولي وصل إلينا، حيث فقدت كتب الحوليات التي ألفت قبله، وتظهر أهميته في دقة معلوماته، وحسن انتقاء رواياته، وانتماء مؤلفه إلى مدرسة المحدثين حيث يهتم بذكر الأسانيد، وقد أعطى اهتماماً خاصاً لجداول الولاة والقضاة، كما اهتم بأحداث الفتنة في خلافة عثمان حيث أثرت رواياته على رؤية أهل السنة والجماعة لتلك الأحداث لما يتمتع به خليفة من توثيق، ولكثرة إيراده لمرويات أهل الحديث، مما جعله مصدراً تطمئن إليه نفوس الباحثين في تاريخ صدر الإسلام حيث تؤثر الأهواء المتنوعة في توجيه الروايات وانتقائها.

محمد بن سعد (ت 230هـ)

محمد بن سعد (ت 230هـ) (¬1): إن كتاب الطبقات الكبرى لمحمد بن سعد يترجم لرواة الحديث من الصحابة والتابعين ومن بعدهم إلى طبقة شيوخ المؤلف، ويطيل ذكر أخبارهم ومكانتهم وصفاتهم الخلقية والخُلُقية وملابسهم وعاداتهم، ومنهم خلفاء وأمراء وقادة فيقدم معلومات غنية عن التأريخ السياسي والحضاري والثقافي، وطول التراجم في الصحابة والتابعين أكثر من المتأخرين. وتزداد أهمية الكتاب لكون ابن سعد حظي بتوثيق المحدثين، لكنهم عابوا عليه أخذه عن الضعفاء كهشام بن الكلبي ومحمد بن عمر الواقدي. وقد صنف الواقدي كتابا في الطبقات نقل عنه ابن سعد ما لا يقل عن ربع كتابه (¬2). ولكن من الإجحاف لابن سعد أن نقتنع بقول ابن النديم عنه أنه صنف كتبه من تصنيفات الواقدي (¬3)، لأن ابن سعد استقى من مصادر أخرى كثيرة حتى بلغ عدد شيوخه في الطبقات الكبرى أكثر من ستين شيخا معظمهم من المحدثين، ويزيد ما نقله عن أبي نعيم الفضل بن دكين وعفان بن مسلم وعبيد الله بن موسى العبسي ومعن بن عيسى الأشجعي مجتمعين على ما نقله عن الواقدي، فكيف وقد نقل عن غيرهم أيضا!!. وبذلك يتضح ما في اتهام ابن النديم له من مجازفة وبعد عن الحق (¬4). لقد أورد ابن سعد 168 رواية عن خلافة الصديق رضي الله عنه، منها 36 رواية فقط من طريق الواقدي، أي أقل من ربعها، ويقدم معلومات مفصلة ينفرد ¬

_ (¬1) راجع أكرم العمري: مقدمه التأريخ خليفة بن خياط 3. (¬2) أكرم العمري: بحوث في تاريخ السنة المشرفة 80. (¬3) ابن النديم: الفهرست 151. (¬4) أكرم العمري: بحوث في تاريخ السنة المشرفة 80.

البلاذري

بكثير منها (¬1). وغالب رجال أسانيده معروفون لهم تراجم في الكتب ماعدا شيوخ شيخه الواقدي (¬2). ويلاحظ أنه في أحداث الفتنة زمن عثمان رضي الله عنه لم يرو عن سيف بن عمر إطلاقاً (¬3). البلاذري: أحمد بن يحيى بن جابر (ت 279 هـ- 892 م)، نشأ في بغداد من عائلة مارس بعض رجالها صنعة الكتابة، وورث "البلاذري عنهم هذه الصناعة، ورحل في الأمصار الإسلامية لطلب العلم، وصار أحد النقلة عن اللسان الفارسي، وقد ترجم كتاب (عهد أردشير، ونظمه شعراً) (¬4). ويعد البلاذري أبرز المؤرخين المسلمين بعد الطبري من حيث سعة المعلومات التي دونها والفترات التاريخية التي غطاها، لكن كتابه (أنساب الأشراف) أحسن انتقاء للروايات وأنقى أسانيد وأكثر اتفاقاً مع روايات أهل الثقة والصدق من تأريخ الطبري. وأنساب الأشراف يتناول التاريخ الإسلامي في إطار الأنساب "ابتداء بالأسر ¬

_ (¬1) عبد العزيز بن سليمان المقبل: خلافة أبي بكر الصديق ص 17 (رسالة ماجستير مقدمة للجامعة الإسلامية مكتوبة بالآلة). (¬2) محمد عبد الله الغبان: فتنة مقتل عثمان بن عفان 1: 16 (رسالة ماجستير مقدمة للجامعة الإسلامية مكتوبة بالآلة الطابعة). (¬3) المصدر نفسه 1: 16. (¬4) شاكر مصطفى: التأريخ العربي والمؤرخون 1: 243، ومحمد صامل السلمي: منهج كتابة التأريخ الإسلامي 388 - 389.

والعشائر والقبائل القرشية، وانتهاء بغيرها من القبائل العربية" (¬1). وباستقراء مشايخ البلاذري نجد أغلبهم توفي قبل وفاة البلاذري بأكثر من عشرين عاماً تقريباً، مما يدل على أنه صنف كتابه قديماً قبل مرضه، وبمقارنة رواياته بروايات غيره كابن سعد وخليفة نجدها متفقة مع الروايات الحسنة والصحيحة التي أوردتها كتب السنة والتاريخ، لذلك فإذا حدث في رواياته ضعف أو شذوذ فهو من قبل الرواة الذين نقل عنهم لا منه هو (¬2). وقد استقى رواياته في أحداث الفتن من ثقات المحدثين من شيوخ البخاري ومسلم في الصحيحين مثل عفان بن مسلم، وأحمد بن إبراهيم الدورقي، وعلي بن المديني وعمرو بن محمد الناقد، وأبي بكر بن أبي شيبة، وأبي خيثمة (¬3). كما أفاد من مؤلفات شيوخه البغداديين مثل القاسم بن سلام، وعلي بن محمد المدائني، ومحمد بن سعد، وابن الأعرابي، وعلي بن عبد الله المديني، ومصعب الزبيري، ومحمد بن حبيب البغدادي، وعمر بن شبَّة (¬4). وقدَّم البلاذري كتاباً آخر للمكتبة التأريخية وصل إلينا، وهو (فتوح البلدان) تناول فيه قصة فتح كل مصر على حدة، وذكر معلومات مهمة تخص الحياة الاقتصادية والإدارية والثقافية مما يغني دراسة معاملة الفاتحين لسكان المناطق المفتوحة. وتجلى أهميته لاعتماده على مصادر محلية في كل مصر (¬5). ¬

_ (¬1) إحسان صدقي العمد: مقدمته للقسم الخاص بأبي بكر الصديق وعمر بن الخطاب من أنساب الأشراف للبلاذري ص 10، ط. الكويت. (¬2) عبد الحميد علي ناصر محمد: خلافة علي بن أبي طالب ص 13. (¬3) عبد الحميد علي ناصر محمد: خلافة علي بن أبي طالب ص 14. (¬4) إحسان صدقي العمد: مقدمته ص 10. (¬5) شاكر مصطفى: التأريخ العربي والمؤرخون 1: 243.

ابن عبد الحكم

ابن عبد الحكم: أبو القاسم عبد الرحمن بن عبد الله بن عبد الحكم المصري (187 - 257 هـ) وهو ينتمي إلى أسرة علمية، فأبوه فقيه مالكي كبير له مؤلفات فقهية وكتاب سيرة عمر بن عبد العزيز، وإخوته الثلاثة فقهاء محدثون. ألَّف ابن عبد الحكم كتباً أشهرها فتوح مصر وأفريقية وقد تناول أخبار الفتح الإسلامي لمصر في خلافة عمر رضي الله عنه، وتحدث عن خطط الفسطاط، والخراج ومقداره وكيفية جبايته، وحفر خليج أمير المؤمنين، وإدارة مصر في ولاية عمرو بن العاص ثم ولاية عبد الله بن أبي السرح، وجهود الواليين في الفتح. ويعتمد عادة على رواية أساسية ثم يبين ما في الروايات الأخرى من زيادات أو مخالفات. وأحيانا يجمع الأسانيد، وغالب أسانيده مستقيمة ورجالها معروفون، ولم يكثر من الرواية عن الأخباريين المعروفين (¬1). الأزدي: أبو إسماعيل محمد بن عبد الله الأزدي البصري (عاش في القرن الثاني الهجري) ألف كتاب (فتوح الشام)، وهو أقدم ما وصل إلينا في موضوعه حيث فقد كتابا محمد بن اسحق (ت 151 هـ) وأبي مخنف لوط بن يحيى (¬2). ويقدم الكتاب تفاصيل عن فتوح الشام تبدأ بوصف مشاورة الصديق رضي الله عنه لكبار الصحابة في عزمه على فتح الشام، ويسجل آراء عدد منهم، ثم يعرض ¬

_ (¬1) محمد بن صامل السلمي: منهج كتابة التأريخ الإسلامي 383 - 387. (¬2) ابن النديم: الفهرست 93، وابن حجر: الإصابة 4: 4.

ابن شبة

لاستنفار الناس وقدومهم إلى المدينة وخاصة أهل اليمن، ويصف الحملات المتعاقبة ووصايا الصديق لقادتها وردودهم عليه، ثم يعرض للمعارك دون ترتيبها على السنين مكتفياً بتسجيل التواريخ في ثنايا الروايات. وقد حفظ عدداً كبيراً من الرسائل المتبادلة بين الصديق وقادته والفاروق وقادته مما لم يرد في المصادر التأريخية الأخرى، وأحياناً يرد ولكن من طريق أخرى أو مقتضباً (¬1). وقد أورد الأزدي 93 إسناداً، وهي تكشف عن بعض مصادره، ومعظمها رواة من قبيلة الأزد التي ينتمي إليها، وقد أشاد بمواقفها في الفتح (¬2). ابن شبَّة: عمر بن شبة النميري (ت 267 هـ) , "كان ثقة عالماً بالسير وأيام الناس، وله تصانيف كثيرة" (¬3). وقد وصل إلينا كتابه (تأريخ المدينة) ويقدم معلومات غزيرة عن عصر الخلافة الراشدة، وخطط المدينة المنورة- عاصمة الخلافة- وهو ينتقي الروايات فترتفع نسبة الروايات الصحيحة والحسنة عما في المصادر الأخرى، وينفرد بعدد كبير من الروايات، ولم تفد الدراسات الحديثة منه لتأخر نشره. وإذا كان ابن شبة في تأريخ المدينة قد فصل أخبار الخلفاء الراشدين في المدينة، فإنه قد تابع أخبارهم في كتابه الآخر (تأريخ البصرة) وهو مفقود لكن الحافظ ابن حجر في (فتح الباري شرح صحيح البخاري) أورد قطعة منه تتناول ¬

_ (¬1) أكرم العمري: دراسات تأريخية 69 - 79. (¬2) المصدر السابق 69 - 79. (¬3) الخطيب: تأريخ بغداد 11: 208.

اليعقوبي

وقعة الجمل (¬1) ولكن ابن حجر انتقى الروايات الصحيحة والحسنة وأهمل الروايات الأخرى. اليعقوبي: أحمد بن أبي يعقوب اسحق (ت 284 هـ) مؤرخ شيعي إمامي، عمل في كتابة الدواوين في الدولة العباسية، وهو رحالة جغرافي أفاد من الدواوين الرسمية والملاحظة المباشرة في رحلاته في تأليف كتاب (التاريخ) وكتاب (البلدان)، وبدأ. تأريخه ببدء الخليقة ثم أخبار الأنبياء وتواريخ الأمم قبل الإسلام، وذلك في القسم الأول من كتابه. أما القسم الثاني فتناول السيرة وعصر الخلافة الراشدة والدولة الأموية والعباسية حتى سنة 259 هـ، وقد سمى مصادره في هذا القسم وهم أحد عشر أخبارياً ومنجمان أخذ عنهما الطوالع والنجوم (¬2). ويقسم بالاقتضاب من ناحية (¬3)، وبالانحياز العقدي من ناحية أخرى. ويحتاج إلى دراسة نقدية تعيد الروايات إلى مصادرها الأولية، وتنظر في أسانيدها ومتونها ومدى سلامتها من العلل وما وافق روايات الثقات والصدوقين من أهل الأخبار أو خالفها. ابن قتيبة الدينوري: عبد الله بن مسلم (213 - 270 هـ) وهو عالم كبير في القرآن والحديث ¬

_ (¬1) ابن حجر: فتح الباري 13: 54 - 56. (¬2) شاكر مصطفى: التأريخ العربي والمؤرخون 1: 249 - 253، ومحمد بن صامل السلمي: منهج كتابة التأريخ الإسلامي 426 - 432. (¬3) يتناول تأريخه المطبوع عصر الراشدين في 92 صفحة من ص 123 إلى ص 215.

الطبري

واللغة وثقة النقاد (¬1)، وله عناية بالأخبار حيث صنف كتاب (المعارف) و (وعيون الأخبار) فأما كتاب المعارف "فلعل ابن قتيبة وضعه لسد حاجة الكتاب والناس إلى تأريخ موجز يحوي المعلومات الأساسية، أو لعله وضعه مشروعاً لكتابة تأريخ عالمي يبدأ بالخليقة وينتهي في عهد المعتصم، شاملاً تأريخ الأنبياء وأنساب العرب والسيرة والصحابة والتابعين، والخلفاء، وأصحاب الرأي والنسب والأخبار والحديث والشعر، والولاة، وصناعات الأشراف، وأخبار الملوك العرب والعجم .. ومصادره تعتمد على الكتب والروايات الشفهية فهو ينقل عن ابن اسحق والواقدي والكلبي" (¬2) أما عيون الأخبار "فهو يتناول التأريخ الحضاري لا ظل للسياسة والأحداث والزمن المتسلسل فيه" (¬3). وينسب له خطأ كتاب (الإمامة والسياسة). الطبري: محمد بن جرير (224 - 310 هـ) , إمام في التفسير والفقه والتأريخ، اشتهر بكتابيه في التفسير والتأريخ وكلاهما موسوعة كبيرة في فنه، ويهمنا معرفة أهمية تأريخه في دراسة عصر الخلافة الراشدة، فهو أوسع المصادر في ذكر أخبار ذلك العصر، فقد اعتمد على كتب الإخباريين الذين صنفوا كتباً في الأحداث المتنوعة التي شهدها عصر الخلافة الراشدة. فقد اعتمد في الردة على كتاب (الردة) لسيف بن عمر التميمي (ت 170 هـ) الذي عرف بميوله القبلية (تميم) والعراقية ¬

_ (¬1) منهم الخطيب البغدادي وابن تيمية والذهبي (تاريخ بغداد 10: 170 - 171، وتذكرة الحفاظ 2: 633، وسير أعلام النبلاء 13: 296 - 302). (¬2) شاكر مصطفى: التأريخ العربي والمؤرخون 1: 240، والدوري: نشأة علم التأريخ عند العرب 136. (¬3) شاكر مصطفى: التأريخ العربي والمؤرخون 1: 240.

ولم يحظ بتوثيق أحد من المحدثين، فهو متروك الرواية عندهم، ولكنه احتفظ بتقدير المؤرخين لقدرته على رسم صور الأحداث ببراعة واتساق، ولتقديمه تفصيلات واسعة ينفرد بها أحياناً كثيرة. واعتمد في الفتوح على كتاب (الفتوح) لسيف بن عمر التميمي أيضاً إلى جانب كتابين في فتوح الشام والعراق لأبي مخنف لوط بن يحيى (ت 157 هـ) - وهو كوفي ميوله الشيعية قوية- بالإضافة إلى كتب علي بن محمد المدائني وسيف بن عمر وعمر بن شبة، وأما في فتنة مقتل عثمان رضي الله عنه فاعتمد على كتب الواقدي وأكملها برواية سيف بن عمر، وعمر بن شبة، وابن اسحق (¬1). وأما موقعة الجمل وصفين فاعتمد فيهما على كتب علي بن محمد المدائني (ت 225 هـ) الذي عرف بشيخ الأخباريين، وألف كتباً كثيرة في موضوعات عصر الراشدين وغيرها. ورواياته معتدلة وأقرب إلى الاستقامة- على الأغلب-، وكذلك اعتمد على كتاب صفين لأبي مخنف لوط بن يحيى، وبدرجة يسيرة على كتاب (صفين) لنصر بن مزاحم (ت 212 هـ) وهو كوفي شيعي الميول انتقده علماء الحديث بشدة إما بسبب معتقده أو بسبب ضعف ضبطه أو للسببين معاً (¬2). واعتمد في قوائم أمراء الحج وولاة الأقاليم وأخبار المرابطين والغزاة على أبي معشر السندي والواقدي (¬3). وأفاد من كتاب (تأريخ الخلفاء) لمحمد بن اسحق (ت 151 هـ) وتأريخ ابن أبي خيثمة (ت 279 هـ) والتأريخ على السنين للهيثم بن عدي (ت 206 هـ) وكتب محمد بن عمر الواقدي (ت 207 هـ) وابن سعد (ت 230 هـ) صاحب الطبقات الكبرى في أخبار عصر الخلافة الراشدة. ولم يصرح الطبري بأسماء الكتب التي ينقل عنها مكتفياً بذكر أسماء ¬

_ (¬1) السلمي: منهج كتابة التأريخ الإسلامي 444. (¬2) الذهبي: ميزان الاعتدال 4: 253 - 254. (¬3) السلمي: منهج كتابة التأريخ الإسلامي 445.

المسعودي

المؤلفين لها ولكن يعرف ذلك من خلال تراجمهم وطبيعة محتويات رواياتهم. ويذكر الطبري روايات تأريخه بالأسانيد، ورغم أنه ينتقيها من كتب الأخباريين لكنه لم يحاول استخلاص الروايات الموثقة، بل ترك للقارئ حرية النقد والترجيح مكتفياً بالعزو إلى مصادره التي نفد معظمها، وبذلك حفظ لنا مادة تأريخية واسعة تحتاج دراستها إلى موازين نقدية واضحة قبل اعتمادها في التحليل والتعليل، لأنها تمثل مدارس فكرية وسياسية متنوعة، فلا غرابة إذا تضاربت آراؤها ورواياتها في الأحداث. وقد أطال في تراجم الخلفاء الراشدين وبسط أحداث الردة والفتوح والفتن مما جعله أوسع المصادر لعصر الخلافة الراشدة وخاصة في جوانب الحياة السياسية والنشاط العسكري. المسعودي: علي بن الحسين بن علي (ت 346 هـ)، ولد ونشأ ببغداد، ثم رحل منذ صباه لجمع المعلومات التأريخية والجغرافية، فتنقل في أرجاء العالم الإسلامي وخارجه، وألف كتبه العديدة التي تكشف عن تنوع ثقافته وسعة اطلاعه، وقد تناول عصر الخلافة الراشدة في كتابة (مروح الذهب ومعادن الجوهر) في 156 صفحة (من ص 325 - ص 481) ويرى الحافظ الذهبي أنه كان معتزلياً (¬1)، ويرى الحافظ ابن حجر بأن "كتبه طافحة بأنه كان شيعيا معتزلياً" (¬2). وخلص أحد دارسيه إلى أنه "ذو ميول شيعية قوية" وساق أدلة قوية تؤكد رأيه (¬3). ولم يذكر المسعودي أسانيد الروايات ولا أسماء المصنفات التي ينقل عنها ¬

_ (¬1) الذهبي: سير أعلام النبلاء 15: 569. (¬2) ابن حجر: لسان الميزان 4: 225. (¬3) سليمان بن عبد الله السويكت: منهج المسعودي في كتابة التأريخ 74.

ابن أعثم الكوفي

كل خبر، مكتفياً بقائمة الكتب التأريخية التي ساقها في مقدمة كتابه، ويبرز بينها مما يعرض لتأريخ عصر الراشدين كتب أبي مخنف لوط بن يحيى (ت 157 هـ) والهيثم بن عدي الطائي (ت 207 هـ) ومحمد بن عمر الواقدي (ت 207 هـ) وأبى الحسن علي بن محمد المدائني (ت 225 هـ) وأحمد بن يحيى البلاذري (ت 279 هـ). ويلاحظ أحد دارسيه أنه تفضل علياً على سائر الصحابة، وأنه يوحي بأن له الأفضلية في تولي الخلافة، ويصف مخالفته من الصحابة بالعثمانية ويتهمهم بالطمع، ويظهر انجازاً واضحاً في أحداث صفين. وبتعبير دارس آخر للمسعودي "كان يحاول تقديم رأى شيعي في التأريخ الإسلامي المبكر" (¬1). ابن أعثم الكوفي: أبو محمد أحمد بن أعثم الأزدي (توفي بعد سنة 320 هـ)، وهو مؤرخ شيعي، وكتابه من أوسع ما كتب في الفتوح، كما فصل أخبار حركة الردة، وقد اعتمد مصادر مفقودة، وترقى أسانيده- التي حفظتها نسخة خدا بخش- إلى عروة بن الزبير (ت 93 هـ)، ومحمد بن مسلم بن شهاب الزهري (ت 124 هـ)، ويزيد بن رومان الأسدي (ت 130 هـ)، ومحمد بن اسحق (ت 151 هـ)، ومحمد بن عمر الواقدي (ت 207 هـ)، ويبدو أنه يجعل رواية الواقدي هي الأساس في أخبار الردة ثم يضيف إليها من مصادر أخرى وخاصة في المواعظ والأشعار (¬2). كما أفاد من روايات أبى مخنف لوط بن يحيى، وهشام بن الكلبي، وعلي بن محمد المدائني (ت 225 هـ). ¬

_ (¬1) السويكت: منهج المسعودي 358 - 362. (¬2) عبد العزيز البيتي: ابن أعثم الكوفي، منهجه وموارده عن خلافة أبي بكر الصديق رضي الله عنه ص 139.

ابن حبيش

وتبدو عناية ابن أعثم بالشعر من كثرة إيراده في كتابه، وقد ساعد على هذا المنحى أن ابن أعثم كان شاعراً، وكذلك عني بسرد الخطب والرسائل المتبادلة، حيث ينفرد بمادة أدبية واسعة. وقد ساعد منهجه في حذف الأسانيد، وسوق الأراجيز والخطب على لسان الأبطال مباشرة على رسم الصور الملحمية الكاملة، واعتماد الأسلوب القصصي المتسلسل. ابن حبيش: أبو القاسم عبد الرحمن بن محمد الأنصاري (504 - 584 هـ)، ولد بالمرية، وقرأ القرآن، وتعلم الفقه والأدب والعربية، وفي سنة 530 هـ انتقل إلى قرطبة حيث أفاد من علمائها، وعاد سنة 534 هـ إلى المرية ومكث فيها حتى أسره الروم في استيلائهم عليها ثم أطلقوه فخرج منها عام 542 هـ إلى مرسية، ثم منها إلى جزيرة شقر متولياً قضاءها حتى سنة 554 هـ، ثم وكل إليه الخطبة بجامع مرسية، ثم تولى سنة 575 هـ قضاء مرسية لأبى يعقوب يوسف بن عبد المؤمن (558 - 580 هـ)، وفي هذه السنة شرع بتأليف كتابه الغزوات الضامنة الكافلة والفتوح الجامعة الحافلة الكائنة في أيام الخلفاء الأئمة الأول الثلاثة أبي بكر الصديق وأبي حفص الفاروق وأبى عمرو ذي النورين وهو في السبعين من عمره، وقد توفي وهو على قضاء مرسية عام 584 هـ. وقد وصف ابن حبيش بالنزاهة والأنصاف، وضيق الخلق وصرامة الأحكام، ولم يكن التأريخ بين العلوم التي درسها وهي القراءات والحديث واللغة والغريب، ولم يؤلف (الغزوات) إلا بناء على أمر يوسف بن عبد المؤمن أمير الموحدين الذي عينه قاضياً رغم مالكيته التي حاربها الموحدون! ولعل كبر سنه وضعف عزمه وتعيينه قاضياً عوامل تكمن خلف ثنائه على الموحدين حيث وصف ابن تومرت بالإمام

الكلاعي

المعصوم والمهدي المعلوم! ولكن تأخره في تصنيف كتابه المغازي لا يعني عدم اهتمامه بفن التأريخ، فقد نسخ عدداً من تواريخ الأندلسيين، ابن حيان والخشني وعياض، ورواها وعلق عليها (¬1). وقد انفرد ابن قاضي شهبة بالتصريح ببراعة ابن حبيش بالتأريخ، فلعله يقصد علم رجال الحديث حتى يتفق كلامه مع آراء أهل العلم الآخرين (¬2). وتظهر أهمية كتاب (الغزوات الضامنة) في اقتباسه من مصادر مفقودة في الردة والفتوح أهمها كتاب الردة للواقدي (ت 207 هـ)، وكتاب يعقوب بن محمد الزهري (ت 213 هـ) وفتوح الشام لسعيد بن الفضل (توفي أواخر القرن الثاني الهجري) والردة والفتوح لسيف بن عمر التميمي (ت 170 هـ)، وكذلك تبدو إضافاته في نطاق الوثائق والمكاتبات والرسائل وفي نطاق الشعر الذي انفرد ببعضه، فهو مصدر بديل عن المصادر الأصلية المفقودة في الردة والفتوح، لكنه ينزل إلى مستوى المصادر الثانوية في بقية الموضوعات. الكلاعي: أبو الربيع سليمان بن موسى (565 - 634 هـ)، محدث حافظ ثقة، أندلسي، عاش في عصر الموحدين (515 - 668 هـ) في مدينة بلنسية حيث أثر ازدهار العلم فيها على توجهه نحو الطلب ثم التأليف، ودفعه الصراع بين المسلمين والنصارى في الأندلس إلى المشاركة في أحداث الجهاد. وقد استشهد في معركة قريب بلنسية وهو في السبعين من العمر حاملاً لراية المسلمين. وقد تولى الكلاعي القضاء في بلنسية، وهو فقيه مالكي، وعرف سجله ¬

_ (¬1) طلال بن سعود الدعجاني: مقدمته للغزوات الضامنة ص 3103. (¬2) المصدر السابق 3105.

القضائي بالعدل والفضل والسيرة الحميدة، كما تولى الإمامة والخطابة في جامع بلنسية. وتدل عناوين مؤلفاته وهي تسعة كتب في الحديث، وستة في علم الرجال والتراجم وعشرة في الأدب (الرسائل والخطب والشعر). وكتاب (المغازي) على طبيعة ثقافته فهو يجمع بين الحديث والتأريخ والأدب، ورغم توليه القضاء فإنه لم يؤلف في الفقه والفتاوى وأدب القضاء. إن الكتاب الوحيد الذي وصل إلينا هو (المغازي) الذي تناول فيه السيرة وعصر الخلافة الراشدة إلى نهاية خلافة عثمان رضي الله عنه. وقد أفاد في كتابه من تهذيب ابن هشام لمغازي محمد بن اسحق المطلبي (ت 151 هـ) (¬1)، وأهمل كتاب المغازي للواقدي مع اطلاعه عليه (¬2) "ولكني رأيته كثيراً ما يجري مع ابن اسحق، فاستغنيت عنه به لفضل فصاحة ابن اسحق". وقد عمد إلى تلخيص رواية ابن اسحق وتخليصها من اللغات وكثير من الأنساب والأشعار (¬3). وأفاد في الفتوح من كتاب الردة والفتوح لسيف بن عمر التميمي (ت 180 هـ) ومن كتاب لأبي عثمان سعيد بن الفضل (توفي أواخر القرن الثاني) وكتاب فتوح الشام لأبي إسماعيل محمد بن عبد الله الأزدي البصري (توفي في القرن الثاني الهجري) وكتاب محمد بن عمر الواقدي (ت 207 هـ) وعلي بن محمد المدائني (ت 225 هـ) والتأريخ الكبير لابن أبي خيثمة (ت 279 هـ) وكتاب أخبار المدينة للزبير بن بكار (ت 256 هـ) وتأريخ الطبري (ت 310 هـ) (¬4). وصرَّح بأنه ينتحل من كتاب ¬

_ (¬1) الكلاعي: مقدمة الاكتفا لوحة 1. (¬2) المصدر السابق لوحة 2. (¬3) الكلاعي: الاكتفا لوحة 4. (¬4) جمال محمد صادق القاضي: فتوح الشام من كتاب الاكتفا 142، 150، 153.

المحب الطبري (ت 694هـ)

شيخه أبي القاسم بن حبيش المسمى بـ (الغزوات الضامنة) (¬1). وليس من منهجه النقل الحرفي من المصادر، بل كثيراً ما يتصرف في الروايات، من حذف وربط وتهذيب وتلخيص وتقريب، وقد وضح منهجه في التأليف بما يوفر على الباحث الاستقراء للوصول إليه. وكتابه ساهم بشكل كبير في حفظ روايات متعددة، ونقول هامة، ورسائل عظيمة من الخليفة إلى أمراء الأجناد، ومنهم إلى الخليفة قد لا نجدها في مصدر آخر (¬2). المحب الطبري (ت 694هـ): وكتابه (الرياض النضرة في مناقب العشرة) اعتمد فيه على بعض المصادر المفقودة كالسيرة للملائي، وحذف أسانيد الروايات، وقدَّم قائمة جيدة بمصادر في بداية كتابه ولا تقدم روايات كتابه إضافة علمية على المصادر الأولية التي بين أيدينا (¬3) محمد بن يحيى الأشعري المالكي- ابن بكر- (ت 741هـ): وكتابه (التمهيد والبيان في مقتل الشهيد عثمان)، وهذا الكتاب يكاد أن يكون ملخصاً لروايات سيف بن عمر التميمي ومعظمها في تأريخ الطبري، ولكن المؤلف يُشعر بأنه يستقى من كتاب سيف مباشرة، فلعله اطلع عليه (¬4). ¬

_ (¬1) الكلاعي: مقدمة الاكتفا لوحة 4. (¬2) خورشيد أحمد: تأريخ الردة 11. (¬3) محمد بن عبد الله الغبان: فتنة مقتل عثمان بن عفان رضي الله عنه ص 20 (رسالة ماجستير من الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة، بإشراف أكرم العمري). (¬4) المصدر السابق ص 21.

ابن كثير (ت 774 هـ)

ابن كثير (ت 774 هـ): يعتبر كتاب البداية والنهاية لابن كثير موسوعة تاريخية شاملة أرخ فيها لبدء الخليقة وتاريخ الأنبياء وتاريخ العرب قبل الإسلام، كما أرخ للسيرة النبوية بتفصيل كبير معتمداً على سيرة ابن هشام عن البكائي وعدد آخر من رواة السيرة عن ابن اسحق مثل يونس بن بكير (بواسطة البيهقي وابن عساكر) الذي له زيادات على سيرة ابن اسحق التي يرويها، ويحيي بن سعيد الأموي (بواسطة مغازي ابنه سعيد بن يحيى بن سعيد الأموي) وسلمة بن الفضل (بواسطة الطبري) (¬1). وبذلك تمكن ابن كثير من رسم صورة لأحداث السيرة النبوية أوسع نطاقاً من سيرة ابن هشام بالإضافة إلى ملحوظاته النقدية الهامة على أسانيد ومتون الروايات، مما يجعله في طليعة الآخذين بالمنهج النقدي التأريخي .. وأما في عصر الراشدين فقد اعتمد في الأساس على تأريخ الطبري وأضاف إليه في مادة التراجم من تأريخ الإسلام للحافظ الذهبي وخاصة في الوفيات. إن الأهمية الحقيقية لهذا المصدر التأريخي في تاريخ صدر الإسلام ترجع إلى سعة نطاقه وظهور بدايات النقد التأريخي فيه أكثر من حفظه لنصوص تأريخية أولية، فمصادر ابن كثير في هذه الفترة وما سبقها محدودة جدا وهي مطبوعة حيث اعتمد على تأريخ ابن عساكر ودلائل النبوة للبيهقي والطبري وابن هشام في نقل روايات قدامى الأخباريين والمحدثين مثل عروة بن الزبير والزهري وموسى بن عقبة ومحمد بن اسحق وأبي معشر السندي والواقدي وسليمان بن طرخان وعلي بن محمد المدائني وأبي مخنف وعوانة بن الحكم وخليفة بن خياط ومحمد بن سعد ويعقوب بن سفيان، وبذلك ينبغي أن يعد مصدراً ثانوياً في دراسة بدء الخليقة وتاريخ الأنبياء ¬

_ (¬1) شمس الله محمد صديق: منهج ابن كثير وموارده 398.

الذهبي

وعصر السيرة والراشدين حيث أن مصادره التي اعتمدها مطبوعة ولكنه يبقى مصدراً بديلاً لما فقد وهو كتاب صفين لابن ديزيل وكتاب مغازي سعيد بن يحيى الأموي حيث يحتفظ ابن كثير بعدد من الروايات عن هذين الكتابين (66 نصاً من مغازي سعيد الأموي). أما في علم الرجال ونقد الأسانيد فقد اعتمد على كتاب له سماه (التكميل في الثقات والضعفاء والمجاهيل) وهو يعتمد فيه أساساً على تهذيب الكمال لشيخه المزي، وميزان الاعتدال لشيخه الحافظ الذهبي، مع زيادات التقطها من مصادر أخرى. ويحتمل أن الأحاديث التي أوردها في كتابه (البداية والنهاية) مقدماً فيها مسند أحمد فالصحيحين ثم بقية مصادر الحديث اعتمد فيها على كتابه الضخم (جامع المسانيد) كما أحال على كتابه (الأحكام الكبرى) حيث فصل فيه النقد الحديثي. ويبدو أن ابن كثير كان يصنف عدة كتب في وقت واحد يساعده على ذلك القدر الكبير المشترك بينها من الروايات. ولاشك أن مصادره المحدودة التي اطلع عليها زودته بمادة المصادر الأولية الوفيرة التي تربو على مائتي مصنف. الذهبي: وكتابه (تأريخ الإسلام- عصر الخلفاء الراشدين-)، وهو يعتبر مصدراً ثانوياً بالنسبة للعديد من المؤلفات التي وصلت إلينا والتي اقتبس منها مثل سيرة ابن هشام، وطبقات ابن سعد، وصحيح البخاري، وصحيح مسلم، وموطأ مالك، وسنن أبي داؤد، وسنن الترمذي، وسنن النسائي، ومسند أحمد، وتأريخ خليفة بن خياط وطبقاته، ومغازي الواقدي، وتاريخ الطبري، في حين يرتقي إلى مصدر بديل عندما ينقل من مؤلفات مفقودة مثل مغازي عروة، ومغازي ابن شهاب الزهري (راويه

2 - كتب الحديث

الموقري)، ومغازي موسى بن عقبة، وكتب علي بن محمد المدائني، والردة والفتوح لسيف بن عمر التميمي، وكتب هشام بن الكلبي، وتأريخ نيسابور للحاكم وهو يسوق الروايات من المصنفات التي تملك حق روايتها بالسماع أو بالإجازة، ويذكر أسانيد مؤلفيها إلى أعلى الرواية (شاهد العيان من الصحابة والتابعين) وأحياناً يختصر أسانيدهم فيحذف أولها ويذكر أعلاها فقط، أما سند الذهبي إلى مصنف الكتاب فهو يحذفه للاختصار .. وقد رتب الذهبي كتابه على السنين، فيسوق أحداث السنة ثم يترجم لعدد من الصحابة الذين توفوا في تلك السنة. 2 - كتب الحديث: توجد مجموعان مهمتان من كتب الحديث، الأولى مرتبة على الموضوعات والثانية مرتبة على مسانيد الصحابة. وتضم المجموعتان أحاديث بأسانيد المصنفين إلى النبي صلى الله عليه وسلم وتتناول العقيدة والشريعة والآداب والفضائل والرقائق، وموضوعات أخرى منها أخبار تأريخية متناثرة، لكنها تتركز عادة في كتاب المغازي في العديد من المصنفات الحديثية المرتبة على الموضوعات، في حين أن روايات عصر الخلافة الراشدة تكون متفرقة في كتب وأبواب عديدة منها فضائل الصحابة والفتن والجهاد وقصة الشورى ... ورغم الاقتضاب الذي تتسم به معظم الروايات الحديثية، لكنها أحيانا تقدم تفصيلات دقيقة، كما أنها حظيت بمجهودات نقدية رائعة وخاصة في صحيحي البخاري ومسلم وبدرجة أدنى في صحيح ابن خزيمة وصحيح ابن حبان ومستدرك الحاكم وبقية الكتب الستة التي حظيت بانتقاء وتدقيق دون الاقتصار على الصحيح وهي سنن أبي داود والنسائي والترمذي وابن ماجة، ثم سنن الدارمي والدارقطني وسعيد بن منصور والبيهقي، وكذلك مستخرج أبي عوانة وأبي نعيم والإسماعيلي والبرقاني. وأما مجموعة المسانيد الحديثية فيتقدمها مسند الإمام أحمد

بن حنبل في قدمه وسعته وعنايته بأخبار عصر الخلافة الراشدة، ثم مسانيد اسحق بن راهويه والبزار والطيالسي. ولابد من الإشارة هنا إلى أهمية معجم الطبراني الكبير ومصنفي عبد الرزاق بن همام الصنعاني وابن أبي شيبة. فأما "المصنف" لعبد الرزاق بن همام الصنعاني (126 - 211 هـ) فهو جامع كبير، أسانيده عالية، وتتركز الأخبار التأريخية في "كتاب المغازي" منه (¬1)، وأما أخبار عصر الراشدين فهي منثورة. وأما "كتاب المصنف في الأحاديث والآثار" لابن أبي شيبة: أبو بكر عبد الله بن محمد بن أبي شيبة الكوفي العبسي (ت 235 هـ)، وهو محدث حافظ ثقة (¬2)، فيضم 37943 حديثاً وأثراً، وهو مرتب على الأبواب الفقهية، ويضم الصحيح والحسن والضعيف والواهي، وقد بلغت نسبة الصحيح من الروايات التي تتعرض للحياة المالية في خلافة عمر رضي الله عنه 23 بالمائة من مجموع الروايات البالغ عددها 150 رواية (¬3). ورواياته مسندة وأكثر رجاله من رجال الكتب الستة (¬4) وتتركز مادة المصنف التأريخية في كتاب التأريخ، والجمل، وصفين، والخوارج، والمغازي. ومن الحق ذكر كتاب (فتح الباري شرح صحيح البخاري) لابن حجر العسقلاني (ت 852 هـ)، وهو مؤلف كبير يقع في ثمانية آلاف ومائة وست وخمسين صفحة (8156 صفحة)، رتبه ابن حجر- وفق ترتيب صحيح البخاري- على أبواب الفقه، ولذلك فإن مادته التأريخية متناثرة، لا يمكن تقويمها ومعرفة ¬

_ (¬1) انظر المجلد الخامس 313 - 492. (¬2) ابن حجر: تقريب التهذيب 1: 445. (¬3) عبد السلام محسن آل عيسى: النواحي المالية في خلافة عمر ص 31. (¬4) عبد الحميد علي ناصر: خلافة علي بن أبي طالب ص 11 (رسالة ماجستير بإشراف أكرم العمري).

أهميتها إلا بجمعها وترتيبها على أساس تأريخي، وقد نهض بهذه المهمة اثنان من الباحثين (¬1). وتظهر الدراستان النطاق الواسع للمادة التأريخية في فتح الباري، وتذلل المراجعة بالفهارس المفصلة، وتكشف عن المكتبة التراثية الهائلة التي استقى منها ابن حجر معلوماته (¬2)، وهي كتب حديث وتفسير وفقه وتاريخ ورجال ونسب وأخبار وأدب، وغالباً ما يحيل على أسماء المؤلفين دون ذكر عناوين كتبهم، ونادراً ما يحيل على المؤلفين وكتبهم (¬3). وقد يقتبس من المصادر اقتباساً حرفياً وقد ينقل بالمعنى، وقد يختصر الروايات. وأهميته كبيرة في حل إشكالات النصوص بمحاولة الجمع بينها فإن تعذر فإنه يقوم بالترجيح، وكذلك تتجلى أهميته في حكم ابن حجر على الروايات تصحيحاً وتحسيناً وتضعيفاً، وفي تعقيباته المتنوعة على المصنفين الذين ينقل عن مصنفاتهم. ولا شك أن بعض المؤلفات التي تسوق روايات ذات طبيعة فقهية تقدم معلومات مهمة عن النظم الإسلامية المالية والإدارية في عصر الخلافة الراشدة ويتقدمها كتاب (الأموال) لأبي عبيد القاسم بن سلام (ت 224 هـ) وهو أهم مصدر يتناول النظام المالي في تاريخ صدر الإسلام، حيث تناول أصناف المال من الغنائم والصفايا والفيء ومعاملة المناطق المفتوحة والمصالحة والعطاء والإقطاع والخمس والزكاة، وقد ذكر أسانيد الروايات. ¬

_ (¬1) يحيى بن إبراهيم اليحيى: الروايات التأريخية في فتح الباري- الخلافة الراشدة والدولة الأموية -جمع ودراسة (أطروحة دكتوراه من الجامعة الإسلامية سنة 1411 هـ بإشراف أكرم العمري). ومحمد الأمين الشنقيطي: السيرة النبوية في فتح الباري (أطروحة دكتوراه من الجامعة الإسلامية بالمدينة سنة 1413 هـ بإشراف أكرم العمري). (¬2) يحيى إبراهيم اليحيى: الروايات التأريخية في فتح الباري ص 34 - 106. (¬3) المصدر السابق ص 18.

ويرى عبد الله بن جعفر بن درستويه أن كتاب الأموال "من أحسن ما صنف في الفقه وأجوده" كما يرى أن أبا عبيد "عمد إلى مذهب مالك والشافعي فتقلد أكثر ذلك" (¬1). ولكن للطبري وابن سريج رأياً أخر، فقد سئلا عن كتب الفقه لأبي عبيد فقالا: "ليس بشيء، أما ترى كتابه في الأموال- وهو أحسن كتبه- كيف بني على غير أصل، واحتج بغير صحيح" ثم قالا: "ليس هؤلاء لهذا، بالحري أن تصح لهما اللغة، فإذا أردت الفقه، فكتب الشافعي وداود ونظرائهما" (¬2). وقد بلغت نسبة الروايات الصحيحة والحسنة إلى مجموع الروايات المتعلقة بالحياة الاقتصادية في خلافة عمر رضي الله عنه 35 بالمائة (¬3). والكتاب الآخر الذي تجدر الإشارة إليه هو (شرح معاني الآثار) لأبي جعفر أحمد بن محمد بن سلامة الأزدي الحنفي (ت 321 هـ) حيث يوضح بعض السوابق الفقهية في الخلافة الراشدة. إن هذه المصادر الأولية تقدم الروايات الأصيلة عن عصر الخلافة الراشدة، ولا شك أن ثمة مصادر ثانوية تردد صدى المصادر الأولية، ولا تكاد تقدم معلومات إضافية عن ذلك العصر، وإن بدت غنية بمعلومات عن عصور أخرى مثل (الكامل في التاريخ) لابن الأثير (ت 630 هـ) و (البداية والنهاية) لابن كثير. لكن ثمة مصدر متأخر هو (تاريخ الإسلام) للحافظ الذهبي (ت 748 هـ) يستحق التنويه بسبب نقله عن عدد من المصادر الأولية المفقودة، فصار مصدراً بديلاً عنها، كما أنه يعنى بالحكم على عدد كبير من الروايات تصحيحاً وتضعيفاً، ¬

_ (¬1) الخطيب: تاريخ بغداد 12: 405. (¬2) الذهبي: سير أعلام النبلاء 13: 102، 301. (¬3) عبد السلام محسن آل عيسى: النواحي المالية في خلافة عمر بن الخطاب ص 26 (أطروحة ماجستير بإشراف أكرم العمري).

3 - كتب علم الرجال

والذهبي ناقد كبير، ولرأيه أهمية فائقة، فإنه- كما قيل- من أهل الاستقراء التام. وقد آثر الذهبي أن يسوق الأسانيد المعلقة، مكتفياً بأسانيد تتألف عن راوٍ واحد إلى خمسة من الرواة، وتبدأ عادة بمصنف أو عالم معروف مثل عروة والزهري والوليد بن مسلم الدمشقي وموسى بن عقبة ومحمد بن اسحق وهشام بن عروة بن الزبير ومحمد بن عمر الواقدي وخليفة بن خياط ومحمد بن جرير الطبري. ولم يقتصر في نقله عن كتب التأريخ والأخبار والسير، بل نقل عن الكتب الستة وغيرها من مدونات الحديث. ويبدو للوهلة الأولى أن الذهبي ينقل من المصنفات الأولية وجادة، ولكن المدقق يتوقع أن يكون الذهبي قد ملك حق رواية الكثير من تلك المصنفات بالسماع والإجازة. 3 - كتب علم الرجال: إن كتب علم الرجال تقدم تراجم لرواة الحديث، ومنهم الصحابة رضوان الله عليهم الذين يمثلون جيل عصر السيرة والخلافة الراشدة، فهم الذين صنعوا البطولات التأريخية وحققوا الأمجاد التي تمثلت في وحدة الأمة وتربيتها وفق مفاهيم واضحة وتنظيمها سياسياً واجتماعياً واقتصادياً. ولا شك أن كتب معرفة الصحابة- أحد فروع علم الرجال- من أهم المصادر التي ترفدنا بمعلومات عن الصحابة. ويقف كتاب (فضائل الصحابة) لأحمد بن حنبل و (معرفة الصحابة) لأبي نعيم وكتاب (الإصابة في تمييز الصحابة) للحافظ ابن حجر العسقلاني في مقدمة هذا النمط من المصنفات. فأما (فضائل الصحابة) لأحمد بن حنبل (ت 240 هـ) ففيه

تراجم حافلة للخلفاء الراشدين "فقد بلغ مجموع الروايات المتعلقة بأبي بكر الصديق رضي الله عنه نحو خمسمائة رواية، شملت معلومات متفرقة عنه من الجاهلية إلى الوفاة، وأكثر من نصفها حول فضائله ومناقبه" (¬1). ومعظم روايات الكتاب صحيحة وفق مقاييس المحدثين، وتقل نسبة الصحيح في زيادات عبد الله بن أحمد بن حنبل، ويغلب الضعف على زيادات القطيعي (¬2). وأما (معرفة الصحابة) لأبى نعيم الأصبهاني (336 - 430 هـ) فهو من أهم كتب معرفة الصحابة، فقد "تهيأ لأبي نعيم من لقي الكبار ما لم يقع لحافظ" (¬3) وكان حافظاً ضابطاً عالي الأسانيد، عالماً بالحديث وطرقه، واسع الرواية، كثير المشايخ، كثير المصنفات (¬4)، أحصى له باحث معاصر 102 شيخ و 58 تلميذاً ومائة كتاب ورسالة (¬5). ومن مزايا الكتاب أن أبا نعيم ساق الروايات بأسانيدها الكاملة، مما يهيئ للنقاد العارفين فرصة الحكم عليها سنداً ومتناً. ومن مزاياه الحديثية أيضاً إكثاره ذكر الأحاديث وعللها، وقد انتقده ابن ¬

_ (¬1) عبد العزيز سليمان المقبل: خلافة أبي بكر الصديق رضي الله عنه- دراسة نقدية للروايات باستثناء حروب الردة- ص 16 (رسالة ماجستير بإشراف أكرم العمري). (¬2) وصي الله محمد عباس: مقدمة فضائل الصحابة 1: 41. (¬3) الذهبي: تذكرة الحفاظ 3: 1093. (¬4) محمد راضي عثمان: مقدمته لمعرفة الصحابة لأبي نعيم 1: 17، وابن كثير: البداية والنهاية 12: 45. (¬5) محمد راضي عثمان: مقدمته لمعرفة الصحابة لأبي نعيم 1: 30 - 55 ولم يبين أهمية الكتاب وموارد أبي نعيم فيه.

كثير لهذا السبب ولأنه لا يطيل نسب الشخص وأخباره وأحواله (¬1). فابن كثير ينظر إليه من زاوية المؤرخ وليس المحدث، رغم أن أبا نعيم صرَّح بأنه اقتصر على حديث أو حديثين أو أكثر من جملة مرويات الصحابة ولم يسق كل ما عنده عنهم، وقد أخَّر تراجم من لم يقع له حديث عنده (¬2). أما بقية المصنفات في علم الرجال، وخاصة كتب الجرح والتعديل فإنها تمدنا بمعلومات دقيقة عن أحوال الرواة الذين وصلت إلينا أخبار عصر الخلافة الراشدة عن طريقهم، فتميزهم بذكر أسمائهم ونسبهم ونسبتهم، وتكشف عن المتشابه من الأسماء، وتوضح مكانتهم في العلم وحالهم من التوثيق والتضعيف، وعلاقاتهم العلمية بشيوخهم وتلاميذهم مما يوضح الاتصال أو الانقطاع في أسانيد الروايات، وكل هذه المعلومات تخدم نقد أسانيد الروايات، كما أنها تبين اتجاهاتهم العقدية والسياسية مما يتيح الفرصة للناقد المعاصر ليعرف مدى تأثير اتجاهات الراوي على وجهة الرواية صياغة ومحتوى. ومن هنا يتبين مدى فائدة هذه المكتبة الرجالية في نقد المادة التأريخية فضلاً عن إمدادنا بمعلومات تاريخية جديدة. ويصعب الكلام عن هذه المؤلفات بالتفصيل لكثرتها، ولكن من المهم الالماح إلى كتاب (تقريب التهذيب) لابن حجر ففيه خلاصة الأحكام على الرواة، والى أصله (تهذيب التهذيب) لابن حجر ففيه تفاصيل كثيرة، والى أصله (تهذيب الكمال) للحافظ المزي حيث يمتاز بطول قوائم الشيوخ والتلاميذ وحسن ترتيبهم، وحرفية النقل عن المصادر الأولية. وتقترب التراجم من الكمال أكثر عندما نضيف كتاب (إكمال تهذيب ¬

_ (¬1) ابن الأثير: أسد الغابة 1: 5. (¬2) انظر: معرفة الصحابة لأبي نعيم، وأكرم العمري: بحوث في تاريخ السنة المشرفة 71 - 72.

الكمال للحافظ مغلطاي، فإنه يكمل الروايات التي أهملها المزي أو لم يقف عليها ومغلطاي واسع الاطلاع على المصادر الأولية ومما يكمل المعلومات عن الرواة، ومن أراد الوقوف على المصادر الأولية في علم الرجال، فربما وجد ضالته في الدراسات المعاصرة المتخصصة (¬1). ولابد لمن أراد أن يمارس نقد الروايات على طريقة المحدثين من دراسة كتب مصطلح الحديث وخاصة علم الجرح والتعديل وقواعد الجمع والترجيح عند العارض. كتاب (ميزان الاعتدال) للحافظ الذهبي، و (لسان الميزان) للحافظ ابن حجر وهما كتابان متخصصان بالضعفاء من الرواة، ولكن لا ينبغي أن نحكم بالضعف على جميع أصحاب التراجم فيهما، لوجود رواة تكلم فيهم النقاد بالتضعيف فأوردهم الذهبي في الميزان ثم دافع عنهم وانتهى إلى توثيقهم. وثمة رواة لا نجدهم في هذه المصنفات فلابد من التفتيش عنهم في كتب أخرى مثل (الجرح والتعديل) لابن أبي حاتم، و (الثقات) لابن حبان، و (تعجيل المنفعة) لابن حجر. وثمة رواة في القرن الرابع الهجري نحتاج إلى مراجعة تراجمهم في (تاريخ بغداد) للخطيب. وأما المتأخرون من رواة القرن الخامس والسادس فقد لا تشتد الحاجة إلى معرفة أحوالهم من الجرح والتعديل بالنسبة لمروياتهم عن عصر الخلافة الراشدة إذ غالباً ما يتحملون من مصنفات معروفة، وتحقيق الرواية يتم اعتباراً من مؤلف الكتاب إلى أعلى السند، إذا تم التحقق من صحة الأصول الخطية. ومن أجمع كتب معرفة الصحابة التي ألفت في القرون التالية واشتهرت واعتمدها الناس كتاب (أسد الغابة في معرفة الصحابة) لابن الأثير الجزري ¬

_ (¬1) راجع أكرم العمري: بحوث في تاريخ السنة المشرفة.

(ت 630 هـ)، وكتاب (الإصابة في معرفة الصحابة) لابن حجر العسقلاني (ت 852 هـ). فأما كتاب (أسد الغابة في معربة الصحابة) لابن الأثير الجزري فيقع في خمس مجلدات، وقد جمع فيه مؤلفه بين كتب معرفة الصحابة لابن منده وأبي نعيم الأصبهاني وأبي موسى محمد بن أبي بكر الأصفهاني وابن عبد البر، ويذكر عادة من خرج الترجمة من أصحاب الكتب الأربعة المذكورة برموز شرحها في مقدمة كتابه، وقد ذكر أنه اختار من كلام كل واحد منهم أجوده وما تدعو الحاجة إليه، ولم يقتصر على مادة هذه الكتب الأربعة، بل أضاف إليها مواداً من كتب أخرى عدد بعضها في مقدمة كتابه كما استدرك عليهم بعض الأغلاط. ومع ذلك فقد انتقد ابن حجر كتابه فقال: "إنه تبع من قبله فخلط من ليس صحابياً بهم وأغفل كثيراً من التنبيه على كثير من الأوهام الواقعة في كتبهم" (¬1). واهتم ابن الأثير بذكر الأنساب والأخبار وما يعرف بالصحابي أكثر من ذكر الأحاديث وعللها وطرقها لأنه يرى أن ذلك بكتب الحديث أشبه، وقد رتب التراجم على حروف المعجم بصورة دقيقة مما ييسر الكشف عن الأسماء، ويبدأ بذكر الأسماء ثم الكنى ثم النساء (¬2). وأما كتاب (الإصابة في تمييز الصحابة) لابن حجر فهو من أجمع كتب معرفة الصحابة، استخلص مؤلفه مادته من كتب معرفة الصحابة التي ألفت قبله وعددها كبير جداً، كما أفاد من كتب الجرح والتعديل وتواريخ المدن المحلية وكتب ضبط الأسماء وكتب الحديث والتفسير والرقائق وأفاد من كتب الأنساب والأخبار واللغة والأدب. ومعظم اقتباساته عن هذه الكتب مباشرة مما يدل على اطلاعه عليها وإفادته منها. ويقع الكتاب في أربع مجلدات، منها المجلدات الثلاثة الأولى في تراجم من ¬

_ (¬1) ابن حجر: الإصابة 1: 4. (¬2) ابن الأثير: أسد الغابة 1: 604.

عرفوا بأسمائهم ويبلغ عدد التراجم 9477 ترجمة، أما المجلدة الرابعة فتناول فيها من عرفوا بكناهم وبلغ عددهم 1268 علماً، كما تناول فيه تراجم النساء وبلغ عددهن 1522 امرأة، بدأ بمن عرفن بالأسماء ثم بمن عرفن بالكنى. فيكون عدد تراجم الكتاب 12267 ترجمة، وليس كل من ذكرهم ممن ثبتت صحبتهم حيث بين في مقدمة كتابه أنه ذكر فيه أربعة أقسام، القسم الأول من وردت صحبته بطريق الرواية عنه أو عن غيره سواء كانت الطريق صحيحة أو حسنة أو ضعيفة أو وقع ذكره بما يدل على الصحبة بأي طريق كان. والقسم الثاني فيمن ذكر في الصحابة من الأطفال الذين ولدوا في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ومات وهم دون سن التمييز ... لغلبة الظن على أنه صلى الله عليه وسلم رآهم. والقسم الثالث فيمن ذكر في الكتب المتقدمة عليه من المخضرمين الذين أدركوا الجاهلية والإسلام ولم يرد في خبر قط أنهم اجتمعوا بالنبي صلى الله عليه وسلم ولا رأوه سواء أسلموا في حياته أم لا، وهؤلاء ليسوا صحابة باتفاق. والقسم الرابع فيمن ذكر في الكتب المتقدمة أنه صحابي على سبيل الوهم والغلط وبيان ذلك. وقد رتب ابن حجر تراجمه على حروف المعجم مبتدئاً في كل حرف بالقسم الأول ثم الثاني ثم الثالث ثم الرابع. ويذكر في الترجمة عادة من خرج حديث الصحابي (صاحب الترجمة) من أصحاب السنن وغيرهم من المصنفين في الحديث. ويهتم بالتعريف بنسب الصحابي ويذكر نموذجاً أو أكثر من حديثه، وربما ساق بعض أخبار الصحابي في الغزوات أو الحوادث المهمة ويسجل وقت وفاته إذا عرفت. ولا شك أن ابن حجر بإفادته من ملاحظات واستدراكات سابقيه من المصنفين وبإضافاته المهمة وتنبيهاته الدقيقة ضمن كتابه فوائد جليلة لا تتوفر في كتب معرفة الصحابة الأخرى وإن كان لها فضل السبق والتمهيد له.

المراجع الحديثة

المراجع الحديثة: إن أهم المراجع الحديثة التي أفدت منها في أبواب الكتاب المتعلقة بشخصية الخلفاء والفتن الداخلية والاقتصاد هي الأطروحات والرسائل الجامعية التي أشرفت عليها في الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة، والتي التزمت منهج النقد عند المحدثين في نقد الروايات التأريخية، وهي تمثل عملا رائعا ورائدا في هذا الميدان المهم، وآمل أن يخرج إلى النور في أقرب وقت. وهذه الرسائل هي (خلافة أبي بكر الصديق) لعبد العزيز المقبل، و (النواحي المالية في خلافة عمر بن الخطاب) لعبد السلام محسن آل عيسى، و (خلافة عثمان بن عفان) لمحمد بن محمد علي العواجي، و (فتنة مقتل عثمان بن عفان) لمحمد عبد الله الغبان، و (خلافة علي بن أبي طالب) لعبد الحميد بن علي ناصر فقيهي، وجميعهم محاضرون في الجامعة الإسلامية بالمدينة، و (الروايات التأريخية في فتح الباري- عصر الخلافة الراشدة) للدكتور يحي إبراهيم اليحي، وقد أنجزت هذه الرسائل والأطروحات خلال 1408 إلى 1412 هـ. أما في بقية أبواب الكتاب فقد اعتمدت على محاضراتي التي كنت قد ألقيتها على طلبة كلية الآداب بجامعة بغداد ما بين سنة 1967 - 1976 م، وذلك بعد أن نقحتها وأضفت إليها من المصادر القديمة والمراجع الحديثة التي نشرت بعد كتابتها الأولى.

الباب الأول: السياسة (الخلافة والخلفاء)

الباب الأول: السياسة (الخلافة والخلفاء)

الفصل الأول: الخلافة

الفصل الأول: الخلافة

المبحث الأول: نظام الخلافة

المبحث الأول: نظام الخلافة كانت فكرة الأمة الواحدة، والدولة الواحدة التي تسودها أحكام الشريعة في داخلها؛ والرغبة القوية في تبليغ رسالة الإسلام خارج حدودها قد تمكنت من النخبة المسلمة عندما واجهت الحادثة الأليمة التي تمثلت بوفاة الرسول صلى الله عليه وسلم وقد عبر أنس بن مالك عن أثر الحادث في النفوس: "لما كان اليوم الذي قدم فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة أضاء منها كل شيء، فلما كان اليوم الذي مات فيه أظلم منها كل شيء .. وما نفضنا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم الأيدي حتى أنكرنا قلوبنا" (¬1). ولفرط الذهول كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول: "والله ما مات رسول الله صلى الله عليه وسلم وليبعثنه الله فليقطعن أيدي رجال وأرجلهم (¬2) .. ولكن ربه أرسل إليه كما أرسل إلى موسى، فلبث عن قومه أربعين ليلة (¬3) .. وأخذ بقائم سيفه وقال: لا أسمع أحداً يقول مات رسول الله إلا ضربته بسيفي هذا"، وطلب الناس لسالم بن عبيد الأشجعي أن يدعو أبا بكر رضي الله عنه فرآه في المسجد فأخبره خبر الوفاة (¬4)، فدخل أبو بكر على عائشة وكشف عن وجه ¬

_ (¬1) أحمد: المسند 3: 221، والترمذي: سنن 5: 588 وقال: حديث غريب صحيح، وابن ماجة: السنن 1: 522، وقال ابن كثير: إسناده على شرط الصحيحين (البداية والنهاية 5: 308) (¬2) البخاري: الصحيح 5: 8. (¬3) عبد الرزاق: المصنف 5: 433 بإسناد صحيح، وابن سعد: الطبقات الكبرى 2: 266، 269 بإسناد رجاله ثقات. (¬4) الترمذي: الشمائل المحمدية 308، والنسائي: كتاب الوفاة 73 وصححه الألباني (مختصر

النبي صلى الله عليه وسلم وهو مسجَّى ببرد حبرة، ثم قبله وبكى، وقال: "بأبي أنت وأمي، طبت حياً وميتاً" ثم خطب الناس معلناً الوفاة: "ألا من كان يعبد محمداً فإن محمداً قد مات، ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت" واستشهد بالقرآن فنشج الناس يبكون (¬1). وقد طهر في الموقف رجحان علم الصديق، ورباطة جأشه، وشجاعته وجرأته، وقوة رأيه (¬2). ورغم الذهول الذي أصاب النخبة وعامة المسلمين فإن أهمية إقامة السلطة في الإسلام جعلتهم يتحركون في اتجاه اختيار الحاكم قبل أن ينتهوا من تشييع الجسد الشريف إلى مثواه. وقد يقف خلف هذا التحرك السريع إدراك النخبة بخطورة الأوضاع المحيطة بالكيان الإسلامي الذي مضى عليه عقد واحد من السنين، تأسست فيه الدولة واتسعت رقعتها وكسبت أنصارا لها داخل المدن الحجازية الثلاث خاصة في حين بقيت القبائل الكبيرة في أعدادها والمنتشرة في البوادي والصحراء تحيط بالمراكز الإسلامية من كل مكان .. وكانت الضوابط الشرعية لاختيار المسؤول الأول للدولة تنحصر في قرشيته ومكانته التي يحددها قدمه في الإسلام وخدمته للدعوة وللدولة ومنزلته لدى النبي صلى الله عليه وسلم وإمكان إجماع الأمة أو أكثرها على شرعية توليه لرئاسة الدولة وخلافة النبوة. وكانت النخبة تتمثل في المهاجرين الذين تطلعوا إلى أبي بكر رضي الله عنه ¬

_ الشمائل المحمدية 198)، والطبراني: المعجم الكبير 7: 56 وقال الهيثمي: رجاله ثقات (مجمع الزوائد 5: 182). (¬1) البخاري: الصحيح 2: 90 و 5: 8 و 6: 17. (¬2) ابن حجر: فتح الباري 7: 30 و 8: 146.

وبعضهم كان منشغلاً مع علي رضي الله عنه بتشييع النبي صلى الله عليه وسلم، وفي الأنصار الذين التفوا حول زعيم الخزرج سعد بن عبادة وعقدوا اجتماعاً في سقيفة بني ساعدة لمناقشة الموقف الجديد .. فالأنصار هم السكان الأصليون للمدينة، وقد آووا المهاجرين ونصروا الإسلام بأرواحهم وأموالهم، وهيئوا له فرص الاستقرار والانتشار، وعرفوا بإيثارهم وصبرهم وجهادهم وتضحياتهم أفلا يكون لهم الحق في رئاسة الدولة ورعاية الإسلام؟ وقد بلغ خبر اجتماع الأنصار في سقيفة بني ساعدة إلى المهاجرين وهم مجتمعون مع أبي بكر الصديق رضى الله عنه لترشيح من يتولى الخلافة (¬1). فقال المهاجرون لبعضهم: "انطلقوا بنا إلى إخواننا من الأنصار، فإن لهم في هذا الحق نصيباً" (¬2). قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: "فانطلقنا نريدهم، فلما دنونا منهم لقينا منهم رجلان صالحان، فذكر ماتمالأ عليه القوم. فقالا: أين تريدون يا معشر المهاجرين؟ قلنا: نريد إخواننا هؤلاء من الأنصار. فقالا: لا عليكم أن لا تقربوهم، اقضوا أمركم. فقلت: والله لنأتينهم. فانطلقنا حتى أتيناهم في سقيفة بني ساعدة، فإذا رجل مزمِّل بين ظهرانيهم، فقلت: من هذا؟ فقالوا: سعد بن عبادة فقلت ماله؟ قالوا: يوعك" (¬3). ¬

_ (¬1) البخاري: الصحيح 8: 210، وعبد الرزاق: المصنف 5: 439، وابن سعد: الطبقات الكبرى 3: 615، والترمذي: الشمائل المحمدية 308، والنسائي: كتاب الوفاة 75، والطبراني: المعجم الكبير 7: 56، وابن أبي شيبة: المصنف 14: 565، وصرح ابن اسحق بالسماع كما في فتح الباري 12: 153 لابن حجر. (¬2) الترمذي: الشمائل المحمدية 308، والنسائي: كتاب الوفاة 75، والطبراني: المعجم الكبير 7: 56، وصححه الألباني (مختصر الشمائل 198). (¬3) البخاري: الصحيح 8: 210.

وقد كشفت روايات صحيحة عن اسمي الرجلين من الأنصار، وهما عويم بن ساعدة، ومعن بن عدي (¬1)، وموقفهما يدل على عدم وجود موقف موحد للأنصار (¬2). ويبدو أن عدد المهاجرين الذين دخلوا السقيفة كان محدوداً، وربما دخل أبو بكر وعمر وأبو عبيدة أولاً ثم تلاحق المهاجرون (¬3). وقد حدث نقاش طويل بين المهاجرين والأنصار حول أحقية كل طرف بتولي الخلافة. وقد بين أحد الأنصار أحقيتهم بقوله: "أما بعد فنحن أنصار الله، وكتيبة الإسلام، وأنتم معشر المهاجرين رهط، وقد دفَّت دافَّة من قومكم، فإذا هم يريدون أن يختزلونا من أصلنا، وأن يحضنونا من الأمر" (¬4). أما المهاجرون فتكلم عنهم أبو بكر الصديق بحلم ووقار وبديهية- كما وصفه ابن عمر- فقال: "ما ذكرتم فيكم من خير فأنتم له أهل، ولن يُعرف هذا الأمر إلا لهذا الحي من قريش، هم أوسط العرب نسباً وداراً ... يا معشر الأنصار إنا والله ما ننكر فضلكم، ولا بلاءكم في الإسلام، ولا حقكم الواجب علينا، ولكنكم عرفتم أن هذا الحي من قريش بمنزلة من العرب ليس بها غيرهم، وأن العرب لن تجتمع إلا على رجل منهم، فنحن الأمراء وأنتم الوزراء، فاتقوا الله ولا تصدعوا الإسلام، ¬

_ (¬1) عبد الرزاق: المصنف 5: 445، وابن أبي شيبة: المصنف 14: 563، وأحمد: المسند 1: 56، والبخاري: الصحيح 5: 110. (¬2) ابن حجر: فتح الباري 12: 151. (¬3) ابن حجر: فتح الباري 12: 153. (¬4) البخاري: الصحيح 8: 210. والدافَّة: العدد القليل (ابن حجر: فتح الباري 12: 151). ويختزلونا: يقتطعونا وينفردوا بالأمر. ويحضنونا: يخرجونا (النهاية في غريب الحديث 2: 124 و2: 29 و 1: 401 على التوالي).

ولا تكونوا أول من أحدث في الإسلام" (¬1). وقد وردت روايات ضعيفة تفيد أن المهاجرين احتجوا على الأنصار بحديث "قريش ولاة هذا الأمر" (¬2)، ولكن يبدو أن الحديث لم يخطر على بالهم، أو أن الصديق اكتفى بتضمينه في كلامه، والأول أقوى لأن الحديث كان سيقطع الأمر لصالح المهاجرين دون استمرار الحوار. لقد نظر الأنصار إلى الخلافة من زاوية محدودة بظروف المجتمع المدني والعلاقة التأريخية بين المهاجرين والأنصار، أما المهاجرون فنظروا نظرة واسعة على مستوى الدولة كلها وما يترتب على خروج السلطة من قريش من عواقب كبيرة لأن العرب يمكن أن ترض بقيادتها لمكانتها فيهم، أما لو تولاها الأنصار فقد تقع انشقاقات خطيرة تؤدي إلى تفكك الدولة الإسلامية. وقد طرح عدد من الأنصار فكرة تعيين أميرين أحدهما من المهاجرين والآخر من الأنصار (¬3)، ولكن أبا بكر رضي الله عنه قال: "لا، ولكنَّا الأمراء وأنتم الوزراء" (¬4). وقال عمر: "سيفان في غمد واحد!! إذا لا يصلحان" (¬5). ¬

_ (¬1) ابن أبي شيبة: المصنف 14: 563 وصرح ابن اسحق بالسماع كما في فتح الباري 12: 153. (¬2) أحمد: المسند 1: 5 بإسناد رجاله ثقات لكنه من مرسل حميد بن عبد الرحمن الحميري وهو ثقة فقيه، وحسنه البزار وابن تيمية (ابن تيمية: منهاج السنة النبوية 1: 536، والمتقي الهندي: كنز العمال 5: 638 عن ابن المنذر). (¬3) أحمد: المسند 5: 185 بإسناد صحيح، وابن سعدْ: الطبقات 3: 212، وابن أبي شيبة: المصنف 14: 561، والبلاذري: أنساب الأشراف الشيخان 65، والطبراني: المعجم الكبير 5: 114. وصححه ابن كثير: البداية والنهاية 5: 281. (¬4) البخاري: الصحيح 5: 8. (¬5) الترمذي: الشمائل المحمدية 308. وصححه الألباني (مختصر الشمائل 198). والنسائي:

المبحث الثاني: خلافة أبي بكر الصديق (رضى الله عنه)

وهنا تدخل كاتب الوحي زيد بن ثابت وهو من الخزرج فقال: "إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان من المهاجرين، ونحن أنصارهم كما كنا أنصار رسول الله صلى الله عليه وسلم". فقال أبو بكر "جزاكم الله خيرا من حي يا معشر الأنصار، وثبت قائلكم، والله لو فعلتم غير ذلك لما صالحناكم" (¬1). وهكذا فإن الخزرج هم الذين قاموا بالتنازل إتباعا للحق ومراعاة للمصلحة الإسلامية، ولم يكن التنازل بسبب عدم رغبة الأوس في تولي الخزرج الخلافة- كما يزعم أبو مخنف- (¬2) المبحث الثاني: خلافة أبي بكر الصديق (رضى الله عنه) لقد جرى الترشيح بعد أن استقر الرأي على استخلاف أحد المهاجرين، فرشح أبو بكر أحد اثنين، عمر وأبي عبيدة. فقال عمر: "بل نبايعك أنت، فأنت سيدنا وخيرنا، وأحبنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم" (¬3). وذكَّر بفضل أبا بكر قائلا: "ألستم تعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أمر أبا بكر أن ¬

_ كتاب الوفاة 75، والطبراني: المعجم الكبير 7: 56. (¬1) أحمد: المسند 5: 185 بإسناد صحيح، وابن أبي شيبة: المصنف 4: 561، وابن سعد: الطبقات الكبرى 3: 212، والبلاذري: أنساب الأشراف 65، والطبراني: المعجم الكبير 5: 114. وصححه ابن كثير (البداية والنهاية 5: 281). (¬2) الطبري: تأريخ 3: 221 - 222 عن أبي مخنف. (¬3) البخاري: الصحيح 8: 211 و 5: 8.

يصلي بالناس، فأيكم تطيب نفسه أن يتقدم أبا بكر؟ قالوا: نعوذ بالله أن نتقدم أبا بكر" (¬1). وذكرهم بموقفه في حادثة الهجرة، ثم بايعه عمر وبايعه المهاجرون ثم بايعته الأنصار (¬2). "ومن استعراض الروايات الصحيحة لاجتماع السقيفة ومبايعة أبي بكر خليفة يتبين أن الاجتماع لم يدم طويلاً، ولم تجر فيه مناقشات طويلة بين المهاجرين والأنصار، أو تنافس وصراع على تولي الخلافة، أو حدَّة في الكلام أو تهديدات أو عراك بالأيدي بين المجتمعين. وهذا كله مما صورته بعض الروايات الضعيفة التي وردت عن اجتماع السقيفة، والتي تناقلها المؤلفون المعاصرون (¬3) فشوَّهوا الصورة الوضاءة لذلك الاجتماع التأريخي الرفيع والذي قرر مصير الخلافة والدولة الإسلامية بحزم وترفع وإحساس كبير بالمسؤولية يستعلى على التفاهات والأهواء. ولم يكن أبو بكر رضي الله عنه حريصاً على الإمارة بل كان كارهاً لتوليها لما يعلمه من عظم المسؤولية أمام الله تعالى وخوفه من التقصير فيها، رغم أن الصحابة كانوا يعلمون أنه أحقهم بها، وأقواهم عليها، وقد صارح أبو بكر المسلمين بمشاعره مرارا: "والله ما كنتُ حريصاً على الإمارة يوماً ولا ليلةً قط، ولا كنت راغباً فيها، ولا سألتها الله عز وجل في سر ولا علانية، ولكني أشفقت من ¬

_ (¬1) النسائي: السنن 2: 74 - 75 وحسنه الألباني (صحيح سنن النسائي 1: 168)، وابن سعد: الطبقات الكبرى 2: 224 و 3: 178، وابن أبي شيبة: المصنف 14: 567، وأحمد: المسند 1: 213 (ط. شاكر) وصحح إسناده أحمد شاكر، وله شاهد 1: 172 (ط. شاكر) وصححه أحمد شاكر. وأحمد: فضائل الصحابة 1: 182 بإسناد حسن. (¬2) البخاري: الصحيح 8: 211، والترمذي: الشمائل المحمدية 308، والنسائي: فضائل الصحابة 5، وكتاب الوفاة 76. (¬3) عبد العزيز بن سليمان المقبل: خلافة أبي بكر الصديق 42.

الفتنة، ومالي في الإمارة من راحة، ولكن قُلِّدتُ أمراً عظيماً مالي به من طاقة، ولا يد إلا بتقوية الله عز وجل، ولوددتُ أن أقوى الناس عليها مكاني اليوم" (¬1). فما أعظمها من مشاعر، وما أرفع صاحبها وأوعاه بحق الله تعالى وحقوق الرعية، وما أعمق تدينه وأحسن توكله، وأجمل تواضعه وأصدق أمانيه. إنه لم يجد أمامه إلا أن يقبل تولي الخلافة ليقود الأمة في طريق الوحدة والإيمان ورفع راية الرسالة الإسلامية رغم أن نفسه لا تطاوعه في تحمل المسؤولية الجسيمة خوفاً من التقصير والتفريط .. وهكذا كان توليه الخلافة تضحية منه لصالح الإسلام وأمة الإسلام وليس مغنماً يسعى إليه، وقد أعانه الله لصدق نيته وحسن وجهته. وقد عرفت بيعة أبي بكر في السقيفة بالبيعة الخاصة وكانت يوم الاثنين الثاني عشر من شهر ربيع الأول سنة 11 هـ، وفي اليوم التالي (الثلاثاء) (¬2) خرج إلى المسجد فبايعه الناس فيما عرف بالبيعة العامة بعد خطبة ألقاها عمر بن الخطاب اعتذر فيها عن موقفه من حادثة الوفاة النبوية وإنكارها، وبين مكانة أبي بكر في الصحبة والهجرة، وأبو بكر صامت لا يتكلم، حتى انتهى عمر من خطبته وطلب من أبي بكر الصعود إلى المنبر لتلقي البيعة من الناس (¬3). ويحكي شاهد عيان طريقة البيعة لأبي بكر، يجتمع عليه العصابة فيقول لهم: "بايعوني على السمع والطاعة لله ¬

_ (¬1) أخرجه موسى بن عقبة في مغازيه (الذهبي: تأريخ الإسلام 3: 8، وابن كثير: البداية والنهاية 6: 341 وقال ابن كثير: إسناده جيد، البداية والنهاية 5: 281، والحاكم: المستدرك 3: 66 وصححه ووافقه الذهبي). (¬2) عبد العزيز المقبل: خلافة أبي بكر 57 - 58، والطبري: تأريخ 3: 199، والسهيلي: الروض الأنف 4: 270، وابن كثير: البداية والنهاية 5: 286، والخزاعي: تخريج الدلالات السمعية 36، وابن حجر: فتح الباري 8: 129. (¬3) البخاري: الصحيح 9: 100، وعبد الرزاق: المصنف 5: 437.

ولكتابه ثم للأمير" (¬1). وبعد البيعة العامة هذه، خطب أبو بكر في الناس قائلاً: "إني وليت عليكم ولست بخيركم، فإن أحسنتُ فأعينوني، وإن أسأتُ فقوموني، الصدق أمانة، والكذب خيانة، والضعيف فيكم قوي عندي حتى أريح عليه حقه- إن شاء الله-، والقوي فيكم ضعيف عندي حتى آخذ الحق منه- إن شاء الله-. لا يدع قوم الجهاد في سبيل الله إلا ضربهم الله بالذل، ولا تشيع الفاحشة في قوم إلا عمهم اللهُ بالبلاء. أطيعوني ما أطعتُ الله ورسوله، فإذا عصيتُ الله ورسوله فلا طاعة لي عليكم. قوموا إلى صلاتكم يرحمكم الله" (¬2). وقد تضمنت الخطبة الوجيزة هذه علاقة الحاكم بالمحكومين، فبين أن مجيئه للخلافة بإرادة الأمة وبتعاقد واضح، الطاعة من الناس مقابل التزام الحاكم بالشريعة، ورقابة الأمة على سياسته، وإعانته في الخير، وتصحيح سياسته إذا انحرف، كما فيها بيان الالتزام بإقامة العدل والجهاد وتنظيف المجتمع من الانحراف الخلقي، بالإضافة إلى ما تكشف عنه مقدمة الخطبة من تواضع الصديق الجم. والحق أن انتخاب أبي بكر للخلافة يوضح استعلاء قيم الإيمان وخضوع مقاييس الشخصية لها، لأن أبا بكر من تيم، وتيم من أضعف عشائر قريش. وتدل الروايات الصحيحة على غضب علي بن أبي طالب لعدم استشارته في أمر الخلافة، بل تشير رواية الصحيحين على أن بيعته تأخرت ستة أشهر، وتربط بين ¬

_ (¬1) الحارث بن أبي أسامة: المسند بإسناد حسن (الهيثمي: بغية الباحث 3: 753). (¬2) ابن هشام: السيرة النبوية 4: 66 وصحح إسناده ابن كثير (البداية والنهاية 5: 280 و 6: 340). وعبد الرزاق: المصنف 11: 336 من طريق معمر قال: حدثني بعض أهل المدينة (بعض أصحابي).

المبحث الثالث: خلافة عمر بن الخطاب (رضي الله عنه)

عدم استجابة الصديق لطلب فاطمة بنت الرسول صلى الله عليه وسلم أن ترث "ما أفاء الله على رسوله بالمدينة وفدك وما بقي من خمس خيبر"، واحتج أبو بكر بحديث "لا نورث ما تركنا صدقة". وقد غضبت فاطمة وقاطعته حتى توفيت، فبايع علي أبا بكر بعد وفاتها في المسجد بعد صلاة الظهر (¬1). فهذا أقوى ما ورد في بيعة علي لأبي بكر رضي الله عنهما، ولكن صحت روايات أخرى تفيد بأنه بايع في اليوم الذي جرت فيه البيعة العامة، وأنه وضح سبب غضبه بقوله: "ما غضبنا إلا لأنَّا أخِّرنا عن المشاورة، وإنا نرى أبا بكر أحق الناس بها بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، إنه لصاحب الغار، وثاني اثنين، وإنا لنعلم بشرفه، وكبره، ولقد أمره رسول الله صلى الله عليه وسلم بالصلاة بالناس وهو حي" (¬2). وجمع ابن كثير وابن حجر بين الأحاديث الصحيحة بأن علياً بايع أول الأمر مع الناس ثم بايعه بعد وفاة فاطمة تأكيداً للأولى وإزالة لما حدث من جفوة بسبب الاختلاف حول الميراث (¬3). المبحث الثالث: خلافة عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) مرض أبو بكر رضي الله عنه، وأحس بدنو أجله، فاستشار الصحابة في أمر ¬

_ (¬1) البخاري: الصحيح 5: 177، ومسلم: الصحيح 3: 1380. (¬2) موسى بن عقبة: المغازي (الذهبي: تأريخ الإسلام 3: 8، وابن كثير: البداية والنهاية 6: 341) بإسناد صحيح، وانظر حول بيعة علي راضياً كتاب السنة لعبد الله بن الإمام أحمد 2: 563. (¬3) ابن كثير: البداية والنهاية 5: 281، 321 و 6: 341، وابن حجر: فتح الباري 7: 495.

الخلافة بعده: "إني قد نزل بي ما ترون ولا أظنني إلا لمأتي .. فأمَروا عليكم من أحببتم، فإنكم إن أمرتم عليكم في حياة مني كان أجدر ألا تختلفوا بعدي" فتشاوروا بينهم ثم جاءوه طالبين منه أن يرشح لهم واحداً، فسألهم: فلعلكم تختلفون؟ قالوا: لا. قال: فعليكم عهد الله على الرضا؟ قالوا: نعم. قال: فأمهلوني أنظر لله ولدينه ولعباده. ثم أرسل إلى عثمان بن عفان فاستشاره، فأشار عليه بعمر بن الخطاب، فأمره أن يكتب له عهداً (¬1). وقد أجمعت الأمة على بيعته والرضا به (¬2). وقد سمَّت روايات ضعيفة الصحابة الذين استشارهم وهم: عثمان بن عفان، وعبد الرحمن بن عوف، وسعيد بن زيد، وأسيد بن الحضير، وغيرهم من المهاجرين والأنصار، وقد أدت مشاوراته إلى نصيحة الأمة باستخلاف عمر بن ¬

_ (¬1) ابن الجوزي: مناقب عمر بن الخطاب 52 من مرسل الحسن البصري. وأما ما ذكره الطبري: تأريخ 3: 429 حول بيعة عمر ففي إسناده علوان بن داؤد منكر الحديث (الذهبي: ميزان الاعتدال 3: 108) وهو علوان بن صالح نفسه في رواية الطبري 3: 431. (¬2) تشير رواية إلى أن طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه قال لأبي بكر رضي الله عنه: أستخلف على الناس عمر وقد رأيت ما يلقى الناس منه وأنت معه، فكيف به إذا خلا بهم!! وأنت لاقٍ ربَّك فسائلك عن رعيتك ... فقال أبو بكر: أبالله تخوفني! إذا لقيتُ الله ربي فساءلني قلت: استخلفتُ على أهلك خير أهلك (الطبري: تأريخ 3: 433 وفي إسناده علتان عنعنة ابن اسحق وهو مدلس ومحمد بن حُميد الرازي ضُعِّف). وقد وردت من طريق آخر دون النص على اسم طلحة بل تجعل بدله "الناس" (ابن أبي شيبة: المصنف 12: 35 - 36 حديث رقم 12062 من مرسل زبيد اليامي وهو علوي لم يدرك أبا بكر ولا أحداً من الصحابة المتقدمين، والرواية تتفق مع هواه (أبو نعيم: الإمامة 275). وكذلك ورد خبر مرسل وآخر منقطع في قول الصديق للصحابة: "أترضون بمن أستخلف

المبحث الرابع: خلافة عثمان بن عفان رضي الله عنه

الخطاب، فأمر عثمان بن عفان بكتابة عهد بذلك (¬1). والشيء المشتهر تأريخياً أن أبا بكر عهد بالخلافة لعمر (¬2)، وهو مجرد ترشيح يهدف إلى نصيحة الأمة وترشيد أهل الحل والعقد، ولا تنعقد به الخلافة، وإنما تنعقد إذا وافقت الأمة على الترشيح، وبايعت للمرشح، وهذا ما تم لعمر بن الخطاب حيث بايعه المسلمون في المدينة، وأُخذت له البيعة من أهل البلدان. المبحث الرابع: خلافة عثمان بن عفان رضي الله عنه تمت بيعة عثمان رضي الله عنه بعد اجتماع مجلس الشورى الذي عينه عمر رضي الله عنه حين طُعن، وأعضاءه الستة هم: عثمان بن عفان، وعلي بن أبي طالب وعبد الرحمن بن عوف، وسعد بن أبي وقاص، وطلحة بن عبيد الله، والزبير بن ¬

_ عليكم؟ .. وإني قد استخلفت عمر فاسمعوا له وأطيعوا. فقالوا: سمعنا وأطعنا (ابن أبي شيبة: المصنف 12: 38 وفي إسناده الصلت بن بهرام عزيز الحديث، وثقه ابن حبان وسكت عنه البخاري وابن أبي حاتم، ثم إن الخبر منقطع راويه سيار أبي الحكم ت 102 هـ. والطبري: تأريخ 3: 428 وفي إسناده محمد بن حميد الرازي ضُعِّف، ثم هو مرسل لأن راويه أبا السفر لم يلق أبا بكر وعمر). (¬1) ابن سعد: الطبقات الكبرى 3: 199 - 200 عن الواقدي، وعنه نقلت المصادر الأخرى أيضاً، والبلاذري: أنساب الأشراف (الشيخان) 70، والطبري: تأريخ 3: 428 - 429 باختصار وابن الجوزي: مناقب عمر بن الخطاب 54 باختصار. (¬2) الطبري: تأريخ 3: 429 بإسناد من رواية عبد الرحمن بن عوف- وهو شاهد عيان-.

العوام، ويحضر عبد الله بن عمر اجتماعات المجلس لإبداء المشورة دون أن يكون له حق الترشيح للخلافة أو التصويت لصالح أحد المرشحين، وفي أول اجتماع للمجلس جرى الحوار التالي: قال عبد الرحمن: اجعلوا أمركم إلى ثلاثة منكم. فقال الزبير: قد جعلت أمري إلى علي. فقال طلحة: قد جعلت أمري إلى عثمان. وقال سعد: قد جعلت أمري إلى عبد الرحمن بن عوف. فقال عبد الرحمن: أيكما تبرأ من هذا الأمر فنجعله إليه. واللهُ عليه والإسلام لينظرنَّ أفضلهم في نفسه؟ فسكت الشيخان- عثمان وعلي- فقال عبد الرحمن: أفتجعلونه إليَّ، والله علىَّ أن لا آلوا عن أفضلكم؟ قالا: نعم (¬1). وقام عبد الرحمن بن عوف بمشاورة الصحابة من أعضاء مجلس الشورى وغيرهم ليلا ونهاراً، ثلاثة أيام ثم في صبيحة اليوم الرابع دعا من كان حاضراً بالمدينة من المهاجرين والأنصار، وأرسل إلى أمراء الأجناد- "وكانوا وافوا تلك الحجة مع عمر"- فلما اجتمعوا فقال عبد الرحمن بن عوف: "يا علي، إني قد نظرتُ في أمر الناس فلم أرهم يعدلون بعثمان، فلا تجعلن على نفسك سبيلا" ثم بايع لعثمان قائلا: "أبايعك على سنة الله وسنة رسوله والخليفتين من بعده"، فبايعه عبد الرحمن بن عوف، وبايعه المهاجرون والأنصار، وأمراء الأجناد، والمسلمون (¬2). ¬

_ (¬1) البخاري: الصحيح (فتح الباري 7: 60 - 62). (¬2) البخاري: الصحيح (فتح الباري 13: 193 - 194).

المبحث الخامس: خلافة على بن أبي طالب رضي الله عنه

وتؤكد روايات صحيحة توجه الرأي العام في خلافة عمر إلى بيعة عثمان من بعده، ولما سأل عمر في الحج بعرفات حذيفة بن اليمان: من ترى قومك مؤمرين بعدي؟ قال حذيفة: رأيت الناس قد أسندوا أمرهم إلى عثمان بن عفان (¬1). وقال خارجة بن مضرب: حججتُ مع عمر فلم يكونوا يشكُون أن الخلافة من بعده لعثمان (¬2). وسمعتُ الحادي يحدو: إن الأمير بعده ابن عفان، وسمعت الحادي في إمارة عثمان يحدو: إن الأمير بعده علي (¬3). وقد قصد عمر من جعلها شورى بين الستة أن لا يتقلد العهدة في ذلك، وأن يمارس المسلمون الشورى في أعلى المستويات وهو اختيار المسئول الأول في الدولة قال الطبري: "ولم يكن في أهل الإسلام أحد له من المنزلة في الدين والهجرة والسابقة والعقل والعلم والمعرفة بالسياسة ما للستة الذين جعل عمر الأمر شورى بينهم .. " (¬4). المبحث الخامس: خلافة على بن أبي طالب رضي الله عنه تولى علي الخلافة إثر مقتل عثمان بن عفان رضي الله عنهما في ظروف ¬

_ (¬1) ابن شبة: تأريخ المدينة 3: 932 بسند صحيح. (¬2) ابن أبي شيبة: المصنف 14: 588 بسند صحيح. (¬3) ابن شبة: تأريخ المدينة 3: 932 - 933 بسند حسن. (¬4) ابن حجر: فتح الباري 13: 198.

خطيرة حيث سيطر الناقمون على عثمان على المدينة، وأفلت الأمر من يد كبار الصحابة، ولم تعد ثمة سلطة عليا تحكم الدولة الإسلامية، وقد سعى الناقمون إلى تولية عبد الله بن عمر، وهددوه بالقتل إن لم يرض، ولكن لم يجدوا منه إلا صدوداً (¬1). "فأدركوا أن أمر الخلافة بيد أهل المدينة من المهاجرين والأنصار من أهل بدر، وأن الناس تبع لهم في ذلك" (¬2). وقد بادر الناس إلى علي ليبايعوه، فأظهر رغبته عن الخلافة في تلك الظروف "والله إني لأستحي أن أبايع قوماً قتلوا رجلاً قال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ألا أستحي ممن تستحي منه الملائكة)، وإني لأستحي من الله أن أبايع وعثمان قتيل على الأرض لم يُدفن بعد" فانصرفوا. فلما دُفن عثمان رضي الله عنه أتوه مرة أخرى وسألوه البيعة وقالوا: لابد للناس من خليفة، ولا نعلم أحداً أحق بها منك. فقال لهم علي: لا تريدوني. فإني لكم وزير خير مني لكم أمير. فقالوا: لا والله ما نعلم أحداً أحق بها منك. وهنا تفتق ذهن علي رضي الله عنه عن وسيلة تجعله يتلقى البيعة علناً من المسلمين عامة دون أن يبايعه الناقمون بيعةً خاصة، فقال لنفسه- كما صرَّح فيما بعد-: اللهم إني مشفق مما أقدم عليه. وقال لهم: "فإذا أبيتم علىَّ، فإن بيعتي لا تكون سراً، ولكن أخرج إلى المسجد فمن شاء أن يبايعني بايعني" فخرج إلى ¬

_ (¬1) أحمد بن حنبل: فضائل الصحابة 2: 895، وابن سعد: الطبقات الكبرى 4: 151، وأبو نعيم: حلية الأولياء 1: 293 جميعهم عن الحسن البصري بإسناد صحيح. (¬2) عبد الحميد علي ناصر فقيه: خلافة علي بن أبي طالب ص 92 (رسالة ماجستير من الجامعة الإسلامية بإشرافي). وراجع البخاري: الصحيح (فتح الباري 12: 144 - 145)، وأحمد: المسند 1: 323 بإسناد صحيح (ط. أحمد شاكر)، والبلاذري: أنساب الأشراف 2: 35 ب.

المسجد وبايعه الناس (¬1) عن رضاً واختيار، سوى طلحة والزبير فإنهما بايعاه مكرهين ولم يكونا راضيين عن الطريقة التي تمت بها البيعة حيث لم يتم التداول بين أهل الحل والعقد بشأنها، ولم يعقد مجلس للشورى (¬2) "ولأن الثوار أتوا بهما بأسلوب جاف عنيف، ولا شك أن هذه الطريقة فرضتها طبيعة الأحداث لسيطرة هؤلاء الأعراب الجلف على المدينة" (¬3). واعتزل بعض الصحابة فلم يبايعوا عليا ومنهم محمد بن مسلمة وأهبان بن صيفي وسعد بن أبي وقاص وعبد الله بن عمر، فقد كانوا يرون الناس في فرقة واختلاف وفتنة، فكانوا ينتظرون أن يستقر الأمر فيبايعوا. كما أن معاوية بن أبي سفيان وأهل الشام وكثير من أهل البصرة ومصر واليمن لم يبايعوه بسبب، ويرى ابن حزم أن عدد من امتنع عن بيعته مثل عدد من بايعه وقدر عددهم بمائة ألف مسلم (¬4). ولكن معظم أهل الحل والعقد من أهل بدر والمهاجرين والأنصار بالمدينة بايعوا لعلي رضي الله عنه وبذلك انعقدت له البيعة وصار خليفة للمسلمين. وهو آخر خلفاء النبوة التي ورد بها حديث "خلافة النبوة ثلاثون سنة، ثم يؤتي الله ملكه من يشاء" (¬5) ¬

_ (¬1) أحمد بن حنبل: فضائل الصحابة 2: 573 بإسناد حسن، والبلاذري: أنساب الأشراف 2: 36 أ، والحاكم: المستدرك 3: 103، وأبو نعيم: الإمامة والرد على الرافضة 329، والمحب الطبري: الرياض النضرة 3: 78. (¬2) البخاري: الصحيح (فتح الباري 12: 144 - 145)، وأحمد: المسند 1: 323 - 327 (ط. أحمد شاكر)، وابن أبي خيثمة: التأريخ الكبير، الجزء الخمسون ق 18أوروايته عن ابن عمر منقطعة لا تقوم بها الحجة (نسخة المكتبة المحمودية بالمدينة المنورة رقم 286 - 231) (¬3) عبد الحميد علي ناصر فقيه: خلافة علي 1: 97. (¬4) ابن حزم: الفصل في الملل والأهواء والنحل 4: 167. (¬5) أبو داؤد: السنن 5: 36 - 37، والترمذي: السنن (تحفة الأحوذي) 6: 476 - 478 وحسنه

المبحث السابع: أزمة الخلافة وانتقال مركز الخلافة إلى العراق

المبحث السابع (*): أزمة الخلافة وانتقال مركز الخلافة إلى العراق كانت خلافة عثمان رضي الله عنه نتيجة لاجتماعات مجلس شورى عمر رضي الله عنه، حيث أجمع عليه المسلمون دون خلاف، وقد اتسمت سياسته بالتسامح والتوسع على الناس في العطاء والاستمرار في حركة الفتوح، فظهرت آثار الغنى والازدهار الاقتصادي بتدفق الأموال على الدولة، حيث توسع الناس في معايشهم ومأكلهم وملبسهم (¬1)، وحظى المهاجرون والأنصار وأصحاب السابقة ¬

_ الترمذي، وابن حجر: فتح الباري 13: 182 ونقل تصحيح ابن حبان له. والألباني: السلسلة الصحيحة 1: 742 - 749. (¬1) عمر بن شبة: تأريخ المدينة 3: 1023 - 1024 بسند صحيح حيث يصف الحسن البصري- وهو شاهد عيان- كثرة الخيرات من الحلل والأرزاق. وورد في (الأوائل) لأبي هلال العسكري 1: 246 من طريق المدائني أن جباية السواد في خلافة عثمان بلغت مائة وعشرين ألف ألف درهم، وذكر اليعقوبي في تاريخه 2: 152 أنها بلغت مائة وعشرين ألف ألف درهم بينما ذكر ابن خرداذبة (المسالك والممالك 14) أنها بلغت مائة وثمانية وعشرين ألف ألف درهم. ولعل اختلاف المبالغ يرجع إلى أن كلاً منها يخص جباية عام بعينه، والزيادة والنقصان ترجع إلى حالة المحاصيل وزيادة السكان. وزادت جباية مصر من الجزية والخراج إلى الضعف حيث كانت تجبى في خلافة عمر رضي الله عنه ألفي ألف دينار، فصارت تجبى في خلافة عثمان رضي الله عنه أربعة آلاف ألف دينار في ولاية عبد الله بن سعد بن أبي سرح عليها (البلاذري: فتوح البلدان 217، وقدامه بن جعفر: الخراج وصناعة الكتابة 179، 184). (*) قال معد الكتاب للشاملة: صوابها: "السادس"، كما في فهرس الكتاب، والله أعلم.

والجهاد بما لم يحظ به الروادف الذين التحقوا بالجهاد في مرحلة متأخرة (¬1)، وكثير منهم من القبائل التي استقرت في الأمصار الجديدة (الكوفة والبصرة والفسطاط) وأسهمت في الفتوح لاحقا. وقد ظهرت نواة المعارضة في الكوفة والبصرة ومصر في الوسط القبلي (¬2) وقام بالتحريض عبد الله بن سبأ وهو يهودي من صنعاء أسلم في خلافة عثمان وتبنى نشر دعاية واسعة تنتقد شرعية الخليفة وسياسته وتؤكد على أحقية علي بن أبي طالب رضي الله عنه بالخلافة وأن من سبقه إليها اغتصبها منه، وتنسب إليه صفات إلهية. وقد دار جدل طويل حول شخصية ابن سبأ التأريخية، ولكن تنوع مصادر الأخبار ¬

_ ولكن ابن عبد الحكم ذكر رقماً مغايراً فذكر أن جباية مصر بلغت اثني عشر ألف ألف دينار في خلافة عمر، وأربعة عشر ألف ألف دينار في خلافة عثمان (فتوح مصر والمغرب 64 - 70 عن الليث بن سعد وبه أخذ المقريزي: خطط 1: 79). ولعل ما ذكره البلاذري يخص الخراج وما ذكره ابن عبد الحكم يخص الجزية. (¬1) الروادف هم الأعراب الذين وفدوا على الكوفة والبصرة، وليس لهم سابقة في الجهاد، ويبدو أنهم قسموا إلى أربع مجموعات تبعا لتواريخ التحاقهم بالجهاد فثمة رادفة أولى وثانية وثالثة ورابعة (تاريخ الطبري 4: 49، 279) وكانت أعلى مرتباتهم تبلغ خمسمائة درهم، وأدناها يبلغ مائتي درهم (تاريخ الطبري 3: 614) في حين يبلغ راتب البدريين من المهاجرين من قريش والعرب والموالي خمسه آلاف درهم ومن الأنصار ومواليهم أربعة آلاف درهم (ابن سعد: الطبقات الكبرى 3: 304 بسند حسن). (¬2) بلغ عددهم 1800 رجل، 600 لكل مصر حسب الطبري (تاريخ 4: 348 - 349، 369) وأقل من هذا العدد حسب البلاذري (أنساب الأشراف 5: 59، 61).

من سنية وشيعية يجعل من الصعب القبول بنفي الوجود التاريخي له (¬1). إن المعارضة تلمست حججها من أعمال الخليفة عثمان، ولم تقتصر على الاحتجاج على سياسته المالية في السماح بمبادلة ملكية الأراضي بين العراق والحجاز مما أتاح لأغنياء الحجاز تملك مساحات واسعة في السواد، ولا على الاحتجاج على إدارة الدولة بالاعتماد على أقرباء عثمان الأكفاء وعزله بعض الولاة من الصحابة، بل امتدت إلى النواحي الايجابية الواضحة مثل جمع القرآن الكريم الذي وحد مصحف الأمة وحفظه حيث احتجت المعارضة على إحراق المصاحف الأخرى. وقد قدم المعارضون من الأمصار إلى المدينة فمكثوا فيها أربعين يوما، واستعتبوا عثمان رضي الله عنه فأعتبهم وأرضاهم، ثم رحلوا إلى أمصارهم، لكنهم لم يصلوها إذ عادوا إلى المدينة وحاصروا دار عثمان أربعين يوما (¬2) لإجباره على تلبية مطالبهم، ثم تطور الأمر إلى المطالبة بخلعه فلما رفض قتلوه- وكان قد منع أنصاره من القتال دفاعا عنه- مما أثار أزمة كبرى في الضمير المسلم وأدى إلى انشقاق المجتمع على أسس مبدئية تدل على الاستعداد للانتصار للحق والتضحية من أجل القيم. وهكذا لم يحظ علي رضي الله عنه بالإجماع على خلافته حيث خرج عليه أصحاب الجمل (عائشة، الزبير، طلحة رضي الله عنهم) مطالبين بالاقتصاص من قتلة عثمان ورفض معاوية مبايعته لنفس السبب. ورأى الخليفة الجديد علي أن إنفاذ القصاص يولد فتنة كبيرة في أوساط القبائل التي تؤيده، وأن على معارضيه مبايعته تحقيقا لوحدة الأمة وطاعة للخليفة الشرعي. ¬

_ (¬1) سعدي مهدي الهاشمي: ابن سبأ حقيقة لا خيال. (¬2) البلاذري: أنساب 5: 63 والطبري: تأريخ 4: 335.

وحول هذين المبدأين، إنفاذ الحكم الشرعي، وطاعة الحاكم الشرعي انقسم عشرات الألوف من المقاتلة في البصرة والكوفة والشام حيث ثقل القوات الإسلامية التي تكون أعظم جيوش العالم آنذاك (¬1). وكان خروج علي رضي الله عنه من المدينة مع سبعمائة رجل (¬2) إلى البصرة لقتال المعارضين أصحاب الجمل- الذين غادروا مكة قبله وهم في حدود ألف مقاتل ثم انضم إليهم معظم مقاتلة البصرة- (¬3) بالاعتماد على مقاتلة الكوفة (¬4) الذين تلاحموا مع قضيته وحافظوا على ولائهم بعد ذلك عقودا كثيرة كانوا خلالها نواة المعارضة ¬

_ (¬1) يقارب 000 و 200 مقاتل، فقد كان بوسع الكوفة وحدها أن تجند 000 و 60 مقاتل فضلا عن رجال الخدمات (الطبري: تأريخ 5: 79 والبلاذري: أنساب ج 2، 1 ص 384 - 385). وكان بوسع البصرة أن تجند 000 و 60 مقاتل، وبوسع مصر أن تجند 000 و 30 مقاتل. وبوسع الشام أن تجند 000 و 80 مقاتل. (¬2) الطبري: تأريخ 4: 455 من طريق سيف، والبلاذري: أنساب الأشراف ج 2، 1 ص 233. (¬3) كان مقاتلة البصرة في حدود 000 و 60 مقاتل بقي كثير منهم معتزلا للقتال، وانضم معظمهم إلى أصحاب الجمل، في حين انضم 6000 رجل من قبيلة عبد القيس البصرية إلى علي رضي الله عنه (الطبري: تأريخ 4: 489) كما انضم إليه مقاتلون من قبيلة بكر بن ربيعة عددهم 3000 مقاتل (البلاذري: أنساب الأشراف ج 2، 1 ص 237). (¬4) كان عدد مقاتلة الكوفة أكثر من 000 و 40 مقاتل (الطبري: تأريخ 5: 79 من طريق أبي مخنف) التحق منهم بعلي تسعة آلاف مقاتل حسب رواية سيف (الطبري: تأريخ 4: 485، 488) لكن عمر بن شبة ذكر أنهم 12000 رجل (ابن حجر: فتح الباري 13: 58 نقلا عن تأريخ

الصلبة للحكم الأموي وكانت ملحمة الجمل (¬1) تجلي عقائدية المجتمع بشقيه (الحكومة والمعارضة) ومدى فاعلية القيم الإسلامية في توجيهه ... وتجلت من خلالها أحكام شرعية تتصل بقتال البغاة (الفتن الداخلية) وانقسمت القبائل على نفسها بين الطرفين (¬2). وانتهت المعركة لصالح على رضي الله عنه، وأمر بعدم مطاردة الفارين وعدم الإجهاز على الجرحى، وعدم استحلال أموال المعارضة وأعراضها، معلنا العفو العام. ولم تنته المواجهة العسكرية مع المعارضة، فقد كان معاوية والي الشام منذ خلافة عمر رضي الله عنه يقود معارضة أقوى يدعمها جيش قوي بعدده وتدريبه الذي اكتسبه من مجابهة الجيوش البيزنطية .. وهكذا انتقل علي رضي الله عنه إلى الكوفة ليعد قواته أمام المعارضة الشامية وكانت المواجهة في صفين رهيبة كادت أن تفني رجالات القبائل وشجعانها لولا جنوح القوتين إلى التحكيم (¬3) بعد رفع الشاميين ¬

_ البصرة لابن شبة). وقد بلغ عدد جيش علي رضي الله عنه في معركة الجمل عشرين ألفا. في حين بلغ جيش أصحاب الجمل ثلاثين ألفا .. مما يوحي بقعود الأكثرية الساحقة من الجيش الإسلامي عن المشاركة حيث تقدر القوات الإسلامية آنذاك بأكثر من مائتي ألف مقاتل. (¬1) بلغ عدد قتلى الطرفين في التقدير المتوسط 6500 قتيل (راجع الأرقام في تاريخ الطبري 4: 529، 545 وأنساب الأشراف ج 2، 1 ص 264 وخليفة بن خياط 1: 166، 171). (¬2) انقسام القبائل يوضح ضعف العصبية القبلية، حيث يوجد رجال القبيلة الواحدة في المعسكرين دون مبالاة بالأواصر القبلية. (¬3) واجه (000و100 مقاتل) مائة ألف مقاتل (من الكوفة 000و40 ومن البصرة 000و60 مقاتل) مثلهم من أهل الشام (وهذا بني على ما ذكره الإخباريون من تقديرات للجيوش بعد صفين. راجع البلاذري: أنساب الأشراف 5: 136). أما قوات مصر فكانت دون هذه الأرقام ولم تشارك في الجمل وصفين. وبالطبع تختلف الأرقام بين المصادر، بل في المصدر الواحد

للمصاحف الخمسمائة (¬1). وقد جر قبول الخليفة علي للتحكيم إلى خروج بضعة ألوف من جيشه (¬2) معلنين رفضهم للتحكيم لما فيه من شك بالشرعية (¬3)، كانوا قراء حفظة لكتاب الله، لكن فهمهم لأحكام الشريعة كان محدودا فقد كفروا عليا ومن ¬

_ حسب الإخباريين فالبلاذري (أنساب الأشراف ج 2، 1 ص 322) يذكر أن جيش علي 000و50 رجل، 000و70 رجل، 000و100 رجل. (¬1) الدينوري: الأخبار الطوال 189 وانظر الطبري: تأريخ 5: 48 والبلاذري: أنساب الأشراف ج 3، 1 ص 322. (¬2) سموا أولا بالمحكمة- لرفضهم التحكيم وقولهم "إن الحكم إلا لله"- ثم بالحرورية نسبة إلى قرية حروراء ثم بالخوارج لخروجهم على الخليفة الشرعي. وطالبوا عليا بالتوبة علنا، وقد ناقشهم عبد الله بن عباس وأرجع معظمهم إلى الكوفة تاركين حروراء التي بقي فيها ثلاثة آلاف أو أربعة آلاف خارجي من مجموع اثني عشر ألفا (الطبري: تأريخ 5: 65 - 66) منهم خمسمائة من البصرة (الطبري: تأريخ 5: 76). (¬3) إن حكم الله يتمثل بقتال البغاة وفق الآية "وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله" ومعاوية خارج على الخليفة الشرعي فلابد من قتاله.

معه وقاموا باستعراض الناس وقتل من ليس على رأيهم (¬1)، فاستحل علي قتالهم في النهروان وكاد أن يبيدهم، ولكن الجراح التي أصابت قبائلهم لم تندمل حيث واصلوا إمداد الحركة الخارجية المعارضة عدة قرون ... أما التحكيم الذي انتهى إلى عزل علي ومعاوية والعودة إلى الشورى فلم يكتب له التنفيذ (¬2)، ومضى الطرفان في حشد القوات وعمليات الاختراق للأطراف، لكنهما لم يتواجها بكل ثقلهما بعد صفين .. وانتهت الملاحم عندما انقض خارجي بسيف مسموم على علي رضي الله عنه عند صلاة الفجر في رمضان 40 هـ وبايع الكوفيون للحسن بن علي الذي رأى أن يتنازل عن الخلافة لمعاوية حقنا للدماء وحفاظا على وحدة الأمة فكان عام 41 هـ هو عام الجماعة. وبذلك طويت الفتنة. ¬

_ (¬1) الطبري: تأريخ 5: 81 - 82، والبلاذري: أنساب الأشراف ج 2، 1 ص 368. (¬2) عقد في أذرح -قرب البتراء- محرم سنة 38 هـ (البلاذري: أنساب الأشراف ج 2، 1 ص 341) قبل معركة النهروان التي جرت في 9 صفر 38 هـ (البلاذري: أنساب الأشراف ج 2، 1 ص362).

الفصل الثاني: الخلفاء

الفصل الثاني: الخلفاء

المبحث الأول: أبو بكر الصديق (رضي الله عنه)

المبحث الأول: أبو بكر الصديق (رضي الله عنه) عبد الله بن عثمان بن عامر بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة (¬1) ولد بمكة بعد عام الفيل بعامين وأشهر (¬2). وصفه رسول الله صلى الله عليه وسلم بأنه "عتيق من النار" فغلب عليه اسم "العتيق" (¬3)، وقيل إنما سمي بذلك لجمال وجهه (¬4)، وقيل أيضاً: إنه ما كان يعيش لأمه ولد، فاستقبلت البيت العتيق وقالت: إن هذا عتيق من الموت فهبه لي (¬5). ووصفه بالصديق عقب حادثة الإسراء والمعراج إذ صدقه حين كذبه المشركون (¬6). وكان أبيض البشرة، نحيف الجسم، معروق الوجه، قليل الشعر في صفحتي خديه، غائر العينين، بارز الجبهة (¬7)، جعد الشعر (¬8)، وكان يخضب ¬

_ (¬1) أبو نعيم: معرفة الصحابة 1: 149، وابن حجر: الإصابة 4: 169. (¬2) أبو نعيم: معرفة الصحابة حديث رقم 89. (¬3) أبو نعيم: معرفة الصحابة 1: 152 حديث رقم 61، وأخرجه ابن حبان في صحيحه بإسناد صحيح (موارد الظمآن 532)، والطبراني: المعجم الكبير 1: 5. (¬4) الطبراني: المعجم الكبير 1: 5، وقال الهيثمي: رجاله ثقات (مجمع الزوائد 9: 41) وأبو نعيم: معرفة الصحابة حديث رقم 63 بإسناد حسن. (¬5) أبو نعيم: معرفة الصحابة 1: 153 - 154، والسيوطي: تاريخ الخلفاء 29. (¬6) الحاكم: المستدرك 3: 62، 63 وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه وأقره الذهبي. (¬7) الطبراني: المعجم الكبير 1: 9، وأبو نعيم: معرفة الصحابة 1: 165 وفيه راوٍ مجهول وبقية رجال السند ثقات. (¬8) الذهبي: تاريخ الإسلام- عهد الخلفاء الراشدين- 106.

شيبه بالحناء والكتم (¬1). وقد اشتهر في الجاهلية بحميد الأخلاق، وحسن المعاشرة، وامتناعه عن شرب الخمر، وعلمه بأنساب العرب وأخبارها. واشتهر في الإسلام بسابقته إلى الدين، وجهوده الكبيرة في الدعوة إليه حيث أسلم على يده عدد من كبار الصحابة هم عثمان بن عفان والزبير بن العوام وعبد الرحمن بن عوف وطلحة بن عبيد الله. وقد صحب النبي صلى الله عليه وسلم في هجرته إلى المدينة فنزلت الآية الكريمة: (ثاني اثنين إذ هما في الغار) (¬2). وشهد المشاهد كلها مع النبي صلى الله عليه وسلم (¬3). وكان يتاجر بالثياب وبلغ رأس ماله حين أسلم أربعين ألف درهم، أنفقها على مصالح الدعوة الإسلامية، وخاصة في عتق رقاب المستضعفين الأرقاء من المسلمين، وحمل بقيتها وهي خمسة آلاف درهم معه حين الهجرة ووضعها تحت تصرف النبي صلى الله عليه وسلم (¬4). وكان النبي صلى الله عليه وسلم يقضي في مال أبي بكر، كما يقضي ¬

_ (¬1) أبو داؤد: السنن 4: 417، وابن سعد: الطبقات الكبرى 3: 191 وإسناده صحيح، وهذا الوصف له في غزوة ذات السلاسل. (¬2) التوبة 40. (¬3) ابن حجر: الإصابة 4: 169. (¬4) ابن سعد: الطبقات 3: 172، وأبو نعيم: معرفة الصحابة 1: 180، والذهبي: تاريخ الإسلام - عهد الخلفاء الراشدين-107، وابن حجر: الإصابة 4: 171 - 172، والسيوطي: تاريخ الخلفاء39.

الرجل في مال نفسه (¬1). وقد بيَّن النبي صلى الله عليه وسلم مدى إفادة الإسلام من ذلك "ما نفعني مال قط ما نفعني مال أبي بكر" (¬2). وقد بشره رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجنة (¬3)، وترك خوخة (¬4) داره مشرعة على المسجد دون بقية الصحابة (¬5)، وولاه الصلاة خلال مرضه (¬6). وكان موضع مشورة النبي صلى الله عليه وسلم، وقد صاهره بأن تزوج ابنته عائشة رضي الله عنها. وروى عن النبي صلى الله عليه وسلم مائة حديث واثنين وأربعين حديثاً (¬7). وقد ظهرت حكمته ورباطة جأشه في مواجهة مصاب الأمة بوفاة النبي صلى الله عليه وسلم، كما ظهرت شخصيته القوية وحنكته السياسية في اجتماع السقيفة وقد عبر عن تواضع جم وزهد في الخلافة حين رشح لها مبيناً أن سالم مولى أبي حذيفة أتقى منه، وأن عمر بن الخطاب أقوى منه (¬8). ولما تولى الخلافة أظهر قدرة فائقة على إدارة شؤون الدولة التي تعرضت للانقسام الخطير بسبب ظهور المرتدين، فأعاد للدولة وحدتها وأمنها، ووجه طاقتها للجهاد وفتح بلاد العراق والشام. وتوضح خطبه ورسائله إلى قادته في العراق والشام تقواه وورعه، ¬

_ (¬1) أحمد: فضائل الصحابة 1: 72 من مراسيل سعيد بن المسيب وهي قوية. (¬2) أحمد: فضائل الصحابة 1: 65 بإسناد صحيح. (¬3) البخاري: الصحيح 7: 22. (¬4) الخوخة: باب صغير ينفذ منه إلى المسجد. (¬5) البخاري: الصحيح 5: 558. (¬6) البخاري: الصحيح 2: 166، ومسلم: الصحيح 1: 316. (¬7) بقي بن مخلد 82. وقد ذكر السيوطي مائة وأربعة أحاديث منها (تاريخ الخلفاء 87 - 94). (¬8) ابن سعد: الطبقات 3: 185، وأحمد: فضائل الصحابة 1: 162 بإسناد حسن.

وحرصه على نشر الإسلام، وترفعه عن الدنيا، كما تبين سلاسة أسلوبه وبلاغة تعبيره وبعده عن الإطناب في الكلام والمبالغة في التعبير فكان من خطباء الصحابة المقدَّمين (¬1). وقد أنجز مشروعاً عظيماً بجمع القرآن للمرة الأولى مما منع وقوع الاختلاف فيه، وحقق الوحدة الدينية والثقافية للمسلمين (¬2). ومع سعة علمه بالقرآن والسنة، وفهمه الثاقب لمقاصد الشرع وأحكامه وتصدره للفتوى (¬3)، فإنه كان كثير الاستشارة للصحابة (¬4)، وكانت الرحمة تغلب على آرائه، فقد أشار بقبول المفاداة من أسرى بدر، والسكينة تملأ نفسه فقد ثبَّت الناس في حادثة وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، والحزم ومضاء العزيمة عنوان سياسته كما في موقفه من حركة الردة، ورعاية الآخرين منهج حياته وخاصة الفقراء والمرضى (¬5). توفي أبو بكر الصديق رضي الله عنه وعمره ثلاث وستون سنة (¬6) في جمادى الآخرة من سنة ثلاث عشرة من الهجرة، وكانت مدة ولايته سنتين ونصف (¬7). ¬

_ (¬1) السيوطي: تاريخ الخلفاء 60. (¬2) ابن سعد: الطبقات 3: 193، وانظر صحيح البخاري (فتح الباري 9: 10). (¬3) راجع فتاويه في تاريخ الخلفاء للسيوطي 95 - 105. (¬4) السيوطي: تاريخ الخلفاء 43، 52. (¬5) مسلم: الصحيح 4: 713، 1857. (¬6) مسلم: الصحيح 4: 1826، والترمذي: السنن (تحفة الأحوذي 10: 136). (¬7) الطبراني: المعجم الكبير 1: 14، وقال الهيثمي: رجاله ثقات (مجمع الزوائد 9: 60)، وأبو نعيم: معرفة الصحابة 1: 169.

المبحث الثاني: عمر بن الخطاب (رضي الله عنه)

المبحث الثاني: عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) عمر بن الخطاب بن نفيل بن عبد العزى بن رباح، من بني عدي بن كعب إحدى عشائر قريش. وأمه حنتمة بنت هاشم المخزومية (¬1) ولد بعد عام الفيل بثلاث عشرة سنة (¬2). كان طويل القامة، ضخم الجسم، كثير شعر البدن، وقد انحسر شعره عن جانبي رأسه، أبيض البشرة، شديد الحمرة، يخضب شيبه بالحناء، له شارب كثيف، أعسر يسر- وهو الذي يعمل بيديه جميعاً- (¬3). وكان قد بلغ الثلاثين من عمره وقت المبعث النبوي (¬4). فكان شديداً على ¬

_ (¬1) ابن سعد: الطبقات الكبرى 4: 265، وأبو نعيم: معرفة الصحابة 1: 190 - 191 مع الحاشية رقم 3، وابن حجر: الإصابة 4: 588. (¬2) ابن حجر: الإصابة 4: 588، وانظر اذكره الواقدي من أن مولده- كما ذكر عمر عن نفسه- قبل الفجار الآخر بأربع سنين (ابن سعد: الطبقات 3: 296، وابن شبة: تاريخ المدينة 2: 661) (¬3) أحمد: فضائل الصحابة 1: 260 - 261 بأسانيد ترقى بمجموعها إلى الحسن، وابن سعد: الطبقات الكبرى 3: 324، والطبراني: المعجم الكبير 1: 19، ومسلم: الصحيح 4: 1821، والحاكم: المستدرك 3: 81 بإسناد حسن إلى زر بن حبيش، وابن حجر: الإصابة 4: 589، وأبو نعيم: معرفة الصحابة 1: 203، 206. (¬4) ابن حجر: الإصابة 4: 588.

المسلمين (¬1)، ودعا له النبي صلى الله عليه وسلم بالهداية فأسلم (¬2) في السنة السادسة من البعثة (¬3)، فاعتز به الإسلام. وجهر بإسلامه فتعرض له المشركون وقاتلهم وقاتلوه (¬4). وقد عرف في الجاهلية بالفصاحة والشجاعة، وعرف في الإسلام بالقوة والهيبة، والزهد والتقشف (¬5)، والعدل والرحمة، والعلم والفقه (¬6) وكان مسدد القول والفعل (¬7). وقد روى عن النبي صلى الله عليه وسلم خمسمائة حديث وسبعة وثلاثين حديثاً (¬8). وقد وافقه القرآن في عدة آراء اقترحها على رسول الله صلى الله عليه وسلم منها اتخاذ مقام إبراهيم مصلى، وحجاب أمهات المؤمنين، ونصحه لأمهات المؤمنين قبل نزول آية التخيير (¬9)، وقد بشره رسول ¬

_ (¬1) أحمد: فضائل الصحابة 1: 278، 279. (¬2) الترمذي: السنن 5: 617، وابن حبان: الإحسان 9: 17. (¬3) ابن حجر: فتح الباري 7: 216 - 217. (¬4) أحمد: فضائل الصحابة 1: 282. (¬5) أحمد: فضائل الصحابة 1: 330 الرواية رقم 471، وابن سعد: الطبقات 3: 327، 328، وأبو نعيم: معرفة الصحابة 1: 223. (¬6) البخاري: الصحيح (فتح الباري 12: 410)، وأحمد: فضائل الصحابة 1: 330 الرواية رقم 472 بإسناد صحيح و 1: 344 الرواية رقم 496 بإسناد صحيح و 1: 362 الرواية رقم 530 وأبو داؤد: السنن 3: 127، والهيثمي: مجمع الزوائد 9: 69، 77. (¬7) أحمد: فضائل الصحابة 1: 98، 248، 249 بأسانيد صحيحة وحسنة. (¬8) بقي بن مخلد ص 81. (¬9) البخاري: الصحيح (فتح الباري 1: 504 و 8: 168)، ومسلم: الصحيح 4: 1865. وآية

الله صلى الله عليه وسلم بالجنة (¬1)، وبشره بالشهادة (¬2) وبما سيكون على يده من خير، ووصفه بالعبقري "لم أر عبقرياً يفري فريه" (¬3). وبين أنه إن كان في الأمة محدث- بمعنى ملهم- فهو عمر (¬4). وأمر النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه بالاقتداء بأبي بكر وعمر (¬5). وكان مقرباً إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يستشيره في المهمات، شهد معه المشاهد كلها، وقد صاهره بالزواج من ابنته حفصة أم المؤمنين، وكان أبو بكر يستشيره كثيراً، وهو الذي أشار عليه بجمع القرآن (¬6)، وقد عهد إليه بالخلافة بعد مشاورة كبار الصحابة ورضاهم (¬7). ولقب بأمير المؤمنين (¬8). وقد أطهر عمر في خلافته حسن السياسة، والحزم والتدبير، والتنظيم للإدارة والمالية، ورسم خطط الفتح وسياسة المناطق المفتوحة، والسهر على مصالح الرعية، وإقامة العدل في البلاد، والتوسع في الشورى، "وكان القراء ¬

_ التخيير هي الخامسة من سورة التحريم. (¬1) البخاري: الصحيح (فتح الباري 7: 22، 40). (¬2) مسلم: الصحيح 4: 188، وأحمد: فضائل الصحابة 1: 255 بسند صحيح. (¬3) أحمد: فضائل الصحابة 1: 255، 257، والبخاري: الصحيح 7: 19، 41، ومسلم: الصحيح 1862:4. (¬4) البخاري: الصحيح 7: 42. (¬5) أحمد: فضائل الصحابة 1: 332، وابن ماجة: السنن 1: 37 كلاهما بإسناد صحيح. (¬6) البخاري: الصحيح 8: 344، ومسلم: الصحيح 4: 1913. (¬7) ابن سعد: الطبقات 3: 191، والبلاذري: أنساب (الشيخان) 70 - 73. (¬8) ابن سعد: الطبقات 4: 281، والطبراني: المعجم الكبير 1: 18، وأبو نعيم: معرفة الصحابة 1: 227، والحاكم: المستدرك 3: 81.

أصحاب مجلس عمر ومشاورته كهولا كانوا أم شباناً" (¬1)، ومحاسبة الولاة (¬2) وفق مبدأ "من أين لك هذا"، ومنعهم من أذى الرعية، وفتح بابه أمام شكاوي الناس (¬3). وتدوين الدواوين (¬4)، وتعيين العرفاء على العشائر والقبائل (¬5). وابتدأ التأريخ الهجري، وكان لا يستحل الأخذ من بيت مال المسلمين إلا حلة للشتاء وأخرى للصيف وناقة لركوبه وقوته كقوت رجل متوسط الحال من المهاجرين (¬6) وتدل خطبه ورسائله إلى الولاة والقادة على بلاغته العالية وبيانه الواضح مع الإيجاز المفيد والبعد عن الإطناب والإغراب والمبالغة، وتعبر بدقة عن شعوره العميق بالمسؤولية تجاه الدين والرعية، مع حسن التوكل على الله والثقة بالنفس (¬7). وقد غلبت الدولة الإسلامية في عهده الفرس والروم وحررت الهلال الخصيب ومصر، ومصرت الكوفة والبصرة والفسطاط، ومازالت في صعود وامتداد. حتى اغتاله أبو لؤلؤة المجوسي غلام المغيرة بن شعبة وهو يؤم المسلمين في صلاة الفجر ليلة الأربعاء لأربع ليال بقين من ذي الحجة سنة 23 للهجرة، بعد خلافة دامت عشر سنين وستة أشهر (¬8)، وكان عمره ثلاثاً وستين سنة (¬9). ¬

_ (¬1) أحمد: فضائل الصحابة 1: 351 بإسناد صحيح. (¬2) أحمد: فضائل الصحابة 1: 293. (¬3) ابن سعد: الطبقات 4: 281. (¬4) أحمد: فضائل الصحابة 1: 328، وابن سعد: الطبقات 3: 300 بإسناد صحيح، ويعقوب بن سفيان: المعرفة والتأريخ 2: 58. (¬5) المصادر السابقة. (¬6) أحمد: فضائل الصحابة 1: 405، وابن سعد: الطبقات 3: 275 وإسنادهما صحيح. (¬7) محمد حميد الله: مجموعة الوثائق السياسية للعهد النبوي والخلافة الراشدة 406 - 528. (¬8) مسلم: الصحيح 1 - 396 رقم 567، وابن سعد: الطبقات 3: 563، وأبو نعيم: معرفة الصحابة 1: 391. (¬9) أبو نعيم معرفة الصحابة 1: 591.

وأرجح أن سبب اغتياله يعود إلى الدافع الشخصي لدى قاتله المجوسي، وكان عجميا ماهرا بالصناعة وكان عمر قد نهى عن جلب الأعاجم البالغين من غير المسلمين إلى المدينة ولكن مصالح الناس أدت إلى جلبهم. (¬1) ¬

_ (¬1) ابن سعد: الطبقات 3 - 349 بإسناد صحيح.

المبحث الثالث: عثمان بن عفان (رضي الله عنه)

المبحث الثالث: عثمان بن عفان (رضي الله عنه) عثمان بن عفان بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف، وأمه أروى بنت كريز من بني عبد شمس أيضاً (¬1). ولد بعد عام الفيل بست سنوات بالطائف (¬2) وصف بأنه متوسط الطول، حسن الوجه، فيه نكتات من جدري، رقيق البشرة، عظيم اللحية، أسمر، كثير شعر الجسم (¬3). وعرف بالحياء الشديد، ورجاحة العقل (¬4)، والعفة، وصلة الرحم (¬5) والتقوى (¬6)، وإطالة التهجد في صلاة الليل (¬7)، والبكاء عند ذكر الآخرة (¬8)، ¬

_ (¬1) ابن سعد: الطبقات 3: 53، وخليفة: الطبقات 10، وابن عبد البر: الاستيعاب 3: 69. (¬2) الديار بكري: تأريخ الخميس 2: 254. (¬3) ابن سعد: الطبقات 3: 58 بسندين ضعيفين، وأبو نعيم: معرفة الصحابة 1: 236، وابن عبد البر: الاستيعاب 3: 74. (¬4) مسلم: الصحيح (بشرح النووي) 15: 168، 169، وأحمد: فضائل الصحابة 1: 465 بسند صحيح. (¬5) أحمد: فضائل الصحابة 1: 452 بسند صحيح. (¬6) أحمد: فضائل الصحابة 1: 455 بسند صحيح. (¬7) ابن سعد: الطبقات 3: 75 - 76 بإسناد حسن. (¬8) أحمد: الزهد 42، والترمذي: السنن 4: 553 بإسناد حسن.

والتواضع (¬1)، والكرم والسخاء، فقد عمل تاجراً فأصاب ثروة كبيرة قبل الإسلام، وقد أنفق منها الكثير على المصالح الإسلامية في مرحلة الدعوة والدولة. فقد اشترى بماله بئر رومة- ولم يكن بالمدينة ماء يستعذب غيرها- فجعلها سبيلا للمسلمين استجابة لندب النبي صلى الله عليه وسلم الصحابة لشرائها ووعدهم بخير منها في الجنة (¬2). واشترى أرضاً لزيادة مساحة المسجد النبوي بالمدينة استجابة لندب النبي صلى الله عليه وسلم للصحابة (¬3). وقد دعا النبي صلى الله عليه وسلم إلى تجهيز جيش العسرة المتجه إلى تبوك وعدده ثلاثون ألف رجل (¬4)، فبادر عثمان رضي الله عنه إلى تجهيزه بالنفقة العظيمة (¬5). وقد دفع في تجهيز الجيش ألف دينار فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "ما ضرَّ ابن عفان ما عمل بعد اليوم- يرددها مراراً-" (¬6). أسلم عثمان مبكراً بدعوة من أبي بكر الصديق (¬7)، وهاجر إلى الحبشة (¬8) مع ¬

_ (¬1) أحمد: فضائل الصحابة 1: 459 بسند صحيح، وابن سعد: الطبقات الكبرى 3: 59 بسند صحيح. (¬2) أحمد: المسند 1: 74 - 75 وصححه أحمد شاكر، والترمذي: السنن 5: 625 - 627 بسند حسن، والنسائي: السنن 6: 233، 234، 235، 236 بسند صحيح، والدارقطني: السنن 199:4 بسند صحيح. (¬3) الترمذي: السنن 5: 627، والنسائي: السنن 6: 234 بسند صحيح. (¬4) الواقدي: المغازي 3: 996، وابن سعد: الطبقات 2: 166 بدون إسناد، وابن حجر: فتح الباري 8: 117. (¬5) البخاري: الصحيح (فتح الباري 5: 406 - 407) مستخدماً صيغة التعليق "قال" عن شيخه مما اعتبره ابن حجر تحملاً بالإجازة أو المناولة أو العرض (الفتح 2: 158). (¬6) أحمد: المسند 4: 75 و 5: 63، والحاكم: المستدرك 3: 102، وقال الذهبي: صحيح. (¬7) ابن اسحق: السير والمغازي 140 بدون إسناد، ويخالفه الواقدي والبلاذري حب يقررا أنهما أسلما بدعوة النبي صلى الله عليه وسلم لهما مباشرة (ابن سعد: الطبقات 3: 55 عن الواقدي، والبلاذري: أنساب الأشراف 5: 2) وبذلك لا توجد رواية صحيحة في كيفية إسلامه، لكن الثابت أنه أسلم مبكراً جداً. (¬8) البخاري: الصحيح (فتح الباري 7: 53، 56، 163، 187).

زوجه رقية بنت الرسول صلى الله عليه وسلم، وعاد إلى مكة، ثم هاجر منها إلى المدينة (¬1). وتغيَّب عن موقعة بدر بأمر النبي صلى الله عليه وسلم ليعنى بزوجته رقية، وكانت مريضة، ووعده أجر رجل ممن شهد بدراً وسهمه (¬2). وشهد المشاهد الأخرى مع النبي صلى الله عليه وسلم، وأرسله في الحديبية إلى قريش فغاب عن بيعة الرضوان فصفق النبي صلى الله عليه وسلم يمينه بشماله وقال: "هذه عن عثمان" (¬3). وكان عثمان رضي الله عنه من كبار الصحابة المقربين إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وقد تزوج من ابنته رقية فلما ماتت تزوج ابنته الثانية أم كلثوم، لذلك لقب بذي النورين (¬4). ¬

_ (¬1) ابن اسحق: السير والمغازي 174، 176، وابن سعد: الطبقات الكبرى 1: 237 - 238 بسند منقطع فهو ضعيف، ويعقوب بن سفيان: المعرفة والتأريخ 3: 268 بسند موصول إلى أنس رضي الله عنه، والحاكم: المستدرك 2: 623 بإسناد صحيح إلى الزهري، ومراسيل الزهري ضعيفة 4: 77. (¬2) البخاري: الصحيح (فتح الباري 6: 271 و 7: 66 - 67، 421). (¬3) البخاري: الصحيح (فتح الباري 7: 54). (¬4) أبو نعيم: معرفة الصحابة 1: 245 بإسناد حسن إلى الحسن البصري، لكنه مرسل ضعيف، وله شاهد بإسناد ضعيف في تاريخ بغداد للخطيب 2: 231.

وقد بشره النبي صلى الله عليه وسلم بالجنة في عدة مناسبات (¬1)، وبشره بالشهادة (¬2). وقد عرف الصحابة له مكانته فهم يعدونه في الفضل بعد أبي بكر وعمر (¬3). وروى عن النبي صلى الله عليه وسلم مائة حديث وستة وأربعين حديثاً (¬4). وكان عثمان رضي الله عنه بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم قريباً من الخليفة أبي بكر الصديق رضي الله عنه ومن بعده عمر بن الخطاب رضي الله عنه يشاورانه ويقدمانه، فلما طعن عمر رضي الله عنه عيَّن مجلس الشورى من ستة من الصحابة المشهود لهم بالجنة ليختاروا الخليفة من بينهم، فاختاروا عثمان رضي الله عنه بعد مشاورة أهل الرأي والمشورة في المدينة (¬5)، وذلك في أول محرم سنة أربع وعشرين للهجرة (¬6). وقد أنجز في خلافته الجمع الثاني للقرآن (¬7)، وبذلك حفظه ومنع وقوع ¬

_ (¬1) البخاري: الصحيح (فتح الباري 7: 22، 42، 53 و 10: 597 و 13: 240)، وأبو داؤد: السنن حديث رقم 4651، والترمذي: السنن 5: 624. (¬2) مسلم: الصحيح (بشرح النووي) 15: 190 - 191، والترمذي: السنن 5: 627 وقال: حديث حسن. وانظر حول تعدد القصة (فتح الباري لابن حجر 7: 38). (¬3) البخاري: الصحيح (فتح الباري 7: 16، 54). (¬4) بقي بن مخلد: مقدمة المسند 82. (¬5) البخاري: الصحيح (فتح الباري 7: 59 - 62 و 3: 256 و 13: 193 - 194)، ومسلم: الصحيح 1: 396، وابن تيمية: منهاج السنة 3: 166. (¬6) ابن سعد: الطبقات 3: 64، وخليفة: التأريخ 156، والطبري: تأريخ 4: 242. (¬7) نزل القرآن منجماً، فإذا نزلت آية أو آيات أمر النبي صلى الله عليه وسلم كتاب الوحي بكتابتها وأرشدهم بموضعها من سورتها، وكانوا يكتبون في الرقاع- الخرق- واللخف- حجارة بيض

الاختلافات في القراءات، مقتصراً على لغة قريش، ورتب سوره، وقد أجمعت الأمة على مصحف عثمان في سائر العصور (¬1). كما وسَّع الحرمين بمكة والمدينة، وكان بناء المسجد النبوي بالمدينة باللبن والجريد وأعمدة الخشب، فزاد فيه عثمان سنة 30 هـ زيادة كبيرة، وبنى جدرانه بالحجارة المنقوشة والحصى، وجعل عمده من الحجارة المنقوشة أيضاً، وسقفه بالساج، وترك أبوابه الستة كما كانت في خلافة عمر رضي الله عنه (¬2). ومن إصلاحات عهده حفر نهر الأبلة وطوله أربعة وعشرين كيلا (كيلو متراً) ونهر الأساورة، وكلاهما بالبصرة (¬3). واستعاد المسلمون في خلافته البلدان التي انتقضت عليهم في خلافة عمر رضي الله عنه وبداية خلافة عثمان رضي الله عنه، وتوسعت الفتوحات فأضافت بلداناً جديدة لم يسبق فتحها من قبل مثل أذربيجان وأرمينية وأفريقية تونس والنوبة وجزيرة قبرص وكابل وخراسان وشيراز واصطخر وسابور ودرابجرد وأرجان. وازدهرت الحياة الاجتماعية والاقتصادية في خلافته لكثرة موارد الدولة والمجتمع، ¬

_ رقاق- والعسب- سعف النخل- فلما كانت خلافة الصديق رضي الله عنه أمر زيد بن ثابت بجمعه في الصحف من العسب واللخاف وصدور الرجال فأنجزه، وفي خلافة عثمان رضي الله عنه أمر زيد بن ثابت بإعادة العمل معتمداً على المصحف الذي جمعه في خلافة أبي بكر، حيث تم تدقيق المصحف وترتيب سوره وعملت منه عدة نسخ وزعت على الأمصار منعا لوقوع الاختلاف في القراءات. (¬1) ابن حجر: فتح الباري 9: 21. (¬2) البخاري: الصحيح (فتح الباري 1: 540)، والطبري: تأريخ 4: 267، وابن حجر: فتح الباري 1: 545. (¬3) خليفة: التأريخ 165 - 166.

فتوسع عثمان في العطاء، وتوسع الناس في الإنفاق (¬1). وقد تذمر بعض أهل الأمصار من ولاته بتحريض من ابن سبأ، فاجتمع المنافقون وحاصروا دار الخليفة، وبعد مناقشات معه تجرءوا عليه واقتحموا داره وقتلوه وهو شيخ في الثمانين، وكان صائماً يقرأ القرآن حين مقتله وذلك سنة 36 هـ مما عرف بالفتنة، وجرَّ مقتله إلى سلسلة أخرى من الفتن التي عصفت بوحدة المسلمين. ¬

_ (¬1) عمر بن شبة: تأريخ المدينة 3: 1023 - 1024 بسند صحيح.

المبحث الرابع: على بن أبي طالب (رضي الله عنه)

المبحث الرابع: على بن أبي طالب (رضي الله عنه) علي بن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي، ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأمه فاطمة بنت أسد بن هاشم (¬1). ولد علي قبل البعثة النبوية، وأسلم وهو في الخامسة من عمره (¬2) أو الثامنة (¬3) أو العاشرة (¬4)، تبعاً لاختلاف أقوى الروايات، وقيل أنه كان في الخامسة عشر أو السادسة عشر (¬5). وعرف علي رضي الله عنه بالشجاعة والخطابة والبلاغة، كما عرف ببراعته في القضاء فكان عمر بن الخطاب يقول: "أقضانا علي" (¬6). كما تميز بإيمانه العميق وفقهه الدقيق وقدرته على التأثير والإقناع كما يلاحظ في إسلام همدان كلها ¬

_ (¬1) ابن هشام: السيرة النبوية 1: 161، 189، ومصعب الزبيري: نسب قريش 40، وهشام الكلبي: جمهرة النسب 1: 30. (¬2) الطبراني: المعجم الكبير 1: 53 بإسناد حسن إلى محمد الباقر ثم هو مرسل لأن الباقر لم يدرك الحادثة، ولعلها رواية متوارثة من الوسط العائلي فترجح ما سواها، وهي تتفق مع سنه في غزوة بدر حيث كان في العشرين من عمره (الطبراني: المعجم الكبير 1: 64، والحاكم: المستدرك 3: 111 وصححه ووافقه الذهبي). (¬3) الطبراني: المعجم الكبير 1: 53. (¬4) ابن هشام: السيرة النبوية 1: 262 بدون إسناد، واختاره ابن حجر في الإصابة 2: 501. (¬5) الطبراني: المعجم الكبير 1: 54 من مراسيل الحسن البصري. (¬6) البخاري: الصحيح (فتح الباري 8: 167).

على يديه في يوم واحد (¬1). وقد أرسله النبي صلى الله عليه وسلم إلى بني جذيمة بعد غزو خالد لهم لإصلاح ما وقع من خطأ في حقهم فأصلح الأمر (¬2). وأرسله في موسم الحج سنة 9 هـ إلى مكة لتبليغ صدر سورة براءة (¬3). وقد اشتهرت فضائله ومناقبه، وبين النبي صلى الله عليه وسلم مكانته منه في عدة مواقف حتى قال الإمام أحمد وإسماعيل القاضي والنسائي وأبو علي النيسابوري: "لم يرد في حق أحد من الصحابة بالأسانيد الجياد أكثر مما جاء في علي" (¬4). ومنها حديث: "من كنت مولاه فعلي مولاه" (¬5)، ومنها قوله صلى الله عليه وسلم له: "أنت مني وأنا منك" (¬6) - أي في النسب والصهر والسابقة والمحبة- (¬7). وشهد له النبي صلى الله عليه وسلم بالجنة (¬8)، وبأن الله قد امتحن قلبه على الإيمان (¬9)، وبأنه رجل يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله (¬10). وبأنه لا يحبه ¬

_ (¬1) الطبري: تأريخ 3: 131 - 132 بإسناد حسن. (¬2) ابن هشام: السيرة 4: 72 - 73 مرسل أبي جعفر الباقر. (¬3) أحمد: المسند 1: 156 و 2: 32 وصححه أحمد شاكر، والنسائي: خصائص علي 93 - 95 بإسناد صحيح. (¬4) ابن حجر: فتح الباري 7: 71. (¬5) أحمد: فضائل الصحابة 705 بإسناد صحيح، والترمذي: السنن (تحفة الأحوذي) 10: 214 - 215 وقال: حسن غريب، والنسائي: خصائص علي 96. (¬6) البخاري: الصحيح (فتح الباري 7: 499). (¬7) ابن حجر: فتح الباري 7: 507. (¬8) أحمد بن حنبل: المسند 1: 188 وفضائل الصحابة 116 بإسناد صحيح وأبو داؤد: السنن 4: 211 والترمذي: السنن 5: 652 وقال: حديث حسن. (¬9) الترمذي: السنن (تحفة الأحوذي) 10: 217 - 218 وقال: حسن صحيح غريب، وأبو داؤد: السنن (مع شرح الخطابي) 3: 148، وأحمد: المسند 3: 33، 82 و 6: 106، 121، والبزار: المسند 3: 118 والحديث صحيح بمجموع طرقه. (¬10) البخاري: الصحيح (فتح الباري 7: 70)، وسلم: الصحيح 4: 1872 - 1873.

إلا مؤمن ولا يبغضه إلا منافق (¬1). وقد نشأ علي في بيت النبي صلى الله عليه وسلم حث أعان بتربيته عمه أبا طالب (¬2) وقد بات في فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم مرتدياً ثوبه في ليلة الهجرة لئلا يفطن المشركون لغيابه (¬3)، لذلك تأخرت هجرته عن النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثة أيام (¬4). وشارك في جميع الغزوات مع النبي صلى الله عليه وسلم سوى تبوك، وحمل الراية يوم بدر وهو ابن عشرين سنة (¬5). وأظهر شجاعة فائقة في أحد (¬6)، وتصدى لعمرو بن عبد ود العامري وهو يحاول اقتحام الخندق في غزوة الأحزاب فقتله، وكان من فرسان العرب المشهورين (¬7). وحمل الراية في فتح خيبر سنة 7 هـ ففتح الله على يديه (¬8). وثبت في غزوة حنين مع من ثبت من المهاجرين ¬

_ (¬1) مسلم: الصحيح 1: 86. (¬2) ابن اسحق: السيرة 118 بدون إسناد. (¬3) أحمد: المسند 5: 25 - 27 وقال محققه أحمد شاكر: إسناده صحيح، وابن هشام: السيرة النبوية 2: 124، 126 - 127، والحاكم: المستدرك 3: 4 وقال الذهبي: صحيح. (¬4) ابن هشام: السيرة النبوية 2: 129 بدون إسناد. (¬5) الحاكم: المستدرك 3: 111 وقال: صحيح على شرط الشيخين ووافقه الذهبي. (¬6) البخاري: الصحيح (فتح الباري 7: 372)، وسلم: الصحيح (شرح النووي) 12: 148. (¬7) ابن هشام: السيرة النبوية 3: 325 - 326 بدون إسناد، والواقدي: المغازي 2: 496 (¬8) البخاري: الصحيح (فتح الباري 7: 70)، وسلم: الصحيح 4: 1872 - 1873.

والأنصار عندما فرَّ الناس (¬1). واستخلفه النبي صلى الله عليه وسلم على المدينة في غزوة تبوك (¬2)، وكان يرغب علي في الخروج معه للجهاد فقال له: "ألا ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى، غير أنه لا نبي بعدي" (¬3). وأرسله إلى اليمن مرتين مرة داعياً وغازياً سنة 9 هـ ومرة قاضياً (¬4). ولما انتقل النبي صلى الله عليه وسلم إلى الرفيق الأعلى، ولم يعين خليفة يتولى إمرة المسلمين (¬5)، عقد الأنصار اجتماع السقيفة لتعين الخليفة، وحضر الاجتماع أبو بكر وعمر وأبو عبيدة .. وبعد مناقشات تمَّ اختيار أبي بكر خليفة للمسلمين، وغاب علي عن الاجتماع، وقد أجمع المسلمون على بيعة أبي بكر ولم ينازعه أحد حيث بايعوه البيعة العامة في اليوم الثاني في المسجد النبوي، وقد بايع علي بن أبى طالب مع الناس- في رواية- (¬6) وتأخرت بيعته ستة أشهر احتجاجاً على عدم مشاورته في أمر الخلافة حيث لم يحضر اجتماع السقيفة ثم حدث الخلاف بين فاطمة رضي الله عنها وأبي بكر الصديق رضي الله عنه حول ميراثها من رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث التزم أبو بكر بحديث: "نحن ¬

_ (¬1) أحمد: المسند 3: 376 ورجاله رجال الصحيح، وابن هشام: السيرة 4: 87 - 88 بسند صحيح. (¬2) مسلم: الصحيح 1: 86. (¬3) البخاري: الصحيح (فتح الباري 7: 71 و 8: 112)، ومسلم: الصحيح 4: 1870. (¬4) البخاري: الصحيح (فتح الباري 8: 65، 69)، وفتح الباري 12: 291، 293 وأبو داؤد: السنن 4: 11 - 12، والنسائي: السنن 5: 115 والحديث حسن بمجموع طرقه. (¬5) البخاري: الصحيح (فتح الباري 8: 142، 148 و 13: 205 - 206)، ومسلم: الصحيح 3:1454 - 1455، وأحمد: المسند 1: 128 بإسناد حسن. (¬6) البخاري: الصحيح (فتح الباري 7: 493)، ومسلم: الصحيح (شرح النووي) 12: 76.

معاشر الأنبياء لا نورث، ما تركناه صدقة" (¬1). فلما توفيت فاطمة بايع علي أبا بكر (¬2). وقد تواتر عن على قوله: "خير هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر ثم عمر" (¬3) وصار علي أحد رجال الشورى المقربين في خلافة عمر، فكان "يشد من أزره ولا يبخل عليه برأيه، ويجتهد معه في إيجاد حلول للقضايا التي لم يرد فيها نص، وفي تنظيم أمور الدولة الفتية" (¬4). ومن أهم مشوراته موافقته لرأي عمر في عدم توزيع الأرض المفتوحة (¬5) واقتراحه البدء بكتابة التاريخ الإسلامي ابتداء من الهجرة النبوية إلى المدينة (¬6). ولما استشهد عمر رضي الله عنه جعل علياً أحد الستة الذين يتألف منهم مجلس الشورى لاختيار أحدهم خليفة، وقد تمت البيعة لعثمان بن عفان، وبايعه ¬

_ (¬1) البخاري: الصحيح (فتح الباري 6: 197، 7: 493) ومسلم: الصحيح 3: 1380. (¬2) الحاكم: المستدرك 3: 76 وقال: صحيح على شرط الشيخين، وسكت عنه الذهبي وإسناده صحيح، والبيهقي: السنن الكبرى 8: 113 بإسناد صحيح. (¬3) ابن تيمية: منهاج السنة 1: 308 و 6: 137 و 7: 511 - 512 وقال: إن طرقه تبلغ ثمانين طريقاً. وانظر البخاري: الصحيح (فتح الباري 7: 20). (¬4) عبد الحميد علي ناصر: خلافة علي بن أبي طالب- دراسة نقدية للروايات- ص70. وانظر عن أمثلة ذلك: أحمد: فضائل الصحابة 2: 707 بإسناد صحيح، وأبا داؤد: السنن (بشرح الخطابي) 4: 588 بإسناد صحيح. (¬5) البخاري: الصحيح (فتح الباري 6: 224)، وابن زنجويه: الأموال 1: 158، 223، 226, 230. (¬6) البخاري: التأريخ الكبير 1: 9، والطبري: التأريخ 4: 38 - 39 وصححه الحاكم والذهبي كما في المستدرك 3: 14.

علي، فكان ثاني من بايعه بعد عبد الرحمن بن عوف (¬1). وكان قريباً من الخليفة عثمان يستشار في الأمور المهمة، ومن أجل مشوراته موافقته لعثمان في جمع الناس على قراءة واحدة لمنع اختلاف الناس في القرآن (¬2). وكان علي رضي الله عنه حريصاً على إسداء النصيحة لعثمان، والإصلاح بين الناس عندما هاجت الفتنة، وحاول الدفع عن عثمان، وأرسل الحسن والحسين للمشاركة في حراسة داره (¬3)، وأرسل إليه قرب الماء حين منع الثوار الماء عن داره (¬4)، ولكنه لم يتمكن من الوصول إليه حين طلبه وقت الحصار بسبب خطورة الثوار المحاصرين (¬5) وكان الثوار يغلب عليهم إظهار القول الحسن، والقراءة الجيدة للقرآن، والصلاة الحسنة، فلم يتصور أحد أنهم يجرءون على قتل الخليفة. وكانوا تمهيداً لظهور حركة الخوارج التي كانوا نواتها. وقد ظهرت جلافتهم عندما قتلوا الخليفة، ولم يراعوا حرمته ولا حرمة المدينة ولا الشهر الحرام (¬6). ولما استشهد عثمان عبَّر علي عن تألمه بقوله: "ولقد طاش عقلي يوم ¬

_ (¬1) البخاري: الصحيح (فتح الباري 7: 59 و 13: 193). (¬2) ابن أبي داؤد: كتاب المصاحف 29 - 30 بإسناد صحيح، وابن حجر: فتح الباري 9: 18، والبيهقي: السنن الكبرى 2: 42. (¬3) خليفة: التأريخ 174، وابن سعد: الطبقات 8: 128 بسند صحيح. (¬4) البلاذري: أنساب الأشراف 5: 67. (¬5) ابن سعد: الطبقات 3: 68 بسند صحيح، وسعيد بن منصور: السنن 2: 336 بسند صحيح، والخلال: السنة 328 بإسناد صحيح. (¬6) البخاري: الصحيح (فتح الباري 12: 144 - 145 وأحمد: السند 1: 323 بإسناد صحيح.

قتل عثمان وأنكرت نفسي" (¬1). وقد اجتمع أهل المدينة على بيعته رغم أنه أظهر عدم رغبته في ذلك ثم وافق منعاً للفتن (¬2). مع أنه يعلم أنه أصبح أولى الناس بالخلافة وأحقهم بها (¬3). وقد انشغل بعد استخلافه بمواجهة المعارضين له فخاض غمار المعارك الطاحنة ضدهم في الجمل وصفين والنهروان، وأظهر قدرة فائقة على تعبئة الجيوش وقيادة الناس وتوضيح أحكام الشرع في الحروب الداخلية بين المسلمين ومنها الكف عن المدبر والإحسان إلى الأسير وإطلاقه بعد انتهاء المعركة أو أخذ العهد عليه أن لا يعود للقتال، وعدم قسمة أموالهم واعتبارها غنيمة سوى السلاح والكراع الذي حملوه في الحرب، وعدم سبي النساء والذراري، وعدم حرمان المخالفين من حقهم في الفيء أو الصلاة في المساجد، وعدم بدئهم بالقتال (¬4) وكان يعد العدة لمواجهة أخرى مع معاوية وهو يلاحظ تقاعس جنده وضعف طاعتهم حين استشهد على يد عبد الرحمن بن ملجم الخارجي في الكوفة في فجر اليوم الحادي والعشرين من رمضان سنة أربعين للهجرة (¬5) وعمره ثمان وخمسون سنة (¬6). ¬

_ (¬1) الحاكم: المستدرك 3: 95 بسند حسن. (¬2) أحمد: فضائل الصحابة 2: 753 بإسناد حسن، والحاكم: المستدرك 3: 95 بإسناد حسن. (¬3) أحمد: المسند 2: 287 - 288 وقال أحمد شاكر: إسناده صحيح. (¬4) عبد الحميد علي ناصر محمد: خلافة علي بن أبي طالب- دراسة نقدية للروايات- 446 - 448. (¬5) البخاري: التأريخ الكبير 1: 99 - 100 بسند صحيح. (¬6) البخاري: التأريخ الصغير: 1: 100، ويعقوب بن سفيان: المعرفة والتأريخ 3: 316، والطبري: تأريخ 5: 151.

المبحث الخامس: حجية عمل الخلفاء الراشدين

المبحث الخامس: حجية عمل الخلفاء الراشدين إن عمل الخلفاء الراشدين منه ما أتفق عليه الصحابة فهو إجماع ملزم لمن بعدهم من الأجيال، ومنه ما لا مجال فيه للرأي والاجتهاد فحكمه حكم السنة المرفوعة ومنه ما مجاله الاجتهاد وخالفهم فيه آخرون من الصحابة، لكنهم أذعنوا لاجتهاد الخلفاء لأنهم "أولوا أمر" تجب طاعتهم، وهذا القسم اختلف الأصوليون في حجيته، فمنهم من رآه حجة على الأجيال التالية فيعمل به ما لم يخالف كتاباً ولا سنة، وكلام الإمام أحمد في إحدى الروايتين يدل على أن قولهم حجة (¬1)، فهو لا يخرج عن قولهم إلى قول غيرهم. ويقدم الشافعي قول الخلفاء الراشدين على قول غيرهم من الصحابة، فإذا اختلف الصحابة على قولين، وكان الخلفاء الراشدون مع أحد الفريقين، يصار إلى قول الخلفاء الأربعة، ولكن نقل عن الشافعي أيضاً أن الفريقين من الصحابة سواء. ويحتاج الترجيح بينهما إلى مرجح (¬2). قال الشافعي: "ما كان الكتاب أو السنة موجودين، فالعذر على من سمعهما مقطوع إلا بإتباعهما، فإن لم يكن ذلك صرنا إلى أقاويل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أو واحد منهم، ثم كان قول الأئمة أبي بكر وعمر وعثمان- رضي الله عنهم- أحب إلينا إذا صرنا إلى التقليد، وذلك إذا لم تجد دلالة في الاختلاف تدل على أقرب الاختلاف من الكتاب والسنة، فنتبع القول الذي معه الدلالة، لأن قول ¬

_ (¬1) الموفق: روضة الناضر 1: 366، والعلائي: إجمال الإصابة في أقوال الصحابة 47. (¬2) الزركشي: البحر المحيط 4: 490 - 492.

الإمام مشهور بأنه يلزم الناس" (¬1). وذكر القاضي في "التقريب" أن القائلين بترجيح قول الخلفاء الراشدين على قول غيرهم لفضل سبقهم وتعددهم وطول صحبتهم وقال: "وعندنا أن الترجيح إنما يطلب به غلبة الظن لا العلم" (¬2). "وقد أجمعت الصحابة على جواز مخالفة بعضهم بعضاً، حتى لم ينكر أحد من الخلفاء الراشدين على من خالفه"، وأما حديث "إني لا أدري ما بقائي فيكم فاقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر" (¬3) "فالمراد به الاقتداء بهما في سيرتهما وعدلهما ونحو ذلك، لا على أن قولهما حجة يلزم اتباعها، لأن مذهب الصحابي ليس حجة على صحابي آخر اتفاقاً، لاسيما في الخلفاء الأربعة بعضهم مع بعض" (¬4) وقد علَّق الخطابي على حديث "عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين عضوا عليها بالنواجذ" (¬5) بقوله فيه: "دليل على أن الواحد من الخلفاء الراشدين إذا قال قولاً وخالفه فيه غيره من الصحابة، كان المصير إلى قول الخليفة أولى" (¬6). ¬

_ (¬1) الشافعي: الأم 7: 265، والعلائي: إجمال الإصابة في أقوال الصحابة 38. (¬2) الزركشي: البحر المحيط 4: 490 - 492. (¬3) الترمذي: سنن 3663 وصححه الألباني (السلسلة الصحيحة 3: 235). (¬4) نقله العلائي (إجمال الإصابة 63). (¬5) أخرجه الترمذي: السنن، كتاب العلم، حديث رقم 2676 واللفظ له، وقال هذا حديث حسن صحيح، وصححه الألباني: صحيح سنن الترمذي 2: 342، وأخرجه أبو داؤد: السنن 5: 13 حديث رقم 4607، وأحمد: المسند 4: 126 - 127، والحاكم: المستدرك 1: 96 - 97 وقال: صحيح على شرط الشيخين، وصححه أيضاً الحافظ أبو نعيم الأصبهاني وأبو العباس الدغولي وغيرهما، كما نقله العلائي في إجمال الإصابة 49. (¬6) الخطابي: شرح سنن أبي داؤد 7: 12.

وقال ابن القيم معقبا على الحديث: "فقرن سنة خلفائه بسنته وأمر باتباعها كما أمر باتباع سنته، وبالغ في الأمر بها، حتى أمر بأن يعض عليها بالنواجذ، وهذا يتناول ما أفتى به جميعهم أو أكثرهم أو بعضهم، لأنه علَّق ذلك بما سنه الخلفاء الراشدون، ومعلوم أنهم لم يسنوا ذلك وهم خلفاء في آن واحد، فعلم أن ما سنَّه كل واحد منهم في وقته فهو من سنة الخلفاء الراشدين" (¬1). وذكر محمد الأمين الشنقيطي قول طائفة من أهل العلم بأن المراد بالأمر بالاقتداء بهم هو المقلد، وأما المجتهد العارف بالدليل فليس بمأمور بترك الدليل الظاهر له إلى قول غيره. ثم قال الشنقيطي: "واعلم أن التحقيق أنه لا يخصص النص بقول الصحابي إلا إذا كان له حكم الرفع، لأن النصوص لا تخصص باجتهاد أحد، لأنها حجة على كل من خالفها" (¬2). ولا شك أن ما أجمع عليه الصحابة أولى بالاعتبار من إجماع من بعدهم لأن مرتبتهم في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وعدم المداهنة تقتضي بأن يكون سكوتهم دليلاً على الموافقة، فإن لم يعتبر إجماعا فالظاهر أنه حجة (¬3). فإذا سن أحد الخلفاء الراشدين سنة وسكتوا فلم يعترضوا عليه، فسنته حجة على رعيته وإن لم تكن إجماعاً لأن طاعته لازمة، وحرصه على الشورى كبير، ولا يمتنع تبديل هذه السنة بعده من قبل إمام هدى يعمل بالشورى وتجب له الطاعة، فقد خالف عمر سنة الصديق في كيفية قسمة العطاء، وهكذا فعل عثمان مع سنة عمر، وجمع أبي بكر القرآن، وجمع عمر الناس في التراويح، وحظى الإجراءان بإجماع الصحابة، ووحَّد عثمان المصاحف عندما قام بالجمع الثاني، وكانت أعمالهم هذه لازمة ¬

_ (¬1) ابن القيم: إعلام الموقعين 4: 140. (¬2) محمد الأمين الشنقيطي: مذكره أصول الفقه 166. (¬3) العلائي: إجمال الإصابة في أقوال الصحابة 32.

لرعيتهم وإن لم تكن ملزمة لمن بعدهم من الخلفاء ورعيتهم إلا أن تكون إجماعا .. قال الدكتور عبد الكريم زيدان عند كلامه عن قول الصحابي الصادر عن رأي واجتهاد: "ذهب بعض العلماء إلى أن قوله- قول الصحابي- حجة شرعية، وعلى المجتهد أن يأخذ بقول الصحابي إذا لم يجد الحكم في الكتاب ولا في السنة ولا في الإجماع، واذا اختلف الصحابة، فعليه أن يتخير من أقوالهم. وذهب البعض الآخر من العلماء إلى أنه ليس بحجة شرعية، ولا يلزم المجتهد أن يأخذ بقول الصحابي، بل عليه أن يأخذ بمقتضى الدليل الشرعي ... والذي نرجحه أن قول الصحابي ليس حجة ملزمة، ولكن نميل إلى الأخذ به حيث لا نص في الكتاب ولا في السنة ولا في الاجماع، ولا يوجد في المسألة دليل آخر معتبر، ففي هذه الحالة نرى أن الأخذ بقول الصحابي أولى" (¬1). وأما من رأى أن سنة الخلفاء الراشدين حجة معتمدة فإنه لم يسوي بينها وبين سنة النبي صلى الله عليه وسلم في الحجيَّة، بحيث يقع التعارض بينهما، ويعدل إلى الترجيح، قال العلائي: "لا يلزم من كون سنتهم حجةَّ معتمدة أن يكون لها هذه المساواة، بل يجوز أن تكون مأموراً باتباعها والعمل بها بشرط عدم وجود سنة للنبي صلى الله عليه وسلم قدمت على سنتهم، كما أن القياس حجة شرعية، وهو متأخر في الرتبة عن الكتاب والسنة" (¬2). ¬

_ (¬1) عبد الكريم زيدان: الوجيز في أصول الفقه 261 - 262. (¬2) العلائي: إجمال الاصابة

المبحث السادس: الشورى

المبحث السادس: الشورى إن الروايات التي صحَّت في استشارة النبي صلى الله عليه وسلم للصحابة ثم في تطبيق الخلفاء الراشدين لنصوص الشورى هي التي ترسم معالم الشورى في الإسلام، لأن القرآن نص على "الشورى" دون تفصيل لحدودها وكيفية تطبيقها ومدى الزاميتها، وبسبب الإجمال في الآيتين اللتين تناولتا قضية الشورى وهما: (وأمرهم شورى بينهم) (¬1) و (شاورهم في الأمر) (¬2) وقد وقعت الأولى بين وصفهم بالصلاة (وأقاموا الصلاة) ووصفهم بأداء الزكاة (ومما رزقناهم ينفقون)، أي بين فريضتين، والخبر إذا أريد به الإنشاء الطلبي فهو أقوى من الأمر وأما الآية الثانية فهي بصيغة الأمر، وليس في القرآن قرينة تصرف الأمر عن الوجوب إلى الندب، فلم يبق إلا أن نفتّش في السنة، ولم أجد- حسب جهدي- في أحداث السيرة النبوية نصاً صحيحاً يدل على صرف الأمر بالشورى عن الوجوب إلى الندب، بل لم أقف على ما يدل على عدم إلزامية الشورى، فقد أخذ النبي صلى الله عليه وسلم برأي الأكثرية في أحد، وشاور زعماء المدينة من الأنصار (سعد بن معاذ وسعد بن عبادة وسعد بن الربيع وسعد بن خيثمة وسعد بن مسعود) في إعطاء شطر تمر المدينة لغطفان مقابل انسحابها من الأحزاب، فلما اتفقت آراؤهم على احتمال الحصار دون بذل التمر أخذ برأيهم رغم الخطر الكبير المحدق بالمدينة وبالدعوة الإسلامية. وأخذ برأي الأكثرية في حصار الطائف إذ أراد فك الحصار فرأى المسلمين يميلون ¬

_ (¬1) الشورى 38. (¬2) آل عمران 159.

لفتحها فعدل عن ذلك إلى اليوم التالي حيث رضوا بفك الحصار. وأما رده لرأي الأكثرية في غزوة الحديبية فيرجع إلى أمر الله له، ولا اجتهاد في موضع النص، ولا تقدم على أمر الله (¬1). وكان أبو هريرة يقول: "ما رأيت أحداً قط كان أكثر مشورة لأصحابه من رسول الله صلى الله عليه وسلم" (¬2). وما دام لم يرد ما يمنع من الأخذ برأي الأكثرية في الكتاب والسنة فهو أمر مباح إذاً يتحول الأمر إلى واجب إذا تعلقت مصالح الأمة به أو إذا أفضى تركه إلى حدوث مفاسد عامة كالاستبداد أو اضطراب الأمن بسبب تفرق أراء الناس، وعدم مراعاتها، هذا إذا لم ير أهل الحل والعقد بالأدلة التي تفيد وجوب الشورى وإلزاميتها ... ومن الصعب قبول القول بأن الشورى واجبة على النبي صلى الله عليه وسلم ومندوبة بالنسبة للمسلمين، إذ ليس ثمة نص يفيد هذه الخصوصية فضلا عن أن النظر يقتضي العكس لأن حاجه النبي المعصوم إلى الشورى أقل- وهي مخصصة في المصالح الدنيوية- من المسلمين غير المعصومين، بل الأكثر على أنه إنما يستشير تعليماً للأمة دون حاجة حقيقية إلى الشورى لأن الوحي يسدده ولا يقره على خطأ .. وأما عمل الخلفاء الراشدين فقد أثبت التأريخ أن خلافتهم كانت عن بيعة الناس ورضاهم، ويعد انتخاب أبي بكر رضي الله عنه في سقيفة بني ساعدة نموذجاً للحوار الحر الصريح بين المجتمعين، وغالبيتهم من الأنصار، ومع ذلك فقد أفضى ¬

_ (¬1) د. همام سعيد: عرض الأحاديث النبوية المتعلقة بالشورى ودراستها (بحث ضمن كتاب: الشورى في الإسلام ص 85 - 98). (¬2) عبد الرزاق: المصنف. حديث رقم 279.، وصحيح البخاري مع الفتح، حديث رقم 2731 - 2732.

الحوار إلى بيعة الصديق وهو من المهاجرين وهى بيعة حُرة لم تفرض عليهم من أقلية المهاجرين الحاضرة في ذلك الاجتماع. وكانت خلافة عمر رضي الله عنه عن ترشيح من الصديق بعد مشاورة كبار الصحابة، ولو لم يحض ذلك الترشح بتأييد أهل الحل والعقد وجمهور المسلمين من ورائهم لما انعقدت له الخلافة. وجاءت خلافة عثمان عن مشاورات بين أعضاء مجلس شورى عمر، وأعقبت اختيارهم بيعة الجمهور. وأما خلافة علي فإن الصحابة بايعوه اثر غلبة المعارضين لعثمان على المدينة ولم يحض بالإجماع بسبب معارضة أصحاب الجمل في البصرة ومعاوية في الشام، لكن أكثرية المسلمين بايعوه، ولم ينكر أحد حين بيعته أحقيته بالخلافة، ولكنهم خالفوه في مسألة القصاص من قتلة عثمان. وقد تمَّ في مجلس الشورى الذي كونه عمر بن الخطاب إقرار مبدأ الالتزام برأي الأكثرية بوضوح تام، حتى أدخل ابنه عبد الله بن عمر ليكون له حق الانتخاب دون الترشيح وذلك عند تساوي الأصوات بين المقترعين وهم ستة، فكان السابع مرجحاً لأحد الطرفين، وبذلك ظهرت فكرة الانتخاب والأغلبية في تنظيم مجلس الشورى في ذلك الوقت المبكر .. وفيما عدا هذا المجلس، فلم يؤسس مجلس شورى يتعين أعضاؤه في عصر الراشدين لا بصورة دائمة ولا مؤقتة، ولكن الخلفاء الأربعة كانوا إذا أعضلهم أمر جمعوا فقهاء الصحابة فاستشاروهم، وبالطبع فهم لا يستشيرون فيما ورد فيه نص محكم من كتاب أو سنة، بل فيما يحتاج إلى مشورة من مصالح الناس وقضايا الأمة ومواقف الدولة من السلم والحرب وتوزيع الغنائم ومعاملة المناطق المفتوحة، ولا تدخل في هذا الباب المشورة الخاصة في القضايا الخاصة بالأفراد، وهي كثيرة، ولابد من التمييز بين الرسول صلى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدين في مسألة الاستشارة فيما ورد فيه نص يحتمل أكثر من وجه، فإن الرسول صلى الله عليه وسلم

هو الذي يبين القرآن، عامه وخاصه ومطلقه ومقيده وناسخه ومنسوخه ولا يحتاج إلى الاستشارة في هذا المجال، أما الخلفاء الراشدون فقد يخفى عليهم وجود النص من السنة أو دلالة نص من الكتاب والسنة فيحتاجون إلى المشورة للوصول إلى حكم الشرع. فإذا تأملنا في مواقف الخلفاء الراشدين من قضايا الشورى في المسائل العامة فإننا نجدهم يكثرون من استشارة فقهاء الصحابة، وقد ذكرت المصادر أسماء رجال الشورى في خلافة أبي بكر رضي الله عنه وهم: عمر بن الخطاب، وعثمان بن عفان وعلي بن أبي طالب، وعبد الرحمن بن عوف، ومعاذ بن جبل، وأبي بن كعب، وزيد بن ثابت. وهم فقهاء الصحابة في عهده (¬1). وقد بيَّن ميمون بن مهران (ت 117 هـ) أن أبا بكر رضي الله عنه كان يدعو رؤوس المسلمين وعلماؤهم فيستشيرهم، فإذا اجتمع رأيهم على الأمر قضى به - وذلك إذا لم يجد في الكتاب والسنة ما يقضي به- وأحيانا يخرج إلى المسجد فيسأل المسلمين عامة إن كانوا يعرفون ورود السنة في قضية ما (¬2). وقد توسع نطاق الشورى في خلافة عمر رضي الله عنه لكثرة المستجدات والأحداث وامتداد رقعة الإسلام إلى بلاد ذات حضارات وتقاليد ونظم متباينة فولدت مشكلات جديدة احتاجت إلى الاجتهاد الواسع مثل معاملة الأرض المفتوحة وتنظيم العطاء وفق قواعد جديدة لتدفع أموال الفتوح على الدولة. فكان عمر يجمع ¬

_ (¬1) ابن سعد: الطبقات الكبرى 2: 350 من طريق الواقدي وهو متروك في الحديث، وأما الأخبار التأريخية فله فيها باع طويل. والمتقي الهندي: كنز العمال 5: 627. (¬2) الدارمي: سنن1: (ط. البغا)، وابن عساكر: تاريخ دمشق 9: 350 أ- ب، والبيهقي: السنن الكبرى 10: 124 بإسناد حسن لكنه مرسل وصحح إسناده ابن حجر (فتح الباري 13: 342)، وتعضده أخبار أخرى تؤكد هذا المنحى عند الصحابة: عمر بن الخطاب، عبد الله بن مسعود، زيد ابن ثابت، عبد الله بن عباس ...

للشورى أكبر قدر من الصحابة الكبار (¬1) وهم: عثمان وعلي وعبد الرحمن بن عوف ومعاذ بن جبل وأبي بن كعب وزيد بن ثابت (¬2)، كما كان يجمع معهم عدداً من شباب الصحابة منهم عبد الله بن عباس (¬3)، وقد قال الزهري لغلمان أحداث: "لا تحقروا أنفسكم لحداثة أسنانكم فإن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان إذا نزل به الأمر المعضل دعا الفتيان فاستشارهم يبتغي حدة عقولهم" (¬4). وقال محمد بن سرين: "إن كان عمر رضى الله عنه ليستشير في الأمر حتى أن كان ليستشير المرأة فربما أبصر في قولها الشيء يستحسنه فيأخذ به" (¬5). وقد ثبت أنه استشار مرة أم المؤمنين حفصة رضي الله عنها (¬6). وكان المستشارون يبدون آراءهم بحرية تامة وصراحة كاملة، ولم يتهم عمر رضي الله عنه أحداً منهم في عدالته وأمانته (¬7). ¬

_ (¬1) ابن القيم: أعلام الموقعين 1: 97. (¬2) ابن كثير: البداية والنهاية 7: 35، 55، 77. (¬3) البلاذري: أنساب الأشراف 3: 37، والذهبي: سير أعلام النبلاء 3: 345 - 348. (¬4) البيهقي: السنن 10: 113. (¬5) المصدر السابق. (¬6) عبد الرزاق: المصنف 7: 152، وابن شبة: تأريخ المدينة 2: 759، والبيهقي: السنن الكبرى 9: 29. (¬7) محمد سعيد رمضان البوطي: الشورى في عهد الخلفاء الراشدين (ضمن كتاب الشورى في الإسلام) ص 134. وقد ذكر حالتين استثناهما من ذلك اتهم عمر في إحداهما كعب الأحبار في رأيه واتهم في الأخرى رجلاً في رأيه، والرواية الأولى من طريق سيف بن عمر وهو متروك، والثانية في تدليس الأعمش والانقطاع بين النخعي وعمر فإنه لم يرو عنه (راجع تاريخ الطبري 3: 611، وطبقات ابن سعد 3: 343).

وكان عمر يستشير في الأمور التي لا نص فيها من كتاب وسنة وهو يهدف إلى معرفة إن كان بعض الصحابة يحفظ فيها نصاً من السنة، إذ لم تكن قد قيدت بعد وكان بعض الصحابة يحفظ منها ما لا يحفظه الآخرون وكذلك كان يستشير في فهم النصوص المحتملة لأكثر من معنى لمعرفة المعاني والأوجه المختلفة. وفي هذين الأمرين قد يكتفي باستشارة الواحد أو العدد القليل، وأما في النوازل العامة فيجمع لها الصحابة، ويوسع النطاق ما استطاع كما فعل عند وقوع الطاعون بأرض الشام وهو متوجه إليها، حتى إذا كان بسرغ علم بوقوع الطاعون فدعا المهاجرين الأولين فاستشارهم فاختلفوا، ثم دعا الأنصار فاختلفوا، ثم دعا مشيخة قريش من مهاجرة الفتح فأشاروا عليه بالعودة إلى المدينة فأخذ برأيهم. ثم أخبره عبد الرحمن بن عوف بحديث نبوي يدعم قراره (¬1). ومن ذلك استشارته للصحابة في معاملة الأرض المفتوحة حيث عدل عن قسمتها بين المقاتلين نظراً منه لحق الأجيال التالية، وقد خاطب الصحابة قائلاً: "اجتمعوا لهذا المال، فانظروا لمن ترونه" ثم قرأ آيات الفيء عليهم مبيناً فهمه وتوجيهه للآيات قائلا: "والله ما من أحد من المسلمين إلا وله حق من هذا المال أعطي منه أم منع" (¬2). وكان يكثر الاستشارة في صرف الأموال العامة (¬3). ولما كثرت الأموال ¬

_ (¬1) البخاري: الصحيح (فتح الباري) 10: 179 حديث رقم 5729، ومسلم: الصحيح حديث رقم 2219. (¬2) عبد الرزاق: المصنف 4: 151، 152 و 11: 101، 102، وابن أبي شيبة: المصنف 6: 471، وابن زنجويه: الأموال: 108، 109 و 2: 480 وإسناده صحيح. (¬3) ابن كثير: مسند الفاروق حديث رقم 678 (أطروحة دكتوراه، تحقيق مطر أحمد الزهراني، جامعة أم القرى بمكة- 1409 هـ). والذهبي: سير أعلام النبلاء 2: 190

استشار الناس في وضع الديوان (¬1). وقد ختم عمر رضي الله عنه حياته حين طعن بتكوين مجلس الشورى من ستة من كبار الصحابة لاختيار الخليفة من بعده وهم: عثمان وعلي وعبد الرحمن بن عوف وطلحة بن عبيد الله وسعد بن أبي وقاص والزبير بن العوام، ويحضر عبد الله بن عمر دون أن يحق له الترشيح. وبعد المداولة الأولى في المجلس انحصرت الخلافة في عثمان وعلي، وعهد إلى عبد الرحمن بن عوف باستشارة الناس، فسهر ليله وأمضى نهاره ثلاثة أيام في استشارة الصحابة ثم بايع لعثمان في المسجد الجامع بحضور المهاجرين والأنصار وأمراء الأمصار الذين كانوا قد شهدوا الحج ذلك العام مع عمر رضي الله عنه (¬2). فبايع الحضور لعثمان وببيعتهم انعقدت له الخلافة، وكان عمل مجلس الشورى مجرد ترشيح له. ولا شك أن الخليفة الراشد الثالث عثمان بن عفان اتبع نهج من قبله في الأخذ بالشورى ولكن المصادر لم تسق روايات صحيحة عن ذلك، بل وردت أخبار واهية وضعيفة تفيد أنه استشار عليا والصحابة رضوان الله عليهم وولاته على الأمصار في أحداث الفتنة التي انتهت باستشهاده (¬3)، ولا يعني عدم ثبوت الخبر في ذلك أنها لم ¬

_ (¬1) يعقوب بن سفيان: المعرفة والتاريخ 1: 465 وفي إسناده عبد الله بن موهب مقبول، وانظر طريقاً أخرى منقطعة عند ابن أبي شيبة: المصنف 12: 317 عن محمد الباقر. (¬2) البخاري: الصحيح فتح الباري 7: 59 - 62 و 3: 256 و 13: 193، ومسلم: الصحيح 1: 396. وتدل رواية سلم على أن عمر حدد الشورى في هؤلاء الستة قبل طعنه، وأنه ذكرهم علنا في خطبة بالمسجد. (¬3) البيهقي: السنن 8: 61 في استشارة الصحابة حول قتل عبيد الله بن عمر للهرمزان، وفي إسناده مالك بن يحيى أبو غسان ضعفه البخاري وابن حبان (ميزان الاعتدال) - وان كان ابن حبان أورده أيضاً في كتابه الثقات- وعلي بن عاصم صدوق تخطيء ويصر ورمي بالتشيع، هذا فضلاً

تقع تأريخياً كما هو معلوم فإن الأخبار الصحيحة الأسانيد لا تغطي إلا مساحة محدودة من التأريخ. وقد تمت بيعة علي بن أبي طالب رضي الله عنه في أعقاب الفتنة التي أودت بحياة الخليفة عثمان رضي الله عنه حيث بايعه معظم أهل الحل والعقد، وتخلَّف بعضهم عنه، ثم بايعه الناس عامة، وكانت البيعة الخاصة والعامة في المسجد النبوي. وقد سجلت المصادر صوراً للشورى في خلافة علي رضي الله عنه تتعلق بسياسته تجاه ولاة الأمصار، ووقف القتال في صفين بعد أن رفع أهل الشام المصاحف، وكذلك استشارته الناس في حكم بعض المشركين المتظاهرين بالإسلام (¬1). وهذه الأخبار لم تثبت من طرق صحيحة، ولا يعني ذلك نفي وقوعها، ولكن لا يمكن الاستناد عليها في تقرير طبيعة الشورى في خلافة علي رضي الله عنه. ولا شك أن علياً رضي الله عنه اقتفى سنة من قبله في إنفاذ حكم الشورى الواجب على الإمام والقاضي. وأن الخلفاء الراشدين الأربعة تداولوا السلطة على أساس الشورى وانعقدت له الخلافة بالبيعة الخاصة والعامة. ولم يؤسس مجلس دائم للشورى في عصر الخلافة الراشدة لكن أهل الشورى ¬

_ عن علة الإرسال لأن الراوي عبد الله بن عبيد بن عمير استشهد سنة 113 هـ فلم يدرك الحادثة (ابن حجر: تهذيب التهذيب 5: 308). وأما استشارته لعلي وطلحة والزبير ونفر من الصحابة في القضاء مما رواه البيهقي (السنن 10: 112) فالخبر في إسناده مجاهيل منهم الليث بن هارون العكلي (ابن سعد 6: 414) وأما استشارته ولاة الأمصار في أحداث الفتنة فمن طريق واهية عللها كثيرة (الطبري: تاريخ 4: 333) وأما استشارته نائلة زوجته فمن طريق الواقدي وهو متروك في الحديث (الطبري: تاريخ 4: 361). (¬1) الطبري: تأريخ 4: 441 و 5: 49، وابن أبي شيبة: المصنف 10: 142 وإسناده رجال ثقات لكن عبيد بن نسطاس لم يرو عن علي بل أدرك المغيرة بن شعبة، وشريحاً قاضي علي.

كانوا من كبار الصحابة المعروفين بفقههم وإخلاصهم. وقد استمر الحال كذلك خلال العصور الأموية والعباسية دون أن تتطور للشورى مؤسسات واضحة الصلاحيات سوى جماعة أهل الحل والعقد الذين يختارهم الخليفة فيكونون أهل مشُورته ومناصحته.

الباب الثاني الإدارة. القضاء

الباب الثاني الإدارة. القضاء

الفصل الأول: الإدارة (الولاة. الموظفون)

الفصل الأول: الإدارة (الولاة. الموظفون)

المبحث الأول: الولاة على البلدان

المبحث الأول: الولاة على البلدان كانت الدولة الإسلامية في عصر النبوة مقتصرة على المدينة خلال لسنوات الأولى ثم توسعت لتمتد إلى معظم جزيرة العرب في نهاية ذلك العهد، مما اقتضى تنظيم المناطق إدارياً، فعين النبي صلى الله عليه وسلم ولاة على الوحدات الإدارية التي تتكون عادة من مدينة رئيسية وما حولها، وكانت الدولة في خلافة الصديق رضي الله عنه مقسمة إلى سبع ولايات هي: الحجاز، والبحرين، وعمان، ونجد، واليمن وحضرموت، والعراق، والشام. وأما المدينة فهي عاصمة الدولة يتولى إدارتها الخليفة مباشرة، فإذا غادرها للحج أو لسبب آخر فإنه ينيب عنه رجلاً لإدارتها (¬1). فكان على مكة والٍ هو عتاب بن أسيد (¬2)، وكانت جدة من أعمال مكة فكان عليها الحارث بن نوفل (¬3)، في حين كانت الطائف تمثل وحدة إدارية عليها عثمان بن أبي العاص الثقفي (¬4). وكان على صنعاء باليمن والي هو باذام من الأبناء حيث أسلم سنة 10 هـ، فأبقاه النبي صلى الله عليه وسلم على ولاية صنعاء، ولما مات في نفس السنة ¬

_ (¬1) خليفة: التأريخ 101. (¬2) ابن هشام: السيرة النبوية 4: 500، وخليفة: التأريخ 97، 123، والبلاذري: أنساب الأشراف 1: 529. (¬3) ابن سعد: الطبقات 4: 57، وابن عبد البر: الاستيعاب 1: 297، وابن حجر: الإصابة 1: 292. (¬4) ابن سعد: الطبقات 5: 509، وخليفة: التأريخ 123، والبلاذري: أنساب الأشراف 1: 529، والطبري: تأريخ 3: 427.

بعد حجة الوداع جعل ابنه شهراً على صنعاء، وقسَّم اليمن إلى أقسام فكان عامر بن شهر على همدان، والطاهر بن أبي هالة على عك، وأبو موسى الأشعري على مأرب ويعلى بن أمية على الجند. وقد تغير الولاة على اليمن مراراً حيث تشير المصادر التأريخية إلى أن خالد بن سعيد بن العاص تولى صنعاء ثم تولاها المهاجر بن أبى أمية، وأن معاذ بن جبل تولى الجند، وأن أبا موسى ولي زبيد ورمع والسواحل، كما تولى فروة بن مسيك المرادي على مراد وزبيد ومذحج، وهذه التغيرات ربما حدثت في عهد النبوة أو خلافة أبي بكر. ويلاحظ أن معظم الولاة كانوا من أهل اليمن، وهو إجراء يراعي التركيبة السكانية وقوة الكيانات القبلية في تلك المرحلة، وكان الاهتمام بنشر الإسلام وتعميق مفاهيمه بين السكان أهم أهداف الدولة، وقد عينت معاذ بن جبل معلماً يتنقل في اليمن وحضرموت (¬1). وكان سليط بن قيس والياً على اليمامة (¬2). "وكانت البحرين مكونة من قسمين إداريين هما هجر والخط التي عند القطيف" فكان العلاء بن الحضرمي والياً على هجر، وأبان بن سعيد والياً على الخط (¬3). وأما عمان فكان عليها جيفر وعباد ابنا الجلندي، وإن أرسل إليها عمرو بن العاص ربما بالتنسيق معهما. وقد استمرت ولاية العلاء على البحرين حتى سنة 15 هـ حيث عين عمر بن الخطاب عثمان بن أبي العاص الثقفي على البحرين وعمان، فكان يقيم بعمان ويجعل ¬

_ (¬1) صالح العلي: الدولة في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم 462. (¬2) خليفة: التأريخ 123. (¬3) ابن سعد: الطبقات الكبرى 4: 360، وابن حبيب: المحبَّر 126، والبكري: معجم ما استعجم 1211، والبلاذري: أنساب الأشراف 1: 39، وصالح العلي: الدولة في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم ص 570.

أخاه الحكم بن أبي العاص نائباً عنه بالبحرين واستمرت ولايته إلى خلافة عثمان حيث صارت البحرين تابعة لولاية البصرة (¬1). ولكن يبدو أن ولاية آل الجلندي على عمان تجددت حيث كانوا ولاتها حتى خلافة يزيد بن معاوية (¬2). أما مناطق الحجاز خارج المدن الرئيسية، وهضبة نجد فكان فيها عدد من القبائل الكبيرة والصغيرة يتولاها رؤساء منها، ولما دخلت في الإسلام أبقى النبي صلى الله عليه وسلم رؤساءها القدامى ولم يعزلهم، وكان ذلك يرضي الرؤساء وقبائلهم، ويعزز سيادة الدولة على البقاع النائية عن العاصمة. وأما المناطق التي حافظت على أديانها السماوية القديمة فقد خضعت للدولة الإسلامية بعقد الذمة مثل نصارى نجران ونصارى إيلة ويهود تيماء. ومن الواضح أن عصر الخلافة الراشدة ورث هذه الأوضاع الإدارية عن عهد النبوة، ولكن حركة الفتح أضافت مساحات جديدة واسعة هي الهلال الخصيب وإيران ومصر مما اقتضى تنظيم المناطق المفتوحة وربطها بالدولة. "وكان لسير الفتوح إثر رئيسي في تحديد الأقسام الإدارية، فمع أن التنظيم الإداري إلى أمصار (أو ولايات) تأثر باعتبارات جغرافية واستراتيجيه وبالتراث الإداري فيها، وأحياناً بانتشار القبائل، إلا أن الأراضي التي كانت تفتح من قبل المقاتلة المرسلين بقيادة أمير من المدينة تكون وحدة إدارية، ويرجع جُلَّ واردها إليهم. أما الفتوحات التي تمت على يد مقاتلة مصر من الأمصار بعدئذ، فإنها تكون تابعة لذلك المصر. فبلاد الشام فتحت على أيدي أمراء بقوات موجهة من المدينة، ¬

_ (¬1) صالح العلي: الدولة في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم 582. (¬2) الطبري: التأريخ 2: 1949، وصالح العلي: الدولة في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم 588

فقُسمت إلى أربعة أجناد (وحدات إدارية) ابتداءً هي جند دمشق وجند فلسطين وجند الأردن وجند حمص وقنسرين. وخُصص وارد كل جند للمقاتلة الذين فتحوه. وفُتحت الجزيرة الفراتية من قبل المقاتلة في جند قنسرين وحمص فاعتُبرت تابعة لهذا الجند حتى فصلت منطقة قنسرين عن منطقة حمص (أيام يزيد بن معاوية) فصارت تابعة لجند قنسرين. وفي العراق، ونتيجة فشل محاولة غزو منطقة فارس من جهة البحرين، ولضرورات استراتيجيه (الحرب مع الفرس اقتضت الالتفات إلى اتجاه إقليم فارس إضافة لاتجاه المدائن) أحدث مركز للمقاتلة جهة الأبلة إضافة إلى المركز في منطقة الكوفة، وكان جُل السواد تابعا لمقاتلة الكوفة أصحاب القادسية، ولم يتبع البصرة ابتداء إلا سوادها، ولكن الأهواز وفارس ثم خراسان عبر سجستان، فُتحت على يد مقاتلة البصرة (في ولاية عبد الله بن عامر) فصارت تابعة لهم إدارياً. أما منطقة الجبال (غرب إيران) ففُتحت من قبل مقاتلة الكوفة بالدرجة الأولى وصار جُلَّها تابعاً إداريا للكوفة. ومع أن مصر بدأ غزوها على يد مقاتلة أرسلوا من الشام، إلا أن ثلثي المقاتلة الذين فتحوا مصر أرسلوا من المدينة، فصارت مصر لذلك- إضافة للتراث الإداري- ولاية قائمة بذاتها، ولما فتح مقاتلتها برقة (وغيرها بعدئذ) صارت برقة (وما وراءها) تابعة لولاية مصر.

بدأت الفتوح زمن أبي بكر، وبلغت أوجها زمن عمر، وحدَّها (في الموجة الأولى) زمن عثمان. وكان لعمر الدور الرئيسي في تنظيم معاملة البلاد المفتوحة" (¬1). وتقتضي السياسة الشرعية المستمدة من السيرة النبوية استعمال الأصلح في الولايات وإن كان في الرعية من هو أفضل منه في العلم والإيمان (¬2)، وقد وضح القرآن أهم صفتين لتولي الأعمال (إنَّ خير من استأجرت القوي الأمين) (¬3). والقوة تختلف بحسب تنوع الولاية، فحاجة الولاية العسكرية إلى الشجاعة والخبرة بالحرب وحاجة الولاية السياسية إلى العلم بالعدل ومعرفة أحكام الشرع والقدرة على تنفذها (¬4) واجتماع القوة والأمانة في الناس قليل، لذلك يحتاج الخليفة إلى الاستقصاء عنهم، وهو مكلف بتعيين الأمثل فالأمثل إن لم يجد من تتوافر فيه الصفتان (¬5). ويلاحظ أن معظم الولاة في عصر الخلافة الراشدة كانوا من الصحابة، وذلك لتحليهم بصفات ومؤهلات من ناحية، ولثقة الخليفة بهم، واحترام الناس لهم ¬

_ (¬1) الدوري: الجزيرة العربية في عصر الخلفاء الراشدين ص 192 (بحث ضمن بحوث ندوة الجزيرة العربية بجامعه الملك سعود). (¬2) ابن تيمية: السياسة الشرعية 6، فقد عيَّن النبي صلى الله عليه وسلم عثمان بن أبي العاص والياً على ثقيف لأنه وجده حريصاً على التفقه في الدين وتعلم القرآن، وعين أسامة بن زيد قائداً لجيش كبير فيه أبو بكر وعمر وصحابة كبار آخرون، وعين خالد بن الوليد قائداً لجيش فيه قدامى الصحابة عند فتح مكة ... وكل ذلك يدل على تقديم الأصلح للعمل والأقدر عليه وإن كان في الرعية من هو أفضل منه ورعاً وعلماً وإيماناً. (¬3) القصص 26. (¬4) ابن تيمية: السياسة الشرعية 14، 15. (¬5) ابن تيمية: السياسة الشرعية 18.

مما يجعلهم يطبعونهم ويؤازرونهم. وقد اشتهر ولاة العصر الراشدي بزهدهم وورعهم مثل سعيد بن عامر بن حذيم، وعمير بن سعد، وسلمان الفارسي، وأبي عبيدة عامر بن الجراح، وأبي موسى الأشعري. وقد اضطر بعضهم للاستدانة لسد عوزهم إلى الطعام (¬1)، ولم يطلبوا الولاية لأنفسهم لورود النهي الشرعي عن طلبها، بل كانوا يعتذرون عنها، ويرغبون في التخلص من مسؤولياتها ويعتذرون عن الاستمرار فيها (¬2). ولم يدع الخلفاء الراشدون أثراً لعواطفهم في تعيين الولاة، بل راعوا المصلحة العامة حتى أن عمر بن الخطاب عين أبا مريم الحنفي على قضاء البصرة وهو قاتل أخيه زيد بن الخطاب في موقعة اليمامة (¬3)!! ولم تتحدد مدة الولاية على الإقليم، بل كانت تخضع لنجاح الوالي وظروف الولاية، لذلك فإن بعض الولاة تطول ولايتهم مثل معاوية بن أبي سفيان إلى عشرين سنة، وبعضهم تقصر إلى سنة واحدة. ولم يلتزم الخليفة بإبقاء ولاة الخليفة السابق، فكان يبقي بعضهم ويعزل الآخرين، وكانت وصية عمر لمن بعده "ألا يقر لي عامل أكثر من سنة، وأقروا الأشعري أربع سنين" (¬4)، وقد تولى الأشعري ولاية الكوفة عدة مرات حتى نهاية خلافة عثمان. ¬

_ (¬1) عبد العزيز إبراهيم العمري: الولاة على البلدان 2: 52 - 53، والأزدي: فتوح الشام 122 - 123. (¬2) عبد العزيز إبراهيم العمري: الولاة على البلدان 2: 54، والبلاذري: فتوح البلدان 214، والطبري: تأريخ. (¬3) وكيع: أخبار القضاة 1: 269. (¬4) البلاذري: فتوح البلدان 322، والذهبي: سير أعلام النبلاء 2: 391.

وكان الولاة عند عزلهم يستمرون في أعمالهم حتى يصل الوالي الجديد. وكانت "الدواوين الإقليمية المتفرعة من ديوان الجند تحت أشراف مباشر من والي الإقليم .. وربما أشارت المصادر إليه تحت اسم أمير الحرب" (¬1). وكان من واجبات الوالي حماية الولاية من الأعداء المتاخمين لولايته دون انتظار الإذن من الخليفة خلافاً لحالة قيامه بمبادرتهم بالهجوم إذ لابد له من استئذان الخليفة (¬2). وكذلك كان من واجبات الوالي تحصين الثغور وشحنها بالجنود ومتابعة أخبار الأعداء، وتدريب الصبيان على الفروسية والسباحة والرمي (¬3). كما كان الولاة مسئولين عن تعيين العمال والموظفين في أقاليمهم ومحاسبتهم وقد اهتموا بمشاورة أهل الرأي في شؤون أقاليمهم بناء على أوامر الخلفاء (¬4)، وأشرفوا على عمران الأقاليم من حفر الأنهار والعيون، وعقد الجسور، وتخطيط المدن، وتعبيد الطرق، وبناء المساجد والأسواق، وتأمين المياه، وإقطاع الأراضي لبناء الدور للسكان، وإحياء الأراضي الموات لتوسيع الأراضي الزراعية (¬5). وكان الوالي مسؤولاً عن الشؤون المالية في ولايته حيث ظهرت بيوت الأموال في المدينة والأمصار في خلافة عمر رضي الله عنه، ولكن عمر عدل عن ¬

_ (¬1) السلومي: ديوان الجند 245. (¬2) راجع حادثة عزل العلاء بن الحضرمي عن البحرين لقيامه بمهاجمة إقليم فارس دون استئذان الخليفة عمر. (¬3) محمد حميد الله: الوثائق السياسية 486. (¬4) محمد عبد القادر خريسات: عمر بن الخطاب والولاة، العدد 25 مجلة المؤرخ العربي (¬5) عبد العزيز إبراهيم العمري: الولاية على البلدان 2: 80 - 81، والبلاذري: فتوح البلدان 155، 273، 351، 352.

ذلك في بعض الولايات بتعيين موظف خاص لبيت المال، فكان أنس بن مالك على بيت المال في ولاية أبي موسى الأشعري على البصرة (¬1)، وكان عبد الله بن مسعود على بيت المال، وعثمان بن حنيف على الخراج في ولاية عمار بن ياسر على الكوفة (¬2)، وكذلك كان ابن مسعود على بيت المال في ولاية سعد بن أبي وقاص على الكوفة (¬3). في حين استمر عدد من الولاة مسؤولاً عن بيت المال والخراج في عدة أقاليم مثل شرحبيل بن حسنة في الأردن، ومعاوية بن أبي سفيان في الشام، وعمرو بن العاص في مصر (¬4). وكان الخلفاء ينصحون ولاتهم ويوجهونهم ويذكرونهم بالقيم الإسلامية الرفيعة، وأن لا يتخذوا الولاية مغنماً، وأن ينصرفوا إلى الحفاظ على مصالح الناس الدينية والدنيوية، فالولاية أمانة خطيرة والتفريط بواجباتها خيانة للأمة وفي الحديث: "ما من والٍ يلي رعية من المسلمين فيموت وهو غاشٌّ لهم إلا حَّرم الله عليه الجنة" (¬5). ولم يكن لعمل الوالي في الولاية وقت محدد، بل كان بابه مفتوحاً للناس. وقد غضب عمر رضي الله عنه على والي الكوفة سعد بن أبي وقاص حين وضع لداره باباً وأرسل محمد بن مسلمة الأنصاري فأحرق الباب، لأنه خشي أن يكون ذلك سبباً لاحتجابه عن حوائج الناس (¬6). وكان الولاة خاضعين لمراقبة الخلفاء ومحاسبتهم، فعمر كان يرسل محمد ¬

_ (¬1) القاسم بن سلام: الأموال 516. (¬2) أبو يوسف: الخراج 40. (¬3) خليفة: التأريخ 149. (¬4) عبد العزيز إبراهيم العمري: الولاية على البلدان 2: 95. (¬5) البخاري: الصحيح 8: 107. (¬6) البلاذري: فتوح البلدان 277، والطبري: تأريخ 4:

بن مسلمة الأنصاري مفتشاً عليهم، وكذلك فعل عثمان، كما كانت المراسلات متصلة بين الخلفاء والولاة في شؤون الإدارة والقضاء والخطط العسكرية، وكانت الاجتماعات السنوية بين الخلفاء والولاة تتم في موسم الحج، كما قام الخلفاء بزيارات لعدة ولايات، فزار عمر الشام عده مرات، وكان يباغت ولاته عند الزيارة دون إعلامهم، كما أنه كان ينوى زيارة جميع الولايات لتفقد أحوالها والتعرف على حاجات الناس فيها (¬1). وكان عمر يحاسب ولاته إذا ظلموا أحداً من الرعية، وأعلن أنه يقتص للمظلومين من ولاتهم مما ساعد على تحقيق أمن الرعية من الظلم (¬2)، كما أعلن أن من الهيَّن عليه تبديل أمير بأمير آخر إذا كان في ذلك صلاح الإقليم (¬3). وقد عزل بعض ولاته لجهلهم ببعض الأحكام الشرعية أو لاعتدائهم على أحد الناس (¬4). وكذلك عزل عثمان بعض الولاة لخصومة أهل المصر لهم (¬5)، أو لإصابتهم ذنباً يستوجب الحد الشرعي (¬6). لأنهم ينبغي أن يكونوا قدوة صالحة لأهل إقليمهم. وخضع الولاة للرقابة على أموالهم عند الولاية والعزل حيث شاطر عمر كلاً من سعد بن أبي وقاص وأبي هريرة وعمرو بن العاص أموالهم لأنه يرى أنهم استفادوا ¬

_ (¬1) عمر بن شبة: تأريخ المدينة 3: 821. (¬2) المصدر السابق 3: 807، 808، 809، 813. (¬3) نفسه 805:3. (¬4) القاسم بن سلام: الأموال 63، 64، وعمر بن شبة: تأريخ المدينة 3: 818، وابن تيمية: السياسة الشرعية 105. (¬5) كما فعل مع سعد بن أبي وقاص. (¬6) كما فعل مع الوليد بن عقبة.

الولاة في خلافة أبي بكر

في تنميتها من مراكزهم في الولاية (¬1). الولاة في خلافة أبي بكر: لقد أقَّر أبو بكر ولاة النبي صلى الله عليه وسلم على المدن والمناطق في شبه الجزيرة العربية، لكنه قام ببعض التعديلات بعد استقرار الأوضاع في اليمن والقضاء على المرتدين حيث عين عبيدة بن سعد على كندة في حضرموت والسكاسك (¬2)، كما عين جرير بن عبد الله البجلي على نجران (¬3)، وعبد الله بن ثور على جرش (¬4)، وبعد القضاء على ردة عمان عين عليها عكرمة بن أبي جهل ثم وجهه إلى حرب المرتدين باليمن وعين عليها حذيفة بن محصن العلقاني (¬5)، ونظراً لفتح دومة الجندل فقد عين عليها عياض بن غنم الفهري (¬6). وكذلك أبقى أبو بكر عمال الصدقات الذين كانوا يجبون صدقات الولايات والقبائل في عهد النبوة (¬7)، كما أن قادة جيوشه كانوا جميعا من الصحابة رضوان الله عليهم (¬8) وكان يقول: "ما أحد أحق بالعمل من عمال ¬

_ (¬1) القاسم بن سلام: الأموال 342، وابن عبد الحكم: فتوح مصر 149، والبلاذري: فتوح البلدان 221. (¬2) الطبري: تأريخ 3: 341، وابن حجر: الإصابة 2: 450. (¬3) الطبري: تأريخ 3: 427. (¬4) المصدر السابق. (¬5) خليفة: التأريخ 123، والطبري: تأريخ 3: 314، 315، وابن عبد البر: الاستيعاب 1: 278 و 3: 149. (¬6) الطبري: تأريخ 3: 427. (¬7) عبد العزيز بن سليمان المقبل: خلافة أبي بكر الصديق 94 - 95. (¬8) المرجع السابق 96 - 97، 103.

قائمة بأسماء ولاة أبي بكر على البلدان

الرسول صلى الله عله وسلم" (¬1)، بل "كانوا لا يؤمرون في ذلك الزمان إلا الصحابة" (¬2). قائمة بأسماء ولاة أبي بكر على البلدان: (¬3) 1 - عتاب بن أسد (مكة). 2 - عثمان بن أبي العاص الثقفي (الطائف). 3 - العلاء بن الحضرمي (البحرين). 4 - حذيفة بن محصن العلقاني (عمان). 5 - سمرة بن عمرو العنبري (اليمامة). 6 - معاذ بن جبل (اليمن- مشرف عام على الولاة بالإضافة إلى إدارة ولاية الجند-). 7 - المهاجر بن أبي أمية (صنعاء وأعمالها، وأحيانا الصدف وكندة). 8 - زياد بن لبيد البياضي (كندة وحضرموت). 9 - جرير بن عبد الله البجلي (نجران). 10 - فروة بن مسيك المرادي (مراد ومذحج). 11 - عكاشة بن محصن الأسدي (السكاسك والسكون). 12 - خالد بن الوليد (العراق). 13 - المثنى بن حارثة الشيباني (العراق). 14 - الزبرقان بن بدر (الأنبار). 15 - عياض بن غنم (دومة الجندل). ¬

_ (¬1) ابن عبد البر: الاستيعاب 1: 410. (¬2) ابن حجر: الإصابة 2: 223، 286. (¬3) خليفة: التأريخ 122 - 123، والطبري: تأريخ 3: 427.

الولاة في خلافة عمر

16 - أبو عبيدة عامر بن الجراح (أمير أمراء الشام مع ولاية حمص خاصة) 17 - أبو موسى الأشعري (زبيد ورمع وعدن وساحل اليمن). 18 - يعلى بن أمية (خولان). 19 - سليط بن قيس (اليمامة). 20 - عبد الله بن ثور (جُرش) (¬1). 21 - خالد بن الوليد المخزومي (أمير أمراء الشام). 22 - عمرو بن العاص (فلسطين). 23 - شرحبيل بن حسنة (الأردن). 24 - يزيد بن أبي سفيان (دمشق). ويلاحظ على هذه القائمة أن ولاة مدن العراق والشام كانوا في الحقيقة قادة عسكريين يقومون بإدارة المناطق المفتوحة، ويخضعون لقائد كبير واحد في العراق وآخر في الشام. الولاة في خلافة عمر: وكانت مهمة الولاة تتمثل في سياسة الولاية وفق تعاليم الإسلام، ونشُر الثقافة الإسلامية بتعليم الناس، وإقامة العدل، وجباية الفيء، وإمداد الجيش بالمقاتلين سواء في حروب الردة أو الفتوحات (¬2)، وتنظيم الولاية والإشراف على القضاة والموظفين الآخرين. وقد ذكر عمر بن الخطاب في خطبة جمعة مهام الولاة فقال: "اللهم إني أشهدك على أمراء الأمصار أني إنما بعثتهم ليعلموا الناس دينهم وسنة ¬

_ (¬1) جرش: بلدة شمال نجران في أعلى وادي بيشة قرب خميس مشيط (الأكوع: البلدان اليمانية 75، والبلادي: بين مكة وحضرموت 52، 53). (¬2) البلاذري: فتوح البلدان 115.

نبيهم وأن يقسموا فيهم فيئهم، وأن يعدلوا، فإن أشكل عليهم شيء رفعوه إليَّ" (¬1). وخطب الناس مرة أخرى فقال: "أيها الناس إني بعثت عمالي هؤلاء ولاة بالحق عليكم، ولم أستعملهم ليصيبوا من أبشاركم ولا من دمائكم ولا من أموالكم، ولكن أرسلهم إليكم ليعلموكم أمر دينكم وسنتكم، فمن فُعل به سوى ذلك فليرفعه إلي، ومن كانت له مظلمة عند أحد منهم فليقم أقيده منه، وقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقيد من نفسه" (¬2). وعندما اجتمع ولاته على الأمصار في موسم الحج خطب الناس بحضورهم قائلاً: "أيها الرعية، إن لنا عليكم حقاً، النصيحة بالغيب، والمعاونة على الخير. أيها الرعاة: إن للرعية عليكم حقاً، اعلموا أنه لا حلم إلى الله أحب ولا أعم نفعاً من حلم إمام ورفقه، وإنه ليس جهل أبغض إلى الله ولا أعم من جهل إمام وخرقه، اعلموا أنه من يطلب العافية فيمن بين ظهرانيه ينزل الله عليه العافية من فوقه" (¬3). وكان عمر يعرف أنه مسئول عن سياسة ولاته فكان يبين ذلك: "أيما عامل لي ظلم أحداً، وبلغتني مظلمته ولم أغيرها فأنا ظلمته" (¬4). وبناء على هذه الخطب فإن الوالي ينبغي أن يجمع بين المهام الدينية والدنيوية، كما أنه يتمتع بصلاحيات واسعة داخل ولايته، ولا يرجع إلى الخليفة إلا ¬

_ (¬1) ابن سعد: الطبقات 3: 293 - 294، وأحمد: المسند 1: 48 - 49، وابن شبة: تأريخ المدينة 3: 806 - 807، والطبري: تأريخ 2: 567 والأثر صحيح. وقارن بكتابه إلى أهل البصرة عندما ولى أبا موس الأشعري عليهم (الطبري: تأريخ 4: 207). (¬2) الطبري: تأريخ 4: 204، وابن الجوزي: مناقب عمر 94، وابن تيمية: السياسة الشرعية 150، ومحمد حمد الله: الوثائق السياسية للعهد النبوي والخلافة الراشدة 406. (¬3) ابن الجوزي: مناقب عمر 79. (¬4) المصدر السابق 116.

مراقبة العمال والولاة

في المشكلات المستعصية. ولا شك أن قيام الولاة بإمامة الناس في الصلاة، وخطبتهم فيهم بأنفسهم في صلاة الجمعة يعزز مكانتهم ويوحد القيادة الدينية والسياسية في أشخاصهم، كما أن توليهم بأنفسهم لجيوش الفتح تكسبهم احترام الناس وطاعتهم، وعندما يتولى الحكم خليفة جديد فإن الولاة يأخذون له البيعة من سكان الولايات. ومن مهامهم أخذ الزكاة من الأغنياء وإنفاقها على الفقراء، وتحقيق الأمن للرعية، وإقامة الحدود الشرعية، وكان الوالي تنيب من تقوم مقامه عند غيابه عن الولاية (¬1). وكانت العلاقة بين الخليفة في المدينة وولاة الأمصار تتم عن طريق الرسائل المتبادلة، كما يستدعي الخليفة بعض ولاته إلى المدينة أحياناً، وأحياناً كان يرسل ممثلاً عنه إلى الولاة للاطلاع على أحوال الولايات بصورة مباشرة، وكان محمد بن مسلمة الأنصاري يقوم بمهام التفتيش على الولاة في خلافة عمر (¬2). واهتم عمر بجمع الولاة بمكة في موسم الحج للتداول معهم في أحوال الأمة (¬3) بل قام عمر بتفقد أحوال الولاة والقادة في الشام عندما زار بيت المقدس لتسليم مفاتيحها وأصر على زيارتهم في بيوتهم ليعرف على أحوالهم وتعاملهم مع الدنيا والأموال ومدى تعلقهم بها، وقد عانق أبا عبيدة عامر بن الجراح عندما رأى زهده في الدنيا رياشاً وطعاماً وقال له: "ما من أحدٍ من أصحابي إلا وقد نال من الدنيا ونالت منه، غيرك" (¬4). مراقبة العمال والولاة: كان الولاة على الأمصار يخضعون لمحاسبة إذا زادت ثروتهم زيادة كبيرة خوفاً من استغلالهم لنفوذهم في تنمية الثروة حتى لو لم يقصدوا ذلك، بل حاباهم ¬

_ (¬1) عبد العزيز إبراهيم العمري: الولاية على البلدان في عصر الخلفاء الراشدين 60. (¬2) البلاذري: فتوح البلدان 221، وابن عبد الحكم: فتوح مصر وأخبارها 146. (¬3) أبو يوسف: الخراج 116 وقارن بالطبري: تأريخ 4: 204. (¬4) الأزدي: فتوح الشام 255، 256.

الناس بسبب موقعهم في السلطة. وقد سأل عمر رضي الله عنه أبا هريرة واليه على البحرين من أين اجتمعت له عشرة آلاف درهم؟ فأجاب أبو هريرة: خيلي تناسلت، وعطائي تلاحق، وسهامي تلاحقت. فأمر بها عمر فقبضت (¬1). إن عمر يحسب حساباً للهدايا التي يحصل عليها الولاة من الناس، وكذلك محاباة الناس للولاة في المعاملات المالية من مضاربة ومؤاجرة ومساقاة ومزارعة وبيوع، ولهذا أخذ عمر رضي الله عنه نصف أموال عدد من الولاة من أصحاب الفضل والدين والأمانة لأجل هذه المحاباة دون أن يتهمهم بالخيانة (¬2). وهكذا حاسب خالد بن الوليد- قائد جبهة الشام- على تصرفاته في المال العام "إني أعتذر إليكم من خالد بن الوليد، إنى أمرته أن يحبس هذا المال على ضعفة المهاجرين، فأعطاه ذا البأس، وذا الشرف، وذا اللسان، فنزعته، وأثبت أبا عبيدة .. " (¬3). وهكذا أدت الرقابة المالية إلى عزل أعظم القادة العسكريين المسلمين، رغم ¬

_ (¬1) أبو عبيد: الأموال 282 - 283، وابن سعد: الطبقات 4: 335، وابن زنجويه: الأموال 2: 605 - 606، والبلاذري: فتوح البلدان 93 - 94 والأثر صحيح. وانظر روايات ضعيفة في محاسبة سعد بن أبي وقاص وأبي هريرة ابن سعد: الطبقات الكبرى 3: 307، وابن زنجويه: الأموال 2: 604 - 605). ومحاسبة عمرو بن العاص (البلاذري: فتوح البلدان 220 - 221 من كلام ابن المبارك (ت 181 هـ) بدون إسناد. (¬2) ابن تيمية: السياسة الشرعية 68 - 70 بتصرف. (¬3) أحمد: المسند 3: 476، والبخاري: التأريخ الكبير 8: 54، والتأريخ الصغير 1: 82، والطبراني: المعجم الكبير 22: 298 - 299، وأبو نعيم: معرفة الصحابة 2: 161 - 162 والأثر صحيح.

أنه اجتهد في التصرف المالي حسب ما يرى فيه المصلحة. وثبت أن عمر رضي الله عنه عاقب الصحابي أنس بن مالك لأنه فرَّط في حفظ ستة ألاف درهم من الأموال العامة استودعها عند أنس، فضمنه إياها ويبدو من السياق أن عمر شعر بوجود إهمال في حفظها ولم يتهم أنساً (¬1). وكان عمر يحاسب ولاته على ثروتهم، فإذا زادت زيادة كبيرة عما كانت عليه عند تعيينهم قاسمهم ثروتهم (¬2)، دون اتهامهم بالخيانة، بل لأنه يعتقد أن ولايتهم على الإقليم تيسر لهم تنمية أموالهم. وكان الولاة في خلافته يتحرجون من الولاية على الناس، وبعضهم طالب عمر بإعفائه من الولاية (¬3). وكان لا يرى أن من حق الولاة أن يتنعموا من المال العام دون الرعية فقد غضب على والي أذربيجان عتبة بن فرقد لأنه أهدى إليه خبيصا (نوع من الحلوى) لم يكن الجند ينالونه، فكتب إليه عمر: "إنه ليس من كدِّك ولا من كدِّ أبيك ولا من كدِّ أمك، فأشبع المسلمين في رحالهم مما تشبع منه في رحلك، وإياكم والتنعم" (¬4). كما كان يحقق في شكاوى الرعية ضدهم، ولما ضرب ابن لعمرو بن العاص أحد الأقباط وبلغ عمر شكواه، أراد أن يقتص للقبطي وخاطب عمراً بعبارته ¬

_ (¬1) عبد الرزاق: المصنف 8: 182، وابن أبي شيبة: المصنف 4: 398، والبيهقي: السنن الكبرى 6: 289 - 290 والأثر صحيح. (¬2) البلاذري: فتوح البلدان 121. ابن تيمية: السياسة الشرعة 46. (¬3) عبد العزيز إبراهيم العمري: الولاية على البلدان في عصر الخلفاء الراشدين 54. (¬4) مسلم: الصحيح 1642:3 البيهقي: السنن الكبرى 10: 128.

المشهورة: "متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا" (¬1). كما حقق في شكوى أحد الجند ضد الوالي عمرو بن العاص لأنه رماه بالنفاق، وأدان القضاء الوالي وأصدر أمراً بجلده حد القذف لولا أن الجندي عفا عنه (¬2). كما غضب عمر على عمرو بن العاص لأنه أنفذ حد شرب الخمر على عبد الرحمن. بن عمر بن الخطاب في بيته (¬3)، والحق أن ينفذه علناً أمام الناس ليعتبروا، وتحقيقاً لمبدأ المساواة أمام الشريعة. ومن الحوادث الشهيرة تحقيقه في اتهام المغيرة بن شعبة بالزنا خلال ولايته على البصرة حيث استدعاه إلى المدينة مع الشهود الأربعة وبعد التحقيق مع الشهود تراجع الشاهد الرابع، فجلد الثلاثة حد القذف ولكنه عزل المغيرة عن ولاية البصرة (¬4)، وولى مكانه أبا موسى الأشعري الذي قام بإدارة الولاية خير قيام، وعرف بقيادته العسكرية لجيوش البصرة في الحرب ضد الفرس، كما عرف بمهارته في قراءة القرآن وتعليمه لأهل البصرة، وبمراسلاته الكثيرة مع الخليفة عمر، لكن ذلك لم يمنعه من تقبل شكاوى الرعية ضده والعمل على إنصافهم (¬5). ولم يسلم من الشكوى سعد بن أبي وقاص والي الكوفة لعمر "أنه اتخذ قصراً، وجعل له باباً ¬

_ (¬1) ابن أعثم الكوفي: الفتوح 2: 82، وابن الجوزي: مناقب عمر بن الخطاب 99. (¬2) عمر بن شبة: تأريخ المدينة 3: 808. (¬3) عمر بن شبة: تأريخ المدينة 3: 841. (¬4) عبد الرزاق: التفسير 2: 52 - 53، وعبد بن حميد: التفسير، وابن المنذر: التفسير (السيوطي: الدر المنثور 18: 131)، والبلاذري: فتوح البلدان 341، والطبري: تأريخ 4: 206 - 207، والذهبي: سير أعلام النبلاء 3: 27، وابن كثير: البداية والنهاية 7: 82. (¬5) ابن الجوزي: مناقب عمر 95، 131.

يحجبه عن الناس" فأرسل عمر محمد بن مسلمة الأنصاري وأمره أن يحرق الباب ففعل، وعاد برسالة من سعد توضح حقيقة الأمر فقبل عمر قول سعد وصدقه (¬1). وتجددت الشكوى بأنه "لا يحسن الصلاة!! " ولما تحرى عمر حقيقة مواقف سعد في ولايته بإرسال رجال إلى الكوفة وجد الناس يثنون عليه، إلا أن رجلاً عبسياً قال: "كان لا يقسم بالسوية ولا يعدل في القضية ولا يغزو بالسرية" ولم يقتنع عمر بهذه الشكاوى، لكنه أدرك أن ثمة شغب يحيط بواليه فعزله معلناً استمرار ثقته به: "إني لم أعزله لعجز ولا خيانة" (¬2). وهكذا خسره الكوفيون بسبب شغب بعضهم. وكان اختيار الولاة يتم بعد مشاورة الخليفة لكبار الصحابة، وكذلك بعد رضى المرشح للولاية (¬3)، وكان عمر لا يولى أحداً من أقاربه في حين كان عثمان وعلي لا يرون بأساً بتولية الأقارب، وكثير ما كان عمر يختبر من يريد توليته، ويدرس شخصيته عن كثب، كما أنه كان لا يولي أهل البادية على أهل الحاضرة لاختلاف الطبائع والعادات والأعراف، وقد عين سلمان الفارسي واليا على المدائن ربما ليلفت الانتباه إلى مبدأ المساواة في الإسلام (¬4). وكان الوالي يزود بكتاب من الخليفة يتضمن أمر التعيين له واليا على المنطقة وشروطه عليه ويشهد عليه رهطاً من المهاجرين والأنصار (¬5). وقد جرى نقل ¬

_ (¬1) البلاذري: فتوح البلدان 276، والطبري: تأريخ 4: 121. (¬2) خليفة: التأريخ 149. (¬3) ابن سعد: الطبقات 4: 360، والمتقي الهندي: كنز العمال 5: 620، وابن كثير: البداية والنهاية 7: 35، 107. (¬4) عبد العزيز إبراهيم العمري: الولاية على البلدان في عصر الخلفاء الراشدين 143، وظافر القاسمي: نظام الحكم في الشريعة والتأريخ الإسلامي 473. (¬5) الطبري: تأريخ 4: 207.

بعض الولاة من ولاية إلى أخرى حسب ما تقتضيه مصلحة الدولة (¬1). كما جرى عزل بعض الولاة لأسباب متنوعة، فقد عزل عمر بن الخطاب العلاء بن الحضرمي لأنه عبر بجنده البحر من البحرين إلى فارس دون استئذان الخليفة مما أدى إلى وقوع أضرار بالجيش، وعزل عمر خالد بن الوليد عن الشام، لأنه خشى افتتان الناس به بتصورهم أنه سبب النصر لبراعته القيادية، بينما ينبغي أن يعزوا النصر إلى الله تعالى (حتى يعلم أن الله إنما ينصر دينه) (¬2). ويستعين الوالي في بعض الولايات الكبيرة بولاة آخرين على المدن التابعة للولاية يتبعونه كما حدث في ولاية الشام حيث كانت ولايات حمص والجزيرة والأردن وفلسطين تتبع أبا عبيدة والي دمشق. وكان سلطان الولاة على المدن يزداد وينقص حيث قد تضم ولاية صغيرة إلى أخرى أو تفصل ولاية مستقلة من تبعيتها الإدارية. وقد راعى عمر رضي الله عنه في اختيار الولاة عدة مبادئ منها: عدم حرص المرشح على الإمارة، وهو اتباع للسنة النبوية (¬3)، وكان يقول: "لا يحب الإمارة أحد فيعدل" (¬4). كما كان ينظر إلى تمتع المرشح بصفات تؤهله للولاية بأن يكون من أهل القوة والأمانة، والهيبة والتواضع، والرحمة بالناس، والحلم والرفق بالرعية (¬5)، ¬

_ (¬1) عبد العزيز إبراهيم العمري: الولاية على البلدان في عصر الخلفاء الراشدين 55. (¬2) خليفة: التأريخ 122. (¬3) في الحديث "إنَّا لا نولي على هذا العمل من سأله" (البخاري: أحكام 7، ومسلم: إمارة 14). (¬4) عمر بن شبة: تأريخ المدينة 3: 856. (¬5) مصطفى محمد مسعد: التنظيم الإداري في الجزيرة العربية في عصر الخلفاء الراشدين 1: 269 (ضمن بحوث ندوة الجزيرة العربية في عصر الرسول والخلفاء الراشدين).

قائمة بأسماء ولاة عمر على الأقاليم

والزهد في الدنيا طعاماً ولباساً ودوراً ورياشاً (¬1). وكانت رواتب الولاة جيدة تكفيهم، فكان راتب عمرو بن العاص والي مصر مائتي دينار (¬2)، وراتب عياض بن غنم الفهري- والي حمص- ديناراً وشاة ومدا كل يوم (¬3). وكان البريد الذي يحمل الرسائل من الخليفة عمر إلى الولاة يفسح المجال أمام أهل الأمصار أن يرسلوا رسائلهم إلى الخليفة مباشرة دون إطلاع أحد سواه عليها، مما يتيح أمامهم رفع شكاويهم بحرية (¬4). قائمة بأسماء ولاة عمر على الأقاليم: (¬5) 1 - زيد بن ثابت (المدينة) - عند خروج عمر منها للحج ولزيارة الشام- 2 - مُحرز بن حارثة بن ربيعة بن عبد شمس (مكة). 3 - قُنفُذ بن عمير بن جدعان التميمي (مكة). 4 - نافع بن عبد الحارث الخزاعي (مكة). 5 - خالد بن العاص بن هشام المخزومي (مكة). 6 - عثمان بن أبي العاص- ت 51 هـ- (الطائف ثم عُمان والبحرين وأحياناً اليمامة والبحرين). 7 - عتبة بن أبي سفيان بن حرب الأموي- ت 44 هـ- (الطائف) (¬6). ¬

_ (¬1) عمر بن شبة: تأريخ المدينة 3: 818، 832، 854. (¬2) ابن سعد: الطبقات الكبرى 4: 261. (¬3) ابن سعد: الطبقات 7: 398، وابن الأثير: أسد الغابة 4: 166. (¬4) عمر بن شبة: تأريخ المدينة 2: 761. (¬5) خليفة: التأريخ 153 - 154، والطبري: تأريخ 4: 241. (¬6) ابن عبد البر: الاستيعاب 3: 121، وابن الأثير: أسد الغابة 3: 361. وقال ابن حجر: وإنما

8 - سفيان بن عبد الله الثقفي (الطائف). 9 - يعلى بن أمية- مُنية- التميمي- ت 38 هـ- (اليمن). 10 - عبد الله بن أبي ربيعة المخزومي (الجند). 11 - العلاء بن الحضرمي- ت 14 هـ- (البحرين). 12 - عثمان بن أبي ثور (البحرين). 13 - قدامة بن مظعون الجمحي- 36 هـ- (البحرين) (¬1). 14 - أبو هريرة (البحرين) - بعد وفاة العلاء بن الحضرمي-. 15 - عمرو بن العاص- ت 43 هـ- (فلسطين ثم مصر). 16 - عبد الله بن سعد بن أبي السرح (الصعيد). 17 - أبو عبيدة عامر بن الجراح (الشام). 18 - يزيد بن أبي سفيان (الشام). 19 - معاوية بن أبي سفيان- ت 60 هـ- (الشام). 20 - شرحبيل بن حسنة (الأردن). 21 - معاذ بن جبل- ت 18 هـ- (الأردن) من قبل أبي عبيدة. 22 - علقمة بن علاثة العامري- ت نحو 20 هـ- (حوران) (¬2). 23 - علقمة بن حكيم (الرملة). 24 - علقمة بن مُجزز المدلجي- ت 20 هـ- (إيليا- بيت المقدس-). 25 - عبادة بن الصامت (حمص) تولاها من قبل أبي عبيدة. 26 - عياض بن غنم الفهري- ت 20 هـ- (حمص والجزيرة) تولاها من ¬

_ ولاه الطائف أخوه معاوية (الإصابة 3: 78). (¬1) بن عبد البر: الاستيعاب 3: 259، وابن حجر: الإصابة 3: 228. (¬2) بن الأثير: أسد الغابة 4: 13، وابن حجر: فتح الباري 8: 68، والإصابة 2: 504

الولاة في خلافة عثمان

قبل أبي عبيدة. 27 - سدد بن عامر بن حذيم (حمص والجزيرة). 28 - عمير بن سعد الأنصاري (حمص والجزيرة). 29 - حبيب بن مسلمة الفهري (الجزيرة). 30 - الوليد بن عقبة (الجزيرة). 31 - المثنى بن حارثة الشيباني (العراق). 32 - أبو عبيد بن مسعود الثقفي (العراق). 33 - قطبة بن قتادة (البصرة). 34 - شريح بن عامر (البصرة). 35 - عتبة بن غزوان (البصرة). 36 - سعد بن أبى وقاص (العراق). 37 - المغيرة بن شعبة الثقفي (البصرة سنة 18 هـ ثم الكوفة). 38 - أبو موسى الأشعري (البصرة). 39 - عمار بن ياسر- ت 37 هـ- (الكوفة). 40 - جبير بن مطعم (الكوفة). 41 - سلمان الفارسي (المدائن). 42 - حذيفة بن اليمان (أذربيجان ثم المدائن). 43 - عتبة بن فرقد السلمي (الموصل ثم أذربيجان). 44 - النعمان بن مقرن المزني (كسكر). 45 - بلال الأنصاري (عُمان). الولاة في خلافة عثمان: استمرت الوحدات الإدارية السابقة وهي مكة والمدينة، والبحرين واليمامة، واليمن وحضرموت، والشام، والكوفة والبصرة، ومصر. وأضيفت إليها في خلافة

عثمان أرمينية التي فتحت لأول مرة في عهده (¬1) .. وحدث تطور آخر عندما ضمَّ عثمان ولاية البحرين وعمان إلى ولاية البصرة عندما عين عبد الله بن عامر بن كريز والياً عليها، مما كان له أثر بالغ على زيادة الطاقة البشرية لهذه الولاية مما مكنها من القيام بأعباء الفتوح الكبيرة في إقليم فارس وخراسان وسجستان (¬2). وقد قام هذا الوالي الشاب بإصلاحات كثيرة في نظم الري والزراعة بشق الترع والأنهار وتنظيم مدينة البصرة وتوسعة مسجدها وسوقها وتوفير المياه في طريق الحج لأهلها، ازدهرت البصرة اقتصادياً، وامتد نفوذ واليها إلى عمان والبحرين وسجستان وخراسان وفارس والأهواز، حيث عين عبد الله بن عامر الولاة على هذه البلدان، وقد حافظ عبد الله بن عامر على مكانته عند أهل البصرة حتى نهاية ولايته مما يدل على مقدرة عالية في القيادة والسياسة رغم أنه تولى البصرة وهو في الخامسة والعشرين من عمره (¬3). وليس كل ولاة عثمان شباباً، بل بعضهم من شيوخ الصحابة مثل عمير بن سعد الأنصاري والي حمص وقنسرين الذي استعفى عثمان لكبر سنه فضم عثمان ولايته إلى معاوية (¬4)، ومثل سعد بن أبي وقاص واليه على الكوفة، وهو مؤسس هذه المدينة في خلافة عمر، فمعرفته بالكوفة وسكانها وظروفها تؤهله لولايتها من جديد اختار عثمان ولاة الأمصار من أهل الكفاءة الإدارية والدربة العسكرية، وقد ¬

_ (¬1) خليفة: التأريخ 163، والبلاذري: فتوح البلدان 201، وابن أعثم الكوفي: الفتوح 2: 108 (¬2) خليفة: التأريخ 162، 163، 167، والبلاذري: فتوح البلدان 296، 381، وصالح العلي: التنظيمات الاجتماعية والاقتصادية في البصرة في القرن الأول الهجري 141. (¬3) خليفة: التأريخ 178، والطبري: تأريخ 5: 54، وابن الأثير: الكامل 3: 99، وعبد العزيز إبراهيم العمري: الولاية على البلدان 1: 189 - 191. (¬4) الطبري: تأريخ 4: 189.

أثنى المؤرخون على عدد من ولاته، فقال المقريزي عن والي عثمان على مصر عبد الله بن سعد بن أبي سرح: "ومكث أميراً مدة ولاية عثمان رضي الله عنه كلها محموداً في ولايته" (¬1). وقد وصف بالشجاعة والجود والرفق والحلم (¬2). ووصف الصحابي الجليل أبو موسى الأشعري- أثر عزله عن ولاية البصرة وتعيين عبد الله بن عامر بن كريز- الوالي الجديد بقوله محلى المنبر أمام الناس: "قد جاءكم غلام كريم العمَّات والخالات والجدَّات في قريش يفيض عليكم المال فيضاً" (¬3). مما يوضح شخصية أبي موسى في حرصه على الطاعة وتوطيد الأمر لمن بعده. وكان عثمان يجمع ولاته لتقويم الوضع العام في البلاد، وخاصة في بداية الفتنة (¬4). وكان عثمان يقبل شكاوى الرعية ضد ولاته، فلما اشتكى أهل البصرة واليهم أبا موسى الأشعري عزله وعيُن عليهم عبد الله بن عامر بن كريز (¬5)، وهكذا فعل مع والي الكوفة الوليد بن عقبة، وهي سياسة سبقه إليها عمر رضي الله عنهما. وكان عثمان وثيق الصلة بولاته، يتبادل معهم الرسائل، ويتدارس شؤون الولايات ويقدم الإرشاد والرأي للولاة، ويأمرهم بموافاته في موسم الحج لمحاسبتهم والنظر في شكاوى الرعية ضدهم (¬6). ¬

_ (¬1) المقريزي: الخطط 1: 299 وقارن بعبارة الذهبي: سير أعلام النبلاء 3: 34. (¬2) الذهبي: سير أعلام النبلاء 3: 21. (¬3) خليفة: التأريخ 161، والذهبي: سير أعلام النبلاء 3: 19. (¬4) عمر بن شبة: تأريخ المدينة 3: 1120، والبلاذري: فتوح البلدان 229، والكندي: ولاة مصر 38. (¬5) الطبري: تأريخ 5: 55، وابن الأثير: الكامل 3: 99. (¬6) الطبري: تأريخ 4: 397 - 398 عن سيف بن عمر.

ويلاحظ أن سعد بن أبي وقاص كان يتولى شؤون الكوفة سوى بيت المال الذي عيَّن عليه عثمان عبد الله بن مسعود، ولما اختلف الاثنان حول مبلغ اقترضه سعد من بيت المال ولم يتمكن من سداده في وقت محدد قام عثمان بعزله وإبقاء عبد الله بن مسعود على بيت المال مع تعيين والٍ جديد هو الوليد بن عقبة بن أبي معيط الذي كان قد تولى عدة أعمال في عهد النبوة وخلافة أبي بكر وعمر. وقد أثبت الوليد مقدرة إدارية وعسكرية، وخبرة بالتعامل مع أهل الكوفة الذين أحبوه لنظره في مصالحهم وعدم احتجابه عنهم، ولكن تجدد الخلاف بينه وبين ابن مسعود، كما حدث مع سلفه سعد بن أبي وقاص، وهنا عزل عثمان ابن مسعود وأبقى الوليد، ثم وقعت مشاكل عديدة بين الوليد ورجال من أهل الكوفة- كان قد أقام حد القتل على أقاربهم- سعوا به عند الناس ثم عند الخليفة عثمان حيث رفض عثمان الاستجابة لطلبهم عزل الوليد عن الكوفة "تعملون بالظنون، وتخطئون في الإسلام، وتخرجون بغير إذن، ارجعوا" فلما رجعوا إلى الكوفة لم يبق موتور في نفسه إلا أتاهم، فاجتمعوا على رأي فأصدروه (¬1)، فكان أن اتهموا الوليد بشرب الخمر وشهدوا ضده فأقام الخليفة الحد عليه أربعين جلدة- وإقامة الحد ثابت من روايتي البخاري ومسلم- وعزله عن ولاية الكوفة (¬2). وعين والياً بدله سعيد بن العاص بن أمية، وقد وصفه الحافظ الذهبي بقوله: "كان أميراً شريفاً جواداً ممدحا حليماً وقوراً ذا حزم وعقل يصلح للخلافة" (¬3). وقد قرَّب سعيد فقهاء الكوفة وقراءها وأبعد أصحاب الشر من زعماء القبائل ¬

_ (¬1) الطبري: تأريخ 4: 275 عن سيف. (¬2) البخاري: الصحيح (فتح الباري 7: 53)، ومسلم: الصحيح 3: 1331 رقم 1707، وابن حجر: فتح الباري 7: 56. (¬3) الذهبي: سير أعلام النبلاء 444 - 445.

مما أغضبهم عليه، ورغم ظروف الكوفة المضطربة، فإنه تمكن من تنظيم الولاية ومد الفتح باتجاه طبرستان والخزر، كما قضى على التمرد في أذربيجان، ولكن نشاطه الإداري والعسكري لم يعفه من شغب زعماء الأعراب الذين تجرءوا عليه في مجلسه العام وضربوا بعض أعوانه، فشاور عثمان في أمرهم، فأمر بنفيهم إلى الشام، ومكثوا في الشام حتى وجدوا الفرصة مواتية للعودة إلى الكوفة عندما غادرها سعيد بن العاص إلى المدينة، فقاموا بتحريض السكان ضده زاعماً (زاعمين) أنه يريد إنقاص العطاء، ونجح الأشتر في جمع المعارضين للوالي حيث منعوه عند عودته من دخول الكوفة- وكانوا ألفاً من المسلمين- فرجع إلى عثمان ونصحه بتعيين والي جديد لتهدئة المعارضة، وعلم عثمان بأنهم يرغبون في ولاية أبي موسى الأشعري عليهم فولاه ولايته الثانية التي دامت حتى مقتل عثمان (¬1). والحق أن ولاية الكوفة لم تهنأ بالاستقرار، وكانت مصدر شغب وشكاوى على الولاة الذين تعاقبوا على إدارتها، فلم ينج أحد من الشغب والشكاوى، وكان الخليفة عثمان يحرص على تهدئة الأحوال، ويغير الولاة إذا اشتد الشغب عليهم. وتتمثل سياسة عثمان في مراقبة العمال والاستماع إلى رأي الناس فيهم، والاجتماع بهم في موسم الحج لمدارسة أحوال الولايات جرياً على السياسة العمرية، كما أرسل الكتب إلى ولاته للمشاركة في حل مشكلات الأقاليم، وأرسل المفتشين إلى الولاة للتعرف على أحوال الولايات عن كثب، كما أنه أرسل كتبا إلى أهل الأمصار توضح سياسته تجاه الرعية وحرصه على حقوقهم واستعداده لقبول شكاويهم ضد ولاتهم إذا أصابهم منهم ظلم داعياً المظلومين إلى رفع ظلامتهم إليه مباشرةً في موسم الحج. ¬

_ (¬1) الطبري: تأريخ 4: 330 - 331، 269 - 271.

قائمة بأسماء الولاة في خلافة عثمان

واستمرت صلاحيات الولاة في الأشراف على الولاية وإنفاذ الأحكام الشرعية وحفظ الأمن فيها وتنظيمها إدارياً وقيادة جيوشها إذ كانت حركات الفتح مستمرة في خلافة عثمان. ويلاحظ أن عثمان قلل عدد الولايات بضم بعضها إلى بعض تحت إدارة والٍ واحد، فكان معاوية يلي الشام والجزيرة وفلسطين، وكان عبد الله بن عامر يلي البصرة والبحرين وعمان واليمامة بالإضافة إلى المناطق التي فتحها من إقليم فارس وخراسان. ولكن هؤلاء الولاة على مناطق واسعة كانوا يعينون ولاة آخرين على المدن والمقاطعات التي لا يقيمون فيها، وكان تنفيذ المشاريع العمرانية من بناء الجسور وشق القنوات وتحسين طرق المواصلات وتنظيم الأسواق منوطاً بالولاة. قائمة بأسماء الولاة في خلافة عثمان: (¬1) 1 - أبو الأعور بن سفيان (الأردن). 2 - عبد الرحمن بن خالد بن الوليد (حمص). 3 - علقمة بن حكيم الكناني (فلسطين). 4 - جرير بن عبد الله البجلي (قرقيسياء). 5 - حبيب بن مسلمة (قنسرين). 6 - معاوية بن أبي سفيان (الشام). 7 - خالد بن العاص بن هشام بن المغيرة المخزومي (مكة). 8 - عبد الله بن الحضرمي (مكة). 9 - القاسم بن ربيعة الثقفي (الطائف). 10 - يعلى بن مُنية (صنعاء). 11 - عبد الله بن أبي ربيعة (الجند). 12 - علي بن ربيعة بن عبد العزى العبشمي (مكة). ¬

_ (¬1) خليفة: التأريخ 178، 179 - 180، والطبري: تأريخ 4: 226، 330، 421 - 422.

13 - عثمان بن أبي العاص الثقفي (البحرين واليمامة). 14 - مروان بن الحكم بن العاص الأموي (البحرين). 15 - عبد الله بن سوار العبدي (البحرين). 16 - سبُرة بن عمرو العنبري (اليمامة). 17 - النُسير (همذان). 18 - سعيد بن قيس (الري). 19 - السائب بن الأقرع (أصبهان). 20 - سلمان بن ربيعة الباهلي (أرمينية). 21 - حذيفة بن اليمان (أذربيجان وأرمينية). 22 - الأشعث بن قيس (أذربيجان). 23 - المغيرة بن شعبة الثقفي (أذربيجان وأرمينية). 24 - عتيبة بن النهاس (حلوان). 25 - عمرو بن العاص السهمي (مصر ثم الإسكندرية وحدها). 26 - عبد الله بن سعد بن أبي السرح (مصر). 27 - أبو موسى الأشعري (البصرة ثم الكوفة). 28 - عبد الله بن عامر بن كريز (البصرة). 29 - المغيرة بن شعبة الثقفي (الكوفة). 30 - سعد بن أبي وقاص (الكوفة). 31 - الوليد بن عقبة الأموي (الكوفة 25 - 30 هـ). 32 - سعيد بن العاص الأموي (الكوفة). 33 - مالك بن حبيب (ماه). 34 - حبيش (ماسبذان). إن سبعة من هؤلاء الولاة فقط تربطهم روابط القربى بالخليفة عثمان وهم بالطبع من قريش وبقيتهم من قريش وثقيف وقبائل أخرى، وهم جميعاً من الصحابة

الولاة في خلافة علي

، واعتماد الإدارة في عصر الخلافة الراشدة كان على رجال من الصحابة وخاصة من قريش وثقيف والأنصار، وقد قويت مشاركة الأنصار في خلافة علي. الولاة في خلافة علي: كان علي رضي الله عنه واعياً بظروف الفتنة التي أدت إلى مقتل عثمان رضي الله عنه، وأن الدعاية الواسعة ضد الخليفة عثمان وولاته كانت وراء النقمة عليه، لذلك سارع علي إلى إقالة كبار عمال عثمان رضي الله عنه، ولم يكن معظم ولاة عثمان في ولاياتهم بل تركوها في ظروف الفتنة، وقد غلب محمد بن أبي حذيفة على مصر طيلة عام كامل حتى قتل من قبل العثمانية في نهاية عام 36 هـ وكان واليها عبد الله بن سعد بن أبي سرح قد تركها أثناء الفتنة (¬1). وترك عبد الله بن أمية اليمن عندما سمع بمقتل عثمان، وكذلك ترك عبد الله بن عامر البصرة عندما سمع بمقتل عثمان (¬2). ولا شك أن أهم التطورات التي جرت في خلافة علي خروجه من المدينة إلى الكوفة، وبذلك صارت المدينة ولاية من الولايات عُين عليها والياً هو سهل بن حنيف الأنصاري، في حين صارت الكوفة مقر الخلافة ومحور الأحداث. ومن التطورات الأخرى استقلال ولاية البحرين عن البصرة، وأحيانا كانت ترتبط بوالي اليمن عبيد الله بن عباس. ولم تخضع الشام لعلي طيلة خلافته، بل كان يحكمها واليها القديم معاوية بن أبي سفيان الذي لم ينفذ أمر عزله الذي أصدره علي، وطالب بدم عثمان أولاً. ¬

_ (¬1) ابن سعد: الطبقات 7: 504، ويعقوب بن سفيان: المعرفة والتأريخ 1: 254، وعبد الرزاق: المصنف 5: 458 بسند صحيح إلى الزهري مرسلاً، والبخاري: التأريخ الكبير 5: 29، والكندي: ولاة مصر 21، والمقريزي: المواعظ والاعتبار بذكر الخطط والآثار 1: 300. (¬2) عبد الحميد علي ناصر فقيه: خلافة علي 104، وخليفة: التأريخ 178، 201، 202

أما ولاية الجزيرة بين العراق والشام، فكانت تخضع لسلطان علي حيناً ولسلطة معاوية حيناً آخر. وأما مصر فكانت تابعة لعلي رضي الله عنه حتى سنة 38 هـ، وقد تولاها عدد من الولاة كان من أقدمهم قيس بن سعد بن عبادة الذي تمكن من ضبط أمورها بتنظيم الخراج والشرطة، وسلك مع المعارضة مسلك الترضية دون ضعف، فلم يصطدم بالمطالبين بدم عثمان والممالئين لمعاوية ماداموا مسالمين لا يرفعون السيف عليه ولا يثيرون الشغب ضده، وصرف لهم أعطياتهم مثل جنده. ولكن هذا الموقف الحكيم أثار عليه خصومه في الكوفة فزعموا أنه يوالي معاوية مما أدى إلى عزله. وقد سلك الوالي الجديد محمد بن أبي بكر مسلك الشدة مع المعارضة بمصر- والتي قدرت بعشرة آلاف مقاتل- مما أدى إلى وقوع القتال بين الطرفين، وخروج المعارضين إلى الشام ليعودوا مع القوات الشامية لإخضاع مصر بعد معارك شديدة مع واليها محمد بن أبي بكر انتهت بمقتله، ودخول مصر في طاعة معاوية سنة 38 هـ. وأما البصرة فولَّى علي عليها عبد الله بن عباس، وهو صحابي عُرف بعلمه الواسع في الفقه والتفسير، وقد أثبت مهارة إدارية بتوطيد الأمن في سجستان وهي تابعة لولاية البصرة، وفي إقليم فارس حيث عين زياد بن أبي سفيان والياً عليه، كما أنابه حين خرج من البصرة عليها فتمكن من ضبط الأمن فيها. ويعتبر عبد الله بن عباس من أهم رجالات الإمام علي، وكان يرافقه في الأحداث الخطيرة، وينصح له، ويجادل عنه. وكان علي يعتمد عليه ويستشيره، وقد استمرت ولاية ابن عباس على البصرة حتى سنة 39 هـ، وكان يعاونه صاحب

الشرطة وصاحب الخراج. وأما الكوفة فقد أقرَّ علي عليها واليها أبا موسى الأشعري عندما علم بميل أهلها إليه، حيث أخذ له البيعة من أهلها (¬1)، وقد اتخذ أبو موسى موقفاً محايداً من الصراع في موقعتي الجمل وصفين، ونصح أهل الكوفة بعدم المشاركة في الفتن الداخلية. وقد عُزل أبو موسى عن الكوفة حين قدم علي إليها بعد موقعة الجمل فصارت مركزاً للخلافة. وأما إقليم فارس- وهو يتبع البصرة إدارياً- فكان واليه سهل بن حنيف الأنصاري الذي واجه حركة عصيان في الإقليم، فأرسل والي البصرة عبد الله بن عباس والياً جديداً عليه هو زياد بن أبي سفيان الذي تمكن من ضبط الإقليم. وكان يعين ولاة على المدن المهمة في الإقليم مثل إصطخر وأصبهان. وأما خراسان فكانت تتبع إداريا ولاية البصرة، وقد تولاها في خلافة علي عبد الرحمن بن أبذى وجعدة بن هبيرة بن أبي وهب، وقد واجه جعدة تمرد أهلها وقضى عليه. وكانت سجستان المجاورة لخراسان تتبع إداريا البصرة أيضا فكان والي البصرة يعين عليها الولاة. وكانت أذربيجان ولاية يتولاها الأشعث بن قيس لعثمان ولعلي، وهو الذي مصر أردبيل وبنى مسجدها ونشر الإسلام فيها. أما الأهواز فكان عليها الخُريت بن راشد والياً لعلي، لكنه انشق عليه في أعقاب صفين وأعلن خلعه، فأرسل إليه علي جيشاً فقضى عليه. وتولى الأهواز مصقلة بن هبيرة الشيباني لكنه التحق بمعاوية. ¬

_ (¬1) البلاذري: أنساب الأشراف 2: 36 ب.

وقد واجه علي مشكلات عديدة في هذه الولايات من انفلات بعضها من سلطانه كاليمن والحجاز ومصر، ومن انتشار الحركة الخارجية ونشاطها في ولايات العراق وفارس، بالإضافة إلى ثورات السكان الأصليين، والتحاق بعض الولاة بمعاوية. وكان علي رضي الله عنه يراقب ولاته ويسائلهم عن سياستهم تجاه الدولة والرعية، كما فتح بابه لاستقبال شكاوى الرعية ضد الولاة فكان يقول: "اللهم إني لم آمرهم أن يظلموا خلقك أو يتركوا حقك" (¬1). وكان علي مدركاً لأهمية وجود السلطة في ديار الإسلام "لابد للناس من إمارة برَّةٍ كانت أو فاجرة، فقيل: يا أمير المؤمنين هذه البرة قد عرفناها، فما بال الفاجرة؟ فقال: يُقام بها الحدود، وتأمن بها السبل، ويجاهد بها العدو، ويقسم بها الفيء". فالسلطة في نظره إن لم تسموا إلى مقامات عليا من الالتزام بالخير والصلاح والتجرد للحق والعدل، وهي الإمارة البرة التي يتطلع إليها الناس، فإنها نافعة في حالة ضعف التزامها ورقيها الإيماني- المُعبر عنه بالفجور-، وذلك لإقامتها الأمن وإنفاذ الأحكام الشرعية والتوزيع العادل للثروة، وإقامة الجهاد. وقد ناقش المؤلفون المعاصرون عدة قضايا تخص الولاة في خلافتي عثمان وعلي منها تولية الأقارب حيث أن عثمان عين عدداً من الولاة على البصرة والكوفة والشام ومصر من أقاربه وهم معاوية بن أبي سفيان (الشام) - وكان والياً لعمر فأقره عثمان-، وعبد الله بن عامر بن كريز (البصرة)، والوليد بن عقبة (الكوفة)، وسعيد بن العاص (الكوفة)، وعبد الله بن سعد بن أبي سرح (مصر)، كما أن علياً عين أربعة من أبناء عمه العباس بن عبد المطلب على الولايات المهمة (البصرة واليمن والحجاز) وهم على التوالي: عبد الله بن عباس وعبيد الله بن عباس وقُثم بن ¬

_ (¬1) ابن تيمية: السياسة الشرعية 32، والنويري: نهاية الأرب 20: 219، 220.

عباس وتمام بن عباس. والتحقيق أن كلاً من علي وعثمان عينا الأكفياء من أقاربهما وغيرهم (¬1)، ولا يُتصور أنهما قدما الأقارب بسبب القرابة، وكانت الظروف التي تسود الولايات تقتضي اختياراً دقيقا للولاة من حيث القوة والأمانة، فلا تزال الفتوحات في الأقاليم الشرقية البعيدة غير مستقرة، فضلا عن مشكلات الخوارج في خلافة علي ومشكلات الروح القبلية في الأمصار وصعوبة ضبطها وتوجيهها لصالح المجتمع والدولة. والحق أن عثمان وعلياً اجتهدا للأمة في الحفاظ على مصالحها الدينية والدنيوية سواء أخطآ أو أصابا، وهما مأجوران في الحالين، ولا ينبغي اتهام نياتهما وإساءة تفسير دوافعهما دون دليل صحيح. ومن القضايا الأخرى التي أثارها المؤلفون المعاصرون قضية عزل علي لولاة عثمان حيث اشتطت الأقلام في تفسير الموقف، فمنهم من يحمله على صلابة علي في الحق وضرورة التغيير لما أنكر على عثمان من تولية الأقارب، ومنهم من حمله على ضعف خبرة علي السياسية، وأن الأولى سياسيا إبقاء الولاة وخاصة معاوية حتى تستقر الأوضاع وتؤخذ البيعة لعلي في الأمصار، وهذه التفسيرات مبنية على خبر ضعيف يدور حول إبداء المغيرة رأيين متعارضين حول الموقف من الولاة (¬2). والتحقيق أن علياً كان يمتلك موهبة قيادة ومعرفة بالنفوس والأوضاع القائمة وأنه أقال الولاة ليختار سواهم حسب ما يراه ملائماً لتحقيق الانسجام الإداري والسياسي بين الخليفة وأعوانه، كما أن شخصيته وأخلاقه لا تمكنه من أساليب المراوغة والحيلة في استعمال صلاحياته. ولو تأملنا في أنساب ولاة علي لوجدنا أحد عشر والياً منهم من الأنصار من ¬

_ (¬1) ابن تيمية: منهاج السنة 3: 173، 176. (¬2) الطبري: تأريخ 4: 438 - 439.

قائمة بأسماء الولاة في خلافة على

بين ستة وثلاثين والياً، وسبعة منهم من قريش- بينهم أربعة هم أولاد العباس بن عبد المطلب، وهم ترجمان القرآن ابن عباس وإخوته-. ومن تأمل في جملة وصاياه لولاته أدرك عمق نظرته إلى مقاصد الشريعة وعمران الاجتماع الإنساني معاً (¬1)، وهو في كل ذلك يصدر عن رؤية إسلامية واعية ومنضبطة. قائمة بأسماء الولاة في خلافة على: (¬2) 1 - سهل بن حنيف الأنصاري (المدينة). 2 - تمام بن العباس بن عبد المطلب (المدينة). 3 - أبو أيوب الأنصاري (المدينة). 4 - أبو قتادة الأنصاري (مكة). 5 - قثم بن العباس بن عبد المطلب (مكة والطائف). 6 - عمر بن أبي سلمة (البحرين). 7 - قُدامة بن العجلان الأنصاري (البحرين). 8 - النعمان بن العجلان الأنصاري (البحرين). 9 - عبيد الله بن عباس (اليمن والبحرين). 10 - سعيد بن سعد بن عبادة الأنصاري (الجند). 11 - مالك الأشتر (الجزيرة ثم مصر). 12 - شبيب بن عامر (الجزيرة). 13 - كُميل بن زياد النخعي (الجزيرة). ¬

_ (¬1) الطبري: تأريخ 5: 147 - 148، والنويري: نهاية الأرب 6: 19. (¬2) خليفة: التأريخ 199 - 202، والطبري: تأريخ 5: 155 - 156.

14 - محمد بن أبي حذيفة بن عتبة (مصر). 15 - قيس بن سعد بن عبادة الأنصاري (مصر). 16 - محمد بن أبي بكر الصديق (مصر). 17 - عثمان بن حنيف الأنصاري (البصرة). 18 - عبد الله بن عباس (البصرة). 19 - أبو الأسود الدؤلي (البصرة). 20 - هانيء بن هوذة النخعي (الكوفة). 21 - أبو موسى الأشعري (الكوفة). 22 - أبو مسعود البدري (الكوفة). 23 - قرظة بن كعب الأنصاري (الكوفة). 24 - سهل بن حنيف الأنصاري (فارس). 25 - زياد بن أبي سفيان (فارس). 26 - المنذر بن الجارود (اصطخر). 27 - عمر بن سلمة (أصبهان). 28 - محمد بن سليم (أصبهان). 29 - خليد بن قرة التميمي (خراسان). 30 - عبد الرحمن بن أبزى (خراسان). 31 - جعدة بن هبيرة بن أبي وهب (خراسان). 32 - عبد الرحمن بن جزء الطائي (سجستان). 33 - ربعي بن كاس العنبري (سجستان). 34 - جرير بن عبد الله البجلي (همذان). 35 - الأشعث بن قيس الكندي (أذربيجان). 36 - سعيد بن سارية الخزاعي (أذربيجان). 37 - الخُريت بن راشد الناجي (الأهواز).

المبحث الثاني: الموظفون

38 - مصقلة بن هبيرة الشيباني (الأهواز). 39 - يزيد بن حجية التميمي (الري). 40 - سعد بن مسعود الثقفي (المدائن). 41 - الحارث بن مرة العبدي (السند). المبحث الثاني: الموظفون كان الوالي يعتمد على عدد من الموظفين في تسيير أمور الولاية مثل قائد الشرطة، وعمال الخراج، وموظفي بيت المال، وموظفي الدواوين، وأحيانا يكون الموظف على بيت المال في الولاية مستقلاً عن الوالي ومرتبطاً بالخليفة مباشرة. وقد اتضحت النظم الإدارية وصار التمييز بين الوالي والقاضي وكاتب الديوان وغيرهم من الموظفين والعمال سواء في العاصمة أو الأمصار منذ خلافة عمر (¬1)، واستمر تقسيم العمل بعده في خلافة عثمان وعلى. استعان الخلفاء والولاة على الأمصار بعدد من الموظفين الذين تولوا أعمال الكتابة والحجابة والأشراف على بيوت الأموال ودواوين الدولة الثلاثة- ديوان الجباية والخراج وديوان الجند وديوان العطاء- وتولي تنظيم الشرطة، كما ظهرت وظيفة جمع الغنائم وتقسيمها بين الجند فكانت الأقسام والإقباض إلى سلمان بن ربيعة الباهلي (¬2). وظهرت وظيفة عمال العشور الذين يجبون عشور التجارة من التجار غير ¬

_ (¬1) عبد العزيز إبراهيم العمري: الولاية على البلدان 88. (¬2) الطبري: تأريخ 3: 489.

المسلمين الذين يدخلون ديار الإسلام (¬1). وقد اتبع الخليفة عثمان رضي الله عنه سياسة توسيع صلاحية الولاة فكانوا يشرفون على بيوت الأموال والخراج، إلا أنه عهد إلى عبد الله بن سعد بن أبي سرح بتولي شؤون الخراج بمصر في ولاية عمرو بن العاص وذلك لنقص موارد الإقليم بسبب إنفاق عمرو بن العاص على إصلاح القناطر والجسور (¬2) وأكد الخليفة علي على قيام الولاة بالأشراف المباشر على بيوت المال والخراج (¬3). وكانت دواوين الجباية والخراج في الأقاليم تكتب بالفارسية في العراق وإيران، وبالبيزنطية في الشام، وبالقبطية في مصر، مما كان يقتضي تعيين كتاب وموظفين من سكان المناطق المفتوحة للإشراف عليها، أما ديوان الجند وديوان العطاء فكانا باللغة العربية. ولا شك في ظهور الحاجة إلى المترجمين الذين يعرفون العربية واللغات المحلية، ليتمكن الوالي العربي من تفهم أوضاع ديوان الجباية والخراج (¬4). وممن عُرف بالترجمان مهران أسير أصبهان (¬5). وقد ظهر نظام الشرطة منذ خلافة عمر لحراسة بيت المال والسجن وجلب الخصوم للقاضي وتنفيذ أحكام القضاء في المجرمين (¬6). وكان الشرطي الذي يعمل بين يدي القاضي يُعرف بالجلواز (¬7)، وقد استخدمت الدولة أقواماً داخلين في الإسلام ¬

_ (¬1) أبو يوسف: الخراج 130، والقاسم بن سلام: الأموال 635. (¬2) البلاذري: فتوح البلدان 255، وابن عبد الحكم: فتوح مصر وأخبارها 161. (¬3) المقريزي: الخطط 1: 300. (¬4) عبد العزيز إبراهيم العمري: الولاية على البلدان 2: 104 - 105. (¬5) خليفة: التأريخ 162. (¬6) صالح العلي: التنظيمات الاجتماعية والاقتصادية في البصرة في القرن الأول الهجري ص 112. (¬7) وكيع: أخبار القضاة 2: 215.

الرقابة على الأسواق (نظام الحسبة)

حديثاً مثل السيابجة في خلافة عثمان وعلي (¬1). الرقابة على الأسواق (نظام الحسبة): نشطت التجارة بعد إعادة توحيد الجزيرة العربية في خلافة الصديق رضى الله عنه والقضاء على حركة الردة، فحل الأمن والاستقرار، واطمأن الناس على أموالهم التي تحميها التشريعات الإسلامية من الظلم والاغتصاب، وتؤمن لها حرية التجارة والنمو والازدهار. وعمل في التجارة كبار الصحابة، وكان الخلفاء الراشدون الثلاثة الأوائل تجاراً .. فكانت معرفتهم بالمعاملات التجارية تيسر الأعمال التجارية وتشجع على جلب البضائع وتفض المنازعات بوعي وإدراك للمصالح الاقتصادية للدولة والأمة. وقد ظهرت الرقابة على الأسواق في عهد النبوة لمنع وقوع الغش في البضائع (¬2). ولاشك أن هذه الرقابة استمرت في خلافة أبي بكر رضي الله عنه، ولكن التوسع الكبير في التجارة وتنظيم الأسواق أدى إلى الحاجة للرقابة الشاملة على التجارة والأسواق. وكثيراً ما تجول عمر رضي الله عنه بنفسه في الأسواق واطلع على أساليب التعامل، ومنع المخالفات الشرعية، سواء بالغش في السلع، أو بيع سلعة محرمة، أو الإضرار بالآخرين من الباعة بعدم التزام سعر السوق، أو احتكار البضائع، أو القيام بالسمسرة بتلقي البدو وشراء ما معهم دون أن يعلموا سعر السوق، أو القيام بالبيع قبل أن تكون السلعة بيد البائع ... ؟ وهذه الإجراءات كلها تطبيق للسنة النبوية. وقد ثبت أن عمر رضي الله عنه اطلع على بيت رويشد الثقفي، وكان فيه ¬

_ (¬1) صالح العلي: التنظيمات 112. (¬2) صحيح سنن الترمذي للألباني 2: 32.

حانوت لبيع الخمر، فأمر بإحراقه فأحرق (¬1). وباع سمرة بن جندب خمراً فغضب عليه غضبا شديداً (¬2). ومرَّ بحاطب بن أبي بلتعة وهو يبيع زبيباً له بالسوق بأقل من سعر السوق فقال له: إما أن تزيد في السعر، وإما أن ترفع من سوقنا (¬3). كما نهى طلحة بن عبيد الله من صرف ورق بذهب دون تسلم وتسليم مباشرةً وكان طلحة طلب من صاحب الورق مهلة يسيرة "حتى يأتينا خازننا من الغابة" (¬4) - أطراف المدينة-. وكان ينهى عن الاحتكار "لا يبيع في سوقنا محتكر" (¬5). وينهى من لا يعرف أحكام التبايع عن العمل في السوق (¬6). ¬

_ (¬1) ابن زنجويه: الأموال 2: 271 - 272 والأثر صحيح. (¬2) البخاري: الصحيح 2: 27، ومسلم: الصحيح بشرح النووي 11: 7. (¬3) مالك: الموطأ 2: 148، وعبد الرزاق: المصنف 8: 206 - 208، وعمر بن شبة: تأريخ المدينة 2: 749 - 750، والبيهقي: السنن الكبرى 6: 29 والأثر صحيح. وفي رواية ضعيفة أنه أمر بائع زيت بذلك أيضا (ابن شبة: تأريخ المدينة 2: 749). (¬4) البخاري: الصحيح (مع حاشية السندي) 2: 20 - 21، ومسلم: الصحيح (بشرح النووي) 11: 12. (¬5) مالك: الموطأ 2: 148، وعبد الرزاق: المصنف 8: 206، وابن شبة: تأريخ المدينة 2: 748 - 749 ويعتضد بطرقه إلى الحسن. ووردت روايات أخرى ضعيفة في نهيه عن الاحتكار (أحمد: المسند 1: 21، وابن ماجة: السنن 2: 2155، والبيهقي: دلائل النبوة 6: 246 والأزرقي: أخبار مكة 2: 135، وابن أبي شيبة: المصنف 4: 347، 386). (¬6) الترمذي: السنن 1: 303 - 304، وعبد الرزاق: المصنف 4: 483، وابن أبي شيبة:

تنظيم العرفاء والنقباء ومساعدته في إيصال العطاء لمستحقيه

تنظيم العرفاء والنقباء ومساعدته في إيصال العطاء لمستحقيه: عرف المسلمون نظام العرفاء والنقباء منذ بيعة العقبة الثانية في عصر السيرة النبوية، وقد تجدد هذا النظام في خلافة عمر بن الخطاب حيث نظم سعد بن أبي وقاص جنده في القادسية وفقه "فأمَّر أمراء الأجناد وعرَّف العرفاء، فعرَّف على كل عشرة رجلاً ... وعشَّر الناس (قسم إلى عشرة ومائة وألف) وأمَّر على الأعشار رجالاً من الناس لهم وسائل في الإسلام" (¬1). فكان العرفاء مسئولين أمام سعد عن جندهم، ثم شمل هذا النظام الأمصار المختلفة، فصار العرفاء مسئولين عن قبائلهم أمام الوالي، ويبدو أن النظام خضع لتعديلات بعد وقت قصير، ففي سنة 17 هـ تم إعادة تعريف الناس ليشتمل النظام على النساء والصبيان "وعرفوا على مائة ألف درهم، فكانت كل عرافةٍ من القادسية خاصة ثلاثة وأربعين رجلاً، وثلاثاً وأربعين امرأة، وخمسين من العيال لهم مائة ألف درهم، وكل عرافة من أهل الأيام عشرين رجلاً على ثلاثة آلاف، وعشرين امرأة، وكل عيِّل على مائة ألف درهم، وكل عرافة من الرادفة الأولى ستين رجلاً، وستين امرأة، وأربعين من العيال ممن كان رجالهم الحقوا على ألف وخمسمائة على مائة ألف درهم، ثم على هذا من الحساب" (¬2). وقد صارت القبائل أسباعاً بدل الأعشار ودمجت مجموعة قبائل في كل سبع (¬3). وامتد التنظيم الجديد إلى أهل البصرة، فكان العطاء يُدفع إلى أمراء الأسباع وأصحاب الرايات، وهم عرب، فيدفعونه إلى العرفاء والنقباء والأمناء فيدفعونه ¬

_ المصنف 5: 15 ويعتضد الأثر إلى الحسن لغيره. (¬1) الطبري: تأريخ 4: 49. (¬2) الطبري: تأريخ 4: 48. (¬3) المصدر السابق 4: 48.

الموظفون في خلافة أبو بكر

بدورهم إلى أهله في دورهم (¬1). وقد استمر هذا النظام في خلافة عثمان وعلي (¬2). وكان نظام العرفاء والنقباء يساعد الوالي في ضبط المجتمع، وتسليم المطلوبين للقضاء، وتجنيد المقاتلين، ومعرفة آراء الناس، وتمثيلهم أمام الوالي. الموظفون في خلافة أبو بكر: (¬3) 1 - حنظلة بن الربيع الأسيدي (كاتب). 2 - عبد الله بن الأرقم (كاتب). 3 - عبد الله بن خلف الخزاعي (كاتب). 4 - معيقيب بن أبي فاطمة الدوسي (كاتب). 5 - أبو عبيدة عامر بن الجراح (بيت المال). 6 - سعد القرظ مولى عمار بن ياسر (مؤذن). 7 - زيد بن ثابت (كاتب مع تولى الفرائض). 8 - عبد الرحمن بن عوف (إمارة الحج). 9 - أبو حثمة الأنصاري (خارص). عمال الصدقات: (¬4) 1 - أنس بن مالك (البحرين). 2 - سعد بن أبي وقاص (هوازن). 3 - عمرو بن العاص (قضاعة). ¬

_ (¬1) نفسه 49:4. (¬2) أبو عبيد: الأموال 345. (¬3) خليفة: التأريخ 123، والطبري: التأريخ 3: 342 و 6: 179، وابن سعد: الطبقات الكبرى 6: 96. (¬4) عبد العزيز المقبل: خلافة أبي بكر 94 - 95.

الموظفون في خلافة عمر

4 - الوليد بن عقبة (قضاعة). 5 - سعد بن أبي ذباب الدوسي (دوس). 6 - عدي بن حاتم الطائي (طي). 7 - الزبرقان بن بدر التميمي (الرباب بن عوف والأبناء من بني سعد من تميم). 8 - قيس بن عاصم (مقاعس والبطون من بني سعد من تميم). 9 - صفوان بن صفوان (بهدى من بني عمرو من تميم). 10 - سبرة بن عمرو (خضم من بني عمرو من تميم). 11 - سعير بن خفاف التميمي (بطون تميم). 12 - الهيثم السلمي (بنو سليم). الموظفون في خلافة عمر: (¬1) 1 - زيد بن ثابت (كاتب). 2 - معيقيب (كاتب). 3 - عبد الله بن خلف الخزاعي (كاتب ديوان البصرة). 4 - أبو جبيرة بن الضحاك الأنصاري (كاتب ديوان الكوفة). 5 - يرفأ (حاجب). 6 - يسار (خازن). 7 - عبد الله بن أرقم (بيت المال). 8 - عرفجة بن هرثمة- أو عتبة بن فرقد- (خراج البصرة). 9 - الأقرع (مؤذن) (¬2). ¬

_ (¬1) خليفة: التأريخ 156، والطبري: التأريخ 4: 39، وابن عبد البر: الاستيعاب 4: 41. (¬2) أبو داؤد: السنن 4: 214 رقم 4656، وابن أبي شيبة: المصنف 2: 3، والذهبي: تأريخ

الموظفون في خلافة عثمان

10 - مسلم بن مشكم (كاتب أبي الدرداء قاضي دمشق) (¬1). 11 - سليمان بن أبي حثمة القرشي العدوي (الحسبة على سوق المدينة). 12 - عبد الله بن عتبة بن مسعود الهذلي (الحسبة على سوق المدينة) (¬2). 13 - عمرو بن عبسة (الاهراء بالشام) وهي مخازن الحبوب والطعام (¬3). الموظفون في خلافة عثمان: (¬4) 1 - زكريا بن جهم بن قيس (صاحب شرطة مصر) (¬5). 2 - خارجة بن حذافة بن غانم بن عامر (صاحب شرطة مصر) (¬6). 3 - عبد الله بن قنفذ (صاحب الشرط). 4 - حمران بن أبان (حاجب). 5 - عبد الله بن أرقم (بيت المال). 6 - مروان بن الحكم (كاتب). 7 - جابر بن عمرو المزني (خراج السواد). 8 - سماك الأنصاري (خراج السواد). 9 - عقبة بن عمرو (بيت المال). ¬

_ الإسلام (عهد الخلفاء الراشدين) 475. (¬1) ابن سعد: الطبقات الكبرى 7: 450. (¬2) ابن سعد: الطبقات الكبرى 5: 58، وابن عبد البر: الاستيعاب 2: 65، 106، 366، وابن حجر: الإصابة 2: 106، 340. (¬3) الطبري: تأريخ 4: 67. (¬4) خليفة: التأريخ 179، والطبري: التأريخ 4: 422. (¬5) ابن حجر: تهذيب التهذيب 3: 74، والكندي: ولاة مصر 33. (¬6) الكندي: ولاة مصر 33.

الموظفون في خلافة على

10 - أربعون من السيابجة (حراس بيت مال البصرة) (¬1). الموظفون في خلافة على: (¬2) 1 - معقل بن قيس الرياحي (الشرط). 2 - مالك بن خبيب اليربوعي (الشرط). 3 - الأصبغ بن نباتة المجاشعي (شرطة الخميس). 4 - سعيد بن نمران الهمداني (كاتب). 5 - عبيد الله بن أبى رافع (كاتب). 6 - قنبر- أبو يزيد- (حاجب). 7 - أربعون من السيابجة (حراس بيت المال في البصرة) (¬3) ¬

_ (¬1) صالح العلي: التنظيمات الاجتماعية والاقتصادية في البصرة 112. (¬2) خليفة: التأريخ 200 - 201. (¬3) البلاذري: فتوح البلدان 369.

الفصل الثاني: القضاء

الفصل الثاني: القضاء

القضاء في عصر الخلافة الراشدة

القضاء في عصر الخلافة الراشدة: لم يكن منصب القاضي متميزاً في خلافة أبي بكر رضي الله عنه، بل كان يقوم به فقهاء الصحابة، وكان الخليفة يقضى بنفسه بين الناس في المدينة، وأحياناً كان يقوم بذلك عمر بن الخطاب رضي الله عنه بأمر الخليفة أبي بكر، وكان الولاة هم المسئولين عن القضاء في الأمصار. ومنذ خلافة عمر عين بعض الصحابة على القضاء في المدينة منهم زيد بن ثابت وأبو الدرداء (¬1)، كما عين عدداً من القضاة في الأمصار منهم عبد الله بن مسعود على قضاء الكوفة (¬2)، وشريح بن الحارث الكندي على قضاء الكوفة (¬3)، وعبيدة السلماني على قضاء الكوفة (¬4). وكان ألمعياً في اختياره لهما فقد خدما الناس مدة طويلة في مجال القضاء خلال عصر الراشدين والأمويين. كما عين عمر عبادة بن الصامت على قضاء حمص وقنسرين (¬5). وبهذا الإجراء فصل عمر السلطة القضائية عن سلطة الولاة، وبذلك يتعزز موقع القاضي حيث أنه يرتبط بالخليفة مباشرة (¬6). ولكن استمر بعض الولاة يقومون بمهام القاضي في الولايات الداخلية المستقرة حيث يجد الولاة الوقت الكافي لذلك، خلافاً لولاة الأقاليم المحاذية ¬

_ (¬1) عمر بن شيبة: تأريخ المدينة 2: 694، ووكيع: أخبار القضاة 1: 108. (¬2) البلاذري: فتوح البلدان 269. (¬3) وكيع: أخبار القضاة 2: 198 - 199. (¬4) الذهبي: سير أعلام النبلاء 4: 40، وابن العماد: شذرات الذهب 1: 78. (¬5) البلاذري: فتوح البلدان 146. (¬6) ظهرت نظرية استقلال السلطة القضائية عن السلطة التنفيذية في الفكر الغربي في كتابات منتسكيو التي مهدت للثورة الفرنسية عام 1789 م.

للأعداء حيث ينشغل الوالي بالمهام العسكرية والإدارية (¬1). وكان عمر يوصي الولاة باختيار الصالحين للقضاء وبإعطائهم المرتبات التي تكفيهم (¬2). وكان عثمان رضي الله عنه يعين القضاة على الأقاليم حيناً مثل تعيينه كعب بن سور على قضاء البصرة، ويترك القضاء للوالي حيناً آخر مثل طلبه من واليه على البصرة أن يقوم بالقضاء بين الناس إضافة إلى عمل الولاية، وذلك بعد عزله كعب بن سور. وكذلك كان يعلى بن أمية والياً وقاضياً على صنعاء (¬3). ويلاحظ أن بعض الولاة كانوا يختارون قضاة بلدانهم بأنفسهم، ويكونون مسئولين أمامهم مما يشير إلى ازدياد نفوذ الولاة في خلافته. أما علي رضي الله عنه فكان يتولى القضاء بنفسه في الكوفة، أما الأمصار فكان تعيين القضاة غالباً من قبل الولاة (¬4)، ولكن علياً عين بعض القضاة مباشرة (¬5). وكانت مصادر الحكم في عصر الخلافة الراشدة هي القرآن والسنة والإجماع والاجتهاد والرأي. وقد عرف من فقهاء الصحابة وأهل الفتوى المكثرين والمتوسطين في عصر الخلافة الراشدة أبو بكر الصديق وعمر وعثمان وعلي وعبد الله بن مسعود وعائشة ¬

_ (¬1) عبد العزيز إبراهيم العمري: الولاية على البلدان 2: 92. (¬2) الذهبي: سير أعلام النبلاء 1: 454 - 455، وابن قدامة: المغني 9: 37، والسمناني: روضة القضاة وطريق النجاة 86. (¬3) خليفة: التأريخ 179. (¬4) عبد العزيز إبراهيم العمري: الولاية على البلدان 93 نقلاً عن عبد الله عثمان علي مقبل: قضاة أمير المؤمنين علي ص 290 (رسالة ماجستير من شعبة السياسة الشرعية بالمعهد العالي للقضاء). (¬5) خليفة بن خياط: التأريخ 200.

تطبيق الحدود الشرعية

ومعاذ بن جبل وأبو موسى الأشعري وأنس بن مالك وأبو هريرة وسلمان الفارسي وأبو سعيد الخدري وعبد الله بن عمر وعبد الله بن عباس وزيد بن ثابت (¬1). تطبيق الحدود الشرعية: وكان القاضي في عصر الخلافة الراشدة "يقضي في الخصومات كلها، أياً كان نوعها، في المعاوضات المالية، وفي شؤون الأسرة، وفي الحدود والقصاص، وسائر ما يكون فيه الشجار، وليس هناك ما يشير إلى ما يعرف اليوم بالاختصاص القضائي سوى ما جاء في تولية السائب بن يزيد ابن أخت النمر من قول عمر بن الخطاب: رد عني الناس في الدرهم والدرهمين" (¬2). ويجوز أن يعهد الخليفة إلى القاضي أن يقضي في قضية بعينها وينتهي اختصاصه بالنظر فيها (¬3). وكان القضاة يقضون في الحقوق المدنية والأحوال الشخصية، أما القصاص والحدود فكان الحكم فيها للخلفاء وأمراء الأمصار، فلابد من موافقتهم على الحكم (¬4)، ثم انحصرت الموافقة على تنفيذ حد القتل بالخليفة وحده، وبقي للولاة حق المصادقة على أحكام القصاص دون القتل (¬5). ولم يكن للقضاء مكان مخصص، بل يقضي القاضي في البيت والمسجد، ¬

_ (¬1) ابن القيم: أعلام الموقعين 1: 12 - 13. (¬2) ابن عبد البر: الاستيعاب 2: 106، وابن حجر: الإصابة 2: 13، ومناع القطان: النظام القضائي في العهد النبوي وعهد الخلافة الراشدة 1: 395 - ضمن وقائع ندوة النظم الإسلامية- (أبو ظبي 18 - 20 صفر 1405 هـ، 11 - 13 نوفمبر 1984 م). (¬3) مناع القطان: النظام القضائي في العهد النبوي وعهد الخلافة الراشدة 1: 396. (¬4) المرجع السابق 1: 396. (¬5) محمد حميد الله: الوثائق السياسية 521.

ندرة الخصومات بين الناس

والشائع جلوسهم في المسجد (¬1). ولم تكن الأقضية تسجل لقلتها وسهولة حفظها (¬2). وكان بإمكان القاضي حبس المتهم للتأنيب واستيفاء الحقوق، وقد فعل ذلك عمر وعثمان وعلي (¬3)، فكانت الدولة تهيئ السجون في مراكز المدن، وكان القصاص ينفذ خارج المساجد (¬4). ندرة الخصومات بين الناس: كان الناس على مستوى عالٍ من الوعي الإسلامي، وكانوا يتعاملون بالمروءات فتقل بينهم الخصومات، مما خفف الأعباء عن القضاة. فلما ولي أبو بكر قال له أبو عبيدة: أنا أكفيك بيت المال. وقال عمر: أنا أكفيك القضاء، فمكث سنة لا يأتيه رجلان (¬5). وقال أبو وائل شقيق بن سلمة (ت هـ): "اختلفتُ إلى سلمان بن ربيعة حين قدم على قضاء الكوفة أربعين صباحاً لا أجد عنده فيها خصماً" (¬6). وكان سلمان بن ربيعة أول من استقضى على الكوفة (¬7). ولم تكن الدولة تشجع الناس على الاعتراف بخطاياهم، بل تريد لهم الستر والتوبة فيما بينهم وبين الله تعالى، فلما خطب شرحبيل بن ¬

_ (¬1) مناع القطان: النظام القضائي 1: 399. (¬2) المرجع السابق 1: 409. (¬3) المرجع السابق 1: 410، والشوكاني: نيل الأوطار 7: 159 - 160. (¬4) ابن حجر: فتح الباري 16: 250. (¬5) الطبري: تأريخ 3: 426. (¬6) ابن عبد البر: الاستيعاب 2: 62، وابن الأثير: أسد الغابة 2: 327. (¬7) ابن حجر: الإصابة 2: 61.

إخضاع الخلفاء أنفسهم لأحكام القضاء وإجراءاته

السمط الكندي (ت 40 هـ) - وكان يتولى مسلحة (¬1) دون المدائن- فقال: "أيها الناس، إنكم في أرضٍ الشرابُ فيها فاشٍ، والنساء فيها كثير، فمن أصاب منكم حداً فليأتنا فلنُقم عليه الحد، فإنه طهوره، فبلغ ذلك عمر فكتب إليه: لا أحِلُّ لك أن تأمر الناس أن يهتكوا ستر الذي سترهم" (¬2). ولكن إذا رفع الناس الأمر إلى القضاء فإن الدولة كانت تقيم الحدود دون هوادة. ومما يروى في الستر على حالات الجنوح أن امرأة من همدان في اليمن ارتكبت الفاحشة فقدم عمها إلى المدينة، وذكر ذلك لعمر بن الخطاب، فقال له عمر: "لو أفشيت عليها لعاقبتك، إذا أتاك رجل صالح ترضاه فزوجها إياه" (¬3). وقال عمر لرجل آخر في حالة مماثلة: "أنكحها نكاح العفيفة المسلمة" (¬4) إخضاع الخلفاء أنفسهم لأحكام القضاء وإجراءاته: كان الخلفاء الراشدين يستوون مع الرعية في إجراءات التقاضي، بل إنهم عززوا مكانة القضاة وطالبوهم بأقصى درجات العدل في المساواة بين الناس حاكمهم ومحكومهم. وقد تخاصم أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه مع الصحابي الجليل أبي بن كعب في ملكية بستان، فحكما زيد بن ثابت، فأتياه في منزله، فلما دخلا عليه قال له عمر: جئناك لتقضي بيننا، وفي بيته يؤتى الحكم. ¬

_ (¬1) مقاتلون يراقبون العدو في الثغر الذي يسكنونه لئلا يباغتهم، ويتكفلون بصده عمن وراءهم. (¬2) عبد الرزاق: المصنف 5: 197 - 198، والمتقي الهندي 5: 569 - 570 واللفظ له. وناصر بن عقيل الطريفي: القضاء في خلافة عمر بن الخطاب 2: 862. وانظر بعض أحكام القضاة التي تدعم هذا التوجه (ابن أبي شيبة: المصنف 10: 15، وعبد الرزاق: المصنف 7: 370 - 371). (¬3) الشافعي: الأم 5: 132، والطبري: تفسير 6: 67. (¬4) ابن قدامة المقدسي: المغني 7: 368، 433.

الجرائم والعقوبات

فتنحى له زيد عن صدر فراشه، فقال: هاهنا يا أمير المؤمنين. فقال عمر: جرت يا زيدُ في أول قضائك، ولكن أجلسني مع خصمي. فجلسا بين يديه. فادعى أبي وأنكر عمر. فقال زيد لأبي: أعف أمير المؤمنين من اليمين، وما كنت لأسألها لأحد غيره. فحلف عمر. ثم حلف عمر لا يُدرك زيد القضاء حتى يكون عمر ورجل من عرض المسلمين عنده سواء" (¬1). وساوم عمر بن الخطاب بفرس فركبه ليجربه فعطب، فقال لصاحبه خذ فرسك. فأبى الرجل، فاحتكما إلى شريح، فقال شريح: يا أمير المؤمنين خذ ما ابتعت أو رُدَّ كما أخذت. فقال عمر: وهل القضاء إلا هكذا؟ فبعثه إلى الكوفة قاضياً (¬2). وكان يتعاهده بالرسائل التي تحتوي على توجيهات بالقضاء وطرقه (¬3). الجرائم والعقوبات: (¬4) 1 - تزوير معن بن زائدة خاتم بيت المال بالكوفة (في خلافة عمر). العقوبة: مائة سوط (¬5). 2 - رجل سرق من بيت المال بالكوفة (في خلافة عمر). ¬

_ (¬1) وكيع: أخبار القضاة 1: 108 - 109، والبيهقي: السنن 10: 136، 144، 145 (¬2) ابن سعد: الطبقات الكبرى 6: 132، ووكيع: أخبار القضاة 2: 189. (¬3) وكيع: أخبار القضاة 2: 189، 192. (¬4) تمَّ إعداد هذه القائمة بالاعتماد على مصدرين هما: 1 - صبحي محمصاني: تراث الخلفاء الراشدين في الفقه والقضاء، نشر دار العلم للملايين. 2 - ناصر بن عقيل الطريفي: القضاء في عهد عمر بن الخطاب "مجلدان" نشر دار المدني، جدة. (¬5) مسلم: الصحيح بشرح النووي 5: 126 و 11: 221 - 222 ووأبو داؤد: السنن 4: حديث رقم 4491، والعيني: عمدة القاري 24: 23.

العقوبة: جلده تعزيراً مع درء الحد لأن له في بيت المال نصيباً (¬1). 3 - سرقة غلمان حاطب- أرقاء- ناقة أكلوها (في خلافة عمر). العقوبة: درء الحد عنهم للضرورة وتهديد مالكهم بعدم إجاعتهم وتغريمه ضعفي ثمن الناقة (800 درهم) (¬2). 4 - مجنونة زنت (في خلافة عمر). العقوبة: أسقط الحد عنها للجنون (¬3). 5 - ذمي استكره مسلمة على الزنا (في خلافة عمر). العقوبة: الصلب لأنه خالف شروط العهد (¬4). 6 - إكراه نساء على الزنا (في خلافة عمر). العقوبة: درء الحد عنهن للإكراه (¬5). 7 - زناة يجهلون التحريم (في خلافة عمر). ¬

_ (¬1) الشافعي: الأم 7: 216، 331، وابن قدامة: المغني 10: 216، 276 - 287، وابن حزم: المحلى 11 رقم 2264، والسرخسي: المبسوط 9: 53 و 16: 153. (¬2) مالك: الموطأ بشرح السيوطي 2: 124، وابن القيم: أعلام الموقعين 3: 7 - 8، 29 - 33، والشافعي: الأم 7: 215، وابن قدامة: المغني 10: 273 - 289، وابن حزم: المحلى11: 343 رقم 2277، والسرخسي: المبسوط 9: 53 و 16: 153. (¬3) ابن حجر: فتح الباري 9: 344 و 12: 407، والعيني: عمدة القاري 20: 251 - 23: 292، وأحمد: المسند 1: 154 - 155، الشافعي: الأم 7: 168، وابن قدامة: المغني 10: 119، 169. (¬4) ابن قدامة: المغني 10: 609، 634، والسرخسي: المبسوط 9: 57. (¬5) وكيع: أخبار القضاة 1: 101 - 102، وابن رشد: بداية المجتهد 2: 365، وابن قدامة: المغني 185،159:10.

العقوبة: درء الحد عن كل من لا يعلم تحريم الزنا (¬1). 8 - امرأة تزوجت في عدتها وهي وزوجها لا يعلمان التحريم (في خلافة عمر). العقوبة: درء الحد عن المرأة وجلد الزوج تعزيراً مع التفريق بينهما (¬2). 9 - امرأة تزوجت ولها زوج كتمته (في خلافة عمر). العقوبة: رجم المرأة، وجلد الزوج مائة سوط، ولم يرجم للجهالة (¬3). 10 - امرأة أعجمية زنت ولا تعلم بالتحريم. العقوبة: درء الحد (¬4). 11 - شهادة ثلاثة على المغيرة بالزنا وعدم اكتمال الشهادة لتراجع الشاهد الرابع (في خلافة عمر). العقوبة: إقامة حد القذف على الشهود الثلاثة (¬5) ثمانين جلدة (والقذف يشمل الرمي بالزنا أو نفي النسب افتراءً، ولا يشمل أنواع السب والشتم الأخرى) (¬6) 12 - امرأة اتهمت زوجها بجاريتها ثم اعترفت بأنها وهبتها له (في خلافة ¬

_ (¬1) الشافعي: الأم 7: 315، وابن حزم: المحلى 11: رقم 2194، 2206، والسرخسي: المبسوط 9: 53، وابن قدامة: المغني 10: 120، 154 - 156، 184، والقرطبي: تفسير 12: 107، وابن حجر: فتح الباري 4: 384، والشوكاني: نيل الأوطار 7: 88. (¬2) المصادر السابقة. (¬3) المصادر نفسها. (¬4) المصادر نفسها. (¬5) مسلم: الصحيح (بشرح النووي) 11: 195، والشيرازي: المهذب 2: 342، والسرخسي: المبسوط 9: 38، 93. (¬6) صبحي محمصاني: تراث الخلفاء الراشدين في الفقه والقضاء 235.

عمر). العقوبة: إقامة حد القذف على المرأة ثمانين جلدة (¬1). 13 - زناة من ولائد الإمارة (عبيد) العقوبة: الجلد خمسون جلدة. (¬2) 14 - رجل شرب الخمر في رمضان (في خلافة علي). العقوبة: ثمانون جلدة مع عشرين جلدة تعزيراً لحرمة رمضان (¬3). 15 - صحابة منهم (ضرار وأبو جندل) شربوا الخمر متأولين (في خلافة عمر). العقوبة: ثمانون جلدة (بعد استتابتهم وإقرارهم بحرمة الخمر وإلا قُتلوا- إذا زعموا أنها حلال-) (¬4). 16 - المرتد (في عهد الخلفاء الأربعة). العقوبة: يستتاب ثلاث مرات فان لم يتب يُقتل (¬5). 17 - أم قرفة ارتدت وحرضت أولادها على المسلمين (في خلافة الصديق) ¬

_ (¬1) الشافعي: الأم 7: 169، وابن حزم: المحلى 11: 2239، وابن قدامة المقدسي: المغني 10: 208 - 215. (¬2) الموطأ 2: 827. (¬3) القرطبي: تفسير 12: 165، والسرخسي: المبسوط 24: 33. (¬4) القرطبي: تفسير 6: 299، والطبري: تأريخ 4: 222. (¬5) مالك: الموطأ (بشرح السيوطي) 2: 117، وابن حزم: المحلى 11: رقم 2170، 2195، والشيرازي: المهذب 2: 238، والسرخسي: المبسوط 10: 99، وابن رشد: بداية المجتهد 2: 380، وابن قدامة: المغني 10: 72 - 80، 100.

التعزير

العقوبة: عوقبت بالقتل (¬1). 18 - ردة بني حنيفة (في خلافة الصديق). العقوبة: القتل للرجال واسترقاق النساء (¬2) إلا من رجع منهم إلى الإسلام (¬3). 19 - حارث بن بدر قطع الطريق وحارب ثم تاب (في خلافة على). العقوبة: قبول توبته وإسقاط الحد عنه لأنه تاب قبل القدرة عليه (¬4). 20 - قاطع طريق ألقى القبض عليه (في خلافة علي). العقوبة: أ- إذا لم يأخذ مالا ولم يقتل نفساً حُبس حتى يتوب. ب- إذا أخذ مالاً ولم يقتل نفساً قُطعت يداه ورجلاه من خلاف. جـ- إذا قتل وأخذ المال قُطعت يداه ورجلاه من خلاف ثم صُلب حتى يموت د- إن تاب قبل أن يؤخذ، ضمن الأموال واقتص منه ولم يحد (¬5). التعزير: وهو العقوبة التي يُقدرها القاضي على كل جريمة أو معصية لا حدَّ ولا عقوبة ¬

_ (¬1) مسلم: الصحيح (بشرح النووي) 12: 209، والشافعي: الأم 6: 106، وابن قدامة: المغني 10: 74، 78، 101، وابن حجر: فتح الباري 12: 236، والعيني: عمدة القاري 24: 80، والسرخسي: المبسوط 10: 109 - 111. (¬2) المصادر السابقة. (¬3) الشافعي: الأم 6: 163، وابن حزم: المحلى 11: 227 رقم 2196، 2199، والسرخسي: المبسوط 5: 49 و 10: 99 - 100. (¬4) الطبري: تفسير 6: 143، وابن حزم: المحلى 11 رقم 2252. (¬5) المصدران السابقان، وهو رأي الجمهور.

شرعية لها (¬1). 1 - قاتل لص هو صابيء بن حارث التميمي (في خلافة عثمان). العقوبة: الحبس حتى الموت (¬2). 2 - الساحر (في خلافة عمر وعثمان وعلي). العقوبة: القتل إذا لم يتب (¬3). 3 - شتم الرسول صلى الله عليه وسلم (في عهد الخلافة الراشدة). العقوبة: القتل (¬4). 4 - هجاء الحطيئة للناس (في خلافة عمر). العقوبة: السجن (¬5). 5 - تخنث نصر بن الحجاج وتشبيبه بالنساء (في خلافة عمر). العقوبة: حلق شعره ثم نفيه من المدينة (¬6). 6 - اتخاذ رويشد الثقفي حانوتاً لبيع الخمر (في خلافة عمر). العقوبة: إحراق الحانوت (¬7). ¬

_ (¬1) صبحي محمصاني: تراث الخلفاء الراشدين في الفقه والقضاء256. (¬2) ابن حزم: المحلى 11 رقم 2258، وابن فرحون: تبصرة الحكام 2: 226. (¬3) أبو داود: السنن 3 رقم 3043، وأبو عبيدة الأموال رقم 77، وابن حزم: المحلى 9 رقم 1795 و 11 رقم 2304، وابن قدامة: المغني 10: 114 - 116. (¬4) الطبري: تأريخ 5: 136، وابن كثير: التفسير 1: 486، وابن فرحون: تبصرة الحكام 2: 206 - 226. (¬5) المصادر السابقة. (¬6) ابن حزم: المحلى 11 رقم 2210، وابن القيم: إعلام الموقعين 4: 309. (¬7) أبو عبيد: الأموال رقم 265 - 268، وابن حزم: المحلى 9 رقم 1512، وابن القيم: إعلام

الجنايات

7 - قرية تبيع الخمر (في خلافة علي). العقوبة: إحراق القرية (¬1). الجنايات: وهي الجرائم الواقعة على الأبدان كالقتل، وقطع الأعضاء، والجروح. وحكمها القصاص من الفاعل إلا إذا اختار ولي القتيل الدية. 1 - رجل قتل تاجراً لماله (في خلافة عثمان). العقوبة: القتل- قصاصاً- (¬2). 2 - امرأة قتلت زوجها يوم زفافها بحضور صديقها (في خلافة علي). العقوبة: القتل- قصاصاً- (¬3). 3 - رجل قتل ولده عمداً (في خلافة عمر). العقوبة: الدية (¬4). 4 - مسلم قتل ذمياً بالشام (في خلافة عمر). العقوبة: القتل- قصاصاً- (¬5) ¬

_ الموقعين 2: 5 و 4: 309، والطرق الحكمية 15: 16، 246. (¬1) المصادر السابقة. (¬2) ابن حزم: المحلى 10: 2095، وابن قدامة: المغني 9: 386. (¬3) ابن القيم: الطرق الحكمية 50، وابن قدامة: المغني 9: 362، 376. (¬4) أحمد: المسند 1: 22، 49، وابن قدامة: المغني 9: 359، 372، والشوكاني: نيل الأوطار 7: 12 لوجود الشبهة إذ أن القاتل في الظاهر يقصد التأديب وليس القتل (¬5) أبو داؤد: السنن 4: رقم 4530، والشافعي: الأم 6: 33 و 7: 164، 261، وسحنون: المدونة الكبرى 16: 100، والشيرازي: المهذب 2: 185، وابن حزم: المحلى 10: 371 رقم 2021، 2022، وابن قدامة: المغني 9: 341، 360، 556، والسرخسي:

5 - حر قتل عبداً (في خلافة علي). العقوبة: القتل (¬1). 6 - حر قتل عبداً (في خلافة أبي بكر وعمر وعثمان وعلي). العقوبة: الضرب والحبس (¬2). 7 - قاتل اعترف بالقتل لدفع التهمة عن متهم بريء (في خلافة علي). العقوبة: الديُة (¬3). 8 - سبعة من أهل صنعاء اشتركوا في قتل رجل (في خلافة عمر). العقوبة: القتل لهم جميعا (¬4). 9 - ثلاثة اشتركوا بقتل رجل (في خلافة علي). العقوبة: القتل لهم جميعا (¬5). ¬

_ المبسوط 26: 133، والعيني: عمدة القاري 24: 64 - 66، وابن حجر: فتح الباري 12: 217 - 230. (¬1) - الطبري: تفسير 2: 61، وسحنون: المدونة لكبرى 16: 167، والشيرازي: المهذب 2: 185، والسرخسي: المبسوط 26: 130، وابن قدامة: المغني 9: 348 - 361، والعيني: عمدة القاري 18: 100 - 101 و 24: 40، والشوكاني: نيل الأوطار 7: 12 - 13. (¬2) - المصادر السابقة. (¬3) - ابن القيم: الطرق الحكمية 55 - 56، والسرخسي: المبسوط 21: 16 و 26: 133 (¬4) - مالك: الموطأ (بشرح السيوطي) 2: 192، والشافعي: الأم 6: 19، وسحنون: المدونة الكبرى 16: 101، وابن قدامة: المغني 9: 334 - 335، 336 - 337، وابن القيم: أعلام الموقعين 1: 185، والعيني: عمدة القاري 24: 55 - 56، وابن حجر: فتح الباري 12: 200 - 201، والسرخسي: المبسوط 18: 127 و 26: 126 - 127. (¬5) - المصادر السابقة.

القضاة في خلافة أبي بكر

10 - امرأة وخليلها وخادمها ورجل قتلوا ابن زوجها- قطعوه ورموه بالبئر- باليمن (في خلافة عمر). العقوبة: القتل لهم جميعاً (¬1). 11 - شاب تنكر بثياب امرأة واغتصب امرأة نائمة فقتلته (في خلافة عمر). العقوبة: براءة المرأة (¬2). 12 - امرأة قتلت رجلاً دفاعاً عن عرضها (في خلافة عمر). العقوبة: براءة المرأة (¬3). 13 - قتيل وجد بين حيَّين (في خلافة عمر). العقوبة: يحلفون خمسين يميناً، ثم الدية على أقرب الحيَّين إذ لا يجب القصاص بالقسامة (¬4). القضاة في خلافة أبي بكر: (¬5) 1 - عمر بن الخطاب (المدينة وإمارة الحج). ¬

_ (¬1) - المصادر السابقة. (¬2) - الشافعي: الأم 6: 26، 123 و 7: 169، وابن حزم: المحلى 8 رقم 1378، وابن قدامة: المغني 4: 354 و 9: 336، 380 و 10: 317 - 318، 353 - 357، والعيني: عمدة القاري 8: 190 - 191 و 14: 21 - 22. (¬3) - المصادر السابقة. (¬4) - مسلم: الصحيح (بشرح النووي 11: 143 - 145، والشافعي: الأم 7: 12، وابن حزم: المحلى 10: رقم 2071 و 11: رقم 2148، وابن قدامة: المغني 9: 524 و 10: 4 - 39، وابن حجر: فتح الباري 12: 202 - 212، والعيني: عمدة القاري 24: 57 - 64. (¬5) خليفة: التأريخ 97، 123 وكان الزهري يقول أن أبا بكر وعمر رضي الله عنهما لم يكن لهما قاضٍ (الطبري: تأريخ 4: 241).

القضاة في خلافة عمر

2 - معاذ بن جبل (اليمن- إلى جانب ولايته-). 3 - أبو موسى الأشعري (اليمن). القضاة في خلافة عمر: (¬1) 1 - أبو الدرداء- ت (32) هـ- (دمشق) (¬2). 2 - أبو قرة الكندي- سلمة بن معاوية- (الكوفة 15 - (17) هـ) (¬3). 3 - أبو مريم الحنفي- إياس بن صبيح- (البصرة 14 - (17) هـ) (¬4). 4 - أبو موسى الأشعري- عبد الله بن قيس ت (52) هـ- (قضاء البصرة مع ولايتها 17 - (25) هـ ما عدا سنة (22) هـ حيث تولى البصرة مع قضائها لعمر) (¬5). 5 - أبي بن كعب الخزرجي الأنصاري- ت (22) هـ- (المدينة) (¬6). 6 - خارجة بن حذافة القرشي العدوي- ت (40) هـ- (مصر) (¬7). ¬

_ (¬1) خليفة: التأريخ 154 - 155، والطبري: تأريخ 4: 39 - 241. والمصادر الأخرى المؤشرة بالحواشي. (¬2) ابن عبد البر: الاستيعاب 3: 17، وابن حجر: الإصابة 3: 46. (¬3) ابن سعد: الطبقات الكبرى 6: 148، والطبري: تأريخ 4: 168، 188، 222، وابن حجر: الإصابة 4: 160. (¬4) ابن سعد: الطبقات 7: 91 و 3: 378، والطبري: تأريخ 4: 222، والعسكري: الأوائل 2: 100 - 101، ووكيع: أخبار القضاة 1: 269 - 270. (¬5) ابن عبد البر: الاستيعاب 4: 174. (¬6) عبد الرزاق: المصنف 8: 471 - 472. (¬7) الطبري: تأريخ 5: 48 - 49 عن سيف، وابن عبد البر: الاستيعاب 1: 420 - 421 بصيغة التمريض.

7 - زيد بن ثابت النجاري الخزرجي- ت (45) هـ- (المدينة) (¬1). 8 - سلمان بن ربيعة الباهلي- ت (28) هـ- (الكوفة ثم المدائن) (¬2). 9 - سعد بن أبي وقاص (الكوفة). 10 - شريح بن الحارث الكندي- ت (87) هـ- (الكوفة 18 - (71) هـ) (¬3) 11 - عبيدة السلماني (الكوفة). 12 - عبادة بن الصامت- ت (34) هـ- (الشام) (¬4). 13 - عبد الله بن مسعود الهذلي- ت (32) هـ- (الكوفة إضافة إلى بيت المال) (¬5). 14 - عمار بن ياسر (الكوفة). 15 - جبير بن مطعم (الكوفة). - عثمان بن قيس بن أبي العاص (مصر 23 - (42) هـ) (¬6). - عروة بن عياض بن أبي الجعد البارقي الأزدي (الكوفة) (¬7) ¬

_ (¬1) ابن سعد: الطبقات 2: 359، وابن حجر: فتح الباري 2: 327 و 13: 154. (¬2) ابن سعد: الطبقات 6: 34، وابن عبد البر: الاستيعاب 2: 62، وابن الأثير: أسد الغابة 2: 327، وابن حجر: الإصابة 2: 61. (¬3) ابن عبد البر: الاستيعاب 2: 149، وابن الأثير: أسد الغابة 2: 394، وابن حجر: الإصابة 2: 146. (¬4) ابن عبد البر: الاستيعاب 2: 450. (¬5) وكيع: أخبار القضاة 2: 184، 188، والبيهقي: السنن 10: 87. (¬6) ابن حجر: الإصابة 2: 464 والكندي: الولاة والقضاة 305 - 306 ويذكر أنه توفي سنة 35 هـ (¬7) ابن سعد: الطبقات 6: 34، ووكيع: أخبار القضاة 2: 184، وابن عبد البر: الاستيعاب 3: 111، وابن حجر: الإصابة 3: 905.

18 - علي بن أبي طالب- ت (40) هـ- (المدينة) (¬1). 19 - عمران بن حصين- ت (52) هـ- (البصرة) (¬2). 20 - قيس بن أبي العاص السهمي- ت (23) هـ- (مصر) (¬3). 21 - كعب بن يسار بن ضنة العبسي- ت هـ- (مصر) (¬4). 22 - كعب بن سور الأزدي- ت (36) هـ- (البصرة 18 - (36) هـ) (¬5) 23 - المغيرة بن شعبة- ت (50) هـ- (قضاء البصرة مع ولايتها) (¬6). ¬

_ (¬1) ابن عبد البر: الاستيعاب 3: 39. (¬2) ابن سعد: الطبقات 7: 91، وابن حجر: الإصابة 3: 26 عن خليفة، ولم أجده في المطبوع من التأريخ والطبقات. (¬3) ابن حجر: الإصابة 3: 254، ووكيع: أخبار القضاة 3: 220، والكندي: الولاة والقضاة 300. (¬4) الطبري: تأريخ 4: 225، والبيهقي: السنن الكبرى 10: 87. (الحاشية الأولى) (الثانية) ابن عبد البر: الاستيعاب 3: 297، ووكيع: أخبار القضاة 3: 221، والكندي: الولاة والقضاة 305، وابن حجر: الإصابة 3: 303. (¬5) ابن عبد البر: الاستيعاب 3: 303، وراجع حول سبب استقضائه عبد الرزاق: المصنف 7: 148 - 149، ووكيع: أخبار القضاة 1: 275، 276، وأسباب أخرى عند وكيع: أخبار القضاة 1: 277 - 278. (¬6) وكيع: أخبار القضاة 1: 274.

رواتب القضاة

رواتب القضاة: 1 - سلمان بن ربيعة الباهلي (الكوفة) (500) درهم كل شهر (¬1). 2 - شريح القاضي (الكوفة) (100) درهم كل شهر (¬2). 3 - عبد الله بن مسعود الهذلي (الكوفة) (100) درهم كل شهر وربع شاة كل يوم (¬3). 4 - عثمان بن قيس بن أبي العاص (مصر) (200) دينار (¬4). 5 - قيس بن أبي العاص السهمي (مصر) (200) دينار- لضيافته- (¬5). القضاة في خلافة عثمان: (¬6) 1 - زيد بن ثابت (المدينة). 2 - أبو الدرداء (دمشق). 3 - كعب بن سور (البصرة). 4 - أبو موسى الأشعري (البصرة بالإضافة إلى ولايته). 5 - شريح (الكوفة). 6 - يعلى بن أمية (اليمن). ¬

_ (¬1) - الكمال بن الهمام: شرح فتح القدير 6: 361، وناصر بن عقيل الطريفي: القضاء في عهد عمر بن الخطاب 2: 852. (¬2) - الكمال بن الهمام: شرح فتح القدير 6: 361، وابن قدامة: المغني 9: 37، والطريفي: القضاء 2: 868. (¬3) - البيهقي: السنن الكبرى 10: 87، وابن حجر: فتح الباري 13: 121. (¬4) - ابن سعد: الطبقات 7: 496 ويعلل زيادة الراتب "لشرفه وضيافته". (¬5) - ابن سعد: الطبقات 4: 261 "لضيافته". (¬6) - خليفة: التأريخ 179، والطبري: تأريخ 4: 421 - 422.

القضاة في خلافة على

7 - ثمامة (صنعاء). 8 - عثمان بن قيس بن أبي العاص (مصر). القضاة في خلافة على: (¬1) 1 - أبو الأسود ظالم بن عمرو الدؤلي (البصرة). 2 - الضحاك بن عبد الله الهلالي (البصرة). 3 - عبد الله بن فضالة الليثي (البصرة). 4 - شريح (الكوفة). 5 - محمد بن زيد بن خليدة الشيباني (الكوفة). ¬

_ (¬1) خليفة: التأريخ 200، والطبري: تأريخ 5: 155.

الباب الثالث: الاقتصاد

الباب الثالث: الاقتصاد

الفصل الأول: الموارد المالية

الفصل الأول: الموارد المالية

المبحث الأول: الجزية

المبحث الأول: الجزية الجزية في خلافة أبي بكر رضي الله عنه: الجزية هي مقدار من المال يفرض على أهل الكتاب الذين يعيشون في المجتمع الإسلامي كاليهود والنصارى ومن يلحق بهم ممن لهم شبهة كتاب كالمجوس. وتؤخذ من البالغين من الرجال دون النساء والأطفال. وقد شرعها الله سبحانه وتعالى في القرآن الكريم، وأخذها الرسول صلى الله عليه وسلم في حياته، فلما توفي أخذها أبو بكر الصديق رضي الله عنه، وكانت أول جزية يقبضها من أهل نجران، وكانت ألفي حلة من حلل الأواقي، في كل رجب ألف حلة، وفي كل صفر ألف حلة، كل حلة أوقية من الفضة. فما زادت على الخراج أو نقصت عن الأواقي فبالحساب. وما قضوا من درع أو خيل، أو ركاب، أو عروض أخذ منهم بالحساب. وعلى نجران مئونة رسلي، ومنعتهم ما بين عشرين يوماً فما دون ذلك. وهذا هو الكتاب الذي صالح عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل نجران، فلما توفي جدده لهم أبو بكر الصديق رضي الله عنه (¬1). ونتيجة لفتح مناطق من العراق والشام فقد فرضت عليها الجزية وقد ذكرت المصادر أرقاماً متباينة لمقدار الجزية على الحيرة تبدأ بألف درهم (¬2) ثم ستين ألف ¬

_ (¬1) الحديث في سنن أبي داود 3: 429، 430، وأبو يوسف: الخراج 72، 73 نقلاً عن ابن اسحق، وأبو عبيد: الأموال 201، 202، وابن زنجويه: الأموال 2: 449 - 450، وابن سعد: الطبقات 1: 287 - 288، والبلاذري: فتوح البلدان 87 - 88، والطبري: تأريخ 3: 321 - 322 بدون إسناد. (¬2) ابن أبي شيبة: المصنف بإسناد رجاله ثقات. وراجع بقية الأرقام في الخراج لأبي يوسف 143 عن ابن اسحق، وأبي عبيد: الأموال 89، والبلاذري: فتوح البلدان 343، 340، والطبري

درهم فسبعين فأربعة وثمانين ألف فتسعين ألف درهم فمائة ألف درهم فمائة وتسعين ألف درهم فأربعمائة ألف درهم عاجلة. ولم تفرض جزية محددة على كل رجل (¬1). وهنا ينبغي الانتباه إلى احتمالات التصحيف بين (ستين) و (سبعين) و (تسعين) والى احتمال سقوط (ستين) قبل (ألف) وخاصة إذا كان النقل عن وثائق قديمة ليست معجمة، كما يرجع الاختلاف في مقادير الجزية إلى أن الحيرة انتقضت عدة مرات على المسلمين وأعيد فتحها بشروط جديدة، وهذا يفسر الاختلاف في مقدار الجزية المفروضة عليها. وكانت الجزية المفروضة على الحيرة أول مال حمل إلى المدينة من العراق (¬2) وفد صالح قرى السواد (بانقيا وباروسما وأليس ونهر المرأة) على مقادير من الجزية تعطي فكرة عن أعداد السكان في تلك القرى اختلفت المصادر في تحديدها وهي ما بين ألف درهم (أليس) وألف دينار (أليس) وعشرة آلاف دينار (¬3) (بانقيا وباروسما) واثني عشر ألف درهم (¬4) (نهر المرأة)، واختلاف المبالغ يرجع إلى تكرر الفتح بسبب انتقاض السكان على الفاتحين، مما أدى إلى تجدد عقود الصلح بشروط جديدة، وأما بقية قرى السواد فقد فتحت عنوة (¬5)، وكان عليها أن تدفع ¬

_ : تأريخ 3: 344، 345، 362، 364، والأزدي: فتوح الشام 64. (¬1) يحيي بن آدم: الخراج 53، والبيهقي: السنن الكبرى 9: 134. (¬2) أبو يوسف: الخراج 144، 147، والبلاذري: فتوح البلدان 340، والطبري: تأريخ 3: 345 (¬3) الطبري: تأريخ 3: 367 من طريق سيف، 375، 619 - 620. وأبو عبيد: الأموال 88، 89 - 90 (¬4) خليفة: التأريخ 118 عن المدائني. (¬5) يحيى بن آدم: الخراج 52، وأبو عبيد: الأموال 88، والبيهقي: السنن الكبرى 9: 133 - 134.

جزية مشتركة بالتضامن بين أفرادها، ودون تحديد لما هو على الأرض وما هو على الرأس، وكان اصطلاح الخراج يطلق على الجزية حتى اصطلح عمر على إطلاقه على الأرض. ويوضح صلح الحيرة أن الجزية لم تؤخذ من القسيسين والرهبان والزمنى- أصحاب العاهات والأمراض الدائمة- والشيوخ والعاجزين والفقراء الذين يعيشون على الصدقات (¬1)، وكان سكان المدينة يجمعون الجزية بينهم ويسلمونها لعمال المسلمين (¬2). وبقيت الأراضي بيد أصحابها القدامى (¬3). ولم تذكر المصادر مقادير الجزية التي فرضت على قرى أخرى صالحت خالد بن الوليد وهي البوازيج وأهل كلواذي وعين الثمر والقادسية وقرقيسيا وصندوديا. ويبدو أن المناطق المفتوحة عنوة عوملت معاملة المناطق المصالحة تخفيفاً على سكان المناطق المفتوحة (¬4). هذا بالنسبة للجزية المفروضة على مدن وقرى المناطق المفتوحة من العراق في خلافة أبي بكر رضي الله عنه ومعظمها غربي نهر الفرات، أما الشام فالمعلومات التي توردها المصادر عن جزية المناطق المفتوحة شحيحة فضلاً عن ضيق مساحة المنطقة المفتوحة في خلافة أبي بكر، ولكن ثمة تحديد لمقادير الجزية التي فرضت على مآب وبصرى وهي: "على كل حالم دينار وجريب حنطة في كل عام" (¬5)، ولا نعلم مقادير الجزية التي فرضت على ¬

_ (¬1) أبو يوسف: الخراج 114 عن ابن اسحق، والطبري: تأريخ 3: 364 عن سيف (¬2) الطبري: تأريخ 3: 369 عن سيف. (¬3) الدوري: نظام الضرائب في صدر الإسلام ص 51. (¬4) البلاذري: فتوح البلدان 347، والبيهقي: السنن الكبرى 9: 134. (¬5) البلاذري: فتوح البلدان 155، والطبري: تأريخ 3: 418، وقدامة بن جعفر: الخراج 288.

الجزية في خلافة عمر رضي الله عنه

قرى أرك وتدمر وحوَّارين وقصم وعانات التي صالحت المسلمين (¬1)، ولعلها تماثل جزية بصرى ومآب، ولعل فرض الجزية نقداً وعيناً للتخفيف عن الفلاحين الذين قد لا يحوزون الدنانير الذهبية البيزنطية التي يتم التعامل بها في بلاد الشام، وربما قصد بالإجراء توفير المؤن للجيش الإسلامي. الجزية في خلافة عمر رضي الله عنه: تم فتح العراق والشام وإيران ومصر في خلافة عمر رضي الله عنه وتوطد سلطان الإسلام في بلاد العرب جميعاً، ودخل الكثيرون من سكان المناطق المفتوحة في الإسلام، وحافظ آخرون على دياناتهم اليهودية والنصرانية والمجوسية، وقد دفعوا الجزية للدولة الإسلامية، حسب ما ورد في القرآن والسنة من أخذها من أهل الكتاب (¬2)، وأما المجوس فقد شهد عبد الرحمن بن عوف أن النبي صلى الله عليه وسلم أخذها من مجوس هجر (¬3) - أكبر مدن البحرين يومئذ- فعامل عمر رضى الله ¬

_ (¬1) الأزدي: فتوح الشام 77، 78، 79، 80. والطبري: تأريخ 3: 407 عن المدائني، وأبو يوسف: الخراج 146 عن ابن اسحق. (¬2) قال تعالى: (قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يدٍ وهم صاغرون) - التوبة 29. وأما السنة: فقد أوصى النبي صلى الله عليه وسلم أمير الجيش بقوله: "إذا لقيت عدوك من المشركين فادعهم إلى إحدى خصال ثلاث، ادعهم إلى الإسلام فإن أجابوك فاقبل منهم، وكفَّ عنهم، فإن أبوا فادعهم إلى إعطاء الجزية، فإن أجابوك فاقبل وكف عنهم، فإن أبوا فاستعن بالله وقاتلهم".- مسلم: الصحيح 3: 1357، وأبو داؤد: السنن 3: 37 حديث رقم 2612. (¬3) البخاري: الصحيح 2: 200، وأبو داؤد: السنن 3: 168، والترمذي: السنن 3: 73.

عنه مجوس إيران والسواد وفق هذه السنة (¬1). وتشير آثار ضعيفة إلى أن عمر رفض قبول الجزية من نصارى العرب (¬2)، ولكنها لا تقوى على تخصيص أخذ الجزية من عموم أهل الكتاب عرباً وأعاجماً لعموم الآيات والأحاديث في ذلك (¬3). ومن هذه الآثار الضعيفة أيضاً خبر إعفاء نصارى تغلب من الجزية مقابل تضعيف الصدقة عليهم لئلا يلحقوا بالروم الذين يجاورونهم (¬4). ويدل أثر ضعيف على أن عمر رضي الله عنه قبل الجزية من نصارى نجران وهم عرب قبل إجلائهم إلى الشام والعراق وبعده، ويعلل إجلاءهم لتعاملهم بالربا خلافاً لشروط الصلح النبوية (¬5). تتسم سياسة عمر رضي الله عنه في فرض الجزية بالعدل والتسامح ومراعاة ¬

_ (¬1) عبد الرزاق: المصنف 6: 68، وابن أبي شيبة: المصنف 6: 430، وابن زنجويه: الأموال 1: 136 بإسناد صحيح إلى عمر (رض). وأما حديث: "سنوا بهم سنة أهل الكتاب" فهو ضعيف لانقطاعه. (مالك: الموطأ 1: 278 رقم 42، وابن حجر: فتح الباري 6: 261). (¬2) البيهقي: السنن 9: 216 بسند ضعيف. (¬3) عبد السلام محسن آل عيسى: النواحي المالية في خلافة عمر بن الخطاب- دراسة نقدية للأسانيد 53:1. (¬4) عبد الرزاق: المصنف 6: 50، 99 و 10: 367، وابن زنجويه: الأموال 1: 130، 131، والبيهقي: السنن 9: 216 بإسناد فيه راوٍ مجهول وآخر مقبول. وأما روايات البلاذري عن طريق الكلبي والواقدي وابن أبي سبرة وعبد الملك بن نوفل فتالفة (فتوح 185، 187. (¬5) أبو داؤد: السنن 3: 167 بإسناد ضعيف فيه يونس بن بكير يخطئ، وأسباط بن نصر كثير الخطأ يأتي بالغرائب، والسدي يهم، ولا تقويه الروايات الواهية التي نجدها في طبقات ابن سعد 1: 282، 287، 288، وفي الأموال لابن زنجويه 2: 449، 451.

أحوال الناس، فقد أعفى منها النساء والصبيان غير البالغين (¬1) والرجال غير القادرين وزاد الجزية على أهل الشام أكثر من أهل اليمن مراعياً غنى بلاد الشام بالنسبة لليمن (¬2)، وزاد الجزية على أهل العراق بعد أن سأل عامله عثمان بن حنيف عن قدرتهم المالية، وتأكد من عدم الإضرار بهم. فقال لعثمان بن حنيف: "لئن زدت على كل رأس درهمين، وعلى كل جريب من الأرض درهماً وقفيزاً من طعام لا يضرهم ذلك ولا يجهدهم؟ " قال: نعم. قال: فكان على كل رأس ثمانية وأربعون فجعلها خمسين (¬3). ولم يكتف عمر بتنفيذ سياسة عادلة، بل أوصى الخليفة من بعده "بأهل الذمة خيراً أن يوفى لهم بعهدهم، وأن يقاتل من ورائهم، وأن لا يكلفوا فوق طاقتهم" (¬4). وقد بلغ عدد دافعي الجزية الذين سجلهم عثمان بن حنيف خمسمائة وخمسين ألف رجل (000و (550) رجل) فلعل سكان السواد كانوا يبلغون آنذاك خمسة ملايين نسمة (¬5). ¬

_ (¬1) - عبد الرزاق: المصنف 6: 85، 86، 87، 88. وابن أبي شيبة: المصنف 6: 4286. وابن زنجويه: الأموال 1: 151. 157، 158. والبيهقي: السنن 9: 195، 196 بإسناد صحيح (¬2) - هذا تعليل مجاهد بن جبر المكي ولد سنة 21 هـ آخر خلافة عمر رضي الله عنه. (ابن حجر: تقريب التهذيب 2: 229 والأثر في صحيح البخاري معلقاً 2: 200، وعبد الرزاق: المصنف 6: 87، 88. وانظر إرواء الغليل للألباني 5: 101). (¬3) - ابن أبي شيبة: المصنف 6: 436، وابن زنجويه: الأموال: 160، 216، 217، والبيهقي: السنن 9: 196 بإسناد صحيح. (¬4) - البخاري: الصحيح 2: 178، 297 - 298. وعبد الرزاق: المصنف 11: 109. والبيهقي: السنن 206:9. (¬5) البلاذري: فتوح البلدان 332. على فرض أن النساء في حدود المليون وأن الأطفال والصبيان

ومع ذلك فقد حدثت تجاوزات على أهل الذمة في بعض الأمصار في خلافة عمر رضي الله عنه دون علمه، فقد وضع عامل فلسطين عمير بن سعد الأنصاري المشهور بزهده ناساً من النَّبط في الشمس لعدم دفعهم الجزية، فذكر له الصحابي هشام بن حكيم حديث النبي صلى الله عليه وسلم: "إن الذي يعذب الناس في الدنيا يعذبه الله في الآخرة"، فخلَّى سبيلهم (¬1). وكان عمر رضي الله عنه يفرض الجزية على الرقيق، وعلل ابن قدامة المقدسي فعله بأن "العبد ذكر مكلف قوي مكتسب فوجبت عليه الجزية" ومما يدل على رأي عمر رضي الله عنه هذا قوله: "لا تشتروا رقيق أهل الذمة فإنهم أهل خراج وأرضيهم فلا تبتاعوها، ولا يقرَّنَّ أحدكم بالصغار بعد إذ نجاه الله منه" (¬2). وتسقط الجزية عن دافعها في حالة إسلامه (¬3)، كما تسقط في حالة عجزه لأنه لا يكلف مالا يطيق. ويلاحظ أن دافع الجزية لا يدفع الزكاة من أمواله لأن الزكاة فريضة دينية وفي أدائها معنى تعبدي، رغم أن وظيفتها اجتماعية. كما أن دافع الجزية لا يشترك في الجيش الإسلامي، لأن هدف الجيش ¬

_ في حدود ثلاثة ملايين ونصف بمعدل ستة أطفال للعائلة .. (¬1) مسلم: الصحيح مع النووي 16: 167، 168. (¬2) عبد الرزاق: المصنف 6: 45، 47 و 10: 330، 337. وابن زنجويه: الأموال 1: 233، 234، والبيهقي: السنن 9: 140 وتتضافر أسانيد الخبر الضعيفة لتبلغ به درجة الحسن لغيره. وانظر ابن قدامة: المغني 10: 597. (¬3) لا شك في أن الإسلام مسقط للجزية، وقد وردت روايات ضعيفة عن إسقاط عمر (رض) الجزية عمن أسلم وهي تتضافر في إثبات تطبيق هذا المبدأ (أبو عبيد: الأموال 52، وابن زنجويه: الأموال 1: 173، وعبد الرزاق: المصنف 6: 14، 10: 336، وابن أبي شيبة: المصنف 4: 405، 6: 463، 464 وكلها بأسانيد ضعيفة لكنها تتضافر لترفع الأثر إلى الحسن).

الإسلامي الجهاد، وهو فريضة دينية لإعلاء كلمة الله، فلا يجب على غير المسلم، رغم أن فائدة الحماية التي يحققها الجيش تتعدى المسلمين إلى جميع سكان الدولة، وأن مكاسب الفتح تعود بالفائدة على الجميع لما تفتح من أسواق جديدة، وتحقق من عوائد للدولة تمكنها من الإنفاق على الخدمات المتنوعة من تعمير المدن وبناء الأسواق وتمهيد الطرق .. وقد تفاوت مقدار الجزية بين الأمصار المفتوحة حسب غناها، مما يوضح مراعاة عمر لمبدأ عدم التكليف لهم بما لا يطيقون، ففرض على أهل السواد- جنوب العراق- جزية سنوية قدرها ثمانية وأربعين درهماً فضياً (ما يعادل أربعة دنانير ذهبية) على الغني، وأربعة وعشرين درهماً على متوسط الحال، واثني عشر درهماً على الفقير (¬1). ثم زاد درهمين على الأغنياء فصارت جزيتهم خمسين درهماً (¬2)، هذا بالإضافة إلى فرض خمسة عشر صاعاً من القمح وضيافة المسلمين ثلاثة أيام، يطعمونهم مما يأكلون مما يحل للمسلم من طعامهم (¬3). وصح أيضاً أن الضيافة ¬

_ (¬1) - أبو عبيد: الأموال 44، 45، 46 بإسناد فيه تدليس السبيعي. وابن زنجويه: الأموال 1: 159 - 160، 195 بإسناد فيه مندل بن علي وهو ضعيف. وابن سعد: الطبقات 3: 280، 282 ويترجح عندي أنه روى عن شيخه عارم بن الفضل السدوسي قبل اختلاط الأخير، فروايته عنه في كتاب الطبقات واسعة، ولعلها من كتاب صنفه عارم. وتتضافر الأسانيد الثلاثة لترقى بالخبر إلى درجة الحسن. وشهود العيان ثلاثة هم: المغيرة بن شعبة- صحابي- وحارثة بن المضرب وأبو نضرة العبدي- تابعيان يرويان عن عمر-. (¬2) - ابن زنجويه: الأموال 1: 160، 216 وإسناده صحيح، وشاهد العيان هو عمرو بن ميمون. (¬3) - مالك: الموطأ 1: 264، وعبد الرزاق: المصنف 6: 85، 86، 88، وابن أبي شيبة: المصنف 6: 429، وابن زنجويه: الأموال 1: 156، 331 والبلاذري: فتوح البلدان 131، والبيهقي: السنن 9: 195، 196 وهو اثر صحيح. وأما ما ورد عند عبد الرزاق:

المشروطة عليهم يوم وليلة، فمن حبسه مرض أو مطر أنفق من ماله (¬1). ولم يثبت أنه اشترط على سكان المناطق المفتوحة إصلاح القناطر (¬2). وتدل بعض الروايات على المرونة في تحصيل الجزية من دافعيها، فقد أخذت من الإبل أحياناً (¬3)، ولم يقبل عمر رضي الله عنه في الجزية أخذ الخمر والخنزير، ولكنه أمر عماله بتوكيل أصحابها لبيعها لأهل دينهم وقبض ثمنها (¬4). وقد فرض على مدن الجزيرة الفراتية (الرقة والرها وحران وسميساط وموزن وقرقيسيا) أربعة دنانير ذهباً ومدين من البر وأربعة أقساط من الزيت وشيئاً من الودك والعسل على كل رجل (¬5). (وهذه المواد العينية تساوي حوالي كيلو غرام- (088) و1 غم- قمح، وكيلو غرامين زيت، ويبدو أن الودك- السمن- أقل من كيلو غرام). وأما أهل الشام ففرضت عليهم الجزية مثل هذه الجزيرة مع ضيافة المسلمين ¬

_ المصنف 6: 86 "خمسة عشر قفيزاً" بدل "خمسة عشر صاعاً" فهو شاذ مخالف لروايات الثقات، مع العلم أن القفيز يساوي 033و12 صاعاً مما يتعذر معه الجمع بين الأثرين، ويجعل الجزية من المواد العينية عالية القيمة .. بينما هي تبع للجزية النقدية. (¬1) ابن أبي شيبة: المصنف 6: 519، وابن زنجويه: الأموال 1: 307 وعرف الرجل في الإسناد بأنه صحابي (1: 372)، والبيهقي: السنن 9: 196. والأثر صحيح لأن الأعمش صرَّح بالسماع، والمبهم صحابي لا تضر جهالته. (¬2) أبو عبيد: الأموال 160، والبيهقي: السنن 9: 196 بإسناد ضعيف فيه عنعنة قتادة السدوسي وهو مدلس. وقد انفرد بهذه الزيادة. (¬3) مالك: الموطأ برواية الشيباني 117، وابن زنجويه: الأموال 1: 168، 2: 562 والأثر حسن، وأحمد: الزهد 145، والبيهقي: السنن 7: 35 والأثر صحيح. (¬4) أبو عبيد: الأموال 54، 55، وابن زنجويه: الأموال 1: 79، 271 والأثر صحيح. (¬5) ابن زنجويه: الأموال 1: 157، 158 بإسناد صحيح. والبلاذري: فتوح البلدان 131، 157

ثلاثة أيام يطعمونهم مما يأكلون مما يحل للمسلمين من طعامهم، فلما قدم عمر الشام شكوا إليه "أنهم يكلفونا الدجاج والشاء، فقال عمر: لا تطعمونهم إلا مما تأكلون، مما يحل لهم من طعامكم" (¬1). وكذلك فرض عليهم الكسوة، وهي ملابس كان-عمر رضي الله عنه يكسوها للناس (¬2)، ولم تحدد المصادر عددها، ويبدو أنها فرضت على أهل الشام ومصر لكثرة المنسوجات في البلدين. وأما اليمن فقد خضعت للإسلام في عهد النبوة، وفرضت الجزية على كل رجل دينار أو عدله معافر (¬3)، وتشير روايات ضعيفة إلى بقاء هذه الجزية على أهل ¬

_ بإسناد حسن لكنه يذكر "ثلاثة أقساط زيت". (¬1) مالك: الموطأ 1: 164، وعبد الرزاق: المصنف 6: 85 - 88 و10: 328، 329، 331، وابن زنجويه: الأموال 1: 156، 157، 158، 368، والبلاذري: فتوح البلدان 9، 195, 196. (¬2) عبد الرزاق: المصنف 6: 88 و10: 329، وابن أبي شيبة: المصنف 6: 429، وابن زنجويه: الأموال 1: 157، 158، والبلاذري: فتوح البلدان 131، والبيهقي: السنن 9: 195, 196. (¬3) أقوى ما ورد في جزية نصارى اليمن حديث معاذ بن جبل: "بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى اليمن فأمرني أن آخذ من كل ... ومن كل حالم ديناراً أو عدله معافر". (أخرجه النسائي: 5: 17، والدارمي 1: 320، والبيهقي 9: 193)، وعن الأعمش وغيره عن أبي وائل شقيق بن سلمة (انظر: الأموال 1: 126). والحديث حسنه الترمذي، وصححه الحاكم والذهبي على شرطهما، وصححه ابن عبد البر وابن حزم، وصححه أحمد شاكر في تعليقه على الخراج

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ ليحيى بن آدم 112. وله شواهد منها: حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده وفي إسناده المثنى بن الصباح ضعيف اختلط بأخرة: "كتب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أهل اليمن أن يؤخذ من أهل الكتاب من كل محتلم دينار". ويوجد مرسلان عن الحسن وعروة يقويان ببعضهما وبالشواهد ونصهما: "على كل حالم من ذكر أو أنثي حر أو عبد دينار واف أو قيمته من المعافر في كل عام". ووجه الشاهد على كل حالم ذكر .. وأما بقية الكلام عن الأنثى والعبد فلا (الأموال 1: 128). ويوجد مرسل الحكم بإسناد إليه صحيح نصه "وفي الحالم والحالمة دينار أو عدله من المعافر". (الأموال 1: 129). أخلص إلى القول بأن ما ثبت هو فرض جزية على البالغين من الذكور قدرها دينار واحد أو عدله معافر، والله أعلم.

اليمن دون تغيير في خلافة عمر (¬1). ورغم ضعفها فإنها تتفق مع سياسة عمر في مراعاة أحوال الرعية، وعدم تغيير الإجراءات النبوية. وكانت مقادير الجزية على أهل مصر مثل أهل الشام، مع زيادة يسيرة في القمح تبلغ صاعاً إضافياً، ولم يذكر أنهم يدفعون الودك- السمن- فلعل ذلك أسقط مقابل زيادة القمح (¬2). وتذكر رواية واهية السند بأن عدد دافعي الجزية بمصر بلغ ستة ملايين رجلاً كانوا يدفعون اثني عشر مليون دينار كل سنة (¬3)، وهذا يتعارض مع ما ثبت من كون الرجل يدفع أربعة دنانير جزيةً. ولم تصح أية رواية فيما يتعلق بجزية أهل برقة (في ليبيا) وزويلة (في حدود السودان)، فلعلها عوملت مثل مصر، وتذكر رواية ضعيفة أن عمرو بن العاص صالح برقة على جزية قدرها ثلاثة عشر ألف دينار (¬4). ¬

_ والمعافر: حي من همدان تنسب إليها الثياب المعافرية. (¬1) عبد الرزاق: المصنف 6: 89 بإسناد ضعيف. (¬2) عبد الرزاق: المصنف 6: 85، 86، 88 و 10: 328، 329، 331. وابن أبي شيبة: المصنف 6: 429، وابن زنجويه: الأموال 1: 157، والبلاذري: فتوح البلدان 131، والبيهقي: السنن 9: 195، 196 والأثر صحيح. ولاحظ أن الأردبَّ يساوي 46 و 30 كيلو غراماً. (¬3) ابن عبد الحكم: فتح مصر 64 - 70 بإسناد واهٍ فيه خالد بن نجيح المصري كذاب وفيه رواة مجاهيل. (¬4) خليفة: التأريخ 144، وابن عبد الحكم: فتوح مصر 170، والبلاذري: فتوح البلدان 225، 226 ويلاحظ أن هذه الرواية الضعيفة تذكر أيضاً أنهم خيروا أن يبيعوا في جزيتهم من أبنائهم من أحبوا بيعه، وهذا مخالف للقاعدة العمرية في أن لا يكلفوا من الجزية مالا يطيقون، بل هي

كما لم تصح الروايات في مقدار الجزية التي فرضت على بلاد إيران، ولكن تتضافر الروايات الضعيفة على الإقرار بالأخذ بمبدأ الرفق بالرعية وعدم تكليفهم مالا يطيقون (¬1). كما ذكر بعضها أن جزية أذربيجان بلغت ثمانمائة ألف درهم، والأهواز مليونين وثمانمائة وتسعين ألف درهم (000 و (890) و2 درهم) (¬2). ولا نعرف على وجه الدقة عوائد الجزية على بيت المال في خلافة عمر رضي الله عنه، ولكن الفقيه أبا يوسف ذكر أن جباية السواد وحده من الجزية والخراج بلغت في خلافة عمر مائة ألف ألف درهم (000و (000) و100 درهم) (¬3)، في حين ذكر اليعقوبي- وتابعه الماوردي- أنها بلغت مائة وعشرين ألف ألف درهم (000و (000) و120 درهم) وذكر ابن خرداذبة أنها بلغت مائة وثمانية وعشرين ألف ألف درهم (000و (000) و128 درهم) فلعل الأرقام تشير إلى واردات سنين مختلفة يزيد فيها الوارد وينقص حسب المواسم الزراعية التي تتأثر بالأمطار وبطرق الري ثم بسلامة نظم الجباية. وثمة ظاهرة في أواخر خلافة عمر رضي الله عنه تتمثل في فرض جباية محددة على بعض المناطق المفتوحة في المشرق تدفع بالتضامن بين أبناء الإقليم أو المدينة وتجمعها السلطات المحلية وتشمل على الجزية والخراج معاً، فقد صالحت ¬

_ تسقط عنهم إذا عجزوا عن أدائها، فكيف يكلفون بيع أولادهم فيها؟! (¬1) - خليفة: التأريخ 134، والبلاذري: فتوح البلدان 303 - 306، 323، والطبري: تأريخ 2: 520، 530، 532، 537، 538، 539، 543، 544 من طريق سيف بن عمر وهو أخباري كبير وهاه المحدثون في رواية الحديث واعترف أهل الاستقراء من متأخريهم كالذهبي بمكانته في علم التأريخ. (¬2) خليفة: التأريخ 134، والبلاذري: فتوح البلدان 323. (¬3) البلاذري: فتوح البلدان 306، 314 - 315، 321 - 323.

الجزية في خلافة عثمان رضي الله عنه

همذان على أن تؤدي "خراج أرضهم وجزية رؤوسهم مائة ألف درهم للمسلمين" وصالحت الري وقومس على خمسمائة ألف درهم يؤدونها من جزيتهم وخراجهم، وصالحت أذربيجان على ثمانمائة ألف درهم (¬1). الجزية في خلافة عثمان رضي الله عنه: ولا نجد روايات توضح عوائد الجزية على بيت المال في خلافة عثمان رضي الله عنه، ويبدو أن السياسة العمرية استمرت دون تغيير يذكر في المناطق المفتوحة، ومنها ظاهرة تتمثل في تحديد مبلغ من المال تدفعها المنطقة المفتوحة بالتضامن بين سكانها وتجبيه السلطة المحلية وتقدمه إلى الدولة الإسلامية وهذا ما يعرف بولاية العهد، فالولاية معاهدة للدولة الإسلامية، ومن ذلك أن عبد الله بن سعد بن أبي سرح صالح بطريق أفريقية (تونس) على ألفي ألف دينار وخمسمائة ألف (000و (500) و2 درهم) (¬2). وكذلك صالح الوليد بن عقبة أهل أذربيجان على ثمانمائة ألف درهم (000و (800) درهم) وصالح معظم مدن إيران وخراسان على مبالغ محددة تدفعها المدينة أو الإقليم بالتضامن وتشتمل على الجزية والخراج معاً، وإذا جمعنا الأرقام فإن دخل الدولة الإسلامية من الجزية والخراج يتجاوز (000) و000و (220) درهم موزعةً كالآتي: العراق: (000) و000و (100) درهم. الشام: لا توجد إحصائية ويمكن أن تقاس على مصر. مصر: (000) و000و (48) درهم. ¬

_ (¬1) المصدر السابق 390. (¬2) البلاذري: فتوح البلدان 228 - 229، واليعقوبي: تأريخ 2: 165، والطبري: تأريخ 4: 256 بزيادة 20000 دينار على المبلغ.

الجزية في خلافة علي رضي الله عنه

أفريقية (تونس): (000) و000و (30) درهم. برقة: (000) و13 درهم. إيران: (000) و700و (20) درهم (¬1). كما يلاحظ حصول زيادة كبيرة في جباية مصر من الجزية والخراج في خلافة عثمان رضي الله عنه، فقد كانت جبايتها في خلافة عمر رضي الله عنه مليوني دينار (000و (000) و12 درهم) وارتفعت في خلافة عثمان وولاية عبد الله بن سعد بن أبي سرح عليها إلى أربعة ملايين دينار (000و (000) و14 درهم) (¬2). ولعل الزيادة الكبيرة الحاصلة ترجع إلى دخول قرى ومدن جديدة في ولاية ابن أبي سرح من ناحية كما ترجع إلى النمو السكاني والإصلاحات الزراعية واستقرار الأمن مما أدى إلى الازدهار الاقتصادي وارتفاع عوائد الجباية. الجزية في خلافة علي رضي الله عنه: لم يطرأ تغيير على مقدار الجزية في خلافة علي رضي الله عنه (¬3)، ولم تتوسع الفتوحات بسبب الانشغال بالفتن الداخلية بين المسلمين، بل انتفضت بعض المناطق المفتوحة في حين استمر أكثرها على الصلح ودفع الجزية، ويلاحظ انتشار الإسلام ¬

_ (¬1) يمكن مراجعة الأرقام التفصيلية في فتوح البلدان للبلاذري 321 - 323، 330،372، 386، 394، 395، 396، 397، 398. وخليفة بن خياط: التأريخ 158، 159، 164 - 165. وياقوت: معجم البلدان مادة "نيسابور". (¬2) البلاذري: فتوح البلدان 220، وأما ما ذكره ابن عبد الحكم: فتوح مصر والمغرب 215 - 216 فيبدو أن الأرقام محرفة حيث تشير إلى مقادير هائلة من الجباية وهي 12000000 دينار في خلافة عمر و 14000000 دينار في خلافة عثمان! وانظر مناقشة ضياء الدين الريس لمقادير الجباية (الخراج والنظم الإسلامية 149). (¬3) البلاذري: فتوح البلدان 333.

المبحث الثاني: الخراج

بقوة في أذربيجان لما قدمها الأشعث والي علي رضي الله عنه (¬1). ومعنى هذا انخفاض جباية الجزية، كما توجد إشارة إلى اعتماد جباية الجزية من قبل الدهاقين في إقليم خراسان وتسليمها للمسلمين، وأن الدهاقين كانوا يواجهون حركات تمرد في خراسان رغم دعم الدولة الإسلامية لهم مما يستنتج منه انخفاض واردات الجزية حيث لم يعرض والي خراسان جعدة بن هبيرة "لأهل النكث وجبى أهل الصلح" (¬2). المبحث الثاني: الخراج أنجز الفتح الإسلامي فتح العراق بعد القادسية (15 هـ) وجلولاء (16 هـ) وكان أكثر الفتح عنوة، وانتفضت البلاد مرات عديدة، لذلك فإن عهود الفتح وشروط الصلح تغيرت مرات عديدة، ويترتب على الفتح عنوة استملاك المسلمين للأرض، وتقسيمها، وينال الدولة الخمس في حين ينال المقاتلون أربعة أخماس الأرض، ولو تم ذلك التقسيم لأصاب كل مقاتل مساحة واسعة من الأرض الزراعية الخصبة، وثلاثة من فلاحي السواد (¬3). ولكن التقسيم للأرض وللفلاحين لم يحدث، بل جمع عمر رضي الله عنه الصحابة رضوان الله عليهم للنظر في كيفية معاملة منطقة سواد العراق. وقد أوضح ¬

_ (¬1) المصدر السابق 404. (¬2) المصدر نفسه 505. (¬3) ابن أبي شيبة: المصنف 6: 466، والخطيب البغدادي: تأريخ بغداد 1: 8. وسند الخبر ضعيف فيه تدليس السبيعي واختلاطه بأخرة. ولكن القدر المذكور من الرواية تأريخي صرف لا علاقة له بعقيدة ولا بشريعة.

وجهة نظره للصحابة، فالأصل تقسيم المنطقة المفتوحة وقد ثبت عنه تصريحه بذلك "لولا آخر المسلمين ما فتحت قرية إلا قسمتها، كما قسم النبي صلى الله عليه وسلم خيبر" (¬1). ومراعاة حقوق الأجيال التالية استنبطها عمر رضي الله عنه من الآيات القرآنية- والتي قرأها على المجتمعين-: (ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى فلله وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل كي لا يكون دولة بين الأغنياء منكم وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا واتقوا الله إن الله شديد العقاب). (للفقراء المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم يبتغون فضلاً من الله ورضوانا وينصرون الله ورسوله أولئك هم الصادقون) فقال معقباً على هذه الآية: والله ما هو لهؤلاء وحدهم. (والذين تبوأوا الدار والإيمان من قبلهم يحبون من هاجر إليهم ولا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون). (والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا ربنا إنك رؤوف رحيم) (¬2). وعقب على هذه الآية الأخيرة بقوله: "والله ما من أحد من المسلمين إلا وله حق من هذا المال أعطي منه أو منع، حتى راع بعدنٍ" (¬3). وقد غلب هذا الرأي ¬

_ (¬1) البخاري: الصحيح 3: 48. (¬2) الحشر 7 - 10. (¬3) عبد الرزاق: المصنف 4: 151، 152 و 11: 101، 102. وابن أبي شيبة: المصنف 6: 471 (ط. كمال يوسف). وابن زنجويه: الأموال 1: 108، 109 و 2: 480. والبيهقي: السنن 6: 351، 352 والأثر صحيح.

على المجتمعين (¬1)، وهكذا دعا الفاتحون المغلوبين للبقاء في الأرض على أن يدفعوا الخراج، وقد أفاد هذا الإجراء في عدم تحول الفاتحين إلى فلاحين مما يضعف قدراتهم القتالية- وهم يواجهون الفرس في الشرق والبيزنطيين في الغرب- كما ربط الفلاحين القدامى بأرضهم وكسب ولاءهم، وساعد على استمرار ازدهار الزراعة في السواد إذ ما كان بوسع الفاتحين استثمار الأرض لنقص الخبرة الزراعية .. وأوجد مورداً سنوياً كبيراً لبيت المال خاصة وأن الأراضي المفتوحة في الشام ومصر عوملت وفق نظام الخراج أيضاً، وهذا المورد مكَّن الدولة من تجهيز الجيوش الكبيرة والقيام بالإصلاحات المتنوعة وخاصة الارتقاء بالمستوى المعيشي للناس عن طريق نظام العطاء، إضافة إلى الحد من نشوء الملكيات الإقطاعية الكبيرة مما يولد تبايناً اقتصادياً شاسعاً ويحصر تداول الثروة بأيدٍ قليلة، وهذا ما وعاه عمر من الآيات القرآنية مما يوضح دقة فهمه وعمق بصيرته، وأثر القرآن في توجيه سياسته. ونظراً لأن الخراج ضريبة على الأرض خلافاً للجزية فإنه لا يسقط بإسلام ¬

_ (¬1) توجد أخبار ضعيفة السند تدل على رغبة بعض الصحابة في قسمة السواد لأنه فتح عنوة، ويصرح عمر في هذه الأخبار بأنه يحفظ بإجرائه حقوق الأجيال اللاحقة (ابن أبي شيبة: المصنف 6: 466، وسعيد بن منصور 2: 227، وابن زنجويه: الأموال 1: 191، 194، والخطيب: تأريخ بغداد 1: 7، 8، 9، والبيهقي: السنن 9: 134. وهذه الأخبار الضعيفة تتضافر لتقوية تعليل عمر رضي الله عنه لإجراءاته في أرض السواد، وهي تتفق مع الثابت من استنباطه من القرآن. كما توجد أخبار ضعيفة تتضافر لتأكيد وجود معارضة ضعيفة لإجراءات عمر في عدم تقسيم أرض الشام ومصر (أبو عبيد: الأموال 63، وأحمد: فضائل الصحابة 1: 289، وابن زنجويه: الأموال 1: 191، والبيهقي: السنن 6: 318 و 9: 138، 139 بأسانيد ثلاثة فيها انقطاع وإرسال وتقوى ببعضها إلى الحسن).

صاحب الحق في استثمار الأرض سواء كان رجلاً أو امرأة، عبداً أو حراً (¬1). فلما أسلمت دهقانة نهر الملك- كورة واسعة ببغداد بعد نهر عيسى تضم قرى كثيرة- قال عمر: "دعوها في أرضها تؤدي عنها الخراج" (¬2). وتتضافر روايات أخرى ضعيفة في تأكيد عدم سقوط الخراج بالإسلام (¬3). وقد ثبت أن عمر رضي الله عنه كان ينهج سياسة رفيقة مع أهل الخراج خوفاً من المشقة عليهم وإجهادهم فكان يسأل عماله على مسح السواد: "انظر ما لديكما أن تكونا حملتما الأرض مالا تطيق" (¬4). وبالطبع فإنه كان يتعامل مع مخالفين له في العقيدة، وذلك في بداية الفتح وفرض الخراج، فكان يحرص على معاملتهم بالعدل والإحسان. وقد نهى عمر رضي الله عنه عن شراء أرض الخراج لأنها وقف للأمة جميعاً (¬5) كما نهى عن شراء أرض أهل الذمة الخراجية الصلحية أيضاً وإن لم تكن ¬

_ (¬1) أبو عبيد: الأموال 78. (¬2) عبد الرزاق: المصنف 6: 102 و 10: 370. وابن أبي شيبة: المصنف 6: 464. وابن زنجويه: الأموال 1: 257. والبيهقي: السنن 9: 141. والخبر صحيح الإسناد. (¬3) عبد الرزاق: المصنف 6: 102، 103. وابن أبي شيبة: المصنف 4: 405، 463. وابن زنجويه: الأموال 1: 257. والبيهقي: السنن 9: 141، 142 وفيه ضعف جابر الجعفي وإرسال الشعبي عن عمر. (¬4) البخاري: الصحيح 2: 297، وعبد الرزاق: المصنف 6: 103، وابن أبي شيبة: المصنف 6: 436 و 7: 435، 436، وابن زنجويه: الأموال 1: 160، 161. وكان هذا السؤال قبل أربعة أيام من استشهاده. (¬5) الماوردي: الأحكام السلطانية 147، 148 وتوجد رواية ضعيفة تفيد رد عمر لشراء عتبة بن فرقد أرضاً خراجية (أبو عبيد: الأموال 84، وابن زنجويه: الأموال 1: 222، 223، 224

ملكيتها وقفاً للأمة لئلا يضطر المسلم إلى دفع الخراج (¬1). وكان عمر قد بعث عثمان بن حنيف لمسح السواد فبلغ ستة وثلاثين ألف جريب (الجريب: (1366) م2) فوضع على كل جريب درهماً وقفيزاً من طعام (القفيز: (112) و26 كغم) مراعياً عدم المشقة على المالكين. ويحتمل أن هذا الإجراء شمل المساحة الصالحة للزراعة كلها مزروعة وغير مزروعة للحث على زراعتها وأداء خراجها، أو أن هذا المقدار من الخراج كان في أول الأمر، ثم عدل عنه إلى فرض مقدار من الخراج يختلف حسب نوع المحصولات الزراعية، فكان على الجريب من النخل عشرة دراهم (وفي رواية ثمانية دراهم، وربما ذلك يتبع الجودة). والجريب من العنب ثمانية دراهم (¬2)، والجريب من القضب (الأشجار الكبيرة المثمرة) ستة دراهم، والجريب من البر أربعة دراهم، والجريب من الشعير درهمين (¬3). ¬

_ ، وابن أبي شيبة: المصنف 6: 554، والخطيب: تأريخ بغداد 1: 17، والبيهقي: السنن الكبرى 9: 141). (¬1) عبد الرزاق: المصنف 6: 47 وفيه جهالة راوٍ، 10: 337 وفيه إرسال الحسن البصري. وأبو عبيد: الأموال 83، 84 وفيه تدليس قتادة. وابن أبي شيبة: المصنف 4: 337. وابن زنجويه: الأموال 1: 233، 234 وفه انقطاع بعد ابن سيرين. والبيهقي: السنن 9: 140 والخبر يرقى بطرقه إلى الحسن. (¬2) لم يثبت أن عمر رفع الخراج عن العنب والنخل والخضروات كما ذكر أبو يوسف عن الحسن بن عمارة لأن الحسن متروك (الخراج 41). (¬3) عبد الرزاق: المصنف 6: 100، 101 و 10: 333. وابن زنجويه: الأموال 1: 209، 210. والخطيب: تأريخ بغداد 1: 10 - 11. والبيهقي: السنن 9: 136. وتتعاضد الروايات لتقوية الخبر.

ويبدو أنه أضيف إلى الدراهم أخذ شيء من المحصول الزراعي ما بين خمسة إلى عشرة أقفزة (¬1)، فلعل المقصود من ذلك تمويل القوات الإسلامية. ولم تثبت مقادير الخراج على أرض الشام ومصر، ولكن يبدو أنها عوملت مثل أرض السواد دون إرهاق. ولم تشر المصادر إلى وقوع تغيير في مقادير الخراج في عهد الخليفتين عثمان وعلي رضي الله عنهما مما يشير إلى استمرارهما في سياسة عمر رضي الله عنه الخراجية التي كان لها الأثر البالغ في الازدهار الاقتصادي الذي تحقق في خلافة عثمان رضي الله عنه. وقد تميز عصر عمر بالدقة في الإحصاء للسكان ومسح أراضي السواد، وتمييز الأراضي الخاصة بكسرى وأسرته، والأراضي التي قتل أصحابها أو فروا في المعارك ضد المسلمين، والأراضي البور، وقد قاد عملية المسح رجال من الصحابة "جمع سعد من وراء المدائن، وأمر بالإحصاء، فوجدهم بضعة وثلاثين ومائة ألف - أكثر من (000) و130 نسمة- ووجدهم بضعة وثلاثين ألف أهل بيت- أكثر من (000) و30 أسرة- وهذا الإحصاء الذي قام به الصحابي سعد بن أبي وقاص يدل على قدرة عالية ومرونة في الإفادة من الخبرات المحلية في أعمال المسح والإحصاء (¬2). ¬

_ (¬1) أبو عبيد: الأموال 75، وابن أبي شيبة: المصنف 2: 430، 431، 435، 436. وابن زنجويه: الأموال 1: 210، 211. والأسانيد تتضافر لتقوية الخبر. (¬2) عبد العزيز إبراهيم العمري: الولاية على البلدان 2: 102.

المبحث الثالث: الغنائم

المبحث الثالث: الغنائم يعرف الفقهاء الغنائم بأنها "ما غلب عليه المسلمون من أموال أهل الحرب حتى يأخذوه عنوة" (¬1). فلا يدخل فيها الفيء وهو ما أخذ من أموال أهل الحرب دون قتال. ويعطى السلب للقاتل، وهو متاع وسلاح ودابة المقتول لحديث: "من قتل قتيلاً فله سلبه" (¬2). ويسهم للفارس بثلاثة أسهم وللراجل بسهم واحد (¬3). ويعامل الأسرى باحترام، وللإمام أن يحكم فيهم بقبول المفاداة أو المن عليهم بإطلاق سراحهم دون مقابل أو ضرب الجزية عليهم إن كانوا كتابيين، أو استرقاقهم أو قتلهم مراعياً في ذلك المصلحة (¬4). وكانت الدولة تبيع الرقيق الذي يقع لها ضمن خمس الغنائم، فقد اشترى الأشعث من بيت مال الكوفة رقيقاً بعشرين ألف درهم، وذلك خلال تولي عبد الله بن مسعود بيت مال الكوفة (¬5). وتعتبر الغنائم التي حازها المسلمون من أعدائهم مورداً حسناً لبيت المال، وللمقاتلين مما يرفع من مستوى معيشتهم، ومن المعلوم أن القرآن نص على توزيع الغنائم بين الدولة والمقاتلين ولم يترك ذلك لاجتهاد الدولة، قال تعالى: (واعلموا ¬

_ (¬1) أبو يوسف: الخراج 19، ويحيي بن آدم: الخراج 22، وأبو عبيد: الأموال 237. (¬2) البخاري: الصحيح (فتح الباري 6: 247). (¬3) رواه أبو داود: صحيح سنن أبي داود للألباني 2: 522. (¬4) ابن حجر: فتح الباري 6: 152. (¬5) أبو داؤد: السنن 2: 255.

أن ما غنمتم من شيء فإن لله خمسه وللرسول ولذي القربى واليتامى ..) (¬1). وهكذا صار الخمس للدولة وأربعة أخماس الغنيمة للمقاتلين. ومن الظاهر أن حركة الردة اقتصرت غنائمها على داخل الجزيرة العربية فكان معظمها من الخيل (الكراع) والإبل والماشية، والسبي (نساء وذراري)، والسلاح (الحلقة)، وشيء من الذهب والفضة، ولا تذكر المصادر أرقاماً محددة بالنسبة لأصناف الغنيمة، ولكن مصادرة الخيل والسلاح من القبائل المرتدة يوفر أعداداً جيدة للدولة، نظراً لعناية القبائل بحيازة الخيل والسلاح. وكان الإجراء يهدف إلى إضعاف المرتدين لعدم الثقة بهم، لذلك لم يقبل اشتراكهم في حركات الفتح الإسلامي حتى نهاية خلافة أبي بكر رضي الله عنه. ولا جدوى من محاكمة الروايات وفق مناهج المحدثين لأن معظم الأرقام وردت في روايات تأريخية لا يتمتع رواتها بثقة النقاد من أهل الحديث، فلو نظرنا في مصادر الطبري عن حركات الردة لوجدناه ينقل (73) رواية عن سيف و (14) رواية عن ابن اسحق و (5) روايات عن أبي مخنف و (4) روايات عن ابن الكلبي (¬2). أما كتاب ابن حبيش (عبد الرحمن بن محمد بن حبشي الأندلسي) فهو أكثر دقة وتنوعاً في المصادر بالنسبة لحركة الردة حيث يقتبس كثيراً من ابن اسحق والواقدي ووثيمة ويعقوب الزهري، في حين اعتمد خليفة بن خياط في تأريخه على ابن اسحق (19 رواية) والمدائني (16 رواية) بالدرجة الأولى. والحق أن المصادر الحديثية تقتصر على ذكر معلومات محدودة دون الخوض في التفاصيل التي أوردها الإخباريون. ¬

_ (¬1) الأنفال 41. (¬2) عبد العزيز محمد نور ولي: حركة الردة في اليمن وحضرموت وعمان ص 10.

واذا كانت مصادرة أسد وغطفان لم تحدد مقدار الخيل والسلاح (¬1)، ومصادرة أهل اليمامة لم تحدد كميات الذهب والفضة والسبي والسلاح والخيل ومساحة البستان من كل قرية مما أخذه المسلمون (¬2)، فإن غزو القرية والعرض (من ديار بني حنيفة) قبل الصلح أوقع عدداً كبيراً من السبي، حيث أرسل خالد بن الوليد خمسمائة منهم إلى المدينة (¬3). ولا غرابة في كثرة غنائم اليمامة لأنها مركز اقتصادي مهم زراعياً وتجارياً، وفيها كثافة سكانية عالية (¬4). وصالح العلاء بن الحضرمي أهل البحرين على ثلث أموالهم داخل مدينتهم أما ما كان خارجها فقد أخذه جميعاً، وأرسل بأموال كثيرة إلى المدينة (¬5). وبلغ نصيب الفارس من جزيرة دارين (6000) درهم (ستة آلاف درهم) والراجل (2000) درهم (ألفي درهم) (¬6). وبلغت الأموال التي جناها المسلمون من المرتدين في عمان ¬

_ (¬1) ابن أبي شيبة: المصنف 12: 263 - 264، والبخاري: الصحيح 9: 101 مختصراً. وأبو عبيد: الأموال 2: 330، وسعيد بن منصور: السنن 2: 330، وأحمد: فضائل الصحابة 2: 893، والبلاذري: فتوح البلدان 132، والطبراني: الأوسط (مجمع الزوائد 6: 222)، والبيهقي: السنن الكبرى 8: 183، 335. (¬2) الطبري: تأريخ 3: 298 من طريق سيف و 3: 297 - 298 من طريق ابن اسحق لكنه يذكر أن المصادرة لربع السبي فقط. وخليفة: تأريخ 110، والبلاذري: فتوح البلدان 123 لكنه يذكر ربع السبي ونصف الذهب والفضة. وابن أعثم: الفتوح 1: 40 ويذكر ثلث الخيل وربع السبي. (¬3) ابن أعثم: لفتوح 1: 15 - 16. (¬4) حشدت 000و40 مقاتل في مواجهة المسلمين بقيادة مسيلمة. (¬5) الكلاعي: الاكتفا (حروب الردة) 201. (¬6) الطبري: تأريخ 3: 311 عن سيف.

(دبا) (4000) رأس (أربعة آلاف رأس) من الإبل كان حصة الدولة منها (800) رأس (ثمانمائة رأس)، ويبلغ ثمنها ما يقارب (000) , (200) درهم (مائتي ألف درهم) (¬1) وإضافة إلى الإبل حازوا (3500) من الأسرى والنساء والذراري بلغت حصة الدولة منها 700 (300 أسير و (400) نساء وذراري) - إذا افترضنا توزيع الأسرى والنساء والذراري بنسبة أربعة أخماس للمقاتلين- (¬2). وهذا العدد الكبير من الأسرى والسبي يقدر بـ (000) , (400) ,1 درهم منها (000) , (280) درهم حصة الدولة. هذا إذا قبلنا أن فداء الأسير يبلغ (400) درهم (أربعمائة درهم) كما حدث في مفاداة أهل النيجر في خلافة أبي بكر (¬3). وكان عدد السبي من أهل النيجر ألف امرأة وضعن في دار رملة بنت الحارث، فيكون فداءهم (000) , (400) درهم (أربعمائة ألف درهم) فضلاً عن الأموال المنقولة (¬4). ¬

_ (¬1) وهذا التقدير يفترض أن ثمن الواحد من الإبل 50 درهماً (خمسين درهماً) واذا قبلنا خبرين بإسنادين ضعيفين، فإن ثمن ست قلانص (النياق الشابة) كانت تعادل 400 درهم في خلافة عمر، فالناقة الشابة الواحدة تساوي 66 درهماً مع العلم أن ثمن الإبل زاد في خلافة عمر عما كانت عليه في عصر السيرة وخلافة أبي بكر رضي الله عنه (عبد الرزاق: المصنف 7: 278، 279، وأبو عبيد: الأموال 147، 148، وابن زنجويه: الأموال 1: 350، 351، والبيهقي: السنن 9: 74 والخبران بإسنادين ضعيفين). (¬2) حول تقسيم السبي بعد المعركة بين المقاتلين انظر: عبد الرزاق: المصنف 5: 194، والدارقطني: السنن 4: 114، والبيهقي: السنن 9: 112، وابن أبي شيبة: المصنف 6: 506، وسعيد بن منصور: السنن 2: 288. (¬3) البلاذري: فتوح البلدان 145، والكلاعي: الاكتفا (حروب الردة) 240. (¬4) الطبري: تأريخ 3: 317 عن سيف، والبلاذري: فتوح البلدان 145، والكلاعي: الاكتفا 240.

وأصاب المسلمون من المرتدين بمهرة ألفي نجيبة (2000 نجيبة) (¬1) تبلغ قيمتها أكثر من (000) , (200) درهم- إذا اعتبرنا النجيبة بـ (100) درهم (¬2) في حين أن الجمل العادي بـ (50) درهماً-. وقد اقتضى تملك الدولة للإبل والخيل والأغنام من الزكاة والغنائم تخصيص مراع لها، فكان حمى النقيع- نقيع الخضمات- قرب المدينة للخيل منذ عصر السيرة (¬3) واستمر في خلافة الصديق (¬4)، وحمى الربذة لإبل الصدقة (¬5). وهذه الأموال لا تعد شيئاً إلى جانب غنائم الفتوح الإسلامية في الهلال الخصيب ومصر، ولا تشير المصادر إلى مقادير غنائم الفتح في العراق والشام، بل تذكر وقوع السلاح والدواب والمتاع والنساء والصبيان بيد الجيوش الإسلامية (¬6)، ولكنها حددت سهم الفارس في موقعة ذات السلاسل والثني بألف درهم (1000 درهم) والراجل ثلث المبلغ، كما أشارت إلى ثراء الأبلة "حتى إنهم ليولغون كلابهم في آنية الذهب والفضة" (¬7). كما حددت سهم الفارس في امغيشيا بألف ¬

_ (¬1) الطبري: تأريخ 3: 317 عن سيف. (¬2) قومت بختية لعمر- ناقة خراسانية- ثلاثمائة درهم (أحمد: المسند 2: 145). (¬3) أحمد: المسند 2: 91، 155، 157 بإسناد صحيح. وأبو عبيد: الأموال 309، وأبو داؤد: السنن 3: 461 - 462 بسند حسن. (¬4) ابن سعد: الطبقات 5: 11 عن الواقدي. (¬5) الطبري: تأريخ 3: 148 عن سيف. (¬6) خليفة: التأريخ 117، 118، 119. والطبري: تأريخ 3: 351 عن سيف، 354، 382 عن سيف، 407، 410 عن سيف. وأبو يوسف: الخراج 42، 146، 147 عن ابن اسحق. والأزدي: فتوح الشام 70، 76، 77، 82. والبلاذري: فتوح البلدان 152، 154. (¬7) خليفة: التأريخ 117.

وخمسمائة درهم (1500 درهم) سوى المكافآت للشجعان (¬1). ويجمل الفقيه أبو يوسف مقدار غنائم فتوح العراق خلال قيادة خالد بن الوليد "بألف رأس وقيل خمسة آلاف رأس" (¬2). وبالطبع فإن المعارك جميعاً دارت في قرى ومدن صغيرة على الفرات، ولم يتسم الفتح بالاستقرار بل انتقضت المناطق المفتوحة مرارا، وهذا يوضح قلة الغنائم في المناطق المفتوحة في خلافة الصديق رضي الله عنه. أما في خلافة عمر رضي الله عنه فقد زادت الغنائم زيادة كبيرة لاتساع المناطق المفتوحة ولما كانت تتمتع به من ازدهار اقتصادي كبير، وكان القادة الفرس والروم يخرجون إلى الميدان بكامل أبهتهم، فيقع سلبهم للمسلم، وأحياناً يبلغ (000) , (15) درهم (¬3) و (000) , (30) درهم (¬4). وقد فتحت المدن العظيمة كالمدائن وجلولاء وهمذان والري واصطخر وغيرها، فحاز المسلمون أموالاً عظيمة، مثل بساط كسرى، وهو (3600) ذراع مربعة "أرضه مفروشة بالذهب وموشى بالفصوص وفيه رسوم ثمار بالجواهر، وورقها بالحرير، وفيه رسوم للماء الجاري بالذهب" وقد بيعت قطعة صغيرة منه ¬

_ (¬1) الطبري: تأريخ 3: 358 - 359. (¬2) الخراج 147. (¬3) حازه أبو قتادة الأنصاري وهو ثمن منطقة قتيله ومعها أشياء أخرى (ابن زنجويه: الأموال 2: 689، 690 بسند ضعيف). (¬4) حازه البراء بن مالك الأنصاري من قتيله مرزبان الزارة بالبحرين (عبد الرزاق: المصنف 5: 233، وسعيد بن منصور: السنن 2: 263، وابن أبي شيبة: المصنف 6: 479، وابن زنجويه: الأموال 2: 689، والبيهقي: السنن 6: 310 - 311 والخبر صحيح).

بعشرين ألف درهم (000, (20) درهم) (¬1). وحاز المسلمون الذهب والفضة والمجوهرات العظيمة من غنائم جلولاء ونهاوند (¬2). حيث بلغ خمس جلولاء ستة ملايين درهم (000, (000) , (6) درهم) (¬3)، وأعظم الغنائم هي أرض السواد التي وقفها عمر رضي الله عنه للدولة، وأراضي الصوافي التي قتل أصحابها أو فروا عنها، وأملاك كسرى وأهله، حيث جعلت غلتها للدولة، فكانت بإدارتها لصالح بيت المال، ويقال أن غلتها- فيما بعد- بلغت سبعة ملايين درهم (000, (000) , (7) درهم) (¬4). وللأسف فإن المصادر لا تتيح من أرقام غنائم الفتح ما يمكن من تقدير دخل الدولة والمقاتلين منها، ولكن لا شك في أنها كانت عظيمة القدر، وأنها أغنت المسلمين أفراداً ودولة، وارتفعت بمستوى المعيشة، وظهرت آثارها أكثر جلاء في خلافة عثمان رضي الله عنه. وقد توسعت الفتوحات في النصف الأول من خلافة عثمان في خراسان شرقاً وأفريقية (تونس) غرباً (¬5)، وبلغ سهم المقاتل في تونس ألف دينار (1000 دينار) (¬6) وثلاثة آلاف دينار (3000 دينار) (¬7)، وبلغ خمس ¬

_ (¬1) - الطبري: تأريخ 2: 467 عن سيف. (¬2) - ابن أبي شيبة: المصنف 6: 467 بسند حسن (ط. بيروت). وابن زنجويه: الأموال 2: 580 - 582. والبلاذري: فتوح البلدان 302. والطبري: تأريخ 2: 518 - 520 بسند ضعيف. (¬3) - ابن أبي شيبة: المصنف 12: 318، وأبو عبيد: الأموال 224 وفي السند مجالد ليس بالقوي ثم هو مرسل الشعبي. (¬4) - ابن أبي شيبة: المصنف 6: 473، وابن زنجويه: الأموال 2: 631، وابن حجر: المطالب العالية 2: 182 نقلاً عن الحارث بن أبي أسامة، والبيهقي: السنن 9: 134. (¬5) - الطبري: تأريخ 4: 182، 253 - 254 عن سيف. (¬6) - ابن عبد الحكم: فتوح مصر وأخبارها 125. (¬7) - أبو زرعة الدمشقي: تأريخ 1: 184 - 185، وخليفة: التأريخ 160، وابن شبة: تاريخ المدينة 3: 1022.

المبحث الرابع: الزكاة

غنائم أفريقية خمسة عشر ألف درهم (000, (15) درهم) عندما غزاها مروان بن الحكم (¬1)، فتكون غنيمة تلك الغزوة (000) , (75) درهم للدولة، وتكون سائر الغنيمة (000) , (375) درهم. وقد أدت كثرة النقود إلى التضخم الاقتصادي في البضائع ذات الجودة العالية أو النادرة، فبلغ ثمن مطرف خز مائتي درهم (200 درهم) وبرد يماني مبلغ مائة درهم (100 درهم) (¬2)، وبيعت الفرس بخمسين ألفاً (000, (50) درهم) (¬3) وبمائة ألف درهم (000, (100) درهم)، وبيعت نخلة بألف درهم (1000 درهم) (¬4) المبحث الرابع: الزكاة قامت الدولة الإسلامية في خلافة الصديق رضي الله عنه بجباية أموال الزكاة عن طريق إرسال المصدقين إلى أرجاء الجزيرة التابعة لها، وقد أعاقت حركة الردة أعمال الجباية من معظم المناطق سوى الحجاز وجواثا- قرية بالبحرين- والقبائل ¬

_ (¬1) - أبو هلال العسكري: الأوائل 1: 272 بسند ضعيف. (¬2) - ابن سعد: الطبقات 3: 58 وكلا الثمنين من طريق الواقدي وهو متروك في الحديث، غزير المعرفة التأريخية لا يستغنى عنه في التأريخ. (¬3) - ابن شبة: تأريخ المدينة 3: 1023 بسند مرسل. (¬4) - ابن شبة: تاريخ المدينة 3: 1021 بسند منقطع قبل السعدي. والطبراني: المعجم الكبير 1: 158 - 159 بسند مرسل. والحاكم: المستدرك 3: 597 ونقد الذهبي متنه.

التي حافظت على إسلامها وولائها للدولة، وقد قاتلت جيوش الخلافة المرتدين سنة وأشهراً حتى أعادتهم إلى الإسلام والطاعة، وكان ذلك الموقف الحازم من الخليفة الراشد سبباً لإعادة توحيد الدولة، وتطبيق الشريعة على الناس، ولما رأى بعض الصحابة عدم مقاتلة المرتدين ومنهم عمر بن الخطاب واحتجوا بالحديث: "أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله، فمن قالها فقد عصم مني ماله ونفسه إلا بحقه وحسابه على الله". فأوضح لهم أبو بكر الفهم الصحيح للأحاديث بالجمع بينها قائلاً: "والله لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة، فإن الزكاة حق المال، والله لو منعوني عناقاً (وفي رواية: عقالاً) كانوا يؤدونها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لقاتلتهم على منعها". قال عمر: فوالله ما هو إلا أن رأيت الله قد شرح صدر أبي بكر للقتال فعرفت أنه الحق (¬1). ورجع الصحابة جميعاً إلى رأي أبي بكر (¬2). وكان اعتراضهم على قتال مانعي الزكاة فقط لأنهم متأولون للآية: (خذ من أموالهم صدقةً تطهرهم وتزكيهم بها وصل عليهم إن صلاتك سكن لهم) (¬3). فزعموا أن دفع الزكاة خاص به صلى الله عليه وسلم لأن غيره لا يطهرهم، ولا يصلي عليهم، فكيف تكون صلاته سكناً لهم!! ولم ينكروا الزكاة جحوداً، فلا يخرجهم التأويل عن الإسلام، وهؤلاء لم يقاتلهم أبو بكر إلا بعد أن دعاهم إلى الرجوع إلى دفع الزكاة، فلما أصروا قاتلهم. وأما الجاحدون للزكاة فيخرجون من الإسلام بإنكارهم فريضة من أركانه، وليس اعتراض الصحابة على قتالهم ولا على قتال أتباع مسيلمة وغيره من ¬

_ (¬1) البخاري: الصحيح 2: 131، 147 و 9: 19، 115. ومسلم: الصحيح 1: 51. (¬2) الكلاعي: الاكتفا (حروب الردة) 38، وسعيد بن منصور: السنن 2: 322، والبيهقي: السنن الكبرى 8: 177. (¬3) التوبة 103.

أدعياء النبوة (¬1). ولا شك أن العام الأول من خلافة الصديق شهد انخفاضاً كبيراً في موارد الزكاة، فقد دفعت فروع من تميم صدقاتها وهي الرِّباب بن عوف والأبناء من بني سعد بن تميم، وهي سبعمائة بعير قيمتها حوالي خمسة وثلاثون ألف درهم (000, (35) درهم) (¬2). ودفعت طي زكاتها ثلاثمائة بعير تساوي خمسة عشر ألف درهم (000, (15) درهم) (¬3). وقد دفعت القبائل التي ثبتت على الإسلام الزكاة، بعضها صرحت المصادر بدفعها الزكاة وهي مقاعس والبطون من بني سعد من تميم، وبني مالك من بني يربوع من تميم، وقوم الهيثم السلمي، وجمع من مهرة بن حيدان، وأسلم وغفار ومزيفة وجهينة وأشجع (¬4). وبعضها ذكرت المصادر ثباتها على الإسلام دون التصريح بدفعها الزكاة، ولكن لا شك في أنها دفعت الزكاة وهي ثقيف وهذيل والديل وكنانة وأهل السراة وبجيلة وخثعم وهوازن وجشم وسعد بن بكر وعبد القيس (من تجيب)، ومذحج إلا بنو زيد، وهمدان والأبناء (¬5). وينبغي الاشارة إلى نفقات الدولة الكثيرة في حروب الردة لابد أنها اعتمدت ¬

_ (¬1) ابن حجر: فتح الباري 12: 276، 277 و 3: 366. (¬2) ابن قتيبة: المعارف 302. (¬3) الكلاعي: الاكتفا (حروب الردة) 45، 47، 49، 51. والديار بكري: تاريخ الخميس 2: 203. (¬4) الطبري: تأريخ 3: 268 عن سيف، 276. وابن أبي الدنيا: الأشراف في منازل الأشراف 205. وابن حجر: الإصابة 3: 615، 636. وقدامة بن جعفر: الخراج 277. والكلاعي: الاكتفا (حروب الردة) 447. والديار بكري: تأريخ الخميس 2: 203. (¬5) العيني: عمدة القاري 7: 171 عن كتاب الردة للواقدي.

على موارد الغنائم من ناحية والزكاة التي تضاءلت كثيراً من ناحية أخرى. وكذلك لابد من الإشارة إلى أن أبا بكر رضي الله عنه كان يأخذ الزكاة من الأموال الظاهرة والباطنة، وكان يسأل الرجل عندما يسلمه العطاء إن كان عنده مال عليه زكاة، فإذا قال: نعم. استقطع الزكاة من عطائه (¬1). وفي خلافة عمر رضي الله عنه سار على نهج النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر رضي الله عنه، في إرسال المصدقين لجمع الزكاة من أرجاء الدولة الإسلامية، وقد أسلم الكثير من سكان الأقطار المفتوحة، ونمت رؤوس أموال المسلمين في خلافته نتيجة الفتح ومكاسبه والتجارة الحرة في ظل الأمن وقوة الدولة الإسلامية، ولا شك أن هذه العوامل أدت إلى زيادة عظيمة في مقادير الزكاة. وكان العدل في الجباية ظاهراً دون الإخلال بحقوق بيت المال، ولم يكن موعد جباية الزكاة متفقاً مع موعد دفع العطاء، إذ لا يحول الحول على أموال الرعية في وقت العطاء، لذلك لم تكن الدولة تأخذ الزكاة من العطاء (¬2)، وكان سفيان بن عبد الله الثقفي مصدقاً، فكان يحصي جميع الغنم حتى الوليدة ولكنه لا يأخذها في الزكاة، فجادله أصحاب الغنم، فسأل المصدق عمر رضي الله عنه فدله على أخذ الغنم المتوسطة دون سخالها ولا خيارها (¬3). وهذا يتفق مع السنة "وإياك وكرائم أموالهم" (¬4)، وقد أنكر عمر رضي الله ¬

_ (¬1) مالك: الموطأ 1: 245 وفه انقطاع نبَّه عليه ابن حجر (كنز العمال 6: 530). (¬2) أبو عبيد: الأموال 417، وابن زنجويه: الأموال 3: 920، وابن أبي شيبة: المصنف 2: 407، والأثر صحيح. (¬3) مالك: الموطأ 1: 254، وعبد الرزاق: المصنف 4: 10، 11, 14، 15. وابن زنجويه: الأموال 2: 857، والبيهقي: السنن 4: 100 - 103 والأثر صحيح. (¬4) البخاري: الصحيح (فتح الباري 3: 261).

عنه على عامل الصدقات أخذه لشاة كثيرة اللبن ذات ضرع عظيم قائلاً: "ما أعطى هذه أهلها وهم طائعون، لا تفتنوا الناس!! " (¬1). وقد توسعت ملكية الرقيق والخيل في أيدي المسلمين، فاقترح الصحابة فرض الزكاة على الرقيق والخيل (¬2)، فعدَّ عمر الرقيق والخيل من أموال التجارة، وفرض على الرقيق الصبيان والكبار ديناراً (عشرة دراهم) وعلى الخيل العربية عشرة دراهم، والبراذين (الخيل غير العربية) خمسة دراهم. ويفهم أنه لم يفرض الزكاة في رقيق الخدمة والخيل المعدة للجهاد لأنها ليست من عروض التجارة، بل إنه عوض من يدفع زكاتهما كل شهر جريبين (حوالي (209) كيلوغرام من القمح) وهو أكثر قيمة من الزكاة (¬3)، وذلك لحديث "ليس على المسلم في فرسه ولا عبده صدقة" (¬4) وقد أخذ من الركاز (المال المدفون) - إذا عثر عليه- الخمس (¬5). وحرص على تداول الأموال وتشغيلها لئلا تذهب بها الزكاة مع تعاقب الأعوام. فكان عنده مال ليتيم فأعطاه للحكم بن العاص الثقفي ليتجر به (¬6)، إذ لم ¬

_ (¬1) مالك: الموطأ 1: 256، وابن أبي شيبة: المصنف 2: 362، وابن زنجويه: الأموال 3: 885 - 886، والبيهقي: السنن 4: 158 والأثر حسن. (¬2) ابن سعد: الطبقات الكبرى 1: 152، وابن أبي شيبة: المصنف 2: 381 بإسناد صحيح. وأبو عبيد: الأموال 261، 262، 468، 469. وابن زنجويه: الأموال 3: 1026 والأثر صحيح. (¬3) ابن زنجويه: الأموال 3: 1024، والطبري: تهذيب الآثار 212. والأثر صحيح. (¬4) صحيح الترمذي 1: 196 وقال الترمذي: والعمل عليه عند أهل العلم. (¬5) عبد الرزاق: المصنف 5: 226، 227، وابن أبي شيبة: المصنف 2: 436 و 6: 434، وابن زنجويه: الأموال 2: 749، 750. وتتعاضد الطرق لتقوية الأثر إلى الحسن. (¬6) ابن زنجويه: الأموال 3: 990 والأثر صحيح.

يجد عمر وقتاً للتجارة وقد زحمته مسؤوليات الخلافة. وعندما صار الربح وفيراً (من عشرة آلاف درهم- (000) , (10) درهم- إلى مائة ألف درهم- (000) , (100) درهم-) شك عمر في طريقة الكسب، ولما علم أن التاجر استغل صلة اليتيم بعمر رفض جميع الربح واسترد رأس المال حيث اعتبر الربح خبيثاً!! (¬1). فهو يعمل بمبدأ فرضه على ولاته وهو رفض استغلال مواقع المسؤولية في الدولة، ومن هنا قاسم الولاة ثروتهم إذا نمت بالتجارة. وقد أخذ عمر زكاة الزروع العشر فيما سقته الأمطار والأنهار ونصف العشر فما سقي بالآلة (¬2)، وهو الموافق للسنة (¬3). وكان يوصي بالرفق بأصحاب البساتين عند تقدير الحاصل من التمر (¬4). وأخذ زكاة عشرية من العسل إذا حمت الدولة وادي النحل لمستثمره (¬5). وقد كثرت الحنطة في خلافته، فسمح بإخراج زكاة الفطر من الحنطة بنصف وزن ما كانوا يؤدونه قبل خلافته من الشعير أو التمر أو الزبيب (¬6). وهذا فيه ¬

_ (¬1) - عبد الرزاق: المصنف 4: 67، 68، وأبو عبيد: الأموال 455 والأثر صحيح. (¬2) - عبد الرزاق: المصنف 4: 134، 135 والأثر صحيح. (¬3) - البخاري: الصحيح (فتح الباري 3: 347). (¬4) - عبد الرزاق: المصنف 4: 129، وابن أبي شيبة: المصنف 2: 414 والأثر صحيح. (¬5) - أبو داود: السنن 2: 109، والنسائي: السنن 5: 46، والدارقطني: السنن 4: 238، والبيهقي: السنن 4: 126 والأثر حسن. وانظر أثراً آخر في عبد الرزاق: المصنف 4: 62، وابن أبي شيبة: المصنف 2: 373 وهو اثر حسن أيضاً. ويقوى الأثران إلى الصحيح لغيره في فرض الزكاة العشرية على العسل الذي تحميه الدولة للمستثمر. (¬6) - ابن زنجويه: الأموال 3: 1243 والأثر حسن.

تيسير على الناس، وقبول للمال الأنفس في الزكاة وإن تفاوت الجنس (¬1). وقد ذكرت المصادر أسماء عدد من المصدقين في خلافة عمر رضي الله عنه وهم: 1 - أنس بن مالك (¬2). 2 - سعيد بن أبي ذباب، على السراة (¬3) 3 - حارثة بن مضرب العبدي (¬4). 4 - عبد الله بن الساعدي (¬5). 5 - سهل بن أبي حثمة (¬6). ¬

_ وانظر ما رواه أبو داود: السنن 2: 112 حيث نسب ذلك إلى عمر من طريق مولاه نافع، في حين أن سبعة من أصحاب نافع نسبوه إلى معاوية (مسلم: التمييز 211، 212). وراجع البخاري: الصحيح (فتح الباري 3: 372) في نسبته إلى معاوية. (¬1) - ابن حجر: فتح الباري 3: 313. (¬2) - عمر بن شبة: تأريخ المدينة 3: 854، 855 والأثر صحيح. وأبو عبيد: الأموال 427، وابن زنجويه: الأموال 3: 934 والأثر حسن. (¬3) - ابن أبي شيبة: المصنف 2: 373، وابن زنجويه: الأموال 2: 1091، والبزار: المسند 1: 415، 416. (¬4) - ابن أبي شيبة: المصنف 2: 394 والأثر صحيح. (¬5) - مسلم: الصحيح 2: 723، والنسائي: السنن 5: 103 - 105. (¬6) - عبد الرزاق: المصنف 4: 129، وابن أبي شيبة: المصنف 2: 414، والبيهقي: السنن 4: 124 والأثر صحيح.

6 - مسلمة بن مخلد الأنصاري (¬1). 7 - معاذ بن جبل، على بني كلاب (¬2). 8 - سعد الأعرج، على اليمن (¬3). 9 - سفيان بن عبد الله الثقفي، كان والياً على الطائف فكان يجبي زكاتها (¬4) وفي خلافة عثمان رضي الله عنه جرى تعديل على جباية الزكاة، حيث ترك للناس إخراج زكاة الأموال الظاهرة (العين وهي الذهب والفضة) دون تسليمها للدولة (¬5)، ويعلل ذلك بأنه أراد رفع المشقة والحرج عن الناس من تفتيش سعاة السوء، ففوض الناس بإخراجها (¬6). أما زكاة المواشي والنخل فاستمرت الدولة بجبايتها. ولابد أن هذا الإجراء قلص موارد بيت المال من الزكاة، ولكنه ما كان ليؤثر كثيراً في التكافل الاجتماعي بين الناس حيث أن الزكاة فريضة دينية، والمجتمع كان على وعي كبير بالإسلام ورغبة صادقة في تنفيذ تعاليمه. ¬

_ (¬1) ابن سعد: الطبقات 3: 313، وابن زنجويه: الأموال 3: 1192 والأثر ضعيف. (¬2) أبو عبيد: الأموال 589، 590 والأثر ضعيف. (¬3) عبد الرزاق: المصنف 4: 13، وابن أبي شيبة: المصنف 2: 368، وابن زنجويه: الأموال 2: 873، 876 والأثر ضعيف. (¬4) مالك: الموطأ 1: 254، وعبد الرزاق: المصنف 4: 10، 11، 14، 15، وابن أبي شيبة: المصنف 2: 368، والبلاذري: فتوح البلدان 96. (¬5) أبو عبيد: الأموال 534 بسند صحيح. (¬6) السرخسي: المبسوط 2: 169، وانظر: أبا عبيد: الأموال 509 رقم 1817.

المبحث الخامس: عشور التجارة

المبحث الخامس: عشور التجارة لم تفرض العشور على التجارة في عصر السيرة وخلافة أبي بكر، بل فرضها عمر رضي الله عنه لأول مرة (¬1) على التجار الأجانب إذا دخلوا ببضاعتهم ديار المسلمين، وذلك لأن دولهم كانت تأخذ ضريبة عشرية من التجار المسلمين فاتبع سياسة المعاملة بالمثل، وتؤخذ من التاجر مرة واحدة في السنة ويعطى إيصالاً بذلك لئلا يتكرر أخذها كلما عبر الحدود. وقد نبه عمر رضي الله عنه زياد بن حدير عامله على العشور "أن لا تعشر في السنة إلا مرة واحدة". "وكان يعشر كل من أقبل وأدبر" (¬2). وكان مقدار الضريبة العشرية درهماً واحداً من كل عشرة دراهم (¬3). وقد شمل ذلك تجار النبط، ولكنه جرى التخفيف عليهم إذا جلبوا الحنطة والزيت فأخذ منهم نصف العشر لحاجة الناس إليهما، وأما إذا جلبوا العدس والحمص واللوبيا وما شاكلها مما لا تشتد الحاجة إليه لتوفره محلياً فكان يؤخذ منهم العشر (¬4). وكانت العشور تدفع أحياناً لعامل السوق، وكان على سوق المدينة عبد الله بن عتبة ¬

_ (¬1) أحمد: فضائل الصحابة 1: 329 والأثر صحيح. (¬2) أبو عبيد: الأموال 530 والأثر صحيح. (¬3) عبد الرزاق: المصنف 4: 88 و 6: 95، وأبو عبيد: الأموال 530، والبيهقي: السنن الكبرى 9: 209 - 210 والأثر صحيح. (¬4) مالك: الموطأ 1: 266، وعبد الرزاق: المصنف 6: 99 - 100 و 10: 335، وأبو عبيد: الأموال 531، وابن أبي شيبة: المصنف 2: 417، والبيهقي: السنن 9: 210 والأثر صحيح

بن مسعود الهذلي ومعه السائب بن يزيد، فكانا يأخذان العشر من النبط (¬1). وأخذ نصف العشر من تجارة أهل الذمة إلا بني تغلب من العرب فأخذ منهم العشر (¬2). وأما التجار المسلمون فلا يدفعون سوى الزكاة وهي ربع العشر. ولا توجد إحصائيات توضح موارد بيت المال من العشور في عصر الخلافة الراشدة. ¬

_ (¬1) مالك: الموطأ 1: 266، وأبو عبيد: الأموال 531 والأثر صحيح. (¬2) عبد الرزاق: المصنف 6: 95 و 4: 88، وأبو عبيد: الأموال 34، 530 - 531، وابن زنجويه: الأموال 1: 131 - 132 والأثر حسن مداره على إبراهيم بن المهاجر وهو صدوق لين الحديث، وقد اختلف عليه الرواة، فرواه الحكم بن عتيبة وسفيان الثوري فذكر فرض العشر على بني تغلب، وهما ثقتان. ورواه إسرائيل وشريك عنه فذكرا فرض نصف العشر، وإسرائيل ثقة وشريك صدوق يخطئ كثيرا وروايتهما مخالفة فهي شاذة.

الفصل الثاني: النفقات العامة

الفصل الثاني: النفقات العامة

المبحث الأول: مصارف الزكاة

المبحث الأول: مصارف الزكاة إن مصارف الزكاة حددها القرآن بالأسهم الثمانية (إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل فريضة من الله والله عليم حكيم) (¬1) دون أن يشترط بين الأصناف الثمانية بل تصرف حسب تقدير المصلحة والحاجة (¬2). ونظراً لظروف حركة الردة في خلافة أبي بكر رضي الله عنه، فقد توسع الصرف على السهم السابع (في سبيل الله) من زكاة قبائل أسلم وغفار ومزينة وجهينة (¬3) ولعل أموالاً من الزكاة صرفت على حركة الفتح في العراق والشام. وأنفق أبو بكر رضي الله عنه من السهم الرابع (المؤلفة قلوبهم) فأعطى عدي بن حاتم ثلاثين بعيراً من إبل الصدقة (¬4)، وأعطى الزبرقان بن بدر أيضاً من هذا السهم (¬5). وهذا يتفق مع أوضاع الدولة وقت الردة وحاجتها إلى تأليف القلوب، وإن كان الأثران ضعيفان. ورغم اتجاه الإنفاق هذا فإن الأسهم الأخرى أخذت نصيبها من أموال الزكاة وأحيانا أشرف الخليفة بنفسه على توزيعها على الفقراء (¬6). ¬

_ (¬1) التوبة 60. (¬2) ابن تيمية: الفتاوى 19: 257 - 259. (¬3) الكلاعي: الاكتفا (حروب الردة) 44. (¬4) حماد بن اسحق: تركة النبي صلى الله عله وسلم ص 90 دون إسناد، والبيهقي: السنن الكبرى 7: 19 - 20، والكلاعي: الاكتفا (حروب الردة) 52. (¬5) ابن قدامة: المغني 6: 127. (¬6) البيهقي: السنن الكبرى 8: 49 والأثر حسن.

ومن أهم ما حدث من تغيير في توزيع الصدقات في خلافة عمر رضي الله عنه إسقاط سهم (المؤلفة قلوبهم) (¬1) إذ كانوا يتألفون بالمال في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر رضي الله عنه (¬2). وذلك لأن الإسلام كان قوي الجانب في خلافته فلا حاجة للإنفاق من أموال الزكاة على هذا الصنف من الأصناف الثمانية التي نصت عليها الآية (¬3). وتشير روايات ضعيفة إلى أن عمر كان يجهز المجاهدين بأربعة آلاف فرس (¬4)، وثلاثين ألف بعير (¬5). ومن المعروف أن المجاهدين هم أحد الأصناف الثمانية الذين يستحقون الزكاة حتى لو كانوا أغنياء. ومن البديهي القول بأن وفرة الأموال نتيجة الفتوحات ساعدت على التوسع في الصرف على التكافل الاجتماعي مما رفع من مستوى المعيشة في المجتمع. ¬

_ (¬1) تتضافر آثار ضعيفة على إثبات هذا الإسقاط (أحمد: فضائل الصحابة 1: 292، وابن زنجويه: الأموال 2: 623، ويعقوب بن سفيان: المعرفة والتأريخ 3: 372 - 373، والبيهقي: السنن 20:7). (¬2) مسلم: الصحيح بشرح النووي 7: 156، وصحيح الترمذي للألباني 1: 204، وابن كثير: التفسير 2: 365. (¬3) ابن كثير: التفسير 2: 365. (¬4) ابن سعد: الطبقات 3: 306، وابن أبي شيبة: المصنف 6: 475، والطبري: تأريخ 2: 571 والأثر ضعيف للانقطاع بين نافع مولى ابن عمر وعمر، ولتدليس الحجاج بن أرطأة وقد عنعنه. (¬5) ابن سعد: الطبقات 3: 305 - 306 والأثر ضعيف للانقطاع بين الراوي وعمر رضي الله عنه.

المبحث الثاني: مصارف الغنائم والفيء

المبحث الثاني: مصارف الغنائم والفيء يقصد بالغنائم تلك الأموال التي حازها المسلمون بالقوة، أما الأموال التي أخذت دون قتال فهي الفيء. وقد بيَّن القرآن أن خمس الغنائم هي حصة الدولة، ولكنه حدد أوجه صرف الخمس: (واعلموا أن ما غنمتم من شيء فإن لله خمسه وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل) (¬1). وأما أربعة أخماس الغنائم الأخرى فإنها توزع على المقاتلين الذين شهدوا القتال، وبذلك فإن معظم الغنائم يتصرف بها الأفراد مما يرفع مستوى معيشتهم. وأما الفيء فقد حدد القرآن أوجه صرفه: (ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى فلله وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل كي لا يكون دولة بين الأغنياء منكم) (¬2). وهكذا فإن أموال الفيء كلها للدولة تتصرف في إنفاقها في التكافل الاجتماعي والتقريب بين فئات المجتمع الاقتصادية. ولما تولى أبو بكر رضي الله عنه الخلافة جعل سهم الرسول صلى الله عليه وسلم من الخمس في الجهاد (سبيل الله) (¬3)، وأما سهم ذوي القربى، وهم بنو هاشم وبنو المطلب، فولى عليه ¬

_ (¬1) الأنفال 41. (¬2) الحشر 7. (¬3) عبد الرزاق: المصنف 5: 238، وابن أبي شيبة: المصنف 12: 471 مختصراً، والبلاذري: أنساب الأشراف 1: 516، والطبري: جامع البيان 10: 7 من مرسل ابراهيم وقتادة، والنسائي: السنن 7: 133 من مرسل الحسن بن محمد بن الحنفية، والبيهقي: السنن الكبرى 6: 342

علياً رضي الله عنه ليقوم بقسمته (¬1)، ووردت روايات أخرى ضعيفة بأن أبا بكر رضي الله عنه "لم يكن يعطي قربى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما كان النبي يعطيهم" (¬2) أو أنه أسقط سهم ذوي القربى وجعله في الجهاد (¬3). وقد ظهرت قضية ميراث الرسول صلى الله عليه وسلم، وكان يتصرف في حياته بأموال الفيء وفق التوجيه القرآني، فلما توفي عليه الصلاة والسلام طالبت فاطمة رضي الله عنها بنصيبها مما ترك من سهامه من خيبر وفدك وصدقاته بالمدينة (¬4)، وهي أموال عظيمة، وقد أوضح أبو بكر أن هذه الأموال لا تورث وفق وصية النبي صلى الله عليه وسلم: "لا نورث ما تركنا صدقة" (¬5)، و"لا يقتسم ورثتي ديناراً، ¬

_ (¬1) - أحمد: المسند 1: 84 - 85، وابن أبي شيبة: المصنف 12: 470، وفي إسنادهم حسين بن ميمون الخندقي لين الحديث. وأبو داؤد: السنن 3: 147، والبيهقي: السنن الكبرى 6: 343 والأثر يقوى بطرقه إلى الحسن لغيره. (¬2) - أبو داؤد: السنن 3: 145، وأحمد: المسند 4: 83، والبيهقي: السنن الكبرى 6: 342 وإسناده صحيح، ولكن العبارة المقتبسة أعلاه مرسل الزهري أدرجت في كلام عثمان بن عفان وجبير بن مطعم (ابن حجر: فتح الباري 6: 245) فلا تثبت. (¬3) - عبد الرزاق: المصنف 5: 238، 239، وابن زنجويه: الأموال 2: 730، والحاكم: المستدرك 3: 138 وإسناد الأثر ضعيف. والطبري: تفسير 10: 7 وفي الإسناد علي بن أبي طلحة لم يسمع من ابن عباس، وعبد الله بن صالح كاتب الليث صدوق كثير الغلط وفيه غفلة، لكنه ثبت في كتابه (ابن حجر: تهذيب التهذيب 7: 339). (¬4) - هي حدائق خمس وهبها له مخيريق. (¬5) - البخاري: الصحيح 4: 96، ومسلم: الصحيح 3: 1381.

ما تركت بعد نفقة نسائي ومؤنة عاملي فهو صدقة" (¬1). والحق أن هذه الأموال ليست ملكية شخصية للرسول صلى الله عليه وسلم مادام صرفها في أوجه يحددها القرآن، بل كان النبي صلى الله عليه وسلم يقوم بقسمتها بوصفه رئيساً للدولة، ومجال صرفها عام يهدف إلى تحقيق التكافل الاجتماعي بين المسلمين. ومن ثمَّ فإن الأموال تعود بعد وفاته إلى الدولة ويتولى مسؤوليتها الخليفة أو من ينيبه. لذلك قال أبو بكر لفاطمة رضي الله عنهما: "من كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعوله فأنا أعوله، ومن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينفق عليه فأنا أنفق عليه" (¬2). فكان أبو بكر ينفق على أهل الرسول صلى الله عليه وسلم من الفيء وما بقي يضعه في المصالح الأخرى (¬3). ولم تطالب أزواج الرسول صلى الله عليه وسلم بميراثهنَّ بعد أن ذكرتهن عائشة بحديث: "لا نورث ما تركنا صدقة" (¬4). وقد شغلت هذه القضية أهل الأخبار، فملأوا الأسفار بالروايات المفتعلة (¬5). وفي خلافة عمر رضي الله عنه عرض على بني هاشم والمطلب أن يصرف عليهم من خمس ذوي القربى في مجالات محددة "يزوج أيمهم، ويقضي دين ¬

_ (¬1) البخاري: الصحيح 4: 91، ومسلم: الصحيح 3: 1382. قال أبو داؤد: "ومؤنة عاملي يعني أكرة الأرض" السنن 3: 144 (ط. محمد محيي الدين عبد الحميد). (¬2) ابن حجر: فتح الباري 6: 203. (¬3) المصدر السابق. (¬4) البخاري: الصحيح 5: 115 و 8: 187، ومسلم: الصحيح 3: 1379. (¬5) ابن سعد: الطبقات 8: 29، وحماد بن اسحق: تركة النبي 86، وابن شبة: تأريخ المدينة 1: 199 - 200، والبلاذري: أنساب الأشراف الشيخان 57، والبيهقي: السنن الكبرى 4: 29

غريمهم، فأبوا إلا أن يسلمهم الخمس جميعاً، فأبى عمر رضي الله عنه" (¬1). وقد أجلى عمر رضي الله عنه يهود خيبر إلى تيماء وأريحا (¬2)، وذلك تطبيقاً لحديث: "لا يجتمع في جزيرة العرب دينان" (¬3). وقد كثر العمال في أيدي المسلمين في خلافته، وقوي المسلمون على العمل في الأرض (¬4)، فلم تعد ثمة ضرورة لاستمرار عقد المزارعة معهم. فأجلى يهود خيبر وقسم ما كان بأيديهم من أرض خيبر بين من شهد خيبر في عهد النبوة (¬5). ولما كان النبي صلى الله عليه وسلم يعطي زوجاته من خمس خيبر ثمانين وسقاً من التمر وعشرين وسقاً من الشعير، فقد خيَّرهنَّ عمر بين أن يقطع لهن من الأرض أو يعطيهنَّ مائة وسق، فاختارت عائشة ¬

_ (¬1) - عبد الرزاق: المصنف 5: 238، وابن أبي شيبة: المصنف 6: 516، 517، وأحمد: المسند 1: 320، وابن زنجويه: الأموال 2: 735، 736، وأبو يعلى: المسند 4: 423، 424 و 5: 41، وأبو عوانة: المسند 4: 330، 331، وابن حبان: الإحسان 7: 157 والأثر صحيح. (¬2) - البخاري: الصحيح 2: 48، ومسلم: الصحيح 10: 212، وعبد الرزاق: المصنف 6: 55 و8: 98 و 10: 359، وابن زنجويه: الأموال 3: 1067، 1068، وابن الجارود: المنتقى 166، 167، 278، والبيهقي: دلائل النبوة 4: 234، والسنن 6: 114، 135. (¬3) - عبد الرزاق: المصنف 4: 125، 126 و 6: 56، والبزار: المسند 2: 94، 95، والبيهقي: السنن الكبرى 9: 208 والحديث صحيح. (¬4) - أبو عبيد: الأموال 61، 62، وابن شبة: تأريخ المدينة 1: 188، والبلاذري: 38، 39 والأثر إسناده ضعيف. (¬5) - البلاذري: فتوح البلدان 27، وابن حبان: الإحسان 11: 609، والبيهقي: السنن 6: 114

المبحث الثالث: العطاء

وحفصة الأرض (¬1). وأمسك عمر رضي الله عنه ما جعله النبي صلى الله عليه وسلم لنوائبه وحوائجه من شطر خيبر ونصيبه من خمس خيبر، وجعل التصرف فيهما لولي الأمر (¬2) كذلك أجلى عمر رضي الله عنه يهود فدك بعد أن عوضهم عن أرضهم، وجعلها تحت تصرف ولي الأمر، وكانت في عهد النبوة قد حبست مواردها لأبناء السبيل (¬3). وأما الفيء من أرض بني النضير، فكان الرسول صلى الله عليه وسلم يعطي أهله نفقة سنتهم منها، والباقي ينفقه في صالح الدولة. وقد أمضى أبو بكر رضي الله عنه هذه السياسة، ثم أمضاها عمر رضي الله عنه سنتين من خلافته، ثم دفعها للعباس ولعلي رضي الله عنهما بشرط إمضاء سياسة النبي صلى الله عليه وسلم فيها (¬4)، وهذا توكيل منه لهما على الأرض وليس تمليكاً. المبحث الثالث: العطاء ¬

_ والأثر حسن. (¬1) البخاري: الصحيح 2: 46، ومسلم: الصحيح بشرح النووي 10: 209، 212، وابن شبة: تأريخ المدينة 1: 178، 184، 186، والبلاذري: أنساب الأشراف 41، 42، وابن الجارود: المنتقى 166، والبيهقي: السنن الكبرى 6: 114 - 116، 340. (¬2) البخاري: الصحيح 2: 185، 186، ومسلم: الصحيح بشرح النووي 12: 76، 80، (¬3) صحيح سنن أبي داؤد للألباني 2: 574. (¬4) البخاري: الصحيح 2: 186 - 188، ومسلم: الصحيح 12: 71 - 76.

لم يكن للمسلمين بيت مال في عصر الرسالة و "كان الرسول صلى الله عليه وسلم إذا أتاه الفيء قسمه في يومه، فأعطى الآهل حظين، وأعطى العزب حظاً" (¬1). وكان يعطي المال تأليفاً للقلوب حتى "إن الرجل ليسلم ما يريد إلا الدنيا، فما يلبث الا يسيراً حتى يكون الإسلام أحبَّ إليه من الدنيا وما عليها" (¬2). ولم يفرض للجند عطاء معيناً، بل يقتسمون أربعة أخماس الغنيمة. ولكن الولاة على المدن والعمال على الصدقات كانت لهم رواتب محددة (¬3)، وهي تكفل لهم تنفيذ الأمر النبوي "من كان لنا عاملاً فليكتسب زوجة، فإن لم يكن له خادم فليكتسب خادماً، فإن لم يكن له مسكن فليكتسب مسكناً" قال أبو بكر: أخبرت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من اتخذ غير ذلك فهو غال أو سارق" (¬4). وكان أبو بكر في أول خلافته ينهج منهج الرسول صلى الله عليه وسلم في قسمة المال دون حفظه، ويذكر الواقدي أنه كان يحتفظ به بعد ذلك في بيته بالسنح دون حارس ثم نقله إلى جوار المسجد النبوي (¬5). وقد حدَّد الصحابة مرتب أبي بكر رضي الله عنه بألفي درهم، فقال: "زيدوني فإن لي عيالاً، وقد شغلتموني عن التجارة، فزادوه خمسمائة. وقد شك الراوي فذكر احتمال أن الراتب كان في الأصل ألفين وخمسمائة ¬

_ (¬1) صحيح سنن أبي داؤد للألباني 2: 570. (¬2) مسلم: الصحيح (بشرح النووي) 15: 72. (¬3) صحيح سنن أبي داؤد للألباني 2: 568. (¬4) المصدر السابق. (¬5) ابن سعد: الطبقات 3: 212، 213.

درهم ثم صار ثلاثة آلاف بالزيادة (¬1). ويبدو أنه راتب سنوي، وأنه أخذ من الدولة خلال خلافته ستة آلاف درهم، فيكون راتبه الشهري في حدود (250) درهماً (¬2)، كما جعلوا له شاةً في كل يوم يطعمها لضيوفه، ويبقى رأسها وأكارعها لأهل بيته (¬3). كما جعلوا له شيئاً من السمن واللبن (¬4). أما رواتب الولاة فلم تصرح الروايات بمقاديرها، ولكن يبدو أنها كانت لا تكفيهم حيث طلبوا زيادتها "أن زدنا في أرزاقنا وإلا فابعث إلى عملك من يكفيكه" فاستشار أبو بكر الصحابة فوافقوا على زيادتها (¬5). وقد دفعت الدولة للناس مرتبات سنوية محددة سميت بالعطاء، وقد ساوى أبو بكر رضى الله عنه بين الناس في العطاء دون النظر إلى تفاضلهم في السابقة والجهاد معللاً ذلك بقوله: "إن هذا المعاش الأسوة فيه خير من الأثرة" فعمل بهذا ولاته. وقد شمل العطاء المتساوي الصغير والكبير والحر والمملوك والذكر والأنثى (¬6) ¬

_ (¬1) ابن سعد: الطبقات 3: 185 وفيه انقطاع لأن ميمون الجزري لم يدرك خلافة أبي بكر (ابن حجر: تلخيص الحبير 4: 213)، وانظر: أحمد: فضائل الصحابة 1: 162 وفيه "ألفان وخمسمائة" فقط. (¬2) ابن سعد: الطبقات 3: 193، والبلاذري: الشيخان 56، وأبو عبيد: الأموال 281 من مرسل سعيد بن المسيب ومراسيله قوية. (¬3) ابن سعد: الطبقات 3: 185 من رواية ميمون الجزري ولم يدرك خلافة الصديق. (¬4) أبو عبيد: الأموال 280، وابن سعد: الطبقات 3: 193، والبلاذري: الشيخان 55 والأثر صحيح. (¬5) أحمد: فضائل الصحابة 1: 292 من مرسل نافع مولى ابن عمر. (¬6) أبو يوسف: الخراج 42 من مرسل عبد الله بن أبي نجيح وهو ثقة، وصحيح سنن أبي داؤد

وتحدد رواية ضعيفة مقدار العطاء في العام الأول من خلافة الصديق بعشرة دراهم وفي العام الثاني بعشرين درهماً (¬1). وكان العطاء مقتصراً على أهل المدن دون البادية (¬2). وفي خلافة عمر رضي الله عنه تدفقت الأموال على الدولة، كما زادت نفقات الدولة زيادة عظيمة، فاحتاجت إلى تنظيم الواردات والمصروفات، والاحتفاظ بفائض المال لمدة طويلة، فاتخذ عمر رضي الله عنه بيت المال (¬3)، وممن تولى إدارته عبد الرحمن بن عبد القاري (تابعي له رؤية) (¬4)، وعبد الله بن الأرقم الزهري (صحابي) (¬5)، ومعيقيب بن أبي فاطمة (صحابي) (¬6). وقد استحدثت بيوت الأموال في الأمصار أيضاً توضع فيها أموال المصر الخاصة فكان عبد الله بن مسعود يتولى بيت المال في الكوفة (¬7). ¬

_ للألباني 2: 570. (¬1) - ابن سعد: الطبقات 3: 193 بإسناد فيه أسامة بن زيد بن أسلم "ضعيف". (¬2) - أبو عبيد: الأموال 240، 243. (¬3) - ابن شبة: تأريخ المدينة 3: 857 - 858 بسند مقطوع. (¬4) - البيهقي: السنن الكبرى 2: 143 بإسناد حسن. (¬5) - خليفة: التأريخ 156، وابن أبي شيبة: المصنف 6: 556 - 557، وأحمد: الزهد 143 - 144، وابن شبة: تأريخ المدينة 699، وابن حجر: المطالب العالية 3: 732 نقلاً عن مسند اسحق بن راهويه، والأثر إسناده حسن. (¬6) - ابن شبة: تأريخ المدينة 2: 702 والخبر صحيح، وابن حجر: التقريب 2: 268. (¬7) - عبد الرزاق: المصنف 6: 100 - 101 و 10: 333، وابن سعد: الطبقات 8: 6، وأحمد: المسند 1: 159 وفضائل الصحابة 2: 842، وابن زنجويه: الأموال 2: 499، والبيهقي: السنن الكبرى 6: 354 وهو يعتضد بطرقه إلى الحسن.

وكان عمر يعجل بقسمة الأموال التي ترد إلى بيت المال في أول خلافته (¬1)، ثم دون الديوان، وفرض الفرائض، ووضع العرفاء على القبائل (¬2). ويؤرخ الطبري تدوين الديوان لأول مرة في السنة الخامسة عشرة من الهجرة (¬3) وأما البلاذري فيؤرخه في سنة عشرين. وتدل الروايات الصحيحة على أن تدوين الديوان كان عقب قدوم أخماس غنائم فتوح العراق يحملها أبو هريرة السدوسي (¬4) بعد ولاية أبي موسى الأشعري على البصرة، وقدرها ثمانون ألف درهم (¬5)، وكانت ولايته عليها منذ السنة السابعة عشرة للهجرة، كما أن غنائم المدائن وجلولاء- وقد فتحتا سنة ستة عشر- (¬6) وصلت في وقت مقارب للأخماس التي أرسلها أبو موسى الأشعري، وقدر خمس غنائم جلولاء ستة ملايين درهم (000, (000) , 6 درهم) (¬7)، فلعل تدوين الديوان كان في حدود سنة (17) هـ. ¬

_ (¬1) عبد الرزاق: المصنف 11: 100، وأحمد: المسند 1: 16، 94، والبزار: المسند 4: 253، (¬2) - أحمد: فضائل الصحابة 1: 328، وابن أبي شيبة: المصنف 5: 343 و 6: 455 (ط. بيروت)، والبيهقي: السنن الكبرى 6: 360 و 8: 108 والأثر صحيح. (¬3) - الطبري: تأريخ 2: 402. (¬4) - أما المصادر التأريخية فتذكر أن قدوم أبي هريرة كان من البحرين، وكان والياً عليها سنة عشرين للهجرة (البلاذري: فتوح البلدان 439، وأبو يوسف: الخراج 105، والبيهقي: السنن 6: 350 وقد اضطربت في مقدار الخمس). (¬5) - يعقوب بن سفيان: المعرفة والتأريخ 1: 465 - 467، وابن أبي شيبة: المصنف 6: 457، والبيهقي: السنن 6: 364 والأثر صحيح. (¬6) - ابن سعد: الطبقات 3: 296، 297 عن الواقدي، والبلاذري: فتوح البلدان. (¬7) - ابن أبي شيبة: المصنف 12: 318 (ط. السلفية)، وأبو عبيد: الأموال 224.

وأراد عمر رضي الله عنه توزيع هذه الأموال فأشار عليه الصحابة رضوان الله عليهم: "لا تفعل يا أمير المؤمنين، إن الناس يدخلون في الإسلام ويكثر المال، ولكن أعطهم على كتاب" (¬1). ولابد أن كتابة قوائم بأسماء المقاتلة مع تحديد معدلات أعطياتهم وأرزاقهم استلزم وقتاً طويلاً ولم يتم إنجازه كاملاً إلا سنة عشرين بعد أن استقرت الأوضاع، واتضحت أبعاد الفتح، وأنشئت المعسكرات الجديدة كالكوفة والبصرة، وتحددت الأجناد (جند الشام، وجند حمص، وجند قنَّسرين) واتضحت موارد الدولة المالية، مما يمكن معه من إنجاز الإحصاء والتدقيق اللازمين للديوان (¬2). وتشير روايات ضعيفة إلى أن فكرة الديوان عرضها بعض الصحابة بناء على ما رأوه في بلاد الفرس والشام (¬3)، أو أن فكرة الديوان عرضها الهرمزان- أسير تستر سنة (17) هـ- (¬4). ولكن مما لا شك فيه أن الدواوين الإدارية والمالية كانت معروفة في أجهزة الحكم للدولتين العظميين المتصارعتين في المشرق قبيل ظهور الإسلام (¬5). ¬

_ (¬1) - يعقوب بن سفيان: المعرفة والتأريخ 1: 465 - 467، وابن أبي شيبة: المصنف 6: 457، والبيهقي: السنن 6: 364 والأثر صحيح. (¬2) - عبد العزيز بن عبد الله السلومي: ديوان الجند 101. (¬3) - ابن سعد: الطبقات 3: 300، وابن أبي شيبة: المصنف 6: 452، وابن زنجويه: الأموال 2: 54، والبيهقي: السنن 6: 349، والأثر فيه ضعف مداره على محمد بن عمرو بن علقمة الليثي صدوق له أوهام (ابن حجر: التقريب 2: 196). (¬4) - الجهشياري: الوزراء والكتاب 17، والصولي: أدب الكتاب 190، والماوردي: الأحكام السلطانية 199، والعسكري: الأوائل 134. (¬5) - الجهشياري: الوزراء والكتاب 2، 3، وابن خرداذبة: المسالك والممالك 111 - 112، والبلاذري: فتوح البلدان 560، والماوردي: الأحكام السلطانية 199، والمقريزي: الخطط 1: 148، والسلومي: ديوان الجند 91.

ولا شك أن تدوين الديوان هو بمثابة إحصاء لأعداد المقاتلين المسلمين، بل ولغيرهم أيضاً ممن استحقوا العطاء، وكان قد جرى أول إحصاء في الإسلام في عهد النبوة "اكتبوا لي من يلفظ بالإسلام من الناس" فكتب له ألفاً وخمسمائة رجل (¬1) ولم تشر المصادر إلى وقوع إحصاء آخر للسكان حتى تدوين الديوان. أما عن ترتيب الديوان، فقد بدأ بقرابة الرسول صلى الله عليه وسلم (¬2) الحسن والحسين (¬3)، ثم الأقرب فالأقرب، فقسم لزوجاته صلى الله عليه وسلم، ثم قدم المهاجرين الأولين فبدأ بأهل بدر منهم ثم أحد .. وعلل ذلك بقوله: "إني بادئ بأصحابي المهاجرين الأولين، فإنا أخرجنا من ديارنا ظلماً وعدواناً- ثم أشرفهم ففرض لأهل بدر وأحد- ثم قال: ومن أسرع في الهجرة أسرع به العطاء، ومن أبطأ في الهجرة أبطأ به العطاء، فلا يلومنَّ رجل إلا مناخ راحلته" (¬4). واذا اقتصرنا على ما صح من مقادير العطاء، فإن عطاء زوجات النبي صلى الله عليه وسلم كان عشرة آلاف درهم (000, (10) درهم) كل سنة إلا جويرية وصفية وميمونة فقد فرض لهن أقل من ذلك ثم زاد عطاؤهن فصار اثني عشر ألف درهم (000, (12) درهم) إلا صفية وجويرية كان عطاؤهن ستة آلاف درهم (6000 درهم). وقد طالبت عائشة بالمساواة بين أمهات المؤمنين، فوافق عمر على مساواتهن (¬5). ¬

_ (¬1) البخاري: الصحيح 4: 87. (¬2) يعقوب بن سفيان: المعرفة والتأريخ 1: 466 بإسناد صحيح رجاله ثقات. (¬3) عبد الرزاق: المصنف 11: 100 بإسناد صحيح رجاله ثقات. (¬4) ابن أبي شيبة: المصنف 6: 457، وأحمد: المسند 3: 475 بإسناد حسن، ويعقوب بن سفيان: المعرفة والتأريخ 1: 463 بإسناد صحيح. (¬5) عبد الرزاق: المصنف: 11: 100، وأحمد: المسند 3: 475، 476، ويعقوب بن سفيان:

وكان عطاء المهاجرين والأنصار أربعة آلاف درهم (4000 درهم) لكل واحد سنوياً (¬1)، سوى عبد الله بن عمر بن الخطاب فإنه فرض له ثلاثة آلاف وخمسمائة درهم (3500 درهم) معللاً ذلك "بأنه هاجر به أبوه أي ليس هو كمن هاجر بنفسه" (¬2)، وكان عبد الله صبياً حين الهجرة. ثم زاد المهاجرين ألفاً فصار عطاءهم خمسة آلاف درهم (5000 درهم) كل سنة (¬3). ويبدو أن هذا العطاء للبدريين فقط من المهاجرين والأنصار (¬4). وأما من شهد صلح الحديبية فكان عطاءه ثلاثة آلاف درهم (3000 درهم) كل سنة (¬5). وفرض لكل مولود مائة درهم (100 درهم)، وكان يفرض للفطيم ثم فرض للمولود حين ولادته خوفاً من تعجيل فطامه (¬6). ¬

_ المعرفة والتأريخ 1: 463، 464، وابن زنجويه: الأموال 2: 536، والبيهقي: السنن الكبرى 6: 349. (¬1) البخاري: الصحيح 2: 335. (¬2) البخاري: الصحيح 2: 335. (¬3) عبد الرزاق: المصنف 11: 100 والأثر صحيح. (¬4) أحمد: المسند 3: 475 - 476، ويعقوب بن سفيان: المعرفة والتأريخ 1: 463، والبيهقي: السنن 6: 349 والأثر صحيح. (¬5) يعقوب بن سفيان: المعرفة والتأريخ 1: 463 - 464، والبيهقي: السنن الكبرى 6: 349 والأثر صحيح. (¬6) عبد الرزاق: المصنف 5: 311، وابن سعد: الطبقات 3: 301، وابن زنجويه: الأموال 2: 528 والأثر صحيح. وابن أبي شيبة: المصنف 6: 456، وابن زنجويه: الأموال 2: 527 والأثر صحيح لكنه خاص بعطاء زيد حفيد عمر، ولا يعقل أن يختصه دون أولاد المسلمين.

وأما الموالي، فقد فرض لأشرافهم كالهرمزان حينما أسلم ألفي درهم (2000 درهم) (¬1). وإضافة إلى العطاء السنوي فإن عمر رضي الله عنه كان يوزع عطايا متفرقة، فقد أرسل إلى عائشة رضي الله عنها دراجاً (سفطاً لوضع الطيب والحلي) بعد أن استأذن الصحابة (¬2). وأعطى بعيراً محملاً بالطعام والنفقة والثياب لبنت خفاف بن ايماد الغفاري لمكانة أبيها وأخيها في الجهاد (¬3). وقسم مروطاً (أكسية تأتزر بها النساء من الصوف أو الحرير) بين نساء من نساء المدينة، وخصَّ أم سليط بمرط جيد "لأنها كانت تزفر لنا القرب يوم أحد" (¬4). وربما دفع أموالاً لبعض الصحابة لقسمتها على المحتاجين كما فعل مع عثمان وابن عباس (¬5). وقد قسم المال مرة فسَّوى بين الناس، ولكن راعى أحوالهم الاجتماعية، فإن كان الرجل وحده أعطاه نصف دينار، وإن كانت معه امرأته أعطاه ديناراً (¬6). ومن المهم أن نتبين وجهة نظر عمر رضي الله عنه في عدم المساواة بين المسلمين في العطاء، ودعمه الواضح لقرابة الرسول صلى الله عليه وسلم ولكبار ¬

_ (¬1) - ابن أبي شيبة: المصنف 3: 7 و 6: 511، وابن زنجويه: الأموال 1: 305 - 306، والطبري: تأريخ 2: 481 والأثر صحيح. (¬2) - أحمد: فضائل الصحابة 2: 875، والحاكم: المستدرك 4: 8، وابن حجر: المطالب العالية 2: 189 نقلاً عن أبي يعلى الموصلي، والأثر حسن. (¬3) - البخاري: الصحيح 3: 43. (¬4) - البخاري: الصحيح 2: 150. (¬5) - ابن سعد: الطبقات 3: 288، والبزار: المسند 4: 255 - 256، ويعقوب بن سفيان: المعرفة والتأريخ 1: 521 - 522، والأثر صحيح. (¬6) - ابن أبي شيبة: المصنف 6: 493، وابن زنجويه: الأموال 2: 539 والأثر حسن.

الصحابة من المهاجرين والأنصار واعتباره للسابقة في الإسلام والبلاء في الجهاد .. فلا شك أن الفئة التي حازت الأموال الوفيرة في خلافته هي التي أقامت على أكتافها صرح الدولة الإسلامية، كما أنها أكثر فقهاً والتزاماً بالشرع ومقاصده، وأكثر ورعاً وصلاحاً في التعامل مع المال، وتذليله لتحقيق المقاصد الاجتماعية عن طريق الإنفاق. ودعم هذه الفئة اقتصادياً يقوي نفوذها في المجتمع، ويجعلها أقدر على القيام بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ويحقق مقصد الحديث: "اليد العليا خير من اليد السفلى". ويلاحظ أن عمر رضي الله عنه أراد العدول عن سياسة التفضيل في العطاء إلى المساواة، ولعل سياسة التفضيل حققت مقاصدها، كما أن وفرة الأموال تتيح له رفع العطاء الأقل إلى الأعلى .. وقد صرَّح بذلك في آخر خلافته قائلاً: "لئن بقيت إلى قابل، لألحقن آخر الناس بأولهم، ولأجعلنهم بياناً واحد" (¬1) - أي سواء-. وأما عن نظرة عمر إلى الأموال العامة فقد عبَّر عنها بقوله: "إنَّ الله جعلني خازناً لهذا المال، وقاسماً له، ثم قال: بل الله يقسمه" (¬2). ¬

_ (¬1) ابن أبي شيبة: المصنف 6: 454، وابن زنجويه: الأموال 2: 576 والأثر صحيح. (¬2) سعيد بن منصور: السنن 2: 124، 125، وأحمد: المسند 3: 475، 476، وابن أبي شيبة: المصنف 6: 457، وابن زنجويه: الأموال 2: 499، ويعقوب بن سفيان: المعرفة والتأريخ 1: 463 - 464، والحاكم: المستدرك 3: 272، والبيهقي: السنن الكبرى 6: 210، 349، والأثر صحيح.

وقد بكى عندما رأى عظمة الأموال التي جلبت إلى بيت المال من فتوح فارس، فلما ذكره عبد الرحمن بن عوف بأنه يوم شكر وسرور وفرح، قال عمر: "كلا إن هذا لم يعطه قوم إلا ألقي بينهم العداوة والبغضاء" (¬1). ونظر إلى أموال فتح جلولاء فقرأ الآية: (زيِّن للناس حب الشهوات من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة) (¬2) وقال: اللهم لا نستطيع إلا أن نفرح بما زين لنا، اللهم فاجعلني أنفقه في حقه، وأعوذ بك من شره (¬3). أما ورعه من المال العام فيظهر من قوله: "أنا أخبركم بما أستحل من مال الله، حلة الشتاء والقيظ، وما أحج عليه وما أعتمر من الظهر، وقوت أهلي كرجل ¬

_ (¬1) ابن المبارك: الزهد 265، وعبد الرزاق: المصنف 11: 100، وأحمد: المسند 1: 16 والزهد 143، وبن زنجويه: الأموال 2: 500 - 501، والطبري: التأريخ 2: 471، والبيهقي: السنن الكبرى 6: 357 والأثر صحيح. (¬2) آل عمران 14. (¬3) ابن أبي شيبة: المصنف 6: 556 - 557، وأحمد: الزهد 143 - 144، وابن شبة: تأريخ المدينة 699 وهو أثر حسن.

الأرزاق العينية

من قريش، ليس بأغناهم ولا بأفقرهم، أنا رجل من المسلمين يصيبني ما يصيبهم" (¬1) وكان يقول: "اللهم إنك تعلم أني لا أكل إلا وجبتي، ولا ألبس إلا حلتي، ولا آخذ إلا حصتي" (¬2). ويقول: "إني أنزلت مال الله مني بمنزلة مال اليتيم، من كان غنياً فليستعفف، ومن كان فقيراً فليأكل بالمعروف" (¬3). وكان مثالياً في موقفه عام الرمادة حيث امتنع عن أكل السمن وعاش على الزيت والشعير مواساة للرعية حتى انجلت المجاعة (¬4). ورفض أول ماحيا الناس أن يأكل السمن واللبن لارتفاع سعره حيث بلغ ثمن عكة السمن والحيس (يصنع من تمر وأقط وسمن) أربعين درهماً (¬5). الأرزاق العينية: إضافة إلى العطاء السنوي، فإن الدولة كانت توزع أرزاقاً عينية تشمل كبار الموظفين والرعية، فقد بعث عمر رضى الله عنه عبد الله بن مسعود على القضاء وبيت المال بالكوفة، وعثمان بن حنيف على مساحة الأرض، وعمار بن ياسر على الصلاة والقتال، وجعل لهم كل يوم شاة، نصفها وسواقطها لعمار بن ياسر، وربعها ¬

_ (¬1) - عبد الرزاق: المصنف 11: 104 - 105، وابن سعد: الطبقات 3: 375 - 376، وابن أبي شيبة: المصنف 6: 459 - 460، وابن زنجويه: الأموال 2: 600 - 601، وابن شبة: تأريخ المدينة 2: 698 والأثر صحيح. (¬2) - ابن زنجويه: الأموال 2: 602، وعمر بن شبة: تأريخ المدينة 2: 698 والأثر صحيح (¬3) - ابن سعد: الطبقات 3: 276، وابن أبي شيبة: المصنف 6: 460، وابن شبة: تأريخ المدينة 2: 701، والأثر حسن لغيره. (¬4) - ابن سعد: الطبقات 3: 313، وعبد الرزاق: المصنف 11: 223 والأثر صحيح. (¬5) الطبري: تأريخ 2: 508 عن سيف، وهو عمدة في التأريخ ومتروك في الحديث.

لعثمان بن حنيف، وربعها الباقي لعبد الله بن مسعود (¬1). ولما قدم الشام طلب من أمراء الأجناد أن يكفلوا لكل رجل من المسلمين كل شهر مديي بر ويعادلان (72) و (36) كيلو غرام، وقسطين من الزيت والخل (¬2)، بعد أن تحقق عملياً من أن هذا الرزق يكفي الرجل مدة شهر، بأن أطعم المديين والقسطين ثلاثين رجلاً فشبعوا (¬3). وكان عمر يرسل لأزواج النبي صلى الله عليه وسلم بالرؤوس والأكارع والورس والزعفران (¬4). وأما الثياب فكان يأمر بصنع الحلل الجيدة (برود اليمن) للصحابة، وكانت قيمة الحلة تتراوح بمن 1000 - (1200) درهم وربما بلغت (1500) درهم (¬5). وقد باع الصحابي معاذ بن عفراء حلته بألف وخمسمائة درهم وأعتق بها خمس رقاب، وكانت الحلة الغليظة بمائة درهم فقط (¬6). وأعظم ما أنفقته الدولة من الأرزاق العينية كان عام الرمادة، فقد أصابت ¬

_ (¬1) - عبد الرزاق: المصنف 6: 100 - 101 و 10: 333، وابن سعد: الطبقات 8: 6، وأحمد: المسند 1: 159 وفضائل الصحابة 2: 842، وابن زنجويه: الأموال 1: 206، والبيهقي: السنن الكبرى 6: 354، والخطيب: تأريخ بغداد 1: 10، 11. والأثر حسن لغيره. (¬2) - ابن زنجويه: الأموال 2: 544، 457 والأثران صحيحان. (¬3) - ابن زنجويه: الأموال 2: 545 - 546، ويعقوب بن سفيان: المعرفة والتأريخ 464:1 - 465 البيهقي: السنن الكبرى 6: 346 والأثر حسن لغيره. (¬4) - ابن سعد: الطبقات 3: 302 - 303، وابن زنجويه: الأموال 2: 540 والأثر صحيح. وأبو عبيد: الأموال 254 - 255 والأثر صحيح. (¬5) - عبد الرزاق: المصنف 1: 383 - 384، وابن زنجويه: الأموال 2: 554 - 555، والحاكم: المستدرك 4: 187 والأثر صحيح. (¬6) ابن شبة: تأريخ المدينة 2: 781 - 782 والأثر صحيح.

نفقات طارئة

الناس في نجد والحجاز مجاعة دامت تسعة أشهر اسودت خلالها الأرض لانقطاع الأمطار، وقد توسع الواقدي (¬1) في وصف حالة المجاعة هذه مبيناً نزوح الأعراب إلى المدينة، وقد بلغ عدد الذين تمدهم الدولة بالطعام ستين ألفاً منهم من يتعشى على مائدة واحدة وقد بلغوا عشرة آلاف، ومنهم من يصله الطعام إلى داره، وقد طلب الخليفة من ولاته على الأمصار إرسال الطعام والثياب فوافوه بها، ثم أدى عمر والصحابة صلاة الاستسقاء فنزلت الأمطار وحيت الأرض ورجع أهل البوادي إلى ديارهم, وقد عقَّب عمر رضي الله عنه على هذه الأحداث الشاقة بقوله: "الحمد لله، فوالله لو أن الله لم يفرجها ما تركت أهل بيت من المسلمين لهم سعة إلا أدخلت معهم أعدادهم من الفقراء، فلم يكن اثنان يهلكان من الطعام على ما يقيم واحداً" (¬2). نفقات طارئة: فقد جعل عمر رضي الله عنه نفقة اللقيط من بيت مال المسلمين (¬3)، كما دفع دية رجل قتل في الكعبة من المال العام (¬4). المبحث الرابع: الإصلاحات 1 - الإقطاع: مضى أبو بكر رضي الله عنه في تطبيق السياسة النبوية في إقطاع الأراضي ¬

_ (¬1) ابن سعد: الطبقات الكبرى 3: 310. (¬2) البخاري: الأدب المفرد 83، وابن شبة: تأريخ المدينة 2: 738 - 839 والأثر صحيح (¬3) عبد الرزاق: المصنف 7: 450، وابن أبي شيبة: المصنف 6: 295 والأثر صحيح. (¬4) عبد الرزاق: المصنف 10: 51 والأثر صحيح.

للناس طلباً لاستصلاحها، فقد أقطع الزبير بن العوام أرضاً مواتاً ما بين الجرف وقناة (¬1) وأقطع مجاعة بن مرارة الحنفي الخضرمة (قرية كانت باليمامة) (¬2)، وأراد إقطاع الزبرقان بن بدر، ثم عدل عن ذلك لاعتراض عمر رضي الله عنه، كما أراد إقطاع عيينة بن حصن الفزاري والأقرع بن حابس التميمي أرضاً سبخة (ليس فيها كلأ ولا منفعة) أرادا استصلاحها ثم عدل عن ذلك أخذاً برأي عمر رضي الله عنه في عدم الحاجة لتأليفهما على الإسلام "إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يتألفكما والإسلام يومئذ ذليل، وإن الله عز وجل قد أعز الإسلام، فاذهبا فاجهدا جهدكما" (¬3) ومن الواضح أن اعتراض عمر ليس على مبدأ الإقطاع لاستصلاح الأراضي بل على أشخاص بعينهم لا يرى تأليفهم على الإسلام. وقد توسع عمر رضي الله عنه في إقطاع الأرض لغرض استصلاحها جرياً ¬

_ (¬1) ابن سعد: الطبقات الكبرى 3: 104 والأثر صحيح. وابن أبي شيبة: المصنف 12: 354، والبلاذري: فتوح البلدان 31، والبيهقي: السنن الكبرى 6: 144. (¬2) البخاري: التأريخ الكبير 1: 376 والتأريخ الصغير 1: 119 وفي الإسناد هشام بن إسماعيل مجهول الحال، وابن حجر: الإصابة 3: 521 وفي الإسناد هلال بن سراج الحنفي مقبول، فالإسناد ضعيف لأن متابعة هشام لا تعضده. (¬3) ابن أبي شيبة: المصنف 12: 356، والبخاري: التأريخ الصغير 1: 81، ويعقوب بن سفيان: المعرفة والتأريخ 3: 373، والبيهقي: السنن الكبرى 7: 20. والأثر أسانيده مرسلة، فعبيدة السلماني لم يسمع من أبي بكر أو عمر رضي الله عنهما (الإصابة 1: 73) حيث ينقل رأي ابن المديني. وأبو عبيد: الأموال 290 من مرسل عبد الرحمن بن يزيد بن جابر الأزدي بإسناد حسن. والمتقي الهندي: كنز العمال 1: 315 عن عبد الرزاق من مرسل طاووس، والمراسيل الثلاثة تعتضد لتقوية الخبر.

على السياسة النبوية، فقد أعلن: "يا أيها الناس من أحيا أرضاً ميتة فهي له" (¬1). وتعتضد آثار ضعيفة لتؤكد انتزاع عمر رضي الله عنه ملكية الأرض المقطعة إذا لم يتم استصلاحها (¬2)، وتحدد رواية ضعيفة لذلك ثلاث سنوات من تأريخ الإقطاع (¬3) وقد ثبت إقطاع عمر رضي الله عنه لخوات بن جبير أرضاً مواتاً (¬4)، وللزبير بن العوام أرض العقيق جميعها (¬5)، ولعلي بن أبي طالب أرض ينبع، فتدفق فيها الماء الغزير، فأوقفها علي رضي الله عنه صدقة على الفقراء (¬6). وتوجد آثار ضعيفة لإقطاعه عدداً من الصحابة الآخرين، ونظراً لما يترتب على الإقطاع من حقوق التملك فلا ينبغي إعطاءها أهمية (¬7)، بل إن عمر رضي الله عنه رفض إقرار إقطاع البحرين للعباس بن عبد المطلب مما أغضب الأخير إذ لم يكن عنده سوى ¬

_ (¬1) مالك: الموطأ 2: 217، ويحيى بن آدم: الخراج 87، وابن زنجويه: الأموال 2: 651 والأثر صحيح. (¬2) ابن زنجويه: الأموال 2: 645. (¬3) يحيى بن آدم: الخراج 88، وعبد الرزاق: المصنف 9: 11، وابن زنجويه: الأموال 2: 644، والبيهقي: السنن 6: 148. (¬4) البلاذري: فتوح البلدان 26 والأثر حسن. (¬5) ابن أبي شيبة: المصنف 6: 472، وابن زنجويه: الأموال 2: 626، والبلاذري: فتوح البلدان 34 والأثر صحيح. (¬6) ابن أبي شيبة: المصنف 6: 472، وابن شبة: تأريخ المدينة 1: 220 - 221، والبلاذري: فتوح البلدان 27 - 28، والبيهقي: السنن 6: 144، 160 - 161 والأثر يرقى بطرقه إلى الحسن. (¬7) وهم: عثمان بن أبي العاص (ابن زنجويه: الأموال 2: 626).

شاهد واحد على أن النبي صلى الله عليه وسلم أقطعه إياها (¬1). ولما تولى عثمان رضي الله عنه الخلافة توسع في الإقطاع، وخاصة في المناطق المفتوحة، حيث ترك عدد من الملاكين أراضيهم فارين، فصارت صوافي تقوم الدولة باستثمارها، فأقطع عثمان رضي الله عنه منها خوفاً من بوارها (¬2)، ولكن الإمام أحمد يرى أنه أقطع من السواد أيضاً (¬3). ومما لاشك فيه أن الصوافي قد يقع كثير منها في أرض السواد. وعلى أية حال فإن الإقطاع من الصوافي رفع غلتها من تسعة آلاف درهم (9000 درهم) سنوياً في خلافة عمر رضي الله عنه إلى خمسين مليون درهم (000, (000) , (50) درهم) في خلافة عثمان رضي الله عنه (¬4) مما يدل على نجاح سياسته في إدارة الصوافي. وتذكر المصادر قائمة بأسماء الذين أقطعهم عثمان رضي الله عنه، ¬

_ ومجاعة بن مرارة السلمي (ابن زنجويه: الأموال 2: 620 - 621، والبلاذري: فتوح البلدان 102). وخوات بن جبير (ابن شبة: تأريخ المدينة 1: 151، والبلاذري: فتوح البلدان 26) وسعد بن أبي وقاص، وعبد الله بن مسعود، وخباب بن الأرت، وأسامة بن زيد، والزبير بن العوام (يحيي بن أدم: الخراج 76). وعبد الله بن بديل بن ورقاء الخزاعي (الطبري: تأريخ 2: 554 عن علي بن مجاهد متروك). وتميم الداري وأنه منعه من التصرف بالبيع (أبو عبيد: الأموال 288). (¬1) - ابن سعد: الطبقات 4: 22 - 23 والأثر حسن. (¬2) - أبو عبيد: الأموال 261، والبلاذري: فتوح البلدان 273، وابن قدامة: الخراج وصناعة الكتابة 217، والماوردي: الأحكام السلطانية 193. (¬3) - ابن رجب: الاستخراج في أحكام الخراج 428 - 430. (¬4) - الماوردي: الأحكام السلطانية 193.

ومعظمهم ليسوا من قريش، ومعظم الروايات في إقطاع عثمان رضي الله عنه ضعيفة وهي بالجملة تثبت توسعه في الإقطاع. ولعل من المفيد ذكر أسماء المقطعين وهم: 1 - عبد الله بن مسعود الهذلي "أرض بين نهري بيل وبين في السواد". 2 - عمار بن ياسر العنسي "أستينيا". 3 - خباب بن الأرت التميمي "صعنبى- قرية بالسواد". 4 - عدي بن حاتم الطائي "الروحاء- قرية من قرى بغداد على نهر عيسى". 5 - سعد بن أبي وقاص الزهري القرشي "قرية هرمز ببرِّ فارس" (¬1). 6 - الزبير بن العوام. 7 - أسامة بن زيد الكلبي. 8 - سعيد بن زيد العدوي القرشي. 9 - جرير بن عبد الله البجلي "أرض على شاطئ الفرات". 10 - ابن هبار. 11 - طلحة بن عبيد الله التيمي القرشي "النشاستج- صنيعة بالكوفة". 12 - وائل بن حجر الحضرمي "أرض توالي قرية زرارة، بالكوفة". 13 - خالد بن عرفطة القضاعي "أرض عند حمام أعين بالكوفة". 14 - الأشعث بن قيس الكندي "طيزناباذ- موضع بين الكوفة والقادسية". 15 - أبو مربد الحنفي "أرض بالأهواز على نهر تيري". 16 - نافع بن الحارث بن كلدة الثقفي "قطيعة بشط عثمان بالبصرة". ¬

_ (¬1) محمد بن محمد علي العواجي: خلافة عثمان بن عفان 180 - 182، وكلها أخبار ضعيفة ومعظمها بدون أسانيد.

2 - الحمى

17 - أبو موسى الأشعري "قطيعة بحمام عمرة" (¬1). 18 - عثمان بن أبي العاص الثقفي "شط عثمان بالبصرة". ويبدو أن جلاء أهل هذه الأراضي عنها، فصارت مواتاً، وأقطعها عثمان رضي الله عنه لإحيائها. ويبدو أن معاوية بن أبي سفيان أقطع قطائع في سواحل الشام لتعميرها وإعدادها لمواجهة هجمات الروم (¬2). وكذلك أقطع قطائع بأنطاكية بأمر عثمان (¬3)، وأخرى بقاليقلا (¬4). كما أقطع معاوية من صوافي الشام (¬5). وأما إقطاعه فدك لمروان بن الحكم فلم يعرف من طريق صحيحة (¬6). وقيل أن الذي أقطع فدك لمروان هو معاوية بن أبي سفيان (¬7). 2 - الحمى: وهي أراض خصصت لرعي الإبل والخيل التي تملكها الدولة، وقد استمرت حماية وادي النقيع في خلافة أبي بكر وعمر رضي الله عنهما حيث كان النبي صلى ¬

_ (¬1) - ابن زنجويه: الأموال 2: 635. (¬2) - البلاذري: فتوح البلدان 133. (¬3) - البلاذري: فتوح البلدان 153، وياقوت الحموي: معجم البلدان 4: 299. (¬4) - البلاذري: فتوح البلدان 200 - 201. (¬5) - ابن عساكر: تاريخ دمشق 1: 172 - 183. (¬6) - أبو داؤد: السنن 3: 143 رقم 2972 بسند ضعيف (ضعيف سنن أبي داؤد للألباني 293 رقم 637 فيه عبد الله بن الجراح التميمي صدوق يخطئ، والمغيرة بن مقسم يدلس). ويعقوب بن سفيان: المعرفة والتأريخ 1: 587 بسند فه سليمان بن أرقم ضعيف جداً، وهشام بن عمار صدوق كبر فصار يتلقن، لكن هذا من قديم حدته، ولا يعتضد الخبران لشدة ضعف سليمان بن أرقم. (¬7) - البلاذري: فتوح البلدان 45 - 46 بسند فيه ابن برقان مجهول.

3 - الإنفاق على العمران

الله عليه وسلم قد حماه للخيل (¬1). وطوله ثمانون كيلو متراً، ويبدأ جنوب المدينة بـ (40) كيلو متراً (¬2). وقد كثرت المناطق المحمية في خلافه عمر رضي الله عنه لكثرة ما تملكه الدولة من الإبل والخيل المعدة للجهاد، ومن ذلك حمى الربذة لنعم الزكاة (¬3)، وعين عليه مولاه هنِّي وأوصاه بالسماح لأصحاب الإبل القليلة بالرعي فيه دون الأغنياء (¬4). وحمى أرضاً في ديار بني ثعلبة رغم احتجاجهم على ذلك فقد أجابهم: "البلاد بلاد الله تحمى لنعم مال الله" (¬5). وقيل أنه حمى ضرية أيضاً، وتعرف بالشَّرَف (¬6). 3 - الإنفاق على العمران: عمران المساجد: قامت الدولة في عصر الخلافة الراشدة بالإنفاق على المنشآت العامة، فتم تجديد سقف المسجد النبوي بالمدينة وسواريه في خلافة أبي بكر رضي الله عنه، ¬

_ (¬1) أحمد: المسند 8: 40 و 9: 171 - 172، 179 بتحقيق أحمد شاكر وقال: إسناده صحيح. وصحيح سنن أبي داؤد للألباني 2: 595. (¬2) البلادي: معجم المعالم الجغرافية في السيرة النبوية 320. (¬3) ابن أبي شيبة: المصنف 5: 6 بإسناد صحيح، وأحمد: الزهد 144 بإسناد حسن. (¬4) ابن حجر: فتح الباري 6: 176، والإصابة: 3: 620 عن الواقدي. (¬5) ابن سعد: الطبقات 3: 326، وابن زنجويه: الأموال 2: 668 - 669، وابن شبة: تاريخ المدينة 3: 889 والأثر صحيح. (¬6) البخاري: الصحيح 2: 53 تعليقاً، والتعليقات لا تأخذ حكم الصحيح، وابن سعد: الطبقات 3: 305، وابن زنجويه: الأموال 666:2. والبيهقي: السنن الكبرى 6: 146 والأثر ضعيف لأنه من مراسيل الزهري.

ولكن لم تستعمل في التجديد مواد أخرى غير جذوع النخل وجريده (¬1). كما لم تتم توسعة المسجد (¬2). وفي خلافة عمر رضي الله عنه زاد في مساحة المسجد، وأدخل فيه دار العباس بن عبد المطلب (¬3)، وامتدت التوسعة عشرة أذرع من جهة القبلة وعشرين ذراعاً من الناحية الغربية، وسبعين ذراعاً من الناحية الشمالية (¬4). وأعاد بناءه باللبن والجريد، وجعل عُمُده من الخشب (¬5)، وجعل سقفه من الجريد وكساه ليحمي الناس من المطر، ونهى عن زخرفته بحمرة أو صفرة لئلا يفتتن الناس في صلاتهم (¬6)، ورصف أرضه بالحصباء جيء بها من العقيق (¬7). وأجرى عمر رضي الله عنه تعديلات يسيرة في المسجد الحرام بمكة، فنقل مقام إبراهيم وكان ملصقاً بالكعبة إلى مكانه اليوم بعيداً عنها للتيسير على الطائفين والمصلين (¬8)، وعمل عليه المقصورة (¬9). كما أقام لأول مرة جداراً قصيراً حول ¬

_ (¬1) - أبو داؤد: السنن 1: 123 بإسناد ضعيف لأن عطية العوفي مدلس. (¬2) - البخاري: الصحيح 1: 121، وأحمد: المسند 2: 130، وأبو داؤد: السنن 1: 123. (¬3) - ابن سعد: الطبقات 4: 21، 22، ويعقوب بن سفيان: المعرفة والتأريخ 1: 512، والحاكم: لمستدرك 3: 331 - 332. (¬4) - غالي محمد الأمين الشنقيطي: الدر الثمين في معالم دار الرسول الأمين 83. (¬5) - البخاري: الصحيح 1: 89. (¬6) - البخاري: الصحيح (فتح الباري 4: 98). (¬7) - أحمد: فضائل الصحابة 1: 325، وابن سعد: الطبقات 3: 284، والبيهقي: السنن 2: 441 وتعتضد طرقه إلى الحسن. (¬8) - عبد الرزاق: المصنف 5: 47 - 48، والفاكهي: تاريخ مكة 1: 454 - 456 ويعتضد بطرقه إلى الحسن. وانظر ابن حجر: فتح الباري 8: 169. (¬9) ابن حجر: فتح الباري 8: 169.

بناء الأمصار

البيت الحرام (¬1)، وكسى من بيت المال الكعبة القباطي (¬2) - وهي ثياب مصرية رقيقة بيضاء-. كما عمِّرت المساجد في الأمصار الجديدة في خلافة عمر رضي الله عنه، فاختط سعد بن أبي وقاص المسجد الجامع بالكوفة، واختط عتبة بن غزوان المسجد الجامع بالبصرة، واختط عمرو بن العاص المسجد الجامع في الفسطاط، فكانت هذه المساجد الكبيرة محل صلاة المسلمين وتعارفهم وتدارسهم العلم وقضائهم وتلقيهم أوامر الخليفة والولاة .. بناء الأمصار: لا شك أن خطوط المواصلات بين المدينة المنورة عاصمة الخلافة الراشدة وميادين القتال في العراق وإيران والشام ومصر وأفريقية أصبحت طويلة، فكان لابد من اتخاذ قواعد عسكرية داخل المناطق المفتوحة، تصلح لسكن المقاتلين، وتوفر لهم الخدمات الضرورية، وقد تم اختيار مواقع المدن الجديدة بعد مشاورات بين الخليفة عمر رضي الله عنه، وقادة الميادين. وقد نبَّه عمر قادته إلى ضرورة قرب المدن من الماء والمرعى، وأن يجتمع فيها المسلمون، وبنى القادة مدنهم، فابتنى عتبة بن غزوان (14 - (16) هـ) البصرة، وابتنى سعد بن أبي وقاص سنة (17) هـ (¬3) الكوفة، وابتنى عمرو بن العاص الفسطاط. وقد لوحظ في اختيار الموقع أن المدن الثلاثة لا تفصلها عن الصحراء عوائق طبيعية ¬

_ (¬1) البخاري: الصحيح 2: 317. (¬2) الأزرقي: أخبار مكة 1: 253، وعبد الرزاق: المصنف 5: 89 بإسناد ضعيف. (¬3) الطبري: تأريخ 2: 477.

من أنهار وجبال ليسهل انسحاب المقاتلين منها إلى الصحراء عند الضرورة (¬1). وقد استخدم القصب المتوافر بكثرة في موقع البصرة لبناء المسجد وسط المدينة، وقرب المسجد اختط عتبة دار الإمارة والى جوارها السجن والديوان في الرحبة، وكان الناس في أول الأمر إذا خرجوا إلى الجهاد نزعوا ذلك القصب، وحزموه، ثم يعيدون بناءه إذا رجعوا من الجهاد. ولما تولى أبو موسى الأشعري ولاية البصرة بنى دار الإمارة باللبن والطين وسقفها بالعشب، وزاد في المسجد، وأخذ الناس بالبناء باللبن خاصة بعد أن وقع الحريق بالبصرة (¬2). وأما بناء الكوفة فكان سنة (17) هـ، وكان المسلمون يقيمون بالمدائن وقد اختطوا فيها وأقاموا المساجد لكنهم استوخموها، فكتب سعد بن أبي وقاص إلى عمر رضي الله عنه، فأمره ببناء مدينة لهم، وقام بتخطيط الكوفة أبو الهياج السلمي وفق توجيهات الخليفة العامة، حيث جعل عرض الطرق الرئيسية (المناهج) أربعين ذراعاً وما يليها ثلاثين ذراعاً وما بينهما عشرين ذراعاً، والأزقة سبعة أذرع، ولا يخط طريق أضيق من ذلك. واعتبرت الطرق الرئيسية حدوداً فاصلة بين مخيمات القبائل الواقعة على جانبي الطريق. وقد بدئ ببناء المسجد الجامع وسط المدينة ثم ترك فراغ حول المسجد كالصحن، ثم بنيت دار الإمارة وبيوت الأموال بجوار المسجد وكان بين المسجد ودار سعد مائتي ذراع، وحفر خندق بعد صحن المسجد لئلا تمتد إليه بيوت الناس. وسمح بإقامة السوق دون بنيان داخل صحن المسجد، ويكون ¬

_ (¬1) - تؤكد عدة روايات ضعيفة أن ذلك تم بتوجيه من عمر رضي الله عنه (ابن عبد الحكم: فتوح مصر 91). (¬2) صالح العلي: خطط البصرة ومنطقتها 46، وانظر البلاذري: فتوح البلدان 341 - 342، وياقوت: معجم البلدان 2: 363، والطبري: تأريخ 2: 479.

حفر الأنهار والخلجان وإقامة السدود والمنشآت الأخرى

المكان من حق السابق إليه من الباعة. وأنزلت القبائل حول صحن المسجد، واختطت لها مكان إقامتها فكان لكل قبيلة مكان يعرف باسمها لا تنزل فيه القبائل الأخرى (¬1). وأما الفسطاط فقد اختطها عمرو بن العاص، فابتنى مسجدها الجامع وحول دار الإمارة وخطط القبائل. حفر الأنهار والخلجان وإقامة السدود والمنشآت الأخرى: أنفقت الدولة الإسلامية على عدة مشاريع بعضها لتحسين المواصلات البحرية مثل خليج أمير المؤمنين بمصر حيث حفره واليها عمرو بن العاص بين النيل والخليج، وبذلك أصبحت السفن المصرية تمخر البحر الأحمر تحمل المواد الغذائية وغيرها إلى ميناء الجار ميناء أهل المدينة (¬2). ومثل حفر قناة مائية مسافة ثلاثة فراسخ من الخور إلى البصرة لإيصال مياه دجلة إلى البصرة (¬3). وفي خلافة عمر أصابت السيول الكعبة واقتلعت مقام إبراهيم عليه السلام فبنى سدين، أحدهما من الصخور العظيمة (¬4). وقد اشترى عمر داراً بمكة بأربعمائة دينار واتخذها سجناً (¬5). كما شُّيِّد ¬

_ (¬1) - ماسينيون: خطط الكوفة وشرح خريطتها. . (¬2) - ابن عبد الحكم: فتوح مصر 163 - 166، وابن شيبة: تأريخ المدينة 2: 745، وابن زنجويه: الأموال 2: 555، والطبري: تأريخ 2: 509. وهذه الروايات الضعيفة تعتضد لتؤكد الصحة التأريخية لإحياء هذه القناة المائية بين النيل والبحر الأحمر. (¬3) - البلاذري: أنساب الأشراف 350 عن الكلبي وجماعة من أهل العلم. (¬4) - الأزرقي: أخبار مكة 2: 167 والسند مرسل، والبلاذري: أنساب الأشراف 65 عن هشام الكلبي. (¬5) - البخاري تعليقاً (فتح الباري 5: 76)، وعبد الرزاق: المصنف 5: 148، والأزرقي: أخبار

4 - مشروع تحرير الرقيق

سجن بالكوفة من القصب (¬1). وأقيمت في خلافة عمر استراحات للحجاج توفر الماء والظل على الطريق بين المدينة ومكة (¬2). واتخذ عمر رضي الله عنه دار الدقيق لحفظ الدقيق والسويق والتمر والزبيب وغير ذلك لوقت الحاجة (¬3). 4 - مشروع تحرير الرقيق: إن مشكلة الرقيق واجهت الإسلام منذ البداية، ولم يكن أمامه فرصة إلغاء الرقيق وهو نظام عالمي، ولا توجد منظمة عالمية تتمكن من إقرار التحرير الشامل، ولو أن الدولة الإسلامية ألغت الرقيق من طرف واحد فإنها لن تتمكن من تحرير أسرى الحرب المسلمين إذا وقعوا بيد الدولة الأخرى عن طريق مبادلتهم بأسرى من غير المسلمين، ولكن ذلك لم يمنع الدولة الإسلامية من وضع برامج تحرير الرقيق داخل المجتمع الإسلامي عن طريق الكفارات والمكاتبة والحث على عتق الرقيق طلباً للثواب الأخروي. وقد كثر المكاتبون من الرقيق في خلافة عمر، فكانوا يساعدون تنفيذاً لأمر الله تعالى، كما أن الدولة كانت ترضخ للعبيد من الغنائم والعطاء، لتكون لهم مال يعملون بتنميته حتى يتحرروا من الرق. وقد ألزم سادتهم بتحريرهم إذا سددوا ما تعهدوا به من مال، وكان مقدار الفداء حسب مهارة العبد وقد يبلغ (000) , (40) ¬

_ مكة 2: 165، والبيهقي: السنن الكبرى 6: 34 والأثر ضعيف. وانظر ابن القيم: الطرق الحكمية 103،102. (¬1) أبو هلال العسكري: الأوائل 120. (¬2) ابن سعد: الطبقات الكبرى 3: 283، 306 عن الواقدي. (¬3) ابن سعد: الطبقات 3: 283 بدون إسناد.

5 - النقود

درهم أحياناً (¬1). ولما تحسنت موارد بيت المال في خلافة عمر رضي الله عنه قدَّم وصيته- قبل موته- بتحرير جميع الأرقاء المسلمين في الدولة. ولكن المصادر لا تذكر تطبيق هذه الوصية في عصر الخلافة الراشدة، ولعل ظروف الفتن التي أعقبت خلافة عمر حالت دون ذلك (¬2). وهذه المبادرة العمرية هي أقدم محاولة في التأريخ الإنساني لتحرير الرقيق تحريراً شاملاً في نطاق دولة كبرى. 5 - النقود: يروى أن عمر بن الخطاب رأى الدراهم الفضية المتداولة في الأسواق مختلفة الأوزان، منها البغلي وهو ثمانية دوانيق، ومنها الطبري وهو أربعة دوانيق، ومنها المغربي وهو ثلاثة دوانيق، ومنها اليمني وهو دانق واحد. ولاحظ أن المتداول منها كثيراً هو الطبري والبغلي، فجمع بينهما فكان اثني عشر دانقاً، فأخذ نصفها فكان ستة دوانق، فجعل الدرهم الإسلامي في ستة دوانق. كما يروى أنه أراد أن يجعل الدراهم من جلود الإبل ثم عدل عن ذلك. واستعملت الدولة الإسلامية في عصر الخلافة الراشدة الدينار البيزنطي والدراهم الساسانية، وكان الدينار البيزنطي يزن مثقالا من الذهب أو ثمانية دوانيق أو عشرون قيراطاً (¬3). ومن الثابت ضرب بعض النقود الإسلامية في بلاد فارس في حوالي سنة (20) هـ وسنة (39) هـ وعليها عبارات عربية فارسية مشتركة، ويحتفظ ¬

_ (¬1) قال معد الكتاب للشاملة: هذه الحاشية ساقطة من المطبوع. (¬2) عبد الرزاق: المصنف 8: 381، 382 و 9: 167 - 168، وابن سعد: الطبقات 3: 359 والخبر صحيح الإسناد. (¬3) عبد القدوم زلوم: الأموال في دولة الخلافة 202.

القروض الحسنة

المتحف العراقي ببعض منها (¬1). وراقب عمر رضي الله عنه النقود، فنهى عن بيع النقود الرديئة (الزيوف) بأخرى جيدة دون وزنها، وكان يرى أنه يوقد عليها حتى يذهب ما فيها من النحاس أو الحديد حتى تخلص الفضة ثم تباع بوزنها (¬2)، وهذا منعاً للغرر. القروض الحسنة: كان القرض الحسن شائعاً ابتغاء الأجر الأخروي، وشرطه أن لا يجر نفعاً مشروطاً لصاحب المال، ولكن إذا أعطاه المدين أفضل من دراهمه فلا بأس بأن يأخذها (¬3). وربما يعجز المدين، فلا يُلزم الدائن بترك المال، بل يقضى لهم من ماله (¬4) وإذا أدرك الرجل ماله بعينه عند المدين فهو أحق به من بقية الدائنين (¬5)، وربما أعفى الدائن المدين من بعض المال (¬6). وكان بيت المال في المدينة والأمصار يقدم بعض القروض الحسنة للخلفاء والولاة. القوة الشرائية للنقود: إن القوة الشرائية للنقود يمكن أن تتحدد إذا تأملنا في المبالغ التي كانت ¬

_ (¬1) وداد علي القزاز: الدراهم المضروبة على الطراز الساساني للخلفاء الراشدين في المتحف العراقي ص 13، 15. (¬2) ابن أبي شيبة: المصنف 4: 535، ويعقوب بن سفيان: المعرفة والتأريخ 1: 440 ويعتضد بطريقيه إلى الحسن. (¬3) البخاري: الصحيح 3: 86. (¬4) البخاري: الصحيح 3: 86 - 87. (¬5) البخاري: الصحيح 3: 87. (¬6) البخاري: الصحيح 3: 90.

تصرفها العائلة في السنة، وكذلك في التأمل في أسعار الحاجيات المتنوعة، ويبدو أن العائلة الكبيرة في خلافة الصديق كانت تحتاج إلى ألفين وخمسمائة درهم في السنة، يدل على ذلك أن كبار الصحابة أهل الحل والعقد جعلوا مرتب أبي بكر الصديق حين استخلافه ألفي درهم، فقال: زيدوني إنكم قد منعتموني من التجارة ولي عيال. فزادوه خمسمائة درهم، وجعلوا له شاة كل يوم يُطعمها المسلمين. فقال: طيبوا لأهلي رأسها وأكارعها، ففعلوا (¬1). كما أن التأمل في العطاء السنوي يوضح مستوى المعيشُة، والقوة الشُرائية للنقود لأن العطاء كان يكفل مستوى كريماً لأصحابه، ولابد أن شرف العطاء كان يفيض عن حاجة أصحابه. وأما أسعار الحاجيات المتنوعة فهي كما يلي: * قميص (أربعة دراهم) (¬2). * قباء حريري منسوج بالذهب- من غنائم جلولاء في خلافة عمر- (300 درهم) (¬3) * دية المرأة (6000 درهم) وتزاد ألفي درهم إذا قتلت بالحرم في الطواف تغليظاً للحرم (¬4). * دية الطفل وهو حمل (500 درهم يساوي غرَّةُ عبدٍ أو أمةٍ، أو فرس، ¬

_ (¬1) ابن سعد: الطبقات 3: 185، وأحمد بن حنبل: فضائل الصحابة 1: 162 بإسناد حسن. (¬2) ابن عساكر: تأريخ دمشق 12: 375 - مخطوطة الظاهرية- نقلاً عن كتاب الزهد للإمام أحمد، وابن كثير: البداية والنهاية 8: 4. (¬3) ابن أبي شيبة: المصنف 12: 579. (¬4) ابن قدامة: المغني 7: 773.

الرقابة المالية

أو عشرون ومائة شاة) (¬1). * ثمن بعير (400 درهم) (¬2). الرقابة المالية: كان أبو بكر رضي الله عنه عظيم الورع حذراً في تعامله مع المال العام فلما حضرته الوفاة استدعى ابنته عائشة رضي الله عنها وأوصاها وصيته الأخيرة: "أما والله لقد كنت حريصاً على أن أدخر فيء المسلمين، على أني قد أصبت من اللحم واللبن، فانظري ما كان عندنا فابلغيه عمر". قال أنس بن مالك رضي الله عنه: وما كان عنده دينار ولا درهم، ما كان إلا خادماً ولقحة، فأرسلتهما عائشة بعد موته وتشييعه إلى عمر رضي الله عنه. فقال عمر: لقد أتعب أبو بكر من بعده تعباً شديداً (¬3). وكان عمر رضي الله عنه شديد الورع في التعامل مع الأموال العامة (بيت المال) ولم يكن يأخذ منه سوى المرتب الذي حدده الصحابة، فكان يوزع القطائف الجيدة المزركشة بالديباج على الصحابة دون أن يأخذ منها لنفسه (¬4). وقد أصيب بعير من الأموال العامة، فنحره عمر ووزع بعضه على أمهات المؤمنين وصنع منه طعاماً للصحابة، فاقترح العباس بن عبد المطلب عليه أن يفعل ذلك كل يوم ليجتمعوا عنده ويتحدثوا. فقال عمر: لا أعود لمثلها، إنه مضى ¬

_ (¬1) ابن حجر: الإصابة 4: 708 وقال: إسناده صحيح. (¬2) قصة غلمان حاطب. (¬3) أحمد: الزهد 138، وابن أبي شيبة: المصنف 4: 466 و 6: 459، وأبو عبيد: الأموال 280 - 281، وابن زنجويه: الأموال 2: 598 - 599، والطبراني: المعجم الكبير 6: 1، والبيهقي: السنن الكبرى 6: 353 والأثر صحيح. (¬4) ابن زنجويه: الأموال 2: 558 بإسناد حسن.

رقابة عمر لأهله

صاحبان لي عملا عملاً وسلكا طريقاً، وإني إن عملت بغير عملهما سلك بي طريق غير طريقهما (¬1). وتتمثل نظرته للمال في دعائه: "اللهم إنا لا نستطيع إلا أن نفرح بما زينت لتا، اللهم فاجعلني أنفقه في حقه، وأعوذ بك من شره" (¬2). وكان مرهف الحس، عظيم الشعور بالمسؤولية تجاه الأموال العامة والخاصة فكان يقول: "لو مات جمل ضياعاً بشاطئ الفرات لخشيت أن يسألني الله عنه" (¬3). وكان يسأل بعض علماء الصحابة عن سياسته، وقد سأل مرة حذيفة بن اليمان رضي الله عنه قائلاً: أنشدك بالله وبما يحق لي عليك من الولاية، كيف ما رأيت مني؟ قال حذيفة: يا أمير المؤمنين، إن جمعت فيء الله وقسمته في ذات الله فأنت أنت وإلا فلا (¬4) فلا غرابة إذا ما راقب صرف الأموال العامة بصورة دقيقة، يشمل ذلك نفسه وأهله وولاته ورعيته .. رقابة عمر لأهله: منع عمر رضي الله عنه أهله من جرَّ المنافع بسبب صلة القربى به، وثبتت حادثتان في ذلك، الأولى مع ابنه عاصم، والثانية مع ابنيه عبد الله وعبيد الله، فأما ¬

_ (¬1) ابن سعد: الطبقات الكبرى 3: 288 - 289، وابن حجر: المطالب العالية 4: 40 نقلاً عن مسند مسدد، والأثر صحيح. (¬2) إسناده صحيح. (¬3) ابن حجر: المطالب العالية 4: 41 عن مسدد، وابن سعد: الطبقات الكبرى 3: 305، وابن أبي شيبة: المصنف 7: 99، والطبري: تأريخ 2: 566 والأثر حسن لغيره. (¬4) ابن زنجويه: الأموال 2: 602، وابن شبة: تاريخ المدينة 2: 777، ويعقوب بن سفيان: المعرفة والتأريخ 2: 769 والأثر صحيح.

عاصم فقد قال معيقيب ما يلي: "أرسل إلي عمر رضي الله عنه مع الظهيرة، فإذا هو في بيت يطالب ابنه عاصماً .. فقال لي: أتدري ما صنع هذا؟ إنه انطلق إلى العراق فأخبرهم أنه ابن أمير المؤمنين، فانتفقهم (سألهم النفقة)، فأعطوه آنية وفضة ومتاعاً، وسيفاً محلَّى. فقال عاصم: ما فعلتُّ، إنما قدمت على ناس من قومي، فأعطوني هذا. فقال عمر: خذه يا معيقيب فاجعله في بيت المال" (¬1). وأما عبد الله وعبيد الله فخرجا في جيش إلى العراق فلما قفلا مرَّا على أبي موسى الأشعري والي البصرة، فأعطاهما مالاً ليسلماه لعمر وجعله سلفاً عليهما، واقترح عليهما أن يشتريا من بضائع العراق ويبيعوها بالمدينة، ويحوزان الربح ويسددان رأس المال لعمر. فربحا بهذه التجارة، وأرادا تسديد رأس المال، فأبى عمر إلا أن يسددا معه ما ربحاه. وبعد تدخل الصحابة جعله مضاربة، فأخذ نصف الربح مع رأس المال. وكان يحتج عليهما بقوله: أكل الجيش أسلفه مثل ما أسلفكما!! أديا المال وربحه (¬2). وهكذا منع استغلال نفوذه من قبل أولاده. وله موقفان آخران مع ابنه عاصم، فعندما كان عاصم غلاماً صغيراً التقط درهماً من حجرة كان فيها مال جديد أمر عمر بإدخاله إلى بيت المال، ثم رأى درهماً بيد عاصم فحقق معه وانتزعه منه وأرسله إلى بيت المال (¬3). ولما كبر عاصم وتزوج كان عمر رضى الله عنه ينفق عليه، فجاء يطلب مالاً، فقال له عمر: "ما كنت أرى أن هذا المال يحل لي قبل أن أليه إلا بحقه، وما كان أحرم عليَّ منذ أن وليته، فعاد أمانتي، وقد أنفقت عليك من بيت المال ولست بزائدك، ولكني معينك ¬

_ (¬1) ابن شيبة: تاريخ المدينة 2: 700 - 701 والأثر حسن. (¬2) مالك: الموطأ 2: 173، والدارقطني: السنن 3: 63، والبيهقي: السنن الكبرى 6: 110 - 111 والأثر صحيح. (¬3) ابن شيبة: تاريخ المدينة 2: 702 والأثر صحيح.

بثمن مالي في العالية، فأجرده، ثم آت رجلاً من قومك من تجارهم، فقم إلى جنبه، فإذا اشترى شيئاً، فاستشركه وأنفق على أهلك" (¬1). ¬

_ (¬1) ابن سعد: الطبقات 3: 277، وأحمد: الزهد 144، وابن زنجويه: الأموال 2: 516 - 517، وابن شبة: تأريخ المدينة 2: 99 والأثر صحيح.

الباب الرابع: الثقافة والتعليم

الباب الرابع: الثقافة والتعليم

الفصل الأول: السمات والنظرية والتقاليد

الفصل الأول: السمات والنظرية والتقاليد

تمهيد: التراث الثقافي قبل الإسلام

تمهيد: التراث الثقافي قبل الإسلام يبدو أن من المتعذر الكلام عن حركة التعليم، واقعه ومداه ومستوياته ومناهجه ومؤسساته بصورة دقيقة وشاملة للمنطقة الواسعة التي كان الإسلام يحكمها في عصر السيرة والراشدين، فقد امتد الإسلام في برهة وجيزة من أطراف خراسان الشرقية حتى أفريقية (تونس)، ومن شرق الأناضول حتى البحر العربي، وهي منطقة تبلغ مساحتها (3500000) ميل مربع (¬1)، وتشتمل على مراكز الحضارة العالمية القديمة، في بلاد الرافدين ووادي النيل، حيث قامت الحضارات السومرية والآشورية والبابلية في العراق، والحضارة الفرعونية بمصر. ورغم أن التاريخ يحدثنا عن الكتابة وظهورها في العراق (3000 قبل الميلاد) وعن مكتبة آشور بانيبال، ومجموعة الألواح التي اكتشفت في مدينة نُفَّر وحدها، والتي تضم (30000) رقيم طيني في شتى صنوف المعرفة العظيمة (¬2)، ومسلة حمرابي ونصوصها القانونية، وعن بقية مظاهر الرقي الأدبي والفني المتنوعة الأخرى في العراق. كما يحدثنا عن الكتابة الهيروغليفية والآثار الفرعونية ذات الدلالة القوية على تقدم المصريين في العلم والحضارة، وخاصة الطب والهندسة والرسم والنحت، رغم هذا كله فإن هذه الحضارات كانت قد اندثرت قبل ظهور الإسلام بزمن بعيد. كما ¬

_ (¬1) محمد حميد الله: مجموعة الوثائق السياسية (لاحظ الخارطة مقابل: 542). (¬2) وزارة الثقافة والأعلام العراقية: العراق في التاريخ 65، 69.

اندثرت حضارات معين وسبأ وحمير في اليمن، حيث انتشرت الكتابة وعرف خط المسند. وما نعرفه عن مراكز العلم والثقافة العالمية عند ظهور الإسلام يبدو ضئيلاً جداً، فالقوى العالمية المعاصرة لظهوره كانت متمثلة بالإمبراطوريتين الساسانية والبيزنطية وقد أزال الإسلام الأولى، وحسر الثانية عن حوض البحر المتوسط الجنوبي والشرقي حيث مستعمراتها الغنية. لكنها بقيت تناهضه وتعارضه بدينها وثقافتها وتتبادل معه الخبرات عبر اتصالات الحرب والسلام. ومن هذه المعلومات الضئيلة التي حفظها التاريخ، عرفنا مركزاً ثقافياً مهماً في علوم الطب والفلسفة، يتمثل في مكتبة الإسكندرية الشهيرة التي حافظت على الثقافة الإغريقية والكتب البابلية التي اعتكف العلماء على ترجمتها وشرحها (¬1)، ومركزاً آخر في جند يسابور، حيث أنشأ كسرى انوشروان (531 - (578) م) المدارس العليا لتعليم الطب، كما أمر بنقل كتب علمية من اللغات السريانية واليونانية والسنسكريتية إلى البهلوية التي كانت في ذلك العصر لغة الفرس (¬2). وثمة إشارات إلى أنشطة فكرية في الأديرة النصرانية أو المدارس اليهودية، وخاصة في الرها حيث ينشط السريان. وإشارات أخرى إلى المعابد المصرية القديمة التي حفظت كتب علماء مصر القدماء، ومنها معبد سيرابيس بالإسكندرية (¬3) ومعبد أخميم الذي أقامه اليونان في مصر العليا، وكان يطلق عليه "دار الحكمة لقدماء اليونان" (¬4). ¬

_ (¬1) ابن النديم: الفهرست 239 - 240، والقفطي: تاريخ الحكماء 71، 356. (¬2) ناللينو: علم الفلك- تاريخه عند العرب 180 - 181. (¬3) المقريزي: خطط 133. (¬4) ابن النديم: الفهرست 238، 352.

ونقرأ ملحوظات عن "مدى عناية الأمم القديمة بالعلوم عند صاعد الأندلسي (ت (462) هـ) في كتابه (طبقات الأمم)، فقد ذكر عناية بعض الشعوب بالعلم، وهم: الهنود، والفرس، والكلدان، واليونان، والروم، وأهل مصر، والعرب، وبنو إسرائيل" (¬1). وكان اهتمام هذه الشعوب ينصب على التاريخ، والأدب، والفلسفة، والطب، والفلك، والإسرائيليات (تاريخ الأنبياء). ومن الواضح أن أياً من هذه العلوم المدونة باللغات الأجنبية لم يترك أثراً على الثقافة والتعليم في عصر السيرة والراشدين ماعدا الإسرائيليات التي اطلع عليها- بحذر شديد- أفراد معدودون من الصحابة. ولكن- للأسف- لم يحفظ لنا التاريخ ما يكفي لتصوير واقع التعليم في المنطقة الواسعة التي حكمها الإسلام في عصر السيرة والراشدين، والتي يتنوع سكانها مابين عرب وفرس وسريان وكرد وأرمن وقبط، وتتنوع معهم ثقافاتهم وأديانهم وعقائدهم التي حاولت التشبث بالبقاء طويلاً مستغلة ظروف الحرية الدينية التي أتاحها الإسلام. ومن ثم فنحن لا نعرف على وجه التحديد طبيعة المؤسسات التعليمية في المناطق المفتوحة، وعلاقتها بالدولة والمجتمع، ولا نعرف إلى أي مدى كان التعليم منتشراً وما موازين الثقافة آنذاك، ولا نعرف شيئاً عن أعداد المتعلمين ومستوياتهم، ومستوى المعلمين وطبيعة المعلومات التي يقدمونها للطلبة، ولا علاقة مراكز الثقافة ومؤسسات التعليم ببعضها داخل الدولة الواحدة، وصلاتها مع مثيلاتها في الدول الأخرى. ثم ما مآل ذلك كله بعد الفتح الإسلامي؟. إن التاريخ لا يرد على تساؤلنا، ولعله لن يفعل ذلك إلى الأبد، إلا أن نقف على مصادر جديدة لمعرفتنا يكتنزها باطن الأرض، أو تختفي بين أكداس الكتب الكثيرة ¬

_ (¬1) صالح أحمد العلي: تاريخ العلماء وفهارس المصنفات في المصادر العربية (مجلة المجمع العلمي العراقي، المجلد الرابع والثلاثون 1: 6 - 7).

التي لا تزال حبيسة لم يعرض لها أحد بالفهرسة والدراسة، فقد زادت معلوماتنا التاريخية خلال العقدين الأخيرين بعد أن نشرت للمرة الأولى مجموعة من المصادر التاريخية، مما يبعث الأمل في المستقبل. أما معلوماتنا عن واقع التعليم في الحجاز في عصر السيرة والراشدين فإنها وإن كانت مشتتة إلا أنها أكثر وضوحاً، بسبب عناية المؤرخين المسلمين بهذه الفترة، وتقييدهم لأخبار السيرة النبوية، وأخبار الخلفاء الراشدين بتفصيل، لما تمثله من أهمية دينية وتشريعية. لقد وردت معلومات متناثرة عن معرفه أفراد من العرب في الحجاز بالكتابة والقراءة والحساب، حيث استدعت ذلك ضرورات الحياة، وخاصة في المجتمع المكي التجاري، أو حيث الأقلية اليهودية المتمركزة في يثرب، والتي كانت تمارس التجارة والزراعة وتحتفظ بتراثها الديني وكتابتها بالعبرانية. ولا شك في أن أسماء المتعلمين التي أوردتها المصادر لا تمثل إحصاء دقيقاً، ولكن ينبغي أن لا يبالغ في تصور انتشار التعليم على نطاق أوسع مما أوردت، لأن قلة عدد المتعلمين هي التي استرعت انتباه الإخباريين لذكر أسمائهم. ويذكر البلاذري أن عدد الكاتبين من قريش عند ظهور الإسلام كان سبعة عشر رجلاً (¬1) وقد سمَّت المصادر بعض الكاتبين، فقد كان أمية بن أبي الصلت نظر الكتب وقرأها في الجاهلية (¬2)، وكذلك قيس بن نشبه الذي "كان يتأله في الجاهلية وينظر في الكتب" (¬3)، وكان كردوس بن عمرو "يقرأ الكتب وينقل عبارات من ¬

_ (¬1) البلاذري: فتوح البلدان 660 - 661. (¬2) البلاذري: فتوح البلدان 5: 504. (¬3) ابن حجر: الإصابة 1: 250.

الإنجيل" (¬1). وقد ذكر القرآن الكريم معرفة بعض اليهود بالكتابة، وذلك في الآية: (فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم ثم يقولون هذا من عند الله ليشتروا به ثمناً قليلاً فويل لهم مما كتبت أيديهم وويل لهم مما يكسبون) (¬2). ولا شك أن ورود مصطلحات الكتابة وأدواتها في القرآن الكريم كاللوح والقرطاس والقلم والمداد يدل على معرفة المخاطبين بها. وكذلك فإن المستوى البياني والفكري للقرآن الكريم يبين المستوى الثقافي للعرب وقت نزوله، فما فيه من أوجه البلاغة ومعاني الحكمة، والمحاججات والأقيسة العقلية كل ذلك يحتاج فهمه إلى مستوى ثقافي وذوق لغوي وقدرة عقلية. ثم إن القرآن معجزة بيانية أولاً- وإن ظهرت للبعض فيه أوجه أخرى للإعجاز- تحدى الله بها العرب لعنايتهم الفائقة بفن القول، حتى صار شغلهم الشاغل في ندواتهم، بل في سائر حياتهم. وهل يبلغ التحدي مداه والإعجاز حده إلا عندما تعجز أمة (فن القول) عن أن تقول مثل القرآن؟. ولا غرابة أن يرتفع مستوى الثقافة آنذاك مع قلة عدد الكاتبين، بل ربما كان ذلك أدعى إلى حفظ الصدر وحدَّة الفكر واعتماد السليقة، فلابد من التمييز بين (الثقافة) و (تعلم الكتابة)، فالعلم والتقاليد يمكن نقلهما من جيل إلى آخر عن طريق التواصل بين الأجيال حتى في المجتمعات الأمية. وقد قامت العائلة والقبيلة بنقل التراث الثقافي في المجتمع العربي قبل الإسلام، وكانت الأسمار في مجلس القبيلة الذي يحضره الشعراء والنسابون والإخباريون، ثم الأسواق الأدبية، التي تجتمع فيها ¬

_ (¬1) ابن حجر: الإصابة 5: 640. (¬2) البقرة 79.

المبحث الأول: السمات العامة للتعليم

القبائل، تتناشد الأشعار وتتفاخر بالأحساب والأنساب، وتزهو بأخبار الكرم والشجاعة والمروءة، من أهم وسائل نقل التراث الذي كان ينمو بإضافة الأجيال اللاحقة على السابقة، وقد هيأت هذه الاجتماعات فرصاً هامة للتلاقح الثقافي واللغوي، ولتوحيد المقاييس النقدية والذوقية، وللتقريب بين لغات العرب، ومهدت بذلك لفهم القرآن الذي أنزل بلغه قريش. المبحث الأول: السمات العامة للتعليم إن الاعتماد الكبير على الذاكرة النشيطة في نقل التراث، وعدم اكتراث جمهور العرب بتعلم الكتابة والقراءة، أدَّيا إلى إعاقة ظهور مؤسسات التعليم، فلم يقم منها سوى الكتاب الذي لم ينتشر إلا على نطاق محدود في المراكز الحضرية، مثل مكة والطائف ويثرب، فلم يكن هناك تعليم عام، بل كانت الأمية هي الطاغية، وورد في الحديث: "إنَّا أمة أميه لا نكتب ولا نحسب" (¬1). وبالتالي لم تكن عندهم تقاليد متبلورة للتعليم، فكان أن حدد الإسلام المعالم كامله، فأوضح أهمية العلم وربطه بالدين، فعزز بذلك مكانة العلماء، وبيَّن آداب التعليم وتقاليده بعمق وشمول، فأصبحت تحتذى طوال القرون اللاحقة، ولا تزال قادرة على إعطائنا الكثير من القيم الثقافية والتربوية الراشدة، إذ ربما تكون من أهم معطيات عصر السيرة والراشدين في نطاق التعليم. لقد قامت حركة التعليم في عصر السيرة والراشدين على أكتاف رجال يعدون ¬

_ (¬1) رواه مسلم: الصحيح 2: 761.

على أصابع اليد، ولكن الحافز الديني القوي- الذي جعل الأمة تحدد أهدافها وتوحد قواها لبلوغها- أوجد وسطاً ملائماً لانتشار التعليم. وبعد زمن يسير طهرت آثار حركة التعليم الجديدة في إظهار الطاقات الكامنة، فإذا بأعداد هائلة تعنى بالفكر والعلم، وتظهر القدرة والإبداع في ميادين شتى، فتسهم في بناء الصرح الثقافي والحضاري الجديد. ولا شك في أن الانسجام العقيدي والفكري والاجتماعي، ووضوح الرؤية بتحديد الأهداف العامة للدولة والمجتمع، دفعا بقوة حركة التعليم، بل الحركة الثقافية العامة، لمواكبه التقدم العسكري والسياسي، وحل المشكلات الجديدة في الدولة الواسعة. فتحديد وجهة التعليم وأهدافه لأول مرة كان من معطيات عصر السيرة والراشدين، وقد أدت هذه الحوافز القوية والضوابط الجديدة إلى انتشار التعليم بسرعة خارقة، لا تقل دهشة الإنسان أمامها عن دهشته إزاء سرعة الفتوح العسكرية، إذ لا ريب في أن الإسلام أحدث ثورة التعليم التي أثمرت "النضوج الفكري المباغت" وشكلت بذلك "ظاهرة خارقة". يقول العالم الألماني مورتز كانتور: "إن شعباً ظل قروناً متتابعة معزولاً عن المؤثرات الحضارية التي كان يتعرض لها جيرانه، ولم يؤثر هو نفسه على الآخرين كل هذا الوقت، نهض فجأه وفرض عقيدته وقوانينه ولغته على الأمم الأخرى إلى درجة لا مثيل في التاريخ لظاهرة غريبة مثلها، وأسبابها جديرة بالدراسة والتقصي، لأننا في الوقت نفسه متأكدون من أن هذا النضج الفكري المباغت الذي تكون بسرعة تشبه سرعة حدوث الانفجار لم يأت من تلقاء نفسه" (¬1). وتتطابق رؤية عالم آخر هو فلوريان كاجوري مع ما ذكره مورتز كانتور، قال ¬

_ (¬1) الدكتور سيد معظم حسين: التعليم الإسلامي 128، "مناشدة لإقامة جامعة إسلامية حديثة" حيث تم اقتباس النص بواسطته، ولم أقف على كتاب كانتور.

كاجوري في كتاب "تأريخ تدوين الرياضيات": "إن العرب يمثلون ظاهرة خارقة في تاريخ المدنية، حيث القبائل الجاهلة المنقسمة على نفسها في الجزيرة العربية، والتي لم تعرف الحكم ولا الحرب، قد انصهرت في أتون الحماس الديني خلال عشر سنوات، وجعلت من نفسها أمة قوية، وبعد مائة عام من مسيرة الفتوحات الجليلة، رأيناهم يتصدرون أمماً غيرهم في الجهد الفكري، وأصبح المسلمون هم علماء زمانهم الأجلاء" (¬1). لقد أعاد الإسلام صياغة شخصية الإنسان، ففجر طاقاته الإبداعية الكامنة من أجل العلم والعمل لبناء حضارة إنسانية متوازنة، وكانت نظرية المعرفة الإسلامية بشمولها وتكاملها واتساقها، وسيلته لإحداث التغيير الجذري في كيان الإنسان وبنية المجتمع، تلك النظرية التي غرس القرآن بذرتها وعبَّرت عنها "السنة " في فجر تاريخ الإسلام. وقامت الدولة الناشئة في المدينة المنورة بمسؤوليتها في بداية الأمر، فقيادتها أكثر وعياً للحاجة إلى التعليم، وهي تواجه مسؤولية إدارة الدولة وحاجاتها المتنوعة للتعليم. وصدرت البادرة الأولى عن الرسول صلى الله عليه وسلم نفسه، عندما أمر بعض المتعلمين من المسلمين بتعليم الآخرين، وأمر بعض الأسرى ببدر بتعليم شباب الأنصار الكتابة مقابل مفاداتهم، وأرسل المعلمين- وسط الأخطار- إلى البوادي للدعوة ولتعليم الناس القرآن وتفقيههم بالدين. وما إن أشعلت الدولة الفتيلة حتى انطلقت الأمة لتوسع من نطاق التعليم بحيث أصبح لا قبل للدولة باحتواء مؤسساته أو الإشراف عليها. ¬

_ (¬1) المصدر السابق.

وهكذا تحولت حركة التعليم إلى كتاتيب وحلقات علم ومجالس في المساجد وفي دور العلماء، وظهرت جذور المدارس الفكرية المتنوعة متمثلة بمدرسة أبي موسى الأشعري في القراءات في البصرة، ومدرسة عبد الله بن مسعود في الفقه في الكوفة، ومدرسة عبد الله بن عباس في التفسير بمكة، والمدرستين البصرية والكوفية في النحو. والحق أن مسؤولية الدولة عن التعليم كانت محدودة النطاق، إذ تركت للناس حريتهم في التعليم مع أنها منحتهم التشجيع والمؤازرة. وكان الانسجام في الأهداف والتطلعات يوحد بين الحكومة والأمة، فلم تكن انطلاقة التعليم الواسعة تهدد الدولة، بل كانت تحقق لها القوة والاستقرار رغم عدم هيمنتها عليها. ولا شك في أن حرية التعليم وبعده عن هيمنة الدولة ظلاَّ سمةً مميزةً له طوال القرون اللاحقة، إلى أن ظهرت المدارس والجامعات الأولى في الإسلام، تلك التي رعتها الدولة، غير أنها لم تكن في الحقيقة تحت إشراف الدولة إلا من حيث إمدادها بالنفقات ومساعدتها على البقاء، فقد استمرت حرية التعليم بعد ظهور تلك المؤسسات. إن مبدأ "مجانية التعليم" وكذلك مبدأ "التعليم للجميع" هما من معطيات ذلك العصر. فقدسية التعليم وارتباطه بالعقيدة جعلت رواده يهدفون إلى خدمة المبدأ عن طريق التعليم بدلاً من التكسب به. وقد استمر هذا المبدأ قروناً طويلة، كان التعليم خلالها شعبياً بما تحمله هذه الكلمة من معنى، يناله الغني والفقير، بل إن حظ الفقراء فيه أعظم من حط الأغنياء، وتفرغهم له وبروزهم فيه كان أكبر، ولم يكن قاصراً على الطبقات الحاكمة والغنيمة، كما هو حال العصور الوسطى الأوربية. ومنذ بدء حركة التعليم في الإسلام، اقترن العلم بالعمل، فلم يفصل بين العلم وحاجيات الحياة الواقعية طوال عدة قرون، باستثناء تيارات تمثل الترف الفكري والنزوع العقلي النظري، ومن أبرزها مدرسة المعتزلة التي لم يكتب لها الهيمنة على الحياة الفكرية، وإن علا صوتها- بقوة السلطان- زمناً يسيراً في العصر العباسي.

واقتران العلم بالعمل من أهم المبادئ التي صبغت فلسفة التعليم في الإسلام فيما يشبه البراجماتيكية المعاصرة في عمليتها، ويخالفها في ماديتها ونفعيتها، وقد ولَّد هذا الطابع العملي آثاراً تربوية عميقة، وأثمر حضارة باهرة شاركت في بناء صرح التمدن البشري. إن تقاليد التعليم عند المسلمين مدينه لذلك العصر بمبدأ "التعليم المستمر" طوال الحياة، وهكذا انقطع رجال كثيرون للعلم من المهد إلى اللحد، ويندر أن نجد عالماً ترك التعلم أو اعتقد أنه وصل إلى الكمال. ولو استمر هذا المبدأ يسيطر على حياتنا الثقافية حتى الوقت الحاضر لكان لنا شأن آخر في الحركة الثقافية العالمية. وقد اهتم الاسلام بتعليم الكبار "فكان الصحابة يتعلمون في كبر سنهم" ولكن الأصل هو البدء بالتعلم عند الصغر، غير أن من فاته ذلك يلقى الباب مفتوحاً أمامه. ومن أبرز خصائص التعليم في ذلك العصر قيامه على الجهود الفردية، فمبدأ "التعلم الذاتي" كان مهيمناً على نشاط العلماء والمتعلمين، حيث ظل العلماء قروناً طويلة يقومون بتعليم أنفسهم بجهودهم الخاصة، دون الارتباط بمؤسسات التعليم، أو تلقي الحوافز التشجيعية من الدولة. والجدير بالذكر أن مبدأ "تراكم المعرفة" و"تجميع العلم" كان من خصائص الحركة الفكرية في القرون الأولى عن طريق تنويع مصادر التلقي والأخذ عن الشيوخ الكثيرين، والرحلة في طلب العلم لتجميعه. تلك الرحلة التي بدأت في عصر الراشدين واتسع نطاقها في القرون التالية، والتي أثمرت التجانس الفكري، والتلاقح الأدبي، والحفاظ على وحدة الهوية الثقافية. كما أثمرت- فيما بعد- الدراسات المتعلقة بالبلدان والسكان والجغرافية والانثروبولوجيا. إن هذه السمات العامة لبداية التعليم في الإسلام تدعمها النصوص المبعثرة في المصادر التراثية وهي مصادر تحتاج إلى قراءات معاصرة تقف على قيم التعليم وتقاليده في عصر السيرة والراشدين وما بعده من عصور التاريخ الاسلامي، وتحدد

المبحث الثاني: نظرة الاسلام إلى العلم والتعليم

مجالات توظيفها في بنائنا الثقافي ومؤسساتنا التعليمية المعاصرة، مما يؤكد الهوية الثقافية لأمتنا، ويحدد عملية الأخذ والعطاء المتبادلة بيننا وبين الثقافات المتنوعة، ومؤسسات التعليم المختلفة المعاصرة. المبحث الثاني: نظرة الاسلام إلى العلم والتعليم منح الاسلام العلم قدسية حين جعل "طلب العلم فريضة على كل مسلم" (¬1) فثمة قدر من العلم ضروري لإيمان المسلم وعيادته ومعاملاته، وهو القدر المفروض عليه تعلمه، وما سواه فهو من فروض الكفاية. وقد وردت أحاديث كثيرة في الحث على طلب العلم ونشره وبيان فضل طالبه، فطلبة العلم تبسط لهم الملائكة أجنحتها (¬2)، وتحفهم الملائكة وتغشاهم الرحمة وتنزل عليهم السكينة ويذكرهم الله فيمن عنده (¬3). وطلب العلم توفيق من الله للإنسان "من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين" (¬4). والعلم مثل المال، يصلح للتصدق به على الناس "من الصدقة أن يتعلم الرجل العلم فيعمل به ثم يعلمه" (¬5). ¬

_ (¬1) أخرجه ابن ماجة: السنن 1: 81 حديث رقم 244. (¬2) أخرجه ابن ماجة: السنن 1: 82 حديث رقم 226 وفيه عاصم بن أبي النجود اختلط بآخر. (¬3) أخرجه ابن ماجة: السنن 1: 82 حديث رقم 225. (¬4) أخرجه البخاري (فتح الباري حديث رقم 71)، ومسلم: الصحيح 2: 718. (¬5) ابن عبد البر: جامع بيان العلم وفضله 123.

وطلب العلم عبادة، فلابد من استحضار النية فيه "من تعلم علماً مما يبتغي به وجه الله، لا يتعلمه إلا ليصيب به عرض الدنيا لم يجد عرف الجنة يوم القيامة" (¬1). وتترتب على العمل مسؤولية دينية تضبط توجيهه نحو خير الإنسان وسعادته وتمنع انحرافه وتهديده للعدل والأمن البشري، وفي القرآن: (إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولا) (¬2). فالحواس مسئولة دينياً عن العلم طلباً وتنفيذاً، والعالم يسأل عن موقفه العلمي، ففي الحديث: "لا تزول قدما عبد حتى يسأل عن أربع خصال: عن عمره فيما أفناه، وشبابه فيما أبلاه، وعن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه، وعن علمه ماذا عمل فيه" (¬3). والإحساس بالمسؤولية الدينية ولَّد ضوابط خلقية، وقواعد منطقية، وآداباً عامة تركت تأثيرها في الحركة الفكرية، من ذلك ضرورة التحلي بالأمانة العلمية، فالعالم لا يقول جزافاً، لأنه مسئول عن صحة المعلومات التي يدلي بها "فإن من العلم أن يقول لما لا يعلم: لا أعلم" (¬4). وهو لا يكتم العلم ولا يبخل به، إذ ليس العلم الذي حازه ملكاً خالصاً له، بل فيه "حق عام" ربما يكون أوسع من الحق العام في الملكية الفردية. لذلك توعد القرآن والحديث العلماء الذين يكتمون العلم، ففي القرآن الكريم: (إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى من بعد ما بيَّناه للناس في الكتاب ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داؤد: السنن حديث رقم 3664 وأحمد: المسند 2: 338. (¬2) الإسراء 36. (¬3) أخرجه الترمذي بلفظ مقارب: الجامع حديث رقم 2417 وقال: هذا حديث حسن صحيح. والنص من عند الخطيب البغدادي: الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع 1: 88 - 89. (¬4) البخاري: الصحيح، كتاب التفسير 30، 38، 44، وأحمد: المسند 1: 431.

أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون) (¬1). وفي الحديث: "من سئل عن علم نافع فكتمه جاء يوم القيامة ملجماً بلجام من نار" (¬2). والإنسان لا يولد عالماً، غير إنه قادر على تحصيل العلم ببذل الجهد، فهو يولد على الفطرة، وأبواه يؤثران تأثيراً بالغاً في نقل الأفكار والقيم والعقائد اليه، وفي الحديث: "إنما العلم بالتعلم" (¬3). ومادام للتعليم قدسية، ومنه ما هو فرض متعين على الأفراد، فلابد أن يكون "التعليم للجميع" ميسراً لا تعيقه أية عوائق مادية أو اجتماعية، وهكذا ساد مبدأ "مجانية التعليم"، وورد النهي عن أخذ الأجرة عليه، فقد نهى الرسول صلى الله عليه وسلم أبي بن كعب عن قبول هدية من أحد طلابه، وقال له: "إن أخذتها فخذ بها قوساً من النار" (¬4). ويبدو أن النهي تكرر مع عبادة بن الصامت- إن لم يقع وهم في الاسم من قبل الرواة- قال عبادة: "علمت ناساً من أهل الصفة الكتاب والقرآن، فأهدي إلىَّ رجل منهم قوساً فقلت: ليست بمال وأرمي عليها في سبيل الله عز وجل، لآتيَّن رسول الله صلى الله عليه وسلم فلأسألنه، فأتيته فقلت: يا رسول الله، رجل أهدى إليَّ قوساً ممن كنت أعلمه الكتاب والقرآن وليست بمال وأرمي عليها في سبيل الله؟ قال: إن كنت تحب أن تطوق طوقاً من نار فاقبلها" (¬5). ¬

_ (¬1) البقرة 159، 174. (¬2) أخرجه أبو داؤد: السنن حديث رقم 3658، والترمذي: الجامع حديث رقم 2649، وابن ماجة :السنن حديث رقم 266. (¬3) البخاري: الصحيح، كتاب العلم 10. (¬4) البيهقي: السنن 6: 126. (¬5) أخرجه أبو داؤد: السنن، كتاب البيوع، باب في كسب المعلم حديث رقم 3416 وفي إسناده المغيرة بن زياد أبو هاشم الموصلي صدوق له أوهام كما في تقريب التهذيب لابن حجر.

وقد تكفلت الدولة في عصر الراشدين بدفع نفقات التعليم أحياناً، وقام المجتمع بذلك أحياناً أخرى، ولم يعرف عن طلبة العلم أنهم دفعوا نفقة للتعلم آنذاك. ونظراً لأن العلم كانت تحفظه صدور العلماء غالباً، ويتم نقله مشافهةً، فإنَّ العلم ارتبط بالعلماء، فهو يبقى ما بقوا، وينقص إذا توفي العالم، وهذا ما يشير إليه حديث قبض العلم: "إن الله لا يقبض العلم انتزاعاً ينتزعه من العباد، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء حتى إذا لم يبق عالماً اتخذ الناس رؤوساً جهالاً فسئلوا فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا" (¬1). فلا غرابة إذا اعتبر موت العالم ثلمة في الاسلام (¬2)، فالعلماء ورثة الأنبياء (¬3). ورثوا عنهم العلم، وهذا الاحساس بخطورة نقص العلم بسبب موت العلماء كان من أقوى الدوافع التي أدت إلى اختيار العلماء طريق تقييد العلم وعدم الاكتفاء بحفظ الصدور، ذلك الاختيار الذي كان له أهمية كبرى في حفظ علوم الاسلام، ولم يكد القرن الأول- الذي وقع فيه الخلاف والجدل حول كتابة الحديث - ينتهي حتى ظهرت أولى المصنفات دليلاً على غلبة الاتجاه نحو التدوين. ولكن حفظ الصدور لم ينقطع، بل استمر التأكد عليه قروناً طويلة، ولا زال التعليم الاسلامي يؤكد على "الحفظ" حتى الوقت الحاضر. وتمتع العلماء- لارتباط العلم بهم- بمكانة عالية واحترام كبير في ذلك العصر وما بعده .. قال الشعبي: "أمسك ابن عباس بركاب زيد بن ثابت، فقال: أتمسك لي وأنت ابن عم رسول الله؟ قال: إنا هكذا نصنع بالعلماء" (¬4). وكذلك فعل مرة مع ¬

_ (¬1) البخاري: الصحيح (فتح الباري 1: 194 حديث رقم 100). (¬2) الدارمي: السنن، المقدمة 32. (¬3) البخاري: الصحيح، كتاب العلم 10. (¬4) الخطيب: الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع 1: 188، وابن عبد البر: جامع بيان العلم

المبحث الثالث: آداب التعليم وتقاليده

أبي بن كعب قائلاً: "إنه ينبغي للحبر أن يعظم ويشرف" (¬1). المبحث الثالث: آداب التعليم وتقاليده إن آداب التعليم وتقاليده عند المسلمين مدينة بأصولها إلى عصر السيرة والراشدين، رغم أنها تبلورت على مر الأيام كما تظهر في المؤلفات المتخصصة. ومن أقدم الآداب والتقاليد ظهوراً ما يتعلق بتنظيم مجلس العلم والحلقة العلمية، فقد نهى الرسول صلى الله عليه وسلم عن الجلوس وسط الحلقة (¬2)، وأن يجلس المتعلم بين رجلين إلا بإذنهما (¬3). وسمح للرجل بالجلوس في المكان إذا فسح له فيه فقال: "إذا أخذ القوم مجالسهم، فإن دعا رجل أخاه، فأوسع له في مجلسه فليأته، فإنما هي كرامة أكرمه فليجلس فيه" (¬4). وأمر بحفظ حق الرجل في مجلسه فقال: "إذا قام أحدكم من مجلسه ثم رجع إليه، فهو أحق به" (¬5). ¬

_ وفضله 128:1. (¬1) الخطيب: الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع 1: 188. (¬2) أخرجه أبو داؤد: السنن 4: 258، والترمذي: الجامع حديث رقم 2753 وقال: هذا حديث حسن صحيح. والخطيب: الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع 1: 176. (¬3) أخرجه أبو داؤد: السنن حديث رقم 4844، والخطيب: الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع 1: 178. (¬4) أورده الهيثمي: مجمع الزوائد 8: 59 وقال: "رواه الطبراني وإسناده حسن"، وأخرجه الخطيب: الجامع 1: 178. (¬5) أخرجه أبو داؤد: السنن حديث رقم 4853.

ومن السنة احترام مجلس العلم وعدم رفع الصوت أو اللغط فيه والتزام السكينة. قال أسامة بن شريك: "أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه كأنما على رؤوسهم الطير" (¬1). وقد وصف أبو اسحق السبيعي تنظيم الحلقة العلمية في مجلس الصحابي البراء بن عازب فقال: "كنا نجلس عند البراء بعضنا خلف بعض" (¬2) وهو نص يشير أيضا إلى سعة الحلقة. ومن الحلقات المعروفة آنذاك في المسجد النبوي حلقة الصحابي جابر بن عبد الله الأنصاري (¬3). ويرجع كثير من آداب طلبة العلم مع الشيوخ إلى ذلك العهد، فاحترام العالم، وعدم الإلحاح في الاستئذان عليه أو التردد على منزله، والصبر على التلقي، وتحمل الشدائد في طلب العلم، كل ذلك يمكن أن نقف عليه من الخبر التالي الذي يحكيه ابن عباس، قال: "لما قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم قلت لرجل من الأنصار: هلم فلنسأل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإنهم اليوم كثير. قال: واعجباً لك يا ابن عباس! أترى الناس يفتقرون إليك، وفي الناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من فيهم؟ قال: فترك ذاك، وأقبلت أنا أسأل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الحديث، فإن كان ليبلغني الحديث عن الرجل، فآتي بابه وهو قائل، فأتوسد ردائي على بابه، تسفي الريح عليَّ من التراب فيخرج فيقول: يا ابن عم رسول الله ما جاء بك؟ ألا أرسلت إليَّ فآتيك؟ فأقول: أنا أحق أن آتيك، ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داؤد: السنن حديث رقم 3855، والخطيب: الجامع 1: 192. (¬2) الخطيب: الجامع 1: 174. (¬3) ابن حجر: الإصابة 1: 435.

فأسأله عن الحديث. قال: فعاش ذلك الرجل الأنصاري حتى رآني، وقد اجتمع الناس حولي يسألوني. فيقول: هذا الفتى كان أعقل مني" (¬1). وثمة رواية أخرى توضح العلاقة بين صغار العلماء وكبارهم في ذلك العصر، فاحترام الكبير مبدأ اسلامي عام، وقد كان معهوداً في الحياة العلمية أيضاً، قال الصحابي سمرة بن جندب: "لقد كنت على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم غلاماً، فكنت أحفظ عنه، وما يمنعني من القول إلا أن هاهنا رجالاً هم أسن مني" (¬2) والتبكير في الحياة اليومية وعدم الاخلاد للنوم بعد الفجر سمت عام في حياة مسلمي ذلك العصر، لكن ابن عمر يرى أن حديث "اللهم بارك لأمتي في بكورها" يراد به التبكير في طلب العلم والصلاة في الصف الأول في المساجد (¬3). وقد انتبه المسلمون في ذلك العصر إلى أهمية التعلم في الصغر، وقد أرشدهم الرسول صلى الله عليه وسلم إلى تعليم الصغار أحكام الصلاة وتربيتهم عليها وهم في السابعة من العمر. وقد كشف عمر رضي الله عنه عن جانب سيكولوجي هام عندما نصح مواطنيه بالتعلم في الصغر فقال: "تفقهوا قبل أن تسودوا" (¬4). لأن الكبير في السن وصاحب الشأن في المجتمع قد يأنفان من السؤال أو الجلوس في حلقات العلم خلافاً للصغير، كما أن عمر رضي الله عنه كان يدرك حدة الذكاء وقوة الاستعداد لدى الصغار فكان يحرص على سؤالهم والإفادة من نباهتهم. ¬

_ (¬1) الخطيب: الجامع 1: 158 - 159. (¬2) الخطيب: الجامع 1: 318. (¬3) ابن حجر: الإصابة 1: 150. (¬4) البخاري: الصحيح (فتح الباري 1: 165 باب 15 بإسناد صحيح.

وقد استمر هذا المبدأ "التعلم في الصغر" يسود حياة المسلمين التعليمية حتى الوقت الحاضر، كما أن التعليم في إطار الحضارة الغربية يلتقي مع التعليم الاسلامي في مراعاة هذا المبدأ. وقد بيَّن الرسول صلى الله عليه وسلم اختلاف الاستعداد العقلي والقدرة على الفهم بين الناس في الحديث: "نضَّر الله امرءاً سمع منا حديثاً فحفظه حتى يبلغه غيره، فرب حامل فقه إلى من هو أفقه منه، ورب حامل فقه ليس بفقيه" (¬1). وقد راعى الصحابة ذلك فقال عبد الله بن مسعود: "إن الرجل ليحدث بالحديث فيسمعه من لا يبلغ عقله فهم ذلك الحديث، فيكون عليه فتنة" (¬2). كذلك أدرك عبد الله بن مسعود أثر الأحوال النفسية والجسمية في عملية تلقي العلم، وأوصى بمراعاة ذلك فقال: "إن للقلوب شهوة وإقبالاً، وإن للقلوب فترة وإدباراً، فاغتنموها عند شهوتها، ودعوها عند فترتها وإدبارها" (¬3). وقال: "حدِّث القوم ما أقبلت عليك قلوبهم، فإذا انصرفت قلوبهم فلا تحدثهم، قيل له: ما علامة ذلك؟ قال: إذا حدقوك بأبصارهم. فإذا تثاءبوا واتكأ بعضهم على بعض فقد انصرفت قلوبهم فلا تحدثهم" (¬4). وقد بين ابن مسعود أن من السنة مراعاة ذلك فقال: "أما إني أخبر بمكانكم فأترككم كراهية أن أملكم. إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يتخولنا بالموعظة بين الأيام مخافة السأم علينا" (¬5). ¬

_ (¬1) أخرجه الترمذي: الجامع، باب ما جاء في الحث على تبليغ السماع. (¬2) الخطيب: الجامع 2: 109. (¬3) الخطيب: الجامع 1: 331. (¬4) المصدر نفسه 1: 330. (¬5) أخرجه البخاري (فتح الباري 1: 163 حديث رقم 70)، ومسلم: الصحيح 4: 2172.

وقالت عائشة رضي الله عنها لعبيد بن عمير: "ألم أحدث أنك تجلس ويجلس إليك؟ قال: بلى. قالت: فإياك وإملال الناس وتقنيطهم" (¬1). واحترام الحرف العربي حامل الوحي الإلهي كان مستقراً في نفوس أهل ذلك العصر، فالقرآن الكريم مكتوب به، وأحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم أيضاً، وقد استمر هذا الاحترام لدى الناس قروناً طويلة، بل لا زالت آثاره قائمة في حياتنا، عندما يرفض بعض الناس رمي الكتابة العربية على الأرض. قيل لأنس بن مالك الصحابي الجليل رضي الله عنه (ت (93) هـ): "كيف كان المؤدبون على عهد الأئمة: أبي بكر وعمر وعثمان وعلي- رضي الله عنهم-؟ قال أنس: كان المؤدب له أجانة (¬2)، وكل صبي يأتي كل يوم بنوبته ماء طاهراً، فيصبونه فيها، فيمحون به ألواحهم. قال أنس: ثم يحفرون حفرة في الأرض، فيصبون ذلك الماء فيها فينشف. قلت: أفترى أن يلعط؟ (¬3) قال: لا بأس به، ولا يمسح بالرجل، ويمسح بالمنديل وما أشبهه. قلت: فما ترى فيما يكتب الصبيان في الكتاب من المسائل؟ قال: أما ما كان من ذكر الله فلا يمحوه برجله، ولا بأس أن يمحو غير ذلك مما ليس في القرآن" (¬4). فهذه الصورة الرائعة تعبر أصدق تعبير عما كان في نفوس أبناء ذلك العصر من احترام للحرف العربي عندما يكتب به الوحي الإلهي، فيختارون الماء الطاهر لمسحه ويحفرون له في الأرض ويصبونه لينشف. ¬

_ (¬1) الخطيب: الجامع 2: 128. (¬2) إناه من فخار يوضع فيه الماء. (¬3) يلعط: يلطع، أي يلحس، وهو مقلوب. (¬4) ابن سحنون: آداب المعلمين 40 - 41.

كما تبين هذه الرواية وجود الكتاتيب والمؤدبين في عصر الراشدين واستخدام الألواح في التعليم. وقد ترك خروج الصحابة من المدينة إلى الأمصار مع جيوش الفتح تأثيراً بالغاً في انتشار العلم، وتفرق العلماء، وقد ظهرت تقاليد علمية استمرت راسخة لقرون طويلة، وتركت آثاراً عميقة في تواصل الحركة العلمية في أرجاء العالم الاسلامي، وفي توحيد الآداب والمناهج والتقاليد العلمية، وفي التقريب بين وجهات نظر العلماء الأخرى، وفي إعادة تجميع العلم المنتشر، تلك هي الرحلة في طلب العلم. فقد سار جابر بن عبد الله شهراً حتى قدم الشام ليسمع حديثاً واحداً لم يسمعه من قبل، كان سمعه عبد الله بن أنس رضي الله عنه من رسول الله صلى الله عليه وسلم (¬1) ورحل إلى مصر للقاء مسلمة بن مخلد رضي الله عنه لسماع حديث بلغه عنه (¬2). وقال الحارث بن معاوية الكندي إنه ركب إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه ليسأله عن ثلاث خلال، فقدم المدينة، فقال له عمر رضي الله عنه: ما أقدمك عليَّ؟ قال: لأسألك عن ثلاث. قال: وما هنَّ؟ قال: ربما كنت أنا والمرأة في بناء مبني، فتحضر الصلاة، فإن صليت أنا وهي كانت بحذائي، وإن صلت خلفي خرجت من البناء. فقال عمر رضي الله عنه: تستر بينك وبينها بثوب ثم تصلي بحذائك إن شئت قال: وعن الركعتين بعد العصر؟ فقال: نهاني عنهما رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال: وعن القصص، فإنهم أرادوني على القصص؟ فقال: ما شئت. كأنه كره أن يمنعه. قال: إنما أردت أن أنتهي إلى قولك. قال: أخشى عليك أن تقص، فترفع ¬

_ (¬1) البخاري: الصحيح 1: 29، والخطيب: الجامع 2: 225، وابن عبد البر: جامع بيان العلم وفضله 1: 93. (¬2) الخطيب: الرحلة في طلب الحديث 56.

عليهم في نفسك، ثم تقص فترفع حتى يخيل أنك فوقهم بمنزلة الثريا فيضعك الله تحت أقدامهم يوم القيامة بقدر ذلك (¬1). ورحل أبو أيوب الأنصاري إلى عقبة بن عامر وكان بمصر ليسمع منه حديث: "من ستر على أخيه في الدنيا، ستر الله عليه في الآخرة". ولم يحل رحله حتى رجع إلى بيته (¬2). وقال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: "لو أعلم أحداً أعلم بكتاب الله مني تبلغه الإبل لأتيته" (¬3). إن طرق تلقي العلم في عصر السيرة والراشدين تتمثل في السماع والعرض والمذاكرة والسؤال. وكان الاعتماد على المحاضرات الشفهية لا الكتب، وهو الأسلوب الذي اعتمده الرسول صلى الله عليه وسلم في توضيح معالم الدين ونشر الاسلام (¬4). أما الرسائل المكتوبة فكان نطاقها محدوداً. واعتبر بعض الصحابة هذا الأسلوب شيئاً من "السنة" فقال أبو سعيد الخدري: "لا نكتبكم ولا نجعلها مصاحف، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحدثنا فنحفظ، فاحفظوا عنا كما حفظنا نحن عن نبيكم" (¬5) والسماع هو الطريقة الأكثر انتشاراً لقلة المواد المكتوبة، فالطلبة يتلقون المعلومات عن طريق سماع الشيخ الذي يلقيها بصوته بعد أن حفظها بصدره. ¬

_ (¬1) المتقي الهندي: كنز العمال 5: 855 نقلاً عن مسند أحمد وسنن سعيد ابن منصور. (¬2) ابن عبد البر: جامع بيان العلم وفضله 1: 93 - 94، والخطيب: الكفاية 402، والخطيب: الرحلة في طلب الحديث 56، والخطيب: الجامع 2: 226. (¬3) الخطيب: الكفاية 402. (¬4) صالح العلي: دراسات في تطور الحركة الفكرية 19. (¬5) الخطيب: تقييد العلم 38.

والإلقاء ينبغي أن يكون واضحاً، وقد يؤكد الشيخ المعنى بإعادة الكلام ليتمكن المستمع من إتقان حفظه، وقد كان هذا هو أسلوب الرسول صلى الله عليه وسلم. وقد أنكرت عائشة رضي الله عنها على أبي هريرة رضي الله عنه سرد الحديث والتعجل في إلقائه فقالت لابن أختها عروة بن الزبير: "ألا يعجبك أبو هريرة، جاء فجلس إلى جانب حجرتي، يحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم يسمعني ذلك وكنت أسبح، فقام قبل أن أقضي سبحتي، ولو أدركته لرددت عليه، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن يسرد الحديث سردكم" (¬1). أما العرض: فهو أن يقرأ الطالب على العالم من نسخة مكتوبة. قال زيد بن ثابت: "كنت أكتب الوحي عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ... فاكتب وهو يملي عليَّ، فما أفرغ حتى يثقل، وإذا فرغت قال: اقرأه عليَّ، فإن كان فيه سقط أقامه، ثم يخرج به" (¬2). ولما أراد بشير بن نهيك أن يتصرف عن أبي هريرة أتاه بكتبه التي كتبها عنه فقرأها عليه، فقال: "هذه سمعتها منك؟ قال: نعم" (¬3). لقد اتخذ العلماء فيما بعد من هذه السوابق دليلاً على صحة المعارضة بين الفرع المكتوب وأصله الذي كتب عنه. وقد روي عن علي رضي الله عنه قوله: "القراءة على العالم بمنزلة السماع منه" (¬4). وروي عن عبد الله بن عباس قوله: "اقرءوا عليَّ فإن قراءتكم عليَّ كقراءتي ¬

_ (¬1) البخاري: الصحيح حديث رقم 3568، والخطيب: الجامع 1: 414. (¬2) ذكره الهيثمي: مجمع الزوائد 1: 152 وقال: "رواه الطبراني في الأوسط ورجاله موثوقون". والخطيب: الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع 2: 133. (¬3) الخطيب: الجامع 2: 124. (¬4) الرامهرمزي: المحدث الفاصل 76 ب.

عليكم" (¬1). وأما المذاكرة فقد قال الصحابي أبو نضرة العبدي: "كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا اجمعوا تذاكروا العلم وقرءوا سورة" (¬2). وكان الصحابي الجليل أبو سعيد الخدري يوصي بالمذاكرة لتثبيت المعلومات يقول: "تحدثوا وتذاكروا فإن الحديث يذكر بعضه بعضاً" (¬3). ولم تقصر المذاكرة على الحديث بل كانت في الفقه أيضاً، فقد أتى أبو موسى الأشعري إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه بعد العشاء فقال له عمر رضي الله عنه: "ما جاء بك؟ قال: جئت أتحدث إليك. قال: هذه الساعة؟ قال: إنه فقه. فجلس عمر، فتحدثا طويلاً. ثم إن أبا موسى قال: الصلاة يا أمير المؤمنين. فقال عمر: إنَّا في صلاة" (¬4). وأما السؤال فهو أسلوب شائع حيث كان الصحابة يسألون الرسول عليه الصلاة والسلام عما يعرض لهم ويحتاجون لمعرفة حكم الدين فيه. وقد روي عن علي رضي الله عنه ما فيه الحث على السؤال العلمي بقوله: "ألا رجل يسأل فينتفع وينفع جلساءه" (¬5). ¬

_ (¬1) الترمذي: الجامع 2: 337. (¬2) الخطيب: الجامع 2: 68. (¬3) أورده الهيثمي: مجمع الزوائد 1: 161 وقال: رواه الطبراني في الأوسط ورجاله رجال الصحيح. وأخرجه الخطيب: الجامع 1: 237. (¬4) المتقي الهندي: كنز العمال 10: 253. (¬5) المتقي الهندي: كنز العمال 10: 302.

الفصل الثاني: التطبيقات والمركز والموضوعات

الفصل الثاني: التطبيقات والمركز والموضوعات

المبحث الأول: النشاط التعليمي

المبحث الأول: النشاط التعليمي تمهيد أ - النشاط التعليمي بمكة قبل الهجرة كانت دار الأرقم بن أبي الأرقم مكان اجتماع المسلمين في مكة، يوم أن كانت أعدادهم قليلة، يتسربون إليها خلسة خوفاً من قريش، حيث يلتقون الرسول صلى الله عليه وسلم ويتعلمون منه أمور دينهم ويتلقون عنه ما ينزل من القرآن (¬1). ومن المعروف أن نفراً منهم كان يعرف الكتابة في هذه المرحلة المبكرة فدوَّن بعض سور القرآن الكريم، ومما يروى أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه اطلع على صحيفة فيها صدر سورة طه فتأثر عند قراءتها وأسلم. وهذا الخبر يفيد معرفة عمر رضي الله عنه القراءة في المرحلة المكية (¬2)، ومعرفة خباب رضي الله عنه- وهو الذي كان يقرأ الصحيفة على فاطمة أخت عمر رضي الله عنهما- القراءة. وكان عبد الله بن مسعود أول من علَّم القرآن بمكة (¬3). ولا شك أن ظروف المسلمين الصعبة ومواجهتهم العنيفة مع قريش، كانت تقف حائلاً أمام توجيه معظم اهتمامهم للتعليم، إذ أن الاستقرار وهدوء البال يساعدان على انتشاره، كما أن الحاجة العملية للدعوة الإسلامية- في بدايتها- كانت محدودة. وكان في المسلمين الأوائل عدد من المتعلمين. ¬

_ (¬1) ابن هشام: السيرة 1: 253 حاشية (1)، والحاكم: المستدرك 3: 502 - 503. (¬2) المصدر نفسه 1: 367 وما بعدها. (¬3) ابن سعد: الطبقات 3: 151.

ب- النشاط التعليمي بالمدينة

ب- النشاط التعليمي بالمدينة: كان المكيون أوفر حظاً من الأنصار في انتشار الكتابة بينهم، وهذا عائد إلى أن الحاجة إلى الكتابة في المجتمع التجاري أوسع ميداناً من المجتمع الزراعي، يقول الواقدي: "كان الكتاب بالعربية في الأوس والخزرج قليلاً، وكان بعض اليهود قد علم كتاب العربية، وكانت تعلمه الصبيان في المدينة في الزمن الأول" وعد الواقدي أسماء أحد عشر شخصاً يعرفون الكتابة (¬1). وهذا العدد يشير إلى أن الجهد الذي بذله اليهود في تعليم العربية كان ضئيلاً ومحدوداً. ولما أخذ الاسلام ينتشر بين الأنصار ظهرت بوادر حركة التعليم الجديدة ... فقد ذهب رافع بن مالك الأنصاري إلى مكة وتعلم ما نزل من القرآن في السنوات العشر التي مضت على البعثة من النبي صلى الله عليه وسلم نفسه (¬2). وفي بيعة العقبة طلبت الأنصار من الرسول صلى الله عليه وسلم بمكة أن "ابعث إلينا رجلاً يفقهنا في الذين ويقرئنا القرآن" فبعث إليهم مصعب بن عمير (¬3). ثم كانت الهجرة إلى المدينة وقامت دولة الاسلام الأولى، وكانت متطلبات الدعوة أولاً والإدارة ثانياً تقتضي بذل جهود حثيثة في نشر التعليم. وقد قام المسجد النبوي بمسؤولية كبرى في هذا المجال، ثم عضدته ثمانية مساجد أخرى (¬4)، والمسجد يجتمع فيه الناس خمسة أوقات للصلاة، وتنعقد فيه حلقات العلم، ويخطب فيه كل جمعة، ويتلى فيه القرآن، وقد استمرت أهمية ¬

_ (¬1) البلاذري: فتوح البلدان 663 - 664. (¬2) ابن حجر: الإصابة 2: 144. (¬3) المصدر نفسه 1: 124. (¬4) البلاذري: أنساب الأشراف 1: 273.

المسجد التعليمية قروناً طويلة بعد ذلك. وفي الجانب الشمالي من المسجد النبوي تقوم الصفَّة التي سكنها فقراء المهاجرين والأنصار والقادمين من الغرباء، وهم منقطعون للعلم والعبادة والجهاد، وقد وردت روايات تفيد أن تعليم القراءة والكتابة كان ضمن النشاط التعليمي في الصفة، وأن ممن تولى هذه المهمة عبادة بن الصامت (¬1). قال عبادة بن الصامت: "علمت ناساً من أهل الصفة الكتابة والقرآن" (¬2). وإلى جانب المسجد قامت مراكز أخرى للتعليم في المدينة كما يشير قول ابن مسعود: "قرأت من في رسول الله صلى الله عليه وسلم سبعين سورة وزيد بن ثابت له ذؤابة في الكتاب" (¬3)، وكما أخبر أنس بن مالك عن وجود الكتاب والمؤدبين في عصر الراشدين (¬4). ولا نعرف مدى انتشار هذه الكتاتيب داخل المدينة وخارجها، ولكن ثمة إشارة إلى وجود كتاب في الطائف، حيث كان جرير بن حية الثقفي يعلم فيه (¬5). وقد وردت إشارة عن "دار القراء" بالمدينة، وكانت قائمة بعد بدر الكبرى (¬6) - على الأقل- ولا نعرف طبيعة الدور أو المهام الموكلة إليها، ولكن اسمها يدل على الاهتمام بقراءة القرآن الكريم. ¬

_ (¬1) أبو داؤد: السنن 2: 237، وابن ماجة: السنن 2: 73، ولمعرفة المزيد عن أهل الصفة راجع: أكرم العمري: المجتمع المدني 96. (¬2) أحمد: المسند 5: 315. (¬3) أحمد: المسند 1: 389، والخطيب: الجامع 2: 92 وفيه "وإن زيداً ليختلف إلى الكتَّاب". (¬4) ابن سحنون: آداب المعلمين 40 - 41. (¬5) ابن حجر: الإصابة 1: 462. (¬6) الخزاعي: تخريج الدلالات السمعية 80.

وقد استفاد الرسول صلى الله عليه وسلم من بعض أسرى بدر من المشركين في تعليم عشرة من غلمان الأنصار الكتابة مقابل فدائهم، وممن تعلم منهم زيد بن ثابت في جماعة من غلمان الأنصار (¬1). وقد وردت أخبار عن رواد التعليم في ذلك العصر، فقد كان الحكم بن سعيد بن العاص الأموي كاتباً، فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يعلم الكتاب بالمدينة .. وكان يعلم الحكمة أيضاً (¬2). ومن هؤلاء الرواد عبد الله بن سعيد بن العاص الذي أمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يعلم الكتاب بالمدينة، وكان كاتباً، وقضى يوم بدر شهيداً (¬3). وكانت الشفاء بنت عبد الله العدوية القرشية من أوائل المهاجرات، وقد أمرها النبي صلى الله عليه وسلم أن تعلم حفصة أم المؤمنين الكتابة، وهذه أقدم إشارة إلى تعليم المرأة المسلمة الكتابة (¬4). وكان سعد بن عبادة زعيم الخزرج "يكتب بالعربية ويحسن العوم والرمي، فكان يقال له الكامل" (¬5) و "كان جهيم بن الصلت المطلبي قد تعلم الخط في الجاهلية، فجاء الاسلام وهو يكتب، وقد كتب لرسول الله صلى ¬

_ (¬1) أحمد: المسند 4: 47 بإسناد صحيح، وقال البناء في الفتح الرباني: "في إسناده علي بن عاصم فيه كلام ولكن وثقه الإمام أحمد". وابن سعد: الطبقات 2: 22، وأبو عبيد: الأموال 116، والحاكم: المستدرك 2: 140، والمقريزي: إمتاع الأسماع 101، والخزاعي: تخريج الدلالات السمعية 71. (¬2) ابن حجر: الإصابة 2: 102 - 103. (¬3) ابن حجر: الإصابة 1: 344، وانظر تهذيب تأريخ دمشق لابن عساكر 7: 438 حيث يذكر أنه ابن أحيحة بن العاص. (¬4) ابن حجر: الإصابة 7: 727، 729، والخزاعي: تخريج الدلالات السمعية 71، 73. (¬5) ابن حجر: الإصابة 3: 66.

الله عليه وسلم (¬1)، "وكان عمر بن الخطاب كاتباً وقد كتب بعض الآيات بيده" (¬2). وكان لأبي ريحانة الأزدي رضي الله عنه صحف، وهو أول من طوى الطومار، وكتب فيه مدرجاً مقلوباً (¬3). ومن رواد التعليم الأوائل في المسجد النبوي بالمدينة سعد بن الربيع الخزرجي وبشير بن سعد بن ثعلبة وأبان بن سعيد بن العاص رضي الله عنهم (¬4). وكان من ثمار السياسة التعليمية التي اختطها الرسول صلى الله عليه وسلم ازدياد عدد الكاتبين في المجتمع الاسلامي حتى بلغ عدد كتاب النبي صلى الله عليه وسلم وحدهم حوالي خمسين كاتباً، منهم من كتب الوحي مثل علي بن أبي طالب وعثمان بن عفان وزيد بن ثابت وأبي بن كعب وعبد الله بن سعد بن أبي السرح وحنظلة بن الربيع ومعاوية بن أبي سفيان وأبان بن سعيد وخالد بن سعيد رضي الله عنهم، ومنهم من كان يكتب أموال الصدقات كالزبير بن العوام وجهيم بن الصلت رضي الله عنهما ومنهم من كان يكتب المداينات والعقود مثل عبد الله بن الأرقم الزهري والعلاء بن عقبة رضي الله عنهما (¬5). وقد دعمت الدولة جهود التعليم في المدينة، فكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يرزق ثلاثة من المعلمين الذين كانوا يعلمون الصبيان بالمدينة خمسة عشر درهماً ¬

_ (¬1) ابن حجر: الإصابة 1: 524. (¬2) الطبري: تفسير 24: 15. (¬3) ابن حجر: الإصابة 3: 359، 361 والطومار هو: الصحيفة. (¬4) ابن عبد البر: الاستيعاب 1: 64، وابن سعد: الطبقات 3: 531، وابن حجر: الإصابة 1: 10 (¬5) الكتاني: التراتيب الإدارية 1: 115 - 117، والجهشياري: الوزراء والكتاب 12 - 13، والخزاعي: تخريج الدلالات السمعية 159، 173

كل شهر لكل واحد منهم (¬1). واستقدم سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه رجلاً من العراق يعلم أبناءهم الكتاب بالمدينة ويعطونه الأجر (¬2). وكان التعليم يشمل الرجال والنساء، فقد خصص الرسول صلى الله عليه وسلم للنساء مجلساً في المسجد النبوي بالمدينة (¬3) وذلك إجابة لطلبهن (¬4)، كما أمر الرجال- وكانت تتاح لهم عادة فرص أكثر للتعليم بسبب من مصاحبة الرسول صلى الله عليه وسلم وحضور المجالس العامة- أن يعلموا النساء (¬5)، وقد قال لهم مرة: "ارجعوا إلى أهليكم فعلموهم" (¬6). وقد أثنت عائشة رضي الله عنها على نساء الأنصار لطلبهن العلم (¬7). وكانت صفوف النساء في المسجد خلف صفوف الرجال، ولم تعقد حلقات علمية مختلطة، ومنذ ذلك الوقت ظهر الأخذ بمبدأ عدم الاختلاط في التعليم، ولا يزال طابعه يغلب على حياتنا، مع أن مؤسساتنا التعليمية الحديثة قد تأثرت بأسلوب التعليم المختلط الغربي. ¬

_ (¬1) ابن عساكر: تاريخ دمشق 8: ق 92 ترجمة صدقة بن موسى الدمشقي، والمتقي الهندي: كنز العمال 3: 924 نقلاً عن ابن أبي شيبة والبيهقي (¬2) ابن سحنون: كتاب آداب المعلمين 37. (¬3) البخاري: الصحيح (فتح الباري 1: 192 حديث رقم 98). (¬4) المصدر نفسه 1: 195 حديث رقم 36. (¬5) المصدر نفسه 1: 190 حديث رقم 97. (¬6) المصدر نفسه 1: 183 باب 25. (¬7) المصدر نفسه 1: 228 باب 50.

جـ - انتشار التعليم الاسلامي في البوادي والأمصار الجديدة

جـ - انتشار التعليم الاسلامي في البوادي والأمصار الجديدة: أخذ التعليم في البوادي القريبة من مكة والمدينة ينتشر منذ عصر الرسالة، فقد أرسل النبي صلى الله عليه وسلم بعثات التعليم إلى البادية، وكان منها وفد الرجيع إلى عضل والقارة لتعليمهم شرائع الاسلام، وكان يضم عشرة من الصحابة رضي الله عنهم، وقد تعرض بنو لحيان للوفد فقتلوهم ولم ينج منهم سوى اثنين أسروهما وباعوهما لقريش فقتلهما (¬1). ووفد بئر معونة كان يضم سبعين من القراء توجهوا إلى نجد حيث تعرضوا لغدر الأعراب وقتلوا جميعاً باستثناء واحد عاد بخبرهم إلى المدينة (¬2). وقد أبقى الرسول صلى الله عليه وسلم معاذ بن جبل رضي الله عنه بمكة بعد الفتح لتفقه الناس في الذين ويعلمهم القرآن (¬3)، ثم بعثه قاضياً إلى الجند- من اليمن- ليعلم الناس القرآن وشرائع الاسلام ويقضي بينهم (¬4). "وكان معاذ معلماً يتنقل في عمالة كل عامل باليمن وحضرموت" (¬5). كذلك بعث الرسول صلى الله عليه وسلم أبا عبيدة بن الجراح رضي الله عنه إلى أهل نجران، بناء على طلب وفدهم "أن يبعث من يعلمهم السنة والإسلام" (¬6)، ثم أرسل إليهم عمرو بن حزم رضي الله عنه بعده، وهو ابن سبع عشرة سنة، ليفقههم ¬

_ (¬1) البخاري: الصحيح (فتح الباري 7: 38). (¬2) المصدر نفسه 7: 386 - 388. (¬3) ابن هشام: السيرة 2: 500، والخزاعي: تخريج الدلالات السمعية 67 (¬4) ابن سعد: الطبقات 7: 388، وابن عبد البر: الاستيعاب 1: 246، والخزاعي: تخريج الدلالات السمعية 67. (¬5) الطبري: تاريخ الرسل والملوك 1: 1852 - 1853 (ط. ليدن). (¬6) أحمد: المسند 3: 212، وابن سعد: الطبقات 3: 411 - 412.

في الدين ويعلمهم القرآن ويأخذ صدقاتهم، وذلك في السنة العاشرة للهجرة (¬1). وتنقطع أخبار إرسال البعثات التعليمية في خلافة الصديق رضي الله عنه، وربما يرجع ذلك إلى أحداث حركة الردة الخطيرة حيث لم تعد البوادي آمنة. ثم تنشط هذه البعثات بعد إعادة توحيد الجزيرة والتوسع في الفتوح في خلافة عمر رضي الله عنه. وقد بعث عمر رضي الله عنه رجلاً يقال له أبو سفيان يستقرئ أهل البوادي القرآن فمن لم يقرأ ضربه بالسوط (¬2). وقد اعتبر عمر رضي الله عنه التعليم من المسؤوليات المنوطة بالولاة في الأمصار فقد ورد في إحدى خطبه: "اللهم إني أشهدك على أمراء الأمصار، فإني بعثتهم يعلمون الناس دينهم وسنة نبيهم" (¬3)، وقد أكد هذا المعنى في مناسبة أخرى (¬4). وكان عمال عمر رضي الله عنه على الأمصار يدركون هذه المسؤولية، فقد صرَّح بها أبو موسى الأشعري رضي الله عنه حين قدم البصرة والياً فقال: "بعثني إليكم عمر بن الخطاب أعلمكم كتاب ربكم وسنتكم" (¬5). وكان أبو موسى الأشعري يقرئ تلاميذه القرآن بعد أن يجلسهم حلقاً حلقاً، وعليه بردان أبيضان (¬6). وقد أولى أبو موسى الأشعري رضي الله عنه القراء في البصرة عناية خاصة، ¬

_ (¬1) الطبري: تاريخ الرسل والملوك 1: 1852، والخزاعي: تخريج الدلالات السمعية 79. (¬2) ابن حجر: الإصابة 1: 151. (¬3) أحمد: المسند 1: 48، وابن سعد: الطبقات 3: 1، 149. (¬4) ابن سعد: الطبقات 3: 281. (¬5) الدارمي: سنن 1: 135. (¬6) الفاكهي: أخبار مكة 4: 10 بإسناد صحيح.

فازداد عددهم وقويت مكانتهم الفكرية والسياسية، وكان لهم دور في كثير من الأحداث في صدر الاسلام (¬1). ولم يكتف الخليفة عمر رضي الله عنه بجهود ولاة الأمصار في نشر التعليم، بل دعمها بالعلماء الذين كان يرسلهم من المدينة، محملين بوصاياه ... فقد بعث عشرة من الصحابة رضي الله عنهم وكان فيهم عبد الله بن مغفل المزني ليفقهوا الناس بالبصرة (¬2). كذلك بعث عمران بن حصين الخزاعي رضي الله عنه إلى البصرة ليفقه أهلها وكان من فقهاء الصحابة (¬3). ويروي قرظة بن كعب أنه لما أراد الذهاب مع عدد من أصحابه إلى الكوفة شيعهم عمر بن الخطاب رضي الله عنه وقال: "إنكم تأتون أهل قرية لهم دوي بالقرآن كدوي النحل، فلا تصدوهم بالأحاديث فتشغلوهم، جرِّدوا القرآن، وأقِّلوا الرواية عن رسول الله" (¬4). وقد سير عمر عبد الله بن مسعود رضي الله عنهما إلى الكوفة ليعلم أهلها أمور دينهم (¬5). وكان نصيب الكوفة من الصحابة كبيراً إذ هبط فيها ثلاثمائة من أصحاب الحديبية وسبعون من أهل بدر (¬6). ¬

_ (¬1) صالح أحمد العلي: دراسات في تطور الحركة الفكرية 15. (¬2) ابن حجر: الإصابة 4: 243. (¬3) ابن حجر: الإصابة 4: 705، 706. (¬4) ابن سعد: الطبقات 6: 7. (¬5) ابن حجر: الإصابة 4: 235 (¬6) ابن سعد: الطبقات 6: 9

وأرسل عمر معاذ بن جبل وعبادة بن الصامت وأبا الدرداء رضي الله عنهم إلى الشُام، لأن أهلها بحاجة إلى من يعلمهم القرآن الكريم (¬1). فكان عبادة في الشام قاضياً ومعلماً (¬2). وقد نظم أبو الدرداء رضي الله عنه طلابه، ووزعهم في مجموعات لكثرتهم واستحالة قيامه بتعليمهم بطريقة مباشرة، وراعى تدرجهم في العلم عند تقسيمهم، فكانت المجموعات متباينة المستوى. قال سويد بن عزيز: كان أبو الدرداء رضي الله عنه إذا صلى الغداة في جامع اجتمع الناس للقراءة عليه، فكان يجعلهم عشرة عشرة، وعلى كل عشرة عريفاً، ويقف هو في المحراب يرمقهم ببصره، فإذا غلط أحدهم رجع إلى عريفهم، فإذا غلط عريفهم رجع إلى أبي الدرداء رضي الله عنه فسأله عن ذلك، وكان ابن عامر عريفاً على عشرة، فلما مات أبو الدرداء رضي الله عنه خلفه ابن عامر. قال مسلم بن مشكم- أحد تلاميذ أبي الدرداء-: قال لي أبو الدرداء رضي الله عنه: أعدد من يقرأ عندي القرآن. فعددتهم ألفاً وستمائة ونيفاً، وكان لكل عشرة منهم مقرئ، وأبو الدرداء يكون عليهم قائماً، وإذا أحكم الرجل منهم تحوَّل إلى أبي الدرداء رضي الله عنه (¬3). وقد اهتم قادة الفتح في الشام بتعليم المسلمين القراءة والكتابة حيث طلبوا من أسرى قيسارية تعليم المسلمين الكتابة، وقد وضعوا في الجرف وهو معسكر ¬

_ (¬1) ابن عساكر: تاريخ دمشق (تحقيق د. شكري فيصل وآخرين) ص 23 وابن حجر: الإصابة 2: 626. (¬2) ابن عبد البر: الاستيعاب 2: 424. (¬3) ابن الجزري: غاية النهاية في طبقات القراء 1: 606 - 607. ويعرض ابن عساكر في تاريخ دمشق صوراً أخرى 1: 399 - 400.

المسلمين في فلسطين (¬1). وقد ظهرت الكتاتيب في الشام بعد الفتح، وتعلم فيها أبناء الفاتحين. يقول أدهم بن محرز الباهلي الحمصي: "أنا أول مولود ولد بحمص- يعني من المسلمين- وأول مولود رئي في كتف- يعني يحمل كتفاً مكتوباً فيه القرآن- وأنا أختلف إلى الكتاب أتعلم الكتاب- يعني القرآن-" (¬2). وممن تعلم في كتاتيب الشام وهو صبي إياس بن معاوية المزني قاضي البصرة المشهور (¬3). وقد شاركت المرأة في نشر التعليم في الشام منذ وقت مبكر، قال عبد ربه بن سليمان: كتبت لي أم الدرداء في لوحي فيما تعلمني (تعلموا الحكمة صغاراً تعملوا بها كباراً) و (إن لكل حاصد ما زرع من خير أو شر) (¬4). ويبدو أن التعليم في الشام كان أكثر مركزية من بقية الأمصار لأن عمر رضي الله عنه "لما افتتح البلدان كتب إلى أبي موسى الأشعري، وهو على البصرة، يأمره أن يتخذ للجماعة مسجداً، ويتخذ للقبائل مساجد، فإذا كان يوم الجمعة انضموا إلى مسجد الجماعة وشهدوا الجمعة. وكتب إلى سعد بن أبي وقاص، وهو على الكوفة بمثل ذلك. وكتب إلى عمرو بن العاص، وهو على مصر بمثل ذلك. وكتب إلى أمراء أجناد الشام: لا يتبدوا إلى القرى ويتركوا المدائن، وأن يتخذوا في كل مدينة مسجداً واحداً، ولا يتخذوا للقبائل مساجد كما اتخذ أهل الكوفة والبصرة ومصر. ¬

_ (¬1) البلاذري: فتوح البلدان 193. (¬2) ابن بدران: تهذيب تاريخ دمشق الكبير لابن عساكر 2: 367. (¬3) المصدر السابق 3: 180. (¬4) ابن عساكر: تاريخ دمشق 19: ق 408. ترجمة هجيمة بنت حيي أم الدرداء.

المبحث الثاني: مراكز الحركة الفكرية

وكان الناس متمسكين بأمر عمر وعهده" (¬1). المبحث الثاني: مراكز الحركة الفكرية كانت المدينة المنورة أهم مراكز الحركة الفكرية في عصر السيرة والراشدين، فهي دار السنة، ومجتمع الصحابة، ومنها انتشر العلم إلى بقية المدن والأمصار، بخروج عدد كبير من الصحابة منها بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم حيث استقروا في البلاد المفتوحة، ونشروا العلم والرواية فيها. إن إلقاء نظرة على ما خصصه كل من خليفة بن خياط (ت (240) هـ) في طبقاته ومحمد بن سعد (ت (230) هـ) في طبقاته لتراجم علماء المدينة، ومقارنة ذلك بما خصصاه لبقية المدن، يكفي للدلالة على تفوق المدينة في العلم على ما سواها من المدن في ذلك العصر. أما بقية مدن الحجاز فقد كان دورها في العلم ضئيلاً إذا ما قيست بالمدينة، وتبرز من بينها مكة بسبب مركزها الديني، واجتماع العلماء فيها في مواسم الحج. أما الأمصار الجديدة فتبرز الحركة العلمية في كل من: الكوفة، والبصرة، ودمشق، والفسطاط، حيث استقر فيها عدد كبير من الصحابة، إذ برزت في الكوفة مدرسة عبد الله بن مسعود رضي الله عنه في الفقه، وفي البصرة مدرسة أبي موسى الأشعري رضي الله عنه في القراءات. وتأتي دمشق بعد الكوفة والبصرة في الأهمية، ثم يأتي دور الفسطاط بمصر. أما ¬

_ (¬1) ابن عساكر: تاريخ دمشق 2: 94 - 95 (ط. المنجد).

مواد الكتابة

المشرق فلم تبرز أهميته العلمية في هذه المرحلة المبكرة، رغم أن نواة التعليم الاسلامي بذرت في قلوب أبنائه منذ ذلك الوقت. فقد ذكر أبو نعيم "أنه كان رجل بأصبهان من بني سليم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وكان في جملة الدهاقين يعلم أهلها الفرائض والسنن" (¬1). مواد الكتابة: قبل انتشار الورق- الذي طهر في العالم الاسلامي في النصف الثاني من القرن الثاني الهجري- (¬2) كانت مواد الكتابة هي الحجارة أو العظام، أو عسب النخيل أو القماش، أو الجلود أو القراطيس (ورق البردي)، ولم ترد إشارة إلى استعمال الكاغد في عصر السيرة والراشدين. والقراطيس اسم أطلق على ورق مصنوع من لب نبات البردي الذي تشتهر به دلتا مصر. وقد عرف في جزيرة العرب قبل الاسلام، ويمتاز بصفحاته الكبيرة، غير أنه أغلى كلفة وأقل دواماً من الورق (¬3). وقد ورد ذكر القرطاس في القرآن الكريم (¬4)، ولما أراد أبو بكر رضي الله عنه جمع القرآن الكريم كان بعضه مكتوباً في قراطيس (¬5)، وقد وصلت إلينا نسخ من القرآن الكريم مكتوبة على البردي، وهي مما تحتفظ به دار الكتب المصرية (¬6). ¬

_ (¬1) أبو نعيم: ذكر أخبار أصبهان 1: 75. (¬2) صالح أحمد العلي: دراسات في تطور الحركة الفكرية 13. (¬3) صالح أحمد العلي: دراسات في تطور الحركة الفكرية 54 - 55. (¬4) الأنعام 7، 91. (¬5) السيوطي: الإتقان 1: 60، وصالح العلي: دراسات في تطور الحركة الفكرية 54 - 55. (¬6) صالح العلي: دراسات في تطور الحركة الفكرية 54 - 55.

وكتب خالد بن الوليد رضي الله عنه عهد الصلح مع دمشق على قراطيس، كما أن صكوك "الجار" كانت تكتب على القراطيس (¬1). وشاع استعمال القراطيس في بلاد العرب بعد فتحهم لمصر من قبل عمرو بن العاص رضي الله عنه. وقد توسعت احتياجات الدولة للقراطيس ومواد الكتابة الأخرى، حتى خصص للقراطيس بيت كان ملتصقاً ببيت عثمان رضي الله عنه (¬2). وأما الجلود فقد استعملتها العرب في كتابتها، ويسمونها الرق والأديم والقضيم فأما الرق فهو الجلد الرقيق الأبيض الذي يكتب عليه، وأما الأديم فهو الجلد أياً كان وقيل الأحمر، وقيل هو المدبوغ، وكان يستعمل في زمن الرسول صلى الله عليه وسلم كثيراً، فالقرآن "كان مما يكتب على الأديم"، وكتبه صلى الله عليه وسلم إلى أهل دوما ومالك الجذامي وزهير بن أقيش العكلي، وإقطاعه للعباس بن سلمة ... كل ذلك كان مكتوباً على أديم بعضه أحمر وبعضه خولاني. وأما القضيم فهو الجلد الأبيض، وقيل: هو الصحيفة البيضاء، وقبض رسول الله صلى الله عليه وسلم والقرآن في العسب والقضيم (¬3). وقد أجمع الصحابة رضي الله عنهم على كتابة القرآن الكريم في الرق لطول بقائه، أو لأنه الموجود عندهم حينئذ (¬4). وكان لأبي ريحانة الأزدي رضي الله عنه صحف، وهو "أول من طوى الطومار ¬

_ (¬1) المرجع نفسه 55. وصكوك الجار كانت تصدرها الدولة وفيها أرزاق الناس من واردات مصر. والجار ميناء أهل المدينة المنورة على البحر الأحمر (البكري: معجم ما استعجم 2: 355). (¬2) البلاذري: أنساب الأشراف 1: 22. (¬3) صالح العلي: دراسات في تطور الحركة الفكرية 51. (¬4) القلقشندي: صبح الأعشى 2: 425، وصالح العلي: دراسات في تطور الحركة الفكرية 49.

وكتب فيه مدرجا مقلوباً" (¬1)، والطومار هو الصحيفة. وكان سعيد بن جبير يكتب عند ابن عباس رضي الله عنه في صحيفة، فإذا امتلأت كتب في نعله، فإذا امتلأت كتب في كفه (¬2). واستخدم ابن عباس رضي الله عنه الألواح (¬3)، وبلغت كتاباته حمل بعير (¬4). وقد استخدم آخرون أكفهم فكتبوا عليها كالقصب عند البراء بن عازب رضي الله عنه (¬5)، وبالطبع كانت الكتابة على الأكف وسيلة لتذكر المعلومات وحفظها ومن ثم تغسل، فاستخدامهم لها أشبه ما يكون بعمل السبورة اليوم. وقد كتب زيد بن ثابت رضي الله عنه فريضة الجد في قطعة قتب (¬6). وكانت الصحف متوافرة في السوق، فقد اشترى الحارث الأعور صحفاً بدرهم ثم جاء بها علياً رضي الله عنه فكتب له علماً كثيراً (¬7). وقد استعان البعض بالسبورجة، فكان أبان بن أبي عياش يكتب عليها في الليل عند الصحابي أنس بن مالك رضي الله عنه (¬8). وقد كانت الكتب الرسمية تطين وتختم منذ عصر الرسالة (¬9)، وباتساع العلاقات ¬

_ (¬1) ابن حجر: الإصابة 3: 359، 361. (¬2) أحمد بن حنبل: العلل 1: 42، وفؤاد سركين: تاريخ التراث العربي 1: 97. (¬3) ابن سعد: الطبقات 2: 371 (ط. دار صادر). (¬4) المصدر نفسه 5: 293. (¬5) أحمد بن حنبل: العلل 1: 42، وابن عبد البر: جامع بيان العلم وفضله 73. (¬6) الدارقطني: سنن 4: 93 - 94، والقتب: الرحل الصغير على قدر سنام البعير (لسان العرب). (¬7) ابن سعد: الطبقات 6: 168، والخطيب: تقييد العلم 89. (¬8) الخطيب: الجامع 2: 58. (¬9) الخزاعي: تخريج الدلالات السمعية 173.

المبحث الثالث: موضوعات التعليم

الخارجية كثرت هذه المكاتبات واحتاجت إلى الحفظ. وقد دون عمر رضي الله عنه الديوان، وكان يحفظ في تابوت كل معاهدة كانت بينه وبين أحد ممن عاهده (¬1). المبحث الثالث: موضوعات التعليم لم يقتصر التعليم في عصر السيرة والراشدين على المراحل الأولية لتعليم الكتابة والقراءة، بل عرف أنماطاً أخرى عالية وتخصصات دقيقة، لم تكن مرتبطة في الغالب بمعرفة الكتابة، وإنما كانت تتم عن طريق السماع والمشافهة، فهو وسيلة التثقيف الأولى في ذلك العصر، وقد برز عدد من الصحابة المتخصصين في فن بعينه كما جمع بعضهم بين فنون عدة. وقد قام هؤلاء العلماء بمسؤوليتهم في نشر العلم وتفتيح العقول عليه، وتنمية أعداد طلبته، وإمداد الدولة بما تحتاج إليه من العناصر القيادية. وكانت موضوعات التعليم تتمثل في القرآن وعلومه، والحديث، والفقه، واللغة العربية، والتاريخ، والأنساب، والشعر، والقصص، والحكم، والأمثال، والتنجيم واللغات والثقافات الأجنبية. وفيما يلي عرض لهذه الموضوعات مع الإشارة إلى أبرز المتخصصين فيها في ذلك العصر وفقا لما انتهى إلينا من المعلومات: أ- القرآن وعلومه: لا شك في أن حفظ القرآن وإقراءه وتفسيره، يتقدم بقية الموضوعات، فهو ¬

_ (¬1) المقريزي: الخطط 1: 295.

الكتاب الوحيد المدون كاملاً في ذلك العصر، وقد بدأ المسلمون تدوينه أثناء نزوله مفرقاً على الرسول صلى الله عليه وسلم، ثم جمعت من هذه المدونات المفرقة نسخة واحدة في خلافة أبي بكر الصديق رضي الله عنه، وقام على هذه المهمة زيد بن ثابت بأمر أبي بكر الصديق رضي الله عنه، تنفيذاً لما أشار به عليه عمر بن الخطاب رضي الله عنه. وقد انتقلت هذه النسخة إلى عمر في خلافته، ثم أودعت عند حفصة بنت عمر أم المؤمنين رضي الله عنهما. وقد أعيد جمع القرآن في خلافة عثمان بن عفان رضي الله عنه من قبل لجنة رباعية كونها عثمان، كلفت القيام بهذه المهمة، وتتألف اللجنة من زيد بن ثابت رضي الله عنه إذ تم اختياره نتيجة عوامل منها: استماعه إلى العرضة الأخيرة للقرآن من النبي صلى الله عليه وسلم نفسه بنصه الكامل الخالد دون الآيات التي نسخت تلاوتها من ناحية، وقيامه بالجمع الأول في خلافة أبي بكر رضي الله عنه، ومن قبل عمله كاتباً للوحي زمن الرسول صلى الله عليه وسلم. والثلاثة الآخرون في هذه اللجنة هم: عبد الله بن الزبير، وسعيد بن العاص، وعبد الرحمن بن الحارث بن هشام، وأعضاء اللجنة كلهم من قريش إلا زيد فهو أنصاري. وقد وضع عثمان رضي الله عنه للجنة قاعدة العمل بقوله: "ما اختلفتم فيه أنتم وزيد فاكتبوه بلسان قريش، فإنه نزل بلسانهم". وقد أتمت اللجنة عملها وأقرهم عليه الصحابة آنذاك، حيث تم نسخ ستة مصاحف وزعت أربعة منها على الأمصار، مكة والشام والكوفة والبصرة، وبقيت النسخة الخامسة في المدينة، واحتفظ عثمان بالنسخة السادسة. ثم نقلت سائر المصاحف عبر القرون التالية عن مصحف عثمان رضي الله عنه الذي عرف بالمصحف الإمام، وسمي رسمه بالرسم العثماني. وكان النص القرآني خالياً من النقط والحركات، تحتاج قراءته إلى السليقة اللغوية، وأدى نزوله على سبعة أحرف إلى نشوء بعض الاختلافات في قراءته، وكان ما فيه من الإجمال والعموم والناسخ والمنسوخ بحاجة إلى معرفة أسباب النزول

وتحديد القراءات الصحيحة وتفسير المعاني وبيان الأحكام التشريعية، وذلك كله يحتاج إلى تخصص دقيق، وقد برز في القراءات عدد من الصحابة منهم عبد الله بن مسعود رضي الله عنه وكان يمتلك مصحفاً مدوناً حمله معه إلى الكوفة، وقدر له أن يسمع سبعين سورة بلفظ الرسول صلى الله عليه وسلم (¬1)، كما كان مطلعاً بدقة على تفسير القرآن. وقد وضح تلميذه مسروق طريقته في التعليم بقوله: "كان عبد الله يقرأ علينا السورة، ثم يحدثنا فيها ويفسرها عامة النهار" (¬2). كذلك برز زيد بن ثابت رضي الله عنه، وأبي بن كعب رضي الله عنه الذي كان ممن يعلِّم الناس القرآن (¬3). وقد أوصى الرسول صلى الله عليه وسلم الصحابة بأخذ القرآن من أربعة، هم: عبد الله بن مسعود، ومعاذ بن جبل، وأبي بن كعب، وسالم مولى أبي حذيفة رضي الله عنهم (¬4). وقد حفظ علي بن أبي طالب رضي الله عنه القرآن كاملاً بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم مباشرة (¬5). ووردت أحاديث كثيرة في الحث على حفظ القرآن وقراءته وتدبر معانيه، ومعرفة مقاصده، منها حديثه صلى الله عليه وسلم "تعلموا القرآن" (¬6). ¬

_ (¬1) ابن سعد: الطبقات 3: 151، وأحمد: المسند 1: 389. (¬2) الطبري: تفسير، رقم 84 (ط. أحمد شاكر). (¬3) البيهقي: السنن 6 - : 126. (¬4) الخزاعي: تخريج الدلالات السمعية 133. (¬5) المتقي الهندي: كنز العمال 13: 128. (¬6) الألباني: سلسلة الأحاديث الصحيحة، رقم 258.

ب- الحديث

أما التفسير فكان يعتمد على شرح الرسول صلى الله عليه وسلم للآيات، وكانت أسباب النزول معروفة لعلماء الصحابة لأنهم عاشوا مع الأحداث. ونجد ابن عباس رضي الله عنه يعتمد كثيراً على شواهد الشعر الجاهلي في التفسير. ولم تظهر بوادر التفسير بالرأي في ذلك العصر، بل نجد أبا بكر رضي الله عنه يحذر منه بقوله: "أي سماء تظلني، وأي أرض تقلني، إذا قلت في كتاب الله ما لا أعلم" (¬1). وتبرز عدة مصطلحات تتعلق بعلوم القرآن في كلام عبد الله بن عباس، فقد فسر معنى الحكمة في الآية (ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيراً كثيراً) (¬2) بأنها "المعرفة بالقرآن، ناسخه ومنسوخه، ومحكمه ومتشابهه، ومقدمه ومؤخره، وحرامه وحلاله وأمثاله" (¬3). ب- الحديث: مع وجود عدد من الكتاب في عصر السيرة، وقيامهم بتدوين القرآن الكريم، فإنه لم يتم تدوين الحديث النبوي بشمول واستقصاء، بل اعتمدوا على الحفظ والذاكرة في أغلبه، ولم يأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم بكتابته، ولعله بهذا أراد الحفاظ على ملكة الحفظ عندهم، خاصة أن الحديث تجوز روايته بالمعنى خلاف ما عليه القرآن الكريم، الذي هو معجز بلفظه ومعناه، ومن ثم فلا تجوز روايته بالمعنى لذلك اقتضت الحكمة حصر جهود الكاتبين في نطاق تدوين القرآن الكريم، وللتخلص من احتمال حدوث التباس عند عامة المسلمين فيخلطوا القرآن بالحديث إذا اختلطت الصحف التي كتب فها القرآن بالصحف التي كتب فيها الحديث، ¬

_ (¬1) الخطيب: الجامع 2: 193. (¬2) البقرة 269. (¬3) ابن الجوزي: نواسخ القرآن110.

خاصة في الفترة المبكرة، عندما كان الوحي ينزل بالقرآن، ولما يكمل القرآن، ولما يعتد عامة المسلمين على أسلوبه (¬1). وقد وردت أحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم تنهى عن كتابة الحديث، ووردت أحاديث أخرى تسمح بكتابته، وأقوى أحاديث النهي ما أخرجه الإمام مسلم في صحيحه من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: "جهدنا بالنبي صلى الله عليه وسلم إن يأذن لنا في الكتابة فأبى" (¬2). وأقوى أحاديث السماح بالكتابة ما أخرجه الإمام البخاري في صحيحه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: "ما من أصحاب النبي صلى الله عله وسلم أحد أكثر حديثاً عنه مني إلا ما كان من عبد الله بن عمرو فإنه كان يكتب ولا أكتب" (¬3). وحديث آخر أخرجه البخاري في صحيحه أن رجلاً من أهل اليمن طلب من الصحابة أن يكتبوا له خطبة النبي صلى الله عليه وسلم بعد الفتح، فاستأذنوا النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك فقال: "اكتبوا لأبي فلان" (¬4). وحديث ثالث أخرجه البخاري أيضاً وهو قول النبي صلى الله عليه وسلم في مرضه الذي توفي فيه: "آتوني بكتاب أكتب لكم كتاباً لا تضلوا بعده" (¬5). وفي التوفيق بين حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه وهذه الأحاديث يقول الرامهرمزي عن حديث أبي سعيد: "أحسبه أنه كان محفوظاً في أول الهجرة، ¬

_ (¬1) لعبد الله بن رواحة قصة مع زوجته حيث قرأ عليها من شعره أبياتاً حسبتها قرآناً. (الذهبي: سير أعلام النبلاء1: 238 وقد قال إن السند حسن لكنه مرسل). (¬2) حديث رقم 2298. (¬3) البخاري: الصحيح 1: 38. (¬4) المصدر نفسه 1: 38. (¬5) المصدر نفسه 1: 29، ومسلم: الصحيح حديث رقم 1257.

فمن مواقف كبار الصحابة الذين كرهوا كتابة الحديث ما يلي

وحين كان لا يؤمن الاشتغال به عن القرآن" (¬1). وممن ذهب إلى نسخ أحاديث النهي ابن قتيبة الدينوري (¬2). وقد وقف الصحابة رضي الله عنهم في عصر الراشدين مواقف متباينة من كتابة الحديث، فمنهم من كره الكتابة ومنهم من أجازها، ومنهم من روي عنه الأمران. فمن مواقف كبار الصحابة الذين كرهوا كتابة الحديث ما يلي: 1 - جمع أبو بكر الصديق رضي الله عنه خمسمائة حديث ثم أحرقها (¬3). 2 - استشار عمر بن الخطاب رضي الله عنه الصحابة في تدوين الحديث، ثم استخار الله تعالى في ذلك شهراً ثم عدل عن ذلك وقال معللاً: "إني كنت أريد أن أكتب السنن، وإني ذكرت قوماً كانوا قبلكم كتبوا كتباً فاكبوا عليها وتركوا كتاب الله، وإني والله لا أشوب كتاب الله بشيء أبداً" (¬4). 3 - قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: "أعزم على كل من كان عنده كتاب إلا رجع فمحاه، فإنما هلك الناس حيث اتبعوا أحاديث علمائهم وتركوا كتاب ربهم" (¬5) 4 - أتي عبد الله بن مسعود رضي الله عنه بصحيفة فيها حديث، فدعا بماء فمحاها، وقال: "بهذا أهلك أهل الكتاب قبلكم حين نبذوا كتاب الله وراء ¬

_ (¬1) الرامهرمزي: المحدث الفاضل 71 أ. (¬2) ابن قتيبة: تأويل مختلف الحديث 365. (¬3) الذهبي: تذكرة الحفاظ 1: 5 (¬4) الخطيب: تقييد العلم 50، وابن عبد البر: جامع بيان العلم وفضله 1: 64. (¬5) ابن عبد البر: جامع بيان العلم وفضله 1: 63.

أما مواقف الصحابة التي تدل على إجارتهم الكتابة فهي

ظهورهم كأنهم لا يعلمون" (¬1). 5 - وردت روايات تدل على كراهية صحابة آخرين لكتابة الحديث وهم: زيد بن ثابت وأبو هريرة، وعبد الله بن عباس، وأبو سعيد الخدري، وعبد الله بن عمر، وأبو موسى الأشعري رضي الله عنهم، وقد أوضح كل منهم أن سبب كراهته لكتابة الحديث. راجع إلى خوفه من انشغال الناس بها وانصرافهم عن القرآن الكريم. أما مواقف الصحابة التي تدل على إجارتهم الكتابة فهي: 1 - كتب أبو بكر الصديق لأنس بن مالك رضي الله عنهما فرائض الصدقة التي سنَّها النبي صلى الله عليه وسلم (¬2). 2 - كتب عمر رضي الله عنه لعتبة بن فرقد بعض السنن (¬3)، ووجد في قائم سيفه صحيفة فيها صدقة السوائم (¬4). 3 - كان عند علي رضي الله عنه صحيفة فيها العقل وفكاك الأسير ولا يقتل مسلم بكافر (¬5). 4 - كان عبد الله بن عمر رضي الله عنه إذا خرج إلى السوق نظر في كتبه المدونة في الحديث (¬6). 5 - وردت أخبار عن إجازة بعض الصحابة الآخرين الكتابة مثل: عائشة، وأبي ¬

_ (¬1) المصدر نفسه 1: 65. (¬2) أحمد: المسند 1: 11. (¬3) أحمد: المسند 1: 16. (¬4) الخطيب: الكفاية 353 (¬5) البخاري: الصحيح 1: 38، وابن سعد: الطبقات 1: 486. (¬6) الخطيب: الجامع 2: 14.

هريرة، ومعاوية بن أبي سفيان، وعبد الله بن عباس، وعبد الله بن عمر، وعبد الله بن عمرو بن العاص، والبراء بن عازب، وأنس بن مالك، والحسن بن علي، وعبد الله بن أبي أوفى رضي الله عنهم. وبعضهم كان يكره الكتابة ثم أجازها، ولا تناقض في مواقفهم لأن سبب كراهتهم هو الخوف من اختلاطها بالقرآن أو مزاحمتها له، أما حين يأمنون ذلك فإنهم يجيزون كتابة الحديث. ولذلك فقد كتب بعضهم الأحاديث في الصحف في عصر الرسالة والراشدين ومنها: 1 - صحيفة سعد بن عبادة الأنصاري. 2 - صحيفة عبد الله بن أبي أوفى. 3 - نسخة سمرة بن جندب (ت (60) هـ) جمع فيها أحاديث كثيرة. 4 - كتب أبي هريرة. 5 - صحيفة أبي موسى الأشعري (ت (50) هـ). 6 - صحيفة جابر بن عبد الله الأنصاري (ت (78) هـ). 7 - الصحيفة الصادقة لعبد الله بن عمرو بن العاص (ت (65) هـ) وقد نقلها الإمام أحمد في مسنده (¬1). وغير ذلك من النسخ والصحف التي دونت في هذه الفترة المبكرة، وقد أحصى أحد الباحثين أسماء اثنين وخمسين صحابياً كتبوا الأحاديث النبوية (¬2)، مما أدى إلى توسع الأجيال التالية في كتابة الحديث حتى جمعته الكتب الستة وغيرها من مدونات الحديث الضخمة. ¬

_ (¬1) أكرم العمري: بحوث في تاريخ السنة المشرفة 223. (¬2) محمد مصطفى الأعظمي: دراسات في الحديث النبوي 92 - 142.

جـ - الفقه

جـ - الفقه: يشتمل الفقه على أحكام العبادات والمعاملات معاً، وبذلك ينظم سائر النشاط الفردي والجماعي في ذلك العصر، ومصادره الكتاب والسنة والإجماع والقياس، وقد برز عدد من الفقهاء اللامعين الذين تركوا ثروة فقهية يأخذ عنها الفقهاء المعاصرون. ويذكر ابن القيم أن الذين حفظت عنهم الفتوى من الصحابة مائة ونيف وثلاثون صحابياً، بين رجل وامرأة، وأن المكثرين منهم سبعة هم: عمر بن الخطاب، وعلي بن أبي طالب، وعبد الله بن مسعود، وعائشة أم المؤمنين، وزيد بن ثابت، وعبد الله بن عباس، وعبد الله بن عمر رضي الله عنهم. وينقل ابن القيم عن ابن حزم قوله: "ويمكن أن يجمع من فتوى كل واحد منهم سفر ضخم "وذكر أن أبا بكر محمد بن موسى بن يعقوب الحافظ جمع فتيا عبد الله بن عباس رضي الله عنه في عشرين كتاباً (¬1). وقد قام بعض الباحثين المعاصرين بجمع فقه عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأصدره في أربع مجلدات (¬2)، كما جمع آخر فقه عبد الله بن مسعود رضي الله عنه في مجلدة كبيرة تقع في (560) صفحة (¬3). وسمى ابن حزم ثلاثة عشر صحابياً من المتوسطين في الفتيا، وقال: إنه يمكن أن يجمع من فتيا كل واحد منهم جزء صغير جداً، وقد ذكر في المتوسطين عثمان بن عفان رضي الله عنه، وقد جمع فقهه باحث معاصر فوقع في مجلدة ¬

_ (¬1) ابن القيم: إعلام الموقعين 1: 12. (¬2) هو الدكتور رويعي بن راجح الرحيلي. (¬3) هو الدكتور محمد رواس قلعه جي.

د- اللغة العربية

متوسطة (340 صفحة) (¬1). أما المقلون في الفتيا منهم، وهم أكثر من عشرة ومائة صحابي، فقال ابن حزم: إنه يمكن أن يجمع من فتيا جميعهم جزء صغير فقط بعد التقصي والبحث (¬2). ومن الجدير بالذكر أن بعض المعلومات الفقهية كانت مدونة في عصر السيرة نفسه، منها كتاب الرسول صلى الله عليه وسلم إلى عمرو بن حزم الأنصاري رضي الله عنه في الفرائض والزكاة والديات. وكان عمر رضي الله عنه يذاكر بالفقه، ويأمر بتعلم السنن والفرائض والتفقه في السنة (¬3). وكان لدى علي رضي الله عنه صحيفة تتناول الصدقات والديات وحرم المدينة، وقد ورثها عن النبي صلى الله عليه وسلم مع سيفه ذي الفقار حيث كانت معلقة بجفن السيف. وكذلك دونت في تلك الفترة المبكرة بعض أقضية علي رضي الله عنه وفتاويه (¬4). د- اللغة العربية: وقد ظهرت العناية باللغة العربية لأهميتها في فهم نصوص القرآن والسنة، وكذلك لأهميتها الذاتية، وقد نقلت المصادر عدة توصيات لعمر بن الخطاب رضي الله عنه بتعلم العربية ورواية الشعر، فقد كتب إلى أبي موسى الأشعري رضي الله عنه حينما كان واليه: "مر من قبلك بتعلم العربية فإنها تدل على صواب الكلام، ومرهم ¬

_ (¬1) هو الدكتور محمد رواس قلعه جي. (¬2) ابن القيم: إعلام الموقعين 1: 12. (¬3) المتقي الهندي: كنز العمال 10: 252. (¬4) مسلم: الصحيح، المقدمة 13.

هـ - التاريخ

برواية الشعر فإنه يدل على معالي الأخلاق" (¬1). ونقل قوله: "تعلموا العربية فإنها تزيد في المروءة" (¬2). وقوله: "عليكم بالتفقه في الدين والتفقه في العربية وحسن العربية" (¬3). وقوله: "أعربوا القرآن فإنه عربي" (¬4). وكان عبد الله بن عمر رضي الله عنه يضرب بنيه إذا لحنوا (¬5). ولا شك أن عصر السيرة والراشدين يمثل بداية جديدة لازدهار اللغة العربية التي اعتز بها أصحابها وتعلمها المسلمون الجدد في المناطق المفتوحة وهذا ليس غريباً فهي لغة الدين والدولة الجديدة. هـ - التاريخ: أما علم التاريخ فقد انصبت العناية على السيرة النبوية وأخبار الأنبياء الماضين، قال سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه: "كنا نعلم أولادنا مغازي رسول الله صلى الله عليه وسلم كما نعلمهم السورة من القرآن" (¬6). ولا شك في أن القرآن الكريم وجه أتباعه إلى العناية بالتاريخ بإشاراته التاريخية المتنوعة وبعطائه الثر في ميدان التعليل للأحداث وإثبات قانون السببية وخاصة في موضوع قيام الدول وانهيار الحضارات. لكن المعلومات التاريخية كانت تنقل مشافهة في الغالب حيث تأخر التدوين ¬

_ (¬1) الكتقي الهندي: كنز العمال 10: 300. (¬2) الخطيب: الجامع 2: 25. (¬3) المتقي الهندي: كنز العمال 10: 254. (¬4) المصدر نفسه 10: 252. (¬5) الخطيب: الجامع 2: 29. (¬6) فقدت المصدر، ولم أقف عليه.

و- علم الأنساب

التاريخي عن هذا العصر .. باستثناء صور من عصر السيرة دونها بعض الصحابة ضمن الأحاديث النبوية. وتشير رواية قديمة إلى أن الخليفة علي بن أبي طالب رضي الله عنه حث وهب بن منبه على تعلم تاريخ الحميريين (¬1). وكانت بعض المعلومات التاريخية والوثائق مدونة في ذلك العصر مثل رسائل النبي صلى الله عليه وسلم إلى الملوك والرؤساء، ورسائل الخلفاء الراشدين إلى القادة في ميادين القتال وإلى ولاة الأمصار. ولكن هذه الوثائق الرسمية لم تكن بالطبع ضمن المواد التعليمية، وربما لم يطلع علها آنذاك غير عدد محدود من الناس. و- علم الأنساب: أما علم الأنساب، فهو علم عرفه المسلمون عن العصر الجاهلي، لكنهم جمعوه ودونوه، فضلاً عن شيوعه بينهم. وقد استمر الاهتمام بالأنساب في عصر السيرة والراشدين لضرورات دينية واجتماعية وعسكرية وإدارية، وفي الوقت الذي حرم الاسلام العصبية القبلية والتفاخر بالأنساب فإن للأنساب أهمتها في تطبيق أحكام الأحوال الشخصية من زواج وميراث .. وفي معرفة أنساب المحدثين لتمييز رواة الحديث، وفي توزيع العطاء، وفي التنظيم العسكري حيث كانت القبيلة وحدة مقاتلة كما أنها كانت أساس التنظيم الاجتماعي والإداري في الأمصار، ويمكن أن نعتبر ديوان الجند في خلافة عمر رضي الله عنه أول تدوين شامل للأنساب. وقد صحَّ أن الرسول صلى الله عليه وسلم أمر بتعلم الأنساب فقال: "تعلموا من أنسابكم ما تصلون به أرحامكم" (¬2). ¬

_ (¬1) ابن هشام: كتاب التيجان 82، وفؤاد سركين: تاريخ التراث العربي 1: 402. (¬2) الترمذي: السنن، كتاب البر 49، وأحمد: المسند 2: 374، والألباني: سلسلة الأحاديث الصحيحة، رقم الحديث 276.

ز- الشعر

وقد ذكر الجاحظ (14) مؤلفاً صنفوا كتباً في الأنساب معظمهم عاش قبيل الاسلام أو وقت ظهوره (¬1). وقد اشتهر بعض الصحابة بمعرفة علم النسب وكان منهم أبو بكر الصديق رضي الله عنه (¬2). وقد كلف الخليفة عمر بن الخطاب ثلاثة من نسابي قريش وهم جبير بن مطعم وعقيل بن أبي طالب ومخرمة بن نوفل رضي الله عنهم عمل جدول بالأنساب (¬3). وكان عقيل بن أبي طالب رضي الله عنه "عالماً بأنساب قريش ومآثرها ومثالبها وكان الناس يأخذون ذلك عنه بمسجد المدينة" (¬4)، وكذلك اشتهر حكيم بن حزام الأسدي رضي الله عنه بعلمه بأنساب قريش وأخبارها (¬5). ز- الشعر: وتدل الشواهد الشعرية العديدة على أن القبائل اهتمت بتقييد أشعار شعرائها، وبعض هذه القبائل كانت تسجل أيضاً أخبار حروبها ووقائع أيامها ومفاخرها ومآثرها وحكمها (¬6). وقد أفاد جيل عصر السيرة والراشدين من هذه الأشعار في فهم القرآن الكريم وتفسير معانيه قال ابن عباس رضي الله عنه: "إذا سألتموني عن عربية القرآن ¬

_ (¬1) الجاحظ: كتاب الحيوان 3: 209 - 210، وفؤاد سزكين: تاريخ التراث العربي 1: 403. (¬2) فؤاد سزكين: تاريخ التراث العربي 1: 405. (¬3) ابن سعد: الطبقات 3: 295 - 299، والبلاذري: أنساب الأشراف 436 - 437، والطبري: تاريخ الرسل والملوك 1: 2750 - 2752، وفؤاد سزكين: تاريخ التراث العربي 1: 404. (¬4) ابن حجر: الإصابة 4: 532. (¬5) المصدر نفسه 2: 113. (¬6) الدكتور ناصر الدين الأسد: مصادر الشعر الجاهلي 107 - 133، 165

حـ ـ القصص

فالتمسوه بالشعر، فإن الشعر ديوان العرب" (¬1). وقد سمع النبي صلى الله عليه وسلم الشعر، وأثنى على بعضه فقال: "إن من الشعر حكمة" (¬2). وامتدح الشعراء المسلمين الذين نافحوا عن الدين، وقد برز في عصر السيرة من شعراء الاسلام حسان بن ثابت وكعب بن مالك وعبد الله بن رواحة رضي الله عنهم. وبني عمر رضي الله عنه رحبة في ناحية المسجد النبوي سميت بالبطيحاء، وقال: من كان يريد أن يلفظ أو ينشد شعراً أو يرفع صوته فليخرج إلى هذه الرحبة (¬3)، فقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن تناشد الأشعار في المسجد (¬4). وقال كثير بن أفلح: "آخر مجلس جالسنا فيه زيد بن ثابت تناشدنا فيه الشعر" (¬5). حـ ـ القصص: أما القصص فقد بدأ في وقت مبكر، وكان القصاصون يقومون بدور وعظي، وكان الأسود بن سريع السعدي شاعراً، وكان في أول الاسلام قاصاً، وهو أول من قصَّ في مسجد البصرة (¬6). وقد استأذن تميم الداري عمر بن الخطاب رضي الله عنهما ليقص على الناس فلم يأذن له، وكان عمر بن زرارة يقص على الناس في ¬

_ (¬1) الخطيب: الجامع 2: 198. (¬2) البخاري: الصحيح، حديث رقم 6145. (¬3) الخزاعي: تخريج الدلالات السمعية 130. (¬4) المصدر نفسه 129 نقلاً عن الترمذي. (¬5) الخطيب: الجامع 2: 131. (¬6) ابن حجر: الاصابة 1: 74.

ط - الحكم والأمثال

مسجد الكوفة في حياة عبد الله بن مسعود رضي الله عنه الذي اعترض عليه (¬1). وقد نهى علي بن أبي طالب رضي الله عنه أبا يحيى عن القص في مسجد الكوفة لأنه لا يعرف الناسخ والمنسوخ (¬2). وينفي عبد الله بن عمر وقوع القص على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر وعثمان، ويقول: إنه أحدث بعد قتل عثمان رضي الله عنهم. ط - الحكم والأمثال: لقد أضيف في الاسلام إلى حكم وأمثال العرب في الجاهلية قدر كبير، حيث ضرب القرآن الكريم والحديث النبوي الأمثال الكثيرة التي صنفت فيها فيما بعد مؤلفات كثيرة، وبالطبع لا يمكن أن نقبل بسهولة تأويل ابن خلدون لكلمة "الحكمة" التي وردت في القرآن (يؤتي الحكمة من يشاء) (¬3) بأنها تعني الفلسفة (¬4)، لأنها في الحقيقة تعني ما فهمه العرب- الذين نزل القرآن بلغتهم- من كلمة "الحكمة" وهو: فهم القرآن والسنة والإصابة في القول والفعل (¬5). وللحكم والأمثال أهمية تربوية، فقد روي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قوله: "روِّحوا القلوب، وابتغوا لها طرف الحكمة، فإنها تمل كما تمل الأبدان" (¬6) ¬

_ (¬1) السيوطي: تحذير الخواص 59، 60 - 61. (¬2) ابن الجوزي: نواسخ القرآن 105 - 109. (¬3) البقرة 269. (¬4) سيد معظم حسين: مناشدة لإقامة جامعة إسلامية حديثة (حل الازدواجية) ضمن كتاب التعليم الاسلامي: أهدافه ومقاصده 130، وابن خلدون: المقدمة 549. (¬5) الطبري: تفسير 3: 89 - 90، وابن عبد البر: جامع بيان العلم وفضله 17. (¬6) الخطيب: الجامع 2: 129، وابن عبد البر: جامع بيان العلم وفضله 105.

ي - الطب

ي - الطب: ولقي الطب اهتماماً واضحاً، وكانت أحداث الجهاد وكثرة الجراحات دافعاً قوياً لذلك، وقد ورث المسلمون خبرات العصر الجاهلي الطبية، وأشهر أطباء العرب الذين عاصروا ظهور الاسلام الحارث بن كلدة الثقفي (¬1)، والمتطبب الشمردل بن قباث الكعبي النجراني (¬2)، وكان ضماد بن ثعلبة الأزدي يتطبب، وقد رحل في طلب علم الطب (¬3). وقد أضاف النبي صلى الله عليه وسلم رصيداً ضخماً إلى التراث الطبي الجاهلي كما يظهر ذلك في كتب الطب النبوي، ولا شك أن علم الطب ازداد رصيده في عصر الراشدين بإضافة معلومات الفرس والروم الطبية إليه. ك - علم النجوم (التنجيم): ومنذ ذلك العصر كانت النظرة إلى علم النجوم مفعمة بالشك، فليس من أحد يعرف الغيب إلا الله وحده، وقد أبطلت الكهانة والسحر وعلم النجوم التي كانت شائعة في الجاهلية بحكم العقيدة الإسلامية، فورد في الحديث النبوي: "من اقتبس علماً من النجوم اقتبس شعبة من السحر زاد ما زاد" (¬4). قال عبد الله بن عباس رضي الله عنهما: "قوم ينظرون في النجوم يكتبون "أبا جاد" أولئك لا خلاق لهم" (¬5) ¬

_ (¬1) ابن حجر: الإصابة 1: 595. (¬2) المصدر نفسه 3: 358. (¬3) المصدر نفسه 3: 486. (¬4) ابن ماجة: السنن 1: 1228 حديث رقم 3726 وإسناده قد يرقى إلى الحسن ففيه عبيد الله بن الأخنس صدوق يخطئ. (¬5) ابن سحنون: كتاب آداب المعلمين 62.

ل- الثقافة واللغات الأجنبية

ولا شك أن علم التنجيم فيه ادعاء معرفة الغيب، وجعل الأفلاك وحركتها مؤثرة في أقدار الناس ومصائرهم، ولا علاقة له بعلم الفلك الذي اهتم المسلمون به وأضافوا إلى تراث الإنسانية في مجاله. إن التمييز بين العلمين كان واضحاً في عصر السيرة والراشدين، فقد قال عمر رضي الله عنه: "تعلموا من النجوم ما تهتدون به في ظلمات البر والبحر ثم أمسكوا" (¬1). ل- الثقافة واللغات الأجنبية: لم يكن الحجاز في عزلة عن العالم المحيط به من الشمال والجنوب، فالمجتمع المكي التجاري له رحلات منظمة في الشتاء والصيف إلى الشام واليمن، وهذه الرحلات أكسبتهم خبرات لا تقتصر على النواحي الاقتصادية، بل تمتد إلى الثقافة أيضاً، والمجتمع المدني تعيش فيه جالية كبيرة من القبائل اليهودية التي تنتشر بينها العبرية، والتوراة والقصص الديني التأريخي. وقد وردت إشارات مبعثرة في المصادر التاريخية تبين معرفة بعض العرب بالعبرية، فقد صح أن ورقة بن نوفل كان يكتب الانجيل باللغتين العربية والعبرية (¬2). ويبدو من عدم ورود إشارات في المصادر عن معرفة الأنصار بالعبرية، أن اليهود لم يستعملوها في الحياة اليومية، بل كانوا يتخاطبون بالعربية، وربما لم يكن يعرف العبرية سوى أحبارهم، لذلك طهرت الحاجة إلى أن يتعلم بعض المسلمين في المدينة اللغة العبرية، قال زيد بن ثابت رضي الله عنه: "لما قدم رسول الله صلى الله عليه ¬

_ (¬1) ابن عبد البر: جامع بيان العلم وفضله 38 - 39. (¬2) البخاري: الصحيح، كتاب بدء الوحي 2: 214، ومسلم: الصحيح، كتاب الإيمان 252، والترمذي: الجامع، كتاب الاستئذان والأدب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، باب في تعليم السريانية.

وسلم المدينة قال لي: تعلم كتاب اليهود فإني والله ما آمن اليهود على كتابي. قال: فتعلمته في أقل من نصف شهر" (¬1). أما السريانية فقد تعلمها زيد بن ثابت رضي الله عنه أيضاً، فكان يقرأ الكتب التي ترد بها ويكتب رد الرسول صلى الله عليه وسلم عليها (¬2). كذلك تعلمها عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه (¬3). والحقيقة أن زيد بن ثابت رضي الله عنه كان وحده- في عصر السيرة- يعرف عدة لغات، فقد ذكر الخزاعي أنه "كان يكتب للملوك ويجيب بحضرة النبي صلى الله عليه وسلم، وكان ترجمانه بالفارسية والقبطية والحبشية، تعلم ذلك بالمدينة من أهل هذه الألسن" (¬4). أما عن التراث المكتوب باللغات الأجنبية، فقد كانت تتوفر نسخ من التوراة في المناطق المفتوحة (¬5). وكان عند عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما جملة من كتب أهل ¬

_ (¬1) أحمد: المسند 5: 186، وأبو داؤد: السنن 4: 60 حديث رقم 3645، والترمذي: السنن 5: 67 حديث رقم 2715، وابن سعد: الطبقات 2: 358، والحاكم: المستدرك 1: 75، والألباني: سلسلة الأحاديث الصحيحة 2: 156 حديث رقم 187، وابن حجر: فتح الباري 13: 185 حديث رقم 7195 معلَّقاً. (¬2) الترمذي: الجامع، كتاب الاستئذان 22، وابن سعد: الطبقات 2: 358، والحاكم: المستدرك 3: 422، وابن حجر: الإصابة 2: 594، وابن عبد البر: الاستيعاب 1: 194، والألباني: سلسلة الأحاديث الصحيحة 2: 155. (¬3) ابن سعد: الطبقات 7: 495. (¬4) الخزاعي: تخريج الدلالات السمعية 208. (¬5) ابن حجر: الإصابة 3: 496.

الكتاب، وكان يقرأ فيها (¬1). وقد حصل على كثير منها في وقعة اليرموك، فكان يخير بما فيها من الأمور المغيبة، حتى إن بعض أصحابه ربما قال له: حدثنا عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا تحدثنا عن الصحيفة (¬2). وكان أبو هريرة رضي الله عنه يعلم ما في التوراة وإن لم يقرأها، فقد علم شيئاً مما فيها بواسطة الأشخاص المطلعين عليها (¬3). وقد أظهر رجل كتاب دانيال بالكوفة، فأنكر الناس عليه أن يظهر غير القرآن (¬4). ولم يكن الرسول صلى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدون رضي الله عنهم من بعده يرغبون في أن يزاحم القرآن والسنة بهذا التراث الديني القديم، فقد كانت العناية تتجه إلى فهم الاسلام قبل الانفتاح على الثقافات الأخرى .. حدث أن أتى عمر بن الخطاب رضي الله عنه الرسول صلى الله عليه وسلم بنسخة من التوراة، فقال: يا رسول الله هذه نسخة من التوراة، فسكت. فجعل يقرأ ووجه رسول الله صلى الله عليه وسلم يغير. فقال أبو بكر: ثكلتك الثواكل، ما ترى ما بوجه رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فنظر عمر إلى وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أعوذ بالله من غضب الله وغضب رسوله، رضينا بالله رباً وبالإسلام ديناً وبمحمد نبياً. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "والذي نفس محمد بيده، لو بدا لكم موسى ¬

_ (¬1) الذهبي: تذكرة الحفاظ 42، والذهبي: سير أعلام النبلاء 3: 54، وأحمد بن حنبل: المسند 195:2. (¬2) ابن حجر: الإصابة 7: 440. (¬3) المصدر نفسه 7: 440. (¬4) الخطيب: تقييد العلم 56 - 57.

فاتبعتموه وتركتموني لضللتم عن سواء السبيل، ولو كان حياً وأدرك نبوتي لاتبعني" (¬1). وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال حين أتاه عمر بالتوراة: "أمتهوكون أنتم كما تهوكت اليهود والنصارى؟ " يعني: أمتحيرون أنتم في الإسلام فتلجأون إلى الأخذ من سواه؟. ثم قال: "لقد جئتكم بها بيضاء نقية، ولو كان موسى حياً ما وسعه إلا اتباعي" (¬2). وقد ازداد اتصال المسلمين بمصادر الثقافات الأجنبية في عصر الراشدين، فالأمصار الجديدة فيها نسخ وصحف من التراث الديني القديم، وقد استمر حذر الدولة شديداً فنهت عن شيوع تلك الصحف التي تتناول العقائد الدينية، وكان هدف الدولة صبغ المجتمعات المفتوحة بالثقافة الإسلامية والعقيدة الدينية الجديدة من غير أن تختلط بمفاهيم أخرى. قال خالد بن عرفطة: كنت جالساً عند عمر رضي الله عنه إذ أتي برجل من عبد القيس مسكنه بالسوس، فقال له عمر: أنت فلان بن فلان العبدي؟ قال: نعم. فضربه بعصا معه. فقال الرجل: مالي يا أمير المؤمنين؟ فقال له عمر: اجلس. فجلس، فقرأ عليه: {بسم الله الرحمن الرحيم. الر. تلك آيات الكتاب المبين. إنا أنزلناه قرآناً عربياً لعلكم تعقلون. نحن نقص عليك أحسن القصص} إلى قوله تعالى (لمن الغافلين)، فقرأها عليه ثلاثاً، وضربه ثلاثاً. فقال له الرجل: مالي يا أمير المؤمنين؟ فقال: أنت الذي نسخت كتاب دانيال؟ قال: مرني بأمرك أتبعه. قال: انطلق فامحه بالحميم والصوف الأبيض، ثم لا تقرأه أنت ولا تقرئه أحداً من الناس، فلئن بلغني عنك أنك قرأته أو أقرأته أحداً من الناس لأهلكنَّك عقوبة. ثم حكي له ¬

_ (¬1) رواه الدارمي: السنن 1: 115 - 116، وأخرجه ابن حبان: الصحيح. (¬2) رواه أحمد: المسند، والبيهقي: شعب الإيمان، من طرق يؤيد بعضها بعضاً.

عمر رضي الله عنه قصة مجيئه بالتوراة إلى النبي صلى الله عليه وسلم وغضبه وكلامه في ذلك (¬1). إن النبي صلى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدين رضي الله عنهم من بعده نهوا المسلمين في أول الاسلام عن الأخذ مما في كتب التراث الديني الأخرى، لأن الاسلام جاءهم بالشريعة الواضحة الخالصة من الشرك والشبهات، المصونة عن التبديل والتحريف، ففيها غنى وكفاية عما سواها من العقائد والأديان، وكان هذا الحذر في تداول الكتب الدينية القديمة ضرورياً لصون الفكرة الإسلامية واستقرار التصور الاسلامي. فلما استقر الاسلام عقيدة وشريعة ومنهج حياة، واتضحت مقاييسه الفكرية والخلقية في أذهان الناس، تفتحوا على ثقافات الأمم وأديانها وعقائدها بعقلية ناقدة ونظرة مقارنة فاحصة، فكانت دراسات الأديان المقارنة التي تمثلها كتب الفرق الكثيرة، ومنها ما تركه البغدادي وابن حزم والشهرستاني وغيرهم ¬

_ (¬1) أورده الهيثمي: مجمع الزوائد 1: 182 وقال: رواه أبو يعلى وفيه عبد الرحمن بن اسحق الواسطي ضعفه أحمد وجماعة. وأورد. البوصيري: إتحاف الخيرة 2: 135، وابن حجر: المطالب العالية 4: 28.

الباب الخامس أحوال العالم. الدعوة الإسلامية ومنطلقاتها الفكرية. الفتوحات.

الباب الخامس أحوال العالم. الدعوة الإسلامية ومنطلقاتها الفكرية. الفتوحات.

الفصل الأول أحوال العالم. الدعوة الاسلامية ومنطلقاتها الفكرية.

الفصل الأول أحوال العالم. الدعوة الاسلامية ومنطلقاتها الفكرية.

المبحث الأول: نظرة إلى أحوال العالم قبل الفتح الاسلامي

المبحث الأول: نظرة إلى أحوال العالم قبل الفتح الاسلامي كان البشر وقت الفتوح الاسلامية منتشرين في العالم وخاصة القارات الثلاث آسيا وأوربا وأفريقيا، وهم من أجناس متنوعة، فالعرب في شبه جزيرة العرب والعراق والشام، والفرس في بلاد إيران، والتتار والترك في بلاد ما وراء النهر وأواسط آسيا، والهنود في شبه جزيرة الهند، والجنس الأصفر في الصين واليابان وجنوب شرق آسيا، والروم في آسيا الصغرى (تركيا حالياً) وبلاد الشام ومصر وشمال أفريقية، والانجلوسكسون في انكلترة، والفرنج في فرنسا وهولندا وألمانيا، والغوط في اسبانيا وإيطاليا، والسودان والحبشة في بلادهم المعروفة اليوم في أفريقية وكانت القوى الكبرى المتحكمة في العالم آنذاك تتمثل في الفرس والروم، حيث سيطرت القوتان على مساحات شاسعة من الأرض وحكمتا شعوباً عديدة امتد نفوذهما إليها، ولم يكن الفرس على دين صحيح بل كانوا مجوساً يعبدون النيران، وكان الروم نصارى، ولكنهم لم يحافظوا على التعاليم التي جاء بها عيسى عليه السلام بل حرفوها، لذلك لم تكن القوتان الكبيرتان في العالم آنذاك قادرتين على توجيه البشرية نحو التوحيد والعدل والفضيلة والخير، وكانت بقية الشعوب في الصين واليابان والهند والتبت تدين بالبوذية وهي ديانة وثنية ترمز لآلهتها بالأصنام الكثيرة وتقيم لها المعابد وتؤمن بتناسخ الأرواح. أما شعوب أوربا فكانت بربرية تعبد الأوثان وتقدس قوى الطبيعة .. وكانت تعيش في ذلك العالم أقليات يهودية مشتتة ما بين بلاد الشام والعراق والحجاز وقد تحرفت تعاليم موسى عليه السلام، ودخلت فيها آراء كتبها الأحبار ونسبوها إلى الدين، فجعلوا الله-سبحانه- إلهاً قومياً خاصاً باليهود وافتروا الحكايات على أنبيائهم مما يشوه سمعتهم، وأحلوا التعامل مع غيرهم من الأميين

بالربا والغش وحرموه بينهم، وأبوا دعوة الناس إلى دينهم لئلا يحظوا- في زعمهم- بشرف الانتماء إلى شعب الله المختار، وتعاليم موسى عليه السلام قبل أن يحرفها اليهود لا تُقِّر هذه الروح العنصرية البغيضة، ولا تعترف بنسبية الأخلاق في التعامل بين الناس. ونخلص من هذا العرض الوجيز إلى القول بأن العالم يومذاك كان بحاجة إلى رسائل دينية جديدة تعيد للتوحيد صفاءه وللأخلاق قيمتها وتأخذ بيد الإنسان نحو الحق والخير والعدل بعد أن ساد الشرك والظلم والشر آماداً طويلة وانحرف الناس عن تعاليم الأنبياء. وقد جعل الله تعالى مهمة حمل الرسالة الخاتمة التي بعث بها رسوله محمداً صلى الله عليه وسلم في أعناق العرب سكان شبه جزيرة العرب، وكانوا ضعفاء مقهورين فقواهم الله، وفقراء مملقين، فأغناهم الله، وقبائل متفرقين، فوحدهم الله وأغماراً منسيين، فعرفتهم الدنيا بعد أن حملوا رسالة الاسلام، وقدموها للأمم الأخرى فاستجاب لهم كثيرون من أمم الأرض، وساعدوهم على نشر الدعوة حتى امتد الاسلام إلى بلاد فارس والترك والهند وأطراف الصين شرقاً، وإلى البلاد الخاضعة للروم في الشام وشمال أفريقية، بل إلى الأندلس وجنوب فرنسا وإيطاليا، وهكذا عمَّ نور الاسلام معظم أرجاء المعمورة، وأزاح القوتين الكبيرتين فقضى على فارس وأضعف الروم في القرن الأول الهجري. وسوف نستعرض فيما يلي الأحوال السياسية والاقتصادية والاجتماعية والدينية والأخلاقية التي كانت تسود في بلاد فارس والروم، ثم نعرض لهذه الأحوال في شبه جزيرة العرب، وذلك لنتعرف على الظروف العامة التي ظهر فيها الاسلام، ثم نتبين مقدار ما أحدثه من تغيير في تلك الأحوال.

دولة الفرس

دولة الفرس الحالة السياسية والاقتصادية: كانت الدولة الساسانية تحكم بلاد إيران في القرن السابع الميلادي، ويكون الفرس مادة الإمبراطورية، ولكنها أخضعت الترك في بلاد ما وراء النهر، والعرب في العراق، وكانت حدودها الغربية غير مستقرة حسب قوتها، فأحياناً تغلب على أطراف بلاد الشام كما حدث سنة (614) م عندما اجتاحت بلاد الشام واستولت على بيت المقدس، ثم استولت على مصر سنة (616) م (¬1). ولم يستسلم هرقل إمبراطور الروم بل أعاد تنظيم بلاده وإعداد جيوشه وهزم الفرس في آسيا الصغرى سنة (622) م، ثم استعاد منهم سوريا ومصر سنة (625) م، ثم هزمهم هزيمة ساحقة سنة (627) م (6 هـ) قرب أطلال نينوى، مما أدى إلى ثورة العاصمة (المدائن) ضد كسرى الثاني، وعقد خليفته شيرويه الصلح مع هرقل، على أن أحوال الدولة الفارسية لم تستقر بعد ذلك، إذ تكاثرت الثورات والانقلابات الداخلية، حتى تعاقب على عرش فارس في التسع سنوات التالية أربعة عشر حاكماً مما مزَّق أوصال دولة الفرس، وجعلها مسرحاً للفتن الداخلية، حتى أجهز عليها العرب المسلمون في حركة الفتح (¬2). هذا عن الأحداث السياسية والعسكرية التي مرت على بلاد فارس. وأما نظام الحكم فكان كسروياً مطلقاً، يقف على رأسه الملك، ولقبه كسرى، وصلاحياته مطلقة، وأحياناً يوصف بصفات الألوهية، فكسرى أبرويز وصف نفسه بـ "الرجل ¬

_ (¬1) د. سعيد عبد الفتاح عاشور: أوربا العصور الوسطى 1: 124. (¬2) توينبي: مختصر دراسة التأريخ 1: 264.

الحالة الدينية والفكرية

الخالد بين الآلهة، والإله العظيم جداً بين الرجال" (¬1) مما يدل على الغرور والتعاظم في حين وصفه المؤرخون بـ "الملك الحقود المرائي الجشع الرعديد" (¬2)، وبينوا اهتمامه الكبير بجمع أكوام الذهب والفضة والجواهر التي ملأت خزائنه عن طريق المظالم التي استغل بها بؤس رعيته (¬3). وكان يلجأ إلى المنجمين والكهان والسحرة لاستشارتهم في اتخاذ قراراته المهمة (¬4). أما الحياة الاقتصادية، فقد احتكر الأقوياء الثروة ومصادرها، وانهمكوا في مباهج الحياة وملذاتها، وزادوا من ثرائهم بالربا الفاحش والمكوس والضرائب الثقيلة التي فرضوها على الضعفاء من الفلاحين والعامة، فزادوها فقراً وتعاسةً، وحرَّموا على العامة أن يشتغل الواحد منهم بغير الصناعة التي مارسها أبوه، وكان العامة من سكان المدن يدفعون الجزية كالفلاحين، ويشتغلون بالتجارة والحرف، وهم أحسن حالاً من الفلاحين الذين كانوا تابعين للأرض، ومجبرين على السخرة، ويُجَّرُّون إلى الحروب بغير أجر ولا إرادة (¬5). وكان الجباة للضرائب لا يتحرزون من الخيانة واغتصاب الأموال في تقدير الضرائب وجبايتها، وكانت الضرائب تفرض بصورة اعتباطية وخاصة وقت الحروب. الحالة الدينية والفكرية لم يعرف الفرس الدين الحق، ولم تنتشر بينهم الأديان السماوية التي سبقت ظهور الاسلام إلا بنطاق محدود جداً، وكان أكثرهم على المجوسية، فمنذ القرن ¬

_ (¬1) كريستنسن: إيران في عهد الساسانيين 432. (¬2) المرجع السابق 437. (¬3) نفسه 437. (¬4) نفسه 437، 469. (¬5) كريستنسن: إيران في عهد الساسانيين 306.

الحالة الاجتماعية والأخلاقية

الثالث الميلادي صارت الزرادشتية ديناً للدولة، وقد تدهورت أخلاق رجال الذين الزرادشتي فوصفوا بالارتداد والحرص والاشتغال بحطام الدنيا، وحاول كسرى الثاني تجديد الزرادشتية وإحياء معابد النيران ونشر تفسير جديد لكتابها (الآفستا) وكانت عقوبة من يخرج عليها الإعدام (¬1). وتقوم العقيدة الزرادشتية على الثنوية، أي وجود إلهين في الكون هما إله النور (اهورا مزدا) وإله الظلام (أهريمن) وهما يتنازعان السيطرة على الكون، ويقف البشر الأخيار مع إله الخير، والأشرار مع إله الظلام. وتقدس الزرادشتية النار، وقد أقيمت معابد النيران في أرجاء الدولة، ويعرف رجال الدين الزرادشتيون بـ (الموابذة) وكل منهم يرأس مجموعة يسمون (الهرابذة) وهم الذين يخدمون نار المعبد في كل قرية. وهذه المعتقدات الباطلة لا تقدر أن تهب النفوس البشرية الطمأنينة والراحة النفسية، ولا تشبع تطلعها إلى عبادة الله الواحد الحق، ولا تمنحها القيم الأخلاقية الرفيعة، ولا قواعد العدل الاجتماعي. الحالة الاجتماعية والأخلاقية كانت الحياة الاجتماعية في إيران تقوم على عمادين: النسب والملكية. فكان فصل النبلاء عن الشعب حدود محكمة "وكان لكل فرد مرتبته ومكانه المحدد في الجماعة، وكان من قواعد السياسة الساسانية المحكمة ألا يطمع أحد في مرتبة أعلى من المرتبة التي يخولها له مولده" (¬2). وتقوم الأسرة على أساس تعدد الزوجات، وشاع بينهم الزواج بين ¬

_ (¬1) كريستنسن: إيران 470 - 471، 472 - 473. (¬2) نفسه 302.

دولة الروم (الإمبراطورية البيزنطية) 312 - (1453) م

المحارم (¬1)، وكان وضع المرأة يشبه وضع الرقيق حيث بإمكان الزوج أن يتنازل عنها لزوج آخر دون رضاها، كما شاعت عادة التبني للأولاد (¬2). وقد انتشرت الإباحية وعم الفساد الخُلُقي والاجتماعي خاصة عندما انتشرت المزدكية التي دعا إليها مزدك (ولد سنة (487) م). دولة الروم (الإمبراطورية البيزنطية) 312 - (1453) م الحالة السياسية والاقتصادية: كانت الإمبراطورية البيزنطية تضم الروم في آسيا الصغرى (تركيا حالياً) وتتوسع فتحتل الأقطار الواقعة على حوض البحر المتوسط الشرقي والجنوبي وبذلك جمعت أجناساً عديدة من البربر والقبط والعرب إلى جانب الروم، ولم يكن بين هذه العناصر تجانس في الجنس واللغة والثقافة والتقاليد، ورغم انتشار النصرانية بين هذه الشعوب، لكنها لم تحقق لها الانسجام بسبب الخلاف المذهبي الذي أضعف ولاء رعايا الإمبراطورية في الشام ومصر لها. وكان نظام الحكم ملكياً مطلقاً، فالنصرانية لا تنظم المجتمع والدولة، بل تكتفي بتنظيم العلاقة بين الناس وخالقهم وشعارها (دع ما لقيصر لقيصر وما لله لله) وكانت الفكرة السائدة التي تدعمها الكنيسة النصرانية هي أن الله اختار الإمبراطور ¬

_ (¬1) كريستنسن: إيران310 - 311. (¬2) نفسه 316 - 318.

لهذا المنصب، فأضحى بذلك موطن تبجيل وتقديس من رعاياه في أمور السياسة والدين، وكانت الطقوس والمراسيم تجري في البلاط بمشاركة الكنيسة ورجال البلاط، فإذا طلع الإمبراطور ركعوا أمامه جميعاً (¬1). ورغم النصرانية فإن القانون الروماني والحضارة اليونانية الوثنية كانا يسودان الحياة (¬2). إن الإمبراطور البيزنطي الذي عاصر ظهور الاسلام هو هرقل (610 - (641) م) ويعتبر من أعظم الأباطرة في التأريخ البيزنطي، حيث سعى إلى تجديد الإمبراطورية وإعادة تنظيم الدولة وبناء جيوشها وزيادة ثرائها بتنظيم الضرائب وطرق الجباية، وتمكن من إحراز النصر على الإمبراطورية الساسانية التي كانت تتفوق عسكرياً على الروم (¬3). وقد أشار القرآن الكريم إلى النصر الرومي النصراني على فارس المجوسية، وفرح المسلمون في مكة به، وكانت حملات هرقل على فارس بين سنتي 622 - (628) م (من سنة (12) بعد البعثة المحمدية إلى سنة (5) هـ). أما الحالة الاقتصادية، فإن الربا والاحتكار هما أساسا النظام (¬4)، وقد فرض هرقل ضرائب جديدة على أهالي الولايات المستاءين من الحكم الروماني لتسديد الدين الكبير لحروبه مع فارس، وقد أصيبت الإمبراطورية البيزنطية بانحطاط هائل نتيجة المغالاة في المكوس والضرائب والانحطاط في التجارة وإهمال الزراعة وتناقص العمران. ويكفي لبيان كيفية إدارة الإمبراطورية للولايات الخاضعة لها أن ¬

_ (¬1) د. السيد الباز العريني: الدولة البيزنطية 26. (¬2) نفسه 27. (¬3) الباز العريني: الدولة البيزنطية 116، 124 - 127، وجوزيف نسيم يوسف: تاريخ الدولة البيزنطية 105. (¬4) ول ديورانت: قصة الحضارة 14: 177.

الحالة الدينية والفكرية

نستشهد بقول بتلر عن إدارة مصر: "أن الروم كانوا يجبون من مصر جزية على النفوس، وضرائب أخرى كثيرة العدد". ويقول: "مما لا شك فيه أن ضرائب الروم كانت فوق الطاقة، وكانت تجري بين الناس على غير عدل". ويقول: "أن حكومة مصر الرومية لم يكن لها إلا غرض واحد، وهو أن تبتز الأموال من الرعية لتكون غنيمة للحاكمين" (¬1). وحتى الروم أنفسهم تعرضوا لثقل الضرائب وخاصة الفلاحين الذين اضطرتهم الضرائب الباهظة إلى بيع أراضيهم والهجرة إلى المدن (¬2). الحالة الدينية والفكرية رغم أن الإمبراطورية البيزنطية تدين بالنصرانية، لكن تعاليم النصرانية لم تبق كما جاء بها عيسى عليه السلام. "بل إن تعاليم الكنيسة انطوت على قدر كبير من تفكير الفلاسفة الوثنيين، واستخدمت الكنيسة وسائلهم وأسلحتهم العقلية في شرح العقيدة المسيحية" (¬3). وخلاصة القول أن النصرانية الحقة فقدت روحانيتها ووحدانيتها لما أدخله إليها داعيتها الكبير بولس من تعاليم وثنية نشأ عليها قبل تنصره، ولما تنصَّر الإمبراطور البيزنطي قسطنطين أدخل إليها مزيجاً من الخرافات اليونانية والوثنية الرومانية والأفلاطونية المصرية والرهبانية، وبذلك تحرفت الديانة وضاعت تعاليمها الأصلية، وانحدرت إلى عبادة القديسين والصور (¬4). وقد وقع الخلاف المذهبي الذي كان محوره تفسير طبيعة المسيح عليه ¬

_ (¬1) بتلر: فتح العرب لمصر 47. (¬2) ول ديورانت: قمة الحضارة 14: 174. (¬3) الباز العريني: الدولة البيزنطية 27. (¬4) أبو الحسن الندوي: ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين 42. وديورانت: قصة الحضارة 14: 154 - 155.

الحالة الاجتماعية والأخلاقية

السلام بين سكان الإمبراطورية، فقد تبنت الدولة مذهب الملكانية الذي يرى أن للمسيح طبيعتين: إلهية وبشرية، في حين انتشر مذهب اليعاقبة والمنفوستية في بلاد الشام ومصر، وهو يرى أن للمسيح طبيعة واحدة إلهية، وقد أدى هذا الاختلاف إلى شقاق عنيف بين الدولة ورعاياها، وحاول هرقل توحيد مذهب الإمبراطورية، فعقد مجمعاً دينياً انتهى إلى إقرار عدم الخوض في طبيعة المسيح والاكتفاء بالقول بأن لله إرادة واحدة (¬1). لكن المصريين قاوموه فاضطهدهم بالتعذيب والتحريق وفشلت محاولة التوحيد الديني، وضعف ولاء اليعاقبة والمنوفستية في الشام ومصر للإمبراطورية البيزنطية. وهذا الخلاف المذهبي يوضح مدى الانحدار الفكري والانحراف العقدي الذي أصاب شعوب الإمبراطورية حتى جعلوا عيسى عليه السلام وهو عبد الله ورسوله إلهاً، سبحان الله عما يقولون. وكانت طبقات المجتمع البيزنطي جميعاً تؤمن بالتنجيم، والتنبؤ بالغيب، والعرافة، والاتصال بالشياطين، والتمائم (¬2). الحالة الاجتماعية والأخلاقية: انتقلت تقاليد المجتمع اليوناني والروماني إلى الدولة البيزنطية، فلا غرابة إذا ما شاع الفساد الأخلاقي والانحلال الاجتماعي (¬3) داخل البلاط وفي أوساط الشعب. وكان الامبراطور وقادة الجيش وكبار رجال الكنيسة يعيشون في أعلى السلم الاجتماعي، في حين يقبع آلاف العبيد في المزارع الضخمة حيث يعانون من سوء التغذية وتدني مستوى المعيشة. ويقرب من مستواهم المعيشي الأحرار الذين يشتغلون ¬

_ (¬1) أرنولد توينبي: تاريخ البشرية 2: 59 - 61. (¬2) ديورانت: قصة الحضارة 14: 170. (¬3) ديورانت: قصة الحضارة 14: 170.

تنبيه

في الصناعات، وهذه الطبقات من الفقراء كانوا يحسون بسوء حالهم وكثيراً ما حاولوا القيام بثورات لم يوفقوا فيها. وكان أصحاب الأعمال الذين يستخدمونهم يؤلفون من بينهم طبقة وسطى كبيرة العدد (¬1). وهكذا فإن الطبقية والإقطاع وفقدان العدالة الاجتماعية كانت تطبع المجتمع البيزنطي، كما كانت القسوة والعنف والتعصب والجهل والخرافة تطبع حياة الأفراد، وما ذلك إلا بسبب ضعف الإيمان الصادق بالله ورسله، وطغيان المظاهر الخادعة على الحياة الدينية في الإمبراطورية (¬2). تنبيه: ورغم مظاهر الضعف والفساد في الإمبراطوريتين الساسانية والبيزنطية في وقت ظهور الاسلام وقيام حركة الفتوح الاسلامية، فإن من الخطأ المبالغة في وصف ضعفهما، فقد تمكنتا من حشد جيوش جرارة أمام تقدم المسلمين، وكانت جيوشهما تتفوق عدداً وعدة على المسلمين، ولكن الإيمان الصادق وروح الجهاد ونصر الله للمسلمين هو الذي أكسبهم المعارك الطويلة التي خاضوها ضد قوى منظمة وجيوش متمرسة وقلاع حصينة وأمم عريقة. الهند والصين واليابان كانت البوذية تنتشر في الصين، فكانت التماثيل الخزفية المزججة التي تمثل الخدم والذل والجمال تدفن مع الأموات في القبور، ثم تحولت هذه العادة إلى ذبح ¬

_ (¬1) المرجع السابق 14: 173 - 175. (¬2) ديورانت: قصة الحضارة 14: 187 - 188.

العبيد والخيول الحيَّة ودفنها مع الملوك والرؤساء لخدمتهم في عالم ما بعد الموت (¬1) وكانت تماثيل بوذا (563 - (483) ق. م) تنتشر في الهند أيضاً. وتتركز البوذية حول مفاهيم تقول بخلود الحياة المستمرة في دورة لانهائية من تناسخ الأرواح، وهي حياة تفيض بالألم الذي يمكن الهروب منه بفضل التثقيف الذاتي، والوصول إلى الاستنارة التي تسمو بالإنسان لتصل به إلى مرحلة (الرفانا) أي التوحد مع الذات الإلهية، أو باندماج الذات الإنسانية اندماجاً بهيجاً مع الكون (¬2). وكل فعل شرير عقابه في هذه الحياة بعد عودة الروح في جسد جديد، والألم يرجع إلى الشهوة، ولذلك فالحكمة أساسها قمع الشهوات جميعاً، ونهى بوذا عن قتل الكائنات الحيَّة والسرقة والكذب والمسكر والدنس، ولم يهتم بالطقوس زلم يتكلم عن (الله) و (الآخرة) بل هو لا يؤمن إلا بالمحسوسات وإن كان يركز على إنكار الذات والإحسان إلى الآخرين، كما أنه لم يهاجم نظام الطبقات السائد في الهند هجوماً صريحاً وإن كان يرى المساواة بين الناس، وقد رفض الأضاحي والتعزيم والرقى والدعاء، لكنه لم يحرم عبادة الآلهة الشائعة بين الهنود. وكان يدعو إلى تحقيق السعادة عن طريق النيوفانا بجمع مقوماتها السبعة وهي: السيطرة على النفس، والبحث عن الحقيقة، والنشاط، والهدوء، والغبطة، والتركيز، وعلو النفس (¬3). وتزاحم الديانة البرهمية الديانة البوذية في بلاد الهند (¬4)، وقد حمل الكوريون ¬

_ (¬1) ولز: موجز تاريخ الإنسانية 3: 773. (¬2) ادوين رايشاور: اليابانيون 68. (¬3) ديورانت قصة الحضارة 3: 64، 75، 77، 78، 81، 82، 84، 85. (¬4) ولز: موجز تاريخ الإنسانية 3: 779.

الذين هاجروا إلى اليابان الديانة البوذية ونشروها هناك (¬1)، وكان اليابانيون قبل البوذية يعبدون إلهاً يدعونه كامي، ويتمثل في عبادة ظواهر من الطبيعة كالشمس أو الأجداد الأسطوريين الذين هم ظواهر من الطبيعة حسب معتقدهم وتعرف ديانتهم باسم (الشنتو) أي الطريق إلى الآلهة (¬2)، وعند ظهور الاسلام كانت البوذية قد انتصرت على الشنتو (¬3). وقد انتشرت البوذية في سيلان والملايو والتبت وتركستان وبورما وسيام وكمبوديا وكوريا إلى جانب الصين والهند واليابان (¬4). وأما في الهند فإن البرهمية هي التي سادت فيها بعد أن زاحمت الديانة البوذية، والبرهمية تقوم على نظام الطبقات، وزعامة البراهمة، وتقديس البقرة، وتناسخ الأرواح، وقد بلغ عدد الآلهة الهندوسية ثلاثين مليوناً تزدحم بها مقبرة العظماء في الهند (¬5). وقد صورت هذه الآلهة بصور لا تراعى فيها حدود الأخلاق واحتفظت خلال القرون بعبادات وحشية مثل التضحية بأفراد من الإنسان، وإحراق الأرملة عند وفاة زوجها .. وصورت البرهمية الحياة على أنها شر لا مفر منه، وعملت على تثبيط الهمة عند أتباعها، وإشاعة الكآبة في نفوسهم، واستحالت الظواهر الدنيوية على يديها أوهاماً، فمحت بذلك الفوارق بين الحرية والعبودية، بين الخير والشر، بين الإفساد ¬

_ (¬1) توينبي: تأريخ البشرية 2: 76 - 77. (¬2) ادوين رايشاور: اليابانيون 61. (¬3) المرجع السابق 63. (¬4) ديورانت: قمة الحضارة 3: 200، 207. (¬5) المرجع السابق

والإصلاح (¬1). ومن هذا العرض السريع الشامل يتبين أن البشرية جمعاء كانت منحرفة عن توحيد الله تعالى وجاهلة بكيفية عبادته، وأن مجيء الاسلام كان رحمة عظيمة لهذا العالم، حيث صحَّحَّ الاسلام الاعتقادات الباطلة بالتعريف الواضح بالخالق عز وجل وأسمائه وصفاته ومعرفة جوانب العقيدة الأخرى مفصلة، والكشف عن مراده من العباد ببيان أحكام الحلال والحرام، وتفصيل الآداب والأخلاق، وبذلك صار بوسع الإنسان الاهتداء إلى الله الواحد القهار وعبادته وفق ما بيَّنه القرآن والسنة، وتطبيق منهجه الشامل في الحياة الإنسانية. ¬

_ (¬1) المرجع السابق 3: 232 - 233.

المبحث الثاني: الدعوة الاسلامية ومنطلقاتها الفكرية

المبحث الثاني: الدعوة الاسلامية ومنطلقاتها الفكرية إن الخطاب الاسلامي موجه للناس كافة بشتى بقاعهم ومختلف أزمانهم وبكل أجناسهم وقومياتهم وألوانهم (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين) (¬1) (وما أرسلناك إلا كافةً للناس بشيراً ونذيراً) (¬2)، وهذا العموم في الخطاب للبشرية اقتضى أن يقوم الرسول صلى الله عليه وسلم وأتباعه بدعوة الآخرين إلى الدخول في الاسلام (قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني). (¬3) وقد حفلت العصور الاسلامية المعاقبة بنشاط دعوي في أوضاع الحرب والسلام كان له أثره البالغ في تكثير أعداد المسلمين وتوسيع رقعة دار الاسلام. وكان الباعث الرئيسي على الدعوة هو طلب مرضاة الله والحصول على مثوبته ففي الحديث النبوي: "لأن يهد الله بك رجلاً واحداً خير لك من حُمر النَّعم" (¬4). إن موضوع الدعوة هو الاسلام بشموله للعقيدة والشريعة والأخلاق أو بتعبير معاصر لجوانب الحياة المتنوعة فكرية واجتماعية واقتصادية وسياسية، ولكن المحور الأساسي هو التوحيد الخالص لله تعالى وأنه الرب الخالق والمنعم الرازق ¬

_ (¬1) الأنبياء 107. (¬2) سبأ 28. (¬3) يوسف 108. (¬4) البخاري: الصحيح 4: 58، ومسلم: الصحيح، كتاب فضائل الصحابة باب 4 رقم 34 واللفظ له.

وأنه خلق البشر لتحقيق العبودية له (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون) (¬1)، ويتم اختبار طاعتهم في هذه الدنيا ويجازون على أعمالهم في اليوم الآخر، حيث يدخل المؤمنون الجنة والكافرون النار (زعم الذين كفروا أن لن يبعثوا قل بلى وربي لتبعثنَّ ثم لتنبؤنَّ بما عملتم وذلك على الله يسير) (¬2) (سابقوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها كعرض السماء والأرض أعدت للذين أمنوا بالله ورسله ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء) (¬3) (والذين كفروا وكذبوا بآياتنا أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون) (¬4) إن الدخول في الاسلام يبدأ بـ "أشهد أن لا إله لا الله وأن محمداً رسول الله" وبها يعلن الانسان اخلاصه في العبودية لله وحده، والتزامه باتباع أحكام الاسلام التي جاء بها محمد صلى الله عليه وسلم وهكذا يدخل الانسان مرحلة الوعي الديني .. الوعي بالهدف النبيل من الوجود، والوعي بضرورة الارتقاء الروحي والمادي، والوعي بوسائل الارتقاء من الإحساس بمعاني الإيمان والتدبر والتفكر والذكر والشكر والعبادات المتنوعة من صلاة وصوم وحج لتوثيق الصلة بالخالق (الصلاة معراج المؤمن)، ومن الانتصار للحق والعدل والخير والجمال بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ومن تمثل القيم الاسلامية في واقع حياته ليكون مثال "الإنسان الصالح"، ومن العطاء السخي للآخرين عن طريق "العمل الصالح" الذي يقربه إلى الله تعالى. إن دائرة العمل الصالح واسعة، وهو يهدف إلى الارتقاء بالحياة الروحية والمادية ومساندة قيم الحق والخير والجمال في الأرض .. وهي معاني كبيرة لا يسهل ¬

_ (¬1) الذاريات 56. (¬2) التغابن 7. (¬3) الحديد 21. (¬4) التغابن 10.

تحقيقها نسبياً، وإن تحققت في جيل فليس ثمة ما يضمن تحققها في جيل لاحق، فالصعود والهبوط يعتقبان في تاريخ البشر، وتجديد الدين وإحياء السنن وتوثيق عرى الإيمان يرتبط بالدعوة الاسلامية، ومدى وعي الدعاة لمضامين الاسلام وشموليته وقدرتهم على تمثل تعاليمه، وإقناع الآخرين بها. إن القرآن هو أول كتاب باللغة العربية حرَّك وعي الإنسان قبل أربعة عشر قرناً، وفتح عقله على مكانه في الكون والحياة، وعرَّف بالحقوق والواجبات التي تعمق وعيه الاجتماعي ونظرته الإنسانية، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يوضح ذلك كله بأقواله وسيرته الشخصية، ونظراً لتمثله القرآن بعمق ووعي خاصين، وتأثيره الكبير في جيله خاصة فإن الرؤية القرآنية تحولت إلى واقع إنساني معاش، تفاعل مع الوحي الإلهي- قرآناً وسنةً- وأثمر ارتقاءً عظماً في الوعي الإنساني العام عندما انتشر الاسلام في الزمان والمكان .. هدفت الدعوة الاسلامية إلى تخفيف معاناة الإنسان في الحياة، والتي يمكن أن تتضاءل بازدياد وعيه في ظل الوحي الإلهي، في حين قد يؤدي ازدياد الوعي الى زيادة المعاناة عند غياب الايمان، فقسوة الحياة تشتد عندما تفقد المعنى، والدين هو الذي يعطيها المعنى. وقصدت الدعوة الاسلامية الى تحرير الإنسان من الأوهام والأساطير والخرافات والشعوذة التي يقوم بها منتفعون يزعمون أنهم وسطاء بين الله والناس. وأحياناً اتخذ الانسان وسطاء من الحجر والشجر والبشر يناجونهم ويسألونهم، فأعلنت الدعوة الاسلامية أنه محض الشرك وأن لا وساطة بين الله والإنسان، وفي الحديث "اتق دعوة المظلوم فإنه ليس بينه وبين الله حجاب" (¬1) مما يفتح بصيرة ¬

_ (¬1) البخاري: الصحيح 7: 168، ومسلم: الصحيح 4: 1740

المؤمن على عاقبة ظلم الإنسان ويرسي أساساً للعدل السياسي والاجتماعي. وتحمل الدعوة الاسلامية ميزاناً دقيقاً للحقوق والواجبات حسب الشريعة، فلا يجوز التفريط بها أو التخلي عنها، فهي منحة إلهية للبشرية، وقد اقتضى تطبيق تلك التعاليم جهاداً وبذلاً منذ نزول الوحي حتى استقرت دولة الاسلام، فلولا الحركة الجهادية لما قضي على الشرك وطابع الحياة الجاهلية، ولما استقرت معاني العقيدة وقيم الاسلام الاجتماعية ومضامينه الخلقية في نفوس الملايين. وحرصت الدعوة الاسلامية على بناء مجتمع العدل والقوة (لقد أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد ومنافع للناس وليعلم الله من ينصره ورسله بالغيب إن الله قوي عزيز) (¬1) مما يوضح الأسس اللازمة لبناء مجتمع قوي متحضر يقوم على العدل والقوة، فالكتاب والميزان لإقامة العدل، والحديد لإيجاد القوة التي تحمي العدل وتكفل استمراره. والعدل الشامل يمتد إلى المسلم والذمي والكافر، والأغنياء والفقراء والأقوياء والضعفاء والرجال والنساء حيث تتحدد حقوق الجميع وفق موازين العدل دون احتكار أو استغلال أو استئثار أو ظلم (إن الله يأمر بالعدل والإحسان) (¬2). وتنطلق الدعوة الاسلامية من مبدأ المساواة بين البشر دون اعتبار للثروة والجاه ولا اللون أو العرق "الناس بنو آدم وآدم من تراب" (¬3). ويقتضي ذلك تحقيق تكافؤ الفرص أمام الناس والتزام العدل المطلق بينهم، وهدم النظم الطبقية إذ لا مكان للعنجهية والصلف والكبرياء والاستعلاء على الناس "المسلمون تتكافأ دماؤهم ¬

_ (¬1) الحديد 25. (¬2) النحل 90. (¬3) الترمذي: الجامع حديث رقم 3956، وأحمد: المسند 2: 361.

ويسعى بذمتهم أدناهم" (¬1). وهذا يفسر تجاوب الأمم المختلفة مع الدعوة الاسلامية ودخولها في دين الله أفواجا. وربما من أجل ذلك كله قال الفيلسوف الألماني هيجل: "يعتبر المبدأ الاسلامي- أو روح التنوير في العالم الشرقي- أول مبدأ يقف في وجه البربرية" (¬2). وتعلم الدعوة الاسلامية الشورى أساساً للنظام السياسي والاجتماعي انطلاقاً من الآية (وأمرهم شورى بينهم) والآية (وشاورهم في الأمر) وقد بيَّن عمر رضي الله عنه أن الحكم يخص الأمة وأن من يسلبها هذا الأمر يكون غاصباً (¬3). وتوازن الدعوة الاسلامية بين المطالب الروحية والدنيوية، وتنظر إلى عمران الأرض وزينة الحياة وطيباتها نظرة متفائلة، فلا تطالب البشر بالتبتل والحرمان والنأي عن استثمار الطاقات المتنوعة لمصالحهم (قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق) (¬4) (وابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة ولا تنس نصيبك من الدنيا وأحسن كما أحسن الله اليك) (¬5) فالمطلوب أن يكون العمران والاستثمار في نطاق الإحساس دون الظلم والانحراف عن الفطرة وتسخير القوى نحو الشر والدمار والطغيان ... وهي في دعوتها إلى العمران تربي الأتباع على الاتقان، والاتقان يقابل بمصطلحات العصر (التكنولوجيا)، والاحسان مرتبة عليا فوق الاسلام والإيمان، وفيها تتفجر الطاقات الانسانية، وتنفتح على عالم الغيب بتركيز عال من العبادة ¬

_ (¬1) أبو داؤد: السنن حديث رقم 2751. (¬2) هيجل: محاضرات في فلسفة التأريخ 250. (¬3) يعقوب بن سفيان: المعرفة والتأريخ 1: 351 بإسناد صحيح. (¬4) الأعراف 32. (¬5) القصص 77.

والرقابة واليقين "الاحسان أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك" (¬1). وقد أثمرت هذه الدعوة حضارة مادية رائعة في العصور الاسلامية الذهبية شملت الفكر والعلوم والزراعة والصناعة. وكان من مقاصد الدعوة الاسلامية حفظ النوع الإنساني واستمراره في الوجود، بتشريع الزواج وتحصين الأسرة وتحريم اتلاف النفس البشرية بالقتل أو الانتحار (من قتل نفساً بغير نفس أو فسادٍ في الأرض فكأنما قتل الناس جميعاً ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا) (¬2) معتبرة تحقيق الأمان الفردي أساساً لتحقيق الأمن الجماعي. وتفتح الدعوة الاسلامية أبواب التوبة أمام العالمين مهما بلغت معاصيهم دون الحاجة إلى الاعتراف أمام وسيط أو كشف مستور للآخرين (قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعاً إنه هو الغفور الرحيم) (¬3) وبذلك تم التأكيد على قيم إيجابية تحارب اليأس والقنوط والتردي والعبثية والإحساس بمأساوية الحياة، وتمحو الصور القاتمة المظلمة الموحية بالاكتئاب والقلق مثل الطِّيرة (التشاؤم) والخوف من المستقبل. سأل صحابي النبي صلى الله عليه وسلم: منَّا رجال يتطيرون؟ فأجابه: "ذاك شيء يجدونه في صدورهم فلا يصدنَّهم" (¬4). وتكثر الصور المتفائلة والمعالم المضيئة والمعاني الايجابية الملطفة للحياة والمجملة للاجتماع البشري بإشاعة السلام والمحبة بين الناس والاهتمام بحسن ¬

_ (¬1) البخاري: الصحيح 1: 18. (¬2) المائدة 32. (¬3) الزمر 53. (¬4) مسلم: الصحيح 1: 382 حديث رقم 537، وأبو داؤد: السنن 1: 244 - 245.

المنظر والمظهر والنظافة وطيب الرائحة. وأكدت الدعوة الاسلامية على التكافل والتعاون بين الناس ابتداءً بصلة الأرحام وانتهاءً بالمجمع بالحث على السخاء والكرم والإيثار ومراعاة حقوق الجيران حيث ينخلع الناس عن أموالهم التي يحبونها تحت شعار "الصدقة برهان" (¬1) يعني أنها دليل قاطع على تذوق حلاوة الإيمان. وأعلنت الدعوة الاسلامية حماية الملكية الفردية، وحثَّت على دوام تداول الأموال بالاستثمار، ومنعت تبديدها حتى من قبل صاحبها فحجرت عليه إذا كان سفيهاً لا يدرك عواقب إتلاف الثروة، وحرمت الربا والاحتكار منعاً لانحصار المال بأيدٍ قليلة (كي لا يكون دولةً بين الأغنياء منكم) (¬2). وكانت عقيدة الإيمان بالقضاء والقدر تحفز روح المغامرة الجهادية والعلمية والتجارية، وتدفع للبذل والتضحية لبناء الأمة وكيانها الحضاري. وقد اهتمت الدعوة الاسلامية بالعلم فهو فريضة على كل مسلم، ووعدت بالأجر العظيم على طلبه، وقد وردت كلمة العلم في (426) موضع من القرآن الكريم وأعلت مكانة العلماء حتى اعتبرتهم ورثة الأنبياء (¬3). وأرست قيماً ثقافية تضمن استمرار التقدم العلمي. فالعلم حق للجميع وليس حكراً لفئة معينة مما يؤدي للارتفاع بالمستوى الثقافي لجمهور الأمة، والعلم يجب أن يقترن بالعمل والسلوك، وهو دليل توفيق الله للإنسان "من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين" وفقه الدين يقتضي فهم الحياة والنظر إلى أحداثها وقضاياها وفق مفاهيم الاسلام الذي انتظم جوانب الحياة المتنوعة، فلا عجب إذا ما تفتحت بصيرة المسلم على جوانب ¬

_ (¬1) مسلم: الصحيح 203:1. (¬2) الحشر 7. (¬3) أبو داؤد: السنن 3: 317، والترمذي: الجامع 5: 49، وابن ماجة: السنن 1: 81.

الاجتماع والاقتصاد والحس والذوق وقيم الجمال بصورة أرحب وأعمق وأشمل كلما ازداد بصيرة في دينه. والعلم تترتب عليه مسؤولية دينية، فالعالم يُّسأل عن موقفه العلمي يوم القيامة "لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع خصال: ... وعن علمه ماذا عمل فيه" (¬1). والعالم مسئول عن نشر العلم وعدم كتمانه "من سئل عن علم فكتمه ألجمه الله بلجام من نار يوم القيامة" (¬2). والعلم بحر لا ساحل له، ولا يمكن للفرد الإحاطة به، لذلك لابد من الاستمرار في طلبه دون انقطاع، وقد أثمرت هذه القيم الثقافية حركة فكرية زاهرة حيث صار "التعلم المستمر" و "تراكم المعرفة" و "تجميع العلم" ودراسته بصورة منظمة من أبرز خصائص الحركة الفكرية في عصور الاسلام الذهبية. وكانت الدعوة الاسلامية ترتكز على مفهوم أن العقل وحرية الفكر مناط التكليف وطالبت أتباعها بالبحث الحر عن الدليل أو البرهان، وأنكرت تقليد الآخرين، فلم يظهر في الاسلام كهنوت يدَّعي احتكار فهم الاسلام وحق تفسير نصوصه كما حدث في تأريخ الأديان الأخرى، بل بوسع كل مسلم أن يرجع إلى القرآن والسنة وأن يتضلع في علومهما ويأخذ بعد ذلك عنهما، ويناقش الآخرين في صحة الدليل وطريقة الاستدلال. إن التأمل في المنطلقات الفكرية للدعوة الاسلامية يكشف عن مبادئ أساسية تتمثل في تحقيق العبودية لله والكرامة والحرية والعلم والعدل والمساواة والشورى للإنسان الذي يتجه إليه الخطاب الاسلامي في مطلق الزمان والمكان. ¬

_ (¬1) أبو داؤد: السنن 3: 323، وابن ماجة: السنن 1: 93. (¬2) أبو داؤد: السنن 3: 321، والترمذي: الجامع 5: 29.

الفصل الثاني: الفتوحات

الفصل الثاني: الفتوحات

المبحث الأول: فتوح العراق والمشرق

المبحث الأول: فتوح العراق والمشرق في خلافة أبي بكر الصديق (رضي الله عنه): كانت قبيلتا شيبان وسدوس- من بني بكر بن وائل- تسكنان في القسم الجنوبي من العراق، وكان المثنى بن حارثة الشيباني يتزعم قبيلة شيبان ويغزو بها مناطق الحيرة، كما كان قطبة بن قتادة السدوسي يتزعم قبيلة سدوس ويغزو بها أطراف الأبلة التي كانت الميناء الرئيسي للعراق على الخليج العربي، ولم تكن هذه الحركات مرتبطة بالمدينة، بل كانت مستقلة ولذلك أرسل أبو بكر الصديق رضي الله عنه خالد بن الوليد وعياض بن غنم إلى العراق ليتوليا قيادة الجيوش فيه، على أن يفتح عياض دومة الجندل التي انتقضت على أبي بكر ثم يمضي إلى الحيرة، وأيهما دخل الحيرة قبل الآخر تولى القيادة العامة في العراق (¬1). سبق خالد إلى العراق وضم إليه جيش المثنى وبدأ بتنظيم الحركات العسكرية فكانت أولى الوقائع بينه وبين الفرس في منطقة الحفير قرب الخليج العربي وقد انتصر فيها خالد على هرمز القائد الفارسي، وتسمى المعركة بذات السلاسل لأن الفرس اقترنوا بالسلاسل، كما تسمى غزوة كاظمة باسم القرية التي دارت قربها (¬2). وقد تملك الفرس في هذه المرحلة أردشير فحشد جيشاً بقيادة قارن فالتقى به ¬

_ (¬1) الطبري: تأريخ 3: 347 عن سيف بن عمر التميمي، والبلاذري: فتوح البلدان 295 - 296. (¬2) المصدر نفسه 3: 348 - 349 عن سيف.

خالد في المذار وألحق به الهزيمة وقتل من الفرس عدداً كبيراً (¬1)، وحاول الفرس بعد موقعة المذار الاستفادة من القبائل العربية وخاصة بكر بن وائل، فاحتشدوا في الولجة وانضم إليهم الاندرزغز القائد الذي أرسله الملك أردشير، وتمكن خالد من هزيمتهم، فذهبت فلولهم إلى أُلَّيس (¬2)، فاجتمعت العرب بقيادة مالك بن قيس والفرس بقيادة بهمن جاذويه، لكن بهمن ترك جبهة القتال إلى العاصمة بسبب مرض أردشير حيث مات فيه، وترك جابان على الفرس، وتمكن خالد في ألَّيس من تشتيت العرب والفرس وفَّر جابان وقتل مالك بن قيس (¬3). ثم سارع خالد إلى أمغيشيا فهدمها خربها (¬4)، وكان الفرس منشغلين بالاضطراب في البلاط عقب موت أردشير حيث تعاقب على العرش بعده عدد من الأمراء والأميرات. وقد استفاد خالد من هذه الظروف فقصد الحيرة عاصمة العراق العربي من أمغيشيا بالسفن، وقد سد آزاذبة حاكم الحيرة الفارسي قناطر الفرات ليمنع سير السفن لكن خالد أعاد فتح السداد بالقوة وحاصر الحيرة، فتحصن سكانها العرب وقاوموا، وفرَّ آزاذبة، وبعد حصار عنيف صالح خالد سكان الحيرة على الجزية، واتخذ خالد الحيرة معسكراً لجيشه، وأرسل عدة حملات إلى أطراف الحيرة لإقرار الأمن فيها، وقد صالحه الدهاقين في المنطقة (¬5) وبعد فتح الحيرة قصد خالد إلى الأنبار فحاصرها، وكانت محاطة بخندق ¬

_ (¬1) الطبري: تأريخ 3: 351 عن سيف. (¬2) المصدر نفسه 3: 353. (¬3) المصدر نفسه 3: 355 عن سيف، والبلاذري: فتوح البلدان 297، 300 باختصار. (¬4) الطبري: تأريخ 3: 358 عن سيف. (¬5) الطبري: تأريخ 3: 358 - 369 عن سيف، والبلاذري: فتوح البلدان 297 - 300.

فرمى فيه الإبل ليجتاز إليها، لكن شيرزاد الحاكم الفارسي صالحه على أن يسمح له بمغادرتها (¬1). ثم قصد خالد إلى عين التمر على أطراف بادية الشام حيث تجمعت قبائل تغلب والنمر وأياد والفرس بقيادة مهران بن بهرام جوبين فحاصرها حتى نزلوا على حكمه فقتل المقاتلة وغنم الأموال (¬2). أما عياض بن غنم فبقي سنة كاملة لا يقوى على خصومه من كلب وبهراء وغسان الذين نفروا إلى دومة الجندل بعد هزيمتهم أمام خالد بن الوليد، وكان زعيم أهل الدومة أكيدر بن عبد الملك الكندي الذي سرعان ما تخاذل عندما علم بنجدة خالد لعياض، وقيل أنه ترك الدومة قبل المعركة، أما القبائل العربية فقاتلت المسلمين خارج الحصن ثم فرت فتحصنت به ثم فتح خالد الدومة عنوة وقتل من بداخلها من المقاتلين. وكانت الدومة مفتاح بلاد الشام والعراق لذلك حرص المسلمون على الاستيلاء عليها (¬3). وقد استغل العرب والفرس غياب خالد عن الحيرة فثاروا فيها، فلما رجع خالد أخضعها وباغت قبائل تغلب، وأرسل القعقاع إلى حصيد حيث تجمعات الفارين من الحيرة عرباً وفرساً فهزمهم (¬4)، ولجأوا إلى بلدة الخنافس ففتحها المسلمون، كما باغت خالد قبائل هذيل في المصيِّخ، وبذلك أعاد سيطرة المسلمين على سائر العراق العربي (¬5). ثم قصد خالد إلى الفِراض وهو تخوم العراق والشام ¬

_ (¬1) الطبري: تأريخ 3: 373 عن سيف. (¬2) المصدر السابق 3: 376 عن سيف. (¬3) المصدر نفسه 3: 378 عن سيف. (¬4) نفسه 3: 380. (¬5) نفسه 3: 381.

ملاحظات

والجزيرة فاجتمع عليه العرب والفرس والروم فقاتلهم وانتصر عليهم (¬1)، ثم رجع إلى الحيرة حيث جاءه أمر أبي بكر الصديق رضي الله عنه أن يأخذ نصف الجيش ويتجه إلى الشام لمساعدة المسلمين هناك ضد الروم، وبقي المثنى بالنصف الآخر في العراق (¬2). ملاحظات: 1 - لم يشرك الصديق رضي الله عنه أحداً من المرتدين في الفتوح، بل جردهم من السلاح لأنه لم يأمنهم لحداثة عهدهم بالردة، وعقوبةً لهم بإظهار الاستغناء عنهم، ثم لأنه لم يشأ أن يكونوا طلائع الفتح الاسلامي فلا يعطون سكان المناطق المفتوحة المثل الصالح للجندي المسلم. 2 - لم تستقر قدم الفاتحين في المناطق المفتوحة، بل كان السكان وخاصة نصارى العرب يثورون عليهم فقد أعيد فتح الحيرة ثلاث مرات. وهذا يفسر أسباب تغير شروط الصلح مرات عديدة في مناطق السواد. 3 - دارت سائر المعارك في العراق العربي (¬3). في خلافة عمر بن الخطاب (رضى الله عنه): بعد مغادرة خالد بن الوليد العراق إلى الشام، اضطر المثنى إلى الانسحاب من المنطقة المفتوحة إلى الصحراء لعدم تمكنه من مواجهة الفرس بقواته القليلة، ولخشيته من ثورة سكان البلاد، فترك الحيرة إلى خفَّان في الصحراء. ثم حدثت اضطرابات في البلاط الساساني وتعاقب تسعة أمراء في أربع ¬

_ (¬1) نفسه 3: 383. (¬2) نفسه 415،408:3 - 417. (¬3) شكري فيصل: حركة الفتح الاسلامي 62، 69.

سنوات على العرش، وبدأ الاضطراب عندما قتل شيرويه أباه كسرى أبرويز، ثم قتل شيرويه، وتولى أمراء متعاقبون ثم تولى شهريران بن أردشير، ثم مات فتولت أخته دخت زنان بنت كسرى ثم خلعت وتولى سابور في شهريران ثم قتل وتولت آزر ميدخت بنت كسرى ثم خلعت وتولت بوران بنت كسرى وقد أطلقت يد رستم في شؤون الدولة والجيش (¬1). وبدأ رستم تنظيم مقاومة ضد المسلمين، وقد استمد المثنى عمر بن الخطاب رضي الله عنه فأرسل عمر أبا عبيد بن مسعود الثقفي ومعه عشرة آلاف مقاتل، ولما وصل العراق كان رستم قد استثار الدهاقين في السواد فثاروا بالمسلمين كما أرسل ثلاثة جيوش أحدها بقيادة جابان والآخر بقيادة نرس والثالث بقيادة الجالينوس، وتمكن أبو عبيد من هزيمة الجيوش الثلاثة قرب الحيرة وكسكر والسقاطية على التوالي، وأعاد احتلال السواد وصالح الدهاقين (¬2). وقد حفزت هزائم الفرس رستم فعبأ جيشاً كبيراً بقيادة بهمن جاذويه ذي الحاجب يساعده الجالينوس ومعهم الفيلة وراية كسرى "درفش كابيان"، والتقى الجيشان على الفرات بقس الناطف، وقد خيَّر الفرس أبا عبيد أن يعبر اليهم أو يعبروا اليه فاختار العبور كي "لا يكونوا أجرأ على الموت منا" لكنه فقد خصائص عديدة، فقد كان وراءه الصحراء وبعبوره أصبح النهر وراءه، وكان في صحراء فأصبح في أعشاب ومستنقعات، وفي بدء المعركة رجحت كفة المسلمين لكن الفيلة أرعبت خيلهم وخبطت أبا عبيد فقتلته، وانهزم المسلمون، وقام أحدهم بقطع الجسر ليمنع الهزيمة لكنه أخطأ وزاد خسائر المسلمين التي بلغت أربعة آلاف بين قتيل وغريق ثم أصلح الجسر وعبر المسلمون. لقد كانت الهزيمة قاسية حتى لحق ¬

_ (¬1) الطبري: تأريخ 3: 413 - 414، 447. (¬2) الطبري: تأريخ 3: 450 - 453.

القادسية (15هـ)

بعض المسلمين بالمدينة وبقي بعضهم بالبوادي يغلبهم الحياء (¬1). وكان لابد للمسلمين أن يثأروا للجسر، وبدأ الخليفة عمر رضي الله عنه يحشد الجيوش لهذا الغرض، وقد تثاقل بعض المسلمين عن الذهاب إلى جبهة العراق ورغبوا في الالتحاق بالشام حتى أكره عمر بجيلة بقيادة جرير بن عند الله البجلي بالالتحاق بالعراق وعوضهم ربع خمس ما أفاء الله عليهم. وكذلك سمح عمر رضي الله عنه للمرتدين بالاشتراك بالفتوح وأمد بهم المثنى، وقد قاد المثنى جيش المسلمين والتقى بالفرس في البُويب مما يلي موضع الكوفة اليوم وعليهم مهران، وقد تمكن المثنى من حصر الفرس والإيقاع بهم وقتل مهران (¬2) .. كما قام بتعقب الفارين، وبذلك استعاد المسلمون معنوياتهم، وغلبوا من جديد على السواد. وفي هذه المعركة اشتركت بعض القبائل العربية ونصارى النمر وتغلب إلى جانب المسلمين ضد الفرس. وفي أعقاب البويب ازداد إحساس الفرس بالخطر فاجتمعوا على يزدجرد بن شهريار بن كسرى ونهض يزدجرد بالأمر فجنَّد الكفاءات وحشد القوى، وأدرك المثنى خطورة الموقف فانسحب إلى ذي قار ينتظر أمداد المدينة. وقام الفرس بتجنيد عام وتوزيع الفرق في كل أنحاء الأرض التي احتلها المسلمون، وأثاروا السكان على المسلمين، فنقضوا الصلح وثاروا. القادسية (15هـ): أما المسلمون فقد قام المثنى باستنفار القبائل العربية لقتال الفرس، وأرسل عمر رضي الله عنه الأمداد من المدينة وأراد أن يقودها بنفسه لولا نصيحة الصحابة له بالبقاء، ويولى القيادة سعد بن أبي وقاص، ويقال أن جيشه بلغ بمن التحق به في ¬

_ (¬1) الطبري: تأريخ 3: 454 - 459 عن سيف. (¬2) الطبري: تأريخ 3: 460 - 472 عن سيف وابن اسحق.

المدائن

طريقه إلى العراق (000) , (20) مقاتل، ولما وصل إلى العراق كان المثنى قد استشهد من جراح أصابته فضم إليه جيشه البالغ (8000) مقاتل، وأمر عمر رضي الله عنه أبا عبيدة بن الجراح قائد الجيش في الشام أن يمده بالجيش الذي سحبه خالد من العراق قبل اليرموك فأعادهم وهم (8000) مقاتل بقيادة هاشم بن عتبة بن أبي وقاص، وأما الفرس فبلغ عددهم في بعض الروايات (120) ,000 مقاتل معهم (33) فيلاً يقودهم رستم كبير القادة الفرس، وقد بدأت المفاوضات أولاً وأوضح رسل المسلمين ومنهم المغيرة بن شعبة والنعمان بن مقرن أهداف المسلمين لرستم الذي تصور أن الأمر يمكن أن يسوى بالمال، ثم دارت رحى المعركة في القادسية ثلاثة أيام هي أرماث وأغواث وعمواس ولياليها الهدأة والسواد والهرير وهي أشدها، وقد أفاد المسلمون من يوم الجسر تمكنوا من التخلص من الفيلة برمي عيونها ففرت وقتل رستم وانهزم الفرس وقتل منهم ألوف كثيرة وخسر المسلمون (6000) مقاتل. واختلف في سنة الوقعة بين (14) و (15) و (16) هـ ولعل الراجح أنها سنة (15) هـ بعد اليرموك ودمشق وفحل (¬1). المدائن: وانطلق المسلمون بعد القادسية إلى المدائن بعد أن سقطت أمامهم بابل ثم بهرسير وفرَّ يزدجرد من المدائن إلى حلوان تاركاً حامية في المدائن ... وقد اقتحم المسلمون نهر دجلة بجرأة نادرة ولم يستطع الفرس صدهم، وسلمت الحامية على الجزية، ودخل المسلمون القصر الأبيض الذي وعدهم الرسول صلى الله عليه وسلم بفتحه (¬2). ¬

_ (¬1) الطبري: تأريخ 3: 477 - 590. (¬2) المصدر السابق 4: 6 - 24.

جلولاء (16 هـ)

جلولاء (16 هـ): وبدأ يزدجرد بتنظيم المقاومة من حلوان، ويتقدم نحو المدائن، لكن سعداً وجه هاشم بن عتبة على جيش من المسلمين، فالتقى بالفرس وهزمهم وفتح حلوان وذلك في موقعة جلولاء التي يمثل سقوطها انهيار الخطوط الأولى للمقاومة الفارسية وفي أعقاب جلولاء اعتنق دهاقين السواد الاسلام، فأقرهم عمر رضي الله عنه على مراكزهم ورفع عنهم الجزية (¬1). تكريت: وبعد جلولاء أرسل سعد بن أبي وقاص جيشاً بقيادة عبد الله بن المعتم لفتح تكريت في (5000) مقاتل، فقاتل فيها الروم الذين كانوا يسيطرون عليها وسقطت بعد حصار أربعين يوماً. ثم وجه ابن المعتم ربعي بن الأفكل العنزي إلى الموصل فصالح أهلها وأهل نينوى على الجزية (¬2). بناء الكوفة (17هـ): وقد طلب عمر بن الخطاب رضي الله عنه من سعد بن أبي وقاص أن لا يوغل في بلاد الفرس وأن يبني مدينة للمسلمين لأنهم استوخموا جو المدائن ولعله خشي غلبة عادات أهلها وترفهم على المسلمين، فبنى سعد الكوفة التي لا يفصلها عن الصحراء ماء لتكون قاعدة الجيوش الاسلامية في العراق (¬3). بناء البصرة (16 هـ أو (17) هـ): وقريباً من ذلك الوقت بنى عتبة بن غزوان البصرة في منطقة الأبلة التي فتحها ¬

_ (¬1) المصدر نفسه 4: 24 - 34. (¬2) الطبري: تأريخ 4: 35 - 37. (¬3) المصدر السابق 4: 40 - 48.

عتبة بن غزوان سنة (14) هـ حيث وجهه عمر لغزو الجنوب حين وجه سعد بن أبي وقاص إلى القادسية (¬1). وقد فتح عتبة الأبلة وهي مرفأ عظيم للسفن بعد قتال مع الفرس، ثم بنى البصرة، وهكذا أصبحت الكوفة والبصرة المنطلقين الرئيسيين للجيوش الاسلامية التي فتحت المشرق. وهكذا أيضاً أصبح الاستقرار طابع الفتوحات في خلافة عمر رضي الله عنه. لقد فُتح أكثر العراق عنوة، وانتقض مرات عديدة، حتى أن عهود الفتح وشروط الصلح تغيرت مرات عديدة، ويترتب على الفتح عنوة استملاك المسلمين للأرض، لكنهم دعوا المغلوبين للبقاء فيها على أن يدفعوا الخراج، وأفاد هذا الإجراء في عدم تحول الفاتحين إلى فلاحين، وفي ربط الفلاحين القدامى بأرضهم وولائهم لبلدهم، وساعد ذلك على ازدهار الزراعة في السواد، وما كان بوسع الفاتحين استثمار الأرض لنقص الخبرة، أما موقف السكان فقد قاوم العرب الفاتحين مقاومة عنيفة وخاصة نصارى بكر بن وائل، أما الفلاحون فقد ساعدوا الفاتحتين الذين أبقوا الأرض بأيديهم، لكن الجند من أهل السواد قاوموا بعنف فهم يرتبطون بالدولة، وأما الدهاقين فكانوا مع الغالب، ولما رجحت كفة المسلمين أسلموا وتولوا أعمالهم السابقة على الفتح. أما إسلام السكان فقد استجابت العامة للدين السمح والدهاقين للحفاظ على مصالحهم، وأسلمت بعض القبائل العربية مثل ربيعة، وحافظت بكر بن وائل على النصرانية، وأسلم بعض الفرس واشتركوا في القادسية مع المسلمين لكن عددهم كان محدوداً (¬2). ونتيجة عدم تعقب المسلمين لفلول الفرس في بلاد إيران حسب خطة عمر رضي الله عنه، تمكن بعض قادتهم كالهرمزان وملكهم يزدجرد من إعادة تنظيم ¬

_ (¬1) المصدر نفسه 3: 590 - 595. (¬2) شكري فيصل: حركة الفتح الاسلامي 100 - 105.

فتح الأهواز

الجيش، وتصورا أن المسلمين خافوهم فلم يتعقبوهم، وبدأ التجمع الفارسي في مكانين، نهاوند ويتولى يزدجرد أمر حشد الجيوش فيها، والأهواز ويتولى الهرمزان الذي كان قد فرَّ من القادسية أمر الفرس فيها. ونتيجة قرب الأهواز من البصرة، بدأت تحرشات الفرس بالمسلمين هناك، فلنرجع قليلاً إلى الوراء لتبين ظروف البصرة وعلاقتها بالأهواز. وكان عتبة قد مات فولاها عمر رضي الله عنه المغيرة بن شعبة، الذي كان قد تمكن من قهر سكان الأهواز وصالحهم على الجزية، ثم عزل عمر رضي الله عنه المغيرة على اثر شغب بعض أهل البصرة عليه واتهامهم له بالزنا، ولم تثبت التهمة، لكن عمر عيَّن أبا موسى الأشعري على البصرة، وفي طريق أبي موسى إلى البصرة ثار الفرس بالأهواز ورفضوا دفع الجزية، وزاد في طمع الفرس فشل المغامرة التي قام بها العلاء بن الحضرمي حيث تقدم بالمسلمين من البحرين بالسفن إلى إقليم فارس متجهاً إلى اصطخر عاصمة الاقليم فقطع عليه الفرس طريق الرجعة، وأنقذت حاميات البصرة والكوفة العلاء بن الحضرمي وعزل عن البحرين. فتح الأهواز: ولما اطلع أبو موسى على تحرشات الفرس وطمعهم دفع قواته إلى مدينة الأهواز ففتحها بعد أن كانت قد فتحت مناذر ونهر تيري، وقد فر الهرمزان من الأهواز إلى رامهرمز، وبدأت الحشود تتجمع من فارس حوله بتحريض من يزدجرد فطلب عمر رضي الله عنه من سعد بن أبي وقاص أن يوجه النعمان بن مقرن من الكوفة إلى رامهرمز (¬1). فتح رامهرمز: ¬

_ (¬1) الطبري: تأريخ 4: 72 - 76.

فتح تستر

كما طلب من أبي موسى الأشعري أن يوجه سهيل بن عدي من البصرة إلى رامهرمز، وقد تمكن النعمان من فتح رامهرمز قبل وصول سهيل (¬1). فتح تستر وفرَّ الهرمزان إلى تستر، ولحقه العمان وسهيل فحاصرا تستر ولكثرة جيوش الهرمزان وحصونة تستر لم يتمكن المسلمون من فتحها إلا بعد وصول أمداد كثيرة من البصرة بقيادة أبي موسى الأشعري ومن الكوفة بقيادة عمار بن ياسر واليها، ودار قتال عنيف خارج تستر التي كانت عاصمة خوزستان وأكثر مدنها منعة، ثم اضطر الفرس إلى الاعتصام بحصونها، وقد دلَّ رجل من أهل تستر المسلمين على مدخل مائي إلى المدينة، فدخل منه مائتان وأربعون مقاتلاً في الليل وفتحوا أبواب المدينة، ودخلها المسلمون، فاعتصم الهرمزان بقلعته ثم سلم على أن يحكم فيه عمر رضي الله عنه، وكفت المدينة عن المقاومة (¬2). فتح السوس وجندي سابور: ثم اتجه المسلمون إلى السوس فحاصروها حتى نفد قوتها وصالحتهم، وأسلم سياه الأسواري بشرط أن يلحق هو وجيشه بأشراف العطاء، وصالحت جندي سابور المسلمين وبذلك تم خضوع إقليم فارس للمسلمين (¬3). نهاوند (21 هـ): وأما يزدجرد فاستمر يحشد الجيوش في نهاوند من مختلف المقاطعات بقيادة الفيرزان حتى قيل أن جيشه بلغ (150) ,000 مقاتل، وتغيرت وجهة نظر ¬

_ (¬1) المصدر السابق 4: 83. (¬2) الطبري: تأريخ 4: 77، 83. (¬3) المصدر السابق 4: 89 - 94.

فتح أصبهان

الخليفة عمر رضي الله عنه في منع الانسياح في بلاد إيران بعد أن شرح له الأحنف بن قيس الموقف، وأن الفرس سيستمرون بالمقاومة مادام يزدجرد حياً، وهمَّ عمر أن يتوجه إلى العراق لقيادة الجيش بنفسه لولا نصيحة الصحابة له بالبقاء، فعَّين النعمان بن مقرن على الجيش وبعده حذيفة بن اليمان، وقيل أن جيش المسلمين بلغ (30) ,000 مقاتل، وكانت نهاوند حصينة، وكان الفرس يخرجون منها فيقاتلون ثم يحتمون بحصونها، فلم يتمكن منهم المسلمون حتى استدرجوهم بعيداً عنها، ثم قاتلوهم وهزموهم وقتل الفيرزان واستشهد النعمان، وفتح المسلمون نهاوند، وتسمى فتح الفتوح، فلم تقم للفرس بعدها قائمة. وفي أعقابها صالحت همذان ثم الدينور ثم السيروان ثم الصيمرة ثم ماه .... (¬1) وتتمثل خطة عمر رضي الله عنه بعد نهاوند بالانسياح السريع في بلاد إيران كي لا يجتمع للفرس فل، لذلك عقد بنفسه سبعة ألوية، فجعل لواء خراسان إلى الأحنف بن قيس، ولواء أردشير وسابور إلى مجاشع بن مسعود السلمي، ولواء اصطخر إلى عثمان بن أبي العاص الثقفي، ولواء درابجرد إلى سارية بن زنيم الكناني ولواء كرمان إلى سهيل بن عدي، ولواء سجستان إلى عاصم بن عمرو، ولواء مكران إلى الحكم بن عمرو التغلبي. فتح أصبهان: وجه عمر عبد الله بن عبد الله بن عتبان إلى أصبهان، وبعد قتال عنيف خارج المدينة صالحت أصبهان على الجزية. وتوضح الروايات التي يسوقها أبو الشيخ الأنصاري أن بعض أصبهان فتح صلحاً وبعضها فتح عنوة، ومما فتح صلحاً مدينة جي (أصبهان) وشقها، ومما فتح عنوة شق التيمرة من أصبهان ورستاق ¬

_ (¬1) الطبري: تأريخ 4: 114 - 139، 142 - 143.

إعادة فتح همذان

الشيخ ورستاق بوحوار ورستاق جرم قاشان (¬1). إعادة فتح همذان ثم انتقضت همذان فأعاد فتحها صلحاً نعيم بن مقرن، واجتمعت جيوش المقاطعات الشمالية من الديلم وأهل الري وأذربيجان بقيادة اسفنديار الرازي أخي رستم قائد القادسية، فهزمهم نعم بن مقرن في واج روذ (¬2). فتح الري: لكنها عادت فاجتمعت في الري بقيادة ملك الري سياوخش والري عاصمة الشمال الحصينة، وجاءتهم الأمداد من أهل دنباوند وطبرستان وقومس وجرجان، فإن سقوط الري بيد المسلمين يجعل الخطر مباشراً على هذه المناطق، وكذلك لأهمية الري الدينية حيث فيها معابد النار الكثيرة، وقد لقي المسلمون مقاومة عنيفة انتهت بفتح الري عنوة، ومع ذلك فقد أجراه نعيم صلحاً، ولعل خطورة الوضع وعنف العدو في هذه المناطق جعله يفكر في تهدئة أهل الري. وبسقوط الري صالحت قومس المسلمين، وكذلك فعلت دنباوند، ولم يبق من بلاد الفرس أمام المسلمين سوى جرجان وطبرستان وأذربيجان وبذلك يصلون إلى شواطئ قزوين، وقد كاتب سويد بن مقرن ملوك هذه المقاطعات فصالحه ملكا طبرستان وجرجان، وتقدم عتبة بن فرقد وبكر بن عبد الله في بلاد أذربيجان ولقيا اسفنديار فهزماه وأسراه فصالحهما على الجزية، كما دان للمسلمين شهريراز أمير الباب، وبذلك وصل المسلمون إلى أقصى بلاد الفرس واتصلوا بديار الترك من ¬

_ (¬1) الطبري: تأريخ 4: 139 - 141، وأبو الشيخ: طبقات 189. (¬2) الطبري: تأريخ 4: 146 - 150.

فتح إقليم فارس

الشمال (¬1). أما في الجنوب من بلاد إيران فقد تقدم المسلمون من البحرين ومن البصرة لغزو ولاية فارس، ففتح عثمان بن أبي العاص توج بمعاونة مجاشع بن مسعود الذي كان على جيش البصرة (¬2). فتح إقليم فارس: ثم سار مجاشع إلى سابور وأردشير ففتحهما بعد قتال، وسار عثمان بن أبي العاص إلى اصطخر عاصمة الإقليم ذات الأهمية السياسية والدينية ودافع عنها الهربز ودخلها المسلمون بالقوة ثم صالحوا الهربز على الجزية، وقد انتقضت بعد ذلك مرتين وأعيد فتحها، ويذكر البلاذري أن أبا موسى الأشعري قدم من البصرة واشترك في فتوح إقليم فارس مع عثمان بن أبي العاص ففتح أرجان وشيراز وسينيز صلحاً وفتح عثمان درابجرد صلحاً، ويخالفه الطبري فيذكر أن سارية بن زنيم فتح بسا ودرابجرد (¬3). فتح كرمان ومكران: وكذلك فتح سهيل بن عدي كرمان بالقوة، كما فتح الحكم بن عمرو التغلبي مكران بالقوة، وكان يزدجرد في كرمان ففر إلى مرو خراسان ... (¬4) فتح سجستان: وتمكن عاصم بن عمرو من فتح سجستان بعد حصار عاصمتها زرنج على ¬

_ (¬1) الطبري: تأريخ 4: 150 - 160. (¬2) الطبري: تأريخ 4: 174. (¬3) المصدر السابق 4: 175 - 179. (¬4) المصدر نفسه 4: 180 - 181.

فتح خراسان

الجزية (¬1). فتح خراسان: وتمكن الأحنف بن قيس من التوغل في خراسان الإقليم الشمالي الشرقي من بلاد إيران ففتح هراة عنوة ثم صالح أهلها وأرسل القوات إلى نيسابور وسرخس، وسار بنفسه إلى مرو حيث يقيم يزدجرد الذي فرَّ منها إلى مرو الروذ ثم منها إلى بلخ وتبعه الأحنف فسقطت بلخ وفرَّ يزدجرد إلى سمرقند لائذاً بخاقان الترك، وجمع خاقان جيشاً من فرغانة والصغد، وجاءت أوامر عمر إلى الأحنف أن لا يتقدم في بلاد الترك، فقد اتسعت الفتوح ولا يؤمن انتقاض الفرس في البلاد المفتوحة مما يهدد خطوط رجعة المسلمين. وقد تقدم خاقان بجيوش الترك لحرب الأحنف، لكنه عرف أن المسلمين لن يتقدموا في بلاده فرجع عن قتالهم. أما يزدجرد فقد فقد أمله بتراجع خاقان، وكان قد تقدم مع خاقان إلى مرو، فلما انسحب خاقان حاول أخذ خزائنه من مرو والالتحاق بخاقان، فرفض سكان المدينة ذلك فلما أصر ثاروا به وقتلوه (¬2). وهكذا تم فتح بلاد إيران في خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأقام المسلمون المسالح في شتى أرجائها متوقعين انتقاض الفرس في هذه الديار، لقد كانت فتوح المشرق عنيفة اقتضت من المسلمين تضحيات جسيمة بسبب اختلاف الدم، فسكان إيران فرس لا تربطهم بالعرب لغة ولا جنس ولا ثقافة، وكان الشعور القومي عند الإيرانيين يذكيه التاريخ الطويل والثقافة المتأصلة، كما أن القتال كان يدور في صميم الوطن الإيراني ويشترك رجال الدين المجوس في تأليب السكان على ¬

_ (¬1) المصدر نفسه. (¬2) الطبري: تأريخ 4: 166 - 173.

في خلافة عثمان بن عفان (رضى الله عنه)

المقاومة يضاف إلى ذلك بعد هذه المناطق عن مراكز الجيش في البصرة والكوفة، وطبيعة الأرض الجبلية التي تمكن السكان من المقاومة، ولذلك فقد انتقضت معظم هذه المراكز، وأعيد فتحها في خلافة عمر أو في خلافة عثمان رضي الله عنهما (¬1). في خلافة عثمان بن عفان (رضى الله عنه): انتقضت بعض الولايات الإيرانية على المسلمين، فأعادوا فتحها في خلافة عثمان رضي الله عنه، ففي سنة (31) هـ انتقضت خراسان، فتقدم إليها عبد الله بن عامر بجيش من البصرة وأعاد فتح مدنها مرو ونيسابور ونسا وهراة وبوشنج وباذغيس ومرو الشاهجان. ثم وجه الأحنف بن قيس إلى طخارستان، فاجتمع عليه أهل مرو الروذ والجوزجان والطالقان والفارياب والصغانيان، ففتح هذه البلاد بعضها صلحاً وبعضها عنوة، وحاول فتح بلخ فلم يتمكن، ثم عبر نهر جيحون فصالحه أهل بلاد ما وراء النهر، ثم استخلف عثمان قيس بن الهيثم بدل الأحنف فتوغل في طخارستان وفتح مدنها وكذلك فتح سعيد بن العاص بلاد طبرستان وصالحه ملك جرجان وثارت أذربيجان فغزاها الوليد بن عقبة وأعادها إلى الطاعة وكذلك تم فتح أرمينية في خلافته (¬2). في خلافة علي بن أبي طالب (رضى الله عنه): تأثرت فتوح المشرق في أواخر حكم عثمان بما كان من فتن واضطراب في المدينة، فحدث هدوء نسبي في هذه الجبهات الشرقية، بل إن بعض المدن نقضت صلحها مع المسلمين في أواخر خلافة عثمان مثل بلخ وهراة، ولم تمكن الفتن ¬

_ (¬1) شكري فيصل: حركة الفتح الاسلامي 220 - 225. (¬2) الطبري: تأريخ 4: 246 - 247، 269 - 271، 286 - 287، 213 - 303، 309 - 316.

الداخلية في خلافة علي من متابعة الفتح في المشرق (¬1) ¬

_ (¬1) البلاذري: فتوح البلدان 505.

المبحث الثاني: فتوح الشام ومصر والمغرب

المبحث الثاني: فتوح الشام ومصر والمغرب فتوح الشام في خلافة الصديق (رضي الله عنه): كان النبي صلى الله عليه وسلم قد لفت أنظار المسلمين إلى فتح الشام منذ مؤتة سنة (8) هـ ثم تبوك سنة (9) هـ ثم حملة أسامة سنة (11) هـ التي كتب لها أن تتأخر إلى خلافة الصديق رضي الله عنه. ثم بدأ الصديق رضي الله عنه بتوجيه الحملات إلى الشام في سنة (13) هـ بعد أن رجع من الحج، فوجه خالد بن سعيد بن العاص إلى تيماء ليتخذها معسكراً يستنفر الناس إليها. ثم توغل خالد في بلاد الشام وأمده أبو بكر بالوليد بن عقبة ثم بعكرمة بن أبي جهل، وقد تمكن القائد الرومي باهان من استدراج خالد وهو يتظاهر بالتراجع إلى دمشق حتى طوقه وقاتله في موقعة مرج الصفر وفرَّ خالد بن سعيد والوليد بن عقبة، وتراجع عكرمة بالجيش حيث انضم إلى الجيوش التي وجهها أبو بكر إلى الشام، وقد حدد أبو بكر لقادة هذه الجيوش وجهتهم، فيتجه أبو عبيدة إلى حمص، ويزيد بن أبي سفيان إلى دمشق، وشرحبيل بن حسنة إلى الأردن، وعمرو بن العاص إلى فلسطين، ولم تكن الجيوش تحت قيادة واحدة (¬1). الصدمات الأولى: وقد اصطدمت مع الروم في بعض جهات الشام، حيث التقى يزيد بن أبي سفيان بالروم بقيادة سرجيوس وانتصر عليه في وادي عربة، كما التقى عمرو بن العاص وشرحبيل بن حسنة بارطبون (أريطيون) في أجنادين بفلسطين واضطراه إلى ¬

_ (¬1) الطبري: تأريخ 3: 387 - 394.

اليرموك (في الطبري سنة (13) هـ)

التراجع إلى القدس (¬1). ولكن المسلمين أخذوا يواجهون عقبات كبيرة تمثلت في التفوق العددي الهائل للروم حيث حشدوا جيشاً كبيراً بقيادة تيودريك أخي هرقل اتخذ من منطقة على اليرموك معسكراً له، لذلك اقترح عمرو بن العاص تجميع الجيوش الاسلامية في اليرموك فتم ذلك. اليرموك (في الطبري سنة (13) هـ): ووجه أبو بكر رضي الله عنه خالد بن الوليد مع نصف الجيش الذي كان في العراق لمساعدة المسلمين في الشام، وقد قطع خالد الصحراء بسرعة خارقة واتصل بجيوش المسلمين في اليرموك بعد أن فتح في طريقه إليهم بصرى وبعض الواحات التي مر بها. وقد اجتمعت جيوش المسلمين تحت قيادة خالد بن الوليد ثم دارت رحى معركة هائلة، وقد استبسل المسلمون واستشهد عكرمة بن أبي جهل، وقاوم الروم بعنف ثم هرب بعضهم، ومعظمهم هوى في وادي الواقوصة فكان قتلاهم ألوفاً عديدة. وكان جيش المسلمين يضم ألفاً من الصحابة بينهم مائة بدري (¬2). وقد غادر هرقل على اثر الموقعة مدينة أنطاكيا وودع سوريا الوداع الأخير، وفتحت الطريق أمام المسلمين للانسياح في بلاد الشام، وفي أعقاب اليرموك توفي أبو بكر رضي الله عنه (¬3) وتولى الخلافة عمر رضي الله عنه، وقيل أن ذلك كان عقب حصار دمشق (¬4)، بل هناك رواية أخرى مخالفة هي أن اليرموك حدثت عقب فتح دمشق، ومعنى ذلك ¬

_ (¬1) الطبري: تأريخ 3: 406، 417، 418 عن ابن اسحق، 605. والبلاذري: فتوح البلدان 135 - 136. (¬2) ابن عساكر: تأريخ دمشق 1: 529 (ط. المنجد). (¬3) الطبري: تأريخ 3: 394 - 408. (¬4) البلاذري: فتوح البلدان 144.

في خلافة عمر (رضي الله عنه)

أنها كانت في خلافة عمر رضي الله عنه. في خلافة عمر (رضي الله عنه): عزل خالد: بدأ عمر خلافته بعزل خالد بن الوليد عن القيادة العامة في الشام وولاها أبا عبيدة عامر بن الجراح، ويرجح البعض السبب إلى موقف خالد من مالك بن نويرة، أو إلى عداء شخصي منذ الجاهلية بين الاثنين، أو إلى كراهية عمر لمجازفة خالد بالمسلمين في المعارك، والصواب أن عمر رضي الله عنه يمتاز برغبته في الإشراف على الولاة والقادة، وكان يخطط حتى للمعارك التي تدور في جبهات العراق والشام وتروي المصادر تفاصيل ذلك، وخالد امتاز بطبيعته التي تدعو إلى الاستقلال والتصرف الحر، فكان لابد من عزله لتحقيق الانسجام بين الخليفة وقيادة الجيش، وكذلك ليس بعيداً أنه عزله كي لا يفتتن به الناس فيحسبون أن النصر لا يتحقق إلا بوجوده. فتح دمشق (في الطبري أوائل سنة (14) هـ): واستشار أبو عبيدة الخليفة هل يتجه إلى دمشق أم إلى فحل بالأردن، فأشار بالاتجاه إلى دمشق، فحاصرها المسلمون ستة أشهر ثم فتح خالد الباب الشرقي عنوة وفتح أبو عبيدة باب الجابية صلحاً، وأجرى أبو عبيدة الصلح مع دمشق. وقد استقر المسلمون داخل مدينة دمشق أكثر من ضواحيها وملحقاتها الإدارية (¬1). ثم اتجه المسلمون بقيادة شرحبيل إلى فحل حيث التقوا بالروم هناك وهزموهم لذلك صالحهم أهل طبرية وبيسان وأذرعات وعمَّان وجرش ومآب وبصرى ¬

_ (¬1) ملكة أبيض: التربية والثقافة العربية الاسلامية في الشام والجزيرة ص 393، رغم أن الجدول يخص توزيع العلماء وحدهم ولكن الشريحة الاجتماعية تصلح للقياس عليها، فإن العلماء إنما يعيشون وسط الجمهور الذي يوجهونه.

حمص وحماة واللاذقية وقنسرين وحلب

على مثل صلح أهل دمشق (يقاسمهم المسلمون الأموال والمنازل وعلى جزية مقدارها دينار واحد سنوياً على كل فرد) (¬1). حمص وحماة واللاذقية وقنسرين وحلب: وتمكن المسلمون بعد فتح دمشق وفحل من بسط نفوذهم على سوريا والجزيرة وفلسطين والأردن، فقد اتجه أبو عبيدة إلى حمص وحاصرها ثم فتحها صلحاً على اثر زلزال وقع فيها. وقد صالحت حماة على مثل صلح حمص. ثم اتجه أبو عبيدة إلى اللاذقية فحاصرها، وأطال سكانها الحصار لإنقاذ أنطاكية، لكنه تمكن من فتحها بالقوة. ثم اتجه خالد إلى قنَّسرين قرب حلب ففتحها عنوة، وطلب سكانها الصلح فرفض خالد لكن أبا عبيدة أقرهم على الصلح، ومع ذلك ثارت عندما تركها المسلمون لفتح حلب فأعادوا فتحها وتركوا فيها حامية. وكذلك أرسل أبو عبيدة عياض بن غنم ففتح حلب صلحاً بعد أن حاصرها (¬2). أنطاكية: وبقيت أنطاكية التي تعتبر عاصمة الإمبراطورية في الشرق، وقد تخلى عنها هرقل إلى الرها فحاصرها أبو عبيدة وفتحها صلحاً ثم ثارت فأعاد عياض بن غنم فتحها وترك فيها حامية. وفي الوقت الذي عمل أبو عبيدة وخالد بن الوليد وعياض بن غنم على فتح سوريا والجزيرة كان عمرو بن العاص يتقدم في أرض فلسطين، فعلى اثر موقعة ¬

_ (¬1) الطبري: تأريخ 3: 434، 437 - 444، والبلاذري: فتوح البلدان 144 - 147. (¬2) الطبري: تأريخ 4: 50 - 56، والبلاذري: فتوح البلدان 156، 157، 162، 172، 174 - 175.

بيت المقدس

أجنادين (13 هـ) اعتصم ارطبون بحصون بيت المقدس فاتجه المسلمون إلى فتح مدن الساحل ففتحوا رفح وغزَّة وسبسطية ونابلس واللدَّ وعمواس وبيت جبرين ويافا بعضها عنوة وبعضها صلحاً. بيت المقدس ثم اتجه عمرو بن العاص إلى بيت المقدس فحاصرها طويلاً، ولما أدرك أهل القدس قوة الحصار وانقطاع الأعداء عنهم لاستيلاء المسلمين على مدن الساحل رغبوا في الصلح، واشترط سفرونيوس بطريق المدينة أن يتولى الصلح الخليفة عمر رضي الله عنه بنفسه ليكون أوكد، فقدم عمر بنفسه إلى الجابية وكتب كتاب الصلح للقدس، وسلمت مفاتيحها إليه ... أما أرطبون قائد حامية القدس فانسحب إلى مصر (¬1). وهكذا تمَّ فتح بلاد الشام في خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه "وقد غادر البيزنطيون ولحق بهم أتباعهم من أهل البلاد ... وكان عدد أفراد الجاليات العربية يتجاوز كثيراً عدد الجيش الفاتح، فعدد جيش الفتح كما تقول المصادر كان يبلغ من (24) ,000 إلى (27) ,000 محارب، ثم ازداد إلى (40) ,000 في نهاية عهد الخلفاء الراشدين، وإلى (60) ,000 أيام معاوية الأول، تضاف إليهم عائلاتهم. وهذا العدد يماثل عدد أفراد قبيلة واحدة من تلك التي استوطنت هذه المنطقة قبل الاسلام كقبيلة غسان التي شكلت دولة في حوران في القرن الخامس الميلادي (¬2)، حيث يذكر البلاذري أن الأمير الغساني جبلة بن الأيهم ترك الشام بعد الفتح مع (30) ,000 من رجاله" (¬3). ويلاحظ أن المؤرخين اقتضبوا أخبار فتح الشام وفصلوا ¬

_ (¬1) الطبري: تأريخ 3: 607 - 612. (¬2) ملكة أبيض: التربية والثقافة العربية الاسلامية ص 58. (¬3) البلاذري: فتوح البلدان 161.

فتوح العراق، ولكن هناك تفاصيل عن اليرموك وفتح دمشق والقدس، أما موقف عرب الشام من الفتح والإسلام، ففي حياة الرسول صلى الله عله وسلم لم يقدم إليه وفد منهم ليبايعه على الاسلام، وإن كان أهل جرباء وأذرح ودومة الجندل قد صالحوه في غزوة تبوك. وقد وقفت كثير من القبائل العربية مثل بهراء وكلب وسليم وتنوخ ولخم وجذام وغسان إلى جانب الروم وقاتلت ضد المسلمين، كما أن بعض العرب من لخم وجذام ساندوا المسلمين فيما بعد في اليرموك لكنهم لما رأوا جد القتال فروا، لكن نصف جيش الروم كان عربياً بقيادة جبلة بن الأيهم الغساني. وقد قاوم نصارى الشام الجيوش الاسلامية لأسباب دينية فلما رأوا انتصار المسلمين جنحوا الى مصالحتهم. ويرى نولدكة وتريمنكهام أن قيام القبائل المتنصرة بمقاومة الفتح الاسلامي ما كانت نابعة عن التزام ديني بقدر ما كانت المصالح تقتضي مثل هذا الموقف، فلما زالت هذه المصالح ورفض الروم دفع المبالغ المقررة لتلك القبائل التي كانت تحمي مداخل الصحراء حتى بدأت تغير من موقفها مع المسلمين (¬1). أما الروم فقاتلوا بعنف في ميادين عديدة وأطالوا القتال وحسبوا حركة الفتح غزوا ينتهي بانسحاب العرب بعد إحرازهم على الغنائم، ونسوا أن العرب تغيروا وأصبحت لهم مثل وقيم ومبادئ دونها كنوز الأرض كلها. وأنهم عندما قدموا ألوف الشهداء على أرض الشام ابتغوا نشر الرسالة والتمكين لها وليس نهب البلاد المفتوحة، وهذا سر استمرار وجودهم هناك (¬2). ¬

_ (¬1) د. محمد عبد القادر خريسات: دور العرب المتنصرة في الفتوحات ص 2، ضمن بحوث المؤتمر الدولي الرابع لتأريخ بلاد الشام- 1985 م. Trimingham, christianty among the arabs in pre - islamic time long man London and New york , P. 56 - 1979 (¬2) شكري فيصل: حركة الفتح الاسلامي 44 - 55.

فتح مصر

فتح مصر: كانت دوافع فتح مصر عند المسلمين قوية، فهناك العقيدة التي يريدون التمكين لها في كل مكان، ومصر تتصل بفلسطين فمن الطبيعي بعد فتح فلسطين أن يتجه المسلمون إلى مصر، وقد شطر المسلمون الإمبراطورية البيزنطية إلى شطرين لا يصل بينهما سوى البحر وذلك باستيلائهم على الشام، وفي مصر وشمال أفريقية جيوش ومسالح رومية، ولبيزنطة أسطول قوي في البحر، ولن يأمن المسلمون في الشام ومصر تحت النفوذ الرومي، ومصر غنية، وهي مصدر لتموين القسطنطينية فإذا احتلها المسلمون ضعف نفوذ بيزنطية كثيراً وأمن المسلمون في الشام والحجاز حيث يسهل اتصال الروم بالحجاز عن طريق مصر. العريش: وقد استأذن عمرو بن العاص عمر بن الخطاب في فتح مصر، واتجه بجيشه إلى العريش واحتلها دون مقاومة، ثم سار إلى الفرما، وقاومه الروم شهراً أو شهرين ثم تمكن من احتلالها، واتجه إلى بلبيس (¬1). شمال شرق القاهرة فاحتلها واصطدم بعد ذلك بأرطبون وهزمه. حصن بابليون: وتقدم إلى حصن بابليون حيث تعتصم قوات الروم بقيادة نيودورس ورئاسة المقوقس الذي عينه الروم بطريركا على الإسكندرية ووالياً على مصر، وعسكر المسلمون في عين شمس (هيليوبوليس) وجاءهم مدد الخليفة بقيادة الزبير بن العوام والمقداد بن عمرو وعبادة بن الصامت، فتقدموا إلى حصن بابليون وحاصروه، وطال الحصار لمناعته، وكان الروم يخرجون منه فيقاتلون ويعودون ثم غلبهم المسلمون خارجه وفر ¬

_ (¬1) شكري فيصل: حركة الفتح الاسلامي 118 - 120، وبتلر: فتح العرب لمصر 191

ثيودورس إلى الإسكندرية واحتمى المقوقس بالحصون، وبعد حصار سبعة أشهر فاوض المسلمين على الصلح على الجزية للقبط والخيار للروم، وخلال حصار بابليون تمكن عمرو بن العاص من الاستيلاء على الفيوم وجنوب الدلتا كما استولى على أم دنين إحدى مسالح الروم المهمة. وبعد سقوط حصن بابليون فتح الطريق أمام المسلمين للاستيلاء على مصر السفلى حيث لم يلقوا مقاومة عنيفة، كما اتجهوا نحو الإسكندرية في الشمال، والإسكندرية حصينة كما أن موقعها البحري يمكن الروم من إيصال الأمداد إليها بحراً، وقد لقي الجيش الإسلامي في طريقه إليها مقاومة من الروم حتى وصل إليها، ودافع الروم عنها وضربوا المسلمين بالمجانيق، وطال حصارها، وكان الإمبراطور هرقل قد عزل المقوقس عن مصر ونفاه على اثر مصالحته المسلمين في بابليون، ومات هرقل فرجع المقوقس إلى ولايته على مصر فرأى الإسكندرية محاصرة، فصالح المسلمين عليها، على الجزية لمن شاء البقاء ولا يمنع من يريد الالتحاق بالروم. وهكذا سيطر المسلمون على الإسكندرية، وبدءوا بإنشاء الفسطاط وحفر قناة بين النيل والبحر الأحمر، ثم اتجه عمرو بن العاص نحو الغرب ففتح برقة صلحاً سنة (21) هـ وفتح طرابلس عنوة سنة (22) هـ. ويمكن أن نلاحظ أن موقف الروم في مصر يتميز بالمقاومة العنيفة، لأن المسلمين يسلبونهم سلطانهم، ومنهم من سالم رغبة في الاستفادة من المسلمين كالمقوقس بعد أن نفض يده من بيزنطة. أما القبط فقد ساعدوا المسلمين بإصلاح الطرق وإقامة الجسور وإمدادهم بالمؤونة، وكان اضطهاد البيزنطيين لهم دينياً وإجحافهم لهم بالضرائب، وصورة الحرية الدينية التي أتاحها المسلمون لنصارى الشام تجعلهم يرحبون بالمسلمين (¬1). ¬

_ (¬1) الطبري: تأريخ 4: 104، وشكري فيصل: حركة الفتح الإسلامي 137 - 145.

في خلافة عثمان (رضي الله عنه)

في خلافة عثمان (رضي الله عنه): إعادة فتح الاسكندرية: عزل عثمان رضي الله عنه عمرو بن العاص عن مصر وولى عبد الله بن سعد بن أبي سرح سنة (27) هـ، فثارت الاسكندرية على المسلمين وأرسل الامبراطور قسطنطين أسطولاً حربياً بقيادة منويل الخصي الأرمني فاحتل الاسكندرية وتقدم في الأرض المصرية، فأعاد عثمان عمرو بن العاص على قيادة الجيش، فتمكن من طرد الروم واحتلال الاسكندرية ثانية وهدم أسوارها (¬1). السودان: وقد توجه عقبة بن نافع الفهري إلى بلاد النوبة السودان لكنه لم يتمكن من التوغل فيها، ثم صالحهم عبد الله بن سعد بن أبي سرح وتبادل معهم الهدايا. أفريقية: وقد أرسل عبد الله بن سعد بن أبي سرح يستأذن عثمان بغزو أفريقية، فأرسل عثمان جيشًا من المدينة فيه أعيان الصحابة، وتولى قيادته ابن أبي سرح أولاً ثم ولي عليه الزبير بن العوام فتمكن من إحراز النصر على جرجير (¬2) ملك أفريقية، وأحرز غنائم وعاد، فلم تكن غزوته فتحاً منظماً (¬3). وكان البربر بأفريقية والمغرب ¬

_ (¬1) البلاذري: فتوح البلدان 257 - 263. (¬2) هو جرجوريوس القائد من الإفرنج الذين غلبوا على إفريقية بعد انحسار نفوذ الروم، وقد اتخذ من سبيطلة عاصمة له لمناعتها بدلاً من قرطاجنة، وكان في البدء نائبا عن بيزنطة ثم استقل عنها (حسين مؤنس: فتح العرب للمغرب 96 هامش رقم 2، والزاوي: تأريخ الفتح العربي في ليبيا 24، والسلاوي: الاستقصا في أخبار دول المغرب 1: 75). (¬3) الطبري: تأريخ 4: 253 - 256، والبلاذري: فتوح 267 - 268.

ذات الصواري

تحت ملك الفرنجة، ويدينون بالنصرانية (¬1). ذات الصواري: وقد اهتم المسلمون ببناء الاسطول البحري مستفيدين من خبرة سكان الاسكندرية، وتمكن الاسطول الاسلامي من إحراز نصر على أسطول الروم في موقعة ذات الصواري في البحر المتوسط على مقربة من الاسكندرية سنة (34) هـ وقد استولى المسلمون على بعض سفن الروم فأضافوها إلى أسطولهم (¬2). الجيش ونظام القتال: لم يظهر الجيش النظامي في عصر الخلافة الراشدة بالصفة التي نجدها في الدولة العباسية، بل كانت الأمة كلها مقاتلة حين تدعى إلى الجهاد حيث كان كل قادر على حمل السلاح ومسجل في ديوان العطاء يهب للانخراط في الحملة العسكرية (¬3). لذلك لم تكن التدريبات اليومية تحت إشراف الدولة، وإنما اعتمدت جيوش الفتح على المتطوعين الذين كانوا يتدربون بأنفسهم على السباحة والرماية والمبارزة والفروسية بصورة مستمرة استعداداً للجهاد مما وفر للدولة أعدادا كبيرة من الرجال القادرين على القتال العارفين بأساليبه وفنونه في ذلك العصر "لقد أرسى الرسول القائد صلى الله عليه وسلم القواعد العسكرية الاسلامية ووضع تعاليمها النظرية والتطبيقية، وحذا الخلفاء الراشدون حذوه في تطبيق هذه التعاليم، ولذلك استطاعوا تحقيق أكبر الانتصارات على أقوى جيوش فارس والروم ¬

_ (¬1) سعد زغلول: تأريخ المغرب 1 - 126. (¬2) الطبري: تأريخ 4: 288، 290 - 292. (¬3) فاروق عمر فوزي: النظم العسكرية، نشأة الجيش النظامي في الاسلام 2: 229. (وقائع ندوة النظم الاسلامية، أبو ظبي 1405 هـ).

وفتحوا البلدان في وقت قياسي قصير" (¬1). وكانت القبيلة هي الوحدة العسكرية في ميدان القتال، كما كانت أساساً للتنظيم الاجتماعي والإداري في الأمصار (¬2). ورغم أن الروابط القبلية ظلت فاعلة في علاقات القبائل ببعضها وبالدولة، وكانت الدولة تحسب لها حساباً، إلا أن تغلغل الاسلام في المجتمع وقوة العقيدة الاسلامية في النفوس أدى إلى إضعاف الروح القبلية شيئاً فشيئاً، فظهرت معايير جديدة وروابط جديدة على أساس المساواة والتقوى بصرف النظر عن الأصل، كما أن ظهور الفرق العديدة التي كانت تجمع أناساً من أوساط مختلفة وقبائل متباينة ساعد على إيجاد روابط فكرية وسياسية ودينية على حساب الروابط القبلية القديمة (¬3). وكذلك فإن استقرار- العرب في الأمصار أدى إلى امتزاج القبائل وتداخلها اجتماعياً بالزواج واقتصادياً بوحدة مصالح المصر، وكانت الروابط الاجتماعية والاقتصادية الجديدة تقوى على مر الزمن على حساب الروابط القبلية. وكان الجيش عربياً في البدء، ثم استسلمت أعداد من قوات الفرس والروم ودخلت في الاسلام ورغبت في الالتحاق بالقوات الاسلامية. وقد عاملتهم الدولة الاسلامية بمرونة، فألحقتهم بقواتها مع احتفاظهم باستقلال وحداتهم وفرقهم، وسمح لهم- إذا رغبوا- بالتحالف والارتباط بالقبائل العربية، كما أدخلوا ديوان العطاء، ومن هؤلاء "الحمراء" من الروم، و"الأبناء" ¬

_ (¬1) المرجع السابق 2: 235. (¬2) صالح العلي: التنظيمات الاجتماعية والاقتصادية في البصرة 38 - 40. (¬3) صالح العلي: التنظيمات الاجتماعية والاقتصادية في البصرة 137، وفاروق عمر فوزي: النظم العسكرية 2: 239.

من أهل صنعاء، و"الديالمة" و"القيقانية" و"الأساورة" من الفرس (¬1). وقد عرف الجيش الاسلامي عدة رتب عسكرية تتمثل في أمير الجيش ونائبه وأمراء الكراديس وأمراء التعبئة والنقباء والعرفاء (¬2)، وكان الجيش يرفع لواءً أبيض ورايةً سوداء (¬3) كما كان عليه الأمر في عهد النبوة (¬4). وكان المقاتلون فرساناً ومشاة، وكانت الدولة حريصة على تربية الخيل لأغراض الجهاد، كما كانت تحثُّ الناس على تربيتها، وتقيم لها السباقات وتحدد لها الحمى. ويعطى الفارس من الغنيمة سهمان وللراجل سهم واحد (¬5). وكانت التعبئة العربية تعتمد على نظام الصفوف ونظام الكراديس ونظام الخميس، فكان الجيش يقسم إلى خمسة أقسام: الميمنة، والميسرة- ويطلق عليهما الجناحان-، والقلب، والساقة، والمؤخرة. وكل قسم يضم عدة كراديس، ويتألف كل كردوس من ألف مقاتل وله قائده وحاشيته وراياته. وبين كل كردوس وآخر فسحة من الأرض مناسبة تسمح لها بحرية الحركة والقتال. وكانت الدولة تمون الجيش بما يلزمه من الطعام والسلاح والخيول والجمال (¬6). ¬

_ (¬1) البلاذري: أنساب الأشراف 366 - 379، وابن عبد الحكم: فتوح مصر 129، وصالح العلي: التنظيمات 59، وفاروق عمر: النظم العسكرية 2: 242. (¬2) محمد فرج المدرسة العسكرية 425، وعبد العزيز السلومي: ديوان الجند 294. (¬3) البلاذري: فتوح البلدان 132 - 133، والطبري: تأريخ 4: 514. (¬4) ابن حجر: فتح الباري 6: 126. وتسمى الراية "العقاب". (¬5) عبد العزيز السلومي: ديوان الجند 343 - 346. (¬6) عبد العزيز السلومي: ديوان الجند 362 - 380.

الباب السادس: الفتن الداخلية

الباب السادس: الفتن الداخلية

الفصل الأول: الردة

الفصل الأول: الردة

تمهيد انتشار الاسلام خارج المدينة

تمهيد انتشار الاسلام خارج المدينة: (¬1) لم يقتصر انتشار الاسلام على أهل المدينة، فقبل قيام الدولة فيها قام بعض المسلمين من خارج مكة بتبليغ الدعوة إلى قبائلهم، كما فعل أبو ذر الغفاري مع قبيلته غفار، والطفيل بن عمرو الدوسي مع قبيلة دوس (من أزد اليمن). ولما قامت دولة الاسلام بالمدينة اهتمت بإرسال الدعاة إلى البوادي لدعوة القبائل رغم الأخطار التي كان تحدق بالوفود، كما حدث في الرجيع وبئر معونة كما أن الرسائل الدعوية التي وجهها النبي صلى الله عليه وسلم في العام السادس بعد الحديبية إلى الملوك والأمراء شملت عددا من حكام المناطق العربية في البحرين وبصري. وكانت "أول جمعة جمعت- بعد جمعة في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم- في مسجد عبد القيس بجواثى من البحرين" (¬2) وقد دخلت مكة في الاسلام عام (8) هـ بعد فتحها، وأسلم أهل الطائف عام (9) هـ، وقد شكل محور المدينة- مكة- الطائف مركز الثقل الاسلامي في حروب الردة. وكان يضم الأنصار والمهاجرين وبقية قريش وثقيف ومزينة وغفار وجهينة وبلي وأشجع وأسلم وكعب، وفي نجد ثبت على الاسلام طوائف من بني سليم وطيء وهذيل وتميم- ثبت منها على الاسلام في حركة الردة عدد من بطونها هم عوف ¬

_ (¬1) راجع صالح العلي: الدولة في عهد الرسول صلى لله عليه وسلم، المجلد الثاني منه، ومهدي رزق الله أحمد: الثابتون على الاسلام أيام فتنة الردة. (¬2) صحيح البخاري: كتاب الجمعة باب 11 (فتح الباري 2: 379).

والأبناء والرباب وبهوى وارتد بنو حنظلة ومقاعس والبطون (¬1) - وعبس وذبيان وقضاعة وكلب وأسد وغطفان (¬2) وهوازن وعامر (¬3) وهذه الطوائف وقفت ضد المرتدين، وتعرضت للقتل أو الأذى. وهكذا انقسمت القبائل على نفسها بسبب الولاء للاسلام والارتداد عنه. كما امتد الاسلام في شمال شبه الجزيرة العربية فاسلم بنو شيبان وبنو عذرة في عصر السيرة (¬4). وأرسل النبي صلى الله عليه وسلم الأمراء والدعاة إلى اليمن مثل معاذ بن جبل وعلي بن أبي طالب ثم أرسل أبا موسى الأشعري فكان على الأشعريين (¬5) بزبيد ورمع وعدن والساحل. وقد واجهوا الوثنية في معظم قبائل اليمن كما واجهوا النصرانية التي تدين بها بنو الحارث بن كعب واليهودية التي يدين بها حمير وكثير من كندة (¬6) وقد أثمرت جهودهم، فأسلم ملوك حمير، شرحبيل والحارث ابني عبد كلال ونعيم بن عبد كلال قيل ذي رعين (¬7). وأسلم باذان حاكم صنعاء من قبل الفرس وأسلم معه الأبناء (¬8)، وأرسلت اليمن وفودها عام 9 هـ منهم وفد كندة، ووفد الأشعريين، ووفد ¬

_ (¬1) الطبري: تاريخ:3: 268، 269. (¬2) الكلاعي: حروب الردة 41، 42، 49، 51، 67، 69. والطبري: تأريخ 3: 242، 243 وابن أغم الكوفي: كتاب الفتوح 1: 7. (¬3) الطبري: تأريخ 3: 264. (¬4) ابن أعثم: كتاب الفتوح 45 وان حجر في الإصابة 3: 438 (¬5) صحيح البخاري (فتح الباري 8: 61). (¬6) ابن حزم: جمهره أنساب العرب 491 (¬7) ابن سعد الطبقات 1: 265، 283، 356 وابن هشام السيرة النبوية 2: 588 - 590، والبلاذري فتوح البلدان 95 (¬8) الطبري تأريخ 2: 659 والبيهقي دلائل النبوة 2: 452

همدان، ووفد دوس (¬1)، مما يدل على انتشار الاسلام في اليمن، وقد كان لثبات قبائل ذي مران وذي الكلاعي وذي ظليم وبجيلة وزبيد والنخع وجعفي والأبناء والسكون والسكاسك على الاسلام أثره في إحباط ردة الأسود. وكان في القبائل المرتدة مثل بني عقيل بن ربيعة وعك وخثعم طوائف من المسلمين ثبتت على الاسلام ووقفت ضد الأسود العنسي، بل إن قبيلة مذحج التي ينتسب الأسود إليها ثبت عدد كبير من رجالها على الاسلام وحاربوا الأسود، لكن جهال القبيلة كانوا معه (¬2). أما في حضرموت فقد انتشر الاسلام في طوائف من قبيلة كندة إلا أن حركة الردة وجدت أنصاراً كثيرين لها في أوساط هذه القبيلة مما يدل على الانقسام داخل كندة (¬3). ولكن بقيت قبائل نجران على نصرانيتها (¬4) وخضعت للدول الاسلامية وحافظت على علاقاتها معها خلال أحداث ردة الأسود العنسي (¬5) وكان عمرو بن حزم واليا على نجران. ¬

_ (¬1) أحمد: المسند 3: 105 بإسناد صحيح، و 155 بإسناد فيه ضعف من جهة يحيى الغافقي، و15: 211، 212 حديثين بمتن واحد تفرد بهما مسلم بن هيصم العبدي مقبول فيحتاج إلى متابعة، والبخاري: الصحيح (فتح الباري 8: 96 - 100)، والبيهقي: السنن الكبرى 2: 369 بإسناد قال البيهقي أنه على شرط البخاري، وليس كما قال، فإن فيه أبا عبيدة بن أبي السفر صدوق بهم وليس من رجال البخاري ولا مثلهم. (¬2) ابن سعد: الطبقات 5: 525 - 526، والطبري: تأريخ 3: 229، 230، 327، والكلاعي: حروب الردة 90، 216، 220. (¬3) الطبري: تأريخ 3: 339 - 342، والكلاعي: حروب الردة 223، 226 - 229، وابن أعثم: الفتوح 1: 57. (¬4) البخاري: الصحيح (فتح الباري 8: 101). (¬5) ابن هشام: السيرة النبوية 4: 594، وخليفة بن خياط: تأريخ 94.

المبحث الأول حركات الردة

وانتشر الاسلام في اليمامة، وقد ثبت الكثيرون من المسلمين أمام حركة الردة التي قادها مسيلمة، وكان في بني حنيفة- قبيلة مسيلمة- عدد كبير من المسلمين، وقد قاوموا مسيلمة بقيادة ثمامة بن أثال الحنفي (¬1) وقد انتشر الاسلام في عمان والبحرين في بني جديد وبني ناجية وبني عبد القيس وكعب بن ربيعة (¬2) ولم ينتشر الاسلام في قبيلة ربيعة بنطاق واسع، يكشف عن ذلك مسارعتها إلى الردة (¬3) وانتشر الاسلام في أوساط قبائل مهرة وخاصة أهل النجد، وأهل رياض الروضة، وأهل الساحل، وأهل الجزائر، وأهل المر واللبان، وأهل جيروت، وظهور الشحر والصبرات وينعب وذات الخيم، وبعض بني محارب (¬4). المبحث الأول حركات الردة يعتبر تاريخ الطبري أهم مصادر حركة الردة، فمجموع الروايات التي أوردها عن حركة الردة يبلغ (104) رواية معظمها من طريق سيف بن عمر التميمي (73 رواية) ويليه ابن اسحق (14 رواية) ثم أبو مخنف (5 روايات) ثم هشام ¬

_ (¬1) ابن سعد: الطبقات 5: 550 - 551، والكلاعي: حروب الردة 116، 117، والطبري: تأريخ 3: 272. (¬2) خليفة: تأريخ 116، والطبري: تأريخ 3: 315 - 316، والكلاعي: حروب الردة 194، 208 - 210، وابن أعثم: الفتوح 1: 45، 47، وابن كثير: البداية والنهاية 6: 372، وابن حجر: الإصابة 1: 423 - 424 و 2: 103. (¬3) الكلاعي: حروب الردة 296. (¬4) الطبري: تأريخ 3: 317، 327.

الكلبي (4 روايات) ثم المدائني (3 روايات) (¬1). وهذه الأرقام قد تؤدي إلى لبس حول حقيقة اهتمام الأخباريين المذكورين بأحداث الردة، فقد تكون رواية الطبري عنهم بصورة محدودة ترجع إلى فقدان مؤلفاتهم مبكراً، أو عدم وقوفه عليها، أو عدم وثوقه بها، وقد سمت المصادر لأبي مخنف كتاب الردة ولهشام الكلبي كتاب مسيلمة الكذاب وسجاح وللواقدي كتاب الردة وللمدائني كتاب الردة (¬2). وعلى أية حال فإن المصادر اللاحقة أمدتنا بمعلومات واسعة مصدرها هؤلاء الإخباريون أنفسهم. حيث خصص الكلاعي (¬3) (ت (634) هـ) قسما كبيرا من كتابه "الاكتفا في مغازي المصطفى والثلاثة الخلفا" لحروب الردة (¬4). وهو ينقل عن ابن اسحق وله تاريخ الخلفاء والواقدي وله كتاب الردة وهما مفقودان، ويحتمل أن نقله عنهما بواسطة شيخه ابن حبيش (¬5) (ت (584) هـ) الذي اعتمد عليهما كثيرا في كتابه "الغزوات الضامنة الكاملة". وتزداد أهمية كتابي ابن حبيش والكلاعي بسبب إيرادهما روايات يعقوب الزهري ووثيمة، والأخير عرف بكتابه عن الردة وهو مفقود (¬6). ويورد ¬

_ (¬1) عبد العزيز محمد نور ولي: حركة الردة في اليمن وحضرموت وعمان في خلافة أبي بكر الصديق ص 10. (¬2) عبد العزيز نور ولي: حركة الردة 116 - 119. (¬3) أبو الربيع سليمان بن موصى من أئمة الحديث في عصره (الذهبي: سير أعلام النبلاء23: 134). (¬4) نشره د. أحمد غنيم. (¬5) عبد الرحمن بن محمد بن حبش الأندلسي، له كتاب المغازي (الذهبي: سير أعلام النبلاء118:21). (¬6) جمع المستشرق الألماني ولهلم هونرباخ ونشرت، مينصة- 1951 م.

خليفة بن خياط (ت 240 هـ) 42 رواية تتعلق بالردة معظمها من طريق ابن اسحق (19 رواية) والمدائني (16 رواية) ومعظم الروايات تتعلق بردة بني حنيفة. ولابد من ذكر مصدر آخر مبكر هو فتوح البلدان للبلاذري (ت 275 هـ) حيث نقل عن الإخباريين (8 روايات) واستعمل عبارة "قالوا" في بقية الروايات (11 رواية). إن الردة عن الاسلام في عصر الرسالة حركة واسعة جرت في أوساط القبائل العربية الكبيرة وهي قبيلة أسد وتزعمهم طليحة بن خويلد الأسدي وبنو حنيفة وتزعمهم مسيلمة بن حبيب وقبائل عنس ومراد وسعد العشيرة- وكلهم من مذحج- وتزعمهم الأسود العنسي. وتنفرد ردة بني أسد بقربها الجغرافي من عاصمة الاسلام "المدينة" مما يشكل خطراً كبيراً على الدولة الناشئة. أما ردة بني حنيفة في اليمامة وردة مذحج وديارها منتشرة في شمال شرق وجنوب شرق ووسط وغرب اليمن فتبدو خطورتهما بسبب الكثافة السكانية حيث يمكن تقديم الألوف العديدة من المقاتلين بالإضافة إلى الإمكانيات الاقتصادية في المنطقتين بسبب النتاج الزراعي الواسع فضلا عن النشاط التجاري والصناعي. وترجع عوامل الردة إلى عدم تغلغل الإيمان في القلوب لتأخر اسلامهم وبسبب قصر الزمن الذي تم فيه تبلغ الدعوة، وطبيعة الأعراب المتسمة بالجفاء مع ضعف المستوى الثقافي مما جر إلى ضعف فقه تعاليم الدين وخاصة بالنسبة للزكاة التي اعتبرها البعض ضريبة مهينة، واستثقلوا الصلاة والعبادات الأخرى، كما أن العصبية القبلية لا زالت عميقة في تلك البلاد النائية ووسط نجد حيث ترى القبائل أنها أضخم عددا وعُددا من قريش وبالتالي فهي أولى بالزعامة، وعلى الأقل لم تكن ترضى بالخضوع لحكم قريش. وقد ظهر زعماء طموحون تطلعوا إلى القيادة مقلدين الرسول صلى الله عليه وسلم في أسلوب العمل والدعوة، ولم ينتبهوا إلى الفروق الكبيرة بين النبوة الصادقة وانتحالها لأغراض شخصية. ومن هنا كان ادعاء النبوة من قبل زعماء الحركات الانشقاقية.

ولا تقدم كتب الحديث النبوي معلومات مفصلة عن حركة الردة، بل تقتصر على إثبات وقوع الردة، وامتناع بعض القبائل عن دفع الزكاة، وما دار من نقاش بين أبي بكر وعمر رضي الله عنهما حول قتال مانعي الزكاة، قال عمر: كيف تقاتل الناس وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله. فمن قال لا إله إلا الله عصم مني ماله ونفسه إلا بحقه، وحسابه على الله"؟. فقال أبو بكر: "والله لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة، فان الزكاة حق المال، والله لو منعوني عناقاً كانوا يؤدونها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لقاتلتهم على منعها". قال عمر: "فوالله ما هو إلا أن رأيت أن الله شرح صدر أبي بكر للقتال، فعرفت أنه الحق" (¬1). وذكر وقوع ردة مسيلمة وردة الأسود العنسي، وإخبار النبي صلى الله عليه وسلم بظهور ثلاثين كذاباً من مدعي النبوة منهم الأسود ومسيلمة (¬2)، وقدوم مسيلمة المدينة في بشر كثير من قومه (¬3) واشتراطه حتى يسلم أن يكون الأمر له بعد الرسول صلى الله عليه وسلم، وإجابة الرسول صلى الله عليه وسلم له وفي يده قطعة جريد: "لو سألتني هذه القطعة ما أعطيتكها، ولن تعدو أمر الله فيك، ولئن أدبرت ليعقرنك (¬4) الله، وإني لأراك الذي أريتُ فيك ما رأيتُ" (¬5). ¬

_ (¬1) البخاري: الصحيح (فتح الباري 12: 275)، ومسلم: الصحيح حديث رقم 20، ومالك: الموطأ 1: 269، وأبو داود: السنن 2: 198، والترمذي: السنن 5: 3، والنسائي: السنن 5: 14. (¬2) البخاري: الصحيح (فتح الباري 6: 616) ويبدو أنه قال ذلك بعد أن كثر الكلام عن مسيلمة بالمدينة (أحمد: المسند 5: 46). (¬3) ذكر الواقدي أنهم سبعة عشر نفساً (ابن حجر: فتح الباري 8: 90). (¬4) يعقرنك: يهلكك. (¬5) البخاري: الصحيح (فتح الباري 6: 627 و 8: 89، 92 و 12: 420 و 13: 442). ومسلم: الصحيح 4: 1780 - 1781. والترمذي: الجامع 4: 542. وأحمد: المسند 1: 263 و 3: 345 و 6 ت 344.

وحديث رؤيا الرسول صلى الله عليه وسلم: "بينما أنا نائم رأيت في يدي سوارين من ذهب، فأهمَّني شأنهما، فأوحي إلي في المنام أن أنفخهما، فنفختهما فطارا، فأوَّلتهما كذابين يخرجان، فكان أحدهما العنسي، والآخر مسيلمة الكذاب صاحب اليمامة" (¬1). وقتل مسيلمة على يد وحشي الذي يروي الخبر: "فخرج مسيلمة الكذاب، قلتُّ: لأخرجنَّ إلى مسيلمة لعلي أقتله فأكافئ به حمزة، قال: فخرجت مع الناس فكان من أمره ما كان، قال: فإذا رجل قائم في ثلمة جدار كأنه جمل أورق ثائر الرأس، قال: فرميته بحربتي، فأضعها بين ثدييه حتى خرجت من بين كتفيه. قال: ووثب رجل من الأنصار فضربه بالسيف على هامته". قال ابن عمر: "فقالت جارية على ظهر بيت: واأمير المؤمنين، قتله العبد الأسود" (¬2). وذكر أنس عدد شهداء الأنصار باليمامة وأنهم سبعون (¬3). ووصف أبو رجاء العطاردي التميمي أحوال قومه الدينية وأنهم كانوا يعبدون الحجر فإذا وجدوا أحسن منه ألقوه، وقد يصنعونه من تراب ولبن ثم يطوفون به، وأنهم ينزعون الحديد من السلاح في شهر رجب إشارة إلى ترك القتال في الأشهر الحُرُم (¬4). وأن قومه لما بلغهم ظهور الاسلام التحقوا بمسيلمة وهو معهم (¬5) ¬

_ (¬1) المصادر السابقة. (¬2) البخاري: الصحيح (فتح الباري 7: 368)، وأحمد: المسند 3: 501، ويذكر ابن أبي شيبة أن عبد الله بن زيد الأنصاري هو الذي قتل مسيلمة (المصنف 12: 547). (¬3) البخاري: الصحيح (فتح الباري 7: 374). (¬4) البخاري: الصحيح (فتح الباري 8: 90). (¬5) البخاري: الصحيح (فتح الباري 8: 90).

وتذكر رواية أن عبد الله بن مسعود في إمارته على الكوفة أول خلافة عثمان رضي الله عنه استتاب أتباعاً لمسيلمة من بني حنيفة كانوا لا يزالون على إيمانهم به، وأنه قتل منهم ابن النوَّاحة فقط وكان رسولاً لمسيلمة في عهد النبوة، وامتنع النبي صلى الله عليه وسلم عن قتله "لأن الرسل لا تقتل"، فلما ظفر به عبد الله بن مسعود هذه المرة قتله (¬1). وكانوا ثمانين رجلاً، ومعهم مصحف فيه قراءة مسيلمة (¬2). وخبر هزيمة بني أسد أمام خالد بن الوليد يوم بزاخة (¬3). وتشير روايات عديدة إلى بطولات ثابت بن قيس بن شماس يوم اليمامة، والبراء بن عازب قاتل الطفيل محكم اليمامة "وكان عظيماً جسيماً". وأن شعار المسلمين كان "يا أصحاب سورة البقرة"، وصيام بعض المقاتلين المسلمين خلال المعركة، وإجهاز الزبير بن العوام على بعض القتلى ممن بهم رمق. وسجود أبي ¬

_ (¬1) أبو داود: السنن 3: 84 (ط. محيي الدين عبد الحميد)، والخبر فيه عنعنة أبي اسحق السبيعي، وهو يخالف رواية مسند أحمد لأن الذي اطلع على حال أتباع مسيلمة هو حارثة بن مضرب فأبلغ عنهم وليس ابن معيز كما هو في رواية أحمد، وفي سند أبي داود محمد بن كثير فإن كان الثقفي فهو صدوق كثير الغلط، وإن كان العبدي فهو ثقة، وأبو داود يروي عن الاثنين، وهما يرويان عن الثوري .. وأحمد: المسند 1: 391، 396، 404، 406 و 3: 488 والحديث عند الإمام أحمد من طريق عبد الله بن معيز وهو تابعي مجهول الحال. وقد ذكر الحاكم النيسابوري بإسناد صحيح مسلسل بأبناء وأحفاد ابن مسعود (المستدرك 3: 53) والطحاوي: شرح معاني الآثار 3: 211. (¬2) الحاكم: المستدرك 3: 53 بإسناد صحيح. (¬3) ابن أبي شيبة: المصنف 12: 55.

مراكز المرتدين

بكر رضي الله عنه شكراً لله عند فتح اليمامة (¬1). ومجيء بني أسد وغطفان يسألون أبا بكر الصلح فخيرهم إما حرب مجلية وإما سلم مخزية مبيناً لهم أن ذلك يعني: "تدون قتلانا ولا ندي قتلاكم، وتشهدون على قتلاكم أنهم في النار، وتردون إلينا من أخذتم منا، ولا نرد إليكم ما أخذنا منكم، وننزع منكم الحلقة والكراع- أي السلاح والخيل- وتتركون تتبعون أذناب الإبل حتى يري الله خليفة رسول الله والمؤمنين رأيا يعذرونكم عليه. فقال عمر: أما ما قلت فكما قلت، لكن قتلانا قتلوا في الله، أجورهم على الله لا دية لهم" (¬2). وذكر ردة بني سليم، وجمع خالد بن الوليد لناس منهم في حظيرة حرقها عليهم بالنار واقتراح عمر عزله ورفض أبي بكر "والله لا أشيم سيفاً سلَّه الله على عدوه .. وأمره فمضى من وجهه ذلك إلى مسيلمة .. (¬3). مراكز المرتدين اليمن: كانت اليمن تابعة اسميا للإمبراطورية الساسانية، وكان قد أصبح للساسانيين نفوذ في اليمن منذ أن استعان بهم سيف بن ذي يزن لطرد الأحباش، فلما توفي سيف أصبح قائد الحامية الفارسية أميرا على اليمن، وتزوج الفرس من أهل اليمن وسمي أولادهم بالأبناء. ولكن نفوذ الحاكم الفارسي كان محصوراً بصنعاء وما حولها. في حين يتقسم بقية البلاد الاذواء والأمراء المحليون ورؤساء العشائر وهم في نزاع مستمر وخاصة القبائل الكبيرة أزد شنوءة (بنو الحارث والنخع وبجيلة وخثعم وعك ¬

_ (¬1) ابن أبي شيبة: المصنف 12: 547 - 552. (¬2) سعد بن منصور: السنن 2: 333 وبعضه في صحيح البخاري (فتح الباري 12: 206) وفيه إبراهيم بن بشار الرمادي حافظ له أوهام (التقريب 155). (¬3) ابن أبي شيبة: المصنف 12: 550.

والأشاعرة) وتسكن عند الساحل، ومذحج وهمدان وتسكن الهضبة في الداخل. وكان خروج الأسود العنسي- على الصحيح- قبل حجة الوداع في العام العاشر (¬1)، وكانت أول ردة في الاسلام، ودامت أربعة أشهر. (¬2) وقد فصل سيف بن عمر أخبارها معتمدا على شهود عيان مثل فيروز الديلمي وجشيش الديلمي. وينتسب الأسود إلى عنس من مذحج التي تعد أكبر القبائل اليمانية، وكان من كهف خبان قرب نجران (¬3) وعرف بذي الخمار وبرحمن اليمن، وكان كاهناً، وادعى النبوة، وأيدته بعض قبائل مذحج، واحتل نجران ثم صنعاء حيث قتل واليها شهر بن باذام، وتظاهر زعماء الأبناء بالانضمام إليه. وقد اضطر معاذ بن جبل وأبو موسى الأشعري وأتباعهما إلى الانسحاب إلى حضرموت، كما أخرج أهل نجران عمرو بن حزم وخالد بن سعيد بن العاص حيث عادا إلى المدينة. وأخرج قيس بن المكشوح أحد قادة قبيلة مراد عامل المسلمين فروة بن مسيك، وانضم قيس بن المكشوح إلى الأسود العنسي، كما انضم إليه عمرو بن معد يكرب الزبيدي أحد زعماء مذحج. وانسحب من بقي على الاسلام من أهل اليمن مع الولاة المسلمين. وتكمن قوة الأسود في ضخامة جسمه وقوته وشجاعته، واستخدم الكهانة والسحر، والخطابة البليغة "كان الأسود كاهناً شعباذا، وكان يريهم الأعاجيب، ويسبي قلوب من سمع منطقه (¬4) كما استخدم الأموال للتأثير على الناس. ومثل هذه الصفات تجعله مشهورا في قومه، ويبدو أن انتشار الاسلام كان يضعف مركزه لأن الاسلام يحرم الكهانة، ويمنع الناس من استشارة الكهان. ¬

_ (¬1) البخاري: الصحيح، كتاب المغازي باب 70، ومسلم: الصحيح حديث رقم 2272. (¬2) الطبري: تأريخ 3: 239 - 240. (¬3) ابن حبيش: المغازي 40، والكلاعي: حروب الردة 213. (¬4) الطبري: تأريخ 3: 185.

ردة اليمامة

وقد أثار الأسود موضوع أخذ الزكاة من اليمن، فكتب إلى العمال المسلمين في مناطق اليمن"أيها المستوردون علينا أمسكوا علينا ما أخذتم من أرضنا، ووفروا ما جمعتم فنحن أولى به، وأنتم على ما أنتم عليه" (¬1). وقد طلب النبي صلى الله عليه وسلم من المسلمين المجتمعين في نجران وحضرموت أن يقاوموا الأسود، وقد أفاد معاذ بن جبل من الانشقاق في حركة الأسود حيث أن الأبناء لم يكونوا مخلصين له وكذلك قيس بن المكشوح فتمكنوا من قتله في قصره، وإعلان العودة إلى الاسلام (¬2). ردة اليمامة: تقع اليمامة في شرقي الجزيرة العربية، وهي واد خصب تتوفر فيه المياه الغزيرة، وتزرع فيه الحنطة والشعير والذرة والنخيل وتقوم فيه القرى حيث يستقر فيها بعض السكان الذين ينتمي معظمهم إلى بني حنيفة وبعضهم ينتمي إلى بني بكر أو إلى بني تميم وخاصة شمال اليمامة، وقد قامت فيها صناعة السيوف والنصال. وكان في قطر مركز مطرنة للمبشرين النصارى النساطرة الذين أقصاهم البيزنطيون فاحتموا بالساسانيين ومن فارس مدوا دعايتهم إلى اليمامة (¬3). وقد دخلت بنو حنيفة في الاسلام وقدم وفدها إلى النبي صلى الله عليه وسلم في المدينة في العام التاسع للهجرة ومنهم مسيلمة بن حبيب وقد أعلن مسيلمة نبوته في حياة الرسول صلى الله عليه وسلم، ولعله فعل ذلك بعد عودته من الوفد، وكان قد تعاظم نفوذه بعد وفاة ¬

_ (¬1) الطبري: تأريخ 3: 221. (¬2) عبد العزيز نور ولي: حركة الردة 182 - 207. (¬3) إحسان صدقي العمد: حركة مسيلمة الحنفي ص 31 - 32 (بحث في حوليات كلية الآداب، جامعة الكويت، الحولية العاشرة- 1409 هـ (1988 م).

هوذة بن علي زعيم اليمامة عقب فتح مكة (¬1). وادعى أنه يوحى إليه واتخذ له محرابا ومؤذنا اسمه حجير وجعل الصلاة ثلاثة أوقات في اليوم في الصبح والظهر والعشاء (¬2) وحدد النسل بابن واحد، ويروي الجاحظ أن مسيلمة كان قبل ادعاء النبوة يدور في أسواق العرب يتعلم الحيل والنيرنجات واختيارات النجوم والمتنبئين، حتى أحكم حيل السدنة والحواة وأصحاب الزجر والحظ ومذهب الكاهن العياف والساحر وصاحب الجن الذي يزعم أن معه تابعه (¬3). وقد نقلت المصادر عن مسيلمة ما ادعاه من آيات عارض بها القرآن، وأسلوبها ينم عن ركاكة، ولعلها من وضع الأخباريين لذلك من الصعب اعتمادها لمعرفة مبادئه العقدية (¬4). وقد التف حوله أكثر بني حنيفة فمنهم من تبعه جهلا وتصديقا وهم العوام ومنهم من تبعه عصبية وهم الخاصة (ولكن كذاب ربيعة أحب إلينا من صادق مضر). وتعاظم أمره بعد قدوم الرجال بن عنفوه من المدينة إلى اليمامة، وكان الرجَّال قد تعلم القرآن وتفقه بالدين، فلما رأى بني حنيفة يتابعون مسيلمة انسلخ من الاسلام وأظهر تصديقه لمسيلمة، فكانت فتنته للناس أعظم من فتنة مسيلمة. وراسل مسيلمة النبي صلى الله عليه وسلم في أواخر العام العاشر بعد حجة الوداع قائلا: "إني قد أشركت في الأمر معك وان لنا نصف الأرض ولقريش نصف الأرض" (¬5)، ولما توفي الرسول صلى الله عليه وسلم زاد نفوذ مسيلمة وتحالف ¬

_ (¬1) البلاذري: فتوح البلدان 1: 105. (¬2) البلاذري: فتوح البلدان 1: 118، وأبو الفرج الأصفهاني: الأغاني 21: 37، وابن طباطبا: الفخري في الآداب السلطانية 74. (¬3) الجاحظ: كتاب الحيوان 4: 369، 370. (¬4) انظر عنها إحسان صدقي العمد: حركة مسيلمة الحنفي 36 - 40. (¬5) ابن هشام: السيرة النبوية 600، وابن سعد: الطبقات الكبرى 1: 273. ويقصد بنصف

ردة طليحة الأسدي

مع سجاح التميمية، وقيل أنه تزوجها، لكن هذا التحالف لم يدم طويلاً حيث انسحبت سجاح بقواتها من اليمامة بعد أخذ نصف خراجها (¬1). وقد أدرك أبو بكر الصديق رضي الله عنه خطر ردة بني حنيفة لقوتهم وكثرتهم ورخائهم واجتماعهم على مسيلمة. ردة طليحة الأسدي: كانت قبيلة غطفان التي تسكن شرقي خيبر تسيطر على شمال الحجاز بتحالفها مع قبيلة طيء ويهود خيبر فلما سقطت خيبر سنة (7) هـ بيد الرسول صلى الله عليه وسلم، وأخذ الرسول صلى الله عليه وسلم يوجه الحملات إلى الشمال، ضعف نفوذ غطفان، وحاول طلحة بن خويلد الأسدي أن يسيطر على شمال شبه الجزيرة عن طريق المحالفات بين قبيلة أسد وطيء وفزارة (وهي أهم فروع غطفان)، ثم ادعى النبوة في أواخر حياة الرسول صلى الله عليه وسلم وان ملكا يدعى ذو النون يأتيه بالوحي، وروت التاريخ بعض الآيات ذات الأسلوب الركيك التي كان يقرأها. وقد سعى إلى مفاوضة الرسول صلى الله عليه وسلم، وكان انشغال الرسول صلى الله عليه وسلم عنه سببا في تعاظم نفوذه، فلما كانت خلافة الصديق رضي الله عنه اجتمعت أسد وغطفان وطيء على طليحة، وأرسلت وفدا إلى المدينة بطلب من الصديق أن يعفيهم من الزكاة، لكنه رفض وقال: "لو منعوني عقالا لجاهدتهم عليه" (¬2) ولعله أدرك أن مطاليب الأعراب لن تقف عند حد، كما أنه ليس بوسعه إعفاؤهم من أحد أركان الاسلام. وقد اطلع الوفد على ضعف القوة العسكرية في المدينة عقب ¬

_ الأرض أي نصف خراج اليمامة (إحسان صدقي العمد: حركة مسيلمة الحنفي 48). (¬1) الطبري: تأريخ 3: 272. (¬2) الطبري: تأريخ 3: 244.

انتشار الردة

خروج حملة أسامة، لذلك تجرأت هذه القبائل على غزو المدينة. انتشار الردة: أدت وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم إلى تهديد وحدة الدولة الاسلامية الناشئة، حيث توسعت حركة الردة في أنحاء الدولة ماعدا الحجاز، وكان أخطرها حركة مسيلمة الحنفي، لكن بعدها عن المدينة وقرب حركات الردة الأخرى التي ابتدأت بوصول خبر وفاة النبي صلى الله عليه وسلم إلى البوادي، فارتد جموع غفيرة من بني أسد وغطفان وتميم والبحرين وعمان وحضرموت كما تجددت الردة في اليمن .. وكانت وقفة الصديق رضي الله عنه أمام حركات الردة تتسم بالحزم وعدم التفريط بمصلحة العقيدة والدولة، فلم يتأخر في حشد الجيوش ولم يقبل المساومة في أحكام الاسلام ومحاولات بعض القبائل التخلص من دفع الزكاة. وكان عمر رضي الله عنه يحاول أن يقنعه بالترفق في معاملة مانعي الزكاة ليفرغ لأصحاب الردة الشاملة ممن عادوا إلى عبادة الأوثان أو اتبعوا أدعياء النبوة فرفض أبو بكر رضي الله عنه وجهة نظره بشدة، وأوضح للصحابة رضوان الله عليهم: "والله لأقاتلنَّ من فرق بين الصلاة والزكاة، فإن الزكاة حق المال، والله لو منعوني عناقاً- أي معزةً- كانوا يؤدونها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لقاتلتهم على منعها" (¬1). وكان أن انشرحت صدور الصحابة رضوان الله عليهم للقتال، وعرفوا أنه الحق. وهذا الوضوح في فهم ارتباط الأحكام الشرعية ببعضها، ورفض تعطيل أي حكم منها كان مهماً لقتال مانعي الزكاة بصورة خاصة حيث تنقدح شبهة بقائهم على ¬

_ (¬1) البخاري: الصحيح (فتح الباري 12: 275)، ومسلم: الصحيح 1: 51.

الاسلام وبالتالي حصانة دمهم بالشهادة، وهذا ما عالجه الصديق رضي الله عنه بالبيان والحجة. ولو خضع لمساومات الأعراب فربما كانوا سيطالبونه بإسقاط أحكام والتزامات شرعية أخرى .. ولو أجابهم لأحسوا بضعفه وزاد طمعهم فيه .. وقد وصفت عائشة رضي الله عنها وضع الدولة وبناتها من الصحابة:"كأنهم معزى في حش في ليلة مطيرة بأرض مسبعة" وهو تصوير دقيق لحالة الخطر القصوى لإحاطة الأعداء بهم من كل جانب، ووصفت أبا بكر رضي الله عنه وهو ممسك بزمام القيادة .. واضح الرؤية قوي العزيمة شديد المضاء صائب الرأي "فوالله ما اختلفوا في نقطة إلا طار أبي بحظها وسنانها" (¬1). ومن المؤسف أن ينفرد الأخباريون برسم صورة أحداث الردة في أرجاء الجزيرة دون مشاركة مهمة من المحدثين مما يفقدنا القدرة على نقد أسانيد الروايات .. وتظهر مصادر المعلومات المحلية والقبلية .. والصورة التي نقدمها تبين أن حركات الردة كانت مختلفة في تصوراتها العقدية فمنها ما كان استمرارا للحركات التي ظهرت في العام العاشر من العصر النبوي مثل ردة بني حنيفة - أحد فروع بكر بن وائل- في اليمامة بزعامة المتنبيء مسيلمة، ومنها ما كان مرتبطاً بأدعياء نبوة جدد كما هو شأن ردة بني أسد وفزارة المرتبطين بالمتنبيء طليحة بن خويلد الأسدي. وردة بني يربوع من تميم بزعامة المتنبئة سجاح في حين التف آخرون منهم حول مالك بن نويرة، وكان قد امتنع عن ¬

_ (¬1) ابن أبي شيبة: المصنف 14: 572 بإسناد صحيح، وابن كثير: البداية والنهاية 6: 309 عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة. وانظر الهيثمي: مجمع الزوائد 9: 50 عن الطبراني في الأوسط والصغير، وابن حجر: المطالب العالية 4: 3906، وابن هشام: السيرة النبوية 4: 665، وخليفة: التأريخ 102. والألفاظ مختلفة ومؤداها واحد.

دفع الزكاة لأبي بكر. وتحالف بنو عطارد التميميون مع مسيلمة باليمامة .. وانقسمت على نفسها قبيلة سُليم العدنانية في عالية نجد قرب خيبر، فمنهم من حافظ على إسلامه ومنهم من ارتد، ويبدو أن قرب ديارها من المدينة ومشاركة الكثير من رجالها في فتوح مكة وحنين والطائف أدى إلى ثبات فروع منها أمام المرتدين الآخرين من رجالها. وتحالفت فزارة- من فروع غطفان العدنانية- بنجد بزعامة عيينة بن حصن الفزاري مع طليحة الأسدي. وارتدت فروع أخرى من بني بكر بن وائل بالبحرين بزعامة الحطم بن ضبيعة وثبتت قبيلة عبد القيس على الاسلام بزعامة الجارود بن المعلى العبدي، لكن الغلبة في البحرين كانت للمرتدين قبل وصول القوات الاسلامية من المدينة. وانقسمت الأزد في عمان ودُّبا بين زعماء القبيلة، فمنهم من بقي على الاسلام بقيادة جيفر وعباد ابني الجلندي، ومنهم من اتبع المتنبيء ذي التاج لقيط بن مالك الأزدي الذي غلب على عمان وطرد جيفر وعباد إلى الجبال والساحل. وأما قبائل حضرموت وهم قبائل كندة والسكاسك والسكون فقد حافظ بعضها على ولائه للاسلام وبايع الوالي زياد بن لبيد البياضي، في حين التف البعض الآخر منهم حول الأشعث بن قيس الكندي الذي امتنع عن دفع الزكاة. ولم تستقر الاضطرابات في حضرموت إلا بعد قدوم الجيوش الاسلامية إليها. ورغم أن حركة الأسود العنسي تم القضاء عليها في عصر السيرة إلا أن وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم أدت إلى انقسام خطير بين قبائلها .. فمنهم من التف حول الوالي فيروز- من الأبناء- ومنهم من خرج على سلطة الوالي مثل قيس بن عبد يغوث (المكشوح) الطامح إلى الزعامة الذي استعان بفلول حركة الأسود العنسي. وهكذا توسعت حركات الردة في خلافة أبي بكر رضي الله عنه في شمال الجزيرة وشرقها وجنوبها حتى كادت أن تقضي على الدولة الاسلامية الفتية.

المبحث الثاني القضاء على الردة

المبحث الثاني القضاء على الردة اعتمد أبو بكر رضي الله عنه على أهل المدينة ومكة والطائف وما حولها من قبائل في تجهيز الجيوش للقضاء على المرتدين فضلاً عن مساندة من بقي على الاسلام في مراكز الردة. ولا توجد إشارة إلى أن أحدا من أهل المدينة فكر بالردة، وكذلك ثبت أهل مكة، وربما همَّ بعضهم بالردة، فاختفى عتَّاب بن أسيد بن أبي العاص- عامل مكة- ووقف سهيل بن عمرو موقفاً مشرفاً كان له أثره في تثبيت الناس على الاسلام حيث خاطبهم بقوله: "إن ذلك لم يزد الاسلام إلا قوة فمن رابنا ضربنا عنقه". كذلك ثبت أهل الطائف على الاسلام، وربما همَّ بعضهم بالردة، فخطب فيهم عثمان بن أبي العاص- عامل الطائف- فقال: "يا أبناء ثقيف كنتم آخر من أسلم فلا تكونوا أول من ارتد". ولعل الصلات الوثيقة بين مكة والطائف جعلت ثقيفاً تخلد إلى الهدوء كما فعلت مكة. إن سكان المدن الثلاثة نالوا حظاً من التربية الاسلامية والتوجيهات النبوية أكثر من سواهم، وتعرفوا على تعاليم الاسلام عن كثب، وتفقهوا فيه، لذلك كان سكان محور (المدينة- مكة- الطائف) هم القائمون على أمر الاسلام وحرب المرتدين، وساعدهم في ذلك من ثبت على دينه من المسلمين في مناطق الردة نفسها. وكان أول صدام مع المرتدين في خلافة الصديق رضي الله عنه مع قبائل فزارة وأسد التي استغلت غياب حملة أسامة عن المدينة، وحاولت غزو المدينة، وقد نظم أبو بكر رضي الله عنه حراسة المدينة، وألزم المسلمين بحضور الصلاة في المسجد النبوي استعداداً للطواريء، ثم خرج بالمسلمين إلى ذي القصة (على بريد

من المدينة من ناحية نجد) حيث صدَّ أول هجوم قامت به عبس وذبيان على المدينة بعد أكثر من شهر من خروج أسامة من المدينة. وبعد أيام قدم أسامة فاستخلفه أبو بكر رضي الله عنه على المدينة وخرج لملاقاة عبس وذبيان بالربذة فهزمهم، ولما استراح جند أسامة عقد أبو بكر رضي الله عنه أحد عشر لواءً لقتال المرتدين وأمَّر عليها الأمراء وهم: 1 - خالد بن الوليد (¬1)، ووجهه إلى طليحة بن خويلد الأسدي في بني أسد ثم إلى مالك بن نويرة في تميم. 2 - عكرمة بن أبي جهل، إلى مسيلمة بن حبيب الكذاب في اليمامة، ففشل في مهمته، فأمره بالتوجه إلى عمان. 3 - المهاجر بن أبي أمية، على اليمن للقضاء على قيس بن عبد يغوث (المكشوح) ثم إلى حضرموت للقضاء على ردة كندة بقيادة الأشعث بن قيس. 4 - خالد بن سعيد بن العاص، إلى مشارف الشام. 5 - عمرو بن العاص، إلى قضاعة. 6 - حذيفة بن اليمان الغلفاني، إلى دُّبا. 7 - عرفجة بن هرثمة، إلى مهرة. 8 - شرحبيل بن حسنة، لمساعدة عكرمة. 9 - طريفة بن حاجز، الى بني سُليم. 10 - سويد بن مقرن، إلى تهامة اليمن. ¬

_ (¬1) حديث: "نعى رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل مؤتة على المنبر ثم قال: فأخذ الراية خالد بن الوليد وهو سيف من سيوف الله". أخرجه الحاكم: 3: 298 وصححه وتعقبه الذهبي بقوله: لم يسمع أيوب- وهو السختياني- من أنس- وهو ابن مالك الصحابي- لكنه رآه.

القضاء على ردة طليحة الأسدي

11 - العلاء بن الحضرمي، إلى البحرين (¬1). وأرسل أبو بكر رضي الله عنه الرسائل إلى سائر المرتدين، فسبقت الرسل الجيوش وتضمنت الرسائل تذكيراً ونصحاً وترهيباً وأن الأمان لمن أجاب ورجع إلى دينه. القضاء على ردة طليحة الأسدي: اجتمعت عبس وذبيان بعد هزيمتها في ذي القصة إلى طليحة بالبزاخة والتحق به رجال من طيء، فلما وجه الصديق رضي الله عنه خالد بن الوليد للقضاء على طليحة قام عدي بن حاتم الطائي بمحاولة ناجحة فأقنع طيء بالعودة الى الاسلام والانضمام إلى خالد مما أضعف طليحة، وكان عيينة بن حصن الفزاري يقود جيش طليحة ومعه (700) من فزارة، فلما التقى خالد بن الوليد بجيش أسد وفزارة وحمي القتال أيقن عيينة بكذب طليحة فانسحب مع فزارة من المعركة ... وفرَّ طليحة الى الشام حيث عاد فأسلم وحسن إسلامه. القضاء على مالك بن نويرة: بعد قضاء خالد بن الوليد على ردة بني أسد اتجه إلى ديار تميم، ولما علم مالك بن نويرة بقدوم المسلمين طلب من قومه التفرق إلى دورهم إذ لا قبل لهم- وكانوا في تنازع وانقسام- بالمسلمين فدخل المسلمون ديار تميم وأسروا مالك بن نويرة فجادله خالد بن الوليد، ولما تبين له أنه مرتد عن دفع الزكاة أمر بقتله فقتل، وقد تزوج خالد من ليلى زوجة مالك بعد انقضاء عدتها. وقد لفقت روايات في ¬

_ (¬1) الطبري: تأريخ 3: 249 من رواية سيف.

القضاء على ردة مسيلمة الكذاب

كتب التأريخ والأدب تشير الى إن خالداً قتل مالكاً وهو على الاسلام أو أن قتل مالك كان عن سوء فهم لقول خالد: "أدفئوا أسراكم" وهي في لغة القوم تعني القتل فقتلوا ولم يقصد خالد ذلك. وقد كره أبو بكر رضي الله عنه زواج خالد من ليلى وكانت العرب تكره الزواج في الحروب (¬1). القضاء على ردة مسيلمة الكذاب: بعد قضاء خالد على ردة بني تميم اتجه إلى اليمامة للقضاء على ردة بني حنيفة وكان عكرمة بن أبي جهل قد اندحر أمام بني حنيفة فأمره أبو بكر رضي الله عنه أن يتجه إلى عمان، وكذلك فشل شرحبيل بن حسنة في حربهم ثم انضم الى خالد، وجمع مسيلمة أربعين ألفاً من قومه (¬2) وتقدم بهم لمواجهة خالد بن الوليد، فكانت موقعة عقرباء العنيفة، التي أبدى فيها المهاجرون والأنصار بسالة منقطعة النظير، وأبدى بنو حنيفة مقاومة وجرأة شهد بها خالد بن الوليد، وكان جيش المسلمين حوالي (000) , (11) مقاتل (¬3)، فيهم ألفان وخمسمائة من المهاجرين والأنصار (¬4) وبقيتهم من أهل البوادي ممن ثبتوا على إسلامهم. وفي بداية اللقاء تراجع المسلمون أمام قوة أعدائهم وكثرتهم حتى وصلوا رحالهم فصرخ شجعانهم وقادتهم بهم، وطلب الأنصار من خالد بن الوليد أن يمتاز الناس فتقاتل كل قبيلة على حدة، فأجابهم الى ذلك فقاتل المهاجرون في جبهة وقاتل ¬

_ (¬1) راجه صادق إبراهيم عرجون: خالد بن الوليد. (¬2) تبالغ الروايات في تقدير عدد جيش مسيلمة، فقد ذكر ابن كثير مرة أنهم قريب من مائة ألف أو يزيدون، كما ذكر أنهم أربعون ألفاً (البداية والنهاية 6: 268). (¬3) يذكر ابن كثير أنهم كانوا أحد عشر ألفاً (البداية والنهاية 6: 268). (¬4) الديار بكري: تاريخ الخميس 2: 160.

الأنصار في جبهة وقاتلت كل قبيلة في جبهة ليتبين القوي من الضعيف ويعرف من أين يؤتى المسلمون. فتنافس الجميع في القتال وتمكنوا أن يصدوا بني حنيفة الى حديقة الموت ثم اقتحموها عليهم وقتلوا مسيلمة والرجَّال بن عنفوة ومحكم اليمامة وهم زعماء بني حنيفة. وقد أسفرت المعركة عن استشهاد عدد كبير من المسلمين قدرتهم الروايات مابين 450 (¬1) إلى (1700) شهيد (¬2)، وثمة روايات ذكرت أنهم (1200) شهيد (¬3) فيهم ثلاثون أو خمسون من حملة القرآن (¬4)، مما اعتبر حافزاً لجمع القرآن في خلافة أبي بكر. أما قتلى بني حنيفة فقد بلغت بهم بعض الروايات (000) , (10) قتيل (¬5)، بينما أوصلتهم روايات أخرى إلى (000) , (21) قتيل (¬6). ومازالت آثار قبور الشهداء من الصحابة ظاهرة على مقربة من بلدة الجبيلة القريبة من حديقة الموت (¬7). ¬

_ (¬1) خليفة بن خياط: التأريخ 111. (¬2) البلاذري: فتوح البلدان 1: 111. (¬3) البلاذري: فتوح البلدان 1: 111، والطبري: تأريخ 3: 296، وابن أعثم: كتاب الفتوح 1: 40، 44، والكلاعي: الاكتفا 176، والديار بكري: تاريخ الخميس 2: 220 في حين ينفرد برواية أخرى تذكر أنهم 1800 شهيد. (¬4) خليفة: التأريخ 111. (¬5) الطبري: تأريخ 3: 294، وابن كثير: البداية والنهاية 6: 325، والديار بكري: تاريخ الخميس 2: 220. (¬6) الطبري: تاريخ 3: 297، وابن كثير: البداية والنهاية 6: 325. وانظر الجدول الذي عمله إحسان صدقي العمد في بحثه: حركة مسيلمة الحنفي ص 67 - 68. (¬7) الكلاعي: الاكتفا (حروب الردة) ص 180 حيث نقل الكلاعي عن كتاب يعقوب الزهري أنهم أكثر من سبعة آلاف منهم سبعمائة من صلب بني حنيفة، وإحسان العمد: حركة مسيلمة الحنفي 71.

القضاء على ردة البحرين

وقد انتهت المعركة بالصلح بعد أن كادت بنو حنيفة أن تفنى وبعد أن أنهكت الحرب قوات المسلمين وأتت على صفوة من خيارهم وأثخنت بالجراح بقيتهم، وعقد خالد الصلح مع مجاعة بن مرارة الحنفي- وكان قد أسره قبل المعركة- على أن يعود بنو حنيفة إلى الاسلام ويسلمون حصونهم ونصف أموالهم وسلاحهم ونصف السبي (أو ربعه) وبعض مزارعهم (¬1). وقد استعرض أحد الباحثين المعاصرين آراء بعض المستشرقين وتقويمهم لحركة مسيلمة ثم قال: "وقد يتفق الباحث مع كثير من آراء الباحثين السابقين عن طبيعة حركة مسيلمة، من حيث كونها حركة لبست مسوح الدين وادعت النبوة لتحقيق أغراضها في الاستقلال، في ظل فراغ سياسي كان يخيم على الجزيرة العربية وتعزيز المكانة القبلية لبني حنيفة ومنافستهم لقريش، وعدم قبولهم الخضوع والتبعية للمدينة، وتطلعاتهم إلى إقامة كيان قوي مماثل لكيان المدينة، يحافظ على مصالحهم السياسية والزراعية والتجارية، لكن حركة مسيلمة تظل مع ذلك حركة مصطنعة ضحلة الفكر والعقيدة، وبخاصة إذا ما قورنت بالإسلام وسمو مبادئه وشمول عقيدته وشريعته، التي تخطت كثيراً القبلية والاقليمية والقومية، وجاوزتها إلى الانسانية العالمية وبذلك هزمت تلك الحركة وأمثالها بالفكر والعقيدة، قبل أن تهزم في ميادين الجهاد والاستشهاد، فكانت أقرب ما تكون بذلك إلى حركة رد فعل متسرع ومفتعل ضد حركة اسلامية صادقة وأصيلة". (¬2) القضاء على ردة البحرين: ¬

_ (¬1) - الزركلي: الأعلام 8: 125 وإحسان صدقي العمد: حركة مسيلمة الحنفي 69. (¬2) - إحسان صدقي العمد: حركة مسيلمة الحنفي 78.

القضاء على ردة عمان ومهرة

كان بنو بكر وبنو عبد القيس من قبائل ربيعة يقيمون بالبحرين، وكان ملكهم المنذر بن ساوى أسلم على يد العلاء بن الحضرمي في سنة 9 هـ ومات المنذر في الشهر الذي مات فيه النبي صلى الله عليه وسلم فارتد أهل البحرين عن الاسلام إلا بنو عبد القيس تمكن سيدهم الجارود من إقناعهم بالثبات على الاسلام، وتزعم الردة الحطم بن ضبيعة وحاصر الجارود في جواثى وبينما هم محاصرون قدم العلاء بن الحضرمي إلى البحرين على رأس جيش واتصل بالجارود، ومكث يقاتل الحطم شهراً دون التحام فاصل، وعرف المسلمون أن المرتدين سكروا في إحدى الليالي فهاجموهم وقضوا عليهم وقتل الحطم وفرَّ بعض المرتدين إلى جزيرة دارين المواجهة للبحرين على الشراع، فاقتحم المسلمون الماء بخيولهم إلى الجزيرة وقتلوا بقية المرتدين وغنموا غنائم عظيمة وعادوا إلى البحرين. القضاء على ردة عمان ومهرة: كانت عمان على عهد النبي صلى الله عليه وسلم خاضعة لفارس، ثم أسلم جيفر أميرها وأرسل إليه النبي صلى الله عليه وسلم عمرو بن العاص يعلمهم الدين، فاتفقا على قسمة أموال الزكاة بين فقراء البلاد، فلما توفي الرسول صلى الله عليه وسلم ارتد أهل عمان بقيادة ذي التاج لقيط بن مالك الأزدي، وادعى النبوة، ففرَّ جيفر إلى الجبال. وقد أشارت رواية إلى تذمر أهل عمان من الزكاة، فقد قال قرة بن هبيرة لعمرو بن العاص منصرفه من عمان: "يا هذا إن العرب لا تطيب لكم نفساً بالأتاوة، فإن أنتم أعفيتموها من أخذ أموالها فستسمع لكم وتطيع، وإن أبيتم فلا أرى أن

القضاء على ردة اليمن

تجتمع عليكم" (¬1). وأرسل أبو بكر رضي الله عنه عرفجة بن هرثمة البارقي إلى مهرة، وحذيفة بن محصن الغلفاني إلى عمان، ثم أتبعهما عكرمة بعد هزيمة بني حنيفة له، وجعل القيادة لعكرمة على عرفجة وحذيفة وقد تمكن عكرمة من القضاء على لقيط الأزدي وإعادة عمان إلى حظيرة الاسلام بالتعاون مع جيفر ومع بني عبد القيس التي أمدته من البحرين. ثم اتجه عكرمة إلى مهرة حيث ارتد أهلها أيضاً، فلما وصلهم وجدهم منقسمين فانضم اليه بعضهم وقاتل بعضهم الآخر فغلبهم، وسار نحو حضرموت واليمن للتعاون مع المهاجر بن أبي أمية في القضاء على الردة هناك (¬2). القضاء على ردة اليمن: ما إن علم أهل اليمن بوفاة الرسول صلى الله عليه وسلم حتى ارتد قيس بن عبد يغوث عن الاسلام، وقتل داذويه، وكاتب أتباع الأسود، واستعان بهم، وسيطر على صنعاء وطرد الأبناء منها، كذلك ارتد عمرو بن معد يكرب في نجران. وعيَّن أبو بكر رضي الله عنه فيروز والياً على اليمن، فاستعان بأخواله خولان، وساعدته قبائل عك وعقيل، فتمكن من طرد قيس من صنعاء. واتحد قيس مع عمرو بن معد يكرب واستمرت الاضطرابات حتى قدم عكرمة بن أبي جهل من عمان والمهاجر بن أبي أمية من المدينة، وقاما بتطهير اليمن من المرتدين، وتمكنا من توثيق عمرو بن معد يكرب وقيس بن عبد يغوث وإرسالهما إلى أبي بكر رضي الله عنه حيث ¬

_ (¬1) الطبري: تأريخ 3: 259. (¬2) يوجد اختلاف كبير في تفاعيل الأحداث بين روايتي سيف بن عمر عند الطبري (الطبري: تأريخ 3: 314 - 316) ورواية الواقدي عند الكلاعي (الكلاعي: الاكتفا 208 - 211، 217). وكلتا الروايتين واهية السند، واختلاف المتن بينهما كثير.

القضاء على ردة حضرموت

استتابهما وعفا عنهما. وهكذا انتهت أحداث الردة الثانية باليمن (¬1)، وقد تمثلت فيها الصراعات القبلية، والطموحات الشخصية، ولعل مما أثار القبائل أن الأبناء- حكام اليمن- ليست أصولهم عربية. القضاء على ردة حضرموت: منع بنو عمرو بن معاوية بقيادة الملوك الأربعة الزكاة واعتصموا بمحاجرهم وخرج من بقي على الاسلام منهم إلى عامل المسلمين زياد بن لبيد البياضي الذي واجه المرتدين وتمكن من قتل الملوك الأربعة، وأمده أبو بكر رضي الله عنه بالمهاجر بن أبي أمية وعكرمة بن أبي جهل لمواجهة كندة بزعامة الأشعث بن قيس، وقد تمكن المسلمون بعد معارك طويلة من هزيمة كندة وإرسال الأشعث إلى المدينة حيث رجع إلى الاسلام (¬2). وذكرت روايات ضعيفة أن أبا بكر رضي الله عنه زوَّجه من أخته أم فروة (¬3). وقد نتج عن حركة الردة والقضاء عليها إعادة وحدة الدولة الاسلامية، وتجريد البدو من سلاحهم وخيلهم خلال خلافة أبي بكر رضي الله عنه، ولا شك أنها أكسبت المسلمين المزيد من الخبرات القتالية والمعرفة بجغرافية الجزيرة العربية مما أفادهم في حشد الجيوش في حركة الفتح الاسلامي. ¬

_ (¬1) الطبري: تأريخ 3: 320، 329 عن سيف، وانظر ملخصاً لها عند الكلاعي. حروب الردة 228، وانظر روايات مخالفة في الإصابة لابن حجر 1: 25. (¬2) - الطبري: تأريخ 3: 334 - 339 والكلاعي: حروب الردة 225 - 241. (¬3) - الطبراني: المعجم الكبير 1: 237 والكلاعي: حروب الردة 238، والطبري: تأريخ 3: 236 والمزي: تهذيب الكمال 3.

الفصل الثاني: فتنة مقتل الخليفة عثمان رضى الله عنه

الفصل الثاني: فتنة مقتل الخليفة عثمان رضى الله عنه

فتنه مقتل عثمان رضي الله عنه

فتنه مقتل عثمان رضي الله عنه تعتبر فتنة مقتل الخليفة عثمان رضي الله عنه من أخطر الأحداث التي مرَّت بها الدولة الاسلامية في عصر الخلافة الراشدة، وقد تركت من الاختلاف والانقسام في صفوف الأمة ما كاد يودي بها، وقد أعقبتها فتن داخلية أخرى تتصل بها وتتفرع عنها وهي موقعة الجمل وصفين والنهروان، كما استمرت آثارها متمثلة في أحزاب المعارضة للدولة الأموية وهما الخوارج والشيعة. كما استمر الحزبان في التأثير على الحياة السياسية خلال العصر العباسي الأول خاصة، بل يمكن أن نعتبر الانقسامات الكبرى الناجمة عن الفتنة مؤثرة في الأمة حتى الوقت الحاضر. ومثل هذه الفتنة لابد أن تختلف فيها الآراء وتتلاعب في نقل أخبارها الأهواء، وقد شحنت مصادرنا التأريخية بألوف الروايات المتعارضة وهي تمثل الاتجاهات المختلفة السائدة وقت الرواية ثم في عصر التدوين. ومن هنا تظهر أهمية نقد الروايات، والتعرف على اتجاهات الرواة، والظروف التي أحاطت بشاهد العيان الذي يرتقي إليه الإسناد مع فحص المتون ومعرفة سلامتها من العلل مثل التناقض والاضطراب، وتقدم كتب علم الرجال المعلومات الأولية عن الرواة، كما يقدم مصطلح الحديث منهج التعامل النقدي مع المعلومات الأولية تلك، ومع الرواية سنداً ومتناً. وتقدم الروايات الصحيحة والحسنة- لذاتها ولغيرها- صورة مغايرة إلى حدٍ كبير للصورة التي يُقدمها الأخباريون من خلال ما نقلته عنهم المصادر التأريخية، وإن كانت تبقي معها في بعض التفاصيل أحياناً. فما هي معالم الأحداث من خلال الروايات الصحيحة والحسنة؟ لماذا نقم المعارضون على عثمان رضي الله عنه؟ يبدو أن المعارضة كانت تتذرع بأسباب دينية وسياسية واقتصادية، فمما

أثاروه من القضايا الدينية قضية تدوين المصحف واعتماد النسخة المدونة وإحراق ما سواها من النسخ، ولا يرد ذلك على لسان المعارضة، ولكن توحي به الرواية التالية: قال سويد بن غفلة- مخضرم من كبار التابعين (ت (80) هـ) وعمره (130) سنة-: والله لا أحدثكم إلا شيئاً سمعته من علي بن أبي طالب، سمعته يقول: يا أيها الناس لا تغلوا في عثمان، ولا تقولوا له إلا خيراً في المصاحف وإحراق المصاحف، فوالله ما فعل الذي فعل إلا عن ملأ منا جميعاً، فقال: ما تقولون في هذه القراءة، فقد بلغني أن بعضهم يقول: إن قراءتي خير من قراءتك، وهذا يكاد أن يكون كفراً؟ قلنا: فما ترى؟ قال: نرى أن نجمع الناس على مصحف واحد، فلا تكون فرقة، ولا يكون اختلاف. قلنا: فنعم ما رأيت. قال- يعني علي رضي الله عنه-: فقيل: أي الناس أفصح؟ وأي الناس أقرأ؟ قالوا: أفصح الناس سعيد بن العاص، وأقرأهم زيد بن ثابت. فقال: ليكتب أحدهما، ويملي الآخر. ففعلا، وجمع الناس على مصحف قال علي: والله لو وُلِّيتُ لفعلتُ مثل الذي فعل (¬1). وقد عهد عثمان اعتماد النسخة الموحدة من المصحف إلى أربعة من الصحابة هم: زيد بن ثابت وسعيد بن العاص وعبد الله بن الزبير وعبد الرحمن بن ¬

_ (¬1) ابن أبي داؤد: المصاحف 28 - 29 بإسناد صحيح، وابن عساكر: تاريخ دمشق، ترجمة عثمان 237، 238، 239 (ابن حجر: فتح الباري 9: 18).

الحارث بن هشام، وقال لهم: "اذا اختلفتم أنتم وزيد بن ثابت في عربية من عربية القرآن، فاكتبوها بلسان قريش، فإن القرآن أُنزل بلسانهم". ففعلوا، فأرسل إلى كل أفق بمصحف مما نسخوا، وأمر بما سواه من القرآن في كل صحيفة أو مصحف أن يُحرق (¬1). واذا تأملنا في النص فإنه يدل على وجود معارضة لاعتماد نسخة واحدة من المصحف، وإحراق ما سواها، منعاً لاختلاف القراءات والزيادة والنقص في كتاب الله تعالى. ويبدو أن المعارضة أثارت هذه القضية وأن عليا رضي الله عنه دافع عن موقف عثمان رضي الله عنه مبيناً أنه فعله عن إجماع من الصحابة، وليس لدى المعارضة علماء كبار يدركون مغزى هذا العمل العظيم، بل ربما أدرك بعضهم فائدة ذلك، ولكن الغضب والحقد أعمى بصيرته، فاستغل القضية ضد الخليفة، وليس العامة بقادرين على تمييز الأمور وتمحيص الدعاية، بل هم يتبعون كل ناعق، وكلام علي رضي الله عنه يدل على أن المعارضة غلت في دعايتها، وقلبت الحق باطلاً، والمعروف منكراً. ويُستشف من الرواية أنه كان يتكلم في ظروف الفتنة قبل توليه الخلافة. ويحتمل أنه تكلم بذلك بعد وقوع الفتنة ومقتل الخليفة وتوليه الأمر وأراد أنه لو ولي قبل إنفاذ الجمع لجمعه. ومن المسائل التي أثيرت ضد عثمان رضي الله عنه بعد مقتله وتبناها الخوارج عدم شهوده بدراً وعدم ثباته يوم أحد وعدم اشتراكه في بيعة الرضوان، فقد سأل أحد الخوارج- قيل أنه العلاء بن عرار- عبد الله بن عمر رضي الله عنهما في المسجد الحرام بمكة عن مواقف عثمان هذه، فبَّين له ابن عمر ذلك معللاً بأن ¬

_ (¬1) البخاري: الصحيح (فتح الباري 9: 9، 11).

عدم شهود عثمان بدراً كان بأمر النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لمرض زوجته رقية، وأنه وعده: "إن لك أجر رجل ممن شهد بدراً وسهمه" (¬1) وأما فراره مع الفارين يوم أحد فقد عفا الله عنهم جميعاً (¬2) , وأما تغيبه عن بيعة الرضوان فلأن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أرسله من الحديبية إلي مكة رسولاً، ووقعت البيعة بسبب حجز قريش له, وضرب النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بيده وقال: "هذه لعثمان" (¬3) وبذلك قطع ابن عمر على الخارجي سبيل التلبيس على الناس بأمور لا يعلمون حقيقتها. ومن المحتمل أن المعارضة استغلت هذه القضايا في دعايتها ضد الخليفة وأنها استمرت تثيرها بعد مقتله ولكن ليس ثمة ما يقطع بذلك. ومن القضايا التي أثيرت ضد الخليفة أنه أتمَّ الصلاة بمني أواخر خلافته خلافاً لسنة النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وعمل أبي بكر وعمر (¬4) وكان عثمان يتأول ذلك ويري أن له حكم المقيم كذلك كانت عائشة رضي الله عنها تتم الصلاة بمني (¬5) بل إن عبد الله بن مسعود فعل ذلك وهو لا يراه صحيحاً - فقهياً - لأنه لم يشأ أن يخالف فعل عثمان - وهو الخليفة الشرعي (¬6) وكان ابن عمر إذا صلي مع الإمام صلي أربعاً وإذا صلاها وحده صلي ركعتين (¬7). ¬

_ (¬1) - البخاري: الصحيح (فتح الباري 7: 54، 363). (¬2) - إشارة إلى الآية: (إنَّ الذين تولَّوا منكم يوم التقى الجمعان إنما استزلَّهم الشيطان ببعضِ ما كسبوا ولقد عفا الله عنهم إن الله غفور رحيم) آل عمران 155. (¬3) - البخاري: الصحيح (فتح الباري 9: 9، 11). (¬4) - البخاري: الصحيح (فتح الباري 2: 563 و 3: 509). (¬5) - البخاري: الصحيح (فتح الباري 2: 569)، ومسلم: الصحيح 1: 478. (¬6) - البخاري: الصحيح (فتح الباري 2: 563)، ومسلم: الصحيح 1: 483. (¬7) - مالك: الموطأ 149، ومسلم: الصحيح 1: 482.

وقد أثار وفد مصر عندما استقبلهم عثمان بالمدينة حمايته الحمى، فوضَّح لهم أن عمر حماه قبله لإبل الصدقة، وأنه زاد فيه لما زادت إبل الصدقة (¬1). وورد في كلام لعائشة رضي الله عنها مع الثائرين ما يحدد أهم الانتقادات التي وجهوها إلى سياسة عثمان رضي الله عنه، قالت: "اسمعوا نحدثكم عما جئتمونا له، إنكم عتبتم على عثمان في ثلاث خلال، في إمارة الفتى، وموضع الغمامة- تريد الحمى- وضربه بالسوط والعصا. حتى إذا مصتموه- تريد غسلتموه - موص الثوب بالصابون عددتم عليه الفقر الثلاث، حرمة البلد، وحرمة الخلافة، وحرمة الشهر الحرام، وان كان عثمان لأحصنهم فرجاً وأوصلهم للرحم" (¬2). وقد أوضح محمد بن سيرين (33 - (110) هـ) أن عثمان بعث إلى المعارضين علي بن أبي طالب ورجلاً معه فاصطلحوا على خمس: أن المنفي يُقلب، والمحروم يُعطى، ويوفر الفيء، ويعدل في القسم، ويُستعمل ذو الأمانة والقوة. كتبوا ذلك في كتاب، وأن يرد ابن عامر على البصرة، وأبو موسي الأشعري على ¬

_ (¬1) خليفة بن يخاط: التأريخ 168 - 169 بإسناد حسن ينتهي إلى شاهد عيان هو أبو سعيد مولى أبي أسيد الأنصاري مختلف في صحبته، لكنه أدرك خلافة أبي بكر، وشهد مقتل عثمان (مسلم: الكنى 121، وابن حجر: الإصابة 4: 99). (¬2) أحمد: فضائل الصحابة 1: 452 من زيادات ابنه عبد الله، بإسناد فيه عبد الملك بن عمير ربما دلس وكلامه في التقريب متأخر عن كلامه في "تعريف أهل التقديس" فينسخه، وقد عُمِّر فمات عن ثلاث ومائة، فوهنت ذاكرته دون أن يبلغ حد الاختلاط (الذهبي ميزان الاعتدال)، ومسعر بن كدام الراوي عنه كوفي قديم الطلب، والأغلب أنه روى عنه قبل اختلاطه، وقد تابعه هشيم عن عبد الملك وهو مدلس وقد عنعن (أحمد: فضائل الصحابة 1: 455). والرواية تأريخية, ولو رددناها وأمثالها يضيع التأريخ ...

الكوفة (¬1). وهذه الروايات تكشف عن شعارات المعارضة المعلنة، وترجع الدراسات الحديثة الفتنة إلى عوامل اقتصادية واجتماعية فيشيرون إلى تدفق الأموال في المجتمع الاسلامي نتيجة الفتوح، وظهور بوادر الترف في المجتمع، وحدوث تفاوت كبير في مستوى المعيشة نتيجة التباين في توزيع الثروة، وإلى توقف الفتوح في النصف الثاني من خلافة عثمان رضي الله عنه مما جعل الناس في الأمصار يحسون بالفراغ وينغمسون في الفتن والشغب على الحكام. وأما كتب الأخبار والتأريخ فتعطي ابن سبأ دوراً كبيراً في الأحداث، وخلاصة الصورة التي يقدمها سيف بن عمر وآخرون نقلت عنهم كتب التأريخ وخاصة تأريخ الطبري، أن ابن سبأ يهودي من صنعاء أسلم في خلافة عثمان، وقام ببثِّ الدعاية ضده في الحجاز والعراق والشام ومصر وأن الولاة كانوا إذا أحسوا به طردوه إلى بلد آخر ... وأنه أثار أبا ذر ضد معاوية زاعماً أن معاوية يقول إن المال مال الله، وأقنعه أنه يريد بذلك احتجاز المال ومنعه عن الرعية، لذلك طلب أبو ذر من معاوية أن يقول إن المال مال المسلمين، فوافقه معاوية ترضية له، ولكن أبا ذر استمر يعلن آراءه في سياسة المال والإنفاق، وأن فضول أموال الأغنياء يجب أن تُرد على الفقراء وإلا فإنها كنز حرام، فشكاه معاوية إلى عثمان فطلبه عثمان. وتذكر الروايات التأريخية أن ابن سبأ أثار تذمر عمار بن ياسر في مصر ضد عثمان، وأنه كان ذا عقلية ذكية فاستطاع أن ينظم دعاية واسعة ضد الخليفة عثمان وعمال الأمصار، ¬

_ (¬1) خليفة: التأريخ 169 - 170 بإسناد إلى ابن سيرين صحيح، ولكنه منقطع ضعيف لأن ابن سيرين لم يدرك الأحاديث، ويعتقد برواية أبي سعيد مولى أبي أسيد (ابن عساكر: تاريخ دمشق- ترجمة عثمان- 328 وهو أيضاً مرسل ابن سيرين).

خبر الراكب الذي تعرض للوفد المصري

فتبادل أشياعه الرسائل التي يوضحون فيها تذمرهم وشكاواهم من عمال عثمان، وقد كانت هذه الرسائل تقرأ في الأمصار المختلفة، فتثير الفتن، وينشأ عند العامة تصور للسوء والفوضى والظلم الذي انحدرت إليه الدولة!! وأن ابن سبأ كان وراء الوفود المصرية والعراقية التي قدمت المدينة وحاصرت دار عثمان وقتلته. ويرى البعض أن ما أورده الطبري عن أثر ابن سبأ في الفتنة لا يصمد للنقد التأريخي، لتفرد سيف بن عمر بمعظم الأخبار، وهو متروك عند المحدثين. ولكن ينبغي الانتباه إلى أن سيف بن عمر عمدة في التأريخ وإن كان متروكاً إذا روى أحاديث نبوية، وأن رواياته ينبغي أن تحظى بالنقد التأريخي مثل بقية الأخباريين، ويمكن أن نقبل فكرة وقوع المبالغة في أثر ابن سبأ في أحداث الفتنة مما يجعلنا نتلمس عواملها في الأوضاع العامة مع ملاحظة التطور الذي أصاب المجتمع الاسلامي نتيجة الانسياح في الهلال الخصيب. خبر الراكب الذي تعرض للوفد المصري: كان الوفد المصري قد ناقش عثمان رضي الله عنه في الأمور التي أخذوها عليه، ثم "أخذوا ميثاقه وكتبوا عليه شرطاً، وأخذ عليهم إلا يشقُّوا عصاً ولا يفارقوا جماعة ما أقام لهم شرطهم، ثم رجعوا راضين. فبينا هم بالطريق إذا راكب يتعرض لهم ويفارقهم، ثم يرجع إليهم ثم يفارقهم. قالوا: مالك؟ قال: أنا رسول أمير المؤمنين إلى عامله بمصر. ففتشوه فإذا هم بالكتاب على لسان عثمان، عليه خاتمه، إلى عامل مصر: أن يُصلِّبهم، أو يقتلهم، أو يقطع أيديهم وأرجلهم. فأقبلوا حتى قدموا المدينة، فأتوا علياً فقالوا: ألم تر إلى عدوِّ الله، كتب فينا بكذا وكذا، وإن الله قد أحلَّ دمه فقم معنا إليه. قال: والله لا أقوم معكم. قالوا: فلم كتبت إلينا؟

قال: والله ما كتبت إليكم كتاباً. فنظر بعضهم إلى بعض، وخرج علي من المدينة. فانطلقوا إلى عثمان فقالوا: كتبت فينا بكذا وكذا. فقال: إنهما اثنتان، أن تقيموا رجلين من المسلمين، أو يميني بالله الذي لا إله إلا هو ما كتبتُ ولا أمليتُ ولا علمتُ. وقد يكتب الكتاب على لسان الرجل ويُنقش الخاتم على الخاتم. قالوا: قد أحل الله دمك، ونقضت العهد والميثاق وحصروه في القصر" (¬1) كان عثمان رضي الله عنه يترقب وقوع الفتنة، حيث أخبره النبي صلى الله عليه وسلم بفتنة تقع له وأنه يستشهد فيها (¬2)، وكان يخرج على المعارضين يحاججهم بالقرآن والسنة ويذكرهم بمواقفه في خدمة الاسلام والمسلمين: "إن وجدتم في كتاب الله أن تضعوا رجلي في قيود فضعوهما" (¬3). ¬

_ (¬1) - خليفة: التأريخ 168 - 169 بإسناد حسن، ورواه البزار وصحح إسناده (الهيثمي: مجمع الزوائد 7: 228 - 229)، وانظر رواته الآخرين عن معتمر عند محمد عبد الله الغبان: فتنة مقتل عثمان بن عفان، الملحق ص 106 - 107 وأحال على الهيثمي: كشف الأستار عن زوائد البزار 4: 90 - 91، وابن أبي شيبة: المصنف 15: 215 - 220، والطبري: تاريخ 4: 354 - 356، وابن عساكر: تاريخ دمشق- ترجمة عثمان- 327، وأبي نعيم الأصبهاني: الإمامة 347، وابن حجر: المطالب العالية 4: 283 - 286 نقلاً عن اسحق بن راهويه في مسنده، والمحب الطبري: الرياض النضرة 3: 60 وعزاه إلى أبي حاتم الرازي. (¬2) - أحمد: المسند 1: 334، 377، والترمذي: السنن (تحفة الأحوذي 5: 631، 10: 209) وابن ماجة: السنن 1: 42، وابن سعد: الطبقات الكبرى 3: 66 - 67، وابن أبي شيبة: المصنف 15: 202، والحميدي: المسند 1: 130. (¬3) - ابن سعد: الطبقات 3: 69 - 70 بإسناد صحيح، وابن أبي شيبة: المصنف 15: 224 بإسناد

"لما حصر عثمان أشرف عليه فوق داره ثم قال: أذكركم بالله هل تعلمون أن حراء حين انتفض قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اثبت حراء فليس عليك إلا نبي أو صديق أو شهيد؟ قالوا: نعم. قال: أذكركم بالله هل تعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في جيش العسرة: من ينفق نفقة متقبلة؟ والناس مجهدون معسرون، فجهزت ذلك الجيش؟ قالوا: نعم. ثم قال: أذكركم بالله هل تعلمون أن بئر رومة لم يكن يشرب منها أحد إلا بثمن، فابتعتها فجعلتها للغني والفقير وابن السبيل؟ قالوا: نعم. وأشياء عدَّدها (¬1). فانتشد له رجال (¬2) وكان يخص بمناشدته الصحابة (¬3)، ويلاحظ أن مخاطبته للثائرين كانت تُحدث أثراً مؤقتاً حتى انتشر النهيُ عنه بينهم مرةً "وجعل الناس يقولون: مهلاً عن أمير المؤمنين" (¬4). "وقام الأشتر فقال: لعله لقد مكر به وبكم. قال- يعني أبا أسيد وهو شاهد عيان-: فوطئه الناس حتى لقد لقي كذا وكذا- يعنى من الأذى والشدة-. قال: فرأيته أشرف عليهم مرة أخرى فوعظهم وذكرهم، فلم تأخذ فيهم الموعظة، وكان الناس تأخذ فيهم الموعظة أول ما يسمعونها فإذا أعيدت عليهم لم تأخذ فيهم، ثم إنه فتح الباب ووضع المصحف بين يديه" (¬5). ¬

_ صحيح. (¬1) الترمذي: السنن 5: 625 وقال: هذا حديث حسن صحيح كريب، وأحمد: المسند 1: 340 - 341 بإسناد حسن. (¬2) أحمد: المسند 1: 340 - 341 بإسناد حسن، ط. أحمد شاكر. (¬3) البخاري: الصحيح (فتح الباري 5: 406 - 407) معلقاً. (¬4) خليفة: التأريخ 172 بإسناد حسن، وأبو سعيد شاهد عيان مختلف في صحبته، والطبري: تأريخ 4: 383. (¬5) الطبري: تأريخ 4: 383 بإسناد حسن.

وفي إحدى خطبه وهو يشير إلى صحبته ومكانته اعترضه أعين ابن امرأة الفرزدق بقوله: "يا نعثل إنك قد بدَّلت". وقال عثمان بعد أن عُرِّف به: "بل أنت أيها العبد" و "وثب الناس على أعين" و "جعل رجل من بني ليث يزعهم عنه حتى أدخله الدار" (¬1). وكان حريصاً على إقامة المسلمين صلاتهم بالمسجد النبوي، مع أنه حُرِم من الخروج للصلاة فيه، قال له عبيد الله بن عدي بن الخيار: إنك إمام عامة، ونزل بك ما نرى، ويصلي لنا إمام فتنة ونتحرَّج؟ فقال عثمان: الصلاة أحسن ما يعمل الناس، فإذا أحسن الناس فأحسن معهم، وإذا أساءوا فاجتنب إساءتهم (¬2). ثبت أن عثمان اتخذ موقفاً واضحاً وحاسماً يتمثل في عدم المقاومة، وأنه ألزم به الصحابة، قال عبد الله بن عامر بن ربيعة- شاهد عيان ولد سنة (6) هـ-: كنت مع عثمان في الدار فقال: "أعزِمُ على كل من رأى أنَّ عليه سمعاً وطاعةً إلا كفَّ يده وسلاحه" (¬3)، وقد خرج من الدار على أثر أمر عثمان لهم بوضع أسلحتهم ولزوم دورهم كل من الحسن والحسين وعبد الله بن عمر وأصر على البقاء في الدار عبد الله بن الزبير ومروان بن الحكم (¬4). وكان عثمان رضي الله عنه قد أمر عبد الله بن ¬

_ (¬1) أحمد: المسند 1: 378 ط. أحمد شاكر وحسَّنه، لكن شاهد العيان عباد بن زاهر أبا الرواع ممن يعتبر بحديثه ولا يبلغ مرتبة صدوق، ولكن الخبر تأريخي فيتساهل فيه، وسماع شعبة بن الحجاج من سماك بن حرب قديم فلا يضر اختلاط الأخير (ابن الكيال: الكواكب النيرات 237 - 241). (¬2) البخاري: الصحيح (فتح الباري 2: 188). (¬3) خليفة: التأريخ 173، وابن أبي شيبة: المصنف 15: 204، وابن سعد: الطبقات 3: 70 كلهم بأسانيد صحيحة. (¬4) خليفة: التأريخ 174 بإسناد صحيح إلى ابن سيرين، لكن ابن سيرين لم يشهد الحادثة

الزبير على الدار، وأمر بطاعته، فلما طلب منه ابن الزبير أن يقاتل الخارجين "لقد أحلَّ الله لك قتالهم". فقال عثمان: "لا والله لا أقاتلهم أبداً" (¬1). وكان في الدار عصابة، قال ابن الزبير: "ينصر الله بأقل منهم" (¬2). "وممن أراد القتال دفاعاً عن عثمان الصحابي أبو هريرة- وكان متقلداً سيفه- (¬3)، لكن عثمان لم يأذن له قائلاً: يا أبا هريرة أيسرُّك أن تقتل الناس جميعاً وإياي؟ قال: قلت لا. قال: فإنك والله إن قتلت رجلاً واحداً فكأنما قُتل الناس جميعاً. قال أبو هريرة: فرجعتُ ولم أقاتل" (¬4). وحكى أبو حبيبة مولى عروة أنه دخل على عثمان في يوم صائف وهو محصور ليبلغه رسالة الزبير بن العوام إليه، وفيها يعلن طاعته ونصرته والتزام بني عمرو بن عوف من الأنصار بنجدته، ورأى أبو حبيبة عدداً من الصحابة في الدار وهم الحسن بن علي وأبو هريرة وعند الله بن عمر وعبد الله بن الزبير، وأن الناس كلموا عثمان أن يأذن لهم بالجهاد، فقال: "أعزم على من كانت لي عليه طاعة إلا يقاتل" (¬5). واستأذن الحسن بن علي عثمان في القتال فمنعه (¬6). ¬

_ (¬1) ابن سعد: الطبقات 3: 70 بإسناد صحيح. (¬2) ابن سعد: الطبقات 3: 70 بإسناد صحيح، وخليفة: التأريخ 173 بإسناد صحيح. (¬3) خليفة: التأريخ 173 وإسناده صحيح، وسعيد من أثبت الناس في قتادة، ورواية كهمس عن سعيد قبل اختلاطه (البخاري- فتح الباري 7: 42). (¬4) ابن سعد: الطبقات 3: 70 بإسناد صحيح، والأعمش مدلس ولكن ثبتت روايته عن أبي صالح كما في الصحيحين (المزي: تحفة الأشراف 9: 376 - 384، وابن حجر: هدي الساري 12). (¬5) ابن عساكر: تاريخ دمشق- ترجمة عثمان- 274 نقلاً عن مصعب بن عبد الله الزبيري، وإسناد مصعب حسن، وأحال المحقق على حديث مصعب في الظاهرية (مجلد 117 ورقة 151 ب) (¬6) ابن أبي شيبة: المصنف 15: 224 بإسناد حسن إن صح سماع أبي قلابة من الحسن.

وممن نصحه بالكف عن القتال الصحابي عبد الله بن سلام، وقد سأله عثمان عن رأيه في الموقف من الثائرين، فأجابه: "الكفُّ الكفُّ فإنه أبلغ لك في الحجة" (¬1). وتعتضد روايتان ضعيفتان لبيان اقتراح تقدم به إلى عثمان المغيرة بن شعبة يرى فيه أن يخرج عثمان إلى مكة للخلاص من المعارضين، وأن عثمان رفض الفكرة (¬2). وهكذا كانت الاقتراحات والمداولات تتم في ظروف صعبة تضغط فيها المعارضة بشدة على الدار وأهله. رفض عثمان رضي الله عنه التنازل عن الخلافة، ويدل حديث صحيح ترويه عائشة رضي الله عنها على أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعثمان: "يا عثمان إن الله مقمصك قميصاً فإن أرادك المنافقون على أن تخلعه فلا تخلعه لهم ولا كرامة" (¬3). وكان المغيرة بن الأخنس قد أشار عليه بالخلع لئلا يقتله الخارجون عليه، وقد سأل عثمان عبد الله بن عمر عن رأي المغيرة (¬4) فنصحه بأن لا يخلع نفسه من الخلافة. ¬

_ (¬1) ابن سعد: الطبقات 3: 71 بإسناد حسن. (¬2) أحمد: المسند 1: 369 ط. أحمد شاكر وضعفه بالانقطاع لأن محمد بن عبد الملك بن مروان لم يسمع المغيرة (الهيثمي: مجمع الزوائد 7: 329)، والمسند 1: 361 بإسناد ضعيف أيضاً لأن، ابن أبزى لم يدرك عثمان. (¬3) أحمد: المسند 6: 86 - 87، 149، وفضائل الصحابة 1: 500 رقم 816 بإسناد صحيح، والترمذي: السنن رقم 3789 وقال: حسن غريب، وابن ماجة: السنن 1: 41 رقم 112، وابن حبان كما في الاحسان لابن بلبان 539 رقم 2196. (¬4) ابن سعد: الطبقات 3: 66 بإسناد صحيح رجاله رجال الشيخين.

"قال له ابن عمر: إذا خلعتها أمخلد أنت في الدنيا؟ قال: لا. قال: فإن لم تخلعها هل يزيدون على أن يقتلوك؟ قال: لا. قال: فهل يملكون لك جنةً أو ناراً؟ قال: لا. قال: فلا أرى لك أن تخلع قميصاً قمصكه الله، فتكون سنة كلما كره قوم خليفتهم أو إمامهم قتلوه" (¬1). وتتضافر روايات ضعيفة للدلالة على أن عثمان- وهو محصور في الدار- بعث إلى علي يطلبه، وأن علياً استجاب لأمره، لكنه لم يتمكن من الوصول إلى الدار التي كان المعارضون يطوقونها، وأن آل علي حبسوه عن دخولها خشية عليه من القتل، فحلَّ عمامته السوداء التي كان يرتديها، ورمى بها إلى رسول عثمان، ثم خرج حتى انتهى إلى أحجار الزيت في سوق المدينة، فأتاه خبر قتل عثمان، فأعلن براءته ممن قتله أو مالأ عليه (¬2). لم يألُ الخليفة جهداً في محاورة الثوار لإقناعهم بخطأ موقفهم، سواء بذكر مكانته وخدماته في الاسلام، أو ببيان خطورة قتله على وحدة الأمة "يا أيها الناس ¬

_ (¬1) خليفة: التأريخ 170 بإسناد حسن، كهمس صدوق وروايته عن سعيد بن أبي عروبة قديمة قبل اختلاط سعيد (الكلاباذي: رجال البخاري 2: 485، 875، وابن منجويه: رجال مسلم 1: 245، وابن حجر: تعريف أهل التقديس 63). (¬2) ابن أبي شيبة: المصنف 15: 209 بسند منقطع، وابن سعد: الطبقات 3: 68 - 69 بسند منقطع، وسند آخر منقطع مع تدليس حبيب بن أبي ثابت. (انظر محمد عبد الله الغبان: فتنة مقتل عثمان- الملحق- 146).

لا تقتلوني واستتيبوني، فوالله لئن قتلتموني لا تصلون جميعاً أبداً، ولا تجاهدون عدواً جميعاً أبداً، ولتختلفنَّ حتى تصيروا هكذا- وشبَّك بين أصابعه-"، وكان يخاطبهم من كوَّة في الجدار (¬1)، إذ لم يكن يأمن الخروج إليهم. وكان عثمان رضي الله عنه يتابع تحركات المعارضين، ويسمع ما يقولون، قال أبو أمامة بن سهل بن حنيف الأنصاري: "كنت مع عثمان في الدار- وهو محصور- وكنا ندخل مدخلاً إذا دخلناه سمعنا كلام من على البلاط- وهو موضع أمام الباب الشرقي للمسجد النبوي بينه وبين دار عثمان- (¬2)، فدخل عثمان يوماً لحاجة فخرج منتقعاً لونه، فقال: إنهم ليتوعدونني بالقتل آنفاً. فقلنا: يكفيكهم الله يا أمير المؤمنين. قال: ولم يقتلونني وقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (لا يحل دم امرئ مسلم إلا في إحدى ثلاث، رجل كفر بعد إيمانه، أو زنى بعد إحصانه، أو قتل نفساً بغير نفس) فوالله ما زنيت في جاهلية ولا في إسلام قط. ولا تمنيت أن لي بديني بدلاً منذ هداني الله. ولا قتلتُ نفساً. ففيم يقتلونني؟ " (¬3). وبين عبد الله بن عمر أن عثمان أشرف على المعارضين وحدثهم بهذا المعنى (¬4). وتتضافر روايات ضعيفة لتؤكد أن عثمان أصبح صائماً يوم استشهاده، وأنه ¬

_ (¬1) ابن سعد: الطبقات 3: 71 بإسناد حسن، وابن أبي شيبة: المصنف 15: 203 بإسناد حسن، وابن الأعرابي: المعجم ق 125 أ، وخليفة: التأريخ 171 مختصراً وسقط منه (أبو ليلى). (¬2) راجع عن البلاط السمهودي: وفاء الوفا 3: 734. (¬3) ابن سعد: الطبقات 3: 67 بإسناد صحيح، وأحمد: المسند 1: 348، 363، 379 - 380 ط. أحمد شاكر وصحح إسناده. (¬4) أحمد: المسند 1: 355 بإسناد صحيح.

أخبر برؤيته النبي صلى الله عليه وسلم في المنام يدعوه للإفطار عنده (¬1). قال أبو سعيد مولى أبي أسيد- وهو شاهد عيان-: "ففتح عثمان الباب، ووضع المصحف بين يديه، فدخل عليه رجل فقال: بيني وبينك كتاب الله. فخرج وتركه. ثم دخل عليه أخر، فقال: بيني وبينك كتاب الله. فأهوى إليه بالسيف فاتَّقاه بيده، فقطعها، فلا أدري أبانها أم قطعها ولم يبنها. فقال- يعني عثمان-: أما والله إنها لأوَّلُ كفٍّ خطَّت المصحف" (¬2). وقد انتضح دمه على المصحف الذي كان يقرأ فيه فوق الآية (فسيكفيكهم الله وهو السميع العليم) (¬3). وتتضافر الروايات المتعددة في إثبات موقف محمد بن أبي بكر الصديق مع المعارضين لعثمان، وأنه دخل على عثمان يوم مقتله، فأخذ بلحيته، وأنَّ عثمان ذكرَّه بمكانه من أبيه، فخرج دون أن يشترك في قتله (¬4). وقد دافع بعض الشباب عن عثمان، قال كنانة مولى صفية- وهو شاهد عيان-: "شهدت مقتل عثمان، فأخرج من الدار أمامي أربعة من شبان قريش ¬

_ (¬1) الهيثمي: المقصد العلي في زوائد أبي يعلى الموصلي ق 164أوفي إسناده أبي جعفر الرازي صدوق سيء الحفظ، وابن سعد: الطبقات 3: 74 - 75 بإسناد منقطع لأن نافعاً لم يرو عن عثمان، وأحمد: المسند 1: 388 - 389 تحقيق أحمد شاكر وصحح إسناده لكنه ضعيف لأن مسلماً أبا سعيد انفرد ابن حبان بتوثيقه. (¬2) خليفة: التأريخ 174 بإسناد حسن، وقارن بالطبري: تأريخ 4: 333 - 334 من مرسل الحسن البصري. (¬3) أحمد: فضائل الصحابة 1: 470 - 473 بإسناد صحيح. (¬4) خليفة: التأريخ 174 من مرسل الحسن البصري نقلاً عن أسد بن موسي بإسناد حسن، وابن عبد البر: الاستيعاب 3: 349.

موقف الأنصار

ملطخين بالدم، محمولين، كانوا يدرأون عن عثمان رضي الله عنه، الحسن بن علي وعبد الله بن الزبير، ومحمد بن حاطب، ومروان بن الحكم" (¬1). ولكن المقاومة لم تكن عنيفة فقد انصرف الكثير من المدافعين عن الدار بسبب أوامر عثمان التي تقضي بالكفِّ عن القتال بل وتأمرهم بالخروج من الدار ولزوم بيوتهم ... لقد اختار حقن دمائهم وفداء أرواحهم بدمه وروحه. تثبت الروايات الصحيحة أن الذي باشر قتل عثمان رضي الله عنه رجل من بني سدوس، خنقه قبل أن يضرب بالسيف (¬2)، والرواية تنتهي إلى شاهد عيان مختلف في صحبته لكنه شهد الحادثة (¬3)، قال كنانة مولى صفية: "رأيتُ قاتل عثمان، رجلاً أسود من أهل مصر، وهو في الدار رافعاً يديه يقول: أنا قاتل نعثل" (¬4). "يقال له جبلة: أي الرجل الأسود" (¬5). قال عبد الله بن شقيق- معاصر للأحداث- يروي عن عثمان: "أول من ضرب عثمان رومان اليماني بصولجان" (¬6). موقف الأنصار: حدثت الفتنة في المدينة، وهي دار المهاجرين والأنصار، فكان لابد أن ¬

_ (¬1) ابن عبد البر: الاستيعاب (مع الإصابة) 3: 78 بإسناد حسن. (¬2) خليفة: التأريخ 174 - 175 بإسناد صحيح، وقارن الطبري: تأريخ 4: 383 - 384 (¬3) الذهبي: التجريد 2: 173، وابن حجر: الإصابة 4: 99. (¬4) علي بن الجعد: المسند 2: 958 - 959 بإسناد حسن. (¬5) ابن سعد: الطبقات الكبرى 3: 83 - 84 بإسناد حسن، والمحب الطبري: الرياض النضرة 3: 71. (¬6) خليفة: التأريخ 175 بإسناد صحيح، وانظر رواته عن عثمان في ابن منجويه: رجال صحيح مسلم 1: 36. والصولجان: المحجن.

يظهر للأنصار موقف مما يدور في مدينتهم من أحداث خطيرة تهدد الخليفة، وتتضافر عدة روايات لتقوي ما عرضه زيد بن ثابت على عثمان: "هؤلاء الأنصار بالباب يقولون: إن شئت كنا أنصار الله مرتين. فقال: لا حاجة لي في ذلك كُفُوا" (¬1). وقد ذكر محمد بن سيرين أن عدد الأنصار الذين كانوا مع زيد بن ثابت هو ثلثمائة (¬2). كما ذكر أن عدد من كان مع عثمان يومئذ في الدار سبعمائة (¬3). "لو يدعهم لضربوهم- إن شاء الله- حتى يخرجوهم من أقطارها". ولكن هذه الأرقام لم تثبت من طرق صحيحة، ولكنها محتملة وتدل على موقف الأنصار في ذلك الوقت العصيب. وتظهر الروايات المعتمدة أن بني عمرو بن عوف من الأنصار واعدوا الزبير بن العوام أن يأتمروا بأمره في نجدة الخليفة عثمان (¬4). وقد عرض حارثة بن النعمان على عثمان وهو محصور استعداد الأنصار ¬

_ (¬1) خليفة: التأريخ 173 عن قتادة، وابن أبي شيبة: المصنف 15: 205، وابن سعد: الطبقات 3: 70 والأخيران عن ابن سيرين وفيه انقطاع بين ابن سيرين وزيد ويعتضد الطريقان إلى الحسن (¬2) ابن عساكر: تأريخ دمشق- ترجمة عثمان- 400، وهو مرسل محمد بن سيرين ولم يدرك زيد بن ثابت. (¬3) ابن سعد: الطبقات 3: 71 بإسناد صحيح إلى ابن سيرين، لكن ابن سيرين ولد سنة 33 هـ لسنتين بقيتا من خلافة عثمان، ويبدو أن ابن سيرين نقل الخبر عن سليط بن سليط دون الرقم سبعمائة وذلك في رواية خليفة 173 وفي إسناد خليفة سعد بن عبد الرحمن لم يترجموا له فهو مجهول. (¬4) ابن عساكر: تأريخ دمشق- ترجمة عثمان- 374 نقلاً عن مصعب بن عبد الله الزبيري وإسناد مصعب حسن لذاته.

مواقف الصحابة في الفتنة

للقتال ذوداً عنه (¬1)، ودخل الدار معه أبو أمامة بن سهل بن حنيف الأنصاري (¬2). مواقف الصحابة في الفتنة صفية أم المؤمنين: قال كنانة مولى صفية: "كنت أقودُ بصفية، لتردَّ عن عثمان، فلقيها الأشتر فضرب وجه بغلتها حتى (مالت)، فقالت: ردُّوني ولا يفضحني هذا الكلب" (¬3). ولما أخفقت في الوصول إلى دار عثمان، وضعت خشباً بين سطح منزلها وسطح منزل عثمان- وكانت جاره- لنقل الطعام والشراب (¬4). الزبير بن العوام: بعث أبو حبيبة مولى عروة إلى عثمان وهو محصور يقرئه السلام ويقول: "إني على طاعتي لم أبدل ولم أنكث، فإن شئت دخلت الدار معك وكنتُ رجلاً من القوم، وإن شئت أقمتُ، فإن بني عمرو بن عوف وعدوني أن يصبحوا على بابي، ثم يمضون على ما آمرهم به" فطلب منه عثمان البقاء في مكانه "عسى الله أن يدفع بك عني" (¬5). ¬

_ (¬1) البخاري: التأريخ الصغير 1: 101 بإسناد صحيح. (¬2) ابن سعد: الطبقات 3: 67 بإسناد صحيح. (¬3) البخاري: التأريخ الكبير 7: 237، وأحمد: المسند 2: 959، وابن سعد: الطبقات 8: 128 بإسناد صحيح إلى كنانة وهو شاهد عيان وثقه ابن حبان (الثقات 5: 339) والعجلي: الثقات 2: 229، ويرى ابن حجر أنه مقبول (التقريب). (¬4) علي بن الجعد: المسند 2: 959 بإسناد صحيح. (¬5) ابن عساكر: تأريخ دمشق- ترجمة عثمان- 374 نقلاً عن مصعب بن عبد الله الزبيري، وإسناد مصعب حسن.

أبو ذر الغفاري

أبو ذر الغفاري: توحي الدراسات الحديثة بأن لأبي ذر رضي الله عنه وآرائه في سياسة المال والإنفاق أثراً كبيراً في أحداث الفتنة، وتعتمد على روايات واهية تفيد وقوع العداوة والبغضاء بينه وبين عثمان رضي الله عنهما، وأن معاوية بن أبي سفيان اشتكى أبا ذر إلى عثمان فأمر بإنفاذه إلى المدينة، ثم نفاه إلى الربذة، فماذا تقول الروايات الصحيحة؟ حكى أبو ذر رضي الله عنه اختلافه في الشام مع معاوية في تفسير الآية: (والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله) قال معاوية: نزلت في أهل الكتاب. فقلت: نزلت فينا وفيهم. فكان بيني وبينه في ذاك، وكتب إلى عثمان رضي الله عنه يشكوني، فكتب إليَّ عثمان أن أقدم المدينة، فقدمتها. فكثُر عليَّ الناس حتى كأنهم لم يروني قبل ذلك، فذكرتُ ذلك لعثمان، فقال لي: إن شئت تنحيت فكنت قريباً. فذاك الذي أنزلني هذا المنزل، ولو أمروا عليَّ حبشياً لسمعتُ وأطعتُ (¬1). وقابل أبو ذر عثمان بعد عودته من الشام في رهط من غفار منهم عبد الله بن الصامت الغفاري، وبين له التزامه بطاعته "أخفتني فوالله لو أمرتني أن أتعلق بعروة قتب حتى أموت لفعلتُ" (¬2). واستأذنه في الإقامة بالربذة، واعتذر عن عدم قبول أخذ إبل الصدقة التي عرضها عليه ليصيب من لبنها "دونكم معاشر قريش دنياكم ¬

_ (¬1) البخاري: الصحيح (فتح الباري 3: 271)، وابن سعد: الطبقات 4: 226 بإسناد صحيح لأن سماع هشيم من حصين قبل اختلاط الأخير (ابن حجر: تهذيب التهذيب 11: 61) وقد صرح هشيم بالتحديث. (¬2) عبد الرزاق: المصنف 11: 332 بإسناد صحيح.

فاعذموها لا حاجه لنا فيها" (¬1). ويوضح عند الله بن الصامت الغفاري ظروف ذلك اللقاء: قال أبو ذر لعثمان وهو يرفع عمامته عن رأسه: إني والله يا أمير المؤمنين ما أنا منهم- يعني من الخوارج- ولو أمرتني أن أعضَّ على عرقوبي قتب لعضضت عليهما حتى يأتيني الموت وأنا عاض عليهما. قال عثمان: صدقت يا أبا ذر، إنما أرسلنا إليك لخير، لتجاورنا بالمدينة. قال أبو ذر: لا حاجة لي في ذاك، ايذن لي في الربذة. قال: نعم (¬2). لذلك كان محمد بن سيرين والحسن البصري ينكرون أن يكون عثمان قد أخرج أبا ذر إلى الربذة (¬3). وقالت أم ذر- زوجه-: والله ما سيَّر عثمان أبا ذر، ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إذا بلغ البنيان سلعاً فاخرج منها" فلما بلغ البنيان سلعاً وجاوز خرج أبو ذر إلى الشام (¬4). وأما بالنسبة لرأي أبي ذر في سياسة المال وفهمه لآية الإنفاق فلم يتغير بعد قدومه المدينة على عثمان، فقد دخل عليه وهو يقسم مال عبد الرحمن بن عوف بين ورثته وعنده كعب الأحبار، فسأله عثمان أمام أبي ذر: يا أبا اسحق، ما تقول في رجل جمع هذا المال فكان يتصدق منه، ويحمل في السبيل، ويصل الرحم؟ فقال ¬

_ (¬1) ابن سعد: الطبقات 4: 232 بإسناد صحيح، وعمر بن شبة: تأريخ المدينة 1035 - 1036. (¬2) عمر بن شبة: تأريخ المدينة 1036 - 1037 بإسناد حسن. (¬3) المصدر السابق 1037. (¬4) الحاكم: المستدرك 3: 344 وقال: هذا حديث صحيح الإسناد على شرط الشيخين ولم يخرجاه وانظر الذهبي: سير أعلام النبلاء

أسامة بن زيد

كعب الأحبار: إني لأرجو له خيراً. فغضب أبو ذر، ورفع عليه العصا وقال: ما يدريك يا ابن اليهودية ليودَّن صاحب هذا المال يوم القيامة أن لو كان عقارب تلسع السويداء من قلبه. (¬1) وكان أبو ذر رضي الله يعلن أن فضول أموال الأغنياء ينبغي أن توزع على الفقراء، وإلا فإنها كنز حرام، وهو اجتهاد خاص لم يتابعه عليه الخليفة عثمان ولا بقية الصحابة. أسامة بن زيد: لما قيل لأسامة بن زيد أن يكلم عثمان رضي الله عنه في أحداث الفتنة أجاب بأنه يكلمه في السر دون أن يفتح باب الفتنة (¬2). الحسن بن على بن أبي طالب: لم يزل مع عثمان- وهو محصور- حتى عزم عليه ليخرجن (¬3)، وكان قد خرج خلال المناوشات، فحُمل من الدار (¬4). عبد الرحمن بن عوف: قال سعد بن إبراهيم الزهري: "رأيت عبد الرحمن بن عوف بمنى محلوقاً رأسه يبكي، يقول: ما كنت أخشى أن أبقى حتى يقتل عثمان" (¬5). زيد بن ثابت: ¬

_ (¬1) عمر بن شبة: تأريخ المدينة 1036 - 1037 بإسناد حسن. (¬2) البخاري: الصحيح (فتح الباري 6: 331، 13: 48). (¬3) ابن عساكر: تأريخ دمشق- ترجمة عثمان- 395، 396. (¬4) البخاري: التأريخ الكبير 7: 237. (¬5) ابن أبي شيبة: المصنف 15: 242 بإسناد صحيح.

عبد الله بن عمر

"وكان يبكي على عثمان يوم الدار" (¬1). عبد الله بن عمر: دخل دار عثمان رضي الله عنه للدفاع عنه، فأمره عثمان بعدم القتال، وبالإجارة بين الناس، وكان معه رجال من قومه بني عدي (ابن سراقة وابن مطيع) فغادروا الدار قبل مقتل الخليفة (¬2). وقد لبس ابن عمر درعه مرتين يوم الدار (¬3) وتقلَّد سيفه حتى عزم عليه عثمان أن يخرج مخافة أن يُقتل (¬4). تعليقات على مقتل الخليفة آراء الصحابة وتوقعاتهم لنتائج مقتل عثمان رضي الله عنه على ابن أبي طالب: " والله ما قتلتُ عثمان، ولا أمرتُ بقتله، ولكن غُلبتُ" (¬5) "وإن كنت لقتلِهِ لكارها" (¬6). سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل: ¬

_ (¬1) ابن سعد: الطبقات 3: 81 بإسناد حسن. (¬2) خليفة: التأريخ 173 بإسناد صحيح. (¬3) خليفة: التأريخ 173 بإسناد حسن. (¬4) المصدر السابق بإسناد حسن. (¬5) مسلم: الصحيح 1160:3. (¬6) ابن أبي شيبة: المصنف 15: 208، وانظر أقوالاً مماثلة في ابن عساكر: تأريخ دمشق- ترجمة عثمان- 464.

أبو موسي الأشعري

قال في مسجد الكوفة: "لو أن أحداً ارفضَّ للذي صنعتم بعثمان لكان محقوقاً أن يرفضَّ" (¬1). أبو موسي الأشعري: " إن قتل هذا- يعني عثمان- لو كان هدى لاحتلبت به العرب لبناً، ولكنه ضلال فاحتلبوا دماً" (¬2). سمرة بن جندب: " إن الإسلام كان في حصن حصين، وإنهم ثلموا في الإسلام ثُلمةً بقتلهم عثمان، وإنهم شرطوا شرطة، وإنهم لن يسدوا ثُلمتهم إلى يوم القيامة، وإن أهل المدينة كانت فيهم الخلافة فأخرجوها ولم تعد فيهم" (¬3). عائشة رضي الله عنها: قال طلق بن خشاف: "قُتل عثمان فتفرقنا في أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم نسألهم عن قتله، فسمعتُ عائشُة قالت: قُتل مظلوماً، لعن الله قتلته" (¬4). ¬

_ (¬1) - البخاري: الصحيح (فتح الباري 7: 176، 178 و 12: 315). (¬2) - البخاري: التأريخ الكبير 1: 369، وابن عساكر: تأريخ دمشق- ترجمة عثمان- 489 - 490، وإسناد البخاري فيه سعيد بن أبي عروبة اختلط بأخرة، ورواية ابن أبي عدي بعد اختلاطه (ابن الكيال: الكواكب النيرات 199) وفيه إسماعيل بن عمر إن لم يوثقه إلا ابن حبان، وأما إسناد ابن عساكر ففيه انقطاع لأن قتادة لم يسمع أبا موسي الأشعري، ويقوى الطريقان ببعضهما إلى الحسن لغيره. (¬3) - ابن عساكر: تأريخ دمشق- ترجمة عثمان- 493 بإسناد حسن، ولا تضره كثرة إرسال وتدليس الحسن البصري، فقد ثبت سماعه عن سمرة (البخاري: الصحيح- فتح الباري 9: 590، ومحمد عبد الله سنيور: فتنة مقتل عثمان، الملحق ص 76 - 77). (¬4) - البخاري: التأريخ الكبير 4: 358 بإسناد حسن.

وحكى مسروق بن الأجدع (ت (63) هـ) عن عائشة قالت حين قتل عثمان: "تركتموه كالثوب النقي من الدنس، ثم قربتموه تذبحونه كما يذبح الكبش. فقال لها مسروق: هذا عملُكِ أنت كتبت إلى الناس تأمرينهم بالخروج إليه. فقالت عائشة: لا والذي آمن به المؤمنون، وكفر به الكافرون، ما كتبت إليهم بسوداء في بيضاء حتى جلستُ مجلسي هذا". قال الأعمش: فكان يرون أنه كتب على لسانها (¬1) وقد أوضحت عائشة رضي الله عنها موقفها من إرهاصات الفتنة فقالت: "كان القوم يختلفون إلي في عيب عثمان، ولا أرى إلا أنها معاتبة، فأما دمه فأعوذ بالله من دمه، والله لوددت أني أعيش برصاء سالخ- أي مسلوخة الجلد- وإني لم أذكر عثمان قط" فذكرت كلاماً فضلت عثمان على علي (¬2). وكانت كلما ذكرت عثمان بكت حتى ليبتل خمارها، وتقول: ما تمنيتُ لعثمان شيئاً إلا أصابني، حتى أني لو تمنيتُ أن يُقتل قُتلتُ (¬3). وأما عن تقويمها للمعارضين لعثمان، فيظهر من قولها لعبيد الله بن عدي بن الخيار القرشي- من أبطال المسلمين-: "يا عبيد الله بن عدي لا يغرنك أحد بعد الذي تعلم، فوالله ما احتقرتُ أعمال أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم حتى نجم ¬

_ (¬1) - خليفة: التأريخ 176 بإسناد صححه ابن كثير (البداية والنهاية 7: 204) وعنعنة الأعمش هنا لا تضر، وابن سعد: الطبقات 3: 82، وابن شبة: تأريخ المدينة 1225، وابن عساكر: تأريخ دمشق- ترجمة عثمان- 496. وقارن برواية ابن شبة: تأريخ المدينة 1224 - 1225 وفي سنده أم الحجاج العوفية مجهولة. (¬2) - أحمد: مسائل الإمام أحمد، برواية اسحق بن إبراهيم بن هانيء 2: 171 رقم 1942، والخلال: كتاب السنة 385 عن الإمام أحمد وإسناده صحيح. (¬3) - أبو نعيم: الإمامة والرد على الرافضة 330 بإسناد صحيح، وقارن مع البخاري: خلق أفعال العباد 25 بإسناد صحيح.

بيعة علي بن أبي طالب رضي الله عنه بالخلافة

النفر الذين طعنوا على عثمان، فقالوا له قولاً لا يحسن مثله، وقرءوا قراءةً لا يحسن مثلها، وصلوا صلاة لا يصلى مثلها، فلما تدبرتُ الصنيع إذا هم والله ما يقاربون أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا أعجبك حسن قول امرئ فقل: (اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله) " (¬1). وهكذا أوضحت أن المعارضين رغم عباداتهم التي دونها عيادة الصحابة مما يجعل الناس ينغشون بهم، ويتهاونون في التعامل معهم. بيعة علي بن أبي طالب رضي الله عنه بالخلافة: أصاب المسلمون بلاء عظيم بسبب مقتل الخليفة عثمان رضي الله عنه، إذ كان المسلمون قد مرُّوا بانتقال السلطة سلماً بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم وبعد وفاة الصديق رضي الله عنه، لكنهم الآن أمام تجربة جديدة تمثلت باستخدام العنف في تغيير السلطة ونجم عن ذلك مقتل الخليفة، وبقاء المنصب شاغراً، وسعى المعارضون إلى بيعة واحد من كبار الصحابة لملأ الفراغ في السلطة، فعرضوها على طلحة بن عبيد الله (¬2)، وعبد الله بن عمر حتى هددوه بالقتل (¬3)، لكن أحداً لم يكن ليقبل منهم السلطة في ظروف الفتنة، لأنهم لا يمثلون الأمة، بل يمثلها كبار الصحابة في المدينة، وهم الذين يقبل الناس في أنحاء الدولة اختيارهم، وقد أدرك ¬

_ (¬1) - البخاري: خلق أفعال العباد 25 بإسناد صحيح، وعبد الرزاق: المصنف 11: 447. (¬2) أحمد: فضائل الصحابة 2: 573 - 574. (¬3) أحمد: فضائل الصحابة 2: 895 رقم 1702، وابن سعد: الطبقات 4: 151 بإسناد صحيح، والحسن البصري شهد أحداث الفتنة بالمدينة وعمره أربع عشرة سنة (ابن حجر: تهذيب التهذيب 2: 266 - 267).

المعارضون ذلك (¬1) بعد فشل محاولاتهم. واشتد ذهول الناس، وتعدَّى الذهول عامتهم إلى قادتهم، يقول علي بن أبي طالب رضي الله عنه: "ولقد طاش عقلي يوم قتل عثمان، وأنكرت نفسي، وجاءوني للبيعة فقلت: والله إني لأستحي من الله أن أبايع قوماً قتلوا رجلاً قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ألا أستحي ممن تستحي منه الملائكة)، وإني لأستحي من الله أن أبايع وعثمان قتيل على الأرض لم يدفن بعد، فانصرفوا. فلما دُفِن رجع الناس فسألوني البيعة، فقلت: اللهم إني مشفق مما أقدم عليه، ثم جاءت عزيمة فبايعتُ. فلقد قالوا: يا أمير المؤمنين. فكأنما صدع قلبي، وقلت: اللهم خذ مني لعثمان حتى ترضى" (¬2). بهذه الروح المرهفة الحزينة المليئة بالصفاء والوفاء لمعاني الأخوة وذكريات الرفقة استقل علي بيعته بالخلافة، وقد استجاب لطلب الناس الملح لينهي مرحلة مضطربة بسبب الفراغ في السلطة، وقد اشترط أن لا تكون بيعه سراً "فأخرجُ إلى المسجد فمن شاء أن يبايعني بايعني" فخرج إلى المسجد وبايعه الناس (¬3). وقد بيَّن كل من طلحة بن عبيد الله التيمي، والزبير بن العوام- وهما من العشرة المبشرة بالجنة- أنهما بايعا مكرهين تحت التهديد من قتلة عثمان (¬4)، ولم ¬

_ (¬1) البخاري: الصحيح (فتح الباري 12: 144 - 145، وأحمد: المسند 1: 323، والبلاذري: أنساب الأشراف 2: 35 ب. (¬2) الحاكم: المستدرك 3: 95 وصححه على شرطهما ووافقه الذهبي. وله متابعة ضعيفة لدى الحاكم 3: 103 بسند فيه الكديمي وهو ضعيف. (¬3) أحمد: فضائل الصحابة 2: 573 بإسناد حسن، والحاكم: المستدرك 3: 95 بإسناد حسن، وأبو نعيم: الإمامة 329. (¬4) ابن أبي شيبة: المصنف 11: 107 و 15: 261 بإسناد صحيح، والبلاذري: أنساب الأشراف 2: 537 ب.

يكونا راضيين عن الطريقة التي تمت بها بعيداً عن أهل الشورى، وفي ظروف يسود فيها العنف والاختلاف. وجنح عبد الله بن عمر (¬1) إلى اعتزال الأحداث، وكذلك أسامة بن زيد وقال لعلي: "لو كنت في شق الأسد لأحببتُ أن أكون معك فيه، ولكن هذا أمر لم أره" (¬2)، ومحمد بن مسلمة (¬3)، وسعد بن أبي وقاص (¬4)، وأهبان بن صيفي وقال لعلي: "إن خليلي وابن عمك صلى الله عليه وسلم أمرني إذا كان قتال بين المسلمين أن أتخذ سيفاً من خشب" (¬5)، وعبد الله بن سعد بن أبي سرح (¬6) وآخرون (¬7) فلم يبايعوا لأحد بالخلافة. لكن جمهور الصحابة من المهاجرين والأنصار بايعوا علياً، وتبعهم الناس وكانت بيعة علي بعد سبعة أيام من مقتل عثمان. وقد ثبَّت أبا موسى الأشعري على ولاية الكوفة فأخذ له البيعة من معظم أهلها (¬8). ¬

_ (¬1) - ابن أبي شيبة: المصنف 11: 133 و 15: 81 بإسناد صحيح. (¬2) - البخاري: الصحيح (فتح الباري 13: 61)، وابن سعد: الطبقات 4: 71. (¬3) - أحمد: المسند 4: 225 من زوائد عبد الله و 3: 493، والبخاري: التأريخ الصغير 1: 105، وابن ماجة: السنن 2: 1310 رقم 3962 وتعتضد طرقه إلى الصحيح (الألباني: سلسلة الأحاديث الصحيحة 3: 369 رقم 1380). (¬4) - الحاكم: المستدرك 3: 115 بدون إسناد. (¬5) - أحمد: المسند 5: 69 و 6: 393، والطبراني: المعجم الكبير 1: 271 بإسناد حسن. (¬6) - البخاري: التأريخ الكبير 5: 29. (¬7) - عبد الرزاق: المصنف 11: 357، وأحمد: المسند (كما في الفتح الرباني للساعاتي 23: 139)، وابن عبد البر: الاستيعاب 1: 77، 116. (¬8) - البلاذري: أنساب الأشراف 2: 36 ب.

وعزل علي والي مكة خالد بن العاص المخزومي وعيَّن بدله أبا قتادة الأنصاري مدة شهرين ثم عزله وعيَّن قثم بن العباس (¬1)، ويبدو أن الرأي العام بمكة كان غاضباً لعثمان وتصاعد الغضب لكثرة النازحين من المدينة إلى مكة على أثر سيطرة الثوار على المدينة (¬2). وأرسل عثمان بن حنيف الأنصاري إلى البصرة والياً عليها بدلاً من عبد الله بن عامر بن كريز واليها لعثمان وكان قد ترك البصرة متجهاً إلى مكة. وقد انقسمت البصرة على الوالي الجديد، فمنهم من بايع، ومنهم من اعتزل، ومنهم من رفض البيعة حتى يُقتل قتلة عثمان، وهؤلاء الأخيرون التفوا حول طلحة والزبير وعائشة حين قدم الثلاثة إلى البصرة (¬3). وأما الشام فلم يِبايع واليها معاوية بن أبي سفيان مطالباً بالقصاص من القتلة، لكنه لم يمد المعارضين بالبصرة. وأما مصر فكان واليها عبد الله بن سعد بن أبي سرح قد تركها متجهاً إلى عسقلان، فاستولى عليها محمد بن أبي حذيفة مدة عام كامل وواجه معارضة عثمانية تطالب بالقصاص من قتلة عثمان، فلما قتل بعد العام ولَّى علي عليها قيس بن سعد بن عبادة الأنصاري حيث تمكن من أخذ البيعة لعلي وهادن العثمانية (¬4). وأرسل علي عبيد الله بن العباس والياً على اليمن فأخذ له البيعة من أكثر ¬

_ (¬1) خليفة بن خياط: التأريخ 178، 201. (¬2) عبد الحميد علي ناصر: خلافة علي 115 - 117. (¬3) ابن سعد: الطبقات 6: 333. (¬4) عبد الرزاق: المصنف 2: 458 بسند صحيح إلى الزهري ثم هو من مراسيله، ويعقوب بن سفيان: المعرفة والتأريخ 1: 254، والبخاري: التأريخ الكبير 5: 29، والكندي: ولاه مصر 21.

أهلها، وبقيت جماعات تطالب بالقصاص من قتلة عثمان، وعقَّب الصحابي ثمامة بن عدي والي صنعاء لعثمان على الأحداث بقوله وهو يبكي بكاءً شديداً: "اليوم انتزعت خلافة النبوة من أمة محمد صلى الله عليه وسلم، وصارت ملكاً وجبرية، من أخد شيئاً غلب عليه" (¬1). وكانت أخطر قضية تواجه الخليفة الجديد هي مقاضاة قتلة عثمان وإنفاذ القصاص فيهم، وكان ابن عباس قد نبَّه علياً إلى خطورة الموقف قبل توليه الخلافة: "إن الناس سيلزموك دم عثمان" (¬2). فقد كانت المأساة الدامية تملأ النفوس بالحزن والندم على عدم بذل الوسع في الذود عن الخليفة وإن كان ذلك يعني عدم التقيد بأوامر عثمان بالكفِّ عن القتال. وكان طلحة والزبير وعائشة رضي الله عنهم قادة المطالبين بإنفاذ القصاص بقتلة عثمان مشترطين ذلك للدخول في طاعة علي الخليفة الجديد .. وكان طلحة بن عبيد الله التيمي يحس بالتفريط وبالتهاون مع الثوار ومجاملتهم فيندم ويرغب في التكفير عن ذلك كله "كان في أمر عثمان مالا أرى كفارته إلا أن يُسفك دمي في طلب دمه" (¬3) "كنَّا قد داهنَّا في أمر عثمان فلا نجد بداً من المبالغة" (¬4) - يعني بالمداهنة: اللين مع الثوار. وبالمبالغة: التشدد في المطالبة بالقصاص-. ويبدو أن هذا الشعور كان يتملك الكثيرين بحيث شكلوا تياراً معارضاً ¬

_ (¬1) عبد الرزاق: المصنف 11: 447، وابن سعد: الطبقات 3: 80 بسند صحيح، والبخاري: التأريخ الكبير 2: 176. (¬2) عبد الرزاق: المصنف 11: 448 بإسناد صحيح، والذهبي: تأريخ الإسلام (61 - 80 هـ) ص 59. (¬3) الحاكم: المستدرك 3: 371 - 372 وقال الذهبي: سنده جيد. (¬4) ابن أبي شيبة: المصنف 11: 142 بسند صحيح.

قوياً يعادل في كثرة أتباعه وقوة دوافعه وعزمه على تحقيق أهدافه التيار المؤيد لخلافة علي، وهذا ما تكشف عنه الملاحم العظيمة في الجمل وصفين. وكان علي بين تيارين قويين، فالمشاركون والمحرضون على قتل عثمان منهم حكيم بن جبلة العبدي زعيم الثوار البصريين، ومنهم عبد الرحمن بن عديس البلوي وكنانة بن بشر من زعماء الثوار المصريين، ومنهم مالك الأشتر النخعي من زعماء الثوار الكوفيين، ومنهم محمد بن أبي حذيفة الذي غلب على مصر، ومحمد بن أبي بكر، وكلهم لهم اختلاط بجيشه وتأثير على قبائلهم، وبعضهم ترك المدينة إلى الأمصار عقب بيعة علي، فلم يكن قادراً على إنفاذ القصاص مع اختلاف الناس عليه (¬1). وكان التيار الآخر ممثلاً بطلحة بن عبيد الله والزبير بن العوام وعائشة أم المؤمنين، وكانوا يضغطون بقوة لإنفاذ القصاص بقتلة عثمان، ويرون أن علياً قد تخلى عن القصاص (¬2). ولم يعذروه في سياسته التي تميل إلى إماتة الفتنة وتخطيها بعدم إيقاع القصاص حتى يستتب له الأمر ويدخل في بيعته الناس جميعاً، كما أنه صرح بأنه لا يعلم القتلة بأعيانهم "والله لوددتُ أن بني أمية رضوا لنفلناهم خمسين رجلاً من بني هاشم يحلفون: ما قتلنا عثمان، ولا نعلم له قاتلاً" (¬3). ولما مضت أربعة أشهر على بيعة علي دون أن ينفذ القصاص خرج طلحة والزبير إلى مكة (¬4) ومنها ¬

_ (¬1) ابن تيمية: منهاج السنة 4: 407. (¬2) ابن أبي شيبة: المصنف 11: 118 بسند صحيح (ابن حجر: فتح الباري 13: 34، 57). (¬3) سعيد بن منصور: السنن 2: 335 - 336 رقم 2942 بإسناد صحيح. (¬4) الطبري: تأريخ 4: 439 بسند صحيح إلى الزهري ثم هو مرسل لأن الزهري (ت 114 هـ) لم يشهد الأحداث.

جمعوا مؤيديهم الذين بلغ عددهم سبعمائة رجل (¬1) وانطلقوا إلى البصرة مستهدفين القبض على القتلة من أهلها وإنفاذ القصاص فيها وقد بلغ عددهم عند وصولهم البصرة ثلاثة ألاف رجل، وذلك لالتحاق الناس بهم في الطريق إليها، وقد أنفق عبد الله بن عامر بن كريز ويعلى بن أمية أموالاً كثيرة في تجهيز هذا الجيش بمكة، حيث قدم يعلى بن أمية وحده أربعمائة بعير (¬2). وكان معظم أهل البصرة يؤيدون إيقاع القصاص بالقتلة، فكانوا مهيئين نفسياً للانضمام إلى طلحة والزبير وعائشة عند قدومهم إليهم. وكان الحزن يخيم على قلوب قادة المعارضة، فرغم أن مطالبتهم بإنفاذ الحكم الشرعي يقوي موقفهم ويشعل حماسهم، إلا أن غموض المستقبل وما قد ينطوي عليه من ضياع الوحدة بين المسلمين وسفك دمائهم يبعث فيهم إحساساً أليماً وأحيانا تردداً واضحاً .. لكنهم مضوا إلى أقدارهم بنفوس مثقلة بالهموم. قال علقمة بن وقاص- شاهد عيان ثقة ثبت-: "ورأيته- يريد طلحة بن عبيد الله- وأحب المجالس إليه أخلاها، وهو ضارب بلحيته على زوره، فقلت له: يا أبا محمد، إني أراك وأحب المجالس إليك أخلاها، وأنت ضارب بلحيتك على زورك إن تكره هذا اليوم فدعه، فليس يكرهك عليه أحد. قال: يا علقمة بن وقاص لا تلمني، كنا يداً واحدة على من سوانا، فأصبحنا اليوم جبلين يزحف أحدنا إلى صاحبه (¬3). ¬

_ (¬1) حدد الزهري عدد الجيش قبل خروجه من مكة بسبعمائة رجل، وقبل دخوله البصرة بثلاثة آلاف رجل (عبد الرزاق: المصنف 5: 456، والطبري: تأريخ 4: 452 ص مرسل الزهري، والبلاذري: أنساب الأشراف 2: 38 ب من مرسل صالح بن كيسان) ويعتقد الخبران المرسلان. (¬2) عبد الرزاق: المصنف 5: 456 من مرسل الزهري. (¬3) الحاكم: المستدرك 3: 371 - 372 وقال الذهبي: سنده جيد. والطبري: تأريخ 4: 453، 476.

وماذا عن القائد الآخر الزبير بن العوام؟ قال مطرف بن عبد الله بن الشخير- شاهد عيان ثقة فاضل-: "قلنا للزبير: يا أبا عبد الله، ما جاء بكم؟ ضيعتم الخليفة حتى قُتل، ثم جئتم تطلبون بدمه!!. قال الزبير: إنا قرأناها على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر وعثمان (واتقوا فتنة لا تصيبنَّ الذين ظلموا منكم خاصة) (¬1) لم نكن نحسب أنا أهلها حتى وقعت منا حيث وقعت" (¬2). وماذا عن عائشة رضي الله عنها؟ قال قيس بن أبي حازم البجلي- شاهد عيان ثقة-: "لما أقبلت عائشة بلغت مياه بني عامر ليلاً نبحت الكلاب. قالت: أي ماء هذا؟ قالوا ماء الحوأب. قالت: ما أظنني إلا أني راجعة. إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لنا: (كيف بإحداكنَّ تنبح عليها كلاب الحوأب؟!). فقال لها الزبير: ترجعين!! عسى الله عز وجل أن يصلح بك بين الناس" (¬3). ¬

_ (¬1) - الأنفال 25. (¬2) - أحمد: المسند 3: 9 (ط. أحمد شاكر) بإسناد حسن، وابن أبي خيثمة: التأريخ الكبير 50: 77 أبمثل إسناد أحمد، وانظر البزار: كشف الأستار 4: 91 رقم 3266 من طريق مطرف أيضاً، وابن أبي شيبة: المصنف 11: 115 عن الحسن البصري و 15: 277، والطبري: تأريخ 9: 218 ويعتضد الخبر إلى مرتبة الصحيح. (¬3) - أحمد: المسند 6: 52، 97 بإسناد صحيح، وقد جمعت بين المتنين والحاكم: المستدرك 3: 120 وقال الألباني: إسناده صحيح جداً، صححه خمسة من كبار أئمة الحديث هم: ابن حبان، والحاكم، والذهبي، وابن كثير، وابن حجر (سلسلة الأحاديث الصحيحة 1: 767 رقم 474).

وهذا النص يكشف عن أمور مهمة، منها ما هو من أعلام النبوة، حيِث أخبر الرسول صلى الله عليه وسلم بأمر غيِبي فوقع كما أخبر، ومنها تردد عائشة رضي الله عنها في المضي إلى البصرة، ومنها أن المعارضين كانوا يرغبون في الإصلاح بين الناس مع تصميمهم على إنفاذ القصاص بقتلة عثمان. وقد دخلوا البصرة فانضم إليهم معظم سكانها، لكن البعض منهم اختاروا اعتزال الجميع، فقد حيرهم الأمر وهالهم الموقف، فلنستمع إلى أحدهم وهو الأحنف بن قيس التميمي من زعماء تميم وحكماء العرب- وقد طلب منه الزبير بن العوام الانضمام إليهم-: "فآتاني أفظع أمرٍ أتاني قط، فقلت: إن خذلاني هؤلاء، ومعهم أم المؤمنين، وحواري رسول الله صلى الله عليه وسلم لشديد، وإن قتالي رجلاً ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد أمروني ببيعته لشديد" (¬1). وهكذا اعتزل مع ستة آلاف من قومه الذين أطاعوه وانخرط بقيتهم- وهم كثير- مع طلحة والزبير وعائشة (¬2) .. ¬

_ (¬1) ابن أبي شيبة: المصنف 11: 118، والطبري: تأريخ 4: 497 - 499، وابن حجر: فتح الباري 13: 34 من طريق الطبري وقال: سند صحيح. (¬2) ابن سعد: الطبقات 3: 110 - 111.

الفصل الثالث: موقعة الجمل

الفصل الثالث: موقعة الجمل

موقعة الجمل

موقعة الجمل: وصل المعارضون إلى البصرة، ففوجئ الناس بهم وارتاعوا وتعجبوا، قال كليب بن شهاب- شاهد عيان تابعي صدوق-: "لما قُتل عثمان رضي الله عنه أتانا الخبر ونحن راجعون من غزاتنا .. فانتهينا إلى البصرة، فلم نلبث إلا قليلاً حتى قيل: هذا طلحة والزبير، معهما أم المؤمنين، فراع ذلك الناس وتعجبوا، فإذا هم يزعمون للناس أنهم إنما خرجوا غضباً لعثمان وتوبة مما صنعوا من خذلانه، وإنَّ أمَّ المؤمنين تقول: غضبنا لكم على عثمان في ثلاث: إمارة الفتى، وموقع الغمامة، وضربة السوط والعصا. فما أنصفنا إن لم نغضب له عليكم في ثلاث جررتموها إليه حرمة الشهر، والبلد، والدم. فقال الناس: أفلم تبايعوا علياً، وتدخلوا في أمره؟ فقالوا: دخلنا واللج- السيف- في أعناقنا" (¬1). وقد غلب المعارضون على البصرة دون أن يتمكن عثمان بن حنيف واليها لعلي من مقاومتهم، لأن قبائل البصرة انضم معظمها إليهم، وقد ألقي القبض على الوالي، ثم أطلق سراحه ليلتحق بعلي .. واتجه المعارضون إلى بيت المال ودار الرزق فاعترضهم حكيم بن جبلة العبدي أحد الثوار المشاركين في حصار الدار بالمدينة، ومعه سبعمائة من قومه وجرت معركة قُتل فيها حكيم بن جبلة وسبعون من قومه كانوا قد شاركوا في حصار دار عثمان رضي الله عنه بالمدينة (¬2). وسيطر المعارضون بقيادة الزبير بن العوام على البصرة (¬3)، وقوي موقفهم باستيلائهم على بيت المال، وفيه الذهب والفضة (¬4). ¬

_ (¬1) الطبري: تأريخ 4: 490 بإسناد حسن. (¬2) الطبري: تأريخ 4: 469 من مرسل الزهري بسند صحيح إليه. (¬3) البلاذري: أنساب الأشراف 2: 39 ب بسند حسن. (¬4) ابن أبي شيبة: المصنف 15: 280 بإسناد صحيح.

أدرك علي رضي الله عنه خطورة الموقف، وما يمكن أن يجرَّ إليه الخلاف من تمزيق الدولة الإسلامية، فعزم على إعادة المعارضين إلى الطاعة، واستنفر أهل المدينة للخروج معه فاجتمع معه حوالي سبعمائة رجل (¬1)، وتثاقل عنه عدد من كبار الصحابة منهم سعد بن أبي وقاص وعبد الله بن عمر وأبو مسعود الأنصاري ومحمد بن مسلمة الأنصاري وعبد الله بن سلام وأسامة بن زيد وأهبان بن صيفيّ .. إذ رأوا أنها أحداث فتنة ينبغي عدم الخوض فيها. وقد اختص النبي صلى الله عليه وسلم بعضهم بالتحذير من المشاركة في الفتن الداخلية، فاعتذروا لعلي بذلك. وقد حاول عبد الله بن سلام أن يثني علياً عن عزمه على الخروج من المدينة إلى العراق "لا تأتِ العراق، وعليك بمنبر رسول الله صلى الله عليه وسلم فالزمه .. فوالله لئن تركته لا تراه أبداً". فقال رجال من حول علي: دعنا فلنقتله. فأجابهم: إن عبد الله بن سلام منا رجل صالح (¬2). وقد خرج علي من المدينة متجهاً إلى العراق، وقد عسكر في الربذة (¬3) حيث أضيف إلى جنده مائتا رجل (¬4)، فبلغوا تسعمائة رجل. وقد حاول الحسن بن علي ثني أبيه عن الذهاب إلى العراق وهو يبكي لما أصاب المسلمين من الفرقة والاختلاف، لكن علياً رفض ذلك، وأصر على إعادة المعارضين له إلى الطاعة محتجاً ببيعتهم له بالمدينة (¬5). ¬

_ (¬1) البلاذري: أنساب الأشراف 2: 45 ب بسند حسن. (¬2) ابن حجر: المطالب العالية (المسندة) ق 630 - 631 نقلاً عن ابن اسحق بن راهويه. (¬3) الربذة: قرية تقع شرق المدينة على بعد 204 كيلومتر عنها، وعلى الإبل مسافة ثلاثة أيام ونصف اليوم للإبل السريعة (علي ثائب العمري: النبذة في ترجمة أبي ذر وتأريخ الربذة ص 269). (¬4) البلاذري: أنساب الأشراف 2: 45 ب. (¬5) ابن أبي شيبة: المصنف 15: 99 - 100 بإسناد حسن و 274، والبخاري: التأريخ الكبير 1: 67، والحاكم: المستدرك 3: 115، والذهبي: تأريخ الإسلام (الخلفاء الراشدون) 487.

وقد أرسل علي من الربذة رسولين لاستنفار الكوفيين، وهما محمد بن أبي بكر الصديق ومحمد بن جعفر، فأخفقا في مهمتهما لأن أبا موسى الأشعري والي الكوفة لعلي التزم موقف اعتزال الفتنة وحذر الناس من المشاركة فيها (¬1)، فأرسل علي رسولاً ثالثاً هو هاشم بن عتبة بن أبي وقاص، فأخفق في التأثير فيهم (¬2). فاتجه علي إلى ذي قار- قرب الكوفة- وعسكر بها (¬3)، ومنها أرسل عبد الله بن عباس وأتبعه ابنه الحسن وعمار بن ياسر لاستنفار الكوفيين، كما عزل أبا موسى الأشعري عن الكوفة وولى عليها قرظة بن كعب (¬4). ولم يتأثر عمار بن ياسر بملامة أبي موسى الأشعري وأبي مسعود الأنصاري له لتسرعه في الأمر، بل صعد يوم الجمعة إلى المنبر وخاطب الناس قائلا: "أما والله إنها لزوجة نبيكم في الدنيا والآخرة، ولكن الله ابتلاكم ليعلم إياه تطيعون أم هي" (¬5). وهكذا شهد لعائشة رضي الله عنها بالجنة، وبصَّر الناس بأن هذا امتحاناً ¬

_ (¬1) ابن أبي شيبة: المصنف 15: 12 بإسناد حسن، وأبو داود: السنن (مع شرح الخطابي) 4: 457 بإسناد حسن، والترمذي: السنن- نسخة تحفة الأحوذي- 6: 446 حديث رقم 2300 وقال: حسن غريب. والألباني: سلسلة الأحاديث الصحيحة 4: 1524 وقال: إسناده صحيح رجاله كلهم ثقات رجال البخاري. (¬2) الطبري: تأريخ 4: 477 وفيه محمد بن أبي ليلى سيء الحفظ، وابن حجر: فتح الباري 13: 58. (¬3) الطبري: تأريخ 4: 452 بسند صحيح إلى الزهري مرسلاً. (¬4) البخاري: الصحيح (فتح الباري 13: 53 و 13: 58) نقلاً عن ابن أبي شيبة وصحح الحافظ سنده. (¬5) البخاري: الصحيح (فتح الباري 13: 53 - 54)، وابن أبي شيبة: المصنف 15: 287،

لهم من الله، ليعلم إن كانوا يتبعون عواطفهم، أم ينقادون للحق فيتبعون علياً، وهو الخليفة الشرعي الواجب الطاعة ... وبعد هذا الاستنفار التحق ما بين الستة آلاف إلى السبعة آلاف رجل بجيش علي بذي قار، كما التحق به ألفان من أهل البصرة من عبد القيس قبيلة حكيم بن جبلة كما التحقت به قبائل أخرى حتى بلغ جيشه حوالي اثني عشر ألف رجل منهم ثمانمائة من الأنصار، وأربعمائة ممن شهد بيعة الرضوان (¬1). عسكر علي بالزاوية أياماً، وطلب من الأحنف بن قيس أن يكفَّ الناس عن الالتحاق بالزبير- وكان الأحنف ممن بايع علياً بالمدينة-، وأن يفي بوعده لطلحة بأن يعتزل القتال (¬2). كانت المواجهة بين علي من ناحية والزبير وأصحابه من ناحية أخرى قرب قصر عبيد الله، وجرت محاولات لمنع القتال قام بها المعتزلون للقتال "خرج كعب بن سور ناشراً مصحفه، يُذكِّر هؤلاء، ويذكر هؤلاء، حتى أتاه سهم فقتله" (¬3). وكذلك فإن الصحابي عمران بن الحصين أرسل إلى بني عدي رسولاً ينصحهم باعتزال الفريقين: "إني لكم ناصح، ويحلف بالله لئن يكون عبداً حبشياً ¬

_ وخليفة: التأريخ 184، والطبراني: المعجم الأوسط 1: 322، والذهبي: تأريخ الإسلام 2: 149 (ط. القدسي)، وابن حجر: فتح الباري 13: 58 - 59. (¬1) عبد الرزاق: المصنف 5: 456 - 457، والطبري: تأريخ 4: 508 كلاهما بإسناد صحيح إلى الزهري. وخليفة بن خياط: التأريخ 184 ص مرسل سعيد بن جبير، والبلاذري: أنساب الأشراف 2: 45 ب بسند حسن وتعتضد الطرق. (¬2) الداني: الفتن 194 ب- 1195، والطبري: تأريخ 4: 500 - 501. (¬3) ابن سعد: الطبقات 7: 92 وصححه ابن حجر (فتح الباري 13: 34).

مجدعاً يرعى أعنزاً في رأس جبل حتى يدركه الموت أحب إليه من أن يرمي في أحد من الفريقين بسهم أخطأ أو أصاب فأمسكوا". فأجابوا رسوله: "دعنا منك أيها الغلام، فإنا والله لا ندع ثقل رسول الله صلى الله عليه وسلم لشيء أبداً" (¬1). وكان الناس يحددون موقفهم من الصراع بسؤال كبار الصحابة أحياناً، وقد تأتي الفتوى ضد مصلحة المفتي، فقد سأل مماليك بقبيلة ربيعة الزبير عن موقفهم: "مع من تكون العبيد؟ قال: مع مواليهم. قلنا: فإن موالينا مع علي. قال: فكأنما ألقمنا حجراً" (¬2). وقبل نشوب القتال بثلاثة أيام نصبت خيمة بين المعسكرين، التقى فيها علي وطلحة والزبير في محاولة لإيجاد حلَّ سلمي للموقف (¬3)، كما أرسل علي عبد الله بن عباس إلى طلحة والزبير يسألهما: "هل أحدث ما يوجد السخط على خلافته، كحيفٍ في حكم، أو استئثار بفيء؟ أو في كذا؟ فقال الزبير: ولا في واحدة منها" (¬4). وقد أخفق الطرفان في التوصل إلى حلٍّ خلال الأيام الثلاثة، وعرض رجل على الزبير أن يغتال علياً بعد التظاهر بالالتحاق به، فرفض الزبير ذاكراً حديث: "لا يفتك مؤمن". وفي اليوم الرابع حدث الالتحام بين الجيشين، وتؤكد رواية صحيحة أن ¬

_ (¬1) ابن سعد: الطبقات 4: 287 - 288 بإسناد حسن، والطبراني: المعجم الكبير 18: 105، والطبري: تأريخ 4: 52 وتعتضد هذه الطرق إلى الصحيح لغيره. (¬2) الداني: الفتن 16 ب وفي إسناده أبو كنانة شاهد عيان مجهول الحال (البخاري: التأريخ الكبير 8: 65). (¬3) أحمد: فضائل الصحابة 2: 596 بسند حسن، وابن أبي شيبة: المصنف 15: 267. (¬4) المصدرين السابقين.

جيش الزبير وطلحة هو الذي بدأ القتال، وأن علياً أصدر أمره بالقتال بعد صلاة الظهر، واستمر القتال ساعات "فما غربت الشمس وحول الجمل عين تطرف ممن كان يذبُّ عنه" (¬1). ويتضح الموقف المأساوي أكثر فأكثر، فيشك الزبير وهو القائد الأول بشرعية الموقف ويلاحظ عظم المصاب واختلاف الناس فينصرف عن الميدان دون أن يقاتل (¬2)، ولحق به عمير بن جرموز وآخران إلى سفوان فاغتالوه (¬3). وهكذا انتهت حياة القائد الأول، وتبعه القائد الثاني طلحة بن عبيد الله فقد رماه مروان بن الحكم بسهم فقتله فدفن على شط الكلأ (¬4). وأثخنت الجراح عبد الله بن الزبير فأخذ من وسط القتلى وبه بضع وأربعون طعنة وضربة (¬5). "وقد قتل بشر كثير حول عائشة يومئذ، سبعون كلهم قد جمع القرآن، ومن لم يجمع القرآن أكثر" (¬6). ¬

_ (¬1) ابن أبي شيبة: المصنف 15: 286 - 287 بإسناد صحيح (ابن حجر: فتح الباري 13: 57). (¬2) الحاكم: المستدرك 3: 366 بإسناد حسن، وانظر الذهبي: تاريخ الإسلام (الخلفاء الراشدون) 505. (¬3) ابن سعد: الطبقات 3: 110 بإسناد صحيح (ابن حجر: الاصابة 1: 526)، وخليفة: التأريخ 186، وابن أبي عاصم: الآحاد والمثاني 1: 160. (¬4) ابن سعد: الطبقات 3: 223 بإسناد صحيح، وخليفة: التأريخ 186، وابن أبي شيبة: المصنف 15: 259، والحاكم: المستدرك 3: 370. (¬5) ابن عساكر: تأريخ دمشق- ترجمة عبد الله بن الزبير- ص 427 نقلاً عن يحيى بن معين بإسناد صحيح. (¬6) ابن سعد: الطبقات الكبرى 4: 287 - 288 بإسناد صحيح لغيره، وأبو نعامة توبع (الطبراني: المعجم الكبير 18: 105)، وروايته عن حميد بن هلال في صحيح مسلم (بشرح النووي) 2: 8 فلا يضر اختلاطه.

قال أبو رجاء عمران بن ملحان العطاردي- شاهد عيان-: "لقد رأيت الجمل يومئذ كأنه قنفذ من النبل، ورجل آخذ بالخطام وهو يقول: نحن بنو ضبة أصحاب الجمل ... ننازل الموت إذا الموت نزل والموت أحلى عندنا من العسل ... نبغي ابن عفان بأطراف الأسل (¬1) وكانت عائشة على جمل أحمر في هودج أحمر (¬2)، وقد تكلمت في المربد لاعنةً قتلة عثمان، فلما سمع علي ذلك لعن قتلة عثمان (¬3). وكان مؤيدوها "يهتفون بقتلة عثمان" فلما نقل ذلك لعلي قال: "اللهم أحلل بقتلة عثمان خزياً" (¬4). وارتفعت أصوات الدعاء في المعسكرين .. يقول الحارث بن سويد الكوفي- شاهد عيان ثقة ثبت-: "لقد رأيتُنا يوم الجمل، وإن رماحنا ورماحهم لمتشاجرة، ولو شاءت الرجال لمشت عليه، يقولون: الله أكبر، سبحان الله، الله أكبر. وترتفع أصوات تؤكد سلامة موقف المقاتلين دينياً "ليس فيها شك"- أي لا يشكون في شرعية قتالهم للطائفة الأخرى- و "ليتني لم أشهد"- موقف الندم للشعور بأنها فتنة والشك في شرعية القتال- و "ما سرني أني لم أشهد"- مؤكداً على وضوح الرؤية الشرعية في القتال إلى جانب علي-" (¬5). ويتساقط القتلى من الجانبين "قتل ¬

_ (¬1) خليفة: التأريخ 190 بإسناد حسن. (¬2) الطبري: تأريخ 4: 532 - 533 بإسناد فيه مقبول فيحتاج إلى متابعة، لكن الرواية مما يتساهل فيه. (¬3) ابن أبي شيبة: المصنف 15: 268 بإسناد صحيح. (¬4) المصدر السابق 15: 277 بإسناد صحيح. (¬5) خليفة: التأريخ 198 بإسناد صحيح.

يوم الجمل عشرون ألفاً" (¬1) - والرقم لا يخلو من مبالغة ولكنه يعبر عن عمق الشعور بمرارة الحادثة-، "قتل ألفان وخمسمائة من الأزد، وثمانمائة من بني ضبَّة"- وبنو ضبة من تميم- والراويان من بني تميم أحدهما ثقة والآخر صدوق ناصبي (¬2)، لكن رواية الطبري عن أحدهما تذكر "قتل علي يوم الجمل ألفين وخمسمائة، ألف وثلاثمائة وخمسون من الأزد، وثمانمائة من بني ضبَّة وثلاثمائة وخمسون من سائر الناس" (¬3). وهكذا فقد جيش المعارضين قادته .. واشتد القتال حول جمل عائشة رضي الله عنها فأمر عبد الله بن بديل بعقر الجمل لينتهي القتال، ثم نزل مع أخيها محمد بن أبي بكر الصديق فاحتملا الهودج حتى وضعاه بين يدي علي، فأمر به فأدخل في منزل- خباء- عبد الله بن بديل (¬4). "فلم ينشب أهل البصرة أن انهزموا، فصرخ صارخ لعلي: لا يقتل مُدبر، ولا يدفف على جريح، ومن أغلق باب داره فهو آمن، ومن طرح السلاح آمن" (¬5). أدرك الطرفان خسارتهم، وحلَّت مراجعة النفس محل الغضب، وفتَّت الندم قلوبهم .. وذابت نفوسهم حسرة على ما حدث حيث التقى المسلمان بسيفيهما في فتنة داخلية اتضحت معالمها، ولم يتمكنوا من تجنبها، فمضوا لا يغالبون أقدارهم حتى ¬

_ (¬1) خليفة: التأريخ 186 بإسنادين ضعيفين أحدهما فيه انقطاع والآخر فيه مجاهيل. (¬2) خليفة: التأريخ 186 مرسلاً، والطبري: تأريخ 4: 545 بإسناد حسن. (¬3) البلاذري: أنساب الأشراف 2: ق 145، والطبري: تأريخ 4: 545. (¬4) ابن أبي شيبة: المصنف 15: 284 - 285 بإسناد جيج (ابن حجر: فتح الباري 13: 57). (¬5) سعيد بن منصور: السنن 2: 337 - 338 بإسناد حسن، وأحمد: المسند 1: 102، وابن أبي عاصم: السنة 2: 610، وأحمد: فضائل الصحابة 2: 737، والطبراني: المعجم الكبير 1: 83، وابن أبي شيبة: المصنف 15: 267.

انجلت عن صرعى من خيرة المسلمين من الطرفين، دون إنجاز لصالح دنياهم أو دينهم ... بل إن الألم والندم تملكا القادة خلال القتال، قال الحسن بن علي يصور الحالة النفسية لعلي رضي الله عنه: "لقد رأيته حين اشتد القتال يلوذُ بي ويقول: ياحسن لودِدتُ أني متُّ قبل هذا بعشرين حجة- أو سنة-" (¬1) ولما رأى علي محمد بن طلحة بن عبيد الله قتيلاً قال: "إنا لله وإنا إليه راجعون، أما والله لقد كان شاباً صالحاً" ثم قعد كئيباً حزيناً (¬2). وقد زاره عمران بن طلحة بن عبيد الله بعد سنين فرحب به علي قائلاً: "إني لأرجو أن يجعلني الله وأباك من الذين قال الله (إخواناً على سررٍ متقابلين) " (¬3). وأعاد إليه أراضيه قائلاً: "أما إنا لم نقبض أرضكم هذه السنين ونحن نريد أن نأخذها، إنما أخذناها مخافة أن ينتهبها الناس" (¬4). وكثيراً ماردَّدَّ هذه الآية وأظهر محبته لطلحة والزبير رغم اختلافهما معه (¬5). وأما الابن الثالث لطلحة فقد بايع علياً بعد الجمل مباشرة ورجع إلى أهله وماله، واطمأن المعارضون فدخلوا إلى علي وبايعوه (¬6). وهكذا كان علي باراً بأخيه ¬

_ (¬1) ابن أبي شيبة: المصنف 15: 288 بإسناد صحيح، وعبد الله بن أحمد: السنة 2: 566، ونعيم بن حماد: الفتن 1: ق 19 ب، والطبراني: المعجم الكبير 1: 72 حديث رقم 203. (¬2) الحاكم: المستدرك 3: 103 - 104، 375 بإسناد حسن لغيره، ونعيم بن حماد: الفتن 1: 181 بإسناد صحيح. (¬3) الحجر 47. (¬4) ابن سعد: الطبقات الكبرى 3: 224، والبلاذري: أنساب الأشراف 13: ق 85 ب- 86 أ، والطبري: تفسير 14: 37، والحاكم: المستدرك 3: 376 وصححه ووافقه الذهبي. (¬5) أحمد: فضائل الصحابة 2: 618 بإسناد صحيح. (¬6) ابن أبي شيبة: المصنف 15: 276، وأبو العرب: المحن 350.

الذي خاصمه وقاتله متأولاً. وأما نظرته للزبير بن العوام فقد عقب على مقتله بقوله: "بشر قاتل ابن صفية بالنار" (¬1). ولم تكن الحسرة على ما حدث تخص بعلي رضي الله عنه، فهذه عائشة رضي الله عنها تقول: "وددت أني كنت غصناً رطباً ولم أسر مسيري هذا" (¬2). وتقول:"وددت أني كنت قد ثكلت عشرة مثل الحارث بن هشام، وأني لم أسر مسيري مع ابن الزبير" (¬3)، وتقول: إنه كان قدراً (¬4). وكانت تترحم على قتلى الطرفين إذا ذُكروا، وقد ترحمت على طلحة بن عبيد الله والزبير بن العوام وزيد بن صوحان، والأخير كان في صفِّ علي، فقال خالد بن الواشمة: يرحمك الله تترحمين عليهم وقد قتل بعضهم بعضا والله لا يجمعهم الله في الجنة أبداً!! قالت: أو لا تدري أن رحمة الله واسعة وهو على كل شيء قدير. فقال خالد: فكانت أفضل مني (¬5). ولا تقدم الفتن حتى غنائم الحرب، قسم علي يوم الجمل في العسكر ما أجلب ¬

_ (¬1) - ابن سعد: الطبقات 3: 105، والطيالسي: المسند 24، وأحمد: المسند 1: 102، وفضائل الصحابة 2: 737، وابن أبي عاصم: السنة 2: 737 بإسناد حسن مداره على أبي عاصم بن بهدلة صدوق له أوهام. (¬2) - ابن أبي شيبة: المصنف 15: 281 بإسناد صحيح. (¬3) - الحاكم: المستدرك 3: 119 بإسناد حسن، والهيثمي: مجمع الزوائد 7: 238 وفي سنده أبو معشر نجيح ضعيف. (¬4) - ابن أبي شيبة: المصنف 15: 281، والبلاذري: أنساب الأشراف 2: 146 وإسناده حسن، لأن رواية أحمد بن يونس عن أبي بكر بن عياش في صحيح البخاري (فتح الباري 13: 473) (¬5) - البيهقي: السنن الكبرى 8: 174 بإسناد حسن وساق له طرقاً أخرى.

عليه المعارضون من سلاح أو كراع (¬1)، ودفع لكل مقاتل خمسمائة درهم (¬2) وليس ثمة شيء آخر .. إذ "أن علياً لم يسبِ يوم الجمل ولم يُخمِّس، قالوا: يا أمير المؤمنين ألا تُخمس أموالهم؟ فقال: هذه عائشة تستأمرونها!! قالوا: ما هو إلا هذا ما هو إلا هذا" (¬3). وتعتضد عدة روايات لبيان رأي علي في حكم الشرع فيما حدث من فتنة وقتال: "سئل علي رضي الله عنه عن أهل الجمل فقال: إخواننا بغوا علينا فقاتلناهم وقد فاؤا وقد قبلنا منهم" (¬4). وكانت أحكام البغاة التفصيلية بحاجة إلى تجلية، وقد جلاَّها علي بعقليته الفقهية العميقة، وروحه المتشبعة بفهم مقاصد الإسلام وأهدافه العليا. "قال عمار لعلي يوم الجمل: ما ترى في سبي الذرية؟ فقال: إنما قاتلنا من قاتلنا- أي أنه استجاز القتال دفاعاً عن النفس لأن خصومه شرعوا في قتاله- قال عمار: لو قلت غير هذا لخالفناك" (¬5). ويحكي الحافظ الزهري إجماع الصحابة على حصانة أموال وأعراض الخارجين على الحاكم بتأويل .. "أما بعد، فإن الفتنة الأولى ثارت وأصحاب ¬

_ (¬1) ابن أبي شيبة: المصنف 15: 263 بإسناد ضعيف، 281 بإسناد حسن. (¬2) ابن أبي شيبة: المصنف 15: 263 بإسناد حسن. (¬3) ابن أبي شيبة: المصنف 15: 257 بإسناد صحيح، والبيهقي: السنن الكبرى 8: 182 (¬4) البيهقي: السنن الكبرى 8: 182 بسند فيه العطاردي ضعيف في غير سماعه لسيرة ابن اسحق، وابن أبي شيبة: المصنف 15: 256 - 257 مرسل أبي البختري و 15: 258، 277 مرسل محمد الباقر. (¬5) ابن أبي شيبة: المصنف 15: 269 - 270 بإسناد حسن، والبيهقي: السنن الكبرى 8: 181 - 182.

رسول الله صلى الله عليه وسلم ممن شهد بدراً كثير. فاجتمع رأيهم على أن لا يقيموا على أحدٍ حدَّاً في فرج استحلوه بتأويل القرآن، ولا قصاص في قتل أصابوه على تأويل القرآن، ولا يُرد ما أصابوه على تأويل القرآن، إلا أن يوجد بعينه فيرد على صاحبه" (¬1) وتتضافر روايات تؤكد أن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر علياً بما سيكون بينه وبين عائشة وأوصاه بها خيراً، فكانت أحداث الفتنة من أعلام النبوة التي تحققت في جيل الصحابة رضوان الله عليهم (¬2). ¬

_ (¬1) ابن أبي شيبة: المصنف 10: 120 - 121 بإسناد صحيح إلى الزهري. (¬2) الهيثمي: كشف الأستار 4: 93 - 94 نقلاً عن البزار، وأحمد: المسند 6: 393 من زوائد ابنه عبد الله، والطبراني: المعجم الكبير 1: 314 رقم 995 ومداره على الفضيل بن سليمان وهو صدوق له خطأ كثير (التقريب 2912) ولكن ابن حجر حسَّن سند عبد الله والبزار (فتح الباري 13: 55) وله شاهد حسنه ابن عساكر (مناقب أمهات المؤمنين 71 رقم 11).

الفصل الرابع: معركة صفين

الفصل الرابع: معركة صفين

معركة صفين

معركة صفين: لم يمكث علي بعد موقعة الجمل بالبصرة طويلاً، فما إن أعطى أهلها بيعتهم واستقام له الأمر فيها، حتى اتجه بجيشه نحو الكوفة، حيث يلقى تأييداً قوياً من أهلها في مواجهة معاوية بن أبي سفيان بالشام الذي أصرَّ على معاقبة قتلة عثمان قبل إعطاء البيعة لعلي، ويتضح موقفه وهو يحاور القراء من رجاله، مما توضحه الرواية التالية: "جاء أبو مسلم الخولاني وناس معه إلى معاوية فقالوا له: أنت تنازع علياً أم أنت مثله؟ فقال معاوية: لا والله إني لأعلم أن علياً أفضل مني، وإنه لأحقُّ بالأمر مني، ولكن ألستم تعلمون أن عثمان قُتل مظلوماً، وأنا ابن عمه، وإنما أطلب بدم عثمان، فأتوه فقولوا له فليدفع إليَّ قتلة عثمان وأسلِّمُ له (¬1)، فأتوا علياً فكلموه بذلك فلم يدفعهم إليه" (¬2). وكان معاوية يؤكد على هذا المعنى "ما قاتلت علياً إلا في أمر عثمان" (¬3). وقد رأى معاوية أنه ولي دم عثمان، لأنه صار رأس بني أمية مكانةً، والأحاديث النبوية تدل على أن عثمان يُقتل مظلوماً، بل تذكر أن النبي صلى الله عليه ¬

_ (¬1) يعني أنه يبايعه بالخلافة. (¬2) ابن عساكر: تأريخ دمشق 16: ق 356 ب، والذهبي: سير أعلام النبلاء 3: 140، وابن حجر: فتح الباري 13: 86 وحسن ابن حجر إسناد يحيى بن سليمان الجعفي- أحد شيوخ البخاري- في كتاب صفين، والكتاب مفقود شأن العديد من المصنفات عن صفين مثل كتاب صفين لعبد الله بن أحمد بن حنبل، وكتاب صفين لابن ديزيل (أبو اسحق إبراهيم بن الحسين بن ديزيل وثقه الذهبي في تذكرة الحفاظ 2: 608). (¬3) ابن أبي شيبة: المصنف 11: 92 بإسناد حسن.

وسلم أوصاه بأن لا يخلع نفسه من الخلافة، ووصف الثائرين عليه بالمنافقين (¬1). وشهد الصحابي كعب بن مرة البهزي أمام معسكر معاوية بأن النبي صلى الله عليه وسلم قال عن عثمان بن عفان: "لتخرجنّ فتنة من تحت قدمي هذا- أو من بين رجلي هذا-، هذا ومن اتبعه يومئذ على الهدى"، واذا كان المدافعون عن عثمان كانوا على الهدى خلافاً للثائرين عليه الذين سيكونون أصحاب ضلالة، فإن الموقف في نظر معسكر معاوية ينسحب عليهم ليصبحوا أصحاب الهدى ويصبح خصمهم على ضلالة وهكذا استحلوا القتال متأولين، ولم يتبين خطأوهم إلا فيما بعد مقتل عمار بن ياسر في صفين ومقتل المخدَّج في النهروان .. فالذين استندوا إلى نصوص شرعية في تحديد مواقفهم كانوا يواجهون تحديات التفسير والتأويل للنصوص، وكانت أحداث الفتن تؤثر في نضوج الرأي الشرعي وتمنع استنارة البصيرة. وقد وقف عدد من فقهاء الصحابة خارج الصراع مثل سعد بن أبي وقاص ومحمد بن مسلمة الأنصاري وعند الله بن عمر وآخرين رضي الله عنهم جميعاً. وجهز علي رضي الله عنه جيشاً كبيراً قدرته الروايات مابين خمسين ألفاً ومائة وخمسين ألفاً (¬2)، في حين قدرت جيش معاوية بستين ألفاً أو سبعين ألفاً أو مائة وعشرين ألفاً (¬3)، واذا كان ديوان الجند في أول خلافة علي يضم مائة ألف مقاتل ¬

_ (¬1) أحمد: المسند 6: 75، 86 - 87، 149، والترمذي: السنن (تحفة الأحوذي 10: 200)، وابن ماجة: السنن 1: 41، 112، 113. وصححه الألباني (صحيح ابن ماجة 1: 25). (¬2) خليفة: التأريخ 193 بسند حسن. (¬3) قدرت الروايات الضعيفة عدد الجيش بسبعين ألفاً، وتسعين ألفاً، ومائة ألف، ومائة وعشرة آلاف، ومائة وعشرين ألفاً، ومائة وخمسين ألفاً (الذهبي: دول الإسلام 1: 28 بدون سند، وخليفة: التأريخ 193 بسند فه مجاهيل، وابن كثير: البداية والنهاية 7: 260، وابن دحية: أعلام النصر ق 14 بدون سند، ويعقوب بن سفيان: المعرفة والتأريخ 3: 113 بسند منقطع،

من البصريين والكوفيين (¬1)، فإن جيش علي ينبغي أن يبلغ أكثر من خمسين ألف مقاتل، ولكن الأخباريين يشيرون إلى تخلف أزد البصرة (¬2)، كما أن الأشتر ضعف حماسه للقتال، بل ثبط قومه عندما نصحهم بالتبصر في الأمر، قال عمير بن سعيد النخعي الكوفي (ت (107) هـ): "لما رجع علي من الجمل وتهيأ لصفين، اجتمعت النخع حتى دخلوا على الأشتر فقال: هل في البيت إلا نخعي؟ فقالوا: لا. فقال: إن هذه الأمة عمدت إلى خيرها فقتلته، وسرنا إلى أهل البصرة، قوم لنا عليهم بيعة، فنُصرنا عليهم بنكثهم، وإنكم تسيرون غداً إلى أهل الشام، قوم ليس لكم عليهم بيعة، فلينظر كل امرئ منكم أين يضع سيفه" (¬3). وهذه النصيحة المثقلة بالورع تدل على غضب الأشتر لعدم حصوله على ما كان يتوقعه من إمارة البصرة التي تولاها ابن عباس (¬4)، ولا تعبر عن تغير دائم في موقفه من مواجهة معاوية والشاميين فقد كان من مثيري الفتنة ضد عثمان. وإنما يطالب معاوية برأسه ورؤوس أمثاله من الذين تمالؤا على قتل عثمان. وبالمقابل فقد أشرك الأحنف بن قيس التميمي وعشيرته في جيش على، وكان معتزلاً لحرب الجمل بإذن من علي رضي الله عنه (¬5). ¬

_ وابن كثير: البداية والنهاية 7: 260 وراجع عن دراسة الروايات عبد الحميد علي ناصر: خلافة علي، الملحق رقم 172). (¬1) صالح العلي: امتداد العرب في صدر الإسلام 25، 26. (¬2) البلاذري: أنساب الأشراف 2: ق 51أعن أبي مخنف وغيره، وأبو مخنف أزدي متعاطف بقوة مع علي، فلا يمكن أن يتعمد التقليل من مشاركة قبيلته في صفين بدون حق. (¬3) ابن أبي شيبة: المصنف 11: 112 و 15: 265، والحاكم: المستدرك 3: 107 بسند حسن (¬4) الطبري: تأريخ 4: 490 بسند حسن. (¬5) البلاذري: أنساب الأشراف 2: ق 51 أعن أبي مخنف وغيره.

وقد تجمع جيش علي بالنخيلة غرب الكوفة، وقد ضم عدداً من الصحابة البدريين وأصحاب بيعة الرضوان (¬1)، ويذكر الأخباري عوانة بن الحكم أن علياً بعث من النخيلة اثني عشر ألف مقاتل باتجاه الموصل، ثم اجتاز إلى المدائن فأرسل منها ثلاثة آلاف مقاتل (¬2) ثم مضى علي بجيشه من المدائن إلى محاذاة الموصل (نينوى) (¬3) ثم عبر الفرات قرب الرقة حيث نزل على صفين، وكانت مدن الجزيرة مثل الرقة وقرقيسياء وعانات وهيت موالية لمعاوية، ومعظمهم من بني الأرقم وهو حي عظيم من كندة، وقد شهدوا صفين مع معاوية (¬4). وكان الجيش الشامي قد عسكر في صفين واستولى على المياه، ومنع جيش العراق منها، فقام الأشعث بن قيس- بأمر على- بتخليص المياه من أيدي الشاميين (¬5) وكان ذلك في بداية شهر ذي الحجة سنة (36) هـ، ثم استمر القتال بشكل كتائب محدودة العدد طيلة الشهر والأسبوع الأول من محرم (37) هـ دون أن يلتحم الجيشان، وكان الأمل في الصلح يحدو الجميع، ويرى الأخباريون أن عدد الوقعات بين ¬

_ (¬1) بالغ ابن دحية في تقدير أعدادهم حتى ذكر أنهم سبعمائة من أصحاب الشجرة وذلك لبيان أن الحق مع علي، ولكن ترجح موقف علي واضح لا يحتاج إلى هذه المبالغات (عبد الحميد علي ناصر: خلافة علي 188 - 189). (¬2) الطبري: تأريخ 4: 565 بإسناد منقطع. (¬3) أحمد: المسند 1: 85، وأبو يعلى الموصلي: المسند 1: 298. (¬4) ابن سعد: الطبقات الكبرى، تحقيق عبد العزيز السلومي (أطروحة دكتوراه بجامعة أم القرى، وهي قطعة ساقطة من المطبوع) 2: 638 - 640 بدون سند. والبلاذري: أنساب الأشراف ق 51 أ، وابن حجر: الإصابة 1: 259 - 260، وصالح العلي: امتداد العرب في صدر الإسلام 98 - 99، وعبد الحميد علي ناصر: خلافة علي 189 - 190. (¬5) ابن أبي شيبة: المصنف 15: 294، وخليفة: التأريخ 193 بسند حسن.

الطرفين تزيد على السبعين (¬1). ثم في يوم الأربعاء التالي بدأ الالتحام بين الجيشين، وكان قادة جيش علي رضي الله عنه هم: علي بن أبي طالب، وعبد الله بن عباس، وعمار بن ياسر، ومحمد بن الحنفية، وهاشم بن عتبة، والمرقال، والأشعث بن قيس. أما قادة جيش معاوية رضي الله عنه فهم: معاوية بن أبي سفيان، وعمرو بن العاص، وذو الكلاع الحميري، وحبيب بن مسلمة الفهري، والمخارق بن الصباح الكلاعي (¬2)، وعبد الله بن عمرو بن العاص (¬3). وقد وصف أبو العالية الرفاعي- شاهد عيان ثقة ت (90) هـ- المعركة بقوله: "لما كان زمن علي عليه السلام ومعاوية، وإني لشاب القتال أحب إليَّ من الطعام الطيب، تجهزت بجهاز حسن حتى أتيتهم، فإذا صفان لا يُرى طرفاهما، إذا كبَّر هؤلاء كبرَّ هؤلاء، وإذا هلَّل هؤلاء هلَّل هؤلاء. قال: فراجعتُ نفسي فقلت: أي الفريقين أنزلُهُ كافراً، وأي الفريقين أنزله مؤمناً؟ فما أمسيتُ حتى رجعت وتركتهم" (¬4). ولم ينفرد أبو العالية الرياحي بالتردد والشك ثم التوقف عن القتال، فهذا عبد الله بن عمرو بن العاص يُصرح بحقيقة مشاعره وهو يقف إلى جوار أبيه بيده الراية ويتقدم في الجيش الشامي منزلة أو منزلتين: "مالي ولصفين!! مالي وقتال المسلمين!! لوددتُ أني مِتُّ قبله بعشر سنين أما والله على ذلك ما ضربتُ بسيف ¬

_ (¬1) ابن حجر: فتح الباري 3: 86 نقلاً عن تاريخ ابن أبي خيثمة، وأما المصدر المتقدم في ذكر الخبر فهو نصر بن مزاحم (صفين 202). (¬2) خليفة: التأريخ 193 بسند حسن إلى شاهد عيان. (¬3) ابن سعد: الطبقات 4: 266 بسند صحيح. (¬4) ابن سعد: الطبقات 7: 114 بإسناد فيه يحيي بن خلف السعدي، حديثه عن الثوري منكر وليس هذا عنه (ابن عدي: الكامل 7: 2700 - 2701).

ولا طعنت برمح، ولا رميت بسهم" (¬1). وعبد الله بن عمرو بن العاص عالم محدِّث، وتعتوره الشكوك- في صحة موقفه من الفتنة دون أن يحسم الأمر مع نفسه أولاً ثم في الميدان فقد أرغمه أبوه على الاشتراك مع الجيش الشامي مذكراً إياه بحديث: "أطع أباك مادام حياً" فاشترط أن يقف معهم ولا يقاتل (¬2) فهل نسي أن الطاعة بالمعروف؟ (¬3) ... بالله كيف كانت حالة عامة الجند الإسلامي!! قاتل الله الفتن تدع الحليم حيرانا. لم يكن الطرفان يكفران بعضهما، لكن بعض الجند المتحمس في جيش علي رضي الله عنه كان يلعن ويكفر الشاميين، فلا يلقى من قادته إلا النهر والتوضيح "قال رجل يوم صفين: اللهم العن أهل الشام. فقال علي رضي الله عنه: لا تسب أهل الشام جمعاً غفيراً، فإنَّ بها الأبدال، فإن بها الأبدال، فإن بها الأبدال" (¬4). وقال زياد بن الحارث الصدائي- صحابي شاهد عيان-: "كنت إلى جنب عمار بن ياسر بصفين، وركبتي تمسُّ ركبته. فقال رجل: كفر أهل الشُام. فقال عمار: لا تقولوا ذلك، نبينا ونبيهم واحد، وقبلتنا وقبلتهم واحدة، ولكنهم قوم مفتونون جاروا عن الحق، فحقَّ علينا أن نقاتلهم حتى يرجعوا إليه" (¬5). ولم تكن بين الجيشين أحقاد، بل كان كل طرف ينافح عما يعتقده حقاً، فلا غرابة إذا قال شاهد عيان هو عبد الرحمن السلمي: "شهدنا صفين مع علي ... ¬

_ (¬1) ابن سعد: الطبقات الكبرى 4: 266 - 267 بإسناد صحيح. (¬2) أحمد: المسند- بتحقيق أحمد شاكر- 11: 138 - 139 بسند صحيح. (¬3) سلم: الصحيح- بشرح النووي- 12: 227. (¬4) عبد الرزاق: المصنف 11: 246 بإسناد صحيح. (¬5) ابن أبي شيبة: المصنف 15: 290 وله شواهد في المصنف 15: 290 أيضاً، وابن عساكر: تأريخ دمشق (تحقيق المنجد) 1: 332، 333 ويعتضد بشواهده إلى الحسن لغيره.

فكنا إذا توادعنا (¬1) دخل هؤلاء في عسكر هؤلاء، وهؤلاء في عسكر هؤلاء" (¬2). ولا غرابة إذا ما صرح عبد الله بن عمرو بن العاص أمام معاوية، ورجلان يختصمان في قتل عمار بن ياسر كل واحد يزعم أنه قتله: "إني سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: تقتله الفئة الباغية" ويستغرب معاوية من هذا التصريح فيقول: فما بالك معنا؟ قال: إن أبي شكاني إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أطع أباك مادام حياً ولا تعصه، فأنا معكم ولست أقاتل" (¬3). وهكذا تتجلى الصراحة في الحق وتتخطى المعوقات من المجاملات والمواربات .. فقد كان الحديث الذي رواه عبد الله بن عمرو بن العاص من أقوى الحجج على أن الحق مع علي وأن معاوية بغى عليه لكن معاوية تأول الحديث: "لما قتل عمار بن ياسر دخل عمرو بن حزم على عمرو بن العاص فقال: قُتل عمار وقد سمعتُ رسول الله صلى الله عله وسلم يقول: تقتله الفئة الباغية. فقام عمرو يرجع فزعاً حتى دخل على معاوية. فقال له معاوية: ما شأنك؟ فقال: قُتل عمار. فقال له معاوية: قُتل عمار فماذا؟ قال عمرو: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: تقتله الفئة الباغية. فقال له معاوية: دحضت في قولك أنحن قتلناه!؟ إنما قتله علي وأصحابه، جاؤا به حتى ألقوه تحت رماحنا" (¬4) ¬

_ (¬1) الموادعة بين الجيشين تقتضي وقف القتال لمدة محدودة لدفن القتلى أو لسبب يقتنع به الطرفان (¬2) الهيثمي: مجمع الزوائد 7: 240 - 241 وقال: رواه الطبراني وأحمد باختصار، وأبو يعلى بنحو الطبراني، ورجال أحمد وأبي يعلى ثقات. (¬3) أحمد: السند 11: 138 - 139 وقال أحمد شاكر: إسناد. صحيح. (¬4) عبد الرزاق: المصنف 11: 240 بإسناد صحيح. وحديث: "تقتله الفئة الباغية" متواتر (السيوطي: الخصائص الكبرى، ط. الهراس 2: 496، وانظر الحديث في صحيح البخاري- فتح الباري 1: 54 و 6: 30 - وصحيح مسلم 4: 2235 - 2236)، وراجع حول تواتر الحديث عبد الحميد علي ناصر: خلافة علي 212 - 219. وقد اشتهر بعد مقتل عمار بن ياسر

وقد أنقذ معاوية بتأويله للنص معنويات الجند الشامي، كما أنقذ معنويات قائده عمرو بن العاص الذي تبنى هذا التأويل بعد أن كان قد تملكته الرهبة، بل مضى يتأول حديثاً آخر كان يرويه: "إن قاتله وسالبه في النار. فقيل له: هو ذا أنت تقاتله؟ فقال: إنما قال قاتله وسالبه" (¬1). أي أن النص مخصص بالقاتل الفعلي وحده وإذا نفع التأويل في إقناع الشاميين، فإن مقتل عمار أذكى حماسة العراقيين فقد بان لهم بمقتله أن علياً محق، وأن معاوية باغ، وما في ذلك من دلائل النبوة (¬2). ويبدو أن النصر لاح لهم بعد قتال شديد دام ثلاثة أيام بلياليها (¬3). وقد التزم كلُّ من الطرفين بأحكام قتال البغاة، قال أبو أمامة- وهو صحابي شاهد عيان-: "شهدت صفين فكانوا لا يجهزون على جريح ولا يطلبون مولياً ولا يلبسون قتيلاً" (¬4). وقال أبو فاختة (ت (90) هـ) - شاهد عيان ثقة-: "حدثني جار لي قال: أتيت علياً بأسير يوم صفين، فقال لي: أرسله، لا أقتله صبراً، إني أخاف الله رب العالمين، أفيك خير؟ بايع. وقال للذي جاء به: لك سلبه" (¬5). وقدَّر محمد بن سيرين (تابعي كبير ت (110) هـ) عدد القتلى في صفين "بسبعين ألفاً، فما قدروا على عدِّهم إلا بالقصب، وضعوا على كل إنسان قصبة، ثم ¬

_ (¬1) أحمد: السند (الفتح الرباني 23: 143 بسند صحيح). وابن سعد: الطبقات الكبرى 3: 260 بسند صحيح. (¬2) ابن كثير: البداية والنهاية 7: 267. (¬3) ابن كثير: البداية والنهاية 7: 272 - 273. (¬4) ابن سعد: الطبقات 7: 411، والحاكم: المستدرك 2: 155 وصححه الألباني (إرواء الغليل 114:8). (¬5) عبد الرزاق: المصنف 10: 124 بإسناد صحيح، وسعيد بن منصور: السنن 2: 339

عدُّوا القصب" (¬1). وكذلك قدرهم شاهد عيان هو عبد الرحمن بن أبزى "افترقوا على سبعين ألف قتيل، خمسة وأربعين ألفاً من أهل الشام، وخمسة وعشرين ألفاً من أهل العراق ويقال على ستين ألفاً" (¬2). وسئل علي رضي الله عنه عن قتلى يوم صفين فقال: "قتلانا وقتلاهم في الجنة، ويصير الأمر إلي وإلى معاوية" (¬3). أي أنه يرى نفسه ومعاوية مسئولين عما حدث وهما يحاسبان على ذلك (¬4). ويصف شاهد عيان هو الصحابي سالم بن عبيد الأشجعي موقف علي رضي الله عنه فيقول: "رأيت علياً بعد صفين، وهو أخذ بيدي، ونحن نمشي في القتلى، فجعل علي يستغفر لهم حتى بلغ أهل الشام، فقلت له: يا أمير المؤمنين، إنَّا في أصحاب معاوية!؟ فقال علي: إنما الحساب عليَّ وعلى معاوية" (¬5). وقد طحنت المعركة ألوفاً من الجانبين، وكل الباقون من القتال، وهنا ¬

_ (¬1) ابن أبي شيبة: المصنف 15: 295 بإسناد حسن لكنه من مرسل ابن سيرين. وخليفة: التأريخ 194 مختصراً. (¬2) خليفة: التأريخ 194 بإسناد ضعيف بسبب تدليس يزيد في عبد الرحمن، وضعف عبد الله بن عبد الرحمن بن أبزى فهو مقبول ويحتاج إلى متابع. ولبعض الرواية شاهد عند خليفة: التأريخ 194 وهو تقديرهم بسبعين ألفاً. (¬3) ابن أبي شيبة: المصنف 15: 303 بإسناد حسن، والطبراني: المعجم الكبير 19: 307، وسعيد بن منصور: السنن 2: 344 - 345 من طريق آخر فهو شاهد له. (¬4) ابن عساكر: تأريخ دمشق نقلاً عن كتاب صفين لابن ديزيل، وإسناد ابن ديزيل حسن، وابن العديم: بغية الطب في تأريخ حلب 1: ق 202 - 303. (¬5) المصادر السابقة.

تفتق ذهن عمرو بن العاص عن فكرة التحكيم التي أنقذت الجيش الشامي من الهزيمة فأرسل معاوية رجلاً تحمل المصحف إلى علي ويقول له: بيننا وبينكم كتاب الله، فقال علي: إنا أولى بذلك بيننا كتاب الله. ويبدو أن معظم الجند العراقي جنحوا إلى التحكيم، لكن كثيراً من القراء أنكروا عليه قبوله بالتحكيم وقالوا: لا حكم إلا لله. فقال علي: كلمة حق أريد بها باطل (¬1). وقد انشق المحتجون من القراء واعتزلوا جيش علي محتجين بأنه محا اسمه من إمرة المؤمنين (¬2). وقد مثل أبو موسى الأشعري علياً، ومثل عمرو بن العاص معاوية في اجتماع الحكمين بدومة الجندل، وحضر الاجتماع جمع من الصحابة فيهم عبد الله بن عمر، وحاول عمرو بن العاص استمالته إلى صف معاوية قائلا: "إنَّا قد رأينا أن نبايعك فهل لك أن نعطيك مالاً وتدعها لمن هو أحرص عليها منك؟ فوثب ابن عمر مغضباً، فأخذ ابن الزبير بثوبه فجلس وقال: ويحك يا عمرو!! بعت آخرتك بدنياك، إني والله لا أعطي عليها مالاً، ولا أقبل عليها مالاً، ولا أقبلها إلا عن رضى جميع الناس (¬3). فقال عمرو: إنما قلت أجربك" (¬4). وكان ابن عمر قد صرَّح مراراً بأنه لا يقبل الخلافة إلا عن إجماع المسلمين (¬5)، ومعنى ذلك عملياً أنه لا يريد أن يتولاها. وقد اختبره عمرو بن العاص مرةً فقال له: "يا أبا عبد الرحمن، ما يمنعك أن ¬

_ (¬1) ابن حجر: فتح الباري 8: 587. (¬2) البلاذري: أنساب الأشراف 2: ق 60 أبإسناد حسن، وأبو نعيم: حلية الأولياء 1: 293 - 294 بإسناد صحيح، والذهبي: سير أعلام النبلاء3: 226 - 227. (¬3) المصادر السابقة. (¬4) أبو نعيم: حلية الأولياء 1: 293 - 294 بإسناد صحيح. (¬5) ابن سعد: الطبقات الكبرى 4: 151 بإسناد حسن.

تخرج فنبايعك وأنت صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وابن أمير المؤمنين وأنت أحق الناس بهذا الأمر؟ فأجابه ابن عمر: لو لم يبق إلا ثلاثة أعلاج بهجر لم يكن لي فيها حاجة". وهنا يعرض عليه عمرو بن العاص البيعة لمعاوية: "هل لك أن تبايع لمن قد كاد الناس أن يجتمعوا عليه، ويكتب لك من الأرضين والأموال ما لا تحتاج أنت ولا ولدك إلى ما بعده؟ فقال ابن عمر: ويحك إن ديني ليس بديناركم ولا درهمكم، وإني أرجو أن أخرج من الدنيا ويدي بيضاء نقيه" (¬1). ورغم اعتزال ابن عمر الفتنة، إلا أنه كان يصرح بأن الحق مع علي فيقول: "ما أسى على شيء، كما أسى أني لم أقاتل مع علي رضي الله عنه" (¬2). أما الشخصية الأخرى التي عُجم عودها في أحداث التحكيم فهو الصحابي أبو موسى الأشعري، يقول شاهد عيان هو مسروق بن الأجدع (ت (62) هـ): "كنتُ مع أبي موسى أيام الحكمين، وفسطاطي إلى جانب فسطاطه، فأصبح الناس ذات يوم قد لحقوا بمعاوية من الليل، فلما أصبح أبو موسى رفع رفرف فسطاطه فقال: يا مسروق بن الأجدع. قلت: لبيك أبا موسى. قال: إن الإمرة ما اؤتمر فيها، وإن الملك ما غُلب عليه بالسيف" (¬3). وقد حاول معاوية استمالة أبي موسى- في ظروف التحكيم أو عقبها- إلى جانبه دون جدوى، قال أبو موسى الأشعري: "كتب إليَّ معاوية: سلام عليك، أما ¬

_ (¬1) ابن سعد: الطبقات الكبرى 4: 164، وابن عساكر: تأريخ دمشق (ترجمة عبد الله بن عمر) ق 145 - 146، والذهبي: سير أعلام النبلاء3: 228، ويقوى بشواهده إلى الصحيح لغيره. (¬2) ابن عبد البر: الاستيعاب 1: 77، والحاكم: المستدرك 3: 117 وقال: صحيح على شرط الشيخين ووافقه الذهبي. والهيثمي: مجمع الزوائد 7: 242 وقال: رواه الطبراني بأسانيد وأحدها رجاله رجال الصحيح. (¬3) ابن سعد: الطبقات 4: 113 بإسناد صحيح.

بعد، فإن عمرو بن العاص قد بايعني على الذي قد بايعني عليه، وأقسم بالله لئن بايعتني على ما بايعني عليه لأبعثنَّ ابنيك أحدهما على البصرة والآخر على الكوفة، ولا يغلق دونك باب، ولا تقضى دونك حاجة، وإني كتبت إليك بخط يدي فاكتب إلىَّ بخط يدك. فقال أبو موسى لابنه أبي بردة: يا بني إنما تعلمتُ المعجم (الخط) بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال: وكتبت إليك مثل العقارب. أما بعد فإنك كتبت إلي في جسيم أمر أمة محمد صلى الله عليه وسلم، لا حاجة لي فيما عرضت عليَّ" (¬1). وقد حاولت الروايات الإخبارية الضعيفة أن تعطى صورة محرفة عن أبي موسى الأشعري وأنه اختير للتحكيم من قبل الجند العراقي وفرض على الخليفة علي رضي الله عنه، وأنه أظهر وهناً وغفلةً خلال التحكيم، وأن عمرو بن العاص استغل بمكره الموقف، ولكن الصحيح أن عليًا كان راضياً عن اختيار أبي موسى الأشعري "قال الأحنف بن قيس لعلى حين أراد أن يحكم أبا موسى: إنك تبعث رجلاً من أهل القرى رقيق ... فابعثني مكانه آخذ لك بالوثيقة، وأضعك من الأمر بحيث أنت. فقال له ابن عباس: دعنا يا أحنف منك فإنا أعلم بأمرنا منك" (¬2). ولا يخفى أن أبا موسى الأشعري أرسخ في الإسلام وأسبق، وأفقه وأورع حتى لو سلمنا بأن الأحنف أكثر دهاء وأوسع حيلة. كما أن اعتزال أبي موسى لأحداث الفتنة أقدر على ضبط النفس والتحكم في الأقوال والأفعال من الأحنف الذي ¬

_ (¬1) ابن سعد: الطبقات 4: 111 - 112 بإسناد صحيح. وابن عساكر: تأريخ دمشق 541 - 542 (ترجمة أبي موسى الأشعري). والذهبي: سير أعلام النبلاء2: 396، وتأريخ الإسلام (41 - 60 هـ) ص 145. (¬2) البلاذري: أنساب الأشراف 2: 57أبإسناد حسن، وراويه عن الأحنف هو محمد بن أبي يعقوب سيد بني تميم ثقة وبحكم مكانته فإنه يستطيع التحقق من صحة المعلومات.

يمثل خصماً لدوداً للشاميين. ولعل من عوامل اختيار أبي موسى للتحكيم مهارته في القضاء وممارسته الطويلة في هذا الميدان في عهد النبوة وخلافة أبي بكر وعمر وعثمان (¬1). ولا يرجع فشل التحكيم إلى شخصية أبي موسى بل إلى صعوبة حل الخلاف وإصرار الطرفين على مواقفهما السابقة، وعدم حيازة المحكمين على قوة محايدة تنفذ القرار. ومما يوضح سلامة التحكيم وحياده نص الوثيقة التي أقرها، بما في ذلك التسامح في رفض عمرو بن العاص صيغة أول وثيقة التحكيم التي تشير إلى إمرة علي للمؤمنين، لأن الشاميين لم يبايعوه على ذلك (¬2). ولا يبت نص وثيقة التحكيم في القضية بل يوضح الإطار العام الذي يحكم المباحثات ويوضح الهدف منها وهو الإصلاح بين الأمة وعدم ردها إلى الفرقة والحرب، ويحدد زمناً لانتهائها، كما يحدد مكان التحكيم وأنه متوسط بين الكوفة والشام والحجاز، واشترطا رضا الطرفين عمن يحضر المباحثات، أما الشهود فيختار كل طرفٍ شهوده، وتلتزم الأمة بنصره قرارات التحكيم، كما يلتزم بذلك الشهود (¬3). وقد بقيت هذه الوثيقة محفوظة حيث اطلع عليها أبو اسحق الشيباني (محدث ثقة ت (141) هـ) ووصفها بقوله: "صحيفة صفراء عليها خاتم من أسفلها وخاتم من أعلاها، وهما ختما علي ومعاوية ونقشهما- محمد رسول الله-" (¬4). ¬

_ (¬1) عبد الحميد علي ناصر: خلافة علي 261 - 262. (¬2) أبو عبيد: الأموال 158 - 159 بسند حسن، وعبد الرزاق: المصنف 10: 157، ويعقوب بن سفيان: المعرفة والتأريخ 1: 522، والنسائي: خصائص أمير المؤمنين علي 195. (¬3) البلاذري: أنساب الأشراف 2: ق 58 أ. (¬4) ابن سعد: الطبقات 3: 30 بسند حسن. وانظر محمد حميد الله: مجموعة الوثائق السياسية 538 - 544 حيث يمكن ملاحظة الاختلاف بين رواية البلاذري وأبي مخنف والجاحظ

وقد اجتمع الحكمان في دومة الجندل ولم يتوصلا إلى اتفاق، وكان معاوية حاضراً اجتماع الدومة، ولم يحضر علي، ولعل لتحركات الخوارج أثراً في ذلك، فخطب معاوية في الناس قائلاً: "من كان يريد أن يتكلم في هذا الأمر فليطلع لنا قرنه، فلنحن أحق به ومن أبيه. قال ابن عمر: فحللتُ حبوتي وهممت أن أقول: أحق بهذا الأمر من قاتلك وأباك على الإسلام. فخشيتُ أن أقول كلمة تفرق بين الجمع وتسفك الدماء، ويُحمل عني غير ذلك، فذكرتُ ما أعد الله في الجنان" (¬1). فبقيت الأوضاع على حالها، علي خليفة المسلمين، ومعاوية أمير الشام ولم يبايع معاوية بالخلافة إلا بعد استشهاد علي على يد الخوارج وكانت بيعته في بيت المقدس في شهر رمضان سنة (40) هـ، بعد وصول خبر استشهاد علي رضي الله عنه (¬2). ¬

_ وإسماعيل التيمي. (¬1) البخاري: الصحيح (فتح الباري 7: 403). وعبد الرزاق: المصنف 5: 465، وابن سعد: الطبقات 7: 403. (¬2) ابن كثير: البداية والنهاية 8: 131.

الفصل الخامس: موقعة النهروان

الفصل الخامس: موقعة النهروان

موقعة النهروان

موقعة النهروان: كان عدد القراء الذين اعترضوا على التحكيم في صفين أربعة آلاف، فهم أقلية في جيش علي الذي كان يزيد على خمسين ألف مقاتل قبل اشتباك الجيشين. وقد ضرب عروة بن حدير التميمي (وهو عروة بن أدية) عجز دابة الأشعث بن قيس بالسيف عندما كان الأشعث يقرأ وثيقة الهدنة التي تم وقف القتال بموجبها، وقد اعتذر بنو تميم للأشعث وقومه اليمانية عن فعل عروة، وكان عروة يقول: "أتحكمون في أمر الله الرجال، لا حكم إلا لله" (¬1). وهذه المقولة صارت شعار الحركة الخارجية ولذلك سموا بالمحكمة كما سموا بالخوارج لخروجهم على الخليفة الشرعي علي رضي الله عنه، كما سموا بالحرورية نسبة إلى قرية حروراء قرب الكوفة حيث انشقوا عن جيش علي العائد إلى الكوفة. ويبدو أنهم واصلوا نشاطهم الدعوي في جيش علي بعد حادثة التحكيم حيث بلغ عددهم حين إعلان الانشقاق ثمانية آلاف (¬2) ثم بضعة عشر ألفاً (¬3). بل أوصلتهم بعض الروايات إلى أربعة وعشرين ألفاً (¬4). ويبدو أن الرقم الأخير متأخر عن مرحلة ¬

_ (¬1) الطبري: التأريخ 5: 55، والمبرد: الكامل (أخبار الخوارج) 16. (¬2) أحمد: المسند- بتحقيق أحمد شاكر- 2: 656 وصححه، 1: 86 - 87 وصححه ابن كثير (البداية والنهاية 7: 380 - 281)، وأبو يعلى: المسند 1: 367 - 370 قال الهيثمي: بأن رجال أبي يعلى ثقات (مجمع الزوائد 6: 235 - 237)، والحاكم: المستدرك 2: 152 - 154 وصححه على شرط الشيخين ووافقه الذهبي. (¬3) المصادر نفسها. (¬4) عبد الرزاق: المصنف 10: 157 - 160 بإسناد حسن، والطبراني: المعجم الكبير 10: 312 - 314.

الانشقاق، ويدل على سريان الدعوة الخارجية وحيازتها لأعداد جديدة ... كما نظموا أنفسهم بزعامة عبد الله بن الكراء وشبث بن ربعي (¬1)، وعينوا أميراً للصلاة وآخر للقتال. وهذا التطور الأخير جعل ابن عباس يستأذن علياً في محاورتهم في إحدى اجتماعاتهم الضخمة في حروراء، وقد وصلهم في نصف النهار ووصفهم بقوله: "دخلت على قوم لم أر قوماً قط أشد اجتهاداً منهم، أيديهم كأنها ثفن الإبل ووجوههم معلمة من آثار السجود"، وكان رجلاً جميلاً جهيراً، فرحبوا به، ثم حاججهم في الشبهات التي علقت بأذهانهم نتيجة تفسيرهم للقرآن دون بصيرة موضحاً لهم أن التحكيم نص عليه القرآن (¬2) وأن محو لقب أمير المؤمنين من نص وثيقة الهدنة له سابقة من السنة في حادثة الحديبية، وأن قتال علي لمخالفيه دون أن يستحل أموالهم وأعراضهم هو الحكم الشرعي الصحيح، فرجع منهم ألفان بعد أن تبين لهم الحق (¬3). وأبرز من رجع زعيمان منهم هما عبد الله بن الكراء وشبث بن ربعي (¬4). ولم يكن فيهم أحد من الصحابة رضوان الله عليهم. ¬

_ (¬1) - خليفة: التأريخ 192 بسند صحيح، وابن عساكر: تأريخ دمشق (ترجمة عبد الله بن أبي أوفى 395، 398 من مرسل الزهري. (¬2) - قوله تعالى في المرأة وزوجها: (وإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكماً من أهله وحكماً من أهلها) النساء 35. وقوله تعالى في جزاء المحرم إذا صاد: (يا أيها الذين آمنوا لا تقتلوا الصيد وأنتم حُرُم ومن قتله منكم متعمداً فجزاء مثل ما قتل من النعم يحكم به ذوا عدل منكم) المائدة 95. وقد أوضح ابن عباس أن صلاح ذات البين وحق الدماء بين المسلمين أولى بالتحكيم من هاتين الصورتين، صلح المرأة مع زوجها، وحكم صيد المحرم لأرنب أو ما يشبهه ... (¬3) - عبد الرزاق: المصنف 10: 157 - 160 بإسناد حسن، وأحمد: المسند 1: 324، والنسائي: خصائص علي 195 - 200. (¬4) ابن أبي شيبة: المصنف 15: 317 - 319، وأبو يعلى: المسند 1: 364، والألباني: إرواء

وأعقب هذا الحوار خروج علي بنفسه إلى حروراء، ومحاورته الخوارج، حيث فهموا خطأ أنه يعلن توبته ويعود عن التحكيم، وهكذا وقعوا مرة أخرى في سوء الفهم فرجعوا إلى الكوفة على ظنهم الخاطئ فأقاموا يومين، فلما اتضح لهم في خطبة علي يوم الجمعة أنه لم يرجع على التحكيم والكفر!! خرجوا من المسجد وعلي يعلن آسفاً موقفه منهم: "لا نمنعكم صلاة في هذا المسجد، ولا نمنعكم نصيبكم من هذا الفيء ما كانت أيديكم مع أيدينا، ولا نقاتلكم حتى تقاتلونا" (¬1). لكنهم لم يقبلوا منه، وأخذوا يصيحون في أنحاء المسجد "لا حكم إلا لله" (¬2). وحاول زعماءهم أن يثنوا علياً عن إرسال أبي موسى الأشعري إلى التحكيم، وأن يقودهم لقتال أهل الشام، فأبى عليهم نقض العهد مع الشاميين: "فارقنا القوم فلا يجوز نقضه" (¬3). وقد جرت محاورات أخرى من قبل الصحابة والتابعين مع الخوارج مما أدى إلى تقليص أعدادهم إلى أربعة ألاف فقط (¬4). إلا أنهم اجتمعوا في دار عبد الله ¬

_ الغليل 8: 111 وصححه. (¬1) - ابن أبي شيبة: المصنف 15: 327 - 328، والطبراني: الأوسط (مجمع الزوائد 6: 242 - 243)، والطبري: تأريخ 5: 74، والبيهقي: السنن الكبرى 8: 184 ويتقوى بمجموع طرقه إلى الحسن. (¬2) - ابن أبي شيبة: المصنف 15: 312 - 313 وصحح الألباني سنده (إرواء الغليل 8: 118 - 119) وقارن برواية الطبري: التأريخ 5: 73 - 74. (¬3) - البلاذري: أنساب الأشراف 2: ق 163 أ- 164 أمدار الرواية على مجالد بن سعيد ليس بالقوي لكنه يصلح للمتابعات. . (¬4) - ابن أبي شيبة: المصنف 15: 91 - 93 بإسناد حسن، والطبري: التأريخ 5: 91 - 93 والبيهقي: السنن الكبرى 8: 179.

بن وهب الراسبي، وأرادوا مبايعة أحد زعمائهم أميراً، فلم يقبلها أحد منهم، ثم قبلها عبد الله بن وهب الراسبي قائلاً: "والله لا آخذها رغبةً في الدنيا، ولا أتركها جزعا من الموت". وبذلك نكثوا بيعتهم لعلي، وذلك في العاشر من شوال (¬1) سنة (37) هـ، ونقضوا مبدأ "الخلافة في قريش" فصار من مقولاتهم جواز خلافة غير القرشي. وقد خرج عبد الله بن وهب الراسبي الأزدي بأتباعه إلى النهروان خفية، لئلا يصدهم أحد واجتمعوا هناك، ورغم هذا التحدي فلم يقرر علي رضي الله عنه مناجزتهم وإعادتهم إلى الطاعة بالقوة، بل اكتفى بتوضيح خطئهم وتفنيد أرائهم. ولما فشل الحكمان وافترقا دون اتفاق لم يرجع الخوارج إلى صف علي، رغم أنه أعدَّ جيشه لمواجهة أهل الشام وعسكر بالنخيلة قرب الكوفة، وقدرت روايات ضعيفة عدد هذا الجيش بثمانية وستين ألفاً ومائتي رجل (200, (68) رجل) وفي هذه الفترة قتل الخوارج عبد الله بن خباب بن الأرت ومعه أم ولده (¬2)، كما قتلوا آخرين (¬3)، فقد صاروا يكفرون من خالفهم ويستبيحون دمه وماله (¬4). فسار إليهم علي رضي الله عنه بجيشه في محرم عام (38) هـ، وعسكر على الضفة الغربية لنهر النهروان، والخوارج شرقيه (¬5)، وقد التحق بهم خوارج البصرة وهم ثلاثمائة أو ¬

_ (¬1) البلاذري: أنساب الأشراف 2: ق 163 أ- 164 أبإسناد فيه مجالد بن سعيد ليس بالقوي. (¬2) ابن أبي شيبة: المصنف 15: 310 - 311 بسند صحيح، 308 - 309. والطبراني. المعجم الكبير 4: 68، والطبري: التأريخ 5: 81. (¬3) الطبري: التأريخ 5: 82. (¬4) ابن حجر: فتح الباري 12: 284. (¬5) الخطيب: تأريخ بغداد 1: 205 - 206.

خمسمائة رجل عليهم مسعر بن فدكي التميمي (¬1). ونظراً لأن مناطق نشاط الخوارج التي تعرضت لضياع الأمن وقطع الطرق ضمن مسؤولية علي رضي الله عنه، فقد طلب من الخوارج تسليم القتلة لإقامة الحد عليهم، فأجابوه: كلنا قتلناه (¬2). وبذلك استحل علي قتالهم، وبيَّن لجنده أجر مقاتلهم، معتمداً على حديث: "يخرج قوم من أمتي يقرءون القرآن، ليس قراءتكم إلى قراءتهم بشيء ولا صلاتكم إلى صلاتهم بشيء ولا صيامكم إلى صيامهم بشيء، يقرءون القرآن يحسبون أنه لهم وهو عليهم، لا تجاوز صلاتهم تراقيهم، يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية". ثم قال علي معقباً: "لو يعلم الجيش الذي يصيبونهم ما قضى لهم على لسان نبيهم صلى الله عليه وسلم لاتكلوا عن العمل"، ثم ذكر لهم العلامات التي تنطبق على الخوارج مثل وجود المخدَّج فيهم "له عضد وليس له ذراع، على رأس عضده مثل حلمة الثدي عليه شعيرات بيض. فتذهبون إلى معاوية وأهل الشام وتتركون هؤلاء يخلفونكم في ذراريكم وأموالكم، والله إني لأرجو أن يكونوا هؤلاء القوم، فإنهم قد سفكوا الدم الحرام، وأغاروا في سرح الناس، فسيروا على اسم الله" (¬3). وقد أرسل علي اليهم الرسل يدعونهم، فقتلوا رسوله، وعبروا إليه النهر (¬4)، فأمر بقتالهم. يقول شاهد عيان ثقة هو زيد بن وهب الجهني: "لما التقينا وعلى الخوارج يومئذ عبد الله بن وهب الراسبي فقال لهم: ألقوا الرماح وسلوا السيوف من ¬

_ (¬1) البلاذري: أنساب الأشراف 63 ب بسند فيه مجهول، الطبري: تأريخ 5: 80 عن أبي مخنف. (¬2) ابن أبي شيبة: المصنف 15: 308 - 309 بسند صحيح. (¬3) مسلم: الصحيح 2: 748 - 749، وعبد الرزاق: المصنف 10: 147 - 149. (¬4) ابن أبي شيبة: المصنف 15: 325 - 327 بسند حسن.

جفونها، فإني أخاف أن يناشدوكم كما ناشدوكم يوم حروراء" (¬1). واشتبك الجيشان في معركة خاطفة وغير متكافئة، انتهت بالإجهاز على الخوارج رغم ما أبدوه من جلد وشجاعة .. فقد أفناهم جيش علي الكبير دون أن يصيبوا منه إلا بضعة عشر رجلاً (¬2). ولم يعش من جيش الخوارج إلا الجرحى ومن فرَّ وهم عدد يسير (¬3). واهتم علي بالتفتيش عن المخدج ذي الثدية حتى وقف عليه (¬4)، فكان شاهدا على صحة موقف علي، وآية على ضلال الخوارج. وقد عامل علي رضي الله عنه الخوارج معاملة البغاة، فلم يكفرهم، ومنع جنده من تعقيب فاريهم، والإجهاز على جريحهم، ولم يسبهم (¬5) ولم يغنم أموالهم (¬6) ويمثل عنهم أكفار هم؟ قال: من الكفر فروا. فقيل: منافقون؟ قال: المنافقون لا يذكرون الله إلا قليلا. قيل: فمن هم؟ قال: قوم بغوا علينا فقاتلناهم. وفي رواية: ¬

_ (¬1) - مسلم: الصحيح 2: 748، وابن أبي شيبة: المصنف 15: 317 بإسناد صحيح، وأحمد: المسند 3: 485 بإسناد صحيح، وأبو داود: السنن 4: 244. (¬2) - ابن أبي شيبة: المصنف 15: 311، وخليفة: التأريخ 197 بسند حسن، والنسائي: خصائص علي 190 بسند حسن، ويعقوب بن سفيان: المعرفة والتأريخ 3: 315. (¬3) - عبد الحميد علي ناصر: خلافة علي 329. (¬4) - ابن أبي عاصم: السنة 2: 442 - 443 بإسناد صحيح، وابن أبي شيبة: المصنف 15: 325 - 327، والطبري: التأريخ 5: 91 - 92، والطحاوي: تهذيب الآثار 4: 236 - 238. (¬5) - البيهقي: السنن 8: 182 بسند صحيح. (¬6) عبد الرزاق: المصنف 10: 122 - 123، وابن أبي شيبة: المصنف 15: 332، وسعيد بن منصور: السنن 2: 339، والبيهقي: السنن الكبرى 8: 183.

قوم بغوا علينا فنصرنا عليهم. وفي رواية: قوم أصابتهم فتنة فعموا فيها وصموا (¬1). وهكذا صرَّح بأنهم مؤمنون ليسوا كفاراً ولا منافقين (¬2). ونصح الأمة في التعامل معهم بقوله: "إن خالفوا إماماً عادلاً فقاتلوهم، وإن خالفوا إماماً جائراً فلا تقاتلوهم فإن لهم مقالاً" (¬3). ومما يلقي الضوء على صفات الخوارج ومستوى جدلهم وحفظهم للقرآن وقدرتهم على استحضار الشواهد منه أنه لما رجع ابن عباس إلى البصرة بعد فشل التحكيم جادله خوارج البصرة- وهم العباد أصحاب البرانس والسواري- بشدة واتهموه بالكفر "كفرت وأشركت ونددت"، فقال لهم: "انظروا أخصمكم وأجدلكم وأعلمكم بحجتكم فليتكلم"، فاختاروا عباد التغلبي، "فقام فقال: قال الله كذا وقال الله كذا، كأنما ينزع بحاجته من القرآن في سورة واحدة" وتتضح قدرة الرجل على استحضار الأدلة المفرقة في القرآن وكأنها في موضع واحد شهادة ابن عباس له: "إني أراك قارئا للقرآن عالماً بما قد فصَّلت ووصلت". ثم واجه ابن عباس الخوارج بأخطائهم: "هل علمتم أن أهل الشام سألوا القضية- أي وقف القتال برفع المصاحف والدعوة إلى التحكيم- فكرهناها وأبيناها، فلما أصابتكم الجروح وعضُّكم الأمل ومُنعتم ماء الفرات أنشأتم تطلبونها!؟ ولقد أخبرني معاوية أنه أتى بفرس .. ليهرب عليه، ثم أتاه منكم آتٍ فقال: إني تركتُ أهل العراق يموجون مثل الناس ليلة النفر بمكة" وهكذا أشار إلى أن اختلافهم وشقاقهم أضعف ¬

_ (¬1) عبد الرزاق: المصنف 10: 150، وابن أبي شيبة: المصنف 15: 332 بسند صحيح، والبيهقي: السنن الكبرى 8: 174. (¬2) ابن تيمية: منهاج السنة 5: 243 - 244. (¬3) ابن أبي شيبة: المصنف 15: 320، وابن حجر: فتح الباري 12: 301.

موقف علي، وكان سبباً في قبول التحكيم. وقد فنَّد ابن عباس مقولاتهم (¬1). ولا شك أن وقعة النهروان تركت جراحاً أليمة في الكوفة العلوية الاتجاه والبصرة العثمانية معاً، حيث ينتمي معظم الخوارج إلى قبائل المدينتين، وقد نعى البعض على علي رضي الله عنه دماء أهل النهر، ووقعت بينهم وبين علي معارك صغيرة (¬2). وتعدى الوهن أقارب الخوارج إلى جملة الجيش الذي تحمل ذكريات صفين الأليمة وقد تجددت الذكريات في حرب الخوارج بالنهروان .. فلم يجد علي فيهم النشاط لقتال معاوية. بينما أفاد معاوية من هذه الظروف التي أحاطت بخصمه، فمد نفوذه إلى مصر بقيادة عمرو بن العاص وبالتعاون مع العثمانية فيها مما أضاف إليه قوة بشرية واقتصادية، كما راسل وجوه القادة في العراق محاولاً استمالتهم. وأمام الوهن والشقاق وضعف الطاعة في جيش علي لم يتمكن من القيام بأية حملة ضد القوات الشامية، وتبين خطبه الأخيرة مدى ما عاناه من الملل والألم إذ كان يقول: "اللهم إني قد سئمتهم وسئموني، ومللتهم وملُوني فأرحني منهم وأرحهم مني، فما يمنع أشقاكم أن يخضبها بدم ووضع يده على لحيته" (¬3). فكانت هذه الإشارة بأن ثمة من يسعى لقتله، أول إعلان عما بلغه من محاولة عبد الرحمن بن ملجم المرادي قتله (¬4)، وكان قد حذَّر من التآمر لقتله "جاء رجل من مراد إلى علي- ¬

_ (¬1) ابن أبي شيبة: المصنف 15: 299 - 301 بإسناد حسن. (¬2) ابن أبي شيبة: المصنف 15: 331، وابن عساكر: تأريخ دمشق 9: ق 167. (¬3) عبد الرزاق: المصنف 10: 154 بإسناد صحيح وله متابعات عند ابن عباس: الطبقات الكبرى 3: 34، وشواهد عند ابن أبي عاصم: الآحاد والمثاني 1: 137 بإسناد حسن (¬4) ابن سعد: الطبقات الكبرى 3: 33.

وهو يصلي في المسجد- فقال: احترس فإن ناساً من مراد يريدون قتلك" (¬1). ولما طعنه ابن ملجم في صلاة الفجر صبيحة إحدى وعشرين من رمضان (¬2)، لم يمت حتى أوصى بقاتله خيراً: "إنه أسير فأحسنوا نُزُله وأكرموا مثواه، فإن بقيتُ قتلتُ أو عفوتُ، وإن متُ فاقتلوه قتلتي ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين" (¬3). وبعد اغتيال الخوارج له، تنازل الحسن بن علي عن الخلافة لمعاوية، لينهي مرحلة الصراع وعودة الأمة إلى الجماعة بعد أن مرت بتجارب جديدة قاسية تركت آثاراً عميقة في المخيلة الجماعة لأجيالها المتلاحقة حتى الوقت الحاضر. ¬

_ (¬1) المصدر السابق 3: 34 بإسناد صحيح. (¬2) البخاري: التأريخ المنير 1: 99 - 100 بإسناد فيه حريث بن مخش انفرد ابن حبان بتوثيقه. (¬3) ابن سعد: الطبقات الكبرى 3: 35، وأحمد: فضائل الصحابة 2: 560، والحاكم: المستدرك 3: 144 ويقوى بطرقه إلى الحسن لغيره.

المصادر والمراجع

المصادر والمراجع

المصادر

المصادر * القرآن الكريم. * ابن الأثير: أبو السعادات المبارك بن محمد الجزري (ت 606 هـ). - النهاية في غريب الحديث، تحقيق طاهر أحمد الزاوي ومحمود محمد الطناحي، نشر دار الفكر، بيروت. * ابن الأثير: أبو الحسن علي بن محمد بن محمد بن عبد الكريم الشيباني (ت 630 هـ). - الكامل في التأريخ، دار صادر، بيروت- 1402 هـ (1982 م). - أسد الغابة في معرفة الصحابة، نشر دار إحياء التراث العربي، بيروت. * أحمد بن حنبل (ت 241 هـ). - المسند، ط. بيروت (بالأوفسيت) عن الطبعة الميمنية، مصر- 1313 هـ. وكذلك ط. أحمد محمد شاكر في القسم الذي حققه. - والمسند، وبهامشه كنز العمال في سنن الأقوال والأفعال، ط. المكتب الإسلامي - فضائل الصحابة، تحقيق وصي الله بن محمد عباس، ط 1، مركز البحث العلمي بجامعة أم القرى_1403 هـ. وطبعة بدار العلم للطباعة والنشر، المملكة العربية السعودية. - الزهد، دار الريان للتراث، ط 1، القاهرة- 1408 هـ. - العلل ومعرفة الرجال، تحقيق طلعت قوج ييكيت، وإسماعيل جراح أوغلي، أنقرة- 1963 م. - مسائل الإمام أحمد، برواية اسحق بن إبراهيم بن هانئ.

* الأزدي: محمد بن عبد الله البصري (ق 2). - فتوح الشام، بعناية عبد المنعم عامر، مؤسسة سجل العرب، القاهرة- 1970 م. * الأزرقي: أبو الوليد محمد بن عبد الله. - تاريخ مكة، تحقيق رشدي الصالح ملمس، ط 3، ط. دار الأندلس، بيروت- 1389 هـ. * اسحق بن راهويه (ت 238 هـ). - المسند، ط 1، تحقيق عبد الغفور البلوشي، مكتبة الإيمان، المدينة- 1410 هـ * ابن اسحق: محمد (ت 151 هـ). - السير والمغازي، تحقيق سهيل زكار، نشر دار الفكر- 1398 هـ (1978 م) - السيرة، تحقيق محمد حميد الله، نشر معهد الدراسات والأبحاث للتعريب- 1396 هـ (1976 م). * ابن أعثم الكوفي: أبو محمد أحمد بن أعثم الأزدي (ت 314 هـ). - الفتوح، نشر دار الفكر العلمية، بيروت- 1406 هـ. * ابن الأعرابي: أحمد بن محمد بن زياد بن بشر الأعرابي (ت 340 هـ). - المعجم (مخطوط)، وقد حقق أحمد ميرين قطعة منه نال بها درجة الدكتوراه من الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة. * البخاري: أبو عبد الله محمد بن إسماعيل (ت 256 هـ). - الصحيح الجامع المسند من أقوال وأفعال الرسول صلى الله عليه وسلم، حاشية السندي، ط. دار إحياء الكتب العربية، مصر. - والصحيح (نسخة فتح الباري)، نشر المكتبة السلفية بالقاهرة. وأحياناً ط. محمد علي صبيح، مصر (بدون تأريخ).

- التأريخ الكبير، تحقيق المعلمي اليماني، نشر حيدر آباد الدكن، الهند. وأحياناً ط. دار الكتب العلمية، بيروت. - التأريخ الصغير، تحقيق محمد إبراهيم زايد، ط. دار المعرفة، بيروت 1406 هـ - الأدب المفرد، تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي، ط. دار الكتب العلمية، بيروت وط 3، ط. دار البشائر الإسلامية- 1409 هـ. - خلق أفعال العباد، تحقيق عبد الرحمن عميرة، ط 2، نشر دار عكاظ، جدة. * ابن بدران: عبد القادر (ت 1346 هـ). - تهذيب تاريخ دمشق الكبير لابن عساكر، نشر دار المسيرة، بيروت- 1399 هـ (1979 م). * البزار: أحمد بن عمرو (ت 292 هـ). - المسند، وهو البحر الزخار، تحقيق محفوظ الرحمن الأعظمي، ط 1، مؤسسة علوم القرآن، 1409 هـ (1989 م). * بقي بن مخلد: - عدد ما لكل واحد من الصحابة من الحديث، تحقيق أكرم العمري، بيروت- 1405هـ. * البكري (ت 487 هـ) - معجم ما استعجم، تحقيق مصطفى السقا، نشر عالم الكتب بيروت (بدون تأريخ). * البلاذري: أحمد بن يحيى بن جابر (ت 279 هـ). - أنساب الأشراف، القسم الثاني، جزء 1 و 2 تحقيق محمد باقر المحمودي، بيروت- 1974 م و 1977م. والقسم الرابع، ج 1، تحقيق إحسان عباس، بيروت- 1979 م.

والقسم الرابع، ج 2، تحقيق م. شلوسنغار، القدس- 1938 م. والقسم الخامس، تحقيق س. غويتاين، القدس- 1936 م. والجزء الأول، ط 1، مطبعة دار المعارف، مصر- 1959 م. وقسم الشيخين أبو بكر الصديق وعمر بن الخطاب وولدهما، تحقيق إحسان صدقي العمد، مؤسسة الشراع الغربي، الكويت- 1989 م. - فتوح البلدان، ط. القاهرة- 1932 م. وأحيانا نثر مكتبة النهضة العربية بدون تأريخ وأحيانا ط. دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان- 1403 هـ. * البوصيري: الحافظ أحمد بن أبي بكر بن إسماعيل بن عمر الكناني (ت 840 هـ). - إتحاف الخيرة المهرة بزوائد المسانيد العشرة، مخطوطة مصورة بمكتبة الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة. * البيهقي: أبو بكر أحمد بن الحسين بن علي (ت 458 هـ). - السنن الكبرى، 10 مجلدات، مطبعة مجلس دائرة المعارف العثمانية، حيدر آباد الدكن، الهند- 1344 هـ. - والسنن الكبرى، وبديله الجوهر النقي، دار المعرفة، بيروت. - دلائل النبوة ومعرفة أحواله صاحب الشريعة، تحقيق عبد المعطي قلعجي، دار الكتب العلمية، بيروت. ودار الريان للتراث، ط 1، القاهرة- 1408 هـ. * الترمذي: محمد بن عيسى بن سورة (ت 279 هـ). - السنن، تحقيق أحمد شاكر وآخرين، مطبعة مصطفى البابي الحلبي، مصر- 1398 هـ. وأحياناً نسخة تحفة الأحوذي للمباركفوري، تحقيق عبد الوهاب عبد اللطيف، ط 2، المكتبة السلفية، المدينة المنورة- 1368 هـ (1963 م). - السنن (تحفة الأحوذي بشرح جامع الترمذي)، نشر المكتبة السلفية، ط 2، المدينة المنورة- 1368 هـ (1963 م). - الجامع الصحيح، تحقيق أحمد محمد شاكر ومحمد فؤاد عبد الباقي وإبراهيم عطوة عوض، القاهرة- 1962 م (1381 هـ) وط 3، دار الفكر- 1398 هـ.

- مختصر الشمائل المحمدية، المكتبة الإسلامية، عمان- 1405 هـ. * اين تيمية الحراني: احمد بن عبد الحليم (ت 728 هـ). - منهاج السنة النبوية، تحقيق محمد رشاد سالم، نشر جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، الرياض- 1406 هـ. - الفتاوى، جمع وترتيب عبد الرحمن بن محمد النجدي وابنه، نشر دار الإفتاء، الرياض. - السياسة الشرعية في إصلاح الرعية، تحقيق أبو عبد الله علي بن محمد المغربي، دار الأرقم، الكويت- 1406 هـ. * الجاحظ: أبو عمرو عثمان بن بحر (ت 255 هـ). - كتاب الحيوان، تحقيق عبد السلام هارون، مصر- 1364 هـ. * ابن الجارود: أبو محمد عبد الله (ت 307 هـ). - المنتقى من السنن المسندة عن الرسول صلى الله عليه وسلم، علق عليه عبد الله عمر البارودي، ط 1، دار الجنات ومؤسسة الكتب الثقافية- 1408 هـ. * ابن الجزري: شمس الدين أبو الخير محمد بن محمد (ت 833 هـ). - غاية النهاية في طبقات القراء، بعناية برجستراسر، مطبعة السعادة، مصر- 1351 - 1364 هـ (1938 - 1945 م). * الجهشياري: أبو عبد الله محمد بن أسيد بن عبد الله (ت 331 هـ). - الوزراء والكتاب، تحقيق مصطفى السقا وإبراهيم الأبياري وعبد الحفيظ شلبي، مصر- 1938م. وط 2، مطبعة مصطفى البابي الحلبي، مصر- 1401 هـ (1981 م) * ابن الجوزي (ت 597 هـ): - نواسخ القرآن، تحقيق محمد أشرف علي المليباري، نشر المجلس العلمي

بالجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة- 1404 هـ. - مناقب عمر بن الخطاب * الحاكم: محمد بن عبد الله النيسابوري (ت 405 هـ). - المستدرك على الصحيحين في الحديث، نشر مجلس دائرة المعارف العثمانية، حيدر آباد الدكن، الهند- 1341 هـ. - والمستدرك، وفي ذيله تلخيص المستدرك للحلفظ الذهبي، ط. دار الفكر، بيروت- 1398 هـ. * ابن حبان البستي: أبو حاتم محمد بن حبان بن أحمد التميمي (ت 354 هـ). - الإحسان بترتيب صحيح ابن حبان، نشر مؤسسة الرسالة، بيروت- - الثقات، ط. مجلس دائرة المعارف العثمانية، حيدر آباد الدكن، الهند- 1400 هـ * ابن حبيب: محمد بن حبيب السكري البغدادي (ت 245 هـ). - المحبَّر، ط. حيدر آباد الدكن- الهند. * ابن حبيش: أبو القاسم عبد الرحمن بن محمد الأنصاري (ت 584 هـ). - الغزوات الضامنة الكافلة (مخطوطة) وقد حقق طلال بن سعود الدعجاني قطعة من أولها فال بها الماجستير من الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة- 1412 هـ. * ابن الجعد: أبو الحسن علي الجوهري (ت 230 هـ). - المسند تحقيق عبد المهدي عبد القادر، مجلدان، ط 1، نشر مكتبة الفلاح، الكويت- 1405هـ (1985م). * ابن حجر: أحمد بن علي بن حجر العسقلاني (ت 852 هـ). - الإصابة في تمييز الصحابة، تحقيق علي البجاوي، نشر دار النهضة، مصر. - والإصابة في تمييز الصحابة، وبهامشه الاستيعاب في معرفة الأصحاب، ط 1،

مطبعة السعادة بجوار محافظة مصر، نشر دار صادر- 1328 هـ. - فتح الباري شرح صحيح البخاري، ط. المكتبة السلفية، القاهرة. - تهذيب التهذيب، ط 1، دائرة المعارف العثمانية، حيدر أباد الدكن، الهند 1387 - 1396 هـ. - تقريب التهذيب، تحقيق محمد عوامة، نشر دار الرشيد، حلب- 1408 هـ (1988م). لسان الميزان، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات، بيروت. - المطالب العالية، تحقيق حبيب الرحمن الأعظمي، المطبعة العصرية، ط 1، الكويت- 1393 هـ. ودار المعرفة، بيروت، لبنان. - النكت على ابن الصلاح، تحقيق د. ربيع بن هادي المدخلي، نشر المجلس العلمي بالجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة- 1403 هـ. - تلخيص الحبير في تخريج أحاديث الرافعي الكبير، نشر بعناية عبد الله هاشم اليماني، نشر دار المعرفة، بيروت. - هدي الساري مقدمة فتح الباري، المطبعة السلفية، القاهرة. - تعريف أهل التقديس بمراتب الموصوفين بالتدليس، ط 1، تحقيق عاصم القريوتي مكتبة المنار، الأردن. * ابن حزم: علي بن أحمد بن سعيد (ت 456 هـ). - الفصل في الملل والأهواء والنحل، ط 2، دار المعرفة، بيروت- 1395 هـ. - المحلَّى، نشر مكتبة الجمهورية العربية، مصر- 1387 هـ. - جمهرة أنساب العرب، ط 1، تحقيق عبد السلام هارون، نشر دار المعارف بمصر. * حماد بن اسحق (ت 267 هـ). - تركة النبي صلى الله عليه وسلم، ط 1، تحقيق أكرم العمري، نشر مؤسسة الرسالة، بيروت- 1404 هـ.

* ابن خرداذبة: أبو القاسم عبيد الله بن عبد الله (ت 300 هـ). - المسالك والممالك، ط. مكتبة المثنى، بغداد. * الخزاعي: أبو الحسن علي بن محمد التلمساني (ت 789 هـ). - تخريج الدلالات السمعية، نشر المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية، القاهرة-1401هـ (1980). * ابن خزيمة: أبو بكر محمد بن اسحق بن خزيمة السلمي النيسابوري (ت 311 هـ). - الصحيح، تحقيق محمد مصطفى الأعظمي ومراجعة محمد ناصر الدين الألباني، نشر المكتب الإسلامي، بيروت. * الخطابي: أبو سليمان حمد بن محمد البستي (ت 388 هـ). - معالم السنن شرح سنن أبي داود، تحقيق محمد حامد الفقي، نشر مكتبة السنة المحمدية، القاهرة. * الخطيب البغدادي: أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت (ت 463 هـ). - تأريخ بغداد، ط 1، مطبعة السعادة، مصر- 1349 هـ (1931 م). كذلك ط. دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان. - تقييد العلم، تحقيق د. يوسف العش، دمشق- 1949 م. - الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع، تحقيق د. محمود الطحان، نشر مكتبة المعارف الرياض- 1403 هـ. - الرحلة في طلب الحديث، ضمن مجموعة رسائل في علوم الحديث، تحقيق صبحي البدري السامرائي، ط 1، مطابع المجد، القاهرة- 1389 هـ (1969 م). - الكفاية في علم الرواية، ط. دائرة المعارف العثمانية بحيدر آباد الدكن، الهند 1357 هـ * الخلال: أبو بكر أحمد بن محمد بن هارون (ت 311 هـ). - السنة، تحقيق عطية الزهراني، نشر دار الراية، الرياض- 1410 هـ (1989 م).

* ابن خلدون: عبد الرحمن (ت 808 هـ). - المقدمة، نشر دار الفكر، بيروت- 1981 م. * خليفة بن خياط بن أبي هبيرة الليثي العصفري (ت 240 هـ): - التأريخ، تحقيق أكرم العمري، النجف- 1968 م. وكذلك ط 2، ط. دار طيبة للنشر والتوزيع، الرياض- 1405 هـ. - الطبقات، تحقيق أكرم العمري، مطبعة العاني، بغداد- 1967 م. ابن أبي خيثمة: أحمد بن زهير (ت 279 هـ). - التأريخ الكبير، مخطوطة مكتبة القرويين ح ل 40: 244 N وهو السفر الثالث. وقطعة المكتبة المحمودية بالمدينة وهي الجزء الخمسون. الدارقطني: علي بن عمر (ت 385 هـ). - السنن، نشر عالم الكتب، بيروت- 1406 هـ. وكذلك دار المحاسن للطباعة، القاهرة. * الدارمي: أبو محمد عبد الله بن عبد الرحمن (ت 255 هـ) - السنن، ط 1، تحقيق مصطفى البغا، دار القلم، دمشق- 1412 هـ (1991م). وأحياناً بعناية محمد أحمد دهمان، نشر دار إحياء السنة النبوية 1346 هـ (1930 م). وأحيانا دار الكتب العلمية. * الداني: أبو عمرو عثمان بن سعيد (ت 444 هـ). - الفتن، أطروحة دكتوراه مقدمة للجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة. * أبو داود: سليمان بن الأشعث السجستاني (ت 275 هـ). - السنن، تحقيق الدعاس، دار الحديث، حمص. وأحياناً مطبعة مصطفى البابي الحلبي، مصر- 1371 هـ. وكذلك دار إحياء التراث العربي، بيروت. وأحياناً مع

شرح الخطابي، تحقيق محمد حامد الفقي، القاهرة. * ابن أبي داؤد: أبو بكر عبد الله بن أبي داود السجستاني (ت 316 هـ). - كتاب المصاحف، نر دار الكتب العلمية، بيروت- 1405 هـ (1985 م). * ابن دحية: أبو الخطاب عمر بن الحسن بن علي (ت 633 هـ). - علم النصر المبين في المفاضلة بين أهل صفين (مخطوطة). * ابن أبي الدنيا: عبد الله بن محمد بن عبيد القرشي (ت 282 هـ). - الإشراف في منازل الأشراف، تحقيق نجم عبد الرحمن خلف، ط 1، مكتبة الرشد، الرياض- 1411 هـ. * الديار بكري: حسين بن محمد بن الحسن (ت 966 هـ). - تأريخ الخميس، نشر مؤسسة شعبان، بيروت. * الدينوري: أحمد بن داؤد (ت 282 هـ). - الأخبار الطوال، تحقيق عبد المنعم عامر، دار إحياء الكتب العربية، ط 1، القاهرة- 1380 هـ. * الذهبي: محمد بن أحمد بن عثمان (ت 748 هـ). - سير أعلام النبلاء، تحقيق شعيب الأرناءوط وحسين الأسد، نشر مؤسسة الرسالة، بيروت (1981 - 1985م). - ميزان الاعتدال في نقد الرجال، تحقيق علي محمد البجاوي، نشر دار إحياء الكتب العربية، القاهرة. - تأريخ الإسلام- عهد الخلفاء الراشدين-، تحقيق عبد السلام تدمري، نشر دار الكتاب الحديث، بيروت- 1407 هـ. - تذكرة الحفاظ، مطبعة مجلس دائرة المعارف العثمانية بحيدر آباد الدكن، الهند

1955 م. دول الإسلام، نشر دائرة المعارف العثمانية، ط 2، حيدر آباد الدكن، الهند- 1364هـ. - تجريد أساء الصحابة، مجلدان، نشر دار المعرفة، بيروت. * الرامهرمزي: الحسن بن عبد الرحمن (ت 360 هـ). - المحدث الفاصل بين الراوي والواعي، تحقيق محمد عجاج الخطيب، نشر دار الفكر، ط 1، بيروت. * ابن رجب الحنبلي: أبو الفرج عبد الرحمن بن أحمد (ت 795 هـ). - الاستخراج لأحكام الخراج، دار الكتب العلمية، بيروت- 1405 هـ. * ابن رشد: محمد بن أحمد (ت 595 هـ). - بداية المجتهد ونهاية المقتصد، جزآن، مطبعة محمد صبيح، القاهرة. * أبو زرعة النصري الدمشقي: عبد الرحمن بن عمرو (ت 281 هـ). - التأريخ، جزآن، تحقيق شكر الله بن نعمة الله القوجاني، نشر مجمع اللغة العربية بدمشق- 1980 م. * الزركشي: محمد بن عبد الله (ت 794 هـ). - البحر المحيط في أصول الفقه، تحقيق عبد القادر عبد الله العاني، ط 2، نشر وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، الكويت- 1413 هـ (1992 م). * الزركلي: خير الدين. الأعلام، ط 5، نشر دار العلم للملايين، بيروت - 1980م. * ابن زنجويه: حميد بن زنجويه (ت 251 هـ)

- الأموال، تحقيق شاكر ذيب فياض، ط 1، نشر مركز الملك فيصل للبحوث، الرياض- 1406هـ (1986م). * ابن سحنون: محمد - آداب المعلمين، تحقيق حسن حسني عبد الوهاب، ومراجعة وتعليق محمد العروسي المطري، (بدون تأريخ ومحل طبع). * السرخسي: شمس الدين. - المبسوط، ط 2، نشر دار المعرفة، بيروت. * ابن سعد: محمد بن سعد (ت 230 هـ). - الطبقات الكبرى، دار صادر، بيروت- 1974 - 1977 م. - والطبقات تحقيق السلومي (قطعة ساقطة من المطبوع أطروحة قدمت إلى جامعة أم القرى بمكة لنيل درجة الدكتوراه). * سعيد بن منصور (ت 227 هـ). - السنن، تحقيق حبيب الرحمن الأعظمي، ط 1، دار الكتب العلمية، بيروت- 1405هـ. * السمناني: علي بن محمد بن أحمد الحنفي (ت 499 هـ). - روضة القضاة وطريق النجاة، مطبعة أسعد، بغداد- 1389 هـ (1970 م). * السمهودي: علي بن أحمد (ت 911 هـ). - وفاء الوفا بأخبار دار المصطفى، مجلدان، تحقيق محيي الدين عبد الحميد، ط 3، نشر دار إحياء التراث العربي، بيروت- 1397 هـ (1977 م). * السهيلي: عبد الرحمن بن أبي بكر (ت 911 هـ).

- الروض الأنف، تحقيق عبد الرحمن الوكيل، نشر دار الكتب الحديثة، القاهرة. * السيوطي: عند الرحمن بن أبي بكر (ت 911 هـ). - تاريخ الخلفاء، تحقيق محيي الدين عبد الحميد، مطبعة السعادة، مصر- 1371 هـ (1952 م). - الإتقان في علوم القرآن، نشر مصطفى البابي الحلبي، مصر. - تحذير الخواص من أكاذيب القصاص، مطبعة المعاهد، القاهرة- 1351 هـ. - الدر المنثور في التفسير بالمأثور، نشر محمد أمين دمج، بيروت. * الشافعي: محمد بن إدريس. - الأم، ط. بولاق، القاهرة- 1325 هـ. * الشوكاني: محمد بن علي بن محمد (ت 1250 هـ). - نيل الأوطار، تحقيق طه عبد الرءوف سعد ومصطفى محمد الهواري، نشر مكتبة الكليات الأزهرية- 1398 هـ (1978 م). * ابن أبي شيبة: أبو بكر عبد الله بن محمد (ت 235 هـ). - المصنف في الأحاديث والآثار، تحقيق عبد الخالق الأفغاني، نشر الدار السلفية- 1399 هـ (1979 م). وكذلك دار التاج، بيروت- 1409 هـ. * أبو الشيخ الأنصاري: عبد الله بن محمد بن جعفر بن حيان (ت 369 هـ). - طبقات المحدثين بأصبهان، تحقيق عبد الغفور عبد الحق حسين البلوشي، نشر مؤسسة الرسالة، ط 1، بيروت- 1412 هـ (1992 م). * الشيرازي: أبو اسحق إبراهيم بن علي بن يوسف. - المهذب في فقه الإمام الشافعي، جزآن، القاهرة- 1343 هـ.

* الصولي: أبو بكر محمد بن يحيى (ت 336 هـ). - أدب الكتاب، تحقيق محمد بهجت الأثري، المطبعة السلفية، القاهرة- 1341 هـ. * ابن طباطبا: محمد بن علي. - الفخري في الآداب السلطانية والدول الإسلامية، دار صادر، بيروت. * الطبراني: سليمان بن أحمد (ت 360 هـ). - المعجم الكبير، تحقيق حمدي عبد المجيد السلفي، ط 1، نشر وزارة الأوقاف العراقية، بغداد. وأحياناً ط 2. * الطبري: أبو جعفر محمد بن جرير (ت 310 هـ). - تأريخ الأمم والملوك، تحقيق أبو الفضل إبراهيم، القاهرة 1960 - 1969 م. وأحياناً ط ليدن، وقد ميزت ذلك بالحاشية. وكذلك ط. دار الكتب العلمية، بيروت- 1407 هـ. - جامع البيان في تفسير القرآن، المعروف بتفسير الطبري، مصطفى البابي الحلبي، مصر- 1388 هـ. * الطحاوي: أبو جعفر أحمد بن محمد بن سلامة الأزدي الحنفي (ت 321 هـ). - شرح معاني الآثار، مطبعة الأنوار المحمدية، تحقيق محمد سيد جاد الحق، القاهرة - 1387 هـ (1968 م). - تهذيب الآثار * ابن أبي عاصم: أحمد بن عمرو بن أبي عاصم (ت 287 هـ). - الآحاد والمثاني، تحقيق باسم الجوابرة، ط 1، دار الراية، الرياض- 1411 هـ (1991م). - السنة، تخريج محمد ناصر الدين الألباني، ط 1، بيروت- 1400 هـ (1980 م). * ابن عبد البر القرطبي: أبو عمر يوسف (ت 463 هـ).

- الاستيعاب في معرفة الأصحاب، تحقيق علي محمد البجاوي، مطبعة نهضة مصر، القاهرة (بدون تأريخ). - جامع بيان العلم وفضله، المطبعة المنيرية، مصر (بدون تأريخ). * ابن عبد الحكم المصري: أبو القاسم عبد الرحمن بن عبد الله (ت 257 هـ). - فتوح مصر وأخبارها، ط. ليدن. وكذلك ط. بريل، لندن- 1930 م. * عبد الرزاق بن همام الصنعاني (ت 211 هـ) - المصنف، تحقيق حبيب الرحمن الأعظمي، ط 1، دار القلم، بيروت- 1390 هـ. وط 2، ط. المجلس العلمي- 1403 هـ. - التفسير، تحقيق مصطفى مسلم محمد، نشر مكتبة الرشد، ط 1، الرياض- 1410هـ (1989م). * عبد الله بن أحمد بن حنبل (ت 290 هـ). - كتاب السنة، تحقيق محمد سعيد القحطاني، ط 1، نشر دار ابن القيم، الدمام- 1406 هـ. * أبو عبيد: القاسم بن سلام (ت 224 هـ). - الأموال، تحقيق محمد خليل هراس، ط 1، مصر- 1388 هـ (1968م). ودار الكتب العلمية، بيروت- 1406 هـ. * العجلي: أحمد بن عبد الله بن صالح (ت 261 هـ). - الثقات، ترتيب علي بن أبي بكر الهيثمي، بعناية عبد المعطي قلعجي، ط 1، نشر دار الكتب العلمية، بيروت- 1405 هـ (1984 م). * ابن عدي: أبو أحمد عبد الله (ت 365 هـ). الكامل في ضعفاء الرجال، ط 1، نشر دار الفكر، بيروت- 1405 هـ.

* ابن العديم: كمال الدين عمر بن أحمد بن أبي جرادة. - بغية الطلب في تأريخ حلب (مخطوطة) وقد صدر أخيراً بعناية سهيل زكار، نشر دار الفكر، بيروت. * أبو العرب التميمي: محمد بن أحمد بن تميم. - المحن، تحقيق يحيى الجبوري، ط 2، نشر دار الغرب الإسلامي، بيروت- 1403 هـ (1983م). * ابن عساكر: أبو القاسم علي بن الحسن (ت 571 هـ) - تاريخ دمشق (مخطوطة الظاهرية). - تاريخ مدينة دمشق، طبع المجمع العلمي العربي بدمشق. - مناقب أمهات المؤمنين (مخطوطة) * العلائي: خليل بن كيكلدي (761 هـ) - إجمال الإصابة في أقوال الصحابة، تحقيق محمد سليمان الأشقر، ط 1، نشر مركز المخطوطات والتراث، الكويت- 1407 هـ. * ابن العماد: عبد الحي بن العماد الحنبلي (ت 1089 هـ). - شذرات الذهب في أخبار من ذهب، نشر المكتبة التجارية، بيروت. * عمر بن شبة (ت 262 هـ): - تاريخ المدينة، تحقيق فهيم محمد شلتوت، نشر السيد حبيب محمود أحمد، المدينة المنورة (بدون). * أبو عوانة الأسفرائي: يعقوب بن اسحق (ت 316). - المسند، ط. دار المعارف العثمانية، حيدر آباد الدكن، الهند.

* العيني: بدر الدين محمود بن أحمد (ت 855 هـ) - عمدة القاري شرح صحيح البخاري، ط 1، مطبعة مصطفى البابي الحلبي، القاهرة. * الفاكهي: أبو عبد الله محمد بن اسحق. - تأريخ مكة، تحقيق عبد الملك بن عبد الله بن دهيش، ط 1، مكتبة النهضة، مكة المكرمة- 1407 هـ (1987 م). * ابن الفراء الحنبلي: أبو يعلى محمد بن حسين (ت 458 هـ). - الأحكام السلطانية، تحقيق محمد حامد الفقي، ط. دار الكتب العلمية، بيروت- 1403 هـ. * أبو الفرج الأصفهاني: - الأغاني، ط 1، مطبعة دار الكتب المصرية. * ابن فرحون المالكي (799 هـ): - تبصرة الحكام في أصول الأقضية ومناهج الحكام، جزءان، القاهرة- 1302 هـ. * ابن قتيبة: أبو محمد عبد الله بن مسلم الدينوري (ت 276 هـ). - تأويل مختلف الحديث، ط 1، مطبعة كردستان العلمية، مصر- 1326 هـ. - المعارف، تحقيق ثروت عكاشة، نشر دار المعرف- بيروت. - عيون الأخبار، مطبعة دار الكتب المصرية، القاهرة. * قدامة بن جعفر: - الخراج وصناعة الكتابة، تحقيق محمد حسين الزبيدي، دار الحرية، بغداد- 1981 م. * ابن قدامة المقدسي: عبد الرحمن بن أبي عمر محمد بن أحمد (ت 620 هـ).

- الشرح الكبير على المغني، حاشية المغني، بعناية جماعة من العلماء، دار الكتاب العربي 1403 هـ. - المغني، نشر المكتبة الحديثة، الرياض. * القرطبي: أبو عبد الله محمد بن أحمد الأنصاري (ت 671 هـ) - الجامع لأحكام القرآن، ط 3، دار أحياء التراث العربي- 1387 هـ. * القلقشندي: - صبح الأعشى، مصر (1331 - 1338 هـ). * ابن القيم: محمد بن أبي بكر الزرعي الدمشقي (ت 751 هـ) - إعلام الموقعين عن رب العالمين، 4 مجلدات، تحقيق محمد محيي الدين عبد الحميد، مطبعة السعادة، القاهرة- 1374 هـ (1955 م). - الطرق الحكمية في السياسة الشرعية، القاهرة- 1317 هـ. * الكتاني: عبد الحي بن عبد الكبير بن محمد الحسني - التراتيب الإدارية، ط 1، مجلدان نشر دار الكتب العلمية، بيروت (بدون تأريخ). * ابن كثير: إسماعيل بن عمر (ت 774 هـ) - البداية والنهاية، 14 جزءاً، ط 1، مطبعة السعادة، القاهرة- 1351 هـ (1932 م). - مسند الفاروق (أطروحة دكتوراه، تحقيق مطر أحمد الزهراني) جامعة أم القرى- 1409 هـ. - تفسير القرآن العظيم، مكتبة دار التراث، القاهرة. * الكلاباذي: أبو نصر أحمد بن محمد (ت 398 هـ) - رجال صحيح البخاري، تحقيق عبد الله الليثي، ط 1، نشر دار المعرفة، بيروت- 1407هـ.

* الكلاعي: أبو الربيع سليمان بن موسى (ت 634 هـ) - الاكتفا في مغازي المصطفى والثلاثة الخلفا (حروب الردة) نشر أحمد غنيم، ط 2، نشر دار الاتحاد العربي للطباعة، القاهرة- 1401 هـ (1981 م). * الكندي: محمد بن يوسف - الولاة والقضاة، بيروت- 1908 م. * ابن الكيال: أبو البركات محمد بن أحمد (ت 939 هـ). - الكواكب النيرات، تحقيق عبد القيوم عبد رب النبي، مركز البحث العلمي للتراث الإسلامي، جامعة أم القرى، مكة المكرمة. ودار المأمون للتراث، دمشق، وبيروت- 1401هـ. * ابن ماجة: أبو عبد الله محمد بن يزيد القزويني (ت 275 هـ) - السنن، ط. محمد فزاد عبد الباقي، دار إحياء الكتب العربية، مصر- 1953 م. * مالك بن أنس (ت 179 هـ). - الموطأ برواية يحيى الليثي، بعناية محمد فؤاد عند الباقي، دار إحياء الكتب العربية، القاهرة. - الموطأ برواية الشيباني، تحقيق سيد أحمد صقر، القاهرة. - الموطأ بشرح السيوطي - المدونة الكبرى، مطبعة السعادة، القاهرة- 1323 هـ. * الماوردي: أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب البصري (ت 450 هـ). - الأحكام السلطانية، دار الكتب العلمية، بيروت. * ابن المبارك المروزي: عبد الله (ت 181 هـ).

- الزهد، تحقيق حبيب الرحمن الأعظمي، دار الكتب العلمية، بيروت. * المبرد: أبو العباس محمد بن يزيد النحوي (ت 285 هـ). - الكامل في اللغة والأدب، نشر مؤسسة المعارف، بيروت. * المتقي الهندي: علاء الدين علي المتقي بن حسام الدين الهندي البرهان فوري (ت 975 هـ). - كنز العمال، 16 مجلد، تحقيق بكري حياني وصفوت السقا، نشر مؤسسة الرسالة. وأحياناً نشر دار اللواء، الرياض- 1398 هـ (1978 م). * ابن المحب الطبري: أبو جعفر أحمد (ت 694 هـ). - الرياض النضرة في مناقب العشرة، ط 1، نشر دار الكتب العلمية، بيروت- 1405 هـ. * محمد بن يحيى الأشعري المالكي (ت 741 هـ). - التمهيد والبيان في مقتل الشهيد عثمان، * المزي: جمال الدين أبو الحجاج يوسف بن الزكي عبد الرحمن (ت 742 هـ). - تهذيب الكمال في أسماء الرجال، تحقيق بشار عواد معروف، نشر مؤسسة الرسالة، بيروت. - تحفة الأشراف بمعرفة الأطراف، نشر دار القيمة، بومباي- 1384 هـ. * المسعودي: أبو الحسن علي بن الحسن بن علي (ت 346 هـ). - مروج الذهب ومعادن الجوهر، ط 4، القاهرة - 1384 هـ (1964 م). * مسلم بن الحجاج النيسابوري (ت 261 هـ) - الصحيح، 5 مجلدات، تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي، ط 1، نشر دار إحياء الكتب العربية، مصر (1374 - 1375 هـ)، ونشر دار إحياء التراث العربي، بيروت.

وأحياناً بشرح النووي - التمييز، ملحق بكتاب منهج النقد عند المحدثين، تأليف محمد مصطفى الأعظمي، ط 3، مكتبة الكوثر، المملكة العربية السعودية- 1410 هـ. * مصعب الزبيري: مصعب بن عبد الله بن مصعب (ت 236 هـ). - نسب قريش، تحقيق ليفي بروفنسال، نشر دار المعارف، مصر. * المقريزي: تقي الدين أحمد (ت 845 هـ). - إمتاع الأسماع، تحقيق محمود شاكر، مطبعة لجنة التأليف والترجمة والنشر، القاهرة- 1941 م. - المواعظ والاعتبار بذكر الخطط والآثار المعروف بخطط المقريزي، مصر- 1327 هـ. * ابن منجويه: أحمد بن علي الأصبهاني (ت 428 هـ). - رجال صحيح مسلم، تحقيق عبد الله الليثي، ط 1، نشر دار الباز، مكة المكرمة 1407 هـ (1987 م). * موسى بن عقبة (ت 141 هـ). - المغازي، جمع وتحقيق محمد الباقشيش، رسالة ماجستير بإشراف أكرم العمري قدمت للجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة. * ابن النديم: محمد بن اسحق (ت 385 هـ). - الفهرست، نشر مكتبة خياط، بيروت. * النسائي: أبو عبد الرحمن أحمد بن شعيب (ت 303 هـ). - السنن، ط 1، دار الفكر، بيروت- 1348 هـ. وكذلك بشرح السيوطي وحاشية السندي، تحقيق عبد الفتاح أبو غدة، نشر مكتب المطبوعات الإسلامية، حلب. - خصائص علي، تحقيق أحمد ميرين البلوشي، نشر مكتبة المعلى، الكويت- 1406 هـ.

- كتاب الوفاة، تحقيق محمد زغلول، نشر مكتبة التراث الإسلامي، القاهرة. - فضائل الصحابة، نشر دار الكتب العلمية، ط 1، بيروت- 1405 هـ. * نصر بن مزاحم المنقري (ت 212 هـ). - صفين، تحقيق عبد السلام هارون، ط 2، القاهرة. * نعيم بن حماد (ت 228 هـ). الفتن، مخطوط بالمتحف البريطاني رقم 207، وقد صدر أخيراً بتحقيق سمير بن أمين الزهيري، نشر مكتبة التوحيد، القاهرة- 1412 هـ (1991 م). * أبو نعيم: أحمد بن عبد الله الأصبهاني (ت 430 هـ). - معرفة الصحابة، تحقيق محمد راضي حاج عثمان، ط 1، مكتبة الدار، المدينة المنورة- 1408 هـ. - تأريخ أصبهان، مجلدان، نشر الدار العلمية، دلهي، الهند- 1985 م. - حلية الأولياء، 10 مجلدات، مطبعة السعادة، مصر- 1357 هـ. - الإمامة والرد على الرافضة، تحقيق علي محمد فقيهي، ط 1، نشر مكتبة العلوم والحكم، المدينة المنورة- 1407 هـ. * النووي: أبو زكريا محيي الدين بن شرف (ت 676 هـ) - تهذيب الأسماء واللغات، 3 مجلدات، نشر إدارة المطبعة المنيرية، القاهرة. * النويري: شهاب الدين أحمد بن عبد الوهاب (ت 733 هـ). - نهاية الأرب في فنون الأدب، ط 2، دار الكتب المصرية، القاهرة- 1346 هـ. * ابن هشام: أبو محمد عبد الملك بن هشام الحميري (ت 218 هـ). - السيرة النبوية، ط. السقا ورفاقه، مصر- 1375 هـ. وأحياناً ط. محمد محيي الدين عبد الحميد.

- كتاب التيجان في ملوك حمير، حيدر آباد الدكن، الهند- 1347 هـ. * هشام الكلبي: - جمهرة النسب، تحقيق ناجي حسن، ط 1، نشر عالم الكتب، بيروت- 1407 هـ (1986م). * أبو هلال العسكري: أبو هلال بن عبد الله بن سهل (ت 395 هـ). - الأوائل، تحقيق محمد السيد الوكيل، نشر اسعد الحسيني، مطبعة دار الأمل، طنجة. * ابن الهمام الحنفي: كمال الدين (ت 861 هـ) - فتح القدير شرح الهداية، بولاق- 1318 هـ. * الهيثمي: علي بن أبي بكر (ت 807 هـ). مجمع الزوائد ومنبع الفوائد، ط 3، دار الكتاب العربي بيروت- 1402 هـ (1982م). - موارد الظمآن إلى زوائد ابن حبان، تحقيق محمد عبد الرزاق حمزة، نشر دار الكتب العلمية، بيروت. - بغية الباحث في زوائد مسند الحارث، تحقيق حسين الباكري، نشر مركز خدمة السنة والسيرة بالجامعة الإسلامية. - المقصد العلي في زوائد أبي يعلى الموصلي، مخطوطة مصورة بمكتبة الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة، وقد حقق قطعة منها نايف الدعيس لنيل الدكتوراه من الجامعة الإسلامية، ثم أصدرها كاملة في مجلدين سيد كسروي حسن، دار الكتب العلمية، بيروت- 1413 هـ (1993 م). - كشف الأستار عن زوائد البزار، ط 1، نشر مؤسسة الرسالة، بيروت- 1399 هـ * الواقدي: محمد بن عمر (ت 207 هـ). - المغازي، ط. مارسدن جونس، بيروت.

* وكيع: محمد بن خلف. - أخبار القضاة، القاهرة- 1950 م. * ياقوت بن عبد الله الحموي الرومي (ت 626 هـ). - معجم البلدان، دار صادر، بيروت- 1404 هـ. * يحيى ين آدم القرشي (ت 203 هـ). - الخراج، تحقيق أحمد محمد شاكر، ط 2، دار التراث، القاهرة. * يعقوب بن سفيان الفسوي (ت 277 هـ). - المعرفة والتاريخ، 4 مجلدات، تحقيق اكرم العمري، نشر مكتبة الدار، المدينة المنورة- 1410 هـ. * اليعقوبي: أحمد بن أبي يعقوب اسحق (ت 284 هـ). - التأريخ، بيروت- 1960 م. * أبو يعلى الموصلي: أحمد بن علي بن المثنى التميمي (ت 307 هـ). - المسند، تحقيق حسين سليم أسد، ط 1، دار المأمون للتراث- 1404 هـ. * أبو يوسف: يعقوب بن إبراهيم (ت 182 هـ). - الخراج، ط 5، المطبعة السلفية، القاهرة- 1396 هـ.

المراجع الحديثة

المراجع الحديثة * ادوين رايشاور: - اليابانيون، ترجمة ليلى الجبالي، سلسلة عالم المعرفة، الكويت- 1409 هـ (1989 م). * آرنولد توينبي: - تأريخ البشرية، ترجمة نقولا زيادة، نشر الأهلية للنشر والتوزيع، بيروت- 1981 م. - مختصر دراسة التاريخ، ط 1، ترجمة فؤاد محمد شبل، نشر الإدارة الثقافية بجامعة الدول العربية، القاهرة- 1960 م. * إحسان صدقي العمد: حركة مسيلمة الحنفي، حوليات كلية الآداب، الحولية العاشرة، الكويت- 1409 هـ (1988م). * أكرم العمري: - بحوث في تأريخ السنة المشرفة، نشر مؤسسة الرسالة، بيروت- 1975 م. - دراسات تأريخية، نشر المجلس العلمي بالجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة- 1403 هـ. - المجتمع المدني، نشر المجلس العلمي بالجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة- 1403 هـ. - السيرة النبوية الصحيحة، مجلدان، بيروت- 1414 هـ. * الأكوع: إسماعيل بن علي. - البلدان اليمانية عند ياقوت الحموي، ط 2، مؤسسة الرسالة، بيروت- 1408 هـ * الباز العريني: - الدولة البيزنطية، نشر دار النهضة العربية، بيروت- 1982 م.

* بتلر: ألفريد. ج - فتح العرب لمصر، عرَّبه محمد فريد أبو حديد، مطبعة دار الكتب المصرية، القاهرة 1351 هـ (1933 م). * البلادي: عاتق بن غيث - معجم المعالم الجغرافية في السيرة النبوية، ط 1، دار مكة للنشر، مكة- 1402 هـ. - بين مكة وحضرموت، ط 1، نشر دار مكة، مكة- 1402 هـ. * جمال محمد صادق القاضي: - فتوح الشام من كتاب الاكتفا، رسالة ماجستير قدمت للجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة. * جوزيف نسيم يوسف: - تاريخ الدولة البيزنطية، نشر مؤسسة شباب الجامعة، الإسكندرية- 1984 م. * أبو الحسن الندوي: - ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين، نشر الاتحاد الإسلامي العالمي للمنظمات الطلابية، الكويت- 1405 هـ (1985 م). * سعدي مهدي الهاشمي: - ابن سبأ حقيقة لا خيال، نشر مكتبة الدار، المدينة المنورة. * سعد عبد الفتاح عاشور: - أوربا العصور الوسطى، مجلدان، ط 8، مكتبة الأنجلو المصرية، القاهرة- 1981 م. * سليمان عند الله السويكت: - منهج المسعودي في كتابة التأريخ، ط 1، الرياض- 1407 هـ (1986 م).

* سليم النعيمي: - ظهور الخوارج، مجلة المجمع العلمي العراقي، ج 15، 1967 م. * سيد معظم حسين: - مناشدة لإقامة جامعة إسلامية حديثة (حل الازدواجية) ضمن كتاب: التعليم الإسلامي، أهدافه ومقاصده. * شاكر مصطفى: - التأريخ العربي والمؤرخون، ط 2، مجلدان، نشر دار العلم للملايين، بيروت- 1979 م. * شكري فيصل: - حركة الفتح الإسلامي، ط 6، نشر دار العلم للملايين، بيروت- 1982 م. * شمس الله محمد صديق: - منهج ابن كثير وموارده، أطروحة دكتوراه قدمت للجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة. * صالح أحمد العلي: - دراسات في تطور الحركة الفكرية، ط 1، نشر مؤسسة الرسالة، بيروت- 1403 هـ (1983م). - خطط البصرة- دراسة أحوالها العمرانية والمالية-، ط. المجمع العلمي العراقي- 1406 هـ. الدولة في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم، ط 1، نشر المجمع العلمي العراقي، بغداد- 1988م - التنظيمات الاجتماعية والاقتصادية في البصرة في القرن الأول الهجري، ط 2، دار الطليعة، بيروت- 1969 م. - امتداد العرب في صدر الإسلام، نشر مؤسسة الرسالة، بيروت- 1403 هـ (1983 م). - تاريخ العلماء وفهارس المصنفات في المصادر العربية (بحث في مجلة المجمع العلمي

العراقي، المجلد 34، ج 1). * صبحي محمصاني: - تراث الخلفاء الراشدين في الفقه والقضاء، ط 1، نشر دار العلم للملايين، بيروت- 1984م. * طه حسين: - الفتنة الكبرى، القاهرة 1953 م. * ظافر القاسمي: - نظام الحكم في الشريعة والتأريخ الإسلامي (السلطة القضائية)، ط 1، نشر دار النفائس، بيروت- 1398 هـ (1978 م). * عبد الحميد علي ناصر فقيه: - خلافة علي بن أبي طالب- دراسة نقدية للروايات-، رسالة ماجستير "بإشراف أكرم العمري قدت للجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة 1413 هـ. * عبد السلام محسن آل عيسى: - النواحي المالية في خلافة عمر بن الخطاب- دراسة نقدية للأسانيد بإشراف أكرم ضياء العمري، نالت درجة الماجستير من الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة. * عبد العزيز إبراهيم العمري: - الولاية على البلدان في عصر الخلفاء الراشدين، الرياض. * عبد العزيز البيتي: - ابن أعثم الكوفي، منهجه وموارده عن خلافة أبي بكر الصديق رضي الله عنه، رسالة ماجستير قدت للجامعة الإسلامية بإشراف أكرم ضياء العمري.

* عبد العزيز الدوري: - مقدمة في تأريخ صدر الإسلام، بيروت- 1960 م. - نشأة علم التأريخ عند العرب، ط 1، المطبعة الكاثوليكية، بيروت- 1960 م. - نظام الضرائب في صدر الإسلام، بحث في مجلة مجمع اللغة العربية بدمشق، مجلد 49، ج 2 سنة 1974 م. - الجزيرة العربية في عصر الخلفاء الراشدين (نظرة شاملة)، ضمن بحوث ندوة الجزيرة العربية، ج 1، نشر جامعة الملك سعود، الرياض- 1404 هـ. * عبد العزيز سليمان المقبل: - خلافة أبي بكر الصديق رضي الله عنه- دراسة نقدية للروايات باستثناء حروب الردة- رسالة ماجستير بإشراف أكرم ضياء العمري قدمت للجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة. * عبد العزيز عبد الله السلومي: - ديوان الجند، نشر مكتبة الطالب الجامعي، مكة- 1406 هـ (1986 م). * عبد العزيز محمد نور ولي: - حركة الردة في اليمن وحضرموت وعمان، رسالة ماجستير بالجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة. * عبد القديم زلوم: - الأموال في دولة الخلافة، ط 1، ط. دار العلم للملايين- 1403 هـ. * عبد الكريم زيدان: - الوجيز في أصوله الفقه، نشر مؤسسة الرسالة، بيروت- 1987 م. * علي ثائب العمري:

- النبذة في ترجمة أبي ذر وتاريخ الربذة، ط 1، الرياض- 1407 هـ. * غالي محمد الأمين الشنقيطي: - الدر الثمين في معالم دار الرسول الأمين، ط. دار القبلة للثقافة الإسلامية، جدة. وط 3، مؤسسة علوم القرآن، دمشق- 1411 هـ. * فؤاد سزكين: - تاريخ التراث العربي، مجلدان، ترجمة د. فهمي أبو الفضل، ود. محمود فهمي حجازي، نشر الهيئة المصرية العامة للكتاب- 1977 م. * كريستنسن: آرثر - إيران في عهد الساسانيين، ترجمة يحيى الخشاب، دار النهضة العربية، بيروت- 1982 م * ماسينيون: - خطط الكوفة وشرح خريطتها، ط 1، تعريب تقي محمد الصعبي، تحقيق كامل سلمان الجبوري، مطبعة العزى، النجف- 1399 هـ. * محمد الأمين محمد محمود أحمد مولود الجكني الشنقيطي: - السيرة النبوية في فتح الباري، اطروحة دكتوراه من الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة-1431هـ. * محمد الأمين بن المختار الشنقيطي: - مذكرة أصول الفقه، نشر المكتبة السلفية، المدينة المنورة- (بدون تأريخ). * محمد حميد الله: - مجموعة الوثائق السياسية، ط 5، دار النفائس، بيروت- 1405 هـ (1985 م).

* محمد سعيد رمضان البوطي: - الشورى في عهد الخلفاء الراشدين (بحث ضمن كتاب: الشورى في الإسلام) نشر المجمع الملكي الأردني- 1989 م. * محمد صامل السلمي: - منهج كتابة التأريخ الإسلامي، نشر دار طيبة، الرياض- 1406 هـ (1986 م). * محمد ضياء الدين الريس: - الخراج والنظم المالية للدولة الإسلامية، ط 4، ط. دار الأنصار، القاهرة- 1977 م. * محمد عبد القادر خريسات: - دور العرب المتنصرة في الفتوحات (ضمن بحوث المؤتمر الدولي الرابع لتأريخ بلاد الشام). * محمد عبد الله الغبان: - فتنة مقتل عثمان بن عفان رضي الله عنه، رسالة ماجستير بإشراف أكرم العمري قدمت للجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة- 1410 هـ. * محمد محمد علي العواجي: - خلافة عثمان بن عفان، رسالة ماجستير بإشراف أكرم العمري بالجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة. * محمد مصطفى الأعظمي: - دراسات في الحديث النبوي، نشر جامعة الرياض، (د. ت). * محمد ناصر الدين الألباني: - سلسلة الأحاديث الصحيحة، نشر المكتب الإسلامي، بيروت- المجلدة الأولى سنة 1972

م، والرابعة 1983 م. - إرواء الغليل في تخريج أحاديث منار السبيل، ط. المكتب الإسلامي- 1407 هـ. - صحيح سنن أبي داؤد، ط 1، نشر مكتب التربية العربي لدول الخليج- 1409 هـ. - صحيح سنن الترمذي، ط 1، نشر مكتب التركية العربي لدول الخليج- 1409 هـ. - ضعيف سنن أبي داؤد، ط. المكتب الإسلامي- 1412 هـ. - صحيح سنن النسائي - صحيح ابن ماجة، ط 1، نشر مكتب التربية العربي لدول الخليج- 1408 هـ. * محمد النقيب العطاس: - التعليم الإسلامي، أهدافه ومقاصده (بالانكليزية)، ترجمة د. عبد الحميد الخريبي، نشر مؤسسة عكاظ وجامعة الملك عبد العزيز، جدة- 1984 م. * مصطفى محمد مسعد: - التنظيم الإداري في الجزيرة العربية في عصر الخلفاء الراشدين، بحث ضمن ندوة دراسات تاريخ الجزيرة العربية، الكتاب الثالث، الجزيرة العربية في عصر الرسول والخلفاء الراشدين، نشر جامعة الملك سعود، الرياض- 1404 هـ (1983 م). * ملكة أبيض: - التربية والثقافة العربية الإسلامية في الشام والجزيرة، نشر دار العلم للملايين، بيروت- 1980 م. * مناع القطان: - النظام القضائي في العهد النبوي وعهد الخلافة الراشدة (ضمن وقائع ندوة النظم الإسلامية، أبو ظبي 1405 هـ- 1984 م). * مهدي رزق الله أحمد: - الثابتون على الإسلام أيام فتنة الردة بحث منشور في مجلة كلية الآداب بجامعة الملك سعود

* ناصر الدين الأسد: - مصادر الشعر الجاهلي وقيمتها التاريخية، مصر- 1956 م. * ناصر بن عقيل الطريفي: - القضاء في خلافة عمر بن الخطاب، ط 1، دار المدني- 1406 هـ (1986 م). * ناللينو. ك: - علم الفلك تأريخه عند العرب في القرون الوسطى، روما- 1911 م. * هشام جعيط: - الفتنة، دار الطليعة، بيروت- 1992 م. * همام سعيد: - عرض الأحاديث النبوية المتعلقة بالشورى ودراستها (بحث ضمن-كتاب: الشورى في الإسلام ص 85 - 98) نشر المجمع الملكي الأردني- 1989 م. * هيجل: ج. ف. ف - محاضرات في فلسفة التأريخ، ج 1، ترجمة إمام عبد الفتاح إمام، نشر دار الثقافة، القاهرة- 1980 م. * ول ديورانت: - قصة الحضارة، 42 مجلدة، نشر الإدارة الثقافية بجامعة الدول العربية 1978 - 1986 م. * ولز: هـ. ج (ت 1946 م) - موجز تاريخ الإنسانية، 4 مجلدات، ترجمة عبد العزيز توفيق جاويد، مطبعة لجنة التأليف والترجمة والنشر، القاهرة- 1967 م.

* يحيى ابراهيم اليحيى: - الروايات التأريخية في فتح الباري- الخلافة الراشدة والدولة الأموية- جمع ودراسة، أطروحة دكتوراه قدمت للجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة- 1411 هـ.

المؤلف

المؤلف السيرة الذاتية: * من مواليد الموصل شمال العراق سنة 1942 م. * متخرج من كلية التربية عام 1384 هـ (1963 م). * حصل على الماجستير في التأريخ الإسلامي من كلية الآداب بجامعة بغداد عام 1386 هـ (1966 م) وكانت رسالته (بحوث في تأريخ السنة المشرفة) مع تحقيق (طبقات خليفة بن خياط). * حصل على الدكتوراه في التأريخ الإسلامي من جامعة عين شمس بالقاهرة عام 1394 هـ (1974 م) في أطروحته (موارد الخطيب البغدادي في تأريخ بغداد) * بدأ التدريس بكلية الآداب بجامعة بغداد منذ سنة 1386 هـ (1966م) إلى سنة 1396 هـ (1976 م) حيث أعيرت خدماته للجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة. * عمل بالجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة رئيساً لقسم الدراسات العليا ما بين سنة 1397 - 1403 هـ. * عمل رئيساً للمجلس العلمي بالجامعة الإسلامية خلال الفترة 1398 - 1403 هـ عمل أستاذا للتأريخ الإسلامي في قسم الدراسات العليا بالجامعة الإسلامية حيث أشرف على عشرات الرسائل للماجستير والدكتوراه، ثم عمل أستاذا في قسم التأريخ بكلية الدعوة وأصول الدين إلى تأريخ 2 - 8 - 1415 هـ. * يعمل حالياً في قسم الشؤون العلمية بمجمع الملك فهد لطباعة المصحف بالمدينة المنورة وعضواً في مجلس مركز خدمة السنة والسيرة النبوية منذ تأسيسه، وعضوا في المجلس العلمي بمجمع الملك فهد لطباعة المصحف بالمدينة المنورة. * أشرف على عشرات الرسائل الجامعية للماجستير والدكتوراه خلال السنوات العشرين الماضية في الجامعات العربية وخاصة الجامعات السعودية كما ناقش عدداً

مؤلفاته

كبيراً منها في تخصصات الحديث النبوي، والتأريخ الإسلامي، والتربية الإسلامية. مؤلفاته: 1 - السيرة النبوية الصحيحة، محاولة لتطبيق قواعد المحدثين في نقد روايات السيرة، مجلدان، ط 2، مكتبة العلوم والحكم، المدينة المنورة- 1414 هـ وقد ترجم معظمه، ونشر باللغتين التركية ISTANBUL 1988. والانكليزية U.S.A 1991 MARYLAND 2 - بحوث في تأريخ السنة المشرفة، طبع خمس مرات في بغداد وبيروت والمدينة المنورة في سنة 1967 م، 1972 م، 1975 م، 1984 م، والطبعتان الأولى والثانية بتعضيد من جامعة بغداد. والطبعة الأخيرة مطورة، وتقع في 500 صفحة. 3 - موارد الخطيب في تأريخ بغداد، طبع بدمشق سنة 1975 م وبيروت 1984 م، والطبعة الأولى بتعضيد من جامعة بغداد. 4 - دراسات تأريخية، نشُر المجلس العلمي بالجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة- 1983 م. 5 - التراث والمعاصرة، طبعتان، نشر رئاسة الشؤون الدينية، قطر 1405 هـ كما طبع باللغة التركية ISTANBUL 1991 6 - الإسلام والوعي الحضاري، بيروت- 1408 هـ. 7 - تراث الترمذي العلمي، نشر مكتبة الدار بالمدينة المنورة-1413 هـ. 8 - مجتمع المدينة في عصر النبوة، مكتبة الدار بالمدينة المنورة 1415 هـ 9 - مناهج البحث وتحقيق التراث، نشر مؤسسة الرسالة، بيروت- 1415 هـ، ويقع في 360 صفحة، وهو تطوير لكتابه "تعليقه في مناهج البحث وتحقيق المخطوطات"، نشر مكتبة الدار بالمدينة المنورة- 1414 هـ. 10 - قيم المجتمع الإسلامي من منظور تأريخي، نشر في جزئين ضمن سلسلة كتاب الأمة- قطر- 1414 هـ.

التحقيقات

11 - التربية الروحية والاجتماعية في الإسلام، نشر من قبل مركز خدمة السنة بجامعة قطر. 12 - عصر الخلافة الراشدة: محاولة لتطبيق قواعد النقد عند المحدثين على الرواية التأريخية، نشر مكتبة العلوم والحكم، المدينة المنورة- 1414 هـ. عصر السيرة النبوية، ضمن مرجع في تأريخ العرب، من إعداد المنظمة العربي للتربية والثقافة والعلوم، جامعة الدول العربية، ولم يطبع بعد (400 صفحة). 13 - من فقه السيرة النبوية العطرة، نشر النادي الأدبي بمكة المكرمة (تحت الطبع) 14 - الحياة الاجتماعية والاقتصادية في عصر السيرة النبوية (تحت الطبع). التحقيقات 15 - تأريخ خليفة بن خياط، 3 طبعات، العراق- 1967 م، بتعضيد من المجمع العلمي العراقي، ودمشق- 1977 م، والرياض- 1984 م. 16 - طبقات خليفة بن خياط، طبعتان، الأولى ببغداد- 1967 م بتعضيد من جامعة بغداد، والثانية بالرياض- 1983 م. 17 - المعرفة والتأريخ، ليعقوب بن سفيان (ت 277 هـ)، 3 طبعات الأولى ببغداد- 1974 م من قبل وزارة الأوقاف العراقية، والثانية نشر مؤسسة الرسالة ببيروت- 1976 م، والثالثة نشر مكتبة الدار بالمدينة المنورة- 1988 م. 18 - أزواج النبي، لابن زبالة، نشر المجمع العلمي بالجامعة الإسلامية- 1982م. 19 - بقي بن مخلد القرطبي ومقدمة مسنده عدد ما لكل واحد من الصحابة من الحديث، بيروت- 1984 م. 20 - مسند خليفة بن خياط، بيروت- 1985 م. 21 - تركة النبي، لحماد بن إسماعيل، بيروت- 1983.

البحوث

البحوث: 22 - منهج المحدثين في النقد مقارناً بالميثودولوجيا الغربية، مجلة السنة، جامعة قطر- 1412 هـ. 23 - الخطيب البغدادي: سيرته الذاتية، بيئته الحضارية، إنتاجه الفكري واهتماماته التربوية، ضمن كتاب "من أعلام التربية العربية الإسلامية"، مجلدة 2، نشر مكتب التربية العربي لدول الخليج- 1409 هـ (1988 م). 24 - موقعة عين جالوت.، نشر مجلة الشرطة 1968 م. 25 - القراءة المجدولة وأثرها. 26 - الإستشراق، نشر مجلة مركز السنة والسيرة، جامعة قطر 1415 هـ.

§1/1