طريق الهداية مبادىء ومقدمات علم التوحيد عند أهل السنة والجماعة

محمد يسري إبراهيم

مقدمة

مقدمة ... بين يدي الكتاب. إن الحمد لله نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله. {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران: 102] . {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} [النساء: 1] . {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا، يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} [الأحزاب: 70-71] . أما بعد، فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار، وبعد ... فإن توحيد الله تعالى وإفراده بالعبادة هو غاية خلق العالمين، وهو أصل دعوة المرسلين، وهو ما يخاطب به الناس من أصول الدين، وهو سبب العصمة والأمن في الدنيا والنجاة والفوز في الآخرة، وهو الشرط لصحة وقبول سائر الطاعات. أما أنه غاية خلق العالمين، فلقوله تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات: 56] . وأما إنه دعوة الرسل أجمعين فلقوله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ} [الأنبياء: 25] ، وقوله

سبحانه: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} [النحل: 36] ، فالتوحيد حق الله على العبيد. وأما إنه أول ما يخاطب به الناس من أمور الدين فلقوله تعالى: {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ} ، ولقوله صلى الله عليه وسلم لمعاذ رضي الله عنه حين أرسله إلى اليمن: "يا معاذ: إنك تقدم على قوم أهل كتاب، فليكن أول ما تدعوهم إليه عبادة الله عز وجل، فإذا عرفوا الله فأخبرهم أن الله فرض عليهم خمس صلوات في يومهم وليلتهم ... " 1. وأما إنه سبب العصمة والأمن في الدنيا؛ فلأن الإقرار بالتوحيد يعصم الدم والمال، ويثبت عقد الإسلام، كما قال صلى الله عليه وسلم: "أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله، فمن قال: لا إله إلا الله عصم مني ماله ونفسه، إلا بحقه، وحسابه على الله" 2. والتوحيد يثمر الأمن التام في الدنيا والآخرة، قال تعالى: {الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ} [الأنعام: 82] . وأما إنه سبب النجاة والفوز في الآخرة فلقوله تعالى: {إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ} [المائدة: 72] . ولقوله صلى الله عليه وسلم حين سئل: وما الموجبتان؟ فقال: "من مات لا يشرك بالله شيئا دخل الجنة، ومن مات يشرك بالله شيئا دخل النار" 3، وقال صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه تعالى: "يا ابن آدم إنك لو أتيتني بقراب الأرض خطايا ثم لقيتني لا تشرك بي شيئا، لأتيتك بقرابها مغفرة" 4.

_ 1 أخرجه البخاري "1425"، ومسلم "19". 2 أخرجه البخاري "1400، 6924، 7285"، ومسلم "20، 21"، واللفظ لمسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه. 3 أخرجه مسلم "93"، من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما. 4 أخرجه الترمذي "3540" بسند صحيح.

وأما إنه الشرط لصحة وقبول سائر العبادات، فلقوله تعالى في حق المؤمنين العاملين: {وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلا يُظْلَمُونَ نَقِيرًا} [النساء: 124] ، ولقوله جل وعلا عن أعمال الكافرين: {وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا} [الفرقان: 23] ، فالشرط محبط لجميع الطاعات، قال تعالى: {وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [الزمر: 65] ، فكما لا تقبل صلاة بغير وضوء، لا تقبل عبادة بغير توحيد. فالتوحيد أول ما يتعلمه المسلم، قال تعالى: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ} [محمد: 19] ، وأوجب ما يدعو الناس إليه، قال تعالى على لسان أنبيائه: {يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ} [الأعراف: 59] ، فهو عمدة الأصول التي ينطلق منها الداعية في دعوته إلى الله، وخلافته لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ولرسل الله عامة. والتوحيد أصل كل صلاح في هذه الحياة، كما أن الشرك أصل كل فساد، يقول ابن تيمية رحمه الله: فأصل الصلاح: التوحيد والإيمان، وأصل الفساد: الشرك والكفر1. ولأجل ذلك كله كان السلف الصالح رضوان الله عليهم يعتنون بالتوحيد علما وتعليمًا، كما يعتنون به عملا وتطبيقا ودعوة، وكان عمدتهم في التعليم والتلقين آيات الكتاب الكريم، وأحاديث النبي الأمين عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم، فلم تقم لديهم حاجة إلى التدوين لتعويلهم على الوحيين، فلما نبتت البدع وظهرت الفرق، اضطر السلف إلى كتابة الردود على أهل الأهواء، بجمع الآثار والأحاديث المروية في الأبواب التي وقعت فيها المخالفة، ثم كتبت كتب تجمع الآثار مرتبة على مسائل الاعتقاد نصرة للحق، وبيانا لصحيح المعتقد.

_ 1 مجموع الفتاوى لابن تيمية "18/ 163".

ثم دونت مسائل العقيدة عند أهل السنة مستدلا عليها مع مناقشة مذاهب أهل البدع والرد عليها، وكان هذا في مقابل ما ألفه أهل الأهواء في تقرير انحرافاتهم. ثم إن المتأخرين عنوا بتدوين مقدمات ومفاتيح للعلوم، تتضمن عشرة مبادئ للتعريف بالعلم، لتنشط الطالب في تحصيله، وتعينه في طريقه. فقال قائلهم: إن مبادئ كل فن عشرة ... الحد والموضوع ثم الثمرة فضله ونسبة والواضع ... الاسم الاستمداد حكم الشارع مسائل والبعض بالبعض اكتفى ... ومن درى الجميع حاز الشرفا وكان علم التوحيد من العلوم التي كتبت فيها تلك المقدمات، والمبادئ الممهدات، فكان العجب لا ينقضي حين قدم المتكلمون لعلم التوحيد فسموه بغير اسمه! وعرفه بما يزيده إبهاما! وقربوه للطالب فصعبوا مناله، وأقاموا أدلته بما يملؤه التباسًا، وموهوا بأن واضعه بعدما جاءت به المرسلون، بعض المتأخرين عن عصر التابعين وتابعي التابعين، وألبسوا حلل فضله -زورا وبهتانا- لما أسموه بعلم الكلام، المقتبس من منطق وفلسفة اليونان. فأردت أن أصل مؤلفات أهل السنة العظيمة في علم التوحيد، بمقدمة في التعريف به، تعيد الحق إلى نصابه، وتدفع عن مبادئ علم التوحيد شبهاته، فاستعنت بالله تعالى وهو خير مستعان، فكتبت معرفا بأهل السنة والجماعة، وبينت حقيقة منهجهم، وبم تتم النسبة إليهم، ونسجت على تلك المبادئ العشرة لعلم التوحيد على طريقتهم، فليس بين ما كتبه المتكلمون، وبين ما في هذا الكتاب من مبادئ علم التوحيد إلا الأسماء.

ثم أردفت ببيان خصائص عقيدة أهل السنة والجماعة، ثم أردفت ببيان قواعد وضوابط الاستدلال على مسائل الاعتقاد. وأخيرًا ختمت الكتاب بملحقين، تضمن أولهما فهرسة تفصيلية لموضوعات ومسائل الاعتقاد، وتضمن الثاني تعريفا بمائة كتاب من كتب الاعتقاد الصحيح من لدن الفقه الأكبر لأبي حنيفة النعمان، وإلى وقت الناس هذا. ولسان الحال والمقال ينطق بأن السلف أهل السنة والجماعة، هم أهل الإسلام السالم عن كل شوب، الصافي عن كل كدر، وهم من لدن النبي صلى الله عليه وسلم وإلى يوم الناس هذا على نمط واحد في الاعتقاد، لا يخرجون على الحق، ولا يخرج الحق عنهم. وهذا الكتاب وإن خلا عن سرد عقائدهم، وبيان تفاصيل أصولهم ومناهجهم إلا أنه يمثل مدخلا مهما لطالب هذا العلم، ويمهد لمدخل ثان -يلحقه قريبا بعون الله تعالى- يميز به السالك على طريق التوحيد أهل البدع، ويتعرف على أنواعهم، وأحكامهم، ومناهج النظر والتلقي لديهم، ومنهج أهل السنة في معاملتهم. ثم يأتي الكتاب الثالث يحمل عقائد أهل السنة مسندة ومسددة، تبيانا وبرهانا على معتقدات الأئمة، وفرقانا بين السنة والبدعة. وهو واسطة عقد هذه المداخل، وحجر الزاوية منها، وبخروج هذا المدخل الأول يكون الثاني في إثره، ويتلوهما الثالث بإذن الله تعالى ومشيئته. ولا يفوتني في هذا المقام أن أزجي الشكر عاطرا، والدعاء خالصا إلى كل من أعان على إكمال هذه المداخل بقلم أو رأي أو نصح، أو جمع أو مراجعة.

والله أسأل أن يتقبل منا جميعا بقبول حسن، وأن يحسن نياتنا في جميع أقوالنا وأعمالنا، إن ربي قريب مجيب، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على خير خلقه أجمعين، وعلى آله وصحبه وسلم. وكتبه أبو عبد الله محمد يسري القاهرة. غرة ربيع الأول 1425هـ.

الباب الأول: أهل السنة والجماعة

الباب الأول: أهل السنة والجماعة. الفصل الأول: مصطلح أهل السنة والجماعة. أولًا: تعريف المصطلح باعتبار مفرداته: 1- تعريف السنة لغة واصطلاحًا: السنة لغة 1: السيرة والطريقة: حسنة كانت أو قبيحة، وهي مأخوذة من السنن وهي الطريق. قال ابن فارس: "سن -السين والنون أصل واحد مطرد، وهو جريان الشيء واطراده في سهولة، والأصل قولهم: سننت الماء على وجهي أسنه سنا، إذا أرسلته إرسالا". "ومما اشتق منه السنة، وهي السيرة، وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم سيرته. قال الهذيلي: فلا تجزعن من سيرة أنت سرتها ... فأول راضٍ سنة من يسيرها2 وقد ورد هذا المعنى في القرآن الكريم، قال تعالى: {يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ} [النساء: 26] ، أي: يهديكم سنن الذين من قبلكم، يعني طرائقهم الحميدة3.

_ 1 لسان العرب لابن منظور "6/ 395-402"، والقاموس المحيط للفيروزابادي ص1557-1559، ومختار الصحاح للرازي ص133. 2 معجم مقاييس اللغة لابن فارس "3/ 60-61". 3 تفسير ابن كثير "1/ 480".

وعن مجاهد في قوله تعالى: {قَدَّمَتْ وَأَخَّرَت} [الانفطار: 5] ، قال: "أخرت من سنة يعمل بها من بعده"1. ومن ذلك الحديث: "من سن في الإسلام سنة حسنة ... ومن سن في الإسلام سنة سيئة" 2. قال ابن الأثير: "وقد تكرر في الحديث ذكر السنة، وما تصرف منها، والأصل فيه: الطريقة والسيرة"3. وهذا المعنى هو المراد هنا من معاني "السنة" اللغوية، وقد تطلق السنة ويراد بها: - البيان: كما قال تعالى: {سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ} [الأحزاب: 38، 62] . نصب "سنة" على إرادة الفعل، أي: سنن الله ذلك بمعنى بينه4. العادة الثابتة المستقرة: كما في قوله تعالى: {سُنَّةَ مَنْ قَدْ أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنْ رُسُلِنَا وَلا تَجِدُ لِسُنَّتِنَا تَحْوِيلًا} [الإسراء: 77] . فالسنة هنا تعني: العادة الثابتة التي تحكم الله بها وقضاها5. وهذا المعنى قريب من سابقه، وكلاهما يتفق مع التفسير السابق للسنة بالسيرة والطريقة. وقيل: هي الصقل والتزيين6، وقيل: التقوية7، والذي يعنينا هنا هو المعنى

_ 1 التاريخ الكبير لابن أبي خيثمة "523". 2 رواه مسلم "1017" من حديث جرير بن عبد الله رضي الله عنه. 3 النهاية في غريب الحديث لابن الأثير "2/ 409"، ولسان العرب لابن منظور "6/ 399". 4 لسان العرب لابن منظور "3/ 399". 5 تفسير ابن كثير "3/ 54". 6 انظر: لسان العرب لابن منظور "6/ 400"، والمعجم الوسيط إصدار مجمع اللغة العربية "1/ 473". 7 لسان العرب لابن منظور "3/ 396".

الأول، وهو موافق لبعض المعاني الاصطلاحية للسنة. السنة اصطلاحًا: ثم إن السنة -بعد ذلك- لها معان اصطلاحية متعددة بحسب الفن الذي ترد فيه، فالسنة عند الفقهاء غيرها عند المحدثين، غيرها عند الأصوليين. لكن يعنينا هنا معناها عند علماء الاعتقاد، وهي عندهم على معنيين: الثاني منهما متفرع عن الأول، ومتأخر عنه. فالأول هو الأصل في إطلاق السنة في اصطلاح السلف، وهو: "ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم من العلم والعمل والهدي وكل ما جاء به مطلقا". وهذا اصطلاح عام، فيشمل التوحيد وغيره، فالسنة بهذا الاعتبار تطلق على طريقة النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه علما وعملا، اعتقادا وسلوكا، خلقا وأدبا، وهي السنة التي يجب اتباعها، ويحمد أهلها، ويذم من خالفها. فهي على هذا المعنى مرادفة للدين والشريعة. قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "السنة هي الشريعة، وهي ما شرعه الله ورسوله من الدين"1. وقال أيضا: "إن السنة التي يجب اتباعها ويحمد أهلها ويذم من خالفها هي سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم في أمور الاعتقاد، وأمور العبادات، وسائر أمور الديانات، وذلك إنما يعرف بمعرفة أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم الثابتة عنه، في أقواله وأفعاله، وما تركه من قول وعمل، ثم ما كان السابقون والتابعون لهم بإحسان"2.

_ 1 مجموع الفتاوى "4/ 436". 2 مجموع الفتاوى "3/ 378".

فالسنة هي: ما تلقاه الصحابة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، من الشرع والدين، والهدي الظاهر والباطن، وتلقاه عنهم التابعون ثم تابعوهم، ثم أئمة الهدى العلماء العدول، المقتدون بهم، ومن سلك سبيلهم إلى يوم القيامة1. ومن ذلك: قول الإمام مالك رحمه الله تعالى في وصف المدينة: "وهي دار الهجرة والسنة"2. وقال ابن رجب: "وعن سفيان الثوري، قال: استوصوا بأهل السنة خيرًا فإنهم غرباء3، ومراد هؤلاء الأئمة بالسنة: طريقة النبي صلى الله عليه وسلم التي كان عليها هو وأصحابه، السالمة من الشبهات والشهوات"4. ويشهد لهذا المعنى حديث أنس بن مالك رضي الله عنه، وفيه: "فمن رغب عن سنتي فليس مني" 5. فالإطلاق الأول للسنة هو ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم من العلم والعمل والهدي في أصول الدين وفروعه. أما الإطلاق الثاني، فيقصد به "العقيدة الصحيحة الثابتة بالكتاب والسنة". حيث أطلق السلف مصطلح "السنة" على أصول الدين، وفرائض الإسلام، وأمور الاعتقاد، والأحكام القطعية في الدين، وعلى هذا جرى الإمام أحمد وغيره من الأئمة في تصنيفهم كتب الاعتقاد باسم السنة.

_ 1 انظر: مجموع الفتاوى لابن تيمية "3/ 358". 2 التاريخ الكبير، لابن أبي خيثمة "1352". 3 رواه اللالكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة "1/ 64". 4 كشف الكربة في وصف حال أهل الغربة لابن رجب ص17، 18. 5 رواه البخاري "5063"، ومسلم "1401" من حديث أنس رضي الله عنه.

وعليه فالسنة تطلق عندهم على: "ما سلم من الشبهات في الاعتقادات، خاصة في مسائل الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، وكذلك في مسائل القدر، وفضائل الصحابة"1. وقال ابن رجب: "وكثير من العلماء المتأخرين يخص السنة بما يتعلق بالاعتقاد؛ لأنها أصل الدين، والمخالف فيها على خطر عظيم"2. ويلاحظ في سبب هذا الإطلاق والاصطلاح الاعتقادي للفظ السنة، أن السنة من مصادر التلقي للعقيدة الصحيحة، وبها تثبت أحكام الاعتقاد. فإذا قيل مذهب أهل السنة، فالمراد: معتقداتهم وأقوالهم في أصول الدين. ومما يشهد لهذا المعنى قول سفيان بن عيينة: "السنة عشرة، فمن كن فيه فقد استكمل السنة، ومن ترك منها شيئا فقد ترك السنة: إثبات القدر، وتقديم أبي بكر وعمر، والحوض، والشفاعة، والميزان، والصراط، والإيمان قول وعمل، والقرآن كلام الله، وعذاب القبر، والبعث يوم القيامة، ولا تقطعوا بالشهادة على مسلم"3. وقول الشافعي: "القول في السنة التي أنا عليها، ورأيت عليها الذين رأيتهم مثل سفيان الثوري ومالك وغيرهما: الإقرار بشهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله، وأن الله على عرشه في سمائه، يقرب من خلقه كيف شاء، وينزل إلى السماء الدنيا كيف شاء ... "4. وعلى هذا فالسنة تقابلها البدعة، وعليه يحمل قول ابن مسعود رضي الله عنه: "القصد في السنة خير من الاجتهاد في البدعة"5.

_ 1 كشف الكربة في وصف أهل الغربة لابن رجب ص26-28. 2 جامع العلوم والحكم لابن رجب "2/ 120". 3 شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة للالكائي "1/ 155، 156". 4 العلو للعلي الغفار للذهبي ص120. 5 رواه الدارمي "1/ 83"، واللالكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنة "1/ 55"، والبيهقي في السنن الكبرى "3/ 19"، وصححه الألباني في صلاة التراويح ص6.

وقول ابن عباس: "النظر إلى الرج من أهل السنة يدعو إلى السنة، وينهى عن البدعة عبادة"1. وقال أبو المليح: "وكان كتب عمر بن عبد العزيز راجيا السنة وإماتة البدعة"2. وقال ابن يونس: "امتحن أهل الموصل بالمعافى بن عمران فإن أحبوه فهم أهل سنة، وإن أبغضوه فهم أهل بدعة، كما يمتحن أهل الكوفة بيحيى"3. وقال الأوزاعي: "كان يقال: خمس كان عليها أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم والتابعون بإحسان: لزوم الجماعة، واتباع السنة، وعمارة المساجد، وتلاوة القرآن، والجهاد في سبيل الله"4. وقال الإمام مالك رحمه الله تعالى: "إياكم وأصحاب الرأي، فإنهم أعداء أهل السنة"5. ومن هذا الباب ما يأتي بعد قليل عن ابن سيرين وغيره أثناء الكلام عن مصطلح أهل السنة باعتبار تركيبه الإضافي. والسنة في هذا كله بمعنى الاعتقاد الصحيح المقابل لاعتقاد أهل البدع الباطل. وكان السلف يفرقون في هذا المقام بين السنة والحديث، قال ابن مهدي: "الناس على وجوه، فمنهم من هو إمام في السنة، إمام في الحديث، ومنهم من هو إمام في الحديث، فأما من هو إمام في السنة وإمام في الحديث فسفيان الثوري"6.

_ 1 شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة للالكائي "1/ 54". 2 التاريخ الكبير، لابن أبي خيثمة "4628". 3 رواه ابن مأبي خيثمة في التاريخ "4657"، ومن طريقه اللالكائي "1/ 66". 4 رواه ابن ماجه أبي خيثمة في التاريخ "4702"، ومن طريقه اللالكائي "1/ 64". 5 حلية الأولياء لأبي نعيم "6/ 327". 6 شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة للالكائي "1/ 63".

ولما سئل ابن الصلاح عن الفرق بين قولهم عن مالك إنه جمع بين السنة والحديث، فما الفرق بين السنة والحديث؟ أجاب رحمه الله: "السنة ههنا ضد البدعة، وقد يكون الإنسان من أهل الحديث وهو مبتدع، ومالك رحمه الله جمع بين السنتين، فكان عالما بالسنة أي: الحديث، ومعتقدًا للسنة، أي كان مذهبه مذهب أهل الحق من غير بدعة، والله أعلم"1. فلما ظهرت البدع، وانتشرت الفتن، ميز أهل السنة أنفسهم، ببقائهم على أصل الإسلام والشريعة، وخرجت عنهم الخوارج، واعتزلتهم المعتزلة، ورفضت الروافض، فتشتت أهل البدع وتفرقوا، ومكث أهل السنة على أصلهم الباقي على مر الزمان، وهو ما شرعه النبي صلى الله عليه وسلم، وسنه لهم من السنة والجماعة. ولما كان أكثر الاختلاف بينهم وبين غيرهم في أمور الاعتقاد صار مفهوم السنة يعني السير على طريقة الصحابة والتابعين بإحسان في أمور الاعتقاد خاصة، وأمور الدين عامة، ومن هنا نشأ المعنى الثاني للسنة.

_ 1 فتاوى ابن الصلاح "1/ 213"، بتحقيق د. عبد المعطي أمين قلعجي.

تعريفالجماعة لغة واصطلاحا

2- تعريف الجماعة لغة واصطلاحا: الجماعة لغة: الجماعة: اسم مصدر اجتمع يجتمع اجتماعا وجماعة، وصارت لفظة الجماعة تطلق على القوم المجتمعين بالنقل، حتى صارت حقيقة عرفية في القوم المجتمعين1. وقال ابن تيمية: "الجماعة هي الاجتماع، وضدها الفرقة، وإن كان لفظ الجماعة قد صار اسما لنفس القوم المجتمعين"2. والجمع: اسم لجماعة الناس، والإجماع: الاتفاق والإحكام، يقال: أجمع الأمر أي أحكمه، ومنه إجماع أهل العلم، أي: اتفاقهم على حكم مسألة. الجماعة اصطلاحًا: ذكر الإمام الطبري الأقوال في معنى الجماعة، ونقلها عنه ابن حجر3، ورد الأقوال إلى أربعة أقوال هي: - السواد الأعظم من أهل الإسلام. - أئمة العلماء المجتهدين المتبعين لمنهج الفرقة الناجية. - الصحابة على وجه الخصوص. - المجتمعون على أمير شرعي. وكذا قال الشاطبي، وزاد قولا خامسا وهو جماعة أهل الإسلام4. وبمحاولة الجمع والتوفيق بين هذه الأقوال المتعددة، يلاحظ أن جملة هذه المعاني تؤول إلى معنيين اثنين: 1- ما عليه أهل الحق من الاتباع وترك الابتداع، وهو المذهب الحق الواجب اتباعه والسير على منهاجه، وهذا معنى تفسير الجماعة بالصحابة، أو أهل العلم والحديث، أو الإجماع، أو السواد الأعظم، فهي كلها ترجع إلى معنى واحد هو: ما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، فيجب الاجتماع على الاتباع حينئذ، ولو كان المتمسك بهذا قليلا، وهذا معنى علمي، ويشهد له قول ابن مسعود رضي الله عنه: "إنما الجماعة ما وافق طاعة الله، وإن كنت وحدك"5.

_ 1 لسان العرب لابن منظور "2/ 355-361"، والمعجم الوسيط إصدار مجمع اللغة العربية "1/ 140، 141". 2 مجموع الفتاوى "3/ 157". 3 فتح الباري لابن حجر "13/ 37". 4 الاعتصام للشاطبي "2/ 263". 5 شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة للالكائي "1/ 109".

2- المجتمعون على أمير على مقتضى الشرع، فيجب لزوم هذه الجماعة، ويحرم الخروج عليها وعلى أميرها، وهذا معنى سياسي تشهد له كثير من النصوص الشرعية. وهذا ما رجحه جمع من أهل العلم كالقاضي ابن العربي وغيره1. وهو ما انتهى إليه د. عبد الرحمن المحمود في رسالته عن "موقف ابن تيمية من الأشاعرة"2، والشيخ رضا بن نعسان معطي في تحقيقه، ودراسته لكتاب "الإبانة عن شريعة الفرقة الناجية"3 لابن بطة، ود. محمد باكريم في رسالته "وسطية أهل السنة بين الفرق"4، ود. جمال بادي في رسالته عن "وجوب لزوم الجماعة وترك التفرق"5، ود. ناصر العقل في رسالته "مفهوم أهل السنة والجماعة"6.

_ 1 انظر: عارضة الأحوذي لابن العربي 9/ 10"، والاعتصام للشاطبي "2/ 260-265"، وفتح الباري لابن حجر "13/ 37". 2 موقف ابن تيمية من الأشاعرة للدكتور عبد الرحمن المحمود "1/ 16-17". 3 الإبانة عن شريعة الفرقة الناجية لابن بطة، تحقيق رضا بن نعسان معطي. مقدمة المحقق ص 71، 72. 4 وسطية أهل السنة بين الفرق للدكتور محمد باكريم ص91-96. 5 وجوب لزوم الجماعة وترك التفرق د. جمال بشيرابادي ص87-115. 6 مفهوم أهل السنة والجماعة د. ناصر العقل ص69، 70.

ثانيا: تعريف المصطلح باعتبار تركيبه الإضافي

ثانيا: تعريف المصطلح باعتبار تركيبه الإضافي: وعلى هذا، فإن مصطلح أهل السنة والجماعة يعنى به: المستمسكون بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، الذين اجتمعوا على ذلك، وهم الصحابة والتابعون وأئمة الهدى المتبعون لهم، ومن سلك سبيلهم في الاعتقاد والقول والعمل إلى يوم الدين1. "وهم أهل السنة والجماعة: المتمسكون بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وبما كان عليه الصدر الأول من الصحابة والتابعين، وأئمة المسلمين في قديم الدهر وحديثه"2. "فهم الذين اجتمعوا على السنة وأجمعوا عليها، واجتمعوا على الحق وعلى أئمتهم فجاء اسمهم ووصفهم مركبا من أهل السنة والجماعة"3. "وهم المتبعون للعقيدة الإسلامية الصحيحة، الملتزمون منهج الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه والتابعين، وتابعيهم بإحسان إلى يوم الدين"4. وهم المجتمعون على أئمتهم أبي بكر، وعمر ومن بعدهما، الصابرون على ولاتهم برهم وفاجرهم. كما سئل الإمام سفيان بن عيينة رحمه الله عن قول الناس: السنة والجماعة. وقولهم: فلان سني جماعي، وما تفسير السنة والجماعة؟ فقال: "الجماعة: ما اجتمع عليه أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم من بيعة أبي بكر وعمر، والسنة: الصبر على الولاة وإن جاروا وإن ظلموا"5. فهم بالجملة كل من اجتمع على التمسك بالسنة ونبذ الفرقة، وجمع الدين قولا وعلما وعملا، مع الاجتماع على أئمة الحق والحرص على وحدة الصف، جمعا بين واجبي الاتباع والاجتماع، واجتماعا على الاتباع للمنهج الحق. ومما سبق.. فإن من الوجوه التي يمكن التعرف منها على أهل السنة ما يلي: أولا: أنهم هم صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم الذين تعلموا سنته وعلموها، وعملوا بها

_ 1 يراجع: شرح العقيدة الطحاوية لابن أبي العز "2/ 544-546"، ورسائل في العقيدة لابن عثيمين ص53، ومباحث في عقيدة أهل السنة د. ناصر العقل ص13، 14. 2 تفسير ابن كثير "3/ 434". 3 مفهوم أهل السنة والجماعة عند أهل السنة والجماعة. د. ناصر العقل ص75-77. 4 المدخل لعقيدة أهل السنة د. البريكان ص13. 5 مشيخة ابن الخطاب ص116.

ونقلوها وحملوها رواية ودراية ومنهجا، فهم أجدر، من يستحق التسمي بأهل السنة، لسبقهم إلى السنة علمًا وعملًا وزمنًا. ثانيا: يليهم أتباعهم الذين أخذوا عنهم هذا الدين ونقوله، وعلموه وعملوا به من التابعين وتابعيهم، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، فهم أهل سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم الذين تمسكوا بها، ولم يبتدعوا ولم يتبعوا غير سبيل المؤمنين. قال الإمام أحمد رحمه الله: "هذه مذاهب أهل العلم وأصحاب الأثر، وأهل السنة المستمسكين بعروتها، المعروفين بها، المقتدى بهم فيها من لدن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم إلى يومنا هذا، وأدركت عليها من علماء الحجاز والشام وغيرهما عليها، فمن خالف شيئا من هذه المذاهب، أو طعن فيها، أو عاب قائلها فهو مخالف مبتدع، وخارج عن الجماعة، زايل عن منهج السنة وسبيل الحق"1. وكل من اقتدى -من العوام- بأهل العلم والاتباع فهو من أهل السنة، قال ابن حزم رحمه الله: "وأهل السنة الذين نذكرهم أهل الحق، ومن عداهم فأهل البدعة فإنهم: الصحابة رضي الله عنه، وكل من سلك نهجهم من خيار التابعين رحمة الله عليهم، ثم أصحاب الحديث ومن تبعهم من الفقهاء جيلا فجيلا إلى يومنا هذا، ومن اقتدى بهم من العوام في شرق الأرض وغربها رحمة الله عليهم"2.

_ 1 العقيدة للإمام أحمد رواية أبي بكر الخلال ص73. 2 الفصل في الملل والأهواء والنحل لابن حزم "2/ 90".

الفصل الثاني: سبب التسمية وذيوعها

الفصل الثاني: سبب التسمية وذيوعها: نسب أهل الحق إلى المصطلح، لأجل حرصهم على السنة والجماعة. فهم "أهل السنة"؛ لأنهم متبعون لحديث النبي صلى الله عليه وسلم: "عليكم بسنتي، وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي" 1. "فالسنة هي ما تلقاه الصحابة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتلقاه عنهم التابعون ثم تابعوهم إلى يوم القيامة"2. وهم "أهل الجماعة"؛ لأنهم يعتبرون الكتاب والسنة والإجماع مصادر معصومة من الضلال، فبها يأخذون، وعليها يعتمدون، ثم هم بعد ذلك مع أئمتهم مجتمعون، وبواجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر قائمون، وبالجهاد مع أئمتهم -فجارًا أو أبرارا- آمرون ومجاهدون، يجتمعون على السنة والاتباع، والبعد عن الفرقة والابتداع، فهم أحق بالجماعة التي من تعلق بها نجا، كما ورد في حديث افتراق الأمة، حيث أخبر النبي صلى الله عليه وسلم "عن افتراق أمته إلى ثلاث وسبعين فرقة، كلها في النار إلا واحدة وهي "الجماعة" 3، وفي رواية قال: "ما أنا عليه وأصحابي" 4.

_ 1 رواه أحمد "16692"، والدارمي "95"، وابن ماجه "44"، وأبو داود "4607"، والترمذي "2676"، والحاكم "329" من حديث العرباض بن سارية رضي الله عنه، وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح، وصححه الحاكم، وقال: على شرط الشيخين، وصححه الشيخ الألباني في صحيح الجامع "4369". 2 مجموع الفتاوى "3/ 358". 3 أخرجه أحمد "16490"، وأبو داود "4597"، والحاكم "443" من حديث معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه. وصححه الحاكم، والشيخ الألباني في صحيح الجامع "2641". 4 أخرجه الترمذي "2641"، والحاكم "444" من حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما، وقال الترمذي: هذا حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه". وقال المناوي في فيض القدير "5/ 347": وفيه عبد الرحمن بن زياد الأفريقي، قال الذهبي: ضعفوه". وقال المباركفوري في تحفة الأحوذي "7/ 334": "في سنده عبد الرحمن=

وسبب ذيوع هذه التسمية يرجع إلى أول بدعة وقعت في الإسلام، بعد موته صلى الله عليه وسلم، وهي بدعة الخروج على الأئمة، وتشقيق الصف، وثلم الجماعة، ونكث الصفقة والبيعة، حين اتخذ الخوارج منهج فكريا عقائديا خالفوا به جماهير المسلمين، فكفروا بالذنوب واستحلوا الدماء والأموال، فقاتلهم علي رضي الله عنه، وأجمع الصحابة على ذلك، ووقعت في أثناء ذلك الفتنة بين علي رضي الله عنهما، وأريقت فيها الدماء، وتفرقت فيها الكلمة، ثم اجتمعت الأمة بعد ذلك على معاوية رضي الله عنه، بعد أن حقن الله دماء المسلمين بتنازل الحسن بن علي رضي الله عنهما عن الخلافة، وسمي ذلك العام -عام إحدى وأربعين- بعام الجماعة. وفي إثر بدعة الخوارج ظهرت بدعة الروافض، الذين اشتهروا بالكذب، بخلاف الخوارج الذين اشتهر معظمهم بالصدق، فكان من شأن أهل السنة مع الروافض أن سألوا عن الإسناد وعنوا به، روى الإمام مسلم في صحيحه عن ابن سيرين قال: "لم يكونوا يسألون عن الإسناد فلما وقعت الفتنة قالوا: سموا لنا رجالكم، فينظر إلى أهل السنة فيؤخذ حديثهم، وينظر إلى البدعة فلا يؤخذ حديثهم"1. ثم ظهر قول القدرية2 بإنكار العلم السابق، وانتشر قول الجهمية والجبرية بأن العبد مجبور، فعقبت طائفة من أهل العلم بالرد على أهل البدع بتصنيف كتب في العقيدة أسموها "كتب السنة"، ومن اشتهرت هذه الطائفة من أهل العلم بالحرص على

_ = ابن زياد الأفريقي وهو ضعيف، فتحسين الترمذي له لاعتضاده بأحاديث الباب". وحسنه الشيخ الألباني في صحيح الجامع "5345". 1 رواه مسلم في مقدمة صحيحه "1/ 15"، وأحمد في العلل ومعرفة الرجال "3640"، وابن أبي حاتم في الجرح والتعديل "2/ 28"، والرامهرمزي في المحدث الفاصل ص209، والسمعاني في أدب الإملاء ص5، والخطيب في الكفاية ص122. 2 وهم الذين تبرأ منهم عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما، حين سئل عنهم. كما في صحيح مسلم "8". وانظر: شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة للالكائي "1/ 16".

السنة، وتمييز المقبول من المردود من الرواة والروايات، فتبلور منذ ذلك الحين هذا المصطلح، الذي أصبح لقبا على كل من انتمى إلى أهل الحق المتبعين للسنة والآثار، الحريصين على جمع شمل المسلمين واتفاق كلمتهم في آن واحد. حتى كان عصر الإمام أحمد بن حنبل، رحمه الله فأظهر الله تعالى إمامته وفضله، وحرصه على صفاء وجه السنة أن تخدشه بدعة القول بخلق القرآن -والتي جاء بها المعتزلة، مع حرصه على وحدة الجماعة أن تنثلم بالخروج على المأمون، فأقام واجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على وجهه الصحيح، فنصر الله به الملة، وأعز به السنة، وثبت به قلب الأمة، ثم إنه قد اجتمعت لديه من أسباب الخروج على المأمون ما لم يجتمع لغيره، فقد أصغى الناس إلى الإمام سمعا، وألقوا إليه بأزمة القلوب انقيادًا وحبا، وقد أتى المأمون ببدعته -متأولًا- كفرًا، فلما قيل للإمام: لم لا تخرج على المأمون؟! قال: كرهت أن أفرق جماعة المسلمين، فلم تمنعه سطوة السلطان أن يقول بالحق إذ علمه، ولم يحمله بطش السلطان وتنكيله به على أن يخرج عليه فيكون سببا في إعمال السيف في رقاب المسلمين. وبهذا استقر مذهب أهل السنة على ترك الخروج على المبتدع والظالم من الأئمة، ما لم يأت كفرا صريحا لا تأويل فيه ولا شبهة، وخرج الإمام من هذه المحنة إماما للعامة، وعندها دعي الإمام أحمد بإمام أهل السنة والجماعة، وكان أول من لقب بهذا اللقب رحمه الله. وفي هذا قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "فصار إماما من أئمة السنة، وعلما من أعلامها، لقيامه بإعلامها وإظهارها، وإطلاعه على نصوصها وآثارها، وبيانه لخفي أسرارها، لا؛ لأنه أحدث مقالة أو ابتدع رأيا، ولهذا قال بعض شيوخ المغرب: المذهب لمالك والشافعي، والظهور لأحمد، يعني: أن مذاهب الأئمة في الأصول مذهب واحد، وهو كما قال"1.

_ 1 منهاج السنة النبوية لشيخ الإسلام ابن تيمية "2/ 606".

الفصل الثالث: مشروعية هذه التسمية

الفصل الثالث: مشروعية هذه التسمية: إن سند مشروعية هذه التسمية، وتلك النسبة الشريفة ثابت بدلالة الكتاب وصحيح السنة وصريح آثار الصحابة والسلف، وبيان ذلك فيما يلي: أولًا: دلالة الكتاب: وتتمثل في الآيات الآمرة باتباع النبي صلى الله عليه وسلم وطاعته فيما أتى به، وأن طاعته من طاعة الله عز وجل، والتحذير من مخالفته وعصيانه، فصار اتباع النبي صلى الله عليه وسلم وطاعته اتباعا للكتاب، وطاعة للآيات القرآنية المشار إليها. وقد ورد هذا المصطلح في سنة النبي صلى الله عليه وسلم، فصار اتباعه اتباعًا للقرآن على الوصف المذكور. وقد ورد تفسير بعض آي الذكر الحكيم بالسنة والجماعة، كما سيأتي هنا. ومن ذلك أيضا تفسير الصراط المستقيم بالسنة والجماعة1. ثانيا: دلالة السنة: إن هذا المصطلح والوصف مستمد في الحقيقة من سنة النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأنه الآمر بالعناية بالسنة، فقال: "عليكم بسنتي" 2، وهو الآمر بالجماعة، فقال: "وأنا آمركم بخمس كلمات أمرني الله بهن: الجماعة,.." 3، وهو الذي نهى عن الفرقة، فقال: "من

_ 1 انظر: الإتقان للسيوطي "2/ 469". 2 حديث صحيح: سبق تخريجه. 3 أخرجه أحمد "16718، 17344، 22403"، والترمذي "2863"، وابن خزيمة "1895"، وابن حبان "6233"، والحاكم "404" من حديث الحارث الأشعري رضي الله عنه، قال الترمذي: "هذا حديث حسن صحيح غريب"، وصححه الحاكم، والألباني في صحيح الجامع "1724".

فارق الجماعة شبرًا فمات، إلا مات ميتة جاهلية" 1. "فأهل السنة والجماعة إنما سماهم الرسول ووصفهم بذلك"2. وليس لأهل السنة والجماعة رسم ولا سم يتسمون به خصوصا غير هذا الاسم، الذي يعني في الحقيقة التزام الجادة والمحجة البيضاء التي تركنا عليها النبي صلى الله عليه وسلم، "فمن قال بالكتاب والسنة والإجماع كان من أهل السنة والجماعة"3. سئل مالك رحمه الله عن السنة، فقال: "هي ما لا اسم له غير السنة، وتلا: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ} [الأنعام: 153] "4. ولما سئل مالك رضي الله عنه عن أهل السنة، قال: "أهل السنة الذين ليس لهم لقب يعرفون به، لا جهمي، ولا قدري، ولا رافضي"5. ثالثا: آثار الصحابة والسلف: ومن ذلك قول ابن عباس رضي الله عنهما في تفسير قوله تعالى: {يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ} [آل عمران: 106] فأما الذين ابيضت وجوههم فأهل السنة والجماعة، وأما الذين اسودت وجوههم فأهل البدع والضلالة"6. وقال أيضا: "النظر إلى الرجل من أهل السنة يدعو إلى السنة، وينهى عن البدعة عبادة"7.

_ 1 أخرجه البخاري "7053، 7054"، ومسلم "1849" من حديث ابن عباس رضي الله عنهما. 2 مفهوم أهل السنة والجماعة عند أهل السنة والجماعة د. ناصر العقل ص78. 3 مجموع الفتاوى لابن تيمية "3/ 346". 4 الاعتصام للشاطبي "1/ 58". 5 الانتقاء لابن عبد البر ص35. 6 شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة للالكائي "1/ 72"، والشرح والإبانة لابن بطة "137"، وتاريخ جرجان لأبي القاسم الجرجاني ص132، وانظر: فتح القدير للشوكاني "1/ 371". 7 شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة للالكائي "1/ 54".

وقال سعيد بن جبير رحمه الله في قوله تعالى: {وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى} [طه: 28": "لزم السنة والجماعة"1. "وروي نحوه عن مجاهد، والضحاك وغير واحد من السلف"2. وقال أيوب السختياني رحمه الله: "إذا كان الرجل صاحب سنة وجماعة، فلا تسأل عن أي حال كان فيه"3. وقال عمرو بن قيس الملائي رحمه الله: "إذا رأيت الشاب أول ما ينشأ مع أهل السنة والجماعة، فارجه"4. وقال سفيان الثوري رحمه الله: "إذا بلغك عن رجل بالمشرق صاحب سنة، وآخر بالمغرب، فابعث إليهما بالسلام وادع لهما، ما أقل أهل السنة والجماعة"5. وقال قتيبة بن سعيد: "إذا رأيت الرجل يحب أحمد بن حنبل، فاعلم أنه صاحب سنة وجماعة"6. وورد نحو هذا في المعافى بن عمران7، وجماعة من الأئمة والرواة8.

_ 1 شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة للالكائي "1/ 71"، وتفسير البغوي "3/ 227"، وتفسير ابن كثير "3/ 162". 2 تفسير ابن كثير "3/ 162". 3 المصدر السابق "33". 4 الشرح والإبانة لابن بطة ص133. 5 الورع للإمام أحمد ص194، وشرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة للالكائي "1/ 64"، وتلبيس إبليس لابن الجوزي ص17. 6 الجرح والتعديل لابن أبي حاتم "1/ 308". 7 تهذيب الكمال للمزي "28/ 153". 8 انظر على سبيل المثال: تهذيب الكمال للمزي "2/ 106"، "7/ 394"، "11/ 286"، "16/ 61"، "23/ 536"، "26/ 59".

رابعًا: نصوص العلماء واستعمال الأئمة: وقد نص العلماء على أن أهل السنة هم الصحابة، ومن اقتفى آثارهم. قال شارح الطحاوية رحمه الله: "هم الصحابة والتابعون لهم بإحسان إلى يوم الدين"1. وقال ابن تيمية رحمه الله: "ومذهب أهل السنة مذهب قديم معروف قبل أن يخلق الله تعالى أبا حنيفة ومالكا والشافعي وأحمد، فإنه مذهب الصحابة الذين تلقوه عن نبيهم صلى الله عليه وسلم، ومن خالف في ذلك كان مبتدعا عند أهل السنة والجماعة ... وأحمد بن حنبل، وإن كان قد اشتهر بإمامة السنة فليس ذلك؛ لأنه انفرد بقول أو ابتدع قولا، بل إن السنة كانت موجودة معروفة قبله، علمها ودعا إليها، وصبر على من امتحنه ليفارقها، وكان الأئمة قبله قد ماتوا قبل المحنة"2. وسبق قول ابن حزم رحمه الله: "أهل السنة هم أهل الحق، ومن عداهم فأهل البدعة، فإنهم -أي أهل السنة- الصحابة رضي الله عنهم، ومن سلك منهجهم من خيار التابعين، ثم أصحاب الحديث، ومن اتبعهم من الفقهاء، جيلا فجيلا إلى يومنا هذا، ومن اقتدى بهم من العوام في شرق الأرض وغربها، رحمة الله عليهم"3. وقال أيضا: " ... وأن من اتبع أحدًا دون رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلم يتبع السنة ولا الجماعة، وأنه كاذب في دعواه السنة والجماعة، فنحن معشر المتبعين للحديث المعتمدين عليه أهل السنة والجماعة حقا بالبرهان الضروري، وأننا أهل الإجماع كذلك"4.

_ 1 شرح الطحاوية لابن أبي العز الحنفي "2/ 544". 2 منهاج السنة النبوية لابن تيمية "2/ 601-602". 3 الفصل في الملل والنحل لابن حزم "2/ 107". 4 الإحكام لابن حزم "4/ 525".

وقد قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "صار المتمسكون بالإسلام المحض هم أهل السنة والجماعة"1. وهذا يشمل الصحابة ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، ولذا بدأ علماء الاعتقاد عند ذكر أئمة أهل السنة والجماعة بالصحابة، ثم من بعدهم من التابعين. ومن ذلك: قول اللالكائي في صدر كتابه: "باب سياق ذكر من رسم بالإمامة في السنة والدعوة، والهداية إلى طريق الاستقامة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم إمام الأمة: فمن الصحابة: أبو بكر الصديق، وعمر بن الخطاب، وعثمان بن عفان، وعلي، فعد جماعة من الصحابة رضي الله عنهم، ثم جماعة من التابعين من أهل المدينة ومكة، ومصر وبغداد وواسط وغيرهم2. وذكر موقف المعتزلة من أهل السنة والجماعة، ثم قال: " ... ما قذفوا به المسلمين من التقليد" إلخ، فسوى بين "أهل السنة والجماعة"، وبين "المسلمين"3، وهذا صريح في أن أهل السنة والجماعة هم أهل الإسلام الصحيح المتلقى عن النبي صلى الله عليه وسلم من لدن الصحابة، وأتباعهم حتى آخر الزمان، فمن خالف هؤلاء في أصولهم لم يكن من أهل السنة والجماعة. هذا، وقد استعمل الأئمة هذا الاسم والمصطلح المبارك في النص على أمور الاعتقاد الصحيحة تمييزا لها عن غيرها، كما فعل ذلك قتيبة بن سعيد الثقفي رحمه الله، ونقله عنه الذهبي في سير أعلام النبلاء4، بل جعل بعض الأئمة هذا الاسم ضمن

_ 1 مجموع الفتاوى "3/ 159". 2 شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة للالكائي "1/ 29-49". 3 المصدر السابق "1/ 13". 4 انظر على سبيل المثال: سير أعلام النبلاء للذهبي "11/ 20".

عناوين كتبهم في العقيدة كما فعل اللالكائي رحمه الله في كتابه "شرح أصول اعتقاد أهل السنة"، وكما فعل قوام السنة إسماعيل بن محمد الأصبهاني رحمه الله في كتابه "الحجة في بيان المحجة، وشرح عقيدة أهل السنة". خامسا: ترادفه مع مصطلحات شرعية. ثم إن هذا المصطلح يرادف عند الإطلاق مصطلحات شرعية أخرى مثل أهل الحديث، والفرقة الناجية والطائفة المنصورة، والسلف الصالح، كما سيتبين في المبحث التالي. ومن جملة ما تقدم يتضح جليا أن مذهب أهل السنة قديم، وأن التسمية قديمة، تبدأ ببداية الإسلام؛ لأن أهل السنة على الحقيقة هم أهل الإسلام، المتبعون لسيد الأنام، وعلى هذا سار أئمة أهل السنة والجماعة، وكلام اللالكائي السابق قريبا صريح في ذلك، ويظهر هذا جليا بالنظر إلى صفاتهم وخصائصهم، كما أن أول من دعي "بإمام أهل السنة"، هو الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله، وفي هذا رد على من زعم أن مذهب أهل السنة والجماعة، إنما عرف وظهر في زمن أبي الحسن الأشعري، وأبي منصور الماتريدي، وأن أهل السنة هم الأشاعرة والماتريدية!! كما تبناه بعض العلماء قديما وحديثًا! 1. وفي نفي هذا الاسم عن الأشاعرة -مع قربهم في أصول ومسائل عقدية من أهل السنة- ما يقطع بانتفائه عن بقية أهل البدع والأهواء كالرافضة والمعتزلة، وإن تنازعوا هذه التسمية الشريفة. وكل يدعي وصلا بليلى ... وليلى لا تقر لهم بذاكا وكما قيل: والدعاوى إن لم تقم عليها ... بينات أصحابها أدعياء

_ 1 راجع في القديم كلام الباقلاني في "الإنصاف فيما يجب اعتقاده، ولا يجوز الجهل به" ص108، و"الفرق بين الفرق" للبغدادي ص26، ومثله الإسفراييني في "التبصير في الدين" ص25، وكذا الجويني والغزالي والرازي، وراجع في الحديث كلام الدكتور محمد سعيد رمضان البوطي في "كبرى اليقينيات الكونية" ص125، وكلام وهبي سليمان غاوجي الألباني في "أركان الإيمان" ص25، وغيرهم كثير.

الفصل الرابع: بين مصطلح أهل السنة ومصطلحات أخرى

الفصل الرابع: بين مصطلح أهل السنة ومصطلحات أخرى أولاً: الفرقة الناجية ... الفصل الرابع: بين مصطلح أهل السنة ومصطلحات أخرى تقرر فيما سبق أن مصطلح أهل السنة والجماعة مما نطق بمعناه الكتاب والسنة، وتداول لفظه الصحابة والتابعون، وأهل الحق من الأسلاف الصالحين، ومن المفيد أن نتناول مصطلحات أخرى تداولها علماء التوحيد والعقيدة في الدلالة على المذهب الحق في أمور الاعتقاد. أولا: الفرقة الناجية: أما مصطلح الفرقة الناجية، فقد دلت عليه ظاهر الأحاديث الكثيرة التي رواها بضعة عشر صحابيا، ويكفي في ثبوت وجود هذه الفرقة الناجية أن تكون هذه الروايات قد ذكرتها بعد ذكر افتراق الأمة. ومن هذه الروايات: ما رواه أنس بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن بني إسرائيل تفرقت على إحدى وسبعين فرقة، فهلكت سبعون فرقة وخلصت واحدة، وإن أمتي ستفترق على اثنتين وسبعين فرقة، فتهلك إحدى وسبعين وتخلص فرقة"، قالوا: يا رسول الله، من تلك الفرقة؟ ". قال: "الجماعة، الجماعة" 1. وفي رواية قال: "ما أنا عليه وأصحابي" 2. ووصفها علي رضي الله عنه بأنها المستحقة لقوله تعالى: {وَمِمَّنْ خَلَقْنَا أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ

_ 1 أخرجه أحمد "12070"، وابن ماجه "3993"، وأبو يعلى "4127"، قال البوصيري في مصباح الزجاجة "4/ 180": "هذا إسناد صحيح رجاله ثقات".ا. هـ. وصححه الألباني في صحيح الجامع "2042". 2 سبق تخريجه.

وَبِهِ يَعْدِلُونَ} [الأعراف: 181] . وورد في وصف غيرها من الفرق المناقضة لها أن في قلوبها زيغ، وأن الأهواء تتجارى بها كما يتجارى الكلب بصاحبه1. وهذا يقتضي بمفهوم المخالفة سلامة الفرقة الناجية من الهوى والزيغ. وجملة هذه الأوصاف تقضي بأن هذه الفرقة الناجية هي عين أهل السنة والجماعة، إذ هي الجماعة، وهم المستمسكون بما عليه الصحابة2، وهي أولى الناس بالسنة وأبعد الناس عن البدعة، فحيث أطلقت الفرقة الناجية فالمقصود بها أهل السنة والجماعة؛ لأنهم أولى الناس بالنجاة في الدنيا من الافتراق، وفي الآخرة من النار. قال عبد القادر الجيلاني رحمه الله: "وأما الفرقة الناجية: فهي أهل السنة والجماعة"3. وقال شيخ الإسلام في أول عقيدته الواسطية: "أما بعد: فهذا اعتقاد الفرقة الناجية المنصورة إلى قيام الساعة أهل السنة والجماعة ... "4.

_ 1 أخرجه أحمد "16490"، وأبو داود "4597"، والحاكم "443"، من حديث معاوية رضي الله عنه، وصححه الحاكم والألباني في صحيح الجامع "2641". 2 وانظر: فتاوى مهمة لعموم الأمة للشيخ ابن باز ص17. 3 الغنية لطالبي طريق الحق لعبد القادر الجيلاني ص85. 4 العقيدة الواسطية لابن تيمية بشرح الشيخ هراس ص14.

ثانيا: الطائفة المنصورة

ثانيا: الطائفة المنصورة: وأما مصطلح الطائفة المنصورة، فقد ورد ذكره في أحاديث عدة عن تسعة عشر صحابيا، إضافة إلى بعض المراسيل، حتى لقد صرح عدد من العلماء المعتبرين بتواتر هذا الحديث، كشيخ الإسلام ابن تيمية1، والسيوطي2، والزبيدي3، والكتاني4، وغيرهم.. ومن هذه المرويات ما رواه ثوبان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق، لا يضرهم من خذلهم حتى يأتي أمر الله وهم كذلك" 5. وما رواه جابر رضي الله عنه، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "لا تزال طائفة من أمتي يقاتلون على الحق، ظاهرين إلى يوم القيامة" 6. ومن جملة المرويات، يتضح أن هذه الطائفة المنصورة طائفة من الأمة مجتمعة على الحق، إظهارا وبيانا بالحجة والبرهان، وظهورا وغلبة بالسيف والسنان، وهي ظاهرة، بينة طرائقها وسبلها، واضحة مناهجها، في كل زمان ومكان. وهي طائفة قائمة بأمر الله، وواجب الدعوة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، لا يخلو الزمان عنها، ولا تتخلى عن واجب الجهاد، فهي إما في جهاد بالفعل أو في سبيلها إلى الجهاد إعدادًا وتهيؤًا، صابرة على هذا العمل الجليل وهي طائفة منصورة في جملة أحوالها وأماكنها، وعلى مر الأزمان.

_ 1 اقتضاء الصراط المستقيم لابن تيمية "1/ 6". 2 قطف الأزهار المتناثرة للسيوطي "رقم 81" ص216. 3 لقط اللآلئ المتناثرة في الأحاديث المتواترة للزبيدي ص68. 4 النظم المتناثرة في الحديث المتواتر للكتاني ص93. 5 رواه مسلم "1920" من حديث ثوبان رضي الله عنه. 6 رواه مسلم "1923" من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما.

ثالثا: أهل الحديث

ثالثا: أهل الحديث: وأما فيما يتعلق بمصطلح أهل الحديث، فقد روى الخطيب البغدادي بسنده عن الإمام أحمد: أنه ذكر حديث النبي صلى الله عليه وسلم: "تفترق الأمة على نيف وسبعين فرقة، كلها في النار إلا فرقة"، فقال: "إن لم يكونوا أصحاب الحديث، فلا أدري من هم"1. وقال القاضي عياض عقب قول أحمد السابق: "إنما أراد أحمد أهل السنة والجماعة، ومن يعتقد مذهب أهل الحديث"2. وقال الجيلاني: "أهل السنة لا اسم لهم إلا اسم واحد، وهو: أصحاب الحديث". وفي هذه الآثار دلالة على الترادف بين معنى مصطلح الفرقة الناجية وأهل الحديث، وأنهم المقصودون بهذا المصطلح عند إطلاقه. قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "إذا كانت سعادة الدنيا والآخرة هي باتباع المرسلين، فمن المعلوم أن أحق الناس بذلك: هم أعلمهم بآثار المرسلين، وأتبعهم لذلك، فالعالمون بأقوالهم وأفعالهم، المتبعون لها، هم أهل السعادة في كل زمان ومكان، وهم الطائفة الناجية من أهل كل ملة، وهم أهل السنة والحديث من هذه الأمة، فإنهم يشاركون سائر الأمة فيما عندهم من أمور الرسالة، ويمتازون عنهم بما اختصوا به من العلم الموروث عن الرسول، مما يجهله غيرهم أو يكذب به"3. ووصفهم الخطيب البغدادي رحمه الله بقوله: "حفظة الدين، وأوعية العلم وحملته.. ومنهم كل عالم فقيه، وإمام رفيع نبيه، وزاهد في قبيلة، ومخصوص بفضيلة، وقارئ متقن، وخطيب محسن وهم الجمهور العظيم، وسبيلهم السبيل المستقيم، وكل مبتدع باعتقادهم يتظاهر، وعلى الإفصاح بغير مذاهبهم لا يتجاسر"4.

_ 1 شرف أصحاب الحديث للخطيب البغدادي ص25، 27، ومعرفة علوم الحديث للحاكم ص26. 2 شرح النووي على صحيح مسلم "13/ 67". 3 مجموع الفتاوى "4/ 26". 4 شرف أصحاب الحديث للخطيب البغدادي ص9.

ويتضح مما سبق أن الفرقة الناجية هم أهل الحديث، كما اتضح أن الطائفة المنصورة هم أهل الحديث أيضًا. سئل ابن المبارك عن الطائفة المنصورة: من هذه الطائفة؟ فقال: "هم عندي أصحاب الحديث"1. وقال يزيد بن هارون: "إن لم يكونوا أصحاب الحديث، فلا أدري من هم"2. وقال البخاري في قوله صلى الله عليه وسلم: "لا تزال طائفة من أمتي ... ": "يعني: أصحاب الحديث"3، وقال: "وهم أهل العلم"4. وقال أحمد بن سنان: "هم أهل العلم، وأصحاب الآثار"5. وقال شيخ الإسلام في وصف أهل الحديث: "وكانوا يقولون: هم الطائفة المنصورة إلى قيام الساعة، الظاهرون على الحق؛ لأن الهدى ودين الحق الذي بعث الله به رسله معهم، وهو الذي وعد الله بظهوره على الدين كله، وكفى بالله شهيدًا"6. وإذا كانت الفرقة الناجية هي أهل الحديث، وأهل الحديث هم الطائفة المنصورة، وأهل الحديث هم أهل السنة والجماعة، فإن هذا يدل على ترادف هذه الاصطلاحات بإطلاق. بمعنى أنه إذا أطلق واحد منهم دخل فيه الباقي، وأصبح اللفظ دالا بمفرده على جميع أهل الحق.

_ 1 المرجع السابق ص26. 2 المحدث الفاضل للرامهرمزي ص177. 3 شرف أصحاب الحديث للخطيب البغدادي ص27. 4 صحيح البخاري "8/ 149"، وخلق أفعال العباد للبخاري ص42. 5 شرف أصحاب الحديث للخطيب البغدادي ص27. 6 مجموع الفتاوى "4/ 97".

وأما إذا اجتمع اثنان كأهل الحديث وأهل السنة فبينهما تغاير، حيث يطلق الأول على المعتنين بعلم الحديث، ويطلق الثاني على باقي أهل الخير من الفرقة الناجية، فإذا اجتمعا افترقا، ومن ذلك قول عبد الرحمن بن مهدي رحمه الله: "الناس على وجوه: فمنهم من هو إمام في السنة إمام في الحديث، ومنهم من هو إمام في الحديث، فأما من هو إمام في السنة، وإمام في الحديث فسفيان الثوري"1. - وهنا يثور سؤال حول تحديد أهل الحديث، وهل كل هذا الفضل خاص بدارسي هذا العلم، وحفظة متونه دون باقي أصناف أهل العلم؟ وإذا كانت الإجابة بدخول أصناف أخرى من أهل العلم، فإن ثمة سؤال آخر حول هذا ملعنى، وهو: هل يدخل في معنى أهل الحديث أناس آخرون لا علاقة لهم بعلم الحديث، ولا دراية لهم بالفقه وسائر العلوم: كالمجاهدين، والأجناد المرابطين على الثغور، ونحوهم؟ فأما السؤال الأول، فإن الإجابة تتقرر في دخول طوائف أهل العلم بالتفسير، والفقه، والتوحيد، وسائر العلوم الشرعية، في مصطلح أهل الحديث بعد دخول المشتغلين بعلم الحديث دخولا أوليا في هذا المصطلح. ويدل على ذل عبارة الإمام البخاري في وصفهم بأنهم: "هم أهل العلم"، وكذا عبارة الإمام أحمد بن سنان: "هم أهل العلم وأصحاب الآثار". فإذا وجد ما يدل على أنهم أهل العلم بالحديث، فهو من باب تفسير الشيء بذكر بعض أجزائه وأفراده، والقاعدة أن ذكر بعض أفراد العام لا يخصصه. ولذلك كانت عبارة الإمام أحمد دقيقة حين رأى قوما يشتغلون بمدراسة

_ 1 مقدمة الجرح والتعديل لابن أبي حاتم "1/ 118"، وشرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة للالكائي "1/ 63".

الحديث، فأطلق عليم أنهم "ممن" قال فيهم الرسول صلى الله عليه وسلم: "لا تزال طائفة من أمتي.." الحديث1. وقد نقل النووي -كما سبق- قول أحمد والبخاري في الطائفة المنصورة، ثم قال: "قال القاضي عياض: إنما اراد أحمد أهل السنة والجماعة، ومن يعتقد مذهب أهل الحديث"2. وقال شيخ الإسلام: "ونحن لا نعني بأهل الحديث المقتصرين على سماعه أو كتابته أو روايته، بل نعني بهم: كل من كان أحق بحفظه ومعرفته وفهمه ظاهرا وباطنا، واتباعه باطنا وظاهرا، وكذلك أهل القرآن، وأدنى خصلة في هؤلاء محبة القرآن والحديث، والبحث عنهما وعن معانيهما، والعمل بما علموه من موجبها. ففقهاء الحديث أخبر بالرسول من فقهاء غيرهم، وصوفيتهم أتبع للرسول من صوفية غيرهم، وأمراؤهم أحق بالسياسة النبوية من غيرهم، وعامتهم أحق بموالاة الرسول من غيرهم"3. فهذا وأمثاله من النقول عن الأئمة العدول يبين لنا دخول أهل العلم -المتبعين الناجين من الابتداع- في زمرة الحديث بالاصطلاح الأعم الأوسع. ومما تنبغي الإشارة إليه: أن "مصطلح أهل الحديث"، قد أطلق في مقابلة "أهل الكلام" تارة، و"أهل الرأي "تارة أخرى، فالإطلاق الأول يتعلق بالعقائد، والثاني بالفقه. وأما السؤال الثاني، وهو: هي يدخل في الطائفة المنصورة أهل الحديث أصناف أخرى من الناس، ليست من المشهورة بالعلم؟

_ 1 أخرجه البخاري "7311"، ومسلم "1921" من حديث المغيرة بن شعبة رضي الله عنه. 2 شرح النووي على صحيح مسلم "13/ 67. 3 مجموع الفتاوى "4/ 91-95".

فإجابته قد ذكرها جملة من أهل العلم، نذكر منهم الإمام النووي حين سئل عن الطائفة المنصورة: من هم؟ فقال: "ويحتمل أن هذه الطائفة مفرقة بين أنواع المؤمنين: منهم زهاد، وآمرون بالمعروف، وناهون عن المنكر، ومنهم أنواع أخرى من الخير"1، فأدخل فيهم أهل الجهاد وأنواعا أخرى من الخير: كالزهاد، والعباد، وغيرهم. وقد صاغ ابن حجر كلام النووي بلفظ مقارب، فقال: "يجوز أن تكون الطائفة جماعة متعددة من أنواع المؤمنين: ما بين شجاع، وبصير بالحرب، وفقيه، ومحدث، ومفسر، وقائم بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وزاهد، وعابد"2. ويخلص من ذلك كله إلى أن المصطلحات "الفرقة الناجية -الطائفة المنصورة- أهل السنة والجماعة- أهل الحديث"، هي مصطلحات شرعية مترادفة في معناها، وعند إطلاقها يدخل بعضها في بعض، وأن أهلها متفاوتون في العلم بالسنة والعمل بها، والجهاد والقيام به، ولا يتخلون عنه جميعا، وأن أهل هذه المصطلحات غير معصومين، والخير فيهم أكثر من الشر، كما أن الشر في غيرهم أكثر من الخير، ومع أنه ليس لهم تخصص علمي أو عملي يجمعهم، فقد وصلوا بمجموعهم إلى درجة الكمال البشري، مع التكامل في الواجبات والتخصصات، فهم قائمون بمجموعهم مقام النبوة في الأمة بحفظ الدين وإقامة الملة. قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "وأما أهل العلم فكانوا يقولون: هم الأبدال؛ لأنهم أبدال الأنبياء، وقائمون مقامهم حقيقة، ليسوا من المعدمين الذين لا يعرف لهم حقيقة، كل منهم يقوم مقام الأنبياء في القدر الذي ناب عنهم فيه، هذا في العلم والمقال، وهذا في العبادة والحال، وهذا في الأمرين جميعًا"3. ثم إنه بقي مصطلح أخير عرفه أهل السنة والجماعة وتداولوه، ألا وهو مصطلح السلف.

_ 1 شرح النووي على صحيح مسلم "13/ 66-67". 2 فتح الباري "13/ 295". 3 مجموع الفتاوى "4/ 97".

رابعا: السلف

رابعا: السلف: معنى "السلف" لغة: قال ابن فارس: "سلف، السين واللام والفاء، أصل يدل على تقدم وسبق، من ذلك السلف الذين مضوا، والقوم السلاف: المتقدمون"1. وقد استعملت كلمة "سلف" في القرآن للدلالة على نفس المعنى، وهو التقدم والسبق في التقدم. قال تعالى: {كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ} [الحاقة: 24] ، أي: قدمتم في الدنيا. وقال تعالى: {فَجَعَلْنَاهُمْ سَلَفًا وَمَثَلًا لِلْآخِرِينَ} [الزخرف: 56] ، أي: قوما سابقين من جاء بعدهم، وقيل: عظة وعبرة لم يأتي بعدهم2. وقال تعالى: {فَلَهُ مَا سَلَفَ} [البقرة: 275] ، أي: سبق وتقدم. وقال تعالى: {عَفَا اللَّهُ عَمَّا سَلَفَ} [المائدة: 95] ، وقال جل ذكره: {يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ} [الأنفال: 38] . كما استعملت كلمة "سلف" في السنة للدلالة على نفس المعنى السابق.

_ 1 معجم مقاييس اللغة لابن فارس "3/ 95". 2 لسان العرب لابن منظور "6/ 331"، وتفسير ابن كثير "4/ 131"، وتيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان للسعدي "6/ 654".

ومن ذلك: قول النبي صلى الله عليه وسلم لابنته فاطمة رضي الله تعالى عنها وأرضاها: "ونعم السلف أنا لك" 1. وقوله صلى الله عليه وسلم لحكيم بن حزام رضي الله عنه: "أسلمت على ما سلف من خير" 2. معنى "السلف" اصطلاحا: في اصطلاح علماء العقيدة يطلق "السلف" على الصحابة رضي الله عنه والتابعين لهم بإحسان وتابعيهم، وأئمة الإسلام العدول، ممن اتفقت الأمة على إمامتهم وعظم شأنهم في الدين، وتلقى المسلمون كلامهم خلفا عن سلف بالقبول، دون من رمي ببدعة، أو لقب غير مرضي، كالخوارج، والرافضة، والناصبة، والقدرية، والمرجئة، والأشعرية، والمعتزلة، والجهمية ونحوهم.. ومذهب السلف هو طريقهم في الاعتقاد المنسوب إليهم3. وقال الشيخ أحمد بن حجر آل بوطامي: "وعلى ذلك فالمراد بمذهب السلف: ما كان عليه الصحابة الكرام رضوان الله عليهم، والتابعون لهم بإحسان إلى يوم الدين، وأتباعهم، وأئمة الدين ممن شهد له بالإمامة، وعرف عظيم شأنه في الدين، وتلقى الناس كلامهم خلفا عن سلف، كالأئمة الأربعة، وسفيان الثوري، والليث بن سعد، وابن المبارك، والنخعي، والبخاري، ومسلم، وسائر أصحاب السنن، دون من رمي ببدعة، أو شهر بلقب غير مرضي، مثل: الخوارج، والروافض، والمرجئة، والجبرية والجهمية، والمعتزلة"4. فالسلف إذن مصطلح يطلق على المتقدمين من الصحابة والتابعين وتابعيهم، وهم المذكورون في حديثه صلى الله عليه وسلم: "خيركم قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم" 5.

_ 1 رواه البخاري "6285"، ومسلم "2450". 2 رواه البخاري "1436"، ومسلم "123". 3 لوامع الأنوار للسفاريني "1/ 20"، والأسئلة والأجوبة الأصولية لمحمد عبد العزيز السلماني ص11، 12. 4 العقائد السلفية بأدلتها العقلية والنقلية والنقلية لأحمد بن حجر آل بوطامي ص11. 5 أخرجه البخاري "6695"، ومسلم "2535" من حديث عمران بن حصين رضي الله عنه.

ومذهب السلف هو مذهب الصحابة الكرام، والتابعين وتابعيهم من الأئمة المذكورين المشهورين. ثم إن كل من التزم بعقائد وأصول هؤلاء الأئمة كان منسوبا إليهم، وإن باعدت بينه وبينهم الأماكن والأزمان، وكل من خالفهم فليس منهم، وإن عاش بين أظهرهم، وجمعه بهم نفس المكان والزمان. ويشهد لذلك قول الأوزاعي: "كتب إلي قتادة من البصرة: إن كانت الدار فرقت بيننا وبينك، فإن ألفة الإسلام بين أهلها جامعة"1. ويقول الدكتور محمود خفاجى: "وليس التحديد الزمني كافيا في ذلك، بل لا بد أن يضاف إلى هذا السبق الزمني موافقة الرأي للكتاب والسنة وروحهما، فمن خالف رأيه الكتاب والسنة فليس بسلفي، وإن عاش بين أظهر الصحابة والتابعين وتابعي التابعين"2. ويشهد لهذا: قول أبي عبد الله النباجي الزاهد: "أصل العلم خمس خصال: أولها: الإيمان بالله، والثانية: معرفة الحق، والثالثة: إخلاص العمل، والرابعة: أن يكون مطعم الرجل من حلال، والخامسة: أن يكون على السنة والجماعة، فلو أن عبدًا آمن بالله عز وجل وأخلص نيته لله وعرف الحق على نفسه، وكان مطعمه من حلال ولم يكن على السنة والجماعة لم ينتفع من ذلك بشيء"3. فالعبرة بالتزام السنة والجماعة بغض النظر عن المكان والزمان.

_ 1 سيرة أعلام النبلاء للذهبي "7/ 121". 2 العقيدة الإسلامية بين السلفية والمعتزلة للدكتور محمود خفاجى ص21. 3 حلية الأولياء لأبي نعيم "9/ 310"، وتاريخ دمشق لابن عساكر "7/ 217-والسياق له"، وجامع العلوم والحكم لابن رجب "1/ 263".

"ولقد بدأت الحاجة إلى الانتساب للسلف حين تفرقت الأمة الإسلامية، وتعددت الاتجاهات الفكرية فيها حول أصول الدين، مما دعا علماء الأمة الأثبات وأساطينها الأعلام، لتجريد أنفسهم لتلخيص وترتيب الأصول العظمى والقواعد الكبرى للاتجاه السلفي، والمعتقد القرآني النبوي، ومن ثم نسبته إلى السلف الصالح، لقطع الباب على كل من ابتدع بدعة اعتقادية، وأراد نسبتها إليهم، حتى كانت النسبة إلى السلف رمزًا للافتخار، وعلامة على العدالة في الاعتقاد، مما يدل على أن النسبة إلى السلف لم تكن بدعة لفظية، ولا مجرد اصطلاحي كلامي، لكنه حقيقة شرعية ذات مدلول محدد، ولذلك لم تؤصل قواعده، ولم تحر موارده، إلا بقيام الحاجة في الأمة لبيان متكامل الصورة عما كان عليه أهل القرون المفضلة المشهود لهم بالعدالة من طريقة عقدية وسيرة توحيدية"1. ويبدو جليا من هذه الدراسة الاصطلاحية الشرعية لمدلول كلمة السلف، أن هذا المصطلح يلتقي مع مصطلح أهل السنة والجماعة، وأهل الحديث، والفرقة الناجية، والطائفة المنصورة. فالسلف هم أهل الحديث كما سماهم بذلك كثير من الأئمة، وصدروا مؤلفاتهم بذلك، مثل: كتاب "عقيدة السلف أصحاب الحديث" للإمام إسماعيل الصابوني. والسلف هم الفرقة الناجية، والطائفة المنصورة؛ لأنهم الصحابة ومن تابعهم من التابعين وتابعيهم. والسلف هم أهل الأثر، وهم أهل الاتباع؛ لأن من طريقتهم "اتباع آثار رسول الله صلى الله عليه وسلم باطنا وظاهرا، واتباع سبيل السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار، واتباع وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم، حيث قال: " عليكم بسنتي، وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي،

_ 1 نظريات شيخ الإسلام في السياسة والاجتماع للمستشرق الفرنسي لاووست ص32.

تمسكوا بها، وعضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل بدعة ضلالة" 1 2. وما زال أهل السنة وما برحوا يستدلون على عقائدهم بالكتاب والسنة، فإن لم يجدوا فبما ثبت عن السلف الصالحين، من الصحابة والتابعين وتابعي التابعين، وبهذا كانوا يتواصون ويوصون. قال الأوزاعي: "عليك بآثار من سلف وإن رفضك الناس"3. وقال: " ... واسلك سبيل سلفك الصالح، فإنه يسعك"4. والإمام ابن كثير ينهج هذا النهج عند تفسير قوله تعالى: {ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْش} [الأعراف: 54] ، يقول: "فللناس في هذا مقالات كثيرة جدا، ليس هذا موضع بسطها، وإنما يسلك في هذا المقام مذهب السلف الصالح، مالك، والأوزاعي، والثوري، والليث بن سعد، والشافعي، وأحمد بن حنبل، وإسحاق ... "5. والإمام الذهبي يقول في مقدمة كتابه "العلو للعلي الغفار": "فإن أحببت يا عبد الله الإنصاف، فقف مع نصوص القرآن والسنة، ثم انظر ما قاله الصحابة والتابعون وأئمة التفسير في هذه الآيات، وما حكموه من مذاهب السلف، فإما أن تنطق بعلم، وإما أن تسكلت بعلم"6. وعلى هذا فإن الدعوة إلى اتباع السلف إنما هي دعوة إلى الإسلام والسنة، ولا غضاضة في ذلك.

_ 1 حديث صحيح، سبق تخريجه ص25. 2 شرح العقيدة الواسطية لمحمد خليل هراس ص179-180. 3 الشريعة للآجري ص102، وصححه الألباني في مختصر العلو ص138. 4 شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة للالكائي "1/ 154". 5 تفسير القرآن العظيم لابن كثير "2/ 221". 6 العلو للعلي الغفار للذهبي ص16.

قال شيخ الإسلام: "لا عيب على من أظهر مذهب السلف، وانتسب إليه، واعتزى إليه، بل يجب قبول ذلك منه، فإن مذهب السلف لا يكون إلا حقا"1. وأخيرًا فإن مصطلحين كـ"أهل الأثر"، أو"أهل الجماعة" يطلقان أيضا -بقلة- ويراد بهما أهل الحديث وأهل السنة والجماعة، وقد وقعا في كلام السلف أيضًا. فمن الأول قول أبي حاتم الرازي: "مذهبنا واختيارنا اتباع رسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه والتابعين ومن بعدهم بإحسان، والتمسك بمذهب أهل الأثر مثل أبي عبد الله أحمد بن حنبل"2. ومن الثاني قول ابن المبارك حين سئل عن الجماعة؟ فقال: "أبو بكر وعمر، قيل له: قد مات أبو بكر وعمر، قال: فلان وفلان، قيل له: قد مات فلان وفلان؟ فقال عبد الله بن المبارك: أبو حمزة السكري جماعة"3.

_ 1 مجموع الفتاوى "4/ 149". 2 شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة للالكائي "1/ 180". 3 الجامع الصحيح للترمذي "4/ 466".

الفصل الخامس: الخصائص والصفات العامة لأهل السنة والجماعة

الفصل الخامس: الخصائص والصفات العامة لأهل السنة والجماعة أولا: أهل السنة ليس لهم اسم يجمعهم سوى هذا الاسم: أهل السنة والجماعة ليس لهم اسم يعرفون به، ولا لقب ولا رمز يميزهم عن غيرهم، إلا الإسلام وما دل عليه من المصطلحات والأسماء الشرعية. قال ميمون بن مهران: "إياكم وكل اسم يسمى بغير الإسلام"1. فكل من خالف السنة والجماعة فقد تسمى بغير الإسلام والسنة، كأصحاب الأهواء والفرق الضالة، وإن ادعى أنه من أهل السنة. وأما أهل السنة فليس لهم اسم إلا هذا الاسم، وإن كان غيرهم قد يسميهم بأسماء باطلة، فإنه ما من فرقة إلا وابتدعت لأهل السنة اسمًا يناسب ما خالفها فيه أهل السنة، ومع ذلك بقي أهل السنة لم يلزمهم اسم من هذه الأسماء الباطلة. روى ابن البر قال: "جاء رجل إلى مالك فقال: يا أبا عبد الله، أسألك عن مسألة أجعلك حجة فيما بيني وبين الله عز وجل. قال مالك: ما شاء الله لا قوة إلا بالله، سل: قال: من أهل السنة؟ قال: أهل السنة الذين ليس لهم لقب يعرفون به، لا جهمي، ولا قدري، ولا رافضي"2. وهكذا يحدد الإمام مالك رحمه الله، ويعرف أهل السنة بأنهم ليس لهم لقب يعرفون به إلا اللقب المسئول عنه "أهل السنة". وقال الإمام ابن القيم رحمه الله: "وقد سئل بعض الأئمة عن السنة؟ فقال: ما لا اسم

_ 1 الشرح والإبانة لابن بطة ص137. 2 الانتقاء لابن عبد البر ص35.

له سوى السنة، يعني: أن أهل السنة ليس لهم اسم ينسبو إليه سواها"1. ويقول الشيخ بكر بن عبد الله أبو زيد -حفظه الله تعالى-: "وليس لهم -أي أهل السنة والجماعة- رسم ومنهاج سوى منهاج النبوة "الكتاب والسنة"، إذ الأصل لا يحتاج إلى سمة خاصة تميزه، إنما الذي يحتاج إلى اسم معين هو الخارج من هذا الأصل"2. فأهل السنة لا يتعصبون للأحزاب، ولا الشعارات، ولا القوميات، ولا يتعصبون للأوطان ولا الشعوب، ولا الأجناس، ولا القبائل، إنما يجمعهم شعار السنة والإسلام، في أي مكان وأي زمان. عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: "من أقر باسم من هذا الأسماء المحدثة، فقد خلع ربقه الإسلام من عنقه"3. وقال مالك بن مِغْوَل: "إذا تسمى الرجل بغير الإسلام والسنة، فألحقه بأي دين شئت"4. وهذا لا يعني عدم مشروعية مطلق الانتماء إلى إمام، أو التسمي بأسماء المذاهب، أو الانتساب إلى القبائل، أو المشايخ، ونحو ذلك ... ، بل الممنوع منه هو اتخاذ هذه الأسماء معقدا للولاء والبراء، وشعارا يمتحن الناس به، ويفرق به بين الأمة. قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: "بل الأسماء التي قد يسوغ التسمي بها، مثل انتساب الناس إلى إمام: كالحنفي والمالكي والشافعي، والحنبلي، أو إلى شيخ:

_ 1 مدارج السالكين لابن القيم "3/ 174". 2 حكم الانتماء إلى الفرق والأحزاب والجماعات الإسلامية للشيخ بكر أبو زيد ص28. 3 الشرح والإبانة لابن بطة ص137. 4 الدر المنثور للسيوطي "2/ 63"، والشرح والإبانة لابن بطة ص137.

كالقادري والعدوي ونحوهم، أو مثل الانتساب إلى القبائل: كالقيسي واليماني، وإلى الأمصار: كالشامي والعراقي والمصري، فلا يجوز لأحد أن يمتحن الناس بها، ولا يوالي بهذه الأسماء ولا يعادي عليها، بل أكرم الخلق عند الله أتقاهم من أي وظيفة كان"1. ومما هو جدير بالتنبيه عليه في هذا المقام، أنه سبقت لأهل السنة والجماعة أسماء أخرى وردت بها النصوص، وهو من باب إطلاق الأسماء المختلفة على مسمى واحد. فالانتساب إلى أهل السنة والجماعة أو السلف، أو الفرقة الناجية كل ذلك سواء وقد أطلق شيخ الإسلام ابن تيمية لقب السلفية في بعض مصنفاته2، وكذا الشيخ المعلمي اليماني3 والشيخ الألباني4، والشيخ ابن باز5 وغيرهم من أهل العلم والاتباع سلفا وخلفا.

_ 1 مجموع الفتاوى "3/ 416". 2 بيان تلبيس الجهمية لابن تيمية "1/ 122". 3 القائد إلى تصحيح العقائد للمعلمي اليماني ص47، 51، 55، 199. 4 مختصر العول للألباني ص122، ومقدمة الشيخ الألباني لشرح الطحاوية ص57. 5 تنبيهات هامة على ما كتبه محمد علي الصابوني في صفات الله عز وجل للشيخ ابن باز ص34، 35.

ثانيا: أهل السنة لا يجمعهم مكان واحد، ولا يخلو عنهم زمان

ثانيا: أهل السنة لا يجمعهم مكان واحد، ولا يخلو عنهم زمان: إن أهل السنة هم أهل الحق، فكل من دان بهذا الحق فهو من أهل السنة، في أي مكان وجد، وفي أي زمان كان. ويشهد لذلك ما سبق عن الأوزاعي، قال: "كتب إلي قتادة من البصرة: إن كانت الدار فرقت بيننا وبينك، فإن ألفة الإسلام بين أهلها جامعة"1. قال الإمام النووي رحمه الله تعالى: "ولا يلزم أن يكونوا -أي: الطائفة المنصورة-

_ 1 سير أعلام النبلاء للذهبي "7/ 121".

مجتمعين، بل قد يكونون متفرقين في أقطار الأرض"1. وقد كان صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، والتابعون وأئمة الدين من بعدهم، مفرقين في الأمصار، لا يجمعهم مكان واحد، ومع ذلك كانوا جميعا من أهل السنة، بل أئمة أهل السنة وأعلامهم. وأما الأحاديث التي حددت وجودهم بالشام2 فقد يجاب عليها بما يلي: 1- قد يراد بها -والله أعلم- فترة تاريخية معينة، هي التي تكون قبل قيام الساعة، حيث تدل النصوص الكثيرة على أن معظم الأحداث المتعلقة بالمهدي وعيسى بن مريم، ونحو ذلك من أشراط الساعة، إنما يتكون بالشام. 2- كما يحتمل أن يكون المقصود قتالهم للروم المذكور في الأحاديث، ثم للدجال، حتى يأتيهم أمر الله وهم بالشام، فيكون قوله صلى الله عليه وسلم: "وهم بالشام"، أي: حال إتيان أمر الله. 3- وهذا كله على فرض صحة هذه الأحاديث، فكيف وأسانيدها لا تصح، والأصح والأشهر من الأحاديث بدون تقييد، وأعلى ما ورد في الشام قول معاذ: "وهم بالشام"، وفي رواية له: "وهم أهل الشام" ونحو هذا، وأكثر الرواة لم يذكروا هذه الزيادة في الحديث، ورواية الجماعة أولى بالصواب، وقد سبق هنا استغراب أي نعيم لهذه الزيادة.

_ 1شرح النووي على صحيح "13/ 67". 2 من ذلك: ما روي من قول مالك بن يخامر عن معاذ: "وهم بالشام"، أخرجه أبو عوانة "7502"، وأبو يعلى "7383"، واللالكائي "166"، وأبو نعيم في الحلية "5/ 159". وقال أبو نعيم: "غريب من حديث عمير، تفرد به عنه ابن جابر، وهذه الزيادة من قبل معاذ لا تحفظ إلا في هذا الحديث". وروي من وجه آخر عن معاذ قال: "وهم أهل الشام". وانظر: تاريخ دمشق لابن عساكر "1/ 261-269". ورواه البخاري في التاريخ الكبير في ترجمة حسان بن وبرة عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى لله عليه وسلم: $"لا تزال عصابة بدمشق ظاهرين" "3/ 35 رقم 147"، وحسان لم يوثقه معتبر، وهو حيان بالياء بدل السين انظر: الإصابة لابن حجر "2/ 188"، ونحو ذلك من الأحاديث.

وأهل السنة كما أنه لا يجمعهم مكان واحد، فإنهم لا يخلو عنهم زمان حتى قيام الساعة. فقد صحت البشارة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم باستمرار وجود الطائفة المنصورة -أهل السنة والجماعة- من هذه الأمة إلى أن يأتي أمر الله، لا يضرهم خلاف المخالف، ولا خذلان الخاذل. وجاء ذلك في أحاديث كثيرة عن جمع من الصحابة، حتى لقد صرح عدد من العلماء المعتبرين بتواتر هذا الحديث، كشيخ الإسلام ابن تيمية، والسيوطي، والزبيدي، والكتاني، وغيرهم1. ومن هذه الأحاديث. ما جاء عن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: "لا يزال ناس من أمتي ظاهرين، حتى يأتيهم أمر الله وهم ظاهرين" 2. وعن جابر بن سمرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنه قال: "لن يبرح هذا الدين قائمًا، يقاتل عليه عصابة من المسلمين، حتى تقوم الساعة" 3. وعن جابر بن عبد الله قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "لا تزال طائفة من أمتي يقاتلون على الحق، ظاهرين، إلى يوم القيامة" 4. فهذه الأحاديث وما ماثلها توضح أن أهل السنة -الطائفة المنصورة- سيستمر بقاؤهم إلى يوم القيامة، فلن يخلو عنهم زمان حتى يأتيهم أمر الله عز وجل.

_ 1 قد سبقت الإشارة إلى ذلك في الفصل الأول ص39. 2 رواه البخاري "3640"، ومسلم "1921" من حديث المغيرة بن شعبة رضي الله عنه. 3 رواه مسلم "1922" من حديث جابر بن سمرة رضي الله عنه. 4 سبق تخريجه.

والمقصود أن بقاءهم يكون حتى يرسل الله ريحا طيبة -وهي أمر الله-، فتقبض روح كل مؤمن ومؤمنة، ويكون ذلك قبيل قيام الساعة، ويكون ذلك قبيل قيام الساعة، ويكون التعبير بقوله: "إلى قيام الساعة". معناه: إلى قرب قيامها. قال الإمام النووي رحمه الله: "فأطلق في هذا الحديث بقاءهم إلى قيام الساعة، على أشراطها ودنوها المتناهي في القرب"1. وقال رحمه الله تعالى: "وذكرنا هناك -أي في كتاب الإيمان- الجمع بين الأحاديث الواردة في هذا المعنى، وأن المراد بقوله صلى الله عليه وسلم: "حتى يأتي أمر الله" من الريح التي تأتي فتأخذ روح كل مؤمن ومؤمنة، وأن المراد رواية من روى: "حتى تقوم الساعة"، أي: تقرب الساعة، وهو خروج الريح"2.

_ 1 شرح النووي على صحيح مسلم "2/ 132". 2 المرجع السابق "13/ 66".

ثالثا: أهل السنة مشتغلون بأبواب الخير كافة

ثالثا: أهل السنة مشتغلون بأبواب الخير كافة: أهل السنة لا يجمعهم تخصص علمي ولا عملي بعينه، بل منهم المشتغلون بألوان العلوم النافعة، بقصد حماية الدين وحفظ العلم -أصولا، وفروعا، ووسائل-، ومنهم المشتغلون برد البدع وقمع أهلها، وبيان طريق المحجة، ودفع الالتباس عنها. ومنهم المرابطون في الثغور، المصابرون للأعداء، الساهرون على حماية الحوزة وحفظ البيضة. ومنهم المناهضون للمنكر، الناهون عنه، الآمرون بالمعروف، الداعون إليه. ولا شك أن المشتغلين بعلوم الإسلام -عقيدة، وفقها، وحديثا، وتفسيرا، وتعلما وتعليما، ودعوة، وتطبيقا- هم أولى الناس بهذا الوصف، وأولاهم بالدعوة،

والجهاد، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، والرد على أهل البدع، إذ إن ذلك كله لا بد أن يقترن بالعلم الصحيح المأخوذ من الوحي. قال الإمام النووي رحمه الله تعالى: "ويحتمل أن هذه الطائفة -يعني: الطائفة المنصورة- مفرقة بين أنواع المؤمنين، منهم شجعان مقاتلون، ومنهم زهاد، وآمرون بالمعروف، وناهون عن المنكر، ومنهم أهل أنواع أخرى من الخير ... "1. وقد فسر بعض أئمة السلف الطائفة المنصورة والفرقة الناجية أهل السنة والجماعة بأنهم: أصحاب الحديث. ومقصود هؤلاء الأئمة -كما سبق أيضا- بأهل الحديث، أنهم أهل السنة، المتبعون لما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، المجانبون لطريقة أهل البدعة، الملتزمون بالدليل في الاعتقاد والفقه، المستقيمون على الجادة في الخلق والعبادة، والسلوك. وهم -بهذا- الفئة المقابةل لأهل الكلام -أيا كانت بدعتهم-، والفئة المقابلة لأهل الرأي الذين يقدمون آراءهم أو أقوال شيوخهم على الدليل الصحيح، بحجة أن الدليل ظني الثبوت، أو أن شيوخهم أعلم بالدليل ... أو بغير ذلك من الحجج الواهية. ولذلك عبر الإمام البخاري رحمه الله تعالى عنهم بقوله: "وهم أهل العلم"2. ومدلول العلم أوسع من مدلول الحديث، وإن كان الحديث قد يطلق عليه العلم3. فقد يكون الرجل من أهل السنة، ومن أهل العلم الذين يرابطون على ثغور

_ 1 شرح النووي على مسلم "13/ 67". 2 صحيح البخاري "8/ 149". 3 كما قال محمد بن سيرين: "إن هذا العلم دين، فانظروا عمن تأخذون دينكم". رواه مسلم في مقدمة صحيحه "1/ 14".

الإسلام، ويدافعون عنه، ولكنه ليس من أهل الحديث، بمعنى: المشتغلين به رواية ودراية، حتى عرفوا به، وأمثلة هذا كثيرة من المشتغلين بالتفسير، أو القراءات، أو اللغة، أو الأدب، أو التاريخ، أو غيرها. وأما عبارة علي بن المديني في تعريفه أصحاب الحديث، والتي يقول فيها: "هم أصحاب الحديث الذين يتعاهدون مذاهب الرسول صلى الله عليه وسلم، ويذبون عن العلم، لولاهم لم نجد عند المعتزلة والرافضة والجهمية, وأهل الرأي شيئا من سنن المرسلين"1. ففي عبارة علي بن المديني نوع من التخصيص، إذ يفسر أهل الحديث بأنهم الذين يتعاهدون مذاهب الرسول صلى الله عليه وسلم، ويذبون عن العلم، ويبلغون للناس سنن المرسلين. وهذا تفسير للشيء ببعض أجزائه، وأهل السنة الطائفة المنصورة أعم من ذلك، ولا شك أن قوما كهؤلاء الذين ذكرهم ابن المديني هم أولى الناس بالدخول في هذه الطائفة، وإلى ما عندهم يرجع كل متبع في أي تخصص كان، ولكن لا يلزم من ذلك أن يكونوا -وحدهم- الطائفة المنصورة أو أهل السنة والجماعة، كما سبق تقريره. إذن، فأهل السنة لا يجمعهم تخصص علمي ولا عملي بعينه، بل هم مفرقون في أبواب الخير كافة، يقولون بالحق، ويرحمون الخلق، ويجتمعون على منهج الاتباع.

_ 1 رواه ابن عدي في الكامل "1/ 121" في ترجمة علي بن المديني، وانظر: الرحلة في طلب الحديث للخطيب البغدادي "223".

رابعا: أهل السنة نمط واحد في باب الاعتقاد، وأصول الدين

رابعا: أهل السنة نمط واحد في باب الاعتقاد وأصول الدين: لا منازعة بين المسلمين على خطورة أمر الاعتقاد، وعظم شأنه، وعلو قدره، إذ المخالف فيه على شفا هلكة. ولهذا نجد أهل السنة جميعا على قول واحد في أصول هذا الباب وكليات، لم ينقل عنهم اختلاف في أمهات مسائل الاعتقاد وأصول الدين، بل المحفوظ عنهم اتفاقهم في هذه المسائل، وعدم اختلافهم عليها. قال الشافعي رحمه الله: "القول في السنة التي أنا عليها، ورأيت عليه الذين رأيتهم مثل سفيان ومالك وغيرهما: الإقرار بشهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله، وأن الله على عرشه في سمائه، يقرب من خلقه كيف شاء، وينزل إلى السماء الدنيا كيف شاء.."1. وقال الإمام أحمد رحمه الله: "هذه مذاهب أهل العلم، وأصحاب الأثر، وأهل السنة المستمسكين بعروتها، المعروفين بها، المقتدى بهم فيها من لدن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم إلى يومنا هذا، وأدركت عليها من علماء الحجاز والشام وغيرهما عليها، فمن خالف شيئا من هذه المذاهب، أو طعن فيها، أو عاب قائلها فهو مخالف مبتدع، وخارج عن الجماعة، زايل عن منهج السنة وسبيل الحق"2. قال ابن كثير في وصف وبيان من هم أهل السنة: "وهم أهل السنة والجماعة: المتمسكون بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وبما كان عليه الصدر الأول من الصحابة والتابعين وأئمة المسلمين في قديم الدهر وحديثه"3. وهذا لا يعني أن كل مسائل الاعتقاد متفق عليها عند أهل السنة والجماعة، إذ قد وقع الخلاف بين الصحابة أنفسهم حول بعض مسائل العقيدة، ولكن لم تكن هذه المسائل من الأمهات والكليات في هذا الباب. ومن الأمثلة على ذلك: - اختلافهم في رؤية النبي صلى الله عليه وسلم لربه ليلة المعراج، هل وقعت أم لا؟

_ 1 العلو للعلي الغفار، للذهبي ص120. 2 العقيدة للإمام أحمد رواية أبي بكر الخلال ص73. 3 تفسير ابن كثير "3/ 434".

قال ابن تيمية رحمه الله تعالى: "وإنما كان النزاع بين الصحابة في أن محمدا هل رأى ربه ليلة المعراج؟ فكان ابن عباس رضي الله عنهما وأكثر علماء السنة يقولون: إن محمدا رأى ربه ليلة المعراج: وكانت عائشة رضي الله عنها وطائفة معها تنكر ذلك"1. - ومن ذلك أيضا: اختلافهم في أنه هل يكون للبدن في القبر عذاب أو نعيم دون الروح أم لا؟ فقد سئل شيخ الإسلام رحمه الله تعالى عن عذاب القبر: هل هو على النفس والبدن، أو على النفس دون البدن؟ فأجاب رحمه الله: "بل العذاب والنعيم على النفس والبدن جميعا باتفاق أهل السنة والجماعة، تنعم النفس وتعذب منفردة عن البدن، وتعذب متصلة بالبدن والبدن متصل بها، فيكون النعيم والعذاب عليهما في هذه الحال مجتمعين، كما يكون للروح منفردة عن البدن، وهل يكون العذاب والنعيم للبدن بدون الروح؟ هذا فيه قولان مشهوران لأهل الحديث والسنة والكلام"2. وقال: "ومعاد الأبدان متفق عليه عند المسلمين، واليهود والنصارى، وهذا كله متفق عليه عند علماء الحديث والسنة، وهل يكون للبدن دون الروح نعيم أو عذاب؟ أثبت ذلك طائفة منهم، وأنكره أكثرهم"3. - ومن ذلك: اختلافهم فيما يوزن يوم القيامة: هل هو العمل، أم صحائف العمل، أم العامل نفسه أي صاحب الأعمال؟ 4. وليس مقصودنا في هذا المقام استقصاء مثل هذه المسائل، وإنما المقصود بيان أن بعض مسائل الاعتقاد قد وقع الخلاف عليها بين أهل السنة والجماعة، وإن كانت هذه المسائل -كما سبق- ليست من أصول العقيدة وكلياتها.

_ 1 مجموع الفتاوى لابن تيمية "3/ 386". 2 المرجع السابق "4/ 282، 283". 3 المرجع السابق "4/ 284". 4 انظر: شرح العقيدة الطحاوية لابن أبي العز "2/ 608-613".

خامسا: أهل السنة أحرص الناس على الاتباع والائتلاف، وأبعد الناس عن الافتراق والاختلاف

خامسًا: أهل السنة أحرص الناس على الاتباع والائتلاف، وأبعد الناس عن الافتراق والاختلاف ... خامسًا: أهل السنة أحرص الناس على الاجتماع والائتلاف، وأبعد الناس عن الافتراق والاختلاف. إن اعتصام أهل السنة بالجماعة من أهم أركان منهجهم المبارك. قال تعالى: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} [آل عمران: 103] . قال ابن جرير الطبري: "يريد بذلك تعالى ذكره: وتمسكوا بدين الله الذي أمركم به، وعهده الذي عهده إليكم في كتابه إليكم، من الألفة، والاجتماع على كلمة الحق، والتسليم لأمر الله"1. وروى ابن جرير بأسانيده إلى ابن مسعود رضي الله عنه أنه قال في تفسير "حبل الله" في قوله تعالى: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا} [آل عمران: 103] : "الجماعة"2، ومثل هذا نقله القرطبي عنه في التفسير3. وذكر ابن جرير أقوالًا أخرى عن السلف في تفسير معنى حبل الله، منها: القرآن والإخلاص لله وحده والإسلام4. وقال الشوكاني في نفس الآية: "أمرهم الله أن يجتمعوا على التمسك بدين الإسلام

_ 1 تفسير الطبري "4/ 30". 2 تفسير الطبري "4/ 30". 3 المصدر السابق "4/ 159". 4 المصدر السابق "4/ 30، 31".

أو بالقرآن، ونهاهم عن التفرق الناشئ عن الاختلاف في الدين"1. "وهذه الأقوال مؤداها واحد ونتيجتها واحدة، فإن الاعتصام بالقرآن، والإخلاص لله وحده، والتمسك بالإسلام الصحيح الذي جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم، كلها مما ينتج عنه تآلف المسلمين واجتماعهم وترابطهم، وتماسك مجتمعهم"2. قال ابن القيم رحمه الله في حقيقة هذا الاعتصام: "وهو تحكيمه دون آراء الرجال ومقاييسهم، ومعقولاتهم، وأذواقهم، وكشوفاتهم، ومواجيدهم، فمن لم يكن كذلك، فهو منسل من الاعتصام، فالدين كله في الاعتصام به وبحبله، علما وعملا، وإخلاصا واستعانة، ومتابعة، واستمرارًا على ذلك إلى يوم القيامة"3. قال ابن المبارك4: إن الجماعة حبل فاعتصموا ... منه بعروته الوثقى لمن دانا فأهل السنة على الحقيقة هم أهل الجماعة والاجتماع، مع الحرص على ذلك والتواصي به ظاهرا وباطنا. ولكنهم حين يجتمعون يدعون إلى الاجتماع يضبطون دعوتهم بضابطين هما: 1- الاجتماع على كلمة الحق: فبدون هذا القيد الضابط لا يكون اجتماع أصلا، فضلا عن أن يكون صحيحا،

_ 1 فتح القدير للشوكاني "1/ 367". 2 وجوب لزوم الجماعة وترك التفرق د. جمال بادي ص19، 20. 3 مدارج السالكين لابن القيم "3/ 323". 4 انظر تفسير القرطبي "4/ 159".

ذلك أن الباطل وأهله في أمر مريج، لا يقرون على قرار، ولا يهتدون لأمر سواء. فسبب الاجتماع جمع الدين كله علما وعملا، ونتيجته سعادة الدنيا والآخرة. قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "إن سبب الاجتماع والألفة جمع الدين والعمل به كله، وهو عبادة الله وحده لا شريك له، كما أمر به باطنا وظاهرا ... ونتيجة الجماعة: رحمه الله ورضوانه، وسعادة الدنيا والآخرة، وبياض الوجوه"1. قال تعالى: {يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ} [آل عمران: 106] . وقال شيخ الإسلام: "فمتى ترك الناس بعض ما أمرهم الله به وقعت بينهم العداوة والبغضاء، وإذا تفرق القوم فسدوا وهلكوا، وإذا اجتمعوا صلحوا وملكوا، فإن الجماعة رحمة والفرقة عذاب"2. وقال: "فإنهم إذا اجتمعوا كانوا مطيعين لله بذلك مرحومين، فلا تكون طاعة الله بفعل لم يأمر الله به من اعتقاد أو قول أو عمل، فلو كان القول أو العمل الذي اجتمعوا عليه لم يأمر الله به، لم يكن ذلك طاعة لله ولا سببا لرحمته"3. فأهل السنة مستمسكون بالجماعة، معرضون عن مواضع التفرق والاختلاف، ملتزمون بجمل الكتاب والسنة والإجماع، بعيدون عن مواطن المتشابهات التي تفرق الجمع وتشتت الشمل؛ لأن الجماعة عندهم هي مناط النجاة في الدنيا والآخرة. وهذا يشهد لصدقه واقع أهل البدع والأهواء المجتمعين على الأصول البدعية، فإن فرقهم الكبرى انشعبت إلى ما لا يحصى عدا من الفرق المتشاكسة المتعاكسة، وهذا

_ 1 مجموع الفتاوى "1/ 17". 2 المرجع السابق "3/ 421". 3 المرجع السابق "1/ 17".

ظاهر في الخوارج والروافض -مثلا-، فكل من هاتين الطائفتين، افترقت إلى فرق كثيرة، بعد أن فارقوا الحق وتركوا الاجتماع عليه. قال شيخ الإسلام: "والبدعة مقرونة بالفرقة، كما أن السنة مقرونة بالجماعة، فيقال أهل السنة والجماعة، كما يقال أهل البدعة والفرقة"1. وقال الشاطبي رحمه الله: "وقال جماعة من العلماء: أصول البدع أربعة، وسائر الثنتين والسبعين فرقة عن هؤلاء تفرقوا، وهم: الخوارج، والروافض، والقدرية، والمرجئة"2. "وقد ذكر بعض المصنفين أن الروافض انقسموا إلى ثلاث وسبعين فرقة، وأوصلهم بعضهم إلى ثلاثمائة"3. 2- مراعاة ضوابط الخلاف: كما أمر الله تعالى بالاجتماع والاعتصام فقد حذر ونهى عن الافتراق والابتداع، قال تعالى: {شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ} [الشورى: 13] ، وقال تعالى: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [الأنعام: 153] . فحين يقع الخلاف العلمي بين أهل السنة يقع منضبطا بضوابطه التي من أهمها الحرص على الوحدة والائتلاف، وصلاح ذات البين. قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "وقد كان العلماء من الصحابة والتابعين، ومن

_ 1 الاستقامة لابن تيمية "1/ 42". 2 الاعتصام للشاطبي "2/ 220". 3 انظر: الملل والنحل للشهرستاني "1/ 166".

بعدهم إذا تنازعوا في الأمر أمر الله تعالى في قوله: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا} [النساء: 59] ، وكانوا يتناظرون في المسألة مناظرة مشاورة ومناصحة، وربما اختلف قولهم في المسألة العلمية والعملية، مع بقاء الألفة والعصمة وأخوة الدين"1. وهذا الأمر مشاهد ملموس في الخلاف الذي ينشأ بين أهل السنة أنفسهم، وبين أهل السنة وأهل البدع، فأما ما يكون بينهم وبين بعضهم فكثير جدًّا، فقد وقع الخلاف بين الصحابة أنفسهم حول بعض مسائل العقيدة، ولكن لم تكن هذه المسائل من الأمهات والكليات في هذا الباب. وقد سبق من الأمثلة على ذلك: - اختلافهم في رؤية النبي صلى الله عليه وسلم لربه ليلة المعراج، هل وقعت أم لا2؟ - ومن ذلك أيضا: اختلافهم في أنه هل يكون للبدن في القبر عذاب أو نعيم دون الروح أم لا3؟ - ومن ذلك: اختلافهم فيما يوزن يوم القيامة: هل هو العمل، أم صحائف العمل، أم العامل نفسه أي صاحب الأعمال؟ 4. - ومن ذلك: اختلافهم في الفروع والأأحكام الفقيهة العملية وهو كثير مشهور. وأما مواقفهم مع غيرهم ممن خالف في الأصول دون الفروع، فيجسده موقف

_ 1 المرجع السابق "24/ 132". 2 مجموع الفتاوى لابن تيمية "386". 3 المرجع السابق "4/ 282، 283". 4 انظر: شرح العقيدة الطحاوية لابن أبي العز "2/ 608-613".

ابن عباس مع الخوارج ورحمته بهم ونقاشه معهم، الذي كان سببا في رجوع ألفين منهم إلى ساحة السنة، وإلى طريق الجماعة. وكذا إمام أهل السنة الإمام أحمد في موقفه من مخالفيه، وعبد العزيز الكناني، ولقد حذا حذوهم شيخ الإسلام ابن تيمية، رحمهم الله جميعًا. وهم مع هذا كانوا أحرص الناس على جمع الكلمة، ووحدة الصف وإصلاح ذات البين. قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "تعلمون أن من القواعد العظيمة التي هي من جماع الدين: تأليف القلوب، واجتماع الكلمة، وصلاح ذات البين، فإن الله تعالى يقول: {فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ} [الأنفال: 1] "1. ثم إنه من لوازم الاجتماع والدعوة إليه النهي عن الفرقة وأسبابها، قال الإمام القرطبي: "وقال ابن عباس رضي الله عنه لسماك الحنفي: يا حنفي، الجماعة الجماعة، فإنما هلكت الأمم السابقة لتفرقها، أما سمعت الله عز وجل يقول: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلا تَفَرَّقُوا} [آل عمران: 103] "2. وقد مر قول ابن عباس في تفسير قوله تعالى: {يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوه} [آل عمران: 106] : "تبيض وجوه أهل السنة والجماعة، وتسود وجوه أهل البدعة والفرقة"3. وقال ابن وهب: "سمعت مالكا يقول: ما آية في كتاب الله أشد على أهل الاختلاف من أهل الأهواء من هذه الآية: {يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِينَ

_ 1 المرجع السابق "28/ 50". 2 تفسير القرطبي "4/ 164". 3 تفسير ابن كثير "1/ 390".

اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ} [آل عمران: 106] . قال مالك: فأي كلام أبين من هذا؟ فرأيته يتأولها لأهل الأهواء، ورواه ابن القاسم وزاد: قال مالك: إنما هذه الآية لأهل القبلة"1.

_ 1 الاعتصام للشاطبي "2/ 290".

سادسا: أهل السنة أعلم الناس بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأتبعهم

سادسًا: أهل السنة أعلم الناس بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأتبعهم: أهل السنة هم أعلم الناس بأحوال صاحبها صلى الله عليه وسلم وأقواله وأفعاله، وأعظمهم حبة وموالاة لها ولأهلها. قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "إن أحق الناس بأن تكون هي الفرقة الناجية: أهل الحديث والسنة، الذين ليس لهم متبوع يتعصبون له إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهم أعلم الناس بأقواله وأحواله، وأعظمهم تمييزا بين صحيحها وسقيمها، وأئمتهم فقهاء فيها، وأهل معرفة بمعانيها واتباع لها، تصديقا وعملا، وحبا وموالاة لمن والاها، ومعاداة لمن عاداها، الذين يردون المقالات المجملة إلى ما جاء به من الكتاب والحكمة"1. وقال الإمام أبو نصر السجزي: "ولا خلاف بين العقلاء في أن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تعلم بالعقل، وإنما تعلم بالنقل"2. "فكل مدع للسنة يجب أن يطالب بالنقل الصحيح بما يقوله، فإن أتى بذلك علم صدقه وقبل قوله، وإن لم يتمكن من نقل ما يقوله عن السلف علم أنه محدث زائغ"3. ولا عجب في ذلك، فأهل السنة هم أصحاب الحديث، رواية ودراية، علما وعملا، ولذلك فإننا نجد -كما سبق- أن بعض أئمة السلف فسر الطائفة المنصورة

_ 1 مجموع الفتاوى "3/ 347". 2 الرد على من أنكر الحرف والصوت لأبي نصر السجزي ص99. 3 المرجع السابق ص111.

والفرقة الناجية، أهل السنة والجماعة بأنهم أصحاب الحديث. ويقول الإمام أحمد في بيان منهج الاتباع: "وليس في السنة قياس، ولا تضرب لها الأمثال، ولا تدرك بالعقول والأهواء، إنما هي الاتباع، وترك الهوى"1. وقال شيخ الإسلام في هذا المعنى: "ثم من طريقة أهل السنة والجماعة اتباع آثار رسول الله صلى الله عليه وسلم باطنا وظاهرا، واتباع سبيل السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار، واتباع وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث قال: "عليكم بسنتي، وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي، تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة" 2، ويعلمون أن أصدق الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، ويؤثرون كلام اللخ على غيره من كلام أصناف الناس، ويقدمون هدي محمد صلى الله عليه وسلم على هدي كل أحد، وبهذا سموا أهل الكتاب والسنة، وسموا أهل الجماعة؛ لأن الجماعة هي الاجتماع وضدها الفرقة"3. فمعيار الانتساب كما يقرره العلماء هو اتباع المنهج أصولا وفروعا، وكلما تحقق العبد بهذه الأصول والفروع علما وعملًا، ودعوة وتطبيقا، كان أولى بهذا الاسم وتلك النسبة الشريفة. قال شيخ الإسلام: "قال تعالى: {وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} [التوبة: 100] فجعل التابعين لهم بإحسان مشاركين لهم فيما ذكر من الرضوان والجنة ... فمن اتبع السابقين الأولين كان منهم، وهم خير

_ 1 شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة للالكائي "1/ 156". 2 سبق تخريجه. 3 مجموع الفتاوى "3/ 157".

الناس بعد الأنبياء، فإن أمة محمد صلى الله عليه وسلم خير أمة أخرجت للناس، وأولئك خير أمة محمد صلى الله عليه وسلم.. ولهذا كان معرفة أقوالهم في العلم والدين وأعمالهم، خيرًا وأنفع من معرفة أقوال المتأخرين وأعمالهم في جميع علوم الدين وأعماله ... فإنهم أفضل ممن بعدهم كما دل عليه الكتاب والسنة، فالاقتداء بهم خير من الاقتداء بمن بعدهم، ومعرفة إجماعهم ونزاعهم في العلم والدين، خير وأنفع من معرفة ما يذكر من إجماع غيرهم ونزاعهم، وذلك أن إجماعهم لا يكون إلا معصومًا، وإذا تنازعوا فلا يخرج الحق عنهم، فيمكن طلب الحق في بعض أقاويلهم، ولا يحكم بخطأ قول من أقاويلهم حتى يعرف دلالة الكتاب والسنة على خلافه ... "1. وقال في وصف أهل السنة والجماعة: "وهم يزنون بهذه الأصول الثلاثة -أي: الكتاب والسنة وإجماع السلف- جميع ما عليه الناس من أقوال وأعمال باطنة أو ظاهرة، مما له تعلق بالدين"2. وهذا كلام جامع مانع في شأن المنهاج، حيث تتجلى فيه وبوضوح مصادر التلقي المعصومة عند أهل السنة، كما تبرز شمولية هذا المنهج لما عليه الناس في شأن الاعتقاد وشأن العبادات، وشأن العلم والعمل جميعا، لا فرق في ذلك بين عمل القلب وعمل الجوارح ما دام ذلك كله له تعلق بالدين. وكما أنهم رضي الله عنهم أتبع الناس لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فإن من سنتهم الاقتداء بالصحابة المرضيين، والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين. وقد تقدم قوله صلى الله عليه وسلم: "عليكم بسنتي، وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي" 3.

_ 1 مجموع الفتاوى "13/ 23-27". 2 العقيدة الواسطية لابن تيمية ص47. 3 سبق تخريجه.

وهذا معلم أصيل من معالم أصحاب الصراط السوي، ألا وهو اقتداء الآخر بالأول، واللاحق بالسابق، من أهل النجاة والسلامة والإحسان. ولذا عبر بعض العلماء عن معنى الجماعة في الأحاديث، فقال: "هم الصحابة ومن تبعهم بإحسان"، كما قرر ذلك الشاطبي في أول كتابه الاعتصام، حيث قال: "الجماعة ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه والتابعون لهم بإحسان"1. ومعنى القدوة في الصحابة أكده ابن مسعود رضي الله عنه حين قال: "من كان منكم مستنا فيستن بمن قد مات، فإن الحي لا تؤمن عليه الفتنة، أولئك أصحاب محد صلى الله عليه وسلم، كانوا أفضل هذه الأمة، أبرها قلوبا، وأعمقها علما، وأقلها تكلفا، قوم اختارهم الله لصحبة نبيه وإقامة دينه، فاعرفوا لهم فضلهم، واتبعوهم في آثارهم، وتمسكوا بما استطعتم من أخلاقهم ودينهم، فإنهم كانوا على الهدي المستقيم"2. وعلى هذا درج الصالحون من أسلافنا المباركين، يوصون بهذه الوصية الجامعة لخير الدنيا والآخرة. فهذا ابن المبارك رحمه الله يسأل عن الجماعة: من هم؟ فيقول: "أبو بكر وعمر" إشارة منه بأنهم القدوة لغيرهم من الأمة علما وعملا، وأنهم أفضل الأمة بعد نبيها صلى الله عليه وسلم باتفاق، فيقال له: "قد مات أبو بكر وعمر"، فيقول: "فلان وفلان"، فيقال له: "قد مات فلان وفلان"، فقال ابن المبارك: "أبو حمزة السكري جماعة"، فوصف رجلا دينا عالما تتمثل فيه القدوة لأهل زمانه، وهذا المسلك في البيان عن الجماعة من ابن المبارك من قبيل إفراد فرد من العام بالذكر،

_ 1 الاعتصام للشاطبي "1/ 28". 2 جامع بيان العلم وفضله لابن عبد البر "2/ 97"، وانظر: ذم التأويل لابن قدامة "ص/ 32"، وتحريم النظر في كتب الكلام له أيضًا ص44.

وهذا لا يخصص العام بهذا الفرد كما تقرر ذلك قواعد الأصول، فليس معناه أنه لا يوجد أحد يدخل في معنى الجماعة زمن ابن المبارك إلا أبو حمزة السكري، وإنما أراد رحمه الله التنبيه بالمثال ليتضح المقال، ويسهل الفهم على السائل. فأراد ابن المبارك أن يفسر الجماعة بمن اجتمعت فيه صفات الاتباع للكتاب والسنة، وهذا تعريف بالمثال. قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "إن التعريف بالمثال قد يسهل أكثر من التعريف بالحد المطابق"1. وعلى هذا المنهج في بيان القدوة في أهل السنة، اقتفى أبو يعقوب -إسحاق بن راهويه- أثر ابن المبارك حين سئل عن السواد الأعظم: من هم؟ قال: "محمد بن أسلم وأصحابه ومن تبعهم"2. فذكر رجلا من أصحاب الحديث وعلماء السنة، قال عنه ابن القيم رحمه الله: "الإمام المتفق على إمامته، مع رتبته، أتبع الناس للسنة في زمانه، حتى قال رحمه الله: ما بلغني سنة عن رسول الله إلا عملت بها"3. "فمن كان من العلماء مستمسكا بالأثر، وسالكا طريق الأولين من الصحابة والتابعين، اعتبره بعض العلماء هو الجماعة، وأوجبوا على الأمة متابعته، وأنه الجماعة التي يجب لزومها؛ لأن العلماء يمثلون المنهج، وهم القدوة للأمة"4. ومن تأمل مقولات السلف السابقة، علم أن العبرة والاعتداد في حصول القدوة،

_ 1 مجموع الفتاوى "13/ 338". 2 الاعتصام للشاطبي "2/ 267". 3 إغاثة اللهفان من مصايد الشيطان لابن القيم "1/ 70". 4 وجوب لزوم الجماعة وترك التفرق د. جمال بادي ص104.

هو الاستمساك بالحق المدلول عليه بالكتاب والسنة، ومنهج الصحابة وسلف الأمة، وأن الكثرة والقلة لا تأثير لها. فإن الله تعالى قال: {وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُور} [سبأ: 13] . وقال سبحانه عن إبراهيم عليه السلام: {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} [النحل: 120] ، فسماه الحق تعالى أمة، مع أنه كان على الحق وحده. وقال أبو شامة رحمه الله تعالى: "وحيث جاء الأمر بلزوم الجماعة فالمراد به: لزوم الحق واتباعه، وإن كان المتمسك بالحق قليلا والمخالف كثيرا؛ لأن الحق الذي كانت عليه الجماعة الأولى من النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم، ولا ينظر إلى كثرة أهل الباطل بعدهم"1. واستدل أبو شامة لما قاله بما أورده عن ابن مسعود قال: "إن جمهور الناس فارقوا الجماعة، وإن الجماعة ما وافق الحق وإن كنت وحدك"2. وقال نعيم بن حماد: "إذا فسدت الجماعة، فعليك بما كانت عليه الجماعة قبل أن تفسد، وإن كنت وحدك، فإنك أنت الجماعة حينئذ"3. ويؤكد ابن القيم هذا المعنى فيقول: "وقد شذ الناس كلهم زمن أحمد بن حنبل، إلا نفرا يسيرا، فكانوا هم الجماعة، وكانت القضاة حينئذ والمفتون والخليفة وأتباعه كلهم هم الشاذون، وكان الإمام أحمد وحده هو الجماعة"4. قال ابن القيم: "واعلم أن الإجماع والحجة والسواد الأعظم هو العالم صاحب

_ 1 الباعث على إنكار البدع والحوادث لأبي شامة ص22. 2 المصدر السابق ص22، وإعلام الموقعين لابن القيم "3/ 397"، وصححه الألباني في المشكاة "1/ 61". 3 الباعث لأبي شامة ص22، وإعلام الموقعين لابن القيم "3/ 397". 4 إعلام الموقعين لابن القيم "3/ 397".

الحق وإن كان وحده، وإن خالفه أهل الأرض.. الشاذ وما خالف الحق وإن كان الناس كلهم عليه، إلا واحدا منهم فهم الشاذون". وأخيرا فإن أعظم دلالة على واقعية هذا المنهج وقابليته للتطبيق، وإن أيسر وسيلة للحمل على الاتباع والسلوك هو ظهور القدوة التي تمثل هذا المنهج، واستشعار الأجيال على ما بينها من تباعد زماني ومكاني صلة متينة ووشيجة من وشائج القربى بين السالف واللاحق، وتأسيا واقتداء بعمل وعمل وخلق من سبق بالفضل علمه، وبالكمال عمله، وبالتمام خلقه. أولئكم هم السلف الصالح رضوان الله عليهم جميعا.

سابعا: أهل السنة يجمعون بين واجب الاجتماع على الأئمة وأهل الحل والعقد من الأمة

سابعًا: أهل السنة يجمعون بين واجب الاجتماع على الأئمة وأهل الحل والعقد من الأمة ... سابعًا: أهل السنة يجمعون بين واجب الاتباع، وواجب الاجتماع على الأئمة وأهل الحل والعقد من الأمة: لا يخفى أن التمسك بالسنة والمحافظة على الجماعة كلاهما مقصود للشارع، ولهذا كانت الفرقة الناجية من بين زحام الفرق الهالكة هم أهل السنة والجماعة، أهل السنة بتمسكهم بالحق واستقامتهم عليه ودعوة الناس إليه، وأهل الجماعة بلزومهم لجماعة المسلمين، والتزام الطاعة لأولي الأمر في غير معصية. ولهذا أيضا أمرت الشريعة بالإنكار على أئمة الجور، وعدم تصديقهم على كذبهم، أو إعانتهم على ظلمهم، محافظة على السنة، وأمرت بعدم الخروج عليهم، والتزام الطاعة في غير معصية، محافظة على الجماعة. لذا كان منهج أهل السنة والجماعة هو الموازنة بين هذين الأمرين: المحافظة على السنة، والمحافظة على الجماعة، فلا يؤدي التزامهم بالطاعة لأهل الحل والعقد إلى الجور على السنة أو إقرار ما يخالفها، أو كتمان الحق والتدليس على الأمة، بل بيان الحق، وبذل النصيحة، والإنكار على المخالف بما لا يؤدي إلى مفسدة أعظم.

ولا يعني التزامهم بالسنة وإنكارهم على المخالف الخروج عن الطاعة أو مفارقة الجماعة، بل الأمر بالمعروف والنهي مع لزوم الجماعة، والانقياد لها بالطاعة هو منهج أهل الحق، أهل السنة والجماعة. قال شيخ الإسلام رحمه الله تعالى: "إن الطريقة الوسطى التي هي دين الإسلام المحض، جهاد من يستحق الجها -كهؤلاء القوم المسئول عنهم1- مع كل أمير وطائفة هي أولى بالإسلام منهم، إ ذا لم يكن جهادهم إلا كذلك، واجتناب إانة الطائفة التي يغزو معها على شيء من معاصي الله، بل يطيعهم في طاعة الله، ولا يطيعهم في معصية الله، إذ لا طاعة في لمخلوق في معصية الخالق. وهذه طريقة خيار الأمة قديما وحديثا، وهي واجبة على كل مكلف، وهي متوسطة بين طريقة الحرورية وأمثالهم ممن يسلك مسلك الورع الفاسد الناشئ عن قلة العلم، وبين طريقة المرجئة، وأمثالهم ممن يسلك مسلك طاعة الأمراء مطلقا وإن لم يكونوا أبرارًا"2. وقد ضرب إمام أهل السنة -الإمام أحمد رحمه الله- أروع الأمثلة في تطبيق هذا المنهج العظيم، وذلك في فتنة القول بخلق القرآن. فلم يؤد التزامه بالطاعة لأولي الأمر إلى الجور على السنة أو إقرار ما يخالفها، أو كتمان الحق والتدليس على الأمة، بل أعلن الحق، وأظهر السنة، ونصح لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم، ولأئمة المسلمين وعامتهم، وبذل نفسه رخيصة في سبيل ذلك. ومن ناحية أخرى، لم يدفعه التزامه بالسنة والمحافظة عليها، والإنكار على المخالف إلى الخروج عن الجماعة أو الطاعة، بل رفض كل المحاولات التي قام بها

_ 1 يعني: التتار. 2 المرجع السابق "28/ 508".

أصحابها ليحملوه على الخروج على السلطان، بل وأكثر من هذا أنه كان يدعو للإمام -الذي يذيقه ألوان العذاب- لينصره الله على أعدائه من الكفار.

ثامنا: أهل السنة يوالون بالحق ويعادون بالحق ويحكمون بالحق

ثامنا: أهل السنة يوالون بالحق ويعادون بالحق ويحكمون بالحق: أهل السنة والجماعة ولاؤهم للحق وحده، ومن هذا المنطلق فإنهم ينظرون إلى كل فرد أو طائفة أو تجمع على هذا الأساس وحده، وليس على أساس من التعصب الجاهلي للقبيلة، أو المدينة أو المذهب، أو الطريقة، أو التجمع، أو الزعامة. قال شيخ الإسلام رحمه الله تعالى: "وليس لأحد أن يعلق الحمد والذم، والحب والبغض، والموالاة والمعاداة، والصلاة واللعن، بغير الأسماء التي علق الله بها ذلك، مثل: أسماء القبائل، والمدائن، والمذاهب، والطرائق المضافة إلى الأئمة والمشايخ، ونحو ذلك مما يراد به التعريف ... فمن كان مؤمنا وجبت موالاته من أي صنف كان، ومن كان كافرا وجبت معاداته من أي صنف كان ... ومن كان فيه إيمان وفيه فجور، أعطي من الموالاة بحسب إيمانه، ومن البغض بحسب فجوره"1. وأهل السنة والجماعة لا يمتحنون الناس بأمور ما أنزل الله بها من سلطان، ولا يتعصبون لأسماء أو شعارات، أو تجمعات، أو زعامات، بل يوالون ويعادون على أساس الدين والتقوى، ولا يتعصبون إلا لجماعة المسلمين بمعناها الشرعي، وهي الجماعة التي ترفع راية القرآن والسنة، وهدي السلف الصالح رضي الله عنهم. قال شيخ الإسلام رحمه الله: "فالواجب الاقتصار في ذلك، والإعراض عن ذكر يزيد بن معاوية وامتحان المسلمين، فإن هذا من البدع المخالفة لأهل السنة والجماعة، وكذلك التفريق بين الأمة وامتحانها بما لم يأمر الله به ولا رسوله، مثل: أن يقال للرجل:

_ 1 المصدر السابق "28/ 227-229".

أنت شكيلي أو قرفندي؟ فإن هذه أسماء باطلة ما أنزل الله بها من سلطان"1. وقال رحمه الله: "فكيف يجوز مع هذا لأمة محمد صلى الله عليه وسلم أن تفترق وتختلف، حتى يوالي الرجل طائفة ويعادي أخرى بالظن والهوى بلا برهان من الله تعالى، وقد برأ الله نبيه صلى الله عليه وسلم ممن كان هكذا، فهذا فعل أهل البدع كالخوارج الذين فارقوا جماعة المسلمين واستحلوا دماء من خالفهم، وأما أهل السنة والجماعة فهم معتصمون بحبل الله، وأقل ما في ذلك أن يفضل الرجل من يوافقه على هواه، وإن كان غيره أتقى لله منه! ... وكيف يجوز التفريق بين الأمة بأسماء مبتدعة لا أصل لها في كتاب الله، ولا سنة رسوله صلى الله عليه وسلم؟ "2.

_ 1 المصدر السابق "3/ 414". 2 المصدر السابق "3/ 419-421".

تاسعا: أهل السنة أهل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

تاسعًا: أهل السنة أهل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: أهل السنة والجماعة هم أهل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، إذ هو من أعظم أصول الدين، ولكنهم يقومون به على ما توجبه الشريعة، فيلتزمون في نفس الوقت أصلًا آخر، وقاعدة أخرى عظيمة، هي الحفاظ على الجماعة، وتأليف القلوب واجتماع الكلمة، ونبذ التفرق والاختلاف. قال شيخ الإسلام رحمه الله تعالى: "يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر على ما توجبه الشريعة، ويرون إقامة الحج والجهاد، والجمع والأعياد مع الأمراء -أبرارًا كانوا أو فجارًا-، ويحافظون على الجماعات، ويدينون بالنصيحة للأمة"1. وقال رحمه الله: "من الأمر بالمعروف: الأمر بالائتلاف والاجتماع، والنهي عن الاختلاف والفرقة"2.

_ 1 المصدر السابق "3/ 158". 2 المصدر السابق "3/ 421".

فأهل السنة قد حملوا على عاتقهم مهمة مقاومة المنكر، وجهاد الدعاة إليه من المنافقين ومن آزرهم من الفاسقين، والعمل على إضعاف شأن أهل الريب والفساد، تحقيقًا لقوله تعالى: {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [آل عمران: 104] . فهم -من بين سائر الناس- قد نذروا أنفسهم لمحاربة المنكرات وأهلها، وإنكارها، وبيان حرمتها وخطرها، وأمر الناس بضدها من الخير والبر والمعروف. وإذا كان الله عز وجل قد علق خيرية هذه الأمة على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والإيمان به سبحانه وتعالى، كما في قوله تعالى: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} [آل عمران: 110] ، كما أنه سبحانه قد امتدح المؤمنين بقيامهم بهذا الواجب العظيم، كما ورد ذلك في قوله تعالى: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ} [التوبة: 71] ، إذا كان ذلك كذلك، فلا شك أن أهل السنة والجماعة هم أصحاب القدح المعلى، والنصيب الأوفر في هذا الباب، إذ هم خير هذه الأمة وأفضلها. ومن اطلع على سيرة أئمة أهل السنة وتاريخهم ظهر له هذا الأمر واضحا جليا، وعلم أن أهل السنة لا يتركون هذا الواجب حتى لو أصابهم الأذى في سبيل ذلك. ومن ذلك ما روي أن محمد بن المنكدر، وأصحاب له كانوا يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، ونالهم في ذلك الأذى من السلطان1. وكان شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى يخرج بتلاميذه، فيأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، ويدورون على الخمارات والحانات، فيكسرون أواني الخمور،

_ 1 انظر: الجامع للقيرواني ص155.

ويشققون الظروف، ويعزرون أهل الفواحش1. وقد قاموا بتأديب أهل الجبل المعروفين بالنصيرية، وألزموهم بأحكام الإسلام الظاهرة. كما كان له رحمه الله ولأتباعه دور عظيم في دفع التتار عن الشام، وهزيمتهم في وقعة "شقحب" وغيرها2، وله موقفه العظيم المعروف مع السلطان حين تأخر عن المجيء إلى دمشق مع اقتراب التتر منها3. ولا يزال أعلام وأئمة أهل السنة على هذا الدرب سائرين، يأمرون بالمعروف، وينهون عن المنكر، فهو جهاد الدعوة الدائم، ودورها الذي لا قيام للدين بدونه، ولا اعتصام بحبل الله إلا على هداه.

_ 1 انظر: البداية والنهاية لابن كثير "14/ 11". 2 المصدر السابق "14/ 8-10، 13-15، 21-24". 3 انظر: المصدر السابق، والذيل على طبقات الحنابلة لابن رجب "2/ 395-396".

عاشرا: أهل السنة لا يتخلون عن واجب، ولا تزال طائفة منهم قائمة به إلى قيام الساعة

عاشرًا: أهل السنة لا يتخلون عن واجب، ولا تزال طائفة منهم قائمة به إلى قيام الساعة: الجهاد في سبيل الله ذروة سنام الإسلام، ومن أعظم أصول الدين، وهو شريعة ماضية إلى يوم القيامة، ولا تزال الطائفة المنصورة قائمة به، تقالت في سبيل نصرة اهذا الدين، لا تتخلى عن هذا الأمر، حتى يقاتل آخرها المسيح الدجال. وقد وردت هذه المعاني كلها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. فمما ورد في استمرار الجهاد وبقائه إلى يوم القيامة، ما رواه ابن عمر رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الخيل في نواصيها الخير إلى يوم القيامة" 1، ورواه عروة بن أبي الجعد البارقي عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "الخيل معقود في نواصيها إلى يوم القيامة: الأجر، والمغنم" 2.

_ 1 روه البخاري "2849"، ومسلم "1871" من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما. 2 رواه البخاري "2852"، ومسلم "1873" من حديث عروة البارقي رضي الله عنه.

قال الإمام أحمد رحمه الله: "وفقه هذا الحديث أن الجهاد مع كل إمام إلى يوم القيامة"1. ومما ورد في حمل أهل السنة لراية الجهاد إلى يوم القيامة ما رواه جابر بن سمرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لن يبرح هذا الدين قائما، يقاتل عليه عصابة من المسلمين، حتى تقوم الساعة" 2. وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنه، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "لا تزال طائفة من أمتي، يقاتلون على الحق، ظاهرين إلى يوم القيامة" 3. وعن عمران بن حصين رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تزال طائفة من أمتي يقاتلون على الحق، ظاهرين على من ناوأهم، حتى يقاتل آخرهم المسيح الدجال" 4. فهذه الروايات -وغيرها- تبين أن الطائفة المنصورة أهل السنة والجماعة لا تقف عند حد جهاد الكلمة، ببيان الحق، والدعوة إليه بالحسنى، أو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، بل من خصائصها أيضا القيام بواجب الجهاد في سبيل الله، وقتال أعداء الله من الكفار والمنافقين وغيرهم، وهم في جهاد مستمر مع أعداء الدين لا ينقطع بحال من الأحوال إلى يوم القيامة، حتى يقاتلوا المسيح الدجال. وإذا كان هذا حالها، فإنها تنتقل من معركة إلى معركة، ومن ميدان إلى ميدان، تدال على أعدائها فتشكر، ويدالون عليها فتصبر، ولا يخطر ببالها اعتزال الميدان أو ترك الجهاد.

_ 1 سنن الترمذي "4/ 202". 2 رواه مسلم "1922". 3 سبق تخريجه. 4 رواه أحمد "19419"، وأبو داود "2484"، ورواه الحاكم "2392" من حديث عمران بن حصين رضي الله عنه، وصححه الحاكم، والشيخ الألباني في صحيح الجامع "7294".

وهذا لا يعارض ما وجد ويوجد في بعض الأمكنة والأزمنة من ترك الجهاد، مما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم، وحذر منه، فوقع في الأمة كما أخبر. فعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " إذا تبايعتم بالعينة، وأخذتم أذناب البقر، ورضيتم بالزرع، وتركتم الجهاد، سلط الله عليكم ذلا لا ينزعه حتى ترجعوا إلى دينكم" 1. فإننا كما نجد مصداق قول النبي صلى الله عليه وسلم في واقع الأمة في الأزمنة المتأخرة، من الإخلاد إلى الأرض، وترك الجهاد، والرضى بالزرع، والتبايع بالربا، وتسلط الأعداء، ونزع المهابة، وإصابتها بالوهن، نجد أيضا مصداق ما أخبر به صلى الله عليه وسلم من دوام الجهاد واستمراره، وبقاء طائفة من أمته يقاتلون على الحق ظاهرين. فلا تكاد راية الجهاد تسقط من يد إلا وتتلقفها أيادي أخرى، مصداقا لقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِم} [المائدة: 54] . ومقتضى هذا الوعد ألا يزال في الأمة مؤمنون مجاهدون، باذلون، صابرون في سبيل الله لا يخافون لومة لائم، وهؤلا هم الطائفة المنصورة إلى قيام الساعة.

_ 1 رواه أبو داود "3462"، وأبو يعلى في مسنده برقم "5659"، والبيهقي في السنن الكبرى "10484، وقد صححه ابن القيم في تعليقه عل مختصر سنن أبي داود، والشيخ الألباني في صحيح الجامع "423".

حادي عشر: أهل السنة أكرم الناس أخلا قا، موصوفون بالاستقامة في الهدي والسمت والسلوك الظاهر

حادي عشر: أهل السنة أكرم الناس أخلاقا، موصوفون بالاستقامة في الهدي والسمت والسلوك الظاهر: قال الله عز وجل مادحا نبيه صلى الله عليه وسلم: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ} [القلم: 4] ، وقال صلى الله عليه وسلم: "إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق" 1، وقد ندبنا الله عز وجل إلى الاقتداء برسوله صلى الله عليه وسلم، فقال تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا} [الأحزاب: 21] . إن أهل السنة والجماعة هم حملة ميراث النبوة في جانبيها العلمي والعملي، ولا شك أن أبرز الجوانب العملية في الهدي النبوي هو الجانب الأخلاقي، ولذلك فإن أخلاق النبوة -من الرحمة، ومحبة الخير للناس، واحتمال أذاهم، والصبر على دعوتهم، هي المنبع الذي يستقي منه أهل السنة خصائصهم السلوكية والأخلاقية، والتي لا تقل أهمية في منظور الحق عن ميراث العلم والهدى الذي اختص به الله هذه الفرقة الناجية بفضله ورحمته. قال شيخ الإسلام: "الرسول صلى الله عليه وسلم بعثه الله تعالى هدى ورحمة للعالمين، فإنه كما أرسله بالعلم والهدى والبراهين العقلية والسمعية، فإنه أرسله بالإحسان إلى الناس، والرحمة لهم بلا عوض، وبالصبر على أذاهم واحتماله، فبعثه بالعلم والكرم والحلم، عليم هاد، كريم محسن، حليم صفوح ... فهو يعلم، ويهدي، ويصلح القلوب، ويدلها على صلاحها في الدنيا والآخرة بلا عوض. وهذا نعت الرسل كلهم ... وهذه سبيل من اتبعه ... وكذلك نعت أمته بقوله: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} [آل عمران: 110] ، قال أبو هريرة: كنتم خير الناس للناس: تأتون بهم في السلاسل حتى تدخلوهم الجنة، فيجاهدون ويبذلون أنفسهم وأموالهم، لمنفعة الخلق وصلاحهم، وهم يكرهون ذلك

_ 1 أخرجه أحمد "8729"، والبخاري في الأدب المفرد "273"، والتاريخ الكبير "835"، والحاكم في المستدرك "13"، والبيهقي في السنن الكبرى "10/ 191، 192"، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، وصححه الحاكم، وابن بد البر في التمهيد "24/ 333، 334"، والألباني في صحيح الجامع "2349". قال فضل الله الجيلاني: "لا يكون دين من الأديان خاليا من مكارم الأخلاق، لكن لم تكن الأخلاق الكريمة مجموعة كلها في دين من الأديان السابقة حتى جمع الله في دين الإسلام كل ما كان من أخلاق حسنة في أي دين، فهذا معنى: $"أتمم مكارم الأخلاق".. أي: أبلغ نهايتها" باختصار من فضل الله الصمد شرح الأدب المفرد "1/ 271".

لجهلهم، كما قال أحمد في خطبته: الحمد الله الذي جعل في كل زمان فترة من الرسل بقايا من أهل العلم يدعون من ضل إلى الهدى، ويصبرون منهم على الأذى، يحيون بكتاب الله الموتى، ويبصرون بنور الله أهل العمى، فكم من قتيل لإبليس قد أحيوه، وكم من ضال تائه قد هدوه، فما أحسن أثرهم على الناس، وأقبح أثر الناس عليهم، إلى آخر كلامه ... وهو سبحانه وتعالى يحب معالي الأخلاق ويكره سفاسفها، وهو يحب البصر النافذ عند ورود الشبهات، ويحب العقل الكامل عند حلول الشهوات. وقد قيل أيضا: وقد يحب الشجاعة ولو على تقل الحيات، ويحب السماحة ولو بكف من تمرات"1. وقال أيضا: "يأمرون بالصبر عند البلاء والشكر عند الرخاء، والرضا بمر القضاء، ويدعون إلى مكارم الأخلاق ومحاسن الأعمال، ويعتقدون معنى قوله صلى الله عليه وسلم: "أكمل المؤمنين إيمانًا أحسنهم خلقًا" 2، ويندبون إلى أن تصل من قطعك، وتعطي من حرمك، وتعفو عمن ظلمك، ويأمرون ببر الوالدين، وصلة الأرحام، وحسن الجوار، والإحسان إلى اليتامى، والمساكين وابن السبيل، والرفق بالمملوك، وينهون عن الفخر والخيلاء والبغي، والاستطالة عى الخلق بحق أو بغير حق، ويأمرون بمعالي الأخلاق وينهون عن سفاسفها، وكل ما يقولونه، أو يفعلونه من هذا أو غيره، فإنما هم فيه متبعون للكتاب والسنة"3. وقد تميز أهل السنة بهذه الخصلة الجميلة -كرم الخلق وحسن الهدي والسمت، وحرصوا عليها أشد الحرص. قال ابن سيرين: "كانوا يتعلمون الهدي كما يتعلمون العلم"4.

_ 1 مجموع الفتاوى "16/ 313-317". 2 أخرجه أحمد "7354"، والدارمي "2792"، والترمذي "1162"، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه. وقال الترمذي: "حديث حسن صحيح"، وصححه الألباني في صحيح الجامع "1230". 3 مجموع الفتاوى "3/ 158". 4 الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع للخطيب البغدادي "1/ 79".

وقال حبيب بن الشهيد لابنه: "يا بني ائت الفقهاء والعلماء، وتعلم منهم، وخذ من أدبهم وأخلاقهم، وهديهم، فإن ذاك أحب إلي لك من كثير من الحديث"1. فاقتدى السلف الصالح رضي الله عنهم برسول الله صلى الله عليه وسلم، وتخلقوا بأخلاقه، وامتثلوا ما أمرهم به، وانتهوا عما نهاهم عنه، وكانوا كما قال الله عز وجل: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} [آل عمران: 110] . قال الإمام مالك رحمه الله: "بلغني أن النصارى كانوا إذا رأوا الصحابة الذين فتحوا الشام قالوا: والله لهؤلاء خير من الحواريين فيما بلغنا"2. وقال الحسن البصري: "إن كان الرجل ليخرج في أدب نفسه السنتين ثم السنتين"3. وقيل للشافعي: كيف شهوتك للأدب؟ فقال: أسمع بالحرف منه مما لم أسمعه، فتود أعضائي أن لها أسماعا فتنعم به، قيل: وكيف طلبك له؟ قال: طلب المرأة المضلة ولدها وليس لها غيره4. وذكر الذهبي أن مجلس الإمام أحمد -رحمه الله- خمسة آلاف، خمسمائة يكتبون، والباقون يستمدون من سمته وخلقه وأدبه5.

_ 1 المصدر السابق "1/ 80". 2 تفسير ابن كثير "4/ 205". 3 تذكرة السامع والمتكلم ص2. 4 سير أعلام النبلاء "11/ 316". 5 سير أعلام النبلاء "11/ 316".

الفصل السادس: الانتساب لأهل السنة والجماعة

الفصل السادس: الانتساب لأهل السنة والجماعة: إن تحقيق انتساب الفرد والطائفة إلى أهل السنة والجماعة هو أعظم المهمات، فهو طريق النجاة والعصمة في الدنيا من الفرقة والبدعة وذهاب الريح، وهو طريق النجاة في الآخرة من العذاب والتباب، قال جل وعلا: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلا تَفَرَّقُوا} [آل عمران: 103] . والتحقيق أنه طريق الإسلام المستقيم، وهو منهجه القويم، قال تعالى: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [الأنعام: 153] . وقد فسر الصراط المستقيم بالسنة والجماعة1. فالانتساب إلى أهل السنة والجماعة، والسلف الصالح، يعني الانتساب إلى الإسلام الصافي عن شوائب البدع، ومخالفات الفرق. وإن كل من رضي الله بالله ربا، وبالإسلام دينا، وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبيا ورسولا، مقبلا على الألتزام بالإسلام جملة، وعلى تحكيم شريعته استسلاما وانقيادا، وبرئ من تبني مذهب بدعي، أو الانتساب إلى فرقة ضالة، أو اعتماد أصل كلي من أصول البدع، فهو من أهل السنة والجماعة إجمالًا، وهذا يشمل عوام المسلمين الذين لم ينضووا تحت راية بدعية، ولم يكثروا سواد فرقة غير مرضية. فهذا القدر يحقق انتسابا إجماليا تصح به النسبة إلى أهل السنة والجماعة.

_ 1 الإتقان في علوم القرآن السيوطي "2/ 469"، وله تفسيرات أخرى ذكرها أهل التفسير كالطبري والقرطبي وغيرهما.

وتتجلى أهمية هذا الانتساب وتظهر ثمراته في أمور منها: أن ضبط أصول أهل السنة والتمسك بها عصمة من الاضطراب والتخبط العلمي والعملي، وفي ذلك ما لا يخفى من حفظ الدين من أنواع التحريف كافة، ومواجهة التيارات البدعية المنحرفة، سواء القديمة منها أو المعاصرة. والانتماء الصادق إلى هذه الطائفة المباركة هو في حقيقته سبب وسبيل قاصد لوحدة العاملين في حقل الدعوة إلى الله عز وجل في كل زمان ومكان؛ لأن الاجتماع على هذا الانتماء أنجح وأنفع من الاجتماع على راية حزبية، أو دعوة إقليمية؛ لأنه اجتماع على منهج الحق والاتباع، وليس على حساب الحق والاتباع. ثم إن شرف تجديد الدين الذي أخبر به خاتم الأنبياء والمرسلين لا يتأتى على وجهه الأكمل، وصورته المثلى إلا من الفرقة لاناجية، والطائفة المنصورة أهل السنة والجماعة، إذ فيهم الأئمة المتقون، ومنهم المجددون السلفيون المصلحون. وبناء على ما تقدم فإن السؤال الذي يطرح نفسه هو: بم يتحقق صدق الانتساب وتمامه، إذا تحققه أصله وأساسه؟ هل يتحقق ذلك بإثارة قضية، أو قضايا ناقشها السلف وعالجوها في كتبهم ومقالاتهم في زمانهم وفقط! أم يتأكد بإظهار محبتهم، والترضي عنهم، وتعطير المجالس بذكرهم وحسب! أو لعل هذا الانتساب يكون بتبني كتبهم والتوافر على قراءتها وتدريسها، دون غيرها! أم أن الانتماء لهم يتحقق بمجرد التسمي باسم "أهل السنة والجماعة"، أو"أهل الحديث"، أو"السلف الصالح"، أو"الفرقة الناجية"!.

إلى غير ذلك من الإجابات المنقوصة لهذا السؤال المهم. والحق أن كمال الانتساب يكون بتبني جملة أصول ومعالم مجتمعة، وبقدر ما يقع من الضعف في الأخذ بها جميعا، بقدر ما يحصل من الوهن في هذه النسبة الشريفة، ويمكن إجمال هذه المعالم في النقاط التالية: أولا: تحقيق المنهجية الصحيحة: وتعني العودة بأصول الفهم والتلقي، والاستنباط إلى الكتاب والسنة، وقواعد الفهم المعتبر لدى خير القرون، كما تعني تكوين أسلوب للنظر في كليات الأمور ومهماتها، وإنشاء منهجية للتعامل مع الأحداث، والحكم على المواقف والأشياء والأشخاص، وضبط المناحي العلمية والعملية كافة بطريقة منهجية، تنبثق من مشكاة الصحابة والتابعين، وسلف الأمة الصالحين، وأهل الحديث المتبعين. وهذا يشمل العناية بمنهجية أصل أصول أهل السنة وهو العقيدة، ويشمل أيضا العناية بأصول العبادة ومنهج التنسك، والأمر والنهي، والسلوك والأخلاق ورياضة النفوس، مع التحقق بمحبتهم وموالاتهم -رضي الله عنهم- والتحلي بجميل شمائلهم. ولا يصح قصر حقيقة الانتساب إلى أهل السنة والسلف على الاشتغال بمسائل ومشاكل سادت فترة ثم غابت، فإن المنهجية التي واجهت فتنة القول بخلق القرآن فأثمرت مواقف مشرقة حفظت وجه الحق ناصعا مبينا، يجب أن تحيا لتواجه اليوم فتنة تحكيم الشرائع الوضعية، والولاء للقومية والوحدة الوطنية. قال تعالى: {وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ} [النساء: 83] .

كما أكدت السنة هذا المعنى في قوله صلى الله عليه وسلم: "كتاب الله فيه الهدى والنور، فخذوا بكتاب الله واستمسكوا به" 1. وعلى هذا فلا تتم النسبة الكاملة لأهل السنة بمجرد الوقوف عند قضايا واجهها السلف لملابسات زمانية أو مكانية، وإن لم تقم حاجة إلى إثارتها، أو مواجهتها في عالم اليوم. وعليه فإن المنهجية الصحيحة لا تقبل أن تستهدف الدعوة في بعض المواقع تحرير العقائد من شرك الأموات والأوثان، ثم نضرب الذكر صفحًا عن شرك الأحياء والأوضاع، والنظم المعاصرة. وإنما هي حرب على مظاهر الشرك كافة، وحياطة لجناب التوحيد عامة، وإعطاء كل ذي حق حقه، ومستحقه في زمانه ومكانه. ومن تحقيق المنهجية الصحيحة: تعظيم أقدار السلف، واعتمادهم مرجعية عامة، بالأخذ عن علمائهم، والتتلمذ على كتبهم، والفيئة إلى أحكامهم وفتاواهم، مع مراعاة سياق وسباق كل في ظروفه وملابساته. ومن الانحراف عن المنهجية: احتكار الأسماء الشرعية الشريفة، أو المناهج الربانية المعصومة، وخلطها بالاجتهادات البشرية، وإلباسها لبوس الحزبية، وتشويهها بتحكمات مذهبية. ومن الانحراف عن المنهجية: التعلق بالأشخاص دون المنهج، واختزال الأمة في شخص أو مجموعة أشخاص، إذ المنهج يبقى والأشخاص تفنى.

_ 1 رواه مسلم "2408" من حديث زيد بن أرقم رضي الله عنه.

و"من كان يعبد محمدًا فإن محمدًا قد مات، ومن كان يعبد الله، فإن الله حي لا يموت"1. وعليه فلا يصح اعتبار رجل عيارًا على المنهج وممثلا له دون النبي صلى الله عليه وسلم، ولو كان الصديق رضي الله عنه، ذلك أن المنهج معصوم والبشر ليسوا بمعصومين، كل بني آدم خطاء. ومن الانحراف عن المنهجية: اعتبار المسائل الاجتهادية -التي تختلف الفتوى بشأنها زمانا ومكانا وأشخاصا- من المنهج، ومن ذلك: تعميم اجتهادات آحاد السلف في المسائل العملية والفقهية، وإهدار الاجتهادات الأخرى، حيث إن المنهج بقواعده وضوابطه محل اتفاق، وليس محل اختلاف. ثانيا: ضبط وإحكام القواعد والأصول علما وعملًا: سواء في ذلك قواعد العلم، والتوحيد، والاتباع، والعبادة، والتزكية، والدعوة، والأمر والنهي، والجهاد، والتعامل مع الواقع، والاعتصام بالسنة، والحرص على الجماعة، ونحو ذلك.... وهذا لا يتأتى إلا بالإقبال على علومهم فهما واستيعابا، وجمعا وعرضا، وتطبيقا ودعوة. ففي جانب العلم: تجدر العناية بالقواعد الضرورية لطلب العلم والانتفاع به، كصحيح النية، والإخلاص تحقيقا للخشية، وتحصيلا لفضل الاتباع والاقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم، وإقامة للدين، وحفظا للشريعة، وطلبا للتمكين. كما يتأكد تقديم العناية بالتوحيد والإيمان، والتثنية بالفقه والأحكام، مع الحرص

_ 1 صحيح البخاري "3670".

على الجوانب المثمرة من العلوم، والبعد عن الترف الفكري والجدل العقيم. واعتماد التلقي عن الأكابر في كل علم باللقيا والمشافهة، والعناية بكتب أهل السنة سواء في الاعتقاد أو الأصول والأحكام، مع التنبه إلى خطورة الآفات والمزالق في طريق طلب العلم، كالتصدر قبل التأهل، والتوقر قبل أوانه، والعزلة عن واقع الأمة، والولع بالغرائب، والتعصب للرأي والمذهب، وازدراء المخالف. وفي جانب التوحيد: الحرص على سلامة العقيدة بالاعتماد على الكتاب والسنة، وتلقيها بفهم الصحابة وسلف الأمة، والتسليم لله تعالى ولرسوله صلى عليه وسلم من غير تعرض لنصوص الوحيين بمعارضة ومناقضة، وترك التخليط في مصادر التلقي وتصفيتها من كل منهج كلامي مردود، أو شوب فلسفي مذموم. ومن ذلك: سد باب الابتداع والإحداث في الدين، ورد جميع ما خالف سنة سيد الأنبياء والمرسلين. مع الاحتياط التام في جانب التبديع والتكفير للمخالف من أهل القبلة وجهلة العوام من أهل الملة، لشبهة بدت أو سوء تأويل، والتفريق بين القول وقائله، والفعل وفاعله. ومن ذلك: تحقيق شمولية علم العقيدة لأبوابها كافة بالجمع بين توحيدي الربوبية والألوهية في العناية والعرض والتعليم، وكذا الجمع في التناول بين قضايا الإيمان وحقائقه، ومبطلاته ونواقضه، والعناية بتوحيد الأسماء والصفات بجانبيه العلمي النظري، والعملي التربوي. ومن ذلك: مواجهة الانحرافات المعاصرة بتحقيق عقيدة البراء من كل مخالف كل بحسبه، وتأصيل عقيدة الولاء لله ورسوله، وللمؤمنين كل بحسبه.

ومن ذلك: ربط العقيدة بآثارها العملية من استقامة الأخلاق، وانضباط السلوك، والتحرك بالدعوة إليها، فترى في أهداف صاحبها، وتسمع في أقواله، وتقرأ في كتاباته. ومن ذلك: الصدور عنها في تقويم الأشخاص والأحداث والمواقف، واتخاذها دون غيرها من الأسماء والشعارات معقدا للتفرقة وفيصلا بين الخلق، والتقيد بها في منهج الدعوة كله، ورفض الوسائل التي تنافيها، والأساليب التي تناقضها. ومن أهم ما يذكر فلا ينسى: اتقاد جذوة التضحية في سبيلها، واستعذاب المشاق في نصرتها، وبذل النفس والنفيس في رفعتها، وتكثير سواد أهلها1. وفي جانب الاتباع: يطلب تحقيقه وتقعيده علميا وعمليا، بالحذر من اتباع الهوى والتقدم بين يدي الله ورسوله بقول أو رأي، واتباع الدليل من القرآن والسنة، والإجماع والقياس وما استند إلى هذه المصادر. ومن ذلك: فتح باب الاجتهاد في كل ما لم لم يرد فيه نص قاطع، أو إجماع صريح، والتقليد جائز للعاجز عن الاجتهاد في الجملة، كما لا يجب تقليد إمام بعينه. وزلة العالم لا يتابع عليها ولا يهدر بسببها، والأصل في الفتوى أن تناط بأهل الاجتهاد فإن عدموا اعتبر الأمثل فالأمثل، والقول الوسط في التمذهب جوازه بلا تعصب. ومن ذلك: التفريق بين مسائل الخلاف الاجتهادية التي لا ينكر على المخالف فيها ولا يضيق عليه، ومسائل الاختلاف التي لا يسوغ فيها خلاف، مع التأكيد على إحياء، وممارسة أدب الخلاف.

_ 1 انظر: كتابنا معالم في أصول الدعوة ص9-21.

ومن أعظم أصول أهل السنة: التزام الطاعة للأئمة ما أقاموا كتاب الله في الأمة، وكما أن الاتباع واجب شرعي، فإن الاجتماع مطلب شرعي وضرورة عملية. ويتحقق الاتباع العلمي والعملي بالاجتماع على أهل العلم الموافقين للسنة المتبعين لها قولا وعملا، وبالاجتماع على الإمام الحق ولزوم بيعته، والانضواء تحت رايته. وفي جانب التزكية والتربية: يتعين التأكيد على أنها مهمة الأنبياء والمرسلين، وهي من سبيل إقامة الدين، وبدونها لا يتأتى تغيير وإصلاح، وليست لها غاية تنتهي عندها، كما لا يستغني عنها المنتهي فضلا عن المبتدي، أنواعها كثيرة متعددة، فتربية علمية وأخرى وجدانية وثالثة جهادية.. ووسائلها لا تنحصر. ومنهج التربية والتزكية يقوم على الوسطية: فكما أن أهل السنة وسط بين فرق الأمة في مسائل الاعتقاد فهم أيضا وسط في باب التربية، والسلوك بين طرفي الإفراط والتفريط، فهم وسط في باب الإخلاص بين المرائين والملامية1، وهم وسط بين المشتغلين بالعبادات القلبية دون العملية كالصوفية، والمشتغلين بإقامة رسوم العبادات الظاهرة فحسب، فكانوا أهل العبادة الظاهرة والباطنة. وهم وسط بين من يريد من الله ولا يريد الله، وبين من يريد الله ولا يريد من الله، فهم يريدون رضا الله وجنته، وأما غيرهم فمنهم من يريد رضا الله ولا يريد جنته، كحال كثير من الصوفية، ومنهم من يريد نعيم الجنة المخلوق، ولا يريد رضا الله، كحال كثير من المتكلمة.

_ 1 المراءون يعملون الصالحات بقصد رؤية الناس لهم وطلب مدحهم، وأما الملامية، فيفعلون ما يلامون عليه ويقولون: نحن متبعون في الباطن.

وهم وسط بين أصحاب الفجور والفواحش والاستهتار، وأصحاب الرهبانية والتشديد على النفس وتعذيب البدن. ومنهج التربية والتزكية يقوم على السلفية: وموافقة نصوص الشارع في السلوك لفظا ومعنى، فليسوا كالذين وافقوا النصوص في اللفظ دون المعنى كالباطنية، وليسوا كالذين تكلموا في المعنى بألفاظ مبتدعة ككثير من الصوفية. ومنهج التربية والتزكية يقوم على الواقعية والعملية: لا على السلبية أو المثالية. فهو منهج التسديد والمقاربة، والقصد في الأمر كله، ومراعاة أحوال المكلفين، وتحقيق الملاءمة والمواءمة بين طبيعة هذا الدين وطبيعة المكلفين، فتكليف المندوبات والنوافل بحسب الوسع والطاقة، وأحب العمل أدومه وإن قل، والمؤمن يقول قليلا ويعمل كثيرًا. ومن الواقعية إدراك أن تفاوت القدرات إنما هو بسبب تنوع المواهب، واختلاف الاستعدادات، ذلك أن الله قسم الأعمال والأخلاق كما قسم الأموال والأرزاق، وعلى كل أن يرضى بما فتح له فيه، وأفضل الأعمال بعد الفرائض يختلف باختلاف الناس فيما يقدرون عليه، ومن الناس من فتح له في كل باب، وضرب له في كل خير بسهم، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء1. وفي جانب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: يتعين التأكيد على أنه جهاد الدعوة الدائم، الذي لا قيام للدين بدونه، ولا اعتصام بحبل الله إلا هداه، وبإقامته على وجه الصواب استحقت هذه الأمة الخيرية، والنكول عنه والتهور فيه طرفان مذمومان، والقائمون به على وجهه يعلمون

_ 1 انظر: كتابنا معالم في أصول الدعوة ص 51-62.

الحق ويرحمون الخلق وهم خير الناس للناس. والوجوب فيه مرتبط بحصول القدرة وغلبة المصلحة، ويسقط بخوف الضرر المحقق، كما يسقط بالعجز، وينبغي الانكفاف عنه في حق الآحاد إذا أدى إلى ما هو أشد منه مفسدة وفتنة. وتقدير المصالح والمفاسد في هذا الباب موكول إلى العالم الذي يوثق به علمًا وفطانة، وورعًا وديانة. - والتدرج في الإنكار والنظر في المآلات، وتقديم الأهم على المهم، وزوال المنكر بالكلية، أو تخفيفه مطلوب شرعا. وأما زوال المنكر مع زوال مثله من المعروف، أو حصول مثله من المنكر فموضوع اجتهاد ونظر، وأما زوال المنكر وحصول ما هو أكبر منه، أو فوات ما هو أكبر من المعروف فممنوع شرعا. - ومع أن هذا الواجب من فرائض الوقت المضاعة ومن حرم الإسلام المهدرة، فإن حاجة الأمة اليوم إلى التألف والمداراة، وتصحيح المفاهيم، واستفاضة العلم والبلاغ، وبناء قاعدة الإيمان في القلوب، أمس من حاجتها إلى قصر الاحتساب على طائفة من المنكرات الجزئية في حين تنسى معالم الدين الكلية، وتلتبس معاقده وأصوله الكبرى، ومن حيث الوجوب، فليشمل الإنكار كل منكر، وأما من حيث الاشتغال بالتغيير فكل منكر بحسبه، وكل منكر بقدره. - ولا يخفى أن هذا الواجب يشمل التغيير بمراتبه الثلاث، باليد واللسان والقلب، والثالثة لا تسقط أبدًا، والثانية لكل أحد في مواضع الإجماع والمسائل الجليات، ويختص أهل العلم بما وراء ذلك من مواطن الخلاف ودقائق المنكرات، ولا

تسقط هذه الرتبة خول لوم أو أذى خفيف. وأما التغيير باليد فمشروط بحصول القدرة، وألا يؤدي إلى تحريك الفتنة، وأن يتقصر فيه على القدر المحتاج إليه من غير زيادة، وألا يترتب عليه من الضرر ما لا يحتمل في الدين، أو النفس، أو الغير1. - وفي جانب إدراك الواقع وفهمه: تكمن أهميته في أنه يعين على تحقيق البصيرة في النوازل فيسدد الفتاوى، ويحكم أمرها، وبه يتوصل إلى استبانة سبيل المجرمين، وتعرية مناهج المنحرفين، وتكميل التوازن في البنيان التربوي. - وفي مقابل ما ذكر من أهميته، فإن الاستغراق فيه، والمغالاة في تناوله يفضي إلى الافتتان بالبهرج والزيف، وضعف وإغفال التأصيل الشرعي باعتبار أن الواقع هو الأصل تار، وبإغفال المنهج الصحيح في تلقي الأخبار والحكم على الرجال تارة أخرى، وبفقدان الاعتدال والتوازن بين فقه النص والواقع تارة ثالثة. وكذا من سلبياته: الانعزال عن الأمة بحجة تخلف العامة عن الوعي المطلوب، فإذا عاد الوعي بعزلة ومفاصلة بين العالم وأمته، وبين الدعاة والعلماء، فقد أتى هذا الوعي بنقيض مقصوده، وكر الفرع على أصله بالإبطال، وهذا لا يجوز بحال. وفي جانب الجهاد: الجهاد من أعظم أصول الدين، وهو بيعة ماضية في أعناق المؤمنين، ومعنى الجهاد يشمل استفراغ كل وسع، وبذل كل جهد في نصرة الدين بالحجة والبيان، والدعوة والإرشاد، وأفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر.

_ 1 انظر: كتابنا معالم في أصول الدعوة، ص 71-77.

والجهاد ماض إلى يوم القيامة، وإنكار وجوبه إنكار لمعلوم من الدين بالضرورة، وادعاء نسخه بجهاد الكلمة بدعة في الدين وضلالة، ونقص في العقل وسفاهة. وهدف الجهاد العام هداية الناس وإخراجهم من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، ويدخل تبعا رد اعتداء المعتدين، وإزالة الفتنة عن المدعوين، وحماية وتقوية دولة المسلمين، وإرهاب أعداء الدين وترك الجهاد هو الهلكة والخسران المبين. ولا بد في الجهاد من استيفاء الشرعية، وعدم الإضرار بالأم، بحصر الصراع مع أعدائها لا غير، مع وضوح الراية وسلامتها من ولاءات جاهلية، وشعارات عمية، وقبل ذلك وبعده أن تتحقق المصلحة من القتال بإعزاز الدين، والدفع عن المستضعفين وكف بأس الكافرين. وينبغي التأكيد على الحذر من استعجال مواجهة من غير تهيؤ يرجح معه الظفر، ويتوقع معه قبول الأمة، وسلامة التوقيت زمانا ومكانا، واستفراغ الوسع في اتخاذ أسباب النصر المادية والمعنوية، وذلك لئلا ترجع هذه المواجهات بنقيض ما شرع الجهاد لتحقيقه من إعزاز الدين، وتقوية شوكة المسلمين. وباستيفاء جميع ما تقدم على وجه السداد والمقاربة تتم النسبة الشريفة، وتكمل الفضيلة المنيفة، وترتقي ذرى الكمال والدرجات العلا في الجنة، ومن صفى صفي له. قيل لسهل بن عبد الله: "متى يعلم الرجل أنه على السنة والجماعة؟ "، قال: "إذا عرف من نفسه عشر خصال: 1- لا يترك الجماعة. 2- ولا يسب أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم. 3- ولا يخرج على هذه الأمة بسيف.

4- ولا يكذب بالقدر. 5- ولا يشك في الإيمان. 6- ولا يماري في الدين. 7- ولا يترك الصلاة على من يموت من أهل القبلة بالذنب. 8- ولا يترك المسح على الخفين. 9- ولا يترك الجماعة خلف كل وال جار أو عدل1. ولم يذكر العاشرة، إلا أن يكون اعتبر الأخيرة قسمين: "وال جار"، أو"وال عدل"، فتتم المسائل العشرة. وهذه المسائل كلها تجمع بين الأمور العلمية والعملية، وإنما ذكر مخالفة أهل البدع لأهل السنة والجماعة، وليس المراد أن من فعلها بمفردها دون بقية أمور الإيمان يكون من أهل السنة والجماعة.

_ 1 شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة للالكائي "1/ 183".

الباب الثاني: علم التوحيد مبادىء ومقدمات

الباب الثاني: علم التوحيد مبادىء ومقدمات الفصل الأول: مبادىء علم التوحيد عند أهل السنة والجماعة تمهيد ... الباب الثاني: علم التوحيد مبادئ ومقدمات الفصل الأول: مبادئ علم التوحيد عند أهل السنة والجماعة. تمهيد: كان طلب العلم زمن الصحابة رضي الله عنهم اشتغالًا بالقرآن الكريم، والسنة المطهرة حفظا وفهما، رطريقة موسوعية جامعة، فلا تتجاتوز الآية الواحدة حتى يتعلم ما فيها من أنواع العلم والعمل معًا، وذلك من غير تمييز بين أنواع المسائل الشرعية أو تفريق بين ألوانها. فلما تطاول الزمان، كثرت المسائل، وتنوعت النوازل، واتسعت البلدان، واختلط اللسان العربي بالأعجمي، وظهرت عجمة في الأفهام نتيجة لعجمة اللسان، واقتضى حسن التعليم، ويسر التلقين، العدول عن تلك الطريقة الموسوعية الجامعة إلى ما هو أيسر وأقصر، فعمد أهل العلم إلى جمل من المسائل العلمية التي تشترك في وحدة موضوعية جامعة، فأفردوها باسم يخصها، وبلقب يميزها عن غيرها من المسائل، فتمايزت بذلك العلوم، وتباينت الفنون في اسمها ورسمها، وعرفوا تلك العلوم بما يضبط مسائلها بطريقين غالبا، إما بذكر الموضوع والمسائل التي يحتويها العلم، وسموا ذلك حدا أو تعريفا، وإما بذكر الفائدة، والثمرة، والغاية من دراسة ذلك العلم، وسموا ذلك رسما، والذي دعا إلى هذا التنويع هو أن فائدة العلم غير موضوعه ومسائله، فكما أن الثمرة ناشئة عن الشجرة وليست عينها، فالفائدة مترتبة وناشئة عن العلم بتلك المسائل وليست عينها أيضا، فصار العلم المتميز بشخصيته عند علماء التدوين هو جملة المسائل المضبوطة بجهة واحدة، موضوعية كانت أو غائية. ثم إنه جرت عادة المصنفين من المتأخرين أن يدونوا مقدمة عن العلم وفضله وثمراته، وما يتعلق به في صدر مصنفاتهم، وذلك لفوائد منها: 1- أن يحصل طالب العلم بصيرة، وتصورا إجماليا للعلم قبل أن يدخل إلى تفاصيله،

فيعرف الوحدة الجامعة لمسائل هذا العلم، فيأمن عندئذ من اشتباه مسائل العلوم عليه، ومن دخوله في مسائل ليس من مسائل العلم الذي عول عليه, وقصد عليه. 2- أن يتحقق من فائدة العلم ونفعه، لينشط في طلبه وتحصيله، وليستعذب المشاق في سبيله، وليكون عند طلبه هذا العلم النافع المفيد مجتنبا للعبث والجهالة. ثم إن كثيرا من المتأخرين وضعوا بعد ذلك كتبا في موضوعات العلوم، ومبادئ الفنون، لعل من أجمعها وأشهرها كتاب "مفتاح السعادة ومصباح السيادة في موضوعات العلوم"، للشيخ أحمد بن مصطفى المعروف بـ"طاش كبرى زاده"، وكذلك كتاب "ترتيب العلوم" للشيخ محمد بن أبي بكر المرعشي المعروف بـ"ساجقلي زاده"، وغير ذلك من المصنفات. هذا وقد استقر عمل المصنفين على ذكر مبادئ عشرة لكل علم وفن، تمثل مدخلا تعريفيا لطالب كل علم، وجمع بعضهم هذه المبادئ العشرة في قوله: إن مبادئ أي علم كانا ... عشر تزيد من درى عرفانا الحد والواضع ثم الاسم ... والنسبة الموضوع ثم الحكم وغاية وفضله استمداد ... مسائل بها الهنا يزداد وقال غيره: مبادئ أي علم كان حد ... وموضوع وغاية مستمد وفضل واضع واسم ... مسائل نسبة عشر تعد وهذه المبادئ العشر اسم لمجموعة من المعاني، والمعارف يتوقف عليها شروع الطالب والباحث في طلب العلم وتحصيله، وبيانها كالتالي:

1- الحد: ويقصد به التعريف الجامع لمسائل العلم ومباحثه، المانع من دخول غيره فيه. 2- الموضوع: وهو المجال المحدد الذي يبحث فيه العلم، والجهة التي تتوحد فيها مسائله. 3- الغاية أو الثمرة: الفائدة التي يحصلها دارس العلم ومتعلمه في الدارين. 4- الاستمداد: الروافد والمصادر والأسباب العلمية التي يستقي منها العلم مسائله ومطالبه. 5- الفضل: ما للعلم من منزلة وشرف وأهمية بين العلوم. 6- الواضع: أول من ابتدأ التدوين والتصنيف في العلم، ووضع أساسه وأرسى قواعده، كما يشمل تطور التأليف في العلم ومراحله. 7- الاسم: الألقاب التي أطلقها أهل هذا العلم عليه لتمييزه عن غيره، حتى أصبحت أعلاما عليه. 8- الحكم: ويقصد به الحكم الشرعي لتعلم هذا العلم من بين الأحكام التكليفية الخمسة. 9- المسائل: وهي المطالب التي يبحثها، ويقررها العلم والتي تندرج تحت موضوعه. 10- النسبة: صلة العلم وعلاقته بغيره من العلوم. وجريا على سنن أهل العلم، فإن البحث سيسير في ضوء من هذه المبادئ العشرة للتعريف بعلم التوحيد عند أهل السنة والجماعة والتقديم له، مع ملحق يشتمل على فهارس لموضوعاته ومسائله، وآخر للتنويه بأهم مصادره ومراجعه.

المبحث الأول: حد علم التوحيد

المبحث الأول: حد علم التوحيد تعريف الحد: لغة: المنع، ومنه الحدود؛ لأنها تمنع من العودة إلى المعاصي، ومنه إحداد المرأة في عدتها؛ لأنها تمنع من الطيب والزينة، وسمي التعريف حدا، لمنعه الداخل من الخروج، والخارج من الدخول1. اصطلاحا: هو الوصف المحيط بمعناه المميز له عن غيره2. أو هو اللفظ المفسر لمعناه على وجه يجمع ويمنع3. ويسمى عند بعضهم بـ"القول الشارح" أو"التعريف"، فإذا قيل: حد علم التوحيد، فإنه يراد به تعريف ذلك العلم الذي يحيط بمعناه ويجمع قضاياه، ويمنع من التباس غيرها بها، بعبارة ظاهرة بعيدة عن الإلغاز، من غير اشتراك لفظي أو مجاز. والأصل في الحد أن يورث التمييز بين المحدود وغيره، أما تصوير المحدود وتعريف حقيقته على وجه التمام، فهذا قد لا يتيسر في كل حد ولا يتحقق في كل محدود4. وقد درج العلماء عند تعريف ما تركب من كلمتين في مركب إضافي كعلم التوحيد أن يبدأوا بتعريف مفرديه أولا، ثم تعريفه باعتباره لقبا وعلما على الفن المعين ثانيا.

_ 1 المصباح المنير للفيومي "1/ 124، 125"، والقاموس المحيط للفيروزابادي ص352. 2 المفردات في غريب القرآن للراغب الأصفهاني ص221. 3 المستصفى للغزالي ص18. 4 قال شيخ الإسلام: "المحققون من النظار يعلمون أن الحد فائدته التمييز بين المحدود وغيره، كالاسم ليس فائدته تصوير المحدود وتعريف حقيقته، وإنما يدعي هذا أهل المنطق اليوناني أتباع أرسطو ... "، الرد على المنطقيين، ص14.

أولًا: معنى التوحيد: لغة: باستنطاق معاجم اللغة، فإنها تفصح بأن مادة "وحد" تدور حول انفراد الشيء بذاته أو صفاته أو أفعاله، وعدم وجود نظير له فيما هو واحد فيه. والتوحيد مصدر وحده يوحده توحيدًا، ومعناه حينئذ كما يقول ابن فارس في مقاييسه "إما جعله واحدًا، أو اعتقده واحدًا"1. فللتوحيد لغة معنيان: - الأول: جعل المتعدد واحدًا، فمن جمع بين أقطار متفرقة يقال له وحدها. - الثاني: اعتقاد الشيء واحدًا، وهذا بمعنى النسبة إلى الوحدانية، وهذا لا يتحقق إلا بنفي وإثبات، نفي الحكم عما سوى الموحد وإثباته له. التوحيد اصطلاحًا: للتوحيد اصطلاحا إطلاق عام وذلك باعتباره فعلا من أفعال القلوب، وآخر خاص باعتباره علما على علم معين، وعلى هذا فالتوحيد بالمعنى المصدري العام هو: إفراد الله بالعبادة، مع الجزم بانفراده في أسمائه وصفاته وأفعاله وفي ذاته، فلا نظير له، ولا مثيل له في ذلك كله2. وقال شيخ الإسلام رحمه الله: "هو عبادة الله وحده لا شريك له، مع ما يتضمنه من أنه لا رب لشيء من الممكنات سواه"3. قال الشيخ علي بن محمد بن ناصر الدين الشافعي الشهير بالسويدي رحمه الله: "التوحيد فعل للموحد، وهو وصف الله تعالى بالوحدانية، وذلك نوعان: توحيد في ربوبيته، وهو الحاصل بعد توحيد الذات والصفات، وتوحيد في ألوهيته"4.

_ 1 معجم مقاييس اللغة لابن فارس ص1084. 2 انظر: الحجة في بيان الحجة للأصبهاني "1/ 305، 306". 3 درء تعارض العقل والنقل لابن تيمية "8/ 246". 4 العقد الثمين في بيان مسائل الدين للسويدي ص66.

وقال الشيخ عبد الرحمن البراك حفظه الله: "هو اعتقاد تفرده سبحانه في ربوبيته وألوهيته، وأسمائه وصفاته، وتخصيصه بالعبادة"1. وقال الشيخ عبد الله الغنيمان حفظه الله: "هو إفراده تعالى بالعبادة التي تتضمن غاية الحب ومنتهاه، مع غاية الذل وأقصاه، والانقياد لأمره والتسليم له"2. وهذا المعنى الاصطلاحي العام للتوحيد متفق عليه بين أهل السنة سلفًا وخلفًا. وعلى هذا فالتوحيد في معناه الاصطلاحي العام يقترب من أحد معنييي اللغة، وهو نسبته تعالى إلى الوحدانية واعتقاد ذلك، ولا يصح أن يكون على معنى التصيير والجعل. قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: "والتوحيد هنا ليس بمعنى التصيير والجعل، فالله واحد اعتقدت ذلك أم لم تعتقده"3. ثانيا: معنى العلم: يطلق العلم ويراد به: إدراك الشيء على ما هو عليه في الواقع، ويمكن تعريفه بتمثيل كأن يقال: العلم إدراك البصيرة المشابه لإدراك الباصرة4. قال ابن القيم رحمه الله: "العلم: نقل صورة المعلوم من الخارج وإثباتها في النفس.. فإن كان الثابت في النفس مطابقا للحقيقة في نفسها فهو علم صحيح"5. ويطلق العلم على الظن الغالب، كما في قوله تعالى: {فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ} [الممتحنة: 10] أي: غلب على ظنكم، قال النسفي: "العلم الذي تبلغه طاقتكم، وهو

_ 1 أملاه علي حفظه الله بمنزله بالرياض. 2 شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري للشيخ الغنيمان "1/ 38". 3 أشرطة "شرح السفارينية"" للشيخ ابن عثيمين رحمه الله، وقد طبع الشرح مؤخرًا. 4 انظر: شرح الكوكب المنير لابن النجار "1/ 60"، إرشاد الفحول للشوكاني ص3، أبجد العلوم لصديق حسن خان، ص31-34. 5 الفوائد لابن القيم ص110.

الظن الغالب بظهور الأمارات"1، ثم قال معلقًا: "وفي تسمية الظن علما إشارة إلى أن الظن، وما يفضي إليه القياس جار مجرى العلم"2، كما يطلق الظن على العلم كما في قوله تعالى: {الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُو رَبِّهِمْ} [البقرة: 46] . وعليه فإن العلم اصطلاحًا يطلق على مجموعة من المعارف الظنية الراجحة ومنها ما هو قطعي، بشرط أن تكون منظمة حول موضوع ما، كعلم التوحيد، وعلم الفقه، وعلم الطب ونحو ذلك. وبناء على ما تقدم، فإن المختار في تعريف العلم أنه: الإدراك الحاصل بالدليل، الشامل لليقين الجازم والظن الغالب، وما بينهما من درجات ومراتب. وأخيرًا فإن العلم -اصطلاحا- قد يطلق ويراد به قواعد ومسائل العلم تارة، وإدراك هذه المسائل تارة أخرى، وملكة إدراك المسائل تارة ثالثة3. معنى المركب الإضافي: فإذا أضيفت كلمة العلم إلى كلمة التوحيد، فإن معنى هذا المركب الإضافي هو: الإرداك الجازم المطابق للواقع عن دليل بانفراد الله تعالى بالعبادة وحده لا شريك له، مع انفراده في ذاته وأسمائه وصفاته وأفعاله.

_ 1 مدارك التنزيل وحقائق التأويل للنسفي "3/ 515". 2 المصدر السابق "3/ 515". 3 أبجد العلوم لصديق خان ص24.

علم التوحيد باعتباره اللقبي: الطور الأخير لهذا الاصطلاح وهو طور الاستقلال وصيرورته لقبا على فن مخصوص، وهو "علم التوحيد"، ويعرف بهذا الاعتبار على أنه: "العلم الذي يبحث عما يجب لله من صفاته الجلال والكمال، وما يستحيل عليه من كل ما لا يليق به، وما يجوز من الأفعال، وعما يجب للرسل والأنبياء، وما يستحيل عليهم، وما يجوز في حقهم، وما يتصل بذلك من الإيمان بالكتب المنزلة، والملائكة الأطهار، ويوم البعث والجزاء والقدر والقضاء"1. وقد يقال اختصارًا هو: "العلم بالأحكام الشرعية العقدية المكتسب من الأدلة اليقينية، ورد الشبهات وقوادح الأدلة الخلافية"2. وهذا التعريف يرجع إلى اعتبار هذا العلم ملكة يتمكن معها صاحبها من إيراد الحجج على العقائد، ودفع الشبهه عنها. ويرد على هذا التعريف أن أحاديث الآحاد مما يحتج به في العقائد والأحكام سواء، فلو قيل "بالأدلة المرضية" لتشمل الأدلة اليقينية والظنية لكان أولى. كما يعرف أن يعرف باعتبار موضوعه، فيقال: "علم التوحيد: هو العلم الذي يبحث في الله وما يجب له وما يجوز وما يمتنع، وهذا يشمل الأنواع الثلاثة من التوحيد: الربوبية، والألوهية، والأسماء والصفات"3.

_ 1 مذكرة في علم التوحيد للشيخ عبد الرزاق عفيفي ص 5، 6. 2 المدخل لدارسة العقيدة الإسلامية للبريكان ص9. 3 أشرطة شرح السفارينية للشيخ ابن عثيمين، وقد طبع مؤخرًا بتحقيق وعناية إسلام منصور بدار البصيرة بالأسكندرية.

ويلاحظ من جملة التعاريف السابقة أن علم التوحيد بمعناه اللقبي يقوم على دعامتين. الأولى: التصديق بجملة من العقائد المتعلقة بالله تعالى، وملائكته، ورسله، وكتبه، واليوم الآخر، وبالقضاء وبالقدر. الثانية: القدرة التامة على إثبات تلك العقائد المنسوبة إلى دين نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، يإيراد الحجج الباهرة، ودفع الشبه الباهتة.

المبحث الثاني: أسماء علم التوحيد

المبحث الثاني: أسماء علم التوحيد الاسم هو ما دل على مسمى كزيد وعمرو، وهو مشتق من السمة وهي العلامة، فهو علامة على مسماه، أو مشتق من السمو وهو العلو والارتفاع، إذ أنه يعلو مسماه1. والمقصود بأسماء العلم ما يطلق عليه من الأسماء المعتبرة عند أهل هذا العلم، سواء أكانت مركبة أو مفردة، والمسمى إذا كثرت أسماؤه دل ذلك على شرفه وفضله وأهميته غالبا، وعلم التوحيد من أكثر العلوم أسماء، وله أسماء شرعية وأخرى محل نظر، وبيان كل فيما يلي: أولًا: الأسماء الشرعية لعلم التوحيد 1- علم التوحيد: ولعل السبب في إطلاق اسم التوحيد على هذا العلم، هو أن مبحث وحدانية الله تعالى في ذاته وصفاته، وأفعاله هو أهم مباحث هذا العلم، فهو من باب تسمية الكل بأشراف أجزائه، أو تسمية العلم بأشهر بحوثه، ثم إن ما عدا مبحث الوحدانية قائم ومعتمد عليه، فهو الأصل الذي يتفرع عنه غيره. ولقد كثرت الكتب المصنفة في باب الاعتقاد التي تحمل اسم التوحيد قديما وحديثا، فمن ذلك: - "كتاب التوحيد" لأبي العباس أحمد بن عمر بن سريج البغدادي. - "كتاب التوحيد وإثبات صفات الرب عز وجل "للإمام أبي بكر بن خزيمة.

_ 1 انظر: لسان العرب لابن منظور "6/ 381، 382"، والمصباح المنير للفيومي "1/ 290، 291".

2- العقيدة: معناها في اللغة: فعيلة بمعنى مفعولة، أي معقودة، فهي مأخوذة من العقد، وهو الجمع بين أطراف الشيء على سبيل الربط والإبرام والإحكام والتوثيق، ويستعمل ذلك في الأجسام المادية، كعقد الحبل، ثم توسع في معنى العقد فاستعمل في الأمور المعنوية، كعقد البيع وعقد النكاح1. قال ابن فارس: "العين والقاف والدال، أصل واحد يدل على شد، وشدة وثوق، وإليه ترجع فروع الباب كلها"2. وكلمة العقيدة لم ترد في القرآن الكريم وإنما وردت مادتها فقط في مثل قوله تعالى: {وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ} [النساء: 33] ، وقوله تعالى: {وَلا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ} [البقرة: 235] . "وأما معاجم اللغة القديمة فلم ترد فيها كلمة العقيدة باستثناء المصباح المنير، فقد ذكر فيه الفيومي أن العقيدة ما يدين الإنسان به، فهي الإيمان بحقيقة معينة إيمانا لا يقبل الشك أو الجدل"3. وقد ذكر المعجم الوسيط أن العقيدة: هي "الحكم الذي لا يقبل الشك فيه لدى معتقده، ويرادفها الاعتقاد والمعتقد.. وجمعها عقائد"4.

_ 1 المصباح المنير للفيومي "2/ 421"، والقاموس المحيط للفيروزابادي "383، 384، ولسان العرب لابن منظور "9/ 309-312". 2 معجم مقاييس اللغة لابن فارس "4/ 86-87". 3 علم العقيدة بين الأصالة والمعاصرة للدكتور أحمد السايح ص8. 4 المعجم الوسيط إصدار مجمع اللغة العربية "2/ 637".

معناها في الاصطلاح: "العقيدة في اصطلاح علماء التوحيد: هي الإيمان الذي لا يحتمل النقيض"1، ويلاحظ اقتراب أو تطابق المعنى اللغوي والاصطلاحي لكلمة العقيدة2. العلاقة بين علمي العقيدة والتوحيد: "وعلم العقيدة وعلم التوحيد مترادفان عند أهل السنة، وإنما سمي علم التوحيد بعلم العقيدة بناء على الثمرة المرجوة منه، وهي انعقاد القلب انعقادا جازما لا يقبل الانفكاك"3. وقد يفرق بينهما اصطلاحا باعتبار أن علم التوحيد هو العلم الذي يقتدر به على إثبات العقائد الدينية بالأدلة المرضية، وأن علم العقيدة يزيد عليه برد الشبهات، وقوادح الأدلة الخلافية، فيجتمعان في معرفة الحق بدليله، وتكون العقيدة أعم موضوعا من التوحيد؛ لأنها تقرر الحق بدليله، وترد الشبهات وقوادح الأدلة، وتناقش الديانات والفرق. وقد جرى السلف على تسمية كتبهم في التوحيد والإيمان بكتب العقيدة، كما فعل أبو عثمان الصابوني رحمه الله في كتابه "عقيدة السلف أصحاب الحديث"، والإمام اللالكائي رحمه الله في "شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة".

_ 1 المدخل لدراسة العقيدة الإسلامية للبريكان ص8. 2 فقد عرفها د. محمد علي أبو ريان بقوله: "الأمر الذي تصدق به النفس ويطمئن إليه القلب، ويكون يقينا عند صاحبه لا يمازجه شك، ولا يخالطه ريب". تاريخ الفكر الفلسفي في الإسلام. ص132. 3 المدخل لدراسة العقيدة الإسلامية للبريكان ص10.

3- الإيمان: معناه في اللغة: قال ابن فارس: "للهمزة والميم والنون أصلان متقاربان، أحدهما الأمانة التي هي ضد الخيانة، ومعناها سكون القلب، والآخر التصديق، والمعنيان متدانيان ... وأما التصديق فقول الله تعالى: {وَمَا أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنَا} [يوسف: 17] ، أي مصدق لنا"1. وقال الأزهري: "وأما الإيمان: فهو مصدر آمن إيمانا فهو مؤمن، واتفق أهل العلم من اللغويين أن الإيمان معناه التصديق.."2. معناه شرعًا: وأما الإيمان في خطاب الوحي فيطلق على الاعتقاد القلبي، والإقرار اللفظي، والعمل الحسي، امتثالًا للأوامر، واجتنابا للمناهي3. وهذا التعريف الاصطلاحي للإيمان مأخوذ من تعريف النبي صلى الله عليه وسلم للإيمان في حديث جبريل عليه السلام4، وفيه: "فأخبرني عن الأيمان؟ قال: أن تؤمن بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، وتؤمن بالقدر خيره وشره"، وحديث وفد بني عبد القيس5، وفيه: "هل تدرون ما الإيمان بالله؟ شهادة ألا إله إلا الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وأن تعطوا من المغنم الخمس"، حيث عرف الإيمان في الحديث الأول بالاعتقادات الباطنة، وفي الحديث الثاني بالأعمال الظاهرة، ثم صار الإيمان يطلق

_ 1 معجم مقاييس اللغة لابن فارس "1/ 133-135". 2 تهذيب اللغة للأزهري "15/ 510". 3 انظر: اعتقاد أئمة الحديث للإسماعيلي "1/ 64"، وعقيدة السلف أصحاب الحديث للصابوني ص67، ولمعة الاعتقاد لابن قدامة ص23، والعقيدة الواسطية لابن تيمية ص39. 4 رواه مسلم "9" من حديث عمر رضي الله عنه. 5 رواه البخاري "7001"، ومسلم "24" من حديث ابن عباس رضي الله عنهما.

ويراد به مسائل الاعتقاد كلها. وصنف السلف كتبا باسم الإيمان بحثت قضايا التوحيد ومسائل الاعتقاد جميعا، ومن أولها: - "كتاب الإيمان ومعالمه وسننه واستكمال درجاته"، للإمام أبي عبيد القاسم بن سلام البغدادي رحمه الله. - "كتاب الإيمان" للحافظ أبي بكر عبد الله بن محمد بن أبي شيبة العبسي رحمه الله. - "كتاب الإيمان" للحافظ محمد بن إسحاق بن يحيى بن منده رحمه الله. 4- السنة: معناها في اللغة: سبق أن السنة في اللغة تطلق على الطريقة المسلوكة، محمودة كانت أو مذمومة، كما تطلق على العادة الثابتة المستقرة، وعلى غير ذلك. معناه في الاصطلاح: والسنة اصطلاحا لها معان كثيرة بحسب العلم الذي نذكر فيه، ويعنينا هنا معناها عند علماء العقيدة والتوحيد، وفي معناها عندهم قال ابن رجب رحمه الله: "وكثير من العلماء المتأخرين يخص اسم السنة بما يتعلق بالاعتقاد؛ لأنها أصل الدين والمخالف فيها على خطر عظيم"1. وهذا الإطلاق للسنة على العقيدة من باب إطلاق الاسم على بعض مسمياته، فإن الاعتصام بالسنة من أهم أصول أهل السنة، على أن وصف العقيدة بالسنة كان معروفا زمن الصحابة رضي الله عنهم، ويدل عليه قول علي رضي الله عنه: "الهوى عند من خالف السنة حق

_ 1 جامع العلوم والحكم لابن رجب "2/ 120".

وإن ضربت فيه عنقه"1، وهذا لا يكون إلا فيمن خالف في الاعتقاد مخالفة عظيمة. وبناء على ذلك، فقد أطلق اسم السنة على عقيدة أهل السنة والجماعة، هذا بالإضافة إلى أن السنة لغة هي الطريقة، فأطلقت على عقيدة السلف لاتباعهم طريقة النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة في الاعتقاد خاصة، واستفاض ذلك المصطلح في الناس حتى إذا قيل: فلان صاحب سنة، كان معناه أنه على معتقد سلفي. وقد عرفت كتب الاعتقاد باسم كتب السنة، وساد ذلك في القرن الثالث الهجري، في عصر الإمام أحمد رحمه الله، حيث أظهر أهل البدع بدعهم وجاهروا بها تصنيفا ومناظرة، فألف أهل السنة في الرد عليهم كتبا أسموها كتب السنة، وذلك؛ لأنهم لم يكن لهم اسم يتسمون به خصوصا بخلاف أهل الابتداع، فاعتصموا بالسنة والآثار، وجعلوا ذلك حرزًا من الضلال. ومن تلك الكتب: - "السنة" للإمام أحمد رحمه الله. - "السنة" لأبي بكر بن الأثرم رحمه الله. - "السنة" لابن أبي عاصم رحمه الله. 5- أصول الدين: وهذا المصطلح مركب من مضاف ومضاف إليه، ويعرف باعتبار مفرديه أولا. فالأصل في اللغة: "ما يبنى عليه غيره، أو ما يتفرغ عنه غيره"2. وفي الاصطلاح يطلق على معان متعددة، والمختار منها مما يناسب هذا الموضوع

_ 1 الشرح والإبانة لابن بطة ص122. 2 معجم مقاييس اللغة لابن فارس "1/ 109".

أن الأصول بمعنى "القواعد والأسس العامة"1. والدين يطلق في اللغة على الذل والخضوع، كما يطلق على الحساب والجزاء2، واصطلاحًا: هو "جملة الأحكام الاعتقادية التي تحدد ما ينبغي أن يتصف به الله من صفات، وجملة الأحكام العملية التي ترسم طريق عبوديته سبحانه"3. والمعنى المستفاد من هذا التركيب، أن أصول الدين هي المبادئ العامة، والقواعد الكلية الكبرى، التي بها تتحقق طاعة الله والرسول. فأصول الدين بهذا الاعتبار تشمل أركان الإسلام من الأعمال الظاهرة، وأركان الإيمان من الاعتقادات الباطنة، ثم غلب على العلماء المصنفين في الاعتقاد استعمال هذا الاصطلاح في قضايا التوحيد والعقيدة، وعللت هذه التسمية بأن بحوث علم الاعتقاد أصل لما يتلوها من علوم الدين الأخرى كالفقه والحديث، ومن جهة أخرى، فإن هذا العلم يبحث في العقائد التي هي الأصول الواجب على المكلف اعتقادها قبل أن يبدأ العمل، فلا يثمر العمل في الآخرة إلا باعتقاد هذه الأصول في الدنيا. قال الشهرستاني: "قال بعض المتكلمين: الأصول معرفة الباري تعالى بوحدانيته وصفاته، ومعرفة الرسل بآياتهم وبيناتهم، وبالجملة كل مسألة يتعين الحق فيها بين المتخاصمين فهي من الأصول، ومن المعلوم أن الدين إذا كان منقسما إلى معرفة وطاعة، والمعرفة أصل والطاعة فرع، فمن تكلم في المعرفة والتوحيد كان أصوليا، ومن تكلم في الطاعة والشريعة كان فروعيا، فالأصول هو موضوع علم الكلام، والفروع هو موضوع علم الفقه"4.

_ 1 شرح الكوكب المنير لابن النجار "1/ 38-40". 2 انظر: لسان العرب لابن منظور "4/ 458-461"، والمعجم الوسيط إصدار مجمع اللغة العربية "1/ 317، 318". 3 الدين للدكتور محمد عبد الله دراز ص44. 4 الملل والنحل للشهرستاني "1/ 41".

وقد اعترض شيخ الإسلام رحمه الله تعالى على أن يكون مصطلح أصول الدين قاصرا على العقائد دون مسائل العمل الكبار، كالصالة والصيام والزكاة والحج، أو أن يدخل فيه مسائل العقائد المختلف فيها داخل دائرة أهل السنة، نحو: هل رأى النبي صلى الله عليه وسلم ربه ليلة المعراج أم لا؟ وهل يسمع الميت كلام الحي أم لا؟ ونحو هذا1. وقد يعترض أيضًا على هذه التسمية لعلم التوحيد بأنها لا تكشف عن طبيعة هذا العلم الذاتية، وخصائصه التي يمتاز بها، حيث لوحظ فيها ما يقابله من فروع الدين فحسب. ومهما يكن من أمر، فإن عمل العلماء سلفا وخلفا جرى على اعتماد هذه التسمية حين ألفوا، وصنفوا في هذا العلم المبارك، ومن أمثلة ذلك: 1- "الشرح والإبانة عن أصولالسنة والديانة" لأبي عبد الله بن بطة العكبري الحنبلي رحمه الله. 2- "الإبانة عن أصول الديانة" لأبي الحسن الأشعري رحمه الله. 6- الشريعة: معناها في اللغة: قال ابن منظور: "وهي لغة: من الشرع وهو السن والبيان والمورد والطريق"2، وقال ابن فارس: "والشريعة: مورد الشاربة من الماء"3. معناها في الاصطلاح: قد تطلق الشريعة على ما شرعه الله تعالى لجميع رسله من أصول الاعتقاد والبر

_ 1 انظر: مجموع الفتاوى "23/ 346، 347"، "6/ 502". 2 لسان العرب لابن منظور "7/ 86-89". 3 معجم مقاييس اللغة لابن فارس "3/ 262".

والطاعة مما لا يختلف من دعوة لأخرى، قال تعالى: {شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ} [الشورى: 13] . وقال التهانوي في معناها الاصطلاحي: "الشريعة: ما شرع الله تعالى لعباده من الأحكام التي جاء بها نبي من الأنبياء صلى الله عليهم وعلى نبينا وسلم، سواء أكانت متعلقة بكيفية عمل، وتسمى فرعية وعملية، ودون لها علم الفقه، أو بكيفية الاعتقاد، وتسمى أصلية واعتقادية، ودون لها علم الكلام1 ... ويسمى الشرع أيضا بالدين والملة، فإن تلك الأحكام من حيث إنها تطاع دين، ومن حيث إنها تملى وتكتب ملة، ومن حيث إنها مشروعة شرع، فالتفاوت بينها بحسب الاعتبار لا بالذات"2. ثم أطلقت الشريعة أخيرًا وبإطلاق أخص -كما قال ابن تيمية رحمه الله- على: "العقائد التي يعتقدها أهل السنة من الإيمان، مثل اعتقادهم أن الإيمان قول وعمل، وأن الله موصوف بما وصف به نفسه، ووصفه به رسوله صلى الله عليه وسلم، وأن القرآن كلام الله غير مخلوق ... إلخ"3. والشريعة هنا كالسنة، فقد يراد بها ما سنه الله وشرعه من العقائد، وقد يراد بها ما سنه وشرعه من العمل، وقد يراد بها كلاهما. وقد ألف بعض العلماء كتبًا في الاعتقاد تحمل اسم الشريعة، ومن أولها: - "الشريعة" لأبي بكر الآجري رحمه الله. - "الإبانة عن شريعة الفرقة الناجية ومجانبة الفرق المذمومة" لابن بطة الحنبلي رحمه الله.

_ 1 يلاحظ أن تسمية التوحيد بعلم الكلام تسمية غير مقبولة، كما سيأتي. 2 كشاف اصطلاحات الفنون للتهانوي "4/ 129". 3 مجموع الفتاوى "19/ 306، 307".

7- الفقه الأكبر: أطلق الفقه في الاصطلاح الأقدم على ما هو أعم من علم الفروع، بحيث يشمل الأصول والفروع، وعن هذا المعنى عبر الإمام أبو حنيفة رحمه الله حين قال: "الفقه: معرفة النفس مالها وما عليها"، وذلك من كل ما تنتفع به وتتضرر في الآخرة، من الاعتقادات والأعمال والأخلاق ونحو ذلك، ثم لما أراد أبو حنيفة رحمه الله تمييز الاعتقادات عن غيرها، جاء بهذا الاصطلاح الذي لم يسبق إليه في التعبير عن التوحيد فسماه الفقه الأكبر، تمييزا له عن الأصغر وهو فقه الفروع. وفي تعليل هذه التسمية يقول عبد العزيز الحنفي: "سمي بالفقه الأكبر؛ لأنه أكبر بالنسبة للأحكام العملية الفرعية التي تسمى الفقه الأصغر؛ ولأن شرف العلم وعظمته بحسب المعلوم، ولا معلوم أكبر من ذات الله تعالى وصفاته الذي يبحث فيه هذا العلم، لذلك سمي الفقه الأكبر"1. وقال أبو حنيفة: "الفقه الأكبر في الدين أفضل من الفقه في العلم، ولأن يتفقه الرجل كيف يعبد ربه، خير له من أن يجمع العلم الكثير"2. التطور التاريخي لتدوين علم التوحيد: لعله من المناسب قبل مغادرة هذه النقطة تلخيص ما سبق، وإلقاء أضواء على التطور التاريخي لظهور هذه المصطلحات. فلا ريب أن مصطلحي الإيمان والفقه الأكبر قد ظهرا في القرن الثاني وبرزا، واستمر مصطلح الإيمان في الذيوع خلال القرن الثالث حيث برز مصطلح السنة،

_ 1 كشف الأسرار على أصول البزدوي للإمام عبد العزيز البخاري الحنفي "1/ 8". 2 نظم الدرر في شرح الفقه الأكبر للقاضي عبيد الله الحنفي ص28.

وظهرت الكتب الاعتقادية التي حملت اسم السنة، وتوالي التصنيف في القرن الرابع بهذه الأسماء الاصطلاحية، ثم ظهر في القرن الرابع أربعة مصطلحات شاعت وذاعت، وهي: التوحيد، الشريعة، أصول الدين، العقيدة، وإن كان مصطلح العقيدة قد ظهر أواخر القرن الرابع وأوائل الخامس الهجري، كما يبدو هذا من كتاب الإمام اللالكائي رحمه الله "شرح أصول اعتقاد أهل السنة"، وكذا فعل الإمام أبو عثمان الصابوني رحمه الله في كتابه "عقيدة السلف أصحاب الحديث"، وتتابع بعد ذلك المصنفون على استعمال هذا المصطلح. ثانيا: أسماء علم التوحيد عند الفرق الإسلامية 1- علم الكلام: وهذا هو أشهر الإطلاقات عند سائر الفرق الإسلامية من أشاعرة، ومعتزلة وغيرهم في القديم والحديث. ففي القديم يقول الغزالي رحمه الله: "إني ابتدأت بعلم الكلام فحصلته وعقلته، وطالعت كتب المحققين منهم، وصنفت فيه ما أردت أن أصنف، فصادفته علما وافيا بمقصوده، غير واف بمقصودي"1. وحديثا يقول الشيخ محمد عبده: "علم الكلام: هو علم يبحث فيه عن وجود الله، وما يجب أن تثبت له من صفات، وما يجوز أن يوصف به، وما يجب أن ينفى عنه، وعن الرسل لإثبات رسالتهم، وما يجب أن يكونوا عليه، وما يجوز أن ينسب إليهم، وما يمتنع أن يلحق بهم"2.

_ 1 المنقذ من الضلال للغزالي ص87. 2 رسالة التوحيد للشيخ محمد عبده ص5.

أسباب تسمية علم التوحيد بعلم الكلام: يعلّل المتكلمون تسميتهم للتوحيد بعلم الكلام بعلل شتى نذكر منها ما يلي: 1- يقول الشهرستاني: "سمي باسم الكلام، إما؛ لأن أظهر مسألة تكلموا فيها، وتقاتلوا عليها هي مسألة الكلام، فسمي النوع باسمها ... "1. 2- "أطلق علم الكلام على التوحيد؛ لأن أصحابه كانوا يترجمون لمسائله بقولهم: "الكلام في القدرة، الكلام في العلم، الكلام في الوحدانية، فشاع الكلام على هذا العلم وغلب عليه، فالتسمية من باب الشيوع والذيوع والغلبة"2، كما فعل الأشعري في كتابه "الإبانة"، والقاضي عبد الجبار في كتابه "المغني في أبواب التوحيد والعدل". 3- "وقد يكون سبب التسمية أنه أكثر من غيره خلافا، ونزاعا بين الخائضين فيه بعقولهم، فهو مفتقر إلى الكلام أكثر من غيره لتحقيقه، وللرد على المخالف فيه"3. 4- ويرى التفتازاني أنه سمي بذلك، لابتنائه على الأدلة القطعية المؤيدة في كثير من الأحيان بالأدلة النقلية، "فكان أشد العلوم تأثيرًا في القلب وتغلغلا فيه، فسمي بالكلام المشتق من الكلم وهو الجرح"4. 5- ويرى آخرون أنه سمي بذلك؛ لأنه يكسب المتكلم قدرة على الكلام في تحقيق الشرعيات، وإلزام الخصوم5. هذا هو حاصل ما قالوه تعليلا لهذه التسمية، ويرى أهل السنة هذه التسمية لهذا

_ 1 الملل والنحل للشهرستاني "1/ 30". 2 مباحث في علوم العقيدة د. آمنة نصير ص77. 3 توضيح العقائد النسفية د. سليمان خميس ص6. 4 شرح العقائد النسفية للتفتازاني "1/ 19". 5 علم العقيدة بين الأصالة والمعاصرة د. أحمد السايح ص55.

العلم المبارك تسمية مبتدعة، وهي تنطبق على غير علم التوحيد الذي جاء به المرسلون، فإنه ليس من الكلام في شيء لا اسما ولا معنى، ولا مقصدا ولا غاية ولا استمدادًا. وأهل السنة -المتبعون لمنهج الصحابة في الاعتقاد- لا يعتبرون الكلام وتعلمه علما، بل يعدونه جهلا، فإن أبا يوسف تليمذ أبي حنيفة رحمهما الله تعالى قال لبشر المريسي: "العلم بالكلام هو الجهل، والجهل بالكلام هو العلم، وإذا صار الرجل رأسا في الكلام، قيل: زنديق، أو رمي بالزندقة"1، ذلك أن الجدال في الأمور الإلهية بمجرد العقل المحض بعيدا عن الوحي هو جهل يؤدي إلى الضلال وقد قال شيخ الإسلام: "إن الجدال في علم العقائد يسمى كلاما"2. وأهل السنة يذكرون أسبابا أخرى لهذه التسمية المحدثة لعلم التوحيد منها: 1- "أنه سمي كذلك؛ لأن المشتغلين به تكلموا فيما سكت عنه الصحابة والتابعون، مثل الكلام في ذاته تعالى، وصفاته، وأسمائه، وتأويل المتشابه، والبحث في القدر، ونحو ذلك مما وردت الآثار بالنهي عنه والتحذير منه، لأجل هذا سمي البحث في المسائل التي سكت عنها المتقدمون كلاما، وسمي أهله بالمتكلمين، حيث تكلموا فيما كان ينبغي فيه الصمت اقتداء بالصحابة والتابعين رضي الله عنهم"3. 2- وقد لاحظ بعض العلماء ما بين علماء الكلام، وعلماء الفلسفة من نسبة وشبه، فقالوا: لما أنشأ الفلاسفة المنطق ليكون لهم طريقا في تبيين طرق الاستدلال في العلوم النظرية، فقد شابههم أهل الكلام في إنشاء هذا العلم ليبين لهم طريق الاستدلال مسائل أصول الدين.

_ 1 شرح العقيدة الطحاوية لابن أبي العز الحنفي "1/ 17". 2 مجموع الفتاوى "11/ 336". 3 مدخل نقدي لدراسة علم الكلام د. محمد السنهوتي ص19.

قال الشهرستاني الأشعري في سبب التسمية: "إنه سمي بهذا الاسم لمقابلتهم الفلاسفة في تسميتهم فنا من فنون علمهم بالمنطق، والمنطق والكلام مترادفان"1. 3- وقال شارح الطحاوية: "إنما سمي هؤلاء أهل الكلام؛ لأنهم لا يفيدوا علما لم يكن معروفا، وإنما أتوا بزيادة كلام قد لا يفيد"2. ومع أنهم كانوا كما قال شارح الطحاوية، بل وقد جاءوا بما يضر من الكلام، فإنهم يفخرون بعد ذلك بالكلام وصنعته، يقول يحيى بن عدي مشيرا إلى طائفة من المتكلمين: "إني لأعجب كثيرا من قول أصحابنا إذا ضمنا وإياهم مجلس، قولهم: نحن المتكلمون، نحن أرباب الكلام، والكلام بنا صح وانتشر، كأن سائر الناس لا يتكلمون، أو ليسوا أهل كلام، لعلهم عند المتكلمين خرس أو سكوت"3. 4- وأخيرًا لعله من أهم أسباب التسمية بعلم الكلام أنه ليس تحته، أو من ورائه عمل نافع، قال مالك بن أنس رحمه الله تعالى: "الكلام في الدين أكرهه، لم يزل أهل بلدنا يكرهونه، وينهون عنه..، لأني رأيت أهل بلدنا ينهون عن الكلام في الدين إلا ما تحته عمل"4. ثم إن علماء الإسلام الثقات، وأحبار العلم الكبار، من مثل: مالك والشافعي وأحمد وأبي حنيفة، قد زجروا عن علم الكلام وبالغوا في النهي عنه، فقال الشافعي رحمه الله: "حكمي في أصحاب الكلام أن يضربوا بالجريد، ويطاف بهم العشائر، ويقال: هذا جزاء من ترك الكتاب والسنة وأخذ في الكلام"5.

_ 1 الملل والنحل للشهرستاني "1/ 30". 2 شرح العقيدة الطحاوية لابن أبي العز الحنفي "1/ 242". 3 تاريخ الفكر الفلسفي في الإسلام د. محمد علي أبو ريان ص132. 4 مختصر جامع بيان العلم وفضله لابن عبد البر ص153. 5 الإحياء للغزالي "1/ 130".

وقال أحمد بن حنبل رحمه الله: "لا يفلح صاحب كلام، ولا تكاد ترى أحدًا نظر في الكلام إلا وفي قلبه دخل"، وقال أيضا: "علماء الكلام زنادقة"1. وقال الإمام مالك لرجل جعل يسأله عن القرآن: "لعلك من أصحاب عمرو بن عبيد؟ لعن الله عمرا، فإنه ابتدع هذه البدع من الكلام، ولو كان الكلام علما لتكلم فيه الصحابة والتابعون، كما تكلموا في الأحكام والشرائع، ولكنه باطل يدل على باطل"2. وقال الإمام البربهاري: "واعلم أنه لم تكن زندقة، ولا كفر، ولا شكوك، ولا بدعة، ولا ضلالة، ولا حيرة في الدين إلا في الكلام، وأهل الكلام، والجدل، والخصومة، والمراء، والعجب"3. ولعله قد يرد هنا اعتراض حاصله: إذا كانت تسمية علم التوحيد بعلم الكلام ممنوعة مذمومة، فكيف عبر بعض أهل السنة عن علم التوحيد بعلم الكلام، كما فعل ذلك الإمام السفاريني رحمه الله في شرح عقيدته الأثرية، الموسومة بلوامع الأنوار البهية، وسواطع الأسرار الأثرية في شرح الدرة المضية في عقيدة الفرقة المرضية؟! والجواب عن ذلك هو: إذا كان علم الكلام هو: علم يقتدر به على إثبات العقائد الدينية بالأدلة اليقينية أو المرضية، أو كان علما بأمور يقتدر معها على إثبات العقائد الدينية بإيراد الحجج عليها، ودفع الشبه عنها، فإن هذا المعنى الاصطلاحي -دون التسمية- يمكن قبوله عند أهل السنة والجماعة، والاعتداد به بشروط، منها: - أن تكون الأدلة التي وصفت بكونها يقينية، ومرضية هي صحائح المنقول من كل كتاب ناطق، وسنة ماضية، وإجماع منعقد مقبول، وصرائح المعقول، وفطرة سوية.

_ 1 تلبيس إبليس لابن الجوزي ص102. 2 ذم الكلام للهروي ص294. 3 شرح السنة للبربهاري ص38.

- وأن يكون منهج تقرير المسائل الاعتقادية، ورد قوادح الأدلة الخلافية، متفقا وقواعد النظر والاستدلال عند أهل السنة، من مثل: الإيمان بجميع النصوص الصحيحة مع التعظيم والتوقير، ودرء كل ما ظاهره التعارض بين أدلة المنقول وأدلة المعقول، ورد النزاع إلى الكتاب والسنة عمومًا، واعتماد فهم الصحابة والسلف الصالح، ونحو ذلك. ثم يبقى -بعد تصحيح المنهج- أن استعمال هذه التسمية فيها نوع مسامحة ممن قالها أو كتبها من أهل السنة، وهي خلاف الصحيح والمعتمد عند أهل الحق من أسماء هذا العلم الشريف: ومن ذلك قول القائل: أيها المغتدي ليطلب علمًا ... كل علم عبد لعلم الكلام تطلب الفقه كي تصحح حكما ... ثم أغفلت منزل الأحكام1 فهذا على اعتبار المسامحة في هذا الاصطلاح، وإلا فقد عارضه الآخر مصححا فقال: أيها المغتدي ليطلب علمًا ... كل علم عبد لعلم الرسول تطلب الفرع كي تصحح أصلا ... كيف أغفلت علم أصل الأصول2 وقد أزال الإمام السفاريني هذ اللبس بنفسه فقال: "فإن قلت: إذا كان علم الكلام بالمثابة التي ذكرت، والمكانة التي عنها برهنت، فكيف ساغ للأئمة الخوض فيه، والتنقيب عما يحتويه؟ ثم إنك أتيت ما عنه نهيت، وحررت ما عنه نفرت، وهل هذا في

_ 1 نفح الطيب للتلمساني "5/ 296". 2 شرح الطحاوية لابن أبي العز، ص76.

بادي الرأي إلا مدافعة، وجمع للشيئين اللذين بينهما تمام الممانعة؟ قلت: إن ما ذهب إليه وهلك من التمانع لممتنع، وما سنح في خلدك من التدافع لمندفع، بل العلم الذي نهينا عنه، غير الذي ألفنا فيه، والكلام الذي حذرنا منه، غير الذي صنف فيه كل إمام حافظ وفقيه، فعلم الكلام الذي نهى عنه أئمة الإسلام هو العلم المشحون بالفلسفة والتأويل، والألحاد والأباطيل، وصرف الآيات القرآنية عن معانيها الظارهة، والأخبار النبوية عن حقائقها الباهرة دون علم السلف ومذهب الأثر، وما جاء في الذكر الحيكم وصحيح الخبر"1. وخلاصة الموقف من هذه التسمية ما قاله شيخ الإسلام: "إن السلف لم يذموا جنس الكلام أو الاستدلال والنظر والجدل الذي أمر الله به ورسوله، ولا ذموا كلاما هو حق، كما أنهم لم يذموا الكلام لمجرد اشتماله على ألفاظ اصطلاحية إذا كانت معانيها صحيحة، بل ذموا الكلام الباطل المخالف للكتاب والسنة والعقل"2، فالسلف ذموا أهل الكلام الذين هم أهل الشبهات والأهواء، لم يذموا أهل الكلام الذين هم أهل كلام صادق، يتضمن الدليل على معرفة الله تعالى، وبيان ما يستحقه وما يمتنع عليه"3. 2- الفلسفة: جاء في المعجم الفلسفي: "الفلسفة الأولى: مصطلح قال به أرسطو، وأطلقه على دراسة الموجودات الأزلية المفارقة، وهي ما سمي فيما بعد بالميتاقيزيقا، وتسمى أيضا الإلهيات.. وأطلق أخيرا على دراسة ما يتصل بمشكلة المعرفة والوجود والألوهية"4.

_ 1 لوامع الأنوار للسفاريني "1/ 110، 111". 2 مجموع الفتاوى "13/ 147"، والصواعق المرسلة لابن القيم "4/ 1274". 3 درء التعارض بين العقل والنقل لابن تيمية "7/ 181". 4 المعجم الفلسفي إصدار مجمع اللغة العربية ص139، 140.

فالفلسفة إعمال العقل في أي مجال وكل مجال بلا أي منطلقات ابقة من دين أو وحي، للوصول إلى الحقائق الأزلية -بزعمهم-، فهي محولة إدراك الفاني القاصر للأول والآخر -سبحانه-، وبالتالي فهي محاولة محكومة بالفشل، مقضي عليها بالخسار والبوار قبل أن تبدأ، إذ الفلسفة تنتهي حتما إلى التعقيد والتخليط والجفاف كلما حاولت أن تتناول مسائل العقيدة. ولقد دخل من سمي بفلاسفة المسلمين في جحيم الفلسفة، فما خرجوا منها إلا إلى نار الجحيم -عياذًا بالله-، فأنكروا البعث والمعاد، وقالوا بقدم العالم، وجاءوا بالكفريات. قال الغزالي رحمه الله: "وأما الإلهيات ففيها أكثر أغاليطهم، ومجموع ما غلطوا فيه يرجع إلى عشرين أصلًا يجب إكفارهم في ثلاثة منها، وتبديعهم في سبعة عشر، وقد أبطالناها جميعا في كتابنا المسمى تهافت الفلاسفة، فأما الثلاثة: فقولهم بأن الأجسام لا تحشر، وأن الله لا يعلم الجزئيات، بل الكليات فقط، وأن العالم قديم ... ثم قال: وجب الحكم بكفر أرستطاليس ومن قبله من الفلاسفة كأفلاطون وسقراط وغيرهم، وكفر متبعيهم من متفلسفة الإسلاميين كابن سينا، والفارابي، وأمثالهم"1. بين الفلسفة وعلم الكلام: إن الكلام يتعلق بدين بعينه، ولكن الفلسفة تبحث عنالحقائق والأصول بتجرد من كل دين ومذهب، ومن حيث المنهج فإن علم الكلام يبدأ من مسلمات عقدية يفترض صحتها، أي أن المتكلم يبدأ من قاعدة يعترف بها، ثم يبدأ في التماس الطريق العقلية المؤدية لإثباتها، وهذا بخلاف الفيلسوف الذي يتشكك في البدهيات، ويماري

_ 1 المنقذ من الضلال للغزالي ص17.

في الأوليات، حتى يثبتها عقله أولا، ثم يتدرج منها إلى النتائج، مستخدما منهجا عقليا صرفا، فالمتكلم يبدأ بذكر الأدلة على وجود الله، والفيلسوف يبدأ بإنكار وجود الله، والعياذ بالله. والحاصل أن تسمية علم التوحيد بالفلسفة هو تسمية للإيمان بضده، وللنور والهدى واليقين بالظلمة والضلال والشك، والعلماء متفقون على حرمة تعلم الفلسفة، متفقون على ذمها وذم من دخل فيها من علماء الكلام سواء في ذلك أهل السنة، أو الأشاعرة، أو الماتريدية. قال التفتازاني الماتريدي: "ولا يصدنك عن آيات الله ودين الإسلام، ولا يصرفنك عن اتباع هؤلاء الأنبياء خوض بعض المتفلسفين في زي الفقهاء في هذه الزنادقة الهادمة لدين الإسلام، وملة الأنبياء، فإنه انسلخ من الدين فأتبعه الشيطان فكان من الغاوين، وصار من أئمة الكفرة في صورة علماء المسلمين"1. وقال السنوسي الأشعري: "فليحذر المبتدئ جهده أن يأخذ أصول دينه من الكبت التي حشيت بكلام الفلاسفة، وأولع مؤلفوها بنقل ما هو كفر صريح من عقائدهم، التي ستروا نجاساتها باصطلاحاتهم، وعبارات مبهمة على كثير من الناس، ككتب الرازي في فن الكلام، وطوالع البيضاوي، ومن حذا حذوهما في ذلك، وقل أن يفلح من أولع بصحبة كلام الفلاسفة، أو يكون له نور إيمان في قلبه أو لسانه"2. قال الذهبي رحمه الله في ترجمة ابن حزم رحمه الله: "وكان قد مهر أولا في الأدب والأخبار والشعر، وفي المنطق وأجزاء الفلسفة، فأثرت فيه تأثيرا ليته سلم من ذلك"3.

_ 1 رد النصوص للتفتازاني، نقلا عن ترتيب العلوم للشيخ محمد المرعشي ص231. 2 شرح متن السنوسية للسنوسي، نقلا عن ترتيب العلوم للشيخ محمد المرعشي ص148، 149. 3 سير أعلام النبلاء "18/ 186".

وأخيرا فإن طائفة من علماء الكلام الفحول الذين دخلوا في علم الكلام المشحون بالفلسفة قد رجعوا عن الكلام ومسالكه، وتابوا إلى الله من الفلسفة وأوضارها في ملحات العمر الأخيرة، كما فعل أبو الحسن الأشعري، حيث قال رحمه الله: "فإن قال لنا قائل: قد أنكرتم قول المعتزلة والقدرية والجهمية والحرورية والرافضة والمرجئة، فعرفونا قولكم الذي به تقولون، وديانتكم التي بها تدينون، قيل له: قولنا الذي نقول به، وديانتنا التي ندين بها: التمسك بكتاب ربنا عز وجل، وسنة نبينا صلى الله عليه وسلم، وما روي عن الصحابة والتابعين، وأئمة الحديث، ونحن بذلك معتصمون، وبما قال به أبو عبد الله أحمد بن حنبل -نضر الله وجهه، ورفع درجته، وأجزل مثوبته- قائلون، ولما خالف قوله مجانبون"1. وهذا الإمام الجويني رحمه الله يقول في آخر عمره: "يا أصحابنا لا تشتغلوا بالكلام، فلو عرفت أن الكلام يبلغ بي إلى ما بلغ ما اشتغلت به"2، وقال عند موته: "لقد خضت البحر الخضم وخليت أهل الإسلام وعلومهم، ودخلت في الذي نهوني عنه، والآن إن لم يتداركني ربي برحمته فالويل للجويني، وها أنا ذا أموت على عقيدة أمي، أو قال على عقيدة عجائز أهل نيسابور"3. وقال الشهرستاني: لعمري لقد طفت المعاهد كلها ... وسيرت طرفي بين تلك المعالم فلم أر إلا واضعا كف حائر ... على ذقن أو قارعا سن نادم4

_ 1 الإبانة عن أصول الديانة للأشعري "1/ 20". 2 طبقات الشافعية الكبرى للسبكي "5/ 186"، وتلبيس إبليس لابن الجوزي ص105. 3 شرح الفقه الأكبر لملا علي القاري الحنفي ص6، وتلبيس إبليس لابن الجوزي ص104، 105. 4 نهاية الإقدام للشهرستاني ص3.

وقال الرازي: "لقد تأملت الطرق الكلامية، والمناهج الفلسفية فما رأيتها تشفي عليلًا، ولا تروي غليلا، ورأيت أقرب الطرق طريقة القرآن ... ومن جرب مثل تجربتي عرف مثل معرفتي"1. ثم اعتذر عما دخل فيه بكلام طويل قال في آخره: "وأقول: ديني متابعة الرسول صلى الله عليه وسلم، وكتابي هو القرآن العظيم، وتعويلي في طلب الدين عليهما، ... وأما الكتب التي صنفتها واستكثرت فيها من إيراد السؤالات، فليذكرني من نظر فيها بصالح دعائه على سبيل التفضل والإنعام، وإلا فليحذف السيئ، فإني ما أردت إلا تكثير البحث وشحذ الخاطر ... "2. وقال الغزالي: "الدليل على أن مذهب السلف هو الحق، أن نقيضه بدعة، والبدعة مذمومة وضلالة"3. وقال أيضا: "إن الصحابة رضي الله عنهم كانوا محتاجين لمحاجة اليهود والنصارى في إثبات نبوة محمد صلى الله عليه وسلم، فما زادوا على أدلة القرآن شيئا، وما ركبوا ظهر اللجاج في وضع المقاييس العقلية وترتيب المقدمات، كل ذلك لعلمهم، بأن ذلك مثار الفتن ومنبع التشويش، ومن لا يقنعه أدلة القرآن، لا يقمعه إلا السيف والسنان، فما بعد بيان الله بيان"4، وصدق الله تعالى وغفر له. وقال الآمدي: "أمعنت النظر في الكلام، وما استفدت منه شيئا إلا ما عليه العوام"5.

_ 1 درء التعارض لابن تيمية "1/ 160". 2 طبقات الشافعية الكبرى للسبكي "8/ 91، 92". 3 إلجام العوام عن علم الكلام للغزالي ص96. 4 المصدر السابق ص89-90. 5 درء التعارض لابن تيمية "3/ 262".

وهذا الشوكاني يذكر انكبابه في عنفوان شبابه على مؤلفات طوائف المتكلمين، ثم قال: "ورمت الرجوع بفائدة، والعودة بعائدة، فلم أظفر من ذلك بغير الخيبة والحيرة"1. وقال المرعشي: "وأقول كما هجر الغزالي الكلام، كذلك هجرته وتبرأت وتبت منه إلى الله تعالى، الذي يقبل التوبة عن عباده، ويعفو عن السيئات، وأسأل الله ألا يحشرني يوم القيامة مع المتكلمين، وهذا القول مني بعد اشتغال بالكلام وتأليفي فيه "نشر الطوالع"2، والآن أتمنى أن أجمع نسخه المنتشرة وأحرقها بالنار، ولئلا يبقى مني أثر في الكلام، لكني لا أقدر على ذلك"3. ونقل المرعشي قول أحد المتكلمين في حاشيته لشرح العقائد: "الاشتغال بتفاصيل علم الكلام يقسي القلب، ولذا نرى أكثر طلبته تاركي الصلاة، ومرتكبي الكبائر، ومضيعي العمر فيما لا يعنيهم"، ثم علق عليه فقال: يقول الفقير: "أما قسوة القلب فقد وجدناها بلا شك عند الاشتغال به، فنسأل الله يقيلنا عثراتنا"4. قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "ولو جمعت ما بلغني في هذا الباب عن أعيان هؤلاء كفلان وفلان، لكان شيئا كثيرًا، وما لم يبلغني عن حيرتهم وشكهم أكثر وأكثر، وذلك؛ لأن الهدى هو فيما بعث الله به رسله، فمن أعرض عنه لم يكن مهتديا فكيف بمن عارضه بما يناقضه، وقدم مناقضه عليه"5.

_ 1 التحف في مذاهب السلف للشوكاني ص74. 2 من العجب أن هذا الكتاب الذي تراجع عنه صاحبه، كان مقررا على طلاب المعاهد الدينية بالأزهر في فترة سابقة، وهو شرح لطوالع البيضاوي الأصولي المتكلم. 3 ترتيب العلوم للشيخ محمد المرعشي المعروف بـ"ساجقلي زاده" ص74. 4 المصدر السابق ص215. 5 درء تعارض العقل والنقل لابن تيمية "1/ 166".

وأخيرًا أقول: إن العبرة بكمال النهايات لا بنقص البدايات، وذكر هذه الأخبار عن علماء أهل الإسلام يدل على كمالهم وحسن مقصدهم، غفر الله لهم جميعا، قال الذهبي رحمه الله بعد أن ذكر الغلاة في الطوائف الإسلامية من أهل القبلة: " ... قد ماجت به الدنيا وكثروا، وفيهم أذكياء وعباد وعلماء، نسأل الله العفو والمغفرة لأهل التوحيد، ونبرأ إلى الله من الهوى والبدع، ونحب السنة وأهلها، ونحب العالم على ما فيه من الاتباع، والصفات الحميدة، ولا نحب ما ابتدع فيه بتأويل سائغ، وإنما العبرة بكثرة المحاسن"1. وقال أيضا في حق الإمام أبي حامد الغزالي رحمه الله: "ولوا أن أبا حامد من كبار الأذكياء وخيار المخلصين، لتلف، فالحذار الحذار من هذه الكتب، واهربوا بدينكم من شبه الأوائل، وإلا وقعتهم في الحيرة فمن رام النجاة والفوز فليلزم العبودية، وليدمن الاستغاثة بالله، وليبتهل إلى مولاه في الثبات على الإسلام، وأن يتوفى على إيمان الصحابة وسادة التابعين، والله الموفق، فبحسن قصد العالم يغفر له، وينجو إن شاء الله"2.

_ 1 سير أعلام النبلاء للذهبي "20/ 45، 46". 2 المصدر السابق "19/ 328، 329".

المبحث الثالث: موضوع علم التوحيد

المبحث الثالث: موضوع علم التوحيد إن موضوع أي علم هو ذلك المعنى العام الذي يشتمل على مسائله التي يتخذها دائرة لبحثه دون غيره من العلوم، وذكر موضوع العلم بعد تعريفه مما يزيده تحديدًا وتمييزًا عن غيره، كما يشير إلى طبيعة منهج البحث فيه؛ لأن مناهج العلوم، وإنما توضع ملائمة لطبيعة موضوعاتها. وفي تعريف موضوع العلم اصطلاحًا، قال ابن النجار الحنبلي رحمه الله: "هو ما يبحث فيه عن عوارضه الذاتية"1، أي الأحوال التي منشؤها ذات الشيء محل البحث، فالمقصود الأحوال التي منشؤها ذات العلم. فإذا قيل: إن موضوع علم الطب هو بدن الإنسان، فإن موضوعه يبحث عما يعرض لهذا البدن من أحوال الصحة والمرض، وإذا قيل: إن موضوع علم الفقه هو أفعال المكلفين، فإنه يبحث عما يعرض لهذه الأفعال من الأحكام، كالوجوب، والحرمة، والندب، والكراهة، والإباحة، والصحة، والفساد. وموضوع علم التوحيد عند أهل السنة والجماعة يدور على أمور منها: بيان حقيقة الإيمان بالله تعالى وتوحيده، وما يجب له تعالى من صفات الجلال والكمال، "مع إفراده وحده بالعبادة دون شريك"، والإيمان بالملائكة الأبرار والرسل الأطهار، وما يتعلق باليوم الآخر" والقضاء والقدر، كما يدور على بيان ضد التوحيد وهو الشرك والكفر، وبيان حقيقتيهما وأنواعهما.

_ 1 شرح الكوكب المنير لابن النجار الحنبلي بتحقيق د. محمد الزحيلي ود. نزيه حماد "1/ 33".

وقد يقال: إن موضوع علم التوحيد يدور على محاور ثلاثة، وذلك على النحو التالي: 1- ذات الله تعالى أو "الإلهيات": والبحث في ذات الله تعالى من حيثيات ثلاث، هي: 1- ما يتصف به تعالى من العلم والحياة والقدرة والصفات، وسائر صفاته وكمالاته تعالى. قال سبحانه: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى: 11] . 2- ما يتنزه عنه من الظلم والنقص والعجز والمثالب، وسائر ما لا يليق بجلاله وكماله. قال تعالى: {اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ} [البقرة: 255] . 3- حقه على عباده، وهو أن يعبدوه فلا يشركوا به شيئًا، وأن يطيعوه فلا يعصوه أبدًا، قال تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْأِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات: 56] ، وقال تعالى: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ} [البينة: 5] . وقد أغفل كثير من المخالفين لأهل السنة في الاعتقاد هذه الحيثية الثالثة عند البحث في موضوع علم التوحيد، حيث قصروه على ما يشمل إثبات وجوده تعالى وربوبيته وأسمائه وصفاته، وأغفلوا ما يشمل ألوهيته وعبادته، وسبب ذلك أنهم قصروا الإيمان على التصديق، وأخرجوا عنه العمل بالطاعات، واجتناب الشركيات، وجعلوا الكفر مجرد التكذيب والجحود بالقلب، ولا دخل لعمل الجوارح في الكفر، إلا إذا دل على انتقاض عمل القلب فحسب، ولذا قال قائلهم في جوهرة التوحيد: ومن بمعلوم ضرورة جحد ... من ديننا يقتل كفرا ليس حد ومثل هذا من نفي لمجمع ... أو استباح كالزنا فلتسمع

يقول فضيلة الشيخ الدكتور محمد خليل هراس رحمه الله: "قال الشيخ محمد عبده في موضوع علم التوحيد: هو علم يبحث فيه عن وجود الله وما يجب أن يثبت له من صفات، وما يجوز أن يوصف به، وما يجب أن ينفي عنه وعن الرسل لإثبات رسالتهم، وما يجب أن يكونوا عليه، وما يجوز أن ينسب إليهم، وما يمتنع أن يلحق بهم، فلم يذكر شئون الغيب وأحوال المعاد، ثم قال بعد ذلك: وأصل معنى التوحيد اعتقاد أن الله واحد لا شريك له، وسمي هذا العلم به تسمية له بأهم أجزائه، وهو إثبات الوحدة لله في الذات والفعل في خلق الأكوان، وأنه وحده مرجع كل كون ومنتهي كل قصد، وهذا المطلب كان الغاية العظمى من بعثة النبي صلى الله عليه وسلم، كما تشهد به آيات الكتاب العزيز ... وقد غلط الشيخ عبده في اعتبار توحيد الربوبية والانفراد بالخلق هو الغاية من بعثة الرسل عليهم الصلاة والسلام، فإن هذا النوع من التوحيد كانت تقربه الأمم التي بعثت إليه الرسل إجمالا، ولم يقع نزاع فيه بينهم وبين الرسل، وإنما كان النزاع في توحيد الإلهية والعبادة، ولهذا لم يجئ على لسان الرسل عليهم السلام الدعوة إلى اعتقاد أن الله هو وحده الخالق -وإن وردت أدلة ذلك في ثنايا الرسالات-، وإنما كان مدار دعوتهم هو عبادة الله وحده لا شريك له، فكل منهم كان مفتتح دعوته لقومه: {اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ} [الأعراف: 65] . ولعل فضيلة الشيخ عبده في هذا كان متأثرا بالأشعرية، الذين جعلوا الانفراد بالخلق هو أخص خصائص الإلهية، واهتموا في كتبهم بإقامة البراهين على هذا النوع من التوحيد، دون أن يشيروا إلى توحيد الإلهية الذي هو أقصى الغايات ونهاية النهايات. وقد أحسن العلامة السيد رشيد رضا، حيث قال مستدركا على أستاذه: "فات الأستاذ أن يصرح بتوحيد العبادة، وهو أن يعبد الله وحده غيره بدعاء، ولا

بغير ذلك ... هذا التوحيد هو الذي كان أول ما يدعو إليه كل رسول قومه بقوله: {اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ} "1. فإن اقتصر الباحث في علم التوحيد على هذه الحيثيات الثلاث، وبفهم السلف فهو داخل حظيرة الإسلام والسنة، وإن خاض في البحث عن حقيقة الذات، وكنه الصفات وأمور الإلهيات على قواعد أهل الكلام، فقد خرج عن السنة إلى البدعة، وعن الهدى إلى الضلالة، وإن زاد في المخالفة، فبحث على قواعد أهل الفلسفة، فقد خرج عن دائرة البدعة إلى الكفر، والعياذ بالله تعالى. ورحم الله من قال: العجز عن درك الإدراك إدراك ... والبحث في كنه ذات الله إشراك 2- ذوات الرسل الكرام أو "النبوات": والبحث في ذوات الرسل الكرام من الحيثيات التالية: - ما يلزمهم ويجب عليهم من صدق وأمانة وبلاغ ونصح لأممهم، ونحو ذلك. قال تعالى: {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُنِيبٌ} [هود: 75] ، وقال سبحانه: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ} [القلم: 4] ، وقال عز وجل: {مَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلاغُ} [المائدة: 99] . - ما يجوز في حقهم من أكل ونكاح وأمراض غير منفرة وموت، ونحو ذلك مما يعرض للبشر. قال تعالى: {وَقَالُوا مَالِ هَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْوَاقِ} [الفرقان: 7] ، وقال تعالى: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجًا وَذُرِّيَّةً} [الرعد: 38] ، وقال تعالى: {قَالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ إِنْ نَحْنُ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ} [إبراهيم: 11] .

_ 1 دعوة التوحيد لمحمد خليل هراس ص 8-10.

- ما يستحيل في حقهم من الكذب والخيانة والكفر والكبائر والموبقات. قال تعالى: {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى، إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} [النجم: 3، 4] . - ما يجب لهم على أتباعهم من الحب والطاعة والاتباع والتعظيم. قال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ} [النساء: 64] ، وقال تعالى: {النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ} [الأحزاب: 6] . 3- السمعيات أو "الغيبيات": وهي ما يتوقف الإيمان به على مجرد ورود السمع أو الوحي به، وليس للعقل في إثباتها أو نفيها مدخل، كأشراط القيامة، وتفاصيل البعث والجزاء دون أصلهما، والصراط والحوض، وأخبار الجنة والنار، ونحو ذلك. والبحث في السمعيات أو مسائل الغيب يكون من حيث اعتقادها، وهو يقوم على دعامتين اثنتين هما: 1- الإقرار بها مع التصديق، ويقابله الجحود والإنكار لها. 2- الإمرار لها مع إثبات معناها، ويقابله الخوض في الكنه والحقيقة، ومحاولة التصور والتوهم بالعقل بعيدا عن النقل. وضابط السمعيات: أن العقل لا يمنعها أو يحيلها، ولا يقدر على ذلك، ولا يقدر أن يوجبها، ولا يحار في ذلك. فمتى ما صح النقل عن الله عز وجل أو رسوله صلى الله عليه وسلم، فإن الواجب اعتقاد ذلك والإقرار به، ودفع كل تعارض موهوم بين شرع الله وهو الوحي، وبين خلقه وهو العقل، قال تعالى: {أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ} [الأعراف: 54] ، وكما أنه لا تفاوت في خلقه: {مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ} [تبارك: 3] ، فلا تفاوت أيضًا في شرعه: {وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ

اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافًا كَثِيرًا} [النساء: 82] ، والقاعدة الذهبية أنه لا يتعارض نقل صحيح مع عقل صريح عند التحقيق. - وأخيرا فإنه قد يصح أن يقال: إن موضوع علم التوحيد هو ذات الله تعالى وحده، وذلك من حيث ما يجب له ويجوز ويمتنع1، ومن حيث رسالته الواردة عن طريق الرسول، ومن حيث ما ورد في هذه الرسالة من خبر ووحي، فالكل متعلق بالله تعالى الواحد الأحد، وعلى هذا فكل ما له تعلق بالله أو الرسول أو الوحي من الحيثيات السابقة فهو من علم التوحيد، وما خرج عن ذلك فهو خارج عن علم التوحيد ولا بد.

_ 1 سبق تعريف الشيخ ابن عثيمين لعلم التوحيد باعتبار موضوعه بأنه: "العلم الذي يبحث في ذات الله، وما يجب له وما يجوز وما يمتنع".

المبحث الرابع: حكم علم التوحيد

المبحث الرابع: حكم علم التوحيد الحكم في اللغة: القضاء مطلقا أو القضاء بالعدل خاصة، وأصله من المنع1. واصطلاحًا: خطاب الله تعالى المتعلق بأفعال المكلفين بالاقتضاء أو التخيير أو الوضع2. "وينبغي أن يعلم أن حكم العلم كحكم معلومه، فإن كان المعلوم فرضا أو سنة فعلمه كذلك، إذا توقف حصول المعلوم على تعلم ذلك العلم"3. وفي الحق أن تعلم علم التوحيد منه ما هو فرض عين، ومنه ما هو فرض كفاية، وهذا شأن العلوم الشرعية عامة. قال ابن عبد البر رحمه الله: "أجمع العلماء أن من العلم ما هو فرض متعين على كل امرئ في خاصته بنفسه، ومنه ما هو فرض على الكفاية، إذا قام به قائم سقط فرضه على أهل ذلك الموضع"4. وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "وطلب العلم الشرعي فرض على الكفاية إلا فيما يتعين، مثل طلب كل واحد علم ما أمره به وما نهاه عنه، فإن هذا فرض على الأعيان"5.

_ 1 لسان العرب لابن منظور "3/ 270"، والمصباح المنير للفيومي "1/ 145"، والقاموس المحيط للفيروزابادي ص1415. 2 التمهيد للأسنوي ص48، وشرح مختصر المنتهى للعضد "1/ 222". 3 ترتيب العلوم للمرعشي ص90. 4 جامع بيان العلم وفضله لابن عبد البر ص10. 5 مجموع الفتاوى "3/ 328، 329"، "28/ 80".

وإن أعظم ما أمر الله به هو التوحيد، قال تعالى: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ} [محمد: 19] ، وقال سبحانه: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ} [الإسراء: 23] ، وفي حديث معاذ رضي الله عنه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا معاذ، أتدري ما حق الله على العباد، وما حق العباد على الله؟ "، قلت: "الله ورسوله أعلم"، قال: "حق اله على العباد أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئا" 1، وفي حديث معاذ الآخر قال صلى الله عليه وسلم: "فليكن أول ما تدعوهم إليه: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله" 2. فكان أول الواجبات وأوجب التكليفات، هو إفراد الله تعالى بالتوحيد والبراءة من الشرك باتفاق أهل السنة، وفي الحديث: "إن العبد أول ما يسئل في قبره من ربك، وما دينك، ومن الرجل الذي بعث فيكم" 3. قال الإمام ابن أبي العز رحمه الله: "اعلم أن التوحيد هو أول دعوة الرسل وأول منازل الطريق، وأول مقام يقوم فيه السالك إلى الله عز وجل.. ولهذا كان الصحيح أن أول واجب يجب على المكلف شهادة أن لا إلا الله، لا النظر4، ولا القصد إلى النظر5، ولا الشك6.. فالتوحيد أول ما يدخل به في الإسلام، وآخر ما يخرج به من الدنيا، فهو أول واجب وآخر واجب"7.

_ 1 أخرجه البخاري "2856"، ومسلم "30". 2 أخرجه البخاري "1458"، ومسلم "19". 3 أخرجه أبو داود "3212"، وابن ماجه "1548". 4 وهذا مذهب الأشاعرة، انظر: "الإنصاف" للباقلاني ص22. 5 وهذا مذهب الجويني، انظر: "الإرشاد" للجويني ص3. 6 وهذا مذهب المعتزلة، انظر: "الأصول الخمسة" للقاضي عبد الجبار، وهذا كله مبني على أن الإيمان بالخالق كسبي نظري في أصله، وأهل السنة على أن الإيمان بالخالق في أصله فطري وهبي. 7 شرح العقيدة الطحاوية لابن أبي العز "1/ 21-23".

قال الشيخ حافظ حكمي رحمه الله في منظومته: أول واجب على العبيد ... معرفة الرحمن بالتوحيد إذ هو من كل الأوامر أعظم ... وهو نوعان أيا من يفهم ومما يدل على أنه آخر واجب، حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لقنوا موتاكم لا إله إلا الله" 1، وفي الصحيح من حديث عثمان رضي الله عنه: "من مات وهو يعلم أنه لا إله إلا الله، دخل الجنة" 2. فتعلم فرض العين من علم التوحيد هو أول الواجبات وأولاها، وأفرضها على المكلفين أجمعين. وفرض العين منه، هو: ما تصح به عقيدة المسلم في ربه، من حيث ما يجوز ويجب ويمتنع في حق الله تعالى، ذاتا وأسماء وأفعالا وصفات، على وجه الإجمال، وهذا ما يسميه بعض العلماء بالإيمان المجمل أو الإجمالي. وهو ما يسأل عنه جميع الخلق، لما روي عن أنس بن مالك، وابن عمر ومجاهد في قوله عز وجل: {فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ} [الحجر: 92] ، قالوا: عن لا إله إلا الله3. وأما فرض الكفاية من علم التوحيد، فما زاد على ذلك من التفصيل والتدليل والتعليل، وتحصيل القدرة على رد الشبهات وقوادح الأدلة، وإلزام المعاندين وإفحام المخالفين، وهذا ما يسمى بالإيمان التفصيلي، وهو المقدور على إثباته بالأدلة وحل ودفع الشبه الواردة عليه، وهو من أجل فروض الكفايات في علوم الإسلام؛ لأنه ينفي تأويل المبطلين وانتحال الغالين، فلا يجوز أن يخلو الزمان ممن يقوم بهذا الفرض الكفائي المهم،

_ 1 أخرجه مسلم "917". 2 أخرجه مسلم "26". 3 أخرجه الطبراني في "الدعاء" "1492، 1493، 1494، 1496، 1497"، بأسانيد لا تخلو من مقال.

إذا لا شك أن حفظ عقائد الناس أكثر أهمية من حفظ أبدانهم، وأموالهم وأعراضهم. واختصارًا فإن حكم الشارع في تعلم علم التوحيد أنه فرض عين على كل مكلف، من ذكر وأنثى، وذلك بالأدلة الإجمالية، وأما بالأدلة التفصيلية ففرض على الكفاية. ويشترط للتكليف بالتوحيد أربعة شروط، وهي: العقل، والبلوغ، وسلامة حاستي السمع أو البصر، وبلوغ الدعوة، وفيما يلي لمحة عنها: 1- العقل: ويقصد به الوصف الذي يتميز به الإنسان عن سائر الحيوان، فبه يتحصل على العلوم النظرية، ويدبر الصناعات الخفية، وينشأ هذا العقل في بطن الأم ويكتمل لدى البلوغ، وهو بهذا الاعتبار محض منحة الله وفضله. وسمي هذ العقل عقلا؛ لأنه يعقل الإنسان عما يقبح، كما يعقل العقال الدابة، ويسمى هذا العقل بالعقل الغريزي أو الطبعي، وهو المشترط للتكليف، فإذا غاب تماما أو زال بالكلية، فقد أصبح الإنسان غير مكلف، وإذا أخذ الله ما وهب أسقط ما أوجب وفي الحديث: "رفع القلم عن ثلاثة: عن المجنون المغلوب على عقله حتى يفيق، وعن النائم حتى يستيقظ، وعن الصبي حتى يحتلم" 1.

_ 1 رواه أحمد "1/ 154، 158"، وأبو داود "4401-4403"، والنسائي في الكبرى "7343-7347"، والترمذي "1423"، وابن حبان "143"، والدارقطني "3/ 183-139"، والحاكم "1/ 258" "2/ 59"، والبيهقي "6/ 57" "7/ 259" "8/ 264-265"، والضياء في المختارة "415" من حديث علي مرفوعا وموقوفا، والصواب وقفه من قول علي غير مرفوع، كما ذكر النسائي والدارقطني وغيرهما. وانظر: علل الترمذي "ص/ 225-227"، وعلل الدارقطني "3/ 72، 192 رقم 291، 354". وإلى هذا ذهب البخاري فأورده في صحيحه معلقا من قول علي كما في كتاب "الطلاق" من صحيحه "5/ 201" باب: "الطلاق في الإغلاق". لكن رواه أحمد "6/، 100، 101، 144"، وأبو داود "4398"، والنسائي في الكبرى "5625"، وابن ماجه "2041"، والحاكم "2/ 59"، وابن حبان "142" من حديث عائشة رضي الله عنها. =

فالعقل الطبعي الموهوب هو شرط التكليف، ولكن لما كان التكليف لا يناط بكل مقدار من العقل، وإنما هناك درجة من العقل إذا بلغها الصبي كان مكلفًا، ولما كان من الصعب معرفة بلوغ الصبي تلك المرتبة التي هي مناط التكليف، فقد أقام الشارع البلوغ -كوصف ظاهر منضبط- دليلًا على اكتمال القدر المطلوب من العقل للتكليف. 2- البلوغ: ويقصد به انتهاء حد الصغر، وانتقال الصبي من حالة الطفولة إلى حالة الرجولة، وعنده يتم التكليف ويجري القلم، ويدرك الصغير قضاياه المصيرية، ويفكر بجدية في إجابات الأسئلة الضرورية، فإذا مات الصبي قبل البلوغ، فقد مات مرفوعا عنه القلم وناجيا عند الله تعالى، سواء في ذلك أبناء المسلمين والكفار على الراجح. كما نقل ابن المنذر الإجماع على ذلك، فقال: "وأجمعوا على أن الفرائض والأحكام تجب على المحتلم العاقل"1. وللبلوغ علامات وأمارات، اثنتان يشترك فيها الذكر والأنثى، وهما الإنزال أو الاحتلام والإنبات، واثنتان تخص الأنثى وهما الحيض والحبل، فإن لم يوجد شيء من ذلك فبالسن، وبيان الأمارات كما يلي: الإنزال: وهو خروج المني دفقا بشهوة، يقظة أو مناما، بجماع أو بغيره. قال تعالى: {وَإِذَا بَلَغَ الْأَطْفَالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا} [النور: 59] ، وأمر

_ = وصححه الحاكم، والألباني في صحيح الجامع "3512-3514" من حديث علي، وصححه الحاكم وابن حبان من حديث عائشة، ونقل الترمذي في العلل عن البخاري قوله في حديث عائشة: "أرجو أن يكون محفوظا". وله شواهد عن جماعة من الصحابة. انظر: نصب الراية للزيلعي "4/ 161". 1 الإجماع لابن المنذر ص111، وهو عند ابن قدامة في المغني "4/ 297"، والبهوتي في كشاف القناع "3/ 443"، وابن مفلح في البدع "4/ 332"، وابن حجر في الفتح "6/ 204".

الأطفال بالاستئذان بعد الاحتلام، دليل على أن الاحتلام يحصل به التكليف، وما ذلك إلا؛ لأن الشرع أثبت به البلوغ، وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم بقتل المحتلم من بني قريظة، ففي الحديث الذي رواه عطية القرظي قال: "عرضنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم -زمن قريظة- فمن كان محتلما أو نبتت عانته قتل" 1. الإنبات: وهو نبات الشعر الخشن -الذي استحق أخذه بالموسى- على العانة، ولا عبرة بالزغب الضعيف. والإنبات علامة على البلوغ عند الحنابلة2 والظاهرية3، والراجح لدى المالكية4 مطلقا، لحديث عطية القرظي المتقدم، وعند الشافعية في حق الكافر دون المسلم -في الأصح5، وذهب الحنفية إلى عدم اعتباره مطلقا6. والراجح مذهب الجمهور، ويشهد له حديث عطية القرظي، وفي بعض رواياته: "فإذا أنبت جعلوه في الرجال وحكمه القتل، وإن لم ينبت جعلوه في السبي، قال: فشكوا في فكشفوا عن مئزري، ونظروا إلى عورتي، فوجدوني لم أنبت"7.

_ 1 رواه أحمد "18523"، والدارمي "2464"، وأبو داود "4404"، والترمذي "1584"، والنسائي "3429". وابن ماجه "2542"، وأبو عوانة "6476-6483"، والبيهقي "6/ 58"، وبعض أسانيده صحيحة، وقال الترمذي: "هذا حديث حسن صحيح، والعمل على هذا عند بعض أهل العلم". أ. هـ. 2 المغني لابن قدامة "4/ 297"، وكشاف القناع للبهوتي "3/ 444". 3 المحلى لابن حزم "1/ 88، 89". 4 المدونة لمالك "6/ 220-221"، وحاشية الخرشي على مختصر خليل "5/ 291". 5 مغني المحتاج للخطيب الشربيني "2/ 167"، والمهذب للشيرازي "1/ 330". 6 حاشية ابن عابدين على الدر المختار لابن عابدين "6/ 153". 7 انظر: الآحاد والمثاني لابن أبي عاصم "4/ 205"، والمعجم الكبير للطبراني "17/ 163"، والطبقات لابن سعد "2/ 76-77"، والاستيعاب لابن عبد البر "3/ 1072". ومدار الحديث على عبد الملك بن عمير، وهو ثقة، وقد صرح بالتحديث فأمن من تدليسه. وانظر: تهذيب الأسماء للنووي "1/ 308".

الحيض: وهو خروج دم أحمر، داكن بالسواد، منتن الريح، من فرج المرأة عادة، وقد أجمع العلماء على أن الحيض بلوغ، قال القرطبي رحمه الله: "فأما الحيض والحبل، فلم يختلف العلماء في أنهما بلوغ، وأن الفرائض والأحكام تجب بهما"1، ونقل الإجماع غير واحد من العلماء"2. الحبل: اتفقت المذاهب الأربعة على أن الحبل دليل على البلوغ، وذلك؛ لأن الحمل لا يكون إلا مع الإنزال، والإنزال بلوغ، فكان الحبل دليلا على البلوغ. السن: فمتى بلغ الصغير خمس عشرة سنة ذكرًا كان أو أنثى عد بالغا -ما لم يبلغ بأمارة أخرى قبل ذلك-، وهذا قول الجمهور من الشافعية3 والحنابلة4 وأبي يوسف ومحمد بن الحنفية، ورواية عن أبي حنيفة5، وقول عند المالكية6. واستدلوا بحديث ابن عمر رضي الله عنهما، قال: "عرضني رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد في القتال -وأنا ابن أربع عشرة سنة- فلم يجزني، وعرضني يوم الخندق -وأنا ابن خمس عشرة سنة- فأجازني"7. وعند أبي حنيفة في الرواية الثانية إذا أتم الغلام ثماني عشرة سنة عد بالغا، وإذا أتمت الأنثى سبع عشرة سنة عدت بالغة8.

_ 1 تفسير القرطبي "5/ 34". 2 وممن نقل الإجماع ابن حجر في الفتح "6/ 205". 3 الأم للشافعي "3/ 215"، والمهذب للشيرازي "1/ 330". 4 المغني لابن قدامة "4/ 298"، وكشاف القناع للبهوتي "3/ 443". 5 الهداية للمرغيناني "3/ 284"، وتبيين الحقائق للزيلعي "5/ 203". 6 حاشية الخرشي على مختصر خليل "5/ 291". 7 أخرجه البخاري "2664"، ومسلم "1868". 8 الهداية للمرغيناني "3/ 207".

ومشهور المالكية أن الصبي -ذكرا كان أو أنثى- يعد بالغا إذا أتم ثماني عشرة سنة1. والراجح القول الأول، قال أبو بكر بن العربي: "والسن التي اعتبرها النبي صلى الله عليه وسلم هي خمس عشرة سنة أولى من سن لم يعتبرها، وكذا اعتبر الإنبات علامة على البلوغ"2. 3- سلامة حاسة السمع أو البصر: الحواس جمع حاسة بمعنى القوة الحاسة المدركة، ومنها الحواس الخمس وهي: السمع والبصر والشم والذوق واللمس، وهي تنقل إلى الأذهان ما تستطيع الإحساس به، فلا يدرك بواحدة ما يدرك بالحاسة الأخرى، والمدرك بشيء منها يقال له محسوس، وقد تكون تلك الحواس سليمة فتنقل نقلا صحيحا، وقد تكون عليلة أو مختلة فتنقل نقلا خاطئا أو مشوها. "وهذه الحواس لا تستقل بإدراك المعاني والحقائق دون مساعدة العقل أو الدماغ، فالعقل أو الدماغ هو الذي يترجم هذه المحسوسات إلى معان، ودليل ذلك قوله سبحانه وتعالى: {وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لا يَسْمَعُ إِلَّا دُعَاءً وَنِدَاءً} [البقرة: 171] ، حيث شبه الله الكافرين بالبهائم التي يناديها الراعي، وربما تكلم بعبارات لكنها لا تفهم منها إلا صوتا لا تميزه، فالبهائهم تسمع السوت، لكن لعدم المقدرة العقلية التي تمكنها من التمييز بين الأصوات ومعرفتها، فإن الأصوات عندها سواء، لا تحمل إليها شيئا من المعاني المعينة"3. وأهم الحواس للتكليف حاسة السمع، فإن فقدت قبل حصول العلم فقد انسدت منافذ المعرف الصحيحة، وامتنع بلوغ الدعوة، وقيام الحجة على وجهها التام-

_ 1 حاشية الخرشي على مختصر خليل "5/ 291". 2 أحكام القرآن لأبي بكر بن العربي ص 320. 3 العلم أصوله ومصادره ومناهجه لمحمد الخرعان ص28، 29.

وإن أمكن نوع معرفة بالإشارة والكتابة ونحو ذلك-. فعن الأسود بن سريع رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أربعة يحتجون يوم القيامة أصم لا يسمع شيئا، ورجل أحمق، ورجل هرم، ورجل مات على فترة، فأما الأصم فيقول: رب قد جاء الإسلام ولا أسمع شيئا، وأما الأحمق فيقول: رب قد جاء الإسلام والصبيان يحذفوني بالبعر، وأما الهرم فيقول: رب قد جاء الإسلام وما أعقل شيئا، وأما الذي مات على فترة فيقول: رب ما أتاني لك رسول، فيأخذ مواثيقهم ليطيعنه، فيرسل إليهم أن ادخلوا النار، فوالذي نفس محمد بيده لو دخلوها كانت عليهم بردًا وسلاما"، وفي رواية أبي هريرة: "فمن دخلها كانت عليه بردًا وسلاما، ومن لم يدخلها يسحب إليها" 1. فإذا أصيبت حاسة السمع دون البصر أمكن العلم بالإشارة والكتابة، ولا سيما بعد استحداث لغة للتخاطب مع الصم والبكم، وإن فقد البصر حصل العلم، بالسمع، فإن فقدنا معا فقد قام العذر المانع من بلوغ الحجة، ولم تنقطع المعذرة في الآخرة. 4- بلوغ الدعوة وقيام الحجة: فلا حساب ولا عذاب إلا بعد قيام الحجة الرسالية بإرسال الرسل، وإنزال الكتب وقطع العذر على أكمل وجه، قال تعالى: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا} [الإسراء: 15] . قال الشيخ الشنقيطي رحمه الله: "ظاهر هذه الآية الكريمة أن الله عز وجل لا يعذب أحدًا من خلقه، لا في الدنيا ولا في الآخرة، حتى يبعث إليه رسولا ينذره ويحذره، فيعصي ذلك الرسول ويستمر على الكفر والمعصية بعد الإنذار والإعذار.

_ 1 رواه أحمد "15866"، وابن أبي عاصم "404"، وقال الهيثمي في المجمع: رجاله رجال الصحيح، وصححه الحافظ في الفتح "3/ 246"، والألباني في صحيح الجامع "881".

وقد أوضح سبحانه وتعالى هذا المعنى في آيات كثيرة، كقوله تعالى: {رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ} [النساء: 165] ، فصرح في هذه الآية الكريمة بأنه لا بد أن يقطع حجة كل أحد بإرسال الرسل، مبشرين من أطاعهم بالجنة، ومنذرين من عصاهم بالنار"1. والناس بحسب بلوغ الدعوة، وقيام الحجة ينقسمون إلى ثلاثة أقسام: أهل القبلة: وهم الذين بلغتهم دعوة الرسول فآمنوا وشهدوا بالتوحيد، وماتوا على ذلك. قال النووي رحمه الله: "اتفق أهل السنة من المحدثين والفقهاء والمتكلمين على أن المؤمن الذي يحكم بأنه من أهل القبلة، ولا يخلد في النار، لا يكون إلا من اعتقد بقلبه دين الإسلام اعتقادًا جازما خاليا من الشكوك، ونطق بالشهادتين، فإن اقتصر على إحداهما لم يكن من أهل القبلة أصلا، إلا إذا عجز عن النطق لخلل في لسانه، أو لعدم التمكن منه لمعالجة المنية، أو لغير ذلك، فإنه يكون مؤمنا"2. وفي الصحيح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: "أشهد أن لا إله إلا الله، وأني رسول الله، لا يلقى الله بهما عبد غير شاك فيهما إلا دخل الجنة" 3. وقال: "ما من عبد يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا عبده ورسوله، إلا حرمه الله على النار" 4.

_ 1 أضواء البيان للشنقيطي "2/ 320". 2 صحيح مسلم بشرح النووي "1/ 149". 3 رواه مسلم "27" من حديث أبي هريرة رضي الله عنه. 4 رواه البخاري "128"، ومسلم "32" من حديث أنس رضي الله عنه.

وأهل القبلة فيما جهلوه من أحكام التوحيد، ومقتضياته معذورون لقوله تعالى: {لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ} [الأنعام: 19] ، وقال تعالى: {لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ} [النساء: 165] ، وقال تعالى: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا} [الإسراء: 15] . قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "ومثل هذا في القرآن متعدد، بين سبحانه أنه لا يعاقب أحدًا حتى يبلغه ما جاء به الرسول، ومن علم أن محمدًا رسول الله فآمن بذلك، ولم يعلم كثيرًا مما جاء به، لم يعذبه الله على ما لم يبلغه، فإنه إذا لم يعذبه على ترك الإيمان قبل البلوغ، فإنه لا يعذبه على بعض شرائطه إلا بعد البلوغ أولى وأحرى"1. وقال الحافظ الذهبي رحمه الله: "فلا يأثم أحد إلا بعد العلم، وبعد قيام الحجة عليه، والله لطيف رءوف بهم، قال تعالى: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا} [الإسراء: 15] ، وقد كان سادة الصحابة بالحبشة، وينزل الواجب والتحريم على النبي صلى الله عليه وسلم، فلا يبلغهم إلا بعد أشهر، فهم في تلك الأمور معذورون بالجهل حتى يبلغهم النص، وكذا يعذر بالجهل من لم يعلم حتى يسمع النص، والله أعلم"2. أهل الفترة: وهم كل من لم تبلغهم دعوة الرسل، ولم تقم عليهم الحجة، أو عاشوا بين موت رسول وبعثة رسول آخر، ولم تبلغهم دعوة الأول3. فمن لم تبلغهم دعوة الرسول مطلقا، وماتوا على الشرك فهم معذورون في الدنيا بمعنى أن الله تعالى لا يعاجلهم بعذاب الاستئصال، ولا يتسلط عليهم المؤمنون

_ 1 مجموع الفتاوى "22/ 41، 42". 2 الكبائر للذهبي ص 12. 3 تفسير الطبري "10/ 156".

بالقتال، حتى تبلغهم الدعوة، فإن ماتوا على ما عاشوا عليه من عدم الإيمان فهم ممتحنون في الآخرة -على الراجح- بنار يؤمرون باقتحامها، فمن أطاع في الآخرة، فإنه من أهل الطاعة في الدنيا لو جاءته الرسالة، ومن عصى في الآخرة، فإنه من أهل الكفر في الدنيا لو جاءته الرسالة، وهذا الامتحان يكشف علم الله تعالى في كل بسبق السعادة أو الشقاوة، وهذا مذهب السلف وعامة أهل السنة، كما نقله ابن القيم رحمه الله في كتابه طريق الهجرتين1، وأبو الحسن الأشعري رحمه الله في كتابه مقالات الإسلاميين. ولا يرد على هذا المذهب أن الآخرة دار جزاء لا عمل؛ لأن التكليف إنما ينقطع بدخول دار القرار، وأما في البرزخ، وعرصات القيامة فلا ينقطع. قال تعالى: {يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلا يَسْتَطِيعُونَ} [القلم: 42] ، والتكليف باقتحام النار مع مشقته ممكن لا يمتنع، وقبل هذا وبعده فقد صح بهذا الخبر عن سيد البشر صلى الله عليه وسلم، فيما رواه الأسود بن سريع رضي الله عنه -وقد تقدم قريبا- وفيه: "وأما الذي مات على فترة فيقول: رب ما أتاني لك رسول، فيأخذ مواثيقهم ليطيعنه، فيرسل إليهم أن ادخلوا النار، فوالذي نفس محمد بيده لو دخلوها كانت عليهم بردًا وسلاما" 2. الكفار: وهم كل من سمع بدين الإسلام ونبيه صلى الله عليه وسلم، فلم يؤمن ظاهرا وباطنا، فكل من سمع بهذا الدين في مشارق الأرض ومغاربها، ولم يؤمن فهو كافر من أهل النار. قال تعالى: {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْأِسْلامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [آل عمران: 85] ، وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "والذي نفسي بيده، لا

_ 1 انظر: طريق الهجرتين لابن القيم ص587، 588. 2 تقدم تخريجه.

يسمع بي أحد من هذه الآمة يهودي ولا نصراني، ثم يموت ولا يؤمن بالذي أرسلت به، إلا كان من أهل النار" 1. قال ابن حزم رحمه الله: "فإنما أوجب النبي صلى الله عليه وسلم الإيمان به على من سمع بأمره عليه السلام، فكل من كان في أقاصي الجنوب والشمال والمشرق والمغرب، وجزائر البحور والمغرب وأغفال الأرض من أهل الشرك، فسمع بذكره عليه السلام، ففرض عليه البحث عن حاله وإعلامه والإيمان به ... وأما من بلغه ذكر النبي صلى الله عليه وسلم، وما جاء به ثم لم يجد في بلاده من يخبره عنه، ففرض عليه الخروج عنها إلى بلاد يستبرئ فيها الحقائق"2. ولو وجد من هؤلاء الكفار جهلة مقلدون لم يصلهم نور الإسلام، ولم يسمعوا به، فهؤلاء قد يعذرون في الآخرة، ولا يعذرون في الدنيا. قال ابن القيم رحمه الله: "اتفقت الأمة على أن هذه الطبقة كفار، وإن كانوا جهالا مقلدين لرءوسهم وأئمتهم"3.

_ 1 أخرجه مسلم "153". 2 الإحكام في أصول الأحكام لابن حزم "5/ 109، 110". 3 طريق الهجرتين لابن القيم ص 411.

المبحث الخامس: فضل علم التوحيد

المبحث الخامس: فضل علم التوحيد يقصد بفضل علم التوحيد مزيته وقدره الزائد على غيره من العلوم، وما ثبت في منزلته من فضيلة، وإذا كانت العلوم الشرعية كلها فاضلة لتعلقها بالوحي المطهر، فإن علم التوحيد في الذروة من هذ الفضل العميم، حيث حاز الشرف الكامل دون غيره من العلوم، وذلك يظهر بالنظر إلى جهات ثلاث: موضوعه، ومعلومه، والحاجة إليه. فضله من جهة موضوعه: - من المتقرر أن المتعلق يشرف بشرف المتعلق، فالتوحيد يتعلق بأشرف ذات، وأكمل موصوف، بالله الحي القيوم، المتفرد بصفات الجلال والجمال والكمال، ونعوت الكبرياء والعزة، لذا كان علم التوحيد أشرف العلوم موضوعا ومعلوما، وكيف لا يكون كذلك وموضوعه رب العالمين، وصفوة خلق الله أجمعين، ومآل العباد إما إلى جحيم أو إلى نعيم، ولأجل هذا سماه بعض السلف الفقه الأكبر. - وتحيق التوحيد هو أشرف الأعمال مطلقا، ففي الصحيح من حديثه صلى الله عليه وسلم: "أفضل الأعمال عند الله: إيمان لا شك فيه" 1، أو سئل النبي صلى الله عليه وسلم: أي العمل أفضل؟ فقال: "إيمان بالله ورسوله" 2. وهو موضوع دعوة رسل الله أجمعين، قال الإمام ابن القيم رحمه الله: "وجميع الرسل إنما دعوا إلى: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة: 5] ، فإنهم كلهم دعوا إلى توحيد الله وإخلاص عبادته من أولهم إلى آخرهم، فقال نوح لقومه: {اعْبُدُوا اللَّهَ مَا

_ 1 أخرجه أحمد "7459" "8374" "9407" "10378"، والدارمي "2739"، والطيالسي "2518"، والبخاري في خلق أفعال العباد ص51، وابن حبان في صحيحه "4597"، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، وإسناده صحيح. 2 أخرج البخاري "1519"، ومسلم "83"، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ} [الأعراف: 59] ، وكذلك قال هود وصالح وشعيب وإبراهيم، قال الله تعالى: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} [النحل: 36] 1. والله سبحانه وتعالى إنما أرسل، وأنزل الكتب لأجل إقامة التوحيد بين العبيد، قال تعالى: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} [النحل: 36] ، وله خلق الجن والإنس، قال تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات: 56] ، أي: يوحدون ... ، فأهم ما على العبد معرفته هو التوحيد، وذلك قبل معرفة العبادات كلها حتى الصلاة". فضله من جهة معلومه: إن معلوم علم التوحيد هو مراد الله الشرعي، الدال عليه وحيه وكلامه، الجامع للعقائد الحقة، كالأحكام الاعتقادية المتعلقة بالإيمان بالله تعالى وملائكته وكتبه ورسله، واليوم الآخر والبعث بعد الموت. ومراد الله تعالى يجمع أمورًا ثلاثة، وتترتب عليه أمور ثلاثة، فهو يجمع أن الله تعلا أراده وأحبه فأمر به، ويترتب على كونه أمر به أن يثيب فاعله، ويعاقب تاركه، وأن ينهى عن مخالفته؛ لأن الأمر بالشيء نهي عن ضده، فالأمر بالتوحيد نهي عن الشرك ولا بد. قال تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإسْلامَ دِينًا} [المائدة: 3] ، قال عمر: "قد عرفنا ذلك اليوم والمكان الذي نزلت فيه على النبي صلى الله عليه وسلم، وهو قائم بعرفة يوم جمعة"2.

_ 1 التنبيهات السنية على شرح الواسطية لعبد العزيز الرشيد ص33. 2 أخرجه البخاري "54"، ومسلم "3017".

فاجتمع لدى نزولها ثلاثة مناسبات لا تجتمع بعد ذلك أبدًا: عيد وعيد صرن مجتمعة ... وجه الحبيب ويوم العيد والجمعة فنزلت في عيد المسلمين الأسبوعي، وهو يوم الجمعة، الذي وافق عيد الحجاج، وهو يوم عرفة، وهو اليوم الذي حضره النبي صلى الله عليه وسلم مع أمته حاجا، واجتمع بهم اجتماعه الأكبر والأخير. ومعلوم علم التوحيد هو الأحكام الاعتقادية المكتسبة من الأدلة المرضية، من كتاب ناطق وسنة ماضية. وقطب رحى القرآن العظيم من فاتحته إلى خاتمته في تقرير معلوم التوحيد، يقول الشيخ صديق حسن خان رحمه الله: "اعلم أن فاتحة الكتاب العزيز التي يكررها كل مسلم في كل صلاة مرات، ويفتتح به التالي لكتاب الله والمتعلم له، فيها الإرشاد إلى إخلاص التوحيد في ثلاثين موضعا"1. "والتوحيد هو فاتحة القرآن العظيم وهو خاتمته، فهو فاتحة القرآن كما في أول سورة الفاتحة: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينً} [الفاتحة: 2] ، وهو في خاتمة القرآن العظيم: {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ} [الناس: 1] "2. فالقرآن من فاتحته إلى خاتمته في تقرير التوحيد بأنواعه، أو في بيان حقوق التوحيد ومقتضياته ومكملاته، أو في البشارة بعاقبة الموحدين في الدنيا والآخرة، أو في النذارة بعقوبة المشركين والمعاندين في الدارين، ثم إن حياة النبي صلى الله عليه وسلم ودعوته في بيان القرآن بيانا عمليا تحققت فيها معاني التوحيد، وحسمت فيه مواد الشرك على الوجه الأتم الأكمل.

_ 1 الدين الخالص للشيخ صديق حسن خان "1/ 9". 2 حكم الانتماء للشيخ بكر أبو زيد ص58.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يحقق هذا التوحيد لأمته، ويحسم عنهم مواد الشرك، إذ هذا تحقيق قولنا: لا إله إلا الله، فإن الإله هو الذي تألهه القلوب لكمال المحبة والتعظيم، والإجلال والإكرام، والرجاء والخوف"1. فضله من جهة الحاجة إليه: وأما فضل علم التوحيد باعتبار الحاجة إليه، فيظهر ذلك بالنظر إلى جملة أمور، منها: - أن الله تعالى طلبه، وأمر به كل مكلف، وأثنى على أهله، ومدح من توسل به إليه، ووعدهم أجرا عظيما. قال تعالى: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ} [محمد: 19] ، وقال عز من قائل: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ} [البينة: 5] . وقال سبحانه وتعالى: {قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا} [البقرة: 136] . وقال سبحانه: {أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَى} [الرعد: 19] . وقال عز وجل: {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ} [المؤمنون: 1] ، وقال تقدست أسماؤه: {رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلْإِيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الْأَبْرَار} إلى قوله: {فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُم} [آل عمران: 193-195] . وقال عز وجل: {وَسَوْفَ يُؤْتِ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ أَجْرًا عَظِيمًا} [النساء: 146] . - ومنها أن عقيدة التوحيد هي الحق الذي أرسلت من أجله جميع الرسل. قال تعالى: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} [النحل: 36] .

_ 1 مجموع الفتاوى "1/ 136".

وقال سبحانه: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ} [الأنبياء: 25] . وهي حق الله على عباده كما في حديث معاذ رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "حق الله على عباده أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئا" 1. وهي ملة أبينا إبراهيم عليه السلام التي أمرنا الله باتباعها، قال تعالى: {ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} [النحل: 123"، وهي أيضا دعوته عليه السلام، قال تعالى على لسانه: {وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَام} [إبراهيم: 35] . - ومنها أن الله تعالى جعل الإيمان شرطا لقبول العمل الصالح، وانتفاع العبد به في الدنيا والآخرة. قال تعالى: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلا كُفْرَانَ لِسَعْيِهِ وَإِنَّا لَهُ كَاتِبُونَ} [الأنبياء: 94] . وقال سبحانه: {وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا} [الإسراء: 19] . فإذا جاء العبد بغير الإيمان فقد خسر جميع عمله الصالح، قال تعالى: {وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [الزمرة: 65] . - ومنها أن سعادة البشرية في الدنيا متوقفة على علم التوحيد، فحاجة العبد إليه فوق كل حاجة، وضرورته إليه فوق كل ضرورة، فلا راحة ولا طمأنينة ولا سعادة إلا بأن يعرف العبد ربه بأسمائه وصفاته، وأفعاله من جهة صحيحة، صادقة ناصحة، وهي جهة الوحي.

_ 1 تقدم تخريجه.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "حاجة العبد إلى الرسالة أعظم بكثير من حاجة المريض إلى الطب، فإن آخر ما يقدر بعدم الطبيب موت الأبدان، وأما إذا لم يحصل للعبد نور الرسالة وحياتها، مات قلبه موتا لا ترجى الحياة معه أبدًا، أو شقي شقاوة لا سعادة معها أبدًا"1. ولهذا سمي الله تعالى غير الموحد ميتًا حقيقة، قال تعالى: {فَإِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتَى وَلا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ، وَمَا أَنْتَ بِهَادِ الْعُمْيِ عَنْ ضَلالَتِهِمْ إِنْ تُسْمِعُ إِلَّا مَنْ يُؤْمِنُ بِآياتِنَا فَهُمْ مُسْلِمُونَ} [الروم: 52-53] . فمقابلة الموتى بالسامعين تدل على أن الموتى هم المشركون والكافرون، وهذا تفسير جمهور السلف2، وقيل المراد بالموتى: موتى الأبدان، فنفي السماع يعني نفي الاهتداء، فكما قيل: إن الميت يسمع ولا يمتثل، فهؤلاء الأحياء من الكفار حين يسمعون القرآن كالموتى حقيقة حين يسمعون، فلا يمتثلون ولا ينتفون. ومما يشهد لهذين المعنيين أن الله تعالى سمي ما أنزله على رسوله صلى الله عليه وسلم روحا لتوقف الحياة الحقيقية عليه، وسماه نورا لتوقف الهداية عليه، وسماه شفاء؛ لأنه دواء للنفوس من عللها. قال شيخ الإسلام رحمه الله: "والرسالة روح العالم ونوره، وحياته، فأي صلاح للعالم إذا عدم الروح والحياة والنور، والدنيا مظلمة ملعونة إلا ما طلعت عليه شمس الرسالة، فكذلك العبد ما لم تشرق في قلبه شمس الرسالة ويناله من حياتها، وروحها، فهو في ظلمة، وهو من الأموات. قال تعالى: {أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا} [الأنعام: 122] ، فهذا وصف المؤمن كان ميتا في

_ 1 مجموع الفتاوى "19/ 96-97". 2 انظر: تفسير الطبري "20/ 12"، وتفسير القرطبي "13/ 232".

ظلمة الجهل، فأحياه الله بروح الرسالة ونور الإيمان، وجعل نورًا يمشي به في الناس، وأما الكافر فميت القلب في الظلمات. وسمي الله تعالى الرسالة روحا، والروح إذا عدمت فقد فقدت الحياة، قال الله تعالى: {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلا الْأِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا} [الشورى: 52] "1، وما ذلك إلا؛ لأن أكبر معضلة في حياة البشرية على ظهر الأرض هي الإجابة على ما يسمى بأسئلة التصور: من خلقني؟ ولم خلقت؟ وإلى أي شيء أصير؟ ومن خلق الكون من حولي؟ وما علاقتي به؟ وإلى أي شيء سيصير؟ ولا بد من الإجابة على هذه الأسئلة بإجابة ما، صحيحة أو فاسدة، والصحيحة هي ما قدمه الوحي من إجابة متسقة مع الفطرة والعقل الصحيح، والفاسدة من مثل ما قاله إيليا أبو ماضي في ديوانه الجداول: أتيت ولا أدري من أين أتيت؟!! ووجدت قدامي طريقا فمشيت!!! من أين جئت وإلى أين أمضي لست أدري؟!! ولم لست أدري لست أدري!!! وما قاله عمر الخيام: لبست ثوب العمر لم أستشر ... وحرت فيه بين شتى الفكر وسوف أنضو الثوب عني ولم ... أدر لماذا جئت أين المفر؟

_ 1 مجموع الفتاوى "19/ 93، 94".

قال الله تعالى عن هؤلاء المحرومين: {أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا} [الفرقان: 44] . يقول الشيخ عمر الأشقر حفظه الله: "إن معرفة الله والعلم به والتوجه إليه، هي نقطة البداية والصحيحة في المسيرة الإنسانية، والضلال عن الله والجهل به هو نقطة الضياع في الحياة الإنسانية، إن الإيمان بالله قاعدة يبنى عليها بناء هائل، وأصل لا يغني عنه غيره، فإذا قام البناء على غير هذه القاعدة كان بناء ضعيفا مختلًّا، وفي كثير من الأحيان يقتل من بناه، ويدمر من سكنه"1. فحياة الكافر والملحد في الدنيا حياة ضلال، واضطراب وتخبط، فهو في أمر مريج، ما يثبته اليوم ينقضه غدا، وما يطمئن إليه اليوم يتشكك فيه غدًا، وأما حياة المؤمن في الدنيا فطيبة صالحة، قال تعالى: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [النحل: 97] . قال بعض السلف: "ما طابت الدنيا إلا بتوحيده، وما طابت الآخرة إلا بجنته، والنظر إليه تعالى"2. فالمؤمن في الدنيا ينعم باطمئنان نفسه، واستراحة عقله، وطهارة قلبه، وصلاح عمله، فإذا مات وصار إلى قبره كان في حياة طيبة في روضة من رياض الجنة، فإذا قامت القيامة وصار إلى الجنة دار الطيبين فقد كملت النعمة وتمت المنة.

_ 1 التوحيد محور الحياة للدكتور عمر الأشقر ص15. 2 صفة الصفوة لابن الجوزي "4/ 319".

المبحث السادس: استمداد علم التوحيد

المبحث السادس: استمداد علم التوحيد كل علم من العلوم يتوقف في وضع قواعده، والحكم في مسائله، وفهم حقيقة تلك المسائل على ما يستمده من غيره من العلوم والفنون، فهي بمثابة طرق ووسائل وأسباب ومصادر، وروافد تفيد في تقعيد قواعد ذلك العلم، وتعين على طلبه ودرسه، وتلزم له، ويتوقف عليها. وإذا كان علم التوحيد باعتباره لقبا على فن معين يعبر عنه بأنه "العلم بالأحكام الشرعية العقدية المكتسب من الأدلة المرضية، ورد الشبهات وقوادح الأدلة الخلافية". فإن علم التوحيد يستمد من الكتاب العزيز والسنة المطهرة، وذلك بمعرفة مناهج الاستنباط، وطرائق الاستدلال، واستخراج الأحكام عند أهل السنة، وهذا يلزم له إلمام بالعربية التي هي لسان الوحي، قرآنا وسنة، وبها نطق أهل العلم في الأمة من السلف الصالح، كما يلزم له إدامة نظر في كتب الشروح والتفسير المأثور للقرآن والحديث، مع بلوغ غاية من علم الأصول، إذ هو سبيل الوصول إلى معرفة الأحكام الشرعية، العقدية والعملية، التي هي مناط السعادة الدنيوية والأخروية. أنواع أدلة علم التوحيد: وأما أنواع أدلة علم التوحيد المرضية، فهذا ما سنفصل فيه القول لعظيم أهميتها، وذلك؛ لأن علم التوحيد أوثق العلوم الشرعية دليلا، وأصرحها برهانا، وأظهرها بيانا، تقوم دعائم دلائله على صحائح المنقول، والإجماع الصحيح المتلقى بالقبول، ثم صرائح وبراهين المعقول، والطفرة المستقيمة السالمة من الانحراف، وهذه إشارة إلى أنواع هذه الأدلة التي يؤيد بعضها بعضا.

أولا: صحائح المنقول: إن صحائح المنقول تشمل الكتاب العزيز والسنة الصحيحة، قال تعالى: {وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ} [النحل: 89] ، والعقيدة في الله تعالى من أهم ما بين الله في كتابه، قال سبحانه: {إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ} [الإسراء: 9] ، وأهم ذلك العقيدة في الله وفي أنبيائه ورسالاته، والغيب وما يحويه. وعن السنة قال تعالى: {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى، إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} [النجم: 3-4] ، وفي الحديث عنه صلى الله عليه وسلم: "قد تركتكم على البيضاء ليلها كنهارها، لا يزيغ عنها بعدي إلا هالك" 1. وبيان مسائل الاعتقاد من أول وأولى ما علمه النبي صلى الله عليه وسلم للأمة في نصوص السنة، وهو صلى الله عليه وسلم أنصح الأمة وأفصحها، وأحرصها على الأمانة البلاغ والرسالة، لهذا كانت نصوص السنة مع الكتاب هي معول السلف، ومعتمدهم في الاستدلال على مسائل الاعتقاد. قال شيخ الإسلام عن أهل السنة: "هم أهل الكتاب والسنة؛ لأنهم يؤثرون كلام الله على كلام غيره من كلام أصناف الناس، ويقدمون هدي محمد صلى الله عليه وسلم على هدي كل أحد، ويتبعون آثاره صلى الله عليه وسلم باطنًا وظاهرًا"2. يقول الإمام البربهاري: "واعلم أنه من قال في دين الله برأيه وقياسه، وتأوله من غير حجة من السنة والجماعة، فقد قال على الله ما لا يعلم، ومن قال على الله ما لا يعلم

_ 1 أخرجه أحمد "16692"، وابن ماجه "44" وهذا لفظه، وأبو داود "4607"، والترمذي "2676"، والحاكم "330" من حديث العرباض بن سارية رضي الله عنه. قال الترمذي: "هذا حديث حسن صحيح"، وصححه الحاكم، والألباني في صحيح الجامع "4369". 2 مجموع الفتاوى "13/ 157".

فهو من المتكلفين، والحق ما جاء من عند الله عز وجل، والسنة ما سنه رسول الله صلى الله عليه وسلم، والجماعة ما اجتمع عليه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في خلافة أبي بكر وعمر وعثمان، ومن اقتصر على سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فلج على أهل البدعة كلهم، واستراح بدنه، وسلم له دينه إن شاء الله؛ لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ستفترق أمتي"، وبين لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم الفرقة الناجية منها فقال: "ما أنا عليه وأصحابي" 1، فهذا هو الشفاء والبيان، والأمر الواضح، والمنار المستقيم"2. وأهل السنة لا يستدلون بالقرآن دون السنة، بل بالسنة والقرآن، ولا يكمل دين العبد إلا بالإيمان بما فيهما؛ لأنهما مما أوتيه الرسول صلى الله عليه وسلم، قال صلى الله عليه وسلم: "ألا إني أوتيت القرآن ومثله معه" 3، فهما في الاحتجاج والاستدلال سواء، لا يعزل أحدهما من أجل التحاكم إلى الآخر، قال تعالى: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ} [النساء: 59] ، وقال تعالى: {فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ} [النساء: 65] . يقول البربهاري: "وإذا سمعت الرجل تأتيه بالأثر فلا يريده ويريد القرآن، فلا شك أنه رجل قد احتوى على الزندقة، فقم عنه ودعه"4. ولا يعارض صحيح النقل -من أدلة علم العقيدة- بوهم الرأي وخطل القياس. قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "فكان من الأصول المتفق عليها من الصحابة والتابعين لهم بإحسان، أنه لا يقبل من أحد قط أن يعارض القرآن، لا برأيه ولا ذوقه

_ 1 رواه الترمذي "2641" من حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما، وقال: هذا حيث حسن غريب. وانظر: تحقيق الدكتور محمد سعيد القحطاني على شرح السنة للبربهاري ص45. 2 شرح السنة للبربهاري ص45. 3 رواه أحمد "16722"، وأبو داود "4604" من حديث المقدام بن معديكرب رضي الله عنه. 4 شرح السنة للبربهاري ص54.

ولا معقوله ولا قياسه ولا وجده ... فكان القرآن هو الإمام الذي يقتدى به، ولهذا لا يوجد في كلام أحد من السلف أنه عارض القرآن بعقل، ورأي وقياس، ولا بذوق ووجد ومكاشفة، ولا قال قط: قد تعارض في هذا العقل والنقل، فضلا عن أن يقول: فيجب تقديم العقل، والنقل إما أن يفوض وإما يؤول! ... ولم يكن السلف يقبلون معارضة الآية إلا بآية تفسرها أو تنسخها، أو بسنة الرسول صلى الله عليه وسلم تفسرها، فإن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم تبين القرآن وتدل عليه وتعبر عنه"1. وسنة النبي صلى الله عليه وسلم يحتج بها مطلقا -بشرط الصحة-، لا فرق في ذلك بين العقائد والأحكام من حيث حجيتها ومجالها، ولا بين المتواتر والآحاد من حيث ثبوتها وقبولها. ثانيًا: الإجماع المتلقى بالقبول. والإجماع مصدر من مصادر الأدلة الاعتقادية؛ لأنه يستند في حقيقته إلى الوحي المعصوم من كتاب وسنة، وأكثر مسائل الاعتقاد محل إجماع بين الصحابة والسلف الصالح، ولا تجتمع الأمة في أمور العقيدة ولا غيرها على ضلالة وباطل. "فالإجماع هو الأصل الثالث الذي يعتمدون عليه في العلم والدين، والإجماع الذي ينضبط ما كان عليه السلف الصالح، إذ بعدهم كثر الخلاف وانتشرت الأمة"2، وعلى هذا فإجماع السلف الصالح في أمور الاعتقاد حجة شرعية ملزمة لمن جاء بعدهم، وهو إجماع معصوم، ولا تجوز مخالفته، "فدين المسلمين مبني على اتباع كتاب الله وسنة نبيه وما اتفقت عليه الأمة، فهذه الثلاثة أصول معصومة"3.

_ 1 مجموع الفتاوى "13/ 27-29". 2 المصدر السابق "13/ 157". 3 المصدر السابق "20/ 164".

ثم يأتي في المرتبة الثانية بعد هذه الأصول الثلاثة المعصومة، مصدران آخران وهما: العقل السالم الصحيح، والفطرة المستقيمة السوية. ثالثا: صرائح المعقول: "العقل مصدر من مصادر المعرفة الدينية، إلا أنه ليس مصدرًا مستقلا، بل يحتاج إلى تنبيه الشرع، وإرشاده إلى الأدلة؛ لأن الاعتماد عل محض العقل، سبيل للتفرق والتنازع"1، فالعقل لن يهتدي إلا بالوحي، والوحي لا يلغي العقل. وقد رفع الوحي من قيمة العقل وحث على التعقل، وأثنى على العقلاء، قال تعالى: {فَبَشِّرْ عِبَادِ، الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ} [الزمر: 17-18] . والنصوص الشرعية قد جاءت متضمنة الأدلة العقلية صافية من كل كدر، فما على العقل إلا فهمها وإدراكها، فمن ذلك: قوله تعالى: {لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا} [الأنبياء: 22] . وقال سبحانه: {أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ} [الطور: 53] . وقال جل وعلا: {وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافًا كَثِيرًا} [النساء: 82] . وخوض العقل في أمور الإلهيات باستقلال عن الوحي مظنة الهلاك وسبيل الضلال، يقول ابن رشد الفيلسوف -وهو ممن خاض بالعقل في مسائل الاعتقاد وطالت تجربته-: "لم يقل أحد من الناس في العلوم الإلهية قولا يعتد به، وليس يعصم أحد من

_ 1 إيثار الحق على الخلق لابن الوزير ص13.

الخطأ إلا من عصمه الله تعالى بأمر إلهي خارج عن طبيعة الإنسان، وهم الأنبياء"1، والمقارنة بين طريقة الوحي وطرق الفلاسفة والمتكلمين في بحث أمور العقيدة هي مقارنة بين الصواب والخطأ، والصحيح والفاسد، والنافع والضار. يقول الرازي -بعد طول بحث: "ولقد اختبرت الطرق الكلامية، والمناهج الفلسفية، فما رأيت فائدة تساوي الفائدة التي وجدتها في القرآن"، وقال: "لقد تأملت الطرق الكلامية والمناهج الفلسفية، فما رأيتها تشفي عليلا ولا تروي غليلًا، ورأيت أقرب الطرق طريقة القرآن ... ومن جرب مثل تجربتي عرف مثل معرفتي"2. فميز الصحة المعقولات هي الموافقة للكتاب والسنة. قال؟؟؟ "وأما أهل الحق فجعلوا الكتاب والسنة أمامهم، وطلبوا الدين من قبلهما، وما؟؟؟ لهم من معقولهم وخواطرهم عرضوا على الكتاب والسنة، فإن وجدوه موافقا لهما قبلوه، وشكروا الله حيث أراهم ذلك ووفقهم عليه، وإن وجدوه مخالفا لهم تركوا ما وقع لهم، وأقبلوا على الكتاب والسنة، ورجعوا بالتهمة على أنفسهم"3. والعقل قد يهتدي بنفسه إلى مسائل الاعتقاد الكبار على سبيل الإجمال، كإثبات وجود الله مع ثبوت ذلك في الفطرة أولًا. قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "واعلم أن عامة مسائل أصول الدين الكبار مما يعلم بالعقل"4.

_ 1 تهافت التهافت لابن رشد "2/ 547"، تحقيق د. سليمان دنيا. 2 شرح الطحاوية لابن أبي العز "1/ 244". 3 الحجة في بيان المحجة لأبي القاسم إسماعيل الأصبهاني "2/ 224". 4 مجموع الفتاوى "19/ 229، 230".

أما مسائل العقيدة التفصيلية مما يتعلق بذات الله تعالى وصفاته ورسوله وأنبيائه، وما يجب لهم وما يستحيل، فما كانت العقول لتدركها لولا مجيء الوحي. قال أبو القاسم إسماعيل الأصبهاني: "ولأن العقل لا مجال له في إدراك الدين بكماله، وبالعلم يدرك بكماله"1، ويقصد بالعلم الوحي. قال شيخ الإسلام رحمه الله: "لا تحسبن أن العقول لو تركت وعلومها التي تستفيدها بمجرد النظر، عرفت الله معرفة مفصلة بصفاته وأسمائه على وجه اليقين"2. وقال اللالكائي رحمه الله: "سياق ما يدل من كتاب الله عز وجل، وما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، على أن وجوب معرفة الله تعالى وصفاته بالسمع لا بالعقل، قال الله تعالى يخاطب نبيه صلى الله عليه وسلم، بلفظ خاص والمراد به العام: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ} [محمد: 19] ، وقال تبارك وتعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ} [الأنبياء: 25] ، فأخبر الله نبيه صلى الله عليه وسلم في هذه الآية أن بالسمع والوحي عرف الأنبياء قبله التوحيد. وكذلك وجوب معرفة الرسل بالسمع، قال الله تبارك وتعالى: {قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} [الأعراف: 158] . فدل على أن معرفة الله والرسل بالسمع كما أخبر الله عز وجل، وهذا مذهب أهل السنة والجماعة"3.

_ 1 الحجة في بيان المحجة لأبي القاسم إسماعيل الأصبهاني "2/ 504". 2 الصارم المسلول لابن تيمية "2/ 459". 3 شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة للالكائي "2/ 193-196".

ثم إن كثيرًا من مسائل الاعتقاد بعد معرفتها، والعلم بها لا تدرك العقول حقيقتها وكيفيتها، وذلك كصفات الله تعالى وأفعاله، وحقائق ما ورد من أمور اليوم الآخر من الغيبيات التي لا يحيلها أو يردها العقل، ولا يوجبها أو يطلبها. "ولهذا ضرب الله تعالى الأمثال في القرآن الكريم لتقرير مسائل الغيب، تنبيها للعقول على إمكان وجودها، فاستدل على النشأة الآخرة بالنشأة الأولى، وعلى خلق الإنسان بخلق السماوات والأرض، وهي أعظم وأبلغ في القدرة، وعلى البعث بعد الموت بإحياء الأرض الميتة بعد إنزال الماء عليها"1. قال السفاريني رحمه الله: "لو كانت العقول مستقلة بمعرفة الحق وأحكامه، لكانت الحجة قائمة على الناس قبل بعث الرسل وإنزال الكتب، واللازم باطل بالنص: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا} [الإسراء: 15] ، فكذا الملزوم"2. وأخيرًا فإن العقل الصريح لا يخالف النقل الصحيح، فالأول خلق الله تعالى والثاني أمره، ولا يتخالفان؛ لأن مصدرهما واحد وهو الحق سبحانه: {أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ} [الأعراف: 54] . قال شيخ الإسلام رحمه الله ابن تيمية: "وليس في الكتاب والسنة وإجماع الأمة شيء يخالف العقل الصريح؛ لأن ما خالف العقل الصريح باطل، وليس في الكتاب والسنة والإجماع باطل، ولكن فيه ألفاظ قد لا يفهمها بعض الناس، أو يفهمون منها معنى باطلًا، فالآفة منهم لا من الكتاب والسنة"3.

_ 1 منهج الاستدلال على مسائل الاعتقاد عند أهل السنة والجماعة لعثمان حسن "1/ 178". 2 لوامع الأنوار للسفاريني "1/ 105". 3 مجموع الفتاوى "11/ 490".

ولذا قال الإمام محمد بن شهاب الزهري رحمه الله: "من الله عز وجل العلم، وعلى الرسول البلاغ، وعلينا التسليم"1، وما أحسن المثل المضروب للنقل مع العقل، وهو أن العقل مع النقل كالعامي المقلد مع العالم المجتهد، بل هو دون ذلك بكثير، فإن العامي يمكنه أن يصير عالما، ولا يمكن العالم أن يصير نبيا رسولا"2. رابعا: الفطرة السوية: أما الفطرة فهي خلق الخليقة على قبول الإسلام والتهيؤ للتوحيد، أو هي الإسلام والدين القيم. قال تعالى: {فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ} [الروم: 30] . قال ابن كثير رحمه الله: "فإنه تعالى فطر خلقه على معرفته وتوحيده، وأنه لا إله غيره"3. قال شيخ الإسلام: "فالحنيفية من موجبات الفطرة ومقتضياتها، والحب لله، والخضوع له، والإخلاص له هو أصل أعمال الحنيفية"4. وقوله تعالى: {لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ} معناه: أن الله ساوى بين خلقه كلهم في الفطرة على الجبلة المستقيمة. وفي الحديث الصحيح: "كل مولود يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه، كمثل البهيمة تنتج البهيمة، هلى ترى فيها جدعاء؟ " 5، فمعنى خلق

_ 1 السنة للخلال "3/ 579"، وفتح الباري لابن حجر "13/ 504". 2 شرح الطحاوية لابن أبي العز "1/ 231". 3 تفسير القرآن العظيم لابن كثير "3/ 433". 4 درء تعارض العقل والنقل لابن تيمية "8/ 451". 5 أخرجه البخاري "1385"، ومسلم "2658" من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

المولود على الفطرة هو: "أن الطفل خلق سليما من الكفر على الميثاق الذي أخذه الله على ذرية آدم حين أخرجهم من صلبه"1، والفطرة قبول الإسلام، فهي كالأرض الخصبة القابلة، والوحي كالغيث النازل من السماء، ما إن ينزل عليها حتى تهتز وتربو وتنتب من كل زوج بهيج. والفطرة السوية تقبل الإسلام، وتهتدي إلى وجود الخالق بما أودع الله الخلائق من قوانين كلية، تظهر آثارها في الطفل الناشئ الذي لم يتعلم أو يتكلم، فهو يدرك أن الحادث لا بد له من محدث، وأن الجزء دون الكل، وأنه يستحيل الجمع بين المتناقضين، وهذا من أوائل العقل وبواكيره، وقلوب بني آدم مفطورة على قبول الإسلام، وإدراك الحق ولولا هذا الاستعداد ما أفاد النظر ولا البرهان، شأنها في ذلك شأن الأبدان، فطرها الله تعالى قابلة للانتفاع، والاغتذاء بالطعام والشراب، ولولا هذا الاستعداد لما حصل انتفاع. والفطرة السوية تهدي العبد إلى أصول التوحيد والإيمان، وجمهرة أهل العلم من أهل السنة وغيرهم على فطرية الإيمان، وليس يحتاج العبد لتحصيله من أصله إلى استدلال أو برهان، فضلا عن أن يشك ويخرج من ثوب اليقين والإذعان، "والقلوب مفطورة على الإقرار به سبحانه أعظم من كونها مفطورة على الإقرار بغير من الموجودات، كما قالت الرسل: {أَفِي اللَّهِ شَكٌّ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} [إبراهيم: 10] "2. يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "الإقرار والاعتراف بالخالق فطري ضروري في نفوس الناس، وإن كان بعض الناس قد يحصل له ما يفسد فطرته حتى

_ 1 مجموعة الرسائل الكبرى لابن تيمية "2/ 333، 334". 2 درء تعارض العقل والنقل لابن تيمية "8/ 38".

يحتاج إلى نظر تحصل له به المعرفة"1. ويقول: "إن أصل العلم الإلهي فطري ضروري، وإنه أشد رسوخا في النفوس من مبدأ العلم الرياضي، كقولنا: إن الواحد نصف الاثنين، ومبدأ العلم الطبيعي كقولنا: إن الجسم لا يكون في مكانين؛ لأن هذه المعارف أسماء قد تعرض عنها أكثر الفطر، وأما العلم الإلهي فما يتصور أن تعرض عنه فطرة"2. والفطرة تدل على اتصاف الخالق بالصفات العلي والكمال المطلق، فهي تدرك أن من يخلق لا يكون كمن لا يخلق قال تعالى: {أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لا يَخْلُقُ أَفَلا تَذَكَّرُونَ} [النحل: 17] . فالخالق لهذا الكون لا يستوي مع غيره، في صفاته وأفعاله وذاته، فهي تدرك علو الصفات، كما تدرك علو الذات، فإنه عارف مؤمن قط: يا الله، إلا وجد في نفسه ضرورة بطلب العلو، لا يلتفت يمنة ولا يسرة، لا يجادل في ذلك مجادل. والفطرة وإن غشيتها غاشية الإلحاد، تهتدي إلى تفرده تعالى بالألوهية يظهر ذلك في أوقات الشدة والمحنة، فإن القلب يفزع إلى خالقه، ويلجأ إلى بارئه، عند حلول الحوادث العظام والخطوب الجسام، قال تعالى: {وَإِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلَّا إِيَّاهُ} [الإسراء: 67] . "والإسلام بعقائده وأحكامه موافق للفطرة لا يعارضها، بل كلما كانت العقائد والأحكام بعيدة عن الإسلام، كانت معارضة للفطرة الصحيحة مضادة لها، ففي الفطرة محبة العدل وإيثاره، وبغض الظلم والنفار منه، واستقباح إرادة الشر لذاته، لكن تفاصيل ذلك إنما تعلم من جهة الرسل، فالطفل عند أول تمييزه إذا ضرب من خلفه

_ 1 مجموع الفتاوى "16/ 328". 2 المرجع السابق "2/ 15-16".

التفت لعلمه أن تلك الضربة لا بد لها من ضارب، فإذا شعر به بكى، حتى يقتص له منه، فيسكن ويهدأ، فهذا إقرار في الفطرة بالخالق، وهو التوحيد، وبالعدل الذي هو شرعة الرب تعالى"1. والعقل والفطرة وإن كانا من دلائل التوحيد، إلا أنه لا تقوم الحجة على بني آدم إلا بإرسال الرسل، وإنزال الكتب، وقطع العذر، قال تعالى: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا} [الإسراء: 15] ، فلا عذاب إلا بعد إرسال الرسل، وقطع العذر، وإقامة الحجة، وقالت المعتزلة في الآية: {رَسُولًا} أي: العقل، وهو تحريف للكلم عن مواضعه، بدلالة قول الله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ} [الأنبياء: 7] . وهو سبحانه ما أهلك من قبلنا من الأمم إلا بعد إرسال الرسل إليهم، وإنزال الكتب عليهم، قال تعالى: {وَمَا أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا لَهَا مُنْذِرُونَ} [الشعراء: 208] ، وقال سبحانه: {وَمَا كَانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى حَتَّى يَبْعَثَ فِي أُمِّهَا رَسُولًا يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا وَمَا كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرَى إِلَّا وَأَهْلُهَا ظَالِمُونَ} [القصص: 59] . فإن قيل: إذا كان وجود الله وتعظيمه مركوزا في الفطر، والعقول تستدل على ذلك، فعلام توقف التكليف على مجيء الرسول، وإنزال الكتاب؟ فيقال: إن إثبات كون الفطرة هي الإسلام، لا يقتضي خلق علم ضروري في نفس الإنسان، يجعله عالما بالعقيدة وأصولها، ونواقضها، قال تعالى: {وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لا تَعْلَمُونَ شَيْئًا} [النحل: 78] . كما أن الله تعالى تكرما منه لا يعاقب قبل بلوغ الحجة الرسالية: {ذَلِكَ أَنْ لَمْ يَكُنْ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا غَافِلُونَ} [الأنعام: 131] ، بل تمتنع المؤاخذة حتى يبعث إليهم الرسول، ومن حكمة

_ 1 إيثار الحق على الخلق لابن الوزير ص240.

ذلك أن معرفة الله وإثبات وجوده المركوز في الفطر والعقول إجمالي لا تفصيلي، فالعقل لا يهتدي لكل كمالات الله تعالى، ولا يهتدي إلى كل ما يرضيه من الأقوال والأفعال، فلا بد له من وحي يهديه ويرشده، ويبين له معاقد الحل والحرمة في أفعال المكلفين، كما أن العقل والفطرة لا يدلان على عقوبة الآخرة لمن قصر في ذلك، فجاء الرسول ببيان ثواب التوحيد، وعقوبة الشرك في الدنيا والآخرة. قال ابن القيم رحمه الله: وكان الناس في لبس عظيم ... فجاءوا بالبيان فأظهروه وكان الناس في جهل عظيم ... فجاءوا باليقين فأذهبوه وكان الناس في كفر عظيم ... فجاءوا بالرشاد فأبطلوه وأخيرًا فإنه لا تعارض ولا تناقض -بحمد الله- بين فطر الخلائق على الإسلام وبين عقيدة الإيمان بالقضاء والقدر؛ لأن الله تعالى: "وإن خلقه مولودا سليما، فقد قدر عليه ما سيكون بعد ذلك من تغييره، وعلم ذلك"1.

_ 1 درء تعارض العقل والنقل لابن تيمية "8/ 362".

المبحث السابع: نسبة علم التوحيد

المبحث السابع: نسبة علم التوحيد نسبة العلم هي علاقته بغيره من العلوم وصلته بها، ونسبة أي علم إلى غيره من العلوم تتردى بين أربع نسب، هي: 1- الترادف: فتطلق الأسماء المختلفة على مسمى واحد وعلم محدد، فتختلف الأسماء وتتفق المسميات. 2- التخالف: فتتباين الأسماء والمسميات، بحيث لو نسب أحد العلمين إلى الآخر، لم يصدق على شيء مما صدق عليه الآخر. 3- التداخل: كأن يكون أحد العلمين أعم من الآخر فأحدهما داخل بتمامه في الآخر، وهو العموم والخصوص المطلق. 4- التقاطع: وهو العموم والخصوص الوجهي أو النسبي، بأن يكون كل من العلمين أعم من جهة، وأخص من جهة أخرى. وعلى ما سبق يمكن القول بأن علم التوحيد نسبته إلى سائر العلوم الشرعية هي التخالف والتباين، فهو فن مستقل بذاته، قائم بنفسه، له أصوله ومصادره، ومناهجه ومسائله، ولا يغني عنه غيره، وإن كان كالأساس لعلوم الإسلام، وهو منها بمنزلة الرأس من الجسد، ولذا مال بعض العلماء إلى التعبير عن نسبته إلى غيره من العلوم بأنه أصلها وما سواه فرع عنه، باعتبار أن علوم الإسلام تقوم أولا على معرفة الله تعالى وتوحيده، والتصديق ببعثة نبينا صلى الله عليه وسلم وأمور الغيب، وهذا موضوع علم التوحيد. ولذا قال الإمام السفاريني في منظومته: وبعد فاعلم أن كل العلم ... كالفرع للتوحيد فاسمع نظمي

ولأجل هذا المعنى سماه الإمام أبو حنيفة بالفقه الأكبر، سبب هذه التسمية أن النصوص من كتاب وسنة تدور حول التوحيد في خمسة محاور لا سادس لها، فإما أن تكون في تقرير التوحيد في نوعه العلمي الخبري، أو في تقريره في نوعه الطلبي الإرادي، ودعوة الخلق لعبادته تعالى وحده، أو في مستلزمات التوحيد ومقتضياته، وحقوقه من الأحكام الفقهية العملية، أو في الجزاء على التوحيد من إكرام الله لعباده الموحدين، أو في بيان العقوبات والوعيد على مضادة التوحيد بالشرك والإلحاد، فصار التوحيد أصلا لغيره من العلوم حيث ارتبطت به واعتمدت عليه1.

_ 1 انظر: مدارج السالكين لابن القيم "3/ 468"، معارج القبول لحافظ الحكمي "1/ 98".

المبحث الثامن: واضع علم التوحيد

المبحث الثامن: واضع علم التوحيد لا شك أن التوحيد جاءت به الرسل والأنبياء عليهم صلوات الله وسلامه، وأما علم التوحيد، فقد مر في وضعه وتدوينه بطورين: أولهما: طور الرواية "ما قبل التدوين"، والثاني: طور التدوين والاستقرار. وهذه لمحة عن كلتا المرحلتين. أولا: طور الرواية: لم يكن الرعيل الأول من الصحابة رضي الله عنهم بحاجة إلى التدوين في العلوم الشرعية، فقد كانوا يتلقون عن رسول الله صلى الله عليه وسلم الوحيين،" ويوردون عليه ما يشكل عليهم من الأسئلة والشبهات، فيجيبهم عنها بما يثلج صدورهم، وقد أورد عليه من الأسئلة أعداؤه وأصحابه، أعداؤه للتعنت والمغالبة، وأصحابه للفهم والبيان وزيادة الإيمان"1، وكل ذلك رواه الصحابة عن النبي صلى الله عليه وسلم لمن بعدهم، فكانت مسائل الاعتقاد محفوظة في أذهانهم، مستدلا عليها بكتاب ربهم، وسنة نبيهم صلى الله عليه وسلم، ولم يقع بينهم اختلاف في شأن العقيدة، بل اجتمعوا على عقيدة صحيحة، سالمة نقية خالية من كل شوب، فكانوا" أقرب إلى أن يوفقوا إلى الصواب من غيرهم بما خصهم الله به من توقد الأذهان، وفصاحة اللسان، وسعة العلم، وتقوى الرب، فالعربية طريقتهم وسليقتهم، والمعاني الصحيحة مركوزة في فطرهم وعقولهم.... علموا التنزيل وأسبابه، والتأويل وآدابه، وعاينوا الأنوار القرآنية، والأشعة المصطفوية، فهم أسعد الأمة بإصابة الصواب، وأجدرها بعلم فقه السنة والكتاب"2.

_ 1 زاد المعاد لابن القيم "3/ 680". 2 إعلام الموقعين لابن القيم "4/ 148-150" بتصرف.

لأجل هذا لم يكن الصحابة رضي الله عنهم بحاجة إلى تدوين علم التوحيد، أو تصنيف كتب فيه. ثانيا: طور التدوين: وبدأ هذا في حياة التابعين، وإن وقعت في زمنه صلى الله عليه وسلم صور من الكتابة والتدوين، حيث ابتدأ ذلك الإمام الزهري رحمه الله تعالى، ثم شاع ذلك في النصف الأول من القرن الثاني الهجري، كما فعل الإمام مالك في الموطأ، حيث رتبت الأحاديث على أبواب تتعلق بالتوحيد مثل: باب الإيمان، وباب التوحيد، وباب العلم، إلخ ... ولعل هذا التبويب للأحاديث كان النواة الأولى في استقلال كل باب فيما بعد بالتصنيف والبحث. ومما أوقد جذوة التدوين ما وقع في آخر زمن الصحابة من بدع، واختلاف في العقدية، كما في مسألة القدر، وكان أول من تكلم به معبد الجهني "ت: 80هـ"، ومسألة التشيع والغلو في آل البيت، وفتنة عبد الله بن سبأ، كما وقعت من قبل بدعة الخوارج وصرحوا بالتكفير بالذنوب، وبعد ذلك نشأ مذهب المعتزلة على يد واصل بن عطاء "ت: 131هـ"، وصنف في مسائل من العقيدة ما خالف به الصحابة والتابعين، وخرج على إجماع خير القرن في الاعتقاد، فتصدى له التابعون بالرد عليه والمناظرة في هذه المسائل، ثم بدأ التصنيف في عقيدة أهل السنة حين أصبح ضرورة لا بد منها لنفي تأويل المبطلين، ورد انحراف الغالين، وكان أول مدون عرفناه في العقيدة -على هذا النحو- هو كتاب الفقه الأكبر لأبي حنيفة رحمه الله "ت: 150هـ"، وهو ثابت النسبة إليه، رواه أبو مطيع الحكم بن عبد الله البلخي، كما رواه حماد بن أبي حنيفة. حدد فيه أبو حنيفة عقائد أهل السنة تحديدا منهجيا ورد فيه على المعتزلة، والقدرية، والجهمية، والشيعة، واشتمل على خمسة أبواب -في أتم رواياته-: الأول في القدر، والثاني والثالث في المشيئة، والرابع في الرد على من يكفر بالذنب، والخامس في الإيمان، وفيه حديث عن الأسماء والصفات،

والفطرة، وعصمة الأنبياء، ومكانة الصحابة، وغير ذلك من مباحث العقيدة. فلو قال قائل: إن واضع علم التوحيد -بمعنى أول من وضع مؤلفا خاصا في الفن من أهل السنة- هو الإمام أبو حنيفة، لكان صادقا ولم يبعد عن الصواب، "وإن كان قد قيل: إن واضعه الإمام مالك بن أنس، وأنه ألف فيه رسالة، وقيل أيضا أنه لما كثرت الفتن أمر المنصور بوضع كتب لإزالتها والرد عليها"1. كما ثبت أن الإمام ابن وهب رحمه الله "ت: 197هـ"، وضع كتابا في القدر على طريقة المحدثين في جمع الأحاديث، وإن كان دون تبويب. ولقد نسب كتاب بنفس اسم الفقه الأكبر للإمام الشافعي رحمه الله2 "ت: 204هـ"، تناول فيه مسائل الاعتقاد مسألة مسألة، ورد على الفرق المخالفة في ثنايا كلامه، إلا أن نسبة الكتاب إلى الإمام الشافعي غير موثقة، قال حاجي خليفة في كشف الظنون" ... لكن في نسبته إلى الشافعي شك، والظن الغالب أنه من تأليف بعض أكابر العلماء"3. ثم تتابع التأليف بعد أبي حنيفة في علم التوحيد، ولكن بأسماء مختلفة لهذا العلم، فمن أول ذلك كتاب الإيمان لأبي عبيد القاسم بن سلام "ت: 224هـ"، وتبعه على هذا كثيرون إلى يوم الناس هذا، كما ظهر مصطلح السنة للدلالة على ما يسمل من الاعتقادات، واشتهر ذلك زمن الإمام رحمه الله، ومن الكتب المصنفة باسم السنة، كتاب السنة لابن أبي شيبة رحمه الله "ت: 235هـ"، والسنة للإمام أحمد رحمه الله "ت: 240هـ"، وغير ذلك، ثم ظهر مصطلح التوحيد في مثل كتاب التوحيد لابن سريج

_ 1 اللؤلؤ المنظوم في مبادئ العلوم لمحمد أبي عليان الشافعي ص237. 2 طبع بتحقيق د. محمد محمود فرغلي. 3 كشف الظنون لحاجي خليفة "2/ 1287".

البغدادي رحمه الله "ت: 306هـ"، وكتاب التوحيد لابن خزيمة رحمه الله "ت: 311هـ"، وواكب ذلك ظهور مصطلح أصول الدين، ثم ظهر التأليف باسم العقيدة أوائل القرن الخامس الهجري، واستقرت حركة التصنيف ومنهج التأليف، واستقل علم التوحيد علما متميزا عن غيره بلقب ومنهج مخصوص. وأخيرًا فإن فيما سبق بيانه رد على من زعم -من الأشاعرة والماتريدية- أن واضعي علم التوحيد هما: أبو الحسن الأشعري "ت: 324هـ"، وأبو منصور الماتريدي "ت: 333هـ"، حيث سبقا بتآليف كثيرة كتبت على منهج أهل الحديث، أهل السنة والجماعة.

المبحث التاسع: غاية علم التوحيد

المبحث التاسع: غاية علم التوحيد ... المحثب التاسع: غاية علم التوحيد "الغرض والغاية والفائدة والثمرة من العلم بمعنى واحد، فكل ذلك اسم للمصلحة المترتبة على تعلم العلم، وإنما اختلفت العبارات لاختلاف الاعتبارات، فكل منفعة ترتبت على فعل ما تسمى فائدة وثمرة، من حيث ترتبها عليه، وتسمى غاية من حيث إنها على طرف الفعل ونهايته، وغرضا من حيث إن الفاعل فعل ذلك الفعل لأجل حصوله"1. وتظهر ثمرة دراسة علم التوحيد -على منهج أهل السنة والجماعة- من جهات وحيثيات كثيرة، إلا أنها تعود إلى أمرين أساسيين، الأول: باعتبار المكلف، والثاني باعتبار العلم نفسه وعلوم الإسلام الأخرى، وما يتعلق بالمكلف يعود إلى منفعة دنيوية وأخروية، والدنيوية ترجع إلى منفعة علمية وعملية، وتفصيل هذه المنافع على النحو التالي: أولًا: ثمرته بالنسبة للمكلف: 1- في حياته الدنيا: إن قيام المدنية، وازدهار الحضارة، وانتظام أمر الحياة، وطيب العيش، لمن ثمرات التوحيد المباركة، قال تعالى: {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ} [الأعراف: 96] . وقال تعالى: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [النحل: 97] .

_ 1 ترتيب العلوم للمرعشي ص86.

وقال تعالى: {الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} [الرعد: 28] . "إن الإيمان يثمر طمأنينة القلب وراحته، وقناعته بما رزق الله، وعدم تعلقه بغيره، وهذه هي الحياة الطيبة، فإن أصل الحياة الطيبة راحة القلب وطمأنينته، وعدم تشوشه مما يتشوش منه الفاقد للإيمان الصحيح"1. وفي الصحيح: "عجبًا لأمر المؤمن إن أمره كله خير، إن أصابته سراء شكر فكان خيرا له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن" 2. وقال ابن القيم عن شيخه ابن تيمية: "وعلم الله ما رأيت أحدًا أطيب عيشا منه قط، مع ما كان فيه من ضيق العيش، وخلاف الرفاهية والنعيم، بل ضدها، ومع ما كان فيه من الحبس والتهديد والإرهاق، وهو مع ذلك من أطيب الناس عيشا، وأشرحهم صدرًا، وأقواهم قبلا وأسرهم، تلوح نضرة النعيم على وجهه، وكنا إذا اشتد بنا الخوف، وساءت من الظنون، وضاقت بنا الأرض أتيناه، فما هو إلا نراه ونسمع كلامه، فيذهب ذلك كله عنا، وينقلب انشراحا وقوة ويقينا وطمأنينة، فسبحان من أشهد عباده جنته قبل لقائه، وفتح لهم أبوابها في دار العمل، فأتاهم من روحها ونسيمها وطيبها ما استفرغ قواهم لطلبها والمسابقة إليها"3. وفصل الرازي القول في بيان حياة المؤمن الطيبة في الدنيا من خمسة وجوه، فقال: - إن المؤمن يعلم أن رزقه من تدبير ربه، وربه محسن له فيه، فهذا يدعوه إلى الرضا عن الله ورزقه.

_ 1 التوضيح والبيان لشجرة الإيمان للشيخ السعدي ص73. 2 أخرجه مسلم "2999" من حديث صهيب الرومي رضي الله عنه. 3 الوابل الصيب لابن القيم ص70.

- وإن المؤمن يعلم حقيقة الدنيا وسرعة تقلبها، فلا يخرج عند حلول كدرها؛ لأنه يعلم أن العيش عيش الآخرة. -والمؤمن مع رضاه وعدم جزعه مغمور بالسعادة في حياته؛ لأن غايته إرضاء ربه، فهو يلهج بهذه الكلمة: "إن لم يكن بك غضب علي فلا أبالي". - ثم إن لذات الدنيا زائلة خسيسة، وأعظم لذاتها الوقاع والطعام، وقد يحتقرهما الإنسان إذا تفكر فيهما. - فالمؤمن عندما تقبل عليه الدنيا لا يعانقها معانقة العاشق؛ لأنه يعلم زوالها، فيأخذ منها بقدر ما يتزود إلى الآخرة1. والمؤمن يتلذذ بلذات معنوية هي أعظم من كل اللذات الحسية، ولذا قال بعض السلف: "لو يعلم الملوك وأبناء الملوك ما نحن فيه، لجالدونا عليه بالسيوف"2، وقال غيره: "إن في الدنيا جنة من لم يدخلها لم يدخل جنة الآخرة"3. قال شيخ الإسلام رحمه الله في قوله تعالى: {فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذَابُ} [الحديد: 13] : "ما يصنع أعدائي بي؟ أنا جنتي وبستاني في صدري، أنى رحت فهي معي لا تفارقني، إن حبسي خلوة، وقتلي شهادة وإخراجي من بلدي سياحة"4.

_ 1 التفسير الكبير للرازي "20/ 112". 2 القائل هو الفضيل به عياض. انظر: الجواب الكافي لابن القيم ص168. 3 القائل هو ابن تيمية. انظر: الوابل الصيب لابن القيم ص69. 4 الوابل الصيب لابن القيم ص69.

ومظاهر الحياة الطيبة التي خص الله بها عباده المؤمنين في الدنيا كثيرة نذكر منها: - ولاية الله عز وجل: قال تعالى: {اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ} [البقرة: 257] . وقال سبحانه: {أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ} ، ثم وصفهم بقوله: {الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ} [يونس: 62، 63] . -محبة الله عز وجل للمؤمنين ومحبة الخلق لهم: قال تعالى: {يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ} [المائدة: 54] . وقال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا} [مريم: 96] . قال ابن كثير رحمه الله: "يخبر تعالى أنه يغرس لعباده المؤمنين الذين يعملون الصالحات -وهي الأعمال التي ترضي الله عز وجل لمتابعتها الشريعة المحمدية- يغرس لهم في قلوب عباده الصالحين محبة ومودة، وهذا أمر لا بد منه ولا محيد عنه"1. - مدافعة الله عن المؤمنين وإنجائه لهم ونصرهم على أعدائهم: قال سبحانه: {إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ} [غافر: 51] . وقال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا} [الحج: 38] ، ولم يذكرها ما يدفعه حتى يكون أفخم وأعظم وأعم وأتم.

_ 1 تفسير ابن كثير "3/ 140".

وقال تعالى: {وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ} [الأنبياء: 88] . وقال تعالى: {وَنَجَّيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ} [فصلت: 18] . -حصول نور البصيرة التي تفرق بين الحق والباطل. قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ} [الأنفال: 29] . وهذا الفرقان فسره أهل العلم بالنور الذي يقذفه الله في قلب المؤمن، فيفرق به بين الحق والباطل، والسنة والبدعة، قال تعالى: {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلا الْإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا} [الشورى: 52] . - حصول العزة وتمام الكرامة والشرف: قال تعالى: {وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لا يَعْلَمُونَ} [المنافقون: 8] . وقال تعالى: {وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [آل عمران: 144] . فالعزة في الإيمان، والذلة في الكفر والعصيان، فاللهم أعزنا بطاعتك والإيمان، ولا تذلنا بمعصيتك والكفران، إنه لا يذل من واليت، ولا يعز من عاديت. 2- في قوته العلمية: وهي القوة التي يدرك الإنسان بها، ويفرق بين الحق والباطل، وتظهر ثمرة علم التوحيد العلمية من خلال الأمور التالية: - معرفة الله تعالى معرفة يقينية:

إن سلوك منهج أهل السنة في تعلم علم التوحيد يوصل العبد -ولا بد- إلى غاية المطالب، وأشرف المقاصد، وأول الواجبات، وهو معرفة الله تعالى بالتوحيد، وإفراده تعالى بالعبادة، والبراءة من الشرك، وكلما ازداد العبد علما بالتوحيد، ازداد رقيا في مدارج الإيمان ومعارج اليقين، وارتقى من الإيمان المجمل إلى الإيمان المفصل، ومن حال التقليد إلى حال اليقين والإذعان، والتصديق عن حجة وبرهان، بحيث يكون اعتقاد الإنسان في ربه ذاتا وصفات، وأفعالًا مطابقا للواقع عن دليل صحيح، وهذا أفضل ما اشتغل بعلمه إنسان، كما في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل: أي العمل أفضل؟ فقال صلى الله عليه وسلم: "إيمان بالله ورسوله" 1. والعلم بالله تعالى وأسمائه وصفاته سبيل لرفع الدرجات وحصول البركات، قال تعالى: {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ} [المجادلة: 11] ، وهذا العلم الصحيح هو الذي يحل عقدة الأسئلة الكبرى التي ضلت البشرية في الاهتداء إلى جوابها، فتاهت في دروب الإلحاد، وعبادة الشجر، والحجر، والتثليث، وعبادة الهوى من دون الله تعالى، ففي القلب خلة لا يسدها إلا الاعتقاد الحق، وحاجة لا تنقضي إلا بمعرفة الرب. كانت لقلبي أهواء مفرقة ... فاستجمعت بك مذ رأتك العين أهوائي فصار يحسدني من كنت أحسده ... وصرت مولى الورى مذ صرت مولائي - انشراح الصدر وطمأنينة القلب: وهذا الأمر ثمرة حصول المعرفة الصحيحة بالله تعالى، والإجابة على أسئلة الفطرة حول الكون والحياة، فنفس لا إيمان فيها مضطربة، قلقة، تائهة خائفة، فأما

_ 1 تقدم تخريجه.

اضطرابها؛ فلأنها كالسفينة تتقاذفها الأمواج العاتية، تتلقى عن كثيرين -غير الله تعالى- مناهجها عقائدها فتضطرب مرجعيتها، ويختلف سبيلها، وتتناقض مسيرتها، وأما النفس المؤمنة الموحدة، فقد اتحد مصر ورودها، وصدورها في كل أمر، فهي تتلقى من الله وعن الله، وهي تسير إلى الله. قال تعالى: {ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَجُلًا فِيهِ شُرَكَاءُ مُتَشَاكِسُونَ وَرَجُلًا سَلَمًا لِرَجُلٍ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلًا الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ} [الزمر: 29] . فإذا تعددت الأسياد على المملوك، فقد شقي حاله، واضطرب أمره. وفي النفس قلق على المستقبل وطلب لاستجلاء الغيوب، ولا يزيل هذ القلق كالإيمان بخيرية الذات، وخيرية العمل، وخيرية المآل والمصير، فالمؤمن الموحد ينظر إلى الغيب بعين التفاؤل والرضا عن الله تعالى في قضائه وقدره، فيسكب في النفس برد اليقين، ومشاعر الأمن والاطمئنان، قال تعالى: {الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ} [الأنعام: 82] ، فمن أراد الله له الهداية وانشراح الصدر هداه إلى الإسلام أولا، ثم إلى سلامة العقيدة من شوائب البدع ثانيا. قال تعالى: {فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ} [الأنعام: 125] . - حصول برد اليقين واستقرار الفكر. قال شيخ الإسلام: "والمقصود أن ما عند عوام المؤمنين، وعلمائهم أهل السنة والجماعة، من المعرفة واليقين، والطمأنينة، والجزم الحق، والقول الثابت، والقطع بما هم عليه، أمر لا ينازع فيه إلا من سلبه الله العقل الدين"1.

_ 1 مجموع الفتاوى "4/ 49".

"إنك تجد أهل الكلام أكثر الناس انتقالا من قول إلى قول، وجزما بالقول في موضع، وجزما بنقيضه وتكفير قائله في موضع آخر، وهذا دليل عدم اليقين ... أما أهل السنة والحديث، فما يعلم أحد من علمائهم، ولا صالح من عامتهم، رجع قط عن قوله واعتقاده، بل هم أعظم الناس صبرا على ذل، وإن امتحنوا بانناع المحن، وفتنوا بأنواع الفتن، وهذه حال الأنبياء وأتباعهم من المتقديم كأهل الأخدود ونحوهم، وكسلف الأمة من الصحابة والتابعين وغيرهم من الأئمة ... وبالجملة فالثبات والاستقرار في أهل الحديث والسنة أضعاف أضعاف ما هو عند أهل الكلام والفلسفة"1. وقال أيضًا رحمه الله: "حدثني من قرأ على ابن واصل الحموي2 أنه قال: أبيت بالليل وأستلقي على ظهري، وأضع الملحفة على وجهي، وأبيت أقابل أدلة هؤلاء بأدلة هؤلاء وبالعكس، وأصبح ما ترجع عند شيء"3. وقال ابن أبي الحديد المعتزلي -يصف حاله وحال إخوانه من المتكلمين-: فيك يا أغلوطة الفكر ... حار أمري وانقضى عمري سافرت فيك العقول فما ... ربحت إلا أذى السفر فلحي الله الأولى زعموا ... أنك المعروف بالنظر كذبوا إن الذي ذكروا ... خارج عن قوة البشر أين هذه الحيرة والاضطراب في الظلمات، ممن التزم المحجة البيضاء ليلها كنهارها، فهو على نور من ربه، وما أروع ما سطره يراع ابن القيم في شرح قوله تعالى:

_ 1 المصدر السابق "4/ 150، 51". 2 وهو رأس في الكلام والفلسفة. 3 درء تعارض العقل والنقل لابن تيمية "3/ 263، 264".

{يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُورٌ عَلَى نُورٍ} [النور: 35] ، حيث قال: "النور على النور: نور الفطرة الصحيحة، والإدراك الصحيح، ونور الوحي والكتاب، فينضاف أحد النورين إلى الآخر فيزداد العبد نورًا على نور، ولهذا يكاد ينطق بالحق والحكمة قبل أن يسمع ما فيه بالأثر، ثم يبلغه الأثر بمثل ما وقع في قلبه ونطق به، فيتفق عنده شاهد العقل والشرع، والفطرة والوحي، فيريه عقله وفطرته وذوقه الذي جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم هو الحق، لا يتعارض عنده العقل والنقل ألبتة، بل يتصادقان ويتوافقان"1. - النجاة من الانحراف عن الصراط المستقيم: وذلك؛ لأن الاعتقاد الصحيح هو سبيل الله، قال تعالى: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ} [الأنعام: 153] ، والانحراف عن سبي الله هو اتباع السبل والطرق المخالفة لما أمر الله به في الأصول والفروع. قال أبو العالية الرياحي: "تعلموا الإسلام، فإذا تعلمتموه فلا ترغبوا عنه، وعليكم بالصراط المستقيم، فإن الصراط المستقيم الإسلام، ولا تنحرفوا عن الصراط المستقيم يمينًا ولا شمالًا، وعليكم بسنة نبيكم، وإياكم وهذه الأهواء التي تلقي بين أهلها العداوة والبغضاء، فرددها مرارًا"2. وقال عمر بن عبد العزيز: "سن رسول الله صلى الله عليه وسلم وولاة الأمر من بعده سننا، الأخذ بها تصديق لكتاب الله عز وجل، واستكمال لفرائض الله، وقوة على دين الله، من عمل بها مهتد، ومن استنصر بها منصور، ومن خالفها اتبع غير سبيل المؤمنين وولاه الله ما تولى"3.

_ 1 اجتماع الجيوش الإسلامية لابن القيم ص14. 2 الإبانة لابن بطة "1/ 352" رقم "230". 3 المصدر السابق "1/ 352" رقم "230".

وقال أبو الدرداء: "لن تضل ما أخذت بالأثر"1. وقال ابن سيرين: الرجل ما كان على الأثر فهو على الطريق"2. وهذه الآثار تصديق لقوله جل شأنه: {وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا} [النساء: 69] ، وقوله سبحانه: {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا} [النساء: 115] . قال ابن بطه رحمه الله: "فرحم الله عبدًا لزم الحذر، واقتفى الأثر، ولزم الجادة الواضحة، وعدل عن البدعة الفاضحة"3. 3- في قوته العملية: وهي القوة التي تحمل الإنسان على السير إلى الله تعالى، والاجتهاد في عبادته، والتقرب إليه بما يرضيه، واجتناب ما يسخطه، وتظهر ثمرة علم التوحيد العملية من خلال الأمور التالية: - تحقيق الإخلاص وأعمال القلوب على الوجه الصحيح: إن الإخلاص هو حقيقة الدين، ومفتاح دعوة رسل الله أجمعين، وهو روح التوحيد ولب الرسالة، قال تعالى: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ} [البينة: 5] ، والإخلاص هو إفراد الحق سبحانه بالقصد، وهو تصفية العمل من كل شوب، وفي أهمية الإخلاص وأعمال القلوب يقول ابن القيم رحمه الله تعالى:

_ 1 المصدر السابق "1/ 352" رقم "232". 2 المصدر السابق "1/ 356" رقم "241، 242". 3 المصدر السابق "1/ 365".

"أعمال القلوب هي الأصل، وأعمال الجوارج تبع ومكملة، وإن النية بمنزلة الروح، والعمل بمنزلة الجسد للأعضاء، الذي إذا فارق الروح فموات.... فمعرفة أحكام القلوب أهم من معرفة أحكام الجوارح"1. والإخلاص يتوقف في حصوله وكماله على معرفة العبد لربه، وتعظيمه وتأليهه، ومعرفة أسمائه تعالى وصفاته، وإحصائها والتعبد لله بمقتضاها، فمن كان بالله أعرف كان له أخلص، وفيما عند الله تعالى أرغب، ومن عقوبته أرهب. والإخلاص إذا تمكن من طاعة من الطاعات مهما كانت يسيرة، فإن الله تعالى يغفر بها الذنب ويضاعف الأجر، يقول شيخ الإسلام في هذا الشأن: "والنوع الواحد من العمل قد يفعله الإنسان على وجه يكمل فيه إخلاصه وعبوديته لله، فيغفر الله به كبائر كما في حديث البطاقة2 ... فهذه حال من قالها بإخلاص وصدق، كما قالها هذا الشخص، وإلا فأهل الكبائر الذين دخلوا النار كلهم يقولون: لا إله إلا الله، ولم يترجح قولهم على سيئاتهم، كما ترجح قول صاحب البطاقة".. ثم ذكر رحمه الله حديث البغي التي سقت كلبا فغفر الله لها.. والرجل الذي أماط الأذى عن الطريق فغفر الله له، ثم قال: "فهذه سقت الكلب فغفر لها.. فالأعمال تتفاضل بتفاضل ما في القلوب من الإيمان والإخلاص"3.

_ 1 بدائع الفوائد لابن القيم "3/ 705". 2 عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن الله سيخلص رجلا من أمتي على رءوس الخلائق يوم القيامة، فينشر عليه تسعة وتسعين رجلا سجلا كل سجل مثل مد البصر، ثم يقول: أتنكر من هذا شيئا؟ أظلمك كتبتي الحافظون؟ فيقول: لا يارب، فيقول: أفلك عذر؟ فيقول: لا يارب، فيقول: بلى إن لك عندنا حسنة، وإنه لا ظلم عليك اليوم، فتخرج بطاقة فيها أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، فيقول: احضر وزنك فيقول: يارب هذه البطاقة مع هذه السجلات؟ فيقال: فإنك لا تظلم، فتوضع السجلات في كفة والبطاقة في كفة، فطاشت السجلات، وثقلت البطاقة ولا يثقل مع اسم الله تعالى شيء". أخرجه أحمد في المسند والترمذي، والحاكم في المستدرك، وصححه الألباني في صحيح الجامع "1776"، الصحيحة "135". 3 منهاج السنة النبوية لابن تيمية "6/ 218-220" بتصرف يسير.

- اشتغال الجوارح بالطاعات: إذا عمر الإخلاص قلب العبد، وتحققت أعمال القلوب من محبة الله ورسوله، والتوكل على الله والصبر له، والخوف منه والرجاء فيما عنده انطلقت الجوارح ولا بد في طاعة الله تعالى، ولا يتخلف ذلك أبدًا، وفي الصحيح: "ألا وإن في الجسد مضغة، إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب" 1، فصلاح الظاهر تابع لصلاح الباطن في الأصل، والارتباط بينهما حاصل. قال ابن القيم رحمه الله: "ومن تأمل الشريعة في مصادرها ومواردها، علم ارتباط أعمال الجوارح بأعمال القلوب، وأنها لا تنفع بدونها، وأن أعمال القلوب أفرض على العبد من أعمال الجوارح"2. قال تعالى: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلا كُفْرَانَ لِسَعْيِهِ} [الأنبياء: 94] ، "فلا يجحد عمله ولا يخيب سعيه، بل يثاب عليه أضعافا بحسب قوة إيمانه"3. وقال سبحانه: {وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا} [الإسراء: 19] . والسعي للآخرة هو العمل بكل ما يقرب إليها ويدني منها، من الأعمال التي شرعها الله على لسان نبيه محمد صلى الله عليه وسلم، فإذا تأسست على الإيمان وانبنت عليه، كان السعي مشكورا مقبولا مضاعفا، لا يضيع منه مثقال ذرة، وأما إذا فقد العمل الإيمان، فلو

_ 1 أخرجه البخاري "52"، ومسلم "1599" من حديث النعمان بن بشير رضي الله عنهما. 2 بدائع الفوائد لابن القيم "3/ 710". 3 التوضيح والبيان لشجرة الإيمان للشيخ عبد الرحمن السعدي ص73.

استغرق العامل ليله ونهاره فإنه غير مقبول، قال تعالى: {وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا} [الفرقان: 23] . -الاجتماع والوحدة والائتلاف: وهذا هو ما دعى الله إليه عباده بقوله: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلا تَفَرَّقُوا} [آل عمران: 103] ، وقال سبحانه: {وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [آل عمران: 105] . وقال صلى الله عليه وسلم: "من ترك الطاعة وفارق الجماعة، ثم مات فقد مات ميتة جاهلية" 1، وقال صلى الله عليه وسلم: "الجماعة رحمة والفرقة عذاب" 2. وقد اقتفى السلف نصوص الكتاب والسنة، فكانوا مجتمعين على اعتقاد واحد وهو ما كان عليه رسول الله وأصحابه، ينقله سلفهم إلى خلفهم لا يختلفون فيه أبدًا. قال الأصفهاني في كتابه الحجة: "ومما يدل على أن أهل الحديث على الحق، أنك لو طالعت جميع كتبهم المصنفة من أولهم إلى آخرهم، قديمهم وحديثهم، مع اختلاف بلدانهم وزمانهم، وتباعد ما بينهم من الديار، وسكون كل واحد فيهم قطرا من الأقطار، وجدتهم في بيان الاعتقاد على وتيرة واحدة ونمط واحد، يجرون فيه على طريقة لا يحيدون عنها، ولا يميلون فيها، قولهم في ذلك واحد، ونقلهم واحد، لا ترى بينهم اختلافا ولا تفرقا في شيء ما وإن قل، بل لو جمعت ما جرى على ألسنتهم، ونقلوه عن سلفهم، وجدته كأنه جاء من قلب واحد، وجيء على لسان واحد، وهل على الحق دليل أبين من هذا"3.

_ 1 رواه مسلم "1848"، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه. 2 رواه ابن بطة في الإبانة "1/ 287"، وأشار محققه إلى أنه صحيح. 3 الحجة في بيان المحجة لأبي القاسم إسماعيل الأصبهاني "2/ 224، 225".

وقال أبو إسماعيل الصابوني: "وهذه الجمل التي أثبتها في هذا الجزء كانت معتقد جميعهم، لم يخالف بعضهم بعضا، بل أجمعوا عليها كلها، ولم يثبت عن أحد منهم ما يضادها"1. وقال ابن بطة العكبري: "إلا من كان على طريق الاتباع، واقتفاء الأثر، والانقياد للأحكام الشرعية والطاعة الديانية، فإن أولئك من عين واحدة شربوا، فعليها يردون، وعنها يصدرون، قد وافق الخلف الغابر للسلف الصادر"2. وقال ابن قدامة المقدسي: "وعلى هذا درج السلف وأئمة الخلف رضي الله عنهم، كلهم يتفقون على الإقرار والإثبات لما ورد من الصفات في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم من غير تعرض لتأويله"3. وإنما سمو جماعة لاجتماعم على الحق علما وعملا، فكان اشتقاق الجماعة عن اجتماعهم. 4- في حياته الآخرة: إن امتناع الخلود في النار لمن ظلم نفسه من الموحدين، ودخول الجنة ابتداء لمن اقتصد من أصحاب اليمين، والفوز بالدرجات العلى لمن سبق بالخيرات، مع رضوان الله تعالى ورؤية وجهه الكريم في الجنات، هو غاية المطالب، ونهاية الرغائب لجميع المؤمنين. قال تعالى: {ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ، جَنَّاتُ عَدْنٍ

_ 1 عقيدة السلف أصحاب الحديث لأبي إسماعيل الصابوني ص111. 2 الإبانة عن شريعة الفرقة الناجية لابن بطة "6/ 386". 3 لمعة الاعتقاد لابن قدامة، تحقيق الأرناؤوط ص15.

يَدْخُلُونَهَا يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤًا وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ} [فاطر: 32، 33] . وفي هذه الآية حرف من الحيف أن يكتب بالمداد، وإنما ينبغي أن يكتب بماء الذهب فرحا وطربا؛ لأنه يشير إلى كرامة من الله لهذه الأمة لا تعدلها كرامة، ألا وهو حرف الواو في قوله تعالى: {يَدْخُلُونَهَا} ، فالداخلون هنا هم الموحدون من أمة محمد صلى الله عليه وسلم بأصنافها الثلاثة المذكورة في الآية. قال الشيخ الشنقيطي رحمه الله في تفسيره: "قال بعض أهل العلم: حق لهذه الواو أن تكتب بماء العينين، فوعده الصادق بجنات عدن لجميع أقسام هذه الأمة، وأولهم الظالم لنفسه، وهو يدل على أن هذه الآية من أرجى آيات القرآن، ولم يبق من المسلمين أحد خارج عن الأقسام الثلاثة، فالوعد الصادق بالجنة في الآية شامل لجميع المسلمين.. وقدم الظالم لئلا يقنط، وأخر السابق بالخيرات لئلا يعجب بعمله فيحبط"1. وعندما خطب عمر رضي الله عنه، وتلا الآية السابقة قال: "سابقنا مقرب، ومقتصدنا ناج، وظالمنا مغفور له"2، ولا عجب، فالاصطفاء درجات، كما أن الإبعاد دركات، فمن أعظم ثمار التوحيد المباركة على المكلف أن الله تعالى قد ضمن له الجنة فله الحمد والمنة. والجنة لا يدخلها إلا مؤمن موحد، وإن ظلم نفسه بغير الشرك، ولا يخلد في النار إلا كافر أو منافق، ففي الحديث: "لا يدخل الجنة إلا مؤمن" 3، فالمؤمن إما أن يعامله ربه بفضله، فيغفر له بلا سابقة عذاب، ويمحق توحيده سيئاته، كما في الحديث القدسي: "يا ابن آدم، إنك لو أتيتني بقراب الأرض خطايا ثم لقيتني لا تشرك بي شيئا،

_ 1 أضواء البيان للشنقيطي "5/ 165". 2 انظر: تفسير القرطبي "14/ 346". 3 أخرجه البخاري "4204"، ومسلم "111" من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

لأتيتك بقرابها مغفرة" 1. وإما أن يعامله بعدله، فيأخذه بذنبه، فيطهره منه ثم يؤول أمره إلى الجنة، وإذا دار الأمر بين فضله سبحانه وعدله، وغلب فضله عدله، وسبقت رحمته غضبه. قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [النساء: 48] . قال علي رضي الله عنه: "ما في القرآن آية أحب إلي منها"2، وقال علي بن الحسين: "هذه أرجى آية في كتاب الله". فهذه الآية أتت على كل وعيد، فرحمته سبحانه وسعت كل شيء، وحلمه تعالى سبق غضبه، وهو سبحانه ما أطمع عباده إلا ليعطيهم، ما لم يخدشوا صفاء التوحيد بالشرك، فالموحد قد وعده ربه مغفرته بتوحيده، ودخول جنته برحمته. قال تعالى: {وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} [التوبة: 72] . يارب إن عظمت ذنوبي كثرة ... فلقد علمت بأن عفوك أعظم إن كان لا يرجوك إلا محسن ... فبمن يلوذ ويستجير المجرم ما لي إليك وسيلة إلا الرجا ... وجميل عفوك ثم أني مسلم

_ 1 رواه الترمذي "3540"، والضياء في المختارة "1571"، والطبراني في الأوسط "4305"، وأبو نعيم في الحلية "2/ 231" من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه، وإسناده لا بأس به، وحسنه الألباني في صحيح الجامع "4338"، وأخرج مسلم نحوه "2687" من حديث أبي ذر رضي الله عنه. 2 رواه الترمذي "3037"، وانظر: تفسير القرطبي "5/ 246"، وتفسير ابن كثير "1/ 556".

ثانيًا: ثمرته بالنسبة للعلم نفسه وعلوم الإسلام: وثمرة علم التوحيد باعتبار العلم نفسه هي حفظ هذا العلم بحفظ قواعده، وأصوله ومسائله، وفي هذا حفظ للدين نفسه؛ لأن العلم الشرعي دين يدان الله تعالى به، قال الإمام مالك رحمه الله تعالى: "إن هذا العلم دين فانظروا عمن تأخذونه"1. وإذا كان العلم الشرعي مطلوب الحفظ عامة، فلا شك أن علم الاعتقاد يطلب حفظه على وجه الخصوص؛ لأنه أصل لما عداه؛ ولأنه أول الواجبات وآخرها وألزمها على المكلف، قال ابن القيم رحمه الله: "إن العبد لو عرف كل شيء ولم يعرف ربه فكأنه لم يعرف شيئا"2، والمتعرض لحلظ هذا العلم متعرض لفضل الله ورحمته، ودعاء النبي صلى الله عليه وسلم له بنضارة الوجه، ورفع الدرجات وتكفير السيئات، واستغفار الملائكة وسائر المخلوقات، "ولا رتبة فوق رتبة من تشتغل الملائكة وغيرهم بالاستغفار والدعاء له، وتضع له أجنحتها"3. وحفظ العلم كما يكون بتعلمه يكون بتعليمه وتوريثه وبذله لطالبيه، وهذا من أفضل القرب وأعلى الرتب، وفي الحديث: "خير ما يخلف الرجل بعده ثلاث: ولد صالح يدعو له، وصدقة جارية يبلغه أجرها، وعلم يعمل به من بعده" 4. قال أنس بن مالك رضي الله عنه: "بلغني أن العلماء يسألون يوم القيامة كما تُسأل الأنبياء، يعني: عن تبليغه"5.

_ 1 سير أعلام النبلاء للذهبي "5/ 343". 2 إغاثة اللهفان لابن القيم "1/ 68". 3 تذكرة السامع والمتكلم في أدب العالم والمتعلم لابن جماعة ص8. 4 أخرجه ابن ماجه "241" من حديث أبي قتادة الأنصاري رضي الله عنه. وقد صححه الألباني في صحيح سنن ابن ماجه "1/ 46"، وله شاهد عند مسلم "1631"، في الحديث المشهور عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: "إذا مات الإنسان انقطع عنه عمله إلا من ثلاثة: إلا من صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له". 5 جامع بيان العلم وفضله لابن عبد البر "1/ 149".

وقال ابن جماعة رحمه الله: "إن تعليم العلم من أهم أمور الدين، وأعلى درجات المؤمنين"1. - كما أن من ثمرات تعلم علم التوحيد وتعليمه تحصيل القدرة على إرشاد المسترشدين، وهداية المنحرفين، والوقوف أمام التيارات الإلحادية، والأهواء البدعية، وفي ذلك ثواب المنافحة عن الإسلام، والمدافعة عن السنة، قال أنس بن مالك رضي الله عنه: "إن طلب العلم لحسن، وإن نشره لحسن إذا صحت فيه النية". افتتح الإمام أحمد رحمه الله كتابه "الرد على الجهمية والزنادقة" بذكر أوصاف أهل العلم، فكان من جملة ما قال: "ينفون عن كتاب الله تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين" ... ثم عقب ذلك بأوصاف أهل البدع فقال: "الذين عقدوا ألوية البدعة، وأطلقوا عقال الفتنة، فهم مختلفون في الكتاب، مخالفون للكتاب، مجمعون عل مفارقة الكتاب، يقولون على الله وفي الله وفي كتاب بغير علم، يتكلمون بالمتشابه من الكلام، ويخدعون جهال الناس بما يشبهون عليهم، فنعوذ بالله من فتن الضالين"2. وقال صاحب كتاب مفتاح السعادة في بيان نية العالم في علمه: "وإنما يريد ابتغاء مرضات الله والامتثال لأوامره والاجتناب لنواهيه، ويريد نشر العلم، وتكثير الفقهاء وتقليل الجهلة، وإرشاد عباد الله إلى الحق، ودلالتهم على ما يصلحهم في النشأتين، وإظهار دين الله، وإقامة سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتشييد قواعد الإسلام، والتفريق بين الحلال والحرام، ويكون مخلصا في ذلك، راغبا في الآخرة، موقنا بما أعد الله للعلماء العاملين، راجيا ثوابه، وخائفا من عقابه"3.

_ 1 تذكرة السامع والمتكلم لابن جماعة ص47. 2 الرد على الجهمية والزنادقة للإمام أحمد ص6. 3 مفتاح السعادة لطاش كبرى زاده "1/ 35".

- ومن ثمرات هذا العلم: إقامة ما عداه من علوم الشريعة والفروع، فإنها تتعلق بعد ذلك بالعمل، "والعلم أصل العمل، وصحة الأصول توجب صحة الفروع"1. فإقامة علوم الفروع تبنى على إثبات إله عالم، مرسل للرسل، للكتب، وبغير هذا العلم لا يتصور علم تفسير أو حديث، أو فقه ونحو ذلك. قال السفاريني في منظومته: وبعد فاعلم أن كل العلم ... كالفرع للتوحيد فاسمع نظمي وعلى الجملة، فدراسة علم التوحيد تفيد الدارس بإخراجه من حضيض التقليد إلى مرتبة اليقين، وتصحيح النية والعقيدة، وتفيد السائل إن كان مسترشدًا بدلالته إلى الحق وبيان الصواب، وإن كان معاندًا بإلزامه الحق بالحجة والبرهان، كما ترجع فوائده إلى تثبيت قواعد الدين بدرء الشبهات والأباطيل، وإقامة ما عداه من العلوم الشرعية، إذ هو أساسها، وإليه يؤول أخذها واقتباسها.

_ 1 مجموع الفتاوى "4/ 53".

المبحث العاشر: مسائل علم التوحيد

المبحث العاشر: مسائل علم التوحيد المسائل لغة: جمع مسألة، وهي من السؤال، وهو الطلب. والمسألة اصطلاحا: مطلوب خبري يبرهن عنه في العلم بدليل1. وقد يقال: "إن مسائل كل علم هي معرفة الأحوال العارضة لذات موضوع العلم"2. فإذا كان موضوع علم الفقه -مثلًا- أفعال المكلفين من حيث تعلق الأحكام الشرعية بها، فإنمسائله هي معرفة أحكام هذه الأفعال، وعلى هذا فإنه إذا كان تعريف علم التوحيد هو "العلم بالأحكام الشرعية العقدية، المكتسب من أدلتها المرضية، ورد الشبهات وقوادح الأدلة الخلافية"، وكان موضوع علم التوحيد هو الله تعال، والملائكة، والرسل الكرام، وقضايا اليوم الآخر والغيبيات، فإن مسائله هي معرفة أحكام القضايا الاعتقادية المتعلقة بذلك كله من الوجوب والجواز والاستحالة، وما توقفت عليه تلك الأحكام لاستفادتها على منهج أهل السنة والجماعة. فمسائل علم التوحيد تتضمن معرفة الأحكام الشرعية العقدية كأحكام الألوهية، وعصمة الرسل، وقضايا اليوم الآخر ونحو ذلك، وقد عنيت كتب العقائد به أعظم عناية، وكتبت في تحريره وتقريبه -على منهج السلف الصالح أهل السنة والجماعة- مطولات ومختصرات، ومنظومات ومنثورات من زمن السلف وإلى يوم الناس هذا.

_ 1 التعريفات للجرجاني ص255. 2 شرح الكوكب المنير لابن النجار الحنبلي "1/ 33".

وملحق في آخر هذا الكتاب مبحثان: الأول: عرض مفصل لأهم مسائل علم الاعتقاد كما حوتها كتب أهل السنة سلفا وخلفا، رتبت على أبواب وفصول، ومباحث ومطالب، لتكون تبصرة للمبتدئ، وتذكرة للمنتهي. والثاني: نخبة منتقاة من مصنفات أهل السنة سلفا وخلفا في علم الاعتقاد. مع تعريف مختصر لبعضها، ودراسة موجزة للبعض الآخر.

الفصل الثاني: خصائص العقيدة عند أهل السنة والجماعة

الفصل الثاني: خصائص العقيدة عند أهل السنة والجماعة تمهيد: امتازت مناهج أهل السنة والجماعة في مسائل الدين أصوله وفروعه بخصائص جعلتها تستولي على ناصية الحق، ومعاقد التوفيق. ويتجلى هذا بوضوح في العقيدة، حيث تجمع إلى الاقتباس، من مشكاة القرآن والسنة، والوقوف عندهما، والتسليم لهما، الاتساق مع العقل والفطرة، والشمولية في الفهم والتطبيق، مع التوازن والوسطية، وفيما يأتي تفصيل لهذه الخصائص المباركة في عقيدة أهل السنة والجماعة.

المبحث الأول: التوقيفية (الربانية)

المبحث الأول: التوقيفية "الربانية" وتعني أن أهل السنة لا يقتبسون عقيدتهم إلا من مشكاة النبوة، قرآنا وسنة، لا عقل ولا ذوق ولا كشف، ولا يجعلون شيئًا من ذلك معارضا للوحي، بل هذه إن صحت كانت معضدة لحجة السمع، فالوحي هو الأصل المعتمد في تقرير مسائل الاعتقاد. قال قوام السنة الأصبهاني: "وأما أهل الحق فجعلوا الكتاب والسنة أمامهم، وطلبهم الدين من قبلهما، وما وقع لهم من معقولهم وخواطرهم عرضوه على الكتبا والسنة، فإن وجدوه موافقا لهما قبلوه، وشكروا لله هيث أراهم ذلك ووفقهم إليه، وإن وجوده مخالفا لهما تركوا ما وقع لهم، وأقبلوا على الكتاب ولاسنة، ورجعوا بالتهمة على أنفسهم، فإن الكتاب والسنة لا يهديان إلا إلى الحق، ورأي الإنسان قد يرى الحق وقد يرى الباطل، وهذا معنى قول أبي سليمان الداراني، وهو واحد زمانه في المعرفة: "ما حدثتني نفسي بشيء إلا طلبت منها شاهدين من الكتاب والسنة، فإن أتت بهما، وإلا رددته في نحرها. أو كلام هذا معناه"1. وقال شيخ الإسلام: "ولا ينصبون مقالة ويجعلونها من أصول دينهم، وجمل كلامهم، إن لم تكن ثابتة فيما جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم بل يجعلون ما بعث به الرسول من الكتاب والحكمة هو الأصل الذي يعتقدونه ويعتمدونه"2. "فالذين يزعمون أنهم يستمدون شيئا من الدين عن طريق العقل والنظر، أو علم الكلام والفلسفة، أو الإلهام والكشف والوجد، أو الرؤى والأحلام، أو عن طريق

_ 1 الحجة في بيان المحجة للأصبهاني "2/ 226". 2 مجموع الفتاوى "3/ 347".

أشخاص يزعمون لهم العصمة غير الأنبياء، أو الإحاطة بعلم الغيب "من أئمة أو رؤساء أو أولياء، أو أقطاب أو أغواث ... أو نحوهم"، أو يزعمون أنه يسعهم العلم بأنظمة البشر وقوانينهم، من زعم ذلك فقد افترى على الله أعظم الفرية"1. أسباب التوفيقية: وأما الأسباب التي حملت أهل السنة على الوقوف عند النصوص، وعدم تجاوزها فيمكن إجمالها فيما يأتي: أولًا: تواتر النصوص الآمرة باتباع الكتاب والسنة ولزومهما. ومن ذلك: قوله تعالى: {وَمَا آَتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} [الحشر: 7] ، وقوله تعالى: {أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ} [النساء: 59] . قال عطاء: "طاعة الرسول اتباع الكتاب والسنة"2. وقال ابن القيم: "روى أبو داود في مراسيله عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه رأى بيد بعض أصحابه قطعة من التوراة فقال: "كفى بقوم ضلالة أن يتبعوا كتابًا غير كتابهم الذي أنزل على نبيهم" 3، فأنزل الله -عز وجل- تصديق ذلك: {أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} [العنكبوت: 51] ، فهذا حال من أخذ دينه عن كتاب منزل على غير النبي، فكيف بمن أخذه عن عقل فلان وفلان، وقدمه على كلام الله ورسوله"4.

_ 1 بحوث في عقيدة أهل السنة والجماعة لناصر العقل ص33. 2 شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماع لللالكائي "1/ 72"، وتفسير الطبري "5/ 147". 3 المراسيل لأبي داود "454" عن يحيى بن جعدة. وراجع أثر ابن عباس في النهي عن سؤال أهل الكتاب، رواه البخاري "2685". 4 جلاء الأفهام لابن القيم ص179-181.

ثانيًا: ثبوت كمال الدين وتمام تبليغ الرسالة: فالرسول -صلى الله عليه وسلم- قد أوقف أمته على أصول ومسائل العقيدة بحيث لم يترك من تفاصيلها شيئًا إلا بينه، وهذ المعنى من ضرورات إكمال الدين الذي أخبر الله تعالى عنه بقوله: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا} [المائدة: 3] ، إذ العقيدة هي أهم ما في الدين. نقل شيخ الإسلام -رحمه الله عن الخطابي قوله: "وكان الذي أنزل عليه -أي النبي صلى الله عليه وسلم- من الوحي وأمر بتبليغه هو كمال الدين وتمامه، لقوله تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي} [المائدة: 3] ، فلم يترك شيئًا من أمور الدين، قواعده وأصوله، وشرائعه وفصوله، إلا بينه وبلغه، على كماله وتمامه، ولم يؤخر بيانه عن وقت الحاجة إليه، إذ لا خلاف بين فرق الأمة أن تأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز بحال، ومعلوم أن أمر التوحيد، وإثبات الصانع لا تزال الحاجة ماسة إليه أبدًا في كل وقت وزمان، ولو أخر عنه البان لكان التكليف واقعًا بما لا سبيل للناس إليه، وذلك فاسد غير جائز"1. وقال ابن القيم: "فعرف أي النبي -صلى الله عليه وسلم- الناس ربهم ومعبودهم غاية ما يمكن أن تناله قواهم من المعرفة، وأبدأ وأعاد واختصر وأطنب في ذكر أسمائه وصفاته وأفعاله، حتى تجلت معرفته سبحانه في قلوب عباده المؤمنين، وانجابت سحائب الشك والريب عنها، كما ينجاب السحاب عن القمر ليلة إبداره، ولم يدع لأمته حاجة في هذا التعريف لا إلى من قبله، ولا إلى من بعده، بل كفاهم وشفاهم وأغناهم عن كل من تكلم في هذا الباب.. وعرفهم الطريق الموصل لهم إلى ربهم ورضوانه ودار كرامته، ولم يدع حسنًا إلا أمرهم به، ولا قبيحًا إلا نهاهم عنه، كما قال: "ليس من عمل يقرب إلى

_ 1 درء تعارض العقل والنقل لابن تيمية "7/ 295، 296".

الجنة إلا قد أمرتكم به، ولا عمل يقر إلى النار إلا قد نهيتكم عنه" 1، قال أبو ذر -رضي الله عنه: "لقد تركنا محمد -صلى الله عليه وسلم، وما يحرك طائر جناحيه في السماء إلا وهو أذكرنا منه علمًا"2. وعرفهم حالهم بعد القدوم على ربهم أتم تعريف فكشف الأمر وأوضحه، ولم يدع بابًا من العلم النافع للعباد المقرب لهم إلى ربهم إلا فتحه، ولا مشكلًا إلا بينه وشرحه، حتى هدى الله به القلوب من ضلالها، وشفاها به من أسقامها، وأغاثها به من جهلها، فأي بشر أحق بأن يحمد منه؟ وجزاه عن أمته أفضل الجزاء"3. ويقول ابن عبد البر رحمه الله: "ليس في الاعتقاد كله، في صفات الله وأسمائه، إلا ما جاء منصوصًا في كتاب الله، أو ضح عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم، أو أجمعت عليه الأمة، وما جاء من أخبار الآحاد في ذلك كله أو نحوه يسلم له ولا يناظر فيه"4. ثالثًا: حرمة القول على الله بغير علم: لقد حرم الله تعالى الكلام بلا علم مطلقًا، وخص القول عليه بلا علم بالنهي، فقال تعالى: {وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولا} [الإسراء: 36] ، وقال تعالى: {قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ} [الأعراف: 33] .

_ 1 رواه ابن أبي شيبة في مصنفه "7/ 79"، وهناد في الزهد "1/ 28"، والحاكم في المستدرك "2136"، والبيهقي في شعب الإيمان "7/ 299" من حديث عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه، وفيه انقطاع في إسناده يعلم من علل الدارقطني "5/ 273 رقم 875"، ومعناه مشهور في الشريعة لا يحتاج مثله لإسناد، ومن ذلك حديث المطلب بن حنطب أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "ما تركت شيئًا مما أمركم الله به إلا وقد أمرتكم به، ولا شيئًا مما نهاكم عنه إلا وقد نهيتكم عنه". رواه الشافعي في الأم "7/ 229" بإسناد لا بأس به. 2 أخرجه أحمد في المسند "20854"، والطبراني في المعجم الكبير "1647". 3 جلاء الأفهام لابن القيم ص179-181. 4 جامع بيان العلم وفضله لابن عبد البر "2/ 117، 118".

قال شيخ الإسلام: "وكل من أثبت لله ما نفاه عن نفسه، أو نفى عنه ما أثبته لنفسه من المعطلة والممثلة، فإنه قال على الله غير الحق، وذلك مما زجر الله عنه بقوله للنصارى: {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلَا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ} [النساء: 171] ، وبقوله: {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعُوا أَهْوَاءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيرًا وَضَلُّوا عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ} [المائدة: 77] ، وقال عن الشيطان: {إِنَّمَا يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشَاءِ وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ} [البقرة: 169] ، وقال: {قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ} [الأعراف: 33] . فإن من قال غير الحق، فقد قال على الله ما لا يعلم، فإن الباطل لا يعلم إلا إذا علم بطلانه، فأما اعتقاد أنه الحق فهو جهل لا علم، فمن قاله فقد قال ما لا يعلم"1. مظاهر التوقيفية: والتوقف عند النصوص ودلالاتها كانت له آثار، ومظاهر في منهج أهل السنة والجماعة في تقرير مسائل الاعتقاد، وقطع النزاع حولها، فمن ذلك: 1- الرد إلى الوحي عند النزاع، قال تعالى: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ} [النساء: 59] . قال مجاهد: "كتاب الله وسنة نبيه، ولا تردوا إلى أولي الأمر شيئًا"2. وقال شيخ الإسلام رحمه الله: "ما تنازع فيه الناس من مسائل الصفات، والقدر، والوعيد، والأسماء، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وغير ذلك يردونه إلى الله

_ 1 مجموع الفتاوى "12/ 464، 465". 2 شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة لللالكائي "1/ 73"، وتفسير الطبري "5/ 147".

ورسوله، ويفسرون الألفاظ المجملة التي تنازع فيها أهل التفرق والاختلاف: فما كان من معانيها موافقًا للكتاب والسنة أثبتوه، وما كان فيها مخالفًا للكتاب والسنة أبطلوه، ولا يتبعون الظن وما تهوى الأنفس، فإن اتباع الظن جهل، واتباع هوى النفس بغير هدى من الله ظلم"1. 2- حبس اللسان عن الكلام في العقيدة إلا بدليل هاد من الكتاب والسنة، واعتماد ألفاظ ومصطلحات الكتاب والسنة عند تقرير مسائل الاعتقاد وأصول الدين، والتعبير بها عن المعاني الشرعية، وفق لغة القرآن وبيان الرسول -صلى الله عليه وسلم. قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [الحجرات: 1] . قال ابن عباس: "أي لا تقولوا خلاف الكتاب والسنة"2، وقال مجاهد: "لا تفتئتوا على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حتى يقضيه الله على لسانه"3. "فلا بد من الالتزام بالكتاب والسنة ومعقولهما لفظًا ومعنى، فلا يستعمل في التعبير عن القعيدة إلا الألفاظ التي جاءت في الكتاب والسنة، ويجب أن تستعمل هذه الألفاظ فيما سيقت فيه من المعاني المرادة بها في الكتاب والسنة، فهو توقيف في مصادر العقيدة، وفي ألفاظها وأساليب التعبير عنها"4. قال شيخ الإسلام -رحمه الله: "إن السلف كانوا يراعون لفظ القرآن والحديث فيما يثبتونه، وينفونه عن الله من صفاته وأفعاله، فلا يأتون بلفظ محدث مبتدع في النفي والإثبات، بل كل معنى صحيح فإنه داخل فيما أخبر به الرسول"5.

_ 1 مجموع الفتاوى "3/ 347". 2 انظر: روح المعاني للألوسي "26/ 132"، وتفسير ابن كثير "4/ 206". 3 انظر: تفسير البغوي "4/ 209". 4 المدخل لدراسة العقيدة الإسلامية لإبراهيم البريكان ص62، 63. 5 مجموع الفتاوى "5/ 432".

3- التسليم لله تعالى وللرسول -صلى الله عليه وسلم، من غير تعرض لنصوص الوحيين بتحريف أو تأويل، أو تعطيل أو تكييف أو تمثيل، وترك نصب شرك التعارض بين صحيح النقل وصريح العقل، ومجانبة الجدال والمراء في نصوص العقيدة ومعاقدها الكلية، فإن بدا ما ظاهره التعارض بين العقل والنقل، فمرده إلى الوهم في قطعية أحدهما ثبوتًا أو دلالة. 4- سد باب الابتداع والإحداث في الدين، ورد جميع ما خالف سنة سيد الأنبياء والمرسلين -صلى الله عليه وسلم، فمستند المشروعية -أبدًا- هو موافقة الشريعة المطهرة. عن عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- قال: "إنا نقتدي ولا نبتدي، ونتبع ولا نبتدع، ولن نضل ما تمسكنا بالأثر"1. وقال شيخ الإسلام -رحمه الله: "وما أحسن ما جاء عن عبد العزيز بن عبد الله بن أبي سلمة أنه قال: عليك بلزوم السنة فإنها لك بإذن الله عصمة، فإن السنة إنما جعلت ليستن بها، ويقتصر عليها، وإنما سنها من قد علم ما في خلافها من الزلل والخطأ والحمق والتحمق، فارض لنفسك بما رضوا به لأنفسهم، فإنهم علم وقفوا، وببصر نافذ كفوا، ولهم كانوا على كشفها أقوى، وبتفصيلها لو كان فيها أحرى، وإنهم لهم السابقون، وقد بلغهم عن نبيهم ما يجري من الاختلاف بعد القرون الثلاثة، فلئن كان الهدى ما أنتم علي لقد سبقتموهم إليه، ولئن قلتم حدث حدث بعدهم فيما أحدثه إلا من اتبع غير سبيلهم، ورغب بنفسه عنهم، واختار ما نحته فكره على ما تلقوه عن نبيهم، وتلقاه عنهم من تبعهم بإحسان"2. 5- وأخيرًا فإن هذه التوقيفية والربانية لها أثرها العظيم في عصمة أهل السنة وعلومهم من الخطأ والزلل، والانحراف والاضطراب في فهم العقيدة، وترك التخليط

_ 1 المرجع السابق: "1/ 86". 2 مجموع الفتاوى "4/ 7".

في مصادر التلقي والمرجعية، وتصفيتها من كل نفس كلامي مردود، أو شوب فلسفي مذموم، أو دخل مسلكي مبتدع، فالعقيدة ترجع إلى مصدر موثوق لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، وهو الوحي الذي تكفل الله تعالى بحفظه. قال قوام السنة الأصبهاني: "غير أن الله أبي أن يكون الحق والعقيدة الصحيحة إلا مع أهل الحديث والآثار؛ لأنهم أخذوا دينهم وعقائدهم خلفًا عن سلف، وقرنًا عن قرن، إلى أن انتهوا إلى التابعين، وأخذه التابعون من أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم، وأخذه أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم، ولا طريق إلى معرفة ما دعا إليه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الناس من الدين المستقيم، والصراط القويم، إلا هذا الطريق الذي سلكه أصحاب الحديث"1. كما أن من ثمرات التوقيفية أنها ضمانة لتوحيد كلمة الأمة على منهج واحد، عندما تلتقي على هذا الوحي الإلهي بما فيه من موازين لا تضطرب، ولا نتأرجح ولا تتأثر بالهوى والدوافع الذاتية. قال قوام السنة الأصبهاني: "وكان السبب في اتفاق أهل الحديث أنهم أخذوا الدين من الكتاب والسنة وطريق النقل، فأورثهم الاتفاق والائتلاف"2. وقال -رحمه الله: "ومما يدل على أن أهل الحديث هم على الحق، أنك لو طالعت جميع كتبهم المصنفة من أولهم إلى آخرهم، قديمهم وحديثهم مع اختلاف بلدانهم وزمانهم، وتباعد ما بينهم في الديار، وسكون كل واحد منهم قطرًا من الأقطار، وجدتهم في بيان الاعتقاد على وتيرة واحدة، ونمط واحد يجرون فيه على طريقة لا يحيدون عنها، ولا يميلون فيها، قولهم في ذلك واحد. ونقلهم واحد، لا ترى بينهم

_ 1 الحجة في بيان المحجة للأصبهاني: "2/ 223، 224". 2 المصدر السابق: "2/ 226".

اختلافًا ولا تفرقًا في شيء وإن قل، بل لو جمعت جميع ما جرى على ألسنتهم، ونقلوه عن سلفهم، وجدته كأنه جاء من قلب واحد، وجرى على لسان واحد، وهل على الحق دليل أبين من هذا؟ "1. وإذا كان أهل السنة يستقون عقيدتهم من نبع واحد هو الوحي المعصوم، حتى صارت التوقيفية من أخص خصائص العقيدة عندهم، فإن أهل الأهواء والبدع قد تعددت مشاربهم، وخلطوا في مصادر عقائدهم، فتراهم يستدلون بالعقليات والأوهام، والظنون، والذوق، وآراء الرجال، والفلسفات، والروايات الضعيفة، وما لا أصل له، وغير ذلك من المصادر المنحرفة، وما كان من النصوص موافقًا لأصولهم البدعية وأهوائهم الردية أثبتوه، وما كان منها مخالفًا لأقوالهم وآراء كبرائهم تأولوه وردوه، فلم فلم يكن اعتمادهم في الحقيقة على الكتاب والسنة، بل على أصولهم البدعية. قال ابن القيم -رحمه الله: "وحقيقة الأمر أن كل طائفة تتأول ما يخالف نحلتها ومذهبها، فالعيار على ما يتأول وما لا يتأول هو المذهب الذي ذهبت إليه، والقواعد التي أصلتها، فما وافقها أقروه ولم يتأولوه، وما خالفها فإن أمكنهم دفعه وإلا تأولوه، ولهذا لما أصلت الرافضة عداوة الصحابة ردوا كل ما جاء في فضائلهم والثناء عليهم أو تأولوه، ولما أصلت الجهمية أن الله لا يتكلم ولا يكلم أحدًا، ولا يرى بالأبصار، ولا هو فوق عرشه مبائن لخلقه، ولا له صفة تقوم به، أولوا كل ما خالف ما أصلوه، ولما أصلت القدرية أن الله سبحانه لم يخلق أفعال عباده، ولم يقدرها عليهم أولوا كل ما خالف أصولهم، ولما أصلت المعتزلة القول بنفوذ الوعيد، وأن من دخل النار لم يخرج منها أبدًا، أولوا كل ما خالف أصولهم، ولما أصلت المرجئة أن الإيمان هو المعرفة، وأنها لا تزيد ولا تنقص، أولوا ما خالف أصولهم، ولما أصلت الكلابية أن الله سبحانه لا

_ 1 المصدر السابق: "2/ 224، 225".

يقوم به ما يتعلق بقدرته ومشيئته، وسموا ذلك حلول الحوادث، أولوا كل ما خالف هذا الأصل، ولما أصلت الجبرية أن قدرة العبد لا تأثير لها في الفعل بوجه من الوجوه، وأن حركات العباد بمنزلة هبوب الرياح وحركات الأشجار، أولوا كل ما جاء بخلاف ذلك، فهذا في الحقيقة هو عيار التأويل عند الفرق كلها"1. ولما سار أهل السنة في طريق الوحي المعصوم، وصلوا إلى جنة الحق، وعصموا من الخطأ والزلل والاضطراب، وكانوا أمة واحدة لا تفرق بينهم، ولا اختلاف في مسائل الاعتقاد، ولما تنكب غيرهم الطريق، فخالفوا أمر رب العالمين، باتباع الصراط المستقيم، وعدم اتباع سبل الشياطين، وخالفوا أمر النبي الأمين، فولجوا الأبوا المفتحة، وهتكوا الستور المرخاة، تحقق فيهم وعيده سبحانه لمن خالف أمره وأمر نبيه -صلى الله عليه وسلم، فتفرقوا عن سبيله واختلفوا، وزلوا واضطربوا، ووقعوا في التناقض، وأتوا بالعجائب، فهم في أمر مريج، يبدع بعضم بعضًا، ويفسق بعضهم بعضًا، ويكفر بعضهم بعضا، ذلك بما قدمت أيديهم، وأن الله ليس بظلام للعبيد. قال قوام السنة الأصبهاني -رحمه الله: "وأما إذا نظرت إلى أهل الأهواء والبدع، رأيتهم متفرقين مختلفين أو شيعًا وأحزابًا، لا تكاد تجد اثنين منهم على طريقة واحدة في الاعتقاد، يبدع بعضهم بعضًا؛ بل يرتقون إلى التفكير يكفر الابن أباه، والرجل أخاه، والجار جاره، تراهم أبدًا في تنازع وتباغض اختلاف، تنقضي أعمارهم ولم تتفق كلماتهم: {تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْقِلُونَ} [سورة الحشر: 14] "2.

_ 1 الصواعق المرسلة لابن القيم: "1/ 230-232". 2 الحجة في بيان المحجة للأصبهاني: "2/ 225".

المبحثالثاني: الغيبية

المبحث الثاني: الغيبية "الغيب في كلام العرب: كل ما غاب عنك"1. وقل الراغب الأصفهاني: "الغيب: مصدر غاب الشيء بمعنى استتر عن العيون، يقال: غاب عني كذا، واستعمل في كل غائب عن الحاسة، وعما يغيب عن علم الإنسان، بمعنى الغائب. والغيب: هو ما لا يقع تحت الحواس، ولا تقتضيه بداهة العقول، بحيث لا يدرك بواحد منهما ابتداء بطريق البداهة، وإنما يعلم بخبر الأنبياء، عليهم الصلاة والسلام"2. والغيبية كأحد خصائص العقيدة الإسلامية تعني قيام العقيدة على التسليم بوجود الغيب، كما تعني وجوب الإيمان بكل ما ورد في النصوص الشرعية من أمور الغيب، وعدم رد شيء منها أو تأويلها. قال قتادة في قوله تعالى: {الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ} [البقرة: 3] . "آمنوا بالجنة والنار، والبعث بعد الموت، وبيوم القيامة، وكل هذا غيب"، وقال أنس -رضي الله عنه: "الذين يؤمنون بالغيب: آمنوا بالله، وملائكته، ورسله، واليوم الآخر، وجنته، وناره، وآمنوا بالحياة بعد الموت، فهذا كله غيب"3. وقال القرطبي في تفسير قوله تعالى: {الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ} [البقرة: 3] :

_ 1 تفسير القرطبي "1/ 163"، وانظر: لسان العرب لابن منظور "10/ 151-153". 2 مفردات القرآن للراغب الأصفهاني ص366-367، وانظر: تفسير البيضاوي "1/ 104"، وتفسير أبي السعود "1/ 53". 3 تفسير الطبري "1/ 101".

"اختلف المفسرون في تأويل الغيب هنا، فقالت فرقة: الغيب في هذه الآية: الله سبحانه، وضعفه ابن العربي، وقال آخرون: القضاء والقدر، وقال آخرون: القرآن: القرآن وما فيه من الغيوب، وقال آخرون: الغيب كل ما أخبر به الرسول -صلى الله عليه وسلم- مما لا تهتدي إليه العقول من أشراط الساعة، وعذاب القبر، والحشر، والنشر، والصراط، والميزان، والجنة، والنار، قال ابن عطية: وهذه الأقوال لا تتعارض؛ بل يقع الغيب على جميعها، قلت: وهذا هو الإيمان الشرعي المشار إليه في حديث جبريل -عليه السلام، حين قال للنبي -صلى الله عليه وسلم: فأخبرني عن الإيمان، قال: "أن تؤمن بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، وتؤمن بالقدر خيره وشره"، قال: صدقت1 ... وذكر الحديث" 2. مظاهر ودلائل الغيبية: والغيبية واحدة من الركائز الكبرى، والخصائص العظمى في العقيدة، حيث إن كثيرًا من مسائل العقيدة وقضاياها يقع في نطاق الغيب، ولذلك شواهد كثيرة في الشرع، فمن ذلك: 1- أن الباري -رضي الله عنه- ابتدأ كتابه العزيز بذكر هذه الركيزة كخاصية من خواص المؤمنين اللازمة، وصفة من صفاتهم البارزة. قال تعالى: {الم، ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ، الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ} [البقرة: 1-3] . قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله: "ولما كانت سورة البقرة سنام القرآن ويقال: إنها أول سورة نزلت بالمدينة، افتتحها الله بأربع آيات في صفة المؤمنين، وآيتين في

_ 1 رواه مسلم من حديث عمر، وروى البخاري ومسلم نحوه في حديث أبي هريرة. 2 تفسير القرطبي "1/ 163".

صفة الكافرين، وبضع عشرة آية في صفة المنافقين"1. 2- ما ورد في فضل المؤمنين بالغيب وعظم أجرهم، وبيان أن الإيمان بالغيب هو أفضل الإيمان، وأعظم مقامات الدين. فعن عبد الرحمن بن يزيد قال: كنا ثم عبد الله بن مسعود جلوسًا، فذكرنا أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- وما سبقونا به، فقال عبد الله: "إن أمر محمد -صلى الله عليه وسلم- كان بينا لمن رآه، والذي لا إله غيره ما آمن أحد قط إيمانًا أفضل من إيمان بغيب"2. وقال ابن القيم -رحمه الله- في تعليقه على قوله تعالى: {مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَجْتَبِي مِنْ رُسُلِهِ مَنْ يَشَاءُ} [آل عمران: 179] : "فحظكم أنتم وسعادتكم في الإيمان بالغيب الذي يطلع عليه رسله، فإن آمنتم به وأيقنتم فلكم أعظم الأجر والكرامة"3. وقال رحمه الله: "الإيمان بالغيب أجل المقامات على الإطلاق"4. وكما أن الإيمان بالغيب يقوم على أساس متين من الشرع، فهو يقوم كذلك على أساس متين من الفطرة والعقل. فالإيمان بالغيب حاجة فطرية عند الإنسان؛ بل هو من خصائص الإنسان الفطرية التي يتباهى بها؛ إذ يشترك مع سائر الحيوانات في إدراك المحسوسات، ويتميز عنها بالإيمان بالغيب كما جاء به الوحي، دون دخول في الخيالات الباطلة، والأوهام الزائفة، والخرافات والشطحات.

_ 1 مجموع الفتاوى "7/ 200". 2 رواه الحاكم "3033"، وصححه، وابن منده في كتاب الإيمان "1/ 371"، بإسناد صحيح. 3 زاد المعاد لابن القيم "3/ 220". 4 طريق الهجرتين لابن القيم "1/ 437".

"ولو كانت نزعة الإيمان بالغيب، والتطلع إليه من ناحية طرفيه: الماضي والآتي، عنصرًا من عناصر الفكرة الدينية وحدها، لكان الإنكار لما وراء الحس إلحادًا فحسب، ولو كانت هي النتيجة الختامية لتقدم العلوم واتساع أفقها، لكان هذا الإنكار نقصًا في العلم وقصرًا في النظر، وكفى. أما وتلك النزعة بنت الغريزة والجبلة، فإن الأمر أعظم من ذلك وأخطر: إنه نكسة في فطرة الإنسان ترده إلى مستوى الحيوان الأعجم، ولا نقول إلى مستوى الطفولة الغافلة، فإن كثيرًا من الأطفال ذوي الفطرة السليمة لا يقنعون بالأمر الواقع المشاهد، ولا يقفون في تعليله عند حلقة من حلقات أسبابه وغاياته القريبة؛ بل يصعد دائمًا إلى أسبابه الأولى، ويسترسلون في تعريف نتائجه الأخيرة، فهذه صورة مصغرة من تلك النزعة الفكرية الإنسانية التي هي أبدًا في حركة، وتقدم يأبيان الوقوف والجمود"1. كما أن الأمور الغيبية التي تضمنتها العقيدة لا تناقض العقل -وإن حار فيها- ولا وسيلة له لإنكارها والتكذيب بوجودها، وليس فيها شيء يضطر الإنسان إلى رفضها، والتخلي عنها بعد بلوغه أي مرحلة من مراحل الارتقاء الفكري والعلمي. فهناك أمور لا يستطيع العقل أن يصل إليها؛ لأنها لا تقع في محيط تجربته وعمله، ولا تستطيع الأدوات التي يحصل بها المعرفة، وهي أدوات الحس، أن تصل إليها؛ لأنها خارجة عن نطاق المحسوسات، وإن كان في إمكان العقل أن يعقلها حين تبين له، فهذه تلقن للعقل تلقينا عن طريق الوحي، ويكون دور العقل أن يعلمها، لا بطريق التجربة أو الحس، ولكن عن طريق التيقن من صدق الخبر وصدق المخبر، وهو مدعو إلى القيام بعملية التيقن هذه بكل الوسائل التي يملكها ... وهي مؤدية إلى الغاية الصحيحة حين يستقيم العقل.

_ 1 الدين، بحوث ممهدة لدراسة تاريخ الأديان د. محمد عبد الله دراز ص95.

وباستقراء استعمالات العرب لكلمة الغيب ومشتقاتها، نجد أنها تقابل الشهادة وليست مقابلة للشيء الموجود أو الشيء المعقول، وقد جمع الله تعالى بين الكلمتين كثيرًا، كما في قوله تعالى: {عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ} ، فكل منهما تقابل الأخرى كما أنها أيضًا ليست مقابلة للشيء الواقع كما يظن بعض الناس، حيث يكون عندهم الإيمان بالغيب إيمانًا بغير الواقع، فليس الغيب معدومًا، ولا هو الذي يحكم العقل باستحالته، أو يكون غير واقعي. ومن هنا يتبين خطأ الذين يعتبرون الإيمان بالغيب إيمانًا بشيء غير معقول، أي مخالفًا للعقل، أو مخالفًا للواقع، أو إيمانًا بشيء معدوم، وذلك؛ لأن الغيب ليس مقابلًا للموجود في لغة العرب، ولا مقابلًا للمعقول بمعنى ما يقبله العقل، ولا مقابلًا للشيء الواقع، وإنما هو مقابل للشهادة، أي الشيء الحاضر المشهود1. قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله: "والرسل جاءت بما يعجز العقل عن دركه، ولم تأت بما يعلم بالعقل امتناعه، لكن المسرفون فيه -أي في العقل- قضوا بوجوب أشياء وجوازها، وامتناعها لحجج عقلية بزعمهم اعتقدوها حقًا وهي باطل، وعارضوا بها النبوات وما جاءت به، والمعرضون عنه صدقوا بأشياء باطلة، ودخلوا في أحوال وأعمال فاسدة، وخرجوا عن التمييز الذي فضل الله به بني آدم على غيرهم"2. وقال رحمه الله: "والمقصود أنه ليس كل شيء يمكن علمه بالقياس، ولا كل شيء يحتاج فيه إلى القياس، فلهذا قال الأئمة: ليس في المنصوصات النبوية قياس، ولا تعارض بالأمثال، ولا تدرك بالعقول، وأما كونها لا تعارض الأمثال المضروة، فهذا

_ 1 انظر: موقف العقل والعلم والعالم من رب العالمين، وعباده المرسلين للشيخ مصطفى صبري "2/ 72"، ففيه تفصيل ومناقشات حول هذه الفكرة. 2 مجموع الفتاوى "3/ 339".

يعني أن النصوص لا يعارضه دليل عقلي صحيح، وأما أنها لا تدرك بالعقول فإن نفس الغريزة العقلية التي تكون للشخص قد تعجز عن إدراك كثير من الأمور لا سيما الغائبات، فمن رام بعقل نفسه أن يدرك كل شيء كان جاهلًا، لا سيما إذا طعن في الطرق السمعية النبوية الخبرية، وهذا هو الذي يسلكه من يسلكه من الفلاسفة، ومن يشبههم من أهل الكلام"1. وقال ابن القيم -رحمه الله: "الرسل صلوات الله وسلامه عليهم لم يخبروا بما تحيله العقول وتقطع باستحالته؛ بل أخبارهم قسمان: أحدهما ما تشهد به العقول والفطر. الثاني: ما لا تدركه العقول بمجردها كالغيوب التي أخبروا بها عن تفاصيل البرزخ واليوم الآخر، وتفاصيل الثواب والعقاب، ولا يكون خبرهم محالًا في العقول أصلًا، وكل خبر يظن أن العقل يحيله، فلا يخلو من أحد أمرين: إما يكون الخبر كذبًا عليهم، أو يكون ذلك العقل فاسدًا، وهو شبهة خيالية يظن صاحبها أنها معقول صريح، قال تعالى: {وَيَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ الَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ هُوَ الْحَقَّ وَيَهْدِي إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ} [سبأ: 6] ، وقال تعالى: {أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَى} [الرعد: 19] "2. وإذا كان الإيمان بالغيب من خصائص المؤمنين بصفة عامة، فإن أهل السنة تميزوا في هذا الباب بقبول كل ما ورد على لسان الرسل الكرام من أمور الغيب إيمانًا وتصديقًا وإيقانًا، وتجنبًا للشبهات والشكوك الناشئة عن إقحام العقول في مجال غير مجالها. قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "والإيمان بالغيب لا يتم إلا بالإيمان بجميع ما أنزله الله تبارك وتعالى"3.

_ 1 درء تعارض العقل والنقل لابن تيمية "7/ 326". 2 الروح لابن القيم ص62. 3 الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح لابن تيمية ص137.

وقال ابن القيم رحمه الله: "الثاني: قبول ما غاب للحق، وهو الإيمان بالغيب الذي أخبر به الحق سبحانه على لسان رسله، من أمور المعاد وتفصيله، والجنة والنار، وما قبل ذلك من الصراط والميزان والحساب، وما قبل ذلك من تشقق السماء وانفطارها، وانتثار الكواكب، ونسف الجبال، وطي العالم، وما قبل ذلك من أمور البرزخ ونعيمه وعذابه، فقبول هذا كله إيمانًا وتصديقًا وإيقانًا هو اليقين، بحيث لا يخالج القلب فيه شبهة، ولا شك ولا تناس ولا غفلة عنه، فإنه إن يهلك يقينه أفسده وأضعفه"1. وإذا كان موقف أهل السنة هو التسليم الكامل، والإيمان التام بكل مسائل الغيب كما ورد بها النقل، وذلك من خصائص عقيدتهم؛ فإن أهل البدع لم يقفوا من هذه المسائل، ولا من تلك الخصيصة موقف أهل السنة؛ بل عارضت طوائف منهم كثيرًا من أمور الغيب بعقولهم المريضة وآرائهم الفاسدة، فردوا بعضها وأولوا بعضها، وخلطت طوائف أخرى بين أمور الغيب والخرافات والأوهام التي لا يقبلها عقل صحيح، ولا فطرة سليمة. ومن أمثلة ما أنكره أصحاب العقول الفاسدة ما يلي: 1- عذاب القبر ونعيمه: قال ابن القيم رحمه الله: "وأما أقوال أهل البدع والضلال، فقال أبو الهذيل والمريسي من خرج عن سمة الإيمان، فإنه يعذب بين النفختين والمسألة في القبر إنما تقع في ذلك الوقت، وأثبت الجبائي وابنه البلخي عذاب القبر، ولكنهم نفوه عن المؤمنين وأثبتوه لأصحاب التخليد من الكفار والفساق على أصولهم.

_ 1 مدارج السالكين لابن القم "2/ 402".

وقال كثير من المعتزلة: لا يجوز تسمية ملائكة الله بمنكر، ونكير وإنما المنكر ما يبدو من تلجلجه إذا سئل، والنكير تقريع الملكين له. وقال بعض المعتزلة: إن الله سبحانه يعذب الموتى في قبورهم ويحدث فيهم الآلام وهم لا يشعرون، فإذا حشروا وجدوا تلك الآلام وأحسوا بها، قالوا: وسبيل المعذبين من الموتى كسبيل السكران والمغشي عليه، لو ضربوا لم يجدوا الآلام، فإذا عاد عليهم العقل أحسوا بألم الضرب، وأنكر جماعة منهم عذاب القبر رأسًا، مثل ضرار بن عمرو، ويحيى بن كامل وهو قول المريسي، فهذه أقوال أهل الخزي والضلال"1. 2- رؤية الله تعالى: وكذا أنكروا رؤية الله تعالى في الآخرة، فذهبت المعتزلة والجهمية وغيرهم إلى وجوب نفي رؤية الله تعالى؛ بل كفروا من لم يعتقد ذلك. قال القاضي عبد الجبار: "الرؤية بالأبصار على الله مستحيل"، "ومما يجب نفيه عن الله تعالى الرؤية"2. قال ابن النحاس رحمه الله: "وخالفوا في ذلك المعتزلة والجهمية، ومن تبعهم من الخوارج والإمامية وطوائف من المرجئة، وطوائف من الزيدية، الذين ذهبوا إلى القول بأن الله تعالى لا يرى بالأبصار لا في الدنيا ولا في الآخرة، ولا يجوز عليه ذلك"3. وقال شيخ الإسلام رحمه الله: "والجهمية والمعتزلة يقولون: من أثبت لله الصفات وقال: إن الله يرى في الآخرة، والقرآن كلام الله ليس بمخلوق، فإنه مجسم مشبه والتجسيم باطل"4.

_ 1 الروح لابن القيم ص57، 58. 2 المختصر في أصول الدين للقاضي عبد الجبار "1/ 220". 3 رؤية الله تبارك وتعالى لابن النحاس ص25. 4 منهاج السنة النبوية لابن تيمية "2/ 107".

وقال الإمام ابن القيم رحمه الله: "وأنكرها أهل البدع المارقون، والجهمية المتهوكون، والفرعونية المعطلون، والباطنية الذين هم من جميع الأديان منسلخون، والرافضة الذين هم بحبائل الشيطان متمسكون، ومن حبل الله متقطعون"1. 3- حوض النبي -صلى الله عليه وسلم: وأنكر المعتزلة حوض النبي -صلى الله عليه وسلم- الثابت بالقرآن والسنة. قال الإمام السفاريني رحمه الله: "خالفت المعتزلة فلم تقر بإثبات الحوض مع ثبوته بالسنة الصحيحة الصريحة؛ بل وبظاهر القرآن"2. 4- الشفاعة: وأنكر المعتزلة والخوارج الشفاعة لأهل الكبائر: قال القاضي البيضاوي: "تمسكت المعتزلة بهذه الآية3 على نفي الشفاعة لأهل الكبائر، وأجيب بأنها مخصوصة بالكفار، ويؤيد هذا أن سياق الخطاب معهم، والآية نزلت ردا لما كانت اليهود تزعم أن آباءهم تشفع لهم"4. ومن أمثلة ما أثبته أصحاب العقول التائهة ما يلي: أدخل الصوفية في أمور الغيب الخرافات، والأوهام مما لم يأت في كتاب الله ولا سنة رسوله -صلى الله عليه وسلم-، ونذكر بعض أقوالهم في الإلهام والإسراءات والمعاريج الصوفية، وهي من مصادر التلقي عندهم، وهذه الأقوال غيض من فيض، ونقطة في بحر الخرافات والأوهام الذي غرقوا فيه، وجعلوا يغرفون منه معتقداتهم وتصوراتهم وآراءهم.

_ 1 حادي الأرواح لابن القيم ص196. 2 لوائح الأنوار السنية للسفاريني "2/ 173". 3 وهي قوله تعالى: {وَاتَّقُوا يَوْمًا لَا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا وَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ} [البقرة: 48] . 4 تفسير البيضاوي "1/ 60".

قال ابن عربي: " ... فإن الملك قد ينزل على الولي التابع بالاتباع، وبإفهام ما جاء به النبي مما لم يتحقق هذا الولي بالعلم به، وإن كان متأخرًا عنه بالزمان، أعني متأخرًا عن زمان وجوده، فقد ينزل عليه بتعريف صحة ما جاء به النبي وسقمه، مما قد وضع عليه، أو توهم أنه صحيح عنه، أو ترك لضعف الراوي وهو صحيح في نفس الأمر، وقد ينزل عليه الملك بالبشرى من الله بأنه من أهل السعادة والفوز، وبالأمان ... "1. ويقول إبراهيم الدسوقي: "عليكم بتصديق القوم في كل ما يدعون، فقد أفلح المصدقون، وخاب المستهزئون، فإن الله تعالى يقذف في سر خواص عباده ما لا يطلع عليه ملك مقرب ولا نبي مرسل ... فما للعاقل إلا التسليم، وإلا فاتوه وفاتهم، وحرم فوائدهم، وخسر الدارين"2. وقام الشعراني: "قد صرح المحققون بأن للأولياء الإسراء الروحاني إلى السماء، بمثابة المنام يراه الإنسان، ولكل منهم مقام معلوم لا يتعداه، وذلك حين يكشف له حجاب المعرفة، فكل مكان كشف له فيه الحجاب حصل المقصود به، فمنهم من يحصل له ذلك بين السماء والأرض، ومنهم من يحصل له ذلك في سماء الدنيا، ومنهم من ترقى روحه إلى سدرة المنتهى، إلى الكرسي، إلى العرش"3. وقال أبو يزيد البسطامي: "عرج بروحي، فخرقت الملكوت، فما مررت بروح نبي إلا سلمت عليه، وأقرأتها السلام، غير روح محمد -صلى الله عليه وسلم- فإنه كان حول روحه ألف حجاب من نور ... "4.

_ 1 الفتوحات المكية لمحيي الدين بن عربي "3/ 316". 2 المصدر السابق "3/ 316". 3 كشف الحجاب والران عن وجه أسئلة الجان للشعراني ص52. 4 النور من كلمات أبي طيفور للسهلجي ص111-112.

وقال إبراهيم الدسوقي: "أنا في السماء شاهدت ربي، وعلى الكرسي كلمته ... "1. ولا حول ولا قوة إلا بالله ...

_ 1 انظر: تلبيس إبليس لابن الجوزي ص207.

المبحث الثالث: الوسطية

المبحث الثالث: الوسطية "الوسط اسم لما بين طرفي الشيء وهو منه، وأوسط الشيء أفضله وخياره كوسط المرعى خير من طرفيه، وكوسط الدابة للركوب خير من طرفيها لتمكن الراكب، ومنه الحديث: "خيار الأمور أوساطها" 1؛ ومنه قوله تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ} [الحج: 11] ، أي على شك، فهو على طرف من دينه غير متوسط فيه ولا متمكن، فلما كان وسط الشيء أفضله وأعدله جاز أن يقع صفة، وذلك في مثل قوله تعالى وتقدس: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا} [البقرة: 143] ، أي عدلًا فهذا تفسير الوسط وحقيقة معناه"2. وعليه فإن الوسطة تعني التوازن بين الأمور المتقابلة، والتوسط بين الأطراف المتباعدة على ما تقتضيه النصوص الشرعية، والوسطية من أظهر خصائص العقيدة الإسلامية، "والصور التي تأت شاهدًا على ذلك تعز على الحصر، فإن كل ما في العقيدة الإسلامية ناطق بهذا التوازن الدقيق، ... ومن ذلك: التوازن بين ما يتلقاه الإنسان عن طريق الوحي، وبين ما يتلقاه عن طريق وسائل الإدراك البشري، والتوازن بين طلاقة المشيئة وثبات السنن الكونية، والتوازن بين المشيئة الإلهية الطليقة، ومجال المشيئة الإنسانية المحدودة، والتوازن في

_ 1 جاءت في كشف الخفاء للعجلوني "1/ 469، 470": "خير الأمور أوسطها وفي لفظ: أوساطها. قال ابن الغرس: ضعيف انتهى. وضعفه الألباني في ضعيف الجامع "1252"، والسلسلة الضعيفة "5/ 349"، وقال في المقاصد: وللعسكري عن الأوزاعي أنه قال: ما من أمر أمر الله به إلا عارض الشيطان فيه بخصلتين لا يبالي أيهما أصاب؛ الغلو أو التقصير، ولأبي يعلى بسند جيد عن وهب بن منبه قال: إن لكل شيء طرفين ووسطًا، فإذ أمسك بأحد الطرفين مال الآخر، وإذا أمسك بالوسط اعتدل الطرفان، فعليكم بالأوساط من الأشياء. 2 لسان العرب لابن منظور "15/ 295، 296".

مصادر المعرفة بين الوحي والعقل.. وبين الإيمان بالقدر والأخذ بالأسباب، وبين العمل للدنيا والعلم للآخرة، وبين القيم المادية والقيم المعنوية"1. وسطية الأمة المحمدية بين الأمم: وقد وصف الله هذه الأمة بأنها الأمة الوسط، فقال سبحانه: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا} [سورة البقرة: 143] ، أي عدولًا خيارًا، ومن لازم وسطيتهم عدالتهم؛ ولذا صح أن يكونوا شهداء على الناس يوم القيامة؛ لأن الشاهد لا بد أن يكون عدلًا حتى تقبل شهادته، ووسطية هذه الأمة هي كونها على الحق بين باطل من غلا وباطل من جفا، إذ الحق وسط بين باطلين؛ باطل الغلو وباطل الجفاء2. قال شيخ الإسلام: "إن الإسلام وسط الملل بين الأطراف المتجاذبة.. فالمسلمون في صفات الله تعالى وسط بين اليهود الذين شبهوا الخالق بالمخلوق، فوصفوا الخالق بالصفات التي تختص بالمخلوق، وهي صفات النقص فقالوا: إن الله فقير، وإن الله بخيل، وإن الله تعب لما خلق العالم فاستراح، وبين النصارى الذين شبهوا المخلوق بالخالق، فوصفوه بالصفات المختصة بالخالق فقالوا: هو الله، والمسلمون وصفوا الخالق بصفات الكمال ونزهوه عن صفات النقص، ونزهوه أن يكون شيء كفوًا له في شيء من صفات الكمال، فهو منزه عن صفات النقص مطلقًا، ومنزه في صفات الكمال أن يماثله فيها شيء من المخلوقات. وكذلك هم في الأنبياء وسط، فإن اليهود كما قال تعالى فيهم: {أَفَكُلَّمَا جَاءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لَا تَهْوَى أَنْفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقًا كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقًا تَقْتُلُونَ} [البقرة: 87] . وكذلك كانوا يقتلون الأنبياء، ويقتلون الذين يأمرون بالقسط من

_ 1 مدخل لدراسة العقيدة الإسلامية للبريكان ص393، 392. 2 انظر: الرسالة الصفدية لابن تيمية "2/ 310"، والجواب الصحيح له "1/ 7".

الناس، والنصارى غلوا فأشركوا بهم، ومن هو دونهم قال الله فيهم: {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ} [التوبة: 31] ، والمسلمون آمنوا بهم كلهم ولم يفرقوا بين أحد منهم، فإن الإيمان بجميع النبيين فرض واجب، ومن كفر بواحد منهم فقد كفر بهم كلهم، ومن سب نبيا من الأنبياء، فهو كافر يجب قتله باتفاق العلماء، وفي استتابته نزاع، قال تعالى: {قُولُوا آَمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ} [البقرة: 136] ، وقال تعالى: {وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آَمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ} [البقرة: 177] . وكذلك المسلمون وسط في النسخ، فإن اليهود قالوا: ليس لرب العالمين أن يأمر ثانيًا بخلاف ما أمر به أولًا، والنصارى جوزوا لرءوسهم أن يغيروا شريعة المسيح، فيحللوا ما شاءوا ويحرموا ما شاءوا، والمسلمون قالوا: رب العالمين يأمر بما يشاء له الخلق والأمر، وليس لأحد من الخلق أن يغير دينه ولا يبدل شرعه، ولكن هو يحدث من أمره ما يشاء فينسخ ما يشاء، ويثبت ما يشاء. وكذلك في الشرائع كالحلال والحرام، فإن اليهود حرمت عليهم طيبات أحلت لهم عقوبة لهم، وعليهم تشديد في النجاسات يجتنبون أشياء كثيرة طاهرة مع اجتناب النجاسة، والنصارى لا يحرمون ما حرمه الله ورسوله؛ بل يستحلون الخبائث ويباشرون النجاسات، وكلما كان الراهب أكثر ملابسة للنجاسات والخبائث كان أفضل عندهم، والمسلمون أباح الله لهم الطيبات، وحرم عليهم الخبائث، وهم وسط في سائر الأمور"1.

_ 1 الرسالة الصفدية لابن تيمية "2/ 310-313".

مظاهر وسطية أهل السنة: أولى هذه الأمة بالاتصاف بالوسطية من كان مثلها في كمال عقيدتها، وصفاتها ونقائها وهم أهل السنة والجماعة، فهم أهل التوسط والاعتدال بين الإفراط والتفريط، وبين الغلو والجفاء، وهم وسط في فرق الأمة، كما أن الأمة وسط في الملل. قال شيخ الإسلام رحمه الله: "الإسلام وسط في الملل بين الأطراف المتجاذبة، والسنة في الإسلام كالإسلام في الملل"1. وقال رحمه الله: "هم -أي أهل السنة والجماعة- الوسط في فرق الأمة، كما أن الأمة في الوسط في الأمم"2. وباستقرار مواقف الفرق من أبواب العقيدة المختلفة تظهر الطرفية الشديدة لدى أهل الأهواء والبدع، ولا تجد فرقة من الفرق إلا وقد خالفت أهل السنة والجماعة في هذا الأصل العظيم، فإما أن تغلو في جانب، أو تفرط في جانب، وهذا الخلل في التوازن مطرد عند جميع أهل البدع في أبواب الاعتقاد، قل ذلك أو كثر. قال شيخ الإسلام رحمه الله تعالى: "وقد تقدم أن دين الله وسط بين الغالي فيه والجافي عنه، والله تعالى ما أمر عباده بأمر إلا اعترض الشيطان فيه بأمرين لا يبالي بأيهما ظفر: إما إفراط فيه، وإما تفريط فيه. وإذا كان الإسلام -الذي هو دين الله- لا يقبل من أحد سواه، قد اعترض الشيطان كثيرًا ممن ينتسب إليه؛ حتى أخرجه عن كثير من شرائعه؛ بل أخرج طوائف من أعبد هذه الأمة وأورعها عنه، حتى مرقوا من الدين كما يمرق السهم من الرمية"3.

_ 1 المصدر السابق: "2/ 310". 2 مجموع الفتاوى "3/ 141"، وانظر أيضًا نفس المصدر "3/ 373-375". 3 المصدر السابق: "3/ 381".

وقد تعددت مظاهر وسطية أهل السنة والجماعة الدالة على كثرة فضائلهم وعلو شأنهم في الدين، ومن أهم هذه المظاهر: أولًا: وسطيتهم في أسماء الله وصفاته: فهم وسط في باب الأسماء والصفات بين الجاحد والمعطل المنكر للأسماء والصفات، والمثبت لها على نحو ما عليه صفات المخلوقين وأسمائهم، حيث أثبوا لله ما أثبته لنفسه من أسمائه وصفاته، وأثبته له رسول -صلى الله عليه وسلم-، ونفوا عنه ما نفاه الله عن نفسه، ونفاه عنه رسوله -صلى الله عليه وسلم- من النقص والعيب المنافي لكماله المقدس. يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: "فهم وسط في باب صفات الله -عز وجل- بين أهل الجحد والتعطيل وبين أهل التشبيه والتمثيل، يصفون الله بما وصف به نفسه وبما وصفته به رسله، من غير تعطيل ولا تمثيل، إثباتا لصفات الكمال، وتنزيها له عن أن يكون له فيها أندادًا وأمثالًا، إثباتًا بلا تمثيل، وتنزيها بلا تعطيل، كما قال تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} [الشورى: 11] ، وهو رد على الممثلة: {وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى: 11] رد على المعطلة"1. ثانيًا: وسطيتهم في أفعال الله -عز وجل: فهم وسط بين القدرية الذين نفوا القدر وقالوا الأمر أنف، وأنكروا علم الله ومشيئته وخلقه لأفعال العباد، وبين الجبرية الذين أنكرو للعبد فعل وإرادة، وقالوا: الإرادة إرادة الله والفعل فعل الله، فأثبت أهل السنة والجماعة إرادة الله التي هي صفته وإرادة العبد التي هي صفته، وليست إرادة الرب عين إرادة العبد، وأثبتوا فعل الرب الذي هو خلق العبد، وأثبتوا للعبد فعله الذي هو متعلق الثواب والعقاب، وليس فعل الرب هو عين فعل العبد.

_ 1 انظر: الجواب الصحيح لابن تيمية "1/ 7"، والرسالة الصفدية له "2/ 313".

يقول شيخ الإسلام رحمه الله: "وهم وسط في باب أفعال الله بين المعتزلة المكذبين بالقدرة، والجبرية النافين لحكمة الله ورحمته وعدله، والمعارضين بالقدر أمر الله ونهيه وثوابه وعقابه"1. ثالثًا: وسطيتهم في الوعد والوعيد: فهم وسط في هذا الباب بين الوعيدية من المعتزلة، والخوارج الذين خلدوا مرتكبي الكبائر في النار، والمرجئة الذين لا يجزمون بتعذيب أحد من فساق الأمة، فقال أهل السنة: إنهم في الآخرة تحت مشيئة الله إن شاء غفر لهم وأدخلهم الجنة، وإن شاء عذبهم في النار بقدر معاصيهم، ثم أدخلهم الجنة فضلًا منه تعالى ورحمة. يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: "وهم وسط بين الوعيدية الذين يجعلون أهل الكبائر من المسلمين مخلدين في النار..2، وبين المرجئة الذي لا يجزمون بتعذيب أحد من فساق الأمة، ويكذبون بالوعيد والعقاب بالكلية"3. رابعًا وسطيتهم في أسماء الدين والإسلام والإيمان: أسماء الدين هي الحدود الشرعية التي علق الشارع عليها أحكامه في الدنيا والآخرة، وهم وسط في هذا الباب بين الوعيدية من المعتزلة والخوارج، حيث أخرجوا مرتكبي الكبيرة من مسمى الإيمان، وقالوا: إن فساق الأمة المحمدية ليسوا مؤمنين على خلاف بينهم، وبين المرجئة الذي جعلوا مرتكب الكبيرة مؤمنًا كامل الإيمان، إيمانه كإيمان أبي بكر وعمر؛ بل كإيمان الملائكة والأنبياء، فلا تضر معصية مع الإيمان، كما لا تنفع طاعة مع الكفر، وتوسط أهل السنة والجماعة فقالوا: مرتكب الكبيرة فاسق بكبيرته

_ 1 الجواب الصحيح لابن تيمية "1/ 7"، والرسالة الصفدية له "2/ 313". 2 مجموعة الرسائل الكبرى "1/ 278"، وانظر: الجواب الصحيح لابن تيمية "1/ 8". 3 الرسالة الصفدية لابن تيمية "2/ 213"، والجواب الصحيح له "1/ 8".

مؤمن بإيمانه لكنه ناقص الإيمان، وأطقلوا لفظ الإيمان حيث ورد به النص، وأطلقوا ضده حيث ورد. يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: "وهم في باب الأسماء والأحكام والوعد والوعيد وسط بين الوعيدية الذين يجعلون أهل الكبائر من المسلمين مخلدين في النار، ويخرجونهم من الإيمان بالكلية، ويكذبون بشفاعة النبي -صلى الله عليه وسلم- وبين المرجئة الذين يقولون: إيمان الفساق مثل إيمان الأنبياء، والأعمال الصالحة ليست من الدين والإيمان، ويكذبون بالوعيد والعقاب بالكلية"1. خامسًا: وسطيتهم في أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم: فهم وسط بين من غلا في بعضهم حتى جعله إلهًا أو معصومًا أو نبيًا، وأضافوا إليه من الصفات ما لا يليق نظيره إلا بالله أو نبي من أنبيائه، ومن جفا فيهم فكفرهم واستحل سبهم ولعنهم ودماءهم، وأما أهل السنة فدانوا الله بحب جميع أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم، واعتذروا عما جرى بينهم من الخلاف بأنه حصل عن اجتهاد منهم في طلب الحق، فمن أصاب منهم فله أجران، ومن أخطأ فله أجر واحد وخطؤه معفو عنه، وسكتوا عما جرى بينهم، وأحسنوا الظن بهم، ولم يجعلوا ولاية بعضهم مناقضة لولاية الأخر؛ بل تولوا جميعهم، ودانوا الله بالترضي عنهم. قال شيخ الإسلام: "وهم أيضًا في أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- رضي الله عنهم وسط بين الغالية الذي يغالون في علي -رضي الله عنه-، فيفضلونه على أبي بكر وعمر -رضي الله عنهما، ويعتقدون أنه الإمام المعصوم دونهما، وأن الصحابة فسقوا وكفروا، والأمة بعدهم كذلك، وربما جعلوه نبيا أو إلهًا، وبين الجافية الذين يتعتقدون كفره وكفر عثمان -رضي

_ 1 مجموعة الرسائل الكبرى "1/ 278".

الله عنهما، ويستحلون دماءهما ودماء من تولاهما، ويستحبون سب علي وعثمان ونحوهما، وقدحوا في خلافة علي -رضي الله عنه- وإمامته"1. سادسًا: وسطيتهم في المنقول والمعقول: فهو وسط بين المعتزلة ومن تبعهم من المتكلمين الذين غلوا في المعقول حيث قدموه على المنقول، وبين الأشعرية الذين جفوا عن المعقول فنفوا العلل والحكم التي جعلها الله مناطًا لأحكامه وشرائع دينه، وقالوا: إنما يأمر وينهى بمحض الإرادة فقط لا لعلة ولا لحكمة، وتوسط أهل السنة والجماعة، فلم يقبلوا من المنقول إلا ما صح سنده وصحت دلالته، ولا من المعقول إلا ما كان صحيح البناء، ولم يعارض كتاب الله وسنة رسول -صلى الله عليه وسلم- وإجماع سلف الأئمة وأئمتها. قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "وهذا الموضع غلط فيه طائفتان من الناس: غالية غلت في المعقولات حتى جعلت ما ليس معقولًا من المعقول، وقدمته على الحس ونصوص الرسول -صلى الله عليه وسلم، وطائفة جفت عنه فردت المعقولات الصريحة، وقدمت عليها ما ظنته من السمعيات والحسيات، وهكذا الناس في السمعيات نوعان، وكذلك هم في الحسيات الباطنة والظاهرة نوعان، فيجب أن يعلم أن الحق لا ينقض بعضه بعضًا بل يصدق بعضه بعضًا، وإن ما علم بمعقول صريح لا يخالفه قط خبر صحيح ولا حس صحيح، وكذلك ما علم بالسمع الصحيح لا يعارضه عقل وحس، وكذلك ما علم بالحس الصحيح لا يناقضه خبر ولا معقول"2.

_ 1 المصدر السابق: "1/ 278، 279". 2 الجواب الصحيح لابن تيمية "3/ 133".

المبحث الرابع: العقلانية

المبحث الرابع: العقلانية ومع أن مدار العقيدة على الإيمان والتسليم للنصوص، فإن هذا لا يعني إلغاء العقل وإهداره، ومناقضته. وعيه فإنه يقصد بالعقلانية موافقة عقيدة أهل السنة والجماعة للعقل الصريح، واهتمامها به، وإعلاء منزلته ومكانته، وتوفير طاقته وتصريفها فيما يفيد. قال شيخ الإسلام: "والأنبياء صلوات الله عليهم وسلامه معصومون لا يقولون على الله إلا الحق، ولا ينقلون عنه إلا الصدق، فمن ادعى في أخبارهم ما يناقض صريح المعقول كان كاذبًا، بل لا بد أن يكون ذلك المعقول ليس بصريح، أو ذلك المنقول ليس بصحيح، فما علم يقينا أنهم أخبروا به يمتنع أن يكون في العقل ما يناقضه، وما علم يقينا أن العقل حكم به يمتنع أن يكون في أخبارهم ما يناقضه، بل الأنبياء عليهم السلام قد يخبرون بما يعجز العقل عن معرفته لا بما يعلم العقل بطلانه، فيخبرون بمحارات العقول لا بمحالات العقول1"2. مظاهر العقلانية: ومن مظاهر العقلانية في العقيدة الإسلامية بصفة عامة، وعقيدة أهل السنة بصفة خاصة ما يلي: أولًا: احترام عقيدة أهل السنة للعقل، والحث على التعقل: رفع الوحي من قيمة العقل وحث على التعقل، وأثنى على العقلاء، فقال تعالى:

_ 1 المحالات: المستحيلات عقلًا، كاجتماع النقيضين: الموت والحياة. والمحارات: ما لا يدخل تحت فهم العقل وإدراكه، لكنه ليس مستحيلًا في العقل يحكم بامتناعه. 2 الجواب الصحيح لابن تيمية "3/ 136".

{فَبَشِّرْ عِبَادِ، الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ} [الزمر: 17-18] . كما عنيت كثير من الآيات بالدعوة إلى التعقل، كما جاء في مثل قوله تعالى: {لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} [يوسف: 2] ، وقوله تعالى: {أَفَلَا تَعْقِلُونَ} [هود: 51] ، وقوله تعالى: {أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ} [محمد: 24] . ويخص الوحي العقلاء بالتذكر مثنيًا عليهم فيقول تعالى: {إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ} [الرعد: 19] [الزمر: 9] ، ويقول تعالى: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِأُولِي الْأَلْبَابِ} [الزمر: 21] . عن أبي العلاء قال: "ما أعطي عبد بعد الإسلام أفضل من عقل صالح يرزقه"1. وقال مطرف: "ما أوتي أحد من الناس أفضل من العقل"2. وعن يوسف بن أسباط قال: "العقل سراج ما بطن، وملاك ما علن، وسائس الجسد، وزينة كل أحد، ولا تصلح الحياة إلا به، ولا تدور الأمور إلا عليه"3. ويخصهم الوحي بطلب التقوى منهم فيقول تعالى: {وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ} [البقرة: 197] . ويخصهم بالخطاب عند التشريع، وبيان الأحكام تقديمًا لهم فيقول سبحانه: {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة: 179] .

_ 1 رواه ابن أبي شيبة في مصنفه "25942". 2 المصدر السابق "35139". 3 الفقيه والمتفقه للخطيب البغدادي "2/ 39".

وعن أبي مسعود قال: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يمسح مناكبنا في الصلاة ويقول: "استووا ولا تختلفوا فتختلف قلوبكم، ليليني منكم أولو الأحلام والنهى، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم" 1. قال النووي رحمه الله: "ولا يختص هذا التقديم بالصلاة؛ بل السنة أن يقدم أهل الفضل في كل مجمع إلى الإمام وكبير المجلس، كمجالس العلم والقضاء، والذكر، والمشاورة، ومواقف القتال، وإمامة الصلاة، والتدريس، والإفتاء، وإسماع الحديث، ونحوها.. ويكون الناس فيها على مراتبهم في العلم، والعقل، والشرف، والسن، والكفاءة في ذلك الباب، والأحاديث الصحيحة متعاضدة على ذلك"2. كما يخصهم بالانتفاع عند النظر في ملكوت الله والتدبر في آياته، فيقول سبحانه: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآَيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ} [آل عمران: 190] ، ويقول: {لِيَدَّبَّرُوا آَيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ} [ص: 29] . وعن علي -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "يأتي في آخر الزمان قوم حدثاء الأسنان، سفهاء الأحلام، يقولون من خير قول البرية، يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية، لا يجاوز إيمانهم حناجرهم، فأينما لقيتموهم فاقتلوهم، فإن قتلهم أجر لمن قتلهم يوم القيامة" 3. قال ابن حجر رحمه الله: "قال النووي: يستفاد منه أن التثبت وقوة البصيرة تكون عند كمال السن، وكثرة التجارب، وقوة العقل"4.

_ 1 رواه مسلم "432". 2 شرح النووي على صحيح مسلم "4/ 155". 3 رواه البخاري "3611، 5057، 6930"، ومسلم "1066". 4 فتح الباري لابن حجر "12/ 287".

وقال عمر -رضي الله عنه: "حسب الرجل دينه، ومروءته خلقه، وأصله عقله"1. كما أمر -سبحانه وتعالى- بالنظر في كتابه والتدبر في آياته واستخراج الأحكام منها؛ فقال: {كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آَيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ} [ص: 29] ، وقال: {وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ} [النساء: 83] . وذم -سبحانه وتعالى- إغلاق العقل وحجبه عن التدبر؛ فقال: {أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآَنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا} [محمد: 24] ، وقال: {أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ أَمْ جَاءَهُمْ مَا لَمْ يَأْتِ آَبَاءَهُمُ الْأَوَّلِينَ} [المؤمنون: 68] . وعني الخطاب القرآني والنبوي بسوق الأدلة العقلية النقلية على المسائل العقدية، قال تعالى: {قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} [البقرة: 111] ، ومن أمثلة ذلك قوله تعالى: {أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ} [الطور: 35] ، وقوله تعالى: {وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ، قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ} [يس: 78، 79] . ثانيًا: ذم التقليد الأعمى الذي هو حجاب العقل وغطاء الفهم: قال تعالى: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آَبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آَبَاؤُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُو نَ} [البقرة: 170] . قال القرطبي -رحمه الله- في معرض تفسيره لهذه الآية الكريمة: "قال ابن عطية: أجمعت الأمة على إبطال التقليد في العقائد، وذكر فيه غيره خلافًا كالقاضي أبي بكر بن العربي، وأبي عمرو عثمان بن عيسى بن درباس الشافعي.

_ 1 رواه ابن أبي شيبة في مصنفه "25943".

قال ابن درباس في كتاب الانتصار له: وقال بعض الناس يجوز التقليد في أمر التوحيد وهو خطأ لقوله تعالى: {إِنَّا وَجَدْنَا آَبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ} [الزخرف: 23] ، فذمهم بتقليدهم آبائهم وتركهم اتباع الرسل، كصنيع أهل الأهواء في تقليدهم كبرائهم وتركهم اتباع محمد -صلى الله عليه وسلم- في دينه؛ ولأنه فرض على كل مكلف تعلم أمر التوحيد والقطع به، وذلك لا يحصل إلا من جهة الكتاب والسنة"1. وقال ابن القيم -رحمه الله: "وقد ذم الله سبحانه التقليد في غير موضع من كتابه كما في قوله تعالى: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ قَالُوا حَسْبُنَا مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آَبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آَبَاؤُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ} [المائدة: 104] ، وقال تعالى: {وَكَذَلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا وَجَدْنَا آَبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آَثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ} [الزخرف: 23] . وهذا في القرآن كثير يذم فيه من أعرض عما أنزله وقنع بتقليد الآباء"2. وروي عن أبي حنيفة أنه كان يقول: "لا ينبغي لمن لم يعرف دليلي أن يفتي بكلامي". وكان إذا أفتى يقول: "هذا رأي النعمان بن ثابت -يعني نفسه-، وهو أحسن ما قدرنا عليه، فمن جاء بأحسن منه فهو أولى بالصواب"3. وجاء في إيقاظ الهمم: "وروي عن عصام بن يوسف أنه قال: كنت في مأتم فاجتمع فيه أربعة من أصحاب أبي حنيفة: زفر بن الهذيل، وأبو يوسف، وعافية بن يزيد، وأخر، فكلهم أجمعوا أنه لا يحل لأحد أن يفتي بقولنا ما لم يعلم من أين قلناه. انتهى. قلت: ومعنى قوله: "من أين قلناه" أي ما لم يعلم دليل قولنا وحجته"4.

_ 1 تفسير الطبري: "2/ 212". 2 إعلام الموقعين لابن القيم "2/ 188". 3 عقد الجيد لأحمد بن بن عبد الحليم الدهلوي ص32، وإيقاظ الهمم لصالح العمري ص52. 4 إيقاظ الهمم لصالح العمري ص52.

وكان الإمام مالك يقول: "ما من أحد إلا ومأخوذ من كلامه ومردود عليه إلا رسول الله -صلى الله عليه وسلم"1. وعن الشافعي أنه كان يقول: "إذا صح الحديث فهو مذهبي"، وفي رواية: "إذا رأيتم كلامي يخالف الحديث فاعملوا بالحديث، واضربوا بكلامي الحائط". وقال يومًا للمزني: "يا إبراهيم لا تقلدني في كل ما أقول، وانظر في ذلك لنفسك؛ فإنه دين" وكان يقول: "لا حجة في قول أحد دون رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وإن كثروا، ولا في قياس ولا في شيء، وما ثم إلا طاعة الله ورسوله بالتسليم"2. وقال حرملة بن يحيى: قال الشافعي: "ما قلت وقد كان النبي -صلى الله عليه وسلم- قد قال بخلاف قولي مما يصح، فحديث النبي -صلى الله عليه وسلم- أولى، لا تقلدوني"3. وقال شيخ الإسلام ابن تيمية بعد أن تحدث عن فتنة الإمام أحمد، وموقف الإمام فيها: "فأما أن المسلمين يثبتون عقيدتهم في أصول الدين بقوله -أي الإمام أحمد- أو بقول غيره من العلماء، فهذا لا يقوله إلا جاهل". وأحمد بن حنبل نهى عن تقليده وتقليد غيره من العلماء في الفروع، وقال: لا تقلد دينك الرجال؛ فإنهم لن يسلموا أن يغلطوا. وقال: لا تقلدني، ولا مالكًا، ولا الثوري، ولا الشافعي، وقد جرى في ذلك على سنن غيره من الأئمة، فكلهم نهوا عن تقليدهم، كما نهى الشافعي عن تقليده وتقليد غيره من العلماء، فكيف يقلد أحمد وغيره في أصول الدين!. وأصحاب أحمد مثل أبي داود السجستاني، وإبراهيم الحربي، وعثمان بن سعيد الدارمي، وأبي زرعة، وأبي حاتم، والبخاري، ومسلم، وبقي بن مخلد، وأبي

_ 1 عقد الجيد لأحمد بن عبد الرحيم الدهلوي ص32. 2 المصد السابق ص32. 3 إعلام الموقعين لابن القيم "2/ 285".

بكر الأثرم، وابنيه صالح وعبد الله، وعبد الله بن عبد الرحمن الدارمي، ومحمد بن مسلم بن وارة، وغير هؤلاء الذين هم من أكابر أهل العلم والفقه والدين، لا يقبلون كلام أحمد، ولا غيره إلا بحجة يبينهما لهم، وقد سمعوا العلم كما سمعه هو، وشاركوه في كثير من شيوخه، ومن لم يلحقوه أخذوا عن أصحابه الذين هم نظراؤه، وهذه الأمور يعرفها من يعرف أحوال الإسلام وعلمائه"1. ثالثًا: توجيه العقل إلى مجالاته النافعة، وكفه عن الخوض فيما لا يطيقه: والمنهج الذي سار عليه القرآن -وهو المنهج الأقوم- أن يجيب الناس عما هم في حاجة إليه، وما يستطيع إدراكهم البشري بلوغه ومعرفته، فلا يبدد الطاقة العقلية التي وهبها الله لهم فيما لا ينتج ولا يثمر، وليس في هذا حجر على العقل أن يعمل، ولكن فيه توجيه لهذا العقل أن يعمل في حدوده، وفي مجاله الذي يدركه، فلا جدوى من الخبط في التيه، ومن إنفاق الطاقة فيما لا يملك العقل إدراكه؛ لأنه لا يملك وسائل إدراكه. فمن توجيهات القرآن الكريم للعقل: الأمر بالنظر والتدبر في آياته سبحانه، قال -عز وجل: {أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا} [ق: 6] ، وقال تعالى: {وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ} [الذاريات: 21] . ومن ثم نصب الله -عز وجل- العلامات والبراهين لهداية العقل على ما ينفع، كما قال تعالى: {وَعَلَامَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ} [النحل: 16] . قال الإمام الشافعي رحمه الله: "فخلق لهم العلامات، ونصب لهم المسجد الحرام، وأمرهم أن يتوجهوا إليه، وإنما توجههم إليه بالعلامات التي خلق لهم، والعقول التي ركبها فيهم، التي استدلوا بها على معرفة العلامات، وكل هذا بيان ونعمة منه جل ثناؤه"2.

_ 1 مجموع الفتاوى "6/ 215، 216". 2 الرسالة للشافعي ص38.

وأمر الله -عز وجل- أهل العلم برد النظير إلى نظيره، والاجتهاد في استنباط الأحكام من القواعد العامة للشريعة، وترك الباب مفتوحًا أمام العقل لاستنباط الأحكام الشرعية من أدلتها التفصيلية، ولو شاء لأنزل حكم كل شيء على الخصوص والأعيان، لكنه أنزل قواعد عامة تشتمل على أحكام طائفة من الأفراد؛ فكان هذا توجيهًا منه -سبحانه وتعالى- إلى الاستفادة بالعقل فيما ثمر وينتج. وسارت السنة في ركاب الكتاب في هذا المجال، فوردت النصوص النبوية تحث العقل على العمل، وتحجبه عن الركود والكسل، وتعلي من شأن الاجتهاد والنظر في النصوص الشرعية لاستخراج الأحكام، وبيان فقه النوازل المستجدة في حياة الناس، وجعلت خير الناس من تعلم العلم وعلمه، فقد ذكر لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- رجلان أحدهما عابد والآخر عالم، فقال -صلى الله عليه وسلم: "فضل العالم على العابد كفضلي على أدناكم"، ثم قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: "إن الله وملائكته وأهل السموات والأرضين، حتى النملة في جحرها، وحتى الحوت، ليصلون على معلم الناس الخير" 1. وفي هذا توجيه العقل إلى مجاله النافع المثمر؛ بل جعلت السنة للمجتهد المخطئ أجرًا على اجتهاده، وللمصيب أجرين على الاجتهاد والإصابة، قال -صلى الله عليه وسلم: "إذا حكم الحاكم فاجتهد ثم أصاب فله أجران، وإذا حكم فاجتهد ثم أخطأ فله أجر" 2. وحظر الشرع على العقل الخوض فيما يضره الخوض فيه، ليوفر طاقته فيما يطيق ويحسن. وخوض العقل في أمور الإلهيات باستقلال عن الوحي مظنة الهلاك، وسبيل الضلال.

_ 1 رواه الدارمي "289". والترمذي "2685" من حديث أبي أمامة الباهلي -رضي الله عنه- وقال الترمذي: هذا حديث حسن غريب صحيح. 2 رواه البخاري "7352"، ومسلم "1716" من حديث عمرو بن العاص -رضي الله عنه.

فثبت النهي في الكتاب والسنة عن الخوض في حقيقة الذات، وكنه الصفات، والقدر، وورد ذلك عن الصحابة والتابعين، وأئمة أهل السنة. فمن ذلك ما ورد عن عبد الله بن عمر قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: "تفكروا في آلاء الله، ولا تفكروا في الله" 1. قال المناوي في فيض القدير: ""تفكروا في آلاء الله" أي أنعمه التي أنعم بها عليكم. قال القاضي: والتفكر فيها أفضل العبادات. "ولا تفكروا في الله"، فإن العقول تحير فيه.. والنظر إلى ذات الله يورث الحيرة والدهش واضطراب العقل، فالصواب أن لا يتعرض لمجاري الفكر في ذاته وصفاته؛ لأن أكثر العقول لا يحتمله"2. ولعل من أشهر ما ورد في ذلك، ما أثر عن الإمام مالك -رحمه الله- حين جاءه رجل فقال: يا أبا عبد الله، "الرحمن على العرش استوى"، كيف استوى؟ قال: فما رأيت مالكًا وجد من شيء كموجدته من مقالته، وعلاه الرحضاء -يعني العرق- قال: وأطرق القوم وجعلوا ينتظرون ما يأتي منه فيه قال: فسري عن مالك فقال: "الكيف غير معقول، والاستواء منه غير مجهول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة، فإني أخاف أن تكون ضالا، وأمر به فأخرج"3. قال ابن حجر -رحمه الله: "قال القرطبي: الشخص الذي يبغضه الله هو الذي يقصد بخصومته مدافعة الحق، ورده بالأوجه الفاسدة والشبه الموهمة، وأشد ذلك الخصومة في

_ 1 العظمة لابن حيان الأصبهاني "1/ 210". وحسنه الألباني في صحيح الجامع "2975". 2 فيض القدير للمناوي "3/ 263". 3 شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة للالكائي "664"، وذكرها البيهقي في كتاب الأسماء والصفات بسندين آخرين إلى مالك: عن عبد الله بن وهب وعن يحيى بن يحيى "408"، وقد جود ابن حجر طريق ابن وهب فقال: "وأخرج البيهقي بسند جيد عن عبد الله بن وهب.. فذكره" الفتح "13/ 406، 407"، وذكره البغوي بدون سند في شرح السنة "1/ 171".

أصول الدين، كما يقع لأكثر المتكلمين المعرضين عن الطرق التي أرشد إليها كتاب الله، وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم-، وسلف أمته إلى طرق مبتدعة، واصطلاحات مخترعة، وقوانين جدلية، وأمور صناعية، مدار أكثرها على آراء سوفسطائية، أو مناقضات لفظية، ينشأ بسببها على الآخذ فيها شبه ربما يعجز عنها، وشكوك يذهب الإيمان معها، وأحسنهم انفصالًا عنها أجدلهم لا أعلمهم، فكم من عالم بفساد الشبهة لا يقوى على حلها، وكم من منفصل عنها لا يدرك حقيقة علمها، ثم إن هؤلاء قد ارتكبوا أنواعًا من المحال لا يرتضيها البله ولا الأطفال، لما بحثوا عن تحيز الجواهر والألوان والأحوال، فأخذوا فيما أمسك عنه السلف الصالح من كيفيات تعلقات صفات الله تعالى وتعديدها، واتحادها في نفسها، وهل هي الذت أو غيرها، وفي الكلام هل هو متحد أو منقسم، وعلى الثاني هل ينقسم بالنوع أو الوصف، وكيف تعلق في الأزل بالمأمور مع كونه حادثًا، ثم إذا انعدم المأمور هل يبقى التعلق، وهل الأمر لزيد بالصلاة مثلًا هو نفس الأمور لعمرو بالزكاة؟ ذلك مما ابتدعوه مما لم يأمر به الشارع وسكت عنه الصحابة ومن سلك سبيلهم؛ بل نهوا عن الخوض فيها لعلمهم بأنه بحث عن كيفية ما لا تعلم كيفيته بالعقل؛ لكون العقول لها حد تقف عنده ولا فرق بين البحث عن كيفية الذات وكيفية الصفات، ومن توقف في هذا، فليعلم أنه إذا كان حجب عن كيفية نفسه مع وجودها، وعن كيفية إدراك ما يدرك به، فهو عن إدراك غيره أعجز"1. ولذا رجع كثير من أئمة أهل البدع -كما ذكر ابن حجر رحمه الله- عن عقيدتهم الباطلة إلى عقيدة أهل السنة والجماعة في آخر حياتهم، حيث وجدوا فيه ضالتهم المنشودة، وأجابت لهم على ما يدور في أذهانهم من سؤالات، وما يختلج في صدورهم من حيرة واضطرابات، "كما حصل للإمام أبي الحسن الأشعري "ت324هـ" حيث رجع إلى عقيدة أهل السنة والجماعة في "الإبانة عن أصول الديانة"، بعد الاعتزال، ثم

_ 1 فتح الباري لابن حجر "13/ 349، 350".

التلفيق، والباقلاني "ت403هـ" في "التمهيد"، ومثله أبو محمد الجويني "ت438هـ"، والد إمام الحرمين في "رسالة في إثبات الاستواء والفوقية"، ومثله إمام الحرمين "ت478هـ" في "الرسالة النظامية"، والشهرستاني "ت548هـ" في "نهاية الإقدام"، وفخر الدين الرازي "ت606هـ" في "أقسام اللذات"، وغيرهم كثيرون"1. أما فيما يتعلق بالقدر فمما ورد في ذلك: عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: خرج علينا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ونحن نتنازع في القدر، فغضب حتى احمر وجهه حتى كأنما فقئ في وجنتيه الرمان، فقال: "أبهذا أمرتم؟ أم بهذا أرسلت إليكم؟ إنما هلك من كان قبلكم حين تنازعوا في هذا الأمر، عزمت عليكم ألا تتنازعوا فيه" 2. وعن أبي بكر عبد الرحمن رفع الحديث إلى علي -رضي الله عنه- أنه سأله فقال: "يا أبا الحسن ما تقول في القدر؟ فقال: طريق مظلم فلا تسلكه، فقال: يا أبا الحسن ما تقول فيه القدر؟ فقال: بحر عظيم فلا تلجه. فقال: يا أبا الحسن ما تقول في القدر؟ فقال: سر الله فلا تكلفه"3. وقال وهب بن منبه: "نظرت في القدر فتحيرت، ثم نظرت فيه فتحيرت، ووجدت أعلم الناس بالقدر أكفهم عنه، وأجهل الناس بالقدر أنطقهم فيه"4.

_ 1 المنهج السلفي د. مفرح بن سليمان ص439. وراجع مصادر: مجموع الفتاوى "4/ 72، 73"، ودرء التعارض لابن تيمية "1/ 157، 170"، وشرح الطحاوية لابن أبي العز ص156، 159، ومقدمة شعيب الأرناؤوط على كتاب أقاويل الثقات لمرعي بن يوسف الكرمي ص13-22. 2 رواه الترمذي "2133" عن أبي هريرة -رضي الله عنه. 3 رواه الآجري في الشريعة ص202، واللالكائي في شرح أصول الاعتقاد "4/ 629". 4 شرح الفقه الأكبر لملا علي القاري ص69.

وعن زياد بن عمر القرشي عن أبيه قال: كنت جالسًا عند ابن عمر، فسئل عن القدر، فقال: "شيء أراد الله أن لا يطلعكم عليه، فلا تريدوا من الله ما أبى عليكم"1. ومما ورد النهي عن الخوض في أمره الروح والغيب الذي لا يدركه العقل، ولا يصل إلى حقيقته، قال تعالى: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلا قَلِيلا} [الإسراء: 85] . رابعًا: أهل السنة والجماعة وسط بين المهملين للعقل، والمقدسين له. فكثير من جهلة المتصوفة ألغوا عقولهم، وساروا وراء أذواقهم وأوهامهم، وزعموا أنه لا تحصل الأحوال الكاملة إلا مع غياب العقل بالجنون، والسكر والوله! وكثير من المتكلمة عظموا عقولهم وآراءهم، وزعموا أن الأنبياء لم يعرفوا الحق الذي عرفوه، وعقيدة أهل السنة أن: "الأحوال الحاصلة مع عدم العقل ناقصة، والأقوال المخالفة للعقل باطلة"2. ومن أبرز الفرق البدعية التي غلت في العقل ورفعته فوق قدره المعتزلة، القائلين بالتحسين والتقبيح العقلي. فالعقل عندهم يعلم العلم الكامل بحسن الفعل أو قبحه، ومن ثم فهو الحاكم عليه بالحسن والقبح، والفعل حسن أو قبيح في نفسه: إما لذاته، وإما لصفة حقيقية توجب ذلك، وإما لوجوه واعتبارات هو عليها -على خلاف بينهم في ذلك. قال العزالي: "ذهبت المعتزلة إلى أن الأفعال تنقسم إلى حسنة وقبيحة، فمنها ما يدرك بضرورة العقل كحسن إنقاذ الغرقى والهلكى، وشكر النعم، ومعرفة حسن

_ 1 رواه الآجري في الشريعة ص235، وابن بطة في الإبانة الكبرى "11/ 313". 2 مجموع الفتاوى "3/ 339".

الصدق، وكقبح الكفران، وإيلام البريء، والكذب الذي لا غرض فيه، ومنها ما يدرك بنظر العقل كحسن الصدق الذي فيه ضرر، وقبح الكذب الذي في نفع، ومنها ما يدرك بالسمع كحسن الصلاة والحج وسائر العبادات، وزعموا أنها متميزة بصفة ذاتها من غيرها بما فيها من اللطف المانع من الفحشاء الداعي إلى الطاعة، لكن العقل لا يستقل بدركه"1. فجميع الأفعال عند المعتزلة -ما عدا العبادات المحضة- إما إنه ثبت قبحها والعقاب عليها عقلًا، أو ثبت حسنها والثواب عليها عقلًا. وقالوا -بناء على ذلك: إن الإنسان مكلف قبل ورود الشرع، حيث قالوا: إنه يجب عليه أن يعرف الله تعالى بالدليل من غير خاطر، وأن يعلم أيضًا حسن الحسن وقبح القبيح، ويجب عليه الإقدام على الحسن، والإعراض عن القبيح كل ذلك يجب قبل ورود الشرع به، فإن قصر في ذلك استوجب العقوبة أبدًا2. وكان من آثار غلوهم -أيضًا- في الاعتماد على العقل أنهم أخذوا يؤولون صفات الله -سبحانه وتعالى- بما يوافق عقولهم القاصرة؛ حتى نفوا جميع الصفات. ومن آثار ذلك أيضًا طعنهم في كبار الصحابة، حتى زعم واصل بن عطاء: أن إحدى الطائفتين من أصحاب الجمل وأصحاب صفين فاسقة3. وبناء على ما أصلوه من أصول ومعتقدات فاسدة مبناها على عقول قاصرة وأهواء فاسدة، أخذوا يردون الأحاديث التي جرت غير موافقة لأغراضهم ومذاهبهم، ويدعون أنها مخالفة للمعقول، وقد أدى هذا المنهج العقلاني المنحرف إلى

_ 1 المستصفى للغزالي "1/ 45". 2 الملل والنحل للشهرستاني "1/ 46، 47". 3 المصدر السابق "1/ 43".

جملة من البدع والمعتقدات الفاسدة: كإنكار عذاب القبر، والصراط، والميزان، ورؤية الله -عز وجل- في الآخرة.. وغير ذلك من البدع التي لا تدخل تحت حصر. وخالفت الأشاعرة أهل السنة في مسألة التحسين والتقبيح العقلي، وكانوا فيه على طرف النقيض من المعتزلة حيث قالوا: إن العقل لا يدل على حسن شيء، ولا على قبحه قبل ورود الشرع، وإنما يتلقى التحسين والتقبيح من موارد الشرع، وموجب السمع، ولو عكس الشرع فحسن ما قبحه، وقبح ما حسنه لم يكن ذلك ممتنعًا. واتفقوا مع أهل السنة في أنه لا يجب على الله شيء من جهة العقل، ولا يجب على العباد شيء قبل ورود الشرع1. وعليه فمن انضبط بمنهج أهل السنة في دراسة العقيدة وعلم التوحيد، اهتدى عقله، واستنار رأيه، وسلم ذهنه من الانحراف، وأنجى نفسه من محارات الفلسفة، وخيالات المتصوفة، وجهالات المتكلمة، وشطحات الفرق جميعًا، ووقف على الحجج البينة، والأدلة القاطعة، والبراهين الظاهرة، في مسائل العقيدة، وكثر صوابه، وقل خطؤه، واجتمعت عنده محاسن الفرق خالصة من كل كدر، وأمن من شرور البدع. خامسًا: موافقة صريح المعقول لصحيح المنقول: وأخيرًا فإن أئمة أهل السنة والجماعة يرفعون شعار "العقل الصريح لا يخالف النقل الصحيح"، وبلغ من اهتمامهم ببيان هذه القضية وتجليتها، أن شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله صنف كتابًا مستقلًا في بيان موافقة صريح المعقول لصحيح المنقول، وهو كتابه الجليل، الفريد في بابه: "درء تعارض العقل والنقل"، وبين فيه رحمه الله بطلان دعوى التعارض بين العقل والنقل بيانًا شافيًا كافيًا، ورد مذهب القائلين بذلك ونقضه

_ 1 انظر: المحصول للرازي "1/ 159-192".

من وجوه كثيرة، كما أوضح ضعف استدلالاتهم، ومخالفتها للعقل والنقل معًا. وإن وقع تعارض ظاهر فإما الخلل في موازين العقل أو لضعف في دليل الشرع، فإن لم يظهر خلل في ميزان العقل أو ضعف في دليل الشرع، فإن الشرع مقدم على العقل لعصمة الشرع دون العقل. وقد سبق قول شيخ الإسلام رحمه الله: "وليس في الكتاب والسنة وإجماع الأمة شيء يخالف العقل الصريح؛ لأن ما خالف العقل الصريح باطل، وليس في الكتاب والسنة والإجماع باطل، ولكن فيه ألفاظ قد لا يفهمها بعض الناس، أو يفهمون منها معنى باطلًا، فالآفة منهم لا من الكتاب والسنة"1. وأما أهل الأهواء فيدعون إمكانية حدوث التعارض بين العقل الصريح، والنقل الصحيح، ويضيفون إلى هذا الأصل الباطل أصلًا آخر أشد بطلانًا، وهو: وجوب تقديم العقل على النقل عند حدوث هذا التعارض المزعوم. يقول الرازي في كتابه: "تأسيس التقديس": "الفصل الثاني والثلاثون في أن البراهين العقلية إذا صارت معارضة بالظواهر النقلية، فكيف يكون الحال فيها؟ اعلم أن الدلائل القطعية العقلية إذا قامت على ثبوت شيء، ثم وجدنا أدلة نقلية يشعر ظاهرها بخلاف ذلك، فهناك لا يخلو الحال من أحد أمور أربعة: إما أن يصدق مقتضى العقل والنقل فيلزم تصديق النقيضين، وهو محال. وإما أن يبطل فيلزم تكذيب النقيضين، وهو محال. وإما أن يصدق الظواهر النقلية، ويكذب الظواهر العقلية، وذلك باطل؛ لأنه لا يمكننا أن نعرف صحة الظواهر النقلية إلا إذا عرفنا بالدلائل العقلية إثبات الصانع

_ 1 مجموع الفتاوى "11/ 490".

وصفاته، وكيفية دلالة المعجزة على صدق الرسول -صلى الله عليه وسلم، وظهور المعجزات على يد محمد -صلى الله عليه وسلم، ولو جوزنا القدح في الدلائل العقلية القطعية صار العقل متهمًا غير مقبول القول، ولو كان كذلك لخرج أن يكون مقبول القول في هذه الأصول، وإذا لم تثبت هذه الأصول خرجت الدلائل النقلية عن كونها مفيدة، فثبت أن القدح في العقل لتصحيح النقل يفضي إلى القدح في العقل والنقل معًا وأنه باطل. ولما بطلت الأقسام الأربعة1 لم يبق إلا أن يقطع بمقتضى الدلائل العقلية القاطعة2 بأن هذه الدلائل النقلية: إما أن يقال: إنها غير صحيحة3، أو يقال: إنها صحيحة إلا أن المراد منها غير ظواهرها. ثم إن جوزنا التأويل: اشتغلنا على سبيل التبرع بذكر تلك التأويلات على التفصيل، وإن لم نجوز التأويل فوضنا العلم بها إلى الله تعالى، فهذا هو القانون الكلي المرجوع إليه في جميع المتشابهات"4. وقد اشتهر هذا القانون عند الأشاعرة، وأصبح عندهم من القضايا المسلمة، وأدى إلى كثير من البدع والانحرافات، مثل: نفي العلو عن الله تعالى، ونفي الصفات الفعلية المتعلقة بمشيئة الله -عز وجل: كالاستواء، والنزول، والمجيء، وكلام الله إذا شاء متى شاء، وغيرها..، وكذلك نفي الصفات الخبرية: كالوجه، واليدين، وغيرها..5.

_ 1 هكذا في المطبوعة، ولعل الصواب: الأقسام الثلاثة. 2 لا يوجد ضابط ظاهر -عند الأشاعرة- لقطعية الدلائل العقلية، فبعضهم يتوهم ما ليس بقطعي قطعيًا، ويقدمها على الأدلة النقلية عند التعارض، ويعد هذا من أبرز مظاهر الخلل في هذا المنهج. 3 الأدلة النقلية تشمل نصوص الكتاب والسنة معًا، ولا يجوز إطلاق إمكان عدم الصحة إلا على نصوص السنة غير المتواترة فقط، والحكم على الحديث بالصحة، أو الضعف فن لا يتقنه إلا أهل العلم المشتغلون بالحديث وعلومه، وفق قواعد وضوابط دقيقة. 4 أساس التقديس للرازي ص172، 173. 5 انظر: موقف ابن تيمية من الأشاعرة لعبد الرحمن المحمود "2/ 818-821".

وقد أدى هذا المنهج المنحرف أيضًا إلى رد الكثير من الأحاديث الصحيحة، والطعن في رواتها وإن كانوا من الصحابة -رضي الله عنهم-، أو التابعين رحمهم الله، أو من اتفق أئمة المحدثين على عدالتهم.

المبحث الخامس: الفطرية

المبحث الخامس: الفطرية قال تعالى: {فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ} [الروم: 30] . قال ابن كثير رحمه الله: "فإنه تعالى فطر خلقه على معرفته وتوحيده، وأنه لا إله غيره"1. وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "كل مولود يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه، كمثل البهيمة تنتج البهيمة، هل ترى فيها جدعاء" 2. وعن عياض بن حمار المجاشعي أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال ذات يوم في خطبته: "ألا إن ربي أمرني أن أعلمكم ما جهلتم مما علمني يومي هذا؛ كل مال نحلته عبدا حلال، وإني خلقت عبادي حنفاء كلهم، وإنهم أتتهم الشياطين فاجتالتهم عن دينهم، وحرمت عليهم ما أحللت لهم، وأمرتهم أن يشركو بي ما لم أنزل به سلطانًا" 3. قال النووي رحمه الله: "قوله تعالى: "وإني خلقت عبادي حنفاء كلهم" أي: مسلمين، وقيل: طاهرين من المعاصي، وقيل: مستقيمين منيبين لقبول الهداية. وقيل: المراد حين أخذ عليهم العهد في الذر، وقال: {أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى} [الأعراف: 172] "4.

_ 1 تفسير القرآن العظيم لابن كثير "3/ 433". 2 أخرجه البخاري "1385"، ومسلم "2658". 3 رواه مسلم "2865". 4 شرح النووي على صحيح مسلم "17/ 197".

وقال ابن القيم -رحمه الله- في كلام له عن الفطرة: "بل الطفل يختار مص اللبن بنفسه، فإذا مكن من الثدي وجدت الرضاعة لا محالة، فارتضاعه ضروري إذا لم يوجد معارض، وهو مولود على أن يرضع؛ فكذلك هو مولود على أن يعرف الله، والمعرفة ضرورية لا محالة إذا لم يوجد معارض...."1. وبناء على ما تقدم فإن الإيمان فطر عند أهل السنة والجماعة خلافًا لأهل الأهواء، فالمقلدون من العوام الذين ليس لهم أهلية النظر والاستدلال، مسلمون وإن عجزوا عن إقامة الأدلة، وإيضاح البراهين. قال السفاريني في منظومته: فالجازمون من عوام البشر ... فمسلمون عند أهل الأثر قال ابن حامد: "لا يشترط أن يجزم عن دليل، يعني: بل يكفي الجزم ولو عن تقليد"2. وقال النووي -رحمه الله- في شرحه لحديث: "أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله، ويؤمنون بي وبما جئت به ... " 3: "وفيه دلالة ظاهرة لمذهب المحققين والجماهير من السلف والخلف، أن الإنسان إذا اعتقد دين الإسلام اعتقادًا جازمًا لا تردد فيه كفاه ذلك، وهو مؤمن من الموحدين، ولا يجب عليه تعلم أدلة المتكلمين، ومعرفة الله تعالى بها، خلافًا لمن أوجب ذلك وجعله شرطًا في كونه من أهل القبلة، وزعم أنه لا يكون له حكم المسلمين إلا به، وهذا المذهب هو قول كثير من المعتزلة، وبعض أصحابنا المتكلمين، وهو خطأ ظاهر فإن المراد التصديق الجازم وقد حصل؛

_ 1 شفاء العليل في مسائل القضاء والقدر والحكمة والتعليل لابن القيم ص300-302. 2 لوامع الأنوار للسفاريني "1/ 269". 3 رواه مسلم "21" من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه.

ولأن النبي -صلى الله عليه وسلم- اكتفى بالتصديق بما جاء به -صلى الله عليه وسلم- ولم يشترط المعرفة بالدليل، فقد تظاهرت بهذا أحاديث في الصحيحين يحصل بمجموعها التواتر بأصلها والعلم القطعي"1. وقال ابن حجر: "وفي كتب النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى هرقل وكسرى وغيرهما من الملوك يدعوهم إلى التوحيد، إلى غير ذلك من الأخبار المتواترة التواتر المعنوي الدال على أنه -صلى الله عليه وسلم- لم يزد في دعائه المشركين على أن يؤمنوا بالله وحده، ويصدقوه فيما جاء به عنه، فمن فعل ذلك قبل منه سواء كان إذعانه عن تقدم نظر أم لا، ومن توقف منهم نبهه حينئذ على النظر، أو أقام عليه الحجة إلى أن يذعن، أو يستمر على عناده"2 مظاهر الفطرية: ومن مظاهر فطرية العقيدة عند أهل السنة خاصة أنها جاءت سهلة واضحة، لا عسر فيها ولا تعقيد، ووردت النصوص وأقوال السلف، وأهل السنة بالنهي عن الغلو والتشدد في أمر الدين أصولًا وفروعًا، وعن التكلف في طلب علم ما حجب علمه. قال تعالى: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} [البقرة: 185] ، وقال سبحانه: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [الحج: 78] . وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "إن الدين يسر ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه، فسددوا، وقاربوا، وأبشروا، واستعينوا بالغدوة، والروحة وشيء من الدلجة" 3. وترجم البخاري رحمه الله: "باب الدين يسر، وقول النبي -صلى الله عليه وسلم: "أحب الدين إلى الله الحنيفية السمحة"4.

_ 1 شرح النووي على صحيح مسلم "1/ 210، 211". 2 فتح الباري لابن حجر "13/ 353، 354". 3 رواه البخاري "39". 4 صحيح البخاري كتاب الإيمان "1/ 23".

قال ابن حجر رحمه الله: قوله: باب الدين يسر، أي دين الإسلام ذو يسر، أو سمي الدين يسرا مبالغة بالنسبة إلى الأديان قبله؛ لأن الله رفع عن هذه الأمة الإصر الذي كان على من قبلهم، ومن أوضح الأمثلة له أن توبتهم كانت بقتل أنفسهم. وتوبة هذهالأمة بالإقلاع والعزم والندم. قوله: "أحب الدين" أي خصال الدين؛ لأن خصال الدين كلها محبوبة لكن ما كان منها سمحًا أي سهلًا فهو أحب إلى الله، ويدل عليه ما أخرجه أحمد بسند صحيح من حديث أعرابي لم يسمه أنه سمع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "خير دينكم أيسره" 1، أو الدين جنس أي أحب الأديان إلى الله الحنيفية، والمراد بالأديان الشرائع الماضية قبل أن تبدل وتنسخ، والحنيفية ملة إبراهيم.. والسمحة السهلة، أي أنها مبنية على السهولة"2. وترجم الإمام البخاري -رحمه الله- في كتاب: "باب ما يكره من التعمق والتنازع في العلم والغلو في الدين، والبدع لقوله لقوله تعالى: {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلَا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ} [النساء: 171] "3. قال ابن حجر رحمه الله: "صدر الآية يتعلق بفروع الدين، وهي المعبر عنه في الترجمة بالعلم وما بعده يتعلق بأصوله: فأما التعمق فمعناه التشديد في الأمر حتى يتجاوز الحد فيه، وأما الغلو فهو المبالغة في الشيء، والتشديد فيه بتجاوز الحد وفي معنى التعمق ... "4. وعن أبي العالية عن ابن عباس -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "إياكم والغلو في الدين، فإنما أهلك من كان قبلكم الغلو في الدين" 5.

_ 1 رواه أحمد "15506". 2 فتح الباري لابن حجر "1/ 93، 94". 3 صحيح البخاري بتحقيق د. مصطفى البغا "6/ 2661". 4 فتح الباري لابن حجر "13/ 278". 5 أخرجه أحمد "1854"، والنسائي "3059"، وابن ماجه "3029". وصححه بن خزيمة وابن حبان والحاكم.

وعن عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: "هلك المتنطعون" قالها ثلاثًا1. قال النووي: "المتنطعون أي المتعمقون الغالون المجاوزون الحدود في أقوالهم وأفعالهم"2. وقال الخطابي: "المتنطع المتعمق في الشيء، المتكلف للبحث عنه على مذاهب أهل الكلام، الداخلين فيما لا يعنيهم، الخائضين فيما لا تبلغه عقولهم"3. وقال ابن حجر: "ومما ذمه السلف وعليه ينطبق حديث بن مسعود رفعه: "هلك المتنطعون"، ورأوا أن فيه تضييع الزمان بما لا طائل تحته، الإكثار من التفريغ على مسألة لا أصل لها في الكتاب ولا السنة ولا الإجماع، وهي نادرة الوقوع جدًّا، فيصرف فيها زمانًا كان صرفه في غيرها أولى ... وأشد من ذلك البحث عن أمور مغيبة ورد الشرع بالإيمان بها مع ترك كيفيتها، ومنها لا يكون له شاهد في عالم الحس؛ كالسؤال عن وقت الساعة، وعن الروح، وعن مدة هذه الأمة، إلى أمثال ذلك مما لا يعرف إلا بالنقل الصرف، والكثير منه لم يثبت فيه شيء فيجب الإيمان به من غير بحث، وأشد من ذلك ما يوقع كثرة البحث عنه في الشك والحيرة"4. قال ابن مسعود -رضي الله عنه: "من علم فليقل، ومن لم يعلم فليقل: الله أعلم، فإن من العلم أن يقول لما لا يعلم: لا أعلم؛ فإن الله قال لنبيه -صلى الله عليه وسلم: {قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ} [ص: 86] الحديث5.

_ 1 رواه مسلم "2670". 2 شرح النووي على صحيح مسلم "16/ 220". 3 عون المعبود للعظيم آبادي "12/ 235، 236". 4 فتح الباري لابن حجر "13/ 267" بتصرف يسير. 5 رواه البخاري "4774"، ومسلم "2798".

وقال عمر بن الخطاب -رضي الله عنه: "نهينا عن التكلف"1. وعن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: "لن يبرح الناس يتساءلون حتى يقولوا: هذا الله خالق كل شيء فمن خلق الله؟ " 2. قال ابن حجر: "قال ابن بطال: في حديث أنس الإشارة إلى ذم كثرة السؤال؛ لأنها تقضي إلى المحذور، كالسؤال المذكور فإنه لا ينشأ إلا عن جهل مفرط"3. وترجم الإمام البخاري -رحمه الله- في كتاب الاعتصام من "صحيحه": "باب: ما يكره من كثرة السؤال، ومن تكلف ما لا يعنيه، وقوله تعالى: {لا تسئلوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم} [المائدة: 101] "، و"باب: ما يذكر من ذم وتكلف القياس {وَلا تَقْفُ} لا تقل: {مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ} [الإسراء: 36] "4. ومما وردت نصوص الشرع بالنهي عن الخوض فيه، التفكير في ذات الله تعالى وكنه صفاته، وقد سار أهل السنة على هذا النهج، فآمنوا بصفات الله تعالى كما جاءت في الكتاب والسنة، وكفوا عن الخوض في كنه هذه الصفات وكيفيتها، وكلامهم في هذا الباب كثير معروف. قال حافظ المشرق أبو بكر الخطيب البغدادي: "أما الكلام في الصفات، فإن ما روي منها في السنن الصحاح مذهب السلف إثباتها، وإجراؤها على ظواهرها، ونفي الكيفية والتشبيه عنها، وقد نفاها قوم فأبطلوا ما أثبته الله، وحققها قوم من المثبتين، فخرجوا في ذلك إلى ضرب من التشبيه والتكييف، والقصد إنما هو سلوك الطريقة

_ 1 رواه البخاري "7293". 2 رواه البخاري "7296"، ومسلم "136". 3 فتح الباري لابن حجر "13/ 273". 4 صحيح البخاري "6/ 2658".

المتوسطة بين الأمرين، ودين الله تعالى بين الغالي فيه والمقصر عنه، والأصل في هذا أن الكلام في الصفات فرع الكلام في الذات، ويحتذى في ذلك حذوه ومثاله، فإذا كان معلومًا أن إثبات رب العالمين إنماهو إثبات وجود لا إثبات كيفية، فكذلك إثبات صفاته إنما هو إثبات وجود لا إثبات تحديد وتكييف، فإذا قلنا: لله يد وسمع وبصر، فإنما هي صفات أثبتها الله لنفسه، ولا نقول: إن معنى اليد القدرة، ولا إن البصر العلم، ولا نقول: إنها جوارح، ولا تشبهها بالأيدي والأسماع والأبصار التي هي جوارح وأدوات للفعل، ونقول: إنما وجب إثباتها؛ لأن التوقيف ورد بها، ووجب نفي التشبيه عنها لقوله تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} [الشورى: 11] ، {وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ} [الإخلاص: 4] "1. وقال حافظ المغرب ابن عبد البر في التمهيد: "أهل السنة مجمعون على الإقرار بالصفات الواردة كلها في القرآن والسنة والإيمان بها، وحملها على الحقيقة لا على المجاز، إلا أنهم لا يكيفون شيئًا من ذلك، ولا يحدون فيه صفة محصورة، وأما أهل البدع، والجهمية، والمعتزلة كلها والخوارج، فكلهم ينكرها ولا يحمل شيئًا منها على الحقيقة، ويزعمون أن من أقر بها مشبه، وهم عند من أثبتها نافون للمعبود، والحق فيما قاله القائلون به بما ينطق كتاب الله وسنة رسوله، وهم أئمة الجماعة والحمد لله"2. وقال أيضًا: "لا خلاف بين فقهاء الأمصار، وسائر أهل السنة -وهم أهل الفقه والحديث- في نفي القياس في التوحيد، وإثباته في الأحكام"3.

_ 1 الكلام على الصفات للخطيب البغدادي ص20-23، ورواه الذهبي في السير "18/ 283، 284" في ترجمة الخطيب البغدادي، وابن قدامة في ذم التأويل "15" عن محمد بن مرزوق بن عبد الرزاق الزعفراني عن الخطيب. 2 التمهيد لابن عبد البر "7/ 145". 3 جامع بيان العلم وفضله لابن عبد البر ص74.

وكل من تعمق وخاض في حقيقة الذات، أو الصفات من أهل الأهواء، وتكلف الوقوف على كنهها، والوصول إلى حقيقتها لم يجد ما يشفي؛ بل زاده ذلك شكًا وحيرة واضطرابًا. ومما وردت أقوال أهل السنة بالنهي عن الخوض فيه القدر، ومن ذلك: ما جاء عن الإمام أحمد -رحمه الله: "وأصل القدر سر الله تعالى في خلقه، لم يطلع على ذلك مقرب، ولا نبي مرسل، والتعمق والنظر في ذلك ذريعة الخذلان، وسلم الحرمان، ودرجة الطغيان، فالحذر كل الحذر من ذلك نظرًا أو فكرًا أو وسوسة، فإنه تعالى طوى علم القدر عن أنامه، ونهاهم عن مرامه، كما قال عز من قائل: {لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ} [الأنبياء: 23] ، فمن سأل لم فعل فقد رد حكم الكتاب، ومن رد حكم الكتاب كان من الكافرين"1. وخالفت القدرية والجبرية ومن لف لفهم في هذا الباب، وأطالوا النزاع فيه، وخاضوا فيما ليس لهم الخوض فيه، فوقعوا في التخبط والتناقض، فقال بعضهم: إن الأمر أنف يعني أن الله لا يعلم به إلا بعد وقوعه، وهؤلاء تبرأ منهم ابن عمر2، ومنهم من قال: إن أفعال العباد ليست مخلوقة، وأنكر بعضهم إرادة الإنسان ومشيئته، إلى آخر ما خالفوا فيه، مما يعلم بطلانه بيقين، ومخالفته للثابت في القرآن والسنة، والمجمع عليه عند أهل السنة والجماعة.

_ 1 الورع للإمام أحمد ص200. 2 كما في صحيح مسلم "8".

المبحث السادس: الشمولية

المبحث السادس: الشمولية الشمولية هي الموسوعية في المعنى والتطبيق، والمراد بالموسوعية في المعنى: شمول العقيدة للتصور الكامل للقضايا الكبرى التي ضل في تصورها كثير من الناس، والمراد بالموسوعية في التطبيق: شمولية آثار هذه العقيدة لحياة المسلم من جهاتها المختلفة، بحيث تتكامل هذه الآثار، وتتفاعل في صياغة الحياة صياغة ربانية. ولذلك؛ فإن العقيدة الإسلامية -كأثر لهذا الشمول العام في الإسلام- عقيدة شاملة فيما تقوم عليه من أركان الإيمان وقواعده، وما يتفرغ عن ذلك، وشاملة في نظرتها للوجود كله، تعرف العبد على الله والكون والحياة والإنسان معرفة صحيحة شاملة. مظاهر وصور الشمولية: إن أركان الإيمان كلها مترابطة ارتباطًا وثيقًا، يكمل كل منها الآخر، وقد جاءت النصوص القرآنة لتؤكد على الارتباط بين الإيمان بالله والإيمان بالملائكة، وتقرن الإيمان بالله مع الإيمان باليوم الآخر، وتجعل الإيمان بالرسل أمرًا لا يتجزأ، فمن كفر بواحد منهم فقد كفر بهم جميعًا؛ بل كفر بالله تعالى؛ لأنهم جميعًا جاءوا برسالة واحدة من عند الله تعالى. وإذا كانت الشمولية إحدى الخصائص الجلية في العقيدة الإسلامية بشكل عام، فإنها ظاهرة جلية عند أهل السنة بشكل خاص. وهي تعني عدم الاقتصار على طلب علمها، وممارسة أعمالها والتحقق بمقتضياتها في باب دون باب، وفي أصل دون أصل، إذ ليس شيء من العقيدة مهجورًا، والجمع بين علمها ومقتضياتها، وآثارها في القلب والجوارح، هو تحقيق العبودية، ولهذه الشمولية

مظاهر وصور متعددة من أهمها ما يلي: العناية بأنواع التوحيد كافة: سواء في ذلك التوحيد العلمي الخبري "توحيد الربوبية"، أو التوحيد الطلبي الإرادي العملي "توحيد الألوهية"، وعدم إغفال عرض أحدهما لحساب الآخر، وبيان مدى الترابط بينهما، والتوجيه إلى التفكر والتدبر مع إفراده سبحانه وتعالى بالعبادة، وبيان كونها توقيفية. يقول ابن القيم -رحمه الله: "وتأمل حال العالم كله علوية وسفليه بجميع أجزائه تجده شاهدًا بإثبات صانعه وفاطره ومليكه، فإنكار صانعه وجحده في العقول والفطر بمنزلة إنكار العالم، وجحده لا فرق بينهما، بل دلالة الخالق على المخلوق، والفعال على الفعل، والصانع على أحوال الصنع عند العقول الزاكية المشرقة العلوية والفطر الصحيحة أظهر من العكس، فالعارفون أرباب البصائر يستدلون بالله على أفعاله، وصنعه إذا استدل الناس بصنعه وأفعاله عليه ... وسمعت شيخ الإسلام ابن تيمية قدس الله روحه يقول: كيف يطلب الدليل على من هو دليل على كل شيء؟ وكان كثيرًا ما يتمثل بهذا البيت: وليس يصح في الأفهام شيء ... إذا احتاج النهار إلى دليل ومعلوم أن وجود الرب تعالى أظهر للعقول والفطر من وجود النهار، ومن لم يرد ذلك في عقله وفطرته فليتهمهما"1. ونقل شيخ الإسلام ابن تيمية عن أبي محمد عبد الله بن أحمد الخليدي قوله: "ولسنا نقول: إن الله يعرف بالمخلوقات؛ بل المخلوقات كلها تعرف بالله، لكن معرفته تزيد بالنظر في مخلوقات الله".

_ 1 التفسير القيم ص50-51 باختصار.

وسئل عبد الرحمن بن أبي حاتم عن رجل يقول: عرفت الله بالعقل والإلهام فقال: من قال عرفت الله بالعقل والإلهام فهو مبتدع، عرفنا كل شيء بالله. وسئل ذو النون المصري: بماذا عرفت ربك؟ فقال: عرفت ربي بربي، ولولا ربي ما عرفت ربي: وقال عبد الله بن رواحة: والله لولا الله ما اهتدينا ... ولا تصدقنا ولا صلينا وكان هذا بين يدي النبي -صلى الله عليه وسلم- فلم ينكره عليه، فدل على صحة قول علمائنا: "إن الله يعرف بالله، والأشياء كلها تعرف بالله"1. ولما كان توحيد الربوبية بهذه المثابة كان هو الأساس الذي ابتني عليه توحيد الله عز وجل في الإلهية، فإن الخالق المالك المدبر هو المستحق وحده بأن يتوجه إليه بالعبادة والخشوع والخضوع، والذكر والدعاء والخوف والرجاء، والحمد والشكر. فالعبادة لا يصح أن تكون لغير الرب تعالى؛ إذ كيف يعبد من لم يخلق، ولم يرزق ولم يدبر أمر الخلق؟. قال ابن القيم: "فاسم" "الرب" له الجمع الجامع لجميع المخلوقات، فهو رب كل شيء وخالقه والقادر عليه، لا يخرج شيء عن ربوبيته، وكل من في السماوات والأرض عبد له في قبضته وتحت قهره، فاجتمعوا بصفة الربوبية وافترقوا بصفة الإلهية، فألهه وحده السعداء وأقروا له طوعًا بأنه الله الذي لا إله إلا هو، الذي لا ينبغي العبادة والتوكل والرجاء والخوف والحب، والإنابة والإخبات والخشية والتذلل والخضوع إلا له"2.

_ 1 مجموع الفتاوى "2/ 2" هامش. 2 مدراج السالكين "1/ 43، 44".

ولكون توحيد الربوبية كالأساس لتوحيد الألوهية، فقد أولاه القرآن عناية بالغة، فلا تكاد سورة من سوره تخلو من ذكره أو الإشارة إليه، وكثيرًا ما يلزم السياق القرآني المشركين بما أقروا به من توحيد الربوبية، فيجعله برهانًا واضحًا على وجوب إفراده سبحانه بالإلهية، فإن الذي يستحق العبادة هو منكان ربًا خالقًا ومالكًا مدبرًا، وأما من لا شأن له في خلق ولا تدبير، فلا يصلح أن يكون إلهًا معبودًا؛ حيث لم يصلح أن يكون ربًّا مقصودًا. ولهذا تسوق الآيات الدلائل الشاهدة على ربوبيته تعالى لكل شيء، ثم ينتقل منها إلى الدعوة لعبادته وحده. قال تعالى في سورة البقرة: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ، الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [البقرة: 21، 22] . وقال جل شأنه في نفس السورة: {وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ، إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنْفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ} [البقرة: 163، 164] . ويقول جل شأنه في سورة النحل بعد أن ذكر آيات ربوبيته في الخلق والتدبير: {أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لَا يَخْلُقُ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ، وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ، وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُسِرُّونَ وَمَا تُعْلِنُونَ، وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَا يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ، أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ، إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآَخِرَةِ قُلُوبُهُمْ مُنْكِرَةٌ وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ} [النحل: 17، 22] ، فنفى الإلهية عن كل ما يدعى من دونه؛ لأنه لا يخلق شيئًا بل هو

مخلوق؛ ولأنه ميت غير حي، ولا يدري متى يبعث. "ويطول بنا المقام لو أردنا استقصاء ما جاء في الكتاب العزيز من آيات الربوبية التي سيقت برهانًا على توحيد الإلهية، وحسبنا أن نعلم أن معظم السور مليئة من هذه الآيات لمن تدبرها"1. وأما من توقيفية العقيدة والعبادة، فقد جاء الشرع بذم البدع من وجوه كثيرة، منها: القرآن الكريم: مثل قوله تعالى: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [الأنعام: 153] . وقوله تعالى: {وَعَلَى اللَّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ وَمِنْهَا جَائِرٌ وَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ} [النحل: 9] . وقوله عز وجل: {إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ} [الأنعام: 159] . السنة الشريفة: ومن ذلك حديث عائشة -رضي الله عنها، أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد" 2.

_ 1 دعوة التوحيد للشيخ محمد خليل هراس ص33. 2 رواه البخاري "2697"، ومسلم "1718".

وفي رواية لمسلم: "من عمل عملًا ليس عليه أمرنا فهو رد" 1. وفي الصحيح من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: "من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئًا، ومن دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم مثل آثام من تبعه لا ينقص ذلك من آثامهم شيئًا" 2. وروى الترمذي وصححه، وأبو داود وغيرهما من حديث العرباض بن سارية قال: صلى بنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ذات يوم ثم أقبل علينا فوعظنا موعظة بليغة ذرفت منها العيون، ووجلت منها القلوب، فقال قائل: يا رسول الله، كأن هذه موعظة مودع، فماذا تعهد إلينا؟ قال -صلى الله عليه وسلم: "أوصيكم بتقوى الله والسمع والطاعة لولاة الأمور، وإن كان عبدًا حبشيًا، فإنه من يعش منكم بعدي فسيرى اختلافًا كثيرًا، فعليكم يسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين، تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة" 3. آثار السلف الصالح: عن عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- قال: "اتبعوا آثارنا ولا تبتدعوا فقد كفيتم"4، وقال: "القصد في السنة خير من الاجتهاد في البدعة"5، وعن أبي بكر الصديق -رضي الله عنه: "لست تاركًا شيئًا كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يعمل به إلا عملت به، إني أخشى إن تركت شيئًا من أمره أن أزيغ"6.

_ 1 رواه مسلم: "1718". 2 رواه مسلم "2674". 3 رواه الترمذي "2676"، وأبو داود "4607"، وابن ماجه "42"، وأحمد "16694". 4 رواه البيهقي في الشعب "2216". 5 رواه الدارقطني في العلل "827". 6 مسلم "1759".

وعن أبي إدريس الخولاني -رحمه الله: "لأن أرى في المسجد نارًا لا أستطيع إطفاءها أحب إلي من أن أرى فيه بدعة لا أستطيع تغييرها". وما نقل عن السلف الصالح من الصحابة والتابعين في ذم البدع، والتحذير من أهلها كثير جدًّا. الاهتمام بتوحيد الأسماء والصفات بجانبيه النظري والعملي: إن لتوحيد الأسماء والصفات شأن عظيم وأثر كبير في القلوب، والعلم بأسماء الله وصفاته أشرف العلوم؛ فإن شرف العلم بشرف المعلوم، ولما كان ربنا تبارك وتعالى أشرف معلوم كان العلم الذي يعرف بالله هو أشرف العلوم، وكانت النصوص المعرفة بالله وأسمائه وصفاته أفضل النصوص، ولذا كانت سورة الإخلاص تعدل ثلث القرآن، وكانت آية الكرسي أعظم آية في كتاب الله -عز وجل. هذه القواعد صاغها الشيخ محمد الأمين الشنقيطي في ثلاثة نقاط، فقال: "إنا نوصيكم وأنفسنا بتقوى الله، وأن تلتزموا بثلاث جمل من كتاب الله: الأولى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} ، فتنزهوا رب السماوات والأرض من مشابهة الخلق. الثانية: {وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} ، فتؤمنوا بصفات الجلال والكمال الثابتة في الكتاب والسنة على أساس التنزيه كما جاء: {وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} ، بعد قوله تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} [الشورى: 11] . الثالثة: أن تقطعوا أطماعكم عن إدراك حقيقة الكيفية؛ لأن إدراك حقيقة الكيفية مستحيل، وهذا نص الله عليه في سورة طه حيث قال تعالى: {يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ} [طه: 110] "1.

_ 1 منهج دراسة لآيات الأسماء والصفات، ص53.

ومع هذا المنهج الصحيح لفهم الأسماء والصفات، فلا بد أن ينضم إليه العناية بآثارها القلبية، والتعبد لله عز وجل ودعائه بها، حتى يتم الإيمان بالأسماء والصفات كما آمن با سلف الأمة الذين جمعوا بين الفهم والعمل، ونظروا إلى كل اسم من أسماء الله عز وجل بأن فيه حقا من العبودية لله عز وجل على العباد يتعبدون لله سبحانه وتعالى به. وهذه الآثار التي يورثها الإيمان بأسماء الله وصفاته يبينها ابن القيم، فيقول: "والأسماء الحسنى والصفات العلى مقتضية لآثارها من العبودية، والأمر اقتضاءها لآثارها من الخلق والتكوين، فكل صفة عبودية خاصة هي من موجباتها ومقتضياتها، عني من موجبات العلم بها والتحقق بمعرفتها، وهذا مطرد في جميع أنواع العبودية التي على القلب والجوارح، فعلم العبد يتفرد الرب تعالى بالضرر والنفع والعطاء والمنع والخلق والرزق، والإحياء والإماتة يثمر له عبودية التوكل عليه باطنًا، ولوازم التوكل وثمراته ظاهرًا، وعلمه بسمعه تعالى وبصره وعلمه، وأنه لا يخفى عليه مثقال ذرة في السماوات ولا في الأرض، وأن يعلم السر وأخفى، ويعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور، يثمر له حفظ لسانه وجوارحه وخطرات قلبه عن كل ما لا يرضي الله، وأن يجعل تعلق هذه الأعضاء بما يحبه الله ويرضاه، فيثمر له ذلك الحياء باطنًا، ويثمر له الحياء اجتناب المحرمات والقبائح. ومعرفته بغناه وجوده وكرمه وبره، وإحسانه ورحمته توجب له سعة الرجاء، ويثمر له ذلك من أنواع العبودية الظاهرة، والباطنة بحسب معرفته وعلمه، وكذلك معرفته بجلال الله وعظمته وعزه تثمر له الخضوع والاستكانة والمحبة، وتثمر له تلك الأحوال الباطنة أنواعًا من العبودية الظاهرة هي من موجباتها، وكذلك علم بكماله وجماله، وصفاته العلى يوجب خاصة بمنزلة أنواع العبودية فرجعت العبودية، كلها إلى مقتضى الأسماء والصفات"1.

_ 1 مفتاح دار السعادة لابن القيم "2/ 105".

ويقول -رحمه الله: "وجماع ذلك: أنه سبحانه يتعرف إلى العبد بصفات إلاهيته تارة وبصفات ربوبيته تارة، فيوجب له شهود صفات الإلهية المحبة الخاصة والشوق إلى لقائه الأنس، والفرح به والسرور بخدمته والمنافسة في قربه والتودد إليه بطاعته، واللهج بذكره والفرار من الخلق إليه، ويصير هو وحده همه دون ما سواه، ويوجب له شهود صفات الربوبية التوكل عليه، والافتقار إليه والاستعانة به والذل، والخضوع، والانكسار له. وكما ذلك أن يشهد ربوبيته في ألوهيته، وألوهيته في ربوبيته، وحمده في ملكه، وعز في عفوه وحكمته في قضائه وقدره، ونعمته في بلائه، وعطاءه في منعه، وبره ولطفه وإحسانه ورحمته في قيوميته، وعدل في انتقامه، وجوده وكرمه في مغفرته وستره وتجاوزه، ويشهد حكمته ونعمته في أمره ونهيه، وعزه في رضاه وغضبه، وحلمه في إمهاله، وكرمه في إقباله، وغناه في إعراضه، وأنت إذا تدبرت القرآن، وأجرته من التحريف وأن يقضي عليه بآراء المتكلمين، وأفكار المتكلفين، أشهدك ملكًا قيومًا فوق سماواته على عرشه يدبر أمر عباده، يأمر وينهى، ويرسل الرسل، وينزل الكتب، ويرضى ويغضب، ويثيب ويعاقب، ويعطي ويمنع، ويعز ويذل، ويخفض ويرفع، يرى من فوق سبع ويسمع ويعلم السر والعلانية، فعال لما يريد، موصوف بكل كمال، منزه عن كل عيب، لا تتحرك ذرة فما فوقها إلا بإذنه، ولا تسقط ورقة إلا بعلمه، ولا يشفع عنده أحد إلا بإذنه، ليس لعباده من دونه ولي ولا شفيع"1. فتبين مما سبق أن الإيمان بأسماء الله عز وجل وصفاته ليس هو المعرفة النظرية والتسليم المجرد بها، ونفي التحريف الكلامي والشبهات البدعية التي اكتنفتها وفقط، وإنما يتجاوز ذلك إلى تدبر مدلولاتها، وآثارها ومقتضياتها، والتعبد لله عز وجل بها.

_ 1 الفوائد لابن القيم ص67، 68.

الاهتمام ببيان حقيقة الكفر وشعبه، كالاهتمام ببيان الإيمان وشعبه: يقول ابن رجب: "وهذه المسائل: أعني مسائل الإيمان والكفر والنفاق مسائل عظيمة جدًّا، فإن الله عز وجل علق بهذه الأسماء السعادة والشقاوة واستحقاق الجنة والنار، والاختلاف في مسمياتها أول اختلاف وقع في هذه الأمة، وهو خلاف الخوارج للصحابة حيث أخرجوا عصاة الموحدين من الإسلام بالكلية وأدخلوهم في دائرة الكفر، وعاملوهم معاملة الكفار، واستحلوا بذلك دماء المسلمين وأموالهم، ثم حدث بعدهم خلاف المعتزلة، وقولهم بالمنزلة بين المنزلتين، ثم خلاف المرجئة وقولهم: إن الفاسق مؤمن كامل الإيمان، وقد صنف العلماء قديمًا وحديثًا في هذه المسائل تصانيف متعددة"1. سد الطرق الموصلة إلى الشرك كافة: ولقد عني أهل السنة في كتبهم ومؤلفاتهم، وفتاواهم بهذا الأمر أعظم عناية، وأولوه كل رعاية. يقول الشيخ محمد خليل هراس: "ولما كان هذا النوع من التوحيد2 هو أخطر أنواع التوحيد وأشرفها، فقد احتاط له الشرع أعظم الحيطة، ونفى عنه كل شائبة شرك، وحرم كل وسيلة مفضية إلى الإخلال بقواعده؛ حتى يبقى مصون الحمى بعيدًا عن عوامل الزيغ والانحراف، فنهى عن الألفاظ التي توهم الندية، والمساواة بين الله وبين أحد من خلقه كقولك مثلًا: أنا في حمى الله وفلان، أو: أنا متوكل على الله وعلى فلان، أو: ما شاء الله وفلان، وبين أن المخرج من ذلك هو أن يعطف بثم لا بالواو، وكذلك نهى عن الألفاظ التي فيها تعظيم لغير الله أو نسبة تأثير إليه كقولك: وحياتك أو وحياة أبيك أو لولا فلان لكان كذا، ولولا صياح الديك لسرقنا اللصوص، ونهى أيضًا عن

_ 1 جامع العلوم والحكم لابن رجب ص29. 2 يعني: توحيد الإلوهية.

اتخاذ المساجد على القبور؛ لأن ذلك قد يكون ذريعة إلى تعظيمها وعبادتها، وقد استفاض عنه -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد" 1. ونهى عن الصلاة عند طلوع الشمس، وعند غروبها لما في ذلك من التشبه بعبادها حيث يتحرون السجود لا في هذه الأوقات. ونهى عن شد الرحال إلى مكان من الأمكنة بقصد التقرب إلى الله بالعبادة فيه إلا المساجد الثلاثة التي هي المسجد الحرام، ومسجد المدينة والمسجد الأقصى. ونهى أن يقوم الناس بعضهم لبعض على جهة التعظيم، فقال -صلى الله عليه وسلم- لأصحابه لما رآهم قاموا له: "لا تقوموا كما يقوم الأعاجم يعظم بعضم بعضًا" 2. ونهى -صلى الله عليه وسلم- أصحابه عن الغلو فيه والمبالغة في مدحه، فقال -صلى الله عليه وسلم: "لاتطروني كما أطرت النصارى ابن مريم، إنما أنا عبد فقولوا: عبد الله ورسوله" 3. وقال للوفد -الذين قالوا: "أنت سيدنا وابن سيدنا": "إنما السيد الله" 4. وقال للرجل -الذي قال له: "ما شاء الله وشئت": "أجعلتني لله ندا بل ما شاء الله وحده" 5. وقال للرجل الذي دخل عليه فأخذته رعدة من هيبته: "هون عليك فإنما أنا بن مرأة كانت تأكل القديد بمكة" 6.

_ 1 رواه البخاري "1330"، ومسلم "529". 2 رواه أحمد "21677"، وأبو داود "5230". 3 رواه البخاري "3445". 4 رواه أبو داود "4806"، وأحمد "15872"، وهو في صحيح الجامع "3700". 5 رواه البخاري في الأدب المفرد "783"، وأحمد "1842"، وصححه الألباني في صحيح الأدب المفرد وذكره في الصحيح برقم 139. 6 رواه ابن ماجه "3312"، والحاكم في المستدرك "3733" وصححه، وذكره الألباني في الصحيحة "1876" "لعن الله اليهود....".

ونهى عن إشراف القبور وتجصيصها، وبناء القباب عليها، وإيقادها بالسرج، والعكوف عليها؛ خشية الافتتان بها والوقوع في تعظيمها. وأنكر -صلى الله عليه وسلم- على معاذ بن جبل -رضي الله عنه- حين دخل علي فسجد له. ونهى عن الوفاء بالنذر في مكان يعبد في صنم، أو يقام فيه عيد من أعياد الجاهلية. ولقد نهج الخلفاء الراشدون -رضي الله عنهم- سنة نبيهم -صلى الله عليه وسلم- في الحيطة للتوحيد والمحافظة على حماه المقدس، حتى إن الفاروق عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- أمر بقطع الشجرة التي بايع الصحابة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- تحتها على الموت عام الحديبية، لما علم أن بعض الناس يذهبون إليا، ويتعمدون الصلاة عندها. وقال مرة وهو يستلم الحجر الأسود: "اللهم إني أعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع، ولولا أني رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقبلك ما قبلتك"1. وعزل خالدًا -رضي الله عنه- عن القيادة في وقت كانت الآمال كلها معلقة به ليتمم ما بدأه من الانتصارات على الروم؛ ولكنه خشي أن يفتتن به الناس فعزله، وولى مكانه أبا عبيدة بن الجراح -رضي الله عنه. وهذا علي -رضي الله عنه- يقول لأبي الهياج الأسدي: "ألا أبعثك على ما بعثني علي رسول الله -صلى الله عليه وسلم، أن لا تدع قبرًا مشرفًا إلا سويته ولا صورة إلا طمستها"2. وعلى هذا النهج الواضح من المحافظة على التوحيد سار السلف الصالح، وأئمة الهدى من بعدهم، لم يسمحوا لأحد أن يخرق سياج التوحيد أو يستبيح بيضته"3.

_ 1 رواه البخاري "1597"، ومسلم "1270". 2 رواه مسلم "969". 3 دعوة التوحيد لمحمد خليل هراس ص59-62 باختصار.

وقضية الحكم والتشريع وثيقة الصلة بقضية التوحيد؛ بل هي من صلب قضية التوحيد. إنها تنشأ عن الرضا بالله تعالى ربا، وبمحمد -صلى الله عليه وسلم- نبيا، وبالإسلام دينًا. إن قضية التحاكم إلى دين الله عز ودجل، والالتزام بشرعه هي جزء من توحيد الله عز وجل في ربوبيته وألوهيته؛ فتوحيد الله عز وجل يقتضي إفراده سبحانه وتعالى بالأمر كما يفرد سبحانه بالخلق، لذا قرن الله بينهما فقال: {أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} [الأعراف: 54] . فكما أنه سبحانه هو الذي خلق، فهو الحقيق سبحانه بأن يأمر شرعًا وقدرًا. يقول الشيخ بكر أبو زيد: "إن تحكيم شرع الله من أعظم الواجبات، قال سبحانه: {فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [النساء: 65] "1. ويقول الشيخ عمر الأشقر: "إن دعوة التوحيد تقتضي الالتزام بالمنهج الحق، وأما الاعتراف بالله ربا ومعبودًا والتوجه إليه في الصلاة والصوم والدعاء، والاستكبار عن الالتزام بشرعه في أمور السياسة، والاقتصاد والحكم والتربية، فهذا من جنس ضلال المشركين الذين عبدوا مع الله آلهة أخرى"2. الاعتناء بعقيدة الولاء والبراء: وذلك بالتوجيه إلى تحقيق الولاء لله ولرسوله وللمؤمنين، وتحقيق البراء من كل ما يخالف هذه العقيدة، وكل من يخالفها، كل بحسبه.

_ 1 درء الفتنة عن أهل السنة للشيخ بكر أبو زيد ص80-81. 2 التوحيد محور الحياة للأشقر ص34.

قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ، فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا عَلَى مَا أَسَرُّوا فِي أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ} [المائدة: 51، 52] . وقال تعالى: {بَشِّرِ الْمُنَافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا، الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا} إلى قوله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَتُرِيدُونَ أَنْ تَجْعَلُوا لِلَّهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا مُبِينًا} [النساء: 138-144] . يقول الشيخ صالح الفوزان: "من أصول العقيدة الإسلامية أنه يجب على كل مسلم يدين بهذه العقيدة أن يوالي أهلها ويعادي أعداءها، فيحب أهل التوحيد والإخلاص ويوالهيم، ويبغض أهل الإشراك ويعاديهم"1. والمتأمل لكتاب الله عز وجل يدرك دون عناء مقدار ما أولى القرآن هذه القضية من عناية واهتمام. يقول الشيخ حمد بن عتيق: "فأما معاداة الكفار والمشركين، فاعلم أن الله سبحانه وتعالى أوجب ذلك، وأكد إيجابه وحرم موالاتهم وشدد فيها، حتى أنه ليس في كتاب الله تعالى حكم فيه من الأدلة أكثر ولا أبين من هذا الحكم بعد وجوب التوحيد، وتحريم ضده"2.

_ 1 الولاء والبراء ص3. 2 سبيل النجاة والفكاك ص31.

مواجهة الانحرافات العقدية المعاصرة: ومن ذلك مواجهة صور الشرك الواقع، والبدع القائمة، والانحرافات الماثلة في واقع مجتمعات المسلمين. وهذا الاهتمام بمواجهة الانحرافات العقدية المعاصرة كما هو نهج سلف هذه الأمة، فهو نهج أنبياء الله عز وجل، فهم يبدأون أولًا بترسيخ قاعدة العبودية لله عز وجل والدعوة إلى توحيد الإلهية، ثم ينطلقون من قاعدة التوحيد إلى إبطال ومحاربة الانحرافات التي يواجهونها في أممهم، لذا تتنوع اتجاهات دعوتهم بعد تأصيل الأصل المشترك لكل النبوات، وهو توحيد الله عز وجل. كما ذكر الله عز وجل عن شعيب عليه السلام في قوله: {وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ قَدْ جَاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ} [هود: 84] . وكذا في قوله تعالى: {كَذَّبَ أَصْحَابُ الأَيْكَةِ الْمُرْسَلِينَ، إِذْ قَالَ لَهُمْ شُعَيْبٌ أَلا تَتَّقُونَ، إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ، فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ، وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ، أَوْفُوا الْكَيْلَ وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُخْسِرِينَ} [الشعراء: 176-181] . وذكر سبحانه عن لوط عليه السلام: {كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ الْمُرْسَلِينَ، إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ لُوطٌ أَلا تَتَّقُونَ، إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ، فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ، وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ، أَتَأْتُونَ الذُّكْرَانَ مِنَ الْعَالَمِينَ، وَتَذَرُونَ مَا خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ عَادُونَ} [الشعراء: 160-166] .

فهذا هدي أنبياء الله عز وجل، وقد قال الله تعالى فيهم: {أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهِ} [الأنعام: 90] . فلا يصلح أن تنحصر المواجهة في بعض القضايا، وبعض القواعد التي واجه بها السلف الصالح الانحرافات التي عاصروها، وكانت فريضة الوقت حينئذ مع إغفال الانحرافات التي تواجهنا في هذا العصر، والحرب التي تستهدف أصل الإسلام، وتسعى لتنحيته من الوجود. فليس من الشمولية الوقوف عند بعض المعارك التاريخية التي طويت صفحاتها واندثرت فتنتها، مع التخلي عن محاربة الانحرافات المعاصرة، والتي أجلب العدو فيها بخيله ورجله، وذلك لمجرد أن السلف الصالح بسطوا القول في هذه، ولم يبسطوه في الأخرى، وما ذاك إلا لعدم قيام الداعي إلى ذلك. وليس المراد الإهمال المطلق لهذه القضايا، وإنما تناولها تناولًا مجملًا يكفل بيان الحق من ناحية، وتجنب إحياء الفتن القديمة وتجديد المعارك المندثرة من ناحية أخرى، ثم الانشغال بمواجهة فتن العصر المستجدة، ومشاكله الراهنة. على أنه يلزم وجود طائفة من أهل الاختصاص الشرعي تتوسع في فهم ودراسة هذه الانحرافات وتفاصيلها، وأقوال الفرق فيها وشبهاتها، والردود على تلك الشبهات، فهذا يدخل في فروض الكفايات، والله أعلم.

الفصل الثالث: قواعد وضوابط الاستدلاال على مسائل الاعتقاد

الفصل الثالث: قواعد وضوابط الاستدلاال على مسائل الاعتقاد تمهيد ... الفصل الثالث: قواعد وضوابط الاستدلال على مسائل الاعتقاد تمهيد: لم يفرد السلف الأوائل مؤلفات خاصة في قواعد الاستدلال على مسائل الاعتقاد؛ بل اكتفوا بما ورد في ثنايا كتب العقائد من تعقيدات وتأصيل، ومناظرات ورد للشبه والأباطيل، يظهر ذلك في كتب أهل السنة والجماعة المتقدمين عامة، ويظهر بوضوح في مثل كتب شيخ الإسلام ابن تيمية، وتلميذه ابن القيم رحمهما الله، إلا أن الدراسات المعاصرة عنيت بتحرير تلك القواعد، وبيان الضوابط، والكشف عن مناهج السلف والأئمة في الاستدلال على مسائل الاعتقاد، وفي الرد على أهل البدع والإلحاد1. وفيما يلي تنبيه على أهم تلك القواعد، والضوابط المنهجية في تقرير مسائل الاعتقاد، كما أشارت إليها كتب المتقدمين، وجمعتها وتبتها كتب المتأخرين.

_ 1 من تلك الدراسات رسالة الماجستير للدكتور عثمان علي حسن بعنوان "منهج الاستدلال على الاعتقاد".

المبحث الأول: الإيمان والتسليم والتعظيم لنصوص الوحيين

المبحث الأول: الإيمان والتسليم والتعظيم لنصوص الوحيين لقد تقدم أن أدلة مسائل التوحيد من أقوى الأدلة ثبوتًا وأصرحها دلالة، وعامة مسائل الاعتقاد -لأجل هذا- متفق عليها بين سلف الأمة. والله تعالى أمر بالدخول في شرائع الإيمان كافة، ونهى عن الإيمان ببعض والتكذيب ببعض، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً} [البقرة: 208] ، وأمر المؤمنين أن يقولوا: {آَمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا} [آل عمران: 7] . وفي الحديث: "إن القرآن لم ينزل يكذب بعضه بعضًا؛ بل يصدق بعضه بعضًا، فما عرفتم منه فاعملوا به، وما جهلتم منه فردوه إلى عالمه" 1. "فينبغي للمسلم أن يقدر كلام الله ورسوله، فجميع ما قاله الله ورسوله يجب الإيمان به، فليس لنا أن نؤمن ببعض الكتاب ونكفر ببعض، وليس الاعتناء بمراده في أحد النصين دون الآخر بأولى من العكس"2. فكل ما أمر به الشارع أو نهى عنه، أو دل عليه وأخبر به، فحقه، التصديق والتسليم مع الإجلال والتعظيم، قال تعالى: {ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ} [الحج: 30] ، وقال سبحانه: {ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ} [الحج: 32] .

_ 1 أخرجه أحمد في المسند "6663"، وابن ماجه "85" من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، وقال الشيخ أحمد شاكر في تعليقه على المسند "6702": "إسناد صحيح". ا. هـ. وأصل الحديث في صحيح مسلم "2666"، عن عبد الله بن عمرو قال: هجرت إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يومًا، قال: فسمع أصوات رجلين اختلفا في آية، فخرج علينا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يعرف في وجهه الغضب، فقال: "إنما هلك من كان قبلكم باختلافهم في الكتاب". 2 الإيمان لابن تيمية ص33 باختصار.

وما كان -من أمر الله- متعلقًا بعمل فحقه الامتثال بلا تردد، والاتباع بلا هوى. قال تعالى: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ} [الأحزاب: 36] . وقال سبحانه: {فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنَ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} [القصص: 50] . والسنة صنو الكتاب في وجوب التسليم والتعظيم، قال الأوزاعي1 للزهري: يا أبا بكر، حديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم: "ليس منا من لطم الخدود" 2، و "ليس منا من لم يوقر كبيرنا" 3، وما أشبه من الحديث ما معناه؟ فأطرق الزهري ساعة، ثم رفع رأسه فقال: "من الله -عز وحل- العلم، وعلى الرسول البلاغ، وعلينا التسليم"4. وورد ذلك عن الزهري عقب روايته لحديث: "لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن ... "، والحديث رواه الأوزاعي عن الزهري، ثم قال: فقلت للزهري: ما هذا؟

_ 1 في أهل الرواية قال رجل للزهري، قال ابن حجر: "وهذا الرجل هو الأوزاعي "انظرتغليق التعليق "5/ 366"، وسيأتي ما يؤكد ذلك بعد قليل. 2 أخرجه البخاري "1294"، ومسلم "103" من حديث عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه. 3 أخرجه أحمد "27823"، وهناد في الزهد "1321"، والبخاري في الأدب المفرد "355"، والترمذي "1920"، وأبو داود "4943" من حديث أنس بن مالك -رضي الله عنه-، وقد صححه النووي في الرياض، والألباني في صحيح الجامع "5445"، وحسنه العراقي والسيوطي. انظر: الجامع الصغير "5445". 4 السنة للخلال "3/ 579"، والجامع لأخلاق الراوي، وآداب السامع للخطيب "2/ 111"، وأدب الإملاء والاستملاء للسمعاني "ص/ 26"، وتغليق التعليق لابن حجر "5/ 365-366"، وانظر: كتاب خلق أفعال العباد للبخاري "ص/ 76"، والصحيح له "قبل رقم/ 7530" في كتاب التوحيد، والتمهيد لابن عبد البر "6/ 14"، والاعتقاد للبيهقي ص251، والصواعق المرسلة "2/ 737" "4/ 1432"، وشرح الطحاوية ص219، والرد على القائلين بوحدة الوجود لعلي بن سلطان الهروي الحنفي ص48، فتح الباري لابن حجر "13/ 504".

فقال: "على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- البلاغ وعلينا التسليم"1. وفي رواية: "من الله العلم وعلى الرسول البلاغ وعلينا التسليم، أمروا أحاديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كما جاءت"2، زاد في لفظ: "من الله القول، وعلى الرسول البلاغ، وعلينا التسليم، أمروا حدث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كما جاء بلا كيف"3. وقال مرة: "وكانوا يجرون الأحاديث عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كما جاءت تعظيمًا لحرمات الله"4. وورد نحو ذلك عن الإمام ربيعة بن أبي عبد الرحمن شيخ الإمام مالك لما سئل عن الاستواء، فقال: "مجهول معقول، ومن الله الرسالة، وعلى الرسول البلاغ، وعلينا التصديق"5. وقال ابن تيمية: "هذا الجواب ثابت عن ربيعة شيخ مالك"6. ومثل هذا قول الإمام مالك -رحمه الله- حين سئل عن الاستواء، فقال: "الاستواء غير مجهول، والكيف غير معقول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة ... "7. "والإنسان إذا علم أن الله تعالى أصدق قيلًا، وأحسن حديثًا، وأن رسوله هو رسول الله بالنقل والعقل والبراهين اليقينية، ثم وجد في عقله ما ينازعه في خبر الرسول، كان عقله يوجب عليه أن يسلم موارد النزاع إلى من هو أعلم به منه، فإن

_ 1 صحيح ابن حبان "1/ 414 رقم 186"، وتعظيم قدر الصلاة للمروزي "520". 2 حلية الأولياء "3/ 369". 3 سير أعلام النبلاء للذهبي "5/ 346". 4 الاعتقاد للبيهقي ص251. 5 رواه اللالكائي في اعتقاد أهل السنة "665" "928"، وانظر: تذكرة الحافظ للذهبي "1/ 158"، وفتح الباري لابن حجر "13/ 406"، والمجهول هو الكيفية، والمعقول هو المعنى. 6 مجموع الفتاوى "5/ 365". 7 أخرجه اللالكائي في شرح أصول الاعتقاد "3/ 398"، والبيهقي في الاعتقاد "1/ 116"، وأبو نعيم في حلية الأولياء "6/ 326"، والخطيب البغدادي في تاريخ بغداد "1/ 365".

العامي يصدق لأهل الاختصاص ما يقولونه دون اعتراض، وإن لم يتضح له وجهه، وإذا اتضح ازداد نورًا على نور، فكيف حال الناس مع الرسل وهم الصادقون المصدقون؛ بل لا يجوز أن يخبر الواحد منهم خلاف ما هو الحق في نفس الأمر"1. قال الإمام الطحاوي -رحمه الله: "فمن رام علم ما حظر عنه علمه، ولم يقنع بالتسليم فهمه، حجبه مرامه عن خالص التوحيد، وصافي المعرفة، وصحيح الإيمان، فيتذبذب بين الكفر والإيمان، والتصديق والتكذيب، والإقرار والإنكار، موسوسًا تائهًا، شاكا زائغًا لا مؤمنًا مصدقًا، ولا جاحدًا مكذبًا"2. وبضدها تتميز الأشياء، فأين هذا المنهج السديد، والتعقيد الرشيد، الذي سار عليه أهل السنة، من مثل قول عمرو بن عبيد -إمام المعتزلة: "لو كانت: {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ} [المسد: 1] في اللوح المحفوظ، لم يكن لله على العباد حجة! "3. أو قوله في حديث الصادق المصدوق: "إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوما نطفة. الحديث" 4، قال -قبح الله قوله: "لو سمعت الأعمش يقول هذا لكذبته، ولو سمعته من زيد بن وهب لما صدقته، ولو سمعت ابن مسعود يقول هذا لما قبلته، ولو سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول هذا لرددته، لو سمعت الله يقول هذا لقلت: ليس على هذا أخذت ميثاقنا"5. وأخيرًا فإن في الإلتزام هذ القاعدة إثبات عصمة المرسلين، وتحقيق متابعة الرسول فيما أخبر وأمر، ومجابة مسالك المغضوب عليهم والضالين الذين ردوا على

_ 1 انظر: درء تعارض العقل والنقل لابن تيمية "1/ 141". 2 شرح الطحاوية لابن أبي العز "1/ 233، 242". 3 تاريخ بغداد للخطيب البغدادي "12/ 182"، وانظر: سير أعلام النبلاء للذهبي "6/ 104". 4 أخرجه البخاري "3208"، ومسلم "2643" من حديث عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه. 5 تاريخ بغداد للخطيب البغداد "12/ 170"، وانظر: سير أعلام النبلاء للذهبي "6/ 104، 105".

أنبيائهم، وحصول رتبة الراسخين، والنجاة من مذاهب المبتدعين، ودفع توهم التعارض بين النقل والعقل.

المبحث الثاني: جمع النصوص في الباب الواحد وإعمالها

المبحث الثاني: جمع النصوص في الباب الواحد وإعمالها إن معقد السلامة من الانحراف عند بيان قضية عقدية، وتفصيل أحكامها هو جمع ما ورد بشأنها من نصوص الكتاب والسنة على درجة الاستقصاء، مع تحرير دلالات كل، وتصحيح النقل عن النبي -صلى الله عليه وسلم، واعتماد فهم الصحابة والثقات من علماء السلف الصالح -رضي الله عنهم، فإن بدا ما ظاهره التعارض بين نصوص الوحيين عند المجتهد -لا في الواقع ونفس الأمر، فينبغي الجمع بين هذه الأدلة برد ما غمض منها واشتبه إلى ما ظهر منها واتضح، وتقييد مطلقها بمقيدها، وتخصيص عامها بخاصها، فإن كان التعارض في الواقع ونفس الأمر فبنسخ منسوخها بناسخها -وذلك في الأحكام دون الأخبار فلا يدخلها نسخ، وإن لم يكن إلى علم ذلك من سبيل، فبرده إلى عالمه تبارك وتعالى. قال سبحانه: {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آَيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آَمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ} [آل عمران: 7] . وفي الحديث قوله عليه الصلاة والسلام: "نزل الكتاب الأول من باب واحد على حرف واحد، ونزل القرآن من سبعة أبواب على سبعة أحرف، زاجرًا وآمرًا، وحلالًا وحرامًا، ومحكمًا ومتشابهًا، وأمثالًا، فأحلوا حلاله، وحرموا حرامه، وافعلوا ما أمرتم به، وانتهوا عما نهيتم عنه، واعتبروا بأمثله، واعملوا بمحكمه، وآمنوا بمتشابهه، وقولوا: آمنا كل من عند ربنا" 1.

_ 1 أخرجه ابن حبان "745"، والطبراني في المعجم الكبير "9/ 26"، والحاكم في المستدرك "2031"، من حديث عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه، وصححه الحاكم، والألباني في الصحيحة برقم: 587.

قال ابن عباس -رضي الله عنهما: "يؤمن بالمحكم ويدين به، ويؤمن بالمتشابه ولا يدين به، وهو من عند الله كله"1. وقال الربيع بن خثيم -رحمه الله: "يا عبد الله، ما علمك الله في كتابه من علم فاحمد الله، وما استأثر عليك به من علم فكله إلى عالمه، لا تتكلف فإن الله يقول لنبيه -صلى الله عليه وسلم: {قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ} [ص: 86] "2. وإذا اتضح هذا؛ فإنه لا يجوز أن يؤخذ نص، وأن يطرح نظيره في نفس الباب، أو أن تعمل مجموعة من النصوص وتهمل الأخرى؛ لأن هذا مظنة الضلال في الفهم والغلط في التأويل3، قال الإمام أحمد رحمه الله: "الحديث إذا لم تجمع طرقه لم تفهمه، والحديث يفسر بعضه بعضًا"4. وقال الشاطبي رحمه الله: "ومدار الغلط في هذا الفصل إنما هو على حرف واحد، وهو الجهل بمقاصد الشرع، وعدم ضم أطرافه بعضها لبعض، فإن مأخذ الأدلة عند الأئمة الراسخين، إنما هو على أن تؤخذ الشريعة كالصورة الواحدة، بحسب ما ثبت من كلياتها، وجزئياتها المرتبة عليها.."5. ومما يلتحق بهذا المعنى جمع روايات الحديث الواحد، والنظر في أسانيده وألفاظه معًا وقبول ما ثبت، وطرح ما لم يثبت، وكما قيل، والحديث إذا لم تجمع طرقه لم تتبين علله، ثم النظر في الحديث بطوله وفي الروايات مجتمعة.

_ 1 تفسير الطبري "3/ 186". 2 الاعتصام للشاطبي "2/ 336". 3 انظر: مفاتيح للفقه في الدين للشيخ مصطفى العدوي، ص10 فما بعدها. 4 الجامع لأخلاق الراوي للخطيب البغدادي "2/ 212". 5 الموافقات للشاطبي "1/ 245، 246".

وقد كانت لأهل البدع مواقف خالفوا بها إجماع أهل السنة بسبب مخالفتهم لهذا الأصل العظيم، فكانوا يجتزئون من النصوص بطرف، مع إغضاء الطرف عن بقية الأطراف، فصارت كل فرقة منهم من الدين بطرف، وبقى أهل السنة في كل قضية عقدية وسطًا بين طرفين، فهم -مثلًا- وسط في باب الوعيد بين غلاوة المرجئة القائلين بأنه لا يضر مع الإيمان ذنبن، وبين الوعيدية من الخوارج والمعتزلة القائلين بتخليد عصاة الموحدين في النار، كما أنهم وسط في باب أسماء الإيمان والدين بين المرجئة القائلين بأن مرتكب الكبيرة كامل الإيمان، وبين الوعيدية القائلين بتكفيره -كما هو عند الخوارج- أو بجعله بمنزلة بين المنزلتين -كما هو عند المعتزلة، وهو وسط في باب القدر بين القدرية النفاة لمشيئته تعالى وخلقه أفعال العباد، وبين الجبرية النفاة لقدرة العبد، واختياره ومشيئته ونسبة فعله إليه حقيقة، والقاعد الهادي عند اشتباه الأدلة: "أن من رد ما اشتبه إلى الواضح منها، وحكم محكمها على متشابهها عنده، فقد اهتدى، ومن عكس انعكس"1. واتفق لأهل السنة والجماعة "موافقة طريقة السلف من الصحابة والتابعين، وأئمة الحديث والفقه في الدين، كالإمام أبي حنيفة، ومالك، والشافعي، وأحمد، والبخاري، وإسحاق، وغيرهم، وهي رد المتشابه إلى الحكم، وأنهم يأخذون من المحكم ما يفسر لهم المتشابه ويبينه لهم، فتتفق دلالته مع دلالة المحكم، وتوافق النصوص بعضها بعضًا، ويصدق بعضها بعضًا، فإنها كلها من عند الله، وما كان من عند الله، فلا اختلاف فيه ولا تناقض، وإنما الاختلاف والتناقض فيما كان من عند غيره"2.

_ 1 تفسير ابن كثير بتصريف يسير "1/ 345". 2 إعلام الموقعين لابن القيم "2/ 294".

قال تعالى: {أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآَنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا} [النساء: 82] ، وقال تعالى: {وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ، لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ} [فصلت: 41، 42] . وقد حكى الباقلاني الإجماع على منع التعارض بين الأدلة الشرعية في نفس الأمر مطلقًا، كما روى الخطيب البغدادي عنه ذلك فقال: "يقول الباقلاني: وكل خبرين علم أن النبي -صلى الله عليه وسلم- تكلم بهما، فلا يصح دخول التعارض فيهما على وجه، وإن كان ظاهرهما متعارضين؛ لأن معنى التعارض بين الخبرين والقرآن من أمر ونهي وغير ذلك، أن يكون موجب أحدهما منافيًا لموجب الآخر، وذلك يبطل التكليف إن كانا أمرًا ونهيًا، وإباحة وحظرًا، أو يوجب كون أحدهما صدقًا، والآخر كذبًا إن كانا خبرين، والنبي -صلى الله عليه وسلم- منزه عن ذلك أجمع، ومعصوم منه باتفاق الأمة، وكل مثبت للنبوة"1. ولما خالف أهل البدع هذه القاعدة كفر بعضهم بعضًا، حيث آمن بعضهم بنصوص وكفروا بأخرى، فقد آمن -مثلًا- الوعيد: من الخوارج والمعتزلة بنصوص الوعيد2، وكفروا بنصوص الوعد، وقابلهم المرجئة فآمنوا بنصوص الوعد3 وكفروا بنصوص الوعيد، وأهل السنة والجماعة آمنوا بكل وجمعوا بين النصوص، واعتمدوا على قول الله تعالى: {عَذَابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشَاءُ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ} [الأعراف: 156] .

_ 1 الكفاية للخطيب البغدادي ص433. 2 ومن ذلك قوله تعالى: {بَلَى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [البقرة: 81] ، وقوله تعالى: {وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ} [النساء: 14] وقوله -صلى الله عليه وسلم: "لا يدخل الجنة قتات" يعني نمام، متفق عليه، وقوله: "لا يدخل الجنة قاطع يعني قاطع رحم"، متفق عليه. 3 ومن ذلك قوله -صلى الله عليه وسلم: "من مات وهو يعلم أن لا إله إلا الله دخل الجنة" مسلم، وقوله: "من شهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله حرمه الله على النار" مسلم.

وقوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [النساء: 48] . وكذا الجبرية آمنوا بما كفر به القدرية، وكفروا بما آمن به القدرية، والحق الإيمان بجميع النصوص، واعتقاد نفي التعارض بينهما، قال تعالى: {لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ، وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} [التكوير: 28، 29] ، فأثبت مشيئة للإنسان مقيدة بمشيئة الرحمن. فأتلفت -بحمد الله- النصوص واجتمعت، وزالت الشبه وارتفعت الحجب وانقلعت. "وقد استعمل هذه القاعدة كثير من أئمة العلم والدين في كسر المبتدعة، وتفنيد شبهاتهم، كصنيع الإمام الشافعي -رحمه الله- في كتاب الرسالة، وفي كتاب مختلف الحديث، وكذلك الإمام أحمد -رحمه الله- في الرد على الجهمية، والإمام ابن قتيبة -رحمه الله- في كتاب مختلف الحديث، والطحاوي -رحمه الله- في مشكل الآثار، وغير هؤلاء كثير من أئمة السنة"1.

_ 1 منهج الاستدلال على مسائل الاعتقاد لعثمان علي حسن "1/ 348".

المبحث الثالث: اشتمال الوحي على مسائل التوحيد بأدلتها

المبحث الثالث: اشتمال الوحي على مسائل التوحيد بأدلتها إن المصدر الذي تؤخذ منه مسائل أصول الدين هي الوحي، فكل ما يلزم الناس اعتقاده أو العمل به، قد بينه الله تعالى بالوحي الصادق عن طريق كتابه العزيز، أو بالواسطة من كلام المصطفى -صلى الله عليه وسلم، أو ما يرجع إليهما من إجماع صحيح، أو عقل صريح دل عليه النقل وأرشد إليه. قال تعالى: {وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ} [النحل: 89] . وقال سبحانه: {إِنَّ هَذَا الْقُرْآَنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ} [الإسراء: 9] . وفي الحديث قوله عليه الصلاة والسلام: " ... وأيم الله، لقد تركتكم على البيضاء، ليلها ونهارها سواء"، قال أبو الدرداء: صدق رسول الله -صلى الله عليه وسلم، تركنا والله على مثل البيضاء ليلها ونهارها سواء"1، وفي رواية أخرى: "لا يزيغ عنها بعدي إلا هالك" 2. وفي صحيح مسلم لما قيل لسلمان الفارسي -رضي الله عنه: "قد علمكم نبيكم -صلى الله عليه وسلم- كل شيء حتى الخراءة! فقال: أجل ... "3. ودخول مسائل التوحيد وقضاياه في هذا العموم من باب الأولى؛ بل "من المحال أن يترك تعليمهم ما يقولونه بألسنتهم، ويعتقدونه بقلوبهم في ربهم ومعبودهم رب العالمين، الذي معرفته غاية المعارف، وعبادته أشرف المقاصد، والوصول إليه غاية المطالب"4.

_ 1 أخرجه ابن ماجه "5"، وابن أبي عاصم في السنة "49" من حديث أبي الدرداء -رضي الله عنه. وقد حسنه الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيح "688". 2 أخرجه أحمد "16692"، والدارمي "95"، وأبو داود "4607"، والترمذي "2676"، وابن ماجه "44". وصححه الشيخ الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة "937". 3 أخرجه مسلم "262". 4 مجموع الفتاوى "5/ 7، 8".

والرسول -صلى الله عليه وسلم- بين مسائل التوحيد تارة بأدلتها النقلية مباشرة كأحوال البرزخ، ومسائل اليوم اليوم الآخر، وتارة يجمع إلى الأدلة النقلية الأدلة العقلية ويرشد إليها، فإما أن تكون أدلة مسائل علم التوحيد أدلة نقلية، أو أدلة نقلية عقلية. وبهذا الأصل المبارك اعتصم أهل السنة والجماعة، فصدروا عن الوحي في تعلم التوحيد في مسائله وأدلته، "ولم ينصبوا مقالة ويجعلوها من أصول دينهم وجمل كلامهم، إن لم تكن ثابتة فيما جاء به الرسول؛ يل يجعلون ما بعث به الرسول من الكتاب والحكمة، هو الأصل يعتقدونه ويعتمدونه"1. وردوا عند التنازع في مسألة ما إلى نصوص الوحي، امتثالًا لقوله تعالى: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا} [النساء: 59] ، ومعنى الرد إلى الله سبحانه: الرد إلى كتابه، ومعنى الرد إلى الرسول -صلى الله عليه وسلم: الرد إلى سنته بعد وفاته، وهذا مما لا خلاف فيه بين جميع المسلمين"2. وفي إعمال هذه القاعدة نظر إلى الوحي بعين الكمال، واستغناء به عن غيره، واعتماد عليه، وتجنب اللوازم الباطلة لمذهب من يعول على العقل أو الذوق دون الشرع، وتحقيق للإيمان بالله واتباع رسوله -صلى الله عليه وسلم، ونجاة من مسالك أهل الأهواء الذين يتقدمون بين يدي الله ورسوله بعلومهم، وعقولهم وأذواقهم، وحسم لمادة التقليد الباطلة، مع تحقيق الاجتماع والألفة ونبذ الاختلاف والفرقة.

_ 1 المصدر السابق "3/ 347". 2 شرح الصدور بتحريم رفع القبور للشوكاني ص593.

المبحث الرابع: حجية فهم الصحابة والسلف الصالح

المبحث الرابع: حجية فهم الصحابة والسلف الصالح إذا اختلف أهل القبلة وتنازعوا الحق والنجاة الفلاح في الدنيا والآخرة، فإن أجدر الفرق بالصواب وأولاها بالحق، وأقربها إلى التوفيق من كان في جانب أصحاب محمد -صلى الله عليه وسلم، وإذا كان الكتاب حمال أوجه في الفهم مختلفة؛ فإن بيان أصحاب نبينا -صلى الله عليه سلم- له حجة وأمارة على الفهم الصحيح. أبر الأمة قلوبًا، وأعمقها علمًا، وأقلها تكلفًا، وأصحها فطرة، وأحسنها سريرة، وأصرحها برهانًا، حضروا التنزيل وعلموا أسبابه، وفهموا مقاصد الرسول -صلى الله عليه وسلم: وأدركوا مراده، اختارهم الله تعالى -على علم- على العالمين سوى الأنبياء والمرسلين، "فكل من له لسان صدق من مشهور بعلم أو دين، معترف بأن خير هذه الأمة هم الصحابة -رضي الله عنهم"1. "فمن أخبرنا الله -عز وجل- أنه علم ما في قلوبهم، فرضي عنهم، وأنزل السكينة عليهم، فلا يحل لأحد التوقف في أمرهم، أو الشك فيهم ألبتة"2. قال قتادة -رحمه لله- في قوله تعالى: {وَيَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ الَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ هُوَ الْحَقَّ وَيَهْدِي إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ} [سبأ: 6] : "أصحاب محمد -صلى الله عليه وسلم"3. وقال سفيان -رحمه الله- في قوله تعالى: {قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلَامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى} [النمل: 59] : "هم أصحاب محمد -صلى الله عليه وسلم"4.

_ 1 شرح العقيدة الأصفهانية لابن تيمية ص165. 2 الفصل في الملل والنحل لابن حزم "4/ 116". 3 تفسير الطبري "22/ 44". 4 تفسير ابن كثير "3/ 370".

وفي منزلة علمهم واجتهادهم وفتاواهم قال الشافعي -رحمه الله: " ... فعلموا ما أراد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عامًّا وخاصًّا، وعزمًا وإرشادًا، وعرفوا من سنته ما عرفنا وجهلنا، وهم فوقنا في كل علم واجتهاد، وورع وعقل، وآراؤهم لنا أحمد وأولى بنا من رأينا عند أنفسنا، ومن أدركنا ممن يرضى أو حكي لنا عنه ببلدنا صاروا فيما لم يعلموا لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- فيه سنة إلى قولهم: إن اجتمعوا، أو قول بعضهم: إن تفرقوا، وهكذا نقول، ولم نخرج عن أقاويلهم، وإن قال أحدهم ولم يخالفه غيره أخذنا بقوله"1. وأفضل علم السلف ما كانوا مقتدين فيه بالصحابة. يقول ابن تيمية -رحمه الله: "ولا تجد إمامًا في العلم والدين، كمالك، والأوزاعي، والثوري، وأبي حنيفة، والشافعي، وأحمد بن حنبل، وإسحاق بن راهويه، ومثل الفضيل وأبي سليمان، ومعروف الكرخي، وأمثالهم، إلا وهم مصرحون بأن أفضل علمهم ما كانوا فيه مقتدين بعلم الصحابة، وأفضل عملهم ما كانوا فيه مقتدين بعمل الصحابة، وهم يرون الصحابة فوقهم في جميع أبواب الفضائل والمناقب"2. ثم إن التابعين وتابعيهم قد حصل لهم من العلم بمراد الله ورسوله ما هو أقرب إلى منزلة الصحابة ممن هم دونهم؛ وذلك لملازمتهم لهم، واشتغالهم بالقرآن حفظًا وتفسيرًا، وبالحديث رواية ودراية، ورحلاتهم في طلب الصحابة، وطلب حديثهم وعلومهم مشهورة معروفة، "ومن المعلوم أن كل من كان بكلام المتبوع وأحواله، وبواطن أموره وظواهرها أعلم، وهو بذلك أقوم كان أحق بالاختصاص به، ولا ريب أن أهل الحديث أعلم الأمة، وأخصها بعلم الرسول -صلى الله عليه وسلم"3.

_ 1 إعلام الموقعين لابن القيم "1/ 80"، ونسبه إلى الشافعي في الرسالة البغدادية القديمة. 2 شرح العقيدة الأصفهانية لابن تيمية ص165. 3 مجموع الفتاوى "4/ 91".

والمسلمون في شأن العقيدة يحتاجون إلى "معرفة ما أراد الله ورسوله -صلى الله عليه وسلم- بألفاظ الكتاب والسنة، بأن يعرفوا لغة القرآن التي بها نزل، وما قاله الصحابة والتابعون لهم بإحسان، وسائر علماء المسلمين في معاني تلك الألفاظ، فإن الرسول لما خاطبهم بالكتاب والسنة، عرفهم ما أراد بتلك الألفاظ، وكانت معرفة الصحابة لمعاني القرآن أكمل من حفظهم لحروفه، وقد بلغوا تلك المعاني إلى التابعين أعظم مما بلغوا حروفه، فإن المعاني العامة التي يحتاج إليها عموم المسلمين، مثل معنى التوحيد، ومعنى الواحد والأحد والإيمان والإسلام، ونحو ذلك ... فلا بد أن يكون الصحابة يعرفون ذلك، فإن معرفته أصل الدين"1. فمذهب السلف أسلم وأعلم وأحكم، لا كما يدعيه المخالفون، باختلاف نحلهم ومذاهبهم، فتارة يقول أهل السياسة والملك: إنهم لم يمهدوا قواعد الحكم والسياسة والتدبير لانشغالهم بالعلم والعبادة، وتارة يدعي أهل التصوف أنهم ما حققوا المقامات، والأحوال لانشغالهم بالجهاد والقتال وهكذا. والحق أن "كل هؤلاء محجوبون عن معرفة مقادير السلف، وعمق علومهم، وقلة تكلفهم، وكمال بصائرهم، وتالله ما امتاز عنهم المتأخرون إلا بالتكليف والاشتغال بالأطراف التي كانت همة القوم مراعاة أصولها، وضبط قواعدها، وشد معاقدها، وهممهم مشمرة إلى المطالب العالية في كل شيء، فالمتأخرون في شأن، والقوم في شأن آخر، وقد جعل الله لكل شيء قدرًا"2. وقال ابن رجب -رحمه الله: "فمن عرف قدر السلف، عرف أن سكوتهم عما سكتوا عنه من ضروب الكلام، وكثرة الجدل والخصام، والزيادة في البيان على مقدار

_ 1 مجموع الفتاوى "17/ 353". 2 شرح العقيدة الطحاوية لابن أبي العز "1/ 19، 20".

الحاجة؛ لم يك عيا، ولا جهلًا ولا قصورًا، وإنما كان ورعًا وخشية لله، واشتغالًا عما لا ينفع بما ينفع"1. وفي تحديد مفهوم السلف، قال سبحانه: {وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} [التوبة: 100] ، فالسلف اسم يجمع الصحابة فمن بعدهم ممن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وفي الصحيح: "خير الناس قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم ... " 2. وهذه الخيرية خيرية علم وإيمان وعمل، ولقد حكى ابن تيمية -رحمه الله- الإجماع على خيرية القرن الأول، ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم ... وأنهم أفضل من الخلف في كل فضيلة3. ولقد اعتصم أهل السنة والجماعة بحجية فهم السلف الصالح من الصحابة والتابعين، فعصمهم هذا من التفرق والضلال، فقالوا بما قال به السلف، وسكتوا عما سكتوا عنه، ووسعهم ما وسع السلف. أما أهل الضلال والابتداع، فمذهبهم الطعن في الصحابة، وتنكب طريق السلف، قال الإمام أحمد -رحمه الله: "إذا رأيت الرجل يذكر أحدًا من الصحابة بسوء، فاتهمه على الإسلام"4.

_ 1 فضل علم السلف على علم الخلف لابن رجب ص58. 2 صحيح البخاري "2652"، ومسلم "2533" من حديث عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه. 3 مجموع الفتاوى "4/ 157، 158". 4 الصارم المسلول لابن تيمية "3/ 1058".

فالصحابة يكفرهم الرافضة تارة، والخوارج أخرى، والمعتزلة يقول قائلهم وهو عمرو بن عبيد -عليه من الله ما يستحق: "لو شهد عندي علي وطلحة والزبير وعثمان، على شراك نعل ما أجزت شهاتهم! "1. وصدق أبو حاتم الرازي -رحمه الله- حين قال: "علامة أهل البدع الوقيعة في أهل الأثر"2. ورضي الله عنه أبي زرعة الرازي حيث قال: "إذا رأيت الرجل ينتقض أحدًا من أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فاعلم أنه زنديق، وذلك أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- عندنا حق، والقرآن حق، وإنما أدى إلينا هذا القرآن، والسنن أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وإنما يريدون أن يجرحوا شهودنا، ليبطلوا الكتاب والسنة، والجرح بهم أولى، وهم زنادقة"3.

_ 1 الاعتصام للشاطبي "1/ 119". 2 شرح أصول اعتقاد أهل السنة للالكائي "1/ 179". 3 الكفاية للخطيب ص97.

المبحث الخامس: الإيمان بالنصوص على ظاهرها ورد التأويل

المبحث الخامس: الإيمان بالنصوص على ظاهرها ورد التأويل ويقصد بظاهر النصوص مدلولها المفهوم بمقتضى الخطاب العربي، لا ما يقابل النص عند متأخري الأصوليين، والظاهر عندهم ما احتمل معنى راجحًا وآخر مرجوحًا، والنص هو ما لا يحتمل إلا معنى واحدًا، "فلفظة الظاهر قد صارت مشتركة، فإن الظاهر في الفطر السليمة، واللسان العربي، والدين القيم، ولسان السلف، غير الظاهر في عرف كثير من المتأخرين"1، فالواجب في نصوص الوحي إجراؤها على ظاهرها المتبادر من كلام المتكلم، واعتقاد أن هذا المعنى هو مراد المتكلم، ونفيه يكون تكذيبًا للمتكلم، أو اتهامًا له بالعي وعدم القدرة على البيان عما في نفسه، أو اتهامًا له بالغبن والتدليس، وعدم النصح للمكلف، وكل ذلك ممتنع في حق الله تعالى وحق رسوله الأمين -صلى الله عليه وسلم. ومراد المتكلم يعلم إما باستعماله اللفظ الذي يدل بوضعه على المعنى المراد مع تخلية السياق عن أية قرينة تصرفه عن دلالته الظاهرة، أو بأن يصرح بإرادة المعنى المطلوب بيانه، أو أن يحتف بكلامه من القرائن التي تدل على مراده، وعلى هذا فصرف الكلام عن ظاهره المتبادر -من غير دليل يوجبه، أو يبين مراد المتكلم- تحكم غير مقبول سببه الجهل أو الهوى، وهذا وإن سماه المتأخرون تأويلًا إلا أنه أقرب إلى التحريف منه إلى التأويل2، ولا يسلم لهذا المتأول تأويله حتى يجيب على أمور أربعة: أحدها: أن يبين احتمال اللفظ لذلك المعنى الذي أورده من جهة اللغة.

_ 1 مجموع الفتاوى "33/ 175". 2 التأويل: هو نقل ظاهر اللفظ عن وضعه الأصلي إلى ما يحتاج إلى دليل لولاه ما ترك ظاهر اللفظ. لسان العرب لابن منظور "1/ 264".

الثاني: أن يبين وجه تعيينه لهذا المعنى أنه المراد: الثالث: أن يقيم الدليل الصارف للفظ عن حقيقته وظاهره؛ لأن الأصل عدمه، قال ابن الوزير -رحمه الله: "من النقص في الدين رد النصوص والظواهر، ورد حقائقها إلى المجاز من غير طريق قاطعة تدل على ثبوت الموجب للتأويل.."1. الرابع: أن يبين سلامة الدليل الصارف عن المعارض، إذ دليل إرادة الحقيقة والظاهر قائم، وهو إما قطعي، وإما ظاهر، فإن كان قطعيًّا لم يلتفت إلى نقيضه، وإن كان ظاهرًا فلا بد من الترجيح2. ومما يدل على إعمال الظواهر أنه لا يتم بلاغ ولا يكمل إنذار، ولا تقوم الحجة ولا تنقطع المعذرة بكلام لا تفيد ألفاظه اليقين، ولا تدل على مراد المتكلم بها؛ بل على خلاف ذلك، فينتفي عن القرآن -والعياذ بالله- معنى الهداية، وشفاء الصدور، والرحمة، التي وصف الله تعالى بها كتابه الكريم، ومعاني الرأفة والرحمة والحرص على رفع العنت والمشقة عن الأمة، التي وصف الله تعالى بها نبيه -صلى الله عليه وسلم- في كتابه العزيز، وهو الذي ترك الأمة على مثل البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك، فلا التباس في أمره ونهيه، ولا إلغاز في إرشاده وخبره، باطنه وظاهره سواء، كيف لا، وهو القائل: "إنه لم يكن نبي قبلي إلا كان حقا عليه أن يدل أمته على خير ما يعلمه لهم، وينذرهم شر ما يعلمه لهم ... " 3. ودلالته -صلى الله عليه وسلم- للأمة في شأن اعتقادها أهم أعماله، وأولاها بالإيضاح، والإفهام بلسان عربي مبين، والجزم واقع بأ الصحابة -رضوان الله تعالى عليهم-، فهموها على وجهها الذي

_ 1 إيثار الحق لابن الوزير ص129. 2 مجموع الفتاوى "6/ 360-362"، والصواعق المرسلة لابن القيم "1/ 288-290"، وبدائع الفوائد لابن القيم "4/ 1009". 3 أخرجه مسلم "1844" من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص -رضي الله عنهما.

يفهمه العربي، بغير تكلف ولا تمحل في صرف ظواهرها، ومن كان باللسان العربي أعرف ففهمه لنصوص الوحي أرسخ، وقد قال عمر -رضي الله عنه: "يا أيها الناس، عليكم بديوان شعركم في الجاهلية، فإن فيه تفسير كتابكم، ومعاني كلامكم"1. وقال ابن تيمية -رحمه الله: "لم يكن في الصحابة من تأول شيئًا من نصوصه -أي نصوص الوحي -على خلاف ما دل عليه، لا فيما أخبر به الله عن أسمائه وصفاته، ولا فيما أخبر به عما بعد الموت.."2. وفي إنكار التأويل الكلامي، ومناهج الفلاسفة ومن تأثر بهم من المتكلمين، يقول الحافظ ابن حجر -رحمه الله: "وقد توسع من تأخر عن القرون الثلاثة الفاضلة في غالب الأمور التي أنكرها أئمة التابعين وأتباعهم، ولم يقتنعوا بذلك حتى مزجوا مسائل الديانة بكلام اليونان، وجعلوا كلام الفلاسفة أصلًا يردون إليه ما خالفه من الآثار بالتأويل، ولو كان مستكرهًا. ثم لم يكتفوا بذلك حتى زعموا أن الذي رتبوه هو أشرف العلوم، وأولاها بالتحصيل، وأن من لم يستعمل ما اصطلحوا عليه فهو عامي جاهل، فالسعيد من تمسك بما كان عليه السلف، واجتنب ما أحدثه الخلف"3. ويقول ابن القيم -رحمه الله- مبينًا خطورة التأويل، "فأصل خراب الدين والدنيا، إنما هو من التأويل الذي لم يرده الله ورسوله بكلامه، ولا دل عليه أنه مراده، وهل اختلفت الأمم على أنبيائهم إلا بالتأويل، وهل وقعت في الأمة فتنة كبيرة أو صغيرة إلا بالتأويل، وهل أريقت دماء المسلمين في الفتن إلا بالتأويل، وليس هذا مختصًا بدين الإسلام فقط؛ بل سائر أديان الرسل لم تزل على الاستقامة والسداد حتى دخلها التأويل، فدخل عليها من الفساد ما لا يعلمه إلا رب العباد"4.

_ 1 الموافقات للشاطبي "2/ 88". 2 مجموع الفتاوى "13/ 252". 3 فتح الباري لابن حجر "13/ 267". 4 إعلام الموقعين لابن القيم "4/ 216".

ففي لزوم الإيمان بالنصوص على ظاهرها، ودفع التأويل المتعسف بغير دليل موافقة لنصوص الكتاب والسنة لفظًا ومعنى، مع بعد عن التكلف في الدين، والقول على الله بغير علم، والافتراء على رسوله الأمين، فضلًا عن ما في ذلك من مصلحة سد باب الخروج على العقيدة ببدعة محدثة، وسد باب الخروج على الشريعة، والاجتراء على الرحمات، والتهاون بالطاعات والوقوع في المنكرات، بصرف ألفاظ الوعد والوعيد عن حقيقتها وظاهرها، ودعوى أن كل ذلك غير مراد. "وهذه القاعدة تفيد بطلان مذهب المفوضة في الصفات، الذين يفوضون معاني النصوص إلى الله، مدعين أن هذا هو مذهب السلف، وقد علم براءة مذهب السلف من هذا المذهب بتواتر الأخبار عنهم بإثبات معاني هذه النصوص على الإجمال والتفصيل، وإنما فوضوا العلم بكيفيتها لا العلم بمعانيها"1. قال ابن تيمية -رحمه الله: "إن الصحابة والتابعين لم يمتنع أحد منهم عن تفسير آية من كتاب الله، ولا قال هذه من المتشابه الذي لا يعلم معناه، ولا قال قط أحد من سلف الأمة، ولا من الأئمة المتبوعين: إن في القرآن آيات لا يعلم معناها، ولا يفهمها رسول الله -صلى الله عليه وسلم، ولا أهل العلم والإيمان جميعهم، وإنما قد ينفون علم بعض ذلك عن بعض الناس، وهذا لا ريب فيه"2. بل كان قول أهل العلم، من الله البيان، وعلى رسوله البلاغ، وعلينا التسليم. ومما يشهد للصحابة في فهمهم مراد الله، ومراد نبيه -صلى الله عليه وسلم، والأخذ بظواهر النصوص، وتفسيرها بما يظهر منها: قول ابن مسعود -رضي الله عنه: "والله الذي لا إله إلا غيره، ما أنزلت سورة من كتاب إله إلا أنا أعلم أين أنزلت، ولا أنزلت آية من كتاب الله إلا أنا

_ 1 القواعد المثلى للشيخ ابن عثيمين ص35. 2 مجموع الفتاوى "13/ 285".

أعلم فيم أنزلت، ولو أعلم أحدًا أعلم مني بكتاب الله تبلغه الإبل لركبت إليه"1. وقال مسروق -رحمه الله: "كان عبد الله يقرأ علينا السور، ثم يحدثنا فيها ويفسرها عامة النهار"2، وقال عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه: "نعم ترجمان القرآن ابن عباس"3. وقال مجاهد رحمه الله: "عرضت المصحف على ابن عباس ثلاث عرضات، من فاتحته إلى خاتمته، أوقفه عند كل آية منه وأسأله عنها"4. فلم يتوقف الصحابة عن تفسير النصوص والأخذ بظواهرها؛ ويستثنى من ذلك النصوص الخاصة بصفات الله تعالى، فقد أخذوا بظواهرها فأثبتوها دون تفسير أو تكييف لمعناها. قال الذهبي: "قال سفيان5 وغيره: قراءتها -أي آيات الصفات- تفسيرها، يعني أنها بينة واضحة في اللغة لا يبتغي بها مضايق التأويل والتحريف"6.

_ 1 أخرجه البخاري "5002"، ومسلم "2463" من حديث عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه. 2 تفسير الطبري "1/ 36". 3 المصدر السابق "1/ 40". 4 المصدر السابق "1/ 36". 5 وهو الإمام سفيان بن عيينة -رحمه الله تعالى، روى ذلك عنه اللالكائي في اعتقاد أهل السنة "3/ 431"، والدراقطني في الصفات ص41، 42، وانظر: الاعتقاد للبيهقي ص118، واجتماع الجيوش الإسلامية لابن القيم "1/ 114، 115". 6 العلو الذهبي ص251.

المبحث السادس: درء التعارض بين صحيح النقل وصريح العقل

المبحث السادس: درء التعارض بين صحيح النقل وصريح العقل مما ينبغي اعتقاده أن نصوص الكتاب والسنة الصحيحة والصريحة في دلالتها، لا يعارضها شيء من المعقولات الصريحة، ذلك أن العقل شاهد بصحة الشريعة إجمالًا وتفصيلًا، فأما الإجمال، فمن جهة شهادة العقل بصحة النبوة وصدق الرسول -صلى الله عليه وسلم، فيلزم من ذلك تصديقه في كل ما يخبر به من الكتاب والحكمة. وأما التفصيل، فمسائل الشريعة ليس فيها ما يرده العقل؛ بل كل ما أدركه العقل من مسائلها فهو يشهد له بالصحة تصديقًا وتعضيدًا، وما قصر العقل عن إدراكه من مسائلها، فهذا لعظم الشريعة، وتفوقها، ومع ذلك فليس في العقل ما يمنع وقوع تلك المسائل التي عجز العقل عن إداكها، فالشريعة قد تأتي بما يحير العقول لا بما تحيله العقول. فإن وجد ما يوهم التعارض بين العقل والنقل، فإما أن يكون النقل غير صحيح أو يكون صحيحًا ليس فيه دلالة على المدعي، وإما أن يكون العقل فاسدًا بفساد مقدماته. فمن احتج -مثلًا- في إنكار الصفات الإلهية بأن لازم ذلك إثبات آلهة مع الله، فقد احتج بعقل غير صحيح؛ بل لا يجوز تسمية ذلك عقلًا أصلًا؛ إذ لا يجوز في العقل وجود موجود مجرد من الصفات؛ بل هو من أعظم الممتنعات العقلية؛ لأنه يستلزم رفع النقيضين، حيث يقال: هو موجود ولا موجود، ولا يقال هذا في حق المخلوق، فلا يستلزم إثبات المخلوق متصفًا السمع والبصر والكلام، والحياة أن يتعدد المخلوق، بحيث تكون كل صفة منها إنسانًا قائمًا بنفسه، وهذا معلوم البطلان في حق

المخلوق، وبطلانه في حق الخالق أظهر، وأولي فهذا عقل فاسد لا يقاوم النقل الصحيح الصريح من آيات الصفات وأحاديثها. وقد يكون النقل مكذوبًا والعقل صحيحًا، كما في حديث يروي عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أنه قال: "قيل يا رسول الله: مم ربنا؟ قال: "من ماء مرور، لا من أرض، ولا من سماء، خلق خيلًا فأجراها فعرقت، فخلق نفسه من ذلك العرق.."1. ففي هذا الكذب وأمثاله لا يقال: إنه يعارض دليل، فلا يصلح أن يكون دليلًا فضلً عن أن ينسب إلى الشرع ليعارض به العقل، علاوة على أن الأدلة الشرعية تنقضه وتبطله. وقد يكون النقل صحيحًا، إلا أنه لا يدل على المعنى المدعى، فيتوهم التعارض بين المنقول والمعقول، كما في حديث أبي هريرة أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "إن الله -عز وجل- يقول يوم القيامة: يا ابن آدم مرضت فلم تعدني.... الحديث" 2. فمن فهم من الحديث أن الله تعالى يمرض أو يجوع، ويعطش لم يفهم معنى الحديث؛ لأن الحديث فسره المتكلم به، وبين المراد منه، وهو أن العبد هو الذي جاع وعطش ومرض، وأن الله تعالى منزه عن ذلك. "والمقصود هو بيان أنه إذا ظهر تعارض بين الدليلين النقلي والعقلي، فلا بد من أحد ثلاثة احتمالات: الأول: أن يكون أحد الدليلين قطعيًا والآخر ظنيًا، فيجب تقديم القطعي نقليًا كان أم عقليًا، وإن كانا ظنيين فالواجب تقديم الراجح، عقليًا كان أم نقليًا.

_ 1 تنزيه الشريعة المرفوعة عن الأخبار الشنيعة الموضوعة لأبي حسن الكناني "1/ 134". 2 أخرجه مسلم "2569".

الثاني: أن يكون أحد الدليلين فاسدًا، فالواجب تقديم الدليل الصحيح على الفاسد سواء أكان نقليًا أم عقليًا. الثالث: أن يكون أحد الدليلين صريحًا والآخر ليس بذاك، فهنا يجب تقديم الدلالة الصريحة على الدلالة الخفية، لكن قد يخفي من وجوه الدلالات عند بعض الناس ما قد يكون بينًا وواضحًا عن البعض الآخر، فلا تعارض في نفس الأمر عندئذ. أما أن يكون الدليلان قطعيين -سندًا ومتنًا- ثم يتعارضان، فهذا لا يكو أبدًا، لا بين نقليين، ولا بين عقليين، ولا بين نقلي وعقلي"1. وخلاصة اعتقاد أهل السنة في هذا الباب: "أن الأدلة العقلية الصريحة توافق ما جاءت به الرسل، وأن صريح المعقول لا يناقض صحيح المنقول، وإنما يقع التناقض بين ما يدخل في السمع وليس منه، وما يدخل في العقل وليس منه"2. وقد أعمل الصحابة رضي الله عنهم هذا الأصل، وتلقاه عنهم التابعون، وتواترت عبارات أهل العلم بهذا المعنى. قال ابن تيمية -رحمه الله: "فكان من الأصول المتفق عليها بين الصحابة والتابعين لهم بإحسان أنه لا يقبل من أحد قط أن يعارض القرآن برأيه، ولا ذوقه ولا معقوله ولا قياسه ولا وجده، فإنهم ثبت عنهم بالبراهن القطعيات، والآيات البينات أن الرسول جاء بالهدى ودين الحق، وأن القرآن يهدي للتي هي أقوم"3. وقال الإمام الشافعي -رحمه الله: "كل شيء خالف أمر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- سقط، ولا يقوم معه رأي ولا قياس، فإن الله تعالى قطع العذر بقول رسول الله -صلى الله عليه وسلم، فليس لأحد معه أمر

_ 1 منهج الاستدلال على مسائل الاعتقاد لعثمان علي حسن "1/ 366". 2 درء التعارض لابن تيمية "1/ 231، 232". 3 مجموع الفتاوى "13/ 28".

ولا نهي غير ما أمر هو به"1. وقال الإمام مالك -رحمه الله: "أو كلما جاء رجل أجدل من الآخر، رد ما أنزل جبريل على محمد -صلى الله عليه وسلم"2. ومن ثمرات الالتزام بهذه القاعدة، إثبات عصمة الشرع الحكيم إذ ليس فيه ما يخالف العقل الصحيح، وسد باب التأويل والتفويض، واستقامة الحياة على الوجه الأتم الأكمل عند نفي التعارض بين وحي الله تعالى وخالقه، فتنعم البشرة بهدي الله وشرعه، وتنتفع بما أنعم على خلقه.

_ 1 الأم للشافعي "2/ 193". 2 شرح أصول اعتناق أهل السنة للالكائي "1/ 144".

المبحث السابع: موافقة النصوص لفظا ومعنى أولى من موافقتها في المعنى دون اللفظ

المبحث السابع: موافقة النصوص لفظًا ومعنى أولى من موافقتها في المعنى دون اللفظ لا شك أن متابعة الكتاب والسنة في اللفظ والمعنى أكمل وأتم من متابعتهما في المعنى دون اللفظ، ويكون ذلك باعتماد ألفاظ ومصطلحات الكتاب والسنة عند تقرير مسائل الاعتقاد وأصول الدين، والتعبير بها عن المعاني الشرعية، وفق لغة القرآن، وبيان الرسول -صلى الله عليه وسلم. قال شيخ الإسلام -رحمه الله: "الأحسن في هذا الباب مراعاة ألفاظ النصوص، فيثبت ما أثبته الله ورسوله باللفظ الذي أثبته، وينفي ما نفاه الله ورسوله كما نفاه"1. وقال ابن القيم -رحمه الله: "إن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يحافظ على ألفاظ القرآن تقديمًا وتأخيرًا، وتعريفًا وتنكيرًا كما يحافظ على معانيه، ومنه قوله وقد بدأ بالصفا: "ابدأ بما بدأ الله به" 2، ومنه بداءته في الوضوء بالوجه ثم اليدين اتباعًا للفظ القرآن3، ومنه قوله في حديث البراء بن عازب: "آمنت بكتابك الذي أنزلت، ونبيك الذي أرسلت" 4 موافقة لقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ} [الأحزاب: 45] 5. ولهذا منع جمع من العلماء نقل حديث الرسول -صلى الله عليه وسلم- بالمعنى، ومن أجازه اشترط أن

_ 1 مجموع الفتاوى "16/ 423". 2 رواه مسلم "1218" من حديث جابر بن عبد الله -رضي الله عنه. 3 قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ} [المائدة: 6] . 4 عن البراء بن عازب أن النبي -صلى الله عليه وسلم: علمه ما يقول إذا أوى إلى فراشه، فكان مما علمه أن يقول: "اللهم آمنت بكتابك الذي أنزلت، ونبيك الذي أرسلت"، قال البراء: فرددتها على النبي -صلى الله عليه وسلم- فلما بلغت: اللهم آمنت بكتابك الذي أنزلت، قلت: ورسولك، قال: "لا، ونبيك الذي أرسلت". رواه البخاري "247، 6311"، ومسلم "2710". 5 بدائع الفوائد لابن القيم "4/ 912-913".

يكون الناقل عالمًا بما يحيل المعنى من اللفظ، مدركًا لأساليب العرب حتى يستبين الفروق، وأما شأن العقيدة خاصة فهو أعظم وأخطر؛ لذا كان هدي أهل السنة والسلف مراعاة الألفاظ ومعانيها معًا. قال شيخ الإسلام -رحمه الله: "إن السلف كانوا يراعون لفظ القرآن والحديث فيما يثبتونه، وينفونه في الله وصفاته وأفعاله، فلا يأتون بلفظ محدث مبتدع في النفي والإثبات؛ بل كل معنى صحيح، فإنه داخل فيما أخبر به الرسول"1. وقال -رحمه الله: "والتعبير عن حقائق الإيمان بعبارات القرآن أولى من التعبير عنها بغيرها، فإن ألفاظ القرآن يجب الإيمان بها، وهي تنزيل من حكيم حميد، والأمة متفقة عليها، ويجب الإقرار بمضمونها قبل أن تفهم، وفيها من الحكم والمعاني ما لا تنقضي عجائبه. والألفاظ المحدثة فيها إجمال واشتباه ونزاع، ثم قد يجعل اللفظ حجة بمجرده، وليس هو قول الرسول الصادق المصدوق وقد يضطرب في معناه، وهذا أمر يعرفه من جربه من كلام الناس، فالاعتصام بحبل الله يكون بالاعتصام بالقرآن والإسلام، كما قال تعالى: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا} [آل عمران: 103] ، ومتى ذكرت ألفاظ القرآن والحديث وبين معناه بيانًا شافيًا، فإنها تنتظم جميع ما يقوله الناس من المعاني الصحيحة، وفيها زيادات عظيمة لا توجد في كلام الناس، وهي محفوظة مما دخل في كلام الناس من الباطل كما قال: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [الحجر: 9] ، وقال تعالى: {وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ، لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ} [فصلت: 41-42] ، وقال تعالى: {كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آَيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ} [هود: 1] ، وقال: {تِلْكَ آَيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ} [يونس: 1] ، وفيه من دلائل الربوبية

_ 1 مجموع الفتاوى "5/ 432".

والنبوة، والمعاد ما لا يوجد في كلام أحد من العباد، ففيه أصول الدين المفيدة لليقين، وهي أصول دين الله ورسوله لا أصول دين محدث ورأي مبتدع"1. والألفاظ التي لم ترد في الكتاب والسنة، إما أن تكون اصطلاحًا متعينة للدلالة على الحق ولا تستعمل في غير هذا، فليزم استعمالها فيما اصطلح عليه من المعاني الصحيحة، وهكذا الأمر فيما استعمله السلف الصالح من الألفاظ الشرعية. وإما ألا تتعين للدلالة على الحق، بل تكون مجملة تحتمل حقًا وباطلًا، فإذا عرف مراد صاحبها، وكان موافقًا للمعنى الصحيح، قبل منه المعنى، ومنع من التكلم باللفظ المجمل، وع ل م الألفاظ الشرعية في ذلك. قال شيخ الإسلام -رحمه الله: "وما تنازع فيه المتأخرون نفيًا وإثباتًا، فليس على أحد؛ بل ولا له أن يوافق أحدًا على إثبات لفظ أو نفيه حتى يعرف مراده، فإن أراد به حقًا قبل، وإن أراد به باطلًا رد، وإن اشتمل كلامه على حق وباطل لم يقبل مطلقًا، ولم يرد جميع معناه؛ بل يوقف اللفظ ويفسر المعنى، كما تنازع الناس في الجهة والتحيز، وغير ذلك"2. وقال -رحمه الله- في موضع آخر: "وأما الألفاظ التي ليست في الكتاب والسنة ولا اتفق السلف على نفيها أو إثباتها، فهذه ليس على أحد أن يوافق من نفاها أو أثبتها حتى يستفسر عن مراده، فإن أراد بها معنى يوافق خبر الرسول أقر به، وإن أراد بها معنى يخالف خبر الرسول أنكره، ثم التعبير عن تلك المعاني إن كان في ألفاظه اشتباه، أو إجمال عبر بغيرها، أو بين مراده بها بحيث يحصل تعريف الحق بالوجه الشرع"3.

_ 1 النبوات لابن تيمية ص235، 236. 2 التدمرية لابن تيمية بتحقيق محمد السعوي ص65، 66. 3 مجموع الفتاوى: 12/ 114".

وقال ابن أبي العز رحمه الله: "والألفاظ التي ورد بها النص يعتصم بها في الإثبات والنفي، فثبت ما أثبته الله ورسوله من الألفاظ والمعاني، وننفي ما نفته نصوصهما من الألفاظ والمعاني، وأما الألفاظ التي لم يرد نفيها ولا إثباتها، فلا تطلق حتى ينظر في مقصود قائلها، فإن كان معنى صحيحًا قبل، لكن ينبغي التعبير عنه بألفاظ النصوص دون الألفاظ المجملة إلا عند الحاجة مع قرائن تبين المراد، والحاجة مثل أن يكون الخطاب مع من لا يتم المقصود معه إن لم يخاطب بها1 ونحو ذلك"2. وإنما توجه القول بمنع استعمال هذه الألفاظ المحتملة سدًا لباب التلبيس الذي قد يدخل منه أهل البدع على عامة الناس، فيروجوا بضاعتهم الفاسدة. قال الإمام أحمد -رحمه الله- في مقدمة كتاب في الرد على الجهمية: "يتكلمون بالمتشابه من الكلام، ويخدعون جهال الناس بما يشبهون عليهم، فنعوذ بالله من الفتن"3. قال شيخ الإسلام -رحمه الله- معلقًا على كلام الإمام أحمد: "والمقصود هنا قوله: يتكلمون بالمتشابه من الكلام، ويخدعون جهال الناس بما يشبهون عليهم. وهذا الكلام المتشابه الذي يخدعون به جهال الناس هو الذي يتضمن الألفاظ المتشابهة المجملة التي يعارضون بها نصوص الكتاب والسنة، وتلك الألفاظ تكون موجود مستعملة في الكتاب والسنة، وكلام الناس لكن بمعان أخر غير المعاني التي قصدوها هم بها، فيقصدون هم بها معان أخر، فيحصل الاشتباه والإجمال، كلفظ العقل والعاقل والمعقول، فإن لفظ العقل في لغة المسلمين إنما يدل على عرض إما مسمى مصدر عقل

_ 1 وذلك مثل مخاطبة أهل الكلام والفلسفة في أبواب البحث والمناظرة لإقامة الحجة عليهم بما التزموه من أصول. 2 شرح العقيدة الطحاوية لابن أبي العز "1/ 239". 3 الرد على الزنادقة والجهمية للإمام أحمد ص6.

يعقل عقلًا، وإما قوة يكون بها العقل وهي الغريزة، وهم يريدون بذلك جوهرًا مجردًا قائمًا بنفسه، وكذلك لفظ المادة والصورة، بل وكذلك لفظ الجوهر، والعرض، والجسم، والتحيز، والجهة، والتركيب، والجزء، والافتقار، والعلة، والمعلول، والعاشق، والعشق، والمعشوق، بل ولفظ الواحد في التوحيد، بل ولفظ الحدوث والقدم، بل ولفظ الواجب والممكن، بل ولفظ الوجود والموجود والذات، وغير ذلك من الألفاظ"1. وقال -رحمه الله: "هؤلاء عمدوا إلى ألفاظ مجملة مشتبهة تحتمل في لغات الأمم معاني متعددة، وصاروا يدخلون فيها من المعاني ما ليس هو المفهوم منه في لغات الأمم، ثم ركبوها وألفوها تأليفًا طويلًا بنوا بعضه على بعض، وعظموا قولهم وهولوه في نفوس من لم يفهمه، ولا ريب أن فيه دقة وغموضًا لما فيه من الألفاظ المشتركة والمعاني المشتبهة، فإذا دخل معهم الطالب وخاطبوه بما تنفر عنه فطرته فأخذ يعترض عليهم، قالوا له: أنت لا تفهم هذا، وهذا لا يصلح لك، فيبقى ما في النفوس من الأنفة والحمية يحملها على أن تسلم تلك الأمور قبل تحقيقها عنده، وعلى ترك الاعتراض عليها خشية أن ينسبوه إلى نقص العلم والعقل"2. وقال -رحمه الله: "فعامة ما يلبس به هؤلاء النفاة -أي نفاة الصفات- ألفاظ مجملة متشابهة، إذا فسرت معانيها وفصل بين ما هو حق منها، وبين ما هو باطل زالت الشبهة، وتبين أن الحق الذي لا محيد عنه هو قول أهل الإثبات للمعاني والصفات"3.

_ 1 درء تعارض العقل والنقل لابن تيمية "1/ 222". 2 المصدر السابق: "1/ 295". 3 المصدر السابق "4/ 227".

وكذا فإن منع استعمال هذه الألفاظ المحتملة قطع لما تقضي إليه من التنازع والاختلاف في الأمة. قال شيخ الإسلام -رحمه الله: "فإن كثيرًا من نزاع الناس سببه ألفاظ مجملة مبتدعة ومعان مشتبهة، حتى تجد الرجلين يتخاصمان ويتعاديان على إطلاق ألفاظ ونفيها، ولو سئل كل منهما عن معنى ما قاله لم يتصوره فضلًا عن أن يعرف دليله، ولو عرف دليله لم يلزم أن من خالفه يكون مخطئًا؛ بل يكون في قوله نوع من الصواب، وقد يكون هذا مصيبًا ممن وجه وهذا مصيبًا من وجه، وقد يكون الصواب في قول ثالث. وكثير من الكتب المصنفة في أصول علوم الدين وغيرها، تجد الرجل المصنف فيها في المسألة العظيمة كمسألة القرآن والرؤية، والصفات والمعاد وحدوث العالم وغير ذلك، يذكر أقوالًا متعددة، والقول الذي جاء به الرسول وكان عليه سلف الأمة ليس في تلك الكتب؛ بل ولا عرفه مصنفوها ولا شعروا به، وهذا من أسباب توكيد التفريق والاختلاف بين الأمة، وهو مما نهيت الأمة عنه كما في قوله تعالى: {وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ، يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ} [آل عمران: 105، 106] ، قال ابن عباس: "تبيض وجوه أهل السنة والجماعة، وتسود وجوه أهل البدعة والفرقة"1.

_ 1 مجموع الفتاوى "12/ 114، 115".

المبحث الثامن: الكف عما سكت عنه الله ورسوله وأمسك عنه السلف

المبحث الثامن: الكف عما سكت عنه الله ورسوله وأمسك عنه السلف كل مسألة من المسائل الشرعية -ولا سيما مسائل الاعتقاد- لا يحكم فيها، نفيًا أو إثباتًا إلا بدليل، فما ورد الدليل بإثباته أثبت، وما ورد بنفيه نفي، وما لم يرد بإثباته ولا بنفيه دليل توقفنا، ولم نحكم فيه بشيء؛ لا إثبات ولا نفيًا، ولا يعني هذا أن المسألة خلية عن الدليل، بل قد يكون عليها الدليل، لكن لا نعلمه، فالواجب التوقف: إما مطلقًا أو لحين وجدان الدليل. قال شيخ الإسلام -رحمه الله: "ما لم يرد به الخبر إن علم انتفاؤه نفيناه وإلا سكتنا عنه فلا نثبت إلا بعلم ولا نفي إلا بعلم.. فالأقسام ثلاثة: ما علم ثبوته أثبت، وما علم انتفاؤه نفي، وما لم يعلم نفيه ولا إثباته سكت عنه، هذا هو الواجب، والسكوت عن الشيء غير الجزم بنفيه أو ثبوته"1. وقد وردت كثير من نصوص الكتاب والسنة، وأقوال الصحابة والتابعين وأئمة السلف، وأهل السنة بالأمر بالكف عما لم يرد في الشرع، والسكوت عما سكت عنه الله ورسوله وأمسك عنه السلف، وترك الخوض فيما لا علم للإنسان به من دليل أو أثر. قال تعالى: {وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولا} [الإسراء: 36] قال قتادة: "لا تقل رأيت ولم تر، وسمعت ولم تسمع، وعلمت ولم تعلم، فإن الله سائلك عن ذلك كله"2.

_ 1 المصدر السابق "16/ 431، 432". 2 تفسير ابن كثير "5/ 27".

وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "ذروني ما تركتكم؛ فإنما هلك من كان قبلكم بكثرة سؤالهم، واختلافهم على أنبيائهم، فإذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم، وإذا نهيتكم عن شيء فدعوه" 1. وقال -صلى الله عليه وسلم: "إن الله -عز وجل- فرض فرائض فلا تضيعوها، وحرم حرمات فلا تنتهكوها، وحد حدودًا فلا تعتدوها، وسكت عن أشياء من غير نسيان، فلا تبحثوا عنها" 2. وقال ابن مسعود -رضي الله عنه: "من علم فليقل، ومن لم يعلم فليقل: الله أعلم، فإن من العلم أن يقول لما لا يعلم: لا أعلم؛ فإن الله قال لنبيه -صلى الله عليه وسلم: {قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ} [ص: 86] الحديث3. وترجم الإمام البخاري -رحمه الله في كتاب الاعتصام من "صحيحه": "باب: ما يكره من كثرة السؤال، ومن تكلف ما لا يعنيه، وقوله تعالى: {لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ} [المائدة: 101] "، و"باب: ما يذكر من ذم الرأي وتكلف القياس {وَلا تَقْفُ} لا تقل: {مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ} [الإسراء: 36] "4. وسأل رجل أبا حنيفة -رحمه الله: ما تقول فيما أحدثه الناس في الكلام في الأعراض والأجسام؟ فقال: "مقالات الفلاسفة، عليك بالأثر وطريق السلف، وإياك وكل محدثة فإنها بدعة"5.

_ 1 أخرجه البخاري "7288"، ومسلم "1337". 2 رواه الدارقطني في سننه "42"، والحاكم في المستدرك "7114"، والبيهقي في الكبرى "10/ 12"، وذكره ابن كثير في تفسير "1/ 278" وصححه. 3 رواه البخاري "4774"، ومسلم "2798". 4 صحيح البخاري "6/ 2658". 5 ذم الكلام للهروي "13/ 333".

وروى اللالكائي بسنده عن أبي إسحاق قال: سألت الأوزاعي، فقال: "اصبر نفسك على السنة، وقف حيث وقف القوم، وقل بما قالوا، وكف عما كفوا عنه، واسلك سبيل سلفك الصالح؛ فإنه يسعك ما وسعهم"1. وقال إبراهيم النخعي: "بلغني عنهم -يعني الصحابة- أنهم لم يجاوزوا بالوضوء ظفرا ما جاوزته به، وكفى على قوم وزرا أن تخالف أعمالهم أعمال أصحاب نبيهم صلى الله عليه وسلم"2. وقال الشعبي: "عليك بآثار من سلف، وإن رفضك الناس وإياك وآراء الرجال وإن زخرفوها لك بالقول". وقال أيضًا: "ما حدثوك به عن أصحاب محمد -صلى الله عليه وسلم- فخذه، وما حدثوك به عن رأيهم فانبذه في الحش"3. وقال ابن عبد الهادي -رحمه الله: "ولا يجوز إحداث تأويل في آية أو سنة، لم يكن على عهد السلف، ولا عرفوه ولا بينوه للأمة، فإن هذا يتضمن أنهم جهلوا الحق في هذا، وضلوا عنه، واهتدى إليه هذا المعترض المستأجر"4. وقال ابن رجب -رحمه الله: "فالعلم النافع من هذه العلوم كلها: ضبط نصوص الكتاب والسنة، وفهم معانيها، والتقيد في ذلك بالمأثور عن الصحابة والتابعين وتابعيهم في معاني القرآن والحديث، وفيما ورد عنهم من الكلام في مسائل الحلال والحرام، والزهد والرقائق، والمعارف، وغير ذلك، والاجتهاد على تمييز صحيحه من

_ 1 المصدر السابق "315". 2 إعلام الموقعين "4/ 151". 3 المصدر السابق "4/ 152". 4 الصارم المنكي، لابن عبد الهادي ص427.

سقيمه أولًا، ثم الاجتهاد على الوقوف على معانيه وتفهمه ثانيًا، وفي ذلك كفاية لمن عقل، وشغل لمن بالعلم النافع عني واشتغل"1.

_ 1 فضل علم السلف على الخلف، لابن رجب ص150.

الملاحق

الملاحق الملحق الأول: فهرس تفصيلي لمسائل العقيدة عند أهل السنة والجماعة منهج التقسيم والفهرسة: بعدما وقفنا فيما سبق على مفهوم أهل السنة والجماعة وأهم خصائصهم، وتناولنا بالدرس مبادئ عقيدتهم، وخصائصها، وضوابط الاستدلال عليها، فإنه يجدر أن نجمع المتناثر من موضوعات ومسائل الاعتقاد، فنؤلف بين أصولها وفروعها في نسق مترابط منسجم، وتقسيم متلاحم متزن، مرتبة على هيئة كتب، وأبواب، وفصول، ومباحث، ومطالب؛ لتكون تبصرة للمبتدي، وتذكرة للمنتهي. ولعل الله أن يقبض من أهم العلم والاتباع من ينظر في هذه الفهرسة، فيضبطها ثم ينسج عليها كتابات منهجية منضبطة لتمثل في النهاية موسوعة عقدية مباركة. ولقد كانت همة أكابر العلماء إلى العناية بالتأصيل والتفصيل مصروفة، ومن ذلك قول شيخ الإسلام في مجلس للتفقه: "أما بعد: فقد كنا في مجلس التفقه في الدين، والنظر في مدارك الأحكام الشرعية تصويرًا وتقريرًا، وتأصيلًا، وتفصيلًا، فوقع الكلام في ... فأقول: لا حول لا قوة إلا بالله، هذا مبني على أصل وفصلين ... "1. وقد أعدت هذه الفهرسة بالنظر في جمهرة من كتب أهل السنة، المتقدمة والمعاصرة، واشتملت هذه الفهرسة التفصيلية لموضوعات العقيدة على تمهيد وأربعة كتب على النحو التالي: - تمهيد: يشمل المبادئ والمقدمات. - الكتاب الأول: حقيقة الإيمان عند أهل السنة ومخالفيهم. - الكتاب الثاني: أركان الإيمان. - الكتاب الثالث: نواقض الإيمان. - الكتاب الرابع: متفرقات في باب الاعتقاد.

_ 1 مجموع الفتاوى "21/ 534".

المبادئ والمقدمات: تنظم فهرسة المبادئ والمقدمات في خمسة أبواب، كالتالي: الباب الأول: مبادئ علم التوحيد. الباب الثاني: قواعد وضوابط الاستدلال على مسائل الاعتقاد. الباب الثالث: موقف أهل السنة من المناهج المختلفة. الباب الرابع: قواعد في الرد على المخالفين ودحض شبهاتهم. الباب الخامس: نتائج الالتزام بمنهج أهل السنة في تقرير مسائل الاعتقاد. وفيما يلي تفصيل هذه الأبواب، وما يندرج تحتها من فصول ومباحث وقد حذفت المطالب في بعض المواطن طلبًا للاختصار.

الباب الأول: مبادئ علم التوحيد الفصل الأول: حد علم التوحيد. المبحث الأول: معنى التوحيد لغة. المبحث الثاني: معنى التوحيد اصطلاحًا. المبحث الثالث: حد علم التوحيد باعتباره اللقبي. الفصل الثاني: أسماء علم التوحيد: المبحث الأول: الفقه الأكبر. المبحث الثاني: الإيمان. المبحث الثالث: السنة. المبحث الرابع: الشريعة. المبحث الخامس: أصول الدين. المبحث السادس: العقيدة. الفصل الثالث: موضوع علم التوحيد: المبحث الأول: الربوبية والألوهية والأسماء والصفات. المبحث الثاني: الكتب والرسالات. المبحث الثالث: القضاء والقدر. المبحث الرابع: اليوم الآخر والسمعيات.

المبحث الخامس: التواقض والقوادح. الفصل الرابع: حكم علم الوحيد: المبحث الأول: فرض العين. المبحث الثاني: فرض الكفاية. الفصل الخامس: فضل علم التوحيد: المبحث الأول: فضله من جهة موضوعه. المبحث الثاني: فضله من جهة معلومه. المبحث الثالث: فضله من جهة الحاجة إليه في الدنيا والآخرة. الفصل السادس: استمداد علم التوحيد: المبحث الأول: القرآن الكريم. المبحث الثاني: السنة. المبحث الثالث: الإجماع. المبحث الرابع: العقل الصريح. المبحث الخامس: الفطرة السوية. الفصل السابع: نسبة علم التوحيد: الفصل الثامن: واضع علم التوحيد: المبحث الأول: طور الرواية قبل التدوين.

المبحث الثاني: طور التدوين والاستقرار. الفصل التاسع: غاية علم التوحيد وفائدته وثمرته: المبحث الأول: بالنسبة للمكلف. المبحث الثاني: بالنسبة للعلم نفسه، وعلوم الإسلام. الفصل العاشر: مسائل علم التوحيد. الباب الثاني: قواعد وضوابط الاستدلال على مسائل الاعتقاد الفصل الأول: الإيمان والتسليم والتعظيم لنصوص الوحيين. الفصل الثاني: جمع النصوص في الباب الواحد، وإعمالها بعد تصحيحها. الفصل الثالث: اشتمال الوحي على مسائل التوحيد بأدلتها. الفصل الرابع: حجية فهم الصحابة والسلف الصالح. الفصل الخامس: الإيمان بالنصوص على ظاهرها ورد التأويل. الفصل السادس: درء التعارض بين صحيح النقل وصريح العقل.

الباب الثالث: موقف أهل السنة من المناهج المخالفة الفصل الأول: موقف أهل السنة من التأويل الأشعري. الفصل الثاني: موقف أهل السنة من التفويض الماتريدي. الفصل الثالث: موقف أهل السنة من المنطق الأرسطي والفلسفة. الفصل الرابع: موقف أهل السنة من الإشراف والرؤى والكشف الصوفي. الفصل الخامس: موقف أهل السنة من المنهج العقلاني الاعتزالي. الباب الرابع: قواعد في الرد على المخالفين ودحض شبهاتهم الفصل الأول: إن كنت ناقلًا فالصحة، أو مدعيًا فالدليل. الفصل الثاني: موافقة النصوص لفظًا ومعنى أولى من موافقتها في المعنى دون اللفظ. الفصل الثالث: جمع أطراف الأدلة وإعمالها، ولا ينبغي بتر الدليل، والاستدلا بجزئه. الفصل الرابع: الحق يقبل من أي جهة جاء. الفصل الخامس: الحق لا يعرف بالرجال، ولكن اعرف الحق تعرف أهله. الفصل السادس: حكم كلام غير الشارع. الفصل السابع: السكوت عما سكت الله عنه ورسوله. الفصل الثامن: الامتناع عن مناظرة أهل السفسطة.

الفصل التاسع: الباطل لا يرد بالباطل بل بالحق. الفصل العاشر: عدم العلم بالدليل ليس علمًا بالعدم. الفصل الحادي عشر: الاستدلال بالدليل المتفق عليه على المسألة المتنازع فيها. الفصل الثاني عشر: الجمع بين المتماثلات والتفريق بين المختلفات. الفصل الثالث عشر: المعارضة الصحيحة هي التي يمكن طردها. الفصل الرابع عشر: مسوغات مخاطبة أهل الاصطلاح باصطلاح الخاص. الفصل الخامس عشر: التوقف عند الإيهام والاستفصال عند الإجمال. الفصل السادس عشر: طالب الحق يستفيد من رد أهل البدع بعضهم على بعض. الفصل السابع عشر: القطعية والظنية من الأمور النسبية الإضافية. الفصل الثامن عشر: الاصطلاحات الحادثة لا تغير من الحقائق شيئًا. الفصل التاسع عشر: الحيدة عن الجواب ضرب من الانقطاع. الفصل العشرون: في أحكام لازم المذهب. الباب الخامس: نتائج الالتزام بمنهج أهل السنة في تقرير مسائل الاعتقاد الفصل الأول: تحقيق كمال الدين، وتمام النعمة، وقيام الحجة. الفصل الثاني: التصديق بجميع نصوص الكتاب والسنة وتعظيمها. الفصل الثالث: تحقيق اتباع السلف، والانتساب الصحيح إليهم.

الفصل الرابع: ثبوت العصمة لنصوص الوحي والاستغناء بها، وصحة منهج أهل السنة والجماعة. الفصل الخامس: حصول النجاة المحضة في الدنيا والآخرة. الفصل السادس: تكثير الصواب وتقليل الخطأ. الفصل السابع: تحقيق كون طريقة السلف أسلم وأعلم وأحكم وأعقل. الفصل الثامن: اجتماع محاسن الفرق الأخرى لأهل السنة خالصة من كل كدر. الفصل التاسع: اليقين والثبات لأهل السنة، في مقابلة الاضطراب لأهل البدعة. الفصل العاشر: قيام المدنية وازدهار الحضارات وحصول التمكين والاستخلاف. الفصل الحادي عشر: توحيد الصفوف وجمع الكلمة.

الكتاب الأول: حقيقة الإيمان عند أهل السنة ومخالفيهم تنتظم فهرسة حقيقة الإيمان ومسائله في سبعة أبواب كالتالي: الباب الأول: حقيقة الإيمان وبيان الخلاف في مسماه. الباب الثاني: زيادة الإيمان ونقصانه. الباب الثالث: درجات الإيمان ومراتبه. الباب الرابع: نفي الإيمان وأثر المعصية فيه. الباب الخامس: العلاقة بين الإيمان والإسلام. الباب السادس: الاستثناء في الإيمان. الباب السابع: مسائل متفرقة. وفيما يلي هذه الأبواب، وما يندرج تحتها من فصول ومباحث ومطالب:

الباب الأول: حقيقة الإيمان وبيان الخلاف في مسماه الفصل الأول: تعريف الإيمان لغة: المبحث الأول: الأصل اللغوي للإيمان في لغة العرب. المبحث الثاني: بطلان دعوى الإجماع أن الإيمان لغة هو التصديق. الفصل الثاني: حقيقة الإيمان الشرعية عند أهل السنة: المبحث الأول: تعريف الإيمان عند السلف وأهل السنة: المطلب الأول: أصل النزاع في تعريف الإيمان. المطلب الثاني: المأثور عن السلف وأئمة السنة في تعريف الإيمان. المطلب الثالث: اختلاف ظاهر ألفاظ بعض أئمة السلف في تعريف الإيمان. المطلب الرابع: معنى قول السلف: الإيمان قول وعمل. المطلب الخامس: معنى الإقرار والتصديق في كلام السلف. المطلب السادس: الإيمان حقيقة مركبة. المبحث الثاني: حقيقة الإيمان وارتباط العمل به: المطلب الأول: ارتباط الظاهر بالباطن: - ظهور آثار معرفة القلب وإرادته على البدن. - الإيمان التام يستلزم العمل الظاهر بحسبه. المطلب الثاني: عناصر الإيمان: العنصر الأول: اعتقاد القلب وقسماه:

أولًا: قول القلب. - معناه: التصديق والعلم والمعرفة. - الأدلة عليه. ثانيًا: عمل القلب. - معناه: الحب والخضوع والانقياد والتسليم. - الأدلة عليه. - نماذج من أعمال القلوب. العنصر الثاني: قول اللسان: - علاقة قول اللسان بقول القلب وعمله. - معنى الشهادتين. - الأدلة عليه. - حكم من لم يقر بالشهادتين مع القدرة. العنصر الثالث: عمل الجوارح: - العلاقة بين إيمان القلب وإيمان الجوارح. - أثر عمل الجوارح في أعمال القلوب. - الأدلة على دخول أعمال الجوارح في الإيمان عند الإطلاق. - بيان أعمال الجوارح الواجبة. - حكم ترك العمل مطلقًا. الفصل الثالث: أقوال الفرقة المخالفة في تعريف الإيمان، والرد عليها:

المبحث الأول: المرجئة: المطلب الأول: نشأة الإرجاء وأصل الشبهة: - متى حدث الإرجاء في الإسلام "المرجئة الأولى". - أصل قول المرجئة ومنشأ غلطهم. - الحجج الشرعية التي بسببها اشتبه الأمر عليهم. - طريقتهم المبتدعة في بيان معاني الألفاظ الشرعية بناء على مقدمات لغوية وعقلية. المطلب الثاني: أصناف المرجئة في تعريف الإيمان: أولًا: القائلون بأن الإيمان مجرد ما في القلب. - مجرد المعرفة: قول الجهمية والصالحية. - التصديق: قول الماتريدية والأشاعرة. - الاختلاف في مذهب الأشاعرة حول حد التصديق اللغوي. - الفرق بين المعرفة والتصديق. - دخول أعمال القلوب في مسمى الإيمان عند أكثر فرق المرجئة. ثانيًا: القائلون بأنه مجرد الإقرار باللسان. - قول الكرامية. ثالثًا: القائلون بأنه تصديق القلب وإقرار اللسان. مرجئة الفقهاء: - أول من تكلم بالإرجاء من الفقهاء، ونكير أئمة السنة عليهم. - الصلة بين الإيمان والعمل عندهم.

- حقيقة الخلاف بين أبي حنيفة والجمهور. المطلب الثالث: اللوازم التي تلزم المرجئة بناء على مذهبهم. المطلب الرابع: أدلة المرجئة في تعريف الإيمان: - المعنى اللغوي للإيمان هو التصديق. - أن اسم الإيمان يتناول الأعمال مجازًا. - الإيمان معنى واحد لا يتجزأ ولا يتبعض. - عطف العمل على الإيمان يقتضي المغايرة بينهما. المطلب الخامس: إنكار السلف عليهم، والرد على شبهاتهم: - الكلام عن الحقيقة والمجاز. - مناقشة دعوى الترادف بين الإيمان والتصديق. - حقيقة الإيمان المركبة، وكونه يتبعض، والأدلة على ذلك. - مراتب المغايرة بين المعطوف والمعطوف عليه. - الإيمان الظاهر مرتبط بأحكام الدنيا، والباطن مرتبط بأحكام الآخرة. المبحث الثاني: الوعيدية "المعتزلة والخوراج": المطلب الأول: أصل نزاع الخوارج والمعتزلة. - جعل الإيمان معنى واحدًا لا يتجزأ ولا يتبعض. - اتفاق المرجئة والوعيدية على هذا الأصل الفاسد. المطلب الثاني: تعريف الإيمان عندهم: - إدخال الطاعات كلها في الإيمان. - الأعمال عندهم شرط صحة للإيمان.

المطلب الثالث: شبهات الوعيدية ورد أهل السنة عليهم. - الذنوب لا تجامع الإيمان أبدًا؛ بل تنافيه وتفسده. - متى بطل بعض الإيمان بطل كله كسائر المركبات. - قول الخوارج: العاصي يكون كافرًا؛ لأنه ليس إلا مؤمن وكافر. - قول المعتزلة: العاصي في منزلة بين المنزلتين. الباب الثاني: زيادة الإيمان ونقصانه الفصل الأول: أدلة أهل السنة والجماعة على تفاضل الإيمان زيادة ونقصانًا. المبحث الأول: الأدلة من القرآن الكريم. المبحث الثاني: الأدلة من السنة المطهرة. المبحث الثالث: أقوال الأئمة والسلف. الفصل الثاني: أوجه زيادة الإيمان ونقصانه: المبحث الأول: تفاوت الإيمان المأمور به الناس من حيث الوجوب إجمالًا وتفصيلًا. المبحث الثاني: تفاوت ما وقع من الناس تجاه الإيمان المأمور به إجمالًا وتفصيلًا. المبحث الثالث: تفاوتم نفس العلم والتصديق القلبي. المبحث الرابع: تفاوت التصديق المستلزم لعمل القلب. المبحث الخامس: تفاوت أعمال القلوب. المبحث السادس: تفاوت الأعمال الظاهرة. المبحث السابع: تفاوت كل هذه الأمور من جهة الأسباب المقتضية لها.

المبحث الثامن: تفاوت كل هذه الأمور من جهة ثباتها والدوام عليها. الفصل الثالث: خصال الإيمان وشعبه. الفصل الرابع: الفرق المخالفة القائلة بثبات الإيمان وعدم تفاضله. المبحث الأول: أصل كلام المخالفين. المبحث الثاني: الفرق المخالفة. المطلب الأول: قول الأشاعرة والمرجئة. المطلب الثاني: قول المعتزلة والخوارج. المبحث الثالث: رد أهل السنة والجماع عليهم. الباب الثالث: درجات الإيمان ومراتبه الفصل الأول: مطلق الإيمان "أو" الإيمان المجمل: المبحث الأول: تعريفه. المبحث الثاني: منزلته وأهميته. المبحث الثالث: أركانه. الركن الأول: التصديق بخبر الرسول جملة وعلى الغيب. الركن الثاني: الانقياد لأمر الرسول جملة وعلى الغيب. المبحث الرابع: آثار تحققه في الدنيا والآخرة. الفصل الثاني: الإيمان المطلق "أو" الإيمان المفصل "الواجب":

المبحث الأول: تعريفه. المبحث الثاني: حقيقته، وفضيلته. المطلب الأول: فعل الواجبات. المطلب الثاني: ترك المحرمات. المبحث الثالث: آثار تحققه في الدنيا والآخرة. المبحث الرابع: جواز نفيه مع بقاء أصل الإيمان. الفصل الثالث: الإيمان الكامل: المبحث الأول: تعريفه: المبحث الثاني: حقيقته، وفضيلته. المطلب الأول: فعل المستحبات بعد الواجبات. المطلب الثاني: ترك الشبهات والمكروهات بعد المحرمات. المبحث الثالث: آثار تحققه في الدنيا والآخرة. المبحث الرابع: جواز نفيه مع بقاء الإيمان المطلب. الباب الرابع: نفي الإيمان وأثر المعصية فيه الفصل الأول: حالات نفي المطلق مع إثبات أصل الإيمان "الإسلام": المبحث الأول: فاسق أهل القبلة "الفاسق الملي". المطلب الأول: الخلاف في الفاسق الملي أول خلاف ظهر في مسائل أصول الدين.

المطلب الثاني: الفاسق الملي لا يستحق اسم الإيمان المطلق، وإنما اسم مطلق الإيمان. المطلب الثالث: أدلة أهل السنة على نفي الإيمان المطلق عن الفاسق. المبحث الثاني: قواعد في نفي الإيمان: المطلب الأول: نفي الإيمان إنما يحصل نتيجة لترك بعض الواجبات، أو فعل بعض المحرمات. المطلب الثاني: نفي الإيمان عن أصحاب الكبائر إنما هو في خطاب الوعيد والذم، لا في خطاب الأمر والنهي، ولا في أحكام الدنيا. المبحث الثالث: أقسام المعاصي المطلب الأول: الصغائر - تعريفها. - جزاء مقترفها، وما يكفرها. - حكم الإصرار على الصغائر. المطلب الثاني: الكبائر: - تعريفها، الفرق بينها وبين الصغائر. المطلب الثالث: حكم أهل الكبائر "الفاسق الملي": أولًا: عند أهل السنة: - لا يكفر المؤمن بفعل الكبائر إلا إذا استحلها. - أصحاب الكبائر لا يخلدون في النار، وهم تحت المشيئة.

- أهل الكبائر يستحقون الشفاعة. - أسباب تخلف الوعيد، وتكفير السيئات. ثانيًا: عند الفرق المخالفة: - الوعيدية من الخوراج والمعتزلة، والرد عليهم. - المرجئة والرد عليهم. الفصل الثاني: حال من يجتمع فيه أصل الإيمان وشعب كفر، أو أصل الإيمان وشعب نفاق: المبحث الأول: الأدلة على اجتماع كفر وإيمان في قلب العبد. المبحث الثاني: لا يجتمع في قلب العبد أصل الإيمان وأصل الكفر، وإنما أصل أحدهما وشعب من الآخر. المبحث الثالث: حكم من يجتمع فيه إيمان وكفر. المبحث الرابع: إنكار الطوائف المخالفة لاجتماع إيمان وكفر في قلب العبد. الباب الخامس: العلاقة بين الإيمان والإسلام الفصل الأول: أصل الإيمان والإسلام في لغة العرب وفي الاصطلاح الشرعي: المبحث الأول: الإيمان أصله من باب العلم والتصديق. المبحث الثاني: الإسلام أصله من باب العمل والانقياد. الفصل الثاني: النزاع والاشتباه في مسمى الإيمان والإسلام:

المبحث الأول: أول نزاع في حقيقة الإيمان والإسلام. المبحث الثاني: سبب الاشتباه في مسمى الإيمان والإسلام. المبحث الثالث: أقوال أهل السنة وأدلتهم في التفريق بين الإيمان والإسلام. المبحث الرابع: أقوال المخالفين لأهل السنة والرد عليهم. الفصل الثالث: قواعد عامة في الأسماء: المبحث الأول: الأسماء يتنوع مسماها وتختلف دلالتها بالإطلاق، والتقييد والاقتران والتجريد. المبحث الثاني: العطف يقتضي المغايرة على مراتب بين المعطوف والمعطوف عليه. الفصل الرابع: حالات ورود لفظ الإيمان والإسلام في كلام الله ورسوله: المبحث الأول: إطلاق لفظ الإيمان يدخل فيه الإسلام والعمل. المبحث الثاني: عند اقتران لفظ الإيمان بغيره: المطلب الأول: اقتران الإيمان بالعمل الصالح. المطلب الثاني: دلالة اقتران الإيمان بالإسلام، ودلالة افتراقهما. المبحث الثالث: إطلاق لفظ الإسلام: المطلب الأول: أركان الإسلام. المطلب الثاني: حكمة بناء الإسلام على المباني الخمس. الفصل الخامس: مراتب الدين الثلاثة: المبحث الأول: الإسلام والإيمان والإحسان. المبحث الثاني: المقصود من كل مرتبة، وفضل أهلها.

المبحث الثالث: ما بينها من علاقة عموم وخصوص: المطلب الأول: من جهة أهلها. المطلب الثاني: من جهة ذاتها. الباب السادس: الاستثناء في الإيمان الفصل الأول: المقصود من الاستثناء في الإيمان. الفصل الثاني: الأقوال في هذه المسألة: المبحث الأول: الموجبون للاستثناء: مأخذ الفرق التي توجبه: المطلب الأول: باعتبار الموافاة. المطلب الثاني: امتناع فعل كل المأمورات وترك كل المنهيات. المبحث الثاني: المحرمون للاستثناء: مأخذ الفرق التي تحرمه: - قولهم: الاستناء يقتضي الشك في الإيمان. المبحث الثالث: المفصلون: المطلب الأول: كراهة السلف لهذه المسألة. المطلب الثاني: اعتبارات جواز الاستثناء: - الخوف من عدم القيام بواجبات الإيمان كلها.

- عدم العلم بالعاقبة. - تعليق الأمور كلها -حتى المتيقن منها- بمشيئة الله تعالى. المطلب الثالث: اعتبار ترك الاستثناء: - إذا عني أصل الإيمان. الفصل الثالث: الاستثناء عند السلف في الإيمان دون الإسلام. الفصل الرابع: حكم الاستثناء في الإسلام. الفصل الخامس: حكم الاستثناء في الكفر. الباب السابع: مسائل متفرقة الفصل الأول: هل الإيمان مخلوق؟ الفصل الثاني: حكم إيمان المقلدين. الفصل الثالث: حكم إيمان الأطفال. الفصل الرابع: مصير من مات من أطفال المؤمنين والمشركين. الفصل الخامس: من يقطع بإيمانه من أهل الإيمان. الفصل السادس: حكم الشهادة لمعين بالجنة أو النار. الفصل السابع: حكم أهل الفترة.

الكتاب الثاني: أركان الإيمان تنتظم فهرسة أركان الإيمان، ومسائله في ستة أبواب كالتالي: تمهيد. الباب الأول: الإيمان بالله وتوحيده. الباب الثاني: الإيمان بالملائكة. الباب الثالث: الإيمان بكتب الله المنزلة. الباب الرابع: الإيمان بالرسل. الباب الخامس: الإيمان باليوم الآخر. الباب السادس: الإيمان بالقضاء والقدر. وفيما يلي تفصيل هذه الأبواب، وما يندرج تحتها من فصول، ومباحث ومطالب:

تمهيد: الفصل الأول: المراد بأركان الإيمان. الفصل الثاني: أهمية هذه الأركان، وبيان أن عليها مدار الدين. الفصل الثالث: أدلة الكتاب والسنة على أركان الإيمان. الفصل الرابع: للإيمان شعب أعم وأكثر من الأركان. الفصل الخامس: اتفاق المسلمين على وجوب الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، واختلافهم في القضاء والقدر. الباب الأول: الإيمان بالله وتوحيده الفصل الأول: وجود الله تعالى وأدلته: المبحث الأول: مدى صحة وصف الله تعالى بالموجود. المطلب الأول: الوجود صفة من صفات الله تعالى. المطلب الثاني: وجود الله تعالى وجود ذاتي. المطلب الثالث: المسلك الصحيح في إثبات وجود الله تعالى. المبحث الثاني: أدلة وجود الله تعالى. المطلب الأول: دلالة الفطرة: - معناها ومبررات إيرادها ضمن الدلائل على وجود الله. - التنبيه على دلالة الفطرة في القرآن والسنة.

- حقيقة المعرفة الفطرية بالخالق. المطلب الثاني: دلالة الحس: - إجابة الداعين وغوث المكروبين. - تأييد الرسل بالمعجزات. المطلب الثالث: دلالة الآيات الكونية: - دليل الخلق والحدوث. - دليل الإلهام والهداية. - دليل التقدير. - دليل التسوية. المطلب الرابع: دلالة إجماع الأمم. المطلب الخامس: دلالة العقل: - العدم لا يخلق شيئًا. - الفعل مرآة لقدرة فاعله وبعض صفاته. - فاقد الشيء لا يعطيه. المبحث الثالث: طرق الهداية وبيان بأي شيء يعرف العبد ربه: المطلب الأول: الطريقة العقلية "الكلامية": - قانون العلة وبيانه. - قانون الوجوب وبيانه. - قانون الحدوث وبيانه.

- قانون النظام وبيانه. - قانون العناية وبيانه. المطلب الثاني: الطريقة الشرعية "العقلية النقلية": - جمعها بين الهدايتين العقلية والنقلية. - دعوة القرآن للنظر النافع بهدف صلاح القوة النظرية والإرادية. - تقرير الحجة في القرآن ببعث الرسل، وذكر هدي الخلق بالرسالة. - معرفة الله هي أول الواجبات؛ لكونها وسيلة إلى عبادة الله وحده لا شريك له. - مراتب المؤمنين في معرفة الله. - درجة الرسل والأنبياء في باب معرفة الله. المبحث الرابع: نقد منهج المتكلمين في إثبات الربوبية: المطلب الأول: المتكلمون يعتنون بتقرير الربوبية، ويسكتون عن الألوهية. المطلب الثاني: أول واجب عند المتكلمين هو الشك أو النظر أو القصد إليه. المطلب الثالث: إقامتهم المقاييس والأدلة على توحيد الربوبية مع أنه لم ينازع في أصله أحد. المطلب الرابع: مدار طريقة النظر والقياس على مقدمة تناول الباري -سبحانه وتعالى- وغيره.

الفصل الثاني: توحيد الاعتقاد "أو" توحيد المعرفة والإثبات "أو" التوحيد القولي "أو" التوحيد العلمي: تمهيد: مشروعية تقسيم التوحيد. القسم الأول: توحيد الربوبية. المبحث الأول: التحقيق اللغوي لمصطلح الرب: المطلب الأول: التربية والتنشئة والإنماء. المطلب الثاني: الجمع والحشر والتهيئة. المطلب الثالث: التعهد والاستصلاح والرعاية والكفالة. المطلب الرابع: العلاء والسيادة والرئاسة، وتنفيذ الأمر والتصرف. المطلب الخامس: الملك. المبحث الثاني: توحيد الربوبية: المطلب الأول: معنى توحيد الربوبية. المطلب الثاني: توحيد الربوبية يستلزم توحيد الألوهية ولا يقبل إلا به. المطلب الثالث: دلالة توحيد الربوبية على توحيد العبادة. المطلب الرابع: الأدلة على توحيد الربوبية: - دليل التمانع بين الظن واليقين. - دلالة القرآن العقلية على توحيد الربوبية. المبحث الثالث: منهج القرآن في إثبات ربوبية الله تعالى ووحدانيته.

مفهوم كلمة "الرب" في الكتاب والسنة. المبحث الرابع: الإقرار بالربوبية: المطلب الأول: فطرية الإقرار بالربوبية. المطلب الثاني: عدم كفاية الإقرار بالربوبية للبراءة من الشرك. المطلب الثالث: الفرق بين مجرد الإقرار بالربوبية وبين توحيد الربوبية. المطلب الرابع: إقرار المشركين بالربوبية رغم عبادتهم غير الله تعالى. المبحث الخامس: الشرك في الربوبية: المطلب الأول: الانحراف في تصور الربوبية. المطلب الثاني: وقوع الشرك في بعض الربوبية. المطلب الثالث: الشرك في الربوبية ينقض التوحيد. المطلب الرابع: مظاهر الشرك في الربوبية. المطلب الخامس: شبهات الملاحدة واللادينيين وردها: - بطلان القول بالصدفة. - بطلان القول بخالقية الطبيعة. - لم يكفر الملاحدة بالله تعالى إلا فرارًا من الطاعة والالتزام. القسم الثاني: توحيد الأسماء والصفات: المبحث الأول: عقيدة أهل السنة في أسماء الله وصفاته إجمالًا. المبحث الثاني: منزلة العلم بأسماء الله وصفاته من الدين. المطلب الأول: العلم بأسماء الله وصفاته هو الطريق إلى معرفة الله -عز وجل.

المطلب الثاني: تزكية النفوس وإقامتها على منهج الله. المطلب الثالث: العلم بأسماء الله وصفاته أشرف العلوم. المطلب الرابع: العلم بأسماء الله وصفاته أصل للعلم بكل ما سواه. المطلب الخامس: العلم بأسماء الله وصفاته من أسباب زيادة الإيمان. المطلب السادس: عظم ثواب من أحصى أسماء الله -عز وجل. المطلب السابع: تعظيم الله وتمجيده ودعاؤه بأسمائه وصفاته. المطلب الثامن: العلم بأسماء الله وصفاته دليل على كماله -عز وجل- في تشريعه للأحكام. المطلب التاسع: التعبد بمقتضى أسماء الله وصفاته سبب تزكية النفوس. المبحث الثالث: قواعد أحكام الأسماء والصفات: المطلب الأول: وجوب الإيمان والتسليم بما جاء في الكتاب والسنة في باب الأسماء والصفات: المطلب الثاني: موقف العقل من الأسماء والصفات: - العقل يدرك ما يجب لله سبحانه، وما يمتنع على سبيل الإجمال. - حدود دور العقل ووظيفته. - موافقة العقل لما جاء به الوحي. المطلب الثالث: حكم الوصف والتسمية والخبر. - حكم اشتقاق المصدر والفعل، والإخبار بهما عن الله. - بيان عدم التلازم بين الإخبار بالفعل مقيدًا والتسمية به.

- بيان ما يوصف به الله تعالى من فعل لا يشتق منه اسم. المطلب الرابع: حكم الألفاظ المجملة نفيًا وإثباتًا. المطلب الخامس: أحكام التسلسل نفيًا وإثباتًا. المبحث الرابع: قواعد دلالات الأسماء والصفات ومعانيها: المطلب الأول: معنى الاسم والصفة والفرق بينهما. المطلب الثاني: اشتقاق أسماء الله وصفاته، ودلالتها على الوصفية. المطلب الثالث: التفاضل بين الأسماء والصفات. المطلب الرابع: اقتضاء الصفات والأسماء لآثارها. المطلب الخامس: اعتبارات إطلاق الأسماء. - امتناع إطلاق الأسماء على الله مع عدم ثبوت الصفة منها. - بيان أسمائه تعالى المضافة التي لا تطلق بغير إضافة. المطلب السادس: أنواع المضاف إلى الله. - الأول: إضافة الصفة إلى الموصوف. - الثاني: إضافة المخلوقات. - الثالث: ما فيه معنى الصفة والفعل "الصفات الفعلية". المطلب السابع: اتصافه تعالى بالأفعال في الأزل: - بيان أن الله تعالى لم يزل متصفًا بصفات الكمال: صفات الذات والفعل. - أولية الأسماء والصفات وحدوث متعلقاتها.

- بقاء الله تعالى وبقاء صفاته. المبحث الخامس: قواعد الاستدلال في باب الأسماء والصفات: المطلب الأول: حكم استعمال الأقيسة في حق الرب -سبحانه وتعالى. المطلب الثاني: بيان التشبيه وأحكامه. المطلب الثالث: المحكم والمتشابه في باب الأسماء والصفات. المطلب الرابع: التأويل وأحكامه. المطلب الخامس: حكم تعميم دلالة النص على الاسم والصفة والذات. المطلب السادس: حكم الاستدلال بالتشبيه نفيًا وإثباتًا. المطلب السابع: حكم الاستدلال بالتجسيم نفيًا وإثباتًا. المبحث السادس: قواعد في أسماء الله تعالى: المطلب الأول: معنى الاسم وحقيقته. المطلب الثاني: بيان الأدلة على أسماء الله تعالى. المطلب الثالث: بيان مأخذ أسماء الله -عز وجل. المطلب الرابع: أسماء الله تعالى توقيفية. المطلب الخامس: عدد أسماء الله تعالى في الشرع وإحصائها. - تفسير الخبر الوارد في عدد أسمائه. - أسماء الله تعالى غير محصورة بعدد معين. المطلب السادس: أسماء الله تعالى كلها حسنى. - باعتبار كل اسم على انفراده.

- باعتبار جمعه إلى غيره. المطلب السابع: بيان أقسام أسمائه: - أقسام أسمائه تعالى من طريق المعنى: - ما دل من أسماء الله تعالى على صفاته الأزلية. - ما دل من أسمائه تعالى على أفعاله. - أقسام أسماء الله تعالى باعتبار دلالاتها: - الدلالة العامة والخاصة الحسنى. - اختصاص أسماء الله بالدلالة على العلمية والوصفية بلا تنافي. - أسماء الله تعالى أعلام باعتبار دلالتها على الذات، وأوصاف باعتبار دلالتها على المعاني. - أسماء الله إن دلت على وصف غير متعد تضمنت الاسم والصفة والحكم، وإن دلت على وصف غير متعد تضمنت الاسم والصفة. - دلالة الأسماء على الذات والصفات تكون بالمطابقة والتضمن والالتزام. المبحث السابع: قواعد في صفات الله تعالى: المطلب الأول: صفات الله تعالى من الأمور الغيبية. المطلب الثاني: لا نصف الله تعالى بما لم يصف به نفسه. المطلب الثالث: اعتبارات إطلاق الصفات:

- كل ما وصف الله به نفسه كمال مطلق لا يرد عليه النقص بحال. - الدليل على كمال صفات الله من السمع والعقل والفطرة. - إذا كانت الصفة نقصًا لا كمال فيها فهي ممتنعة في حق الله -سبحانه وتعالى. - حكم إطلاق ما ينقسم معناه من الصفات على الله. المطلب الرابع: باب الصفات أوسع من باب الأسماء ووجه ذلك. المطلب الخامس: لا يصح اشتقاق أسماء من الأوصاف. المطلب السادس: القول في بعض الصفات كالقول في بعض. المطلب السابع: القول في الصفات كالقول في الذات. المبحث الثامن: أنواع الصفات: المطلب الأول: الصفات الثبوتية. - وهي صفات مدح وكمال. - إخبار الله تعالى بها عن نفسه أكثر من الصفات السلبية. - الغالب في الصفات الثبوتية التفصيل لإظهار كمال الموصوف. - تنقسم إلى قسمين: الصفات الذتية، وهي نوعان: - الصفات المعنوية. - الصفات الخبرية. الصفات الفعلية. المطلب الثاني: الصفات السلبية "المنفية".

- كيفية الإيمان بالصفات السلبية. - النفي ليس بكمال حتى يتضمن ما يدل على الكمال. - الغالب في الصفات المنفية الإجمال؛ لأنه أكمل في التنزيه. المبحث التاسع: قواعد في أدلة الأسماء والصفات: المطلب الأول: الجمع بين النفي والإثبات هو حقيقة التوحيد في باب الأسماء والصفات. المطلب الثاني: الاشتراك في الأسماء والصفات لا يستلزم تماثل المسميات والموصوفات. المطلب الثالث: الواجب في نصوص القرآن والسنة إجراؤها على ظاهرها. - ظواهر النصوص معلومة لنا باعتبار، ومجهولة لنا باعتبار. - ظاهر النص هو ما يتبادر إلى الذهب من المعاني. - يختلف الظاهر بحسب السياق، وما يضاف إليه من الكلام، وما يحيط به من القرائن. - انقسام الناس في اعتقاد ظاهر النصوص إلى أربعة أقسام: القسم الأول: السلف. - اعتقدوا للظاهر المتبادر من النصوص معنى حقيقًّا يليق بالله تعالى، ولا يشبه المخلوقات. - إحكام السلف لأصول الدين لا سيما في باب الصفات. - اعتصام السلف والأئمة بالألفاظ الشرعية في هذا الباب.

- بطلان قول من زعم أن طريقة السلف أسلم، وطريقة الخلف أعلم وأحكم. القسم الثاني: المشبهة. - غلوا في الإثبات فجعلوا الظاهر من نصوص الصفات معنى باطلًا لا يليق بالله تعالى. القسم الثالث: المعطلة. - غلوا في التنزيه فجعلوا المعنى المتبادر من النصوص تشبيهًا، فأنكروا ما دلت عليه من المعاني. القسم الرابع: المفوضة. - يفوضون علم معاني الصفات. - التفويض من شر أقوال أهل البدع. - بطلان مذب المفوضة، وبراءة السلف من هذا المذهب. - تواتر النقل عن السلف إجمالًا وتفصيلًا بإثبات معاني نصوص الصفات، وتفويض علم الكيفية إلى الله تعالى. - ما أخبر الله به نفسه: - معلوم لنا من جهة المعنى. - مجهول لا من جهة الكيفية. المبحث العاشر: التأويل. المطلب الأول: التأويل في لغة العرب:

- معنى التأويل في المعاجم اللغوية المتقدمة والمتأخرة. - ظهور المعنى الاصطلاحي المتأخر للتأويل. المطلب الثاني: التأويل كما تحدث به القرآن: - استقراء معنى التأويل في كتاب الله. - معنى التأويل في القرآن يوافق ما عرف عند السلف. - معنى التأويل في القرآن خلاف المعنى المعروف في المعاجم المتأخرة. - الفرق بين الفسير والتأويل. المطلب الثالث: التأويل في اصطلاح المتأخرين: - معنى التأويل الاصطلاحي. - شيوع معنى التأويل الاصطلاحي بين الأصوليين والفقهاء والمتأخرين من المفسرين. المطلب الرابع: موقف السلف من قضية التأويل: - موقف السلف من المحكم والمتشابه. - أسباب اختلاف السلف في التفسير. - وجوه بطلان القول بالتأويل وأوجه فساده: تيسير القرآن للذكر ينافي حمله على التأويل المخالف لحقيقته وظاهره. التأويل يعود على المقصود من وضع اللغات بالإبطال. حمل الكلام على خلاف الظاهر ينافي قصد البيان والإرشاد والهدى. إلزام المؤولة بالمعنى الذي تأولوه نظير ما فروا منه.

جناية التأويل على العلوم قاطبة وعلى أديان الرسل. المؤولة لا يمكنهم إقامة الدليل السمعي على مبطل أبدًا. التأويل يتضمن التشبيه والتعطيل. قولهم: إن أخبار الرسول -صلى الله عليه وسلم- لا تفيد العلم، وغايتها أن تفيد الظن. قولهم: نصوص الوحي أدلة لفظية، وهي لا تفيد اليقين. قولهم: إذا تعارض العقل والنقل وجب تقديم العقل. المبحث الحادي عشر: الأقوال المبتدعة في باب الأسماء والصفات: المطلب الأول: التمثيل: - إثباتك صفات الله على نحو يماثل صفات المخلوقين. - الممثلة غلوا في جانب الإثبات، وقصروا في جانب النفي. - شبهة الممثلة في قياسهم الشاهد على الغائب. - الأدلة على انتفاء التمثيل في باب الصفات: الدليل الفطري. الدليل العقلي. الأدلة السمعية. المطلب الثاني: التعطيل: - تعريف التعطيل. - أنواع العطيل.

- بين أصل مقالة التعطيل. - سبب تسمية النفاة معطلة. - ما يلزم على قول النفاة من اللوازم الباطلة. - رجوع استدلال النافي للصفات على مذهبه بالبطلان. - من نفى الصفات فرارًا من التشبيه والتجسيم لزمه نظيره. - الحجج التي يلجأ إليها نفاة الصفات والرد عليها. - المعطلة أربعة طوائف: الطائفة الأولى: الأشاعرة ومن تبعهم. - الاسم والمسمى عند الأشاعرة: - الصفات السبع التي أثبتها الأشاعرة. طرق إثبات هذه الصفات. مثبتة الأحوال من الأشاعرة. - الصفات التي نفاها الأشاعرة أو أولوها. نفي الأشاعرة للصفات الاختيارية والخبرية. أدلتهم وحججهم العقلية. موقفهم من أدلة السمع المثبتة للصفات. - الحقيقة والمجاز والتأويل عند الأشاعرة. تعريف الحقيقة والمجاز. التقسيم إلى حقيقة ومجاز تقسيم محدث.

الصفات الإلهية بين الحقيقة والمجاز. - العلة والمعلول عند الأشاعرة. تعريف العلة عند الأشاعرة. التلازم بين العلة والمعلول عندهم تلازم عادي لا عقلي. الطائفة الثانية: المعتزلة ومن تبعهم. - بيان أن المعتزلة مشبهة في أفعال الله. - المعتزلة يقولون: إن أسماء الله مخلوقة. الطائفة الثالثة: غلاة الجهمية والقرامطة والباطنية ومن تبعهم. - الجهمية المعطلة يقولون بأنه ليس على العرش إله يعبد، ولا فوق السماء إله يصلى له ويسجد. - المعتزلة والجهمية يسمون أهل السنة مشبهة، وغلاتهم يسمون الرسل مشبهة أيضًا. - تصريح كبار السلف بتكفير الجهمية وردتهم. - الفرق بين الجهمية المتكلمة والجهمية المتفلسفة. الطائفة الرابعة: غلاة الغلاة من الفلاسفة والقرامطة والباطنية. - غلاة الغلاة لا يصفون الله بإثبات ولا بنفي. - تهافت حجج المتفلسفة والمتكلمين. - إنكار السلف الكلام في الجواهر والأعراض والأجسام. - أسباب انتقاد السلف لطريقة المتكلمين والمتفلسفين.

- أقوال العلماء في حكم علم الكلام وحكم الفلسفة. الفصل الثاني: توحيد العبادة "أو" توحيد الطلب والقصد "أو" التوحيد العملي "أو" توحيد الألوهية: المبحث الأول: التحقيق اللغوي لمصطلح "الإله". المطلب الأول: الإله بمعنى المألوه أي المعبود حبًا وتعظيمًا. المطلب الثاني: الرد على الأشاعرة في معنى الإله عندهم. المطلب الثالث: معنى الألوهية. المطلب الرابع: لفظ الجلالة "الله" مشتق من الألوهية. المطلب الخامس: بيان خواص اسم الله تعالى. المطلب السادس: الفرق بين الرب والإله في المعنى. - عند الإطلاق والتجريد قد يدل كل منهما على مدلول الآخر. - اسم الله أدلة على مقصود العبادة التي لها خلق الخلق. - اسم الرب أحق بحال الاستعانة والمسألة. - علم النفوس بحاجتها وفقرها إلى الرب أسبق من علمها بحاجتها إلى الإله المعبود. - إقرار الخلق بالله من جهة ربوبيته أسبق من إقرارهم به من جهة ألوهيته. - عبادة الله وحده هو المقصود المستلزم للإقرار بالربوبية.

المبحث الثاني: معنى توحيد الألوهية شرعًا: المطلب الأول: إخلاص الدين لله والبراءة من كل معبود سواه. - معاني لفظة الدين لغة وشرعًا. - الدين الحق هو طاعة الله تعالى وعبادته وحده لا شريك له. - الإسلام هو الدين الحق الذي لا يقبل الله دينًا سواه. - لفظة "الدين" و"الإسلام" تأتي على معنى عام وآخر خاص. - الأنبياء دينهم واحد وهو الإسلام وشرائعهم شتى. المطلب الثاني: إفراد الله تعالى بالعبادة وفق ما شرع على لسان نبيه -صلى الله عليه وسلم. - مادة العبادة غير مادة المعرفة. - قوام العبودية أصلان لا تصح العبادة إلا باجتماعهما: الأصل الأول: المحبة. الأصل الثاني: الذل والخضوع. - إطلاقات لفظة العبادة في الشرع: الأول: توحيد الله وهو عبادته وحده لا شريك له. الثاني: كل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأفعال الظاهرة والباطنة. الثالث: ما اصطلح عليه الفقهاء للتفرقة بينها وبين المعاملات. - شروط قبول العبادة من الموحد: الأول: الإخلاص. الثاني: المتابعة.

المطلب الثالث: توحيد العبادة هو تحقيق الشهادتين: أولًا: شهادة أن لا إله إلا الله: - مراتب الشهادة الأربعة: مرتبة العلم. مرتبة التكلم والخبر. مرتبة الإعلام والإخبار. مرتبة الأمر والإلزام. - معنى شهادة أن لا إله إلا الله. - معنى قوله تعالى: {فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الوُثْقَى} . الشق الأول: الكفر بالطاغوت. - تفسير العلماء لكلمة الطاغوت لغة وشرعًا. - حده الجامع وصوره. - صفة الكفر به. الشق الثاني: الإيمان بالله: - إثبات الربوبية والألوهية لله بإفراده وحده بالعبادة. ثانيًا: شهادة أن محمدًا رسول الله: تحقق الشهادة للنبي -صلى الله عليه وسلم- يستلزم أمرين:

الأول: تصديقه في كل ما أخبر به. الثاني: اتباعه فيما أمر به، واجتناب ما نهى عنه. المبحث الثالث: الأدلة على توحيد الألوهية: المطلب الأول: دلالة توحيد الاعتقاد على توحيد العبادة: - دلالة توحيد الربوبية على توحيد الألوهية. - دلالة توحيد الأسماء والصفات على توحيد العبادة. - تضمن توحيد الألوهية توحيد الربوبية والأسماء والصفات. المطلب الثاني: تجرد الشركاء عن صفات الربوبية": أولًا: لا يخلقون شيئًاك بل يخلقون. ثانيًا: ليس لهم نصيب من الملك. ثالثًا: ليس لهم شيء من التدبير. - عدم النفع والضر. - عدم الهداية للحق أو الاهتداء إليه. - عدم امتلاك الرزق. - عدم النصرة. المطلب الثالث: إبطال عبادة الشركاء بدلالة اتصافهم بالنقص. أولًا: عدم السمع والبصر. ثانيًا: عدم القدرة على الكلام.

ثالثًا: حاجتهم للطعام والشراب، وأنهم مخلوقات مفتقرة فانية. رابعًا: أفول آلهتهم واحتجابها. خامسًا: عجزها من الدفاع عن أنفسها والكيد بأعدائها. سادسًا: ورودها النار. المطلب الرابع: إبطال احتجاج المشركين بالشفاعة والزلفى. المبحث الرابع: بم يثبت عقد الإسلام: المطلب الأول: المقصود بالنطق بالشهادتين. المطلب الثاني: الانتفاع بالشهادتين في الدنيا. المطلب الثالث: الانتفاع بالشهادتين في الآخرة: - الأحاديث الواردة في فضل كلمة التوحيد نوعان: النوع الأول: ما فيه أن من أتى بالشهادتين دخل الجنة. النوع الثاني: ما فيه أن من أتى بالشهادتين يحرم على النار. - أقوال العلماء في المراد من هذه الأحاديث. المبحث الخامس: فضل توحيد الألوهية: المطلب الأول: من حيث مكانته في الدين: - هو أصل دين الإسلام؛ فسائر الأعمال لا تصح ولا تقبل إلا به. - هو دين الإسلام "على إطلاقه العام" الذي لا يقبل الله دينًا سواه. - هو حق الله على العباد. - هو الغاية التي من أجلها خلق الله الخلق.

المطلب الثاني: من حيث أهميته في الدعوة: - هو أول ما دعا إليه الأنبياء والرسل أقوامهم. - هو أول ما يخاطب به الناس من أمور الدين. - هو معقد النجاة في الدنيا بعصمة الدم والمال. - هو معقد النجاة في الآخرة بدخول الجنة والنجاة من النار. المبحث السادس: من مقتضيات ولوازم الشهادتين: المطلب الأول: توحيد القصد والتأله: معناه: التوجه إلى الله تعالى وحده بسائر أنواع العبادات القلبية والقولية العملية. أولًا: أمثلة العبادات القلبية: - التعظيم والإجلال. - التوكل. - المحبة. - الخوف والخشية. - الإخلاص. - التأله. - الإنابة. - الإخبات. - الحياء. - التقوى. - القبول. - الإذعان والخضوع. - الرضا. - الرجاء. - التفكر. ثانيًا: أمثلة العبادات القولية: - الدعاء. - تدريس العلم. - الشكر. - الحلف. - الذكر والاستغفار. - الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. - الاستغاثة. - الاستعاذة. - تلاوة القرآن.

ثالثًا: أمثلة العبادات العملية: - الصلاة. - الزكاة. - الصيام. - الطواف. - الذبح. - بر الوالدين. - الاعتكاف. - صلة الأرحام. - إغاثة الملهوف. المطلب الثاني: توحيد الطاعة والانقياد: - معناه: إفراد الله تعالى بالطاعة والانقياد بقبول أمره وشرعه، وتحكيمه دون غيره. - موقع الحكم بما أنزل الله، والتحاكم إليه من التوحيد. تفرد الله تعالى بالأمر والحكم قدرًا وشرعًا. حظر التحليل والتحريم على المخلوقين. - صيغ إيجاب الحكم بما أنزل الله في القرآن. الأمر الصريح. الصيغة الطلبية. الإخبار بأن الفعل مكتوب على المكلفين. الإخبار بأن الفعل من مقتضى الإيمان. الإخبار بأن ترك الفعل يناقض الإيمان، ويوقع في الكفر. الاستفهام التعجبي والإنكاري على ترك الفعل أو إتيان ضده. حمل الفعل المطلوب على المطلوب منه.

- خصائص الحكم بما أنزل الله: الربانية. الكمال والشمول. الوسطية. العصمة والثبات والبراءة من الهوى. العدالة والمساواة. - اتفاق الشريعة والعقيدة في الخصائص والصفات: وحدة المصدر. وحدة الخصائص. وحدة الأهداف والغايات. وحدة الأسس والمقومات. وحدة الجزاء في الدنيا والآخرة. - مقاصد الحكم في الإسلام: تحقيق العبودية والتوحيد. إقامة دين الله في الأرض. إصلاح الدنيا والآخرة. المطلب الثالث: الولاء والبراءة: - الولاء والبراء في اللغة والشرع.

- منزلة الموالاة والمعاداة في الشريعة الإسلامية. - الموالاة قسمان قلبي وظاهري والمعاداة كذلك. - عقيدة أهل السنة والجماعة في الولاء والبراء. الولاء والبراء لازم من لوازم التوحيد. موالاة أهل الحق تقتضي المعاداة، والتبري من أهل الباطل. - من مقتضيات الولاء والبراء. - منهج التعامل مع أهل الباطل. - مظاهر الولاء للكفار. - أحكام إقامة المسلم ببلاد الكفار. - صور من المعاملات المباحة بين المسلم والكافر. - الفرق بين الموالاة وبين البر والقسط والإحسان. - معنى الموالاة على الدين في كلام العلماء. - عوامل ضعف الموالاة في الله والمعاداة فيه: دعوى الإكراه في عدم الموالاة في الله والمعاداة فيه. دعوى الخوف على النفس والمال والأهل. دعوى الاستضعاف. صلة المداهنة والمداراة بالموالاة والمعاداة. ما يقبل من الأعذار، وما لا يقبل في هذه الصور.

الباب الثاني: الإيمان بالملائكة الفصل الأول: معنى الإيمان بالملائكة وأهميته: المبحث الأول: تعريف الملائكة لغة وشرعًا. المبحث الثاني: عقيدة الناس في الملائكة قبل الإسلام. المبحث الثالث: منزلة الإيمان بالملائكة. المبحث الرابع: معنى الإيمان بالملائكة وأقسامه. المبحث الخامس: حكم الإيمان بالملائكة وأدلته، وحكم من أنكر بعضهم. المبحث السادس: الحكمة من الإخبار بوجودهم. المبحث السابع: طريق الإيمان بالملائكة وهم من الغيب. الفصل الثاني: أصناف الملائكةك ووظائفهم وأعمالهم: المبحث الأول: جبريل -عليه السلام- الموكل بالوحي. المبحث الثاني: ميكائيل -عليه السلام- الموكل بالغيث، وتصاريفه من نبات وأرزاق. المبحث الثالث: إسرافيل -عليه السلام- الموكل بالنفخ في الصور. المبحث الرابع: ملك الموت الموكل بقبض الأرواح. المبحث الخامس: الموكلون بالنطفة في الرحم. المبحث السادس: الحفظة الموكلون بحفظ العبد في كل حالاته. المبحث السابع: الكتبة الموكلون بحفظ الأعمال من خير وشر. المبحث الثامن: الموكلون بفتنة القبر، وهم منكر ونكير.

المبحث التاسع: ملائكةك الرحمة وعلى رأسهم رضوان خازن الجنة. المبحث العاشر: خزنة جهنم وعلى رأسهم مالك. المبحث الحادي عشر: حملة العرش. المبحث الثاني عشر: الملائكة السياحون الذين يتبعون مجالس الذكر. المبحث الثالث عشر: الموكلون بتحريك بواعث الخير في قلوب العباد. المبحث الرابع عشر: الموكلون بالجبال. المبحث الخامس عشر: زوار البيت المعمور. المبحث السادس عشر: ملائكة صفوف وقيام ورع وسجود. الفصل الثالث: صفات الملائكة: المبحث الأول: صفات الملائكة الخلقية: المطلب الأول: مادة خلق الملائكة. المطلب الثاني: متى خلق الملائكة؟ المطلب الثالث: علمهم. المطلب الرابع: عظم خلق الملائكة. المطلب الخامس: عظم سرعتهم. المطلب السادس: قدرتهم على التشكل في الأشكال الحسنة. المطلب الثامن: تفاوت الملائكة في الخلق والمقدار. المطلب التاسع: الملائكة لا يوصفون بالذكورة والأنوثة. المطلب العاشر: لا يأكلون، ولا يشربون، ولا يملون، ولا يتعبون.

المطلب الحادي عشر: أعداد الملائكة وأسمائهم. المبحث الثاني: صفات الملائكة الخلقية: المطلب الأول: الملائكة كرام بررة. المطلب الثاني: استحياء الملائكة. المبحث الثالث: عبادة الملائكة: المطلب الأول: عصمتهم. المطلب الثاني: نماذج من عبادتهم. الفصل الرابع: الملائكة والإنسان: المبحث الأول: الملائكة وأنبياء الله ورسله: المطلب الأول: توجيه الملائكة لآدم. المطلب الثاني: غسل الملائكة آدم عند موته. المطلب الثالث: تبليغ الملائكة وحي الله إلى رسله وأنبيائه. المطلب الرابع: كيف كان يأتي الملك الرسول -صلى الله عليه وسلم. المطلب الخامس: إمامة جبريل -عليه السلام- للنبي -صلى الله عليه وسلم، ورقيته له. المبحث الثاني: الملائكة والمؤمنون: المطلب الأول: علاقة الملائكة بالمؤمنين: - محبة الملائكة للمؤمنين. - صلاتهم على المؤمنين ومعناها. - نماذج من الأعمال التي تصلي الملائكة على فاعلها.

- الأثر الذي يجده المؤمن من جراء صلاة الملائكة عليه. - التأمين على دعاء المؤمنين. - استغفار الملائكة للمؤمنين. - تنزل الملائكة عند قراءة المؤمن للقرآن. - قتال الملائكة مع المؤمنين، وتثبيتهم أثناء الحروب. - شهود الملائكة لجنائز الصالحين. المطلب الثاني: واجب المؤمن تجاه الملائكة: - البعد عن الذنوب والمعاصي، والاستحياء منهم. - الملائكة تتأذى مما يتأذى منه بنو آدم. - النهي عن البصق عن اليمين في الصلاة. - الإيمان بالملائكة كلهم وموالاتهم. المطلب الثالث: المفاضلة بين الملائكة وصالحي البشر. المطلب الأول: إنزال العذاب بالكفار. المطلب الثاني: لعن الكفار. المطلب الثالث: طلب الكفار رؤية الملائكة، أو إرسال الرسل منهم. المطلب الرابع: لعن الملائكة لأصناف من العصاة الفساق. المبحث الرابع: أثر الإيمان بالملائكة في حياة الإنسان.

الباب الثالث: الإيمان بكتب الله المنزلة الفصل الأول: معنى الإيمان بالكتب وأهميته. المبحث الأول: معنى الكتاب لغة وشرعًا. المبحث الثاني: منزلة وحقيقة الإيمان بالكتب وأقسامه. المبحث الثالث: حاجة النان إلى الكتب السماوية. المبحث الرابع: حكم الإيمان بالكتب وأدلته، وحكم من أنكر بعضها. المبحث الخامس: كيفية الإيمان بهذه الكتب. الفصل الثاني: بين القرآن الكريم وسائر الكتب: المبحث الأول: الكتب السماوية التي يجب الإيمان بها تفصيلًا: المطلب الأول: القرآن الكريم. - تعريف القرآن لغة وشرعًا. - أوصاف القرآن. - عقيدة أهل السنة في القرآن. - منزلة القرآن بين كتب الله تعالى. - خصائص القرآن الكريم. المطلب الثاني: التوراة. المطلب الثالث: الإنجيل. المطلب الرابع: الزبور.

المطلب الخامس: صحف إبراهيم. الفصل الثالث: تحريف الكتب السابقة وبعض مظاهره: المبحث الأول: الأدلة القاطعة على وقوع التحريف في الكتب السابقة. المبحث الثاني: كتب أهل الكتاب الموجودة بين أيديهم الآن. الباب الرابع: الإيمان بالرسل الفصل الأول: معنى الإيمان بالرسل وأهميته: المبحث الأول: تعريف النبي والرسول وبيان الفرق بينهما. المبحث الثاني: الصلة بين الإيمان بالله والإيمان بالرسل. المبحث الثالث: حكم الإيمان بالرسل وأدلته. المبحث الرابع: بيان أقسام الإيمان بالرسل، وحكم الكفر برسول واحد. المبحث الخامس: تفاضل الأنبياء والرسل. المبحث السادس: أولو العزم من الرسل. الفصل الثاني: حاجة البشرية إلى الرسل والرسالات: المبحث الأول: حاجة الناس إلى الرسل والأنبياء. المبحث الثاني: علاقة العقل بالوحي. المبحث الثالث: بم تثبت النبوة؟ المبحث الرابع: دين الأنبياء واحد وشرائعهم متعددة.

المبحث الخامس: أثر الإيمان بالرسل والرسالات في حياة المؤمن. الفصل الثالث: وظائف الرسل: المبحث الأول: البلاغ المبين وإقامة الحجة. المبحث الثاني: الدعوى إلى الله. المبحث الثالث: التبشير والإنذار. المبحث الرابع: إصلاح النفوس وتزكيتها. المبحث الخامس: تقويم الفكر المنحرف. المبحث السادس: سياسة الأمة وقيادتها. الفصل الرابع: الوحي: المبحث الأول: تعريف الوحي لغة واصطلاحًا، وبيان الفرق بينه وبين الإلهام. المبحث الثاني: النبوة منحة إلهية. المبحث الثالث: رؤيا الأنبياء. المبحث الرابع: طرق الوحي. المبحث الخامس: عقيدة ختم النبوة. المبحث السادس: حكم ادعاء النبوة. الفصل الخامس: صفات الرسل: المبحث الأول: البشرية. المبحث الثاني: الذكورة. المبحث الثالث: الحرية.

المبحث الرابع: العصمة. المبحث الخامس: تنام أعينهم ولا تنام قلوبهم. المبحث السادس: تخيير الأنبياء عند الموت بين الدنيا والآخرة. المبحث السابع: الأنبياء يقبرون حيث ماتوا. المبحث الثامن: الأرض لا تأكل أجساد الأنبياء. المبحث التاسع: الأنبياء أحياء في قبورهم. الفصل السادس: عصمة الرسل. المبحث الأول: العصمة في التحمل والتبليغ. المبحث الثاني: الأعراض البشرية لا تنافي العصمة. المبحث الثالث: نطاق العصمة من الذنوب. الفصل السابع: دلائل النبوة. المبحث الأول: الآيات والمعجزات التي يجريها الله على أيدي أنبيائه. المبحث الثاني: بشارة الأنبياء السابقين بالأنبياء اللاحقين. المبحث الثالث: النظر في أحوال الأنبياء. المبحث الرابع: النظر في دعوة الرسل. الفصل الثامن: معجزات الأنبياء: المبحث الأول: معجزة صالح -عليه السلام. المبحث الثاني: معجزات خليل الله إبراهيم -عليه السلام. المبحث الثالث: معجزات موسى كليم الرحمن -عليه السلام.

المبحث الرابع: معجزات عيسى -عليه السلام. المبحث الخامس: نماذج من معجزات نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم. المطلب الأول: القرآن الكريم. المطلب الثاني: الإسراء والمعراج. المطلب الثالث: انشقاق القمر. المطلب الرابع: تكثيره -صلى الله عليه وسلم- الطعام. المطلب الخامس: تكثيره -صلى الله عليه وسلم- الماء. المطلب السادس: نبوع الماء من بين يديه -صلى الله عليه وسلم. المطلب السابع: كف الأعداء عنه -صلى الله عليه وسلم. المطلب الثامن: إجابة دعوته -صلى الله عليه وسلم. المطلب التاسع: إبراؤه -صلى الله عليه وسلم- للمرضى. المطلب العاشر: إخباره -صلى الله عليه وسلم- بالأمور الغيبية. المطالب الحادي عشر: انقياد الشجر والحجر وتسليمه وكلامه له -صلى الله عليه وسلم. المطلب الثاني عشر: حنين الجذع إليه -صلى الله عليه وسلم. الفصل التاسع: المبشرات ببعثة نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم. المطلب الأول: دعوة إبراهيم -عليه السلام. المطلب الثاني: بشارة التوارة بنبينا محمد -صلى الله عليه وسلم. المطلب الثالث: بشارة عيسى -عليه السلام.

الفصل العاشر: خصائص نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم. المطلب الأول: خاتم الأنبياء والمرسلين. المطلب الثاني: سيد ولد آدم. المطلب الثالث: عالمية رسالته وشمولية شريعته. المطلب الرابع: حامل لواء الحمد يوم القيامة. المطلب الخامس: أول من يفتح له باب الجنة. المطلب السادس: صاحب الشفاعة العظمى. الباب الخامس: الإيمان باليوم الآخر الفصل الأول: القيامة الصغرى: المبحث الأول: الاحتضار: المطلب الأول: تعريف القيامة الصغرى. المطلب الثاني: الموت في اللغة والاصطلاح. المطلب الثالث: حضور الملائكة والشيطان عند الموت. المطلب الرابع: سكرات الموت. المطلب الخامس: فرح المؤمن بلقاء ربه. المطلب السادس: أسباب سوء الخاتمة.

المبحث الثاني: حياة البرزخ: المطلب الأول: مستقر الأرواح في البرزخ. المطلب الثاني: ضمة القبر وفتنته. المطلب الثالث: ثبوت عذاب القبر ونعيمه وصفته. المطلب الرابع: أسباب عذاب القبر. المطلب الخامس: المنجيات من فتنة القبر وعذابه. الفصل الثاني: أشراط الساعة. المبحث الأول: تعريف الأشراط والآيات. المبحث الثاني: علامات الساعة الصغرى. المطلب الأول: علامات الساعة التي وقعت. - بعثة النبي -صلى الله عليه وسلم- ووفاته. - انشقاق القمر. - نار الحجاز التي أضاءت أعناق الإبل ببصرى. - توقف الجزية والخراج. المطلب الثاني: العلامات التي وقعت وهي مستمرة، أو يمكن تكرارها: - خروج الدجالين أدعياء النبوة. - كثرة الفتن. - وقوع الخسف والزلازل. - ولادة الأمة ربتها.

- تطاول الخفاة العراة رعاة الشاة في البنيان. - إسناد الأمر إلى غير أهله. - تداعي الأمم على المسلمين. المطلب الثالث: العلامات التي لم تقع بعد: - عودة جزيرة العرب جنات وأنهارًا. - تكليم السباع والجماد الإنس. - انحسار الفرات عن جبل من ذهب. - انحياز المسلمين إلى المدينة. - خروج المهدي. - جفاف بحيرة طبرية. المبحث الثالث: علامات الساعة الكبرى: المطلب الأول: الدخان. المطلب الثاني: طلوع الشمس من مغربها. المطلب الثالث: خروج الدابة. المطلب الرابع: فتنة الدجال. المطلب الخامس: نزول عيسى بن مريم -عليه السلام- وقضائه على الدجال. المطلب السادس: خروج يأجوج ومأجوج. المطلب السابع: اندراس الإسلام ورفع القرآن وفناء الأخيار. المطلب الثامن: عودة البشرية إلى الجاهلية وعبادة الأوثان.

المبحث التاسع: هدم الكعبة على يد ذي السويقتين. المبحث العاشر: النار التي تحشر الناس. الفصل الثالث: القيامة الكبرى: المبحث الأول: من أسماء يوم القيامة، والسر في تعددها: - اليوم الآخر. - الساعة. - يوم البعث. - يوم الخروج. - القارعة. - يوم الفصل. - يوم الدين. - الصاخة. - الطامة الكبرى. - يوم الحسرة. - الغاشية. - يوم الخلود. - يوم الحساب. - الواقعة. - يوم الوعيد. - يوم الآزفة. - يوم الجمع. - الحاقة. - يوم التلاق. - يوم التناد. - يوم التغابن. المبحث الثاني: النفخ في الصور. المطلب الأول: تعريف الصور. المطلب الثاني: الملك الموكل بالصور. المطلب الثالث: صفة النفخ في الصور. المطلب الرابع: عدد مرات النفخ في الصور. المبحث الثالث: البعث والنشور. المطلب الأول: تعريفه.

المطلب الثاني: حكم الإيمان به وأدلته. المطلب الثالث: البعث والنشور في الكتب السابقة. المطلب الرابع: المكذبون بالبعث وحججهم والرد عليها. المطلب الخامس: أول من تنشق عنه الأرض. المطلب السادس: حشر الخلائق. المطلب السابع: صفة الحشر. المطلب الثامن: أرض المحشر. المبحث الرابع: أهوال يوم القيامة. المطلب الأول: قبض الأرض وطي السماء. المطلب الثاني: دك الأرض ونسف الجبال. المطلب الثالث: تفجير البحار وتسجيرها. المطلب الرابع: موران السماء وانفطارها. المطلب الخامس: تكوير الشمس وخسوف القمر، وتناثر النجوم. المبحث الخامس: أحوال الناس يوم القيامة. المطلب الأول: حال الكفار. المطلب الثاني: حال عصاة المؤمنين. المطلب الثالث: حال الأتقياء. المبحث السادس: الشفاعة: المطلب الأول: الآيات والأحاديث في الشفاعة.

المطلب الثاني: حكم الإيمان بالشفاعة. المطلب الثالث: شروط الشفاعة. المطلب الرابع: الشفاعة المثبتة والشفاعة المنفية. المطلب الخامس: شفاعة الأنبياء. المطلب السادس: شفاعة المؤمنين. المطلب السابع: شفاعة النبي -صلى الله عليه وسلم- لأهل الكبائر. المبحث السابع: الحساب والجزاء: المطلب الأول: قواعد محاسبة العباد على أعمالهم: - العدل التام الخالي من الظلم. - لا يؤخذ أحد بجريرة أحد. - اطلاع العباد على سجلات أعمالهم. - مضاعفة الحسنات دون السيئات. - إقامة الشهود. المطلب الثاني: ما يسأل عنه العباد: - الكفر والشرك. - علومهم وأعمالهم وأعمارهم في الدنيا. - نعيم الدنيا. - العهود والمواثيق. - السمع والبصر والفؤاد.

المطلب الثالث: العباد وأنواع الحساب. - الفرق بين الحساب والعرض وحكم الإيمان بهما. - الحساب العسير. - الحساب اليسير. - من يدخل الجنة بلا حساب ولا عذاب. المبحث الثامن: الميزان: المطلب الأول: تعريف الميزان. المطلب الثاني: هل هو ميزان واحد أم موازين متعددة. المطلب الثالث: حقيقة الميزان عند أهل السنة. المطلب الرابع: الميزان عند أهل البدع. المطلب الخامس: الأقوال في الموزون. المبحث التاسع: الحوض: المطلب الأول: الحوض في القرآن والسنة. المطلب الثاني: حكم الإيمان بالحوض وأدلته. المطلب الثالث: وصف الحوض. المطلب الرابع: من يذادون عن الحوض. المبحث العاشر: الجنة. المطلب الأول: خلود الجنة: المطلب الثاني: دخول الجنة.

- الشفاعة في دخول الجنة. - أول من يدخل الجنة. - دخول عصاة المؤمنين الجنة بعد إخراجهم من النار. - آخر من يدخل الجنة. المطلب الثالث: صفة الجنة. - أبواب الجنة. - درجات الجنة. - تربة الجنة. - أنهار الجنة. - عيون الجنة. - قصور الجنة وخيامها. - أشجار الجنة وثمارها. - دواب الجنة وطيورها. المطلب الرابع: أهل الجنة. - سادة أهل الجنة. - العشرة المبشرون بالجنة. - المنصوص على أنهم من أهل الجنة. المطلب الخامس: نعيم أهل الجنة. - النظر إلى وجه الله الكريم. - آنية أهل الجنة. - خدم أهل الجنة. - الحور العين. - طعام أهل الجنة وشرابهم. - فرش أهل الجنة. - نساء أهل الجنة.

المبحث الحادي عشر: النار: المطلب الأول: وجودها وبقائها: - الجنة والنار مخلوقتان. - الجنة والنار خالدتان لا تفنيان، والرد على القائلين بفناء النار. المطلب الثاني: صفة النار: - مكان النار. - سعة النار. - دركات النار. - أبواب النار. - وقود النار. - شدة حرها. المطلب الثالث: أهل النار: - كثرة أهل النار. - شراب أهل النار. - عظم خلق أهل النار. - طعام أهل النار. - قيود أهل النار. المطلب الرابع: صور من عذاب أهل النار: - انضاج الجلود. - اللفح. - تسويد الوجوه. - اطلاع النار على الأفئدة. - الصهر. - السحب. - إحاطة النار بالكفار. - اندلاق الأمعاء في النار.

الباب السادس: الإيمان بالقضاء والقدر الفصل الأول: منزلة الإيمان بالقضاء والقدر وحكمه: المبحث الأول: حكم الإيمان بالقضاء والقدر، وأدلته. المبحث الثاني: نظرة في تاريخ القدر. الفصل الثاني: التعريف بالقضاء والقدر. المبحث الأول: القضاء لغة وشرعًا. المبحث الثاني: القدر لغة وشرعًا. المبحث الثالث: مراتب الإيمان بالقدر: المرتبة الأولى: العلم. المرتبة الثانية: الكتابة. المرتبة الثالثة: المشيئة. المرتبة الرابعة: الخلق. الفصل الثالث: قواعد في باب القضاء والقدر: المبحث الأول: أفعال الله -عز وجل- كلها عدل ورحمة وحكمة. المبحث الثاني: تقسيم القدر إلى خير وشر. المبحث الثالث: بيان عدم جواز نسبة الشر إلى الله -عز وجل. المبحث الرابع: قدره سبحانه ليس فيه ظلم لأحد.

المبحث الخامس: مشيئة الله عز وجل نافذة. المبحث السادس: الفرق بين المشيئة والإرادة. المبحث السابع: الفرق بين الإرادة الشرعية والإرادة الكونية. الفصل الرابع: تقدير الله أفعال العباد: المبحث الأول: أفعال العباد مخلوقة مقدرة: المطلب الأول: النصوص الدالة على أن أفعال العباد قد جفت بها الأقلام. المطلب الثاني: علم الله بأهل الجنة وأهل النار، وكتابته لذلك. المبحث الثاني: مراتب التقدير: المطلب الأول: التقدير الأزلي. المطلب الثاني: التقدير العمري. المطلب الثالث: التقدير السنوي. المطلب الرابع: التقدير اليومي. الفصل الخامس: ثمار الإيمان بالقدر. الفصل السادس: أسباب الضلال في القدر. الفصل السابع: مذاهب المخالفين في القدر. المبحث الأول: القدرية. المبحث الثاني: الجبرية. المبحث الثالث: المعتزلة.

المبحث الرابع: الأشاعرة. الفصل الثامن: شبهات وجوابها: المبحث الأول: معنى المحو والإثبات في الصحف وزيادة الأجل ونقصانه. المبحث الثاني: كيف يخلق الشر ويقدره. المبحث الثالث: الزعم بأن الإيمان بالقدر يقتضي ترك العمل، وإهمال الأسباب. المبحث الرابع: الزعم بأن كل شيء خلقه الله فقد رضيه وأحبه.

الكتاب الثالث: نواقض الإيمان تنتظم فهرسة نواقض الإيمان في خمسة أبواب كالتالي: الباب الأول: حقيقة الكفر وضوابط إجراء الأحكام. الباب الثاني: نواقض الإيمان في باب التوحيد. الباب الثالث: نواقض الإيمان في باب النبوات. الباب الرابع: نواقض الإيمان في سائر الغيبيات. الباب الخامس: نواقض الإيمان الأخرى. وفيما يأتي تفصيل هذه الأبواب، وما يندرج تحتها من فصول، ومباحث، ومطالب:

الباب الأول: تعريف الكفر، وضوابط إجراء الأحكام الفصل الأول: حقيقة الكفر عند أهل السنة. المبحث الأول: تعريف الكفر والشرك، ونواقض الإيمان. المبحث الثاني: انقسام الكفر والشرك إلى أكبر وأصغر، وحكم كل منهما. المبحث الثالث: الكفر اعتقاد وقول وعمل. المبحث الرابع: الكفر شعب ومراتب متعددة. الفصل الثاني: ضوابط إجراء الأحكام وموانعه عند أهل السنة: المبحث الأول: ضوابط إجراء الأحكام: المطلب الأول: اعتبار المقاصد. المطلب الثاني: قيام الحجة. المبحث الثاني: موانع إجراء الأحكام: المطلب الأول: الجهل. المطلب الثاني: الخطأ. المطلب الثالث: التأويل. المطلب الرابع: الإكراه.

الباب الثاني: نواقض الإيمان في باب التوحيد الفصل الأول: النواقض الاعتقادية في باب التوحيد. المبحث الأول: ما يناقض قول "اعتقاد" القلب. المطلب الأول: الشرك في الربوبية. المطلب الثاني: اعتقاد ألوهية غير الله تعالى. المطلب الثالث: الشك في حكم من أحكام الله -عز وجل- أو خبر من أخباره. المطلب الرابع: إنكار اسم أو صفة لله تعالى أو آية من القرآن. المبحث الثاني: ما يناقض عمل القلب. المطلب الأول: كفر الإباء والاستكبار. المطلب الثاني: الشرك الأكبر بعمل القلب كالمحبة والإرادة والقصد. الفصل الثاني: النواقض القولية في باب التوحيد. المبحث الأول: سب الله تعالى والاستهزاء به. المبحث الثاني: حكم الحلف بغير الله تعالى. الفصل الثالث: النواقض العملية في باب التوحيد. المبحث الأول: شرك العبادة والنسك. المطلب الأول: صرف العبادة لغير الله تعالى. المطلب الثاني: الاستغاثة بغير الله تعالى.

المطلب الثالث: دعاء الموتى. المبحث الثاني: الحكم بغير ما أنزل الله. المطلب الأول: بواعث الإعراض عن حكم الله. المطلب الثاني: أنواع الانحراف عن حكم الله وأحكامها. المطلب الثالث: خطورة تبديل شرع الله، ومظاهره وموقف القرآن منه. الباب الثالث: نواقض الإيمان في باب النبوات الفصل الأول: النواقض الاعتقادية في باب النبوات. المبحث الأول: ما يناقض قول "اعتقاد" القلب. المطلب الأول: اعتقاد أن بعض الناس لا يجب عليهم اتباع النبي صلى الله عليه وسلم. المبحث الثاني: إدعاء النبوة. المطلب الثالث: إنكار الكتب المنزلة أو شيء منها. المبحث الثاني: ما يناقض عمل القلب. الفصل الثاني: النواقض القولية في باب النبوات. مبحث: سب الأنبياء عليهم الصلاة والسلام. الفصل الثالث: النواقض العملية في باب النبوات. مبحث: الاستهانة بالمصحف.

الباب الرابع: نواقض الإيمان في سائر الغيبيات الفصل الأول: النواقض الاعتقادية في سائر الغيبيات. المبحث الأول: إنكار الملائكة والجن. المبحث الثاني: نواقض متعلقة باليوم الآخر. الفصل الثاني: النواقض القولية في سائر الغيبيات. المبحث الأول: سب الملائكة والاستهزاء بهم. المبحث الثاني: الاستهزاء بالوعد والوعيد. الباب الخامس: نواقض الإيمان الأخرى الفصل الأول: النواقض المتفق عليها. المبحث الأول: ما يناقض قول القلب. مطلب: إنكار حكم معلوم من الدين بالضرورة. المبحث الثاني: ما يناقض عمل القلب. المطلب الأول: النفاق. المطلب الثاني: موالاة المشركين. الفصل الثاني: النواقض المختلف عليها. المبحث الأول: النواقض القولية.

المطلب الأول: سب الصحابة -رضي الله عنهم. المطلب الثاني: الاستهزاء بالعلماء والصالحين. المبحث الثاني: النواقض العملية. المطلب الأول: ترك الصلاة. المطلب الثاني: السحر وما يلتحق به. المطلب الثالث: التنجيم وادعاء الغيب.

الكتاب الرابع: متفرقات في باب الاعتقاد الباب الأول: عقيدة أهل السنة في الصحابة، وأهل بيت النبي -صلى الله عليه سلم، والعلماء. الباب الثاني: الإمامة. الباب الثالث: جواز الصلاة خلف كل بر، وفاجر من أهل القبلة. الباب الرابع: موقف أهل السنة من كرامات الأولياء. الباب الخامس: تواتر المسح على الخفين. الباب السادس: وجوب الاعتصام بالكتاب والسنة، ونبذ الافتراق والبدعة. وفيما يلي تفصيل هذه الأبواب، وما يندرج تحتها من فصول، ومباحث ومطالب:

الباب الأول: عقيدة أهل السنة في الصحابة، وأهل بيت النبي -صلى الله عليه وسلم، والعلماء الفصل الأول: الموقف من صحابة النبي -صلى الله عليه وسلم، وآل بيته، وزوجاته أمهات المؤمنين: المبحث الأول: وجوب محبة آل بيت النبي -صلى الله عليه وسلم، وزوجاته المطهرات. المبحث الثاني: حب أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- دين، وبغضهم ومعاداتهم كفر. المبحث الثالث: فضل الخلفاء الأربعة. المبحث الرابع: فضل العشرة المبشرة بالجنة. المبحث الخامس: أهل السنة يمسكون عما شجر بين الصحابة -رضي الله عنهم. المبحث السادس: براءة أهل السنة من مذهب الروافض في الصحابة -رضي الله عنهم. الفصل الثاني: الموقف من العلماء: المبحث الأول: العلماء هم خير البرية، وأفضل الخلق بعد الأنبياء. المبحث الثاني: وجوب طاعتهم ومحبتهم، وتوقيرهم وموالاتهم. المبحث الثالث: توقير علماء السلف وموالاتهم. المبحث الرابع: أئمة المذاهب الأربعة وفضلهم. المبحث الخامس: عدم عصمة العلماء، ووجوب اجتناب زلاتهم.

الباب الثاني: الإمامة الفصل الأول: حكم الإمامة العظمى وشروطها: المبحث الأول: حكم نصب الإمام "الخليفة". المبحث الثاني: شروط الإمام: المطلب الأول: الإسلام. المطلب الثاني: البلوغ. المطلب الثالث: العقل. المطلب الرابع: الذكورة. المطلب الخامس: القدرة وسلامة الحواس. المطلب السادس: العدالة. المطلب السابع: الحرية. المطلب الثامن: القرشية. المطلب التاسع: العلم المؤدي إلى الاجتهاد. المطلب العاشر: الحنكة في أمور الحر والسلم. الفصل الثاني: حقوق وواجبات الإمام الأعظم: المبحث الأول: حقوق الأمة على الإمام: المطلب الأول: العمل على المحافظة على سلامة عقيدتها.

المطلب الثاني: الحكم والتحاكم إلى شريعة الله -عز وجل. المطلب الثالث: بذل الأسباب المؤدية إلى وحدة الأمة. المطلب الرابع: إقامة واجب الأمة بالمعروف، والنهي عن المنكر. المطلب الخامس: إقامة الجهاد. المطلب السادس: جمع الزكاة والصدقات والخراج. المطلب السابع: تحري الأمانة في اختيار أرباب المناصب. المبحث الثاني: حقوق الإمامة على الأمة: المطلب الأول: السمع والطاعة. المطلب الثاني: النصرة. المطلب الثالث: النصح والتقويم. الفصل الثالث: حرمة الخروج على أئمة الجور من المسلمين: المبحث الأول: وجوب طاعة أئمة المسلمين في غير معصية الله -عز وجل. المبحث الثاني: وجوب مناصحة الإمام، وأمره بالمعروف ونهيه عن المنكر. المبحث الثالث: وجوب الصبر على الولاة عند الجور أو الفسق. المبحث الرابع: الحكمة من عدم الخروج على أئمة الجور من المسلمين. المبحث الخامس: وجوب الحج والجهاد مع البر والفاجر من أئمة المسلمين. المبحث السادس: الفرق بين فسق الإمام وكفره.

الباب الثالث: جواز الصلاة خلف كل بر وفاجر من أهل القبلة الفصل الأول: إجماع السلف على جواز الائتمام بالمبتدعة والفساق من المسلمين. الفصل الثاني: جواز الصلاة خلف المسلم مستور الحال. الفصل الثالث: عدم اشتراط اختبار عقيدة الإمام لجواز الصلاة خلفه. الفصل الرابع: كراهة بعض السلف الصلاة خلف المبتدعة لردعهم عن بدعتهم. الباب الرابع: موقف أهل السنة من كرامات الأولياء الفصل الأول: صفات أولياء الله. الفصل الثاني: ولاية الله للمؤمنين تكون بحسب إيمانهم قوة وضعفًا. الفصل الثالث: إذا صح الدين علمًا وعملًا، فإنه يوجب خرق العادة عند الحاجة. الفصل الرابع: انقسام خوارق العادات إلى ثلاثة أقسام: المبحث الأول: الخوارق المحمودة مع الدين "كرامات الأولياء". المبحث الثاني: الخوارق المذمومة في الدين. المبحث الثالث: المباح في هذا الباب.

الباب الخامس: تواتر المسح على الخفين الفصل الأول: سبب إدراج هذه المسألة الفقهية ضمن مسائل الاعتقاد. الفصل الثاني: مخالفة الرافضة لأهل السنة في هذه المسألة. الباب السادس: وجوب الاعتصام بالكتاب والسنة، ونبذ الافتراق والبدعة الفصل الأول: وجوب اتباع الكتاب والسنة وإجماع الأمة: المبحث الأول: وجوب الاحتكام للكتاب والسنة والرجوع إليهما عند الاختلاف. المبحث الثاني: وجوب طاعة الله ورسوله. المبحث الثالث: الهوى والبغي والجهل جماع أسباب مخالفة أمر الله ورسوله -صلى الله عليه وسلم. الفصل الثاني: وجوب لزوم جماعة المسلمين وحرمة الفرقة: المبحث الأول: افتراق الأمة إلى ثلاثة وسبعين فرقة، كلها في النار إلا واحدة. المبحث الثاني: الجماعة هي الاجتماع على منهج الحق من الاتباع وترك الابتداع. المبحث الثالث: حرص أهل السنة على الاجتماع، ومجانبة الابتداع والفرقة. المبحث الرابع: حرمة الخروج على جماعة المسلمين.

الملحق الثاني: تعريف ببعض مصنفات العقيدة عند أهل السنة والجماعة تمهيد: بدأ علم الاعتقاد في التميز بالتدوين مع ظهور البدع، واشتداد وطأة الفرق المبتدعة، فأخذ أئمة المسلمين في تصنيف كتب تتضمن المسائل التي اختلف فيها المنتسبون إلى الإسلام، والتي يترتب على الاختلاف فيها تبديع المخالف أو تكفيره، وبينوا فيها عقيدة السلف أهل السنة والجماعة، وردوا على المخالفين أهل البدع والأهواء. لذلك فقد نشأت الكتابة في هذا العلم في صورة ردود على الفرق الضالة، فكتب الإمام أحمد بن حنبل "241هـ" كتابه "الرد على الزنادقة والجهمية"، وكتب الإمام البخاري "256هـ" كتابه "الرد على الجهمية"، وكتب الإمام عثمان بن سعيد الدارمي "280هـ" كتابه "الرد على بشر المريسي"، وفي الرد على الوعيدية -وهم الخوارج والمعتزلة-، وعلى المرجئة كتب أبو عبيدة القاسم بن سلام "224هـ" كتابه "الإيمان"، وكذلك صنع أبو بكر أبي شيبة "235هـ"، وكتب الردود هذه تتناول بعض مسائل الاعتقاد. ثم دونت الكتب التي تجمع معظم مسائل الاعتقاد المعروفة اليوم، ولكنها عرفت باسم كتب السنة، وذلك في مقابل مقالات المبتدعة، فمنها كتاب "السنة" لأبي بكر بن أبي عاصم "287هـ"، و"السنة" لعبد الله بن أحمد بن حنبل "ت: 290هـ"، و"السنة" لمحمد بن نصر المروزي "294هـ"، و"السنة" لأبي بكر الخلال "311هـ"، وفي هذا التوقيت أيضًا ظهرت كتب تحمل اسم التوحيد ككتاب "التوحيد وإثبات صفات الرب عز وجل" لأبي بكر محمد بن خزيمة "311هـ"، وكتاب "التوحيد ومعرفة أسماء الله وصفاته على الاتفاق والتفرد" لأبي عبد الله محمد بن إسحاق بن منده "395هـ". كما سميت كتب الاعتقاد أيضًا باسم كتب الشريعة، ككتاب "الشريعة" لأبي بكر الآجري "360هـ"، وكتاب "الإبانة عن شريعة الفرق الناجية" لابن بطة "387هـ".

وسمي الاعتقاد أيضًا بأصول الدين، كما سماه أبو الحسن الأشعري "324هـ" في كتابه "الإبانة عن أصول الديانة". ثم ظهر مصطلح الاعتقاد في أوائل القرن الخامس الهجري، فكتب أبو القاسم اللالكائي "418هـ" كتابه "شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة". وفي كل الكتب السابقة يسوق المؤلفون ما يروونه -في الأبواب المختلفة- عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وعن الصحابة والتابعين بأسانيدهم الخاصة، وعلى ذلك فهذه الكتب تعتبر من كتب السنة الأصلية، وذلك باستثناء "الإبانة" لأبي الحسن الأشعري، حيث ذكر اعتقاده في صورة متن بدون أسانيد. واتهت الطبقات التي كان رجالها يكتبون العقائد بطريقة الآثار المسندة، وتلا ذلك كتابة العقائد مجردة من الأسانيد في صورة متون؛ كلمعة الاعتقاد لابن قدامة، والعقيدة الواسطية لابن تيمية، أو في صورة شروح ككتابات ابن تيمية وابن القيم في الاعتقاد، أو في صورة قصائد منظومة؛ كالقصيدة النونية لابن القيم، وقصيدة "الدرة المضية" للسفاريني، والتي شرحها بنفسه في "لوامع الأنوار البهية"، وقصيدة "سلم الوصول" لحافظ حكمي، والتي شرحها بنفسه في "معارج القبول". وتعتبر رسائل شيخ الإسلام ابن تيمية في اعتقاد أهل السنة، ونقد مقالات الفرق الضالة -والتي استغرقت الاثني عشر مجلدًا الأولى من مجموع فتاويه- حلقة وصل هامة في تدوين اعتقاد أهل السنة، إذ إنه قد جمع خلاصة كتابات من سبقه من السلف في ذلك، وعنه أخذ عامة من كتب في اعتقاد أهل السنة من بعده. واتبع أهل السنة منهجًا ثابتًا في تدوين مسائل الاعتقاد، ألا وهو إثبات هذه المسائل بأدلتها من الكتاب والسنة، وإجماع الصحابة، وأصبح اتباع هذا المنهج من

خصائص أهل السنة، وذلك في مقابل منهج الفرق المبتدعة في اتباع قواعد الجدل والمنطق لإثبات مسائل الاعتقاد بدعوى أنه يمكن إثبات صحة العقائد الإيمانية بالأدلة العقلية. وفي هذا المبحث نعرض لجملة من مصنفات أهل السنة في باب الاعتقاد، منذ أن بدأ تدوينها من لدن "الفقه الأكبر" لأبي حنيفة "150هـ"، وحتى المتأخرين من الأئمة، وكي يتحدد نطاق الرصد الزمني، فقد توقف الرصد عند مصنفات من وافته المنية قبل عام 1422هـ، وذلك باعتبارها سنة الشروع في جمع مادة البحث. وانتهجنا في عرض هذ المصنفات طريقة موحدة، وهي عرضها بالتسلسل الزمني لوفاة المصنفين، استفتاحًا بالسلف المتقدمين وانتهاء بالمتأخرين؛ ليتضح بذلك أنه لم يخل عصر من العصور من مصنفات لأهل السنة ترفع راية الحق وتعلي مناره، في مقابل مقالات أهل البدع. وقد قسمنا هذا الملحق إلى قسمين: الأول: ويتضمن دراسة تفصيلية لبعض مصنفات العقيدة عند أهل السنة والجماعة، وعرضت فيه بعض المصنفات العقدية المهمة عند أهل السنة والجماعة بشيء من التفصيل، وذلك من خلال الحديث عن مؤلف كل مصنف، وأهميته ومنهجه، ومباحثه، وطبعاته المختلفة، وذلك بناء على الشرط المتقدم، وهو أن يكون المصنف قد توفي قبل عام 1422هـ. الثاني: ويتضمن دراسة مجملة لبعض مصنفات العقيدة عند أهل السنة والجماعة وعرضت في بعض المصنفات العقدية المهمة عند أهل السنة والجماعة بشيء من الإيجاز، وذلك من خلال استيفاء البيانات الخاصة بكل مصنف، وهي: اسم المؤلف،

وتاريخ وفاته، ودار النشر التي قامت بطبع الكتاب، وسنة النشر، ورقم الطبعة، واسم المحقق الذي اعتنى بالكتاب -إن وجد، وأخيرًا نبذة عن محتويات الكتاب. وقد أعرض هذا الرصد عن ذكر بعض المصنفات التي تبنت منهج أهل السنة على العموم، إلا أن مصنفيها جنحوا في مسألة، أو أكثر إلى رأي مخالف؛ مثل مثل مصنفات ابن حزم، وابن الجوزي، وابن حجر ... ، وإن كانت نسبتهم إلى أهل السنة لا تزال باقية فيما أصابوا فيه الحق. وفي المقابل أثبت المصنفات المنضبطة على منهج أهل السنة، والتي يثبت من خلالها رجعة مصنفيها إلى الصواب بعدما كانوا مجانبين للحق فيما كتبوا من قبل؛ وذلك مثل أبي الحسن الأشعري، والشوكاني في أواخر مصنفاتهم، فوقع التنبيه على ذلك في موضعه. وأخيرًا فإنه يجب أن يعلم أن هذه المصنفات في موضوع الاعتقاد ليست على سبيل الحصر، وإنما هي منتقاة من التراث السلفي الزاخر لبيان وفرة كتب أهل السنة في باب العقيدة، واستقامتها -على اختلاف عصورها، وأمصارها ومؤلفيها- على صراط الحق المستقيم.. منهج أهل السنة والجماعة.

القسم الأول: عرض تفصيلي لبعض مصنفات العقيدة عند أهل السنة والجماعة 1- كتاب القدر، وما ورد في ذلك من الآثار لابن وهب رحمه الله. أولًا: التعريف بالمؤلف: هو، الإمام عبد الله بن وهب بن مسلم، القرشي، الفهري، المصري، ولد سنة 125هـ، طلب العلم وهو ابن سبع عشرة سنة، كما أخبر عن نفسه، كان عالمًا، صالحًا، فقيهًا كثير العلم، تتلمذ عليه أئمة كبار، صنف مائة وعشرين ألف حديث، في كتب كثيرة، جليلة القدر. توفي رحمه الله سنة 197هـ. ثانيًا: أهمية الكتاب ومنهجه: يعتبر كتاب الإمام ابن وهب من أوائل كتب العقيدة الأثرية، وقد دار موضوع الكتاب كما يدل عليه عنوانه على القدر، وما ورد فيه من آثار، وقد سار المصنف -رحمه الله- على طريقة السلف في تصانيفهم، فساق الأحاديث النبوية والآثار السلفية بأسانيدها المثبتة للقضاء والقدر الإلهي من غير تعليق أو تبويب، وإن كان سياقه للأحاديث والآثار يشعر أنها مرتبة وفق تسلسل موضوعي عام، إلا أنه لم يبوب قط. ثم إن أبا بكر الوراق هو راوي الكتاب -أضاف على أصل الكتاب أحاديث عن شيوخه، هي في جملتها استخراج، ومتابعة لأحاديث الكتاب. ثالثًا: محتويات الكتاب: كما سبق فإن الكتاب يدور حول موضوء واحد، وهو القدر وما يتعلق به من

مسائل، وما ورد في ذلك من أحاديث وآثار، ولعل الداعي إلى هذا التصنيف هو تثبيت أهل السنة بذكر المرويات في هذا الباب، الذي خالفت فيه المعتزلة والقدرية. رابعًا: طبعات الكتاب: - طبع في مكة المكرمة بتحقيق د. عبد العزيز بن عبد الرحمن العثيم، عام 1406هـ. - ثم طبع في دار العطاء بالرياض طبعة أكمل وأفضل تحقيقًا في مجلد، بتحقيق عمر بن سليمان الحفيان، عام 1422هـ. 2- كتاب السنة: للإمام أحمد بن حنبل -رحمه الله أولًا: التعريف بالمؤلف: هو، الإمام العلم أبو عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني البغدادي، ولد سنة 164هـ ببغداد، كان من أوعية السنة وحفاظها، رحل في طلب العلم إلى الكوفة والبصرة ومكة والمدينة واليمن والشام والجزيرة، كان -رحمه الله- إمامًا في الزهد والورع والصدع بالحق، صبر في المحنة، فصار إمام أهل السنة، وأعظم مصنفاته المسند. توفي -رحمه الله- سنة 241هـ، لاثنتي عشرة ليلة خلت من ربيع الأول. ثانيًا: أهمية الكتاب ومنهجه: لكتاب السنة للإمام أحمد أهمية خاصة، وذلك لأسباب منها: أنه يتعتبر أحد الأصول الأولى للعقيدة الصحيحة في القرون الفاضلة، كما أنه تضمن الأصول العقدية الثابتة بالكتاب والسنة وإجماع السلف. وهو كتاب موثوق به لجلالة الناقل وسعة علمه بالرواية والدراية، وقد أجمعت

الأمة على جلالة قدره في العلم والزهد والقدوة. كما يتميز الكتاب بسهولة الأسلوب مع نصاعته وحسن عبارته، وجمعه لأصول العقيدة السلفية، واختصاره مع إفادته، وخلوه عن الألفاظ الكلامية والمصطلحات المنطقية والفلسفية. ويدور موضوع الكتاب حول اعتقاد السلف الصالح أهل السنة والجماعة ممن عرفوا بالإمامة في الدين، والسلامة من البدع والأهواء، وقد قرر الإمام اعتقادهم مجردًا عن الأدلة من الكتاب والسنة، فهو سرد ميسر خال من التعقيد اللفظي والمعنوي، فهو أشبه ما يكون بفهرسة تفصيلية لما يتضمنه اعتقاد السلف الصالح. ثالثًا: محتويات الكتاب: يمكن إيجاز أهم مباحث كتاب السنة في الموضوعات التالية: 1- الإيمان وما يتعلق به من مباحث وآراء الناس فيه من مرجئة وجهمية. 2- القدر وما يتعلق به من مسائل. 3- موقف السلف من أهل القبلة، ومن أحاديث الوعيد. 4- تقرير أن الخلافة في قريش، ووجوب طاعة الأئمة في المعروف وحرمة الخروج عليهم، وحكم الجهاد وأداء الجمعة والحج معهم، ودفع الصدقات والأعشار لهم. 5- حكم الصلاة خلف أهل البدع والصلاة على موتاهم. 6- الإيمان بالبرزخ والقبر وفتنته، وما يتعلق به من عذاب ونعيم. 7- الإيمان بالقيامة والبعث والعرض الحساب والجنة والنار وبقائهما. 8- الإيمان بجميع صفات الله من السمع والبصر والضحك والحب والفرح والكلام والعلو، والاستواء على العرش، ورؤية المؤمنين له سبحانه يوم القيامة.

9- بيان عقيدة السلف في القرآن. 10- بيان اعتقاد السلف وموقفهم من الصحابة -رضي الله عنهم. 11- ذكر بعض فرق المبتدعة وبعض اعتقاداتهم، والحكم على هذه الاعتقادات بالفساد وبيان أن بعضها أشد من بعض. رابعًا: طبعات الكتاب: طبع الكتاب مرات عديدة ومن أفضلها طبعتان: 1- طبعة بتصحيح وتعليق الشيخ إسماعيل الأنصاري نشر وتوزيع رئاسة إدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد بالمملكة العربية السعودية. 2- كما حقق في رسالة علمية مع آثار الإمام أحمد، بعنوان المسائل والرسائل المروية عن الإمام أحمد بن حنبل في العقيدة للباحث عبد الإله الأحمدي في مجلدين، طبعة دار طيبة بالرياض، سنة 1420هـ. 3- كتاب الرد على الزنادقة والجهمية: للإمام أحمد -رحمه الله أولًا: التعريف بالمؤلف: سبق التعريف به. ثانيًا: أهمية الكتاب ومنهجه: مع كون هذا الكتاب من المصادر الرئيسة في عقيدة السلف الصالح التي تمثل الحق الذي جاء به رسول الله -صلى الله عليه وسلم؛ فإنه يمثل نوعًا من التأليف الخاص، وهو التأليف على شكل المناظرات العلمية.

والكتاب في جملته يعالج موضوعين: 1- الجواب عن بعض الآيات القرآنية التي اشتبه معناها على أهل البدع حيث فسروا بغير تفسيرها، فأجروها على ما يوافق أهواءهم، وبدعهم الفاسدة المخالفة لدلالة الكتاب والسنة. وذلك مثل قوله -عز وجل: {كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ} [النساء: 56] . قالت الزنادقة: فما بال جلودهم التي عصت قد احترقت وأبدلهم جلودًا غيرهم، فلا نرى إلا أن يعذب جلودًا لم تذنب.. قال الإمام أحمد: إن قول الله: {بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا} ، ليس يعني جلودًا غير جلودهم، وإنما يعني بدلناهم جلودًا غيرها تبديلها تجديدها؛ لأن جلودهم إذا نضجت جددها الله، وذلك؛ لأن القرآن فيه خاص وعام، ووجوه كثيرة وخواطر يعلمها العلماء. ومثل قوله عز وجل: {هَذَا يَوْمُ لَا يَنْطِقُونَ، وَلَا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ} [المرسلات: 35-36] ، ثم قال في آية أخرى: {ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ} [الزمر: 31] فقالوا: كيف يكون هذا من الكلام المحكم؟!.. قال الإمام أحمد: {هَذَا يَوْمُ لَا يَنْطِقُونَ} ، فهذا أول ما تبعث الخلائق على مقدار ستين سنة لا ينطقون ولا يؤذن لهم في الاعتذار فيعتذرون، ثم يؤذن لهم في الكلام، فيتكلمون فذلك قوله: {رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فَارْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا} [السجدة: 12] ، فإذا أذن لهم في الكلام فتكلموا واختصموا فذلك قوله: {ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ} ، عند الحساب وإعطاء المظالم، ثم يقال لهم بعد ذلك: {لَا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ} أي عندي: {وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُمْ بِالْوَعِيدِ} [ق: 28] 1.

_ 1 انظر كتاب الرد على الزنادقة والجهمية للإمام أحمد ص7، 8.

2- نقد وتقويم ومناقشة لآراء الجهم بن صفوان، ومن سلك مسلكه من المعتزلة وغيرهم، وبيان بطلان آرائهم حول الرب وصفاته بالدليل والبرهان من الكتاب والسنة والعقل الصحيح. ثالثًا: محتويات الكتاب: تنوعت مباحث الكتاب مما جعله ثريًا بالمعلومات النافعة المفيدة لطالب العلم، وهي -باختصار- على النحو التالي: 1- مقدمة أشار فيها إلى فضل أهل السنة والجماعة، وأهم ما اتصف به أهل البدع. 2- الجواب عن بعض الآيات التي ادعى بعض أهل البدع التناقض في دلالتها. وقد سبق بيان طرف من هذه الآيات. 3- الكلام على عقيدة الجهم ومصادر آرائه التي خرج بها على إجماع الأمة، وبيان بطلانها بالقرآن والسنة، والعقل الصحيح، وإجماع السلف. رابعًا: طبعات الكتاب: حقق الكتاب عدة مرات لمحققين مختلفين، ومنها: 1- طبعة بتحقيق الشيخ محمد أحمد حامد الفقي في مطبعة السنة المحمدية بالقاهرة. 2- طبعة بتحقيق الشيخ محمد فهر شقفة من منشورات مكتبة ابن الهيثم، بحماة بسوريا. 3- طبعة بتحقيق الدكتور علي سامي النشار، والدكتور عمار الطالبي، في منشأة المعارف بالأسكندرية سنة 1971م. 4- طبعة بتقديم وتحقيق د. عبد الرحمن عميرة في دار اللواء بالرياض سنة 1397هـ.

5- طبعة بتصحيح وتعليق الشيخ إسماعيل الأنصار نشر وتوزيع رئاسة إدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد بالرياض. 6- وقد طبع الكتاب ضمن كتاب السنة لعبد الله بن أحمد بن حنبل من روايته كجزء من كتاب السنة بتحقيق الدكتور محمد بن سعيد القحطاني، وهي رسالته نيل درجة الدكتوراه في العقيدة، طبعة دار ابن القيم، سنة 1406هـ. 4- كتاب خلق أفعال العباد للإمام البخاري -رحمه الله: أولًا: التعريف بالمؤلف: هو، الإمام أبو عبد الله محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن المغيرة بردزبة الجعفي المعروف بالبخاري، ولد -رحمه الله- سنة 194هـ ببخارى قرب سمرقند. اعتنى بالحديث حتى برع فيه، وتلقاه على أكثر من ألف شيخ، حتى صار من أئمته ونقاده وجهابذ العلماء فيه، وقد ترك بعده عددًا من المؤلفات النافعة منها كتابه الجامع الصحيح، وكتاب الأدب المفرد، والتاريخ الكبير، والتاريخ الأوسط، والتاريخ الصغير، وغير ذلك كثير. توفي -رحمه الله- سنة 256هـ. ثانيًا: أهمية الكتاب ومنهجه: ترجع أهمية الكتاب إلى الأمور التالية: 1- أنه مرجع لمن جاء بعده من السلف لما لمؤلفه من منزلة عظيمة عندهم. 2- اعتماده على أعلى المصادر قوة، وأقواها دلالة، وأكثرها هداية إلى الحق، كما أنه استعمل طريقة الاستقراء للنصوص، ثم استنباط الحكم العقدي منها. 3- قطعه للنزاع في مسألة التلفظ والتلاوة، وذلك عن طريق تفصيل ما أجمل في

كل منهما من معنى؛ لأن الإجمال سبب الخلاف. ويدور موضوع الكتاب حول الكلام على أن القرآن كلام الله منزل غير مخلوق والرد على الجهمية القائلين بأن القرآن مخلوق، والكلام حول أفعال العباد وبيان أنها مخلوقة، وإظهار القول الفصل في تلفظ العبد، وتلاوته للقرآن الكريم هل هي مخلوقة أم لا. ولقد سار البخاري -رحمه الله- في كتابه هذا على المنهج التالي: 1- سوق الأحاديث والآثار بأسانيدها مع بيان وجه دلالة الحديث، أو الآية على ما يستنبطه من عقائد. 2- ذكر أقوال الفرق الضالة، ورد عليها بأدلة الكتاب والسنة. 3- الجواب عما تشابه على أهل البدع، وذلك بعرض الآية على نظيرها، أو الاستدلال باللغة، أو النقل عن السلف. 4- بيان تاريخ الفرق، ورأي السلف في أساطينها وكبرائها. ثالثًا: محتويات الكتاب: يمكن التعرف على محتويات الكتاب من خلال عرض مختصر لأهم مباحثه، وهي على النحو التالي: 1- عقيدة السلف في القرآن، والكلام على عقيدة الجهمية، وحكم من قال: إن القرآن مخلوق. 2- ذكر بعض معتقدات الجهمية والمعتزلة، ونقل ما يدل على إنكار السلف عليهم. 3- الكلام على خلق أفعال العباد.

4- الحديث عن القراءة والتلاوة هل هما مخلوقتان أم لا، والإجابة عن بعض الشبهات الواردة حول ما تقرر فيهما. 5- بيان مذهب أهل السنة من أن الفعل شيء، والمفعول شيء آخر، خلافًا للمتكلمين. 6- ذكر الأدلة على خلق أصوات العباد. 7- تقرير أن المداد والرق وخط العبد ونحوه مخلوق، وأن المكتوب في المداد والرق وبخط العبد وهو القرآن وليس بمخلوق. رابعًا: طبعات الكتاب: طبع الكتاب عدة طبعات، منها: 1- طبعة مؤسسة البخاري ببيروت سنة 1411هـ - 1990م. 2- طبعة مؤسسة الرسالة ببيروت وسوريا سنة 1411هـ - 1990م. 3- طبعة دار المعارف بالرياض عام 1398هـ، بتحقيق د. عبد الرحمن عميرة. 4- طبعة بتحقيق الدكتور علي سامي النشار، والدكتور عمار الطالبي، وهي ضمن مجموع عقائد السلف بتحقيقهما، والناشر دار منشأة المعارف، بالأسكندرية بمصر. 5- كتاب الاختلاف في اللفظ والرد على الجهمية والمشبهة. للإمام ابن قتيبة -رحمه الله: أولًا: التعريف بالمؤلف: هو، الإمام المحدث عبد الله بن مسلم بن قتيبة ولد سنة 213هـ بمرو، ونشأ في

بغداد، أخذ عن عدد من جهابذة العلماء، كان معظمًا عند أهل المغرب ويتهمون من وقع فيه بالزندقة، وهو خطيب أهل السنة وكاتبهم المقدم. وأهم مؤلفاته: تأويل مختلف الحديث، غريب القرآن، غريب الحديث، مشكل القرآن، وغيرها كثير وتوفي -رحمه الله- سنة 276هـ. ثانيًا: أهمية الكتاب ومنهجه: تظهر أهمية الكتاب من عدة وجوه: 1- تعرض الكتاب لمسألة من أهم مسائل الاعتقاد، وهي مسألة اللفظ بالقرآن وبيانه للحق فيها. 2- فيه رد لمنهج التأويل الذي يعتبر عمدة المتكلمين، فيما اعتقدوه في الله وصفاته، كما أنه يمثل منهج الرد بالمناظرة. 3- عنايته بالرد عن طريق اللغة العربية، وهو من الطرق النادرة في الاستدلال. وهذا الكتاب كغيره من كتب هذا الشأن في البعد عن المصطلحات الكلامية والألفاظ البدعية، مع سهولة اللفظ ووفاء المعنى، ورصانة الأسلوب وقوة العبارة. ثالثًا: محتويات الكتاب: يمكن إيجاز أهم مباحث الكتاب في النقاط التالية: 1- المقدمة وقد بين من خلالها حال كثير من العلماء سواء في تلقي العلم، أو في مناظراتهم التي خالفوا فيها ما عليه السلف، مع بيان سبب تأليف الكتاب. 2- تقسيم الناس بالنسبة لقبول الحق إلى ثلاثة أقسام: المقلد والمنكر والمسترشد الطالب للحق. 3- الجواب عن بعض ما اشتبه على أهل البدع من منظور لغوي.

4- مناقشة لجملة من آراء القدرية والجهمية والمعتزلة وردها. 5- التعرض لبعض شبه الرافضة الحديثية، وردها بما يدل على بطلانها. 6- تحرير الحق في مسألة اللفظ بالقرآن. 7- تحقيق القول في هل الإيمان مخلوق أو غير مخلوق؟ وما في ذلك من تفاصيل. 8- الرد على من ادعى كون الروح غير مخلوق. 9- الكلام على حروف القرآن هل هي مخلوقة أو غير مخلوقة. 10- مناقشة ما نقل عن الإمام أحمد من قوله: "من زعم أن القراءة مخلوقة فهو جهمي، والجهمي كافر ومن زعم أنها غير مخلوقة فهو مبتدع وكل بدعة ضلالة"، والرد على الواقفة. رابعًا: طبعات الكتاب: 1- طبع الكتاب طبعة غير محققة في دار الكتب العلمية ببيروت، سنة 1405هـ. 2- طبع محققًا في دار الراية بالرياض، بتحقيق عمر محمود أبي عمر، سنة 1412هـ. 6- السنة: للإمام ابن أبي عاصم -رحمه الله أولًا: التعريف بالمؤلف: هو، الإمام أبو بكر بن أبي عاصم أحمد بن عمرو بن الضحاك بن مخلد الشيباني، من أهل البصرة، ولد في شوال سنة 206هـ. حافظ كبير، وإمام بارع متبع للآثار، من أهل السنة والحديث والنسك والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، كان مذهبه القول بالظاهر ونفي القياس، له تصانيف كثيرة تزيد على ثلاثمائة مصنف. توفي -رحمه الله- سنة

287هـ، وشهد جنازته مائتا ألف بن راكب وراجل. ثانيًا: أهمية الكتاب ومنهجه: هذا الكتاب يعد من أوائل كتب أهل السنة، حيث سلك المصنف -رحمه الله- في تأليفه للكتاب مسلك المحدثين في سوق الأحاديث بأسانيدها تحت تراجم دالة على المعنى المراد من إيراد تلك الآثار. ثالثًا: محتويات الكتاب: يمكن إيجاز أهم مباحث الكتاب في الموضوعات التالية: 1- الأمر بلزوم السنة والجماعة وسنة الخلفاء الراشدين، وذم الفرقة والإخبار بافتراق الأمة، والتحذير من البدع والأهواء. 2- القدر وما يتعلق به من مسائل. 3- إثبات صفات الله تعالى، ككلامه تعالى، ورؤيته في الآخرة، ونزوله إلى السماء الدنيا، والقدم، واليد، والضحك، والتعجب، والسمع، والاستواء على العرش، وأنه سبحانه وتعالى في السماء. 4- اليوم الآخر وما ورد فيه من حوض النبي -صلى الله عليه وسلم- والميزان، والشفاعة، والورود على النار، والحساب اليسير ومناقشة الحساب، والإيمان بالبعث دخول سبعين ألفًا الجنة بغير حساب وزيارة المؤمنين لربهم في الجة وكلامه لهم. 5- زيادة الإيمان ونقصانه. 6- وجوب السمعك والطاعة لولي الأمر، وكيفية النصيحة للولاة، والأمر بالصبر عليهم. 7- خلافة الراشدين المهديين وفضل كل منهم، وفضل بقية العشرة.

رابعًا: نسخ الكتاب: - طبع الكتاب في المكتب الإسلامي ببيروت بتحقيق الشيخ الألباني -رحمه الله، عام 1400هـ. 7- كتاب السنة: للإمام أبي عبد الرحمن عبد الله بن أحمد بن حنبل -رحمه الله أولًا: التعريف بالمؤلف: هو، الإمام الحافظ أبو عبد الرحمن عبد الله بن الإمام أحمد بن حنبل الشيباني البغدادي، ولد في جمادى الآخرة سنة 213هـ. كان عالمًا بالرجال وعلل الحديث والأسماء والكنى، مواظبًا على طلب الحديث، وكان لا يكتب عن أحد إلا بأمر أبيه، توفي -رحمه الله- في يوم الأحد ودفن في آخر النهار لتسع بقين من جمادى الآخرة سنة 290هـ. ثانيًا: أهمية الكتاب ومنهجه: يعتبر كتاب السنة من المصادر العقدية الأولى ذلك أن مبني على طريقة المحدثين التي لا تقبل أي قول، أو فكر إلا بسند مقبول؛ فهو من هذا الجانب له مكانة كبيرة حيث اعتمدت عليه كثير من الكتب التي صنفت في عقيدة السلف، ككتاب الشريعة للآجري، وكتاب السنة للخلال، وكتاب الإبانة الكبرى لابن بطة، وكتاب شرح أصول اعتقاد أهل السنة للالكائي، ثم كتب شيخ الإسلام ابن تيمية وتلامذته من بعد. ويعتمد الكتاب في إثبات القضايا العقدية على النقل من كتاب الله وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم-، وما قرره علماء السلف، وبيرز طريقة من طرق الدفاع عن العقيدة، وهي الجواب على ما اشتبه على المخالفين لأهل السنة من الآيات والأحاديث، كما رتب

العقائد السلفية مسندة تحت عناوين توضح المراد بسياق هذه الأسانيد. وقد يؤخذ على الكتاب أمور منها: الأول: المبالغة في ذم الإمام أبي حنيفة -رحمه الله. والتحقيق أن نسبة القول بخلق القرآن لأبي حنيفة غير صحيحة؛ بل هي مكذوبة، والإرجاء الذي نسب إليه هو عين الإرجاء المنسوب للفرقة المبتدعة المرجئة، وإن كان قول أبي حنيفة في الإيمان مرجوح لمخالفته الكتاب والسنة، وما عليه عامة السلف. الثاني: التكرار، فإنه قد يورد الاثر بسنده في موضع، ثم يكرره بعد ذلك بنفس السند والمتن. الثالث: أن المصنف -رحمه الله- قد أورد أشياء واهية لم تثبت من ناحية سندها، ومتنها ومعناها يخالف ما عليه السلف، ولذا يجب التنبه إلى نقد هذه الآثار من حيث السند والمتن أيضًا ... ثالثًا: محتويات الكتاب: تدور مباحث الكتاب على جملة محاور منها: 1- إثبات أن القرآن كلام الله غير مخلوق، وكفر من قال خلافه. 2- نقد الإمام أبي حنيفة في الاعتقاد. 3- بيان مسائل الإيمان والرد على المرجئة. 4- القدرة وحكم الصلاة خلفهم. 5- ما ورد في ذكر الدجال وصفته.

6- آراء العلماء حول رؤية الرسول -صلى الله عليه وسلم- لربه ليلة الإسراء والمعراج. 7- ذكر الآيات التي اشتبهت على الجهمية، والرد عليهم في إنكارهم للكلام والرؤية واليد والخلق، وغير ذلك. 8- مسألة الخلافة وما يتعلق بها. 9- عذاب القبر وفتنته، وما يتعلق بذلك. 10- الرد على الخوارج وبيان أخطر ضلالاتهم. رابعًا: طبعات الكتاب: طبع كتاب السنة في مجلدين من القطع الكبير بتحقيق الدكتور محمد بن سعيد القحطاني، وأصل الكتاب بحث أعده محققه لنيل درجة الدكتوراه في العقيدة، وقد قدمه بدراسة مختصرة عن الكتاب، وقام بتخريج أحاديثه وآثاره والترجمة لرجاله، ونقل أقوال أهل الصنعة الحديثية، ثم وضع له فهارس علمية تخدمه وتفيد الباحث، هذا وقد ذكر المحقق أن الكتاب اشتهر باسم "الرد على الجهمية والزنادقة". 8- كتاب التوحيد وإثبات صفات الرب -عز وجل: لابن خزيمة -رحمه الله: أولًا: التعريف بالمؤلف: هو، الإمام أبو بكر محمد بن إسحاق بن خزيمة السلمي، النيسابوري، الحافظ الحجة الفقيه، الشافعي، إمام الأئمة ولد سنة 223هـ بنيسابور ونشأ بها، وطلب الحديث منذ حداثة سنه، وكان -رحمه الله- تقيا زاهدًا، سخيا كريمًا، شجاعًا جريئًا لا يخاف الأمراء والولاة ولا يهابهم، وجمع بين الحديث والفقه، إلا أن شهرته بالحديث أكثر، ولهذا لقب بالحافظ لكثرة حفظه وإتقانه، وقد زادت مصنفاته -رحمه الله- على مائة

وأربعين كتابًا سوى المسائل، والمسائل المصنفة أكثر من مائة جزء، توفي -رحمه الله- سنة 311هـ، وعمره تسع وثمانون سنة. ثانيًا: أهمية الكتاب ومنهجه: يعتبر هذا الكتاب من أهم الكتب المصنفة في العقيدة عند أهل السنة والجماعة، فمؤلفه من متقدمي علماء السنة، فقد عاش في القرن الثالث، وهو يروي كتبه بالسند المتصل إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- ومنها هذا الكتاب، وقد عاصر كثيرًا من شيوخ البخاري ومسلم -رحمهما الله تعالى، وتلقى عنهما والتقى بالبخاري ومسلم، وأخرجا له في غير الصحيح. والكتاب يشتمل على ما يزيد على سبعمائة وخمسين حديثًا بالإضافة إلى عشرات الأسانيد، الأمر الذي جعل كثيرًا من علماء السلف يعتمدون على هذا الكتاب، وينقلون منه كثيرًا في كتبهم التي تقرر عقيدة السلف، كما أن المؤلف يورد كثيرًا من الأحاديث من غير طرق الكتب الستة، فهو بهذا يعتبر كالمستخرج عليها. ثم إن مؤلفه يعتبر من أكبر علماء السنة الذين انتهت إليه الرئاسة في العلم والفقه بلا منازع، كما كان مشهورًا بمناظرته ومجادلته لأهل الأهواء وإفحامهم، فاستحق بذل لقب إمام الأئمة في عصره. وقد سلك المؤلف -رحمه الله- في تأليفه الكتاب مسلك المحدثين في سوق الآيات والأحاديث، والآثار تحت تراجم دالة على المعنى المراد، مقتديًا في ذلك بعلماء السلف الذين سبقوه. ويلاحظ في الكتاب الإكثار من الأبواب للموضوع الواحد، وقد يؤخذ على المؤلف روايته عن بعض الضعفاء والمتروكين رغم أنه اشترط في عدة مواضع من الكتاب أن لا يروي إلا عن الثقات العدول بالسند المتصل، وبتحقيق الكتاب أخيرًا

يتنبه الباحث إلى تلك الآثار. ثالثًا: أهم مباحث الكتاب: بدأ الكتاب بمقدمة ذكر فيها المؤلف -رحمه الله- السبب الذي دفعه لتأليف هذا الكتاب، ثم تطرق بعد ذلك في مباحث الكتاب إلى الحديث عن عدد من القضايا من أهمها: 1- سياق ما ورد من النصوص في الكتاب والسنة في إثبات عدد من الصفات الذاتية والفعلية لله عز وجل، وجعلها قاعدة لإثبات ما ورد مشابهًا لها، واعتبار أن القول في بعض الصفات كالقول في البعض الآخر. 2- إثبات إمكان رؤية الله يوم القيامة للمؤمنين دون الكافرين، في موقف القيامة وفي الجنة. 3- إثبات رؤية النبي -صلى الله عليه وسلم- لربه في الدنيا، وقد أطال في الاستدلال لها، وتكلف في تأويل بعض الأدلة لإثباتها رغم أن المترجح عند أكثر العلماء أن المراد برؤية النبي -صلى الله عليه وسلم- لربه الواردة في الأحاديث هي: الرؤية القلبية أو المنامية دون رؤية البصر، لعدم ورود النص الصريح في ذلك. 4- إثبات الشفاعة يوم القيامة، مع ذكر أنواعها، والخاص منها بنبينا -صلى الله عليه وسلم-، والرد على منكري الشفاعة من المعتزلة والخوارج. رابعًا: طبعات الكتاب: 1- طبع هذا الكتاب لأول مرة بالمطبعة المنيرية عام 1353هـ، وقد نفدت هذه الطبعة حتى صارت في حكم المخطوطة، ثم طبع عدة طبعات أخرى ومنها: 2- طبعة مكتبة الكليات الأزهرية، ودار الشروق للطباعة بمصر عام 1387هـ،

بمراجعة الشيخ محمد خليل هراس. 3- طبعة مكتبة الراشد بالرياض بتحقيق د. عبد العزيز الشهوان، وتقع في مجلدين، وهي أفضل الطبعات، وقد طبعت عام 1408هـ - 1988م. 9- الإبانة عن أصول الديانة: لأبي الحسن الأشعري -رحمه الله أولًا: التعريف بالمؤلف: هو، الإمام أبو الحسن علي بن إسماعيل بن إسحاق، ينتهي نسبه إلى الصحابي المشهور أبي موسى الأشعري -رضي الله عنه. ولد سنة 260هـ، وكان شافعي المذهب في الفروع، وإمامًا في الكلام، أخذ الاعتزال عن زوج أمه أبي علي الجبائي، وتبحر حتى بلغ فيه الغاية ثم رجع عنه بعد أن قضى أربعين سنة عليه. وقد مر -رحمه الله- في اعتقاده بثلاث مراحل: الأولى: مرحلة الاعتزال وهو اعتناقه لمذهب المعتزلة. الثانية: رجوعه عن الاعتزال واتخاذ طريقة عبد الله بن سعيد بن كلاب، والذي تنسب إليه الكلابية وهي عقيدة الأشاعرة الآن. الثالثة: رجوعه عن مذهب الكلابية إلى مذهب السلف الصالح إجمالًا، وإن تخل عقيدته من بقايا لحقته من آثار رحلته الطويلة، توفي -رحمه الله- ببغداد سنة 324هـ. ثانيًا: أهمية الكتاب ومنهجه: تأتي أهمية هذا الكتاب من جهة كونه يمثل آخر مرحلة تعبر عن عقيدة الإمام الأشعري التي مات عليها، والتي تفصح عن رجوعه عن أي عقيدة سواها، وفي الكتاب تصريحه باتباعه لمذهب السلف؛ بل صرح أنه على ما يقوله أبو عبد الله أحمد بن حنبل، مما يدل على بطلان ما انتهجه أصحابه من بعده لا سيما من خلط عقيدته في

المرحلة المتوسطة بالاعتزال. والكتاب من جهة أخرى شهادة من إمام المتكلمين على صحة مذهب السلف، والحق ما شهد به المخالفون، وإن كان ما قاله السلف حقًا، وليس متوقفًا على شهادة أحد. كما يمثل الكتاب نوعًا معينًا من التأليف العقدي هو المناظرات الكلامية العقدية وهذا الكتاب أساس في ذلك؛ حيث يعتبر الكتاب ردا على أصول الفرق من الجهمية، والمعتزلة القدرة، والحرورية والخوارج، والرافضة. وأهم مميزات هذا الكتاب: 1- جمعه في الاستدلال بين المنقول والمعقول. 2- صياغته على سبيل المناظرات الكلامية. 3- العناية بذكر شبهات أهل الباطل وردها بالمنطق العقلي. 4- بعده عن الأساليب الكلامية والألفاظ المنطقية. 5- الشمولية لأكثر بحوث العقيدة. وموضوع الكتاب هو تقرير ما أنكرته المعتزلة والقدرية من العقائد الإسلامية. ويؤخذ على الكتاب: نسبة القول بخلق القرآن لأبي حنيفة وهو بريء منه، فقد صرح في كتابه الفقه الأكبر بأن القرآن غير مخلوق، وكثرة عرض الشبه، ومع ذلك فلا تخلو ردوده على هذه الشبهات من فوائد مهمة. ثالثًا: محتويات الكتاب: سار الأشعري في كتابه على خطة البحث الآتية: 1- خطبة تضمنت بيان موضوع الكتاب وأسباب تأليفه.

2- بيان مضمون العقائد الباطلة التي يراد ردها. 3- سرد مقرون بالأدلة لعقيدة أهل الحق. 4- إثبات الرؤية بالأبصار ورد الشبه حول هذه المسألة. 5- إثبات أن القرآن كلام الله غير مخلوق، ورد الشبه حول هذه المسألة. 6- إثبات استواء الله على العرش، وما يتبع ذلك من إثبات علوه تعالى على عرشه، والرد على الشبه حول هذا الموضوع. 7- تقرير الكلام على عدد من الصفات، وهي الوجه والعينان والبصر واليدان وبيان مذهب السلف في ذلك، والاستدلال عليه والرد على نفاتها. 8- الرد على الجهمية في نفيهم للعلم والقدرة وجميع الصفات، وإيراد بعض الشبه والاعتراضات وردها. 9- مبحث خاص بالإرادة والرد على عقيدة المعتزلة فيها، وإيراد الشبه والاعتراضات وردها حول صفة الإرادة. 10- الكلام على مباحث القدر كأفعال العباد والاستطاعة والتعديل والتجويز وفرض الشبه والرد عليها. 11- الكلام على عدد من القضايا التي تتعلق بالقدر وهي التكليف، وإيلام الأطفال، والختم والآجال والأرزاق، والهدى والضلال، والتعليق على المشيئة "الاستثناء"، وذكر ما ورد عن السلف حول القدر وإثباته بالدليل. 12- الكلام على بعض ما يتعلق بالموت وعذاب القبر، وبعض ما يتعلق باليوم الآخر كالشفاعة، وأهل الكبائر وتقرير مذهب أهل السنة في ذلك، وذكر الحوض وأدلته.

13- الكلام على خلافة أبي بكر الصديق -رضي الله عنه-، وأدلة ذلك من الكتاب والسنة. رابعًا: طبعات الكتاب: - الكتاب له عدة طبعات بدون تحقيق علمي: 1- بمطبعة دائرة المعارف البريطانية بالهند سنة 1321هـ. 2- بالمطبعة المنيرية بالقاهرة بدون تاريخ. 3- بمطبعة الجمل المصرية بالقاهرة سنة 1348هـ. 4- ثم طبع الكتاب طبعة بتقديم وتحقيق وتعليق د. فوقية حسين محمود، بدار الأناصر بالقاهرة سنة 1397هـ. 5- ثم طبع أخيرًا بتقديم الشيخ حماد بن محمد الأنصاري بمطابع الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة سنة 1400هـ. 10- شرح كتاب السنة: للإمام أبو محمد البربهاري -رحمه الله أولًا: التعريف بالمؤلف: هو الإمام، أبو محمد الحسن بن علي بن خلف البربهاري، الفقيه، القدوة، كان قوالًا بالحق، داعية إلى الأثر، لا يخاف في الله لومة لائم، توفي في رجب سنة 328هـ. ثانيًا: أهمية الكتاب ومنهجه: الكتاب عبارة عن جمل واضحة لخص فيه المصنف رحمه الله أهم معتقدات أهل السنة والجماعة مما اتفقوا عليه سواء في المسائل العلمية أو العملية، وإن خلا الكتاب من

الأدلة النقلية والعقلية، كما قد يؤخذ الكتاب أن مسائله غير مرتبة، وفيه تكرار لبعض المسائل، ويلاحظ أن المصنف -رحمه الله- أدخل بعض المسائل المختلفة عليها من الأحكام العملية ضمن كتابه. ثالثًا: محتويات الكتاب: يمكن اختصار مباحث الكتاب في الموضوعات الآتية: 1- الحث على لزوم السنة والجماعة والتحذير من البدع والأهواء والافتراق، والنهي عن المراء والجدال في الدين، والأمر بالتسليم للنبي -صلى الله عليه وسلم. 2- تقرير مذهب أهل السنة في باب الصفات، وإثبات صفة السمع والبصر والعلم والاستواء، وأن القرآن كلام الله غير مخلوق. 3- إثبات رؤية الله يوم القيامة، والإيمان بالميزان وبعذاب القبر ومنكر ونكير وبالحوض والشفاعة والصراط، وبالقصاص بين الخلق، وبالجنة والنار. 4- تقرير مذهب أهل السنة في باب الإيمان، وأنه قول وعمل يزيد وينقص. 5- تقرير أن أفضل هذه الأمور والأمم كلها بعد الأنبياء أبو بكر ثم عمر ثم عثمان ثم بقية العشرة، ووجوب الترحم على جميع الصحابة، وذكر فضلهم. 6- وجوب السمع والطاعة للأئمة في المعروف، وحرمة الخروج عليهم. 7- إثبات الإسلام لكل من أظهره، والصلاة على من مات من أهل القبلة، وإن كان مرتكبًا للكبائر، ولا يخرج أحد من الإسلام إلا برد آية، أو حديث أو صرف شيء من العباد لغير الله. 8- النهي عن الكلام والجدل والخصومة في القدر. 9- ذكر بعض المسائل العملية؛ كالرجم والمسح على الخفين، وقصر الصلاة،

والفطر في السفر، واشتراط الولي والشاهدين في النكاح. 10- حصول الافتراق في الأمة، وذكر الطائفة المنصورة والفرقة الناجية، والتحذير من الفتن ومجالسة أهل البدع. رابعًا: طبعات الكتاب: 1- طبع الكتاب محققًا في در ابن القيم، بالدمام، بالسعودية بتحقيق د. محمد بن سعيد القحطاني 1408هـ. 2- وطبع مرة أخرى في مكتبة الغرباء بالمدينة المنورة بتحقيق خالد بن قاسم الردادي 1414هـ. 11- الإيمان: للإمام ابن منده -رحمه الله أولًا: التعريف بالمؤلف: هو، الإمام الحافظ المحدث أبو عبد الله محمد بن إسحاق بن محمد بن يحيى بن منده، ولد سنة 310هـ بأصبهان، ونشأ بها. ولم يبلغ أحد في عصره مبلغه في كثرة الشيوخ الذين سمع منهم وأخذ عنهم1، رحل لجمع السنة وسماعها إلى بلاد كثيرة مثل نيسابور والعراق والشام، ومصر ومكة والمدينة، وكان كثير التصانيف مع الثقة والحفظ والإتقان، وقد وصف بأنه فرد عصره دينًا وحفظًا ورواية مع اللطف والتواضع والعفة، يقول الذهبي في ترجمته: "وما علمت بيتًا من الرواة مثل بيت بني منده، بقيت الرواية فيهم من خلافة المعتصم2، وإلى بعد الثلاثين وستمائة"3، وقد ألف

_ 1 يقول الذهبي: "فبلغنا أن عدة شيوخه ألف وسبعمائة شيخ". سير أعلام النبلاء "11/ 7". 2 خلافة المعتصم سنة 248هـ. البداية والنهاية "11/ 2". 3 سير أعلام النبلاء "19/ 395".

ابن منده كتبًا في العقائد على منهج أهل السنة والجماعة بين فيها الحق، ورد على شبهات المبطلين، ودحضها بالنصوص الشرعية؛ ومن تلك الكتب: كتاب التوحيد، وكتاب الإيمان، وكتاب الرد على الجهمية، وكتاب في الرد على اللفظية، وكتاب في النفس والروح. وقد توي ابن منده -رحمه الله- سنة 395هـ. ثانيًا: أهمية الكتاب ومنهجه: سار المصنف -رحمه الله- على طريقة السلف في تصانيفهم في ذلك الزمان، فساق الآيات القرآنية والأحاديث النبوية والآيار السلفية المثبتة لمسائل الاعتقاد التي أوردها، مع وضع عنوان قبل النقولات توضح المراد بإيرادها، والمعنى الذي تثبته. ثالثًا: محتويات الكتاب: تدور مباحث الكتاب على عدة محاور منها: 1- معنى الإيمان، والفرق بين الإيمان والإسلام، وبيان أركان الإيمان والإسلام. 2- الإيمان يزيد وينقص، وتفاضل المؤمنين في الإيمان. 3- صفة أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ومنزلتهم. 4- وجوب حب الله ورسوله، وفضل الحب في الله والبغض فيه. 5- فضل من أسلم على ما سلف من الخير في الجاهلية، وفضل من آمن من أهل الكتاب بنبيه -صلى الله عليه وسلم- ثم آمن بالمصطفى -صلى الله عليه وسلم. 6- ما يدل على أن النفاق على ضروب؛ نفاق كفر، ونفاق قلب ولسان وأفعال، وهي دون ذلك. 7- وجوب الإيمان برؤية الله عز وجل.

8- وجوب الإيمان بما أخبر به الرسول صلوات الله عليه من الآيات المستقبلة إلى قيام الساعة. 9- وجوب الإيمان بالبعث والنشور، والحوض، والحساب والميزان. رابعًا: طبعات الكتاب: طبع الكتاب بمؤسسة الرسالة ببيروت في مجلدين عام 1407هـ، بتحقيق الدكتور علي بن محمد بن ناصر الفقيهي. 12- كتاب التوحيد ومعرفة أسماء الله -عز وجل- وصفاته على الاتفاق والتفرد: للإمام ابن منده -رحمه الله: أولًا: التعريف بالمؤلف: سبق التعريف به. تانيًا: أهمية الكتاب ومنهجه: ترجع أهمية الكتاب إلى كون مؤلفه قد تعرض لجانب مهم من جوانب العقيدة ألا وهو التوحيد بأنواعه، وقد بحثه المصنف بحثًا مستفيضًا وأورد عليه الأدلة الكثيرة والمتنوعة من الكتاب والسنة وآثار السلف. سلك المصنف في تأليفه للكتاب مسلك المحدثين في سوق الأسانيد إلى متونها تحت عناوين دالة على المعنى المراد من إيراد تلك النصوص. وقد أكثر من الآيات في القسم الأول، وهو بحث الوحدانية في الخلق، وهي أدلة توحيد الربوبية، ولم يخل فصل من ذكر الأحاديث المفسرة لتلك الآيات، كما أكثر من الأحاديث والآيات في الأقسام الآخرى، وهي بحث الأسماء الحسنى، والصفات، ولما تطرق للتصريح بذكر توحيد الربوبية في آخر الكتاب استدل على ذلك بالآيات، وأقوال بعض السلف.

ثالثًا: محتويات الكتاب: يقع الكتاب في سبعة أجزاء، وقد اشتمل على مائتين وستة وأربعين فصلًا، شملت تسعمائة وستة عشر حديثًا وأثرًا. وقد شمل الكتاب أقسام التوحيد الثلاثة؛ وهي: توحيد الربوبية، وتوحيد الألوهية، وتوحيد الأسماء والصفات، وقد بحث المصنف توحيد الأسماء مستقلًا ثم أتبعه بتوحيد الصفات بحيث جاءت الأقسام أربعة. وقد بدأ المصنف بقسم الوحدانية في الربوبية، وأطال فيه النفس مستدلًا به على توحيد الألوهية، ثم ذكر عنوانًا لتوحيد الأسماء، ومنه دخل في توحيد الألوهية، ثم عاد لتكميل أسماء الله تعالى، ثم أتبعه بتوحيد الصفات حيث بحثه مستقلًا عن الأسماء، ثم عاد إلى توحيد الربوبية بالتصريح بذلك في آخر الكتاب. رابعًا: طبعات الكتاب: - طبع الكتاب في مكتبة الغرباء الأثرية بالمدينة المنورة، بتحقيق د. علي بن ناصر الفقيهي، عام 1414هـ. 13- شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة: للإمام اللالكائي -رحمه الله أولًا: التعريف بالمؤلف: هو، الإمام هبة الله بن الحسن بن منصور الرازي الطبري اللالكائي الحافظ، جمع بين الحديث والفقه إلا أن شهرته بالحديث أكثر، ومؤلفاته تدل على هذا، شهد له العلماء بالحفظ والاتقان وعلو الشأن، وهو في باب الاعتقاد على طريقة أهل الحديث ومذهب أهل السنة. توفي -رحمه الله- سنة 418هـ.

ثانيًا: أهمية الكتاب ومنهجه: يعتبر هذا الكتاب من أهم الكتب المصنفة في العقيدة عند أهل السنة والجماعة، وقل أن نجد مصنفًا بعده لا يستفيد منه أو يشير إليه. ذكر المؤلف -رحمه الله- منهجه في مقدمة الكتاب، وبين الطريقة التي سيتبعها في التأليف وهي: 1- أنه لم يبدأ في تأليف هذا الكتاب حتى تصفح عامة كتب الأئمة الماضين، وعرف مذاهبهم ومناهجهم، ولم يأل جهدًا في تصنيفه. 2- أنه فصل المسائل الخلافية وبين المحدث لكل مسألة، والفترة الزمنية التي أحدثت فيها. 3- الاستدلال على صحة مذهب أهل السنة بالقرآن الكريم، فإن لم يجد فمن السنة، فإن لم يجد فيهما ولا في أحدهما استشهد بقول الصحابة -رضي الله عنهم- فإن لم يجد عنهم فعن التابعين لهم بإحسان. 4- ثم أخبر أنه لم يسلك فيه طريق التعصب على أحد من الناس. هذا هو المنهج المكتوب، وهناك جانب آخر منه اتبعه المؤلف، ولم يذكره وهو: 1- أن المؤلف اهتم بالجمع فقط من غير تمحيص للأحاديث، والآثار التي أوردها. 2- المؤلف يعرض الاعتقاد، ثم يذكر أدلته سردًا من غير تعليق أو شرح، ولعل المؤلف -رحمه الله- معذور في ذلك لكثرة النصوص الواردة إذ لو اتبع هذا المنهج لتضخم الكتاب إلى أكبر من حجمه. 3- المؤلف لم يذكر المذاهب المخالفة في المسألة التي يوردها إلا في أماكن قليلة جدًا كما في مسألة: "الاسم والمسمى"، ونحوه.

4- يختم بعض المباحث برؤى ومنامات تشهد لأهل السنة والجماعة بصحة عقائدهم، وتعيب على المخالفين لهم كما فعل في نهاية مبحث القرآن والقدر. 5- يقدم في أول المبحث بعض الآثار بدون سند، ثم يأتي بها بعد ذلك بأسانيدها. ومن مميزات الكتاب ما يلي: 1- يشتمل هذا الكتاب على عدد كبير من النصوص ما بين حديث، وأثر كلها تتحدث عن مسائل عقدية. 2- والكتاب يعتبر موسوعة لأسماء علماء أهل السنة، وهذا يؤكد إجماع الأمة على عقيدة أهل السة قبل وبعد ظهور الانحرافات في الاعتقاد. 3- يعتبر الكتاب من المستخرجات حيث إن المؤلف -رحمه الله- سلك في إيراده للآثار مسلك المحدثين إذ يورد الحديث، أو الأثر بسنده إلى قائله، فإذا كان الحديث مخرجًا في أحد كتب السنة فإنه لا يورده من طريقه؛ بل من طريق آخر ولا يكاد يوجد في هذا الكتاب ما يخالف هذه القاعدة، ولا شك أن وروده من تلك الطريق سيؤدي إلى زيادة أو موافقة لها فائدتها الحديثية. ومن المآخذ التي تؤخذ عليه ما يلي: 1- عدم التنظيم، فلم يهتم المؤلف -رحمه الله- بجانب التنظيم لا في عناوين الكتاب وفي الموضوعات. فالعناوين لم تنظم بحيث تشمل أبوابًا وفصولًا يعرف منها بداية الباب ونهايته ومحتواه، وإنما يسوق الموضوعات سوقًا تحت عنوان "سياق كذا وكذا"، ولم يستعمل كلمة: "باب" إلا أربع مرات تحتها هذه السياقات المتقدمة، مما أدى إلى دخول بعض المباحث تحت أحد هذه الأبواب، وكان من حقها أن تفصل وتوضع تحت باب آخر، كما

وقع ذلك في مبحث القدر مثلًا، فقد جاء بعد تقدم باب في التوحيد من غير فصل. 2- ضعف بعض الأحاديث والآثار الواردة فيه؛ فإن المؤلف -رحمه الله- قد أخرج في كتابه عشرات الأحاديث والآثار الضعيفة، والتي لا تصلح أدلة في أمور العقيدة، وقد نبه على ذلك محقق الكتاب وفقه الله. ثالثًا: محتويات الكتاب: تنوعت مباحث الكتاب، ولعل أهمها ما يلي: 1- فضل حفظ السنة والأمر بالاتباع والتمسك بالكتاب والسنة، والمحافظة على الجماعة، والنهي عن مناظرة أهل البدع. 2- القرآن كلام الله غير مخلوق، وأقوال علماء أهل السنة الدالة على ذلك، وحكم المخالف في هذه المسألة ومن قال: لفظي بالقرآن مخلوق، ومتى حدث القول بخلق القرآن، ومن أول من قاله. 3- ذكر جملة من صفاته تعالى كاستوائه على العرش، واتصافه تعالى بالعلم وكون علمه غير مخلوق وأن الله تعالى سميع بسمع بصير ببصر، وإثبات الوجه والعينين واليدين، ونزول الرب تبارك وتعالى، ورؤية المؤمنين لربهم يوم القيامة. 4- القدر وعقيدة أهل السنة فيه ومذاهب المخالفين، وما يتعلق به من مسائل. 5- سياق ما روي في نبوة النبي -صلى الله عليه وسلم- متى كانت وبم عرفت، وفضائل النبي -صلى الله عليه وسلم- ومعجزاته. 6- الكلام على الإيمان وعلاقته بالإسلام، وتعريفه وزيادته ونقصانه والاستثناء فيه، والخصال المعدودة في الإيمان، وسياق النصوص وأقوال أئمة أهل السنة في هذه المسائل.

7- ضلال المرجئة وقبح مذهبهم، ومتى حدث وما روي في ذم المرجئة. 8- مذهب أهل السنة في مرتكبي الكبائر والتوبة منها والشفاعة لأهلها. 9- عذاب القبر وسؤال الملكين، وإهداء الأعمال الصالحة للأموات. 10- طاعة الأئمة والأمراء. 11- فضائل الصحابة والحث على حبهم، والوعيد لمن تناولهم أو تنقصهم، وعقوبات من سب الصحابة، والتفضيل بينهم. 12- فضائل الخلفاء الأربعة وترتيب الخلافة بينهم، وفضائل بقية العشرة والعباس وحمزة وأمهات المؤمنين. 13- ما ورد من آيات وأحاديث وآثار عن الصحابة والتابعين في كرامات الأولياء، وما روي من كرامات بعض الصحابة والتابعين وأولياء الله تعالى. رابعًا: طبعات الكتاب: يشتمل الكتاب على ثمانية أجزاء طبعت في أربعة مجلدات بتحقيق د. أحمد سعد حمدان بالإضافة إلى جزء في كرامات أولياء الله طبع في مجلد مستقل لنفس المحقق. نشر دار طيبة، الرياض. ثم طبع بمصر طبعة أخرى محققة، ومقابلة على نسخة خطية، بتحقيق نشأت كمال المصري.

14- كتاب عقيدة السلف أصحاب الحديث: للإمام أبو عثمان الصابوني -رحمه الله أولًا: التعريف بالمؤلف: هو، الإمام أبو عثمان إسماعيل بن عبد الرحمن بن أحمد بن إسماعيل بن عائد الصابوني، ولد سنة 372هـ، وتولى الوعظ بعد والده، وكان يحضر مجلس وعظه كبار العلماء أخذ عن شيوخ عصره حتى برع في العلم وتفنن فيه، توفي -رحمه الله- في شهر المحرم من سنة 449هـ. ثانيًا: أهمية الكتاب ومنهجه: ترجع أهمية الكتاب إلى أمرين أساسيين هما: 1- أنه من المصادر الرئيسة في نقل عقيدة السلف، ولم يزل العلماء ينقلون عنه النقول وينسبون إليه الأقوال، وممن نقل عنه شيخ الإسلام ابن تيمية في كتاب التأسيس وفي كتاب الحموية. 2- تقريره لموقف السلف من النصوص مع مقارنته بمنهج أهل البدع مما يظهر مدى استقامة أصول السلف، والانحراف عن الحق عند أهل البدع. موضوع الكتاب هو تقرير العقيدة السلفية في أصول الدين، وقد سار المصنف -رحمه الله- في هذا الكتاب على النهج التالي: 1- بيان العقائد السلفية بالدليل والبرهان من الكتاب والسنة. 2- نقل مذهب السلف بالأسانيد الصحيحة. 3- الاختصاص مع تمام المعنى في سياقه للعقائد.

ومما يلاحظ على الكتاب: 1- سوقه لبعض الأمور الفرعية مع أنه كتاب في الاعتقاد، والذي دعاه لذلك أنها كالعلامة والشعار لأهل السنة في زمانه. 2- توقفه في مسألة اللفظ بالقرآن اقتداء بابن جرير، وكان الواجب التفصيل كما صنع البخاري وابن قتيبة عليهم جميعا رحمة الله. ثالثًا: محتويات الكتاب: قد اشتمل الكتاب على تقرير عدد من المباحث من أهمها ما يلي: 1- إثبات صفات الله مما وردت به النصوص، كالاستواء والعلو والفوقية والنزول والمجيء، وبيان الفرق بين أهل السنة وأهل البدع في التعامل مع نصوص الصفات. 2- اعتقاد أهل الحديث أن القرآن كلام الله غير مخلوق. 3- الكلام على البعث بعد الموت، والشفاعة لأهل الكبائر، والحوض، والكوثر، والجنة والنار، ورؤية المؤمنين لربهم عيانًا في الآخرة. 4- بيان اعتقاد أهل الحديث في حقيقة الإيمان وزيادته ونقصانه. 5- بيان اعتقادهم في مرتكب الكبيرة في الدنيا والآخرة. 6- بيان فضائل الصحابة ووجوب محبتهم وحسن الظن بهم، وإثبات خلافة الخلفاء الراشدين -رضي الله عنهم، وأن فضلهم بحسب ترتيبهم في الخلافة، ووجوب الكف عما شجر بينهم. 7- وجوب الصلاة خلف الأئمة المسلمين والدعاء لهم ونصيحتهم، والجهاد معهم والصبر على جورهم، وعدم الخروج عليهم وإن جاروا.

رابعًا: طبعات الكتاب: طبع الكتاب عدة طبعات نذكر منها: 1- طبع في المطبعة المنيرية ضمن مجموع الرسائل المنيرية، بالقاهرة، عام 1343هـ. 2- طبع في الدار السلفية بالكويت بتحقيق بدر البدر سنة 1404هـ. وهو في الحقيقة تخريج أكثر منه تحقيق. 3- طبع في دار العاصمة، بدراسة وتحقيق د. ناصر الجديع، الطبعة الثانة، 1419هـ. 15 - الكلام على الصفات: للخطيب البغدادي -رحمه الله أولًا: التعريف بالمؤلف: هو الإمام العلامة خاتمة الحفاظ أبو بكر بن علي بن ثابت بن أحمد بن مهدي البغدادي، ولد سنة 392هـ. انتهت إليه رياسة علم الحديث في زمانه، وبلغ الغاية حفظًا وإتقانًا وضبطًا لحديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وتفننًا في علله وأسانيده، وعلمًا بصحيحه وغريبه، وفرده ومنكره ومطروحه، وقد بلغت مصنفاته ستًا وخمسين مصنفًا. توفي -رحمه الله- في ذي الحجة سنة 463هـ. ثانيًا: أهمية الكتاب ومنهجه: هذا الكتاب من نوادر الخطيب البغدادي -رحمه الله، وهو من هو في العلم والمكانة، وانتساب الكتاب إليه إضافة عظيمة للمنافحين عن مذهب أهل السنة في باب الصفات.

وهذا الكتاب تلخيص جيد لمذهب أهل السنة في باب الصفات بأسلوب سهل واضح لا تعقيد فيه، وهو على صغره لم يخل من الأدلة النقلية والعقلية على إثبات منهج السلف في باب الصفات. ثالثًا: محتويات الكتاب: ليس في الكتاب إلا مبحث واحد بين المصنف -رحمه الله- مذهب السلف في باب الصفات مستعينًا بالأدلة النقلية والعقلية، ثم وضح أن الأحاديث المروية في الصفات على ثلاثة أقسام وبين حكم كل منها. رابعًا: طبعات الكتاب: طبع الكتاب في مكتبة ابن تيمية بالقاهرة ومكتبة العلم بجدة، بتحقيق عمرو عبد المنعم، عام 1413هـ. وقد روى الإمام الذهبي جزءًا من هذا الكتاب في كتاب سير أعلام النبلاء، وذلك في سياق ترجمته للخطيب البغدادي. 16- الحجة في بيان المحجة في شرح التوحيد ومذهب أهل السنة: لقوام السنة أبو القاسم التيمي الأصبهاني -رحمه الله أولًا: التعريف بالمؤلف: هو، الحافظ أبو القاسم إسماعيل بن محمد بن الفضل بن علي بن أحمد بن طاهر التيمي الطلحي الأصبهاني، ولد سنة 457هـ بأصبهان، ونشأ بها، ثم رحل إلى بغداد ونيسابور ومكة لتحصيل العلم، وقد من الله عليه بالعلم الواسع والهمة العالية، فكان إمامًا في التفسير والحديث واللغة والأدب، عارفًا بالمتون والأسانيد، حتى نال ثناء أهل عصره، ولقب بشيخ الإسلام وبقوام السنة، وعده بعضهم مجدد القرن

السادس. كما كان زاهدًا عفيفًا نزيه النفس عن المطامع، لا يدخل على السلاطين، ولا على من اتصل بهم. عاش أبو القاسم في الوقت الذي انتشرت فيه الفرق المخالفة لأهل السنة وتم ظهورها، فوفقه الله لسلوك منهج السلف في العقيدة، والتصنيف للرد على المبتدعة، فله في العقيدة ثلاثة مصنفات: الحجة في بيان المحجة، والسنة، ودلائل النبوة وقد عمر ثمانية وسبعون عامًا، وتوفي يوم الأضحى سنة 535هـ. ثانيًا: أهمية الكتاب ومنهجه: يقول المصنف في بيان أهمية كتابه، والسبب الذي دفعه إلى تأليفه: "وحين رأيت قوام الإسلام بالتمسك بالسنة، ورأيت البدعة قد كثرت والوقيعة في أهل السنة قد فشت، ورأيت اتباع السنة عند قوم نقيصة، والخوض في الكلام درجة رفيعة، رأيت أن أملي كتابًا في السنة يعتمد عليه من قصد الاتباع وجانب الابتداع، وأبين فيه اعتقاد أئمة السلف وأهل السنة في الأمصار، والراسخين في العلم في الأقطار، ليلزم المرء اتباع الأئمة الماضين، ويجانب طريقة المبتدعين، ويكون من صالحي الخلف لصالحي السلف"1. ويعد الكتاب من أفضل ما صنف علماء السلف في العقيدة، وذلك للأمور الآتية: 1- جمع موضوعات العقيدة كاملة مستوفاة في الكتاب بقسميه، مع الاستفادة بمؤلفات العقيدة لدى المتقدمين عن المصنف. 2- الامتياز بالتنظيم على هيئة أبواب وفصول. 3- عدم الاكتفاء بسرد الأحاديث والآثار؛ بل مناقشة المخالفين لعقيدة السلف،

_ 1 انظر مقدمة كتاب الحجة في بيان المحجة ص84.

والإشارة إلى أقوالهم، وردها بالأدلة النقلية والعقلية ودلالة اللغة. ولم يشر المصنف في مقدمة كتابه إلى منهجه في التأليف، وإن كان قد سلك في تأليفه المنهج الآتي: 1- يعقد المصنف الباب أو الفصل، ويسرد الآيات والأحاديث، والآثار المتعلقة به بأسانيدها. 2- في بعض المباحث يناقش المخالفين من المعتزلة أو الأشاعرة، يرد علهم بالأدلة النقلية والعقلية واللغوية. 3- كثيرًا ما ينقل المؤلف من كتب العلماء بسنده إليهم، وخاصة ابن منده واللالكائي، كما ينقل عقيدة كاملة لبعض العلماء من أهل السنة. 4- اعتنى المصنف بالرد على القائلين بخلق القرآن وما يتعلق بذلك، فأكثر فيه الفصول، وكررها في الجزء الأول والثاني. وعلى الكتاب بعض المآخذ اليسيرة، وهي: 1- تضمن بعض الأبواب على فصول غير مرتبة، وغير مطابقة لعنوان الباب. 2- تكرار الكلام عن موضوع واحد في أماكن متعددة، وخاصة مبحث "القرآن كلام الله غير مخلوق". 3- عدم تخريج الأحاديث والآثار الواردة في الكتاب إلا نادرًا، مع إيراد أحاديث ضعيفة دون الإشارة إلى ضعفها. ثالثًا: محتويات الكتاب: مباحث الكتاب تتبين من خلال استعراض عناوين أبوابه، وهي أربعة عشر بابًا مشتملة على مائتين وثمانين فصلًا، تقع في جزأين.

ويشتمل الجزء الأول على الأبواب الآتية: 1- باب في التوحيد. 2- باب في مجيء الأخبار عن النبي -صلى الله عليه وسلم- متواترة في صفات الله. 3- باب ذكر إثبات وجه الله -عز وجل. 4- باب الدليل من الكتاب والأثر على أن الله تعالى لم يزل متكلمًا آمرًا ناهيًا. 5- باب ما ورد في كتاب الله من بيان أن القرآن كلام الله غير مخلوق. 6- باب مسائل الإيمان. 7- باب في الرد على الجهمية والمعتزلة. أما الجزء الثاني فيشتمل على الأبواب الآتية: 8- باب القدر. 9- باب ذكر الوعد والوعيد. 10- بباب في بيان استواء الله -عز وجل- على العرش. 11- باب كلام الرب -عز وجل. 12- باب فضائل الصحابة. 13- باب في التمسك بالسنة. 14- باب في اجتناب البدع والأهواء. رابعًا: طبعات الكتاب: طبع الكتاب في دار الراية للنشر والتوزيع بالرياض، عام 1411هـ، بتحقيق محمد بن ربيع بن هادي المدخلي.

17- لمعة الاعتقاد الهادي إلى سبيل الرشاد: للإمام ابن قدامة -رحمه الله أولًا: التعريف بالمؤلف: هو الإمام موفق الدين أبو محمد عبد الله بن أحمد بن محمد بن قدامة بن مقدام بن نصر نصر المقدسي الجماعيلي، ثم الدمشقي الصالحي الحنبلي، ولد بجماعيل من أعمال نابلس سنة 541هـ، كان إمامًا في علم الفرائض والخلاف، والأصول والفقه، والنحو والحساب، والعباد والزهاد، وكان ذكيًا شجاعًا شديد الاحتمال للأذى، له مصنفات ذائعة الصيت في أصول الدي والفقه وأصول الفقه والتفسير والحديث. توفي رحمه الله سنة 620هـ. ثانيًا: أهمية الكتاب ومنهجه: الكتاب يعد مختصرًا لأهم مسائل الاعتقاد على مذهب أهل السنة والجماعة، وهو على صغره فيه حشد من الأدلة نظرًا لما حواه من المسائل العقدية، وقد عنى بشرحه جماعة من العلماء قديمًا وحديثًا. ولقد سار المصنف -رحمه الله- تعالى على درب من سبقه من علماء السلف في تصنيف كتبهم العقدية، حيث اعتمد في استدلالاته على كتاب الله وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم، والكتاب يعتبر متنًا في اعتقاد أهل السنة، جمع أهم مسائل العقيدة بأخصر عبارة، وإن كان فيه كما سبق حشد لا بأس به من الأدلة. ثالثًا: محتويات الكتاب: يمكن التعرف على محتويات الكتاب بعرض أهم مباحثه، والتي تدور حول المحاور التالية:

1- مقدمة وضح فيها منهج السلف في مسألة الصفات، وحث فيها على الاتباع وحذر من الابتداع واتباع الأهواء. 2- إثبات بعض الصفات تفصيلًا بسياق النصوص الدالة عليها وهي: الوجه، اليدان، النفس، المجيء، الرضى، المحبة، الغضب، السخط، الكره، النزول، التعجب، الضحك، الاستواء، الفوقية، الكلام، القرآن كلام الله غير مخلوق، رؤية المؤمنين لربهم يوم القيامة. 3- القضاء والقدر، وما يتعلق بهما من خلق أفعال العباد والهداية والإضلال. 4- الإيمان قول وعمل. 5- وجوب الإيمان بكل ما أخبر به الرسول -صلى الله عليه وسلم- مثل الإسراء والمعراج، وأشراط الساعة وفتنة القبر، وما يقع يوم القيامة من الحشر والحساب ووزن للأعمال، والشفاعة وحوض النبي -صلى الله عليه وسلم، ونصب الصراط والجنة والنار، وذبح الموت. 6- الإيمان بمحمد -صلى الله عليه وسلم- وأنه خاتم النبيين. 7- التفضيل بين الصحابة والخلافة الراشدة والعشرة المبشرون بالجنة. 8- وجوب تولي الصحابة ومحبتهم والكف عن مساوئهم وما شجر بينهم. 9- طاعة الولاة وحرمة الخروج عليهم. 10- هجر أهل البدع وترك الجدال والخصومات في الدين.

18- كتاب التدمرية: لشيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله أولًا: التعريف بالمؤلف: هو، شيخ الإسلام تقي الدين أبو العباس أحمد بن شهاب الدين عبد الحليم بن مجد الدين عبد السلام بن تيمية الحراني، ولد بحران في ربيع الأول سنة 661هـ. كان من بحور العلم، برع في التفسير والفقه والرجال وعلل الحديث وفقهه. حفلت حياته بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والجهاد في سبيل الله، وأوذي كثيرًا، أعلى الله مناره وجمع قلوب أهل التقوى على محبته، وهدى به خلقًا كثيرًا. توفي -رحمه الله- في ذي القعدة سنة 728هـ في محبسه بقلعة دمشق. ثانيًا: أهمية الكتاب ومنهجه: تحظى العقيدة التدمرية بأهمية خاصة، وترجع أهمية هذا الكتاب للأمور التالية: 1- جلى شيخ الإسلام فيه توحيد الألوهية، وتوحيد الأسماء والصفات على وجه فريد من بيان الحق، بحيث أبان المعتقد الصحيح في هذين الأصلين، وأزال الإشكالات، ودفع الشبهات بأسلوب علمي رصين. 2- أظهر البناء العقلي لمذهب السلف على وجه الدقة في المبنى والمعنى، وبين الاستعمالات الصحيحة والمجالات الممكنة للعقل من خلال تلك المناظرات المفترضة. 3- أظهر ما في مذاهب المبتدعة من عوار، واضطراب في العقيدة وأصول الاستدلال عندهم. 4- أقام الأدلة على إبطال أصل التأويل الكلامي، وبين ما يترتب عليه من أنواع الضلالات.

وقد اتخذ ابن تيمية منهجًا متميزًا في كتابه هذا وأهم عناصر هذا المنهج ما يلي: 1- تقرير الصحيح من الاعتقاد بالدليل والبرهان مع الاستدلال بالمنقول والمعقول. 2- بيان الفروق العقدية بين الألفاظ المختلفة. 3- ذكر الأقوال العقدية وما يترب عليها من أعمال، مع العدل في النقد الموضوعي لجميع ما ذكره من الآراء. 4- التأصيل ووضع الضابط العام العاصم من الوقوع في الأخطاء العقدية. 5- ذكر لوازم الأقوال سواء أكانت حقا أم باطلًا؛ لأن ذلك من دلائل الحق والباطل إذ لازم الحق حق، ولازم الباطل باطل. 6- وصله القاعدة بأمثلتها، وتطبيقاتها مما يظهر معناها وطريق استعمالها والاستفادة منها. ثالثًا: محتويات الكتاب: تدور مباحث الكتاب حول الموضوعات التالية: 1- المقدمة وبين فيها موضوع الكتاب، وسبب تأليفه والفرق بين التوحيد والشرع والقدر. 2- الكلام عن النفي والإثبات، وبيان مذهب السلف ومذاهب فرق الضلال فيهما. 3- الحديث عن الصفات، وتقرير عقيدة أهل السنة فيها. 4- بيان الأصل الثاني وهو التوحيد في العبادات، وبطلان اتخاذ الوسائط بين الله وخلقه.

5- ذكر تقسيم المتكلمين للتوحيد، وبيان بطلانه. 7- بيان أقسام الناس في القدر والأمر. 8- بيان آراء الناس في العقل والنقل، وبطلان القول بتعارضهما، وذكر قولهم في الفناء في الذات الإلهية، وما فيه من الباطل. 9- توضيح العلاقة بين العبادة والاستعانة. رابعًا: طبعات الكتاب وشروحه: طبع الكتاب عدة طبعات، ومن أحسنها ثلاث طبعات: 1- طبعة بتحقيق الأستاذ زهير الشاويش -المكتب الإسلامي. 2- طبعة بتحقيق الشيخ عبد القادر الأرناؤوط. 3- طبعة بتحقيق الدكتور محمد السعوي، وهي أجود وأكمل الطبعات، وهو موضوع الرسالة التي نال بها درجة الماجستير في العقيدة والمذاهب المعاصرة، طبعة مكتبة العبيكان بالرياض، سنة 1416هـ. ويوجد للكتاب شروح مختصرة ومن أهمها: 1- التحفة المهدية للشيخ فالح بن مهدي آل مهدي، تصحيح وتعليق د. عبد الرحمن المحمود، طبعة دار الوطن بالرياض عام 1414هـ. 2- تقريب التدمرية للشيخ ابن عثيمين. 3- الكواكب الدرية بحل ألفاظ التدمرية للدكتور إبراهيم البريكان.

19- العقيدة الواسطية: لشيخ الإسلام ابن تيمية أولًا: التعريف بالمؤلف: سبق التعريف به. ثانيًا: أهمية الكتاب ومنهجه: ترجه أهمية الكتاب إلى شموله لأهم قضايا العقيدة، فتحدث عن الإيمان بالله وأركانه، وتوحيد الأسماء والصفات، والواجب نحو أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم، وكرامات الأولياء وصفات أهل السنة، فجاء هذا الكتاب جامعًا لمعظم بحوث عقيدة أهل السنة. كما أن هذه العقيدة عرضت في مقام التحدي لخصوص شيخ الإسلام، ومخالفيه في العقيدة، ولم يستطع أحد منهم أن ينكر عليه شيئًا مما جاء فيها، بل وقع الاتفاق على أن هذا معتقد سلفي جيد كما ذكر ذلك الإمام الذهبي -رحمه الله تعالى. ولقد جلى شيخ الإسلام في هذا الكتاب وسطية أهل السنة والجماعة في أبواب الدين ومسائله، ككتاب الصفات وأفعال الله والوعيد وأسماء الإيمان والدين والصحابة وغيرها. دعم فيه شيخ الإسلام -رحمه الله- معتقده بالدلائل النقلية من الآيات القرآنية والأحاديث الصحيحة بما لا مزيد عليه، وكذا دعمه بالدلائل العقلية القوية. وقد عرض شيخ الإسلام -رحمه الله- قضايا العقيدة في تسلسل جيد، وبأسلوب واضح، وحرص على تحري ألفاظ الكتاب والسنة في هذه العقيدة، ولم يلتفت إلى ما أحدث من ألفاظ في باب الاعتقاد.

ثالثًا: محتويات الكتاب: يمكن إيجاز أهم مباحث الكتاب في الموضوعات التالية: 1- موقف أهل السنة والجماعة من الإيمان بصفات الله تعالى. 2- حقيقة الإيمان عند أهل السنة، وحكم مرتكب الكبيرة. 3- القدر ومراتبه والرد على المخالفين فيه. 4- الصحابة الكرام والواجب نحوهم ومكانتهم وفضائلهم، والرد على المبتدعة والروافض فيما يقولون في حق أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم. 5- مذهب أهل السنة والجماعة في كرامات الأولياء. 6- صفات أهل السنة والجماعة ولم سموا بهذا الاسم، وبيان وسطيتهم. 7- مكملات العقيدة من مكارم الأخلاق، ومحاسن الأعمال. رابعًا: طبعات الكتاب وشروحه: طبعت الواسطية طبعات كبيرة مفردة ومجموعة مع غيرها ومشروحة، وتربو شروح الواسطية، والتعليقات عليها المطبوعة على العشرين ومن أهمها: 1- الكواشف الجلية في شرح العقيدة الواسطية، للشيخ عبد العزيز المحمد السلمان، بالرياض، طبعة رئاسة إدارات البحوث العلمية والإفتاء، عام 1402هـ - 1982م. 2- التنبيهات اللطيفة على ما احتوت عليه العقيدة الواسطية من المباحث المنيفة، للشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي، وعليه تعليقات نفيسة للشيخ ابن باز رحمه الله، طبعة دار ابن القيم للنشر والتوزيع عام 1409هـ - 1989م.

3- الروضة الندية شرح العقيدة الواسطية، للشيخ زيد بن عبد العزيز بن فياض، طبعة دار الوطن بالرياض عام 1414هـ. 4- التنبيهات السنية على العقيدة الواسطية، للشيخ عبد العزيز بن ناصر الرشيد، طبعة دار الرشيد للنشر والتوزيع عام 1416هـ - 1995م. 5- شرح العقيدة الواسطية، للشيخ صالح بن فوزان عبد الله الفوزان، طبعة مكتبة المعارف بالرياض، عام 1407هـ - 1987م. 6- شرح العقيدة الواسطة، للشيخ محمد خليل هراس، طبعة دار الهجرة للنشر والتوزيع بالرياض عام 1411هـ - 1991م. 7- تبسيط العقيدة الواسطية، للشيخ محمد عبد العزيز مانع، دار الحرمين للطباعة والنشر بالقاهرة، عام 1419هـ. 8- المحاضرات السنية في شرح العقيدة الواسطية، للشيخ ابن عثيمين، طبعة مكتبة طبرية بالرياض، عام 1412هـ - 1993م. 20- الفتوى الحموية الكبرى: لشيخ الإسلام ابن تيمية أولًا: التعريف بالمؤلف: سبق تعريفه. ثانيًا: أهمية الكتاب ومنهجه: هذا الكتاب ضمنه شيخ الإسلام أصول وقواعد عقيدة السلف في الأسماء والصفات، ونقل عنهم وأطال في ذلك، وقد امتحن الشيخ -رحمه الله بسببها، أجزل الله مثوبته.

وكان شيخ الإسلام قد ورد إليه سؤال من مدينة حماه عما يجب الإيمان به من صفات الله الثابتة في كتابه الحكيم، وصحيح سنة رسوله الكريم -كالاستواء على العرش، والعلو، والنزول إلى السماء الدنيا وغير ذلك هل هي على ظاهرها أم لا بد من تأويلها؟ فأجاب بما أجاب به الإمام مالك بن أنس وشيخه ربيعة بن عبد الرحمن، وهو أن: "الاستواء معلوم، والكيف مجهول، والسؤال عنه بدعة"، وأن هذا ما كان عليه الأئمة المتبوعون والصحابة قبلهم والتابعون، فهاج القائلون بالتأويل على هذه الفتوى. فرأي شيخ الإسلام أن يزيد هذا التحقيق بيانًا، فأضاف إلى الفتوى نصوصًا عظيمة عن أعلام العلماء من أتباع المذاهب الأربعة والصوفية، كأقوال ابن أبي زمنين الأندلسي المالكي، وابن خفيف الشيرازي الشافعي الصوفي، وعمرو بن عثمان المكي الصوفي وغيرهم، فانتشرت الفتوى بعد هذه الزيادات انتشارًا عظيمًا، وسميت الفتوى الحموية الكبرى، لتتميز عن أختها السابقة التي عرفت فيما بعد باسم الفتوى الحموية الصغرى. ثالثًا: محتويات الكتاب: تدور مباحث الكتاب حول ما يجب من الإيمان بصفات الله تعالى الثابتة في الكتاب والسنة كالاستواء والعلو، والنزول إلى سماء الدنيا.. وإقرار منهج أهل السنة في باب الصفات، والرد على مخالفيهم وبيان خطأهم. رابعًا: طبعات الكتاب: طبع هذا الكتاب بالمطبعة السلفية بالقاهرة عام 1398هـ.

21- العلو للعلي الغفار: للإمام الذهبي -رحمه الله أولًا: التعريف بالمؤلف: هو، الإمام الحافظ المؤرخ شمس الدين أبو عبد الله محمد بن أحمد بن عثمان بن قايماز التركماني الشافعي الدمشقي الشهير بالذهبي. ولد في ربيع الآخر سنة 673هـ بدمشق، ونشأ في أسرة علمية، ورحل في طلب العلم، وذاع صيته في العالم الإسلامي، وقصده طلاب العلم من كل مكان، بعد أن أصبح إمامًا في القراءات والحديث، والسير والجرح والتعديل، وترك ثروة علمية عظيمة بلغت 215 مؤلفًا، توفي -رحمه الله- ليلة الاثنين 3 ذو القعدة سنة 748هـ، ودفن بدمشق. ثانيًا: أهمية الكتاب ومنهجه: يعالج هذا الكتاب مسألة من أهم المسائل الاعتقاد التي اختلف المسلمون فيها منذ أن وجدت المعتزلة وحتى الآن، ألا وهي مسألة علو الله -عز وجل- على خلقه، الثابتة بالكتاب والسنة، المدعمة بشاهد الفطرة السليمة. وقام المصنف -رحمه الله- بحشد مجموعة كبيرة من الأحاديث والآثار عن الصحابة والتابعين، وأئمة السلف تثبت هذه المسألة، وترد على المخالفين فيها وتدحض شبهاتهم، وجملة الكتاب عبارة عن أحاديث، وآثار مروية بأسانيدها إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- وإلى أصحابها، تدول حول إثبات علوه تعالى. ثالثًا: طبعات الكتاب: 1- طبع الكتاب طبعات متعددة، منها طبعة بتعليق الشيخ عبد الرزاق عفيفي طبعت بمطبعة جماعة أنصار السنة المحمدية 1357هـ.

2- طبعة أخرى اعتنى بها أشرف عبد المقصود طبعت بمكتبة أضواء السلف بالرياض 1416هـ. 3- كما اختصره الشيخ الألباني -رحمه الله- في مختصر العلو، وحققه وعلق عليه، وهو من نشر وطبع المكتب الإسلامي ببيروت. 4- ثم طبع محققًا في رسالة علمية بدار الوطن بالرياض، بتحقيق عبد الله بن صالح البراك، الطبعة الأولى، 1420هـ. 22 - الصواعق المرسلة على الجهمية والمعطلة: لابن القيم -رحمه الله أولًا: التعريف بالمؤلف: هو، الإمام العلم أبو عبد الله محمد بن أبي بكر بن أيوب بن سعد بن حريز بن مكي، شمس الدين الزرعي ثم الدمشقي الحنبلي المشهور بابن قيم الجوزي، ولد سنة 691هـ، ونشأ في بيت علم ودين، كان رحمه الله ذا عبادة وزهد وورع، غزير العلم واسع الاطلاع، مجاهدًا، قائمًا بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، متحملًا في سبيل ذلك ما يلقاه من أذى، وبلغت مصنفاته ستة وستين كتابًا، توفي -رحمه الله- سة 751هـ. ثانيًا: أهمية الكتاب ومنهجه: تبرز أهمية الكتاب في أنه يعالج أصول الانحرافات لدى الجهمية والمعطلة، وذلك من خلال موضوع واحد وهو الإيمان بالله وأسمائه وصفاته، وقد ذكر المؤلف رحمه الله في أثناء مناقشته للمخالفين مناهج وقواعد عامة يمكن أن تكون منهجًا مستقلًاك لمعالجة كثير من انحرافات الفرق واختلاف الناس، ومعرفة كثير من مناهج، وطرق المخالفين للحق في عصرنا الحاضر.

وقد اعتمد المصنف -رحمه الله- في الاستدلال على كتاب الله وسنة النبي -صلى الله عليه وسلم-، ثم يدعم ذلك بما ورد عن الصحابة الكرام فمن بعدهم، وإذا كان هذا هو منهج كثير من العلماء، فإن ابن القيم يزيد عليهم بأن يؤيد ما ذهب إليه أحيانًا بأقوال المتكلمين والفلاسفة، إذا صدر منهم بعض الحق. وكان المصنف -رحمه الله- دقيقًا في عزوه ونقله، فهو كثيرًا ما يذكر اسم الكتاب والمؤلف، وأحيانًا يصرح باسم المؤلف فقط، وأحيانًا باسم الكتاب فقط، وأحيانًا يصرح بأنه نقل هذا الكلام بلفظه لا بلازمه ومعناه، وأحيانًا يتصرف في النقل بتقديم، أو تأخير، أو اختصار. وكان رحمه الله عادلًا مع خصومه، فهو يذكر كلام الخصم، ويبين ما فيه من حق وباطل، وتميز أسلوبه بالبيان والجاذبية، وحسن الصياغة والعرض، والإكثار من المحسنات اللفظية مع قوة المعنى، وعمق الفكرة وحسن السياق والترتيب. وقد يؤخذ على الكتاب الاستطراد في بعض المواضع والخروج عن الموضوع الأساسي إلى مواضيع أخرى، وكذا التكرار وعرض الموضوع الواحد بصور مختلفة، وأحيانًا بصورة متشابهة مع زيادة أو نقص. وخالف ابن القيم حسن الترتيب في كونه ذكر آثار التأويل في فصول متفرقة، فلو ذكرها في فصل واحد، أو مرتبة على الأقل لكان أولى، وكذا تحدث عن التأويل في البداية، ثم تحدث بعد ذلك عن الطواغيت الأربعة التي هي أصول الانحرافات عند الجهمية والمعطلة، والتي أدت بهم إلى التأويل، فالتأويل نتيجة لهذه الأصول، فلو أخر النتيجة لكان أولى.

رابعًا: مباحث الكتاب: يبدأ الكتاب بمقدمة مختصرة، ضمنها المؤلف -رحمه الله- سبب تأليفه لهذا الكتاب، ثم تحدث عن التأويل حديثًا مفصلًا في أربعة وعشرين فصلًا، ثم ذكر أصول الانحراف عند المعطلة، وبيانها كالتالي: الطاغوت الأول: وهو قولهم: إن كلام الله ورسوله أدلة لفظية، لا تفيد علمًا ولا يقينًا، وقد رد هذا القول من ثلاثة وسبعين وجهًا. الطاغوت الثاني: وهو قولهم: إذا تعارض العقل والنقل، وجب تقديم العقل وقد رد هذا القول من أحد وأربعين ومائتي وجه. الطاغوت الثالث: وهو قولهم: إن آيات الصفات مجازات لا حقيقة لها. الطاغوت الرابع: وهو قولهم: إن أخبار الرسول الصحيحة لا تفيد العلم وغايتها أن تفيد الظن، "وهو عدم الاحتجاج بخبر الواحد في باب الاعتقاد". خامسًا: طبعات الكتاب: طبع الكتاب عدة طبعات غير محققة، ثم طبع محققًا في أربعة مجلدات بدار العاصمة بالرياض عام 1408هـ، بتحقيق د. علي بن محمد الدخيل الله. 23- شرح العقيدة الطحاوية: للإمام ابن أبي العز الحنفي -رحمه الله أولًا: التعريف بالمؤلف: هو، الإمام العلامة صدر الدين أبو الحسن علي بن علاء الدين علي بن شمس الدين أبي عبد الله محمد بن شرف الدين أبي البركات محمد بن عز الدين المعروف بابن أبي العز.

ولد في الثاني والعشرون من ذي الحجة سنة 731هـ بدمشق، نشأ في ظل أسرة علمية، وبلغ منزلة عظيمة في العلم والمعرفة، أتاحت له التدريس والخطابة والتأليف وتولى الكثير من المناصب العلمية. آثر منهج السلف على غيره من المناهج، كما هو ظاهر في هذا الشرح الحافل. توفي -رحمه الله- في ذي القعدة من سنة 792هـ، ودفن بسفح قاسيون. ثانيًا: أهمية الكتاب ومنهجه: هذا الكاب شرح لعقيدة الإمام أبو جعفر الطحاوي المتوفى سنة 321هـ، ويعتبر مرجعًا عظيمًا من المراجع العقدية لأهل السنة والجماعة، وتظهر الأهمية الكبرى للكتاب في كونه أبان عن عقيدة الإمام أبي حنيفة -رحمه الله تعالى، وأنها موافقة لما كان عليه السلف في باب الاعتقاد إلا في بعض مسائل الإيمان، فظهر بذلك خطأ ما أثير من شبهات حول معتقده -رحمه الله. وقد نهج صاحب الكتاب منهجًا أثريًا يعتمد في إثبات قضاياه العقدية على كتاب الله وسة رسوله -صلى الله عليه وسلم بأسلوب سهل، وألفاظ واضحة لا تعقيد فيها. وحاول المؤلف -رحمه الله- أن يستوعب الأقوال في كل مسألة من المسائل التي تعرض لها، وعمل على تفنيدها، وبيان ما يقبل منها وما يرد، وذلك حسب موافقتها أو مخالفتها للكتاب والسنة، وما ورد عن السلف. ويؤخذ على الكتاب أنه غير مرتب تبعًا لأصله، وقد يوجد الموضوع الواحد في أكثر من موضوع، مما قد يصعب على القارئ أن يستوعب مادته بشكل متكامل، وقد ظهرت محاولات معاصرة لاختصار الكتاب، وإعادة ترتيبه لتعظم فائدته، ويسهل تناوله.

ثالثًا: محتويات الكتاب: يمكن اختصار أهم مباحث الكتاب في النقاط التالية: 1- مقدمة أورد فيها التعريف بالإمام الطحاوي، ثم تحدث عن شرف علم أصول الدين، ومحدودية العقل، والطريق الموصل إلى الله تعالى، وكلام السلف في ذم علم الكلام، ووجوب الإيمان على كل أحد، وعموم دعوته صلى الله عليه وسلم -ووجوب طاعته، وختمه للرسالات. 2- التوحد وأنواعه ومعانيه وأدلته. 3- الأدلة العقلية والنقلية على صدق الرسل. 4- صفات الله تعالى وصفة الإرادة وأنواعها والفرق بينها وبين المحبة، والحياة والقيومية، والخلق والرزق، والقدرة ومتعلقاتها، والكلام وكون القرآن كلام الله تعالى ليس بمخلوق، ورؤية الله تعالى بالأبصار في الآخرة، واليد والوجه والنفس، والعلو والعرش. 5- التأويل ومعاه في الكتاب والسنة وعند المفسرين، وفي اصطلاح المتأخرين وبيا صحيحه وفاسده. 6- الإيمان والاختلاف فيما يقع عليه اسمه، وزيادته ونقصانه، وأركانه، والاستثناء فيه. 7- معنى الكبيرة وحكم مرتكبها، والصلاة خلف الفاجر، ومستور الحال والمتبدع والفاسق. 8- الفرق بين النبي والرسول والتفضيل بين الأنبياء، وختم النوبة بمحمد -صلى الله عليه وسلم- وثبوت الخلة له، وعموم بعثته للإنس والجن، وبعض معجزاته.

9- القدر وما يتعلق به من علم الله تعالى وشموله، وحديث احتجاج آدم على موسى والهدى والضلال، وتقدير آجال الخلق. 10- طاعة ولي الأمر، ووجوب الحج والجهاد مع الأمراء إلى قيام الساعة. 11- وجوب حب الصحابة وحرمة بغضهم، والخلافة والمبشرون بالجنة. 12- معنى الولاية وكرامات الأولياء وأنواع الفراسة. رابعًا: طبعات الكتاب: للكتاب طبعات كثيرة من أفضلها وأولها طبعة مصرية بتحقيق الشيخ أحمد شاكر، ثم طبع طبعات أخرى كالتالي: 1- طبعة مكتبة دار البيان بدمشق عام 1401هـ، بتحقيق شعيب الأرناؤوط. 2- طبعة المكتب الإسلامي بيروت عام 1408هـ، بتحقيق جماعة من العلماء والشيخ الألباني. 3- طبعة مؤسسة الرسالة ببيروت عام 1413هـ، بتحقيق د. عبد الله التركي. 4- طبعة وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد بالسعودية عام 1419هـ، بتحقيق د. عبد الله التركي، وشعيب الأرناؤوط. 24- لوامع الأنوار البهية وسواطع الأسرار الأثرية: شرح الدرة المضية في عقد الفرقة المرضية: للإمام السفاريني -رحمه الله أولًا: التعريف بالمؤلف: هو الشيخ العلامة محمد بن أحمد سالم بن سليمان السفاريني النابلسي الحنبلي،

ولد بقرية سفارين من قرى نابلس سنة 1114هـ. برع في فنون العلم، وجمع بين الأمانة والفقه والديانة، والصيانة، والصدق وحسن السمت والخلق والتعبد والذكاء، درس وأفتى وأجاد، وألف تآليف عديدة. كان غرة عصره، وشامة مصره، لم يظهر في بلاده بعده مثله، توفي رحمه الله سنة 1188هـ. ثانيًا: أهمية الكتاب ومنهجه: تأتي منظومة الدرة المضية في مقدمة المتون الجامعة لمسائل الاعتقاد، وما يجب على المكلف اعتقاده والتصديق به من أصول الدين، وقضايا الاعتقاد ومسائله وما يمت إليه بسبب على طريقة أهل السنة والجماعة، فهي بحق كما وصفها ناظمها: "سمط عقد أبهى من اللآلئ البهية.. تكفي وتشفي من معظم الخلاف الذي ذاع وانتشر". وتأتي أهمية ونفاسة كتاب لوامع الأنوار أن الشارح هو صاحب النظم، وهو أدرى بما نظم، وهو شرح حافل، جم الفوائد، وهو من أعظم كتب الشيخ -رحمه الله- الدالة على سعة علمه وقوة حجته، كما أن هذا الشرح النفيس يعد خو المرجع الأول لكل من أتى بعده من شارح، ومختصر ومحشي على منظومته. سلك المؤلف في هذا الشرح مسلك الإطناب والتطويل، والتوسع في سرد النصوص من الكتاب والسنة، والآثار لتأييد مذهب السلف، كما أورد مذاهب المخالفين ورد عليهم، وقد نقل فيه عن كتب ومصادر في عقيدة السلف بعضها لا يزال مخطوطًا مثل "نهاية المبتدئين" لابن حمدان الحنبلي وغيره، وقد انتقد الشيخ في مسائل من شرحه، تأثر فيها بقول بعض المخالفين، وقد نبه عليها شراح منظومته من بعده كالشيخ ابن مانع، والعلامة عبد الرحمن بن قاسم، والشيخ ابن عثيمين عليهم جميعًا -رحمه الله.

ثالثًا: محتويات الكتاب: يمكن إيجاز مباحث الكتاب في العناوين والأبواب الآتية: المقدمة: في ترجيح مذهب السلف على مذهب الخلف. الباب الأول: في معرفة الله تعالى، والكلام على الصفات والقرآن. الباب الثاني: في الأفعال المخلوقة. الباب الثالث: في الأحكام والكلام على الإيمان ومتعلقات ذلك. الباب الرابع: في ذكر السمعيات وأمر المعاد والكلام على الجنة والنار. الباب الخامس: في ذكر النبوة والكلام على الكرامات والصحابة. الباب السادس: في ذكر الإمامة ومتعلقاتها. الخاتمة: ذكر الأدلة ما يتعلق بها. رابعًا: طبعات الكتاب: طبع الكتاب طبعات متعددة منها: 1- طبعة المنار بمصر سنة 1325هـ. واعتنى بها الشيخ محمد رشيد رضا -رحمه الله. 2- طبعة مطابع دار الأصفهاني بجدة سنة 1380هـ. 3- طبعة مؤسسة الخافقين بدمشق سنة 1402هـ. 4- طبعة المكتب الإسلامي ودار الخاني، بيروت، سنة 1411هـ. ولا يزال الكتاب بحاجة إلى من يعتني به تحقيقًا وتعليقًا.

25- كتاب التوحيد الذي هو حق الله على العبيد: للإمام محمد بن عبد الوهاب -رحمه الله أولًا: التعريف بالمؤلف: هو الإمام المجدد محمد بن عبد الوهاب بن سليمان بن مشرف التميمي النجدي، ولد في العيينة سنة 1115هـ, ونشأ بها وحفظ القرآن الكريم، ورحل في طلب العلم إلى الحجاز والشام والبصرة، وأخذ يدعو إلى التوحيد وترك مظاهر الشرك والوثنية، وكان أول ما جهر بذلك سنة 1143هـ، وقد لاقى في سبيل دعوته كثيرًا من المشاق حتى كاد يقتل. توفي -رحمه الله- سنة 1206هـ. ثانيًا: أهمية الكتاب ومنهجه: هذا الكتاب هو أهم كتب الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله، وأكثر كتبه حظًا من عناية العلماء شرحًا، وتدريسًا، وتعليقًا، وتحشية. وتأتي أهمية كتاب التوحيد من جهة تقريره لأهم أنواع التوحيد وهو توحيد الألوهية، والكلام على ضده هو الشرك، ومن جهة كونه كتابًا أثريًا قد استوعب في طياته عددًا من النصوص والآثار الدالة على صحة ما عقد له الكتاب. والكتاب صيغت عباراته بأسلوب ميسر، يسهل على الحفظ، وفيه أحاديث ضعيفة نبه عليها المحققون. ويتميز الكتاب بأمور منها: 1- تقسيم الكتاب إلى أبواب. 2- ابتداؤه بآية أو عدة آيات تدل على موضوعه، ثم سوق الأحاديث والآثار بعد ذلك.

3- تذييله بمسائل مستنبطات من تلك النصوص والآثار. ثالثًا: محتويات الكتاب: أهم مباحث الكتاب التي اشتمل عليها، كما يلي: 1- كتاب التوحيد، وهو معقود لبيان معناه، وما يدخل في مفهومه. 2- بيان فضل التوحيد وما يكفر من الذنوب، وتفسير التوحيد وشهادة أن لا إله إلا الله. 3- بيان أنواع من الشرك الأكبر والأصغر. 4- إثبات الشفاعة. 5- ما جاء في أن سبب كفر بني آدم هو الغلو في الصالحين. 6- حكم من أطاع العلماء والأمراء في تحريم ما أحل الله، أو تحليل ما حرم الله فقد اتخذهم أربابًا. 7- حكم من جحد شيئًا من الأسماء والصفات. 8- احترام أسماء الله تعالى وتغيير الاسم لأجل ذلك. 9- حكم من هزل بشيء فيه ذكر الله أو القرآن أو الرسول. 10- ذكر مسائل متفرقة تتعلق بالعقيدة. رابعًا: طبعات وشروح الكتاب: للكتاب شروح كثيرة، وأهم هذه الشروح ما يلي: 1- تيسير العزيز الحميد، لحفيد الإمام محمد بن عبد الوهاب العلامة المحدث الشيخ عبد الله بن سليمان بن محمد بن عبد الوهاب، وقد شرحه إلى أن بلغ باب ما جاء في

منكري القدر، طبعة المكتب الإسلامي ببيروت عام 1397هـ. 2- فتح المجيد، وهو للشيخ عبد الرحمن بن حسن بن محمد بن عبد الوهاب، طبعة المكتبة السلفية بالمدينة المنورة سنة 1397هـ. 3- حاشية القول السديد، للشيخ عبد الرحمن السعدي، طبعة الجامعة الإسلامية بالمدية المنورة عام 1390هـ - 1970م. وستأتي شروح أخرى للكتاب في آخر القسم الثاني.

القسم الثاني: عرض إجمالي لبعض مصنفات العقيدة عند أهل السنة والجماعة 26- الفقه الأكبر: للإمام أبي حنيفة -رحمه الله دار النشر: دار الكتب العلمية -بيروت. رقم الطبعة: الأولى. تاريخ الوفاة: 150هـ. سنة النشر: 1404هـ. محتويات الكتاب: يشتمل على خمسة أبواب: الأول في القدر، والثاني في المشيئة، والرابع في الرد على من يكفر بالذنب، والخامس في الإيمان. وهناك رواية أخرى للكتاب تبدأ بالكلام عن أصل التوحيد، وما يصح الاعتقاد عليه، ثم الحديث عن الأسماء والصفات، والرد على المخالفين، ثم تتعرض لمسائل ميثاق الفطرة، وأفعال العباد، وآيات الأنبياء، وكرامات الأولياء، وسائر السمعيات، كذلك تناول الكلام عن الإيمان، وما يتصل به من مباحث ومسائل1.

_ 1 "الفقه الأكبر" له شرح مشهور يعرف باسم "منح الروض الأزهر في شرح الفقه الأكبر" للعلامة علي بن سلطان محمد القاري، المتوفى عام 1014هـ. دار البشائر الإسلامية -بيروت، ومعه: "التعليق الميسر على شرح الفقه الأكبر" للشيخ/ وهبي سليمان غاوجي، وعليهما مآخذ، وقد شرحه الشيخ الدكتور/ محمد بن عبد الرحمن الخميس شرحًا سلفيا.

27- كتاب الإيمان ومعالمه وسننه واستكمال درجاته: للإمام أبي عبيد القاسم بن سلام -رحمه الله دار النشر: دار الأرقم. المحقق: محمد ناصر الدين الألباني. تاريخ الوفاة: 224هـ. سنة النشر: 1405هـ. رقم الطبعة: الأولى. محتويات الكتاب: اشتمل الكتاب على عدد من الأبواب المتعلقة بالإيمان مثل: نعت الإيمان، الاستثناء في الإيمان، زيادة الإيمان والانتقاص منه، ثم ذكر أقوال المخالفين في مسألة الإيمان ورد أقوالهم. ويتميز الكتاب بالإضافة إلى كونه كتابًا مسندًا أن اشتمل على الشرح والتوضيح، والمناقشة أي أنه ليس سردًا فقط للآثار. 28- كتاب الإيمان: للإمام ابن أبي شيبة -رحمه الله دار النشر: المكتب الإسلامي -بيروت. المحقق: محمد ناصر الدين الألباني. تاريخ الوفاة: 225 أو 235هـ. سنة النشر: 1403هـ. رقم الطبعة: الأولى. محتويات الكتاب: عبارة عن رسالة صغيرة اشتملت على العديد من الأحاديث والآثار المتعلقة بمسائل الإيمان، وزيادته ونقصانه، وكونه اعتقاد وقول وعمل، إضافة إلى الأحاديث التي ذكر فيها عددًا من شعب الإيمان.

29- العقيدة: للإمام أحمد بن حنبل -رحمه الله دار النشر: دار قتيبة -دمشق. المحقق: عبد العزيز عز الدين السيروان. سنة النشر: 1408هـ. رقم الطبعة: الأولى. محتويات الكتاب: يعد هذا الكتاب -على صغر حجمه- مصدرًا لكل ما كتب بعده في الاعتقاد، وقد رواه عن الإمام أحمد جمع كبير من تلامذته، وقد أثبت فيه عقيدة أهل السنة في توحيد الله في أسمائه وصفاته، وفي القضاء والقدر، ومسائل الإيمان. 30- فضائل الصحابة: للإمام أحمد بن حنبل -رحمه الله درا النشر: رمادي للنشر. المحقق: وصي الله بن محمد عباس. سنة النشر: 1403هـ. رقم الطبعة: الأولى. محتويات الكتاب: يقع الكتاب في جزئين، وقد جمع فيه المصنف ما ورد من آثار وأحاديث في فضائل الصحابة، وأهل البيت وبعض القبائل التي أثنى عليها النبي -صلى الله عليه وسلم. 31- كتاب الإيمان: للإمام محمد بن محيي بن أبي عمر العدني -رحمه الله دار النشر: الدار السلفية -الكويت. المحقق: حمد بن حمدي الجابري. تاريخ الوفاة: 243هـ. سنة النشر: 1407هـ. رقم الطبعة: الأولى.

محتويات الكتاب: صنف هذا الكتاب على طريقة المحدثين حيث جمع المؤلف فيه ما ورد من آيات وأحاديث، وآثار عن السلف الصالح في فضل الرضا بقضاء الله وقدره، وصور الرضا، ودرجاته، وكيفية الوصول إليه، وجزاء أهله في الدنيا والآخرة. 34- السنة: محمد بن نصر المروزي -رحمه الله دار النشر: مؤسسة الكتب الثقافية -بيروت. تاريخ الوفاة: 294هـ. المحقق: أبو محمد سالم بن أحمد السلفي. سنة النشر: 1408هـ. رقم الطبعة: الأولى. محتويات الكتاب: جمع هذا الكتاب ما ورد من أحاديث، وآثار في وجوب اتباع السنة والجماعة، ونبذ الاختلاف والفرقة، مع بيان الأوجه المختلفة لمعنى السنة، فأفرد فصلًا للسنن التي هي تفسير لمجمل القرآن، وآخر للسنة هل يمكن أن تكون ناسخة لبعض أحكام القرآن، وثالثًا للسنة التي هي زيادة من النبي -صلى الله عليه وسلم-، وليس لها أصل في القرآن. 35- العرش وما روي فيه: محمد بن عثمان بن أبي شيبة العبسي -رحمه الله دار النشر: مكتبة العلا -الكويت. تاريخ الوفاة: 297هـ. المحقق: محمد بن حمد الحمود. سنة النشر: 1409هـ. رقم الطبعة: الأولى.

محتويات الكتاب: اشتمل الكتاب على جمل من الأحاديث، والآثار التي تدور حول إثبات استواء الله -عز وجل- على عرشه، كما تناول الرد على الجهمية الذين زعموا أن الله في كل مكان، وأنكروا أن يكون الله سبحانه فوق عرشه كما أخبر هو عن نفسه. 36- صريح السنة: محمد بن جرير الطبري -رحمه الله دار النشر: دار الخلفاء للكتاب الإسلامي -الكويت. تاريخ الوفاة: 310هـ. المحقق: بدر يوسف المعتوق. سنة النشر: 1405هـ. رقم الطبعة: الأولى. محتويات الكتاب: رسالة مختصرة اشتملت على جملة من أصول مسائل الاعتقاد، مثل: مسألة خلق القرآن، ورؤية المؤمنين ربهم في الآخرة، وأفعال العباد، وفضل أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم، وزيادة الإيمان ونقصانه. 37- السنة: أبو بكر الخلال -رحمه الله دار النشر: دار الراية -الرياض. تاريخ الوفاة: 311هـ. المحقق: د. عطية الزهراني. سنة النشر: 1410هـ. رقم الطبعة: الأولى.

محتويات الكتاب: يقع الكتاب في خمسة أجزاء، ويتعرض لعدة موضوعات على مذهب أهل السنة، وهي: أحكام الإمارة والخلافة، ووجوب ملازمة الجماعة، وفضائل الصحابة، ويشرح أحكام الخوارج، وأحكام اللصوص، كما يتناول الرد على الروافض في عقيدتهم في الصحابة، والرد على القدرية في القدر، والمرجئة في الإيمان، والجهمية في خلق القرآن. 38- الرد على من يقول القرآن مخلوق: أحمد بن سلمان النجاد أبو بكر -رحمه الله دار النشر: مكتبة الصحابة الإسلامية -الكويت. تاريخ الوفاة: 348هـ. المحقق: رضا الله محمد إدريسي. سنة النشر: 1400هـ. رقم الطبعة: الأولى. محتويات الكتاب: صنفت هذه الرسالة الصغيرة على طريقة المحدثين، حيث جمع فيها المؤلف ما ورد من أحاديث نبوية، وآثار عن السلف والأئمة في إثبات صفة الكلام لله -سبحانه وتعالى. 39- الشريعة: أبو بكر محمد بن الحسن الآجري -رحمه الله دار النشر: الكتب العلمية -بيروت. تاريخ الوفاة: 360هـ. المحقق: محمد حامد الفقي. سنة النشر: 1403هـ. رقم الطبعة: الأولى.

محتويات الكتاب: أقام المؤلف كتابه على ثلاثة أسس: أولها: التحذير من التفرق في الدين، والحرص على الجماعة، وثانيها: معرفة الله تعالى وإخلاص العباد له، وثالثها: معرفة النبي -صلى الله عليه وسلم- وتجريد الاتباع لشرعه، مع بحث بعض المسائل ككيفية نزول الوحي على النبي -صلى الله عليه وسلم، والكلام على النبوة، وما يتصل بها من أحكام. التصديق بالنظر إلى الله تعالى في الآخرة: للإمام أبي بكر محمد بن الحسن الآجري -رحمه الله دار النشر: مؤسسة الرسالة -بيروت. تاريخ الوفاة: 360هـ. المحقق: سمير بن أمين الزهيري. سنة النشر: 1408هـ. رقم الطبعة: الأولى. محتويات الكتاب: يسرد المؤلف في هذا الكتاب كثيرًا من الآيات والأحاديث والآثار عن الصحابة والتابعين في إثبات رؤية المؤمنين ربهم -عز وجل- في الجنة، وقد أكثر من تكرار الأحاديث والآثار بأسانيد متعددة من أجل التأكيد، كما أنه كثيرًا ما يردف الآيات بتفسير لبعض التابعين والأئمة مثل الإمام أحمد بن حنبل وغيره، وهذا الكتاب في الأصل جزء من كتاب الشريعة، وقد طبع محققًا مؤخرًا مع كتاب الشريعة. 40- العظمة1: عبد الله بن جعفر بن حيان الأصبهاني -رحمه الله دار النشر: دار العاصمة -الرياض. تاريخ الوفاة: 369هـ.

_ 1 وقد كتب هذا الكتاب على منهج أهل السنة والجماعة بعد ترك المصنف لمذهب الأشاعرة، والتزامه بمذهب السلف.

المحقق: رضاء الله محمد بن إدريس المباركفوري. سنة النشر: 1408هـ. رقم الطبعة: الأولى. محتويات الكتاب: يدور الكتاب حول عظمة الله تعالى من خلال ما اتصف به من صفات الكمال التي تليق بجلاله وكماله، مع ذكر عظمة مخلوقات الله، وأدلة وجوده -عز وجل، وذكر الآثار الدالة على ذلك. 41- اعتقاد أئمة الحديث: أبو بكر أحمد بن إبراهيم الإسماعيلي -رحمه الله دار النشر: دار العاصمة -الرياض. تاريخ الوفاة: 371هـ. المحقق: محمد بن عبد الرحمن الخميس. سنة النشر: 1412هـ. رقم الطبعة: الأولى. محتويات الكتاب: تعد هذه الرسالة الصغيرة جامعة لمجمل اعتقاد أهل السنة والجماعة، فقد تناولت إثبات أسماء الله وصفاته على الحقيقة، والكلام عن حقيقة الإيمان وأركانه، كما تعرضت لفضائل الصحابة ووجوب لزوم الجماعة وطاعة ولاة الأمور المسلمين. 42- شعار أصحاب الحديث: محمد بن أحمد بن إسحاق الحاكم -رحمه الله دار النشر: دار الخلفاء -الكويت. تاريخ الوفاة: 378هـ. رقم الطبعة: الأولى.

محتويات الكتاب: ذكر المصنف في هذه الرسالة الصغيرة أدلة بعض مسائل الإيمان. ككون أصله في القلب، وزيادة الإيمان ونقصانه، ومقتضيات الإيمان من الأعمال، مع التركيز على الصلاة وأحكامها. 43- رؤية الله: للإمام أبي الحسن علي بن عمر الدارقطني -رحمه الله دار النشر: مكتبة القرآن -القاهرة. تاريخ الوفاة: 385هـ. رقم الطبعة: الأولى. محتويات الكتاب: يقول المصنف عن كتابه: "هذا كتاب حافل، جمعت فيه ما ورد من النصوص الواردة في كتاب الله -عز وجل- وأحاديث النبي -صلى الله عليه وسلم- المتعلقة برؤية الباري -عز وجل- وبعض أمور الآخرة". 44- الصفات: أبو الحسن علي بن عمر الدارقطني -رحمه الله دار النشر: إحياء السنة النبوية -الإسكندرية. تاريخ الوفاة: 385هـ. المحقق: د. علي بن محمد الفقيهي. سنة النشر: 1403هـ. رقم الطبعة: الأولى. محتويات الكتاب: رسالة لطيفة الحجم، يسرد فيها المصنف كثيرًا من الآيات والأحاديث والآثار عن الصحابة والتابعين التي تثبت صفات الله تعالى، مثل: الاستواء على العرش، واليدان، والوجه، والقدم، وإثبات الرؤية، ونحو ذلك ... ويلتزم فيه طريقة المحدثين الأوائل من ذكر الأسانيد، والروايات للحديث الواحد.

45- مقدمة رسالة ابن أبي زيد القيرواني: ابن أبي زيد القيرواني رحمه الله دار النشر: الجامعة الإسلامية -المدينة المنورة. تاريخ الوفاة: 386هـ. رقم الطبعة: الأولى. سنة النشر: 1395هـ. محتويات الكتاب: على الرغم من كون هذه الرسالة في الفقه، إلا أن مقدمتها قد احتوت على متن في العقيدة والإيمان، جرى فيه المصنف على مذهب أهل السنة والجماعة في أبواب الإيمان والتوحيد. 46- الإبانة عن شريعة الفرقة الناجية: للإمام أبي عبد الله بن بطة العكبري -رحمه الله دار النشر: دار الراية -الرياض. تاريخ الوفاة: 387هـ. المحقق: رضا بن نعسان معطي. سنة النشر: 1409هـ. رقم الطبعة: الأولى. محتويات الكتاب: يقع الكتاب في سبعة أجزاء، مجموعة في ثلاثة مجلدات، ويتناول وجوب طاعة النبي -صلى الله عليه وسلم- ولزوم الجماعة، وذكر افتراق الأمم في دينهم، وذم الخصومات والمراء في الدين كما يتحدث عن أحكام الإيمان والإسلام والنفاق، ويختمه بالإنكار على المرجئة.

47- الرد على الجهمية: محمد بن إسحاق بن منده -رحمه الله دار النشر: الجامعة الإسلامية -المدينة المنورة. تاريخ الوفاة: 395هـ. المحقق: د. علي بن ناصر الفقيهي. سنة النشر: 1402هـ. رقم الطبعة: الأولى. محتويات الكتاب: سلك المصنف في هذا الكتاب مسلك المحدثين من حيث إيراد النصوص بأسانيدها للرد على الجهمية في إنكارهم بعض صفات الله تعالى؛ كاستوائه على العرش، وكونه في السماء، وإنكار رؤية المؤمنين ربهم في الجنة، والقول بأن القرآن مخلوق، وتأويل صفة نزول الله -عز وجل. 48- الرسالة الوافية لمذهب أهل السنة في الاعتقادات وأصول الديانات: للإمام أبي عمرو عثمان بن سعيد المقرئ الداني -رحمه الله دار النشر: دار ابن الجوزي -الرياض. تاريخ الوفاة: 440هـ. المحقق: محمد بن سعيد بن سالم القحطاني. سنة النشر: 1416هـ. رقم الطبعة: الأولى. محتويات الكتاب: تشتمل على معتقد أهل السنة والجماعة، دون خلط مادتها بمصطلحات علم الكلام، وهي تعد من الرسائل الجامعة التي تناولت الكلام عن التوحيد، وحقيقة الإيمان وأركانه، وما يتفرع عن ذلك من مسائل الاعتقاد، وقد وقعت فيها عدة مخالفات عقدية لمذهب أهل السنة، فليتنبه لذلك.

49- السنن الواردة في الفتن وغوائلها والساعة وأشراطها: للإمام أبي عمرو وعثمان بن سعيد المقرئ الداني دار النشر: دار العاصمة -الرياض. تاريخ الوفاة: 440هـ. المحقق: د. رضاء الله محمد بن إدريس المباركفوري. سنة النشر: 1416هـ. رقم الطبعة: الأولى. محتويات الكتاب: جمع المصنف في هذا الكتاب جملة من الأحاديث والآثار الواردة في فتن آخر الزمان، وأشراط الساعة الصغرى والكبرى، وقد بوب لكل منها بابًا جمع تحته الأدلة بأسانيدها على طريقة المحدثين. 50- مسائل الإيمان: القاضي أبو يعلى الفراء الحنبلي -رحمه الله دار النشر: العاصمة -الرياض. تاريخ الوفاة: 458هـ. المحقق: سعود بن عبد العزيز الخلف. سنة النشر: 1410هـ. رقم الطبعة: الأولى. محتويات الكتاب: ألف القاضي -رحمه الله- هذا الكتاب جوابًا لسؤال ورد إليه في بيان قول الإمام أحمد في تعريف الإيمان، وما يتعلق به من مسائل؛ كتفاضل درجات الإيمان، والعلاقة بين الإسلام والإيمان وغير ذلك، ومنهجه في التصنيف وهو ذكر المسألة ثم إيراد قول الإمام أحمد وغيره من الأئمة فيها، مع الاستدلال بالكتاب والسنة، وبعد ذلك يورد أقوال المخالفين ويرد عليهم فرقة فرقة، ولا يخلو معتقد أبي يعلى من تعقبات فليتنبه لها.

51- إبطال التأويلات لأخبار الصفات: للقاضي أبي يعلى محمد بن الحسين الفراء -رحمه الله دار النشر: دار الإمام الذهبي. تاريخ الوفاة: 458هـ. المحقق: محمد حمود النجدي. سنة النشر: 1410هـ. رقم الطبعة: الأولى. محتويات الكتاب: اشتمل الكتاب على شرح لأحاديث الصفات التي يظن بعض المبتدعة أن إثبات هذه الأحاديث ينافي التنزيه، كما اشتمل الكتاب على رد على ابن فورك الأشعري في كتابه "مشكل الحديث وبيانه". 52- المختار في أصول السنة: للإمام الحسن بن البنا الحنبلي البغدادي -رحمه الله دار النشر: مكتبة العلوم والحكم -المدينة المنورة. تاريخ الوفاة: 471هـ. المحقق: عبد الرزاق بن عبد المحسن العباد البدر. سنة النشر: 1413هـ. رقم الطبعة: الأولى. محتويات الكتاب: أكثر هذا الكتاب تلخيص لكتاب "الشريعة" للآجري، وكتاب "التوحيد" من صحيح البخاري، وكتاب "تأويل مشكل الحديث" لابن قتيبة، مع إضافات علمية، وفوائد مهمة للمؤلف. وقد سار في الكتاب على نهج المحدثين، وشرح أدلته من الكتاب والسنة على نهج السلف.

53- كتاب الأربعين في دلائل التوحيد: للإمام أبي إسماعيل عبد الله بن الهروي -رحمه الله دار النشر: سلسلة عقائد السلف. تاريخ الوفاة: 481هـ. المحقق: د. علي بن محمد بن ناصر الفقيهي. سنة النشر: 1404هـ. رقم الطبعة: الأولى. محتويات الكتاب: يتناول هذا الكتاب إثبات الصفات الإلهية؛ مثل كون الله تعالى حي، ولا ينام وإثبات النفس لله -عز وجل، والاستواء على العرش، والسمع، والبصر، والوجه، واليدان، ووجوب اتباع السنة، ويسرد الأحاديث في كل ذلك1. 54 - الاقتصاد في الاعتقاد: الحافظ عبد الغني بن سرور المقدسي -رحمه الله دار النشر: مكتبة العلوم والحكم -المدينة المنورة. تاريخ الوفاة: 600هـ. المحقق: د. أحمد بن عطية بن علي الغامدي. سنة النشر: 1414هـ. رقم الطبعة: الأولى. محتويات الكتاب: جمع المصنف في كتابه هذا جميع مسائل العقيدة، مظهرًا في حديثه أصالة مذهب السلف، وأنه مذهب مقتصد أي وسط بين طرفي الإفراط والتفريط، فأوضح الحق بأدلته من الكتاب والسنة، وأقوال السلف الذين هم أعدل الناس في باب الاعتقاد.

_ 1 انظر: "شيخ الإسلام عبد الله الأنصاري الهروي" -رسالة دكتوراه في العقيدة. د. محمد سعيد الأفغاني -دار الكتب الحديثة- القاهرة.

55- إثبات صفة العلو: للإمام عبد الله بن أحمد بن قدامة المقدسي -رحمه الله دار النشر: الدار السلفية -الكويت. تاريخ الوفاة: 620هـ. المحقق: بدر بن عبد الله البدر. سنة النشر: 1406هـ. رقم الطبعة: الأولى. محتويات الكتاب: يسرد المؤلف في هذا الكتاب الآيات والأحاديث، والآثار التي تثبت أن الله تعالى له العلو المطلق -علو المكانة وعلو الذات، وأنه سبحانه استوى على العرش، والنفوس مفطورة على ذلك، وأن جميع الأمم التي تؤمن بالله قد أجمعت على هذه العقيدة. 56- النصيحة في صفات الرب جل وعلا: أحمد بن إبراهيم الواسطي -رحمه الله دار النشر: المكتب الإسلامي -بيروت. تاريخ الوفاة: 711هـ. رقم الطبعة: الأولى. سنة النشر: 1394هـ. محتويات الكتاب: كتب المؤلف هذه الرسالة المختصرة نصيحة لبعض فقهاء الأشعرية الشافعيين الذين يؤولون صفات الله -عز وجل، وقد قال في المقدمة: "لا يشبهه شيء من مخلوقاته، ولا تمثل بشيء من جوارح مبتدعاته؛ بل هي صفات لائقة بجلاله وعظمته، لا تتخيل كيفيتها الظنون، ولا تراها في الدنيا العيون؛ بل نؤمن بحقائقها وثبوتها، ونصف الرب -سبحانه وتعالى- بها، وننفي عنها تأويل المتأولين، وتعطيل الجاحدين، وتمثيل المشبهين، تبارك الله أحسن الخالقين".

57- كتاب الأسماء والصفات: لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله دار النشر: دار الكتب العلمية -بيروت. سنة النشر: 1408هـ. المحقق: مصطفى عبد القادر عطا. سنة الوفاة: 728هـ. رقم الطبعة: الأولى. محتويات الكتاب: أصل هذا الكتاب يقع في المجلدين الخامس والسادس من مجموع الفتاوى، وقد فصل فيه المصنف كل ما يتعلق بعقيدة السلف في مسائل الأسماء والصفات، والأفعال بالبراهين النقلية والعقلية، مع الرد على جميع الفرق المخالفة لأهل السنة من المعتزلة والجهمية، والحرورية والفلاسفة، والمناطقة وغيرهم، وقد استنبط المؤلف قواعد جليلة نافعة لضبط قضايا هذا الباب. 58- القاعدة المراكشية: لشيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله دار النشر: دار طيبة -الرياض. سنة النشر: 1401هـ. المحقق: د. ناصر بن سعد الرشيد، ورضا بن نعسان معطي. سنة الوفاة: 728هـ. رقم الطبعة: الأولى. محتويات الكتاب: رد المصنف في هذه الرسالة على سؤال حاصله: هل يجب على المسلم إثبات العلو لله تعالى أم لا؟ فأجاب جوابًا مجملًا بوجوب الإقرار بكل ما ورد في الكتاب والسنة بفهم السلف، ثم فصل الكلام في وجوه إثبات علو الله تعالى على الحقيقة، وبطلان مذهب النفاة، مع نقل عبارات جمع من الأئمة في ذلك.

59- الإيمان: لشيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله دار النشر: المكتب الإسلامي. سنة النشر: 1399هـ. سنة الوفاة: 728هـ. رقم الطبعة: الثالثة. محتويات الكتاب: يشتمل المجلد السابع من مجموع الفتاوى على كتابي "الإيمان" و"الإيمان الأوسط"، وفي هذا المجلد ذكر شيخ الإسلام مذهب أهل السنة في المسائل المتعلقة بموضوع الإيمان، بحيث إن من يقرأ هذا المجلد لا يفوته شيء يذكر في موضوع الإيمان والمسائل الأصولية المتفرعة عنه، فقد تناول تعريف الإيمان وبين غلط المخالفين فيه، وزيادة الإيمان ونقصانه، ودرجاته ومراتبه، والعلاقة بين الإسلام والإيمان، ونفي الإيمان والاستثناء فيه، إلى غير ذلك من الموضوعات، كما تعرض تفصيلًا لمذاهب الفرق المخالفة من المعتزلة، والخوارج، والمرجئة بفرقهم الكثيرة كالأشاعرة والأحناف، والجهمية وغيرهم، وذكر أقوال هذه المذاهب في قضية الإيمان. وقد حقق الإيمان في رسالة جامعية، بجامعة أم القرى، وستطبع قريبًا إن شاء الله. 60- منهاج السنة النبوية: لشيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله دار النشر: مكتبة ابن تيمية -القاهرة. سنة النشر: 1409هـ. المحقق: د. محمد رشاد سالم. سنة الوفاة: 728هـ. رقم الطبعة: الثانية.

محتويات الكتاب: كتب المصنف هذا الكتاب في نقض كلام الشيعة والقدرية، ردًّا على كتاب "منهاج الكرامة في معرفة الإمامة" لبعض شيوخ مذهب الرافضة الإمامية، وقد استفاض المؤلف في نقد الفرق الإسلامية على اختلاف منهاهجهم وآرائهم، وتعرض لكثير من مسائل العقيدة؛ مثل: الصفات، والقدر، والإيمان، وأساليب الفلاسفة والمتكلمين في الاستدلالات العقلية؛ وغير ذلك. 61- درء تعارض العقل والنقل: لشيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله دار النشر: جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية. سنة النشر: 1399هـ. المحقق: د. محمد رشاد سالم. سنة الوفاة: 728هـ. رقم الطبعة: الأولى. محتويات الكتاب: يرد المؤلف في هذا الكتاب على أن ادعوا أن الأدلة السمعية ظنية الدلالة أو الثبوت في العقيدة، وأنه يمكن ردها أو تأويلها إذا تعارضت مع العقل، وشدد في الرد على الرازي الذي قال بالمعارض العقلي، ثم تطرق إلى الكلام على أدلة القرآن والسنة العقلية، وأنها أقوى في الدلالة من أدلة الفلاسفة والمتكلمين الوعرة، واستطرد في الحديث عن الفرق، ومسائل عديدة في العقيدة. وقد جمع الكتاب في تسعة مجدات. 62- الصارم المسلول على شاتم الرسول: لشيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله دار النشر: عالم الكتب. سنة النشر: 1403هـ. المحقق: محيي الدين عبد الحميد. سنة الوفاة: 728هـ. رقم الطبعة: الأولى.

محتويات الكتاب: يتناول الكتاب ثلاثة موضوعات أساسية: الأول: سب الله تعالى وسب النبي -صلى الله عليه وسلم- وأزواجه وأصحابه، وحكم الساب من مسلم وكافر، والثاني: موضوع شروط عقد الذمة ونواقضه وحكم الذمي إذا سب، والثالث: موضوع ضوابط التكفير. 63- العبودية: لشيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله دار النشر: دار الأصالة. سنة النشر: 1419هـ. المحقق: علي حسن عبد الحميد. سنة الوفاة: 728هـ. رقم الطبعة: الثالثة. محتويات الكتاب: يتناول الكتاب موضوع العبودية ظاهرًا وباطنًا، وحقيقتها من حيث البراءة من الشرك، وتجريد العبادة لله محبة له وخضوعًا وامتثالًا لأوامره، وبيان أن هذا هو التوحيد الذي أمر الذي أمر الله به عباده. 64- شرح العقيدة الأصفهانية: لشيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله دار النشر: دار الكتب الإسلامية -القاهرة. سنة النشر: 1385هـ. المحقق: حسنين محمد مخلوف. سنة الوفاة: 728هـ. رقم الطبعة: الأولى.

محتويات الكتاب: يعد الكتاب شرحًا لمتن العقيدة الأصفهانية التي صنفها شمس الدين محمد بن عباد، وقد صنف المتن على طريقة المتكلمين، ومن مباحثه: الصفات، والإيمان، والمعاد والحساب، والنبوات، والقدر، وقد شرح شيخ الإسلام ابن تيمية هذا المتن شرحًا وافيًا، وضح فيه عقيدة أهل السنة والجماعة، ورد على من خالفها من المتكلمين وبخاصة الأشاعرة. 65- قاعدة جليلة في التوسل والوسيلة: لشيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله دار النشر: المطبعة السلفية. سنة النشر: 1400هـ. المحقق: قصي محب الدين الخطيب. سنة الوفاة: 728هـ. رقم الطبعة: الثانية. محتويات الكتاب: تتناول الرسالة معنى الوسيلة في الكتاب والسنة، ومعنى التوسل في عرف الصحابة، وأنواع شفاعة النبي -صلى الله عليه وسلم، ثم صور من شرك القبوريين، وحكم اتخاذ القبور مساجد، وأنواع زيارة القبور، وأنواع التوسل. 66- كتاب النبوات: لشيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله دار النشر: مكتبة السنة المحمدية. سنة النشر: 1346هـ. المحقق: محمد حامد الفقي. سنة الوفاة: 728هـ. رقم الطبعة: الأولى.

محتويات الكتاب: يتحدث المؤلف في هذا الكتاب عن المعجزة والكرامة والطرق التي يثبت بها صدق النبي، كما تطرق إلى موضوعات مختلفة في العقيدة، وأهم ما نبه عله في هذا الكتاب هو أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- قد جمع فيما جاء به من ربه بين الأدلة العقلية البرهانية، وبين الأدلة النقلية السمعية، وقد حقق الكتاب مؤخرًا تحقيقًا علميًا. 67- الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان: لشيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله دار النشر: مكتبة ابن تيمية -القاهرة. سنة النشر: 1416هـ. المحقق: عبد الرحمن بن محمد بن قاسم. سنة الوفاة: 728هـ. الطبعة: الأولى. محتويات الكتاب: يتناول الكتاب أوصاف كلًا من أولياء الله وأولياء الشيطان، ومراتبهم، مع بيان شروط الولاية الحقة، وبطلان ولاية دعاة الصوفية من أهل الحلول والاتحاد، والفرق بين كرامات الأولياء والأحوال الشيطانية. 68- اقتضاء الصراط المستقيم: لشيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله دار النشر: مكتبة الرشد -الرياض. سنة النشر: 1411هـ. المحقق: د. ناصر بن عبد الكريم العقل. سنة الوفاة: 728هـ. رقم الطبعة: الثانية. محتويات الكتاب: طبع الكتاب في مجلدين، وهو يتضمن أوجه مخالفة المؤمنين لأهل الكتاب والكفار، مع وضع قواعد في المخالفة، والحب والبغض على مقتضى الإسلام، وبيان الفرق بين التشبه بالكفار والتشبه بالأعراب والأعاجم.

69- كتاب الصفدية: لشيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله دار النشر: مكتبة ابن تيمية -القاهرة. سنة النشر: 1406هـ. المحقق: د. محمد رشاد سالم. سنة الوفاة: 728هـ. رقم الطبعة: الثانية. محتويات الكتاب: صنف المؤلف هذا الكتاب في مناقشة الفلاسفة والرد عليهم، وإبطال مذاهبهم في النبوات والمعاد، ونحو ذلك. 70- التسعينية: لشيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله دار النشر: مكتبة المعارف -الرياض. سنة النشر: 1420هـ. المحقق: د. محمد إبراهيم العجلان. سنة الوفاة: 728هـ. رقم الطبعة: الأولى. محتويات الكتاب: هذا الكتاب له أهمية خاصة حيث ضمنه شيخ الإسلام الرد على الأشاعرة والكلابية القائلين ببدعة الكلام النفسي، ومن سلك سبيلهم، وكان قد ألفه -رحمه الله- في محبسه بمصر، وطلبوا منه أن يكتب برجوعه عن مذهبه فرد عليهم بهذه الرسالة العظيمة، وقد طبع الكتاب في ثلاثة مجلدات.

71- الأربعين في صفات رب العالمين: محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي -رحمه الله دار النشر: مكتبة العلوم والحكم -المدينة المنورة. تاريخ الوفاة: 748هـ. المحقق: عبد القادر بن محمد عطا صوفي. سنة النشر: 1413هـ. رقم الطبعة: الأولى. محتويات الكتاب: سرد المصنف في هذه الرسالة أربعين حديثًا في صفات الله -عز وجل، ثم أورد بعض ما نقل عن السلف من القول فيها. 72- كتاب العرش: محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي -رحمه الله دار النشر: مكتبة أضواء السلف -الرياض. تاريخ الوفاة: 748هـ. المحقق: محمد بن خليفة التميمي. سنة النشر: 1420هـ. رقم الطبعة: الأولى. محتويات الكتاب: يتناول الكتاب مسألة إثبات علو الله وارتفاعه فوق عرشه، والاستدلال على ذلك بنصوص الكتاب والسنة وأقوال السلف، مع إيراد مقالة التعطيل التي ظهرت في أواخر عصر التابعين، ولكن دون التعمق في عرض أقوالهم والرد عليها، وإنما الاكتفاء ببيان الحق بأدلته في كل مسألة.

73- الكافية الشافية في الانتصار للفرقة الناجية: "أو" القصيدة النونية: للإمام ابن القيم -رحمه الله دار النشر: مكتبة ابن تيمية -القاهرة. سنة النشر: 1407هـ. المحقق: د. محمد خليل هراس كما قام بشرحها. سنة الوفاة: 751هـ. رقم الطبعة: الأولى. محتويات الكتاب: وهي قصيدة طويلة لابن القيم -رحمه الله، وتقع في مجلدين، اشتملت على العديد من قضايا الاعتقاد في نظر سهل يسير، وقد عالج فيها العديد من موضوعات العقيدة كالأسماء والصفات، ومذهب السلف فيها، مع ذكر الفرق المخالفة في هذا الباب، والرد عليهم، وتزييف آرائهم بأوضح حجة وأقوى برهان. 74- اجتماع الجيوش الإسلامية على غزو المعطلة والجهمية: للإمام ابن القيم -رحمه الله دار النشر: الكتب العلمية -بيروت. سنة النشر: 1408هـ. المحقق: عواد المعتق. سنة الوفاة: 751هـ. رقم الطبعة: الأولى. محتويات الكتاب: يتناول الكتاب أساسًا إثبات صفة استواء الله تعالى على عرشه، وعرض شبهات المعطلة الذين يتأولون هذه الصفة، والرد عليهم من الكتاب والسنة، وأقوال السلف.

75- شفاء العليل في مسائل القضاء والقدر الحكمة والتعليل: للإمام ابن القيم -رحمه الله دار النشر: المطبعة الحسينية المصرية. سنة النشر: 1323هـ. المحقق: السيد محمد بدر الدين أبو فراس. سنة الوفاة: 751هـ. رقم الطبعة: الأولى. محتويات الكتاب: يتناول الكتاب ركن الإيمان بالقضاء والقدر، ومراتب القدر، وأوقاته، ووجوب الإيمان به، وحكمة الله فيه، وأفعال العباد بين الكسب والجبر. 76- علامات يوم القيامة: للإمام ابن كثير -رحمه الله دار النشر: مكتبة القرآن -القاهرة. تاريخ الوفاة: 774هـ. المحقق: عبد اللطيف عاشور. رقم الطبعة: الأولى. محتويات الكتاب: جمع المصنف في هذه الرسالة ما ورد عن أخبار الساعة، وما يتقدمها من فتن وآيات وأشراط، وقد استدل على ذلك بالآيات والأحاديث والآثار عن الصحابة والتابعين. 77- كلمة الإخلاص وتحقيق معناها: ابن رجب الحنبلي -رحمه الله دار النشر: دار ابن رجب. تاريخ الوفاة: 795هـ. المحقق: أبو إسحاق السمنودي. سنة النشر: 1421هـ. رقم الطبعة: الأولى.

محتويات الكتاب: تتناول هذه الرسالة الصغيرة الأحاديث الواردة فيمن أتى بكلمة التوحيد، ودخوله الجنة وتحريمه على النار، وأقوال العلماء في المراد من هذه الأحاديث، مع شرح لمعنى الشهادتين، وذكر فضائل هذه الكلمة في الدنيا والآخرة. 78- إيثار الحق على الخلق: للعلامة ابن الوزير اليماني -رحمه الله دار النشر: الدار اليمنية للنشر. تاريخ الوفاة: 840هـ. المحقق: أحمد مصطفى حسين صالح. سنة النشر: 1405هـ. رقم الطبعة: الأولى. محتويات الكتاب: يتألف الكتاب من قسمين: الأول يشتمل على خمسة أبواب هي: إثبات العلوم -إثبات الطرق الموصلة إلى الله- مناهج الرسل والسلف في معرفة الله -إثبات التوحيد والنبوات- الاحتراز من البدع، أم القسم الثاني فيتناول معرفة الله تعالى، وحكمته ومشيئته ومحبته، مع بعض المسائل الأخرى كالولاء والبراء والتكفير، والقول في أطفال المشركين. 79- العواصم والقواصم في الذب عن سنة أبي القاسم: للعلامة ابن الوزير اليماني -رحمه الله دار النشر: الدار اليمنية للنشر. تاريخ الوفاة: 840هـ. المحقق: شعيب الأرناؤوط. سنة النشر: 1412هـ. رقم الطبعة: الثانية.

محتويات الكتاب: يقع الكتاب في تسعة مجلدات، وقد تعرض فيه مؤلفه إلى كثير من مباحث العقيدة والحديث والأصول، بطريقة جمع فيها بين الرواية والدراية، وأحاط بمذاهب المتقدمين والمتأخرين. 80- لوائح الأنوار السنية ولواقح الأفكار السنية: شرح قصيدة ابن أبي داود الحائية في عقيدة أهل الآثار السلفية: محمد بن أحمد السفاريني -رحمه الله: دار النشر: مكتبة الرشد: الرياض. تاريخ الوفاة: 1188هـ. المحقق: عبد الله بن محمد بن سليمان البصيري. سنة النشر: 1415هـ. رقم الطبعة: الأولى. محتويات الكتاب: يقع الكتاب في مجلدين، وهو شرح لقصيدة أبي بكر بن أبي داود في العقيدة، وتضمنت أمهات المسائل في العقيدة، وخاصة تلك التي جرى فيها الخلاف بين أهل السنة والمبتدعة، وانتهج المؤلف شرح كلمات القصيدة لغة واصطلاحًا، ثم التوسع في المعنى الذي سيق من أجله كل بيت وصلته بمسائل العقيدة، مع الاستدلال بالكتاب والسنة والآثار.

81- أصول الإيمان: للإمام محمد بن عبد الوهاب -رحمه الله دار النشر: دار حراء -القاهرة. تاريخ الوفاة: 1206هـ. سنة النشر: 1407هـ. محتويات الكتاب: رسالة مختصرة اشتملت على جملة من الآيات والأحاديث رتبها المؤلف ضمن أبواب مختصرة مثل: معرفة الله -عز وجل، والإيمان بالقدر، وذكر الملائكة، وحقوق النبي -صلى الله عليه وسلم، والحث على لزوم السنة، والحث على طلب العلم. 82- الدر النضيد في إخلاص كلمة التوحيد: للإمام الشوكاني -رحمه الله1 دار النشر: عطية محمد علي الكتبي. تاريخ الوفاة: 1250هـ. رقم الطبعة: الأولى. سنة النشر: 1350هـ. محتويات الكتاب: جاء الكتاب جوابًا لسؤال سائل عن التوسل والاستغاثة بالأموات، وسائر شركيات القبور، فأجاب المصنف جوابًا شافيًا، ورد الشبهات بتفصيل، مبينًا ألوان الشرك العملي والاعتقادي، مع الدعوة إلى توحيد الله -عز وجل، وعد الاكتفاء بمجرد النطق بكلمة التوحيد دون العمل.

_ 1 رجع الشوكاني -رحمه الله- في مصنفاته الأخيرة عن مذهب المتكلمين في إثبات مسائل العقيدة والصفات، واتبع منهج أهل السنة والجماعة في الجملة.

83- إرشاد الثقات إلى اتفاق الشرائع على التوحيد والمعاد والنبوات: للإمام الشوكاني -رحمه الله دار النشر: دار الكتب العلمية -بيروت. تاريخ الوفاة: 1250هـ. المحقق: جماعة من العلماء. سنة النشر: 1404هـ. رقم الطبعة: الأولى. محتويات الكتاب: يتناول المصنف في هذه الرسالة المختصرة ثلاثة مقاصد اجتمعت عليها شتى الشرائع، وهي: إثبات التوحيد، وإثبات المعاد، وإثبات النبوات، وفيها التبشير بنبوة محمد -صلى الله عليه وسلم- في التوراة والإنجيل. 84- التحف في مذهب السلف: للإمام الشوكاني -رحمه الله دار النشر: شركة السلام العالمية. تاريخ الوفاة: 1250هـ. المحقق: عبد الله حجاج. سنة النشر: 1408هـ. رقم الطبعة: الأولى. محتويات الكتاب: جمع المصنف في هذه الرسالة أقوال فقهاء الدين، وعلماء المحدثين في آيات الصفات، وأوضح أن مذهبهم هو إيراد الصفات على ظاهرها دون تحريف ولا تشبيه ولا تأويل ولا تعطيل، وذلك دون تكييف ولا تكلف، كما ذكر المؤلف تجربته في علم الكلام وتوبته من ذلك.

85- فتح المجيد شرح كتاب التوحيد: للعلامة عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ -رحمه الله دار النشر: مؤسسة قرطبة -القاهرة. تاريخ الوفاة: 1285هـ. المحقق: أشرف عبد المقصود. سنة النشر: 1418هـ. رقم الطبعة: الثانية. محتويات الكتاب: يعد هذا الكتاب هو الحلقة الثانية في سلسلة الشروح التي قام بها أحفاد الشيخ محمد بن عبد الوهاب -رحمه الله- على كتاب جدهم في التوحيد، حيث يعد كتاب "تيسير العزيز الحميد" لسليمان بن عبد الله آل الشيخ أصل هذه الشروح، وبمثابة الحلقة الأولى في هذه السلسلة، إلا أن مصنفه أكثر فيه من الإطناب والتكرار، وتوفي قبل أن ينتهي منه، فجاء كتاب "فتح المجيد" لتهذيبه وتقريبه وتكميله، وإضافة الكثير من الأقوال المستحسنة لأئمة أهل السنة تميمًا لفائدة كتاب التوحيد. 86- قطف الثمر في بيان عقيدة أهل الأثر: للعلامة محمد صديق خان القنوجي -رحمه الله دار النشر: دار الكتب السلفية. تاريخ الوفاة: 1307هـ. المحقق: د. عاصم بن عبد الله القريوتي. سنة النشر: 1404هـ. رقم الطبعة: الأولى. محتويات الكتاب: يتناول الكتاب أسماء الله تعالى وصفاته، والإيمان بالملائكة، واليوم الآخر، والقدر، كما يتناول بعض المسائل كالنذر والتوسل وكرامات الأولياء، ويعرض بعض عقائد أهل السنة كعقيدتهم في الصحابة، والمسح على الخفين، وهجر أهل البدع.

87- دلائل التوحيد: للعلامة محمد جمال الدين القاسمي -رحمه الله دار النشر: مكتبة الثقافة الدينية. تاريخ الوفاة: 1332هـ. المحقق: محمد حجازي. سنة النشر: 1406هـ. رقم الطبعة: الأولى. محتويات الكتاب: أقام المصنف كتابه على البراهين الدالة على وجود الله -سبحانه وتعالى- وربوبيته، والرد على الملحدين الماديين وإبطال شبهاتهم، ثم بيان آيات نبوة محمد -صلى الله عليه وسلم- وبراهينها. 88- التوضيح والبيان لشجرة الإيمان: للعلامة عبد الرحمن بن ناصر السعدي -رحمه الله دار النشر: مطابع الإشعاع -الرياض. تاريخ الوفاة: 1376هـ. سنة النشر: 1405هـ. محتويات الكتاب: ينقسم الكتاب إلى ثلاثة فصول: الأولى عن حد الإيمان وتفسيره، وزيادته ونقصانه، والثاني في ذكر الأمور التي يستمد منها الإيمان، وبيانها بالإجمال والتفصيل، والثالث في فوائد الإيمان وثمراته في الدنيا والآخرة.

89- الدرة البهية شرح القصيدة التانية في حل مشكلة القدرية: العلامة عبد الرحمن بن ناصر السعدي -رحمه الله دار النشر: مكتبة المعارف -الرياض: تاريخ الوفاة: 1376هـ. سنة النشر: 1406هـ. محتويات الكتاب: تعد هذه الرسالة شرحًا للمنظومة التائية في القدر لشيخ الإسلام ابن تيمية، التي حقق فيها مسألة القضاء والقدر؛ ردًا على أبيات نظمها أحد الدعاة إلى مذهب الجبرية، يثير فيها الشبهات على عقيدة أهل السنة والجماعة في القدر، مشككًا في هذا الأصل من أصول الدين. 90- توضيح الكافية الشافية: للعلامة عبد الرحمن بن ناصر السعدي -رحمه الله دار النشر: مكتبة ابن الجوزي. تاريخ الوفاة: 1376هـ. سنة النشر: 1407هـ. محتويات الكتاب: هذا الكتاب شرح لنظم القصيدة النونية لابن القيم، وقد تفرد بكونه تحويلًا للنظم الشعري إلى معناه المنثور فحسب، من غير زيادة على ما دل عليه، وذلك باستخدام أسهل العبارات وأوضحها، مع البراهين النقلية، والرد على أصناف المبتدعين.

91- معارج القبول شرح سلم الوصول إلى علم الأصول في التوحيد: للعلامة حافظ بن أحمد حكمي -رحمه الله دار النشر: مكتبة نزار مصطفى الباز. تاريخ الوفاة: 1377هـ. رقم الطبعة: الأولى. سنة النشر: 1417هـ. محتويات الكتاب: يعد هذا الكتاب من أجمع كتب العقائد للمتأخرين، وقد تناول فيه المصنف موضوع التوحيد بنوعيه في المعرفة والإثبات، وفي الطلب والقصد، كما اشتمل على شرح درجات الدين الثلاثة: الإسلام "وأركانه الخمسة" والإيمان "وأركانه الستة" والإحسان، وعرض لفصول في معرفة النبي -صلى الله عليه وسلم، وتوقير الصحابة -رضي الله عنهم-، والتمسك بالكتاب والسنة والتحاكم إليهما. 92- حاشية كتاب التوحيد: للعلامة عبد الرحمن بن محمد بن قاسم -رحمه الله رقم الطبعة: الثالثة. تاريخ الوفاة: 1392هـ. سنة النشر: 1408هـ. محتويات الكتاب: يعد هذا الكتاب شرحًا موجزًا محكمًا لمتن كتاب التوحيد الذي صنفه الشيخ محمد بن عبد الوهاب -رحمه الله، وقد انتخب صاحب هذه الحاشية جملة من نقول شراح كتاب التوحيد، وأضاف عليها لتسهل دراستها على الطلب1.

_ 1 راجع النبذة المذكورة عن كتاب التوحيد في القسم الأول.

93- حاشية الدرة المضية في عقد الفرقة المرضية: للعلامة عبد الرحمن بن محمد بن قاسم -رحمه الله رقم الطبعة: الثانية. تاريخ الوفاة: 1392هـ. سنة النشر: 1416هـ. محتويات الكتاب: يعد هذا الكتاب شرحًا موجزًا للأبيات التي نظمها الشيخ محمد بن أحمد السفاريني -رحمه الله- في مسائل العقيدة، والمعروفة باسم "الدرة المضية في عقد الفرقة المرضية"، وقد تضمنت هذه الحاشية تعليقات مختصرة على كل بيت من قصيدة الناظم لشرح معناها بإجمال1. 94- الأسماء والصفات عقلًا ونقلًا: للعلامة محمد الأمين الشنقيطي -رحمه الله دار النشر: مكتبة ابن تيمية -القاهرة. تاريخ الوفاة: 1393هـ. المحقق: حسن السماحي سويدان. سنة النشر: 1411هـ. رقم الطبعة: الأولى. محتويات الكتاب: ساق المؤلف الأسس التي يقوم عليها بحث الصفات، مع عرض أقسام الصفات من صفات المعاني، والأفعال، والصفات السلبية والمعنوية، ثم تعرض لقضية التأويل ومعانيه عند الأصوليين، وما يجب على المسلم أن يعتقده في باب الصفات.

_ 1 راجع النبذة المذكورة عن كتاب الدرة المضية في القسم الأول.

95- عقيدة المسلمين والرد على الملحدين والمبتدعين: للعلامة صالح بن إبراهيم البليهي -رحمه الله دار النشر: دار مسلم -الرياض: تاريخ الوفاة: 1410هـ. رقم الطبعة: الرابعة: سنة النشر: 1416هـ. محتويات الكتاب: يقع هذا الكتاب في مجلدين، وقد اهتم فيه المصنف بأمرين عظيمين، أولهما: بيان عقيدة أهل السنة والجماعة، مع سوق الأدلة النقلية والعقلية على صحتها، والثاني: الرد على الملحدين والمبتدعين في مسائل العقيدة بالبرهان والدليل، وقد امتاز الكتاب بسهولة الأسلوب، ووضوح العبارة، واستخدام أسلوب الإقناع بحيث يفقه قوله كل قارئ. 96- مذكرة التوحيد: عبد الرزاق عفيفي -رحمه الله دار النشر: دار الوطن. تاريخ الوفاة: 1419هـ. رقم الطبعة: الأولى. سنة النشر: 1413هـ. محتويات الكتاب: وهي مجموعة من الرسائل تتناول الأدلة على إثبات وجود الله، وأنواع التوحيد، وأقسام الوحي، والفرق بين النبي والرسول، وأنواع المعجزات، وأخيرًا الطريقة المثلى للدعوة إلى الله.

97- تحذير الساجد من اتخاذ القبور مساجد: للعلامة محمد ناصر الدين الألباني -رحمه الله دار النشر: المكتب الإسلامي -بيروت. تاريخ الوفاة: 1420هـ. سنة النشر: 1403هـ. محتويات الكتاب: يعرض الكتاب للأحاديث الواردة في النهي عن اتخاذ المساجد على القبور، ومعناه، وحكمه، وحكمته، وحكم الصلاة في هذه المساجد، مع بيان الحكم الاستثنائي للمسجد النبوي، والإجابة عن الشبها في هذا الموضوع. 98- التوسل أنواعه وأحكامه: للعلامة محمد ناصر الدين الألباني -رحمه الله دار النشر: المكتب الإسلامي -بيروت. تاريخ الوفاة: 1420هـ. سنة النشر: 1406هـ. رقم الطبعة: الثانية. محتويات الكتاب: يتناول الكتاب معنى التوسل لغة وشرعًا، وكيفية التعرف على صحة الوسائل ومشروعيتها، مع بيان أنواع التوسل المشروع والممنوع، وعرض الشبهات المتعلقة بهذا الموضوع، والجواب عليها. 99- القواعد المثلى في صفات الله وأسمائه الحسنى: للعلامة محمد بن صالح بن العثيمين -رحمه الله دار النشر: مكتبة السنة -القاهرة. تاريخ الوفاة: 1421هـ. المحقق: أشرف عبد المقصود. سنة النشر: 1411هـ.

رقم الطبعة: الأولى. محتويات الكتاب: يتناول الكتاب قواعد في أسماء الله تعالى وصفاته وأدلتها، مع الجواب على شبهات الفرق المخالفة خاصة الأشاعرة، والرد على من اغتر بهم، وحكم أهل التأويل. 100- المحاضرات السنية في شرح العقيدة الواسطية: للعلامة محمد بن صالح بن العثيمين -رحمه الله دار النشر: مكتبة طبرية -الرياض. تاريخ الوفاة: 1421هـ. المحقق: أشرف عبد المقصود. سنة النشر: 1412هـ. رقم الطبعة: الأولى. محتويات الكتاب: اشتمل الكتاب على مقدمة التحقيق، وترجمة لمؤلف العقيدة الواسطية شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله، وأخرى للشارح الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله، ثم مقدمة للشارح شرح فيها مقدمة ابن تيمية، وتحدث عن أصول الإيمان الستة وموقف أهل السنة والجماعة من الإيمان بصفات الله، ثم شرع المؤلف -رحمه الله- في شرح فصول، ومباحث كتاب الواسطية فبدأ بفصل آيات الصفات، ثم أحاديث الصفات، ثم ما يدخل في الإيمان بالله وكتبه وملائكته ورسله واليوم الآخر والقدر، ثم بيان بعض أصول أهل السنة والجماعة، كقولهم: إن الإيمان قول وعمل، وسلامة قلوبهم وألسنتهم لأصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم، ثم بيان بعض صفات أهل السنة والجماعة، ولم سموا بهذا الاسم، ثم بيان مكملات العقيدة من مكارم الأخلاق، ومحاسن الأعمال التي يتحلى بها أهل السنة، وأخيرًا خاتمة الكتاب والفهارس العامة له.

الملحق الثاني: تعريف ببعض مصنفات العقيدة عند أهل السنة والجماعة

الملحق الثاني: تعريف ببعض مصنفات العقيدة عند أهل السنة والجماعة ... محتويات الكتاب: صنف المؤلف هذه الرسالة الصغيرة على طريقة المحدثين، حيث بوبها في ستة وخسمين بابًا، وأورد تحت كل باب الأحاديث المسندة الخاصة بموضوع الباب، وقد تناول فيها أركان الإسلام، وحقيقة الإيمان وأركانه، ومقتضيات الإيمان من الأعمال، مع الرد على المرجئة والجهمية في الإيمان، والحض على اتباع السنة. 32- الرد على الجهمية: للإمام عثمان بن سعيد الدارمي -رحمه الله دار النشر: الدار السلفية -الكويت. تاريخ الوفاة: 280هـ. المحقق: بدر البدر. سنة النشر: 1405هـ. رقم الطبعة: الأولى. محتويات الكتاب: هذا الكتاب مع كتاب المصنف "الرد على بشر المريسي" تضمنا الرد على فرق الجهمية، وقد تعرض المصنف في هذا الكتاب لمسائل الأسماء والصفات، فأيد السلف في إثباتهم لها من غير تأويل، ولا تعطيل، ولا تمثيل، ولا تشبيه. وقد غلبت عليه نزعة الأثر والتمسك به، حتى لا تكاد تخلو صفحة إلا وله فيها رواية أو عدة روايات. 33- الرضا عن الله بقضائه: للإمام ابن أبي الدنيا البغدادي -رحمه الله دار النشر: الدار السلفية -بومباي. تاريخ الوفاة: 281هـ. المحقق: ضياء الحسن السلفي. سنة النشر: 1410هـ. رقم الطبعة: الأولى.

الخاتمة

الخاتمة: أحمد الله تعالى على انتهائي كما حمدته في ابتدائي، وأصلي وأسلم على البشير الهادي، وعلى آله وأصحابه وأتباعه من كل حاضر وباد، وبعد: فقد اجتمع في رحلة هذا البحث جملة من النتائج المهمة يمكن تحديدها في النقاط التالية: 1- أطلب السلف لفظة "السنة" على أصول الدين، وفرائض الإسلام وأمور الاعتقاد، والأحكام القطعية في الدين، وكثير من المتأخرين خصها بما يتعلق بالاعتقاد، والسبب في ذلك أن السنة من مصادر التلقي للعقيدة الصحيحة. 2- قد تطلق السنة باصطلاح أعم يشمل كل ما كان عليه النبي -صلى الله عليه وسلم- من العلم والعمل، والهدي الظاهر والباطن في أصول الدين وفروعه. 3- الجماعة هم الذين اجتمعوا على أمير على مقتضى الشرع، وهذه الجماعة يجب لزومها، ويحرم الخروج عليها، وعلى أميرها جار أو عدل. 4- أهل السنة والجماعة هم: المستمسكون بسنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الذين اجتمعوا على ذلك، وهم الصحابة والتابعون، وأئمة الهدى المتبعون لهم، ومن سلك سبيلهم في الاعتقاد والقول والعمل إلى يوم الدين. 5- سمي أهل السنة والجماعة لذلك؛ لأنهم يتبعون سنة النبي -صلى الله عليه وسلم، ويعتبرون الكتاب والسنة والإجماع مصادر معصومة من الضلال، فبها يأخذون وعليها يعتمدون، وهم مجتمعون مع أئمتهم يجاهدون معهم، ويقومون بواجب الأمر والنهي، ويحرصون على الاتباع والاجتماع، ينهون عن الفرقة والابتداع.

6- تستند مشروعية تسمية أهل السنة والجماعة إلى دلالة الكتاب، وصريح السنة، وآثار الصحابة والسلف، ومذهب أهل السنة والجماعة مذهب قديم وتسميتهم قديمة كذلك تبدأ ببداية الإسلام؛ لأن أهل السنة على الحقيقة هم أهل الإسلام، المتبعون لسيد الأنام -صلى الله عليه وسلم. 7- الفرقة الناجية، والطائفة المنصورة، وأهل السنة والجماعة، وأهل الحديث مصطلحات شرعية مترادفة في معناها، وعند إطلاقها يدخل بعضها في بعض. 8- السلف في اصطلاح علماء العقيدة هم الصحابة والتابعون لهم بإحسان وتابعوهم، وأئمة الإسلام العدول ممن اتفقت الأمة على إمامتهم وفضلهم. 9- كل من رضي بالله وبالإسلام دينًا، وبمحمد -صلى الله عليه وسلم- نبيًا ورسولًا، مقبلًا على الالتزام بالإسلام جملة، وعلى التحكيم لشريعته مطلقًا، وبرئ من تبنى مذهب بدعي، أو الانتساب إلى فرقة ضالة فهو من أهل السنة، وهذا يشمل عوام المسلمين المتبعين لأهل العلم. 10- كمال الانتساب إلى أهل السنة والجماعة يكون بتحقيق المنهجية التي تعني العودة بأصول الفهم، والتلقي إلى الكتاب والسنة، مع تعظيم قدر السلف، واعتماد مرجعيتهم، وضبط وإحكام القواعد والأصول في العقيدة، والعلم والاتباع، والعبادة والتربية، والأمر والنهي، والبصيرة بالواقع. 11- علم التوحيد هو العلم بالأحكام الشرعية العقدية المكتسب من الأدلة المرضية، ورد الشبهات وقوادح الأدلة الخلافية، وهو يبحث في ذات الله، وما يجب له وما يجوز وما يمتنع، وهو يقوم على دعامتين هما التصديق بجملة من العقائد المتعلقة بالله تعالى وملائكته، ورسله، وكتبه، واليوم الآخر، وبالقضاء والقدر، والقدرة التامة

على إثبات تلك العقائد الصحيحة بإيراد الحجج عليها ودفع الشبه عنها. 12- من الأسماء المعتبرة لعلم التوحيد عند أهل السنة والجماعة: العقيدة، والإيمان، والسنة، وأصول الدين، والشريعة، والفقه الأكبر. 13- علم الكلام هو أشهر الأسماء التي تطلقها الفرق على علم التوحيد، واختلف في سبب هذه التسمية على أقوال متعددة، ويرى أهل السنة أنها تسمية مبتدعة، وإن استعملها بعضهم فهذا فيه نوع مسامحة، وهو خلاف الصحيح والمعتمد عندهم. 14- الفلسفة إعمال للعقل في الإلهيات، وسائر الغيبيات بلا أي منطلقات سابقة من دين أو وحي، ولذلك فقد ضل من سمي بفلاسفة المسلمين، فأنكروا البعث والمعاد، وقالوا بقدم العالم، وجاءوا بالكفريات، ولذلك تعد تسمية علم التوحيد بالفلسفة تسمية للإيمان بضده. 15- موضوع علم التوحيد هو الإلهيات أو البحث في ذات الله من حيث ما يتصف به، وما يتنزه عنه، وحقه على عباده، والنبوات أو البحث في ذوات الأنبياء من حيث ما يلزمهم، وما يجوز في حقهم وما يستحيل، وما يجب لهم على أتباعهم، وقضايا الغيب واليوم والآخر من حيث اعتقادها والتصديق بها، وبيان نواقض التوحيد وقوادحه. 16- تعلم علم التوحيد منه ما هو فرض عين، ومنه ما هو فرض كفاية، ففرض العين منه هو ما تضح به عقيدة المسلم في ربه، وأما فرض الكفاية فما زاد على ذلك من التفصيل والتدليل والتعليل، وتحصيل القدرة على رد الشبهات، وإلزام المعاندين، وإفحام المخالفين.

17- يشترط للتكليف بالتوحيد: العقل ويقصد به الوصف الذي يتميز به الإنسان عن سائر الحيوان، والبلوغ ويقصد به انتهاء حد الصغر، وسلامة إحدى حاستي السمع أو البصر، وبلوغ الدعوة وقيام الحجة؛ فلا حساب ولا عذاب إلا بعد قيام الحجة بإرسال الرسل، وإنزال الكتب وبلوغ العلم. 18- الناس بحسب بلوغ الدعوة وقيام الحجة ينقسمون إلى: أهل القبلة وهم الذين بلغتهم الدعوة فآمنوا وشهدوا بالتوحيد وماتوا على ذلك، وأهل الفترة وهم كل من لم تبلغه دعوة الرسل، ولم تقم عليه الحجة، أو عاشوا بين موت رسول وبعثة رسول آخر، ولم تبلغهم دعوة الأولى، والكفار وهم كل من سمع بدين الإسلام، ونبيه -صلى الله عليه وسلم- فلم يؤمنوا. 19- علم التوحيد قد حاز الشرف الكامل دون سائر العلوم؛ لأنه متعلق بأشرف ذات وأكمل موصوف وهو الله -عز وجل؛ ولأن معلومه هو مراد الله الشرعي الدال عليه وحيه وكلامه؛ ولأن الحاجة إليه عظيمة، فقد طلبه الله وأمر به كل مكلف، وأثنى على أهله على لسان جميع الرسل، فسعادة البشرية في الدنيا والآخرة متوقفة عليه. 20- يستمد علم التوحيد من الكتاب والسنة، وإنما يتم ذلك بمعرفة مناهج الاستنباط وطرائق الاستدلال، واستخراج الأحكام عند أهل السنة والجماعة، وأما أنواع أدلته المرضية فهي: صحائح المنقول، والاجماع المتلقى بالقبول، والعقل السليم، والفطرة السوية. 21- علم التوحيد فن مستقل بذاته قائم بنفسه، له أصوله ومصادره، ومناهجه، ومسائله، ولا يغني عنه غيره، وهو كالأساس لعلوم الإسلام الآخرى. 22- مر علم التوحيد في وضعه وتدوينه بطورين: طور الرواية في عهد الرعيل

الأولى من الصحابة إذ كانوا يتلقون الوحيين عن الرسول -صلى الله عليه وسلم-، ثم طور التدوين الذي بدأ في حياة التابعين بكتابة السنة، ثم جاء دور التصنيف في زمن تابع التابعين، فكان كتاب الفقه الأكبر لأبي حنيفة هو أول مدون في العقيدة، ثم تتابع التأليف بعد أبي حنيفة. 23- ثمرة علم التوحيد في الدنيا هي السعادة والحياة الطيبة المطمئنة، والعيش في عزة وشرف وكرامة، وزيادة القوة العلمية والعملية للمؤمن الموحد، أما في الآخرة فامتناع الخلود في النار لمن ظلم نفسه، ودخول الجنة ابتداء للمقتصد، والفوز بالدرجات العلى لمن سبق بالخيرات. 24- من ثمرات علم التوحيد: حفظ هذا العلم بحفظ قواعده وأصوله ومسائله، وفي هذا حفظ للدين نفسه، وتحصل القدرة على إرشاد المسترشدين، وهداية المنحرفين، والوقوف أمام التيارات الإلحادية والأهواء البدعية. 25- مسائل علم التوحيد هي معرفة أحكام القضايا الاعتقادية المتعلقة بالله تعالى وملائكته، ورسله واليوم الآخر والغيبيات، من حيث الوجوب والجواز والاستحالة، وما توقفت عليه تلك الأحكام لاستفادتها على منهج أهل السنة والجماعة. 26- من خصائص العقيدة عند أهل السنة والجماعة: التوقيفية؛ وتعني الاعتماد على الكتاب والسنة في تلقي العقيدة بفهم الصحابة، والتسليم لله ولرسوله -صلى الله عليه وسلم- من غير تعرض لنصوص الوحيين بتحريف، أو تأويل، أو تعطيل، أو تكييف، أو تمثيل، واعتماد ألفاظ ومصطلحات الكتاب والسنة عند تقرير مسائل الاعتقاد، وسد باب الابتداع والإحداث في الدين. 27- من خصائص العقيدة: الغيبية، وتعني قيام العقيدة على التسليم بوجود

الغيب، كما تعني الإيمان بكل ما ورد في النصوص الشرعية من أمور الغيب، وعدم رد شيء منها أو تأويلها. 28- من خصائص العقيدة: الوسطية، وتعني التوازن بين الأمور المتقابلة والتوسط بين الأطراف المتباعدة على ما تقتضيه النصوص الشرعية، وتقرر عن أهل السنة. 29- من خصائص العقيدة: العقلانية، وتعني موافقة العقل، وإعلاء منزلته ومكانته، وتوفر طاقته وتصريفها فيما يفيد. 30- الفطرية من أظهر خصائص العقيدة عند أهل السنة والجماعة، فقد جاءت سهلة واضحة، لا عسر فيها ولا تعقيد، بعيدة عن الغلو والتشدد في أمر الدين أصولًا وفروعًا، وعن التكلف في طلب علم ما حجب علمه. 31- الشمولية من خصائص العقيدة عن أهل السنة لشمولها للتصور الكامل للقضايا الكبرى التي ضل في تصورها كثير من الناس، وشمولها لحياة المسلم من جهاتها المختلفة، فهي شاملة فيما تقوم عليه من أركان الإيمان وقواعده، وما يتفرع عنه، وشاملة في نظرتها للوجود كله. 32- من أهم القواعد والضوابط المنهجية في تقرير مسائل الاعتقاد عند أهل السنة والجماعة: الإيمان والتسليم والتعظيم لنصوص الوحيين، وجمع النصوص في الباب الواحد ورد المتشابه إلى المحكم، والصدور في كل ما يلزم اعتقاد عن الوحي الصادق الكتاب والسنة، وما يرجع إليهما من إجماع صحيح أو عقل صريح، مع اعتماد فهم السلف الصالح لنصوص الوحي حجة، وأمارة على الفهم الصحيح، مع إجراء نصوص الوحي على ظاهرها المتبادر من كلام المتكلم طالما لم تحتف بالنص قرينة تصرفه

عن دلالته الظاهرة، ودفع التأويل الفاسد المتعسف، ودرء التعارض بين العقل والنقل؛ لأن من مسائل الشريعة ليس فيها ما يرده العقل، فإن وجد ما يوهم التعارض فإما أن يكون النقل غير صحيح، أو صحيحًا ليس فيه دلالة صحيحة على المدعي، وإما أن يكون العقل فاسدًا بفساد مقدماته، واعتماد ألفاظ ومصطلحات الكتاب والسنة عند تقرير مسائل الاعتقاد وأصول الدين، والتعبير بها عن المعاني الشرعية، وفق لغة القرآن وبيان الرسول -صلى الله عليه وسلم-، والكف عما لم يرد في الشرع، والسكوت عما سكت عنه الله ورسوله وأمسك عنه السلف، وترك الخوض فيما لا علم للإنسان به من دليل أو أثر. 33- تميز منهج أهل السنة في تدوين العقيدة بإثبات المسائل بأدلتها من الكتاب والسنة وإجماع الصحابة، وذلك في مقابل منهج الفرق المبتدعة في اتباع قواعد الجدل والمنطق لإثبات مسائل الاعتقاد. وقد عرض البحث لنمادج من كتب أهل السنة في الاعتقاد على مر العصور، مع دراسة لبعض هذه المصنفات، وبيان لأهم خصائصها ومناهجها.

المراجع

المراجع: 1- الإبانة عن أصول الديانة، أبو الحسن علي بن إسماعيل بن أبي بشر الأشعري. 2- الإبانة عن شريعة الفرقة الناجية، ومجانبة الفرقة المذمومة، أبو عبد الله عبيد الله بن محمد بن بطة العكبري الحنبلي. 3- إبطال التأويلات لأخبار الصفات، أبو يعلى محمد بن الحسن الفراء. 4- الإتقان في علوم القرآن، للسيوطي جلال الدين السيوطي. 5- إثبات صفة العلو، عبد الله بن أحمد بن قدامة المقدسي. 6- اجتماع الجيوش الإسلامية على غزو المعطلة والجهمية، أبو عبد الله محمد بن أبي بكر أيوب الزرعي المعروف بابن القيم. 7- الإجماع، أبو بكر محمد بن إبراهيم بن المنذر النيسابوري. 8- الأحاديث المختارة، أبو عبد الله محمد بن عبد الواحد بن أحمد الحنبلي المعروف بالضياء المقدسي. 9- إحكام الأحكام شرع عمدة الأحكام، لتقي الدين أبي الفتح ابن دقيق العيد. 10- أحكام القرآن، أبو بكر بن العربي المالكي. 11- الإحكام في أصول الأحكام، أبو محمد علي بن أحمد بن سعيد بن حزم الظاهري. 12- إحياء علوم الدين، أبو حامد محمد بن محمد العزالي.

13- الاختلاف في اللفظ والرد على الجهمية والمشبهة، عبد الله بن مسلم بن قتيبة. 14- أدب الإملاء والاستملاء، أبو سعد عبد الكريم بن محمد بن منصور النميمي السمعاني. 15- الأدب المفرد، أبو عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري. 16- الأربعين في دلائل التوحيد، عبد الله بن الهروي أبو إسماعيل. 17- الأربعين في صفات رب العالمين، محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي. 18- الإرشاد إلى قواطع الأدلة في أصول الاعتقاد، أبو المعالي عبد الله بن عبد الله بن يوسف الجويني النيسابوري. 19- إرشاد الثقات إلى اتفاق الشرائع على التوحيد والمعاد والنبوات، محمد بن علي الشوكاني. 20- أركان الإيمان، سليمان غاوجي الألباني. 21- إرواء الغليل، محمد ناصر الدين الألباني. 22- الأسئلة والأجوبة الأصولية على العقيدة الواسطية، محمد عبد العزيز السلمان. 23- أساس البلاغة، لجار الله أبي القاسم محمود بن عمر الزمخشري. 24- أساس التقديس، محمد بن أبي بكر بن عبد القادر الرازي. 25- الاستقامة، أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني.

26- الأسماء والصفات عقلًا ونقلًا، محمد الأمين الشنقيطي. 27- إصلاح الوجوه والنظائر في القرآن الكريم، الحسين بن محمد الدامغاني. 28- أصول الإيمان، محمد بن عبد الوهاب. 29- الأصول الخمسة، القاضي عبد الجبار. 30- أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن، محمد الأمين الشنقيطي. 31- الاعتصام، أبو إسحاق إبراهيم بنموسى بن محمد اللخمي الغرناطي المالكي "الشاطبي". 32- اعتقاد أئمة الحديث، أبو بكر أحمد بن إبراهيم الإسماعيلي. 33- الاعتقاد والهداية إلى سبيل الرشاد على مذهب السلف وأصحاب الحديث، أحمد بن الحسين البيهقي. 34- إعلام الموقعين عن رب العالمين، أبو عبد الله محمد بن أبي بكر أيوب الزرعي المعروف بابن القيم. 35- أعلام النبوة، أبو الحسن علي بن محمد الماوردي. 36- إغاثة اللهفان من مصايد الشيطان، أبو عبد الله محمد بن أبي بكر أيوب الزرعي المعروف بابن القيم. 37- أقاويل الثقات، مرعي بن يوسف الكرمي. 38- الاقتصاد في الاعتقاد، الحافظ عبد الغني بن سرور المقدسي.

39- اقتضاء الصراط المستقيم مخالفة أصحاب الجحيم، أحمد بن عبد الحلم بن تيمية الحراني. 40- إلجام العوام عن علم الكلام، أبو حامد محمد بن محمد العزالي. 41- الألفاظ المختلفة في المعاني المؤتلفة، لأبي عبد الله محمد بن عبد الملك بن مالك الطائي الجياني. 42- الأم، الإمام محمد بن إدريس الشافعي. 43- الانتقاء، أبو عمر يوسف بن عبد الله بن عبد البر النمري القرطبي الأندلسي. 44- الإنصاف فيما يجب اعتقاده ولا يجوز الجهل به، محمد الطيب الباقلاني. 45- أنوار التنزيل وأسرار التأويل، للقاضي ناصر الدين البيضاوي. 46- أنيس الفقهاء في تعريفات الألفاظ المتداولة بين الفقهاء، لقاسم بن عبد الله بن أمير علي القونوي. 47- الآيات البينات في عدم سماع الأموات، نعمان محمد الآلوسي. 48- إيثار الحق على الخلق، محمد بن إبراهيم بن علي بن المرتضى بن المفضل القاسمي المعروف بابن الوزير. 49- إيقاظ ألهمم، صالح العمري. 50- إيقاظ الفكرة لمراجعة الفطرة، محمد بن إسماعيل الأمير الصنعاني. 51- الإيمان، أبو بكر عبد الله بن أبي شيبة.

52- الإيمان، أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني. 53- الإيمان، محمد بن يحيى بن أبي عمر العدني. 54- أين نحن من أخلاق السلف، عبد العزيز الجليل وبهاء عقيل. 55- باعث النهضة الإسلامية ابن تيمية السلفي نقده لمسالك المتكلمين والفلاسفة في الإلهيات، د. محمد خليل هراس. 56- الباعث على إنكار البدع والحوادث، أبو شامة المقدسي. 57- بدائع الفوائد، أبو عبد الله محمد بن أبي بكر أيوب الزرعي المعروف بابن القيم. 58- البداية والنهاية، أبو الفداء عماد الدين إسماعيل بن عمر بن كثير الدمشقي. 59- بيان تلبيس الجهمية، أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني. 60- تاج العروس من جواهر القاموس، محمب الدين أبي الفيض محمد مرتضى الزبيدي. 61- تاريخ الفكر الفلسفي في الإسلام، د. محمد علي أبو ريان. 62- التاريخ الكبير المعروف بتاريخ ابن أبي خيثمة، أبو بكر أحمد بن أبي خيثمة زهير بن حرب. 63- تاريخ جرجان، أبو القاسم حمزة بن يوسف الجرجاني. 64- تاريخ دمشق، محمد بن سهل بن عساكر.

65- التبصير في الدين وتمييز الفرقة الناجية عن الفرق الهالكين، طاهر بن محمد الإسفراييني. 66- تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق، فخر الدين عثمان بن علي الزيلعي الحنفي. 67- تجنيد الأجناد وجهات الجهاد، القاضي بدر الدين بن جماعة. 68- تحذير الساجد من اتخاذ القبور مساجد، ناصر الدين الألباني. 69- تحرير ألفاظ التنبيه "لغة الفقه"، لأبي زكريا يحيى بن شرف بن مري النووي. 70- تحريم النظر في كتب الكلام، محمد بن عبد الله بن أحمد بن محمد بن قدامة المقدسي الجماعيلي، ثم الدمشقي الصالحي الحنبلي. 71- التحف في مذاهب السلف، محمد بن علي بن محمد الشوكاني. 72- تحفة الأحوذي، أبو العلا محمد بن عبد الرحمن بن عبد الرحيم المباركفوري. 73- التدمرية، أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني. 74- تذكرة السامع والمتكلم في أدب العالم والمتعلم، بدر الدين بن جماعة الكناني. 75-ترتيب العلوم، محمد المرعشي الشهير بساحقلي زاده. 76- التسعينية، أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني. 77- التصديق بالنظر إلى الله تعالى في الآخرة، أبو بكر محمد بن الحسن الآجري. 78- التصور الإسلامي للكون والحياة، د. عثمان جمع ضميرية.

79- تطهير الاعتقاد من أدران الإلحاد، محمد بن إسماعيل الأمير الصنعاني. 80- التعريفات، علي بن محمد الشريف الجرجاني. 81- تعظيم قدر الصلاة، أبو عبد الله محمد بن نصر بن الحجاج المروزي. 82- تعليق التعليق، أحمد بن علي بن محمد بن حجر العسقلاني. 83- تفسير القرآن العظيم، أبو الفداء عماد الدين إسماعيل بن عمر بن كثير الدمشقي. 84- التفسير الكبير، فخر الدين الرازي. 85- تلبيس إبليس، جمال الدين أبي الفرج عبد الرحمن بن الجوزي. 86- تلخيص الحبير في أحاديث الرافعي الكبير، لأبي الفضل أحمد بن علي بن حجر العسقلاني. 87- التمهد في تخريج الفروع على الأصول، جمال الدين الأسنوي. 88- تمهيد لتاريخ الفلسفة، الشيخ مصطفى عبد الرزاق. 89- التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد، أبو عمر يوسف بن عبد الله بن عبد البر النمري القرطبي الأندلسي. 90- التنبيهات السنية على العقيدة الواسطية، عبد العزيز الناصر الرشيد. 91- تنبيهات هامة على ما كتبه محمد علي الصابوني في صفات الله -عز وجل- الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز.

92- تنزيه الشريعة المرفوعة عن الأخبار الشنيعة الموضوعة، أبو الحسن علي بن محمد عراق الكناني. 93- تهافت التهافت، أبو الوليد محمد بن أحمد بن محمد بن رشد القرطبي. 94- تهافت الفلاسفة، أبو حامد محمد بن محمد الغزالي. 95- تهذيب الكمال، أبو الحجاج يوسف بن الزكي عبد الرحمن المزي. 96- تهذيب اللغة، أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري. 97- التوحيد الذي هو حق على العبيد، محمد بن عبد الوهاب بن سليمان بن مشرف التميمي النجدي. 98- التوحيد محور الحياة، د. عمر الأشقر. 99- التوحيد وإثبات صفات الرب -عز وجل، أبو بكر محمد بن إسحاق بن خزيمة السلمي. 100- التوحيد ومعرفة أسماء الله -عز وجل- وصفاته، أبو عبد الله محمد بن إسحاق بن محمد بن يحيى بن منده. 101- التوسل أنواعه وأحكامه، محمد ناصر الدين الألباني. 102- توضيح العقائد النسقية، د. سليمان خميس. 103- توضيح الكافية الشافية، عبد الرحمن بن ناصر السعدي. 104- التوضيح والبيان لشجرة الإيمان، عبد الرحمن بن ناصر السعدي.

105- التوقيف على مهمات التعاريف، لمحمد عبد الرءوف المناوي. 106- تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان، عبد الرحمن بن ناصر السعدي. 107- جامع البيان في تفسير القرآن، أبو جعفر محمد بن جرير الطبري. 108- الجامع الصحيح، أبو عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري الجعفي. 109- الجامع الصحيح، أبو عيسى محمد بن عيسى الترمذي. 110- جامع العلوم والحكم، أبو الفرج عبد الرحمن بن أحمد بن رجب الحنبلي. 111- جامع بيان العلم وفضله، أبو عمر يوسف بن عبد الله بن عبد البر النمري القرطبي الأندلسي. 112- الجامع لأحكام القرآن، أبو عبد الله محمد بن أحمد الأنصاري القرطبي. 113- الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع، أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت الخطيب البغدادي. 114- الجامع، لابن أبي زيد القيرواني. 115- الجرح والتعديل، أبو محمد عبد الرحمن بن أبي حاتم بن إدريس الرازي التميمي. 116- جلاء الأفهام، أبو عبد الله محمد بن أبي بكر أيوب الزرعي المعروف بابن القيم. 117- الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح، شيخ الإسلام أحمد

بن عبد الحليم بن تيمية. 118- الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي، أبو عبد الله محمد بن أبي بكر أيوب الزرعي المعروف بابن القيم. 119- حادي الأرواح إلى بلاد الأفراح، أبو عبد الله محمد بن أبي بكر أيوب الزرعي المعروف بابن القيم. 120- حاشية ابن القيم، أبو عبد الله محمد بن أبي بكر أيوب الزرعي المعروف بابن القيم. 121- حاشية الخرشي على مختصر خليل، عيسى محمد الخرشي. 122- حاشية الدرة المضية في عقد الفرقة المرضية، عبد الرحمن بن محمد بن قاسم. 123- حاشية رد المحتار على الدر المختار شرح تنوير الأبصار، محمد أمين عمر بن عبد العزيز عابدين الدمشقي. 124- حاشية كتاب التوحيد، عبد الرحمن بن محمد بن قاسم. 125- الحجة في بيان المحجة في شرح التوحيد ومذهب أهل السنة، قوام السنة أبو القاسم إسماعيل بن محمد بن الفضل بن طاهر التيمي الطلحي الأصبهاني. 126- الحدود الأنيقة والتعريفات الدقيقة أبو يحيى زكريا بن محمد بن زكريا الأنصاري. 127- حكم الانتماء إلى الفرق والأحزاب والجماعات الإسلامية، د. بكر

ابن عبد الله أبو زيد. 128- حلية الأولياء، أبو نعيم الأصفهاني. 129- خصائص أهل السنة، د. أحمد فريد. 130- الخصائص الكبرى، عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي. 131- خلق أفعال العباد، أبو عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري الجعفي. 132- الدر المنثور في التفسير بالمأثور، عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي. 133- الدر النضيد في إخلاص كلمة التوحيد، محمد بن علي الشوكاني. 134- درء تعارض العقل والنقل، شيخ الإسلام أحمد بن عبد الحليم بن تيمية. 135- الدراية في تخريج أحاديث الهداية، لأبي الفضل أحمد بن علي بن حجر العسقلاني. 136- الدرة البهية شرح القصيدة التائية في حل مشكلة القدرية، عبد الرحمن بن ناصر السعدي. 137- الدرر السنية في الأجوبة النجدية، عبد الرحمن بن قاسم. 138- دعوة التوحيد.. أصولها والأدوار التي مرت بها ومشاهير دعاتها، د. محمد خليل هراس. 139- دلائل التوحيد، محمد جمال الدين القاسمي. 140- الدين الخالص، الشيخ صديق حسن خان.

141- الدين، د. محمد عبد الله دراز. 142- ذم التأويل، محمد بن عبد الله بن أحمد بن محمد بن قدامة المقدسي الجماعيلي، ثم الدمشقي الصالح الحنبلي. 143- ذم الكلام، عبد الله بن محمد بن علي الهروي. 144- الذيل على طبقات الحنابلة، أبو الفرج عبد الرحمن بن أحمد بن رجب الحنبلي. 145- رؤية الله تبارك وتعالى، ابن النحاس. 146- رؤية الله، أبو الحسن علي بن عمر الدارقطني. 147- الرحلة في طلب الحديث، أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت الخطيب البغدادي. 148- رد النصوص، سعد الدين التفتازاني. 149- الرد على الجهمية، عثمان بن سعيد الدارمي. 150- الرد على الجهمية، محمد بن إسحاق بن منده. 151- الرد على الزنادقة والجهمية، أبو عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني البغدادي. 152- الرد على القائلين بوحدة الوجود، علي بن سلطان الهروي الحنفي. 153- الرد على من أنكر الحرف والصوت، أبو نصر السجزي. 154- الرد على من يقول القرآن مخلوق، أحمد بن سلمان النجاد أبو بكر. 155- رسائل في العقيدة، محمد بن صالح بن عثيمين.

156- رسالة التوحيد، محمد عبده. 157- الرسالة الوافية لمذهب أهل السنة في الاعتقاد وأصول الديانات، أبو عمر عثمان بن سعيد المقرئ الداني. 158- الرسالة، محمد بن إدريس الشافعي. 159- الرضا عن الله بقضائه، عبد الله بن أبي الدنيا البغدادي. 160- رفع اليدين، لأبي عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري. 161- روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني، شهاب الدين محمود بن عبد الله الألوسي. 162- الروح، أبو عبد الله محمد بن أبي بكر أيوب الزرعي المعروف بابن القيم. 163- رياض الصالحين، أبو زكريا محيي الدين بن شرف النووي. 164- زاد المعاد في هدي خير العباد، أبو عبد الله محمد بن أبي بكر أيوب الزرعي المعروف بابن القيم. 165- الزاهر في غريب ألفاظ الشافعي، لأبي المنصور محمد بن أحمد بن الأزهر الأزهري الهروي. 166- الزهد، هناد بن السري الكوفي. 167- الزهد أبو عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني البغدادي.

168- الزائد، وهي ما زاده عبد الله بن أحمد بن حنبل على مسند أبيه. 169- سبيل النجاة والفكاك من موالاة المرتدين وأهل الإشراك، حمد بن علي بن عتيق. 170- سلسلة الأحاديث الصحيحة، محمد ناصر الدين الألباني. 171- السنة، أبو بكر أحمد بن محمد بن هارون بن يزيد الخلال. 172- السنة، أبو بكر عمر بن أبي عاصم الضحاك الشيباني. 173- السنة، أبو عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني البغدادي. 174- السنة، أبو عبد الله محمد بن نصر بن الحجاج المروزي. 175- السنة، محمد بن نصر المروزي. 176- السنن الكبرى، أبو بكر أحمد بن الحسين بن علي البيهقي. 177- السنن الواردة في الفتن وغوائلها والساعة وأشراطها، أبو عمرو عثمان بن سعيد المقرئ الداني. 178- السنن، أبو داود سليمان بن الأشعث. 179- السنن، أبو عبد الرحمن أحمد بن شعيب النسائي. 180- السنن، أبو عبد الله محمد بن يزيد الربعي بن ماجه. 181- السنن، أبو محمد عبد الله بن عبد الرحمن الدارمي.

182- سير أعلام النبلاء، أبو عبد الله محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي. 183- شرح أصول اعتقاد أهل النسة والجماعة، هبة الله بن الحسن بن منصور الرازي الطبري اللالكائي الحافظ. 184- شرح الأصول الخمسة، القاضي عبد الجبار الهمداني. 185- شرح السنة، أبو محمد الحسن بن علي بن خلف البربهاري. 186- شرح السنة، أبو محمد الحسين بن مسعود الفراء البغوي. 187- شرح الصدور بتحريم رفع القبور، محمد بن علي بن محمد الشوكاني. 188- شرح العقائد النسفية، سعد الدين التفتازاني. 189- شرح العقيدة الأصفهانية، أحمد بن عبد الحليم بن تيمية. 190- شرح العقيدة الطحاوية، أبو الحسن علي بن علاء الدين المعروف بابن أبي العز. 191- شرح العقيدة الواسطية، د. محمد خليل هراس. 192- شرح الفقه الأكبر، ملا علي القاري الحنفي. 193- شرح الكوكب المنير المسمى بمختصر التحرير، محمد بن أحمد الفتوحي الحنبلي المعروف بابن النجار. 194- شرح جوهرة التوحيد، إبراهيم بن محمد البيجوري.

195- شرح صحيح مسلم، أبو زكريا محيي الدين يحيى بن شرف الدين النووي الشافعي. 196- شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري، عبد الله الغنيمان. 197- شرح متن السنوسية، محمد بن يوسف السنوسي. 198- شرح مختصر المنتهى، العضد. 199- الشرح والإبانة على أصول السنة والديانة، عبيد الله محمد بن بطة. 200- شرف أصحاب الحديث، أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت الخطيب البغدادي. 201- الشريعة، أبو بكر محمد بن الحسن الآجري. 202- شعار أصحاب الحديث، محمد بن أحمد بن إسحاق الحاكم. 203- شعب الإيمان، أبو بكر أحمد بن الحسين بن علي البيهقي. 204- شفاء العليل في مسائل القضاء والقدر والحكمة والتعليل، أبو عبد الله محمد بن أبي بكر أيوب الزرعي المعروف بابن القيم. 205- الشمائل، أبو عيسى محمد بن عيسى الترمذي السلمي. 206- الصارم المسلول على شاتم الرسول، أحمد بن عبد الحليم بن تيمية. 207- الصارم المنكي، أبو عبد الله محمد بن عبد الهادي الحنبلي. 208- الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية، إسماعيل بن حماد الجوهري.

209- صحيح ابن حبان، أبو حاتم محمد بن حبان بن أحمد التميمي البستي. 210- صحيح ابن خزيمة، أبو بكر محمد بن إسحاق بن خزيمة السلمي النيسابوري. 211- صحيح الجامع الصغير وزيادته، الشيخ محمد ناصر الدين الألباني. 212- صحيح مسلم، أبو الحسن مسلم بن الحجاج القشيري النيسابوري. 213- صريح السنة، محمد بن جرير الطبري. 214- الصفات، أبو الحسن علي بن عمر الدارقطني. 215- صفة الصفوة، جمال الدين أبي الفرج عبد الرحمن بن الجوزي. 216- الصفدية، أحمد بن عبد الحليم بن تيمية. 217- صلاة التراويح، محمد بن ناصر الدين الألباني. 218- الصواعق المرسلة على الجهمية والمعطلة، أبو عبد الله محمد بن أبي بكر أيوب الزرعي المعروف بابن القيم. 219- الضعفاء الكبير، أو جعفر محمد بن عمرو بن موسى بن حماد العقيلي المكي. 220- طبقات الشافعية الكبرى، أبو نصر عبد الوهاب بن علي بن عبد الكافي السبكي. 221- طريق الهجرتين، أبو عبد الله محمد بن أبي بكر أيوب الزرعي المعروف بابن القيم.

222- عارضة الأحوذي، أبو بكر بن العربي المالكي. 223- العبودية، أحمد بن عبد الحليم بن تيمية. 224- العرش وما روي فيه، محمد بن عثمان بن أبي شيبة العبسي. 225- العرش، محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي. 226- العظمة، أبو حاتم محمد بن حيان بن أحمد التميمي البستي. 227- العقائد السلفية بأدلتها العقلية والنقلية، أحمد بن حجر آل بوطامي البنعلي. 228- العقد الثمين في بيان مسائل الدين، علي بن محمد بن ناصر الدين الشافعي السويدي. 229- عقد الجيد، أحمد بن عبد الرحيم الدهلوي. 230- العقيدة الإسلامية بين السلفية والمعتزلة، د. محمود خفاجي. 231- عقيدة السلف أصحاب الحديث، أبو عثمان إسماعيل بن عبد الرحمن بن أحمد الصباوني. 232- عقيدة المسلمين والرد على الملحدين والمتبدعين، صالح بن إبراهيم البليهي. 233- العقيدة الواسطية، أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني. 234- العقيدة، أبو عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني، رواية أبي بكر الخلال.

235- علامات يوم القيامة، الحافظ ابن كثير الدمشقي. 236- العلل، أبو عيسى محمد عيسى الترمذي. 237- العلل، أبو الحسن علي بن عمر بن أحمد مهدي الدارقطني البغدادي. 238- العلل ومعرفة الرجال، أبو عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني البغدادي. 239- العلم أصوله ومصادره ومناهجه، محمد الخرعان. 240- علم العقيدة بين الأصالة والمعاصرة، د. أحمد السايح. 241- العلو للعلي الغفار، شمس الدين أبو عبد الله محمد بن أحمد الذهبي. 242- عمل اليوم والليلة، أبو عبد الرحمن أحمد بن شعيب النسائي. 243- العواصم والقواصم في الذب عن سنة أبي القاسم، محمد بن المرتضى الوزير اليماني. 244- عون المعبود، أبو الطيب محمد شمس الحق العظيم آبادي. 245- غريب الحديث، أبو عبيد القاسم بن سلام الهروي. 246- الغنية لطالبي طريق الحق عز وجل، عبد القادر الجيلاني. 247- فتاوى ابن الصلاح، أبو عمرو عثمان بن عبد الرحمن بن عثمان المعروف بابن الصلاح.

248- فتاوى العقيدة، محمد بن صالح بن العثيمين. 249- فتاوى مهمة لعموم الأمة، عبد العزيز بن عبد الله بن باز. 250- فتح الباري شرح صحيح البخاري، أبو الفضل شهاب الدين أحمد بن علي بن حجر العسقلاني. 251- فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير، محمد بن علي بن محمد الشوكاني. 252- الفتح المبين لشرح الأربعين، شهاب الدين أحمد بن حجر الهيثمي. 253- فتح المجيد شرح كتاب التوحيد، عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ. 254- الفتوحات المكية، محيي الدين بن عربي. 255- الفتوى الحموية الكبرى أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني. 256- الفرق بين الفرق وبيان الفرقة الناجية، أبو منصور عبد القاهر بن طاهر بن محمد البغدادي. 257- الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان، أحمد بن عبد الحليم بن تيمية. 258- الفصل في الملل والأهواء والنحل، أبو محمد علي بن أحمد بن سعيد بن حزم الظاهري. 259- فضائل الصحابة، أبو الفرج عبد الرحمن بن أحمد بن رجب الحنبلي. 260- فضل الله الصمد شرح الأدب المفرد، للجيلاني.

261- فضل علم السلف على الخلف، أبو الفرج عبد الرحمن بن أحمد بن رجب الحنبلي. 262- الفقه الأكبر، أبو حنيفة النعمان بن ثابت. 263- الفقه الأكبر، محمد بن إدريس الشافعي. 264- الفقيه والمتفقه، أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت الخطيب البغدادي. 265- الفوائد، أبو عبد الله محمد بن أبي بكر أيوب الزرعي المعروف بابن القيم. 266- فيض القدير شرح الجامع الصغير، عبد الرءوف المناوي. 267- القائد إلى تصحيح العقائد، عبد الرحمن بن يحيى المعلمي العتمي اليماني. 268- القاعدة المراكشية، أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني. 269- قاعدة جليلة في التوسل والوسيلة، أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني. 270- القاموس المحيط، مجد الدين محمد بن يعقوب الفيروزابادي الشيرازي. 271- القدر ما ورد في ذلك من الآثار، عبد الله بن وهب بن مسلم. 272- قطف الأزهار المتناثرة في الأحاديث المتواترة، عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي. 273- قطف الثمر في بيان عقيدة أهل الأثر، محمد صديق خان القنوجي. 274- القواعد المثلى في أسماء الله وصفاته الحسنى، محمد بن صالح العثيمين. 275- قواعد المنهج السلفي، مصطفى حلمي.

276- الكافية الشافية في الانتصار للفرقة الناجية، أبو عبد الله محمد بن أبي بكر أيوب الزرعي المعروف بابن القيم. 277- الكامل في ضعفاء الرجال، أبو أحمد عبد الله بن عدي بن عبد الله بن محمد الجرجاني. 278- الكبائر، أبو عبد الله محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي. 279- كبرى اليقينيات الكونية، محمد سعيد البوطي. 280- كتاب الإيمان ومعالمه وسننه واستكمال درجاته، أبو عبيد القاسم بن سلام الهروي. 281- كشاف اصطلاحات الفنون، التهانوي. 282- كشاف القناع عن متن الإقناع، منصور بن يونس بن إدريس البهوتي. 283- كشف الأسرار على أصول البزدوي، عبد العزيز البخاري الحنفي. 284- كشف الحجاب والران عن وجه أسئلة الجان، الشعراني. 285- كشف الظنون، مصطفى بن عبد الله القسطنطيني الرومي "حاجي خليفة". 286- كشف الكربة في وصف حال أهل الغربة، أبو الفرج عبد الرحمن بن أحمد بن رجب الحنبلي. 287- الكفاية في علم الرواية، أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت الخطيب البغدادي. 288- الكلام على الصفات، أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت الخطيب البغدادي.

289- كلمة الإخلاص وتحقيق معناها، أبو الفرج عبد الرحمن بن أحمد بن رجب الحنبلي. 290- الكليات، أبو البقاء الكفوي. 291- اللؤلؤ المنظوم في مبادئ العلوم، محمد أبو عليان الشافعي. 292- لسان العرب، جمال الدين محمد بن مكرم بن علي بن الأنصاري المعروف بابن منظور. 293- لقط اللآلئ المتناثرة في الأحاديث المتواترة، للزبيدي. 294- لمعة الاعتقاد الهادي إلى سبيل الرشاد، محمد عبد الله بن أحمد بن محمد بن قدامة المقدسي الجماعيلي، ثم الدمشقي الصالحي الحنبلي. 295- لوائح الأنوار السنية، ولواقح الأفكار السنية شرح قصيدة ابن أبي داود الحائية في عقيدة أهل الآثار السلفية، محمد بن أحمد بن سالم بن سليمان السفاريني النابلسي الحنبلي. 296- لوامع الأنوار البهية وسواطع الأسرار الأثرية لشرح الدرة المضية في عقد الفرقة المرضية، محمد بن أحمد بن سالم بن سليمان السفاريني. 297- مباحث في عقيدة أهل السنة، وموقف الحركات الإسلامية المعاصرة منها، د. ناصر بن عبد الكريم العقل. 298- مباحث في علوم العقيدة، د. آمنة نصير.

299- المبدع في شرح المقنع، أبو إسحاق إبراهيم بن محمد بن عبد الله بن مفلح الحنبلي. 300- المجالس السنية في الكلام على الأربعين النووية، أحمد حجازي الفشني. 301- المجروحين، محمد بن حبان بن أحمد أبي حاتم التميمي البستي. 302- مجمع الزوائد، نور الدين علي بن أبي بكر الهيثمي. 303- مجموع الفتاوى، أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني. 304- مجموعة الرسائل الكبرى، أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني. 305- المحاضرات السنية في شرح العقيدة الواسطية، محمد بن صالح بن العثيمين. 306- المحدث الفاضل، القاضي الحسن بن عبد الرحمن الرامهرمزي. 307- المحصول في علم أصول الفقه، فخر الدن محمد بن عمر الحسين الرازي. 308- المحلى بالآثار، أبو محمد علي بن أحمد بن سعيد بن حزم الظاهري. 309- مختار الصحاح، محمد بن أبي بكر بن عبد القادر الرازي. 310- المختار في أصول السنة، الحسن بن البنا الحنبلي البغداي. 311- مختصر العلو، محمد ناصر الدين الألباني. 312- مختصر شعب الإيمان للبيهقي، عمر بن عبد الرحمن القزويني أبو المعالي.

313- المختصر في أصول الدين، القاضي عبد الجبار. 314- مدارج السالكين، أبو عبد الله محمد بن أبي بكر أيوب الزرعي المعروف بابن القيم. 315- مدارك التنزيل وحقائق التأويل، عبد الله بن أحمد النسفي. 316- المدخل لدراسة العقيدة الإسلامية على مذهب أهل السنة والجماعة، إبراهيم محمد البريكان. 317- مدخل لدراسة العقيدة الإسلامية، عثمان جمعة ضميرية. 318- مدخل نقدي لدراسة علم الكلام، محمد السنهوتي. 319- المدونة، عبد السلام بن حبيب القيرواني الملقب بسحنون. 320- مذكرة في علم التوحيد، عبد الرزاق عفيفي. 321- المراسيل، أبو داود سليمان بن الأشعث السجستاني. 322- مسائل الإيمان، القاضي أبو يعلى الفراء الحنبلي. 323- المستدرك على الصحيحين، أبو عبد الله محمد بن عبد الله الحاكم النيسابوري. 324- المستصفى في علم الأصول، أبو حامد الغزالي. 325- مسند أبو يعلى، أحمد بن علي بن المثنى أبو يعلى الموصلي التميمي. 326- المسند، أبو بكر عبد الله بن الزبير الحميدي.

327- المسند، أبو عبد الله أحمد بن حنبل الشيباني البغدادي. 328- المسند، أبو محمد عبد بن حميد. 329- مشكاة المصابيح، محمد بن عبد الله الخطيب التبريزي. 330- مصباح الزجاجة، أحمد بن أبي بكر بن إسماعيل الكناني. 331- المصباح المنير في غريب الشرح الكبير للرافعي، أحمد بن محمد بن علي المقري الفيومي المقرئ. 332- المصنف في الأحاديث والآثار، عبد الله بن محمد بن أبي شيبة. 333- معارج القبول شرح سلم الوصول إلى علم الأصول في التوحيد، حافظ بن أحمد حكمي. 334- معال التنزيل، أبو محمد الحسين بن مسعود الفراء البغوي. 335- معالم في أصول الدعوة، محمد يسري إبراهيم. 336- المعجم الأوسط، أبو القاسم سليمان بن أحمد بن أيوب الطبراني. 337- المعجم الفلسفي، إصدار مجمع اللغة العربية. 338- المعجم الكبير، أبو القاسم سليمان بن أحمد بن أيوب الطبراني. 33- معجم المقاييس في اللغة، أبو الحسين أحمد بن فارس بن زكريا. 340- المعجم الوسيط، إصدار مجمع اللغة العربية.

341- معرفة الآثار والسنن، أبو بكر أحمد بن الحسن بن علي البيهقي. 342- معرفة علوم الحديث، أبو عبد الله محمد بن عبد الله الحاكم النيسابوري. 343- مغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج، محمد الخطيب الشربيني. 344- المغني في فقه الإمام أحمد بن حنبل الشيباني أبو محمد عبد الله بن أحمد بن قدامة المقدسي. 345- مفاتيح للفقه في الدين، مصطفى العدوي. 346- مفتاح السعادة ومصباح السيادة في موضوعات العلوم، أحمد مصطفى "طاش كبرى زاده". 347- المفردات في غريب القرآن، أبو القاسم الحسين بن محمد بن الفضل الملقب بالراغب الأصفهاني. 348- مفهوم أهل السنة والجماعة عند أهل السنة والجماعة، د. ناصر عبد الكريم العقل. 349- مقدمة رسالة ابن أبي زيد القيرواني، ابن أبي زيد القيرواني. 350- الملل والنحل، محمد بن عبد الكريم الشهرستاني. 351- من أخلاق السلف، أحمد فريد. 352- مناقب الشافعي، أبو بكر أحمد بن الحسين البيهقي. 353- مناهل العرفان في علوم القرآن، محمد بن عبد العظيم الزرقاني.

354- المنقذ من الضلال، أبو حامد محمد بن محمد الغزالي. 355- منهاج السنة النبوية، أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني. 356- منهج الاستدلال على مسائل الاعتقاد، عثمان بن علي بن حسن. 357- المنهج السلفي، مفرح بن سليمان. 358- المهذب في فقه الإمام الشافعي، أبو إسحاق إبراهيم بن علي بن يوسف الشيرازي. 359- الموافقات، أبو إسحاق إبراهيم بن موسى اللخمي الغرناطي الشاطبي. 360- الموطأ، لأبي عبد الله مالك بن أنس، برواية يحيى بن يحيى الليثي. 361- موقف ابن تيمية من الأشاعرة، د. عبد الرحمن المحمود. 362- موقف العقل والعلم والعالم من رب العالمين وعباده المرسلين، مصطفى صبري. 363- النبوات، أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني. 364- النصيحة في صفات الرب جل وعلا، أحمد بن إبراهيم الواسطي. 365- نضح الكلام في نصح الإمام، العز بن عبد السلام. 366- نظريات شيخ الإسلام في السياسة والاجتماع، المستشرق الفرنسي لاوست، ترجمة محمد عبد العظيم علي، تقديم مصطفى حلمي. 367- نظم الدرر في شرح الفقه الأكبر، القاضي عبيد الله الحنفي.

368- النظم المتناثر في الحديث المتواتر، الكتاني. 369- نهاية الإقدام في علم الكلام، محمد بن عبد الكريم بن أبي بكر أحمد الشهرستاني. 370- النهاية في غريب الأثر والحديث، أبو السعادات المبارك بن محمد الجزري المعروف بابن الأثير. 371- النور من كلمات أبي طيفور، السهلجي. 372- نيل الأوطار شرح منتقى الأخبار من أحاديث سيد الأخيار، محمد بن علي بن محمد الشوكاني. 373- الهداية شرح بداية المبتدي، أبو الحسين علي بن أبي بكر بن عبد الجليل المرغيناني. 374- الوابل الصيب، أبو عبد الله محمد بن أبي بكر أيوب الزرعي المعروف بابن القيم. 375- وجوب لزوم الجماعة وترك التفرق، جمال بادي. 376- الوجوه والنظائر لألفاظ القرآن، لابن الدامغاني. 377- الورع، أبو عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني. 378- وسطية أهل السنة، محمد باكريم. 379- يقظة أولي الاعتبار مما ورد في ذكر النار وأصحاب النار، صديق بن حسن بن علي القنوجي.

فهرس الكتاب

فهرس الكتاب: 5 مقدمة الباب الأول: مفهوم أهل السنة والجماعة 13 الفصل الأول: التعريف بمصطلح أهل السنة والجماعة 13 أولًا: تعريف المصطلح باعتبار مفرداته 13 تعريف السنة لغة واصطلاحًا 20 تعريف الجماعة لغة واصطلاحًا 22 ثانيًا: تعريف المصطلح باعتبار تركيبه الإضافي 25 الفصل الثاني: سبب التسمية وذيوعها 29 الفصل الثالث: مشروعية هذه التسمية 35 الفصل الرابع: بين مصطلح أهل السنة ومصطلحات أخرى 35 أولًا: الفرقة الناجية 36 ثانيًا: الطائفة المنصورة 37 ثالثًا: أهل الحديث 43 رابعًا: السلف

49 الفصل الخامس: الخصائص والصفات العامة لأهل السنة والجماعة 49 أولًا: أهل السنة ليس لهم اسم يجمعهم سوى هذا الاسم 51 ثانيًا: أهل السنة لا يجمعهم مكان واحد، ولا يخلو عنهم زمان 54 ثالثًا: أهل السنة مشتغلون بأبواب الخير كافة 56 رابعًا: أهل السنة نمط واحد في باب الاعتقاد، وأصول الدين 59 خامسًا: أهل السنة أحرص الناس على الاتباع والائتلاف، وأبعد الناس عن الافتراق والاختلاف 65 سادسًا: أهل السنة أعلم الناس بسنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأتبعهم 71 سابعًا: أهل السنة يجمعون بين واجب الاتباع، وواجب الاجتماع على الأئمة، وأهل الحل والعقد من الأمة 73 ثامنًا: أهل السنة يوالون بالحق ويعادون بالحق ويحكمون بالحق 74 تاسعًا: أهل السنة أهل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر 76 عاشرًا: أهل السنة لا يتخلون عن واجب، ولا تزال طائفة منهم قائمة به إلى قيام الساعة 79 حادي عشر: أهل السنة أكرم الناس أخلاقًا، موصوفون بالاستقامة في الهدي والسمت والسلوك الظاهر

83 الفصل السادس: الانتساب لأهل السنة والجماعة 85 أولًا: تحقيق المنهجية الصحيحة 87 ثانيًا: ضبط وإحكام القواعد والأصول علمًا وعملًا الباب الثاني: علم التوحيد مبادئ ومقدمات الفصل الأول: مبادئ علم التوحيد عند أهل السنة والجماعة 101 تمهيد 104 المبحث الأول: حد علم التوحيد 110 المبحث الثاني: أسماؤه 133 المبحث الثالث: موضوعه 139 المبحث الرابع: حكمه 152 المبحث الخامس: فضله 160 المبحث السادس: استمداده 173 المبحث السابع: نسبته 175 المبحث الثامن: واضعه 179 المبحث التاسع: غايته 198 المبحث العاشر: مسائله

الفصل الثاني: خصائص العقيدة عند أهل السنة والجماعة 203 أولًا: التوقيفية "الربانية" 214 ثانيًا: الغيبية 225 ثالثًا: الوسطية 233 رابعًا: العقلانية 250 خامسًا: الفطرية 258 سادسًا: الشمولية الفصل الثالث: قواعد وضوابط الاستدلال على مسائل الاعتقاد 278 أولًا: الإيمان والتسليم والتعظيم لنصوص الوحيين 283 ثانيًا: جمع النصوص في الباب الواحد ورد المتشابه إلى المحكم 288 ثالثًا: اشتمال الوحي على مسائل التوحيد بأدلتها 290 رابعًا: حجية فهم الصحابة والسلف الصالح 295 خامسًا: الإيمان بالنصوص على ظاهرها ودرء التأويل 300 سادسًا: درء التعارض بين العقل والنقل 304 سابعًا: موافقة النصوص لفظًا ومعنى أولى من موافقتها في المعنى دون اللفظ

310 ثامنًا: الكف عما سكت عنه الله ورسوله، وأمسك عنه السلف ملحق: أهم الموضوعات والمصنفات في العقيدة عند أهل السنة والجماعة 319 الملحق الأول: فهرس تفصيلي لموضوعات الاعتقاد 409 الملحق الثاني: أهم مصنفات العقيدة عند أهل السنة والجماعة 511 الخاتمة 521 فهرس المراجع 553 فهرس الموضوعات

§1/1