طهور المسلم في ضوء الكتاب والسنة
سعيد بن وهف القحطاني
بسم الله الرحمن ... الرحيم قال الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ ... } البقرة: 222. وقال - صلى الله عليه وسلم -: ((الطهور شطر الإيمان)).
المقدمة
بسم الله الرحمن الرحيم المقدمة إن الحمد لله، نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهدِهِ الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وسلم تسليماً كثيراً. أما بعد: فهذه رسالة مختصرة في ((طهور المسلم)) بينت فيها: مفهوم، وفضائل، وآداب، وأحكام الطهارة التي هي شطر الإيمان، ومفتاح الصلاة، وذكرت فيها كل ما يحتاجه المسلم في طهارته ونظافته ونزاهته، كل ذلك مقروناً بالأدلة من الكتاب والسنة، فما كان من صواب فمن الله الواحد المنّان، وما كان من خطأ أو تقصير فمني ومن الشيطان، والله
بريء منه ورسوله - صلى الله عليه وسلم - (¬1). وقد عرضت ما أشكل عليّ من مسائله الخلافية على سماحة الإمام العلامة عبد العزيز بن عبد الله ابن باز، رحمه الله تعالى، وأعظم مثوبته، فأخذت بما يُرجحه (¬2)، غفر الله له ورحمه. وقد قسمت البحث إلى تسعة مباحث وتحت كل مبحث مطالب ومسالك في الغالب مرقَّمة على النحو الآتي: - المبحث الأول: مفهوم الطهارة وأنواعها. - المبحث الثاني: أنواع النجاسات ووجوب تطهيرها أو زوالها. ¬
- المبحث الثالث: سنن الفطرة وأنواعها. - المبحث الرابع: آداب قضاء الحاجة. - المبحث الخامس: الوضوء. - المبحث السادس: المسح على الخفين والعمائم والجبيرة. - المبحث السابع: الغسل. - المبحث الثامن: التيمم. - المبحث التاسع: الحيض والنفاس والاستحاضة والسلس. وأسأل الله العظيم بأسمائه الحسنى وصفاته العُلا أن يجعل هذا العمل القليل مباركاً خالصاً لوجهه الكريم، مقرباً لمؤلفه، وقارئه، وطابعه، وناشره من جنات النعيم، وأن ينفعني به في حياتي وبعد مماتي، وأن ينفع به كل من انتهى إليه، إنه خير مسئول، وأكرم مأمول، وهو حسبنا ونعم الوكيل، والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام الأتمان الأكملان على سيد الناس أجمعين، نبينا محمد
وعلى آله وأصحابه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. المؤلف حرر يوم الإثنين يوم التروية 8/ 12/1415هـ
المبحث الأول: تعريف الطهارة وأنواعها
المبحث الأول: تعريف الطهارة وأنواعها 1 ـ مفهوم الطهارة: - الطهارة لغة: النظافة والنزاهة عن الأقذار الحسية والمعنوية. - وشرعاً: ارتفاع الحدث بالماء أو التراب الطهورين المباحين، وزوال النجاسة والخبث، فالطهارة هي زوال الوصف القائم بالبدن المانع من الصلاة ونحوها (¬1). 2 - الطهارة نوعان: معنوية وحسية: النوع الأول: الطهارة الباطنة المعنوية، وهي: الطهارة من الشرك والمعاصي، وتكون بالتوحيد والأعمال الصالحة، وهي أهم من طهارة البدن، بل لا يمكن أن تقوم طهارة البدن مع وجود نجس الشرك ¬
النوع الثاني: الطهارة الحسية
{إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ} (¬1)، وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((إن المؤمن لا ينجس)) (¬2)، فيجب على كل مُكلَّفٍ أن يُطَهِّرَ قلبه من نجاسة الشِّرك، والشَّكِّ، وذلك بالإخلاص والتوحيد، واليقين. ويُطَهِّر نفسه وقلبه من أقذار المعاصي، وآثار الحسد، والحقد، والغلّ، والغِشّ، والكبر، والعجب، والرِّياء والسُّمعة ... وذلك بالتوبة الصادقة من جميع الذنوب والمعاصي. وهذه الطهارة هي شطر الإيمان والشطر الثاني هي الطهارة الحسية. النوع الثاني: الطهارة الحسية: وهي الطهارة من الأحداث والأنجاس، وهذا هو شطر الإيمان الثاني، قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((الطهور شطر الإيمان)) (¬3). وتكون بما شرع الله من الوضوء، والغسل، أو التيمم عند فقد الماء. ¬
3 - تكون الطهارة بطهورين:
وزوال النجاسة أو إزالتها من اللِّباس، والبدن، ومكان الصلاة (¬1). 3 - تكون الطهارة بطهورين: الأول: الطهارة بالماء، وهي الأصل، فكلُّ ماءٍ نزل من السماء، أو خرج من الأرض وهو باقٍ على أصل خلقته فهو طهور، يُطهِّر من الأحداث والأخباث، ولو تغير طعمه، أو لونه، أو ريحه بشيء طاهر، لقوله - صلى الله عليه وسلم -: ((إن الماء طَهورٌ لا ينجِّسُهُ شيء)) (¬2)، ومن ذلك: ماء المطر، ومياه العيون، والآبار، والأنهار، والأودية، والثلوج الذائبة، والبحار، قال - صلى الله عليه وسلم - في ماء البحر: ((هو الطّهور ماؤه ¬
الثاني: الطهارة بالصعيد الطاهر
الحِلُّ ميتته)) (¬1). أما ماء زمزم فقد ثبت من حديث علي - رضي الله عنه -: ((أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - دعا بسجلٍ من زمزم فشرب منه وتوضأ)) (¬2)، فإن تغير: لون الماء، أو طعمه، أو ريحه بنجاسة فهو نجس بالإجماع يجب اجتنابه (¬3). الثاني: الطهارة بالصعيد الطاهر، وهو بدل عن الطهارة بالماء، إذا تعذر استعمال الماء لأعضاء الطهارة، أو بعضها لعدمه، أو خوف ضرر باستعماله فيقوم التراب الطاهر مقام الماء (¬4). ¬
المبحث الثاني: أنواع النجاسات ووجوب تطهيرها أو زوالها
المبحث الثاني: أنواع النجاسات ووجوب تطهيرها أو زوالها النجاسة: هي القذارة التي يجب على المسلم أن يتنزَّه عنها ويغسل ما أصابه منها، قال الله تعالى: {وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ} (¬1)، وقال سبحانه: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُواْ النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلاَ تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّىَ يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ} (¬2) ومن هذه النجاسات ما يأتي: 1 - بول الآدمي وغائطه، ويكون تطهيره بالغسل والإزالة على النحو الآتي: أ - تطهير بول الغلام والجارية .. قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((بول الغلام يُنضَح (¬3) وبول الجارية يُغْسَل)) (¬4) وهذا ¬
ب- تطهير النعل
((ما لم يطعما، فإن طعما غُسِلا جميعاً)) (¬1). ب- تطهير النعل يكون بالدَّلك في الأرض؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم -: ((إذا وَطِئَ أحدكم بنعليه الأذى؛ فإن التراب له طهور)) (¬2). ج - تطهير ذيل ثوب المرأة: يُطَهِّرُهُ التراب، فقد ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أن المرأة إذا مشت في الطريق القذر، وبعده مكان طاهر أطيب منه، فإن ذيل ثوبها يطهر بذلك؛ ولهذا قال - صلى الله عليه وسلم -: ((يطهره ما بعده)) (¬3). ¬
د- تطهير الأرض والفراش
د - تطهير الأرض والفراش، إذا أصاب البول أو الغائط الأرض أو الفراش، فإن الغائط يزال ويصب مكانه ماء، أما البول فيكاثر بالماء؛ ولهذا قال - صلى الله عليه وسلم - في الأعرابي الذي بال في المسجد: ((دعوه وأهريقوا على بوله سجلاً من ماء أو ذنوبًا من ماء، فإنما بعثتم ميسرين ولم تبعثوا معسرين)) (¬1)، وتزال آثار الغائط والبول بالاستنجاء أو الاستجمار كما سيأتي إن شاء الله تعالى. 2 - دم الحيض، يُطهر بالدَّلْك والغسل، قال - صلى الله عليه وسلم - في دم الحيض يصيب الثوب: ((تَحتُّهُ، ثم تَقْرُصُه بالماء، ثم تَنْضَحُهُ، ثم تُصلي فيه)) (¬2). ¬
3 - ولوغ الكلب في الإناء
3 - ولوغ الكلب في الإناء (¬1)، قال - صلى الله عليه وسلم -: ((طهور إناء ¬
4 - الدم المسفوح ولحم الخنزير والميتة
أحدكم إذا ولغ فيه الكلب أن يغسله سبع مرات أُولاهنَّ بالتُّراب))، وفي رواية: ((فليرقه ... )) الحديث (¬1). 4 - الدم المسفوح ولحم الخنزير والميتة، {قُل لاَّ أَجِدُ فِي مَا أُوْحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلاَّ أَن يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَّسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ} (¬2). وجلد الميتة - التي يؤكل لحمها في حياتها (¬3) بعد ذكاتها - يطهر بالدباغ، كما قال - صلى الله عليه وسلم -: ((إذا دُبغ الإهاب فقد طَهُر)) (¬4). ¬
5 - الودي
أما ميتة الجراد والسمك، فقد جاء عنه - صلى الله عليه وسلم -: ((أُحلّ لنا ميتتان ودمان: أما الميتتان فالحوت والجراد، وأما الدمان الكبد والطحال)) (¬1). 5 - الوَدْيُ: ماء أبيض ثخين، يخرج كَدِراً بعد البول، ويُطهّرُ بغسل الذكر، ثم الوضوء (¬2)، وإذا أصاب ¬
6 - المذي
البدن منه شيء غُسل. 6 - المذي: وهو ماء أبيض لزج يخرج عند التفكير بالجماع أو عند الملاعبة، وهو من النجاسات التي يشق الاحتراز عنها فخُفِّف تطهيره، فمن حصل له ذلك: ((فليغسل ذكره وأنثييه (¬1) وليتوضأ وضوءه للصلاة)) (¬2)، ويغسل ما أصاب البدن، ويرش كفَّاً من ماء على ما أصاب الثوب أو السراويل؛ لحديث سهل بن حنيف - رضي الله عنه - (¬3). 7 - المني: هو ما يخرج دفقاً بِلَذَّةٍ، ويوجب ¬
8 - الجلالة
الغسل، وهو طاهر على الصحيح (¬1)، ولكن يستحب غسله إذا كان رطباً، وفركه إذا كان يابساً، فقد ثبت عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت لرجل يغسل ثوبه من المني: ((إنما كان يجزئك إن رأيته أن تغسل مكانه، فإن لم تَرَ نضحت حوله، ولقد رأيتني أفركه من ثوب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيصلِّي فيه)) (¬2)، وفي رواية: ((وإني لأحكُّهُ من ثوب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يابساً بظفري)) (¬3)، وقالت: ((إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يغسل المني، ثم يخرج إلى الصلاة في ذلك الثوب، وأنا أنظر إلى أثر الغسل فيه)) (¬4). 8 - الجلاّلة: وهي الدابة التي تأكل العذرة، فإذا حُبِست حتى يزول عنها اسم الجلاّلة فلحومها وألبانها طاهرة حلال بعد الحبس، فقد ثبت عن ابن عمر، رضي الله ¬
9 - الفأرة
عنهما، أنه قال: ((نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن لحوم الجلاّلة وألبانها)) (¬1)، وكان ابن عمر إذا أراد أكل الجلاّلة حبسها ثلاثاً (¬2)، وعنه يرفعه: ((نهى عن الجلاّلة في الإبل أن يركب عليها، أو يشرب من ألبانها)) (¬3). 9 - الفأرة: إذا وقعت الفأرة في السمن - سواء كان مائعاً أو جامداً - تُلْقَى وما حولها، فعن ميمونة رضي الله عنها، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سُئل عن فأرة سقطت في سمن فقال: ((ألقوها وما حولها فاطرحوه، وكلوا سمنكم)) (¬4)، ¬
10 - بول وروث ما يؤكل لحمه
هذا إذا لم يكن في السمن المتبقي أثر النجاسة في طعمه، أو لونه، أو رائحته، وإلا أُلقي ما تبقى، فيكون كالماء: إذا لم يتغير أحد أوصافه بنجاسة فهو طهور والله أعلم (¬1). 10 - بول وروث ما يؤكل لحمه: نجس؛ لحديث جابر - رضي الله عنه -: ((نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يُتمسح بعظم أو ببعر)) (¬2)، وثبت أنه - صلى الله عليه وسلم - امتنع من الاستجمار بالروث، وقال: ((هذا ركس)) (¬3). أما بول وروث مأكول اللحم فطاهر؛ لأمر النبي - صلى الله عليه وسلم - الصحابة بالشرب من بول الإبل (¬4)، ولهذا كان النبي - صلى الله عليه وسلم -: ¬
11 - إذا كان في الثوب أو البدن أو البقعة نجاسة
((يصلي في مرابض الغنم قبل أن يبني المسجد)) (¬1). 11 - إذا كان في الثوب أو البدن أو البقعة نجاسة، وذكرها المصلي في الصلاة أو بعد الصلاة؛ فإن ذلك فيه تفصيل: أ - إذا ذكر ذلك وهو في الصلاة، أزال النجاسة، أو ألقى ما عليه نجاسة بشرط عدم كشف العورة، واستمر في صلاته، وصلاته صحيحة. ب- إذا لم يستطع إزالتها أثناء الصلاة بحيث لو ألقى ما عليه النجاسة انكشفت عورته، أو كانت النجاسة على بدنه، فحينئذ ينصرف من صلاته ثم يزيل النجاسة ثم يعيد الصلاة. ج- إذا ذكر بعد الانصراف من الصلاة أنه صلى في ثوب فيه نجاسة، أو صلى على بقعة فيها نجاسة، أو صلى ¬
وفي جسده نجاسة، فصلاته صحيحة، ويدل على ذلك كله حديث أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه -، حيث قال: صلى بنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذات يوم، فلما كان في بعض صلاته خلع نعليه فوضعهما عن يساره، فلما رأى الناس ذلك خلعوا نعالهم، فلما قضى صلاته - صلى الله عليه وسلم - قال: ((ما بالكم ألقيتم نعالكم؟)) قالوا: رأيناك ألقيت نعليك فألقينا نعالنا. فقال - صلى الله عليه وسلم -: ((إن جبريل أتاني فأخبرني أن فيهما قذراً - أو قال أذى - فألقيتهما، فإذا جاء أحدكم إلى المسجد فلينظر في نعليه فإن رأى فيهما قذراً -أو قال: أذىً - فليمسحهما وليصلّ فيهما)) (¬1). وهذا خاص بإزالة النجاسة، أما من صلَّى وذكر وهو في صلاته أو بعد الانصراف منها أنه على غير وضوء، أو ذكر أنَّ عليه جنابة؛ فإنَّ صلاته باطلة من أولها؛ سواء ذكر أثناء الصلاة أو بعد الانصراف منها، وعليه أن يرفع ¬
12 - الخمر
الحدث ثم يُعيد الصلاة؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم -: ((لا تُقبل صلاة بغير طهور ... )) (¬1). 12 - الخمر: جماهير العلماء على أن الخمر نَجِسَة العين. قال شيخ الإسلام ابن تيمية، رحمه الله تعالى: (( ... والمائعات المسكِّرة كلها نَجِسة؛ لأنَّ الله سمَّاها رِجساً، والرِّجس هو القَذِر والنّجس الذي يجب اجتنابه، وأمر باجتنابه مطلقاً وهو يَعُمُّ الشُّرب، والمسّ وغير ذلك، وأمر بإراقتها ولعن النبي - صلى الله عليه وسلم - عينها ... )) (¬2) وقال الشنقيطي رحمه الله: ((وجماهير العلماء على أن الخمر نّجِسَة العين لما ذكرنا، وخالف في ذلك ربيعة، والليث، والمزني صاحب الشافعي وبعض المتأخرين من البغداديين والقرويين كما نقله عنهم القرطبي في تفسيره، واستدلُّوا لطهارة عينها بأنَّ المذكورات معها في الآية (¬3): ¬
من مال مَيْسرَ، ومال قِمَار، وأَنْصاب، وأزْلام ليست نجسة العين وإن كانت محرمة الاستعمال، وأُجيب من جهة الجمهور بأنَّ قوله: {رجس} يقتضي نجاسة العين في الكل، فما أخرجه إجماع أو نص خرج بذلك، وما لم يخرجه نص ولا إجماع لزم الحكم بنجاسته؛ لأن خروج بعض ما تناوله العام بمخصص من المخصصات لايسقط الاحتجاج به في الباقي كما هو مقرر في الأصول .. وعلى هذا فالمسكِّر الذي عمَّت به البلوَى اليوم بالتَّطيُّب به المعروف في اللِّسان الدارج: (بالكلونيا) نجس لا تجوز الصَّلاة به، ويُؤَيِّدُهُ أنَّ قوله تعالى: {فَاجْتَنِبُوهُ} يقتضي الاجتناب المطلق الذي لا ينتفع معه بشيء من المسكِّر، وما معه في الآية بوجهٍ من الوجوه .. فلا يخفى على منصف أن التضمخ بالطيب المذكور والتّلذُّذ بريحه واستطابته واستحسانه - مع أنه
13 - الأصل في الأشياء: الطهارة والإباحة
مسكر، والله يُصَرِّحُ في كتابه بأنَّ الخمر رجس - فيه ما فيه، فليس لمسلم أن يتطيب بما سمع ربه يقول فيه: {إنَّهُ رِجْسٌ} كما هو واضح، ويُؤَيِّدُهُ أنّه - صلى الله عليه وسلم -، أمر بإراقة الخمر، فلو كانت فيها منفعة أخرى لبيّنها كما بيَّن جواز الانتفاع بجلود الميتة، ولَما أراقها (¬1). 13 - والخلاصة: أنَّ الأصل في الأشياء: الطَّهارة والإباحة، فإذا شكَّ المسلم في نجاسة ماء، أو ثوب، أو بُقعة أو غيرها فهو طاهر، وكذلك إذا تيقَّن الطهارة ثم شك هل تنجس أم لا؟ بنى على ما تَيَقَّنَهُ من طهارةٍ، وكذلك إذا تَيقَّن النجاسة وشكَّ في الطهارة بنى على ما تيقَّنه، وكذلك إذا تيقَّن الحدث وشكَّ في زواله بنى على ما تيقّنه، وإذا شكَّ في عدد الركعات، أو الأطواف، أو ¬
14 - وجميع الأواني مباحة
الطلقات بنى على اليقين وهو الأقل، وهذه قاعة عظيمة وهي استصحاب الحال المعلوم واطِّراح الشكّ (¬1)؛ ولهذا قال - صلى الله عليه وسلم -، للرجل الذي يُخيَّل إليه أنه يجد الشيء في الصلاة: ((لا ينصرف حتى يسمع صوتاً أو يجد ريحاً)) (¬2). 14 - وجميع الأواني مباحة؛ لأن الأصل فيها الإباحة (¬3) إلا ما خصَّه الدليل بالتَّحريم، كآنية الذَّهب والفضّة وما فيه شيء منهما - إلا الضبَّة اليسيرة من ¬
الفضة في الإناء للحاجة (¬1) -؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم -: ((لا تشربوا في آنية الذهب والفضة ولا تأكلوا في صحافهما فإنها لهم في الدنيا ولكم في الآخرة)) (¬2). ¬
المبحث الثالث: سنن الفطرة
المبحث الثالث: سنن الفطرة الفطرة المقصودة في هذا المبحث: هي السُّنَّة عند أكثر أهل العلم. قالوا: والمعنى: إنها من سنن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، ولا شكَّ أنّ بعض الخصال واجبة وبعضها مُستحبة، ولا يمتنع قرن الواجب بغيره (¬1)، ومن هذه الخصال ما يلي: 1 - الختان: وهو قطع جميع الجلدة التي تُغطِّي حشفة الرجل حتى تنكشف جميع الحشفة، وأما المرأة فَيُقطع الجزء الأعلى من اللَّحمة التي كالنَّواة، وهي تُشبه عُرف الدِّيك، وهي في أعلى الفرج فوق محل الإيلاج، ويُستحبُّ أن لا تُؤخذ كُلُّها؛ لأنَّ المقصود تقليل شهوتها (¬2)؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم - لبعض الختَّانات في المدينة: ((إذا ¬
خفضت (¬1) فأشمِّي (¬2) ولا تنهكي (¬3) فإنه أسرى للوجه وأحظى عند الزوج)) (¬4). والختان يجب على الرجال، ويُستحب في حق النساء على الصحيح من أقوال أهل العلم (¬5)؛ ولهذا ((اختتن إبراهيم - عليه السلام - وهو ابن ثمانين سنة بالقَدُّوم)) (¬6)؛ ولحديث: ¬
2 - حلق العانة
((ألقِ عنك شعر الكُفر واختتن)) (¬1). 2 - حلق العانة. 3 - نتف الإبط. 4 - تقليم الأظفار. 5 - قصُّ الشَّارب. وهو واجب (¬2)؛ لحديث أبي هريرة - رضي الله عنه -، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((الفطرة خمس، أو خمس من الفطرة: الختان، والاستحداد، ونتف الإبط، وتقليم الأظفار، وقصّ الشَّارب)) (¬3). وقد وقَّت النبي - صلى الله عليه وسلم - أكثر المُدَّة التي تُتْرَك فيها هذه الخصال، قال أنس - رضي الله عنه -: ((وُقِّت ¬
6 - إعفاء اللحية
لنا في قص الشارب، وتقليم الأظفار، ونتف الإبط، وحلق العانة أن لا نترك أكثر من أربعين ليلة)) (¬1). 6 - إعفاء اللحية. وهو واجب؛ لحديث ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((خالفوا المشركين، وفِّروا اللحى وأَحفوا الشَّوارب)) (¬2). وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - يرفعه: ((جُزُّوا الشوارب وأرخوا اللِّحَى، خالفوا المجوس)) (¬3). ومن حديث ابن عمر يرفعه: ((أنهكوا الشوارب وأعفوا اللحى)) (¬4). وقد جاء الوعيد فيمن لم يأخذ من شاربه، ففي حديث زيد بن أرقم - رضي الله عنه -: ((من لم يأخذ من شاربه فليس منَّا)) (¬5). ¬
7 - السواك
7ـ السِّواك: يُستحب السِّواك في جميع الأوقات؛ لحديث عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((السّواك مطهرةٌ للفمِّ مرضاةٌ للرّبِّ)) (¬1). ويتأكد استحباب السِّواك في عدة أحوال: الأول: عند الانتباه من النَّوم؛ لحديث حذيفة - رضي الله عنه - قال: ((كان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا قام من اللَّيل يَشُوصُ فاهُ بالسِّواك)) (¬2). الثاني: عند كل وضوء؛ لحديث أبي هريرة - رضي الله عنه -،عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: ((لولا أن أشقَّ على أُمتي لأمرتهم بالسِّواك عند كلِّ وضوء)) (¬3). ¬
الثالث: عند كل صلاة
الثالث: عند كل صلاة؛ لحديث أبي هريرة - رضي الله عنه -، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((لولا أن أشقَّ على أمتي أو على الناس لأمرتهم بالسِّواك مع كلّ صلاة)) (¬1). الرابع: عند دخول المنزل؛ لحديث عائشة رضي الله عنها: ((أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان إذا دخل بيته بَدَأَ بالسِّواك)) (¬2). الخامس: عند تَغَيُّر رائحة الفم أو طعمه، أو اصفرار لون الأسنان من طعام أو شراب؛ لما رُويَ في ذلك (¬3)؛ ولأنَّ السواك إنَّما شُرع لتطييب الفم وتطهيره وتنظيفه، فإذا تغيَّر فقد تحقق السبب المقتضي له، فكان أولى منه ¬
السادس: عند قراءة القرآن
عند الاستيقاظ من النوم (¬1). السادس: عند قِراءة القرآن الكريم، لحديث علي - رضي الله عنه -، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((إن العبد إذا تسوَّك ثم قام يصلي قام الملكُ خلفه فيستمع لقراءته فيدنو منه))، أو كلمة نحوها ((حتى يضع فاه على فيه فما يخرج من فيه شيء من القرآن إلا صار في جوف الملك، فطهِّروا أفواهكم للقرآن)) (¬2). السابع: قبل الخروج من البيت إلى الصلاة؛ لحديث زيد بن خالد الجهني - رضي الله عنه - قال: ((ما كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يخرج من بيته لشيءٍ من الصلاة حتى يستاك)) (¬3). ويستحب الاستياك على اللسان؛ لأن أبا موسى ¬
8 - غسل البراجم
قال: أتينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فرأيته ((يستاك على لسانه)) (¬1). ويُستحب التيامن في السِّواك؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - ((كان يعجبه التيمن في تنعله، وترجله، وطهوره، وفي شأنه كله)) (¬2). ويُستحب أن يستاك بيده اليسرى؛ لأنه إماطة أذى يُفعل بإحدى اليدين، فكان باليسرى كالاستنجاء (¬3)، والله الموفق (¬4). 8 - غسل البراجم، قيل هي عُقد الأصابع التي في ¬
9 - الاستنشاق
ظهر الكف (¬1)، وقيل: عقد الأصابع ومفاصلها كلها، ويلحق بالبراجم ما يجتمع من الوسخ في معاطف الأذن، وكذلك جميع الوسخ المجتمع على أي موضع كان من البدن (¬2). وقيل: هي العُقد التي في ظهور الأصابع يجتمع فيها الوسخ، الواحدة: بُرْجُمة (¬3). 9 - الاستنشاق: ويأتي إن شاء الله تعالى. 10 - الاستنجاء أو الانتضاح: ويأتي إن شاء الله تعالى (¬4). وقد ثبت دليل هذه الخصال من حديث عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((عشرٌ من الفطرة: قصّ الشَّارب، وإعفاء اللِّحية، والسِّواك، واستنشاق الماء، ¬
والفطرة فطرتان
وقصّ الأظفار، وغسل البراجم، ونتف الإبط، وحلق العانة، وانتقاص (¬1) الماء)). ونسي مصعب العاشرة، قال: إلا أن تكون المضمضة (¬2)، قال الإمام النووي. قال القاضي عياض: ولعلها الختان المذكور مع الخمس، وهو أولى (¬3). والفطرة فطرتان: فطرة تتعلق بالقلب، وهي معرفة الله ومحبته وإيثاره على ما سواه، وفطرة عملية وهي هذه الخصال وما في معناها، فالأولى تُزكي النفس والروح وتُطهِّر القلب، والثانية تُطهر البدن وكل منهما تمد الأخرى وتقوِّيها (¬4). ¬
المبحث الرابع: آداب قضاء الحاجة
المبحث الرابع: آداب قضاء الحاجة للقاضي حاجته آداب بعضها مستحب وبعضها واجب ومنها ما يلي: 1 - أن لا يَسْتَصْحِبَ ما فيه اسم الله تعالى إلا إن خاف عليه الضَّياع؛ لِمَا ذُكر عن أنس - رضي الله عنه -، أنه قال: ((كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا دخل الخلاء وضع خاتمه)) (¬1) وكان خاتمه نقشه: ((محمدٌ رسولُ الله)). ¬
2 - يبتعد عن الناس
2 - أن يبتعد عن الناس ويستتر عنهم؛ لئلا يُسمع له صوت أو يُشم له رائحة، فعن جابر - رضي الله عنه -، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - ((كان إذا أراد البراز انطلق حتى لا يراه أحد)) (¬1). 3 - أن يقول عند الدخول في البنيان، وعند تشمير الثياب في الفضاء: ((بسم الله (¬2) اللهم إني أعوذ بك من الخُبثِ والخبائث)) (¬3) ثم يقدم رجله اليسرى فيدخل. 4 - أن لا يرفع ثوبه إذا كان خارج البنيان حتى يدنو من الأرض حتى لا تنكشف عورته؛ لحديث ابن عمر رضي ¬
5 - لا يستقبل القبلة ولا يستدبرها
الله عنهما: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - ((كان إذا أراد حاجةً لا يرفع ثوبه حتى يدنو من الأرض)) (¬1). 5 - أن لا يستقبل القبلة ولا يستدبرها؛ لحديث أبي أيوب الأنصاري - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((إذا أتيتم الغائط فلا تستقبلوا القبلة ولا تستدبروها ببول ولا غائط ولكن شرقوا أو غربوا)) (¬2) قال أبو أيوب: فقدمنا الشام فوجدنا مراحيض قد بُنيت قِبَل القبلة فننحرف عنها ونستغفر الله (¬3). وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: ((رقيت على بيت أختي حفصة فرأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قاعداً لحاجته مُستقبل الشام مُستدبر القبلة)) (¬4) فأبو أيوب - رضي الله عنه - حمل ¬
الحديث على العموم، وأنه عام في المباني والصحراء، وعلى ذلك جمعٌ من أهل العلم، وأنه يدل على التحريم مطلقاً (¬1). وقال بعضهم: النهي عن الاستقبال والاستدبار خاص بالفضاء؛ لحديث عبد الله بن عمر السابق، والقاعدة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا أمر بأمر ثم فعل خلافه دلّ على أن النهي ليس للتحريم بل للكراهة، وحديث أبي أيوب عام، وحديث ابن عمر خاص، والقاعدة أن الخاص يقدم على العام في النصوص، لكن الأفضل للمسلم أن لا يستقبلها مطلقاً لا في البناء ولا في الصحراء؛ لأن حديث عبد الله بن عمر يحتمل أنه كان قبل النهي ويحتمل أنه خاص بالنبي - صلى الله عليه وسلم -، كما قال جماعة من أهل العلم (¬2). ¬
6 - يبتعد عن طرق الناس وظلهم ومواردهم
6 - أن يبتعد عن طرق الناس وظِلِّهم، وموارِدِهِم؛ لحديث أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، قال: ((اتّقوا اللَّعانَيْن)) (¬1) قالوا: وما اللعانان يا رسول الله؟ قال: ((الذي يتخلَّى في طريق الناس أو في ظلهم)) (¬2). وعن معاذ - رضي الله عنه - يرفعه: ((اتّقوا الملاعن الثلاث: البراز في الموارد، وقارعة الطريق، والظِّلِّ)) (¬3). 7 - أن يطلب مكانا ليناً منخفضاً ويحترز من البول؛ لكي لا يصيب البدن أو الثياب؛ لحديث ابن عباس رضي الله عنهما، قال: مر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على قبرين فقال: ((إنهما ليعذبان وما يعذبان في كبير، أما أحدهما فكان لا يستنزه (¬4) من ¬
8 - أن لا يتكلم وهو يقضي حاجته
البول، وأما الآخر فكان يمشي بالنميمة)) (¬1). 8 - أن لا يتكلم وهو يقضي حاجته، ولا يرد سلاماً ولا يجيب بلسانه مؤذناً، إلا ما لا بدّ منه؛ ولحديث ابن عمر رضي الله عنهما: ((أن رجلا ًمرّ ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - يبول فسلَّم، فلم يردّ عليه)) (¬2)؛ ولحديث المهاجر بن قنفذ - رضي الله عنه - أنه أتى النبي - صلى الله عليه وسلم -، وهو يبول فسلم عليه فلم يرد عليه حتى توضأ ثم اعتذر إليه فقال: ((إني كرهت أن أذكر الله - عز وجل - إلا على طهر))، أو قال: ((على طهارة)) (¬3). 9 - أن لا يبول في الماء الراكد؛ لحديث أبي هريرة - رضي الله عنه -، ¬
10 - لا يغتسل في الماء الراكد وهو جنب
عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((لا يبولنَّ أحدُكُمْ في الماء الدَّائِم الذي لا يجري ثم يغتسل منه)) (¬1). 10 - أن لا يغتسل في الماء الراكد وهو جنب؛ لحديث أبي هريرة - رضي الله عنه -، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((لا يغتسل أحدكم في الماء الدائم وهو جنب)) (¬2). 11 - أن لا يبول في مستحمه الذي يغتسل فيه؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم -: ((لا يبولن أحدكم في مستحمه ثم يغتسل فيه)) (¬3). 12 - أن لا يمسك فرجه بيمينه ولا يستنجي بها؛ لحديث أبي قتادة - رضي الله عنه -، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: ((إذا شرب أحدكم فلا يتنفس في الإناء، وإذا أتى الخلاء فلا يمسّ ذكره بيمينه، ولا يتمسح بيمينه)) (¬4). ¬
13 - لا يستجمر بروث ولا عظم
13 - أن لا يستجمر بروث ولا عظم؛ لحديث ابن مسعود - رضي الله عنه -، في قصة الجن عندما سألوه الطعام فقال لهم: ((لكم كل عظم ذُكِرَ اسم الله عليه يقع في أيديكم أوفر ما يكون لحماً، وكل بعرة علفاً لدوابكم)). فقال - صلى الله عليه وسلم -: ((فلا تستنجوا بهما فإنها طعام إخوانكم [من الجن])) (¬1). 14 - إذا استجمر بالحجارة فلا بد أن يستجمر بثلاثة فأكثر؛ لحديث سلمان - رضي الله عنه - يرفعه إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((لقد نهانا أن نستقبل القبلة لغائط أو بول، أو نستنجي باليمين، أو نستنجي بأقل من ثلاثة أحجار، أو نستنجي برجيع (¬2) أو بعظم)) (¬3)؛ ولحديث عائشة رضي الله عنها، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((إذا ذهب أحدكم إلى الغائط فليذهب معه ¬
15 - أن لا يدخل يده في الإناء إذا كان مستيقظا من النوم حتى يغسلها ثلاثا
بثلاثة أحجار يستطيب بهن فإنها تجزئ عنه)) (¬1). 15 - أن لا يدخل يده في الإناء إذا كان مستيقظاً من النوم حتى يغسلها ثلاثاً، لحديث أبي هريرة - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((إذا استيقظ أحدكم من نومه فلا يغمس يده في الإناء حتى يغسلها ثلاثاً؛ فإنه لا يدري أين باتت يده)) (¬2). 16 - أن يُزيل ما على السبيلين من النجاسة وجوباً بالماء، أو بالحجارة وما في معناها من كل جامد طاهر ليس له حرمة - كالخشب، والخرق والمناديل، وكل ما أنقى به فهو كالحجارة على الصحيح (¬3). والاستنجاء على ثلاث مراتب: أ- الاستجمار بالحجارة، ثم الاستنجاء بالماء هو ¬
ب- الاستنجاء بالماء وحده
الأكمل بدون مشقة أو ضرر. ب - الاستنجاء بالماء وحده. ج - الاستجمار بالحجارة وحدها، ولكن لا بد من ثلاث فأكثر، ولا يجزئ أقل منها. والأفضل أن يقطع على وتر إذا أنقى (¬1). والأدلة على الاستجمار بالحجارة تقدمت، أما الاستنجاء بالماء؛ فلحديث أنس - رضي الله عنه -، قال: ((كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يدخل الخلاء فأحمل أنا وغلامٌ نحوي إداوة (¬2) من ماء، وعَنَزَة (¬3) فيستنجي بالماء)) (¬4)؛ ولحديث أبي هريرة - رضي الله عنه -، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((نزلت هذه الآية في أهل قباء {فِيهِ ¬
17 - يقطع على وتر إذا استجمر
رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَن يَتَطَهَّرُواْ} (¬1) قال: كانوا يستنجون بالماء فنزلت هذه الآية)) (¬2). 17 - أن يقطع على وتر إذا استجمر بالحجارة وأنقى؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم -: ((ومن استجمر فليوتر)) (¬3). 18 - أن يدلك يده بالأرض بعد الاستنجاء ثم يغسلها؛ لحديث أبي هريرة - رضي الله عنه -، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - ((قضى حاجته ثم استنجى من تور، ثم دلك يده بالأرض)) (¬4). 19 - أن ينضح فرجه وسراويله بالماء؛ ليدفع عن نفسه الوسوسة؛ لحديث الحكم بن سفيان قال: كان ¬
20 - لا يطيل الجلوس والمكث في الحمام أو الخلاء
رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ((إذا بال يتوضأ وينتضح)) (¬1). 20 - أن لا يطيل الجلوس والمكث في الحمام أو الخلاء فوق حاجته؛ لأن في ذلك كشفاً للعورة بلا حاجة؛ ولأن الحشوش والمراحيض مأوى الشياطين والنفوس الخبيثة، فلا ينبغي أن يبقى في هذا المكان الخبيث؛ لأنه لا يذكرُ الله - عز وجل - بلسانه أثناء جلوسه على قضاء حاجته (¬2). 21 - يُستحب أنْ لا يتطهر الرجل بفضل طهور المرأة، ولا المرأة بفضل طهور الرجل؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - ((نهى أن تغتسل المرأة بفضل الرجل أو يغتسل الرجل بفضل المرأة، وليغترفا جميعاً)) (¬3) وهذا النهي على سبيل الأولوية ¬
22 - أن يقدم رجله اليمنى عند خروجه من الخلاء
وكراهة التنزيه؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - ثبت عنه أنه ((كان يغتسل بفضل ميمونة رضي الله عنها)) (¬1)؛ ولحديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: اغتسل بعض أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - في جفنة، فجاء ليغتسل منها فقالت: إني كنت جنباً، فقال: ((إن الماء لا يجنب)) (¬2)، أما إذا دعت الحاجة لاغتسال الرجل بفضل المرأة أو المرأة بفضل الرجل زالت الكراهة (¬3). 22 - أن يقدم رجله اليمنى عند خروجه من الخلاء ¬
ويقول: ((غفرانك))؛ لحديث عائشة رضي الله عنها، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان إذا خرج من الغائط قال: ((غفرانك)) (¬1). ¬
المبحث الخامس: الوضوء
المبحث الخامس: الوضوء 1 - ما يجب له الوضوء: يجب الوضوء لأمور ثلاثة: الأول: الصلاة مطلقاً: سواء كانت فرضاً أو نفلاً، حتى صلاة الجنازة؛ لقول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فاغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُواْ بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَينِ} (¬1)؛ ولحديث أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((لا يقبل الله صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ)) (¬2)؛ ولحديث ابن عمر رضي الله عنهما يرفعه: ((لا تقبل صلاة بغير طهور، ولا صدقة من غلول)) (¬3)، ولحديث علي - رضي الله عنه - يرفعه: ((مفتاح الصلاة الطهور، وتحريمها التكبير، وتحليلها التسليم)) (¬4). ¬
الثاني: الطواف بالبيت
الثاني: الطواف بالبيت؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم -: ((الطواف بالبيت صلاة .. )) الحديث (¬1)؛ ولقوله - صلى الله عليه وسلم - لعائشة رضي الله عنها: ((افعلي ما يفعل الحاج غير أن لا تطوفي بالبيت حتى تطهري)) (¬2). الثالث: مسُّ المصحف؛ لحديث عمرو بن حزم، وحكيم بن حزام وابن عمر - رضي الله عنهم -: ((لا يمسَّ القرآن إلا طاهر)) (¬3). ¬
2 - فضل الوضوء:
2 - فضل الوضوء: للوضوء فضائل كثيرة منها على سبيل المثال ما يلي: أ- عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: ((إن أمتي يدعون يوم القيامة غُرّاً مُحَجَّلِين من آثار الوضوء)) (¬1). ب- وعن عثمان - رضي الله عنه - أنه قال حينما توضأ وضوءاً كاملاً: رأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - توضأ نحو وضوئي هذا، وقال: ((من توضأ نحو وضوئي هذا ثم صلى ركعتين لا يحدث فيهما نفسه، غفر الله له ما تقدم من ذنبه)) (¬2). جـ - وعن عثمان - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، يقول: ((لا يتوضأ رجل مسلم فيحسن الوضوء، فيصلي ¬
صلاة إلا غفر الله له ما بينه وبين الصلاة التي تليها)) (¬1). د - وعنه أيضاً: ((ما من امرئ مسلم تحضره صلاة مكتوبة فيحسن وضوءَهَا، وخُشوعَها، وركُوعها، إلا كانت كفارة لما قبلها من الذنوب ما لم يُؤتِ (¬2) كبيرة وذلك الدهر كله)) (¬3). هـ - وعن عقبة بن عامر - رضي الله عنه - يرفعه: ((ما من مسلم يتوضأ فيُحسن وضوءهُ، ثم يقوم فيصلي ركعتين مقبلٌ عليهما بقلبه ووجهه إلا وجبت له الجنة)) (¬4). ووعن أبي هريرة - رضي الله عنه - يرفعه: ((إذا توضأ العبد المسلم أو المؤمن فغسل وجهه خرجت كل خطيئة نظر إليها بعينه مع الماء أو مع آخر قطر الماء، فإذا غسل يديه خرج من يديه كل خطيئة كان بطشتها يداه مع الماء أو مع آخر قطر الماء، فإذا غسل رجليه خرجت كل خطيئة مشتها رجلاه مع الماء أو مع ¬
آخر قطر الماء حتى يخرج نقيّاً من الذُّنوب)) (¬1). ز - وعن عثمان - رضي الله عنه - يرفعه: ((من توضأ فأحسن الوضوء خرجت خطاياه من جسده حتى تخرج من تحت أظفاره)) (¬2). ح - وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((ألا أدلُّكم على ما يمحو الله به الخطايا ويرفع به الدرجات؟ قالوا بلى يا رسول الله، قال: إسباغ الوضوء على المكاره، وكثرة الخطا إلى المساجد، وانتظار الصلاة بعد الصلاة، فذلكم الرِّباط، فذلكم الرِّباط)) (¬3). ¬
3 - صفة الوضوء الكامل وكيفيته:
3 - صفة الوضوء الكامل وكيفيته: صفة الوضوء الكامل المشتمل على الفروض والواجبات والمستحبّات كالآتي: 1 - ينوي الوضوء بقلبه؛ لحديث عمر - رضي الله عنه -: ((إنما الأعمال بالنيات)) (¬1).ولا ينطق بالنية؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم ينطق بها؛ ولأن الله يعلم ما في القلب، فلا حاجة إلى الإخبار بما فيه. 2 - يقول: بسم الله؛ لحديث أبي هريرة - رضي الله عنه -، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنَّه قال: ((لا صلاة لمن لا وضوء له، ولا وضوء لمن لم يذكر اسم الله عليه)) (¬2). 3 - يغسل كَفَّيْه ثلاث مرات؛ لحديث عبد الله بن ¬
زيد - رضي الله عنه - (¬1)، وحديث حُمران عن عثمان - رضي الله عنه - (¬2). 4 - يتمضمض ويستنشق من كف واحد بيده اليمنى، ويستنثر بيده اليسرى (¬3). يفعل ذلك ثلاث مرات بثلاث غرفات بكفه؛ لحديث عبد الله بن زيد - رضي الله عنه - (¬4). ويسبغ الوضوء ويبالغ في الاستنشاق إلا أن يكون صائماً؛ لحديث لقيط بن صبرة - رضي الله عنه - (¬5) ويستاك؛ لحديث أبي هريرة - رضي الله عنه - (¬6). ¬
5 - يغسل وجهه ثلاث مرات من الأُذُنِ إلى الأُذُنِ عرضاً، ومن منابت شعر الرأس إلى أسفل اللِّحية والذَّقن طولاً؛ لحديث عبد الله بن زيد - رضي الله عنه - (¬1)،وحديث حمران عن عثمان - رضي الله عنه - (¬2)،ويخلِّلُ لحيته؛ لحديث أنس بن مالك - رضي الله عنه - (¬3). 6 - يغسل يده اليمنى ثلاث مرات من رؤوس الأصابع إلى المرفق (¬4)، ويدلك ذراعه (¬5)، ويغسل مرفقه (¬6)، ¬
ويخلل بين الأصابع (¬1). ثم يغسل يده اليسرى مثل ما غسل اليمنى. 7 - يمسح رأسه مرة واحدة، يبل يديه بالماء ثم يمرهما من مقدم رأسه إلى قفاه ثم يردهما إلى المكان الذي بدأ منه (¬2)، ثم يدخل أصبعيه السبَّابتين في أذنيه ويمسح بإبهاميه ظاهر أُذنيه (¬3). 8 - يغسل رجله اليمنى ثلاث مرات من رؤوس الأصابع إلى الكعب (¬4)، ويغسل كعبه (¬5)، ويخلل بين الأصابع (¬6)،ثم يغسل رجله اليسرى مثل ما غسل اليمنى. ¬
9 - ثم يقول: ((أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله)) (¬1). ((اللهم اجعلني من التوَّابين، واجعلني من المتطهرين)) (¬2). ((سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك)) (¬3). 10 - من توضأ مثل هذا الوضوء ثم صلى ركعتين لا يحدث فيهما نفسه غفر الله له ما تقدم من ذنبه؛ لحديث عثمان - رضي الله عنه - (¬4)، وفي حديث عقبة ابن عامر - رضي الله عنه -: ((ما من مسلم يتوضأ فيحسن وضوءه ثم يقوم فيصلي ركعتين مقبل عليهما بقلبه ووجهه إلا وجبت له الجنة)) (¬5)؛ ولحديث أبي ¬
4 - فروض الوضوء وأركانه:
هريرة - رضي الله عنه -: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لبلال عند صلاة الفجر: ((يا بلال حدثني بأرجى عمل عملته في الإسلام، فإني سمعت دفّ نعليك بين يديّ في الجنة))؟ قال: ما عملت عملاً أرجى عندي أني لم أتطهر طهوراً [تامّاً في ساعة من ليل ولا نهار إلا صليت بذلك الطّهور، ما كتب الله لي أن أصلي])) (¬1). 4 - فروض الوضوء وأركانه: فُروض الوضوء هي أركانه؛ لأنَّ هذه الفروض هي التي تتكوّن منها ماهيَّة الوضوء، وكل أقوال وأفعال تتكون منها ماهية العبادة فإنها أركان (¬2)، وفروض الوضوء ستة: أولا: غسل الوجه، ومنه المضمضة والاستنشاق والاستنثار؛ ¬
ثانيا: غسل اليدين
للآية؛ ولحديث لقيط - رضي الله عنه -: ((وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائماً)) (¬1)؛ ولحديثه أيضاً: ((إذا توضأت فمضمض)) (¬2)؛ ولحديث أبي هريرة - رضي الله عنه - يرفعه: ((من توضأ فليستنثر)) (¬3). ولِمَواظبة النبي - صلى الله عليه وسلم - على المضمضة والاستنشاق. ثانياً: غسل اليدين إلى المرفقين، اليمنى ثم اليسرى، للآية؛ ولحديث أبي هريرة - رضي الله عنه - يرفعه: ((إذا توضأتم فابدأوا بميامنكم)) (¬4). ثالثاً: مسح الرأس كله ومنه الأذنان؛ للآية؛ ¬
ولحديث عبد الله بن زيد - رضي الله عنه -: ((الأذنان من الرأس)) (¬1). ولمواظبته - صلى الله عليه وسلم - على مسح الأذنين. وللمسح على الرأس ثلاث صفات: أ- مسح جميع الرأس؛ لحديث عبد الله بن زيد - رضي الله عنه -: ((أن النبي - صلى الله عليه وسلم - مسح رأسه بيديه فأقبل بهما وأدبر، بدأ بمقدَّم رأسه ثم ذهب بهما إلى قفاه، ثم ردَّهما إلى المكان الذي بدأ منه)) (¬2). ب- المسح على العمامة المحنّكة وحدها؛ لحديث عمرو بن أمية عن أبيه قال: ((رأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - يمسح على عمامته وخفَّيه)) (¬3). ويشترط للمسح على العمامة وحدها أو عليها مع ¬
رابعا: غسل الرجلين
الناصية ما يشترط للمسح على الخفين. واختاره العلامة ابن باز رحمه الله، وابن تيمية رحمه الله تعالى (¬1). جـ- المسح على الناصية والعمامة المحنّكة؛ لحديث المغيرة بن شعبة - رضي الله عنه -: ((أنَّ النَّبي - صلى الله عليه وسلم - توضَّأ، ومسح بناصيته وعلى العمامة وعلى خفيه)) (¬2)؛ ولحديث بلال ((أن النبي - صلى الله عليه وسلم - مسح على الخفين والخمار)) (¬3). رابعاً: غسل الرجلين إلى الكعبين، مع العناية بالعقبين؛ للآية؛ ولحديث أبي هريرة وعبد الله بن عمر وعائشة - رضي الله عنهم -: ((ويل للأعقاب من النار)) (¬4)؛ ولمواظبته - صلى الله عليه وسلم - على ذلك. ¬
خامسا: الترتيب
وما تقدّم من الفرائض هو المنصوص عليه في قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فاغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُواْ بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَينِ} (¬1). خامساً: الترتيب؛ لأن الله تعالى ذكر الوضوء مرتباً، وأدخل الممسوح بين المغسولات، ولا نعلم لهذا فائدة غير الترتيب؛ ولأن النبي - صلى الله عليه وسلم - توضأ مرتَّباً؛ ولقوله - صلى الله عليه وسلم -: ((أبدأ بما بدأ الله به)) (¬2). سادساً: الموالاة: وهي عبارة عن الإتيان بالطهارة في زمن متصل، فلا يؤخّر غسل عضو حتى ينشف الذي قبله؛ لحديث عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - أن رجلاً توضأ فترك موضع ظفرٍ على قدمه فأبصره النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: ((ارجع فأحسن وضُوءَك)) فرجع ثم صلى (¬3). وعند أبي داود، أن ¬
5 ـ شروط الوضوء عشرة:
النبي - صلى الله عليه وسلم - رأى رجلاً يصلي وفي ظهر قدمه لُمعة قدر الدرهم لم يصبها الماء، ((فأمره النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يعيد الوضوء والصلاة)) (¬1).فلو لم تجب الموالاة لأمره بغسل اللُّمعة فقط (¬2). 5 ـ شُروط الوضوء: شروط الوضوء عشرة: الإسلام، والعقل، والتَّمييز والنِّية، واستصحاب حكمها بأن لا ينوي قطعها حتى تتمَّ الطَّهارة، وانقطاع موجب، واستنجاء أو استجمار قبله، وطهورية ماء وإباحته، وإزالة ما يمنع وصوله إلى البشرة، ودخول وقت على من حدثه دائم لفرضه (¬3). ¬
6 - سنن الوضوء:
6 - سُنَنُ الوضوء: أ - السواك؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم -: ((لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل وضوء)) (¬1). ب- غسل الكفين في أول الوضوء، إلا إذا كان مستيقظاً من نومٍ، فإنَّه يجب غسلهما ثلاثاً قبل أن يدخلهما في الإناء (¬2). ج- الدلك؛ لحديث عبد الله بن زيد ((أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أُتي بثُلُثي مد فجعل يدلك ذراعه)) (¬3). د- تثليث الغسل في الوضوء؛ لحديث حمران عن ¬
هـ- الدعاء بعد الوضوء
عثمان - رضي الله عنه -، وحديث عبد الله بن زيد - رضي الله عنه - (¬1). فقد ثبت عنه - صلى الله عليه وسلم - أنّه توضأ ثلاثاً ثلاثاً، وهذا كثير، وثبت أنه ((توضأ مرّتين مرّتين)) (¬2). وثبت عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه ((توضأ مرّةً مرّةً)) (¬3)، وثبت عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه ((غسل بعض أعضائه مرتين، وبعضها ثلاثاً)) (¬4). هـ- الدعاء بعد الوضوء؛ لحديث عمر - رضي الله عنه - (¬5). وصلاة ركعتين بعد الوضوء؛ لحديث حمران عن عثمان، وعقبة بن عامر، وبلال - رضي الله عنهم - (¬6). ز- الاعتدال في الوضوء مع الإسباغ: فالأفضل أن ¬
يتوضأ المسلم ثلاثاً ثلاثاً بدون إسراف ولا اعتداء، لا في الوضوء ولا في الغسل، فعن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ((كان يغتسل من إناء - هو الفَرَقُ - من الجنابة)) (¬1) قال سفيان: والفرق: ثلاثة آصع (¬2). وعن أنس - رضي الله عنه - قال: ((كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يتوضأ بالمد، ويغتسل بالصاع إلى خمسة أمداد)) (¬3). وعن عائشة رضي الله عنها أنها كانت تغتسل هي والنبي - صلى الله عليه وسلم - في إناء واحد يسع ثلاثة أمداد، أو قريباً من ذلك (¬4). وعن أم عمارة (¬5) وعبد الله بن زيد (¬6) رضي الله عنهما ((أن النبي ¬
- صلى الله عليه وسلم - أُتي بثُلُثي مدّ فجعل يدلك ذراعه)). قال البخاري رحمه الله تعالى: ((بيّن النبي - صلى الله عليه وسلم - أن فرض الوضوء مرة مرة، وتوضأ أيضاً مرتين، وثلاثاً ولم يزد على ثلاث، وكره أهل العلم الإسراف فيه وأن يجاوز فعل النبي - صلى الله عليه وسلم -)) (¬1). وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى في الجمع بين الروايات السابقة: ((وهذا يدل على اختلاف الحال في ذلك بقدر الحاجة)) (¬2). ولا شك أن هديه - صلى الله عليه وسلم - يدل على الاقتصاد في الماء مع الإسباغ والكمال، فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: ((بت عند خالتي ميمونة ليلةً، فلما كان في بعض الليل قام النبي - صلى الله عليه وسلم - فتوضأ من شن معلَّق وضوءاً خفيفاً وقام يصلي ... )) (¬3). ¬
7ـ نواقص الوضوء:
فينبغي الاقتصاد في الماء وعدم الإسراف، فعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: جاء أعرابي إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فأراه الوضوء ثلاثاً ثلاثاً ثم قال: ((هكذا الوضوء، فمن زاد على هذا فقد أساء، وتعدى، وظلم)) (¬1). وعن عبد الله بن مُغَفَّل أنه سمع النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: ((إنه سيكون في هذه الأمة قوم يعتدون في الطهور والدعاء)) (¬2). 7 - نواقص الوضوء: 1 - الخارج من السبيلين: كالبول، والغائط (¬3)، ¬
2 - خروج النجاسة من بقية البدن
والريح (¬1)، والمذي (¬2)، والودي، والمني (¬3)، فهذه الخوارج تنقض الطهارة إجماعاً كما قال ابن قدامة (¬4)، ودم الاستحاضة ينقض الوضوء على الصحيح (¬5) وهو قول عامة أهل العلم (¬6). 2 - خروج النجاسة من بقية البدن، فإن كان بولاً أو غائطاً نقض الوضوء سواء كان قليلاً أو كثيراً، وإن كان ¬
3 - زوال العقل بنوم أو غيره
الخارج غير البول والغائط: كالدم الكثير، والقيء الكثير، والصديد الكثير، ونحو ذلك، فقيل ينقض إذا كان كثيراً نجساً (¬1). 3 - زوال العقل بنوم أو غيره. فأما النوم فينقض المستغرق منه على الصحيح؛ لحديث صفوان بن عسال - رضي الله عنه - (¬2) وأما غيره: كالجنون، والإغماء، والسكر، وما أشبهَهُ من الأدوية المزيلة للعقل فينقض الوضوء يسيره وكثيره (¬3). 4 - مس الفرج باليد قُبُلاً كان أو دُبُراً من غير حائل؛ لحديث جابر، وبسرة بنت صفوان رضي الله عنهما أن رسول الله ¬
- صلى الله عليه وسلم - قال: ((من مسّ ذكره فليتوضأ)) (¬1). ولحديث أم حبيبة وأبي أيوب رضي الله عنهما سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: ((من مسّ فرجه فليتوضأ)) (¬2)؛ ولحديث أبي هريرة - رضي الله عنه -، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((إذا أفضى أحدكم بيده إلى فرجه وليس بينهما ستر ولا حجاب فليتوضأ)) (¬3). وحلقة الدبر فرج؛ لأنه منفرج عن ¬
5 - أكل لحم الإبل
الجوف ويخرج منه ما يخرج، فمن مس حلقة الدبر بدون حائل فله حكم من مس ذكره (¬1). 5 - أكل لحم الإبل؛ لحديث جابر بن سمرة - رضي الله عنه - أن رجلاً سأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أأتوضأ من لحوم الغنم؟ قال: ((إن شئت فتوضأ وإن شئت فلا تتوضأ)). قال: أتوضأ من لحوم الإبل؟ قال: ((نعم فتوضأ من لحوم الإبل ... )) الحديث (¬2). 6 - الرِّدَّةُ عن الإسلام أعاذنا الله والمسلمين من ذلك؛ لقوله تعالى: {وَمَن يَكْفُرْ بِالإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ} (¬3). وقوله: {لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ} (¬4). ¬
8ـ الأمور التي يستحب لها الوضوء:
أما غسل الميت فالصحيح أنه لا ينقض الوضوء وهو قول أكثر أهل العلم، لكن لو أصابت يد الغاسل فرج الميت من غير حائل وجب عليه الوضوء، والواجب عليه ألا يمس فرج الميت إلا من وراء حائل. وهكذا مس المرأة لا ينقض الوضوء مطلقاً سواء كان ذلك عن شهوة أو غير شهوة في أصح قولي العلماء ما لم يخرج منه شيء؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قبَّل بعض نسائه ثم صلى ولم يتوضأ، أما قوله تعالى: {أَوْ لاَمَسْتُمُ النِّسَاءَ} (¬1) فالمراد به الجماع في الأصح من قولي العلماء، وهو قول ابن عباس رضي الله عنهما وجماعة (¬2). 8 - الأمور التي يستحب لها الوضوء: 1 - عند ذكر الله تعالى ودعائه؛ لحديث أبي موسى أنه أخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - بخبر أبي عامر، وأنه قال له: أقرئ النبي - صلى الله عليه وسلم - ¬
2 - الوضوء عند النوم
منّي السلام، وقل له: استغفر لي. فلما أخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - دعا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بماءٍ فتوضأ منه، ثم رفع يديه ثم قال: ((اللهم اغفر لعبيد أبي عامر ... )) الحديث (¬1). 2 - الوضوء عند النوم، لحديث البراء بن عازب - رضي الله عنه - قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((إذا أتيت مضجعك فتوضأ وضوءك للصلاة ثم اضطجع على شقك الأيمن)). الحديث (¬2). 3 - الوضوء عند كل حدث؛ لحديث بريدة - رضي الله عنه - قال: أصبح رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوماً فدعا بلالاً فقال: ((يا بلال بمَ سبقتني إلى الجنة؟ إنني دخلت الجنة البارحة فسمعت خشخشتك (¬3) أمامي؟)) فقال بلال: ((ما أذّنت قط إلا صليت ¬
4 - الوضوء عند كل صلاة
ركعتين، ولا أصابني حدث قط إلا توضأت ... )) (¬1). الحديث. 4 - الوضوء عند كل صلاة؛ لحديث أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((لولا أن أشقَّ على أمتي لأمرتهم عند كل صلاة بوضوءٍ، ومع كل وضوءٍ بسواك)) (¬2). 5 - الوضوء من حمل الميت؛ لحديث أبي هريرة يرفعه: ((من غسل ميتاً فليغتسل ومن حمله فليتوضأ)) (¬3). ¬
6 - الوضوء من القيء
6 - الوضوء من القيء، لحديث معدان عن أبي الدرداء - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ((قاء، فأفطر، فتوضأ)). الحديث (¬1). 7 - الوضوء مما مست النار؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم -: ((توضَّؤوا مما مست النار)) (¬2). ثم ثبت من حديث ابن عباس، وعمرو بن أمية، وأبي رافع - رضي الله عنهم - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أكل من لحم ما مست النار ثم ((قام فصلى ولم يتوضأ)) (¬3)، فدل ذلك على استحباب الوضوء مما مست النار. ¬
8 - الوضوء للجنب إذا أراد الأكل
8 - الوضوء للجنب إذا أراد الأكل؛ لحديث عائشة رضي الله عنها قالت: ((كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا كان جنباً فأراد أن يأكل أو ينام توضأ وضوءه للصلاة)) (¬1). 9 - الوضوء لمعاودة الجماع؛ لحديث أبي سعيد - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((إذا أتى أحدكم أهله ثم أراد أن يعود فليتوضأ)) (¬2). أما الغُسل فقد كان - صلى الله عليه وسلم - يطوف على نسائه بغسل واحد (¬3). 10 - الوضوء للجنب إذا نام دون اغتسال؛ لحديث عائشة عندما سُئلت: أكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يرقد وهو ¬
جنب؟ قالت: ((نعم ويتوضأ)) (¬1). وعن ابن عمر أن عمر رضي الله عنهما استفتى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: هل ينام أحدنا وهو جنب؟ قال: ((ليتوضأ ثم لينم حتى يغتسل إذا شاء)) (¬2). قال العلامة ابن باز: وجاء عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه ربما اغتسل قبل أن ينام، فالأحوال ثلاثة: إحداها أن ينام من غير وضوء ولا غسل وهذه مكروه، وهو خلاف السنة. الحالة الثانية: يستنجي ويتوضأ وضوء الصلاة، وهذا لا بأس به. الحالة الثالثة: أن يتوضأ ويغتسل، وهذا هو الأكمل (¬3). ¬
المبحث السادس: المسح على الخفين والعمائم والجبيرة
المبحث السادس: المسح على الخفين والعمائم والجبيرة أ- حكم المسح على الخُفَّيْن: مشروع بالكتاب، والسنة، وإجماع أهل السنة؛ لقوله تعالى: {وَامْسَحُواْ بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَين} (¬1) على قراءة الجر، أما قراءة النصب فتحمل على غسل الرجلين المكشوفتين. أما السُّنة فقد تواترت الأحاديث بذلك عن النبي - صلى الله عليه وسلم - (¬2). قال الإمام أحمد رحمه الله تعالى: ((ليس في قلبي من المسح شيء فيه أربعون حديثاً عن أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ما رفعوا إلى النَّبي - صلى الله عليه وسلم - وما وقفوا)) (¬3). وقال الحسن البصري رحمه الله: ((حدثني سبعون من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه مسح على الخُفَّيْن)) (¬4). والأفضل في ¬
حقِّ كل أحد بحسب قُدرتِهِ، فَلِلاَبس الخف أن يمسح عليه ولا ينزع خُفَّه إذا اكتملت الشروط، اقتداءً بالنَّبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه - رضي الله عنهم -، وَلِمَن قدماه مكشوفتان الغسل، ولا يتحرى لبسه ليمسح عليه (¬1)؛ لحديث ابن عمر رضي الله عنهما عن النَّبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: ((إن الله يُحبُّ أن تؤتى رخصه كما يكره أن تؤتى معصيته)) (¬2). وفي حديث ابن مسعود وعائشة رضي الله عنهما: ((إن الله يُحبُّ أن تقبل رخصه كما يحب أن تؤتى عزائمه)) (¬3). ¬
ب - شروط المسح على الخفين
ب - شروط المسح على الخفين وما في معناهما: 1 - أن يلبسهما على طهارةٍ؛ لحديث المغيرة بن شعبة - رضي الله عنه -، قال: كنت مع النَّبي - صلى الله عليه وسلم - في سفر، فأهويت لأنزع خُفَّيْه فقال: ((دعهما فإني أدخلتهما طاهرتين)) فمسح عليهما (¬1). 2 - أن يكون المسح في الحدث الأصغر؛ لحديث صفوان بن عسَّال - رضي الله عنه - قال: ((كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يأمرنا إذا كُنّا سفراً أن لا ننزع خفافنا ثلاثة أيام ولياليهن، إلا من جنابة، ولكن من غائط، وبول، ونوم)) (¬2) فلا يجوز المسح في الجنابة ولا فيما يوجب الغسل (¬3). 3 - أن يكون المسح في الوقت المحدد شرعاً وهو يوم ¬
وليلة للمقيم، وثلاثة أيام بلياليها للمسافر؛ لحديث علي بن أبي طالب - رضي الله عنه -، قال: ((جعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثلاثة أيام ولياليهن للمسافر، ويوماً وليلة للمقيم)) (¬1)؛ ولحديث صفوان - رضي الله عنه - المتقدم؛ ولحديث أبي بكرة - رضي الله عنه - عن النَّبي - صلى الله عليه وسلم - ((أنَّه رَخَّصَ للمسافر ثلاثة أيام ولياليهن، وللمقيم يوماً وليلة، إذا تطهر فلبس خُفَّيْه أن يمسح عليهما)) (¬2). وهذه المدة على الصحيح تبتدئ من أول مرة مسح بعد الحدث (¬3)، وتنتهي بأربع وعشرين ساعة بالنسبة للمقيم، واثنتين ¬
وسبعين ساعة بالنسبة للمسافر (¬1). 4 - أن يكون الخُفَّان أو الجوربان أو العمامة طاهرة (¬2)؛ فإن كانت نجسة؛ فإنه لا يجوز المسح عليها، والطاهر ضد النجس والمتنجّس، والنجس: نجس العين كما لو كانت الخفاف من جلد حمار. والمتنجِّس كما لو كانت من جلد بعير لكن أصابتها نجاسة، إلا أن المتنجس إذا طهر جاز المسح عليه والصلاة فيه؛ لحديث أبي سعيد - رضي الله عنه - قال: بينما رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلِّي بأصحابه إذ خلع نعليه، فوضعهما عن يساره، فلما رأى ذلك القوم ألقوا نعالهم، فلما قضى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلاته قال: ((ما حملكم على إلقائكم نعالكم))؟ قالوا: رأيناك ألقيت نعليك فألقينا نعالنا، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((إن جبريل أتاني فأخبرني أن فيهما قذراً))، وقال: ((إذا جاء أحدكم إلى المسجد فلينظر ¬
فإن رأى في نعليه قذراً أو أذى فليمسحه [بالأرض] وليصلِّ فيهما)) (¬1). وهذا يدل على أنه لا يجوز أن يصلَّى فيما فيه نجاسة، ولأن النجس إذا مسح عليه بالماء تلوث بالنجاسة؛ فلا يصح المسح عليه (¬2). 5 - أن يكون ساتراً لمحل الفرض، وأن يكون صفيقاً لا يصف البشرة (¬3)، ويُعفى عن الخروق اليسيرة، وقد رجح القول بهذا الشرط العلامة عبد العزيز ابن باز رحمه الله تعالى (¬4). ¬
6 - أن يكون مباحاً لا مغصوباً، ولا حريراً لرجل، ولا مسروقاً، فإن المحرَّم نوعان: محرّم لكسبه كالمغصوب والمسروق، ومحرّم لعينه: كالحرير للرجل، وكذا اتخاذ ما فيه صور لذوات الأرواح، فلا يجوز أن يمسح على هذين النوعين؛ لأن المسح على الخفين رخصة، فلا تستباح به المعصية؛ ولأن القول بالجواز مقتضاه إقرار هذا الإنسان على لبس هذا المحرم، والمحرم يجب إنكاره (¬1). 7 - أن لا ينزع بعد المسح قبل انقضاء المدة؛ فإن خلع خفيه أو ما في معناهما بعد المسح عليهما أعاد الوضوء مع غسل الرِّجلين (¬2). ورجح هذا القول العلامة عبد العزيز بن عبد الله ¬
جـ - مبطلات المسح
ابن باز، وقال: هو قول الجمهور، وهو الصواب (¬1). وهناك بعض الشروط ذكرها بعض أهل العلم ليس عليها دليل، أو تدخل فيما سبق (¬2). جـ - مُبطلات المسح: 1 - إذا حدث ما يوجب الغسل كالجنابة بطل المسح ولا بد من غسل (¬3). 2 - إذا خلع الخفين أو ما في معناهما بعد المسح عليهما بطل وضوؤه على القول الراجح كما تقدم (¬4). ¬
د - كيفية المسح على الخفين والجوربين والعمائم:
3 - إذا انقضت المدة المعتبرة شرعاً بطل المسح (¬1). ورجح سماحة الإمام العلامة عبد العزيز بن عبد الله ابن باز رحمه الله تعالى أن انقضاء المدة يبطل المسح لمفهوم أحاديث التوقيت، فإذا انقضت المدة خلع الخفين وغسل الرجلين، وخلع العمامة ومسح الرأس (¬2). د - كيفية المسح على الخفين والجوربين والعمائم: يمسح على ظاهر الخفين أو الجوربين؛ لحديث علي - رضي الله عنه - قال: ((لو كان الدين بالرأي؛ لكان أسفل الخف أولى بالمسح من أعلاه، وقد رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يمسح على ظاهر خفيه)) (¬3)؛ ولحديث المغيرة بن شعبة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((كان يمسح على الخفين)) وقال: ((على ظهر الخفين)) (¬4)، ¬
قال ابن قدامة رحمه الله: ((روى الخلال بإسناده عن المغيرة بن شعبة فذكر وضوء النَّبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((ثم توضأ ومسح على الخفين، فوضع يده اليمنى على خفه الأيمن، ووضع يده اليسرى على خفه الأيسر، ثم مسح أعلاهما مسحة واحدة حتى كأني أنظر إلى أثر أصابعه على الخفين)) (¬1). قال ابن عقيل: سنة المسح هكذا ((أن يمسح خفيه بيديه اليمنى لليمنى، واليسرى لليسرى))، وقال أحمد: ((كيفما فعلت فهو جائز باليد الواحدة أو باليدين)) (¬2). والمسح على الجوربين كالمسح على الخفين تماماً؛ لحديث المغيرة بن شعبة - رضي الله عنه - قال: ((توضأ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ومسح على الجوربين والنعلين)) (¬3). ¬
هـ - المسح على الجبائر:
وذكر ابن قدامة أنه إذا مسح على الجوربين والنعلين جميعاً فإنه بعد المسح لا يخلع النعلين (¬1). أما المسح على العمائم وخمار المرأة على الصحيح فهو على صفتين: 1 - المسح على العمامة المحنَّكة والخمار المحنَّك. 2 - المسح على الناصية والتكميل على العمامة أو الخمار (¬2). ويشترط للعمامة والخمار ما يشترط للخفين على الصحيح، كما رجح ذلك سماحة العلامة ابن باز رحمه الله تعالى (¬3). هـ - المسح على الجبائر: الأحاديث التي وردت في الجبائر قال جماعة من أهل العلم: إنها ضعيفة (¬4)، ولكن ذكر العلامة ابن باز رحمه الله ¬
أن أحاديث الجبائر مع أحاديث المسح على الخفين تدل على شرعية المسح على الجبائر؛ لأن المسح على الخفين للتيسير، فالمسح على الجبائر أولى بالشرعية؛ ولكونه ضرورياً لم يشرع فيه التوقيت (¬1)، ويفارق مسح الجبيرة مسح الخف من وجوه: 1 - لا يجوز المسح عليها إلا عند الضرر بنزعها، والخف خلاف ذلك. 2 - يجب استيعابها بالمسح إلا ما زاد على محل الفرض في الوضوء؛ لأنه لا ضرر في تعميمها به بخلاف الخف فإنه يشق تعميمه بالمسح، فيجزئ فيه مسح بعضه كما وردت به السنة (¬2). 3 - يمسح على الجبيرة من غير توقيت؛ لأن مسحها لضرورة فتقدّر بقدرها. ¬
* كيفية المسح على الجبائر:
4 - يمسح عليها في الحدث الأصغر والأكبر بخلاف الخف؛ فإنه لا يمسح عليه إلا في الأصغر. 5 - لا يشترط تقدم الطهارة على شدِّها على القول الراجح بخلاف الخفّ (¬1). 6 - الجبيرة لا تختص بعضو معين والخف يختص بالرِّجل (¬2). * كيفية المسح على الجبائر: إذا وجد جرح في أعضاء الطهارة فله مراتب: المرتبة الأولى: أن يكون مكشوفاً ولا يضره الغسل، فيجب غسله. المرتبة الثانية: أن يكون مكشوفاً ويضره الغسل والمسح لا يضره، فيجب مسحه. ¬
المرتبة الثالثة: أن يكون مكشوفاً ويضره الغَسلُ والمسح، فحينئذ يشد عليه جبيرة ويمسح عليها، فإن عجز فهنا يتيمم له. المرتبة الرابعة: أن يكون مستوراً بجبس، أو لزقة، أو جبيرة، أو شبه ذلك ففي هذه الحال يمسح على الساتر، ويغنيه عن الغَسل (¬1). والصواب أنه إذا مسح على العضو يكفي ويغني عن التيمم، فلا يجمع بين المسح والتيمم إلا إذا كان هناك عضو آخر لم يمسح عليه (¬2). ¬
المبحث السابع: الغسل
المبحث السابع: الغسل أ - مُوجبات الغُسل: 1 - خروج المني دفقاً بلذة؛ لحديث أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه -: ((إنما الماء من الماء)) (¬1)؛ ولحديث علي بن أبي طالب - رضي الله عنه -، عن النَّبي - صلى الله عليه وسلم -: ((إذا رأيت المذي فاغسل ذكرك وتَوَضَّأْ وُضوءَك للصَّلاة، فإذا فضخت (¬2) الماء فاغتسل)) (¬3)؛ ولحديث أمِّ سلمة أم المؤمنين وأنس، وعائشة أم المؤمنين - رضي الله عنهم - أن أم سُليم امرأة أبي طلحة رضي الله عنها جاءت إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقالت: يا رسول الله، إن الله لا يستحي من الحقِّ، فهل على المرأة مِنْ غُسلٍ إذا احتلمت؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((نعم إذا رأت الماء)) (¬4). فعُلِمَ أن المني إذا خرج من نائم وجب عليه الغسل مطلقاً سواء كان ¬
دفقاً بلذَّةٍ أو بدون لذَّة؛ لأنَّ النَّائم قد لا يحسُّ به، فإذا احتلم الرجل أو المرأة ثم استيقظ فرأى الماء فعليه الغسل، فإن استيقظ ولم ير الماء فلا غسل عليه، قال ابن المنذر: ((أجمع على هذا كل من أحفظ عنه من أهل العلم)) (¬1). والنائم إذا استيقظ من نومه فوجد بللاً فلا يخلو من ثلاث حالات: الأولى: أن يتيقن أنه مني ففي هذه الحالة يجب عليه أن يغتسل سواء ذكر احتلاماً أم لم يذكر؛ ولهذا عندما رأى عمر - رضي الله عنه - في ثوبه احتلاماً وقد صلَّى بالمسلمين الفجر، اغتسل وغسل ثوبه وصلَّى (¬2). فقد أعاد الصلاة من أحدث نومة نامها في ذلك الثوب. الحالة الثانية: أن يتيقن أنَّه ليس بمني ففي هذه الحالة ¬
لا يجب عليه الغسل لكن يجب عليه أن يغسل ما أصابه؛ لأن حكمه حكم البول (¬1). الحالة الثالثة: أن يجهل هل هو مني أم لا (¬2)، وهذه الحالة لا تخلو من أمرين: الأمر الأول: أن يذكر أنه قد لاعب أهله أو فكر في الجماع، أو نظر إليهم بشهوةٍ؛ فإنه يجعله مذياً؛ لأنّه يخرج بعد التفكير في الجماع في الغالب بدون إحساس، وليس عليه غسل، وإنما يتوضأ وضوءه للصلاة بعد غسل ذكره وأنثييه، وما أصاب ثيابه. الأمر الثاني: أن لا يسبقه تفكير في الجماع ولا ملاعبة لأهله، ففيه قولان للعلماء: القول الأول: يجب أن يغتسل؛ لحديث عائشة رضي الله عنها قالت: سُئل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الرجل يجد البللَ ¬
2 - التقاء الختانين
ولا يذكر احتلاماً قال: ((يغتسل))، وعن الرجل يرى أنه قد احتلم ولا يجد البلل؟ قال: ((لا غسل عليه)) (¬1). فالأولى أن يغتسل لموافقة هذا الخبر، وإزالة الشكِّ، ويكون ذلك احتياطاً (¬2). القول الثاني: لا يجب عليه أن يغتسل؛ لأن الأصل الطهارة ولا تزول بالشك بل لا بد من اليقين (¬3). 2 - التقاءُ الختانين؛ لحديث أبي هريرة - رضي الله عنه -، عن النَّبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((إذا جلس بين شُعَبها الأربع ثم جهدها فقد وجب الغسل)) (¬4)؛ ولحديث عائشة رضي الله عنها، قالت: قال ¬
3 - إسلام الكافر سواء كان أصليا أو مرتدا
رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((إذا جلس بين شعبها الأربع ومسَّ الختانُ الختانَ فقد وجب الغسل)) (¬1). ويدل على الموجب الأول والثاني قوله تعالى: {وَإِن كُنتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُواْ} (¬2). 3 - إسلام الكافر سواء كان أصليّاً أو مرتدّاً؛ لحديث قيس بن عاصم - رضي الله عنه - قال: أتيت النَّبي - صلى الله عليه وسلم -، أريد الإسلام فأمرني أن أغتسل بماء وسدر (¬3)؛ لأنه طهَّر باطنه من نجس الشرك فمن الحكمة أن يطهر ظاهره بالغسل. وقال بعض العلماء: لا يجب على الكافر الغسل إذا أسلم وإنما هو مستحب؛ لأنه لم يرد عن النَّبي - صلى الله عليه وسلم - أمر عام مثل: من ¬
4 - موت المسلم
أسلم فليغتسل، وقد أسلم كثير من الصحابة ولم ينقل أنه أمرهم بالغسل، ولو كان واجباً لكان مشهوراً لحاجة الناس إليه. ورُدّ على ذلك أن القول بالوجوب أقوى؛ لأنَّ أمْرَ النَّبي - صلى الله عليه وسلم - لواحدٍ مِنَ الأمَّة أمْرٌ للأمَّة جميعاً. وقال آخرون: إن أتى في كُفْرِهِ بما يوجب الغسل وجب عليه الغسل، وإن لم يأت بموجب فلا يجب عليه الغسل (¬1). قال العلامة ابن باز رحمه الله تعالى: ((الغسل للإسلام سنة وليس بواجب؛ لأن النَّبي - صلى الله عليه وسلم - لم يأمر الجمَّ الغفير بالغسل)) (¬2). وقال ابن القيم رحمه الله تعالى: ((وقد صحّ أمر النَّبي - صلى الله عليه وسلم - به، وأصح الأقوال وجوبه على من أجنب حال كفره ومن لم يجنب)) (¬3). 4 - موت المسلم غير شهيد المعركة؛ لحديث ابن ¬
5 - الحيض
عباس رضي الله عنهما أن النَّبي - صلى الله عليه وسلم -، قال فيمن وقصته ناقته وهو محرم بعرفة: ((اغسلوه بماء وسدر وكَفِّنُوه في ثَوْبَيه)) (¬1)؛ ولحديث أم عطية رضي الله عنها قالت: دخل علينا النَّبي - صلى الله عليه وسلم - ونحن نغسل ابنته فقال: ((اغسلنها ثلاثاً، أو خمساً، أو أكثر من ذلك إن رأيتن ذلك)) (¬2). 5 - الحيض، وانقطاع الحيض شرطٌ لصحة الغسل فلو اغتسلت قبل أن تطهر لم يصح؛ لأن من شرط صحة الاغتسال الطهارة؛ لقوله تعالى: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُواْ النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلاَ تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّىَ يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللهُ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ} (¬3)؛ ولحديث عائشة رضي الله عنها أن فاطمة بنت أبي حُبَيْشٍ كانت ¬
6 - النفاس
تستحاض، فسألت النَّبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: ((ذلك عرق وليست الحيضة، فإذا أقبلت الحيضة فدعي الصلاة، وإذا أدبرت فاغتسلي وصلي)) (¬1). 6 - النفاس، وانقطاع دم النفاس شرط لصحة الاغتسال؛ فإن النفاس كالحيض سواء؛ لأن دم النفاس هو دم الحيض، وإنما كان في مدة الحمل ينصرف إلى غذاء الولد مع السر، فحين خرج الولد خرج الدم لعدم مصرفه، وسمِّي نفاساً (¬2)، ويكون دم النفاس الخارج مع الولادة أو بعدها، أو قبلها بيوم أو يومين أو ثلاثة ومعه الطلق (¬3)، ومما يدلُّ على أن دم النفاس هو دم الحيض قوله - صلى الله عليه وسلم - لعائشة رضي الله عنها لما حاضت: ((مالكِ أنفست))؟ (¬4). وأجمع ¬
ب - ما يمنع منه الجنب:
العلماء على وجوب الغسل بالنِّفاس كالحيض (¬1). ب - ما يُمنع منه الجنب: يُمنع الجنب من خمسة أمور: 1 - الصلاة؛ لقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقْرَبُواْ الصَّلاَةَ وَأَنتُمْ سُكَارَى حَتَّىَ تَعْلَمُواْ مَا تَقُولُونَ وَلاَ جُنُبًا إِلاَّ عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّىَ تَغْتَسِلُواْ} (¬2)؛ ولحديث أبي هريرة، وحديث علي، وحديث ابن عمر - رضي الله عنهم - (¬3). 2 - الطواف بالبيت الحرام؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم -: ((الطواف بالبيت صلاة .. )) (¬4). ¬
3 - مس المصحف
3 - مسّ المصحف؛ لحديث عمرو بن حزم، وحكيم بن حزام، وابن عمر - رضي الله عنهم -: ((لا يمسّ القرآن إلا طاهر)) (¬1). 4 - قراءة القرآن الكريم؛ لحديث علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - قال: ((كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يُقْرِئُنا القرآن على كل حال ما لم يكن جنباً)) (¬2). وبلفظ: ((كان يخرج من الخلاء فيقرئنا القرآن ويأكل معنا اللحم ولم يكن يحجبه - أو قال - يحجزه عن القرآن شيء سوى الجنابة))؛ ولحديثه - رضي الله عنه - أنه توضأ ثم قال: هكذا رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - توضأ، ثم قرأ ¬
5 - المكث في المسجد
شيئاً من القرآن، ثم قال: ((هذا لمن ليس بجنب، فأما الجنب فلا، ولا آية)) (¬1). 5 - المكث في المسجد؛ لقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقْرَبُواْ الصَّلاَةَ وَأَنتُمْ سُكَارَى حَتَّىَ تَعْلَمُواْ مَا تَقُولُونَ وَلاَ جُنُبًا إِلاَّ عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّىَ تَغْتَسِلُواْ} (¬2)؛ ولحديث عائشة رضي الله عنها ترفعه: ((وجهوا هذه البيوت عن المسجد، فإني لا أحل المسجد لحائض ولا جنب)) (¬3). أما مرور الجنب واجتيازه المسجد فلا حرج فيه؛ لنص الآية: {وَلاَ جُنُبًا إِلاَّ عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّىَ تَغْتَسِلُواْ}، وكذلك مرور الحائض والنفساء إذا تحفظت ولم تخش تلويث ¬
المسجد؛ لحديث عائشة رضي الله عنها قالت: قال لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((ناوليني الخُمْرَة (¬1) من المسجد))، فقلت: إني حائض، فقال: ((تناوليها فإن الحيضة ليست في يدك)) (¬2)؛ ولحديث أبي هريرة - رضي الله عنه - بينما رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في المسجد فقال: ((يا عائشة ناوليني الثوب)) فقالت: إني حائض، فقال: ((حيضتك ليست في يدك)) (¬3)؛ ولحديث ميمونة رضي الله عنها قالت: ((كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يدخل على إحدانا وهي حائض فيضع رأسه في حجرها فيقرأ القرآن، ثم تقوم إحدانا بِخُمرته فتضعها في المسجد وهي حائض)) (¬4). قال العلامة ابن باز رحمه الله تعالى: ((والصحابة كانوا يمرون في المسجد؛ لعلمهم - رضي الله عنهم - ¬
بهذا الاستثناء، أما قوله - صلى الله عليه وسلم -: ((فإني لا أحل المسجد لحائض ولا جنب)) (¬1)، فهذا في حقِّ مَنْ يجلس في المسجد، وأما ما رواه زيد بن أسلم أن بعض أصحاب النَّبي - صلى الله عليه وسلم -، كانوا إذا توضؤوا جلسوا في المسجد (¬2)، فهذا احتج به من قال بالجواز كأحمد وإسحاق رحمهما الله وجماعة. والقول الثاني إنه لا يجلس في المسجد ولو توضأ لعموم الآية: {وَلاَ جُنُبًا إِلاَّ عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّىَ تَغْتَسِلُواْ}، والوضوء لا يخرجه من كونه جنباً؛ ولعموم الحديث: ((إني لا أحل المسجد لحائض ولا جنب)). وهذا أظهر وأقوى، وفعل من جلس من الصحابة يحمل على أنه خفي عليه الدليل الدال على أنه يمنع الجنب من الجلوس في المسجد، والأصل الأخذ بالدليل: {وَلاَ جُنُبًا إِلاَّ عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّىَ تَغْتَسِلُواْ} وزيد بن أسلم وإن روى له مسلم، ففي القلب منه شيء إذا ¬
ج - شروط الغسل
تفرد بالحديث)) (¬1). ج - شروط الغسل: شروط الغسل ثمانية: النية (¬2)، والإسلام، والعقل، والتمييز، والماء الطهور المباح، وإزالة ما يمنع وصوله إلى البشرة، وانقطاع موجب الغسل (¬3). د - صفة الغُسل الكامل وكيفيته: صفة الغسل الكامل المشتمل على الفروض، والواجبات والمستحبات كالآتي: 1 - ينوي الغُسل الكامل لرفع الحدث الأكبر والأصغر بقلبه؛ لحديث عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - عن النَّبي - صلى الله عليه وسلم -: ((إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى)) (¬4). ¬
2 - يسمي الله فيقول: ((بسم الله))؛لحديث أبي هريرة - رضي الله عنه - (¬1). 3 - يبدأ فيغسل كفيه ثلاثاً، لحديث عائشة وميمونة رضي الله عنهما (¬2). 4 - يغسل فرجه بشماله، ويزيل ما به من أذىً؛ لحديث عائشة وميمونة رضي الله عنهما (¬3). 5 - يضرب بشماله الأرض ويمسحها بالتراب الطاهر ويدلكها دلكاً جيداً، ويغسلها؛ لحديث ميمونة وعائشة رضي الله عنهما (¬4) أو يدلكها بالحائط ويغسلها؛ لحديث ميمونة رضي الله عنها (¬5)، أو يغسلها بالماء والصابون. ¬
6 - يتوضأ وضوءاً كاملاً كما يتوضأ للصلاة (¬1)؛ لحديث عائشة رضي الله عنها (¬2)، وإن شاء توضأ وضوءه للصلاة وأخر رجليه إلى نهاية الغسل؛ لحديث ميمونة رضي الله عنها (¬3). 7 - يدخل أصابعه في الماء، ثم يخلل شعره حتى يروي بشرته، ثم يصب على رأسه ثلاث حفنات بيديه؛ لحديث ميمونة وعائشة رضي الله عنهما (¬4) يبدأ بشق رأسه الأيمن ثم الأيسر ثم الوسط؛ لحديث عائشة رضي الله عنها (¬5). وليس ¬
على المرأة نقض شعر رأسها لغسل الجنابة؛ لحديث أم سلمة رضي الله عنها (¬1). ويستحب أن تنقضه لغسل الحيض؛ لحديث عائشة رضي الله عنها (¬2). 8 - يفيض الماء على سائر جسده؛ لحديث ميمونة وعائشة رضي الله عنهما (¬3)، يبدأ بشقه الأيمن ثم الأيسر؛ لحديث عائشة رضي الله عنها: ((أن النَّبي - صلى الله عليه وسلم - كان يعجبه التيمن في تنعله، وترجله، وطهوره، وفي شأنه كله)) (¬4). ويعتني بغسل ¬
الإبطين ومطاوي الأعضاء وأصول الفخذين؛ لحديث عائشة رضي الله عنها (¬1)، ويدلك بدنه إذا لم يصل الطهور إلى محله بدونه (¬2). 9 - يتحول فينتقل من مكانه فيغسل قدميه؛ لحديث ميمونة رضي الله عنها (¬3) والأفضل أن لا ينشِّف أعضاءه في الغسل؛ لحديث ميمونة رضي الله عنها (¬4)، وينبغي له أن لا يسرف في استعمال الماء، فلا إفراط ولا تفريط (¬5)، وما تقدم هو ¬
هـ - الأغسال المستحبة
الغسل الكامل (¬1). هـ - الأغسال المستحبة: 1 - غسل يوم الجمعة؛ لحديث أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه -، قال: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، قال: ((غسل يوم الجمعة واجب على كل محتلم)) (¬2). وحديثه - رضي الله عنه - يرفعه: ((الغسل يوم الجمعة واجب على كل محتلم، وأن يستن، وأن يمس طيباً إن وجد)) (¬3). وحديث أبي هريرة - رضي الله عنه - يرفعه: ((حقٌّ لله على كل ¬
مسلم أن يغتسل في كل سبعة أيام، يغسل رأسه وجسده)) (¬1). وحديثه - رضي الله عنه - يرفعه إلى النَّبي - صلى الله عليه وسلم -: ((من اغتسل ثم أتى الجمعة فصلى ما قدر له، ثم أنصت حتى يفرغ الإمام من خطبته، ثم يصلي معه غفر له ما بينه وبين الجمعة الأخرى وفضل ثلاثة أيام)) (¬2). وعن أبي سعيد الخدري وأبي هريرة رضي الله عنهما عن النَّبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: ((من اغتسل يوم الجمعة، ولَبِسَ من أحسن ثيابه، ومس من طيبٍ إن كان عنده، ثم أتى الجمعة فلم يتخط رقاب الناس (¬3)، ثم صلى ما كتب الله له، ثم أنصت إذا خرج إمامه حتى يفرغ من صلاته، كانت كفارة ما بينه وبين الجمعة قبلها [وزيادة ثلاثة أيام])) (¬4). ¬
وعن أوس بن أوس الثقفي قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، يقول: ((من غسل يوم الجمعة، واغتسل، ثم بكَّر وابتكر، ومشى ولم يركب، ودنا من الإمام فاستمع، ولم يلغ، كان له بكل خطوة عمل سنة، أجر صيامها وقيامها)) (¬1). وعن سمرة - رضي الله عنه - يرفعه: ((من توضأ يوم الجمعة فبها ونعمت، ومن اغتسل فهو أفضل)) (¬2). وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: ((من توضأ فأحسن الوضوء ثم أتى الجمعة فاستمع وأنصت غفر له ما بينه وبين ¬
الجمعة وزيادة ثلاثة أيام ومن مس الحصى فقد لغا)) (¬1). وقد اختلف أهل العلم هل غسل الجمعة واجب أم مستحب؟ ورجح سماحة العلامة ابن باز أن غسلَ الجمعة سنة مؤكدة، وينبغي للمسلم أن يحافظ عليه خروجاً من خلاف من قال بالوجوب، وأقوال العلماء في غسلِ الجمعة ثلاثة: منهم من قال بالوجوب مطلقاً وهذا قول قوي، ومنهم من قال: بأنه سنة مؤكدة مطلقاً، ومنهم من فصَّل فقال: غسل يوم الجمعة واجب على أصحاب الأعمال الشاقة؛ لما يحصل لهم من بعض التعب والعرق، ومستحب في حق غيرهم، وهذا قول ضعيف، والصواب أن غسل الجمعة سنة مؤكدة، أما قوله - صلى الله عليه وسلم -: ((غسل الجمعة واجب على كل محتلم))، فمعناه عند أكثر أهل العلم متأكد كما تقول العرب: ((العدة دين وحق عليَّ واجب)). ويدل على هذا المعنى اكتفاؤه - صلى الله عليه وسلم - بالأمر بالوضوء في بعض ¬
2 - غسل الإحرام
الأحاديث .. وهكذا الطيب والاستياك، ولبس الحسن من الثياب، والتبكير إلى الجمعة، كله من السنن المرغَّب فيها، وليس شيء منها واجباً (¬1). 2 - غسل الإحرام؛ لحديث زيد بن ثابت - رضي الله عنه - أن النَّبي - صلى الله عليه وسلم - ((تجرَّد لإهلاله واغتسل)) (¬2). 3 - الاغتسال عند دخول مكة؛ لأن ابن عمر - رضي الله عنه - كان لا يقدم مكة إلا بات بذي طوى حتى يصبح، ويغتسل، ويَذْكُرُ ذلك عن النَّبي - صلى الله عليه وسلم - (¬3). ¬
4 - الاغتسال لكل جماع
4 - الاغتسال لكل جماع؛ لحديث أبي رافع ((أن النَّبي - صلى الله عليه وسلم - طاف ذات يوم على نسائه يغتسل عند هذه وعند هذه))، قال: فقلت: يا رسول الله، ألا تجعله غسلاً واحداً؟ قال: ((هذا أزكى وأطيب)) (¬1). 5 - الاغتسال من غسل الميت؛ لحديث أبي هريرة - رضي الله عنه - يرفعه: ((من غسَّل الميت فليغتسل)) (¬2)؛ ولحديث عائشة رضي الله عنها قالت: ((كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يغتسل من أربع: من الجنابة، ويوم الجمعة، ومن الحجامة، ومن غسل الميت)) (¬3). ويدل على عدم الوجوب أن أسماء بنت عميس ¬
6 - الاغتسال من دفن المشرك
- امرأة أبي بكر - غسلت أبا بكر - رضي الله عنه - حين توفي، ثم خرجت فسألت من حضرها من المهاجرين، فقالت: إني صائمة وهذا يوم شديد البرد، فهل عليَّ من غسل؟ فقالوا: ((لا)) (¬1). وبيّن العلامة ابن باز رحمه الله أن هذا يدل على أن الغسل من غسل الميت معلوم عند الصحابة؛ ولكنه سنة (¬2). 6 - الاغتسال من دفن المشرك؛ لحديث علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - أنه أتى النَّبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: إن أبا طالب مات، فقال: ((اذهب فواره))، قال: إنه مات مشركاً. قال: ((اذهب فواره)) فلما واريته رجعت إليه، فقال لي: ¬
7 - الاغتسال للمستحاضة لكل صلاة
((اغتسل)) (¬1). 7 - الاغتسال للمستحاضة لكل صلاة (¬2)، أو عند الجمع بين الصلاتين؛ لحديث عائشة رضي الله عنها أن أم حبيبة رضي الله عنها استحيضت في عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأمرها بالغسل لكل صلاة)) (¬3). وفي حديث حمنة بنت جحش رضي الله عنها أن النَّبي - صلى الله عليه وسلم - قال لها: ((سآمرك بأمرين أيهما فعلت أجزأ عنك من الآخر، وإن قويت عليهما فأنت أعلم)). ثم قال في آخر الحديث: ((وإن قويت على أن تؤخري الظهر ¬
وتعجلي العصر فتغتسلين وتجمعين بين الصلاتين الظهر والعصر، وتؤخرين المغرب وتعجلين العشاء، ثم تغتسلين وتجمعين بين الصلاتين فافعلي، وتغتسلين مع الفجر فافعلي، وصومي إن قدرت على ذلك)). قال - صلى الله عليه وسلم -: ((وهذا أعجب الأمرين إليَّ)) (¬1). والواجب على المستحاضة هو الغسل عندما تخرج من عادة الحيض، أما بعد ذلك فيستحب لها الغسل كما تقدم، ويجب عليها أن تتوضأ في وقت كل صلاة، أما الغسل فمندوب كما تقدم (¬2). وهذا ما يفتي به شيخنا ¬
8 - الاغتسال من الإغماء
العلامة ابن باز رحمه الله تعالى. 8 - الاغتسال من الإغماء؛ لحديث عائشة رضي الله عنها قالت: ثقل النَّبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: ((أصلَّى الناس))؟ قلنا: لا، هم ينتظرونك، قال: ((ضعوا لي ماء في المخضب)) (¬1) قالت: ففعلنا فاغتسل، فذهب لينوء (¬2) فأُغمي عليه، ثم أفاق، فقال - صلى الله عليه وسلم -: ((أصلَّى الناس))؟ قلنا: لا، هم ينتظرونك يا رسول الله. قال: ((ضعوا لي ماء في المخضب)) فقعد فاغتسل ... (¬3). فعل ذلك ثلاث مرات وهو مثقل بالمرض، فدل ذلك على استحبابه (¬4). 9 - الاغتسال من الحجامة؛ لحديث عائشة رضي الله عنها ¬
10 - غسل الكافر إذا أسلم
قالت: ((كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يغتسل من أربع: من الجنابة، ويوم الجمعة، ومن الحجامة، ومن غسل الميت)) (¬1). 10 - غسل الكافر إذا أسلم عند من يقول باستحبابه، ومنهم من قال بالوجوب؛ لحديث قيس بن عاصم - رضي الله عنه -، قال: أتيت النَّبي - صلى الله عليه وسلم - أريد الإسلام، فأمرني أن أغتسل بماء وسدر (¬2). ورجح سماحة العلامة ابن باز أن غسله سنة (¬3). 11 - غسل العيدين؛ قال العلماء لم يرد في ذلك حديث صحيح عن النَّبي - صلى الله عليه وسلم - (¬4). قال العلامة الألباني: وأحسن ما يستدل به على استحباب الاغتسال للعيدين: ما روى البيهقي من طريق الشافعي عن زاذان قال: سأل رجل عليّاً عن الغسل؟ قال: ((اغتسل كل يوم إن شئت)). ¬
12 - غسل يوم عرفة
فقال: لا، الغسل الذي هو الغسل؟ قال: ((يوم الجمعة، ويوم عرفة (¬1)، ويوم النحر، ويوم الفطر)) (¬2). وعن سعيد بن المسيب أنه قال: ((سنة الفطر ثلاث: المشي إلى المصلى، والأكل قبل الخروج، والاغتسال)) (¬3)، وثبت أن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: ((كان يغتسل يوم الفطر قبل أن يَغدُوَ إلى المصلى)) (¬4). 12 - غسل يوم عرفة (¬5). ¬
المبحث الثامن: التيمم
المبحث الثامن: التيمم التيمم في اللغة: القصد، وفي الشرع: التعبد لله تعالى بقصد الصعيد الطَّيِّب لمسح الوجه واليدين به بنية رفع الحدث لمن فقد الماء أو عجز عن استعماله (¬1). 1 - حكمه: مشروع بالكتاب، والسنة، والإجماع، أما الكتاب؛ فلقوله تعالى: {وَإِن كُنتُم مَّرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِّنكُم مِّنَ الْغَائِطِ أَوْ لاَمَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُواْ مَاءً فَتَيَمَّمُواْ صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُواْ بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُم مِّنْهُ مَا يُرِيدُ اللهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مِّنْ حَرَجٍ وَلَكِن يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} (¬2). وأما السنة؛ فلأحاديث كثيرة، منها حديث عمران بن حصين - رضي الله عنه - قال: كنا في سفر مع النَّبي - صلى الله عليه وسلم - فصلى بالناس، فلما ¬
[انصرف] من صلاته إذا هو برجل معتزل لم يصلِّ مع القوم، قال: ((ما منعك يا فلان أن تصلي مع القوم))؟ قال: يا نبي الله أصابتني جنابة ولا ماء، قال: ((عليك بالصعيد فإنّه يكفيك)) (¬1). وأما الإجماع: فأجمع أهل العلم على مشروعية التيمم في الجملة (¬2). والمسلمون لهم طهارتان: طهارة بالماء، وطهارة بالتيمم لمن لم يجد الماء أو عجز عن استعماله، فمن وجد الماء وقدر على استعماله وجب عليه أن يتطهر به، ومن تعذر عليه استعماله أو لم يجده قام مقامه التيمم وهو رافع ¬
2 - من يجوز له التيمم؟
إلى وجود الماء على الصحيح، فيجب لما تجب له الطهارة بالماء، ويستحب لما تستحب له الطهارة بالماء، والصواب أنَّ المسلم إذا عجز عن الماء أو لم يجده تيمم في أي وقت شاء، وأجزأه حتى يجد الماء، أو يأتي بناقض من نواقض الوضوء، أو موجب من موجبات الغسل، ويجزئ التيمم الواحد عن جميع الأحداث الكبرى والصغرى إذا نواها (¬1). 2 - من يجوز له التيمم؟ يجوز التيمم ويشرع لمن حصل له ناقض من نواقض الوضوء، أو موجب من موجبات الغسل في الحضر أو السفر إذا وُجد سبب من الأسباب الآتية: أ- إذا لم يجد الماء؛ لقوله تعالى: {فَلَمْ تَجِدُواْ مَاءً ¬
ب- إذا لم يجد من الماء ما يكفيه في وضوئه
فَتَيَمَّمُواْ صَعِيدًا طَيِّبًا} (¬1)؛ ولحديث عمران بن حصين - رضي الله عنه -: ((عليك بالصعيد فإنه يكفيك)) (¬2). ب- إذا لم يجد من الماء ما يكفيه في وضوئه أو غسله فإنه يتوضأ بما وجد، أو يغتسل إذا كان عليه جنابة ثم يتيمم للأعضاء التي لم يصل إليها الماء؛ لقوله تعالى: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} (¬3)؛ ولقوله - صلى الله عليه وسلم -: ((إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم)) (¬4). ج- إذا كان الماء شديد البرودة، ويحصل له ضرر باستعماله، بشرط أن يعجز عن تسخينه؛ لحديث عمروبن العاص - رضي الله عنه - قال: احتلمت في ليلة باردة في غزوة ذات السلاسل، فأشفقت إن اغتسلت أن أهلك، ¬
د- إذا كان به جراحة أو مرض إذا استعمل الماء زاد المرض أو تأخر الشفاء
فتيممت ثم صليت بأصحابي الصبح، فلما قدمنا ذكروا ذلك للنبي - صلى الله عليه وسلم -، فقال: ((يا عمرو صليت بأصحابك وأنت جنب))؟ فأخبرته بالذي منعني من الاغتسال، وقلت: إني سمعت الله - عز وجل - يقول: {وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا} (¬1) فضحك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولم يقل شيئًا)) (¬2). د- إذا كان به جراحة أو مرض إذا استعمل الماء زاد المرض أو تأخر الشفاء؛ لحديث جابر بن عبد الله، وابن عباس - رضي الله عنه -، أن رجلاً أصابه جرح في عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم احتلم، فسأل أصحابه هل له رخصة في التيمم؟ فقالوا له: لا، فاغتسل فمات، فبلغ ذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: ((قتلوه قتلهم الله، ألا سألوا إذا لم يعلموا فإنما شفاء العِيّ ¬
هـ- إذا حال بينه وبين الماء عدو
السؤال، إنما كان يكفيه أن يتيمم ... )) (¬1). هـ- إذا حال بينه وبين الماء عدو، أو حريق، أو لصوص، وخاف على نفسه، أو ماله، أو عرضه، أو كان مريضاً لا يقدر على الحركة ولا يجد من يناوله الماء فهو كالعادم (¬2). وإذا خاف العطش والهلاك حبس الماء وتيمم، قال ابن المنذر: أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على أن المسافر إذا كان معه ماء وخشي العطش أنه يبقي ماءه ¬
والخلاصة: أن التيمم يشرع إذا تعذر استعمال الماء
للشرب ويتيمم (¬1). والخلاصة: أن التيمم يشرع إذا تعذر استعمال الماء: إما لعدمه وإما لحصول الضرر باستعماله (¬2). 3 - كيفية التيمم وصفته: 1 - ينوي؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم -: ((إنما الأعمال بالنيات)) (¬3). ومحلها القلب فلا يتلفظ بها. 2 - يسمي الله فيقول: ((بسم الله)) (¬4). 3 - يضرب بكفيه الصعيد الطيِّب من الأرض ضربة واحدة، ثم يمسح جميع وجهه بكفيه، ثم يمسح جميع الكفين بعضهما ببعض يمسح بالشمال على اليمين، وظاهر كفيه وباطنهما: من أطراف الأصابع إلى مفصل ¬
الكف من الذراع، والمفصل الذي يلي الكف داخل في المسح (¬1)؛ لحديث عمار - رضي الله عنه - قال: بعثني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في حاجة فأجنبت فلم أجد الماء فتمرغت في الصعيد كما تمرَّغ الدابة ثم أتيت النَّبي - صلى الله عليه وسلم - فذكرت ذلك له فقال: ((إنما كان يكفيك أن تقول بيديك هكذا))، ثم ضرب بكفيه الأرض [ضربة واحدة] ونفخ فيهما، ثم مسح بهما وجهه وكفيه (¬2). وفي لفظ لمسلم: ((وضرب بيده إلى الأرض فنفض يديه فمسح وجهه وكفيه)) (¬3)، وفي لفظ: ((إنما كان يكفيك أن تقول بيديك هكذا: ثم ضرب بيديه إلى الأرض ضربة واحدة، ثم مسح الشمال على اليمين، وظاهر كفيه ووجهه)) (¬4). فإذا كان الغبار كثيراً في الكفين نفخ فيهما أو نفضهما (¬5). ¬
4 - نواقض التيمم ومبطلاته
4 - نواقض التيمم ومبطلاته: 1 - ينقض التيمم ويبطله ما يبطل الوضوء؛ لأن التيمم بالصعيد الطيِّب قام مقام الماء فينقض الطهارة بالتيمم ما ينقض الطهارة بالماء، فإذا تيمم عن الحدث الأصغر ثم بال أو حصل له ناقض من نواقض الوضوء بطل تيممه؛ لأن البدل له حكم المبدل. وكذا التيمم عن الحدث الأكبر يبطل بموجبات الغسل (¬1). 2 - وينقض التيمم وجود الماء، فإذا تيمم لعدم الماء بطل بوجوده؛ لحديث أبي ذر - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((إن الصعيد الطيِّب طهور المسلم وإن لم يجد الماء عشر سنين، فإذا وجد الماء فليمسه بشرته، فإن ذلك خير)) (¬2). ¬
5 - فاقد الطهورين: الماء والتراب:
أما إذا تيمم لمرض يمنعه من استعمال الماء لم يبطل التيمم بوجود الماء، ولكن يبطل بالقدرة على استعمال الماء (¬1). 5 - فاقد الطهورين: الماء والتراب: إذا لم يجد المسلم الماء ولا التراب، ولم يستطع الحصول على ذلك، أو وجدهما ولكن عجز عن الوضوء والتيمم؛ فإنه يصلي على حسب حاله كالمربوط الذي لا يستطيع الوضوء ولا التيمم؛ لحديث عائشة رضي الله عنها أنها استعارت من أسماء قلادة فهلكت (¬2)، فأرسل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ناساً من أصحابه في طلبها فأدركتهم الصلاة فصلوا بغير وضوء، فلما أتوا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، شكوا ذلك إليه فنزلت آية التيمم، فقال أسيد بن حضير: جزاكِ الله خيراً، فوالله ما نزل بك أمر قط إلا جعل الله لك منه مخرجاً وجعل للمسلمين فيه بركة (¬3). فيجب على المسلم ¬
6 - من تيمم وصلى ثم وجد الماء في الوقت:
أن يتطهر بالماء فإن عجز عن استعماله لمرض أو غيره تيمم بتراب طاهر، فإن عجز عن ذلك سقطت الطهارة، وصلى على حسب حاله (¬1). قال تعالى: {فَاتَّقُوا اللهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} (¬2). وقال سبحانه: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} (¬3). وقال - صلى الله عليه وسلم -: ((إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم)) (¬4). 6 - من تيمم وصلى ثم وجد الماء في الوقت: إذا فقد المسلم الماء ثم تيمم وصلى ثم وجد الماء أو قدر على استعماله بعد الفراغ من الصلاة؛ فإنه لا يعيد الصلاة، ولو كان الوقت باقياً، وهكذا لو فقد الماء والتراب أو عجز عن ذلك ثم وجده بعد أن صلى؛ لحديث أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - قال: خرج رجلان في سفر، ¬
فحضرت الصلاة وليس معهما ماء، فتيمما صعيداً طيباً فصليا، ثم وجدا الماء في الوقت، فأعاد أحدهما الصلاة والوضوء ولم يعدِ الآخر، ثم أتيا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فذكرا ذلك له، فقال للذي لم يعد: ((أصبت السنة وأجزأتك صلاتك)). وقال للذي توضأ وأعاد: ((لك الأجر مرتين)) (¬1). فدل ذلك على أن الذي لم يعد الوضوء والصلاة أصاب السنة؛ لأنه فعل ما قدر عليه، أما الآخر فاجتهد وأعاد فله أجر صلاته الأولى والأجر الثاني على اجتهاده في إعادة الصلاة، لكن المقصود هو إصابة السنة (¬2). ¬
المبحث التاسع: الحيض والنفاس والاستحاضة والسلس
المبحث التاسع: الحيض والنفاس والاستحاضة والسلس المطلب الأول: الحيض 1 - تعريفه: الحيض في اللغة: السيلان، يقال: حاض الوادي إذا سال. وهو مصدر: حاضت المرأة تحيض حيضاً ومحاضاً ومحيضاً وتحيّضاً، فهي حائض وحائضة من حوائض وحُيّض؛ إذا سال دمها (¬1). وشرعاً: دم طبيعة وجبلّة يخرج من قعر الرحم، يعتاد أنثى إذا بلغت في أوقات معلومة (¬2). 2 - حكمته: خلق الله دم الحيض وكتبه على بنات آدم لحكمة غذاء الولد وتربيته، فالولد يخلقه الله من ماء الرجل والمرأة، ثم يغذِّيه في الرحم بدم الحيض عن طريق السر؛ ولهذا لا تحيض الحامل في الغالب، فإذا وضعت، ¬
3 - لون دم الحيض:
خرج ما فضل عن غذاء الولد من ذلك الدم، ثم يقلبه الله تعالى بحكمته لبناً يتغذَّى به الطفل عن طريق الثدي؛ ولهذا لا تحيض المرضع في الغالب، فإذا خلت المرأة من حملٍ ورضاعٍ بقي ذلك الدم في محله ثم يخرج في الغالب في كل شهر ستة أيام أو سبعة، وقد يزيد على ذلك ويقل، ويطول ويقصر، على حسب ما ركبه الله تعالى في الطباع، والله أعلم (¬1). 3 - لون دم الحيض يأتي على ألوان أربعة كالآتي: أ - السواد؛ لحديث فاطمة بنت أبي حُبيش رضي الله عنها أنها كانت تستحاض فقال لها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((إذا كان دم الحيض فإنه أسودُ يُعرف، فأمسكي عن الصلاة، فإذا كان الآخر فتوضئي، فإنما هو عرق)) (¬2). ¬
ب- الحمرة؛ لأنها أصل لون الدم (¬1). ج- الصفرة: وهي الماء الذي تراه المرأة كالصديد يعلوه اصفرار (¬2). د- الكدرة: وهي التوسط بين البياض والسواد كالماء الوسخ، ولونه ينحو نحو السواد (¬3)؛لحديث علقمة بن أبي علقمة عن أمه مولاة عائشة رضي الله عنها، قالت: كان النساء يبعثن إلى عائشة أم المؤمنين بالدِّرَجة (¬4) فيها الكُرسف (¬5) فيه الصفرة من دم الحيض يسألنها عن الصلاة، فتقول لهن: لا تَعْجَلْنَ حتى ترين القصة البيضاء (¬6) تريد بذلك الطهر ¬
من الحيضة (¬1). والصفرة والكدرة لا تكون حيضاً إلا في أيام الحيض أما بعد انقضاء أيام العادة فلا تعد حيضاً ولو تكرر ذلك؛ لحديث أمِّ عطية رضي الله عنها قالت: ((كنا لا نعد الكُدرة والصفرة [بعد الطهر] شيئاً)) (¬2). فدل ذلك بمنطوقه على أن الصفرة والكدرة بعد الطهر لا تعد شيئاً وإنما هي مثل البول تنقض الوضوء، ودل بمفهومه على أن الصفرة والكدرة قبل الطهر تعد حيضاً بشرط أن تكون في أيام عادة الحيض، ورجح ذلك العلامة شيخنا ابن باز رحمه الله تعالى. ¬
4 - زمن الحيض ومدته:
4 - زمن الحيض ومدته، اختلف العلماء رحمهم الله تعالى في السن الذي يأتي الحيض فيه المرأة، وفي الحيض ومقدار زمنه (¬1) على النحو الآتي: أ- السن الذي تحيض فيه الصغيرة: ليس فيه تحديد من السنة الصحيحة للسن الذي تحيض فيه المرأة؛ لكن في الغالب أنه يكون ما بين اثنتي عشرة سنة إلى خمسين سنة وربما حاضت المرأة قبل ذلك أو بعده بحسب حالتها وجوِّها وبيئتها. وقد اختلف العلماء في تحديد السن الذي يأتي فيه الحيض بحيث لا تحيض الأنثى قبله ولا بعده، وأن ما يأتيها قبله أو بعده فهو دم فساد لا حيض. قال الدارمي بعد أن ذكر الاختلافات: ((كل هذا عندي خطأ؛ لأن المرجع في جميع ذلك إلى الوجود (¬2)، فأي قدر وجد في أي حال وسن ¬
وجب جعله حيضاً)) (¬1)، إذا صلح أن يكون حيضاً، فمتى رأت المرأة الدم المعروف عند النساء أنه حيض فهو حيض (¬2). ب- مدة الحيض ومقدار زمنه، لقد اختلف العلماء في أقل مدة الحيض وأكثره، وفي أقل مدة الطهر بين الحيضتين وأكثره (¬3)، فقالت طائفة: ليس لأقل الحيض ولا لأكثره حد بالأيام، وقيل: أقله يوم وليلة، وأكثره خمسة عشر يوماً (¬4). ورجح شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى أنه لا حد لأقل الحيض ولا لأكثره، ولا لأقل الطهر بين الحيضتين ولا لأكثره، قال: والعلماء منهم من ¬
5 - أحكام الحيض:
يحد أكثره وأقله ثم يختلفون في التحديد، ومنهم من يحد أكثره دون أقله، والقول الثالث أصح: أنه لا حدّ لأقله ولا لأكثره. ثم قرر أن كل ما رأته المرأة عادة مستمرة فهو حيض، وإن قُدّر أنه أقل من يوم استمر بها على ذلك فهو حيض، وإن قُدّر أن أكثره سبعة عشر استمر بها على ذلك فهو حيض، وأما إذا استمر الدم بها دائماً، فهذا قد عُلم أنه ليس بحيض (¬1). 5 - أحكام الحيض: أ - ما يمنع الحيض: يمنع الحيض ثمانية أشياء على الصحيح: 1 - الصلاة: فالحيض يمنع الصلاة وجوباً وفعلاً؛ لحديث فاطمة بنت أبي حبيش رضي الله عنها: أنها كانت ¬
تستحاض فسألت النَّبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: ((ذلك عرق وليست بالحيضة فإذا أقبلت الحيضة فدعي الصلاة، وإذا أدبرت فاغتسلي وصلي)) (¬1). ولا تفعل الصلاة قضاء بعد الطهر؛ لحديث عائشة رضي الله عنها قالت: ((كنا نحيض على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فنؤمر بقضاء الصوم ولا نؤمر بقضاء الصلاة)) (¬2). لكن عند جمهور العلماء: كمالك، والشافعي، وأحمد، أن المرأة إذا طهرت في وقت العصر - قبل غروب الشمس - صلت الظهر والعصر، وإذا طهرت في وقت العشاء - قبل طلوع الفجر - صلت المغرب والعشاء، جاء ذلك عن عبد الرحمن بن عوف، وأبي هريرة، وعبد الله بن عباس - رضي الله عنهم - (¬3)، ولأن وقت الثانية وقت ¬
للأولى حال العذر، فإذا أدركه المعذور لزمه فرضها كما يلزمها فرض الثانية (¬1). قال الإمام أحمد رحمه الله تعالى: عامة التابعين يقولون بهذا القول إلا الحسن وحده (¬2). وإذا طهرت المرأة في وقت الفجر - قبل طلوع الشمس بمقدار ركعة - صلت الفجر وحده؛ لأنها أدركت الصلاة؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم -: ((من أدرك ركعة من الصبح قبل أن تطلع الشمس فقد أدرك الصبح، ومن أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك العصر)) (¬3). أما إذا أدركت المرأة وقت الصلاة ثم حاضت قبل ¬
أن تصلي، فقد اختلف أهل العلم هل تقضي أو لا تقضي؟ على قولين: القول الأول: يجب عليها القضاء وهو قول الجمهور (¬1)، ولكنهم اختلفوا في مقدار الوقت الذي إذا أدركته وجب عليها القضاء إلى عدة أقوال: فقيل: إذا أدركت من الوقت قدر تكبيرة ثم حاضت وجب عليها القضاء (¬2). وقيل: إذا أدركت من الوقت قدر ركعة لأنه إدراك تعلق به إدراك الصلاة فلم يكن بأقل من ركعة كإدراك الجمعة (¬3). وقيل: إذا أدركت من الوقت ما يتسع لفعل الصلاة ¬
فيه فتمكنت من الصلاة قبل حصول العذر فلم تصلِّ فحينئذ تبقى الصلاة في ذمتها حتى تطهر ثم تصلي (¬1). وقيل: إذا أدركت من الوقت قدر خمس ركعات (¬2). وقيل: إذا أدركت الوقت ثم تضيّق بحيث لا تستطيع أداء الصلاة كاملة في آخره ثم حصل المانع وجب عليها القضاء بعد الطهر (¬3). القول الثاني: لا يجب على المرأة قضاء الصلاة مطلقاً سواء حاضت في أول الوقت أو في آخره؛ لأن الله جعل للصلاة وقتاً محدداً أوله وآخره، وصح أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلى في أول الوقت وفي آخره، فصح أن المؤخر لها إلى ¬
آخر وقتها ليس عاصياً. وهذا قولٌ للأحناف ومذهب الظاهرية (¬1). والراجح والصواب من هذه الأقوال إن شاء الله تعالى: أن المرأة إذا أدركت وقت الصلاة، ثم لم تصلّ ¬
2 - الصوم
حتى تضيّق الوقت - بحيث لا تستطيع الصلاة كاملة في آخره - ثم حاضت قبل أن تصلي وجب عليها أن تقضي هذه الصلاة بعد أن تطهر؛ لأنها فرطت في الصلاة، وهذا الذي يفتي به سماحة الإمام العلامة عبد العزيز ابن باز رحمه الله تعالى، وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى (¬1). 2 - الصوم، والحيض يمنع الصوم وجوباً لا فعلاً بل يبقى في الذمة حتى تقضيه؛ لحديث أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - عن النَّبي - صلى الله عليه وسلم -: ((أليس إذا حاضت لم تصلِّ ولم تصم)) (¬2)؛ ولحديث عائشة رضي الله عنها: ((كنا نحيض على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فنؤمر بقضاء الصوم ولا نؤمر بقضاء الصلاة)) (¬3). وهذا من رحمة الله تعالى؛ ¬
3 - الطواف
فإن الصلاة تكثر في أوقات كثيرة، في كل شهر في الغالب ستة أيام أو سبعة، ويكون في هذه الأيام ثلاثون صلاة أو خمس وثلاثون صلاة، أي:102 ركعة إذا كانت ستة أيام، وإذا كانت سبعة أيام 119 ركعة. وقضاء هذه الصلوات فيه مشقة عظيمة، فمن رحمة الله تعالى أنه لم يوجب قضاء الصلاة على الحائض والنفساء، وأما الصوم فأمره يسير؛ فإنه لا يتكرر إلا مرة واحدة في السنة في شهر رمضان، فقضاء ستة أيام أو سبعة في الغالب لا مشقة فيه ولا تعب؛ فلهذا وجب القضاء للصوم وأسقطت الصلاة، فالحمد لله على تيسيره وإحسانه. 3 - الطواف بالبيت الحرام، فلا يجوز للحائض أن تطوف بالبيت حتى تطهر؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم -: ((الطواف بالبيت صلاة)) (¬1)؛ ولقوله - صلى الله عليه وسلم - لعائشة رضي الله عنها لَمّا ¬
4 - مس المصحف
حاضت: ((افعلي ما يفعل الحاج، غير أن لا تطوفي بالبيت حتى تطهري)) (¬1). لكن إذا كان الحيض بعد طواف الإفاضة سقط عنها طواف الوداع؛ لحديث ابن عباس رضي الله عنهما: ((أُمر الناس أن يكون آخر عهدهم بالبيت إلا أنه خُفِّفَ عن المرأة الحائض)) (¬2). 4 - مس المصحف؛ فلا يجوز للحائض والنفساء مس المصحف على الصحيح؛ لحديث عمرو بن حزم، وحكيم بن حزام، وابن عمر - رضي الله عنهم -: ((لا يمس القرآن إلا طاهر)) (¬3). أما قراءة القرآن للحائض والنفساء فمنع منها جمع من أهل العلم؛ لِمَا رُوِيَ: ((لا تقرأ الحائض ولا الجنب ¬
شيئاً من القرآن)) (¬1). والصواب أن هذا الخبر ضعيف لا يحتج به، وأنه يجوز للحائض والنفساء أن تقرأ القرآن؛ لأن هذا الخبر ضعيف؛ ولأن قياس الحائض والنفساء على الجنب ليس بظاهر؛ ولأن الجنب وقته يسير وفي إمكانه أن يغتسل في الحال؛ لأن مدته لا تطول، وإن عجز عن الماء تيمم وصلى وقرأ، أما الحائض والنفساء فليس الأمر بيديهما وإنما هو بيد الله - عز وجل -، ويحتاج ذلك إلى وقت طويل وربما نسيت ما حفظت من القرآن، وربما احتاجت إلى التدريس للبنات أو النساء؛ ولأن النَّبي - صلى الله عليه وسلم - قال لعائشة رضي الله عنها عندما حاضت وهي محرمة: ((افعلي ما يفعل الحاج ¬
5 - الجلوس في المسجد واللبث فيه
غير أن لا تطوفي بالبيت حتى تطهري)) (¬1). ومن أفضل أعمال الحاج قراءة القرآن ولم يقل لها لا تقرئي القرآن، وقد أباح لها أعمال الحاج كلها فدل ذلك كله على أن الصواب جواز قراءة الحائض والنفساء القرآن عن ظهر قلب بدون مس للمصحف (¬2). 5 - الجلوس في المسجد واللبث فيه؛ لحديث عائشة رضي الله عنها: (( ... فإني لا أحل المسجد لحائض ولا جنب)) (¬3). أما المرور إذا تحفظت ولم تخش تلويث المسجد فلا حرج، لعموم قوله تعالى: {إِلاَّ عَابِرِي سَبِيلٍ} (¬4)؛ ولحديث عائشة ¬
6 - الوطء في الفرج
رضي الله عنها: ((إن حيضتك ليست في يدك)) (¬1). وحديث ميمونة في وضع الخمرة في المسجد (¬2)؛ وحديث أبي هريرة - رضي الله عنه -: ((حيضتك ليست في يدك)) (¬3). 6 - الوطء في الفرج، فيحرم وطء الحائض والنفساء؛ لقوله تعالى: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُواْ النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلاَ تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّىَ يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللهُ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ} (¬4)؛ ولحديث أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النَّبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((من أتى حائضاً، أو امرأة في دبرها، أو كاهناً فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد)) (¬5). ¬
وإذا انقطع دم الحيض والنفاس فلا يجوز وطؤها حتى تغتسل، لقوله تعالى: {وَلاَ تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّىَ يَطْهُرْنَ} (¬1). وإذا واقع الحائض أو النفساء فعليه التوبة، وأن يتصدق بدينار أو نصف دينار؛ لحديث ابن عباس رضي الله عنهما عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الذي يأتي امرأته وهي حائض قال: ((يتصدق بدينار أو بنصف دينار)) (¬2). وهو مخير بين هاتين 4 8 الصدقتين على الصحيح والدينار اليوم يساوي ... من 2 7 الجنيه السعودي ونصفه يساوي ... من الجنيه نفسه، فإذا ¬
7 - الطلاق
تصدق بأربعة أسباع الجنيه أو سُبعي الجنيه السعودي مع التوبة والاستغفار كفاه (¬1) وقد وزنه بعضهم فكان الدينار 4.25غرام ونصف الدينار 2.13 (¬2). 7 - الطلاق، فالحيض يمنع سنة الطلاق، فمن طلق امرأته وهي حائض كان طلاقاً محرماً وكان مبتدعاً بذلك (¬3)؛ لقوله تعالى: {فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} (¬4) يعني طاهراً من غير جماع؛ ولحديث ابن عمر رضي الله عنهما: ((مُرْهُ فليراجعها ثم ليمسكها حتى تطهر، ثم تحيض، ثم تطهر، ثم إن شاء أمسك بعد، وإن شاء طلق قبل أن يمس، فتلك العدة التي أمر الله أن يطلق لها النساء)) (¬5). ¬
8 - الاعتداد بالأشهر
8 - الاعتداد بالأشهر، فالحيض يمنع الاعتداد بالأشهر إذا حصلت الفرقة في الحياة ويجب الاعتداد بالحيض نفسه؛ لقوله تعالى: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلاَثَةَ قُرُوَءٍ} (¬1). وقوله تعالى: {وَاللاّئِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِن نِّسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللائِي لَمْ يَحِضْنَ} (¬2). فدل ذلك على أن المرأة التي تحيض تعتد بالحيض، وأن الآيسة التي لا تحيض والصغيرة التي لم تحض تعتد بالأشهر، فأما المتوفى عنها زوجها فعدتها أربعة أشهر وعشر، سواء كانت صغيرة أو آيسة، أو ممن تحيض؛ لقوله تعالى: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا} (¬3). فعم في هذه الآية جميع المتوفَّى عنهن (¬4)، لقوله تعالى: {وَأُوْلاتُ ¬
ب- ما يباح مع الحائض والنفساء:
الأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَن يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} (¬1). ومن أحكام الحيض أنه يوجب الغسل، ويوجب البلوغ (¬2). ب- ما يباح مع الحائض والنفساء: 1 - المباشرة فيما دون الفرج لحديث أنس - رضي الله عنه - أن اليهود كانوا إذا حاضت فيهم المرأة لم يؤاكلوها ولم يخالطوها في البيوت، فسأل أصحاب النَّبي - صلى الله عليه وسلم - النَّبي - صلى الله عليه وسلم - فأنزل الله تعال: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى ... } (¬3) فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((اصنعوا كل شيء إلا النكاح)) (¬4)؛ ولحديث عائشة رضي الله عنها في مضاجعة الحائض (¬5)؛ وحديث عم حرام بن حكيم أنه سأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما يحل لي من امرأتي وهي حائض؟ قال: ((ما فوق ¬
الإزار)) (¬1). وذكر سماحة شيخنا العلامة عبد العزيز ابن باز رحمه الله تعالى، أن الحائض يحرم جماعها (¬2) ولكن لا حرج في الاستمتاع بها فيما فوق السرة وتحت الركبة وهذا هو المعبر عنه بما فوق الإزار، أما ما تحت الإزار فاختلف العلماء في ذلك هل يجوز أو لا يجوز، والأصح أنه يجوز، لقوله - صلى الله عليه وسلم -: ((اصنعوا كل شيء إلا النكاح)). فعلى هذا يكون للحائض ثلاث حالات: الحالة الأولى: الجماع وهذا محرم بالإجماع حتى تطهر. الحالة الثانية: الاستمتاع بها فوق الإزار وهذا حلال بالإجماع. الحالة الثالثة: ما تحت الإزار وهو ما بين السرة والركبة، وهذا محل خلاف، والأرجح أنه يجوز، ولكن ¬
2 - الأكل والشرب معها
الأفضل تركه احتياطاً وحمىً وبعداً عن المحرم (¬1). وعن ميمونة رضي الله عنها قالت: ((كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يباشر نساءه فوق الإزار وهن حيَّض)) (¬2). 2 - الأكل والشرب معها؛ لحديث عائشة رضي الله عنها قالت: ((كنت أشرب وأنا حائض ثم أناوله النَّبي - صلى الله عليه وسلم -، فيضع فاه على موضع في فيشرب)). وكانت رضي الله عنها ((تتعرق العرق - وهو العظم الذي عليه بقية من اللحم - ثم تناوله النَّبي - صلى الله عليه وسلم - فيضع فاه على موضع فيها)) (¬3)؛ ولحديث: ((إن حيضتك ليست في يدك)) (¬4). 3 - إباحة بل استحباب خروج الحائض في العيدين إلى المصلى وشهود الخطبة والخير ودعوة المسلمين؛ ¬
4 - جواز قراءة الرجل وهو في حجر امرأته وهي حائض
لحديث أم عطية رضي الله عنها قالت: ((أمرنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن نخرج في العيدين العواتق (¬1) والحيض، وذوات الخدور (¬2)، فأما الحيَّض فيعتزلن مصلى المسلمين - وفي لفظ - فيعتزلن الصلاة ويشهدن الخير ودعوة المسلمين)) (¬3). 4 - جواز قراءة الرجل وهو في حجر امرأته وهي حائض؛ لحديث عائشة رضي الله عنها قالت عن النَّبي - صلى الله عليه وسلم -: ((كان يتكئ في حجري وأنا حائض ثم يقرأ القرآن)) (¬4). ¬
5 - غسل الحائض رأس زوجها
5 - غسل الحائض رأس زوجها وترجيله؛ لحديث عائشة رضي الله عنها قالت: ((كنت أُرجِّل رأس رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأنا حائض)) (¬1). 6 - تعمل جميع العبادات ما عدا ما تقدم، فتذكر الله - عز وجل - بأنواع الأذكار المشروعة، والأدعية المأثورة، وإذا أرادت الحج أو العمرة فلا حرج ولكنها تُحرِم وتعمل ما يعمل الحاج أو المعتمر إلا الطواف بالبيت حتى تطهر؛ لحديث عائشة رضي الله عنها: ((افعلي ما يفعل الحاج غير أن لا تطوفي بالبيت حتى تطهري)) (¬2). جـ - علامة الطهر: للطهر علامتان هما: ¬
1 - القصة البيضاء
العلامة الأولى: القصة البيضاء: وهي ماء أبيض يعقب الحيض، وقيل: هو شيء كالخيط الأبيض يخرج بعد انقطاع الدم كله؛ لقول عائشة رضي الله عنها: ((لا تعجلن حتى ترين القصة البيضاء)) (¬1). وقيل هي: أن تخرج القطنة التي تحتشي بها المرأة كأنها قصة بيضاء لا يخالطها صفرة (¬2). العلامة الثانية: الجفوف: وهي أن تدخل المرأة القطنة أو الخرقة في فرجها فتخرجها جافة لا شيء عليها أو ترى عليها القصة البيضاء، فإن لم ترَ القصة البيضاء تكتفي برؤية الجفوف (¬3). المطلب الثاني: النفاس 1 - تعريفه لغة: النفاس في اللغة بالكسر: ولادة ¬
2 - الفرق بين دم النفاس ودم الحيض
المرأة، فإذا وضعت فهي نفساء (¬1). وشرعاً: دم يرخيه الرحم بسبب الولادة إما معها أو قبلها بيوم أو يومين أو ثلاثة مع الطلق، أو بعدها إلى مدة معلومة (¬2). 2 - الفرق بين دم النفاس ودم الحيض: دم النفاس هو نفسه دم الحيض المحتقن في الرحم الفاضل من رزق الولد، فلما خرج الولد تنفست الرحم فخرج بخروجه (¬3). 3 - أحكام النفاس: حكم النفاس كحكم الحيض فيما يحل، ويحرم، ويجب، ويسقط عنها ما يسقط عن الحائض؛ لأن النفاس حيض مجتمع احتبس لأجل ¬
أ- العدة
الحمل، فحكمه سواء بسواء إلا في الأمور الآتية: أ- العدة، فالنفاس لا يعتبر من العدة إذا طلقت المرأة بعد ولادتها، والحيض يعتبر؛ لأنه إن كان الطلاق قبل وضع الحمل انقضت العدة بوضعه لا بالنفاس، وإن كان الطلاق بعد الوضع انتظرت رجوع الحيض وجلست ثلاث حيض. ب- مدة الإيلاء يحسب منها مدة الحيض، ولا يحسب منها مدة النفاس. ج- البلوغ يحصل بالحيض، ولا يحصل بالنفاس؛ لأن البلوغ يسبق النفاس، فقد حصل بالإنزال ثم الحمل. د- دم الحيض يأتي في أوقات معلومة من الشهر، ودم النفاس عقب الولد، أو قبله بيوم أو يومين أو ثلاثة مع الطلق (¬1). ¬
4 - أقل النفاس وأكثره
4 - أقل النفاس وأكثره: الصواب أن النفاس لا حد لأقله، أما أكثره فهو على الصحيح أربعون يوماً إلا أن ترى الطهر قبل ذلك فإنها تغتسل وتصلي؛ لحديث أم سلمة رضي الله عنها قالت: ((كانت النفساء على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تقعد بعد نفاسها أربعين يوماً)) (¬1). قال الترمذي: ((وقد أجمع العلماء من أصحاب النَّبي - صلى الله عليه وسلم - والتابعين ومن بعدهم على أن النفساء تدع الصلاة أربعين يوماً إلا أن ترى الطهر قبل ذلك فإنها تغتسل وتصلي، وإذا رأت الدم بعد الأربعين فإن أكثر أهل العلم قالوا لا تدع الصلاة بعد الأربعين وهو قول أكثر الفقهاء)) (¬2). وهذا هو الصواب ¬
المطلب الثالث: الاستحاضة
إن شاء الله تعالى (¬1). المطلب الثالث: الاستحاضة 1 - تعريفه: الاستحاضة: استفعال من الحيض: وهي دم غالب ليس بالحيض (¬2). والاستحاضة شرعاً: سيلان الدم واستمراره في غير زمن الحيض من مرض وفساد من عرق فمه في أدنى الرحم يقال له: العاذل (¬3). 2 - الفرق بين دم الاستحاضة والحيض: هناك فروق بين دم الاستحاضة والحيض يعرفها غالب النساء ومنها: أ- دم الحيض أسود غليظ له رائحة كريهة منتنة، أما دم الاستحاضة فيتميز عنه بأنه دم رقيق أحمر لا رائحة له. ¬
3 - أحوال المستحاضة:
ب- دم الحيض يخرج من أقصى الرحم، ودم الاستحاضة يخرج من أدنى الرحم من عرق يقال له: العاذل، فهو دمُ عِرْقٍ لا دم رحم. ج - دم الحيض دم صحة وطبيعة يخرج في أوقات معلومة، ودم الاستحاضة دم علة ومرض وفساد ليس له أوقات معلومة (¬1). 3 - أحوال المستحاضة: المستحاضة لها ثلاث حالات: الحالة الأولى: أن تكون مدة الحيض معروفة لها قبل الاستحاضة، وفي هذه الحالة تعتبر هذه المدة المعروفة هي مدة الحيض، وتثبت لها أحكام الحيض والباقي الزائد استحاضة تثبت لها أحكام المستحاضة؛ لحديث أم سلمة رضي الله عنها في قصة فاطمة بنت أبي حبيش أن امرأة كانت تهراق الدماء على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فاستفتت ¬
رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: ((لتنظر عدة الليالي والأيام التي كانت تحيضهن من الشهر قبل أن يصيبها الذي أصابها فلتترك الصلاة قدر ذلك من الشهر، فإذا خلّفت ذلك فلتغتسل ثم لتستثفر بثوب ثم لتصلّ [فيه])) (¬1). وعن عائشة رضي الله عنها قالت: قالت فاطمة بنت أبي حبيش لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -: يا رسول الله، إني لا أطهر أفأدع الصلاة؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((إنما ذلك عرق وليس بالحيضة فإذا أقبلت الحيضة فاتركي الصلاة فإذا ذهب قدرها فاغسلي عنك الدم وصلي [ثم توضئي لكل صلاة حتى يجيء ذلك الوقت])) (¬2). وعن عائشة رضي الله عنها قالت: استفتت أم حبيبة ¬
الحالة الثانية:
بنت جحش رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال لها: ((امكثي قدر ما كانت تحبسك حيضتك ثم اغتسلي وصلي)) (¬1). فعلى هذا تجلس المستحاضة التي لها حيض معلوم قدر عادتها من كل شهر، ثم تغتسل وتصلي ثم تتوضأ لوقت كل صلاة، وتصلي ما شاءت من الفرض والنفل إلى دخول وقت الصلاة الأخرى. الحالة الثانية: أن لا يكون لها عادة، بحيث لا يكون لها حيض معلوم قبل الاستحاضة، ولكنها تستطيع تمييز دم الحيض عن دم الفساد، فيكون حيضها ما تميز بسواد أو غلظة أو رائحة تثبت له أحكام الحيض، وما عداه تثبت له أحكام الاستحاضة؛ لحديث فاطمة بنت أبي حبيش رضي الله عنها أنها كانت تستحاض، فقال لها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((إذا كان دم الحيض فإنه دم أسود يُعرَف فإذا كان ذلك فأمسكي عن الصلاة، فإذا كان الآخر فتوضئي ¬
الحالة الثالثة:
وصلي فإنما هو عِرْق)) (¬1). الحالة الثالثة: أن لا يكون لها أيام حيض معلومة، ولا يكون لها تمييز صالح، إما لأنها بلغت مستحاضة ولا تستطيع التمييز، أو نسيت واضطرب عليها الأمر، فهذه تعمل بغالب عادة النساء ستة أيام أو سبعة على حسب عادة قريباتها كأمها وأختها أو خالتها أو عمتها، فتختار الأقرب من ذلك ستة أيام أو سبعة من كل شهر تبتدئ من أول المدة التي رأت فيها الدم وما عدا ذلك يكون استحاضة؛ لحديث حمنة بنت جحش رضي الله عنها أن النَّبي - صلى الله عليه وسلم -، قال لها: (( ... إنما هذه رَكضة من رَكضات الشيطان فتحيضي ستة أيام أو سبعة أيام في علم الله ثم اغتسلي حتى إذا رأيت أنك قد طهُرت واستنقأت فصلِّي ثلاثاً ¬
4 ـ أحكام الاستحاضة:
وعشرين ليلة أو أربعاً وعشرين ليلة وأيامها وصومي فإن ذلك يجزيك، وكذلك فافعلي كل شهر كما تحيض النساء وكما يطهرن ميقات حيضهن وطهرهن)) (¬1). فعلى هذا تمت أحوال المستحاضة: مستحاضة لها عادة تعمل بعادتها، ومستحاضة ليس لها عادة ولكن تميز بين الدمين فتعمل بالتمييز، ومستحاضة ليس لها عادة ولا تمييز فتعمل بحديث حمنة ستة أيام أو سبعة (¬2). 4 - أحكام الاستحاضة: المستحاضة حكمها حكم الطاهرات في الصلاة، والصيام، والاعتكاف، ومس المصحف، والقراءة، ¬
أ - لا يجب عليها الغسل لوقت من الأوقات
والمكث في المسجد، ووجوب العبادات الواجبة على الطاهرات، وتحل لزوجها (¬1) ولا فرق بينها وبين الطاهرات إلا فيما يلي: أ - لا يجب عليها الغسل لوقت من الأوقات إلا مرة واحدة حينما ينقطع حيضها؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم - لأم حبيبة بنت جحش: ((امكثي قدر ما كانت تحبسك حيضتك ثم اغتسلي وصلي)) (¬2). ثم بعد ذلك تتوضأ لوقت كل صلاة. ب - وجوب الوضوء عليها لوقت كل صلاة؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم - في حديث فاطمة بنت أبي حبيش: ((ثم توضئي لكل صلاة حتى يجيء ذلك الوقت)) (¬3). فلا تتوضأ ¬
ج- إذا أرادت الوضوء فإنها تغسل أثر الدم
للصلاة المؤقتة إلا بعد دخول وقتها، وتصلي بذلك الوضوء - ما لم يأت ناقض آخر غير الدم - ما شاءت من الصلاة الفرض والنفل حتى يخرج وقت الصلاة. ج- إذا أرادت الوضوء فإنها تغسل أثر الدم، فتغسل فرجها وتعصب عليه خرقة، أو تتحفظ بقطن يمسك الدم؛ لحديث حمنة رضي الله عنها، أن النَّبي - صلى الله عليه وسلم - قال لها: ((أنعت لك الكرسف؛ فإنه يذهب الدم)). قالت: هو أكثر من ذلك. قال: ((فاتخذي ثوباً)). قالت: هو أكثر من ذلك، إنما أثج ثجاً. قال: ((فتلجمي)) (¬1). وفي حديث فاطمة بنت أبي حبيش: ((فلتغتسل ثم لتستثفر بثوب ثم لتصلِّ)) (¬2) ولا يضرها ما خرج بعد ¬
د- الجمع الصوري
ذلك؛ لأنها اتقت الله ما استطاعت؛ ولحديث فاطمة بنت أبي حبيش: ((وتوضئي لكل صلاة، وإن قطر الدم على الحصير)) (¬1). د- الجمع الصوري، فيجوز للمستحاضة الجمع الصوري؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم - لحمنه بنت جحش: (( ... فإن قويت على أن تؤخري الظهر وتعجلي العصر فتغتسلين وتجمعين بين الصلاتين: الظهر والعصر، وتؤخرين المغرب وتعجلين العشاء ثم تغتسلين وتجمعين بين الصلاتين فافعلي، وتغتسلين مع الفجر، فافعلي ... )) الحديث (¬2)، وإن جمعت بين المغرب والعشاء في وقت ¬
5 - استحاضة الحامل أو حيضها:
إحداهما - جمع تقديم أو تأخير - فلا حرج؛ لأنها مريضة (¬1). والله المستعان (¬2). 5 - استحاضة الحامل أو حيضها: الغالب الكثير أن المرأة إذا حملت انقطع دم الحيض عنها، لكن إذا حصل لها دم أثناء الحمل فقد اختلف أهل العلم هل هو دم حيض أو دم فساد، فقيل بأنه دم فساد؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم -: ((لا توطأ حامل حتى تضع، ولا حائل حتى تستبرئ بحيضة)) (¬3). ونقل ابن قدامة أنه قول جمهور التابعين، وحمل قول من قال بأنه حيض على ما تراه الحامل قبل ولادتها بيوم أو يومين أو ثلاثة مع الطلق، فهذا يلحق بالنفاس (¬4). وقيل بأنه دم حيض؛ لأن أصل ¬
المطلب الرابع: أحكام السلس
الدم هو دم الحيض، ورجح سماحة شيخنا عبد العزيز بن عبد الله ابن باز رحمه الله القول الأول، وهو أن الحامل لا تحيض ودمها دم فساد كالاستحاضة (¬1). المطلب الرابع: أحكام السلس * المصاب المبتلى بسلس البول المستمر الذي لا ينقطع، عليه أن يغسل ما أصاب الثوب أو البدن، ويغسل فرجه بعد دخول وقت كل صلاة، وعليه أن يتحفظ فيشد على مخرج البول ما يمنع وصوله إلى البدن، أو الثوب، أو البقعة، أو المسجد، ثم يتوضأ. *وصاحب الريح المستمرة التي لا تنقطع حكمه حكم صاحب السلس. * وصاحب المذي المستمر الذي لا ينقطع، ينضح ما ¬
أصاب ثوبه ويغسل فرجه، وأنثييه (¬1) بعد دخول الوقت ثم يتوضأ كل واحد من هؤلاء الثلاثة لوقت كل صلاة كالمستحاضة تماماً، ويصلي بذلك الوضوء الفرائض والنوافل، ولا يضره ما خرج بعد ذلك سواء كان قبل الصلاة أو أثناءها إلى أن يخرج وقت الصلاة كله. وعلى صاحب سلس البول أن يخصص ثوباً طاهراً للصلاة إذا لم يشق عليه ذلك؛ لأن البول نجس، فإن شق عليه ذلك عُفي عنه؛ لما في إزالته من المشقة والحرج، وقد قال الله تعالى: {فَاتَّقُوا اللهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} (¬2). وقال تعالى: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} (¬3) وقال تعالى: {لاَ يُكَلِّفُ اللهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا} (¬4). وقال تعالى: {يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} (¬5). وقال - صلى الله عليه وسلم -: ((إذا ¬
أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم)) (¬1). أما صلاة الجمعة فيتوضأ كل واحد من هؤلاء قبل دخول الخطيب في الوقت الذي يمكنهم من سماع الخطبة وأداء الصلاة (¬2) وعلى كل واحد من هؤلاء أن يسأل الله العافية ويبحث عن العلاج المشروع ما استطاع إلى ذلك سبيلاً. والله أسأل أن يعافينا وجميع المسلمين والمسلمات من كل سوءٍ ومكروه. والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على إمام الناس أجمعين، محمد بن عبد الله وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. ¬