طبقات فحول الشعراء

ابن سلّام الجمحي

الجزء 1

ـ[طبقات فحول الشعراء]ـ المؤلف: محمد بن سلام الجمحي (المتوفى: 232هـ) المحقق: محمود محمد شاكر الناشر: دار المدني - جدة عدد الأجزاء: 2 [ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]

بسم الله الرحمن الرحيم

بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم وَأخْبرنَا أَبُو الْقَاسِم سُلَيْمَان ابْن أَحْمد بن أَيُّوب الطبرانى قَالَ قرئَ على الْفضل بن الْحباب وَأَنا أسمع ... أَبُو نصر أخْبرك أَبُو سعد إِذْنا أنبا أَبُو نعيم 1 - أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن عبد الله بن أسيد قَالَ قرئَ على القاضى ... . . قَرَأَهُ عَلَيْهِ ... سنة إِحْدَى وَسبعين وثلثمائة ... قَالَ القاضى وَهُوَ الْفضل بن الْحباب الجمحى أَبُو خَليفَة قَالَ مُحَمَّد بن سَلام الجمحى 2 - ذكرنَا الْعَرَب وَأَشْعَارهَا والمشهورين المعروفين من شعرائها وفرسانها وأشرافها وأيامها إِذْ كَانَ لَا يحاط بِشعر قَبيلَة وَاحِدَة من قبائل الْعَرَب وَكَذَلِكَ فرسانها وساداتها وأيامها فاقتصرنا من ذَلِك على مَا لَا يجهله عَالم وَلَا يسْتَغْنى عَن علمه نَاظر فى أَمر الْعَرَب فبدأنا بالشعر

3 - وفى الشّعْر مَصْنُوع مفتعل مَوْضُوع كثير لَا خير فِيهِ وَلَا حجَّة فى عَرَبِيَّة وَلَا أدب يُسْتَفَاد وَلَا معنى يسْتَخْرج وَلَا مثل يضْرب وَلَا مديح رائع وَلَا هجاء مقذع وَلَا فَخر معجب وَلَا نسيب مستطرف وَقد تداوله قوم من كتاب إِلَى كتاب لم يأخذوه عَن أهل الْبَادِيَة وَلم يعرضوه على الْعلمَاء وَلَيْسَ لأحد إِذا أجمع أهل الْعلم وَالرِّوَايَة الصَّحِيحَة على إبِْطَال شئ مِنْهُ أَن يقبل من صحيفَة وَلَا يرْوى عَن صحفى وَقد اخْتلف الْعلمَاء بعد فِي بعض الشّعْر كَمَا اخْتلفت فِي سَائِر الْأَشْيَاء فَأَما مَا اتَّفقُوا عَلَيْهِ فَلَيْسَ لأحد أَن يخرج مِنْهُ

4 - وللشعر صناعَة وثقافة يعرفهَا أهل الْعلم كَسَائِر أَصْنَاف الْعلم والصناعات مِنْهَا مَا تثقفه الْعين وَمِنْهَا مَا تثقفه الْأذن وَمِنْهَا مَا تثقفه الْيَد وَمِنْهَا مَا يثقفه اللِّسَان من ذَلِك اللُّؤْلُؤ والياقوت لَا تعرفه بِصفة وَلَا وزن دون المعاينة مِمَّن يبصره وَمن ذَلِك الجهبذة بالدينار وَالدِّرْهَم لَا تعرف جودتهما بلون وَلَا مس وَلَا طراز وَلَا وسم وَلَا صفة ويعرفه النَّاقِد عِنْد المعاينة فَيعرف بهرجها وزائفها وستوقها ومفرغها وَمِنْه الْبَصَر بغريب النّخل وَالْبَصَر بأنواع الْمَتَاع وضروبه وَاخْتِلَاف بِلَاده

مَعَ تشابه لَونه ومسه وذرعه حَتَّى يُضَاف كل صنف إِلَى بَلَده الَّذِي خرج مِنْهُ وَكَذَلِكَ بصر الرَّقِيق فتوصف الْجَارِيَة فَيُقَال ناصعة اللَّوْن جَيِّدَة الشطب نقية الثغر حَسَنَة الْعين وَالْأنف جَيِّدَة النهود ظريفة اللِّسَان وَارِدَة الشّعْر فَتكون فِي هَذِه الصّفة بمئة دِينَار وبمئتى دِينَار وَتَكون أُخْرَى بِأَلف دِينَار وَأكْثر وَلَا يجد واصفها مزيدا على هَذِه الصّفة وتوصف الدَّابَّة فَيُقَال خَفِيف الْعَنَان لين الظّهْر شَدِيد الْحَافِر فَتى السن نقى من الْعُيُوب فَيكون بِخَمْسِينَ دِينَارا أَو نَحْوهَا وَتَكون أُخْرَى بمئتى دِينَار وَأكْثر وَتَكون هَذِه صفتهَا وَيُقَال للرجل وَالْمَرْأَة فى الْقِرَاءَة والغناء إِنَّه لندى الْحلق طل الصَّوْت طَوِيل النَّفس مُصِيب للحن ويوصف الآخر بِهَذِهِ الصّفة وَبَينهمَا بون بعيد يعرف ذَلِك الْعلمَاء عِنْد المعاينة وَالِاسْتِمَاع لَهُ بِلَا صفة ينتهى إِلَيْهَا وَلَا علم يُوقف عَلَيْهِ وَأَن كَثْرَة

المدارسة لتعدي عَليّ الْعلم بِهِ فَكَذَلِك الشّعْر يُعلمهُ أهل الْعلم بِهِ 5 - قَالَ مُحَمَّد قَالَ خَلاد بن يزِيد الباهلى لخلف بن حَيَّان أَبى مُحرز وَكَانَ خَلاد حسن الْعلم بالشعر يرويهِ ويقوله بأى شئ ترد هَذِه الاشعار الَّتِي تروى قَالَ لَهُ هَل فِيهَا مَا تعلم أَنْت أَنه مَصْنُوع لَا خير فِيهِ قَالَ نعم قَالَ أفتعلم فِي النَّاس من هُوَ أعلم بالشعر مِنْك قَالَ نعم قَالَ فَلَا تنكر أَن يعلمُوا من ذَلِك أَكثر مِمَّا تعلمه أَنْت 6 - وَقَالَ قَائِل لخلف إِذا سَمِعت أَنا بالشعر أستحسنه فَمَا أبالى مَا قلت أَنْت فِيهِ وَأَصْحَابك قَالَ إِذا أخذت درهما فاستحسنته فَقَالَ لَك الصراف إِنَّه ردئ فَهَل ينفعك استحسانك إِيَّاه 7 - وَكَانَ مِمَّن أفسد الشّعْر وهجنه وَحمل كل غثاء مِنْهُ مُحَمَّد بن

إِسْحَاق بن يسَار مولى آل مخرمَة بن الْمطلب بن عبد منَاف وَكَانَ من عُلَمَاء النَّاس بالسير قَالَ الزهرى لَا يزَال فى النَّاس علم مَا بقى مولى آل مخرمَة وَكَانَ أَكثر علمه بالمغازي وَالسير وَغير ذَلِك فَقبل النَّاس عَنهُ الْأَشْعَار وَكَانَ يعْتَذر مِنْهَا وَيَقُول لَا علم لى بالشعر أَتَيْنَا بِهِ فأحمله وَلم يكن ذَلِك لَهُ عذرا فَكتب فِي السّير أشعار الرِّجَال الَّذين لم يَقُولُوا شعرًا قطّ وأشعار النِّسَاء فضلا عَن الرِّجَال ثمَّ جَاوز ذَلِك إِلَى عَاد وَثَمُود فَكتب لَهُم أشعارا كَثِيرَة وَلَيْسَ بِشعر إِنَّمَا هُوَ كَلَام مؤلف مَعْقُود بقواف أَفلا يرجع إِلَى نَفسه فَيَقُول من حمل هَذَا الشّعْر وَمن أَدَّاهُ مُنْذُ آلَاف من السنين وَالله تبَارك وَتَعَالَى يَقُول {فَقطع دابر الْقَوْم الَّذين ظلمُوا} أى لَا بَقِيَّة لَهُم وَقَالَ أَيْضا {وَأَنه أهلك عادا الأولى وَثَمُود فَمَا أبقى} وَقَالَ فى عَاد {فَهَل ترى لَهُم من بَاقِيَة} وَقَالَ {وقرونا بَين ذَلِك كثيرا} وَقَالَ {ألم يأتكم نبأ الَّذين من قبلكُمْ قوم نوح وَعَاد وَثَمُود}

وَالَّذين من بعدهمْ لَا يعلمهُمْ إِلَّا الله) 8 - وَقَالَ يُونُس بن حبيب أول من تكلم بِالْعَرَبِيَّةِ ونسى لِسَان أَبِيه إِسْمَاعِيل بن إِبْرَاهِيم صلوَات الله عَلَيْهِمَا 9 - أخبرنى مسمع بن عبد الْملك أَنه سمع مُحَمَّد بن عَليّ يَقُول قَالَ أَبُو عبد الله بن سَلام لَا أَدْرِي أرفعه أم لَا وَأَظنهُ قد رَفعه أول من تكلم بِالْعَرَبِيَّةِ ونسى لِسَان أَبِيه إِسْمَاعِيل ابْن إِبْرَاهِيم صلوَات الله عَلَيْهِمَا 10 - وأخبرنى يُونُس عَن أَبى عَمْرو بن الْعَلَاء قَالَ الْعَرَب كلهَا ولد إِسْمَاعِيل إِلَّا حمير وبقايا جرهم وَكَذَلِكَ يرْوى أَن إِسْمَاعِيل ابْن إِبْرَاهِيم جاورهم وأصهر إِلَيْهِم

11 - وَلَكِن الْعَرَبيَّة الَّتِي عَنى مُحَمَّد بن عَليّ اللِّسَان الذى نزل بِهِ الْقُرْآن وَمَا تَكَلَّمت بِهِ الْعَرَب على عهد النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَتلك عَرَبِيَّة أُخْرَى غير كلامنا هَذَا 12 - لم يُجَاوز أَبنَاء نزار فى أنسابهم وأشعارهم عدنان اقتصروا على معد وَلم يذكر عدنان جاهلى قطّ غير لبيد بن ربيعَة الكلابى فِي بَيت وَاحِد قَالَه قَالَ (فَإِن لم تَجِد من دون عدنان والدا ... وَدون معد فلتزعك العواذل) وَقد روى لعباس بن مرداس السلمى بَيت فِي عدنان قَالَ (وعك بن عدنان الَّذين تلعبوا ... بمذحج حَتَّى طردوا كل مطرد)

وَالْبَيْت مريب عِنْد أَبى عبد الله فَمَا فَوق عدنان أَسمَاء لم تُؤْخَذ إِلَّا عَن الْكتب وَالله أعلم بهَا لم يذكرهَا عربى قطّ وَإِنَّمَا كَانَ معد بِإِزَاءِ مُوسَى بن عمرَان صلي الله عَلَيْهِ أَو قبله قَلِيلا وَبَين مُوسَى وَعَاد وَثَمُود الدَّهْر الطَّوِيل والأمد الْبعيد فَنحْن لَا نُقِيم فِي النّسَب مَا فَوق عدنان وَلَا نجد لأولية الْعَرَب المعروفين شعرًا فَكيف بعاد وَثَمُود فَهَذَا الْكَلَام الواهن الْخَبيث وَلم يرو قطّ عربى مِنْهَا بَيْتا وَاحِدًا وَلَا راوية للشعر مَعَ ضعف أسره وَقلة طلاوته 13 - وَقَالَ أَبُو عَمْرو بن الْعَلَاء فِي ذَلِك مَا لِسَان حمير وأقاصى الْيمن الْيَوْم بلساننا وَلَا عربيتهم بعربيتنا فَكيف بِمَا عَليّ عهد عَاد وَثَمُود مَعَ تداعيه ووهيه فَلَو كَانَ الشّعْر مثل مَا وضع لِابْنِ إِسْحَاق وَمثل مَا روى الصحفيون مَا كَانَت إِلَيْهِ حَاجَة وَلَا فِيهِ دَلِيل على علم

14 - وَكَانَ لأهل الْبَصْرَة فِي الْعَرَبيَّة قدمة وبالنحو ولغات الْعَرَب والغريب عناية وَكَانَ أول من أسس الْعَرَبيَّة وَفتح بَابهَا وأنهج سَبِيلهَا وَوضع قياسها أَبُو الْأسود الدؤلى وَهُوَ ظَالِم بن عَمْرو بن سُفْيَان ابْن عَمْرو بن جندل بن يعمر بن نفاثة بن حلْس بن ثَعْلَبَة بن عدى بن الدئل وَكَانَ رجل أهل الْبَصْرَة وَكَانَ علوى الرأى وَكَانَ يُونُس يَقُول هم ثَلَاثَة الدول من حنيفَة سَاكِنة الْوَاو والديل فِي عبد الْقَيْس والدئل فِي كنَانَة رَهْط أَبى الْأسود وَإِنَّمَا قَالَ ذَلِك حِين اضْطربَ كَلَام الْعَرَب فَغلبَتْ السليقية وَلم تكن نحوية فَكَانَ سراه النَّاس يلحنون ووجوه النَّاس فَوضع بَاب الْفَاعِل وَالْمَفْعُول بِهِ والمضاف وحروف الرّفْع وَالنّصب والجر والجزم

15 - وَكَانَ مِمَّن أَخذ عَنهُ يحيى بن يعمر وَهُوَ رجل من عدوان وعداده فِي بنى لَيْث وَكَانَ مَأْمُونا عَالما يرْوى عَنهُ الْفِقْه روى عَن ابْن عمر وَابْن عَبَّاس وروى عَنهُ قَتَادَة وَإِسْحَاق بن سُوَيْد وَغَيرهمَا من الْعلمَاء وَأخذ ذَلِك عَنهُ أَيْضا مَيْمُون الأقرن وعنبسة الْفِيل وَنصر بن عَاصِم الليثى وَغَيرهم 16 - قَالَ ابْن سَلام أخبرنى يُونُس بن حبيب قَالَ الْحجَّاج لِابْنِ يعمر أتسمعني أَلحن قَالَ الْأَمِير أفْصح النَّاس قَالَ يُونُس وَكَذَلِكَ كَانَ وَلم يكن صَاحب شعر قَالَ تسمعنى أَلحن قَالَ حرفا قَالَ أَيْن قَالَ فِي الْقُرْآن قَالَ ذَلِك أشنع لَهُ فَمَا هُوَ قَالَ تَقول {قل إِن كَانَ آباؤكم وأبناؤكم وَإِخْوَانكُمْ وأزواجكم وعشيرتكم وأموال اقترفتموها وتجارة تخشون كسادها ومساكن ترضونها أحب إِلَيْكُم من الله وَرَسُوله} قَرَأَهَا بِالرَّفْع كَأَنَّهُ لما طَال عَلَيْهِ الْكَلَام نسى مَا ابْتَدَأَ بِهِ وَالْوَجْه أَن يقْرَأ أحب إِلَيْكُم بِالنّصب على خبر كَانَ وفعلها قَالَ وأخبرنى يُونُس قَالَ قَالَ لَهُ لَا جرم لَا تسمع لى لحنا أبدا قَالَ يُونُس فألحقه بخراسان وَعَلَيْهَا يزِيد بن الْمُهلب

فَأَخْبرنِي أَبى قَالَ كتب يزِيد بن الْمُهلب إِلَى الْحجَّاج إِنَّا لَقينَا الْعَدو فَفَعَلْنَا واضطررناهم إِلَى عرْعرة الْجَبَل فَقَالَ الْحجَّاج مَا لِابْنِ الْمُهلب وَلِهَذَا الْكَلَام فَقيل لَهُ إِن ابْن يعمر هُنَاكَ فَقَالَ فَذَاك إِذا 17 - ثمَّ كَانَ من بعدهمْ عبد الله بن أَبى إِسْحَاق الحضرمى وَكَانَ أول من بعج النَّحْو وَمد الْقيَاس والعلل وَكَانَ مَعَه أَبُو عَمْرو ابْن الْعَلَاء وبقى بعده بَقَاء طَويلا وَكَانَ ابْن أَبى إِسْحَاق أَشد تجريدا للْقِيَاس وَكَانَ أَبُو عَمْرو أوسع علما بِكَلَام الْعَرَب ولغاتها وغريبها وَكَانَ بِلَال بن أَبى بردة جمع بَينهمَا بِالْبَصْرَةِ وَهُوَ يَوْمئِذٍ وَال عَلَيْهَا ولاه خَالِد بن عبد الله القسرى زمَان هِشَام بن عبد الْملك قَالَ أَبُو عبد الله قَالَ يُونُس قَالَ أَبُو عَمْرو فغلبنى ابْن أَبى إِسْحَاق بِالْهَمْز يَوْمئِذٍ فَنَظَرت فِيهِ بعد ذَلِك وبالغت فِيهِ

وَكَانَ عِيسَى بن عمر أَخذ عَن ابْن أَبى إِسْحَاق وَأخذ يُونُس عَن أَبى عَمْرو بن الْعَلَاء وَكَانَ مَعَهُمَا مسلمة بن عبد الله بن سعد بن محَارب الفهرى وَكَانَ ابْن أَبى إِسْحَاق خَاله وَكَانَ حَمَّاد بن الزبْرِقَان وَيُونُس يفضلانه وَسمعت أَبى يسْأَل يُونُس عَن ابْن أَبى إِسْحَاق وَعلمه قَالَ هُوَ والنحو سَوَاء أى هُوَ الْغَايَة قَالَ فَأَيْنَ علمه من علم النَّاس الْيَوْم قَالَ لَو كَانَ فى النَّاس الْيَوْم من لَا يعلم إِلَّا علمه يَوْمئِذٍ لضحك بِهِ وَلَو كَانَ فيهم من لَهُ ذهنه ونفاذه وَنظر نظرهم كَانَ أعلم النَّاس 18 - قَالَ وَقلت ليونس هَل سَمِعت من ابْن أَبى إِسْحَاق شَيْئا قَالَ قلت لَهُ هَل يَقُول أحد الصويق يعْنى السويق قَالَ نعم عَمْرو بن تَمِيم تَقُولهَا وَمَا تُرِيدُ إِلَى هَذَا عَلَيْك بِبَاب من النَّحْو يطرد وينقاس

19 - وَسمعت يُونُس يَقُول لَو كَانَ أحد ينبغى أَن يُؤْخَذ بقوله كُله فى شئ وَاحِد كَانَ ينبغى لقَوْل أَبى عَمْرو بن الْعَلَاء فى الْعَرَبيَّة أَن يُؤْخَذ كُله وَلَكِن لَيْسَ أحد إِلَّا وَأَنت آخذ من قَوْله وتارك 20 - قَالَ فَأخذ على الفرزدق شئ فى شعره فَقَالَ أَيْن هَذَا الذى يجر فى الْمَسْجِد خصييه وَلَا يصلحه يعْنى ابْن أَبى إِسْحَاق 21 - أخبرنى يُونُس أَن أَبَا عَمْرو كَانَ أَشد تَسْلِيمًا للْعَرَب وَكَانَ ابْن أَبى إِسْحَاق وَعِيسَى بن عمر يطعنان عَلَيْهِم كَانَ عِيسَى يَقُول أَسَاءَ النَّابِغَة فى قَوْله حَيْثُ يَقُول (فَبت كأنى ساورتنى ضئيلة ... من الرقش فى أنيابها السم ناقع) يَقُول موضعهَا ناقعا وَكَانَ يخْتَار السم والشهد وهى علوِيَّة

22 - وَأَخْبرنِي يُونُس أَن ابْن أَبى إِسْحَاق قَالَ للفرزدق فى مديحه يزِيد بن عبد الْملك (مُسْتَقْبلين شمال الشأم تضربنا ... بحاصب كنديف الْقطن منثور) (على عمائمنا يلقى وأرحلنا ... على زواحف تزجى مخها رير) قَالَ ابْن أَبى إِسْحَاق أَسَأْت إِنَّمَا هى رير وَكَذَلِكَ قِيَاس النَّحْو فى هَذَا الْموضع وَقَالَ يُونُس وَالَّذِي قَالَ حسن جَائِز فَلَمَّا ألحوا على الفرزدق قَالَ على زواحف نزجيها محاسير قَالَ ثمَّ ترك النَّاس هَذَا وَرَجَعُوا إِلَى القَوْل الأول

23 - وَكَانَ يكثر الرَّد على الفرزدق فَقَالَ فِيهِ الفرزدق (فَلَو كَانَ عبد الله مولى هجوته ... وَلَكِن عبد الله مولى مواليا) رد الْيَاء على الأَصْل وهى أَبْيَات وَلَو كَانَ هَذَا الْبَيْت وَحده تَركه سَاكِنا 24 - وَكَانَ مولى آل الحضرمى وهم حلفاء بنى عبد شمس بن عبد منَاف والحليف عِنْد الْعَرَب مولى من ذَلِك قَول الراعى يُرِيد بِهِ غَنِيا وهم حلفاؤهم (جزى الله مَوْلَانَا غَنِيا ملامة ... شرار موالى عَامر فِي العزائم) وَقَالَ الأخطل (أتشتم قوما أثلوك بنهشل ... ولولاهم كُنْتُم كعكل مواليا)

يعْنى حلف الربَاب لسعد وَإِنَّمَا قَالَهَا لجرير وَقَالَ الكلبى يحضض عذره على فَزَارَة (وَأَشْجَع إِن لاقيتموهم فَإِنَّهُم ... لذبيان مولى فى الحروب وناصر) 25 - وَكَانَ عِيسَى بن عمر إِذا اخْتلفت الْعَرَب نزع إِلَى النصب كَانَ عِيسَى بن عمر وَابْن أَبى إِسْحَاق يقرآن {يَا ليتنا نرد وَلَا نكذب بآيَات رَبنَا ونكون من الْمُؤمنِينَ} وَكَانَ الْحسن وَأَبُو عَمْرو بن الْعَلَاء وَيُونُس يرفعون نرد ونكذب

ونكون قلت لسيبويه كَيفَ الْوَجْه عنْدك قَالَ الرّفْع قلت فَالَّذِينَ قرأوا بِالنّصب قَالَ سمعُوا قِرَاءَة ابْن أَبى إِسْحَاق فَاتَّبعُوهُ وَكَانَ عِيسَى بن عمر يقْرَأ {الزَّانِيَة وَالزَّانِي} {وَالسَّارِق والسارقة} وَكَانَ ينشد (ياعديا لقلبك المهتاج ... ) وَكَانَ يقْرَأ {هَؤُلَاءِ بَنَاتِي هن أطهر لكم} فَقَالَ لَهُ أَبُو عَمْرو بن الْعَلَاء هَؤُلَاءِ بنى هم مَاذَا فَقَالَ عشْرين رجلا فأنكرها أَبُو عَمْرو وَكَانَ أَبُو عَمْرو وَعِيسَى يقرآن {يَا جبال أوبي مَعَه وَالطير} ويختلفان فى التَّأْوِيل كَانَ عِيسَى يَقُول على النداء كَقَوْلِك يَا زيد والْحَارث لما لم يُمكنهُ يَا زيد يَا الْحَارِث

وَكَانَ أَبُو عَمْرو يَقُول لَو كَانَت على النداء لكَانَتْ رفعا وَلكنهَا على إِضْمَار وسخرنا الطير كَقَوْلِه على أثر هَذَا {ولسليمان الرّيح} أى سخرنا الرّيح 26 - وَقَالَ يُونُس قَالَ ابْن أَبى إِسْحَق فى بَيت الفرزدق (وعض زمَان يَا بن مَرْوَان لم يدع ... من المَال إِلَّا مسحتا أَو مجرف) ويروى أَيْضا مجلف المجرف الذى تجر فته السّنة وقشرته والمجلف الذى صيرته جلفا للرفع وَجه قَالَ أَبُو عَمْرو وَلَا أعرف لَهَا وَجها وَكَانَ يُونُس لَا يعرف لَهَا وَجها قلت ليونس لَعَلَّ الفرزدق قَالَهَا على النصب وَلم يأبه فَقَالَ لَا كَانَ ينشدها على الرّفْع وأنشدنيها رؤبة على الرّفْع

وَتقول الْعَرَب سحته وأسحته يقْرَأ بهما فى الْقُرْآن جَمِيعًا فَمن قَرَأَ {فيسحتكم بِعَذَاب} فَهُوَ من أسحت يسحت فَهُوَ مسحت وهى الَّتِى قَالَ الفرزدق وَمن قَرَأَ فيسحتكم فَهُوَ من سحت يسحت فَهُوَ مسحوت 27 - وأخبرنى الْحَارِث البنانى أَخُو أَبى الجحاف أَنه سمع الفرزدق ينشد (فيا عجبا حَتَّى كُلَيْب تسبنى ... كَأَن أَبَاهَا نهشل أَو مجاشع) كَأَنَّهُ جعله غَايَة فخفض 28 - ثمَّ كَانَ الْخَلِيل بن أَحْمد وَهُوَ رجل من الأزد من فراهيد يُقَال هَذَا رجل فراهيدى وَيُونُس يَقُول فرهودى مثل قردوسى فاستخرج من الْعرُوض واستنبط مِنْهُ وَمن علله مَا لم يسْتَخْرج أحد وَلم يسْبقهُ إِلَى مثله سَابق من الْعلمَاء كلهم

29 - رَجَعَ إِلَى قَول الشُّعَرَاء وَإِلَى قَول الْعلمَاء فِيهِ وَلكُل من ذكرنَا قَول فِيهِ قَالَ فنقلنا ذَلِك إِلَى خلف بن حَيَّان أَبى مُحرز وَهُوَ خلف الْأَحْمَر اجْتمع أَصْحَابنَا أَنه كَانَ أَفرس النَّاس بِبَيْت شعر وأصدقه لِسَانا كُنَّا لَا نبالى إِذا أَخذنَا عَنهُ خَبرا أَو أنشدنا شعرًا أَن لَا نَسْمَعهُ من صَاحبه 30 - وَكَانَ الأصمعى وَأَبُو عُبَيْدَة من أهل الْعلم وَأعلم من ورد علينا من غير أهل الْبَصْرَة الْمفضل بن مُحَمَّد الضبى الكوفى 31 - ففصلنا الشُّعَرَاء من أهل الْجَاهِلِيَّة وَالْإِسْلَام

والمخضرمين الَّذين كَانُوا فى الْجَاهِلِيَّة وأدركوا الْإِسْلَام فنزلناهم مَنَازِلهمْ واحتججنا لكل شَاعِر بِمَا وجدنَا لَهُ من حجَّة وَمَا قَالَ فِيهِ الْعلمَاء وَقد اخْتلف النَّاس والرواة فيهم فَنظر قوم من أهل الْعلم بالشعر والنفاذ فى كَلَام الْعَرَب وَالْعلم بِالْعَرَبِيَّةِ إِذا اخْتلفت الروَاة فَقَالُوا بآرائهم وَقَالَت العشائر بأهوائها وَلَا يقنع النَّاس مَعَ ذَلِك إِلَّا الرِّوَايَة عَمَّن تقدم فاقتصرنا من الفحول الْمَشْهُورين على أَرْبَعِينَ شَاعِرًا فألفنا من تشابه شعره مِنْهُم إِلَى نظرائه فوجدناهم عشر طَبَقَات أَرْبَعَة رَهْط كل طبقَة متكافئين معتدلين 32 - وَكَانَ الشّعْر فى الْجَاهِلِيَّة عِنْد الْعَرَب ديوَان علمهمْ ومنتهى حكمهم بِهِ يَأْخُذُونَ وَإِلَيْهِ يصيرون قَالَ ابْن سَلام قَالَ ابْن عون عَن ابْن سِيرِين قَالَ قَالَ عمر بن الْخطاب كَانَ الشّعْر علم قوم لم يكن لَهُم علم أصح مِنْهُ

فجَاء الْإِسْلَام فتشاغلت عَنهُ الْعَرَب وتشاغلوا بِالْجِهَادِ وغزو فَارس وَالروم ولهت عَن الشّعْر وَرِوَايَته فَلَمَّا كثر الْإِسْلَام وَجَاءَت الْفتُوح واطمأنت الْعَرَب بالامصار راجعوا رِوَايَة الشّعْر فَلم يؤولوا إِلَى ديوَان مدون وَلَا كتاب مَكْتُوب وألفوا ذَلِك وَقد هلك من الْعَرَب من هلك بِالْمَوْتِ وَالْقَتْل فحفظوا أقل ذَلِك وَذهب عَلَيْهِم مِنْهُ كثير وَقد كَانَ عِنْد النُّعْمَان بن الْمُنْذر مِنْهُ ديوَان فِيهِ أشعار الفحول وَمَا مدح هُوَ وَأهل بَيته بِهِ صَار ذَلِك إِلَى بنى مَرْوَان أَو صَار مِنْهُ 33 - قَالَ يُونُس بن حبيب قَالَ أَبُو عَمْرو بن الْعَلَاء مَا انْتهى إِلَيْكُم مِمَّا قَالَت الْعَرَب إِلَّا أَقَله وَلَو جَاءَكُم وافرا لجاءكم علم وَشعر كثير

34 - وَمِمَّا يدل على ذهَاب الشّعْر وسقوطه قلَّة مَا بقى بأيدى الروَاة المصححين لطرفة وَعبيد اللَّذين صَحَّ لَهما قصائد بِقدر عشر وَإِن لم يكن لَهما غَيْرهنَّ فَلَيْسَ موضعهما حَيْثُ وضعا من الشُّهْرَة والتقدمه وَإِن كَانَ مَا يرْوى من الغثاء لَهما فَلَيْسَ يستحقان مكانهما على أَفْوَاه الروَاة ونرى أَن غَيرهمَا قد سقط من كَلَامه كَلَام كثير غير أَن الذى نالهما من ذَلِك أَكثر وَكَانَا أقدم الفحول فَلَعَلَّ ذَلِك لذاك فَلَمَّا قل كَلَامهمَا حمل عَلَيْهِمَا حمل كثير 35 - وَلم يكن لأوائل الْعَرَب من الشّعْر إِلَّا الأبيات يَقُولهَا الرجل فى حَاجته وَإِنَّمَا قصدت القصائد وَطول الشّعْر على عهد عبد الْمطلب وهَاشِم بن عبد منَاف وَذَلِكَ يدل على إِسْقَاط شعر عَاد وَثَمُود وحمير وَتبع 36 - فَمن قديم الشّعْر الصَّحِيح قَول العنبر بن عَمْرو بن تَمِيم وَكَانَ

جاور فِي بهراء فرابه ريب فَقَالَ (قد رَابَنِي من دلوى اضطرابها ... والنأى فى بهراء واغترابها) (إِن لَا تجئ ملأى يجِئ قرابها ... ) وَقد قَالَ قوم إِنَّه كَانَ من بهراء فجاور عَمْرو بن تَمِيم وَأَنه قَالَ (قد رابنى من دلوى اضطرابها ... والنأى عَن بهراء واغترابها) وَلَا نرى ذَلِك كَمَا قَالُوا بل هُوَ كَمَا ذكر العنبر بن عَمْرو بن تَمِيم وَكَانَ على عَائِشَة مُحَرر من ولد إِسْمَاعِيل فَلَمَّا قدم سبى العنبر أمرهَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن تعْتق مِنْهُم وهم أَصْحَاب الحجرات

37 - أخبرنى أَبُو مُحرز وَاصل بن شبيب المنافى قَالَ كَانَ سعد وَمَالك ابنى زيد مَنَاة بن تَمِيم فَكَانَ سعد أسودهما وَكَانَ مَالك ترعية يعزب فِي الْإِبِل وأمهما مفداة بنت ثَعْلَبَة بن دودان بن أَسد وخالتهما ممناة بنت ثَعْلَبَة أم ثَعْلَبَة بن عكابة بن صَعب بن على

ابْن بكر بن وَائِل أَبى شَيبَان وَقيس وَذهل وتيم وَهُوَ الْحصن وَقَالَ أَبُو مُحرز زار ثَعْلَبَة ابْنَته وهى حَامِل بِسَعْد فمخضت لَيْلًا فاستحيت من أَبِيهَا وَزوجهَا فَخرجت فأعجلها الولاد فطرقت على قَرْيَة نمل فأدركها أَبوهَا وزجر فَقَالَ لَئِن صدقت الطير ليملأن ابْنك هَذَا الأَرْض من وَلَده قَالَ أَبُو مُحرز فَتزَوج مَالك بن زيد مَنَاة النوار بنت جلّ بن عدى بن عبد مَنَاة بن أد وهم عدى وتيم وَيُقَال لتيم تيم عدى وهما من الربَاب وَكَانَت امْرَأَة زولة جزلة فَلَمَّا اهتداها

مَالك خرج سعد فِي الْإِبِل فعزب فِيهَا ثمَّ أوردهَا لظمئها وَمَالك فِي صفرَة وَكَانَ عروسا فَأَرَادَ الْقيام فمنعته امْرَأَته من الْقيام فَجعل سعد وَهُوَ مُشْتَمل يزاول سقيها وَلَا يرفق فَقَالَ (يظل يَوْم وردهَا مزعفرا ... وهى خناطيل تجوس الخضرا) فَقَالَت النوار لمَالِك أَلا تسمع مَا يَقُول أَخُوك أجبه قَالَ وَمَا أَقُول قَالَت قل (أوردهَا سعد وَسعد مُشْتَمل ... مَا هَكَذَا تورد يَا سعد الْإِبِل)

فَولدت حَنْظَلَة الْأَغَر وَفِيه بَيت تَمِيم وشرفها وَقَالَ حَنْظَلَة ولدت لمَالِك وَولد لى مَالك وَقَالَ جرير لعمر بن لَجأ (فَلم تلدوا النوار وَلم تَلد كم ... مفداة الْمُبَارَكَة الْوَلُود) 38 - وَمِمَّا يرْوى من قديم الشّعْر قَول دوبد بن زيد بن نهد قَالَ حِين حَضَره الْمَوْت

(الْيَوْم يبْنى لدويد بَيته ... لَو كَانَ للدهر بلَى أبليته) (أَو كَانَ قرنى وَاحِدًا كفيته ... يَا رب نهب صَالح حويته) (وَرب غيل حسن لويته ... ومعصم مخضب ثنيته) وَقَالَ أَيْضا (ألْقى على الدَّهْر رجلا ويدا ... ) (والدهر مَا أصلح يَوْمًا أفسدا ... ) (يصلحه الْيَوْم ويفسده غَدا ... ) قَالَ وَأوصى بنيه عِنْد مَوته فَقَالَ أوصيكم بِالنَّاسِ شرا لَا تقبلُوا

لَهُم معذرة وَلَا تقيلوهم عَثْرَة 39 - وَقَالَ أعصر بن سعد بن قيس بن عيلان وَهُوَ مُنَبّه أَبُو باهلة وغنى والطفاوة (قَالَت عميرَة مَا لرأسك بَعْدَمَا ... نفد الزَّمَان أَتَى بلون مُنكر) (أعمير إِن أَبَاك شيب رَأسه ... كرّ الليالى وَاخْتِلَاف الأعصر) فَبِهَذَا الْبَيْت سمى أعصر وَقد يَقُول قوم يعصر وَلَيْسَ بشئ 40 - وَمِنْهُم المستوغر بن ربيعَة بن كَعْب بن سعد بن زيد مَنَاة ابْن تَمِيم كَانَ قَدِيما وبقى بَقَاء طَويلا حَتَّى قَالَ (وَلَقَد سئمت من الْحَيَاة وطولها ... وازددت من عدد السنين مئينا) (مئة أَتَت من بعْدهَا مئتان لى ... وازددت من عدد الشُّهُور سنينا) (هَل مَا بقا إِلَّا كَمَا قد فاتنا ... يَوْم يكر وَلَيْلَة تحدونا)

قَوْله بقا يُرِيد بقى وفنا يُرِيد فنى وهما لُغَتَانِ لِطَيِّئٍ وَقد تَكَلَّمت بهما الْعَرَب وهما فِي لُغَة طَيئ أَكثر قَالَ زُهَيْر بن أَبى سلمى (تربع صارة حَتَّى إِذا مَا ... فَنًّا الدحلان عَنهُ والإضاء) أنشدينها يُونُس وأنشدنى لَهُ عبد الله بن مَيْمُون المرى (إِذا مَا الْمَرْء صم فَلم يناجى ... وأودى سَمعه إِلَّا ندايا) (ولاعب بالعشى بنى بنيه ... كَفعل الهر يحنرش العظايا)

(يلاعبهم وودوا لَو سقوه ... من الذيفان مترعة ملايا) (فَلَا ذاق النَّعيم وَلَا شرابًا ... وَلَا يسقى من الْمَرَض الشفايا) 41 - وَمِنْهُم زُهَيْر بن جناب الكلبى كَانَ قَدِيما شرِيف الْوَلَد وَطَالَ عمره فَقَالَ

(أبنى إِن أهلك فإنى ... قد بنيت لكم بنيه) (وجعلتكم أَبنَاء سَادَات ... زنادكم وريه) (من كل مَا نَالَ الْفَتى ... قد نلته إِلَّا التَّحِيَّة) (كم من محيى لَا يوازينى ... وَلَا يهب الرعيه) (وَلَقَد رَأَيْت النَّار للسلاف ... توقد فى طميه) (وَلَقَد رحلت البازل ... الوجناء لَيْسَ لَهَا وليه)

(وَلَقَد غَدَوْت بمشرف الطَّرفَيْنِ لم يغمز شظيه ... ) (فَأَصَبْت من حمر القنان ... مَعًا وَمن حمر القفيه) (ونطقت خطْبَة ماجد ... غير الضَّعِيف وَلَا العييه) (وَالْمَوْت خير للفتى ... وليهلكن وَبِه بقيه) (من أَن يرى الشَّيْخ البجال ... وَقد يهادى بالعشيه) 42 - وَقَالَ جذيمة الأبرش

ص (رُبمَا أوفيت فى علم ... ترفعن ثوبى شمالات) (فى فتو أَنا رابئهم ... من كلال غَزْوَة مَاتُوا) (لَيْت شعرى مَا أماتهم ... نَحن أدلجنا وهم باتوا)

43 - وَقَالَ امْرُؤ الْقَيْس (عوجا على الطلل الْمُحِيل لَعَلَّنَا ... نبكى الدياركما بَكَى ابْن حذام) وَهُوَ رجل من طَيئ لم نسْمع شعره الذى بَكَى فِيهِ وَلَا شعرًا غير هَذَا الْبَيْت الذى ذكره امْرُؤ الْقَيْس 44 - وَكَانَ أول من قصد القصائد وَذكر الوقائع المهلهل بن ربيعَة التغلبى فِي قتل أَخِيه كُلَيْب وَائِل قتلته بَنو شَيبَان وَكَانَ اسْم المهلهل عديا وَإِنَّمَا سمى مهلهلا لهلهلة شعره كهلهلة الثَّوْب وَهُوَ اضطرابه واختلافه وَمن ذَلِك قَول النَّابِغَة (أَتَاك بقول هلهل النسج كَاذِب ... وَلم يَأْتِ بِالْحَقِّ الذى هُوَ ناصع)

وَزَعَمت الْعَرَب أَنه كَانَ يدعى فِي شعره ويتكثر فِي قَوْله بِأَكْثَرَ من فعله 45 - وَكَانَ شعراء الْجَاهِلِيَّة فِي ربيعَة أَوَّلهمْ المهلهل والمرقشان وَسعد بن مَالك وطرفة بن العَبْد وَعَمْرو بن قميئة والْحَارث بن حلزة والمتلمس والأعشى وَالْمُسَيب بن علس ثمَّ تحول الشّعْر فى قيس فَمنهمْ النَّابِغَة الذيبانى وهم يعدون زُهَيْر بن أَبى سلمى من عبد الله بن غطفان وَابْنه كَعْبًا ولبيد والنابغة الجعدى والحطيئة والشماخ وَأَخُوهُ مزرد وخداش بن زُهَيْر ثمَّ آل ذَلِك إِلَى تَمِيم فَلم يزل فيهم إِلَى الْيَوْم

كَانَ امْرُؤ الْقَيْس بن حجر بعد مهلهل ومهلهل خَاله وطرفة وَعبيد وَعَمْرو بن قميئة والمتلمس فِي عصر وَاحِد 46 - فَكَانَ من الشُّعَرَاء من يتأله فى جاهليته ويتعفف فِي شعره وَلَا يستبهر بالفواحش وَلَا يتهكم فِي الهجاء يُقَال يتهكم ويتكهم قَالَ الْفضل وَيُقَال لَيْلَة بهرة إِذا كَانَ قمرها مضيئا وَمِنْهُم من كَانَ ينعى على نَفسه ويتعهر مِنْهُم امْرُؤ الْقَيْس وَقَالَ

(وَمثلك حُبْلَى قد طرقت ومرضع ... فألهيتها عَن ذى تمائم محول) وَقَالَ (دخلت وَقد أَلْقَت لنوم ثِيَابهَا ... لَدَى السّتْر إِلَّا لبسة المتفضل) وَقَالَ (سموت إِلَيْهَا بعد مَا نَام أَهلهَا ... سمو حباب المَاء حَالا على حَال) 47 - وَمِنْهُم الْأَعْشَى قَالَ (فظللت أرعاها وظل يحوطها ... حَتَّى دَنَوْت إِذْ الظلام دنالها)

وَقَالَ (وأقررت عينى من العانيات ... إِمَّا نِكَاحا وَإِمَّا أزن) وَقَالَ (وَقد أخرج الكاعب المستراة ... من خدرها وَأشيع القمارا) وَقَالَ (ورادعة بالطيب صفراء عندنَا ... لجس الندامى فى يَد الدرْع مفتق) وَقَالَ (وَقد أخالس رب الْبَيْت غفلته ... وَقد يحاذر منى ثمَّ مَا يئل)

48 - وَكَانَ الفرزدق أَقُول أهل الْإِسْلَام فى هَذَا الْفَنّ قَالَ (هما دلتانى من ثَمَانِينَ قامة ... كَمَا انقض باز أقتم الريش كاسره) (فَلَمَّا اسْتَوَت رجلاى فى الأَرْض نادتا ... أَحْيَا يُرْجَى أم قَتِيلا نحاذره) (فَقلت ارْفَعُوا الْأَسْبَاب لَا يقطنوا بِنَا ... وَوليت فى أعجاز ليل أبادره) (وأصبحت فى الْقَوْم الْجُلُوس وأصبحت ... مغلقة دونى عَلَيْهَا دسا كره) قَالَهَا وَهُوَ بِالْمَدِينَةِ فأنكرت ذَلِك قُرَيْش وأزعجه مَرْوَان بن الحكم وَهُوَ وَال على الْمَدِينَة فَأَجله ثَلَاثًا ثمَّ أخرجه عَنْهَا قَالَ وَقَالَ يُونُس كَانَ للفرزدق غلامان أَحدهمَا اسْمه وقاع وَالْآخر نقطة ولوقاع يَقُول للفرزدق (تغلغل وقاع إِلَيْهَا فَأَصْبَحت ... تخوض خداريا من اللَّيْل أخضرا)

(لطيف إِذا مَا أنغل أدْرك مَا ابْتغى ... إِذا هُوَ للظبى الغرير تقترا) وَقَالَ أَيْضا (فأبلغهن وحى القَوْل عَنى ... وَأدْخل رَأسه تَحت القرام) (أسيد ذُو خريطة نَهَارا ... من المتلقطى قرد القمام) (فَقُلْنَ لَهُ نواعدك الثرايا ... وَذَاكَ إِلَيْهِ مُجْتَمع الزحام) (ثَلَاث وَاثْنَتَانِ فهن خمس ... وسادسة تميل إِلَى الشمام) الشمام المشامة

(فبتن بجانبى مصرعات ... وَبت أفض أغلاق الختام) وَكَانَ جرير مَعَ إفراطه فى الهجاء يعف عَن ذكر النِّسَاء كَانَ لَا يشبب إِلَّا بِامْرَأَة يملكهَا 49 - قَالَ ابْن سَلام فَلَمَّا راجعت الْعَرَب رِوَايَة الشّعْر وَذكر أَيَّامهَا ومآثرها اسْتَقل بعض العشائر شعر شعرائهم وَمَا ذهب من ذكر وقائعهم وَكَانَ قوم قلت وقائعهم وأشعارهم فأرادوا أَن يلْحقُوا بِمن لَهُ الوقائع والأشعار فَقَالُوا على أَلْسِنَة شعرائهم ثمَّ كَانَت الروَاة بعد فزادوا فى الْأَشْعَار الَّتِى قيلت وَلَيْسَ يشكل على أهل الْعلم زِيَادَة الروَاة وَلَا مَا وضعُوا وَلَا مَا وضع المولدون وَإِنَّمَا عضل بهم

أَن يَقُول الرجل من أهل الْبَادِيَة من ولد الشُّعَرَاء أَو الرجل لَيْسَ من ولدهم فيشكل ذَلِك بعض الْإِشْكَال 50 - قَالَ ابْن سَلام أخبرنى أَبُو عُبَيْدَة أَن ابْن دَاوُود بن متمم بِمَ نُوَيْرَة قدم الْبَصْرَة فى بعض مَا يقدم لَهُ البدوى من الجلب والميرة فَنزل النحيت فَأَتَيْته أَنا وَابْن نوح العطاردى فَسَأَلْنَاهُ عَن شعر أَبِيه متمم وقمنا لَهُ بحاجته وكفيناه ضيعته فَلَمَّا نفد شعر أَبِيه

جعل يزِيد فى الْأَشْعَار ويصنعها لنا وَإِذا كَلَام دون كَلَام متمم وَإِذا هُوَ يحتذى على كَلَامه فيذكر الْمَوَاضِع الَّتِى ذكرهَا متمم والوقائع الَّتِى شَهِدَهَا فَلَمَّا توالى ذَلِك علمنَا أَنه يفتعله 51 - وَكَانَ أول من جمع أشعار الْعَرَب وسَاق أحاديثها حَمَّاد الراوية وَكَانَ غير موثوق بِهِ وَكَانَ ينْحل شعر الرجل غَيره وينحله غير شعره وَيزِيد فِي الْأَشْعَار 52 - قَالَ ابْن سَلام أخبرنى أَبُو عُبَيْدَة عَن يُونُس قَالَ قدم حَمَّاد الْبَصْرَة على بِلَال بن أَبى بردة وَهُوَ عَلَيْهَا فَقَالَ أما أطرفتنى شَيْئا فَعَاد إِلَيْهِ فأنشده القصيدة الَّتِى فِي شعر الحطيئة مديح أَبى مُوسَى قَالَ وَيحك يمدح الحطئية أَبَا مُوسَى لَا أعلم بِهِ وَأَنا أروى شعر الحطيئة وَلَكِن دعها تذْهب فِي النَّاس 53 - قَالَ ابْن سَلام أخبرنى أَبُو عُبَيْدَة عَن عمر بن سعيد بن وهب الثقفى قَالَ كَانَ حَمَّاد لى صديقا ملطفا فَعرض على مَا قبله يَوْمًا

فَقلت لَهُ أمل على قصيدة لأخوالى بنى سعد بن مَالك لطرفة فأملى على (إِن الخليط أجد منتقله ... ولذاك زمت غدْوَة إبِله) (عهدى بهم فى النقب قد سندوا ... تهدى صعاب مطيهم ذلله) وَهِي لأعشى هَمدَان 54 - وَسمعت يُونُس يَقُول الْعجب مِمَّن يَأْخُذ عَن حَمَّاد وَكَانَ يكذب ويلحن وَيكسر 55 - ثمَّ إِنَّا اقتصرنا بعد الفحص وَالنَّظَر وَالرِّوَايَة عَمَّن مضى

من أهل الْعلم إِلَى رَهْط أَرْبَعَة اجْتَمعُوا على أَنهم أشعر الْعَرَب طبقَة ثمَّ اخْتلفُوا فيهم بعد وسنسوق اخْتلَافهمْ واتفاقهم ونسمى الْأَرْبَعَة وَنَذْكُر الْحجَّة لكل وَاحِد مِنْهُم وَلَيْسَ تبدئتنا أحدهم فِي الْكتاب نحكم لَهُ وَلَا بُد من مُبْتَدأ وَنَذْكُر من شعرهم الأبيات الَّتِى تكون فى الحَدِيث وَالْمعْنَى

الطبقة الأولى

الطَّبَقَة الأولى 56 - امْرُؤ الْقَيْس بن حجر بن الْحَارِث بن عَمْرو بن حجر آكل المرار بن عَمْرو بن مُعَاوِيَة بن يعرب بن ثَوْر بن مرتع بن مُعَاوِيَة ابْن كنده 57 - ونابغة بنى ذبيان واسْمه زِيَاد بن مُعَاوِيَة بن ضباب بن جَابر ابْن يَرْبُوع بن غيظ بن مرّة بن عَوْف بن سعد بن ذبيان ويكنى أَبَا أُمَامَة 58 - وَزُهَيْر بن أَبى سلمى وَاسم أَبى سلمى ربيعَة بن ريَاح ابْن قرط بن الْحَارِث بن مَازِن بن ثَعْلَبَة بن ثَوْر بن هذمة بن لاطم بن عُثْمَان ابْن مزينة

59 - والأعشى وَهُوَ مَيْمُون بن قيس بن جندل بن شرَاحِيل بن عَوْف بن سعد بن ضبيعة بن قيس بن ثَعْلَبَة ويكنى أَبَا بَصِير 60 - أخبرنى يُونُس بن حبيب أَن عُلَمَاء الْبَصْرَة كَانُوا يقدمُونَ امْرأ الْقَيْس بن حجر وَأهل الْكُوفَة كَانُوا يقدمُونَ الْأَعْشَى وَأَن أهل الْحجاز والبادية كَانُوا يقدمُونَ زهيرا والنابغة 61 - وأخبرنى يُونُس كالمتعجب أَن ابْن أَبى إِسْحَاق كَانَ يَقُول أشعر أهل الْجَاهِلِيَّة مرقش وأشعر أهل الْإِسْلَام كثير وَلم يقبل هَذَا القَوْل وَلم يشيع 62 - وأخبرنى شُعَيْب بن صَخْر عَن هَارُون بن إِبْرَاهِيم قَالَ سَمِعت قَائِلا يَقُول للفرزدق من أشعر النَّاس يَا أَبَا فراس قَالَ

ذُو القروح يعْنى امْرأ الْقَيْس قَالَ حِين يَقُول مَاذَا قَالَ حِين يَقُول (وقاهم جدهم ببنى أَبِيهِم ... وبالأشقين مَا كَانَ الْعقَاب) (وأفلتهن علْبَاء جريضا ... وَلَو أدركنه صفر الوطاب) 63 - أخبرنى أَبُو خَليفَة عَن مُحَمَّد بن سَلام قَالَ سَمِعت رجلا يسْأَل يُونُس عَن قَوْله صفر الوطاب فَقَالَ سَأَلنَا رؤبة عَنهُ فَقَالَ لَو أدركوه قَتَلُوهُ وَسَاقُوا إبِله فصفرت وطابه من اللَّبن وَقَالَ غَيره صفر الوطاب أى أَنه كَانَ يقتل فَيكون جِسْمه صفرا من دَمه كَمَا يكون الوطاب صفرا من اللَّبن

64 - وأخبرنى شُعَيْب بن صَخْر قَالَ سَمِعت عِيسَى بن عمر ينشد عَامر بن عبد الْملك لزهير أَو النَّابِغَة فَقَالَ يَا أَبَا عبد الله هَذَا وَالله لَا قَول الْأَعْشَى (لسنا نُقَاتِل بالعصى ... وَلَا نرامى بِالْحِجَارَةِ) 65 - وأخبرنى أبان بن عُثْمَان البجلى قَالَ مر لبيد بِالْكُوفَةِ فى بنى نهد فأتبعوه رَسُولا سؤولا يسئله من أشعر النَّاس قَالَ الْملك الضليل فأعادوه إِلَيْهِ قَالَ ثمَّ من قَالَ الْغُلَام الْقَتِيل وَقَالَ غير أبان ابْن الْعشْرين يعْنى طرفَة قَالَ ثمَّ من قَالَ الشَّيْخ أَبُو عقيل يعْنى نَفسه فهذان امْرُؤ الْقَيْس وطرفة قَالَ يُونُس كل شئ فى الْقُرْآن فَأتبعهُ أى طَالبه

وَأتبعهُ يتلوه 66 - فاحتج لامرئ الْقَيْس من يقدمهُ قَالَ مَا قَالَ مَا لم يَقُولُوا وَلكنه سبق الْعَرَب إِلَى أَشْيَاء ابتدعها واستحسنتها الْعَرَب واتبعته فِيهَا الشُّعَرَاء استيقاف صَحبه والتبكاء فى الديار ورقة النسيب وَقرب المأخذ وَشبه النِّسَاء بالظباء وَالْبيض وَشبه الْخَيل بالعقبان والعصى وَقيد الأوابد وأجاد فِي التَّشْبِيه وَفصل بَين النسيب وَبَين الْمَعْنى كَانَ أحسن أهل طبقته تَشْبِيها وَأحسن الإسلاميين تَشْبِيها ذُو الرمة

67 - وَقَالَ من احْتج للنابغة كَانَ أحْسنهم ديباجة شعر وَأَكْثَرهم رونق كَلَام وأجزلهم بَيْتا كَأَن شعره كَلَام لَيْسَ فِيهِ تكلّف والمنطق على الْمُتَكَلّم أوسع مِنْهُ على الشَّاعِر وَالشعر يحْتَاج إِلَى الْبناء وَالْعرُوض والقوافى والمتكلم مُطلق يتَخَيَّر الْكَلَام وَإِنَّمَا نبغ بالشعر بعد مَا أسن واحتنك وَهلك قبل أَن يهتر 68 - ويروى أَن عمر بن الْخطاب قَالَ أى شعرائكم يَقُول (فلست بمستبق أَخا لَا تلمه ... إِلَى شعث أى الرِّجَال الْمُهَذّب) قَالُوا النَّابِغَة قَالَ هُوَ أشعرهم وَبَنُو سعد بن زيد مَنَاة تدعى هَذَا الْبَيْت لرجل من بنى مَالك بن سعد يُقَال لَهُ شقة أنشدناه لَهُ

حلابس العطاردى وأخبرنى خلف الْأَحْمَر أَنه سمع من أَعْرَاب بنى سعد لهَذَا الرجل 69 - وأخبرنى خلف أَنه سمع أهل الْبَادِيَة من بنى سعد يروون بَيت النَّابِغَة للزبرقان بن بدر فَمن رَوَاهُ للنابغة قَالَ (تعدو الذئاب على من لَا كلاب لَهُ ... وتتقى مربض المستثفر الحامى) وهى الْكَلِمَة الَّتِى أَولهَا (قَالَت بَنو عَامر خالوا بنى أَسد ... يَا بؤس للْجَهْل ضِرَارًا الأقوام) وَمن رَوَاهُ للزبرقان بن بدر قَالَ (إِن الذئاب ترى من لَا كلاب لَهُ ... وتحتمى مربض المستثفر الحامى) ويروى وتتقى هَذَا الْبَيْت فى قَوْله

(أبلغ سراة بنى عَوْف مغلغلة ... ) وَسَأَلت يُونُس عَن الْبَيْت فَقَالَ هُوَ للنابغة أَظن الزبْرِقَان استزاده فِي شعره كالمثل حِين جَاءَ مَوْضِعه لَا مجتلبا لَهُ 70 - وَقد تفعل ذَلِك الْعَرَب لَا يُرِيدُونَ بِهِ السّرقَة قَالَ أَبُو الصَّلْت بن ربيعَة الثقفى (تِلْكَ المكارم لاقعبان من لبن ... شيبا بِمَاء فعادا بعد أبوالا) وَقَالَ النَّابِغَة الجعدى فِي كلمة فَخر بهَا ورد فِيهَا على القشيرى (فَإِن يكن حَاجِب مِمَّن فخرت بِهِ ... فَلم يكن حَاجِب عَمَّا وَلَا خالا)

(هلا فخرت بيومى رحرحان وَقد ... ظنت هوَازن أَن الْعِزّ قد زَالا) (تِلْكَ المكارم لَا قعبان من لبن ... شيبا بِمَاء فعادا بعد أبوالا) ترويه عَامر للنابغة الروَاة مجمعون أَن أَبَا الصَّلْت بن أَبى ربيعَة قَالَه 71 - وَقَالَ غير وَاحِد من الرجاز (عِنْد الصَّباح يحمد الْقَوْم السرى ... ) إِذا جَاءَ مَوْضِعه جَعَلُوهُ مثلا وَقَالَ امْرُؤ الْقَيْس (وقوفا بهَا صحبى على مطيهم ... يَقُولُونَ لَا تهْلك أسى وتجمل) وَقَالَ طرفَة (وقوفا بهَا صحبى على مطيهم ... يَقُولُونَ لَا تهْلك أسى وتجلد) 72 - ويروى عَن الشعبى عَن ربعى بن حِرَاش أَن عمر

ابْن الْخطاب قَالَ أى شعرائكم الذى يَقُول (فألفيت الْأَمَانَة لم تخنها ... كَذَلِك كَانَ نوح لَا يخون) وَهَذَا غلط على الشعبى أَو من الشعبى أَو من ابْن حِرَاش أجمع أهل الْعلم أَن النَّابِغَة لم يقل هَذَا وَلم يسمعهُ عمر وَلَكنهُمْ غلطوا بِغَيْرِهِ من شعر النَّابِغَة فَإِنَّهُ قد ذكر لى أَن عمر بن الْخطاب سَأَلَ عَن بَيت النَّابِغَة (حَلَفت فَلم أترك لنَفسك رِيبَة ... وَلَيْسَ وَرَاء الله للمرء مَذْهَب) وحرى أَن يكون هَذَا الْبَيْت أَو الْبَيْت الأول 73 - وجدنَا رُوَاة الْعلم يغلطون فى الشّعْر وَلَا يضْبط الشّعْر إِلَّا أَهله وَقد تروى الْعَامَّة أَن الشعبى كَانَ ذَا علم بالشعر وَأَيَّام الْعَرَب وَقد روى عَنهُ هَذَا الْبَيْت وَهُوَ فَاسد وروى عَنهُ شَيْء يحمل على لبيد

(باتت تشكى إِلَى النَّفس مجهشة ... وَقد حَملتك سبعا بعد سبعين) (فَإِن تعيشى ثَلَاثًا تبلغى أملا ... وفى الثَّلَاث وَفَاء للثمانين) وَلَا اخْتِلَاف فى أَن هَذَا مَصْنُوع تكْثر بِهِ الْأَحَادِيث ويستعان بِهِ على السهر عِنْد الْمُلُوك والملوك لَا تستقصى 74 - وَكَانَ قَتَادَة بن دعامة السدوسى من رُوَاة الْفِقْه عَالما بالعرب وبأنسابها وَلم يأتنا عَن أحد من رُوَاة الْفِقْه من علم الْعَرَب أصح من شئ أَتَانَا عَن قَتَادَة 75 - أخبرنَا عَامر بن عبد الْملك قَالَ كَانَ الرّجلَانِ من بنى مَرْوَان يَخْتَلِفَانِ فى الشّعْر فيرسلان رَاكِبًا فينيخ بِبَابِهِ يعْنى قَتَادَة بن دعامة فيسأله عَنهُ ثمَّ يشخص

76 - أخبرنى سعيد بن عبيد عَن أَبى عوانه أَنه قَالَ شهِدت عَامر بن عبد الْملك يسْأَل قَتَادَة عَن أَيَّام الْعَرَب وأنسابها وأحاديثها فاستحسنته فعدت إِلَيْهِ فَجعلت أسأله عَن ذَلِك فَقَالَ مَالك وَلِهَذَا دع هَذَا الْعلم لعامر وعد إِلَى شَأْنك 77 - ويروى عَن بعض أَصْحَابنَا قَالَ رَأَيْت رَاكِبًا قدم من الشأم فَأَنَاخَ على بَاب قَتَادَة فَسَأَلَهُ من قتل عمرا وعامرا التغلبيين يَوْم قضة قَالَ جحدر فَأَعَادُوا إِلَيْهِ الرَّسُول كَيفَ قَتلهمَا جَمِيعًا قَالَ اعتوراه فطعن هَذَا بِالسِّنَانِ وَهَذَا بالزج فعادى بَينهمَا ثمَّ رَحل مَكَانَهُ 78 - وَكَانَ أَبُو الْمُعْتَمِر الشيبانى كثير الحَدِيث عَن الْعَرَب وَعَن

مُعَاوِيَة وَعَمْرو بن الْعَاصِ وَزِيَاد وطبقتهم وَكَانَ يَقُول أَخَذته عَن قَتَادَة وَكَانَ أَبُو بكر الهذلى يرْوى هَذَا الْعلم عَن قَتَادَة 79 - أخبرنى عِيسَى بن يزِيد بن دأب بِإِسْنَاد لَهُ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ قَالَ لى عمر أنشدنى لأشعر شعرائكم قلت من هُوَ يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ قَالَ زُهَيْر قلت وَكَانَ كَذَلِك قَالَ كَانَ لَا يعاظل بَين الْكَلَام وَلَا يتبع وحشيه وَلَا يمدح الرجل إِلَّا بِمَا فِيهِ 80 - وأخبرنى عمر بن مُوسَى الجمحى عَن أَخِيه قدامَة ابْن مُوسَى وَكَأن من عُلَمَاء أهل الْمَدِينَة أَنه كَانَ يقدم زهيرا قُلْنَا فأى شعره كَانَ أعجب إِلَيْهِ قَالَ الَّتِى يَقُول فِيهَا

(قد جعل المبتغون الْخَيْر فى هرم ... والسائلون إِلَى أبوابه طرقا) (من يلق يَوْمًا على علاته هرما ... يلق السماحة مِنْهُ والندى خلقا) 81 - وَقَالَ أهل النّظر كَانَ زهيرا أحصفهم شعرًا وأبعدهم من سخف وأجمعهم لكثير من الْمَعْنى فى قَلِيل من الْمنطق وأشدهم مُبَالغَة فِي الْمَدْح وَأَكْثَرهم أَمْثَالًا فى شعره 82 - وأخبرنى أَبُو قيس العنبرى وَلم أر بدويا يزِيد عَلَيْهِ عَن عِكْرِمَة بن جرير قَالَ قلت لأبى يَا أبه من أشعر النَّاس قَالَ أعن أهل الْجَاهِلِيَّة تسألنى أم أهل الْإِسْلَام قلت مَا أردْت إِلَّا الْإِسْلَام فَإذْ ذكرت أهل الْجَاهِلِيَّة فأخبرنى عَن أَهلهَا قَالَ زُهَيْر

شاعرها قَالَ قلت فالإسلام قَالَ الفرزدق نبعة الشّعْر قلت فالأخطل قَالَ يجيد مدح الْمُلُوك ويصيب صفة الْخمر قلت فَمَا تركت لنَفسك قَالَ دعنى فإنى أَنا نحرت الشّعْر نحرا 83 - وَقَالَ أَصْحَاب الْأَعْشَى هُوَ أَكْثَرهم عرُوضا وأذهبهم فى فنون الشّعْر وَأَكْثَرهم طَوِيلَة جَيِّدَة وَأَكْثَرهم مدحا وهجاء وفخرا ووصفا كل ذَلِك عِنْده 84 - وَكَانَ أول من سَأَلَ بِشعرِهِ وَلم يكن لَهُ مَعَ ذَلِك بَيت نَادِر على أَفْوَاه النَّاس كأبيات أَصْحَابه 85 - وَشهِدت خلفا فَقيل لَهُ من أشعر النَّاس فَقَالَ مَا ننتهى

إِلَى وَاحِد يجْتَمع عَلَيْهِ كَمَا لَا يجْتَمع على اشجع النَّاس وأخطب النَّاس وأجمل النَّاس قلت فَأَيهمْ أعجب إِلَيْك يَا أَبَا مُحرز قَالَ الْأَعْشَى قَالَ أَظُنهُ قَالَ كَانَ أجمعهم 86 - وَكَانَ أَبُو الْخطاب الْأَخْفَش مستهترا بِهِ يقدمهُ وَكَانَ أَبُو عَمْرو بن الْعَلَاء يَقُول مثله مثل البازى يضْرب كَبِير الطير وصغيرة وَيَقُول نظيرة فى الْإِسْلَام جرير وَنَظِير النَّابِغَة الأخطل وَنَظِير زُهَيْر الفرزدق 87 - وروى سُلَيْمَان بن إِسْحَق الربالى عَن يُونُس أَنه قَالَ الشّعْر كالسراء والشجاعة وَالْجمال لَا ينتهى مِنْهُ إِلَى غَايَة 88 - أخبرنى الْمسيب بن سعيد عَن هِشَام بن الْقَاسِم مولى بنى

غبر وَقد رَأَيْته وَكَانَ من عَلَيْهِ أهل الْبَصْرَة وَكَانَ يصلى على جنائز بنى غبر قَالَ أول من سَأَلَ بِشعرِهِ الْأَعْشَى 89 - وَلم يقو من هَذِه الطَّبَقَة وَلَا من أشباههم إِلَّا النَّابِغَة فى بَيْتَيْنِ قَوْله (أَمن آل مية رائح أَو مغتدى ... عجلَان ذَا زَاد وَغير مزود) (زعم البوارح أَن رحلتنا غَدا ... وبذاك خبرنَا الغداف الْأسود) وَقَوله

(سقط النصيف وَلم ترد إِسْقَاطه ... فتناولته واتقتنا بِالْيَدِ) (بمخضب رخص كَأَن بنانه ... عنم يكَاد من اللطافة يعْقد) العنم نبت أَحْمَر يصْبغ بِهِ فَقدم الْمَدِينَة فعيب ذَلِك عَلَيْهِ فَلم يأبه لَهما حَتَّى أسمعوه إِيَّاه فى غناء وَأهل الْقرى ألطف نظرا من أهل البدو وَكَانُوا يَكْتُبُونَ لجوارهم أهل الْكتاب فَقَالُوا لِلْجَارِيَةِ إِذا صرت إِلَى القافية فرتلى فَلَمَّا قَالَت الغداف الْأسود ويعقد وباليد علم وانتبه فَلم يعد فِيهِ وَقَالَ قدمت الْحجاز وفى شعرى صَنْعَة ورحلت عَنْهَا وَأَنا أشعر النَّاس 90 - قَالَ يُونُس عُيُوب الشّعْر أَرْبَعَة الزحاف والسناد والإقواء والإيطاء والإكفاء وَهُوَ الإقواء والزحاف أهونها وَهُوَ أَن ينقص الْجُزْء عَن سَائِر الْأَجْزَاء فينكره السّمع ويثقل على اللِّسَان وَهُوَ فِي ذَلِك جَائِز والأجزاء

مُخْتَلفَة فَمِنْهَا مَا نقصانه أخْفى وَمِنْهَا مَا نقصانه أشنع قَالَ الهذلى (لَعَلَّك إِمَّا أم عَمْرو تبدلت ... سواك خَلِيلًا شاتمى تستخيرها) فَهَذَا مزاحف فِي كَاف سواك وَهُوَ خفى وَمن أنْشدهُ (لَعَلَّك إِمَّا أم عَمْرو تبدلت ... خَلِيلًا خَلِيلًا سواك شاتمى تستخيرها) فَهَذَا أفظع وَهُوَ جَائِز والاستخارة الاستعطاف وَيُقَال تبغمت الظبية تستخير وَلَدهَا أى تستدعيه وَمِنْه قيل أستخير الله أى أستعطفه وَهُوَ نَحْو قَول الفرزدق (فَإِن كَانَ لهَذَا الْأَمر فى جَاهِلِيَّة ... علمت من الْمولى الْقَلِيل حلائبه)

(وَلَو كَانَ هَذَا غير دين مُحَمَّد ... لأديته أَو غص بِالْمَاءِ شَاربه) مزاحف خفى وَمن قَالَ لأدين أَو لغص بِالْمَاءِ شَاربه فَهُوَ أفظع وَهُوَ أَكثر من أَن يعد 91 - وَكَانَ الْخَلِيل بن أَحْمد يستحسنه فِي الشّعْر إِذا قل فى الْبَيْت والبيتين فَإِذا توالى وَكثر فى القصيدة سمج فَإِن قيل كَيفَ يستحسن مِنْهُ شئ وَقد قيل هُوَ عيب قَالَ يكون هَذَا مثل الْقبل والحول واللثغ فى الْجَارِيَة قد يشتهى الْقَلِيل مِنْهُ الْخَفِيف وَهُوَ إِن كثر عِنْد رجل فى جوَار أَو اشْتَدَّ فى جَارِيَة هجن وسمج والوضح فِي الْخَيل يستطرف ويشتهى خفيفه مثل الْغرَّة والتحجيل فَإِذا كثر وَفَشَا كَانَت هجنة ووهنا وخفيف البلق يحْتَمل فى الْخَيل وَلم أر أبلق قطّ وَلم أسمع بِهِ سَابِقًا

92 - والإقواء هُوَ الإكفاء مَهْمُوز وَهُوَ أَن يخْتَلف إِعْرَاب القوافى فَتكون قافية مَرْفُوعَة وَأُخْرَى مخفوضة أَو مَنْصُوبَة وَهُوَ فى شعر الْأَعْرَاب كثير وَدون الفحول من الشُّعَرَاء وَلَا يجوز لمولد لأَنهم قد عرفُوا عَيبه والبدوى لَا يأبه لَهُ فَهُوَ أعذر 93 - فَقلت ليونس أَكَانَ عبيد الله بن الْحر يقوى قَالَ الإقواء خير مِنْهُ يعْنى من فَوْقه من الشُّعَرَاء يقوى غير أَن الفحول قد استجاوزا فى مَوضِع نَحْو قَول جرير (عرين من عرينة لَيْسَ منا ... بَرِئت إِلَى عرينة من عرين) (عرفنَا جعفرا وَبنى عبيد ... وأنكرنا زعانف آخَرين)

وَقَالَ سحيم بن وثيل (عذرت البزل إِن هى خاطرتنى ... فَمَا بالى وبال ابْن اللَّبُون) (وماذا يدرى الشُّعَرَاء منى ... وَقد جَاوَزت رَأس الْأَرْبَعين) فموضع هَذِه الأبيات الَّتِى لَهُ ولجرير النصب وَلكنه كَأَنَّهُ سكت عِنْد القافية 94 - وَمِنْه الإيطاء وَهُوَ أَن تتفق القافيتان فى قصيدة وَاحِدَة فَإِن كَانَ أَكثر من قافيتين فَهُوَ أسمج لَهُ وَقد يكون وَلَا يجوز لمولد إِذْ كَانَ عِنْده عَيْبا فَإِذا اتّفق اللَّفْظ وَاخْتلف الْمَعْنى فَهُوَ جَائِز نَحْو قَوْلك مُحَمَّد تُرِيدُ الِاسْم وجواد مُحَمَّد تُرِيدُ الْفِعْل وَتقول خِيَار تُرِيدُ خِيَار من الله وَتقول خِيَار أى خِيَار من قوم

فَيجوز وَنَحْو هَذَا كثير وَأهل الْبَادِيَة لَا ينكرونه وَأنْشد سَلمَة ابْن عَيَّاش أباحية النميرى كلمة طَوِيلَة جدا يَقُول فِيهَا (طربت وَمَا هَذَا بِحِين تطرب ... ورأسك مبيض العذارين أشيب) قَالَ لَهُ النميرى أرى فِيهَا عَيْبا قَالَ مَا هُوَ قَالَ لم أرك أعدت قافية بعد قافية عده عَيْبا أَظُنهُ عابه إِذا رأى أَنه هرب مِنْهُ 95 - والمواطأة فى الْأَمر يُقَال مِنْهُ واطأته على كَذَا وَكَذَا وَمِنْه {ليواطئوا عدَّة مَا حرم الله} أى ليوافقوا كَانَت الْعَرَب تحرم أَرْبَعَة أشهر من السّنة كَمَا كَانَ بِأَيْدِيهِم من إِرْث إِسْمَاعِيل بن إِبْرَاهِيم عَلَيْهِمَا السَّلَام وَكَانَت توالى عَلَيْهِم ثَلَاثَة أشهر ذُو الْقعدَة وَذُو الْحجَّة وَالْمحرم فَيطول عَلَيْهِم أَن لَا يغزوا وَلَا يحاربوا وَكَانَ لَهُم نسأة من بنى كنَانَة تُؤخر الْمحرم عَاما وترده

عَاما وَذَلِكَ قَول الله عز وَجل {إِنَّمَا النسيء زِيَادَة فِي الْكفْر} وهى فى الَّذين يُرِيدُونَ أَن يجْعَلُوا أَرْبَعَة حرما ... ... . . الْمحرم عَام حجَّة الْوَدَاع من النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الشَّهْر الذى حرمه الله بِعَيْنِه فَقَالَ إِن الزَّمَان قد اسْتَدَارَ كَهَيْئَته يَوْم خلق الله السَّمَوَات وَالْأَرْض وَكَانَ الَّذِي يسمع النَّاس عَنهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ربيعَة بن أُميَّة ابْن خلف الجمحى وَكَانَ فى صَوته رفاع فَأصَاب بعد ذَلِك فى عهد عمر بن الْخطاب حدا بالشأم فَضرب فَأَدْرَكته الحمية فلحق بالروم فَهَلَك فيهم فكره النَّاس بعد ذَلِك أَن يقيموا حدا بِأَرْض الْعَدو وَكَانَت الْعَرَب تسمى رجبا الْأَصَم ويسمونه منصل الأسنة وَكَانُوا ينصلون أسنتهم فِيهِ لموْضِع الْحَرْب قَالَ دُرَيْد بن الصمَّة (تَدَارُكه فى منصل الأل بَعْدَمَا ... مضى غير دأداة وَقد كَاد يعطب)

والدأداة اللَّيْلَة الَّتِى تكون فى آخر الشَّهْر يشك فِيهَا 96 - والسناد وَهُوَ أَن تخْتَلف القوافى نَحْو نقيب وعيب وَقَرِيب وشيب مِنْهُ قَول الْفضل بن الْعَبَّاس اللهبى (عبد شمس أَبى فَإِن كنت غَضبى ... فاملئى وَجهك الْجَمِيل خموشا) وَقَالَ (وبنا سميت قُرَيْش قُريْشًا ... ) وَقَالَ ( ... . . وَلَا تمليت عَيْشًا ... ) وَقَالَ عدى بن زيد

(فناجاها وَقد جمعت فيوجا ... على أَبْوَاب حصن مصلتينا) (فَقدمت الْأَدِيم لراهشيه ... وألفى قَوْلهَا كذبا ومينا) قَالَ الْمفضل كذابا مُبينًا فر من السناد وَالرِّوَايَة هى الأولى على قَوْله ومينا 97 - وَقَالَ الْفضل بن عبد الرَّحْمَن بن عَبَّاس فى مرثية زيد ابْن عَليّ بن الْحُسَيْن رضى الله عَنْهُم

( ... . . لَيْسَ ذَا حِين الجمود ... ) ثمَّ قَالَ ( ... ... ... فَوق العمود ... ) ثمَّ قَالَ (وَكَيف جمود دمعك بعد زيد ... ) 98 - وَمِنْه قَول الْعَرَب خرج الْقَوْم برأسين متساندين أى هَذَا على حياله وَهَذَا على حياله وَهُوَ من قَوْلهم كَانَت قُرَيْش يَوْم الْفجار متساندين أى لَا يقودهم رجل وَاحِد 99 - وَقَالَ العجاج فأفرط وَجَاوَزَ السناد مَعَ حذفه (ثمَّ رأى أهل الدسيع الْأَعْظَم ... خندف وَالْجد الخضم المخضم)

(وَعليَّة النَّاس وَأهل الحكم ... ومستقر الْمُصحف المرقم) (عِنْد كريم مِنْهُم مكرم ... معلم آى الْهدى معلم) (مبارك للأنبياء خَاتم ... وخندف هَامة هَذَا الْعَالم) فساند فى بَيْتَيْنِ سنادا فَاحِشا أَخذه النَّاس عَلَيْهِ 100 - وأخبرنى سَلمَة بن عَيَّاش قَالَ قلت لرؤبة أَبوك أشعر مِنْك قَالَ أَنا أشعر مِنْهُ هُوَ يَقُول (وخندف هَامة هَذَا الْعَالم ... ) 101 - وَقَالَ العجاج (يَا لَيْت أَيَّام الصِّبَا رواجعا ... ) وهى لُغَة لَهُم سَمِعت أَبَا عون الحرمازى يَقُول لَيْت أَبَاك

مُنْطَلقًا وليت زيدا قَاعِدا وأخبرنى أَبُو يعلى أَن منشأه بِلَاد العجاج فَأَخذهَا عَنْهُم 102 - وَقد تغلط مقاحيم الشُّعَرَاء وثنيانهم والمقحم الذى يقتحم سنا إِلَى أُخْرَى لَيْسَ بالبازل وَلَا المستحكم والثنيان الْعَاجِز الواهن قَالَ أَوْس بن حجر (وَقد رام بحرى قبل ذَلِك طاميا ... من الشُّعَرَاء كل عود ومقحم) وَقَالَ أَوْس بن مغراء (ثنياننا إِن أَتَاهُم كَانَ بدأهم ... وبدؤهم إِن أَتَانَا كَانَ ثنيانا) فيغلطون فى السِّين وَالصَّاد وَالْمِيم وَالنُّون وَالدَّال والطاء وأحرف

يتقارب مخرجها من اللِّسَان تشتبه عَلَيْهِم أنشدنى أَبُو العطاف (أرمى بهَا مطالع النُّجُوم ... رمى سُلَيْمَان بذى غُضُون) وَقَالَ زغيب بن نسير العنبرى (نظرت بِأَعْلَى الصوق وَالْبَاب دونه ... إِلَى نعم ترعى قوافي مسرد) الصوق السُّوق ثمَّ قَالَ كحيل مخلط فَقلت لَهُ قل معقد فَيصح لَك الْمَعْنى وتستقيم القوافى قَالَ أجل فاستعدته فَعَاد إِلَى قَوْله الأول وَقَالَ أَبُو الدهماء العنبرى (فَلَا عيب فِيهَا غير أَن جَنِينهَا ... جهيض وفى الْعَينَيْنِ مِنْهَا التخاوص)

ثمَّ قَالَ بالثياب الطيالس ثمَّ قَالَ وَالْمَاء جامس وَكَانَ يَقُول الصويق وبر مكيول وثوب مخيوط وَقَالَ أَبُو الدهماء يهجو شويعرا من عكل وَكَانَ أَبُو الدهماء أفْصح النَّاس فَقَالَ يذكر جردانه (ويل الحبالى إِذْ أصَاب الركبا ... يسْتَخْرج الصّبيان مِنْهُ خذما) 103 - وَاسْتحْسن النَّاس من تَشْبِيه امْرِئ الْقَيْس (كَأَن قُلُوب الطير رطبا ويابسا ... لَدَى وَكرها الْعنَّاب والحشف البالى) وَقَوله (كأنى بفتخاء الجناحين لقُوَّة ... دفوف من العقبان طأطأت شملال)

وَقَوله (بعجلزة قد أترز الجرى لَحمهَا ... كميت كَأَنَّهَا هراوة منوال) (وصم حوام مَا يَقِين من الوجى ... كَأَن مَكَان الردف مِنْهَا على رال) وَقَوله (نظرت إِلَيْهَا والنجوم كَأَنَّهَا ... مصابيح رُهْبَان تشب لقفال)

(كَأَن الصوار إِذْ تجاهدن غدْوَة ... على جمزى خيل تجول بأجلال) وَقَوله (أيقتلنى والمشرفى مضاجعى ... ومسنونة زرق كأنياب أغوال) 104 - وَقَوله (كأنى غَدَاة الْبَين حِين تحملوا ... لَدَى سمُرَات الحى ناقف حنظل) وَقَوله (مكر مفر مقبل مُدبر مَعًا ... كجلمود صَخْر حطه السَّيْل من عل)

وَقَوله (لَهُ أيطلا ظبى وساقا نعَامَة ... وإرخاء سرحان وتقريب تَتْفُل) وَقَوله (درير كخذروف الْوَلِيد أدره ... تتَابع كفيه بخيط موصل) وَقَوله (كميت يزل اللبد عَن حَال مَتنه ... كَمَا زلت الصفواء بالمتنزل)

وَقَوله (كَأَن دِمَاء الهاديات بنحره ... عصارة حناء بشيب مرجل) وَقَوله (وليل كموج الْبَحْر أرْخى سدوله ... على بأنواع الهموم ليبتلى)

وَقَوله (فيالك من ليل كَأَن نجومه ... بأمراس كتَّان إِلَى صم جندل) خيروا بَينه وَبَين قَول النَّابِغَة

(فَإنَّك كالليل الذى هُوَ مدركى ... وَإِن خلت أَن المنتأى عَنْك وَاسع) فَزعم بعض الْأَشْيَاخ أَن بَيت النَّابِغَة أحكمها وَقَوله

( ... ... ... ... ... ... ترائبها مصقولة كالسجنجل) هى الْمرْآة بالرومية وَقَوله (إِذا مَا الثريا فى السَّمَاء تعرضت ... تعرض أثْنَاء الوشاح الْمفصل)

قَالَ فَأنْكر قوم قَوْله إِذا مَا الثريا فى السَّمَاء تعرضت وَقَالُوا الثريا لَا تعرض وَقَالَ بعض الْعلمَاء عَنى الجوزاء وَقد تفعل الْعَرَب بعض ذَلِك قَالَ زُهَيْر (فتنج لكم غلْمَان أشأم كلهم ... كأحمر عَاد ثمَّ ترْضع فتفطم) يعْنى أَحْمَر ثَمُود وَقَوله (يظل العذارى يرتمين بلحمها ... وشحم كهداب الدمقس المفتل) 105 - وَقَالَ يصف فرسا

(بذى ميعة كَأَن أدنى سقاطه ... وتقريبه هونا دآليل ثَعْلَب) (عَظِيم طَوِيل مطمئن كَأَنَّهُ ... بِأَسْفَل ذى مأوان سرحة مرقب) (لَهُ أيطلا ظبى وساقا نعَامَة ... وصهوة عير قَائِم فَوق مرقب) (لَهُ جؤجؤ حشر كَأَن لجامه ... يعالى بِهِ فى رَأس جذع مشذب)

(وعينان كالماويتين ومحجر ... إِلَى سَنَد مثل الرتاج المضبب) (إِذا مَا جرى شأوين وابتل عطفه ... نقُول هزيز الرّيح مرت بأثأب) (كَأَن دِمَاء الهاديات بنحره ... عصارة حناء بشيب مخضب) 106 - وَقَالَ أَيْضا (تروح كَأَنَّهَا مِمَّا أَصَابَت ... معلقَة بأحقيها الدلى)

(إِذا مَا قَامَ حالبها أرنت ... كَأَن الحى صبحهمْ نعى) 107 - أخبرنى يُونُس بن حبيب قَالَ قَالَ ذُو الرمة من أحسن النَّاس وَصفا للمطر فَذكرُوا قَول عبيد (دَان مسف فويق الأَرْض هيدبه ... يكَاد يَدْفَعهُ من قَامَ بِالرَّاحِ) (فَمن بنجوته كمن بمحلفه ... والمستكن كمن يمشى بقرواح) فَجَعلهَا يُونُس لِعبيد وعَلى ذَلِك كَانَ إجماعنا فَلَمَّا قدم الْمفضل صرفهَا إِلَى أَوْس بن حجر وَذكروا قَول عبد بنى الحسحاس

(نعمت بِهِ ظنا وأيقنت أَنه ... يحط الوعول والصخور الرواسيا) (وَمَا حركته الرّيح حَتَّى ظننته ... بحرة ليلى أَو بنخلة ثاويا) (فدر على الأنهاء أول مزنه ... فَعَن طَويلا يسْكب المَاء ساحيا) (ركام يسح المَاء عَن كل فيقة ... ويغدر فى القيعان رنقا وصافيا) (وَمر على الأجبال أجبال طيىء ... كَمَا سقت منكوب الدوابر حافيا)

(أجش هزيم سيله مَعَ ودقه ... ترى خشب الغلان فِيهِ طوافيا) (بَكَى شجوه واغتاظ حَتَّى حسبته ... من الْبعد لما جلجل الْوَعْد حَادِيًا) فَقَالَ ذُو الرمة بل قَول امْرِئ الْقَيْس أَجود حَيْثُ يَقُول (دِيمَة هطلاء فِيهَا وَطف ... طبق الأَرْض تحرى وتدر)

(تخرج الود إِذا مَا أشجذت ... وتواريه إِذا مَا تشتكر) (وَترى الضَّب خَفِيفا ماهرا ... ثَانِيًا برثنه مَا ينعفر) (وَترى الشجراء فى رِيقهَا ... كرءوس قطعت فِيهَا الْخمر) (سَاعَة ثمَّ انتحاها وابل ... سَاقِط الأكناف واه منهمر)

(رَاح تمريه الصِّبَا ثمَّ انتحى ... فِيهِ شؤبوب جنوب منفجر) (ثج حَتَّى ضَاقَ عَن آذيه ... عرض خيم فخفاف فيسر) (قد غَدا يحملنى فى أَنفه ... لَاحق ألأيطل محبوك ممر)

الطبقة الثانية

الطَّبَقَة الثَّانِيَة 180 - أَوْس بن حجر بن عتاب بن عبد الله بن عدى بن نمير بن أسيد بن عَمْرو بن تَمِيم وَهُوَ الْمُقدم عَلَيْهِم 109 - وَبشر بن أَبى خازم الأسدى 110 - وَكَعب بن زُهَيْر بن أَبى سلمى 111 - والحطيئة أَبُو مليكَة جَرْوَل بن أَوْس بن مَالك بن جوية بن مَخْزُوم بن مَالك بن غَالب بن قطيعة بن عبس بن بغيض بن ريث بن غطفان 112 - وَأَوْس نَظِير الْأَرْبَعَة الْمُتَقَدِّمين إِلَّا أَنا اقتصرنا فى الطَّبَقَات على أَرْبَعَة رَهْط 113 - وَقَالَ يُونُس قَالَ أَبُو عَمْرو بن الْعَلَاء كَانَ أَوْس فَحل مُضر حَتَّى نَشأ النَّابِغَة وَزُهَيْر فأخملاه وَكَانَ زُهَيْر راويته

114 - وَقَالَ أَبُو على الحرمازى كَانَ أَوْس زوج أم زُهَيْر 115 - قلت لعَمْرو بن معَاذ التيمى وَكَانَ بَصيرًا بالشعر من أشعر النَّاس قَالَ أَوْس قلت ثمَّ من قَالَ أَبُو ذُؤَيْب 116 - قَالَ فأوس شَاعِر مُضر والأعشى شَاعِر ربيعَة ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... . .

117 - ... وَكَانَ أَخُوهُ بجير بن زُهَيْر أسلم وَشهد مَعَ النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فتح مَكَّة وحنينا فَأرْسل إِلَيْهِ كَعْب أبياتا ينهاه عَن الْإِسْلَام وَذكره للنبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فأوعده فَأرْسل بجير إِلَيْهِ وَيلك إِن النبى أوعدك وَقد أوعد رجَالًا بِمَكَّة فَقَتلهُمْ وَهُوَ وَالله قَاتلك أَو تَأتيه فتسلم فاستطير ولفظته الأَرْض 118 - أَنا أَبُو خَليفَة نَا ابْن سَلام قَالَ وأخبرنى مُحَمَّد بن سُلَيْمَان عَن يحيى بن سعيد الأنصارى عَن سعيد بن الْمسيب قَالَ قدم كَعْب متنكرا حِين بلغه عَن النبى مَا بلغه فَأتى أَبَا بكر

فَلَمَّا صلى الصُّبْح أَتَى بِهِ وَهُوَ متلثم بعمامته فَقَالَ يَا رَسُول الله رجل يُبَايِعك على الْإِسْلَام وَبسط يَده وحسر عَن وَجهه وَقَالَ بأبى أَنْت وأمى يَا رَسُول الله هَذَا مَكَان العائذ بك أَنا كَعْب بن زُهَيْر فتجهمته الْأَنْصَار وغلظت عَلَيْهِ لما ذكر بِهِ رَسُول الله ولانت لَهُ قُرَيْش وأحبوا إِسْلَامه وإيمانه فَأَمنهُ رَسُول الله فَأَنْشد مدحته الَّتِى يَقُول فِيهَا (بَانَتْ سعاد فقلبى الْيَوْم متبول ... متيم إثْرهَا لم يشف مكبول) حَتَّى انْتهى إِلَى قَوْله (وَقَالَ كل خَلِيل كنت آمله ... لَا ألفينك إنى عَنْك مَشْغُول)

(فَقلت خلوا سبيلى لَا أبالكم ... فَكل مَا وعد الرَّحْمَن مفعول) (كل ابْن أُنْثَى وَإِن طَالَتْ سَلَامَته ... يَوْمًا على آلَة حدباء مَحْمُول) (نبئت أَن رَسُول الله أوعدنى ... وَالْعَفو عِنْد رَسُول الله مأمول) إِلَى قَوْله (إِن الرَّسُول لسيف يستضاء بِهِ ... مهند من سيوف الله مسلول) (فى فتية من قُرَيْش قَالَ قَائِلهمْ ... بِبَطن مَكَّة لما أَسْلمُوا زولوا)

(زَالُوا فَمَا زَالَ أنكاس وَلَا كشف ... يَوْم اللِّقَاء وَلَا سود معازيل) (لَا يَقع الطعْن إِلَّا فى نحورهم ... وَمَا بهم عَن حِيَاض الْمَوْت تهليل) فَنظر النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى من عِنْده من قُرَيْش أى اسمعوا حَتَّى قَالَ (يَمْشُونَ مَشى الْجمال الزهر يعصمهم ... ضرب إِذا عرد السود التنابيل) يعرض بالأنصار لغلظتهم كَانَت عَلَيْهِ فأنكرت قُرَيْش مَا قَالَ وَقَالُوا لم تمدحنا إِذْ هجوتهم وَلم يقبلُوا ذَلِك حَتَّى قَالَ

(من سره كرم الْحَيَاة فَلَا يزل ... فى مقنب من صَالح الْأَنْصَار) (الباذلين نُفُوسهم لنبيهم ... يَوْم الْهياج وسطوة الْجَبَّار) (يتطهرون كَأَنَّهُ نسك لَهُم ... بدماء من عَلقُوا من الْكفَّار) (صدموا عليا يَوْم بدر صدمة ... ذلت لوقعتها جَمِيع نزار) يعْنى بنى على بن مَسْعُود وهم بَنو كنَانَة فَكَسَاهُ النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بردة اشْتَرَاهَا مُعَاوِيَة من آل كَعْب بن زُهَيْر بِمَال كثير قد سمي فهى الْبردَة الَّتِى تلبسها الْخُلَفَاء فى الْعِيدَيْنِ زعم ذَلِك أبان

119 - وَكَانَ الحطيئة متين الشّعْر شرود القافية وَكَانَ راوية لزهير وَآل زُهَيْر واستفرغ شعره فى بنى قريع 120 - وَقَالَ لكعب بن زُهَيْر قد علمت روايتى شعر أهل الْبَيْت وانقطاعى وَقد ذهب الفحول غيرى وَغَيْرك فَلَو قلت شعرًا تذكر فِيهِ نَفسك وتضعنى موضعا فَإِن النَّاس لأشعاركم أروى وإليها أسْرع فَقَالَ كَعْب (فَمن للقوافى شانها من يحوكها ... إِذا مَا ثوى كَعْب وَفَوْز جَرْوَل) (يَقُول فَلَا يعي بِشَيْء يَقُوله ... وَمن قَائِلهَا من يسئ وَيعْمل)

(كفيتك لَا تلقى من النَّاس وَاحِدًا ... تنخل مِنْهَا مثل مَا يتنخل) (يثقفها حَتَّى تلين متونها ... فيقصر عَنْهَا كل مَا يتَمَثَّل) 121 - فاعترضه مزرد بن ضرار واسْمه يزِيد وَهُوَ أَخُو الشماخ وَكَانَ عريضا أى شَدِيد الْعَارِضَة كثيرها فَقَالَ (وباستك إِذْ خلفتنى خلف شَاعِر ... من النَّاس لم أكفئ وَلم أتنحل) (فَأن تجشبا أجشب وَإِن تتنخلا ... وَإِن كنت أفتى مِنْكُمَا أتنخل)

(وَلست كحسان الحسام بن ثَابت ... وَلست كشماخ وَلَا كالمخبل) (وَأَنت امْرُؤ من أهل قدس أوارة ... أحلتك عبد الله أكناف مبهل) مبهل جبل لعبد الله بن غطفان وَقدس أوارة جبل لمزينة فَعَزاهُ إِلَى مزينة 122 - وَكَانَ أَبُو سلمى وَأهل بَيته فى بنى عبد الله بن غطفان فبهم يعْرفُونَ وإليهم ينسبون فَقَالَ كَعْب بن زُهَيْر يثبت أَنه من مزينة (أَلا أبلغا هَذَا المعرض آيَة ... أيقظان قَالَ القَوْل إِذْ قَالَ أَو حلم)

يُقَال حلم فى الْمَنَام وحلم من الْحلم إِلَى قَوْله (أعيرتنى عزا عَزِيزًا ومعشرا ... كراما بنوا لى الْمجد فى باذخ أَشمّ) (هم الأَصْل منى حَيْثُ كنت وإننى ... من المزنين المصفين بِالْكَرمِ) وَقد كَانَت الْعَرَب تفعل ذَلِك لَا يعزى الرجل إِلَى قَبيلَة غير الَّتِى هُوَ مِنْهَا إِلَّا قَالَ أَنا من الَّذين عبت 123 - كَانَ أَبُو ضَمرَة يزِيد بن سِنَان بن أَبى حَارِثَة لاحى النَّابِغَة فنماه إِلَى قضاعة فَقَالَ النَّابِغَة

(جمع محاشك يَا يزِيد فإننى ... أَعدَدْت يربوعا لكم وتميما) (وَلَحِقت بِالنّسَبِ الذى عيرتنى ... وَوجدت نصرك يَا يزِيد ذَمِيمًا) (حدبت على بطُون ضنة كلهَا ... إِن ظَالِما فيهم وَإِن مَظْلُوما) (لَوْلَا بَنو نهد بن عَوْف أَصبَحت ... بالنعف أمك يَا يزِيد عقيما)

ضنه بن كَبِير بن عذرة 124 - وَكَانَ رَهْط الزبْرِقَان بن بدر يخلجون إِلَى بنى كَعْب بن يشْكر إِلَى ذى المجاسد عَامر بن جشم بن كَعْب فَقَالَ الزبْرِقَان (فَإِن أك من كَعْب بن سعد فإننى ... رضيت بهم من حى صدق ووالد) (وَإِن يَك من كَعْب بن يشْكر منصبى ... فَإِن أَبَانَا عَامر ذُو المجاسد) 125 - قَالَ ابْن سَلام وَلَقَد أخبرنى بعض أهل الْعلم من غطفان أَنهم من بنى عبد الله بن غطفان وَأَن اعتزاءه إِلَى مزينة كَقَوْل هَؤُلَاءِ

وَأما الْعَامَّة فَهُوَ عِنْدهم مزنى وَلَيْسَ لزهير وَلَا لِبَنِيهِ صليبة شعر يعتزون فِيهِ إِلَى غطفان وَلَا مزينة إِلَّا بَيت كَعْب ذَاك وَقَول بجير (صبحناهم بِسبع من سليم ... وَألف من بنى عُثْمَان واف) وَقد يجوز أَن يكون يعْنى غير قومه من المزنيين فَذكرهمْ كَمَا ذكر سليما 126 - وَلم يزل فى ولد زُهَيْر شعر وَلم يتَّصل فى ولد أحد من فحول الْجَاهِلِيَّة مَا اتَّصل فى ولد زُهَيْر وَلَا فى ولد أحد من الإسلاميين مَا اتَّصل فى ولد جرير 127 - وَكَانَ الحطيئة قد عمر دهرا فى الْجَاهِلِيَّة وبقى فى الْإِسْلَام

حينا وَكَانَ جشعا سؤولا 128 - وَكَانَ مَعَ عَلْقَمَة بن علاثة حِين نافر عَامر بن الطُّفَيْل فَقَالَ يفضل عَلْقَمَة (يَا عَام قد كنت ذَا بَاعَ ومكرمة ... لَو أَن مسعاة من جَارِيَته أُمَم) (جاريت فرعا أَجَاد الأحوصان بِهِ ... ضخم الدسيعة فى عرنينه شمم) (لَا يصعب الْأَمر إِلَّا ريث يركبه ... وَلَا يبيت على مَال لَهُ قسم)

وَكَانَ الْأَعْشَى مَعَ عَامر بن الطُّفَيْل ولبيد بن ربيعَة 129 - وَشهد الحطيئة نفار عُيَيْنَة بن حصن بن حُذَيْفَة بن بدر أحد بنى عدى بن فَزَارَة وزبان بن سيار بن عَمْرو بن جَابر أحد بنى مَازِن بن فزاره فَقَالَ يفضل عيينه على زبان (أَبى لَك آبَاء أَبى لَك مجدهم ... سوى الْمجد فَانْظُر صاغرا من قنافره) (قُبُور أصابتها السيوف ثَلَاثَة ... نُجُوم هوت فى كل نجم مرائره) (فقبر بأجبال وقبر بحاجر ... وقبر القليب أَسعر الْحَرْب ساعره) (وَشر المنايا هَالك وسط أَهله ... كهلك الفتاة أيقظ الحى حاضره) قبر بأجبال يُرِيد قبر بدر بن عَمْرو قَتِيل بنى أَسد بن خُزَيْمَة

وقبر القليب وَهُوَ الهباءة قبر حُذَيْفَة بن بدر بن عَمْرو قَتِيل بني عبس وقبر بحاجر يعْنى قبر حصن بن حُذَيْفَة بن بدر قَتِيل بنى عقيل بن كَعْب ونمير بن عَامر 130 - قَالَ كَانَ الحطيئة سؤولا جشعا فَقدم الْمَدِينَة وَقد أرصدت لَهُ قُرَيْش العطايا وَالنَّاس فى سنة مُجْدِبَة وسخطة من خَليفَة فَمشى أَشْرَاف أهل الْمَدِينَة بَعضهم إِلَى بعض فَقَالُوا قد قدم علينا هَذَا الرجل وَهُوَ شَاعِر والشاعر يظنّ فيحقق وَهُوَ يأتى الرجل من أشرافكم يسْأَله فَإِن أعطَاهُ جهد نَفسه بهرها وَإِن حرمه هجاه فأجمع رَأْيهمْ على أَن يجْعَلُوا لَهُ شَيْئا معدا يجمعونه بَينهم لَهُ فَكَانَ أهل الْبَيْت من قُرَيْش وَالْأَنْصَار يجمعُونَ لَهُ الْعشْرَة وَالْعِشْرين وَالثَّلَاثِينَ دِينَارا حَتَّى جمعُوا لَهُ أربعمئة دِينَار وظنوا أَنهم قد أغنوه فَأتوهُ فَقَالُوا لَهُ هَذِه صلَة آل فلَان وَهَذِه صلَة آل فلَان فَأَخذهَا

فظنوا أَنهم قد كفوه عَن المسئلة فَإِذا هُوَ يَوْم الْجُمُعَة قد اسْتقْبل الإِمَام ماثلا يُنَادى بعد الصَّلَاة فَقَالَ من يحملنى على نَعْلَيْنِ وَقَاه الله كبة جَهَنَّم 131 - أَنا أَبُو خَليفَة نَا ابْن سَلام قَالَ وأخبرنى يُونُس النحوى قَالَ خرج الحطيئة مَعَ ابْنَته مليكَة وَامْرَأَته أُمَامَة على ذود لَهُ ثَلَاث فَنزل منزلا وسرح ذوده فَلَمَّا قَامَ للرواح فقد إِحْدَاهُنَّ فَقَالَ (أذئب القفر أم ذِئْب أنيس ... أصَاب الْبكر أم حدث اللَّيَالِي) (وَنحن ثَلَاثَة وَثَلَاث ذود ... لقد جَار الزَّمَان على عيالي) 132 - وَكَانَ سَبَب هجائه الزبْرِقَان أَنه صادفه بِالْمَدِينَةِ وَكَانَ قدمهَا على عمر رضى الله عَنهُ فَقَالَ الحطيئة وددت أَنى أصبت رجلا

يحملنى وأصفيه مديحي وأقتصر عَلَيْهِ قَالَ الزبْرِقَان قد أصبته تقدم على أهلى فإنى على إثرك فَقدم فَنزل بحراه وَأرْسل الزبْرِقَان إِلَى امْرَأَته أَن أكرمى مثواه وَكَانَت ابْنَته مليكَة جميلَة فَكرِهت امْرَأَته مَكَانهَا فظهرت لَهُم مِنْهَا جفوة وبغيض بن عَامر بن لأى بن شماس أحد بنى قريع بن عَوْف يُنَازع يَوْمئِذٍ الزبْرِقَان الشّرف والزبرقان أحد بنى بَهْدَلَة بن عَوْف وبغيض أرسخ فى الشّرف من الزبْرِقَان وَقد ناوأه الزبْرِقَان بِبدنِهِ حَتَّى ساواه بل اعتلاه فاغتنم بغيض وأخواه عَلْقَمَة وهوذة مَا فِيهِ الحطيئة من الجفوة فدعواه إِلَى مَا عِنْدهمَا فأسرع فبنوا عَلَيْهِ قبَّة ونحروا لَهُ وأكرموه كل الْإِكْرَام وشدوا بِكُل طُنب من أطناب خبائه جلة من برنى هجر قَالَ والمخبل شَاعِر مفلق وَهُوَ ابْن عمهم

يلقاهم إِلَى أنف النَّاقة وَهُوَ جَعْفَر بن قريع قَالَ وَقدم الزبْرِقَان أسيفا عاتبا على امْرَأَته فمدح بنى قريع وذم الزبْرِقَان فاستعدى عَلَيْهِ الزبْرِقَان عمر فأقدمه عمر وَقَالَ للزبرقان مَا قَالَ لَك فَقَالَ قَالَ لى (دع المكارم لَا ترحل لبغيتها ... واقعد فَإنَّك أَنْت الطاعم الكاسى) فَقَالَ عمر لحسان مَا تَقول أهجاه وَعمر يعلم من ذَلِك مَا يعلم حسان وَلكنه أَرَادَ الْحجَّة على الحطيئة قَالَ ذرق عَلَيْهِ فَأَلْقَاهُ عمر فى حُفْرَة اتخذها محبسا فَقَالَ الحطيئة (مَاذَا تَقول لأفراخ بذى مرخ ... حمر الحواصل لَا مَاء وَلَا شجر)

(ألقيت كاسبهم فى قَعْر مظْلمَة ... فَاغْفِر عَلَيْك سَلام الله يَا عمر) (أَنْت الإِمَام الذى من بعد صَاحبه ... ألْقى إِلَيْك مقاليد النهى الْبشر) (مَا آثروك بهَا إِذْ بايعوك لَهَا ... لَكِن لأَنْفُسِهِمْ كَانَت بك الإثر) 133 - وَكَانَ الزبْرِقَان شَاعِرًا مفلقا وَكَانَ يعاتبهم وَلم يكن يهجوهم وَكَانَ حَلِيمًا وَكَانَا فى عداوتهما مجملين وَقد تقدم عَلَيْهِ المخبل بالهجاء فَقَالَ (لعمرك إِن الزبْرِقَان لدائب ... على النَّاس يعدو نوكه ومجاهله)

(وَلما رَأَيْت الْعِزّ فى دَار أَهله ... تمنيت بعد الشيب أَنَّك ناقلة) (وَلما نر الأخفاف تمشى على الذرى ... وَلما يكن أَعلَى العضاه أسافله) (وَلما يزل عَن رَأس صهوة عصمها ... وَلما يدع ورد الْعرَاق مناهله) (وينفس فى مَا أورثتنى أوائلى ... ويرغب عَمَّا أورثته أَوَائِله) (فَإِن كنت لَا تمسى بحظك رَاضِيا ... فدع عَنْك حظى إننى الْيَوْم شاغله)

أتيت امْرَءًا أحمى على النَّاس عرضه ... فمازلت حَتَّى أَنْت مقع تناضله) (فأقع كَمَا أقعى أَبوك على استه ... رأى أَن ريما فَوْقه لَا يعادله) 134 - ومدح سعيد بن الْعَاصِ وَكَانَ سعيد لَا تَأْخُذهُ الْعين كَانَ يُقَال لَهُ عكه الْعَسَل فَقَالَ (خَفِيف المعى لَا يمْلَأ الْهم صَدره ... إِذا سمته الزَّاد الْخَبيث عيوف) 135 - وَقَالَ لَهُ أَيْضا (سعيد فَلَا يغررك خفَّة لَحْمه ... تخدد عَنهُ اللَّحْم وَهُوَ صَلِيب)

وَهُوَ أحد من اتَّصل بِهِ الشّرف من خَمْسَة آبَاء وَابْنه عَمْرو ابْن سعيد 136 - أخبرنى الْفضل بن الْحباب الجمحى أَبُو خَليفَة فى كِتَابه إِلَى بإجازته لى يذكر عَن مُحَمَّد بن سَلام أَن الحطيئة كَانَ ينتمى إِلَى بنى ذهل بن ثَعْلَبَة فَقَالَ (إِن الْيَمَامَة خير ساكنها ... أهل الْقرْيَة من بنى ذهل) قَالَ والقرية مَنَازِلهمْ وَلم ينْبت الحطيئة فى هَؤُلَاءِ 137 - قَالَ مُحَمَّد بن سَلام فى كتاب طَبَقَات الشُّعَرَاء دخل الحطيئة على سعيد بن الْعَاصِ متنكرا فَلَمَّا قَامَ النَّاس وبقى الْخَواص أَرَادَ

الْحَاجِب أَن يقيمه فَأبى أَن يقوم فَقَالَ سعيد دَعه وتذاكروا أَيَّام الْعَرَب وَأَشْعَارهَا فَلَمَّا أسهبوا قَالَ الحطيئة مَا صَنَعْتُم شَيْئا فَقَالَ سعيد فَهَل عنْدك علم من ذَلِك قَالَ نعم قَالَ فَمن أشعر الْعَرَب قَالَ الذى يَقُول (قد جعل المبتغون الْخَيْر فى هرم ... والسائلون إِلَى أبوابه طرقا) قَالَ ثمَّ من قَالَ الذى يَقُول (فَإنَّك شمس والملوك كواكب ... إِذا طلعت لم يبد مِنْهُنَّ كَوْكَب) يعْنى زهيرا والنابغة ثمَّ قَالَ وحسبك بى إِذا وضعت إِحْدَى رجلى على الْأُخْرَى ثمَّ عويت فى إِثْر القوافى كَمَا يعوى الفصيل فى إِثْر أمه قَالَ فَمن أَنْت قَالَ أَنا الحطيئة فَرَحَّبَ بِهِ سعيد وَأمر لَهُ بِأَلف دِينَار

الطبقة الثالثة

الطَّبَقَة الثَّالِثَة 138 - أَبُو ليلى نَابِغَة بنى جعدة وَهُوَ قيس بن عبد الله بن عدس بن ربيعَة بن جعدة بن كَعْب بن ربيعَة بن عَامر بن صعصعة 139 - وَأَبُو ذُؤَيْب الهذلى وَهُوَ خويلد بن خَالِد بن محرث بن زبيد بن مَخْزُوم بن صاهلة بن كَاهِل بن الْحَارِث بن تَمِيم بن سعد ابْن هُذَيْل 140 - والشماخ بن ضرار بن سِنَان بن أُمَامَة أحد بنى سعد ابْن ذيبان 141 - ولبيد بن ربيعَة بن مَالك بن جَعْفَر بن كلاب بن ربيعَة ابْن عَامر 142 - وَكَانَ النَّابِغَة قَدِيما شَاعِرًا مفلقا طَوِيل الْبَقَاء فى الْجَاهِلِيَّة وَالْإِسْلَام وَكَانَ أكبر من النَّابِغَة الذبيانى وَيدل على ذَلِك قَوْله

(فَمن يَك سَائِلًا عَنى فإنى ... من الفتيان أَيَّام الخنان) (أَتَت مئة لعام ولدت فِيهِ ... وَعشر بعد ذَاك وحجتان) (وَقد أبقت خطوب الدَّهْر منى ... كَمَا تبقى من السَّيْف اليمانى) (تفلل وَهُوَ مأثور جراز ... إِذا اجْتمعت بقائمه اليدان) وَقَوله (نداماى عِنْد الْمُنْذر بن محرق ... فَأصْبح مِنْهُم ظَاهر الأَرْض مقفرا) وَكَانَ الذبيانى مَعَ النُّعْمَان وفى عصره وَلم يكن لَهُ قدم 143 - وَكَانَ الجعدى مُخْتَلف الشّعْر مغلبا فَقَالَ الفرزدق مثله

مثل صَاحب الخلقان ترى عِنْده ثوب عصب وثوب خَز وَإِلَى جنبه سمل كسَاء وَكَانَ الأصمعى يمدحه بِهَذَا وينسبه إِلَى قلَّة التَّكَلُّف فَيَقُول عِنْده خمار بواف ومطرف بآلاف بواف يعْنى بدرهم وَثلث وَإِذا قَالَت الْعَرَب مغلب فَهُوَ مغلوب وَإِذا قَالُوا غلب فَهُوَ غَالب 144 - وغلبت عَلَيْهِ ليلى الأخيلية وَأَوْس بن مغراء القريعى وَلم يكن إِلَيْهِ وَلَا قَرِيبا مِنْهُ وَغلب عَلَيْهِ عقال بن خَالِد العقيلى وَكَانَ مفحما بِكَلَام لَا بِشعر 145 - وهجاه سوار بن أوفى القشيرى وفاخره وهجاه الأخطل بِأخرَة 146 - حَدَّثَنى إِبْرَاهِيم بن شهَاب قَالَ حَدثنَا الْفضل بن الْحباب قَالَ حَدَّثَنى أَبُو الغراف قَالَ قَالَ النَّابِغَة الجعدى إنى وَأَوْس بن مغراء لنبتدر بَيْتا مَا قُلْنَاهُ بعد لَو قَالَه أَحَدنَا لقد غلب على صَاحبه قَالَ ابْن

سَلام وَكَانَا يتهاجيان وَلم يكن أَوْس إِلَى النَّابِغَة فى قريحة الشّعْر وَكَانَ النَّابِغَة فَوْقه فَقَالَ أَوْس بن مغراء (فلست بعاف عَن شتيمة عَامر ... وَلَا حابسى عَمَّا أَقُول وعيدها) (ترى اللؤم مَا عاشوا جَدِيدا عَلَيْهِم ... وَأبقى ثِيَاب اللابسين جديدها) (لعمرك مَا تبلى سرابيل عَامر ... من اللؤم مَا دَامَت عَلَيْهَا جلودها) فَقَالَ النَّابِغَة هَذَا الْبَيْت الذى كُنَّا نَبْتَدِر وَغلب النَّاس أَوْسًا عَلَيْهِ 147 - نَا ابْن سَلام قَالَ قلت ليونس كَيفَ تقْرَأ {وجئتك من سبإ بنبإ يَقِين} فَقَالَ قَالَ الجعدى وَهُوَ أفْصح الْعَرَب (من سبأ الْحَاضِرين مأرب إِذْ ... يبنون من دون سيله العرما) وَهُوَ على قِرَاءَة أَبى عَمْرو وَيُونُس فَجعل يُونُس القصيدة

للجعدى وَسمعت أَبَا الْورْد الكلابى سَأَلَ عَنْهَا أَبَا عُبَيْدَة فَقَالَ لأمية ثمَّ أَتَيْنَا خلفا الْأَحْمَر فَسَأَلْنَاهُ فَقَالَ للنابغة وَقد يُقَال لأمية 148 - نَا ابْن سَلام قَالَ ذكر مسلمة بن محَارب عَن أَبِيه قَالَ دخل النَّابِغَة على عُثْمَان بن عَفَّان فَقَالَ أستودعك الله يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ وأقرأ عَلَيْك السَّلَام قَالَ لمه قَالَ أنْكرت نفسى فَأَرَدْت أَن أخرج إِلَى إبلى فأشرب من أَلْبَانهَا وَأَشَمَّ من شيح الْبَادِيَة وَذكر بَلَده فَقَالَ يَا أَبَا ليلى أما علمت أَن التَّعَرُّب بعد الْهِجْرَة لَا يصلح قَالَ لَا وَالله مَا علمت وَمَا كنت لأخرج حَتَّى أستأذنك فَأذن لَهُ وَضرب لَهُ أَََجَلًا فَخرج من عِنْده فَدخل على الْحسن بن على فودعه فَقَالَ لَهُ الْحسن أنشدنا من بعض شعرك فانشده (الْحَمد لله لَا شريك لَهُ ... من لم يقلها فنفسه ظلما)

فَقَالَ لَهُ يَا أَبَا ليلى مَا كُنَّا نروى هَذِه الأبيات إِلَّا لأمية بن أَبى الصَّلْت قَالَ يَا بن رَسُول الله وَالله إنى لأوّل النَّاس قَالَهَا وَإِن السروق من سرق أُميَّة شعره 149 - وَقَالَ يُونُس كَانَ الجعدى أوصف النَّاس لفرس أنشدت قَوْله رؤبة (فَإِن صدقُوا قَالُوا جواد مجرب ... ضليع وَمن خير الْجِيَاد ضليعها) قَالَ رؤبة مَا كنت أرى المرهف مِنْهَا إِلَّا أسْرع وَلم يكن رؤبة والعجاج صاحبى خيل وَلَكِن كَانَا صاحبى إبل ونعتها 150 - نَا ابْن سَلام قَالَ أخبرنى ابْن دأب قَالَ تزوج النَّابِغَة امْرَأَة من بنى الْمَجْنُون وهم عدد بنى جعدة وشرفهم فنازعته وَادعت الطَّلَاق فَكَانَ يَرَاهَا فى مَنَامه فَقَالَ (مالى وَمَا لابنَة الْمَجْنُون تطرقنى ... بِاللَّيْلِ إِن نهارى مِنْك يكفينى)

(لَا أجذع البو بو الزَّعْم أرأمه ... وَلَا أقيم بدار الْعَجز والهون) (وَشر حَشْو خباء أَنْت مولجه ... مَجْنُونَة هنباء بنت مَجْنُون) (تستخنث الوطب لم تنقض مريرته ... وتأكل الْحبّ صرفا غير مطحون) 151 - قَالَ ابْن دأب وَكَانَ النَّابِغَة علوى الرأى وَأخذ مَرْوَان

ابْنه وَإِبِله بِالْمَدِينَةِ فَخرج ومدح مَرْوَان بن الحكم بِأَبْيَات قَالَ ابْن سَلام وَأَنا مِنْهَا فى شكّ وَلكنه قَالَ مَالا أَشك فِيهِ (فَمن رَاكب يأتى ابْن هِنْد بحاجتى ... ومروان والأنباء تنمى وتجلب) (ويخبر عَنى مَا أَقُول ابْن عَامر ... فَنعم الْفَتى يأوى إِلَيْهِ المعصب) (فَإِن تَأْخُذُوا مالى وأهلى بظنة ... فإنى لحراب الرِّجَال محرب)

(صبور على مَا يكره الْمَرْء كُله ... سوى الظُّلم إنى إِن ظلمت سأغضب) (أُصِيب ابْن عَفَّان الإِمَام فَلم يكن ... لذى حسب بعد ابْن عَفَّان مغضب) 152 - وَكَانَ أَبُو ذُؤَيْب شَاعِرًا فحلا لَا غميزة فِيهِ وَلَا وَهن 153 - قَالَ أَبُو عَمْرو بن الْعَلَاء سُئِلَ حسان من أشعر النَّاس قَالَ حَيا أَو رجلا قَالَ حَيا قَالَ أشعر النَّاس حَيا هُذَيْل وأشعر هُذَيْل غير مدافع أَبُو ذُؤَيْب قَالَ ابْن سَلام هَذَا لَيْسَ من قَول أَبى عَمْرو وَنحن نقُوله 154 - أخبرنى أَبُو خَليفَة قَالَ حَدثنَا مُحَمَّد بن سَلام قَالَ أخبرنى

عَمْرو بن معَاذ المعمرى قَالَ فى التَّوْرَاة أَبُو ذُؤَيْب مؤلف زورا وَكَانَ اسْم لشاعر بالسُّرْيَانيَّة مؤلف زورا فَأخْبرت بذلك بعض أَصْحَاب الْعَرَبيَّة وَهُوَ كثير بن اسحق فأعجب مِنْهُ وَقَالَ قد بلغنى ذَاك وَكَانَ فصيحا كثير الْغَرِيب مُتَمَكنًا فى الشّعْر 155 - فَأَما الشماخ فَكَانَ شَدِيد متون الشّعْر أَشد أسر كَلَام من لبيد وَفِيه كزازة ولبيد أسهل مِنْهُ منطقا 156 - وَكَانَ للشماخ أَخَوان وَهُوَ أفحلهم مزرد وَهُوَ

أشبههما بِهِ وَله أشعار وشهرة وجزء وَهُوَ الذى يَقُول يرثى عمر بن الْخطاب (جزى الله خيرا من أَمِير وباركت ... يَد الله فى ذَاك الْأَدِيم الممزق) (فَمن يسع أَو يركب جناحى نعَامَة ... ليدرك مَا حاولت بالْأَمْس يسْبق) (قضيت أمورا ثمَّ غادرت بعْدهَا ... بوائق فى أكمامها لم تفتق) (وَمَا كنت أخْشَى أَن تكون وَفَاته ... بكفى سبنتى أَزْرَق الْعين مطرق)

157 - أَنا ابْن سَلام قَالَ أخبرنى شُعَيْب بن صَخْر قَالَ كَانَت عِنْد الشماخ امْرَأَة من بنى سليم إِحْدَى بنى حرَام بن سمال فنازعته وَادعت عَلَيْهِ طَلَاقا وَحضر مَعهَا قَومهَا فأعانوها واختصموا إِلَى كثير بن الصَّلْت وَكَانَ عُثْمَان أقعده للنَّظَر بَين النَّاس وَهُوَ رجل من كِنْدَة عداده فى بنى جمح ثمَّ تحولوا إِلَى بنى الْعَبَّاس فهم فيهم الْيَوْم فَرَأى كثير عَلَيْهِ يَمِينا فالتوى الشماخ بِالْيَمِينِ يحرضهم عَلَيْهَا ثمَّ حلف وَقَالَ (أتتنى سليم قضها وقضيضها ... تمسح حَولي بِالبَقِيعِ سبالها) (يَقُولُونَ لى يَا احْلِف وَلست بحالف ... أخاتلهم عَنْهَا لكيما أنالها)

(ففرجت هم النَّفس عَنى بحلفة ... كَمَا شقَّتْ الشقراء عَنْهَا جلالها) 158 - وَكَانَ لبيد بن ربيعَة أَبُو عقيل فَارِسًا شَاعِرًا شجاعا وَكَانَ عذب الْمنطق رَقِيق حواشى الْكَلَام وَكَانَ مُسلما رجل صدق 159 - قَالَ وَكتب عمر إِلَى عاملة أَن سل لبيدا والأغلب مَا أحدثا من الشّعْر فى الْإِسْلَام فَقَالَ الْأَغْلَب (أرجزا سَأَلت أم قصيدا ... فقد سَأَلت هينا مَوْجُودا) وَقَالَ لبيد قد أبدلنى الله بالشعر سُورَة الْبَقَرَة وَآل عمرَان فَزَاد

عمر فى عطائه فَبلغ بِهِ أَلفَيْنِ فَلَمَّا ولى مُعَاوِيَة قَالَ يَا أَبَا عقيل عطائى وعطاؤك سَوَاء لَا أرانى إِلَّا سأحطك قَالَ أَو تدعنى قَلِيلا ثمَّ تضم عطائى إِلَى عطائك فتأخذه أجمع 160 - قَالَ وَعمر عمرا طَويلا وَكَانَ فى الْجَاهِلِيَّة خير شَاعِر لِقَوْمِهِ يمدحهم ويرثيهم ويعد أيامهم ووقائعهم وفرسانهم وَكَانَ يطعم مَا هبت الصِّبَا وَكَانَ الْمُغيرَة بن شُعْبَة إِذا هبت الصِّبَا قَالَ أعينوا أَبَا عقيل على مروءته

الطبقة الرابعة

الطَّبَقَة الرَّابِعَة 161 - وهم أَرْبَعَة رَهْط فحول شعراء موضعهم مَعَ الْأَوَائِل وَإِنَّمَا أخل بهم قلَّة شعرهم بأيدى الروَاة 162 - طرفَة بن العَبْد بن سُفْيَان بن سعد بن مَالك بن ضبيعة بن قيس بن ثَعْلَبه 163 - وَعبيد بن الأبرص بن جشم بن عَامر أحد بنى دودان بن أَسد بن خُزَيْمَة 164 - وعلقمة بن عَبدة بن نَاشِرَة بن قيس بن عبيد بن ربيعَة بن مَالك بن زيد مَنَاة بن تَمِيم 165 - وعدى بن زيد بن حمَار بن زيد بن أَيُّوب أحد بنى امْرِئ الْقَيْس بن زيد مَنَاة بن تَمِيم

166 - فَأَما طرفَة فأشعر النَّاس وَاحِدَة وهى قَوْله (لخولة أطلال ببرقة ثهمد ... وقفت بهَا أبكى وأبكى إِلَى الْغَد) وتليها أُخْرَى مثلهَا وهى (أصحوت الْيَوْم أم شاقتك هر ... وَمن الْحبّ جُنُون مُسْتَقر) وَمن بعد لَهُ قصائد حسان جِيَاد 167 - وَعبيد بن الأبرص قديم عَظِيم الذّكر عَظِيم الشُّهْرَة وشعره مُضْطَرب ذَاهِب لَا أعرف لَهُ إِلَّا قَوْله

(أقفر من أَهله ملحوب ... فالقطبيات فالذنوب) وَلَا أدرى مَا بعد ذَلِك 168 - وعلقمة بن عَبده وَهُوَ عَلْقَمَة الْفَحْل وعلقمة الخصى من رَهْط عَلْقَمَة الْفَحْل وَلابْن عَبدة ثَلَاث روائع جِيَاد لَا يفوقهن شعر (ذهبت من الهجران فى كل مَذْهَب ... وَلم يَك حَقًا كل هَذَا التجنب) وَالثَّانيَِة (طحا بك قلب فى الحسان طروب بعيد الشَّبَاب عصرحان مشيب) وَالثَّالِثَة (هَل مَا علمت وَمَا اسْتوْدعت مَكْتُوم ... أم حبلها إِذْ نأتك الْيَوْم مصروم) وَلَا شئ بعدهن يذكر

169 - نَا أَبُو خَليفَة نَا أَبُو عُثْمَان المازنى عَن الأصمعى عَن نَافِع بن أَبى نعيم قَالَ مر رجل من مزينة بِبَاب رجل من الْأَنْصَار وَقد كَانَ يتهم بامرأته فتمثل (هَل مَا علمت وَمَا اسْتوْدعت مَكْتُوم ... ) فاستعدى رب الْبَيْت عَلَيْهِ عمر فَقَالَ لَهُ عمر مَا أردْت قَالَ وَمَا على فى أَن أنشدت شعرًا قَالَ قد كَانَ لَهُ مَوضِع غير هَذَا ثمَّ أَمر بِهِ فحد 170 - وعدى بن زيد كَانَ يسكن الْحيرَة ويرا كن الرِّيف فلَان لِسَانه وَسَهل مَنْطِقه فَحمل عَلَيْهِ شئ كثير وتخليصه شَدِيد واضطرب فِيهِ خلف الْأَحْمَر وخلط فِيهِ الْمفضل فَأكْثر 171 - وَله أَربع قصائد غرر روائع مبرزات وَله بعدهن شعر حسن أولهنَّ (أَرْوَاح مُودع أم بكور ... أَنْت فَاعْلَم لأى حَال تصير)

نَا أَبُو خَليفَة نَا ابْن سَلام قَالَ سَمِعت يُونُس وَقد تمثل بِهَذَا الْبَيْت (أَيهَا الشامت الْمُعير بالدهر ... أَأَنْت المبرأ الموفور) (أم لديك الْعَهْد الوثيق من الْأَيَّام ... بل أَنْت جَاهِل مغرور) فَقَالَ لَو تمنيت أَن أَقُول شعرًا مَا تمنيت إِلَّا هَذِه أَو قَالَ مثل هَذِه وَقَوله (أتعرف رسم الدَّار من أم معبد ... نعم فرماك الشوق قبل التجلد) وَقَوله (لَيْسَ شئ على الْمنون بباق ... غير وَجه المسبح الخلاق)

وَقَوله (لم أر مثل الفتيان فى غبر الْأَيَّام ... ينسون مَا عواقبها)

الطبقة الخامسة

الطَّبَقَة الْخَامِسَة وهم أَرْبَعَة رَهْط 172 - خِدَاش بن زُهَيْر بن ربيعَة ذى الشامة بن عَمْرو وَهُوَ فَارس الضحياء بن عَامر بن ربيعَة بن عَامر بن صعصعة 173 - وَالْأسود بن يعفر بن عبد الْأسود بن جندل بن نهشل ابْن دارم 174 - وَأَبُو يزِيد المخبل بن ربيعَة بن عَوْف قتال بن أنف النَّاقة بن قريع 175 - وَتَمِيم بن أَبى بن مقبل بن عَوْف بن حنيف بن قُتَيْبَة بن العجلان بن عبد الله بن ربيعَة بن كَعْب بن عَامر بن صعصعة

176 - فخداش شَاعِر قَالَ أَبُو عَمْرو بن الْعَلَاء هُوَ أشعر فى قريحة الشّعْر من لبيد وأبى النَّاس إِلَّا تقدمة لبيد 177 - وَكَانَ يهجو قُريْشًا وَيُقَال إِن أَبَاهُ قتلته قُرَيْش أَيَّام الْفجار وَهُوَ الذى يَقُول (أَبى فَارس الضحياء عَمْرو بن عَامر ... أَبى الذَّم وَاخْتَارَ الْوَفَاء على الْغدر) (فيا أخوينا من أَبينَا وَأمنا ... إِلَيْكُم إِلَيْكُم لَا سَبِيل إِلَى جسر)

وَهُوَ الذى يَقُول (ياشدة مَا شددنا غير كَاذِبَة ... على سخينة لَوْلَا اللَّيْل وَالْحرم) (إِذْ يتقينا هِشَام بالوليد وَلَو ... أَنا ثقفنا هشاما شالت الجذم) سخينة شئ تعير بِهِ قُرَيْش فَجعله اسْما لَهَا هِشَام والوليد ابْنا الْمُغيرَة المخزوميان 179 - وَقَالَ القصيدة المنصفة

(فأبلغ إِن عرضت بِنَا هشاما ... وَعبد الله ابلغ والوليدا) (أُولَئِكَ إِن يكن فى النَّاس خير ... فَإِن لديهم حسبا وجودا) (هم خير المعاشر من قُرَيْش ... وأوراها إِذا قدحت زنودا) (بِأَنا يَوْم شمطة قد أَقَمْنَا ... عَمُود الْمجد إِن لَهُ عمودا) (فجاؤوا عارضا بردا وَجِئْنَا ... كَمَا أضرمت فى الغاب الوفودا) (فعانقنا الكماة وعانقونا ... عرَاك النمر واجهت الأسودا) (فَلم أر مثلهم هزموا وفلوا ... وَلَا كذبادنا عنقًا مجودا)

هِشَام والوليد أبنا الْمُغيرَة وَعبد الله ابْن جدعَان وَكَانَ يعْتَمد على ابْن جدعَان بالهجاء فزعموا أَنه لما رَآهُ وَرَأى جماله وجهارته وسيماه قَالَ وَالله لَا أهجوه أبدا 180 - وَالْأسود بن يعفر يكنى أَبَا الْجراح أخبرنى يُونُس أَن رؤبة كَانَ يَقُول يعفر بِضَم الْيَاء وَالْفَاء فَقَالَ يُونُس يُقَال يُونُس وَيُونُس ويوسف ويوسف 181 - وَكَانَ الْأسود شَاعِرًا فحلا وَكَانَ يكثر التنقل فى الْعَرَب يجاورهم فيذم ويحمد وَله فى ذَلِك أشعار وَله وَاحِدَة رائعة طَوِيلَة لاحقة بأجود الشّعْر لَو كَانَ شفعها بِمِثْلِهَا قدمْنَاهُ على مرتبته وهى (نَام الخلى وَمَا أحس رقادى ... والهم محتضر لَدَى وسادى) وَله شعر جيد وَلَا كهذه

181 - وَذكر بعض أَصْحَابنَا أَنه سمع الْمفضل يَقُول لَهُ ثَلَاثُونَ ومئة قصيدة وَنحن لَا نَعْرِف لَهُ ذَلِك وَلَا قَرِيبا مِنْهُ وَقد علمت أَن أهل الْكُوفَة يروون لَهُ أَكثر مِمَّا نروى ويتجوزون فى ذَلِك بِأَكْثَرَ من تجوزنا 182 - وأسمعنى بعض أهل الْكُوفَة شعرًا زعم أَنه أَخذه عَن خَالِد بن كُلْثُوم يرثى بِهِ حَاجِب بن زُرَارَة فَقلت لَهُ كَيفَ يرْوى خَالِد مثل هَذَا وَهُوَ من أهل الْعلم وَهَذَا شعر متداع خَبِيث فَقَالَ أخذناه من الثِّقَات وَنحن لَا نَعْرِف هَذَا وَلَا نقبله 183 - وَقَالَ يمدح الْحَارِث بن هِشَام بن الْمُغيرَة وَكَانَت أَسمَاء بنت مخربة النهشلية عِنْد هِشَام بن الْمُغيرَة فَولدت لَهُ أَبَا جهل والْحَارث ثمَّ تزَوجهَا أَبُو ربيعَة بن الْمُغيرَة فأولدها عبد الله وعياشا وَكَانَ الْحَارِث بن هِشَام قَامَ بغزوة أحد وَكَانَ لَهُ فِيهَا أثر فَقَالَ (إِن الأكارم من قُرَيْش كلهَا ... قَامُوا فراموا الْأَمر كل مرام)

(حَتَّى إِذا كثر التحاول بَينهم ... فصل الْأُمُور الْحَارِث بن هِشَام) (وسما ليثرب لَا يُرِيد طعامها ... إِلَّا ليصلح أَهلهَا بسوام) (وغزا الْيَهُود فأسلموا أَبْنَاءَهُم ... صمى لما لقِيت يهود صمام) 184 - والمخبل شَاعِر فَحل وَهُوَ أَبُو يزِيد وَله يَقُول الفرزدق (وهب القصائد لى النوابغ إِذْ مضوا ... وَأَبُو يزِيد وَذُو القروح وجرول)

وللمخبل شعر كثير جيد هجابه الزبْرِقَان وَغَيره وَكَانَ يمدح بنى قريع وَيذكر أَيَّام سعد وشعره كثير 185 - وَتَمِيم بن أَبى بن مقبل شَاعِر مجيد مغلب غلب عَلَيْهِ النجاشى وَلم يكن إِلَيْهِ فى الشّعْر وَقد قهره فى الهجاء فَقَالَ (إِذا الله عادى أهل لؤم ودقة ... فعادى بنى العجلان رَهْط ابْن مقبل) ثمَّ هاجى النجاشى عبد الرَّحْمَن بن حسان بن ثَابت فغلبه عبد الرَّحْمَن بن حسان بن ثَابت 186 - وَكَانَ ابْن مقبل جَافيا فى الدّين وَكَانَ الْإِسْلَام يبكى أهل الْجَاهِلِيَّة ويذكرها فَقيل لَهُ تبكى أهل الْجَاهِلِيَّة وَأَنت مُسلم فَقَالَ (وَمَا لى لَا أبكى الديار وَأَهْلهَا ... وَقد زارها زوار عك وحميرا) (وَجَاء قطا الأجباب من كل جَانب ... فَوَقع فى أعطاننا ثمَّ طيرا)

الطبقة السادسة

الطَّبَقَة السَّادِسَة 187 - أَرْبَعَة رَهْط لكل وَاحِد مِنْهُم وَاحِدَة 188 - أَوَّلهمْ عَمْرو بن كُلْثُوم بن مَالك بن عتاب بن سعد بن زُهَيْر بن جشم بن بكر بن حبيب بن عَمْرو بن غنم بن تغلب وَله قصيدة الَّتِى أَولهَا (ألاهبى بصحنك فاصبحينا ... وَلَا تبقى خمور الأندرينا) 189 - والْحَارث بن حلزة بن مَكْرُوه بن بديد بن عبد الله بن مَالك بن عبد سعد بن خشم بن ذبيان بن كنانه بن يشْكر بن بكر ابْن وَائِل وَله قصيدة الَّتِى أَولهَا (آذنتنا ببينها أَسمَاء ... رب ثاو يمل مِنْهُ الثواء)

وَله شعر سوى هَذَا وَهُوَ الذى يَقُول فى شعره (لَا تكسع الشول بأغبارها ... إِنَّك لَا تدرى من الناتج) 190 - وعنترة بن شَدَّاد بن مُعَاوِيَة بن قراد بن مَخْزُوم بن مَالك ابْن غَالب بن قطيعة بن عبس وَله قصيدة وهى (يَا دَار عبلة بالجواء تكلمى ... وعمى صباحا دَار عبلة واسلمى) وَله شعر كثير إِلَّا أَن هَذِه نادرة فألحقوها مَعَ أَصْحَاب الْوَاحِدَة 191 - وسُويد بن أَبى كَاهِل بن حارثه بن حسل بن مَالك بن عبد سعد بن جشم بن ذبيان بن كنانه بن يشْكر بن بكر بن وَائِل

وَله قصيدة أَولهَا (بسطت رَابِعَة الْحَبل لنا ... فمددنا الْحَبل مِنْهَا مَا اتَّسع) وَله شعر كثير وَلَكِن برزت هَذِه على شعره وَهُوَ الذى يَقُول (جررت على راجى الهوادة مِنْهُم ... وَقد تلْحق الْمولى العنود الجرائر) 192 - قَالَ وحدثنى أَبُو بكر عبد الله بن مُصعب قَالَ لما خلع ابْن الزبير يزِيد بن مُعَاوِيَة وَالْمُنْذر بن الزبير يَوْمئِذٍ بِالْبَصْرَةِ وَعُرْوَة بن الزبير بِمصْر شخصا إِلَيْهِ ومسافتهما يَوْمئِذٍ غير مُتَقَارِبَة فَلَمَّا رآهما تمثل بِبَيْت سُوَيْد (جررت على راجى الهوادة مِنْهُم ... وَقد تلْحق الْمولى العنود الجرائر)

الطبقة السابعة

الطَّبَقَة السَّابِعَة 193 - أَرْبَعَة رَهْط محكمون مقلون وفى أشعارهم قلَّة فَذَاك الذى أخرهم 194 - مِنْهُم سَلامَة بن جندل بن عبد الرَّحْمَن بن عبد عَمْرو بن الْحَارِث وَهُوَ مقاعس بن عَمْرو بن كَعْب بن سعد 195 - وحصين بن الْحمام المرى بن ربيعَة بن مساب بن حرَام بن وائلة بن سهم بن مرّة وَهُوَ فَارس شَاعِر شرِيف 196 - والمتلمس وَهُوَ جرير بن عبد الْمَسِيح بن عبد الله

ابْن زيد بن دوفن بن حَرْب بن وهب بن جلى بن أحمس بن ضبيعة بن ربيعَة وَيُقَال ضبيعة أضجم والأضجم الْحَارِث الْخَيْر بن عبد الله بن ربيعَة بن دوفن وَبِه ضجمت ربيعَة وَكَانَ سيدا والمتلمس خَال طرفَة بن العَبْد وَإِنَّمَا سمى المتلمس لقَوْله (فَهَذَا أَوَان الْعرض حى ذبابه ... زنابيره والأزرق المتلمس) 197 - وَالْمُسَيب بن علس بن عَمْرو بن قمامة بن زيد بن ثَعْلَبَة بن عَمْرو بن مَالك بن جشم بن بِلَال بن خماعة بن جلى بن أحمس بن ضبيعة وَاسم الْمسيب زُهَيْر وَإِنَّمَا سمى الْمسيب حِين أوعد بنى عَامر بن ذهل فَقَالَت بَنو ضبيعة قد سيبناك وَالْقَوْم وَهُوَ خَال الْأَعْشَى وَهُوَ الذى يَقُول فى الْقَعْقَاع بن معبد بن زُرَارَة

(فلأهدين مَعَ الرِّيَاح قصيدة ... منى مغلغلة إِلَى الْقَعْقَاع) (أَنْت الذى زعمت معد أَنه ... أهل التكرم والندى والباع)

الطبقة الثامنة

الطَّبَقَة الثَّامِنَة أَرْبَعَة رَهْط 198 - عَمْرو بن قميئة بن سعد بن مَالك بن ضبيعة بن قيس بن ثَعْلَبَة 199 - والنمر بن تولب بن أقيش بن عبد الله بن كَعْب بن عَوْف بن الْحَارِث بن عدى بن عَوْف بن عبد مَنَاة بن أد وَهُوَ عكل 200 - وَأَوْس بن غلفاء الهجيمى 201 - وعَوْف بن عَطِيَّة بن الخرع والخرع يُقَال لَهُ عَمْرو بن عَيْش بن وَدِيعَة بن عبد الله بن لؤى بن عَمْرو بن الْحَارِث بن تيم ابْن عبد مَنَاة بن أد

202 - حَدَّثَنى مسمع بن عبد الْملك وَهُوَ كردين قَالَ قَول امْرِئ الْقَيْس (بَكَى صاحبى لما رأى الدَّرْب دونه ... وأيقن أَنا لاحقان بقيصرا) قَالَ صَاحبه الذى ذكر عَمْرو بن قميئة وَبَنُو قيس تدعى بعض شعر امْرِئ الْقَيْس لعَمْرو بن قميئة وَلَيْسَ ذَلِك بشئ 203 - والنمر بن تولب جواد لَا يَلِيق شَيْئا وَكَانَ شَاعِرًا فصيحا جريئا على الْمنطق وَكَانَ أَبُو عَمْرو بن الْعَلَاء يُسَمِّيه الْكيس لحسن شعره 204 - وَهُوَ الذى يَقُول (لَا تغضبن على امْرِئ فى مَاله ... وعَلى كرائم صلب مَالك فاغضب)

(وَإِذا تصبك خصَاصَة فارج الْغنى ... وَإِلَى الذى يعْطى الرغائب فارغب) 205 - وَقَالَ أَيْضا (عَلَيْهِنَّ يَوْم الْورْد حق وَحُرْمَة ... وَهن غَدَاة الغب عنْدك حفل) 206 - وَقَالَ أَيْضا (أقى حسبى بِهِ ويعز عرضى ... على إِذا الحفيظة أدركتنى) (وَأعلم أَن ستدركنى المنايا ... فإلا أتبعهَا تتبعنى) 207 - وَقَالَ أَيْضا (أعاذل إِن يصبح صداى بقفرة ... بعيد نآنى صاحبى وقريبى)

(ترى أَن مَا أنفقت لم يَك ضرنى ... وَأَن الذى أفنيت كَانَ نصيبى) 208 - وَعمر عمرا طَويلا فَكَانَ هجيراه اصبحوا الرَّاكِب اغبقوا الرَّاكِب لعادته الَّتِى كَانَ عَلَيْهَا 209 - قَالَ وخرفت امْرَأَة من الْعَرَب عرب كرام لَا أبالى أَن لَا أسميهم وَكَانَت تَقول زوجونى فَقَالَ عمر مَا لهج بِهِ أَخُو عكل أسرى مِمَّا لهجت بِهِ صاحبتكم 210 - وَذكر خَلاد بن قُرَّة بن خَالِد السدوسى عَن أَبِيه وَعَن سعيد بن إِيَاس الجريرى عَن أَبى الْعَلَاء يزِيد بن عبد الله بن الشخير أخى مطرف بن عبد الله قَالَ بَيْنَمَا نَحن بِهَذَا المربد جُلُوس إِذْ أَتَى علينا أعرابى أَشْعَث

الرَّأْس فَوقف علينا فَقُلْنَا وَالله لكأن هَذَا لَيْسَ من أهل هَذَا الْبَلَد قَالَ أجل وَالله وَإِذا مَعَه قِطْعَة من جراب أَو أَدِيم فَقَالَ هَذَا كتاب كتبه لى مُحَمَّد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فأخذناه فقرأناه فَإِذا فِيهِ بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم هَذَا كتاب من مُحَمَّد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لبنى زُهَيْر بن أقيش قَالَ الجريرى هُوَ حى من عكل إِنَّكُم إِن شهدتم أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وأنى رَسُول الله وأقمتم الصَّلَاة وَآتَيْتُم الزَّكَاة وفارقتم الْمُشْركين وأعطيتم الْخمس من الْغَنَائِم وَسَهْم ذى الْقُرْبَى والصفى وَرُبمَا قَالَ وَصفيه فَأنْتم آمنون بِأَمَان الله وأمان رَسُوله فَقَالَ لَهُم الْقَوْم حَدثنَا أصلحك الله بِمَا سَمِعت من رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول صَوْم شهر الصَّبْر وَصَوْم ثَلَاثَة أَيَّام من كل شهر يذْهبن وحر الصَّدْر فَقَالَ لَهُ الْقَوْم أَأَنْت سَمِعت هَذَا من رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ

أَلا أَرَاكُم تخافون أَن أكذب على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لاحدثتكم حَدِيثا ثمَّ أَوْمَأ بِيَدِهِ إِلَى صَحِيفَته ثمَّ انصاع مُدبرا ففى حَدِيث قُرَّة عَن يزِيد فَقيل لى لما ولى هَذَا النمر بن تولب العكلى الشَّاعِر 211 - وعَوْف بن الخرع جيد الشّعْر وَهُوَ الذى يرد على لَقِيط ابْن زُرَارَة قيلة (أَحَق مَال فكلوه بِأَكْل ... أَمْوَال تيم وعدى وعكل) (يَا ضَب كن عَمَّا كَرِيمًا وَاعْتَزل ... ذرنا وتيما وعديا ننتضل) 212 - وَقَالَ (فَأَما الألأمان بَنو عدى ... وتيم حِين تزدحم الْأُمُور)

(فَلَا تشهد بهم فتيَان حَرْب ... وَلَكِن أدن من حلب وَغير) (إِذا دهنوا رماحهم بزبد ... فَإِن رماح تيم لَا تضير) 213 - فَقَالَ عَوْف بن الخرع (هلا غضِبت على ابْن أمك معبد ... والعامرى يَقُودهُ بصفاد)

(أذكرت من لبن المحلق شربة ... وَالْخَيْل تعدو فى الصَّعِيد بداد) (هلا فوارس رحرحان هجوتم ... عشر تناوح فى سرارة وَاد) (لَا تَأْكُل الْإِبِل الغراث نَبَاته ... كلا وَلَيْسَ عماده بعماد) 214 - وعَوْف يَقُول أَيْضا (يَا قُرَّة بن هُبَيْرَة ابْن أقيشر ... يَا سيد السلمات إِنَّك تظلم)

215 - وَأَوْس بن غلفاء الذى يَقُول (أَلا قَالَت أُمَامَة يَوْم غول ... تقطع بِابْن غلفاء الْجبَال) (ذرينى إِنَّمَا خطإى وصوبى ... على وَإِن مَا أهلكت مَال) 216 - وَهُوَ الذى يرد على يزِيد بن الصَّعق قَوْله (إِذا مَا مَاتَ ميت من تَمِيم ... فسرك أَن يعِيش فجِئ بزاد)

217 - وَقَوله (أَلا أبلغ لديك بنى تَمِيم ... بِآيَة مَا يحبونَ الطعاما) 218 - فَقَالَ أَوْس بن غلفاء (فَإنَّك من هجاء بنى تَمِيم ... كمزداد الغرام إِلَى الغرام) (هم ضربوك أم الرَّأْس حَتَّى ... بَدَت أم الشؤون عَن الْعِظَام) (إِذا يأسونها نشزت عَلَيْهِم ... شرنبثه الْأَصَابِع أم هام) (وهم تركوك أسلح من حبارى ... وهم تركوك أشرد من نعام)

219 - وَقَالَ أَيْضا (هم قتلوا أَبَاك فَلم تبين ... لحق مَا الْأَغَر من البهيم)

(وهم منوا عَلَيْك فَلم تثبهم ... ثَوَاب الْمَرْء ذى الْحسب الْكَرِيم)

الطبقة التاسعة

الطَّبَقَة التَّاسِعَة أَرْبَعَة رَهْط 220 - ضابئ بن الْحَارِث بن أَرْطَاة بن شهَاب بن عبيد بن خاذل ابْن قيس الْقَبِيلَة بن حَنْظَلَة بن مَالك من البراجم 221 - وسُويد بن كرَاع العكلى 222 - والحويدرة واسْمه قُطْبَة بن مُحصن بن جَرْوَل بن حبيب

الْأَعْظَم بن عبد الْعُزَّى بن حزيمة بن رزام بن مَازِن بن ثَعْلَبَة بن سعد بن ذبيان 223 - وسحيم عبد بنى الحسحاس بن هِنْد بن سُفْيَان بن غضاب بن كَعْب بن سعد بن ثَعْلَبَة بن دودان بن أَسد بن خُزَيْمَة 224 - قَالَ وَكَانَ ضابئ بن الْحَارِث رجلا بذيا كثير الشَّرّ وَكَانَ بِالْمَدِينَةِ وَكَانَ صَاحب صيد وَصَاحب خيل فَركب فرسا لَهُ يُقَال لَهُ قيار وَكَانَ ضَعِيف الْبَصَر ولقيار يَقُول (فَمن يَك أَمْسَى بِالْمَدِينَةِ رَحْله ... فإنى وقيارا بهَا لغريب) يَقُول إنى بهَا لغريب وقيارا أَيْضا 225 - ثمَّ إِنَّه وطئ صَبيا دَابَّته فَقتله فَرفع إِلَى عُثْمَان بن عَفَّان فَاعْتَذر بِضعْف بَصَره وَقَالَ لم أره وَلم أعمده فحبسه عُثْمَان مَا حَبسه

ثمَّ تخلص 226 - وَكَانَ اسْتعَار كلب صيد من قوم من بنى نهشل يُقَال لَهُ قرحان فحبسه حولا ثمَّ جاؤوا يطلبونه وألحوا عَلَيْهِ حَتَّى أَخَذُوهُ فَقَالَ ضابئ (تجشم دونى وَفد قرحان خطة ... تظل بهَا الوجناء وهى حسير) (فأردفتهم كَلْبا فراحوا كَأَنَّمَا ... حباهم بتاج الْمَرْزُبَان أَمِير) (فأمكم لَا تتركوها وكلبكم ... فَإِن عقوق الْأُمَّهَات كَبِير) (إِذا عثنت من آخر اللَّيْل دخنة ... يظل لَهَا فَوق الْفراش هرير) فَاسْتَعدوا عَلَيْهِ عِنْد عُثْمَان فَقَالَ وَيلك مَا سَمِعت أحدا رمى امْرَأَة من الْمُسلمين بكلب غَيْرك وإنى لأرَاك لَو كنت على عهد رَسُول الله

صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لأنزل الله فِيك قُرْآنًا وَلَو كَانَ أحد قبلى قطع لِسَان شَاعِر فى هجاء لَقطعت لسَانك فحبسه فى السجْن 227 - فَعرض أهل السجْن يَوْمًا فَإِذا هُوَ قد أعد حَدِيدَة يُرِيد أَن يغتال عُثْمَان بهَا فأهانه وركسه فى السجْن فَقَالَ (لَا يُعْطين بعدى امْرُؤ ضيم خطة ... حذار لِقَاء الْمَوْت وَالْمَوْت نائلة) (فَلَا تتبعنى إِن هَلَكت ملامة ... فَلَيْسَ بِعَارٍ قتل من لَا تُقَاتِلهُ) (هَمَمْت وَلم أفعل وكدت وليتنى ... تركت على عُثْمَان تبكى حلائله) (وَمَا الفتك مَا آمرت فِيهِ وَلَا الذى ... تخبر من لاقيت أَنَّك فَاعله) (وقائلة لَا يبعد الله ضابئا ... إِذا الْقرن لم يُوجد لم من ينازله)

(وقائلة إِن مَاتَ فى السجْن ضابئ ... لنعم الْفَتى تَخْلُو بِهِ وتداخله) (وقائلة لَا يبعد الله ضابئا ... إِذا احمر من حس الشتَاء أصائله) وَلم يزل ضابئ فى السجْن حَتَّى مَاتَ 228 - فَلَمَّا قتل عُثْمَان وثب عُمَيْر ابْنه على عُثْمَان بعد أَن قتل فَيُقَال إِنَّه كسر صلبه أَو كسر ضلعا لَهُ 229 - فَلَمَّا قدم الْحجَّاج الْعرَاق والمهلب بِإِزَاءِ الْأزَارِقَة قد أرفض عَنهُ أَصْحَابه فَنَادَى الْحجَّاج فى بعث الْمُهلب وأجلهم ثَلَاثًا فجَاء عُمَيْر بن ضابئ وَقد كبر يَوْمئِذٍ بِابْن لَهُ شَاب إِلَى الْحجَّاج فَقَالَ أَيهَا الْأَمِير إنى قد كَبرت وَهَذَا ابنى شَاب جلد يقوم مقامى

فهم بقبوله فَقَالَ لَهُ عَنْبَسَة بن سعيد بن الْعَاصِ أَيهَا الْأَمِير هَذَا عُمَيْر صَاحب أَمِير الْمُؤمنِينَ عُثْمَان فقدمه فَضرب عُنُقه فذعر النَّاس فَخَرجُوا إِلَى الْمُهلب فَلَمَّا تساقطوا عَلَيْهِ قَالَ لقد قدم الْعرَاق أَمِير ذكر 230 - وَقَالَ فى ذَلِك عبد الله بن زبير الأسدى (تجهز فإمَّا أَن تزور ابْن ضابئ ... عُمَيْرًا وَإِمَّا أَن تزور المهلبا) (هما خطنا خسف نجاؤك مِنْهُمَا ... ركوبك حوليا من الثَّلج أشهبا) 231 - وسُويد بن كرَاع العكلى وَكَانَ شَاعِرًا محكما وَكَانَ رجل بنى عكل وَذَا الرَّأْي والتقدم فيهم

232 - قَالَ وَكَانَ بعض بنى عدى تيم ضرب رجلا من بنى ضبة ثمَّ من بنى السَّيِّد وهم قوم نكد شرس وهم أخوال الفرزدق فتجمعوا حَتَّى ألم أَن يكون بَينهم قتال فجَاء رجل من بنى عدى فَأعْطَاهُ يَده رهينة لينْظر مَا يصنع الْمَضْرُوب فَقَالَ خَالِد بن عَلْقَمَة ابْن الطيفان أحد أحلاف بنى عبد الله بن دارم (أسالم إنى لَا إخالك سالما ... أتيت بنى السَّيِّد الغواة الأشائما) (أسالم إِن أفلت من شَرّ هَذِه ... فنح فِرَارًا إِنَّمَا كنت حالما) (أسالم مَا أعْطى ابْن مامة مثلهَا ... وَلَا حَاتِم فِيمَا بِلَا النَّاس حاتما) 233 - فَقَالَ سُوَيْد بن كرَاع وعكل وتيم وعدى وضبة

إخْوَة وهم الربَاب يرد على ابْن الطيفان دُخُوله بَينهم (أشاعر عبد الله إِن كنت لأئما ... فإنى لما تأتى من الْأَمر لائم) (تحضض أفناء الربَاب سفاهة ... وعرضك موتور وليلك نَائِم) (وَهل عجب أَن تدْرك السَّيِّد وترها ... وتصبر للحق السراة الأكارم) (رَأَيْتُك لم تمنع طهية حكمهَا ... وَأعْطيت يربوعا وأنفك راغم) (وَأَنت امْرُؤ لَا تقبل الصُّلْح طَائِعا ... وَلَكِن مَتى تظأر فَإنَّك رائم) 234 - وَقَالَ أَيْضا (خليلى قوما فى عطالة فانظرا ... أنارا ترى من ذى أَبَا نين أم برقا)

(فَإِن يَك برق فَهُوَ برق سَحَابَة ... تغادر مَاء لَا قَلِيلا وَلَا رنقا) (وَإِن تَكُ نَار فهى نَار بملتقى ... من الرّيح تزهاها وتعفقها عفقا) (لأم على أوقدتها طماعة ... بأوبة سفر أَن تكون لَهَا وفقا) 235 - وَهُوَ الذى يَقُول (فَإِن تزجرانى يَا ابْن عَفَّان أزدجر ... وَإِن تتركانى أحم عرضا ممنعا) 235 - وَقَوله تزجرانى وتتركانى وَإِنَّمَا يُرِيد وَاحِدًا وَقد تفعل هَذَا الْعَرَب قَالَ الفرزدق

(عَشِيَّة سَالَ المربدان كِلَاهُمَا ... عجاجة موت بِالسُّيُوفِ الصوارم) وَقَالَ أَيْضا (أَخذنَا بآفاق السَّمَاء عَلَيْكُم ... لنا قمراها والنجوم الطوالع) وَقَالَ أَبُو ذُؤَيْب (وَحَتَّى يؤوب القارظان كِلَاهُمَا ... وينشر فى الْقَتْلَى كُلَيْب لِوَائِل) وَهُوَ رجل وَاحِد من عنزة ذهب أَن يجتنى الْقرظ فَلم يثبت أَنه رَجَعَ وَقَول بشر بن أَبى خازم يدل على أَنه وَاحِد (فرجى الْخَيْر وانتظرى إيابى ... إِذا مَا القارظ العنزى آبا) وَقَالَ العجاج (لَا تحسبن الخندقين والحفر ... ) وَهُوَ خَنْدَق وَاحِد

236 - أخبرنى يُونُس بن حبيب أَن رجلا من بنى السَّيِّد قتل رجلا من قومه فَأَتَاهُم الفرزدق وهم أَخْوَاله فَعرض عَلَيْهِم الدِّيَة وَأَن يرهنهم ابْنه بذلك فخافوا شَره وَأَن لَا يستطيعوا الْإِقْدَام عَلَيْهِ فَأَبَوا فَقَالَ الفرزدق (ألم ترنى أزمعت وثبة حَازِم ... لأفدى بابنى من ردى الْمَوْت خَالِيا) (وَكنت ابْن اشياخ يجيرون من جنى ... ويحيون كالغيث الْعِظَام البواليا) (وَلما دعانى وَهُوَ يرسف لم أكن ... بطيئا عَن الداعى وَلَا متوانيا) (شددت على نصفى إزارى وَرُبمَا ... شددت لأحناء الْأُمُور إزاريا) (وَقلت أشطوا يَا بنى السَّيِّد حكمكم ... على فإنى لَا تضيق ذراعيا) (عرضت على السَّيِّد الأشائم موفيا ... بمقتولهم عِنْد المقادة غاليا)

(غُلَاما أَبوهُ المستجار بقبره ... وصعصعة الفكاك من كَانَ عانيا) (إِذا خير السيدى بَين غواية ... ورشد أَتَى السيدى مَا كَانَ غاويا) (فَإِن تنج مِنْهَا تنج من ذى عَظِيمَة ... وَإِلَّا فإنى لَا إخالك ناجيا) 237 - وَقَالَ بعد ذَلِك يفتخر بهم (بَنو السَّيِّد الأشائم للأعادى ... نمونى للعلى وَبَنُو ضرار) 238 - حَدَّثَنى حَاجِب بن يزِيد عَن أَبِيه قَالَ إِن جَرِيرًا كَانَ ينشد هَذِه الأبيات وَشَيخ من ثَعْلَبه بن يَرْبُوع يُقَال لَهُ الْعقار بن

النحار أَو النحار بن الْعقار قَاعد بِالْمَاءِ قد شدّ لَهُ حاجباه من الْكبر حِين قَالَ جرير وضبة كلهَا ثَعْلَبَة وَبكر ابْنا سعد بن ضبة فَذكر أخوال الفرزدق (أثعلب أولى حلفة مَا ذكرتكم ... بِسوء ولكنى عتبت على بكر) (أثعلب إنى لم أزل مذ عرفتكم ... أرى لكم سترا فَلَا تهتكوا سترى) (فَلَا توبسوا بينى وَبَيْنكُم الثرى ... فَإِن الذى بينى وَبَيْنكُم مثرى) (فَمَا شهِدت يَوْم النقا خيل هَاجر ... وَلَا السَّيِّد إِذْ ينحطن فى الأسل السمر) (وَمَا شهِدت يَوْم الغبيط مجاشع ... وَلَا نقلان الْخَيل من قنتى يسر)

وَيَوْم النقا يَوْم قتل فِيهِ بسطَام بن قيس بن مَسْعُود بن قيس بن خَالِد بن ذى الجدين قتلته ثَعْلَبَة بن سعد بن ضبة دون بكر والغبيط أسرت فِيهِ يَرْبُوع بسطاما قَالَ حَاجِب فى حَدِيثه فَلَمَّا أنْشد جرير (وَمَا شهِدت يَوْم الغبيط مجاشع ... ) قَالَ الشَّيْخ الثغلبى من المنشد قَالُوا أحد بنى الخطفى قَالَ الشَّيْخ وَلَا كُلَيْب وَالْأَجَل مَا شهِدت مَا كُنَّا إِلَّا سَبْعَة فوارس من ثَعْلَبَة ابْن يَرْبُوع 239 - وَقَالَ مُعَاوِيَة الضبى (فَهَذَا مكانى أَو أرى القار مغربا ... وَحَتَّى أرى صم الْجبَال تكلم) يُرِيد أَنه لَا يبرحها أبدا كَمَا أَن القار لَا يكون مغربا وَالْجِبَال لَا تكلم وَقد تَقول الْعَرَب حَتَّى يكون كَذَا وَكَذَا لما لَا يكون

أبدا فَيَقُولُونَ حَتَّى تطلع الشَّمْس من مغْرِبهَا وَحَتَّى تقع السَّمَاء على الأَرْض وَحَتَّى يرجع الدّرّ فِي الضَّرع وَهَذَا كُله عِنْدهم مِمَّا لَا يكون وَقَالَ الله عز وَجل {حَتَّى يلج الْجمل فِي سم الْخياط} لما لَا يكون وَقَالَ النَّابِغَة الذبيانى لعامر بن طفيل (وَإنَّك سَوف تحلم أَو تناهى ... إِذا مَا شبت أَو شَاب الْغُرَاب) وَقَالَ النمر بن تولب (وقولى إِذا مَا أطْلقُوا عَن بعيرهم ... يلاقونه حَتَّى يؤوب المنخل) أى لَا يلاقونه ابدا وَكَذَلِكَ قَول أَبى ذُؤَيْب (وَحَتَّى يؤوب القارظان كِلَاهُمَا ... وينشر فى الْقَتْلَى كُلَيْب لِوَائِل) وَقَالَ بشر بن أَبى خازم (فرجى الْخَيْر وانتظرى إيابى ... إِذا مَا القارظ العنزى آبا)

فَهَذَا عِنْدهم مِمَّا لَا يكون لِأَن الْغُرَاب لَا يشيب وَمن مَاتَ عِنْدهم لم يرجع 240 - وَالثَّالِث الحويدرة وَهُوَ شَاعِر وَهُوَ يَقُول فى كلمة لَهُ طَوِيلَة (رحلت سميَّة غدْوَة فتمتع ... وغدت غدو مفارق لم يربع) (وتزودت عينى غَدَاة لقيتها ... بلوى عنيزة نظرة لم تنقع) (وتصدفت حَتَّى استبتك بواضح ... صلت كمنتصب الغزال الأتلع) (وبمقلة حوراء تحسب طرفها ... وَسنَان حرَّة مستهل الأدمع)

241 - وَالرَّابِع عبد بنى الحسحاس وَهُوَ حُلْو الشّعْر رَقِيق حواشى الْكَلَام 242 - ذكرُوا عَن عُثْمَان بن عَفَّان أَنه أَتَى بِعَبْد من عبيد الْعَرَب نَافِذ فَأَرَادَ شِرَاءَهُ فَقيل لَهُ إِنَّه شَاعِر قَالَ لَا حَاجَة لى بِهِ إِن الشَّاعِر لَا حَرِيم لَهُ وَيُقَال إِنَّه عبد بنى الحسحاس وَذَلِكَ قبل خلَافَة عُثْمَان 243 - وَأنْشد عمر بن الْخطاب قَوْله (عميرَة ودع إِن تجهزت غاديا ... كفى الشيب وَالْإِسْلَام للمرء ناهيا) فَقَالَ لَو قلت شعرك مثل هَذَا أَعطيتك عَلَيْهِ فَلَمَّا قَالَ (فَبَاتَ وسادانا إِلَيّ علجانة ... وحقف تهاداه الرِّيَاح تهاديا)

(وهبت شمال آخر اللَّيْل قُرَّة ... وَلَا ثوب إِلَّا درعها وردائيا) (فَمَا زَالَ بردى طيبا من ثِيَابهَا ... إِلَى الْحول حَتَّى أنهج الثَّوْب بَالِيًا) فَقَالَ لَهُ عمر وَيلك إِنَّك مقتول 244 - وَقَالَ أَيْضا (وَلَقَد تحدر من كَرِيمَة بَعضهم ... عرق على متن الْفراش وَطيب) فَأَخَذُوهُ شاربا ثملا فعرضوا عَلَيْهِ نسْوَة حَتَّى مرت عَلَيْهِ الَّتِى يظنونها بِهِ فَأَهوى لَهَا فَأَخَذُوهُ فَقَتَلُوهُ لما تحقق عِنْدهم

الطبقة العاشرة

الطَّبَقَة الْعَاشِرَة وهى آخر الطَّبَقَات وهم أَرْبَعَة رَهْط 245 - أَوَّلهمْ أُميَّة بن حرثان بن الأسكر بن عبد الله سرابيل الْمَوْت كَانَ شَاعِرًا سيدا بن زهرَة بن زبينة بن جندع بن لَيْث بن بكرعبد مَنَاة بن كنَانَة 246 - وحريث بن محفظ 247 - والكميت بن مَعْرُوف بن الْكُمَيْت بن ثَعْلَبَة بن نَوْفَل

ابْن نَضْلَة بن الأشتر بن جحوان بن فقعس بن طريف بن عَمْرو بن قعين بن الْحَارِث بن ثَعْلَبَة بن دودان بن أَسد بن خُزَيْمَة 248 - وَعَمْرو بن شأس بن أَبى بلَى واسْمه عبيد بن ثَعْلَبَة بن ذويبة بن مَالك بن الْحَارِث بن سعد بن ثَعْلَبَة بن دودان بن أَسد ابْن خُزَيْمَة 249 - وَكَانَ أُميَّة بن حرثان بن الأسكر قَدِيما وَعمر فى الْجَاهِلِيَّة عمرا طَويلا وألفاه الْإِسْلَام هرما وَله شعر فى الْجَاهِلِيَّة وَشعر فِي الْإِسْلَام 250 - وَكَانَ ابناه كلاب وَأَخُوهُ هاجرا إِلَى الْبَصْرَة أَيَّام عمر بَعْدَمَا كبر الشَّيْخ وكف بَصَره فَقَالَ

(لمن شَيْخَانِ قد نشدا كلابا ... كتاب الله إِن حفظ الكتابا) (إِذا هَتَفت حمامة بطن وَج ... على بيضاتها ذكرا كلابا) (تركت أَبَاك مرعشة يَدَاهُ ... وأمك مَا تسيغ لَهَا شرابًا) 251 - وَقَالَ أَيْضا (سأستأدى على الْفَارُوق رَبًّا ... لَهُ عمد الحجيج إِلَى بصاق) (إِن الْفَارُوق لم يردد كلابا ... إِلَى شيخين هامهما زواقى) فَكتب عمر إِلَى أَبى مُوسَى بإشخاصه فَلم يرع أُميَّة إِلَّا بِبَابِهِ يقرع فَقَالَ إِن كَانَ كلاب فى النَّاس حَيا إِنَّه لَهو 252 - وخطة كلاب بِالْبَصْرَةِ فى بنى سليم يُقَال لَهَا مربعة كلاب وَتقول لَهَا الْعَامَّة مربعة الْكلاب بِلَا علم

253 - وَمر بأمية غُلَام لَهُ وَهُوَ يحثو التُّرَاب على رَأسه هرما ودلها فَقَامَ ينظر إِلَيْهِ فأفاق إفاقة فَرَآهُ قَائِما ينظر إِلَيْهِ فَقَالَ (أَصبَحت فَنًّا لراعى الضَّأْن أعجبه ... مَاذَا يريبك منى رَاعى الضان) (إِن ترع ضأنا فإنى قد رزئتهم ... بيض الْوُجُوه بنى عَم وإخوانى) (يَا ابنى أُميَّة إنى عنكما غانى ... وَمَا غنائى إِلَّا أننى فانى) (يَا ابنى أُميَّة إِلَّا تشهدا كبرى ... فَإِن نأيكما وَالْمَوْت سيان) 254 - الثانى حُرَيْث بن محفظ المازنى وَهُوَ جاهلى إسلامى لَهُ فى الْجَاهِلِيَّة أشعار وَهُوَ الذى يَقُول

(وَنحن طردنا الحى بكر بن وَائِل ... إِلَى سنة مثل السنان ونار) (وموم وطاعون وحصبة قَاتل ... وذى لبد يغشى المهجهج ضارى) (وَحكم عَدو لَا هوادة عِنْده ... ومنزل ذل فى الْحَيَاة وعار) يعْنى مَحل بكر بن وَائِل وَهُوَ السوَاد والسواد أوبأ الْبِلَاد على الرِّجَال وَالْإِبِل من الْبر وَقَوله وَحكم عَدو يعْنى حكما للعجم على بكر بن وَائِل فَذَلِك قَوْله وَحكم عَدو لَا هوادة عِنْده 255 - وَقَالَ أَيْضا (تَقول ابْنة الضبى يَوْم لقيتها ... تَغَيَّرت حَتَّى كدت مِنْك أهال) (فَإِن تعجبى منى عُمَيْر فقد أَتَت ... لَيَال وَأَيَّام على طوال) (وإنى لمن قوم تشيب سراتهم ... كَذَاك وَفِيهِمْ نائل وفعال)

256 - وَقَالَ (ألم تَرَ قومى إِن دعاهم أخوهم ... أجابوا وَإِن يغْضب على الْقَوْم يغضبوا) (هم حفظوا غيبى كَمَا كنت حَافِظًا ... لقومى أُخْرَى مثلهَا إِن تغيبوا) (بَنو الْمجد لم تقعد بهم أمهاتهم ... وآباؤهم آبَاء صدق فأنجبوا) 257 - قَالَ ابْن دأب أَدخل الْحَارِث بن نَوْفَل بن الْحَارِث ابْن عبد الْمطلب على مُعَاوِيَة فتيانا من فتيَان بنى عبد منَاف فَقَالَ مُعَاوِيَة هَؤُلَاءِ كَمَا قَالَ أَخُو بنى مَازِن (بَنو الْمجد لم تقعد بهم أمهاتهم ... وآباؤهم أباء صدق فأنجبوا) 258 - قَالَ أَبُو عبد الله قَالَ الْحجَّاج وَهُوَ على الْمِنْبَر أَنْتُم وَالله يَا أهل الشأم كَمَا قَالَ الْقَائِل (بَنو الْمجد لم تقعد بهم أمهاتهم ... وآباؤهم آبَاء صدق فأنجبوا) وحريث تَحت منبره فَقَالَ أَنا قَائِله أَيهَا الْأَمِير فَقَالَ كذبت ذَاك حُرَيْث بن محفظ قَالَ أَنا حُرَيْث قَالَ فَمَا حملك

على الرَّد على هَكَذَا قَالَ مَا ملكت حِين تمثل الْأَمِير بشعرى أَن أخْبرته بمكانى 259 - وَالثَّالِث الْكُمَيْت بن مَعْرُوف وَهُوَ شَاعِر وجده الْكُمَيْت بن ثَعْلَبَة شَاعِر وكميت بن زيد الآخر شَاعِر والكميت ابْن مَعْرُوف الْأَوْسَط أشعرهم قريحة والكميت بن زيد أَكْثَرهم شعرًا 260 - قَالَ الْكُمَيْت بن مَعْرُوف (أَقُول لندمانى والحزن بَيْننَا ... وغبر الأعالى من خفاف فوارع) (أنار بَدَت بَين المسناة والحمى ... لعينيك أم برق من اللَّيْل لامع) (فَإِن يَك برقا فَهُوَ برق مخيلة ... لَهَا ريق لم يخلف الشيم رائع)

(وَإِن تَكُ نَار فهى نَار تشبها ... قلُوص وتزها هَا الرِّيَاح الزعازع) (وَمَا مغزل أدماء مرتع طفلها ... أَرَاك وَسدر بالمراضين يَانِع) (بِأَحْسَن مِنْهَا يَوْم قَالَت لتربها ... سليه يخبرنا مَتى هُوَ رَاجع) (فَقلت لَهَا وَالله مَا من مُسَافر ... يُحِيط لَهُ علم بِمَا الله صانع) 261 - وَالرَّابِع عَمْرو بن شأس كثير الشّعْر فى الْجَاهِلِيَّة وَالْإِسْلَام أَكثر أهل طبقته شعرًا وَكَانَ ذَا قدر وَشرف ومنزلة فى قومه

262 - جاوره رجل من بنى عَامر بن صعصعة وَمَعَ العامرى بنت لَهُ جميلَة فَخَطَبَهَا فَقَالَ لَهُ العامرى أما مَا دمت فِي جوارك فَلَا تنزل منى على الاقتسار والقهر وَلَكِن إِذا رجعت إِلَى قومى فاخطبها فَغَضب عَمْرو وآلى يَمِينا أَن لَا يَتَزَوَّجهَا أبدا إِلَّا أَن يُصِيبهَا سباء فَلَمَّا رَجَعَ الرجل إِلَى قومه أَرَادَ عَمْرو غزوهم ثمَّ قَالَ قد كَانَ بينى وَبَين الرجل عهد وميثاق وَجوَار فاستحي وتذمم أَن يفعل وَقَالَ (إِذا نَحن أدلجنا وَأَنت أمامنا ... كفى لمطايانا برياك هاديا) (وَلَوْلَا اتقاء الله والعهد قد رأى ... مبينَة منا تثر النواديا)

(وَنحن بَنو خير السبَاع أكيلة ... وأجحرة لما تحفظ عاديا) (لنا حَاضر لم يحضر النَّاس مثله ... وباد إِذا عدوا فَأكْرم باديا)

263 - قَالَ وَنزل رجل من بنى حَنْظَلَة بِإِبِل لَهُ عَظِيمَة فى جوَار بنى سعد بن ثَعْلَبَة دودان بن اسد بن خُزَيْمَة رَهْط عَمْرو بن شأس فَأَقَامَ فيهم سنوات ثمَّ رَحل عَنْهُم فأغارت طَيئ على إبِله فَذَهَبُوا بهَا فَرجع إِلَى بنى سعد بن ثَعْلَبَة فَقَالَ قد بَرِئت ذمتكم ولكنى أصبت وَقد عدت على طَيئ فَركب مَعَه بَنو سعد إِلَى طَيئ فَأخذُوا أَكثر إبِله وأدوه إِلَى مأمنه فَقَالَ عَمْرو بن شأس (أبأنا لقاح الحنظلى بِمِثْلِهَا ... لقاحا وَقُلْنَا دُونك ابْن مكدم) (وَفَاء وَلم تشرف عَلَيْهِ نفوسنا ... حناجرها كَأَنَّهَا صوغ حنتم) 264 - وَكَانَ لعَمْرو ابْن يُقَال لَهُ عرار من أمه سَوْدَاء وَكَانَت امْرَأَته تؤذيه وتستخف بِهِ فَقَالَ عَمْرو فى كلمة لَهُ

(أَرَادَت عرارا بالهوان وَمن يرد ... عرارا لعمرى بالهوان فقد ظلم) (وَإِن عرارا إِن يكن غير وَاضح ... فإنى أحب الجون ذَا الْمنْكب العمم) (وَإِن عرارا إِن يكن ذَا شكيمة ... تلقيتها مِنْهُ فَمَا أملك الشيم) (فَإِن كنت منى أَو تريدين صحبتى ... فكونى لَهُ كالسمن ربت لَهُ الْأدم) (وَإِلَّا فسيرى مثل مَا سَار رَاكب ... تعجل خمْسا لَيْسَ فى سيره أُمَم)

265 - وَقَالَ عَمْرو فى كلمة لَهُ طَوِيلَة (مَتى تعرف العينان أطلال دمنة ... لليلى بِأَعْلَى ذى معارك تدمعا) (على النَّحْر والسربال حَتَّى تبله ... رشاشا وَلم تجزع إِلَى الدَّار مجزعا) (خليلى عوجا الْيَوْم نقض لبانة ... وَإِلَّا تعوجا الْيَوْم لَا ننطلق مَعًا) (وَإِن تنظرانى الْيَوْم أتبعكماغدا ... أذلّ قيادا من جنيب وأطوعا) (وَقد زعما أَن قد أمل عَلَيْهِمَا ... ثوائى وقولى كلما ارتحلا اربعا) (وَمَا لبث فى الحى يَوْمًا وَلَيْلَة ... بزائد مَا قد فَاتَ صيفا ومربعا)

(فجودا لهِنْد فى الْكَرَامَة مِنْكُمَا ... وَإِن شئتما أَن تمنعا بعد فامنعا) 266 - انْقَضى خبر الْعشْر الطَّبَقَات

طبقة أصحاب المراثى

طبقَة أَصْحَاب المراثى 267 - قَالَ وصيرنا أَصْحَاب المراثى طبقَة بعد الْعشْر الطَّبَقَات 268 - أَوَّلهمْ متمم بن نُوَيْرَة بن جَمْرَة بن شَدَّاد بن عبيد بن ثَعْلَبَة بن يَرْبُوع رثى أَخَاهُ مَالِكًا 269 - والخنساء بنت عَمْرو بن الْحَارِث بن الشريد بن ريَاح بن يقظة بن عصية بن خفاف بن امْرِئ الْقَيْس بن بهثة رثت أخويها صخرا وَمُعَاوِيَة 270 - وأعشى باهله واسْمه عَامر بن الْحَارِث بن ريَاح بن عبد الله بن زيد بن عَمْرو بن سَلامَة بن ثَعْلَبَة بن وَائِل بن معن رثى الْمُنْتَشِر بن وهب بن عجلَان بن سَلمَة بن كراثة بن هِلَال بن عَمْرو

ابْن سَلامَة بن ثَعْلَبَة بن وَائِل بن معن 271 - وَكَعب بن سعد بن عَمْرو بن عقبَة أَو عَلْقَمَة بن عَوْف بن رِفَاعَة أحد بنى سَالم بن عبيد بن سعد بن جلان بن غنم بن غنى بن أعصر رثى أَخَاهُ أَبَا المغوار 272 - والمقدم عندنَا متمم بن نُوَيْرَة ويكنى أَبَا نهشل رثى أَخَاهُ مَالك بن نُوَيْرَة وَكَانَ قَتله خَالِد بن الْوَلِيد بن الْمُغيرَة حِين وَجهه أَبُو بكر رضى الله عَنهُ إِلَى أهل الرِّدَّة فَمن الحَدِيث مَا جَاءَ على وَجهه وَمِنْه مَا ذهب مَعْنَاهُ علينا للِاخْتِلَاف فِيهِ وَحَدِيث مَالك مِمَّا اخْتلف فِيهِ فَلم نقف مِنْهُ على مَا نُرِيد وَقد سَمِعت فِيهِ أقاويل شَتَّى غير أَن الذى اسْتَقر عندنَا أَن عمر أنكر قَتله وَقَامَ على خَالِد فِيهِ وأغلط لَهُ وَأَن أَبَا بكر صفح عَن خَالِد وَقبل تَأَوَّلَه

273 - وَكَانَ مَالك رجلا شريفا فَارِسًا شَاعِرًا وَكَانَت فِيهِ خُيَلَاء وَتقدم وَكَانَ ذَا لمة كَبِيرَة وَكَانَ يُقَال لَهُ الجفول وَقدم على النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِيمَن قدم من أَمْثَاله من الْعَرَب فولاه صدقَات قومه بنى يَرْبُوع فَلَمَّا قبض النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم اضْطربَ فِيهَا فَلم يحمد أمره وَفرق مَا فى يَدَيْهِ من إبل الصَّدَقَة فكلمة الْأَقْرَع ابْن حَابِس المجاشعى والقعقاع بن معبد بن زُرَارَة الدارمى فَقَالَا لَهُ إِن لهَذَا الْأَمر قَائِما وطالبا فَلَا تعجل بتفرقة مَا فى يَديك فَقَالَ (أرانى الله بِالنعَم المندى ... ببرقة رحرحان وَقد أرانى)

(تمشى يَا ابْن عوذة فى تَمِيم ... وَصَاحِبك الأقيرع تلحيانى) (حميت جَمِيعهَا بِالسَّيْفِ صَلتا ... وَلم ترعش يداى وَلَا بنانى) عوذة يعْنى أم الْقَعْقَاع وهى معَاذَة بنت ضرار بن عَمْرو 274 - وَقَالَ (وَقلت خُذُوا أَمْوَالكُم غير خَائِف ... وَلَا نَاظر فِيمَا يجِئ من الْغَد) (فَإِن قَامَ بِالْأَمر الْمخوف قَائِم ... منعنَا وَقُلْنَا الدّين دين مُحَمَّد) 275 - فطرق خَالِد مَالِكًا وَقَومه وهم على مَاء لَهُم يُقَال لَهُ الْبَعُوضَة تَحت اللَّيْل فذعرهم وَأخذُوا السِّلَاح فَكَانَ فى حجَّة خَالِد عَلَيْهِم أَنه أنظرهم إِلَى وَقت الْأَذَان فَلم يسمع أذانا وَتقول بَنو تَمِيم

إِنَّه لما هجم عَلَيْهِم خَالِد قَالَ من أَنْتُم قَالُوا الْمُسلمُونَ قَالَ وَنحن الْمُسلمُونَ فَمَا بَال السِّلَاح قَالُوا ذعرتمونا قَالَ فضعوا السِّلَاح 276 - والمجتمع عَلَيْهِ أَن خَالِدا حاوره وراده وَأَن مَالِكًا سمح بِالصَّلَاةِ والتوى بِالزَّكَاةِ فَقَالَ خَالِد أما علمت أَن الصَّلَاة وَالزَّكَاة مَعًا لَا تقبل وَاحِدَة دون الْأُخْرَى قَالَ قد كَانَ يَقُول ذَلِك صَاحبكُم قَالَ وَمَا ترَاهُ لَك صاحبا وَالله لقد هَمَمْت أَن أضْرب عُنُقك ثمَّ تحاولا فَقَالَ لَهُ خَالِد إنى قَاتلك قَالَ وبذا أَمرك صَاحبك قَالَ وَهَذِه بعد وَالله لَا أقيلك 277 - فَيَقُول من عذر مَالِكًا أَنه أَرَادَ بقوله صَاحبك أَنه أَرَادَ القرشية وَتَأَول خَالِد غير ذَلِك فَقَالَ إِنَّه إِنْكَار مِنْهُ للنبوة وَتقول بَنو مَخْزُوم إِن عَمْرو بن الْعَاصِ قَالَ لخَالِد وَقد كَانَ لقِيه وَهُوَ منصرف من عمان وَكَانَ النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَجهه إِلَى ابْن الجلندى فَقَالَ لخَالِد يَا أَبَا سُلَيْمَان إِن رَأَتْ عَيْنك مَالِكًا فَلَا تزايله حَتَّى تقتله

278 - وَكَانَ خَالِد يحْتَج على مَالك بأشعاره الَّتِى كتبنَا وكلم أَبُو قَتَادَة الأنصارى خَالِدا فى ذَلِك كلَاما شَدِيدا فَلم يقبله فآلى يَمِينا أَن لَا يسير تَحت راية أميرها خَالِد أبدا وَقَالَ لَهُ عبد الله بن عمر وَهُوَ فى الْقَوْم يَوْمئِذٍ يَا خَالِد أبعد شَهَادَة أَبى قَتَادَة فَأَعْرض عَنهُ ثمَّ عاوده فَقَالَ يَا أَبَا عبد الرَّحْمَن اسْكُتْ عَن هَذَا فإنى أعلم مَا لَا تعلم فَأمر ضرار بن الْأَزْوَر الأسدى بِضَرْب عُنُقه فَفعل 279 - قَالَ ابْن سَلام سمعنى يُونُس يَوْمًا أَرَادَ التميمية فى خَالِد وأعذره فَقَالَ يَا أَبَا عبد الله أما سَمِعت بساقى أم تَمِيم وَصَارَت أم تَمِيم إِلَى خَالِد بِنِكَاح أَو سباء وعابه عَلَيْهِ عمر ابْن الْخطاب قَالَ قتلت امْرأ مُسلما وَوَثَبْت على امْرَأَته بعقرباء يَوْم بنى حنيفَة 280 - قَالَ وَمن أحسن مَا سَمِعت من عذر خَالِد مَا ذكرُوا أَن عمر قَالَ لمتمم بن نُوَيْرَة مَا بلغ من جزعك على أَخِيك وَكَانَ متمم

أَعور قَالَ بَكَيْت عَلَيْهِ بعينى الصَّحِيحَة حَتَّى نفد مَاؤُهَا فأسعدتها أُخْتهَا الذاهبة فَقَالَ عمر لَو كنت شَاعِرًا لَقلت فى أخى أَجود مِمَّا قلت قَالَ يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ لَو كَانَ أخى أُصِيب مصاب أَخِيك مَا بكيته فَقَالَ عمر مَا عزانى أحد عَنهُ بِأَحْسَن مِمَّا عزيتنى 281 - وَبكى متمم مَالِكًا فَأكْثر وأجاد والمقدمة مِنْهُنَّ قَوْله (لعمرى وَمَا دهرى بتأبين هَالك ... وَلَا جزع مِمَّا أصَاب وأوجعا) قَالَ ابْن سَلام وأخبرنى يُونُس بن حبيب أَن التأبين مدح الْمَيِّت وَالثنَاء عَلَيْهِ قَالَ رؤبة (فامدح بِلَالًا غير مامؤبن ... ) والمدح للحى

282 - وبكت الخنساء أخويها صخرا وَمُعَاوِيَة فَأَما صَخْر فَقتلته بَنو أَسد وَأما مُعَاوِيَة فَقتلته بَنو مرّة غطفان فَقَالَت فى صَخْر كلمتها الَّتِى تَقول فِيهَا (وَإِن صخرا لتأتم الهداة بِهِ ... كَأَنَّهُ علم فى رَأسه نَار) وَقَالَت فى مُعَاوِيَة (أَلا مَا لعينك أم مَالهَا ... لقد أخضل الدمع سربالها) وَقَالَت فى صَخْر الْكَلِمَة الْأُخْرَى (أَمن حدث الْأَيَّام عَيْنك تهمل ... وتبكى على صَخْر وفى الدَّهْر مذهل) 283 - وأعشى باهله رثى الْمُنْتَشِر بن وهب الباهلى قَتِيل بنى الْحَارِث بن كَعْب فَقَالَ فى كَلمته

(لَا يَأْمَن النَّاس ممساه ومصبحه ... من كل أَوب وَإِن لم يغز ينْتَظر) (لَا يغمز السَّاق من أَيْن وَلَا وجع ... وَلَا يزَال أَمَام الْقَوْم يقتفر) (إنى أَشد حزيمى ثمَّ يدركنى ... مِنْك الْبلَاء وَمن آلَائِكَ الذّكر) (فَإِن جزعنا فَمثل الشَّرّ أجزعنا ... وَإِن صَبرنَا فَإنَّا معشر صَبر) (إِمَّا سلكت سَبِيلا كنت سالكها ... فَاذْهَبْ فَلَا يبعدنك الله منتشر)

(لَا يصعب الْأَمر إِلَّا ريث يركبه ... وكل أَمر سوى الْفَحْشَاء يأتمر) 284 - وَالرَّابِع كَعْب بن سعد الغنوى رثى أَخَاهُ أَبَا المغوار بِكَلِمَة قَالَ فِيهَا (فخبر تمانى أَنما الْمَوْت بالقرى ... فَكيف وهذى رَوْضَة وكثيب) (وَمَاء سَمَاء كَانَ غير محمة ... بداوية تجرى عَلَيْهِ جنوب) (ومنزلة فى دَار صدق وغبطة ... وَمَا اقتال فى حكم على طَبِيب)

(فَلَو كَانَت الْمَوْتَى تبَاع اشْتَرَيْته ... بِمَا لم تكن عَنهُ النُّفُوس تطيب) (بعينى أَو كلتا يدى وَقيل لى ... هُوَ الغانم الجذلان حِين يؤوب) (وداع دَعَا يَا من يُجيب إِلَى الندى ... فَلم يستجبه عِنْد ذَاك مُجيب) (فَقلت ادْع أُخْرَى وارفع الصَّوْت دَعْوَة ... لَعَلَّ أَبَا المغوار مِنْك قريب)

شعراء القرى العربية

شعراء الْقرى الْعَرَبيَّة 285 - وهى خمس الْمَدِينَة وَمَكَّة والطائف واليمامة والبحرين وأشعرهن قَرْيَة الْمَدِينَة شعراؤها الفحول خَمْسَة ثَلَاثَة من الْخَزْرَج وَاثْنَانِ من الْأَوْس 286 - فَمن الْخَزْرَج من بنى النجار حسان بن ثَابت 287 - وَمن بنى سَلمَة كَعْب بن مَالك 288 - وَمن بلحارث بن الْخَزْرَج عبد الله بن رَوَاحَة 289 - وَمن الْأَوْس قيس بن الخطيم من بنى ظفر 290 - وَأَبُو قيس بن الأسلت من بنى عَمْرو بن عَوْف 291 - أشعرهم حسان بن ثَابت وَهُوَ كثير الشّعْر جَيِّدَة وَقد حمل عَلَيْهِ مَا لم يحمل على أحد لما تعاضهت قُرَيْش واستبت وضعُوا عَلَيْهِ أشعارا كَثِيرَة لَا تنقى

292 - وَكَانَ أَبوهُ ثَابت بن الْمُنْذر بن حرَام من سادة قومه وأشرافهم وَالْمُنْذر الْحَاكِم بَين الْأَوْس والخزرج فى يَوْم سميحة وَهُوَ يَوْم من أيامهم مَشْهُور وَكَانُوا حكمُوا فى دِمَائِهِمْ يَوْمئِذٍ مَالك بن العجلان بن سَالم بن عَوْف فتعدى فى مولى لَهُ قتل يَوْمئِذٍ وَقَالَ لَا آخذ فِيهِ إِلَّا دِيَة الصَّرِيح فَأَبَوا أَن يرْضوا بِحكمِهِ فحكموا الْمُنْذر بن حرَام فَحكم بِأَن هدر دِمَاء قومه الْخَزْرَج وَاحْتمل دِمَاء الْأَوْس فَذكره حسان فى شعره فى قصيدته الَّتِى قَالَ فِيهَا (منع النّوم بالعشاء الهموم ... ) 293 - وأسرت مزينة ثَابتا أَبَا حسان فَعرض عَلَيْهِم الْفِدَاء فَقَالُوا لَا نفاديك إِلَّا بتيس وَمُزَيْنَة تسب بالتيوس فَأبى وأبوا فَلَمَّا طَال مكثه أرسل إِلَى قومه أَن أعطوهم أَخَاهُم وخذوا أَخَاكُم 294 - وحدثنى يزِيد بن عِيَاض بن جعدبه أَن النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم

لما قدم الْمَدِينَة تناولته قُرَيْش بالهجاء فَقَالَ لعبد الله بن رَوَاحَة رد عَنى فَذهب فى قديمهم وأولهم فَلم يصنع فى الهجاء شَيْئا فَأمر كَعْب ابْن مَالك فَذكر الْحَرْب كَقَوْلِه (نصل السيوف إِذا قصرن بخطونا ... قدما ونلحقها إِذا لم تلْحق) فَلم يصنع فى الهجاء شَيْئا فَدَعَا حسان بن ثَابت فَقَالَ اهجهم وائت أَبَا بكر يُخْبِرك أى بمعائب الْقَوْم وَكَانَ أَبُو بكر عَلامَة قُرَيْش وَكَانَ جُبَير بن مطعم أَخذ الْعلم عَن أَبى بكر 295 - شُعْبَة عَن عدى بن ثَابت الأنصارى أَنه سمع الْبَراء بن عَازِب الأنصارى يَقُول قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم اهجهم أَو هاجهم وَجِبْرِيل مَعَك 296 - قَالَ ابْن جعدبه فى حَدِيثه وَأخرج حسان لِسَانه حَتَّى ضرب بِهِ على صَدره وَقَالَ وَالله يَا رَسُول الله مَا أحب أَن لى بِهِ مقولا فى الْعَرَب فصب على قُرَيْش مِنْهُ شآبيب شَرّ فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم اهجهم كَأَنَّك تنضحهم بِالنَّبلِ

297 - وَمن شعره الرائع الْجيد مَا مدح بِهِ بنى جَفْنَة من غَسَّان مُلُوك الشَّام فى كلمة (لله در عِصَابَة نادمتهم ... يَوْمًا بجلق فى الزَّمَان الأول) (يسقون من ورد البريص عَلَيْهِم ... بردى يصفق بالرحيق السلسل) (يغشون حَتَّى مَا تهر كلابهم ... لَا يسْأَلُون عَن السوَاد الْمقبل) (أَوْلَاد جَفْنَة عِنْد قبر أَبِيهِم ... قبر ابْن مَارِيَة الْكَرِيم الْمفضل) 298 - وَقَالَ فى الْكَلِمَة الْأُخْرَى الطَّوِيلَة

(لنا الجفنات الغر يلمعن بالضحى ... وأسيافنا يقطرن من نجدة دَمًا) (أَبى فعلنَا الْمَعْرُوف أَن ننطق الْخَنَا ... وقائلنا بِالْعرْفِ إِلَّا تكلما) 299 - وَقَوله (وَإِن امرء أَمْسَى وَأصْبح سالما ... من النَّاس إِلَّا مَا جنى لسَعِيد) 300 - وَلما قَالَ لِلْحَارِثِ بن عَوْف بن أَبى حَارِثَة المرى (وَأَمَانَة المرى حَيْثُ لَقيته ... مثل الزجاجة صَدعهَا لم يجْبر) قَالَ الْحَارِث يَا مُحَمَّد أجرنى من شعر حسان فوَاللَّه لَو مزج بِهِ مَاء الْبَحْر مزجه

301 - وأشعار حسان وَأَحَادِيثه كَثِيرَة 302 - وَكَعب بن مَالك شَاعِر مجيد قَالَ يَوْم أحد فى كلمة (فَجِئْنَا إِلَى موج من الْبَحْر وَسطه ... أحابيش مِنْهُم حاسر ومقنع) (ثَلَاثَة آلَاف وَنحن نصية ... ثَلَاث مئين إِن كَثرْنَا وَأَرْبع) وَكَانُوا سبعمئة (فراحوا سرَاعًا موجفين كَأَنَّهُمْ ... جهام هراقت مَاءَهُ الرّيح مقلع) (ورحنا وأخرانا تطانا كأننا ... أسود على لحم ببيشة ظلع) 303 - وَقَالَ كَعْب فى أَيَّام الخَنْدَق

(من سرة ضرب يرعبل بعضه ... بَعْضًا كمعمعة الأباء المحرق) (فليأت مأسدة تسل سيوفها ... بَين المذاد وَبَين جزع الخَنْدَق) 304 - وَقَالَ بعد ذَلِك فى كلمة أَيْضا (قضينا من تهَامَة كل ريب ... وخيبر ثمَّ أجممنا السيوفا) (نخيرها وَلَو نطقت لقالت ... قواطعن دوسا أَو ثقيفا) (فلست لحاصن إِن لم تَرَوْهَا ... بِسَاحَة داركم منا ألوفا) (فننتزع العروش بِبَطن وَج ... ونترك داركم منا خلوفا)

(ونردى اللات والعزى وودا ... ونسلبها القلائد والشنوفا) 305 - حَدَّثَنى عمر بن معَاذ التيمى المعمرى وَغَيره قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لكعب بن مَالك أَتَرَى الله نسى لَك قَوْلك (زعمت سخينة أَن ستغلب رَبهَا ... وليغلبن مغالب الغلاب) 306 - وَكَانَ أحد الثَّلَاثَة الَّذين تخلفوا عَن تَبُوك هُوَ وهلال ابْن أُميَّة ومرارة بن الرّبيع فَتَابَ الله عَلَيْهِم كَمَا قصّ فى سُورَة بَرَاءَة يرْوى أَن قومه قَالُوا فى ذَلِك لَو اعتذرت إِلَى رَسُول الله

صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَا يعْتَذر بِهِ النَّاس عذرك قَالَ إنى لأصنعهم لِسَانا وأقدرهم على ذَلِك وَلَكِن وَالله لَا أعْتَذر إِلَيْهِ بكذب وَإِن عذرنى فيطلعه الله عَلَيْهِ فَيُقَال إِن الله عز وَجل أنزل فِيهِ {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا اتَّقوا الله وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقين} وَشهد الْعقبَة وَلم يشْهد بَدْرًا 307 - وَعبد الله بن رَوَاحَة عَظِيم الْقدر فى قومه سيد فى الْجَاهِلِيَّة لَيْسَ فى طبقته الَّتِى ذكرنَا أسود مِنْهُ شهد بَدْرًا وَكَانَ فى حروبهم فى الْجَاهِلِيَّة يُنَاقض قيس بن الخطيم وَكَانَ فى الْإِسْلَام عَظِيم الْقدر والمكانة عِنْد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم 308 - وَقَالَ عبد الله بن رَوَاحَة وَهُوَ آخذ بزمام نَاقَة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فى عمْرَة الْقَضَاء يَقُودهَا وَقد اجْتمع أهل مَكَّة وغلمانهم ينظرُونَ إِلَيْهِ وَهُوَ يَقُول (خلوا بنى الْكفَّار عَن سَبيله ... خلوا فَكل الْخَيْر مَعَ رَسُوله)

(نَحن ضربنا كم على تَأْوِيله ... كَمَا ضربنا كم على تَنْزِيله) (ضربا يزِيل الْهَام عَن مقِيله ... وَيذْهل الْخَلِيل عَن خَلِيله) 309 - وَأرْسل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عبد الله بن رَوَاحَة مُنْصَرفه من الْعمرَة فخرص على أهل خَيْبَر فَقَالَ لَهُم لما شكوا الْخرص فَنحْن نأخذها بذلك قَالُوا بِهَذَا قَامَت السَّمَوَات وَالْأَرْض

310 - وَقد روى عمر بن أَبى زَائِدَة قَالَ سَمِعت مدرك بن عمَارَة ابْن عقبَة بن أَبى معيط يَقُول قَالَ عبد الله بن رَوَاحَة مَرَرْت بِمَسْجِد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ فى نفر من أَصْحَابه فأضب الْقَوْم يَا عبد الله بن رواجة يَا عبد الله بن رَوَاحَة فَعرفت أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم دعانى فَانْطَلَقت إِلَيْهِم مسرعا فَسلمت فَقَالَ هَهُنَا فَجَلَست بَين يَدَيْهِ فَقَالَ كَأَنَّهُ يتعجب من شعري كَيفَ تَقول الشّعْر إِذا قلته قلت أنظر فى ذَلِك ثمَّ أَقُول قَالَ فَعَلَيْك بالمشركين قَالَ فَلم أكن أَعدَدْت شَيْئا فَأَنْشَدته فَلَمَّا قلت (فخبرونى أَثمَان العباء مَتى ... كُنْتُم بطاريق أودانت لكم مُضر) قَالَ فكأنى عرفت فى وَجه رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْكَرَاهَة إِذْ جعلت قومه أَثمَان العباء فَقلت (نجالد النَّاس عَن عرض فنأسرهم ... فِينَا النبى وَفينَا تنزل السُّور)

(وَقد علمْتُم بِأَنا لَيْسَ غالبنا ... حى من النَّاس إِن عزوا وَإِن كَثُرُوا) (يَا هَاشم الْخَيْر إِن الله فَضلكُمْ ... على الْبَريَّة فضلا مَاله غير) (إنى تفرست فِيك الْخَيْر أعرفهُ ... فراسة خالفتهم فى الذى نظرُوا) (وَلَو سَأَلت أَو استنصرت بَعضهم ... فى جلّ أَمرك مَا آوو وَمَا نصروا) (فَثَبت الله مَا آتاك من حسن ... تثبيت مُوسَى ونصرا كالذى نصروا) فَأقبل على بِوَجْهِهِ مُبْتَسِمًا ثمَّ قَالَ وَإِيَّاك فَثَبت الله 311 - وأرسله رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى مُؤْتَة ثَالِث ثَلَاثَة أُمَرَاء زيد بن حَارِثَة وجعفر بن أَبى طَالب وَابْن رَوَاحَة فَلَمَّا قتل صَاحِبَاه كَأَنَّهُ تكره الْإِقْدَام فَقَالَ (أَقْسَمت يَا نفس لتنزلنه ... طَائِعَة أَو لَا لتكرهنه) (وطالما قد كنت مطمئنة ... مالى أَرَاك تكرهين الْجنَّة) فَقتل يَوْمئِذٍ 312 - وَأَبُو قيس بن الأسلت وَهُوَ شَاعِر مجيد وَهُوَ الذى يَقُول فى حَرْب بَينهم وَبَين الْخَزْرَج

(قد حصت الْبَيْضَة رأسى فَمَا ... أطْعم نوما غير تهجاع) (أسعى على جلّ بنى مَالك ... كل امْرِئ فى شَأْنه ساع) 313 - وَهُوَ يَقُول فِي قصيدة (فلست لحاصن إِن لم ترونا ... نجالد كم كأنا شرب خمر) (ملكنا النَّاس قد علمت معد ... فَلم نغلب وَلم نسبق بِوتْر) (هممنا بِالْإِقَامَةِ ثمَّ سرنا ... مسير حُذَيْفَة الْخَيْر بن بدر) 314 - وَذكروا أَنه أقبل يُرِيد النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ لَهُ عبد الله ابْن أَبى خفت وَالله سيوف الْخَزْرَج قَالَ لَا جرم وَالله لَا أسلم حولا فَمَاتَ فى الْحول

315 - قيس بن الخطيم شَاعِر فَمن النَّاس من يفضله على حسان شعرًا وَلَا أَقُول ذَلِك 316 - وَهُوَ الذى يَقُول يَوْم بُعَاث (أتعرف رسما كاطراد الْمذَاهب ... لعمرة قفرا غير موقف رَاكب) عمْرَة بنت رَوَاحَة أُخْت عبد الله بن رَوَاحَة وهى أم النُّعْمَان ابْن بشير الأنصارى (ديار الَّتِى كَادَت وَنحن على منى ... تحل بِنَا لَوْلَا نجاء الركائب) (تراءت لنا كَالشَّمْسِ تَحت غمامة ... بدا حَاجِب مِنْهَا وضنت بحاجب) (وَلم أرها إِلَّا ثَلَاثًا على منى ... وعهدى بهَا عذراء ذَات ذوائب) (وَمثلك قد أصبيت لَيست بكنة ... وَلَا جَارة وَلَا حَلِيلَة صَاحب)

(أربت بِدفع الْحَرْب حَتَّى رَأَيْتهَا ... على الدّفع لَا تزداد غير تقَارب) (فَلَمَّا رَأَيْت الْحَرْب حَربًا تجردت ... لبست مَعَ البردين ثوب الْمُحَارب) (مضاعفة يغشى الأنامل ريعها ... كَأَن قتيرها عُيُون الجنادب) (إِذا مَا فَرَرْنَا كَانَ أَسْوَأ فرنا ... صدود الخدود وازورار المناكب) 317 - وَهُوَ الذى يَقُول (تراءت لنا يَوْم الرحيل بمقلتى ... غرير بملتف من السدر مُفْرد) (وجيد كجيد الرئم حَال يزينه ... على النَّحْر منظوم وَفصل زبرجد)

(كَأَن الثريا فَوق ثغرة نحرها ... توقد فى الظلماء أى توقد) (وإنى لأغنى النَّاس عَن متكلف ... يرى النَّاس ضلالا وَلَيْسَ بمهتدى) (أَكثر أهلى من عِيَال سواهُم ... وأطوى على المَاء القراح الْمبرد) 318 - وَقَالَ (طعنت ابْن عبد الْقَيْس طعنة ثَائِر ... لَهَا نفذ لَوْلَا الشعاع أضاءها) 319 - وَكَانَ قيس مُقيما على شركه وَأسْلمت امْرَأَته وَكَانَ يُقَال لَهَا حَوَّاء فَكَانَ يصدها عَن الْإِسْلَام ويعبث بهَا يَأْتِيهَا وهى سَاجِدَة فيقلبها على رَأسهَا وَكَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ بِمَكَّة قبل

الْهِجْرَة يسْأَل عَن أَمر الْأَنْصَار وَعَن حَالهم فَأخْبر بإسلامها وَمَا تلقى من قيس فَلَمَّا كَانَ الْمَوْسِم أَتَاهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فى مضربه فَلَمَّا رأى النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رحب بِهِ وأعظمه فَقَالَ النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن امْرَأَتك قد أسلمت وَإنَّك تؤذيها فَأحب أَن لَا تعرض لَهَا قَالَ نعم وكرامة يَا أَبَا الْقَاسِم لست بعائد فى شئ تكرههُ فَلَمَّا قدم الْمَدِينَة قَالَ لَهَا إِن صَاحبك قد لقينى فَطلب إِلَى أَن لَا أعرض لَك فشأنك وأمرك

شعراء مكة

شعراء مَكَّة 320 - وبمكة شعراء فأبرعهم شعرًا 321 - عبد الله بن الزِّبَعْرَى بن قيس بن عدى بن سعد بن سهم 322 - وَأَبُو طَالب بن عبد الْمطلب شَاعِر 323 - وَالزُّبَيْر بن عبد الْمطلب شَاعِر 324 - وَأَبُو سُفْيَان بن الْحَارِث شَاعِر 325 - ومسافر بن أَبى عَمْرو بن أُميَّة شَاعِر 326 - وَضِرَار بن الْخطاب الفهرى شَاعِر

327 - وَأَبُو عزة الجمحى شَاعِر واسْمه عَمْرو بن عبد الله 328 - وَعبد الله بن حذافة السهمى الممزق

329 - وهبيرة بن أَبى وهب بن عَامر بن عَائِذ بن عمرَان بن مَخْزُوم 330 - قَالَ حَدَّثَنى شُعَيْب بن صَخْر وَأَبُو بكر الزبيرى المصعبى قَالَ أصبح النَّاس يَوْمًا بِمَكَّة وعَلى دَار الندوة مَكْتُوب (ألهى قصيا عَن الْمجد الأساطير ... ورشوة مثل مَا ترشى السفاسير)

(وأكلها اللَّحْم بحتا لَا خليط لَهُ ... وَقَوْلها رحلت عير مَضَت عير) فَأنْكر النَّاس ذَلِك وَقَالُوا مَا قَالَهَا إِلَّا ابْن الزِّبَعْرَى أجمع على ذَلِك رَأْيهمْ فَمَشَوْا إِلَى بنى سهم وَكَانَ مِمَّا تنكر قُرَيْش وتعاقب عَلَيْهِ أَن يهجو بَعْضهَا بَعْضًا فَقَالُوا لبنى سهم ادفعوه إِلَيْنَا نحكم فِيهِ بحكمنا قَالُوا وَمَا الحكم فِيهِ قَالُوا نقطع لِسَانه قَالُوا فشأنكم وَاعْلَمُوا وَالله أَنه لَا يهجونا رجل مِنْكُم إِلَّا فعلنَا بِهِ مثل ذَلِك وَالزُّبَيْر

ابْن عبد الْمطلب يَوْمئِذٍ غَائِب نَحْو الْيمن فانتجت بَنو قصى بَينهم فَقَالُوا لَا نَأْمَن الزبير إِن بلغه مَا قَالَ هَذَا أَن يَقُول شَيْئا فَيُؤتى إِلَيْهِ مثل مَا نأتى إِلَى هَذَا وَكَانُوا أهل تناصف فَأَجْمعُوا على تخليته فخلوه فَقَالَ لَهُ النَّاس وَحَمَلُوهُ على قومه أسلمك قَوْمك وَلم يمنعوك وَلَو شاؤوا منعوك فَقَالَ (لعمرك مَا جَاءَت بنكر عشيرتى ... وَإِن صالحت إخوانها لَا ألومها) (بود جناة الغى أَن سُيُوفنَا ... بأيماننا مسلولة لَا نشيمها) 331 - وَقَالَ فى يَوْم أحد قصيدة يَقُول فِيهَا (كل بؤس ونعيم زائل ... وَبَنَات الدَّهْر يلعبن بِكُل) (والعطيات خساس بَيْننَا ... وَسَوَاء رمس مثر ومقل)

(لَيْت أشياخى ببدر شهدُوا ... ضجر الْخَزْرَج من وَقع الأسل) (حِين أَلْقَت بقناة بركها ... واستحر الْقَتْل فى عبد الأشل)

(فَقبلنَا النّصْف من سادتهم ... وعدلنا ميل بدر فاعتدل) وَزعم ابْن جعدبة أَنه سمع هِشَام بن عُرْوَة ينشد هَذَا الشّعْر وسمعته قَالَ عَنهُ رويته

332 - وَقَالَ ابْن الزِّبَعْرَى لبنى الْمُغيرَة بن عبد الله المخزوميين وَكَانَ لَهُم بلَاء فى الْفجار وأمهم ريطة بنت سعيد بن سعد ابْن سهم فَقَالَ (أَلا لله قوم ولدت أُخْت بنى سهم ... ) (هِشَام وَأَبُو عبد منَاف مدره الْخصم ... ) (وَذُو الرمحين أشباك من الْقُوَّة والحزم ... ) (فهذان يذودان وَذَا من كثب يرْمى ... ) (وَإِن احْلِف وَبَيت الله لَا أَحْلف على إِثْم ... )

(لما إِن إخْوَة بَين ... دروب الرّوم والردم) (بأزكى من بنى ريطة أَو أوزن فى حلم ... ) (هم يَوْم عكاظ ... منعُوا النَّاس من الهزم) وَقَالَ كَانَ الفزارى ينشدها هشاما وَأَبا عبد منَاف أى ولدت وَأَبُو عبد منَاف هَاشم بن الْمُغيرَة جد عمر بن الْخطاب لأمة أمه حنتمة بنت هَاشم بن الْمُغيرَة وَذُو الرمحين أَبُو ربيعَة بن الْمُغيرَة أَبُو عبد الله وَعَيَّاش ابنى أَبى ربيعَة

333 - ثمَّ أسلم ابْن الزِّبَعْرَى ومدح النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَاعْتذر إِلَيْهِ فَأحْسن فَقَالَ (يَا رَسُول المليك إِن لسانى ... راتق مافتقت إِذْ أَنا بور) (إِذْ أجارى الشَّيْطَان فى سنَن الغى ... وَمن مَال مَيْلَة مثبور) (آمن اللَّحْم وَالْعِظَام بِمَا قلت فنفسى الفدى وَأَنت النذير ... ) 334 - وَقَالَ أَيْضا (منع الرقاد بلابل وهموم ... وَاللَّيْل معتلج الرواق بهيم) (مِم أتانى أَن أَحْمد لامنى ... فِيهِ فَبت كأننى مَحْمُوم) (يَا خير من حملت على أوصالها ... عيرانة سرح الْيَدَيْنِ رسوم)

(إنى لمعتذر إِلَيْك من الذى ... أسديت إِذا أَنا نافى الضلال أهيم) (أَيَّام تأمرنى بأغوى خطة ... سهم وتأمرنى بهَا مَخْزُوم) (فَاغْفِر فدى لَك والداى كِلَاهُمَا ... ذنبى فَإنَّك رَاحِم مَرْحُوم) (وَعَلَيْك من أثر المليك عَلامَة ... نور أَضَاء وَخَاتم مختوم) (مَضَت الْعَدَاوَة فانقضت أَسبَابهَا ... ودعت أواصر بَيْننَا وحلوم) 335 - وحدثنى ابْن جعدبه قَالَ قدم ضرار بن الْخطاب الفهرى وَعبد الله بن الزِّبَعْرَى الْمَدِينَة أَيَّام عمر بن الْخطاب فَأتيَا أَبَا أَحْمد بن جحش الأسدى وَكَانَ مكفوفا وَكَانَ مألفا يجْتَمع إِلَيْهِ ويتحدث عِنْده وَيَقُول الشّعْر فَقَالَا لَهُ أَتَيْنَاك لترسل إِلَى حسان بن ثَابت فنناشده ونذاكره فَإِنَّهُ كَانَ يَقُول فى الْإِسْلَام وَيَقُول فى الْكفْر فَأرْسل إِلَيْهِ فجَاء فَقَالَ يَا أَبَا الْوَلِيد أَخَوَاك تطربا إِلَيْك ابْن

الزِّبَعْرَى وَضِرَار يذاكراك ويناشداك قَالَ نعم إِن شئتما بدأت وَإِن شئتما فابديا قَالَا نبدأ فأنشداه حَتَّى إِذا صَار كالمرجل يفور قعدا على رواحلهما فَخرج حسان حَتَّى تلقى عمر بن الْخطاب وتمثل بِبَيْت ذكره ابْن جعدبة لَا أذكرهُ فَقَالَ عمر وَمَا ذَاك فَأخْبرهُ خبرهما قَالَ لَا جرم لَا يفوتانك فَأرْسل فى إثرهما فَردا وَقَالَ لحسان أنشدهما فَأَنْشد حَاجته قَالَ أكتفيت قَالَ نعم قَالَ شأنكما الْآن إِن شئتما فارحلا وَإِن شئتما فأقيما 336 - وَكَانَ أَبُو طَالب شَاعِرًا جيد الْكَلَام أبرع مَا قَالَ قصيدته الَّتِى صَحَّ فِيهَا النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) وأبيض يستسقى الْغَمَام بِوَجْهِهِ ... ربيع الْيَتَامَى عصمَة للأرامل) وَقد زيد فِيهَا وطولت وَرَأَيْت فى كتاب يُوسُف بن سعد صاحبنا مُنْذُ أَكثر من مئة سنة وَقد علمت أَن قد زَاد النَّاس فِيهَا وَلَا أدرى

أَيْن مُنْتَهَاهَا وسألنى الأصمعى عَنْهَا فَقلت صَحِيحَة جَيِّدَة قَالَ أتدرى أَيْن مُنْتَهَاهَا قلت لَا وأشعار قُرَيْش أشعار فِيهَا لين فتشكل بعض الْإِشْكَال 337 - وَأجْمع النَّاس على أَن الزبير بن عبد الْمطلب شَاعِر وَالْحَاصِل من شعره قَلِيل وَمِمَّا صَحَّ عَنهُ قَوْله (وَلَوْلَا الْحَبَش لم تلبس رجال ... ثِيَاب أعزة حَتَّى يموتوا)

وَقَالَ قوم وَلَوْلَا الحمس وَلَيْسَ هَذَا بشئ إِنَّمَا هى الْحَبَش يعْنى أَنهم أخذُوا ثِيَابهمْ ومتاعهم وَذَاكَ حِين جاؤوا يُرِيدُونَ هدم الْبَيْت فَرَمَاهُمْ الله وَكَانَت أم أَيمن مِنْهُم غنمتها قُرَيْش وهى أم أُسَامَة بن زيد وَهَذِه أَبْيَات للزبير بن عبد الْمطلب 338 - وَقلت لخلف من يَقُول (إِذا كنت فى حَاجَة مُرْسلا ... فَأرْسل حكيما وَلَا توصه) قَالَ يُقَال للزبير بن عبد الْمطلب فَقلت فالخليل يَقُول هَذَا خطأ فى بِنَاء القوافى حِين يَقُول (وَإِن بَاب أَمر عَلَيْك التوى ... فَشَاور لبيبا وَلَا تعصه) لقَوْله وَلَا توصه كَانَ يَقُول لَا يتَّفق هَذَا فَقَالَ خلف أَخطَأ الْخَلِيل نرَاهَا جَائِزَة

339 - ولأبى سُفْيَان بن الْحَارِث شعر كَانَ يَقُوله فى الْجَاهِلِيَّة فَسقط وَلم يصل إِلَيْنَا مِنْهُ إِلَّا الْقَلِيل 340 - ولسنا نعد مَا يرْوى ابْن اسحاق لَهُ وَلَا لغيره شعرًا وَلِأَن لَا يكون لَهُم شعر أحسن من أَن يكون ذَاك لَهُم 341 - قَالَ أَبُو سُفْيَان (لعمرك إنى يَوْم أحمل راية ... لتغلب خيل اللات خيل مُحَمَّد) (لكالمدلج الحيران أظلم ليله ... فَهَذَا أَوَان حِين أهْدى وأهتدى) (هدانى هاد غير نفسى وقادنى ... إِلَى الله من طردت كل مطرد) قَالَ فبلغنى أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لَهُ أَنْت طردتنى كل مطرد كَأَنَّهُ ينكرها يردد ذَلِك 342 - وَقَالَ أَبُو سُفْيَان فى يَوْم أحد يرد على حسان بن ثَابت وَكَانَ أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَصَابُوا فى عقب بدر عيرًا لقريش فِيهَا فضَّة فَكَانُوا تنكبوا بعد طَرِيق الشَّام وَأخذُوا طَرِيق

الْعرَاق فَقَالَ حسان (دعوا فلجات الشَّام قد حَال دونهَا ... جلاد كأفواه الْمَخَاض الأوارك) (بأيدى رجال هَاجرُوا نَحْو رَبهم ... وأنصاره حَقًا وأيدى الملائك) (إِذا سلكت حوران من أَرض عالج ... فقولا لَهَا إِن الطَّرِيق هُنَالك)

فَلَمَّا كَانَ يَوْم أحد قَالَ أَبُو سُفْيَان بن الْحَارِث يرد عَلَيْهِ (شقيتم بهَا وغيركم أهل ذكرهَا ... فوارس من أَبنَاء فهر بن مَالك) (حسبتم جلاد الْبيض حول بُيُوتكُمْ ... كأخذكم فى العير أَرْطَال آنك) فَقَالَ أَبُو سُفْيَان بن حَرْب لأبى سُفْيَان بن الْحَارِث يَا ابْن أخى لم جَعلتهَا آنك إِن كَانَت لفضة بَيْضَاء جَيِّدَة 333 - ويروى النَّاس لأبى سُفْيَان بن الْحَارِث يَقُول لحسان

(أَبوك أَبُو سوء وخالك مثله ... وَلست بِخَير من أَبِيك وخالكا) (وَإِن أَحَق النَّاس أَن لَا تلومه ... على اللؤم من ألفى أَبَاهُ كذلكا) فأخبرنى أهل الْعلم من أهل الْمَدِينَة أَن قدامَة بن مُوسَى ابْن عمر بن قدامَة بن مَظْعُون الجمحى قَالَهَا ونحلها أَبَا سُفْيَان وقريش تروية فى أشعارها تُرِيدُ بذلك الْأَنْصَار وَالرَّدّ على حسان 344 - وَكَانَ ضرار بن الْخطاب بن مرداس من محَارب بن فهر من ظواهر قُرَيْش وَكَانَ لَا يكون بالبطحاء إِلَّا قَلِيلا وَكَانَ جمع من

وكان ضرار خرج فى الجاهلية فى ركب من قريش فمروا ببلاد دوس وهم يطالبون قريشا بدم أبى أزيهر قتله هشام بن الوليد ابن المغيرة فثاروا بهم وقتلوا فيهم

حلفاء قُرَيْش ومراق كنَانَة نَاسا وَكَانَ يَأْكُل بهم ويغير ويسبى وَيَأْخُذ المَال والْحَارث بن فهر بطحاوية 345 - وَكَانَ ضرار خرج فى الْجَاهِلِيَّة فى ركب من قُرَيْش فَمروا بِبِلَاد دوس وهم يطالبون قُريْشًا بِدَم أَبى أزيهر قَتله هِشَام بن الْوَلِيد ابْن الْمُغيرَة فثاروا بهم وَقتلُوا فيهم ودوس تدعى شَيْئا كثيرا من الْقَتْلَى وَلَيْسَ ذَلِك بِمَعْلُوم فَقَاتلهُمْ ضرار ثمَّ لَجأ إِلَى امْرَأَة مِنْهُم يُقَال لَهَا أم غيلَان مقينة تقين العرائس يُقَال إِنَّهَا مولاة لَهُم فأدخلته بَين درعها وجلدها ودافعت عَنهُ هى وبناتها وصرخت

ببينها فَجَاءُوا فَخرج مَعَهم ضرار فجالد أَشد الجلاد فَقَالَت أم غيلَان مَا رَأَيْت شدَّة أفكل أقرب إِلَى حسن جلاد مِنْهُ وَقَالَ ضرار (جزى الله عَنَّا أم غيلَان صَالحا ... ونسوتها إذهن شعت عواطل) (فهن دفعن الْمَوْت بعد اقترابه ... وَقد ظَهرت للثائرين مقَاتل) (فجردت سيفى ثمَّ قُمْت بنصله ... وَعَن أى نفس بعد نفسى أقَاتل) 346 - ولقى ضرار بن الْخطاب يَوْم أحد عمر بن الْخطاب فى الجولة الَّتِى جالها الْمُسلمُونَ وَكَانَ قد آلى يَوْمئِذٍ أَن لَا يقتل قرشيا فَضَربهُ بعارضة سَيْفه وَقَالَ انج يَا ابْن الْخطاب فَضرب الدَّهْر مَا ضرب وَولى عمر بن الْخطاب فَسمِعت أم غيلَان بِذكر ابْن الْخطاب فظنته ضِرَارًا فَقدمت عَلَيْهِ فَقَالَ لَهَا قوم قدمت وَهُوَ غَائِب فَأَتَت عمر فَأَخْبَرته بالذى جَاءَت لَهُ فأثابها

347 - وحدثنى أبان الْأَعْرَج بحديثها فَقَالَ جَاءَت فَلَقِيت ضِرَارًا فَقَالَت قد عرفت بلائى ويدى وَقد وليت مَا وليت قَالَ مَا اعرفنى بذلك وَلست أَنا بالذى تولى مَا توهمت ذَاك عمر بن الْخطاب وَلَئِن كَانَ لَك عندى يَد وبلاء إِن لى عِنْده ليدا وبلاء يعْنى بلاءه يَوْم أحد فاذهبى بِنَا إِلَيْهِ فَأَتَاهُ فَقَالَ يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ هَذِه أم غيلَان وَقد عرفت مَا كَانَ من أمرهَا سَمِعت بولايتك فظنتنى الوالى فأتتنى تطلب النوال قَالَ فتريد مَاذَا قَالَ تعجل عطائى فأكافئها بِهِ فَأَعْطَاهَا نصف عطائه وَنصف عَطاء عمر 348 - وَكَانَ ضرار على بنى محَارب يَوْم الْفجار 349 - وَكَانَ أَبُو عزة شَاعِرًا وَكَانَ مملقا ذَا عِيَال فَأسر يَوْم بدر كَافِرًا فَقَالَ يَا رَسُول الله إنى ذُو عِيَال وحاجة قد عرفتها فَامْنُنْ على صلى الله عَلَيْك فَقَالَ على أَن لَا تعين على يُرِيد شعره قَالَ نعم فعاهده وَأطْلقهُ فَقَالَ (أَلا أبلغا عَنى النبى مُحَمَّدًا ... بأنك حق والمليك حميد)

(وَأَنت امْرُؤ تَدْعُو إِلَى الرشد والتقى ... عَلَيْك من الله الْكَرِيم شَهِيد) (وَأَنت امرء بوئت فِينَا مباءة ... لَهَا دَرَجَات سهلة وصعود) (وَإنَّك من حاربته لمحارب ... شقى وَمن سالمته لسَعِيد) (وَلَكِن إِذا ذكرت بَدْرًا وَأَهْلهَا ... تأوب مَا بى حسرة وتعود) فَلَمَّا كَانَ يَوْم أحد دَعَاهُ صَفْوَان بن أُميَّة بن خلف الجمحى وَهُوَ سيدهم يَوْمئِذٍ إِلَى الْخُرُوج فَقَالَ إِن مُحَمَّدًا قد من على وعاهدته أَن لَا أعين عَلَيْهِ فَلم يزل بِهِ وَكَانَ مُحْتَاجا فأطعمه والمحتاج يطْمع فَخرج فَسَار فى بنى كنَانَة فحرضهم فَقَالَ (يَا بنى عبد مَنَاة الرزام ... أَنْتُم حماة وأبوكم حام)

(لَا تعدونى نصركم بعد الْعَام ... لَا تسلمونى لَا يحل إِسْلَام) 350 - أَنا أَبُو خَليفَة نَا أبن سَلام قَالَ حَدَّثَنى أبان بن عُثْمَان وَهُوَ قَول ابْن إِسْحَاق أَن أَبَا عزة أسر يَوْم أحد فَقَالَ يَا رَسُول الله من على فَقَالَ النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (لَا يلسع الْمُؤمن من جُحر مرَّتَيْنِ) وَقَالَ أبان قَالَ رَسُول الله) صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (لَا تمسح عَارِضَيْك بِمَكَّة) تَقول خدعت مُحَمَّدًا مرَّتَيْنِ فَقتله فَذكرت ذَلِك لِابْنِ جعدبه فَقَالَ مَا أسر يَوْم أحد هُوَ وَلَا غَيره وَلَقَد كَانَ الْمُسلمُونَ يَوْمئِذٍ فى شغل عَن الْأسر وَلم يُنكر قَتله وَكَانَ يُنكر قتل النَّضر بن الْحَارِث فى يَوْم بدر صبرا فَقَالَ أَصَابَته جِرَاحَة فَارْتثَّ مِنْهَا وَكَانَ شَدِيد الْعَدَاوَة فَقَالَ لَا أطْعم طَعَاما وَلَا أشْرب شرابًا مَا دمت فى أَيْديهم فَمَاتَ فَأخْبرت أَبى سَلاما بقول ابْن جعدبة فى أَبى عزة فَقَالَ

قد قيل أَن النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لم يقتل أحدا صبرا إِلَّا عقبَة بن أَبى معيط يَوْم بدر 351 - قَالَ ابْن جعدبة برص أَبُو عزة بعد مَا أسن وَكَانَت قُرَيْش تكره الأبرص وَتخَاف الْعَدْوى فَكَانُوا لَا يؤاكلونه وَلَا يشاربونه وَلَا يجالسونه فَكبر ذَلِك عَلَيْهِ فَقَالَ الْمَوْت خير من هَذَا فَأخذ حَدِيدَة وَصعد إِلَى جبل حراء يُرِيد قتل نَفسه فطعن بهَا فى بَطْنه فضعفت يَده لما وجد مَسهَا فمارت الحديدة بن الصفاق وَالْجَلد فَسَالَ مَاء أصفر وَذهب مَا كَانَ بِهِ فَقَالَ (لَا هم رب وَائِل ونهد ... والتهمات وَالْجِبَال الجرد) (وَرب من يرْمى بَيَاض نجد ... أَصبَحت عبدا لَك وَابْن عبد)

(أبرأتنى من وضح بجلدى ... من بعد مَا طعنت فى معدى) والمعد مَوضِع رجلى الرَّاكِب من الْفرس 352 - وَكَانَ هُبَيْرَة بن أَبى وهب شَاعِرًا من رجال قُرَيْش الْمَعْدُودين وَكَانَ شَدِيد الْعَدَاوَة لله وَلِرَسُولِهِ فأخمله الله ودحقه وَهُوَ الذى يَقُول فى يَوْم أحد (قدنا كنَانَة من أكناف ذى يمن ... عرض الْبِلَاد على مَا كَانَ يزجيها) (قَالَت كنَانَة أَنى تذهبون بِنَا ... قُلْنَا النخيل فأموها وَمَا فِيهَا) وَله شعر كثير وَحَدِيث

شعراء الطائف

شعراء الطَّائِف 353 - قَالَ ابْن سَلام وبالطائف شعر وَلَيْسَ بالكثير وَإِنَّمَا كَانَ يكثر الشّعْر بالحروب الَّتِى تكون بَين الْأَحْيَاء نَحْو حَرْب الْأَوْس والخزرج أَو قوم يغيرون ويغار عَلَيْهِم والذى قلل شعر قُرَيْش أَنه لم يكن بَينهم نائرة وَلم يحاربوا وَذَلِكَ الذى قلل شعر عمان وَأهل الطَّائِف فى طرف وَمَعَ ذَلِك كَانَ فيهم 354 - أَبُو الصَّلْت بن أَبى ربيعَة 355 - وَابْنه أُميَّة بن أَبى الصَّلْت وَهُوَ أشعرهم 356 - وَأَبُو محجن عَمْرو بن حبيب بن عَمْرو بن عُمَيْر الثقفى 357 - وغيلان بن سَلمَة بن معتب بن مَالك بن كَعْب بن عَمْرو بن سعد بن عَوْف

358 - وكنانة بن عبد يَا ليل 359 - وَكَانَ أَبُو الصَّلْت يمدح أهل فَارس حِين قتلوا الْحَبَشَة فى كلمة قَالَ فِيهَا (لله دِرْهَم من عصبَة خَرجُوا ... مَا إِن ترى لَهُم فى النَّاس أَمْثَالًا) (بيضًا مرازبة غرا جحاجحة ... أسدا تربب فى الغيضات أشبالا)

(لَا يرمضون إِذا حرت مغافرهم ... وَلَا ترى مِنْهُم فى الطعْن ميالا) (من مثل كسْرَى وسابور الْجنُود لَهُ ... أَو مثل وهرز يَوْم الْجَيْش إِذْ صالا) (فَاشْرَبْ هَنِيئًا عَلَيْك التَّاج مرتفقا ... فى رَأس غمدان دَارا مِنْك محلالا) (واضطم بالمسك إِذْ شالت نعامتهم ... وأسبل الْيَوْم فى برديك إسبالا)

(تِلْكَ المكارم لَا قعبان من لبن ... شيبا بِمَاء فعادا بعد أبوالا) 360 - وَكَانَ أُميَّة بن أَبى الصَّلْت كثير الْعَجَائِب يذكر فى شعره خلق السَّمَوَات وَالْأَرْض وَيذكر الْمَلَائِكَة وَيذكر من ذَلِك

مَا لم يذكرهُ أحد من الشُّعَرَاء وَكَانَ قد شام أهل الْكتاب 361 - نَا ابْن سَلام قَالَ فَحدث سُفْيَان وَابْن دأب أَن أُميَّة مر بزيد بن عَمْرو بن نفَيْل أخى عدى بن كَعْب وَكَانَ قد طلب الدّين فى الْجَاهِلِيَّة هُوَ وورقة بن نَوْفَل فَقَالَ لَهُ أُميَّة يَا باغى الْخَيْر هَل وجدت قَالَ لَا قَالَ وَلم أوت من طلب قَالَ أَبى عُلَمَاء أهل الْكتاب إِلَّا أَنه منا أَو مِنْكُم أَو من أهل فلسطين 362 - وناح أُميَّة على قَتْلَى بدر فَقَالَ (مَاذَا ببدر فالعقنقل من مرازبة جحاجح ... ) (هلا بَكَيْت على الْكِرَام ... بنى الْكِرَام أولى الممادح)

363 - وَقَالَ أُميَّة (وَمَا يبْقى على الْحدثَان غفر ... بشاهقة لَهُ أم رؤوم) (تبيت اللَّيْل حانية عَلَيْهِ ... كَمَا يخرمس الأرخ الأطوم) (تصدى كلما طلعت لنشر ... وودت أَنَّهَا مِنْهُ عقيم) الغفر ولد الوعل والأرخ ولد الْبَقَرَة ويخرمس أى يتصمت والأطوم الضمام بَين شَفَتَيْه 364 - ومدح أُميَّة عبد الله بن جدعَان التيمى فَقَالَ

(أأذكر حاجتى أم قد كفانى ... حياؤك إِن شمتك الْحيَاء) (كريم لَا يُغَيِّرهُ صباح ... عَن الْخلق الْكَرِيم وَلَا مسَاء) (وأرضك كل مكرمَة بنتهَا ... بَنو تيم وَأَنت لَهُم سَمَاء) قَالَ ابْن سَلام وأنشدينها أَبُو بكر بن مُحَمَّد بن وَاسع السلمى وأنشدنيها أَيْضا أَبُو بكر وذكرتها لخلف فعرفها 365 - وَقَالَ أُميَّة (عطاؤك زين لامرئ بذل وَجهه ... بِخَير وَمَا كل الْعَطاء يزين) (وَلَيْسَ بشين لامرئ بذل وَجهه ... إِلَيْك كَمَا بعض السُّؤَال يشين) 366 - نَا ابْن سَلام قَالَ وَذكر عِيسَى بن عمر عَن بعض أهل

الطَّائِف عَن أُخْت أُميَّة بن أَبى الصَّلْت قَالَت إنى لفى بَيت فِيهِ أُميَّة نَائِم إِذْ أقبل طائران أبيضان فسقطا على السّقف فَفرج السّقف فَسقط أَحدهمَا عَلَيْهِ فشق بَطْنه وَثَبت الآخر مَكَانَهُ فَقَالَ الْأَعْلَى للأسفل أوعى قَالَ وعى قَالَ أقبل قَالَ أَبى وَيُقَال قَالَ زكا قَالَ خسا فَرد عَلَيْهِ قلبه وطار والتأم السّقف قَالَت فَلَمَّا اسْتَيْقَظَ قلت لَهُ يَا أخى أحسست شَيْئا قَالَ لَا وإنى لأجد توصيبا فَمَا ذَاك فَأَخْبَرته قَالَ يَا أخية أَنا رجل أَرَادَ الله بى خيرا فَلم أقبله قَالَت فَلَمَّا مرض مرضته الَّتِى مَاتَ فِيهَا قَالَت فإنى عِنْده إِذْ نظر إِلَى السَّمَاء وشق بَصَره ثمَّ قَالَ (لبيكما لبيكما ... هَا أَنا ذَا لديكما) لَا ذُو بَرَاءَة فأعتذر وَلَا ذُو قُوَّة فأنتصر ثمَّ أغمى عَلَيْهِ ثمَّ شقّ بَصَره وَنظر وَقَالَ (لبيكما لبيكما ... هَا أَنا ذَا لديكما)

وَقَالَ لَا ذُو عشيرة تحمينى وَلَا ذُو مَال يفدينى ثمَّ أغمى عَلَيْهِ فَقُلْنَا قد أودى ثمَّ شقّ بَصَره وَنظر إِلَى السَّمَاء فَقَالَ (لبيكما لبيكما ... هَا أَنا ذَا لديكما) بِالنعَم مَحْفُودٌ من الذَّنب مخضود ثمَّ أغمى عَلَيْهِ ثمَّ شقّ بَصَره وَقَالَ (إِن تغْفر اللَّهُمَّ تغْفر جما ... وأى عبد لَك لَا ألما) ثمَّ أغمى عَلَيْهِ ثمَّ أَفَاق فَقَالَ (ليتنى كنت قبل مَا قد بدالى ... فى قلال الْجبَال أرعى الوعولا) (كل عَيْش وَإِن تطاول دهرا ... قصره مرّة إِلَى أَن يزولا) ثمَّ خفت فَمَاتَ

367 - قَالَ ابْن سَلام وَأَبُو محجن رجل شَاعِر شرِيف وَكَانَ قد غلب عَلَيْهِ الشَّرَاب فَضرب فِيهِ مرَارًا ثمَّ حَبسه سعد بالقادسية فى الْقصر مَعَه وَالنَّاس يقتتلون فجال الْمُسلمُونَ جَوْلَة وَهُوَ ينظر فَقَالَ (كفى حزنا أَن تطرد الْخَيل بالقنا ... وأترك مشدودا على وثاقيا) (إِذا قُمْت غنانى الْحَدِيد وأغلقت ... مصاريع من دونى تصم المناديا) (وَقد كنت ذَا مَال كثيروإخوة ... فقد تركونى وَاحِدًا لَا أَخا ليا) (أرينى سلاحى لَا أَبَا لَك إننى ... أرى الْحَرْب مَا تزداد إِلَّا تماديا) وَكَانَ مُقَيّدا يَوْمئِذٍ عِنْد زبراء أم ولد سعد بن أَبى وَقاص فَقَالَ لَهَا

أطلقينى فلك الله لَئِن فتح الله على الْمُسلمين وسلمت لأرجعن حَتَّى أَضَع رجلى فى الْقَيْد فأطلقته وَحَمَلته على فرس لسعد فَأخذ الرمْح فَخرج فقاتل فحطم الْمُشْركين وَكَانَ سَبَب الْهَزِيمَة فَقَالَ سعد لَوْلَا أَن أَبَا محجن مَحْبُوس لَقلت الْفَارِس أَبُو محجن فَلَمَّا فتح الله على الْمُسلمين رَجَعَ إِلَى محبسه فَقَالَ لَهُ سعد لاضربتك فى الْخمر أبدا قَالَ أَبُو محجن وَأَنا وَالله لَا أشربها أبدا 368 - قَالَ ابْن سَلام ولغيلان بن سَلمَة شعر وَهُوَ شرِيف

وَكَانَ قسم مَا لَهُ كُله بَين وَلَده وطلق نِسَاءَهُ فَقَالَ لَهُ عمر إِن الشَّيْطَان قد نفث فى روعك أَنَّك ميت وَلَا أرَاهُ إِلَّا كَذَلِك لترجعن فى مَالك ولتراجعن نِسَاءَك أَو لآمرن بقبرك أَن يرْجم كَمَا يرْجم قبر أَبى رِغَال فَفعل

شعراء البحرين

شعراء الْبَحْرين 369 - قَالَ ابْن سَلام وفى الْبَحْرين شعر كثير جيد وفصاحة مِنْهُم 370 - المثقب وَهُوَ عَائِذ بن مُحصن بن ثَعْلَبَة بن وَاثِلَة بن عدى بن عَوْف بن دهن بن عذرة بن منبة بن نكرَة وهى الْقَبِيلَة ابْن لكيز بن أفصى بن عبد الْقَيْس وَإِنَّمَا سمى المثقب لبيت قَالَه (رددن تَحِيَّة وكنن أُخْرَى ... وثقبن الوصاوص للعيون) 371 - وَقَالَ أَيْضا (ظعائن لَا توفى بِهن ظعائن ... وَلَا الثاقبات من لؤى بن غَالب)

(وَلَا ثعلبيات حللن عباعبا ... لَا أسرة الْقَعْقَاع من رَهْط حَاجِب) وَتَمِيم تنشد (وَلَا نهشليات أبوهن دارم ... وَلَا أسرة الْقَعْقَاع من رَهْط حَاجِب) 372 - والمثقب العبدى هُوَ الذى يَقُول (أفاطم قبل بَيْنك متعينى ... ومنعك مَا سَأَلتك أَن تبينى)

(وَلَا تعدى مواعد كاذبات ... تمر بهَا ريَاح الصَّيف دونى) (فإنى لَو تخالفنى شمالى ... عنادك مَا وصلت بهَا يمينى) (إِذا لقطعتها ولقلت بينى ... كَذَلِك أجتوى من يجتوينى) (إِذا ماقمت أرحلها بلَيْل ... تأوه آهة الرجل الحزين) (تَقول إِذا درأت لَهَا وضينى ... أَهَذا دينه أبدا ودينى) (أكل الدَّهْر حلا وارتحالا ... أما يبْقى على وَلَا يقينى) (فأبقى باطلى وَالْجد مِنْهَا ... كد كَانَ الدرابنة المطين)

وَهَذِه الأبيات بعض القصيدة وَإِنَّمَا انتخبنا أَجودهَا أبياتا 373 - وَمِنْهُم الممزق العبدى واسْمه شأس بن نَهَار بن أسود وَإِنَّمَا سمى الممزق بِبَيْت قَالَه (فَإِن كنت مَأْكُولا فَكُن خير آكل ... وَإِلَّا فأدركنى وَلما أمزق) قَالَ وبلغنى أَن عُثْمَان بن عَفَّان بعث بِهِ إِلَى على بن أبي طَالب رَحمَه الله عَلَيْهِمَا ورضى عَنْهُمَا حِين بلغ مِنْهُ وألح عَلَيْهِ 374 - وَمِنْهُم الْمفضل بن معشر بن أسحم بن عدى بن شَيبَان بن

سود بن عذرة بن مُنَبّه بن نكرَة فضلته قصيدته الَّتِى يُقَال لَهَا المنصفة وأولها (ألم تَرَ أَن جيرتنا استقلوا ... فنيتنا ونيتهم فريق) 375 - وَقد اخْتلف فى الْقَائِل (هَل للفتى من بَنَات الدَّهْر من واقى ... أم هَل لَهُ من حَتَّى الْمَوْت من راقى)

(ورجلونى وَمَا رجلت من شعث ... وألبسونى ثيابًا غير أَخْلَاق) (ورفعونى وَقَالُوا أَيّمَا رجل ... وأدرجونى كأنى طى مِخْرَاق) (وَأَرْسلُوا فتية من خَيرهمْ حسبا ... ليسندوا فى ضريح الترب أطباقى)

(خفض عَلَيْك وَلَا تولع بإشفاق ... فَإِنَّمَا مالنا للْوَارِث الباقى) 376 - وَلَا أعرف بِالْيَمَامَةِ شَاعِرًا مَذْكُورا

شعراء يهود

شعراء يهود 377 - وفى يهود الْمَدِينَة وأكنافها شعر جيد مِنْهُم 378 - السموأل بن عادياء من أهل تيماء وَهُوَ الذى كَانَ امْرُؤ الْقَيْس استودعه سلاحة فَسَار إِلَيْهِ الْحَارِث بن أَبى شمر الغسانى فَطَلَبه فأغلق الْحصن دونه فَأخذ ابْنا لَهُ خَارِجا من الْقصر وَقَالَ إِمَّا أَن تُؤَدّى إِلَى السِّلَاح وَإِمَّا أَن أَقتلهُ قَالَ اقتله فَلَنْ أؤديها ووفى فَضرب بِهِ الْأَعْشَى الْمثل فَقَالَ (كن كالسموأل إِذْ طَاف الْهمام بِهِ ... فى جحفل كسواد اللَّيْل جرار)

(بالأبلق الْفَرد من تيماء منزله ... حصن حُصَيْن وجار غير غدار) (إِذْ سامه خطتى خسف فَقَالَ لَهُ ... قل مَا تشَاء فإنى سامع حَار) (فَقَالَ ثكل وغدر أَنْت بَينهمَا ... فاختر وَمَا فيهمَا حَظّ لمختار) (فَشك غير طَوِيل ثمَّ قَالَ لَهُ ... اقْتُل أسيرك إنى مَانع جارى) 379 - والسموأل بن عادياء يَقُول فى كلمة لَهُ طَوِيلَة (إِن حلمى إِذا تغيب عَنى ... فاعلمى أننى عَظِيما رزيت) (ضيق الصَّدْر بالخيانة لَا ... ينْقض فقرى أمانتى ماحييت) (كم فظيع سمعته فتصاممت ... وغى تركته فكفيت) (لَيْت شعرى وأشعرن إِذا مَا ... قربوها منشورة فقريت)

(ألى الْفضل أم على إِذا حوسبت ... إنى على الْحساب مقيت) (ميت دهر قد كنت ثمَّ حييت ... وحياتى رهن بِأَن سأموت) 380 - وَمِنْهُم الرّبيع بن أَبى الْحقيق من بنى النَّضِير وَهُوَ الذى يَقُول (سَائل بِنَا خابر أكفائنا ... وَالْعلم قد يلفى لَدَى السَّائِل)

(لسنا إِذا جارت دواعى الْهوى ... واستمع المنصت للقائل) (واعتلج الْقَوْم بألبابهم ... بقابل الْجور وَلَا الْفَاعِل) (إِنَّا إِذا نحكم فى ديننَا ... نرضى بِحكم الْعَادِل الْفَاصِل) (لَا نجْعَل الْبَاطِل حَقًا وَلَا ... نلط دون الْحق بِالْبَاطِلِ) (نَخَاف أَن نسفه أَحْلَامنَا ... فنخمل الدَّهْر مَعَ الخامل) ويروى فنحمل الذَّم مَعَ الْحَامِل 381 - وَكَعب بن الْأَشْرَف وَهُوَ من طَيئ وَأمه من بنى النَّضِير وَكَانَ فى أَخْوَاله سيدا وَبكى قَتْلَى بدر وشبب بنساء رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَنسَاء الْمُسلمين فَأمر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم

مُحَمَّد بن مسلمة ورهطا مَعَه من الْأَنْصَار بقتْله فَقَتَلُوهُ وَهُوَ يَقُول فى كلمة (رب خَال لى لَو أبصرته ... سبط المشية أباءأنف) (لين الْجَانِب فى أقربه ... وعَلى الْأَعْدَاء سم كالذعف) (وَلنَا بِئْر رواء جمة ... من يردهَا بِإِنَاء يغترف) (ونخيل فى تلاع جمة ... تخرج التَّمْر كأمثال الأكف)

(وصرير فى محَال خلته ... آخر اللَّيْل أهازيج بدف) 382 - وَشُرَيْح بن عمرَان الذى يَقُول فى كلمة (آخ الْكِرَام إِن اسْتَطَعْت ... إِلَى إخائهم سَبِيلا) (واشرب بكأسهم وَإِن ... شربوا بهَا السم الثميلا) (أأسيد إِن مَال ملكت ... فسر بِهِ سيرا جميلا) (أأسيد إِن المَال لَا ... يبكى إِذا فقد الخليلا) (إِن الْكَرِيم إِذا تؤاخيه ... وجدت لَهُ فضولا)

383 - وسعية بن العريض الْقَائِل فى كلمة لَهُ (بل لَيْت شعرى حِين أندب هَالكا ... مَاذَا يؤبننى بِهِ أنواحى)

(أيقلن لَا تبعد فربت كربَة ... فرجتها بيسارة وسماح) (ومغيرة شعواء يخْشَى درؤها ... يَوْمًا رددت سلاحها بسلاح) (ولرب مشغله يشب ... وقودها ... أطفأت حد رماحها برماح) (وكتيبة أدنيتها لكتيبة ... ومضاغن صبحت شَرّ صباح)

(وَإِذا عَمَدت لصخرة أسهلتها ... أَدْعُو بأفلح مرّة ورباح) (لَا تبعدن فَكل حى هَالك ... لابد من تلف فبن بفلاح) (إِن امْرأ أَمن الْحَوَادِث جَاهِلا ... وَرَجا الخلود كضارب بقداح)

(وَلَقَد أخذت الْحق غير مخاصم ... وَلَقَد دفعت الضيم غير ملاح) 384 - وَأَبُو قيس بن رفاعه وَهُوَ يَقُول فى قصيدته (إِذا ذكرت أُمَامَة فرط حول ... وَلَو بَعدت محلتها غريت)

(أكلفها وَلَو بَعدت نَوَاهَا ... كأنى من تذكرها خميت) (طليح لَا يؤوب إِلَى جسمى ... كأنى سم عاضهة سقيت) (وذى ضغن كَفَفْت النَّفس عَنهُ ... وَكنت على مساءته مقيت) (وسيفى صارم لَا عيب فِيهِ ... ويمنعنى من الرهق النبيت) (مَتى مَا يَأْتِ يومى لاتجدنى ... بمالى حِين أتركه شقيت)

(أَلين لَهُم وأفديهم بنفسى ... مقارشة الرماح إِذا لقِيت) (وأرهن فى الْحَوَادِث كف بكرى ... لجارى فى الْعَظِيمَة إِن دهيت) (أرَاهُ مَا أَقَامَ على حَقًا ... شريكى فى بلادى مَا بقيت) 385 - وَأَبُو الذَّيَّال يَقُول فى كلمة أَولهَا

(هَل تعرف الدَّار خف ساكنها ... بِالْحجرِ فالمستوى إِلَى الثمد) (دَار لبهنانة خدلجة ... تَبَسم عَن مثل بَارِد الْبرد) (أثت فطالت حَتَّى إِذا اعتدلت ... مَا إِن يرى الناظرون من أود) (فِيهَا فَأَما نقا فأسفلها ... والجيد مِنْهَا لظبية الجرد) (لَا الدَّهْر فان وَلَا مواعدها ... تأتى فليت القتول لم تعد)

(وَعدا محاصيلة إِلَى خلف ... ذَاك طلاب التضليل والنكد) (هيفاء يلتذها معانقها ... بعد علال الحَدِيث والنجد) (تمشى إِلَى نَحْو بَيت جارتها ... وَاضِعَة كفها على الكبد) (نعم شعار الْفَتى إِذا برد اللَّيْل ... وآضت كواكب الْأسد) (كَأَن مَاء الْغَمَام خالطه ... رَاح صفا بعد هادر الزّبد)

(والمسك والزنجبيل عل بِهِ ... أنيابها بعد غَفلَة الرصد) (دع ذَا وَلَكِن بل رب عاذلة ... لَو علمت مَا أُرِيد لم تعد) (هبت بلَيْل تلوم فى شرب ... الْخمر وَذكر الكواعب الخرد) (فَقلت مهلا فَمَا عَلَيْك أَن ... امسيت غويا غي وَلَا رشدى) (إنى لمستيقن لَئِن لم امت ... مل يَوْم إنى إِذن رهين غَد) (هَل نَحن إِلَّا كمن تقدمنا ... منا وَمن تمّ ظمؤه يرد)

(نَحن كمن قد مضى وَمَا إِن ارى ... شحا يزِيد الْحَرِيص من عدد) (فَلَا تلومننى على خلقى ... وأقنى حَيَاء الْكَرِيم واقتصدى) 386 - وَدِرْهَم بن زيد يَقُول

(هجرت الربَاب وجاراتها ... وهمك بالشوق قد يطْرَح) (يَمَانِية نازح دارها ... تقيم بغمدان لَا تَبْرَح) (لعمر أَبِيك الذى لَا أهين إنى لأعطى وأستفلح ... ) (وأدلج بالقوم شطر الْمُلُوك ... حَتَّى إِذا خَفق المجدح)

(أمرت صحابى لكى ينزلُوا ... فَنَامُوا قَلِيلا وَقد أَصْبحُوا) (أجدوا سرَاعًا فأفضى بهم ... سراب بدوية أفيح) تمّ السّفر الأول من طَبَقَات فحول الشُّعَرَاء ويليه السّفر الثانى وأوله طَبَقَات الْإِسْلَام عشر طَبَقَات كل طبقَة أَرْبَعَة رَهْط متكافئين معتدلين

الجزء 2

طَبَقَات الْإِسْلَام 387 - عشر طَبَقَات كل طبقَة أَرْبَعَة رَهْط متكافئين معتدلين الطَّبَقَة الأولى 388 - جرير بن عَطِيَّة بن الخطفى وَاسم الخطفى حُذَيْفَة بن بدر ابْن سَلمَة بن عَوْف بن كُلَيْب بن يَرْبُوع خطفه بَيت قَالَه (يرفعن لِليْل إِذا مَا أسدفا ... أَعْنَاق جنان وهاما رجفا) (وعنقا بعد الرسيم خيطفا ... )

389 - والفرزدق واسْمه همام بن غَالب بن صعصة بن نَاجِية بن عقال بن مُحَمَّد بن سُفْيَان بن مجاشع وَإِنَّمَا سمي الفرزدق لِأَنَّهُ شبه وَجهه بالخبرة وَهِي فرزدقة 390 - والأخطل واسْمه غياث بن غوث بن الصَّلْت بن طارقة ابْن السيحان بن عَمْرو بن فدوكس بن عَمْرو بن مَالك بن جشم بن بكر ابْن حبيب بن عَمْرو بن غنم بن تغلب خطله قَول كَعْب بن جعيل لَهُ إِنَّك لأخطل ياغلام 391 - وراعى الْإِبِل واسْمه عبيد بن حُصَيْن بن جندل بن قطن ابْن ظويلم بن ربيعَة بن عبد الله بن الْحَارِث بن نمير سمى رَاعى

وَجَرِير أشعر خَاصَّة 397 - وَكَانَ الْأَشْهب بن رميلة يفاخر الفرزدق فَكَانَ الفرزدق يذكر فقيما مَعَ بني نهشل فَاسْتَعدوا عَلَيْهِ زيادا فهرب من زِيَاد 398 - فَحَدثني جَابر بن جندل الْفَزارِيّ قَالَ أَتَى الفرزدق عِيسَى بن خصيلة السّلمِيّ فَقَالَ يَا أَبَا خصيلة إِن هَذَا الرجل قد أضافني وَقد لفظني جَمِيع من كنت أَرْجُو قَالَ فمرحبا يَا أَبَا فراس فَكَانَ عِنْده ليَالِي ثمَّ قَالَ لَهُ إِنِّي أُرِيد أَن أخرج إِلَى الشَّام فَقَالَ لَهُ إِن أَقمت فَفِي الرحب وَالسعَة وَإِن شخصت فَهَذِهِ نَاقَة أرحبية أمتعك بهَا وَألف دِرْهَم فَركب النَّاقة وَخرج من عِنْده لَيْلًا وَأرْسل مَعَه عِيسَى بن خصيلة من أجَازه من الْبيُوت فَأصْبح وَقد جَاوز مسيرَة ثَلَاث فَقَالَ يمدحه

(تخطى بى البهزى حملان من أَبى ... من النَّاس والجانى تخَاف جرائمه) (فَتى الْجُود عِيسَى والمكارم والعلى ... إِذا المَال لم ترفع بَخِيلًا كرائمه) (وَمن كَانَ ياعيسى يؤنب ضَيفه ... فضيفك محبور هني مطاعمه) (وَقَالَ تعلم أَنَّهَا أرحبية ... وَأَن لَهَا اللَّيْل الَّذِي أَنْت جاشمه) (فَأَصْبَحت والملقى ورائى وحنبل ... وماصدرت حَتَّى علا النَّجْم عاتمه)

(تزاور عَن أهل الحفير كَأَنَّهَا ... ظليم تبارى جنح ليل نعائمه) (رَأَتْ بَين عينيها روية وانجلى ... لَهَا الصُّبْح عَن صعل أسيل مخاطمه) 399 - وَقَالَ ايضا فِيهِ (تداركنى أَسبَاب عِيسَى من الردى ... وَمن يَك مَوْلَاهُ فَلَيْسَ بِوَاحِد)

(نمته النواصي من سليم إِلَى العلى ... وأعراق صدق بَين نصر وخَالِد) (سأثنى بِمَا أوليتني وأربه ... إِذا الْقَوْم عَدو افضلهم فِي الْمشَاهد) 400 - فَلَمَّا بلغ زيادا شخوصه أتبعه عَليّ بن زَهْدَم الفقيمى فَلم يلْحقهُ فَقَالَ الفرزدق (فَإنَّك لَو لاقيتني يَا ابْن زَهْدَم ... لأبت شعاعيا على شَرّ تِمْثَال) 401 - فَأتى بكر بن وَائِل فأجاروه فأمن فَقَالَ (وَقد ميلت بَين الْمسير فَلم تَجِد ... لعورتها كالحي بكر بن وَائِل)

(وسارت إِلَى الأحفار خمْسا فَأَصْبَحت ... مَكَان الثريا من يَد المتناول) (وَمَا ضرها إِذْ جَاوَرت فِي بلادها ... بني الْحصن مَا كَانَ اخْتِلَاف الْقَبَائِل) والحصن ثَعْلَبَة بن عكابة أَبُو شَيبَان وَقيس وَذهل وتيم 402 - فَأتى من وَجهه ذَلِك سعيد بن الْعَاصِ بِالْمَدِينَةِ وَهُوَ واليها فمدحه وَعِنْده الحطيئة وَكَعب بن جعيل فآمنه سعيد فَبَلغهُ أَن زيادا قَالَ لَو أَتَانِي لآمنته واعطيته فَقَالَ فِي كلمة (دَعَاني زِيَاد للعطاء وَلم أكن ... لآتيه ماساق ذُو حسب وفرا) (وَعند زِيَاد لَو يُرِيد عطاءهم ... رجال كثير قد يرى بهم فقرا)

(قعُود لَدَى الْأَبْوَاب طَالب حَاجَة ... عوان من الْحَاجَات أوحاجة بكرا) (فَلَمَّا خشينا أَن يكون عطاؤه ... أداهم سُودًا أَو محدرجة سمرا) (نميت إِلَى حرف أضرّ بنيها ... سرى البيد واستعراضها الْبَلَد القفرا) (يؤم بهَا الْآفَاق من لايرى لَهُ ... لَدَى ابْن أبي سُفْيَان جاها وَلَا عذرا) 403 - فَلَمَّا اطْمَأَن عِنْد سعيد قَالَ (أَلا من مبلغ عني زيادا ... مغلغلة يخب بهَا بريد)

(بِأَنِّي قد فَرَرْت إِلَى سعيد ... وَلَا يسطاع مايحوي سعيد) (فَرَرْت إِلَيْهِ من لَيْث هزبر ... تفادى من فريسته الْأسود) (فَإِن شِئْت انتسبت إِلَى النَّصَارَى ... وناسبني وناسبت الْيَهُود) (وَإِن شِئْت انتسبت إِلَى فقيم ... وناسبني وناسبت القرود) (وأبغضهم إِلَى بَنو فقيم ... وَلَكِن سَوف أفعل مَا تكيد) 404 - وَكَانَ يدْخل على القيان بِالْمَدِينَةِ فَقَالَ فِي قينة (إِذا شِئْت غناني من العاج قاصف ... على معصم رَيَّان لم يتخدد)

(لبيضاء من أهل الْمَدِينَة لم تعش ... ببؤس وَلم تتبع حمولة مجحد) (نعمت بهَا ليل التَّمام فَلم يكد ... يروي استقائى هَامة الحائم الصدي) (وَقَامَت تخشينى زيادا وأجفلت ... حوالي فِي برد يمَان ومجسد) (فَقلت دعيني من زِيَاد فإنني ... أرى الْمَوْت وقافا على كل مرصد)

405 - وَقَالَ (ألم يَأْته أَنى تخَلّل نَاقَتي ... بنعمان أَطْرَاف الْأَرَاك النواعم) (مُقَيّدَة ترعى الْأَرَاك ورحلها ... بِمَكَّة ملقى عَائِذ بالمحارم) (فَدَعْنِي أكن مَا كنت حَيا حمامة ... من القاطنات الْبَيْت غير الروائم)

فأنشدها زِيَاد فرق لَهُ وَقَالَ عِنْد ذَلِك لَو أَتَانِي لآمنته 406 - وَفِي ذَلِك يَقُول الْبكْرِيّ (ليَالِي تمنى أَن تكون حمامة ... بِمَكَّة يؤويك الستار الْمحرم) 407 - فَلَمَّا هلك زِيَاد رثاه مِسْكين بن عَامر بن شُرَيْح بن عَمْرو ابْن عَمْرو وبن عدس الدَّارمِيّ فَقَالَ (رَأَيْت زِيَادَة الْإِسْلَام ولت ... جهارا حِين ودعها زِيَاد) 408 - فَقَالَ الفرزدق (أمسكين أبكى الله عَيْنك إِنَّمَا ... جرى فِي ضلال دمعها فتحدرا) (بَكَيْت امْرأ فظا غليظا مبغضا ... ككسرى على عدانه أَو كقيصرا) (أَقُول لَهُ لما أَتَانِي نعيه ... بِهِ لَا بِظَبْيٍ بالصرائم أعفرا)

409 - فَأَجَابَهُ بِهِ مِسْكين فَقَالَ وَهِي أَبْيَات (أَلا أَيهَا الْمَرْء الَّذِي لست قَائِما ... وَلَا قَاعِدا فِي الْقَوْم إِلَّا انبرى ليا) (فجئني بعم مثل عمي أَو أَب ... كَمثل أبي أوخال صدق كخاليا) (كعمر وبن عَمْرو أوزرارة ذِي الندى ... أَو الْبشر من كل فرعت الروابيا) الْبشر يَعْنِي خَاله من النمر بن قاسط 410 - وَقد مدحه مِسْكين فَقَالَ (شُرَيْح فَارس النُّعْمَان عمى ... وخالي الْبشر بشر بنى هِلَال)

(وَقَاتل خَاله بِأَبِيهِ منا ... سَمَّاعَة لم يبع حسبا بِمَال) 411 - حَدثنِي الحكم بن مُحَمَّد قَالَ كَانَ تَمِيم بن زيد رجلا من قضاعة من بلقين فَكَانَ على الْهِنْد وَفِي جَيْشه رجل يُقَال لَهُ خُنَيْس أَو حُبَيْش طَالَتْ غيبته على أَهله فَأَتَت أمه قبر غَالب بكاظمة فأقامت عَلَيْهِ حَتَّى علم الفرزدق مَكَانهَا ثمَّ أَتَتْهُ فطلبت إِلَيْهِ فَكتب إِلَى تَمِيم بن زيد (فَهَب لي حبيشا وَاتخذ فِيهِ منَّة ... لغصة أم مَا يسوغ شرابها) (أَتَتْنِي فعاذت يَا تَمِيم بغالب ... وبالحفرة السافى عَلَيْهِ ترابها)

(تَمِيم بن زيد لَا تكونن حاجتى ... بِظهْر فَلَا يخفى عَلَيْك جوابها) فَلَمَّا أَتَاهُ كِتَابه لم يدر أخنيس أم حُبَيْش وَفِي جَيْشه عدَّة خُنَيْس وحبيش فَأَطْلَقَهُمْ جَمِيعًا لَهُ 412 - أَبُو يحيى الضبى قَالَ ضرب مكَاتب لبنى منقر قبَّة على قبر غَالب فَقدم النَّاس على الفرزدق فأخبروه أَنهم رَأَوْا على قبر غَالب بِنَاء ثمَّ قدم عَلَيْهِ وَهُوَ بالمريد فَقَالَ (بِقَبْر ابْن ليلى غَالب عذت بَعْدَمَا ... خشيت الردى أَو أَن أرد على قسر) (فَأَخْبرنِي قبر ابْن ليلى فَقَالَ لي ... فكاكك أَن تلقى الفرزدق بِالْمِصْرِ) فَقَالَ الفرزدق صدق أَبى أنخ أنخ ثمَّ طَاف لَهُ فِي النَّاس فَجمع

لَهُ مُكَاتبَته وفضلا 413 - وَكَانَ ذُو الأهدام وَهُوَ نفيع أحد بني جَعْفَر بن كلاب توثب على الفرزدق فهجاه فَجَاءَت أمه إِلَى قبر غَالب فعاذت بِهِ فَقَالَ الفرزدق (نبئت ذَا الأهدام يعوي ودونه ... من الشَّام زراعاتها وقصورها) (على حِين لم أترك من الأَرْض حَيَّة ... وَلَا نابحا إِلَّا استسر عقورها) (كلاب نبحن اللَّيْث من كل جَانب ... فَعَاد عواء بعد نبح هريرها)

(عَجُوز تصلي الْخمس عاذت بغالب ... فَلَا والذى عاذت بِهِ لَا أضيرها) (لَئِن نَافِع لم يرع أَرْحَام أمه ... وَكَانَت كدلو لَا يزَال يعيرها) (لبئس دم الْمَوْلُود مس ثِيَابهَا ... عَشِيَّة نَادَى بالغلام بشيرها) (وَإِنِّي على إشفاقها من مخافتي ... وَإِن عقها بِي نَافِع لمجيرها) (وَلَو أَن أم النَّاس حَوَّاء حَارَبت ... تَمِيم بن مر لم تَجِد من يجيرها) وَيُقَال إِن هَذَا الْبَيْت لَيْسَ فِيهَا 414 - قَالَ قدم الفرزدق من الْيَمَامَة وَدَلِيله رجل من بلعنبر فضل بِهِ فَقَالَ

(وَمَا نَحن إِن جارت صُدُور رِكَابنَا ... بِأول من غرت دلَالَة عَاصِم) (أَرَادَ طَرِيق العنصلين فياسرت ... بِهِ العيس فِي وادى الصوى المتشائم) (وَكَيف يضل الْعَنْبَري ببلدة ... بهَا قطعت عَنهُ سيور التمائم) (وَجَاء بجلمود لَهُ مثل رَأسه ... ليشْرب مَاء الْقَوْم بَين الصرائم)

(فَلَمَّا تصافنا الْإِدَاوَة أجهشت ... إِلَيّ غُضُون الْعَنْبَري الجراضم) (فآثرته لما رَأَيْت الَّذِي بِهِ ... من الشَّرّ أخْشَى لاحقات الملاوم) (على سَاعَة لَو أَن فِي الْقَوْم حاتما ... على جوده ضنت بِهِ نفس حَاتِم) 415 - فَأَجَابَهُ عَاصِم (وَكَيف يضل الْحَنْظَلِي ببلدة ... بهَا وَلدته أمه غير قَائِم) (وزوراء ناء مَاؤُهَا من فلاتها ... كفينا سراها الْقَيْن والقين نَائِم)

(سرينا بِهِ ليل التَّمام فصبحت ... بِهِ العيس مروى من جمام الخضارم) 416 - وَأنْشد يُونُس للفرزدق حِين طلق النوار (نَدِمت ندامة الكسعى لما ... مَضَت مني مُطلقَة نوار) (وَكَانَت جنَّة فَخرجت مِنْهَا ... كآدم حِين أخرجه الضرار)

(وَكنت كفاقئ عَيْنَيْهِ عمدا ... فَأصْبح مَا يضىء بِهِ النَّهَار) (وَلَو ضنت يداي بهَا وَنَفْسِي ... لَكَانَ عَليّ للقدر الْخِيَار) (وَمَا فارقتها شبعا وَلَكِن ... رَأَيْت الدَّهْر يَأْخُذ مايعار) 417 - وَكَانَ خَالِد بن عبد الله الْقَسرِي حبس الْكُمَيْت بن زيد

أَبَا المستهل الْأَسدي فَحَدثني سَلام أَبُو الْمُنْذر الْقَارِي أَن خَالِدا حبس الْكُمَيْت بن زيد وَكَانَ قَالَ لخَالِد (فَإِنِّي وتمداحي يزِيد وخالدا ... ضلالا لكالحادي وَلَيْسَ لَهُ إبل) فَكَانَت أم المستهل تدخل عَلَيْهِ حَتَّى عرف أهل السجْن وبوابوه ثِيَابهَا وهيئتها فَدخلت عِنْد غَفلَة مِنْهُم فَلبس ثِيَابهَا وتهيأ بهيئتها ثمَّ خرج فَقَالَ (خرجت خُرُوج الْقدح قدح ابْن مقبل ... على الرغم من تِلْكَ النوابح والمشلى) عَليّ ثِيَاب الغانيات وتحتها ... عَزِيمَة أَمر أشبهت سلة النصل) وَلذَلِك قَالَت القيسية لهشام حِين كَلمُوهُ فِي أَمر الفرزدق حِين

حَبسه خَالِد كلما كَانَ فِي مُضر نَاب أَو شَاعِر حَبسه يعنون الْكُمَيْت والفرزدق 418 - وَأخْبرنَا يُونُس قَالَ لما قدم الْمهْدي أَتَاهُ ابْن الْكُمَيْت مدلا بطول مدح الْكُمَيْت بني هَاشم فَقَالَ لَهُ الْمهْدي أَلَيْسَ أَبوك الَّذِي يَقُول فَالْآن صرت إِلَى أُميَّة والأمور لَهَا مصائر آذهب فَلَيْسَ لَك عندنَا شَيْء 419 - وَقَالَ الفرزدق يُعَاتب قومه (جزى الله عني فِي الخطوب مجاشعا ... جَزَاء كريم عَالم كَيفَ يصنع) (يرقون عظمى مَا اسْتَطَاعُوا وإنني ... أشيد لَهُم بُنيان مجد وَأَرْفَع) (وَإِنِّي لتنهاني عَن الْجَهْل فيهم ... إِذا كدت خلات من الْحلم أَربع) (حَيَاء وبقيا وانتظار وأنني ... كريم فَأعْطِي مَا أَشَاء وَأَمْنَع)

(فَإِن أعف أستبقى ذنُوب مجاشع ... فَإِن الْعَصَا كَانَت لذِي الْحلم تقرع) 420 - اخبرني أَبُو يحيى الضَّبِّيّ قَالَ لما هرب الفرزدق من زِيَاد حِين استعدى عَلَيْهِ بَنو نهشل فِي هجائه إيَّاهُم أَتَى سعيد بن الْعَاصِ وَهُوَ على الْمَدِينَة أَيَّام مُعَاوِيَة فاستجاره فأجاره وَعِنْده الحطيئة وَكَعب بن جعيل التغلبي فأنشده الفرزدق مدحته إِيَّاه الَّتِي يَقُول فِيهَا (ترى الغر الجحاجح من قُرَيْش ... إِذا مَا الْأَمر فِي الْحدثَان عالا) (بني عَم النَّبِي ورهط عَمْرو ... وَعُثْمَان الألى غلبوا فعالا) (قيَاما ينظرُونَ إِلَى سعيد ... كَأَنَّهُمْ يرَوْنَ بِهِ هلالا)

فَقَالَ الحطيئة هَذَا وَالله هُوَ الشّعْر لاما تعلل بِهِ مُنْذُ الْيَوْم أَيهَا الْأَمِير فَقَالَ لَهُ كَعْب بن جعيل فَضله على نَفسك وَلَا تفضله على غَيْرك قَالَ بل وَالله أفضله على نَفسِي وعَلى غَيْرِي ياغلام أدْركْت من قبلك وسبقت من بعْدك ثمَّ قَالَ لَهُ الحطيئة يَا غُلَام لَئِن بقيت لتبرزن علينا يَا غُلَام أنجدت أمك قَالَ لَا بل أَبى يُرِيد الحطيئة إِن كَانَت أمك أنجدت فَإِنِّي أصبتها فأشبهتني فألفاه لقن الْجَواب 421 - فنعاه عَلَيْهِ الطرماح حِين هجاه فَقَالَ (فاسأل قفيرة بالمروت هَل شهِدت ... سَوط الحطيئة بَين السجف والنضد) (أم كَانَ فِي غَالب شعر فيشبهه ... شعر آبنها فَيُقَال الشّعْر من صدد) (جَاءَت بِهِ نُطْفَة من شَرّ مَا آتسقت ... مِنْهُ إِلَى شَرّ وَاد شقّ فِي بلد)

422 - قَالَ وَأول شعر قَالَه الفرزدق أَن بني فقيم خَرجُوا يطْلبُونَ دَمًا لَهُم فِي قوم فصالحوا مِنْهُ على دِيَة فَقَالَ حِين رجعُوا (لقد آبت وُفُود بني فقيم ... بآلم مَا تؤوب بِهِ الْوُفُود) فشكوه إِلَى أَبِيه واستعدوه مِنْهُ فَقَالَ هُوَ أوغد من ذَاك ليته يَقُول شعرًا فَقَالَ الفرزدق (تَعَذَّرَتْ من شتم الْعَشِيرَة مؤليا ... وَلَا بُد للمظنون أَن يتعذرا) فَلَمَّا سَمعه أَبوهُ قَالَ أَنْت صَاحب الأول 423 - وَكَانَ يرْعَى غنما لأَهله يَعْنِي فِي صغره فَذهب الذِّئْب مِنْهَا بكبش فَقَالَ (تلوم على أَن صبح الذِّئْب ضأنها ... فألوى بكبش وَهُوَ فِي الرَّعْي راتع)

(وَقد مر حول بعد حول وَأشهر ... بعوص عَلَيْهِ وَهُوَ ظمآن جَائِع) (فَلَمَّا رأى الْإِقْدَام حزما وَأَنه ... أَخُو الْمَوْت من سدت عَلَيْهِ الْمطَالع) (أغار على خوف وصادف غرَّة ... فلاقى الَّتِى كَانَت عَلَيْهَا المطامع) (وَمَا كنت مضياعا وَلَكِن همتي ... سوى الرَّعْي مفطوما ومذأنا يافع) (أَبيت أسوم النَّفس كل عَظِيمَة ... إِذا وطنت للمكثرين الْمضَاجِع) فَكَانَ ذَلِك أول مَا علم بِهِ من شعره 424 - وَكَانَ راعي الْإِبِل يفضله وَفِي ذَلِك هجاه جرير

425 - وحَدثني أَبُو بكر مُحَمَّد بن وَاسع وَعبد القاهر بن السّري السليمان قَالَا كَانَ منا من بني حرَام بن سمال شويعر هجا الفرزدق فأخذناه فأتيناه بِهِ فَقُلْنَا هاهو ذَا بَين يَديك فَإِن شِئْت فَاضْرب وَإِن شِئْت فَاحْلِقْ لَا عدوى عَلَيْك وَلَا قصاص قد بَرِئْنَا إِلَيْك مِنْهُ فخلى عَنهُ وَقَالَ (فَمن يَك خَائفًا لأذاة شعري ... فقد أَمن الهجاء بَنو حرَام) (هم قادوا سفيههم وخافوا ... قلائد مثل أطواق الْحمام) 426 - وحَدثني عبد القاهر السّلمِيّ قَالَ مر الفرزدق بِمَجْلِس بني حرَام ومعنا عَنْبَسَة مولى عُثْمَان بن عَفَّان وَهُوَ جد عبد الْكَرِيم

ابْن روح فَقَالَ يَا أَبَا فراس مَتى تذْهب إِلَى الْآخِرَة قَالَ وَمَا حَاجَتك إِلَى ذَلِك يَا أخي قَالَ أكتب مَعَك إِلَى أبي قَالَ أَنا لَا أذهب إِلَى حَيْثُ أَبوك فِي النَّار اكْتُبْ إِلَيْهِ مَعَ دبالويه واصطفانوس 427 - حَدثنِي عمر بن السكن الصريمي قَالَ مر الفرزدق ببني ربيع وَهُوَ على بغلة فَوقف عَلَيْهِم وَفِيهِمْ ابْن محكان شَاعِرهمْ وَقد كَانَ قَالَ من الفرزدق غَضبا لبني منقر حِين هجاهم الفرزدق وَكَانَ قَالَ (سوى أَن أعراف الكوادن منقرا ... قَبيلَة سوء بار فِي النَّاس سوقها)

430 - فَقَالَ عمر بن سكن فِي حَدِيثه فَقَالَ لَهُ بَنو ربيع مرْحَبًا بسيدنا وشاعرنا قَالَ أير الْبَغْل فِي حرم سيدكم يَعْنِي ابْن محكان 431 - حَدثنِي أَبُو الغراف قَالَ أَتَى الفرزدق عبد الله بن مُسلم الْبَاهِلِيّ فثقل عَلَيْهِ الْكثير وخشيه فِي الْقَلِيل وَعِنْده عَمْرو بن عفرى الضَّبِّيّ راوية الفرزدق وَقد كَانَ جرير هجاه لروايته للفرزدق فَقَالَ (ونبئت جَوَابا وسكنا يسبني ... وَعَمْرو بن عفرى لَا سَلام على عَمْرو)

فَقَالَ عَمْرو بن عفرى لعبد الله بن مُسلم وَهُوَ الَّذِي يلقب الْفَقِير لَا يَهو لنك أمره أَنا أرضيه عَنْك بِدُونِ مَا كَانَ هم لَهُ بِهِ فَأعْطَاهُ ثَلَاث مئة دِرْهَم فقبلها وَرَضي ثمَّ بلغه صَنِيع ابْن عفرى فَقَالَ (تفوقت مَال الْبَاهِلِيّ كَأَنَّمَا ... تهر على المَال الَّذِي أَنْت كاسبه) (فَلَو كنت ضبيا صفحت وَلَو سرت ... على قدمي حَيَاته وعقاربه) (وَلَكِن ديافي أَبوهُ وَأمه ... بحوران يعصرن السليط أَقَاربه) فَقَالَ لَهُ ابْن عفرى وَأَتَاهُ فِي نَادِي قومه اجهد جهدك

فَهَل هُوَ إِلَّا هَذَا فو الله لَا أدع لَك مساءة إِلَّا أتيتها وَلَا تَأْمُرنِي بِشَيْء إِلَّا اجتنبته وَلَا تنْهى عَن شَيْء إِلَّا ركبته فَقَالَ إِنَّك لَا تدوم إِنَّك ترجع فأكد عَلَيْهِ فَقَالَ فَاشْهَدُوا أَنى أنهاه أَن يفعل بِأُمِّهِ كَذَا وَكَذَا 432 - حَدثنِي شُعَيْب بن صَخْر قَالَ تزوج ذبيان بن أَبى ذبيان الْعَدوي من بلعدوية مولاة لَهُم فَدَعَا النَّاس فِي وليمته فَدَعَا ابْن أَبى شيخ الْفُقيْمِي فألفى الفرزدق عِنْده فَقَالَ عِنْده فَقَالَ يَا أَبَا فراس انهض فَقَالَ إِنَّه لم يدعني فَقَالَ إِن ذبيان يُؤْتى وَإِن لم يدع ثمَّ قَالَ لاتخرج من عِنْده إِلَّا بجأنرة فَقَامَ مَعَه فَلَمَّا دخل على ذبيان قَالَ (كم قَالَ لي آبن ابي شيخ وَقلت لَهُ ... كَيفَ السَّبِيل إِلَى مَعْرُوف ذبيان) (إِن القلوص إِذا أَلْقَت جآجئها ... بِمثل بابك لم ترحل بحرمان) قَالَ أجل يَا أَبَا فراس فَادْخُلْ فَدخل فَأعْطَاهُ ثَلَاث مئة دِرْهَم 433 - وحَدثني أَبُو بكر الْمدنِي قَالَ قدم الفرزدق الْمَدِينَة

فَوَافَقَ بهَا موت طَلْحَة بن عبد الله بن عَوْف الزُّهْرِيّ وَكَانَ سيدا سخيا شريفا فَقَالَ يَا أهل الْمَدِينَة أَنْتُم أذلّ قوم قَالُوا وَمَا ذَاك يَا أَبَا فراس قَالَ غَلَبَكُمْ الْمَوْت على طَلْحَة حَتَّى أَخذه من بَيْنكُم 434 - قَالَ وأتى مَكَّة فَأتى عبد الله بن صَفْوَان بن أُميَّة بن خلف الجُمَحِي وَهُوَ سيد أهل مَكَّة يَوْمئِذٍ وَلَيْسَ عِنْده نقد حَاضر وَهُوَ يتَوَقَّع عطيته وعطية وَلَده فَقَالَ وَالله يَا أَبَا فراس مَا وَافَقت عندنَا نَقْدا وَلَكِن عرُوضا إِن شِئْت فَإِن عندنَا وصفاء فرهة فَإِن شِئْت أخذتهم قَالَ نعم فَأرْسل إِلَيْهِ بوصفاء من بنيه وَبني أَخِيه وَقَالَ هم لَك عندنَا إِلَى أَن تشخص وجاءه الْعَطاء فَأخْبرهُ الْخَبَر وفداهم فَقَالَ الفرزدق وَنظر إِلَى عبد الْعَزِيز بن عبد الله بن خَالِد بن أسيد وَكَانَ سيدا يطوف بِالْبَيْتِ يتبختر

(تمشي تبختر حول الْبَيْت منتحيا ... لَو كنت عَمْرو بن عبد الله لم تزد) 435 - وَتزَوج الفرزدق النوار بنت أعين بن ضبيعة الْمُجَاشِعِي فادعت عَلَيْهِ طَلَاقا ونازعته حَتَّى قدمت على ابْن الزبير فِي خِلَافَته وأتبعها واتهم رجَالًا من قومه يعينونها فَقَالَ الفرزدق (أطاعت بني أم النسير فَأَصْبَحت ... على قتب يَعْلُو الفلاة دليلها)

(تَأمل أَمِير الْمُؤمنِينَ فَإِنَّهَا ... مولهة يوهي الْحِجَارَة قيلها) فلجأت إِلَى أم هَاشم بنت مَنْظُور بن زبان الْفَزارِيّ امْرَأَة ابْن الزبير ولجأ الفرزدق إِلَى حَمْزَة بن عبد الله بن الزبير وَأمه تماضر بنت مَنْظُور فَكَانَ حَمْزَة إِذا أصلح شَيْئا من أَمر الفرزدق قلبت أم هَاشم رأى عبد الله إِلَى النوار فَقَالَ الفرزدق (أما البنون فَلم تقبل شَهَادَتهم ... وشفعت بنت مَنْظُور بن زبانا) (لَيْسَ الشَّفِيع الَّذِي يَأْتِيك متزرا ... مثل الشَّفِيع الَّذِي يَأْتِيك عُريَانا)

436 - أَخْبرنِي إِبْرَاهِيم بن حبيب بن الشَّهِيد عَن أَبِيه قَالَ قَالَ لَهُ ابْن الزبير مَا حَاجَتك بهَا وَقد كرهتك كن لَهَا أكره وخل سَبِيلهَا فَخرج وَهُوَ يَقُول مَا أَمرنِي بِطَلَاقِهَا إِلَّا ليثب عَلَيْهَا فَبلغ ذَلِك ابْن الزبير فَخرج وَقد اسْتهلّ هِلَال ذِي الْحجَّة وَلبس ثِيَاب الْإِحْرَام يُرِيد الْبَيْت ليحرم فألفى الفرزدق بِبَاب الْمَسْجِد عِنْد الباعة فَأخذ بعنقه فغمزها حَتَّى جعل رَأسه بَين رُكْبَتَيْهِ فَقَالَ (أَلا أَصبَحت عرس الفرزدق ناشزا ... وَلَو رضيت رمح استه لاستقرت) وَالْبَيْت لجَعْفَر بن الزبير فِيمَا ذكر عبد الله بن مُصعب 437 - وَكَانَ الفرزدق إِذا أصَاب دَرَاهِم أَتَى بهَا النوار فتحرز بَعْضهَا وتعطيه بَعْضهَا وَكَانَت مسلمة تأله فَكَانَت تزْعم أَنه طَلقهَا ويجحدها فَاحْتَاجَ يَوْمًا فَقَالَت أُعْطِيك كَذَا وَكَذَا درهما على أَن تشهد

على طَلَاقي الْحسن قَالَ نعم فَأَعْطَتْهُ فَقَالَ أَيهَا الشَّيْخ إِنِّي قد طلقت النوار قَالَ قد سمعنَا مَا قلت فَلَمَّا حضرها الْمَوْت أوصته وَهُوَ ابْن عَمها أَن يُصَلِّي عَلَيْهَا الْحسن فَأخْبرهُ فَقَالَ إِذا فَرَغْتُمْ فأعلموني وأخرجت وَجَاء الْحسن فسبقهم النَّاس فانتظروهما فَأَقْبَلَا وَالنَّاس ينظرُونَ قد استبطؤوهم فَقَالَ الْحسن مَا للنَّاس فَقَالَ الفرزدق يرَوْنَ خير النَّاس وَشر النَّاس قَالَ لست بِخَير النَّاس وَلست بشرهم وَقَالَ لَهُ الْحسن وَهُوَ على قبرها مَا أَعدَدْت لهَذَا المضجع قَالَ شَهَادَة أَن لَا إِلَه إِلَّا الله مذ سَبْعُونَ سنة 438 - حَدثنِي عَامر بن أبي عَامر وَهُوَ صَالح بن رستم الخراز قَالَ أَخْبرنِي أَبُو بكر الْهُذلِيّ قَالَ إنالجلوس عِنْد الْحسن إِذْ جَاءَ الفرزدق يتخطى حَتَّى جلس إِلَى جنبه فجَاء رجل فَقَالَ يَا أَبَا سعيد الرجل يَقُول فِي كَلَامه لَا وَالله بلَى وَالله وَلَا يُرِيد

الْيَمين فَقَالَ الفرزدق أَو مَا سَمِعت مَا قلت فِي ذَلِك فَقَالَ الْحسن مَا كل مَا قلت سمعُوا وَمَا قلت قَالَ قلت (وَلست بمأخوذ بشىء تَقوله ... إِذا لم تعمد عافدات العزائم) قَالَ ثمَّ لم يلبث أَن جَاءَ رجل آخر فَقَالَ يَا أَبَا سعيد إِنَّا نَكُون فِي هَذِه الْمَغَازِي فنصيب الْمَرْأَة لَهَا زوج أفيحل غشيانها وَلم يطلقهَا زَوجهَا فَقَالَ الفرزدق أَو مَا سَمِعت مَا قلت فِي ذَلِك قَالَ الْحسن مَا كل مَا قلت سمعُوا فَمَا قلت فِي ذَلِك قَالَ قلت (وَذَات حليل أنكحتنا رماحنا ... حَلَالا لمن يَبْنِي بهَا لم تطلق) 439 - أَخْبرنِي مُحَمَّد بن جَعْفَر الزيبقي قَالَ أَتَى الفرزدق الْحسن فَقَالَ إِنِّي قد هجوت إِبْلِيس فاسمع قَالَ لَا حَاجَة لنا فِيمَا تَقول قَالَ لتسمعن أَو لأخْرجَن فَأَقُول للنَّاس الْحسن ينْهَى عَن هجاء إِبْلِيس فَقَالَ الْحسن اسْكُتْ فَإنَّك عَن لِسَانه تنطق 440 - وَقَالَ رجل لِابْنِ سِيرِين وَهُوَ قَائِم مُسْتَقْبل الْقبْلَة يُرِيد

أَن يكبر أتوضأ من الشّعْر فَانْصَرف بِوَجْهِهِ فَقَالَ (أَلا أَصبَحت عرس الفرزدق ناشزا ... وَلَو رضيت رمح استه لاستقرت) ثمَّ توجه إِلَى الْقبْلَة وَكبر 441 - أَخْبرنِي عبد الْملك بن عبد الْعَزِيز الماجشوني عَن يحيى ابْن زيد قَالَ دخل رجل على الْحسن فَسَمعهُ يَقُول وَالله الَّذِي لَا إِلَه إِلَّا هُوَ لتبعثن ثمَّ قَالَ وَالله الَّذِي لَا إِلَه إِلَّا هُوَ لتموتن وَالله الذى لَا إِلَه إِلَّا هُوَ لتحاسبن قَالَ فَقلت هَذَا حلاف فَخرجت من عِنْده فَأتيت ابْن سِيرِين فَإِذا عِنْده جرير ينشده ويحدثه قلت هَذَا صَاحب بَاطِل فتركتهما فندمت 442 - حَدثنِي شُعَيْب بن صَخْر عَن مُحَمَّد بن زِيَاد وَكَانَ فِي ديماس الْحجَّاج زَمَانا حَتَّى أطلقهُ سُلَيْمَان حِين قَامَ قَالَ انْتَهَيْت إِلَى الفرزدق وَهُوَ ينشد بِمَكَّة بالردم مديح سُلَيْمَان بن عبد الْملك وَهُوَ يَقُول (وَكم أطلقت كَفاك من قيد بائس ... وَمن عقدَة مَا كَانَ يُرْجَى أنحلالها)

(كثيرا من الْأَيْدِي الَّتِي قد تكنعت ... وفككت أعناقا عَلَيْهَا غلالها) فَقلت أَنا وَالله أحدهم قَالَ فَأخذ بيَدي وَقَالَ أَيهَا النَّاس سلوه فوَاللَّه مَا كذبت قطّ 443 - وَسمعت الْحَارِث بن مُحَمَّد بن زِيَاد قَالَ كتب يزِيد بن الْمُهلب حِين فتح جرجان إِلَى أَخِيه مدركة أَو مَرْوَان احْمِلْ الفرزدق ليقول فِي آثارنا فَإِذا شخص فأعط أَهله كَذَا وَكَذَا قَالَ أَحْسبهُ قَالَ عشة آلَاف دِرْهَم فَقَالَ الفرزدق ادفعها إِلَيّ قَالَ اشخص وأدفعها إِلَى أهلك فَأبى وَخرج وَهُوَ يَقُول (دَعَاني إِلَى جرجان والرى دونه ... لآتيه إِنِّي إِذن لزؤور)

(لآتى من آل الْمُهلب ذائرا ... بأعراضهم والدائرات تَدور) (سآبى وتأبى لي تَمِيم وَرُبمَا ... أَبيت فَلم يقدر عَليّ أَمِير) 444 - أَنا أَبُو خَليفَة نَا ابْن سَلام قَالَ سَمِعت سَلمَة بن عَيَّاش قَالَ حبست فِي السجْن فَإِذا فِيهِ الفرزدق حَبسه مَالك بن المندر بن الْجَارُود فَكَانَ يُرِيد أَن يَقُول الْبَيْت فَيَقُول صَدره فأسبقه إِلَى القافية ويجىء بالقافية فأسبقه إِلَى الصَّدْر قَالَ لي مِمَّن أَنْت قلت من قُرَيْش قَالَ كل أير حمَار من قُرَيْش من أَيهمْ أَنْت قلت من بني عَامر قَالَ لئام وَالله أَذِلَّة جاورتهم فَكَانُوا شَرّ جيران قلت أَفلا أخْبرك بأذل مِنْهُم وألأم قَالَ بلَى قلت بَنو مجاشع قَالَ وَيلك وَلم قلت أَنْت شَاعِرهمْ وسيدهم وَابْن سيدهم جَاءَك شرطي مَالك حَتَّى أدْخلك السجْن لم يمنعوك قَالَ قَاتلك الله

445 - أَنا أَبُو خَليفَة نَا ابْن سَلام قَالَ فأنشدني يُونُس النَّحْوِيّ وَعبد القاهر السّلمِيّ للفرزدق حِين عزل يزِيد مسلمة عَن الْعرَاق بعد قَتله يزِيد بن الْمُهلب وَاسْتعْمل عمر بن هبيره (ولت بِمسلمَة الركاب مودعا ... فأرعى فَزَارَة لاهناك المرتع) (فسد الزَّمَان وبدلت أَعْلَامه ... حَتَّى أُميَّة عَن فَزَارَة تنْزع) (وَلَقَد علمت إِذا فَزَارَة أمرت ... أَن سَوف تطمع فِي الْإِمَارَة أَشْجَع) (ولخلق رَبك ماهم ولمثلهم ... فِي مثل مَا نَالَتْ فَزَارَة تطمع)

(تزع ابْن بشر وَابْن عَمْرو قبله ... وأخو هراة لمثلهَا يتَوَقَّع) ابْن بشر عبد الْملك بن بشر بن مَرْوَان كَانَ مسلمة أمره على الْبَصْرَة وَابْن عَمْرو سعيد بن عَمْرو بن الْوَلِيد بن عقبَة بن أبي معيط وَكَانَ على خُرَاسَان وأخو هراة سعيد بن عبد الْعَزِيز بن الْحَارِث ابْن الحكم بن أبي العَاصِي 446 - وَقَالَ إِسْمَاعِيل بن عمار الْأَسدي حِين عزل ابْن هُبَيْرَة وَأمر خَالِد الْقَسرِي (عجب الفرزدق من فَزَارَة أَن رأى ... عَنْهَا أُميَّة فِي الْمَشَارِق تنْزع)

(فَلَقَد رأى عجبا وأحدث بعده ... أَمر تطير لَهُ الْقُلُوب وتفزع) (بَكت المنابر من فَزَارَة شجوها ... فاليوم من قسر تضج وتجزع) (وَبَنُو أُميَّة أضرعونا للعدى ... لله در ملوكناما تصنع) (كَانُوا كتاركة بنيها جانبا ... سفها وَغَيرهم تصون وترضع) وَقَالَ قوم إِن هَذَا الْبَيْت للفرزدق وَمن أنْشدهُ لَهُ قَالَ (وملوك خندف أضرعونا للعدى ... ) 447 - ويروى للفرزدق فِي ابْن هُبَيْرَة (أَمِير المؤمنينوأنت عف ... كريم لست بالطبع الْحَرِيص) (أوليت الْعرَاق ورافديه ... فزاريا أحذ يَد الْقَمِيص)

(تفنق بالعراق أَبُو الْمثنى ... وَعلم أَهله أكل الخبيص) (وَلم يَك قبلهَا راعي مَخَاض ... ليأمنه على وركى قلُوص) 448 - وأنشدني لَهُ يُونُس (جهز فَإنَّك ممتار ومبتعث ... إِلَى فَزَارَة عيرًا تحمل الكمرا) (إِن الفزارى لَو يعمى فأطعمه ... أير الْحمار طَبِيب أَبْرَأ البصرا) (إِن الفزارى لَا يشفيه من قرم ... أطايب العير حَتَّى ينهش الذكرا)

(لما أَتَوْهُ بِمَا فى الْقدر أنكرهُ ... وآسترجع الضَّيْف لما أبْصر الكمرا) (يَقُول لما رأى مافي إنائهم ... لله ضيف الفزاريين مَا آنتظرا) 449 - فَلَمَّا قدم خَالِد بن عبد الله القشري واليا على ابْن هُبَيْرَة حَبسه فِي السجْن فَنقبَ لَهُ سرب فَخرج مِنْهُ فهرب إِلَى الشَّام فَقَالَ فِيهِ الفرزدق يذكر خُرُوجه (لما رَأَيْت الأَرْض قد سد ظهرهَا ... وَلم تَرَ إِلَّا بَطنهَا لَك مخرجا) (دَعَوْت الَّذِي ناداه يُونُس بَعْدَمَا ... ثوى فِي ثَلَاث مظلمات ففرجا)

(فَأَصْبَحت تَحت الأَرْض قد سرت لَيْلَة ... وَمَا سَار سَار مثلهَا حِين أدلجا) (خرجت وَلم يمنن عَلَيْك شَفَاعَة ... سوى ربذ التَّقْرِيب من آل أعوجا) (أغرمن اللحق اللهاميم إِذْ جرى ... جرى بك محبوك القرا غيرأفحجا) (جرى بك عُرْيَان الحماتين ليله ... بِهِ عَنْك أرْخى الله مَا كَانَ أشرجا) (وَمَا آحتال محتال كحيلته الَّتِي ... بهَا نَفسه تَحت الصريمة أولجا) (وظلماء تَحت الأَرْض قد خضت هولها ... وليل كلون الطيلسانى أدعجا) (هما ظلمتا ليل وَأَرْض تلاقتا ... على جَامع من همه مَا تعرجا)

450 - أَنا أَبُو خَليفَة نَا ابْن سَلام قَالَ حَدثنِي جَابر بن جندل قَالَ قيل لِابْنِ هُبَيْرَة من سيد أهل الْعرَاق قَالَ الفرزدق هجاني ملكا ومدحني سوقة 451 - وَقَالَ لخَالِد بن عبد الله حِين قدم الْعرَاق أَمِيرا لهشام (أَلا قطع الرَّحْمَن ظهر مَطِيَّة ... أتتنا تخطى من دمشق بِخَالِد) (وَكَيف يؤم النَّاس من كَانَت أمه ... تدين بِأَن الله لَيْسَ بِوَاحِد) (بنى بيعَة فِيهَا الصَّلِيب لأمه ... وَهدم من كفر منار الْمَسَاجِد) 452 - وَقَالَ أَيْضا (نزلت بجيلة واسطا فتمكنت ... ونفت فَزَارَة عَن قَرَار الْمنزل)

453 - وَقَالَ (لعمرى لَئِن كَانَت بجيلة زانها ... جرير لقد أخزى بجيلة خَالِد) 454 - فَلَمَّا قدم الْعرَاق أَمِيرا أَمر على شرطة الْبَصْرَة مَالك ابْن الْمُنْذر بن الْجَارُود فَكتب إِلَيْهِ خَالِد أَن احْبِسْ الفرزدق فَإِنَّهُ هجا أَمِير الْمُؤمنِينَ بِأَبْيَات قَالَهَا الفرزدق حِين حفر خَالِد النَّهر الَّذِي سَمَّاهُ الْمُبَارك (أهلكت مَال الله فِي غير حَقه ... على نهرك المشؤوم غير الْمُبَارك) (وتضرب أَقْوَامًا برَاء ظُهُورهمْ ... وتترك حق الله فِي ظهر مَالك) (أإنفاق مَال الله فِي غير كنهه ... ومنعا لحق المرملات الضرائك)

وَكَانَ عبد الْأَعْلَى بن عبد الله بن عَامر يَدعِي على مَالك فِرْيَة فأبطلها خَالِد 455 - أَنا أَبُو خَليفَة نَا مُحَمَّد بن سَلام قَالَ حَدثنِي أَبُو يحيى قَالَ قَالَ الفرزدق لِابْنِهِ لبطة وَهُوَ مَحْبُوس اشخص إِلَى هِشَام

ومدحه بقصيدة وَقَالَ لِابْنِهِ اسْتَعِنْ بالقيسية وَلَا يمنعك مِنْهُم هجائي لَهُم فَإِنَّهُم سيغضبون لَك وَقَالَ (بَكت عين محزون فَفَاضَ سجامها ... وطالت ليالى حَادث لَا ينامها) (فَإِن نبك لَا نبكي المصيبات إِذْ أَتَى ... بهَا الدَّهْر وَالْأَيَّام جم خصامها) (ولكنما نبكي تنهك خَالِد ... محارم منا لَا يحل حرامها) (أنقتل فِيكُم أَن قتلنَا عَدوكُمْ ... على دينكُمْ وَالْحَرب باد قتامها) (فَغير أَمِير الْمُؤمنِينَ فَإِنَّهَا ... يَمَانِية حمقاء أَنْت هشامها) قَالَ أنشدنيها أَبُو الغراف فأعانته القيسية وَقَالُوا يَا أَمِير

الْمُؤمنِينَ إِذا مَا كَانَ فِي مُضر نَاب أَو شَاعِر أَو سيد وثب عَلَيْهِ خَالِد فحبسه 456 - وَقَالَ الفرزدق أبياتا كتب بهَا إِلَى سعيد بن الْوَلِيد الأبرش الْكَلْبِيّ وكلم لَهُ هشاما (إِلَى الأبرش الْكَلْبِيّ أسندت حَاجَة ... تواكلها حَيا تَمِيم وَوَائِل) (على حِين أَن زلت بِي النَّعْل زلَّة ... فأخلف ظَنِّي كل حاف وناعل) (فدونكم يَا ابْن الْوَلِيد فَإِنَّهَا ... مفضلة أَصْحَابهَا فِي المحافل) (ودونكها يَا ابْن الْوَلِيد فَقُمْ بهَا ... قيام امرىء فِي قومه غير خامل) فَكلم لَهُ هشاما فَأمر بِتَخْلِيَتِهِ

فَقَالَ يمدح الأبرش (لقد وثب الْكَلْبِيّ وثبة حَازِم ... إِلَى خير خلق الله نفسا وعنصرا) (إِلَى خير أَبنَاء الْخَلِيفَة لم يجد ... لِحَاجَتِهِ من دونهَا مُتَأَخِّرًا) (أَبى حلف كلب فِي تَمِيم وعقدها ... كَمَا سنت الْآبَاء أَن يتغيرا) 458 - وَكَانَ حلف قديم بَين كلب وَتَمِيم فِي الْجَاهِلِيَّة وَذَلِكَ قَول جرير (تَمِيم إِلَى كلب وكلب إِلَيْهِم ... أَحَق وَأولى من صداء وحميرا) 459 - وَقَالَ الفرزدق (أَشد حبال بَين حيين مرّة ... حبال أمرت من تَمِيم وَمن كلب)

(وَلَيْسَ قضاعي لدينا بخائف ... وَلَو أَصبَحت تغلي الْقُدُور من الْحَرْب) 460 - وَقَالَ أَيْضا (ألم تَرَ قيسا قيس عيلان شمرت ... لنصري وحاطتني هُنَاكَ قرومها) (فقد حالفت قيس على النَّاس كلهم ... تميما فهم مِنْهَا وَمِنْهَا تميمها) (وعادت عدوى إِن قيسا لأسرتي ... وقومى إِذا مَا النَّاس عدصميمها) 461 - قَالَ مُحَمَّد بن سَلام وحَدثني عبد القاهر بن السّري قَالَ قَالَ عمر بن يزِيد بن عُمَيْر الأسيدي وَسمعت يُونُس يَقُول مَا كَانَ بِالْبَصْرَةِ مولد مثله قَالَ دخلت على هِشَام بن عبد الْملك وَعِنْده خَالِد بن عبد الله الْقَسرِي يتَكَلَّم وَيذكر الْيمن وطاعتها فَأكْثر

فِي ذَلِك فصفقت تصفيقة دوى البهو مِنْهَا فَقلت تالله مارأيت كَالْيَوْمِ خطلا وَالله إِن فتحت فتْنَة فِي الْإِسْلَام إِلَّا بِالْيمن لقد قتلوا أَمِير الْمُؤمنِينَ عُثْمَان وَلَقَد خرج ابْن الْأَشْعَث على أَمِير الْمُؤمنِينَ عبد الْملك بن مَرْوَان وَإِن سُيُوفنَا تقطر من دِمَاء بني الْمُهلب فَلَمَّا نهضت تَبِعنِي رجل من بني مَرْوَان حضر ذَاك فَقَالَ يَا أَخا تَمِيم وريت بك زنادى قد شهِدت مَقَالَتك وَاعْلَم ان أَمِير الْمُؤمنِينَ موليه الْعرَاق وَإِنَّهَا لَيست لَك بدار 462 - فَلَمَّا ولي خَالِد اسْتعْمل على أَحْدَاث الْبَصْرَة مَالك بن الْمُنْذر فَكَانَ لعمر مكرما ولحوائجه قَضَاء إِلَى أَن وجد عَلَيْهِ وَكَانَ عمر لَا يملك لِسَانه فَخرج من عِنْده وَقد سَأَلَهُ حَاجَة فقضاها فَقَالَ كَيفَ رَأَيْت الفساء سخرنا بِهِ مُنْذُ الْيَوْم

463 - وَقَالَ قَائِلُونَ إِن خَالِد كتب إِلَيْهِ فِيهِ فَأَخذه وَشهد عَلَيْهِ نَاس من بني تَمِيم وَغَيرهم فَضَربهُ مَالك حَتَّى قَتله تَحت السِّيَاط 464 - وَكَانَ عَمْرو بن مُسلم الْبَاهِلِيّ أعَان عَلَيْهِ وَكَانَت حميدة بنت مُسلم عِنْد مَالك بن الْمُنْذر وأعان عَلَيْهِ بشير بن عبيد الله بن أبي بكرَة وَكَانَ يُخَاصم هِلَال بن أحوز فِي المرغاب خُصُومَة طَوِيلَة وَكَانَ عمر يعين على بشير فَقَالَ الفرزدق (لحا الله قوما شاركوا فِي دمائنا ... وَكُنَّا لَهُم عونا على العثرات) (فجاهرنا ذُو الْغِشّ عَمْرو بن مُسلم ... وأوقد نَارا صَاحب البكرات) يَعْنِي بشيرا

465 - أَنا أَبُو خَليفَة نَا ابْن سَلام قَالَ حَدثنِي خَلاد بن يزِيد عَن سلم بن قُتَيْبَة قَالَ رَآنِي بشير بن عبيد الله وَأَنا أخاصم بعض أَهلِي وَأَنا شَاب فَقَالَ لي يَا ابْن أخي إِنِّي أَرَاك ثَبت الْمُرُوءَة فإياك والخصومات فَإِنَّهَا تذْهب الْمُرُوءَة فرأيته بعد ذَلِك يُخَاصم هِلَال أبن أحوز فِي المرغاب خُصُومَة طَوِيلَة فَقلت لَهُ أَتَذكر شَيْئا قلته قَالَ نعم قلت فَمَا بالك تخاصم قَالَ يَا ابْن أخي إِنِّي أخاصم فِي عدل الْخلَافَة وَأَنت تخاصم فِي ضحضاح لَا يواري أخمصك 466 - وَكَانَت عَاتِكَة بنت الْفُرَات بن مُعَاوِيَة البكائي وَأمّهَا

الملاءة بنت أوفى الْحَرَشِي أُخْت زُرَارَة عِنْد عمر بن يزِيد فَخرجت إِلَى هِشَام وأعانتها القيسية على مَالك فَحمل مَالك 467 - أَنا أَبُو خَليفَة نَا ابْن سَلام فَحَدثني مُحَمَّد بن الْحَارِث قَالَ قَالَ لَهُ هِشَام يَا ابْن اللخناء قتلت سيدك قَالَ أما إِن أُمِّي الَّتِي تلخن حملت أَبَاك على ركائبه إِلَى الشَّام يعْنى مَرْوَان وَكَانَ لَجأ أَيَّام الْجمل إِلَى المسامعة جريحا فداووه ثمَّ حملوه وَأم مَالك بحريّة بنت مَالك بن مسمع فألقي فِي السجْن وَقد مرض وَبِه بطن فَمَاتَ فِي مَرضه فَقَالَ الفرزدق (ستعلم عبد الْقَيْس إِن زَالَ ملكهَا ... على أَي حَال يسْتَمر مريرها) 468 - فَأَجَابَهُ النميري بقصيدة يَقُول فِيهَا

(وَكَانَ كعنز حِين قَامَت لحتفها ... إِلَى مدية مدفونة تستثيرها) (وَكَانَ يجير النَّاس من سيف مَالك ... فَأصْبح يَبْغِي نَفسه من يجيرها) 469 - وَقَالَ الفرزدق (تصرم مني ود بكر بن وَائِل ... وَمَا كَانَ مني ودهم يتصرم)

(قوارص تَأتِينِي ويحتقرونها ... وَقد يمْلَأ الْقطر الْإِنَاء فيفعم) 470 - فَأَجَابَهُ أَبُو العطاف (لعمري لَئِن كَانَ الفرزدق عاتبا ... وأحدث صرما للفرزدق أظلم) (لقد وسطتك الدَّار بكر بن وَائِل ... وضمتك للأحشاء إِذْ أَنْت محرم) (ليَالِي تمنى أَن تكون حمامة ... بِمَكَّة يؤويك الستار الْمحرم)

(فَإِن تنأ عَنَّا لَا تضرنا وَإِن تعد ... تَجِد نَا على الْعَهْد الَّذِي كنت تعلم) يَعْنِي حِين هرب الفرزدق من زِيَاد 471 - أَنا أَبُو خَليفَة نَا ابْن سَلام قَالَ وحَدثني أَبُو العطاف قَالَ لقى الفرزدق شَاب من أهل الْبَصْرَة فَقَالَ يَا أَبَا فراس أَسَالَك عَن مَسْأَلَة قَالَ سل قَالَ أَيهمَا أحب إِلَيْك تسبق الْخَيْر أَو يسبقك قَالَ يَا ابْن أخي لم تأل أَن شددت وأحببت أَن لَا تجْعَل لي مخرجا أفتجيبني أَنْت إِن أَجَبْتُك قَالَ نعم قَالَ فاحلف فغلظ عَلَيْهِ ثمَّ قَالَ نَكُون مَعًا لَا يسبقني وَلَا أسبقه أَسأَلك الْآن قَالَ نعم قَالَ فأيما أحب إِلَيْك أَن ترجع الْآن إِلَى مَنْزِلك فتجد امراتك قابضة بِكَذَا وَكَذَا من رجل أَو تَجِد رجلا قَابِضا بِكَذَا وَكَذَا مِنْهَا 472 - وَكَانَ أَبُو العطاف شَاعِرًا شتاما وَهُوَ الْقَائِل لعَمْرو ابْن هداب

(سموت إِلَى العلى وَقصرت عَنْهَا ... فَمَا بينى وَبَيْنك من عتاب) 473 - قَالَ ابْن سَلام وأنشدني يُونُس للفرزدق (من يَأْتِ عمارا وَيشْرب شربة ... يدع الصّيام وَلَا تصلى الْأَرْبَع) 474 - وَكَانَ الفرزدق أَكْثَرهم بَيْتا مُقَلدًا والمقلد الْبَيْت

المستغني بِنَفسِهِ الْمَشْهُور الَّذِي يضْرب بِهِ الْمثل فَمن ذَلِك قَوْله (فيا عجبا حَتَّى كُلَيْب تسبني ... كَأَن أَبَاهَا نهشل أَو مجاشع) (وَكُنَّا إِذا الْجَبَّار صعر خَدّه ... ضَرَبْنَاهُ حَتَّى تستقيم الأخادع)

475 - وَقَوله (لَيْسَ الْكِرَام بِمَا نحيك أباهم ... حَتَّى ترد إِلَى عَطِيَّة تعتل) 476 - وَقَوله (وَكنت كذئب السوء لما رأى دَمًا ... بِصَاحِبِهِ يَوْمًا أحَال على الدَّم) 477 - وَقَوله (ترجى ربيع أَن يجىء صغارها ... بِخَير وَقد أعيى ربيعا كِبَارهَا) 478 - وَقَوله (أكلت دوابرها الإكام فمشيها ... مِمَّا وجين كمشية الْأَطْفَال) 479 - وَقَوله (قوارص تأتينى وتحتقرونها ... وَقد يمْلَأ الْقطر الْإِنَاء فيفعم)

480 - وَقَوله (أَحْلَامنَا تزن الْجبَال رزانة ... وتخالنا جنا إِذا مَا نجهل) 481 - وَقَوله (فَإِن تنج مِنْهَا من ذِي عَظِيمَة ... وَإِلَّا فَإِنِّي لَا إخالك ناجيا) 482 - وَقَوله (وَإنَّك إِذْ تسْعَى لتدرك دارما ... لأَنْت الْمَعْنى ياجرير الْمُكَلف) 483 - وَقَوله (وَلَو خير السيدى بَين غواية ... ورشد أَنى السيدى مَا كَانَ غاويا) 484 - وَقَوله (ترى كل مظلوم إِلَيْنَا فراره ... ويهرب منا جهده كل ظَالِم) 485 - وَقَوله (ترى النَّاس ماسرنا يَسِيرُونَ خلفنا ... وَإِن نَحن أَو مأنا إِلَى النَّاس وقفُوا)

486 - وَقَوله (فسيف بني عبس وَقد ضربوا بِهِ ... نبا بيَدي وَرْقَاء عَن رَأس خَالِد) (كَذَاك سيوف الْهِنْد تنبو ظباتها ... وَيَقْطَعْنَ أَحْيَانًا منَاط القلائد) 487 - وَقَوله (أَقُول لَهُ لما أَتَانِي نعيه ... بِهِ لَا بِظَبْيٍ بالصرائم أعفرا) 488 - وَكَانَ يداخل الْكَلَام وَكَانَ ذَلِك يعجب أَصْحَاب النَّحْو من ذَلِك قَوْله يمدح إِبْرَاهِيم بن هِشَام بن إِسْمَاعِيل المَخْزُومِي خَال هِشَام بن عبد الْملك

(وَأصْبح مَا فِي النَّاس إِلَّا مملكا ... أَبُو أمه حَيّ أَبوهُ يُقَارِبه) 489 - وَقَوله (تالله قد سفهت أُميَّة رأيها ... فاستجهلت سفهاؤها حلماؤها) 490 - وَقَوله (ألستم عائجين بِنَا لعنا ... نرى العرصات أَو أثر الْخيام) (فَقَالُوا إِن فعلت فأغن عَنَّا ... دموعا غير راقئة السجام)

491 - وَقَوله (فَهَل أَنْت إِن فَاتَت أتانك راحل ... إِلَى آل بسطَام بن قيس فخاطب) 492 - وَقَوله (فنل مثلهَا من مثلهم ثمَّ دلهم ... على دارمي بَين ليلى وغالب) 493 - وَقَوله (تعال فَإِن عاهدتني لَا تخونني ... نَكُنْ مثل من ياذئب يصطحبان)

494 - وَقَوله (إِنَّا وَإِيَّاك إِن بلغن أرحلنا ... كمن بواديه بعد الْمحل مَمْطُور) 495 - وَقَوله (بنى الْفَارُوق أمك وَابْن أروى ... بِهِ عُثْمَان مَرْوَان المصابا) 496 - وَقَوله (إِلَى ملك مَا أمه من محَارب ... أَبوهُ وَلَا كَانَت كُلَيْب تصاهره) 497 - وَقَوله (إِلَيْك أَمِير الْمُؤمنِينَ رمت بِنَا ... هموم المنى والهوجل المتعسف)

(وعض زمَان يَا ابْن مَرْوَان لم يدع ... من المَال إِلَّا مسحتا أَو مجلف) 498 - وَقَوله (وَلَقَد دنت لَك بالتخلب إِذْ دنت ... مِنْهَا بِلَا بخل وَلَا مبذول) (وَكَأن لون رضاب فِيهَا إِذْ بدا ... برد بفرع بشامة مصقول) 499 - وَقَوله فِيهَا لمَالِك بن الْمُنْذر (إِن ابْن جبارى ربيعَة مَالِكًا ... لله سيف صَنِيعَة مسلول) (مازال من آل الْمُعَلَّى قبله ... سيف لكل خَليفَة وَرَسُول) 500 - وَقَوله (والشيب ينْهض فِي الشَّبَاب كَأَنَّهُ ... ليل يَصِيح بجانبيه نَهَار)

501 - أَنا أَبُو خَليفَة نَا ابْن سَلام قَالَ حَدثنِي أبي قَالَ قَالَ

لَهما أَعنِي الفرزدق وجريرا بعض الْخُلَفَاء حَتَّى مَتى لَا تنزعان فَقَالَ جرير يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ إِنَّه وَالله يظلمني قَالَ صدق أَنا أظلمه وَوجدت أبي يظلم أَبَاهُ 502 - قَالَ وحَدثني أَبُو الغراف قَالَ دخل الفرزدق على بِلَال فَقَالَ لَهُ أحججت يَا أَبَا فراس قَالَ نعم قَالَ فَمَا رَأَيْت قَالَ رَأَيْت شَيخا يطوف بِالْبَيْتِ آخذة امْرَأَته بحجزته خلفهَا ولدان لَهَا وَهُوَ يَقُول (أَنْت وهبت زَائِدا ومزيدا ... وكهلة أولج فِيهَا الأجردا)

وَهِي تَقول إِذا شِئْت إِذا شِئْت فَقلت لَهُ مِمَّن أَنْت يَا شيخ قَالَ أشعري قَالَ كذبت وَالله مَا رَأَيْت هَذَا وَلَكِن ائتفكتها من حينك 503 - أَنا أَبُو خَليفَة نَا ابْن سَلام قَالَ حَدثنِي يُونُس قَالَ قدم الْأَحْوَص الشَّاعِر فَنزل على عَمْرو بن عبيد الْأنْصَارِيّ فَمر بِهِ الفرزدق فَقَالَ لَهُ عَهْدك بِالزِّنَا يَا أَبَا فراس قَالَ مذ مَاتَت الْعَجُوز 504 - أَنا أَبُو خَليفَة نَا ابْن سَلام قَالَ حَدثنِي أَبُو يحيى الضَّبِّيّ قَالَ بَيْنَمَا الفرزدق يسير إِذْ مر برهط من بني كُلَيْب فَأَخَذُوهُ فجاؤوه بأتان فَقَالُوا لَهُ إِنَّك تعيرنا بالأتن فوَاللَّه لَا تريم حَتَّى تنزو عَلَيْهَا قَالَ دَعونِي لَا أَبَا لكم فَأَبَوا عَلَيْهِ قَالَ فهاتوا الصَّخْرَة الَّتِى كَانَ يقوم عَلَيْهَا عَطِيَّة 505 - وَقَالَ الفرزدق حِين صَار إِلَى الْحجاز ولجأ إِلَى سعيد

(نمتك العرانين الطوَال وَلَا أرى ... لفعلك إِلَّا حامدا غير لائم) (فإلا تداركنى من الله نعْمَة ... وَمن آل حَرْب ألق طير الأشائم) 506 - أَخْبرنِي أَبُو خَليفَة قَالَ حَدثنَا مُحَمَّد بن سَلام قَالَ قَالَ الفرزدق وَهُوَ بِالْمَدِينَةِ (هما دلتانى من ثَمَانِينَ قامة ... كَمَا انقض باز أقتم الريش كاسره) (فَلَمَّا اسْتَوَت رجلاي فِي الأَرْض قَالَتَا ... أحى يُرْجَى أم قَتِيل نحآذره) (فَقلت أرفعوا الْأَسْبَاب لَا يفطنوا بِنَا ... وَوليت فِي أعجاز ليل أبادره) (أبادر بوابين قد وكلا بِنَا ... وأحمر من سَاج تبص مسامره) (وأصبحت فِي الْقَوْم الْجُلُوس وأصبحت ... مغلقة دوني عَلَيْهَا دسا كره)

قَالَ فأنكرت ذَلِك قُرَيْش عَلَيْهِ وأزعجه مَرْوَان عَن الْمَدِينَة وَهُوَ واليها لمعاوية وأجله ثَلَاثًا فَقَالَ (يامرو إِن مطيتي محبوسة ... ترجو الحباء وربها لم ييأس) (وأتيتني بِصَحِيفَة مختومة ... أخْشَى عَليّ بهَا حباء النقرس) (ألق الصَّحِيفَة يَا فرزدق لَا تكن ... نكداء مثل صحيفَة المتلمس) وَقَالَ فِي ذَلِك (وأخرجني وأجلني ثَلَاثًا ... كَمَا وعدت لمهلكها ثَمُود) وَذكر ذَلِك جرير فِي مناقضته إِيَّاه فَقَالَ (وشبهت نَفسك أَشْقَى ثَمُود ... فَقَالُوا ضللت وَلم تهتد)

ذكر جرير

يَعْنِي تَأْجِيل مَرْوَان لَهُ ثَلَاثًا وَقَالَ فِيهِ أَيْضا جرير (تدليت تَزني من ثَمَانِينَ قامة ... وَقصرت عَن بَاعَ العلى والمكارم) وهما قصيدتان ذكر جرير 507 - أَنا أَبُو خَليفَة نَا ابْن سَلام قَالَ سَأَلت بشارا الْعقيلِيّ عَن الثَّلَاثَة فَقَالَ لم يكن الأخطل مثلهمَا وَلَكِن ربيعَة تعصبت لَهُ وأفرطت فِيهِ فَقلت فجرير والفرزدق قَالَ كَانَ جرير يحسن ضروبا من الشّعْر لَا يحسنها الفرزدق وَفضل جَرِيرًا عَلَيْهِ 508 - وَقَالَ الْعَلَاء بن حريز الْعَنْبَري وَكَانَ قد أدْرك النَّاس

وَسمع قَالَ كَانَ يُقَال الأخطل إِذا لم يَجِيء سَابِقًا فَهُوَ سكيت والفرزدق لَا يجىء سَابِقًا وَلَا سكيتا فَهُوَ بِمَنْزِلَة الْمُصَلِّي وَجَرِير يجىء سَابِقًا وسكيتا ومصليا 509 - قَالَ ابْن سَلام وَتَأْويل قَوْله أَن للأخطل خمْسا أَو سِتا أَو سبعا طوَالًا روائع غررا جيادا هُوَ بِهن سَابق وَسَائِر شعره دون أشعارها فَهُوَ فِيمَا بَقِي بِمَنْزِلَة السّكيت والسكيت آخر الْخَيل فِي الرِّهَان وَيُقَال إِن الفرزدق دونه فِي هَذِه الروائع وفوقه فِي بَقِيَّة شعره فَهُوَ كالمصلي أبدا وَالْمُصَلي الَّذِي يَجِيء بعد السَّابِق وَقبل السّكيت وَجَرِير لَهُ روائع هُوَ بِهن سَابق وأوساط هُوَ بِهن مصل وسفسافات هُوَ بِهن سكيت 510 - قَالَ ابْن سَلام وَأهل الْبَادِيَة وَالشعرَاء بِشعر جرير أعجب 511 - أَنا أَبُو خَليفَة نَا ابْن سَلام قَالَ وَأَخْبرنِي أبان بن عُثْمَان الْكُوفِي قَالَ سُئِلَ الأخطل عَن جرير بِالْكُوفَةِ فَقَالَ دعوا جَرِيرًا أَخْزَاهُ الله فَإِنَّهُ كَانَ بلَاء على من صب عَلَيْهِ وَذكر من قَوْله (مَا قاد من عرب إِلَى جوادهم ... إِلَّا تركت جوادهم محسورا)

(أبقت مراكضتي الرِّهَان مجربا ... عِنْد المواطن يرْزق التيسيرا) 512 - أخبرنَا أَبُو خَليفَة قَالَ ابْن سَلام قَالَ مسلمة بن محَارب بن سلم بن زِيَاد كَانَ الفرزدق عِنْد أبي فِي مشربَة لَهُ فَدخل رجل فَقَالَ وَردت الْيَوْم المربد قصيدة لجرير تناشدها النَّاس فانتقع لون الفرزدق قَالَ لَيست فِيك يَا أَبَا فراس قَالَ ففيمن قَالَ فِي ابْن لَجأ التَّيْمِيّ قَالَ أفحفظت مِنْهَا شَيْئا قَالَ نعم علقت مِنْهَا ببيتين قَالَ ماهما قَالَ (لَئِن عمرت تيم زَمَانا بغرة ... لقد حديت تيم حداء عصبصبا) (فَلَا يضغمن اللَّيْث عكلا بغرة ... وعكل يشمون الفريس المنيبا)

فَقَالَ الفرزدق قَاتله الله إِذا أَخذ هَذَا المأخذ لَا يُقَام لَهُ 513 - أَنا أَبُو خَليفَة نَا ابْن سَلام قَالَ اخبرني يُونُس قَالَ كَانَ الفرزدق يتضور ويجزع إِذا انشد لجرير وَكَانَ جرير أصبرهما 514 - أَنا أَبُو خَليفَة نَا ابْن سَلام قَالَ واخبراني أَبُو الْبَيْدَاء الرياحى قَالَ قَالَ الفرزدق أبي وإياه لنغترف من بَحر وَاحِد وتضطرب دلاؤه عِنْد طول النهز 515 - قَالَ ابْن سَلام وذاكرت مَرْوَان بن أَبى حَفْصَة جَرِيرًا

والفرزدق فَقَالَ أحكم فى الثَّلَاثَة بِشعر فَإِن الْكَلَام يرويهِ كل قوم بأهوائهم فَقَالَ (ذهب الفرزدق بالفخار وَإِنَّمَا ... حُلْو الْكَلَام ومره لجرير) (وَلَقَد هجا فأمض أخطل تغلب ... وحوى اللهى بمديحه الْمَشْهُور) (كل الثَّلَاثَة قد أَجَاد فمدحه ... وهجاؤه قد سَار كل مسير) 516 - وَسَأَلت الأسيدي أَخا بني سَلامَة عَنْهُمَا فَقَالَ

بيُوت الشّعْر أَرْبَعَة فَخر ومديح ونسيب وهجاء وَفِي كلهَا غلب جرير فِي الْفَخر فِي قَوْله (إِذا غضِبت عَلَيْك بَنو تَمِيم ... حسبت النَّاس كلهم غضابا) وَفِي الْمَدْح قَوْله (ألستم خير من ركب المطايا ... وأندى الْعَالمين بطُون رَاح) وَفِي الهجاء قَوْله (فغض الطّرف إِنَّك من نمير ... فَلَا كَعْبًا بلغت وَلَا كلابا) وَفِي النسيب قَوْله

(إِن الْعُيُون الَّتِي فِي طرفها مرض ... قتلننا ثمَّ لم يحيين قَتْلَانَا) وَإِلَى هَذَا يذهب أهل الْبَادِيَة قَالَ أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن سَلام وَبَيت النسيب عِنْدِي (فَلَمَّا التقى الْحَيَّانِ ألقيت الْعَصَا ... وَمَات الْهوى لما أُصِيبَت مقاتله) قلت للأسيدي أما وَالله لقد أوجعكم يَعْنِي فِي الهجاء فَقَالَ يَا أَحمَق أَو ذَاك يمنعهُ أَن يكون شَاعِرًا 517 - أَنا أَبُو خَليفَة نَا ابْن سَلام قَالَ قَالَ أَبُو الغراف كَانَ الخطفي ذَا إبل وَمَال فَلَمَّا ولد جرير لعطية كَانَ ينحله من إبِله وَمَاله فولد للخطفي صبية فَرجع فِيمَا كَانَ نحل جَرِيرًا فَقَالَ

(أَلا حَيّ رهبي ثمَّ حَيّ المطاليا ... لقد كَانَ مأنوسا فَأصْبح خَالِيا) (عَفا الرَّسْم إِلَّا أَن تذكر أَو ترى ... ثماما حوالى منصب الخيم بَالِيًا) (إِذا مَا أَرَادَ الْحَيّ أَن يتحملوا ... وحنت جمال الْحَيّ حنت جمالِيًّا) (وإنيى لمغرور أعلل بالمنى ... غَدَاة أرجي أَن مَالك ماليا) (وَإِنِّي لعف الْفقر مُشْتَرك الْغنى ... سريع إِذا لم أَرض دَاري انتقاليا) (وَلَيْسَت لسيفي فِي الْعِظَام بَقِيَّة ... وللسيف أشوى وقمة من لسانيا) 518 - ووفد جرير بعد ذَلِك إِلَى يزِيد بن مُعَاوِيَة وَهُوَ خَليفَة وَجَرِير حدث فأنشده (وَإِنِّي لعف الْفقر مُشْتَرك الْغنى ... سريع إِذا لم أَرض دَاري انتقاليا)

قَالَ كذبت ذَاك جرير قَالَ فَأَنا جرير قَالَ وَالله لقد فَارق أَمِير الْمُؤمنِينَ مُعَاوِيَة الدُّنْيَا وَهُوَ يرى أَن هَذَا الْبَيْت لي 519 - أَنا أَبُو خَليفَة قَالَ قَالَ ابْن سَلام أَخْبرنِي أبان بن عُثْمَان البَجلِيّ قَالَ تنَازع رجلَانِ فِي عَسْكَر الْمُهلب فِي جرير والفرزدق وَهُوَ بِإِزَاءِ الْخَوَارِج فصارا إِلَيْهِ وسألاه فَقَالَ لَا أَقُول فيهمَا شئيا وَكره أَن يعرض نَفسه وَلَكِن أدلكما على من يهون عَلَيْهِ سَخَطِهِمَا عُبَيْدَة بن هِلَال الْيَشْكُرِي وَهُوَ مولى بني قيس بن ثَعْلَبَة وَهُوَ يَوْمئِذٍ فِي عَسْكَر قطري فَأتيَاهُ فوقفا حِيَال الْعَسْكَر فدعواه وَخرج يجر رمحه وَظن أَنه دعِي للبراز فَقَالَا لَهُ الفرزدق أشعر أم جرير فَقَالَ عَلَيْكُمَا وَعَلَيْهِمَا لعنة الله قَالَا نحب أَن تخبرنا ثمَّ نصير إِلَى مَا تُرِيدُ قَالَ من يَقُول (وطوى القياد مَعَ الطراد بطونها ... طي التُّجَّار بحضرموت برودا) قَالَا جرير قَالَ هُوَ أشعرهما

520 - أَنا أَبُو خَليفَة نَا مُحَمَّد بن سَلام قَالَ أَخْبرنِي أَبُو رَجَاء الْكَلْبِيّ قَالَ كَانَ لأمامة امْرَأَة جرير ابْن أَخ ذُو إبل يُقَال لَهُ عضيدة لقصر فِي يَده فَلم تزل بِهِ امْرَأَته حَتَّى زوجه ابْنَته فعتب عَلَيْهِ فَقَالَ (وغرتنا أُمَامَة فافتحلنا ... عضيدة إِذْ تنخلت الفحول) (إِذا مَا كَانَ فحلك فَحل سوء ... خلجت النَّسْل أَو لؤم الفصيل) 521 - أَنا أَبُو خَليفَة أَنا ابْن سَلام أخبرنَا أَبُو الغراف قَالَ

دخل جرير على الْوَلِيد بن عبد الْملك وَهُوَ خَليفَة وَعِنْده عدي ابْن الرّقاع العاملي فَقَالَ الْوَلِيد لجرير أتعرف هَذَا قَالَ لَا يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ قَالَ هَذَا رجل من عاملة قَالَ الَّذين يَقُول الله جلّ {خاشعة عاملة ناصبة تصلى نَارا} حامية ثمَّ قَالَ (يقصر بَاعَ العاملي عَن الْعلي ... وَلَكِن أير العاملى طَوِيل) فَقَالَ العاملي (أأمك كَانَت أَخْبَرتك بِطُولِهِ ... أم انت امْرُؤ لم تدر كَيفَ تَقول) فَقَالَ لَا بل لم أدر كَيفَ أَقُول فَوَثَبَ العاملي إِلَى رجل الْوَلِيد فقبلها وَقَالَ أجرني مِنْهُ فَقَالَ الْوَلِيد لجرير لَئِن سميته لأسرجنك ولألجمنك ولير كبنك فتعيرك بذلك الشُّعَرَاء فكنى جرير عَن اسْمه واسْمه عدي فَقَالَ (إِنِّي إِذا الشَّاعِر الْمَغْرُور حربنى ... جَار لقبر على مران مرموس)

(قد كَانَ أشوس أباء فأورثنا ... شغبا على النَّاس فِي أَبْنَائِنَا الشوس) (أقصر فَإِن نزارا لَا يفآخرهم ... فرع لئيم وأصل غير مغروس) (وابنا نزار أحلاني بِمَنْزِلَة ... فى رَأس أرعن عادى القداميس) (وَابْن اللَّبُون إِذا مَا لز فِي قرن ... لم يسْتَطع صولة البزل القناعيس)

522 - أَنا أَبُو خَليفَة نَا ابْن سَلام قَالَ حَدثنِي أَبُو يحيى الصنبي قَالَ ورد البعيث المجاسعي على بني سليط بن يَرْبُوع وَكَانَ ولدهم وولدوه فشكوا إِلَيْهِ قهر جرير صَاحبهمْ يَعْنِي غَسَّان السليطي فَقَالَ البعيث (إِذا يسرت معزى عَطِيَّة وارتعت ... تلاعا من المروت أحوى جَمِيعهَا) (تعرضت لي حَتَّى صككتك صَكَّة ... على الْوَجْه يكبو لِلْيَدَيْنِ أميمها) (أليست كُلَيْب ألأم النَّاس كلهم ... وَأَنت إِذا عدت كُلَيْب لئيمها) 523 - وَكَانَت ام البعيت أمة حَمْرَاء سجستانية تسمي فَرَّتْنَا فَكَانَ يُقَال لَهُ ابْن حَمْرَاء العجان فهجاه جرير فثاوره فَضَجَّ إِلَى الفرزدق والفرزدق يَوْمئِذٍ بِالْبَصْرَةِ وَقد قيد نَفسه وآلى لَا يفك

قَيده حَتَّى يقْرَأ الْقُرْآن فَقَالَ البعيث (لعمرى لَئِن ألهى الفرزدق قَيده ... ودرج نوار ذُو الدهان وَذُو الْغسْل) (ليبتعثن مني عداة مجاشع ... بديهة لاواني الجراء وَلَا وغل) فَقَالَ جرير (جزعت إِلَى درجي نوار وغسلها ... فَأَصْبَحت عبدا ماتمر وَمَا تحلي) وعده النَّاس مَغْلُوبًا حِين اسْتَغَاثَ 524 - قَالَ وَقَالَ الفرزدق إِنِّي إِن وَثَبت على جرير الْآن حققت على البعيث الْغَلَبَة وَلَكِنِّي كَأَنِّي وَثَبت عَلَيْهِمَا فأدع البعيث وآخذ

جَرِيرًا فَقَالُوا الطَّبِيب أطب فَقَالَ (لود جرير اللؤم لَو كَانَ عانيا ... وَلم يدن من زأر الْأسود الضراغم) (وَلَيْسَ ابْن حَمْرَاء العجان بمفلتي ... وَلم يزدجر طير النحوس الأشائم) (وإنكما قد هجتماني عَلَيْكُمَا ... فَلَا تجزعا واستسمعا للمراجم) 525 - وَقَالَ (دَعَاني ابْن حَمْرَاء العجان وَلم يجد ... لَهُ إِذْ دَعَا مستأخرا عَن دعائيا) (فنفست عَن أنفيه حَتَّى تنفسا ... وَقلت لَهُ لَا تخش شَيْئا ورائيا) 526 - فَلَمَّا استطار كل وَاحِد مِنْهُمَا فِي صَاحبه قَالَ البعيث

(أشاركتني فِي ثَعْلَب قد أَكلته ... فَلم يبْق إِلَّا رَأسه وأكارعه) (فدونك خصييه وَمَا ضمت استه ... فَإنَّك رمام خَبِيث مراتعه) قَالَ وَسقط البعيث بَينهمَا 527 - ولج الهجاء نَحوا من أَرْبَعِينَ سنة لم يغلب وَاحِد مِنْهُمَا على صَاحبه وَلم يتهاج شاعران فِي الْجَاهِلِيَّة وَلَا الْإِسْلَام بِمثل مَا تهاجيا بِهِ وأشعارهما أَكثر من أَن تَأتي عَلَيْهَا وَلَكنَّا نكتب مِنْهَا النَّادِر 528 - وَقَالَ الفزردق لجرير (غلبتك بالمفقىء وَالْمعْنَى ... وَبَيت المحتبي والخافقات) المفقىء قَوْله (وَلست وَلَو فقأت عَيْنك واجدا ... أَبَا لَك إِن عد المساعي كدارم)

(هُوَ الشَّيْخ وَابْن الشَّيْخ لَا شيخ مثله ... أَبُو كل ذِي بَيت رفيع الدعائم) والمعني قَوْله (وَإنَّك إِذْ تسْعَى لتدرك دارما ... لأَنْت الْمَعْنى يَا جرير الْمُكَلف) (والمحتبي قَوْله (بَيْتا زُرَارَة محتب بفنائه ... ومجاشع وَأَبُو الفوارس نهشل) والخافقات قَوْله (وَأَيْنَ تقضي المالكان أمورها ... بِخَير وَأَيْنَ الخافقات اللوامع) 529 - فَقَالَ جرير (أقين بن قين مَا يسر نِسَاءَنَا ... بِذِي نجب أَنا ادعينا لدارم)

(هُوَ الْقَيْن وَابْن الْقَيْن لدقين مثله ... لفطح الْمساحِي أولجدل الأداهم) الجدل الفتل والأداهم الحبال نَا أَبُو خَليفَة كل من كَانَ فِي عمله حَدِيد فَهُوَ قين بذى نجب يَوْم الْتَقت بَنو حَنْظَلَة وَبَنُو عَامر إِلَّا بني مَالك بن حَنْظَلَة 530 - قَالَ ابْن سَلام وَاشْترى جرير جَارِيَة من رجل من أهل الْيَمَامَة يُقَال لَهُ زيد يعرف بِابْن النجار ففركته وكرهت خشونة عيشه فَقَالَ

(تكلفني معيشة آل زيد ... وَمن لي بالمرقق وَالصِّنَاب) (وَقَالَت لَا تضم كضم زيد ... وماضمى وَلَيْسَ معي شَبَابِي) فَقَالَ الفرزدق (لَئِن فركتك علجة آل زيد ... وأعوزك المرقق وَالصِّنَاب) (لقدما كَانَ عَيْش أَبِيك جدبا ... يعِيش بِمَا تعيش بِهِ الْكلاب) 531 - أَنا أَبُو خَليفَة نَا ابْن سَلام حَدثنِي حَاجِب بن زيد وَأَبُو الغراف قَالَا تزوج الفرزدق حدراء بنت زيق بن بسطَام بن قيس بن مَسْعُود بن قيس بن خَالِد بن ذى الجدين وَهُوَ عبد الله بن عَمْرو بن الْحَارِث بن همام بن مرّة بن ذهل بن شَيبَان على حكم أَبِيهَا

فاحتكم مئة من الْإِبِل فَدخل على الْحجَّاج فعذله وَقَالَ تَزَوَّجتهَا على حكمهَا وَحكم أَبِيهَا مئة بعير وَهِي نَصْرَانِيَّة وجئتنا متعرضا أَن نسوقها عَنْك اخْرُج مَالك عندنَا شَيْء فَقَالَ عَنْبَسَة بن سعيد وَأَرَادَ نَفعه أَيهَا الْأَمِير إِنَّمَا هِيَ من حَوَاشِي إبل الصَّدَقَة فَأمر لَهُ بهَا الْحجَّاج فَوَثَبَ عَلَيْهِ جرير فَقَالَ (يَا زيققد كنت من شَيبَان فِي حسب ... يَا زيق ويحكمن أنكحت يَا زيق) (أنكحت وَيلك قينا باسته حمم ... يَا زيق وَيحك أَن بارت بك السُّوق) (غَابَ الْمثنى فَلم يشْهد نجيكم ... والحوفزان وَلم يشهدك مفروق) (يارب قائلة بعد الْبناء بهَا ... لَا الصهر رَاض وَلَا ابْن الْقَيْن معشوق) (أَيْن الألى استنزلوا النُّعْمَان ضاحية ... أم أَيْن أَبنَاء شَيبَان الغرانيق)

532 - قَالَ فَلم يجبهُ الفرزدق فَقَالَ جرير أَيْضا (فَلَا أَنا معطي الحكم عَن شف منصب ... وَلَا عَن بَنَات الحنظليين رَاغِب) (وَهن كَمَاء المزن يشفى بِهِ الصدى ... وَكَانَت ملاحا غَيْرهنَّ المشارب) (فَلَو كنت حرا كَانَ عشر سياقكم ... إِلَى آل زيق والوصيف المقارب) 533 - فَقَالَ الفرزدق

(فنل مثلهَا من مثلهم ثمَّ لمهم ... على دارمى بَين ليلى وغالب) (هم زوجوا قبلى لقيطا وَأنْكحُوا ... ضِرَارًا وهم أكفاؤنا فِي الْمُنَاسب) (وَلَو قبلوا منا عَطِيَّة سقته ... إِلَى آل زيق من وصيف مقارب) (وَلَو تنْكح الشَّمْس النُّجُوم بناتها ... إِذن لنكحناهن قبل الْكَوَاكِب) 534 - أَنا أَبُو خَليفَة نَا ابْن سَلام قَالَ حَدثنِي الزراري

عَن أَبِيه قَالَ مَا كَانَت امْرَأَة من بني حَنْظَلَة إِلَّا ترفع لجرير اللوية فِي عكمها تطرفه لقَوْله (وَهن كَمَاء المزن يشفى بِهِ الصدى ... وَكَانَت ملاحا غَيْرهنَّ المشارب) فَقلت للزراري مَا اللوية قَالَ الشريحة من اللَّحْم وَهِي الفدرة من التَّمْر والكبة من الشَّحْم أَو الجلة من الأقط فَإِذا كَانَت الصفرية وَذَهَبت الألبان وَضَاقَتْ الْمَعيشَة كَانَت طرفَة عِنْدهم 535 - وَقَالَ جرير (أثائرة حدراء من جر بالنقا ... وَهل لأبي حدراء فِي الْوتر طَالب)

(أتثأر بسطاما إِذا ابتلت استها ... وَقد بولت فِي مسمعيه الثعالب) قَالَ ابْن سَلام والنقا الَّذِي عناه جرير هُوَ الْموضع الَّذِي قتلت فِيهِ بَنو ضبة بسطاما وَهُوَ بسطَام بن قيس قَالَ فَكرِهت بَنو شَيبَان أَن يهتك جرير أعراضهم فَلَمَّا أَرَادَ الفرزدق نقل حدراء اعتلوا عَلَيْهِ وَقَالُوا لَهُ إِنَّهَا مَاتَت 536 - قَالَ الْجَرِير (فأقسمت ماماتت ولكنما التوى ... بحدراء قوم لم يروك لَهَا أَهلا) (رَأَوْا أَن صهر الْقَيْن عَار عَلَيْهِم ... وَأَن لبسطام على غَالب فضلا) 537 - انا أَبُو خَليفَة أَنا ابْن سَلام قَالَ حَدثنِي حَاجِب بن يزِيد بن شَيبَان بن عَلْقَمَة بن زُرَارَة قَالَ جرير بِالْكُوفَةِ

(لقدء قادني من حب ماوية الْهوى ... وَمَا كنت ألْقى للجنيبة أقودا) (أحب ثرى نجد وبالغور حَاجَة ... فغار الْهوى يَا عبد قيس وأنجدا) (أَقُول لَهُ يَا عبد قيس صبَابَة ... بِأَيّ ترى مستوقد النَّار أوقدا) (فَقَالَ أَرَاهَا أرثت بوقودها ... بِحَيْثُ استفاض الْجزع شيحا وغرقدا) فأعجبت النَّاس وتناشدوها 538 - فَحَدثني جَابر بن جندل قَالَ فَقَالَ لنا جرير أَعجبتكُم هَذِه الأبيات قَالُوا نعم قَالَ كأنكم بالقين قد قَالَ

(أعد نظرا يَا عبد قيس فَإِنَّمَا ... أَضَاءَت لَك النَّار الْحمار المقيدا) فَلم يَلْبَثُوا أَن جَاءَهُم فِي قَول الفرزدق هَذَا الْبَيْت وَبعده (حمَار بمروت السحامة قاربت ... وظيفيه حول الْبَيْت حَتَّى ترددا) (كليبية لم يَجْعَل الله وَجههَا ... كَرِيمًا وَلم يسنح بهَا الطير أسعدا) فتناشدها النَّاس فَقَالَ الفرزدق كأنكم بِابْن المراغة قد قَالَ (وَمَا عبت من نَار أَضَاء وقودها ... فِرَاسًا وبسطام بن قيس مُقَيّدا) قَالَ فَإِذا هِيَ قد جَاءَت لجرير وفيهَا هَذَا الْبَيْت وَمَعَهُ

(فأوقدت بالسيدان نَارا ذليلة ... وأشهدت من سوآت جمعثن مشهدا) 539 - قَالَ واجتمعنا عِنْد سُلَيْمَان بن عبد الْملك وَهُوَ خَليفَة وأتى بأسرى من الرّوم قَالَ ابْن سَلام فَأَخْبرنِي ابو يحيى الضَّبِّيّ قَالَ وَفِي حرسه رجل من بني عبس قد علم ان سيأمر أَصْحَابه بِضَرْب أَعْنَاقهم فَأتى الفرزدق وَذَلِكَ لسوء أَثَره فِي قيس فَقَالَ إِن أَمِير الْمُؤمنِينَ حرى أَن يَأْمر بِضَرْب عنق بعض هَؤُلَاءِ الأسرى وَهَذَا سَيفي يَكْفِيك أَن أَن تومىء بِهِ فَيَأْتِي على ضريبته وَأَتَاهُ بِسيف كليل كهام فَقَالَ لَهُ الفرزدق مِمَّن أَنْت قَالَ من بني ضبة أخوالك وَأمره سُلَيْمَان بِضَرْب عنق بَعضهم فَتَنَاول السَّيْف من العبسى ثمَّ هزه فَضرب بِهِ

عُنُقه فَمَا حص شَعْرَة وَلم يُؤثر بِهِ أثرا فَضَحِك سُلَيْمَان وَالنَّاس فَقَالَ هَذِه ضَرْبَة سَيَقُولُ فِيهَا هَذَا يَعْنِي جَرِيرًا وَتقول فِيهَا الْعَرَب وَقَالَ (فَإِن يَك سيف خَان أَو قدر أَبى ... لتأخير نفس حتفها غير شَاهد) (فسيف بني عبس وَقد ضربوا بِهِ ... نبا بيدى وَرْقَاء عَن رَأس خَالِد) (كَذَاك سيوف الْهِنْد تنبو ظباتها ... وَيَقْطَعْنَ أَحْيَانًا منَاط القلائد) 540 - وَقَالَ جرير (بِسيف أبي رغوان سيف مجاشع ... ضربت وَلم تضرب بِسيف ابْن ظَالِم) (ضربت بِهِ عِنْد الإِمَام فأرعشت ... يداك وَقَالُوا مُحدث غير صارم) 541 - وَقَالَ (أخزيت قَوْمك فِي مقَام قمته ... وَوجدت سيف مجاشع لَا يقطع)

542 - وَقَالَ الفرزدق (فَهَل ضَرْبَة الرُّومِي جاعلة لكم ... أَبَا عَن كُلَيْب أوأبا مثل دارم) (وَلَا نقْتل الأسرى وَلَكِن نفكهم ... إِذا أثقل الْأَعْنَاق حمل المغارم) 543 - وَقَالَ اللعين (سأحكم بَين كلب بني كُلَيْب ... وَبَين الْقَيْن قين بني عقال) (فَإِن الْكَلْب مطعمه خَبِيث ... وَإِن الْقَيْن يعْمل فِي سفال) (وَقد حسر البعيث وأقعدته ... لئيمات المناخر والسبال) (وَيتْرك جده الخطفى جرير ... وَينْدب حاجبا وَبني عقال)

قَالَ ابْن سَلام وَسمعت يُونُس يَقُول فَلم يلتفتا لفته وَأَرَادَ أَن يذكراه فيرفعه ذَلِك فَقَالَ (فَمَا بقيا على تركتماني ... وَلَكِن خفتما صرد النبال) 544 - وَقَالَ الصلتان الْعَبْدي (أَلا إِنَّمَا تحظى كُلَيْب بشعرها ... وبالمجد تحظى نهشل والأقارع) (أَنا الصلتا بى الَّذِي قد عَرَفْتُمْ ... مَتى مايحكم فَهُوَ بالحكم صادع) (أَتَتْنِي تَمِيم حِين هابت قضاتها ... فَهَل أَنْت للفصل الْمُبين سامع)

(قَضَاء امرىء لَا يرهب الشتم مِنْكُم ... وَلَيْسَ لَهُ فِي الحكم مِنْكُم مَنَافِع) (فَمَا رَجَعَ الْأَعْشَى قَضِيَّة عَامر ... وَمَا لتميم فِي قضائي رَاجع) (فَإِن يَك بَحر الحنظليين وَاحِدًا ... فَمَا تستوى حيتانه والضفادع) (فيا شَاعِرًا لاشاعر الْيَوْم مثله ... جرير وَلَكِن فى كُلَيْب تواضع) (وَيرْفَع من شعر الفرزدق أَنه ... ينوء بحى للخسيسة رَافع) (يناشدني النَّصْر الفرزدق بَعْدَمَا ... ألحت عَلَيْهِ من جرير صواقع) فَلم يرض وَاحِد مِنْهُمَا قَوْله فَقَالَ الفرزدق أما الشّرف فقد عرفه وَأما الشّعْر فَمَا للبحراني وَالشعر

545 - وَقَالَ جرير (أَقُول وَلم أملك سوابق عِبْرَة ... مَتى كَانَ حكم الله فِي كرب النّخل) 546 - فَقَالَ الصلتان (أعيرتنا بِالنَّخْلِ أَن كَانَ مالنا ... لود أَبوك الْكَلْب لَو كَانَ ذَا نخل) 547 - فاعترضه خُلَيْد عينين من أهل هجر فَقَالَ (وأى نبى كَانَ فِي غير قَرْيَة ... وَمَا الحكم يَا ابْن اللؤم إِلَّا مَعَ الرُّسُل) 548 - وَقَالَ جرير (فَخَل الْفَخر يَا ابْن أبي خُلَيْد ... وأد خراج رَأسك كل عَام) (لقد علقت يَمِينك رَأس ثَوْر ... وَمَا علقت يَمِينك باللجام)

549 - أَنا أَبُو خَليفَة نَا ابْن سَلام قَالَ حَدثنِي أَبُو الغراف قَالَ قَالَ الْحجَّاج لَهما وَهُوَ فِي قصره بحزيز الْبَصْرَة ائتيا فِي لِبَاس آبائكما فِي الْجَاهِلِيَّة فجَاء الفرزدق وَقد لبس الديباج والخز وَقعد فِي قبَّة وشاور جرير دهاة بني يَرْبُوع فَقَالُوا مَا لِبَاس آبَائِنَا إِلَّا الْحَدِيد فَلبس جرير درعا وتقلد سَيْفا وَأخذ رمحا وَركب فرسا لعباد بن الْحصين يُقَال لَهُ المنحاز وَأَقْبل فِي أَرْبَعِينَ فَارِسًا من بني يَرْبُوع وَجَاء الفرزدق فِي هَيئته فَقَالَ جرير (لبست سلاحي والفرزدق لعبة ... عَلَيْهِ وشاحا كرج وجلاجله) (أعدُّوا مَعَ الْخَزّ الملاب فَإِنَّمَا ... جرير لكم بعل وَأَنْتُم حلائله)

ثمَّ رجعا فَوقف جرير فِي مَقْبرَة بني حصن ووقف الفرزدق فِي المربد 550 - فَأَخْبرنِي أبي عَن مُحَمَّد بن زِيَاد قَالَ كنت أختلف بَينهمَا يَوْمئِذٍ فَكَأَن جَرِيرًا كَانَ يَوْمئِذٍ أظفرهما 551 - أَنا أَبُو خَليفَة نَا ابْن سَلام قَالَ حَدثنِي شُعَيْب بن صَخْر عَن هَارُون بن إِبْرَاهِيم قَالَ رأيتهما فِي مَسْجِد دمشق والفرزدق فِي عِصَابَة من خندف وَالنَّاس عنق على جرير قيس وموالى بني أُميَّة وهم يسلمُونَ عَلَيْهِ ويسألونه يَا أَبَا حزرة كَيفَ كنت فِي مسيرك وَذَلِكَ لمديحه قيسا وَقَوله فِي الْعَجم (فيجمعنا والغر أَوْلَاد سارة ... أَب لَا نبالي بعده من تغدرا)

552 - قَالَ أَبُو خَليفَة سَمِعت عمَارَة بن عقيل بن بِلَال يَقُول وافته فِي يَوْمه مئة حلَّة من بني الْأَحْرَار 553 - أَنا أَبُو خَليفَة نَا ابْن سَلام وحَدثني أَبُو الْيَقظَان نَا جوَيْرِية بن أَسمَاء قَالَ قلت لنصيب مولى عبد الْملك يَا أَبَا محجن من أشعر النَّاس فَقَالَ أَخُو بني تَمِيم قلت ثمَّ من قَالَ أَنا قَالَ قلت ثمَّ من قَالَ ابْن يسَار النِّسَاء فَلَقِيت إِسْمَاعِيل بن يسَار النسائى فَقلت يَا أَبَا فائد من أشعر النَّاس قَالَ اخو بني تَمِيم قلت ثمَّ من قَالَ أَنا قلت ثمَّ من قَالَ نصيب قلت إنَّكُمَا لتتقارضان الثَّنَاء قَالَ وَمَا ذَاك قَالَ قلت سَأَلته فَقَالَ فِيك مثل

مَا قلت فِيهِ قَالَ إِنَّه وَالله شَاعِر كريم وَلَا أَظُنهُ إِلَّا بَدَأَ بِابْن يسَار قبل نصيب 554 - قَالَ ابْن سَلام وَمِمَّا قَالَ جرير من الأبيات المقلدة قَوْله (وَلَيْسَت لسيفي فِي الْعِظَام بَقِيَّة ... وللسيف أشوى وقْعَة من لسانيا) 555 - وَقَوله (لَا يلبث القرناء أَن يتفرقوا ... ليل يكر عَلَيْهِم ونهار) 556 - وَقَوله (زعم الفرزدق أَن سيقتل مربعًا ... أبشر بطول سَلامَة يَا مربع)

557 - وَقَوله (ألستم خير من ركب المطايا ... وأندى الْعَالمين بطُون رَاح) 558 - وَقَوله (لَا يأمنن قوى نقض مرته ... إِنِّي أرى الدَّهْر ذَا نقض وإمرار) 559 - وَقَوله (أَنا الْبَازِي المطل على نمير ... أتيح من السَّمَاء لَهَا انصبابا) 560 - وَقَوله (وَإِنِّي لعف الْفقر مُشْتَرك الْغنى ... سريع إِذا لم أَرض دَاري انتقاليا) 561 - وَقَوله

(يحالفهم فقر قديم وذلة ... وَبئسَ الخليطان المذلة والفقر) (فصبرا على ذل ربيع بن مَالك ... وكل ذليل خير عَادَته الصَّبْر) 562 - وَقَوله (دعون الْهوى ثمَّ ارتمين قُلُوبنَا ... بأسهم أَعدَاء وَهن صديق) (أوانس أما من أردن عناءه ... فعان وَمن أطلقن فَهُوَ طليق) 563 - وَقَوله (إِن الَّذين غدوا بلبك غادروا ... وشلا بِعَيْنِك مَا يزَال معينا)

(غيضن من عبراتهن وقلن لي ... مَاذَا لقِيت من الْهوى ولقينا) 564 - وَقَوله (فغض الطّرف إِنَّك من نمير ... فَلَا كَعْبًا بلغت وَلَا كلابا) (إِذا غضِبت عَلَيْك بَنو تَمِيم ... حسبت النَّاس كلهم غضابا) 565 - وَقَوله (إِن الْعُيُون الَّتِي فِي طرفها مرض ... قتلننا ثمَّ لم يحيين قَتْلَانَا) 566 - وَقَوله (يَا أهل جزرة إِنِّي قد نصبت لكم ... بالمنجنيق وَلما يُرْسل الْحجر)

567 - وَقَوله (وَلما التقى الْحَيَّانِ ألقيت العصى ... وَمَات الْهوى لما أُصِيبَت مقاتله) 568 - وَقَوله (تريدين أَن أرْضى وَأَنت بخيلة ... وَمن ذَا الَّذِي يُرْضِي الأخلاء بالبخل) (فَإنَّك لَا يرضى إِذا كَانَ عاتبا ... خَلِيلك إِلَّا بالمودة والبذل) 569 - وَقَوله (ياتيم إِن بُيُوتكُمْ تَيْمِية ... قعس الْعِمَاد قَصِيرَة الْأَطْنَاب) (قوم إِذا حضر الْمُلُوك وفودهم ... نتفت شواربهم على الْأَبْوَاب) 570 - وَقَوله (وَكنت إِذا نزلت بدار قوم ... ظعنت بخزية وَتركت عارا)

571 - وَقَوله (أتنسى إِذْ تودعنا سليمى ... بِعُود بشامة سقى البشام) (بنفسي من تجنبه عَزِيز ... عَليّ وَمن زيارته لمام) (وَمن أمسي وَأصْبح لَا أرَاهُ ... ويطرقني إِذا هجع النيام) 572 - وَقَوله (وَابْن اللَّبُون إِذا مَا لز فِي قرن ... لم يسْتَطع صولة البزل القناعيس) 573 - وَقَوله (لَو كنت حرا يَا ابْن قين مجاشع ... شيعت ضيفك فرسخين وميلا)

574 - وَقَوله (لَا يَسْتَطِيع امتناعا فقع قرقرة ... بَين الطَّرِيقَيْنِ بالبيد الأ مَا لَيْسَ) 575 - وَقَوله (لَا يَسْتَطِيع أَخُو الصبابة أَن يرى ... حجرا أَصمّ وَلَا يكون حديدا) 576 - وَقَوله (لَو أَن عصم ممتايتين ويذبلا ... سمعا حَدِيثك أنزل الأوعالا)

577 - أَخْبرنِي أَبُو خَليفَة قَالَ حَدثنَا مُحَمَّد بن سَلام قَالَ حَدثنَا أَبُو الْيَقظَان عَن جوَيْرِية بن أَسمَاء قَالَ قدم الفرزدق الْيَمَامَة وَعَلَيْهَا المُهَاجر بن عبد الله الْكلابِي فَقَالَ لَو دخلت على هَذَا فَأَصَبْت مِنْهُ شَيْئا وَلم يعلم بِي جرير فَلم تَسْتَقِر بِهِ الدَّار حَتَّى قَالَ جرير (رَأَيْتُك إِذْ لم يغنك الله بالغنى ... رجعت إِلَى قيس وخدك ضارع) (وَمَا ذَاك إِن أعْطى الفرزدق باسته ... بِأول ثغر ضيعته مجاشع) فَلَمَّا بلغ ذَلِك الفرزدق قَالَ لَا جرم وَالله لَا أَدخل عَلَيْهِ وَلَا أرزؤه شَيْئا وَلَا أقيم بِالْيَمَامَةِ ثمَّ رَحل 578 - أَنا أَبُو خَليفَة نَا ابْن سَلام قَالَ أَخْبرنِي أَبُو الغراف

قَالَ نعي الفرزدق لجرير وَهُوَ عِنْد المُهَاجر بن عبد الله بِالْيَمَامَةِ فَقَالَ (مَاتَ الفرزدق بعد مَا جدعته ... لَيْت الفرزدق كَانَ عَاشَ قَلِيلا) فَقَالَ لَهُ المُهَاجر لبئس مَا قلت تهجو ابْن عمك بعد مَا مَاتَ لَو رثيته كَانَ أحسن بك قَالَ وَالله إِنِّي لأعْلم ان بقائي بعده لقَلِيل وَإِن كَانَ نجمي مُوَافقا لنجمه فلأ رثينه قَالَ بعد مَا قيل لَك لَو كنت بكيته مَا نسيتك الْعَرَب 579 - قَالَ ابْن سَلام فانشدني مُعَاوِيَة بن أبي عَمْرو لجرير يرثي الفرزدق (فَلَا ولدت بعد الفرزدق حَامِل ... وَلَا ذَات حمل من نِفَاس تعلت) (هُوَ الْوَافِد الْمَأْمُون والراتق الثأى ... إِذا النَّعْل يَوْمًا بالعشيرة زلت)

580 - أَنا أَبُو خَليفَة نَا ابْن سَلام قَالَ حَدثنِي يُونُس ابْن حبيب النَّحْوِيّ قَالَ كَانَ عبد الْملك بن مَرْوَان لَا يسمع لشعراء مُضر وَلَا يَأْذَن لَهُم لأَنهم كَانُوا زبيرية فوفد إِلَيْهِ الْحجَّاج وفادته الَّتِي وفدها لم يفد إِلَيْهِ غَيرهَا فأهدى إِلَيْهِ جَرِيرًا فَدخل عَلَيْهِ فَأذن لَهُ فِي النشيد فَقَامَ فَأَنْشد مديح الْحجَّاج وَاحِدَة بعد وَاحِدَة فَأَوْمأ إِلَيْهِ الْحجَّاج أَن ينشد مديح عبد الْملك فأنشده الَّتِي يَقُول فِيهَا (ألستم خير من ركب المطايا ... وأندى الْعَالمين بطُون رَاح) وَاعْتمد على ابْن الزبير فَقَالَ (دَعَوْت الْمُلْحِدِينَ أَبَا خبيب ... جماحا هَل شفيت من الجماح) (وَقد وجدوا الْخَلِيفَة هبرزيا ... ألف الْعيص لَيْسَ من النواحي)

(وَمَا شجرات عيصك فِي قُرَيْش ... بعشات الْفُرُوع وَلَا ضواحي) 581 - أَنا أَبُو خَليفَة نَا ابْن سَلام قَالَ اخبرني أَبُو الغراف قَالَ لما أنْشدهُ فِيهَا (تعزت أم حزرة ثمَّ قَالَت ... رَأَيْت الموردين ذوى لقاح) (تعلل وَهِي ساغبة بنيها ... بِأَنْفَاسِ من الشبم القراح) (سيكفيك العواذل أرحبي ... هجان اللَّوْن كالفرد اللياح) (يعز على الطَّرِيق بمنكبيه ... كَمَا ابترك الخليع على القداح)

فَقَالَ لَهُ عبد الْملك فَهَل ترْوِيهَا مئة فَقَالَ وَهل إِلَيْهَا من سَبِيل جعلني الله فداءك يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ وَأَعْطَاهُ مئة وَثَمَانِية من الرعاء 582 - فَذكرهَا جرير فِي مديحه يزِيد بن عبد الْملك وَهُوَ خَليفَة فَقَالَ (أعْطوا هنيدة يحدوها ثَمَانِيَة ... مافي عطائهم من وَلَا سرف) 583 - أَخْبرنِي أَبُو خَليفَة قَالَ حَدثنَا مُحَمَّد بن سَلام قَالَ حَدثنَا أَبُو الغراف قَالَ أَتَى الفرزدق مجْلِس بني الهجيم فِي مَسْجِدهمْ فأنشدهم وَبلغ ذَلِك جَرِيرًا فَأَتَاهُم من الْغَد لينشدهم كَمَا أنشدهم الفرزدق فَقَالَ لَهُ شيخ مِنْهُم يَا هَذَا اتَّقِ الله فَإِن هَذَا الْمَسْجِد إِنَّمَا بني لذكر الله وَالصَّلَاة فَقَالَ جرير أقررتم للفرزدق ومنعتموني وَخرج مغضبا وَهُوَ يَقُول

(إِن الهجيم قَبيلَة ملعونة ... حص اللحى متشابهو الألوان) (هم يتركون بنيهم وبناتهم ... صغر الأنوف لريح كل دُخان) (لَو يسمعُونَ بأكلة أَو شربة ... بعمان أصبح جمعهم بعمان) قَالَ وخفة اللحى فِي بني هجيم ظَاهِرَة وَقيل لرجل مِنْهُم مَا بالكم يابني الهجيم حص اللحى قَالَ إِن الْفَحْل وَاحِد 584 - أَخْبرنِي أَبُو خَليفَة قَالَ حَدثنَا مُحَمَّد بن سَلام قَالَ حَدثنِي أَبُو يحيى الضَّبِّيّ قَالَ نَازع جرير بني حمان فِي ركية لَهُم فصاروا إِلَى إِبْرَاهِيم بن عَرَبِيّ بِالْيَمَامَةِ يتحاكمون إِلَيْهِ فَقَالَ جرير (أعوذ بالأمير غير الْجَبَّار ... من ظلم حمان وتحويل الدَّار) (مَا كَانَ قبل حفرنا من محفار ... وضربي المنقار بعد المنقار)

(فِي جبل أَصمّ غير خوار ... يَصِيح بالجب صياح الصرار) (لَهُ صَهِيل كصهيل الأمهار ... فاسأل بني صحب ورهط الجرار) (والسلميين الْعِظَام الأخطار ... وَالْجَار قد يخبر عَن دَار الْجَار) فَقَالَ الْحمانِي (مالكليب من حمى وَلَا دَار ... غير مقَام أتن وأعيار) (قعس الظُّهُور داميات الأثفار ... ) قَالَ فَقَالَ جرير فَعَن مقامهن جعلت فدَاك أجادل فَقَالَ ابْن عربى للحماني قد أَقرَرت لخصمك وَحكم بهَا لجرير 585 - قَالَ ابْن سَلام وَأَخْبرنِي أَبُو يحيى الضَّبِّيّ قَالَ بَينا جرير

يسير على رَاحِلَته إِذْ هجم على أَبْيَات من مَازِن وهلال وهما بطْنَان من ضبة فخافهم لسوء أَثَره فِي ضبة فَقَالَ (فَلَا خوف عَلَيْك وَلنْ تراعي ... بعقوة مَازِن وَبني هِلَال) (هما الْحَيَّانِ إِن فَزعًا يطيرا ... إِلَى جرد كأمثال السعالي) (أمازن يَا ابْن كَعْب إِن قلبِي ... لكم طول الْحَيَاة لغير قالي) (غطاريف يبيت الْجَار فيهم ... قرير الْعين فِي أهل وَمَال) قَالُوا أجل يَا أَبَا حزرة فَلَا خوف عَلَيْك 586 - أَنا أبوخليفة نَا ابْن سَلام قَالَ حَدثنِي أَبُو يحيى

الضَّبِّيّ قَالَ كَانَ الَّذِي هاج الهجاء بَين جرير وَعمر بن لَجأ أَن عمر كَانَ ينشد أرجوزة لَهُ يصف فِيهَا إبِله وَجَرِير حَاضر بِالْمَاءِ فَقَالَ التَّيْمِيّ (قد وَردت قبل إبى ضحائها ... تقرش الْحَيَّات فِي خرشائها) (جر الْعَجُوز الثنى من ردائها ... ) فَقَالَ لَهُ جرير أخففت مرها قَالَ فَكيف أَقُول قَالَ تَقول (جر الْعَرُوس الثنى من ردائها ... )

قَالَ التَّيْمِيّ وَحمى فَمَا قلت انت أَسْوَأ من قولي قَالَ فَمَا هُوَ قَالَ قَوْلك (وأوثق عِنْد المردفات عَشِيَّة ... لحَاقًا إِذا مَا جرد السَّيْف لامع) فجعلتهن مردفات غدْوَة ثمَّ تداركتهن عَشِيَّة قَالَ فَكيف أَقُول قَالَ تَقول (وأوثق عِنْد المرهفات عَشِيَّة ... ) قَالَ فَقَالَ جرير فوَاللَّه لهَذَا الْبَيْت أحب إِلَيّ من بكرى حزرة وَلَكِنَّك محلب للفرزدق

587 - فَقَالَ فِيهِ جرير (أَلا سوانا ادرأتم يَا بني لَجأ ... شَيْئا يُقَارب أَو وحشا لَهَا غرر) (أحين كنت سماما يَا بني لَجأ ... وخاطرت بِي عَن أحسابها مُضر) (إِن الحفافيث عهدي يَا بني لَجأ ... يطرقن حِين يسور الْحَيَّة الذّكر) (خل الطَّرِيق لمن يَبْنِي المناربه ... وابرز ببززة حَيْثُ اضطرك الْقدر)

(أَنْت ابْن بَرزَة مَنْسُوبا إِلَى لَجأ ... عبد العصارة والعيدان تعتصر) ويروى (أَلَسْت نزوة خوار على أمة ... عبد العصارة والعيدان تعتصر) 588 - فَقَالَ التَّيْمِيّ يرد عَلَيْهِ (لقد كذبت وَشر القَوْل أكذبه ... مَا خاطرت بك عَن أحسابها مُضر) (أَلَسْت نزوة خوار على أمة ... لَا يسْبق الحلبات اللؤم والخور)

(مَا قلت من مرّة إِلَّا سأنقضها ... يَا ابْن الأتان بمثلي تنقض المرر) (قد أصبح الْخَزّ يبكي فِي بني الخطفى ... ياخز كرمان صبرا إِنَّهَا الهتر) 589 - وَقَالَ أَيْضا (مَا استردفت يَوْم الْهُذيْل نساؤنا ... ولاقمن فِي صف لسجحة سجدا)

(وَلَكِن منعناهن فِي الشّرك بالقنا ... وَفِي السّلم صدقنا النَّبِي مُحَمَّدًا) 590 - وَقَالَ أَيْضا (عجبت لما لَا قت ريَاح من الْأَذَى ... وَمَا اقتبسوا منى وللشر قابس) (غضابا لكَلْب من كُلَيْب فرسته ... هوى ولشدات الْأسود فرائس) (إِذا مَا ابْن يَرْبُوع أَتَاك لمأكل ... على مجْلِس إِن الأكيل مجَالِس) (فَقل لِابْنِ يَرْبُوع أَلَسْت بداحض ... سبالك عَنَّا إنَّهُنَّ نجائس)

(تمسح يَرْبُوع سبالا لئيمة ... بهَا من منى العَبْد رطب ويابس) يُرِيد ماصنع أَبُو سواج الضَّبِّيّ باليربوعي 591 - وَكَانَ أَبُو سواج أَخذ بالبريرة صرد بن جَمْرَة فِي شَيْء كَانَ بَينهمَا فجَاء بزنج فأوثبهم على جَارِيَة لَهُ فَكَانُوا يمنون فِي قَعْب ثمَّ حلب عَلَيْهِ فَسَقَاهُ إِيَّاه فَقتله وَذَلِكَ قَول الفرزدق لجرير حِين أَمرهم الْحجَّاج أَن يأتوه فِي لِبَاس آبَائِهِم فجَاء جرير فِي الْحَدِيد فَقَالَ الفرزدق (وَقد تلبس الحبلى السِّلَاح وبطنها ... إِذا انتطقت عبء عَلَيْهَا تعادله)

592 - وَذَلِكَ قَول الأخطل لجرير (تعيب الْخمر وَهِي شراب كسْرَى ... وَيشْرب قَوْمك الْعجب العجيبا) (منى العَبْد عبد أبي سواج ... أَحَق من المدامة أَن تعيبا) 593 - ثمَّ وافى جرير والتيمي الْمَدِينَة وَقد وردهَا الْوَلِيد بن عبد الْملك وَكَانَ يتأله فِي نَفسه فَقَالَ تقذفان الْمُحْصنَات وتعضهان وتنفيان فَأمر أَبَا بكر بن مُحَمَّد بن عَمْرو بن حزم الْأنْصَارِيّ وَكَانَ واليه على الْمَدِينَة بضربهما فضربهما وأقامهما على البلس مقرونين والتيمي يَوْمئِذٍ أشب من جرير وَأقوى فَجعل يشول بجرير وَجَرِير يَقُول وَهُوَ المشول بِهِ

(جزعت من الْعَذَاب غَرِيب تيم ... وملأت الْقَمِيص مَعَ الْإِزَار) (وَلست مفارقا قَرْني حَتَّى ... يطول تصعدي بك وانحداري) فَقَالَ التَّيْمِيّ (وَلما أَن قرنت إِلَى جرير ... أَبى ذُو بَطْنه إِلَّا انحدارا) فَقَالَ لَهُ قدامَة بن إِبْرَاهِيم الجُمَحِي بئْسَمَا قلت جعلت نَفسك المقرون إِلَيْهِ قَالَ فَكيف أَقُول قَالَ تَقول (وَلما لز فِي قربي جرير ... أَبى ذُو بَطْنه إِلَّا انحدارا) قَالَ لَا وَالله لَا أَقُول لَهُ أبدا إِلَّا هَكَذَا

594 - قَالَ أَبُو الْبَيْدَاء لَقِي الفرزدق عَمْرو بن عَطِيَّة أَخا جرير وَهُوَ حِينَئِذٍ يهاجي ابْن لَجأ فَقَالَ لَهُ وَيلك قل لأخيك ثكلتك أمك إيت التَّيْمِيّ من عل كَمَا أصنع بك أَنا وَكَانَ الفرزدق قد حمي وأنف لجرير أَن يتَعَلَّق بِهِ التَّيْمِيّ قَالَ ابْن سَلام وأنشدنى لَهُ خلف الْأَحْمَر يَعْنِي الفرزدق شعرًا يَقُول للتيمي (وَمَا أَنْت إِن قرما تَمِيم تساميا ... أَخا التيم إِلَّا كالو شيظة فِي الْعظم) (فَلَو كنت مولى الظُّلم أَو فِي ظلاله ... ظلمت وَلَكِن لَا يدى لَك بالظلم) فَأَجَابَهُ ابْن لَجأ فَقَالَ (كذبت إأنا القرم الَّذِي دق مَالِكًا ... وأفناء يَرْبُوع وَمَا أَنْت بالقرم)

595 - فَحَدثني أَبُو الغراف قَالَ مشت رجال تَمِيم بَين جرير والتيمي وَقَالُوا وَالله ماشعراؤنا إِلَّا بلَاء علينا يثيرون مخازينا ويهجون أحياءنا وأمواتنا فَلم يزَالُوا يَمْشُونَ بَينهمَا حَتَّى أصلحوا بَينهمَا بالعهود والمواثيق الْمُغَلَّظَة أَن لَا يعودا فِي الهجاء فَكف التَّيْمِيّ وَكَانَ جرير لَا يزَال يسل الْوَاحِدَة فَيَقُول التَّيْمِيّ وَالله مَا نقضت هَذِه وَلَا سَمعتهَا فَيَقُول جرير هَذِه كَانَت قبل الصُّلْح 596 - حَدثنِي عُثْمَان بن عُثْمَان عَن عبد الرَّحْمَن بن حَرْمَلَة قَالَ لما ورد علينا هجاء جرير والتيمي قَالَ لي سعيد بن الْمسيب تروأ لنا مِمَّا قَالَا شَيْئا فَأَتَيْته وَقد اسْتقْبل الْقبْلَة يُرِيد أَن يكبر فَقَالَ أرويت شَيْئا قلت نعم فَأقبل عَليّ بِوَجْهِهِ فَأَنْشَدته للتيمي وَهُوَ يَقُول هيه هيه ثمَّ أنشدته لجرير فَقَالَ أكله أكله 597 - أَخْبرنِي أَبُو الْخطاب الزراري عَن حجناء بن جرير

قَالَ قلت لأبي ياأبت مَا هجوت قوما قطّ إِلَّا فضحتهم أوقال أفسدتهم إِلَّا التيم قَالَ يَا بني إِنِّي لم أجد بِنَاء فأهدمه وَلَا حسبا أَضَعهُ أَو قَالَ أصمه 598 - وَكَانَت تيم رعاء غنم فيغدون فِي غَنمهمْ ثمَّ يروحون وَقد جَاءَ كل رجل مِنْهُم بِأَبْيَات فيرفدون بهَا عمر بن لَجأ وَكَانَ أشعرهم بعد ابْن لَجأ السرندى 599 - وَقيل لجرير مَا صنعت فِي التيم شَيْئا قَالَ إِنَّهُم شعراء لئام 600 - وحَدثني مسمع بن عبد الْملك وَهُوَ كردين قَالَ كَانَ عَرَادَة النميري نديما للفرزدق فَقدم الرَّاعِي الْبَصْرَة فَدَعَاهُ عَرَادَة فأطعمه وسقاه وَقَالَ فضل الفرزدق على جرير فأبي فَلَمَّا أَخذ فِيهِ الشَّرَاب لم يزل بِهِ حَتَّى قَالَ (يَا صَاحِبي دنا الرواح فسيرا ... غلب الفرزدق فِي الهجاء جَرِيرًا)

601 - حَدثنِي أَبُو الغراف قَالَ كَانَ الَّذِي هاج الهجاء بَين جرير الرَّاعِي وَهُوَ عبيد بن حُصَيْن أَن الرَّاعِي كَانَ يسْأَل عَن جرير والفرزدق فَيَقُول البفرزدق أكرمهما وأشعرهما فَلَقِيَهُ جرير فاستعاذه من نَفسه وَطلب إِلَيْهِ أَن لَا يدْخل بَينهمَا وَقَالَ أَنا كنت أولى بعونك إِنِّي لأمدحكم وَإنَّهُ ليهجوكم قَالَ أجل وَلست لمساءتك بعائد ثمَّ بلغ جَرِيرًا أَنه عَاد فِي تَفْضِيل الفرزدق عَلَيْهِ فَلَقِيَهُ بِالْبَصْرَةِ وَجَرِير على بغلة فَعَاتَبَهُ وَقَالَ استعذتك فَزَعَمت أَنَّك غير دَاخل بيني وَبَين ابْن عمي قَالَ والراعي يعْتَذر إِلَيْهِ وَأَقْبل ابْنه جندل وَكَانَ فِيهِ خطل وَعجب فَقَالَ لِأَبِيهِ أَلا أَرَاك تعتذر إِلَى ابْن الأتان نعم وَالله لنفضلن عَلَيْك ولنروين هجاءك ولنهجونك من تِلْقَاء انفسنا وَضرب وَجه بغلته وَقَالَ (ألم تَرَ أَن كلب بني كُلَيْب ... أَرَادَ حِيَاض دجلة ثمَّ هابا) فَانْصَرف جرير مغضبا محفظا فَقَالَ الرَّاعِي لِابْنِهِ وَالله لهجوني

وَإِيَّاك فليته لَا يجاوزنا وَلَكِن سَيذكرُ نسوتك وَعلم الرَّاعِي أَنه قد أَسَاءَ فندم فتزعم نمير أَنه حلف أَن لَا يجِيبه سنة غَضبا على ابْنه وَأَنه مَاتَ فِي السّنة وَيَقُول غَيرهم إِنَّه كمد لما سَمعهَا فَمَاتَ 602 - وَكَانَ جرير يَوْم جرى هَذَا بَينهمَا بِالْبَصْرَةِ نازلا على امْرَأَة من كُلَيْب فَبَاتَ فِي علية لَهَا وَهِي فِي سفل دارها قَالَت الْمَرْأَة فَبَاتَ ليلته لَا ينَام يتَرَدَّد فِي الْبَيْت حَتَّى ظَنَنْت أَنه عرض لَهُ جني أَو سنح لَهُ بلَاء حَتَّى فتح لَهُ فَقَالَ (أقلي اللوم عاذل والعتابا ... وَقَوْلِي إِن أصبت لقد أصابا) حَتَّى قَالَ (إِذا غضِبت عَلَيْك بَنو تَمِيم ... حسبت النَّاس كلهم غضابا) ثمَّ أصبح فغدا إِلَى المربد فَقَالَ يَا بني تَمِيم قيدوا أَي

اكتبوا فَلم يجبهُ الرَّاعِي وَلم يهجه جرير بغَيْرهَا 603 - فَقَالَ لي بعض رُوَاة قيس وعلمائهم كَانَ الرَّاعِي فَحل مُضر حَتَّى ضغمه اللَّيْث يَعْنِي جَرِيرًا 604 - قَالَ أَبُو الْبَيْدَاء مر رَاكب يتَغَنَّى (وعاو عوى من غير شىء رميته ... بقاقية أَسبَابهَا تقطر الدما) (خُرُوج بأفواه الروَاة كَأَنَّهَا ... قرا هندوانى إِذا هز صمما) فَسَمعهُ الرَّاعِي فَأتبعهُ رَسُولا فَقَالَ لمن البيتان قَالَ جرير قَالَ وَالله لَو اجْتمعت الْجِنّ وَالْإِنْس على صَاحب هذَيْن الْبَيْتَيْنِ مَا أغنوا فِيهِ شَيْئا ثمَّ قَالَ لمن حضر وَيحكم ألام على أَن يغلبني مثل هَذَا

وَإِنَّمَا يَعْنِي جرير البعيث وَكَذَلِكَ كَانَ اعْتِرَاض البعيث جَرِيرًا فِي غير شَيْء 605 - حَدثنِي أبان بن عُثْمَان قَالَ كَانَ سراقَة الْبَارِقي شَاعِرًا ظريفا تحبه الْمُلُوك حُلْو الحَدِيث وَكَانَ قَاتل الْمُخْتَار فَأَخذه أَسِيرًا فَأمر بقتْله فَقَالَ وَالله لَا تقتلني حَتَّى تنقض دمشق حجرا حجرا فَقَالَ الْمُخْتَار لأبي عمْرَة من يخرج أَسْرَارنَا ثمَّ قَالَ من أسرك قَالَ قوم على خيل بلق عَلَيْهِم ثِيَاب بيض لَا أَرَاهُم فِي عسكرك قَالَ فَأقبل الْمُخْتَار على أَصْحَابه فَقَالَ عَدوكُمْ يرى من هَذَا مَا لَا ترَوْنَ قَالَ إِنِّي قَاتلك قَالَ وَالله يَا أَمِين آل مُحَمَّد إِنَّك تعلم أَن هَذَا لَيْسَ بِالْيَوْمِ الَّذِي تقتلني فِيهِ قَالَ فَفِي أَي يَوْم أَقْتلك قَالَ يَوْم تضع كرسيك على بَاب مَدِينَة دمشق فتدعو بِي يَوْمئِذٍ فَتضْرب عنقِي فَقَالَ الْمُخْتَار لأَصْحَابه يَا شرطة الله من يرفع حَدثنِي ثمَّ خلى عَنهُ فَقَالَ سراقَة وَكَانَ الْمُخْتَار يكنى أَبَا إِسْحَاق

(أَلا أبلغ أَبَا إِسْحَاق عني ... رَأَيْت البلق دهما مصمتات) (أرى عَيْني مَا لم تبصراه ... كِلَانَا عَالم بالترهات) (كفرت بوحيكم وَجعلت نذرا ... على قتالكم حَتَّى الْمَمَات) 606 - ثمَّ قدم سراقَة بعد ذَلِك الْعرَاق مَعَ بشر بن مَرْوَان وَكَانَ بشر من فتيَان قُرَيْش سخاء ونجدة وَكَانَ ممدحا فمدحه جرير والأخطل والفرزدق وَكثير وأعشى بني شَيبَان وَكَانَ بشر يغري بَين الشُّعَرَاء وَهُوَ أغرى بَين جرير والأخطل فَحمل سراقَة

على جرير حَتَّى هجاه فَقَالَ سراقَة (أبلغ تميما غثها وسمينها ... وَالْقَوْل يقْصد تَارَة ويجور) (أَن الفرزدق برزت حلباته ... عفوا وغودر فِي الغبارجرير) (مَا كنت أول محمر عثرت بِهِ ... آباؤه إِن اللَّئِيم عثور) (حرر كليبا إِن خير صَنِيعَة ... يَوْم الْحساب الصَّوْم والتحرير) (هَذَا الْقَضَاء الْبَارِقي وإنني ... بالميل فِي مِيزَانه لجدير) 607 - فَقَالَ جرير فِي قصيدته الَّتِي قَالَ فِيهَا (يَا صَاحِبي هَل الصَّباح مُنِير ... أم هَل للوم عواذلي تفتير) (يَا بشر إِنَّك لم تزل فِي نعْمَة ... يَأْتِيك من قبل الْعلي بشير)

(بشر ابو مَرْوَان إِن عاسرته ... عسر وَعند يسَاره ميسور) (يابشر حق لوجهك التبشير ... هلا غضِبت لنا وَأَنت أَمِير) (قد كَانَ حَقك أَن تَقول لبارق ... يَا آل بارق فيمَ سبّ جرير) (إِن الْكَرِيمَة ينصر الْكَرم ابْنهَا ... وَابْن اللئيمة للئام نصور) (أَمْسَى سراقَة قد عوى لشقائه ... خطب وأمك يَا سراق يسير) (أسراق إِنَّك قد غشيت ببارق ... أمرا مطالعه عَلَيْك وعور) (أسراق إِنَّك لَا نزارا نلتم ... والحي من يمن عَلَيْك نصير) (أكسحت باستك للفخار وبارق ... شَيْخَانِ أعمى مقْعد وكسير)

608 - وَقَالَ جرير (أَمْسَى خَلِيلك قد أجد فراقا ... هاج الحزين وَذكر الأشواقا) (وَإِذا لقِيت مجيلسا من بارق ... لَا قيت أطبع مجْلِس أَخْلَاقًا) (قفد الأ كف عَن المكارم كلهَا ... والجامعين مذلة ونفاقا) (وَلَقَد هَمَمْت بِأَن أدمدم بارقا ... فَحفِظت فيهم عمنَا إسحاقا) (قَالَ ابْن سَلام يَعْنِي إِسْحَاق الذَّبِيح ثمَّ نزعا 609 - فَمر جرير بسراقة بمنى وَالنَّاس مجتمعون على سراقَة وَهُوَ ينشد فجهره جماله وَاسْتحْسن نشيده فَقَالَ جرير من أَنْت

قَالَ بعض من أَخْزَاهُ الله على يَديك قَالَ أما وَالله لَو عرفتك لوهبتك لظرفك 610 - قَالَ كَانَ الْعَبَّاس بن يزِيد الْكِنْدِيّ هجا جَرِيرًا وَكَانَت الشُّعَرَاء تعرض لَهُ ليهجوهم 611 - وَكَانَ يَقُول لَا أبتدي وَلَكِن أعتدي 612 - قَالَ أَبُو الغراف فتأناهم حولا وَذَلِكَ قَوْله (ألم ينْه عني النَّاس أَن لست ظَالِما ... بَرِيئًا وأنى للمتاحين متيح)

613 - فَأَتَتْهُ كِنْدَة فاستعدوه من نَفسه وطلبوا أَن لَا يذكرهم قَالَ فَأَخْبرُونِي بمساويه إِن كُنْتُم صَادِقين ففرشوه أمره فَقَالُوا هم أهل بَيت كَانُوا فِي فَزَارَة مجاورين ثمَّ تحولوا إِلَى بني كلاب ثمَّ تحولوا فِي طيىء وَمَعَهُ ابْنة لَهُ جَارِيَة حدثة فطبن لَهَا غُلَام مِنْهُم يُقَال لَهُ عتاب فَكَانَ يلاعبها فَقَالُوا إِنَّهَا حبلت مِنْهُ وَولدت وَقتل الْوَلَد وَكَانُوا نزولا فِي جبل يُقَال لَهُ شعبي وَكَانُوا أهل بَيت سرو وجمال قَالَ رَأَيْت رجلا من وَلَده فَمَا رَأَيْت أجمل مِنْهُ

فَقَالَ جرير (ستطلع من ذرى شعبى قواف ... على الْكِنْدِيّ تلتهب التهابا) (أيوما فِي فَزَارَة مستجيرا ... وَيَوْما نَاشِدًا حلفا كلابا) (أعتابا تجاور حِين أجنت ... نخيل أجا وأعنزه الربابا) (يخاتلها وتحسبه لعابا ... أَسَاءَ غُلَام جيرتك اللعابا) (وَمَا خفيت هضيبة يَوْم جرت ... وَلَا إطْعَام سخلتها الكلابا) (يقطع بالمشاقص حالبيها ... وَقد بلت مشمتها الترابا)

(وَقد حملت ثَمَانِيَة وتمت ... لتاسعها وتحسبها كعابا) (أعبدا حل فِي شعبى غَرِيبا ... ألؤما لَا أَبَا لَك واغترابا) (إِذا نزل الحجيج على قنيع ... دببت اللَّيْل تسْتَرق العيابا) (فقد حلت يَمِينك إِن إِمَام ... أَقَامَ الْحَد وَاتبع الكتابا) فيزعم النَّاس أَنه لما أتنه هَذِه الأبيات كمد فَمَاتَ 614 - قَالَ وَقَالَ رجل من عبد الْقَيْس يُقَال لَهُ أحمز بن غُدَانَة من بني عصر

(علام تعنى ياجرير وَقد قضى ... أَخُو عصر أَن قد علاك الفرزدق) (وَإِن امْرأ سوى كليبا بدارم ... وَسوى جَرِيرًا بالفرزدق أَحمَق) فَأَخذه عبد الْعَزِيز بن عَمْرو بن مرجوم وَكَانَ سيد عبد الْقَيْس بِالْبَصْرَةِ وَأَبوهُ سيد وجده سيد 615 - وَكَانَ جده مرجوم اسْمه عَامر بن عبيد فنافر رجلا من قومه إِلَى النُّعْمَان فنفرة عَلَيْهِ وَقَالَ رَجَمْتُك بالشرف فَسُمي مرجوما وَفِيه يَقُول لبيد (وقبيل من لكيز شَاهد ... رَهْط مرجوم ورهط ابْن المعل)

616 - فشده وثاقا فَأرْسل بِهِ إِلَى جرير وَقَالَ احكم فِيهِ فَقَالَ جرير (لَوْلَا ابْن عَمْرو بن مرجوم لقد خرجت ... شنعاء لَا تتقي سمعا وَلَا بصرا) (إِنِّي لأرجو وراجي الْخَيْر مدركه ... أَن يجْبر الله فِي الدُّنْيَا بني عصرا) (كم من يَتِيم ومسكين وأرملة ... وبائس فِي قديم الدَّهْر قد جبرا) 617 - وَقَالَ جرير يرد على الصلتان (أَقُول وَلم أملك أمال بن حنظل ... مَتى كَانَ حكم الله فِي كرب النّخل) 618 - فاعترضه خُلَيْد عينين من أهل هجر فَقَالَ (وَأي نَبِي كَانَ من أهل قَرْيَة ... وَمَا الحكم يَا ابْن اللؤم إلامع الرُّسُل) 619 - فَقَالَ جرير (فَخَل الْفَخر يَا ابْن أَبى خُلَيْد ... وأد خراج رَأسك كل عَام) (لقد علقت يَمِينك رَأس ثَوْر ... وَمَا علقت يَمِينك باللجام)

620 - وَقَالَ جرير (كم عمَّة لَك يَا خُلَيْد وَخَالَة ... خضر نواجذها من الكراث) (نَبتَت بمنبته فطاب لشمها ... ونأت عَن القيصوم والجثجاث) فَسكت خُلَيْد 621 - وَقَالَ فِي أَحْمَر بن غُدَانَة (نبئت عبدا بالعيون يسبني ... أُحَيْمِر سوارا على كرب النّخل)

ذكر الأخطل

فَقَالَ أَحْمَر (أعيرتنا بِالنَّخْلِ أَن كَانَ مالنا ... وود أَبوك اللؤم لَو كَانَ ذَا نخل) فهم جرير ببني عصر فَأَتَاهُ عبد الْعَزِيز بن عَمْرو بن مرجوم فشده فَأرْسلهُ إِلَى جرير وَحمل جَرِيرًا وكساه ذكر الأخطل 622 - حَدثنِي عَامر بن عبد الْملك المسمعي قَالَ لما بلغ الأخطل تهاجى جرير والفرزدق قَالَ لِابْنِهِ مَالك انحدر إِلَى الْعرَاق حَتَّى تسمع مِنْهُمَا وتأتيني بخبرهما قَالَ فلقيهما ثمَّ اسْتمع فَأتى أَبَاهُ فَقَالَ جرير يغْرف من بَحر والفرزدق ينحت من صَخْر فَقَالَ الأخطل فجرير أشعرهما ثمَّ قَالَ (إِنِّي قضيت قَضَاء غير ذِي جنف ... لما سَمِعت وَلما جَاءَنِي الْخَبَر)

(أَن الفرزدق قد شالت نعامته ... وعضه حَيَّة من قومه ذكر) 623 - ثمَّ قدم الأخطل الْكُوفَة على بشر بن مَرْوَان فَبعث إِلَيْهِ مُحَمَّد بن عُمَيْر بن عُطَارِد بن حَاجِب بن زُرَارَة بِدَرَاهِم وحملان وَكِسْوَة وخمر وَبَلغنِي أَن الَّذِي بعث بِهَذَا شبة بن عقال الْمُجَاشِعِي وَقَالَ للأخطل فضل شَاعِرنَا عَلَيْهِ وسبه فَقَالَ الأخطل (اخْسَأْ كُلَيْب إِلَيْك إِن مجاشعا ... وَأَبا الفوارس نَهْشَلَا أَخَوان) (قوم إِذا خطرت إِلَيْك قرومهم ... جعلوك بَين كلا كل وجران) (وَإِذا وضعت أَبَاك فِي ميزانهم ... رجحوا وشال أَبوك فِي الْمِيزَان)

فَقَالَ جرير (يَاذَا العباية إِن بشرا قد قضى ... أَن لَا تجوز شَهَادَة النشوان) 624 - وَأَخْبرنِي أَبُو عبيد النَّحْوِيّ قَالَ لما أَتَى الأخطل قَول جرير (جاريت مطلع الرِّهَان بسنه ... روق شبيبته وعمرك فَانِي) ويروى (جاريت مطلع الرِّهَان بروقه ... مَاء الشَّبَاب وَمَاء روقك فَانِي) قَالَ الأخطل صدق ابْن المراغة وَقد أديل مني حِين أَقُول

لنابغة بني جعدة (لقد جارى أَبُو ليلى بقحم ... ومنتكث على التَّقْرِيب وان) (إِذا خبط الخبار أكب فِيهِ ... وخر على الجحافل والجران) يرْوى إِذا دخل الخبار وَكَانَ الأخطل من أسن أهل طبقته 625 - أَنْشدني مُحَمَّد بن الْفضل الْهَاشِمِي لجرير فِي مُحَمَّد بن عُمَيْر ابْن عُطَارِد (إِنَّا لنعلم مَا أَبوك بحاجب ... فَالْحق بأصلك من بني دهمان)

وَهِي قصيدة 626 - وَقَالَ لشبة بن عقال وَكَانَت فِيهِ شوهة وَذَاكَ فِي وَلَده بَين (فَضَح الْعَشِيرَة يَوْم يسلح قَائِما ... ظلّ النعامة شبة بن عقال) 627 - وَقَالَ للأخطل (رشتك مجاشع سكرا بفلس ... فَلَا تهنيك رشوة من رشاكا)

وَهِي قصيدة طَوِيلَة 628 - وَقَالَ (يَا شب وَيحك إِلَّا تكفر فوارسنا ... يَوْم ابْن كَبْشَة عالي الْملك جَبَّار) (لَوْلَا حماية يَرْبُوع نساءكم ... كَانَت لغيركم فِيهِنَّ أطهار) 629 - قَالَ ابْن سَلام وَسَأَلت بشارا المرعث أَي الثَّلَاثَة أشعر فَقَالَ لم يكن الأخطل مثلهمَا وَلَكِن ربيعَة تعصبت لَهُ وأفرطت فِيهِ قلت فهذان قَالَ كَانَت لجرير ضروب من الشّعْر لَا يحسنها الفرزدق وَلَقَد مَاتَت النوار فَقَامُوا ينوحون عَلَيْهَا بِشعر جرير فَقلت لبشار وَأي شَيْء لجرير من المراثى إِلَّا الَّتِي رثى بهَا امْرَأَته فأنشدني لجرير يرثي ابْنه سوَادَة وَمَات بِالشَّام

(قَالُوا نصيبك من أجرفقلت لَهُم ... كَيفَ العزاء وَقد فَارَقت أشبالي) (فارقتني حِين كف الدَّهْر من بَصرِي ... وَحين صرت كعظم الرمة الْبَالِي) (أَمْسَى سوَادَة يجلو مقلتى لحم ... باز يصرصر فَوق المربأ العالي)

(قد كنت أعرفهُ مني إِذا غلقت ... رهن الْجِيَاد وَمد الْغَايَة الغالي) (إِن الثوى بِذِي الزَّيْتُون فاحتسبي ... قد أسْرع الْيَوْم فِي عَقْلِي وَفِي حَالي) (إِلَّا تكن لَك بالديرين معولة ... فَرب باكية بالرمل معوال) (كَأُمّ بو عجول عِنْد معهده ... حنت إِلَى جلد مِنْهُ وأوصال)

(حَتَّى إِذا عرفت أَن لَا حَيَاة بِهِ ... ردَّتْ هماهم حرى الْجوف مثكال) (زَادَت على وجدهَا وجدا وَإِن رجعت ... فِي الصَّدْر مِنْهَا خطوب ذَات بلبال) 630 - حَدثنِي عبد الْجَبَّار بن سعيد بن المساحقى سُلَيْمَان عَن الْمُحَرر بن أَبى هُرَيْرَة قَالَ إِنِّي بأريحا فِي عَسْكَر سُلَيْمَان بن عبد الْملك وَفِيه جرير والفرزدق إِذْ أَتَانَا الفرزدق فَقَالَ اشْهَدُوا جَنَازَة مُحَمَّد ابْن أخي ثمَّ قَالَ (بتنا بدير أريحاء بليلة ... خدارية يزْدَاد طولا تَمامهَا)

(أكابد فِيهَا نفس أقرب من مَشى ... أَبوهُ يإمر غَابَ عني نيامها) (وَكُنَّا نرى من غَالب فِي مُحَمَّد ... شمائل يَعْلُو الفاعلين كرامها) (وَكَانَ إِذا مَا حل أَرضًا تزينت ... بزينته صحراؤها وإكامها) (سقى أريحاء الْغَيْث وَهِي بغيضة ... إِلَيْنَا وَلَكِن كى ليسقاه هامها)

ما قيل في الأخطل وأحاديثه

ثمَّ انْصَرف وَجَاء جرير فَقَالَ قد رَأَيْت هَذَا وَسمعت مَا قَالَ فِي ابْن أَخِيه وَمَا ابْن أَخِيه فعل الله بِهِ وَفعل وَذكر اللَّعْن قَالَ وَمضى جرير فَلَا وَالله مَا لبثنا إِلَّا جمعا حَتَّى جَاءَ جرير فَقَامَ مقَامه فَقَالَ اشْهَدُوا سوَادَة ابْنه 631 - ثمَّ قَالَ (كَأَن سوَادَة يجلو مقلتى لحم ... باز يصرصر فَوق المربأ العالي) (ودعتني حِين كف الدَّهْر من بَصرِي ... وَحين صرت كعظم الرمة الْبَالِي) (إِلَّا تكن لَك بالديرين باكية ... فَرب باكية بالرمل معوال) (قَالُوا نصيبك من أجرفقلت لَهُم ... كَيفَ العزاء وَقد فَارَقت أشبالي) مَا قيل فِي الأخطل وَأَحَادِيثه 632 - حَدثنِي أَبُو يحيى الضَّبِّيّ قَالَ كَانَ عبد الرَّحْمَن بن حسان وَيزِيد بن مُعَاوِيَة يتقاولان فاستعلاه ابْن حسان قَالَ يزِيد لكعب

ابْن جعيل التغلبي أجبه عني واهجه فَقَالَ وَالله مَا تلتقي شفتاي بِهِجَاء الْأَنْصَار وَلَكِنِّي أدلك على الشَّاعِر الماهر الْفَاجِر فَتى منا يَقُول لَهُ غياث بن الْغَوْث نَصْرَانِيّ 633 - وَكَانَ كَعْب سَمَّاهُ الأخطل وَذَاكَ أَنه سَمعه ينشد هجاء فَقَالَ يَا غُلَام إِنَّك لأخطل اللِّسَان 634 - قَالَ أَبُو يحيى قَالَ كَعْب بن جعيل إِنِّي قد هجوت نَفسِي ببيتين وَقد ضممت عَلَيْهِمَا فَمن أصابهما فَهُوَ الشَّاعِر فَقَالَ الأخطل (سميت كَعْبًا بشر الْعِظَام ... وَكَانَ أَبوك سمى الْجعل)

(وَإِن محلك من وَائِل ... مَحل القراد من است الْجمل) قَالَ هما هَذَانِ 635 - قَالَ أَبُو يحيى أرسل إِلَيْهِ يزِيد أَن اهجهم فَقَالَ كَيفَ أصنع بمكانهم أَخَافهُم على نَفسِي قَالَ لَك ذمَّة أَمِير الْمُؤمنِينَ وذمتي فَذَلِك حِين يَقُول (ذهبت قُرَيْش بالسماحة والندى ... واللؤم تَحت عمائم الْأَنْصَار) 636 - فجَاء النُّعْمَان بن بشير الْأنْصَارِيّ إِلَى مُعَاوِيَة فَقَالَ يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ بلغ منا أَمر مَا بلغ منا مثله فِي جَاهِلِيَّة وَلَا إِسْلَام قَالَ من بلغ ذَاك مِنْكُم قَالَ غُلَام نَصْرَانِيّ من بني تغلب قَالَ مَا حَاجَتك فِيهِ قَالَ لِسَانه قَالَ ذَاك لَك 637 - وَكَانَ النُّعْمَان ذَا منزلَة من مُعَاوِيَة وَكَانَ مُعَاوِيَة يَقُول يَا معشر الْأَنْصَار تستبطئونني وَمَا صحبني مِنْكُم إِلَّا النُّعْمَان بن بشير وَقد رَأَيْتُمْ مَا صنعت بِهِ وَكَانَ ولاه الْكُوفَة وأكرمه 638 - فَأخْبر الأخطل فَصَارَ إِلَى يزِيد فَدخل يزِيد إِلَى أَبِيه

فَقَالَ يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ هجوني وذكروك فَجعلت لَهُ ذِمَّتك وذمتي على أَن ردعني فَقَالَ مُعَاوِيَة للنعمان لَا سَبِيل إِلَى ذمَّة أبي خَالِد 639 - فَذَاك حَيْثُ يَقُول الأخطل (أَبَا خَالِد دافعت عني عَظِيمَة ... وَأدْركت لحمي قبل أَن ينبددا) (وَأَطْفَأت عني نَار نعْمَان بَعْدَمَا ... أغذ لأمر فَاجر وتجردا) (وَلما رأى نعْمَان دوني ابْن حرَّة ... طوى الكشح إِذْ لم يستطعني وعردا) (وَمَا مفعم يَعْلُو جزائر حامر ... يشق إِلَيْهَا خيزرانا وغرقدا) (تحرز مِنْهُ أهل عانات بعد مَا ... كسا سورها الْأَدْنَى غثاء منضدا)

(كَأَن بَنَات المَاء فِي حجراتها ... أَبَارِيق أَهْدَتْهَا دياف لصرخدا) (يقمص بالملاح حَتَّى يشفه ... الحذار وَإِن كَانَ المشيح المعودا) (بمطرد الآذى جون كَأَنَّمَا ... زفا بالقراقير النعام المطردا) (بأجود سيبا من يزِيد إِذا غَدَتْ ... بِهِ بخته يحملن ملكا وسوددا)

(يقلص بِالسَّيْفِ الطَّوِيل نجاده ... خميص إِذا السربال عَنهُ تقددا) 640 - حَدثنِي يُونُس وعامر بن عبد الْملك وَأَبُو الغراف فألفت مَا قَالُوا قَالَ أَتَى الأخطل الْكُوفَة فَأتى الغضبان بن القبعثرى الشَّيْبَانِيّ وَهُوَ يَوْمئِذٍ سيد بكر بن وَائِل فَسَأَلَهُ فِي حمالَة وَكَانَ سؤلة على مِثَال فعلة قَالَ إِن شِئْت أَعطيتك أَلفَيْنِ وَإِن شِئْت أَعطيتك دِرْهَمَيْنِ قَالَ مَا بَال الْأَلفَيْنِ وَمَا بَال الدرهمين قَالَ إِن أَعطيتك أَلفَيْنِ لم يعطكها إِلَّا قَلِيل وَإِن أعطينا دِرْهَمَيْنِ لم يبْق بكري بِالْكُوفَةِ إِلَّا أَعْطَاك دِرْهَمَيْنِ وكتبنا لَك إِلَى إِخْوَاننَا من أهل الْبَصْرَة فَلم يبْق بكري إِلَّا أَعْطَاك دِرْهَمَيْنِ فَخفت عَلَيْهِم المؤونه

وَكثر لَك النّيل قَالَ فَهَذِهِ إِذن قَالَ نقسمها لَك إِلَى أَن ترجع من الْبَصْرَة فَكتب لَهُ بِالْبَصْرَةِ إِلَى سُوَيْد بن منجوف السدُوسِي وَهُوَ زعيم بكر بن وَائِل بِالْبَصْرَةِ 641 - قَالَ يُونُس بن حبيب فِي حَدِيثه فَنزل على آل الصَّلْت ابْن حُرَيْث الْحَنَفِيّ فَأَخْبرنِي من سَمعه أَنه قَالَ وَالله لَا أَزَال أفعل ذَاك 642 - ثمَّ رَجَعَ إِلَى الحَدِيث الأول قَالَ وأتى سويدا بِالْكتاب فَأخْبرهُ بحاجته قَالَ نعم وَأَقْبل على قومه فَقَالَ هَذَا أَبُو مَالك قد أَتَاكُم يسألكم أَن تجمعُوا لَهُ وَهُوَ أهل ان نقضي حَاجته وَهُوَ الَّذِي يَقُول (إِذا مَا قلت قد صالحت بكرا ... أَبى الْبغضَاء لَا النّسَب الْبعيد) (وَأَيَّام لنا وَلَهُم طوال ... يعَض الْهَام فِيهِنَّ الْحَدِيد)

(ومهراق الدِّمَاء بواردات ... تبيد المخزيات وَمَا تبيد) (هما أَخَوان يصطليان نَارا ... رِدَاء الْمَوْت بَينهمَا جَدِيد) فهيجهم على الأخطل قَالُوا فلاها الله إِذن وَالله لَا نُعْطِيه شَيْئا 643 - فَخرج وَهُوَ يَقُول (فَإِن تمنع سدوس درهميها ... فَإِن الرّيح طيبَة قبُول) (تواكلني بَنو العلات مِنْهُم ... وغالت مَالِكًا وَيزِيد غول)

(صَرِيعًا وَائِل هلكا جَمِيعًا ... كَانَ الأَرْض بعدهمَا محول) يُرِيد مَالك بن مسمع وَيزِيد بن رُوَيْم الشَّيْبَانِيّ 644 - وَقَالَ لسويد بن منجوف وَكَانَ سُوَيْد رجلا تَقْتَحِمُهُ الْعين وَلَيْسَ بِذِي منظرة (وَمَا جذع سوء خرق السوس أَصله ... لما حَملته وَائِل بمطيق) ويروى خرب السوس جَوْفه 645 - وَكَانَ الأخطل مَعَ مهارته وشعره يسْقط كَانَ مدح سماكا الْأَسدي وَهُوَ سماك الهالكي بن عُمَيْر بن عَمْرو بن أَسد وَبَنُو عَمْرو يلقبون القيون وَمَسْجِد سماك بِالْكُوفَةِ مَعْرُوف وَكَانَ

من أَهلهَا فَخرج أَيَّام عَليّ هَارِبا فلحق بالجزيرة فمدحه الأخطل فَقَالَ (نعم المجير سماك من بني أَسد ... بالمرج إِذْ قتلت جِيرَانهَا مُضر) (قد كنت أَحْسبهُ قينا وأنبؤه ... فاليوم طير عَن أثوابه الشرر) ويروى قد كنت أنبؤه قينا وَأخْبرهُ

(إِن سماكا بنى مجدا لأسرته ... حَتَّى الْمَمَات وَفعل الْخَيْر يبتدر) (فَقَالَ سماك يَا أخطل أردْت مديحي فهجوتني كَانَ النَّاس يَقُولُونَ قولا فحققته 646 - فَلَمَّا هجا سويدا قَالَ لَهُ سُوَيْد يَا أَبَا مَالك وَالله مَا تحسن أَن تهجو وَلَا تمدح لقد أردْت مدح الْأَسدي فهجوته يَعْنِي قَوْله قد كنت أَحْسبهُ قينا وَأَرَدْت هجائي فمدحتني جعلت وائلا كلهَا حَملتنِي أمورها وَمَا طمعت فِي بني ثَعْلَبَة فضلا عَن بكر فزدتني تغلب 647 - أبان بن عُثْمَان البَجلِيّ قَالَ مر الأخطل بِالْكُوفَةِ فِي بني رؤاس ومؤذنهم يُنَادي بِالصَّلَاةِ فَقَالَ بعض شُبَّانهمْ ابا مَالك الا تدخل فَتُصَلِّي فَقَالَ (أُصَلِّي حَيْثُ تدركني صَلَاتي ... وَلَيْسَ الْبر وسط بني رؤاس)

حَدثنِي أبوالحصين الْمدنِي قَالَ بَينا الأخطل قد خلا مَعَ صَاحب لَهُ بخميرة لَهما فِي نزهة إِذْ طَرَأَ عَلَيْهِمَا طارىء لَا يعرفانه وَلَا يستخفانه فَشرب شرابهما وَثقل عَلَيْهِمَا فَقَالَ الأخطل (وَلَيْسَ القذى بِالْعودِ يسفط فِي الْخمر ... وَلَا بذباب خطبه أيسر الْأَمر) (وَلَكِن شخصا لَا يسر بِقُرْبِهِ ... ترامى بِهِ الْغِيطَان من حَيْثُ لَا نَدْرِي) 649 - أبان بن عُثْمَان حَدثنِي أبي قَالَ دَعَا الأخطل شَاب من شباب أهل الْكُوفَة إِلَى منزله فَقَالَ يَا ابْن أخي أَنْت لَا تحْتَمل المؤونة وَلَيْسَ عَلَيْك مُحْتَمل فَلم يزل بِهِ حَتَّى انتجعه فَأتى الْبَاب

فَقَالَ يَا شقراء فَخرجت إِلَيْهِ امْرَأَة فَقَالَ لَهَا أعلمي فلَانا مَكَاني فَقَالَ لأمة هَذَا أَبُو مَالك قد زارنا فباعت غزلا فاشترت لَهُم لَحْمًا ونبيذا وريحانا فَدخل خصا لَهُم فَأكل مَعَه وَشرب فَقَالَ فِي ذَلِك (وَبَيت كَظهر الْفِيل جلّ مَتَاعه ... أباريقه والشارب المتقطر) (ترى فِيهِ أثلام الأصيص كَأَنَّهَا ... إِذا بَال فِيهَا الشَّيْخ حفر معور) (لعمرك مَا عِشْنَا بِيَوْم معيشة ... من الدَّهْر إِلَّا يَوْم شقراء أقصر)

(حوارية لَا يدْخل الذَّم بَيتهَا ... مطهرة يأوي إِلَيْهَا مطهر) 650 - قَالَ أَبُو يحيى الضَّبِّيّ اجْتمع الفرزدق وَجَرِير والأخطل عِنْد بشر بن مَرْوَان وَكَانَ يغرى بَين الشُّعَرَاء فَقَالَ للأخطل احكم بَين الفرزدق وَجَرِير قَالَ أعفني أَيهَا الْأَمِير قَالَ احكم بَينهمَا فاستعفاه بِجهْدِهِ فأبي إِلَّا أَن يَقُول فَقَالَ هَذَا حكم مشؤوم ثمَّ قَالَ الفرزدق ينحت من صَخْر وَجَرِير يغْرف من بَحر فَلم يرض جرير بذلك وَكَانَ سَبَب الهجاء بَينهمَا فَقَالَ جرير فِي حكومته (يَاذَا العباية إِن بشرا قد قضى ... أَن لَا تجوز حُكُومَة النشوان) (فدعوا الْحُكُومَة لَسْتُم من أَهلهَا ... إِن الْحُكُومَة فِي بني شَيبَان) (قلوا كليبكم بلقحة جارهم ... يَا خزر تغلب لَسْتُم بهجان)

651 - وَقَالَ الأخطل يرد عَلَيْهِ (وَلَقَد تقايستم إِلَى أحسابكم ... وجعلتم حكما من الصلتان) (فَإِذا كُلَيْب لَا يُسَاوِي دارما ... حَتَّى يساوى حصرم بِأَبَان)

(وَإِذا جعلت أَبَاك فِي ميزانهم ... رجحوا وشال أَبوك فِي الْمِيزَان) (وَإِذا وَردت المَاء كَانَ لدارم ... عفواته وسهولة الأعطان) ثمَّ استطار الهجاء 652 - وحَدثني رجل من بني مَرْوَان شَامي قَالَ اجْتمع جرير والأخطل عِنْد عبد الْملك بن مَرْوَان فَقَالَ لَهُ الأخطل أَيْن تركت أعيار أمك قَالَ ترعى مَعَ خنازير أَبِيك 653 - أَبُو الغراف قَالَ تناشدا عِنْد الْوَلِيد بن عبد الْملك فَأَنْشد الأخطل كلمة عَمْرو بن كُلْثُوم (أَلا هبي بصحنك فاصبحينا ... ) فَتحَرك الْوَلِيد فَقَالَ مغر يَا جرير يُرِيد قصيدة أَوْس بن مغراء السَّعْدِيّ ثمَّ القريعي

(مَاذَا يهيجك من دَار بفيحانا ... قفر توهمت مِنْهَا الْيَوْم عرفانا) (منا النَّبِي الَّذِي قد عَاشَ مؤتمنا ... وصاحباه وَعُثْمَان بن عفانا) (تحالف النَّاس مِمَّا يعلمُونَ لنا ... وَلَا نخالف إِلَّا الله مَوْلَانَا) (مُحَمَّد خير من يمشي على قدم ... وَكَانَ صَافِيَة لله خلصانا) فَقَالَ الأخطل أَعلَى تعصب يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ وَعلي تعين وَأَنا صَاحب عبد الرَّحْمَن بن حسان وَصَاحب قيس وَصَاحب كَذَا 654 - وَكَانَ الأخطل مستعليا قيسا فِي حربهم فَقَالَ (إِن السيوف غدوها ورواحها ... تركت هوَازن مثل قرن الأعضب)

وَكَانَ يُونُس ينشد هَذَا الْبَيْت غدوها ورواحها جعله ظرفا 655 - وَقَالَ الأخطل (لقد خبرت والأنباء تنمي ... لقد نجاك يَا زفر الْفِرَار) 656 - إِلَى أَن قَالَ (أَلا أبلغ الجحاف هَل هُوَ ثَائِر ... بقتلى أُصِيبَت من سليم وعامر)

فَجمع لَهُم الجحاف السّلمِيّ وَهُوَ أحد بني فالج بن ذكْوَان وَولد بِالْبَصْرَةِ هُوَ وَزفر بن الْحَارِث وَكَانَا عثمانيين فَلَمَّا ظهر عَليّ بن أبي طَالب على أهل الْبَصْرَة خرجا إِلَى الشَّام فَسَادًا أَهلهَا وَزفر من بني نفَيْل بن عَمْرو بن كلاب من ولد يزِيد بن الصَّعق وَهُوَ سيد شرِيف وَله يَقُول الْقطَامِي حِين أسره فَمن عَلَيْهِ (من الْبيض الْوُجُوه بني نفَيْل ... أَبَت أَخْلَاقهم إِلَّا ارتفاعا) 657 - فَجمع لَهُم الجحاف جمعا فَأَغَارَ على الْبشر وَهِي منَازِل تغلب فأسرف فِي الْقَتْل فيهم فاستخذأ الأخطل فَقَالَ (لقد أوقع الجحاف بالبشر وقْعَة ... إِلَى الله مِنْهَا المشتكى والمعول)

(فإلا تغيرها قُرَيْش بملكها ... يكن عَن قُرَيْش مستماز ومزحل) فَقَالَ إِلَى أَيْن لَا أم لَك قَالَ إِلَى النَّار 658 - فَوَثَبَ عَلَيْهِ جرير عِنْد استخذائه فَقَالَ (فَإنَّك والجحاف حِين تحضه ... أردْت بِذَاكَ الْمكْث والورد أعجل) (سما لكم لَيْلًا كَأَن نجومه ... قناديل فِيهِنَّ الذبال المفتل) (فَمَا ذَر قرن الشَّمْس حَتَّى تبينوا ... كراديس يهديهن ورد محجل)

(وَمَا زَالَت الْقَتْلَى تمج دماءها ... مَعَ الْمَدّ حَتَّى مَاء دجلة أشكل) (فإلا تعلق من قُرَيْش بِذِمَّة ... فَلَيْسَ على أسياف قيس معول) (بَكَى دوبل لَا يرقىء الله دمعه ... أَلا إِنَّمَا يبكي من الذل دوبل) 659 - أَنا أَبُو خَليفَة قَالَ قَالَ ابْن سَلام قَالَ أَبُو الغراف قَالَ الأخطل وَالله مَا سمتني أُمِّي دوبلا إِلَّا يَوْمًا وَاحِدًا فَمن أَيْن سقط إِلَى الْخَبيث 660 - وَقَالَ الجحاف يُجيب الأخطل (أَبَا مَالك هَل لمتني مذ حضضتني ... على القتلأم هَل لامني لَك لائم) 661 - ولقى الجحاف الأخطل فَقَالَ أَبَا مَالك كَيفَ رَأَيْت

قَالَ رَأَيْت شَيخا فَاجِرًا 662 - وَقَالَ لي أبان الْأَعْرَج أدْرك الجحاف الْجَاهِلِيَّة فَقلت لَهُ لم تَقول ذَاك قَالَ لقَوْله (شهدن مَعَ النَّبِي مسومات ... حنينا وَهِي دامية الْكَلَام) (نعرض للطعان إِذا الْتَقَيْنَا ... وُجُوهًا لَا تعرض للطام) فَقلت لَهُ إِنَّمَا عني خيل قومه بني سليم 663 - وَذكرت ذَلِك لعبد القاهر بن السّري فَقَالَ جدي قيس ابْن الْهَيْثَم أعْطى حَكِيم بن أُميَّة جَارِيَة ولدت لَهُ الجحاف فِي غرفَة فِي دَارنَا لَا أَحْسبهُ إِلَّا قَالَ رَأَيْتهَا 664 - وروى سُفْيَان بن عُيَيْنَة عَن عَمْرو بن دِينَار قَالَ رَأَيْت

الجحاف يطوف بِالْبَيْتِ فِي أَنفه خزام وَهُوَ يَقُول اللَّهُمَّ اغْفِر لي وَلَا أَرَاك تفعل فَقلت من هَذَا قَالُوا الجحاف وَكَانَ بعد ذَلِك يتأله وَيظْهر التَّوْبَة 665 - وَمر عِكْرِمَة بن ربعي الْفَيَّاض التَّيْمِيّ بأسماء بن خَارِجَة حِين قتلت تغلب عُمَيْر بن الْحباب فَقَالَ عِكْرِمَة لأسماء أَبَا مَالك قتلت تغلب عُمَيْرًا فِي دَارهم قَالَ نعم ومقبلا غير مُدبر قَالَ نعم قَالَ فَلَا بَأْس قَالَ فَلَمَّا أدبر عِكْرِمَة قَالَ أَسمَاء

(يَدي لَك رهن من سليم بغارة ... تشيب لَهَا أصداغ بكر بن وَائِل) (وَأَن يتْركُوا رَهْط الفدوكس عصبَة ... أيامى يتامى عرضة للقبائل) 666 - قَالَ ابْن سَلام قدم الأخطل الْكُوفَة فَأتى حَوْشَب ابْن رُوَيْم الشَّيْبَانِيّ فَقَالَ إِنِّي تحملت حمالتين لأحقن بهما دِمَاء قومِي فنهره فَأتى شَدَّاد بن البزيعة فَسَأَلَهُ فَاعْتَذر إِلَيْهِ فَأتى عِكْرِمَة الْفَيَّاض وَكَانَ كَاتبا لبشر بن مَرْوَان فَسَأَلَهُ وَأخْبرهُ بمارد عَلَيْهِ الرّجلَانِ فَقَالَ أما إِنِّي لَا أنهرك وَلَا أعْتَذر إِلَيْك وَلَكِنِّي أُعْطِيك إِحْدَاهمَا عينا

وَالْأُخْرَى عرضا قَالَ وَحدث أَمر بِالْكُوفَةِ فَاجْتمع لَهُ النَّاس فى الْمَسْجِد فَقيل لَهُ إِن أردْت أَن تكافىء عِكْرِمَة يَوْمًا فاليوم فَلبس جُبَّة خَز وَركب فرسا وتقلد صليبا من ذهب وأتى بَاب الْمَسْجِد وَنزل عَن فرسه فَلَمَّا رَآهُ حَوْشَب وَشَدَّاد نفسا عَلَيْهِ ذَلِك وَقَالَ لَهُ عِكْرِمَة يَا أَبَا مَالك فجَاء فَوقف وابتدأ ينشد قصيدته (لمن الديار بِحَائِل فوعال ... ) حَتَّى انْتهى إِلَى قَوْله (إِن ابْن ربعي كفاني سيبه ... ضغن الْعَدو وعذرة الْمُحْتَال) (أغليت حِين توا كلتني وَائِل ... إِن المكارم عِنْد ذَاك غوالي) (وَلَقَد مننت على ربيعَة كلهَا ... وكفيت كل موا كل خذال)

(كَابْن البزيعة أَو كآخر مثله ... أولى لَك ابْن مسيمة الأجمال) (إِن اللَّئِيم إِذا سَأَلت بهرته ... وَترى الْكَرِيم يراح كالمختال) (وَإِذا عدلت بِهِ رجَالًا لم تَجِد ... فيض الْفُرَات كراشح الأوشال) قَالَ فَجعل عِكْرِمَة يبتهج وَيَقُول هَذِه وَالله أحب إِلَيّ من حمر النعم 667 - أَنا أَبُو خَليفَة الْفضل بن الْحباب نَا ابْن سَلام قَالَ أَخْبرنِي أَبُو الغراف قَالَ لما قَالَ جرير (إِذا أخذت قيس عَلَيْك وخندف ... بأقطارها لم تدرمن أَيْن تسرح)

فَلَمَّا أنْشدهُ الأخطل قَالَ لامن أَيْن سدو الله عَليّ الدُّنْيَا حَتَّى أنْشد قَوْله (فمالك فِي نجد حَصَاة تعدها ... وَمَالك فِي غوري تهَامَة أبطح) فَقَالَ الأخطل لَا أُبَالِي وَالله أَن لَا يكون فتح والصليب لي القَوْل ثمَّ قَالَ (وَلَكِن لنا بر الْعرَاق وبحره ... وَحَيْثُ يرى القرقور فِي المَاء يسبح) 668 - أَخْبرنِي أَبُو خَليفَة عَن مُحَمَّد بن سَلام قَالَ قَالَ أَبُو الْخطاب حَدثنِي نوح بن جرير قَالَ قلت لأبي أَنْت أشعر أم الأخطل فنهرني وَقَالَ بئس مَا قلت وَمَا أَنْت وَذَاكَ لَا أم لَك فَقلت وَمَا أَنا وَغَيره قَالَ لقد أعنت عَلَيْهِ بِكفْر وَكبر سنّ وَمَا رَأَيْته إِلَّا خشيت أَن يبتلعني 669 - وَفِي حَدِيث أبي قيس الْعَنْبَري عَن عِكْرِمَة بن جرير

حِين سَأَلَ اباه عَن الشُّعَرَاء فَقَالَ فِي الأخطل يجيد نعت الْمُلُوك ويصيب صفة الْخمر 670 - أَخْبرنِي أَبُو خَليفَة قَالَ أَنبأَنَا مُحَمَّد بن سَلام قَالَ حَدثنِي شيخ من ضبيعة قَالَ خرج جرير إِلَى الشأم فَنزل منزلا لبني تغلب فَخرج متلثما عَلَيْهِ ثِيَاب سَفَره فَلَقِيَهُ رجل لَا يعرفهُ فَقَالَ مِمَّن الرجل قَالَ من بني تَمِيم قَالَ أما سَمِعت مَا قلت لغاوي بني تَمِيم فأنشده مِمَّا قَالَ لجرير فَقَالَ أما سَمِعت مَا قَالَ لَك غاوي بني تَمِيم فأنشده ثمَّ عَاد الأخطل وَعَاد جرير فِي نقضه حَتَّى كثر ذَلِك بَينهمَا فَقَالَ التغلبي من أَنْت لَا حياك الله وَالله لَكَأَنَّك جرير قَالَ فَأَنا جرير قَالَ وَأَنا الأخطل 671 - أَنا أَبُو خَليفَة نَا ابْن سَلام قَالَ سَمِعت سَلمَة ابْن عَيَّاش يَقُول تَذَاكرنَا جرير والفرزدق والأخطل فَقَالَ قَائِل من مثل الأخطل إِن فِي كل بَيت لَهُ بَيْتَيْنِ إِذْ يَقُول (وَلَقَد علمت إِذا العشار تروحت ... هدج الرئال تكبهن شمالا)

(أَنا نعجل بالعبيط لضيفنا ... قبل الْعِيَال ونقتل الأبطالا) وَلَو شَاءَ لقَالَ (وَلَقَد علمت إِذا العشار ... تروحت هدج الرئال) (أَنا نعجل بالعبيط ... لضيفنا قبل الْعِيَال) فَكَانَ هَذَا شعرًا وَكَانَ على غير ذَلِك الْوَزْن 672 - وَقيل للأخطل عِنْد الْمَوْت أتوصي أَبَا مَالك فَقَالَ (أوصِي الفرزدق عِنْد الْمَمَات ... بِأم جرير وأعيارها) (وزار الْقُبُور أَبُو مَالك ... برغم العداة وأوتارها)

673 - أَنا أَبُو خَليفَة نَا ابْن سَلام قَالَ فَحَدثني أبان بن عُثْمَان قَالَ لما بلغ الفرزدق قَول الأخطل جعل يحن عَلَيْهِ وَيَقُول سآخذ بِوَصِيَّة أخي 674 - أَنا أَبُو خَليفَة نَا ابْن سَلام قَالَ حَدثنِي مُحَمَّد بن حَفْص بن عَائِشَة التَّيْمِيّ قَالَ قَالَ إِسْحَاق بن عبد الله بن الْحَارِث بن نَوْفَل بن الْحَارِث بن عبد الْمطلب خرجت مَعَ أبي إِلَى الشَّام فَخرجت إِلَى دمشق أنظر إِلَى بنائها فَإِذا كَنِيسَة وَإِذا الأخطل فِي ناحيتها فَلَمَّا راني أنكرني فَسَأَلَ عني فَأخْبر بنسبي فَقَالَ يَا فَتى إِن لَك موضعا وشرفا وَإِن الأسقف قد حَبَسَنِي فَأَنا أحب أَن تَأتيه تكَلمه فِي إطلاقي قَالَ قلت نعم فَذَهَبت إِلَى الأسقف وانتسبت لَهُ فكلمته وَطلبت إِلَيْهِ فِي تخليته فَقَالَ مهلا أُعِيذك بِاللَّه أَن تكلم فِي مثل هَذَا فَإِن لَك موضعا وشرفا وَهَذَا ظَالِم يشْتم اعراض النَّاس ويهجوهم فَلم أزل بِهِ حَتَّى قَامَ معي فَدخل عَلَيْهِ الْكَنِيسَة فَجعل يوعده وَيرْفَع عَلَيْهِ الْعَصَا والأخطل يتَضَرَّع إِلَيْهِ وَهُوَ يَقُول لَهُ أتعود أتعود فَيَقُول لَا قَالَ إِسْحَاق فَقلت لَهُ يَا أَبَا مَالك تهابك الْمُلُوك وتكرمك الْخُلَفَاء وذكرك فِي النَّاس عَظِيم أمره وَأَنت تخضع

لهَذَا هَذَا الخضوع وتستخذى لَهُ قَالَ فَجعل يَقُول لي إِنَّه الدّين إِنَّه الدّين 675 - أَنا أَبُو خَليفَة نَا مُحَمَّد بن سَلام حَدثنِي مُحَمَّد ابْن الْحجَّاج الأسيدي قَالَ خرجت إِلَى الصائفة فَنزلت منزلا لبني تغلب فَلم أجد بِهِ طَعَاما وَلَا شرابًا وَلَا علفا لدابتي شرى وَلَا قرى وَلم أجد ظلا فَقلت لرجل مِنْهُم أما فِي داركم هَذِه مَسْجِد استظل بفيئه قَالَ مِمَّن أَنْت قلت من بني تَمِيم قَالَ مَا كنت أرى عمك جَرِيرًا إِلَّا قد أخْبرك حِين قَالَ (فِينَا الْمَسَاجِد وَالْإِمَام وَلَا ترى ... فِي دَار تغلب مَسْجِدا معمورا) 676 - أَخْبرنِي أَبُو خَليفَة إجَازَة عَن مُحَمَّد بن سَلام قَالَ قَالَ أبان بن عُثْمَان حَدثنِي سماك بن حَرْب عَن ضوء بن اللَّجْلَاج

قَالَ دخلت حَماما بِالْكُوفَةِ وَفِيه الأخطل قَالَ فَقَالَ مِمَّن الرجل قلت من بني ذهل قَالَ اتروي للفرزدق شَيْئا قلت نعم قَالَ مَا أشعر خليلي على أَنه مَا أسْرع مارجع فِي هِبته قلت وَمَا ذَاك قَالَ قَوْله (أبني غُدَانَة إِنَّنِي حررتكم ... فوهبتكم لعطية بن جِعَال) (لَوْلَا عَطِيَّة لآجتدعت أنوفكم ... من بَين ألأم آنف وسبال) وهبهم فِي الأول وَرجع فِي الاخر فَقلت لَو أنكر النَّاس كلهم هَذَا مَا كَانَ يَنْبَغِي أَن تنكره أَنْت قَالَ كَيفَ قلت هجوت زفر بن الْحَارِث ثمَّ خوفت الْخَلِيفَة مِنْهُ فَقلت (بني أُميَّة إنى نَاصح لكم ... فَلَا يبيتن فِيكُم آمنا زفر) (مفترشا كافتراش اللَّيْث كلكله ... لِوَقْعَة كَائِن فِيهَا لَهُ جزر)

مقلدات الأخطل

ومدحت سماك بن مخرمَة فَقلت (قد كنت أَحْسبهُ قينا وَأخْبرهُ ... فاليوم طير عَن أثوابه الشرر) لَو أردْت الْمُبَالغَة فِي هجائه مَا زِدْت على هَذَا فَقَالَ لي الأخطل وَالله لَوْلَا أَنَّك من قوم سبق لي مِنْهُم مَا سبق لهجوتك هجاء يدْخل مَعَك قبرك ثمَّ قَالَ (مَا كنت هاجي قوم بعد مدحهم ... وَلَا تكدر نعمى بعد مَا تجب) اخْرُج عَنى مقلدات الأخطل 677 - أَنا أَبُو خَليفَة نَا ابْن سَلام نَا أَبُو الغراف قَالَ انشد الأخطل قصيدته الَّتِي يَقُول (وَإِذا افْتَقَرت إِلَى الذَّخَائِر لم تَجِد ... ذخْرا يكون كصالح الْأَعْمَال) فَقَالَ لَهُ هِشَام بن عبد الْملك هَنِيئًا لَك أَبَا مَالك الْإِسْلَام أَو قَالَ

أسلمت قَالَ مازلت مُسلما يَقُول فِي ديني 678 - أخبرنَا أَبُو خَليفَة إجَازَة عَن مُحَمَّد بن سَلام قَالَ قَالَ لي مُعَاوِيَة بن ابي عَمْرو بن الْعَلَاء أَي الْبَيْتَيْنِ عنْدك أَجود قَول جرير (ألستم خير من ركب المطايا ... وأندى الْعَالمين بطُون رَاح) أم قَول الأخطل (شمس الْعَدَاوَة حَتَّى يستقاد لَهُم ... وَأعظم النَّاس أحلاما إِذا قدرُوا) فَقلت بَيت جرير أحلى وأسير وَبَيت الأخطل أجزل وأرزن فَقَالَ صدقت وَهَكَذَا كَانَا فِي أَنفسهمَا عِنْد الْخَاصَّة والعامة

679 - وَقَالَ الأخطل فِيهَا (حشد على الْحق عَن قَول الخناخرس ... وَإِن ألمت بهم مَكْرُوهَة صَبَرُوا) (بني أُميَّة إِنِّي نَاصح لكم ... فَلَا يبيتن فِيكُم آمنا زفر) (فَإِن مشهده كفر وغائلة ... وَمَا تغيب من أخلاقه دعر) (إِن الْعَدَاوَة تلقاها وَإِن قدمت ... كالعر يكمن أَحْيَانًا وينتشر)

(بني أُميَّة قد ناضلت دونكم ... أَبنَاء قوم هم آووا وهم نصروا) (وَقيس عيلان حَتَّى أَقبلُوا رقصا ... فبايعوك جهارا بَعْدَمَا كفرُوا) (ضنجوا من الْحَرْب إِذْ عضت غواربهم ... وَقيس عيلان من أخلاقها الضجر) 680 - وَقَوله لجرير (قوم إِذا استنبح الأضياف كلبهم ... قَالُوا لأمهم بولِي على النَّار) 681 - وَقَوله لَهُ (يَا ابْن المراغة إِن عمي اللذا ... قتلا الْمُلُوك وفككا الأغلالا)

(وأخوهم السفاح ظمأ خيله ... حَتَّى وردن جبى الْكلاب نهالا) (فانعق بضأنك يَا جرير فَإِنَّمَا ... منتك نَفسك فِي الْخَلَاء ضلالا) (منتك نَفسك أَن تكون كدارم ... أَو أَن توازن حاجبا وَعِقَالًا)

682 - وَقَوله فِي قصيدته الَّتِي أوقع فِيهَا بقيس قَبيلَة قَبيلَة وشبب بهند بنت أَسمَاء (أَلا يَا اسلمى يَا هِنْد بني بدر ... وَإِن كَانَ حيانا عدى آخر الدَّهْر) (وَإِن كنت قد أقصدتني إذرميتني ... بسهمك والرامي يُصِيب وَلَا يدْرِي) 683 - وَقَالَ فِيهَا (وَقد سرني من قيس عيلان أنني ... رَأَيْت بني العجلان سادوا بنى بدر) 684 - قَالَ واستنشد سلم بن قُتَيْبَة وَهُوَ أَمِير على الْبَصْرَة عِيسَى بن عمر وَكَانَ أحسن النَّاس نشيدا فأنشده كلمة الأخطل هَذِه

فَلَمَّا مضى فِيهَا انتبه فأقصر فَقَالَ لَهُ سلم اضْرِب بهَا وُجُوهنَا فِي ظلمَة اللَّيْل أَبَا عَمْرو 685 - وَقَوله لجرير (تخست بيربوع لتدرك دارما ... لقد ضل من مناك تِلْكَ الأمانيا) (جريت شباب الدَّهْر لم تستطعهم ... أفا لآن لما أصبح الدَّهْر فانيا) (أتشتم قوما أثلوك بنهشل ... وتولاهم كُنْتُم كعكل مواليا) 686 - وَقَوله لمصقلة بن هُبَيْرَة الشَّيْبَانِيّ

(دع المغمر لاتسأل بمصرعه ... واسأل بمصقلة الْبكْرِيّ مَا فعلا) (إِن ربيعَة لن تنفك صَالِحَة ... مادافع الله عَن حوبائك الأجلا) 687 - وَقَوله لبشر بن مَرْوَان (إِذا أتيت أَبَا مَرْوَان تسأله ... وجدته حاضراه الْجُود والحسب)

688 - وَقَوله (فَقلت اصبحونا لَا أَبَا لأبيكم ... وَمَا وضعُوا الأثقال إِلَّا ليفعلوا) 689 - وَقَالَ فِيهَا لخَالِد بن عبد الله بن أسيد (أَبى عودك المعجوم إِلَّا صلابة ... وَكَفاك إِلَّا نائلا حِين تسْأَل) 690 - وَقَوله (وشارب مربح بالكأس نادمني ... لَا بالحصور وَلَا فِيهَا بِسوار) (عذراء لم يجتل الْخطاب بهجتها ... حَتَّى اجتلاها عبادى بِدِينَار)

الراعي

691 - وَقَوله ليزِيد بن مُعَاوِيَة (وَترى عَلَيْهِ إِذا الْعُيُون شزرنه ... سِيمَا الْحَلِيم وهيبة الْجَبَّار) الرَّاعِي 692 - والراعي عبيد بن حُصَيْن كَانَ من رجال الْعَرَب ووجوه قومه وَكَانَ يُقَال لَهُ فِي شعره كَأَنَّهُ يعتسف الفلاة بِغَيْر دَلِيل أَي أَنه لَا يحتذى شعر شَاعِر وَلَا يُعَارضهُ وَكَانَ مَعَ ذَلِك بذيا هجاء لعشيرته قَالَ لَهُ جرير (وقرضك فِي هوَازن شَرّ قرض ... تهجيها وتمتدح الوطابا)

693 - قَالَ ابْن سَلام وَسمعت يُونُس وَقيل لَهُ مَا يَعْنِي الرَّاعِي بقوله (يبيت الْحَيَّة النضناض مِنْهُ ... مَكَان الْحبّ يستمع السرارا) قَالَ يُونُس الْحبّ القرط وَقَالَ الشنف والنضناض الَّذِي يخرج لِسَانه قَالَ يُونُس يَقُولُونَ حَيَّة ذكر ونعامة ذكر وشَاة ذكر وبطة ذكر وَلم أسمعهُ مِنْهُ 694 - وَكَانَ بعد هجاء جرير لَهُ مغلبا قَالَ رجل من قومه عَلامَة وراوية فصيح كَانَ فَحل مُضر حَتَّى ضغمه اللَّيْث يَعْنِي جَرِيرًا 695 - وَلَقَد هجا الرَّاعِي فأوجع قَالَ لِابْنِ الرّقاع العاملي (لَو كنت من أحد يهجى هجوتكم ... يَا ابْن الرّقاع وَلَكِن لست من أحد)

(تأبى قضاعة أَن تعرف لكم نسبا ... وابنا نزار فَأنْتم بَيْضَة الْبَلَد) 696 - أخبرنَا أَبُو خَليفَة قَالَ أخبرنَا مُحَمَّد بن سَلام قَالَ قَالَ أَبُو الغراف جاور راعي الْإِبِل بني سعد بن زيد مَنَاة بن تَمِيم فنسب بِامْرَأَة مِنْهُم من بني عبد شمس ثمَّ أحد بني وابش فَقَالَ (بني وابش إِنَّا هوينا جواركم ... وَمَا جمعتنَا نِيَّة قبلهَا مَعًا)

(خليطين من حيين شَتَّى تجاورا ... جَمِيعًا وَكَانَا بالتفرق أضيعا) (أرى أهل ليلى لَا يبالى أَمِيرهمْ ... على حَالَة المحزون أَن يتصدعا) 697 - وَقَالَ فِيهَا أَيْضا (تذكر هَذَا الْقلب هِنْد بني سعد ... سفاها وجهلا مَا تذكر من هِنْد) (تذكر عهدا كَانَ بيني ووبينها ... قَدِيما وَهل أبقت لَك الْحَرْب من عهد) 698 - قَالَ ابْن سَلام فَلَمَّا بَلغهُمْ شعره أزعجوه وأصابوه بأذى فَخرج عَنْهُم وَقَالَ فيهم

(أرى إبلي تكالأ راعياها ... مَخَافَة جارها الدنس الذميم) (وَقد جاورتهم فَرَأَيْت سَعْدا ... شُعَاع الْأَمر عازبة الحلوم) (فأمي أَرض قومكإن سَعْدا ... تحملت المخازي عَن تَمِيم) 699 - أَنا أَبُو خَليفَة نَا ابْن سَلام قَالَ وحَدثني أَبُو يحيى الضَّبِّيّ قَالَ وَفد الرَّاعِي إِلَى عبد الْملك يشكو بعض عماله وَكَانَت قيس زبيرية وَكَانَ عبد الْملك ثقيل النَّفس عَلَيْهِ فَأَتَاهُ وَقد قَالَ فِي مديحه بشر بن مَرْوَان فِي كلمة يعْتَذر من تزبر قومه

(فَلَو كنت من أَصْحَاب مَرْوَان إذدعا ... بعذراء يممت الْهدى إِذْ بدا ليا) (على بردى إِذْ قَالَ إِن كَانَ عَهدهم ... أضيع فكونوا لَا عَليّ وَلَا ليا) (ولكنني غيبت عَنْهُم فَلم يطع ... رشيد وَلم تعص الْعَشِيرَة غاويا) قَالَ فأنشدتها جَابر بن جندل أَبَا عبد الله الْفَزارِيّ فَقَالَ هُوَ الَّذِي يخْطب الدَّرَاهِم حَتَّى أَتَت قومه

700 - وَقَالَ لعبد الْملك (إِنِّي حَلَفت على يَمِين برة ... لَا أكذب الْيَوْم الْخَلِيفَة قيلا) (مَا إِن أتيت أَبَا خبيب وافدا ... يَوْمًا أردْت لبيعتي تبديلا) (وَلَا أتيت نجيدة بن عُوَيْمِر ... أبغى الْهدى فيزيدني تضليلا) (أزمان قومِي وَالْجَمَاعَة كَالَّذي ... لزم الرحالة أَن تميل مميلا) (أخذُوا العريف فشققوا حيزومه ... بالأصبحية قَائِما مغلولا)

(كهداهد كسر الرُّمَاة جنَاحه ... يَدْعُو بقارعة الشريف هديلا)

(فارفع مظالم عيلت أبناءنا ... عَنَّا وأنقذ شلونا المأكولا) (وَلَئِن بقيت لأدعون لطية ... تدع الْفَرَائِض بالشريف قَلِيلا) فَقَالَ لَهُ عبد الْملك وَأَيْنَ من الله وَالسُّلْطَان لَا أم لَك فَقَالَ

يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ من عَامل إِلَى عَامل ومصدق إِلَى مُصدق فَلم يحظ وَلم يحل مِنْهُ بشىء 701 - فوفد إِلَيْهِ من قَابل فَقَالَ فِي كلمة أُخْرَى (أما الْفَقِير الَّذِي كَانَت حلوبته ... وفْق الْعِيَال فَلم يتْرك لَهُ سبد) (واختل ذُو المَال والمثرون قد بقيت ... على التلاتل من أَمْوَالهم عقد) (فَإِن رفعت بهم رَأْسا نعشتهم ... وَإِن لقوا مثلهَا فِي قَابل فسدوا)

فَقَالَ لَهُ عبد الْملك أَنْت الْعَام أَعقل مِنْك عَام أول 702 - أَنا أَبُو خَليفَة نَا ابْن سَلام قَالَ حَدثنِي أَبُو الْورْد الْكلابِي قَالَ اجْتمع الرَّاعِي والأخطل عِنْد بشر بن مَرْوَان فَقَالَ لَهما أيكما أشعر فَقَالَ الرَّاعِي أما الشّعْر فالأمير أعلم بِهِ وَلَكِن وَالله مَا تمخضت تغلبية عَن مثلك وَأم بشر قطية بنت بشر بن عَامر بن مَالك إبي برَاء ملاعب الأسنة وَقَالَ لَهُ الرَّاعِي (نزلت من الْبَطْحَاء فِي آل جَعْفَر ... وَمن عبد شمس منزلا متعاليا)

703 - وَقَالَ الأخطل فِي حَرْب تغلب وَقيس فِي الَّتِي هجا فِيهَا قبائل قيس (وَقد سرني من قيس عيلان أنني ... رَأَيْت بني العجلان سادوا بني بدر) وَقد غبر العجلان حينا إِذا بكي ... على الزَّاد ألقته الوليدة فِي الْكسر) (فَيُصْبِح كالخفاش يدلك عينه ... فقبح من وَجه لئيم وَمن حجر) 704 - فعارضه الراعى فَقَالَ (برهط ابْن كُلْثُوم بدأنا فَأَصْبحُوا ... لتغلب أذنابا وَكَانُوا نواصيا)

(وغارتنا أودت ببهراء إِنَّهَا ... تصيب الصَّرِيح مرّة والمواليا) 705 - وَقَالَ وَكَانَت امْرَأَة من الْعَرَب من بني نمير حسانة وَكَانَت تظعن مَعَ الرَّاعِي إِذا ظعن وَتحل مَعَه إِذا حل فغار رجل مِنْهُم يُقَال إِنَّه من قيس كبة فَقطع بطانها لما رحلت فَسقط هودجها وعنتت فَقَالَ الرَّاعِي (وَلم أر بِهِ معقورا بِهِ وسط معشر ... أقل انتصارا بِاللِّسَانِ وباليد) (سوى نظر سَاج بِعَين مَرِيضَة ... جرت عِبْرَة مِنْهَا فَفَاضَتْ بإثمد)

(بَكت عين من أذرى دموعك إِنَّمَا ... وشى بك واش من بنى أُخْت مسرد) (فَلَو كنت مَعْذُورًا بنصرك طيرت ... صقورى غربان الْبَعِير الْمُقَيد) 706 - قَالَ وَكَانَ أَوْس بن مغراء السَّعْدِيّ القريعي يهاجي النَّابِغَة الْجَعْدِي وراعي الْإِبِل وَابْن السمط من بني عَامر بن صعصعة فَقَالَ الرَّاعِي لأوس بن مغراء (وَأَوْس بن مغراء الهجين يسبني ... وَأَوْس بن مغراء الهجين أعاقبه) (تمنى قُرَيْش أَن تكون أَخَاهُم ... لينفعك القَوْل الَّذِي أَنْت كاذبه) (قُرَيْش الَّذِي لَا تَسْتَطِيع كَلَامه ... وَيكسر عِنْد الْبَاب أَنْفك حَاجِبه)

707 - فسالم أَوْس بن مغراء الْجَعْدِي وَابْن السمط فَقَالَ الرَّاعِي فِي صلحهم (فَإِن كنت يَا ابْن السمط سالمت دُوننَا ... وَقيس أَبُو ليلى فَلَمَّا نسالم) (وَإِن كنتما أعطيتما الْقَوْم موثقًا ... فَلَا تغدرا واستسمعا للمراجم) (فَإِنِّي زعيم أَن أَقُول قصيدة ... محبرة كالنقب بَين المخارم) (خَفِيفَة أعجاز الْمطِي ثَقيلَة ... على قرنها نزالة بالمواسم) 708 - أَنا أَبُو خَليفَة نَا ابْن سَلام حَدثنِي جَابر بن جندل

الْفَزارِيّ بِقصَّة وَفِي إثْرهَا قَالَ وضاف الرَّاعِي رجل من بني كلاب فِي سنة حصاء وَلم يحضرهُ قرى وَكَانَ الْكلابِي على نَاب لَهُ فَأمر الرَّاعِي ابْن أَخ لَهُ يُقَال لَهُ حبتر فنحرها فأطعمها إِيَّاه وَلَا يعلم الْكلابِي فَعَيَّرَهُ بَنو عَم لَهُ من قومه كَانُوا يهاجونه الْحَلَال وخنزر

فَزعم أَنه أخلفها لَهُ وَقَالَ الرَّاعِي (عجبت من السارين وَالرِّيح قُرَّة ... إِلَى ضوء ناربين فردة والرحا) (إِلَى ضوء نَار يشتوى الْقد أَهلهَا ... وَقد يكرم الأضياف وَالْقد يشتوى) (فَلَمَّا أتونا فاشتكينا إِلَيْهِم ... بكوا وكلا الْحَيَّيْنِ مِمَّا بِهِ بَكَى) (بَكَى معوز من أَن يلام وطارق ... يشد من الْجُوع الْإِزَار على الحشا) (فطأطأت طرفِي هَل أرى من سَمِينَة ... تدارك فيهابى عَاميْنِ والصوى)

(فأبصرتها كوماء ذَات عَرِيكَة ... هجانا من اللَّاتِي تمتعن بالصوى) (فأومضت إيماضا خفِيا لحبتر ... وَللَّه عينا حبتر أَيّمَا فَتى) (فَقلت لَهُ ألصق بأيبس سَاقهَا ... فَإِن بجبر العرقوب لَا يرقأ النسا)

(فَقَامَ إِلَيْهَا حبتر بسلاحه ... مضى غير منكود ومتصله انتضى) (كَأَنِّي وَقد أشبعته من سنامها ... كشفت غطاء عَن فُؤَادِي فانجلى) (فبتنا وباتت قَدرنَا ذَات هزة ... لنا قبل مافيها شواء ومصطلى) (وَأصْبح راعينا بريمة عندنَا ... بستين أنقتها الأسنة والخلا)

(فَقلت لرب الناب خُذْهَا فتية ... وناب عَلَيْهَا مثل نابك فِي الحيا)

سقط فِي تسلسل الأرقام بَين الطَّبَقَة الأولى وَبَين الطَّبَقَة الثَّانِيَة الأرقام من 523 - 532

الطبقة الثانية

الطَّبَقَة الثَّانِيَة 709 - البعيث واسْمه خِدَاش بن بشر بن خَالِد بن بيبة بن قرط ابْن سُفْيَان بن مجاشع بن دارم وَسمي البعيث بقوله (تبْعَث مني مَا تبْعَث بعد مَا ... أمرت حبال كل مرتها شزرا) وَهُوَ أول شعر قَالَه

710 - والقطامي واسْمه عَمْرو بن شييم بن عَمْرو أحد بني بكر بن حبيب بن عَمْرو بن غنم بن تغلب 711 - وَكثير بن عبد الرَّحْمَن الْخُزَاعِيّ وَهُوَ ابْن أبي جُمُعَة وكنيته أَبُو صَخْر وَهُوَ عِنْد أهل الْحجاز أشعر من كل من قدمنَا عَلَيْهِ 712 - وَذُو الرمة واسْمه غيلَان وَهُوَ الَّذِي يَقُول (أَنا أَبُو الْحَارِث واسمي غيلَان ... ) ابْن عقبَة بن بهيش بن مَسْعُود بن حَارِثَة بن عَمْرو بن ربيعَة بن سَاعِدَة بن كَعْب بن عَوْف بن ثَعْلَبَة بن ربيعَة بن ملكان بن عدي بن

عبد مَنَاة بن أد وهم عدي التيم وتيم عدي والتيم من الربَاب 713 - وَكَانَ البعيث شَاعِرًا فاخر الْكَلَام حر اللَّفْظ وَقد غَلبه جرير وأخمله وَكَانَ قد قاوم جَرِيرًا فِي قصائده ثمَّ ضج إِلَى الفرزدق واستغاثه 714 - وَكَانَ الْقطَامِي شَاعِرًا فحلا رَقِيق الْحَوَاشِي حُلْو الشّعْر والأخطل أبعد مِنْهُ ذكرا وأمتن شعرًا 715 - وَكَانَ زفر بن الْحَارِث أسره فِي حَرْب بَينهم وَبَين تغلب فَمن عَلَيْهِ وَأَعْطَاهُ مئة من الْإِبِل ورد عَلَيْهِ مَاله فَقَالَ الْقطَامِي فِي كلمة لَهُ

(من مبلغ زفر الْقَيْسِي مدحته ... عَن الْقطَامِي قولا غير إفناد) (إِن وَإِن كَانَ قومِي لَيْسَ بَينهم ... وَبَين قَوْمك إِلَّا ضَرْبَة الْهَادِي) (مثن عَلَيْك بِمَا أسلفت من حسن ... وَقد تعرض مني مقتل بَادِي) (فَلَنْ أثيبك بالنعماء مشتمة ... وَلنْ أبدل إحسانا بإفساد) (فَإِن هجوتك مَا تمت محافظتي ... وَإِن مدحت لقد أَحْسَنت إصفادي) (إِذْ يعتريك رجال يسْأَلُون دمي ... وَلَو تطيعهم أبكيت عوادي) (وَإِذ يَقُولُونَ أرضيت العداة بِنَا ... لَا بل قدحت بزند غير صلاد)

(وَلَا كردك مَالِي بعد مَا كربت ... تبدي الشماتة أعدائي وحسادي) (فَإِن قدرت على يَوْم جزيت بِهِ ... وَالله يَجْعَل أَقْوَامًا بمرصاد) قَالَ ابْن سَلام فَلَمَّا بلغ زفر قَوْله قَالَ لَا قدرت على ذَلِك الْيَوْم 716 - وَقَالَ الْقطَامِي يمدحه فِي أُخْرَى (وَمن يكن استلام إِلَى ثوى ... فقد أَحْسَنت يازفر المتاعا) (أكفر بعد دفع الْمَوْت عني ... وَبعد عطائك المئة الرتاعا)

(وَلم أر منعمين أقل منا ... وَأكْرم عِنْدَمَا اصطنعوا اصطناعا) (من الْبيض الْوُجُوه بني نفَيْل ... أَبَت أَخْلَاقهم إِلَّا اتساعا) (بني القرم الَّذِي علمت معد ... تفضل فَوْقهم حسبا وباعا) 717 - والقطامي الَّذِي يَقُول (ألم يحزنك أَن حبال قيس ... وتغلب قد تباينتا انْقِطَاعًا) (أُمُور لَو تدبرها حَلِيم ... إِذا لنهى وهيب مَا استطاعا)

(وَلَكِن الْأَدِيم إِذا تفرى ... بلَى وتعينا غلب الصناعا) (ومعصية الشفيق عَلَيْك مِمَّا ... يزيدك مرّة مِنْهُ استماعا) (وَخير الرَّأْي مَا اسْتقْبلت مِنْهُ ... وَلَيْسَ بِأَن تتبعه اتبَاعا) 718 - وَقَالَ يمدح أَسمَاء بن خَارِجَة بن حصن بن حُذَيْفَة بن بدر الْفَزارِيّ (إِذا مَاتَ ابْن خَارِجَة بن حصن ... فلامطرت على الأَرْض السَّمَاء) (وَلَا رَجَعَ الْبَرِيد بِغنم خير ... وَلَا حملت على الطُّهْر النِّسَاء)

719 - وَقَالَ فِيهِ أَيْضا (وَعَلَيْك أَسمَاء بن خَارِجَة الَّذِي ... على الفعال وَرفع البنيانا) (فستعلمين أصادر وراده ... عَنهُ وَأي فَتى فَتى غطفانا) 720 - وَكَانَ كثير شَاعِر أهل الْحجاز وَإِنَّهُم ليقدمونه على بعض من قدمنَا عَلَيْهِ وَهُوَ شَاعِر فَحل وَلكنه مَنْقُوص حَظه بالعراق 721 - وَسمعت يُونُس النَّحْوِيّ يَقُول كَانَ ابْن أبي إِسْحَاق يَقُول كَانَ كثير أشعر أهل الْإِسْلَام 722 - قَالَ ابْن سَلام وَرَأَيْت ابْن أبي حَفْصَة يُعجبهُ مذْهبه فِي المديح جدا يَقُول كَانَ يستقضي المديح

723 - وَكَانَ فِيهِ مَعَ جودة شعره خطل وَعجب وَكَانَت لَهُ منزلَة عِنْد قُرَيْش وَقدر 724 - قَالَ وَقدم على عبد الْملك بن مَرْوَان الشَّام فأنشده والأخطل عِنْده فَقَالَ عبد الْملك كَيفَ ترى يَا أَبَا مَالك قَالَ أرى شعرًا حجازيا مقرورا لَو ضغطه برد الشَّام لاضمحل 725 - قَالَ وَأَخْبرنِي أبان بن عُثْمَان البَجلِيّ قَالَ دخل كثير على عبد الْملك فأنشده مدحته وفيهَا (على ابْن أبي العَاصِي دلاص حَصِينَة ... أَجَاد المسدي سردها وأذالها) فَقَالَ لَهُ عبد الْملك أَفلا قلت كَمَا قَالَ الْأَعْشَى لقيس ابْن معدي كرب

(وَإِذا تَجِيء كَتِيبَة ملمومة ... شهباء يخْشَى الذائدون نهالها) (كنت الْمُقدم غير لابس جنَّة ... بِالسَّيْفِ تضرب معلما أبطالها) فَقَالَ يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ وَصفه بالخرق ووصفتك بالحزم 726 - أَنا أَبُو خَليفَة نَا ابْن سَلام قَالَ أَخْبرنِي عُثْمَان بن عبد الرَّحْمَن قَالَ أنْشد كثير عبد الْملك بن مَرْوَان حِين أزمع بِالْمَسِيرِ إِلَى مُصعب

(إِذا مَا أَرَادَ الْغَزْو لم تثن همه ... حصان عَلَيْهَا نظم در يزينها) (نهته فَلَمَّا لم تَرَ النهى عاقه ... بَكت وَبكى مِمَّا شَجَّاهَا قطينها) فَقَالَ عبد الْملك وَللَّه لكأنه شهد عَاتِكَة بنت يزِيد بن مُعَاوِيَة وَهِي امْرَأَته أم يزِيد بن عبد الْملك 727 - وَقدم كثير على يزِيد بن عبد الْملك وَقد مدحه بقصائد جِيَاد مَشْهُورَة فأعجب بِهن يزِيد وَقَالَ لَهُ احتكم قَالَ وَقد جعلت ذَلِك إِلَيّ قَالَ نعم قَالَ مئة الف قَالَ وَيحك مئة ألف قَالَ على جود أَمِير الْمُؤمنِينَ أبقى أم على بَيت المَال قَالَ مابي استكثارها وَلَكِنِّي أكره أَن يَقُول النَّاس أعْطى شَاعِرًا مئة ألف وَلَكِن فِيهَا عرُوض قَالَ نعم يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ 728 - فَكَانَ يحضر سمر يزِيد وَيدخل عَلَيْهِ فَقَالَ لَهُ لَيْلَة

يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ مَا يَعْنِي الشماخ بقوله (إِذا عرقت مغابنها وجادت ... بدرتها قرى جحن قتين) قَالَ فَسكت عَنهُ يزِيد فَقَالَ بصبصن إِذْ حَدَّيْنِ ثمَّ أعَاد فَسكت عَنهُ يزِيد فَقَالَ بصبصن إِذْ حَدَّيْنِ فَقَالَ لَهُ يزِيد وَمَا على أَمِير الْمُؤمنِينَ أَن لَا يعرف هَذَا هُوَ القراد أشبه الدَّوَابّ بك وَكَانَ كثير قَصِيرا مُتَقَارب الْخلق فحجب عَن يزِيد فَلم يصل إِلَيْهِ فَكلم مسلمة بن عبد الْملك يزِيد فَقَالَ يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ مدحك قَالَ بكم مَدْحنَا قَالَ بِسبع قصائد قَالَ فَلهُ سبعمئة دِينَار وَالله لَا أزيده عَلَيْهَا 729 - أَنا أَبُو خَليفَة نَا ابْن سَلام نَا أَو حَدثنِي ابْن جعدبة وَأَبُو الْيَقظَان عَن جوَيْرِية بن أَسمَاء قَالَ مَاتَ كثير وَعِكْرِمَة

مولى ابْن عَبَّاس فِي يَوْم وَاحِد فأجغلت قُرَيْش فِي جَنَازَة كثير وَلم يُوجد لعكرمة من يحملهُ 730 - وَكَانَ لكثير فِي التشبيب نصيب وافر وَجَمِيل مقدم عَلَيْهِ وعَلى أَصْحَاب النسيب جَمِيعًا فِي النسيب وَله فِي فنون الشّعْر مَا لَيْسَ لجميل وَكَانَ جميل صَادِق الصبابة وَكَانَ كثير يتقول وَلم يكن عَاشِقًا وَكَانَ راوية جميل

731 - وَهُوَ الْقَائِل (ألمم بعزة إِن الركب منطلق ... وَإِن نأتك وَلم يلمم بهَا خرق) (قَامَت ترَاءى لنا وَالْعين ساجية ... كَأَن إنسانها فِي لجة غرق) (ثمَّ اسْتَدَارَ على أرجاء مقلتها ... مبادرا خلسات الطّرف يستبق) (كَأَنَّهُ حِين مار المأقيان بِهِ ... در تحلل من أسلاكه نسق) 732 - قَالَ وَسمعت النَّاس يستحسنون من قَوْله (أُرِيد لأنسى ذكرهَا فَكَأَنَّمَا ... تمثل لي ليلى بِكُل سَبِيل) قَالَ ابْن سَلام وَسمعت من يطعن عَلَيْهِ يَقُول مَا لَهُ يُرِيد ينسى ذكرهَا

733 - تعلق النَّاس على كثير بقوله (فَإِن أَمِير الْمُؤمنِينَ هُوَ الَّذِي ... غزا كامنات الصَّدْر مني فنالها) وَقَوله (ترى ابْن أبي العَاصِي وَقد صف دونه ... ثَمَانُون ألفا قد توافت كمولها) (يقلب عينى حَيَّة بمحارة ... إِذا أمكنته شدَّة لَا يقيلها)

قَالَ ابْن سَلام فَقلت لِابْنِ أبي حَفْصَة من جودة مديحه هَذَا جعل دونه ثَمَانِينَ ألفا وَجعله يقلب عَيْني حَيَّة بمحارة وَجعل أَمِير الْمُؤمنِينَ غزا كامنات صَدره فَقَالَ هَذَا النَّابِغَة قَالَ لملك الْعَرَب (أحكم كَحكم فتاة الْحَيّ إِذْ نظرت ... إِلَى حمام شراع وَارِد الثمد) أمره أَن يحكم كَحكم فتاة 734 - وَقَالَ كثير لعبد الْعَزِيز بن مَرْوَان (وَمَا زَالَت رقاك تسل ضغني ... وَتخرج من مضابئها ضبابي) (ويرقيني لَك الحاوون حَتَّى ... أجابك حَيَّة تَحت الْحجاب)

735 - وحَدثني أَبُو خَليفَة عَن مُحَمَّد بن سَلام قَالَ كَانَ عُلَمَاؤُنَا يَقُولُونَ أحسن الْجَاهِلِيَّة تَشْبِيها امْرُؤ الْقَيْس وَأحسن أهل الْإِسْلَام تَشْبِيها ذُو الرمة 736 - وَقَوله (بهَا الْعين والآرام فوضى كَأَنَّهَا ... ذبال تذكى أَو نُجُوم طوالع) 737 - وَقَوله (كَأَن يَدي حربائها متشمسا ... يدا مجرم يسْتَغْفر الله تائب)

738 - وَقَوله (فنلنا صدورا من حَدِيث كَأَنَّهُ ... جنى النَّحْل ممزوجا بِمَاء الوقائع) 739 - أَخْبرنِي أَبُو خَليفَة عَن مُحَمَّد بن سَلام قَالَ أخبرنَا أَبُو الْبَيْدَاء الريَاحي قَالَ قَالَ جرير قَاتل الله ذَا الرمة حَيْثُ يَقُول (ومنتزع من بَين نسعيه جرة ... نشيج الشجا جَاءَت إِلَى ضرسه نزرا) أما وَالله لَو قَالَ من بَين جَنْبَيْهِ لما كَانَ عَلَيْهِ من سَبِيل 740 - حَدثنَا أَبُو خَليفَة عَن ابْن سَلام قَالَ كَانَ ذُو الرمة

من جرير والفرزدق بِمَنْزِلَة قَتَادَة من الْحسن وَابْن سِيرِين وَكَانَ يروي عَنْهُمَا وَعَن الصَّحَابَة وَكَذَلِكَ ذُو الرمة هُوَ دونهمَا ويساويهما فِي بعض شعره 741 - قَالَ وَيُقَال إِن ذَا الرمة راوية راعي الْإِبِل وَلم يكن لَهُ حَظّ فِي الهجاء وَكَانَ مغلبا 742 - أَنا أَبُو خَليفَة نَا ابْن سَلام قَالَ كَانَ أَبُو عَمْرو بن الْعَلَاء يَقُول إِنَّمَا شعره نقط عروس يضمحل عَن قَلِيل وأبعار ظباء لَهَا مشم فى أول شمها ثمَّ تعود إِلَى أَرْوَاح البعر

743 - أَخْبرنِي مُحَمَّد بن يحيى عَن الْفضل بن الْحباب عَن مُحَمَّد ابْن سَلام قَالَ مر الفرزدق بِذِي الرمة وَهُوَ ينشد (أمنزلتى مى سَلام عَلَيْكُمَا ... هَل الأزمن اللائى مضين رواجع) فَوقف حَتَّى فرغ مِنْهَا فَقَالَ كَيفَ ترى يَا أَبَا فراس قَالَ أرى خيرا قَالَ فَمَالِي لَا أعد فِي الفحول قَالَ يمنعك عَن ذَلِك صفة الصَّحَارِي وأبعار الْإِبِل وَولى الفرزدق وَهُوَ ينشد (ودوية لَو ذُو الرميمة رامها ... بصيدح أودى ذُو الرميم وصيدح)

(قطعت إِلَى معروفها منكراتها ... إِذا خب آل دونهَا يتوضح) 744 - وَكَانَ هوى ذِي الرمة مَعَ الفرزدق على جرير وَذَلِكَ لما كَانَ بَين جرير وَابْن لَجأ التَّيْمِيّ وتيم وعدي أَخَوان من الربَاب وعكل أخوهم وَلذَلِك يَقُول جرير (فَلَا يضغمن اللَّيْث عكلا بغرة ... وعكل يشمون الفريس المنيبا) الفريس هَهُنَا ابْن لَجأ وَكَذَلِكَ يفعل السَّبع إِذا ضغم شَاة ثمَّ طرد عَنْهَا أَو سبقته أَقبلت الْغنم تشم مَوضِع الضغم فيفترسها السَّبع وَهِي تشم وَلذَلِك قَالَ جرير لبني عدي (وَقلت نصاحة لبني عدى ... ثيابكم ونضح دم الْقَتِيل)

(يحذر عديا مَا لقى ابْن لَجأ ... ) 745 - أَنا أَبُو خَليفَة نَا ابْن سَلام قَالَ أَخْبرنِي أَبُو يحيى الضَّبِّيّ قَالَ قَالَ ذُو الرمة يَوْمًا لقد قلت أبياتا إِن لَهَا لعروضا وَإِن لَهَا لمرادا وَمعنى بَعيدا قَالَ الفرزدق وَمَا قلت قَالَ قلت (أحين أعاذت رَبِّي تَمِيم نساءها ... وجردت تَجْرِيد الْيَمَانِيّ من الغمد) (ومدت بضبعي الربَاب وَمَالك ... وَعَمْرو وشالت من ورائي بَنو سعد) (وَمن آل يَرْبُوع زهاء كَأَنَّهُ ... زها اللَّيْل مَحْمُود النكاية والرفد)

فَقَالَ لَهُ الفرزدق لَا تعودن فِيهَا فَأَنا أَحَق بهَا مِنْك قَالَ وَالله لَا أَعُود فِيهَا وَلَا أنشدها أبدا إِلَّا لَك فَهِيَ فِي قصيدة الفرزدق الَّتِي يَقُول فِيهَا (وَكُنَّا إِذا الْقَيْسِي نب عتوده ... ضَرَبْنَاهُ فَوق الْأُنْثَيَيْنِ على الكرد) الأنثيان الأذنان والكرد الْعُنُق 746 - أَنا أَبُو خَليفَة نَا مُحَمَّد بن سَلام حَدثنِي أَبُو الغراف قَالَ مر ذُو الرمة بمنزل لامرىء الْقَيْس بن زيد مَنَاة يُقَال لَهُ مرأة بِهِ نخل فَلم ينزلوه وَلم يقروه فَقَالَ

(نزلنَا وَقد طَال النَّهَار وَأوقدت ... علينا حَصى المعزاء شمس تنالها) (أنخنا فظللنا بأبراد يمنة ... عتاق وأسياف قديم صقالها) (فَلَمَّا رآنا أهل مرأة أغلقوا ... مخادع لم ترفع لخير ظلالها) (وَقد سميت باسم امرىء الْقَيْس قَرْيَة ... كرام صواديها لئام رجالها) فلج الهجاء بَين ذِي الرمة وَبَين هِشَام المرئي 747 - فَمر الفرزدق بِذِي الرمة وَهُوَ ينشد (وقفت على ربع لمية نَاقَتي ... فَمَا زلت أبْكِي عِنْده وأخاطبه)

(وأسقيه حَتَّى كَاد مِمَّا أبثه ... تكلمني أحجاره وملاعبه) فَقَالَ الفرزدق ألهاك التبكاء فِي الديار وَالْعَبْد يرجز بك فِي الْمقْبرَة يَعْنِي هشاما 748 - وَكَانَ ذُو الرمة مستعليا هشاما حَتَّى لَقِي جرير هشاما فَقَالَ غلبك العَبْد يَعْنِي ذَا الرمة قَالَ فَمَا أصنع يَا أَبَا حزرة وَأَنا راجز وَهُوَ يقْصد وَالرجز لَا يقوم للقصيد فِي الهجاء فَلَو رفدتني فَقَالَ لَهُ جرير لتهمته ذَا الرمة وميله إِلَى الفرزدق قل لَهُ (غضِبت لرهط من عدي تشمسوا ... وَفِي أَي يَوْم لم تشمس رِحَالهَا)

(وفيم عدي عبد تيم من الْعلَا ... وأيامنا اللَّاتِي يعد فعالها) (وضبة عمي يَا ابْن جلّ فَلَا ترم ... مساعي قوم لَيْسَ مِنْك سجالها) (يماشي عديا لؤمها لَا تجنه ... من النَّاس مَا ماشت عديا ظلالها) (فَقل لعدي تستعن بنسائها ... عَليّ فقد أعيى عديا رجالها) (أذا الرم قد قلدت قَوْمك رمة ... بطيئا بأيدى المطلقين انحلالها) 749 - قَالَ ابْن سَلام فَحَدثني أَبُو الغراف قَالَ لما بلغت الأبيات ذَا الرمة قَالَ وَالله مَا هَذَا بِكَلَام هِشَام وَلكنه كَلَام ابْن الأتان

750 - قَالَ وحَدثني أَبُو الْبَيْدَاء قَالَ لما سَمعهَا قَالَ هُوَ وَالله شعر حنظلي عدوي 751 - وَغلب هِشَام على ذِي الرمة 752 - وَكَانَ ذُو الرمة يتشبب بمي بنت طلبة بن قيس بن عَاصِم الْمنْقري وَكَانَت كنزة أمة مولدة لآل قيس بن عَاصِم وَهِي أم سهم ابْن بردة اللَّبن الَّذِي قَتله سِنَان بن مخيس الْقشيرِي أَيَّام مُحَمَّد بن سُلَيْمَان فَقَالَت كنزة

(على وَجه مي مسحة من ملاحة ... وَتَحْت الثِّيَاب الخزي لَو كَانَ باديا) (ألم تَرَ أَن المَاء يخْبث طعمه ... وَلَو كَانَ لون المَاء فِي الْعين صافيا) ونحلتها ذَا الرمة فامتعض من ذَلِك وَحلف بِجهْد أيمانه مَا قَالَهَا قَالَ وَكَيف أَقُول هَذَا وَقد قطعت دهري وأفنيت شَبَابِي أشبب بهَا وأمدحها ثمَّ أَقُول هَذَا ثمَّ اطلع على أَن كنزة قالتها ونحلتها إِيَّاه 753 - وَأَخْبرنِي أَبُو سوار الغنوي وَكَانَ فصيحا قَالَ رَأَيْت

ميا وَرَأَيْت مَعهَا بَنِينَ لَهَا صغَار قلت فصفها قَالَ مسنونة الْوَجْه طَوِيلَة الْخَدين شماء الْأنف عَلَيْهَا وسم جمال فَقَالَت لي مَا تلقيت بِأحد من هَؤُلَاءِ إِلَّا فِي الْإِبِل قلت لَهُ أفكانت تنشدك مَا قَالَ فِيهَا ذُو الرمة قَالَ أَي وَالله تسح سَحا مَا رأى مثله أحد 754 - قَالَ حَدثنِي أَبُو يحيى الضَّبِّيّ قَالَ لَقِي ذُو الرمة رؤبة فَقَالَ لَهُ ذُو الرمة مَا يَعْنِي الرَّاعِي بقوله (أناخا بأشوال طروقا بخبة ... قَلِيلا وَقد أعي سُهَيْل فعردا)

فَجعل رؤبة يَقع مرّة هَهُنَا وَمرَّة هَهُنَا إِلَى أَن قَالَ هِيَ أَرض بَين المكلئة والمجدبة وكذاك هِيَ 755 - قَالَ وَكَانَ ذُو الرمة أَيْضا ينْسب بخرقاء إِحْدَى نسَاء بني عَامر بن ربيعَة وَكَانَت تحل فلجة ويمر بهَا الْحَاج فتقعد لَهُم وتحدثهم وتهاديهم وَتقول أَنا منسك من مَنَاسِك الْحَج ثمَّ كَانَت تجْلِس مَعهَا فَاطِمَة ابْنَتهَا فَحَدثني من رَآهَا قَالَ لم تكن فَاطِمَة مثلهَا وَإِنَّمَا قَالَت أَنا من مَنَاسِك الْحَج لقَوْل ذِي الرمة (تَمام الْحَج أَن تقف المطايا ... على خرقاء وَاضِعَة اللثام)

756 - وَقَالَ فِيهَا (أعن ترسمت من خرقاء منزلَة ... مَاء الصبابة من عَيْنَيْك مسجوم) (تثني الْخمار على عرنين أرنبة ... شماء مارنها بالمسك مرثوم) 757 - وَكَانَت مية عِنْد ابْن عَم لَهَا يُقَال لَهُ عَاصِم فِيهِ يَقُول ذُو الرمة (أَلا لَيْت شعري هَل يموتن عَاصِم ... وَلم تشتعبني للمنايا شعوبها)

(رمى الله من حتف الْمنية عَاصِمًا ... بقاصمة يدعى لَهَا فيجيبها) 758 - قَالَ وحَدثني أبي سَلام قَالَ دخلت على خرقاء فَقَالَت اخْرُجِي يَا فَاطِمَة تَعْنِي ابْنَتهَا فَخرجت امْرَأَة جميلَة وَلَيْسَت كأمها 759 - قَالَ ابْن سَلام فِي خَبره وَأرْسلت خرقاء إِلَى القحيف العقبلي تسأله أَن يشبب بهَا فَقَالَ (لقد أرْسلت خرقاء نحوي جريها ... لتجعلني خرقاء فِيمَن أضلت) (وخرقاء لَا تزداد إِلَّا ملاحة ... وَلَو عمرت تعمير نوح وجلت) 760 - قَالَ وحَدثني مُحَمَّد بن أبي عدي الْفَقِيه قَالَ قَالَ

ذُو الرمة بلغت نصف عمر الْهَرم وَأَنا ابْن أَرْبَعِينَ سنة قَالَ وَلم يبْق ذُو الرمة بعد ذَلِك إِلَّا قَلِيلا لِأَنَّهُ مَاتَ شَابًّا 761 - قَالَ ابْن سَلام وحَدثني أَبُو الغراف أَنه مَاتَ وَهُوَ يُرِيد هشاما وَقَالَ فِي طَرِيقه ذَلِك (بِلَاد بهَا أهلون لست ابْن أَهلهَا ... وَأُخْرَى بهَا أهلون لَيْسَ لَهَا أهل) 762 - قَالَ وَكَانُوا إخْوَة ثَلَاثَة غيلَان وَهُوَ ذُو الرمة

وأوفى ومسعود بَنو عقبَة فَهَلَك أوفى ثمَّ هلك ذُو الرمة فَقَالَ مَسْعُود (تعزيت عَن أوفى بغيلان بعده ... عزاء وجفن الْعين ملآن مترع) (وَلم ينسني أوفى المصيبات بعده ... وَلَكِن نكأ الْقرح بالقرح أوجع) 763 - ولمسعود يَقُول ذُو الرمة (بل عجبت أُخْت بني لبيد ... وهزئت مني وَمن مَسْعُود) (رَأَتْ غلامى سفر بعيد ... يدرعان اللَّيْل ذَا السدود) (مثل ادراع اليلمق الْجَدِيد ... أما بِكُل كَوْكَب حريد)

(إِذا سُهَيْل لَاحَ كالوقود ... فَردا كشاة الْبَقر المطرود) (يَا صَاحِبي صَوتا بالقود ... وعللاهن بهيد هيد) وفيهَا يَقُول (أَشْعَث بَاقٍ رمة التَّقْلِيد ... ) وبهذه الْكَلِمَة سمي ذَا الرمة 764 - وحَدثني أبي سَلام بن عبيد الله قَالَ رَأَيْت ذَا الرمة وَرَأَيْت لمته وهيئته وَقَالَ لأبي الغراف فِيك مشابه مِنْهُ

765 - حَدثنِي أَبُو الغراف قَالَ دارأ الحكم بن عوَانَة ذَا الرمة فِي بعض قَوْله فَقَالَ فِيهِ (فَلَو كنت من كلب صَحِيحا هجوتكم ... جَمِيعًا وَلَكِن لَا إخالك من كلب) (ولكنما أخرت أَنَّك ملصق ... كَمَا ألصقت من غَيرهَا ثلمة الْقَعْب) (تدهدى فخرت ثلمة من صَحِيحه ... فلز بِأُخْرَى بالغراء وبالشعب)

766 - وحَدثني أَبُو الغراف قَالَ دخل ذُو الرمة على بِلَال بن أبي بردة وَكَانَ بِلَال راوية فصيحا أديبا فَأَنْشد بِلَال أَبْيَات حَاتِم طَيء (لحا الله صعلوكا مناه وهمه ... من الْعَيْش أَن يلقى لبوسا ومطعما) (يرى الْخمس تعذيبا وَإِن نَالَ شُعْبَة ... يبت قلبه من قلَّة الْهم مُبْهما) فَقَالَ ذُو الرمة يرى الخمص تعذيبا وَإِنَّمَا الْخمس لِلْإِبِلِ وَإِنَّمَا هُوَ خمص الْبُطُون فمحك بِلَال وَكَانَ محكا وَقَالَ هَكَذَا أنشدنيها رُوَاة طَيء فَرد عَلَيْهِ ذُو الرمة فمحك فَدخل أَبُو عَمْرو بن الْعَلَاء فَقَالَ لَهُ بِلَال كَيفَ تنشدها فَعرف أَبُو عَمْرو الَّذِي بِهِ فَقَالَ كلا الْوَجْهَيْنِ فَقَالَ أتأخذون عَن ذِي الرمة قَالَ إِنَّه لفصيح وَإِنَّا لنأخذ عَنهُ بتمريض وخرجا من عِنْده فَقَالَ ذُو الرمة لأبي عَمْرو

وَالله لَوْلَا أَنِّي أعلمك حطبت فِي حبله وملت فِي هَوَاهُ لهجواتك هجاء لَا يقْعد إِلَيْك مَعَه اثْنَان

الطبقة الثالثة

الطَّبَقَة الثَّالِثَة من الإسلامين أَرْبَعَة 767 - كَعْب بن جعيل بن قمير بن عجْرَة بن عَوْف بن مَالك ابْن بكر بن حبيب بن عَمْرو بن غنم بن تغلب بن وَائِل 768 - وَعَمْرو بن أَحْمَر بن العمرد بن تَمِيم بن ربيعَة بن حرَام ابْن فراص بن معن الْبَاهِلِيّ 769 - وسحيم بن وثيل بن أعيفر بن أبي عَمْرو بن إهَاب بن حميري ابْن ريَاح بن يَرْبُوع

770 - وَأَوْس بن مغراء من قريع بن عَوْف بن كَعْب ابْن سعد 771 - كَعْب بن جعيل شَاعِر مفلق قديم فِي أول الْإِسْلَام أقدم من الأخطل والقطامي وَقد لَحقا بِهِ وَكَانَا مَعَه وَهُوَ يَقُول (وأبيض جني عَلَيْهِ سموطه ... من الْإِنْس فِي قصر منيف غواربه) (تدليته سقط الندى بعد هجعة ... فَبت أمنيه المنى وأخالبه)

(بِمَا ينزل الأروى من الشعف العلى ... وَمَا لَو يسني حَيَّة مَال جَانِبه) (نَدِمت على شتم الْعَشِيرَة بعد مَا ... مضى واستتبت للرواة مذاهبه)

(فَأَصْبَحت لَا أسطيع ردا لما مضى ... كَمَا لَا يرد الدّرّ فِي الضَّرع حالبه) (معاوي أنصف تغلب ابْنة وَائِل ... من النَّاس أودعها وَحيا تضاربه) (قَلِيل على بَاب الْأَمِير لباثتي ... إِذا رَابَنِي بَاب الْأَمِير وحاجبه) (وَلما تداروا فِي تراث مُحَمَّد ... سَمِعت بِابْن هِنْد فِي قُرَيْش مضاربه) 772 - وَكَعب يَقُول فِي عبيد الله بن عمر بن الْخطاب وَقتل

بصفين وَهُوَ مَعَ مُعَاوِيَة قتلته بَنو شَيبَان (أَلا إِنَّمَا تبْكي الْعُيُون لفارس ... بصفين أجلت خيله وَهُوَ وَاقِف) (تبدل من أَسمَاء أسياف وَائِل ... وَكَانَ فَتى لَو أخطأته المتالف) (تركن عبيد الله بالقاع مُسْندًا ... تمج دم الْجوف الْعُرُوق النوازف) (يحللن عَنهُ جيب درع حَصِينَة ... وَأي فَتى لَو أخطأته المآلف)

(وحافظ صدر من ربيعَة صابر ... وطارالو شيظ عَنْهُم والزعانف) (إِذا قيل أَي النَّاس شَرّ قَبيلَة ... بني أَسد إِنِّي لما قيل عَارِف) (أَغَرْتُم علينا تسرقون عبابنا ... وَمَا إِن لنا فِي بطن صفّين قائف) 773 - وسحيم بن وثيل الريَاحي شرِيف مَشْهُور الْأَمر فِي الْجَاهِلِيَّة وَالْإِسْلَام جيد الْموضع فِي قومه شَاعِر خنذيذ وَكَانَ

الْغَالِب عَلَيْهِ البداء والخشنة وَهُوَ الَّذِي ناحر غَالب بن صعصعة أَبَا الفرزدق بِالْكُوفَةِ أَيَّام عَليّ بن أبي طَالب رَضِي الله عَنهُ تفاخرا وَقد أقدما جلبا لَهما فتناحرا فَجعل غَالب لَا يفرس وَجعل سحيم يفرس فَقيل لَهُ أتجاري هوج بني دارم أقلع وَغدا النَّاس بالمدى والجفان ليأخذوا اللَّحْم فَقَالَ عَليّ أَيهَا النَّاس لَا تَأْكُلُوا مِنْهُ فَإِنَّهُ مِمَّا أهل لغير الله بِهِ فارتدع النَّاس 774 - قَالَ كَانَ عُثْمَان بن عَفَّان رَضِي الله عَنهُ اسْتعْمل سَمُرَة بن عَمْرو بن قرط بن جناب بن عدي بن جُنْدُب الْعَنْبَري فِي وَلَده وأسرته شرف إِلَى الْيَوْم يُقَال لَهُم بَنو السَّمُرَات فَاسْتَعْملهُ على هوامي عَمْرو ابْن تَمِيم وفلج وَمَا يَليهَا فَكَانَ لَا يخبر بضالة فِي قوم إِلَّا أَخذهَا

فعرفها فَكَانَ من ذهبت لَهُ ضَالَّة طلبَهَا عِنْده فَبَلغهُ أَن نَاقَة فِي أبل بني وثيل فَأَتَاهُم وأعبد مَعَه وَلَيْسَ هُنَاكَ من بني وثيل أحد وأمهم ليلى بنت شَدَّاد من بني حميري بن ريَاح بن يَرْبُوع عَجُوز كَبِيرَة فِي غلمة لَهُم فَقَالَ اعرضوا عَليّ الْإِبِل فَأَبت فَأخذ ليعرضها فأهوت لَهُ فَدَفعهَا فَقَالَت فمي فمي وَزَعَمُوا أَن ثنيتيها قد كَانَتَا سقطتا قبل ذَلِك بِزَمَان فَلَمَّا رأى ذَلِك سَمُرَة لَهَا عَنْهَا وَترك الْإِبِل فَلَمَّا قدم سحيم بن وثيل إِلَى أمه أخْبرته الْخَبَر فَسكت حَتَّى يلقى عبيد ابْن غاضرة بن سَمُرَة فصرعه فدق فَمه فاستعدى عَلَيْهِ سَمُرَة ابْن عَفَّان وَكَانَ عُثْمَان إِذا عاقب بَالغ فأشخص سحيم إِلَيْهِ إِلَى الْمَدِينَة وحبست إبِله حَتَّى ضَاعَت فَقَالَ لعُثْمَان يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ إِنَّه كسر فَم أُمِّي قَالَ أَلا استعديت عَلَيْهِ وَقَالَ عُثْمَان لأفطعن مِنْك طابقا أَو يرضى سَمُرَة وصادف سحيم بن وثيل يزِيد بن مَسْعُود بن خَالِد بن مَالك بن ربعي بن سلمى بن جندل أَخا لليلى بنت مَسْعُود أم عبيد الله

ابْن عَليّ بن أبي طَالب ونعيما أَبَا قرَان الْيَرْبُوعي فقاما بِأَمْر سحيم وحملا للعنبري مئة من الْإِبِل فَقَالَ فِي ذَلِك سحيم ابْن وثيل (كفاني أَبُو قرَان نَفسِي فداؤه ... وَمن يَك مَوْلَاهُ فَلَيْسَ بِوَاحِد) 775 - وسحيم بن وثيل الْقَائِل (أَنا ابْن جلا وطلاع الثنايا ... مَتى أَضَع الْعِمَامَة تعرفوني) (ألم تَرَ أنني فِي حميري ... مَكَان اللَّيْث من وسط العرين) (عذرت البزل إِن هِيَ خاطرتني ... فَمَا بالي وبال ابْني لبون)

(وماذا يغمز الْأَعْدَاء مني ... وَقد جَاوَزت رَأس الْأَرْبَعين) 776 - وَعَمْرو بن أَحْمَر صَحِيح الْكَلَام كثير الْغَرِيب وَهُوَ الْقَائِل (إِن الْفَتى يقتر بعد الْغنى ... ويغتني من بعد مَا يفْتَقر) (والحي كالميت وَيبقى التقى ... والعيش فنان فحلو وَمر) (إِمَّا على نَفسِي وَإِمَّا لَهَا ... فعايش النَّفس وفيهَا وقر) (هَل يهلكني بسط مَا فِي يَدي ... أَو يخلدني منع مَا أدخر) (أَو ينسأن يومي إِلَى غَيره ... أَنِّي حوالي وَأَنِّي حذر)

(وَلنْ ترى مثلي ذَا شيبَة ... أعلم مَا ينفع مِمَّا يضر)

الطبقة الرابعة

الطَّبَقَة الرَّابِعَة 777 - نهشل بن حرى أحد بني نهشل بن دارم 778 - وَحميد بن ثَوْر الْهِلَالِي 779 - والأشهب بن رميلة 780 - وَعمر بن لَجأ التَّيْمِيّ من تيم الربَاب 781 - فنهشل بن حرى شَاعِر شرِيف مَشْهُور وَأَبوهُ حرى شَاعِر مَذْكُور وجده ضَمرَة بن ضَمرَة شرِيف فَارس شَاعِر بعيد الذّكر كَبِير الْأَمر وَأَبَوَاهُ ضَمرَة بن جَابر سيد ضخم الشّرف بعيد الذّكر وَأَبوهُ جَابر لَهُ ذكر وشهرة وَشرف وَأَبوهُ قطن لَهُ شرف وفعال وَذكر فِي الْعَرَب فهم سِتَّة كَمَا ذكرنَا لَا أعلم فِي تَمِيم رهطا يتوالون توالي هَؤُلَاءِ

782 - ونهشل بن حرى الَّذِي يَقُول (إِذا كنت جارا لامرىء فارهب الْخَنَا ... على عرضه إِن الْخَنَا طرف الْغدر) (وذد عَن حراه مَا عقدت حباله ... بحبلك واستره بِمَا لَك من ستر) (وجار منعناه من الضيم والعدى ... وجيران أَقوام بمدرجة الدَّهْر) (وَيَوْم كَأَن المصطلين بحره ... وَإِن لم تكن نَار قعُود على جمر) (صَبرنَا لَهُ حَتَّى يبوخ وَإِنَّمَا ... تفرج أَيَّام الكريهة بِالصبرِ) 783 - وَحميد بن ثَوْر الْقَائِل (قَلِيل المعي إِلَّا مصيرا يبله ... دم الْجوف أَو سُؤْر من الْحَوْض ناقع)

(ترى طَرفَيْهِ يعسلان كِلَاهُمَا ... كَمَا اختب عود الساسم المتتابع) (ينَام بِإِحْدَى مقلتيه وَيَتَّقِي المنايا ... بأخري فَهُوَ يقظان هاجع) 784 - والأشهب بن رميلة ورميلة أمه وَأَبوهُ ثَوْر وَكَانَ الْأَشْهب شَاعِرًا وَكَانَ يهاجي الفرزدق وَهُوَ أحد بني نهشل بن دارم 785 - وَكَانَ لَهُ أَخ يدعى زبابا وَكَانَ من أَشد النَّاس وأخبثهم وَكَانَ الفرزدق يفرقه فرقا شَدِيدا وَفِيه يَقُول الْأَشْهب

(وقائلة تنعى زبابا وَقَائِل ... جزى الله خيرا مَا أعف وأمنعا) (وأطعن فِي الهيجا وأضرب فِي الوغى ... وَأطْعم إِن أَمْسَى المراضيع جوعا) (شمت ابْن قين أَن أَصَابَت مُصِيبَة ... كَرِيمًا وَلم يتْرك لَك الدَّهْر مسمعا) (كَرِيمًا حماك الدَّهْر طول حَيَاته ... وَأَنت لئيم منبت الحمض أجمعا)

(أعيني قلت أُسْوَة من أَخِيكُمَا ... بِأَن تسهرا اللَّيْل التَّمام وتدمعا) (قتلنَا زعيم الْقَوْم لَا خير بعده ... وَلم يَك فِي الْأَحْجَار منع فأمنعا) (إِذا مَا ذكرنَا من أخينا أَخَاهُم ... روينَا وَلم نشف الغليل فينقعا) الْأَحْجَار صَخْر وجندل وجرول بَنو نهشل فغلب الفرزدق على الْأَشْهب وَفضل عَلَيْهِ

786 - وَأما عمر بن لَجأ فَحَدثني أَبُو الغراف قَالَ قدم لُقْمَان الْخُزَاعِيّ على صدقَات الربَاب فَكَانَت وُجُوه الربَاب تحضره وَفِيهِمْ عمر بن لَجأ بن حدير أحد بني مصاد فأنشده يَوْمًا (تأوبني ذكر لزولة كالخبل ... وَمَا حَيْثُ تلقى بالكثبب وَلَا السهل) (تحل وركن من طمية دونهَا ... وجو قسا مِمَّا يحل بِهِ أَهلِي) (تريدين أَن أرْضى وَأَنت بخيلة ... وَمن ذَا الَّذِي يُرْضِي الأخلاء بالبخل) فَقَالَ لُقْمَان مازلنا نسْمع بِالشَّام أَنَّهَا كلمة جرير وأبلغ لُقْمَان جَرِيرًا فَقَالَ زعم أَنَّك سرقتها مِنْهُ فَقَالَ جرير وَأَنا أحتاج أَن أسرق قَول عمر وَهُوَ الْقَائِل وَقد وصف إبِله فَذكر قصَّة قد ذكرهَا ابْن سَلام عَن أبي يحيى الضَّبِّيّ فِي أَخْبَار جرير

787 - قَالَ فَرد عَلَيْهِ عمر بن لَجأ (أنبئت كلب كُلَيْب قد عوى جزعا ... وكل عاو بِفِيهِ الترب وَالْحجر) (قد لمتني ظَالِما فِي سنة سبقت ... أَن الكليبي لم يكْتب لَهُ الظفر) (هبت الفرزدق واستبعثتني عَبَثا ... للْمَوْت تعمد وَالْمَوْت الَّذِي تذر) (فاخسأ لَعَلَّك ترجو أَن يحل بِنَا ... رَحل الفرزدق لما مسك الدبر) 788 - وَمن قَوْله (أجد الْقلب هجرا واجتنابا ... لمن أَمْسَى يواصلنا خلابا)

(وَمن يدنو ليعجبنا وينأى ... فقد جمع التدلل والكذابا) (أَلا تجزين من أثنى عَلَيْكُم ... وَأحسن حِين قَالَ وَمَا استتابا) (تصدت بعد شيبك أم بكر ... لتطرد عَنْك حلما حِين ثابا) (بجيد غزال مقفرة وماحت ... بِعُود أراكة بردا عذَابا) (كَأَن سلافة خلطت بمسك ... ليغلبها وَكَانَ لَهَا قطابا) (مذاقتها إِذا مَا بيتتها ... سَواد الزَّوْج والتثم الرضابا)

(ليغتبق العلالة من نداها ... كفى فوها لمغتبق وطابا) (أسيلة معقد السمطين مِنْهَا ... وريا حَيْثُ تعتقد الحقابا) (إِذا مَالَتْ روادفها بمتن ... كغصن البان فاضطرب اضطرابا) (تهادى فِي الثِّيَاب كَمَا تهادى ... حباب المَاء يتبع الحبابا)

(ترى الخلخال والدملوج مِنْهَا ... إِذا مَا أكرها نشبا فغابا) (إِذا مَا الشىء لم تقدر عَلَيْهِ ... فَلَا ذكرا لذاك وَلَا طلابا)

الطبقة الخامسة

الطَّبَقَة الْخَامِسَة 789 - أَبُو زبيد الطَّائِي واسْمه حَرْمَلَة بن الْمُنْذر 790 - والعجير بن عبد الله بن عُبَيْدَة بن كَعْب بن عَائِشَة بن الرّبيع بن ضبيط بن جَابر بن عبد الله بن سلول 791 - وَعبد الله بن همام السَّلُولي 792 - ونفيع بن لَقِيط الْأَسدي 793 - أَنا أَبُو خَليفَة نَا مُحَمَّد بن سَلام أخبرنَا أَبُو الغراف قَالَ كَانَ أَبُو زبيد الطَّائِي من زوار الْمُلُوك ولملوك الْعَجم خَاصَّة

وَكَانَ عَالما بسيرهم وَكَانَ عُثْمَان بن عَفَّان يقربهُ على ذَلِك ويدنيه ويدني مَجْلِسه وَكَانَ نَصْرَانِيّا فَحَضَرَ ذَات يَوْم عُثْمَان وَعِنْده الْمُهَاجِرُونَ وَالْأَنْصَار فتذاكروا مآثر الْعَرَب وَأَشْعَارهَا فَالْتَفت عُثْمَان إِلَى أبي زبيد فَقَالَ يَا أَخا تبع الْمَسِيح أسمعنا بعض قَوْلك فقد أنبئت أَنَّك تجيد فأنشده قصيدته الَّتِي يَقُول فِيهَا (من مبلغ قومِي النائين إِذْ شحطوا ... أَن الْفُؤَاد إِلَيْهِم شيق ولع) وَوصف فِيهَا الْأسد فَقَالَ عُثْمَان تالله تفتأ تذكر الْأسد مَا حييت وَالله إِنِّي لأحسبك جَبَانًا هدَانَا فَقَالَ كلا يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ وَلَكِنِّي رَأَيْت مِنْهُ منْظرًا وَشهِدت مِنْهُ مشهدا لَا يبرح ذكره يَتَجَدَّد فِي قلبِي ومعذور أَنا يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ غير ملوم فَقَالَ عُثْمَان وأنى كَانَ ذَلِك قَالَ خرجت فِي صيابة أَشْرَاف من أفناء قبائل الْعَرَب ذَوي هَيْئَة وشارة حَسَنَة ترتمي بِنَا المهارى بأكسائها وَنحن نُرِيد الْحَارِث بن أبي شمر الغساني ملك الشَّام فاخروط بِنَا الْمسير فِي حمارة القيظ

حَتَّى إِذا عصبت الأفواه وذبلت الشفاه وشالت الْمِيَاه وأذكت الجوزاء المعزاء وذاب الصيهد وصر الجندب وضاف العصفور الضَّب فِي جُحْره أَو قَالَ فِي وجاره قَالَ قائلنا يَا أَيهَا الركب غوروا بِنَا فِي ضوج هَذَا الْوَادي وَإِذا وَاد قديد يمتنا كثير الدغل دَائِم الغلل شجراؤه مغنة وأطياره مرنة فحططنا رواحلنا فِي أصُول دوحات كنهبلات فأصبنا من فضلات المزاود وأتبعناها المَاء الْبَارِد

فَأَنا لنصف حر يَوْمنَا ذَلِك ومماطلته إِذْ صر أقْصَى الْخَيل أُذُنَيْهِ وفحص الأَرْض بيدَيْهِ فو الله مالبث أَن جال ثمَّ حمحم فَبَال وَفعل فعله الَّذِي يَلِيهِ وَاحِدًا فواحدا فتضعضعت الْخَيل وتكعكعت الْإِبِل وتقهقرت البغال فَمن نافر بشكاله وناهض بعقاله فَعلمنَا أَن قد أَتَيْنَا وَأَنه السَّبع فَفَزعَ كل امرىء منا إِلَى سَيْفه فاستله من جربانه ثمَّ وقفنا رزدقا فَأقبل يتظالع من بغيه كَأَنَّهُ مجنوب أَو فِي هجار لصدره نحيط ولبلاعيمه غطيط ولطرفه وميض ولأرساغه نقيض كَأَنَّمَا يخبط هشيما وَإِنَّمَا يطَأ صريما فَإِذا هَامة كالمجن وَإِذا خد كالمسن

وعينان سجراوان كَأَنَّهُمَا سراجان يقدان وقصرة ربلة ولهزمة رهلة وكتد مغبط وزور مفرط وساعد مجدول وعضد مفتول وكف شثنة البراثن إِلَى مخالب كالمحاجن فَضرب بيدَيْهِ فأرهج وكشر فأفرج عَن أَنْيَاب كالمعاول مصقولة غير مفلولة وفم أشدق كالغار الأخرق ثمَّ تمطى فأشرع بيدَيْهِ وحفز وركيه برجليه حَتَّى صَار ظله مثلَيْهِ ثمَّ أقعى فاقشعر ثمَّ تميل فاكفهر ثمَّ تجهم فازبأر فَلَا وَالَّذِي بَيته فِي السَّمَاء مَا انفيناه إِلَّا بِأول أَخ لنا من بني فَزَارَة كَانَ ضخم الجزارة فوقصه ثمَّ نفضه نفضه فقضقض متنيه ثمَّ جعل يلغ

فِي دَمه فذمرت أَصْحَابِي فَبعد لأي مَا استقدموا فهجهجنا بِهِ فكر مقشعرا بزبرة كَأَن بَين كَتفيهِ شيهما حوليا فاختلج رجلا أعجر ذَا حوايا فنفضه نفضة تزايلت مفاصله ثمَّ نهم ففرفر ثمَّ زفر فبربر ثمَّ زأر فجرجر ثمَّ لحظ فوَاللَّه لخلت الْبَرْق يتطاير من تَحت جفونه من عَن شِمَاله وَيَمِينه فأرعشت الْأَيْدِي واصطكت الأرجل وأطت الأضلاع وارتجت الأسماع وحمجت الْعُيُون وَلَحِقت الْبُطُون وانخزلت الْمُتُون وَسَاءَتْ الظنون

فَقَالَ عُثْمَان اسْكُتْ قطع الله لسَانك فقد رعبت قُلُوب الْمُؤمنِينَ 794 - وَقَالَ يصف الْأسد (فَبَاتُوا يدلجون وَبَات يسري ... بَصِير بالدجى هاد هموس) (إِلَى أَن عرسوا وأغب عَنْهُم ... قَرِيبا مَا يحس لَهُ حسيس)

(خلا أَن الْعتاق من المطايا ... حُسَيْن بِهِ فهن إِلَيْهِ شوس) (فَلَمَّا أَن رَآهُمْ قد تدانوا ... أَتَاهُم وسط أرحلهم يميس) (فثار الزاجرون فَزَاد مِنْهُم ... تقرابا وواجهه ضبيس) (بنصل السَّيْف لَيْسَ لَهُ مجن ... فصد وَلم يصادفه جبيس)

(فَيضْرب بالشمال إِلَى حشاه ... وَقد نَادَى فأخلفه الأنيس) (بسمر كالمحاجن فِي قنوب ... يَقِيهَا قضة الأَرْض الدخيس)

(فَخر بِالسَّيْفِ وَاخْتلفت يَدَاهُ ... وَكَانَ بِنَفسِهِ وقيت نفوس) (فطار الْقَوْم شَتَّى والمطايا ... وغودر فِي مَكْرهمْ الرئيس) (وجال كَأَنَّهُ فرس صَنِيع ... يجر جَلَاله ذبل شموس) (كَأَن بنحره وبساعديه ... عبيرا بَات تعبؤه عروس)

(فَذَلِك إِن تفادوه تفادوا ... وَيصرف عَنْكُم أَمر شكيس) 795 - وحَدثني أبي سَلام عَمَّن حَدثهُ أَن رجلا من طَيء من بني حَيَّة نزل بِهِ رجل من بني الْحَارِث بن ذهل بن شَيبَان يُقَال لَهُ المكاء فذبح لَهُ شَاة وسقاه من الْخمر فَلَمَّا سكر الطَّائِي قَالَ هَلُمَّ أفاخرك أبنو حَيَّة أكْرم أم بَنو شَيبَان فَقَالَ لَهُ الشَّيْبَانِيّ

حَدِيث حسن ومنادمة كَرِيمَة أحب إِلَيْنَا من الْمُفَاخَرَة فَقَالَ الطَّائِي وَالله مَا مد رجل قطّ يدا أطول من يَدي فَقَالَ الشَّيْبَانِيّ وَالله لَئِن أعدتها لأخضبنها من كوعها فَرفع الطَّائِي يَده فخضبها من كوعها فَقَالَ أَبُو زبيد فِي ذَلِك (خبرتنا الركْبَان أَن قد فخرتم ... وفرحتم بضربة المكاء) (ولعمري لعارها كَانَ أدنى ... لكم من تقى وَحسن وَفَاء) (ظلّ ضيفا أخوكم لأخينا ... فِي صبوح ونعمة وشواء) (ثمَّ لما رَآهُ رانت بِهِ الْخمر ... وَأَن لَا يرِيبهُ باتقاء) (لم يهب حُرْمَة النديم وحقت ... يالقوم للسوأة السوآء) 796 - وَقَالَ حِين عزل الْوَلِيد بن عقبَة بن أَبى معيط عَن الْكُوفَة وحملت أثقاله

(من يرى العير لِابْنِ أروى على ظهر ... المرورى حداتهن عِجَال) (مصعدات وَالْبَيْت بَيت أبي وهب ... خلاء تحن فِيهِ الشمَال) (يعرف الْجَاهِل المضلل أَن الدَّهْر ... فِيهِ النكراء والزلزال) (لَيْت شعري كَذَا كم الْعَهْد أم كَانُوا ... أُنَاسًا كمن يَزُول فزالوا) (بعد مَا تعلمين يَا أم زيد ... كَانَ فيهم عز لنا وجمال) (أصبح الْبَيْت قد تبدل بالحي ... وُجُوهًا كَأَنَّهَا أقتال)

(غير مَا طَالِبين ذحلا وَلَكِن ... مَال دهر على أنَاس فمالوا) (كل شىء تحتال فِيهِ الرِّجَال ... غير أَن لَيْسَ للمنايا احتيال) 797 - وَقَالَ أَبُو زبيد وَكَانَ فِي أَخْوَاله بني تغلب وَكَانَ يُقيم فيهم أَكثر أَيَّامه وَكَانَ لَهُ غُلَام يرْعَى إبِله وَأَن بهراء غزت بني

تغلب فَمروا بغلامه فَدفع إِلَيْهِم الْإِبِل وَقَالَ انْطَلقُوا أدلكم على عَورَة الْقَوْم وأقاتل مَعكُمْ فصحبهم فَالْتَقوا فهزمت تغلب بهراء وَقتل العَبْد فَقَالَ أَبُو زبيد (قد كنت فِي منظر ومستمع ... عَن نصر بهراء غير ذِي فرس) (تسْعَى إِلَى فتية الأراقم واستعجلت ... قيل الجمان والقبس) فِي عَارض من جبال بهرا بهَا الأل مرين الحروب عَن درس

(فنهزة من لقوا حسبتهم ... أحلى وأشهى من بَارِد الدبس) (لَا ترة عِنْدهم فتطلبها ... وَلَا هم نهزة لمختلس)

(جود كرام إِذا هم ندبوا ... غير لئام صنجر ولاكبس) (صمت عِظَام الحلوم إِن قعدوا ... من غير عي بهم ولاخرس) (تقوت أفراسهم نِسَاؤُهُم ... يزجون أجمالهم مَعَ الْغَلَس) (صادفت لما خرجت مُنْطَلقًا ... جهم الْمحيا كباسل شرس)

(فجال فِي كَفه مثقفة ... تلمع فِيهَا كشعلة القبس) (بكف حران ثَائِر بِدَم ... طلاب وتر فِي الْمَوْت منغمس) (إِمَّا تقارش بك الرماح فَلَا ... أبكيك إِلَّا للدلو والمرس) (حمدت أَمْرِي ولمت أَمرك إِذْ ... أمسك جلز السنان بِالنَّفسِ)

(وَقد تصليت حر نارهم ... كَمَا تصلى المقرور من قرس) (تذب عَنهُ كف بهَا رَمق ... طيرا عكوفا كزور الْعرس) (عَمَّا قَلِيل علون جثته ... فهن من والغ ومنتهس)

798 - فَلَمَّا فرغ أَبُو زبيد من قصيدته بعثت إِلَيْهِ بَنو تغلب بدية غُلَامه وَمَا ذهب من إبِله فَقَالَ فِي ذَلِك (إِلَّا أبلغ بني عَمْرو رَسُولا ... فَإِنِّي فِي مودتكم نَفِيس)

799 - وَيُقَال إِن أَزْد عمان قتلت رجلا من طييء فَقَالَ فِي ذَلِك أَبُو زبيد (بلغا طيئا جَمِيعًا وشتى ... ولسعد مِمَّا أَقُول نصيب) (إِنَّهُم إخْوَة أبوهم أَبونَا ... غير دَعْوَى والنائبات تنوب) (قتلتنا سيوف أَزْد عمان ... سفها والدهور فِيهَا العجيب) (من دم ضائع تغيب عَنهُ ... أقربوه إِلَّا الصدى والجبوب)

(يَابْنَ سلمى وللنجيبة سلمى ... وَلَقَد ينجل النجيب النجيب) (لَيْتَني مت إِذْ دعونك إِذْ تَدْعُو ... تميما وَلَا حميم يُجيب) (لَيْت شعري بك ابْن أم عُمَيْس ... إِن قلبِي مِمَّا شهِدت مريب) (غبت عَنهُ وَأَنت لم تَكُ عَنهُ ... غَائِبا والمليك رب حسيب) (ركبُوا مَا تهيب النَّاس منا ... قد عمرنا وعزنا مرهوب)

800 - وَقَالَ أَيْضا يرثي ابْن أُخْته اللَّجْلَاج وَكَانَ من أحب النَّاس إِلَيْهِ وجزع عَلَيْهِ جزعا شَدِيدا (غير أَن اللَّجْلَاج قد هد ركنى ... يَوْم فارقته بِأَعْلَى الصَّعِيد) (فِي ضريح عَلَيْهِ عبء ثقيل ... من تُرَاب وجندل منضود) 801 - أَخْبرنِي أَبُو خَليفَة فِي كِتَابه إِلَيّ قَالَ حَدثنَا مُحَمَّد بن

سَلام الجُمَحِي قَالَ حَدثنَا أَبُو الغراف قَالَ كَانَ العجير السَّلُولي دلّ عبد الْملك بن مَرْوَان على مَاء يُقَال لَهُ مَطْلُوب وَكَانَ لناس من خثعم فَأَنْشَأَ يَقُول (لَا نوم إِلَّا غرار الْعين ساهرة ... إِن لم أروع بغيظ أهل مَطْلُوب) (إِن تشتموني فقد بدلت أيكتكم ... ذرق الدَّجَاج بحفان اليعاقيب) (وَكنت أخْبركُم أَن سَوف يعمرها ... بَنو أُميَّة وَعدا غير مَكْذُوب) قَالَ فَركب رجل من خثعم يُقَال لَهُ أُميَّة إِلَى عبد الْملك حَتَّى دخل عَلَيْهِ فَقَالَ يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ إِنَّمَا أَرَادَ العجير أَن يصل إِلَيْك وَهُوَ شويعر سئآل وحربه عَلَيْهِ فَكتب إِلَى عَامله بِأَن يشد

يَدي العجير إِلَى عُنُقه ثمَّ يَبْعَثهُ فِي الْحَدِيد فَبلغ العجير الْخَبَر فَركب فِي اللَّيْل حَتَّى أَتَى عبد الْملك فَقَالَ يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ أَنا عنْدك فاحتبسني وَابعث من يبصر الْأَرْضين والضياع فَإِن لم يكن الْأَمر على مَا أَخْبَرتك فلك دمي حل وبل فَبعث فَاتخذ ذَلِك المَاء ضَيْعَة فَهُوَ الْيَوْم من خِيَار ضيَاع بني أُميَّة 802 - وَقَالَ العجير السَّلُولي (خلقت جوادا والجواد مثابر ... على جريه ذُو عِلّة ويسير) (وَلَا يسْبق الغايات مستسلم الصلا ... مغل لأطراف الرماح عثور)

(وَلَكِن مشيح الركض مستبعد المدى ... إِذا ابتل من سجم الْحَمِيم طحور) (فَلَا توزعيني إِنَّمَا يوزع الَّذِي ... بِهِ ضعف أوفي الْقيام فتور) (وَلَا تزدريني وانظري مَا خليقتي ... إِذا ضاف أَمر أَو أَنَاخَ أَمِير) (فَإِن بني كَعْب رجال كَأَنَّهُمْ ... لُيُوث الشرى سدت بِهن ثغور) (تحلب أَيْديهم نجيعا ونائلا ... إِذا البزل لم يصبح بِهن درور) (مروها بأطراف العوالي فأسبلت ... نجيعا لَهُ تَحت اللبان خرير)

(مقيمين لَا تعتاد إِلَّا وَجَدتهمْ ... كَمَا بالرحا من صاحتين صخور) (إِذا غَار مِنْهُم كَوْكَب ناء كَوْكَب ... لِأَنِّي الندى جم الْفَرَاغ مطير) (وَإِن هَبَطُوا بَينا أذلوا ترابه ... فأضحى وَفِيه مورد وصدور) 803 - وَقَالَ يذم ابْن عَم لَهُ ويرثي سليم بن زيد السَّلُولي (الأجبل الشم بَعْدَمَا ... دجا اللَّيْل واجتر الْجمال القوامح)

(نهارك مَا فِيهِ ليان وَلَا قرى ... لعين وَأَيَّام ابْن زيد صوالح) (وَذَاكَ ابْن عَم الصدْق أما عطاؤه ... فجزل وَأما صَدره فَهُوَ نَاصح) (وَكَانَ شِفَاء غير دَاء دنوه ... إِذا احول أبصار الْعُيُون اللوامح) (إِذا قَالَ لي قُم قلت بل أَنْت فَاكْفِنِي ... فَقَامَ فَجلى أَبيض الْوَجْه وَاضح)

804 - وَقَالَ العجير وَخرج هُوَ وَابْنه القيل وَكَانَ مسنا كثير اللَّحْم فَخَرَجَا ماشيين فِي أَمر قُطْبَة ابْنة الضَّحَّاك أَخِيه فأعي القيل وبلد فذمه العجير ومدح ابْنه الآخر واسْمه الفرزدق (إِذا مَا لقِيت الخاضبات أكفها ... عَلَيْهِنَّ مَقْصُور الحجال المروق) (فَلَا تجعلن القيل إِلَّا لمزرع ... رواء وَلَكِن الشجاع الفرزدق)

(سمين وَكَانَ الأسمنون خيارنا ... بُيُوتًا وأندانا يداحين نطرق) (هُوَ ابْني لغراء الجبين نجيبة ... تلقت على طهر بِهِ غير أَحمَق) (تداعى لَهَا من أكْرم الْحَيّ نسْوَة ... يطفن بكسرى بَيتهَا وَهِي تطلق)

(وَلَكِن لعمري إِن قتلت لألفين ... سبطرا كإرسال الرديني أعنق) (فَجَاءَت بعارى لساعدين كَأَنَّهُ ... من الطيرأ قنى ينفض الطل أَزْرَق) (لجوح غَدَاة الْفَوْت حَتَّى كَأَنَّهُ ... حصان يلاقي دعقة الْخَيل أبلق) 805 - وَقَالَ العجير لمُوسَى بن عبد الرَّحْمَن بن عُبَيْدَة وَأم عبد الرَّحْمَن من بني عقيل وَأم العجير من بني أسان من بني سعد ابْن غنم

(ألم ترأن الْحَيّ حَيّ مُبشر ... كفوا غرمهم واستفضل المَال حامله) (أُولَئِكَ أخوالي وأخوال ذِي الْقَفَا ... قبيل توقى بالحجاز معاقله) 806 - وَقَالَ العجير فِي مُحَمَّد بن يُوسُف بن الحكم بن أبي عقيل أخي الْحجَّاج بن يُوسُف (فدَاك النِّسَاء الحتف كم من سرادق ... بِهِ البخت والأنباط شهب قنابله) (دخلت وأشراف الرِّجَال يرونني ... على سبط الْكَفَّيْنِ جم فواضله) (على يوسفي لوتناخ ركابه ... على الْبَحْر أفناه نداه ونائله)

807 - وَقَالَ فِي عمر بن عبد الْعَزِيز (الْحَمد لله حمدا لَا شريك لَهُ ... والحمدث لله أما بعد ياعمر) (فافرج لنا الْبَاب لَا تحبس مطيتنا ... فَإِن بابك لَا ضيق وَلَا ضَرَر) 808 - وَالثَّالِث عبد الله بن همام السَّلُولي 809 - قَالَ حَدثنِي يُونُس بن حبيب وَأَبُو الغراف قَالَا كَانَ عبد الله همام رجلا لَهُ جاه عِنْد السُّلْطَان ووصلة بهم وَكَانَ سريا فِي نَفسه لَهُ همة تسمو بِهِ وَكَانَ عِنْد آل حَرْب مكينا حظيا فيهم فَكَانَ الَّذِي حدا يزِيد بن مُعَاوِيَة على الْبيعَة لِابْنِهِ مُعَاوِيَة بن يزِيد أَن عبد الله بن همام السَّلُولي قَامَ إِلَى يزِيد بن مُعَاوِيَة فأنشده شعرًا رثى فِيهِ مُعَاوِيَة بن أبي سُفْيَان وحضه على الْبيعَة لِابْنِهِ مُعَاوِيَة فَقَالَ

(تعزوا يَا بني حَرْب بصبر ... فَمن هَذَا الَّذِي يَرْجُو الخلودا) (لعمر مناخهن بِبَطن جمع ... لقد جهزتم مَيتا فقيدا) (لقد وارى قليبكم بَيَانا ... وحلما لَا كفاء لَهُ وجودا) (وَجَدْنَاهُ بغيضا فِي الأعادي ... حبيبا فِي رَعيته حميدا) (أَمينا مُؤمنا لم يقْض أمرا ... فيوجد غبه إِلَّا رشيدا)

(فقد أضحى الْعَدو رخى بَال ... وَقد أَمْسَى التقى بِهِ عميدا) (فعاض الله أهل الدّين مِنْكُم ... ورد لنا خلافتكم جَدِيدا) (مجانبة المحاق وكل نحس ... مُقَارنَة الأيامن والسعودا) (خلَافَة ربكُم حاموا عَلَيْهَا ... إِذا غمزت خنابسة أسودا) (تعلمهَا الكهول المرد حَتَّى ... تذل بهَا الأكف وتستقيدا) (إِذا مابان ذُو ثِقَة تلقت ... أَخا ثِقَة بهَا صنعا مجيدا)

(تلقفها يزِيد عَن أَبِيه ... وخذها يَا معاوى عَن يزيدا) (فَإِن عرفت لكم فتلقفوها ... وَلَا ترموا بهَا الْغَرَض البعيدا) (فَإِن دنيا كم بكم اطمأنت ... فأولوا أَهلهَا خلقا سديدا) (وَإِن ضجرت عَلَيْكُم فاعصبوها ... عصابا تستدر بِهِ شَدِيدا)

810 - قَالَ وأنشده هَذَا الشّعْر أَيْضا (إِنَّا نقُول وَيقْضى الله مقتدرا ... مهما يدم رَبنَا من صَالح يدم) (يزِيد يَا ابْن أبي سُفْيَان هَل لكم ... إِلَى ثَنَاء ومجد غير منصرم) (اعزم عَزِيمَة أم غبه رشد ... قبل الْوَفَاة وَقطع قالة الْكَلم) (واقدر بقائلكم خُذْهَا يزِيد فَقل ... خُذْهَا معاوى لَا تعجز وَلَا تلم) (إِن الْخلَافَة إِن تعرف لثالثكم ... تثبت مراتبها فِيكُم وَلَا ترم)

(وَلَا تزَال وُفُود فِي دِيَاركُمْ ... يغشون أَبْلَج سباقا إِلَى الْكَرم) (يزم أَمر قُرَيْش غير منتكث ... وَلَو سما كل قرم مِنْهُم قطم) (عيشوا وَأَنْتُم من الدُّنْيَا على حذر ... واستصلحوا جند أهل الشَّام للبهم) (وَلَا تحلنها فِي دَار غَيْركُمْ ... إِنِّي أَخَاف عَلَيْكُم حسرة النَّدَم) (وَأطْعم الله أَقْوَامًا على قدر ... وَلم يُحَاسِبكُمْ فِي الرزق والطعم) (وَلَا لمن سالك الشورى مُشَاورَة ... إِلَّا بطعن وَضرب صائب خذم)

(أَنى تكون لَهُم شُورَى وَقد قتلوا ... عُثْمَان ضحوا بِهِ فِي أشهر الْحرم) (خير الْبَريَّة راعوا الْمُسلمين بِهِ ... ملحبا ضرجت أثوابه بِدَم) (وَكَانَ قَاتله مِنْكُم لمصرعه ... مثل الأحيمر إِذْ قفى على إرم) (أَو كالدهيم وَمَا كَانَت مباركة ... أدَّت إِلَى أَهلهَا ألفا من اللجم) (نَفسِي فدَاء الْفَتى فِي الْحَرْب لزهم ... حَتَّى تدانوا وألهى النَّاس بالسلم)

(وَبَارك الله فِي الأَرْض الَّتِي ضمنت ... أوصاله وسقاها باكر الديم) فَلم تزل فِي نفس يزِيد حَتَّى بَايع مُعَاوِيَة ابْنه فَعَاشَ أَرْبَعِينَ لَيْلَة بعد أَن أَتَتْهُ الْبيعَة من الْآفَاق ثمَّ مَاتَ فَقيل لَهُ أوصه فَقَالَ مَا أحب أَن أزودهم الدُّنْيَا وَأخرج عَنْهَا 811 - وحَدثني يُونُس بن حسان أَن عبد الله بن همام كَانَ يسمع أَبَا عمْرَة صَاحب شرطة الْمُخْتَار واسْمه كيسَان يذكر الشِّيعَة وينال

من عُثْمَان فقنعه بِالسَّوْطِ فَلَمَّا ظهر الْمُخْتَار كَانَ مُعْتَزِلا حَتَّى استأمن لَهُ ابْن شَدَّاد فجَاء إِلَى الْمُخْتَار فأنشده شعرًا لَهُ فِيهِ يذكرهُ وَيذكر أَصْحَابه فَقَالَ (أَلا انتسأت بالود عَنْك وأدبرت ... معالنة بالهجر أم سريع) (وَحملهَا واش سعى غير مصلح ... فآب بهم فِي الْفُؤَاد وجيع) (فخفض عَلَيْك الشَّأْن لَا يردك الْهوى ... فَلَيْسَ انْتِقَال خلة ببديع) (وَفِي لَيْلَة الْمُخْتَار مَا يذهل الْفَتى ... ويلهيه عَن رؤد الشَّبَاب شموع)

(دَعَا يالثارات الْحُسَيْن فَأَقْبَلت ... كتائب من هَمدَان بعد هزيع) (وَمن مذْحج جاءالرئيس ابْن مَالك ... يَقُود جموعا عفيت بجموع) (وَمن أَسد وَفِي يزِيد لنصره ... بِكُل فَتى حامي الذمار منيع) (وَجَاء نعيم خير شَيبَان كلهَا ... بِأَمْر لَدَى الهيجاء جد رفيع) (وَمَا ابْن شميط إِذْ يحرض قومه ... هُنَاكَ بمخذول وَلَا بمضيع) (وَلَا قيس نهد لَا وَلَا ابْن هوَازن ... وَكَانَ أَخا حنانة وخشوع) (وَسَار أَبُو النُّعْمَان لله سَعْيه ... إِلَى ابْن إِيَاس مصحرا لوُقُوع)

(فكر الْخُيُول كرة أتلفتهم ... وَشد بأولاها على ابْن مُطِيع) (فولى بِضَرْب يفلق الْهَام وقعه ... وَطعن غَدَاة السكتين وجيع) (فَمر وَزِير ابْن الْوَصِيّ عَلَيْهِم ... وَكَانَ لَهُم فِي النَّاس خير شَفِيع) (فآب الْهدى حَقًا إِلَى مستقره ... بِخَير إياب آبه وَرُجُوع) (إِلَى الْهَاشِمِي المهتدى بضيائه ... فَنحْن لَهُ من سامع ومطيع) 812 - فَلَمَّا أنشدها الْمُخْتَار قَالَ لأَصْحَابه قد أثنى عَلَيْكُم كَمَا تَسْمَعُونَ وَقد أحسن الثَّنَاء فَأحْسنُوا جزاءه ثمَّ قَالَ فَقَالَ لَا تَبْرَحُوا حَتَّى أخرج إِلَيْكُم فَقَالَ عبد الله بن شَدَّاد فَإِن لَهُ عِنْدِي فرسا ومطرفا وَقَالَ قيس بن طهفة فَإِن لَهُ عِنْدِي فرسا ومطرفا وَقَالَ ليزِيد بن أنس مَا تعطيه قَالَ إِن كَانَ ثَوَاب الله أَرَادَ بِمَا يَقُول فَمَا لَهُ عِنْد الله خير لَهُ وَإِن اعترى بِهَذَا القَوْل أَمْوَالنَا فوَاللَّه مَا فِي

أَمْوَالنَا مَا يَسعهُ ثمَّ وَقع بَينهم كَلَام شَدِيد فَوَثَبَ بِهِ بَعضهم فضمه إِبْرَاهِيم بن الأشتر إِلَى نَفسه وَقَالَ أَنا جَار لَهُ فأنقذه مِنْهُم فَقَالَ عبد الله بن همام (أطفأ عني نَار كلبين ألبا ... على الْكلاب ذُو الفعال ابْن مَالك) (فَتى حِين يلقى الْخَيل يفرق بَينهَا ... بطعن دراك أَو بِضَرْب مواشك) (وَقد غضِبت لي من هوَازن عصبَة ... طوال الذرى فِيهَا عزاز الْمُبَارك) (إِذْ ابْن شميط أَو يزِيد تعرضا ... لَهَا وَقعا فِي مستحار المهالك)

(وثبتم علينا يَا موالى طامر ... مَعَ ابْن شميط شَرّ ماش وراتك) (وَأعظم جَبَّار على الله فِرْيَة ... وَمَا مفتر طاغ كآخر ناسك) (كَأَنَّهُمْ فِي الْعِزّ قيس وخثعم ... وَهل أَنْتُم إِلَّا لئام عوارك) 813 - وَالرَّابِع نويفع بن لَقِيط وَتارَة كَانَ يَقُول نَافِع فَحَدثني أَبُو الغراف قَالَ كَانَ لنافع بن لَقِيط امْرَأَة من بني منقذ بن

جحوان تدعى حَيَّة وَكَانَ فِي أخلاقها زعارة وَقد كَانَا تشارا مرّة ثمَّ إِن قَومهَا أنفوا من ذَلِك فَادعوا عَلَيْهِ طَلَاقا فَقَاتلهُمْ حَتَّى كَانَ بَينهم جراح وَكَانَ مستخفيا من الْحجَّاج فَقَالَ وَهُوَ مستخف (لم يبْق مني الْكرَى يَا أم نَافِع ... وَلَا الروغ فِي الحلفاء غير المعارف) (إِذا قيل هَذَا فَارس طَار طيرة ... فُؤَادِي وَمَا فزعت من مثل خَائِف)

(ولكنما الغاوي إِذا سود اسْمه ... بأنقاسه ضيف على السَّرْح وَاقِف) فَرفعُوا أمره إِلَى الْحجَّاج فَبعث إِلَيْهِ نَفرا وَهُوَ فِي أجمة الْأسود أجمة خُفْيَة فَأحرق عَلَيْهِ فِي نواحي الأجمة وَقَالُوا قد كفتنا الْأسود وَالنَّار أمره فأدركهم اللَّيْل فانصرفوا وخلصه الله حَتَّى لحق بقَوْمه بالقنان والعزاف فَتزَوج ابْنة عَمه جمهة ابنت شَيبَان بن مرْثَد فتغنى يَوْمًا فَقَالَ (وَردت بئارا ملحة فكرهتها ... بأهلي أَهلِي الْأَولونَ وماليا)

814 - قَالَ وأنشدني أَبُو الغراف عَن سُلَيْمَان الجذامي لنويفع ابْن لَقِيط (أَدّوا إِلَى ميدان عَنْكُم عرسه ... ودعوا سبابى يَا بني عرقوب) (إِن المخازي قدر ثمن أنوفكم ... رثم الْحِجَارَة إِصْبَع المنكوب) (لن تهدموا شرفي بلؤم أبيكم ... ونهاق عير فِيكُم مكروب)

815 - وَقَالَ أَيْضا (وَإِيَّاك وَالظُّلم الْمُبين إِنَّنِي ... أرى الظُّلم يغشى بِالرِّجَالِ المغاشيا) (أتجمع إِن كنت ابْن تقن فطانة ... وتغلب أَحْيَانًا وَتَأْتِي الدواهيا) (إِذا أَنْت أكثرت المجاهل كدرت ... وَعَلَيْك من الْأَخْلَاق مَا كَانَ صافيا) (فَلَا تَكُ حفارا بظلفك إِنَّمَا ... تصيب سِهَام الغي من كَانَ غاويا)

(أَلا إِن آبَائِي على كل موطن ... وخال أبي لم يورثوني المخازيا) (أَبَا حوالنا الْمجد التليد وَإِنَّهُم ... لمنبت زندى الْفُرُوع الأعاليا) 816 - قَالَ وأنشدني مُحَمَّد بن أنس الحذلمي الْأَسدي عَن

أَعْرَاب بني أَسد أَنه قَالَ فِي الْحجَّاج بن يُوسُف (لَو كنت فِي العنقاء أوفي عماية ... ظننتك إِلَّا أَن تصد تراني)

(أسهد من نوم الْعشَاء كأنني ... سليم يغر الضرو بالنبوان) (عَلَيْهِ تميمات كَأَن فُؤَاده ... جنَاحا عِقَاب دَائِم الخفقان) (تضيق بِي الأَرْض الفضاء لخوفه ... وَإِن كنت قد طوفت كل مَكَان) (وآليت لَا آتِيك إِلَّا مسالما ... معي مِنْك يَا ابْن الأكرمين أماني) (وَمَا الْعرق كَانَت لي بدار إِقَامَة ... وَلَا الجو مِنْهَا كَانَ لي بمغاني) (أعوذ بقبرى يُوسُف وَابْن يُوسُف ... أَخِيك وبالقبر الذى بعدان)

(سمى نَبِي الله من أَن تنالني ... يداك وَمن يغتر بالحدثان) 817 - قَالَ وَكَانَ نويفع من رجالات الْعَرَب شعرًا ونجدة وَكَانَ رُبمَا أَخَاف السَّبِيل فأطرده الْحجَّاج لجناية فَلم يزل خَائفًا

الطبقة السادسة

الطَّبَقَة السَّادِسَة من الإسلاميين 818 - حجازية أَرْبَعَة رَهْط 819 - عبد الله بن قيس بن شُرَيْح بن مَالك بن ربيعَة بن أهيب ابْن ضباب بن حُجَيْر بن عبد بن معيص بن عَامر بن لؤَي بن غَالب من قُرَيْش الظَّوَاهِر وَإِنَّمَا نسب إِلَى الرقيات لِأَن جدات لَهُ توالين يسمين رقية

والأحوص عبد الله بن مُحَمَّد بن عَاصِم بن ثَابت بن قيس وَهُوَ أَبُو الأقلح شهد عَاصِم بَدْرًا وَقتل يَوْم الرجيع وحمته الدبر وَهُوَ من الْأَوْس 821 - وَجَمِيل بن معمر بن خيبري بن ظبْيَان بن حن بن ربيعَة بن حرَام بن ضنة بن عبد بن كَبِير بن عذرة بن سعد بن زيد بن لَيْث بن سود بن أسلم بن الحاف بن قضاعة 822 - وَنصِيب مولى عبد الْعَزِيز بن مَرْوَان بن الحكم بن أبي الْعَاصِ 823 - فَحَدثني يُونُس حبيب قَالَ كَانَ عبد الله بن قيس الرقيات أَشد قُرَيْش أسر شعر فِي الْإِسْلَام بعد ابْن الزبعري وَكَانَ غزلا وأغزل من شعره شعر عمر بن أبي ربيعَة وَكَانَ عمر يُصَرح بالغزل ولد يهجو وَلَا يمدح وَكَانَ عبد الله يشبب وَلَا يُصَرح وَلم يكن لَهُ

مَعْقُود عشق وغزل كعمر بن أبي ربيعَة 824 - وَكَانَ انْقِطَاعه إِلَى آل الزبير فمدح مصعبا وهجا عبد الْملك بن مَرْوَان وَذَلِكَ حِين يَقُول (إِنَّمَا مُصعب شهَاب من الله ... تجلت عَن وَجهه الظلماء) (ملكه ملك قُوَّة لَيْسَ فِيهِ ... جبروت وَلَا لَهُ كبرياء) (يتقى الله فِي الْأُمُور وَقد أَفْلح ... من كَانَ همه الاتقاء) وَقَالَ لعبد الْملك فِيهَا (قد رَضِينَا فمت بدائك غيظا ... لاتميتن غَيْرك الأدواء)

والأحوص عبد الله بن مُحَمَّد بن عَاصِم بن ثَابت بن قيس وَهُوَ أَبُو الأقلح شهد عَاصِم بَدْرًا وَقتل يَوْم الرجيع وحمته الدبر وَهُوَ من الْأَوْس 821 - وَجَمِيل بن معمر بن خيبري بن ظبْيَان بن حن بن ربيعَة بن حرَام بن ضنة بن عبد بن كَبِير بن عذرة بن سعد بن زيد بن لَيْث بن سود بن أسلم بن الحاف بن قضاعة 822 - وَنصِيب مولى عبد الْعَزِيز بن مَرْوَان بن الحكم بن أبي الْعَاصِ 823 - فَحَدثني يُونُس حبيب قَالَ كَانَ عبد الله بن قيس الرقيات أَشد قُرَيْش أسر شعر فِي الْإِسْلَام بعد ابْن الزبعري وَكَانَ غزلا وأغزل من شعره شعر عمر بن أبي ربيعَة وَكَانَ عمر يُصَرح بالغزل ولد يهجو وَلَا يمدح وَكَانَ عبد الله يشبب وَلَا يُصَرح وَلم يكن لَهُ

(حَيْثُ لم تأت قبله خيل ذِي الأكتاف ... يوجفن بَين قف ومرج) (أنزلوا من حصونهن بَنَات التّرْك ... يَأْتِين بعد عرج بعرج) (كل خرق سميدع وشنون ... ساهم الْوَجْه تَحت أحناء سرج) (يلبس الْجَيْش بالجيوش ويسقي ... لبن البخت فِي عساس الخلنج)

827 - وَقَالَ فِي عبد الْملك لما أَخذ عبد الله بن جَعْفَر ذِي الجناحين الْأمان لَهُ

(عَاد لَهُ من كَثِيرَة الطَّرب ... فعينه بالدموع تنسكب) (كوفية نازح محلتها ... لَا أُمَم دارها وَلَا سقب) ثمَّ قَالَ (مَا نقموا من بني أُميَّة إِلَّا ... أَنهم يحلمون إِن غضبوا) (وَأَنَّهُمْ مَعْدن الْمُلُوك فَلَا ... تصلح إِلَّا عَلَيْهِم الْعَرَب) (إِن الفنيق الَّذِي أَبوهُ أَبُو العَاصِي ... عَلَيْهِ الْوَقار والحجب)

(خَليفَة الله فَوق منبره ... جَفتْ بِذَاكَ الأقلام والكتب) (يعتدل التَّاج فَوق مفرقه ... على جبين كَأَنَّهُ الذَّهَب) (أحفظهم قَومهمْ بباطلهم ... حَتَّى إِذا حاربوهم حربوا) (تجردوا يطْلبُونَ باطلهم ... بِالْحَقِّ حَتَّى تبين الْكَذِب) (قوم هم الْأَكْثَرُونَ قبص حَصى ... فِي النَّاس والأكرمون إِن نسبوا) 828 - وَالثَّانِي الْأَحْوَص فَحَدثني أبي عَمَّن حَدثهُ أَحْسبهُ

قَالَ عَن الزُّهْرِيّ قَالَ كَانَ الْأَحْوَص الشَّاعِر يشبب بنساء أهل الْمَدِينَة فتأذوا بِهِ وَكَانَ معبد وَغَيره من المغنين يغنون فِي شعره فَشَكَاهُ قومه فَبلغ ذَلِك سُلَيْمَان بن عبد الْملك فَكتب إِلَى عَامله بِالْمَدِينَةِ أَن يضْربهُ مئة سَوط ويقيمه على البلس للنَّاس ويسيره إِلَى دهلك فَفعل بِهِ فثوى بهَا سُلْطَان سُلَيْمَان وَعمر بن عبد الْعَزِيز فَأتى رجال من الْأَنْصَار عمر بن عبد الْعَزِيز فَسَأَلُوهُ أَن يردهُ وَقَالُوا قد عرفت نسبه وموضعه من قومه وَقد أخرج إِلَى أَرض الشّرك فنطلب إِلَيْك أَن ترده إِلَى حرم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَدَار قومه فَقَالَ عمر من الَّذِي يَقُول (فَمَا هُوَ إِلَّا أَن أَرَاهَا فَجَاءَهُ ... فأبهت حَتَّى مَا أكاد أُجِيب)

قَالُوا الْأَحْوَص قَالَ فَمن الَّذِي يَقُول (أدور وَلَوْلَا أَن أرى أم جَعْفَر ... بأبياتكم مادرت حَيْثُ أدور) قَالُوا الْأَحْوَص قَالَ فَمن الَّذِي يَقُول (سيلقى لَهَا فِي الْقلب فِي مُضْمر الحشا ... سريرة حب حِين تبلى السرائر) قَالُوا الْأَحْوَص قَالَ إِنَّه يَوْمئِذٍ عَنْهَا لمشغول وَالله الا أرده مَا كَانَ لي سُلْطَان فَمَكثَ هُنَاكَ بَقِيَّة ولَايَة عمر وصدرا من ولَايَة يزِيد بن عبد الْملك ثمَّ اسْتخْلف يزِيد بن عبد الْملك فَبينا يزِيد على سطح وحبابة جَارِيَته تغنيه بِشعر الْأَحْوَص إِذْ قَالَ يزِيد من يَقُول هَذَا الشّعْر قَالَت لَا وعيشك مَا أَدْرِي قَالَ وَقد كَانَ ذهب من اللَّيْل شطره قَالَ ابْعَثُوا إِلَى الزُّهْرِيّ فَعَسَى أَن يكون عِنْده علم من ذَلِك فَأتى ابْن شهَاب الزُّهْرِيّ فقرع بَابه فَخرج فَزعًا حَتَّى أُتِي يزِيد فَلَمَّا صعد إِلَيْهِ قَالَ لَا بَأْس عَلَيْك لم نَدعك إِلَّا لخير

اجْلِسْ فَجَلَسَ يُقَال من الذى يَقُول هَذَا الشّعْر قَالَ الْأَحْوَص يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ قَالَ فَمَا فعل قَالَ قد طَال حَبسه بدهلك قَالَ عَجِيب لعمر بن عبد الْعَزِيز كَيفَ أغفله فَأمر بِالْكتاب بتخلية سَبيله وَأمر لَهُ بأربعمئة دِينَار فَأقبل الزُّهْرِيّ من ليلته إِلَى نَاس من الْأَنْصَار فبشرهم بتخلية سَبِيل الْأَحْوَص ثمَّ قدم عَلَيْهِ فَأَجَازَهُ وَأحسن إِلَيْهِ 829 - وحدثنى أَبُو الغراف عَمَّن يَثِق بِهِ قَالَ بعث يزِيد ابْن عبد الْملك حِين قتل يزِيد بن الْمُهلب إِلَى الشُّعَرَاء فَأَمرهمْ بِهِجَاء يزِيد وَأهل بَيته مِنْهُم الفرزدق وَكثير والأحوص فَقَالَ الفرزدق لقد امتدحت بنى الْمُهلب بمدح مَا امتدحت بِمثلِهِ أحدا وَإنَّهُ لقبيح بمثلى أَن يكذب نَفسه على رَأس الْكبر فليعفنى أَمِير الْمُؤمنِينَ فأعفاه وَقَالَ كثير إنى لأكْره أَن أعرض نفسى وقومى لشعراء أهل الْعرَاق إِن هجوت بنى الْمُهلب وَأما الْأَحْوَص فَإِنَّهُ هجاهم فَلَمَّا بعث بِهِ يزِيد بن عبد الْملك إِلَى الْجراح بن عبد الله الحكمى وَهُوَ

بِأَذربِيجَان وَقد كَانَ بلغ الْجراح هجاء الْأَحْوَص بنى الْمُهلب فَبعث إِلَيْهِ بزق من خمر فَأدْخل منزل الْأَحْوَص ثمَّ بعث إِلَيْهِ خيلا فَدَخَلُوا منزله فصبوا الْخمر على رَأسه ثمَّ أَخْرجُوهُ على رُؤُوس النَّاس وَأتوا بِهِ الْجراح فَأمر بِهِ فحلق رَأسه ولحيته وضربه الْحَد يتراوحه الرِّجَال وَهُوَ يَقُول لَيْسَ هَكَذَا تضرب الْحُدُود فَجعل الْجراح يَقُول صدقت أجل وَلَكِن لما تعلم ثمَّ كتب إِلَى يزِيد بن عبد الْملك بالذى كَانَ من أمره فأغضى لَهُ عَلَيْهَا 830 - فمما قَالَ الْأَحْوَص قَالَ يمدح عبد الْعَزِيز بن مَرْوَان (أَقُول بعمان وَهل طربى بِهِ ... إِلَى أهل سلع إِن تشوفت نَافِع) (أصاح ألم تحزنك ريح مَرِيضَة ... وبرق تلالا بالعقيقين رَافع)

(فَإِن الْغَرِيب الدَّار مِمَّا يشوقه ... نسيم الرِّيَاح والبروق اللوامع) (نظرت على فَوت وأوفى عَشِيَّة ... بِنَا منظر من حصن عمان يافع) (وللعين أسراب تفيض كَأَنَّمَا ... تعل بكحل الصاب مِنْهَا المدامع) (لَأبْصر أَحيَاء بخاخ تَضَمَّنت ... مَنَازِلهمْ مِنْهَا التلاع الدوافع)

(فأبدت كثيرا نظرتى من صبابتى ... وَأكْثر مِنْهَا مَا تجن الأضالع) (وَكَيف اشتياق الْمَرْء يبكى صبَابَة ... إِلَى من نأى عَن دَاره وَهُوَ طائع) (لعمر ابْنة الزيدى إِن ادكارها ... على كل حَال للفؤاد لرائع) (وإنى لذكراها على كل حَالَة ... من الْغَوْر أَو جلس الْبِلَاد لنازع) (لقد كنت أبكى والنوى مطمئنة ... بناوبكم من علم مَا الْبَين صانع) (وَقد ثبتَتْ فى الصَّدْر مِنْهَا مَوَدَّة ... كَمَا ثبتَتْ فى الراحتين الْأَصَابِع) (أهم لأنسى ذكرهَا فيشوقنى ... رفاق إِلَى أهل الْحجاز نوازع)

(وَإِنَّا عدانا عَن بِلَاد نحبها ... إِمَام دَعَانَا نَفعه المتتابع) (أغر لمروان وليلى كَأَنَّهُ ... حسام جلت عَنهُ الصياقل قَاطع) (هُوَ الْفَرْع من عبدى منَاف كليهمَا ... إِلَيْهِ انْتَهَت أحسابها والدسائع) (فَكل غنى قَانِع بفعاله ... وكل عَزِيز عِنْده متواضع)

(هُوَ الْمَوْت أَحْيَانًا يكون وَإنَّهُ ... لغيث حَيا يحيى بِهِ النَّاس وَاسع) 831 - وَهُوَ الذى يَقُول (إنى إِذا جهل اللئام رأيتنى ... كَالشَّمْسِ لَا تخفى بِكُل مَكَان) (مَا من مُصِيبَة نكبة أمنى بهَا ... إِلَّا تشرفنى وترفع شانى) (فتزول حِين تَزُول عَن متخمط ... تخشى بوادره على الأقران) 832 - وحدثنى أَبى سَلام بن عبيد الله قَالَ بلغنى أَن مسلمة بن عبد الْملك قَالَ ليزِيد بن عبد الْملك يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ ببابك وُفُود النَّاس وتقف ببابك أَشْرَاف الْعَرَب فَلَا تجْلِس لَهُم وَأَنت قريب عهد بعمر بن عبد الْعَزِيز وَقد أَقبلت على هَؤُلَاءِ الْإِمَاء قَالَ أَرْجُو أَن لَا تعاتبنى على هَذَا بعد الْيَوْم فَلَمَّا خرج مسلمة من عِنْده اسْتلْقى على فرَاشه وَجَاءَت حبابة جَارِيَته فَلم يكلمها فَقَالَت مَا دهاك عَنى

فَأَخْبرهَا بِمَا قَالَ مسلمة وَقَالَ تنحى عَنى حَتَّى أفرغ للنَّاس قَالَت فأمتعنى مِنْك مَجْلِسا وَاحِدًا ثمَّ اصْنَع مَا بدا لَك قَالَ نعم فَقَالَت لمعبد كَيفَ الْحِيلَة قَالَ يَقُول الْأَحْوَص أبياتا وتغنى فِيهَا قَالَت نعم فَقَالَ الْأَحْوَص (أَلا لَا تلمه الْيَوْم أَن يتبلدا ... فقد غلب المحزون أَن يتجلدا) (إِذا كنت عزهاة عَن اللَّهْو وَالصبَا ... فَكُن حجرا من يَابِس الصخر جلمدا) (فَمَا الْعَيْش إِلَّا مَا تلذ وتشتهى ... وَإِن لَام فِيهِ ذُو الشنان وفندا) فغنى فِيهِ معبد وَقَالَ مَرَرْت البارحة بدير نَصَارَى وهم يقرأون بِصَوْت شج فحكيته فى هَذَا الصَّوْت فَلَمَّا غنته حبابة هَذَا الصَّوْت قَالَ لعن الله مسلمة صدقت وَالله لَا أطيعهم أبدا

833 - وَمن قَوْله أَيْضا (أَمن آل سلمى الطارق المتأوب ... ألم وبيش دون سلمى وكبكب) (فكدت اشتياقا إِذْ ألم خيالها ... أبوح ويبدو من هواى المغيب) (وَيَوْما بِذِي بيش ظللت تشوقا ... لعينيك أسراب من الدمع تسكب) (أتيحت لنا إِحْدَى كلاب بن عَامر ... وَقد يقدر الْحِين الْبعيد ويجلب) (بِأَرْض نأى عَنْهَا الصّديق وغالني ... بهَا منزل عَن طية الْحَيّ أجنب)

(وَمَا هربت من حَاجَة نزلت بهَا ... وَلكنهَا من خشيَة الْجَزْم تهرب) (أَقَامَت ببيش فِي ظلال ونعمة ... لَهَا قيم يخْشَى الجرائر مذنب) (غَرِيب نأى عَن أرضه وسمائه ... ليحيى وَطول) 834 - أخبرنَا أَبُو غَانِم قَالَ أخبرنَا أَبُو خَليفَة قَالَ حَدثنِي مُحَمَّد ابْن سَلام قَالَ حَدثنِي مُحَمَّد بن أبان أَن الْأَحْوَص بن مُحَمَّد الشَّاعِر كَانَ يهوى أُخْت امْرَأَته ويكتم ذَلِك وينسب بهَا وَلَا يفصح باسمها فَتَزَوجهَا مطر فَبَلغهُ الْأَمر فَأَنْشَأَ يَقُول

(أأن نَادَى هديلا ذَات فلج ... مَعَ الْإِشْرَاق فِي فنن حمام) (ظللت كَأَن دمعك در سلك ... هوى نسقا وأسلمه النظام) (تَمُوت تشوقا طَربا وتحيي ... وَأَنت جو بدائك مستهام) (كَأَنَّك من تذكر أم حَفْص ... وحبل وصالها خلق رمام) (صريع مدامة غلبت عَلَيْهِ ... تَمُوت لَهَا المفاصل وَالْعِظَام) (وأنى من دِيَارك أم حَفْص ... سقى بَلَدا تحل بِهِ الْغَمَام) (أحل النعف من أحد وَأدنى ... مساكنها الشبيكة أَو سَنَام) (سَلام الله يَا مطر عَلَيْهَا ... وَلَيْسَ عَلَيْك يَا مطر السَّلَام)

(وَلَا غفر الْإِلَه لمنكحيها ... ذنوبهم وَإِن صلوا وصاموا) (كَأَن المالكين نِكَاح سلمى ... غَدَاة يرومها مطر نيام) (فَإِن يكن النِّكَاح أحل شَيْئا ... فَإِن نِكَاحهَا مطر حرَام) (فَلَو لم ينكحوا إِلَّا كفيا ... لَكَانَ كفيها ملك همام) (فَطلقهَا فلست لَهَا بِأَهْل ... وَإِلَّا عض مفرقك الحسام) 835 - أَخْبرنِي أَبُو خَليفَة عَن مُحَمَّد بن سَلام عَن سَالم بن أبي السمحاء وَكَانَ صَاحب حَمَّاد الراوية أَن حمادا كَانَ يقدم الْأَحْوَص فِي النسيب

836 - الثَّالِث جميل بن معمر فَحَدثني أَبُو الغراف عَن الأخيل ابْن أبي الأخيل قَالَ حَدثنِي أدهم التَّمِيمِي قَالَ لَقِيَنِي كثير عزة فَقَالَ لَقِيَنِي جميل بن معمر فِي هَذَا الْموضع الَّذِي لقيتك فِيهِ فَقَالَ من أَيْن أَقبلت قلت من عِنْد أبي الحبيبة أَعنِي أَبَا بثينة ثمَّ قَالَ لي وَإِلَى أَيْن تُرِيدُ قلت إِلَى الحبيبة أَعنِي عزة قَالَ لابد من أَن ترجع عودك على بدئك فتستجد لي موعدا قلت فَإِن عهدى بأبيها السَّاعَة وَأَنا أستحى قَالَ لابد من ذَلِك قلت فَمَتَى عَهْدك بهم قَالَ بالدوم وهم يرحضون ثِيَابهمْ فَأتيت أَبَاهَا قَالَ ماردك يَا ابْن أخي قلت أَبْيَات عرضت أَحْبَبْت أَن أعرضها عَلَيْك قَالَ هَات فَأَنْشَدته (فَقلت لَهَا يَا عزأرسل صَاحِبي ... على نأي دَار وَالْمُوكل مُرْسل) (بِأَن تجعلي بيني وَبَيْنك موعدا ... وَأَن تَأْمُرِينِي مَا الَّذِي فِيهِ أفعل) (وَآخر عهد مِنْك يَوْم لقيتني ... بِأَسْفَل وَادي الدوم وَالثَّوْب يغسل)

فَضربت بثينة جَانب الخدر وَقَالَت اخْسَأْ اخْسَأْ قَالَ أَبوهَا مَهيم يَا بثينة قَالَت كلب يأتينا إِذا نوم النَّاس من وَرَاء الرابية قَالَ فَأَتَيْته فَأَخْبَرته أَنَّهَا قد وعدته إِذا نوم النَّاس من وَرَاء الرابية 837 - وَمن قَوْله (مَا من قرينَة آلف لقرينه ... إِلَّا لحبل قرينها إقْصَار) (وَإِذا أردْت وَلَا يخونك كاتم ... حَتَّى يشيع حَدِيثك الْإِظْهَار) (كتمان سرك يَا بثين وَإِنَّمَا ... عِنْد الْأمين تغيب الْأَسْرَار) 838 - وَمن قَوْله (ويحسب نسوان من الْحَيّ أنني ... إِذا جِئْت إياهن كنت أُرِيد) (فأقسم طرفِي بَينهُنَّ فيستوي ... وَفِي الصَّدْر بون بَينهُنَّ بعيد)

(أَلا لَيْت شعري هَل أبيتن لَيْلَة ... بوادي الْقرى إِنِّي إِذا لسَعِيد) (وَهل ألقين سعدى من الدَّهْر مرّة ... وَمَا مر من عصر الشَّبَاب جَدِيد) (وَمن يُعْط فِي الدُّنْيَا قرينا كمثلها ... فَذَلِك فِي عَيْش الْحَيَاة رشيد) (يَمُوت الْهوى منى إِذا مَا لقيتها ... وَيحيى إِذا فارقتها فَيَعُود) 839 - وَمن قَوْله (وَكُنَّا إِذا مَا معشر جحفوا بِنَا ... وَمَرَّتْ جواري طيرهم وتعيفوا) (وَضعنَا لَهُم صَاع الْقصاص رهينة ... وسوف نوفيها إِذا النَّاس طَفَّفُوا)

(ترى النَّاس ماسرنا يَسِيرُونَ خلفنا ... وَإِن نَحن أومأنا إِلَى النَّاس وقفُوا) فَشد الفرزدق على هَذَا الْبَيْت وَقَالَ أَنا أَحَق بِهِ وَقَالَ لَا تعد فِيهِ فَلم يكترث لَهُ (بَرَزْنَا وأصحرنا لكل قَبيلَة ... بأسيافنا إِذْ يُؤْكَل المتضعف) (فَأَي معد كَانَ فىء رماحه ... كَمَا قد أفأنا والمفاخر منصف) (وَنحن منعنَا يَوْم أود ذمارنا ... وَيَوْم أخي والأسنة ترعف)

(وَنحن حمينا يَوْم مَكَّة بالقنا ... قصيا وأطراف القنا تتقصف) (فحطنالهم أكناف مَكَّة بَعْدَمَا ... أرادات بهَا ماقد أبي الله خندف) 840 - وَقَالَ يمدح عبد الْعَزِيز بن مَرْوَان (إِلَى القرم الَّذِي فَاتَت يَدَاهُ ... بِفعل الْعرف سطوة من ينيل)

(إِذا مَا أغلي الْحَمد اشْتَرَاهُ ... فَمَا إِن يستقيل وَلَا يقيل) (أَمِين الصَّدْر يحفظ مَا تولى ... بِمَا يَكْفِي القوى بِهِ النَّبِيل) (أَبَا مَرْوَان أَنْت فَتى قُرَيْش ... وكهلهم إِذا عد الكهول) (توليه الْعَشِيرَة مَا عناها ... فَلَا ضيق الذِّرَاع وَلَا بخيل) (إِلَيْك تُشِير أَيْديهم إِذا مَا ... رَضوا أَو غالهم أَمر جليل) (كلا يوميه بِالْمَعْرُوفِ طلق ... وكل فعاله حسن جميل) (نما بك فِي الذؤابة من قُرَيْش ... بناة الْمجد والعز الأثيل)

(أروم ثَابت يَهْتَز فِيهِ ... بأكرم منبت فرع طَوِيل) 841 - وَالرَّابِع نصيب مولى عبد الْعَزِيز بن مَرْوَان فَحَدثني أَبُو الغراف قَالَ مر جرير بِنَصِيب وَهُوَ ينشد فَقَالَ لَهُ اذْهَبْ فَأَنت أشعر أهل جلدتك وَكَانَ نصيب أسود فَقَالَ وجلدتك يَا أَبَا حزرة 842 - وحَدثني أَبُو الْيَقظَان قَالَ حَدثنِي جوَيْرِية بن أَسمَاء قَالَ قلت لنصيب مولى عبد الْعَزِيز يَا أَبَا محجن من أشعر النَّاس قَالَ أَخُو بني تَمِيم قلت ثمَّ من قَالَ أَنا فَقلت ثمَّ من قَالَ ابْن يسَار فَلَقِيت إِسْمَاعِيل بن يسَار فَقلت من أشعر النَّاس قَالَ أَخُو

بني تَمِيم قلت ثمَّ من قَالَ أَنا قلت ثمَّ من قَالَ نصيب قلت إنَّكُمَا لتقارضان الثَّنَاء قَالَ وَمَا ذَاك قلت لقِيت نَصِيبا فَقَالَ فِيك مَا قلت فِيهِ قَالَ إِنَّه لشاعر وَالله كريم وَلَا أَظُنهُ إِلَّا بَدَأَ بِابْن يسَار قبل نصيب 843 - فَمن قَوْله (حريب أصَاب المَال من بعد ثروة ... لَدَيْهِ فأضحى وَهُوَ أسوان معدم) (فَإِن تَكُ ليلى العامرية أَصبَحت ... على النأى منى غير ذنبى تنقم) (فَمَا ذَاك من ذَنْب أكون اجتنيته ... إِلَيْهَا فتجريني بِهِ حَيْثُ أعلم)

(وَلَكِن إنْسَانا إِذا مل صاحبا ... وحاول صرما لم يزل يتجرم) 844 - وَقَالَ أَيْضا (وَكَيف يقودني كلف بسعدى ... وَهَذَا الشيب أصبح قد علاني) (وودعني الشَّبَاب وَكنت أسعى ... إِلَى دَاعِي الشَّبَاب إِذا دَعَاني) (فَإِن يفن الشَّبَاب فَكل شىء ... من الدُّنْيَا فَلَا يغررك فَانِي) (وَلَو إِنِّي بقيت لمسى ليل ... وصبح نَهَاره يتداولاني) (صَحِيحا لَا أُلَاقِي الْمَوْت حَتَّى ... أدب على الْقَنَاة لأبلياني)

845 - وَقَالَ يذكر الحكم بن أبي بكر بن عبد الْعَزِيز (فِي قرى مجد وجدت لَهُ ... فراط مكرمَة كَانُوا لنا قدما) (ملك تقود النَّاس كلهم ... قَود الجنائب خضعا تتبع الخزما) (بلادا أَن يصاب بِهِ ... حق وَإِن نسبوا فالقوم من كرما) (ستعمل الأنضاء دائبة ... فِي الْخرق لابسة أعلامها قتما) (قن مروق النبل من علم ... مرت أخذن بِنَا من بعده علما) (أتتك بِنَا خوصا مُقَدّمَة ... قد باشرت بعد غرب الْجدّة الخدما) 846 - وَمن قَوْله أَيْضا (الصِّبَا وَالرَّأْس قد ظَهرت بِهِ ... روائع شيب هزعته عواسله) (الشَّبَاب فَإِنَّهُ ... أَخ لَك إِن طَالَتْ حياتك عاذله) (ثوبيه الجديدين بَعْدَمَا ... لبستهما حينا وعادت مباذله)

الطبقة السابعة

الطَّبَقَة السَّابِعَة من الإسلاميين أَرْبَعَة رَهْط 848 - المتَوَكل اللَّيْثِيّ ويكنى أَبَا جهمة وَهُوَ المتَوَكل بن عبد الله بن نهشل بن وهب بن عَمْرو بن لَقِيط بن يعمر بن عَوْف بن عَامر ابْن لَيْث بن بكر بن عبد مَنَاة بن كنَانَة وَكَانَ كوفيا وَكَانَ فِي عصر مُعَاوِيَة 849 - وَالثَّانِي يزِيد بن ربيعَة بن مفرغ بن مُصعب الْحِمْيَرِي 850 - وَالثَّالِث زِيَاد الْأَعْجَم وَهُوَ زِيَاد بن سليم الْعَبْدي 851 - وَالرَّابِع عدي بن الرّقاع وَهُوَ عدي بن زيد بن مَالك بن عدي بن الرّقاع بن عصر بن عدَّة بن شعل بن مُعَاوِيَة بن قاسط بن عميرَة ابْن زيد بن الحاف بن قضاعة

852 - فَحَدثني أبي سَلام عَمَّن حَدثهُ قَالَ كَانَت رهيم امْرَأَة المتَوَكل أقعدت فَسَأَلته الطَّلَاق فَقَالَ لَيْسَ ذَا حِين طَلَاق فَأَبت عَلَيْهِ فَطلقهَا فبرأت بعد الطَّلَاق فَقَالَ يذكرهَا (قفي قبل التَّفَرُّق يَا أماما ... وردي قبل بَيْنكُم السلاما) (سعى الواشون حَتَّى أزعجوها ... ورث الْحَبل فانجذم انجذاما) (فلست بزائل مادمت حَيا ... مسرا من تذكرها هياما) (ترجيها وَقد شحطت نَوَاهَا ... ومنتك المنى عَاما فعاما) (خدلجة لَهَا كفل وبوص ... ينوء بهَا إِذا قَامَت قيَاما)

(صليني واعرفي أَنِّي كريم ... وَأَن حلاوتي خلطت سماما) (وَأَنِّي ذُو مُحَافظَة صَلِيب ... خلقت لمن يضارسني لجاما) (فَلَا وَأَبِيك لَا أنساك حَتَّى ... تجاور هامتي فِي الْقَبْر هاما) 853 - وَمن قَوْله أَيْضا (أرعى الْأَمَانَة للأمين بِحَقِّهَا ... فيبين عَفا سره مَكْتُوم) (وَأَشد للْمولى المدفع رُكْنه ... شفقا من التَّعْجِيز وَهُوَ مليم) (ينأى بجانبه إِذا لم يفْتَقر ... وعَلى للخصم الألد خصيم)

(إِن الأذلة واللئام معاشر ... مَوْلَاهُم المتهضم الْمَظْلُوم) (وَإِذا أهنت أَخَاك أَو أفردته ... عمدا فَأَنت الواهن المذموم) (لَا تتبع سبل السفاهة والخنا ... إِن السَّفِيه معنف مشتوم) (وأقم لمن صافيت وَجها وَاحِدًا ... وخليقة إِن الْكَرِيم قؤوم) (لاتنه عَن خلق وَتَأْتِي مثله ... عَار عَلَيْك إِذا فعلت عَظِيم) (وَإِذا رَأَيْت الْمَرْء يقفو نَفسه ... وَالْمُحصنَات فَمَا لذاك حَرِيم) (ومعيري بالفقر قلت لَهُ اقتصد ... إِنِّي أمامك فِي الْأَنَام قديم) (قد يكثر النكس المقصر همه ... ويقل مَال الْمَرْء وَهُوَ كريم) 854 - قَالَ كَانَ رجل من بني جشم يُقَال لَهُ الْهُذيْل بن حَيَّة صديقا لأبي المتَوَكل ثمَّ جفاه قَلِيلا فَقَالَ المتَوَكل

(أَلا أبلغ أَبَا قيس رَسُولا ... فَإِنِّي لم أخنك وَلم تخني) (وَلَكِنِّي طويت الكشح لما ... رَأَيْتُك قد طويت الكشح عني) (وَكنت إِذا الْخَلِيل أَرَادَ صرمي ... قلبت لصرمه ظهر الْمِجَن) (كَذَاك قضيت للخلان إِنِّي ... أدين عَلَيْهِم وأدين مني) (وَلست بآمن أبدا خَلِيلًا ... على شَيْء إِذا لم يأتمني) 855 - وَقَالَ (وَلَقَد علمت لَو ان علمي نَافِع ... وأتاك مَا يتحدث الْأَكفاء) (الَّذين حصونهم ... زرق الأسنة والحصون فضاء) (إِنَّا أنَاس تستنير جدودنا ... وَيَمُوت أَقوام وهم أَحيَاء) (ول المجتنى ... ودعائم الْإِسْلَام والنجباء)

(اخ سوابقا ... زرق القتير كأنهن نهاء) (معتفيهم مرْحَبًا ... مَعَ ذَاك فيهم قُوَّة ووفاء) (على الْمُضَاف إِذا دَعَا ... حَتَّى ينفس والرماح رواء) (بيض كَأَن شعاعها ... تَحت الْعَجَاجَة بالأكف ضِيَاء) (قد يعلم الأقوام غير تنْحَل ... أَنا نُجُوم فَوْقهم وسماء) 856 - وَالثَّانِي يزِيد بن مفرغ الْحِمْيَرِي فَحَدثني يُونُس ابْن حبيب أَن يزِيد بن ربيعَة بن مفرغ كَانَ رجلا من أهل يحصب وَكَانَ عديدا لبني أسيد بن أبي الْعيص بن أُميَّة من أهل الْبَصْرَة وَكَانَ رجلا شريرا هجاء للنَّاس فصحب عباد بن زِيَاد وَعباد يَوْمئِذٍ على سجستان عَامل عبيد الله بن زِيَاد وَعبيد الله يَوْمئِذٍ على الْبَصْرَة دون الْكُوفَة وَذَلِكَ فِي خلَافَة مُعَاوِيَة بن أبي سُفْيَان فهجا ابْن مفرغ عبادا فَبَلغهُ ذَلِك وَكَانَ على ابْن مفرغ دين فَأمر عباد الديَّان

فَاسْتَعدوا عَلَيْهِ فَبيع مَاله فِي دينه فَقضى الديَّان وَكَانَ فِيمَا بيع غُلَام يُقَال لَهُ برد وَجَارِيَة يُقَال لَهَا أراكة فَقَالَ ابْن مفرغ (أقفرت من آل ليلى الهضاب ... وَعفى بعد الأنيس الجناب) (منزل منا وَمن آل ليلى ... إِذْ خيام دَارهم وقباب) (داركم دَار لنا إِن سلمنَا ... وانقضى الْغَزْو وحان الإياب) (أَيهَا الشاتم جهلا سعيدا ... وَسَعِيد فِي الْحَوَادِث نَاب) (مَا أبوكم مشبها لِأَبِيهِ ... سائلوا النَّاس بذاكم تجابوا) (سَاد عباد وَملك جندا ... سبحت من ذَاك صم صلاب) (إِن دهرا كنت فِيهِ أَمِيرا ... تخْطب النَّاس لدهر عُجاب)

وَسَعِيد هَذَا الَّذِي ذكره فِي شعره سعيد بن عُثْمَان بن عَفَّان وَكَانَ عَاملا لمعاوية على خُرَاسَان وَكَانَ دَعَا يزِيد بن مفرغ أَن يَصْحَبهُ فَأبى عَلَيْهِ وَصَحب عباد بن زِيَاد 857 - وَقَالَ ابْن مفرغ أَيْضا لعباد بن زِيَاد (أصرمت حبلك من أَمَامه ... من بعد أَيَّام برامه) (لهفي على الرَّأْي الَّذِي ... كَانَت عواقبه ندامه) (تركي سعيدا ذَا الندى ... وَالْبَيْت ترفعه الدعامه) (وتبعت عبد بني علاج ... تِلْكَ أَشْرَاط القيامه)

(جَاءَت بِهِ حبشية ... سكاء تحسبها نعامه) (من نسْوَة سود الْوُجُوه ... ترى عَلَيْهِنَّ الندامه) (وشريت بردا لَيْتَني ... من بعد برد كنت هامه) (هَامة تَدْعُو صدى ... بَين المشقر واليمامه) (العَبْد يقرع بالعصا ... وَالْحر تكفيه الملامه) (وَالرِّيح تبكى شجوها ... والبرق يلمع فِي الغمامه) (ورمقتها فَوَجَدتهَا ... كالضلع لَيْسَ لَهُ استقامه)

858 - ثمَّ أقبل ابْن مفرغ حَتَّى قدم الْبَصْرَة وَكَانَ عبيد الله وافدا على مُعَاوِيَة فَعرف ابْن مفرغ الذى أثر فِي بني زِيَاد فَأتي الْأَحْنَف ابْن قيس التَّمِيمِي فَقَالَ أجرني من بني زِيَاد فَقَالَ لَا أجِير عَلَيْهِم وَلَكِنِّي أكفيك شعراء بني تَمِيم أَن يهجوك فَقَالَ أما هَذَا فَلَا أُرِيد أَن تكفينيه فَأتى أُميَّة بن عبد الله بن خَالِد بن أسيد فَقَالَ لَهُ أجرني فوعده وأتى عمر بن عبيد الله بن معمر وأتى طَلْحَة الطلحات فوعده وأتى الْمُنْذر بن الْجَارُود فأجاره وَبلغ عبيد الله الَّذِي كَانَ من هجاء ابْن مفرغ عبادا وَهُوَ عِنْد مُعَاوِيَة فَقَالَ إِن ابْن مفرغ قد هجانا فَأذن لي فِي قَتله قَالَ أما قَتله فَلَا وَلَكِن مادون الْقَتْل فَلَمَّا قدم عبيد الله الْبَصْرَة لم يكن لَهُ همة إِلَّا ابْن مفرغ فَسَأَلَ عَنهُ فَقيل أجاره ابْن الْجَارُود وَهُوَ فِي دَاره فَأرْسل إِلَى الْمُنْذر فَأَتَاهُ فَلَمَّا دخل عَلَيْهِ أرسل عبيد الله الشَّرْط إِلَى دَار الْمُنْذر فَأخذُوا ابْن مفرغ فَأتوا بِهِ عبيد الله بن زِيَاد فَلم يشْعر الْمُنْذر حَتَّى رَآهُ وَاقِفًا عَلَيْهِ وعَلى

عبيد الله فَقَامَ إِلَى عبيد الله فَكَلمهُ فِيهِ فَقَالَ أجرته فَقَالَ عبيد الله يَا مُنْذر ليمدحن أَبَاك وليهجون أبي وليمدحنك وليهجوني ثمَّ أرْضى بذلك قَالَ فَخرج الْمُنْذر من الدَّار وَحبس ابْن مفرغ وَأسلم إِلَى الحجامين ليعلموه الْحجامَة فَهُوَ الَّذِي يَقُول (وَمَا كنت حجاما وَلَكِن أحلني ... بِمَنْزِلَة الْحجام نأيى عَن الْأَهْل) 859 - وَقَالَ يهجو الَّذين أجاروه ثمَّ خفروا (غدرت جذيمة غدرة مَذْكُورَة ... طوق الْحَمَامَة يعْرفُونَ بهاضحى) (سَائل بني الْجَارُود أَيْن نَزِيلهُمْ ... أغدا مَعَ الغادين يَوْمًا أَو ثوى) (لَا يبعد الْجَار الَّذِي أسلمتموا ... زين الْمجَالِس والفتى كل الْفَتى) (لعن الثَّلَاثَة مُنْذر وَابْن استها ... وطليحة الداعى جهارا للردى) (وَأُميَّة الْكذَّاب قَالَ مقَالَة ... كَانَت مني مِنْهُ وَمَا تغني المنى)

860 - وَقَالَ أَيْضا (تركت قُريْشًا أَن أجاور فيهم ... وجاورت عبد الْقَيْس أهل المشقر) (أنَاس أجاروبي فَكَانَ جوارهم ... أعاصير من فسو الْعرَاق المبذر) (فَأصْبح جاري من جذيمة نَائِما ... وَلَا يمْنَع الْجِيرَان غير المشمر) 861 - وَقَالَ فِي عبيد الله بن زِيَاد (إِن العبيد وَمَا أدَّت طروقته ... لأعبد من زوان لَا يصلونا) (بزند ورد خُذُوا مِنْهَا مساحيكم ... واستبدلوا بالمآزير التبا بَينا)

(انتم قُرَيْش لَئِن لم تخب نَاركُمْ ... موتوا فَإِن قُريْشًا قد يموتونا) (قد يقتل الْمَرْء لم يسلم حليلته ... وَلم يقل لابنتيه استعرضا البينا) (وَلم يذر أمه فِي الدَّار والهة ... قد استجار لَهَا إِذْ هم يجارونا) 862 - وَالثَّالِث زِيَاد الْأَعْجَم وَكَانَ زِيَاد رجلا هجاء قَلِيل الْمَدْح للملوك والوفادة إِلَيْهِم وَلم تكن لَهُ همة تَدعُوهُ وَكَانَت همته ومركزه بخراسان وَمَا يَليهَا وَكَانَ أَكثر نُزُوله بإصطخر من أَرض فَارس وَكَانَ يهاجي كَعْبًا الشقري شقرة بني تَمِيم وَكَانَ صَاحب بديهة وقدرة فِي الشّعْر 863 - فَحَدثني أَبُو الغراف أَن خَالِد بن عبد الله الْقَسرِي قَالَ

للأقيشر التَّمِيمِي أَي النَّاس أسْرع بديها قَالَ أَنا أصلحك الله قَالَ فَأَيْنَ زِيَاد الْأَعْجَم قَالَ وَالله لَوَدِدْت أَنه بينى وَبَيْنك فَكتب خَالِد إِلَى أَسد بن عبد الله وَزِيَاد عِنْده بخراسان أَن وَجهه إِلَيّ فَلَمَّا قدم جمع بَينهمَا فَقَالَ يَا أَبَا امامة زعم هَذَا أَنه أسْرع بديها مِنْك قَالَ إِن شَاءَ فليبدأ وَإِن شَاءَ بدأت فَقَالَ هَات يَا أَبَا أُمَامَة فَأَطْرَقَ غير طَوِيل ثمَّ أنشأ يَقُول (ألم تَرَ أنني وترت قوسي ... لأبقع من كلاب بني تَمِيم) (عوى فرميته بسهام موت ... يصبن عوادى الْكَلْب اللَّئِيم)

(وَكنت إِذا غمزت قناة قوم ... كسرت كعوبها أَو تستقيم) ثمَّ قَالَ هَات يَا أقيشر فَأَطْرَقَ طَويلا ثمَّ قَالَ خنقت فَأعْطى زيادا وحباه 864 - وَقَالَ زِيَاد (وَمَا ترك الهاجون لي إِن هجوته ... مصحا أرَاهُ فِي أَدِيم الفرزدق)

(وَلَا تركُوا لَحْمًا يرى فَوق عظمه ... لآكله أبقوه للمتعرق) (سأكسر مَا لَهُ أَبقوا من عِظَامه ... وانكت مخ السَّاق مِنْهُ فأنتقى) (وَإِنَّا وَمَا تهدى لنا إِن هجوتنا ... لَك الْبَحْر مهما يلق فِي الْبَحْر يغرق) 865 - قَالَ وحَدثني أبي سَلام قَالَ حَدثنَا بعض أَصْحَابنَا أَن زيادا أَتَى عبد الله بن الحشرج الجعدى وَهُوَ على قهستان فَأَجَازَهُ بِثَلَاثِينَ ألفا فَقيل لَهُ ترحل فَإِنَّهُ إِن احْتَاجَ إِلَيْهَا أَخذهَا وَقَالُوا لَهُ إِنَّه قد كَانَ يعْطى الرجل فَإِذا نابته نائبة أَخذ مَا أعطَاهُ فَإِذا أَتَاهُ مَال رد عَلَيْهِ فَخرج زِيَاد وَلم يسلم عَلَيْهِ فَفَقدهُ وَسَأَلَ عَنهُ فَقَالَ مَا فعل زِيَاد فَقَالُوا خرج فَأرْسل غُلَاما لَهُ بِفَرْوٍ فَقَالَ الْحَقْهُ فَقل لَهُ البس هَذَا الفرو لَا تقر فَلحقه الْغُلَام فَدفعهُ إِلَيْهِ فَقَالَ زِيَاد (نبأتنى أَن عبد الله منتزع ... منى عطاياه لكاع بن لكاع)

(كذبت لم تغذه سَوْدَاء مقرفة ... بشر ثدى كأنف الْكَلْب دماع) (إِلَّا بألبان حور كالدمى شمس ... من عَامر ونمته بَين أفراع) 866 - وَقَالَ يهجو بنى يشْكر (ألم تَرَ أَن اللؤم حل عماده ... على يشْكر الْحمر الْقصار السوالف) (إِذا مَا رَأَيْت الْخَزّ فَوق ظُهُورهمْ ... عرفت نجار اللؤم تَحت المطارف)

867 - وَقَالَ يهجو جرما (تكلفنى سويق الْكَرم جرم ... وَمَا جرم وَمَا ذَاك السويق) (فَمَا شربوه إِذْ كَانَت حَلَالا ... وَلَا غالوا بهَا فى يَوْم سوق) (فَأولى ثمَّ أولى ثمَّ أولى ... ثَلَاثًا يَا ابْن جرم أَن تذوقى) (وَلما نزل التَّحْرِيم فِيهَا ... إِذا الجرمى عَنْهَا لَا يفِيق) 868 - وَقَالَ أَيْضا (إنى لأكرم نفسى أَن أكلفها ... هجاء جرم وَمَا يهجوهم أحد)

(مَاذَا يَقُول لَهُم من كَانَ هاجيهم ... لَا يبلغ النَّاس مَا فيهم وَلَو جهدوا) 869 - وَقَالَ الْأَعْجَم يهجو بنى يشْكر (لَو أَن بكرا براه الله رَاحِلَة ... لَكَانَ يشْكر مِنْهَا مَوضِع الذَّنب) (لبسوا إِلَيْهِ وَلَكِن يعلقون بِهِ ... كَمَا تعلق راقى النّخل بالكرب) 870 - الرَّابِع عدى بن الرّقاع العاملى فحدثنى أَبُو الغراف قَالَ لما أَتَت الْخلَافَة سُلَيْمَان بن عبد الْملك أَتَتْهُ وَهُوَ بالسبع فَكتب إِلَى عَامله أَن ابْعَثْ إِلَى عدى بن الرّقاع فِي وثاق مَعَ ثِقَة فوجهه إِلَيْهِ فَلَمَّا دخل عَلَيْهِ قَالَ إِن كنت لكارها لخلافتى قَالَ وَكَيف ذَاك يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ قَالَ حِين تَقول فِي مدحه الْوَلِيد (عذنا بذى الْعَرْش أَن نبقى ونفقده ... أَو أَن نَكُون لراع بعده تبعا) قَالَ ابْن الرّقاع وَالله مَا هَكَذَا قلت يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ ولكنى قلت

(عذنا بذى الْعَرْش أَن نبقى ونفقدهم ... أَو أَن نَكُون لراع بعدهمْ تبعاأ) قَالَ وَكَذَلِكَ قلت قَالَ نعم قَالَ فكوا حديده وردوه على مركبه إِلَى أَهله وَإِنَّمَا كَانَ خص بِتِلْكَ المدحة الْوَلِيد 871 - وحدثنى أَبى سَلام قَالَ قَامَ روح بن زنباع الجذامى يَوْم الْجُمُعَة إِلَى يزِيد بن مُعَاوِيَة حِين فصل بَين الْخطْبَتَيْنِ فَقَالَ يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ ألحقنا بإخوتنا فَإنَّا قوم معديون وَالله مَا نَحن من قصب وَلَا من غاف شجر الْيمن فألحقنا بإخوتنا فَقَالَ يزِيد إِن أجمع على ذَلِك قَوْمك فَنحْن جاعلوك حَيْثُ شِئْت فبلغت الدَّعْوَى عدى بن الرّقاع فَقَالَ (إِنَّا رَضِينَا وَإِن غَابَتْ جماعتنا ... مَا قَالَ سيدنَا روح بن زنباع)

(يرْعَى ثَمَانِينَ ألفا كَانَ مثلهم ... مِمَّا يُخَالف أَحْيَانًا على الراعى) فَبلغ ذَلِك ناتل بن قيس الجذامى فجَاء يرْكض حَتَّى دخل الْمَقْصُورَة فَقَالَ أَيْن جلس الْفَاجِر الْكَاذِب روح بن زنباع فأشاروا لَهُ إِلَى مَجْلِسه فانتظر يزِيد حَتَّى إِذا كَانَ عِنْد فصل خطبَته قَامَ فَقَالَ يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ بلغنى أَن روح بن زنباع قَامَ فَزعم أَنه من معد وَذَلِكَ مَالا نعرفه وَلَا نقر بِهِ وَلَكنَّا من قحطان يسعنا مَا وسع قحطان ويعجز عَنَّا مَا يعجز عَنْهُم فَبلغ ذَلِك ابْن الرّقاع فَقَالَ (لَو أَن أطعتك ياغرار كسوتنى ... فِي كل مجمعة ثِيَاب صغَار)

(أضلال ليل سَاقِط أكنافه ... فِي النَّاس أعذر أم ضلال نَهَار) (قحطان والدنا الذى ندعى لَهُ ... وَأَبُو خُزَيْمَة خندف بن نزار) (أنبيع والدنا الذى ندعى لَهُ ... بِأبي معاشر غَائِب متوارى) (تِلْكَ التِّجَارَة لَا نجيب لمثلهَا ... ذهب يُبَاع بآنك وأبار)

فَقَالُوا غيرت يَا ابْن الرّقاع فَقَالَ إِنَّه وَالله أعزهما سخطا يعْنى ناتلا 872 - وحدثنى يُونُس النحوى قَالَ استسقى ابْن الرّقاع بنى بَحر من بنى زُهَيْر بن جناب الكلبيين فَلم يسقوه وَهُوَ على مَاء لَهُم يُقَال لَهُ الدمعانة فورد على بنى تغلب مَاء يُقَال لَهُ خَالَة وَفِيه جفر يُقَال لَهُ القنينى فَكَانَت بَنو تغلب قد رعت فِيهِ فَوَقع قَعْب فِي القنينى فَزعم أَنه وجد فِي التُّرَاب الْقَعْب فاقتتلت فِي ذَلِك الجفر بَنو تغلب حَتَّى كَادَت تتفانى ثمَّ اصْطَلحُوا على أَن ملأوه حِجَارَة وقتادا واحتفروا حوله فموضع القنينى من خَالَة مَعْرُوف يُقَال لما حوله القنينيات فَقَالَ ابْن الرّقاع (غَابَتْ سراة بنى بَحر وَلَو شهدُوا ... يَوْمًا لأعطيت مَا أبغى وأطلب)

(لما دفعت إِلَى الماحوز قلت لَهُ ... هَل أَنْت مفتعل خيرا ومحتسب) (إِذا خطيب قضى منا مقَالَته ... ثنى بِأُخْرَى خطيب فاصل أرب) (حَتَّى وردنا القنينيات ضاحية ... فِي سَاعَة من نَهَار الصَّيف تلتهب) (فجاد بالبارد العذب الزلَال لنا ... مادام يمسك عودى دلونا الكرب) (من مَاء خَالَة جياش بجمته ... مِمَّا توارثه الأوحاد والعتب) العتب يُرِيد عتبَة بن سعد وعتاب بن سعد وعتبان ابْن سعد والأوحاد عَوْف وَكَعب ابْنا سعد من بنى تغلب

873 - وَقَالَ يمدح عبد الْملك بن مَرْوَان ويهجو مُصعب ابْن الزبير (لعمرى لقد أصحرت خَيْلنَا ... بِأَكْنَافِ دجلة للمصعب) (وَجَرت سنابكها بالعراق ... حَتَّى تَرَكْنَاهُ كالمشجب) (وردنا الْفُرَات وخابوره ... وَكَانَا هما ثِقَة المشرب) (على كل ريق ترى معلما ... يصرف كَالْجمَلِ الأجرب) (لضاحية الشَّمْس فِي رَأسه ... شُعَاع تلألأ كَالْكَوْكَبِ)

(إِذا مَا مُنَافِق أهل الْعرَاق ... عوتب ثمت لم يعتب) (دلفنا إِلَيْهِ بذى تدرأ ... قَلِيل التفقد للغيب) (يقومنا وَاضح وَجهه ... كريم الْمضَارب والمنصب) (أغر يضىء لنا نوره ... إِذا مَا انجلت غمرة الموكب) (تظل القنابل بكشونه ... رواقا من النَّقْع لم يطنب)

(أعين بِنَا وَنَصَرنَا بِهِ ... وَمن ينصر الله لَا يغلب) 874 - وَقَالَ أَيْضا (وَالْقَوْم أشباه وَبَين حلومهم ... بون كَذَاك تفاضل الْأَشْيَاء) (كالبرق مِنْهُ وابل متتابع ... جود وَآخر مَا يجود بِمَاء) (والدهر يفرق بَين كل جمَاعَة ... ويلف بَين تبَاعد وتنائى) (والمرء يُورث مجده أبناءه ... وَيَمُوت آخر وَهُوَ فِي الْأَحْيَاء) 875 - وَقَالَ أَيْضا (تزجى أغن كَأَن إبرة روقه ... قلم أصَاب من الدواة مدادها) (ركبت بِهِ من عالج متحيزا ... قفرا تربب وحشه أَوْلَادهَا)

(بمجر مرتجز الرواعد بعجت ... غر السَّحَاب بِهِ الثقال مزادها) (إبي إِذا مالم تصلني خلة ... وَتَبَاعَدَتْ عَنى اغتفرت بعادها) (وَإِذا الْقَرِينَة لم تزل فِي نجدة ... من ضغنها سئم القرين قيادها) (إِمَّا ترى شيبي تفشغ لمتى ... حَتَّى علا وضح يلوح سوادها) (فَلَقَد تبيت يَد الفتاة وسَادَة ... لى جاعلا إِحْدَى يدى وسادها)

الطبقة الثامنة

الطَّبَقَة الثَّامِنَة من الإسلاميين أَرْبَعَة رَهْط 876 - عقيل بن علفة المرى 877 - وبشامة بن الغدير المرى أحد بنى سهم بن مرّة 878 - وشبيب بن البرصاء واسْمه شبيب بن يزِيد بن جَمْرَة بن عَوْف بن أبي حَارِثَة بن مرّة بن نشبة وَأمه البرصاء بنت الْحَارِث بن عَوْف بن أبي حَارِثَة 879 - وقراد بن حَنش بن عمر بن عبد الله بن عبد الْعُزَّى بن صبيح بن سَلامَة بن الصَّادِر بن مرّة

880 - قَالَ فحدثنى أَبُو عُبَيْدَة أَن يزِيد بن عبد الْملك خطب إِلَى عقيل بن علفة ابْنَته وَقَالَ زوجنى فلست بواجد فِي قومى مثلى قَالَ عقيل بلَى وَالله لأجدن فِي قَوْمك مثلك وَمَا أَنْت بواجد فِي قومى مثلى فحبسه فَضرب عقيل كتف ابْنه وَقَالَ زوجه يَا بنى فَأَنت أَحَق بالأمة منى فَزَوجهُ أم عَمْرو بنت عقيل فَلَمَّا أهداها عقيل تمثل جثامة بن عقيل فَقَالَ (أيعذر لاهينا ويلحين فِي الصِّبَا ... وَهل هن والفتيان إلاشقائق) فَرَمَاهُ عقيل بِسَهْم وَقَالَ تمثل بِهَذَا عِنْد بناتى فَخرج جثامة مراغما لِأَبِيهِ فَأتى يزِيد بن عبد الْملك فَكتب عقيل إِلَى يزِيد إِنَّه أَتَاك أعق خلق الله وَكَانَ يزِيد قد أعطَاهُ وحباه فَأخذ ذَلِك مِنْهُ وحبسه 881 - وحدثنى أَبُو عُبَيْدَة قَالَ كَانَ علفة بن عقيل بن علفة

هوى امراة من قومه من بنى مَالك بن مرّة وهويته فَأَرَادَ أَن يَتَزَوَّجهَا فَخَطَبَهَا أَبوهُ فتزوجته فأقامت عِنْده حينا ثمَّ أَن قَومهَا ادعوا عَلَيْهِ طَلَاقا فهرب بهَا إِلَى الشأم فَقَالَ فِي ذَلِك علفة بن عقيل بن علفة (لعمرى لَئِن كَانَت سلافة بدلت ... من الرملة العفراء قفلا تزاو لَهُ) (ونوحا يغنيها دوين حمامة ... إِذا هى ضجت بزله وَجَوَاز لَهُ)

882 - قَالَ وَخرج عقيل وَمَعَهُ بنوه علفة وعملس وجثامة وَابْنَته الجرباء حَتَّى إِذا كَانُوا بِجنب دومة الجندل تغنى علفة بن عقيل فَقَالَ (قفى يَا ابْنة المري نَسْأَلك مَا الذى ... تريدين فِيمَا بَيْننَا إِنَّه سهل) (نخبرك إِن لم تنجزى الوأى أننا ... ذَوا خلة لم يبْق بَينهمَا وصل) (فَإِن شِئْت كَانَ الصرم ماهبت الصِّبَا ... وَإِن شِئْت لم يفن التكارم والبذل) (ونسألك ماتغنى عَن الْجَاهِل المنى ... وَهل يستقيدن الجنيب وَلَا حَبل) فَعدا عَلَيْهِ أَبوهُ بِالسَّيْفِ وَقَالَ ياعدو الله مَا هَذِه المرية واتهمه بامرأته وَقَالَ تشبب بأمك فَكَلمهُ أَخُوهُ فَحمل عَلَيْهِمَا ويرميه عملس بِسَهْم فِي فَخذه فصرعه فَقَالَ عقيل (إِن بنى رملونى بِالدَّمِ ... شنشنة أعرفهَا من أخزم)

(من يلق أحدان الرِّجَال يكلم ... ) 883 - وَقَالَ عقيل بن علفة يهجو بنى بدر بن عَمْرو (إِذا جَارة حلت على الهجم لم تَجِد ... كَرِيمًا وَلم تعدم لئيما يزورها) (ألم تَرَ بَدْرًا لَا تمانى دِمَاءَهُمْ ... دِمَاء وَلم يعْقد لِجَار مجيرها) (أتقصر عَن بَاعَ الْكِرَام أكفها ... وتبلغ أَنْصَاف المخازى أيورها) 884 - وحدثنى أَبُو عُبَيْدَة أَنه كَانَ لعقيل بن علفة نديم من بنى كلاب يُقَال لَهُ غثراء وَكَانَ عقيل يسمر عِنْد عبد الْملك فَأصَاب وَجه عقيل أثر فَترك إتْيَان عبد الْملك فَبعث إِلَيْهِ فَأَتَاهُ فَرَأى

مابوجهه فَقَالَ مَا هَذَا بِوَجْهِك قَالَ يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ لَا وَالله إِلَّا أننى اشْتهيت اللَّبن فَقُمْت إِلَى الْفُلَانِيَّة نَاقَة لَهُ لأحلبها فزبنتنى فَقَالَ عبد الْملك أشهدك غثراء قَالَ وَالله يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ لقد ذهبت مذهبا وظننت ظنا الله سَائِلك عَنهُ قَالَ أَنا أسئل عَنهُ أم من عمله يَا ضَب 885 - وحدثنى أَبُو عُبَيْدَة أَنه قيل لعقبل بن علفة وَالله مَا نرَاك تقْرَأ شَيْئا من كتاب الله قَالَ بلَى وَالله إنى لأقرأ قَالُوا فاقرأ فَقَالَ إِنَّا بعثنَا نوحًا وَقيل مَا قَالَ إِنَّا فرطنا نوحًا فَقَالُوا قد وَالله أَخْطَأت قَالَ فَكيف تَقولُونَ قَالُوا {إِنَّا أرسلنَا نوحًا} فَقَالَ أرسلنَا وبعثنا أشهدكم أَنكُمْ تعلمُونَ أَنَّهُمَا سَوَاء ثمَّ قَالَ (خذا صدر هرشى أَو قفاها فَإِنَّهُ ... كلا جانبى هرشى لَهُنَّ طَرِيق)

886 - وَقَالَ يرثى ابْنه علفة بن عقيل (لتمض المنايا حَيْثُ شئن فَإِنَّهَا ... محللة بعد الْفَتى ابْن عقيل) (فَتى كَانَ مَوْلَاهُ يحل بنجوة ... فَحل الموالى بعده بمسيل) 887 - وَكَانَ عقيل بن علفة زوج ابْنَته الجرباء يحيى بن الحكم ابْن أبي الْعَاصِ فَطلقهَا يحيى فَأقبل إِلَيْهَا عقيل وَمَعَهُ ابناه العملس وحزام فحملها فَقَالَ فِي ذَلِك (فضت وطرا من دير يحيى وطالما ... على عرض ناطحنه بالجماجم)

(فَأَصْبَحْنَ بالموماة ينقلن فتية ... نشاوى من الإدلاج ميل العمائم) ثمَّ قَالَ أجز يَا حزَام فأرتج عَلَيْهِ فَقَالَت الجرباء (كَأَن الْكرَى يسقيهم صرخدية ... عقارا تمشى فِي المطا والقوائم) فَقَالَ عقيل شربتها وَرب الْكَعْبَة ثمَّ شدّ عَلَيْهَا بِالسَّيْفِ فَطرح حزَام نَفسه عَلَيْهَا فضربها فَأصَاب حزاما 888 - وحدثنى أَبُو عُبَيْدَة انه كَانَ لعقيل جَار من بنى سلامان فَخَطب إِلَيْهِ فَأَخذه فقمطه ودهن استه بشحم وألقاه فى قَرْيَة النَّمْل فأكلن خصييه فَخَلَّاهُ وَقَالَ لَهُ يخْطب إِلَى عبد الْملك فأرده وتجترىء على ثمَّ إِنَّه بعد ذَلِك ورد وادى الْقرى فثار بنوحن بن ربيعَة

فعقروا بِهِ فَقَالَ فِي ذَلِك (لقد عقرت حن بِنَا وتلعبت ... وَمَا لعبت حن بذى حسب قبلى) (رويد بنى حن تسيحوا وتأمنوا ... وتنتشر الْأَنْعَام فِي بلد سهل) 889 - وحدثنى أَبُو عُبَيْدَة أَن عقيل بن علفة جاور جذاما فَبينا هُوَ ذَات يَوْم بفنائه إِذْ أَتَتْهُ جمَاعَة مِنْهُم فخطبوا إِلَيْهِ فَقَامَ يسْعَى حَتَّى صعد شرفا ثمَّ رمى ببصره إِلَى الْحجاز ثمَّ عوى عواء الْكَلْب فَقَالُوا وَالله لقد جن فانصرفوا فَقَالَت ابْنَته يآبه إِنَّه وَالله مَا أَنْت بِبِلَاد غطفان حَيْثُ تَقول مَا أَحْبَبْت لاتخاف أحدا وإنى أَخَاف أَن يغتالك الْقَوْم فَالْحق ببلادك فَعرف مَا قَالَت فَلَمَّا أَمْسَى قرب رواحله وَانْصَرف إِلَى قومه وَقَالَ عقيل (أَلا لَيْت شعرى هَل أشنن غَارة ... بغضيان أووادى تَبُوك المصوب)

(وَهل أشهدن خيلا كَأَن غبارها ... بِأَسْفَل علكد دواخن تنضب) (تصب على رمص كَأَن عيونهم ... فقاح الدَّجَاج فِي الودى المعصب) 890 - والثانى بشامة بن الغدير بن عَمْرو بن ربيعَة بن هِلَال بن سهم بن مرّة بن عَوْف 891 - قَالَ مُحَمَّد بن سَلام الجمحى فحدثنى أَبُو عُبَيْدَة أَن بشامة ابْن الغدير كَانَ كثير المَال وَكَانَ مِمَّن فَقَأَ عين بعير فِي الْجَاهِلِيَّة وَكَانَ الرجل إِذا ملك ألف بعير فَقَأَ عين فَحلهَا 892 - وَكَانَ قد أقعد فَلَمَّا حَضَره الْمَوْت وَلم يكن لَهُ ولد قسم مَاله بَين إخْوَته وَبنى أَخِيه وأقاربه فَقَالَ لَهُ زُهَيْر بن أبي سلمى

وَهُوَ ابْن أُخْته مَاذَا قسمت لي يَا خالاه قَالَ أفضل ذَلِك كُله قَالَ مَا هُوَ قَالَ شعرى فيزعم من يزْعم أَن زهيرا جَاءَهُ الشّعْر من قبل بشامة بن الغدير 893 - قَالَ بشامة (ياقومنا لَا تسومونا الَّتِى كرهت ... إِن الْكِرَام إِذا مَا أكْرهُوا غشموا) (لَا تظلمونا وَلَا تنسوا قرابتنا ... إطوا إِلَيْنَا فَقدما تعطف الرَّحِم) (لَا ترجعن أحاديثا وتنتهكوا ... منا محارمنا قد تتقى الْحرم) (وَلَا يكن لكم يَا قَومنَا مثلا ... فِيمَا مضى من زمَان سالف جلم)

894 - وَقَالَ أَيْضا (إِن الخليط أجدالبين فابتكروا ... لنِيَّة ثمَّ مَا عاجوا وَمَا انتظروا) (زموا الْجمال وَقَالُوا إِن مشربكم ... مَاء بكلية لاملح وَلَا كدر) (مَا كَانَ بَينهم إِلَّا مجاهرة ... أشفقت مِنْهَا فَمَاذَا زادك الحذر) (استقبلوا الْمسْقط الشرقى يحفزهم ... فِي السّير أشوس فِيهِ الْفُحْش والضجر)

(كَأَن ظعنهم والآل يرفعها ... نخل المشقر أَو مَا ربيت هجر) (مازلت أرمقهم فِي الْآل مرتفقا ... حَتَّى تقطع دون الجيرة الْبَصَر) (فاقر الهموم الَّتِى نابت مذكرة ... وشواشة سرحا فِي دفها زور) (تذرى الْحَصَى رثما من تَحت منسمها ... كَمَا يرض سوادى الْقرى حجر) (تمر جثلا على الحاذين ذَا خصل ... كالعذق لَا كشف فِيهِ وَلَا زعر)

(كَأَن أَوب ذراعيها إِذا انحدرت ... وأحرز الظل فى أعدائه الشّجر) (أَوب ذراعى لجوج جاد وَاحِدهَا ... حَتَّى إِذا مَا انْتهى أودى بِهِ الْقدر) (فأبلغن قَومنَا إِن جئتهم عذرا ... عَنَّا وَهل ينفعنهم عندنَا عذر) (إِنَّا نذكرهم بِاللَّه وَاحِدَة ... وبالقرابة وَالْأُخْرَى الَّتِى وذروا) (حسن الْبلَاء وإياما لنا سلفت ... يبيض مِنْهَا إِذا مَا تذكر الشّعْر) (فَلَا تعدوا علينا الزورو ارتدعوا ... فَإِن عنْدكُمْ من مسنا خبر)

(لَا تبطروا السّلم واستأنوا بإخوتكم ... إِن الندامة تعدو سبقها البطر) (وَإِن فِينَا صَبُوحًا غير ممتزج ... يصرى الدِّمَاء عَلَيْهِ الصاب وَالصَّبْر) (فِينَا فتو وَفينَا سادة حشد ... عِنْد الصَّباح وَفينَا جامل عكر) (كم من رَئِيس فريناه بأجمعه ... بالمشرفية حَتَّى يعدل الصعر) 895 - وَقَالَ أَيْضا (نَحن الفوارس يَوْم الشّعب ضاحية ... والضاربون على مَا كَانَ من ألم)

(والمعلمون وَعظم الْخَيل لَا حقة ... مبثوثة كعجيم تَرَ عَن جرم) (هلا سَأَلت وَقَول الْحق أصدقه ... عَنَّا وعنكم وَعَن من نلق بِالرَّقْمِ) (أَنا جدعنا بصغر من أنوفكم ... أنفًا أَشمّ فأمسى حق مصطلم) (ياعام لَا تفْسد الدَّعْوَى وَقد تركت ... مِنْكُم عصائب بَين العرج والرخم) (مَالَتْ عَلَيْهِم لغيظ غبية بَركت ... فيهم أَحَادِيثهم فى النَّاس كَالْحلمِ)

896 - وَقَالَ أَيْضا (ونبئت قومى وَلم ألقهم ... أجدوا على ذى شويس حلولا) (فَإِنَّكُم وَعَطَاء الرِّهَان ... إِذا جرت الْحَرْب جلا جَلِيلًا) (كَثوب ابْن بيض وقاهم بِهِ ... فسد على السالكين السبيلا)

(فإمَّا هَلَكت وَلم آتكم ... فأبلغ أماثل سهم رَسُولا) (بِأَن الَّتِى سامكم قومكم ... هم جعلوها عَلَيْكُم عُدُولًا) (هوان الْحَيَاة وخزى الْمَمَات ... وكلا أرَاهُ طَعَاما وبيلا) (فَإِن لم يكن غير أحداهما ... فسيروا إِلَى الْمَوْت سيرا جميلا) (وَلَا تهلكوا وبكم منَّة ... كفى بالحوادث للمرء غولا)

897 - وَالثَّالِث شبيب بن البرصاء وَهُوَ الذى يَقُول (أَنا ابْن برصاء بهَا أُجِيب ... هَل فى هجان اللَّوْن مَا تعيب) 898 - واسْمه شبيب بن يزِيد بن جَمْرَة بن عَوْف بن أَبى حَارِثَة بن مرّة بن نشبة وَأمه البرصاء بنت الْحَارِث بن عَوْف بن أبي حَارِثَة 899 - وَقَالَ (يدل علينا الْجَار آخر قبله ... وأحلامنا مَعْرُوفَة وسدادها) (وجاراتنا مادمن فِينَا بعزة ... كأروى ثبير لَا يحل اصطيادها) (ترى إبل الْجَار الْغَرِيب كَأَنَّهَا ... بِمَكَّة بَين الأخشبين مرادها) (يكون علينا نَقصهَا وضمانها ... وللجار إِن كَانَت تزيد ازديادها)

900 - وَقَالَ أَيْضا (هَل عِنْد سعدى ابْنة الْعُمْرَى من زَاد ... أم هَل لعان لَدَيْهَا موثق فَادى) (قَامَت ترَاءى لنا سعدى فَقلت لَهَا ... مَاذَا تريدين من قَتْلَى وإقصادى) (أبدت ترائب عبلات وسالفة ... وجيد مغزلة من خير أجياد) (حالى الترائب والذفرى عقدن بِهِ ... من لُؤْلُؤ وجمان غير أَفْرَاد) (تبدو وساوس مِنْهَا كلما ارتفقت ... هز الْجنُوب استخفت عشرق الوادى) (فى ضامر الكشح والأحشاء تحسبه ... مِمَّا تخضد مِنْهُ طى أسناد)

(مِنْهَا إِلَى كفل نهد روادفه ... مرتجة كارتجاج الدعص مياد) (ووارد كعذوق النّخل زِينَة ... من الجداول لَا زعر وَلَا كادى) (طَال اتباعى أمورا مَا تجود بهَا ... حَتَّى يئست فهبنى غير مزداد) (ثمَّ استمرت وَلم تقض الَّتِى وعدت ... لَا يهنئنك إِذْ أخلفت ميعادى)

(دعها لشأنك وَانْظُر أَنْت كَيفَ ترى ... شَأْن امرأين ذوى مَال وَأَوْلَاد) (إنى امْرُؤ لى رواب لَا يشققها ... سيل الأتى وَلَا تسطاع أوتادى) (إِن المكارم والأحساب عودهَا ... من آل مرّة أعمامى وأجدادى) (أَنا ابْن عوفومنى إِن فخرت بهم ... بَنو سِنَان ومسعود بن شَدَّاد) 901 - وَقَالَ أَيْضا (مَاذَا تلمس سلمى فى معرسنا ... كرّ الْغَرِيم لدين كَانَ قد وجبا) (أوكر صَاحب ذى الأوجاع مُسْنده ... إِذا تأوه ألْقى فَوْقه الهببا)

(ألم تكن زعمت بِاللَّه مسلمة ... وَلم تكن هى مِمَّا قَضَت الأربا) (فَلَا يحل لسلمى أَن تؤرقنا ... بعد الْمَنَام وَلَو كُنَّا لَهَا نصبا) 902 - وَقَالَ أَيْضا (كَأَن ابْنة العذرى يَوْم بَدَت لنا ... بواد الْقرى روعى الْجنان سليب)

(من الْأدم ضمتها الحبال فأفلتت ... وَفِي الْجِسْم مِنْهَا عِلّة وشحوب) 903 - حَدَّثَنى أَبُو عُبَيْدَة قَالَ خطب شبيب بن البرصاء إِلَى مهر بن على بن جَابر أحد بنى غيظ بن مرّة فَقَالَ نعم أزَوجك قَالَ شبيب أؤامر أخى فَقَالَ أتؤامر رجلا فى تزويجك وَالله لَا أزوج رجلا لَا يملك أمره فَقَالَ شبيب (لعمر ابْنة المرى مَا أَنا بالذى ... لَهُ أَن تنوب النائبات ضجيج) (وَقد علمت أفناء مرّة أننى ... إِلَى الضَّيْف قوام السنات خُرُوج) (وإنى لأغلى اللَّحْم نيا وإننى ... لممن يهين اللَّحْم وَهُوَ نضيج)

(إِذا الْمُرْضع العوجاء باتت يعزها ... على ثديها ذُو ودعتين لهوج) 904 - وَالرَّابِع قراد بن حَنش بن عَمْرو بن عبد الله بن عبد الْعُزَّى ابْن صبح بن سَلامَة بن مرّة 905 - قَالَ مُحَمَّد بن سَلام فحدثنى أَبُو عُبَيْدَة قَالَ كَانَ قراد بن حَنش من شعراء غطفان وَكَانَ قَلِيل الشّعْر جيده وَكَانَت شعراء غطفان تغير على شعره فتدعيه مِنْهُم زُهَيْر بن أبي سلمى ادّعى هَذِه الأبيات (إِن الرزية لَا رزية مثلهَا ... مَا تبتغى عطفان يَوْم أضلت)

(إِن الركاب لتبتغى ذَا مرّة ... بجنوب نخل إِذا الشُّهُور أحلّت) (ولنعم حَشْو الدرْع أَنْت لنا إِذا ... نهلت من العلق الرماح وعلت) (ينعون خير النَّاس عِنْد كريهة ... عظمت مصيبهم هُنَاكَ وجلت) 90 - 6

(فوارس كالنيران يحْمُونَ نسْوَة ... عقائل لم يدنسن بيض المحاجر) (إِذا مَا نسبن ينتسبن إِلَى الذرى ... لبدر بن عَمْرو أَو لعَمْرو بن جَابر)

(وعودن أَن يعبأن حصا وفارة ... ذكيا وَمَا عودن نسج الغرائر) (وماهن من سعد بن ذبيان كلهَا ... وَلَا من مواليها حميس بن عَامر)

الطبقة التاسعة

الطَّبَقَة التَّاسِعَة رجاز مِنْهُم 907 - الْأَغْلَب العجلى وَكَانَ مقدما يُقَال إِنَّه أول من رجز 908 - وَأَبُو النَّجْم واسْمه الْفضل بن قدامَة بن عبيد بن مُحَمَّد بن

عبيد الله بن عَبدة بن الْحَارِث بن إِيَاس بن عَوْف بن ربيعَة بن مَالك بن ربيعَة بن عجل 909 - والعجاج واسْمه عبد الله بن رؤبة بن لبيد بن صَخْر بن كثيف بن عَمْرو بن حَنى بن ربيعَة سعد بن مَالك بن سعد بن زيد مَنَاة بن تَمِيم 910 - ورؤبة بن العجاج 911 - قَالَ مُحَمَّد بن سَلام حَدَّثَنى الأصمعى قَالَ كَانَت للأغلب سرحة يصعد عَلَيْهَا ثمَّ يرتجز فَقَالَ (قد عرفتنى سرحتى وأطت ... وَقد شمطت بعْدهَا واشمطت)

قَالَ فَاعْترضَ لَهُ رجل من بنى سعد ثمَّ أحد بنى الْحَارِث بن عَمْرو ابْن كَعْب بن سعد فَقَالَ لَهُ (قبحت من سالفة وَمن قفا ... شيخ إِذا مَا رسب الْقَوْم طفا) (كَمَا شرار الرعى أَطْرَاف السفا ... ) 912 - قَالَ وأنشدنا للأغلب فِي سجَاح لما تزوجت مُسَيْلمَة الْكذَّاب

(قد لقِيت سجَاح من بعد الْعَمى ... تاح لَهَا بعْدك حنزاب وزى) (ملوحا فى الْعين مجلوز القرا ... مثل الفنيق فى شباب قد أَنى) (من اللجيميين أَصْحَاب الْقرى ... لَيْسَ بذى واهنة وَلَا نسا) (نشا بِخبْز وبلحم مَا اشْتهى ... حَتَّى شتا تنتح ذفراه الندى)

(خاظى البضيع لَحْمه خظا بظا ... كَأَنَّمَا جمع من لحم الخصى) (إِذا تمطى بَين برديه صأى ... كَأَن عرق أيره إِذا ودى) (حَبل عَجُوز ضفرت سبع قوى ... يمشى على قَوَائِم خمس خسا) (يرفع وسطاهن من برد الندى ... ) (قَالَت مَتى كنت أَبَا الخيرمتى ... قَالَ حَدِيثا لم يغيرنى البلى) (وَلم أُفَارِق خلة لى عَن قلى ... فانتشغت فيشته ذَات الشوى)

(كَأَن فى أجيادها سبع كلى ... مازال عَنْهَا بِالْحَدِيثِ والمنى) (وَالْحلف السفساف يردى فى الردى ... قَالَ أَلا ترينهقالت أرى) (قَالَ أَلا أشيمهقالت بلَى ... فَشَام فِيهَا مثل محراث الغضى) (تَقول لما غَابَ فِيهَا واستوى ... لمثلهَا كنت أحسيك الحسى) (يبرى لَهَا كينا كأطراف النَّوَى ... وَقد تطلت حِين هما وادنى) (من طيب مصان الذى كَانَ اشْترى ... تقذف عَيناهُ بعلك المصطكى)

913 - قَالَ وحدثنى أَيْضا أَنه كَانَ يُقَال إِن هَذِه القصيدة فى الْجَاهِلِيَّة لجشم بن الْخَزْرَج 914 - وَقَالَ أَيْضا (نَحن وردنا واديى جلاجل ... بجحفل جم الوغى من وَائِل) (عِنْد اخْتِلَاف الأسل النواهل ... فى دَيْلَم يزحف بالقنابل) (فى جذم عجل فى العديد الذائل ... وَمن بنى شَيبَان غير خامل)

(وَالْخَيْل تعدو بالوشيج الذابل ... تَحت قتام الغبر القساطل) (فى حسب بخ وقبص كَامِل ... وَعدد كالدبر غير جافل) 915 - وَقَالَ أَيْضا (إِن لنا شابكة وعورا ... لَا يملك النَّاس لَهَا تغييرا) (نَحن إِذا الداعى دَعَا ثبورا ... وَلم يجد مجاور مجيرا) (قمنا بجد لم يكن عثورا ... وشزب قد طويت شهورا)

(حَتَّى انطوت أقرابها ضمورا ... يهوين بالمستلئمين زورا) (فهى تبارى منهبا طحورا ... ) 916 - الثانى أَبُو النَّجْم فحدثنى أَبى سَلام قَالَ دخل أَبُو النَّجْم العجلى على هِشَام بن عبد الْملك فَقَالَ كَيفَ رَابَك يَا أَبَا النَّجْم فى النِّسَاء قَالَ مَا لَهُنَّ عندى خير وَمَا أنظر إلَيْهِنَّ إِلَّا شزرا وَلَا ينظرن إِلَى إِلَّا

خزرا قَالَ فَمَا ظَنك بأمير الْمُؤمنِينَ قَالَ ظَنِّي بنفسى قَالَ لَا علم لَك يَا أَبَا النَّجْم ثمَّ أرسل إِلَى جوَار لَهُ فسألهن عَمَّا ظن أَبُو النَّجْم فَقُلْنَ يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ وَمَا علم هَذَا ثمَّ أقبلن على أبي النَّجْم فَقُلْنَ لَهُ يَا أَعْرَابِي أَتَقول هَذَا لأمير الْمُؤمنِينَ وَلَيْسَ منا امْرَأَة تصلى إِلَّا بِغسْل مِنْهُ فَقَالَ هِشَام يَا أَبَا النَّجْم دُونك هَذِه الْجَارِيَة لوَاحِدَة مِنْهُنَّ فَأخذ بِيَدِهَا ثمَّ أمره أَن يَغْدُو عَلَيْهِ بخبرها فغدا عَلَيْهِ وَلم

يصنع شَيْئا فَلَمَّا رَآهُ قَالَ مَا صنعت يَا أَبَا النَّجْم قَالَ مَا صنعت شَيْئا وَلَقَد قلت فِي ذَلِك شعرًا قَالَ وَمَا هُوَ قَالَ قلت (نظرت فأعجبها الذى فى درعها ... من حسنه وَنظرت فى سر بَالِيًا) (فرأت لَهَا كفلا ينوء بخصرها ... وعثا روادفه وأخثم ناتيا) (ضيقا يعَض بِكُل عرد ناله ... كالقعب أَو أصرح يرى متجافيا) (وَرَأَيْت منتشر العجان مقبضا ... رخوا حمائله وجلدا بَالِيًا) (أدنى لَهُ الركب الحليق كَأَنَّمَا ... أهْدى إِلَيْهِ عقاربا وأفاعيا)

(إِن الندامة والسدامة فاعلمن ... لَو قد صبرتك للمواسى خَالِيا) (مَا بَال رَأسك من ورائي خالفا ... أظننت أَن حر الفتاة ورائيا) (فَاذْهَبْ فَإنَّك ميت لَا ترتجى ... أَبَد الأبيد وَلَو عمرت لياليا) (أَنْت الْغرُور إِذا خبرت وَرُبمَا ... كَانَ الْغرُور لمن رجاه شافيا) قَالَ فَضَحِك هِشَام وَأمر لَهُ بجائزة 917 - وَقَالَ أَيْضا (الْحَمد لله الوهوب المجزل ... أعْطى فَلم يبخل وَلم يبخل) (كوم الذرى من خول المخول ... تنقلت من أول التبقل)

(بَين رماحى مَالك ونهشل ... يدْفع عَنْهَا الْعِزّ جهل الْجَهْل) يُرِيد مَالك بن ضبيعة بن قيس بن ثَعْلَبَة ونهشل بن دارم ويروى عَن أبي النَّجْم أَنه قَالَ بَين رماحى دارم وهم حى من بنى تيم الله بن ثَعْلَبَة ونهشل من بنى عجل 918 - قَالَ وَكَانَ أَبُو النَّجْم رُبمَا قصد فأجاد وَلم يكن كَغَيْرِهِ من الرجاز الَّذين لم يحسنوا أَن يقصدوا وَكَانَ صَاحب فَخر وبذخ وَهُوَ الذى يَقُول (علق الْهوى بحبائل الشعْثَاء ... وَالْمَوْت بعض حبائل الْأَهْوَاء)

(لَيْت الحسان إِذا أصبن قُلُوبنَا ... بالداء جدن بِنِعْمَة وشفاء) (لشم عندى بهجة وملاحة ... وَأحب بعض ملاحة الذلفاء) (وَأرى الْبيَاض على النِّسَاء جهارة ... وَالْعِتْق تعرفه على الأدماء) (وَالْقلب فِيهِ لكلهن مَوَدَّة ... إِلَّا لكل دَمِيمَة زلاء) (فلئن فخرت بوائل لقد ابتنت ... يَوْم المكارم فَوق كل بِنَاء) (وَلَئِن خصصت بنى لجيم إننى ... لأخص مكرمَة وَأهل غناء)

(قوم إِذا نزل الفظيع تحملوا ... حسن الثَّنَاء وَأعظم الأعباء) (لَيست مجالسنا تقر لقَائِل ... زيغ الحَدِيث وَلَا نَثَا الْفَحْشَاء) 919 - مُحَمَّد بن سَلام عَن يُونُس وحدثنى أبي سَلام بِبَعْض هَذَا الحَدِيث قَالَ اجْتمع شعراء الْعَرَب عِنْد سُلَيْمَان بن عبد الْملك فَأَمرهمْ أَن يَقُول كل رجل مِنْهُم قصيدة يذكر فِيهَا مآثر قومه وَلَا يكذب ثمَّ جعل لمن برز عَلَيْهِم جَارِيَة مولدة فأنشدوه وَأنْشد أَبُو النَّجْم حَتَّى أَتَى على قَوْله (عدوا كمن ربع الجيوش لصلبه ... عشرُون وَهُوَ يعد فِي الْأَحْيَاء) فَقَالَ سُلَيْمَان أشهد إِن كنت صَادِقا إِنَّك لصَاحب الْجَارِيَة فَقَالَ أَبُو النَّجْم سل الْمَلأ عَن ذَلِك يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ قَالَ الفرزدق أما أَنا فأعرف مِنْهُم سِتَّة عشر وَمن ولد وَلَده أَرْبَعَة كلهم قد ربع فَقَالَ سُلَيْمَان ولد وَلَده هم وَلَده ادْفَعْ إِلَيْهِ الْجَارِيَة

920 - وَقَالَ أَبُو النَّجْم فى نعت الْفرس (فى ذى شكيم عضه يرمله ... ثمَّ تناولنا الْغُلَام تنزله) (عَن متن سامى الطّرف مَا يعلله ... وَالسَّوْط فى يَمِينه مَا يعمله) (يجول فى أشطانه ويسعله ... تعمج المَاء يفِيض جدوله) (فوافت الْخَيل وَنحن نشكله ... كل مكب الجرى أَو منعثله) (وَالضَّرْب يحشوها بربو تسعله ... وَالْجِنّ عَكَّاف بِهِ تقبله)

(وَهُوَ نشيط النَّفس حر طلله ... ) 921 - أخبرنى أَبُو خَليفَة الْفضل بن الْحباب الجمحى إجَازَة عَن مُحَمَّد بن سَلام قَالَ قَالَ أَبُو عَمْرو بن الْعَلَاء كَانَ أَبُو النَّجْم أبلغ فى النَّعْت من العجاج 922 - أخبرنَا أَبُو خَليفَة عَن مُحَمَّد بن سَلام قَالَ قَالَ عَامر بن عبد الْملك الْمَسْعَى كَانَ رؤبة وَأَبُو النَّجْم يَجْتَمِعَانِ عندى فأطلب لَهما النَّبِيذ فَكَانَ أَبُو النَّجْم يتسرع إِلَى رؤبة حَتَّى أكفه عَنهُ 923 - وَالثَّالِث العجاج وَإِنَّمَا اكتفينا من نسبه لشهرة

اسْمه وَبعد ذكره وَأَنا لم نجد شَاعِرًا لَهُ اسْمه غَيره وكما قَالَ الشَّاعِر (أحب من النسوان كل قَصِيرَة ... لَهَا نسب فى الصَّالِحين قصير) يَقُول تعرف بأبيها الْأَدْنَى لشرف أَبِيهَا وشرفها 924 - قَالَ مُحَمَّد بن سَلام الجمحى فحدثنى أَبُو الغراف قَالَ لما توجه عمر بن عبيد الله بن معمر إِلَى أبي فديك الشارى امتدحه العجاج فَقَالَ (قد جبر الدّين الْإِلَه فجبر ... وعور الرَّحْمَن من ولى العور)

يعْنى أُميَّة بن عبد الله بن خَالِد بن أسيد وَذَاكَ أَنه توجه إِلَى أبي فديك فَهَزَمَهُ فَكتب فى ذَلِك إِلَى عبد الْملك بن مَرْوَان فَقَالَ لعمر بن عبيد الله بن معمر أرأيتك لَو كَانَ بَين عينى وتد أَكنت تنزعه قَالَ نعم وَالله يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ قَالَ فَهَذَا أَبُو فديك وتد بَين عينى فَاخْرُج إِلَيْهِ قَالَ أعفنى يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ فَلَمَّا أبي عَلَيْهِ قَالَ ارْفَعْ إِلَيْنَا ماجرى على يَديك من خراج فَارس فَأقر لَهُ بِالْخرُوجِ فَتَلقاهُ العجاج وَهُوَ مُتَوَجّه إِلَى أبي فديك فَلَمَّا قَالَ (هَذَا أَوَان الْجد إِذْ جد عمر ... وَصرح ابْن معمر لمن ذمر) قَالَ عمر لَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه فَلَمَّا قَالَ (لَا قدح إِن لم تور نَارا بهجر ... ذَات سنا يوقدها من افتخر) قَالَ عمر توكلت على الله وَلنْ أدع جهدا فَلَمَّا قَالَ (شَهَادَة فِيهَا طهُور من طهر ... )

فَكَأَن عمر تطير من ذَلِك ثمَّ قَالَ ماشاء الله 925 - وَقَالَ العجاج (يارب رب الْبَيْت والمشرق ... والمرقلات كل سهب سملق) (إياك أَدْعُو فَيقبل ملقى ... واغفر خطاياى وثمر ورقى) (إِنَّا إِذا حَرْب غَدَتْ لَا نتقى ... دينا وَلَا مستأخرا لم يلْحق) (نرد حد الناب مِنْهَا الأروق ... فى كل عَام كاللياح الأبلق)

(فقد عَلمته عصبَة المروق ... ورهط شؤبوب ورهط الخَنْدَق) (والحمس قد تعلم يَوْم ملزق ... أَنا نقى أحسابنا ونعتقى) (بالمشرفيات افتخار الأحمق ... ) شؤبوب وَخَنْدَق رجلَانِ والحمس يعْنى قُريْشًا

926 - وَقَالَ (الْحَمد لله العشى وَالضُّحَى ... وَالْحَمْد لله فَمَا شَاءَ أَتَى) (أسأَل رب النَّاس هَديا بِالْهدى ... هُوَ الذى أنزل آيَات التقى) (بل لَو سَأَلت خابرا عَمَّا أَتَى ... عَن جمع بكر إِذْ حساما قد حسا) (وَجمع عبد الْقَيْس إِذْ لَاقَى ثأى ... ضافا علينا وسعى حَيْثُ سعى) (لَاقَى جوادا فعلاه إِذْ جرى ... وَعَن فَوق شأوه حَتَّى ارعوى) (وبينما هم ينظرُونَ المنقضى ... منا إِذا هن أراعيل ربى)

(مثل جَراد الدبر من كل لوى ... من كل شقاء ومنشق النسا) (ساط إِذا ابتل رقيقاه ندا ... شَدِيد جلز الصلب معصوب الشوى) (كالكر لاشخت ولافيه لوى ... وطرفة نبرى لَهُ إِذا انبرى)

(جرداء سرحوب إِذا باعت ردى ... نأى وَلنْ يسبقها وَإِن نأى) (أضرّ بِالْخَيْلِ الغوار فانطوى ... مِنْهَا الكشوح فهى أَمْثَال النَّوَى) (مستقدمات جحفلا جم الوغى ... كثير مجْرى المقربات والحصا) (ذَا لجب يسرح من حَيْثُ اغتدى ... حَتَّى تَوَارَتْ شمسه وَمَا انْقَضى) (يُنكر ذُو الْحَاجة مِنْهُ مَا ابْتغى ... حيران لَا يشْعر من حَيْثُ أَتَى)

(عَن قبض من لَاقَى أخاس أم زكا ... غرق فى القمقام أم لَاقَى هوى) 927 - وَالرَّابِع رؤبة بن العجاج ويكنى أَبَا الجحاف وَهُوَ أول من قَالَ فى تَقْصِير الِاسْم وَتَخْفِيف عدد النّسَب فَقَالَ (قد رفع العجاج ذكرى فادعنى ... باسمى إِذا الْأَسْمَاء طَالَتْ يكفنى) 928 - ورؤبة أَكثر شعرًا من أَبِيه وَقَالَ بَعضهم إِنَّه أفْصح من أَبِيه وَلَا أَحسب ذَلِك حَقًا لِأَن أَبَاهُ قد أَخذ عَلَيْهِ فى قصيدته الَّتِى أَولهَا (وقاتم الأعماق خاو المخترق ... مشتبه الْأَعْلَام لماع الخفق)

(يكل وَفد الرّيح من حَيْثُ انخرق ... ) ثمَّ قَالَ فِيهَا (مضبورة قرواء هرجاب فنق ... ) فضم وأولها مَفْتُوح 929 - وَقَالَ أَيْضا يمدح سلم بن قُتَيْبَة الباهلى (ياسلم أَعلَى كعبك القدوس ... على عدى أوبقهم إِبْلِيس)

(يَوْم بنى الْمُهلب البئيس ... أصلاهم مَا تصطلى الْمَجُوس) (إِذْ صبحتهم فيلق رجوس ... ملمومة ذفراء دردبيس) (وصبحت سفيانها النحوس ... جرت بِذَاكَ اللجم العطوس) (فصبحتهم برحا ملطيس ... فَلَا يحس مِنْهُم حسيس)

(قد علم الْعَالم والقسيس ... أَن امْرَءًا حاربكم ممسوس) (بئس الخليط الجرب المدسوس ... بكم يداوى الفقم الشخيس) وَهَذِه طَوِيلَة 930 - وَقَالَ فِيهِ أَيْضا (ياسلم قد عرفك التَّعْرِيف ... حَقًا وَأَنت الْمُسلم الحنيف) 931 - وَقَالَ أَيْضا (يَا سلم يَا ابْن الأكرمين شَجرا ... حَيا عروقا فى الثرى وثمرا)

932 - أخبرنى أَبُو خَليفَة فِي كِتَابه إِلَيّ عَن مُحَمَّد بن سَلام عَن أبي زيد الأنصارى وَالْحكم بن قنبر قَالَا كُنَّا نقعد إِلَى رؤبة يَوْم الْجُمُعَة فى رحبة بنى تَمِيم فَاجْتَمَعْنَا يَوْمًا فقطعنا الطَّرِيق وَمَرَّتْ بِنَا عَجُوز فَلم تقدر على أَن تجوز فى طريقها فَقَالَ رؤبة (تَنَح للعجوز عَن طريقها ... إِذْ أَقبلت رَائِحَة من سوقها) (دعها فَمَا النحوى من صديقها ... ) 933 - أخبرنى أَبُو خَليفَة فى كِتَابه عَن مُحَمَّد بن سَلام عَن يُونُس قَالَ غَدَوْت يَوْمًا أَنا وَإِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد العطاردى على رؤبة فَخرج إِلَيْنَا كَأَنَّهُ نسر فَقَالَ لَهُ ابْن نوح يَا أَبَا الجحاف أَصبَحت

وَالله كَقَوْلِك (كالكرز المشدود بَين الْأَوْتَاد ... سَاقِط عَنهُ الريش كرّ الْإِبْرَاد) فَقَالَ لَهُ رؤبة وَالله يَا ابْن نوح مَا زلت لَك ماقتا فَقلت بل أَصبَحت يَا أَبَا الجحاف كَمَا قَالَ الآخر (فأبقين مِنْهُ وَأبقى الطرا ... دبطنا خميصا وصلبا سمينا) فَضَحِك وَقَالَ هَات حَاجَتك 934 - قَالَ ابْن سَلام ووقف رؤبة على بَاب سُلَيْمَان بن على بستأذن فَقيل لَهُ قد أَخذ الإذريطوس فَقَالَ رؤبة (يَا منزل الوحى على إِدْرِيس ... ومنزل اللَّعْن على إِبْلِيس)

(وخالق الْإِثْنَيْنِ وَالْخَمِيس ... بَارك لَهُ فى شرب إذريطوس) 935 - أخبرنى أَبُو خَليفَة فى كِتَابه إِلَى عَن مُحَمَّد بن سَلام عَن عبد الرَّحْمَن بن مُحَمَّد بن عَلْقَمَة الضبى قَالَ خرج شاهين بن عبد الله الثقفى برؤبة إِلَى أرضه فقعدوا يَلْعَبُونَ بالنرد فَلَمَّا أَتَوا بالخوان قَالَ رؤبة (يَا أخوتى جَاءَ الخوان فارفعوا ... حنانة كعابها تقَعْقع) (لم أدر مَا ثلاثها والأربع ... ) قَالَ فضحكنا ورفعناها وَقدم الطَّعَام 936 - وَقَالَ ابْن سَلام عَن يُونُس قَالَ لى رؤبة حَتَّى مَتى تسألنى عَن هَذِه الأباطيل وأزوقها لَك أما ترى الشيب قد بلع فى رَأسك ولحيتك

الطبقة العاشرة

الطَّبَقَة الْعَاشِرَة أَرْبَعَة رَهْط 937 - مُزَاحم بن الْحَارِث العقيلى 938 - وَيزِيد بن الطثرية والطثرية أمه وَهُوَ يزِيد بن الْمُنْتَشِر أحد بنى عَمْرو بن سَلمَة بن قُشَيْر والطثرية نسب إِلَى حى من قضاعة يُقَال لَهُم ظثرة فنسبت إِلَيْهَا وَأَبُو دواد الرؤاسى أحد بنى رؤاس بن كلاب بن ربيعَة ابْن عَامر بن صعصعة

940 - والقحيف بن سليم العقيلى 941 - قَالَ مُحَمَّد بن سَلام فحدثنى أَبُو عُبَيْدَة أَن مُزَاحم بن الْحَارِث العقيلى كَانَ رجلا عزلا وَكَانَ شجاعا وَكَانَ شَدِيد أسر الشّعْر حلوه وَكَانَ مَعَ رقة شعره صَعب الشّعْر هجاء وصافا 942 - وَقَالَ فى يَوْم أغار عَلَيْهِم دهر الجعفى فى قبائل مذْحج وهمدان وَمَعَهُ عَلْقَمَة الجعفى فَسبوا وغنموا وَأَصَابُوا إبِلا كَثِيرَة فاتبعتهم بَنو كَعْب ثَلَاثًا ثمَّ رَجَعَ بعض الْقَوْم وَمضى

عقال بن خويلد فى بنى عقيل فَجعل يندى أبعار الْإِبِل ببوله ثمَّ يرى أَصْحَابه البعر نديا وَيَقُول لأَصْحَابه مَا أقربكم مِنْهُم حَتَّى ورد عَلَيْهِم النخيل فى يَوْم قائظ وَرَأس دهر فى حجر جَارِيَة من بنى بجلة تفليه متوسدا قطيفة فَكَأَن الْجَارِيَة أحست نَفسهَا بِالطَّلَبِ فَجعلت تضفر شعره بهدب القطيفة فَلم ينتبه إِلَّا بِالْخَيْلِ فَكَانَ أول من لقى دهرا هُبَيْرَة بن التفاصة فَضرب وجهة دهر بقوسه فهشم وَجهه ولحقه عقال بن خويلد فطعنه فنثر بَطْنه فَسَالَ من بَطْنه البرير مطبوخا فقتلت جعفى وَمن كَانَ مَعهَا فى ذَلِك الْجَيْش وهزمت

هزيمَة فَاحِشَة فَقَالَ مُزَاحم بن الْحَارِث فِي ذَلِك الْيَوْم (منا الَّذين استنشطوا الْأَمر جهرة ... يقدمهم عارى الأشاجع أروع) (على أثر الجعفى دهر وَقد أَتَى ... لَهُ مُنْذُ ولى يسحج السّير أَربع) (بسير طراحى ترى من نجائه ... جُلُود المهارى بالندى الجون تنتع) (فَمَا ذاق طعم النّوم حَتَّى تفرجت ... جبال وليل والنجائب تقرع) (عَن الحى من عليا حَرِيم وَفِيهِمْ ... سوام وسبى من سليم موزع)

(طُلُوع نجاد الْقَوْم مَا يستفزه ... جنان وَمَا يغتاله الدَّهْر يفجع) 943 - وَقَالَ أَيْضا (خليلى عوجابى على الرّبع نسْأَل ... مَتى عَهده بالظاعن المتحمل) (فَإِن تعجلانى بانصراف أهجكما ... على عِبْرَة أَو ترق عين معول) (فعجت وعاجا فَوق صحراء غادرت ... بهَا الرّيح جولان التُّرَاب المنخل) (وَمَا هاجه من دمنة بَان أَهلهَا ... وأمست قوى بَين الْحَصِير ومحبل) (إِلَّا لَا تذكرنى أُمَيْمَة إِنَّه ... مَتى مَا يُرَاجع ذكرهَا الْقلب يجهل)

(وَتعلم ريعات الْهوى أَن حبها ... تتبع منى كل عظم ومفصل) (كَمَا تبِعت صرف عقار مدامة ... مشاش المروى ثمَّ لما تنصل) (وَيَوْم تلافيت الصِّبَا أَن يفوتنى ... بصهباء تطوى نفنف الْبعد عنسل) (تلاعب حاذيها وتطرح الشذا ... بأصهب ضاف سابغ المتذيل)

(تنيف بِهِ طورا وطورا تخاله ... مخاريق بالأيمان أَو نفح مشمل) (لَهَا ورك كالجوب شدت فقاره ... حبت قدما فى مكمن الْخلق مكمل) 944 - وَله (كأنى وَعبد الله لم تسر بَيْننَا ... أَحَادِيث يثنى سالف الدَّهْر لينها) (وَلم نطلب دون الْحجُون ظعائنا ... تبارى بهَا أَدَم المهارى وجونها) (ظعائن من عليا نمير بن عَامر ... مصححة الأجساد مرضى عيونها)

(تنكرن من أنسى فَلَمَّا عرفننى ... بَدَت كل مبهاج أغر جبينها) (وقلن اعجلا لاعين نخشى وأبشرا ... بليلة سعد غَابَ عَنْهَا ظنونها) (فَجِئْنَا كَمَا انقض القرينان أشرفا ... على خلْوَة ناء من الحى بَينهَا) (فبتنا ندامى لَيْلَة لم نذق بهَا ... حَرَامًا وَلم يبخل بِحل ضنينها) (صفاحا بأيمان نرى أَن مَسهَا ... شِفَاء الصدى من غلَّة طَال حينها) (وبتنا وأيدينا وساد وفوقنا ... رياط وعالى بركَة لَا نصونها)

(فَلَمَّا بدا ضوء من الصُّبْح سَاطِع ... عصى خلة لم ينج إِلَّا قرينها) (بَدَت زفرات الْحبّ من كل وامق ... ومحجوبة لم تعط صبرا يعينها) (فَأَصْبَحْنَ صرعى فى الحجال وأصبحت ... بِنَا العيس بالموماة جَعدًا لجينها) 945 - والثانى يزِيد بن الطثرية قَالَ مُحَمَّد بن سَلام حَدَّثَنى أَبُو الغراف قَالَ كَانَ يزِيد بن الطثرية صَاحب غزل ومحادثة للنِّسَاء وَكَانَ ظريفا جميلا وَمن أحسن النَّاس كلهم شَعْرَة وَكَانَ أَخُوهُ

ثَوْر رجلا سيدا كثير المَال وَالنَّخْل وَالرَّقِيق وَكَانَ متنسكا كثير الْحَج وَالصَّدَََقَة وَكَانَ كثير الْمُلَازمَة لإبله ونخله فَلَا يكَاد يلم بالحى إِلَّا وقْعَة وَكَانَت إبِله ترد مَعَ الرعاء على أَخِيه يزِيد بن الطثرية فتسقى على عينه فَبينا يزِيد مارا فى الْإِبِل وَقد صدرت عَن المَاء إِذْ مر بخباء فِيهِ نسْوَة من الْحَاضِر فَلَمَّا رأينه قُلْنَ يَا يزِيد أطعمنَا لَحْمًا قَالَ اعطينني سكينا فأعطينه فَنحر لَهُنَّ نَاقَة من إبل أَخِيه وَبلغ الْخَبَر أَخَاهُ فَأقبل فَلَمَّا رَآهُ أَخذ بِشعرِهِ وفسقه وَشَتمه فَأَنْشَأَ يزِيد يَقُول (يَا ثَوْر لَا تشتمن عرضى فدَاك أبي ... فَإِنَّمَا الشتم للْقَوْم العواوير) (مَا عقر نَاب لأمثال الدمى خرد ... عون كرام وأبكار معاصير)

(عكفن حولى يسألن الْقرى أصلا ... وَلَيْسَ يرضين منى بالمعاذير) (هبهن ضيفا عراكم بعد هجعتكم ... فى قطقط من سقيط اللَّيْل منثور) (وَلَيْسَ قربكم شَاءَ وَلَا لبن ... فيرحل الضَّيْف عَنْكُم غير محبور) (مَا خير وَارِدَة للْمَاء صادرة ... لَا تنجلى عَن عقير الرجل منحور) 946 - وَقَالَ أَيْضا فى امْرَأَة كَانَ يتحدث إِلَيْهَا ويعجب بهَا فَبينا هُوَ عِنْدهَا إِذا حدث لَهَا سواهُ قد طلع عَلَيْهَا ثمَّ جَاءَ آخر فَلم يزَالُوا كَذَلِك حَتَّى تَمُّوا سَبْعَة وَهُوَ الثَّامِن فَقَالَ

(أرى سَبْعَة يسعون للوصل كلهم ... لَهُ عِنْد ليلى دينة يستدينها) (فألقيت سهمى وَسطهمْ حِين أوخشوا ... فَمَا صَار لى من ذَاك إِلَّا ثمينها) (وَكنت عزوف النَّفس أشنأ أَن أرى ... على الشّرك من ورهاء طوع قرينها) (فيوما ترَاهَا بالعهود وفية ... وَيَوْما على دين ابْن خاقَان دينهَا)

(يدا بيد من جَاءَ بِالْعينِ مِنْهُم ... وَإِن لم يجىء بِالْعينِ حيزت رهونها) 947 - وَقَالَ فِيهَا وَقد ضارمها (أَلا بأبا من قد بَرى الْجِسْم حبه ... وَمن هُوَ موموق إِلَى حبيب) (وَمن هُوَ لَا يزْدَاد إِلَّا تشوقا ... وَلَيْسَ يرى إِلَّا عَلَيْهِ رَقِيب) (وإنى وَإِن أحموا على كَلَامهَا ... وحالت أعَاد دونهَا وحروب) (لمثن على ريا ثَنَاء يزينها ... قواف بأفواه الروَاة تطيب) (أريااحذرى نقض القوى لَا يزل لنا ... على النأى والهجران مِنْك نصيب)

(وكونى على الواشين لداء شغبة ... كَمَا أَنا للواشى أَلد شغوب) (فَإِن خفت أَن لَا تحكمى مرّة القوى ... فردى فؤادى والمرد قريب) 948 - وَالثَّالِث أَبُو دواد الروأسى قَالَ مُحَمَّد بن سَلام حَدَّثَنى يُونُس بن حبيب قَالَ وَقعت حَرْب بَين عقيل بن كَعْب ونمير بن عَامر فَلم يقم لَهُم بَنو عقيل وَجعلت نمير تسرف عَلَيْهِم فَلَمَّا رَأَتْ ذَلِك بَنو كَعْب وَبَنُو كلاب وَمَا تلقى عقيل من بنى نمير أَجمعُوا على قتال بنى نمير فارتحلت نمير ليلحقوا ببنى سعد بن زيد مَنَاة فلحقتهم كلاب فردتهم وتحملوا مَا كَانَ لَهُم دم فى بنى كَعْب

ووهبوا لَهُم مَا كَانَ فيهم فَقَالَ أَبُو دواد (دفعنَا والأحبة من دفعنَا ... وَكُنَّا ملْجأ لبنى نمير) (حوينا حجرنا لَهُم فحلوا ... إِلَيْنَا بعد تظعان وسير) (وَكَانَ الرَّأْس يَوْم قراص منا ... وَمنا الرَّأْس يَوْم أبي عُمَيْر)

(فَإِن ذهب الْعَمى وأمنتموهم ... فَلَا تستبدلوا أخيال طير) (صديق كلما كُنْتُم بشر ... وأعداء إِذا كُنْتُم بِخَير) 949 - وَقَالَ أَيْضا فى وقعتهم بمذحج (أَلا هَل اتاك مَا لقِيت قنان ... وَمَا لقِيت ببلدتها صداء)

(وَمَا لاقت بَنو الديَّان منا ... غَدَاة تضج بالْخبر الثَّنَاء) (أَتَانَا أَن بالخرماء مِنْهُم ... سوامهم وَدون الفيف شَاءَ) (وَأَن بهَا قراضبة غساسا ... يدبر أَمر سادتها النِّسَاء) (فوجهنا كتائب غير ميل ... وَلَا كشف إِذا كره اللِّقَاء) (وأفلتنا المحجل فى صلاه ... طرير الْحَد ينهاه اللِّوَاء)

(وغادرنا بنى الديَّان صرعى ... كَأَن رُؤُوس سادتها الغثاء) (فغودر مِنْهُم لما الْتَقَيْنَا ... بمعترك تمور بِهِ الدِّمَاء) (أَبُو خلف وَصَاحبه ووهب ... ورداد وفارسهم عداء) (وَذُو الرمحين أَحْمَر قد أَتَاهُ ... فدَاء ثمَّ إِن نفع الْفِدَاء) (تنادوا نحونا ودعوت قومى ... كلابا والأمور لَهَا بداء) (فآب لنا شريك حَيْثُ أبنا ... جنيبا لايراد بِهِ الغلاء) (فأنعمنا هُنَاكَ على شريك ... وَكُنَّا من سجيتنا الحباء)

950 - وَقَالَ أَبُو دواد أَيْضا (لليلى خيال قل مَا يتعرج ... يهيج من أحزاننا مَا يهيج) (يؤرق أصحابى وبينى وَبَينهَا ... مناكب رعم فالنباج فَأخْرج) (وعهدى بهَا وَالدَّار تجمع أَهلهَا ... لَهَا مقلتا ريم وَخلق خَدلج) (تواصل أَحْيَانًا وتصرم تَارَة ... وَشر الأخلاء الْخَلِيل الممزج) (كأنا توافينا مَعَ اللَّيْل مغزل ... من الْأدم جماء المدامع عوهج) (نظل بأجزاع المرير مربة ... وسال عَلَيْهَا من فجيرة أشرج)

(فَإِن تَكُ أضحت بعد سَاكن غِبْطَة ... بهَا الْعين ترعى والظايم السفنج) (فَكل جَمِيع صائر لتفرق ... وكل جَدِيد لَا محَالة مَنْهَج) (وَنحن منعنَا بطن مج وَحَائِل ... وأبلى من الْأَعْدَاء حَتَّى تفرجوا) (بحى حَلَال لَا تكَاد تجيرهم ... وضاخ ونفؤ والبطاح فمنعج) (نقاذف بالأسياف عبسا وطيئا ... وَقد أحجمت عَنَّا تَمِيم ومذحج)

(بعزو كولغ الذِّئْب غاد ورائح ... وسير كصدر السَّيْف لَا يتعرج) (بِكُل جواد مشرف حجباتها ... تشاركت الرعشاء فِيهَا وأعوج) (وَنحن حبسنا الْجَيْش عَنَّا وَقد بدا ... لَهُم نعم حوم بعثران محدج)

(فَمَا انصرفوا بقيا وَلَكِن نَهَاهُم ... حصيفان مِنْهُم حاسر ومدجج) (وَقد سد فيف الرّيح جأواء فيلق ... وَأَلْفَانِ أَو ألف من الرجل يدرج) (وَنحن أَبَاهُ الْخَسْف فى كل موطن ... إِذا كَانَ يَوْم ذُو كواكب مرهج) (فَتلك نمير ثمَّ لم تغن نقرة ... وَقَالَت هلا أهل إِلَيْكُم مولج) (وَلما رَأينَا أَنما سعينا لنا ... وَقد يفلح الساعى الْمجد ويفلج) (وَكُنَّا بنى أم حممنا ذمارنا ... وَلم يَك فِينَا الْعَاجِز المتزلج) (سيخبر عَن أيامنا وبلائنا ... وشداتنا فى الْحَرْب حدج وحندج)

حدج وحندج ابْنا الْبكاء بن عَامر بن ربيعَة بن عَامر بن صعصعة 951 - وَالرَّابِع القحيف قَالَ مُحَمَّد بن سَلام حَدَّثَنى أبي سَلام قَالَ كَانَ القحيف خرج زَائِرًا لأبراهيم بن عَاصِم العقيلى فَبعث الْأَشْهب بن كُلَيْب الْعقيلِيّ إِلَى إِبْرَاهِيم بن عَاصِم رَسُولا يُخبرهُ أَن القحيف قد هجاه وأساء القَوْل فِيهِ ليحرمه وليقصيه فَفعل فَقَالَ القحيف (مَتى مَا تحط خَبرا بِنَا يَا ابْن عَاصِم ... تَجِد لى رجَالًا من بنى الْعم حسدا) (وماذاك عَن ذَنْب إِلَيْهِم جنيته ... سوى أَن لى ذكرا أغار وأنجدا) 952 - وَقَالَ القحيف فى يَوْم الفلج حِين جَاءَهُم صريخ بنى كَعْب ابْن ربيعَة على بنى عجل

(ديار الحى تضربها الطلال ... من الخافى بهَا أهل وَمَال) (وأجذم ذبها عودا وبدءا ... بدفيه تعبقرت السخال) (بهَا الفدر الرياد وكل هِقْل ... كبيت الرّفْقَة احترقوا فَقَالُوا) (أما ومعلم التَّوْرَاة مُوسَى ... وَمن صلى وَصَامَ لَهُ بِلَال)

(لقد كَانَت تودك أم عَمْرو ... بِذَات الصَّدْر إِذْ نسى الْخلال) (أَتَانَا بالعقيق صريخ كَعْب ... فحن النبع والأسل النهال) (ثَلَاثًا ثمَّ وجهنا إِلَيْهِم ... رحى للْمَوْت لَيْسَ لَهَا ثفال) (وحالفنا السيوف وصافنات ... سَوَاء هن فِينَا والعيال) (بَنَات بَنَات أَعْوَج طامحات ... مدى الْأَبْصَار جلتها الفحال)

(شعير زَادهَا وفتيت قت ... وَمن مَاء الْحَدِيد لَهَا نعال) (وكردست الْحَرِيش فعارضونا ... بخيل فى فوارسها اختيال) (وسالت من أباطحها قُشَيْر ... بِمثل أَتَى بيشة حِين سالوا) (نقود الْخَيل كل أشق نهد ... وكل طمرة فِيهَا اعْتِدَال)

(تكَاد الْجِنّ بالغدوات منا ... إِذا اصطفت كتائبنا تهال) (فبتن على الْعسيلَة ممسكات ... لَهُنَّ غدية رهج جفال) (فَلَمَّا شقّ أَبيض ذُو حواش ... لَهُ حَال وللظلماء حَال) (صبحناهم نواصيهن شعثا ... بِهن حرارة وبنا اغتلال) (فَلَمَّا جحدلت مئتان مِنْهُم ... وفر حنانهم عَنْهُم فزالوا)

(وصاروا بَين ممتن عَلَيْهِ ... ومنصوب لَهُ جذع طوال) (تكفنهم حنيفَة بعد حول ... وَكَيف يكفنون وَقد أحالوا) (أمنكم ياحنيف نعم لعمرى ... لحى مخضوبة وَدم سِجَال) (وَلَوْلَا الرّيح أسمع أهل حجر ... صياح الْبيض تقرعها النصال) (كَأَن الْخَيل طالعة عَلَيْهِم ... بفرسان الصَّباح قطا رعال)

953 - وَقَالَ أَيْضا (وَمَاء قد يظل على جباه ... حمام حائم وقطا وُقُوع) (جعلت عمامتى صلَة لدلوى ... لتبلغ إِذْ تقاصرت النسوع) (لأسقى فتية ومنفهات ... أضرّ بنيها سفر رجيع) (ركبناها سمانتها فَلَمَّا ... بَدَت مِنْهَا السناسن والضلوع) (صبحناها السِّيَاط محدرجات ... فعزتها الضليعة والضليع)

تمّ كتاب طَبَقَات الشُّعَرَاء وَالْحَمْد لله رب الْعَالمين كثيرا سرمدا وَصلى الله على مُحَمَّد النبى وَآله وَسلم أَولا وآخرا وحسبنا الله وَنعم الْوَكِيل وفى هَامِش المخطوطة قوبل بِالْأَصْلِ فصح

§1/1