طبقات صلحاء اليمن = تاريخ البريهي

عبد الوهاب البريهي

بسم الله الرحمن الرحيم

بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم الْحَمد لله الَّذِي ميز عِصَابَة السّنة بأنوار الْيَقِين وأيد رَهْط الْحق بالهداية إِلَى دعائم الدّين ووفقهم للاقتداء بِسَيِّد الْمُرْسلين وسددهم للتأسي بصحبه الأكرمين وَيسر لَهُم اقتفاء آثَار السّلف الصَّالِحين وَأشْهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَحده لَا شريك لَهُ شَهَادَة أفوز بهَا يَوْم الدّين وَأشْهد أَن مُحَمَّدًا عَبده وَرَسُوله خَاتم النَّبِيين صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وعَلى آله وَأَصْحَابه أَجْمَعِينَ أما بعد فَهَذَا كتاب تَارِيخ مُخْتَصر من التَّارِيخ الْكَبِير الَّذِي جمعته فِي بَيَان الْعلمَاء والفضلاء بِالْيمن وَمن اشْتهر مِنْهُم فِي المئة التَّاسِعَة وَقد أذكر أمورا من بعض من توفّي قبلهَا فِي المئة الثَّامِنَة من الْهِجْرَة النَّبَوِيَّة والوافدين إِلَيْهِ فِي الْعَصْر الْمَذْكُور من سَائِر الأقطار وَجَعَلته تذكرة لأولي البصائر والعقول مِمَّا شاهدته وأخبرت عَنهُ وحذفت مُكَرر القصائد المطولات مِمَّا قد كنت أرصدته ودونته فِي الأَصْل لهَذَا الْمُخْتَصر فَمن رغب إِلَى تَحْقِيق ذَلِك فلينظره ويراجعه فِيمَا هُنَالك فَفِيهِ زِيَادَة تصنيف عَن هَذَا الْمُخْتَصر وبدأت بالسادة الشرفاء الشَّافِعِيَّة من أهل صنعاء وَمَا والاها من حراز وملحان وبرع وريمة ووصاب ثمَّ بعدهمْ الْعلمَاء والفضلاء من أهل مخلاف جَعْفَر وَذَلِكَ بعدان والسحول وإب وبلدة بني سيف وبلد بني حُبَيْش والشوافي وجبلة ومعشار التعكر وَمَا والى ذَلِك وختمت بالعلماء والفضلاء من أهل تعز وزبيد وموزع وعدن وَمَا والى ذَلِك

فَأَما أهل صنعاء فأولهم السَّيِّد الشريف أوحد الْعلمَاء الْأَعْلَام الْهَادِي بن إِبْرَاهِيم بن عَليّ المرتضى الهادوي الحسني وَمن المفاخر صَعب مرتقاها لَهُ النّظم المعجز والنثر الموجز وَله مصنفات فِي سَائِر فنون الْأَدَب كَأَنَّهَا عُقُود من جمان أَو شذور من ذهب قلت وَالدَّلِيل على دُخُوله مَذْهَب أهل السّنة مَا شاهدته مَكْتُوبًا بِخَطِّهِ إِلَى الإِمَام أبي الرّبيع سُلَيْمَان بن إِبْرَاهِيم الْعلوِي نفع الله بِهِ قَالَ فِي أثْنَاء مَا كتبه إِلَيْهِ ثمَّ إِنِّي كنت فِي إبان الحداثة مُولَعا فِي علم الْكَلَام وَفِي هَذِه الْمدَّة رغبت عَنهُ إِلَى علم الحَدِيث وَرجعت عَمَّا كنت عَلَيْهِ الْقَهْقَرَى وفضلت فِي الحَدِيث من قرى وَقلت الصَّيْد كل الصَّيْد من جَوف الفرا وَكم بَين علم من لَا ينْطق صَاحبه عَن الْهوى مَعْصُوم فِي جَمِيع أَحْوَاله عَن الْخَطَأ وَقد تلفع فِي حَضْرَة الْقُدس بِثِيَاب النَّجْوَى وَكَانَ من الْقرب قاب قوسين أَو أدنى وَأرَاهُ الله ثَوَاب نَفسه وَبعث النَّفس فِي جنَّة المأوى وَجَاوَزَ بِهِ وَلم يقف عِنْد سِدْرَة الْمُنْتَهى {مَا زاغ الْبَصَر وَمَا طَغى لقد رأى من آيَات ربه الْكُبْرَى} وَبَين ثارت علم بَين أَهله عجابة المراء فأعشى أبصار كثير مِنْهُم عَن طَرِيق الْهدى وَأَصْحَابه أهل الصِّرَاط السوي وَمن اهْتَدَى أُولَئِكَ أهل علم الْمُصْطَفى الْمَعْقُود على رؤوسهم تيجان الرضى من الْملك الْأَعْلَى وَأنْشد

(عَلَيْك بحبهم فاجعله فرضا ... وَقدم حبهم فِي الله قرضا) (وَأمْسك بالقوادم من هدَاهُم ... وَخص فِي علمهمْ ترضي وترضى) (أحب سَمَاء أَرضهم وأرضا ... تكون لَهُم سَواد الْعين أَرضًا) (أطباء الْقُلُوب هم إِذا مَا ... غَدَتْ من كَثْرَة التدقيق مرضى) ثمَّ قَالَ وَهَذِه هِيَ الطَّرِيقَة الجادة وَهِي اتِّبَاع الْكتاب وَالسّنة وحسبنا مَا ورد فِي آدَاب الْقُرْآن الْكَرِيم {قل آمنا بِاللَّه وَمَا أنزل علينا} الْآيَات وانْتهى أخْبرت أَنه حج سنة 809 وَكَانَ هَذَا الشريف وَزِير الإِمَام الشريف صَلَاح بن عَليّ ثمَّ لوَلَده عَليّ فَسُمي ذُو الوزارتين وَله شعر حسن ذكرته فِي الأَصْل فليطالع من هُنَالك فِي مُكَاتبَته إِلَى الْفَقِيه الْعَلامَة شرف الدّين إِسْمَاعِيل بن أبي بكر الْمقري إِلَى مَدِينَة زبيد وَغير ذَلِك مِنْهُ مَا قَالَه وَقد حضر عِنْده زبيب أَبيض استحسنه فَقَالَ (يَا أهل صنعاء قد رزقتم جنَّة ... أنهارها تجْرِي بِأَمْر الْخَالِق) (ورزقتم فِيهَا زبيبا أبيضا ... من رَازِق فتنعموا بالرازقي) توفّي هَذَا الشريف بِمَدِينَة ذمار بحمام السعيدي سنة اثْنَتَيْنِ وَعشْرين وثمانمئة من دُخان الْحمام رَحمَه الله ونفع بِهِ آمين

وَمِنْهُم السَّيِّد الشريف الْعَلامَة عز الدّين مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم بن عَليّ المرتضى الهادوي الحسني كَانَ إِمَامًا يرجع إِلَيْهِ فِي المعضلات ويقصد لإيضاح المشكلات أَجمعت الْعَامَّة من أهل بَلَده على جلالته واحترامه وتفضيله وإكرامه ولزومه طَرِيق السّنة ورفضه لأهل الْبِدْعَة ترْجم لَهُ بعض أَئِمَّة الزيدية فَقَالَ هُوَ الشريف الْمُحدث الأصولي النَّحْوِيّ الْمُفَسّر الْمُتَكَلّم الْفَقِيه البليغ المفوه الرحالة الْحجَّة السّني فريد الْعَصْر ونادرة الدَّهْر وخاتمة النقاد وحامل لِوَاء الْإِسْنَاد وَبَقِيَّة أهل الِاجْتِهَاد بِلَا خلاف وَلَا عناد كشاف أصداف الفرائد قطاف أزهار الْفَوَائِد فاتح أقفال الظرائف مانح أثقال اللطائف مُصِيب شواكل المشكلات بثواقب أبصاره مطبق معاضل المعضلات بصوارم أفكاره مضحك كمائم النكت من نوادره مفتح نَوَادِر الظرائف من موارده ومصادره انْتهى مَا وجدته من التَّرْجَمَة أخْبرت أَن مولده فِي رَجَب سنة سِتّ وَسبعين وسبعمئة وَأَنه توفّي شَهِيدا من ألم الطَّاعُون سنة أَرْبَعِينَ وثمانمئة وَأَن هَذَا الشريف سمع الحَدِيث من جمَاعَة أَجلهم شيخ الْحرم جمال الدّين مُحَمَّد بن عبد الله بن ظهيرة الْقرشِي الشَّافِعِي الْمَكِّيّ وَشَيخ عُلَمَاء الْيمن نَفِيس الدّين سُلَيْمَان بن إِبْرَاهِيم الْعلوِي وَشَيخ الحَدِيث بِصَنْعَاء حُسَيْن بن مُحَمَّد العلفي وَغَيرهم مِمَّن عني بِمَعْرِِفَة أَحَادِيث الْأَحْكَام وتمييز الرِّجَال

وَمَا يجب مَعْرفَته على الْمُجْتَهد وَكَانَ دَاعِيَة إِلَى السّنة وَأكْثر تآليفه فِي ذَلِك ككتاب العواصم فِي أَرْبَعَة مجلدات يشْتَمل على تَحْقِيق مَذْهَب السّلف وَأهل السّنة وَالرَّدّ على المبتدعة والذب عَن أَئِمَّة الْفُقَهَاء الْأَرْبَعَة جود فِيهِ القَوْل فِي مَسْأَلَة الْأَفْعَال وَمَا يتَعَلَّق بهَا من مَسْأَلَة الْمَشِيئَة والأقدار وصنف مُخْتَصرا فِي السّنة الْخَالِصَة عَن عِبَارَات الْمُتَأَخِّرين عَن جَمِيع الْمذَاهب وَهُوَ جُزْء لطيف وصنف كتاب تَرْجِيح أساليب الْقُرْآن على أساليب اليونان فِي معرفَة الله تَعَالَى سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَكتاب الْبُرْهَان الْقَاطِع فِي معرفَة الصَّانِع وَله غير ذَلِك من المصفنات المفيدة وَله شعر رائق من ذَلِك مَا سَنذكرُهُ من قصيدة طَوِيلَة قَالَ فِيهَا (إِذا افتتحت أَبْوَاب رَحْمَة رَبنَا ... صغرن لَدَيْهَا موبقات الجرائم) (وَإِن هِيَ لم تفتح وَلم تسمح الخطا ... فعد من الْهَلَاك أهل العزائم) (وَمَا الرِّبْح والخسران إِلَّا لحكمة ... بهَا جَفتْ الأقلام قبل الْخَوَاتِم) وَله فِي جمع الْعشْرَة رَضِي الله عَنْهُم فِي بَيت وَاحِد هُوَ قَوْله (للمصطفى خير صحب نَص أَنهم ... فِي جنَّة الْخلد نصا زادهم شرفا) (هم طَلْحَة وَابْن عَوْف وَالزُّبَيْر كَذَا ... أَبُو عُبَيْدَة والسعدان والخلفا)

قلت شعر هَذَا الشريف الْمَذْكُور كثير مِنْهُ مَا قد ذكرته فِي الأَصْل وَمِنْه غير ذَلِك مِمَّا لَا ينْحَصر وَقد مدحه جمَاعَة من الشُّعَرَاء مِنْهُم الأديب البليغ أَحْمد قَاسم بن عَليّ بن سريع الشهير بالشامي وَهُوَ أحد الشُّعَرَاء المجودين كَانَ بحرا زاخرا بعلوم الزيدية والتاريخ وَغَيرهَا فَقَالَ شعرًا فِيهِ (ألم بمحمود السجايا مُحَمَّدًا ... يعنك وَإِن صالت عَلَيْك المهالك) (فتقتبس الْأَنْوَار من نور علمه ... وتلتمس الأزهار وَهِي ضواحك) (هُوَ الْبَحْر علما بل هُوَ الْبَدْر طلعة ... هُوَ الْقطر جودا وَهُوَ للمجد مَالك) وَهِي طَوِيلَة ذكرتها فِي التَّارِيخ الْكَبِير فَمن أحب ذَلِك فلينظرها مِنْهُ رَحمَه الله تَعَالَى ونفع بِهِ وبعلومه آمين وَمن المتوفين بِصَنْعَاء الْيمن الْفَقِيه الْكَاتِب الْوَزير أَبُو الْحسن عَليّ بن يحيى العمراني رَحمَه الله تَعَالَى قَالَ بَعضهم فِيهِ هُوَ طود كَمَال وبحر إنصاف إِجْمَال حلى كَتِفي الْأَدَب والرياسة وَأخذ بطرفي أَحْكَام الشَّرِيعَة والسياسة وَضرب فِي علم التصوف بِسَهْم وَنصِيب وَرمى أغراض الْحَقِيقَة بِسَهْم مُصِيب أخْبرت أَنه وَأَهله وَأَبوهُ وَإِخْوَته وقبيلهم على مَذْهَب الإِمَام أبي عبد الله مُحَمَّد بن إِدْرِيس الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ وهم من بلد بمغرب صنعاء تسمى الحيام بِالْحَاء الْمُهْملَة وَكَانَ لَهُم الْعِبَادَة وَلَهُم مُشَاركَة بِشَيْء من الْعُلُوم فسلك الْفَقِيه صَاحب التَّرْجَمَة طَرِيق التصوف وتحكم عل يَد شيخ الشُّيُوخ ولي الله تَعَالَى محيي الدّين العرابي وتأدب بآدابه وَألبسهُ الْخِرْقَة الْمُتَّصِلَة سندها بسيدنا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على اصْطِلَاح الصُّوفِيَّة وَكَانَ يجمع جمَاعَة إِلَى بَيته يذكرُونَ

الله تَعَالَى من صَلَاة الصُّبْح إِلَى بعد ظُهُور 4 الشَّمْس وَمثل ذَلِك بآخر النَّهَار يَتلون الذّكر الْمَشْهُور عَن الشَّيْخ العرابي فاشتهر هَذَا الْوَزير شمس الدّين بِالْعَمَلِ الصَّالح وبرع فِي فن الكتابات للإنشاء واستنابه الإِمَام الشريف عَليّ صَلَاح على أَحْكَام صنعاء ومعظم بَلَده وحوائج وَالِده فَصَارَ بِبَاب الإِمَام هُوَ الْمشَار إِلَيْهِ وَسَار فيهم سيرة حَسَنَة حَمده عَلَيْهَا كل أحد مَعَ علم الإِمَام عَليّ بن صَلَاح أَنه شَافِعِيّ الْمَذْهَب وَكَانَ بِهِ نفع عَظِيم للشَّافِعِيَّة وَغَيرهم وَصَحب الشريف جمال الدّين مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم مقدم الذّكر والمقرىء جمال الدّين مُحَمَّد الساودي فاغتاظت الزيدية من ذَلِك وَلم يظهروا عَدَاوَة العمراني وَلم يزل الْوَزير العمراني الْمَذْكُور على الْحَال المرضي إِلَى أَن توفّي سنة أَرْبَعِينَ وثمانمئة شَهِيدا من ألم الطَّاعُون وَله شعر رَقِيق من ذَلِك مَا قَالَه من قصيدة طَوِيلَة (إِلَيْك إلهي جِئْت أسعى وأحفد ... وأنصب فِيمَا ترتضيه وأجهد) (وأخلص فِي فعلي وَقَوْلِي تقربا ... إِلَيْك وأقضي مَا قضيت وأعبد) (وأثني عَلَيْك الله فِي كل لَحْظَة ... وأقصد بالنجوى إِلَيْك واصمد) وَله غير ذَلِك مِمَّا قد أثْبته فِي التَّارِيخ الْكَبِير وَغَيره رَضِي الله عَنهُ ونفع بِهِ آمين وَمِنْهُم المقرىء الْعَلامَة جمال الدّين مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم الْخَولَانِيّ الْمَشْهُور بالساودي قَرَأَ بالقراءات السَّبع والْحَدِيث والنحو وَالْأُصُول على جمَاعَة من أَئِمَّة وقته وأجازوا لَهُ فدرس وَتخرج على يَده جمَاعَة بِهَذِهِ الْعُلُوم

وَكَانَ وحيد عصره ومقرىء مصره وفريد دهره فِي بَلَده لجمعه لفنون شَتَّى من أَنْوَاع الْعُلُوم اتَّفقُوا على أَنه لم يكن فِي زَمَنه بِصَنْعَاء وذمار وصعدة وَغَيرهَا من تِلْكَ الْجِهَات الْعليا من يماثله ويدانيه فِي علم الْقرَاءَات السَّبع وصنف فِي ذَلِك كتابا حافلا سَمَّاهُ فكاهة الْبَصَر والسمع فِي معرفَة الْقرَاءَات السَّبع وَجعله فِي ثَلَاثَة مجلدات كبار وَألف كتابا مُخْتَصرا فِي قِرَاءَة نَافِع وَأبي عَمْرو ووفدت عَلَيْهِ طلبة الْعلم من جِهَات شَتَّى فأفادهم الْفَوَائِد السّنيَّة وَكَانَ قد يخْطب فَإِذا وعظ كَانَ كمن لانت لَهُ صم الصخور وأذهب كَلَامه كل زيغ فِي الصُّدُور بِلَفْظ مُوَافق لعقيدة أهل السّنة وَالْجَمَاعَة أَخْبرنِي وتلفظ لي وأشهدني أَنه شَافِعِيّ الْمَذْهَب يعْتَقد مَا يَعْتَقِدهُ أهل السّنة وَيُخَالف مَا عَلَيْهِ أهل الْبِدْعَة وَغَيرهم وَكَانَ قد يضْطَر إِلَى موافقتهم فِي اعْتِقَادهم تقية مِنْهُم وَله فِي علم التصوف مجَال ممتد وَمَكَان مُعْتَد وَكَانَت طَائِفَة من أهل وصاب مِنْهُم بَنو البعيثي وَأهل قطرهم وَجَمَاعَة من غَيرهم يَعْتَقِدُونَ أَنه قطب الْوُجُود وبركة كل مَوْجُود وَكَانُوا يؤدون إِلَيْهِ زكاتهم وفطرتهم ويأتمرون بأَمْره وينتهون لنَهْيه ويتبركون بمواقع أنامله وَلما كفى الله هَذَا المقرىء جمال الدّين شَرّ الزيدية قَالَ بَيْتَيْنِ متمثلا بهما (وَإِنِّي لمن قوم إِذا لبس الورى ... دروعا وجالوا فِي ظبا وأسنة) (لباسهم الذّكر الْحَكِيم لبأسهم ... فهم فِي حمى حدي كتاب وَسنة) وَقيل إِن هذَيْن الْبَيْتَيْنِ لغيره وَإِنَّمَا أَتَى بهما متمثلا وَحكي عَنهُ كرامات ذكرتها فِي الأَصْل توفّي هَذَا المقرىء سنة إِحْدَى وَسِتِّينَ وثمانمئة فِي دولة الإِمَام النَّاصِر بن مُحَمَّد وَقد كَانَ مكرما لَهُ مفوضا إِلَيْهِ كِتَابَة الْإِنْشَاء وَأمر الْوَقْف والوصايا ففاق أهل زَمَانه برسائله المبهجة وَكَلَامه المسجوع رَحمَه الله تَعَالَى ونفع بِهِ وبعلومه

وَمن المتوفين بِصَنْعَاء من الوافدين إِلَيْهَا سنة تسع وَأَرْبَعين وثمانمئة الشَّيْخ الْعَارِف الرّحال تَاج الْإِسْلَام بن صدر الدّين بن فَخر الْملَّة الْقرشِي الْخُرَاسَانِي كَانَ من أكَابِر الْعلمَاء العارفين وَأكْثر مَعْرفَته فِي علم الْمنطق ويروي فِي الْأَخْبَار عَن سنَن الْأَوَّلين وَعَن الْأَئِمَّة أهل عصره من أهل بَلَده وَعَن مَا مر عَلَيْهِ من سَائِر الْبلدَانِ مَا يضيق عَن ذكره هَذَا الْمَجْمُوع وَذكر فِيمَا حُكيَ عَنهُ فَوَائِد وعجائب ذكرتها فِي الأَصْل وَمِمَّنْ تقدّمت وَفَاته بِمَدِينَة صنعاء من أهل السّنة الشَّيْخ الإِمَام الْعَلامَة جمال الدّين مُحَمَّد بن حُسَيْن بن عَليّ بن سُلَيْمَان السراج أخْبرت أَنه كَانَ فَقِيها مُحدثا نحويا جَامعا لأشتات من الْعُلُوم مصنفا قَرَأَ على المشائخ الْكِبَار فأجازوا لَهُ فدرس وَأفْتى وانتفع بِهِ أهل صنعاء وَغَيرهم وقصده طلبة الْعلم الشريف من نواحي الْيمن وَمن تلامذته المقرىء جمال الدّين مُحَمَّد بن عمر اليريمي وَهُوَ مِمَّن أثني عَلَيْهِ وَشهد لَهُ أَنه فِي الْعُلُوم لَا يجارى وَلَا يمارى وَنقل عَنهُ أَئِمَّة الْعَصْر من الْفَوَائِد الصَّحِيحَة بالعبارات الصَّرِيحَة مَا مَلأ السطور وشفى الصُّدُور وَحصل الْإِجْمَاع على جلالته وعلو رتبته وَله تصانيف كَثِيرَة مِنْهَا شرح الْحَاوِي الصَّغِير وَمِنْهَا تعاليق مفيدة على مَوَاضِع كَثِيرَة من كتب الْفِقْه والْحَدِيث والنحو وَغَيرهَا وعَلى الْجُمْلَة فَهُوَ مِمَّن سلمت إِلَيْهِ الرِّئَاسَة بِبَلَدِهِ وبوقته وَهُوَ أشهر من أَن نطيل بوصفه توفّي بِمَدِينَة صنعاء بعد الْخمسين الأول من المئة الثَّامِنَة رَحمَه الله تَعَالَى ونفع بِهِ وَمِنْهُم الْحَافِظ شرف الدّين حُسَيْن بن مُحَمَّد الْقرشِي العلفي أخْبرت أَنه كَانَ شيخ الحَدِيث بِمَدِينَة صنعاء وَأَنه كَانَ يرحل إِلَيْهِ من أنحاء الْيمن لطلب الْعلم وَعنهُ أَخذ السَّيِّد الشريف جمال الدّين مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم الْمُقدم الذّكر وَهُوَ مَعْدُود من شُيُوخه

كَانَ هَذَا الشَّيْخ شرف الدّين على جَانب عَظِيم من الزّهْد وَالْعِبَادَة وَكَانَ أهل بَلَده يجلونه ويعظمونه وانتفع بِهِ طلبة الْعلم الشريف وَكَانَ سَنَده فِي الحَدِيث عَالِيا وَطَالَ عمره وَلم أتحقق تَارِيخ وَفَاته إِلَّا أَنه كَانَ مَوْجُودا فِي أَوَائِل المئة الثَّامِنَة رَحمَه الله تَعَالَى وَمن الوافدين إِلَى صنعاء من الْفُقَهَاء الشَّافِعِيَّة الْفَقِيه شهَاب الدّين أَحْمد بن مُحَمَّد اليريمي قَرَأَ فِي الْفِقْه على عَمه الْفَقِيه تَقِيّ الدّين عمر بن مُحَمَّد اليريمي وعَلى جمَاعَة من الْفُقَهَاء بِمَدِينَة تعز وَقَرَأَ فِي النَّحْو بِمَدِينَة صنعاء على جمَاعَة من الْأَئِمَّة فبرع بذلك ودرس فِيهِ وأضيف إِلَيْهِ تدريس الْمدرسَة الفرحانية بتعز والإعادة فِي الْمدرسَة المعتبية بتعز وَكَانَ كثير التَّرَدُّد إِلَى بَلَده يريم وَإِلَى مَدِينَة صنعاء فطلع من مَدِينَة تعز إِلَى مَدِينَة صنعاء على عَادَته فعاجلته الْمنية فِيهَا وَكَانَت وَفَاته سنة سبعين وثمانمئة وَكَانَت لَهُ قريحة ينظم بهَا الشّعْر وَله أحجيات يوردها على أهل الْأَدَب رَحمَه الله تَعَالَى وَمِنْهُم المقرىء الْفَاضِل مفضل بن عمرَان الْحرَازِي رَحل من بلد حراز إِلَى مَدِينَة صنعاء فَقَرَأَ بالقراءات السَّبع وبالنحو على المقرىء جمال الدّين مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم الساودي وَأقَام عِنْده سِنِين ثمَّ انْتقل إِلَى مَدِينَة تعز وَقَرَأَ بالنحو على الْفَقِيه عفيف الدّين عبد الْوَهَّاب السرافي وعَلى المقرىء شمس الدّين على الشرعبي وَتزَوج بِمَدِينَة تعز وَسكن بهَا ثمَّ استدعاه الإِمَام النَّاصِر إِلَى مَدِينَة صنعاء بوساطة شَيْخه المقرىء جمال الدّين الساودي فانتقل إِلَيْهَا وَأحسن إِلَيْهِ الإِمَام النَّاصِر ورتب لَهُ مَا يَكْفِيهِ وَجعله مؤدبا لوَلَده إِلَى أَن توفّي بعد سنة خمسين وثمانمئة رَحمَه الله تَعَالَى

القول في ذكر من علمنا حاله من العلماء والفضلاء من أهل وصاب وريمة وما والى ذلك

القَوْل فِي ذكر من علمنَا حَاله من الْعلمَاء والفضلاء من أهل وصاب وريمة وَمَا والى ذَلِك فنبدأ بِذكر الْفُقَهَاء من أهل الْحَرْف فِي مخلاف جعر من وصاب الْأَعْلَى فَمنهمْ الإِمَام الْعَلامَة الصَّالح وجيه الدّين عبد الرَّحْمَن بن عمر الحبيشي كَانَ دوحة علم وذكاء أَصْلهَا ثَابت وفرعها فِي السَّمَاء سقته الْفَضَائِل بشآبيبها وكسته المعارف جلابيبها نَشأ يَتِيما فِي حجر أمه واشتغل فِي صباه بالشعر واللغة واشتهر بالفصاحة والبلاغة فَكَانَ ينشىء الشّعْر العجيب وَهُوَ صَغِير حدث السن ثمَّ اشْتغل بالفقه فَقَرَأَ على جمَاعَة من الشُّيُوخ مِنْهُم الْفَقِيه عفيف الدّين عبد الله بن مُحَمَّد بن أسعد والفقيه تَقِيّ الدّين عمر بن عبد الله بن صَالح اليحيويان وَفِي الحَدِيث على الإِمَام برهَان الدّين إِبْرَاهِيم بن عمر الْعلوِي وَالْإِمَام شهَاب الدّين أَحْمد بن أبي الْخَيْر الشماخي بِالْمُعْجَمَةِ وَاسْتمرّ فِي الْمدرسَة المؤيدية مدرسا فِي مَدِينَة تعز فَأَقَامَ بهَا أَيَّامًا ثمَّ تَركهَا

ورحل إِلَى بَلَده فَأَقَامَ بهَا يدرس ويفتي ثمَّ تولى الْقَضَاء هُنَالك فَكَانَ رَحمَه الله إِمَامًا محققا للفنون كلهَا كالتفسير والْحَدِيث والنحو واللغة وَالْأُصُول وَالْفُرُوع وَسَائِر الْعُلُوم وَكَانَ صواما قواما ورعا مُجْتَهدا ألف كتبا كَثِيرَة حَسَنَة مِنْهَا كتاب بلغَة الأديب إِلَى معرفَة الْغَرِيب وَمِنْهَا كتاب الِاعْتِبَار لِذَوي الْأَبْصَار وَمِنْهَا كتاب الجدل بَين اللَّبن وَالْعَسَل وَمِنْهَا كتاب المعتقد لِذَوي الْأَلْبَاب وَالْمُعْتَمد فِي الْآدَاب نظما قدر ألف وأربعمئة بَيت تَقْرِيبًا وَمِنْهَا كتاب زهر الْبَسَاتِين فِي الدُّعَاء على عَدو الدّين وَمِنْهَا كتاب النّظم والتبيان نظم بِهِ كتاب التَّنْبِيه فِي الْفِقْه وَلم يكمله وَقيل أكمله وَله غير ذَلِك من الْخطب والآداب وَله مَنَاقِب وفضائل ذكرتها فِي الأَصْل مَعَ شعر رائق توفّي رَحمَه الله تَعَالَى لَيْلَة السبت الثَّامِن من شهر جُمَادَى الْآخِرَة سنة ثَمَانِينَ وسبعمئة رَحمَه الله تَعَالَى ونفع بِهِ وَدفن فِي التربة تَحت مَسْجِد قَرْيَة الْحَرْف واشتهر لَهُ ثَلَاثَة أَوْلَاد نجباء عُلَمَاء فضلاء مِنْهُم الْفَقِيه الْعَلامَة الإِمَام قدوة الصَّالِحين بوقته وبركتهم وصفوة العارفين وعمدتهم السَّيِّد الْجَلِيل الْكَبِير الشهير جمال الدّين مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن أخْبرت أَنه مِمَّن طابت لَهُ المحافد والمغارس وأنارت بمصابيح علمه الْمَسَاجِد والمدارس وَكَانَ عَالما عَاملا بِعِلْمِهِ صَالحا جَامعا لأنواع الْفَضَائِل كثير الذّكر وَالِاجْتِهَاد أَخذ الْعُلُوم عَن عدَّة مَشَايِخ مِنْهُم وَالِده الْمُقدم الذّكر ثمَّ الإِمَام برهَان الدّين إِبْرَاهِيم بن عمر الْعلوِي وَكَانَ رَحمَه الله ذَا معرفَة قَوِيَّة فِي الْقرَاءَات السَّبع وَالتَّفْسِير والْحَدِيث وَالْفِقْه واللغة وَالْأَدب وَالْحكمَة وَله استدراكات وتنبيهات على الْمَوَاضِع المشكلات وصنف كتبا كَثِيرَة مِنْهَا نشر طي التَّعْرِيف فِي فضل حَملَة الْعلم الشريف وَمِنْهَا كتاب الْبركَة فِي السَّعْي وَالْحَرَكَة وَمِنْهَا كتاب النورين فِي إصْلَاح الدَّاريْنِ وَمِنْهَا التَّذْكِير بِمَا إِلَيْهِ الْمصير وَكتاب فرحة الْقُلُوب وسلوة المكروب وَله غير ذَلِك من الرسائل

والمنظومات وَمن شعره مَا كتبه إِلَى وَلَده عبد الرَّحْمَن يحثه على طلب الْعلم الشريف القصيدة الْمَعْرُوفَة الَّتِي أَولهَا قَوْله (مَا لَذَّة الْخلق فِي الدُّنْيَا جَمِيعهم ... وَلَا الْمُلُوك وَأهل اللَّهْو والطرب) (كلذتي فِي طلاب الْعلم يَا وَلَدي ... فالعلم معتمدي حَقًا ومكتسبي) وَبَاقِي القصيدة مثبتة فِي الأَصْل فَمن أَرَادَ مطالعتها فلينظرها فِيهِ توفّي هَذَا الإِمَام فِي شهر رَجَب سنة اثْنَتَيْنِ وثمانمئة رَحمَه الله تَعَالَى ونفع بِهِ ولد أَوْلَاد نجباء فضلاء عُلَمَاء أحدهم يُسمى عمر كَانَ رجلا فطنا ذكيا فصيحا لَهُ لِسَان يضْرب بِهِ أرنبة أَنفه كلسان الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ وَكَانَ مشاركا بِالْعلمِ وَالثَّانِي أَحْمد تفقه بِأَبِيهِ وجده وَغَيرهمَا فَأفْتى ودرس وَكَانَ مسموع القَوْل مُطَاع الْكَلِمَة بِبَلَدِهِ وَهُوَ الَّذِي سعى بِإِخْرَاج المَاء الْجَارِي فِي الْحَرْف وَحدث لَهُ ولد سَمَّاهُ عمر كَانَ مُبَارَكًا مشاركا بِشَيْء من الْعلم وَالثَّالِث من أَوْلَاد الْفَقِيه جمال الدّين اسْمه عبد الرَّحْمَن كَانَ فَقِيها مؤرخا صنف كتاب الِاعْتِبَار فِي التواريخ وَالْأَخْبَار خص بذلك مُلُوك الْيمن وفقهاء وصاب وصلحاءها ومشايخها وَلم يتَعَرَّض لباقي أهل الْيمن سوى من عرض ذكره عِنْد ذكر من ذكرهم بكتابه وَتُوفِّي بالعشر الأول من المئة التَّاسِعَة

وَأما ولد الإِمَام وجيه الدّين الثَّانِي فَهُوَ الْفَقِيه الْعَالم صفي الدّين أَحْمد بن عبد الرَّحْمَن بن عمر أخْبرت أَنه كَانَ إِمَام الفصحاء وقدوة البلغاء يجتنى من رياض معارفه الْعُلُوم ويقتطف من أزهارها المنثور والمنظوم قَرَأَ فِي الْفِقْه على أَبِيه وأخيه الْمقدمِي الذّكر ثمَّ على جمَاعَة من عُلَمَاء وصاب وعَلى الإِمَام الْمُحدث برهَان الدّين إِبْرَاهِيم بن عمر الْعلوِي بتعز وعَلى غَيرهم وسافر إِلَى مَكَّة المشرفة فحج وزار قبر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَقَرَأَ على الْأَئِمَّة هُنَالك فأجازوا لَهُ وَكَانَت لَهُ فطنة وقادة وطبيعة منقادة حُلْو الْكَلَام محببا إِلَى النَّاس مقرءا مُحدثا فَقِيها نحويا لغويا لبيبا مهيبا لطيفا ظريفا حَافِظًا لافظا محققا شَاعِرًا فصيحا جَامعا لجَمِيع فنون الْعلم اشْتهر بذلك مَعَ وجود أَبِيه وأخيه وصنف كتبا كَثِيرَة مِنْهَا الْإِرْشَاد فِي سباعيات الْأَعْدَاد وَهُوَ كتاب عَجِيب مُفِيد وَمِنْهَا كتاب رياضة النُّفُوس الزكية فِي فضل الْجُوع وَترك اللذائذ الشهية وَمِنْهَا كتاب تحفة الطالبين وَتَذْكِرَة السالكين وَمِنْهَا كتاب التَّعْرِيف فِي بَيَان أَحْكَام التَّأْلِيف وَمِنْهَا جُزْء مُخْتَصر فِي مدح الطول وذم الْقصر وَله غير ذَلِك من المصنفات وَله ديوَان شعر فِي مُجَلد ضخم أَخْبرنِي الْفَقِيه الصَّالح إِبْرَاهِيم بن حسن بن سَالم من قَرْيَة المخادر أَنه رأى فِي النّوم قَائِلا يَقُول بلغ الْعلم السار بانتقال صفوة الأخيار ذِي السكينَة وَالْوَقار إِلَى منَازِل الْأَبْرَار فليهنه طيب الْجوَار فَحمل ذَلِك على موت هَذَا الْفَقِيه لِأَن هَذِه الرُّؤْيَا كَانَت وَقت أَن مَاتَ توفّي رَحمَه الله تَعَالَى سنة اثْنَتَيْنِ وَعشْرين وثمانمئة

وَكَانَ لَهُ خَمْسَة أَوْلَاد اشْتهر مِنْهُم اثْنَان أَحدهمَا الْفَقِيه الْعَلامَة الرحالة عبد القدوس كَانَ فَقِيها مجودا قَرَأَ على بعض أَهله وعَلى غَيرهم وأجازوا لَهُ فدرس وَأفْتى وَهُوَ الْأَكْبَر من أَوْلَاد أَبِيه وَالثَّانِي هُوَ القَاضِي الْعَلامَة أَبُو مُحَمَّد عبد الْعَزِيز وَكَانَ إِمَامًا عَاملا عَالما فَقِيها ذكيا ورث الْفَضَائِل من آبَائِهِ الأفاضل وفَاق أهل وقته بِحسن الْأَخْلَاق وَالشَّمَائِل تفقه على بعض أهل بَلَده ثمَّ ارتحل إِلَى شنين فِي بلد السحول فَقَرَأَ على الإِمَام رَضِي الدّين أبي بكر عمر الأصبحي الشنيني حَتَّى انْتفع فَأجَاز لَهُ فَعَاد إِلَى بَلَده فدرس وَأفْتى وَأَحْيَا مآثر أَهله وَتَوَلَّى الْقَضَاء فِي بَلَده وَكَانَ مَقْصُودا للمهمات مكرما للضيف شَاعِرًا مُولَعا بِكَثْرَة التَّزْوِيج حكى بعض أَهله أَنه تزوج امْرَأَة سَحْمَاء فَقَالَ على صفة المزاح شعرًا اشْتهر على أَلْسِنَة الْعَامَّة من ذَلِك قَوْله (حكمت بِأَن الْبيض خير من السحم ... وأجريت أحكامي وَمَا جرت فِي حكمي) وَهِي قدر اثْنَي عشر بَيْتا وَذَلِكَ مُثبت فِي الأَصْل فَلَمَّا وقفت الزَّوْجَة على هَذِه القصيدة واشتهرت بوصاب وتناقلتها الألسن سَاءَ ذَلِك السحماء زَوجته فَأرْسلت لجَماعَة من النِّسَاء فاجتمعن إِلَيْهَا ثمَّ دخلن على القَاضِي الْمَذْكُور إِلَى مجْلِس كتبه الَّذِي يَخْلُو فِيهِ للتدريس والتأليف فَلَمَّا رآهن قَالَ لامْرَأَته مَا بالكن فَقَالَت أَتَيْنَا لنخاصمك على قصيدتك الَّتِي قلت فِيهَا حكمت بِأَن الْبيض خير من السحم فَقَالَ الذَّنب هَين فَقُلْنَ مَا نتحول من مَكَاننَا حَتَّى تنَاقض هَذِه القصيدة فَكتب مَا مِثَاله مناقضا لقَوْله الأول (أيا مادحا للبيض من غير مَا علم ... وَيَا مُعْلنا للسحم بالسب والذم)

(أفق وانتبه وارجع إِلَى الْحق واتعظ ... وَتب عَن قَبِيح القَوْل وَالْفُحْش والجرم) وَهِي طَوِيلَة وَقد ذكرتها فِي الأَصْل تركت هُنَا ذكرهَا إيثارا للاختصار فَلَمَّا فرغ من نظم ذَلِك أخذت النِّسَاء نسختها وشهرتها فتناقلتها الألسن من الرِّجَال وَالنِّسَاء بِتِلْكَ الْبَلَد وَمن شعره مَا نبه بِهِ على أَن كل أحد يعود إِلَى أَصله فَقَالَ (خُذ العوسج الْمَشْهُور بالشوك غارسا ... لَهُ فِي فتيت الطين أَو كثب الْمسك) (وأسقه ذوب الشهد أَو بقطارة ... يكون جناه الشوك حَقًا بِلَا شكّ) (كَذَاك يعود الطَّبْع وَالْأَصْل دَائِما ... يَقِينا وتحقيقا إِلَى الطَّبْع والبتك) وَله غير ذَلِك من الشّعْر الْحسن توفّي رَحمَه الله تَعَالَى بمنزله بالحرف سنة خمس وَعشْرين وثمانمئة وَنَشَأ لَهُ ولد نجيب هُوَ الْفَقِيه الصَّالح جمال الدّين مُحَمَّد قَرَأَ فِي الْعلم على أَبِيه وعَلى غَيره فدرس وَأفْتى وَتَوَلَّى الْقَضَاء هُنَالك وَكَانَ عَالما صَالحا يَصُوم النَّهَار وَيقوم اللَّيْل وَيكرم الضَّيْف وَظَهَرت لَهُ كرامات أَقَامَ على الْحَال المرضي فِي التدريس وَالْفَتْوَى وَالْعِبَادَة إِلَى أَن توفّي مقتولا بعد سنة أَرْبَعِينَ وثمانمئة فَعظم الْأَمر على أهل وصاب واحتالوا فِي معرفَة من قَتله حَتَّى فضحهم الله فَلَزِمَ وَالِي الْأَمر أحد قاتليه فَأقر بذلك وَقَالَ كُنَّا أَرْبَعَة عشر فَبعد أَن قَتَلْنَاهُ اجتهدنا بِأَن نطرح جثته إِلَى ضاحة هُنَالك لنخفي قَتله وحملناه لنطرحه فَلم نقدر نسقطه إِلَى الضاحة بل جلس كالحي ورزن حمله علينا فعجزنا عَن طَرحه فَقتل الْوَالِي من قدر على إِمْسَاكه

من قاتليه وَمَات باقيهم بأقرب مُدَّة رَحمَه الله تَعَالَى ونفع بِهِ آمين وَأما الثَّالِث من أَوْلَاد الإِمَام وجيه الدّين عبد الرَّحْمَن بن عمر الْمُقدم ذكره فاسمه عبد الله تفقه على أَبِيه وَإِخْوَته فأجازوا لَهُ فدرس وَأفْتى وَكَانَ زاهدا عابدا وَامْتنع عَن قبُول التَّمْلِيك لما بذل أَهله أَن يعطوه من الأَرْض تورعا وَكَانَ متورعا عَن الْفَتْوَى وَإِذا سُئِلَ عَن مَسْأَلَة قَالَ هِيَ فِي الْكتاب الْفُلَانِيّ بالصفحة الْفُلَانِيَّة وَالنَّص فِيهَا كَذَا وَكَذَا قَالَ ابْن أَخِيه صَاحب الِاعْتِبَار مَا مِثَاله صَحَّ عِنْدِي أَن عمي عبد لله لم ينظر إِلَى امْرَأَة أَجْنَبِيَّة قطّ وَإِنَّمَا كَانَ يغض بَصَره إِذا سَار فِي طَرِيق وَقضى أَكثر أَيَّامه معتكفا فِي الْمَسْجِد اَوْ وَاقِفًا فِي بَيته وَأجْمع أهل بَلَده على صَلَاحه وَلم أتحقق تَارِيخ وَفَاته رَحمَه الله ونفع بِهِ آمين وَمِنْهُم القَاضِي جمال الدّين مُحَمَّد بن عمر بن أَحْمد بن مُحَمَّد عبد الرَّحْمَن الحبيشي الْمُقدم الذّكر كَانَ هَذَا القَاضِي فَقِيها قَرَأَ على جمَاعَة من أَهله وَمن غَيرهم وَلما قتل ابْن عَمه القَاضِي جمال الدّين مُحَمَّد بن عبد الْعَزِيز الْمُقدم الذّكر قَامَ مقَامه بالتدريس وَالْفَتْوَى وَولَايَة الْقَضَاء وَلم يزل على ذَلِك الى أَن توفاه الله تَعَالَى قريب سنة خمسين وثمانمئة وَمن أهل وصاب الْفَقِيه الصَّالح الْوَلِيّ شمس الدّين يُوسُف بن الميسر الشهابي نسبا قَرَأَ على الْأَئِمَّة من أهل وقته ثمَّ وصل إِلَى مَدِينَة ذِي جبلة فَقَرَأَ على الإِمَام رَضِي الدّين بن الْخياط وَصَحبه الْفَقِيه عفيف الدّين عَطِيَّة بن عبد الرَّزَّاق فَقَرَأَ عَلَيْهِ بالفقه وَأَجَازَ لَهُ وَأخْبر عَنهُ بكرامات ثمَّ ارتحل من مَدِينَة ذِي جبلة إِلَى بَلَده فَتوفي بهَا وَلم أتحقق تَارِيخ وَفَاته إِلَّا أَنه كَانَ فِي الْحَيَاة بِأول المئة التَّاسِعَة رَحمَه الله ونفع بِهِ

وَمِنْهُم الشَّيْخ شهَاب الدّين أَحْمد بن سَالم الوصابي قَرَأَ بِشَيْء من الْعُلُوم الْفِقْهِيَّة على الْفُقَهَاء بوصاب فأجازوا لَهُ فدرس وَأفْتى وسلك طَريقَة التصوف واشتهر بِالْكَرمِ وإطعام الطَّعَام فِي بلد وصاب فانقاد لَهُ أهل الْبَلَد وَكَانَ ذَا جاه عريض واجتهد بِالْعبَادَة وَنسب إِلَيْهِ شَيْء من الكرامات وَلأَهل بَلَده فِيهِ اعْتِقَاد عَظِيم بِالْخَيرِ وَالصَّلَاح توفّي بعد سنة خمسين وثمانمئة وَأما المشهورون فِي عصرنا من أهل بَلْدَة ريمة فَمنهمْ الْفَقِيه الْفَاضِل أَبُو بكر بن أَحْمد بن دروب قَالَ الإِمَام جمال الدّين بن الْخياط كَانَ فَقِيها فَاضلا تفقه على الْفَقِيه عمر بن المقرىء من بَلَده وَأخذ الحَدِيث عَن عُثْمَان الديابي من أهل وصاب وَتُوفِّي بِذِي الْحجَّة سنة تسع وَسِتِّينَ وسبعمئة رَحمَه الله ونفع بِهِ وَمِنْهُم شهَاب الدّين أَحْمد بن عَليّ بن دروب قَرَأَ على الْفَقِيه صفي الدّين أَحْمد بن أبي بكر البريهي وعَلى الْفَقِيه جمال الدّين مُحَمَّد بن عبد الله الْكَاهِلِي ثمَّ رَجَعَ إِلَى بَلَده فدرس وَأفْتى وَأمر بِالْمَعْرُوفِ وَنهى عَن الْمُنكر وَكَانَ مُطَاع القَوْل مَقْصُودا للمهمات توفّي سنة عشْرين وثمانمئة وَمِنْهُم الْفَقِيه عبد الرَّحِيم بن عبد الأول أخبر الثِّقَة أَنه من الْفُضَلَاء والعباد وَكَانَ كثير الذّكر وتلاوة كتاب الله تَعَالَى وَيخْتم بِالْيَوْمِ ثَلَاث ختمات لَا يفتر لِسَانه عَن التِّلَاوَة أَو ذكر الله تَعَالَى وَهُوَ مُعْتَمد قِرَاءَة الرَّاتِب الْمَعْرُوف للشَّيْخ عمر العرابي

أول النَّهَار وَآخره وَكَانَ آمرا بِالْمَعْرُوفِ ناهيا عَن الْمُنكر مُطَاعًا رَحمَه الله تَعَالَى ونفع بِهِ وَمن أهل وصاب المقرىء الْأَجَل الصَّالح عفيف الدّين عبد الله بن مُحَمَّد البعيثي كَانَ رجلا عَالما عَاملا صَالحا لَهُ عبَادَة وزهد وَصِيَام وَقيام واجتهاد بِقَضَاء حوائج الْمُسلمين وأخلاق حَسَنَة وَطَرِيق مستحسنة يفعل الْخيرَات وَيطْعم الطَّعَام ويحيي اللَّيْل بِالْقيامِ وَأخْبر الثِّقَة أَن وَالِده كَانَ من الصَّالِحين وَمن عباد الله الْمُجْتَهدين يَأْمر هُوَ وَولده بِالْمَعْرُوفِ ويمتثلون أَمرهمَا وينتهون عَمَّا نهيا عَنهُ واشتهر لَهما كرامات رحمهمَا الله ونفع بهما وَمِنْهُم الشَّيْخ الصَّالح وجيه الدّين عبد الرَّحْمَن بن إِبْرَاهِيم الْخَولَانِيّ العتمي اشتهرت نسبته إِلَى البعيثي الْمُقدم الذّكر وَلَيْسَ هُوَ مِنْهُم وَإِنَّمَا أمه أُخْت المقرىء عفيف الدّين الْمُقدم الذّكر كَانَ هَذَا الشَّيْخ وجيه الدّين يحفظ الْقُرْآن الْعَظِيم ويشارك بِسَائِر الْعُلُوم ثمَّ سلك طَرِيق التصوف فاجتهد بِالْعبَادَة والورع والزهد وَالْكَرم فاشتهر غَايَة الشُّهْرَة بذلك وَظَهَرت لَهُ كرامات كَثِيرَة فانقاد لَهُ أهل وصاب أجمع وامتثلوا أمره واعتمدوا قَوْله وأطاعوه بِجَمِيعِ الْأُمُور فاتفق بوقته أُمُور مُنكرَة من جمَاعَة من الرافضة الَّتِي تسميها أهل الْيمن الإسماعيلية فَأمر الشَّيْخ وجيه الدّين بِجمع الشَّافِعِيَّة من أهل وصاب فَاجْتمع إِلَيْهِ خلق كثير فقصدوا الرافضة إِلَى بلدهم وأخرجوهم من حصونهم وَقبض أَمْوَالهم وسبا ذَرَارِيهمْ فَلَمَّا علم الإِمَام شرف الدّين إِسْمَاعِيل بن أبي بكر

المقرىء أنكر عَلَيْهِم ذَلِك لإقدامهم على مَا فعلوا من غير إنذار وَلَا اسْتِتَابَة وَأَنْشَأَ رِسَالَة أرسل بهَا إِلَى الشَّيْخ وجيه الدّين وَإِلَى أهل وصاب وَهِي طَوِيلَة ذكرتها فِي الأَصْل حَاصِل مَا فِيهَا أَنه إِذا صَحَّ مَا نسب إِلَى الرافضة وَجب إِنْذَارهم واستتابتهم فَإِن تَابُوا وَإِلَّا أجري عَلَيْهِم مَا يسْتَحقُّونَ من الْأَحْكَام الْمَعْرُوفَة على الْقَاعِدَة الشَّرْعِيَّة توفّي الْفَقِيه وجيه الدّين فِي سنة خمس وَثَلَاثِينَ وثمانمئة سنة وَالله أعلم وَمِنْهُم الْفَقِيه الْعَلامَة شهَاب الدّين أَحْمد بن مطهر بن مُوسَى الْحِمْيَرِي الموسوي وصل هَذَا الْفَقِيه إِلَى مَدِينَة إب فجد واجتهد حَتَّى حفظ الْقُرْآن الْعَظِيم ثمَّ حفظ منظومة الْحَاوِي وَبَعض كتب النَّحْو وَكَانَ يجْهر بتلاوته نَهَارا وليلا وَكَانَ لَا ينَام من اللَّيْل إِلَّا قَلِيلا وَيَقُول عجبت لفقيه ينَام اللَّيْل وَأَعْطَاهُ الله تَعَالَى قُوَّة وصبرا على الدراسة والجهر بِالْقِرَاءَةِ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَار قَرَأَ بالفقه على الْفَقِيه صفي الدّين أَحْمد بن أبي بكر البريهي وعَلى الْفَقِيه جمال الدّين مُحَمَّد بن عبد الله الْكَاهِلِي وبالنحو على القَاضِي مُحَمَّد بن أبي بكر البريهي وبالفرائض على القَاضِي صفي الدّين أَحْمد بن مُحَمَّد البريهي ثمَّ طلع إِلَى مَدِينَة صنعاء فَقَرَأَ بالنحو عل الْأَئِمَّة هُنَالك وَحصل بِخَطِّهِ نَحْو عشْرين كتابا بالنحو وانتفع بِمَا قَرَأَ من الْعُلُوم فَأجَاز لَهُ الْفُقَهَاء فدرس وَأفْتى بِمَدِينَة إب ثمَّ بالشماحي ثمَّ بحقله ثمَّ انْتقل إِلَى وصاب فَأَقَامَ يدرس ويفتي إِلَى أَن

توفّي رَحمَه الله وَأوصى بِأَن يُوقف كتبه بِمَدِينَة إب على نظر الْفُقَهَاء من بني البريهي وَكَانَت وَفَاته بعد سنة ثَلَاثِينَ وثمانمئة سنة وَكَانَ من الْمُحدثين وَمِمَّنْ يرى بِنور الْعلم فاشتهر عَنهُ كرامات وَله شعر حسن مِنْهُ قَوْله رَضِي الله عَنهُ وأرضاه وَجعل الْجنَّة مَأْوَاه (سَأَلتك بِاللَّه يَا سامع النداء ... وَيَا من لَهُ النعماء والجود والجدا) (بحقك يَا منان أصلح سريرتي ... وحقق رجائي وَآت نَفسِي لَهَا الْهدى) (وَكن لي وَكن لي معطيا وملاطفا ... شفيقا رَفِيقًا واحم روحي من الردى) (ولليسر يسرنَا وللرشد فاهدنا ... وبالعفو سامحنا لَدَى فَاقَتِي غَدا) وَمِنْهُم الْفَقِيه شهَاب الدّين أَحْمد بن إِبْرَاهِيم البازل قَرَأَ بالفقه على جمَاعَة من فُقَهَاء بَلَده ثمَّ قَرَأَ بِمَدِينَة زبيد على الْأَئِمَّة من بني ناشر وَغَيرهم فأجازوا لَهُ ثمَّ رَجَعَ إِلَى بَلَده فدرس وَأفْتى وانتفع بِهِ جمَاعَة من أهل تِلْكَ الْبَلَد وَتَوَلَّى الْقَضَاء بِبَلَدِهِ فحسنت سيرته فيهم توفّي وَمِنْهُم الشَّيْخ الْفَقِيه عفيف الدّين عبد الرؤوف بن مُحَمَّد صَاحب الرَّوْضَة بمعشار حصن نعْمَان كَانَ فَقِيها عَالما عَاملا يدرس ويفتي وَجعل لَهُ أَمَاكِن احترمها النَّاس إجلالا لَهُ وَظَهَرت لَهُ كرامات وَتُوفِّي سنة سبع وَثَلَاثِينَ وثمانمئة سنة وَمِنْهُم الْفَقِيه الْعَلامَة عفيف الدّين صَالح بن عَليّ بن أَحْمد الشلفي الْمَشْهُور بالحضار قَرَأَ بالفقه على جمَاعَة من الْأَئِمَّة بتعز كَالْإِمَامِ جمال الدّين الريمي وَالْإِمَام جمال الدّين العوادي وَغَيرهمَا وأجازوا لَهُ فدرس وَأفْتى بِمَدِينَة تعز وَمن تلامذته المقرىء

الْعَلامَة شمس الدّين عَليّ بن أبي بكر السحولي سمعته يثني عَلَيْهِ خيرا كثيرا وَكَانَ مُجْتَهدا بِالْعبَادَة كثير الصّيام وَالْقِيَام وَكَانَ يَصُوم يَوْمًا وَيفْطر يَوْمًا وَلَا يَأْكُل فِي الْيَوْم وَاللَّيْلَة إِلَّا أكله وَاحِدَة وَمِمَّنْ تخرج بِهِ الْفَقِيه شهَاب أَحْمد بن الْقَاسِم الضراسي ثمَّ ارتحل إِلَى بَلَده وصاب فَأَقَامَ بهَا يدرس ويفتي إِلَى ان توفّي سنة سِتّ عشرَة وثمانمئة رَحمَه الله تَعَالَى ونفع بِهِ آمين أَخْبرنِي الْفَقِيه القَاضِي جمال الدّين مُحَمَّد بن دَاوُد الوحصي قَالَ أخبرهُ الْفَقِيه صَالح الْمَذْكُور قَالَ قحط أهل وصاب وَقل عَنْهُم الْمَطَر قَالَ فدعوت الله تَعَالَى وتوسلت إِلَيْهِ بِالْإِمَامِ النَّوَوِيّ وَكَانَ كِتَابه الْمِنْهَاج بيَدي فَجَعَلته ومصنفه شفيعي إِلَى الله تَعَالَى بِأَن يسقينا الْغَيْث قَالَ فسقانا الله تَعَالَى الْغَيْث فِي ذَلِك الْيَوْم وَمن الوافدين إِلَى وصاب الْأَسْفَل من أهل تهَامَة الْفَقِيه عفيف الدّين نَاجِي بن مُحَمَّد الشَّرْقِي اليمامي رَضِي الله عَنهُ كَانَت لَهُ معرفَة جَيِّدَة بالفقيه والنحو والحساب والمساحة والجبر أَخْبرنِي أَنه انْتقل من بَلَده من جور سُلْطَان الْوَقْت إِلَى الضنجوج الرِّبَاط الْمَشْهُور ثمَّ إِلَى نواحي وصاب وامتحن بالفقر وَصَحب القَاضِي صفي الدّين أَحْمد بن مُحَمَّد البريهي فَكتب إِلَيْهِ شعرًا مِنْهُ مَا أَوله قَوْله

(أَلَيْسَ كل أولي فن أحيباب ... وكل ذَوي ود أصيحاب) فَأَجَابَهُ القَاضِي صفي الدّين بِجَوَاب بليغ تركت ذكره اختصارا ثمَّ أَخْبرنِي أَنه وَفد عَلَيْهِ جمَاعَة من أهل الْأَدَب فاستضافوه فعجز عَن قراهم فَكتب إِلَيْهِم قَوْله رَضِي الله عَنهُ (الْجُود طبعي غير لَا أملك مَا ... يقري النزيل لَا وَلَا يروي الظما) (فاعذر أخي أَن رَأَيْت بباحتي ... محلا بهَا وادع أخي بِمَا وَمَا) (والفقر شين للأنام كلهم ... لَا سِيمَا يَا سَيِّدي للعلما) وَلِهَذَا الْفَقِيه شعر حسن غير ذَلِك توفّي رَحمَه الله تَعَالَى بعد سنة خمسين وثمانمئة سنة وَمن الوافدين إِلَى وصاب من أهل مَدِينَة زبيد الْفَقِيه الْعَلامَة جمال الدّين مُحَمَّد بن عمر الفارقي شهر بالنهاري قَرَأَ بالقراءات السَّبع على المقرىء عفيف الدّين عُثْمَان النَّاشِرِيّ وبالفقه على الإِمَام شرف الدّين إِسْمَاعِيل بن أبي بكر الْمقري وعَلى القَاضِي جمال الدّين الطّيب بن أَحْمد النَّاشِرِيّ ورتبه إِمَامًا ومدرسا بِالْمَدْرَسَةِ الفرحانية الْبَريَّة الْخَارِجَة من مَدِينَة زبيد ثمَّ لما اتّفق على أهل زبيد وَمَا والاها مَا اتّفق من العبيد والمعازبة والقرشيين بعد سنة خمسين وثمانمئة سنة انْتقل هَذَا الْفَقِيه إِلَى بلد نعْمَان وصاب فدرس وَأفْتى وأضيف إِلَيْهِ الْقَضَاء بِتِلْكَ الْجِهَات

وَألف كتبا فِي الْفِقْه مِنْهَا كتاب سَمَّاهُ الْكِفَايَة وَكتاب زواهر الْجَوَاهِر اخْتَصَرَهُ من جَوَاهِر الْقَمُولِيّ وَهُوَ فِي قيد الْحَيَاة حَال جمع هَذَا الْمُخْتَصر

القول في ذكر من تحققنا حاله من أهل بلد حراز وملحان وبرع وما والى ذلك

القَوْل فِي ذكر من تحققنا حَاله من أهل بلد حراز وملحان وبرع وَمَا والى ذَلِك فَمنهمْ الشَّيْخ الصَّالح ولي الله تَعَالَى محيي الدّين أَبُو حَفْص عمر بن مُحَمَّد العرابي الشاوري اشْتهر هَذَا الشَّيْخ بِمذهب التصوف وبالعبادة وَمن شُيُوخه شهَاب الدّين أَحْمد بن مُحَمَّد الحرضي بحرض ثمَّ سَافر مِنْهَا إِلَى مَكَّة المشرفة وَإِلَى الْمَدِينَة الشَّرِيفَة وَصَحب الشُّيُوخ هُنَالك وتأدب بآدابهم وتحكم على أَيْديهم ثمَّ رَجَعَ إِلَى الْيمن فَأَقَامَ ببلدة حراز فَكَانَ محفوفا محشودا ثمَّ طَاف أَكثر مدن الْيمن وقراها وَاجْتمعَ إِلَيْهِ بِكُل بلد المتصوفون بذلك الْوَقْت وفقهاؤها فنصب جمَاعَة كَثِيرَة أَمرهم باعتماد ذكر قد أَلفه ليتلونه من الصُّبْح إِلَى طُلُوع الشَّمْس وَمن الْمغرب إِلَى الْعشَاء بعد كل صَلَاة من هذَيْن الْوَقْتَيْنِ فَقَالَ بعض تلامذة هَذَا الشَّيْخ إِنَّه قد منح من الْعَطاء الإلهي علما ونورا وارتقى بِالْعلمِ اللدني منزلَة كبرى فَصَارَ أَعلَى شُيُوخ وقته قدرا وأشهرهم ذكرا وَمِمَّا قَالَه تِلْمِيذه القَاضِي وجيه الدّين عبد الرَّحْمَن بن مُحَمَّد النحواني من قصيدة طَوِيلَة تغزل بهَا ثمَّ خرج إِلَى مدحه فَقَالَ فِي أَولهَا

(تراءت وَهِي سافرة النقاب ... كَمثل الْبَدْر لَيْسَ بِذِي سَحَاب) وَقَالَ فِي الْمَدْح (لَعَلَّ الشَّيْخ محيي الدّين فضلا ... يداوي علتي عمر العرابي) (إِمَام فِي الْفَضَائِل جَاءَ سَيْفا ... بهمته وَلَا سيف العرابي) وَقد ذكرت فِي الأَصْل معظمها فَمن أحب ذَلِك فلينظرها مِنْهُ رَضِي الله عَنهُ وأرضاه آمين وَمِنْهُم المقرىء الإِمَام جمال الدّين مُحَمَّد بن يحيى بن مُحَمَّد الْهَمدَانِي الأسخني الْمَشْهُور بالشارقي نفع الله بِهِ كَانَ رجلا عَالما عابدا زاهدا صَالحا أَخذ الْقرَاءَات عَن أبي نَافِع عَن ابْن أبي بكر الْحَضْرَمِيّ العمدي عَن ابْن شَدَّاد وَأخذ النَّحْو عَن جمَاعَة من الشُّيُوخ مِنْهُم الْفُقَهَاء أهل الْحَرْف وَكَذَا سَائِر الْعُلُوم وَقَرَأَ أَيْضا على جمَاعَة من الْأَئِمَّة من أهل مَدِينَة تعز وَذي جبلة وإب وَغَيرهم ثمَّ دخل مَدِينَة زبيد فَكَانَ أَكثر انتفاعه بهَا ثمَّ عَاد إِلَى بَلَده الشارقة فَأَقَامَ بهَا ثمَّ انْتقل مِنْهَا إِلَى قَرْيَة أسخن من صعفان بلد مَعْرُوف بِتِلْكَ النواحي فاستوطنها وتصدر للتدريس فقصده النَّاس من الْآفَاق الْبَعِيدَة والقريبة فَانْتَفع بِهِ كل من تخرج على يَده وصل إِلَيْهِ من دمشق الشَّام المقرىء أَحْمد الأريحي والمقرىء عَليّ النخلي فَقَرَأَ عَلَيْهِ وَأَجَازَ لَهما وَقَرَأَ عَلَيْهِ من أهل

الْيمن جمع كثير مِنْهُم المقرىء أَحْمد الشويظي والمقرىء عَليّ الأبيني والمقرىء عبد الرَّحْمَن الملحاني والمقرىء سعيد السورقي وَكَانَ رَفِيق المقرىء شمس الدّين الشرعبي بِالْقِرَاءَةِ عَلَيْهِ وَكَانَت النَّاس تحبه وَمِمَّنْ وضع لَهُ الْقبُول فِي الأَرْض وَكَانَت فِيهِ الْبركَة يقْصد لكل مُهِمّ أَخْبرنِي المقرىء شمس الدّين عَليّ الشرعبي بكرامات لَهُ وَأَن لَهُ معرفَة جَيِّدَة فِي علم الْأَسْمَاء والرمل وَأَنه حدث لَهُ ولدان أَحدهمَا اسْمه إِبْرَاهِيم اسْتَفَادَ من وَالِده بعض الْعُلُوم وَالثَّانِي اسْمه أَحْمد غلب عَلَيْهِ معرفَة الْأَسْمَاء والرمل وشارك فِي الْقرَاءَات السَّبع وَغَيرهَا وَكَانَ مُجْتَهدا فِي الْعِبَادَة توفّي هَذَا المقرىء بقرية أسخن سنة عشْرين وثمانمئة سنة رَحمَه الله ونفع بِهِ وبعلومه آمين وَمِنْهُم الْفَقِيه الصَّالح عماد الدّين يحيى بن أَحْمد بن مُحَمَّد عَليّ بن حَاتِم الحتيفي كَانَ فَقِيها صَالحا قَرَأَ بالفقه بِمَدِينَة ذِي جبلة وإب على فقهائها ثمَّ بِمَدِينَة تعز على الْفَقِيه عفيف الدّين عبد الْوَلِيّ بن مُحَمَّد الوحصي ثمَّ جذبه الشوق إِلَى مَكَّة المشرفة فسافر من غير وداع لأحد وَترك كتبه فِي خلوته فِي الْمدرسَة المؤيدية فظنوا أَنه اخْتَطَف فشاع ذَلِك وصاروا يسْأَلُون عَنهُ حَتَّى علم عَلَيْهِ أَنه بِمَكَّة يقْرَأ هُنَاكَ ثمَّ رَجَعَ إِلَى بَلَده حراز وَأرْسل للكتب الَّتِي كَانَت فِي المؤيدية فَأَقَامَ بِبَلَدِهِ يدرس ويفتي ويعبد الله تَعَالَى فَاعْتقد أهل بَلَده صَلَاحه وفضله فانقادوا لأَمره واحترموه وعظموه إِلَى أَن توفّي بِبَلَدِهِ حراز بعد سنة خمسين وثمانمئة سنة رَحمَه الله تَعَالَى ونفع بِهِ وبعلومه آمين وَمن أهل برع الْفَقِيه الْعَالم الْفَاضِل عفيف الدّين عبد الرَّحِيم بن عَليّ

الْمُهَاجِرِي نفع الله بِهِ بَلَده النيابتين كَانَ يسكنهَا إِلَى أَن توفّي رَحمَه الله تَعَالَى قَرَأَ الْفِقْه والنحو على جمَاعَة من أَئِمَّة وقته فَلَمَّا تأهل للتدريس وَالْفَتْوَى أَتَتْهُ الطّلبَة من أَمَاكِن شَتَّى فدرس وَأفْتى واشتهر بِالْعلمِ وَالْعَمَل ترْجم لَهُ بَعضهم فَقَالَ هُوَ أحد الْعلمَاء الْأَحْبَار وَبَقِيَّة الْفُضَلَاء الأخيار سبق الْعلمَاء المجيدين وَالشعرَاء المجودين وَله ممادح فِي النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مِنْهَا القصيدة الْمَشْهُورَة الَّتِي أَولهَا (بالأبرق الْفَرد أطلال دريسات ... لال هِنْد عقبهن الغمامات) وَهِي طَوِيلَة وَله غير ذَلِك توفّي رَحمَه الله سنة ثَلَاث وثمانمئة سنة وَمن أهل ملْحَان الْفَقِيه بدر الدّين حسن بن عَليّ بن عبد الرَّحْمَن الملحاني نفع الله بِهِ قَرَأَ على جمَاعَة مِنْهُم القَاضِي شرف الدّين إِسْمَاعِيل المقرىء بالفقه وعَلى الإِمَام نَفِيس الدّين الْعلوِي وَالشَّيْخ أَحْمد الرداد وَكَانَ فَقِيها مدرسا لَهُ الْعِبَادَة كَانَ راتبه أَن يخْتم كل لَيْلَة ختمة وَكَانَ لَهُ شعر مِنْهُ مَا قَالَه وَكتبه إِلَى وَلَده أَحْمد (أَلا لَيْت شعري يَا أَحْمد ... إِذا فاتك الْعلم هَل تسعد) (وَهل يفصل الحكم فِي محفل ... إِذا أَنْت فِي الدست مسترشد) (فَإِنِّي جهدت ليَالِي الشَّبَاب ... وَمن عشق الْعلم قد يجْهد) (نهاري فِي الْعلم مُسْتَعْمل ... وَفِي اللَّيْل جفني لَا يرقد) (وَفِي الْعلم عز لأهل التقى ... وجاه يُقَاس بِهِ العسجد)

أَخْبرنِي وَلَده أَنه توفّي بعد سنة عشْرين ثمانمئة سنة رَحمَه الله تَعَالَى ونفع بِهِ وَمن أعالي حراز الْفَقِيه الْعَلامَة عفيف الدّين عبد الْوَاحِد بن إِبْرَاهِيم الجريبي بِالْجِيم وَالرَّاء قَرَأَ فِي الْفِقْه على الإِمَام رَضِي الدّين أبي بكر بن عمر الأصبحي الْمَشْهُور بالشنيني وعَلى غَيره من عُلَمَاء وقته فأجازوا لَهُ ثمَّ قطن بِبَلَدِهِ فدرس وَأفْتى وانتهت إِلَيْهِ الرياسة هُنَالك وانتفع على يَده جمَاعَة من الْفُقَهَاء وَقصد للمهمات وَظَهَرت عَلَيْهِ الكرامات وَله شعر حسن مِنْهُ مَا كتبه إِلَى بعض أخصائه من قصيدة أَولهَا (سَلام من النُّور الْبَهِي إِذا انجلى ... وَمن رِيقه اليعسوب من شهده أحلا) (وآنق من نور تشقق نوره ... وألطف من هَب النسيم على الثملا) (يَدُوم مدى الْأَيَّام مَا هبت الصِّبَا ... وَمَا طلعت شمس وَمَا عَابِد صلى) (من الله تغشى سادتي وصحابتي ... وَمن كَانَ لي صهرا وَمن كَانَ لي خلا) وَتَمام القصيدة مثبتة فِي الأَصْل توفّي سنة عشر وثمانمئة سنة وَخَلفه بمنصبه وَلَده الْفَقِيه برهَان الدّين إِبْرَاهِيم قَرَأَ فِي الْعُلُوم على وَالِده الْمُقدم الذّكر وعَلى غَيره فَانْتَفع ودرس وَأفْتى واشتهر بِالْكَرمِ وَلِهَذَا الْفَقِيه برهَان الدّين ولد يُسمى داءود قَرَأَ فِي الْعُلُوم على فُقَهَاء بَلَده وحذا حَذْو أهاليه وَهُوَ وَولده فِي قيد الْحَيَاة عِنْد جمع هَذَا الْمُخْتَصر وَمن أهل حراز الْفَقِيه شرف الدّين مَحْفُوظ بن إِبْرَاهِيم كَانَ فَقِيها عَالما عَاملا يدرس ويفتي ويجتهد بِالْعبَادَة وَمِنْهُم صَاحبه بدر الدّين حسن الجبرتي ظَهرت لَهُ كرامات وَعبادَة خَالِصَة حَتَّى كَانَ هُوَ وَصَاحبه الْفَقِيه شرف الدّين الْمُقدم الذّكر يعبدان الله تَعَالَى بمَكَان الْأسد وهما فِي قيد الْحَيَاة عِنْد جمع هَذَا الْمَجْمُوع كَمَا أخْبرت بذلك جَمِيعه من الثِّقَة

وَفِي حراز أَيْضا من بني اليحيوي عماد الدّين بن مُحَمَّد بن يحيى وشمس الدّين عَليّ بن عبد الله اليحيوي وَولده إِبْرَاهِيم وَغَيرهم من أَهَالِيهمْ اشتهرت عَنْهُم كرامات وفضائل تدل على خَيرهمْ

القول في ذكر من تحققنا حاله من الأعيان من البلاد الفضلاء بمخلاف جعفر وما والاه من بعض جهاته على الاختصار والاقتصار على ذوي الفضل والشهرة بذلك مع حذف ذكر من كان دونهم مما هو مذكور في الأصل

القَوْل فِي ذكر من تحققنا حَاله من الْأَعْيَان من الْبِلَاد الْفُضَلَاء بمخلاف جَعْفَر وَمَا وَالَاهُ من بعض جهاته على الِاخْتِصَار والاقتصار على ذَوي الْفضل والشهرة بذلك مَعَ حذف ذكر من كَانَ دونهم مِمَّا هُوَ مَذْكُور فِي الأَصْل فنبدأ بالإمامين الجليلين من أهل زريبة النضاري بجبل بعدان أَحدهمَا المقرىء الْأَجَل الصَّالح شمس الدّين عَليّ بن عمر بن مَنْصُور الأصبحي حُكيَ أَنه خرج من قريته الزريبة هُوَ وَأَخُوهُ الإِمَام رَضِي الدّين الْآتِي ذكره لطلب الْعلم فِي صغرهما فقصد الْفُقَهَاء من أهل الْحَرْف فِي نَاحيَة وصاب فَقَرَأَ على الإِمَام وجيه الدّين عبد الرَّحْمَن بن عمر الحبيشي الْمُقدم ذكره وعَلى ولديه النجيبين مُحَمَّد وَأحمد فأجازوا لَهما ثمَّ رجعا بلديهما فَأَما المقرىء عَليّ فَإِنَّهُ سكن بالنضارى فدرس وَأفْتى وَكَانَ يغلب عَلَيْهِ علم الْقرَاءَات السَّبع واشتهر غَايَة الشُّهْرَة وَألقى الله لَهُ الْمحبَّة فِي الْقُلُوب فانقاد لَهُ جَمِيع أهل بعدان وولاة الْأَمر وَغَيرهم فعلت كَلمته وامتثل أمره وَلم يزل على الْحَال المرضي مُجْتَهدا بِالْعبَادَة ناشرا للْعلم إِلَى أَن توفّي فِي سنة تسعين وسبعمئة أَو قبلهَا بِقَلِيل أَو بعْدهَا بِقَلِيل وَالله تَعَالَى أعلم مَتى كَانَ ذَلِك

وَأما الثَّانِي فَهُوَ الإِمَام الْعَالم الْوَلِيّ رَضِي الدّين أبي بكر بن عمر بن مَنْصُور الأصبحي الْمَشْهُور بالشنيني فقد تقدم من مشايخه عِنْد ذكر أَخِيه مَا يُغني عَن الْإِعَادَة وَقَرَأَ على الإِمَام الْعَلامَة أبي إِسْحَاق عَليّ بن أبي بكر بن شَدَّاد المقرىء وَأَجَازَ لَهُ ولولده النجيب مُحَمَّد ثمَّ إِنَّه لَازم الإِمَام جمال الدّين الريمي واجتهد بِالْقِرَاءَةِ عَلَيْهِ بِمَدِينَة زبيد وبمدينة تعز فَفتح عَلَيْهِ بِعلم الْفِقْه أَكثر مِمَّا فتح على أَخِيه وشارك بِغَيْرِهِ من سَائِر الْعُلُوم فسكن قَرْيَة المحفد الْمَكَان الَّذِي تَحت جبل عقدَة ووهبه الْمَشَايِخ بَنو نَاجِي أَرضًا جليلة نافعة وأحسنوا إِلَيْهِ غَايَة الْإِحْسَان فتصدر للتدريس وَالْفَتْوَى وَأَقْبَلت عَلَيْهِ الدُّنْيَا فَلم يقبل مِنْهَا إِلَّا مَا تحقق حلّه ثمَّ انْتقل من المحفد إِلَى قَرْيَة شنين الْبَلدة الْمَعْرُوفَة بالسحول الَّتِي نسب إِلَيْهَا فَهُوَ مَشْهُور بالشنيني وَلَيْسَت أصل بلد أَبِيه وجده كَمَا تقدم فَلَمَّا سكن بهَا تَلقاهُ أهل الْبَلَد بالجلالة والاحترام فَعلم بِهِ شيخ بعدان وَهُوَ الشَّيْخ أَبُو بكر بن معوضة فَنزل إِلَيْهِ إِلَى مَكَانَهُ وَأظْهر من الْفَرح بوصوله مَا هُوَ اللَّائِق بِحَالهِ وَزَاد فِي إكرامه ثمَّ نظر إِلَى الْبَيْت الَّذِي هُوَ يسكنهُ فَرَآهُ صَغِيرا غير لَائِق بِهِ فَبنى لَهُ دَارا وَاسِعَة الْأَركان على شكل الدَّار الَّتِي يسكنهَا رَضِي الدّين ذَلِك الشَّيْخ الْمَذْكُور فَلَمَّا فرغ من عِمَارَته حمل إِلَيْهِ كل مَا يحْتَاج وَملك الإِمَام رَضِي الدّين ذَلِك الدَّار وَمَا فِيهَا وَأطلق يَدَيْهِ فِي الْوَقْف

بِتِلْكَ الْجِهَات فصرفها الإِمَام رَضِي الدّين فِي مصارفها وواساه من مَاله الْحَلَال بِمَا كَفاهُ فَأَقَامَ الإِمَام رَضِي الدّين بشنين يدرس ويفتي ويجتهد فِي الْعِبَادَة فانتشر ذكره وقصدته طلبة الْعلم الشريف من وصاب وَمن بيضًا حصي وَمن حَضرمَوْت وَمن المخاليف جَمِيعهَا فَكَانَ يُقْرِئهُمْ من الْعُلُوم ويقريهم الطَّعَام وَفتحت لَهُ الدُّنْيَا فَكَانَ ملبسه مِنْهَا إِزَار ورداء فَلَا يتعمم وَلَا يتطيلس زهدا مِنْهُ وَإِذا رأى مُحْتَاجا واساه بِمَا يحْتَاج إِلَيْهِ وَإِذا دخل سوق المخادر فدأبه قضى حوائج الْمُسلمين يتَوَلَّى ذَلِك بِنَفسِهِ لمن يعرفهُ وَلمن لَا يعرفهُ وَكَانَ ذَا جاه عريض مَقْبُول الشَّفَاعَة عِنْد كَافَّة الْمَشَايِخ من الْقَبَائِل بجهاته واشتهرت لَهُ كرامات فِي حَيَاته وَبعد وَفَاته شَاهدهَا كثير من النَّاس رَحمَه الله تَعَالَى ونفع بِهِ وَنَشَأ لَهُ أَوْلَاد أَرْبَعَة نجب مِنْهُم ولدان أَحدهمَا الْفَقِيه الْفَاضِل جمال الدّين مُحَمَّد فَكَانَ هُوَ الَّذِي جمع الْعلم وَالْعَمَل وَالصَّلَاح قَرَأَ على وَالِده بِجَمِيعِ فنون الْعلم وَحصل بِخَطِّهِ من الْكتب مَا لم يقدر عَلَيْهِ أحد من أهل وقته من الشُّرُوح وَغَيرهَا ضَبطهَا أحسن ضبط وَكَانَ يكْتب الْمُصحف الْكَرِيم فيفرغه بِثَلَاثَة أَيَّام رَحل بِأَمْر وَالِده إِلَى مَدِينَة تعز للْقِرَاءَة على الإِمَام الريمي فلازمه وَكَانَ من أجل تلامذته وَلم يزل الْفَقِيه جمال الدّين يلتقط فَوَائِد الإِمَام الريمي مُجْتَهدا بِالْقِرَاءَةِ والتحصيل إِلَى أَن ورد عَلَيْهِ أَمر وَالِده بِرُجُوعِهِ إِلَى شنين وأعلمه أَن عَمه المقرىء شمس الدّين توفّي إِلَى رَحْمَة الله وَأمره بالانتقال إِلَى النضاري للتدريس وَالْفَتْوَى بمَكَان عَمه فَفعل بعد أَن ودع الإِمَام

الريمي واستجاز مِنْهُ فَأجَاز لَهُ أجازة عَامَّة ثمَّ رَجَعَ إِلَى عِنْد وَالِده إِلَى شنين فَكَانَت الْمسَائِل المشكلة ترد عَلَيْهِمَا فيحلان إشكالها ويوضحانها أتم أيضاح وَكَانَت لَهما قريحة فِي الشّعْر من ذَلِك أَن كل وَاحِد مِنْهُمَا خمس الْبَيْتَيْنِ للْإِمَام السُّبْكِيّ فِي مدح النَّوَوِيّ وهما (وَفِي دَار الحَدِيث لطيف معنى ... أُصَلِّي فِي جوانبه وآوي) (عَسى أَنِّي أمس بَحر وَجْهي ... مَكَانا مَسّه قدم النواوي) فَقَالَ الْفَقِيه رَضِي الدّين مَا مِثَاله فِي الْبَيْت الأول (إِذا مَا شِئْت تسعد يَا معنى ... وَتسمع قَوْلنَا وَتَكون منا) (فَدَعْنَا عَنْك من سعدى ولبنى ... وَفِي دَار الحَدِيث لطيف معنى) إِلَخ الْبَيْت وَقَالَ وَلَده الْفَقِيه جمال الدّين (رَأَيْت برقعة بَيْتَيْنِ شعرًا ... ) (إِلَى السُّبْكِيّ تنْسب نَالَ أجرا ... ) (فخمسها أبي لتَكون ذكرى ... ) (لمن يَدْعُو بدنيا ثمَّ أُخْرَى ... ) فَقَالَ مخمسا للأجرناوي وَفِي دَار الحَدِيث إِلَخ وَتَمام ذَلِك فِي الأَصْل وَحكى أَن الإِمَام رَضِي الدّين وَولده الْفَقِيه جمال الدّين سافرا إِلَى مَكَّة المشرفة

فحجا وزارا قبر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثمَّ رجعا إِلَى بلدهما فتذاكرا حجهما فَقَالَ الإِمَام رَضِي الدّين على البديهة شعرًا (يَا لَيْت وَالله لنا كرة ... نجدد الْعَهْد بِأم الْقرى) فَقَالَ وَلَده الْفَقِيه جمال الدّين (وَبعدهَا نثني إِلَى طيبَة ... نجدد الْعَهْد بعالي الذرا) (فنسأل الله تَعَالَى بِمَا ... أنزل فِي الْكتب وَمن قد قرا) فَقَالَ وَالِده (يوفق الْكل لمرضاته ... وَيغْتَفر للْكُلّ مَا قد جرى) فَقَالَ وَلَده (وصل مَا هبت ريَاح الصِّبَا ... على الْمُصْطَفى خير من قد يرى) أَقَامَ الإِمَام رَضِي الدّين وَولده الْفَقِيه جمال الدّين وَبَاقِي أَوْلَاده فِي أهنى عَيْش وألذه مكانهم مأوى للصادر والوارد لطلب الْعلم ولطلب الدُّنْيَا إِلَى أَن اتّفق فِي بعض الْأَيَّام مَا رَأَيْته مسطورا بِخَط القَاضِي صفي الدّين أَحْمد بن أبي بكر البريهي قَالَ أَخْبرنِي الإِمَام رَضِي الدّين أَبُو بكر بن عمر الأصبحي وَولده عفيف الدّين أَن الْفَقِيه جمال الدّين ولد الإِمَام رَضِي الدّين الْمَذْكُور ابْتَدَأَ بِهِ الْمَرَض فَأتيَا إِلَيْهِ يعودانه فَقَالَ لَهما إِنِّي خرجت ذَات لَيْلَة أُرِيد صَلَاة الصُّبْح مَعَ جمَاعَة فِي الْمدرسَة بشنين فَلَمَّا وصلت بَاب الْمدرسَة الْأَوْسَط إِذْ أَنا بطائرين على الْبَاب أَحدهمَا ابيض شَدِيد الْبيَاض وَالثَّانِي أَخْضَر فَقَالَ لي أَحدهمَا السَّلَام عَلَيْك وَرَحْمَة الله قَالَ فَقلت وَعَلَيْكُم السَّلَام وَرَحْمَة الله وَبَرَكَاته فَقَالَ الطَّائِر لَا إِلَه إِلَّا الله فَقلت لَا إِلَه إِلَّا الله ثمَّ سكت وَقَالَ الطَّائِر الثَّانِي السَّلَام عَلَيْكُم وَرَحْمَة الله وَبَرَكَاته فَقلت وَعَلَيْكُم السَّلَام وَرَحْمَة الله وَبَرَكَاته ثمَّ إِن الطَّائِر الْأَبْيَض نكس رَأسه إِلَى الأَرْض كَأَنَّهُ مشتغل

بِشَيْء والطائر الْأَخْضَر رفع رَأسه وَنظر إِلَيّ بعينين مليحتين فَمَا زَالَ ينظر إِلَيّ سَاعَة وَهُوَ يكَاد يتَكَلَّم أَو يضْحك ثمَّ بعد ذَلِك طارا جَمِيعًا إِلَى جِهَة الْقبْلَة قَالَ فَبَقيت معجبا من أَمرهمَا ثمَّ تَوَضَّأت وَدخلت الْمَسْجِد فَأول مَا سَمِعت قَارِئًا يقْرَأ {كل نفس ذائقة الْمَوْت} قَالَ فأيقنت أَنِّي ميت من ذَلِك الْمَرَض فَقَالَ وَالِده يَا وَلَدي لَعَلَّ ذَلِك كَانَ فِي الْمَنَام فَقَالَ لَا وَالله وَمد بهَا صَوته بل رأيتهما فِي الْيَقَظَة بعيني هَاتين فَأخْبرت أَنه دَامَ عَلَيْهِ ذَلِك الْمَرَض أَيَّامًا ثمَّ توفّي صَلَاة الضُّحَى فِي الْيَوْم الثَّالِث وَالْعِشْرين من شهر رَمَضَان سنة سبع وَتِسْعين وسبعمئة وَدفن بمقبرتهم بقرية شنين وَكَانَ يملك كتبا كَثِيرَة فأوقفها على من يقْرَأ بهَا بشنين وَجعل النّظر لوالده ثمَّ عَاشَ وَالِده بعده صَابِرًا محتسبا شاكرا لله تَعَالَى على قَضَائِهِ وَقدره إِلَى ان أوجب مَا أجْبرهُ على الْخُرُوج من شنين إِلَى مَدِينَة تعز فَتَلقاهُ السُّلْطَان الْأَشْرَف وَأحسن إِلَيْهِ وأضاف إِلَيْهِ من الْأَسْبَاب مَا يَلِيق بِحَالهِ ويكفيه هُوَ وَأَوْلَاده فَكَانَ يدرس ويفتي بِمَدِينَة تعز وَيَأْمُر بِالْمَعْرُوفِ وَينْهى عَن الْمُنكر ودام على ذَلِك إِلَى أَن توفّي السُّلْطَان الْأَشْرَف واستقام بِالْملكِ بعده وَلَده الْملك النَّاصِر فأبقى الْفُقَهَاء على مَا فعله مَعَ وَالِده وَكَانَ وَفد إِلَى الْيمن خطيب خطب بِجَامِع ذِي عدينة بتعز يُسمى الْحَمَوِيّ فَكَانَ يخْطب على البديهة ويتوسع فِي الْكَلَام ويتشدق بِهِ وَقد يطول لِسَانه بِذكر مَا لَا يَنْبَغِي وَلَا تبلغه أفهام الْعَوام من ذَلِك أَنه قَالَ فِي أثْنَاء خطْبَة خطبهَا فويل للْعُلَمَاء فويل للْعُلَمَاء وَكرر ذَلِك مرَارًا ثمَّ قَالَ الَّذين لَا يعْملُونَ بِمَا يعلمُونَ ثمَّ أَتَى بِخطْبَة أَولهَا الْحَمد لله النَّاصِر للْملك النَّاصِر يَبْتَغِي بذلك رضى السُّلْطَان النَّاصِر وارتفاع مرتبته عِنْده ثمَّ أَتَى بأَشْيَاء مِمَّا رأى الْفُقَهَاء الْإِنْكَار عَلَيْهِ بذلك فَلَمَّا رأى الإِمَام رَضِي الدّين الشنيني ذَلِك وَقد طول ذَلِك الْخَطِيب الْخطْبَة لصَلَاة الْجُمُعَة تَطْوِيلًا مملا فَأتى إِلَى بَاب الْمِنْبَر فَقَالَ للخطيب اتَّقِ الله عَمَّا أَنْت بصدده واقصر الْخطْبَة ثمَّ جَاءَ الْخَطِيب إِلَى عِنْد الْفَقِيه رَضِي الدّين

للمناظرة فناظره الْفَقِيه رَضِي الدّين وَأقَام الْحجَّة عَلَيْهِ وَنَصره الْفُقَهَاء بِمَدِينَة تعز وأوجبوا على هَذَا الْخَطِيب التَّعْزِير ثمَّ إِن بعض المتصوفة من أهل ذِي جبلة خطر بِبَالِهِ من غير أَن يتَلَفَّظ بِلِسَانِهِ بِأَن الأولى للفقيه رَضِي الدّين أَن يرجع إِلَى بَلَده يسكن ويدرس وَيطْعم الطَّعَام فَألْقى الله ذَلِك فِي خاطر الْفَقِيه رَضِي الدّين فَخرج من فوره واكترى لأهل بَيته وانتقل قَاصِدا شنين فَلَمَّا وصلوا إِلَى رَأس الْجَبَل الَّذِي فَوق المحرس لحقهم ذَلِك الصُّوفِي الَّذِي خطر بِبَالِهِ مَا سبق الْكَلَام فِيهِ فَسلم على الْفَقِيه رَضِي الدّين فَرد عَلَيْهِ السَّلَام وَقَالَ لَهُ قد فعلنَا على إشارتك يَا شيخ بالانتقال إِلَى بلدنا للتدريس وَالْفَتْوَى وإطعام الطَّعَام فَعجب الصُّوفِي على مَا أَلْقَاهُ الله فِي خاطر الْفَقِيه رَضِي الدّين مِمَّا لم يطلع عَلَيْهِ سوى الله تَعَالَى وَغير ذَلِك من كرامات الإِمَام رَضِي الدّين رَحمَه الله وَتُوفِّي سنة سبع وثمانمئة سنة انْتهى مَا وجدته مَنْقُولًا فَلَمَّا توفّي خَلفه ولداه عبد الله وَعبد الرَّحْمَن فَأَما عبد الله فقد قَرَأَ على وَالِده بعض الْعُلُوم وأثنوا عَلَيْهِ خيرا وَلم يشْتَهر بتدريس وَلَا فَتْوَى وَأما عبد الرَّحْمَن فَكَانَ ذَا جاه عريض وكرم مستفيض شملته دَعْوَة صَالِحَة من أَبِيه فَقَامَ بمنصبهم أتم قيام فِي إطْعَام الطَّعَام وَحفظ كتبهمْ وَقَضَاء حوائج النَّاس والتوسط بالإصلاح بَينهم وَكَانَ حسن الْأَخْلَاق وَصَحب السُّلْطَان النَّاصِر وَأهل بَابه ونال مِنْهُم مَالا جزيلا وَاشْترى أَرضًا جليلة فَكَانَ يجْتَمع مِنْهَا من الطَّعَام قدر خَمْسَة عشر الْفَا بِالذَّهَب المتعامل بِهِ بِتِلْكَ الْبَلَد فينفقها فِي وُجُوه الْخَيْر وَحدث لَهُ ولد نجيب اسْمه عبد الله نشا أحسن نشوء وسافر بِهِ وَالِده إِلَى مَكَّة المشرفة ثمَّ عادا إِلَى بلدهما فَقَرَأَ هَذَا الْوَلَد على الْأَئِمَّة من أهل وقته بِمَدِينَة إب كَالْقَاضِي صفي الدّين أَحْمد بن أبي بكر البريهي والفقيه جمال الدّين مُحَمَّد بن عبد الله

الْكَاهِلِي وبمدينة تعز على الإِمَام نَفِيس الدّين سُلَيْمَان بن إِبْرَاهِيم الْعلوِي وَالْإِمَام جمال الدّين مُحَمَّد بن أبي بكر الْخياط وَأَجَازَ لَهُ الإِمَام جمال الدّين مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد الْجَزرِي فَكَانَ إِمَامًا جَلِيلًا عَارِفًا بالفقه والنحو وَالْأُصُول والْحَدِيث فدرس وَأفْتى وَكَانَ دأبه هُوَ وَأَوْلَاده ودرسته يختمون ختمة بَين الْمغرب وَالْعشَاء فِي كل لَيْلَة وَقد يختمون ختمة بعد صَلَاة الصُّبْح فِي أَكثر الْأَوْقَات أَقَامَ الْفَقِيه عفيف الدّين بِمَدِينَة تعز بعد وَفَاة وَالِده بهَا مُدَّة يسيرَة ثمَّ انْتقل بأولاده الى بَلَده فسكن بقرية شنين وَعمر مَا كَانَ متشعثا بمدرسة شنين وَعمر الأَرْض الَّتِي شراها وَالِده بَعْدَمَا صلبت وعانده بعض جِيرَانه فانتصر عَلَيْهِ وغلبه وَالْتزم قَاعِدَة الْعلمَاء بالمواظبة على التدريس وَالْفَتْوَى ورتب فِي الْمدرسَة عشْرين درسيا فَقَامَ بكفاياتهم صبحا وَعَشِيَّة وَأعَاد مَا كَانَ النَّاس يعتادون ببلدهم من إكرام الضَّيْف وأجازة الْوَافِد والتوسط لقَضَاء حوائج الْمُسلمين فَاجْتمع مَعَه من الْكتب النفيسة مَا لم يجْتَمع لغيره من أهل تِلْكَ الْبَلَد مَعَ كتب جده وَعَمه ومدحه الْعلمَاء والفضلاء بغرر القصائد من ذَلِك مَا قَالَه الْفَقِيه بدر الدّين حسن بن مُحَمَّد الشظبي بقصيدة أَولهَا (لِيهن شنينا نورها وَابْن نورها ... الْجواد عفيف الدّين وَابْن جوادها) (طَويلا ممد الباع فِي رتب العلى ... يسير عَلَيْهِ أَخذهَا بقيادها) وَهِي طَوِيلَة ذكرتها فِي الأَصْل ووفد عَلَيْهِ الأديب عبد الله بن مُحَمَّد المزاح الشَّاعِر الْمَعْرُوف قَاصِدا طُلُوع

صنعاء وَلها طَرِيقَانِ عليا وسفلى فَدخل على الْفَقِيه عفيف الدّين وَهُوَ لابس جُبَّة خضراء من صوف مربع فَقَالَ ارتجالا (جعلت طريقك السُّفْلى طريقي ... وَقد كَانَت طريقي عَنْك أُخْرَى) (لألبس جُبَّة لَا أشتريها ... بِغَيْر الشّعْر وَهِي ترف خضرًا) فَخلع الْفَقِيه الْجُبَّة وَأَعْطَاهَا الشَّاعِر فِي تِلْكَ السَّاعَة وللفقيه عفيف الدّين الشنيني صَاحب التَّرْجَمَة قريحة فِي الشّعْر مِنْهُ قَوْله فِي التوسل (إلهي بِحَق الْهَاشِمِي مُحَمَّد ... أقل عثرتي وامنن بعفوك سَيِّدي) (على عَبدك الراجي لرحمتك الَّتِي ... عممت بهَا من ضل أَو هُوَ مهتدي) وَله غير ذَلِك من الشّعْر الْحسن اختصرت من ذكره توفّي رَحمَه الله بِسنة أَرْبَعِينَ وثمانمئة شَهِيدا من ألم الطَّاعُون وقبر عِنْد جده الإِمَام رَضِي الدّين رحمهمَا الله ونفع بهما وَمن أهل المخادر الْقرْيَة الْمَشْهُورَة قَرِيبا من قَرْيَة شنين القَاضِي الْعَلامَة عفيف الدّين عبد الْعَلِيم بن عَليّ بن مُحَمَّد بن سَالم هُوَ من أهل بَيت فقه وَقد ذكر المؤرخون أَهله وأثنوا عَلَيْهِم وَكَانَ هَذَا القَاضِي عفيف الدّين إِمَامًا فَاضلا عَالما أَخذ الْفِقْه عَن الإِمَام وجيه الدّين عبد الرَّحْمَن الحبيشي وَعَن وَلَده جمال الدّين وَعَن الْفَقِيه قَاسم بن أبي بكر الهاملي وَعَن الإِمَام جمال الدّين الريمي وَعَن الإِمَام رَضِي الدّين الشنيني وَأخذ الحَدِيث عَن الإِمَام نَفِيس الدّين الْعلوِي فأجازوا لَهُ فدرس وَأفْتى وَتَوَلَّى الْقَضَاء بوطنه قَرْيَة المخادر وَحسنت سيرته وَكَانَ عُمْدَة بِتِلْكَ الْبَلَد

أَخْبرنِي وَلَده القَاضِي وجيه الدّين أَنه كَانَ لَا يُفْتِي فِي مسَائِل النّذر وَلَا فِي الدّور وَلَا يلقنه أحد وَكَانَ لَهُ قريحة فِي الشّعْر من ذَلِك أَبْيَات ضمنهَا الْكَلِمَات الَّتِي ابتلى الله بهَا إِبْرَاهِيم صلى الله على نَبينَا وَعَلِيهِ وَسلم فَقَالَ (لقد ابتلى الله الْخَلِيل بِعشْرَة ... هِيَ الْكَلِمَات اللائي فِي مُحكم الذّكر) (فَكُن عَالما فِيهَا وَكن عَاملا بهَا ... فها أَنا أرويها لَك الْآن فِي شعري) (تمضمض واستنشق وقص لشارب ... وداوم سواكا واحفظ الْفرق للشعر) (ختان ونتف الْإِبِط حلق لعانة ... وَلَا تنس الا ستنجا والقلم للظفر) وَله تخميس لأبيات الْفرج وَله غير ذَلِك من الشّعْر مِمَّا قد ذكرته فِي الأَصْل وأخبرت أَنه كَانَت لَهُ الْعِبَادَة الْعَظِيمَة والكرامات الَّتِي تدل على فَضله توفّي رَحمَه الله شَهِيدا من ألم الطَّاعُون سنة أَرْبَعِينَ وثمانمئة سنة ثمَّ خَلفه بمنصبه وَلَده القَاضِي الْعَالم وجيه الدّين فَتَوَلّى الْقَضَاء بِبَلَدِهِ ودرس وَأفْتى ثمَّ انْتقل إِلَى الفراوي فدرس هُنَالك وَأفْتى وأضيف إِلَيْهِ الْقَضَاء بِبَلَدِهِ مرَارًا ثمَّ نَقله السَّادة بَنو طَاهِر إِلَى مَدِينَة عدن واضافوا إِلَيْهِ ولَايَة الْقَضَاء هُنَالك والتدريس وَبَعض الْوَقْف وانتظم حَاله أَشد انتظام وَكَانَت لَهُ قريحة ينظم فِيهَا الشّعْر من ذَلِك قَوْله أبياتا فِي إِبَاحَة الحنا ذكرتها فِي الأَصْل وَلم يزل على الْحَال

المرضي إِلَى أَن توفّي بثغر عدن سنة ثَلَاث وَثَمَانِينَ وثمانمئة سنة وَمن أهل المرقب الْحَاج الْمُبَارك صفي الدّين أَحْمد بن عبد الله بن مَسْعُود بن أسعد كَانَ رجلا مُبَارَكًا مُجْتَهدا بِالْعبَادَة وَكَانَ لَهُ وَالِدَة يكرمها وَتصلي مَعَه فِي الْمَسْجِد بِاللَّيْلِ وَظَهَرت لَهُ الكرامات واستجيب دعاؤه وَأَقْبل عَلَيْهِ النَّاس للزيارة وَكَانَ مكرما للضيف مَقْبُول الشَّفَاعَة مَشْهُورا بِالْحَال توفّي بِأول المئة التَّاسِعَة وَمِنْهُم وَلَده الشَّيْخ وجيه الدّين لزم طَرِيق وَالِده فِي أدب الصُّوفِيَّة وملازمة التِّلَاوَة وَالذكر باذلا نَفسه للسعي بالإصلاح فِيمَا بَين الْقَبَائِل وَغَيرهم مكرما للضيف محسنا إِلَى الْوَافِد وَمن أهل المقروضة جمَاعَة من ذُرِّيَّة الشَّيْخ الصَّالح مُحَمَّد بن عبد الله تلميذ الشَّيْخ أبي الْغَيْث بن جميل الْمَذْكُور بتاريخ الجندي قَامُوا بِمنْصب جدهم يقرونَ الضَّيْف ويتوسطون لقَضَاء حوائج الْمُسلمين واشتهر مِنْهُم فِي عصرنا الشَّيْخ رَضِي الدّين أَبُو بكر بن مُحَمَّد وَالشَّيْخ تَقِيّ الدّين عمر بن مُحَمَّد وَكَانَت لَهما عبَادَة وَتُوفِّي رَضِي الدّين بعد سنة عشْرين وثمانمئة سنة وَتُوفِّي تَقِيّ الدّين صنوه بعد سنة ثَلَاثِينَ وثمانمئة سنة وَهُوَ الَّذِي عمر مَسْجِد الْقبَّة الْمَعْرُوف بالمقروضة وَأَعْمر الْبُنيان الَّذِي على تربة جده

وَمِنْهُم عفيف الدّين عبد الْعَزِيز بن مُحَمَّد كَانَ مُجْتَهدا بِفعل الْخَيْر وَالْعِبَادَة وَتُوفِّي بِمَكَّة سنة ثَمَان وَعشْرين وثمانمئة وَمن أهل الصلولة الشَّيْخ جمال الدّين مُحَمَّد بن عَليّ بن المسن كَانَت لَهُ الْعِبَادَة وَظَهَرت لَهُ الكرامات وتحكم على يَده جمَاعَة من الصُّوفِيَّة وربط أَمَاكِن كَثِيرَة فجللها أهل الْأَمر واحترموها وَبَقِي هَذَا الشَّيْخ مأوى للوافدين إِلَى أَن توفّي بهَا وَمن كراماته مَا أخبر الثِّقَة أَن الشَّيْخ شهَاب أَحْمد صَاحب رِبَاط السناحي قَالَ لَهُ أُرِيد أَن يريني الْكَعْبَة المشرفة عيَانًا وَأَنا بمكاني هَذَا فَأَشَارَ إِلَى جِهَة الْكَعْبَة فكشف عَنْهَا فرآها الشَّيْخ شهَاب الدّين ثمَّ تحكم على يَده وَكَانَ الشَّيْخ جمال الدّين قد رزق مَالا جزيلا وَرثهُ من والدته وَهِي من قوم يسمون بني الْعِمَاد من أهل مَدِينَة تعز فَاشْترى بذلك المَال أَرضًا كَبِيرَة حوالي الصلولة وَفِي غير ذَلِك من الْأَمْكِنَة وَكَانَت والدته من العابدات توفيت برباط تبة وقبرت هُنَاكَ وَهِي تزار ويتبرك بهَا وَتُوفِّي وَلَدهَا بعْدهَا وَكَانَت وفاتهما أول المئة الثَّامِنَة رحمهمَا الله تَعَالَى وَمن أهل ذِي قحم بجبل بعدان القَاضِي الْأَجَل جمال الدّين مُحَمَّد بن عَليّ الْمذْحِجِي كَانَ فَقِيها عَالما عَاملا صَالحا تولى الْقَضَاء ببعدان مُدَّة طَوِيلَة فَكَانَت سيرته فِي ولَايَته سيرة مرضية وَظَهَرت لَهُ كرامات توفّي رَحمَه الله آخر المئة الثَّامِنَة

وَمِنْهُم القَاضِي الْأَجَل الصَّالح برهَان الدّين إِبْرَاهِيم بن عبد الْحَكِيم قَرَأَ على الْفُقَهَاء من بني البريهي وَبني الْكَاهِلِي فِي الْفِقْه والْحَدِيث فأجازوا لَهُ ثمَّ تولى الْقَضَاء ببعدان فَسَار فيهم سيرة حَسَنَة وَكَانَ مُجْتَهدا بِالْعبَادَة وَعَلِيهِ السكينَة وَالْوَقار توفّي سنة ثَلَاث وَعشْرين وثمانمئة وَمِنْهُم الْفَقِيه المقرىء تَقِيّ الدّين عمرَان بن أَحْمد بن عمرَان قَرَأَ بالقراءات وبالفقه على جمَاعَة من أَئِمَّة وقته وأجازوا لَهُ فدرس بمدرسة حقلة ثمَّ أضيف إِلَيْهِ الْقَضَاء ببعدان وَكَانَ ورعا هُوَ وَالْقَاضِي الْمَذْكُور قبله ودام على الْقَضَاء مُدَّة ثمَّ امتحن بِمَرَض دَامَ بِهِ نَحْو سنتَيْن وَتُوفِّي إِلَى رَحْمَة الله تَعَالَى سنة سبع وَعشْرين وثمانمئة وقبره بمقبرة حقلة وَمن أهل بعدان الْفَقِيه جمال الدّين مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن هَارُون قد ذكر الجندي جده مَعَ أهل ذِي جبلة وَأثْنى عَلَيْهِ ثَنَاء مرضيا قَرَأَ هَذَا الْفَقِيه جمال الدّين على الْفُقَهَاء من بني البريهي فأجازوا لَهُ فَأفْتى ودرس وَكَانَ كثير السَّعْي بِقَضَاء حوائج الْمُسلمين وَكَانَ مَعَه من الْكتب جملَة نافعة فتفرقت وبيعت بأبخس الْأَثْمَان

بمكانه الْمُسَمّى عارب بعزلة عروان وَتُوفِّي سنة اثْنَتَيْنِ وَثَلَاثِينَ وثمانمئة وَمِنْهُم القَاضِي الصَّالح جمال الدّين مُحَمَّد بن عَليّ بن الْخضر هُوَ من بَيت الْعلم وَمن منصب الْقَضَاء وَقد ذكر القَاضِي صفي الدّين البريهي عَمه وَأَهله فِي كتاب الْفَوَائِد فِي زِيَارَة الْمشَاهد فَتَوَلّى هَذَا القَاضِي الْقَضَاء بِمَدِينَة إب أَيَّامًا قَلَائِل ثمَّ انْفَصل عَنْهَا ثمَّ تولى الْقَضَاء ببعدان ثمَّ انْفَصل عَنهُ ثمَّ أُعِيد إِلَيْهِ وَسكن هُنَالك إِلَى أَن توفّي من مرض السل وَدفن بمقبرة حقلة وَكَانَت وَفَاته سنة اثْنَتَيْنِ وَثَلَاثِينَ وثمانمئة وَمِنْهُم القَاضِي صفي الدّين أَحْمد بن مُحَمَّد بن يُوسُف بن عبد الرَّحِيم بن مبارز بن مَنْصُور بن عَليّ بن عمر الشاوري قَرَأَ على جمَاعَة من الْعلمَاء مِنْهُم وَالِدي رحمهمَا الله وعَلى الْفُقَهَاء من أهل عصره من بني البريهي وَبني الْكَاهِلِي بِمَدِينَة إب وَأَجَازَ لَهُ الْفَقِيه نَفِيس الدّين الْعلوِي بِالْحَدِيثِ فدرس وافتى وَتَوَلَّى الْقَضَاء ببعدان وَكَانَ ورعا مُجْتَهدا بِالْعبَادَة وَسكن بمطاية ثمَّ سَافر إِلَى مَكَّة المشرفة وَتُوفِّي بهَا وَكَانَ قد جمع كتبا كَثِيرَة فأوقفها مَعَ أَرض لَهُ على أَوْلَاده وَشرط أَن من لم يصل فَلَا شَيْء لَهُ فِي الْوَقْف فَلَمَّا وصل إِلَى مَكَّة المكرمة وَوَقع نظره على الْبَيْت الْحَرَام لزمَه الرعب فَمَرض أَيَّامًا قَلِيلا ثمَّ توفّي هُنَالك سنة إِحْدَى وَثَلَاثِينَ وثمانمئة وَمِنْهُم المقرىء الصَّالح جمال الدّين مُحَمَّد بن الْفضل الشهيلي أَخذ علم الْقرَاءَات

على جمَاعَة من المقرئين وأجازوا لَهُ ثمَّ سَافر إِلَى مَكَّة فحج ثمَّ زار قبر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَاجْتمعَ هُنَاكَ بِجَمَاعَة من شُيُوخ الْقرَاءَات السَّبع وبجماعة من شُيُوخ التصوف فَقَرَأَ عَلَيْهِم ونصبه الشَّيْخ جمال الدّين مُحَمَّد بن زَكَرِيَّا بعد أَن ثَبت نَصبه عَن الشَّيْخ الْوَلِيّ الإِمَام عبد الرَّحْمَن بن عبد الله اليافعي وَالشَّيْخ فَخر الدّين الْموصِلِي وَالشَّيْخ محيي الدّين عمر العرابي ثمَّ عَاد المقرىء جمال الدّين فَبَقيَ يقرىء بِالْقُرْآنِ ويجتهد بِالْعبَادَة إِلَى أَن توفّي سنة خمسين وثمانمئة رَحمَه الله وَمِنْهُم الشَّيْخ جمال الدّين مُحَمَّد بن عبد الله بن زَكَرِيَّا كَانَ رجلا فَاضلا عَالما وَكَانَ هُوَ وأهاليه من رُؤَسَاء بعدان وسكنهم النضارى وَكَانَ هَذَا الشَّيْخ جمال الدّين أَنْجَب أَهله عصره من أَله فأنكحه الشَّيْخ أَبُو بكر بن معوضة السيري شيخ بعدان ابْنَته وَأَسْكَنَهُ دَاره فَقطع رَأس الشَّيْخ أَبُو بكر لَيْلًا فاتهم أهل بعدان الشَّيْخ جمال الدّين بذلك وَلم يكن قَتله إلإ غيرَة وَظَهَرت بَرَاءَة الشَّيْخ جمال الدّين عَن ذَلِك فسافر الشَّيْخ جمال الدّين إِلَى مَكَّة وجاور فِيهَا وَفِي الْمَدِينَة الشَّرِيفَة وَلزِمَ طَريقَة الصُّوفِيَّة وجد واجتهد بِالْعبَادَة فَمن شُيُوخه فِي ذَلِك الْوَلِيّ الصَّالح جَامع طريقتي الشَّرِيعَة والحقيقة عبد الله بن أسعد اليافعي وَالشَّيْخ محيي الدّين عمر العرابي وَغَيرهمَا وَلم يعد إِلَى الْيمن وَتُوفِّي بِالْمَدِينَةِ الشَّرِيفَة رَحمَه الله تَعَالَى ونفع بِهِ وَوجدت كتابا بليغا مِنْهُ إِلَى إخْوَته يعلمهُمْ بِحَالهِ ويعظهم فِيهِ ويحذرهم من الاغترار بالدنيا قد ذكرته فِي التَّارِيخ الْكَبِير مَعَ دُعَاء حسن فَمن أحب ذَلِك فليراجعه مِنْهُ وَكَانَت وَفَاته على رَأس المئة التَّاسِعَة كَمَا وجدته مُعَلّقا من خطّ بعض الْفُضَلَاء رَحِمهم الله أَجْمَعِينَ

وَفِي بعدان جمَاعَة من الْفُضَلَاء تقدّمت وفاتهم وَظَهَرت بركاتهم بعد مَوْتهمْ وَلَيْسَ لَهُم ذُرِّيَّة وَمِنْهُم من لَهُ ذُرِّيَّة فَمن ذُريَّته موجودون وَقَامُوا بِمنْصب آبَائِهِم الْمَشَايِخ بَنو الشَّيْخ الْوَلِيّ الصَّالح سعيد بن عمر التهامي وَأهل ذِي حرارة وَمن المتوفين بِغَيْر بعدان فِي مشرق المخلاف الْمَنْسُوب إِلَى جَعْفَر وقبلية جمَاعَة مِنْهُم المقرىء الْفَقِيه الْعَلامَة جمال الدّين مُحَمَّد بن عمر المسلمي الْمَشْهُور باليريمي قَرَأَ بِمَدِينَة زبيد بالقراءات والْحَدِيث عل شيخ الْقُرَّاء والمحدثين عَليّ بن أبي بكر بن شَدَّاد وَقَرَأَ على غَيره بفن الْفِقْه ثمَّ انْتقل إِلَى حراز فَأَقَامَ بهَا مُدَّة يقْرَأ على فقهائها ثمَّ طلع إِلَى صنعاء فَقَرَأَ على أَئِمَّة النَّحْو بهَا هُنَالك وَأَخْبرنِي بعض فُقَهَاء الْعَصْر أَنه سمع الْفَقِيه شمس الدّين عَليّ بن قحر وَهُوَ من تلامذته يَقُول الْفَقِيه جمال الدّين مُحَمَّد المسلمي أكبر شُيُوخ الْحَاوِي الصَّغِير فِي الْيمن بوقته وَاسْتمرّ بعد رُجُوعه من صنعاء بِأَمْر السُّلْطَان الْملك الْأَشْرَف بن الإفضل بِأَسْبَاب مَدِينَة ذِي جبلة فَكَانَ يُقيم بهَا أَيَّامًا يدرس ويفتي وَيقف بيريم أَيَّامًا كَذَلِك وانتفعت بِهِ الطّلبَة وَكَانَ مَشْهُورا بالورع وَالْعِبَادَة معدودا من أهل الْفضل والإفادة وغلبت عَلَيْهِ الشُّهْرَة باسم المقرىء الْمُطلق وَتُوفِّي بقرية يريم سنة سبع وثمانمئة رَحمَه الله ونفع بِهِ وَمِنْهُم الْفَقِيه صارم الدّين دَاوُد بن مُحَمَّد صَاحب ذِي عنان كَانَ رجلا عابدا صَالحا قيل إِنَّه من أهل الخطوة كَمَا حكى الثِّقَة أَنه اتّفق جمع للْفُقَرَاء الصُّوفِيَّة بمَكَان

يُسمى أكمة النورة فِي أَسْفَل بلد بني سيف فانتظروا وُصُول الْفَقِيه صارم الدّين إِلَيْهِم فَجَاءَهُمْ وهم يصلونَ الْمغرب فَشهد جمَاعَة من أهل ذِي عنان أَنه حِين أَذَان الْمغرب تِلْكَ اللَّيْلَة بِذِي عنان وَأَنَّهُمْ انتظروه للصَّلَاة فَلم يجدوه فَبَان أَنه صلى الْمغرب بأكمة النورة وَكَانَ بَين المكانين مسير نصف يَوْم وَكَانَ هَذَا الْفَقِيه صارم الدّين كثير الزِّيَارَة للصالحين وَالْحج إِلَى بَيت الله الْحَرَام توفّي سنة تسع وَثَلَاثِينَ وثمانمئة رَحمَه الله تَعَالَى ونفع بِهِ وَمن بلد بني سيف بمعشار حصن ريمان الْحَاج عَليّ بن صليعة حُكيَ أَنه كَانَ رجلا عابدا صَالحا يحب الخمول وَعدم الشُّهْرَة وَأَنه كَانَ إِذا صلى كشف لَهُ فَيرى الْكَعْبَة المشرفة وَأَن الْفَقِيه الْعَلامَة وجيه الدّين عبد الرَّحْمَن أَحْمد بن سَالم الْآتِي ذكره بَين فُقَهَاء المشيرق زَارَهُ فَلَمَّا شهر بذلك انْتقل إِلَى بلد ريمة الَّذِي خلف وصاب ثمَّ عَاد إِلَى بَلَده فَتوفي بهَا سنة أَرْبَعِينَ وثمانمئة رَحمَه الله تَعَالَى وَمن بلد بني سيف الْفَقِيه الْعَلامَة جمال الدّين مُحَمَّد بن عمر السيفي قَرَأَ بِمَدِينَة إب على الْفُقَهَاء من بني البريهي وَبني الْكَاهِلِي فأجازوا لَهُ ثمَّ رَجَعَ إِلَى بَلَده فدرس وَأفْتى وَتَوَلَّى الْقَضَاء هُنَالك وَكَانَت عَلَيْهِ السكينَة واجتهد بِالْعبَادَة حَتَّى أجمع أهل قطره أَنه من الأخيار الصَّالِحين وَقصد للزيارة وَكَانَت الْقَبَائِل الَّتِي فِي جهاته يعتمدون أمره وَلَا يخالفون رَأْيه ويودعون أَمْوَالهم عِنْده وَلم يزل على الْحَال المرضي إِلَى أَن توفّي بِشَهْر رَمَضَان سنة ثَلَاثَة وَسِتِّينَ وثمانمئة رَحمَه الله ونفع بِهِ

وَمن تِلْكَ النواحي الْفَقِيه الْعَالم النَّحْوِيّ جمال الدّين مُحَمَّد بن المسلمي كَانَ من الَّذين طافوا الْبلدَانِ شرقا وغربا وشاهدوا عجائبها وَاجْتمعَ بصلحائها وعلمائها وَكَانَ يحفظ مقامات الحريري فَلَمَّا أسن وَكبر قطن بِبَلَد بني مُسلم وَكَانَ ذَا مَال جزيل يخفيه فَعلم عَلَيْهِ فَأَخذه شيخ بَلَده عَلَيْهِ ظلما أَخْبرنِي أَنه مِمَّا غصب عَلَيْهِ جَوْهَرَة ثمينة حصلت لَهُ فِي أَيَّام غربته من بلد الْعَجم وَتُوفِّي سنة أَرْبَعِينَ وثمانمئة وَمن نَاحيَة المشيرق شَرْقي حصن خدد من مخلاف جَعْفَر جمَاعَة مِنْهُم الْفَقِيه الصَّالح عفيف الدّين عبد الله بن مُحَمَّد بن رشيد كَانَ رجلا عابدا عَالما عَلَيْهِ عَلامَة الصَّالِحين دأبه الْخُشُوع والتواضع يُؤثر الخمول وَلَا يكَاد يرى ضَاحِكا وَلَا يفتر عَن ذكر الله والتلاوة يلبس الخشن وَلَا يكَاد يَأْكُل إِلَّا مَا تحقق حلّه كثير الصمت لَهُ مُشَاركَة بِالْحَدِيثِ النَّبَوِيّ كثير التفكير قيل كَانَ يعرف الِاسْم الْأَعْظَم شاهدته وَطلبت مِنْهُ الدُّعَاء وَتُوفِّي بالفراوي وقبر هُنَاكَ رَحمَه الله تَعَالَى وَمن المتوفين هُنَالك الشَّيْخ صارم الدّين دَاوُد بن صَالح المُصَنّف هُوَ اسْم علم لَهُ وَلَيْسَ هُوَ مصنفا وأصل بَلَده من مَدِينَة إب ثمَّ انْتقل ألى الفراوي خوفًا على نَفسه من شيخ بَلَده بِسَبَب مَا نسب إِلَيْهِ من مُوالَاة ولد أُخْته الْمُسَمّى مَحْمُود بن الشَّيْخ الْجلَال بن مُحَمَّد السيري فقد كَانَ الشَّيْخ الْجلَال الْمَذْكُور تزوج أُخْت الشَّيْخ صارم الدّين الْمَذْكُور وَحدث لَهُ مِنْهَا ولد هُوَ الْمَذْكُور فخاف الْمُسْتَقيم بِالْأَمر ببعدان من بعد الشَّيْخ الْجلَال من هَذَا الْوَلَد فَأسرهُ ثمَّ فكه الله تَعَالَى بعد ذَلِك بعد أُمُور ذكرتها فِي التَّارِيخ الْكَبِير

كَانَ هَذَا الْفَقِيه صارم الدّين مُسْرِفًا على نَفسه فِي ابْتِدَاء أمره ثمَّ تَابَ وَحسنت تَوْبَته ثمَّ حج على قدم التَّجْرِيد مَاشِيا إِلَى مَكَّة المشرفة وزار قبر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وجاور فِي مَكَّة المشرفة سنتَيْن وَكَانَ يَصُوم النَّهَار وَيقوم اللَّيْل ويحتطب على ظَهره ثمَّ يَبِيع الْحَطب فَيتَصَدَّق بِالنِّصْفِ من ثمنه وَيَأْكُل النّصْف وَصَحب الشُّيُوخ الصلحاء كالشيخ محيي الدّين عمر العرابي وتحكم على يَده وَلزِمَ طَريقَة التصوف وتأدب بآدابهم وعد من الزهاد والعباد ثمَّ رَجَعَ إِلَى بَلَده مَدِينَة إب لابسا للخشن كغراير الصُّوف وَالسَّلب فَكَانَ يحمل المَاء على ظَهره ويسقيه النَّاس فِي الْجَامِع والمدارس وَغَيرهَا ثمَّ هَاجر إِلَى الْحَبَشَة وَعبد الله تَعَالَى بِجَزِيرَة مَشْهُورَة هُنَالك يَأْكُل الْأَشْجَار وَيشْرب من مَاء فِيهَا ثمَّ عَاد إِلَى بَلَده ووقف بهَا مُدَّة ثمَّ سَافر إِلَى مَكَّة المشرفة أَيْضا وَأقَام هُنَاكَ مُدَّة ثمَّ رَجَعَ إِلَى بَلَده فتحكم على يَده جمَاعَة من أهل الْبَلَد فَكَانَ يسير بهم فِي اللَّيْل إِلَى الْمَوَاضِع الخالية فيمنعون أنفسهم النّوم ويقومون بِالصَّلَاةِ وَالذكر وَالدُّعَاء ثمَّ إِنَّه كَانَ يقْصد قُبُور الصَّالِحين فِي الْبلدَانِ الْبَعِيدَة والقريبة للزيارة واشتهر أمره وَأحسن النَّاس بِهِ الظَّن وأحبه مُعظم أهل الْبَلَد وَكَانَ قد يخرج بِاللَّيْلِ من الْمَسَاجِد إِلَى الْمَقَابِر وَغَيرهَا وَمَعَهُ جمَاعَة يجهرون بِالذكر فَاعْترضَ عَلَيْهِم الْفَقِيه عفيف الدّين الْكَاهِلِي بِعُذْر أَنهم ينبهون النيام ويفزعون الْأَطْفَال بأصواتهم الْعَالِيَة وَأفْتى بِعَدَمِ جَوَاز ذَلِك وَطلب من شيخ الْبَلَد الْوَالِي عَلَيْهَا وَهُوَ تَاج الدّين مُحَمَّد بن أبي بكر السيري الْإِعَانَة على ذَلِك ومنعهم فَأَجَابَهُ إِلَى ذَلِك فامتنعوا

فَجهز الشَّيْخ صارم الدّين جمَاعَة من أَصْحَابه إِلَى الشَّيْخ عمر العرابي شَيْخه فِي التصوف فوصلوا إِلَيْهِ وَأَخْبرُوهُ بذلك وَأَقَامُوا عِنْده أَيَّامًا مكرمين ثمَّ أَمرهم بالقدوم مَعَه إِلَى شخص من الصَّالِحين قد سَمَّاهُ لي أنسيت اسْمه فوصلوا إِلَيْهِ وَأَقَامُوا بِالسَّمَاعِ الْمَعْهُود للصوفية عِنْد هَذَا الشَّخْص أَيَّامًا حَتَّى كاشفهم وَقَالَ اذْهَبُوا إِلَى بلدكم فقد توفى الله الْفَقِيه عبد الله الْكَاهِلِي الْيَوْم هَذَا وخصوا صَاحبكُم الشَّيْخ صارم الدّين بِالسَّلَامِ ودوموا على مَا كُنْتُم عَلَيْهِ فَرَجَعُوا وأخبروا خبر هَذَا الشَّيْخ صارم الدّين بِمَا كَانَ من ذَلِك ووجدوا أَن موت الْفَقِيه عفيف الدّين فِي الْيَوْم الَّذِي قَالَ لَهُم فِيهِ ذَلِك الشَّخْص وَكَانَ الشَّيْخ صارم الدّين صَاحب جاه كَبِير لَا مُخَالفَة لأَمره من أحد ودام على ذَلِك بِالذكر فِي الْمَكَان الَّذِي أعْمرهُ لَهُ الشَّيْخ الْجلَال وَهُوَ الرِّبَاط بمدرسة الشَّيْخ الْجلَال الْمَذْكُور إِلَى أَن انْتقل إِلَى الفراوي ووقف بهَا أَيَّامًا ثمَّ توفاه الله تَعَالَى سنة خمس وَثَلَاثِينَ وثمانمئة رَحمَه الله ونفع بِهِ وَله كرامات مِنْهَا مَا شاهدته وَمِنْهَا مَا أَخْبرنِي بِهِ الثِّقَة مِمَّا قد ذكرته فِي الأَصْل وَهُوَ الَّذِي أعمر الْبُنيان الَّذِي حول قبر الشَّيْخ حسام الدّين بِمَدِينَة إب حَيْثُ يقف الزائر فَوْقه وَتَحْته السائلة هُنَالك وَهُوَ الَّذِي أخرج المَاء قَرِيبا من قبر الشَّيْخ حسام الدّين بَينه وَبَين الطَّرِيق هُنَالك وَأَعْمر فِيهِ الْمصلى والحوض وَقد بنى بذلك مَسْجِدا بعد وَفَاته بناه غَيره وَهُوَ الَّذِي أعمر الْمعِين المنسوبة إِلَيْهِ فِي السايلة هُنَالك وَهِي مَعْرُوفَة وكل ذَلِك شَرْقي مَدِينَة إب

وَمن أهل الفراوي الْفَقِيه جمال الدّين مُحَمَّد بن حُسَيْن هُوَ من قوم صوفية اشْتهر نسبهم إِلَى حُسَيْن بن أبي السُّعُود بن الْحُسَيْن بن مُسلم الْهَمدَانِي وَقد ذكره الجندي المؤرخ وَلَيْسوا من أَوْلَاد الْحُسَيْن بن عَليّ بن أبي طَالب رَضِي الله عَنهُ أخْبرت أَن هَذَا الْفَقِيه كَانَ خيرا مُبَارَكًا كثير التَّهَجُّد وَالْعِبَادَة قَالَ الْفَقِيه وجيه الدّين عبد الرَّحْمَن بن أَحْمد بن سَالم وَهُوَ مِمَّن ظَهرت لَهُ الكرامات وَأخْبر بَعضهم أَنه رأى نورا يطلع فِي بَيته لَيْلًا فِي الْمَكَان الَّذِي كَانَ يتهجد فِيهِ توفّي بعد سنة عشْرين وثمانمئة رَحمَه الله ونفع بِهِ وَمِنْهُم الإِمَام الْعَلامَة الْفَقِيه العابد الزَّاهِد الصَّالح وجيه الدّين عبد الرَّحْمَن بن الإِمَام صفي الدّين أَحْمد بن مُحَمَّد بن سَالم أما وَالِده الإِمَام صفي الدّين فقد كَانَ من الْعلمَاء والفضلاء وَلم أتحقق تَفْصِيل أَحْوَاله وأخبرت أَنه توفّي بِأول المئة الثَّامِنَة وَأما وَلَده هَذَا وجيه الدّين فمولده بِشَهْر شَوَّال سنة سِتِّينَ وسبعمئة بقرية المخادر قَرَأَ على جمَاعَة من الْعلمَاء مِنْهُم وَالِده الإِمَام صفي الدّين وَمِنْهُم الإِمَام جمال الدّين الريمي وَمِنْهُم الإِمَام رَضِي الدّين الأصبحي وَله مَشَايِخ غَيرهم فِي فنون الْعلم من الْقرَاءَات السَّبع والْحَدِيث وَالتَّفْسِير واللغة وَالْفِقْه وَالْأُصُول وَغير ذَلِك قَرَأَ على جمَاعَة من الْعلمَاء مِنْهُم وَالِده الإِمَام صفي الدّين وَمِنْهُم الإِمَام جمال الدّين الريمي وَمِنْهُم الإِمَام رَضِي الدّين الأصبحي وَله مَشَايِخ غَيرهم فِي فنون الْعلم من الْقرَاءَات السَّبع والْحَدِيث وَالتَّفْسِير واللغة وَالْفِقْه والأصولين وَغير ذَلِك قَرَأت إجَازَة مِنْهُ لبَعض الطّلبَة فَقَالَ مشايخي فِي فنون الْعلم نَحْو خمسين شَيخا وأخبرت أَنه تحكم على يَد الْوَلِيّ الصَّالح عفيف الدّين عبد الله بن يحيى الشعراني وَأَنه حج إِلَى بَيت الله الْحَرَام وزار

قبر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَخْبرنِي من يعرفهُ أَنه كَانَت لَهُ معرفَة جَيِّدَة بِعلم الْأَسْمَاء وَأَنه لما عَاد من مَكَّة المشرفة إِلَى بَلَده فسكن الْمَكَان الَّذِي يُسمى جبا وَهُوَ الْمَعْرُوف بمعشار حصن خدد فقصدته الطّلبَة للْعلم من كل مَكَان فَأفْتى ودرس وانتفع بِهِ أهل ذَلِك الْقطر وَألف كتبا كَثِيرَة مِنْهَا لوامع الْأَنْوَار وجوامع الْأَسْرَار فِي مُنَاجَاة الْعَزِيز الْغفار لقَضَاء الْحَوَائِج والأوطار وَمِنْهَا كتاب الشِّفَاء التَّام من الآلام والأسقام والأسماء الْعِظَام وَله غير ذَلِك وَكَانَ ورعا متقللا من الدُّنْيَا وَلَا يَأْكُل إِلَّا مَا تَيَقّن حلّه وقصده النَّاس للتبرك بِهِ واعتقدوه حَتَّى قيل بِأَنَّهُ القطب وشهدوا على كَلَامه بِأَنَّهُ لَقِي الْخضر عَلَيْهِ السَّلَام وبشره ببشارات كَثِيرَة وَأَنَّهُمْ رَأَوْا جماعات من الْجِنّ يقرؤون عَلَيْهِ وسمعوه يدرس فِي مَسْجِد وسمعوا اصواتا من جمَاعَة يراجعونه فِي مسَائِل ثمَّ دخلُوا ذَلِك الْمَسْجِد فَلم يرَوا أحدا وأخبروا بِشَيْء أعلمهم بِهِ أَنه سَيكون فَكَانَ على مُقْتَضى مَا أخبر بِهِ من ذَلِك أَنه خرج لَيْلًا إِلَى عِنْد جمَاعَة من أَصْحَابه فَقَالَ لَهُم إِن الْفَقِيه عفيف الدّين عَطِيَّة بن عبد الرَّزَّاق توفّي هَذِه السَّاعَة بِذِي جبلة فَمن أحب مِنْكُم أَن يتَقَدَّم لقبرانه فليذهب وَكَانَ بَين الْمَكَان الَّذِي هُوَ فِيهِ وَذي جبلة مسيرَة قدر نصف يَوْم وَمن ذَلِك مَا أخبر بِهِ الثِّقَة أَنه وجد وزغة فهم بقتلها فَنَهَاهُ الْفَقِيه وجيه الدّين وَقَالَ إِنَّهَا تنْتَظر زَوجهَا قَالَ فوصل رجل من مَكَان بعيد بِشَيْء من الحنا للفقيه وجيه الدّين فَوَضعه فِي ذَلِك الْمَكَان فَخرج من بَين ورق الحنا وزغة فَذَهَبت إِلَى تِلْكَ الوزغة الأولى فركبت عَلَيْهَا وغابتا وَحكى عَن كرامات أخر وعَلى الْجُمْلَة فقد كَانَ الإِمَام وجيه الدّين من الْأَئِمَّة الْعلمَاء العاملين الْمُحَقِّقين فِي الْعُلُوم الظَّاهِرَة مُسلما لَهُ وَكَانَ ثبتا فِي الْجَواب محققا فِي التدريس مكرما للضيف مَقْصُودا للمهمات مجللا مُحْتَرما جَامعا لطريقتي

الشَّرِيعَة والحقيقة وَعمر زَمنا طَويلا وَكَانَت وَفَاته بِشَهْر ذِي الْحجَّة سنة تسع وَثَلَاثِينَ وثمانمئة شَهِيدا من ألم الطَّاعُون رَحمَه الله ونفع بِهِ وَقد كَانَ لَهُ أَوْلَاد تَوَفَّاهُم الله الأول يُسمى حسن ورث مَا خَلفه وَالِده من الْكتب وَمَا خلفته والدته من الأَرْض والبيوت وَفتحت عَلَيْهِ الدُّنْيَا وَاشْترى أَرضًا جليلة وجلل واحترم وانتهت إِلَيْهِ الرِّئَاسَة وَقد كَانَ أجَاز لَهُ وَالِده بعد قِرَاءَته عَلَيْهِ بعض كتب الْفِقْه ثمَّ قَرَأَ بعد وَفَاة أَبِيه على بعض فُقَهَاء عصره وسافر إِلَى مَكَّة المشرفة فحج ثمَّ عَاد إِلَى بَلَده فَأفْتى وأضيف إِلَيْهِ الْقَضَاء بِتِلْكَ الْجِهَة وَكَانَ فِي أمره انتظام على طَريقَة مرضية من إطْعَام الطَّعَام فطمع شيخ بَلَده وواليها فِي مَاله وهم بحبسه فأنذره بعض خَواص الْوَالِي وَهُوَ الْجلَال بن عبد الْبَاقِي الحبيشي فهرب هَذَا الْفَقِيه بدر الدّين إِلَى المخادر ثمَّ حدث فِيهَا الْخَوْف فانتقل إِلَى مَدِينَة تعز فَأكْرمه السَّادة بَنو طَاهِر وأضافوا إِلَيْهِ من الْأَسْبَاب الْمدرسَة المعتبية بِمَدِينَة تعز فَأَقَامَ بهَا نَحْو أَربع سِنِين ثمَّ توفّي بهَا سنة أَربع وَسِتِّينَ وثمانمئة رَحمَه الله تَعَالَى ونفع بِهِ وَمن الْقرْيَة الَّتِي تسمى صمع القَاضِي الْفَاضِل عفيف الدّين عبد الله بن أسحم كَانَ مشاركا بِعلم الْفِقْه قَرَأَ على جمَاعَة من الْفُقَهَاء مِنْهُم القَاضِي وجيه الدّين عبد الرَّحْمَن بن عبد الْعَلِيم الْمُقدم الذّكر وَكَانَ كثير الذّكر لله تَعَالَى وَكثير الْعِبَادَة وَقد يُصَلِّي الصُّبْح بِوضُوء الْعشَاء وَظَهَرت لَهُ كرامات من ذَلِك أَنه أكرهه الْجلَال بن عبد الْبَاقِي الحبيشي على أَن يُزَوجهُ ابْنَته وَلم يسْتَطع خوفًا من فِرَاق وَطنه فَزَوجهُ وزفها إِلَيْهِ ودعا الله أَن لَا يتَّصل بهَا الزَّوْج الْمَذْكُور فوقفت فِي بَيته

مَعَه وَكلما هم بِالدُّخُولِ إِلَيْهَا مَنعه مَانع فَردهَا إِلَى أَبِيهَا بكرا وَكَانَ مجاب الدعْوَة وَتَوَلَّى الْقَضَاء بِتِلْكَ الْبَلَد ثمَّ انْفَصل عَنْهَا ثمَّ أُعِيد إِلَيْهِ وَحسنت سيرته وحمدت حركته ثمَّ توفّي سنة سبع وَسِتِّينَ وثمانمئة رَحمَه الله تَعَالَى ونفع بِهِ وَمن أهل معشار خدد الشَّيْخ شمس الدّين عَليّ بن أَحْمد السَّنَد أَخْبرنِي الْفَقِيه بدر الدّين حسن بن عبد الرَّحْمَن بن سَالم أَن هَذَا الشَّيْخ كَانَ ذَا صِيَام وَقيام يُؤثر الخمول وَمِمَّا لَا يؤبه وَكَانَ يُصَلِّي اللَّيْل كُله وَيذكر الله تَعَالَى وَقد يقف ثَلَاثَة أَيَّام لَا يَأْكُل شَيْئا وَقَالَ إِنَّه يطعم فِي فَمه مثل الشهد وَأَنه لما توفّي شوهد بِاللَّيْلِ فَوق قَبره نور فَلَمَّا قرب مِنْهُ الَّذين رَأَوْهُ زَالَ ذَلِك وَتُوفِّي سنة تسع وَثَلَاثِينَ وثمانمئة رَحمَه الله ونفع بِهِ وَمن أهل الأريمة بمعشار حصن شبع المقرىء الصَّالح جمال الدّين مُحَمَّد بن عمر بن سميح كَانَ مقرئا صَالحا ورعا زاهدا اشتهرت لَهُ كرامات وزاره الْعلمَاء والفضلاء رَحمَه الله توفّي سنة أَرْبَعِينَ وثمانمئة وَمن الظفر بعزلة بردَان بمعشار حصن شبع القَاضِي جمال الدّين مُحَمَّد بن عبد الله الْخطابِيّ اصله من بني خطاب أخوال الشَّيْخ النهاري كَانَ فَقِيها مُبَارَكًا قَرَأَ على الإِمَام وجيه الدّين عبد الرَّحْمَن بن أَحْمد بن سَالم بالفقه ثمَّ بِمَدِينَة

تعز على جمَاعَة من الْفُقَهَاء وأجازوا لَهُ وَكَانَ يحفظ التَّنْبِيه ويداوم على مطالعته وتصويره واستنباط الْمسَائِل مِنْهُ فَسُمي التنبيهي وَتَوَلَّى الْقَضَاء بمعشار حصن شبع فِي ايام السلطنة وَغَيرهَا فِي زمن الحبيشي وَتُوفِّي سنة إِحْدَى وَعشْرين وثمانمئة وَمن أهل معشار شبع الشَّيْخ الصَّالح جمال الدّين مُحَمَّد بن عمر بن غيلَان صَاحب الممشاي كَانَ رجلا فَاضلا عابدا حصلت لَهُ نفحة سَمَاوِيَّة وَظَهَرت لَهُ هُنَالك الكرامات فَبنى هَذَا الْمَكَان الْمُسَمّى الممشاي وتخلى فِيهِ لعبادة الله تَعَالَى فزاره النَّاس وسألوه الدُّعَاء توفّي سنة 818 سنة وَمن أهل مروحة الرِّبَاط الْمَشْهُور بِتِلْكَ الْجِهَة الشَّيْخ الصَّالح شرف الدّين قَاسم بن مُحَمَّد بن أَحْمد بن عُثْمَان وَأَخُوهُ الشَّيْخ دَاوُد بن مُحَمَّد بن أَحْمد بن عُثْمَان كَانَا رجلَيْنِ عابدين صالحين اشتهرت لَهما الكرامات فجلل مكانهما واحترم لأجلهما توفّي الشَّيْخ دَاوُد سنة سِتّ وَثَلَاثِينَ وثمانمئة وَتُوفِّي أَخُوهُ سنة ثَمَان وَثَلَاثِينَ وثمانمئة رحمهمَا الله تَعَالَى وَمن أهل البياحي بِبَلَد بني سيف الْفَقِيه الصَّالح شمس الدّين يُوسُف بن أَحْمد المنبهي كَانَ عابدا عَالما صَالحا حصل كتبا كَثِيرَة ودرس وَأفْتى إِلَى أَن كبر وَضعف فاشتغل بِالْعبَادَة وَترك التدريس وَفتح عَلَيْهِ بكرامات كَثِيرَة وَكَانَ مجاب الدعْوَة توفّي سنة سِتّ وَأَرْبَعين وثمانمئة وَله ولد اسْمه عبد القيوم نَشأ أحسن نشوء وَقَرَأَ بالفقه على الْفَقِيه جمال الدّين مُحَمَّد بن عمر السيفي وَهُوَ فِي قيد الْحَيَاة عِنْد جمع هَذَا الْمَجْمُوع

وَمن أهل نبع بِطرف قفر حاشد الشَّيْخ الصَّالح شهَاب الدّين أَحْمد البَجلِيّ ابْن عبد الله بن عَليّ الغوري هُوَ مِمَّن تحكم على يَد المقرىء جمال الدّين الساودي وَمِمَّنْ اشْتهر بِالْكَرمِ وَالْإِحْسَان إِلَى القاصد واشتهرت لَهُ الكرامات وَمن أهل عدن بني شبيب الْفَقِيه الْعَالم عفيف الدّين عبد الله بن مُحَمَّد الشبيبي هُوَ من ذُرِّيَّة الشَّيْخ الشبيبي الَّذِي شهرت لَهُ الكرامات وَذكره المؤرخون قَدِيما قَرَأَ هَذَا الْفَقِيه عفيف الدّين بالفقه على الإِمَام وجيه الدّين عبد الرَّحْمَن بن أَحْمد بن سَالم حَتَّى انْتفع بفن الْفِقْه وَأَجَازَ لَهُ فدرس وَأفْتى وَأقَام بِبَلَدِهِ يعبد الله تَعَالَى وَظَهَرت لَهُ الكرامات وَقصد للزيارة وَتُوفِّي بعد سنة عشر وثمانمئة رَحمَه الله وَمن أهل ذِي شعران الشَّيْخ الْأَجَل الصَّالح ذُو الكرامات والمكرمات عفيف الدّين عبد الله بن يحيى بن سُلَيْمَان الشعراني كَانَ هَذَا الشَّيْخ عابدا زاهدا خَائفًا كَأَن الْقِيَامَة نصب عَيْنَيْهِ وَالنَّار بَين يَدَيْهِ دأبه تِلَاوَة الْقُرْآن وَذكر الله تَعَالَى لَيْلًا وَنَهَارًا أثنى عَلَيْهِ الإِمَام جمال الدّين مُحَمَّد بن عبد الله الرعياني وَشهد لَهُ بالفوز وَالصَّلَاح لما رَآهُ وَشَاهده من أَحْوَاله عيَانًا وَظَهَرت بركته واشتهرت واستجيب دعاؤه وَقصد للمهمات وَسَهل على يَدَيْهِ قَضَاء الْحَاجَات وانقاد أهل ذَلِك الْقطر لقَوْله وأذعنوا لحكمه لما رَأَوْا من كراماته وَقد ذكرت لَهُ من ذَلِك بَعْضهَا من الأَصْل وَلم يزل على الْحَال المرضي مجللا مُحْتَرما فِي أماكنه وربطه مكرما لكل من وَفد عَلَيْهِ

إِلَى أَن توفّي بِأول المئة التَّاسِعَة رَحمَه الله تَعَالَى ونفع بِهِ وَخَلفه صنوه الشَّيْخ الصَّالح جمال الدّين مُحَمَّد بن يحيى بن سُلَيْمَان فِي منصبه فَكَانَ يقوم اللَّيْل ويصوم النَّهَار وَلزِمَ الْخلْوَة وَالْعُزْلَة فِي مَسْجِد يغلق بَابه عَلَيْهِ وَترك لَهُ طَاقَة يدْخل مِنْهَا الطَّعَام إِلَيْهِ وَلَا يخرج إِلَّا بِاللَّيْلِ للخلاء ودام على ذَلِك أَيَّامًا وَتُوفِّي بعد وَفَاة أَخِيه بِسنة إِلَى أَن توفّي رَحمَه الله تَعَالَى ثمَّ قَامَ بمنصبهما الشَّيْخ جمال الدّين مُحَمَّد بن عبد الله بن يحيى بن سُلَيْمَان الشعراني فِي إكرام الزائر وَقَضَاء الْحَاجَات واشتهر بذلك إِلَى أَن توفاه الله تَعَالَى سنة سبع عشرَة وثمانمئة وَمن أهل الرضابي الرِّبَاط الْمَشْهُور هُنَالك الْفَقِيه الصَّالح شمس الدّين عَليّ بن عبد الله قَرَأَ على الإِمَام جمال الدّين الرعياني بِمَدِينَة إب فِي الْفِقْه وَقَرَأَ على غَيره ثمَّ رَجَعَ إِلَى بَلَده فَأفْتى ودرس وَكَانَت لَهُ عبَادَة واجتهاد بِأَفْعَال الْخَيْر واشتهرت لَهُ الكرامات ثمَّ توفّي بعد سنة ثَلَاثِينَ وثمانمئة رَحمَه الله تَعَالَى ثمَّ خَلفه بمنصبه صنوه جمال الدّين مُحَمَّد كَانَ ذَا فضل وَعبادَة فاشتهر بِالْخَيرِ وَالصَّلَاح واعتقده أهل قطره وَكَانَ مكرما للضيف ودام على ذَلِك حَتَّى توفّي بعد سنة خمسين وثمانمئة ثمَّ خَلفه بمنصبه وَلَده شمس الدّين قَامَ بِمنْصب أَبِيه وَعَمه وَالْتزم طريقهما بالإكرام للضيف وَله مُشَاركَة بالعلوم

وَلَهُم ربط بِتِلْكَ الْجِهَات يعظمها النَّاس ويحترمونها وَحكي أَنه عاندهم بعض من لَا خير فِيهِ من أهل الْأَمر فَعجل الله عُقُوبَته بِمَرَض توفّي مِنْهُ وَلم يزل مِنْهُم من هُوَ قَائِم بِأَفْعَال الْخَيْر حَال جمع هَذَا الْمَجْمُوع وَمن المتوفين بالدنوة الْقرْيَة الْمَعْرُوفَة تَحت حصن نعْمَان الشوافي المقرىء الْفَقِيه صفي الدّين أَحْمد بن أبي الْقَاسِم الريمي اصل بَلَده ريمة وصاب انْتقل مِنْهَا هَذَا الْفَقِيه لطلب الْعلم الشريف فَقَرَأَ بالقراءات السَّبع على جمَاعَة أَجلهم الإِمَام ابْن شَدَّاد بِمَدِينَة زبيد وبالفقه على الإِمَام جمال الدّين الريمي فأجازوا لَهُ وَسكن بالرباط الْمَشْهُور بالذهوب فَأَقَامَ هُنَاكَ يُفْتِي ويدرس ثمَّ انْتقل إِلَى الدنوة بِأَمْر الشَّيْخ عَليّ بن الحسام فسكن بهَا ودرس وَأفْتى مُدَّة طَوِيلَة ثمَّ امتحن بذهاب بَصَره وَعرض عَلَيْهِ الْقَضَاء قبل زَوَال بَصَره فَامْتنعَ من قبُوله مَعَ شدَّة فقره وَكَثْرَة عِيَاله وَتُوفِّي سنة تسع عشرَة وثمانمئة وقبر هُنَاكَ بمقبرة الدنوة ثمَّ خَلفه بمنصبه وَلَده يُسمى عبد الْوَهَّاب تولى الْقَضَاء بِتِلْكَ الْجِهَات ودرس وافتى بعد أَن قَرَأَ على الإِمَام جمال الدّين بن الْخياط الْأَكْبَر بتعز ثمَّ انْتقل إِلَى بلد بني حُبَيْش وَتَوَلَّى الْقَضَاء بهَا ثمَّ انْفَصل عَنْهَا وَرجع إِلَى الدنوة ثمَّ انْتقل إِلَى مَدِينَة تعز وَتُوفِّي بهَا سنة أَربع وَسِتِّينَ وثمانمئة بعد أَن حج وزار قبر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَفِي الْمقْبرَة الَّتِي بَين الأكمة والدنوة قبر الْفَقِيه الْأَجَل الصَّالح العابد جمال الدّين

مُحَمَّد بن عمر بن سعيد بن إِبْرَاهِيم الإبراهيمي الكولاني قَرَأَ فِي الْفِقْه والْحَدِيث النَّبَوِيّ على الإِمَام جمال الدّين مُحَمَّد بن أبي بكر الْخياط الْأَكْبَر وعَلى الإِمَام جمال الدّين مُحَمَّد بن عبد الله الْكَاهِلِي وعَلى غَيرهمَا وأجازوا لَهُ فاستدعاه الشَّيْخ عَليّ بن الحسام إِلَى الشوافي فَأحْسن إِلَيْهِ وأقامه بِالْمَدْرَسَةِ بالدنوة يدرس فِيهَا وَبَقِي يتَرَدَّد إِلَى الشَّيْخ عَليّ بن الحسام للشفاعة وَغَيرهَا للنَّاس وَكَانَ مُطَاع الْكَلِمَة مُجْتَهدا فِي الْعِبَادَة وَعَلِيهِ عَلامَة الْخَيْر وَالصَّلَاح توفّي من ألم الطَّاعُون بِسنة أَرْبَعِينَ وثمانمئة رَحمَه الله ونفع بِهِ وَمِمَّنْ اختصر الجندي ذكره الإِمَام الْعَلامَة عفيف الدّين عبد الْأَكْبَر بن أبي بكر بن مُحَمَّد بن أَحْمد الْجُنَيْد وَقد أثنى عَلَيْهِ الإِمَام جمال الدّين بن الْخياط فَقَالَ كَانَ الْفَقِيه عفيف الدّين عبد الْأَكْبَر عَالما عابدا زاهدا ورعا حسن السِّيرَة ولي قَضَاء الشوافي مُدَّة وَسكن قَرْيَة السهولة ثمَّ ولي الْقَضَاء بِمَدِينَة تعز وَبَقِي بهَا مُدَّة ثمَّ ولي الْقَضَاء الْأَكْبَر من قبل الْمُجَاهِد وَحسنت سيرته وَكَانَ لَهُ فهم جيد وَحسن نظر وسياسة فِي الْأَحْكَام يعجز عَنْهَا غَيره ثمَّ توفّي بالسهولة سنة أَربع وَخمسين وسبعمئة انْتهى كَلَام ابْن الْخياط قلت وأخبرت أَن مُدَّة ولَايَته للْقَضَاء الْأَكْبَر سنتَانِ جعل لَهُ السُّلْطَان فِيهَا جامكية فِي كل يَوْم خَمْسَة عشر دِينَارا فَلَمَّا عزل كتب إِلَى السُّلْطَان إِنِّي لم أَقبض الجامكية مُدَّة ولايتي فَخذهَا مِمَّن هِيَ فِي يَده فَلَا حَاجَة لي بهَا فَلَمَّا امْتنع من قبضهَا أَخذهَا السُّلْطَان وَرجع القَاضِي إِلَى بَلَده إِلَى السهولة فَدَعَا الله أَن يرزقه عبدا صَالحا فيسره الله تَعَالَى لَهُ فخدمه ذَلِك العَبْد ثمَّ أَسْتَأْذن العَبْد سَيّده فِي السّفر فَأذن

لَهُ وودعه ثمَّ سَار قَلِيلا ثمَّ رَجَعَ فَقَالَ العَبْد لسَيِّده أعتقني أعتقك الله من النَّار وَقد كَانَ سَيّده أعْتقهُ عِنْد وداعه وَلم يعلم بذلك العَبْد وَحكي عَن العَبْد أُمُور تدل على خَيره فَعلم بذلك استجابة الدُّعَاء الَّذِي دَعَا بِهِ القَاضِي عفيف الدّين الْمَذْكُور ثمَّ إِنَّه نَشأ لهَذَا القَاضِي أَوْلَاد اجتهدوا بِطَلَب الْعلم ولزموا وَظِيفَة والدهم بالتدريس وَالْفَتْوَى وَكَانَ أنجبهم عفيف الدّين عبد الله ولي الْقَضَاء بِتِلْكَ الْجِهَات واشتهر بِحسن السِّيرَة وَتُوفِّي قريب آخر المئة الثَّامِنَة رَحمَه الله وَآخرهمْ عبد الرَّحْمَن أخْبرت أَنه من الصَّالِحين وَأَنه امْتنع من ولَايَة الْقَضَاء وَلم يزل على الْحَال المرضي إِلَى أَن توفّي وَله ذُرِّيَّة اشتهروا بِالْعبَادَة مِنْهُم ولد وَلَده اسْمه عَليّ أخْبرت أَنه من الْعلمَاء الصَّالِحين وَأَنه امْتنع من ولَايَة الْقَضَاء واشتهرت لَهُ أَحْوَال حَسَنَة تدل على خَيره وللفقيه عفيف الدّين أَوْلَاد نجباء أحدهم الْفَقِيه شهَاب أَحْمد بن عبد الله بن عبد الْأَكْبَر كَانَ من الْعلمَاء الصَّالِحين وَسكن مَدِينَة إب وَقد ذكره الْفَقِيه صفي الدّين أَحْمد بن أبي بكر البريهي بتاريخه الْمُسَمّى الْفَوَائِد فِي زِيَارَة الْمشَاهد وَالثَّانِي الْفَقِيه شمس الدّين عَليّ بن عبد الله بن عبد الْأَكْبَر قَرَأَ بالفقه على القَاضِي صفي الدّين أَحْمد بن أبي بكر البريهي وعَلى الْفَقِيه جمال الدّين مُحَمَّد بن عبد الله الْكَاهِلِي بِمَدِينَة إب ثمَّ انْتقل إِلَى السهولة فَأَقَامَ بهَا يدرس ويفتي وَكَانَ لَهُ ولد اسْمه أَحْمد قد قَارب الِاحْتِلَام فَزَالَ عقله فَمَاتَ ذَلِك الْوَلَد فدفنه وَالِده عِنْد أَهله وَكَانَ يزوره فجَاء رجل ليزور الْقُبُور فَسمع الْفَقِيه شمس الدّين يتَكَلَّم وَولده يجِيبه من الْقَبْر فَعلم النَّاس بذلك فَلَمَّا علم الْفَقِيه شمس الدّين بِهَذَا

فَقَالَ هَذَا سر كَانَ بيني وَبَين الله تَعَالَى قد علمه النَّاس فَدَعَا الله تَعَالَى بِأَن يقبضهُ إِلَيْهِ فَمَاتَ بعد ثَلَاثَة أَيَّام من يَوْم دَعَا الله تَعَالَى بذلك وَذَلِكَ بعد سنة عشْرين وثمانمئة وَكَانَ آخر لوحه الَّذِي كتبه بِيَدِهِ من الْقُرْآن {إِن الَّذين قَالُوا رَبنَا الله ثمَّ استقاموا} الاية وَمِمَّنْ أغفل المؤرخون ذكره الشَّيْخ الصَّالح عفيف الدّين عبد الله بن أَحْمد الْخَولَانِيّ كَانَ من الأخيار الْمَشْهُورين بِالْعبَادَة وَظَهَرت لَهُ الكرامات وَهُوَ الَّذِي ربط ذِي الضبر وَغَيره وحكوا عَنهُ اجْتِهَادًا عَظِيما فِي الْعِبَادَة وَتُوفِّي بأواخر المئة الثَّامِنَة واستقام وَلَده الشَّيْخ جمال الدّين وحذا حذوه فِي إطْعَام الطَّعَام والتوسط بِقَضَاء حوائج الْمُسلمين فَحدث بَينه وَبَين شيخ الْبَلَد وَهُوَ الحسام الزَّاهِر وَحْشَة أدَّت إِلَى الشقاق فانتقل الشَّيْخ جمال الدّين إِلَى رِبَاط الشَّيْخ الصَّالح جمال الدّين مُحَمَّد بن عمر الشبيبي وتحكم على يَده وَأخذ بِالْعبَادَة ثمَّ رَجَعَ إِلَى رِبَاط ذِي الضبر فجلل واحترم وَأقَام بِهِ إِلَى أَن توفّي بِأول المئة التَّاسِعَة فَلَمَّا توفّي قَامَ بمنصبه وَلَده الشَّيْخ الصَّالح جمال الدّين مُحَمَّد بن عبد الله وَقد شهروا بِأَن يُقَال لَهُم بَنو عبيد فَكَانَ هَذَا الشَّيْخ مكرما للضيف محسنا إِلَى الْوَافِد مَأْمُونا على الْأَمْوَال وَله قَضِيَّة اتّفقت فِي التَّوَسُّط مِنْهُ بَين شيخ بعدان وَهُوَ الْجلَال ابْن مُحَمَّد السيري وَشَيخ الشوافي وَهُوَ عَليّ بن الحسام الزَّاهِر فِي الصُّلْح بَينهمَا بعد حروب وقتال بَين الرّعية فِي البلدين ذكرتها فِي الأَصْل توفّي هَذَا الشَّيْخ جمال الدّين بعد سنة ثَلَاثِينَ وثمانمئة وَلم يكن فِي عقبه من يسْتَحق الذّكر

وَمن المتوفين هُنَالك من الرِّبَاط الْمَذْكُور الْفَقِيه الصَّالح وجيه الدّين عبد الرَّحْمَن بن القَاضِي عفيف الدّين عبد الصَّمد بن مُحَمَّد التباعي قَرَأَ بِعلم الْأَسْمَاء وراض نَفسه فَحدث عَلَيْهِ خلل فِي عقله فَصَارَ مولها وَكَانَ يتَكَلَّم ويخبر عَن الشَّيْء قبل أَن يكون من ذَلِك أَنه لما تَغَيَّرت أَحْوَال السلاطين من بني الرَّسُول فِي ولَايَة الْيمن قيل لَهُ فِي ذَلِك فَقَالَ الْفَقِيه وجيه الدّين الْولَايَة لعَلي وَله أمد ينْتَظر فَلم يعرفوا معنى الْكَلَام حَتَّى استقام الشَّيْخ عَليّ بن طَاهِر بِملك الْيمن فعرفوا معنى كَلَام الْفَقِيه وجيه الدّين توفّي سنة خمسين وثمانمئة وَأما صنوه فَهُوَ القَاضِي الْفَاضِل صفي الدّين أَحْمد بن عبد الصَّمد التباعي فَإِنَّهُ قَرَأَ على الْفَقِيه عفيف الدّين عَطِيَّة بن عبد الرَّزَّاق بِذِي جبلة بالفقه وعَلى الْفَقِيه وجيه الدّين عبد الرَّحْمَن بن أَحْمد بن سَالم الْمُقدم الذّكر وتزيا بزِي الصُّوفِيَّة مَعَ كَونه فَقِيها فولاه الشَّيْخ عَليّ بن الحسام الْقَضَاء بالشوافي وَسكن بقرية وقير إِلَى أَن توفّي بهَا سنة 849 رَحمَه الله وَمن أهل هَذِه الْقرْيَة الْفَقِيه الْعَالم الصَّالح شرف الدّين قَاسم بن أَحْمد الْبُحَيْرِي قَرَأَ على جمَاعَة من أَئِمَّة وقته وأجازوا لَهُ فدرس وَأفْتى واجتهد بِالْعبَادَة فَكَانَ عَالما عابدا عَاملا زاهدا متواضعا أجمع أهل قطره على صَلَاحه وَظَهَرت لَهُ الكرامات وأضيف إِلَيْهِ الْوَقْف فِي قَرْيَة وقير وَغَيرهَا وَزَاد فِي الْمَسْجِد زِيَادَة مَعْرُوفَة وَأَعْمر مَا تشعث فِيهِ وجر إِلَيْهِ المَاء ثمَّ توفّي سنة 818 فَحَفَرُوا لَهُ فِي الْمقْبرَة بوقير قبرا فأجمع عوام الْبَلَد وَقَالُوا لَا يدْفن إِلَّا فِي الْمَسْجِد فَقيل لَهُم إِن ذَلِك لَا يجوز فَلم

يرجِعوا عَن ذَلِك وَحضر قبرانه مُعظم أهل الْبَلَد وواليها الشَّيْخ عَليّ بن الحسام فساعدهم على قبرانه فِي الْمَسْجِد فقبر بِهِ فهم يفزعون إِلَى قَبره عِنْد الْمُهِمَّات فيرون نجح مقاصدهم وَمِنْهُم القَاضِي صفي الدّين أَحْمد بن عَليّ بن حَامِد قَرَأَ على جمَاعَة من الْعلمَاء فأجازوا وَتَوَلَّى الْقَضَاء بالشوافي وَسَار فيهم سيرة حَسَنَة ورزق أَوْلَادًا كثيرين نَحْو أَرْبَعَة عشر ولدا توفوا قبله إِلَّا وَاحِدًا فَإِن الله متعهُ بِهِ فَصَبر عِنْد وَفَاة أَوْلَاده واحتسب وَهُوَ يُسمى إِبْرَاهِيم قَرَأَ بالفقه على الْفَقِيه جمال الدّين مُحَمَّد بن عبد الله الْكَاهِلِي واجتهد بذلك وَأَجَازَ لَهُ وزوجه ابْنَته وَظَهَرت لَهُ نجابة وَحسن حَال وناب لوالده بِولَايَة الْقَضَاء فِي بعض الشوافي وَتُوفِّي هُوَ ووالده بالفناء الْأَكْبَر سنة تسع وَثَلَاثِينَ وثمانمئة رحمهمَا الله تَعَالَى وَمن الْمُتَقَدّم وَفَاته وأغفله المؤرخون الشَّيْخ الصَّالح جمال الدّين مُحَمَّد بن عَليّ بن بشر بن مطرف الْهَمدَانِي من هبرة وَهِي قَرْيَة بِالْبَلَدِ الْعليا حُكيَ عَن هَذَا الشَّيْخ أَنه كَانَ من تلامذة الشَّيْخ أبي الْغَيْث بن جميل فانتسب إِلَيْهِ هُوَ وَذريته من بعده وَذَلِكَ من أجل تحكمه على يَده لانسب ولادَة فاضت على هَذَا الشَّيْخ بَرَكَات الشَّيْخ أبي الْغَيْث وَظَهَرت لَهُ الكرامات واشتهر بالصلاح وانقادت لَهُ الرؤساء فسكن الْمَكَان الْمُسَمّى المعاين والقرية الَّتِي فَوْقه الْمُسَمَّاة ابلان وهما بَين جبل بعدان وجبل الشوافي

ورزق مَالا كثيرا فشرى الْأَرَاضِي بِهَذَا الْمَكَان وبوادي حدبه أَعلَى عَنهُ الْبَلَد الْمَعْرُوفَة وَكَذَلِكَ بِبَلَد بني سرحه فأوقفها الْجَمِيع طعما للوافدين إِلَى رِبَاط المعاين وَجعل مِنْهُ شَيْئا للدرسة المقيمين برباطه وَجعل ذُريَّته فِيهَا كآحاد النَّاس فَكَانَت الضيوف تفد عَلَيْهِ فيكرمهم واجتهد بِالْعبَادَة وَالصِّيَام وَالْقِيَام وَقصد لكل مُهِمّ واشتهر بالصلاح فَمن كراماته أَن بعض الزائرين فِي حَيَاته لما أشرف من ابلان على رِبَاط المعاين وجد نَاسا كثيرا هُنَالك فَقَالَ مَا هَذِه هَيْئَة التصوف بل هَيْئَة ملك فَلَمَّا وصل إِلَى عِنْد الشَّيْخ كاشفه وَقَالَ لَهُ استكثرت علينا مَا رَأَيْت أما تعلم أننا نَحن مُلُوك الدُّنْيَا وسادات الْآخِرَة أَو كَمَا قَالَ وَمِنْهَا غير ذَلِك فِي حَيَاته مِمَّا يطول ذكره وَقد ذكرتها فِي الأَصْل وَأما كراماته بعد وَفَاته فَإِن الله جعل هَذَا الرِّبَاط حرما آمنا يأوي إِلَيْهِ كل خَائِف فَيَأْمَن وتوضع الْأَمْوَال الجليلة فَلَا يخَاف عَلَيْهَا من أحد وَلم تزل الْحَرْب فِيمَا بَين أهل بعدان والشوافي وَكَذَلِكَ بَينهم وَبَين الْمُلُوك فَلَا يقدر أحد على أَن يُغير شَيْئا على أهل هَذَا الرِّبَاط وعَلى الْجُمْلَة فكرامات هَذَا الشَّيْخ كَثِيرَة لَا تَنْحَصِر وَهِي مَشْهُورَة فَلَا نطيل بذكرها وَمن ذُرِّيَّة هَذَا الشَّيْخ جمال الدّين الْفَقِيه الْعَالم الصَّالح صارم الدّين دَاوُد بن أبي بكر بن مُحَمَّد بن عَليّ بن بشر كَانَ فَقِيها صوفيا عَالما عَاملا جمع بَين طريقتي الشَّرِيعَة والحقيقة وَاجْتمعَ لَهُ من الْكتب شَيْء كثير درس وَأفْتى وَأكْرم الضَّيْف وَأحسن إِلَى الْوَافِد وَقصد للمهمات ولازم التِّلَاوَة وَالصَّلَاة وَقِرَاءَة يس لَيْلًا وَنَهَارًا حَتَّى سمي صَاحب يس فغلب عَلَيْهِ واشتهر بِهَذَا الِاسْم وَكَانَ واعظا

مصقعا وَقد يخْطب بِمَدِينَة إب عِنْد غيبَة خطيبها واشتهر لَهُ كرامات وَأجْمع النَّاس أَن من قصد قَبره ودعا الله تَعَالَى وتوسل بِهَذَا الشَّيْخ بِقَضَاء حَاجته قَضَاهَا الله تَعَالَى وَمِمَّنْ أغفل ذكره المؤرخون الشَّيْخ عفيف الدّين عمرَان بن عمر صَاحب السهلة الْقرْيَة الْمَعْرُوفَة بِبَلَد بني نهيك أَسْفَل الشوافي حُكيَ أَنه كَانَ معاصرا للشَّيْخ الإِمَام تَقِيّ الدّين عمر بن سعيد صَاحب ذِي عقيب وَأَنه من تلامذته وَأَن شَيْخه يعرف الِاسْم الْأَعْظَم وَقيل إِنَّه من تلامذة الشَّيْخ أبي الْغَيْث بن جميل وَقيل غير ذَلِك واشتهر هَذَا الشَّيْخ عمرَان بن عمر قبل وَفَاته وَبعد وَفَاته فَكَانَ فِي حَيَاته لَهُ الْمنزلَة الرفيعة عِنْد كَافَّة النَّاس فجلل واحترم وَمن لَجأ إِلَيْهِ أَمن ثمَّ بعد وَفَاته من قصد زِيَارَة قَبره وتوسل بِهِ فِي أَمر قضى الله حَاجته وَمن اعْتدى على مَكَانَهُ فِي الْقرْيَة الَّتِي هُوَ مقبور فِيهَا عجل الله عُقُوبَته فَمن ذَلِك مَا شوهد أَن رجلا من بعدان جمع عسكرا وَقصد رباطه واعتدى بِأخذ شَيْء مِنْهُ فَعجل الله عُقُوبَته وَقطعت يَده وَمَات من ألم الْقطع بذلك الْأُسْبُوع وَله غير ذَلِك من الكرامات وَفِي شَرْقي قَرْيَة نعيمة رجل مقبور هُنَالك وعَلى الْموضع الْمَذْكُور أَشجَار من عرم وَغَيره فَسُمي هَذَا الرجل صَاحب العرمة وَهِي شَجَرَة ثَابِتَة على يَمِين النَّازِل من عقبَة إب إِلَى السحول لَهُ فضل عَظِيم وبرهان قَاطع فَمن زار هَذَا الشَّيْخ وتوسل

بِهِ إِلَى الله تَعَالَى فِي حَاجَة قَضَاهَا الله تَعَالَى وَقد شوهد لَهُ كرامات كَثِيرَة وَمن أهل رِبَاط الذهوب الشَّيْخ الصَّالح عفيف الدّين عِيسَى بن مُحَمَّد الصُّوفِي كَانَ تلميذ الشَّيْخ شُجَاع الدّين عمر بن عبد الرَّحْمَن الْقُدسِي وَقد ذكره الجندي بتاريخه هَذَا الْقُدسِي وَلم تكن لَهُ من الذُّرِّيَّة سوى بنت فَزَوجهَا على هَذَا الشَّيْخ عفيف الدّين عِيسَى بن مُحَمَّد الصُّوفِي وَكَانَت امْرَأَة صَالِحَة فَلَمَّا توفى الله تَعَالَى هَذَا الشَّيْخ الصَّالح عمر بن عبد الرَّحْمَن الْقُدسِي قَامَ بِمنْصب هَذَا الشَّيْخ عِيسَى الْمُقدم الذّكر وَكَانَ عابدا زاهدا لَهُ كرامات مستفيضة وقصده النَّاس للرباط وَلم يزل على الْحَال المرضي إِلَى أَن توفّي وَقد حدث لَهُ ولدان نجيبان من زَوجته بنت الشَّيْخ عمر بن عبد الرَّحْمَن الْقُدسِي أَحدهمَا الشَّيْخ شمس الدّين عَليّ وَكَانَ صواما قواما عابدا زاهدا صَالحا ظَهرت لَهُ الكرامات من ذَلِك مَا حُكيَ وَصَحَّ أَن الشَّيْخ مُحَمَّد بن أبي بكر السيري شيخ بعدان وواليها تزوج امْرَأَة وَلم يحدث لَهُ مِنْهَا حمل وَكَانَ يطْلب الْوَلَد فَطلب هَذَا الْوَالِي الشَّيْخ الصَّالح شمس الدّين عَليّ بن عِيسَى الصُّوفِي وَقَالَ لَهُ أحب مِنْك الدُّعَاء إِلَى الله تَعَالَى بِأَن يَرْزُقنِي أَوْلَادًا من هَذِه الزَّوْجَة وَقد أدخلهُ عَلَيْهَا وَأَشَارَ إِلَيْهَا بِأَن تَدْنُو مِنْهُ بظهرها فَفعلت ذَلِك فَقَرَأَ شَيْئا ثمَّ نفخ على ظهرهَا أَربع مَرَّات ثمَّ الْتفت إِلَيْهِ فَقَالَ لَهُ هَؤُلَاءِ أَرْبَعَة مَشَايِخ يَا شيخ فَكَانَ الْأَمر كَمَا قَالَ وَولدت أَرْبَعَة بطُون وهم تَاج الدّين وَعبد النَّبِي والجلال وَاللَّيْث فَكل هَؤُلَاءِ توَلّوا على الحكم ببعدان كل وَاحِد مِنْهُم وَحده توفّي هَذَا الشَّيْخ شمس الدّين عَليّ بن عِيسَى قريب آخر المئة الثَّامِنَة وَأما الْوَلَد الثَّانِي فَهُوَ الشَّيْخ جمال الدّين مُحَمَّد أسْكنهُ وَالِده بقرية معيد

فاشتهر بِالْعبَادَة وَظَهَرت لَهُ كرامات وجلل الْمَكَان واحترم لأَجله وَجعله النَّاس رِبَاطًا مُحْتَرما وَمن قَصده بِسوء أهلكه الله تَعَالَى عَاشَ الشَّيْخ جمال الدّين قَائِما بوظيفة الصُّوفِيَّة وَمَعَهُ الْعَصَا الَّتِي جَاءَ بهَا الشَّيْخ عمر الْقُدسِي من الْقُدس فهم يتبركون بهَا وَحكي أَنه حصل من سُلْطَان الْوَقْت تَغْيِير حَال على بعض أهل هَذَا الرِّبَاط فَتقدم الشَّيْخ جمال الدّين وَأَخُوهُ إِلَى السُّلْطَان وَهُوَ فِي متنزه بثعبات فوصلا إِلَيْهِ وَرَأى السُّلْطَان بعض الكرامات مِنْهُمَا فجللهما واحترمهما فِي مكانهما من الرِّبَاط الْمَذْكُور وَقصر من عاندهما من الْوُلَاة

القول في ذكر الفضلاء والعلماء من أهل مدينة إب

القَوْل فِي ذكر الْفُضَلَاء وَالْعُلَمَاء من أهل مَدِينَة إب وَذَلِكَ مِمَّن اشْتهر بِالْعلمِ وَالصَّلَاح فِي المئة التَّاسِعَة وَقد ذكر الجندي من اشْتهر مِنْهُم من الْعلمَاء والصلحاء قَدِيما كَالْإِمَامِ أَحْمد بن مُحَمَّد سيف السّنة وَالشَّيْخ حسام الدّين بن الْوَلِيد وَصَاحب الحرورة الشَّيْخ عَليّ بن عمر وَذكر ابْن الْعم القَاضِي الْعَالم أَحْمد بن أبي بكر البريهي من كَانَ بعدهمْ إِلَى التَّارِيخ الْمَذْكُور فِي مُصَنف سَمَّاهُ الْفَوَائِد فِي زِيَارَة الْمشَاهد وتممه بِذكر من سَيَأْتِي ذكرهم فَمنهمْ القَاضِي الصَّالح عفيف الدّين أَبُو مُحَمَّد عبد الصَّمد بن مُحَمَّد التباعي كَانَ رجلا صَالحا عَاملا تولى الْقَضَاء بِمَدِينَة إب سِنِين كَثِيرَة فَسَار فيهم سيرة مرضية وَكَانَ حسن المجالسة أفنى مَاله باصطناع الْمَعْرُوف انزوت عَنهُ الدُّنْيَا فِي آخر عمره وَهُوَ يظْهر التجمل مَعَ عفاف عَن أَمْوَال النَّاس قَالَ من حقق حَاله إِنَّه من الَّذين قَالَ الله فيهم {يَحْسبهُم الْجَاهِل أَغْنِيَاء من التعفف} وكما قَالَ عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ كَانَ شَدِيدا من غير عنف لينًا من غير ضعف مَعَ تواضع وورع وَحسن حَال وَفد إِلَى الْبَلَد وَأقَام بهَا إِلَى أَن توفّي سنة تسع عشرَة وثمانمئة وقبر بتربة سيف السّنة بالمقبرة الجديدة مِنْهَا وَرَأى لَهُ بعض الأخيار بعد وَفَاته عينا تجْرِي إِلَى قَبره وَمِنْهُم الْفَقِيه الصَّالح رَضِي الدّين أَبُو بكر بن حُسَيْن الْمُؤَذّن كَانَ رجلا فَاضلا

حسن الصَّوْت حُلْو الْقِرَاءَة رتب للأذان فِي الْجَامِع الْمُبَارك بِمَدِينَة إب فَكَانَ يرقى المنارة فِي اللَّيْل فيسبح الله يحمده ويكبره بإخلاص وَحُضُور قلب وينشد القصائد الوعظية وَغَيرهَا فِي المنارة فِي جنح اللَّيْل فَيكون لكَلَامه فِي الْقلب موقع وَذَلِكَ دَلِيل على خلوص نِيَّته وصفاء سَرِيرَته وَكَانَ يسمع صَوته على مَسَافَة تزيد على ثَلَاثَة أَمْيَال ووقف على الْحَال المرضي مُؤذنًا فِي الْجَامِع الْمُبَارك قَرِيبا من ثَلَاثِينَ سنة يلْتَزم الِاعْتِكَاف فِي كل فرض من وَقت الْأَذَان إِلَى فرَاغ الصَّلَاة لَا سَبِيل إِلَى خُرُوجه فِي ذَلِك الْوَقْت لأي حَاجَة تعرض فَكَانَ لَهُ راتب من التِّلَاوَة وَالذكر فِي كل يَوْم وَلَيْلَة وَله اعْتِقَاد صَالح وَنِيَّة صَادِقَة مجاب الدعْوَة جرب ذَلِك مِنْهُ فِي قضايا كَثِيرَة ذكرتها فِي الأَصْل وَلم يزل على الْحَال المرضي إِلَى أَن توفّي بِشَهْر ربيع الأول سنة ثَلَاث وَعشْرين وثمانمئة وَدفن بمقبرة الإِمَام سيف السّنة بالمقبرة الْقَدِيمَة رَحمَه الله تَعَالَى ونفع بِهِ وَمِنْهُم الْفَقِيه الصَّالح صفي الدّين أَحْمد بن عبد الله الْمقري الشنيني السّني كَانَ رجلا فَاضلا صَالحا انْتقل بِهِ وَالِده إِلَى مَدِينَة تعز وَهُوَ صَغِير فَنَشَأَ بهَا وأضيف إِلَيْهِ نِيَابَة جَامع عدينة فعمره أحسن عمَارَة وَقَامَ بِهِ أتم قيام فعارضه من لَا خير فِيهِ فانتقل إِلَى مَدِينَة إب فَأَقَامَ بهَا مُدَّة يسيرَة ثمَّ توفّي سنة إِحْدَى وَعشْرين وثمانمئة وقبر بمقبرة الإِمَام سيف السّنة بالمقبرة الْقَدِيمَة وَمِنْهُم الْفَقِيه الإِمَام الْعَالم صفي الدّين أَحْمد بن حسن بن إِبْرَاهِيم بن يحيى البريهي كَانَ فَقِيها فَاضلا عَارِفًا فصيحا تفقه على الإِمَام جمال الدّين مُحَمَّد بن عبد الله الريمي فِي تعز وعَلى المقرىء أَحْمد بن مُحَمَّد فِي إب وعَلى غَيرهمَا وَسكن فِي بَيت الإِمَام سيف السّنة تَحت التربة الْمُبَارَكَة وَالْمَسْجِد الْمُبَارك وَأَحْيَا آثَار الإِمَام سيف السّنة وَأَحْيَا مَسْجده وَحفظ كتبه من الضّيَاع وجدد مَا تشعث مِنْهَا وصانها

ودرس فِي الْمَسْجِد وَفِي الْجَامِع الْمُبَارك وَفِي غَيرهمَا من الْمدَارِس قَرَأَ على الإِمَام نَفِيس الدّين الْعلوِي البُخَارِيّ وَضبط نسخته من لَفظه وَقَرَأَ عَلَيْهِ صَحِيح البُخَارِيّ وَمُسلم وَالتِّرْمِذِيّ أَيْضا فِي مَدِينَة تعز واشتغل بالتدريس بِمَدِينَة إب وانتفع بِهِ الطّلبَة انتفاعا عَظِيما وقلما قَرَأَ عَلَيْهِ أحد إِلَّا انْتفع بقرَاءَته عَلَيْهِ وَكَانَت لَهُ معرفَة جَيِّدَة فِي معرفَة كتب الخراسانيين كالوجيز والوسيط وَكَانَ دأبه الإقراء بهما وبالمنهاج للنووي وَالْحَاوِي وَكَانَ كثير التِّلَاوَة لِلْقُرْآنِ وَكَانَ من أحسن النَّاس ضبطا للكتب وَكَانَ كثير النّسخ وَكتبه مضبوطة محشاة أوقفها على ذُريَّته ثمَّ أقربائه وَهِي مَعْدُومَة النظير من ضَبطهَا وحسنها وَكَانَ كثير السَّعْي فِي قَضَاء حوائج الْمُسلمين وَكَانَ متثبتا فِي الْجَواب وموفقا فِي الإقراء والتدريس وَله قصائد كَثِيرَة زهدية وَغَيرهَا وَهِي مَعْرُوفَة مدونة وَكَانَ رَحمَه الله فِي مَرضه الَّذِي مَاتَ فِيهِ لم يتْرك الصَّلَاة اصلا بل يجْتَهد فِي أَدَائِهَا وَقد رأى بعض الْفُضَلَاء النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الْمَنَام وَعِنْده الْفَقِيه صفي الدّين أَحْمد بن حسن هَذَا الْمَذْكُور وَهُوَ يتحدث مَعَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَذَلِكَ فِي آخر مَرضه قَرِيبا من مَوته وَجَمَاعَة من النَّاس بعيد مِنْهُمَا فتحدثا زَمَانا طَويلا فَلَمَّا افْتَرقَا قَالَ بعض الْحَاضِرين يَا فَقِيه أَحْمد مَا فعل لَك رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ قضى لي كل حَاجَة فِي أَمر الدّين وَالدُّنْيَا فَالْحَمْد لله ثمَّ أخبر من كَانَ حَاضرا عِنْده قبل مَوته بِيَوْم أَن الْفَقِيه صفي الدّين قَالَ رَأَيْت هَذَا الْبَيْت امْتَلَأَ نورا وَقَالَ رأى ذَلِك ثَلَاث مَرَّات فِي يَوْم وَاحِد وَمن شدَّة النُّور لم يفتح عينه وَأخْبرهمْ بذلك وَهُوَ يُشَاهِدهُ فِي الْيَقَظَة

وَكَانَ آخر كَلَامه لَا إِلَه إِلَّا الله وَتُوفِّي يَوْم الْأَحَد السَّابِع وَالْعِشْرين من شهر ربيع الآخر سنة إِحْدَى وثمانمئة وقبر بِجنب الإِمَام سيف السّنة لَيْسَ بَينه وَبَينه أحد رَحمَه الله تَعَالَى ونفع بهومنهم الْفَقِيه السَّيِّد الصَّالح برهَان الدّين إِبْرَاهِيم بن عَليّ بن إِبْرَاهِيم البريهي كَانَ رجلا فَاضلا صَالحا كثير المسارعة إِلَى الصَّدقَات وَإِلَى فعل الْخيرَات وَكثير الْإِحْسَان إِلَى أَقَاربه وَإِلَى غَيرهم وَيُحب الْفُقَرَاء وَالْعُلَمَاء وَكَانَ كثير التِّلَاوَة لِلْقُرْآنِ الْعَظِيم وَله مُشَاركَة فِي الْعلم ومطالعة فِي كتب التَّفْسِير وَغَيرهَا وَله أَخْلَاق رضية وبشاشة وعقل رَاجِح وَدين وَصَلَاح ظَاهر وجدد آثَار الإِمَام سيف السّنة فَبنى مَسْجده الْمُبَارك وجدده وَزَاد فِيهِ وأتقن بناءه وأحكمه وَبنى فِي حجرته أبوابا مُقَابلَة لِلْمَسْجِدِ وجدد قبر الإِمَام سيف السّنة لِأَنَّهُ كَانَ قد اندرس من طول الزَّمَان وَبنى التربة الْمُبَارَكَة وَزَاد فِيهَا زِيَادَة حَسَنَة وَجَمِيع ذَلِك بِإِشَارَة وَلَده مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم وَهُوَ الَّذِي تولى مُعظم ذَلِك وَصرف عَلَيْهِ من مَاله وَلم يزل على الْحَال المرضي إِلَى أَن توفّي يَوْم الْأَرْبَعَاء خَامِس عشر شهر شَوَّال سنة إِحْدَى وثمانمئة وَدفن قَرِيبا من بَاب التربة الْمُبَارَكَة وَهُوَ أول قبر يلقاه الدَّاخِل على يسَاره رَحِمهم الله ونفع بهم وَمِنْهُم الإِمَام عفيف الدّين عبد الله بن مُحَمَّد الْكَاهِلِي كَانَ عَالما عَارِفًا تفقه على الْأَئِمَّة بِمَدِينَة زبيد وَكَانَت لَهُ معرفَة جَيِّدَة فِي التَّنْبِيه والمهذب لَا يكَاد يُوجد لَهُ نَظِير فِي معرفتهما من نظرائه ومشائخه واشتغل بالتدريس وَالْفَتْوَى فِي مَدِينَة إب وَكَانَ كثير الذّكر مَشْهُورا بِالْخَيرِ وَالصَّلَاح وأصل بَلَده ريمة الأشابط وارتحل مِنْهَا فِي صغره ثمَّ اسْتَقر وتأهل بِمَدِينَة إب واشتغل بالإقراء طول عمره

وَكَانَ صَاحب كرامات ودعوات مستجابة وَخير ظَاهر وَصَلَاح باهر يقر لَهُ بذلك ويعرفه مِنْهُ كل من سمع بِذكرِهِ رأى بعض الْفُضَلَاء وَهُوَ الْمقري عبد الله الشنيني النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَوقف عِنْده سَاعَة فَأقبل الْفَقِيه عفيف الدّين الْكَاهِلِي فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من هَذَا فَقَالَ الْمقري قلت هَذَا الْفَقِيه الْكَاهِلِي فَقَالَ أُرِيد أسمع من علمه فَقَالَ الْمقري عَنْك أَخذنَا يَا رَسُول الله فَسكت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَلم يزل على الْحَال المرضي إِلَى أَن توفّي فِي مَدِينَة إب يَوْم الْأَحَد السَّادِس عشر من ربيع الآخر من سنة عشر وثمانمئة رَحمَه الله تَعَالَى ونفع بِهِ وَمِنْهُم القَاضِي وجيه الدّين عبد الرَّحْمَن بن مُحَمَّد بن حسن البريهي كَانَ فَقِيها عَارِفًا بالحاوي معرفَة جَيِّدَة وَشَرحه وَشرح الْمِنْهَاج وَالْوَجِيز وَاخْتصرَ التفقيه شرح التَّنْبِيه للأمام الريمي بِثَلَاثَة مجلدات وَكَانَ مُجْتَهدا فِي طلب الْعلم وَكَانَ يَصُوم رَجَب وَشَعْبَان ويختمها برمضان طول عمره وَتُوفِّي ثَالِث شهر صفر سنة سبع عشرَة وثمانمئة وَدفن فِي تربة الإِمَام سيف السّنة رَحمَه الله ونفع بِهِ وَمِنْهُم الْفَقِيه الصَّالح جمال الدّين مُحَمَّد بن حسن البريهي كَانَ رجلا صَالحا متقللا من الدُّنْيَا عابدا ورعا دأبه الِاعْتِكَاف فِي الْجَامِع الْمُبَارك وَقَضَاء حوائج الْمُسلمين وتلاوة كتاب الله الْعَزِيز وَذكر الله تَعَالَى وصحبة الصَّالِحين والتأدب بآدابهم وَولي نِيَابَة الْجَامِع الْمُبَارك بِمَدِينَة إب سِنِين كَثِيرَة فعمره عمَارَة جَيِّدَة وَأصْلح مَا تشعب مِنْهُ أحسن صَلَاح وَتَوَلَّى نِيَابَة مدرسة جرن الشريف بِالْمَدِينَةِ الْمَذْكُورَة

فعمرها وَكَانَ يقبض مَا شَرطه الْوَاقِف للنَّاظِر فَلَمَّا قربت وَفَاته نَدم على مَا أَخذ من ذَلِك فَبَاعَ نصف بَيته الَّذِي سكن فِيهِ وَصرف ثمنه لعمارتها وإصلاحها وَتُوفِّي سنة ثَلَاث وثمانمئة وقبر عِنْد قبر الإِمَام سيف السّنة وَرَأى لَهُ بعض أهل الْخَيْر يَوْم وَفَاته رُؤْيا صَالِحَة وَأَنه فِي مَكَان كأحسن جَامع من الْجَوَامِع وَفِيه أَنهَار جَارِيَة فَسَأَلَ عَن ذَلِك فَقيل هُوَ لشخص من أهل هَذِه الْبَلدة يصل إِلَيْنَا الْيَوْم وَنحن بانتظاره للسلام عَلَيْهِ والتبرك بِهِ فَلم يتوف فِي ذَلِك الْيَوْم غير هَذَا الْفَقِيه مُحَمَّد الْمَذْكُور رَحمَه الله ونفع بِهِ وَمِنْهُم القَاضِي الْفَاضِل وجيه الدّين عبد الرَّحْمَن بن عَليّ الْكَاهِلِي تفقه على وَالِده الْمَذْكُور وعَلى خَاله الْفَقِيه صفي الدّين أَحْمد بن حسن البريهي وَولي الْقَضَاء بِمَدِينَة إب ثمَّ انْفَصل عَنْهَا وَولي الْقَضَاء بالسحول ثمَّ انْفَصل عَنهُ وَولي الْقَضَاء ببعدان مرّة بعد أُخْرَى وَكَانَت سيرته حَسَنَة وَله حسن خلق وأدب جبله الله عَلَيْهِ وَكَانَت لَهُ أَخْلَاق حَسَنَة يكرم الضَّيْف وَيطْعم الدرسة فِي عيدي الْفطر والأضحى المطاعم اللذيذة وَلَزِمَه دُيُون كَثِيرَة فَكَانَ يَدْعُو الله تَعَالَى عِنْد قُبُور الصَّالِحين فِي الْمَدِينَة بِقَضَاء دينه مرَارًا كَثِيرَة فَجَاءَهُ رجل لَا يعرفهُ بِقدر صَالح من الذَّهَب ابتاعه مِنْهُ رخيصا بِقدر عشر قِيمَته فَأعْطَاهُ ذَلِك الثّمن وَرَاح من عِنْده فَبَاعَ مِنْهُ مَا قضى بِهِ دينه وَأنْفق مِنْهُ على عائلته سنته والقصة فِي ذَلِك مَذْكُورَة فِي الأَصْل تركت ذكرهَا اختصارا وَتُوفِّي القَاضِي وجيه الدّين الْمَذْكُور بِشَهْر الْمحرم أول سنة سِتّ وَثَلَاثِينَ وثمانمئة وَدفن بتربة الإِمَام سيف السّنة رَحمَه الله تَعَالَى ونفع بِهِ آمين وَمِنْهُم الْفَقِيه جمال الدّين مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم البريهي كَانَ رجلا فَاضلا عَالما تفقه على خَاله الْفَقِيه جمال الدّين مُحَمَّد بن عبد الله الْكَاهِلِي والفقيه أَحْمد بن عبد الله الْكَاهِلِي وَالْقَاضِي صفي الدّين أَحْمد بن مُحَمَّد البريهي وَقَرَأَ النَّحْو والفرائض على الْفَقِيه عمر بن أبي بكر الْحَارِثِيّ وَلم يزل على الْحَال المرضي إِلَى أَن توفّي سنة تسع وَثَلَاثِينَ وثمانمئة وَدفن بتربة الإِمَام سيف السّنة

وَمِنْهُم القَاضِي الْعَالم الصَّالح وجيه الدّين عبد الرَّحْمَن بن مُحَمَّد النحواني كَانَ إِمَامًا مبرزا متضلعا من الْعُلُوم النافعة أصل بَلَده وصاب فَخرج مِنْهَا لطلب الْعلم الشريف فَقَرَأَ على الْفُقَهَاء بالحرف من نواحي وصاب على الْفَقِيه داؤد بن عبد الله الْحرَازِي التَّنْبِيه والفرائض ثمَّ ارتحل إِلَى شنين من نَاحيَة السحول فَقَرَأَ على الإِمَام رَضِي الدّين الشنيني الأصبحي كتاب الْمُهَذّب والوسيط وَالْوَجِيز وَالْبَيَان وَجُمْلَة من كتب الحَدِيث ثمَّ ارتحل إِلَى تعز فَقَرَأَ على الْفَقِيه وجيه الدّين الزوقري والفقيه رَضِي الدّين ابْن الْخياط فِي الْفِقْه وَقَرَأَ بِالْحَدِيثِ على الإِمَام نَفِيس الدّين الْعلوِي وعَلى الإِمَام مجد الدّين الشِّيرَازِيّ ثمَّ قَرَأَ بِذِي السفال على الْفَقِيه عفيف الدّين عبد الله بن صَالح وبمدينة إب على الْفَقِيه صفي الدّين أَحْمد بن حسن البريهي ثمَّ استدعي للتدريس بِالْمَدْرَسَةِ السيفية بذبحان وعمره حِينَئِذٍ إِحْدَى وَعِشْرُونَ سنة فَأَقَامَ بهَا ودرس قدر سنة ثمَّ رَجَعَ إِلَى تعز فَوَافَقَ ذَلِك وَفَاة القَاضِي جمال الدّين مُحَمَّد بن أبي الرخَاء فاستدعي للْقَضَاء بِمَدِينَة ذِي جبلة ووقف بهَا مُدَّة ثمَّ استدعي للْقَضَاء فِي الْجند وأعمالها وَلم يزل يتَرَدَّد من ذِي جبلة إِلَى الْجند وَيحكم بهما إِلَى أَن اتّفق تَمام الزِّيَادَة الفرحانية بِجَامِع ذِي عدينة فأضيف إِلَيْهِ التدريس وَالْخطْبَة مَعَ استقامته بتدريس الحَدِيث النَّبَوِيّ فِي الْجَامِع الْمَذْكُور وَقد اسْتمرّ أَيْضا بِالْقضَاءِ بجهات الدملوة والجؤة وأضيف إِلَيْهِ أَمر الْأَوْقَاف هُنَالك فَلَمَّا اشْتهر وَكَثُرت عَلَيْهِ الْأَعْمَال زهد بِقَضَاء الدملوة ونواحيها للْقَاضِي صارم الدّين داؤد بن مُحَمَّد الْهَمدَانِي من فُقَهَاء المقروضة من نواحي بعدان ثمَّ حصل للْقَاضِي وجيه الدّين معاندة من بعض أهل الْأَمر بِتِلْكَ الْجِهَات فَتقدم إِلَى مَدِينَة إب باستدعاء من الشَّيْخ جمال الدّين الْجلَال بن

مُحَمَّد السيري فرتبه إِمَامًا ومدرسا فِي مدرسته الَّتِي أَنْشَأَهَا بِمَدِينَة إب وأضاف إِلَيْهِ خطْبَة الْجَامِع الْمُبَارك وولاه الْقَضَاء على السحول وَمَا إِلَيْهِ وقابله بِمَا يُقَابل بِهِ مثله ثمَّ استقام بوظيفة الْقَضَاء بِمَدِينَة إب بعد ذَلِك فَبَقيَ على ذَلِك حَتَّى توفّي رَحمَه الله سنة ثَلَاث وَعشْرين وثمانمئة وَدفن جنوبي قبر الشَّيْخ حسام الدّين الْمَشْهُور فَوق السايلة ملاصقا لَهُ وَكَانَ دأبه التَّحْصِيل والتدريس وَاجْتمعَ لَهُ من الْكتب جملَة صَالِحَة وَكَانَ رَحمَه الله أبلغ أهل وقته وأفصحهم فِي الشّعْر وَالْخطْبَة فَكَانَ لوعظه موقع فِي الْقُلُوب فَمن شعره مَا وبخ بِهِ نَفسه وحثها على القناعة بعد أَن كتب مَا رَأَيْته مَنْقُولًا بِخَطِّهِ هَذِه أَبْيَات سمح بهَا الخاطر الموتور المذعور عرضت حَال تكالب أهل الْوَقْت على الْأَسْبَاب عُمُوما لَا خُصُوصا وترددهم إِلَى أَبْوَاب الْأُمَرَاء والمتصرفين حَتَّى استهجنوا وانتقصوا وَلَو أَن أهل الْعلم صانوه لصانهم وَهِي (اقنع تعز وَلَا قناعة فِي تعز ... إِلَّا إِذا استبدلت عَنْهَا أَرض عز) (فِي حَيْثُ لَا طمع بِهِ طبع وَلَا ... يُؤْتى إِلَى بَاب الْفُجُور المستعز) (لَا خير فِي فَخر ينَال بذلة ... وَالْخَيْر فِي خفض إِذا هُوَ جا بعز) (فَإِذا قنعت وَلم تكن تَأتي إِلَى ... الْملك الْعَزِيز فَإنَّك الْملك الْمعز) وَله غير ذَلِك من النّظم البديع مِمَّا قد ذكرته فِي الأَصْل فَكَانَ يمِيل إِلَى مَذْهَب التصوف كثيرا وَكَانَ شَيْخه فِي ذَلِك الإِمَام الْعَلامَة صَاحب الطَّرِيقَة فِي وقته عفيف الدّين عبد الله بن عمر المسن صَاحب ذبحان وَقد أثنى عَلَيْهِ نظما ونثرا وَقد رأى لَهُ بعض الْفُضَلَاء رُؤْيا حَسَنَة تدل على فَضله وَرَأَيْت فِي بعض التَّعَالِيق أَن

أهل تعز قحطوا عَن الْمَطَر واستسقوا فَرَأى بعض الصَّالِحين قَائِلا يَقُول سقوا أهل تعز ببركة الْفَقِيه القَاضِي وجيه الدّين عبد الرَّحْمَن النحواني رَحمَه الله ونفع بِهِ وَمِنْهُم الْفَقِيه الصَّالح العابد جمال الدّين مُحَمَّد بن يُوسُف الأشرقي الكلالي كَانَ رَحمَه الله رجلا صَالحا ورعا زاهدا فِي الدُّنْيَا مُقبلا على الْآخِرَة وَكَانَ دأبه تِلَاوَة كتاب الله الْعَزِيز والاشتغال بِالْعلمِ الشريف وَالِاعْتِكَاف فِي الْمَسَاجِد وَكَانَ يقوم اللَّيْل ويصوم النَّهَار ويجتهد فِي أَفعَال الْخَيْر وَيُحب الخمول وشأنه التَّوَاضُع وَعرض عَلَيْهِ الْقَضَاء فَامْتنعَ من قبُوله أصل بَلَده ذِي أشرق وانتقل مِنْهَا بِقصد الْقِرَاءَة وَطلب الْعلم فاجتهد بذلك حَتَّى اشْتهر وتأهل فَهُوَ مَعْدُود من أكَابِر أهل مَدِينَة إب وصلحائها وَكَانَ يصحب الأخيار ويقتدي بهم وَمِنْهُم الْفَقِيه جمال الدّين الرعياني والفقيه عبد الْبَاقِي الْآتِي ذكره ويحضرون يَوْم الْجُمُعَة فِي بعض الْمدَارِس يذكرُونَ الله ويختمون الْمجْلس بِالدُّعَاءِ وأخبرت أَنه لزمَه دين عجز عَن قَضَائِهِ فَتَوَضَّأ وَصلى رَكْعَات فِي مَكَان خَال وَطلب الله تَعَالَى بنية صَادِقَة فَسمع كَلَام قَائِل يَقُول أبشر فقد قضى الله دينك وَقضى حَاجَتك فَقضى دينه فِي ذَلِك الْيَوْم وَكَانَ يتَمَنَّى الْحَج إِلَى بَيت الله الْحَرَام وَهُوَ عَاجز عَن مؤونة السّفر فَهَيَّأَ الله من تولى كِفَايَته رَاكِبًا مَعَه من بَلَده ذَهَابًا وإيابا وَلم يمش إِلَّا مَا يعْتَاد فِي الْمنَازل عِنْد الْحَط والترحال وَلم ينله كثير مشقة من وعثاء السّفر عَاشَ الْفَقِيه جمال الدّين على حَال مرض وَطَرِيقَة محمودة مُتبعا آثَار السّلف الصَّالح ومقتديا بهم إِلَى أَن بلغ عمره نيفا وَثَمَانِينَ سنة وَتُوفِّي فِي شهر ذِي الْقعدَة سنة تسع وَثَلَاثِينَ وثمانمئة من ألم الطَّاعُون وقبر عِنْد قبر الشَّيْخ حسام الدّين ملاصقا لقبر

القَاضِي النحواني من جِهَة الْجنُوب لَيْسَ بَينه وَبَينه شَيْء وَأوصى وَأَن لَا يبْنى عَلَيْهِ أَن يُكفن فِي ثِيَابه الَّتِي كَانَ يلبسهَا فِي حَيَاته فنفذت وَصيته وامتثل أمره بذلك رَحمَه الله ونفع بِهِ وَمِنْهُم الْفَقِيه الصَّالح تَقِيّ الدّين عمر بن أبي بكر الْحَارِثِيّ كَانَ رَحمَه الله فَاضلا رجلا فرضيا نحويا واعظا باذلا نَفسه للطلبة حسن الْخلق لين الْجَانِب أَخذ الْفَرَائِض عَن ابْن عَمه الْفَقِيه إِبْرَاهِيم بن أبي بكر الْحَارِثِيّ وَالْفِقْه عَن الْفَقِيه أَحْمد بن حسن البريهي والفقيه عبد الله بن مُحَمَّد الْكَاهِلِي وَغَيرهم وانتفع بِهِ جمَاعَة كَثِيرَة من الطّلبَة من الْبَلَد وَغَيرهم وَكَانَ دأبه الِاعْتِكَاف فِي الْمدرسَة الناصرية والتدريس بهَا وَكَانَ متواضعا غير معنف لأحد مِمَّن قل أدبه عَلَيْهِ أَو سَاءَ حفظه من الطّلبَة محملًا كلا مِنْهُم على قدر فهمه ومخاطبا لَهُم بالرفق وَقد ظَهرت لَهُ كرامات ذكرتها فِي الأَصْل فِي قصَّة عَجِيبَة عَاشَ الْفَقِيه تَقِيّ الدّين الْمَذْكُور على الْحَال المرضي من التدريس والوعظ وَالْعِبَادَة حَتَّى توفّي سنة ثَلَاث وَثَلَاثِينَ وثمانمئة وَدفن قَرِيبا من قبر الشَّيْخ حسام الدّين مِمَّا يَلِي الْمشرق مُتَأَخِّرًا عَنهُ قَلِيلا إِلَى جِهَة الْجنُوب على يسَار النَّازِل من السائلة رَحمَه الله تَعَالَى ونفع بِهِ وَرُوِيَ لَهُ بعد وَفَاته رُؤْيا صَالِحَة تدل على حسن حَاله وَطيب منقلبه

وَمِنْهُم شَيخنَا الْعَلامَة جمال الدّين مُحَمَّد بن عبد الله الْكَاهِلِي كَانَ رَحمَه الله فَقِيها سلمت إِلَيْهِ الرِّئَاسَة فِي عصره بِبَلَدِهِ فِي الْفِقْه على الْإِطْلَاق أجمع أهل وقته على جلالته وبراعته وَأَنه مِمَّن لَا يجارى فِي ذَلِك وَلَا يمارى فَكَانَ المرجوع إِلَيْهِ فِي المعضلات من الْمسَائِل الفقهيات والمعول عَلَيْهِ فِي حل مشكلات الْفُرُوع وَله فِي ذَلِك الباع الأطول إِذْ هُوَ الأوحد الْأَجَل الْأَكْمَل أَخذ الْفِقْه عَن وَالِده الإِمَام عفيف الدّين عبد الله بن مُحَمَّد الْكَاهِلِي وَعَن خَاله الإِمَام صفي الدّين أَحْمد بن حسن البريهي وَعَن الْفَقِيه رَضِي الدّين الشنيني وَعَن الإِمَام رَضِي الدّين الْخياط ثمَّ سَافر إِلَى مَكَّة المشرفة فَأَقَامَ بهَا وَالْمَدينَة الشَّرِيفَة سنة فَقَرَأَ على الْأَئِمَّة هُنَالك فَمن شُيُوخه هُنَالك الإِمَام المراغي والكازروني وَغَيرهمَا وَقد أثنوا عَلَيْهِ وطمعوا فِي اجتذابه للإقامة مَعَهم هُنَالك فغلب عَلَيْهِ محبَّة الوطن والشوق إِلَى الْأَهْل فَرجع إِلَى بَلَده بعد انتفاعه وتصدى للتدريس وَالْفَتْوَى وانتفع بِهِ الطّلبَة وقصدوه من الْبلدَانِ الشاسعة فَأَقَامَ على التدريس وَالْفَتْوَى مُدَّة طَوِيلَة تزيد على أَرْبَعِينَ سنة وامتحن بِالْقضَاءِ فِي إب فَسَار فِي أهل الْبَلَد سيرة السّلف الصَّالح وسلك طَريقَة الْحق النير الْوَاضِح فَلم يدع الْحق لَهُ صاحبا ثمَّ انْفَصل عَن الْقَضَاء وَكَانَت ولَايَته مُدَّة يسيرَة فَكَانَ كَمَا قَالَ بَعضهم (تولاها وَلَيْسَ لَهُ عَدو ... وفارقها وَلَيْسَ لَهُ صديق) فَلم يَزْدَدْ فِي الْقَضَاء إِلَّا شهرة وَكَانَ يحضر مجْلِس تدريسه نَيف وَأَرْبَعُونَ

رجلا من الْفُقَهَاء والقضاة المنتفعين وَكَانَ ثبتا فِي الْجَواب محققا للْمَذْهَب والأقوال وَالْوُجُوه خُصُوصا فِي التَّنْبِيه والمهذب وَالْحَاوِي وَلم يزل على الْحَال المرضي إِلَى أَن توفّي شهر ذِي الْحجَّة سنة تسع وَثَلَاثِينَ وثمانمئة شَهِيدا من ألم الطَّاعُون وقبره أَعلَى قبر الشَّيْخ حسام الدّين مِمَّا يَلِي الْمشرق وَلم يمرض بل رُؤِيَ وَقت الضُّحَى يَوْم وَفَاته مارا فِي الطَّرِيق فِي رحبة بَيته عِنْد الْمدرسَة البدرية الَّتِي عِنْد بَيته وَلم يشتك شَيْئا وَكَانَت وَفَاته وَقت الظّهْر من ذَلِك الْيَوْم وَتُوفِّي وَلَده الْفَقِيه صفي الدّين أَحْمد بن مُحَمَّد الْكَاهِلِي بعد وَفَاة أَبِيه بأيام يسيرَة وَقد كَانَ انْتفع بِالْقِرَاءَةِ على وَالِده ودرس وَأفْتى وَدفن عِنْد قبر وَالِده رحمهمَا الله تَعَالَى ونفع بهما تَعَالَى فَإِذا طلع الزائر إِلَى المشهد من زِيَارَة قبر الشَّيْخ حسام الدّين على الطَّرِيق الْيُمْنَى فَوق الْمَكَان الَّذِي ينزل فِيهِ السَّيْل هُنَاكَ فَأول مَا يلقى من الْمَذْكُورين بِهَذَا التَّارِيخ قَبره وَمِنْهُم شَيخنَا الإِمَام الْعَلامَة صفي الدّين أَحْمد بن عبد الله الْكَاهِلِي كَانَ رَحمَه الله عَالما عابدا أَخذ الْفِقْه عَن وَالِده الإِمَام عفيف الدّين الْمَذْكُور وَعَن خَاله الإِمَام صفي الدّين أَحْمد بن حسن البريهي وَسمع من الإِمَام جمال الدّين الريمي وَالْإِمَام نَفِيس الدّين الْعلوِي بعض كتب الحَدِيث وَله مَشَايِخ غير من ذكرنَا وَكَانَ لَهُ اجْتِهَاد فِي الدَّرْس عِنْد الطّلب للْعلم على مشايخه كَمَا أَخْبرنِي من لَفظه إِن وَالِده كَانَ لَا يقرئه شَيْئا من الْمُهَذّب إِلَّا بعد عرضه لذَلِك عَن ظهر الْغَيْب قَالَ وَمن كَانَ يعجز عَن الْحِفْظ يقْرَأ درسه أَرْبَعِينَ شرفا وَكَانَ للفقيه صفي الدّين أوراد وأدعية وأذكار ورواتب يعجز عَنْهَا أَكثر أهل الْعَصْر وَكَانَ ذَا صِيَام وَقيام وصبر وَخير ظَاهر مَتى شِئْت رَأَيْته فِي النَّهَار صَائِما وجدته كَذَلِك أَو فِي اللَّيْل قَائِما وجدته كَذَلِك امتحن

بِالْقضَاءِ ببعدان فَكَانَ يَسْتَنِيب فِيهِ وَلَده الْأَكْبَر الْمُسَمّى عمر وَكَانَ موفقا لبيبا أحسن بشرا قَرَأَ على وَالِده وَعَمه وعَلى غَيرهمَا وَحصل كتبا نافعة وَكَانَ يشْتَغل بِشَيْء من التِّجَارَة وَلم يتَزَوَّج ثمَّ سَافر إِلَى مَكَّة المشرفة فَانْكَسَرت الجلبة الَّتِي ركب فِيهَا الْبَحْر فَتوفي غريقا شَهِيدا قبل الْحَج فَلَمَّا علم وَالِده بِمَوْتِهِ صَبر واحتسب ثمَّ اعتذر القَاضِي صفي الدّين عَن ولَايَة الْقَضَاء فعذر وَقد كَانَت سيرته مرضية فَلَمَّا انْفَصل عَن الْولَايَة زَاد فِي الِاجْتِهَاد بِالْعبَادَة والتلاوة وَكَانَ يعْتَمد على أَحَادِيث الْفَضَائِل فِي الْأَعْمَال فَيصَلي صَلَاة التَّسْبِيح فِي كل جُمُعَة وَقد يُصليهَا بِاللَّيْلِ ويحافظ على صَلَاة الضُّحَى اثْنَتَيْ عشرَة رَكْعَة وَيَدْعُو ويبتهل وَتظهر لَهُ عَلامَة الاستجابة من ظُهُور الْعبْرَة وعَلى الْجُمْلَة فأحوال الْفَقِيه نازعة إِلَى الْعِبَادَة والاشتغال بهَا أَكثر من اشْتِغَاله بالفقه وَقد انْتفع على يَده جمَاعَة من الطّلبَة قل من قَرَأَ عَلَيْهِ إِلَّا انْتفع وَكَانَ يقْرَأ عِنْده أَو يقْرَأ هُوَ صَحِيح الإِمَام البُخَارِيّ فِي كل سنة بِشَهْر رَمَضَان وَتُوفِّي بِشَهْر ذِي الْحجَّة سنة تسع وَثَلَاثِينَ وثمانمئة سنة شَهِيدا من ألم الطَّاعُون وَدفن بالمشهد فِي الْجَانِب الشَّرْقِي مِمَّا يوالي قبر الإِمَام الشَّيْخ حسام الدّين رَحمَه الله تَعَالَى ونفع بِهِ ثمَّ يطلع الزائر ذَلِك الْمَكَان إِلَى عِنْد قبر الشَّيْخ الْعِرَاقِيّ وَهُوَ قديم ظهر لأهل الْبَلَد مِنْهُ براهين فَيرى قُبُور جمَاعَة من الْفُضَلَاء مِنْهُم شَيخنَا الإِمَام الْعَلامَة والحبر الصَّالح الزَّاهِد العابر صفي الدّين أَبُو الْعَبَّاس أَحْمد بن أبي بكر بن أَحْمد بن مُحَمَّد بن يحيى البريهي الَّذِي مَا رَأَتْ عين أهل وقته أزهد مِنْهُ فِي يقظة وَلَا مَنَام وَلَا عَايَنت أَكثر اتبَاعا مِنْهُ لشرائع الْإِسْلَام المتلقاة من

الشَّارِع عَلَيْهِ أفضل الصَّلَاة وَالسَّلَام وَكَانَ رَحمَه الله تَعَالَى عابدا صَالحا زاهدا قَرَأَ على خَاله وَابْن عَمه الْفَقِيه صفي الدّين أَحْمد بن حسن البريهي والفقيه عفيف الدّين عبد الله بن مُحَمَّد الْكَاهِلِي والفقيه رَضِي الدّين الشنيني وَالْإِمَام نَفِيس الدّين الْعلوِي وَالْإِمَام مجد الدّين الفيروزابادي والمقرىء ابْن عَيَّاش الْوَافِد إِلَى الْيمن والمقرىء عفيف الدّين عبد الله بن مُحَمَّد الشنيني وسافر إِلَى مَكَّة المشرفة فَأجَاز لَهُ جمَاعَة من الْفُقَهَاء والمحدثين بالحرمين الشريفين مِنْهُم المراغي والكازروني والشريف النسيب تَقِيّ الدّين الْمَالِكِي وَغَيرهم وَلبس الْخِرْقَة من الشَّيْخ تَقِيّ الدّين الْعِرَاقِيّ عَاشَ رَحمَه الله تَعَالَى على طَريقَة السّلف الصَّالح من الِاشْتِغَال بِالْعلمِ وَالْعَمَل بِهِ والورع وبذل نَفسه للطلبة وانزوت عَنهُ الدُّنْيَا فِي شبابه وَكَانَ مُعظم قوته من أجرته على تَحْصِيل كتاب الله تَعَالَى وَكتب الحَدِيث وَالْفِقْه فَإِذا جمع من ذَلِك مَا يسد بِهِ خلته حصل لنَفسِهِ كتبا كَثِيرَة بِخَطِّهِ وبورك لَهُ فِي عمره وَاجْتمعَ لَهُ جملَة صَالِحَة من الْكتب النفيسة كتبهَا وحشاها وضبطها أحسن ضبط حَتَّى صَارَت كتبه أُمَّهَات كتب أهل الْوَقْت وَكَانَ مُعظم أوقاته يَنْعَزِل عَن النَّاس ودأبه الْخلْوَة فِي بَيته وَفِي مَسْجِد الإِمَام سيف السّنة يقوم مُعظم اللَّيْل أَو كُله ابْتَدَأَ بالتدريس بعد وَفَاة خَاله وَابْن عَمه الْفَقِيه صفي الدّين أَحْمد بن حسن البريهي وَقَامَ بمكانه فدرس نَحْو ثَلَاثِينَ سنة وانتفع بِهِ جمَاعَة كَثِيرُونَ قل من قَرَأَ عَلَيْهِ إِلَّا وانتفع وَظَهَرت لَهُ كرامات كَثِيرَة مِنْهَا مَا أَخْبرنِي بِهِ بعض أَوْلَاده وَوَجَدته بِخَطِّهِ أَنه حصل كتابا لشيخه المقرىء عفيف الدّين الشنيني بِمَدِينَة إب بعد انْتِقَال المقرىء إِلَى تعز فَكَانَ الْفَقِيه صفي الدّين وَاقِفًا بمنزله بإب فَسمع صَوت المقرىء عفيف الدّين

وَهُوَ يَقُول يَا مولَايَ أَحْمد فَقَالَ الْفَقِيه صفي الدّين فَدخل ذَلِك الصَّوْت بمسامعي وأعضائي ولزمني شبه الرعدة وَقلت هَذَا صَوت المقرىء لَا شكّ فِيهِ وَأَظنهُ جَاءَ من تعز وَقَامَ الْفَقِيه من سَاعَته فَنظر عِنْد بَابه وحوالي بَيته فَلم ير أحدا فَرجع إِلَى بَيته فَلَمَّا اسْتَقر مَكَانَهُ سمع صَوت المقرىء كالصوت الأول فَقَالَ الْفَقِيه لأولاده وَمن حَضَره هَذَا صَوت المقرىء وَقد سمعته مرَّتَيْنِ قومُوا بِنَا حَتَّى ننظره فاجتهدوا فِي الْبَحْث وَالسُّؤَال عَن المقرىء فَلم يروه فَرجع الْفَقِيه إِلَى بَيته فَسمع صَوت المقرىء مرّة ثَالِثَة فأنعم النّظر فِي الْبَحْث عَنهُ وَلم يجده فأرخ ذَلِك وَكتب بِهِ إِلَى المقرىء فَرجع الْجَواب مِنْهُ يذكر فِيهِ أَنِّي لَا أَزَال أذكرك وأدعو لَك وَإِنِّي طالعت فِي الْكتاب الَّذِي حصلت لي فَوجدت فِيهِ ثَلَاثَة أَمَاكِن تحْتَاج إِلَى إصْلَاح كَانَ ذَلِك مني فِي سَاعَة وَاحِدَة فصدر مني مَا سَمِعت وَكَانَ الْفَقِيه رَضِي الدّين كثير الإخوان والإصدقاء من الأخيار يوصيهم بِالدُّعَاءِ على ظهر الْغَيْب فَأخْبر بَعضهم أَنه رأى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الْمَنَام فَقَالَ لَهُ يَا سَيِّدي يَا رَسُول الله إِن لي صاحبا أَو قَالَ صديقا وَقد أَوْصَانِي إِلَيْك بِالسَّلَامِ وَهُوَ من حَملَة الْعلم الشريف وَحسن الطَّرِيقَة يحب الله ويحبك يَا رَسُول الله فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أهوَ أَحْمد بن أبي بكر فَقلت نعم فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أقرأه عني السَّلَام وَأَنا رَاض عَلَيْهِ وَالله رَاض عَنهُ لرضا أَبَوَيْهِ عَنهُ وبره بهما وَحسن ظَنِّي بِمن ذَكرنِي عِنْده وَرَأى هُوَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَنه يطرد الذُّبَاب عَنهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَسَأَلَهُ عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ أهوَ مَنْسُوب إِلَى خدرة فَقَالَ لَهُ نعم قَالَ وَرَأى فِي لحيته صلى الله عَلَيْهِ وَسلم شيبا كثيرا وَرَأى أَنفه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم طَويلا كُله فِيمَا نقلته بِخَطِّهِ مُخْتَصرا وللفقيه صفي الدّين فَضَائِل ومبشرات وكرامات ذكرت بَعْضهَا فِي الأَصْل مِمَّا

لَا يحْتَملهُ هَذَا الْمُخْتَصر وَكَانَ آمرا بِالْمَعْرُوفِ ناهيا عَن الْمُنكر وَعمر الْمَسَاجِد والمدارس فِي الْمَدِينَة الْمَذْكُورَة عمَارَة جَيِّدَة وهيأ الله لَهُ من أَعَانَهُ على ذَلِك وَكَانَ لَهُ فِي الْقُلُوب محبَّة عِنْد النَّاس وهيبة وامتحن بِالْقضَاءِ بِمَدِينَة إب عبد شدَّة امْتِنَاعه عَن ذَلِك فسلك فِي أهل الْبَلَد مسلكا حسنا وَسَار فيهم سيرة السّلف الصَّالح وتورع عَمَّا اعْتَادَ الْقُضَاة أَخذه وَلم يقدم على شَيْء فِيهِ شُبْهَة توفّي رَحمَه الله من ألم الْبَطن سنة خمس وَعشْرين وثمانمئة وَدفن بالمشهد حَيْثُ قبر الشَّيْخ الْعِرَاقِيّ إِلَى جِهَة الْجنُوب لَيْسَ بَينه وَبَينه حَائِل أخبر الَّذِي ألحده أَنه كَانَ يُؤذن عِنْد سد فرج المساهية بالطين قَالَ والفقيه يجِيبه من الْقَبْر وَيَقُول كَمَا يَقُول وَكَانَ عَادَة الْفَقِيه فِي حَيَاته الْمُحَافظَة على إِجَابَة الْمُؤَذّن رَحمَه الله تَعَالَى ونفع بِهِ وَرَأى بعض الْفُضَلَاء بعد وَفَاة الْفَقِيه صفي الدّين أَنه فِي الْجنَّة وَأَن سَبَب ذَلِك جمعه لكتاب الْأَرْبَعين النافعة فِي بَيَان رَحْمَة الله الواسعة وَقد جمع أَيْضا كتابا على التَّنْبِيه سَمَّاهُ النَّظَائِر يحتوي على الْمسَائِل المشتبهة وَالْخلاف المتناظر على التَّنْبِيه إِذْ كَانَ يحفظه وَشرح خطْبَة منظومة الْحَاوِي وَجمع مسَائِل فِي الْقرَاءَات وعلق تعاليق نافعة جمعهَا من كتب كَثِيرَة انْتفع بهَا الطّلبَة رَحمَه الله ونفع بِهِ وَمِنْهُم أَخُوهُ شَيخنَا القَاضِي الْأَجَل الْعَلامَة جمال الدّين مُحَمَّد بن أبي بكر البريهي كَانَ رَحمَه الله إِمَامًا فِي علم النَّحْو ومجودا فِي علم الحَدِيث وَالْفِقْه ورعا متأنيا فِي الْأُمُور أَخذ الْفِقْه عَن ابْن عَمه وخاله الْفَقِيه أَحْمد بن الْحسن البريهي والفقيه عبد الله بن مُحَمَّد الْكَاهِلِي والأمير شمس الدّين فَيْرُوز والْحَدِيث عَن الإِمَام نَفِيس الدّين الْعلوِي وَالشَّيْخ مجد الدّين الفيروزأبادي وامتحن بِالْقضَاءِ يمدينة إب بعد وَفَاة أَخِيه فسلك الطَّرِيقَة المحمودة الَّتِي مضى عَلَيْهَا السّلف الصَّالح وَكَانَ يصدع بِالْحَقِّ لَا تَأْخُذهُ فِي الله لومة لائم وَلَا يلْتَفت على أهل الرِّئَاسَة وَلَا يداهن بِمَا

يتَوَجَّه من الْحُقُوق عَلَيْهِم وَلَقَد كنت أحضر مجْلِس حكمه فأجد كَلَامه كُله حكما ورأيه صَوَابا وشوره مغنما وعاقبته إِلَى خير مآل عَاشَ رَحمَه الله تَعَالَى على سجية وَاحِدَة وَكَانَ قبل تَوليته الْقَضَاء ملازما لطلب الْعلم الشريف درسا على من هُوَ أفقه مِنْهُ وتدريسا لمن هُوَ دونه وَكَانَ غَالب قوته من البيع وَالشِّرَاء مَعَ الصدْق وَالْأَمَانَة وتجنب الْخِيَانَة وَطيب الْمُعَامَلَة والورع الَّذِي قد طوي فِي هَذَا الدَّهْر بساطه وَلم يزل القَاضِي جمال الدّين الْمَذْكُور على الْحَال المرضي مجاب الْكَلِمَة مسموع القَوْل مَقْبُول الشَّفَاعَة مشارا إِلَيْهِ بِالْخَيرِ وَالصَّلَاح وَالدّين الصَّلِيب إِلَى ان توفّي بِشَهْر رَمَضَان سنة ثَمَان وَثَلَاثِينَ وثمانمئة وقبر بالمشهد بِجنب وَلَده القَاضِي صفي الدّين ملاصقا لَهُ وقبره مَعْرُوف هُنَاكَ يزار ويتبرك بِهِ رَحمَه الله ونفع بِهِ وَمِنْهُم وَلَده شَيخنَا الإِمَام الْعَلامَة صفي الدّين أَحْمد بن مُحَمَّد بن أبي بكر البريهي هُوَ الْفَقِيه النَّحْوِيّ الفرضي الَّذِي جمع مَا تفرق من الْعُلُوم وداوى ببراعته الْقُلُوب من الكلوم افاد وأجاد مَعَ صغر سنّ وَقصر وَقت أَخذ الْفِقْه عَن عَمه الإِمَام صفي الدّين أَحْمد بن أبي بكر البريهي وَالْإِمَام جمال الدّين مُحَمَّد بن عبد الله الْكَاهِلِي والنحو عَن وَالِده الْمُقدم الذّكر والفقيه أَحْمد بن مطهر الوصابي والقراءات السَّبع على المقرىء عبد الرَّحْمَن الملحاني والمقرىء عُثْمَان النجراني والْحَدِيث عَن الإِمَام نَفِيس الدّين الْعلوِي والشريف الحسيب تَقِيّ الدّين الْمَالِكِي والفرائض عَن الْفَقِيه صفي الدّين النجدي وَتَوَلَّى نِيَابَة الْقَضَاء عَن وَالِده بِمَدِينَة إب ثمَّ اسْتَقل بذلك واشتغل بالتدريس والإفتاء وانتفع بِهِ جمَاعَة من الطّلبَة وَكَانَت لَهُ معرفَة

جَيِّدَة خُصُوصا فِي بهجة الْحَاوِي وَشرع فِي تأليف شرح لَهَا مُفِيد سَمَّاهُ التَّعْلِيق فاخترمته الْمنية قبل تَمَامه وَله كتاب مستحسن على كتاب الْكَافِي فِي الْفَرَائِض وَله الْكَلَام البديع فِي النِّسْبَة والتقطيع وَله استنباط عَجِيب فِي الْمسَائِل الدورية وَأخذ شرح الْجَبْر للمزيحفي من غير شيخ وَكَانَ كثير التِّلَاوَة لذكر الله ويعتزل فِي بَيته من الْمغرب إِلَى الْعشَاء وَأكْثر من ذَلِك قبل طُلُوع الْفجْر فِي مَكَان خَال يكثر فِيهِ الدُّعَاء والابتهال والتضرع وَالصَّلَاة وَكَانَ كثير السَّعْي فِي قَضَاء حوايج الْمُسلمين ثبتا فِي الْجَواب مبصرا بالتعليم يعين الطَّالِب على قَصده حَتَّى أَن بعض شُيُوخه قَرَأَ عَلَيْهِ وَكَانَ فطنا يسهل عَلَيْهِ حل المشكلات فَكَانَت ترد عَلَيْهِ الْمسَائِل العويصة فيبادر إِلَى الْجَواب عَلَيْهَا من غير تلعثم وَورد عَلَيْهِ اللغز الَّذِي أوردهُ الشَّيْخ الْجَزرِي على القَاضِي شرف الدّين المقرىء عَن لَفْظَة الْقُرْآن فَلَمَّا رأى السُّؤَال علم المُرَاد مِنْهُ على البديهة وَمن ذَلِك أَنه ورد عَلَيْهِ لغز من الإِمَام بدر الدّين الشظبي عَن لَفْظَة حب

وَكتب إِلَيْهِ شعرًا فِي قصيدة أَولهَا (أبلغ صفي الدّين عَن مَمْلُوكه ... بعد التَّحِيَّة دَاعيا بالعافيه) (شوق ترادف فِي الجوانح ثقله ... فَلهُ على الأحشاء نَار حاميه) (لله دَرك أَحْمد بن مُحَمَّد ... من ذِي موارد فِي الصداقة صافيه) إِلَى آخرهَا وَهِي طَوِيلَة فَأَجَابَهُ صفي الدّين الْمَذْكُور مُبينًا لما ألغز بِهِ وألغز لَهُ أَيْضا بِالْجَوَابِ وأوله (أَهلا بِهِ من بَحر علم جَاءَنِي ... من عِنْد بدر ذِي مَرَاتِب عاليه) (حسن الْفَضَائِل وَالشَّمَائِل نَفسه ... لذرى الْمَعَالِي والمعاني راقيه) (ألْقى بِحسن الظَّن فِي مَمْلُوكه ... أحجية هِيَ فِي الأحاجي ساميه) والقصيدتان بكمالهما فِي الأَصْل تركت مَا فيهمَا اختصارا وللقاضي صفي الدّين شعر رائق فِي الْوَعْظ والغزل والزهد من ذَلِك فِي الْوَعْظ مَا قَالَه فِي هذَيْن الْبَيْتَيْنِ (احفظ لسَانك لاتفه بنميمة ... وَاحْذَرْ تفه بِالْكَذِبِ أَو بالغيبة) (فَإِن انْتَهَيْت فقد نجوت وَإِن أَبيت ... فقد بليت وَيَا لَهَا من بلية) عَاشَ رَحمَه الله على الْحَال المرضي لَازِما للسّنة سالكا فِي ولَايَة الْقَضَاء فِي الْمَدِينَة الْمَذْكُورَة الطَّرِيقَة المحمودة وَقد كَانَ أضيف إِلَيْهِ الْقَضَاء فِي جِهَات بعدان فَامْتنعَ عَن ذَلِك وَكَانَت لَهُ وجاهة إِلَى الأكابر وإقدام على الْأُمُور مَعَ تسهيل الصعاب وتذليلها توفّي رَحمَه الله تَعَالَى من ألم يسير لم يصل فِيهِ فَرِيضَة جَالِسا وَأَخْبرنِي من حضر وَفَاته أَنه طلب مَاء ليتوضأ بِهِ لصَلَاة الظّهْر فَقَامَ وَثقل عَلَيْهِ الْمَشْي فِي الطَّرِيق فَجَلَسَ وَشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَأَن مُحَمَّدًا رَسُول الله ثمَّ توفّي بِتِلْكَ السَّاعَة وَذَلِكَ أعظم دَلِيل على توفيقه ورؤي فِي الْمَنَام بعد وَفَاته على حَال مرض وَأَنه

بقصر عَال عَظِيم وَحَوله الخدم وَعَلِيهِ ملابس سنية وَكَانَت وَفَاته بِشَهْر جُمَادَى الأولى سنة ثَلَاث وَثَلَاثِينَ وثمانمئة وقبر بالمشهد فِي الْجَانِب القبلي مِنْهُ وَحَوله جمَاعَة من أَقَاربه رَحمَه الله ونفع بِهِ وَمِنْهُم الْفَقِيه عفيف الدّين عبد الله بن عبد الْحق الْكَاهِلِي كَانَ طَالبا للْعلم الشريف مُجْتَهدا فِي الطّلب توفّي وَالِده وَهُوَ يرضع فَلَمَّا بلغ التَّمْيِيز اجْتهد بِنَقْل كتاب الله تَعَالَى فحفظ الْقُرْآن ثمَّ التَّنْبِيه وَبَعض الْمَنْظُومَة وَقَرَأَ وَسمع من الْكتب المبسوطة شَيْئا كثيرا قِرَاءَة بتدقيق وَتَحْقِيق فَمن مشايخه عَمه الْفَقِيه جمال الدّين الْكَاهِلِي والفقيه تَقِيّ الدّين الْحَارِثِيّ والفقيه جمال الدّين الرعياني وَغَيرهم وَلم يزل مجدا بِالطَّلَبِ مَعَ عفاف وَحسن حَال وتنزه عَمَّا يزري بِحَال الطَّالِب ودأبه العكوف فِي الْجَامِع الْمُبَارك لَيست لَهُ صبوة إِلَى أَن توفّي سنة خمس وَثَلَاثِينَ وثمانمئة رَحمَه الله ونفع بِهِ تَعَالَى وَمِنْهُم الْفَقِيه الصَّالح الصدوق موفق الدّين عَليّ بن عَطِيَّة الدملوي أصل بَلَده الدملوة ثمَّ انْتقل مِنْهَا إِلَى مَدِينَة إب واشتغل بِتِلَاوَة كتاب الله الْعَزِيز ثمَّ بتعليمه ثمَّ بِطَلَب الْعلم الشريف ودام على ذَلِك مُدَّة كَثِيرَة يقْرَأ على الْفَقِيه عفيف الدّين الْكَاهِلِي والفقيه أَحْمد بن حسن البريهي وَغَيرهمَا ثمَّ انْتقل إِلَى مَدِينَة ذِي جبلة فقرأه على الإِمَام رَضِي الدّين ابْن الْخياط ثمَّ بتعز على الإِمَام مجد الدّين الفيروزأبادي وَالْإِمَام نَفِيس الدّين الْعلوِي ثمَّ اشْتغل بِالتِّجَارَة ولازم السّفر إِلَى مَكَّة

المشرفة سِنِين كَثِيرَة قدر سبع عشرَة سنة فَفتح عَلَيْهِ بِمَال كثير انْتفع بِهِ ونفع وَحصل كتبا جليلة من كتب الحَدِيث وَالْفِقْه وَغَيرهَا فضبطها أحسن ضبط واشتهر بِالْفَضْلِ وَصدق القَوْل فِي التِّجَارَة مَعَ عزلته عَن النَّاس وملازمة الْجَمَاعَة للصَّلَاة الْمَفْرُوضَة وسلوك الطَّرِيق السّنيَّة ومجانية الْبِدْعَة ثمَّ انْتقل إِلَى مَدِينَة إب فَأخذ عَنهُ الْعلم جمَاعَة من الطّلبَة وَكَفاهُ الله بِمَا رزقه من البيع وَالشِّرَاء عَن التَّعَرُّض للْوَقْف وَالْأَخْذ مِنْهُ وصانه الله عَن الظلمَة وكفهم عَنهُ طول عمره ببركة الْعلم الشريف وَكَانَ كثير الصَّدَقَة سرا وجهرا يدْفع الزَّكَاة إِلَى مستحقها لَا يتطفل عَن ذَلِك وَلَا يُؤَخِّرهُ فَقيل لَهُ التَّاجِر الصدوق لجريه على الْقَاعِدَة الشَّرْعِيَّة واحترازه عَمَّا لَا يجوز فِي البيع وَالشِّرَاء مِمَّا يتغافل مِنْهُ غَيره من أهل الْمُعَامَلَات والربا وَالصرْف مَعَ حسن سيرة وَأَمَانَة وديانة وورع ظَاهر توفّي سنة سِتّ وَثَلَاثِينَ وثمانمئة على فرَاشه من وجع الْبَطن رَحمَه الله تَعَالَى ونفع بِهِ وَمِنْهُم الشَّيْخ الصَّالح وجيه الدّين عبد الرَّحْمَن بن عبد الصَّمد الصميري أصل بلدته صمر قَرْيَة من قرى حجر نَشأ بهَا ثمَّ انْتقل مِنْهَا إِلَى مَدِينَة تعز ثمَّ إِلَى قَرْيَة اليهاقر وَأقَام بهَا مُدَّة طَوِيلَة واشتغل بِعلم الْأَسْمَاء وراض نَفسه وسلك طَريقَة التصوف وَنسب إِلَى الْإِخْبَار بِشَيْء من المغيبات وَكَانَ يصنع الأوفاق والطلسمات لقَضَاء الحوايج وَفك المحبسين ورزق مَالا كثيرا وجاها عِنْد أَرْبَاب الولايات وهابه الأكابر وَأَقْبَلت عَلَيْهِ الدُّنْيَا فجاد بهَا وَلم يمسك مِنْهَا شَيْئا ووفد إِلَيْهِ الْفُقَرَاء

وَالْمَسَاكِين وَالشعرَاء فيعطيهم العطايا النافعة وَذَلِكَ بقرية اليهاقر بدولة السُّلْطَان الْمَنْصُور فَلَمَّا انْقَضتْ دولته واستقام الظَّاهِر انْتقل إِلَى مَدِينَة تعز وَهُوَ على الْحَال الْمَذْكُور إِلَى أَن عانده بعض المتصرفين للدولة بِأَن ادّعى عَلَيْهِ ودَاعَة أودعهُ إِيَّاهَا من المَال الْكثير وَنسبه إِلَى الْخِيَانَة بهَا فَجرى عَلَيْهِ من ذَلِك أَمر عَظِيم فانتقل إِلَى مَدِينَة إب فَتَلقاهُ شيخ بعدان أحسن ملقى وأضاف إِلَيْهِ الْقيام بالرباط الْمَشْهُور بِالْمَدْرَسَةِ الجلالية ورتب لَهُ مَا يقوم بِحَالهِ وكساه فَأَقَامَ فِي الْمَدِينَة الْمَذْكُورَة مُدَّة يسيرَة ثمَّ توفّي وَدفن فِي المشهد سنة سِتّ وَثَلَاثِينَ وثمانمئة وَمِنْهُم الْأَمِير شمس الدّين يُوسُف بن مُحَمَّد غَازِي هُوَ ولد الْأَمِير بدر الدّين الَّذِي ذكره ابْن الْعم القَاضِي صفي الدّين أَحْمد بن أبي بكر بمجموعة الْفَوَائِد فِي زِيَارَة الْمشَاهد كَانَ رجلا فَاضلا فصيحا مشاركا فِي الْعُلُوم من ذِي المروءات مخالطا للفقهاء ومهتديا بهديهم أجَاز لَهُ الشَّيْخ مجد الدّين الشِّيرَازِيّ وَالْإِمَام نَفِيس الدّين الْعلوِي علم الحَدِيث وَكَذَلِكَ القَاضِي صفي الدّين أَحْمد بن أبي بكر البريهي وصنوه القَاضِي جمال الدّين مُحَمَّد البريهي وَالْإِمَام عفيف الدّين عبد الله الْكَاهِلِي وَكَانَ رَحمَه الله متواضعا صَابِرًا على محن الدُّنْيَا ذَا مُرُوءَة وَخير كثير ووقف من مَاله جملَة صَالِحَة على الدرسة وَقَالَ هم المعنيون بقول السّلف الصَّالح حَسَنَات الْأَبْرَار سيئات المقربين وَله مآثر حَسَنَة وَشعر حسن توفّي بِشَهْر ذِي الْحجَّة سنة تسع وَثَلَاثِينَ وثمانمئة بِسَبَب الطَّاعُون رَحمَه الله ونفع بِهِ وَمِنْهُم المقرىء الصَّالح تَقِيّ الدّين عمر بن أبي بكر الكلالي كَانَ رَحمَه الله رجلا صَالحا مقرئا ورعا فَاضلا ناسكا متواضعا مُرَتبا للإقامة فِي الْجَامِع الْمُبَارك أصل بلدته

قَرْيَة مطاية بنواحي جبل بعدان ثمَّ انْتقل إِلَى إب فَقَرَأَ على المقرىء الصَّالح عفيف الدّين عبد الله الشنيني وَأَجَازَ لَهُ فَكَانَ جيد الْقِرَاءَة حسن الصَّوْت باذلا نَفسه للطلبة بالقراءات السَّبع مَعَ اشْتِغَاله بأعمال الزَّرْع ومباشرته ذَلِك بِيَدِهِ توفّي رَحمَه الله سنة سبع عشرَة وثمانمئة وَدفن بالمشهد قَرِيبا من الشَّيْخ الْعِرَاقِيّ رَحمَه الله ونفع بِهِ وَمِنْهُم المقرىء الصَّالح المكفوف الْبَصَر الْعَلامَة تَقِيّ الدّين معوضة بن حسن الْعَنسِي كَانَ رجلا صَالحا مقرئا مَفْتُوحًا عَلَيْهِ بِكَثِير من الْعُلُوم أصل بَلَده بلد العنسيين ثمَّ انْتقل إِلَى ذِي جبلة وَأقَام بهَا مُدَّة ثمَّ انْتقل إِلَى مَدِينَة إب ورتب إِمَامًا بِالْمَدْرَسَةِ الجلالية فَوقف فِيهَا على الْحَال المرضي وسلك الطَّرِيقَة المحمودة من التدريس وَالْعِبَادَة إِلَى أَن توفّي رَحمَه الله تَعَالَى وَالْمُسْلِمين وَكَانَ كثير التِّلَاوَة قريب الْعبْرَة لَهُ نباهة وَمَعْرِفَة يعجز عَنْهَا غَيره من أهل وقته وَله ذهن صَاف وَإِذا لقن شَيْئا حفظه سَرِيعا وَكَانَت وَفَاته بِشَهْر جُمَادَى الاخرة سنة عشْرين وثمانمئة وقبر بالمشهد قَرِيبا من قبر المقرىء عمر وَمِنْهُم القَاضِي الْعَالم النَّحْوِيّ اللّغَوِيّ صفي الدّين أَحْمد بن مُحَمَّد الْبَيْضَاوِيّ الشَّافِعِي شهر بالجبني اصل بَلَده بَيْضَاء حصي من الْمشرق ثمَّ انْتقل مِنْهَا لطلب الْعلم فَقَرَأَ على الْفَقِيه رَضِي الدّين الشنيني وعَلى غَيره ثمَّ قَرَأَ بِمَدِينَة تعز وبغيرها على

شُيُوخ كَثِيرَة حَتَّى برع وَرجع إِلَى بَلَده ثمَّ إِلَى جبن فولاه الشَّيْخ طَاهِر الْقَضَاء بهَا وَسَار بهم سيرة مرضية مَعَ كرم عَظِيم وَصَارَ مُطَاعًا مَقْصُودا للْفَتْوَى والتدريس من أَمَاكِن شَتَّى فعانده جمَاعَة من أهل تِلْكَ الْبَلَد فانتقل مِنْهَا إِلَى ذمار فَتَلقاهُ الإِمَام الشريف أحسن ملقى وأقطعه أَمَاكِن كَثِيرَة ثمَّ انْتقل مِنْهَا باستدعاء السُّلْطَان الْمَنْصُور إِلَى مَدِينَة تعز فأضاف إِلَيْهِ وَإِلَى وَلَده القَاضِي جمال الَّذِي سَيَأْتِي ذكره مَعَ أهل حيس قَضَاء مَدِينَة جبلة ثمَّ انْتقل إِلَى مَدِينَة إب فقابله الشَّيْخ هزبر الدّين أحسن مُقَابلَة واضاف إِلَيْهِ الْقَضَاء فِي بعض جِهَات بَلْدَة بالسحول والمخادر وبلد بني نَاجِي والحتاجيين وَمن الْأَسْبَاب من المواقف جملَة صَالِحَة مِمَّا كَفاهُ وعائلته وَأَعْطَاهُ من الطَّعَام والنقد شَيْئا كثيرا فَأَقَامَ على الْحَال المرضي مُدَّة ثمَّ توفّي سنة اثْنَتَيْنِ وَثَلَاثِينَ وثمانمئة وَدفن بالمشهد بالجانب الْأَسْفَل بَينه وَبَين الطَّرِيق الطالعة قدر سِتَّة أَذْرع رَحمَه الله ونفع بِهِ وَمِنْهُم الْفَقِيه الإِمَام أَبُو مُحَمَّد تَقِيّ الدّين عمر بن عَليّ بن عمر الْمَشْهُور بالزين كَانَ فَقِيها عَالما عابدا خَاشِعًا لَهُ معرفَة جَيِّدَة فِي الْفِقْه ومشاركة فِي سَائِر الْعُلُوم أَخذ ذَلِك عَن مَشَايِخ شَتَّى وانتفع بِهِ الطّلبَة واشتهر بالتدريس وَالْفَتْوَى مَعَ حسن حَال وجمال فِي صورته وتعفف وورع وامتحن بِالْقضَاءِ بِمَدِينَة إب فَسَار فيهم سيرة حَسَنَة مرضية وأزال الْمُنْكَرَات من الْخُمُور وَغَيرهَا محدا فِي ذَلِك لَا يردعه فِي الله لومة لائم وَجَرت عَلَيْهِ أَيَّام ولَايَته أُمُور أفضت بِهِ إِلَى ترك الْقَضَاء والارتحال عَن الْبَلَد فارتحل إِلَى وصاب فتأهل وَأقَام بهَا مُدَّة ثمَّ رَجَعَ إِلَى بَلَده فَلم يصف لَهُ بهَا عَيْش فانتقل إِلَى بلد بني سيف وَأقَام بهَا مُدَّة ثمَّ رَجَعَ إِلَى بَلَده واستدعاه الْملك الْأَشْرَف بن

الْعَبَّاس إِلَى مَدِينَة تعز فوفد عَلَيْهِ فَأكْرمه غَايَة الْإِكْرَام وَأحسن إِلَيْهِ فدرس بِمَدِينَة تعز وَأفْتى فَصَارَ هُوَ الْمشَار إِلَيْهِ والمعول فِي حل المشكلات عَلَيْهِ ثمَّ رَجَعَ إِلَى مَدِينَة إب فَوقف بهَا أَيَّامًا قَلَائِل ثمَّ توفّي فِي شهر الْمحرم سنة ثَلَاث عشرَة وثمانمئة وَدفن بحول الْعلية بالمحطة وَعَلِيهِ حياط رَحمَه الله ونفع بِهِ وَقد ظَهرت لَهُ كرامات فِي حَيَاته وَبعد مَوته ذكرت بَعْضهَا فِي الأَصْل وَكَانَت لَهُ كتب كَثِيرَة نفيسة ضَبطهَا أحسن ضبط حَتَّى صَارَت من أُمَّهَات كتب أهل الْبَلَد فَلَمَّا توفّي ورثهَا من بعده من لَا يفهمها فتفرقت وَلم يقْرَأ فِيهَا وَمِنْهُم الْفَقِيه الصَّالح شمس الدّين يُوسُف بن عمر العطاب كَانَ رجلا عَالما فَاضلا نحويا شَاعِرًا أديبا ذكيا متواضعا لَا يصرف سَاعَة من عمره إِلَى غير طَاعَة الله فِي آخر عمره زهد فِي الدُّنْيَا وَأَقْبل على الْآخِرَة واجتهد فِي الْعِبَادَة يطْلب الْحَلَال ويقتات من أُجْرَة عمل يَده من تَحْصِيل كتب الْعلم واستدعي إِلَى الْملك النَّاصِر فَلم يرض الْوُقُوف بِبَابِهِ وَلَا طمعت نَفسه بِقَبض شَيْء من أَسبَابه وَكَانَ يَخْلُو لِلْعِبَادَةِ فِي الْأَمَاكِن الْبَعِيدَة عَن الْحَيّ فِي مجاري الْمِيَاه وكهوف الْجبَال فَلَا يزَال قَائِما يُصَلِّي مُعظم اللَّيْل وَيَتْلُو كتاب الله تَعَالَى ويبكي ويتأوه كَالْمَرْأَةِ الثكلى أَخْبرنِي بعض أصدقائه أَنه تَلا قَوْله تَعَالَى {وَإِن مِنْكُم إِلَّا واردها كَانَ على رَبك حتما مقضيا} فَصَارَ يُرَدِّدهَا ويبكي وعَلى الْجُمْلَة فأحواله فِي ذَلِك كَمَا نقل عَن السّلف الصَّالِحين وَعباد الله العارفين وَهُوَ مِمَّن عمل لنَفسِهِ واجتهد لرمسه عَاشَ رَحمَه الله على الْحَال المرضي دأبه العكوف فِي الْمَسَاجِد وإدمان النّظر فِي الْكتب النافعات واستحصلها بِخَطِّهِ الْحسن وَله شعر فائق وَلَفظ رائق فِي الْوَصَايَا النافعة

وَالْحكم والزهد وَالتَّرْغِيب والترهيب وَغير ذَلِك وَكَانَ لَهُ أَصْحَاب يَهْتَدُونَ بهديه توفّي رَحمَه الله شهر رَمَضَان سنة سِتّ عشرَة وثمانمئة وَدفن بالمحطة وقبره مَعْرُوف يزار ويتبرك بِهِ وَقد رأى لَهُ صَاحبه القَاضِي أَحْمد بن مُحَمَّد البريهي رُؤْيا صَالِحَة ذكرتها فِي الأَصْل وَمن شعره وَهُوَ مُسَافر الى مَكَّة المشرفة لِلْحَجِّ عِنْدَمَا رأى غرابا مَيتا فِي طَرِيقه فَقَالَ (توسمت من موت الْغُرَاب بأنني ... بديوان أهل الْقرب قد صرت مثبتا) (وَلَا بَين أَرْجُو من حَبِيبِي بَعْدَمَا ... رَأَيْت بعيني طَائِر الْبَين مَيتا) وَمِنْهُم الْفَقِيه مُحَمَّد بن عبد الله الحجري أصل بَلَده حجر وَفد إِلَى مَدِينَة إب لطلب الْعلم الشريف فَقَرَأَ على المقرىء معوضة الْمُقدم الذّكر واشتهر بِالْخَيرِ وَالصَّلَاح ورتب إِمَامًا بِالْمَدْرَسَةِ الجلالية بعد وَفَاة المقرىء وَكَانَ حسن الصَّوْت طيب الْقِرَاءَة لين الْقلب مُجْتَهدا فِي الْعِبَادَة دَامَ على ذَلِك إِلَى أَن توفّي سنة سبع وَعشْرين وثمانمئة وَأخْبر الَّذِي يحْفر الْقُبُور أَنه حفر قبرا بجنبه فَسَمعهُ يقْرَأ الْقُرْآن فِي قَبره بِصَوْت جَهورِي ونغم حسن وَسمع غير الحفار ذَلِك فِي أَوْقَات مُتعَدِّدَة رَحمَه الله ونفع بِهِ وَمِنْهُم الْفَقِيه الصَّالح أَحْمد بن عبد الله المكفوف الْبَصَر كَانَ رجلا فَاضلا دأبه قِرَاءَة الْقُرْآن وإقراء الدرسة لِلْقُرْآنِ الْعَظِيم بالجامع الْمُبَارك فِي سَبِيل الله تلقينا وَكَانَ صَابِرًا قد غلبت عَلَيْهِ التِّلَاوَة الَّتِي هِيَ من أَوْصَاف أهل الْجنَّة وَكَانَ يجْرِي فِي الْمَدِينَة أُمُور كبار كدخول السلاطين إِلَيْهَا قهرا أَو غير ذَلِك فَلَا يخرج من الْجَامِع وهيأ الله لَهُ من كَفاهُ أَمر الْقُوت إِلَى مَكَانَهُ مُدَّة وُقُوفه بالجامع فَلم يهمه شَيْء يحْتَاج إِلَيْهِ وَبَقِي على الْحَال المرضي إِلَى أَن توفّي فِي سنة إِحْدَى وَثَلَاثِينَ وثمانمئة رَحمَه الله تَعَالَى ونفع بِهِ

وَمِنْهُم المقرىء الصَّالح عُثْمَان بن أَحْمد كَانَ رجلا فَاضلا نحويا حسن الْقِرَاءَة دأبه النساخة ومعظم قوته مِنْهَا وأصل بَلَده تهَامَة من قَرْيَة السَّلامَة وَكَانَ ذَا عبَادَة وورع وزهد دأبه الِاشْتِغَال بِعلم الْقُرْآن ثمَّ بتعليمه متنزها عَن الشُّبُهَات فِي المطعومات والملبس أخبر الثِّقَة عَنهُ أَنه صَامَ فِي بعض الْأَيَّام وعزم أَن لَا يفْطر إِلَّا بِشَيْء يقطع بحله وَعدم الشُّبْهَة فِيهِ فَلَمَّا حَان وَقت الْإِفْطَار أَدَّاهُ اجْتِهَاده على جمع شَيْء من الشّجر ليفطر بِهِ فَجَمعه وعزم على أكله فَكَرِهته نَفسه وَلم تطاوعه على ذَلِك ووقف إِلَى وَقت الْعشَاء فَسمع حَرَكَة فِي بَابه فَإِذا رجل مَعَه شَيْء من الْعَيْش فَأَشَارَ إِلَيْهِ بِفَتْح الْبَاب فَفتح فَنَاوَلَهُ صَحْفَة فِيهَا قوت من الْقَمْح وَعَلِيهِ شَيْء من الأدام وَقَالَ يَا مقرىء هَذَا شَيْء مَقْطُوع بحله فكله ثمَّ ذهب ذَلِك الرجل فَأتبعهُ بَصَره ليعرفه فَلم يجده وَلَا عرفه فَأكل المقرىء ذَلِك الْعَيْش وَكَانَ هَذَا المقرىء ملازما للتواضع والخشوع مَعَ سهولة خاطره وسلامة صَدره ورتب إِمَامًا فِي الْمدرسَة الجلالية ثمَّ انْفَصل عَنْهَا ووقف مُدَّة ثمَّ عَاد إِلَيْهَا وَتُوفِّي على الْحَال المرضي بعد انْتِفَاع جمَاعَة من الطّلبَة على يَده وَظُهُور النَّفْع بِهِ توفّي سنة اثْنَتَيْنِ وَثَلَاثِينَ وثمانمئة وَدفن بالمحطة رَحمَه الله ونفع بِهِ وَمِنْهُم الْفَقِيه الصَّالح عفيف الدّين عبد الْبَاقِي بن عَليّ الزبيدِيّ كَانَ أحد الأخيار الصَّالِحين والفضلاء العابدين متمثلا وَصِيَّة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَيْثُ قَالَ كن فِي الدُّنْيَا كَأَنَّك غَرِيب أَو عَابِر سَبِيل فَكَانَ كثير الصّيام طَوِيل الْقيام خامل الذّكر قَلِيل الْكَلَام فِيمَا لَا يعنيه لَا ترَاهُ ضَاحِكا وَلَا متضاحكا كَأَن النَّار بَين يَدَيْهِ وَالْقِيَامَة نصب عَيْنَيْهِ دأبه تعلم الْقُرْآن وتعليمه وَالِاعْتِكَاف فِي الْمَسَاجِد وَلبس غير

الشُّهْرَة من الثِّيَاب وَكَانَ كثير التَّرَدُّد إِلَى مَكَّة المشرفة كثير الِابْتِلَاء بالأمراض صَابِرًا شاكرا حامدا يكرم الضَّيْف ويتجمل إِلَيْهِم وبورك لَهُ فِي رزقه وَكَانَ يرى الصَّالِحين على أَحْوَال مُخْتَلفَة وَيكثر الْبكاء عِنْد تِلَاوَة كتاب الله أَو اسْتِمَاع شَيْء من الْوَعْظ توفّي سنة سبع وَثَلَاثِينَ وثمانمئة وَدفن بالمحطة وَقد قيل لَهُ قَرِيبا من وَفَاته فِي مَرضه للْمَوْت أَيْن يكون قبرك فَقَالَ الْأَمْكِنَة عِنْدِي سَوَاء والمرجو من الله تَعَالَى حسن الْمُقَابلَة فَلَمَّا توفّي وحملت جنَازَته كَاد النَّاس يقتتلون على حمل جنَازَته لما يَعْتَقِدُونَ فِيهِ من الْخَيْر وَالصَّلَاح وَمن كَثْرَة الزحام على حملهَا كَانَت مُدَّة السّير بهَا من الْجَامِع إِلَى المحطة قَرِيبا من ربع يَوْم ووجلت الْقُلُوب وذرفت الْعُيُون لفراقه رَحمَه الله ونفع بِهِ آمين وَمِنْهُم المقرىء الصَّالح تَقِيّ الدّين عمر بن عِيسَى الْخَطِيب كَانَ رجلا فَاضلا نحويا مقرئا واعظا فصيحا شَأْنه التَّوَاضُع فسلك الطَّرِيقَة المحمودة من مجالسة الأخيار والخشوع والخضوع وَكَانَ خَطِيبًا فِي مَدِينَة إب ولكلامه ووعظه فِي الْقُلُوب موقع وَكَانَ قريب الْعبْرَة حسن الصَّوْت كثير الصمت مشاركا بِشَيْء من الْفِقْه وانتفع عَلَيْهِ جمَاعَة من الدرسة فِي النَّحْو والقراءات السَّبع وَكَانَ كثير الِاعْتِكَاف فِي الْجَامِع الْمُبَارك باذلا نَفسه للطلبة ودام على ذَلِك سِنِين كَثِيرَة إِلَى أَن توفّي شهر ذِي الْحجَّة سنة تسع وَثَلَاثِينَ وثمانمئة من ألم الطَّاعُون وَكَانَ فِي أَيَّام الفناء بالطاعون يدْفن الغرباء ويحملهم إِلَى الْمَقَابِر ثمَّ يصعد الْمِنْبَر يَوْم الْجُمُعَة وَيَأْتِي بوعظ توجل مِنْهُ الْقُلُوب وتجري بِهِ الْعُيُون بِاللَّفْظِ الرَّقِيق وَالْمعْنَى الدَّقِيق وَكَانَ آخر جُمُعَة خطب فِيهَا فِي ذَلِك الْوَقْت

أَيَّام الطَّاعُون وَقد اجْتمع فِي الْجَامِع مئة جَنَازَة وَثَلَاث عشرَة جَنَازَة ابْتَدَأَ قبل خطْبَة الْجُمُعَة ينعي نَفسه وإعلام الْحَاضِرين بِقرب مَوته واستودع النَّاس وَأَبْرَأ واستبرأ فَكَانَ من كَلَامه أَيهَا النَّاس إِنِّي أعظكم وَأَنا أَحَق بالوعظ وَقد خطبت بكم نَحْو أَرْبَعِينَ سنة وخالطتكم ونلت من أعراضكم وَأَنا أسْتَغْفر الله الَّذِي لَا إِلَه إِلَّا هُوَ الْحَيّ القيوم وَقد أبرأتكم عَمَّا أطالبكم بِهِ من الْعرض وَالْمَال فَمن لَهُ عَليّ مظْلمَة وَلم يعف عني فليطلبها مني فَإِنِّي أؤديها بعون الله وقوته وَمن عَفا عني فَالله أَحَق بِالْعَفو عَنهُ وأستودعكم الله الَّذِي لَا أَله إِلَّا هُوَ الْحَيّ القيوم الَّذِي لَا تخيب لَدَيْهِ الودائع وَالله خليفتي على كل مُسلم وَهَذَا آخر مقَام أقومه فِيكُم وَآخر موعظة أعظكم فِي كَلَام كثير لم أحفظه ثمَّ أَتَى بِخطْبَة الْجُمُعَة مختصرة وَكَانَت هَذِه الْخطْبَة آخر الْعَهْد بِهِ ثمَّ نزل من الْمِنْبَر باكيا حَزينًا لم يسْتَطع أَن يُصَلِّي الْجُمُعَة بِالنَّاسِ بل صلاهَا بعض المؤذنين فَمَرض وَتُوفِّي فِي ذَلِك الْأُسْبُوع وقبر بالمحطة فقبره مَعْرُوف يزار ويتبرك بِهِ وَمِنْهُم المقرىء الْعَالم شمس الدّين عَليّ بن أبي بكر السحولي بَلَدا كَانَ رجلا لَهُ الْيَد الطُّولى فِي علم النَّحْو واللغة وَالْعرُوض وأمثال الْعَرَب وَعلم القوافي وشواهد الْعَرَب ويشارك بِسَائِر الْعُلُوم من الْفِقْه والمنطق وَالْحكمَة وأصل بَلَده السحول من قَرْيَة يُقَال لَهَا مليل فانتقل مِنْهَا لطلب الْعلم فقرأه فِي تعز وَصَنْعَاء وَغَيرهمَا على مَشَايِخ شَتَّى وَكَانَ متقللا من الدُّنْيَا كثير الْعِبَادَة شَدِيد التعصب على أهل الْبدع من الزيدية وَغَيرهم وَله فِي ذَلِك النّظم البديع فَمن ذَلِك مَا رده على الْفَقِيه أَحْمد الشَّامي على القصيدة الَّتِي أَولهَا هلا سَأَلت مطهرا وصلاحا وَجَوَابه مَشْهُور طَوِيل أعجب مَا فِيهِ أَنه قَالَ فِي النَّاصِر ابْن مُحَمَّد وَهُوَ مَحْصُور فِي ذمار حَال قيام الإِمَام صَلَاح

ومطهر يُخَاطب الزيدية فِي قَوْله (بل أَنْتُم قد صرتم فِي حيرة ... لَا تقدرون تصححون نِكَاحا) (إِن قُلْتُمْ بمطهر فصلاحكم ... يَبْغِي إِلَى تصيير ذَاك سِفَاحًا) (وَكَذَا يَقُول النَّاصِر بن مُحَمَّد ... وَهُوَ الإِمَام وَإِن يكن مبراحا) فَكَانَ كَمَا قَالَ أَن الإِمَام النَّاصِر غلب مطهرا وصلاحا ولزمهما وتمت لَهُ الْإِمَامَة مَعَ صغر سنه وَمِنْهَا المقطعات العجيبة المحتوية على الْمعَانِي الغريبة الَّتِي لم تسمح بهَا قريحة أهل الْوَقْت بمثالها وَلَا نسجت على منوالها وَذَلِكَ كثير مِمَّا يَنْبَغِي أَن يجمع بِجُزْء مُنْفَرد لكثرته وَعَجِيب فَوَائده وابتلي بذهاب بعض بَصَره حَتَّى عجز عَن المطالعة للكتب وَالْكِتَابَة وَكَانَ يملي مَا ينظم وَيجمع الْعشْرَة الأبيات فَأكْثر ثمَّ يلقيها على من يَكْتُبهَا حَتَّى إِذا اجْتمع شَيْء كثير عرضه على ظهر الْغَيْب وحاله فِي البراعة قريب مِمَّا نقل عَن الإِمَام الشاطبي انْتقل من مَدِينَة تعز إِلَى مَدِينَة إب فَأَقَامَ بهَا نَحوا من أَربع سِنِين يدرس ويفتي إِلَى أَن توفّي يَوْم الثُّلَاثَاء سادس وَعشْرين من شهر ذِي الْحجَّة الْحَرَام سنة اثْنَتَيْنِ وَخمسين وثمانمئة وَدفن بالمحطة وَمن شعره وَضَمنَهُ قَول النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم اشتدي أزمة تنفرجي (قُم فَاسْتَفْتَحَ بَاب الْفرج ... بِمُحَمد الْبَدْر البهج)

(وأدأب فِيهِ تستفتحه ... بكرامته لَا باللجج) (وَإِذا اسْتَبْطَأَتْ الْفَتْح فَقل ... اشتدي أزمة تنفرجي) وَله فِي اسْم يُونُس (فِي اسْم الَّذِي تيمني حبه ... لَطِيفَة يفهمها الْكيس) (يطْمع بالوصل بتحريفه ... لَكِن إِذا صحفته يوئس) وَله القصيدة البليغة فِي الرَّد على الزيدية عِنْد سُؤال الْفَقِيه إِبْرَاهِيم الأخفافي لَهُم بمسائل وَلم يحكم السُّؤَال وردهم عَلَيْهِ بالْكلَام وَالنّظم بالسب لَهُ فانتصر لَهُ وَأقَام الْحجَّة عَلَيْهِم بقصيدة أعجزتهم عَن الْجَواب بهَا أظهر من الْحجَج فِيهَا عَلَيْهِم حَتَّى سميت القصيدة المسكتة وَقد سَمَّاهَا بَعضهم الشهب الثواقب الدامغة للفرقة الْقَدَرِيَّة الزائغة وَهِي قريب من ثلاثمئة بَيت وَهِي على قافية الْهَاء وَهِي مَشْهُورَة تداولها الركْبَان فِي الأقطار والبلدان رَحمَه الله تَعَالَى ونفع بِهِ وَمِنْهُم صاحبنا الْفَقِيه المقرىء عفيف الدّين عُثْمَان بن عمر النَّاشِرِيّ وَاسِطَة بَيت معمور بالأئمة الأجلة الَّتِي تطلع سماؤه أهلة بعد أهلة سلمت لَهُم السِّيَادَة والإفادة مشهود لَهُم بِالْعلمِ والزهد وَالْعِبَادَة (قوم لَهُم من كل علم مشرب ... وجلالهم وكمالهم مَشْهُور) (وجمالهم فَوق الورى ولصدرهم ... من فيض علم الْعَالمين صُدُور) كَانَ رَحمَه الله أحد الْأَئِمَّة الْإِفْرَاد والبلغاء الأمجاد متصرفا بالْكلَام بِمَا يَشَاء كَيفَ شَاءَ مُطيعًا لَهُ على البديهة الْإِنْشَاء حسن المحاضرة بليغ الْعبارَة ذَا فطنة وبلاغة

مَشْهُور بالذكاء وجودة الْفَهم والبراعة مَعَ حسن أَخْلَاق جميلَة مَاتَ أَبوهُ وعمره أَربع سِنِين فَكَفَلَهُ عَمه الإِمَام الْعَلامَة ولي الله شهَاب الدّين أَحْمد بن أبي بكر النَّاشِرِيّ مُدَّة يسيرَة ثمَّ لما توفّي عَمه الْمَذْكُور انْتقل إِلَى عَمه الآخر شيخ الْإِسْلَام شمس الدّين عَليّ بن أبي بكر النَّاشِرِيّ فحفظ الْقُرْآن الْعَظِيم ثمَّ جمع للقراء السَّبْعَة عِنْد المقرىء شهَاب الدّين أَحْمد بن مُحَمَّد الْأَشْعَرِيّ قبل بُلُوغ عمره عشْرين سنة وَكَانَ موفقا فِي صغره كَمَا قيل فِي الْمثل عَاشَ طِفْل مَا مربيه أَب قَرَأَ النَّحْو على الشَّيْخ إِسْمَاعِيل بن إِبْرَاهِيم البومة وعَلى الإِمَام الْمَقْدِسِي وَغَيرهمَا وَأخذ الحَدِيث وَالْفِقْه عَن جمَاعَة مِنْهُم عَمه شيخ الْإِسْلَام شمس الدّين عَليّ بن أبي بكر النَّاشِرِيّ الْمُقدم الذّكر وَابْن عَمه شيخ الْإِسْلَام الطّيب بن أَحْمد النَّاشِرِيّ وَمن مشايخه فِي الْقرَاءَات والنحو وَالْفُرُوع والْحَدِيث وَالْأُصُول وَسَائِر الْعُلُوم نَفِيس الدّين الْعلوِي وحافظ الْعَصْر شهَاب الدّين ابْن حجر والشريف الحسيب تَقِيّ الدّين الْمَالِكِي وَالْإِمَام وجيه الدّين البرشكي والفقيه شرف الدّين إِسْمَاعِيل المقرىء والفقيه شرف الدّين الدمتي والفقيه جمال الدّين بن الْخياط والمقرىء شمس الدّين الشرعبي وَغير من ذكرنَا مِنْهُم من قَرَأَ أَو سمع مِنْهُ وأجازوا لَهُ وَقد جمعهم بِخَطِّهِ بِجُزْء لطيف ذكر أَنه وَقفه على أَهله وَعَلِيهِ خطّ جمَاعَة كثيرين من أهل الْعَصْر بِمصْر وَالشَّام والقدس وَغَيرهَا

ثمَّ لما وَفد المقرىء شمس الدّين مُحَمَّد بن مُحَمَّد الْجَزرِي إِلَى الْيمن جمع عَلَيْهِ علم الْقرَاءَات للعشرة وَقَرَأَ وَسمع عَلَيْهِ كتبا كَثِيرَة واجاز لَهُ وَكَاتب لَهُ صَاحب التَّرْجَمَة بزبيد وَقد انْتقل إِلَى تعز ورتبه السُّلْطَان الظَّاهِر مدرسا بمدرسة الظَّاهِرِيَّة والمرشدية فَأَقَامَ بهَا نَحْو عشر سِنِين ثمَّ لما بعد تغير حَال تعز سنة 848 ثَمَان وَأَرْبَعين وثمانمئة وَاتفقَ فِيهَا مَا اتّفق من الْفِتَن انْتقل إِلَى مَدِينَة إب فَتَلقاهُ الشَّيْخ شهَاب الدّين أَحْمد بن اللَّيْث السيري أحسن ملقى وأكرمه وقابله بِمَا يُقَابل مثله واضاف إِلَيْهِ تدريس مدرسته الأَسدِية وَغَيرهَا ورتب لَهُ من النَّفَقَة مَا يقوم بِحَالهِ وَأحسن إِلَيْهِ إحسانا تَاما فَلم تطل مُدَّة إِقَامَته حَتَّى عاجلته الْمنية يَوْم الْأَحَد تَاسِع عشر شهر ذِي الْحجَّة سنة ثَمَان وَأَرْبَعين وثمانمئة غَرِيبا شَهِيدا وَقد كَانَ رَحمَه الله تَعَالَى رزق الْمحبَّة عِنْد أهل الْبَلدة كَافَّة وَظَهَرت لَهُ فَضَائِل ومناقب مِمَّا لَا تكَاد تحصر وَقد جمع تَارِيخا لأَهله سَمَّاهُ الْبُسْتَان الزَّاهِر فِي طَبَقَات عُلَمَاء بني ناشر

افاد فِيهِ وأجاد وَأَبَان عَن معرفَة رائعة وقريحة مطاوعة على فضل مُؤَلفه وجلالة محبره ومصنفه وَله شعر جيد من ذَلِك مَا قَالَه عِنْد انْتِقَاله من زبيد إِلَى تعز (تذكرت فِي نَفسِي فَلم أر زلَّة ... كزلة من بَاعَ التهائم بِالْجَبَلِ) (وَأصْبح عَن ربع الْأَحِبَّة نازحا ... يسائل عَن هَذَا وَعَن ذَاك مَا فعل) وَله أَيْضا (يَقُولُونَ لي ضيعت عمرك فانتبه ... وشمر فقد وافاك شهر محرم) (فَقلت لَهُم مَالِي سوى أَن عادتي ... مَنَامِي على الأجفان فِيهِ محرم) وَله أَيْضا غير ذَلِك من الْأَشْعَار وَقد رُؤِيَ لَهُ مَنَام عَجِيب يدل على فَضله رَحمَه الله ونفع بِهِ

القول في من تحققنا حاله من الفقهاء والعلماء من أهل ذي جبلة ممن اشتهر وظهر فضله وعلمه وصلاحه في المئة التاسعة من الهجرة النبوية

القَوْل فِي من تحققنا حَاله من الْفُقَهَاء وَالْعُلَمَاء من أهل ذِي جبلة مِمَّن اشْتهر وَظهر فَضله وَعلمه وصلاحه فِي المئة التَّاسِعَة من الْهِجْرَة النَّبَوِيَّة فَمنهمْ الإِمَام الْعَلامَة رَضِي الدّين أَبُو بكر بن مُحَمَّد بن صَالح بن أبي بكر بن عمر الْهَمدَانِي الْمَشْهُور بِابْن الْخياط كَانَ إِمَامًا فَاضلا عَالما قَرَأَ على الْأَئِمَّة من أهل وقته مِنْهُم الإِمَام خطيب الخطباء مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن بن الرخا الَّذِي انْتَهَت إِلَيْهِ الرِّئَاسَة فِي التدريس وَالْفَتْوَى بِمَدِينَة ذِي جبلة ونواحيها ثمَّ على أقضى الْقُضَاة سيد الوزراء وجيه الدّين عبد الرَّحْمَن بن عَبَّاس وعَلى الإِمَام جمال الدّين الريمي فَكَانَ أشهر تلامذته واثنى عَلَيْهِ الإِمَام جمال الدّين بجودة فهمه ودقة نظره حَتَّى جعله معيد درسة بِمَدِينَة تعز وَقد أجَاز لَهُ هَؤُلَاءِ وَغَيرهم فِي سَائِر فنون الْعلم فدرس وافتى وأضيف إِلَيْهِ أَسبَاب مَدِينَة ذِي جبلة وَبَعض الْأَسْبَاب بِمَدِينَة تعز وانتفع بِهِ الطّلبَة فِي البلدين وَكَانَ لَهُ اعتراضات وتصويبات على كَلَام الْأَئِمَّة لمن قبله من أهل الْمَذْهَب وَجعل عَلامَة كَلَامه على ذَلِك هَاء مشقوقة باصطلاح درسته وَجمع فصلا فِي معرفَة مَا يحل أكله من الطُّيُور وَمَا لَا يحل قبل دُخُول كتاب حَيَاة

الْحَيَوَان إِلَى الْيمن وامتحن الإِمَام رَضِي الدّين بِولَايَة الْقُضَاة فِي مَدِينَة تعز فباشر ذَلِك بعفاف وَكَانَت إِقَامَته فِي الْمدرسَة المعتبية والمدرسة المجاهدية ثمَّ اعتذر عَن ولَايَته الْقَضَاء إِلَى السُّلْطَان فَلم يعذرهُ فاجتهد بِإِقَامَة ناموس الْحق وَالْحكم على الأكابر فضلا عَن الأصاغر وَحكي عَنهُ فِي ولَايَته الْقَضَاء أُمُور تدل على فَضله وَأَنه لَا تَأْخُذهُ فِي ذَلِك لومة لائم وَقد ذكرت بعض تَفْصِيل ذَلِك فِي الأَصْل مِمَّا اتّفق فِي ولَايَته للْقَضَاء وَمَا كَانَ قبل ذَلِك مِمَّا اشْتهر بِهِ فِي الْمَسْأَلَة الَّتِي ذكرهَا الْعلمَاء فِي أَن الرجل إِذا أعتق مملوكته وَمَات فَهَل يحْتَاج إِلَى إِذن جَمِيع وَرَثَة الْمُعْتق فِي تَزْوِيجهَا أم يَكْفِي أذنها لبَعْضهِم ويزوجها من غير إِذن سَائِر الْوَرَثَة من الْعصبَة فَأتى بِالنَّصِّ فِي الْمَسْأَلَة من الْحَاوِي الصَّغِير حَيْثُ قَالَ وكل من عصبَة كل كَهُوَ فِي النِّكَاح ثمَّ إِن الْفَقِيه رَضِي الدّين اعتذر عَن ولَايَة الْقَضَاء فَقَالَ لَهُ السُّلْطَان فعين من يصلح لذَلِك فعين الْفَقِيه عفيف الدّين عبد الله بن مُحَمَّد النَّاشِرِيّ وَكَانَ قَاضِيا فِي المهجم فَأرْسل لَهُ السُّلْطَان فولاه على مَدِينَة تعز وانفصل الإِمَام رَضِي الدّين عَن

ذَلِك فتفرغ للتدريس وَالْفَتْوَى وَمن فَوَائده جَوَابه على السُّؤَال عَن مَذْهَب ابْن عَرَبِيّ وَمن انتحل مذْهبه وَقد ذكرت السُّؤَال والجوابات عَلَيْهِ من السَّادة الْعلمَاء فِي الأَصْل مِمَّا لَا يحْتَملهُ هَذَا الْمُخْتَصر وَهُوَ قريب خمس وَرَقَات فَمن أحب ذَلِك فلينظره مِنْهُ مَعَ زِيَادَة فَوَائِد وفضائل تدل على غزارة علم هَذَا الإِمَام وَتُوفِّي رَحمَه الله تَعَالَى سنة إِحْدَى وثمانمئة بِذِي جبلة رَحمَه الله وَقد مدحه الشُّعَرَاء من ذَلِك قَول بَعضهم من قصيدة طَوِيلَة (أظهرت دين الله بعد خموله ... بعد النَّبِي فَقَامَتْ الْأَدْيَان) (مَا زلت للعلياء تكسبها وَمن ... يسْعَى لكسب الْعلم فَهُوَ معَان) (ونشرت علما جلّ عَن إحصائه ... بل ضَاقَ عَن أتقانه الْبلدَانِ) ورثاه هُوَ وَأَصْحَابه الَّذين توفوا بذلك الْوَقْت من الْفُقَهَاء الْفَقِيه موفق الدّين عَليّ بن مُحَمَّد الأصبحي فَقَالَ من قصيدة طَوِيلَة مِنْهَا (أوغرت يَا زمني صَدْرِي بأَرْبعَة ... كَانُوا شموس الْهدى فِي ساحة الْيمن) (أطفأت فِي جبلة مِصْبَاح ظلمتها ... وَبدر لَيْلَتهَا الْهَادِي إِلَى السّنَن) (قد كَانَ شمسا بهَا تهدى إِلَى سنَن ... وَكَانَ حصنا بِهِ نأوي من الْفِتَن) (وَكَانَ فِي إب كل الْخَيْر مجتمعا ... بالكاهلي عفيف الدّين ذِي المنن) (وَفِي شنين إِمَامًا كَانَ مُجْتَهدا ... من حل ساحته الفيحاء لم يهن) (وَفِي تعز العوادي رَابِعا لَهُم ... سَاد الورى بالتقى مَعَ حكمه الْحسن)

(يَا مزنة الجو سحي فَوق أَرْبَعَة ... إِن الْأَخير يهم بالفقه كالمزن) وَمن المتوفين فِي ذِي جبلة القَاضِي الْعَلامَة عماد الدّين إِدْرِيس مُحَمَّد بن سعيد بن يُوسُف بن أَحْمد بن عمر بن أسعد بن الْهَيْثَم الوائلي من قَبيلَة بني وائلة سكان وحاضة وجده الْمَنْسُوب إِلَيْهِ الْهَيْثَم هُوَ الْمَذْكُور فِي طَبَقَات ابْن سَمُرَة أَنه شيخ زيد الفايشي المقبور بالجعامي وَهَؤُلَاء بَنو وَائِل بطن من حمير أَخْبرنِي بعض ذُرِّيَّة هَذَا الْفَقِيه أَن مولده فِي صنعاء الْيمن وَأَن هَذَا القَاضِي ارتحل إِلَى

مَكَّة المشرفة وَقد كَانَ قَرَأَ فِي الْعلم بِالْيمن فَلَمَّا وصل مَكَّة قَرَأَ على الإِمَام الطَّبَرِيّ وعَلى غَيره من فُقَهَاء مَكَّة فأجازوا لَهُ ثمَّ عَاد إِلَى الْيمن بِزَمن الْأَفْضَل بن الْمُجَاهِد فأضاف إِلَيْهِ خانقة حيس وَغَيرهَا فَأَقَامَ هُنَالك ثمَّ تولى الْقَضَاء بعدن فَدخل إِلَيْهَا فَجَاءَهُ بعض التُّجَّار بهدية فَلم يقبلهَا وعزل نَفسه من الْقَضَاء من عدن ثمَّ انْتقل إِلَى مَدِينَة ذِي جبلة فصلى الظّهْر فِي جَامعهَا فَسمع صَوتا يقْرَأ {يَا دَاوُد إِنَّا جعلناك خَليفَة فِي الأَرْض} الاية ثمَّ بعد وُصُوله ذِي جبلة كتب لَهُ السُّلْطَان بِولَايَة ذِي جبلة فَقَرَأَ مَا كتب لَهُ من الْولَايَة فِي ذِي جبلة فَحكم بهَا سبع سِنِين ثمَّ توفّي بهَا سنة أَربع وَسبعين وسبعمئة رَحمَه الله ونفع بِهِ آمين وَمِنْهُم وَلَده مُحَمَّد بن إِدْرِيس الوائلي تولى الْقَضَاء فِي ذِي جبلة فَسَار فيهم سيرة حَسَنَة مرضية واشتهر بِالْعلمِ وَالْعَمَل وَإِقَامَة الْحق وَالْعَمَل بِهِ إِلَى أَن توفّي بِأول المئة الثَّامِنَة رَحمَه الله تَعَالَى وَمِنْهُم المقرىء الصَّالح صفي الدّين أَحْمد بن الْفَقِيه الصَّالح شمس الدّين على الدبية كَانَ مقرئا صَالحا فَاضلا مكرما قَرَأَ على المقرىء ابْن شَدَّاد بِمَدِينَة زبيد ورتب إِمَامًا بِمَسْجِد السّنة انْتفع بِهِ جمَاعَة بِعلم الْقُرْآن وَتُوفِّي على رَأس المئة الثَّامِنَة وَمِنْهُم الإِمَام الْعَلامَة رَضِي الدّين أَبُو بكر بن مُحَمَّد بن عمرَان الْمَعْرُوف بالكابة قَرَأَ بِمَدِينَة ذِي جبلة فِي النَّحْو والْحَدِيث والقراءات السَّبع وَالتَّفْسِير على جمَاعَة من فقهائها وعَلى الإِمَام الفرضي يُوسُف الماربي بالفرائض وعَلى الإِمَام مُحَمَّد بن عبد الله بن سليم مُصَنف شرح الْهِنْدِيّ ثمَّ تولى التدريس بِالْمَدْرَسَةِ الفتحية بعد

موت شَيْخه المأربي وَأفْتى وَكَانَ إِمَامًا جَلِيلًا عَالما وَله قريحة حَسَنَة وَشعر جيد وَكَانَ يؤلف الْخَتْم وَالشعر المسجوع وَتُوفِّي بآخر المئة الثَّامِنَة رَحمَه الله تَعَالَى ونفع بِهِ وَمِنْهُم القَاضِي عفيف الدّين عبد الله بن مُحَمَّد حمادة قَرَأَ على الإِمَام رَضِي الدّين الْخياط وَأَجَازَ لَهُ فَكَانَ فَقِيها عَاملا عَالما تولى الْقَضَاء بِذِي جبلة بِأول المئة التَّاسِعَة رَحمَه الله ونفع بِهِ وَمِنْهُم أَخُوهُ الْفَقِيه صفي الدّين أَحْمد بن مُحَمَّد بن حمادة قَرَأَ على الإِمَام الْفَقِيه رَضِي الدّين بن الْخياط وَأَجَازَ لَهُ وأضيف إِلَيْهِ التدريس فِي مَسْجِد السّنة فدرس وَأفْتى وَتُوفِّي بِأول المئة التَّاسِعَة رَحمَه الله تَعَالَى وَمِنْهُم الإِمَام الصَّالح الْوَلِيّ شمس الدّين عَليّ بن مُحَمَّد بن زُهَيْر الْهَمدَانِي نسبا العتمي بَلَدا كَانَ إِمَامًا فَاضلا عَالما اشْتهر بِالْعبَادَة والزهادة ورتب إِمَامًا بِجَامِع ذِي جبلة وَتُوفِّي بآخر المئة الثَّامِنَة رَحمَه الله تَعَالَى ونفع بِهِ وَمِنْهُم المقرىء الإِمَام الْعَلامَة فِي الطِّبّ عَليّ بن عمر بن سلم الْخَولَانِيّ كَانَ رجلا فَاضلا ذَا مَال جزيل أنْفق مِنْهُ على مَا أَخْبرنِي الْفَقِيه جمال الدّين الظراسي صَدَقَة من جِهَات مُتعَدِّدَة وَذَلِكَ مِمَّا أخبرهُ بِهِ المقرىء الْمَذْكُور ثَمَانِينَ ألف دِينَار وَتُوفِّي سنة سِتِّينَ وسبعمئة رَحمَه الله ونفع بِهِ وَمِنْهُم ابْن أَخِيه الإِمَام الْعَلامَة جمال الدّين مُحَمَّد بن عبد الله بن سلم قَرَأَ فِي الْفَرَائِض على الإِمَام شمس الدّين يُوسُف المأربي وعَلى الإِمَام الفرضي عَليّ بن عمر بن سعيد العقيبي وَكَانَ أجل من اشْتهر بِالْعلمِ فِي وقتهما فدرس وافتى بِمَسْجِد الدَّار

والفتحية وصنف شرحا للهندي أسماه طوالع السَّعْدِيّ فِي شرح الْهِنْدِيّ وَله مُصَنف أَيْضا فِي ضوابط الْحساب وَتُوفِّي سنة خمس وثمانمئة رَحمَه الله ونفع بِهِ وَمِنْهُم الْفَقِيه الْعَلامَة موفق الدّين عَليّ بن حُسَيْن بن شَمْعُون كَانَ إِمَامًا محققا فِي علم النَّحْو وَقَرَأَ الْفِقْه على الإِمَام رَضِي الدّين بن الْخياط ثمَّ على الْفَقِيه رَضِي الدّين بن الكابة وزوجه ابْنَته ودرس فِي مَسْجِد السّنة وَبِه تخرج الإِمَام جمال الدّين الْأَكْبَر ابْن الْخياط توفّي بِأول المئة التَّاسِعَة وَمِنْهُم الْفَقِيه الْعَالم العابد الصَّالح شرف الدّين إِسْمَاعِيل بن مُحَمَّد غشيم أصل بَلَده قَرْيَة رديع من بلد صهْبَان ثمَّ انْتقل إِلَى مَدِينَة ذِي جبلة فَقَرَأَ بالفقه على الإِمَام رَضِي الدّين بن الْخياط وعَلى الْفَقِيه رَضِي الدّين من الكآبة وَكَانَ كثير الصّيام وَالْقِيَام آمرا بِالْمَعْرُوفِ ناهيا عَن الْمُنكر لَا تَأْخُذهُ فِي الله لومة لائم توفّي وَمن بني كحيل جمَاعَة ذكرهم الجندي فِي تَارِيخه وَأثْنى عَلَيْهِم وَمن ذُرِّيتهمْ الشَّيْخ عماد الدّين يحيى بن مُحَمَّد عُثْمَان بن كحيل كَانَ ذَا فضل وَصدقَة جزيلة للأرامل وَغَيرهم سرا وجهرا وَلم أتحقق تَارِيخ وَفَاته وَمن المتوفين بِذِي جبلة الْحَاج الصَّالح شرف الدّين إِسْحَاق بن عبد الله السندي وَفد من السَّنَد إِلَى الْيمن فَاسْتحْسن الْمقَام بِذِي جبلة وَكَانَ يعْتَكف بالجامع وَغَيره من الْمَسَاجِد ويصوم النَّهَار وَيقوم اللَّيْل وَكثير الصمت عَن الْكَلَام وَظَهَرت لَهُ

كرامات وازدحم النَّاس على حمل جنَازَته وقبر بمحنطان فقبره يزار ويتبرك بِهِ وَكَانَت وَفَاته سنة ثَلَاثِينَ وثمانمئة رَحمَه الله ونفع بِهِ آمين وَمن أهل ذِي جبلة الْفَقِيه الْعَلامَة الصَّالح عفيف الدّين عَطِيَّة بن عبد الرَّزَّاق بن عَليّ النجدي كَانَ عَالما عَاملا عَارِفًا متواضعا زاهدا ذَا سكينَة ووقار قَرَأَ على جمَاعَة من الْعلمَاء مِنْهُم الإِمَام رَضِي الدّين بن الْخياط وعَلى الْفَقِيه الصَّالح يُوسُف بن الْمُنْتَشِر الوصابي الشهابي وَالْإِمَام الْعَلامَة شهَاب الدّين أَحْمد بن مُحَمَّد بن سعيد بن حمادة وَأخذ الحَدِيث عَن شيخ الْمُحدثين سُلَيْمَان بن إِبْرَاهِيم الْعلوِي وسافر إِلَى الْحَج فَقَرَأَ فِي مَكَّة المشرفة على الإِمَام مُحَمَّد بن مُوسَى المراكشي وَابْن ظهيرة وَأخذ النَّحْو وَالْأُصُول عَن الإِمَام صَالح بن الْحصار واللغة عَن الْأَمِير الْكَبِير إِسْمَاعِيل بن مُحَمَّد بن حسن الغساني وَأَجَازَ لَهُ هَؤُلَاءِ الْأَئِمَّة واثنوا عَلَيْهِ ثمَّ تحكم على يَد الشَّيْخ محيي الدّين عمر بن مُحَمَّد العرابي بِمَكَّة المشرفة ونصبه وَأثْنى عَلَيْهِ وَألبسهُ الْخِرْقَة على عَادَة الصُّوفِيَّة ثمَّ لما تصدر للتدريس وَالْفَتْوَى والخطابة والإمامة بِجَامِع ذِي جبلة قَصده الطّلبَة للْعلم فدرسهم وانتفع بِهِ كل من وصل إِلَيْهِ فدام على ذَلِك يدرس ويفتي مُدَّة طَوِيلَة إِلَى أَن توفّي بِشَهْر ربيع الأول سنة ثَمَان وَثَمَانِينَ وثمانمئة رَحمَه الله ونفع بِهِ وَظَهَرت لَهُ كرامات قبل وَفَاته وَبعدهَا ذكرت بَعْضهَا فِي الأَصْل ورثاه الْوَزير تَقِيّ الدّين عمر بن أبي الْقَاسِم بن معيبد فَقَالَ من قصيدة أَولهَا (مَا هَذِه الدُّنْيَا بدار قَرَار ... سحقا لَهَا بعدا لَهَا من دَار) (أوما رَأَيْت يَد الْمنون وبطشها ... تفني الْقُرُون بسيفها البتار) (مثل الإِمَام ابْن الْكِرَام عَطِيَّة ... السَّيِّد الْمَشْهُور بالأقطار) وَمِنْهُم ابْن عَمه الْفَقِيه شهَاب الدّين أَحْمد بن أبي بكر النجدي كَانَ إِمَامًا فِي

علم الْفَرَائِض والجبر والمقابلة قَرَأَ على جمَاعَة من مَدِينَة ذِي جبلة ثمَّ نزل تهَامَة فَقَرَأَ على جمَاعَة من بني الْحداد فِي علم الْجَبْر والمقابلة فأجازوا لَهُ وَأفْتى ودرس بِعلم الْفَرَائِض والحساب والجبر والمقابلة وَكَانَ من أجل الْعلمَاء بِهَذَا الشَّأْن وَتخرج بِهِ جمَاعَة بِهَذَا الْفَنّ فانتفعوا بِهِ وَأَجَازَ لَهُم وَكَانَت الدُّنْيَا منزوية عَنهُ زِيَادَة فِي فَضله وَكَانَ يسْتَأْجر للْقِرَاءَة على الْقُبُور فتورع عَن ذَلِك وَترك الِالْتِزَام بذلك عِنْد الْقُبُور لقصة جرت عَلَيْهِ فِي ذَلِك قد ذكرتها فِي الأَصْل توفّي رَحمَه الله تَعَالَى بعد سنة ثَلَاثِينَ وثمانمئة وقبر بمحنطان وَمِنْهُم القَاضِي الْأَجَل الْعَلامَة جمال الدّين مُحَمَّد بن عمر الْجريرِي تفقه بِالْإِمَامِ رَضِي الدّين بن الْخياط وَالْإِمَام مجد الدّين الشِّيرَازِيّ فَأجَاز لَهُ هَؤُلَاءِ وَغَيرهم وَحصل كتبا كَثِيرَة ضَبطهَا أحسن ضبط ودرس وَأفْتى وَتَوَلَّى الْقَضَاء بِذِي جبلة فَسَار بهم سيرة مرضية فَكَانَ شَدِيدا من غير عنف لينًا من غير ضعف وآخذا للحق من الأكابر للأصاغر وجدد مَا تشعث ببيوت الْعِبَادَات وَكَانَت لَهُ مكانة عَظِيمَة عمد إِلَى السُّلْطَان النَّاصِر وتصدى لبَعض أُمُوره واستناب بِالْقضَاءِ فِي ذِي جبلة القَاضِي جمال الدّين مُحَمَّد الْأَوْسَط ابْن الْخياط وَلم يزل القَاضِي جمال الدّين مُحَمَّد بن عمر الحريري معززا مكرما مسموع القَوْل مُطَاع الْكَلِمَة آمرا بِالْمَعْرُوفِ ناهيا عَن الْمُنكر حَتَّى توفّي السُّلْطَان النَّاصِر واستقام السُّلْطَان الْمَنْصُور فَعَزله عَن ولَايَة الْقَضَاء بقول بعض الوشاة عَلَيْهِ عِنْد السُّلْطَان الْمَنْصُور من معانديه ثمَّ أَمر بِأخذ مَاله فهسفه وَقَيده وضربه وحبسه فَلَمَّا أطلق انْتقل بأولاده

إِلَى مَدِينَة تعز فَوقف بهَا يدرس ويفتي حَتَّى توفّي الْمَنْصُور واستقام بِالْملكِ السُّلْطَان الْأَشْرَف بن النَّاصِر فَأمر السُّلْطَان القَاضِي جمال الدّين الْجريرِي بوظيفة الْقَضَاء بثغر عدن فَحكم بِالْحَقِّ لَا تَأْخُذهُ فِي الله لومة لائم وَكَانَ ورعا يسْلك من الْوَرع طَرِيقا حَسَنَة حَمده عَلَيْهَا كل أحد ثمَّ انْفَصل عَن ولَايَة الْقَضَاء بثغر عدن بَعْدَمَا عمر فِيهَا مَا تشعت من بيُوت الله تَعَالَى وانتقل إِلَى مَدِينَة تعز حَتَّى استقام السُّلْطَان المسعود وأقامه بِولَايَة الْقَضَاء أَيْضا بِمَدِينَة تعز فَسَار فيهم سيرة حَسَنَة مرضية وَكَانَ مَعَه شَيْء من الْكتب أرسل بهَا إِلَى الْهِنْد عِنْدَمَا صَار فَقِيرا فبيعت لَهُ بِثَلَاثَة آلَاف فاستغنى بهَا عَن كل وَاحِد ودامت لَهُ ولَايَة الْقَضَاء فِي ذِي عدينة إِلَى أَن قربت وَفَاته فطلع من تعز إِلَى ذِي جبلة لشَيْء أوجب ذَلِك فعاجلته الْمنية هُنَالك فَتوفي سنة خمسين وثمانمئة رَحمَه الله ونفع بِهِ وَحكي أَنه لم يتْرك الصَّلَاة قَائِما فِي مرض مَوته إِلَى أَن توفّي عقب صَلَاة الْعشَاء وَهُوَ على وضوء وَلم يفتر لِسَانه عَن ذكر الله تَعَالَى حَتَّى توفّي واشتهر لَهُ ولدان أَحدهمَا يُسمى مُحَمَّد ظَهرت فِيهِ النجابة فَتوفي طَالبا للْعلم وَالثَّانِي يُسمى أَحْمد امتحن فِي خلل فِي عقله فِي حَيَاة أَبِيه وَبعد مَوته وَكَانَ لَهُ صلابة على قيام اللَّيْل ودأبه ذكر الله تَعَالَى وَالصَّالِحِينَ وزيارتهم وَتُوفِّي سَاجِدا رَحمَه الله ونفع بِهِ وَمن المتوفين بِذِي جبلة الْحَاج الصَّالح حَمْزَة الْحرَازِي انْتقل من بَلَده حراز إِلَى مخلاف جَعْفَر فَكَانَ يحفظ كتاب الله حفظا محكما ويقرأه بِصَوْت حسن ثمَّ حدث

عَلَيْهِ خلل فِي عقله فَكَانَ يتَكَلَّم ويخبر عَن أَشْيَاء كَثِيرَة من المغيبات تدل على أَنه من الْمُحدثين وَتشهد لَهُ كرامات كَثِيرَة من ذَلِك أَن شيخ بعدان وَهُوَ عبد النَّبِي بن مُحَمَّد السيري نزل فِي حَال ولَايَته من حصن حب إِلَى مَدِينَة إب بعساكر كَثِيرَة وأهبة عَظِيمَة من آلَة الْحَرْب وَفَرح أهل الْبَلَد بِدُخُولِهِ فَقَالَ الْفَقِيه حَمْزَة الْيَوْم فَرح وبكرة ترح وَجعل يُكَرر هَذِه اللَّفْظَة وَلم يعرف أَكثر النَّاس معنى ذَلِك فَكَانَ تِلْكَ اللَّيْلَة خَالف عَلَيْهِ صنوه الشَّيْخ الْجلَال بن مُحَمَّد السيري فِي حصن حب فاستقام بِالْولَايَةِ وَخرج الشَّيْخ عبد النَّبِي عَن الْولَايَة فَعرف النَّاس معنى كَلَام الْفَقِيه حَمْزَة وعدوا ذَلِك من كراماته واعتقد فِيهِ النَّاس الْخَيْر اعتقادا جَازِمًا وَتُوفِّي سنة إِحْدَى وَعشْرين وثمانمئة وقبر بمحنطان وَحمل جنَازَته فُقَهَاء الْبَلَد وصلحاؤها تبركا بِهِ رَحمَه الله تَعَالَى ونفع بِهِ وَمن أهل ذِي جبلة الإِمَام الْعَلامَة جمال الدّين مُحَمَّد بن أبي الْقَاسِم الضراسي محققا مدققا لجَمِيع أَنْوَاع علم الْفَرَائِض والحساب والجبر والمقابلة والأقدار المتناسبة والخطائن وعالما بفن الطِّبّ والتشريح وَغير ذَلِك وَكَانَ مشاركا فِي الْفِقْه والنحو والْحَدِيث فَمن مشايخه فِي علم الْفَرَائِض الإِمَام جمال الدّين مُحَمَّد بن عبد الله بن سلم مُصَنف شرح الْهِنْدِيّ وَفِي الطِّبّ الْأَمِير صارم الدّين دَاوُد بن قايماز والأمير بدر الدّين حسن بن صَلَاح الدّين الغساني وَمن شُيُوخه فِي الْفِقْه الإِمَام رَضِي الدّين بن الْخياط وَغَيره وَأَجَازَ لَهُ نَفِيس الدّين سُلَيْمَان الْعلوِي وَالشَّيْخ مجد الدّين الشِّيرَازِيّ فِي علم الحَدِيث ثمَّ غلب عَلَيْهِ معرفَة علم الْفَرَائِض وَمَا إِلَيْهِ وَعلم الطِّبّ واشتهر بذلك وقصده من كل مدرس بِعلم الْفَرَائِض والطب من قطره من درسته أَو

درسة درسته وسلمت لَهُ الرياسة بِهَذَيْنِ الفنين وَأَنه فيهمَا لَا يجارى وَلَا يمارى وَمد الله لَهُ فِي عمره وَبَارك فِيهِ حَتَّى ألحق الأحفاد بالأجداد وانتفع بِهِ الشُّيُوخ وَالْأَوْلَاد ودرس بِهَذَيْنِ الفنين زِيَادَة عَن سِتِّينَ سنة باذلا نَفسه للطلبة وَحفظ الله عَلَيْهِ سَمعه وبصره مَعَ الطعْن بِالسِّنِّ والضعف من أجل حلقته وَله قَوَاعِد وضوابط قررها للمستفيدين يعظم قدرهَا ويجل نَفعهَا وَله الْيَد الطُّولى فِي حل المشكلات وإيضاح الغامضات وَله شعر وأحاجي تشهد لَهُ بالبلاغة وتوضح أَنه مطبوع على البراعة من ذَلِك مَا ألغزه بِشعرِهِ يمْتَحن بِهِ بعض الطّلبَة فِي اسْم سُلَيْمَان وَقد ذكرته فِي الأَصْل مَعَ زِيَادَة مسَائِل وفوائد وأشعار لَا يحتملها هَذَا الْمُخْتَصر وَقد أثنى عَلَيْهِ الإِمَام رَضِي الدّين بن الْخياط ومدحه بقصيدة أَولهَا (بِسَمَاع ذكرك كل قلب يطرب ... وبمثل مدحك كل مدح يعذب) وَهِي طَوِيلَة ذكرتها فِي الأَصْل مَعَ مَا قيل فِيهِ بعد مَوته من المراثي للفقيه بدر الدّين حسن بن عبد الرَّحْمَن الصباحي وَغَيرهَا توفّي هَذَا الإِمَام جمال الدّين بِشَهْر جُمَادَى الْآخِرَة سنة سِتّ وثمانمئة وقبر بمحنطان رَحمَه الله ونفع بِهِ وَمِنْهُم القَاضِي جمال الدّين مُحَمَّد الْأَوْسَط بن الإِمَام رَضِي الدّين ابْن الْخياط الْمُقدم الذّكر كَانَ إِمَامًا عَالما فَاضلا قَرَأَ على أَخِيه جمال الدّين الْأَكْبَر وَأَجَازَ لَهُ الإِمَام الحريري وَقَرَأَ فِي الْفِقْه على الإِمَام الْفَقِيه عفيف الدّين عَطِيَّة بن عبد الرَّزَّاق وبالفرائض على الإِمَام جمال الدّين الضراسي وَأَجَازَ لَهُ هَؤُلَاءِ واستنابه القَاضِي جمال الدّين الحريري بِالْقضَاءِ فِي مَدِينَة ذِي جبلة ثمَّ اسْتَقل بِهِ مُدَّة ثمَّ انْفَصل عَنهُ ثمَّ أُعِيد إِلَيْهِ وانتقل إِلَى مَدِينَة إب فأضيف إِلَيْهِ من الْأَسْبَاب بهَا مَا يَلِيق بِحَالهِ ثمَّ رَجَعَ إِلَى ذِي جبلة وَتَوَلَّى الْقَضَاء بهَا إِلَى أَن توفّي سنة ثَلَاث وَسِتِّينَ وثمانمئة ورثاه ابْن أَخِيه

الْفَقِيه رَضِي الدّين أَبُو بكر بن مُحَمَّد بن أبي بكر الْخياط فَهُوَ بَقِيَّة من ذكر من السَّادة بني الْخياط فَقَالَ قصيدة طَوِيلَة أَولهَا (قفوا وانظروا موج الْبحار الزواخر ... أَتَى بعجاب من نَفِيس الْجَوَاهِر) وَقد أثنى الْفَقِيه رَضِي الدّين حسن بن عبد الرَّحْمَن الصباحي على هَذَا الْفَقِيه رَضِي الدّين ومدحه بفصاحته وجودة شعره فَقَالَ من قصيدة طَوِيلَة ذكرتها فِي الأَصْل (لله دَرك يَا أَبَا بكر الرِّضَا ... من ناظم أَحْيَا فصاحة من مضى) وَهَذَا الْفَقِيه رَضِي الدّين بَاقٍ حَال جمع هَذَا الْمَجْمُوع معززا مكرما مَعَ مادحه الْفَقِيه بدر الدّين حسن بن عبد الرَّحْمَن الصباحي وسنذكره مَعَ الْفُضَلَاء من أهل مَدِينَة تعز ثمَّ توفّي الْفَقِيه رَضِي الدّين سنة إِحْدَى وَسبعين وثمانمئة وقبر فِي جبلة عِنْد أهاليه رَحِمهم الله تَعَالَى ونفع بِهِ آمين وَمن أهل عرشان القَاضِي الْعَلامَة صفي الدّين أَحْمد بن عبد الله العرشاني كَانَ من أكَابِر الْعلمَاء العاملين وَالْفُقَهَاء المبرزين درس وَأفْتى وَتَوَلَّى الْقَضَاء هُنَالك وَلم أتحقق تَارِيخ وَفَاته وَمِنْهُم وَلَده القَاضِي الْعَلامَة شمس الدّين قَرَأَ على وَالِده فِي الْفِقْه وعَلى الإِمَام رَضِي الدّين بن الْخياط وعَلى غَيرهمَا فأجازوا لَهُ فَكَانَ يدرس ويفتي بعرشان وهما من ذُرِّيَّة الْحَافِظ العرشاني الَّذِي ذكره المؤرخون توفّي هَذَا القَاضِي بعد سنة ثمانمئة رَحمَه الله تَعَالَى ونفع بِهِ آمين

وَمن الضهابي المقرىء الصَّالح شمس الدّين عَليّ بن دَاوُد الأخضري قَرَأَ بالقرآات على المقرىء الصَّالح بدر الدّين سعيد السورقي فَأجَاز لَهُ وَكَانَ صَالحا عابدا زاهدا توفّي سنة تسع وَثَلَاثِينَ وثمانمئة وقبر بالضهابي رَحمَه الله ونفع بِهِ آمين وَمن السرايم الْفَقِيه جمال الدّين مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل قَرَأَ على الْفَقِيه الإِمَام رَضِي الدّين بن الْخياط وعَلى الْفُقَهَاء من بني الرخَاء فأجازوا لَهُ فَأفْتى ودرس توفّي بالصهباني بعد سنة ثَمَانِينَ وثمانمئة وَمن الظهرة الرِّبَاط الْمَشْهُور لبني البغش بمعشار أكمة العتر بعزلة الثوابي الشَّيْخ الصَّالح عفيف الدّين عبد الله بن سُلَيْمَان بن البغش كَانَ عابدا زاهدا برا بِوَالِديهِ فَكَانَا يدعوان لَهُ فَاسْتَجَاب الله دعاءهما وَفتح عَلَيْهِ بكرامات كَثِيرَة واعتقده كَافَّة أهل الْبَلَد وانقادوا لَهُ وَعمر مَسْجِدا بالقرية الَّتِي يسكنهَا وَكَانَت وَفَاته بآخر المئة الثَّامِنَة رَحمَه الله تَعَالَى ونفع بِهِ ثمَّ خَلفه بمنصبه وَلَده الشَّيْخ جمال الدّين فَكَانَ كثير الْإِحْسَان إِلَى الْوَافِد ومطاعا فِي بَلَده وَمن كَانَ فِي نواحي بَلَده من الْقَبَائِل هُنَالك وَفتحت لَهُ الدُّنْيَا وَعمر زِيَادَة فِي مَسْجِد وَالِده الَّذِي يسمونه الْجَامِع وَأَعْمر الحجرات وَالْبركَة فِيهِ وَكَانَ معاصرا للشَّيْخ عفيف الدّين عبد الله بن يحيى الشعراني وتواخيا فِي الله كل وَاحِد مِنْهُمَا يثني على صَاحبه بِالْخَيرِ وَالصَّلَاح توفّي سنة سبع عشرَة وثمانمئة رَحمَه الله تَعَالَى وَمن أهل الْعقر الْمَكَان الْمَعْرُوف بمعشار حصن التعكر

السَّادة الْعلمَاء بني أبي الرخَاء أهل بَيت علم وَقد ذكر الجندي مِنْهُم جمَاعَة وسَاق نسبهم إِلَى حمير وَأَنا أذكر مِنْهُم من علمت عَلَيْهِ فَمنهمْ الإِمَام جمال الدّين مُحَمَّد بن يحيى بن أبي الرخَاء قَرَأَ على وَالِده وعَلى الإِمَام جمال الدّين مُحَمَّد بن سَالم بن عَليّ الغيثي وعَلى غَيره فأجازوا لَهُ فدرس وَأفْتى ونجب لَهُ ولدان أَحدهمَا الإِمَام الْعَلامَة بدر الدّين حسن كَانَ محققا ومفتيا ومدرسا بالفقه قَرَأَ على وَالِده وعَلى جمَاعَة وَالثَّانِي هُوَ الإِمَام الْعَلامَة الْمُحَقق الْحجَّة رَضِي الدّين أَبُو بكر كَانَ من الْعلمَاء الصَّالِحين الزاهدين وانتهت إِلَيْهِ الرِّئَاسَة بِبَلَدِهِ فِي التدريس وَالْفَتْوَى وَلم أتحقق تَارِيخ هَؤُلَاءِ الثَّلَاثَة وَمِنْهُم الإِمَام الْعَلامَة رَضِي الدّين أَبُو بكر إِسْمَاعِيل بن يحيى كَانَ عَالما عَاملا عُمْدَة للقاصدين وَظَهَرت لَهُ كرامات توفّي سنة تسعين وسبعمئة نفع الله تَعَالَى بِهِ وَمِنْهُم ولد أَخِيه الإِمَام الْعَلامَة الْمُفْتِي جمال الدّين أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن بن مُحَمَّد بن يحيى تفقه بِعَمِّهِ الْمُقدم الذّكر وَبِغَيْرِهِ وانتهت إِلَيْهِ الرِّئَاسَة فِي التدريس بِذِي جبلة ونواحيها وفضائله جمة تخرج بِالْإِمَامِ رَضِي الدّين ابْن الْخياط قبل قِرَاءَته على الإِمَام الريمي والوزير ابْن عَيَّاش وَكَانَ خَطِيبًا مصقعا سَمَّاهُ الإِمَام جمال الدّين بن الْخياط خطيب الخطباء توفّي بالظهابي سنة إِحْدَى وَثَمَانِينَ وقبره هُنَالك وَمِنْهُم القَاضِي الْعَلامَة أَبُو المكارم رَضِي الدّين أَبُو بكر بن عمر بن عُثْمَان بن

صَالح بن مُحَمَّد بن يحيى بن أبي الرخَاء كَانَ إِمَامًا محققا قَرَأَ على شُيُوخ وقته وَأفْتى ودرس وَتَوَلَّى الْقَضَاء بمعشار التعكر وَكَانَ دأبه الْإِصْلَاح بَين المتحاكمين وَلم يكْتب ثبوتا لأحد توفّي بالعقر سنة اثْنَتَيْنِ وَتِسْعين وسبعمئة وَمِنْهُم القَاضِي وجيه الدّين عبد الرَّحْمَن بن أبي بكر هُوَ من بني أبي الرخَاء قَرَأَ على جمَاعَة من فُقَهَاء وقته وأجازوا لَهُ فدرس وَأفْتى وَتَوَلَّى الْقَضَاء هُنَالك وَلم أتحقق تَارِيخ وَفَاته وَمِنْهُم الْفَقِيه رَضِي الدّين أَبُو بكر بن عمر بن إِسْمَاعِيل بن مُحَمَّد بن يحيى كَانَ عَالما عَاملا وشيوخه فِي فنون الْعلم كثير فدرس وَأفْتى وَظَهَرت لَهُ الكرامات وَلم أتحقق تَارِيخ وَفَاته وَمِنْهُم أَخُوهُ الْفَقِيه جمال الدّين مُحَمَّد بن عمر قَرَأَ على جمَاعَة من أَهله وَغَيرهم فأجازوا لَهُ وَكَانَ فَقِيها محققا درس وَأفْتى وَعرض عَلَيْهِ الْقَضَاء فَامْتنعَ مِنْهُ وَكَانَ لَهُ ثَلَاثَة أَوْلَاد أكبرهم عمر وَبعده إِسْمَاعِيل وَبعده عبد الْمُعْطِي فَقَرَأَ هَؤُلَاءِ على عُلَمَاء وقتهم وَكَانَ أشهرهم بِالْكَرمِ إِسْمَاعِيل وَذكر عَنْهُم حسن حَال توفّي الْجَمِيع سنة تسع وَثَلَاثِينَ وثمانمئة شُهَدَاء من ألم الطَّاعُون رَحِمهم الله تَعَالَى ونفع بهم وَمِنْهُم القَاضِي وجيه الدّين عبد الرَّحْمَن بن عبد الله بن أبي بكر قَرَأَ على وَالِده وَهُوَ صَغِير فَأفْتى ودرس وعمره إِحْدَى عشرَة سنة وخطب بالعقر وَتُوفِّي بِالسنةِ الَّتِي مَاتَ فِيهَا وَالِده وَهِي سنة تسع وَثَلَاثِينَ وثمانمئة وَمِنْهُم القَاضِي رَضِي الدّين أَبُو بكر بن عمر كَانَ فَقِيها مُبَارَكًا قَرَأَ على بعض أَهله وَغَيرهم وَتَوَلَّى الْقَضَاء بالعقر وَمَا إِلَيْهَا توفّي سنة تسع وَخمسين وثمانمئة وَمِنْهُم القَاضِي عفيف الدّين سُفْيَان قَرَأَ على جمَاعَة من أَئِمَّة وقته وَتَوَلَّى الْقَضَاء بالعقر وَتُوفِّي سنة اثْنَتَيْنِ وَعشْرين وثمانمئة

وَمِنْهُم وَلَده القَاضِي جمال الدّين مُحَمَّد قَرَأَ على وَالِده ثمَّ قَرَأَ بِمَدِينَة إب على الْفَقِيه جمال الدّين مُحَمَّد بن عبد الله الْكَاهِلِي ثمَّ رَجَعَ إِلَى بَلَده وَتَوَلَّى نِيَابَة الْقَضَاء بِذِي جبلة وَحكم بهَا أَيَّامًا ثمَّ انْفَصل عَنْهَا وَتَوَلَّى الْقَضَاء بالعقر وَمَا إِلَيْهَا وَبَقِي على ذَلِك إِلَى أَن توفّي سنة تسع وَثَلَاثِينَ وثمانمئة شَهِيدا من ألم الطَّاعُون وَمِنْهُم وَلَده شرف الدّين أسماعيل بن عمر بن صَالح كَانَ فَقِيها مدرسا وَلم يل الْقَضَاء وَتُوفِّي بالظهابي سنة خمس وَخمسين وثمانمئة وَمن أهل بلد صهْبَان القَاضِي هَارُون بن عبد الله كَانَ مَسْكَنه عدن المناصب تولى الْقَضَاء بهَا وَمَا يَليهَا من بلد صهْبَان قَرَأَ على جمَاعَة من الْعلمَاء وأجازوا لَهُ فدرس وَأفْتى وَكَانَ من أَسبَابه الْمدرسَة الْمُسَمَّاة البرحة بقرية الْعقر وَكَانَ الْفُقَهَاء من بني أبي الرخَاء من أسبابهم الْمدرسَة فِي الْمَكَان الْمُسَمّى حلل فحصلت الْمُعَاوضَة بَينهم فَأخذ كل مِنْهُم مَا يَلِيهِ وَذَلِكَ على مَا قيل فَإِنَّهُ لَا يعرف الْيَوْم أَن الْوَقْف إِلَّا للمدرسة البرحة وَقد صَارَت الأَرْض الَّتِي فِي حلل تَحت أيادي أنَاس يدعونَ ملكهَا وَلِهَذَا القَاضِي هَارُون ولدان أَحدهمَا يُسمى عبد الرَّحْمَن وَالثَّانِي عبد الله أخْبرت أَنَّهُمَا كَانَا فقيهين عَالمين وأنهما درسا وأفتيا وأضيف إِلَيْهِمَا الْقَضَاء بِبَلَد صهْبَان وَتُوفِّي سنة عشْرين وثمانمئة رحمهمَا الله تَعَالَى ونفع بهما وَفِي شَرْقي بلد صهْبَان الْمَكَان الْمُسَمّى الصيرات الرِّبَاط الْمَشْهُور بَين صهْبَان وبردان مقبور فِيهِ رجل مبارك يُسمى الْحَاج جمال الدّين مُحَمَّد بن أَحْمد الْفَروِي كَانَ يقوم اللَّيْل للصَّلَاة وَالْعِبَادَة بالتلاوة وَالذكر لَا يفتر لِسَانه عَن ذَلِك وَكَانَ متواضعا ذَا سكينَة ووقار يلبس الخشن من الصُّوف وَيعْمل أرضة يعزبه بِيَدِهِ وَيَأْكُل مِنْهَا وَمن وَفد إِلَيْهِ من الضيوف وَله كرامات ومكاشفات ذكرتها فِي الأَصْل

توفّي الْحَاج جمال الدّين بعد سنة ثَلَاثِينَ وثمانمئة رَحمَه الله تَعَالَى ونفع بِهِ وَمن أهل المشراح الَّذِي تَحت الْعَرْش بمعشار التعكر الْحَاج الْفَاضِل مُحَمَّد بن عمر الْحرَازِي المهلل كَانَ هَذَا الرجل يصحب الصَّالِحين ويتأدب بأدبهم وَيدخل الْأَسْوَاق ويعلن بالصوت العالي بِالذكر الْمَشْهُور فَضله عَن سيدنَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ لَا إِلَه إِلَّا الله وَحده لَا شريك لَهُ لَهُ الْملك وَله الْحَمد يحيي وَيُمِيت وَهُوَ حَيّ دَائِم لَا يَمُوت بِيَدِهِ الْخَيْر وَهُوَ على كل شَيْء قدير ثمَّ إِنَّه يضيف إِلَى ذَلِك شَيْئا من التَّسْبِيح وَيَأْمُر بِقِرَاءَة الْفَاتِحَة وَينْهى عَن الْغَفْلَة فِي كل مَكَان يجْتَمع فِيهِ النَّاس ثمَّ إِن القَاضِي صفي الدّين أَحْمد بن أبي بكر البريهي من أهل مَدِينَة إب آخاه وَأحسن بِهِ الظَّن فاتفق نزُول القَاضِي الْمَذْكُور إِلَى مَسْجِد الْجند للزيارة فاعتكف القَاضِي الْمَذْكُور فِي الْمَسْجِد ثمَّ خرج فِي اللَّيْل فَوجدَ هَذَا الْحَاج جمال الدّين بِالسَّمَاعِ بالطار والشبابات عِنْد الَّذين يَجْتَمعُونَ لذَلِك فَأنْكر عَلَيْهِ القَاضِي حُضُور ذَلِك فِي قلبه من غير أَن يعلم الْحَاج جمال الدّين وُصُول القَاضِي وَلَا يرَاهُ فِي الْمَسْجِد فسَاء ظَنّه

فِيهِ فناداه بعد ذَلِك بِأَعْلَى صَوته يَا صَاحب إب يَا مَجْنُون كل بجرنه يَدُوم وَهَذِه الْكَلِمَة من أَمْثَال الْعَوام فَزَالَ مَا بخاطر القَاضِي صفي الدّين من سوء الظَّن بِهِ وأيقن أَن ذَلِك مثل كرامات الصَّالِحين ثمَّ انْصَرف القَاضِي صفي الدّين فَوَجَدَهُ الْحَاج جمال الدّين بعد ذَلِك فَاعْتَذر كل مِنْهُمَا لصَاحبه ودامت الصُّحْبَة والأخوة بَينهمَا وَتُوفِّي هَذَا الْحَاج جمال الدّين بِأول المئة التَّاسِعَة رَحمَه الله تَعَالَى ونفع بِهِ وَمن أهل ذِي أشرق الْقُضَاة وَالْفُقَهَاء بَنو الصعبي وَقد ذكر الجندي الْأَوَّلين مِنْهُم وَأَنه لم يبْق مِنْهُم سوى أَوْلَاد القَاضِي شرف الدّين أبي الْقَاسِم بن عبد الرَّحْمَن بن مُحَمَّد بن أسعد الصعبي الْعَنسِي السهفني وهم أَرْبَعَة أَبُو بكر وَعمر وَعبد الصَّمد وَإِسْمَاعِيل كَانَ هَؤُلَاءِ فُقَهَاء وقتهم ببلدهم فَأَخْبرنِي الثِّقَة أَنه نجب لأبي بكر ثَلَاثَة أَوْلَاد هم عبد الله وَعمر وَمُحَمّد قَرَأَ كل مِنْهُم على فُقَهَاء وقته ودرسوا وأفتوا وَلم أتحقق تَارِيخ وفاتهم وَأما عمر فَإِنَّهُ نجب لَهُ ولدان أَحدهمَا شمس الدّين يُوسُف وَالثَّانِي عفيف الدّين عبد الله وَأما عبد الصَّمد فَلهُ ولد يُسمى مُحَمَّد تفقه بوالده وَبِغَيْرِهِ وَسمع الحَدِيث على ألإمام نَفِيس الدّين سُلَيْمَان بن إِبْرَاهِيم الْعلوِي وَقَرَأَ على الشَّيْخ وجيه الدّين عبد الرَّحْمَن بن إِبْرَاهِيم صَاحب اللفج فَأفْتى ودرس وَتَوَلَّى الْقَضَاء بالجوة ثمَّ بِذِي أشرق ثمَّ سَافر إِلَى مَكَّة المشرفة فحج وزار قبر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثمَّ عَاد إِلَى الجؤة

وَتُوفِّي رَحمَه الله تَعَالَى سنة عشر وثمانمئة وَمِنْهُم وَلَده الْفَقِيه أَبُو الْفضل مُوسَى قَرَأَ على وَالِده وعَلى غَيره وَتَوَلَّى الْقَضَاء بعد وَالِده بِذِي أشرق وَتُوفِّي سنة تسع عشرَة وثمانمئة وَمِنْهُم القَاضِي جمال الدّين مُحَمَّد بن أبي بكر بن أبي الْقَاسِم كَانَ فَقِيها فَاضلا ولي الْقَضَاء بِذِي أشرق وَمَا والاها ودام على الْحَال المرضي إِلَى أَن توفاه الله فِي المئة التَّاسِعَة وَمِنْهُم القَاضِي جمال الدّين مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن عمر قَرَأَ على ابْن عَمه القَاضِي جمال الدّين مُحَمَّد بن عبد الصَّمد وعَلى القَاضِي جمال الدّين مُحَمَّد بن عمر بن صَالح البريهي فِي الْفِقْه وَأَجَازَ لَهُ الإِمَام نَفِيس الدّين الْعلوِي فِي الحَدِيث فدرس وافتى وَهُوَ الَّذِي سَمَّاهُ مجد الدّين فَلَزِمَهُ على هَذَا الِاسْم وَتُوفِّي من ألم الطَّاعُون سنة تسع وَثَلَاثِينَ فَهُوَ أخر من تحققنا حَاله من فُقَهَاء بني الصعبي رَحِمهم الله ونفع بهم وَمن أهل ذِي أشرق خَاله القَاضِي جمال الدّين بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد الأشرقي كَانَ فَقِيها مُبَارَكًا عَالما عَاملا تولى الْقَضَاء بِذِي أشرق وَكَانَ صهر القَاضِي جمال الدّين مُحَمَّد بن عمر البريهي أنكحه ابْنَته وَتُوفِّي بعد سنة عشْرين وثمانمئة وَمن أهل أبنة فِي الْقرب من الرِّبَاط للمشايخ الصُّوفِيَّة من بَين البريهي بِذِي السفال المقرىء الصَّالح عفيف الدّين عبد الله بن يُوسُف بن عمر بن عُثْمَان بن مُحَمَّد بن أَحْمد بن عبد الرَّحْمَن الْحرَازِي قَرَأَ بالقراءات على المقرىء الصَّالح مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن مَيْمُون البلوي الغرناطي المغربي الأندلسي وَقَرَأَ على غَيره من الْفُقَهَاء بالفقه وَكَانَ مقرئا فَقِيها صَالحا عابدا يحفظ كتبا كَثِيرَة من كتب الْقرَاءَات والنحو وَكَانَ يشْتَغل بتعليم كتاب الله تَعَالَى وَكَانَت لَهُ معرفَة بِعلم الْأَسْمَاء واشتهر بذلك وتعافى على يَدَيْهِ كثير من المجانين وَكَانَ دأبه دأب السّلف الصَّالح فِي خدمَة أَهله

وَنَفسه والاشتغال بالزرع بِيَدِهِ مَعَ عِبَادَته وزهادته أجمع أهل قطره على صَلَاحه واشتهر من بركاته مَا أوجب حسن الظَّن بِهِ وَهُوَ مِمَّن تخرج على يَده الشَّيْخ جمال الدّين مُحَمَّد وصنوه رَضِي الدّين أَبُو بكر ابْني الشَّيْخ عفيف الدّين عبد الله بن مُحَمَّد البريهي الْآتِي ذكرهمَا مَعَ أهاليهما من أهل ذِي السفال رَحِمهم الله تَعَالَى ونفع بهم وعمت بركته كل من قَرَأَ عَلَيْهِ وَكَانَت وَفَاته بعد سنة عشْرين وثمانمئة ونجب لَهُ ولدان أَحدهمَا الإِمَام جمال الدّين مُحَمَّد وَسَيَأْتِي ذكره مَعَ أهل مَدِينَة تعز إِن شَاءَ الله تَعَالَى وَالثَّانِي أَحْمد قَرَأَ على وَالِده شَيْئا من الْعُلُوم وَنَشَأ على طَريقَة مستحسنة وَكَانَ لَهُ خطّ حسن وَتُوفِّي رَحمَه الله قَرِيبا من سنة ثَلَاثِينَ وثمانمئة وَمن أهل منزل أرود بالعارضة الْفَقِيه الْعَلامَة رَضِي الدّين أَبُو بكر بن عَليّ بن عمر الْمَشْهُور بالجرف قَرَأَ على الإِمَام جمال الدّين مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن البريهي وعَلى غَيره وَأفْتى ودرس إِلَى أَن توفّي وَكَانَت وَفَاته قَدِيما وَلم يذكرهُ المؤرخون وَإِنَّمَا ذكرته لما سَيَأْتِي من ذكر بعض ذُريَّته الَّذين توفوا فِي مَدِينَة تعز وَغَيرهم وَلم يكن فِي مَكَانَهُ من ذُريَّته سوى الْفَقِيه شمس الدّين عَليّ بن مُحَمَّد الجرف لَهُ مُشَاركَة بالفقه وَتَوَلَّى الْقَضَاء بِذِي السفال وَهُوَ فِي قيد الْحَيَاة حَال جمع هَذَا الْمَجْمُوع ثمَّ توفّي سنة سِتّ وَثَلَاثِينَ وثمانمئة وَفِي منزل أرود الْفَقِيه عفيف الدّين عبد الله بن عَليّ بن أَحْمد بن عمر الأرودي الْمَشْهُور بالطماح الْخَولَانِيّ قَرَأَ على جمَاعَة من الْفُقَهَاء وأجازوا لَهُ فَكَانَ فَقِيها مجودا عَارِفًا درس وَأفْتى وَأثْنى عَلَيْهِ شَيْخه الإِمَام نَفِيس الدّين الْعلوِي توفّي هَذَا الْفَقِيه إِلَى رَحْمَة الله تَعَالَى سنة عشْرين وثمانمئة أَو قبلهَا بِقَلِيل أَو بعْدهَا بِقَلِيل وَمن بني الشّعبِيّ الَّذين يسكنون قَرْيَة ذِي السفال الْفَقِيه عبد الْمَاجِد بن أبي بكر الشّعبِيّ كَانَ فَقِيها مُبَارَكًا حدث لَهُ أَوْلَاد نجباء أفضلهم الْفَقِيه الْجُنَيْد قَرَأَ بالفقه على

القَاضِي تَقِيّ الدّين عمر بن مُحَمَّد البريهي وعَلى غَيره وَكَانَ ورعا زاهدا عابدا خَاشِعًا بكاء من خشيَة الله تَعَالَى وَأثْنى عَلَيْهِ كل من عرفه وَكَانَت وَفَاته خوفًا من الله تَعَالَى عِنْدَمَا قَرَأَ بَعضهم الْآيَة الشَّرِيفَة وَهِي قَوْله تَعَالَى {فَإِذا جَاءَت الطامة الْكُبْرَى} الْآيَة وقبر عِنْد قُبُور الْفُقَهَاء بني عَلْقَمَة بعد سنة ثَلَاثِينَ وثمانمئة وَمِنْهُم الْفَقِيه هَاشم قَرَأَ على الإِمَام جمال الدّين مُحَمَّد بن عمر البريهي وعَلى الْفَقِيه عَطِيَّة بن عبد الرَّزَّاق وعَلى غَيرهمَا فأجازوا لَهُ ودرس وَأفْتى وَاسْتمرّ بوظيفة الْقَضَاء بِذِي السفال بعد القَاضِي جمال الدّين مُحَمَّد بن عمر البريهي ألى أَن توفّي سنة تسع وَثَلَاثِينَ وثمانمئة من ألم الطَّاعُون شَهِيدا وَمِنْهُم مُحَمَّد بن عمر بن عَليّ الشّعبِيّ وَهُوَ الَّذِي سَافر الشَّام فجَاء بمنظومة الْحَاوِي بعد أَن قَرَأَهَا على مصنفها وَلم تشتهر الْبَهْجَة فِي الْيمن من غَيره فَأجَاز الْفُقَهَاء بِالْيمن مَا فِيهَا وَمِمَّنْ استجاز مِنْهُ الْفَقِيه صفي الدّين أَحْمد بن حسن البريهي من أهل مَدِينَة إب والفقيه عفيف الدّين عبد الله بن مُحَمَّد الْكَاهِلِي وَمِنْهُم الْفَقِيه شرف الدّين أَبُو الْقَاسِم بن مُحَمَّد الشّعبِيّ قَرَأَ بالفقه على الْفُقَهَاء من أهل مَدِينَة تعز فأجازوا لَهُ ثمَّ أَقَامَ بِذِي السفال مؤاخيا للفقيه هَاشم إِلَى أَن توفّي من ألم الطَّاعُون شَهِيدا سنة تسع وَثَلَاثِينَ وثمانمئة رَحمَه الله تَعَالَى وَمن أهل ذِي السفال جمَاعَة مِنْهُم بَنو البريهي وَقد ذكر المؤرخون جمَاعَة مِنْهُم ثمَّ شرع بعض الْمُتَأَخِّرين مِنْهُم هُوَ القَاضِي تَقِيّ الدّين عمر بن مُحَمَّد بن صَالح البريهي بِجمع تَارِيخ لَهُم ولغيرهم وَلم يتمه فسأذكر جمَاعَة مِمَّن حدث بعد من ذكره الجندي والخزرجي

فَمنهمْ القَاضِي تَقِيّ الدّين عمر بن مُحَمَّد بن صَالح الْمُقدم ذكره كَانَ إِمَامًا عَالما قَرَأَ على جمَاعَة من أَهله الْعلمَاء بِذِي السفال وعَلى الْفُقَهَاء بِمَدِينَة تعز وَغَيرهم قَالَ الإِمَام جمال الدّين بن الْخياط إِن هَذَا القَاضِي ولي الْقَضَاء بضعا وَسِتِّينَ سنة وحمدت سيرته وَكَانَ ورعا وَله قريحة ينظم بهَا الشّعْر من ذَلِك قَوْله (على قدر فضل الْمَرْء غم حسوده ... فَمَا ازْدَادَ فضلا زَاد حاسده غما) (وَلَا شكّ مَا فِي الْفضل كَالْعلمِ والتقى ... كَذَا الْعلم شيخ الْفضل كَانَ لَهُ أما) توفّي رَحمَه الله سنة إِحْدَى عشرَة وثمانمئة وَمِنْهُم الْفَقِيه عماد الدّين إِدْرِيس بن إِسْمَاعِيل بن عبد الرَّحْمَن بن عمر البريهي قَرَأَ مسموعات الْفِقْه والْحَدِيث وَالتَّفْسِير على الْفُقَهَاء من أهاليه فأجازوا لَهُ وَلم أتحقق من حَاله غير ذَلِك وَتُوفِّي بِشَهْر ربيع الأول سنة ثَلَاث وثمانمئة وَمِنْهُم الْفَقِيه تَقِيّ الدّين صَالح بن إِبْرَاهِيم بن صَالح بن عمر البريهي أخْبرت أَنه قَرَأَ الْقرَاءَات السَّبع على المقرىء الصَّالح عَليّ بن عمر الْخَولَانِيّ وبالفقه على الإِمَام مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن البريهي فأجازوا لَهُ ودرس وَأفْتى وَكَانَ حسن الْخط توفّي بِشَهْر رَجَب سنة خمس وثمانمئة رَحمَه الله ونفع بِهِ وَمِنْهُم وَلَده القَاضِي وجيه الدّين عبد الرَّحْمَن بن عمر تفقه بوالده وَولي الْقَضَاء على كرهه بالقاعدة وَسكن بسهفنه وَكَانَ صواما قواما حسن السِّيرَة فِي أَحْكَامه ورعا زاهدا توفّي بسهفنه بعد سنة عشْرين وثمانمئة رَحمَه الله ونفع بِهِ وَمِنْهُم القَاضِي الْعَلامَة جمال الدّين مُحَمَّد بن عمر بن مُحَمَّد بن صَالح البريهي قَرَأَ على وَالِده بالفقه وعَلى غَيره وأجازوا لَهُ فدرس وَأفْتى وَتَوَلَّى الْقَضَاء بعد وَالِده بِذِي السفال وَمَا إِلَيْهَا وَقد سمع على الإِمَام مجد الدّين الشِّيرَازِيّ وَالْإِمَام نَفِيس الدّين الْعلوِي فِي كتب التَّفْسِير والْحَدِيث وَحصل كتبا كَثِيرَة بِخَطِّهِ الْحسن وَكَانَ خَاشِعًا جَارِيا

على سنَن السّلف الصَّالح عَلَيْهِ سكينَة الْعلم ووقار التَّقْوَى وَنور الْعِبَادَة وَكَانَت سيرته فِي الْقَضَاء سيرة مرضية وَجمع أَرْبَعِينَ حَدِيثا فِي المعجزات والكرامات الَّتِي صحت لسيدنا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثمَّ أَرْبَعِينَ حَدِيثا أُخْرَى فِي مَنَاقِب الْخُلَفَاء الْأَرْبَعَة أبي بكر وَعمر وَعُثْمَان وَعلي رَضِي الله عَنْهُم وَكَانَ راتبه هُوَ وَأَوْلَاده ودرسته فِي كل يَوْم ختمة وَلم يزل على الْحَال المرضي إِلَى ان توفّي سنة سِتّ وَثَلَاثِينَ وثمانمئة وَمِنْهُم الْفَقِيه عفيف الدّين عبد الله بن أبي بكر البريهي قَرَأَ بالفقه على القَاضِي تَقِيّ الدّين عمر بن مُحَمَّد البريهي وَحضر سَماع الحَدِيث عِنْد الشَّيْخ مجد الدّين الشِّيرَازِيّ وَالْإِمَام نَفِيس الدّين الْعلوِي وأجازوا لَهُ فدرس وَأفْتى وناب لِابْنِ عَمه القَاضِي جمال الدّين مُحَمَّد بن عمر فِي الْأَحْكَام الشَّرْعِيَّة بِذِي السفال فِي بعض الْأَوْقَات وَتُوفِّي بعد سنة ثَلَاثِينَ وثمانمئة رَحمَه الله ونفع بِهِ وَمِنْهُم الْفَقِيه برهَان الدّين إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم بن صَالح البريهي كَانَ فَقِيها مُبَارَكًا قَرَأَ على جمَاعَة من أَئِمَّة وقته وأجازوا لَهُ وَتُوفِّي من ألم الطَّاعُون سنة تسع وَثَلَاثِينَ وثمانمئة وَأما الساكنون فِي الرِّبَاط هُنَالك فَمنهمْ أَوْلَاد الشَّيْخ عفيف الدّين عبد الله البريهي المرقد أحدهم الشَّيْخ جمال الدّين مُحَمَّد قَرَأَ بالفقه على عَم وَالِده الإِمَام عفيف الدّين عبد الله بن صَالح وَقَرَأَ الحَدِيث والقراءات السَّبع على المقرىء الصَّالح الْعَلامَة جمال الدّين بن مَيْمُون الأندلسي الغرناطي وعَلى الْفَقِيه نَفِيس الدّين سُلَيْمَان بن إِبْرَاهِيم الْعلوِي وَحج حجَّة الْإِسْلَام ثمَّ عَاد فَأَقَامَ بالرباط بِذِي السفال وَقصد للمهمات واجتهد بِالْعبَادَة ودرس وَأفْتى واشتهرت لَهُ كرامات وقصده النَّاس للتبرك فَكَانَ مكرما للضيف فاتفق بَينه وَبَين سُلْطَان وقته وَحْشَة فانتقل إِلَى أكمة عبار الْمَشْهُورَة تَحت جبل سورق وَكَانَ ذَا

ثروة فَاشْترى أَرضًا هُنَالك وَأَعْمر دَارا سكن فِيهَا وربط قرى كَثِيرَة فجلل واحترم وَلما مَاتَ السُّلْطَان رَجَعَ إِلَى بَيته إِلَى الرِّبَاط بِذِي السفال فَأَقَامَ فِيهِ إِلَى أَن توفّي سنة سِتّ وَتِسْعين وسبعمئة وَالثَّانِي الشَّيْخ الصَّالح تَقِيّ الدّين عمر بن عبد الله المرقد كَانَ فَقِيها عابدا صَالحا قَرَأَ على ابْن عَمه الْفَقِيه عفيف الدّين عبد الله بن صَالح بِمَدِينَة تعز ثمَّ انْتقل إِلَى رِبَاط عَبْدَانِ فسكن فِيهِ واحتجب عَن النَّاس مُدَّة واجتهد بِالْعبَادَة وَنسب إِلَى علم الْأَسْمَاء واشتهرت لَهُ الكرامات وَقصد للمهمات فَلَمَّا توفّي أَخُوهُ مُحَمَّد بن الشَّيْخ عفيف الدّين عبد الله اقام هُنَالك إِلَى أَن توفّي سنة عشر وثمانمئة وَدفن بَين أَهله رَحمَه الله ونفع بِهِ وَمِنْهُم الْفَقِيه الْعَلامَة تَقِيّ الدّين عمر بن مُحَمَّد بن عمر بن صَالح البريهي كَانَ مجودا فِي علم النَّحْو واللغة مشاركا فِي الْفِقْه أَخذ ذَلِك على الشُّيُوخ الْكِبَار من عُلَمَاء وقته وَكَانَت لَهُ قريحة ينظم بهَا الشّعْر من ذَلِك فِي مدح النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (فِي وصفك الْمَدْح صدقا حِين ينظمه ... وَمن يقل بسواك الْمَدْح يَظْلمه) (خلقت أشرف مَخْلُوق وَأكْرمهمْ ... فَكَانَ مدحك بَين الْمَدْح أكْرمه) وَله وَقد أكل الْجَرَاد زرعه (أَلا لله أَشْكُو كل بثي ... وَقد أكل الْجَرَاد جزيل حرثي) (فَإِن لم يجْبر الرَّحْمَن حَالي ... فَلَيْسَ بنافعي كسبي وإرثي) وَله غير ذَلِك من الشّعْر مِمَّا هُوَ مُثبت فِي الأَصْل مِمَّا يدل على بلاغته وفضله توفّي سنة ثَمَانِينَ وثمانمئة وَدفن بمقبرة ذِي السفال رَحمَه الله تَعَالَى ونفع بِهِ وَمِنْهُم الشَّيْخ الصَّالح شهَاب الدّين أَحْمد بن الشَّيْخ جمال الدّين مُحَمَّد بن عبد الله المرقد نَشأ على طَريقَة مرضية وَقَرَأَ أَشْيَاء من الْعلم على بعض أَئِمَّة عصره وأجازوا لَهُ واجتهد بِالْعبَادَة ثمَّ سَافر إِلَى مَكَّة المكرمة فحج وزار قبر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثمَّ سَافر إِلَى

الْقُدس الشريف فزار الْأَنْبِيَاء هُنَالك وَصَحب جمَاعَة من الصَّالِحين وتأدب بآدابهم وَمَشى على طريقتهم فِي الزّهْد وَصَحب المقرىء جمال الدّين مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن مَيْمُون الغرناطي وَالشَّيْخ الصَّالح أَبَا الْعَبَّاس بن أبي البركات الْمدنِي وَكَانَ هُوَ السَّبَب لدخولهما الْيمن وَسَيَأْتِي شرح حَالهمَا فَلَمَّا وصل الشَّيْخ شهَاب الدّين إِلَى مَكَانَهُ بِذِي السفال بَقِي مَقْصُودا للمهمات وَظَهَرت لَهُ الكرامات وَتُوفِّي بعد سنة عشْرين وثمانمئة رَحمَه الله تَعَالَى ونفع بِهِ وَمِنْهُم أَخُوهُ الشَّيْخ الصَّالح عفيف الدّين عبد الله بن مُحَمَّد بن عبد الله البريهي المرقد كَانَ فَاضلا عابدا مشاركا بِشَيْء من الْفِقْه كثير الصَّدَقَة وَفعل الْخَيْر مُطَاع القَوْل مَقْبُول الشَّفَاعَة مكرما للضيف محسنا إِلَى الْوَافِد إِلَيْهِ سُئِلَ عَنهُ بعض الْفُضَلَاء فَقَالَ ذَاك يدْخل الْجنَّة بكرمه توفّي سنة ثَمَان وثمانمئة أَو قبلهَا بِقَلِيل أَو بعْدهَا بِقَلِيل ورثاه الشُّعَرَاء وَكَانَت لَهُ أُخْت عابدة فاضلة قَامَت بِالْمَكَانِ بعد موت أَخِيهَا أتم قيام وربت وَلَدي أَخِيهَا وأكرمت الضَّيْف وعاندها بعض أَهلهَا فعضدها مُتَوَلِّي الْقَضَاء الْأَكْبَر يَوْمئِذٍ وَهُوَ الشَّيْخ مجد الدّين الشِّيرَازِيّ وَغَيره من الأكابر وتصدقت بصدقات كَثِيرَة وأحسنت التَّدْبِير كأكمل الرِّجَال ثمَّ سَافَرت لِلْحَجِّ فحجت وزارت قبر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثمَّ عَادَتْ إِلَى مَكَّة فأقامت بهَا تعبد الله تَعَالَى إِلَى أَن توفيت بهَا بعد سنة عشْرين وثمانمئة رَحمهَا الله تَعَالَى ونفع بهَا وَمِنْهُم ولدا الشَّيْخ عفيف الدّين أَحدهمَا الشَّيْخ جمال الدّين مُحَمَّد بن عبد الله بن مُحَمَّد البريهي المرقد اسْتَقل بِأَمْر ربطهم وجيرانهم وَقَامَ بمنصبهم أتم قيام واشتهر بِالْكَرمِ وَكَانَ مَقْبُول الشَّفَاعَة مُطَاع القَوْل فجلل واحترم إِلَى أَن توفّي سنة تسع وَثَلَاثِينَ وثمانمئة شَهِيدا من ألم الطَّاعُون وَدفن جنب قبر الشَّيْخ يحيى بن أبي الْخَيْر

العمراني نفع الله بهما وَلم يكن بَينه وَبَينه حَائِل وَمِنْهُم أَخُوهُ الْفَقِيه رَضِي الدّين أَبُو بكر بن مُحَمَّد بن عبد الله الْمُقدم الذّكر كَانَ كثير الذّكر لله تَعَالَى والتلاوة لكتاب الله تَعَالَى انْتَهَت إِلَيْهِ رئاسة هَذَا الْبَيْت بوقته فاجتهد بِإِقَامَة منصبهم والتوسط بِقَضَاء حوائج الْمُسلمين وعانده بعض أهل الْأَمر من مَشَايِخ العنسيين فَجمع عَلَيْهِ جمعا كثيرا لقِرَاءَة يس والفاتحة وَالدُّعَاء عَلَيْهِ فَأهْلك الله المعتدي عَلَيْهِ وَأخرج من بَيته وبلده وَذريته وأهلكه الله وَلم يزل الْفَقِيه رَضِي الدّين مَقْصُودا للمهمات مُنْفَردا بِالْأَمر وَالنَّهْي فِي ربطهم الْمَعْرُوفَة سالكا طَرِيق الْعِبَادَة إِلَى ان توفّي سنة سِتّ وَسِتِّينَ وثمانمئة وقبر جنب قبر أَخِيه وَقيل لَهُ أَن لَيْسَ هُنَاكَ فسح يحْفر لَك فِيهِ فَقَالَ سَتَجِدُونَ فَسْحًا يسعني فَلَمَّا حفروا حَيْثُ أَمرهم ظهر لَهُم السعَة فِي الْمَكَان فَحَفَرُوا وقبروه وَأَخْبرنِي وَلَده شهَاب الدّين أَنه رَآهُ بعد مَوته فَقَالَ لَهُ الْحِجَارَة الَّتِي بنيتم بهَا لحدي تهدمت فأصلحوها فنبشوا الْقَبْر فوجدوا حجرا سقط عَلَيْهِ فأصلحوها ووجدوه فِي اللَّحْد على حَالَته الَّتِي وضعوه يَوْم مَوته لم يتَغَيَّر رَحمَه الله ونفع بِهِ وَمن أهل هَذَا الْبَيْت الْفَقِيه الصَّالح جمال الدّين مُحَمَّد بن أبي السرُور البريهي يلتقي نسبه وَنسب من تقدم ذكرهم بالشيخ مُحَمَّد بن عمر فهم من ذُرِّيَّة الشَّيْخ عبد الله المرقد وَهُوَ من ذُرِّيَّة أخي الشَّيْخ عبد الله المرقد قد كَانَ هَذَا الْفَقِيه جمال الدّين مَشْهُورا بِفعل الْخَيْر مكرما للضيف محبوبا إِلَى النَّاس كثير السَّعْي بِقَضَاء حوائج الْمُسلمين وَهُوَ السَّاعِي بعمارة الْمدرسَة الياقوتية الَّتِي عِنْد بُيُوتهم فِي الرِّبَاط الْمَذْكُور هُوَ والحاج شمس الدّين عَليّ بن دَاوُد الْحداد فَلَمَّا عمرت جعلت الموقفة وَهِي امْرَأَة السُّلْطَان الظَّاهِر يحيى بن إِسْمَاعِيل الْأَشْرَف النّظر على الْمدرسَة وَالْوَقْف عَلَيْهَا لهَذَا الْفَقِيه جمال الدّين مُحَمَّد بن أبي السرُور وَلم يزل على الْحَال المرضي إِلَى أَن توفّي

سنة ثَلَاث وَأَرْبَعين وثمانمئة وَدفن بمقبرة ذِي السفال عِنْد أَهله رَحمَه الله تَعَالَى ونفع بِهِ وَمن المتوفين بقرية ذِي السفال الرجل الصَّالح الْمُسَمّى صمى بن عبد الله كَانَ من الْعباد الزهاد وخولط فِي عقله وَحكي عَنهُ كرامات مِنْهَا أَنه لما قربت وَفَاته طلع إِلَى أَعلَى المنارة فِي جَامع ذِي جبلة فَنَادَى بِأَعْلَى صَوته يَا أهل جبلة ثَلَاث مَرَّات من أَرَادَ مِنْكُم أَن يحضر قَبْرِي فليتبعني إِلَى قَرْيَة ذِي السفال هَذَا الْيَوْم فَتَبِعَهُ بَعضهم فَلَمَّا وصل إِلَيْهَا زار قبر الشَّيْخ يحيى بن أبي الْخَيْر نفع الله بِهِ ثمَّ دخل إِلَى الْجَامِع فِي الْقرْيَة فرقد فنبهوه عِنْد دُخُول وَقت الصَّلَاة فوجدوه مَيتا رَحمَه الله فقبر عِنْد قُبُور السَّادة بني عَلْقَمَة وَكَانَت وَفَاته بعد الْعشْرين من المئة التَّاسِعَة وَمن أهل الوحص الْحَاج الصَّالح جمال الدّين مُحَمَّد بن أَحْمد الوحصي كَانَ عابدا صَالحا قيل إِنَّه رأى لَيْلَة الْقدر وَأَن النُّجُوم فِي السَّمَاء كالمساجد الْكِبَار فتقاطرت إِلَى جِهَة الْقبْلَة وَرَأى نورا عَظِيما فَدَعَا الله تَعَالَى أَن يحفظه الْقُرْآن الْعَظِيم فحفظه وَأَن يرزقه الْحَج إِلَى بَيت الله الْحَرَام فيسر الله لَهُ ذَلِك وَأَن يُسْتَجَاب دعاؤه فَكَانَ إِذا دَعَا الله تَعَالَى أُجِيب بِمَا دَعَاهُ فَكَانَ هَذَا الْفَقِيه جمال الدّين مَقْصُودا للمهمات ولطلب الدُّعَاء وَلم يزل على الْحَال المرضي إِلَى أَن توفّي بعد سنة أَرْبَعِينَ وثمانمئة وَمن أهل شوايط المقرىء الْعَلامَة صفي الدّين أَحْمد بن عَليّ الشوايطي قَرَأَ بالقراءات الْعشْر فِي الْيمن على جمَاعَة من الْأَئِمَّة واشتهر بتجويد الْقِرَاءَة وَالِاجْتِهَاد بِالْعبَادَة ثمَّ سَافر إِلَى مَكَّة المشرفة وَإِلَى الْمَدِينَة الشَّرِيفَة فحج وزار ثمَّ رَجَعَ إِلَى بَلَده فَأَقَامَ بهَا يدرس بالقراءات ثمَّ اخْتَار الِانْتِقَال إِلَى مَكَّة بأولاده وَسكن بهَا إِلَى أَن توفّي سنة أَربع وَسِتِّينَ وثمانمئة رَحمَه الله تَعَالَى ونفع بِهِ

وَمن أهل بِلَاد الجعاشن بِالْمَكَانِ الْمُسَمّى أدمار الشَّيْخ الْوَلِيّ الصَّالح تَقِيّ الدّين عمرَان بن مُحَمَّد بن عمرَان هُوَ مِمَّن تقدّمت وَفَاته وَلم يذكرهُ المؤرخون وَكَانَ من الصَّالِحين العابدين وشهرت لَهُ الكرامات فجلل واحترم وَمن أَوْلَاده الْفَقِيه وجيه الدّين عبد الرَّحْمَن كَانَ مشاركا بِشَيْء من الْعُلُوم وَأَجَازَ لَهُ الْفَقِيه نَفِيس الدّين سُلَيْمَان بن إِبْرَاهِيم الْعلوِي وَقد حضر عِنْده قِرَاءَة صَحِيح البُخَارِيّ وَكتب بطبقة السماع ثمَّ توفّي بعد ذَلِك بسنين قَليلَة رَحمَه الله وَمن معشار السارة المقرىء الْوَلِيّ شمس الدّين عَليّ بن عمر الْخَولَانِيّ كَانَ عَالما عابدا زاهدا قَرَأَ الْقرَاءَات بالسبع وبغيرها من سَائِر الْعُلُوم على بعض فُقَهَاء وقته وَقصد للإفادة وَأجْمع أهل عصره على صَلَاحه وَعلمه وَأثْنى عَلَيْهِ الإِمَام جمال الدّين مُحَمَّد الْأَكْبَر بن أبي بكر الْخياط فَقَالَ هُوَ المقرىء صَاحب الكرامات أشهر من أَن يذكر رأى بعض الأخيار النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ لَهُ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من قبل بَين عَيْني المقرىء على الْخَولَانِيّ فَكَأَنَّمَا قبل بَين عَيْني فَكَانَ النَّاس يقصدونه للتبرك بِهِ وَبلغ الْغَايَة فِي الاشتهار انْتهى كَلَام ابْن الْخياط وَطَالَ عمر هَذَا المقرىء وانتفع بِهِ النَّاس قيل إِنَّه توفّي آخر المئة الثَّامِنَة رَحمَه الله ونفع بِهِ وَمن تلامذته المقرىء الْفَقِيه الصَّالح الْوَلِيّ صَاحب الكرامات عفيف الدّين عَطِيَّة بن أبي بكر بن مَنْصُور العيسوي قَرَأَ بالقراءات على شَيْخه الْمُقدم ذكره وبالفرائض على الْفَقِيه الإِمَام أبي الْحسن عَليّ بن عمر العقيبي وَقَرَأَ بِالْحَدِيثِ وَالْفِقْه وَالتَّفْسِير على غَيرهم من الْعلمَاء فِي زبيد والمخادر وَمِمَّنْ تخرج بِهِ الْفَقِيه شهَاب الدّين أَحْمد بن مُحَمَّد الشلفي وَأثْنى عَلَيْهِ الْفَقِيه شهَاب الدّين الْمَذْكُور وَكَانَ هَذَا المقرىء منقبضا على النَّاس مُمْتَنعا عَن الرِّئَاسَة الدُّنْيَوِيَّة منحازا بِدِينِهِ مُبَارَكًا لَهُ فِي عمره عابدا زاهدا

وَمن مناقبه مَا رَأَيْته مُعَلّقا بِخَط الإِمَام جمال الدّين مُحَمَّد الْأَكْبَر بن أبي بكر الْخياط قَالَ أَخْبرنِي الْفَقِيه الإِمَام شهَاب الدّين أَحْمد بن مُحَمَّد الْعَبدَرِي أَنه سَمعه يَقُول سَافَرت فِي بعض السنين على قدم التَّوَكُّل إِلَى مَكَّة المشرفة ثمَّ إِلَى الْمَدِينَة الشَّرِيفَة فوصلنا أَنا ورفيق لي وَقد أرملنا وطرحنا أَنْفُسنَا فِي حافة على الرمل إِلَى أَن طلع الْفجْر فَلَمَّا أَسْفر الْفجْر إِذْ بِرَجُل مَعَه رَاحِلَة فَقَالَ لي اركب فَقلت وصاحبي فَقَالَ اركبا فركبت فَمَا صلينَا صبح ذَلِك الْيَوْم إِلَّا بِالْمَدِينَةِ الشَّرِيفَة وَحكي لَهُ مَنَام عَجِيب برؤيا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تدل على خَيره وفضله وَقد ذكرت ذَلِك فِي الأَصْل توفّي رَحمَه الله تَعَالَى سنة ثَلَاث وثمانمئة وتربته فِي عزلة القصيع من بلد الأمجود من عزلة شلف وقبره يزار ويتبرك بِهِ وَلأَهل الْبَلَد فِيهِ اعْتِقَاد عَظِيم وَمِمَّا قَالَه تِلْمِيذه شهَاب الدّين أَحْمد بن مُحَمَّد الشلفي من قصيدة كَبِيرَة (فقد فاقت الغزلان شرقا ومغربا ... كَمَا فاق سَادَات الورى سَيِّدي الْمقري) (إِمَام الْهدى قطب الزَّمَان بِلَا مرا ... جميل السجايا كعبة الْمجد وَالْعصر) (فريد بأنواع الْفَضَائِل كلهَا ... من الزّهْد والإتقان وَالْعلم وَالذكر) (وقار وبر وانقياد وَرَحْمَة ... ونصح صَحِيح والسلامة فِي الصَّدْر) وَفِي نجد شعب النشرية من مخلاف جبل الأيفوع المقرىء الْعَلامَة تَقِيّ الدّين

عمر بن عمار كَانَ مقرئا عابدا عَالما صَالحا انْتفع بِهِ جمَاعَة من الطّلبَة وَحكي عَنهُ فِي أَمر الْعِبَادَة مَا قد يعجز عَنهُ غَيره بوقته وشارك فِي شَيْء من الْفِقْه والنحو واللغة وَتُوفِّي على رَأس المئة الثَّامِنَة أَو قبلهَا بِقَلِيل وَمن عزلة القصيع الْفَقِيه شمس الدّين عَليّ بن أبي بكر الدمتي كَانَ رجلا مُبَارَكًا فَاضلا زاهدا مُعْتَزِلا عَن النَّاس اشْتهر بالصلاح وقصده النَّاس للتبرك بِهِ وَظَهَرت لَهُ الكرامات وَكَانَ مشاركا بِعلم الْفِقْه توفّي بعد سنة خمسين وثمانمئة رَحمَه الله ونفع بِهِ وَمن أهل ذِي الاعتام بمعشار السارة المقرىء الصَّالح الْعَالم ذُو الكرامات بدر الدّين حسن بن عمر المقرىء قَرَأَ بالقراءات السَّبع على جمَاعَة من أَئِمَّة وقته وأجازوا لَهُ ثمَّ قَرَأَ بالفقة على جمَاعَة من أهل مَدِينَة إب ثمَّ انْتقل إِلَى ذِي الاعتام وَسكن بهَا وانتفع على يَده جمَاعَة من طلبة الْعلم الشريف واشتهر بِالْعبَادَة وجلل واحترك وَتُوفِّي بِأول المئة التَّاسِعَة رَحمَه الله ونفع بِهِ وَمِنْهُم وَلَده الْفَقِيه الصَّالح جمال الدّين مُحَمَّد بن حسن قَرَأَ على وَالِده بالقراءات السَّبع وعَلى القَاضِي صفي الدّين أَحْمد بن أبي بكر البريهي بِمَدِينَة إب وأجازوا لَهُ ثمَّ رَجَعَ إِلَى بَلَده ودرس وَأفْتى بهَا وانتفعت بِهِ جمَاعَة واشتهر بالورع وَالصَّلَاح وإكرام الضَّيْف وَقَضَاء حوائج الْمُسلمين توفّي بعد سنة عشْرين وثمانمئة فخلفه وَلَده الْفَقِيه الصَّالح عفيف الدّين عبد الله بن مُحَمَّد بن حسن وَقَرَأَ على أَبِيه فِي الْفِقْه ثمَّ قَرَأَ بِمَدِينَة إب على الْفَقِيه الصَّالح جمال الدّين مُحَمَّد بن أبي بكر الرعياني بالفقه ثمَّ رَجَعَ بَلَده فدرس وَأفْتى بهَا ثمَّ سَافر إِلَى مَكَّة المشرفة فعاجلته الْمنية فَمَاتَ فِي الْبَحْر وَكَانَت مَعَه كتب نافعة جمعهَا هُوَ وَأَبوهُ وجده فَبَقيت بيد ولد لَهُ وَكَانَت وَفَاته بعد سنة خمسين وثمانمئة رَحمَه الله تَعَالَى ونفع بِهِ

وَمن أهل شلف الْفَقِيه الصَّالح جمال الدّين مُحَمَّد بن أبي بكر الشلفي هُوَ وَالِد الإِمَام شهَاب الدّين أَحْمد الشلفي الْآتِي ذكره مَعَ أهل مَدِينَة تعز كَانَ لهَذَا الْفَقِيه جمال الدّين معرفَة جَيِّدَة فِي علم الْفَرَائِض وَكَانَ من الأخيار الصَّالِحين وَتُوفِّي بِأول المئة التَّاسِعَة أَو قبلهَا بِقَلِيل وَمن أهل تِلْكَ الْجِهَات الإِمَام الْعَلامَة أَبُو إِسْحَاق إِبْرَاهِيم بن أَحْمد السجان لقبا التريبي مولدا الريمي مسكنا أَعنِي ريمة المخلاف لَا ريمة اصاب قَرَأَ على جمَاعَة من فُقَهَاء وقته وأجازوا لَهُ فَكَانَ فَقِيها فَاضلا عَالما عَاملا محققا وَشهر بِعلم الْفَرَائِض والجبر وَغَيرهمَا وَقصد للإفادة وَتخرج بِهِ جمَاعَة من الْأَئِمَّة وصنف شرحا مُفِيدا بمخارج الْعدَد الَّذِي فِي آخر كتاب الْهِنْدِيّ وَمِمَّنْ تخرج بِهِ الإِمَام شهَاب الدّين أَحْمد بن مُحَمَّد الشلفي ومدحه بِأَبْيَات ذكرتها فِي الأَصْل وَتُوفِّي فِي الْعشْر الأول من المئة التَّاسِعَة رَحمَه الله ونفع بِهِ وَمِنْهُم الْفَقِيه الْعَلامَة شهَاب الدّين أَحْمد بن أبي بكر الأكنيتي قَرَأَ على الْفَقِيه شهَاب الدّين أَحْمد بن مُحَمَّد الشلفي وعَلى غَيره من عُلَمَاء الحَدِيث وَالْفِقْه وَكَانَ ذَا عبَادَة وَصِيَام وَقيام وَظَهَرت لَهُ الكرامات وَقصد للمهمات فَكَانَ بِبَلَدِهِ وحيد عصره وسافر إِلَى مَكَّة المشرفة فحج وزار قبر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثمَّ توفّي سنة تسع وَثَلَاثِينَ وثمانمئة وقبر بالخنيشب فِي تربة ضَارب رَحمَه الله ونفع بِهِ وَمن أهل تِلْكَ الْجِهَات الْفَقِيه الْعَلامَة شهَاب الدّين أَحْمد بن عبد الله الْخَولَانِيّ البحري المشرقي قَرَأَ بالفقه على الْفَقِيه شهَاب الدّين أَحْمد بن مُحَمَّد الشلفي وعَلى الإِمَام جمال الدّين بن الْخياط وأجازوا لَهُ فدرس وَأفْتى وانتفع عَلَيْهِ بِبَلَدِهِ جمع كثير وَكَانَ كثير السَّعْي بِقَضَاء حوائج الْمُسلمين وَله أَخْلَاق رضية وَحج وزار قبر النَّبِي

صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثمَّ رَجَعَ إِلَى بَلَده وَبَقِي على الْحَالة الأولى يُفْتِي ويدرس وَيكرم الضَّيْف ثمَّ دَعَاهُ الشوق إِلَى معاودة الْحَج تَطَوّعا ولزيارة قبر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَتوفي فِي الطَّرِيق فَحمل وَدفن بِالبَقِيعِ سنة سِتّ وَأَرْبَعين وثمانمئة رَحمَه الله ونفع بِهِ وَمن أهل الحصابيين الإِمَام الْعَلامَة شمس الدّين عَليّ بن مُحَمَّد بن أسعد الحذيفي تفقه بِالْإِمَامِ الريمي وَغَيره وأجازوا لَهُ ثمَّ انْتقل إِلَى بلد الحصابيين فدرس وَأفْتى واشتهر ورزق مَالا كثيرا فأنفق معظمه فِي وُجُوه المكرمات من إكرام الضَّيْف وَالْإِحْسَان إِلَى الْوَافِد وَغير ذَلِك وَجمع كتبا كَثِيرَة وانقاد لَهُ أهل قطره ثمَّ توفّي بِأول المئة التَّاسِعَة وَخَلفه بمنصبه أَوْلَاده النجباء أكبرهم الْفَقِيه الْأَجَل صفي الدّين أَحْمد أَخذ الْفِقْه عَن الإِمَام العوادي ثمَّ عَن الإِمَام صفي الدّين الشلفي وَسمع الحَدِيث على الإِمَام نَفِيس الدّين الْعلوِي وعَلى غَيره وأجازوا لَهُ بِمَدِينَة تعز ثمَّ رَجَعَ إِلَى بَلَده الحصابيين فدرس وَتَوَلَّى قَضَاء ذَلِك الْقطر وَكَانَ لَهُ قيام وتهجد ورزق جاها عَظِيما زَائِدا على مَا كَانَ عَلَيْهِ وَالِده وَكَانَ مكرما للضيف ملْجأ للوافد يقْضِي حوائج الْمُسلمين على يَده ويتوسط بالإصلاح بَين الْقَبَائِل وَهُوَ مُطَاع فِي قطره وَتُوفِّي بعد سنة ثَلَاثِينَ وثمانمئة رَحمَه الله تَعَالَى ونفع بِهِ فخلفه بِالْقيامِ بمنصبه أَخُوهُ الْفَقِيه عفيف الدّين عبد الله قَرَأَ على أَخِيه وعَلى غَيره وَكَانَت لَهُ معرفَة جَيِّدَة بالفقه فسلك سَبِيل أَبِيه وأخيه فِي التدريس وَالْفَتْوَى وإكرام الضَّيْف ثمَّ توفّي من الْبَرْق سنة أَرْبَعِينَ وثمانمئة فَلَمَّا توفّي قَامَ بمنصبهما أخواهما الْفَقِيه الْأَجَل وجيه الدّين والفقيه الصَّالح شرف الدّين قَاسم قَرَأَ مَعًا بالفقه على الْفَقِيه جمال الدّين مُحَمَّد بن عبد الله الْكَاهِلِي وعَلى أَخِيه شهَاب الدّين أَحْمد بن عبد الله وعَلى الْفَقِيه جمال الدّين

مُحَمَّد بن أبي بكر الرعياني وأجازوا لَهما وَكنت مِمَّن صحبهما فِي الْقِرَاءَة فَرَأَيْت من اجتهادهما مَا يعجز عَنهُ غَيرهمَا لوقتهما من سهر اللَّيْل وَالْقِرَاءَة والمطالعة فارتحلا من مَدِينَة إب إِلَى بلدهما فأقاما بهَا يدرسان ويفتيان إِلَى أَن توفّي الْفَقِيه شرف الدّين سنة خمسين وثمانمئة وَبَقِي بعده أَخُوهُ الْفَقِيه وجيه الدّين قَاضِيا بِتِلْكَ النواحي مَشْهُورا بِأَفْعَال الْخَيْر وإكرام الضَّيْف وَقَضَاء حوائج الْمُسلمين إِلَى أَن توفّي قريب سنة سِتِّينَ وثمانمئة وَهُوَ خَاتِمَة أهل هَذَا الْبَيْت من الْفُضَلَاء وَالْفُقَهَاء وَمن الْمَوْجُودين فِي قيد الْحَيَاة حَال جمع هَذَا الْكتاب الْفَقِيه بدر الدّين حسن بن الإِمَام شهَاب الدّين الشلفي أجَاز لَهُ وَالِده وَقَرَأَ على الإِمَام جمال الدّين مُحَمَّد الْأَكْبَر ابْن الْخياط وعَلى الإِمَام جمال الدّين مُحَمَّد بن عبد الله الْكَاهِلِي وَغَيرهمَا وَتَوَلَّى الْقَضَاء بمعشار حصن السارة وانتهت إِلَيْهِ الرِّئَاسَة بِتِلْكَ الأقاليم فَحكم وَأفْتى وَلم يزل على الْحَال المرضي إِلَى أَن توفّي فِي شهر ربيع الآخر سنة ثَمَان وَثَمَانِينَ وثمانمئة وَمِنْهُم الْفَقِيه شهَاب الدّين أَحْمد بن عَليّ البرحي قَرَأَ بفن الْأَدَب على الْفَقِيه بدر الدّين يحيى بن روبك ثمَّ بالفقه والفرائض على الْفَقِيه صفي الدّين أَحْمد الشلفي والفقيه جمال الدّين مُحَمَّد المقرىء والفقيه برهَان الدّين إِبْرَاهِيم التريبي فبرع فِي فن الْفَرَائِض وأتقن أُصُوله وحقق دقائقه ثمَّ قَرَأَ بفن الْفَرَائِض أَيْضا على ابْن الْبُرْهَان الْمَشْهُور بزبيد فَكَانَ وحيد عصره بِبَلَدِهِ فِي فن الْفَرَائِض والحساب والجبر وَغير ذَلِك وأتقن المناسخات والدوريات وَإِخْرَاج المجهولات ومساحة الدوريات وَغير ذَلِك مِمَّا يتَعَلَّق بِهَذَا الْفَنّ وَكَانَ يحفظ كثيرا من الشّعْر وَكَانَ خامل الذّكر لاشتغاله بأعمال الزَّرْع وسكونه فِي الْبَادِيَة ثمَّ توفّي بِشَهْر رَمَضَان سنة ثَلَاث وَسبعين وثمانمئة رَحمَه الله تَعَالَى ونفع بِهِ وَمِمَّنْ سكن بِتِلْكَ الْجِهَات وَهِي معشار السارة من الوافدين إِلَيْهَا الْفَقِيه

الصَّالح عفيف الدّين عبد الله بن عَليّ الجبرتي وَفد من بَلَده سنة ثَلَاث وَثَلَاثِينَ وثمانمئة واشتغل بِالْعبَادَة وانعزل عَن النَّاس فَوقف مُدَّة سِنِين ثمَّ انْتقل إِلَى مَدِينَة تعز وَقَرَأَ بالفقه والنحو على الْفُقَهَاء بهَا ثمَّ رَجَعَ إِلَى معشار السارة فتأهل بهَا وقطن واشتهر بِالْفَضْلِ وَالصَّلَاح وَقصد للتبرك واشتهرت لَهُ كرامات وَنسب إِلَيْهِ علم الْأَسْمَاء والكيمياء

القول فيمن تحققنا حاله من العلماء والصلحاء من أهل جبل سورق وبلد العربيين وصهبان والجند ومعشار الدملوة وما والى ذلك

القَوْل فِيمَن تحققنا حَاله من الْعلمَاء والصلحاء من أهل جبل سورق وبلد العربيين وصهبان والجند ومعشار الدملوة وَمَا والى ذَلِك فَمن جبل سورق المقرىء الْفَقِيه الإِمَام ضِيَاء الدّين نسر بن عمرَان المقرىء الزبيدِيّ هَذَا الإِمَام المقرىء من شُيُوخ الإِمَام نَفِيس الدّين الْعلوِي كَانَ إِمَامًا فَاضلا مُحدثا مقرئا روى عَنهُ بعض تلامذته بِسَنَد صَحِيح أَنه قَالَ رَأَيْت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الْمَنَام فَقَالَ أسمعنا مَا مَعَك وَكَانَ يحفظ قصائد كَثِيرَة فَقَرَأَ بَعْضهَا فَأَشَارَ إِلَيْهِ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن لَا ثمَّ كَذَلِك قصائد كَثِيرَة وَهُوَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يُشِير إِلَيْهِ لَا لَا فَلَمَّا فرغ مَا عِنْده قَالَ لَهُ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم هَل بَقِي مَعَك شَيْء فَقَالَ المقرىء ضِيَاء الدّين لم يبْق إِلَّا قصيدة الشاطبي فَقَالَ لَهُ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أسمعنا مِنْهَا شَيْئا قَالَ فَقَرَأت أَرْبَعَة أَبْيَات من أول بَاب التنكير فأعجب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ذَلِك وَقَالَ إيه إيه وَبكى ثمَّ بَكَى من حوله وَبكى المقرىء نسر فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من حفظهَا وَلَو بَيْتا مِنْهَا دخل الْجنَّة أوكنت ضمينا لَهُ على الله بِالْجنَّةِ هَكَذَا وجدت هَذِه الْحِكَايَة بِخَط القَاضِي صفي الدّين أَحْمد بن أبي بكر البريهي رَحمَه الله وعده من شُيُوخه وَقَالَ إِنَّه انْتفع بِهَذَا المقرىء وَتخرج بِهِ جمَاعَة كَثِيرُونَ فِي علم الحَدِيث والقراءات وَتُوفِّي بآخر المئة الثَّامِنَة رَحمَه الله تَعَالَى ونفع بِهِ آمين وَمِنْهُم تِلْمِيذه المقرىء الصَّالح صفي الدّين أَحْمد بن أبي بكر بن مُتبع العودي

وَكَانَ فَاضلا عَالما صَالحا أَخذ الْقرَاءَات السَّبع عَن الْمقري نسر الْمُقدم ذكره وَعَن غَيره وانتفع بِهِ جمَاعَة من الطّلبَة وَكَانَ فِيمَا حكى المقرىء شمس الدّين عَليّ بن مُحَمَّد الشرعبي لَهُ معرفَة فِي علم الْأَسْمَاء ويستخدم الْجِنّ وروى عَنهُ حِكَايَة عَجِيبَة فِي معنى ذَلِك ذكرتها فِي الأَصْل توفّي بِأول المئة التَّاسِعَة وَمِنْهُم المقرىء نَفِيس الدّين سُلَيْمَان بن عبد الله السورقي اشْتهر بِالْعلمِ وَالْعَمَل وَالْعِبَادَة وَقصد للزيارة فاق أهل وقته فِي علم الْقرَاءَات وَتُوفِّي بآخر المئة الثَّامِنَة رَحمَه الله ونفع بِهِ وَمِنْهُم الْفَقِيه جمال الدّين مُحَمَّد بن أبي بكر بن شمس الدّين كَانَ مقرئا فَقِيها محققا درس وَأفْتى واشتهر بِشَيْء من علم الْأَسْمَاء وَنسب إِلَى الصّلاح وَكَانَت وَفَاته بعد سنة عشر وثمانمئة رَحمَه الله ونفع بِهِ وَمِنْهُم الْفَقِيه الصَّالح تَقِيّ الدّين عمر بن عَليّ بن إِبْرَاهِيم الشغدري قَرَأَ بالقراءات السَّبع على جمَاعَة من أَئِمَّة وقته وأجازوا لَهُ واجتهد بِتِلَاوَة كتاب الله تَعَالَى وَالْعِبَادَة وَتخرج على يَده جمَاعَة واشتهرت لَهُ الكرامات وَتُوفِّي سنة خمس وَثَلَاثِينَ وثمانمئة وَمن المتوفين هُنَالك المقرىء عفيف الدّين سعيد بن عمر السورقي والمقرىء رَضِي الدّين أَبُو بكر بن عُثْمَان السورقي والفقيه عفيف الدّين نَاجِي بن سعيد السورقي وَلم أتحقق حَال هَؤُلَاءِ مفصلا وَإِنَّمَا تحققته مُجملا وَهُوَ أَنهم من الْفُضَلَاء والأخيار والعباد توفّي بَعضهم سنة تسع وَثَلَاثِينَ وثمانمئة من ألم الطَّاعُون شَهِيدا رَحِمهم الله تَعَالَى ونفع بهم وَمِنْهُم المقرىء الصَّالح عفيف الدّين سعيد بن عَليّ الفتوحي السورقي قَرَأَ على جمَاعَة بالقراءات السَّبع مِنْهُم المقرىء الصَّالح جمال الدّين مُحَمَّد بن يحيى السارقي من أهل حراز الْمُقدم الذّكر هُنَاكَ ثمَّ رَجَعَ بَلَده فَأَقَامَ فِيهَا مُفِيدا للطلبة الوافدين إِلَيْهِ

وباذلا نَفسه لإفادتهم وإعانتهم بِمَا يقدر عَلَيْهِ من المعونة لَهُم وَمَا عجز عَنهُ سعى لَهُم بِهِ وَكَانَ يُبَاشر عمل الزَّرْع بِيَدِهِ فِي أَرض يملكهَا وَكَانَ متواضعا لَا يتنعم بمطعم وَلَا ملبس وَله اجْتِهَاد بِقِيَام اللَّيْل وَصِيَام النَّهَار متورعا عَن الشُّبُهَات جَارِيا على طَريقَة السّلف الصَّالح واشتهرت لَهُ كرامات كَثِيرَة وَلما حَضرته الْوَفَاة صلى الْعَصْر فِي الْمَسْجِد ثمَّ اسْتقْبل الْقبْلَة وَهَلل وَكبر كثيرا مُشِيرا بإصبعه المسبحة ثمَّ توفّي فِي مَوضِع على طَهَارَة مُسْتَقْبلا الْقبْلَة من غير مرض مُتَقَدم وَكَانَت وَفَاته بعد سنة أَرْبَعِينَ وثمانمئة رَحمَه الله ونفع بِهِ وَخَلفه وَلَده الْمُبَارك عبد الرَّحِيم فَلَزِمَ طَريقَة وَالِده بالتلاوة وَنسخ الْمَصَاحِف الْكَرِيمَة والتوسط بالإصلاح بَين أهل بَلَده ولكلامه قبُول عِنْد النَّاس وجلل بِسَبَبِهِ أَمَاكِن كَثِيرَة وَكتب هَذَا الْمَجْمُوع وَهُوَ فِي قيد الْحَيَاة وَمِنْهُم المقرىء عفيف الدّين عُثْمَان بن إِبْرَاهِيم السورقي قَرَأَ فِي الْقرَاءَات السَّبع على المقرىء سعيد الْمُقدم الذّكر فَأجَاز لَهُ وَكَانَ من الأخيار وَمن أهل بلد العربيين الْحَاج الْوَلِيّ الصَّالح عفيف الدّين مفضل بن مُحَمَّد الزُّهْرِيّ مولده بِذِي الْقَرْض من بلد العربيين كَانَ مِمَّن أدْرك الشَّيْخ عبد الْأَكْبَر الْمَشْهُور برباط ذِي عسل كَانَ هُوَ وَإِخْوَته من فضلاء الْبَلَد رُوِيَ أَن هَذَا الْحَاج مفضل نَام فِي بعض اللَّيَالِي فَاسْتَيْقَظَ متفكرا فَأنْكر إخْوَته حَاله وَخرج من بَينهم ففقدوه أَيَّامًا فَسَأَلُوهُ عَنهُ فَأخْبرُوا أَنه بِرَأْس جبل قريب مِنْهُم يعبد الله تَعَالَى وَعِنْده شخص لم يُخْبِرهُمْ عَنهُ فَنزل مَعَهم إِلَى بَيتهمْ فَبَقيَ يعبد الله هُنَاكَ أَيَّامًا ثمَّ بَاعَ من أرضه مَا تجهز بِهِ إِلَى مَكَّة المشرفة فحج وزار قبر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وسافر إِلَى بَيت الْمُقَدّس ثمَّ عسقلان ثمَّ دخل بِلَاد الْمغرب فاس وأندلس ثمَّ رَجَعَ وَقد اجْتمع بِجَمَاعَة من

الصَّالِحين وتأدب بآدابهم وَقَرَأَ فِي كتب الزّهْد وخالط الْعلمَاء فَقَرَأَ كثيرا من كتب التَّفْسِير والْحَدِيث وَكَانَ يحفظ مُعظم تَفْسِير الْقُرْآن الْكَرِيم للْإِمَام الْبَغَوِيّ وخالط الصُّوفِيَّة وَكَانَ يعظ النَّاس وَيكثر الْبكاء وَترك الدُّنْيَا وآثر الخمول واجتهد بِالْعبَادَة وَإِذا سمع كَلَام فحش أَو غيبَة فِي مجْلِس فَارق ذَلِك الْمجْلس وَصَحب جمَاعَة من الْفُقَرَاء فَكَانُوا يذكرُونَ الله تَعَالَى بكرَة وَعَشِيَّة واشتهر لَهُ كرامات كَثِيرَة عَظِيمَة وعد من أهل الخطوة الَّتِي يكرم بهَا الْأَوْلِيَاء من تسخير الأَرْض لَهُم إِن شاؤوا سَارُوا فِي الْهَوَاء أَو فِي المَاء وَقَطعُوا وَجه الأَرْض بِأَقَلّ من سَاعَة وَأَخْبرنِي المقرىء الْعَالم شمس الدّين يُوسُف بن يُونُس الجبائي قَالَ كنت عِنْد الْحَاج مفضل فَجَاءَنِي بِشَيْء من الطَّعَام وَهِي عصيدة فَسمى الله تَعَالَى وأطعمني مِنْهَا لقْمَة وَأدْخل تِلْكَ اللُّقْمَة بِيَدِهِ الْمُبَارَكَة إِلَى فمي فَمن تِلْكَ السَّاعَة فتح الله عَليّ بِالْعلمِ الشريف وَبِكُل خير وَأخْبر عَنهُ بكرامات كَثِيرَة مُشَاهدَة مِمَّا يطول مِمَّا قد ذكرته بِالْأَصْلِ وَلما قربت وَفَاته اجْتهد بِالْعبَادَة وَلزِمَ الِاعْتِكَاف وتوحش عَن النَّاس وَصَارَت لَهُ هَيْبَة عَظِيمَة إِلَى أَن توفّي سنة ثَمَان وَثَلَاثِينَ وثمانمئة رَحمَه الله تَعَالَى ونفع بِهِ آمين وَمِنْهُم الْحَاج الصَّالح جمال الدّين مُحَمَّد بن عبد الله الضبوعي كَانَ رجلا فَاضلا ورعا زاهدا رأى لَهُ الْفَقِيه عفيف الدّين عَطِيَّة بن عبد الرَّزَّاق رُؤْيا تدل على خَيره وَأخْبر غَيره عَنهُ بكرامات توفّي وَدفن بمقبرة ذِي الْقَرْض بِبَلَد العربيين سنة تسع وَثَلَاثِينَ وثمانمئة رَحمَه الله تَعَالَى ونفع بِهِ آمين وَمن الذِّرَاع الْحَاج الصَّالح شمس الدّين عَليّ بن دَاوُد الْهَمدَانِي الْمَشْهُور بالحداد أصل بَلَده حِدة هَمدَان ثمَّ انْتقل إِلَى بعدان وَحل بقرية الشياعي وَتزَوج

مِنْهُم امْرَأَة من نَاس يُقَال لَهُم بَنو الْحداد ثمَّ انْتقل إِلَى قَرْيَة الذِّرَاع الْمَعْرُوفَة بِبَلَد صهْبَان وَتُوفِّي بهَا وَترك وَلَده داؤد الْمَذْكُور فَكَانَ مُبَارَكًا يعْمل بِيَدِهِ فِي الْحَرْث فَحدث لَهُ هَذَا الْوَلَد الصَّالح وَهُوَ الْحَاج شمس الدّين فَتوفي وَالِده وَتَركه ووالدته فَنَشَأَ هَذَا الْحَاج شمس الدّين حراثا وحدادا فحكي عَنهُ مَا تَوَاتر وَكَانَ السَّبَب لصلاحه أَنه قَالَ ذهبت إِلَى بعض الْقرى لآخذ شَيْئا من الطَّعَام أُجْرَة لعملي بشغل الْحَدِيد لبَعض الحراثين وأعطتني والدتي قرصين من الطَّعَام ودابة تحمل ذَلِك الطَّعَام فَلَمَّا كنت فِي أثْنَاء الطَّرِيق سَمِعت صَوتا ضَعِيفا فتبعت الصَّوْت فَنَظَرت رجلا مجذوما وقيحه وصديده يسيل عَلَيْهِ فَقلت مَا حَاجَتك فَقَالَ أُرِيد مَاء أشربه فَجِئْته بِمَاء وسقيته مِنْهُ وَأَطْعَمته من الزَّاد الَّذِي معي فَدَعَا لي فَلَمَّا فرغ من الْأكل هَمَمْت بالانصراف من عِنْده فَوجدت الْمَطَر مُقبلا إِلَيْنَا ففرشت إزَارِي فَوق ظهر حماري وحملت الرجل عَلَيْهِ وَكَانَ قيحه وصديده يسيل على إزَارِي وعَلى ظهر الْحمار فوصلت بِهِ إِلَى مَكَان يكنه من الْمَطَر فتركته ثمَّ انصرفت لحاجتي فَقلت فِي نَفسِي لَعَلَّ يَأْتِي بعض السبَاع فيأكل هَذَا المجذوم فَرَجَعت إِلَى ذَلِك الْمَكَان لأحمله إِلَى مَكَان آخر فَلم أَجِدهُ فتعجبت من ذَلِك ثمَّ ذهبت إِلَى بَيْتِي فَكَانَ كل من لَقِيَنِي قَالَ لي أَمَعَك مسك فَإنَّا نجد رِيحه مَعَك وَلم يكن معي شَيْء مِنْهُ فَذَهَبت بيتنا لأغسل ثِيَابِي من الْقَيْح والصديد الَّذِي وَقع بهَا من ذَلِك المجذوم فَلم نجد شَيْئا سوى رَائِحَة الْمسك فِيهَا فكتمت أَمْرِي ووقفت مُدَّة فِي بَيْتِي فَخرجت فِي بعض اللَّيَالِي إِلَى بعض الْمَسَاجِد فَنَظَرت جمَاعَة بهيئة حَسَنَة لم أعرفهم فَذَهَبت عَنْهُم فَجَاءَنِي بَعضهم وَقَالَ سلم على هَؤُلَاءِ فَسلمت عَلَيْهِم من غير أَن أتحقق حَالهم وهم قريب مَسْجِد قد عَرفته وَلَهُم هَيْئَة حَسَنَة انْتهى كَلَامه ثمَّ قَالَ وَلَده الْحَاج جمال الدّين ثمَّ أَقَامَ وَالِدي بعد ذَلِك أَيَّامًا مُجْتَهدا بِالْعبَادَة ثمَّ سَافر إِلَى مَكَّة المشرفة لِلْحَجِّ إِلَى بَيت الله الْحَرَام على طَرِيق ذمار وَصَنْعَاء هُوَ ورفقته

فَبَاتُوا فِي الْمَكَان الَّذِي يُسمى ذِي جزب عِنْد ذمار وَكَانَت اللَّيْلَة لَيْلَة السَّابِع وَالْعِشْرين من شهر رَمَضَان قَالَ فعطش الرّفْقَة فَأخذت قربتين وقصدت المَاء فِي ظلمَة اللَّيْل فملأت إِحْدَاهمَا فَنَظَرت فَإِذا نور عَظِيم مَلأ الأَرْض إِلَى السَّمَاء فدعوت الله تَعَالَى بِمَا أردْت من خير الدَّاريْنِ ثمَّ مَلَأت الْقرْبَة الثَّانِيَة فَمَا فرغت من ذَلِك إِلَّا وَقد عَادَتْ الظلمَة فَرَجَعت إِلَى رُفَقَائِي وسقيتهم وَقلت لَهُم بِمَا رَأَيْت وأمرتهم بِالدُّعَاءِ ثمَّ نمنا وَكَانَت لَيْلَة مطيرة دَامَ فِيهَا الْمَطَر إِلَى الْيَوْم الثَّانِي ثمَّ سافرنا فوصلنا مَكَّة المشرفة ثمَّ توجهنا للزيارة فَلَمَّا كنت بَين المدينتين مَرضت فسافرت الرّفْقَة وتركتني فحرت فِي أَمْرِي وأتاني رجل أَخْضَر عَلَيْهِ ثِيَاب خضر فَوضع يَده على رَأْسِي ودعا لي فشفيت تِلْكَ السَّاعَة ثمَّ سرت فأدركت الْقَافِلَة ووصلت الْمَدِينَة الشَّرِيفَة وزرت قبر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثمَّ رَجعْنَا إِلَى مَكَّة المشرفة وحججنا ثمَّ رجعت بلدي قلت وَلما رَجَعَ إِلَى بَلَده من مَكَّة الشرفة اشْتهر غَايَة الشُّهْرَة وَظَهَرت لَهُ الكرامات وَقصد للمهمات وَكَانَ يقْضى على يَده الْحَاجَات باذلا نَفسه لذَلِك غير متكبر وَلَا مستغن عَن عمل الْحَدِيد وَكَانَ يخرج السحب الْحَدِيد من النَّار فيمسحه بِيَدِهِ وَلَا تحرق النَّار يَده وزرته بِحَمْد الله تَعَالَى فَوَجَدته مبتذلا متواضعا وَالنَّاس تزدحم على تَقْبِيل يَده وَله كرامات كَثِيرَة من ذَلِك أَنه يدْخل بَين القبيلتين وهما فِي الْحَرْب فيصلح بَينهمَا وَتَقَع الْحِجَارَة فِي بدنه فَلَا تُؤثر فِيهِ بِجرح وَلَا ألم وَمِنْهَا دعاؤه للمرضى فيشفون من وقتهم وَمِنْهَا مَا أَخْبرنِي وَلَده الْحَاج جمال الدّين أَن امْرَأَة حَائِضًا صنعت طَعَاما فَقرب لَهُ وَلم يعلم فَرفع يَده من الطَّعَام وَقَالَ رَأَيْت الدَّم على الطَّعَام وَحكي أَنه كَانَ راتبه فِي كل يَوْم يقْرَأ فِيهِ ألف شرف الْفَاتِحَة ومئة شرف وَأحد عشر

شرفا توفّي رَحمَه الله تَعَالَى بآخر سنة تسع وَثَلَاثِينَ وثمانمئة شَهِيدا من ألم الطَّاعُون وقبره بمقبرة الذِّرَاع يزار ويتبرك بِهِ وَمن أهل المغربة من نواحي الْجند المقرىء الصَّالح عفيف الدّين مَسْعُود بن عمر الجندي كَانَ مقرئا محققا قَرَأَ على جمَاعَة من أَئِمَّة وقته فِي علم الْقرَاءَات ومشاركا فِي بَاقِي الْعُلُوم وَله معرفَة للأسماء وَله فِي الْأَخْبَار عَن المغيبات حكايات كَثِيرَة وَله تصرف وتحكم على الْجِنّ بِمَا علمه من الْأَسْمَاء وشفي على يَده جمَاعَة مِمَّن يجن ويخالطه الجني من الْأنس وَأثْنى عَلَيْهِ سَيِّدي الشَّيْخ الْوَلِيّ شهَاب الدّين أَحْمد بن مُحَمَّد الجبرتي ثَنَاء مرضيا قَالَ كَانَ لَهُ عبَادَة وَصِيَام وَقيام بِمَا يقرب إِلَى الله وَمن شُيُوخه الشَّيْخ وجيه الدّين عبد الرَّحْمَن بن عبد الصَّمد الضمرِي وَتُوفِّي سنة تسع وَثَلَاثِينَ وثمانمئة وقبره بمقبرة المغربة وَهُوَ يزار ويتبرك بِهِ رَحمَه الله تَعَالَى ونفع بِهِ وَمِنْهُم المقرىء جمال الدّين مُحَمَّد بن عبد الله الجندي كَانَ مقرئا عابدا صَالحا كثير الذّكر والتلاوة تخرج بِهِ جمَاعَة من الْفُقَهَاء والطلبة وَكَانَ على طَريقَة السّلف الصَّالح يُبَاشر أَعمال الزَّرْع بِيَدِهِ ويجتهد بِالْعبَادَة توفّي بعد سنة ثَلَاثِينَ وثمانمئة رَحمَه الله تَعَالَى ونفع بِهِ آمين وَمِنْهُم الْفَقِيه يُوسُف بن عمرَان بن نعْمَان كَانَ فَاضلا عابدا يقوم اللَّيْل ويصوم النَّهَار وَظَهَرت لَهُ كرامات توفّي سنة تسع وَثَلَاثِينَ وثمانمئة رَحمَه الله تَعَالَى ونفع بِهِ آمين وَمِنْهُم المقرىء جمال الدّين مُحَمَّد بن أَحْمد القهامي قَرَأَ بالقراءات السَّبع على المقرىء عفيف الدّين جَعْفَر الْآتِي ذكره وَأَجَازَ لَهُ فدرس وَأفْتى بِعلم الْقرَاءَات وَتُوفِّي شَهِيدا من ألم الطَّاعُون سنة تسع وَثَلَاثِينَ وثمانمئة

وَمن أهل الوثب الْفَقِيه شمس الدّين يُوسُف بن عمر بن مقدم العياني كَانَ فَقِيها مُجْتَهدا بِالْعبَادَة والإصلاح بَين النَّاس وَظَهَرت لَهُ كرامات توفّي سنة أَرْبَعِينَ وثمانمئة رَحمَه الله تَعَالَى ونفع بِهِ آمين وَمِنْهُم أَخُوهُ الْفَقِيه عفيف الدّين مُسلم بن عمر كَانَ فَاضلا مُجْتَهدا بِالْعبَادَة فظهرت لَهُ كرامات توفّي بعد سنة ثَلَاثِينَ وثمانمئة رَحمَه الله تَعَالَى ونفع بِهِ آمين وَمن أهل قَرْيَة قرامد القَاضِي الْأَجَل شهَاب الدّين أَحْمد بن مُحَمَّد الشجاع الوجهي قَرَأَ بالفقه على جمَاعَة من أَئِمَّة وقته فأجازوا لَهُ فدرس وَأفْتى وَولي الْقَضَاء وَظَهَرت لَهُ الكرامات وَتُوفِّي بآخر المئة الثَّامِنَة وَخَلفه بمنصبه ابْن عَمه القَاضِي رَضِي الدّين أَبُو بكر بن عبد الله الشجاع قَرَأَ على ابْن عَمه الْمُقدم الذّكر وعَلى غَيره ودرس وَأفْتى وَلم تطل مدَّته بل توفّي بعد ابْن عَمه بِمدَّة قَليلَة وَمن اليهاقر المقرىء الْفَاضِل الصَّالح رَضِي الدّين أَبُو بكر بن عَليّ الْمَشْهُور بالمقرىء أصل بَلَده حمر فانتقل مِنْهَا للْقِرَاءَة فِي الْقرَاءَات السَّبع فاستوطن اليهاقر واشتهر بِعلم الْقرَاءَات وتجويدها فدرس بهَا وَفتحت عَلَيْهِ الدُّنْيَا وَنسب إِلَى علم الْأَسْمَاء وَظَهَرت لَهُ كرامات وزاره النَّاس وَأَجْمعُوا على صَلَاحه وجلله السُّلْطَان واحترمه فِي مَكَانَهُ وجيرانه وَمن لَجأ إِلَيْهِ أَمن وَقبلت شَفَاعَته فِيهِ ودام على ذَلِك إِلَى أَن توفّي بعد سنة عشر وثمانمئة وقبر بمقبرة اليهاقر عِنْد الْفُقَهَاء من بني التربتي الْمَشْهُورين بِالْفَضْلِ قَدِيما وَالصَّلَاح رَحِمهم الله تَعَالَى ونفع بهم آمين

وَمِنْهُم الْفَقِيه الْعَالم الصَّالح جمال الدّين مُحَمَّد بن عبد الله الْمَشْهُور بالفقيه بَيَان حُكيَ أَنه من قَبيلَة يُقَال لَهُم بَنو قَاسم وَأَنه قَرَأَ على عُلَمَاء وقته فَكَانَ مقرئا فَقِيها مدرسا مفتيا عابدا صَالحا اشتهرت لَهُ كرامات وانقاد لَهُ أهل قطره فأتمروا بأَمْره وانتهوا بنهيه وَكَانَ مجاب الدعْوَة وَنظر على الْمَسْجِد الْأَوْسَط باليهاقر فعمره عمَارَة جَيِّدَة وَقَامَ بِهِ أتم قيام ثمَّ توفّي بعد سنة خَمْسَة عشر وثمانمئة رَحمَه الله ونفع بِهِ وَمن أهل الْجند القَاضِي جمال الدّين مُحَمَّد بن حُسَيْن البَجلِيّ كَانَ عَالما عَاملا أصل بَلَده بجيلة انْتقل لطلب الْعلم فَقَرَأَ على جمَاعَة من الْأَئِمَّة وَحضر مجْلِس التدريس للْإِمَام مجد الدّين الشِّيرَازِيّ والفقيه نَفِيس الدّين الْعلوِي فأجازا لَهُ وَتَوَلَّى الْقَضَاء بالجند وَكَانَت سيرته مرضية وَله شمائل مرضية توفّي بالعشر الأول من المئة التَّاسِعَة رَحمَه الله تَعَالَى ونفع بِهِ آمين وَمِنْهُم الْفَقِيه الْعَالم وجيه الدّين عبد الرَّحْمَن بن يُوسُف بن غَازِي قَرَأَ على جمَاعَة من أَئِمَّة وقته وأجازوا لَهُ وَكَانَ يخْطب بِجَامِع الْجند إِلَى أَن توفّي بعد سنة عشر وثمانمئة رَحمَه الله تَعَالَى ونفع بِهِ وَمِنْهُم الْفُقَهَاء بَنو شقير قد ذكر الجندي المؤرخ الْعلمَاء مِنْهُم وَنسب بِنَاء الْمدرسَة الشقيرية وَمِمَّنْ تَأَخَّرت وَفَاته مِنْهُم الْفَقِيه رَضِي الدّين أَبُو بكر بن شقير وَمن شُيُوخه الإِمَام مجد الدّين الشِّيرَازِيّ وَالْإِمَام نَفِيس الدّين الْعلوِي وَتُوفِّي فِي المئة التَّاسِعَة بأولها رَحمَه الله تَعَالَى ونفع بِهِ آمين وَمِنْهُم المقرىء وجيه الدّين عبد الرَّحْمَن بن أبي بكر بن شقير قَرَأَ على جمَاعَة من أَئِمَّة وقته فِي الْقرَاءَات السَّبع وَفِي غَيرهَا وانتفع بِهِ وأجازوا لَهُ فَمن شُيُوخه فِي الْقرَاءَات المقرىء الملحاني وَالْإِمَام نَفِيس الدّين الْعلوِي فَكَانَ مقرئا مُحدثا وفقيها مدرسا

مفتيا وَعرض عَلَيْهِ الْقَضَاء فِي الْجند فَامْتنعَ من قبُوله تورعا وَتُوفِّي بالفناء الْأَكْبَر شَهِيدا من ألم الطَّاعُون سنة تسع وَثَلَاثِينَ وثمانمئة رَحمَه الله ونفع بِهِ آمين وَبِه انقرض من يذكر من بني شقير وَمن المتوفين بالجند القَاضِي عفيف الدّين أَبُو الْقَاسِم بن مُحَمَّد الجبيلي قَرَأَ على جمَاعَة من أَئِمَّة وقته بِمَدِينَة تعز وزبيد وأجازوا لَهُ فدرس وَأفْتى وَتَوَلَّى الْقَضَاء بالجند وأضيف إِلَيْهِ الخطابة بالجامع وَتُوفِّي سنة تسع وَثَلَاثِينَ وثمانمئة رَحمَه الله تَعَالَى ونفع بِهِ آمين وَمِنْهُم المقرىء اللَّيْث البنائي قَرَأَ بالقراءات السَّبع على المقرىء شمس الدّين عَليّ بن مُحَمَّد الشرعبي ثمَّ رتب إِمَامًا فِي جَامع الْجند وأضيف إِلَيْهِ الخطابة فِيهِ فَكَانَ يدرس بالقراءات السَّبع وَيكرم الضَّيْف ويجتهد بِقَضَاء حوائج الْمُسلمين وَكَانَت لَهُ عبَادَة وزهادة توفّي سنة خمسين وثمانمئة رَحمَه الله تَعَالَى ونفع بِهِ وَمن أهل السمكرة القَاضِي رَضِي الدّين أَبُو بكر بن مُحَمَّد الحصوي حكى لي الثِّقَة أَنه كَانَ فَقِيها عَالما عَاملا يدرس ويفتي وَأَنه تولى الْقَضَاء بالجند وأعماله وَسَار فيهم سيرة حَسَنَة وَتُوفِّي بآخر المئة الثَّامِنَة وقبر بمقبرة السمكر رَحمَه الله تَعَالَى ونفع بِهِ وَمِنْهُم المقرىء رَضِي الدّين أَبُو بكر بن أَحْمد الْهَمدَانِي اشْتهر بِمَعْرِِفَة الْقرَاءَات السَّبع وشارك فِي غَيرهَا من أَنْوَاع الْعُلُوم ودرس وَأفْتى وَكَانَ مبارك التدريس ثَبت فِي الْفَتْوَى وَتُوفِّي بِأول المئة التَّاسِعَة وقبر بمقبرة السمكر رَحمَه الله

وَمن أهل زبران الْفَقِيه الصَّالح جمال الدّين مُحَمَّد بن يُوسُف الزبراني قَرَأَ على الإِمَام الريمي ثمَّ الْفَقِيه زين الدّين عمر بن أَحْمد الزبراني كَانَا فاضلين مباركين أثنوا عَلَيْهِمَا بِالْخَيرِ وَالصَّلَاح وتوفيا آخر المئة الثَّامِنَة وَاحِدًا بعد وَاحِد لم أتحقق السَّابِق مِنْهُم موتا رحمهمَا الله تَعَالَى ونفع بهما وللفقيه جمال الدّين الْمَذْكُور مَنَام عَجِيب يدل على خَيره وفضله ذكرت ذَلِك فِي الأَصْل وحذفته هُنَا اختصارا وَمِنْهُم المقرىء الصَّالح شمس الدّين يُوسُف بن سعيد الييس السورقي قيل أَنه من تلامذة الْفَقِيه تَقِيّ الدّين عمر بن سعيد بن فاتك تولى الخطابة بِجَامِع الْجند وَكَانَت لَهُ عبَادَة وكرامات وَتُوفِّي بعد سنة أَرْبَعِينَ وثمانمئة رَحمَه الله تَعَالَى ونفع بِهِ آمين وَمن أهل البرح تَحت حصن الدملوة القَاضِي الْأَجَل جمال الدّين مُحَمَّد بن عبد الصَّمد بن أبي بكر العريقي السكْسكِي البرحي قَرَأَ بفن الْفِقْه على جمَاعَة من أَئِمَّة وقته وَقَرَأَ بِالْحَدِيثِ وَالتَّفْسِير وَسمع على الشَّيْخ مجد الدّين الصديقي وَالْإِمَام نَفِيس الدّين الْعلوِي وأجازوا لَهُ فدرس وَأفْتى وَكَانَ عَالما عَاملا صَالحا سالكا طَرِيق السّلف الصَّالح مجمعا على جلالته وورعه وزهده وأضيف إِلَيْهِ ولَايَة الْقَضَاء فِي بلد الجوه وَمَا إِلَيْهَا ودام على ذَلِك إِلَى أَن غلب عَلَيْهِ الشوق إِلَى بَيت الله الْحَرَام فسافر إِلَيْهِ وَتُوفِّي هُنَالك بعد سنة أَرْبَعِينَ وثمانمئة رَحمَه الله ونفع بِهِ وَمن أهل اللفج الْحَاج الصَّالح شهَاب الدّين أَحْمد بن عَليّ بن مكين كَانَ

رجلا مُبَارَكًا كثير التَّرَدُّد للسَّفر إِلَى مَكَّة المشرفة وَإِلَى الْمَدِينَة ويزور الصَّالِحين وَالْفُقَهَاء والأخيار وَأثْنى عَلَيْهِ القَاضِي صفي الدّين أَحْمد بن أبي بكر البريهي بعد أَن آخاه ووفد عَلَيْهِ إِلَى مَدِينَة إب بِشَهْر ربيع من سنة ثَمَان وَثَمَانِينَ وثمانمئة وَلم أتحقق من تَارِيخ وَفَاته وَلَا أَيْن توفّي رَحمَه الله تَعَالَى ونفع بِهِ آمين وَمِنْهُم الْفَقِيه عفيف الدّين عَطِيَّة بن عبد الله صَاحب الكبة وَكَانَ من الْعباد والزهاد واشتهرت لَهُ كرامات فجلل واحترم مَكَانَهُ لأَجله وَلم أتحقق تَارِيخ وَفَاته رَحمَه الله تَعَالَى ونفع بِهِ وَمن ذُريَّته الْفَقِيه جمال الدّين مُحَمَّد بن عَليّ والفقيه جمال الدّين مُحَمَّد بن عبد السَّلَام كَانَا فقيهين فاضلين اشتهرا بِالْكَرمِ وإقراء الضَّيْف وقصدا للمهمات وقضيت على يديهما الْحَاجَات وَتُوفِّي الْفَقِيه مُحَمَّد بن عَليّ سنة تسع وَثَلَاثِينَ وثمانمئة شَهِيدا من ألم الطَّاعُون والفقيه جمال الدّين مُحَمَّد بن عبد السَّلَام قبله بِنَحْوِ سنتَيْن وقبر بمقبرة رِبَاط الكبة رحمهمَا الله تَعَالَى ونفع بهما آمين وَمن أهل اللفج الْفَقِيه الصَّالح برهَان الدّين إِبْرَاهِيم بن أبي بكر بن إِبْرَاهِيم بن يحيى بن مُحَمَّد بن عمر بن أَحْمد بن مسبح كَانَ فَقِيها عَالما عَاملا درس وَأفْتى إِلَى أَن توفّي إِلَى رَحْمَة الله تَعَالَى وَلم أتحقق تَارِيخ وَفَاته رَحمَه الله تَعَالَى ونفع بِهِ آمين وَمِنْهُم وَلَده النجيب الشَّيْخ الصَّالح الْوَلِيّ ذُو الكرامات وجيه الدّين عبد الرَّحْمَن صَاحب اللفج قَرَأَ بالعلوم الْفِقْهِيَّة على بعض أَئِمَّة وقته وَقَرَأَ بِالْحَدِيثِ وَالتَّفْسِير على الإِمَام نَفِيس الدّين الْعلوِي وَقَرَأَ بِعلم الْأَسْمَاء فِي اماكن مُتَفَرِّقَة وَكَانَ ذَا جاه عريض وكرم مستفيض باذلا نَفسه لقَضَاء حوايج الْمُسلمين مَعَ جاهه الْكَبِير عِنْد وُلَاة الْأَمر وَغَيرهم وَكَانَت لَهُ كرامات كَثِيرَة وتواضع واجتهاد بِالْعبَادَة مَعَ الْقيام بِاللَّيْلِ وَالصِّيَام بِالنَّهَارِ وَدُعَاء وتضرع وابتهال وَأخْبر عَن الْيَوْم الَّذِي يَمُوت فِيهِ وَعند قريب وَفَاته ودع أهل بَلَده وَأَهله وَأَصْحَابه وأستبرأ ذمَّته مِنْهُم وَلما قربت وَفَاته كتب إِلَى الإِمَام

نَفِيس الدّين الْعلوِي أَنه يَمُوت قبل وَفَاء سنة من مَوته فَكَانَ الْأَمر كَمَا قَالَ وَتُوفِّي بِشَهْر شعْبَان الْكَرِيم سنة أَربع وَعشْرين وثمانمئة فَلَمَّا توفّي خَلفه بمنصبه ابْن أَخِيه الْفَقِيه الْفَاضِل الْعَالم تَقِيّ الدّين عمر بن مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم المسبح قَرَأَ بِعلم الحَدِيث على الإِمَام نَفِيس الدّين الْعلوِي فِي علم الْفِقْه وعَلى غَيره بِعلم الْفِقْه من أهل وقته وأجازوا لَهُ فدرس وَأفْتى فَكَانَ عَالما عَاملا صَالحا يرحل إِلَيْهِ طلبة الْعلم الشريف من أَمَاكِن شَتَّى ويفيدهم الْفَوَائِد الجليلة وَمِمَّنْ تخرج بِهِ بَنو المشملي والفقيه جمال الدّين مُحَمَّد بن حسن بن عبد الصَّمد وَمن وَفد إِلَيْهِ أكْرمه بأنواع الضيافات وَله كرامات اشتهرت عِنْد أهل تِلْكَ الْجِهَات وَكَانَ مجاب الدعْوَة وَتُوفِّي سنة ثَمَان وَثَلَاثِينَ وثمانمئة وَمن المتوفين بالمنصورة الْفَقِيه الْعَلامَة شمس الدّين يُوسُف بن أَحْمد بن عَطِيَّة الْخياط الجندي قَرَأَ بِالْحَدِيثِ على الإِمَام نَفِيس الدّين الْعلوِي وَغَيره بِمَدِينَة تعز وبمكة المشرفة على الشَّيْخ كَمَال الدّين أبي الْفضل مُحَمَّد بن أَحْمد بن ظهيرة وَقَرَأَ على جمَاعَة من فُقَهَاء الْيمن فِي الْفِقْه فدرس وَأفْتى وَتَوَلَّى الْقَضَاء فِي منصورة الدملوة ودرس بِالْمَدْرَسَةِ الافتخارية بهَا وَكَانَ ذَا علم وَعمل انْتَهَت إِلَيْهِ الرِّئَاسَة بالفتوى والتدريس بِتِلْكَ الْجِهَات إِلَى أَن توفّي قريب سنة أَرْبَعِينَ وثمانمئة رَحمَه الله تَعَالَى ونفع بِهِ آمين وَمن درسته الْفَقِيه جمال الدّين مُحَمَّد بن حسن الْخَطِيب الْمَشْهُور هُنَالك

والفقيه شهَاب الدّين أَحْمد بن مُحَمَّد بن زُرَيْع والفقيه شهَاب الدّين أَحْمد بن مُحَمَّد الصارم الموزعي وشهاب الدّين وعفيف الدّين عبد الله ابْنا عبد الرَّحْمَن الْخَطِيب فَهَؤُلَاءِ فُقَهَاء تِلْكَ الْبَلدة وَلم أتحقق تَارِيخ وفاتهم وَلَا تَفْصِيل حَالهم رَحِمهم الله تَعَالَى ونفع بهم آمين وَمن المتوفين بالمنصورة من الوافدين إِلَيْهَا القَاضِي الْعَلامَة صارم الدّين داؤد بن أَحْمد بن مُحَمَّد بن عبد الله الْهَمدَانِي نسبا المقروضي بَلَدا كَانَ عَالما عَاملا ذكيا فَاضلا قَرَأَ على الْفُقَهَاء بِمَدِينَة إب بِعلم الْفِقْه وَأثْنى عَلَيْهِ الْفَقِيه جمال الدّين مُحَمَّد بن عبد الله الْكَاهِلِي وَكَانَ قد تولى هَذَا القَاضِي صارم الدّين الْقَضَاء ببعدان ثمَّ انْفَصل عَنهُ فانتقل إِلَى تعز فولاه قَاضِي الْأَقْضِيَة وَهُوَ الشَّيْخ شهَاب الدّين الرداد على قَضَاء المنصورة وَقد كَانَ مُتَوَلِّيًا عَلَيْهَا قبل فِي الْأَحْكَام الشَّرْعِيَّة القَاضِي وجيه الدّين النحواني فانتقل القَاضِي وجيه الدّين مِنْهَا إِلَى مَدِينَة إب وَاسْتمرّ القَاضِي صارم الدّين على الْقَضَاء بذلك الْمَكَان فَأمر بِالْمَعْرُوفِ وَنهى عَن الْمُنكر الْمخوف وَعمر مَا تشعث من الْمَسَاجِد بِتِلْكَ الْجِهَات مِنْهَا جَامع الجؤة وألزم أهل الْبَلَد إِقَامَة الْجَمَاعَة فِي الصَّلَوَات وَالْأَذَان بعد أَن كَانُوا أهملوا ذَلِك أَو بَعضهم وَقد قيل إِن هَذَا الْجَامِع مِمَّا عمره الْحُسَيْن بن سَلامَة وَلِهَذَا القَاضِي صارم الدّين أَبْيَات من الشّعْر ضمنهَا الأبيات الَّتِي للشَّيْخ يحيى بن أبي الْخَيْر العمراني حَيْثُ يَقُول (كم حَاجَة بِمحل النَّجْم قربهَا ... طول التَّعَرُّض والروحات وَالْبكْر) فَقَالَ القَاضِي صارم الدّين مادحا للشَّيْخ عماد الدّين يحيى بن أبي الْخَيْر وللبيان الَّذِي صنفه الشَّيْخ يحيى بن أبي الْخَيْر رَحمَه الله تَعَالَى ونفع بِهِ آمين

(إِن الْبَيَان بَيَان للعلوم وَقد ... خص الْمذَاهب مَا قَالُوا وَمَا سطروا) (جمع الْأَمَام تَقِيّ الْعدْل صنفه ... لله يحيى فأحيا كلما ذكرُوا) (وقلد الشَّافِعِي وَاخْتَارَ مذْهبه ... لما رأى قَوْله يَعْلُو إِذا افْتَخرُوا) (قولا سديدا بِحَبل الله معتصما ... وزانه النَّص وَالْإِجْمَاع والأثر) (وَقَالَ فِي خَتمه قولا فَصَارَ بِهِ ... الركب يمتثل والبدو والحضر) (كم حَاجَة بِمحل النَّجْم قربهَا ... طول التَّعَرُّض والروحات وَالْبكْر) (اشْدُد يَديك بِحَبل الدَّرْس مُجْتَهدا ... وَإِن أمضك طول اللَّيْل والسهر) (إِن التُّجَّار إِذا جاؤوا وَقد ربحوا ... أنساهم الرِّبْح مَا عناهم السّفر) هَذِه الأبيات الثَّلَاثَة الْأَخِيرَة للأمام عماد الدّين يحيى بن أبي الْخَيْر وَقد اضاف إِلَيْهَا القَاضِي صارم الدّين مَا تقدم مَعَ زِيَادَة عَلَيْهَا هِيَ مَذْكُورَة فِي الأَصْل وَتركت بَاقِيهَا هُنَا اختصارا وَتُوفِّي هَذَا القَاضِي صارم الدّين سنة تسع وَعشْرين وثمانمئة رَحمَه الله تَعَالَى ونفع بِهِ آمين وَمن بلد الأشعوب جمَاعَة من الْفُقَهَاء والفضلاء أَجلهم الْفَقِيه الْعَلامَة وجيه الدّين عبد الله بن الشَّيْخ الكبيري البرحي الشّعبِيّ الدملوي قَرَأَ على أَئِمَّة وقته بِبَلَدِهِ وبمدينة تعز وأجازوا لَهُ فدرس وَأفْتى وَلم أتحقق وَفَاته وَمِنْهُم وَلَده أَبُو بكر قَرَأَ على وَالِده وعَلى غَيره من أَئِمَّة وقته فدرس وَأفْتى وَتُوفِّي بعد وَالِده بِسنة وَمن أَوْلَاده القَاضِي برهَان الدّين إِبْرَاهِيم قَرَأَ على وَالِده وَجمع بَين طَريقَة الْفِقْه والتصوف فَمن مشايخه فِي التصوف الشَّيْخ مُحَمَّد المزجاجي وَفِي الحَدِيث الإِمَام نَفِيس الدّين وَالشَّيْخ مجد الدّين الشِّيرَازِيّ وَكَانَ آمرا بِالْمَعْرُوفِ ناهيا عَن الْمُنكر وَتُوفِّي سنة سِتّ عشرَة وثمانمئة رَحمَه الله تَعَالَى ونفع بِهِ آمين

وَمِنْهُم الْفَقِيه عبد الصَّمد بن أبي بكر قَرَأَ على وَلَده الْفَقِيه برهَان الدّين الْمُقدم الذّكر وعَلى غَيره وَولده الْفَقِيه شهَاب الدّين وصنوه الْفَقِيه شمال عَليّ بن عبد الصَّمد كَانُوا ذَوي فضل وَعلم وَظَهَرت لبَعْضهِم كرامات وَمن أهل تِلْكَ الْجِهَات بمعشار الدملوة القَاضِي عفيف الدّين عبد الرَّحِيم بن عبد الله الأصبحي هُوَ من درسة الإِمَام شمال عَليّ بن أَحْمد الأصبحي مُصَنف كتاب الْمعِين قَرَأَ هَذَا الْفَقِيه عبد الرَّحِيم على القَاضِي صفي الدّين أَحْمد بن أبي بكر البريهي فِي الْفِقْه وأجازوا لَهُ هُوَ وَالْإِمَام نَفِيس الدّين الْعلوِي حُكيَ أَن هَذَا الْفَقِيه عبد الرَّحِيم كَانَ يُصَلِّي فِي الْيَوْم وَاللَّيْلَة زِيَادَة على مئة رَكْعَة تَطَوّعا واشتهرت لَهُ كرامات وَكَانَ باذلا نَفسه للطلبة وتدريس الْعلم وَتُوفِّي سنة تسع وَسِتِّينَ وثمانمئة رَحمَه الله ونفع بِهِ آمين وَمن أهل قدس الْفَقِيه الصَّالح تَقِيّ الدّين عمرَان بن عَليّ بن عمرَان السلَامِي كَانَ فَقِيها عَالما عَاملا ورعا زاهدا صَالحا عَلَيْهِ السكينَة وَالْوَقار درس وَأفْتى وَأمر بِالْمَعْرُوفِ وَنهى عَن الْمُنكر وَكَانَ كثير الصّيام وَالْقِيَام لَا يَأْكُل طَعَاما فِيهِ شُبْهَة وَحصل كتبا كَثِيرَة وَإِذا سَافر حملهَا مَعَه وَقد ضَبطهَا أحسن ضبط توفّي سنة ثَلَاث وَسِتِّينَ وثمانمئة رَحمَه الله تَعَالَى ونفع بِهِ آمين وَمن الْفُقَهَاء بذبحان الْفَقِيه شهَاب الدّين أَحْمد بن إِبْرَاهِيم السمري قَرَأَ على الإِمَام رَضِي الدّين ابْن الْخياط وعَلى غَيره من فُقَهَاء وقته وأجازوا لَهُ فدرس وَأفْتى وَكَانَ

فَقِيها عَالما عَاملا وَحصل كتبا كَثِيرَة أوقفها على طلبة الْعلم هُنَالك وَتُوفِّي بعد سنة أَرْبَعِينَ وثمانمئة رَحمَه الله تَعَالَى ونفع بِهِ آمين وَأما بَنو المسن من أهل ذبحان فقد ذكر الجندي المؤرخ مِنْهُم الصَّالح شُجَاع الدّين عمر بن المسن وَبَعض ذُريَّته فَمِمَّنْ اشْتهر مِنْهُم من أهل عصرنا الشَّيْخ الصَّالح عفيف الدّين عبد الله بن عمر بن عبد الله بن عمر بن مُحَمَّد بن عبد الله بن عمر بن مُحَمَّد بن المسن قَالَ القَاضِي وجيه الدّين عبد الرَّحْمَن بن مُحَمَّد النحواني هُوَ صَاحب الطَّرِيقَة وَإِمَام أهل الْحَقِيقَة واستاذ العارفين وَشَيخ الْمُحَقِّقين أخْبرت أَن مولده فِي الرَّابِع عشر من الْمحرم سنة أَربع وَخمسين وسبعمئة قَالَ وَهُوَ مِمَّن جمع صِفَات المحاسن واحتوى على محَاسِن الصِّفَات وكرم الشَّمَائِل وعذوبة الطَّبْع وَحسن الْأَخْلَاق ولين العريكة وَقرب الجناب ولطف الْمَعْنى كَانَ مَشْهُورا بِالْفَضْلِ وَالصَّلَاح متضلعا فِي فنون الْعلم متحريا فِيهَا سِيمَا علم الْعَرَبيَّة فَإِن لَهُ فِيهِ الْيَد الطُّولى والغاية القصوى وَله قريحة مطاوعة وفطنة لامعة وفصاحة رائعة وَقدم فِي الْعُلُوم بارعة وَكَانَ محبوبا إِلَى عَامَّة النَّاس وخاصتهم مَقْبُول الشَّفَاعَة مسموع الْكَلِمَة مجاب الدعْوَة فِي حَال السماع إِذْ كَانَ شاربا من الْمعرفَة بالكأس الأوفى سالكا مَسْلَك الحنفا وَأعْطِي الْحَظ وَالْمشْرَب الأصفى قَالَ النحواني رَحمَه الله تَعَالَى قَرَأت عَلَيْهِ طرفا من علم الْعَرَبيَّة وَغير ذَلِك وعَلى الْجُمْلَة فَكَانَ هَذَا الشَّيْخ مِمَّن جمع بَين الْعلم وَالْعَمَل فمنحه الله الْخَيْر الدنيوي والأخروي وَظَهَرت لَهُ كرامات كَثِيرَة وَكَانَت لَهُ قريحة مطاوعة ينظم بهَا الشّعْر من ذَلِك مَا قرأته مُعَلّقا بِخَط تِلْمِيذه القَاضِي وجيه الدّين النحواني قَالَ أَقمت عِنْد الشَّيْخ الصَّالح الرباني عفيف الدّين عبد الله بن عمر المسن أَيَّامًا ثمَّ أردْت أَن استأذنه بِالسَّفرِ

من عِنْده فَكتبت إِلَيْهِ أبياتا فَأَجَابَنِي بقوله (يَا سيدا رقت مَعَاني لَفظه ... ومهذبا فاقت علاهُ فخارا) (الْأذن إذنك لَا جنَاح فَمن يساوره ... المشوق لَا يلذ قرارا) (وَيكون صبح غَد رحيلك سالما ... وتعود فِي كنف اللقا تسمارا) وَلما تولى القَاضِي وجيه الدّين النحواني قَضَاء جبلة كتب إِلَيْهِ الشَّيْخ عفيف الدّين مَا مِثَاله من قصيدة طَوِيلَة أَولهَا (سرى ناعم النشر من ذِي سلم ... فَطَافَ بِربع الشجا واستلم) (وخامرني من شذا طيبه ... ارتياح السلاف وروح النعم) حَتَّى قَالَ فِي آخرهَا يمدح القَاضِي وجيه الدّين النحواني (لَعَلَّ الْوَجِيه وَيَا رُبمَا ... لمستعطفيه تَقولُوا نعم) (فتزهو اللَّيَالِي اللواتي خلفن ... وَترجع بالوصل سود اللمم) (أحبة قلبِي فَمن لي بكم ... وَكم لي وَكم لي وَكم) (وَلَوْلَا وَلَوْلَا وَلَوْلَا وَلم ... لحمت على ربعكم والخيم) (وأزكى التَّحِيَّة تغشاكم ... صباحا مسَاء وأوفى النعم) وَله غير ذَلِك من القصائد والتواسل توفّي هَذَا الشَّيْخ عفيف الدّين عبد الله بن عمر الْمُقدم الذّكر فِي أَيَّام التَّشْرِيق من خَاتِمَة شهور سنة ثَمَان وَعشْرين وثمانمئة رَحمَه الله تَعَالَى ونفع بِهِ وقبره مَشْهُور بزار ويتبرك بِهِ وَخَلفه بمنصبه الشَّيْخ الصَّالح جمال الدّين مُحَمَّد بن عبد الله قَامَ مقَامه فِي إكرام

الضَّيْف وَالْإِحْسَان إِلَى الْوَافِد وَالسَّعْي فِي الْإِصْلَاح بَين النَّاس فَكَانَ مسموع القَوْل مُطَاع الْأَمر لَهُ الجاه العريض وَالثنَاء المستفيض وَلم يزل كَذَلِك حَتَّى توفّي بعد سنة ثَلَاثِينَ وثمانمئة وَخَلفه بعده جمَاعَة من أَهله لم ينالوا رتبته إِلَى أَن نجب فيهم فِي وقتنا الشَّيْخ عفيف الدّين عبد الله بن مُحَمَّد بن عبد الْعَزِيز بن عبد الله هُوَ ابْن عَم الشَّيْخ عفيف الدّين الْمُقدم الذّكر صَاحب الشّعْر الْمُتَقَدّم فأحيا منصبهم مآثرهم وَهُوَ الْآن عُمْدَة للقاصد والوافد ويجتمع عِنْده جمَاعَة للذّكر وَجعل ذَلِك راتبا على الدَّوَام وَظَهَرت لَهُ كرامات ودام على ذَلِك إِلَى أَن توفّي وَمن المتوفين بذبحان الْمقري عفيف الدّين مَسْعُود بن مُحَمَّد الحسني أَخذ الْعلم عَن المقرىء سعيد بن عَليّ السورقي والمقرىء نَاجِي بن سعيد السورقي وشارك بِشَيْء من علم الْفِقْه وَكَانَ معدودا من أهل بَيت الشَّيْخ الْعَفِيف بن عبد الله بن مُحَمَّد المسن وملازما لَهُ ومؤدبا لأولاده وَكَانَت وَفَاته سنة سبع وَسِتِّينَ وثمانمئة رَحمَه الله تَعَالَى ونفع بِهِ وَمن بلد الأشعوب بعزلة سامع الشَّيْخ عفيف الدّين عَبَّاس بن عَليّ الكريمي كَانَ مِمَّن صحب الشَّيْخ عفيف الدّين عبد الله بن عمر المسن وتأدب بآدابه وتحكم على يَده واجتهد بِالْعبَادَة وَظهر لَهُ كرامات وَتُوفِّي سنة تسع وَثَلَاثِينَ وثمانمئة وَله ولدان أَحدهمَا اسْمه مُحَمَّد كَانَ سالكا طَرِيق وَالِده فِي الْعِبَادَة وَشهر بِالْخَيرِ وَالثَّانِي اسْمه أَحْمد كَانَ مُبَارَكًا وَظَهَرت لَهُ كرامات وَتُوفِّي مُحَمَّد بعد سنة أَرْبَعِينَ وثمانمئة وَتُوفِّي أَحْمد بعده وَقد نَشأ لَهُ ولد هُوَ الشَّيْخ عبد الرَّحْمَن أخْبرت أَنه من الأخيار الصَّالِحين وَظَهَرت لَهُ كرامات وَتُوفِّي بِشَهْر جُمَادَى الاخرة سنة أَربع وَسبعين وثمانمئة رَحمَه الله تَعَالَى ونفع بِهِ آمين

القول في ذكر من تحققنا حاله من الأعيان من أهل قائمة بني حبيش وجبن والمقرانة ودمت وخبان والربيعين وحجر وصهيب وما والى ذلك

القَوْل فِي ذكر من تحققنا حَاله من الْأَعْيَان من أهل قَائِمَة بني حُبَيْش وَجبن والمقرانة ودمت وخبان والربيعين وَحجر وصهيب وَمَا والى ذَلِك فَمن أهل جبن الإِمَام الْعَلامَة تَقِيّ الدّين عمر بن مُحَمَّد الحبيشي قَرَأَ على الإِمَام عَليّ بن أَحْمد الأصبحي مُصَنف الْمعِين وعَلى غَيره بِسَائِر الْعُلُوم وَكَانَ معاصرا للْإِمَام شرف الدّين إِسْمَاعِيل بن أَحْمد الخلي وَقد ذكره الجندي المؤرخ وَلما مَاتَ الإِمَام تَقِيّ الدّين عمر بن مُحَمَّد الحبيشي اشْتهر بعده جمَاعَة مِنْهُم القَاضِي جمال الدّين مُحَمَّد بن أبي بكر الحبيشي كَانَت لَهُ معرفَة جَيِّدَة بِعلم الْفِقْه وَولي الْقَضَاء بجبن وَمَا والاها وَسَار فيهم سيرة حَسَنَة مرضية واشتهر بِالْكَرمِ وتجويد الْفَتْوَى ودام على ذَلِك إِلَى أَن توفّي بعد سنة عشْرين وثمانمئة وَخَلفه بمنصبه أَوْلَاده النجباء مِنْهُم القَاضِي شرف الدّين أسماعيل بن مُحَمَّد بن أبي بكر قَرَأَ على وَالِده وعَلى غَيره بالفقه وَتَوَلَّى الْقَضَاء بعد وَالِده فحسنت سيرته ثمَّ توفّي سنة ثَمَان وَعشْرين وثمانمئة ثمَّ قَامَ بمنصبه بعده أَخُوهُ رَضِي الدّين أَبُو بكر بن مُحَمَّد وَكَانَت قِرَاءَته بالفقه على أَبِيه وعَلى غَيره وَتَوَلَّى الْقَضَاء هُنَالك إِلَى سنة تسع وَثَلَاثِينَ وثمانمئة فَتوفي بهَا من ألم الطَّاعُون شَهِيدا

ثمَّ تولى الْقَضَاء بعده أَخُوهُ القَاضِي الْأَجَل عفيف الدّين عبد الله بن مُحَمَّد وَقد كَانَ قَرَأَ بِمَدِينَة تعز على الْفَقِيه ولي الدّين عبد الْوَلِيّ بن مُحَمَّد الوحصي ثمَّ بِمَدِينَة إب على الإِمَام جمال الدّين مُحَمَّد بن عبد الله الْكَاهِلِي ثمَّ سَافر إِلَى مَكَّة المشرفة فحج ثمَّ رَجَعَ بعد حُدُوث الطَّاعُون بِالْيمن ووفاة الْعلمَاء والأعيان بِالْبَلَدِ فجد واجتهد وَحصل الْكتب النافعة وَقَرَأَ بهَا أَيْضا على الإِمَام جمال الدّين مُحَمَّد بن مُوسَى الْعَطَّار تلميذ العوادي عِنْد وفوده إِلَى جبن وعَلى المقرىء شمس الدّين يُوسُف الريمي عِنْد وفوده أَيْضا إِلَى جبن وعَلى غَيرهم بالأصول وَالْفِقْه والنحو حَتَّى برع بهَا وانتهت إِلَيْهِ الرِّئَاسَة فِي الْعلم وَالْقَضَاء وَالْفَتْوَى بجهاته فَكَانَ مُطَاع القَوْل مسموع الْكَلِمَة وَاتفقَ بيني وَبَينه مَوَدَّة عَظِيمَة بعد أَن صحبته فِي حَال طلب الْعلم فَكتبت إِلَيْهِ أبياتا من الشّعْر فجاوب عَلَيْهَا بِمَا قد ذكرت ذَلِك جَمِيعه فِي الأَصْل مِمَّا لَا يحْتَملهُ هَذَا الْمُخْتَصر ودام على الْحَال المرضي حَتَّى مَاتَ من ألم الطَّاعُون شَهِيدا سنة ثَمَان وَخمسين وثمانمئة رَحمَه الله تَعَالَى ونفع بِهِ وَخَلفه بمنصبه فِي الْقَضَاء والتدريس والخطابة بجبن صنوه الْفَقِيه تَقِيّ الدّين عمر بن مُحَمَّد الحبيشي قَرَأَ على أَخِيه القَاضِي عفيف الدّين الْمُقدم ذكره وعَلى غَيره فدرس وَأفْتى وسلك الطَّرِيق المرضية فِي الْأَحْكَام الشَّرْعِيَّة والتوسط بِقَضَاء حوائج الْمُسلمين إِلَى المقامين شمس الدّين عَليّ بن طَاهِر وَصَلَاح الدّين عَامر بن طَاهِر وَكَانَ لَا تَأْخُذهُ فِي الله لومة لائم وَلم يزل على الْحَال المرضي إِلَى أَن توفّي سنة رَحمَه الله وَمِنْهُم الْفَقِيه عفيف الدّين عبد اللَّطِيف بن أَحْمد الجبني قَرَأَ بالنحو وَالْفِقْه على وَالِده وعَلى غَيره من عُلَمَاء وقته ثمَّ تولى الْقَضَاء بدمت وصباح ورداع وَمَا والى

ذَلِك وَقَرَأَ على الْأَئِمَّة فِي علم النَّحْو بِصَنْعَاء هُنَالك وأتقن فن الْأَدَب عِنْدهم من الْمعَانِي وَالْبَيَان وَكَانَ يحفظ كثيرا من أشعار الْعَرَب وَله قريحة ينظم بهَا الشّعْر وَلم يزل على الْحَال المرضي إِلَى أَن توفّي سنة ثَلَاث وَثَمَانِينَ وثمانمئة رَحمَه الله تَعَالَى ونفع بِهِ وَمن المتوفين بجبن من الوافدين إِلَيْهَا المقرىء الصَّالح برهَان الدّين إِبْرَاهِيم بن عَليّ ابْن مُحَمَّد الْحرَازِي قَرَأَ على الْأَئِمَّة بوقته فِي علم الْقرَاءَات السَّبع مِنْهُم المقرىء شهَاب الدّين الْأَشْعَرِيّ فَجمع عَلَيْهِ وَأَجَازَ لَهُ بِبَلَدِهِ حراز فدرس وَأفْتى وانتفع عَلَيْهِ جمَاعَة كثير فِي جبن وَكَانَ كثير التِّلَاوَة وَالذكر وَالْعِبَادَة ودام على ذَلِك إِلَى أَن توفّي بعد سنة خمسين وثمانمئة رَحمَه الله تَعَالَى ونفع بِهِ آمين وَأما فُقَهَاء المقرانة فَمنهمْ الْفَقِيه عفيف الدّين عبد الله بن مُحَمَّد الجبني كَانَ رجلا مشاركا فَاضلا لَهُ اجْتِهَاد فِي الْعِبَادَة ومشاركة بِشَيْء من الْفِقْه وَتُوفِّي قبل تَمام المئة الثَّامِنَة ثمَّ خَلفه وَلَده الْفَقِيه الصَّالح جمال الدّين مُحَمَّد كَانَ مُبَارَكًا عابدا زاهدا ملازما على تِلَاوَة كتاب الله تَعَالَى والتوسط بِقَضَاء حوائج الْمُسلمين إِلَى السَّادة بني طَاهِر مَقْصُودا للمهمات وتقضى على يَدَيْهِ الْحَاجَات وَتُوفِّي سنة خمسين وثمانمئة وَمن أهل دمت الْفَقِيه شهَاب الدّين أَحْمد النساخ كَانَ فَاضلا لَهُ مُشَاركَة بِشَيْء من الْعُلُوم الْفِقْهِيَّة وملازما لمَذْهَب الإِمَام الشَّافِعِي مَعَ كَون أهل الْبَلَد

معظمهم زيدية وَحكي أَن جده هُوَ الَّذِي أنشأ الرسَالَة الْمَشْهُورَة إِلَى بني أَيُّوب مُلُوك مصر يحثهم فِيهَا على دُخُول الْيمن لإِزَالَة بني مهْدي الَّذين ملكوا الْيمن وأحدثوا فِيهَا الْمُنْكَرَات توفّي هَذَا الْفَقِيه شهَاب الدّين الْفَقِيه قبل وَفَاء المئة الثَّامِنَة بِقَلِيل أَو فِيهَا أَو بعْدهَا بِقَلِيل وَمن المتوفين هُنَاكَ الْفَقِيه عفيف الدّين عبد الله بن أَحْمد الجبني قَرَأَ بالنحو وَالْفِقْه على وَالِده الْمُتَوفَّى بِمَدِينَة إب وعَلى غَيره من الْفُقَهَاء من بني البريهي وَبني الْكَاهِلِي هُنَالك وَلم يزل قَائِما فِيهَا حَتَّى توفّي سنة سِتّ وَسِتِّينَ وثمانمئة رَحمَه الله تَعَالَى ونفع بِهِ آمين وَمن المتوفين بخبان الشَّيْخ شمس الدّين عَليّ بن علوي أَبَا علوي هُوَ من قوم صوفية كَانَ رجلا فَاضلا عابدا يحفظ من الْفَوَائِد وعقيان القلائد مَا يشْرَح الصُّدُور ويكسب السرُور وَفد هَذَا الشَّيْخ من بَلَده إِلَى عدن فَعرض لَهُ عَارض بقدومه إِلَى بلد خبان فعاجلته الْمنية وَتُوفِّي فِيهَا سنة ثَلَاث وَسِتِّينَ وثمانمئة رَحمَه الله تَعَالَى ونفع بِهِ آمين وَمن أهل الربيعين الْفُقَهَاء من بني الخلي فَمن الْمُتَقَدّم وَفَاته من ذكره الجندي المؤرخ وَهُوَ جدهم الإِمَام شرف الدّين إِسْمَاعِيل بن أَحْمد الخلي فقد أثنى عَلَيْهِ بِمَا هُوَ أَهله ثمَّ نَشأ بعده من ذُريَّته الْفَقِيه تَقِيّ الدّين عمر بن إِسْمَاعِيل بن عمر بن إِسْمَاعِيل بن أَحْمد تصدر للتدريس وَالْفَتْوَى وَتَوَلَّى الْقَضَاء بِتِلْكَ الْجِهَات فَكَانَت

سيرته محمودة ويقصد للمهمات وَتُوفِّي سنة وَلما توفّي خَلفه بمنصبه الْفَقِيه الْمُبَارك عبد الله بن إِسْمَاعِيل كَانَت لَهُ مُشَاركَة بِشَيْء من الْفِقْه وَتَوَلَّى الْقَضَاء بعد أَخِيه أَيَّامًا ثمَّ أرْسلهُ الشَّيْخ جمال الدّين طَاهِر بن معوضه إِلَى عدن إِلَى السُّلْطَان فِيهَا لبَعض الْمُهِمَّات فعاجلته الْمنية فَتوفي هُنَالك قريب سنة ثَلَاثِينَ وثمانمئة وَمِنْهُم أَخُوهُ الْفَقِيه صفي الدّين أَحْمد بن إِسْمَاعِيل أثنوا عَلَيْهِ ثَنَاء مرضيا وَكَانَ من الْعلمَاء العاملين وَلم أتحقق تَارِيخ وَفَاته وَمِنْهُم الْفَقِيه شرف الدّين إِسْمَاعِيل بن عمر انْتَهَت إِلَيْهِ الرِّئَاسَة من أهل هَذَا الْبَيْت بعد وَفَاة أَبِيه وَعَمه عبد الله واشتهر بِالصّدقِ وَالْأَمَانَة وَالْكَرم وإقراء الضَّيْف وَله أَفعَال حَسَنَة يذكر فِيهَا توفّي بعد سنة ثَلَاثِينَ وثمانمئة وَمِنْهُم أَخُوهُ الْفَقِيه الْعَلامَة جمال الدّين مُحَمَّد بن عمر قَرَأَ على الْفَقِيه جمال الدّين مُحَمَّد بن عبد الله الْكَاهِلِي بِمَدِينَة إب وعَلى غَيره وَكَانَ ذَا ورع وَدين متين فَرجع إِلَى بَلَده وَتَوَلَّى الْقَضَاء فِي بَلَده وَلم يزل على الْحَال المرضي إِلَى أَن توفّي من مرض الطَّاعُون سنة تسع وَثَلَاثِينَ وثمانمئة رَحمَه الله تَعَالَى ونفع بِهِ آمين وَمِنْهُم الْفَقِيه الْفَاضِل عفيف الدّين عبد الله بن مُحَمَّد بن عمر سلك طَريقَة الْفُقَهَاء العاملين وَلم يزل يدرس ويفتي غير مشتغل بِغَيْر ذَلِك فِي مُعظم أوقاته وَكَانَ ذَا دين متين وورع بَين وزهادة وَعبادَة وَلم يزل على ذَلِك إِلَى أَن توفّي سنة خمس وَثَمَانِينَ وثمانمئة وَأما حجر فَمن المتوفين بالرباط الْمُسَمّى رحب الشَّيْخ الصَّالح كَمَال الدّين

مُوسَى بن عمر الْحَضْرَمِيّ أصل بَلَده حَضرمَوْت وَهُوَ فِيمَا حكى لي الثِّقَة من الْقَبِيلَة الْمَشْهُورَة ببني عباد فانتقلوا إِلَى الْيمن واشتهر مِنْهُم هَذَا الشَّيْخ كَمَال الدّين اجْتهد بِالْعبَادَة وَقصد للزيارة وَظَهَرت لَهُ الكرامات وَلم يزل على ذَلِك إِلَى أَن توفّي بِهَذَا الْمَكَان الْمُسَمّى رحب فقبره يزار ويتبرك بِهِ فجلل هَذَا الْمَكَان واحترم لأَجله ثمَّ قَامَ بمنصبه بعده أَخُوهُ الشَّيْخ شمس الدّين عَليّ بن عمر فَقَامَ بِهِ أتم قيام إِلَى أَن توفّي سنة فَلَمَّا توفّي قَامَ بمنصبه وَلَده الشَّيْخ وجيه الدّين عبد الرَّحْمَن بن عَليّ فسكن الْمَكَان الْمُسَمّى خوبر واجتهد بِالْعبَادَة وإكرام الضَّيْف والتوسط بِقَضَاء حوائج الْمُسلمين فجلل هَذَا الْمَكَان واحترم لأَجله وَظَهَرت للشَّيْخ وجيه الدّين كرامات وَتُوفِّي بعد سنة خمسين وثمانمئة رَحمَه الله تَعَالَى ونفع بِهِ آمين وَمن المتوفين بصهيب القَاضِي شمس الدّين عَليّ بن مُحَمَّد الحصوي قَرَأَ على جمَاعَة من الْفُقَهَاء الأكابر بِمَدِينَة زبيد وَغَيرهَا وأجازوا لَهُ ثمَّ سكن صُهَيْب فأضيف إِلَيْهِ ولَايَة الْقَضَاء بهَا فَحكم ودرس وَأفْتى وَسَار بِأَهْل تِلْكَ الْبَلدة سيرة حَسَنَة إِلَى أَن توفّي سنة خمسين وثمانمئة رَحمَه الله ونفع بِهِ آمين وَفِي سليك الْمَكَان الْمَشْهُور قريب صُهَيْب جمَاعَة من الأخيار من بني أَبَا عباد فَمنهمْ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين عمر بن أبي بكر كَانَ عبدا صَالحا وَظَهَرت لَهُ الكرامات توفّي سنة رَحمَه الله

وَمن رِبَاط الحجفر الشَّيْخ الصَّالح الْوَرع الْفَقِيه الْعَالم جمال الدّين مُحَمَّد بن عَليّ الدريبي الطيار اشْتهر لهَذَا الشَّيْخ جمال الدّين فَضَائِل وكرامات واجتهاد بِالْعبَادَة وَالصِّيَام وإكرام الضَّيْف فجلل واحترم مَكَانَهُ فَمن قَصده فِي حَيَاته أَو بعد مَوته لأخذ شَيْء مِنْهُ ظلما من أعوان السُّلْطَان أَو غَيرهم تعجلت عُقُوبَته من الله تَعَالَى وَلم يزل هَذَا الشَّيْخ جمال الدّين على الْحَال المرضي من شدَّة الْوَرع والجاه العريض وَالْكَرم المستفيض إِلَى أَن توفّي سنة أَرْبَعِينَ وثمانمئة أَو قبلهَا بِقَلِيل أَو بعْدهَا بِقَلِيل رَحمَه الله تَعَالَى ونفع بِهِ آمين وَمن أهل المردع بِحجر الشَّيْخ جمال الدّين مُحَمَّد بن ظفر كَانَ من الْعباد والزهاد واشتهر بذلك وَقصد للمهمات وجلل واحترم مَكَانَهُ لأَجله وَأما بَنو سُفْيَان فأولهم الَّذِي اشْتهر بِالْيمن هُوَ الْعَالم الصَّالح الْمَشْهُور سُفْيَان بن عبد الله قيل إِن أَصله من الْعرَاق وَإنَّهُ سكن عدن فِي زِيّ الْفُقَرَاء الترابية وَكَانَ مُجْتَهدا بِالْعبَادَة مَشْهُورا بالكرامات ويحكى أَن سُلْطَان الْيمن بوقته جعل التَّصَرُّف فِي أَمْوَال عدن لبَعض الْيَهُود وَأَن هَذَا الْيَهُودِيّ هُوَ الَّذِي أحدث الضرائب من التُّجَّار بِأَمْوَالِهِمْ ظلما وَكَانَ يشغل النَّاس عَن صَلَاة الْجُمُعَة بعدن فَأتى إِلَيْهِ هَذَا الصَّالح سُفْيَان وَقَالَ لَهُ أسلم فَامْتنعَ فَقتله فَلَزِمَهُ السُّلْطَان وحبسه فَلَمَّا طَال عَلَيْهِ الْحَبْس صنع مركبا صَغِيرا فِي الْحَبْس وَقَالَ لأهل الْحَبْس من ركب معي مِنْكُم فِي هَذَا الْمركب نجا فَلم يصدقوه فَركب فِيهِ وَغَابَ عَن أَعينهم هُوَ ومركبه فَقيل أَنه وجد فِي الْبَحْر يحملهُ المَاء بذلك الْمركب وَأَنه ذهب إِلَى بعض الْبلدَانِ الْبَعِيدَة ثمَّ عَاد

بعد موت السُّلْطَان وَسكن لحج فَتوفي بهَا فقبره هُنَاكَ يزار ويتبرك بِهِ وَحكي أَنه من ذُريَّته أهل المرياح فَمنهمْ إِسْمَاعِيل بن أَحْمد وَكَانَ من الصَّالِحين وَمن عباد الله العارفين وَمِنْهُم وَلَده بدر الدّين سعيد كَانَ عابدا صَالحا زاهدا مجاب الدعْوَة وَقصد للمهمات وَظَهَرت لَهُ الكرامات وَلما توفّي خَلفه بمنصبه وَلَده الشَّيْخ شهَاب الدّين أَحْمد سلك سَبِيل وَالِده وَنسب إِلَيْهِ شَيْء من الكرامات واشتهر لَهُ ولدان أَحدهمَا الشَّيْخ إِسْمَاعِيل وَهُوَ الْأَكْبَر وَالثَّانِي الشَّيْخ جمال الدّين مُحَمَّد فظهرت لَهُ كَرَامَة وسلمت إِلَيْهِ الرِّئَاسَة وَمِمَّنْ سكن جحاف مِنْهُم الشَّيْخ الصَّالح صارم الدّين دَاوُد بن أَحْمد هُوَ أَخُو الشَّيْخ سُفْيَان بن أَحْمد الْآتِي ذكره كَانَ فَاضلا عابدا فِي عقله خفَّة فَمن قَصده لحَاجَة قضيت ببركته وَكَانَ مجاب الدعْوَة وَتُوفِّي بعد سنة عشْرين وثمانمئة وَمِنْهُم الشَّيْخ معمر صَاحب حبيل بدر ثمَّ وَلَده مُحَمَّد وَعلي أَخْبرنِي بعض الثِّقَات أَنهم من الْفُضَلَاء والصلحاء من أهل الْعَصْر وَمِنْهُم بحبيل الشَّيْخ جمال الدّين مُحَمَّد كَانَ فَاضلا مَقْصُودا للمهمات وتقضى عِنْد الْحَاجَات وَمن أهل الظبيات مِمَّن اشْتهر بعصرنا الشَّيْخ جمال الدّين الَّذِي اشْتهر عِنْد الْعَامَّة بسفيان بن أَحْمد بن إِبْرَاهِيم بن أَحْمد بن عِيسَى بن سُفْيَان الْمُقدم الذّكر المدفون بلحج وَقيل غَيره وَكَانَ رجلا فَاضلا عابدا تحكم على يَده جمَاعَة من الْفُقَرَاء وسلمت إِلَيْهِ الرِّئَاسَة وَكَانَ يجْتَمع عِنْده قدر ألف فَقير يقرؤون يس والفاتحة وَيدعونَ الله ويستجاب لَهُم وَكَانَ كَرِيمًا مكرما للضيف وَإِذا قل عِنْده الْوَافِد بَكَى وَكَانَ ذَا مَال كثير وَأَحْيَا أَرضًا ميتَة فعمرها وَكَانَ يصرف مغلها

طَعَاما للوافدين فجلل الشَّيْخ شُجَاع الدّين معوضة بن تَاج الدّين مَكَانَهُ واحترمه النَّاس بِزَمَانِهِ وَبعد وَفَاته وَظَهَرت لَهُ الكرامات ثمَّ خَلفه بمنصبه وَلَده الشَّيْخ بدر الدّين أسماعيل فَقَامَ بمنصبه أتم قيام إِلَى أَن توفّي سنة سِتّ وَخمسين وثمانمئة ثمَّ لما توفّي قَامَ بمنصبه أَخُوهُ الشَّيْخ شمس الدّين عَليّ بن سُفْيَان إِلَى أَن توفّي مقتولا بتهامة بِشَهْر الْمحرم سنة خمسين وَسبعين وثمانمئة وَمِمَّنْ تقدّمت وَفَاته وَلم يذكرهُ المؤرخون الشَّيْخ الصَّالح الْوَلِيّ تَقِيّ الدّين عمر بن الرَّاعِي أخْبرت أَنه من تلامذة الشَّيْخ عفيف الدّين عبد الله بن عمر المسن وَأَنه وَفد إِلَى ذبحان هُوَ وَالشَّيْخ الصَّالح تَقِيّ الدّين عمر بن عبد الله الْعَدوي نِسْبَة إِلَى عدي الْمَشْهُور من ذُرِّيَّة أَمِير الْمُؤمنِينَ عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ وتحكما على يَد الشَّيْخ عفيف الدّين المسن الْمَذْكُور فَأَما الشَّيْخ عمر الرَّاعِي وَكَانَ يُسمى البدوي فَإِنَّهُ سكن خربة الحوش بِبَلَد العذارب وَظَهَرت لَهُ الكرامات واشتهر بِالْفَضْلِ وَالصَّلَاح وَغَايَة الشُّهْرَة وَرَأى بعض الْفُضَلَاء فِي الْيَوْم الَّذِي مَاتَ فِيهِ الشَّيْخ عمر الرَّاعِي وَقد صَار هَذَا الْمَكَان لَهُ الْجَلالَة والاحترام ويقصد قبر هَذَا الشَّيْخ للزيارة فَهُوَ فِي الْمَسْجِد فِي الْقرْيَة الْمَذْكُورَة وزرته بِحَمْد الله تَعَالَى وَعِنْده كثير من الْأَمْتِعَة وَالثيَاب لَا حارس لَهَا وَأما الْعَدوي وَهُوَ الشَّيْخ عمر بن عبد الله فَإِنَّهُ سكن الْمَكَان الْمُسَمّى الصلول بَين جبل يراخ وحصن فتر وَأقَام بِهِ زَمَانا يعبد الله تَعَالَى ويجتهد بِالصَّلَاةِ وَالصِّيَام والتلاوة فجلل هَذَا الْمَكَان واحترم وَمن وَفد إِلَيْهِ أكْرم بأنواع الضيافات والصيانة واللطافة فَمَا أنفقهُ هَذَا الشَّيْخ الْمَذْكُور طعما للوافدين من الْأَرَاضِي الجليلة وَلم

يزل فِي هَذَا الْمَكَان من هُوَ قَائِم فِيهِ كَمَا ذَكرْنَاهُ وَلم أتحقق تَارِيخ وَفَاة هَذَا الشَّيْخ الْمَذْكُور رَحمَه الله تَعَالَى ونفع بِهِ آمين وَفِي حبيل الأملوك الرِّبَاط الْمُسَمّى تبه للمشايخ الصلحاء من بني المسن وَقد سكن فِيهِ من ذُرِّيَّة الشَّيْخ جمال الدّين مُحَمَّد بن عَليّ المسن جمَاعَة مِنْهُم الشَّيْخ عَليّ وَالشَّيْخ أَحْمد وَالشَّيْخ عفيف الدّين عبد الْعَزِيز وَهُوَ أكبرهم وأشهرهم وَكَانَ لَهُم عبَادَة وَفضل واشتهر مِنْهُم الشَّيْخ عبد الْعَزِيز الْمَذْكُور وَلما توفّي خَلفه بمنصبه أَوْلَاده الثَّلَاثَة جمال الدّين مُحَمَّد سكن الرِّبَاط الْمَشْهُور بالعشوة مِمَّا يوالي بلد الجحادر وَكَانَ مَقْصُودا للمهمات مكرما للضيف وَالثَّانِي هُوَ أَبُو الْقَاسِم وَالثَّالِث أَحْمد فاشتهر مِنْهُم بِالْكَرمِ أَبُو الْقَاسِم وَتُوفِّي بِأول المئة التَّاسِعَة وَمِمَّنْ أغفل المؤرخون ذكره الشَّيْخ الصَّالح عفيف الدّين عبد الْأَكْبَر بن صَاحب رِبَاط ذِي عسل قيل إِنَّه من بني المسن وَقيل بل من فقرائهم وَحكي عَنهُ أَنه كَانَ ذَا فضل عَظِيم وَعبادَة وَصِيَام وَقيام بِاللَّيْلِ وَظَهَرت لَهُ كرامات فجلل مَكَانَهُ واحترم لأَجله وَخَلفه بمنصبه وَلَده الشَّيْخ جمال الدّين فَقَامَ بمَكَان وَالِده أتم قيام وحذا حذوه بِأَفْعَال الْخَيْر فَلَمَّا توفّي قَامَ مقَامه وَلَده الشَّيْخ شهَاب الدّين أَحْمد قَامَ بِالْمَكَانِ أتم قيام ثمَّ خَلفه وَلَده أَبُو بكر فَقَامَ بِهِ أتم قيام ثمَّ وَلَده حَمْزَة ثمَّ بعده عبد الْوَهَّاب ثمَّ بعده عبد الصَّمد ولبعضهم كرامات رَحِمهم الله تَعَالَى ونفع بهم

القول في ذكر من تحققنا حاله من العلماء والصلحاء من أهل مدينة تعز وصبر وذخر وما والاها والوافدين إليها من العلماء المتوفين بها

القَوْل فِي ذكر من تحققنا حَاله من الْعلمَاء والصلحاء من أهل مَدِينَة تعز وصبر وَذخر وَمَا والاها والوافدين إِلَيْهَا من الْعلمَاء المتوفين بهَا أما مَدِينَة تعز فَهِيَ الْبَلدة الْمَشْهُورَة الَّتِي جمعت فِي المئة الثَّامِنَة وَصدر من المئة التَّاسِعَة أعيانا من الْقُرَّاء وَالْفُقَهَاء والمحدثين من الْأَئِمَّة المبرزين فَقبل أَوَاخِر المئة الثَّامِنَة كَانَ المتصدر للتدريس جمَاعَة أَجلهم الْعَلامَة جمال الدّين مُحَمَّد بن عبد الله بن أبي بكر بن أبي السُّعُود الحثيثي النزاري اشْتهر بالريمي فَهُوَ الَّذِي سلمت إِلَيْهِ الرِّئَاسَة فِي الْعلم فقصدته الطّلبَة من جَمِيع أقطار الْيمن وَغَيره واعترفوا بفضله واغترفوا من فَوَائده وفهمه فَكَانَ مَجْلِسه جَامعا للمبتدي والمنتهي يفيدهم من نخب علمه وَيفِيض عَلَيْهِم من جوده قَالَ فِيهِ بَعضهم (عَلامَة الْعلمَاء واللج الَّذِي ... لَا يَنْتَهِي وَلكُل لج سَاحل) فمعظم من اشْتهر من الْعلمَاء بعده من تلامذته وتلامذة تلامذته وَتُوفِّي بِمَدِينَة زبيد سنة اثْنَتَيْنِ وَتِسْعين وسبعمئة وَأَخْبرنِي جمَاعَة من تلامذته أَنه قَلما يَأْتِي فِي تدريسه بِمَسْأَلَة إِلَّا ويستحضر فِيهَا نَص الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ مَعَ مَا يذكر عَلَيْهَا الْعلمَاء من بعده وَأما مصنفاته فَهِيَ

كَثِيرَة مِنْهَا الشَّرْح الْكَبِير للتّنْبِيه الْمُسَمّى بالتفقيه نَحْو سِتَّة عشر مجلدا والمعاني البديعة فِي معرفَة اخْتِلَاف أهل الشَّرِيعَة وَكتاب الْإِجْمَاع وَكتاب بغية الناسك فِي معرفَة الْمَنَاسِك وَكتاب الغوامض المشروح فِي معرفَة الْإِنْسَان وَالنَّفس وَالروح وَكتاب الِانْتِصَار لعلماء الْأَمْصَار وَكتاب مطالع الْإِشْرَاق فِي اخْتِلَاف الْغَزالِيّ وَأبي إِسْحَاق وَكتاب الدّرّ النظيم الْمُنْتَقى من كتاب التِّرْمِذِيّ الْحَكِيم وَله غير ذَلِك مِمَّا يطول تعداده مِمَّا هُوَ مَذْكُور فِي الأَصْل وَقد ذكر الخزرجي المؤرخ رَحمَه الله تَعَالَى بتاريخ فَضَائِل هَذَا الإِمَام مِمَّا يُغني عَن إِعَادَة ذَلِك هُنَا وَإِنَّمَا قصدت التَّبَرُّك بِذكرِهِ فِي كتابي وَذكر بعض مصنفاته رَحمَه الله تَعَالَى ونفع بِهِ آمين وَمن الوافدين إِلَى الْيمن أَيَّام شهرة الإِمَام الريمي القَاضِي الْعَلامَة الْمجمع على جَلَاله وعلو قدره وفضله من أَنْوَاع الْعُلُوم النافعة شمس الدّين مُحَمَّد بن أَحْمد بن صقر الغساني الدِّمَشْقِي كَانَ فَقِيها أصوليا مُحدثا أَخذ الْعلم عَن الْأَئِمَّة الْمُجْتَهدين كالشيخ نجم الدّين الأصفوني وَالْإِمَام جمال الدّين الأسنوي وَهُوَ أول من أَدخل كتاب الْمُهِمَّات إِلَى الْيمن ورزق الجاه وَالْقَبُول عِنْد الْعَامَّة وقربه السُّلْطَان الْمُجَاهِد إِلَيْهِ وولاه الْقَضَاء الْأَكْبَر وَقَرَأَ عَلَيْهِ شَيْئا من الْعُلُوم وَجعله من خواصه وَأهل حَضرته وَمد الله فِي عمره فَبَقيَ على الْقَضَاء الْأَكْبَر مُدَّة من أَيَّام الْمُجَاهِد وَمُدَّة ولَايَة الْملك الْأَفْضَل

وصدرا من أَيَّام الْملك الْأَشْرَف وَلما لزم أَمِير صَاحب مصر السُّلْطَان الْمُجَاهِد ثمَّ أطلق وَدخل الشَّام وَاجْتمعَ بِجَمَاعَة من كبار الصُّوفِيَّة وشيوخ الْعلم وَكتب إِلَى الإِمَام ابْن صقر كتابا بليغا يُعلمهُ بذلك وَبِمَا وجده فِي سَفَره من فَوَائِد وعجائب وغرائب مِمَّا قد ذكرته فِي الأَصْل بِكَمَالِهِ وَقد كَانَ السُّلْطَان الْمُجَاهِد جعل للْإِمَام ابْن صقر النّظر على الْمدَارِس فَبَقيَ على حَاله بذلك وبالتدريس وَالْفَتْوَى بِمدَّة الإِمَام جمال الدّين الريمي ودولة الْملك الْأَفْضَل إِلَى أَن توفّي بِمَدِينَة تعز سنة خمس وَثَمَانِينَ وسبعمئة وقبر بالأجيناد رَحمَه الله تَعَالَى ونفع بِهِ آمين وَمن أهل مَدِينَة تعز المقرىء الصَّالح شمس الدّين عَليّ بن عَبَّاس السكْسكِي قَرَأَ بالقراءات السَّبع على المقرىء الصَّالح عَليّ بن مُسلم الْخَولَانِيّ وَقَرَأَ على غَيره من سَائِر فنون الْعلم حَتَّى تأهل للتدريس فدرس وَأفْتى وَأفَاد ثمَّ ندب لتأديب أَوْلَاد الْأَفْضَل بن الْمُجَاهِد مِنْهُم إِسْمَاعِيل الْأَشْرَف فَانْتَفع على يَده وَكَانَ المقرىء شمس الدّين عابدا صَالحا مَقْصُودا للمهمات واشتهرت لَهُ الكرامات فَكَانَ يزار وَيطْلب مِنْهُ الدُّعَاء وَكَانَ السُّلْطَان إِذا مر فِي طَرِيقه على بَاب دَاره وقف حَتَّى يلقاه المقرىء وَيَدْعُو لَهُ ثمَّ ينْصَرف السُّلْطَان ورزقه الله تَعَالَى ولدا نجيبا هُوَ الْفَقِيه وجيه الدّين عبد الرَّحْمَن كَانَ فَاضلا برع فِي علم الْفِقْه والنحو والفرائض بعد قِرَاءَته على وَالِده وعَلى جمَاعَة من شُيُوخ عصره فنجب وأعجب ولي كِتَابَة الْإِنْشَاء فِي الدولة الْأَفْضَلِيَّة ثمَّ ولي الْقَضَاء الْأَكْبَر بعد موت الإِمَام ابْن صقر ثمَّ تولى الوزارة ومدحه الشُّعَرَاء بغرر المدائح فأجازهم الجوائز السّنيَّة وَمِمَّنْ مدحه الْوَزير التقي ابْن معيبد بقصيدة كَبِيرَة

(سميري فِي الدياجر والدجنة ... بِنَفس فِي الْمحبَّة مطمئنة) (أعد ذكر الْأَحِبَّة لي فَإِنِّي ... عَليّ بذكرهم أَمن ومنة) وَهِي طَوِيلَة ذكرتها فِي الأَصْل توفّي المقرىء شمس الدّين عَليّ بن عَبَّاس وَولده الْوَزير وجيه الدّين عبد الرَّحْمَن فِي سنة وَاحِدَة وَهِي سنة تسع وَثَمَانِينَ وسبعمئة رحمهمَا الله تَعَالَى ونفع بهما آمين وَمِنْهُم القَاضِي الْعَلامَة الإِمَام صفي الدّين أَحْمد بن مُوسَى بن عمرَان الشَّافِعِي قَرَأَ على ابْن المكرم وَابْن الدمتي وَغَيرهمَا من أَئِمَّة وقته وبرع فِي زمن الإِمَام الريمي فكاد يبلغ دَرَجَته وَتَوَلَّى الْقَضَاء فِي ثغر عدن ثمَّ انْفَصل عَنهُ وَتَوَلَّى الْقَضَاء لمدينة تعز ثمَّ انْفَصل عَنهُ وتصدر للتدريس والفتيا بهَا فَكَانَ يحل المشكلات وَجعل لَهُ النّظر على الْمدرسَة الشمسية والمدرسة السابقية والتدريس فيهمَا وَكَانَ يُقَال لَهُ شَافِعِيّ الزَّمَان فاشتهر بِهَذَا الِاسْم وَلَيْسَ هُوَ من ذُرِّيَّة الإِمَام الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ وَكَانَ يخْدم كتبه وَيجْعَل عَلَيْهَا الْحَوَاشِي المفيدة والاستدراكات العجيبة فَمن نظر فِيهَا شهد لَهُ بالتحقيق والتدقيق وصنف كتبا مِنْهَا كتاب مُخْتَصر لشفاء السقام فِي زِيَارَة خير الْأَنَام للْإِمَام تَقِيّ الدّين عَليّ بن عبد الْكَافِي السُّبْكِيّ وَاخْتصرَ شَيْئا من تَفْسِير الإِمَام فَخر الدّين الرَّازِيّ وَلم يتمه بل اخترمته الْمنية فَتوفي قبل كَمَال المئة الثَّامِنَة أَو فِيهَا أَو بعْدهَا بِقَلِيل وَكَانَ رَحمَه الله تَعَالَى قد اعْترض على الإِمَام الريمي فِي مسَائِل كَلَامه باعتراض مُصِيب وَمن المتوفين بِمَدِينَة تعز الإِمَام الْعَلامَة الصَّالح الْفَاضِل عفيف الدّين عبد الله بن صَالح بن عمر البريهي قَرَأَ على ابْن عَمه الإِمَام جمال الدّين مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن البريهي وعَلى غَيره من عُلَمَاء وقته فَكَانَ فَقِيها عَالما عابدا صَالحا خَاشِعًا استدعي من بَلَده ذِي السفال للتدريس بِالْمَدْرَسَةِ الْأَفْضَلِيَّة بِمَدِينَة تعز فانتقل إِلَيْهَا لذَلِك

وأضيفت إِلَيْهِ الْخطْبَة بِجَامِع المغربة فَكَانَ يخْطب فِيهِ فترق الْقُلُوب لوعظه وتسكب عِنْد ذَلِك الدُّمُوع لِخُرُوجِهِ من قلب محشو بالمعارف الربانية والعلوم القدسية والأنوار الإلهية أجمع أهل عصره على صَلَاحه وتبركوا بمواقع أنامله وَأخْبر كل من عرفه أَنه ولي من أَوْلِيَاء الله تَعَالَى وَكَانَ مِمَّن تصدر للْفَتْوَى بحياة الإِمَام الريمي وَكَانَ بِحَضْرَتِهِ جمَاعَة من الْعلمَاء فَقدم سَائل بسؤال على الإِمَام الريمي فَأمره أَن يتَقَدَّم بِهِ إِلَى الإِمَام عفيف الدّين عبد الله بن صَالح فَلَمَّا وصل إِلَيْهِ أَمر برده إِلَى الإِمَام الريمي وَاعْتذر عَن الْجَواب فتشفع صَاحب السُّؤَال وَأقسم على الْفَقِيه عفيف الدّين أَنه يُجيب عَلَيْهِ فَأجَاب لَهُ جَوَابا شافيا فَرجع بِهِ إِلَى الإِمَام الريمي فنظره وَاسْتَحْسنهُ وَقَالَ الْفَقِيه عفيف الدّين قَلِيل الْقِرَاءَة ثَبت فِي الْجَواب موفق للصَّوَاب وَالظَّاهِر أَن مَعَه ملكا يلقنه الْحق وَظَهَرت لَهُ كرامات فِي حَيَاته وَبعد مَوته فَأَما فِي حَيَاته فَمن ذَلِك مَا أَخْبرنِي القَاضِي جمال الدّين مُحَمَّد بن داؤد الوحصي قَالَ أَخْبرنِي الثِّقَة أَن الإِمَام عفيف الدّين عبد الله بن صَالح جَاءَ رجل إِلَيْهِ يشكو عَلَيْهِ الْحمى فَدَعَا لَهُ وَنفخ عَلَيْهِ فشفي تِلْكَ السَّاعَة وَأَخْبرنِي الثِّقَة عَن القَاضِي وجيه الدّين عبد الرَّحْمَن بن مُحَمَّد العرشاني قَالَ كُنَّا نَقْرَأ كتابا عِنْد الإِمَام عفيف الدّين عبد الله بن صَالح البريهي فَقَالَ لنا اجتهدوا نختم كتابكُمْ يَوْم الْخَمِيس الْأَقْرَب فَإِنَّهُ لَا سَبِيل إِلَى التدريس بعده يُشِير بذلك أَنه يَمُوت قَالَ فاجتهدنا وختمنا الْكتاب يَوْم الْخَمِيس وَلَيْسَ بِهِ مرض ثمَّ توفّي فِي اللَّيْلَة الثَّالِثَة من ذَلِك الْيَوْم رَحمَه الله تَعَالَى ونفع بِهِ آمين وَأما بعد مَوته فَمن ذَلِك مَا أخبر بِهِ الثِّقَة أَنهم لما فرغوا من غسله وتكفينه أجلسوه فَبَقيَ جَالِسا وَحده بِغَيْر إمْسَاك لَهُ إِلَى أَن قَرَأَ الْحَاضِرُونَ سُورَة يس وتبارك وَأَنه لما توفّي صَار فِي لحده موجها إِلَى الْقبْلَة سَمعه بعض من حضر قَبره أَنه أَو جمَاعَة

يَقُول لَا إِلَه إِلَّا الله أُلُوف الألوف أَو قَالَ لكوك اللكوك وَكَانَت وَفَاته سنة ثَمَان وَتِسْعين وسبعمئة رَحمَه الله تَعَالَى ونفع بِهِ آمين وَأعَاد على الكافة من بركته آمين وَمِنْهُم الشَّيْخ الصَّالح الْوَلِيّ المجذوب عفيف الدّين عبد الله اشْتهر بالشيخ الْعَفِيف كَانَ رجلا صَالحا خالطته محبَّة الله تَعَالَى فاختل عقله وَنسب إِلَى الْجُنُون فِي بعض الْحَالَات وَقد أخبر بعض الثِّقَات أَن هَذَا الشَّيْخ كَانَت لَهُ معرفَة جَيِّدَة بعلوم كَثِيرَة وَأَنه كَانَ يخبر بالمغيبات وَكَانَ مِمَّن يعرف علم الْأَسْمَاء وَقد قيل إِن الْجِنّ كَانَت تأتمر بأَمْره وتنتهي بنهيه وَكَانَ أَكثر وُقُوفه عِنْد جَامع المغربة بالريشة الَّتِي تَحت السيفية بِمَدِينَة تعز وَقد يقف عِنْد مستوقد الحمامات وَعند الْمَزَابِل حَال جُنُونه وَكَانَ يَقُول فلَان من أهل الْجنَّة وَفُلَان من أهل النَّار وَإِن بعض النَّاس امْتنع عَن الْمَشْي عِنْده خوفًا من أَن يَقُول من أهل النَّار فَلَمَّا علم الشَّيْخ الْعَفِيف بذلك أرسل إِلَيْهِ وَقَالَ للرسول قل لَهُ إِنَّه من أهل الْجنَّة وَقد كَانَ اصطحب الْمُمْتَنع من الْوُصُول عِنْد عزمه على الْوُصُول إِلَيْهِ بِشَيْء من الفل المشموم ليجعله لَهُ هَدِيَّة وَجعله فِي عمَامَته فنسي بعد وُصُوله إِلَيْهِ أَن يُعْطِيهِ الفل فَلَمَّا أَرَادَ الِانْصِرَاف من عِنْد الشَّيْخ الْعَفِيف وَكَانَ عِنْد مستوقد الْحمام أَخذ الشَّيْخ الْعَفِيف رَمَادا وَطَرحه إِلَيْهِ وَقَالَ هَذَا مثل الفل الَّذِي مَعَك فَتَأمل ذَلِك فَوجدَ الرماد قد اسْتَحَالَ فَلَا عجيبا وتذكر نسيانه للفل الَّذِي كَانَ أهداه فَكَانَت هَذِه بعض كرامات الشَّيْخ وَله كرامات كَثِيرَة غير ذَلِك بعد مَوته مِمَّا اجْمَعْ أهل الْبَلَد على اعْتِقَادهم بِهِ فهم يزورونه ويلتمسون الْبركَة وَقَضَاء الْحَوَائِج لَهُم مَعَ الدُّعَاء عِنْد قَبره وَكَانَت وَفَاته قريب آخر المئة الثَّامِنَة وقبره بالأجيناد بالحياط الَّذِي بني على قَبره هُنَاكَ رَحمَه الله تَعَالَى ونفع بِهِ آمين وَمِنْهُم الشَّيْخ الْوَلِيّ الصَّالح الْعَلامَة عفيف الدّين عبد الْعَلِيم بن عبد الله المغربي لم أتحقق نسبه وَإِنَّمَا قلت المغربي لِأَنَّهُ أخبر الثِّقَة أَنه سُئِلَ عَن بَلَده فَقَالَ شعرًا (الغرب أحسن شَيْء ... وَالنَّفس تحنو عَلَيْهِ) (الْبَدْر يطلع مِنْهُ ... وَالشَّمْس تأوي إِلَيْهِ)

وَحكى الثِّقَة أَن سَبَب انْتِقَاله إِلَى الْيمن أَنه رأى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الْمَنَام وَأمره أَن ينْتَقل إِلَيْهِ وَخص بذلك مَدِينَة تعز وَكَانَت لَهُ معرفَة فِي علم الْأَسْمَاء وَيحكم على الْجِنّ فَمن ذَلِك مَا قيل أَن مَسْجِد دَار الدملوة الْمَشْهُور بمغربه تعز حدثت فِيهِ وَحْشَة على أَهله فَلم يستطيعوا دُخُوله لَيْلًا فشكوا ذَلِك إِلَى الشَّيْخ عبد الْعَلِيم فَكتب لَهُم حروفا مقطعَة بِوَرَقَة وَأمرهمْ أَن يلصقوها بِبَعْض جدران الْمَسْجِد فَفَعَلُوا ذَلِك وزالت الوحشة من ذَلِك الْمَسْجِد وَقيل إِن ذَلِك فعل ابْن فاتك الْآتِي ذكره وَكَانَ هَذَا الشَّيْخ عبد الْعَلِيم من الْأَئِمَّة الْمُحَقِّقين لعلوم كَثِيرَة وَمن الصَّالِحين المفتوح عَلَيْهِم بالمعارف والكرامات مَخْصُوص من الله تَعَالَى بسر يحصل لَهُ مِنْهُ الْكَشْف فَكَانَت تلْتَقط كَلِمَاته فتظهر على الصَّوَاب فِي كل الْحَالَات وَإِذا أخبر عَن شَيْء فَكَأَنَّهُ يرى بِنور الله تَعَالَى لصِحَّة مَا يخبر بِهِ وَمن كراماته مَا أَخْبرنِي سَيِّدي الشَّيْخ شهَاب الدّين أَحْمد بن مُحَمَّد الجبرتي قَالَ أخبرهُ وَالِده عَن وَالِده عَليّ الجبرتي قَالَ كنت أصحب الشَّيْخ عبد الْعَلِيم وَأتبعهُ بِالْمَشْيِ حَيْثُ يمشي وأتخلق بأخلاقه وَكَانَ عِنْده بُسْتَان فِي المداجر حوله شَيْء من شجر العرصم فَوجدت الشَّيْخ عفيف الدّين يَأْكُل العرصم فَقلت لَهُ يَا شيخ لَا تَأْكُل هَذَا فَإِنَّهُ مر لَا يصلح للْأَكْل فَقَالَ الشَّيْخ عبد الْعَلِيم هُوَ حُلْو فَكل معي وَأَعْطَاهُ ثَلَاث حبات فَقَالَ الشَّيْخ شمس الدّين عَليّ الجبرتي فتكلفت على أكلهَا طَاعَة لَهُ فَأَكَلتهَا فَوَجَدتهَا أحلى من الْعَسَل وَأطيب من كل شَيْء من الْفَوَاكِه فلازمته ليزيدني فَامْتنعَ فاقتطفت لنَفْسي مِنْهُ حَبَّة وأكلتها فَوجدت طعمها مرا كالعلقم وَمن كراماته مَا حكى الثِّقَة أَنه كَانَ بِمَدِينَة تعز رجل ينم على النَّاس إِلَى السُّلْطَان فشكوه إِلَى الشَّيْخ عبد الْعَلِيم فَطَلَبه وألزمه يطلع المنارة وينعي نَفسه لليوم الثَّانِي

فنعى نَفسه لليوم الثَّانِي فَأصْبح النمام فِي الْيَوْم الثَّانِي مَيتا وَحكى أَيْضا أَنه لما كَانَ الْيَوْم الَّذِي توفّي فِيهِ أَمر بإحضار كَفنه وَمَا يحْتَاج إِلَيْهِ الْمَيِّت فَفَعَلُوا واستقبل الْقبْلَة ورقد فحركوه فوجدوه مَيتا رَحمَه الله تَعَالَى ونفع بِهِ وَكَانَت وَفَاته بآخر المئة الثَّامِنَة وَله كرامات كَثِيرَة فِي حَيَاته وَبعد مَوته رَحمَه الله تَعَالَى ونفع بِهِ وَمن المتوفين الوافدين إِلَى مَدِينَة تعز الشَّيْخ الإِمَام الْعَلامَة الرّحال شرف الدّين مُوسَى بن مري الغزولي وصل إِلَى الْمدرسَة المجاهدية فِي مَدِينَة تعز سنة خمس وَتِسْعين وسبعمئة فَقَرَأَ على الإِمَام نَفِيس الدّين سُلَيْمَان بن إِبْرَاهِيم الْعلوِي صَحِيح البُخَارِيّ وختمه فِي ثَلَاثَة وَعشْرين مَجْلِسا وَحضر الْقِرَاءَة جمع من الْعلمَاء الأكابر فَأجَاز لَهُم الشَّيْخ الْمَذْكُور وأرخ الإِمَام نَفِيس الدّين الْعلوِي الْقِرَاءَة وَالْإِجَازَة وَترْجم للشَّيْخ شرف الدّين فَقَالَ هُوَ الشَّيْخ الإِمَام الصَّالح العابد الناسك شرف الدّين مُوسَى بن عمر بن مري بن رماح الغزولي الْحَنَفِيّ الدِّمَشْقِي الزبيدِيّ مَنْسُوب إِلَى الْقرْيَة الْمَعْرُوفَة غزولة بِبَلَد الشَّام وَقيل غَيرهَا وَهُوَ من الْعلمَاء الصَّالِحين وَالْأَئِمَّة الْمُحَقِّقين المبرزين توفّي بِمَدِينَة تعز فِي الْمدرسَة المجاهدية وقبر بالأجيناد وشيعه خلق كثير وَكَانَت وَفَاته سنة خمس وَتِسْعين وسبعمئة رَحمَه الله تَعَالَى ونفع بِهِ وَمن المتوفين بِمَدِينَة تعز من أَهلهَا القَاضِي الْأَجَل الْعَلامَة تَقِيّ الدّين عَليّ الْجُنَيْد كَانَ إِمَامًا فَاضلا ورعا تولى الْقَضَاء بِمَدِينَة تعز فَسَار بِالنَّاسِ سيرة حَسَنَة وَقد قيل أَنه إِذا حلف عِنْده الْخصم يَمِينا زورا لم يمض عَلَيْهِ أُسْبُوع إِلَّا وَقد أُصِيب فِي أَهله أَو مَاله أَو وَلَده وَقد ذكر الإِمَام الجندي أَهله وحقق وَفَاة أَخِيه القَاضِي جمال الدّين

مُحَمَّد بن عَليّ الْجُنَيْد وَكَانَت وَفَاة هَذَا القَاضِي تَقِيّ الدّين فِي الْعشْر الأول من المئة التَّاسِعَة وَدفن بالأجيناد رَحمَه الله تَعَالَى ونفع بِهِ وَمن المتوفين بِمَدِينَة تعز من الوافدين إِلَيْهَا الشَّيْخ الصَّالح عفيف الدّين مسبح بن عبد الله الجبرتي أصل بَلَده مَكَان يُقَال لَهُ مسك بِعرْض الْحَبَشَة فَقدم إِلَى الْيمن وَاعْتَكف بِالْمَدْرَسَةِ الَّتِي بالمداجر بِمَدِينَة تعز وَلزِمَ عبَادَة الله تَعَالَى واجتهد بذلك وَكَانَت نَفَقَته من الشَّيْخ الصَّالح جمال الدّين مُحَمَّد بن عَليّ الجبرتي وَاشْترط عَلَيْهِ أَن لَا يعْمل لَهُ شَيْئا من الْعَيْش حَتَّى يَسْتَأْذِنهُ فَبَقيَ على ذَلِك مُدَّة وَحكى عَنهُ الشَّيْخ جمال الدّين الْمَذْكُور أَنه أخبر عَن الْيَوْم الَّذِي يَمُوت فِيهِ وَقيل لَهُ مَا يكون غداؤك فَقَالَ لَا غداء لي عنْدك بل غداي فِي الْجنَّة إِن شَاءَ الله تَعَالَى فَوقف بعض ذَلِك النَّهَار ثمَّ تَوَضَّأ وَصلى فقبضت روحه وَهُوَ ساجد لله تَعَالَى وقبر بالأجيناد وَكَانَت وَفَاته لسنة أَربع وثمانمئة رَحمَه الله تَعَالَى ونفع بِهِ آمين وَمِنْهُم المقرىء الصَّالح الْفَاضِل عفيف الدّين عبد الله بن عمر بن مَنْصُور الصراري نسبا الشَّافِعِي مذهبا الشنيني بَلَدا وَقد يُقَال السّني نِسْبَة إِلَى السّنة لملازمته لَهَا هُوَ المقرىء الزَّاهِد العابد الْمُجَاهِد لنَفسِهِ حَامِل راية الْإِسْلَام غامر أندية أهل الْفَضَائِل المضاهي بورعه الجلة من الْأَوَائِل الموضح منهاج الْقِرَاءَة بِنور مشكاة فهمه وذكائه فَوق لَهَا سِهَام الطّلب حَتَّى أصَاب الْغَرَض وَتَنَاول مِنْهَا الْجَوْهَر وَترك الْعرض فَأصْبح منبسطا للتدريس مستنبطا مِنْهَا كل معنى نَفِيس كَانَت قِرَاءَته بمواضع مُتَفَرِّقَة فِي الْيمن على أَئِمَّة الْعلمَاء أسانيدهم فِي الصَّحِيح متفقة أَجلهم عِنْده المقرىء الإِمَام الْحَافِظ رَضِي الدّين أَبُو بكر بن عَليّ بن نَافِع العمدي

الْحَضْرَمِيّ رَحمَه الله تَعَالَى قَرَأَ عَلَيْهِ فَأجَاز لَهُ بِجَمِيعِ فنون الْعلم ثمَّ سكن المقرىء بقرية شنين مُدَّة يسيرَة وانتقل مِنْهَا إِلَى مَدِينَة إب فأضيف إِلَيْهِ إِمَامَة الْجَامِع والتدريس فِيهِ وَفِي بعض الْمدَارِس هُنَالك وانتهت إِلَيْهِ الرِّئَاسَة فِي علم الْقرَاءَات السَّبع لبلده وَأَخْبرنِي من يعرفهُ أَنه كَانَ لَا يمر عَلَيْهِ وَقت من النَّهَار غَالِبا إِلَّا وَهُوَ يقْرَأ فِيهِ أَو يحصل شَيْئا من كتب الْعلم أَو ينْسَخ كتاب الله تَعَالَى وَأَن جمَاعَة من الدرسة كَانَت قراءتهم عَلَيْهِ لَيْلًا لما لم يَتَّسِع لَهُم النَّهَار وَلما أضيف إِلَيْهِ الْإِمَامَة بالجامع كَانَ يصرف مَا حصل لَهُ من الْمَشْرُوط للدرسة وَلَا يَأْخُذ مِنْهُ شَيْئا وَكَانَت تحمل إِلَيْهِ الزَّكَاة وَالصَّدَََقَة فيأمر الَّذِي يَأْتِي بهَا يصرفهَا على الْفُقَرَاء والأرامل والمحتاجين وعَلى الْيَتَامَى وَلَا يَأْخُذ مِنْهَا شَيْئا مَعَ شدَّة فقره وَحَاجته وَكَانَ قوته من أُجْرَة نسخه وَمن مغل أَرض قَليلَة كَانَ يملكهَا ويسكن بَيْتا صَغِيرا هُوَ وَأَوْلَاده وَقد عرض عَلَيْهِ السُّكْنَى فِي الدّور الْكِبَار فأباها وَقَالَ الْقَبْر أضيق من ذَلِك وَكَانَ قد يَشْتَهِي من لذيذ الْأَطْعِمَة فَإِذا حضر شَيْء مِنْهَا تَركه وَقَالَ لَا أعطي النَّفس هَواهَا ثمَّ إِنَّه سَافر إِلَى مَكَّة المشرفة فحج وزار مرَارًا وَاجْتمعَ بالشيوخ الْكِبَار هُنَاكَ فَأخذ عَنْهُم وَمِنْهُم من أَخذ عَنهُ كالمقرىء شهَاب الدّين بن عَبَّاس الْآتِي ذكره وَظَهَرت لَهُ كرامات كَثِيرَة مِنْهَا مَا أَخْبرنِي المقرىء تَقِيّ الدّين عمر بن عِيسَى الْخَطِيب بِمَدِينَة إب وَغَيره قَالُوا كَانَ للمقرىء عفيف الدّين صَاحب من أكَابِر الْبَلَد وَكَانَ تَحْتَهُ زَوْجَة تقهره فاقترحت عَلَيْهِ شَيْئا من الْفَوَاكِه فِي الشتَاء عجز عَن تَحْصِيله فَلم يقدر يدْخل عَلَيْهَا بِغَيْر ذَلِك الشَّيْء فجَاء إِلَى المقرىء وشكا إِلَيْهِ وَهُوَ يعلم أَن المقرىء لَيْسَ مَعَه شَيْء مِنْهُ وَأَنه لَا يُوجد تِلْكَ السَّاعَة بِتِلْكَ الْبَلَد فَدخل

المقرىء بَيته وَأخرج لَهُ ذَلِك الشَّيْء من الْفَوَاكِه وَأَعْطَاهُ ذَلِك فَخرج بِهِ إِلَى زَوجته فرضيت وَمِمَّا قرأته بِخَط القَاضِي صفي الدّين أَحْمد بن بكر البريهي قَالَ مَا مِثَاله أَخْبرنِي شَيْخي الصَّالح المقرىء عفيف الدّين عبد الله بن مُحَمَّد الشنيني نفع الله بِهِ قَالَ أَخْبرنِي رجل من بني الْأسد يُقَال لَهُ أَحْمد بن حسن أَنه حضر فِي مجْلِس مطهر الشريف الْمَشْهُور وَكَانَ صديقا لَهُ فَقَالَ لَهُ مَا حملك على سبّ الشَّيْخَيْنِ أبي بكر وَعمر فَقَالَ لأجل فَاطِمَة رَضِي الله عَنْهَا لَكِن أعلمك أَنِّي تائب من ذَلِك فَقلت لَهُ مَا سَبَب التَّوْبَة فَقَالَ اعْلَم أَنِّي صنفت كتابا فِي سبهما كنت بَين النَّائِم وَالْيَقظَان إِذْ دخل عَليّ شيخ صبيح الْوَجْه فَسلم عَليّ ووقف أَمَامِي فَفَزِعت مِنْهُ ثمَّ دخل بعده شيخ فَسلم عَليّ بِكَلَام فظ غليظ كَاد فُؤَادِي أَن يطير من هيبته ثمَّ وقف خَلْفي فَقَالَ مَا حملك على سبنا يَا مَلْعُون وَأخذ بحلقي فخنقني خنقا ثمَّ أرسل يَدَيْهِ ثمَّ قَالَ تب إِلَى الله من سبنا ثمَّ خنقني ثَانِيَة أعظم من الأولى حَتَّى كَادَت روحي تخرج ثمَّ أَرْسلنِي فعل ذَلِك مرَارًا كَثِيرَة حَتَّى قلت أَنا من التائبين لَا أَعُود إِلَى سبكما فأطلقني فانتبهت مَرْعُوبًا وتبت إِلَى الله تَعَالَى من سبهما وَمن كرامات المقرىء عفيف الدّين مَا تقدم ذكره فِي تَرْجَمَة القَاضِي صفي الدّين أَحْمد بن أبي بكر البريهي فِي ذكره مَعَ أهل مَدِينَة إب رحمهمَا الله تَعَالَى ونفع بهما توفّي المقرىء عفيف الدّين يَوْم الْأَحَد وَدفن يَوْم الِاثْنَيْنِ الْحَادِي عشر من شهر صفر سنة أَربع وثمانمئة وقبر بالأجيناد وَلم يكن لَهُ من عقبه من يسْتَحق الذّكر

سوى ولد لَهُ مُشَاركَة بِشَيْء من الْفِقْه وَتُوفِّي بعده بِمَدِينَة إب وَقد رأى جمَاعَة للمقرىء عفيف الدّين بعد مَوته رُؤْيا تدل على خير كثير لَهُ رَحمَه الله ونفع بِهِ آمين وَمِنْهُم الْفَقِيه الإِمَام الصَّالح عفيف الدّين عمر بن عِيسَى العماكري كَانَ عَالما عَاملا خَاشِعًا زاهدا قَرَأَ على الإِمَام جمال الدّين الريمي وَأَجَازَ لَهُ وَكَانَ من أكبر أَصْحَابه وَسمع الحَدِيث وَالتَّفْسِير على الشَّيْخ مجد الدّين الشِّيرَازِيّ وَالْإِمَام نَفِيس الدّين الْعلوِي وأجازوا لَهُ وَكَانَ الإِمَام عفيف الدّين من الْفُضَلَاء العارفين وَمن عباد الله الصَّالِحين وَمِمَّنْ انْتَهَت إِلَيْهِ الرِّئَاسَة فِي التدريس وَالْفَتْوَى بعد الإِمَام جمال الدّين الريمي وَتخرج بِهِ جمَاعَة من الْفُقَهَاء الْمُتَأَخِّرين بعده وَكَانَ يتورع من قبض الْعَطاء من الْمُلُوك وَلَا يَأْكُل من طعامهم وَكَانَ لَهُ أَسبَاب من الْوَقْف فَيعْمل بِمَا شَرطه الْوَاقِف وَلَا يَأْكُل مِنْهُ شَيْئا بل مَا حصل مِنْهُ صرفه للدرسة ولغيرهم وَكَانَ يَأْكُل من أَرض لَهُ وَامْتنع من ولَايَة الْقَضَاء بتعز بعد عرضه عَلَيْهِ توفّي الإِمَام عفيف الدّين فِي الْعشْر الأول من المئة التَّاسِعَة وَدفن بالأجيناد وقبره مَعْرُوف يزار ويتبرك بِهِ وَكَانَ لَهُ أَوْلَاد نجباء مِنْهُم الْفَقِيه شرف الدّين قَاسم قَرَأَ على وَالِده وانتفع وَأَجَازَ لَهُ ودرس وَأفْتى وَحصل كتبا كَثِيرَة فاجتهد بضبطها وتصحيحها حَتَّى توفّي بعد وَفَاة وَالِده بِمدَّة يسيرَة وقبر عِنْد وَالِده رَحمَه الله ونفع بِهِ وَمن أَوْلَاده الْفَقِيه الصَّالح جمال الدّين مُحَمَّد قَرَأَ على وَالِده وعَلى غَيره من الْعلمَاء بالفقه وَقَرَأَ وَسمع الحَدِيث وَالتَّفْسِير عِنْد الشَّيْخ مجد الدّين الشِّيرَازِيّ وَالْإِمَام نَفِيس الدّين الْعلوِي وَأَجَازَ لَهُ ثمَّ اسْتمرّ إِمَامًا ومعيدا فِي الْمدرسَة المظفرية واجتهد بِالْعبَادَة وَكَانَ من الْعلمَاء الزاهدين وَمن عباد الله الصَّالِحين وَكَانَ يَصُوم الْأَيَّام الْبيض وكل اثْنَيْنِ وخميس وَكَانَ لَهُ تهجد بِاللَّيْلِ وتلازم على التِّلَاوَة وَالذكر إِلَى أَن يُصَلِّي الضُّحَى وَظَهَرت لَهُ كرامات كَثِيرَة ومكاشفات كَثِيرَة

ذكرت بَعْضهَا فِي الأَصْل وَتُوفِّي سنة ثَلَاثِينَ وثمانمئة وقبر بالأجيناد فقبره يزار ويتبرك بِهِ رَحمَه الله تَعَالَى ونفع بِهِ وَمِنْهُم الْفَقِيه الْجَلِيل الإِمَام العابد الزَّاهِد وجيه الدّين عبد الرَّحْمَن بن أبي بكر الزوقري الْهِلَالِي هُوَ من ذُرِّيَّة الإِمَام أَحْمد بن حميد الزوقري وَقد ذكره الجندي وَقَالَ تربته بِذِي المليد بِرَأْس قياض وَقَالَ عِنْدهَا تنجح الْمَقَاصِد أَخذ هَذَا الْفَقِيه وجيه الدّين الْفِقْه عَن الإِمَام جمال الدّين الريمي وَغَيره وَأخذ الحَدِيث عَن الإِمَام مجد الدّين الشِّيرَازِيّ وَالْإِمَام نَفِيس الدّين الْعلوِي وأجازوا لَهُ وَكَانَ أماما فِي الْأُصُول وَالْفُرُوع وَمِمَّنْ عَلَيْهِ مدَار الْفَتْوَى والتدريس فِي مَدِينَة تعز وَكَانَ باذلا نَفسه لإِفَادَة الْعلم الشريف يتلَقَّى الطّلبَة مِنْهُ الْفَوَائِد الجليلة لَا يَخْلُو وَقت من أوقاته عَن تدريس أَو قيام بِعبَادة أَو فَتْوَى وَهُوَ من الْوَرع على جَانب عَظِيم وَحصل من الْكتب النافعة شَيْئا كثيرا وَكَانَ يصحب الْفُقَهَاء وَالصَّالِحِينَ ويؤاخيهم وَلَا يَأْكُل شَيْئا فِيهِ شُبْهَة وَلَا يقبل شَيْئا من الْمُلُوك وَلَا يَأْكُل من زادهم وَلم يزل على الْحَال المرضي إِلَى أَن توفّي سنة عشر وثمانمئة رَحمَه الله تَعَالَى ونفع بِهِ وَدفن بالأجيناد ورثاه بَعضهم بقصيدة طَوِيلَة مِنْهَا (إِلَى رَحْمَة الله انْتَقَلت مكرما ... وَفِي جنَّة الفردوس صرت مخيما) (قدمت على الرَّحْمَن يَا عَبده الَّذِي ... على كل عبد فِي الصّلاح تقدما) وَهِي طَوِيلَة ذكرتها فِي الأَصْل وَكَانَ لَهُ ولد يُسمى عمر برع بفن الْأَدَب وَالشعر ورتب فِي الدولة الظَّاهِرِيَّة كَاتبا للإنشاء فَمن شعره مَا يفتخر بِهِ ويمدح أَبَاهُ مِنْهَا

(أَنِّي أَنا الْجَبَل الرفيع فَمَا الَّذِي ... أخشاه مِمَّن فِي الحضيض الْأَسْفَل) (أَنا من هِلَال فِي أعز ذؤابة ... من آل زوقر فِي الرعيل الأول) (وَأبي فقيههم الَّذِي عرفُوا بِهِ ... فِي الدّين كل محرم ومحلل) وَله غير ذَلِك من الشّعْر البليغ وَتُوفِّي رَحمَه الله سنة ثَلَاث وَأَرْبَعين وثمانمئة وَمِنْهُم الْفَقِيه الْعَلامَة النَّحْوِيّ البارع برهَان الدّين إِبْرَاهِيم بن إِسْمَاعِيل الجحافي كَانَ إِمَامًا محققا بِعلم النَّحْو واللغة ومشاركا بِعلم الْفِقْه والْحَدِيث والفرائض قَرَأَ على الشُّيُوخ الْكِبَار من السَّادة الْعلمَاء كالشيخ مجد الدّين الصديقي وَالشَّيْخ شهَاب الدّين بن حجر وَالْإِمَام نَفِيس الدّين الْعلوِي وَغَيرهم وَغلب عَلَيْهِ فصاحة الشّعْر حَتَّى سمي حريري الزَّمَان وَلما وَفد الشَّيْخ شهَاب الدّين بن حجر كتب إِلَيْهِ الْفَقِيه برهَان الدّين الجحافي مَا مِثَاله يمدحه بقصيدة طَوِيلَة أَولهَا (شكرا لسير السابقات العراب ... الأعوجيات بَنَات العراب) (وللمهارى الَّتِي لم تزل ... تخوض فِي السبسب لج السراب) إِلَى آخرهَا وَكَانَ ذَلِك سنة ثمانمئة فَلَمَّا وصلت إِلَيْهِ استحسنها وَأجَاب عَنْهَا فَقَالَ (أَهلا بهَا حسناء رَود الشَّبَاب ... وافت لنا سافرة للنقاب) (مفترة عَن جَوْهَر رائع ... لَكِن مَأْوَاه نحور الْعَذَاب) وَهِي طَوِيلَة وَقد ذكرت القصيدة الَّتِي للْإِمَام الجحافي جَمِيعهَا وَالْجَوَاب عَنْهَا

للْإِمَام شهَاب الدّين بن حجر جَمِيعه فِي الأَصْل فَتركت ذكر ذَلِك هُنَا اختصارا وَقد ذكر الإِمَام شهَاب الدّين بن حجر بقصيدته شَيْئا من اللغز فَعرفهُ الجحافي وَأجَاب عَلَيْهِ على غير هَذِه القافية مِمَّا ترَاهُ مَبْسُوطا فِي الأَصْل مَعَ غَيره فِي قصائد كَثِيرَة مِمَّا يفتخر بِهِ على الشُّعَرَاء وَمِمَّا كتبه إِلَى الْفَقِيه للْإِمَام صفي الدّين أَحْمد بن حسن البريهي على لِسَان الإِمَام عفيف الدّين عبد الله بن مُحَمَّد الشنيني فِي قصيدة طَوِيلَة أَولهَا (دع الدَّهْر فِيمَا يَشَاء يجْرِي مشاقه ... فسيان عِنْدِي بَينه واتساقه) (وَلَا تعجبن من دَهْرنَا واتفاقه ... فَمَا عجب فِي الدَّهْر إِلَّا وفاقه) توفّي الْفَقِيه برهَان الدّين الجحافي فِي مَدِينَة تعز قريب سنة عشر وثمانمئة رَحمَه الله ونفع بِهِ وَمِنْهُم الْفَقِيه الْعَلامَة عفيف الدّين صَالح بن أَحْمد بن مُحَمَّد بن عمرَان الْحِمْيَرِي الدمتي قَرَأَ على الإِمَام جمال الدّين الريمي وعَلى غَيره فِي الْفِقْه وَقَرَأَ وَسمع على الشَّيْخ مجد الدّين الصديقي وَالْإِمَام نَفِيس الدّين الْعلوِي فِي الحَدِيث وَالتَّفْسِير وأجازوا لَهُ فدرس وَأفْتى وَكَانَ عَالما عَاملا صَالحا لَا يَأْكُل إِلَّا مَا تَيَقّن حلّه من أَرض يملكهَا فينفق على نَفسه وعَلى عِيَاله من مغلها وَيتَصَدَّق بِالْبَاقِي وَاسْتمرّ بِأَسْبَاب وَالِده وجده إِذْ كَانَا من الْفُقَهَاء المجودين وَالْأَئِمَّة الْمُحَقِّقين وَكَانُوا ملازمين للتدريس فِي مدرسة المحاريب الَّتِي أنشاها المظفر حسن بن دَاوُد بن يُوسُف بن عمر بن عَليّ بن رَسُول والأسدية الَّتِي فِي الميهال وَغير ذَلِك وَكَانَ محققا لدقائق الْفِقْه ثبتا فِي

الْفَتْوَى مبارك التدريس وَله فِي الْأَدَب الْيَد الطُّولى وقريحة فِي الشّعْر فَمن ذَلِك مَا أجَاب بِهِ للفقيه صفي الدّين أَحْمد بن حسن البريهي نِيَابَة عَن المقرىء عفيف الدّين الشنيني لما وصلت إِلَيْهِ القصيدة الَّتِي من الْفَقِيه صفي الدّين الْمَذْكُور الَّتِي أَولهَا (أَمن بعد التباعد والتنائي ... يجود الدَّهْر يَوْمًا باللقاء) (وَهل للوصل بعد الْبعد قرب ... وَهل للسخط يَوْمًا من رِضَاء) وَهِي طَوِيلَة مِنْهَا فِي مدح الإِمَام المقرىء الشنيني رَحمَه الله وفيهَا يشكو من خوفهم بِمَدِينَة إب وَطَلَبه الدُّعَاء من المقرىء بِإِزَالَة ذَلِك فَأجَاب الْفَقِيه عفيف الدّين صَالح الدمتي نِيَابَة عَن المقرىء الشنيني بِمَا مِثَاله (شكا ألم التباعد والتنائي ... لنا شيخ صَدُوق فِي الإخاء) (فحرك كامنا من حر شوق ... ووجدا سَاكِنا وسط الحشاء) وَهِي طَوِيلَة مثبتة بكمالها فِي الأَصْل توفّي الْفَقِيه عفيف الدّين صَالح بعد الْعشْر الأول من المئة التَّاسِعَة وقبر بالأجيناد وقبره يزار ويتبرك بِهِ رَحمَه الله ونفع بِهِ وَمِنْهُم وَلَده الْفَقِيه الْأَجَل جمال الدّين مُحَمَّد بن صَالح الدمتي قَرَأَ على وَالِده وعَلى الإِمَام عفيف الدّين عبد الله بن صَالح البريهي وعَلى غَيرهمَا فِي الْفِقْه وَقَرَأَ وَسمع الحَدِيث على الشَّيْخ مجد الدّين الصديقي وَالْإِمَام نَفِيس الدّين الْعلوِي وأجازوا لَهُ فدرس وَأفْتى بِالْمَدْرَسَةِ المظفرية بعد موت وَالِده ثمَّ سَافر إِلَى مَكَّة المشرفة لِلْحَجِّ فَتوفي بساحل عَازِب غَرِيبا وَذَلِكَ سنة سِتّ عشرَة وثمانمئة وَقد كَانَ حصل بَينه وَبَين ابْن روبك الشَّاعِر الْمَعْرُوف شَحْنَاء على بعض الْأَسْبَاب فهجاه ابْن روبك

وَكَانَ شَاعِرًا فصيحا فَلَمَّا علم بِمَوْتِهِ تَابَ وَنَدم على مَا حصل مِنْهُ فَأتى بقصيدة يعْتَذر فِيهَا ويرثى بهَا الْفَقِيه جمال الدّين من ذَلِك مَا قَالَه فِيهَا (ولي هفوات فِيهِ بالْأَمْس قلتهَا ... إِلَى الله قد اصبحت مِنْهُنَّ تَائِبًا) (فَإِنِّي فِي مدحي لَك الْيَوْم صَادِق ... كَمَا كنت فِي ذمِّي لَك الأمس كَاذِبًا) (فَقل لِذَوي الْحَاجَات موتوا مجاعَة ... فقد مَاتَ عَنْكُم من يُمِيت المساغبا) وَإِنَّمَا قَالَ ذَلِك لِأَنَّهُ كَانَ على يَدَيْهِ قَضَاء حوائج لِأُنَاس كثيرين عِنْد سُلْطَان الْوَقْت وَمِنْهَا (فاصبر فَإِن الصَّبْر لِلْأجرِ جالب ... فدونكم مَا كَانَ لِلْأجرِ جالبا) (سقى الله مثواه حَيا مُتَتَابِعًا ... وَأَعْطَاهُ فِي أَعلَى الْجنان مراتبا) وَمِنْهُم الْفَقِيه الصَّالح الْعَلامَة شهَاب الدّين أَحْمد بن عبد الله الْحرَازِي كَانَ من عباد الله الصَّالِحين وَالْأَئِمَّة الْمُحَقِّقين العارفين قَرَأَ على الإِمَام جمال الدّين الريمي فِي فنون الْعلم فَأجَاز لَهُ وَخلف الإِمَام الريمي بعد مَوته بالتدريس بِالْمَدْرَسَةِ المؤيدية وَبِه تخرج جمَاعَة من الْفُقَهَاء مِنْهُم الْفَقِيه عفيف الدّين عبد الْوَلِيّ بن مُحَمَّد الوحصي وزوجه ابْنَته وَأوصى لما خصّه من السَّبَب للتدريس بالمؤيدية للفقيه عبد الْوَلِيّ وَخَلفه بالتدريس بهَا توفّي الْفَقِيه شهَاب الدّين فِي الْعشْر الأول من المئة التَّاسِعَة وقبر بالأجيناد رَحمَه الله ونفع بِهِ آمين وَمن المتوفين بِمَدِينَة تعز من الوافدين إِلَيْهَا القَاضِي الْأَجَل الْعَلامَة جمال الدّين مُحَمَّد بن القَاضِي الْأَجَل الْعَالم قَاضِي الْقُضَاة شرف الدّين بن عَليّ بن القَاضِي الْعَالم شرف الدّين أَحْمد عرف بالجنيد وَنسبه يلتقي إِلَى عُثْمَان بن عَفَّان رَضِي الله عَنهُ كَمَا وجدته مُعَلّقا بِخَط الإِمَام نَفِيس الدّين الْعلوِي وَأثْنى عَلَيْهِ ثَنَاء حسنا وَقَالَ إِنَّه من

الْعلمَاء العاملين وَالْأَئِمَّة الصَّالِحين وَفد إِلَى مَدِينَة تعز للإفادة والاستفادة فعاجلته الْمنية فَتوفي بهَا لَيْلَة الْجُمُعَة سادس رَمَضَان الْمُعظم قدره سنة خمس عشرَة وثمانمئة وَدفن بالأجيناد بعد صَلَاة الْجُمُعَة وَحضر دَفنه جمع كَثِيرُونَ بعد أَن صلي عَلَيْهِ فِي جَامع المغربة ثمَّ فِي ظَاهر الْمَدِينَة رَحمَه الله ونفع بِهِ آمين وَمن المتوفين من أهل مَدِينَة تعز الإِمَام الْعَلامَة القَاضِي الصَّالح جمال الدّين مُحَمَّد بن عمر العوادي نِسْبَة إِلَى الْقرْيَة الَّتِي بَين شنين والمخادر من نواحي السحول أَخذ الْعلم عَن الْمَشَايِخ من الْعلمَاء من أهل تِلْكَ النَّاحِيَة مِنْهُم الإِمَام رَضِي الدّين الشنيني وَالْفُقَهَاء من بني سَالم ثمَّ انْتقل إِلَى مَدِينَة تعز فَقَرَأَ على الإِمَام جمال الدّين الريمي بالفقه وعَلى الإِمَام مجد الدّين الصديقي وَالْإِمَام نَفِيس الدّين الْعلوِي بِالْحَدِيثِ وَالتَّفْسِير وأجازوا لَهُ فدرس وَأفْتى بِمَدِينَة تعز وانتفع بِهِ جمَاعَة من طلبة الْعلم كالفقيه شرف الدّين الدمتي والفقيه عبد الْوَلِيّ الوحصي والفقيه صَالح الحضار وَغَيرهم وَكَانَ إِمَامًا عَالما زاهدا ورعا وامتحن بِولَايَة الْقَضَاء بِمَدِينَة تعز بعد أَن اعتذر فَلم يقبل السُّلْطَان عذره فَقبل الْقَضَاء سالكا لطريق الْحق لَا تَأْخُذهُ فِي الله لومة لائم يَأْمر بِالْمَعْرُوفِ وَينْهى عَن الْمُنكر من ذَلِك هَدمه لبَعض الْكَنَائِس المحدثة بِمَدِينَة تعز للْيَهُود وإلزامهم لبس الزنار والتستر بالحمام وَغير ذَلِك وَكَانَ لَهُ وَقت معِين يحضر فِيهِ للْحكم فَإِذا انْقَضى ذَلِك الْوَقْت ينْصَرف لقَضَاء حَوَائِجه بِنَفسِهِ وَلَا يتْرك أحدا يُعينهُ

بهَا ثمَّ إِنَّه طلب من السُّلْطَان أَن يعذرهُ عَن ولَايَة الْقَضَاء فعذره وَترك الحكم وَلزِمَ الِاعْتِكَاف فِي الْمَسَاجِد لِلْعِبَادَةِ والتدريس وَحصل كتبا نافعة اجْتهد بخدمتها وسارع النَّاس بعد مَوته إِلَى الْمُبَالغَة فِي أثمانها من ورثته مِمَّن لم يشْتَغل بِالْقِرَاءَةِ بهَا وَحكي أَنه أَرَادَ فِي أَيَّام ولَايَته للْقَضَاء منع الَّذين يحْضرُون السماع فِي بعض الرباطات الَّتِي تنْسب إِلَى الشَّيْخ أَحْمد بن علوان بتعز وعزم على ذَلِك عِنْد شروعهم فِي ذَلِك فَنَامَ فَرَأى فِي الْمَنَام قَائِلا يَقُول احضر فِي الرِّبَاط وَأمن على دُعَاء الشَّيْخ أَحْمد بن علوان فانتبه القَاضِي من نَومه وَخرج من فوره من الرِّبَاط فَوَجَدَهُمْ قد أفرغوا السماع وهم فِي الدُّعَاء فأمن على دُعَائِهِمْ وَانْصَرف مُتَعَجِّبا على مَا رأى وَلم يمنعهُم من السماع ودام القَاضِي جمال الدّين على الْحَال المرضي إِلَى أَن توفّي فِي يَوْم الْأَرْبَعَاء الرَّابِع من شهر جُمَادَى الأولى سنة عشر وثمانمئة رَحمَه الله ونفع بِهِ وَمن المتوفين بِمَدِينَة تعز من الوافدين إِلَيْهَا الإِمَام الْعَلامَة حسام الدّين الأبيوردي وَقيل الْمَاوَرْدِيّ كَانَ هَذَا الإِمَام من الْأَئِمَّة الْكِبَار بحرا من بحور الْعلم خُصُوصا فِي الْعُلُوم العقليات وَله مصنفات كَثِيرَة فِي ذَلِك وَأثْنى عَلَيْهِ الإِمَام جمال الدّين بن الْخياط ثَنَاء مرضيا وَأحسن إِلَيْهِ السُّلْطَان وأضاف إِلَيْهِ أَمر الْمدرسَة المظفرية والأشرفية فَلم يقبل ذَلِك بل ترك ذَلِك زهدا فَبَقيَ أَيَّامًا ثمَّ لحق بِاللَّه تَعَالَى بعد موت الإِمَام جمال الدّين العوادي وقبر بالأجيناد عِنْد قبر وَالِد الْعَفِيف المغسل فقبره يزار ويتبرك بِهِ وجرب استجابة الدُّعَاء عِنْد قَبره رَحمَه الله ونفع بِهِ وَمن المتوفين بِمَدِينَة تعز من الوافدين إِلَيْهَا أَيْضا الْفَقِيه الْعَلامَة نور الدّين سليم بن دَاوُد بن عبد الله الوشاح الطياري نسبا القيداني مولدا النظاري بَلَدا وَقيل إِن

بَلَده فِي حراز قَرَأَ على الإِمَام الريمي فِي الْفِقْه وَفِي الحَدِيث على جمَاعَة من الْأَئِمَّة بوقته ثمَّ درس بِالْمَدْرَسَةِ الأشرفية الجديدة بِمَدِينَة تعز وَتخرج بِهِ جمَاعَة من الْعلمَاء مِنْهُم الْفَقِيه الْعَلامَة وجيه الدّين عبد الرَّحْمَن بن مُحَمَّد بن حسن البريهي وَولده مُحَمَّد فَأجَاز لَهما سنة اثْنَتَيْ عشرَة وثمانمئة إِلَى أَن توفّي رَحمَه الله تَعَالَى ونفع بِهِ وَلم أتحقق تَارِيخ وَفَاته وَمِنْهُم الْفَقِيه الصَّالح جمال الدّين مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم بن عَليّ بن إِبْرَاهِيم البريهي الْمَشْهُور بالسني أصل بَلَده إب نَشأ بهَا ثمَّ اشْتغل بِالتِّجَارَة فرزق مِنْهَا رزقا كثيرا فَكَانَ يصل الرَّحِم وَيتَصَدَّق على الْأَقَارِب والأجانب ويعين ذَا الْحَاجة ثمَّ انْتقل من مَدِينَة إب فسكن مَدِينَة تعز وتأهل من بني الرميمة وَكَانَ كثير التَّرَدُّد لِلْحَجِّ وَهُوَ الَّذِي عمر الزِّيَادَة الَّتِي فِي مَسْجِد الإِمَام سيف السّنة على يَد وَالِده الْفَقِيه إِبْرَاهِيم فَزَاد فِي الْمُقدم نَحْو ثَلَاثَة أَذْرع وَرفع سقفه وَجعل لَهُ مُؤَخرا وبركة صَغِيرَة للْمَاء وزين الْمَسْجِد بقناديل حلبية عَجِيبَة لَا يُوجد مثلهَا فِي الْبَلَد وَاشْترى كتبا كَثِيرَة وأوقفها على من يقْرَأ بهَا فِي الْمَسْجِد الْمَذْكُور ووسع تربة الشَّيْخ الصَّالح أبي الْعَبَّاس أَحْمد بن مُحَمَّد الْمَشْهُور بِسيف السّنة وأوقف عَلَيْهَا وعَلى الْمَسْجِد أَرضًا وجدد بِنَاء قبر الشَّيْخ أَحْمد بن مُحَمَّد وَمِمَّا أَمر أَن يكْتب بِالْحِجَارَةِ المبنية على الْقَبْر هَذَا الْبَيْت (أيا قبر ضَاعَ الْعلم فِيك وَرُبمَا ... يكذب فِي هذي الْمقَالة جَاهِل) واشتهر لهَذَا الْفَقِيه كرامات مِمَّا يدل على خَيره وفضله وَتُوفِّي بِمَدِينَة تعز سنة عشر وثمانمئة وَمِنْهُم الْفَقِيه الْعَلامَة شمس الدّين عَليّ بن أَحْمد الأصبحي كَانَ إِمَامًا محققا لعلم الْفَرَائِض والنحو مشاركا بِغَيْرِهِمَا من سَائِر الْعُلُوم قَرَأَ على جمَاعَة من أَئِمَّة وقته وأجازوا لَهُ فدرس بالفرائض والنحو وانتفع بِهِ جمَاعَة من الطّلبَة وَكَانَ لَهُ عبَادَة

وزهد وصبر وقريحة ينظم بهَا الشّعْر مِنْهَا قصيدته الْمَشْهُورَة عِنْد ختم كتاب السّنَن لِابْنِ مَاجَه عِنْد الإِمَام نَفِيس الدّين الْعلوِي الَّتِي أَولهَا (أَمن دمع فتحت لَهُ رتاجه ... بسفح محجر يسْقِي فجاجه) وَمِنْهَا بعد التغزل (أَلا لله مَا يبْقى محب ... إِذا مَا الشوق بلبله وهاجه) (وَلَا لله يَوْم كَانَ فِيهِ ... فِرَاق أحبة ضمن انزعاجه) (فقد وكلوا بِهِ دَاء عياء ... جعلت دواءه سنَن ابْن مَاجَه) توفّي هَذَا الْفَقِيه سنة ثَمَانِي عشرَة وثمانمئة وَمِنْهُم القَاضِي الْأَجَل جمال الدّين مُحَمَّد بن أبي بكر بن عمر بن صَالح بن مُحَمَّد بن يحيى بن أبي الرخَاء من الْفُقَهَاء الْعلمَاء من أهل الْعقر قَرَأَ على الْأَئِمَّة من أَهله بالعقر مِنْهُم وَالِده وَغَيره ثمَّ على الشَّيْخ مجد الدّين الصديقي وَالْإِمَام نَفِيس الدّين الْعلوِي بالتفسير والْحَدِيث وأجازوا لَهُ فدرس وَأفْتى ثمَّ تولى الْقَضَاء فِي معشار التعكر بالعقر وَذي السفال وجبلة وَمَا والى ذَلِك ثمَّ تولى الْقَضَاء بِمَدِينَة تعز وَكَانَ من الأخيار الصَّالِحين وَهُوَ مِمَّن تولى غسل السُّلْطَان الْأَشْرَف وَلم يزل على الْحَال المرضي إِلَى أَن توفّي بِمَدِينَة تعز فِي سنة أحدى وَعشْرين وثمانمئة وَدفن بالأجيناد رَحمَه الله تَعَالَى ونفع بِهِ وَمن المتوفين بتعز من الوافدين إِلَيْهَا المقرىء الْوَلِيّ الصَّالح الزَّاهِد صفي الدّين أَحْمد بن مُحَمَّد بن يُوسُف بن عَليّ بن عَيَّاش الدِّمَشْقِي كَانَ من عباد الله الصَّالِحين دأبه تِلَاوَة كتاب الله وتعليمه تجرد عَن أَهله وبلده واجتهد بِعبَادة

الله تَعَالَى فِي الْحَرَمَيْنِ الشريفين وَاجْتمعَ بالمقرىء الصَّالح عفيف الدّين عبد الله بن مُحَمَّد الشنيني الْمُقدم الذّكر فتحابا فِي الله واستفاد كل من صَاحبه بِمَكَّة المشرفة فَرجع المقرىء عفيف الدّين إِلَى بَلَده فَلحقه المقرىء شهَاب الدّين إِلَى الْيمن فَأَقَامَ بتعز أَيَّامًا ثمَّ رَحل إِلَى مَدِينَة إب فَاجْتمع بالفقهاء والصلحاء من أَهلهَا فَشَهِدُوا لَهُ بِالْفَضْلِ وَالصَّلَاح وقرؤوا عَلَيْهِ كتاب الله تَعَالَى ثمَّ انْتقل إِلَى بلد وصاب وَاجْتمعَ بالمقرىء عفيف الدّين عبد الله بن مُحَمَّد البعيثي فَأكْرمه وأقامه عِنْده سِنِين فوصل إِلَيْهِ وَلَده من الشَّام وحثه عل الرُّجُوع إِلَى دمشق فوعده بذلك وَأَعْطَاهُ وَلَده ذَهَبا فَاشْترى بِهِ أَرضًا وأوقفها على الْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِين وعَلى بعض الْمَسَاجِد فِي وصاب ثمَّ رَحل من وصاب بعد أَن ظهر لَهُ كرامات كَثِيرَة فِيهَا فوصل إِلَى شنين وَأقَام بهَا أَيَّامًا ثمَّ رَجَعَ إِلَى تعز ثمَّ إِلَى زبيد على قصد الْعَزْم إِلَى بَلَده فاستغاث بِهِ أهل وصاب وطلبوا مِنْهُ الرُّجُوع إِلَى عِنْدهم فأجابهم إِلَى ذَلِك فوصل إِلَى تعز وَقد كَانَ رأى فِي النّوم المقرىء عفيف الدّين عبد الله الشنيني وَقَالَ لَهُ أَنه قد تهَيَّأ لَهُ قصر عَظِيم عِنْده وَأَنه فِي انْتِظَاره فزار قبر المقرىء عفيف الدّين الشنيني بتعز فَمَرض سِتَّة أَيَّام ثمَّ توفّي إِلَى رَحْمَة الله تَعَالَى بِشَهْر ربيع الأول سنة اثْنَتَيْنِ وَعشْرين وثمانمئة فقبر بالأجيناد عِنْد قبر المقرىء عفيف الدّين الشنيني فهما يزاران ويتبرك بهما جَمِيعًا رحمهمَا الله ونفع بهما وَقد قَرَأت فِي إب فِي بعض التَّعَالِيق للْقَاضِي وجيه الدّين النحواني مَا مِثَاله رَأَيْت فِي الْمَنَام لَيْلَة الْجُمُعَة السَّادِس وَالْعِشْرين من شهر ربيع سنة اثْنَتَيْنِ وَعشْرين وثمانمئة أَن المقرىء شهَاب الدّين أَحْمد بن مُحَمَّد بن عَيَّاش مستلق على جنبه الْأَيْمن وَقد علمت بِمَوْتِهِ فَأَرَدْت الصَّلَاة عَلَيْهِ فرأيته وَهُوَ حَيّ يَأْكُل شَيْئا من التَّمْر وَهُنَاكَ من يطعمهُ تَمرا كثيرا فَقلت فِي نَفسِي أَلَيْسَ قد قَالُوا أَنه مَاتَ ثمَّ فَكرت وَقلت فِي نَفسِي الْأَوْلِيَاء وَالشُّهَدَاء أَحيَاء عِنْد رَبهم يرْزقُونَ وَلَعَلَّ هَذَا الَّذِي يَأْكُلهُ رزق من

الله تَعَالَى يَأْتِيهِ بعد مَوته ثمَّ استيقظت وَصليت عَلَيْهِ بعد صَلَاة الْجُمُعَة فِي جمَاعَة صَلَاة الْمَيِّت الْغَائِب انْتهى ذَلِك وَهَذِه من بعض كراماته رَحمَه الله ونفع بِهِ وَمن أهل مَدِينَة تعز الْفَقِيه برهَان الدّين إِبْرَاهِيم العزيزي أَخْبرنِي الثِّقَة أَنه كَانَ فَقِيها محققا وَأَنه حضر مجْلِس السماع فِي الحَدِيث النَّبَوِيّ وَالتَّفْسِير عِنْد الشَّيْخ مجد الدّين الشِّيرَازِيّ وَالْإِمَام نَفِيس الدّين الْعلوِي وأنهما أجازا لَهُ وَتُوفِّي فِي الْعشْر الأول من المئة التَّاسِعَة رَحمَه الله وَمِنْهُم الْفَقِيه الْعَلامَة عفيف الدّين عبد الله بن الإِمَام جمال الدّين الريمي قَرَأَ على وَالِده فِي الْفِقْه وَأَجَازَ لَهُ وَحضر السماع بِالْقِرَاءَةِ وَالتَّفْسِير على الشَّيْخ مجد الدّين الشِّيرَازِيّ وعَلى الإِمَام نَفِيس الدّين الْعلوِي وعَلى الإِمَام مجد الدّين فأجازوا لَهُ وَتُوفِّي فِي الْعشْر الأول من المئة التَّاسِعَة رَحمَه الله تَعَالَى وَمِنْهُم الشَّيْخ الصَّالح الْوَلِيّ ركن الدّين حاجي الْحَنَفِيّ الْهِنْدِيّ كَانَ عَالما عَاملا صَالحا اعْتكف فِي الْمدرسَة الأشرفية الجديدة فعبد الله تَعَالَى فِيهَا بالتلاوة وَالذكر وَالْقِيَام بِاللَّيْلِ وَالصِّيَام بِالنَّهَارِ وَكَانَ يزور الأكابر والأصاغر وَظَهَرت لَهُ كرامات مِنْهَا أَنه أَتَى إِلَيْهِ بعض زواره وَهُوَ يَأْكُل شَيْئا من عَيْش الذّرة ثرده بِمَاء الْحمر فَقَالَ لَهُم كلوا معي من هَذَا فَقَالُوا لَا نَأْكُل إِلَّا الْحَلْوَى فَمد يَده إِلَى مَكَان عِنْده لم يكن فِيهِ شَيْء فاختطف طبقًا قربه لَهُم فِيهِ حلوى حارة فَأَكَلُوا مِنْهَا وَله غير ذَلِك من الكرامات وَتُوفِّي بآخر سنة أَربع وَعشْرين وثمانمئة رَحمَه الله ونفع بِهِ وقبر بالأجيناد وقبره يزار ويتبرك بِهِ وَمن المتوفين فِي مَدِينَة تعز المقرىء الْعَلامَة وجيه الدّين عبد الرَّحْمَن بن هبة الله بن

عبد الرَّحْمَن الْعَبْسِي نسبا ثمَّ الملحاني بَلَدا أَخذ الْقرَاءَات السَّبع عَن جمَاعَة من الأكابر مِنْهُم الْمقري الشارفي من أهل حراز وَأخذ النَّحْو واللغة عَن جمَاعَة من أَئِمَّة وقته وشارك فِي غير هَذِه الْعُلُوم فرتب إِمَامًا فِي الْمدرسَة الأشرفية الجديدة فِي مَدِينَة تعز فدرس فِيهَا وَتخرج بِهِ جمَاعَة وانتفعوا بِعُلُومِهِ وَكَانَ لَهُ شعر حسن مِنْهُ مَا قَالَه متوسلا (أَنا فِي أمانك حفيظ من الورى ... متلزم متمسك متوكل) (ومفوض أَمْرِي إِلَيْك ولاجىء ... لَك خاضع لَك ضارع متذلل) (بك واثق يَا عدتي فِي شدتي ... بك لائذ لَك مخبت متململ) (صني وحطني واحمني وأعزني ... وتولني لَا عَن جلالك أهمل) (وأمدني بالنصر مِنْك ونجني ... مِمَّا تحار بِهِ الْعُقُول وتذهل) وَله غير ذَلِك من الشّعْر الرَّائِق توفّي بعد سنة خمس عشرَة وثمانمئة رَحمَه الله ونفع بِهِ آمين وَمِنْهُم الإِمَام الْعَلامَة وجيه الدّين عبد الرَّحْمَن بن مُحَمَّد بن حسن بن مُحَمَّد بن عمر البريهي كَانَ من الْأَئِمَّة الْمُجْتَهدين وَالْفُقَهَاء الزاهدين وَالْعُلَمَاء الراسخين قَرَأَ على أَئِمَّة وقته كالعماكري والزوقري والعوادي وَابْن الوشاح وَغَيرهم وَأَجَازَ لَهُ الشَّيْخ مجد الدّين الشِّيرَازِيّ بعد قِرَاءَته عَلَيْهِ وسماعه مِنْهُ كثيرا من كتب التَّفْسِير والْحَدِيث واللغة وَغَيرهَا وَقَرَأَ على الإِمَام نَفِيس الدّين الْعلوِي كتب الحَدِيث وَأَجَازَهُ وَكتب لَهُ مَا رَأَيْته بِخَط الإِمَام نَفِيس الدّين بعد الاستدعاء للإجازة من صَاحب التَّرْجَمَة

مَا مِثَاله أجزت لَهُ ذَلِك لعلمه وبراعته فَإِنَّهُ الْفَقِيه الْعَالم النجيب وفْق الله أَحْوَاله ونفع بِهِ وبسلفه فَهُوَ مبارك عَالم عضده الله وَكَانَ لَهُ وليا وَبِه حفيا ورحم الله وَالِده وأرخ الْإِجَازَة بِسنة اثْنَتَيْ عشرَة وثمانمئة وَبَقِي هَذَا الإِمَام وجيه الدّين يدرس ويفتي ويفيد الطّلبَة وَحصل كتبا كَثِيرَة ضَبطهَا أحسن ضبط وحوشاها فَصَارَت كتبه من الْأُمَّهَات ثمَّ سَافر إِلَى مَكَّة المشرفة فحج وزار قبر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثمَّ توفّي رَاجعا فِي جدة فختم الله لَهُ بِأَن توفّي مطهرا من الذُّنُوب سنة سبع عشرَة وثمانمئة وَلما توفّي رثاه الْفَقِيه الصَّالح الْعَالم جمال الدّين مُحَمَّد الحجي بقصيدة طَوِيلَة قد أثبتها فِي الأَصْل وَمِنْهُم الْفَقِيه رَضِي الدّين أَبُو بكر بن مُحَمَّد الصبري كَانَ فَقِيها نحويا ومشاركا بِسَائِر الْعُلُوم قَرَأَ وَسمع الحَدِيث على جمَاعَة من أَئِمَّة وقته فَجعله السُّلْطَان معلما لأولاده ومؤدبا لَهُم وأضاف إِلَيْهِ من الْأَسْبَاب بِمَدِينَة تعز دَار المضيف وَغَيره وَلم يزل على الْحَال المرضي إِلَى أَن توفّي بِمَدِينَة زبيد بعد سنة عشر وثمانمئة بعد أَن حج وزار قبر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ونجب لَهُ من الْأَوْلَاد القَاضِي شهَاب الدّين أَحْمد قَرَأَ على جمَاعَة من أَئِمَّة وقته بفنون الْعلم فاشتهر بالأدب وَالشعر ورزق الْحَظ عِنْد السُّلْطَان النَّاصِر وَعند وَالِده الْمَنْصُور والأشرف ثمَّ صَدرا من ولَايَة الظَّاهِر ثمَّ سَار مَعَه إِلَى المهجم فَتوفي بهَا سنة إِحْدَى وَثَلَاثِينَ وثمانمئة وَمن شعره قصيدة تغزل بهَا مِنْهَا من قَوْله فِي أول القصيدة (ألب هواكم بالصبابة من لبي ... فسرت وَلم أحفل بِمَا قَالَ لي صحبي) (وَقد قيل قلب الْمَرْء فِيهِ تقلب ... وَلم يَنْقَلِب عَن حفظ ودكم قلبِي) وَهِي عشرَة أَبْيَات قد أثبتها فِي الأَصْل وَرُبمَا تزيد على ذَلِك لكني لم أَقف على تَمامهَا

وَمِنْهُم الإِمَام الْعَلامَة الْحَافِظ قطب الْعلمَاء الرَّاشِدين وَنِهَايَة المسترشدين ولي الله والمحدث عَن سيدنَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سُلَيْمَان بن إِبْرَاهِيم بن عمر الْعلوِي كَانَ رَحمَه الله مَالك أزمة المعارف والطرائف الْحَائِز فضيلتي التالد والطارف أَحْيَا بِهِ من الْعُلُوم دارسها وَأَعْمر بِهِ معالمها ومدارسها وَفك مَا استعجم من الْأَحَادِيث فشرحها وَأَبَان مَا استبهم من الْعُلُوم فأوضحها فَهُوَ فِي الْعلم كوكبه الْمُنِير وَصَوَّبَهُ العذب النمير وَله فِي البلاغة الْيَد الطُّولى والطريقة المثلى مولده بِمَدِينَة زبيد بِشَهْر رَجَب سنة خمس وَأَرْبَعين وسبعمئة وَرُوِيَ أَنه لما ولد اخْتلف الْحَاضِرُونَ فِي تَسْمِيَته من الرِّجَال وَالنِّسَاء وَكَانَ وَالِده الإِمَام برهَان الدّين غَائِبا فَلَمَّا بلغه الْوَضع وصل إِلَيْهِم فَقَالَ سموهُ سُلَيْمَان ثمَّ قَالَ يكون هَذَا عَالما أَو وَارِثا لعلمي فَكَانَ كَمَا قَالَ وَقد كَانَ وَالِده فِي زبيد إِمَام الحَدِيث فِي وقته وَله مكاشفات يضيق عَنْهَا هَذَا الْمَجْمُوع وَقد أثنى الْعلمَاء كَافَّة من أهل الْوَقْت على الإِمَام نَفِيس الدّين وَأجْمع من كَانَ من أهل غير وقته من بعدهمْ على أَنه لم يكن فِي الْيمن أعلم مِنْهُ فِي الحَدِيث وطرقه وَمَعْرِفَة رِجَاله وَكَانَ من مشايخه الشَّيْخ مجد الدّين الشِّيرَازِيّ وَأَبُو الْفضل مُحَمَّد بن أَحْمد بن عبد الْعَزِيز النويري ونسر بن عمرَان المقرىء وَأما تلامذته فكثير كَمَا قَالَ التقي بن معيبد فِي مرثاة لَهُ رثاه بهَا زِيَادَة على ثَلَاثِينَ بَيْتا إِلَى أَن قَالَ فِيهَا (ويكفيه فخرا أَن كل مدرس ... من الْعلمَاء فِي قطره درسيه)

وَكَانَ رَحمَه الله حَنَفِيّ الْمَذْهَب وَقد يُفْتِي بِمذهب الإِمَام الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ لتحقيقه الْمذَاهب كلهَا فَهُوَ عَالم مُحَقّق وفوائده الَّتِي نقلتها عَنهُ الْعلمَاء كَثِيرَة وَلَا تَنْحَصِر فِي مُجَلد وَكَانَت لَهُ الرّفْعَة الْعُظْمَى عِنْد كَافَّة النَّاس يجلونه ويحترمونه ويتبعون أمره وَلَا يخالفون نَهْيه وَكَانَ مَجْلِسه يجمع الْمُبْتَدِي والمنتهي ويستفيد مِنْهُ كل مِنْهُم مَا يأمل ويشتهي وَكَانَت الْفَتَاوَى ترد عَلَيْهِ من أقطار الْيمن وَغَيره فَيحل مشكلها ويوضح مبهمها قلمه يجْرِي سَرِيعا بنخب علومه وَلسَانه تعبر بِأَحْسَن الْعبارَات بِمَا يشفي من مَنْطُوق كَلَام الْعلمَاء وَمَفْهُومه اعْترف بفضله الْمُوَافق والمخالف من ذَلِك مَا رَأَيْته مُكَاتبَة إِلَيْهِ من بعض فُقَهَاء الزيدية بِمَا تقر بِهِ الْعُيُون بِمَا لَا يحْتَمل بَسطه هَذَا الْمُخْتَصر وَكَانَت مجالسه مشحونة بِأَهْل الْبر وَالتَّقوى والمراقبة لعالم السِّرّ والنجوى وَأما كراماته فَأكْثر من أَن تحصر وَأشهر من أَن تذكر مِنْهَا مَا حكى لي الْفَقِيه رَضِي الدّين أَبُو بكر الصّديق بن مُحَمَّد الوائلي قَالَ اجْتمعت بِالْإِمَامِ نَفِيس الدّين الْعلوِي بِمَدِينَة تعز فَسَأَلَنِي عَن اسْمِي ونسبي فَأَخْبَرته بذلك فَقَالَ مَا وظيفتك فأعلمته بوظيفتي فَلم يستحسنها فَقلت أُرِيد أَن أنعزل عَنْهَا وأتخلى للْقِرَاءَة فَقَالَ لي عزلتك من وظيفتك كَمَا عزلت خَاتمِي هَذِه من يَدي وَأخرجه من يَده قَالَ فَرَجَعت إِلَى بَيْتِي وأعلموني بعزلي من وَالِي بلدي فلحقتني مشقة من ذَلِك فَرَجَعت إِلَى الإِمَام نَفِيس الدّين وشكوت عَلَيْهِ ضرورتي وَمَا نالني بِسَبَب الْعَزْل فَقَالَ تحب رُجُوع وظيفتك فَقلت نعم فَقَالَ رددتك على وظيفتك كَمَا رددت خَاتمِي هَذَا إِلَى يَدي قَالَ فَعَادَت إِلَيّ وظيفتي وانتظم أَمْرِي وَمِنْهَا مَا أَخْبرنِي بعض تلامذته أَنه كَانَ لَهُ أَرض يملكهَا بِذِي أشرق وَله أعوان يعينونه على عَملهَا فاتفق عَلَيْهِم ظلم من بعض أعوان الْأَمِير بدر الدّين مُحَمَّد بن

زِيَاد وَتشفع بِالْإِمَامِ نَفِيس الدّين إِلَى الظَّالِم بِإِزَالَة الظُّلم فَلم يمتثل وَلَا قبل الشَّفَاعَة وَلَا سلمُوا من الظُّلم فجَاء بَعضهم وَقَالَ لَهُ الْأَمِير بدر الدّين لم يقبل شفاعتك وَكَانَ الإِمَام نَفِيس الدّين حِينَئِذٍ بِالْمَدْرَسَةِ الأشرفية الجديدة بِمَدِينَة تعز فَأمر الدرسة بِقِرَاءَة الْفَاتِحَة ودعا على الْأَمِير وقطرت دمعة من عينه فعزل السُّلْطَان الْأَمِير من ولَايَة تِلْكَ الْبَلَد وَجرى عَلَيْهِ أُمُور متعبة وَلم يزل حَاله غير مُنْتَظم إِلَى أَن مَاتَ وَحكى لي القَاضِي وجيه الدّين عبد الرَّحْمَن بن حسن الصباحي قَالَ أَخْبرنِي الشَّيْخ الصَّالح عفيف الدّين عبد الْقَادِر من فُقَهَاء شريج المهجم قَالَ وفدت إِلَى مَدِينَة تعز أَنا والفقيه الصَّالح عَليّ بن عبد الله بن أبي بكر بن أبي حَرْبَة وَنحن لَا نَعْرِف تعز وَلَا فقهاءها فَدَخَلْنَا الْمدرسَة الأشرفية الجديدة فَوَجَدنَا شَيخا مدرسا وَحَوله نَحْو أَرْبَعِينَ طَالبا فَقَامَ ذَلِك الشَّيْخ الْمدرس إِلَيْنَا فَسلم علينا وآنسنا وَأخْبرنَا بأسمائنا وَأَسْمَاء آبَائِنَا وَبَلَدنَا ثمَّ أَمر بِنَا إِلَى بَيته فأضافنا وَنحن لَا نعرفه فسألنا بعض تلامذته عَنهُ فَقَالَ لنا هَذَا الإِمَام نَفِيس الدّين سُلَيْمَان بن إِبْرَاهِيم فَسَأَلْنَاهُ عَن سَبَب مَعْرفَته لنا فَقَالَ إِن الإِمَام نَفِيس الدّين يكاشف بعض الوافدين عَلَيْهِ بِمثل ذَلِك فيعرفهم وهم لَا يعرفونه وَله غير ذَلِك من الكرامات مِمَّا قد ذكرت بَعْضهَا فِي الأَصْل وَتُوفِّي رَحمَه الله سنة خمس وَعشْرين وثمانمئة وَدفن بالأجيناد وقبره مَقْصُود للتبرك بِهِ وَقَضَاء

الْحَوَائِج رَحمَه الله ونفع بِهِ وَمِنْهُم الْفَقِيه شرف الدّين إِسْمَاعِيل بن عبد الْحق بن عَليّ بن عَبَّاس السكْسكِي كَانَ رجلا مُبَارَكًا لَهُ مُشَاركَة بِشَيْء من الْعُلُوم يَتْلُو كتاب الله تَعَالَى بِصَوْت حسن ورتب إِمَامًا بِجَامِع ذِي عدينة بِمَدِينَة تعز وأضيف إِلَيْهِ شَيْء من الْأَسْبَاب ودام على الْحَال المرضي بِالْعبَادَة وَالصِّيَام وَالْقِيَام فَلَمَّا قربت وَفَاته رأى بعض الدرسة بالجامع النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الْمَنَام فَقَالَ لَهُ قل لإسماعيل {ولسوف يعطيك رَبك فترضى} فَقَالَ الدرسي للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من إِسْمَاعِيل الصبري أم غَيره فَقَالَ لَهُ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم هُوَ إِمَام جَامع عدينة فَذهب ذَلِك الدرسي إِلَى الْفَقِيه شرف الدّين يبشره بذلك ففرح وَبكى وَمكث أَيَّامًا قَلَائِل ثمَّ توفّي رَحمَه الله سنة سِتّ وَعشْرين وثمانمئة فرثاه القَاضِي شرف الدّين أَبُو الْقَاسِم بن عمر بني معيبد بمرثاة أَولهَا (أياك لَا حرج عَلَيْك وَلَا عتب ... مَا كنت مرتقبا لهبات الْكتب) حَتَّى قَالَ فِيهَا (بِشِرَاك والبشرى لمثلك حَقّهَا ... شكرا لما أَعْطَاك رَبك أَو وهب) وَهِي طَوِيلَة تزيد على ثَلَاثِينَ بَيْتا قد ذكرتها فِي الأَصْل وَمِنْهُم القَاضِي الْأَجَل شرف الدّين أَبُو الْقَاسِم بن عمر بن أبي الْقَاسِم بن معيبد

اليشكيري الْأَشْعَرِيّ القحطاني كَانَ لَهُ اجْتِهَاد فِي صغره بِطَلَب الْعلم الشريف فحفظ منهاج النَّوَوِيّ وشيئا من كتب النَّحْو وَقَرَأَ على الْأَئِمَّة بوقته فِي الْفِقْه والْحَدِيث واللغة ولي الِاسْتِيفَاء للسُّلْطَان فدبر قوانينه تدبيرا حسنا وَبلغ مَا لم يبلغهُ غَيره بوظيفته وَهُوَ مَعَ ذَلِك جَار على سنَن الشَّرِيعَة المطهرة ومجاهدا لصالح الْمُسلمين وناصح لَهُم وَصَحب جمَاعَة من الشُّيُوخ الصُّوفِيَّة وتأدب بآدابهم كَانَ لَهُ شعر رايق فِي مدحهم ومدح النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم والكعبة المشرفة قد ذكرت جملَة مِنْهُ فِي الأَصْل وَتُوفِّي بِشَهْر شعْبَان سنة ثَلَاثِينَ وثمانمئة وَدفن بالأجيناد ورثاه وَلَده التقي بن معيبد بمرثاة أَولهَا (قفا فانظرا حَالي فَلَيْسَ لَهُ وصف ... ) وَهِي طَوِيلَة وَمن وَسطهَا (فآه على تِلْكَ الشَّمَائِل زانها ... مَعَ الْخلق الْأَسْنَى التَّوَاضُع واللطف) (فحلم وَعلم راسخ وَكِتَابَة ... وَفضل وآداب يزينها ظرف) وَمن المتوفين بِمَدِينَة تعز الْفَقِيه الْفَاضِل رَضِي الدّين أَبُو بكر بن عُثْمَان بن عَليّ الورلي نسبا الشَّافِعِي مذهبا العدلي بَلَدا قدم إِلَى مَدِينَة تعز رَسُولا من صَاحب الْحَبَشَة الْمُسلم بالهدايا إِلَى الْملك الْمَنْصُور ابْن النَّاصِر الغساني فَكَانَ هَذَا الرجل

مشاركا بِشَيْء من الْعلم مخالطا للفقهاء توفّي هَذَا الْفَقِيه رَضِي الدّين بِمَدِينَة تعز سنة تسع وَعشْرين وثمانمئة رَحمَه الله ونفع بِهِ وَمن المتوفين بِمَدِينَة تعز من الوافدين إِلَيْهَا القَاضِي الْأَجَل وجيه الدّين عبد الرَّحْمَن بن الحبيشي الجبني قدم إِلَى مَدِينَة تعز برسالة من الشَّيْخ جمال الدّين طَاهِر بن معوضة إِلَى السُّلْطَان الْملك النَّاصِر فَأكْرمه وَكَانَ فَقِيها مُبَارَكًا كَرِيمًا حصل كتبا كَثِيرَة نافعة وَتُوفِّي بعد سنة عشْرين وثمانمئة رَحمَه الله تَعَالَى ونفع بِهِ وَمن المتوفين بِمَدِينَة تعز الإِمَام شهَاب الدّين أَحْمد بن مُحَمَّد الربيعي الْحِمْيَرِي الْمَشْهُور بالشلفي نسب إِلَى الْقرْيَة الْمَعْرُوفَة بمعشار السارة بشلف قَرَأَ الْقرَاءَات السَّبع برواياتها على المقرىء الصَّالح الْوَلِيّ عفيف الدّين عَطِيَّة بن أبي بكر العيسوي وَقَرَأَ بالفقه على الإِمَام جمال الدّين الريمي وعَلى تِلْمِيذه رَضِي الدّين بن الْخياط وَقَرَأَ فِي النَّحْو على الْفَقِيه سراج الدّين عبد اللَّطِيف الشرجي الْحَنَفِيّ وَفِي الْفَرَائِض على الإِمَام برهَان الدّين إِبْرَاهِيم بن أبي بكر الْأَسَامِي الْأَشْعَرِيّ وَفِي الحَدِيث على الإِمَام نَفِيس الدّين الْعلوِي فَأجَاز لَهُ هَؤُلَاءِ وَغَيرهم من الْأَئِمَّة كالشريف الفاسي وَالْإِمَام الْجَزرِي فدرس وَأفْتى وَكَانَ منقوله الْحَاوِي الصَّغِير واستدعاه الْملك النَّاصِر إِلَى مَدِينَة تعز فانتقل إِلَيْهَا وَأقَام بِالْمَدْرَسَةِ المجاهدية وعكفت عَلَيْهِ الطّلبَة للْقِرَاءَة عَلَيْهِ فِيهَا وَفِي غَيرهَا وصنف مصنفا فِي علم الْفَرَائِض منظومة سَمَّاهَا كِفَايَة الرائض فِي علم الْفَرَائِض وَشَرحهَا سَمَّاهُ نِهَايَة الخائض فِي شرح كِفَايَة الرائض فِي علم

الْفَرَائِض جمع فِيهِ من الْفَوَائِد جملَة كَثِيرَة ثمَّ صنف فِي مَنَاسِك الْحَج كتابا سَمَّاهُ هِدَايَة السالك إِلَى مَقَاصِد الناسك وَنقل فِيهِ مسَائِل نفيسة غَرِيبَة وفروعا فِي الْفِقْه مفيدة وَكَانَ معاصروه من الْعلمَاء وَغَيرهم يجلونه ويعظمونه وَكَانَ ينظم الْفَوَائِد لتحفظ من ذَلِك مَا ذكره الشَّيْخ أَبُو حَامِد فِي الرونق فِي الْعُقُود اللَّازِمَة والجائزة حَيْثُ قَالَ الْفَقِيه شهَاب الدّين فِي نظمه لذَلِك (جَمِيع عُقُود الْفِقْه ضَرْبَان لَا سوى ... أَبُو حَامِد فِي الرونق الْكل قد حوى) وَذَلِكَ مُثبت فِي الأَصْل وَمن نظمه القصيدة الطَّوِيلَة الَّتِي تغزل بهَا فِي الْكَعْبَة المشرفة فِي مدح النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهِي نَحْو سِتِّينَ بَيْتا مِنْهَا (فيا كعبة الله الْمُعظم شَأْنهَا ... تملكت صبا والها أبدا قِنَا) وَمن شعره جَوَابه على اللغز الَّذِي أَلْقَاهُ الإِمَام الْجَزرِي على القَاضِي شرف الدّين بِمَدِينَة زبيد عَن لَفْظَة الْقُرْآن وَذَلِكَ مَشْهُور وَكَانَ هَذَا الإِمَام شهَاب الدّين يكرم الضَّيْف ويعين الْمِسْكِين إِذا حصل لَهُ شَيْء من الْأَسْبَاب أَو من الْمُلُوك والأمراء أفرغه بأقرب مُدَّة وَكَانَ كثير التَّزَوُّج والتسري وَحدث لَهُ أَوْلَاد كَثِيرُونَ وَلَزِمتهُ دُيُون عجز عَن أَدَائِهَا سمعته يسْأَل من الإِمَام الْجَزرِي رَحمَه الله الدُّعَاء بِأَن يقْضِي الله دُيُونه فَقلت لَهُ كم دينك قَالَ

أُلُوف وَلم يزل على الْحَال المرضي يدرس ويفتي إِلَى أَن توفّي سنة اثْنَتَيْنِ وَثَلَاثِينَ وثمانمئة وقبر بالأجيناد قَرِيبا من قبر الإِمَام نَفِيس الدّين الْعلوِي وحواليه قُبُور جمَاعَة من الْعلمَاء الْفُضَلَاء الصَّالِحين وَقد رثاه التقي بن معيبد بمرثاة طَوِيلَة مِنْهَا (ذهب الْفَلاح تَتَابَعَت أحزابه ... وَمضى الصّلاح مَضَت بِهِ أَصْحَابه) (لما فَقدنَا أَحْمد بن مُحَمَّد ... مفتي الْأَنَام تغلقت أبوابه) وَهِي طَوِيلَة تركتهَا اختصارا وَمِنْهُم الْفَقِيه الْعَلامَة شرف الدّين قَاسم بن عمر الدمتي كَانَ إِمَامًا فَاضلا قَرَأَ على الإِمَام وجيه الدّين الزوقري وَالْإِمَام عفيف الدّين عُثْمَان العماكري بالفقه وعَلى غَيرهمَا وَقَرَأَ وَسمع الحَدِيث على الشَّيْخ شمس الدّين الْجَزرِي وَالْإِمَام نَفِيس الدّين فَكل هَؤُلَاءِ أَجَازُوا لَهُ واشتهر بِمَعْرِِفَة الْفِقْه وتحقيقه وتدقيقه وَكَانَت ترد عَلَيْهِ الْفَتَاوَى من جَمِيع الْجِهَات فيشفي بِالْجَوَابِ ويجود بالعبارة وَكَانَ لَا يقنع السَّائِل الْعَارِف إِلَّا بِجَوَاب هَذَا الْفَقِيه مَعَ كَثْرَة الْفُقَهَاء بِالْبَلَدِ وَكَانَ باذلا نَفسه للطلبة وَعَلِيهِ السكينَة وَالْوَقار مُجْتَهدا بِالْعبَادَة معدودا من الصلحاء الْعلمَاء وَمن الْمُحدثين الَّذين ينظرُونَ بِنور الله وَكَانَ لَا يسْتَحل أَن يَأْخُذ شَيْئا من الْوَقْف إِلَّا إِذا قَامَ بِمَا شَرطه الْوَاقِف وَتُوفِّي رَحمَه الله سنة اثْنَتَيْنِ وَثَلَاثِينَ وثمانمئة وَدفن بالأجيناد ورثاه الشَّيْخ عفيف الدّين عبد الله بن دَاوُد بن مَنْصُور بمرثاة قَالَ فِي أَولهَا (موت الْأَئِمَّة ثلمة الْإِسْلَام ... لَا ثلمة تطرا كموت إِمَام) (فَإِذا سَمِعت بِمَوْت حبر فابكه ... وابك الْأَنَام ونح على الْإِسْلَام) حَتَّى قَالَ فِيهَا (أَو مَا ترى الْآفَاق كَيفَ تكدرت ... لما قضى لإمامنا بحمام) (قَاسم حزت الْعلم ثمَّ قسمته ... فجزاك رَبك أوفر الْأَقْسَام)

وَهِي طَوِيلَة قد أثبتها فِي الأَصْل وَمِنْهُم القَاضِي صفي الدّين أَحْمد بن مُحَمَّد بن عَليّ التباعي تخرج على جمَاعَة من الْفُقَهَاء بِمَدِينَة تعز وَغَيرهَا فَمن شُيُوخه فِي الْفِقْه الإِمَام الريمي وَفِي الْقرَاءَات الإِمَام عفيف الدّين الشنيني وَفِي الحَدِيث الإِمَام مجد الدّين الصديقي وَالْإِمَام نَفِيس الدّين الْعلوِي فأجازوا لَهُ وتصدى للتدريس وَالْفَتْوَى وَتَوَلَّى الْقَضَاء بِمَدِينَة تعز سنة سبع وثمانمئة ثمَّ انْفَصل عَنهُ وَتَوَلَّى تدريس الْمدرسَة السابقية ودرس بالجامع المظفري وَكَانَ من أهل بَيت فقه ورئاسة وأصل بَلَده السحول تَحت جبل بعدان وَتَوَلَّى أَخُوهُ القَاضِي عفيف الدّين عبد الصَّمد التباعي الْقَضَاء بِمَدِينَة إب مُدَّة طَوِيلَة ثمَّ تولى هَذَا القَاضِي الْقَضَاء بالمنصورة والجوة وَمَا والاها فسكن هُنَاكَ مُدَّة ثمَّ رَجَعَ إِلَى مَدِينَة تعز فسكن بهَا خاملا إِلَى أَن توفّي بهَا سنة اثْنَتَيْنِ وَثَلَاثِينَ وثمانمئة رَحمَه الله تَعَالَى ونفع بِهِ وَمِنْهُم المقرىء الصَّالح بدر الدّين حسن بن أبي بكر الصبري كَانَ مقرئا مُحدثا قَرَأَ بالقراءات السَّبع على بعض أَئِمَّة وقته وَقَرَأَ بالتفسير والْحَدِيث على الْإِمَامَيْنِ مجد الدّين الصديقي ونفيس الدّين الْعلوِي فأجازوا لَهُ وَلما توفّي الإِمَام نَفِيس الدّين الْعلوِي اسْتمرّ ثَابتا بِقِرَاءَة الحَدِيث النَّبَوِيّ لأَوْلَاد الإِمَام نَفِيس الدّين الْعلوِي بِبَعْض الْأَسْبَاب وَكَانَ حسن الصَّوْت وَله عبَادَة واجتهاد وَأثْنى عَلَيْهِ الإِمَام نَفِيس الدّين ثَنَاء مرضيا وَتُوفِّي بعد سنة ثَلَاثِينَ وثمانمئة وقبر بالأجيناد وَمِنْهُم المقرىء بدر الدّين حسن بن مُحَمَّد اليافعي أصل بَلَده قَرْيَة حبيل بعزلة مطاية بجبل بعدان قَرَأَ على الإِمَام عفيف الدّين الشنيني بالقراءات وَغَيرهَا وَجعله من خواصه وزوجه ابْنَته ودعا لَهُ بِالْخَيرِ فَفتح عَلَيْهِ بِالْمَالِ وَاشْترى أَرضًا جليلة بِبَلَدِهِ وَعمر مَسْجِدا وأوقف عَلَيْهِ من هَذِه الأَرْض الَّتِي اشْتَرَاهَا وَهُوَ مَسْجِد قديم قد قيل إِنَّه من الْمَسَاجِد الَّتِي بنيت فِي زمن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثمَّ امتحن هَذَا بظُلْم من السُّلْطَان

النَّاصِر وَأخذ مِنْهُ مَالا كثيرا فِي أَوْقَات مُتَفَرِّقَة ثمَّ توفّي سنة رَحمَه الله ونفع بِهِ آمين وَمِنْهُم المقرىء الْعَلامَة شرف الدّين أَبُو الْقَاسِم بن عَليّ بن مُحَمَّد الأصبحي الْوَاعِظ الْمَشْهُور ب عِيَاض قَرَأَ على جمَاعَة من أَئِمَّة وقته بالقراءات السَّبع وبالفقه وَقَرَأَ الحَدِيث على الإِمَام نَفِيس الدّين وَأَجَازَ لَهُ ثمَّ تصدى للتدريس بِمَدِينَة تعز فاشتهر بتحقيق علم الحَدِيث ورتب إِمَامًا فِي الْمدرسَة الشمسية الْمَعْرُوفَة قرب جَامع ذِي عدينة وَاسْتمرّ بالخطابة فِي جَامع ذِي عدينة وَكَانَت لَهُ عبَادَة وزهادة أثنى عَلَيْهِ الإِمَام نَفِيس الدّين الْعلوِي فَبَقيَ على الْحَال المرضي أَيَّام شَيْخه الإِمَام نَفِيس الدّين الْعلوِي فَلَمَّا توفّي شَيْخه تصدر لنشر الحَدِيث بعده فَلم تطل مدَّته بل توفّي قبل سنة ثَلَاثِينَ وثمانمئة وَقد حقق الشَّيْخ الصَّالح الْوَزير تَقِيّ الدّين بن معيبد أَحْوَاله فِي مرثاة رثاه بهَا بعد وَفَاته فَقَالَ من قصيدة طَوِيلَة أَولهَا (تشوقنا الْبَقَاء من العجاب ... إِذْ الأتراب تنقل للتراب) حَتَّى قَالَ فِي مدحه (فَمن للمسندات وللعوالي ... من الْأَخْبَار والكلم الْعَذَاب) (وَمن ذَا للسؤال وكشف خطب ... وَمَا لَك لَا تَقول وللجواب) (وللطلاب بعد عياضهم فِي ... الإعاضة بالفوائد والطلاب) وَمن المتوفين بِمَدِينَة تعز الشَّيْخ نَاصِر الدّين بن عبد الله الشِّيرَازِيّ قَالَ فِيهِ الإِمَام جمال الدّين مُحَمَّد الْأَكْبَر بن الْخياط هُوَ الشَّيْخ الْأَجَل الأورع الْجَلِيل النَّبِيل حَسَنَة

الزَّمَان وفائق الأقران قدم ديار تعز فِي خدمَة شَيخنَا قَاضِي الْقُضَاة عَلامَة الْمشرق وَالْمغْرب مجد الدّين الشِّيرَازِيّ وانثالت عَلَيْهِ الدُّنْيَا وَأَقْبَلت إِلَيْهِ الإقبال الْكُلِّي وَكسب فِي الْبِلَاد المَال والعيال فَكَانَ المَال كَمَا قيل مَا أسْرع ذهَاب الذَّهَب وانفضاض الْفضة ثمَّ ضعف الشَّيْخ عَن الِاضْطِرَاب وضاق عَلَيْهِ الْوَقْت وتنكرت عَلَيْهِ وُجُوه المطالب وَكَانَ هُوَ الْحول الْقلب فَمَا رَأينَا فِي الْعلم العملي من يدانيه فضلا عَن شبهه انْتهى كَلَام الإِمَام جمال الدّين بن الْخياط وأخبرت أَنه كَانَ لَهُ اجْتِهَاد فِي الْعِبَادَة وَظَهَرت لَهُ كرامات وَتُوفِّي بعد سنة ثَلَاثِينَ وثمانمئة رَحمَه الله ونفع بِهِ وَمِنْهُم الْحَاج شهَاب الدّين أَحْمد بن عبد الله الْخَولَانِيّ كَانَ يسكن حافة المغربة بِمَدِينَة تعز وَهُوَ من الْعباد والزهاد ويصحب الصَّالِحين ويهتدي بهديهم فَمن أَصْحَابه الْحَاج الصَّالح مفضل الزُّهْرِيّ كَانَ يصل إِلَيْهِ فيخلي لَهُ بَيْتا فِي دَاره وَأخْبر عَنهُ بكرامة عَظِيمَة ذكرتها فِي الأَصْل وَذَلِكَ مِمَّا يدل على فضلهما رحمهمَا الله ونفع بهما وَتُوفِّي الْحَاج أَحْمد الْخَولَانِيّ بعد سنة ثَلَاثِينَ وثمانمئة رَحمَه الله ونفع بِهِ وَمِنْهُم الْأَمِير الْعَلامَة الطَّبِيب صارم الدّين دَاوُد بن عَليّ بن أبي بكر بن قايماز الأصغري أصل بَلَده بعدان قَرَأَ فِي الطِّبّ وَالْحكمَة على جمَاعَة أَجلهم الْعَلامَة رَضِي الدّين أَبُو بكر بن رَبَاح الْمصْرِيّ وَكَانَ حكيما طَبِيبا عَارِفًا بِعلم الْفلك وشارك بِعلم الْفِقْه والْحَدِيث فَمن شُيُوخه الشَّيْخ مجد الدّين الصديقي وَالْإِمَام نَفِيس الدّين

الْعلوِي فِي الحَدِيث وَالتَّفْسِير واشتغل بِعلم التصوف وأتقنه وَلزِمَ طريقهم وَكَانَ كثير التِّلَاوَة وَالذكر والملازمة على الصَّلَوَات فِي أول وَقتهَا وقف بِمَدِينَة إب أَيَّامًا ورتب لَهُ من الْأَسْبَاب فِيهَا من الْوَقْف شَيْئا ثمَّ انْتقل إِلَى مَدِينَة تعز فسكن بهَا ورتب لَهُ السُّلْطَان النَّاصِر من وقف دَار المضيف وَغَيره مَا كَفاهُ وَكَانَت جِهَة فرحان تنْفق عَلَيْهِ أَيْضا إِلَى أَن غضب عَلَيْهَا النَّاصِر فآنسه القَاضِي وجيه الدّين العرشاني وَقَامَ بِحَالهِ أتم قيام وَكَانَ لَهُ اجْتِهَاد بِالْعبَادَة ويصحب الصَّالِحين وَعمر عمرا طَويلا وَكَانَ كثيرا مَا يرى للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الْمَنَام وَقد ذكرت فِي الأَصْل رُؤْيا لَهُ وَمَا حكى مِمَّا قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَسَأَلَهُ وَمَا أَجَابَهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الرُّؤْيَا فَتركت ذكرهَا هُنَا لطولها اختصارا وَلم يزل الْأَمِير صارم الدّين على الْحَال المرضي إِلَى أَن توفّي سنة خمس وَثَلَاثِينَ وثمانمئة وقبر الأجيناد رَحمَه الله ونفع بِهِ وَمِنْهُم الْفَقِيه عفيف الدّين أَبُو السُّعُود بن مُحَمَّد المقرىء السحولي كَانَ مُجْتَهدا بِطَلَب الْعلم دأبه الِاعْتِكَاف فِي الْمَسَاجِد لتلاوة كتاب الله تَعَالَى ومطالعة كتب الْعلم وَقد قَرَأَ وَسمع فِي الحَدِيث النَّبَوِيّ على الإِمَام نَفِيس الدّين الْعلوِي وَقَرَأَ بالفقه على الْفَقِيه شهَاب الدّين الشلفي بِمَدِينَة تعز وعَلى الْفُقَهَاء من بني البريهي وَبني الْكَاهِلِي بِمَدِينَة إب وَكَانَ لَهُ قيام بِاللَّيْلِ لِلْعِبَادَةِ وَله شعر جيد من ذَلِك مَا كتبه إِلَى بعض أصدقائه لطلب عود من أَرَاك فَقَالَ (مَا فِي الورى أحد يجود سواك ... فَامْنُنْ وَأعْطِ أَبَا السُّعُود سواكا) (إِنِّي بِكُل أراكة لمتيم ... فَمَتَى بعيني يَا أَرَاك أراكا) وَله من قصيدة طَوِيلَة كتبهَا إِلَى القَاضِي صفي الدّين أَحْمد بن مُحَمَّد البريهي وَهِي طَوِيلَة أَولهَا

(قُلُوب فِي محبتكم أُسَارَى ... مدى الْأَزْمَان لَا تبغي الفرارا) حَتَّى قَالَ فِي مدح القَاضِي الْمَذْكُور فِيهَا (أَبَا الْعَبَّاس يَا بن مُحَمَّد يَا ... إِمَامًا فِي الْمَعَالِي لَا يجارى) (ظمئت إِلَى الْعُلُوم وَأَنت بَحر ... وَحبر فِي المحافل لَا يمارى) (فارو العاطش الملهوف علما ... فقد ناداك يشكو الافتقارا) (وَلَوْلَا أَنْت فِي يمن لطارت ... بِي الهمم الْكِبَار إِلَى بُخَارى) وَله غير ذَلِك من الشّعْر الرَّائِق توفّي بعد سنة ثَلَاثِينَ وثمانمئة رَحمَه الله ونفع بِهِ وَمِنْهُم الْفَقِيه شرف الدّين إِسْمَاعِيل بن عبد الله بن الإِمَام الريمي رَحمَه الله قَرَأَ بِالْحَدِيثِ على الإِمَام جمال الدّين بن الْخياط الْأَكْبَر وعَلى الإِمَام عفيف الدّين عبد الْوَلِيّ بن مُحَمَّد الوحصي وعَلى غَيرهمَا وَكَانَ يَنُوب بِالْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّة للْقَاضِي وجيه الدّين العرشاني وَاسْتمرّ بعد القَاضِي وجيه الدّين فِي الْأَحْكَام الشَّرْعِيَّة يَأْمر بِالْمَعْرُوفِ وَينْهى عَن الْمُنكر وألزم الْيَهُود الزنار وإخراب مَا أَحْدَثُوا من الْكَنَائِس وسدد فِي الْأَحْكَام وسلك بِالنَّاسِ سيرة شاقة لَا يحتملها الْوَقْت فَعَزله السُّلْطَان فَلَزِمَ بَيته واجتهد بِالْعبَادَة ثمَّ توفّي إِلَى رَحْمَة الله بعد سنة ثَمَان وَثَلَاثِينَ وثمانمئة وَظَهَرت لَهُ كرامات بعد مَوته رَحمَه الله تَعَالَى وَمِنْهُم القَاضِي الْأَجَل وجيه الدّين عبد الرَّحْمَن بن مُحَمَّد بن أَحْمد العرشاني كَانَ إِمَامًا فَاضلا عَالما قَرَأَ على جمَاعَة من الْعلمَاء مِنْهُم الإِمَام عفيف الدّين عبد الله بن صَالح البريهي بالفقه وعَلى الإِمَام مجد الدّين الشِّيرَازِيّ وَالْإِمَام نَفِيس الدّين الْعلوِي بِالْحَدِيثِ ثمَّ تولى الْقَضَاء بِمَدِينَة جبلة وانفصل عَنهُ ثمَّ ولاه الإِمَام مجد الدّين الْقَضَاء بثغر عدن إِذْ كَانَ قَاضِي الْأَقْضِيَة ثمَّ عزل عَنهُ وَرجع على

ولَايَة الْقَضَاء بِمَدِينَة تعز ودام بهَا إِلَى أَن توفّي سنة سِتّ وَثَلَاثِينَ وثمانمئة وَكَانَت سيرته حَسَنَة بِالْقضَاءِ وَكَانَ ذَا مروة وَحسن خلق وكرم يعول بُيُوتًا كَثِيرَة من أَقَاربه وأهليه وَكَانَت لَهُ عبَادَة وَقيام وَصِيَام يَصُوم فِي كل سنة رجبا وَشَعْبَان وَالْأَيَّام الْمَنْدُوب إِلَى صيامها فِي السّنة وَقَرَأَ على الإِمَام الْجَزرِي عِنْد وُصُوله إِلَى مَدِينَة تعز بِالْحَدِيثِ وَأَجَازَ لَهُ وَكَانَ يدرس ويفتي وَخَلفه بِولَايَة الْقَضَاء بِمَدِينَة تعز صنوه الْفَقِيه رَضِي الدّين أَبُو بكر بن مُحَمَّد العرشاني وَلم تطل مدَّته بل توفّي أول سنة سبع وَثَلَاثِينَ وثمانمئة وَكَانَ لَهما أُخْت فاضلة عابدة اسْمهَا سيدة الْقَضَاء بنت مُحَمَّد العرشاني تَصُوم النَّهَار وَتقوم اللَّيْل واشتهر لَهَا كرامات وَلم تتَزَوَّج إِلَى أَن توفيت سنة سبع وَثَلَاثِينَ وثمانمئة رَحِمهم الله ونفع بهم وَمن المتوفين بِمَدِينَة تعز الْفَقِيه الْفَاضِل رَضِي الدّين أَبُو بكر بن إِبْرَاهِيم بن صَالح بن إِبْرَاهِيم بن صَالح بن عمر البريهي كَانَ فَقِيها مُجْتَهدا محصلا يطْلب الْعلم موفقا لم أتحقق من حَاله غير ذَلِك وَكَانَت وَفَاته بعد سنة ثَلَاثِينَ وثمانمئة رَحمَه الله ونفع بِهِ وَمِنْهُم المقرىء الشَّيْخ الصَّالح تَقِيّ الدّين عمر بن سعيد بن فاتك قَرَأَ على جمَاعَة من أَئِمَّة وقته فِي مُعظم فنون الْعلم وَكَانَ لَهُ الباع الأطول فِي علم الْأَسْمَاء ويستخدم الْجِنّ ويحرز المجانين وَحكي عَنهُ أَنه صحب جمَاعَة من شُيُوخ الصُّوفِيَّة الأكابر مِنْهُم الشَّيْخ الْعَفِيف بن عمر بن المسن وترافقا فِي السّفر إِلَى مَكَّة المشرفة فحجا وزارا قبر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَتَأَخر الشَّيْخ تَقِيّ الدّين عَن الزِّيَارَة لعذر فَأعْطَاهُ الشَّيْخ الْعَفِيف شَيْئا من الدَّرَاهِم لينفقها على نَفسه فأنفق بَعْضهَا ثمَّ ضَاعَت الدَّرَاهِم فَوقف أَيَّامًا جائعا ثمَّ دخل الْحرم الشريف للطَّواف وأضمر أَنه إِذا وجد شخصا فِيهِ أَمَارَات الْخَيْر طلب مِنْهُ شَيْئا من النَّفَقَة فَطَافَ فَلَمَّا فرغ من الطّواف لَقِي رجلا عَلَيْهِ أَمَارَات الْخَيْر قَالَ فَقَالَ لي ذَلِك الرجل ارحب يَا من لَهُ جَائِع أَيَّامًا قف عِنْدِي فلي أَيَّام جَائِع

مثلك وَكَانَت لَيْلَة الْجُمُعَة قَالَ فوقفنا كَذَلِك فِي الْحرم الشريف سَاعَة ثمَّ نمنا فَلم نشعر إِلَّا وَرجل ينبهني فتنبهت فَقَالَ قُم واكشف عَن زَاد الْغَيْب قَالَ فَقُمْت فَوجدت طبقًا وَعَلِيهِ مكبة فكشفتها فَوجدت أرزا حارا وَسمنًا وَعَسَلًا وزنجبيلا أَخْضَر قَالَ فَأكلت أَنا وَذَلِكَ الرجل حَتَّى شبعنا وَبَقِي مِنْهُ بَقِيَّة ثمَّ نمنا فَلَمَّا انتبهنا لم أر الطَّبَق وَلَا شَيْئا مِمَّا بَقِي فِيهِ فصلينا الصُّبْح مَعَ الْجَمَاعَة فصلى عِنْدِي رجل وَصلى عِنْده رجل فَأَعْطَانِي الَّذِي صلى عِنْدِي صرة وَأَعْطَاهُ الَّذِي صلى عِنْده صرة قَالَ ففتحت الصرة الَّتِي لي فَوجدت فِيهَا عشرَة دَرَاهِم وَذَلِكَ الرجل فتح الصرة الَّتِي مَعَه فَوَجَدَهَا عشرَة دَرَاهِم وكل منا أفرغ مَا عِنْده ثمَّ جعنا ثَلَاثَة أَيَّام فَبعد ذَلِك اتّفق مثل مَا اتّفق فِي الْمرة الأولى وَكَذَلِكَ مرّة ثَالِثَة بت فِيهَا ساهرا لأرى من يَأْتِي بالطبق فانتبه صَاحِبي فَرَأى الطَّبَق بِمَا فِيهِ وسألني هَل نمت أم لَا فَقلت لم أنم بل أَنا بانتظار الَّذِي يَأْتِي بالطبق فَقَالَ تأدب وارفع نظرك عَن الْإِنَاء واصرفه إِلَى مَكَان آخر فَصَرَفته إِلَى مَكَان آخر ثمَّ عدت لأنظر الطَّبَق فَلم أجد شَيْئا قَالَ فَلَمَّا صلينَا صَلَاة الصُّبْح جَاءَ الشَّيْخ الْعَفِيف بن المسن فَلَقِيته فَسلمت عَلَيْهِ فَرد عَليّ السَّلَام وَقَالَ مرْحَبًا بِمن جَاع ثَلَاثَة أَيَّام ثمَّ ثَلَاثَة أَيَّام ثمَّ ثَلَاثَة أَيَّام قَالَ فعجبت على ذَلِك ثمَّ رجعت إِلَى بلدي صُحْبَة الشَّيْخ الْعَفِيف وَقد ظهر لهَذَا الشَّيْخ تَقِيّ الدّين كرامات ذكرت بَعْضهَا فِي الأَصْل وَكَانَ وَفَاته سنة خمس وَثَلَاثِينَ وثمانمئة رَحمَه الله ونفع بِهِ وَدفن بالأجيناد وَمِنْهُم الشَّيْخ الْفَقِيه بدر الدّين حسن بن مُحَمَّد بن سعيد الشظبي الْحَارِثِيّ المحرزي كَانَ رَحمَه الله إِمَامًا أنارت بِهِ بدور الْعلم وشموسها ودان لَهُ مِنْهَا

حرونها وشموسها فألف وصنف كتبا قر بهَا آذان الْبَيَان وشنف وَله نظم هُوَ السحر والحلال والعذب السلسال هَكَذَا قَالَ فِيهِ الْفَقِيه وجيه الدّين عبد الرَّحْمَن بن عمر العطاب وأصل بَلَده سَوْدَة شظب ثمَّ انْتقل إِلَى صنعاء فَقَرَأَ فِي النَّحْو واللغة والْحَدِيث على الْأَئِمَّة المجودين لهَذِهِ الْفُنُون مِنْهُم الإِمَام جمال الدّين عَليّ بن مُحَمَّد بن سليم الْمَعْرُوف بِابْن هطيل فَلَمَّا بلغ مَعَ اشْتِغَاله بِعلم الحَدِيث على الشريف السَّيِّد جمال الدّين مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم الحسني نزل إِلَى مَدِينَة تعز فَقَرَأَ بهَا الحَدِيث على الإِمَام نَفِيس الدّين الْعلوِي ثمَّ سَافر لِلْحَجِّ فحج وزار قبر سيدنَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَقَرَأَ على الْأَئِمَّة بالحرمين الشريفين شَيْئا من كتب الحَدِيث مِنْهُم القَاضِي زين الدّين أبي بكر بن الْحُسَيْن العثماني الْقرشِي المراغي وَغَيره فأجازوا لَهُ ثمَّ رَجَعَ إِلَى بَلَده أَقَامَ بهَا اياما ثمَّ طلع إِلَى مَدِينَة صنعاء فدرس فِي النَّحْو واشتهر بهَا وصنف بهَا مصنفا فِي النَّحْو مُخْتَصرا جَامعا سَمَّاهُ تبصرة أولي الْأَلْبَاب فِي ضوابط الْإِعْرَاب استحسنه عُلَمَاء النَّحْو بِمَدِينَة صنعاء وَغَيرهَا ومدحه السَّيِّد الشريف مُحَمَّد بن نَاصِر فَقَالَ

(مَا كنت أَحسب أَن النَّحْو ينظمه ... فِي سلك كراسة شخص من النَّاس) (حَتَّى وقفت على عقد جواهره ... منظومة كلهَا فِي بطن كراس) (فَإِن عجبت فأحرى فِي تعجبها ... من يبسها وَهِي بَحر موجه راسي) (لله در موشيها فَإِن لَهُ ... فكرا يلين بِهِ المستصعب القاسي) (مَا سِيبَوَيْهٍ وَلَا عَمْرو وَإِن عظما ... قدرا وجلا لمنشيها بمقياس) وَهُوَ مَعَ ذَلِك ملازم للسَّيِّد الشريف مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم يتضلع من علومه ويقتبس من فَوَائده فَلَمَّا علم بوصول الإِمَام الْجَزرِي إِلَى مَدِينَة تعز نزل إِلَيْهِ من صنعاء وَقَرَأَ عَلَيْهِ فِي الحَدِيث وَأَجَازَ لَهُ وَلما ختم قِرَاءَة صَحِيح مُسلم أَي عِنْد الإِمَام الْجَزرِي بِمَدِينَة تعز أنشأ الشَّيْخ بدر الدّين الشظبي قصيدة تَتَضَمَّن مدح النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ومدح الحَدِيث النَّبَوِيّ ومدح الشَّيْخ الْجَزرِي ونظم سَنَده فِي الْكتاب وَهِي طَوِيلَة مثبتة فِي الأَصْل بكمالها أَولهَا (تنعم بِذكر الْمُصْطَفى فَهُوَ أنعم ... يلذ بِهِ عَيْش الْمُحب وينعم) (وصل عَلَيْهِ فَهُوَ أشرف مُرْسل ... وَكرر فَمَا هَذَا المكرر يسأم) إِلَى آخرهَا توفّي هَذَا الْفَقِيه بتعز سنة خمس وَثَلَاثِينَ وثمانمئة رَحمَه الله ونفع بِهِ وَمِنْهُم وَلَده الْفَقِيه الْعَالم جمال الدّين مُحَمَّد بن حسن الشظبي كَانَ إِمَامًا فَاضلا عَالما عابدا زاهدا تولى الْقَضَاء بجهات صهْبَان فحسنت سيرته واشتهر صيته ودرس وَأفْتى هُنَالك ثمَّ حدث مَا أوجب انْتِقَاله إِلَى مَدِينَة تعز فَأَقَامَ بهَا أَيَّامًا يدرس ويفتي ثمَّ توفّي فِي شهر شَوَّال سنة إِحْدَى وَثَمَانِينَ وثمانمئة وقبر بالأجيناد عِنْد قبر وَالِده أَو قَرِيبا مِنْهُ رَحمَه الله ونفع بِهِ وَمن أهل مَدِينَة تعز الشَّيْخ الصَّالح الْوَزير تَقِيّ الدّين أَبُو حَفْص عمر بن أبي الْقَاسِم بن معيبد قد تقدم رفع نسبه عِنْد ذكر وَالِده رَحِمهم الله تَعَالَى قَرَأَ

هَذَا الشَّيْخ على جمَاعَة من الشُّيُوخ أهل الْفِقْه والْحَدِيث ثمَّ سلك طَريقَة التصوف وتأدب بآدابهم واجتهد بِالْعبَادَة وَلبس الْخِرْقَة الْمَشْهُورَة عِنْد أهل التصوف من بعض مشايخهم وسافر إِلَى مَكَّة المشرفة فحج وزار قبر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وجاور هُنَاكَ نَحْو سنتَيْن ثمَّ رَجَعَ إِلَى بَلَده فاعتكف فِي الْمَسَاجِد وَعبد الله تَعَالَى خَاشِعًا باكيا من خشيَة الله وَقد يحضر السماع فَيفتح عَلَيْهِ فِيهِ بِأَبْيَات عَجِيبَة وَيلْزمهُ حَال فَيذْهب إِلَى عِنْد قُبُور بعض الصَّالِحين والأماكن الْمَشْهُورَة الْبركَة فيقف هُنَاكَ أَيَّامًا ثمَّ يعود وَكَانَت لَهُ قريحة مطاوعة ينظم بهَا الشّعْر مِنْهَا القصيدة الْكَبِيرَة الَّتِي أَولهَا (لم لَا يحن فُؤَادك الْمَجْرُوح ... وَيفِيض دمعا جفنك المقروح) وَهِي مَذْكُورَة فِي الأَصْل بكمالها وَله قصائد كَثِيرَة فِي مدح أبي الْعَبَّاس الْخضر وصنف فِيهِ مصنفة سَمَّاهَا الخدم الخضرية فِي الشيم الخضرية تحتوي على نظم ونثر من ذَلِك مَا قرأته من خطه مِمَّا قَالَه لما مِثَاله يسر الله وُرُود بِشَارَة هنيَّة ومكرمة سنية من سَيِّدي الْخضر صلى الله على نَبينَا وَعَلِيهِ وَسلم وَهُوَ أَنه جرى ذكرى ابْتِدَاء على لِسَانه الشريف لبَعض

السادات ذَوي المقامات المنيفة فروى ذَلِك عَنهُ لي وَهُوَ مِمَّن يدين بروايته ويؤمن بكرامته ويؤتمن بحكايته ولقبني بالتقوى وَذَلِكَ عِنْدِي أحلى من الْمَنّ والسلوى فمما مدح بِهِ سيدنَا أَبُو الْعَبَّاس الْخضر عَلَيْهِ السَّلَام مِنْهَا قصيدة أَولهَا (يَا سيدا مذهبي محبته ... فحبه عمدتي ومنهاجي) (وَهُوَ ملاذي لكل معظلة ... فِي رفع همي وَمَا رمت من حاجي) وَهِي طَوِيلَة وَله أَيْضا فِي مدحه عَلَيْهِ السَّلَام من قصيدة أَولهَا (جمالك لَا يُقَاس بِهِ جمال ... وفضلك لَا يماثله مِثَال) (وَإِن ذكر الْكِرَام بِكُل أَرض ... كمالك لَيْسَ يبلغهُ كَمَال) وَهِي طَوِيلَة أَيْضا مثبتة هِيَ وَمَا قبلهَا فِي الأَصْل وَكَانَ هَذَا التقي فِي مُعظم عمره مشتغلا بمطالعة الْكتب فِي الْوَعْظ وَيكثر ذكر الله تَعَالَى فِي التفكر كَمَا كَانَ السّلف الصَّالح قَائِلا فيهم (أحب الصَّالِحين وَلست مِنْهُم ... لَعَلَّ الله يَرْزُقنِي الصلاحا) (ولي فيهم ظنون قاطعات ... بِأَن الْحبّ يُوجب لي الفلاحا) وَمن شعره من قصيدة طَوِيلَة متوسلا فِيهَا إِلَى الله تَعَالَى مَا مِثَاله (يَا رب خُذ بيَدي إِلَيْك فإنني ... أَصبَحت فِي أسر الذُّنُوب لزيما) (مَالِي سوى فقري إِلَيْك وفاقتي ... فاقبل شَفِيعًا مِنْهُمَا وحميما) وَله تخميس بَيْتَيْنِ من أَبْيَات الْفرج قدم عَلَيْهَا مُقَدّمَة وَزَاد زِيَادَة بعد ذَلِك فَقَالَ (وجهت وَجْهي لمن ألطافه جاهي ... وَقلت إِنِّي لأرجو عطفة الله) (مكررا إِنَّمَا أَشْكُو إِلَى الله ... وقائلا فِي الْأُمُور الْحَمد لله)

وسَاق على مثل تِلْكَ قدر عشْرين بَيْتا وشعره كثير يبلغ مجلدات وَرَأى لَهُ سَيِّدي شهَاب الدّين أَحْمد بن مُحَمَّد الجبرتي فِي الْمَنَام رُؤْيا حَسَنَة تدل على خَيره مِمَّا قد ذكرتها فِي الأَصْل وَذَلِكَ بعد مَوته وَكَانَت وَفَاته سنة تسع وَثَلَاثِينَ وثمانمئة رَحمَه الله ونفع بِهِ وَمِنْهُم الشَّيْخ الصَّالح جمال الدّين مُحَمَّد بن عَليّ بن عبد الرَّحْمَن الجبرتي الْعقيلِيّ الْقرشِي من أهل بَيت مبارك أَخْبرنِي الثِّقَة أَن جد الشَّيْخ جمال الدّين الْمَذْكُور الَّذِي هُوَ الشَّيْخ عبد الرَّحْمَن كَانَ لَهُ سَبْعَة أَوْلَاد نجباء خرج من بَلَده من مَكَان يُسمى مسك خلف الْبَحْر من أَرض الْحَبَشَة فَدخل الْيمن وَأقَام فِيهِ يعبد الله تَعَالَى وَأقَام بِمَدِينَة زبيد أَيَّامًا فَتوفي فِيهَا وَأقَام وَلَده عَليّ بعده فِيهَا أَيَّامًا ثمَّ انْتقل إِلَى مَدِينَة تعز فاستوطنها وَهُوَ أول من سكن المداجر مِنْهُم وَكَانَ يصحب الشَّيْخ الصَّالح الْوَلِيّ عبد الْعَلِيم الَّذِي سبق ذكره ونال ببركته خيرا كثيرا واشتهر للشَّيْخ شمس الدّين كرامات كَثِيرَة وَحدث لَهُ أَوْلَاد نجباء مِنْهُم صَاحب التَّرْجَمَة هُوَ الشَّيْخ جمال الدّين كَانَ مُبَارَكًا عابدا مُلْتَزما طَريقَة الصُّوفِيَّة متأدبا بآدابهم يجود بِمَا فِي يَده من الْأَمْوَال على الْفُقَرَاء وَغَيرهم وَله مُشَاركَة بِشَيْء من الْعُلُوم وَأَجَازَ لَهُ بهَا جمَاعَة من الْعلمَاء الأكابر وَعمر فِي المداجر مدرسة ورباطا وأضاف إِلَيْهَا السُّلْطَان من الْأَسْبَاب من الْوَقْف شَيْئا كثيرا وَكَانَ لَهُ مِنْهُ وَمن أَصْحَابه صلات كَثِيرَة متتابعة ينفقها فِي وُجُوه المكرمات وَأَخْبرنِي وَلَده الشَّيْخ شهَاب الدّين الجبرتي عَن وَالِده الْمَذْكُور أَنه رأى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَكَانَ مَرِيضا بعد أَن تداوى بأَشْيَاء كَثِيرَة لم تَنْفَعهُ فرتب قِرَاءَة الْفَاتِحَة كل يَوْم ألف شرف وَألف شرف قل هُوَ الله أحد فَقَالَ لَهُ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قد عوفيت من ذَلِك الْمَرَض وَقد أطلق الله الْأَمِير مُحَمَّد بن زِيَاد من الْحَبْس فِي حصن تعز قَالَ فَقُمْت من سَاعَتِي وَزَالَ عني الْمَرَض وَلم تمض ثَلَاثَة أَيَّام إِلَّا وَقد جَاءَ رَسُول من السُّلْطَان بِخَطِّهِ إِلَى مُتَوَلِّي الْحصن بِإِطْلَاق الْأَمِير الْمَذْكُور فَكَانَ ذَلِك تَصْدِيقًا للرؤيا

وَأخْبر أَيْضا أَن وَالِده الْمَذْكُور سَافر إِلَى مَكَّة المشرفة هُوَ وَجَمَاعَة نَحْو عشْرين رجلا فَكَانُوا يصلونَ الصَّلَاة الْمَفْرُوضَة جمَاعَة فِي أَوْقَاتهَا وركبوا الْبَحْر بجلبة مَعَ جمَاعَة فصاروا نَحْو سبعين نَفرا فَمروا فِي بعض السواحل فوجدوا رجل مجذوبا وَاقِفًا فِي الشَّمْس قَالَ فتقدمت إِلَيْهِ وسلمت عَلَيْهِ وَسَأَلته الدُّعَاء فَقَالَ لي سَلامَة بر وبحر فكررت لَهُ طلب الدُّعَاء فَقَالَ لي لكل وَافد قَرَأَ وقرأكم على الله تَعَالَى الْمَغْفِرَة ثمَّ سألناه ليزدنا من الدُّعَاء فَلم يتَكَلَّم قَالَ فشريت لَهُ شَيْئا من الزَّاد وقربته إِلَيْهِ فَأكل بعضه ثمَّ طرح بَاقِيه للطيور حواليه ثمَّ إِنِّي اسْتَأْجَرت من بَيْتِي لَهُ عَرِيشًا يكنه من الْمَطَر ويظله من الشَّمْس ثمَّ انصرفت عَنهُ فَلَمَّا كَانَ فِي الْيَوْم الثَّانِي جِئْت لأزوره وأودعه فَوَجَدته فِي الشَّمْس كَمَا وجدته فِي الْيَوْم الأول وَقد تَفَرَّقت الأخشاب وَمَا إِلَيْهَا الَّذِي جعلت لَهُ عَرِيشًا فطلبت مِنْهُ الدُّعَاء فَتكلم بِمَا تكلم بِهِ الْيَوْم الأول لم يزدْ عَلَيْهِ شَيْئا فسافرنا حَتَّى وصلنا جدة وَكَانَ ناظرها يَوْمئِذٍ الشريف بدر الدّين حُسَيْن بن عجلَان وَهُوَ أَمِير مَكَّة فقابلنا مُقَابلَة حَسَنَة وأعفانا وأعفى التُّجَّار الَّذين صحبونا عَمَّا يعْتَاد عَلَيْهِ من العشور من تجاراتهم وجللنا واحترمنا وكتبت إِلَيْهِ ثَلَاثَة أَبْيَات هِيَ (بِمَا أجازيك مَا قولي وَمَا عَمَلي ... وَكَيف سعيي وَمَا قوسي وَمَا الْوتر) (فَإِن مدحت فَإِن النَّاس قد مدحوا ... وَإِن شكرت فَإِن النَّاس قد شكروا) (لَكِن أمد إِلَى رب السَّمَاء يَدي ... بِأَن يجازيك عني فَهُوَ مقتدر) ثمَّ إِن الشَّيْخ جمال الدّين الْمَذْكُور قدم مَكَّة المشرفة فحج وزار قبر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثمَّ رَجَعَ إِلَى مَدِينَة تعز وَبَقِي على الْحَال المرضي من الْعِبَادَة إِلَى أَن توفّي رَحمَه الله سنة تسع وَثَلَاثِينَ وثمانمئة شَهِيدا من ألم الطَّاعُون رَحمَه الله ونفع بِهِ

وَمِنْهُم الْفَقِيه الْعَلامَة جمال الدّين مُحَمَّد بن المقرىء عفيف الدّين عبد الله الْحرَازِي الْمُتَقَدّم ذكره مَعَ الْفُقَهَاء أهل معشار التعكر كَانَ هَذَا الْفَقِيه جمال الدّين رجلا فَاضلا عَالما قَرَأَ فِي الْفِقْه على الْفَقِيه شرف الدّين قَاسم الدمتي وعَلى غَيره وَبِالْحَدِيثِ على الإِمَام نَفِيس الدّين الْعلوِي وَالشَّيْخ شمس الدّين الْجَزرِي وبالفرائض والجبر والمقابلة على الإِمَام جمال الدّين الضراسي وَأثْنى عَلَيْهِ وَحدثت لَهُ فِي الْجَبْر والمقابلة مَسْأَلَة أشكلت عَلَيْهِ وعَلى شَيْخه الإِمَام جمال الدّين الضراسي فَنَامَ الْفَقِيه جمال الدّين الْحرَازِي فَرَأى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَعلمه وَجه الْعَمَل بهَا وَأخْبر شَيْخه بِتِلْكَ فَضرب الْمَسْأَلَة فَصحت كَمَا قَالَ الْفَقِيه جمال الدّين مِمَّا علمه النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَكَانَ الْفَقِيه جمال الدّين الضراسي يَقُول لمن قَرَأَهَا عَلَيْهِ بعد ذَلِك هَذِه الْمَسْأَلَة مَسْأَلَة نبوية فتح بهَا على الشَّيْخ جمال الدّين الْحرَازِي وَقد سَأَلت بعض تلامذة الْفِقْه جمال الدّين عَنهُ فَقَالَ هُوَ الإِمَام الأوحد الصَّدْر الأمجد الْمُحَقق للمنقول والمعقول إِمَام زَمَانه وَسيد أقرانه يضيق وقته عَن تعداد مناقبه فسبحان الله مَا أَجود خاطره وأثقب ذهنه وَأحسن تصرفه لَا يُوَجه خاطره إِلَى شَيْء من عويص الْعلم فِي الْفِقْه والفرائض إِلَّا اقتنصه وَكنت أساله عَن الشَّيْء فَيحسن نظره فِيهِ وَهُوَ يقرب الْبعيد للمستفيد بل الله ثراه بوابل الرَّحْمَة وَأَسْكَنَهُ فسيح جنته انْتهى كَلَام تِلْمِيذه وعَلى الْجُمْلَة فَكَانَ هَذَا الْفَقِيه جمال الدّين جَامعا للْعلم وَالْعَمَل مُفِيدا فِي التدريس ثَابتا فِي الْفَتْوَى قَائِما مقَام شَيْخه شرف الدّين الدمتي كَامِلا فِي النّظر فِي الْمسَائِل المشكلة شملته بركَة دُعَاء وَالِده لَهُ فَإِنَّهُ كَانَ مجاب الدعْوَة وَقد قَالَ الإِمَام جمال الدّين بن الْخياط لما مَاتَ الْفَقِيه جمال الدّين المقرىء تَيَقنا ذهَاب الْعلم الْآن وأظلمت الدُّنْيَا ثمَّ توفّي بعده ابْن الْخياط بذلك الشَّهْر رحمهمَا الله تَعَالَى ونفع بهما وَمِنْهُم الْفَقِيه الصَّالح الْعَلامَة ولي الدّين عبد الْوَلِيّ بن مُحَمَّد بن عبد الله بن

حسن بن صَالح الوحصي بَلَدا الْخَولَانِيّ نسبا قَرَأَ على الإِمَام الصَّالح صفي الدّين أَحْمد النَّاشِرِيّ وعَلى الإِمَام رَضِي الدّين بن الْخياط وعَلى غَيرهمَا بالفقه وعَلى الإِمَام نَفِيس الدّين الْعلوِي بِالْحَدِيثِ وَأَجَازَ لَهُ الشَّيْخ شمس الدّين الْجَزرِي وَالْإِمَام زين الدّين المراغي وَبَنُو ظهيرة بِمَكَّة المشرفة وَقَرَأَ بالنحو على الإِمَام جمال الدّين الْمَقْدِسِي فدرس وَأفْتى وَكَانَ نَائِبا بِالْمَدْرَسَةِ المؤيدية عَن الْفُقَهَاء من بني النَّاشِرِيّ فَكَانَ الْفَقِيه ولي الدّين عَالما عَاملا متواضعا آمرا بِالْمَعْرُوفِ ناهيا عَن الْمُنكر لَا يَأْخُذهُ فِي الله لومة لائم كريم النَّفس حسن الْأَخْلَاق وأضيف إِلَيْهِ الْقَضَاء بِمَدِينَة تعز فَأَقَامَ على ذَلِك شهرا ثمَّ توفّي إِلَى رَحْمَة الله تَعَالَى شَهِيدا من ألم الطَّاعُون سنة تسع وَثَلَاثِينَ وثمانمئة رَحمَه الله تَعَالَى ونفع بِهِ ثمَّ خَلفه من بعده وَلَده الْفَقِيه الصَّالح الْفَاضِل شهَاب الدّين أَحْمد كَانَ لَهُ مُشَاركَة بِعلم الْفِقْه قَرَأَ على وَالِده وعَلى ابْن عَمه القَاضِي جمال الدّين مُحَمَّد بن دَاوُد الوحصي وأضيف إِلَيْهِ من الْأَسْبَاب الْمدرسَة السابقية وَغَيرهَا وَكَانَ آمرا بِالْمَعْرُوفِ ناهيا عَن الْمُنكر ذَا خير وَدين صلب وَتُوفِّي سنة خمس وَسِتِّينَ وثمانمئة وَدفن بالأجيناد عِنْد قبر وَالِده رحمهمَا الله تَعَالَى ونفع بهما وَمِنْهُم الإِمَام حَافظ الزَّمن وحامل لِوَاء السّنة المصطفوية فِي الْيمن جمال الدّين أَبُو حَامِد مُحَمَّد الْأَكْبَر بن شيخ الْإِسْلَام فَقِيه الْمَذْهَب أبي بكر بن مُحَمَّد بن صَالح الْهَمدَانِي الشهير بِابْن الْخياط كَانَ شيخ الْعُلُوم وإمامها وَمن فِي يَدَيْهِ زمامها لَهُ فِيهِ الباع المديد والشأو الْبعيد الَّذِي لَيْسَ عَلَيْهِ مزِيد أخْبرت أَنه لما حفظ كتاب الله تَعَالَى على يَد الْفَقِيه الصَّالح عفيف الدّين عَطِيَّة بن عبد الرَّزَّاق ذهب بِهِ وَالِده إِلَى الشَّيْخ عفيف الدّين صَالح الْيمن ذِي الكرامات عبد الله بن يحيى الشعراني فَدَعَا لَهُ فَمن دُعَائِهِ لَهُ أَن قَالَ اللَّهُمَّ أثقب قلبه بمعرفتك فاستجيب لَهُ الدُّعَاء وسبقت لَهُ الْعِنَايَة

وَقيل أَن هَذَا الدُّعَاء من الشَّيْخ الْوَلِيّ جمال الدّين مُحَمَّد بن عمر الشبيبي فَقَرَأَ هَذَا الإِمَام جمال الدّين على وَالِده رَضِي الدّين فِي الْفِقْه وَغَيره وعَلى الإِمَام نَفِيس الدّين الْعلوِي فِي الحَدِيث النَّبَوِيّ ثمَّ سَافر إِلَى مَكَّة المشرفة فحج وزار قبر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأخذ على الْأَئِمَّة هُنَالك كالمراغي والكازروني وَبني ظهيرة وَغَيرهم ثمَّ على الإِمَام مجد الدّين الشِّيرَازِيّ وَالْإِمَام الْجَزرِي وَالْإِمَام أبي الْخَيْر بن الزين وَالشَّيْخ أبي طَاهِر بن مُحَمَّد بن أبي الْيمن الْمصْرِيّ وَالشَّيْخ أبي بكر الْأمَوِي وَالشَّيْخ عبد الرَّحْمَن بن نَاصِر وَغَيرهم فَأَجَازَهُ هَؤُلَاءِ بِجَمِيعِ فنون الْعلم وَقد جمع شُيُوخه وأنسابه فِي كراسة كَانَت عِنْده فكمل للفقيه جمال الدّين معرفَة جَمِيع الْعُلُوم من الحَدِيث وَالتَّفْسِير وَالْفِقْه والنحو وَكَانَ يُسمى الباقر لسعة علمه وفهمه واستنباطه وَحفظه والتفرد بِزِيَادَة المتخصص لتحقيق علم الحَدِيث سلمت لَهُ الرِّئَاسَة فِيهِ فَكَانَ لَا يُمَارِي بِشَيْء مِنْهُ وَخلف الإِمَام نَفِيس الدّين الْعلوِي بعد مَوته بتدريس الحَدِيث النَّبَوِيّ وَكَانَ يتَكَلَّم على معنى الحَدِيث وَرِجَال الْإِسْنَاد بِكَلَام نَافِع بِمحضر شَيْخه الإِمَام نَفِيس الدّين فيصوب كَلَامه وَنقل عَنهُ الْمُحَقِّقُونَ من الْفَوَائِد فِي حَيَاة الإِمَام نَفِيس الدّين أَشْيَاء كَثِيرَة وَمِمَّا أسْندهُ إِلَى بعض أَئِمَّة الحَدِيث أَنه قَالَ أَخْبرنِي بعض شيوخي مُسْندًا قَول بَعضهم مَا أقبح الْجَهْل بالألباء وَالْمَرَض بالأطباء والجفاء بالأحباء وَلما انْتَهَت إِلَيْهِ الرِّئَاسَة بِعلم الحَدِيث وَانْفَرَدَ بذلك تزاحمت عَلَيْهِ الطّلبَة فَكَانَ يحضر عِنْده جمع كثير فَكَانَ مَجْلِسه حافلا للْعُلَمَاء والمتعلمين وَكَانَ لَهُ حسن أَخْلَاق وَمَكَارِم لم تكن لغيره من أَبنَاء جنسه فِي وقته لَا يستكثر عَطاء يُعْطِيهِ من جَاءَ إِلَيْهِ يطْلب رفده وكل من وَفد إِلَيْهِ من الْفُقَهَاء والمحدثين والبلغاء المبرزين يشْهد لَهُ بِأَنَّهُ فَخر الْيمن وبهجة الزَّمن وَأَنه الْقدح الْمُعَلَّى لشربه من الْعُلُوم المشرب الْأَسْنَى

واختص بشرف النَّفس وعلو الهمة وَسُرْعَة الْحِفْظ وَوصف بالذكاء وَقد أثنى عَلَيْهِ الإِمَام الْجَزرِي ومدحه ببيتين بعد أَن سَأَلَهُ السُّلْطَان النَّاصِر من رَأَيْت كَامِلا من عُلَمَاء الْيمن فَقَالَ (إِن الإِمَام فَتى الْخياط أفضل من ... رَأَيْت فِي الْيمن الفيحاء من رجل) (قل عَنهُ واسمع بِهِ وَانْظُر إِلَيْهِ تَجِد ... ملْء المسامع والأفواه والمقل) وَهَذَا أبلغ شَاهد على فضل الإِمَام جمال الدّين وعَلى الْجُمْلَة فقد فاق أهل زَمَانه وأربى على أقرانه يحفظ بِقِرَاءَة الْمرة الْوَاحِدَة أَكثر مَا يقْرَأ وَيسمع ويستحضر مُعظم مَا يطالع فيجريه على لِسَانه كالسيل الْوَارِد وَله تدقيق عَجِيب واعتراضات لَازِمَة على شَيْء من المصنفات من ذَلِك أَنه وَصله سُؤال من مَدِينَة زبيد مضمونه أَن الْفُقَهَاء اخْتلفُوا كم بنيت الْكَعْبَة المشرفة مَرَّات فأجابهم بِجَوَاب شاف أظهر فِيهِ الدَّلَائِل على صِحَة بنائها إِحْدَى عشرَة مرّة وَذكر من بناها وَجعل فِي ذَلِك مصنفا سَمَّاهُ عين التَّحْقِيق فِي عدد بِنَاء الْبَيْت الْعَتِيق وَقَالَ فِي آخِره جمعت ذَلِك فِي لحظات يَوْم من يَوْم وَاحِد وَاتفقَ بَينه وَبَين فُقَهَاء الْبَلَد اخْتِلَاف فِي فَتْوَى وَهِي أَن امْرَأَة اتّفقت هِيَ وَرجل على أَن يَتَزَوَّجهَا بعد أَن رغبته بنكاحها حَتَّى قَالَت لَهُ تزوج عَليّ وَعلي نذر لله إِن نكحتني وَكتب الله بَيْننَا فراقا أَبْرَأتك من مهري فَهَل يلْزمهَا الْوَفَاء بِالنذرِ إِذا فَارقهَا فَأجَاب بَعضهم بِلُزُوم الْوَفَاء وَبَعْضهمْ بِعَدَمِ صِحَة النّذر فصنف الإِمَام جمال الدّين تصنيفه يَقْتَضِي صِحَة النّذر وَلُزُوم الْوَفَاء بذلك وَأقَام الدَّلِيل عَلَيْهِ وَقد ذكرت بعض ذَلِك فِي الأَصْل مَعَ زِيَادَة فَوَائِد وقصائد من كَلَام الإِمَام جمال الدّين رَحمَه الله وَغَيره وَتُوفِّي رَحمَه الله تَعَالَى من ألم الطَّاعُون سنة تسع وَثَلَاثِينَ وثمانمئة وَلم يكن لَهُ من الْأَوْلَاد من يسْتَحق الذّكر وَتَفَرَّقَتْ كتبه الَّتِي جمعهَا واجتهد بتحصيلها وضبطها وَذَلِكَ زِيَادَة على سبعمئة مُجَلد فَلَا حول وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه الْعلي الْعَظِيم

وَمِنْهُم شَيخنَا الصَّالح الإِمَام جمال الدّين مُحَمَّد بن أبي بكر بن عِيسَى بن عمر الْحرَازِي الْمَشْهُور بالرعياني كَانَ رَحمَه الله رجلا عَالما عابدا صَالحا ورعا زاهدا أخبر أَنه كَانَ قبل قِرَاءَته زراعا فَنَامَ فِي بعض اللَّيَالِي وَهُوَ يحفظ الزَّرْع فَرَأى فِي النّوم رُؤْيا هاله أمرهَا فانزعج من ذَلِك وَسَأَلَ المعبرين فَلم يشفوه فِي الْجَواب فأهمه ذَلِك وَكَانَ يسكن الْقرْيَة الَّتِي نسب إِلَيْهَا وَهِي رعيان تَحت حصن الحمرا بمخلاف جَعْفَر قَالَ وَكنت وليا لامْرَأَة أَذِنت لي بتزويجها فسرت إِلَى بعض قُضَاة ذِي جبلة لأزوجها عِنْده فَقيل لَهُ أَنِّي أؤخر الصَّلَاة عَن وَقتهَا بِغَيْر عذر شَرْعِي فَقَالَ لي لَا ولَايَة لَك عَلَيْهَا فَقطعت العلائق والعوائق وَطلقت زَوْجَتي وَهِي حَامِل بولدي عبد الرَّحْمَن ولزمت الِاعْتِكَاف والدراسة وَالصَّلَاة بأوقاتها فِي الْجَامِع ونقلت الْقُرْآن أَربع عشرَة مرّة ثمَّ لَزِمت الإِمَام رَضِي الدّين بن الْخياط فَقَرَأت وَسمعت عَلَيْهِ التَّنْبِيه وَالْحَاوِي وَغَيره من المسموعات الْفِقْهِيَّة ثمَّ سَافَرت مَكَّة المشرفة فحججت واعتمرت وزرت قبر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وجاورت فِي الْمَدِينَة الشَّرِيفَة نَحْو سنة ثمَّ رجعت إِلَى ذِي جبلة انْتهى كَلَامه فَلَمَّا توفّي شَيْخه الإِمَام رَضِي الدّين بن الْخياط انْتقل إِلَى مَدِينَة إب فَقَرَأَ على القَاضِي ابْن صفي الدّين أَحْمد بن أبي بكر البريهي والفقيه جمال الدّين مُحَمَّد بن عبد الله الْكَاهِلِي وَحصل كتبا كَثِيرَة بِخَطِّهِ ضَبطهَا أحسن ضبط وَكَانَ يَصُوم الدَّهْر لَا يفْطر إِلَّا الْأَيَّام الْمنْهِي عَن صَومهَا وَلَا يَأْكُل فِي الْيَوْم وَاللَّيْلَة سوى أَكلَة وَاحِدَة عِنْد الْإِفْطَار وَكَانَ قوته من عمل يَده من تَحْصِيل الْكتب والمصاحف وَكَانَ النَّاس يرغبون إِلَى مَا كتبه ويبالغون فِي ثمنه تبركا بِهِ وَطلب مِنْهُ أهل الْمَدِينَة أَن يقوم بإمامة الْجَامِع فصلى بِهِ إِمَامًا قدر سنة يتَوَضَّأ لكل فَرِيضَة وَعرض عَلَيْهِ مَا شَرطه

الْوَاقِف من الْوَقْف لإِمَام الْجَامِع فَامْتنعَ من قَبضه وَأمر أَن يعمر بِهِ الْجَامِع فعمر بِهِ وَاعْتذر عَن الْإِمَامَة فعذر ودام على حَاله فِي الْعِبَادَة وَالِاعْتِكَاف بالجامع وَطلب مِنْهُ أَن يقوم بإمامة مدرسة أَنْشَأَهَا وَالِي الْبَلَد فَامْتنعَ وانتقل عَنْهَا إِلَى ذِي جبلة ثمَّ إِلَى وقير بالشوافي فَأَتَتْهُ طلبة الْعلم الشريف فدرس هُنَالك وانتفع بِهِ جمَاعَة كَثِيرَة ثمَّ عَاد إِلَى مَدِينَة إب بعد وَفَاة الْوَالِي الَّذِي أمره بِالْإِمَامَةِ بمدرسته الَّتِي أَنْشَأَهَا وَأقَام بالجامع لَا تمر عَلَيْهِ سَاعَة من نَهَاره إِلَّا وَهُوَ يدرس أَو يحصل الْكتب النافعة مَعَ قِيَامه فِي اللَّيْل لِلْعِبَادَةِ فَلَمَّا كبر وَلَده عبد الرَّحْمَن وَحفظ كتاب الله تَعَالَى وَقَرَأَ بِالْعلمِ الشريف على وَالِده وَبلغ الْحلم اشتاق لسفر الْحَج فوافقه وَالِده على ذَلِك وسافرا مَعًا فحجا وزارا وَوَافَقَ سفرهما وُصُول بعض ثِقَات قَاضِي مصر كتاب التَّحْرِير وَشرح الْمَنْظُومَة لأبي زرْعَة من رجل يُسمى الْفَقِيه أَبَا بكر السحولي قد أوقف هذَيْن الْكِتَابَيْنِ على من يقْرَأ فيهمَا بمدرسة شنين وبمدينة إب فَأرْسل بهما الثِّقَة مَعَ هَذَا الْفَقِيه جمال الدّين فحملهما وَوصل بهما إِلَى مَدِينَة إب وَلم يكن بِالْيمن شَيْء من هذَيْن الْكِتَابَيْنِ فَانْتَفع بهما الطّلبَة فِي المكانين ثمَّ انْتقل الْفَقِيه جمال الرعياني إِلَى مَدِينَة تعز فَتَبِعَهُ وَلَده الْفَقِيه وجيه الدّين وَأَقَامَا بهَا على التدريس وَالْفَتْوَى وَالْعِبَادَة وأضيف إِلَيْهِمَا من الْأَسْبَاب الْمدرسَة الشمسية فِي مَدِينَة تعز فأقاما بهَا على الْحَال المرضي مجتهدين بنشر الْعلم إِلَى أَن توفّي الْفَقِيه جمال الدّين الرعياني إِلَى رَحْمَة الله تَعَالَى سنة إِحْدَى وَخمسين وثمانمئة وَدفن بالأجيناد وَقد اشتهرت لَهُ كرامات كَثِيرَة فِي حَيَاته

مِنْهَا مَا أَخْبرنِي الثِّقَة أَن السُّلْطَان المسعود لما دخل مَدِينَة تعز وَبنى أكمة السِّرَاجِيَّة ورتب بهَا جمع المظفر أهل صَبر وَمن أطاعه وقصدوا السِّرَاجِيَّة ليحرقوا مَا بهَا وَكَانَ بَيت الْفَقِيه جمال الدّين الرعياني على طريقهم فهم الْعَسْكَر بِنَهْب الْبَيْت ورموه بِالْحِجَارَةِ فلمع الْبَرْق فِي وسط النَّهَار من غير سَحَاب وَرَأى ذَلِك من حضر وَانْهَزَمَ أَصْحَاب المظفر فاحترم بَيت الْفَقِيه جمال الدّين من ذَلِك الْيَوْم فَلَمَّا توفّي إِلَى رَحْمَة الله تَعَالَى قَامَ وَلَده النجيب الْعَالم وجيه الدّين مقَامه فِي التدريس وَالْفَتْوَى بِمَدِينَة تعز وَكَانَ يحفظ كتاب التَّنْبِيه للشَّيْخ أبي إِسْحَاق الشِّيرَازِيّ ومنهاج الإِمَام النَّوَوِيّ ومنظومة الْحَاوِي لِابْنِ الوردي والشاطبية وألفية ابْن مَالك وَقرأَهَا على وَالِده وعَلى الْفَقِيه جمال الدّين الْأَكْبَر ابْن الْخياط وأجازوا لَهُ واستقام لولاية الْقَضَاء بجهات جبا وَمَا والاها ثَلَاث سِنِين وَأقَام فِيهَا ودرس وَأفْتى وَقبض أوقافها ثمَّ اعتذر عَن الْقَضَاء بهَا إِلَى من ولاه وَهُوَ السُّلْطَان المسعود فعذره وَرجع إِلَى مَدِينَة تعز وَقد كَانَت ولَايَة الْقَضَاء بالجانب الْأَسْفَل من مَدِينَة تعز للْقَاضِي جمال الدّين مُحَمَّد بن عمر الحريري فَلَمَّا توفّي إِلَى رَحْمَة الله تَعَالَى استقام بِولَايَة الْقَضَاء فِي الْموضع الْمَذْكُور هَذَا القَاضِي وجيه الدّين بِأَمْر السُّلْطَان الْمَذْكُور فحسنت سيرته وَأقَام بِالْمَدْرَسَةِ الفرحانية يدرس ويفتي وَيحكم على الْقَاعِدَة الشَّرْعِيَّة إِلَى أَن ملكت السَّادة بَنو طَاهِر الْمَدِينَة جَمِيعهَا فاستقام بِولَايَة الْقَضَاء بهَا القَاضِي جمال الدّين مُحَمَّد بن دَاوُد الوحصي فَتبقى الْفَقِيه وجيه الدّين الرعياني فِي التدريس وَالْفَتْوَى وَالْعِبَادَة أَيَّامًا إِلَى أَن توفّي بعد وَالِده بأيام قَليلَة وَذَلِكَ سنة أثنتين وَخمسين وثمانمئة رَحمَه الله وَقد كَانَ رأى وَالِده فِي الْمَنَام وَقَالَ لَهُ يَا عبد الرَّحْمَن انْتقل إِلَى عِنْدِي فَمَرض بذلك الْأُسْبُوع أَيَّامًا ثمَّ توفّي وقبر عِنْد وَالِده رحمهمَا الله ونفع بهما

وَمِنْهُم القَاضِي الْأَجَل تَقِيّ الدّين عمر بن الإِمَام جمال الدّين مُحَمَّد بن عمر بن عَليّ المسلمي الْمَشْهُور باليريمي قَرَأَ على وَالِده الْمُقدم ذكره بالفقه بقرية يريم ثمَّ انْتقل إِلَى تعز فَقَرَأَ بالقراءات السَّبع على المقرىء وجيه الدّين الملحاني وبالفقه على الإِمَام جمال الدّين العوادي وَبِالْحَدِيثِ على الإِمَام نَفِيس الدّين الْعلوِي ثمَّ طلع إِلَى مَدِينَة إب فتأهل بهَا ورتبه الشَّيْخ الْجلَال السيري إِمَامًا فِي الْمدرسَة الَّتِي أَنْشَأَهَا فَوقف مُدَّة طَوِيلَة يقرىء ويدرس ويفتي ثمَّ رَجَعَ إِلَى مَدِينَة تعز وَحج بَيت الله الْحَرَام ثمَّ رَجَعَ إِلَيْهَا فَلَمَّا وصل الإِمَام شمس الدّين الْجَزرِي وَالْقَاضِي تَقِيّ الدّين الشريف الفاسي إِلَى تعز نزل إِلَيْهِمَا فَقَرَأَ عَلَيْهِمَا بِعلم الحَدِيث وَالتَّفْسِير وأجازا لَهُ ثمَّ إِنَّه خالط بعض المتصرفين بِمَدِينَة تعز للسُّلْطَان الطَّاهِر فَلَزِمَهُ وعبث فِي الْعرض وَالْمَال بِسَبَب ذَلِك فَبَقيَ فِي بعض الْمَسَاجِد معتكفا يدرس ويفتي ثمَّ أضيف إِلَيْهِ قَضَاء الْجند وانفصل عَنهُ وأضيف إِلَيْهِ نِيَابَة الْقَضَاء بِمَدِينَة تعز ثمَّ انْفَصل عَن ذَلِك وَرجع إِلَى ولَايَة الْقَضَاء بالجند فَبَقيَ على ذَلِك إِلَى أَن توفّي لَيْلَة الِاثْنَيْنِ تَاسِع عشر شهر صفر سنة ثَمَان وَعشْرين وثمانمئة وَكَانَ ينظم الشّعْر من ذَلِك جَوَابه على اللغز الَّذِي أبداه الإِمَام الْجَزرِي رَحمَه الله تَعَالَى على طلبته حَيْثُ قَالَ (أخي إِن رمت تَدْرِي من حَبِيبِي ... وتعرف مَا اسْمه وتحيط علما) (خُذ اسْما من أسامي الْمَوْت واقلب ... وَصغر ذَلِك المقلوب حتما) (وصحف ذَلِك التصغير وَاجعَل ... لمن أحببته من ضِدّه اسْما) فَأجَاب القَاضِي تَقِيّ الدّين عمر بن مُحَمَّد اليريمي الْمَذْكُور أَولا فَقَالَ (أَتَت أحجية من بَحر علم ... لتعريف الحبيب وَمَا يُسمى) (باسم الْمَوْت واقلب ثمَّ صغر ... وَصغر ذَلِك التصغير حتما) (فَفتح قلب حتف ثمَّ صغر ... وصحفه قَبِيح حزت علما) (وَمَا ضد الْقَبِيح سوى مليح ... وَذَاكَ الْقَصْد وَالْحب الْمُسَمّى) وَله شعر غير ذَلِك مِنْهُ مَا نظمه فِي شُرُوط القَاضِي مِمَّا هُوَ مُثبت فِي الأَصْل

حذفته هُنَا اختصارا وَمِنْهُم الْفَقِيه الْمُحدث شمس الدّين عَليّ بن مُحَمَّد الشّعبِيّ قَرَأَ على الإِمَام جمال الدينن بن الْخياط الحَدِيث وعَلى الإِمَام جمال الدّين الضراسي فِي الْفَرَائِض وعَلى غَيرهمَا فأجازوا لَهُ وتصدر لإسماع الحَدِيث النَّبَوِيّ بعد وَفَاة شَيْخه الإِمَام جمال الدّين بن الْخياط وَنقل عَنهُ فَوَائِد جليلة ثمَّ تولى الْقَضَاء بِبَلَد صهْبَان ثمَّ انْفَصل عَنْهَا وقطن بِمَدِينَة تعز وَاسْتمرّ مدرسا بِجَامِع ثعبان واشتغل بِشَيْء من علم الْفلك وَكَانَت الدُّنْيَا منزوية عَنهُ وَكَانَ خطه حسنا توفّي سنة خمس وَخمسين وثمانمئة وقبر بالحياط ملاصقا لقبر شَيْخه الإِمَام جمال الدّين بن الْخياط رحمهمَا الله تَعَالَى وَمِنْهُم الْفَقِيه الْعَلامَة شمس الدّين عَليّ بن عمرَان الْحميدِي كَانَ مِمَّن فض لَهُ عَن أبكار الْمعَانِي الختام وارتقى بمعارفه مرتبَة الجلة من ذَوي الأفهام قَرَأَ على الإِمَام جمال الدّين بن الْخياط وعَلى الْفَقِيه ولي الدّين عبد الْوَلِيّ الوحصي وعَلى الإِمَام جمال الدّين مُحَمَّد بن الْمقري وعَلى غَيرهم بالأصول وَالْفِقْه والفرائض والنحو وَغير ذَلِك فأجازوا لَهُ اجْتهد فِي طلب جَمِيع الْعُلُوم حَتَّى انْكَشَفَ لَهُ مَا كَانَ عَن غَيره من الوعيض مَكْتُوم وحقق الْمَذْهَب والنصوص وَالْقَوَاعِد والمراتب حَتَّى صَار إِمَامًا محققا فاق أهل زَمَانه وأربى على أقرانه وَفضل على بعض مشايخه واشتهر بِحل المشكلات وإيضاح المبهمات وَقصد للمعضلات مَعَ حَدَاثَة سنه واشتهر بذلك شهرة سَارَتْ مسير الشَّمْس لما أعطي من الْفَهم الثاقب والإصابة فِي الحدس

واستنبط مسَائِل عَجِيبَة وحرر قَوَاعِد صَحِيحَة غَرِيبَة فَمن بعض نتائج فكره الشاهدة بعلو قدره مَا جمعه وصنفه وسطره فِي كِتَابه الَّذِي أَلفه الْمُسَمّى الانتخاب فِي حِسَاب الْفِقْه وَفقه الْحساب فَإِنَّهُ أَتَى فِيهِ مَا شفى وَكفى قَالَ بعض من وقف عَلَيْهِ من الْفُضَلَاء هُوَ جدير بِأَن يشد إِلَيْهِ الرّحال ويجعله المحصلون معتمدهم فِي كل حَال وَأنْشد فِيهِ بَعضهم شعرًا (إِلَيْك يسير أهل الْعلم طرا ... لِأَنَّك كَامِل فِي كل فن) (وَلَا يغنون مهما غبت عَنْهُم ... وَإِن غَابَ الْجَمِيع فَأَنت تغني) وَلما نظره الْفَقِيه جمال الدّين الضراسي وَهُوَ شيخ شَيْخه لِأَن شَيْخه الْفَقِيه جمال الدّين المقرىء وَشَيخ الْفَقِيه جمال الدّين المقرىء الْفَقِيه جمال الدّين الضراسي فِي فن الْجَبْر والمقابلة وعلوم الْحساب والفرائض وَاسْتَحْسنهُ وشكر مُؤَلفه واستقصر الْمدَّة الْمَاضِيَة عَن اتساعها لمثل هَذَا الاختراع وَكتب فِي مُؤَلفه كِتَابَة أثنى عَلَيْهِ وَبَالغ فِي شكره على مَا اخترعه وألفه وَجمعه وصنفه وأجابه بِجَوَاب مطول مِمَّا قَالَ فِيهِ هُوَ فِي الْحَقِيقَة مغترف من بحرك وَلم يُشَاهد إِلَّا بعض آيَات مجدك وآثار فخرك وَلِهَذَا الْفَقِيه شمس الدّين عَليّ بن عمرَان مُصَنف آخر فِيمَن ترك شَيْئا من سُجُود الصَّلَاة الرّبَاعِيّة وَجَهل تَعْيِينه جعل هَذَا المُصَنّف فِي مُقَدّمَة وبابين وخاتمة وَجعل احتمالات الْمَسْأَلَة مئة ألف احْتِمَال وَخَمْسَة آلَاف احْتِمَال ومئة وَخَمْسَة واستدرك فِي بعض الِاحْتِمَالَات على جمَاعَة من الْعلمَاء مِنْهُم الدَّارمِيّ والمحب الطَّبَرِيّ

والشاشي والإسنوي والسبكي وَغَيرهم بِشَيْء يقبله الْعقل ويساعده النَّقْل مِمَّا يعجز بعض الإفكار عَن إِدْرَاكه فضلا عَن الْإِتْيَان بِمثلِهِ وَله غير ذَلِك من التدقيق على مسَائِل كَثِيرَة وَمَا ذَكرْنَاهُ من مؤلفاته فَهُوَ الشَّاهِد الْعدْل على جلالته وأجادته وإفادته وَقد أحسن إِلَيْهِ السُّلْطَان الظَّاهِر إحسانا كليا وَوَصله بصلات كَثِيرَة وأضاف إِلَيْهِ من الْأَسْبَاب بتعز مَا يَلِيق بِحَالهِ وأقامه السُّلْطَان الْأَشْرَف ولد الظَّاهِر بِولَايَة الْقَضَاء بتعز فَأَقَامَ على ذَلِك أَيَّامًا فَلَمَّا توفّي الْأَشْرَف واستقام المظفر وَظهر فِي السَّادة المشائخ بني طَاهِر فِي طلب الرِّئَاسَة وَالْولَايَة على الْيمن سعى لَهُم الْفَقِيه شمس الدّين بذلك فَأوجب ذَلِك الِانْتِقَال إِلَيْهِم إِلَى بلدهم لمعاندة حصلت عَلَيْهِ من المظفر وَأَصْحَاب المسعود بعد أَن ناله وعث شَدِيد وَأسر معاهم أَيَّامًا ثمَّ أَطْلقُوهُ فانتقل ذِي حراب من بلد السَّادة بني طَاهِر فَأحْسنُوا إِلَيْهِ إحسانا كليا وصنف فيهم رِسَالَة سَمَّاهَا الْمسك الفتيق فِي فضل حر الأَصْل على الرَّقِيق ثمَّ سَافر إِلَى مَكَّة المشرفة بِقصد الْحَج فاخترمته الْمنية فِي الطَّرِيق من الْوُصُول إِلَى بَيت الله الْعَتِيق قد رجح إِلَى رَحْمَة الله تَعَالَى مكرما مُعظما وَكَانَت وَفَاته بمَكَان يُسمى اللِّحْيَة وَذَلِكَ سنة سِتّ وَخمسين وثمانمئة رَحمَه الله ونفع بِهِ

وَمِنْهُم الْفَقِيه حسام الدّين عَبَّاس بن طَلْحَة قَرَأَ على الْفَقِيه عفيف الدّين عبد الْوَلِيّ بن مُحَمَّد الوحصي وعَلى غَيره من فُقَهَاء وقته حَتَّى انْتفع بأجازوا لَهُ فدرس وَأفْتى واستقامه القَاضِي جمال الدّين مُحَمَّد بن داؤد الوحصي فِي بعض الْأَوْقَات بِشَيْء من الْأَحْكَام الشَّرْعِيَّة فَأثْنى عَلَيْهِ النَّاس بكفاءته وتسديد نظره وثاقب مَعْرفَته ومشيه على مَا يحْتَمل الْوَقْت فَكَانَ حكمه صَوَابا لَا يسْتَدرك بحكومة عَلَيْهِ وَلَا يطْمع طامع بحيلة بَين يَدَيْهِ يعرف الْحق فيقتفيه ويعدل عَن الْبَاطِل فيتقيه وَتُوفِّي سنة تسع وَخمسين وثمانمئة وَمِنْهُم الْفَقِيه شمس الدّين عَليّ بن مُحَمَّد بن مهْدي بن سبا المرشى بَلَدا وَهِي قَرْيَة بجبل بعدان قَرَأَ بالقراءات على المقرىء شمس الدّين الشرعبي وشارك بِسَائِر علم الْفِقْه والْحَدِيث وأضيف إِلَيْهِ من الْأَسْبَاب بِمَدِينَة تعز إِمَامَة الظَّاهِرِيَّة والشمسية وَكَانَ مَعَه كتب نفيسة حصلها وضبطها أحسن ضبط وَكَانَ قوته من شخص يُسمى عمر الأديب لَهُ فضل وصدقات كَثِيرَة توفّي بِمَدِينَة إب ثمَّ إِن المقرىء شمس الدّين سَافر إِلَى مَكَّة المشرفة فحج وزار قبر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَوَافَقَ الْمقَام شمس الدّين عَليّ بن طَاهِر بِالْمَدِينَةِ المشرفة فَقَامَ بكفايته وَجعله من أَصْحَابه فَرَجَعَا إِلَى الْيمن بعد إقامتهما جَمِيعًا بِالْمَدِينَةِ الشَّرِيفَة قدر ثَلَاث سِنِين فَكَانَ الْمقَام شمس الدّين يحسن إِلَيْهِ ويواسيه بِمَا يَحْتَاجهُ فِي مَدِينَة تعز إِلَى أَن توفّي بهَا بِشَهْر رَجَب سنة تسع وَسِتِّينَ وثمانمئة وَدفن بالأجيناد قَرِيبا من قبر الإِمَام مُحَمَّد بن أبي بكر الْخياط رحمهمَا الله ونفع بهما وَمن المتوفين بِمَدِينَة تعز الْفَقِيه البليغ وجيه الدّين عبد الرَّحْمَن بن عمر الرَّاعِي الْمَشْهُور بالعطاب كَانَ لَهُ معرفَة بِعلم الْعَرَبيَّة وَكَانَ محققا لعلم الْمعَانِي وَالْبَيَان وأوزان الشّعْر وبحوره أَخذ ذَلِك عَن أَخِيه الْفَقِيه الصَّالح شمس الدّين يُوسُف بن عمر العطاب وَالْقَاضِي صفي الدّين أَحْمد بن أبي بكر البريهي وَكَانَت لَهُ قريحة مطواعة

وَخط حسن وَكَانَ فِي شبابه فَقِيرا فحج إِلَى بَيت الله الْحَرَام وزار قبر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثمَّ رَجَعَ على طَرِيق درب الْمَاشِي فسبقه الرّفْقَة فضل عَن الطَّرِيق وَعجز عَن الْمَشْي وَعظم عَلَيْهِ الْحر والعطش وأيس من الْحَيَاة فاستسلم لله الْوَاحِد القهار وَجلسَ تَحت ظلّ شَجَرَة ليقضي الله أمرا كَانَ مَفْعُولا فَألْقى الله على لِسَانه الاستنصار بِاللَّه تَعَالَى فَأَنْشد بَيْتا شعرهما (وَإِذا ضللت عَن الرشاد وَلم تكن ... أَبَد الزَّمَان على العدا منصورا) (فاستهد واستنصر بِرَبِّك ذِي العلى ... وَكفى بِرَبِّك هاديا ونصيرا) قَالَ فوَاللَّه مَا استتممت قَوْلهمَا حَتَّى سَمِعت صَوت الْمُنَادِي باسمي فَقُمْت فَرحا وَوجدت أَصْحَابِي ثمَّ إِنَّه قصد الأكابر ومدحهم بغرر القصائد وكتبها بِخَطِّهِ الْحسن فأجازوا لَهُ وأثرى وَكثر مَاله وَقد كَانَت عَلَيْهِ دُيُون فقضاها واشتهر بالفصاحة وَعرف بذلك وَأنكر بَعضهم قَوْله وفصاحته فِي قصيدة كتبهَا إِلَى الإِمَام الشريف عَليّ بن صَلَاح الحسني وَقَالَ إِن ذَلِك لغيره فَكتب إِلَيْهِ أبياتا مِنْهَا (وَقَالُوا سنه سنّ صَغِير ... وَلَيْسَ يجيد فِي الشّعْر النظاما) (وَمَا علمُوا بِأَنِّي نلْت فخرا ... أَوَان بلغت من عمري الفطاما) (وَإِنِّي الْيَوْم أفحم كل فذ ... وَمَا وفيتها عشْرين عَاما) وَهِي طَوِيلَة وَله شعر حسن غير ذَلِك مِنْهُ ثَلَاثَة أَبْيَات أضافها إِلَى الْبَيْتَيْنِ الْمَشْهُورين للوأواء الدِّمَشْقِي وَهِي (وَلما حدا الركْبَان للبين عيسهم ... وأموا بهَا الْبَيْت الْعَتِيق المسترا)

(أتيت إِلَى هِنْد اريد وداعها ... ونار الجوى فِي الْقلب تذكو تسعرا) (فراعت فُؤَادِي بالبكاء وأنشدت ... وأدمعها تحكي الْحيَاء المتحدرا) (أيا زائر الْبَيْت الْعَتِيق وتاركي ... أقاسي الْهوى لَو زرتني كَانَ أجدرا) (تحج احتسابا ثمَّ تقتل عَاشِقًا ... فديتك لَا تحجج وَلَا تقتل الورى) وَله يمدح الْكتب والدفاتر وَهُوَ أحسن مَا قَالَ (وصامتات حضرت عندنَا ... تطوى على كل عَجِيب غَرِيب) (لَو نطقت يَوْمًا بِمَا أودعت ... مَا سمع الدَّاعِي جَوَاب الْمُجيب) وَله فِي أَسمَاء مَا قيل إِن السَّمَوَات السَّبع مِنْهَا على رَأْي بعض الْعلمَاء وَالْخلاف فِي ذَلِك مَشْهُور عِنْدهم بَيت شعر هُوَ (تموج صَخْر من حَدِيد نحاسه ... عدى فضَّة والتبر من تَحت ياقوت) (سَمَاء الدُّنْيَا الثَّانِيَة الثَّالِثَة الرَّابِعَة ... الْخَامِسَة السَّادِسَة السَّابِعَة) (موج مكفوف من صَخْر من حَدِيد من نُحَاس ... من فضَّة من ذهب من ياقوت) انْتقل هَذَا الْفَقِيه وجيه الدّين من مَدِينَة إب إِلَى مَدِينَة تعز قريب وَفَاته فَأَقَامَ بهَا شهرا ثمَّ توفّي سنة أَربع وَسِتِّينَ وثمانمئة ورثاه بَعضهم بِشعر تركت ذكره اختصارا وَهُوَ فِي الأَصْل مُثبت مَعَ زِيَادَة شعر من كَلَام الْفَقِيه وجيه الدّين الْمَذْكُور وَمن أهل مَدِينَة تعز المقرىء الْعَلامَة شمس الدّين عَليّ بن مُحَمَّد الرفدي الْمَشْهُور بالشرعبي قَرَأَ بالقراءات السَّبع على المقرىء الصَّالح عفيف الدّين جَعْفَر الْهمام المقبور بقحاف الدمنات وَمِنْه جَاءَتْهُ الْبركَة ثمَّ على المقرىء الصَّالح مُحَمَّد بن

يحيى الشارفي فَكَانَ أَكثر انتفاعه عَلَيْهِ وَقَرَأَ بالنحو على الإِمَام الْمَقْدِسِي وَغَيره وبالفقه على الإِمَام ابْن فَخر بزبيد وَأَجَازَ لَهُ جمَاعَة من الشُّيُوخ الْكِبَار بِمَكَّة وَالْمَدينَة ومصر ثمَّ اجْتمع بالمقرىء شمس الدّين الْجَزرِي فَقَرَأَ عَلَيْهِ بالقراءات الْعشْر وَأَجَازَ لَهُ ثمَّ عَاد إِلَى الْيمن فتصدر للتدريس بالقراءات وَسمع الحَدِيث وَالتَّفْسِير على الإِمَام نَفِيس الدّين الْعلوِي وعَلى الإِمَام جمال الدّين بن الْخياط وَكَانَ وحيد عصره فِي علم الْقُرْآن وَفِي إِيضَاح مَا أشكل مِنْهُ ورتب خَطِيبًا بِجَامِع ذِي عدينة وَمد الله فِي عمره حَتَّى أَنه لم يبْق بِمَدِينَة تعز وَمَا قاربها مقرىء إِلَّا وَهُوَ من درسته أَو درسة درسته وَكَانَ جَهورِي الصَّوْت لافظا حَافِظًا ثبتا محققا وَإِذا وعظ وجلت الْقُلُوب لوعظه وشفيت الصُّدُور ببليغ لَفظه وأسكبت الدُّمُوع وَحصل الْخُشُوع ودام على الخطابة والإمامة فِي جَامع ذِي عدينة نَحْو أَرْبَعِينَ سنة يتَوَضَّأ لكل صَلَاة مَفْرُوضَة وَلما اسن وَكبر وَضعف استناب وَلَده بذلك وَأخْبر بعض أَوْلَاده أَنه لما قربت وَفَاته لم يزل يَتْلُو آيَات من الْقُرْآن ويكرر قِرَاءَة قل هُوَ الله أحد ويعلن بِالشَّهَادَتَيْنِ إِلَى أَن توفّي رَحمَه الله تَعَالَى بِشَهْر ربيع الأول سنة إِحْدَى وَسبعين وثمانمئة رَحمَه الله ونفع بِهِ وَمِنْهُم الشَّيْخ الْأَجَل الصَّالح الْعَلامَة شهَاب الدّين أَبُو الْعَبَّاس أَحْمد بن مُحَمَّد بن عَليّ بن عبد الرَّحْمَن الْعقيلِيّ الْقرشِي الْمَشْهُور بالجبرتي ذُو المناقب الْمَشْهُورَة والكرامات الْمَذْكُورَة والمآثر المحمودة والخيرات الْمَوْجُودَة الْجَامِع بَين طريقتي الشَّرِيعَة والحقيقة المتمسك من تقوى الله بالعروة الْوَثِيقَة مَحل محط الرّحال ومنتهى الآمال السائر ذكره فِي أقطار الْأَرْضين الطَّائِر ذكره بالكرامات فِي الْآفَاق على مر السنين أوحد الْعباد الْمُجْتَهدين وَأجل الْأَئِمَّة المبرزين وَالْعُلَمَاء الصَّالِحين نَشأ فِي عبَادَة الله تَعَالَى فِي صباه إِلَى أَن أرْضى أَبَاهُ ووفقه الله واجتباه فاق ببراعته وتحقيقه الْأَوَائِل والأواخر وَأقر لَهُ بِالْفَضْلِ الْخَاص وَالْعَام من أهل الدفاتر والمحابر جبلت الْقُلُوب على محبته الَّتِي يُرْجَى بهَا خير الدُّنْيَا وَالْآخِرَة ومنح النَّاس من فَضله ومروءته شجرات إحسانه أجمع أهل الْعَصْر على صَلَاحه وَقَطعُوا من كرم الله بفلاحه وَأَنه

قطب الْوُجُود وبركة كل مَوْجُود مولده لَيْلَة الثَّلَاث وَالْعِشْرين من رَمَضَان الْكَرِيم من سنة اثْنَتَيْ عشرَة وثمانمئة فَنَشَأَ وَلسَانه معتقل من صَحِيح الْكَلَام إِلَى أَن بلغ عمره سَبْعَة أَعْوَام فَكَانَ وَالِده يرحمه وَيَأْتِي بِهِ إِلَى الْعلمَاء والصلحاء وَيطْلب مِنْهُم الدُّعَاء هَكَذَا أَخْبرنِي من لَفظه وَأَنه قَالَ رَأَيْت فِي النّوم شخصا جَاءَنِي فأطعمني شَيْئا فانتبهت وَأَنا أَتكَلّم كأفصح النَّاس وزالت العجمة الَّتِي كَانَت بلساني فَجئْت إِلَى وَالِدي وقصصت لَهُ مَا رَأَيْت ففرح بذلك وأدخلني إِلَى الْمُؤَدب ليعلمني الْقُرْآن الْعَظِيم فعلمني شهرا فَلم يفتح عَليّ شَيْئا فعذرني الْمعلم عَن الْقِرَاءَة تِلْكَ السَّاعَة إِلَى وَقت آخر فَنمت مهموما فَرَأَيْت فِي الْمَنَام الشَّخْص الَّذِي أَطْعمنِي بِمَا أَزَال عجمتي فأطعمني شَيْئا آخر فنبهت من نومي وَقد فتح الله بصيرتي فَكنت أَقرَأ فِي الْمُصحف الْكَرِيم من سُورَة الْبَقَرَة ولوحي فِي سُورَة ياسين ثمَّ بعد مُدَّة عوضني الله تَعَالَى عوض تِلْكَ العجمة الَّتِي لزمتني فِي صغر السن معرفَة لُغَة أَربع ألسن من ألسن الْعَجم قَالَ وَلما حفظ كتاب الله تَعَالَى قَرَأَ فِي الْفِقْه والنحو والْحَدِيث وَغير ذَلِك من سَائِر الْعُلُوم على الْأَئِمَّة كَالْإِمَامِ جمال الدّين مُحَمَّد الْأَكْبَر الْخياط وَالْإِمَام بدر الدّين الشظبي وَغَيرهمَا فَشهد لَهُ فِي صباه بالنجابة كل من عرفه وَأَجَازَ لَهُ الإِمَام ابْن الْخياط وَكتب لَهُ بِخَطِّهِ بذلك وَأثْنى عَلَيْهِ ثَنَاء مرضيا ومدحه مدحا عَظِيما بِمَا هُوَ أَهله هَذَا وعمره حِينَئِذٍ نَحْو عشْرين سنة ثمَّ قَرَأَ فِي علم الْأَسْمَاء والحقيقة على الإِمَام ابْن فاتك وتهذب على يَده ثمَّ أوفى حسن الْخط فَلَيْسَ فِي الْيمن جَمِيعه لَهُ نَظِير يحسن فِيهِ قَول البستي (إِذا بَرى قَلما يَوْمًا ليعمله ... يَقُول هز غَدَاة الروع غائله) (وَإِن أَمر على رق أنامله ... أقرّ بِالرّقِّ كتاب الْأَنَام لَهُ)

فَهُوَ يُحَقّق السَّبْعَة الأقلام وَيكْتب بهَا ويفرعها فروعا كَثِيرَة ويذاكر عَلَيْهَا وَلَو شَاءَ يصنف كتابا فِي علمهَا لصنف وَقد وفدت عَلَيْهِ البلغاء وَأهل الصِّنَاعَة وَالْكِتَابَة من الشَّام ومصر والعجم ويتواضع للْفُقَرَاء وَيُؤْنس الْغَرِيب ويواسي الْفَقِير ويتفقد الْأَصْحَاب بِالْإِحْسَانِ ويعم بالهدايا الأباعد وَالْجِيرَان يفد عَلَيْهِ المبتدئون والمنتهون كل يلْتَمس ببركاته وَيطْلب مِنْهُ صَالح دعواته وجزيل صدقاته وَذَلِكَ لما ظهر لَهُ من الكرامات واشتهر لَهُ من المكرمات فَهُوَ جَامع بَين الْعلم وَالْعَمَل جَار على سنَن السّلف الصَّالح لَا يُؤثر عَنهُ زيغ وَلَا زلل وَقد قيل بِأَن الْجِنّ تأتمر بأَمْره وتذعن لقَوْله وَهُوَ منزه عَن مُخَالطَة الْمُلُوك وَأهل الْأَمر متعفف عَن أَمْوَالهم مُحْتَرز بِدِينِهِ عَن شبهاتهم أرسل إِلَيْهِ بعض الْمُلُوك بِذَهَب وفضه فَرده من بَابه وقنع باليسير من اكتسابه وتورع عَن الْأَسْبَاب وَترك مَا كَانَ لوالده مِنْهَا وَكَانَ اشْتِغَاله أَولا بالنسخ مَعَ الْقِرَاءَة وَكَانَ يكْتب الْمُقدمَات والمصاحف الْكَرِيمَة فيبالغ النَّاس فِي استهدائها بالأثمان الجزيلة وَكَانَ لَا يرضى يهدي شَيْئا مِنْهَا إِلَى من فِي مَاله شُبْهَة وعَلى الْجُمْلَة فَهَذَا الشَّيْخ شهَاب الدّين كَانَ جَامعا للخصال الثَّلَاث الَّتِي ذكرهَا

سُفْيَان الثَّوْريّ رَحمَه الله مَعَ غَيرهَا وَهِي خمس نذْكر مِنْهَا عَالم زاهد وفقيه صوفي وغني متواضع وَقد ظَهرت لَهُ كرامات كَثِيرَة ذكرت مِنْهَا مَا شاهدته فِي الأَصْل مَعَ ذكر مَا أعْمرهُ من مَسَاجِد وَإِخْرَاج مياه سبلها وَصرف على ذَلِك أَمْوَالًا جزيلة وَمَا كتبه بِخَطِّهِ وَأَوْقفهُ من الْكتب والمقدمات والمصاحف وَمَا مدح فِيهِ الشُّعَرَاء وأثنوا عَلَيْهِ وَمَا رثوه مِمَّا يضيق عَنهُ هَذَا الْمَجْمُوع فِي أوراق كَثِيرَة رَحمَه الله تَعَالَى وَتُوفِّي الْيَوْم السَّادِس عشر من شَوَّال سنة ثَمَان وَسِتِّينَ وثمانمئة وَمِنْهُم القَاضِي الْعَالم الصَّالح جمال الدّين مُحَمَّد بن دَاوُد الوحصي بَلَدا الْخَولَانِيّ نسبا قَرَأَ على عَمه الْفَقِيه ولي الدّين عبد الْوَلِيّ بن مُحَمَّد الوحصي وزوجه ابْنَته وَكَانَ محفوظه بهجة الْحَاوِي ثمَّ قَرَأَ القَاضِي جمال الدّين على غير عَمه من الْعلمَاء بِمَدِينَة تعز وَسكن بهَا وَتَوَلَّى الْقَضَاء بهَا فَكَانَت سيرته مرضية وأضيف إِلَيْهِ من الْأَسْبَاب مَا قَامَ بأَمْره وَأمر عائلته فِي مُدَّة السُّلْطَان الظَّاهِر ثمَّ عَزله وَلَده الْأَشْرَف بعد موت وَالِده وصادره بِأخذ شَيْء من المَال عَلَيْهِ ثمَّ عَاد القَاضِي جمال الدّين مُحَمَّد على ولَايَة الْقَضَاء بالمدة الَّتِي استقام بهَا الْملك الْمفضل عِنْد اخْتِلَاف الْجند على الْملك المظفر من العبيد بزبيد وطلوعهم إِلَى تعز أَيَّامًا ثمَّ لما استقام السَّادة بَنو الطَّاهِر بِالْأَمر فِي الْبَلَد مَعَ المظفر وَخُرُوج الْمفضل والمسعود بعده من عدينة دَامَت ولَايَة القَاضِي جمال الدّين على ولَايَة الْقَضَاء بتعز وَمَا إِلَيْهَا وانتظم حَاله بالأسباب النافعة كالسيفية والمؤيدية وَدَار المضيف الْأَعْلَى والتابكية وَغير ذَلِك

مِمَّا لم يسْبقهُ أحد إِلَى هَذِه الْأَسْبَاب باجتماعها فَصَارَت ولَايَته مضبوطة وَأَحْكَامه نَافِذَة وَلَا يعْتَرض بِحكم وَلَا ينازعه فِيهِ مُنَازع مَعَ اشْتِغَاله بالتدريس وَالْفَتْوَى وإفادة الطّلبَة وَكَانَ ذَا سكينَة ووقار وهيبة وَلم يزل على الْحَال المرضي يدرس ويفتي مَعَ كبر سنه وَضَعفه مُطَاع القَوْل مسموع الْكَلِمَة إِلَى أَن توفّي سنة تسع وَثَمَانِينَ وثمانمئة وَمن شعره ملغزا باسم الزراع (أحاجيكم يَا أهل ودي بتحفة ... بهَا عجب للسامعين مدى الدَّهْر) (بِكَافِر قد صلى إِمَامًا لجمعة ... فَصحت صَلَاة المقتدين مَعَ الْكفْر) وَمِنْهُم المقرىء الْفَقِيه الْعَلامَة شمس الدّين يُوسُف بن يُونُس الجبئي الجابري نِسْبَة إِلَى جَابر بن سَمُرَة الصَّحَابِيّ رَضِي الله عَنهُ قَرَأَ على هَذَا المقرىء شمس الدّين بالقراءات السَّبع على المقرىء عفيف الدّين عُثْمَان النَّاشِرِيّ وبالنحو على الْفَقِيه عفيف الدّين عبد الْوَهَّاب الشراقي وبالفقه على الْفَقِيه شهَاب الدّين الضراسي وَغَيره ثمَّ بعدن فِي الْفِقْه على القَاضِي جمال الدّين مُحَمَّد بن سعيد بن كبن وَأَجَازَ لَهُ هَؤُلَاءِ فدرس وَأفْتى واشتهر وَأخْبر أَنه جائته الْبركَة وَفتح عَلَيْهِ بِالْعلمِ ببركة دُعَاء الْحَاج الصَّالح مفضل الزُّهْرِيّ فَإِنَّهُ دَعَا لَهُ وأطعمه شَيْئا من الزَّاد فَكَانَ ذَلِك سَبَب الْخَيْر وَأخْبر أَنه مرض فَرَأى فِي الْمَنَام الشَّيْخ عفيف الدّين المسن وَكَانَ شيخ وَالِده فِي التصوف وَأَنه رأى وَالِده عِنْده قَالَ فَدَعَا لَهُ الشَّيْخ الْعَفِيف بن المسن فَأصْبح بارئا من ذَلِك الْمَرَض وَأَنه أرق لَيْلَة السَّابِع وَالْعِشْرين من شهر رَمَضَان فِي بعض السنين فاجتهد بِتِلَاوَة كتاب الله تَعَالَى فَرَأى السَّمَاء انْشَقَّ مِنْهَا

نور سَاطِع أَضَاء مِنْهُ جَمِيع الأَرْض فَدَعَا إِلَى الله تَعَالَى وَسَأَلَ مِنْهُ أَشْيَاء كَثِيرَة حصلت لَهُ وَلما كَانَ بعد سنة اثْنَتَيْنِ وَأَرْبَعين وثمانمئة استدعاه الشَّيْخ شمس الدّين عَليّ بن الحسام الزَّاهِر فطلع وأقامه مدرسا وإماما فِي الْمدرسَة الَّتِي أَنْشَأَهَا وَالِده بالدنوه بالشوافي فانتقل إِلَيْهَا وَأقَام بهَا أَيَّامًا ثمَّ نَقله إِلَى عيقره وَجعله مدرسا فِي الْمدرسَة الَّتِي أَنْشَأَهَا فِيهَا وَسكن فِيهَا وقصدته الطّلبَة للْعلم الشريف فدرسهم وأفادهم وانتفع عَلَيْهِ جمَاعَة كَثِيرَة وَكَفاهُ الشَّيْخ شمس الدّين أَمر مَا يحْتَاج إِلَيْهِ جَمِيعه فَصَارَ المقرىء شمس الدّين ذَا شهرة عَظِيمَة وجاه كَبِير ثمَّ انْتقل إِلَى مَدِينَة تعز فعكفت عَلَيْهِ الطّلبَة من أهل مَدِينَة تعز فأفادهم الْفَوَائِد السّنيَّة بِجَمِيعِ الْعُلُوم ونال الرُّتْبَة الْعَالِيَة عِنْد النَّاس وَعند السَّادة بني الطَّاهِر بعد توسطه لَهُم إِلَى أهل بَلْدَة صَبر وَمَا والاها وَالسَّعْي مِنْهُ لصلاح الْبِلَاد وإخماد الْفِتَن حَيْثُ صَار ذَلِك مُتَعَيّنا عَلَيْهِ فاستقام بِدَرَجَة الوزارة وَاسْتمرّ بِقَضَاء الْأَقْضِيَة فِي قطر الْيمن وأضيف إِلَيْهِ من الْأَسْبَاب الْمَعْرُوفَة فِي تعز وزبيد وحيس وموزع فَانْتَفع بهَا هُوَ ودرسته وَاشْترى الْكتب النافعة وَالْأَرْض الجليلة وغرس فِيهَا النّخل وَزرع فِيهَا أَنْوَاع الْحُبُوب وَأَخْبرنِي الثِّقَة أَن الْكتب بلغ مجموعها زِيَادَة على الف مُجَلد كلهَا شِرَاء أَو نسخ وَأخْبر بعض تلامذته أَنه رأى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الْمَنَام وَأَنه بمَكَان مُرْتَفع وَعِنْده جمَاعَة مِنْهُم المقرىء شمس الدّين يُوسُف بن يُونُس الجبائي وَأَن تَحْتَهُ جمَاعَة كثير قد أحاطت بهم النَّار فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم للمقرىء يُوسُف انْزِلْ فأزل هَذِه النَّار عَن النَّاس فَنزل وأزالها فَقيل إِن هَذِه النَّار هِيَ ظلم مُلُوك بني الرَّسُول وأعوانهم الظلمَة والمعتدين الَّذين ظَهَرُوا فِي ذَلِك الْوَقْت وأزالها هُوَ بإعانته السَّادة بني الطَّاهِر

بولايتهم على الْيمن وَأمرهمْ لَهُ بِإِزَالَة الْمُنْكَرَات وَالْقِيَام بِالْأَمر بِالْمَعْرُوفِ ثمَّ أَخْبرنِي الثِّقَة عَنهُ أَنه قَالَ طلع شَرْقي مَدِينَة ذمار عِنْد أَن كَانَ فِي رِبَاط عيقرة بعد شهرته بِالْعلمِ وَقبل استاقمته مَعَ السَّادة بني طَاهِر وَقبل ولايتهم على الْيمن وَاجْتمعَ بِبَعْض فُقَهَاء الزيدية بِتِلْكَ الْبَلَد فَسَأَلَ مِنْهُ بَعضهم أَن يقرئه كتابا من كتب النَّحْو فَأَجَابَهُ إِلَى ذَلِك فشرع بِقِرَاءَة الْكتاب فَرَأى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الْمَنَام وَعِنْده الإِمَام الشَّافِعِي وَجَمَاعَة فَقَالَ الإِمَام الشَّافِعِي للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم هَذَا الْفَقِيه وَأَشَارَ إِلَى المقرىء يُوسُف يقرىء الْعلم المبتدعة فَنَهَاهُ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَلَمَّا انتبه المقرىء من النّوم وَجَاء الْفَقِيه ليقْرَأ عَلَيْهِ اعتذره فَلم يقرئه ثمَّ خرج من تِلْكَ الْبَلَد وَرجع إِلَى رِبَاط عيقرة وَلم يزل المقرىء الْمَذْكُور آخِذا بالترقي إِلَى الْمَرَاتِب الْعَالِيَة وَالْمحل الْأَعْلَى وَالْمَكَان الْأَسْنَى وَفِي الْجُمْلَة أَنه كَانَ قطب الْوُجُود وبركة كل مَوْجُود إِلَى ان توفّي رَحمَه الله رَابِع عشر شهر صفر سنة أَربع وتسعمئة بعد أَن بلغ من الرتب أقصاها وَمن الْمَعيشَة أصفاها وَدفن فِي تربة الشَّيْخ الصياد نفع الله بهما وَأعَاد على الْجَمِيع من بركتهما بِمُحَمد وَآله آمين وَمِنْهُم الْفَقِيه النجيب الْعَالم جمال الدّين مُحَمَّد بن عَليّ بن حُسَيْن الْحلْوانِي قَرَأَ أَولا على الْفَقِيه جمال الدّين مُحَمَّد بن أبي بكر الرعياني وعَلى وَلَده الْفَقِيه وجيه الدّين فَكَانَ الْفَقِيه جمال الدّين الرعياني يثني عَلَيْهِ بجودة الْفَهم وَصِحَّة الذِّهْن ويتخيل فِيهِ النجابة فَمِنْهُ جائته الْبركَة فَلَمَّا توفى الله جمال الدّين الرعياني وَولده قَرَأَ على المقرىء شمس الدّين يُوسُف بن يُونُس الجبائي فِي الْفِقْه وعَلى الْفَقِيه جمال الدّين الضراسي فِي الْفَرَائِض والجبر والمقابلة وَقَرَأَ على غير هَؤُلَاءِ فَانْتَفع وأجازوا لَهُ فدرس وَأفْتى بِمَدِينَة تعز وَله نظر تَامّ وَفهم حسن فِي الْعُلُوم وَقد يستنبط

مَا يستحسن ذكره ويليق سطره ويعذب إِيرَاده واستنابه المقرىء شمس الدّين يُوسُف بن يُونُس الجبائي فِي التدريس وَفِي الْقَضَاء فِي جباء وصبر وَمَا والى ذَلِك إِلَى أَن توفّي سنة خمس وَسبعين وثمانمئة رَحمَه الله تَعَالَى ونفع بِهِ ثمَّ خَلفه بمنصبه صنوه الْفَقِيه شهَاب أَحْمد بن عَليّ بن حُسَيْن الْحلْوانِي فدرس وَأفْتى بعد استفادته وقرائته بأنواع الْعُلُوم على المقرىء شمس الدّين يُوسُف بن يُونُس الجبائي فِي الْفِقْه والْحَدِيث والنحو وَغير ذَلِك وَأَجَازَ لَهُ ذَلِك واستنابه فِي التدريس بوظائفه بِمَدِينَة تعز وبالقضاء فِي جبا وَمَا والاها وللفقيه شهَاب الدّين نجابة وفضائل مَعْلُومَة وَلم يزل على الْحَال المرضي إِلَى أَن توفّي سنة ثَلَاث وَثَمَانِينَ وثمانمئة وَمِنْهُم الْفَقِيه الْعَالم الْفَاضِل شمس الدّين عَليّ بن سعيد الزبيدِيّ بِضَم الزَّاي الجبزي نِسْبَة إِلَى بَلْدَة الجبزية فِي بِلَاد زبيد بالمعافر وَكَانَ إِمَامًا فَاضلا عَالما بانواع الْعُلُوم من الْفِقْه والْحَدِيث والعربية والحساب والمنطق والمعاني وَالْبَيَان وَغير ذَلِك وَكَانَت قِرَاءَته بِمصْر وَالشَّام وَمَكَّة وَالْمَدينَة الشَّرِيفَة على فقهائها وعلمائها وَقد انْتفع عَلَيْهِ جمَاعَة كَثِيرُونَ من الطّلبَة بِمَدِينَة تعز بِهَذِهِ الْعُلُوم الْمُقدم ذكرهَا وأضيف إِلَيْهِ مَا كَفاهُ من الْأَسْبَاب بِالْمَدْرَسَةِ الفرحانية والمجاهدية وَلم يزل على الْحَال المرضي يدرس ويفتي إِلَى أَن توفّي بِشَهْر محرم الْحَرَام سنة ثَلَاث وَتِسْعين وثمانمئة رَحمَه الله ونفع بِهِ وَمِنْهُم الْفَقِيه بدر الدّين حسن بن عبد الرَّحْمَن الصباحي قَرَأَ على الإِمَام جمال الدّين الضراسي فِي الْفَرَائِض والحساب والجبر والمقابلة وَغير ذَلِك ثمَّ على القَاضِي جمال الدّين الطّيب بن أَحْمد النَّاشِرِيّ والفقيه تَقِيّ الدّين عمر الْفَتى بِمَدِينَة زبيد بالفقه وعَلى غَيرهم فدرس وَأفْتى بعد إجازتهم لَهُ وَله قريحة ينظم بهَا الشّعْر وَلم يزل

يدرس ويفتي فِي مَدِينَة تعز إِلَى قيام دولة مَوْلَانَا صَلَاح الدّين عَامر بن عبد الْوَهَّاب فَبعد قيام دولة مَوْلَانَا صَلَاح الدّين ترك التدريس وَنشر الْعلم لاشتغاله بالوزارة مَعَ السُّلْطَان الْمَذْكُور إِلَى أَن توفّي وَهُوَ على الْحَال الْمَذْكُور سنة ثَمَان وَتِسْعين وثمانمئة نسْأَل الله حسن الخاتمة وَمن المتوفين قَدِيما بِمَدِينَة تعز من الَّذين لم يذكرهم المؤرخون جمَاعَة مِنْهُم الشَّيْخ الصَّالح رَضِي الدّين أَبُو بكر بن أَحْمد الْبَزَّاز الشهير بِابْن قرينع اشتهرت عَنهُ فَضَائِل وبراهين بعد وَفَاته وَفِي الْحَيَاة وقبره بالأجيناد مَعْرُوف يزار ويتبرك بِهِ وَمِنْهُم الشَّيْخ رَضِي الدّين أَبُو بكر بن أَحْمد الجبرتي اشْتهر بِصَاحِب ذِي النُّون وَظَهَرت لَهُ فَضَائِل وبراهين وَلم يزل أهل تعز يقصدون قَبره للتبرك بِهِ وَهُوَ بالأجيناد رَحمَه الله ونفع بِهِ وَمِنْهُم الإِمَام الْعَلامَة عفيف الدّين أَبُو مُحَمَّد عبد الله بن مُحَمَّد بن عمر بن عَليّ بن الْأَحْمَر الخزرجي كَانَ فَقِيها عَالما مدرسا مفتيا محققا مدققا توفّي بتعز وَدفن بالأجيناد رَحمَه الله ونفع بِهِ وَأما المتوفين بجبل صَبر وحوالي مَدِينَة تعز وَذخر وَمَا والى ذَلِك فَمنهمْ الْمَشَايِخ الصلحاء بَنو الرميمة قد ذكر الجندي أَكْثَرهم واقدمهم وَهُوَ الشَّيْخ عَليّ الرميمة وَقَالَ إِنَّه تلميذ الشَّيْخ مدافع وحقق لَهُ وللشيخ مدافع كرامات وَأما ذُرِّيَّة الشَّيْخ عَليّ فَمنهمْ الشَّيْخ الصَّالح إِبْرَاهِيم بن مَسْعُود أخْبرت أَنه كَانَ

من الْأَوْلِيَاء الصَّالِحين من عباد الله الزاهدين وَأَنه كَانَ فِي الْحَيَاة عِنْد أَن خرج أهل صَبر عَن طَاعَة السُّلْطَان الْمُجَاهِد مَعَ خوفهم مِنْهُ فَقَالَ لَهُم الشَّيْخ إِبْرَاهِيم مَا دمت حَيا بَيْنكُم فَلَا سَبِيل للسُّلْطَان الْمُجَاهِد عَلَيْكُم فَإِذا مت فَإِن السُّلْطَان الْمُجَاهِد يطلع الْجَبَل قهرا وَيقتل مِنْكُم جمعا كثيرا فتوفاه الله تَعَالَى واجتمعوا للْقِرَاءَة عَلَيْهِ فطلع الْمُجَاهِد وَعَسْكَره وَأخذ الْجَبَل قهرا وَقتل من أَهله جمعا كثيرا فَكَانَ ذَلِك تَصْدِيقًا لما قَالَه الشَّيْخ إِبْرَاهِيم وَكَانَت وَفَاته سنة إِحْدَى وَثَلَاثِينَ وسبعمئة وَمِنْهُم وَلَده الشَّيْخ بدر الدّين حسن أخْبرت أَنه كَانَ عابدا صَالحا مكرما للضيف مُطَاع القَوْل مَفْتُوحًا عَلَيْهِ بالمعارف مَقْصُودا للمهمات تقضى على يَدَيْهِ الْحَاجَات وَظَهَرت لَهُ الكرامات وَتُوفِّي سنة أَربع وثمانمئة رَحمَه الله ونفع بِهِ وَله أَوْلَاد نجباء أكبرهم الشَّيْخ جمال الدّين مُحَمَّد أخْبرت أَنه نَشأ أحسن نشوء فاجتهد بِالْعبَادَة وَتُوفِّي وَهُوَ شَاب وَلم أتحقق من تَارِيخ وَفَاته وَالثَّانِي الشَّيْخ عفيف الدّين عبد الله كَانَ من الأخيار والعباد مَقْصُودا للمهمات سلك سَبِيل وَالِده وَأَهله بِقَضَاء الْحَوَائِج لأهل قطره وانتهت رئاسة أهل هَذَا الْبَيْت إِلَيْهِ وجلل واحترم وَكَانَ مُطَاعًا عِنْد أهل بَلَده فنم عَلَيْهِ من لَا خير فِيهِ إِلَى سُلْطَان الْوَقْت فألزمه السُّكْنَى بِمَدِينَة تعز فسكن بهَا أَيَّامًا ثمَّ رَجَعَ إِلَى بَيته فَأَقَامَ فِيهِ وَكَانَ يكْتب الرقى والعزائم للمرضى وَغَيرهم فَيكون فِيهَا الشِّفَاء بِإِذن الله تَعَالَى وَلما قربت وَفَاته اشتاق إِلَى مَكَّة المشرفة فسافر لِلْحَجِّ ثمَّ توفّي هُنَالك

بعد سنة ثَلَاثِينَ وثمانمئة رَحمَه الله تَعَالَى ونفع بِهِ وَمِنْهُم الشَّيْخ شُجَاع الدّين عمر بن مُحَمَّد بن حسن كَانَت الرياسة لِعَمِّهِ الشَّيْخ عفيف الدّين الْمُقدم الذّكر وَكَانَ هَذَا مشتغلا بِالتِّجَارَة فِي زمَان عَمه فَلَمَّا توفّي عَمه ترك ذَلِك وَاعْتَكف واجتهد بِالذكر وَالدُّعَاء والتلاوة. وَأَخْبرنِي القَاضِي جمال الدّين مُحَمَّد بن دَاوُد الوحصي أَنه حكى لَهُ الشَّيْخ شُجَاع الدّين أَنه رأى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي آخر عمره وَأَنه استجار بِهِ من النَّار وَلَزِمَه قَالَ فَدَعَا لَهُ بِدُعَاء كثير وَقبل يَده ثمَّ توفّي قريب سنة أَرْبَعِينَ وثمانمئة وَمن المتوفين بجبل صَبر الشَّيْخ عفيف الدّين عبد الله بن عُثْمَان الْمَشْهُور جفيقة كَانَ عابدا زاهدا مُجْتَهدا بِأَفْعَال الْخَيْر وَظَهَرت لَهُ كرامات مِنْهَا دعاؤه على من مَنعه إِجْرَاء المَاء إِلَى الْمَكَان الَّذِي هُوَ فِيهِ فَاسْتَجَاب الله دعاءه وَلم أتحقق تَارِيخ وَفَاته وَمن المتوفين هُنَالك الْحَاج الصَّالح جمال الدّين مُحَمَّد بن الْحُسَيْن الْخُرَاسَانِي هُوَ من الْعباد والزهاد والطوافين فِي الْبلدَانِ لِلْحَجِّ وَالْعمْرَة وزيارة قبر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَدخل الْقُدس وَرَأى من الْعَجَائِب أنواعا وَلما وَفد الْيمن لم يكن لَهُ مَكَان يسْتَقرّ بِهِ بل دأبه التنقل من مَكَان إِلَى مَكَان وَظَهَرت لَهُ كرامات وَكَانَ لَا يفتر لِسَانه عَن ذكر الله تَعَالَى والتلاوة قَاعِدا وماشيا وَفِي سفر وَحضر إِلَّا نَادرا كمحادثة صديق وَنَحْو ذَلِك وَلما قربت وَفَاته اعْتكف بِبَعْض الْمَسَاجِد بجبل صَبر نَحْو ثَلَاث سِنِين مُجْتَهدا بِالذكر وَالدُّعَاء مَعَ الْخُشُوع والخضوع ثمَّ توفّي سنة خمسين وثمانمئة أَو قبلهَا بِقَلِيل رَحمَه الله تَعَالَى ونفع بِهِ وَمن المتوفين بعبدان القَاضِي وجيه الدّين عبد الرَّحْمَن بن أَحْمد الْخَطِيب أخْبرت أَنه كَانَ فَقِيها وَأَنه تولى الْقَضَاء بعبدان وَمَا والاها وَسَار فيهم سيرة مرضية

ثمَّ توفّي هُنَالك وقبر بمقبرة أرومة بعبدان وَذَلِكَ بِشَهْر جُمَادَى الأولى سنة ثَمَان وَعشْرين وثمانمئة رَحمَه الله تَعَالَى ونفع بِهِ آمين وَمن المتوفين بثعبات من الوافدين إِلَيْهَا المقرىء الصَّالح الْعَالم أَبُو عبد الله جمال الدّين مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن مَيْمُون الغرناطي الأندلسي كَانَ إِمَامًا فَاضلا عَالما نحويا قَرَأَ على الْعَلامَة أبي حَامِد مُحَمَّد بن عبد الله بن ظهيرة بِمَكَّة المشرفة وَقدم مِنْهَا صُحْبَة الشَّيْخ الصَّالح أَحْمد بن مُحَمَّد بن عبد الله البريهي الْمَشْهُور بالمرقد إِلَى الْيمن فنشر علمه فدرس وافتى واشتهر بالصلاح وَصَحب جمَاعَة من الأخيار وآخوه مِنْهُم القَاضِي صفي الدّين أَحْمد بن أبي بكر البريهي وَحكي عَن عباداته وجودة حفظه وذكائه مَا يدل على صَلَاحه وفلاحه وَأَنه وحيد عصره وزمانه وَمِمَّنْ يشد إِلَيْهِ الرّحال ورتب مدرسا فِي مَدِينَة ثعبات وَقصد إِلَيْهَا للإفادة أَخْبرنِي المقرىء شمس الدّين عَليّ بن مُحَمَّد الشرعبي قَالَ نقل إِلَيّ من فَوَائِد المقرىء جمال الدّين الغرناطي فِي علم الْقرَاءَات مَا يعجز عَنهُ أكَابِر الْوَقْت وَأَنا أتحسر على عدم الِاجْتِمَاع بِهِ فَلَقَد اضاعه أهل وقته كَمَا أَنهم لم ينصفوه توفّي هَذَا المقرىء جمال الدّين سنة اثْنَتَيْنِ وَتِسْعين وسبعمئة رَحمَه الله تَعَالَى ونفع بِهِ

وَمن أهل حَسَنَات الَّتِي يسمونها الحرازية عِنْد مَدِينَة ثعبات الشَّيْخ برهَان الدّين إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم الْعِرَاقِيّ أخبر بعض تلامذته أَنه انْتقل وَالِده من الْعرَاق إِلَى الْيمن وخدم فِي الدولة الْأَفْضَلِيَّة الغسانية مَعَ الأصبهانية فَتزَوج امْرَأَة قيل إِنَّهَا من بني الْجَعْد وَسكن مَدِينَة ثعبات فولد لَهُ هَذَا الشَّيْخ إِبْرَاهِيم فَتوفي وَالِده وَهُوَ صَغِير فَبَقيَ مَعَ والدته وَكَانَت من الأخيار فربته أحسن تربية فَكَانَ يُجَالس أهل الْخَيْر وَيتَصَدَّق بِمَا مَعَه ثمَّ بعد بُلُوغه سَافر إِلَى مَكَّة المشرفة فحج وخدم الشَّيْخ الصَّالح عفيف الدّين عبد الله المغربي الْمَشْهُور بالبجاوي المنتسب إِلَى الشَّيْخ الرِّفَاعِي فهذبه وَحكمه وَعلمه طَرِيق الصُّوفِيَّة ثمَّ إِن الشَّيْخ إِبْرَاهِيم خرج على قدم التجرد من مَكَّة فَوقف نَحْو سنتَيْن ثمَّ عَاد إِلَيْهَا فَلَمَّا نظره شَيْخه الْمَذْكُور شهد لَهُ بالتمكن وَأَنه قد فتح عَلَيْهِ وَأمره بِالرُّجُوعِ إِلَى بَلَده فَرجع وَمر بِذِي سفال بمَكَان يُسمى الثجة فَأَقَامَ بهَا أَيَّامًا يضع الزنبيل على عُنُقه وَيقبل الصَّدَقَة فَمَا اجْتمع لَهُ تصدق بِهِ على الْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِين وَكَانَ يلبس الخشن من الثِّيَاب ويؤثر الخمول وَالْعُزْلَة ثمَّ وصل إِلَى والدته بِمَدِينَة تعز فَأَقَامَ بهَا مُدَّة يزور قُبُور الصَّالِحين وَيعْتَبر بهَا ودأبه ذكر الله تَعَالَى سرا وجهرا ثمَّ نزل مَدِينَة زبيد فَأَقَامَ بهَا يزور الصَّالِحين فِي قُبُورهم واشتهر وقصده النَّاس للزيارة فَأرْسل لَهُ السُّلْطَان الْأَشْرَف ابْن الْأَفْضَل فَلَمَّا مثل بَين يَدَيْهِ سَأَلَهُ الدُّعَاء وَعرض عَلَيْهِ شَيْئا من المَال فَلم يقبله فَلَمَّا توفّي

السُّلْطَان الْأَشْرَف واستقام وَلَده النَّاصِر أحسن إِلَى هَذَا الشَّيْخ إِبْرَاهِيم ووهبه أَرضًا جليلة فَجَلَسَ فِي الأجيناد بمقبرة تعز يُصَلِّي فِي الْمَسْجِد الْمَشْهُور بِمَسْجِد تعز هُنَالك فَأمر السُّلْطَان وجهة موفق بعمارة الْمَسْجِد وَدَار هُنَالك وأسكن بهَا الشَّيْخ إِبْرَاهِيم وجر إِلَيْهِمَا المَاء فَأَقَامَ هُنَالك سِنِين فاشتهر غَايَة الشُّهْرَة وَكَانَ يسير مَعَ السُّلْطَان النَّاصِر إِلَى زبيد وَإِلَى غَيرهَا مكرما مَقْبُول الشَّفَاعَة يدْخل على السُّلْطَان بِغَيْر إِذن فَإِذا خاطبه خاطبه باسمه يَا أَحْمد لَا يزِيد على ذَلِك ثمَّ انْتقل من الأجيناد إِلَى الْمَكَان الْمُسَمّى حَسَنَات عِنْد ثعبات فأعمر هُنَاكَ بُيُوتًا وَسكن هُوَ وَالْأَوْلَاد فِيهَا فَلَمَّا توفّي السُّلْطَان النَّاصِر واستقام الظَّاهِر ثمَّ بعده وَلَده الْأَشْرَف كَانَ مَعَهُمَا فِي حَالَة متوسطة فَلَمَّا توفّي الْأَشْرَف خمل ذكر هَذَا الشَّيْخ وَضعف حَاله وانتزعت الأَرْض الَّتِي كَانَ وَهبهَا لَهُ النَّاصِر وَقل مَا بِيَدِهِ من الدُّنْيَا وشاخ وَنسب إِلَى كَثْرَة الْكَلَام وَإِلَى خلل فِي عقله وَهُوَ مَعَ ذَلِك كثير الذّكر لله وللدعاء إِلَى الله تَعَالَى لمن قَصده زَائِرًا ثمَّ توفّي سنة سِتّ وَسِتِّينَ وثمانمئة وعمره حِينَئِذٍ سِتّ وَتسْعُونَ سنة بِتَقْدِيم التَّاء الْمُثَنَّاة فَوق على السِّين وَقد حُكيَ عَنهُ كرامات ذكرتها فِي الأَصْل وَله شعر حسن فِي الزّهْد مِنْهُ من قصيدة أَولهَا (دع التباطر فِيمَا لست تملكه ... واقنع بقوتك يَوْمًا فَهُوَ يكفيكا) (وخل عَنْك بني الدُّنْيَا وصحبتهم ... فَإِن صحبتهم يَا صَاح ترديكا)

(وآخ فِي الله إخْوَانًا تصان بهم ... عِنْد انتقالك عَن قوم يعادوكا) (واقنع بمولاك عَن كل الْأَنَام وَلَا ... تسل سواهُ أُنَاسًا فَهُوَ يغنيكا) (واسأله مَا شِئْت إِن الله ذُو كرم ... وَإِن سَالَتْ سواهُ لَيْسَ يعطيكا) (واسأله عفوا وغفرانا وعافية ... سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فَهُوَ باريكا) (واخضع لمولاك إذعانا لقدرته ... فَهُوَ اللَّطِيف الَّذِي للخير يهديكا) وَله غير ذَلِك من الشّعْر مِمَّا قد ذكرته فِي الأَصْل وَقد نسب إِلَيْهِ من الشّعْر وَمن الحكايات بِمُقْتَضى مَا تقدم ذكره شَيْء كثير فَلَا نطيل ذكره وَمن قَرْيَة بشيط بالقصيبة الشَّيْخ الصَّالح عفيف الدّين مقبل هُوَ مِمَّن لم يذكرهُ المؤرخون وَلم أتحقق نسبه لتقدم وَفَاته وَقد أجمع أهل قطره على صَلَاحه فهم يزورون قَبره ويروون لَهُ كرامات مِنْهَا مَا أخبر الثِّقَة أَن اثْنَي عشر رجلا اختفوا لشخص فِي مَكَان يُرِيدُونَ قَتله فِي بعض الْأَمَاكِن المنسوبة إِلَى الشَّيْخ مقبل قَرِيبا مِنْهُ فَكَانَ السيوف والعيدان فِي أَيْديهم فَلم يشعروا إِلَّا وَالسُّيُوف والعيدان تلتهب نَارا فَأَخَذتهم بهتة وألقوا السِّلَاح من أَيْديهم وتحيروا فِي أُمُورهم فَمر الشَّخْص الَّذِي هموا بقتْله عِنْدهم فَلم يقدروا يحدثوا بِهِ حَادِثا وَمِنْهَا مَا أخبر الشَّيْخ شهَاب الدّين أَحْمد بن مُحَمَّد الجبرتي أَنه أَرَادَ تَجْدِيد بِنَاء على

قَبره وَلم يكن عِنْدهم مَاء فَأَمرهمْ أَن يحفروا حفيرا يجْتَمع بِهِ المَاء عِنْد حُصُول الْمَطَر ليأخذوا مِنْهُ المَاء للْبِنَاء فَمَنعهُمْ رجل آخر وَقَالَ إِن الْمَكَان لَهُ فَقَالَ الشَّيْخ شهَاب الدّين يَا شيخ مقبل بَين فعصفت ريح شَدِيدَة على الَّذين كَانُوا شرعوا فِي ذَلِك الْحفر منعتهم مِنْهُ فانتقلوا إِلَى مَكَان آخر فتسهل لَهُم بعد ذَلِك الْمَكَان وَجَاء الْمَطَر وَحصل مِنْهُ مَا كفاهم بِفضل الله تَعَالَى وبركة هَذَا الشَّيْخ رَحمَه الله ونفع بِهِ وَمن المتوفين قَدِيما فِي الْقرْيَة الَّتِي تسمى جبيل الحنش الشَّيْخ الصَّالح عفيف الدّين سلمَان بن عمر أخْبرت أَنه كَانَ عَالما زاهدا صَالحا ظَهرت لَهُ الكرامات فِي حَيَاته وَبعد وَفَاته من ذَلِك مَا أَخْبرنِي بِهِ الشَّيْخ الصَّالح شهَاب الدّين أَحْمد بن مُحَمَّد الجبرتي نفع الله بِهِ قَالَ زرت هَذَا الشَّيْخ مرَارًا فَدخلت مرّة الْقبَّة الَّتِي بنيت على قبر هَذَا الشَّيْخ وأغلقت الْبَاب وتلوت سُورَة يس وَأَنا فِي ذَلِك الْمَكَان وحدي ثمَّ جَاءَ رجل مَعْرُوف ففتحت لَهُ فَوقف عِنْدِي فَقَرَأت سُورَة تبَارك فَرَأَيْت نورا فِي الْمِصْبَاح من غير أَن يسرجه أحد من النَّاس ثمَّ رَأَيْته مرّة أُخْرَى كَذَلِك وَحكي أَن هَذَا الشَّيْخ كَانَ فِي أَيَّام الْمَنْصُور أول ملك من مُلُوك بني رَسُول فوفد إِلَيْهِ جمَاعَة يَشكونَ من ظلم الْمَنْصُور وَكَانَ فِي الْمَكَان الَّذِي سكنه هَذَا الشَّيْخ جمَاعَة يصلونَ الْجُمُعَة فطلع الْخَطِيب يخْطب للْجُمُعَة وَأَرَادَ أَن يذكر الْمَنْصُور كعادة الْوَقْت فَقَالَ لَهُ الشَّيْخ سلمَان اخْطُبْ للمظفر بن الْمَنْصُور والمنصور فِي الْجند حَيّ ثمَّ الْتفت الشَّيْخ سلمَان إِلَى الْحَاضِرين عِنْده فَقَالَ لَهُم قد زَالَ ملك الْمَنْصُور وَولى الله وَلَده المظفر وسيقتل الْمَنْصُور هَذِه اللَّيْلَة فَكَانَ الْأَمر كَمَا قَالَ وَلِهَذَا الشَّيْخ كرامات كَثِيرَة نفع الله بِهِ آمين

وَمن المتوفين بِنَاحِيَة جبا القَاضِي الْعَالم رَضِي الدّين أَبُو بكر بن مُحَمَّد بن مُوسَى بن عمر القليصي الصُّوفِي كَانَ عَالما عَاملا لَهُ الباع الطَّوِيل فِي علم النَّحْو وَالْفِقْه واللغة والفرائض وَأخذ ذَلِك عَن الشُّيُوخ الْكِبَار فأجازوا لَهُ فدرس وَأفْتى وَتخرج بِهِ جمَاعَة من طلبة الْعلم الشريف وأصل بَلَده تهَامَة فانتقل إِلَى هَذِه النَّاحِيَة مستمرا بِالْقضَاءِ وَجمع بَين طريقتي الشَّرِيعَة والحقيقة وَكَانَ كثير السّفر إِلَى مَكَّة المشرفة وَرَأى الْعَجَائِب وَذكر قصَّة عَجِيبَة مَذْكُورَة فِي الأَصْل وَذَلِكَ مِمَّا وجده وَشَاهده من رجل مبارك يُسمى الْحَاج مُحَمَّد الْكرْمَانِي وَتُوفِّي هَذَا القَاضِي رَضِي الدّين بعد سنة عشر وثمانمئة وَخَلفه وَلَده الْفَقِيه شهَاب الدّين أَحْمد فشارك بِشَيْء من الْفِقْه وَتَوَلَّى الْقَضَاء بِتِلْكَ النَّاحِيَة وَكَانَت سيرته فيهم بِالْقضَاءِ محمودة وَذكر عَن وَالِده أَنه صحب بموزع الشَّيْخ الصَّالح عفيف الدّين عبد الله بن سَلامَة فَأَقَامَ عِنْده أَيَّامًا وطلعا إِلَى قَرْيَة الْمِقْدَار وَأقَام الشَّيْخ رَضِي الدّين فِيهَا وَكَانَ ينْسب إِلَى بني السراج وَلَيْسَ هُوَ مِنْهُم وَإِنَّمَا تزوج امْرَأَة مِنْهُم وَمن أهل جبا القَاضِي تَقِيّ الدّين عمر بن إِسْحَاق ذكره المؤرخون الْأَولونَ من بني إِسْحَاق وَالَّذين اشْتهر بعصرنا مِنْهُم هَذَا القَاضِي تَقِيّ الدّين الَّذِي كَانَ فَقِيها مشاركا بِشَيْء من الْعُلُوم المعقولة وَتَوَلَّى الْقَضَاء بِنَاحِيَة جبا وأضيف إِلَيْهِ الْوَقْف هُنَالك فَكَانَ يصرفهُ مصرفه وَلَا يَكْفِي فيزيد زِيَادَة على ذَلِك من مَاله وينفقه فِي وُجُوه الْخَيْر وللضيف فاشتهر بِالْكَرمِ وَتُوفِّي سنة سِتّ وَعشْرين وثمانمئة فخلفه بمنصبه وَلَده شمس الدّين عَليّ وَقد يُسمى مَحْفُوظ واشتهر لَهُ هَذَانِ

الاسمان وَكَانَ ذَا معرفَة تَامَّة قَرَأَ على أَئِمَّة وقته وأجازوا لَهُ فدرس وَأفْتى وَتَوَلَّى الْقَضَاء وَحسنت سيرته وَقَامَ بِأَمْر الضَّيْف والوافد إِلَيْهِ ثمَّ توفّي بعد سنة ثَمَان وَثَلَاثِينَ وثمانمئة ثمَّ خَلفه أَخُوهُ مُحَمَّد الْأَكْبَر وَكَانَ ذَا معرفَة بِعلم الْفَرَائِض ودقائقه ثمَّ توفّي سنة سبع وَأَرْبَعين وثمانمئة ثمَّ خَلفه صنوه مُحَمَّد الْأَصْغَر كَانَ مشاركا بِعلم الْفِقْه واشتهر بِالْكَرمِ وَتُوفِّي بِشَهْر رَمَضَان سنة ثَمَان وَأَرْبَعين وثمانمئة وَمن أهل هَذَا الْبَيْت الْفَقِيه عفيف الدّين إِسْحَاق بن عمر قَرَأَ بفن الْفِقْه على جمَاعَة من أَهله وعَلى الْفُقَهَاء بِمَدِينَة تعز فأجازوا لَهُ فَكَانَ فَقِيها مُبَارَكًا لم يتَزَوَّج وَكَانَ مُجْتَهدا بِالْعبَادَة إِلَى أَن توفّي سنة سِتّ وَأَرْبَعين وثمانمئة وَمِمَّنْ تولى الْقَضَاء بِنَاحِيَة جبا وَمَا إِلَيْهَا القَاضِي جمال الدّين مُحَمَّد بن عبد الله بن علوان الموزعي أَخذ الْعلم عَن المقرىء شمس الدّين يُوسُف بن يُونُس الجبائي وَالْقَاضِي وجيه عبد الرَّحْمَن بن عبد الْعَلِيم من بني سَالم وَعَن غَيرهمَا وَله ذهن صَاف واجتهاد فِي الْبَحْث على دقائق الْعلم ودرس وَأفْتى وَكَانَت سيرته فِي الْقَضَاء سيرة مرضية وَلم يكن فِي قطره من تأهل لذَلِك غَيره ومسكنه فِي أكمة البويب وَهُوَ قريب من الحجرية وَأَخْبرنِي أَنه رأى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَنه بشره بشارات سارة ونال بَعْضهَا وَحج إِلَى بَيت الله الْحَرَام وزار قبر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَجَازَ لَهُ بعض الْفُقَهَاء هُنَالك بعض الْعُلُوم وَلم يزل على الْحَال المرضي وَمن أهل جبا الْحَاج يحيى بن يُونُس بن يحيى بن عبد الله بن جَابر بن عبد الله بن يحيى بن يَعْقُوب الجابري نسبته إِلَى جَابر بن سَمُرَة الصَّحَابِيّ رَضِي الله عَنهُ وَهُوَ وَالِد المقرىء يُوسُف الْمُقدم الذّكر كَانَ رجلا فَاضلا عابدا مُجْتَهدا بِأَفْعَال الْخَيْر

أَقَامَ فِي جَامع جبا معتكفا دأبه تِلَاوَة كتاب الله تَعَالَى وَالْعِبَادَة وَأنْفق من مَاله على الْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِين بِشَيْء كثير من الطَّعَام عِنْد عزة الطَّعَام فَلم يبع شَيْئا مِنْهُ كَغَيْرِهِ مِمَّن بَاعَ وادخر ثمنه بل أنفقهُ فِي سَبِيل الله تَعَالَى وَلم يدّخر شَيْئا وَتُوفِّي بعد سنة عشْرين وثمانمئة وَمن دمنات القحاف المقرىء الصَّالح عفيف الدّين جَعْفَر بن الْهمام الشرعبي الجبري بِالْجِيم وَالْبَاء الْمُوَحدَة وَالرَّاء مُهْملَة نِسْبَة إِلَى قَبيلَة هُنَالك كَانَ هَذَا المقرىء لَهُ معرفَة تَامَّة فِي الْقرَاءَات السَّبع وَشَيْخه فِي ذَلِك المقرىء جمال الدّين الشارقي فسكن هَذَا الْمَكَان واشتهر بِالْعبَادَة وَالصَّلَاح وَتخرج على يَده جمَاعَة مِنْهُم المقرىء شمس الدّين عَليّ بن مُحَمَّد الشرعبي وَغَيره وَكَانَ يقْصد للمهمات وتقضى على يَدَيْهِ الْحَاجَات واشتهرت لَهُ كرامات وَتُوفِّي سنة سِتّ وَثَلَاثِينَ وثمانمئة رَحمَه الله تَعَالَى وَمن الْمُتَقَدّمَة وفاتهم وَلم يذكرهُ المؤرخون الشَّيْخ الصَّالح تَقِيّ الدّين عمر بن سُلَيْمَان الْبراق وَهُوَ مِمَّن سكن الجبى بِبَلَد ذخر كَانَ لَهُ عبَادَة واجتهاد بافعال الْخَيْر دأبه الْإِصْلَاح بَين النَّاس وَالنَّظَر بمصالحهم وَظَهَرت لَهُ كرامات مِنْهَا مَا حُكيَ عَنهُ أَنه حضر بَين جمَاعَة يتنازعون فِي أَرض فتوسط فِي الْإِصْلَاح بَينهم فَكَانَ كلما أَمرهم بِشَيْء امْتَنعُوا من فعله فَدَعَا بتلاف الأَرْض الَّتِي بتنازعون عَلَيْهَا فابترقت فَلذَلِك سمي الْبراق وَكَانَت وَفَاته بآخر المئة الثَّامِنَة رَحمَه الله تَعَالَى ونفع بِهِ وَمن بلد الأخلود الْمَشَايِخ أهل الكدهية هم من قَبيلَة يسمون بني

غلاب أصل بلدهم المعافر فَأول من اشْتهر مِنْهُم الشَّيْخ غلاب بن عَليّ وَهُوَ الَّذِي جعل الكدهية رِبَاطًا وَظَهَرت لَهُ الكرامات وَكَانَ يحدث بِشَيْء من المغيبات وَيظْهر صدق قَوْله فجلل مَكَانَهُ واحترم وَمن كراماته مَا حُكيَ أَنه جَاءَ شخص على فرس خضراء فَقَالَ لَهُ أخرج امْرَأَتك إِلَى عِنْدِي فأخرجها وَهِي حَامِل فَقَرَأَ ودعا لَهَا وبشرها وَزوجهَا بالذرية الصَّالِحَة فَأول مَا حدث لَهما الشَّيْخ شمس الدّين عَليّ جرى على طَرِيق وَالِده بِالْعبَادَة وإكرام الضَّيْف وانقاد لَهُ أهل قطره بِالطَّاعَةِ بعد موت أَبِيه وَظَهَرت لَهُ كرامات فَلَمَّا توفّي خَلفه وَلَده الشَّيْخ بدر الدّين حسن مَشى على طَريقَة وَالِده بِفعل الْخَيْر وَالْعِبَادَة وإكرام الضَّيْف واتسعت دُنْيَاهُ فَاشْترى الأَرْض فعمرها وَكَانَ يتَصَدَّق بمعظم مَا يحصل من مغلها وَظَهَرت لَهُ الكرامات فَلَمَّا توفّي قَامَ بمنصبه ولداه برهَان الدّين إِبْرَاهِيم وعفيف الدّين سُلَيْمَان واشتهر بِالْعبَادَة وَقَضَاء حوائج الْمُسلمين وَزَاد الشَّيْخ إِبْرَاهِيم زِيَادَة فِي مَسْجِد الكدهية فَجعله جَامعا وَكَانَ يصحب الشَّيْخ شمس الدّين عَليّ الْقرشِي الشاذلي وَالشَّيْخ الْعَفِيف ابْن المسن وَقَرَأَ بِعلم التصوف وَكَانَ لَهُ راتب هُوَ وَأَصْحَابه يقرؤون فِي كل يَوْم ختمة شريفة من الْقُرْآن وَلم يزل على الْحَال المرضي إِلَى أَن توفّي سنة إِحْدَى وَسِتِّينَ وثمانمئة وَتُوفِّي صنوه عفيف قبله بعد سنة عشْرين وثمانمئة وَمِنْهُم الْفَقِيه عفيف الدّين عبد الْملك بن أَحْمد بن عمر وَهُوَ رجل مبارك لَهُ مُشَاركَة بِشَيْء من الْعِبَادَة

وَمن أهل ذخر الْفَقِيه الْعَلامَة برهَان الدّين إِبْرَاهِيم بن عِيسَى الشرعبي قَرَأَ فِي الْقرَاءَات وَفِي النَّحْو والْحَدِيث وَالْفِقْه بِمصْر وَالْعراق وديار بكر ودمشق على الْأَئِمَّة هُنَالك حَتَّى انْتفع ثمَّ رَجَعَ إِلَى الْيمن فدرس وَأفْتى بِمَدِينَة تعز وَأمر بِالْمَعْرُوفِ وَنهى عَن الْمُنكر ثمَّ انْتقل إِلَى عدن وتلقاه الشَّيْخ شمس الدّين عَليّ بن سُفْيَان فَأحْسن إِلَيْهِ إحسانا تَاما حَتَّى صَار ذَا مَال جزيل وَقد كَانَ أَقَامَ بلحج أَيَّامًا ثمَّ سَافر إِلَى مَكَّة المشرفة وَله شعر حسن وَقد عكفت عَلَيْهِ الطّلبَة فأفادهم الْفَوَائِد السّنيَّة وَهُوَ فِي قيد الْحَيَاة حَال جمع هَذَا الْكتاب وَمن المتوفين بِمَدِينَة تعز من الوافدين إِلَيْهَا الْفَقِيه الْأَجَل الْفَاضِل تَقِيّ الدّين عمر بن عبد الرَّحْمَن الْحَضْرَمِيّ ابا علوي وَكَانَ رجلا فَاضلا مشاركا فِي الْعُلُوم الْفِقْهِيَّة وبالنحو وَصَحب الْفَقِيه الْعَالم عفيف الدّين عبد الله بن أَحْمد بن عَليّ أَبَا مخرمَة الْآتِي ذكره من أهل عدن وَقَرَأَ عَلَيْهِ بِالْحَدِيثِ وَأثْنى عَلَيْهِ بِحسن الْأَخْلَاق وجودة الْفَهم والفطنة واشتهر لَهُ كرامات وَكَانَت لَهُ وجاهة عِنْد النَّاس وعلو مرتبَة عِنْد السَّادة أُمَرَاء الْمُؤمنِينَ بني طَاهِر وَكَانَت وَفَاته بِشَهْر رَمَضَان الْمُعظم سنة تسع وَثَمَانِينَ وثمانمئة وَدفن بِطرف الأجيناد

وَكَانَ الْفَرَاغ من رقم هَذَا الكراس صبح يَوْم الْجُمُعَة من شهر ربيع الآخر سنة 1127 انْتهى مَا ذكره رَاقِم الأَصْل الْمَنْسُوخ مِنْهَا وَكَانَ الْفَرَاغ من رقم مَا ذكر بِشَهْر رَجَب فِي الْيَوْم الثَّامِن مِنْهُ أحد شهور سنة تسع وَثَلَاثِينَ ومئة وَألف سنة 1139

القول فيمن تحققنا حاله من أهل موزع والمخا والعارة وحيس والسلامة والحلبوبي وهقرة وما والى ذلك

القَوْل فِيمَن تحققنا حَاله من أهل موزع والمخا والعارة وحيس والسلامة والحلبوبي وهقرة وَمَا والى ذَلِك فَأَما سكان المخا فَمنهمْ الشَّيْخ الصَّالح الْوَلِيّ شمس الدّين عَليّ بن عمر الْقرشِي الشاذلي كَانَ من الْعلمَاء الْعباد والصلحاء الزهاد والسادة الأمجاد أَصله من الْقَبِيلَة الْمَشْهُورَة بِأَهْل القرشية سَافر إِلَى الْحَرَمَيْنِ الشريفين فحج وزار قبر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثمَّ سَافر إِلَى الْقُدس الشريف فاجتهد بِالْعبَادَة وَالْقِرَاءَة وتهذيب نَفسه وصحبته للصالحين حَتَّى أنار قلبه وَلزِمَ طريقتي الشَّرِيعَة والحقيقة وَكَانَ مِمَّن جمع الْعلم وَالْعَمَل أما الْعلم فَإِنَّهُ كَا يحفظ من كتب الحَدِيث المصابيح للْإِمَام الْبَغَوِيّ وَغير ذَلِك وَمن كتب الْفِقْه الْوَسِيط للغزالي والمنهاج للنووي وَغير ذَلِك وَمن كتب النَّحْو التسهيل ومقدمة ابْن الْحَاجِب وَكتب الشَّيْخ أثير الدّين

أبي حَيَّان والتبديل والتعميل والتذكرة وَكَانَ لَا يفارقها سفرا وَلَا حضرا وَمن كتب الْقرَاءَات الشاطبية والعقيلة وَغير ذَلِك وَأما الْعِبَادَة فَإِنَّهُ كَانَ كثير الصّيام وَالْقِيَام حَتَّى كَأَن الْقِيَامَة بَين يَدَيْهِ وَالنَّار نصب عَيْنَيْهِ أخْبرت أَنه لما اجْتهد بِالْعبَادَة بِبَيْت الْمُقَدّس وَلزِمَ طَريقَة الشاذلية وَكَانَ شيخها حِينَئِذٍ الشَّيْخ نَاصِر الدّين الميلقاني وَكَانَ يُقَال لَهُ الطقب بوقته وَكَانَ تولى الْقَضَاء الْأَكْبَر بِمصْر ثمَّ عزل نَفسه واشتهر بِالْفَضْلِ غَايَة الشُّهْرَة فقصده الشَّيْخ شمس الدّين من بَيت الْمُقَدّس فَلَمَّا كَانَ بَينه وَبَين مصر مرحلتان تَلقاهُ بعض أَصْحَاب الشَّيْخ نَاصِر الدّين براحلة ركب عَلَيْهَا وزفه إِلَيْهِ بالترحيب والبشارة فِي الْخَيْر وَذَلِكَ على غير ميعاد فعد ذَلِك من كرامات الشَّيْخ الميلقاني فَدخل إِلَيْهِ مصر وَهُوَ يخْطب فَأمره أَن يقْرَأ الحَدِيث وَالْفِقْه على الإِمَام ابْن النَّحْوِيّ مُصَنف شرح

الْمِنْهَاج فَقَرَأَ وَأَجَازَ لَهُ وتأدب بآداب الشَّيْخ نَاصِر الدّين الميلقاني وَصَحب جمَاعَة من الشُّيُوخ كالشيخ برهَان الدّين إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد الْغَزِّي الْمَشْهُور بزقاعة والشاب التائب وَغَيرهمَا وعقدوا الْأُخوة فِيمَا بَينهم وَأقَام بِمصْر نَحْو ثَلَاث سِنِين ثمَّ قَالَ لَهُ الشَّيْخ ابْن الميلقاني اذْهَبْ حَيْثُ ينشرح صدرك وودعه فسافر من مصر إِلَى الْحَبَشَة وَأقَام بهَا وَتزَوج بهَا أُخْت الشَّيْخ سعد الدّين سُلْطَان الْيمن بِالْحَبَشَةِ فَولدت لَهُ أَوْلَادًا هُنَالك ثمَّ سَار بهم فَرَكبُوا فِي الْبَحْر إِلَى المخاء فَلَمَّا وصل إِلَى هُنَالك وَافق وُصُوله خوف امْرَأَة من ذَوَات الْأَمْوَال ادعِي على وَلَدهَا بقتل فاستجارت وَوَلدهَا بالشيخ شمس الدّين الْقرشِي الْمَذْكُور وَسَأَلته أَن يشفع لَهَا إِلَى الْوَالِي بِالنّظرِ بِحَالِهَا وَعدم الْقَتْل لولدها وبمالها وهم بِبَلَد العقارب فشفع لَهَا فَأُجِيب إِلَى ذَلِك وَطلب مِنْهُ بعض كبراء الْبَلَد الْإِقَامَة عِنْده فَأَقَامَ مكرما فَعلم أَخُو الْمَقْتُول بشفاعة الشَّيْخ شمس الدّين فهم أَن يفتك بالشيخ شمس الدّين ويضربه بِالسَّيْفِ فَالْتَفت إِلَيْهِ الشَّيْخ شمس الدّين فَدَعَا عَلَيْهِ فصرع فَحَمَلُوهُ إِلَى بَيته فَمَكثَ أَيَّامًا أَو نَحوه وَمَات فَجَاءَت قبيلته إِلَى الشَّيْخ شمس الدّين وَاعْتَذَرُوا إِلَيْهِ فَكَانَت هَذِه أول كَرَامَة ظَهرت لَهُ ثمَّ ظَهرت لَهُ بعد ذَلِك كرامات كَثِيرَة ذكرت بَعْضهَا فِي الأَصْل مِنْهَا أَنه حدث على ولد السُّلْطَان النَّاصِر الْمُسَمّى مُحَمَّد جُنُون وَخَالف عَلَيْهِ أَخُوهُ حُسَيْن مَعَ الرُّتْبَة بحصن تعز فقبضوا حصن تعز عَلَيْهِ فَأرْسل السُّلْطَان رَسُولا إِلَى الشَّيْخ شمس الدّين الْقرشِي يطْلب مِنْهُ الدُّعَاء بعافية وَلَده وَرُجُوع الْحصن وَإِن لم

يفعل وصل إِلَيْهِ السُّلْطَان لذَلِك فجوب للسُّلْطَان ودعا لَهُ فَعُوفِيَ وَلَده وَرجع الْحصن إِلَيْهِ فَأمر السُّلْطَان بِدفع أَرْبَعَة آلَاف مِثْقَال لَهُ فَامْتنعَ من قبضهَا ثمَّ أَمر السُّلْطَان أَن يَجْعَل لَهُ من النخيل ألف نَخْلَة وَمن الْأَرَاضِي شَيْء كثير فَامْتنعَ من ذَلِك أَيْضا وَمِنْهَا أَنه كَانَ يفد إِلَيْهِ الضَّيْف وَلم يكن مَعَه فِي بعض الْأَوْقَات مَا يتجمل بِهِ إِلَيْهِم وَيَقُول لَهُ أهل بَيته مَا عندنَا شَيْء فَيَقُول انْظُرُوا فِي الانية الَّتِي يكون فِيهَا السّمن وَالْعَسَل فَإِنَّكُم تَجِدُونَ ذَلِك فِيهَا مَعَ علمهمْ أَنه لَيْسَ فِيهَا شَيْء فيذهبون فيجدون فِيهَا ذَلِك هَذَا بعض كراماته وَأما تَحْقِيق حَاله فقد قَالَ تِلْمِيذه الشَّيْخ شهَاب الدّين أَحْمد بن أبي بكر الْقرشِي الْحَضْرَمِيّ لما سُئِلَ عَن حَالَة شَيْخه الشَّيْخ شمس الدّين الْقرشِي مَا مِثَاله كَانَ يتَكَلَّم فِي أسرار الْحُرُوف والأسماء ومقامات الصديقين ومراتب المقربين وَرِجَال الْغَيْب والأبدال والأوتاد والأفراد والقطب وتنزيلات المدد ولطائف الْإِلْقَاء وأكابر الملقين وخصائص الْمُتَّقِينَ ومذهبه الفناء بِاللَّه والتثريب الْكُبْرَى والإيناس يُوسع على المريدين وَيحمل عَنْهُم التَّعَب وينفي المشاق ويتصرف بِحكم الله فِي الْقُلُوب والقوانين قَالَ خدمته خمْسا وَعشْرين سنة مَا أَتَى عَليّ يَوْم إِلَّا وأسمع مِنْهُ كلَاما غير الأول من محَاسِن الشَّرِيعَة فِيمَا هُوَ مدد الوراثة المحمدية وَالْعلم اللدني الرباني وَغير ذَلِك مِمَّا قد طَال تعداده وذكرته فِي الأَصْل وَكَانَ مُعظم الشُّيُوخ وَالْعُلَمَاء من أهل الْيمن فِي عصره يثنون عَلَيْهِ ويزورونه بِقصد التَّبَرُّك والمؤاخاة فِي الله تَعَالَى مِنْهُم الشريف الحسيب أَحْمد بن مُحَمَّد الرديني وَمِنْهُم الشريف يحيى بن أَحْمد الْمسَاوِي وَكَانَ يَأْتِيهِ إِلَى المخا لزيارته

وَقَالَ فِيهِ (كل عين ترَاهُ فِي كل حِين ... تِلْكَ عين من الْعَمى فِي أَمَان) فَلَمَّا سمع هَذَا الْبَيْت ذيله عَلَيْهِ الشَّيْخ الْقرشِي ارتجالا وَقَالَ (هَذِه الْعين تجتلى لمليح ... آنسته على الْكَثِيب الْيَمَانِيّ) وَكَانَ مِمَّن يعظمه الشَّيْخ الْعَارِف برهَان الدّين إِبْرَاهِيم صَاحب حيران وَكَذَلِكَ الشَّيْخ الإِمَام القطب الْوَارِث للأسرار كثير الْأَنْوَار إِبْرَاهِيم بن أَحْمد القديمي الحسني وَمِنْهُم الشَّيْخ الإِمَام الْعَالم الْمُحَقق أَبُو بكر بن مُحَمَّد المحجوب وَمِنْهُم الْفَقِيه الْعَالم القطب رَضِي الدّين أَبُو بكر بن مُحَمَّد بن عِيسَى الزَّيْلَعِيّ وصل إِلَيْهِ إِلَى المخا للزيارة فَهَؤُلَاءِ أجل من اشْتهر بالصلاح من صلحاء تهَامَة وَقد شهد لَهُم المؤرخون بِالْولَايَةِ وَهُوَ معترفون بِفضل هَذَا الشَّيْخ شمس الدّين وهم من أهل عصره وَمن شعره مَا كتبه إِلَى الشَّيْخ الصَّالح عماد الدّين يحيى بن أَحْمد الأهدل القصيدة الْمَعْرُوفَة الَّتِي أَولهَا (بِالْحَمْد مفتتحي أَمَام مقاصدي ... وَبهَا اختتامي لانتظام فوائدي) وَهِي طَوِيلَة قد أثبتها فِي الأَصْل وَقد مدح الشَّيْخ شمس الدّين الْقرشِي بغرر من القصائد من ذَلِك مَا قَالَه فِيهِ صَاحبه الشَّاب التائب وَعرض فِيهِ بمذهبهم فِي اتِّبَاع أبي الْحسن الشاذلي فَقَالَ من قصيدة أَولهَا

(سر الإِمَام الشاذلي أبي الْحسن ... إِرْث سرى بمخا من حَيّ الْيمن) وباقيها فِي الأَصْل وَمِمَّا قَالَ فِيهِ الشَّاب التائب (عظم مخاء إِذا وصلت وقدسا ... فترى بِهِ للشاذلية قدسا) وباقيها فِي الأَصْل ثمَّ كتب إِلَيْهِ صَاحبه الشَّيْخ الْوَلِيّ إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد الْغَزِّي الْمَشْهُور بِابْن زقاعة مَا مِثَاله (عين حبي ولامه ... ثمَّ يَاء تَمَامه) (شاهدات بأنني ... من قديم علامه) (مغرم طول عمري ... مَا تناهى غرامه) (ساهر طاوي الحشا ... ناحلات عِظَامه) (فَهُوَ فِي النَّار برده ... لَو أَتَاهُ سَلَامه) (شام برقا يَمَانِيا ... قَالَ هذاك شآمه) (كلما هبت الصِّبَا ... فاح طيبا خزامه) (وَصله يَوْم عيدنا ... لحرام صِيَامه) (بمديح خدمته ... مثل در نظامه) (فَهُوَ للْعلم جَامع ... وَهُوَ عِنْدِي إِمَامه) فجوب الشَّيْخ شمس الدّين الْقرشِي بِمَا مِثَاله (همزَة ترقب الْألف ... بسطة الْبَاء تأتلف ... رَاء ريم برامه) (زارني وَهُوَ منتصف ... فهت بِالْهَاءِ هاتفا ... هاك وصفيك ذَاك صف) (دارت اليا بمية ... مِيم مي بهَا عرف ... مَاء مزن نُزُوله) (بالمقامين فاغترف ... خُذ سلافا معتقا ... خندريسا بهَا ارتشف) (عد إِلَى مَا ذكرته ... يشْهد الرقم بالكتف ... قَامَ تركيب شكله) (من قديم لَدَيْهِ قف ... فاستقامت هياكل ... من قوى قامة الْألف) (هَذِه دَار عزة ... عز بِالْعينِ ملتحف ... تشهد الْخلّ فِي حمى)

(رية الْخَال معتكف ... أهيف الْقد أملد ... للرياحين مقتطف) (جَاءَنِي الزهر جملَة ... يَأْتِي الزهر مؤتلف ... وبمنظار عزة) (أَنْعَمت نعم بِالْألف ... ) قلت الشَّيْخ إِبْرَاهِيم أودع أبياته حُرُوف اسْم الشَّيْخ عَليّ الْقرشِي وَالشَّيْخ الْقرشِي أودع أبياته اسْم الشخ إِبْرَاهِيم وَذَلِكَ ظَاهر توفّي الشَّيْخ شمس الدّين عَليّ بن عمر الْقرشِي سنة ثَمَان وَعشْرين وثمانمئة وَدفن بالمخا وقبره مَعْرُوف يزار ويتبرك بِهِ رَحمَه الله ونفع بِهِ وَقد ذكرت فِي الأَصْل جملَة من أشعار الشَّيْخ شمس الدّين وَمَا حصل بَينه وَبَين صَاحبه الشَّيْخ إِبْرَاهِيم بن زقاعة من مطارحة وأشعار وَذكرت للشَّيْخ إِبْرَاهِيم فَضَائِل أَيْضا وقصائد كَثِيرَة فَمن أَرَادَ مطالعة ذَلِك فلينظره رحمهمَا الله تَعَالَى ونفع بهما وَجمع بَيْننَا وَبَينهمَا فِي دَار كرامته وللشيخ شمس الدّين عَليّ بن عمر الْقرشِي أَوْلَاد نجباء أنجبهم الشَّيْخ الصَّالح عفيف الدّين عبد الرؤوف كَانَ وَالِده يلقبه بِأبي المكارم وَكَانَ النَّاس تبجله يَوْمئِذٍ فِي حَيَاة وَالِده فَلَمَّا توفّي وَالِده قَامَ بِمَا قَامَ بِهِ وَالِده من إكرام الضَّيْف وَالْإِحْسَان إِلَى الْوَافِد وبذل مَا بِيَدِهِ الْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِين وَغَيرهم فَعلم النَّاس أَن تَسْمِيَة وَالِده لَهُ بِأبي المكارم كَرَامَة لَهُ حَتَّى كَانَ لَا يرد سَائِلًا وَقل أَن يمسك شَيْئا مِمَّا يَقع بِيَدِهِ بعد أَن فتحت لَهُ الدُّنْيَا وَملك مِنْهَا شَيْئا كثيرا أنفقهُ فِي طرق الْخَيْر وَقيل أَنه خرج من جَمِيع مَاله مَرَّات صَدَقَة لله تَعَالَى وَكَانَ مُجْتَهدا بِالْعبَادَة كثير الصّيام وَالْقِيَام وَالذكر والتلاوة مَقْصُودا للمهمات وَظَهَرت لَهُ كرامات وَتُوفِّي قريب سنة خمسين وثمانمئة وقبره عِنْد وَالِده رَحمَه الله ونفع بِهِ وَمِنْهُم الشَّيْخ الزين كَانَ يحذو حَذْو وَالِده وأخيه بِالْعبَادَة وأفعال الْخَيْر وَهُوَ وَأَخُوهُ أمهما بنت الشَّيْخ سعد الدّين الَّتِي تزَوجهَا والدهما بِالْحَبَشَةِ وَهَذَا الشَّيْخ الزين هُوَ الَّذِي استجارت بِهِ جِهَة شَقِيق أُخْت السُّلْطَان الظَّاهِر الغساني من ابْن أَخِيهَا

الْأَشْرَف بن الظَّاهِر لما أَمر بإغراقها فِي الْبَحْر فَقبل شَفَاعَته فِيهَا ثمَّ بعد رُجُوعهَا إِلَيْهِ اغتالها الْأَشْرَف وقتلها فَقيل إِنَّه دَعَا عَلَيْهِ الشَّيْخ الزين فَلم ينْتَفع بِنَفسِهِ بعد ذَلِك بل مَاتَ وتفرق أَوْلَاده وَأَهله وَذَلِكَ ببركة هَذَا الشَّيْخ وَأما أهل موزع فَمنهمْ الإِمَام الْعَلامَة الصَّالح الزَّاهِد العابد جمال الدّين مُحَمَّد بن نورالدين الْخَطِيب كَانَ إِمَامًا عَالما علمه كالعارض الهاطل المتحلي بتصانيفه جيد الزَّمَان العاطل مُسْتَقر المحاسن وَالْبَيَان ومستودع الإبداع وَالْإِحْسَان فَخر الْيمن وبهجة الزَّمن الصبور الْوَصْل للرحم الْخُشُوع لَهُ الباع الطَّوِيل فِي علم الْفِقْه وَالْأُصُول والنحو والمعاني وَالْبَيَان واللغة أَخذ ذَلِك على مشائخ كَثِيرَة بعد انْقِطَاعه عَن بَلَده وَأَهله وخدمته للْعلم الشريف وتورعه عَن أَمْوَال النَّاس وَعَن قبض شَيْء من الْوَقْف الْمعد لأهل الْأَسْبَاب وَغير ذَلِك وَكَانَ مُدَّة قِرَاءَته بِمَدِينَة زبيد تصله نَفَقَة من بَلَده من شَيْء يعْتَقد حلّه فَانْقَطَعت عَلَيْهِ نَفَقَته أَيَّامًا فَأمر الإِمَام جمال الدّين الريمي نَائِبه أَن يصرف لَهُ من الطَّعَام فِي كل يَوْم شَيْئا معينا فَأعْطَاهُ ذَلِك فِي ثَلَاثَة أَيَّام فَلَمَّا كَانَ فِي الْيَوْم الرَّابِع جَاءَ إِلَيْهِ النَّائِب بِنَفَقَتِهِ فَامْتنعَ من قبضهَا فَلَمَّا علم الإِمَام الريمي بذلك سَأَلَهُ عَن السَّبَب لامتناعه من قبض النَّفَقَة فَاعْتَذر إِلَيْهِ فَلم يقبل عذره وألح عَلَيْهِ فِي تَبْيِين سَبَب الِامْتِنَاع فَقَالَ الإِمَام نور الدّين إِنَّه أظلم قلبِي من يَوْم قبضت النَّفَقَة من نائبك فَلَا حَاجَة لي بهَا وَمن مشايخه غير الإِمَام الريمي جمَاعَة من بني النَّاشِرِيّ وَغَيرهم فَلَمَّا انْتفع وأجازوا لَهُ بِجَمِيعِ فنون الْعلم درس وَأفْتى واشتهر ورزق الْقبُول عِنْد الْخَاصَّة والعامة وَسكن بَلْدَة موزع

وَلما ظَهرت كتب ابْن عَرَبِيّ وَكَانَ المتصدي لشرائها الشَّيْخ أَحْمد الرداد أنكر عَلَيْهِ الإِمَام ابْن نور الدّين وشنع على مطالعتها فَلَمَّا علم ابْن الرداد بذلك وَهُوَ مُتَوَلِّي الْقَضَاء الْأَكْبَر أحضرهُ من بَلَده إِلَى مَدِينَة زبيد وَذَلِكَ فِي الدولة الناصرية الغسانية فَلَمَّا وصل اجْتمع مَعَ جمَاعَة من الْفُقَهَاء والصوفية فِي مجْلِس حافل وَطلب ابْن الرداد مناظرته فَأَقَامَ الإِمَام مُحَمَّد بن نور الدّين حجَّته بِبُطْلَان كَلَام ابْن عَرَبِيّ فِي كتبه فهمت الصُّوفِيَّة بِالْفَتْكِ بِالْإِمَامِ نور الدّين فَقَامَ بنصرته الْأَمِير مُحَمَّد بن زِيَاد فخلصه مِنْهُم ثمَّ عَاد إِلَى بَلَده فصنف كتابا فِي الرَّد على ابْن عَرَبِيّ وَسَماهُ كتاب كشف الظلمَة عَن هَذِه الْأمة وصنف كتبا فِي غير ذَلِك مِنْهَا تيسير الْبَيَان فِي أَحْكَام الْقُرْآن وَكتاب مصابيح الْمعَانِي فِي حُرُوف الْمعَانِي فِي النَّحْو وَكَانَ يستنبط الْفُرُوع الصَّحِيحَة والفوائد الغريبة مَا يقر لَهُ النَّاظر ويبتهج بِهِ الخاطر وَملك من الْكتب المسموعات كثيرا وضبطها أحسن ضبط وصححها وَكتب عَلَيْهَا فِي الْحَوَاشِي مَا جَوَابه تَحت كَلَام الْأَئِمَّة مِمَّا يبتهج بِهِ المحصلون وَكَانَ ذَا صَدَقَة وأفعال للخير كَثِيرَة يبْدَأ بأقاربه وجيرانه ثمَّ يعم كل مُحْتَاج علم بِهِ أَو وصل إِلَيْهِ وَلَا يدّخر فِي بَيته إِلَّا مَا يسد بِهِ خلته فِي وقتهم وَهُوَ الَّذِي ابْتَدَأَ بعمارة جَامع موزع وَلما عجز عَن تَمَامه أرْسلت إِلَيْهِ جِهَة فرحان زَوْجَة السُّلْطَان الْأَشْرَف بن الإفضل بِمَال جزيل تمم بِهِ عمَارَة الْجَامِع وَاشْترى بِالَّذِي بَقِي مِنْهُ أَرضًا أوقفها على الْجَامِع وَظَهَرت لَهُ كرامات فِي حَيَاته وَبعد مَوته وَكَانَ مجاب الدعْوَة توفّي بعد سنة عشر وثمانمئة رَحمَه الله تَعَالَى ونفع بِهِ وبعلومه

ثمَّ خَلفه وَلَده شمس الدّين عَليّ فِي الْإِحْسَان إِلَى من قَصده واشتهر بِالْكَرمِ وَكَانَ ذَا مَال جزيل قضى مِنْهُ جَمِيع دين وَالِده مِمَّا لم يكن خَلفه لَهُ وَالِده وَهُوَ فِي قيد الْحَيَاة عِنْد أَن جمعت هَذَا الْمَجْمُوع على طَريقَة مرضية طَالبا للْعلم الشريف وَمِنْهُم الْفَقِيه جمال الدّين الحجاري بالراء الْمُهْملَة قَرَأَ بالعلوم على الإِمَام ابْن نور الدّين وَتزَوج ابْنَته الْحرَّة خَدِيجَة وَكَانَت ذَا فضل عَظِيم وَعبادَة وزهادة مِمَّا يعجز عَنهُ كثير من الرِّجَال وَتَوَلَّى الْفَقِيه جمال الدّين الحجاري الْقَضَاء بموزع وَكَانَ ورعا يصدع بِالْحَقِّ لَا يخَاف فِي الله لومة لائم وَتُوفِّي قريب سنة عشْرين وثمانمئة وَمِنْهُم وَلَده الطّيب قَرَأَ بالفقه على بعض فُقَهَاء وقته وأجازوا لَهُ فدرس وَأفْتى واشتهر وعد من عُلَمَاء وقته وَهُوَ فِي قيد الْحَيَاة عِنْد جمع هَذَا الْكتاب وَمن أهل موزع الْفَقِيه رَضِي الدّين أَبُو بكر بن أَحْمد بن عبد الله الْخَطِيب فَهَذَا عبد الله الْخَطِيب هُوَ الَّذِي ينْسب إِلَيْهِ بَنو الْخَطِيب الْجَمِيع الَّذين بموزع وَغَيرهم وَقد ذكره الجندي وَقَالَ كَانَ خَطِيبًا بقرية أبين ومولده بهَا وَكَانَ ذَا عبَادَة وزهادة وَأما هَذَا الْفَقِيه رَضِي الدّين فأجمع أهل بَلَده على صَلَاحه وَظُهُور الكرامات لَهُ مِنْهَا أَنه كَانَ لَهُ أَوْلَاد أكبرهم ولد يُسمى مُحَمَّد غَابَ عَنهُ إِلَى بَلْدَة بعيدَة فَوقف الْفَقِيه رَضِي الدّين بَين جمَاعَة يَخُوضُونَ فِي أَحَادِيث فانزعج من بَينهم الْفَقِيه رَضِي الدّين وَقَالَ وَلَدي مُحَمَّد وَلَدي مُحَمَّد وَجعل يُكَرر ذَلِك وَيُشِير بِيَدِهِ وَلم يبين لَهُم معنى كَلَامه فأرخوا ذَلِك فَظهر أَن وَلَده مُحَمَّد حِينَئِذٍ كَانَ فِي سفينة فغرقت السَّفِينَة فِي الْبَحْر بِمن فِيهَا فَتعلق الْفَقِيه جمال الدّين بِشَيْء وقذفته الأمواج حَتَّى

أخرجته إِلَى الْبر سالما ببركة أَبِيه فَكَانَ هَذَا الْوَلَد فَقِيها مقربا من الْعلمَاء العاملين درس وَأفْتى وسافر إِلَى أَمَاكِن مُتَفَرِّقَة ثمَّ دخل مَدِينَة تعز فَتوفي فِيهَا بأوائل المئة التَّاسِعَة وَله أَوْلَاد أحدهم عبد الله كَانَ فَقِيها مجودا درس وَأفْتى وَلم أتحقق تَارِيخ وَفَاته هُوَ وَلَا جده وَالثَّانِي اسْمه إِسْمَاعِيل اشْتهر بِالْعبَادَة وشارك بِشَيْء من علم الْفِقْه وَالثَّالِث اسْمه إِبْرَاهِيم كَانَ أَكثر اجْتِهَادًا من إخْوَته بِالْعبَادَة والزهد والورع وَالرَّابِع اسْمه أَبُو بكر وَهُوَ الْمجمع على جلالته وَهُوَ أَنْجَب إخْوَته وأعلمهم كَانَ عَالما عَاملا ورعا زاهدا معاصرا للْإِمَام ابْن نور الدّين الْمُقدم ذكره قَرَأَ عَلَيْهِ وعَلى غَيره بالفقه والنحو والْحَدِيث واللغة وَالتَّفْسِير ودرس وَأفْتى وَتخرج بِهِ جمَاعَة من طلبة الْعلم واشتهر بالورع وَالصَّلَاح وَلما توفّي الله تَعَالَى شَيْخه الإِمَام جمال الدّين مُحَمَّد بن نور الدّين ألقيت إِلَيْهِ الرِّئَاسَة فَبَقيَ وحيد عصره فِي بَلَده وَقد يخْتَلف إِلَى مَدِينَة زبيد فيستفيد ويفيد وَلم أتحقق تَارِيخ وَفَاة أحد من هَؤُلَاءِ إِلَّا أَنِّي أخْبرت أَن الْجَمِيع توفوا بِهَذِهِ المئة التَّاسِعَة وَمن بني الْخَطِيب الْفَقِيه رَضِي الدّين أَبُو بكر بن مُحَمَّد بن أبي بكر الْخَطِيب كَانَ مشاركا بِشَيْء من الْعُلُوم مُجْتَهدا فِي الْعِبَادَة ورعا زاهدا حكى الثِّقَة عَنهُ أَنه كَانَت لَهُ أَرض يملكهَا وَكَانَ يَليهَا أَرض هِيَ وقف وَكَانَ يملك أثوارا تحرث أرضه فَأرْسل أجيره بأثواره ليحرثن أرضه فَاحْتَاجَ الَّذِي بِيَدِهِ الأَرْض الْوَقْف إِلَى حرث شَيْء قَلِيل من أرضه فَقَالَ لأجير الْفَقِيه رَضِي الدّين احرث لي فحرث لَهُ بهَا فَعلم الْفَقِيه رَضِي الدّين فَأمر بِغسْل الأثوار والآلة الَّتِي حرث بهَا وألزم الْأَجِير أَن يغسل يَدَيْهِ حَتَّى لَا يخْتَلط شَيْء من غُبَار الأَرْض الْوَقْف بِملكه تورعا ثمَّ توفّي

وَلم أتحقق تَارِيخ وَفَاته إِلَّا أَنه كَانَ مَوْجُودا بعد الْعشْر من هَذِه المئة الثَّامِنَة وَمِنْهُم الْعَلامَة الْفَقِيه شهَاب الدّين أَحْمد بن أبي بكر بن عبد الله بن أَحْمد بن عبد الله الْخَطِيب قَرَأَ على جمَاعَة من أَئِمَّة وقته من أهل موزع وَغَيرهم مِنْهُم الْفَقِيه شرف الدّين بن جعمان فَانْتَفع وأجازوا لَهُ فدرس وَأفْتى وَتَوَلَّى الْقَضَاء بموزع فحمدت سيرته ثمَّ انْفَصل عَنهُ واجتهد بِالْعبَادَة وَكَانَ يقوم فِي كل لَيْلَة بِثلث ختمة من الْقُرْآن وبأكثر من ذَلِك وَكَانَ خاضعا خَاشِعًا إِذا قَامَ للصَّلَاة جمع قلبه وأحضر ذهنه وأزال عَن قلبه شواغل الدُّنْيَا فَلَا يلْتَفت إِلَى شَيْء من الْحَوَادِث وَلَا يفكر بِمَا يشغل قلبه من غير الصَّلَاة بل دأبه الْقيام بِجلَال الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى توفّي بِمَكَّة المشرفة سنة سِتّ وَخمسين وثمانمئة وَمن أهل موزع الْفَقِيه عفيف الدّين عبد الْغفار بن مُحَمَّد بن هَارُون قَرَأَ على الْفَقِيه شهَاب الدّين الْمُقدم ذكره بموزع وبالسلامة على الْفَقِيه شرف الدّين حُسَيْن الْيَمَانِيّ وعَلى غَيرهمَا بِعلم الْفِقْه والْحَدِيث وَغير ذَلِك فأجازوا لَهُ فدرس وَأفْتى واجتهد بِالْعبَادَة وَكَانَ لَا يغتاب أحدا وَلَا يحضر مَجْلِسا يكون فِيهِ غيبَة وَتَوَلَّى الْقَضَاء بموزع فَسَار فيهم سيرة مرضية واجتهد بِالْعبَادَة وَالْقِيَام بِاللَّيْلِ للصَّلَاة ودام على الْحَال المرضي إِلَى أَن توفّي سنة خمس وَخمسين وثمانمئة وَمِنْهُم الْفَقِيه الْعَلامَة شرف الدّين إِسْمَاعِيل بن مُحَمَّد بن هَارُون قَرَأَ على جمَاعَة من الْفُقَهَاء الْمُقدم ذكرهم بموزع وبغيرها وأجازوا لَهُ فدرس وَأفْتى وَكَانَ مُجْتَهدا بالصيام وَالْقِيَام وَالذكر والتلاوة وَجعل راتبه فِي كل يَوْم ثلث ختمة وبالليل مثل ذَلِك أَو قَرِيبا مِنْهُ ودام على الْحَال المرضي إِلَى أَن توفّي سنة خمسين وثمانمئة وَمِنْهُم الْفَقِيه الْعَلامَة مَحْفُوظ بن عبد الرَّحْمَن بن أَحْمد الْحَضْرَمِيّ أَخذ الْفِقْه عَن الْفَقِيه صفي الدّين أَحْمد بن أبي بكر الْخَطِيب الْمُقدم الذّكر وَعَن غَيره فأجازوا لَهُ

فدرس وَأفْتى واجتهد بِالْعبَادَة وَله ذهن ثاقب وفطنة كَامِلَة واجتهاد عَظِيم بالبحث عَن الْمسَائِل الدقيقة وَكَانَ كثير الصّيام وَالْقِيَام وَمن أَوْلِيَاء الله الصَّالِحين وَالْعُلَمَاء الزاهدين وَظَهَرت لَهُ كرامات وَكتب هَذَا الْمَجْمُوع وَهُوَ فِي الْحَيَاة آخذ بِالزِّيَادَةِ من أَفعَال الْخَيْر وَمِنْهُم الْمَشَايِخ الْفُضَلَاء الصلحاء بَنو سَلامَة وَقد ذكر الخزرجي بتاريخه الشَّيْخ رَضِي الدّين ابا بكر ابْن سَلامَة وَأثْنى عَلَيْهِ بِالْعلمِ وَالصَّلَاح وَأَنه ظَهرت لَهُ الكرامات وأرخ وَفَاته وَلم يزدْ على ذَلِك ثمَّ خَلفه من بعده وَلَده النجيب الشَّيْخ الصارم الْعَالم الشَّيْخ شهَاب الدّين أَحْمد أخبر الثِّقَة عَنهُ أَنه كَانَ عَالما عَاملا جَامعا بَين طَريقَة الشَّرِيعَة والحقيقة وَغلب عَلَيْهِ علم الحَدِيث وَالتَّفْسِير والنحو واللغة لَهُ فِي ذَلِك الْيَد الطُّولى أَخذ الْعلم عَن جمَاعَة من الْعلمَاء فِي بَلَده وَغَيرهَا وأجازوا لَهُ فدرس وَأفْتى وَكَانَ يَأْمر بِالْمَعْرُوفِ وَينْهى عَن الْمُنكر ويصدع بِالْحَقِّ لَا يخَاف فِي الله لومة لائم أخبر من يعرفهُ أَنه كَانَ أنصح الْأمة فِي وقته وَله مُصَنف سَمَّاهُ الرَّوْض الأغن فِي معرفَة الصَّالِحين بِأَرْض الْيمن دَامَ هَذَا الْفَقِيه على الْحَال المرضي إِلَى أَن توفّي بِأول المئة التَّاسِعَة رَحمَه الله تَعَالَى ونفع بِهِ وَمن بني سَلامَة الشَّيْخ الصَّالح عفيف الدّين عبد الله بن أبي بكر بن سَلامَة كَانَ مُجْتَهدا فِي الْعِبَادَة وَحكي أَن راتبه فِي كل يَوْم قِرَاءَة ختمة شريفة وَكَانَت لَهُ مُشَاركَة فِي علم الْفِقْه والْحَدِيث وَمَعْرِفَة تَامَّة فِي علم الْفَرَائِض والجبر والمقابلة وَعلم التصوف وَكتب الزّهْد وَمن مشايخه الشَّيْخ الْعَفِيف بن المسن صَاحب ذبحان ورزق هَذَا الشَّيْخ عفيف الدّين مَالا كثيرا وَكَانَ لَهُ الجاه العريض عِنْد أهل الْأَمر مسموح على أرضه من اسْم الْخراج وَنظر على رِبَاط الشَّيْخ الْوَلِيّ أَحْمد بن علوان بقرية

يفرس فَقدم على الشَّيْخ برهَان الدّين إِبْرَاهِيم صَاحب الكدهية بِوَجْه شَرْعِي وقصده السُّلْطَان الْملك المسعود إِلَى موزع وَسَأَلَ مِنْهُ الدُّعَاء بِأَن يفتح الله عَلَيْهِ بِقَبض عدن الثغر الْمَشْهُور فَدَعَا لَهُ فاستجيب لَهُ وَقَبضهَا وَأحسن إِلَيْهِ أحسانا تَاما وَلم يزل على الْحَال المرضي إِلَى أَن توفّي سنة خمس وَخمسين وثمانمئة وعمره خمس وَتسْعُونَ سنة وَمِنْهُم وَلَده الشَّيْخ رَضِي الدّين أَبُو بكر بن عبد الله كَانَ من الْفُضَلَاء الأخيار وَله اجْتِهَاد بِالْعبَادَة وانتقلت إِلَيْهِ رئاسة أهل هَذَا الْبَيْت إِلَى أَن توفّي سنة أَربع وَسبعين وثمانمئة رَحمَه الله ونفع بِهِ وَمن أهل الخوهة على سَاحل الْبَحْر الإِمَام الْعَلامَة رَضِي الدّين أَبُو بكر بن أَحْمد بن دعسين الْقرشِي أَخذ بالفقه عَن وَالِده وَعَن الإِمَام مُحَمَّد بن نور الدّين وَعَن غَيرهمَا وَلَيْسَ هَذَا شيخ الإِمَام الريمي وَإِن كَانَ اسْمه وَاسم أَبِيه كاسم ذَاك وَاسم أَبِيه فَذَاك قد ذكره الخزرجي بتاريخه وَهَذَا حدث بعده كَانَ إِمَامًا عَالما أَخذ الْفِقْه عَن الْأَئِمَّة بوقته فَأفْتى ودرس واشتهر حَتَّى قصد للمهمات وللإفادة وَأخذ عَنهُ الْفِقْه جمَاعَة مِنْهُم الْفَقِيه يُوسُف بن مُحَمَّد السكْسكِي وَابْن أَخِيه الْفَقِيه رَضِي الدّين أَبُو بكر بن عمر وَغَيرهمَا وَتَوَلَّى الْقَضَاء بموزع ثمَّ عزل نَفسه عَنهُ فاجتهد بِالْعبَادَة

وَنشر الْعلم وَكَانَ من أكَابِر الصَّالِحين بوقته يظْهر فِي وَجهه نور الْعِبَادَة وَالصَّلَاح من قيام اللَّيْل وَكَثْرَة التِّلَاوَة لكتاب الله تَعَالَى وَرُبمَا ختم فِي يَوْمه وَلَيْلَته ختمتين ورتب مدرسا فِي الْمدرسَة الياقوتية بقرية حيس فِي آخر عمره فدرس وَسكن هُنَالك إِلَى أَن توفّي بِشَهْر رَجَب سنة اثْنَتَيْنِ وَأَرْبَعين وثمانمئة وَحمل فِي آخر رَمق من قَرْيَة حيس إِلَى الخوهة وَمَات وَدفن بهَا وَهِي قَرْيَة على مرحلة من حيس رَحمَه الله ونفع بِهِ آمين وَأما ابْن أَخِيه الْفَقِيه رَضِي الدّين أَبُو بكر بن عمر الْآخِذ عَنهُ فَأخْبرت أَنه رجل مبارك قَامَ يمنصب أَهله وَكَانَت لَهُ عبَادَة وزهادة ومشاركة بِشَيْء من الْعُلُوم وَهُوَ فِي قيد الْحَيَاة عِنْد جمع هَذَا الْمَجْمُوع وَمن أهل هَذِه الْقرْيَة الْمَذْكُورَة الْفَقِيه جمال الدّين مُحَمَّد بن عمر الشَّيْبَانِيّ كَانَ فَقِيها ورعا أَخذ الْفِقْه عَن الإِمَام رَضِي الدّين أبي بكر بن أَحْمد بن دعسين الْمُقدم الذّكر وَأخذ بالنحو عَن الإِمَام جمال الدّين الْمَقْدِسِي واشتهر بِعلم النَّحْو وَكَانَ متواضعا لَا يَأْكُل إِلَّا من عمل يَده يشْتَغل القفاع من خوص الدوم ويحملها على ظَهره من الخوهة إِلَى حيس فيبيعها ويقتات من ثمنهَا وَكَانَ لَهُ فِي مقدم رَأسه غرَّة من الشّعْر فَرَأى بعض الأخيار النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الْمَنَام وَهُوَ يقبله فِي تِلْكَ الْغرَّة فجَاء إِلَيْهِ صَاحب الرُّؤْيَا وَقصد الْفَقِيه وَقَبله فِي الْموضع الَّذِي رأى فِي الْمَنَام النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يقبله وبشره بالرؤيا وَكَانَ لَهُ غنيمات يرعاهن وَلَده على سَاحل الْبَحْر فَخرجت العبيد أَيَّام فتنتهم يُرِيدُونَ النهب من الخوهة وساحلها فَلَمَّا علم بهم خرج

الْفَقِيه يحفظ غنمه فَوَجَدَهُ العبيد فَقَتَلُوهُ وَذَلِكَ سنة سبع وَأَرْبَعين وثمانمئة فَحمل إِلَى الخوهة وقبر بهَا وَرَآهُ بعض أَصْحَابه فِي الْمَنَام فَقَالَ يَا فَقِيه جمال الدّين أَنْت مت فَقَالَ نعم فَقَالَ كَيفَ وجدت الْمَوْت فَقَالَ لَهُ أعلمك أَن الْمَوْت خير من الْحَيَاة رَحمَه الله تَعَالَى ونفع بِهِ وَمن أهل موزع الأديب جمال الدّين مُحَمَّد بن أَحْمد الجبرتي كَانَت لَهُ معرفَة جَيِّدَة بالنحو واللغة وبحور الشّعْر وَمَا يتَعَلَّق بذلك وَكَانَت لَهُ قريحة مطاوعة وبديهة رائعة مدح النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بغرر من القصائد مِنْهَا القصيدة الَّتِي جعلهَا على قافية قصيدة المزاح الَّتِي أَولهَا (يَا أهل طيبَة أَيْن الْغَوْث والمدد ... وَأَيْنَ غارتكم وَالْعد وَالْعدَد) فَقَالَ الْفَقِيه جمال الدّين مادحا للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من قصيدة كَبِيرَة ذكرتها فِي الأَصْل أَولهَا (للظاعنات عَن الأوطان فِي كَبِدِي ... منَازِل لم تحل عَنْهَا وَلم تحد) وَله غير ذَلِك من الشّعْر مِمَّا أَجَاد فِيهِ وَتُوفِّي بِصَنْعَاء رَحمَه الله ونفع بِهِ آمين وَمن أهل الأوشج الْفَقِيه عبد الله بن أبي بكر المزاح الشَّاعِر الْمَشْهُور قَالَ فِيهِ بَعضهم إِنَّه أشعر شعراء الْيمن وَأشهر فصحاء الْيمن وَله قصَّة فِي ابْتِدَاء شعره ذكرتها فِي الأَصْل مَعَ بعض أشعاره المستحسنة فِي التوسل وَغَيره وَتُوفِّي بعد سنة ثَلَاثِينَ وثمانمئة وَمن أهل العارة الشَّيْخ الْفَقِيه شُجَاع الدّين سعيد بن مُحَمَّد بن عَليّ بن

عمر بن مشمر كتب إِلَيّ صَاحِبي الشَّيْخ جمال الدّين مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم المغربي لما سَأَلته عَنهُ فَقَالَ هُوَ الشَّيْخ الْعَالم الإِمَام جَامع أشتات الْفَضَائِل لوذعي ألمعي أريحي ذكي حبر صمصامة عالي النّسَب شامخ الْبَنَّا وينسب إِلَى عك وَكَانَ لأسلافه الشل والحط لم يزل مجدهم يتوارثه الْأَعْيَان إِلَى الْآن على من حَولهمْ من الْعَرَب وإليهم الْأَمر وَالنَّهْي وَسَائِر الْأَحْكَام الشَّرْعِيَّة فِي بلدهم وَلَهُم الدولة على من حَولهمْ من الْعَرَب ولد الشَّيْخ سعيد الْمَذْكُور سنة إِحْدَى عشرَة وثمانمئة فَلَمَّا كبر كَانَ لَهُ من البراعة وسجية الطوية واللسن الفصيح وَالْقَوْل الصَّرِيح مَا يبتهج بِهِ النَّاظر ويفرح بِهِ الخاطر وَفِيه من الْوَفَاء والإنصاف وَشرف النَّفس وعلو الهمة مَا يسْتَوْجب بِهِ الْحبّ وَله الْمُشَاركَة العجيبة التَّامَّة فِي أَنْوَاع شَتَّى من الْعُلُوم وَلَا يفقد عِنْد كل فن من الْفُنُون لطيف الشَّمَائِل عذب المراسن متسع المحاسن وَإِذا دَعَا النّظم أَجَابَهُ وَله اشْتِغَال فِي علم العقائد وَالْفُرُوع وَلَا يَخْلُو من التَّصَرُّف بالحروف ويكتسب من الأوفاق وَهُوَ من التَّوَاضُع على جَانب عَظِيم لم يرض بالاشتهار بِشَيْء من المصنفات مَعَ كَمَاله وَإِذا قيل لَهُ فِي ذَلِك قَالَ أَنا اقل وأحقر مسكني على سَاحل الْبَحْر وقوتي السّمك فَمن أَيْن أتأهل للتصنيف قَالَ الْفَقِيه جمال الدّين مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم الشماع الْمُقدم ذكره وَلَوْلَا كَرَاهَة التَّطْوِيل لحكيت من حَاله ضعف ذَلِك وَله فِي المحاورة والحجج الدامغة مَا يعجز عِنْدهَا الْفضل بن الرّبيع قد ظَهرت لَهُ كرامات وفضائل وَأُمُور عَجِيبَة ذكرت بَعْضهَا فِي الأَصْل وَهُوَ فِي قيد الْحَيَاة عِنْد جمع هَذَا الْمُخْتَصر

وَأما الْفُضَلَاء من أهل هقرة والحلبوبي فقد ذكر الجندي جدهم الشَّيْخ أَبُو السرُور وَأَنه من عرب يُقَال لَهُم المحاولة وَأَنه كَانَ فَقِيها نحويا صوفيا وَأَنه صحب بعض الْأَوْلِيَاء مِمَّن يعرف الِاسْم الْأَعْظَم وَأَنه سكن هقرة وَأَنه فتح عَلَيْهِ بكرامات وَأَنه جمع بَين الطريقتين الشَّرِيعَة والحقيقة وَأَنه عمر مئة وَأَرْبَعين سنة وَأَن وَلَده عبد الله فتح عَلَيْهِ بكرامات مَا فتح بهَا على أَبِيه وَقد نَشأ للشَّيْخ عبد الله بن حسن بن أبي السرُور الَّذِي ذكره الخزرجي فِي تَارِيخه أَوْلَاد ظَهرت فيهم النجابة وسلوك طَرِيق أهلهم فِي الْعِبَادَة وَالسَّعْي بمصالح الْمُسلمين وَالَّذِي اشْتهر مِنْهُم بعصرنا الشَّيْخ الصَّالح عفيف الدّين عبد الله بن إِسْمَاعِيل بن أبي السرُور وَهُوَ من جدد مَا دثر من أَحْوَالهم واجتهد بِالْعبَادَة وإكرام الضَّيْف وَسَار سيرة السّلف الصَّالح بِقَضَاء حوائج الْمُسلمين حَتَّى اشْتهر ذكره وَعلا قدره وانضمت أَحْوَال تِلْكَ الْبَلَد ببركته ولجأ إِلَيْهِ كل خَائِف فأمن وَذَلِكَ لجلالته واحترام مَكَانَهُ وَأجْمع أهل قطره على أَن من قصد مَكَانَهُ بِسوء عجلت عُقُوبَته وانتهكت حرمته وَقد شوهد من ذَلِك أُمُور كَثِيرَة تدل على ذَلِك وَتُوفِّي سنة سِتِّينَ وثمانمئة وَله أخوة مجتهدون بِالْعبَادَة وَأَوْلَاد فيهم النجابة وهم القائمون بمنصبه بعد وَفَاته أنجبهم وَلَده الشَّيْخ جمال الدّين مُحَمَّد صَاحب الرِّئَاسَة لأهل هَذَا الْبَيْت بوقته مكرم للضيف محسن إِلَى الْوَافِد مَقْصُود للمهمات

وَمن أهل السَّلامَة الشَّيْخ الصَّالح شرف الدّين الْجُنَيْد هُوَ أَبُو الْقَاسِم بن عَليّ بن مُحَمَّد الصُّوفِي الشهير بالسراج وَقد ذكر الخزرجي المؤرخ جده مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن بن أبي بكر السراج بِمَا يُغني عَن الْإِعَادَة وَأما هَذَا فَقَرَأت من خطّ الإِمَام جمال الدّين مُحَمَّد بن أبي بكر الْخياط مَا مَعْنَاهُ أَنه كَانَ صَالحا عَاملا عَالما ثَبت عَلَيْهِ لقب عَمه الشَّيْخ الْوَلِيّ سراج الدّين أَبُو بكر بن مُحَمَّد قَالَ وحَدثني الشَّيْخ الصَّالح أَبُو الْقَاسِم الْمَذْكُور قَالَ حَدثنِي عمي سراج الدّين رَحمَه الله قَالَ حدثت أَن الشَّيْخ عَليّ بن مُحَمَّد الْغَرِيب كَانَ فِي سفر فَحَضَرت الصَّلَاة فَتوجه إِلَى جِهَة الْقبْلَة هُوَ وَأحد مريديه فَقَالَ المريد الْقبْلَة مائلة عَن هَذِه الْجِهَة فَأنْكر الشَّيْخ وألح المريد باعتقاده فَقَالَ لَهُ الشَّيْخ تحب أَن أريك الْكَعْبَة فِي هَذِه الْجِهَة الَّتِي أَنا مُتَوَجّه إِلَيْهَا فَقَالَ المريد نعم إِنِّي لأحب ذَلِك فقرع الشَّيْخ حجرا وَقَالَ للمريد انْظُر إِلَيْهَا فَرَأى الْكَعْبَة فِي الْجِهَة الْمَذْكُورَة ثمَّ حُكيَ عَن هَذَا الشَّيْخ ابْن الْغَرِيب فَضَائِل وكرامات ذكرت مِنْهَا بَعْضهَا وَترْجم لهَذَا الشَّيْخ الْجُنَيْد بِأَن قَالَ كَانَ من الأخيار الصَّالِحين والعباد الزاهدين وَأَنه كَانَ لَا يخالط أهل الْأَمر وَأَنه مَقْصُود للتبرك بِهِ وَأَنه توفّي بعد سنة أَرْبَعِينَ وثمانمئة رَحمَه الله وَمِنْهُم الشَّيْخ رَضِي الدّين أَبُو بكر بن إِبْرَاهِيم السراج كَانَ من الأخيار وَمن الْعلمَاء الْأَبْرَار وَكَانَت لَهُ قريحة مطاوعة من ذَلِك مَا نظمه لبَعض كرامات الشَّيْخ عَليّ الْغَرِيب نفع الله بِهِ فِي قصيدة طَوِيلَة أَولهَا (إِن زرت حجرَة عزة وحماها ... وَنظرت بهجة حسنها وبهاها)

(فَانْزِل على الغربي من أرجائها ... واحطط عَن الأظعان ثقل عراها) (واستقبل الْمِحْرَاب واسجد خاضعا ... شكرا وَقل سُبْحَانَ من أنشاها) (بلد بهَا ترب يفوح بعنبر ... يستعطر الأكوان من رياها) (فَهِيَ السَّلامَة وَهُوَ ابْن غريبها ... طُوبَى لمن قد زارها وَرَآهَا) وَلم أتحقق تَارِيخ وَفَاته رَحمَه الله تَعَالَى وَمِنْهُم ولدا الشَّيْخ الْجُنَيْد الْمُقدم الذّكر أَحدهمَا اسْمه السراج وَالثَّانِي اسْمه الشهَاب هما القائمان بتربة الشَّيْخ عَليّ بن الْغَرِيب وبمنصب أَبِيهِمَا وجديهما بِالْعبَادَة وإكرام الضَّيْف وأخبرت أَن جدهما الشَّيْخ إِبْرَاهِيم هُوَ الَّذِي اشتهرت لَهُ الكرامات وَهُوَ صَاحب المنصب بالسلامة وَأَن الشَّيْخ عَليّ بن الْغَرِيب كَانَ يتعبد بِالْمَسْجِدِ الْمَشْهُور بِمَسْجِد معَاذ بمعجبة وهما فِي قيد الْحَيَاة عِنْد جمع هَذَا الْمَجْمُوع وَمن تلامذة الشَّيْخ الْجُنَيْد الْحَاج جمال الدّين مُحَمَّد بن عبد الله الأصلع كَانَ مُجْتَهدا بِالْعبَادَة مَاشِيا على طَريقَة السّلف الصَّالح أخبر الثِّقَة أَنه سَافر إِلَى مَكَّة المشرفة فحج وزار قبر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وجاب الْبِلَاد لزيارة الصَّالِحين حَتَّى دخل مصر فصحب فقيرين من أهل الْيمن لَا يعرفهما وهما يخدمان بعض التّرْك فسرقا عَلَيْهِ شَيْئا وهربا فَلَزِمَ التركي هَذَا الْحَاج مُحَمَّد الْمَذْكُور لصحبته لَهما وَقَالَ لَا أعرف مَالِي إِلَّا مِنْك وشدد عَلَيْهِ فاستغاث بِاللَّه ثمَّ بالشيخ عَليّ بن الْغَرِيب ثمَّ بشيخه الْجُنَيْد طول ليلته فتصور لَهُ الشَّيْخ الْجُنَيْد على صورته الَّتِي يعرفهَا وَقَالَ لَهُ أبشر فَإنَّك ستخرج من الْحَبْس بكرَة قَالَ الْحَاج مُحَمَّد فَلَمَّا طلع الْفجْر جَاءَ رَسُول التركي فَذهب إِلَيْهِ فقا لَهُ من شيخك قَالَ الشَّيْخ عَليّ بن الْغَرِيب فَقَالَ هَل لَك شيخ غَيره فَقَالَ نعم الشَّيْخ عَليّ الْجُنَيْد فَقَالَ قد حصل من الشَّيْخ عَليّ الْجُنَيْد إِشَارَة إِلَيّ بإطلاقك وَقد أطلقتك فَاذْهَبْ حَيْثُ شِئْت وَلم أتحقق تَارِيخ وَفَاته

وَمِنْهُم الْفَقِيه الْعَلامَة عفيف الدّين عبد الله بن عَليّ السراج الْحَنَفِيّ لَيْسَ هُوَ من بني السراج الصُّوفِيَّة الَّذين هم عِنْد ضريح الشَّيْخ شمس الدّين عَليّ بن عَليّ الْغَرِيب بل هُوَ من قوم آخَرين أهل بَيت علم قَرَأَ هَذَا الْفَقِيه على الْفَقِيه جمال الدّين مُحَمَّد بن شرعان فِي الْعلم وَقَرَأَ على غَيره فأجازوا لَهُ وَكَانَ وَالِده رجلا حراثا بسط لَهُ فِي الرزق فأثرى وَكثر مَاله وَحكي عَنهُ أَفعَال حَسَنَة تدل على خَيره وَكَانَ يُعْطي وَلَده هَذَا عبد الله على كل سُورَة يحفظها من كتاب الله تَعَالَى ثَمَانِي أواقي فضَّة حَتَّى حفظ الْقُرْآن الْعَظِيم جَمِيعه ثمَّ بعد ذَلِك قَرَأَ بِالْعلمِ الشريف على من تقدم ذكره واجتهد وانتفع وَكَانَ أوحد أهل زَمَانه فِي تَحْقِيق علم الْفِقْه وَالتَّفْسِير فدرس وَأفْتى وَأفَاد وَاجْتمعَ عَلَيْهِ الطّلبَة وَكَانَت لَهُ براعة فِي التدريس حَمده عَلَيْهَا من عرفه وَتُوفِّي سنة ثَلَاث واربعين وثمانمئة وقبره بمقبرة السَّلامَة رَحمَه الله ونفع بِهِ وَمِنْهُم الْفَقِيه بدر الدّين حُسَيْن بن مُحَمَّد التمامي قَرَأَ على جمَاعَة من الشُّيُوخ مِنْهُم القَاضِي جمال الدّين الطّيب بن أَحْمد النَّاشِرِيّ فدرس وَأفْتى وصنف فِي الْأُصُول واللغة والفرائض من ذَلِك شرح المتقنة وَهُوَ مُفِيد وَكَانَ سليم الْقلب تظهر عَلَيْهِ عَلامَة الصّلاح لاجتهاده بِالْعبَادَة حج سنة ثَمَان وَخمسين وثمانمئة وزار قبر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَرجع قَافِلًا على طَرِيق الْبَحْر فَتوفي بِتِلْكَ السّنة فِيمَا بَين جدة وينبع فِي الْبَحْر فَأخْرج سالما مِنْهُ وَدفن فِي الْبر رَحمَه الله وَمن المتوفين بحيس من الوافدين إِلَيْهَا الشَّيْخ الصَّالح أَبُو الْعَبَّاس شهَاب الدّين أَحْمد بن أبي البركات بن عبد الرَّحْمَن المطري الْأنْصَارِيّ الْمُؤَذّن بِالْحرم الشريف النَّبَوِيّ على صَاحبه أفضل الصَّلَاة وَالسَّلَام نَشأ هَذَا الشَّيْخ بِالْمَدِينَةِ الشَّرِيفَة حرسها الله تَعَالَى بِالْإِيمَان وَكَانَ عابدا زاهدا ناسكا ذَا معرفَة بِالْحَدِيثِ والنحو وَالْفِقْه واللغة وَله الْيَد الطُّولى فِي علم الْحَقِيقَة وتصدر للتدريس والإفادة فَمن فَوَائده جَوَاب الْمسَائِل فِي الرَّد على الزيدية وَهُوَ جَوَاب مَبْسُوط وَكَانَت لَهُ قريحة فِي الشّعْر جمع لَهُ

بعض تلامذته ديوانا حاكى فِي شعره شعر الشَّيْخ شرف الدّين بن الفارض وَصَحب الشَّيْخ برهَان الدّين إِبْرَاهِيم بن زقاعة وَالشَّيْخ الْوَلِيّ الصَّالح أَحْمد الحرضي وَلما مرض الشَّيْخ شهَاب الدّين أَحْمد الحرضي مرض الْمَوْت عظم الْأَمر على الشَّيْخ شهَاب الدّين أَحْمد بن أبي البركات فَقَالَ لَهُ الشَّيْخ الحرضي هون عَلَيْك قَالَ إِنِّي سأفقدك وَلَا صَبر لي عَنْك فَقَالَ لَهُ الشَّيْخ الحرضي سأجتمع بك بعد وفاتي أَي وَقت شِئْت إِذا قلت يَا مُحَمَّد يَا مُحَمَّد يَا أَحْمد يَا أَحْمد ثَلَاث مَرَّات فَكَانَ إِذا اشتاق إِلَيْهِ قَالَ ذَلِك فيتصور لَهُ ويجتمع بِهِ أَخْبرنِي بِهِ الثِّقَة عَن الشَّيْخ التقي بن معيبد وَقد كَانَ الشَّيْخ شهَاب الدّين أَحْمد بن أبي البركات وقف بزبيد وَصَحب الْفُضَلَاء بهَا كالفقيه جمال الدّين مُحَمَّد بن شرعان والفقيه سراج الدّين الجبرتي وَهُوَ من أهل التصوف فاستفاد كل مِنْهُمَا من الآخر ثمَّ انْتقل الشَّيْخ شهَاب الدّين أَحْمد بن أبي البركات إِلَى مَدِينَة حيس فَأَقَامَ بهَا وَظَهَرت لَهُ كرامات وَقصد للمهمات وَله قصَّة مَعَ الْوَزير شمس يُوسُف بن العزاف تدل على خَيره وبركته ذكرتها فِي الأَصْل وَله كَرَامَة أَيْضا حَكَاهَا عَنهُ الْوَزير الْمَذْكُور بعد مَوته وَذَلِكَ أَنه قَالَ ذهبت أَنا وَرجل معي لنزور الشَّيْخ أَحْمد بن أبي البركات فِي قَبره فِي النَّهَار قَالَ فوجدناه مُشَاهدَة على حَالَته الَّتِي نعرفه فِي الدُّنْيَا وَهُوَ قَاعد فَوق الْقَبْر يَتْلُو كتاب الله تَعَالَى فَقَالَ كل منا لصَاحبه وَنحن بعيد مِنْهُ هَل وجدته ونظرته فَوق الْقَبْر فَقَالَ الثَّانِي نعم فَلَمَّا قدمنَا إِلَى الْقَبْر وَكَاد أَحَدنَا يصافحه انْفَتح الْقَبْر فَدخل الشَّيْخ إِلَيْهِ وَسَمعنَا صَوته يَتْلُو كتاب الله تَعَالَى فِي الْقَبْر وَأخْبر أَيْضا أَنه رَآهُ مرّة ثَانِيَة فَوجدَ بعض الْقَبْر يَهْتَز وَبَاقِي الْقَبْر سَاكن والحصاء تَدور فَوْقه وَكَانَت وَفَاته سنة اثْنَتَيْنِ وَعشْرين وثمانمئة رَحمَه الله ونفع بِهِ وَمِنْهُم الْفَقِيه الْعَلامَة جمال الدّين مُحَمَّد بن أَحْمد الجبني الْبَيْضَاوِيّ أصل بَلَده جبن فوصل مَدِينَة إب فَقَرَأَ بهَا على الْفَقِيه جمال الدّين مُحَمَّد بن عبد الله الْكَاهِلِي

بالفقه وَقَرَأَ على غَيره فأجازوا لَهُ فدرس وَأفْتى ثمَّ أَقَامَ بِمَدِينَة ذِي جبلة أَيَّامًا فَأحْسن القَاضِي عفيف الدّين عبد الله المعسل وَهُوَ مقدم الجبليين حِينَئِذٍ وأنزله مَعَه إِلَى تعز فَأدْخلهُ على السُّلْطَان الْملك النَّاصِر وأكرمه وأضاف إِلَيْهِ من الْوَقْف شَيْئا وَأمره يُرْسل إِلَى أَبِيه وَإِخْوَته يصلوا إِلَيْهِ ويقفوا بِذِي جبلة وَجعل ولَايَة الْقَضَاء فِيهَا إِلَيْهِ فامتثلوا ذَلِك ثمَّ إِن القَاضِي عفيف الدّين المغسل أنكحه ابْنَته وَصَارَ من جملَة أَصْحَابه وَأهل بَيته وَكَانَ لَهُ نجابة وقريحة فِي الشّعْر مطاوعة ورزق الوجاهة عِنْد السُّلْطَان والأكابر وَنزل مَعَه إِلَى زبيد ثمَّ طلع مِنْهَا قَاصِدا الْوُصُول إِلَى وَالِده بِمَدِينَة تعز فاخترمته الْمنية بِمَدِينَة حيس وَتُوفِّي بهَا سنة إِحْدَى وَثَلَاثِينَ وثمانمئة رَحمَه الله ونفع بِهِ وَمِنْهُم الْفَقِيه تَقِيّ الدّين عمر بن البهلول الشهير بالسلاط أصل بلد أَهله لحج وخاله القَاضِي جمال الدّين مُحَمَّد بن سعيد بن كبن وَفد هَذَا الْفَقِيه تَقِيّ الدّين عمر إِلَى قَرْيَة حيس وَحدث لَهُ مرض نقص فِيهِ عقله فعد من المغفلين وَكَانَ يخبر بِشَيْء من المغيبات ويخبر بِمَا فِي ضمير الشَّخْص وَكَانَ كثير التِّلَاوَة وَالذكر وَإِذا وَقع بِيَدِهِ شَيْء فرقه على الْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِين وَكتب هَذَا الْمَجْمُوع وَهُوَ فِي قيد الْحَيَاة وَأما الْفُقَهَاء من بني البَجلِيّ فأولهم القَاضِي شرف الدّين أَبُو الْقَاسِم بن أَحْمد البَجلِيّ قَرَأَ على جمَاعَة من فُقَهَاء وقته وأجازوا لَهُ فدرس وَأفْتى وَتَوَلَّى الْقَضَاء بحيس فحمدت سيرته وَتُوفِّي سنة فَلَمَّا توفّي خَلفه وَلَده الْفَقِيه صفي الدّين أَحْمد قَرَأَ على الْفُقَهَاء من بني النَّاشِرِيّ وَغَيرهم فأجازوا لَهُ فدرس وَأفْتى وَهُوَ فِي قيد الْحَيَاة عِنْد جمع هَذَا الْمَجْمُوع

وَمن المتوفين قريب قَرْيَة حيس الشَّيْخ جمال الدّين مُحَمَّد بن عَليّ الْمصْرِيّ الْكَاتِب الحاسب وَفد وَالِده من مصر إِلَى الْيمن وَكَانَت لَهُ معرفَة بِعلم الْفلك ومشاركة بِعلم الْفَرَائِض وَمِمَّنْ سلمت إِلَيْهِ الرِّئَاسَة بصنعة التَّقْوِيم والتسيير فِي علم الْفلك فرزق الْحَظ عِنْد مُلُوك الْيمن فرتبوا لَهُ الجامكية وَجعلُوا لَهُ الْأَسْبَاب ودام على ذَلِك مُدَّة إِلَى أَن توفّي وَنَشَأ لَهُ هَذَا الْوَلَد وَهُوَ الشَّيْخ جمال الدّين الْمُقدم الذّكر فَأخذ عَن وَالِده علم الْفلك والحساب والفرائض والضوابط الْمُحْتَاج إِلَيْهَا لصنعة التَّقْوِيم فَكَانَ وحيد عصره فِيهِ وأضيف إِلَيْهِ بعض الْأَسْبَاب بزبيد ورزق الحظوة وجرب فِي إِصَابَة القَوْل فِيمَا يَقُوله من ذَلِك الْعلم وَمِمَّنْ أَخذ عَنهُ علمه الْفَقِيه عَليّ الجبيلي فَقَامَ بمنصبه عِنْد عَجزه وَتُوفِّي بعد سنة ثَلَاثِينَ وثمانمئة ثمَّ خَلفه وَلَده الْفَقِيه بدر الدّين الْحسن فأتقن مَا تعلمه من علم وَالِده وَلم يكن لَهُ وجاهة عِنْد السُّلْطَان فِي زَمَانه وَهُوَ الظَّاهِر وَتُوفِّي سنة أَرْبَعِينَ وثمانمئة وَمن أهل الْجَوْز الْقرْيَة الْمَعْرُوفَة من نواحي مَدِينَة حيس الشَّيْخ الصَّالح رَضِي الدّين أَبُو بكر بن إِبْرَاهِيم بن يُوسُف الحكاك كَانَ مِمَّن صحب الشَّيْخ الْكَبِير الشريف زين العابدين يُوسُف القليصي السَّاكِن بِمحل العقبانية قَرْيَة من أَعلَى وَادي زبيد وزوجه ابْنَته فتخلق بأخلاقه واشتغل بِعلم الْحَقَائِق وَفتح عَلَيْهِ بهَا فتحا عَظِيما وَكَانَ كَاتبا شَاعِرًا لطيفا ذَا خطّ فائق ونظم رائق لَهُ ديوَان شعر كَأَنَّهُ زهر أرق من نسيم الشمَال على أَدِيم الزلَال يضْحك الحزين ويحرك الرصين وَكَانَت وَفَاته فِي آخر المئة السَّابِعَة رَحمَه الله ونفع بِهِ آمين

القول فيمن تحققنا حاله من المتوفين بمدينة زبيد وما والاها

القَوْل فِيمَن تحققنا حَاله من المتوفين بِمَدِينَة زبيد وَمَا والاها فَمنهمْ الإِمَام الْعَلامَة جمال الدّين مُحَمَّد بن مُوسَى بن مُحَمَّد الصريفي الذؤالي هُوَ الإِمَام الحبر الْمُجْتَهد أحد الْأَئِمَّة الْمُحَقِّقين وَالْعُلَمَاء المؤلفين اشْتهر بِمَعْرِِفَة الحَدِيث وَالتَّفْسِير والأصلين والمنطق وَالْأَدب فطار اسْمه واشتهر صيته ودرس وَأفْتى وَأفَاد وتكاثرت عَلَيْهِ الطّلبَة وَقصد للْفَتْوَى من الْبِلَاد الْبَعِيدَة كَانَ أَبوهُ حنفيا ثمَّ انْتقل إِلَى مَذْهَب الإِمَام الشَّافِعِي فَلم يزل الإِمَام جمال الدّين شافعيا جلدا قَالَ الإِمَام جمال الدّين بن الْخياط هُوَ عَارِف بالأصلين وَالتَّفْسِير ومعاني الحَدِيث وصنف التصانيف البديعة مِنْهَا كتاب حديقة الأذهان فِي شرح أَحَادِيث فضل الْأَخْلَاق وَالْإِحْسَان وَمن تصانيفه كتاب مَاهِيَّة الْحمى وَكتاب فِي ذكر الصِّرَاط وَكتاب صنفه باسم السُّلْطَان الْأَشْرَف سَمَّاهُ التُّحْفَة الْمُدَوَّنَة فِي أسرار السلطنة وَهُوَ كتاب مُفِيد يحثه على مطالعته وَله مُصَنف سَمَّاهُ السِّرّ الملحوظ فِي حَقِيقَة اللَّوْح الْمَحْفُوظ يدل على غزارة علمه وجودة فهمه فتلقي مِنْهُ بِالْقبُولِ وَله شعر رائق مِنْهُ مَا قَالَه على صفة النَّصِيحَة والوعظ

(جَانب النَّاس وفر مِنْهُم تعش ... عيشة الْأَحْرَار مغتبطا) (ثمَّ عاشرهم معاشرة ... مثل بلواك بهم وسطا) (لَا تكن مرا فيطرحوك ... لَا وَلَا حلوا فتسترطا) وَله قصيدة كَبِيرَة يصف بهَا نَفسه لما تنقصه بعض من لَا خير فِيهِ أَولهَا (تصرفت بالتصريف والنحو حِرْفَة ... وَعلم الْمعَانِي وَالْبَيَان مَعَ اللغه) (وبالمنطق العالي تمنطقت واحتوى ... على مُشكل التَّفْسِير ذهني وسوغه) وَهِي طَوِيلَة ذكرت بَعْضهَا فِي الأَصْل وَقد أثنى عَلَيْهِ الإِمَام ابْن حجر وَابْن الْخياط وَلما دخل الإِمَام مجد الدّين الشِّيرَازِيّ قَالَ القَاضِي عَليّ النَّاشِرِيّ وددت أَن الإِمَام جمال الدّين الذؤالي كَانَ حَيا لنتجمل بِهِ عِنْد الشَّيْخ مجد الدّين الشِّيرَازِيّ وَكَانَت وَفَاته سنة تسعين وسبعمئة وَلم يذكرهُ الخزرجي المؤرخ وَلَا ذكر أَخَاهُ الْآتِي ذكره فَلذَلِك ذكرتهما وَلَعَلَّه جعله فِي الزِّيَادَة الَّتِي فِيهَا فُقَهَاء الْيمن وَأما أَخُوهُ فَهُوَ الشَّيْخ الإِمَام أَبُو الْقَاسِم بن مُوسَى بن مُحَمَّد الصريفي الذؤالي فقد قَالَ بعض المعلقين هُوَ الإِمَام الْعَلامَة شرف الدّين برع فِي الْأُصُول

وَالْفِقْه والعربية وَكَانَ يضاهي أَخَاهُ فِي البراعة وَالتَّحْقِيق لجَمِيع الْعُلُوم فدرس وَأفْتى وصنف كتبا كَثِيرَة أَقَامَ فِي مَدِينَة زبيد يُقيد الْفَوَائِد السّنيَّة فازدهت الْبَلَد بِهِ وبأخيه وتكاثرت عَلَيْهِمَا الطّلبَة ثمَّ سَافر إِلَى مَكَّة المشرفة فحج وزار ثمَّ سَافر إِلَى مصر واشتهر فِيهَا وطار اسْمه وأضيف إِلَيْهِ فِيهَا بعض الولايات اللائقة بِحَالهِ فَأَقَامَ بهَا معززا مكرما إِلَى أَن توفّي هُنَاكَ غَرِيبا وَذَلِكَ بعد سنة تسعين وسبعمئة رَحمَه الله تَعَالَى وَمِنْهُم الْفَقِيه شرف الدّين إِسْمَاعِيل بن إِبْرَاهِيم البومة قَرَأَ على جمَاعَة من أَئِمَّة وقته فِي الْعُلُوم ثمَّ اشْتهر وَغلب عَلَيْهِ معرفَة النَّحْو والتصريف فَكَانَ محققا لذَلِك انْتَهَت إِلَيْهِ الرِّئَاسَة فِي وقته فدرس وَأفْتى وَتخرج على يَده جمَاعَة من اهل مَدِينَة زبيد وَغَيرهم رَأَيْت مُعَلّقا بِخَط الشَّيْخ الشريف المرتضى بن يحيى بن أَحْمد الحسني قَالَ قَرَأت على الْفَقِيه الأديب الأوحد الأمجد شرف الدّين إِسْمَاعِيل البومة جَمِيع مُقَدّمَة ابْن الْحَاجِب فِي النَّحْو ومقدمته فِي التصريف فَأفَاد لي وأجاد قَالَ وَكَانَت الْقِرَاءَة سنة اثْنَتَيْ عشرَة وثمانمئة انْتهى وَكَانَ مِمَّن يصحب القَاضِي شرف الدّين إِسْمَاعِيل المقرىء وينقل غَرَائِبه فمما وجدته مُعَلّقا بِخَطِّهِ من إنْشَاء القَاضِي شرف الدّين الْمقري أبياتا تقْرَأ مدحا من أَولهَا وذما من آخرهَا (طلبُوا الَّذِي نالوا فَمَا حرمُوا ... رفعت فَمَا حطت لَهُم رتب) (وهبوا وَمَا منت لَهُم خلق ... سلمُوا فَلَا أودى بهم عطب) (طلبُوا الَّذِي يُرْضِي فَمَا كسدوا ... حمدت لَهُم شيم وَمَا كسبوا) (غضبوا وَمَا ساءت لَهُم خلق ... ستروا فَمَا هتكت لَهُم حجب)

(ذَهَبُوا وَمَا يمْضِي لَهُم أثر ... رحموا فَلَا حلت بهم نوب) (حسب لَهُم يزكو فَمَا سقطوا ... كلم لَهُم صدقت فَمَا كذبُوا) (عصب لَهُم نصرت فَمَا خذلوا ... شرفوا فَلَا يدنو لَهُم حسب) توفّي الْفَقِيه شرف الدّين البومة سنة خمس عشرَة وثمانمئة أَو قبلهَا بِقَلِيل أَو بعْدهَا بِقَلِيل وَدفن بمقبرة مَدِينَة زبيد رَحمَه الله ونفع بِهِ وَمِنْهُم الْفَقِيه شُجَاع الدّين معوضة بن مُحَمَّد الشرعبي أَخذ الْعُلُوم عَن جمَاعَة من الشُّيُوخ واجتهد فِي الْعِبَادَة وَظَهَرت لَهُ الكرامات أَخْبرنِي المقرىء شمس الدّين عَليّ الشرعبي قَالَ أَخْبرنِي خَادِم لأخي أَنه كَانَ لَا يزَال مُسْتَقْبل الْقبْلَة إِمَّا يُصَلِّي أَو يذكر الله تَعَالَى أَو يطالع فِي كتب الْعلم وَأخْبر عَنهُ الْخَادِم بكرامة ذكرتها فِي الأَصْل وَتُوفِّي رَحمَه الله سنة عشر وثمانمئة وَمِنْهُم الشَّيْخ الْوَلِيّ الصَّالح الْمُسَمّى بريش اشْتهر بِهَذَا الِاسْم لَا غَيره كَانَ رجلا صَالحا فَاضلا زَالَ عقله فضر النَّاس بيدَيْهِ وَكَانَ النَّاس يقصدونه للتبرك بِهِ فيتكلم بأَشْيَاء كَثِيرَة من المغيبات ويكاشف النَّاس بمقصودهم الَّذِي يطْلبُونَ مِنْهُ مِمَّا فِي ضميرهم من غير أَن يكلموه بِشَيْء مِنْهُ وَأخْبر عَنهُ سَيِّدي الشَّيْخ شهَاب الدّين أَحْمد بن مُحَمَّد الجبرتي وَغَيره بكرامات بِمثل ذَلِك وَتُوفِّي بعد سنة عشر وثمانمئة وَمِنْهُم الشَّيْخ النسابة أَبُو الْحسن عَليّ بن الْحسن الخزرجي المؤرخ وجدت

مُعَلّقا بِخَط الإِمَام جمال الدّين مُحَمَّد الْأَكْبَر بن الْخياط مَا مِثَاله الشَّيْخ الإِمَام أَبُو الْحسن عَليّ بن الْحسن الخزرجي قد سَاق نسبته فِي مَوَاضِع من تصنيفه من ذَلِك شَجَرَة النّسَب من صَنعته ولد بعد الثَّلَاثِينَ وسبعمئة وَعمل فِي زخرفة الْمدَارِس والدور الملوكية واسْمه مُثبت فِي بعض الْمدَارِس كالمدرسة الْأَفْضَلِيَّة وَرُبمَا فوض إِلَيْهِ مُبَاشرَة الْعِمَارَة من السُّلْطَان وَذكر أَنه كَانَ من جملَة المزخرفين فِي دَار الديباج بثعبات ثمَّ قَرَأَ فِي الْأَدَب ونظم الشّعْر خُصُوصا فِي التعصب للقحطانية فَقَالَ قصيدته الْمَشْهُورَة الَّتِي أَولهَا (تألق الْبَدْر الكليل فِي الدجى ... مرفرفا وهب نشري الصِّبَا) فَعَاتَبَهُ أديب الْيمن أَبُو الْحسن النَّاشِرِيّ على ذَلِك بقصيدة فَأَجَابَهُ بِنَوْع من المغالطة وَنظر فِي الْأَنْسَاب وصنف كتاب العسجد يشْتَمل على تواريخ عدَّة أَدخل بَعْضهَا فِي بعض وَله تَرْتِيب فُقَهَاء الْيمن اخْتِصَار الجندي أَجَاد فِيهِ وَزَاد جمَاعَة من العصريين وَغَيرهم ورتبه على الْحُرُوف فجَاء فِي ثَلَاثَة مجلدات وَلم يزل يدأب فِي ذَلِك إِلَى أَن توفّي فِي سنة اثْنَتَيْ عشرَة وثمانمئة رَحمَه الله تَعَالَى وَمِنْهُم الشَّيْخ الصَّالح مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن أبي الْقَاسِم المزجاجي الصُّوفِي كَانَ رجلا فَاضلا صوفيا جليل الْقدر عَظِيم الْحَظ صحب الشَّيْخ أَبَا بكر بن حسان

فِي مبادىء أمره ثمَّ اتَّصل بِصُحْبَة الشَّيْخ إِسْمَاعِيل الجبرتي وَصَارَ من كبار أَصْحَابه الْمشَار إِلَيْهِم وَحج على قدمه مرَارًا هُوَ وَالشَّيْخ أَحْمد الرداد وجد واجتهد فِي سلوك سَبِيل الْقَوْم حَتَّى صَار من رجال الطَّرِيق وَكَانَت أوقاته موزعة الأوراد والدعوات وَالصِّيَام وَالصَّلَاة وَسمع جملَة من كتب الحَدِيث والتصوف على القَاضِي مجد الدّين وَغَيره وَقَرَأَ من لَفظه عوارف المعارف على الشَّيْخ غياث الدّين الْهِنْدِيّ بِجَامِع زبيد وَكَانَ ملازما لمطالعة كتب التَّفْسِير وَالرَّقَائِق والتصوف وَصَحب الْملك الْأَشْرَف ثمَّ ابْنه النَّاصِر وَكَانَت لَهُ منزلَة عالية عِنْدهمَا وَكَانَ كثير الْبر وَالصَّدقَات وَيجْرِي على كثير من أَصْحَابه مَا يكفيهم من النَّفَقَة وَملك من الْأَرَاضِي والنخيل شَيْئا كثيرا وَحصل من الْكتب المفيدة مَا لَا يُحْصى وَأَنْشَأَ مدرسة فِي جنب دَاره وأوقف كتبه فِيهَا وَتزَوج السُّلْطَان الظَّاهِر ابْنَته الطاهرة سيدة النَّاس بعد وَفَاة أَبِيهَا فِي سنة ثَلَاث وَثَلَاثِينَ وثمانمئة وَكَانَت امْرَأَة صَالِحَة تحب فعل الْخَيْر وَتصل أَصْحَاب والدها وتحسن إِلَيْهِم وَكَانَت وَفَاته شهر ذِي الْقعدَة سنة تسع وَعشْرين وثمانمئة وَقد رثاه بعض الشُّعَرَاء بقصيدة طَوِيلَة قد ذكرتها فِي الأَصْل ذكر فِيهَا مَا مِثَاله (وَأجل خطب فِي الخطوب مفاجي ... نعيي الْوَلِيّ الصَّالح المزجاجي) (شيخ الشُّيُوخ مُحَمَّد بن مُحَمَّد ... كَهْف الصِّفَات وموئل الْمُحْتَاج) (مُغنِي الْأَيَامَى واليتامى كَفه ... بنواله المتفجر الثجاج) وَمِنْهُم الإِمَام الْعَلامَة جمال الدّين أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن عمر بن مُحَمَّد بن عبد الله بن شرعان كَانَ إِمَامًا حنفيا سلمت إِلَيْهِ الْحَنَفِيَّة الرياسة واشتهر بِحل المشكلات وَكَانَ متبحرا متفننا بِجَمِيعِ الْعُلُوم قيل لم يكن فِي وقته بِمَدِينَة زبيد من جمع الْعُلُوم مثله جمع اثْنَيْنِ وَعشْرين فَنًّا من الْعُلُوم شَاركهُ النَّاس بِبَعْضِهَا توفّي سنة اثْنَتَيْنِ وَعشْرين وثمانمئة رَحمَه الله

وَمن المتوفين بِمَدِينَة زبيد من الوافدين إِلَيْهَا شيخ الْإِسْلَام وَإِمَام الْأَئِمَّة الْأَعْلَام مجد الدّين مُحَمَّد بن يَعْقُوب بن مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم بن عمر بن إِدْرِيس بن فضل الله بن شيخ الْإِسْلَام أبي إِسْحَاق إِبْرَاهِيم بن عَليّ بن يُوسُف الفيروزابادي الْقرشِي الصديقي الْبكْرِيّ التَّيْمِيّ هُوَ رَاكب ذرْوَة الْمَعَالِي والمفاخر الكاسب فَضَائِل المناقب والمآثر أَلْقَت إِلَيْهِ الرِّئَاسَة مقاليدها وملكته السِّيَادَة طريفها وتليدها وأوطأه الْمجد كَاهِله وبوأه الْكَرم مواطنه ناهيك من رجل شهِدت لَهُ بالبلاغة تصانيفه وَدنت على شُعَاع شمسه تواليفه فَهُوَ الَّذِي تدر بمدرار الْفَوَائِد غمائمه وتفتر عَن أزهار الْفَوَائِد كمائمه ترْجم لَهُ الإِمَام نَفِيس الدّين الْعلوِي رَحمَه الله فَقَالَ كَانَ رَحمَه الله فِي الْعلم بِالْمحل الْأَعْلَى وَالْمَكَان الْأَسْنَى إِمَامًا كَبِيرا متضلعا من الْعُلُوم لَهُ فِي كل فن من ذَلِك مصنفات جَيِّدَة وبسطة وَيَد طولى فِي التصنيف وَله قُوَّة قريحة مطاوعة وَقدم فِي الْعُلُوم راسخة قَارِعَة يفوق أَبنَاء جنسه فَلَا يكَاد أحد يضاهيه بل لَا يدانيه وفضائله فِي ذَلِك أَكثر من أَن تحصر يشْهد بهَا وينطق بِصِحَّتِهَا مَا دون من مصنفاته وتواليفه ورسائله ونظمه ونثره وعَلى الْجُمْلَة فَكَانَ أحد أَعْيَان الزَّمَان والمشار إِلَيْهِ بالبنان فِي الْبَيَان وَمِمَّنْ سحب على سحبان ذيل النسْيَان وَكَانَ مولده بِشَهْر ربيع الآخر سنة تسع وَعشْرين وسبعمئة قَرَأَ على الْأَئِمَّة الْكِبَار مِنْهُم الشَّيْخ الإِمَام الْمسند عز الدّين أبي الْعَبَّاس بن أَحْمد بن المظفر النابلسي الْحَنَفِيّ وَالشَّيْخ الإِمَام الْعَلامَة أبي عبد الله مُحَمَّد بن يُوسُف الْأنْصَارِيّ

الزرندي وَالشَّيْخ صدر الدّين أَبُو عبد الله التَّفْتَازَانِيّ وَالشَّيْخ نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن أبي الْقَاسِم الفارقي وَالشَّيْخ الإِمَام الْقدْوَة حَافظ الشَّام صَلَاح الدّين خَلِيل بن كيكلدي العلائي وَغَيرهم وَمن تصانيفه فِي اللُّغَة الْكتاب الْمَشْهُور الْمُسَمّى بالقاموس الْمُحِيط وَكتاب الرَّوْض المسلوف فِيمَا لَهُ اسمان إِلَى أُلُوف وَشرح البُخَارِيّ بشرح سَمَّاهُ منح الْبَارِي فِي شرح البُخَارِيّ وَلم يكمله بلغ بِهِ إِلَى بَاب الْقيام بأَرْبعَة وَعشْرين مجلدا كَمَا وجدته بِخَط القَاضِي صفي الدّين أَحْمد بن أبي بكر البريهي وَمن مصنفاته الصلات والبشر فِي الصَّلَاة على خير الْبشر وَكتاب المعالم المطابة فِي تَارِيخ طابة وَكتاب الْوَصْل والمنى فِي فضل منى وَكتاب إحساس اللطائف بمحاسن اللطايف وَكتاب التُّحْفَة العنبرية فِي مولد خير الْبَريَّة وَله غير ذَلِك من المصنفات وَقَالَ جمعت الْقَامُوس فِي اللُّغَة مُخْتَصرا من ألف كتاب

وَقَالَ بعض الْعلمَاء وَهُوَ الشَّاهِد الْعدْل على فضل مُصَنفه وَقيل إِنَّه يَعْنِي الْقَامُوس لَا نَظِير لَهُ وَقد مدحه بَعضهم بقوله وَقيل إِنَّهَا للشَّيْخ إِسْمَاعِيل الْمقري (مذ مد مجد الدّين فِي أرجائنا ... من بعض أبحر علمه القاموسا) (ذهبت صِحَاح الْجَوْهَرِي كَأَنَّهَا ... سحر الْمَدَائِن حِين ألْقى مُوسَى) وَقيل إنَّهُمَا لَهُ وَقَالَ بَعضهم يحِق لهَذَا المُصَنّف أَن يكْتب بِمَاء الذَّهَب وَقد سُئِلَ الشَّيْخ مجد الدّين الْمَذْكُور كم كَانَ للشَّيْخ أبي إِسْحَاق من الْوَلَد فَقَالَ كَانَ جدي رَحمَه الله تزوج امْرَأَة فَحملت بِولد ثمَّ سَافر إِلَى بَغْدَاد فَأَقَامَ بهَا طول عمره وَلم يُولد لَهُ سوى الْوَلَد الَّذِي غَابَ وَامْرَأَته حَامِل بِهِ فَولدت ذَلِك الْحمل وسموه فضل الله وَلم يعلم بِهِ أَبوهُ فولد لفضل الله أَوْلَاد فغرق فِي الْبَحْر وَلم يصل إِلَى أبي إِسْحَاق فَبَلغهُ ذَلِك فَقَالَ (صبي كَأَن الْمَوْت رق لأَخذه ... فلَان لَهُ فِي صُورَة المَاء جَانِبه) (أَبى الله أَن أنساه دهري لِأَنَّهُ ... توفاه فِي المَاء الَّذِي أَنا شَاربه) (فَمَا ذقت طعم المَاء إِلَّا وجدته ... يخاطبني فِي صَفوه وأخاطبه) وَقد اعْترض الشَّيْخ شهَاب الدّين ابْن حجر وَجَمَاعَة على الشَّيْخ مجد الدّين نِسْبَة الشَّيْخ أبي إِسْحَاق الشِّيرَازِيّ إِلَى أبي بكر الصّديق رَضِي الله عَنهُ وَقَالُوا هَذَا لم يَصح ثمَّ أَنْكَرُوا أَيْضا نِسْبَة الشَّيْخ مجد الدّين إِلَى الشَّيْخ أبي إِسْحَاق وَقد نقل عَن هَذَا الشَّيْخ مجد الدّين أَيَّام مجاورته فِي مَكَّة وَالْقِرَاءَة عَلَيْهِ فَوَائِد يضيق عَنهُ هَذَا

الْمَجْمُوع وَكَانَ أجل مشايخه عِنْده الشَّيْخ عَليّ بن عبد الْكَافِي السُّبْكِيّ وَكَانَ دُخُول الشَّيْخ مجد الدّين الْيمن سنة سِتّ وَتِسْعين وسبعمئة وَقَالَ الخزرجي كَانَ وُصُوله إِلَى ثغر عدن فَلَمَّا علم السُّلْطَان الْأَشْرَف بن الْأَفْضَل طلبه إِلَى زبيد وَأمر لَهُ بِأَلف دِينَار لقصد الزَّاد فقبضها وَوصل إِلَى زبيد بِشَهْر رَمَضَان من السّنة الْمَذْكُورَة فَأعْطَاهُ السُّلْطَان برسم الضِّيَافَة ألف دِينَار ووالى عَلَيْهِ من إحسانه أَضْعَاف ذَلِك وأضاف إِلَيْهِ من الْأَسْبَاب شَيْئا كثيرا وعكفت عَلَيْهِ الطّلبَة وقرؤوا عَلَيْهِ صَحِيح الإِمَام البُخَارِيّ فَاجْتمع من الْفُقَهَاء وَغَيرهم جمع عَظِيم وَالَّذِي حضر عِنْد ختم الْكتاب نَحْو سبعمئة رجل ثمَّ أضَاف إِلَيْهِ السُّلْطَان من الْأَسْبَاب بِمَدِينَة تعز شَيْئا كثيرا مَعَ مَا وهب لَهُ من النخيل والأراضي بزبيد فَلَمَّا وصل مَدِينَة تعز عكفت عَلَيْهِ طلبة الْعلم من أَهلهَا وفقهائها وَمن غَيرهم من كل مَكَان فَسَمِعُوا عَلَيْهِ كتب الحَدِيث وَالتَّفْسِير وأفادهم الْفَوَائِد السّنيَّة وَكَانَ كل من قَرَأَ عَلَيْهِ يحضر على مائدته للْأَكْل فَيقدم سماطا أول النَّهَار وسماطا آخِره وَوقت الْقِرَاءَة يَدُور عَلَيْهِم الخدم بمجامر الْعود والعنبر من ابْتِدَاء الْقِرَاءَة إِلَى آخرهَا وَلما توفّي السُّلْطَان الْأَشْرَف واستقام السُّلْطَان النَّاصِر زَاد فِي إكرام الإِمَام مجد الدّين الْمَذْكُور وتعظيمه وولاه الْقَضَاء الْأَكْبَر وَكتب لَهُ منشورا بِإِطْلَاق يَده ونفوذ أمره على كل أحد فِي مملكة السُّلْطَان الْمَذْكُور وَكَانَت الْعلمَاء فضلا عَن غَيرهم إِذا حَضَرُوا مَجْلِسا هُوَ فِيهِ لزموا الْأَدَب مَعَه فَمن كَانَ مِنْهُم مُفِيدا صَار بَين يَدَيْهِ مستفيدا فيكتبون مُعظم مَا يتَكَلَّم بِهِ ويعلقونه فِي كتبهمْ وَقد قَالَ بَعضهم لبَعض تلامذته إِنَّه أعجمي فَقَالَ تِلْمِيذه قد أحسن الأول بقوله

(وَإِنِّي وَإِن قَالُوا فصيح وأعجم ... وَلَيْسَ لقومي يعرب وإياد) (فقد تسجع الورقاء وَهِي حمامة ... وَقد تنطق الأوتار وَهِي جماد) وَقد مدحه وَأثْنى عَلَيْهِ جمَاعَة من الشُّعَرَاء بقصائد كَثِيرَة وَمِنْهُم تِلْمِيذه الشَّاب التائب والفقيه برهَان الدّين الجحافي وَالْقَاضِي وجيه الدّين النحواني وَغَيرهم ذكرت بَعْضهَا فِي الأَصْل مَعَ زِيَادَة فَوَائِد وفضائل ومراث فَمن أحب ذَلِك فلينظرها مِنْهُ وَكَانَت وَفَاته بِشَهْر رَجَب سنة سبع عشرَة وثمانمئة رَحمَه الله ونفع بِهِ آمين وَمن شعره فِي ذكر مَا فِي الْقُرْآن الْعَظِيم (أَلا إِنَّمَا الْقُرْآن تِسْعَة أحرف ... أتيت بِهِ فِي بَيت شعر بِلَا خلل) (حَلَال حرَام مُحكم متشابه ... بشير نَذِير قصَّة عظة مثل) وَمِنْهُم الْعَلامَة الْمُحدث جمال الدّين مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم الْعلوِي قد تقدم رفع نسبه عِنْد ذكر أَبِيه وأخيه الإِمَام نَفِيس الدّين سُلَيْمَان الْعلوِي كَانَ هَذَا الإِمَام جمال الدّين عَالما عَاملا مُحدثا شُيُوخه فِي الحَدِيث بعض شُيُوخ أَخِيه وَلِهَذَا زِيَادَة فِي الْمَشَايِخ اشْتهر بِمَدِينَة زبيد بِمَعْرِِفَة الحَدِيث كشهرة أَخِيه الإِمَام نَفِيس الدّين بِمَدِينَة تعز وَالْجِبَال وعكفت عَلَيْهِ الطّلبَة فَأفَاد وأجاد وَفتح عَلَيْهِ من الدُّنْيَا برزق كثير اسْتَعَانَ بِهِ على نشر الْعلم فَكَانَ هَذَا الإِمَام ينْفق على جمَاعَة من أَقَاربه مِمَّن لَا تجب عَلَيْهِ نَفَقَتهم ويكسوهم وَقد ابْتُلِيَ بداء الجذام فَصَبر على ذَلِك وَلم تَنْصَرِف الطّلبَة عَنهُ بل قصدته للتدريس وَالْفَتْوَى وَهُوَ بِهَذَا الْمَرَض وَكَانَ حَنَفِيّ الْمَذْهَب وَسَنَده فِي الحَدِيث عَال وَتُوفِّي سنة اثْنَتَيْنِ وَعشْرين وثمانمئة رَحمَه الله تَعَالَى وَمِنْهُم المقرىء الصَّالح شرف الدّين أَبُو الْقَاسِم بن مُحَمَّد الْمَشْهُور بالسهامي قَرَأَ

على ابْن شَدَّاد وعَلى غَيره فِي الْقرَاءَات السَّبع والنحو واشتهر بِمَعْرِِفَة ذَلِك فَكَانَ هُوَ المقرىء الْمشَار إِلَيْهِ بِمَدِينَة زبيد فِي وقته عَالما صَالحا عابدا درس وَأفَاد وَأجْمع أهل وقته على صَلَاحه وجلل وَأكْرم واحترم ودام على الْحَال المرضي إِلَى أَن توفّي سنة سبع عشرَة وثمانمئة رَحمَه الله تَعَالَى ونفع بِهِ وَمن أَوْلَاده الْفَقِيه شهَاب الدّين أَحْمد نَشأ بِمَدِينَة زبيد فَقَرَأَ بفن الْأَدَب على جمَاعَة من الْأَئِمَّة أَجلهم الشَّيْخ الْعَلامَة بدر الدّين الدماميني الإسْكَنْدراني وَأَجَازَ لَهُ وَكَانَ مَشْهُورا بالمعرفة فِي الْأَدَب وَقَرَأَ بِغَيْرِهِ فِي سَائِر الْعُلُوم فشارك بذلك واشتهر بالبلاغة وَحسن الْخط وانتقل من مَدِينَة زبيد إِلَى مَدِينَة إب فَأَقَامَ بهَا معتكفا فِي الْمَسَاجِد مُجْتَهدا بِالْعبَادَة كثير الصمت دَائِم الْفِكر إِلَى أَن توفّي بهَا سنة ثَمَان وَثَلَاثِينَ وثمانمئة وَدفن بهَا رَحمَه الله تَعَالَى وَمِنْهُم الشَّيْخ الإِمَام الْعَالم شيخ شُيُوخ المتصوفة بزبيد ذُو الْمَوَاهِب والمناقب شهَاب الدّين أَحْمد بن الشَّيْخ الصَّالح رَضِي الدّين أَبُو بكر بن الرداد الْقرشِي الشَّافِعِي قَالَ فِيهِ الشَّاب التائب هُوَ الشَّيْخ الْعَالم الرباني مظهر سر الْمظهر الإنساني شيخ الْمَشَايِخ عين أَعْيَان السَّادة القادرية طراز حلَّة الْبِلَاد اليمنية غزالي زَمَانه فشيري أَوَانه سهروردي عصره أحد العارفين والمتكلمين وعدة السالكين والناسكين قَالَ بعض معلقي مناقبه تعلم الْقُرْآن وَحفظه صَغِيرا ثمَّ قَرَأَ بِالْعَرَبِيَّةِ فبرع بهَا ثمَّ قَرَأَ بالفقه وانتفع وَأَجَازَ لَهُ الْأَئِمَّة الْكِبَار ثمَّ دخل طَريقَة الْقَوْم يَعْنِي الصُّوفِيَّة فِي سنة سبع وَسِتِّينَ وسبعمئة وَكَانَت لَهُ رياضة حَسَنَة اجْتهد فِيهَا نَحْو

عشْرين سنة حَتَّى رقي من رتب الْمَعَالِي فعلاها وحوى من الْعُلُوم الإلهية فحواها وَلزِمَ مجْلِس الشَّيْخ الْمَعْرُوف إِسْمَاعِيل بن إِبْرَاهِيم الجبرتي وَحج سِنِين مُتعَدِّدَة مِنْهَا سنة على قدم التجرد إِلَى مَكَّة المشرفة ثمَّ إِلَى الْمَدِينَة الشَّرِيفَة وَحصل من الْعلم مَا لم يحصله غَيره وصنف فِي طَرِيق الصُّوفِيَّة تصانيف مِنْهَا كتاب تَلْخِيص الْقَوَاعِد الوفية فِي أصل خرقَة الصُّوفِيَّة وَكتاب عدَّة المرشدين وعمدة المسترشدين وَله غير ذَلِك نظما ونثرا ونال الْحَظ الأوفر عِنْد السُّلْطَان الْأَشْرَف بن الْأَفْضَل ثمَّ عِنْد وَلَده النَّاصِر فقربه وَجعله من خواصه فَتزَوج السُّلْطَان من أهل بَيته وأضاف إِلَيْهِ الْقَضَاء الْأَكْبَر فِي شَوَّال سنة سبع عشرَة وثمانمئة وَذَلِكَ بعد موت الشَّيْخ مجد الدّين الشِّيرَازِيّ وَكَانَت سيرته فِي الْوَظِيفَة سيرة مرضية وسعى فِي اسْتِخْرَاج الْوَقْف الَّذِي قد كَانَت الْمُلُوك أدخلته فِي دفاترهم وَصَرفه مصرفه وَرفع الوفر الَّذِي كَانَ يقبضهُ الْمُلُوك من الْوَقْف ثمَّ لما كَانَ سنة إِحْدَى وَعشْرين وثمانمئة حصل بَين الْفَقِيه شرف الدّين إِسْمَاعِيل بن أبي بكر المقرىء وَالشَّيْخ شهَاب الدّين أَحْمد بن أبي بكر الرداد أُمُور وأحداث أدَّت إِلَى ظُهُور الشقاق وَسُوء الْأَخْلَاق وَبَالغ الشَّيْخ شرف الدّين فِي الْإِنْكَار على الشَّيْخ شهَاب الدّين فِي إِظْهَار السماع وَمَا لَا يجوز مِمَّا يَفْعَله المتصوفون مِمَّا لَا ترتضيه الشَّرِيعَة وَعمل فِي ذَلِك قصائد مِنْهَا القصيدة الَّتِي أَولهَا (إِن الشَّرِيعَة ذلت بعد عزتها ... وَأصْبح الراس مِنْهَا مَوضِع الذَّنب)

وَكَانَت الْعَاقِبَة إِلَى الْإِصْلَاح وتسكين هَذِه الثائرة بِأَمْر السُّلْطَان النَّاصِر وللشيخ شهَاب الدّين الرداد شعر حسن من ذَلِك مَا قَالَه عِنْدَمَا جرت المشاجرة بَينه وَبَين الْفَقِيه شرف الدّين إِسْمَاعِيل المقرىء (ملاحاة الرِّجَال أضرّ شَيْء ... على الْإِنْسَان فِي كل الْأُمُور) (إِذا لم يلحقوه غَدا بِسوء ... فهم رقباؤه أَبَد الدهور) وَله فِي الْغَزل قصائد كَثِيرَة مِنْهَا القصيدة الطَّوِيلَة الَّتِي أَولهَا (شغلي بذكرك عِنْدِي خير أشغالي ... يَأْمَن لَهُ كل أقوالي وأفعالي) (ملكتني مِنْك بِالذَّاتِ الَّتِي اشْتَمَلت ... على حقائق أسراري وأحوالي) وَله فِي قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم دع مَا يريبك إِلَى مَا لَا يريبك (تورع ودع مَا قد يريبك كُله ... جَمِيعًا إِلَى مَا لَا يريبك تسلم) (وحافظ على أعضائك السَّبع جملَة ... وراع حُقُوق الله فِي كل مُسلم) (وَكن رَاضِيا بِاللَّه رَبًّا وحاكما ... وفوض إِلَيْهِ فِي الْأُمُور وَسلم) وعَلى الْجُمْلَة فقد كَانَ هَذَا الشَّيْخ شهَاب الدّين مِمَّن جمع بَين الْعلم وَالْعَمَل وتخلق بأخلاق الصَّالِحين وتهدى بهديهم وتأدب بآدابهم حوى جملا من المحاسن من سَلامَة الصَّدْر ورقة الْقلب وصفاء الخاطر وَشرف النَّفس وكرم الْأَخْلَاق والإغضاء وَهَذَا مَعَ الجاه العريض وَالْكَرم المستفيض ودام على الْحَال المرضي إِلَى أَن توفّي بِشَهْر ذِي الْقعدَة سنة إِحْدَى وَعشْرين وثمانمئة وَدفن بمقابر مَدِينَة زبيد فِي الْقبَّة الَّتِي دفن فِيهَا الشَّيْخ أسماعيل الجبرتي وَحكي أَن الإِمَام إِسْمَاعِيل المقرىء رَآهُ فِي الْمَنَام بعد وَفَاته بهيئة حَسَنَة غبطه عَلَيْهَا

رحمهمَا الله تَعَالَى ونفع بهما وَمِنْهُم الإِمَام الْعَلامَة فَخر الْيمن وبهجة الزَّمن شرف الدّين إِسْمَاعِيل بن أبي بكر المقرىء الشاوري كَانَ إِمَامًا يضْرب بِهِ الْمثل فِي الذكاء مرتقيا أَعلَى ذرْوَة الْفضل بِلَا امتراء نادرة الدَّهْر وَأعظم فضلاء الْعَصْر مَلأ بِعِلْمِهِ الصُّدُور والسطور وَأَبَان بمشكاة فهمه مَا كَانَ عويصا على أَعْلَام الصُّدُور لَهُ المصنفات الْكَثِيرَة الَّتِي سَارَتْ بهَا الركْبَان والفوائد الجليلة المستفيضة فِي الْبلدَانِ برز فِي ميدان الْفَضَائِل وَأمن من النَّاظر والمناضل فَلَيْسَ يباريه مبار وَلَا يجاريه إِلَى غَايَة الْفضل مجار أصل بلد أَبِيه بلد بني شاور وَهِي بَلْدَة مَعْرُوفَة ثمَّ انْتقل إِلَى بَيت حُسَيْن فَأَقَامَ بهَا ثمَّ نَشأ لَهُ هَذَا الْوَلَد النجيب فَقَرَأَ على وَالِده طرفا من الْعلم ثمَّ انْتقل إِلَى مَدِينَة زبيد فَقَرَأَ على الإِمَام جمال الدّين الريمي وعَلى غَيره من الْعلمَاء فِي الْفِقْه والنحو واللغة والْحَدِيث حَتَّى برع بذلك وفَاق أَبنَاء جنسه واعترفوا بفضله وَكَانَت لَهُ قريحة مطاوعة وبديهة عَجِيبَة فَأَنْشَأَ قصيدة إِلَى الْوَزير بن معيبد فَأعْطَاهُ نَحْو ألف دِينَار ثمَّ أنشأ أُخْرَى إِلَى السُّلْطَان الْأَشْرَف بن الإفضل فقرضها لَهُ الْوَزير بن معيبد فَأَجَازَهُ السُّلْطَان عَلَيْهَا بألوف واشتهر شعره فَعلم بذلك وَالِده فَكتب إِلَيْهِ ينهاه عَن الِاشْتِغَال بِغَيْر علم الشَّرْع وعاتبه على هجره لَهُ وَكتب إِلَيْهِ شعرًا فِي القصيدة الْمَعْرُوفَة الَّتِي أَولهَا يحثه فِيهَا على طلب الْعلم الشريف وَيتْرك الشّعْر ويصل وَالِديهِ (روض الْبِدَايَة بَانَتْ مِنْك يَا وَلَدي ... أريضة غضة مطلولة نظره) فامتثل أَمر وَالِده وَترك الِاشْتِغَال بقول الشّعْر وواصل وَالِديهِ ووقف عِنْدهمَا

واجتهد بِطَلَب الْعلم الشريف ثمَّ بالتدريس ثمَّ بالتصنيف ثمَّ سَافر إِلَى مَكَّة المشرفة فِي السّنة الَّتِي لزم الشريف حسن بن عجلَان الَّتِي أَولهَا (أَحْسَنت فِي تَدْبِير أَمرك يَا حسن ... وأجدت فِي تَحْلِيل أخلاط الْفِتَن) وَهِي قصيدة طَوِيلَة قَالَ فِيهَا (مُوسَى هزبر لَا يُطَاق نزاله ... فِي الْحَرْب لَكِن أَيْن مُوسَى من حسن) (بِعْ مِنْهُ مهجته وَخذ مَا عِنْده ... ثمنا يكن مِنْهُ الْمُثمن وَالثمن) وَلما دخل على الشريف حسن الْمَذْكُور أنْشدهُ ارتجالا (أتيت مُسلما وَمن الرجالة ... أقوم مودعا خوف الثقاله) (فَإِن ترض الْوَدَاع شكرت حَالي ... وَإِن لَا يرتضيه فشكرها لَهُ) فَأكْرمه الشريف غَايَة الْإِكْرَام وَأحسن إِلَيْهِ غَايَة الْإِحْسَان ثمَّ عَاد من الْحَج إِلَى مَدِينَة زبيد وآلى على نَفسه أَن لَا يَقُول شعرًا بعد أَن أنشأ بَيْتَيْنِ هما (بِعَين الشّعْر أبصرني أنَاس ... فَلَمَّا سَاءَنِي أخرجت عينه) (خُرُوجًا بعد رَاء كَانَ رَأْي ... فَصَارَ الشّعْر مني الشَّرْع عينه) واجتهد بالتدريس وَالْفَتْوَى والتصنيف وَكَانَ غواصا فِي الْمعَانِي الدقيقة وصنف كتاب عنوان الشّرف وَهُوَ الْكتاب الَّذِي لم يسْبق إِلَى مثله جمع فِيهِ

خَمْسَة عُلُوم علم يُؤْخَذ من أول السطور وَعلم من آخرهَا وعلمان من أوسطها وَجعل أصل الْكتاب فقها وَهُوَ مَعْرُوف وَقد قَالَ الأديب إِبْرَاهِيم الأخفافي فِي هَذَا الْكتاب مادحا مَا مِثَاله (فَهَذَا كتاب لَا يصنف مثله ... لصَاحبه الْأجر الْعَظِيم من الْخط) (عرُوض وتاريخ وَنَحْو مُحَقّق ... وَعلم القوافي وَهُوَ فقه أولى الْحِفْظ) وَقد اختصر الإِمَام شرف الدّين الرَّوْضَة مُخْتَصرا سَمَّاهُ الرَّوْض وَاخْتصرَ الْحَاوِي الصَّغِير بكتابه الْإِرْشَاد ثمَّ شَرحه شرحا مُبينًا سَمَّاهُ التمشية بمجلدين وَهُوَ شرح مُفِيد وَمِمَّا جمعه الْمَسْأَلَة الْمَشْهُورَة فِي المَاء المشمس الَّذِي قَالَ فِي آخرهَا بلغت الْمسَائِل الَّتِي لَا خلاف فِيهَا ثلاثمئة ألف مَسْأَلَة وَسَبْعَة وَخمسين ألفا ومئة وَعشْرين وَالَّتِي فِيهَا خلاف ألفي ألف وخمسمئة ألف واثنين وَسبعين ألفا فِي كل مَسْأَلَة وَجْهَان قَالَ فجملة الْوُجُوه فِي الْمَسْأَلَة فِي المَاء المشمس خَمْسَة آلَاف ألف وَجه ومئة ألف وَأَرْبَعَة وَثَمَانُونَ ألف وَجه وَقد قَالَ الإِمَام ابْن النَّحْوِيّ فِي أُمْنِية النبيه وَصلهَا بعض طلبتي بِالضَّرْبِ إِلَى ثلاثمئة ألف وَجه وَتِسْعين ألفا ومئتين وَسِتَّة عشر وَجها وَللْإِمَام شرف الدّين من الْفَوَائِد الجليلة والرسائل العجيبة مَا يبلغ مَجْمُوعه مجلدات كَثِيرَة وَقد تقدم أَنه ترك الشّعْر ودام على ذَلِك ثَمَانِي سِنِين حَتَّى أمره السُّلْطَان

النَّاصِر أَن ينظم بديعية على منوال بديعية الصفي الْحلِيّ فَكفر عَن يَمِينه الَّتِي كَانَ حَلفهَا ونظم البديعية الَّتِي أَولهَا (شارفت ذرعا فذر عَن مَائِهَا الشبم ... وَجَرت نملا فنم لَا خوف فِي حرم) ضمنهَا مدح النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وأودعها أَنْوَاع البديع وَهِي قصيدة مَشْهُورَة مِمَّا قَالَ فِيهَا (يَا أَحْمد الرُّسُل هَذَا أَحْمد الخلفا ... بِالْملكِ هَذَا الْمُسَمّى بِاسْمِك الْعلم) (فجازه عَن مديحي فَهُوَ باعثه ... وجازني فِي انتقاء الدّرّ وَالْحكم) وَجعل بِهَذِهِ القصيدة خطْبَة حكى فِيهَا تَركه الشّعْر وَمَا فعله إِلَّا امتثالا لأمر السُّلْطَان لَهُ وَأما قصيدته الْمَشْهُورَة فِي الْوَعْظ الَّتِي تناقلها الركْبَان إِلَى الْبلدَانِ الشاسعة وَهِي الَّتِي أَولهَا (إِلَى كم تماد فِي غرور وغفلة ... وَكم هَكَذَا نوم إِلَى غير يقظه) فقد فاق فِيهَا على اهل زَمَانه وَلم يَأْتِ أحد بِمِثْلِهَا فِي وقته وَأما رده وإنكاره على من قَرَأَ كتب ابْن عَرَبِيّ وَإِبْطَال مَا فِيهَا من المقالات الْمُنكرَة بالحجج الْوَاضِحَة فَذَلِك مَشْهُور حَتَّى بلغ شهرة ذَلِك إِلَى مصر وَالشَّام ووقف عَلَيْهَا الْعلمَاء من أهل مصر وَالشَّام

وَقَالَ فِي مدح الْفَقِيه شرف الدّين ابْن قَاضِي شُهْبَة فِي تَارِيخه بِمَا مِثَاله هُوَ شامخ الْعرنِين والحسب ومنقطع القرين فِي علم الْأَدَب نَاظر أَتبَاع ابْن عَرَبِيّ فعميت عَلَيْهِم الْأَبْصَار ودمغهم بأبلغ حجَّة فِي الْإِنْكَار وَله فيهم غرر القصائد مُشِيرا إِلَى تَنْزِيه الصَّمد الْوَاحِد وَلما وَفد الإِمَام ابْن حجر إِلَى الْيمن وَأقَام فِي زبيد أَيَّامًا كتب إِلَيْهِ الإِمَام شرف الدّين بِمَا مِثَاله (قل لِلشِّهَابِ ابْن عَليّ بن حجر ... سورا على مودتي من الْغَيْر) (فسور ودي مِنْك قد بنيته ... من الصَّفَا والمروتين وَالْحجر) فَاسْتحْسن ذَلِك الإِمَام ابْن حجر اسْتِحْسَانًا عَظِيما وَقَالَ لَا يَسْتَطِيع أحد أَن يَأْتِي بِمِثْلِهَا وأجابه بقوله (عوذت سور الود مِنْك بالسور ... فَهُوَ على الْعليا بالحكم حجر) (يَا من رقى بالمجد انهى غَايَة ... بِالْحَقِّ أعيت من بَقِي وَمن غبر) (فضل سواك مدعي أَو نَاقص ... كَأَنَّهُ إِن أَتَت بِلَا خبر) (لأَنْت إِسْمَاعِيل بِالصّدقِ لَهُ ... وصف على كل الورى بِهِ قد افتخر) وَتركت بَاقِيهَا اختصارا وَكفى للفقيه شرف الدّين فخرا مدح الإِمَام ابْن حجر لَهُ ثمَّ مَا صنفه من المصنفات البليغة الَّتِي لم يَأْتِ أحد بِمِثْلِهَا ثمَّ بَاقِي مناقبه وفوائده كَثِيرَة وَقد ذكرت من اشعاره فِي الأحجيات والرسالات والإنشاءات بَعْضهَا فِي الأَصْل وَأما جملَة ذَلِك فَلَا ينْحَصر وَقد أجمع أهل عصره على أَنه كَانَ إِمَامًا جَامعا لأسباب الْعُلُوم على اخْتِلَاف أجناسها وأنواعها وَأَنه أشهر من أَن يصفه واصف وَعمر

عمرا طَويلا حَتَّى نَيف على الثَّمَانِينَ من مولده ثمَّ توفّي إِلَى رَحْمَة الله تَعَالَى سنة سبع وَثَلَاثِينَ وثمانمئة رَحمَه الله ونفع بِهِ وَمِنْهُم ذُرِّيَّة الشَّيْخ الهتار نفع الله بِهِ فقد ذكر المؤرخون جدهم وَأَنه مقبور فِي التريبة هُوَ وَجَمَاعَة من أَوْلَاده وَأَوْلَاد أَوْلَاده وأثنوا على من يسْتَحق الثَّنَاء مِنْهُم ثَنَاء مرضيا وأرخوا وَقت وفاتهم وَأما الَّذين توفوا بِمَدِينَة زبيد فأشهرهم الشَّيْخ الصَّالح طَلْحَة وَقد ذَكرُوهُ أَيْضا وأثنوا عَلَيْهِ وأرخوا وَقت وَفَاته سنة ثَمَانِينَ وسبعمئة واشتهر من أَوْلَاده الشَّيْخ الْوَلِيّ الصَّالح جمال الدّين مُحَمَّد الْغَزالِيّ بن طَلْحَة الْمُقدم الذّكر كَانَ زاهدا عابدا لَهُ الْقدَم الراسخة فِي التَّمَكُّن من المعارف شرب مِنْهَا الكأس الإوفى وَالْمشْرَب الأصفى دأبه ذكر الله تَعَالَى والتلاوة ومطالعة الْكتب الزهدية وَالْعُزْلَة عَن النَّاس فِي مُعظم الْأَوْقَات وَقد مدحه الإِمَام الدماميني ببيتين من الشّعْر فأودعهما نوعا من البديع فَقَالَ (شيخ روى عَن طَلْحَة حبر التقى ... وَله اسانيد بِذَاكَ عوالي) (أَحْيَا لياليه بِطَاعَة ربه ... لَا يُنكر الاحياء للغزالي) وَقد أَخْبرنِي بعض الثِّقَات أَنه اشتهرت لَهُ كرامات وَأجْمع كل من يعرف هَذَا الشَّيْخ أَنه من الصَّالِحين وَمن الْعلمَاء الزاهدين فَكَانَ بَيته مُحْتَرما بِمَدِينَة زبيد يأوي إِلَيْهِ كل خَائِف فَيَأْمَن وَمن كَانَ لَهُ جَار فَلَا يهتضم وَكَانَت الْمُلُوك وأعوانهم يجلون هَذَا الشَّيْخ ويحترمونه لمكانته وَلَا يردون شَفَاعَته وَلم يزل على ذَلِك إِلَى أَن توفّي سنة تسع

وَعشْرين وثمانمئة رَحمَه الله تَعَالَى وَخَلفه من بعده وَلَده الشَّيْخ الصَّالح عفيف الدّين عِيسَى نَشأ على سيرة شَيْخه ووالده الشَّيْخ الْغَزالِيّ فِي الْعِبَادَة وَالِاجْتِهَاد بِأَفْعَال الْخَيْر مَقْصُودا للمهمات وتقضى على يَدَيْهِ الْحَاجَات وَكَانَ يزور قبر وَالِده كل يَوْم هُوَ وَجَمَاعَة من أَصْحَابه فيشرعون بِقِرَاءَة ختمة شريفة فَلَا يقومُونَ حَتَّى يختموها ثمَّ يدعونَ الله تَعَالَى ثمَّ يَنْصَرِفُونَ وَلم يزل الشَّيْخ عِيسَى على الطَّرِيقَة المحمودة إِلَى أَن توفّي إِلَى رَحْمَة الله تَعَالَى بعد أَن ظَهرت لَهُ كرامات وَقد حُكيَ عَنهُ كرامات بعد مَوته وَكَانَت وَفَاته سنة سبع وَأَرْبَعين وثمانمئة وقبر بالقبة الَّتِي دفن فِيهَا وَالِده رحمهمَا الله تَعَالَى وَمِنْهُم أَخُوهُ الشَّيْخ عفيف الدّين عبد اللَّطِيف بن الشَّيْخ جمال الدّين مُحَمَّد الْغَزالِيّ الْمُقدم الذّكر كَانَ مشاركا بِشَيْء من الْعُلُوم ملازما لطريقة الصُّوفِيَّة يغلب عَلَيْهِ الِاجْتِهَاد بِالْعبَادَة ورزق ارْتِفَاع الْمَكَان عِنْد السُّلْطَان الْمَنْصُور الرسولي فَلَمَّا مَاتَ الْمَنْصُور أخمل وَكَانَت الرِّئَاسَة لِأَخِيهِ الشَّيْخ عِيسَى الْمُقدم الذّكر ثمَّ سَافر الشَّيْخ عبد اللَّطِيف إِلَى مَكَّة المشرفة فحج وزار ثمَّ رَجَعَ إِلَى مَدِينَة زبيد وَأقَام بهَا إِلَى أَن توفّي سنة خمسين وثمانمئة وَكَانَ لَهُ شعر جيد مِنْهُ مَا قَالَه لما رأى الْكَعْبَة المشرفة (يَا طَالب الْمَعْرُوف من ينبوعه ... أبشر فقد أدْركْت لَك طلاب) (أَتعبت نَفسك طَالبا متماديا ... رزقا فهذي كعبة الطلاب) (من حَيْثُ جِئْت فول وَجهك شطرها ... متمسكا بالستر والأهداب)

(لَا تفزعن إِلَى اللئام بحاجة ... فهم الْكلاب دناءة وخساسة) (بل فاطرحنهم واجتنبهم رافضا ... لَهُم فَلَا تحدث لديك نَجَاسَة) وَمن أهل زبيد الْفَقِيه الْعَلامَة تَقِيّ الدّين عمر بن المنقش أخْبرت أَنه كَانَ من الْعلمَاء العاملين وَمن عباد الله الصَّالِحين قَرَأَ على جمَاعَة من أَئِمَّة وقته واشتهر بِالْعبَادَة والزهادة ودرس وَأفْتى وَتخرج بِهِ جمَاعَة من أهل مَدِينَة زبيد وَغَيرهم وَلم أتحقق تَارِيخ وَفَاته وَمِنْهُم وَلَده النجيب شهَاب الدّين أَحْمد قَرَأَ على وَالِده وعَلى جمَاعَة من فُقَهَاء مَدِينَة زبيد فِي الْعُلُوم الْفِقْهِيَّة والنحوية وَفِي الحَدِيث النَّبَوِيّ فَكَانَ مشاركا بِهَذِهِ الْعُلُوم وينوب بِالْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّة بِمَدِينَة زبيد للْقَاضِي أبي الْفضل النَّاشِرِيّ فِي بعض الْأَيَّام فحمدت سيرته وتصدر للتدريس فِي الحَدِيث وَأثْنى عَلَيْهِ جمَاعَة بِالْحِفْظِ والذكاء وَاخْتصرَ صَحِيح البُخَارِيّ فَجعله مثل المسندات يذكر الصَّحَابِيّ ثمَّ يذكر جَمِيع مَا رَوَاهُ من الْأَحَادِيث وَجعله باسم السُّلْطَان الظَّاهِر وَنسبه إِلَيْهِ توفّي هَذَا الْفَقِيه شهَاب الدّين الْمَذْكُور بعد سنة ثَلَاثِينَ وثمانمئة رَحمَه الله تَعَالَى وَمِنْهُم الإِمَام عفيف الدّين عُثْمَان بن عَليّ الْأَحْمَر قَرَأَ بالفقه والْحَدِيث والنحو على جمَاعَة من الْعلمَاء من بني النَّاشِرِيّ وَغَيرهم بِمَدِينَة زبيد وَأَجَازَ لَهُ الشَّيْخ مجد الدّين الشِّيرَازِيّ ونفيس الدّين الْعلوِي وَكَانَ رَفِيقه فِي الْقِرَاءَة القَاضِي جمال الدّين الطّيب بن أَحْمد النَّاشِرِيّ فَقَالَ لَهما الإِمَام الْعلوِي أما أَنْت يَا فَقِيه عُثْمَان فقد نفعك الله بِكَثْرَة جهدك وَأما أَنْت يَا طيب فقد نفعك الله ببركة والدك واشتهر بعد موت الإِمَام جمال الدّين الْعلوِي بِعلم الحَدِيث ولازم الْعِبَادَة والزهادة وَظَهَرت لَهُ الكرامات واعتقد أهل الْبَلَد فِيهِ الْخَيْر وَالصَّلَاح وَكَانَ بِهِ صمم قَلِيل لَا يسمع إِلَّا

من رفع صَوته وَتُوفِّي سنة ثَمَان وَثَلَاثِينَ وثمانمئة رَحمَه الله تَعَالَى وَمِنْهُم الإِمَام الْعَلامَة الْوَاعِظ كَمَال الدّين مُوسَى بن مُحَمَّد الضجاعي قَرَأَ وَسمع على الْأَئِمَّة من بني النَّاشِرِيّ وَغَيرهم وأجازوا لَهُ فدرس وَأفْتى وأضيف إِلَيْهِ الخطابة بِجَامِع زبيد فَكَانَ لوعظه موقع فِي الْقُلُوب ودام على ذَلِك مُدَّة طَوِيلَة وَقد أثنى عَلَيْهِ الإِمَام بدر الدّين حسن بن مُحَمَّد الشظبي ومدحه بِأَبْيَات فَقَالَ (إِذا رمت من وعظ شِفَاء فَإِنَّهُ ... بوعظ كَمَال الدّين للداء يستطب) (يَقُول مقَالا مستطابا لصدقه ... وَكم من مقَال لم يلذ ويستطب) (إِذا مَا ترقى منبرا فاح عنبرا ... وساعده فصل الْخطاب إِذا خطب) (فموسى بِهِ يوسي الكليم من الأسى ... على مَا أسى والمستقر الرسوخ طب) (فدامت بِهِ للدّين قُرَّة أعين ... وَبلغ من خير الحياتين مَا أحب) انْتَهَت إِلَيْهِ الرِّئَاسَة فِي علم الحَدِيث بعد موت الْفَقِيه عُثْمَان الْأَحْمَر وَكَانَ يدرس فِي علم الحَدِيث فِي الثَّلَاثَة الْأَشْهر رَجَب وَشَعْبَان ورمضان ويدرس فِي الْفِقْه بَاقِي السّنة وصنف كتابا سَمَّاهُ غَايَة الأمل فِي فصل الْعلم وَالْعَمَل وصنف غير ذَلِك واشتهر هَذَا الْفَقِيه بِالْعبَادَة والزهادة وَنسب إِلَيْهِ شَيْء من الكرامات وَتُوفِّي بِشَهْر ربيع الآخر سنة إِحْدَى وَخمسين وثمانمئة وعمره ثَمَانُون سنة وَمِنْهُم الْعَلامَة الإِمَام شمس الدّين عَليّ بن مُحَمَّد قحر قَرَأَ على أَئِمَّة أجلة كثيرا من أبلغهم فِي الْفِقْه جمال الدّين مُحَمَّد بن عبد الله الريمي وَالْإِمَام مجد الدّين

الشِّيرَازِيّ وَالْإِمَام نَفِيس الدّين الْعلوِي فِي الحَدِيث وَالتَّفْسِير وَكَانَ من أكَابِر الْعلمَاء الْمُفْتِينَ والمدرسين بِمَدِينَة زبيد وَهُوَ من شيوخي فِي علم الحَدِيث ورتب إِمَامًا بِمَسْجِد الأشاعر ودام على ذَلِك مُدَّة طَوِيلَة وَكَانَ القَاضِي شرف الدّين المقرىء معاصرا لَهُ وَقد يتَّفق بَينه وَبَينه اخْتِلَاف فِي مسَائِل فَيَأْتِي الْفَقِيه شمس الدّين بن قحر بنصوص الشَّافِعِي وَأَصْحَابه ويستدل بهَا على صدق قَوْله وَلما توفّي الإِمَام شرف الدّين بن المقرىء استقام هَذَا الإِمَام شمس الدّين بمكانه للتدريس وَالْفَتْوَى وصنف كتابا سَمَّاهُ الظَّاهِرِيّ باسم السُّلْطَان فَأَجَازَهُ السُّلْطَان على ذَلِك بمئة مِثْقَال وكساه وَقد أحسن إِلَيْهِ السُّلْطَان الظَّاهِر بإقامته بمرتبة الإِمَام شرف الدّين لما وجده وحيد عصره وفريد دهره بوقته فَبَقيَ الإِمَام ابْن قحر مسموع القَوْل مُطَاع الْكَلِمَة وَجمع من الْكتب شَيْئا كثيرا وضبطها أحسن ضبط وصححها وَنبهَ على دقائق فِي مَوَاضِع مِنْهَا وَتخرج بِهِ جمَاعَة من الْفُقَهَاء بزبيد وَطَالَ عمره فِي التدريس والإفادة للطلبة وَتُوفِّي سنة خمس وَأَرْبَعين وثمانمئة وقبر بِبَعْض مَقَابِر زبيد وَكَانَ لَهُ ولدان لَا نجابة فيهمَا فتوفيا بعد وَفَاته وَتَفَرَّقَتْ كتبه بَين أَوْلَاد الْأَوْلَاد مِمَّن لم يشْتَغل بِالْقِرَاءَةِ بل صَارُوا من عُمَّال النّخل الَّذين يستأجرون لذَلِك فَالْحَمْد لله على كل حَال وَمِنْهُم الْفَقِيه الْعَالم الصَّالح جمال الدّين مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم نَاصِر الْحُسَيْنِي قَرَأَ على الإِمَام شرف الدّين إِسْمَاعِيل بن أبي بكر المقرىء وَهُوَ أكبر شُيُوخه فِي الْيمن وعَلى غَيره من الْعلمَاء فجد واجتهد حَتَّى صَار عَالما عَاملا عابدا زاهدا صَالحا عَلَيْهِ سكينَة الْعلم ووقار التَّقْوَى وَقد أجَاز لَهُ الإِمَام الْجَزرِي وَالْإِمَام كَمَال الدّين مُوسَى الضجاعي فدرس وَأفْتى ورتب إِمَامًا بِمَسْجِد الأشاعر بعد موت الإِمَام شرف الدّين المقرىء

والأمام ابْن قحر وَقصد للزيارة وَظَهَرت لَهُ كرامات وَكَانَ منقوله كتاب الْحَاوِي الصَّغِير وَشرع بتصنيف شرح للمنهاج ومختصر للتفقيه وَلم يتممهما بل اخترمته الْمنية فَتوفي سنة ثَلَاث وَخمسين وثمانمئة وقبر بمجنة بَاب سِهَام وَكَانَ ينظم الشّعْر من ذَلِك جَوَابه على السُّؤَال الَّذِي أوردهُ الْفَقِيه إِبْرَاهِيم الإخفافي بقوله المنظوم الَّذِي أَوله (يَا أَيهَا الْعلمَاء يَا أَعْلَام ... أَنْتُم بدور والأنام ظلام) (رجل رأى امْرَأَة مُزَوّجَة على ... رجل سواهُ ودينها الْإِسْلَام) (وَلَقَد رَآهَا صبح جُمُعَة جَامع ... يَوْمًا بِهِ تتشرف الْأَيَّام) (فَأتى عَلَيْهِ الظّهْر وَهِي حَلَاله ... وأتى عَلَيْهِ الْعَصْر وَهِي حرَام) (هُوَ هَكَذَا فرض بِفَرْض لم يزل ... حلا وحرما كلهَا أَحْكَام) (كَانَ انتهاها مِنْهُ عشر فَرَائض ... مُتَوَالِيَات مَا بهَا إِبْهَام) (من ذَلِك الْيَوْم الْمشَار إِلَيْهِ لم ... يحدث عَلَيْهِ بذا الْجِمَاع أثام) (أَيجوزُ هَذَا وَالطَّلَاق ثَلَاثَة ... أم لَا يجوز فقصدنا الْإِعْلَام) فَأَجَابَهُ الإِمَام جمال الدّين بن نَاصِر رَحمَه الله بِجَوَاب منظوم ذَكرْنَاهُ فِي الأَصْل مضمونه أَن ذَلِك مُتَصَوّر بصور كَثِيرَة مِنْهَا أَن تكون قنة مُزَوّجَة على مُسلم ويطلقها وَهِي حَامِل فَتحل بِالْوَضْعِ وَمِنْهُم الْفَقِيه عفيف الدّين عُثْمَان بن عَليّ بن عُثْمَان بن عبد الله الخزرجي الْأنْصَارِيّ قَرَأَ فِي الحَدِيث وَالْفِقْه والنحو على الْفُقَهَاء من بني النَّاشِرِيّ وَغَيرهم من

فُقَهَاء زبيد وَأَجَازَ لَهُ الشَّيْخ مجد الدّين الشِّيرَازِيّ وَالْإِمَام نَفِيس الدّين الْعلوِي وَتُوفِّي سنة ثَمَان وَثَلَاثِينَ وثمانمئة وَمِنْهُم الْفَقِيه الْعَلامَة جمال الدّين مُحَمَّد بن أبي الْقَاسِم المقدشي قَرَأَ على جمَاعَة بفن الْأَدَب أشهرهم الْفَقِيه شمس الدّين عَليّ الأقعش ورتب مؤدبا لآولاد السُّلْطَان الْأَشْرَف بن الْأَفْضَل وهم الظَّاهِر وَإِخْوَته الصغار وَتخرج على يَدَيْهِ جمَاعَة فِي علم الْأَدَب وَكَانَ محققا مدققا لعلم النَّحْو كثير الصَّدَقَة وأفعال الْخَيْر وَحسن الظَّن بِجَمِيعِ النَّاس خالط مُلُوك الْوَقْت فنال الْإِحْسَان مِنْهُم وَتُوفِّي سنة اثْنَتَيْنِ وَأَرْبَعين وثمانمئة رَحمَه الله تَعَالَى ونفع بِهِ آمين وَمِنْهُم الْفَقِيه الْأَجَل الصَّالح عفيف الدّين أَبُو الْقَاسِم بن أبي بكر العسلقي قَرَأَ على جمَاعَة من الشُّيُوخ وَلزِمَ الِاعْتِكَاف فِي الْمَسَاجِد وجد واجتهد حَتَّى تأهل للتدريس وَالْفَتْوَى واشتغل بآخر عمره بكتب الزّهْد وَالرَّقَائِق ك الْإِحْيَاء ومنهاج العابدين والرسالة للقشيري وَاخْتصرَ كتاب إحْيَاء عُلُوم الدّين اختصارا حسنا وَتُوفِّي سنة خمس وَأَرْبَعين وثمانمئة رَحمَه الله ونفع بِهِ وَمِنْهُم الْفَقِيه الْعَلامَة شرف الدّين أَبُو الْقَاسِم بن عَليّ عرف بِابْن زبيدة قَرَأَ بفن الْأَدَب على الْفَقِيه جمال الدّين المقدشي الْمُقدم الذّكر ولازمه حضرا وسفرا حَتَّى برع بذلك فَأجَاز لَهُ ثمَّ أَخذ الْفِقْه عَن القَاضِي شهَاب الدّين أَحْمد بن أبي بكر النَّاشِرِيّ فَكَانَ نحويا محققا للمعاني وَالْبَيَان والأصلين والمنطق وَغير ذَلِك وَسمع على القَاضِي مجد الدّين شَيْئا من التَّفْسِير والْحَدِيث ثمَّ على الإِمَام الْجَزرِي وَتخرج بِهِ جمَاعَة من عُلَمَاء الْبَلَد وأضيف إِلَيْهِ شَيْء من الْأَسْبَاب فَلَمَّا ضعفت الدولة الرسولية تنقل إِلَى مَوَاضِع كَثِيرَة من الْيمن وَقصد الْمَشَايِخ من السَّادة الْوُلَاة بني طَاهِر فَأحْسنُوا إِلَيْهِ إحسانا كليا ثمَّ سَافر إِلَى مَكَّة المشرفة فحج وزار قبر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثمَّ رَجَعَ إِلَى مَكَّة

المشرفة وَتُوفِّي بهَا سنة سبع وَخمسين وثمانمئة وَكَانَت لَهُ الْيَد الطُّولى فِي الشّعْر وَمِنْهُم الشَّيْخ الْوَلِيّ الصَّالح شهَاب الدّين أَحْمد بن مُحَمَّد بن أَفْلح كَانَت لَهُ عبَادَة وزهادة ودأبه الِاعْتِكَاف فِي الْمَسَاجِد وَالصَّلَاة والتلاوة لكتاب الله تَعَالَى وَالذكر وَكَانَ متقللا من الدُّنْيَا وَمن جَاءَهُ بِشَيْء مِنْهَا أَخذ مِنْهُ قدر حَاجته لوقته إِذا تحقق حلّه واشتهرت لَهُ كرامات ويخبر عَن شَيْء من المغيبات بِمَا شهد لَهُ أَنه قطب الْوُجُود لوقته وَتُوفِّي سنة سِتِّينَ وثمانمئة فشيعه مُعظم أهل زبيد وتزاحموا على حمل جنَازَته وَكَانَ مِمَّن حملهَا خَليفَة الْوَقْت الْمقَام شمس الدّين عَليّ بن طَاهِر وَأجْمع أهل الْبَلَد أَنه لم يكن فِي وقته بزهده وورعه وعبادته وانقطاعه إِلَى الله تَعَالَى مثله وَقد قيل إِنَّه من ذُرِّيَّة الشَّيْخ عَليّ بن أَفْلح الْقَدِيم الَّذِي قيل إِنَّه شيخ أبي الْغَيْث بن جميل نفع الله بهم وَمن الْفُقَهَاء بِمَدِينَة زبيد الْفَقِيه الْعَلامَة تَقِيّ الدّين عمر بن مُحَمَّد بن معيبد الْأَشْعَرِيّ الشهير بالفتى قَرَأَ بفن الْفِقْه على الإِمَام شرف الدّين أسماعيل المقرىء وبالنحو على الْفَقِيه بدر الدّين حسن بن مُحَمَّد الشظبي وَقَرَأَ على غَيرهمَا من أَئِمَّة وقته فأجازوا لَهُ فدرس وَأفْتى وافاد وأجاد وصنف كتبا مِنْهَا النكيتات الخفيات على الْمُهِمَّات يحتوي على ثَلَاثمِائَة اعْتِرَاض وَقد قَالَ الْعلمَاء إِن فِي ذَلِك نظرا وَألف مهمات الْمُهِمَّات وكتابا سَمَّاهُ الأبريز الغالي على وسيط الْغَزالِيّ

وَاخْتصرَ كتاب الْأَنْوَار بمختصر سَمَّاهُ أنوار الْأَنْوَار وَله غير ذَلِك وَحصل بَينه وَبَين الْفَقِيه شمس الدّين عَليّ بن عطيف اليمني المجاور بِمَكَّة مباحثات وَاخْتِلَاف فِي مَسْأَلَة حدثت وَذَلِكَ أَن امْرَأَة نذرت بصداقها على غير الزَّوْج وَقد كَانَ الزَّوْج حصل مِنْهُ تَعْلِيق الطَّلَاق على بَرَاءَته من الصَدَاق فأبرأته بعد إِنْكَاره النّذر وَقد ذكرت ذَلِك فِي الأَصْل وَلم يزل الْفَقِيه تَقِيّ الدّين مُفِيدا للطلبة فِي مَدِينَة زبيد باذلا نَفسه لنشر الْعلم متواضعا مُجْتَهدا بِالْعبَادَة جَارِيا على قَاعِدَة الْعلمَاء العاملين وَهُوَ من أشهر الْعلمَاء بِهَذَا الْعَصْر وَله ولد نجيب قَرَأَ على وَالِده وانتفع وَهُوَ يدرس ويفتي بوصاب السافل وَسبب انْتِقَاله مَا حدث فِي زبيد ايام العبيد من الْخَوْف فتأهل الْفَقِيه تَقِيّ الدّين بهَا وَحدث لَهُ بهَا هَذَا الْوَلَد فَبَقيَ هُنَاكَ وَرجع الْفَقِيه تَقِيّ الدّين إِلَى مَدِينَة زبيد عِنْد زَوَال الْخَوْف بهَا وملكها السَّادة بني طَاهِر وَلم يزل على الْحَال المرضي إِلَى أَن توفّي رَحمَه الله تَعَالَى سنة ثَلَاث وَثَمَانِينَ وثمانمئة وَمِنْهُم الْفَقِيه الْعَلامَة كَمَال الدّين مُوسَى بن أَحْمد بن عَليّ بن عجيل الْمَشْهُور بالمشرع وَلَيْسَ هُوَ من ذُرِّيَّة المشرع الْمَشْهُور بل هُوَ ابْن عَم أَبِيه فَجَمِيع أهل هَذَا الْبَيْت يعْرفُونَ ببني المشرع تفقه هَذَا الْفَقِيه بالفقيه عفيف الدّين عبد الله بن أبي الْقَاسِم الأكسع وبالفقيه رَضِي الدّين أبي بكر بن إِبْرَاهِيم بن جعمان وَغَيرهم وأجازوا لَهُ فدرس وَأفْتى ثمَّ قَرَأَ على القَاضِي جمال الدّين الطّيب بن أَحْمد النَّاشِرِيّ فِي الحَدِيث وَالْفِقْه وَسمع عَلَيْهِ وَأذن لَهُ بالإفتاء بِمَدِينَة زبيد ثمَّ جرت بَينهمَا أُمُور تولد مِنْهَا وَحْشَة بَينه وَبَين بني النَّاشِرِيّ فَلَمَّا استقام الْمقَام شمس الدّين عَليّ بن طَاهِر بِملك الْيمن لَاذَ الْفَقِيه كَمَال الدّين بالمقرىء شمس الدّين يُوسُف بن يُونُس الجبائي فتوسط لَهُ إِلَى

الْمقَام شمس الدّين بإقامته بِبَعْض الْأَسْبَاب بزبيد فأقيم لَهُ مَا كَفاهُ مِنْهَا بِمَدِينَة زبيد واشتهر لَهُ ولد نجيب هُوَ الشَّيْخ الصَّالح شهَاب الدّين أَحْمد قَرَأَ بالفقه على وَالِده وعَلى الْفَقِيه الصّديق بن جعمان وعَلى غَيرهمَا ثمَّ صحب السَّادة الصُّوفِيَّة هُنَالك وَقَرَأَ عَلَيْهِم فِي كتبهمْ كالرسالة للقشيري وعوارف المعارف للسهروردي وَقطعَة من نَوَادِر الْأُصُول للحكيم التِّرْمِذِيّ ولازم الْوُقُوف عِنْد قبر الإِمَام أَحْمد بن مُوسَى بن عجيل وعد من خَواص الْفَقِيه الصَّالح أبي الْقَاسِم بن جعمان فَلَمَّا توفّي شَيْخه ابْن جعمان سكن بَيت الْفَقِيه ابْن العجيل وتحكم على يَده جمَاعَة من الْفُقَرَاء وَهُوَ لَا يرد سَائِلًا مِمَّا بِيَدِهِ وَلَو ثِيَابه الَّتِي يلبسهَا واجتهد بِالْعبَادَة وَالْقِيَام بإكرام الضَّيْف وَالِاجْتِهَاد بِقَضَاء حَاجَة ذِي الْحَاجة فوصلته الْهَدَايَا وَالنُّذُور من بلدان كَثِيرَة فَكل مَا اجْتمع مَعَه من ذَلِك فرقه على الْفُقَرَاء فَإِذا فني مَا بِيَدِهِ علق الزنبيل بِيَدِهِ وَدَار هُوَ وَبَعض فقرائه يسْأَلُون فَلَا يردهم أحد وَظَهَرت لَهُ كرامات وَهُوَ ووالده على قيد الْحَيَاة عِنْد جمع هَذَا الْمَجْمُوع نفع الله بهما آمين وَمِنْهُم الْفَقِيه الْعَلامَة وجيه الدّين عبد الرَّحْمَن بن أبي بكر الفرسي الْمَشْهُور بالشويهر هُوَ فَقِيه حَنَفِيّ فَرضِي نحوي لَهُ الباع الأطول فِي الْعُلُوم العقليات وَفِيه الزهادة وَالْعِبَادَة وَمِنْه تجتنى نخب الْعلم المستفادة وَله شعر حسن مِنْهُ مَا قَالَه فِي الْفَقِيه أعظم بن أبي الْبَقَاء الْهِنْدِيّ الْوَافِد إِلَى الْيمن سنة ثَمَان وَسِتِّينَ وثمانمئة وَأقَام بزبيد يقرىء ويدرس فِي الْعُلُوم العقليات فَلَمَّا أَرَادَ أَن يُسَافر إِلَى بَلَده الْهِنْد قَالَ فِيهِ الْفَقِيه وجيه الدّين أبياتا من قصيدة طَوِيلَة أَولهَا (آنستنا يَا أعظم ابْن أبي البقايا ... يَا من تأزر فِي ملابيس التقى) (أَحييت ميت الْعلم بعد وَفَاته ... وَفتحت مَا قد كَانَ مِنْهُ استغلقا)

(يَا لَيْت شعري أَن رحلت مودعا ... عَن أَرْضنَا فَمَتَى يكون الْمُلْتَقى) وَالْقَصِيدَة مَعْرُوفَة قد أثبتها فِي الأَصْل فَأَجَابَهُ الْفَقِيه أعظم بقصيدة أَولهَا (أَلا يَا صَاحب القَوْل السديد ... لأَنْت الْيَوْم أشعر من لبيد) (وأفصح كل ذِي علم وَفضل ... وَأصْلح صالحي أَهلِي الزبيد) وَهِي طَوِيلَة ذكرتها فِي الأَصْل وللفقيه وجيه الدّين هَذَا مدائح كَثِيرَة فِي النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم توفّي الْفَقِيه وجيه الدّين الشويهر بِشَهْر صفر سنة أَربع وَسبعين وثمانمئة رَحمَه الله تَعَالَى وَمن أهل زبيد الْفَقِيه الْعَلامَة عفيف الدّين عبد الله بن مُوسَى الذؤالي كَانَ رجلا فَاضلا عَالما ذَا براعة وفصاحة فِي الشّعْر وَقد ذكرت بعض ذَلِك فِي الأَصْل وختمت القَوْل فِي ذكر الْفُضَلَاء وَالْعُلَمَاء بِمَدِينَة زبيد بِهَذَا الْفَقِيه كَمَا بدأت بِذكر وَالِده وَلم أستوعب ذكر جَمِيع الْعلمَاء وَالْفُقَهَاء بِمَدِينَة زبيد وَمَا والاها لعلمي أَن الشَّيْخ بدر الدّين حُسَيْن الأهدل وَغَيره كالشيخ أَحْمد بن أبي بكر بن سَلامَة وَغَيرهم قد جمعُوا فِي ذكر أهل تهَامَة تواريخ حَسَنَة فاكتفيت بِمَا قد جَمَعُوهُ وَلم أذكر إِلَّا مَا بَلغنِي علمه من أهل وقتنا على الشَّرْط الْمَذْكُور أول الْكتاب وَأما السَّادة الْعلمَاء من بني النَّاشِرِيّ فقد صنف المقرىء عفيف الدّين عُثْمَان النَّاشِرِيّ فِي ذكرهم وَتَحْقِيق نسبهم مصنفا جعله مجلدا كَبِيرا وَجعل لَهُم شَجَرَة جمعهم بهَا وَذكر من سكن زبيد وَمن سكن غَيرهَا مِنْهُم وَقد أَحْبَبْت أَن أتبرك بِذكر أعلمهم وأفضلهم بوقتنا وَهُوَ شَيْخي الإِمَام الْعَلامَة الصَّالح الْعَامِل الزَّاهِد جمال الدّين الطّيب بن أَحْمد النَّاشِرِيّ فَهُوَ الإِمَام الْمجمع على جلالته وفضله وتضلعه فِي الْعُلُوم

قَرَأَ على وَالِده ولي الله القَاضِي شهَاب الدّين أَحْمد النَّاشِرِيّ ثمَّ على غَيره من فُقَهَاء مَدِينَة زبيد وَغَيرهم بِجَمِيعِ فنون الْعلم وَأَجَازَ لَهُ الشُّيُوخ الْكِبَار فِي مَكَّة المشرفة وَالْمَدينَة الشَّرِيفَة عِنْد أَن سَافر لِلْحَجِّ والزيارة وَأَجَازَ لَهُ الشَّيْخ مجد الدّين الشِّيرَازِيّ وَالشَّيْخ شمس الدّين الْجَزرِي وَقد جمع الْمَشَايِخ الَّذين قَرَأَ عَلَيْهِم وأجازوا لَهُ فِي كراسة جعلهَا عِنْده واشتهر بِحسن التدريس وَالصَّوَاب فِي الْفَتْوَى وناب لِعَمِّهِ القَاضِي شمس الدّين عَليّ النَّاشِرِيّ بِالْقضَاءِ الْأَكْبَر ثمَّ اسْتَقل بِهِ بعد موت عَمه ورزق الجاه الْكَبِير عِنْد الْخَاص وَالْعَام وَرَفعه السُّلْطَان الظَّاهِر على جَمِيع النَّاس بِمَا يسْتَحقّهُ من فضل الْعلم مَعَ ورعه وزهادته الْمجمع عَلَيْهِ وأحبه النَّاس وانتفعوا بِهِ انتفاعا كثيرا وَقصد للمهمات وأطاعوه وامتثلوا أمره وصنف كتابا مُفِيدا نَحْو الشَّرْح للحاوي الصَّغِير سَمَّاهُ الْإِيضَاح نَحْو مجلدين أَتَى فِيهِ بمعظم الغرائب والنكت على بعض أَلْفَاظ الْحَاوِي جمع فِيهِ متفرق الْكَلَام كالتحرير لأبي زرْعَة والمفتاح لِابْنِ كبن والأذرعي والجواهر والمهمات وَشرح الْحَاوِي وَغير ذَلِك من كَلَام الْمُتَأَخِّرين من أهل الْعَصْر وَغَيرهم وَقد اشْتهر وانتشر وتلقاه النَّاس عَامَّة فِي الْيمن وَمَكَّة وَالشَّام بِالْقبُولِ ومدحه بعض الْفُضَلَاء البلغاء فَقَالَ هُوَ كتاب عدم نَظِيره فِي مَا مضى من الْأَيَّام وَعز وجود مثله فِي الدهور والأعوام لم ينسج على منواله وَلَا يتَصَدَّى أحد من الْعلمَاء لمثاله فَمَا لمثله فِي الْوُجُود وجود كَمَا أَن نَظِير مُؤَلفه فِي الْعَالم لمفقود وَزَاد على ذَلِك شَيْئا كثيرا مِمَّا قد ذكرته فِي الأَصْل وَقد مد الله فِي عمر هَذَا الإِمَام وَبَارك لَهُ فِيهِ حَتَّى نَيف على ثَمَانِينَ سنة ورزقه الله أَوْلَادًا نجبا وَقد قَالَ الأول (نعم الْإِلَه على الْعباد جليلة ... وأجلهن نجابة الْأَوْلَاد)

وهم جمَاعَة كثير أكبرهم الْفَقِيه شهَاب الدّين أَحْمد قَرَأَ على وَالِده فِي الْفِقْه والنحو والْحَدِيث وَقَرَأَ على غَيره وأجازوا لَهُ واجتهد حَتَّى برع وكمل وافتى ودرس ثمَّ صنوه الْفَقِيه عفيف الدّين عبد الله قَرَأَ أَيْضا على وَالِده بالفقه والْحَدِيث والنحو وَقَرَأَ بالقراءات الْعشْر على المقرىء شمس الدّين عَليّ بن مُحَمَّد الشرعبي وعَلى غَيره من أَئِمَّة الْقُرْآن وَقَرَأَ بفن الْأَدَب على أَئِمَّة من أهل الْوَقْت فنجب وأعجب ودرس وَأفْتى وَله الشُّهْرَة فِي ذَلِك زِيَادَة على أَخِيه الْمُقدم الذّكر ثمَّ صنوهما الْفَقِيه وجيه الدّين عبد الرَّحْمَن قَرَأَ على وَالِده بالفقه والْحَدِيث ثمَّ على غَيره وَله الذكاء والذهن الصافي وَالنَّظَر التَّام فِي الْمسَائِل الدقيقة يتَكَلَّم على مَا فِيهَا ويشفي فِي الْجَواب عَلَيْهَا من النُّصُوص والاستنباط العجيب وَلم يزل باذلا نَفسه للطلبة وَأكْثر أوقاته فِي خدمَة الْعلم الشريف وَهُوَ آخذ بالترقي إِلَى الْمَرَاتِب الْعلية فَكل وَاحِد من هَؤُلَاءِ الثَّلَاثَة كَامِل عَارِف عَالم عَامل لَا يجْرِي أحد من أهل وقتهم فِي ميدانهم بِمَا يفضلهم فِيهِ وَكفوا والدهم عِنْد عَجزه جَمِيع مَا أهمه فِي جَمِيع الْأُمُور فَبَقيَ بَينهم فِي أهنى عَيْش وأرغده وَصَارَت الرِّئَاسَة لَهُم فِي وقتهم ورثوا ذَلِك كَابِرًا عَن كَابر وَتُوفِّي الإِمَام جمال الدّين الطّيب النَّاشِرِيّ بِشَهْر شَوَّال سنة أَربع وَسبعين وثمانمئة رَحمَه الله ونفع بِهِ

القول في ذكر من تحققنا حاله من أهل لحج وعدن ومن توفي هناك ممن وفد إليها

القَوْل فِي ذكر من تحققنا حَاله من أهل لحج وعدن وَمن توفّي هُنَاكَ مِمَّن وَفد إِلَيْهَا فَمنهمْ القَاضِي الْأَجَل الإِمَام الْعَلامَة جمال الدّين مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن العواجي الْمَالِكِي وصل جده الْفَقِيه مُحَمَّد بن أبي الْقَاسِم من عواجه إِلَى قَرْيَة بِنَا أبه الَّتِي تسميها الْعَامَّة منيبة أَيَّام السُّلْطَان الْمُجَاهِد فولد لَهُ بهَا عبد الرَّحْمَن وَعبد الله فَمن أَوْلَاد عبد الرَّحْمَن الإِمَام جمالد الدّين مُحَمَّد الْمَذْكُور كَانَ فَقِيها عَالما فَاضلا لَهُ فِي علم الْأَدَب الْيَد الطُّولى وَمن الفصاحة وَالْقُدْرَة عل جزالة القَوْل وبراعة النّظم مَا إِلَيْهِ النِّهَايَة فَكَانَ مَسْكَنه بناأبه يدرس ويفتي فانتهت إِلَيْهِ الرِّئَاسَة هُنَالك وَلما اشتهرت القصيدة الَّتِي أَنْشَأَهَا الشَّيْخ شهَاب الدّين أَحْمد بن مُحَمَّد بن خمرطاش الْمَشْهُورَة الَّتِي أَولهَا فَقَالَ فِيهَا (تأوب الْقلب تباريح الجوى ... وعاده عَائِد شوق قد نوى) يمدح بهَا قحطان ويعرب والأوس والخزرج من الْأَنْصَار وذم قُريْشًا وَهِي نَحْو

ثلاثمئة بَيت وَعشْرين بَيْتا فَانْتدبَ للجواب عَلَيْهَا جمَاعَة جود فِيهَا وَطول ثمَّ أَن القَاضِي جمال الدّين مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن العواجي الْمَذْكُور أَولا رد على ابْن خمرطاش كَلَامه بمقصورة سَمَّاهَا النفحة الروحانية والدرة العدنانية وَفِي ضمنهَا مدح قُرَيْش وَذكر جودهم وهجا فِيهَا غَسَّان وَمن انْتَمَى إِلَيْهِم من قحطان ويعرب وَغَيرهم وَهِي نَحْو ستمئة بَيت ونيف وَسبعين بَيْتا فَانْتدبَ للجواب عَلَيْهِ الشَّيْخ عَليّ بن حسن الخزرجي المؤرخ بقصيدة سَمَّاهَا الروحة اليعربية والنفحة الخزرجية مدح بهَا غَسَّان وَكَانَت لَهُ المكانة الْعَالِيَة عِنْد السُّلْطَان الْأَشْرَف مُوَافقَة لَهُ من تَعْظِيم نِسْبَة كَمَا هُوَ ينتسب إِلَى غَسَّان وَقد أَتَى فِي الْجَواب قبل النّظم بِخطْبَة بليغة نثرا فَلم يقدر العواجي يرد عَلَيْهِ جَوَابا من السُّلْطَان وَقد انتدب للجواب جمَاعَة مِنْهُم الإِمَام جمال الدّين مُحَمَّد بن عَليّ الرَّاعِي البَجلِيّ شَاعِر الدولة الْأَفْضَلِيَّة بقصيدة قَالَ فِي أَولهَا (إِنْكَار فضل رجال الْفضل نُقْصَان ... لَا يمتري فِيهِ إنسي وَلَا جَان) وَقد صوب الْعلمَاء كَلَام من رد على ابْن خمرطاش والخزرجي وضعفوا كَلَام من انتصر لَهما هَذَا كُله وَالْإِمَام جمال الدّين العواجي فِي رِبَاط هقرة خَائِف من السُّلْطَان وَكَانَ ينشر الْعلم فِي التدريس وَالْفَتْوَى فَنقل الثِّقَة عَنهُ أَنه قَالَ رَأَيْت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فتفل فِي فِي قَالُوا فازداد بلاغة تعبرات حَسَنَة لَا يقدر عَلَيْهَا غَيره ثمَّ إِن صَاحب هقرة شفع للْقَاضِي الْمَذْكُور فَقبل شَفَاعَته وَلم يُعَاقب القَاضِي جمال الدّين بِشَيْء مِمَّا ذمّ بِهِ غَسَّان وَإِنَّمَا قَالَ لَهُ عِنْد وُصُوله إِلَيْهِ يَا قَاضِي جمال الدّين قطعت الشَّجَرَة من أَصْلهَا فَاعْتَذر إِلَيْهِ القَاضِي جمال الدّين ثمَّ أَقَامَ حجَّة قبلهَا مِنْهُ السُّلْطَان وَعَفا عَنهُ وولاه الخطابة ببناأبه مَعَ ولَايَة الْقَضَاء هُنَالك وبعدن إِلَى أَن توفّي سنة

ثَمَانِينَ وثمانمئة ببناأبه رَحمَه الله تَعَالَى ثمَّ لما توفّي الإِمَام العواجي خَلفه بمنصبه وَلَده الْفَقِيه شهَاب الدّين أَحْمد فَقَامَ قيَاما تَاما وَكَانَ لَهُ الجاه العريض وَالْكَرم المستفيض فغايره بعض أهل الْأَمر وحبسه فِي عدن وصادره بِأخذ شَيْء كَبِير من المَال سلمه ثمَّ خرج من الْحَبْس مبطونا فَمَاتَ رَحمَه الله فِي آخر الشَّهْر الَّذِي خرج فِيهِ من الْحَبْس وقبر فِي مَقْبرَة بناأبه رَحمَه الله ونفع بِهِ وَمِنْهُم القَاضِي الْأَجَل جمال الدّين مُحَمَّد بن عَليّ وَقد سمي بطال بن مياس كَانَ فَقِيها عَالما مدرسا مفتيا تولى الْقَضَاء فِي لحج وَحمد فِي أَحْكَامه وَحسن سيرته وَتُوفِّي بِشَهْر رَجَب سنة سبع عشرَة وثمانمئة وَنَشَأ لَهُ ولدان نجيبان أَحدهمَا اسْمه أَحْمد قَرَأَ على وَالِده وعَلى غَيره من فُقَهَاء وقته فَنَشَأَ أحسن نشوء كتب إِلَيّ بعض البلغاء ديمته فِي الْعلم غزيرة وعومته فِيهِ عميقة وَكَانَ وَالِده دونه وَانْفَرَدَ هَذَا الْوَلَد بِزِيَادَة على البلاغة بفن الْأَدَب والإنشاء فَطَلَبه السُّلْطَان النَّاصِر لذَلِك فضرع وَالِده إِلَى السُّلْطَان أَن يعذرهُ عَن ذَلِك فأعفاه وَتُوفِّي قبل وَالِده بِنصْف سنة قبل سنة سِتّ عشرَة وثمانمئة وَأما الْوَلَد الثَّانِي فَسَماهُ عبد الْقَادِر كَانَ ذكيا حاذقا فطنا لبيبا وَكَانَ خَطِيبًا بقرية بناأبه ثمَّ توفّي إِلَى رَحْمَة الله تَعَالَى سنة ثَلَاث وَسِتِّينَ وثمانمئة وَمِمَّنْ تولى الخطابة مِنْهُم ببنا أبه بعد الَّذِي تقدّمت وفاتهم القَاضِي وجيه الدّين عبد الرَّحْمَن بن مياس كَانَ صيتًا وَإِذا خطب خشع فيخشع النَّاس بخشوعه دَامَ على الْخطْبَة وأسن ثمَّ توفّي بعد سنة عشْرين وثمانمئة وَله ولد يُسمى عبد الْقَادِر هُوَ الْآن خطيب الرعارع وَهُوَ حسن الصَّوْت طيب النغمة يحفظ من الْخطب البليغة شَيْئا كثيرا فيزينها بِلَفْظِهِ الدُّرِّي فتؤجل

الْقُلُوب ويسكب من سَمعهَا لرقتها الْقُلُوب طَال عمره حَتَّى أسن وَهُوَ مجلل مُحْتَرم عِنْد الْوُلَاة وَعَامة النَّاس فَإِذا خطب بكاء وأبكى فَهُوَ شَاب حدث تُسنم الْمجد وارتقى الْمَكَان الصعب كَأَنَّهُ من أبنا الصباري لَهُ فصاحة وَهُوَ من طلبة الْعلم الشريف الَّذِي ظَهرت فِيهِ النجابة وَمن أهل لحج الْفَقِيه جمال الدّين مُحَمَّد بن المندحي قَرَأَ الْفِقْه على الْفَقِيه عَليّ بن عفيف الْحَضْرَمِيّ فَلَمَّا اسْتَفَادَ أضيف ولَايَة القضا بالجهات سنة سِتّ وَثَلَاثِينَ وثمانمئة وَكَانَ أَبوهُ مولى لبَعض أهل مندحة الْقرْيَة الْمَعْرُوفَة هُنَالك وَلم يزل هَذَا الْفَقِيه جمال الدّين يُفْتِي ويدرس وَيحكم إِلَى أَن توفّي سنة سبع ووثمانمئة وَمن الْقُضَاة بلحج القَاضِي عفيف الدّين عبد الله بن عَليّ النَّاشِرِيّ انْتقل من بَلْدَة زبيد إِلَى لحج سنة خمسين وثمانمئة وَله الْيَد الطُّولى فِي علم الْفُرُوع وَعَلِيهِ السكينَة وَالْوَقار وَقد ذكره المقرىء عفيف الدّين عمر النَّاشِرِيّ فِي كِتَابه الَّذِي جمعه فِي تَارِيخ أَهله الناشرين وَمن أهل لحج الْفَقِيه شهَاب الدّين أَحْمد بن عَليّ بن رَاجِح قَرَأَ على القَاضِي جمال الدّين أَبُو شكيل فِي الْفِقْه وَغَيره فَفتح عَلَيْهِ وَأَجَازَ لَهُ فدرس وَأفْتى فِي قَرْيَة بناأبه وَهُوَ ورع حَرِيص على دينه لَهُ الْعِفَّة وَشرف النَّفس مَشْهُور فِي الذكاء ودام على الْحَال المرضي وَمن أهل اللخبة القَاضِي رَضِي الدّين أَبُو بكر بن أَحْمد بن دربين قَرَأَ على

جمَاعَة من أَئِمَّة وقته ورتب خَطِيبًا فِي اللخبة وأضيف إِلَيْهِ ولَايَة القضا بجهاتها وَقد أثنوا عَلَيْهِ ثَنَاء مرضيا وَحكي عَنهُ حسن حَاله وَلم يزل على ذَلِك حَتَّى توفّي سنة 825 وَمن أهل لحج الْفَقِيه الْعَلامَة جمال الدّين مُحَمَّد بن إِدْرِيس الْعلوِي كَانَ فَقِيها مدْركا عَالما عَاملا كَانَ ووالده فقيهين عَالمين واشتهر هَذَا الْفَقِيه جمال الدّين مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن إِدْرِيس بفن الْأَدَب والبلاغة والفصاحة فِي الشّعْر يفد على الأكابر فيجيزونه الجوائز السّنيَّة وَكتب إِلَى السُّلْطَان الْملك الظَّاهِر بديعية عَجِيبَة حذا بهَا حَذْو الصفي الْحلِيّ وَشَرحهَا شرحا عجيبا وَضمن الشَّرْح وَالْقَصِيدَة أنواعا من البديع مِنْهَا فِي الاقتباس قَوْله مَاذَا أَقُول وَفِي {مَا ضل صَاحبكُم وَمَا غوى} مدح أزرت بمدح فمي والصفي الْحلِيّ قَالَ فِي مثل ذَلِك (هذي عصاتي الَّتِي فِيهَا مآرب لي ... وَقد أهش بهَا طورا على غنمي) أَشَارَ بذلك إِلَى قَوْله تَعَالَى فِيمَا قصه عَن مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام حَيْثُ قَالَ {قَالَ هِيَ عصاي أتوكأ عَلَيْهَا وأهش بهَا على غنمي} والصفي الْحلِيّ تخَلّل فِي نظمه شَيْء أَجْنَبِي غير الْآيَة الشَّرِيفَة فَقَالَ الْعلوِي أَنا أتيت بِآيَة كَامِلَة فِي بَيت وَاحِد وَلم يَتَخَلَّل بَينهمَا كَلَام أَجْنَبِي فأحال لَهُ السطان على الْمُتَوَلِي بحصن تعز بخمسمئة دِينَار فمطله بهَا فهجاه الْعلوِي فَشَكَاهُ إِلَى السُّلْطَان فَأذن لَهُ السُّلْطَان بتأديبه فَأَرَادَ قَتله فشفع لَهُ الإِمَام الْأَكْبَر جمال الدّين الْأَكْبَر بن الْخياط فَقبل شَفَاعَته فِيهِ على شَرط أَن لَا يُوجد فِي الْبَلَد وَأطْلقهُ فطلع بلد الْجبَال ووفد على الأكابر ثمَّ على الشريف عَليّ بن

صَلَاح ومدحه بغرر من القصائد فَأحْسن إِلَيْهِ ثمَّ رَجَعَ إِلَى بَلَده ونظم أرجوزة سَمَّاهَا تذكرة الغبي فِي عدَّة أَزوَاج النَّبِي وَله فِي الرَّد على الأبيات الَّتِي نسبت إِلَى ابْن دَقِيق الْعِيد وَهِي وَمَا فِيهَا مَشْهُورَة مَذْكُورَة فِي الأَصْل وأولها (أهل المناصب فِي الدُّنْيَا ورفعتها ... أهل الْفَضَائِل مرذولين بَينهم) فَقَالَ القَاضِي جمال الدّين مناقضا لَهُ (خير الْمَرَاتِب فِي الدُّنْيَا لكل فَتى ... فِي الْعلم وَالْعَمَل المرضي لَهُ قدم) (فَذَاك أَجْدَر فِي الدُّنْيَا وآخرة ... بِكُل مرتبَة لم يعلها قدم) (وَلَيْسَ للجاهل الْمَغْرُور مرتبَة ... وَإِن يكن عِنْده اللَّذَّات وَالنعَم) (وَأي قدر لأهل الْجَهْل قاطبة ... الْقدر للْعُلَمَاء وَالْحكم وَالْحكم) (يسوقهم بضياء الْعلم سوق هدى ... كَمَا يساق إِلَى مرعائها الْغنم) ثمَّ إِن هَذَا الْفَقِيه سَافر إِلَى مَكَّة المشرفة فحج وزار قبر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثمَّ سَافر إِلَى مصر فَأَقَامَ بهَا معززا مكرما إِلَى أَن توفّي بهَا سنة إِحْدَى وَأَرْبَعين وثمانمئة وَمن المتوفين بلحج من الوافدين إِلَيْهَا الْفَقِيه الْعَلامَة شهَاب الدّين أَحْمد بن مُحَمَّد الْحرَازِي قَرَأَ الْفِقْه على الْفَقِيه جمال الدّين العوادي وعَلى غَيره وَأَجَازَ لَهُ الإِمَام نَفِيس الدّين الْعلوِي وَالشَّيْخ مجد الدّين الشِّيرَازِيّ فَأفْتى ودرس بِالزِّيَادَةِ الفرحانية بِمَدِينَة تعز مُدَّة طَوِيلَة ثمَّ تولى الْقَضَاء بلحج فانتقل إِلَيْهَا وَحكم وَأفْتى ودرس بهَا

وَبَقِي على الْحَال المرضي إِلَى أَن توفّي بعد سنة خمسين وثمانمئة وَمِنْهُم الإِمَام الْعَلامَة ذُو الْفُنُون العديدة والعلوم المفيدة حسام الدّين عبد الْوَهَّاب بن عبد الله السراف النهام قَرَأَ على الإِمَام الْقُدسِي الْمَذْكُور بَين أهل زبيد بفن الْأَدَب وَقَرَأَ على غَيرهمَا بِسَائِر الْعُلُوم فَكَانَ إِمَامًا فِي اللُّغَة والنحو وَالْأُصُول والمعاني وَالْبَيَان مشاركا بغَيْرهَا من سَائِر الْعُلُوم وَكَانَت لَهُ وجاهة عِنْد الْمُلُوك وَهُوَ مُؤذن الْأَشْرَف بن الظَّاهِر فَلَمَّا تولى الْأَشْرَف السلطنة كَانَ يحسن إِلَيْهِ وقربه لَدَيْهِ وأضاف إِلَيْهِ من الْأَسْبَاب شَيْئا كثيرا فدرس فِي علم الْأَدَب وَفضل على شَيْخه الْمَقْدِسِي وَغَيره وانتفع عَلَيْهِ جمَاعَة بِعلم النَّحْو كالمقرىء شمس الدّين يُوسُف بن يُونُس الجبائي وَغَيره ثمَّ إِن السُّلْطَان الْملك الْأَشْرَف أرْسلهُ إِلَى عدن لبَعض مقاصده فَأَقَامَ بهَا اياما ثمَّ رَجَعَ قَافِلًا فَلَمَّا وصل اللخبة من قرى لحج مرض وَتُوفِّي هُنَالك بِشَهْر رَجَب سنة أَربع وَأَرْبَعين وثمانمئة وَمن شعره مَا كتبه إِلَى بعض أصدقائه يطْلب مِنْهُ قَضَاء حَاجَة فَقَالَ (سَلام يحاكي الْمسك طيب ذكائه ... وَيُشبه ضوء الشَّمْس وسط سمائها) (عَلَيْك جمال الدّين مَا لَاحَ بارق ... وَمَا هملت سحب السَّمَاء بِمَائِهَا) (وَقد عرضت لي يَا فَتى الْجُود حَاجَة ... فحقق رجائي باعتناء قَضَائهَا) وَله غير ذَلِك من الشّعْر وَله فِي مسَائِل من النَّحْو تدقيق يدل على غزارة علمه وحرزه

وَأما ثغر عدن فقد قَالَ بعض أَهله من الْعلمَاء والفضلاء بِأَنَّهُ قديم الْهِجْرَة أزلي حُصَيْن لم تزل الْبركَة فِيهِ ظَاهِرَة وساكنة مَرْحُوم ملاطف وَالْغَالِب على سكنته الْخُشُوع وسلامة الصَّدْر وَلم يزَالُوا مثابين مَأْجُورِينَ لَا تكالهم على الله بمكثهم فِي جَزِيرَة لَا نَبَات بهَا وَلَا كلأ وَكم تديرها من الْعلمَاء الصَّالِحين والعباد والناسكين والأبدال والأعوان والأقطاب أُمَم يجلون عَن الْحصْر على تداول الْأَزْمَان وَاخْتِلَاف الأحيان قلت وسأذكر مِنْهُم من كَانَ فِي المئة الثَّامِنَة على الْقَاعِدَة الَّتِي ذكرتها فَمنهمْ الإِمَام الْأَجَل الأوحد الأورع الْأَكْمَل الْعَالم الْعَامِل ركن الدّين أَحْمد بن حسن بن شينا بالشين الْمُعْجَمَة وَالْيَاء وَالنُّون المعجمتين أَيْضا وَالْألف هُوَ من أهل عدن مولده سنة ثَلَاث وَثَلَاثِينَ وسبعمئة وَكَانَ وَالِده دلالا فِي سوق الْبَز فنجب لَهُ هَذَا الْوَلَد فَكَانَ علم الْأَبْرَار الْمُتَّقِينَ ونبراس البلغاء المبرزين نَشأ فِي طلب الْعلم الشريف وجد فِي طلب السَّعَادَة حَتَّى كشف لَهُ الْحجاب وَلم يزل يترقى وَيَأْخُذ فِي النمو وَالزِّيَادَة حَتَّى صَار وحيد عصره وفريد دهره وَهُوَ شيخ الْإِسْلَام وواسطة النظام كثير الصَّوْم وَالْعِبَادَة عَظِيم الْبركَة فِي الإفادة قَرَأَ على أَئِمَّة من الْمُتَقَدِّمين فِي جَمِيع الْعُلُوم وَأخذ عَنهُ طَائِفَة من فحول الطلاب ثمَّ لما طعن فِي السن أكمه نظره فِي سنة عشر وثمانمئة وَتُوفِّي فِي الْيَوْم الْخَامِس وَالْعِشْرين من شهر جماد الثَّانِي سنة سِتّ عشرَة وثمانمئة وَقد صَار شَيخا كَبِيرا من كَثْرَة الرياضة كتب إِلَيّ الْفَقِيه جمال الدّين المغربي الشماع مَا مِثَاله قَالَ كنت أَدخل على

الشَّيْخ شهَاب الدّين أَحْمد بن حسن بن شينا الْمَسْجِد وَهُوَ أكمه وَكنت أسمع تدريسه فَكَانَ مِمَّا يحار فِيهِ الأديب وبأتي بِمَا لم يَأْتِ بِهِ المبصرون مَعَ الاسترياء وجودة التَّنْقِيح قَالَ الشَّيْخ جمال الدّين الْمَذْكُور حضر وَالِدي نَزعه فَسَمعهُ يَقُول عِنْد الْمَوْت مرْحَبًا مرْحَبًا ثمَّ إِنَّه تَبَسم وَتمكن بِالشَّهَادَةِ وَتُوفِّي رَحمَه الله وَذكر لَهُ من الكرامات الَّتِي شَاهدهَا شَيْء كثير ذكرته فِي الأَصْل وقبر فِي مجنة الشَّيْخ جَوْهَر وعمره نَحْو ثَلَاث وَثَمَانِينَ سنة وَمن فُقَهَاء عدن المقيمين بهَا الْفَقِيه الصَّالح الْعَلامَة رَضِي الدّين أَبُو بكر بن عَليّ بن قسْمَة اليافعي الحريري كَانَ إِمَامًا فَاضلا بارعا فِي الْعُلُوم كَانَ فِي الْوَرع وَالْعِبَادَة على جَانب عَظِيم أَهله القَاضِي جمال الدّين مُحَمَّد بن عِيسَى اليافعي بابنته فَكَانَ تَارَة يقف فِي ثغر عدن يدرس ويفتي وَتارَة يكون فِي مَكَان من بلد يافع يُسمى ذِي عسل توفّي سنة إِحْدَى عشرَة وثمانمئة رَحمَه الله ونفع بِهِ وَمِنْهُم الشَّيْخ الْفَقِيه الْعَلامَة شهَاب الدّين أَحْمد بن عمر بن خَالِد الأصبحي من أصابح قَرْيَة الْحَمْرَاء وَهِي قَرْيَة قريبَة من الرعارع ولد سنة سبعين وسبعمئة وَكَانَ وَالِده وليا وجده خَالِد من أهل الخطوة تدير الْفِقْه شهَاب الدّين الثغر بعدن أَخذ الْعلم من مَشَايِخ من بلدان شَتَّى فاستمر خَطِيبًا فِي جَامع الثغر ثمَّ انْفَصل عَنْهَا وَكَانَ فَقِيها عَالما عَاملا خَطِيبًا مصقعا فصيحا نجيبا متطلعا على كتب التواريخ حَافِظًا للسير مجللا مُحْتَرما وَإِذا قَرَأَ أَو حدث عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تخال الدّرّ يَتَنَاثَر من فِيهِ وَله فِي نقادة الْعلم الْيَد الْعَالِيَة وَكَانَ لَهُ اطلَاع على تركيب علم الْحُرُوف

وتكسير الأوفاق الْمُخْتَلفَة وَكَانَت لَهُ الهيبة وَهُوَ فَقير مَا يملك مَا يقوم بكفايته ووهبه الله حسن الْخلق بِمَا لَا يماثله فِيهِ أحد من عصره فَلَمَّا مَاتَ كَانَ لَهُ ولد ينوبه فِي الْخطْبَة فِي صِحَّته وَفِي حَال مَرضه وَبَقِي مكرما بعد وَفَاة أَبِيه ثمَّ توفّي سنة أَربع وَسِتِّينَ وثمانمئة وَمِنْهُم الْفَقِيه الْعَلامَة البليغ رَضِي الدّين أَبُو بكر بن يُوسُف بن إِسْحَاق الْمَشْهُور بِابْن المستأذن كَانَ إِمَامًا فَاضلا خالط الْعلمَاء وَأخذ عَنْهُم فحسنت سيرته وكمل تهذيبه وَحفظ كثيرا من الْأَحَادِيث وبرع فِي فن الْأَدَب ثمَّ اشْتهر بالوعظ فرتب خَطِيبًا فِي جَامع عدن فَكَانَ خَطِيبًا مصقعا حسن الصَّوْت سريع الْعبْرَة ترق لَهُ الْقُلُوب وتخشع لَهُ الأفئدة وَكَانَ يبكي من خشيَة الله وَعمر حَتَّى بلغ عمره سبعين سنة من مولده وَتُوفِّي آخر شهر ذِي الْحجَّة سنة خمس عشرَة وثمانمئة وخطب بعده وَلَده عبد الرَّحْمَن ثمَّ أُعِيدَت الخطابة إِلَى ابْن خَالِد الْمُقدم ذكره فَلَمَّا توفّي ابْن خَالِد رَجَعَ الْفَقِيه رَضِي الدّين وَهُوَ عبد الرَّحْمَن مستمرا بالخطابة وَبَقِي بهَا إِلَى أَن توفّي بالفناء الْأَكْبَر سنة تسع وَثَلَاثِينَ وثمانمئة وَمِنْهُم الشَّيْخ الصَّالح سراج الدّين عبد اللَّطِيف بن أَحْمد الْعِرَاقِيّ كَانَ عابدا زاهدا فَاضلا صَالحا مَفْتُوحًا عَلَيْهِ بالمعارف لَهُ كرامات عديدة مَشْهُورَة بَين الْخَاصَّة والعامة مَكَانَهُ مُحْتَرم وجاره لَا يهتضم مأوى لكل غارق قَالَ بعض من يعرفهُ لما رقت شمائله وعذبت كَلمته انجذبت الْقُلُوب إِلَى حبه وَحسن ظن النَّاس فِيهِ

وَظَهَرت لَهُ كرامات وَتُوفِّي سنة تسع وثمانمئة وَدفن فِي رباطه بثغر عدن رَحمَه الله ونفع بِهِ واشتهر من أَوْلَاده الشَّيْخ الصَّالح عفيف الدّين عبد الله تخلق بِخلق أَبِيه وتأسى بِسَائِر طباعه وسجاياه فِي جَمِيع حالاته عَاشَ مبارك الْحَال اشْتهر ذكره وَعلا صيته وَظَهَرت لَهُ الكرامات وَقيل أَنه نَالَ دَرَجَة القطبية وَالله أعلم بذلك وَتُوفِّي سنة إِحْدَى وَسِتِّينَ وثمانمئة وَدفن تَحت حصن التعكر مِمَّا يَلِي الْبر وَلِلنَّاسِ فِيهِ اعْتِقَاد كَبِير رَحمَه الله ونفع بِهِ وَمِنْهُم الْمَشَايِخ بَنو اليافعي فَذكر بعض المؤرخين الْمُتَقَدّم مِنْهُم واشتهر بوقتنا القَاضِي الْعَلامَة جمال الدّين مُحَمَّد بن عَليّ بن مُحَمَّد بن عِيسَى درس وَأفْتى وأثنوا عَلَيْهِ بِحسن السِّيرَة وَالصَّلَاح وَتُوفِّي سنة ثَلَاث وَعشْرين وثمانمئة رَحمَه الله تَعَالَى وَمِنْهُم القَاضِي غياث الدّين عِيسَى بن عمر كَانَ إِمَامًا مدرسا مفتيا توفّي سنة خمس وَثَلَاثِينَ وثمانمئة وَمِنْهُم القَاضِي رَضِي الدّين أَبُو بكر أَبُو سهل والفقيه شهَاب الدّين أَحْمد أَبُو عقبَة والفقيه تَقِيّ الدّين عمر بن عبد الرَّحْمَن الوَاسِطِيّ والفقيه عَليّ الزبيدِيّ فَهَؤُلَاءِ كلهم قرؤوا على الْفَقِيه أبي عفيف الْحَضْرَمِيّ وتوفوا إِلَى رَحْمَة الله تَعَالَى أول من توفّي مِنْهُم بعد سنة ثَلَاثِينَ وثمانمئة رَحِمهم الله تَعَالَى

وَمِنْهُم الْفَقِيه شمس الدّين أَبُو عفيف الْحَضْرَمِيّ هُوَ أحد تلامذة القَاضِي عمر اليافعي وَكَانَ فَقِيها مُبَارَكًا مجودا فِي الْفِقْه مشاركا بِغَيْرِهِ درس بحياة شَيْخه ثمَّ بعد وَفَاته وَكَانَ رَفِيقه فِي الْقِرَاءَة الْفَقِيه عفيف الدّين عِيسَى بن عمر اليافعي الْمُتَوَلِي للْقَضَاء بعدن فِي سنة ثَلَاث وَعشْرين وثمانمئة ثمَّ توفّي بعد ذَلِك قبل سنة ثَلَاثِينَ وثمانمئة رَحِمهم الله وَمِنْهُم الإِمَام الْعَلامَة القَاضِي الْأَجَل جمال الدّين مُحَمَّد بن سعيد بن عَليّ بن كبن قيل إِنَّه سمع قَوْله بِأَن الْمُحب الطَّبَرِيّ شَارِح التَّنْبِيه جده وَقد ثَبت اتِّصَال نسبه إِلَى قُرَيْش وَكَانَ هَذَا القَاضِي شيخ الْإِسْلَام وَأحد الْأَئِمَّة الْأَعْلَام جَامع أشتات الْفَضَائِل والمضاهي بِحسن سيرته الجلة من الْأَوَائِل أول اشْتِغَاله فِي الْعلم على القَاضِي رَضِي الدّين أبي بكر الحبيشي قَاضِي عدن فِي الدولة الأشرفية وَله مِنْهُ الإجازات الْكَثِيرَة وَمن شُيُوخه الْعَلامَة برهَان الدّين إِبْرَاهِيم بن الصّديق الرسام وَالشَّيْخ الْعَالم رَضِي الدّين ابو بكر بن الْحُسَيْن المراغي الدِّمَشْقِي وَله شُيُوخ غَيرهم تغرب إِلَى الشحر وَإِلَى التهايم وَإِلَى الْجبَال وَالْتمس من الْعلم مَا تأهل بِهِ للتدريس وَالْفَتْوَى ثمَّ تولى الْقَضَاء بثغر عدن بعد وَفَاة القَاضِي الحبيشي فَكَانَ أول ولَايَته سنة سبع وثمانمئة وَحصل فِي خزانته من الْكتب الَّتِي حصلها بِيَدِهِ وشراها نَحْو ألف كتاب واستوثق لَهُ الْأَمر واستفحلت شوكته وخالق النَّاس بِخلق حسن وَكَانَ لَهُ فِي التدريس الْيَد الْعَالِيَة والبراعة بالعبارة الجيدة واللطف والسياسة وشارك بِعلم الطِّبّ

مَعَ سَائِر الْعُلُوم وَاتفقَ فِي زَمَنه الْقَضِيَّة الْمَشْهُورَة فِي أَمر الْيَهُودِيّ مَعَ المقعد الَّذِي اسْتَغَاثَ بقوله يَا مُحَمَّد يَا مُحَمَّد وَقد طلب الْمُسلم المقعد من الْيَهُودِيّ أَن يُعينهُ على بعض أُمُوره فَقَالَ لَهُ الْيَهُودِيّ اترك مُحَمَّدًا ينفعك ويقيمك وَلم يلْتَفت عَلَيْهِ فَسَمعهُ الْمُسلمُونَ يستهزىء بِالنَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَرفعُوا أمره إِلَى القَاضِي جمال الدّين الْمَذْكُور ووصلوا بِهِ إِلَيْهِ وَقد اجْتمع عَلَيْهِ الجم الْغَفِير بِقصد قتل الْيَهُودِيّ فَأَشَارَ إِلَيْهِم القَاضِي وَقَالَ الْحَبْس الْحَبْس فَلم يسمعوا مَا قَالَه القَاضِي بل توهم الْأَكْثَر أَنه قَالَ لَهُم اقْتُلُوهُ لِكَثْرَة اللَّغط فَرمى رجل مصري بِحجر فِي رَأسه حَتَّى طَرحه على الأَرْض فسطا عَلَيْهِ النَّاس يرجمونه بِالْحِجَارَةِ مثل الوابل حَتَّى مَاتَ وَقد كَانَت الْيَهُود بذلت على سَلامَة هَذَا الْيَهُودِيّ ألف مِثْقَال فَلم يقبل مِنْهُم السُّلْطَان ذَلِك فعزل السُّلْطَان القَاضِي بِسَبَب ذَلِك من ولَايَة الْقَضَاء على أَن السُّلْطَان رأى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الْمَنَام وَأمره برد القَاضِي على ولَايَته وللقاضي جمال الدّين الْمَذْكُور مصنفات نافعة جليلة مِنْهَا كتاب الْمِفْتَاح على كتاب الْحَاوِي الصَّغِير وَقد اشْتهر وانتشر وَاعْتَمدهُ النَّاس واجتهدوا بتحصيله وتلقوه بِالْقبُولِ وَمِنْهَا كتاب الدّرّ النظيم فِي فضل بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم وَلما رسخ القَاضِي الْمَذْكُور فِي الْعلم ونال الجاه الْكَبِير كَادَت الْأُمُور تطوى لَهُ بالتسخيرات وتتهيأ لَهُ من غير كد وَلَا إزعاج ووهب الله لَهُ الْمحبَّة فِي قُلُوب النَّاس واكتسب الثَّنَاء بحلمه وَكَرمه فَكَانَ حسن الْأَخْلَاق شهي المذاق كثير الْخُشُوع فِي الدُّعَاء وَله فَوَائِد ومناسك وَحَدَائِق وترسلات وَتَعْلِيق بِشَيْء كثير لَا ينْحَصر وَله شعر حسن رائق فِي التغزل وَفِي مدح النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مِمَّا قد أثبت بنصه فِي

الأَصْل توفّي بِشَهْر رَمَضَان سنة اثْنَتَيْنِ وَأَرْبَعين وثمانمئة وقبر بتربة الشَّيْخ جَوْهَر وعمره يَوْمئِذٍ أَربع وَسِتُّونَ سنة رَحمَه الله وَأَخْبرنِي المقرىء شمس الدّين يُوسُف بن يُونُس الجبائي قَالَ كَانَ وَالِد القَاضِي جمال الدّين مُحَمَّد بن سعيد بن كبن من ذَوي الْأَمْوَال عطارا فَرَأى فِي الْمَنَام أَن النَّاس مجتمعون إِلَى مَكَان وهم كثير وَأَنَّهُمْ عِنْد بِئْر فِيهَا مَاء وَأَن تِلْكَ الْبِئْر الَّتِي فِيهَا المَاء مغطاة بِحجر وَلم يقدر أحد من الْحَاضِرين يرفعهُ من فَم الْبِئْر وَقَالَ صَاحب الرُّؤْيَا فَرفعت ذَلِك الْحجر الَّذِي على فَم الْبِئْر وحدي وَورد النَّاس يستقون من تِلْكَ الْبِئْر وَلَا سَأَلت أحدا من المعبرين عَنْهَا قَالَ وَقد كَانَ حدث لي وَلَدي مُحَمَّد قَالَ فَلَمَّا قَارب الْبلُوغ جَاءَنَا رجل من الصَّالِحين فضيفته وأكرمته وَجئْت بولدي مُحَمَّد إِلَيْهِ وَقلت لَهُ النَّاس مِنْهُ عِنْد أَن رفعت الْحجر عَن الْبِئْر فِي الْمَنَام وسيكون عَالما ينْتَفع بِهِ النَّاس وَمِنْهُم الشَّيْخ الْمُحدث جمال الدّين مُحَمَّد بن حريز بِالْحَاء وَالرَّاء الْمُهْمَلَتَيْنِ وَالْيَاء وَالزَّاي المعجمتين نَشأ مُنْفَردا وَكَانَ أَكثر جُلُوسه فِي الْمقَام وَكَانَ لَا يتتبع لكَلَام يبْدَأ بِهِ وَلَا يُقَابل بخطاب يُخَاطب ويخبر عَن المغيبات توفّي سنة سِتّ وَثَلَاثِينَ وثمانمئة وَدفن فِي مجنة البزازين وقبره مَعْرُوف هُنَاكَ يزار ويتبرك بِهِ نفع الله بِهِ وَمن المتوفين بعدن الْفَقِيه شمس الدّين عَليّ بن مُحَمَّد الْحَضْرَمِيّ أصل بَلَده حَضرمَوْت قدم إِلَى الْيمن وسافر إِلَى مَكَّة المشرفة فحج وزار قبر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثمَّ سَافر إِلَى مصر فَقَرَأَ على فقهائها طرفا من الْعُلُوم وأجازوا لَهُ ثمَّ وَفد إِلَى مَدِينَة زبيد فَقَرَأَ على القَاضِي جمال الدّين الطّيب النَّاشِرِيّ واجتهد بتحصيل الْعُلُوم حَتَّى تأهل

للتدريس وَالْفَتْوَى وَاخْتصرَ شرح الْمِنْهَاج للْأَذْرَعِيّ فَجعله فِي مجلدين ووفد إِلَى مَدِينَة إب ثمَّ إِلَى بلد شنين فَلم يصف لَهُ بهَا مشرب ثمَّ أَقَامَ بالشوافي وَتَوَلَّى الْقَضَاء هُنَالك أَيَّامًا ثمَّ انْتقل إِلَى دمت فَأحْسن إِلَيْهِ السَّادة بَنو طَاهِر وَأقَام مَعَهم مُدَّة ثمَّ أَقَامَ بلحج وَجعل لَهُ بهَا شَيْء من الْأَسْبَاب ثمَّ انْتقل إِلَى عدن فَتوفي بهَا بِشَهْر ذِي الْقعدَة سنة سِتّ وَسِتِّينَ وثمانمئة رَحمَه الله ونفع بن آمين وَمِنْهُم القَاضِي الْأَجَل جمال الدّين مُحَمَّد بن أَحْمد أَبُو حميش أصل بَلَده حَضرمَوْت من قَرْيَة يُقَال لَهَا بور وَكَانَ من الصَّالِحين وَفد من بَلَده على طَرِيق الشحر ثمَّ دخل عدن سنة سِتّ عشرَة وثمانمئة وَنزل حافة البصال عِنْد القَاضِي تَقِيّ الدّين عمر بن مُحَمَّد اليافعي فَقَرَأَ عَلَيْهِ وعَلى الْفَقِيه موفق الدّين عَليّ بن عفيف الْحَضْرَمِيّ القَاضِي حَتَّى انْتفع وأجازوا لَهُ فَأفْتى ودرس وَجمع الْكتب واشتهر بِالْخَيرِ وَالصَّلَاح وَلم يخالط النَّاس وَتَوَلَّى الْقَضَاء بالثغر بعد انْفِصَال القَاضِي جمال الدّين مُحَمَّد بن عمر الحريزي عَنهُ سنة خمس وَأَرْبَعين وثمانمئة فَسَار بهم سيرة مرضية قدر سنتَيْن ثمَّ انْفَصل عَن الْقَضَاء واستقام فِيهِ القَاضِي جمال الدّين بن شكيل إِلَى أَن تولى السَّادة بَنو طَاهِر على ثغر عدن فأضافوا الْقَضَاء الْأَكْبَر إِلَى القَاضِي أبي حميش سنة ثَمَان وَخمسين وثمانمئة فَكَانَ قد يحصل المضادة بَينهمَا بِبَعْض الحكومات فيتولد من ذَلِك مشاجرة بَينهمَا لكَون قَاضِي الْبَلَد أبي شكيل وَالْقَضَاء الْأَكْبَر لأبي حميش وداما على ذَلِك إِلَى أَن توفّي القَاضِي جمال الدّين أَبُو حميش بِشَهْر رَمَضَان سنة اثْنَتَيْنِ

وَسِتِّينَ وثمانمئة وَدفن بتربة شَيْخه الْفَقِيه عَليّ أبي عفيف الْحَضْرَمِيّ رَحمَه الله تَعَالَى ونفع بهما وَمن الوافدين إِلَى عدن المتوفين بهَا الْفَقِيه الْعَلامَة شهَاب الدّين أَحْمد بن أبي الْقَاسِم الضراسي قَرَأَ على وَالِده الْمَذْكُور بِشَيْء من الْعُلُوم ثمَّ بالفرائض على أَخِيه الْفَقِيه جمال الدّين ثمَّ حفظ بهجة الْحَاوِي فقرأها على الْفَقِيه شمس الدّين عَليّ بن مُحَمَّد السعيدي وعَلى القَاضِي جمال الدّين العوادي وعَلى الْفَقِيه شرف الدّين الدمتي وَسمع وَقَرَأَ الحَدِيث النَّبَوِيّ وَالتَّفْسِير على الشَّيْخ مجد الدّين الشِّيرَازِيّ والأمام نَفِيس الدّين الْعلوِي وَغَيرهم فأجازوا لَهُ فدرس وافتى وَكَانَ لَهُ ذكاء وحدة يستنبط الْمسَائِل ويبنيها على الْأُصُول الصَّحِيحَة بِالْقِيَاسِ الْجَلِيّ مستحضرا للنصوص وَكَانَ السُّلْطَان الظَّاهِر يُحِبهُ لصلاحه ومعرفته وينعم عَلَيْهِ بالعطاء الْكَبِير فَلَمَّا توفّي السُّلْطَان الظَّاهِر وَولده الْأَشْرَف وتغيرت الْبِلَاد وَرفع أَيدي الْفُقَهَاء من مُعظم الْأَسْبَاب من الْوَقْف سَافر الْفَقِيه شهَاب الدّين الضراسي بأولاده إِلَى مَكَّة المشرفة فحج وزار قبر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ووقف هُنَالك نَحْو سنتَيْن يدرس ويفتي بِالْحرم الشريف ثمَّ رَجَعَ إِلَى الْيمن وسلطانه حِينَئِذٍ السُّلْطَان المسعود فَلم يحسن إِلَيْهِ فَتقدم إِلَى بلد السيدين عَليّ وعامر ابْني الطَّاهِر فأحسنا إِلَيْهِ ثمَّ أَقَامَ بقرية ضراس وَهِي بَلَده فَلم يصف لَهُ مشرب ثمَّ ارتحل إِلَى ثغر عدن وَكَانَ بهَا السُّلْطَان المسعود فَتوفي الْفَقِيه شهَاب الدّين هُنَالك وقبر بِبَعْض مَقَابِر عدن وَذَلِكَ سنة سِتّ وَخمسين وثمانمئة رَحمَه الله ونفع بِهِ وَمِنْهُم الْفَقِيه بدر الدّين سعيد بن أَحْمد الذبحاني هُوَ إِمَام فَاضل مجود مُجْتَهد بِطَلَب الْعُلُوم يتعاطى الْفَتْوَى وَقد طعن فِي السن وَنَشَأ لَهُ ولد يُسمى مُحَمَّد نجب فأعجب حَتَّى قيل إِنَّه أدْرك من نخب الْعُلُوم مَا لم يُدْرِكهُ أَبوهُ لجودة فهمه وعلو همته وَهُوَ مُنْقَطع فِي طلب الْعلم والتدريس وَله فِيهِ دربة يعجب مِنْهَا السَّامع وَهُوَ

فِي أول عشر الثَّلَاثِينَ وَقد يتَكَلَّم فِي علم الْحَقِيقَة وَلكنه قد يَأْتِي بدعوات من التَّمَكُّن مَا لَا يصادق عَلَيْهِ وهما فِي قيد الْحَيَاة عِنْد جمع هَذَا الْمَجْمُوع وَمِنْهُم القَاضِي الْأَجَل الْعَلامَة مُحَمَّد بن مَسْعُود بن سعد بن شكيل كَانَ وَالِده من أهل الشحر فوصل هَذَا القَاضِي جمال الدّين مِنْهَا إِلَى ثغر عدن سنة أَربع وَعشْرين وثمانمئة فَتَلقاهُ القَاضِي جمال الدّين مُحَمَّد بن سعيد بن كبن أحسن ملقى وأقرأه وأنزله فِي مَسْجده وأمده بالمؤونة الَّتِي يحْتَاج إِلَيْهَا لتَحْصِيل الْكتب وَغير ذَلِك فَلم يزل يَأْخُذ مِنْهُ الْعلم حَتَّى توفّي القَاضِي جمال الدّين مُحَمَّد بن سعيد بن كبن وَقد اسْتَفَادَ وبرع فَأفْتى ودرس وَكَانَ ذكيا فطنا لبيبا لَهُ معارف جليلة وإفادات جزيلة فاشتهر بالثغر المحروس بِقِرَاءَة الْفِقْه وَولي الْقَضَاء ثمَّ انْفَصل عَنهُ بِالْقَاضِي أبي حميش على مَا تقدم ذكره وَقد جمع من الْكتب شَيْئا كثيرا وَنسبه يتَّصل إِلَى الإِمَام أبي شكيل مُصَنف شرح الْوَسِيط ثمَّ أُعِيد إِلَيْهِ ولَايَة الْقَضَاء بالثغر بآخر أَيَّام السُّلْطَان المسعود الغساني وَلما صَار الْأَمر بالثغر للسادة بني طَاهِر ألقوه على ولَايَة الْقَضَاء هُنَالك وَقد جمع من الْأَمْوَال شَيْئا كثيرا وَكَانَ محبته عمَارَة الدّور وَالْبيع وَالشِّرَاء مَعَ مَا هُوَ عَلَيْهِ من الِاشْتِغَال بالتدريس وَالْفَتْوَى وَالْأَحْكَام وَكَانَ ذَا جاه عريض ثمَّ امتحن بأمراض مُخْتَلفَة ثمَّ عزل عَن ولَايَة الْقَضَاء وَتُوفِّي رَحمَه الله تَعَالَى سنة تسع وَثَلَاثِينَ وثمانمئة رَحمَه الله تَعَالَى وَمِنْهُم الإِمَام الْفَقِيه الْعَلامَة جمال الدّين مُحَمَّد بن أَحْمد أَبُو فضل بن أَحْمد بن فضل الْحَضْرَمِيّ هُوَ إِمَام جليل نَشأ فِي طلب الْعلم وَأخذ عَن القَاضِي

جمال الدّين أبي حميش وَقد حقق الْفَتَاوَى وتصدر للتدريس وَهُوَ مطمئن الجأش على النزاع وسنه قريبَة من الثَّلَاثِينَ حِينَئِذٍ وَقد غلب عَلَيْهِ الْوَرع وشمله القنوع وَهُوَ كثير الذّكر وَالصَّوْم وَالْعِبَادَة شَدِيد الْجهد فِي طلب الإفادة فَقِيها مجودا محققا متثبتا غير نَاظر إِلَى الْوَظَائِف كثير الْخلْوَة والاحتجاب قريب الْجَانِب للطلاب لَا يَنْفَكّ عَن مُرَاجعَة الشُّرُوح وَلَا يتْرك النّظر فِي تدقيق الْمسَائِل وتحبيرها بالاستعداد الْمُعَلق مَعَ نور الْقلب بمشكاة الْفَتْوَى وَقد اعْترض على الغزولي فِي جَوَاب مسَائِل ذكرتها فِي الأَصْل وَلم يزل هَذَا الْفَقِيه أَبُو فضل على الْحَال المرضي آخِذا بدرجات الْمجد إِلَى أَن توفّي بِشَهْر شَوَّال سنة ثَلَاث وتسعمئة رَحمَه الله تَعَالَى وَسَائِر الْمُسلمين آمين وَقد أجمع النَّاس على فضل هذَيْن الْإِمَامَيْنِ أبي فضل وَأبي مخرمَة الْآتِي ذكره وأنهما جمعا الْعلم وَالْعَمَل وأنهما وحيدا عصرهما فِي قطرهما فقد فاقا أهل زمانهما وَلم يكن فِي الْبَلَد من يدانيهما فِي الْفَتْوَى والتدريس وَفعل الْخَيْر مَعَ ملازمتهما للزهد والورع وَمِنْهُم الْفَقِيه عفيف الدّين عبد الله بن أَحْمد بن عَليّ أَبُو مخرمَة قَالَ فِيهِ الشَّيْخ جمال الدّين المغربي هُوَ رجل فَاضل نجيب كيس عذب المذاق حسن الْأَخْلَاق شَدِيد الِاجْتِهَاد فِي الْعِبَادَة بَرِيء من الأحقاد وَفَسَاد الْفَهم أذا أفتى أَفَادَ فأجاد وَهُوَ مجود فِي الْأَلْفَاظ المفيدة لَهُ فِي كل يَوْم إفادات جَدِيدَة لَا يساوره قرن فِي فنه مُحَقّق فِي الحَدِيث وَالسّنة وَالْفُرُوع وَالْأُصُول وَهُوَ فِي قيد الْحَيَاة من سنة

خمس وَسبعين وَهُوَ يترقى فِي الْعلم دَرَجَة بِدَرَجَة وَالظَّاهِر من حَاله بُلُوغ النِّهَايَة وَمن أهل عدن الشَّيْخ الْفَاضِل جمال الدّين مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم المغربي الأندلسي الشهير بالشماع هَذَا الشَّيْخ لَهُ الباع الأطول المديد وَالثنَاء الَّذِي لَا فَوْقه مزِيد والمعرفة الَّتِي يشْهد لَهَا الْقَرِيب والبعيد وَذَلِكَ بفن الْأَدَب والرسائل وَكِتَابَة الْإِنْشَاء والمسائل سهل الْأَلْفَاظ عذب الْكَلَام أوحد البلغاء وَأشهر الفصحاء أخبر أَنه وَفد جده تَاجِرًا فسكن مَدِينَة عدن أَيَّامًا ثمَّ سَافر إِلَى المليبار فَتوفي هُنَالك وَبَقِي وَلَده إِبْرَاهِيم بعدن مجالسا للْعُلَمَاء وَكَانَ يجمع الْكتب ويحضر عِنْد حفاظ الحَدِيث فَنَشَأَ لَهُ هَذَا الشَّيْخ جمال الدّين فَتخرج بِجَمِيعِ الْعُلُوم على الإِمَام جمال الدّين أَحْمد بن عمر بن خَالِد خطيب الثغر المحروس وَقَرَأَ على غَيره كَالْإِمَامِ جمال الدّين مُحَمَّد بن سعيد بن كبن فغلب عَلَيْهِ علم الْأَدَب وَهُوَ مَعَ ذَلِك يشْتَغل الشمع وَيتَعَلَّق بِالْبيعِ وَالشِّرَاء لَا يقطعهُ ذَلِك عَن الِاشْتِغَال بفن الْأَدَب وَجمع كتابا يحتوي على فُصُول فِيمَا يَحْتَاجهُ الْإِنْسَان من العقائد الدِّينِيَّة وَالْقَوَاعِد الإسلامية وَفِي أدعية وعزائم مجربة مَشْهُورَة وَفِي أَحَادِيث عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ومواعظ من أَقْوَال الْعلمَاء والحكماء وَفِي حكايات وأخبار عَن السّلف وَفِي أشعار ومكاتبات ورسائل وَغير ذَلِك وَله شعر جمعه فِي ديوَان فِي مدح النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ومكاتبات وأشعار بَينه وَبَين أقرانه من أهل الْأَدَب وَذكرت بعض ذَلِك فِي الأَصْل وَقد حدث على هَذَا الْفَقِيه جمال الدّين مرض الفالج فَصَارَ كالمقعد فِي بَيته وخالط عقله بعض خلل فِيهِ وَكتب هَذَا الْمَجْمُوع وَهُوَ فِي قيد الْحَيَاة على الْحَال الْمَذْكُور

القول في ذكر من تحققت حاله من الوافدين إلى اليمن من العلماء والفضلاء من أقطار شتى ولم تكن وفاته فيه

القَوْل فِي ذكر من تحققت حَاله من الوافدين إِلَى الْيمن من الْعلمَاء والفضلاء من أقطار شَتَّى وَلم تكن وَفَاته فِيهِ فَمنهمْ سيدنَا الشريف الحسيب النسيب الطَّاهِر الأرومة الطّيب الخؤولة والعمومة شمس الدّين عَليّ بن الشريف ركن الدّين مَحْمُود الْمُتَّصِل نسبه بالشريف محيي الدّين عبد الْقَادِر الجيلاني الثَّابِت النّسَب إِلَى سيدنَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَفد إِلَى الْيمن سنة اثْنَتَيْنِ وَتِسْعين وسبعمئة فَدخل المدن الْكِبَار ومدينة إب واختبر فَوجدَ لَهُ الباع الأطول فِي عُلُوم الْمُعَامَلَة بِمَا يشْهد أَنه قطب الْوُجُود وبركة كل مَوْجُود عَلَيْهِ سِيمَا الصَّالِحين فقصد من أقْصَى نواحي الْيمن للزيارة وَطلب الإفادة وألبس جمَاعَة من الأكابر الْخِرْقَة الَّتِي يستعملها الصُّوفِيَّة على قواعدهم الْمَعْرُوفَة وَجعل لذَلِك سندا ذكرته فِي الأَصْل وَكَانَ وقُوف هَذَا السَّيِّد الشريف الْعَالم بِمَدِينَة إب نَحْو شهر مكرما ثمَّ سَافر مِنْهَا والقلوب مَعَه نفع الله بِهِ وَأعَاد على الكافة من بركته وَمِنْهُم الإِمَام الْعَلامَة عُمْدَة الْمُحدثين وقدوة الْمُحَقِّقين حَافظ الْعَصْر ونادرة الدَّهْر شهَاب الدّين أَحْمد بن عَليّ بن حجر الْعَسْقَلَانِي الْكِنَانِي الشَّافِعِي برع بِجَمِيعِ الْعُلُوم وشفى الصُّدُور من الكلوم قد تقدم شَهَادَة الشَّيْخ مجد الدّين وَغَيره لَهُ بالتقدم على أقرانه وَذَلِكَ مِمَّا لَا يخْتَلف فِيهِ اثْنَان مَعَ شهرته الَّتِي قَامَت مقَام العيان فَلَمَّا وَفد هَذَا الإِمَام صُحْبَة أَمِين الدّين مُفْلِح بن عبد الله تَاجر السُّلْطَان النَّاصِر فِي أول

المئة التَّاسِعَة اجْتمع إِلَيْهِ جمَاعَة من فُقَهَاء الْيمن فأفادهم واستفاد مِنْهُم وَقد تقدم ذكر بعض ذَلِك وَمَا اتّفق من الشّعْر والأحجيات بَينه وَبَين القَاضِي شرف الدّين إِسْمَاعِيل المقرىء والأديب الجحافي وَغَيرهمَا وَقد كَانَ صنف كتبا مفيدة مِنْهَا بُلُوغ المرام فِي أَدِلَّة الْأَحْكَام والمئة العوالي والمعجم فِي رجال الحَدِيث ثمَّ رَحل من الْيمن إِلَى مصر فصنف فِيهَا التصانيف الْكَثِيرَة مِنْهَا شرح البُخَارِيّ وَلم يكمله بل اخترمته الْمنية بِمصْر وَقد كَانَ تولى فِيهَا الْقَضَاء الْأَكْبَر وأفضت إِلَيْهِ الرياسة بِجَمِيعِ الْعُلُوم وَله شعر رائق مِنْهُ القصيدة فِي مدح النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَقد أثبتها فِي الأَصْل الَّتِي أَولهَا (إِن كنت تنكر شوقا زادني كلفا ... حسبي الَّذِي قد جرى من مدمعي وَكفى) وَمِنْهُم السَّيِّد الشريف شمس الدّين عَليّ بن مُحَمَّد بن عَليّ الحسني القادري كَانَ إِمَامًا مُحدثا فَقِيها قَرَأَ على جمَاعَة من الشُّيُوخ الأكابر بِمصْر وَالشَّام وَمَكَّة وَغَيرهَا وأجازوا لَهُ ثمَّ دخل الْيمن بعد سنة عشر وثمانمئة فَاجْتمع بالأكابر وَأفَاد واستفاد وَكَانَ لَهُ شعر حسن من ذَلِك مَا قَالَه فِي مدح الْقَامُوس (ايا طَالبا لكَلَام الْعَرَب ... ومبتغيا فِيهِ نيل الأرب) (عَلَيْك بِهَذَا الْكتاب الَّذِي ... ترقى من الْفضل أَعلَى الرتب) (وَلَو أنصفوه إِذا نمقوه ... لما خطّ إِلَّا بِمَاء الذَّهَب) وَمِنْهُم الشَّيْخ الإِمَام الْعَلامَة الْمُحدث الرحالة أَبُو إِسْحَاق إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد بن صديق بن إِبْرَاهِيم الدِّمَشْقِي عرف وَالِده بالرسام وَفد إِلَى الْيمن سنة خمس وثمانمئة فَقَرَأَ عَلَيْهِ جمَاعَة من الْعلمَاء صَحِيح الإِمَام البُخَارِيّ وَغَيره من كتب الحَدِيث وَمن مشايخه الشَّيْخ المعمر الرحالة مُلْحق الأحفاد بالأجداد شهَاب الدّين أَبُو الْعَبَّاس

أَحْمد بن أبي طَالب بن أبي النعم الحجار الصَّالِحِي عرف بِابْن الشّحْنَة وَقد أجمع كل من رَآهُ على غزارة علمه بتحقيق علم الحَدِيث النَّبَوِيّ وعلو سَنَده وشدت إِلَيْهِ الرّحال من أَمَاكِن شَتَّى فأفادهم غرر الْفَوَائِد واشتهر غَايَة الشُّهْرَة وَكَانَ باذلا نَفسه للطلبة ثمَّ ارتحل إِلَى مَكَّة المشرفة وَلم أتحقق مَكَان وَلَا مَتى توفّي رَحمَه الله ونفع بِهِ وَمِنْهُم الشَّيْخ الإِمَام الْعَالم الْعَلامَة الْمُفَسّر الْمُحدث الرّحال شهَاب الدّين أَحْمد بن عمر الْأنْصَارِيّ الشاذلي الْمَشْهُور بالشاب التائب وَفد إِلَى الْيمن وَوعظ وَفسّر الْقُرْآن الْعَظِيم بِجَامِع الأشاعر بِمَدِينَة زبيد وَصَحب السَّادة الأكابر من الصُّوفِيَّة كالشيخ شمس الدّين عَليّ الْقرشِي وَالشَّيْخ أَحْمد الرداد وأكرمه السُّلْطَان وأضاف إِلَيْهِ الخطابة بِجَامِع زبيد فجلا صدأ الصُّدُور بوعظه وأزال درن الْقُلُوب بجواهر لَفظه وَبَقِي على ذَلِك مُدَّة وَبَقِي يتنقل فِي مدن الْيمن من مَدِينَة إِلَى مَدِينَة وَاتفقَ لَهُ مَعَ فُقَهَاء مَدِينَة زبيد وفقهاء مَدِينَة تعز خوض وَبحث فِي مسَائِل يطول ذكر مَا اتّفق فِيهَا وَلما دخل مَدِينَة إب سنة عشر وثمانمئة وعظ فِيهَا وَفسّر قَوْله تَعَالَى {إِن الله اشْترى من الْمُؤمنِينَ أنفسهم وَأَمْوَالهمْ} الْآيَة من بعد صَلَاة الْجُمُعَة إِلَى أَذَان الْعَصْر عَن ظهر قلب بِكَلَام حير فِيهِ الْأَلْبَاب وابدى فِيهِ الْعجب العجاب أحلى من الشهد وأشهى من الْعَافِيَة شوق فِيهِ النُّفُوس إِلَى الْجِهَاد بِمَا أورد فِيهِ من الْآيَات الشَّرِيفَة وَالْأَحَادِيث النَّبَوِيَّة وأقوال الْعلمَاء من الْعباد وَالْعُلَمَاء والزهاد وأرباب الْقُلُوب ثمَّ ارتحل من مَدِينَة إب إِلَى المخا وَأقَام عِنْد الشَّيْخ الْوَلِيّ شمس الدّين الْقرشِي أَيَّامًا وَأثْنى عَلَيْهِ ومدحه نظما ونثرا ثمَّ انْتقل إِلَى مَكَّة المشرفة فَأَقَامَ بِالْحرم الْمَكِّيّ الشريف يعظ ويفسر ويفيد فعكف عَلَيْهِ طلبة الْعلم الشريف هُنَالك فازداد شهرة وَعظم قدره وأخبرت أَنه ارتحل مِنْهَا إِلَى مصر وَأقَام بهَا فرزق الحظوة عِنْد أَهلهَا وَاجْتمعَ مَعَه مَال

جزيل فعمر بِهِ رِبَاطًا بِمصْر ثمَّ انْتقل مِنْهَا إِلَى دمشق فأعمر بهَا رِبَاطًا أَيْضا وَهُوَ مَعَ ذَلِك جَامع بَين طريقي الشَّرِيعَة والحقيقة وَأَنه توفّي بِدِمَشْق بعد سنة عشْرين وثمانمئة وَأما أشعاره فَهِيَ كَثِيرَة ذكرت مِنْهَا فِي الأَصْل جملَة مِمَّا يتَعَلَّق بالغزل ومدح السَّادة الصُّوفِيَّة وألغاز تدل على فَضله رَحمَه الله ونفع بِهِ وَرَأى لَهُ بعض الْفُضَلَاء مناما عجيبا وَأخْبرهُ بِهِ فَأتى بقصيدة طَوِيلَة فِيهَا مدح النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهِي مخمسة مَذْكُورَة فِي الأَصْل أَيْضا وَمِنْهُم الشَّيْخ الْفَقِيه الْعَلامَة أَبُو الْفَتْح بن الشَّيْخ زين الدّين المراغي الْمدنِي وَفد إِلَى الْيمن بعد سنة عشر وثمانمئة بأيام السُّلْطَان النَّاصِر فَأحْسن إِلَيْهِ وقلده بِمَا يحِق لَهُ فوصل إِلَيْهِ الطّلبَة للْعلم الشريف وقرؤوا عَلَيْهِ وَأخْبرهمْ بمشايخه وَأَن مِنْهُم ابْن حجر وَصَالح البُلْقِينِيّ وَإنَّهُ صنف شرحا للمنهاج سَمَّاهُ المشرع الروي فِي شرح منهاج النَّوَوِيّ فِي أَرْبَعَة مجلدات وَكَانَت إِقَامَته بِمَدِينَة زبيد ثمَّ مَدِينَة تعز فَوقف بهما أَيَّامًا ثمَّ رَجَعَ إِلَى بَلَده ثمَّ استوطن مَكَّة المشرفة وَبهَا كَانَت وَفَاته رَحمَه الله تَعَالَى وَمِنْهُم الإِمَام الْعَلامَة شمس الدّين عَليّ بن إلْيَاس الْحَمَوِيّ وَفد إِلَى الْيمن سنة سبع وَتِسْعين وسبعمئة وَكَانَ لَهُ الباع الأطول فِي الْعُلُوم كلهَا وَغلب عَلَيْهِ معرفَة فن الْأَدَب حَتَّى كَانَ ينشىء الرسائل والمناشير وَالنّظم ارتجالا ويسردها من غير تلعثم ويكتبها كَمَا يكْتب غَيره النثر سَرِيعا واشتهر غَايَة الشُّهْرَة فأقامه سُلْطَان الْوَقْت بِأَسْبَاب كَثِيرَة مِنْهَا الْمدرسَة المعتبية وَمِنْهَا خطابة الْجَامِع بِذِي عدينة وَكَانَ واعظا ترق الأفئدة لوعظه وتسكب الدُّمُوع من حسن لَفظه وَكَانَ قد ينشىء الْخطْبَة ارتجالا فَوق

الْمِنْبَر وَلَقَد أَخْبرنِي بعض الثِّقَات أَن هَذَا الإِمَام كَانَ من الْعلمَاء العاملين وَالْأَئِمَّة الْمُجْتَهدين قل من جمع الْعُلُوم مَا جمعه وَأَنه انْتفع عَلَيْهِ جمَاعَة من طلبة الْعلم الشريف ثمَّ ارتحل من الْيمن وَانْقطع خَبره وَلم أعلم مَكَان وَفَاته وَدَفنه رَحمَه الله تَعَالَى وَمِنْهُم القَاضِي الْعَلامَة أحد الْأَئِمَّة الْمُحَقِّقين والبلغاء المجودين عز الدّين عبد الْعَزِيز بن عَليّ بن أَحْمد النويري الْقرشِي الْمَكِّيّ كَانَ هَذَا الإِمَام من أجل الْعلمَاء الْأَعْلَام وَمن أكَابِر فُقَهَاء الْإِسْلَام مُحدثا أصوليا نحويا مجودا لجَمِيع فنون الْعلم وَفد إِلَى الْيمن بأوائل المئة التَّاسِعَة فَأحْسن إِلَيْهِ سُلْطَان الْوَقْت وَهُوَ النَّاصِر وأضاف إِلَيْهِ من الْأَسْبَاب بِمَدِينَة تعز إِحْدَى دور المضيف والمدرسة المظفرية وَغير ذَلِك فدرس وَأفْتى وَقَرَأَ عِنْده صَحِيح الإِمَام البُخَارِيّ وَحضر الْقِرَاءَة عِنْده جماعات كَثِيرُونَ من فُقَهَاء الْبَلَد وَغَيرهم ثمَّ ولاه السُّلْطَان الْقَضَاء بِمَدِينَة تعز فَسَار فِي النَّاس على مُقْتَضى عَادَة بَلَده فِي الْجد فِي الْأُمُور والشدة فِي الْأَحْكَام والغلظة فِي الْكَلَام فشق ذَلِك على كثير من النَّاس فشكوا إِلَى السُّلْطَان وشنعوا عَلَيْهِ فَعَزله السُّلْطَان عَن الْقَضَاء وَبعد ذَلِك سَافر إِلَى مَكَّة المشرفة بعد سنة خمس عشرَة وثمانمئة وَلم يعلم مَا صَار إِلَيْهِ حَاله بعد ذَلِك وَمِنْهُم القَاضِي الإِمَام الْعَلامَة بدر الدّين مُحَمَّد بن أبي بكر بن عمر بن أبي بكر المَخْزُومِي الدماميني الإسْكَنْدراني الْمَالِكِي هُوَ من الْأَئِمَّة البلغاء والسادة الْفُضَلَاء متبحرا فِي علم الْأَدَب لَهُ فِيهِ مصنفات مِنْهَا كتاب المثني على كتاب الْمُغنِي فِي النَّحْو وَكَانَ لَهُ فِي الشّعْر الْيَد الطُّولى وَفد إِلَى الْيمن سنة ثَمَانِي عشرَة وثمانمئة فَأكْرمه السُّلْطَان النَّاصِر وقابله بِمَا يُقَابل بِهِ مثله وَاجْتمعَ بالأئمة من فُقَهَاء زبيد وَكتب إِلَى

الإِمَام شرف الدّين المقرىء يمدحه نظما ونثرا بِكَلَام بليغ ذكرته فِي الأَصْل فَأجَاب عَلَيْهِ الإِمَام شرف الدّين بأبلغ من ذَلِك بِمَا مدحه فِيهِ وَاتفقَ بَينهمَا لَهُ أحجيات ومطارحات يطول ذكرهَا وَللْإِمَام الدماميني شعر فِي زبيد مِنْهَا (قَالَت وَقد فتحت جفونا نعسا ... ترمي الورى فِي الْجور بِالْأَحْكَامِ) (احذر هلاكك فِي زبيد فإنني ... لِذَوي الغرام فتحت بَاب سِهَام) وَله فِي مدح النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قصيدة طَوِيلَة ذكرتها فِي الأَصْل أَولهَا (أَنا رَاض بنظرة من بعيد ... فاجبروا سادتي وَلَاء العبيد) وَمِنْهُم الأديب البارع جمال الدّين شعْبَان بن مُحَمَّد الْمصْرِيّ الْقرشِي كَانَ لَهُ الباع الأطول فِي فن الْأَدَب وقريحة مطاوعة فِي الشّعْر وَمَعْرِفَة فنون الْعَرَبيَّة وَفد إِلَى أَرض الْيمن فِي سنة أَربع وثمانمئة وامتدح السُّلْطَان بغرر من القصائد فَأحْسن إِلَيْهِ فَأَقَامَ فِي الْيمن مُدَّة وَرُوِيَ عَنهُ البديعية الْمَشْهُورَة الَّتِي عَارض فِيهَا الصفي الْحلِيّ فِي بديعيته وَأحسن فِيهَا بمدح النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ فِيهَا الإِمَام شمس الدّين مُحَمَّد المراكشي الْآتِي ذكره إِن شَاءَ الله (وروضة للزين شعْبَان قد ... أربت على زهر رياض الرّبيع) (لَو لم تفق نسج الحريري لما ... حاكت بِحسن النّظم رقم الرّبيع) وللأديب شعْبَان من الْمَدْح والهجو والتهاني والمراثي والوعظ شَيْء كثير من ذَلِك قَوْله (رب هَب لي من زبيد ... حسن منجى وذماما) (إِنَّهَا يَا رب ساءت ... مُسْتَقرًّا ومقاما)

فناقضه القَاضِي جمال الدّين مُحَمَّد بن مُحَمَّد الْعلوِي فَقَالَ (رب هَب لي من زبيد ... طيب عَيْش ومقاما) (إِنَّهَا يَا رب طابت ... مُسْتَقرًّا ومقاما) (لَا يَرَاهَا أَرض سوء ... غير شخص قد تعامى) (أَو لئيم ذُو افتقار ... يَوْمه قد صَار عَاما) وَله تخميس الْبردَة جود فِيهِ وَله فِي الْمعَارض مَا يشْهد لَهُ بالبلاغة وَله كتاب فِي علم الْخط سَمَّاهُ هِلَال شعْبَان يتَضَمَّن وضع الأحرف ورسمها على طرق الْمَشَايِخ المعتبرين فِي هَذَا الْفَنّ وَهُوَ مُفِيد فِي بَابه ثمَّ إِنَّه سَافر إِلَى مَكَّة وَانْقطع خَبره وَلم نعلم أَيْن توفّي رَحمَه الله تَعَالَى وَمِنْهُم الشَّيْخ الْعَلامَة الرّحال الْحَافِظ شمس الدّين مُحَمَّد بن مُوسَى المراكشي الْمَالِكِي قَرَأَ على الشُّيُوخ الْكِبَار فِي الْفِقْه والْحَدِيث وَسَائِر الْعُلُوم فَمن شُيُوخه الشَّيْخ عبد الرَّحِيم الْعِرَاقِيّ صَاحب الألفية فِي الحَدِيث والتصانيف المفيدة وَكَانَ هُوَ وَالْإِمَام أَبُو زرْعَة ولد الشَّيْخ عبد الرَّحِيم مُصَنف التَّحْرِير وَشرح الْمَنْظُومَة كفرسي رهان فِي الِاجْتِمَاع على نقل الْفَوَائِد وَالْملح والعوائد وَكَانَ لَدَيْهِ من المعارف وفرائد اللطائف وغرائب الْفَوَائِد مَا يدل على ارْتِفَاع قدره وَظُهُور بدره سمع عَلَيْهِ الحَدِيث فِي بلدان كَثِيرَة وَله شعر جيد فِي الْغَزل وَغَيره ذكرت بعضه فِي الأَصْل وَكَانَ دُخُوله الْيمن سنة ثَلَاث عشرَة وثمانمئة وَمِنْهُم الشَّيْخ الإِمَام المقرىء الْمُحدث شمس الدّين أَبُو الْخَيْر مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن

يُوسُف الْجَزرِي أصل بَلَده شيراز من أقليم فَارس ثمَّ نزل دمشق ثمَّ الْقَاهِرَة وَطَاف الْبلدَانِ شرقا وغربا وَرَأى الْعَجَائِب سفرا وحضرا وَدخل مَا وَرَاء النَّهر وخراسان وبلاد الرّوم والغرب وَالشَّام وبلاد فَارس ويزد وكازرون وَالْبَصْرَة وفيروزباد واليمن ووفد على الْمُلُوك ورزق الحظوة وعلو الْمنزل وَلَيْسَ ذَلِك على الْعلمَاء بِكَثِير أدْرك الشَّيْخ شمس الدّين الْأَئِمَّة الْكِبَار كالأسنوي والأذرعي وَعبد الْوَهَّاب السُّبْكِيّ وعماد الدّين بن كثير وَأخْبر أَن مشايخه فِي الْعُلُوم نَحْو ثلاثمئة شيخ وصنف الْكتب النافعة مِنْهَا كتاب النشر فِي الْقرَاءَات الْعشْر وَهُوَ لَهُ شَاهد صدق ببراعته بفن الْقرَاءَات حَتَّى قيل إِنَّه لم يكن فِي الدُّنْيَا أعرف مِنْهُ فِي كتاب الله وَمن تصنيفه الْمُخْتَار فِي الْفِقْه والحصن الْحصين وعدته وجنته فِي الحَدِيث وَله غير ذَلِك من المصنفات وَكَانَ دُخُوله الْيمن سنة ثَمَان وَعشْرين وثمانمئة وسلطانه حِينَئِذٍ الْمَنْصُور بن النَّاصِر فَأحْسن إِلَيْهِ إحسانا كَبِيرا وَنزل الرّبع الْأَعْلَى بزبيد وأقرأ طلبة الْعلم الشريف فِي مَسْجِد يعرف بِمَسْجِد الماشطة وَحضر الْقِرَاءَة خلائق كَثِيرَة وأسمع الحَدِيث النَّبَوِيّ بِمَسْجِد الأشاعر وَكَانَ الإِمَام شرف الدّين إِسْمَاعِيل بن أبي بكر المقرىء يحضر ذَلِك وَيكون بَينهمَا من المطارحات والسؤالات أَشْيَاء حَسَنَة فَمن

ذَلِك وَهُوَ من بديع الْكَلَام مَا أنشأه الإِمَام الْجَزرِي فِي الْفَقِيه شرف الدّين يمدحه شعرًا (أشتاق للبيت الْعَتِيق وزمزم ... ومقامه والركن والتقبيل) (والآن بالشرف الْعلي لي الهنا ... لما خصصت بِحجر إِسْمَاعِيل) فَأَجَابَهُ القَاضِي شرف الدّين (وَمَا حجر إِسْمَاعِيل لَوْلَا مُحَمَّد ... تَدَارُكه حجرا معدا لذِي حجر) (وَلَا غرو إِن آخاه والعرق وَاحِد ... أَلَسْت ترى كلا يُقَال لَهُ الْمقري) (خلفت رَسُول الله أَنْت مُحَمَّد ... وَأَنت ابْنه وَابْن ابْنه طيب الذّكر) (بحور عُلُوم أغرق الْبَحْر مدها ... فكفكفته بالجزر خوفًا على الْبر) (فَمن أجل هَذَا الْبر بِالْبرِّ خَيرهمْ ... مُحَمَّد وَهُوَ الْبَحْر يعرف بالجزر) ثمَّ إِن هَذَا الإِمَام الْجَزرِي انْتقل من مَدِينَة زبيد إِلَى مَدِينَة تعز فَلَمَّا وصل إِلَيْهَا اجْتمع عِنْده فُقَهَاء الْبَلَد وعلماؤها وقرؤوا عَلَيْهِ وَاجْتمعَ بمجلسه من نسخ الْحصن الْحصين من مصنفاته نَحْو مئة وَخمسين نُسْخَة فانشرح صَدره وَحمد الله تَعَالَى على ذَلِك وقرىء عَلَيْهِ صَحِيح الإِمَام مُسلم بن حجاج وَكتابه النشر فِي الْقرَاءَات الْعشْر وَبَعض كتاب البُخَارِيّ وكتبا غير ذَلِك فِي الحَدِيث وأنشدهم لنَفسِهِ فِي مدح الإِمَام البُخَارِيّ بَيْتَيْنِ هما (وَفِي عليا بُخَارى لي مغان ... لَهَا أصبوا إِلَى تِلْكَ الديار) (أعفر فِي ثراها الْوَجْه عَليّ ... أصادف موضعا وطي البُخَارِيّ) وَله شعر كثير ذكرت بعضه فِي الأَصْل ثمَّ ارتحل إِلَى بَلْدَة شيراز فَتوفي بهَا سنة ثَلَاث وَثَلَاثِينَ وثمانمئة وَله فَوَائِد وفضائل ومناقب يضيق هَذَا الْمَجْمُوع عَن تَحْقِيق

ذَلِك رَحمَه الله تَعَالَى ونفع بِهِ آمين وَمِنْهُم شَيخنَا الإِمَام الْعَلامَة الْمُحدث الْحَافِظ الرّحال وجيه الدّين عبد الرَّحْمَن بن مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن بن سُلَيْمَان بن عَليّ العدناني البرشكي الْمَالِكِي هُوَ شيخ الْإِسْلَام وأوحد الْأَئِمَّة الْأَعْلَام صدر الْفُقَهَاء والمحدثين وَأجل الْعلمَاء المصنفين وَفد إِلَى الْيمن هُوَ وَالْإِمَام الْجَزرِي بِسنة ثَمَان وَعشْرين وثمانمئة فَأَقَامَ بِمَدِينَة زبيد مُدَّة وَأَجَازَ لأَهْلهَا ثمَّ وصل إِلَى مَدِينَة تعز فَاجْتمع عِنْده جمَاعَة من أَهلهَا وقرؤوا عَلَيْهِ موطأ الإِمَام مَالك بن أنس فَرَأَوْا لَدَيْهِ من الْفَوَائِد مَا يجل عَن الإحصاء وَحَضَرت ختم الْقِرَاءَة عِنْده بِالْمَدْرَسَةِ الأشرفية الجديدة فَاجْتمع خلق كثير ضَاقَتْ الْمدرسَة عَنْهُم فَأجَاز لكافة الْحَاضِرين وَأَجَازَ لي مَعَهم وَكتب خطه معربا وَحضر الشَّيْخ الْجَزرِي وكافة عُلَمَاء مَدِينَة تعز وَغَيرهم مجْلِس الْخَتْم فَقَرَأَ لَهُم الشَّيْخ وجيه الدّين مُسْنده بِلَفْظِهِ إِلَى الإِمَام مَالك وعد شُيُوخه أَرْبَعَة عشر شَيخا ثمَّ قَالَ هَؤُلَاءِ الَّذين لَهُم الْأَسَانِيد الْعَالِيَة وَلَا أعلم على وَجه الأَرْض أَعلَى من سندي بِكِتَاب الْمُوَطَّأ فبيني وَبَين الإِمَام مَالك بن أنس عشرَة شُيُوخ ثمَّ قَالَ ولي شُيُوخ كَثِيرَة غَيرهم أسانيدهم قَاعِدَة عَن هَذِه الرُّتْبَة فَلم أذكرهم وَكَانَ رَحمَه الله جَامعا لمعظم فنون الْعلم وَله صُورَة جميلَة يكَاد وَجهه يضيء قد كَسَاه الله نورا وجمله بلحية كثة وَحسن خلقَة قَالَ رَحمَه الله تَعَالَى قَرَأت ببلدي تونس بالمغرب ورحلت إِلَى أَمَاكِن كَثِيرَة لطلب الاستفادة والإفادة مِنْهَا مَكَّة ومصر وَالشَّام وَالْمَدينَة والإسكندرية وميا فارقين وَغَيرهَا وَله مُصَنف سَمَّاهُ المكافحة فِي أَحْكَام المصافحة وَله شعر حسن فِي الْوَعْظ وَغَيره فَمن جَوَابه لما وصل إِلَيْهِ بعض أصدقائه يسْتَأْذن فِي الدُّخُول عَلَيْهِ وَكَانَ ذَلِك لَيْلًا فَأذن لَهُ بعد أَن قَالَ فِي طلب الاسْتِئْذَان بَيْتَيْنِ هما (أَتَى يخبط الظلما وَاللَّيْل عاكف ... حبيب بأوقات الزِّيَارَة عَارِف)

(فَمَا راعني إِلَّا لذيذ خطابه ... أَيَدْخُلُ مَحْبُوب على الْبَاب وَاقِف) فَأَجَابَهُ الشَّيْخ بدر الدّين البرشكي بداهة بِمَا مِثَاله (فَقلت نعم إِنِّي للقياك شيق ... وَإِنِّي من الوجد المبرح تَالِف) (تفضلت تسْعَى نَحْو عبد ملكته ... وتطلب أذنا إِن هَذَا يُخَالف) ثمَّ ارتحل من بعده الْقُلُوب مَعَه رَحمَه الله تَعَالَى ونفع بِهِ آمين وَمِنْهُم القَاضِي الْعَلامَة الرّحال الْحَافِظ شمس الدّين مُحَمَّد بن أَحْمد بن عَليّ الحسني الْمَالِكِي الفاسي الْمُتَّصِل نسبه بسيدنا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ إِمَامًا فِي الحَدِيث محققا مشاركا بِجَمِيعِ الْعُلُوم مجمعا على جَلَاله وأضيف إِلَيْهِ الْقَضَاء الْأَكْبَر على الْمَالِكِيَّة فِي مَكَّة المشرفة وَهِي بَلَده ومسكنه وَكَانَ سنيا وَكَانَت عَادَته الْأَسْفَار إِلَى مصر وَالشَّام ثمَّ وَفد إِلَى الْيمن لضرورات لَزِمته فقابله مُلُوكهَا وكبراؤها بِمَا يُقَابل بِهِ مثله وطلبوا مِنْهُ صَالح دعواته وعلو أجازته والفوائد الَّتِي التقطها من صَرِيح الحَدِيث وَمَفْهُومه فأسعفهم إِلَى ذَلِك وَألف كتبا كَثِيرَة مِنْهَا تَارِيخ مَكَّة المشرفة سَمَّاهُ مُخْتَصر المرام فِي تَارِيخ الْبَيْت الْحَرَام وتاريخ أهل الْمَدِينَة الشَّرِيفَة وَمِنْهَا ثلاثيات البُخَارِيّ على غير المتوالي الَّذِي تصرف فِيمَا قَرَأَهَا على مشايخه وَله كَلَام على جمَاعَة من رجال الحَدِيث ثمَّ امتحن بذهاب بَصَره فِي آخر عمره فَكَانَ يملي الْفَوَائِد من حفظه وتكتب عَنهُ وَفد إِلَى مَدِينَة تعز ثمَّ إِلَى مَدِينَة إب سنة أَربع وَعشْرين وثمانمئة وَقد ذهب بَصَره فَأجَاز لجَماعَة من أَهلهَا وَسَأَلَهُ بعض حاضري مَجْلِسه مَا سَبَب وُصُوله إِلَيْهِم فَأَنْشد قَول الأول (تقر الرِّجَال الموسرون بأرضهم ... وَتَرْمِي النَّوَى بالمقترين المراميا) (وَمَا تركُوا أوطانهم عَن ملالة ... وَلَكِن حذارا من شمات الأعاديا)

فَعرف مُرَاده من معنى أبياته وَقد أثنى الْعلمَاء على هَذَا الشَّيْخ ومدحه جمَاعَة من الشُّعَرَاء وَالْعُلَمَاء مِنْهُم القَاضِي وجيه الدّين عبد الرَّحْمَن بن مُحَمَّد النحواني قَالَ فِيهِ ارتجالا (لما اجْتمعت بحاوي الْفضل سيدنَا ... مُحَمَّد بن أَحْمد الْمَشْهُور بالفاسي) (رَأَيْت بحرا وَفِيه الموج ملتطم ... من فيض علم بقلب أَصله راسي) (وَقلت فِي شَأْنه هَذَا يحِق بِأَن ... نمشي إِلَيْهِ وَلَو سعيا على الراس) ثمَّ ارتحل إِلَى مَكَّة المشرفة وَلم يزل يتَرَدَّد مِنْهَا إِلَى الْيمن مرَارًا حَتَّى وَفد مَعَ الشَّيْخ الْجَزرِي بِسنة ثَمَان وَعشْرين وثمانمئة فَأحْسن إِلَيْهِ سُلْطَان الْيمن ثمَّ رَجَعَ إِلَى مَكَّة المشرفة وَأقَام بهَا إِلَى أَن توفّي بِسنة اثْنَتَيْنِ وَثَلَاثِينَ وثمانمئة رَحمَه الله ونفع بِهِ وَمِنْهُم الشَّيْخ الْعَلامَة إِمَام الدّين عبد الله الشيفكي ثمَّ الشِّيرَازِيّ وَفد إِلَى عدن سنة إِحْدَى وَأَرْبَعين وثمانمئة فَكتب القَاضِي جمال الدّين مُحَمَّد بن سعيد بن كبن قَاضِي عدن إِلَى مُتَوَلِّي الْقَضَاء الْأَكْبَر وَهُوَ القَاضِي جمال الدّين الطّيب بن أَحْمد النَّاشِرِيّ بِأَن هَذَا الشَّيْخ وصل وَمَعَهُ نَحْو أَرْبَعِينَ طَالبا للْعلم هم درسته وَأَنه هُوَ ودرسته قاصدون الْحَج إِلَى مَكَّة المشرفة هُوَ وَأَصْحَابه فَكتب القَاضِي جمال الدّين الطّيب النَّاشِرِيّ إِلَى السُّلْطَان الظَّاهِر بِمَا كتب بِهِ القَاضِي جمال الدّين مُحَمَّد بن سعيد فَقَالَ السُّلْطَان هَل يجوز أَن يُسمى بعض الْعلمَاء بوقتنا إِمَام الدّين فَقَالَ القَاضِي جمال الدّين الطّيب النَّاشِرِيّ نعم يجوز إِذا كَانَ أَهلا لذَلِك وَقَالَ الْفَقِيه شمس الدّين عَليّ بن مُحَمَّد بن قحر لَا يجوز ذَلِك بوقتنا وَإِن حُكيَ أَن الإِمَام الرَّافِعِيّ سمي بذلك فَإِن الإِمَام الرَّافِعِيّ إِمَام مُطلق مُجْتَهد جَامع للمنقول والمعقول لَا سَبِيل لأحد من أهل الْوَقْت أَن يبلغ دَرَجَته والجوابان متفقان فِي الْمَعْنى ثمَّ رَحل هَذَا الشَّيْخ من الْيمن إِلَى مَكَّة المشرفة وَتُوفِّي بعد سنة خمسين وثمانمئة رَحمَه الله تَعَالَى ونفع بِهِ وَمِنْهُم الشَّيْخ الْعَلامَة المتقن شمس الدّين عَليّ بن يُوسُف الغزولي نسب إِلَى

غزل الْكَتَّان أخبر أَنه قَرَأَ على جمَاعَة من الْعلمَاء مِنْهُم الشَّيْخ الصَّالح صَلَاح الدّين البُلْقِينِيّ وَالشَّيْخ بدر الدّين مُحَمَّد بن جلال الْمصْرِيّ وَالشَّيْخ بدر الدّين مُحَمَّد بن السكساكي الفراهي بِجَمِيعِ فنون الْعلم فأجازوا لَهُ فدرس وَأفْتى وَطَاف الْبلدَانِ مصر وَالشَّام واليمن وَغَيرهَا وبرع بالعلوم وصنف كتبا كَثِيرَة مِنْهَا شرف العنوان جعله على منوال عنوان الشّرف الَّذِي للْقَاضِي إِسْمَاعِيل بن أبي بكر المقرىء فضمن الشَّيْخ الغزولي كِتَابه خَمْسَة عُلُوم مِنْهَا مَا يقْرَأ من أول السطر فأوله القصيدة الياسمينية فِي علم الْجَبْر والمقابلة وَالَّذِي يَلِيهِ فِي علم النَّحْو وَالَّذِي يَلِيهِ فِي علم الْعرُوض وصنف فِي الْأُصُول جُزْءا لطيفا على جمع الْجَوَامِع وَله مصنفات غير ذَلِك وَفد إِلَى مَدِينَة تعز فدرس بهَا ثمَّ رَجَعَ إِلَى ثغر عدن فَأَقَامَ بهَا يدرس ويفتي ثمَّ انْتقل إِلَى الْهِنْد فَأكْرمه سلطانها وجلله فنشر علمه بهَا مُدَّة يسيرَة ثمَّ توفّي بهَا سنة خمس وَسِتِّينَ وثمانمئة وَكَانَ لَهُ رَحمَه الله شعر حسن مِنْهُ فِي الْحَث على الِاجْتِهَاد فِي الْعلم (أخي هلا إِن كنت ذَا همة ... تجافي النّوم وتهوى الْكرَى) (وتبذل الْأَوْقَات فِي صَفْقَة ... تربح فِيهَا عزك الأكبرا) وَمِنْهُم الْفَقِيه برهَان الدّين إِبْرَاهِيم بن أَحْمد بن إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد بن كريم الدّين بن عبد الْكَرِيم الْعَسْقَلَانِي الْحَنَفِيّ الْوَاعِظ الْقُدسِي أخبر أَنه نَشأ بالقدس فَقَرَأَ على وَالِده بِشَيْء من الْعُلُوم ثمَّ ارتحل إِلَى مصر فَقَرَأَ على الإِمَام ابْن حجر فِي الحَدِيث وعَلى غَيره فأجازوا لَهُ ثمَّ انْتقل إِلَى مَكَّة المشرفة فَأَقَامَ بهَا وبجدة سبع سِنِين وَغلب عَلَيْهِ علم التصوف واشتهر بِحسن الْوَعْظ وَله مُصَنف فِي فضل الْأُخوة فِي الله تَعَالَى وَفِي آدابها وَفِي فضل الشَّيْخ عبد الْقَادِر الجيلاني وكراماته وَفد إِلَى مَدِينَة زبيد بِشَهْر شعْبَان سنة ثَمَان وَسِتِّينَ وثمانمئة فوعظ بجامعها ثمَّ انْتقل إِلَى مَدِينَة تعز فوعظ بِجَامِع ذِي عدينة وَحَضَرت وعظه فَوَجَدته حَافِظًا لافظا يَأْتِي بالأحاديث النَّبَوِيَّة والْآثَار عَن الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ والمفسرين والحكايات عَن الصَّالِحين عَن ظهر الْغَيْب مَا لَا يَسْتَطِيع لَهُ غَيره فَأَقَامَ بِمَدِينَة تعز أَيَّامًا ثمَّ رَحل إِلَى ذِي جبلة ثمَّ إِلَى عدن ثمَّ عَاد إِلَى مَدِينَة تعز فاتفق بَينه وَبَين فُقَهَاء مَدِينَة تعز وَحْشَة أدَّت إِلَى امْتِنَاعه من الْوَعْظ ورحيله عَنْهَا وَذَلِكَ بِشَهْر ربيع الأول سنة تسع وَسِتِّينَ وثمانمئة

وَمِنْهُم الإِمَام الشَّيْخ الْعَلامَة أَبُو إِسْحَاق إِبْرَاهِيم بن نظام بن مَنْصُور الشِّيرَازِيّ أخبر أَنه دخل مَدِينَة الْعرَاق وخراسان وسمرقند وبخارى ثمَّ رَحل إِلَى الشَّام ومصر والقدس ثمَّ وصل إِلَى مَدِينَة سيدنَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثمَّ إِلَى مَكَّة المشرفة وَحكى من عجائب الْبلدَانِ الَّتِي دَخلهَا مَا تضيق الأوراق عَن ذكره وَهَذَا الشَّيْخ عَالم فِي الْأُصُول وَالْفُرُوع وَالتَّفْسِير والْحَدِيث النَّبَوِيّ واعظ تتصدع الْقُلُوب لوعظه وتستطيب دُرَر لَفظه وَله الذِّهْن الصافي وَاللَّفْظ المعجز مَعَ تواضع وبذل الْعلم لطالبه أَفَادَ الْفَوَائِد الجليلة الَّتِي يرحل لمثلهَا الرحلة الطَّوِيلَة وَأَجَازَ لجَماعَة من أهل مَدِينَة تعز وَغَيرهم ودرس فِي الحَدِيث وَغَيره ثمَّ طلع إِلَى بلد الْجبَال وَوعظ فِيهَا فَكل بلد دَخلهَا أثنى عَلَيْهِ أَهلهَا بالثناء المرضي وَسُئِلَ عَن سَبَب دُخُوله الْيمن فَذكر أَنه لزمَه دين نَحْو ثلاثمئة أشرفي ذهب وَعجز عَن قَضَائِهِ وَهُوَ يطْلب قَضَاء دينه فَحصل لَهُ من سُلْطَان الْوَقْت أَمِير الْمُؤمنِينَ عَليّ بن طَاهِر وَمن أهل الْأَمَاكِن الَّتِي دَخلهَا مَا يقوم بقضائها ثمَّ سَافر إِلَى مَكَّة المشرفة بعد دُخُوله ثغر عدن وإقامته بهَا مُدَّة يسيرَة يعظ ويفسر سنة ثَلَاث وَسبعين وثمانمئة وَمن فَوَائده أَنه سُئِلَ عَن قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي اللَّذين يعذبان فِي قبريهما أما أَحدهمَا فَكَانَ يمشي فِي النميمة وَأما الآخر فَكَانَ لَا يستبري من الْبَوْل مَا وَجه الْمُنَاسبَة فِي هذَيْن الشَّيْئَيْنِ المعذب عَلَيْهِمَا فَقَالَ الْبَوْل يتَعَدَّى مَحَله برطوبته فينجس غَيره كَمَا أَن النميمة تتعدى من شخص إِلَى شخص قَالَ فِي الْأُم انْتهى الْمَوْجُود من التَّارِيخ الْمَذْكُور وَلَعَلَّه منخرم

§1/1